ميقات الحج المجلد 9

اشارة

عنوان و نام پديدآور : ميقات الحج[پيايند: مجله]

مشخصات نشر : تهران: منظمة الحج و الزيارة، 1417 ق. - = 1375 -

فاصله انتشار : شش ماه يكبار

يادداشت : عربي

فهرست نويسي براساس سال3 شماره5 سال1417ق.

يادداشت : اين نشريه در بيروت نيز منتشر مي شود

يادداشت : المدير المسؤول: محمد محمدي ري شهري

رئيس التحرير: علي قاضي عسكر

يادداشت : كتابنامه

ترجمه عنوان : Mighat al - haj

موضوع : حج -- نشريات ادواري

شناسه افزوده : محمدي ري شهري، محمد، 1325 - ، مدير مسئول

Muhammadi Reyshahri, Muhammad

قاضي عسكر، سيدعلي، 1325 - ، سردبير

شناسه افزوده : سازمان حج و زيارت

رده بندي كنگره : BP188/8

رده بندي د... : 297/35705

ص: 1

كلمة التحرير

ص: 2

ص: 3

ص: 4

ص: 5

العدد التاسع

كلمة التحرير

قضت «ميقاتُ الحجّ» أربعَ سنوات من عمرها، وهي تشقّ طريقَها بتواضع، وترسّخ أقدامَها بثبات، وتمدّ جذوَرها بعيداً في عالم الثقافة والمعرفة والفكر ... كلّ هدفها رضا اللَّه تعالى، وخدمة الحرمين الشريفين، والبقاع الأخرى المقدسة في مكّة والمدينة، مهدي الرسالة السماوية الخالدة؛ ولتفتح باباً يردُ منه كلُّ المهتمين بشؤون الحج- الفريضة الإلهية المباركة، ورمز وحدة المسلمين وعنوان قوتهم- وكلُّ الذين لديهم ما يريدون قولَه أو كتابتَه عن الحجاز تأريخاً وحضارةً وتقاليدَ ومواقعَ وآثاراً وشخصيات ... منذ نبيِّ اللَّه إبراهيم عليه السلام وهو يترك أهله بوادٍ غير ذي زرع وهو يودّع وجودَه عند بيتك المحرّم وهو يرفع القواعدَ من البيت وهو يؤذّن في الناس بالحج ... ... إلى عصر الإسلام الأول، حيث محمد بن عبداللَّه يضمّه غار حراء، وحيث انبثاق أعظم رسالة

ص: 6

عرفتها البشرية، وأوحتها السماء، رحمةً للعالمين، من بين صخور جبل النور، وحيث الصرخة الكبرى إنّ اللَّهَ بري ءٌ من المشركين ورسولُه .. ومروراً بعصور الإسلام المتعاقبة، ثم عصرنا المملوء بالأحداث والتساؤلات على كل المستويات الفكرية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية .. وأيضاً العقائدية والفقهية، التي باتت هي الأخرى تشكّل علاجاً، ومأوى يلجأ إليه كلُّ المتحيرين؛ لمعرفة رأي السماء فيما يدور حولهم، ويستحدث من مشاكل ومعضلات، خاصة فيما يتعلّق بأداء هذه الفريضة المقدّسة ...

إنّ «ميقات الحج»- التي ولدت وشبّت وترعرعت في قم المقدسة، حيث الحوزة العلمية الشامخة، وحيث الجامعات والمؤسسات العلمية والثقافية المنبثّة هنا وهناك في الجمهورية الإسلامية- تأمل من ساداتها العلماء والمفكّرين والكتّاب والأدباء في هذه البلاد وفي البلدان الأخرى أن يرفدوها بما يقوّم وجودَها من عطائهم الثر، وأن يوردوها من منهلهم العذب، وأن ينعموا عليها من فكرهم الثاقب، وأن يسدّدوها بنقدهم البناء، وهي المفتقرة دائماً إلى عطائهم وإلى تسديدهم، والمنتظرة إرشادهم؛ لهذا ولغيره تتمنى أن لا تحرم من موائدهم المليئة بكلّ ألوان المعرفة فقهاً وفلسفةً وتأريخاً .. لتلتقط كلَّ ما حوته تلك الموائد- فهي لا تحوي إلّا الجميل- ولتضعه بدورها بين يدي قرائها ومحبيها داخل إيران وخارجها، ولا سيما بعد أن راحت تجد نفسَها إلى جوار مجلات أخرى من شتى البلدان، وفي أماكن متعددة من العالم، ونالت نصيبَها من أوقات الكثيرين من المحقّقين والباحثين، ومن آرائهم وثنائهم، والأستاذ حمد الجاسر من الرياض في المملكة العربية السعودية، كان واحداً منهم. فقد تلقّت مجلتُنا منه رسالتين مفصّلتين بعث بهما إلى رئيس تحريرها حجة الإسلام والمسلمين السيد علي قاضي عسكر، ومما جاء

ص: 7

فيهما:

«... ثم بما أكرمني من مجلة هي والحقّ يقال من خير المجلات المعنية بشؤون الحج ...».

«... وأكرمتَ إكرامك لي بما أتحفتني به من تحف لطيفة، كان من أجلّها وأعمقها أثراً في نفسي أربعة الأجزاء الاولى من مجلة «ميقات الحج» هذه المجلة الرصينة، التي تحوي أبحاثاً ممتعةً في موضوعها، وكنتُ أتمنى أن تمكنني صحتي وقوة بصري من الاستفادة من تلك الأبحاث القيمة جميعها ...».

ولا تنسى الهيئة العلمية لتحرير هذه المجلة أن تقدم عظيم شكرها وخالص امتنانها لكلّ الأخوة والأصدقاء، الذين ساهموا مساهمة جليلة في إثرائها كتابةً وقراءةً ونقداً ..

ممّا شجعنا على الاستمرار في اصدارها طيلة هذه السنوات، آملين أن تكون عند حسن ظنّ الجميع، فإن وفقنا لذلك فالخير أصبنا، وإلّا فكلّ حسبنا أننا بذلنا جهدنا وحاولنا، سائلين اللَّه أن يتقبل منا ومنكم إنه سميع الدعاء.

الحج في احاديث الامام الخميني قدس سره

ص: 8

الحج في أحاديث الإمام الخميني قدس سره

على الحجّاج والزوّار الأعزاء أن يتوجهوا من الكعبة، وهي أفضل وأقدس بقاع الحبّ والجهاد، نحو كعبة أسمى؛ كما هو سيد الشهداء الإمام «أبي عبداللَّه الحسين عليه السلام» حيث توجّه من إحرام الحجّ إلى إحرام الجهاد، ومن طواف الكعبة إلى طواف صاحب البيت، ومن الوضوء بزمزم إلى غسل الشهادة، وبهذا تُبدَّل الأمّة إلى أمّة ذات بنيان مرصوص لا تعرف الهزيمة. ولن تجرأ لا القوى الشرقية ولا الغربية على مواجهتها.

ولا شك في أنّ روح الحج ونداءه، لا يمكن أن يكون غير هذا، حيث أن المسلمين يستلهمون من الحج الدستور العلمي للجهاد ضد النفس والهوى، والنهج لمقارعة الكفر والشرك.

على أية حال، إنّ إعلان البراءة في الحج تجديد لميثاق النضال، وهو تمرين لإعداد صفوف المجاهدين، ومواصلة الصراع ضد الكفر والشرك وعبدة الأوثان.

كما وأنّه لا ينحصر برفع الشعارات، بل إنه منطلق علني لإعلان النضال،

ص: 9

وتنظيم صفوف جنود اللَّه في مواجهة جنود إبليس والمتأسّين بإبليس. لهذا فالحجّ من مبادئ التوحيد الأُولى.

إذا لم يعلن المسلمون براءتهم من أعداء اللَّه، في بيت اللَّه، فأين إذن يعلنون عن ذلك؟

وإذا لم يكن الحرمُ والكعبةُ والمسجدُ والمحرابُ، معقلًا وسنداً لجنود اللَّه، وللمدافعين عن الحرم وحرمة الأنبياء، فأين إذن يكمن مأمنهم وملجأُهم؟

وبكلمة واحدة، إنّ إعلان البراءة يمثّل المرحلة الاولى للنضال، وأنّ مواصلة المراحل الأُخرى هي من واجبنا، وأنّ أداءَها في كلّ عصر وزمان، يختلف باختلاف الأساليب والبرامج الخاصة بذلك العصر والزمان، ولابد من أن نرى ما الذي نتمكن من عمله في عصرٍ كعصرنا، الذي عرّض فيه زعماء الكفر والشرك كلَّ وجود التوحيد للخطر، وجعلوا من المظاهر القومية، والثقافية، والدينية والسياسية للشعوب ألعوبة لتلبية أهوائهم وشهواتهم الخاصة؟!

هل ينبغي ملازمة البيوت، والاكتفاء بالتحليلات، وبالتالي، إلقاء روح العجز والخنوع في قلوب المسلمين، والحيلولة دون وصول المجتمع إلى الإخلاص، الذي هو غاية الكمال ونهاية الآمال؟!

الحجّ في احاديث الامام الخامنئي

ص: 10

الحجّ في أحاديث الإمام الخامنئي

- مد ظله العالي-

الحمد للَّه ربّ العالمين والصلاة والسلام على البشير النذير والسراج المنير سيدنا أبي القاسم المصطفى محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين وعلى الخيرة من أصحابه المنتجبين.

حلّ موسمُ الحجّ وهو يحمل بشائر أكبر لقاء سنوي للمسلمين، وجدير بقلوب آلاف المشتاقين- الذين نالوا فيض اللقاء في هذا الموسم- أن تخفق وتنتفض لإعداد نفسها، وجدير بالملايين من المسلمين الراجين- الذين لم يُدرجوا هذا العام في قائمة النائلين لهذا الفضل- أن يملأوا قلوبهم وأذهانهم بشذى وعبير استذكار كل لحظات أيام السعداء ويدعوا لهم ولأنفسهم، ليعيش كلّ المسلمين العارفين خلال أيام الحج- مع الحج وشعائره وآيات جلاله وجماله.

فريضةُ الحجّ كلّ عام تشكل حادثة كبرى من حقها أن تستقطب- في تلك الأيام المعلومات- الأفكار والاهتمامات والعقول والمشاعر في جميع أرجاء العالم الإسلامي، وأن يعيش المسلمون معها، ويفكروا فيها كلٌ بحسب موقعه الروحي

ص: 11

والفكري والسياسي، ومن الطبيعي أن الذين نالوا فيض الحج يحتلون مركز هذا التكليف والتوقع. وإذا كانت أبدانهم وأرواحهم وأفكارهم ومساعيهم ممزوجة بالحج وبركاته وآثاره، فالأجدر أن يحصلوا على أكثر ما يمكن من العطاء المعنوي والروحي والفردي والاجتماعي لهذه الفريضة، وسيحصلون بإذن اللَّه على ذلك.

بركاتُ الحجّ وإن كانت تستوعب كلّ جوانب الحياة البشرية، ويعمّ مطر رحمتها جميع المجالات ابتداءً من خلوة القلب والفكر، ومروراً بساحات السياسة والاجتماع وعزّة المسلمين وتعاون الشعوب المسلمة، فتثرها وتحييها وتبث فيها نشاط الحياة .. ولكن قد يمكن القول: إنّ مفتاح كلّ هذا هو «المعرفة»، وأولى هدايا الحج- لمن أراد أن يبصر الحقيقة ويستثمر ما ألهمه اللَّه من قدرة على فهم «الظواهر»- هي المعرفة المتكاملة، التي ينفرد بها الحج، ولا يحصل عليها المسلمون عادة إلّامن هذه الفريضة، ولا تستطيع أية ظاهرة دينية أخرى أن تقدم للأمة الإسلامية تلك المنظومة الكاملة من المعارف كما يقدمها الحج، ومن هذه المنظومة المتكاملة من المعارف:

معرفة الذات على الصعيد الفردي، ومعرفة الذات على صعيد الانتماء للأمة الإسلامية العظمى، ومعرفة النموذج الموجود في الحج من تلك الأمة الواحدة، ومعرفة عظمة اللَّه ورحمته، ومعرفة العدو ..

مناسك الحج، للمحقّق الكركي

ص: 12

مناسك الحج، للمحقّق الكركي

ت «940» ه. ق.

تحقيق: فارس حسّون كريم، ابو الحسن المطلّبي

ترجمة المؤلّف (1) اسمه:

هو الشيخ الجليل نور الدين أبوالحسن علي بن الحسين بن عبد العالي.

ألقابه:

العاملي، الفقيه، الكركي، العلائي، المحقّق الثاني.

مولده:

ولد الشيخ في مدينة كرك نوح (2) سنة «868» ه.

قبس من سيرته:

قصد الشيخ بلاد العراق فوصل النجف الأشرف حوالى سنة «909» ه، وهناك نهل علومه حتى بزغ نجمه واشتهر في الآفاق.

وحينما ظهرت الدولة الصفويّة في إيران- بعد فترة مريرة لاقى فيها الشيعة شتّى أنواع الاضطهاد- احتاجت في أوّل أمرها إلى فقهاء يعلِّمون الناس أُمور دينهم، ويشغلون المراكز التي من خلالها تدار شؤون الناس.

وكان الشيخ رحمه الله على رأس المهاجرين إلى إيران إضافة إلى عدّة من علماء جبل عامل- حيث كانت تعجّ


1- 1 تجد ترجمته في نقد الرجال: 238 رقم 150، أمل الآمل: 1/ 121 رقم 129، رياض العلماء: 3/ 441- 460، لؤلؤة البحرين: 151- 154 رقم 62، روضات الجنّات: 4/ 360 رقم 414، مستدرك الوسائل: 3/ 431 «الطبعة الحجرية»، الفوائد الرضويّة: 303- 306، طبقات أعلام الشيعة- القرن العاشر-: 160، أعيان الشيعة: 8/ 208- 213، تاريخ كرك نوح: 88- 92، وغيرها.
2- 2 كِركُ نوح: أي مدينة نوح، أو حصن نوح؛ وقيل: كِرْك لفظة سريانيّة «كِرْكو» بمعنى حصن أو معقل، وورد أيضاًبالعبريّة «كِرْكونَوَه» مدينة السلام، وضبطها العرب بفتح الكاف وسكون الراء، بمعنى الجبل تمييزاً لها عن كَرَك الأردن بفتح الراء. وروى سبط ابن الجوزي المتوفّى «654» ه قال: ببلد بعلبك في البقاع قرية يقال لها: الكرك فيها قبر يقال إنّه قبر نوح. «تاريخ كرك نوح: 9- 10».

ص: 13

بالعلماء آنذاك- فولّاه الشاه إسماعيل منصب شيخ الإسلام في اصفهان، ولمّا تولّى الشاه طهماسب سنة «930» ه منح الشيخ لقب نائب الإمام عليه السلام.

فكان الشيخ يكتب إلى جميع البلدان كتباً بدستور العمل في الخارج، وما ينبغي تدبيره في شؤون الرعيّة. فهو رحمه الله يعدّ مؤسّس النهضة الشيعيّة في إيران، ومجدِّد المذهب، وواضع الأُسس الشرعيّة الدستوريّة لدولة الصفويّين.

والشيخ رحمه الله مع ما كان له من الجاه والنفوذ في إيران تركها راجعاً إلى العراق لأسباب قاهرة.

شيوخه:

حضر الشيخ دروس كثير من علماء عصره، منهم: الشيخ محمد بن خاتون العاملي، زين الدين علي بن هلال الجزائري، الشيخ أحمد بن الحاج علي العاملي العينائي، زين الدين جعفر بن حسام العاملي.

تلامذته:

لقد ربّى الشيخ أكثر من أربعمائة مجتهد، منهم: الشيخ علي بن عبد العالي الميسي، الشيخ زين الدين الفقعاني، الشيخ أحمد بن محمد بن أبي جامع، الشيخ أحمد ابن محمد بن خاتون العاملي.

مؤلّفاته:

ترك رحمه الله العديد من المؤلّفات القيّمة، منها: جامع المقاصد، الرسالة الجعفريّة، الرسالة الخراجيّة، الرسالة الرضاعيّة، رسالة الجمعة، حواشي مختلف الشيعة، مناسك الحجّ- الرسالة التي بين يديك-، وغيرها.

وفاته:

اختلف في تحديد سنة وفاته رحمه الله؛ فقد قيل: سنة «937» ه؛ وقيل: سنة «938» ه؛ وقيل: سنة «940» ه- وهو الموافق لما ذكر من تاريخ وفاته بحساب الجمل، وهو جملة «مقتداى شيعه»-؛ وقيل: توفّي سنة «945» ه.

وقد قيل: انّه مات شهيداً مسموماً، وقد قاله الشيخ حسين بن عبد الصمد الحارثي «والد الشيخ البهائي».

التعريف بالكتاب:

الكتاب الذي بين يديك- عزيزي القارئ- مختصر في مناسك الحجّ، فتوائي، مع زيارة النبيّ صلى الله عليه و آله، وأعمال

ص: 14

المدينة المنوّرة.

قال الشيخ آقا بزرك الطهراني (1):

شرحه تلميذ المصنّف الشيخ شرف الدين اليزدي، وسمّى الشرح ب «هديّة الناج».

النسخ المعتمدة ومنهجيّة التحقيق:

1- النسخة الخطّيّة المحفوظة في خزانة مخطوطات مكتبة آية اللَّه العظمى المرعشي النجفي قدس سره في قم المقدّسة، ذكرت في فهرس المكتبة: 13/ 132 مجموعة رقم 4933، وكتابنا هو الكتاب الثاني عشر في هذه المجموعة ص 133- 143، كتبت النسخة بخطّ النسخ، ذات عناوين بارزة، عدد سطور صفحاتها مختلف بقياس 5/ 18* 13 سم، ناسخها حسين بن عبد الرحيم الرستمداري سنة «964» ه بالمشهد الرضوي.

ورمزنا لها بحرف «ك».

2- النسخة الخطّيّة المحفوظة في نفس المكتبة المذكورة، ذكرت في فهرس المكتبة: 9/ 87 مجموعة رقم 3307، وكتابنا هو الكتاب الثاني في هذه المجموعة ص 9- 27، كتبت النسخة بقياس 15* 12 سم وبخطّ النسخ، ذات عناوين بارزة، احتوت كلّ صفحة 11 سطراً، على النسخة تعليقات الشيخ علي بن محمد بن حسن ابن زين الدين الجبعي العاملي- صاحب كتاب الدرّ المنثور من المأثور وغير المأثور المولود سنة «1014» ه، والمتوفّى سنة «1103» ه، ناسخها محمد ابن حسن بن أحمد بن فرج في رمضان المبارك سنة «946» ه.

ورمزنا لها بحرف «ش».

والغريب أنّ هذه النسخة ذكرت في فهرس المكتبة المذكورة تحت عنوان «مناسك الحجّ الصغير» تأليف الشهيد الثاني زين الدين بن علي العاملي، كما فعل ذلك من قبل الشيخ آقا بزرك الطهراني حيث ذكر مثل هذا في الذريعة: 22/ 263 رقم 6985 مضيفاً: والنسخة في مجموعة رسائله عند الميرزا محمّد الطهراني، وفي كتب الحاجّ ميرزا علي الشهرستاني.

وممّا قوّى أن تكون المناسك هذه من تأليفات المحقّق الكركي هو أنّ الشيخ علي بن محمد الجبعي العاملي


1- 1 الذريعة: 22/ 269 رقم 7029.

ص: 15

كتب في إحدى تعليقاته على النسخة (1) وتعقيباً لعبارة المصنّف: «ومن ليس على رأسه شعر يجزئه إمرار الموس على رأسه» قائلًا: استحباباً، وينبغي أن لا يجزيه عن التقصير، قاله المصنّف في حاشية الإرشاد. انتهى.

وبما أنّ الشهيد الثاني قد تناول «إرشاد الأذهان» بالشرح ثلاث مرّات، وكالتالي:

1- «روض الجنان في شرح إرشاد الأذهان» فرغ فيه من تأليف كتابي الطهارة والصلاة.

2- حاشية على عقود الإرشاد (2) ويبدو أنّها فقدت مع آثار أُخر للشهيد.

3- حاشية الإرشاد وقد طبعت أخيراً مع غاية المراد للشهيد الأوّل بتحقيق الشيخ الفاضل رضا المختاري.

ومن خلال الرجوع إلى هذه الحاشية الكاملة نجد أنّ عبارة الشهيد في الحاشية هكذا: ويجب عليه مع ذلك التقصير مع إمكانه، لأنّه بدلٌ اختياريٌّ والامرار بدلٌ اضطراريّ فلا يجزئ عنه (3). وهو ما يختلف مع ما ذكره الشيخ عليّ العامليّ.

ولم تتيسّر لدينا حاشية الإرشاد المسمّاة «تعليق الإرشاد» للمحقّق الثاني كي نطابق العبارة المشار إليها، واللَّه أعلم بحقيقة الحال.

3- النسخة الخطّيّة المحفوظة في المكتبة الرضويّة في مشهد المقدّسة تحت الرقم 2641، كتبت بخطّ النسخ في 13 صفحة بقياس 21* 15 سم، على النسخة شروح وتعليقات، والنسخة غير كاملة أشرنا لموضع انتهائها في متن الكتاب.

ورمزنا لها بحرف «ر».

وكنا في بداية عملنا أن قابلنا النسخ مع بعضها، ولفقنا نصّاً متقناً- قدر الإمكان- وأشرنا إلى مواضع الاختلاف بين النسخ، وما أثبتناه من إحداها جعلناه بين [] وأشرنا إلى نسخته.

والحمد للَّه ربّ العالمين


1- 1 لاحظه في ص 36 هامش 3.
2- 2 الدرّ المنثور: 2/ 186.
3- 3 حاشية الإرشاد- المطبوع مع غاية المراد- ج 1 ص 451.

ص: 16

صفحة فارغة للمخطوطة

ص: 17

صفحة فارغة للمخطوطة 2

ص: 18

بسم اللَّه الرحمن الرحيم

[وبه نستعين] (1)

الحمدُ للَّه على سَوابِغِ نعمهِ الغِزارِ، والصلاة [والسلام] (2) على نبيِّه محمّد وآله الأطهار.

وبعد:

فهذه جملة [كافِلَة] (3) تشتمل على ما لا بدَّ منه (4) في بيان مناسِك حجّ بيت اللَّه الحرام، وزيارَة رسولهِ وآله عليه وعليهم السلام، وضعتُها على سبيل الاختصار، بالتماس خلاصة بعض الاخوان الأخيار، نفعه اللَّه وإيّانا بها،


1- 1 من «ش».
2- 2 من «ش، ك».
3- 3 من «ر».
4- 4 في «ش، ر»: من.

ص: 19

وأجزَل لنا جميعاً ثوابها، إنّه وليُّ ذلك، وهو حَسبُنا ونِعمَ الوكيل.

وهي موضوعةٌ على مقدّمة وفصلين (1):

أمّا المقدّمة

فالحَجّ لُغة: القصد المُتكرِّر.

وشرعاً: القصد إلى مكّة ومشاعِرها لأدَاء المناسك المخصوصة (2).

وهو أولى من جعله اسماً لجميع المناسك المؤدَّاةِ في الميقات ومكّة ومشاعِرها [لا] (3)لأنّ التخصيص خيرٌ من النقل، لأنّ ذلك حيث لم يثبت النقل، بل لأنّ النقل بمناسَبته (4) أولى، وعلى الأوّل فتبيّن معنى الحَجّ شرعاً ولغة مناسبة العموم والخصوص، بخلاف الثاني.

ثمّ إنّ جَعله للمناسك يقتضي كون التعريف لفظيّاً لا صناعيّاً.

ووجوبه في العُمر مرّة بالنصّ والاجماع، وهو على الفور، حتى إنّ تأخيره كبيرة مُوبقة (5)، وثوابه عظيم، فإنّه جمع بين كثير من العبادات مع ما فيه من المشاقّ العظيمة والأخطار الجسيمة.

وأخبار فضله وما يترتّب عليه من المغفرة، ومضاعفة الحسنات، ومحو السيئات، ورفع الدرجات، بطريق أهل البيت- عليهم أطائب الصلوات- كثيرة لا تكاد تُحصى.

وشرطُ وجوبه: البلوغ، والعقل، والاستطاعة التي هي الزّاد (6) والرَّاحِلة في المفتقِر إلى قطع المسافة، والتمكّن من الرُّكوب والمسير، ووجود الَمحْرَم في المرأة مع الحاجة لا مطلقاً، ونفقته وما يتبعها حينئذٍ، ونفقة واجب النفقة ذهاباً وعَوداً.

ويشترط في صحّته الإسلام، فلا يقع على الكافر ولا عَنْهُ (7)، ولمباشرة أفعاله التمييز، فلا يقع من غير المُميِّز استقلالًا، بل بفعل الوَليّ.

وأنواعه ثلاثة: تَمتُّعٌ، وقِرانٌ، وإفْرادٌ (8).

فالتمتّع فرض من نأى عن مكّة بثمانية وأربعين ميلًا من كلّ جانب (9)، وأفعاله الواجبة مرتّبة خمسة وعشرون:

النيّة (10)، والإحرام بالعُمْرة، والتَّلبية، ولبس ثوبي الإحرام، والطَّواف،


1- 1 في «ر»: وفصول.
2- 2 أي في أماكن العبادة المخصوصة؛ كالطّواف في الحَرَم، والسَّعي بين الصّفا والمروة، والوقوف بعَرَفات، و....
3- 3 من «ش، ر».
4- 4 في «ش، ك»: لمناسبة.
5- 5 من «ش، ك». والموبقة: هي المهلكة، وهي كناية عن شدّة عذابها في الآخرة أو المؤاخذة عليها في الدنيا، فيصير مؤخّر الحجّ بمنزلة الهالك. «مسالك الأفهام: 2/ 122». والأدلّة عليه من الكتاب والسنّة كثيرة؛ انظر: سورة آل عمران: 97، والوسائل: 8/ 3 أبواب الحجّ وشرائطه.
6- 6 المراد بالزَّاد: قدْرُ الكفاية من القوت والمشروب، ذهاباً وعوداً.
7- 7 والكافرُ يجب عليه الحجّ ولا يصحّ منه. «شرائع الإسلام: 1/ 228».
8- 8 ووجه التسمية: أمّا في الإفراد؛ فلانفصاله عن العُمرَة، وعدم ارتباطه بها. وأمّا القِران؛ فلاقتران الإحرام بسياق الهَدْي. «مدارك الأفهام: 7/ 155».
9- 9 يؤيّده صحيحة زرارة عن الباقر عليه السلام. انظر: التهذيب: 5/ 33 ح 98، الاستبصار: 2/ 157 ح 516، الوسائل: 8/ 187 ب 1 ح 3.
10- 10 في خ ل «ش»: وهو النيّة.

ص: 20

ورَكعتاه، والسعي، والتقصير، والنيّة، والإحرام بالحَجّ، والتلبية، ولُبْس الثوبين، والوقوف بعرَفَة، والمبيت بالمَشْعَر، والكون به، ورمي جَمْرَة العَقَبة (1)، والذّبح، والحَلق أو التقصير، وطواف الحَجّ، وركعتاه، والسعي وطواف النساء (2)، وركعتاه، والمبيت بمِنىً ليالي التشرِيق، ورَمْي الجَمرات الثلاث.

والأركانُ ثلاثة عشر: النيّة، والإحرام بالعُمرة، والتلبية، وطوافها (3)، وسعيها، والنيّة، والإحرام بالحَجّ، والتلبية، والوقُوف بعَرَفة، والكَون بالمَشْعَر، وطواف الحَجّ، وسَعْيه، والترتيب.

والمراد بالرُّكن هنا: ما يبطل الحجّ بالإخْلال به عَمْداً لا سهواً، فيتحقّق البطلان بفوات شي ء ممّا عدّ ركناً (4) عمداً خاصّةً، ولو كان الفائت الموقفين بَطَل مطلقاً، ولا تبطل باقي (5) الأفعال وإن كان عَمداً.

وأفعال القِرَانِ والإفْراد هذه، إلّاأنّ العُمْرة فيهما (6) متأخّرة، ويزادُ فيها طواف النساء ورَكعتاه بعد الحَلْق أو التقصير، وكذا في كلّ عُمرة مُفْرَدَة.

الفصل الأوّل: في [أفعال] عُمْرة الّتمَتّع (7) وفيه مباحث:

الأوّل: الإحرام.

ومعناه كفُّ النفس عن امورٍ مخصوصة إلى أن يأتي بالمحلّل من الأفعال. ففي عُمْرة التمتّع إلى التقصير، وفي غيرها آخره طواف (8) النساء مع النيّة، وصِفَتها في العُمْرة المُتَمتّع بها (9) إلى حَجّ الإسلام حَجّ التمتّع، والبّي التلبيات الأربع لعقَدِ هذا الإحرام، لوجُوبِ الجميع قربةً إلى اللَّه، مقارناً بها أوّل التلبية.

ولمّا كان القصد إلى الامور المذكورة الذي هو النيّة موقوفاً على فهمِها احتيجَ إلى كشف ما لا بدَّ [منه] (10) من بيان المُراد منه فيها.

فالعمرة لُغَةً: الزيارة، وشرعاً:

زيارة البيت لأداء المناسِك المخصوصة عنده (11).

والمتمتّع بها اسم مفعول من الَّتمتُّع وهو التلذّذ والانتفاع، وإنّما اختُصّت بهذا الاسم لما يتخلّل بينها وبين الحَجّ من الاحلال، ممّا وقع الإحرام منه


1- 1 وهي تلي مكّة، ولا تُرمى يوم النَّحر إلّاهي.
2- 2 لِيَحِلَّ له به، الباقي ممّا حَرُم عليه؛ وهو إتيانُ النساء.
3- 3 أي طواف العمرة. حاشية «ش».
4- 4 كذا في «ش، ر»، وفي «ك»: لفوات شي ء عدّ ركناً.
5- 5 في خ ل «ش»: بباقي.
6- 6 في «ك، ر»: فيها.
7- 7 من «ش، ر».
8- 8 في «ك»: إلى طواف.
9- 9 أي المنتفع بها إلى الحجّ كما وصفها اللَّه تعالى بقوله: «فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إلى الْحَجِّ» [سورة البقرة: 196]. «مسالك الأفهام: 2/ 191».
10- 10 من «ش، ر».
11- 11 أو زيارة البيت محرماً للطواف والسعي. حاشية «ر».

ص: 21

مستمرّاً إلى إحرام الحَجّ مع كونِها معدودة من أفعال الحَجّ. أو لِما يحصل بها من الانتفاع بالثواب مضافاً إلى الحَجّ أو مستمرّاً إليه وبنسبتها (1) إلى حَجّ الإسلام تتميّز عن العُمرة المُتَمتَّع بها إلى حَجّ النذر وشبهه.

والمُراد بالقُربة: وقوع الفعل على وجه الاخلاص، بحيث يثمر (2) القُرب إلى رِضاه- سبحانه-، ويحظى لديه مجازاً عن القُرب المَكانيّ.

وإطلاق القربات على الطاعات والعِبادات في كلامه- سبحانه-، وكلامهم عليهم السلام يؤْذِن بإيثار هذه الكلمة على غيرها، ويُشعِر (3) بمزيّةٍ لها.

وتَجِبُ التلبيات الأربع مقارنةً للنيّة بالعربية على الوجه المنقول، وصورتها:

لبّيك اللّهمَّ لبّيك، لَبّيْك، إنّ الحَمْدَ والنّعمةَ والمُلك لك، لا شريك لك لبّيْكَ.

ومعنى لبّيك: إجابةً بعد إجابةٍ لك يا رَبّ، أو إخلاصاً بعد إخلاصٍ، أو إقامةً على طاعتك بعد إقامةٍ؛ لأنَّه إمّا من لبّى إذا أجاب الدُّعاء، أو مِنَ اللبّ وهو الخالص من كلِّ شي ءٍ، أو من لبّ بالمكان إذا أقام به.

وأصل اللّهمّ: يا اللَّه.

ويجوز في أنّ الكسر على الاستئناف، وتفتح فتقدّر اللام مَحذوفةً، على أنّ جملتها تعليل لِما قَبلها، فيقتضي الفتح تخصّص (4) التلبية (5) بخلاف الكسر، فإنّ عدم التقييد بعلّةٍ يقتضي العموم. وهذا هو المراد من قول أبي العبّاس المبرّد: من فَتَحَ فَقَدْ خَصّ، ومن كَسَرَ فَقَدْ عَمّ.

ويستحبُّ الإكثار من التلبيات الواجبة ومن المستحبّات أيضاً، وخصوصاً: لبّيك ذا المعارج لبّيك، والباقي لبَّيك لبّيك داعياً إلى دار السلام، لبّيك لبّيك غفّار الذُّنوب، لبَّيك لبّيك أهل التلبية، لبّيك لبّيك ذا الجلالِ والإكرام، لبّيك لبّيك تبدئ والمَعادُ إليك، لبّيك لبّيك تَسْتَغْني ويُفْتَقَرُ (6) إليك، لبّيك لبّيك مرهوباً ومرغوباً إليك، لبّيك لبّيك إلهَ الحقّ، لبّيك لبّيك ذا النَّعماء والفضلِ الحَسنِ الجَميل، لبّيك لبّيك كشّاف الكُرَب (7) العِظام، لبّيك لبّيك عبدُك وابن عَبدَيْكَ، لبّيك لبّيك أتقرّب إليك بمُحَمّدٍ وآل مُحمّدٍ، لبّيك لبّيك يا كريمُ، لبّيك لبّيك بالعُمْرَة المتمتّع بها إلى


1- 1 كذا في «ش، ر»، والكلمة غير مقروءة في «ك».
2- 2 في «ك»: يتميّز.
3- 3 في «ش، ر»: ويسجل.
4- 4 في «ر»: تخصيص، وفي «ش»: فيقضي الفتح «تخصيص».
5- 5 أي لبّيك بسبب أنّ الحمد لك.
6- 6 في «ك»: تغني ونفتقر.
7- 7 كذا في «ك، ر» و خ ل «ش»، وفي «ش»: الكروب.

ص: 22

الحَجّ لبّيك.

والإخلال بمقارنة النيّة للتلبية مبطِل كتكبير الصلاة، وكذا إبدال بعض كلماتها التي لابدّ منها بمرادِفها كما لو قال: إجابةً بعد إجابةٍ لك بدل لبّيك، ونحوه.

ويجب استدامة النيّة حكماً إلى آخره، فلو أخلّ [بها] (1) أثِمَ ولم يبطل إحرامه.

ويجب لُبْس الثوبين (2)، ويشترط كونهما من جِنس ما يصلّي فيه [الرجل] (3) خاليين من نجاسة، غير مخيّطين، فيأتزر بأحَدِهما ويتوشَّح بالآخر، يغطّي به أحد المنكبين، أو يرتدي به فيغطّيهما [معاً] (4) ولا يعقده.

ولا يجوزُ النقص اختياراً، وتجوز الزيادة والابدال، لكن يستحبّ الطَّواف في الأوّلين، ويجوز للنساء الإحرام في الَمخِيطِ والحَرير اختياراً، وهل يوصف لُبْس الثوبين بكونه شرطاً للإحرام، أو جزءاً له، أو واجباً لا غير، أوْجه، والاشتراط أحوط.

أمّا النيّة فالتردّد فيها بين الشرط والجزء كسائر نيّات العبادات، والأصحّ أنّ التلبية جزء وركن، وهي للإحرام كالتحريمة للصلاة، ونسيان التلبية غير مخلّ بصحّة الإحرام بخلاف نسيان النيّة.

وفي كون الإحرام تركاً: يجي ء به نحو الأفعال أو بالعكس تردّد، وللأوّل رجحان، أمّا عدّه فعلًا محضاً بناء على تفسيره بتوطين النفس على الكفّ عن الامور المخصوصة فلا يخلو من شي ء؛ لأنّ المعروف في كلامهم أنّ الإحرام عبارة عن اجتناب الامور المخصوصة، والاختِراع في التعريفات غير مقبولٍ، وكذا الصوم.

وأمّا ما يحْرُم بالإحْرام: فالصّيد، وهو الحيوان الممتنِعُ بالأصالة اصطياداً، وأكلًا، وإشارة، ودلالة (5)، وإغلافاً، وذبحاً فيكون ميتة والفرخ والبيض كالأصل، والجَراد صيد (6)، والمتولّد بين الصيد وغيره يتبع الاسم.

والنساء وطْأً ولمساً [وتقبيلًا ونظراً] (7) بشهوة لا بدونها، وعقداً له ولغيره.

والطيبُ على العموم أكْلًا ولمْساً وتطيّباً (8)، وإن كان المحْرِم ميتاً- ولا


1- 1 من «ك، ر».
2- 2 حقيقة أو حكماً ولو بين الحاكي. فحيث لم يحك اكتفي به عن ثوب. وكذا في الكفن. حاشية «ش».
3- 3 من «ر».
4- 4 من «ش».
5- 5 الدلالة أعمّ من الإشارة مطلقاً لتحقّقها بالإشارة والكتابة والقول وغيرها، واختصاص الإشارة بأجزاء البدن، كاليد والعين والرأس. «مسالك الأفهام: 2/ 248».
6- 6 والجَرَادُ في معنى الصّيد البَرِّيِّ. «شرائع الإسلام: 1/ 249».
7- 7 من «ر»، وفي «ش»: ونظراً.
8- 8 في خ ل «ش»: وتطييباً.

ص: 23

بأْسَ بخَلوقِ (1) الكعبة، والاكتحال بالسّواد، وبما فيه طِيبٌ.

وإخراجُ الدَّمِ اختياراً، وقصُّ الأظفارِ، وإزالة الشعر وإنْ قلَّ اختياراً، والنظرُ في المِرآة، والادّهانُ اختياراً وإن لم يكن الدهْن مطيّباً، وبالمطيّب قبل الإحرام إذا كانت رائحته تَبْقى.

وقطعُ الشَّجر والحشيش الأخضَرَين النّابتين في الحَرَم إلّافي ملكه، والإذخِر (2)والَمحَالَة وعُودَيها (3)، وشجَر (4) الفواكِه.

والكذِبُ [على اللَّه] (5)، والجِدالُ، وهو قولُ: لا واللَّه، وبَلَى واللَّه (6).

وقتلُ هَوَامِّ الجَسَد (7) كالقمل، وكذا إلقاؤه.

ولُبس الَمخِيط للرجل [والخنثى] (8)، والخُفَّين، وما يسترُ ظَهر القَدَم له، فإن اضطُرَّ شقّه [وجوباً] (9). والخَاتَم للزِّينة، والحَلْي للمرأة، إلّاأن تكون معتادة فيحرمُ إظهارُهُ للزَّوج.

والحِنّاء للزِّينة، وتغطية الرأس للرجل ولو بالارتماس، والوجه للمرأة، والتظليل للرجل (10) سائراً [اختياراً] (11) على الأصحّ.

وكذا لُبْسُ السِّلاح، وشمّ الرَّياحين.

الثاني: الطواف حول الكعبة الشريفة سبعة أشواط.

وهو صلاة إلّافي تحريم الكلام كما ورد به النقل.

ويجب فيه امور:

الأوّل: الطهارة من الحدث ولو اضطراريّه، ومن الخبث بأنواعه، وهل يعفى عمّا يُعفى عنه في الصلاة؟ [فيه] (12) قولان، أظهرهما العفو، ولو طاف جاهلًا بالنجاسة أجْزأ.

الثاني: ستر العورة الواجب سترها في الصلاة، ويختلف باختلاف الطائِف.

الثالث: الختان في الرجُل المتَمكِّن خاصّة، وكذا الخُنْثى.

الرابع: النيّة: أطوفُ سبعة أشواطٍ في العُمرة المتمتَّعِ بها إلى حَجِّ الإسلامِ حَجّ التمتّع لوجوبه قُربة إلى اللَّه.

الخامس: مقارنتها لأوّل الشروع فيه، وإنّما يتحقّق بمحاذاة أوّل جزء من مقاديم البدَن؛ كطرَفِ الأنف، أو البطن لِمَن كان كبيره لأوّل الحجر علماً أو ظنّاً يمرّ (13) عليه كلّه، ولا يشترط استقباله ثمّ الانحراف، بل يجوز جَعْله عَلَى


1- 1 الخَلوق- بفتح الخاء-: أخلاط خاصّة من الطيب، منها الزعفران. «مسالك الأفهام: 2/ 253».
2- 2 في «ش»: إلّاالإذخِر. والإذخر: حشيش طيّب الريح، أطول من الثيل ينبت على نبتة الكولمان، واحدتها إذْخِرَة. «لسان العرب: 4/ 303- ذخر-».
3- 3 الَمحالة- بفتح الميم؛ وقيل: بكسرها-: البَكْرَةُ العظيمة، وعوداها: اللذان يُجعل عليهما ليُستقى بها. «مسالك الأفهام: 2/ 267».
4- 4 في «ر»: وشجرة.
5- 5 من «ك».
6- 6 وقيل: يتعدّى إلى كلّ ما يسمّى يميناً. «مسالك الأفهام: 2/ 258».
7- 7 الهوامّ- جمع هامّة-: وهي دوابّه. انظر الصحاح: 5/ 2062.
8- 8 من «ش، ر». ويلحق بالمخيّط ما أشبهه؛ كالدرع المنسوج، وجُبَّة اللَّبد، والملصق بعضه ببعضٍ. «مسالك الأفهام: 2/ 255».
9- 9 من «ش».
10- 10 يتحقّق التَّظليل بكون ما يُوجب الظِّلَّ فوق رأسهِ، كالَمحْمِل؛ فلا يقدحُ فيه المَشي في ظلِّ الَمحْمِل ونحوه، عندمَيْلِ الشّمس إلى أحد جانبيه. «مسالك الأفهام: 2/ 264- 265».
11- 11 من «ك، ر».
12- 12 من «ش، ر».
13- 13 في «ك، ر»: ليمرّ.

ص: 24

اليَسَارِ ابتداءا.

السادس: الحَركة الذاتيّة أو العرضيّة مقارنةً للنيّة.

السابع: اسْتِدامتها حكماً- بمعنى أن لا يْحدث (1) نيّة تنافي الاولى-.

الثامن: جعل البيت على اليسار.

التاسع: إدخال الحِجَر.

العاشر: جَعل المقام على اليمين، ويجب أن يراعي مقدار ذلك من (2) كُلّ جانب، والدنوّ من البيت أفضل.

الحادي عشر: خروج جميع البَدَن عن البيت، فلو مشى على الشَّاذروان- وهو أساس البيت قديماً-، أو كان يمسّ الجِدار بيده من جانب الشَّاذروان [لم يصحّ] (3).

الثاني عشر: إكمال العَدَد.

الثالث عشر: حفظه، فلو لم يحصل العَدَد أصلًا، أو شكّ في النقيصة مُطلقاً، أو في الزيادة قبل بلُوغ الرُّكن بَطَل.

الرابع عشر: الختم بموضع البَدَاءة من الحَجَر، فلو زاد عليه متعمّداً بَطَل، وناسياً يتخيّر في الإكمال سبعاً، والقطْع إنْ بلغ في الشَّوط الزايد الحجر، وإلّا قَطَع وجوباً، فإن أكمله فالثاني نَفل (4).

الخامس عشر: الموالاة، وتتحقّق بإكمال أربعة أشواط، فإنْ قَطَعه قبلَها استأنف وإن كان لضرورة، وإلّا أتمّ (5)، ولا يجوز القطع مطلقاً، إلّا لحاجة له ولغيره، ودخول البيت، ونحو ذلك (6).

ويحْرم الطواف للعُمرة وعليه بُرْطُلَّه، [وهي قَلَنْسُوة طويلة كانت تُلبس قديماً، وروي أنّها من زيّ اليهود] (7) وكذا كلّ طوافٍ يحرم ستر الرأس فيه.

ويجوز الاخْلاد إلى الغَيْر في العَدَد بشرط كونه بالغاً لا ذكراً (8)، وفي اشتراط العدالة نَظَر.

ولو حاضَت قبل إتمام (9) أربعة أشواط من طواف العُمرة انتظرت الوقوف، فإن ضاق الوقت [ولم تطهر] (10) بطلت مُتعتها ووقفت وصارت حجّتها مفردة، وتعتمر بَعْدَ ذلك.

وتجبُ ركعتا الطواف، ومحلّهما (11) المقام في البناء المعدّ لذلك الآن، فإن مَنَعَه زحام صلّى خلفه أو إلى جانبيه، ووقتهما عند الفراغ منه، وهما كاليوميّة، ولا جَهْر فيهما ولا إخفات حتماً، ولا


1- 1 في «ر»: بمعنى أنّه لا يجدّد.
2- 2 في «ك»: في.
3- 3 من «ك، ش».
4- 4 في «ر»: فعل.
5- 5 في «ر»: أثم.
6- 6 في «ك، ر»: إلّالحاجة ونحوها.
7- 7 من «ش».
8- 8 في «ر»: يشترط كونه بالغاً ذكراً.
9- 9 في «ك»: تمام.
10- 10 من «ش».
11- 11 في «ك»: ومحلّها، وفي «ش»: ومحلّهما خلف المقام.

ص: 25

أداء فيهما ولا قَضاء (1).

ولو نسيهما رجع فأتى بهما في المقام، فإنْ تعذّر فحيث شاء من (2) الحَرم، فإنْ تَعَذّر فحيث أمكن من البقاع، فإنْ ماتَ قضاهما الوَليّ.

ونيّتهما: اصلّي رَكعتي طواف العُمرة المتمتّع بها إلى حَجّ الإسلام حَجّ التمتّع لِوجوبهما قربةً إلى اللَّه.

الثالث: السعي.

وهو لغة: السرعة في المشي، وشرعاً: الحركات المعهودة من الصَّفا إلى المَروة وبالعكس للقُربة.

ويعتبر فيه امور:

الأوّل: النيّة: أسعى سَبعة أشواط بين الصَّفا والمَروَة للعُمرة المتمتّع بها إلى حَجّ الإسلام حَجّ التمتّع لوجوبه قربةً إلى اللَّه.

الثاني: مقارنتها للصَّفا، إمّا بأن يصعد عليه في أيّ جزءٍ منه (3)، أو بأنْ يلصق عقبه (4) به، وإذا عاد ألصَقَ أصابعه، وكذا يصنع في المَرْوَة.

الثالث: الاستِدامة حكماً- وقد مرَّ تفصيلها (5)-.

الرابع: الحَرَكة مقارنةً للنيّة.

الخامس: الذّهاب بالطّريق المعهودة (6)، ويختم بالمَروَة كما قدّمناه.

السادس: إتمام السبعة، من الصَّفا إليه شوطان (7).

السابع: استقبال المطلوب فلا يمشي القَهقَرَى (8).

الثامن: إيقاعه بعد الطَّواف والرَّكعتين.

التاسع: عدم الزيادة عمداً فيبطل بها حينئذٍ، لا سَهواً، ولو لم يحصل العَدَد أو شكّ في المَبْدأ وكان في المزدوج على المَرْوَة، أو في (9) الفرد على الصَّفا، أعاد دون العكس فيهما.

العاشر: الموالاة كالطَّواف احتياطاً، والمُعتمد جواز البناء ولو على شَرط.

الحادي عشر: إيقاعه في يوم الطَّوافِ وجوباً على المشهور، وليس شرطاً في الصّحة.

الرابع: التقصير، وهو إبانة مُسمّى الشعر أو الظّفر، وبه يتحقّق [فيها] (10) الاحلال من إحرام العُمرة المتمتّع بها، أمّا المفردة (11) فلا يتحقّق فيها الاحلال التامّ [إلّا] (12)بالطَّواف للنساء وركعتيه بَعْده، وواجبه ثلاثة:


1- 1 ونيّتهما هكذا: اصلّي ركعتي الطواف؛ طواف عمرة الإسلام، عمرة التمتّع أداءً، لوجوبه قربةً إلى اللَّه «نيّات الحَجّ والعمرة: 87».
2- 2 في «ك»: في.
3- 3 بحيث يرى البيت من بابه، ويحصل ذلك بالدرجة الرابعة. «مسالك الأفهام: 2/ 356».
4- 4 في «ر»: عقبيه.
5- 5 في «ك، ر»: تفسيرها.
6- 6 في «ك»: الطريق المعهود. فلو اقتحم المسجد الحرام ثمّ خرج من باب آخر لم يجز. «مدارك الأحكام: 8/ 207».
7- 7 في «ك»: إتمام السبعة من الصفا إليه شوطاً.
8- 8 القَهْقَرى: المشي إلى خلف من غير التفات بالوجه. «مسالك الأفهام: 2/ 358».
9- 9 في «ش» وفي.
10- 10 من «ر».
11- 11 في «ك»: المنفردة.
12- 12 من «ك، ش».

ص: 26

الأوّل: النيّة: اقصّر للاحلال من إحرام العُمرة المتَمتّع بها إلى حَجّ الإسلام حَجّ التمتّع لوجوبه قُربةً إلى اللَّه.

ويجب فيها المقارنة للفِعل والاستدامة حكماً إلى الفَراغ.

الثاني: كونه بمكّة، ولا يجب كونه على المَروة وإن استحبّ.

الثالث: تقديمه على إحرام الحَجّ، فلو أهلّ (1) قبلَه عامِداً انقلبت [عُمْرته] (2) حجّة مُفردة على الأصحّ، لرواية أبي بصير عن أبي عبداللَّه عليه السلام (3)، وساهياً يقع ولا شي ء عليه، وجَبَره بشاة أفضل.

وأمّا الجاهِل ففيه وجهان، أوجَههما إلحاقه بالعامِد. ويتعيّن التقصير في عُمرة التمتّع فلا يجزئ الحَلْق عنه بخِلاف المفرَدَة. والواجب إزالة الشَعْر بحَديدٍ، أو نُورة، أو نَتف أو قَرض بالسِّنّ.

الفصل الثاني: في أفعال الحَجّ

وفيه مباحث:

الأوّل: الإحرام، ولا فرق بين إحرام العُمرة والحَجّ إلّابالنيّة (4)، فينوي:

احرِم بحَجّ الإسلام حَجّ التمتّع، والبّي التلبيات الأربع لعقد هذا الإحرام، لوجوب الجميع قربةً إلى اللَّه لبّيك إلى آخرها.

ومحلّه للمتمتّع مكّة، وأفضله (5) المسجد، وخلاصته المقام (6) أو تحتَ المِيزاب، ولو تعذّر أحْرَم حيثُ أمكن (7) ولَوْ بعَرَفَة.

وإحرام القَارِن والمفرِد من مِيقات عُمرة التمتّع، أو من دُوَيْرَةِ أهْلِهِ إنْ كانَت أقْرب [إلى مكّة] (8). ولا يبطل بزوال الشمس يوم التروية (9) أو يوم عَرَفة قبلَه، بل ولا بغُروبها لا عامِداً، إذا أدرك المَشْعر اختياريّاً أو اضطراريّاً مع اضطراريّ عَرفة (10) على الأصَحّ، لكن يُستَحبّ إيقاعه بَعد ظُهر التَّرْوية.

ولا يجوز له الطّواف بعد الإحرام حتّى يَرجع من مِنى، فإن طافَ ساهياً لم ينتقض إحْرامه، وقال الشيخ: يجدّد التلبية ليعقد بها الإحرام [والأصحّ الاستحباب] (11). أمّا القارِن والمفرِد فيجوز لهما الطَّواف.

[فائدة: لمّا كان موضع إحرام عمرة التمتّع والحجّ للقارن والمفرد واحداً وهو الميقات المعيّن شرعاً، أو منزل ذلك


1- 1 أحْرَمَ. حاشية «ش».
2- 2 من «ك، ش».
3- 3 موسى بن القاسم، عن صفوان، عن إسحاق بن عمّار، عن أبي بصير، عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: المتمتّع إذا طاف وسعى ثمّ لبّى قبل أن يقصّر فليس له أن يقصّر، وليس له متعة. تهذيب الأحكام: 5/ 159 ح 529، الاستبصار: 2/ 243 ح 846، جامع المقاصد: 3/ 212.
4- 4 في «ر»: بالتلبية.
5- 5 في «ش»: وأفضلها. وفي الأفضل منهما خلاف، ورجّح في الدروس المقام، وهو خيرة مختلف الشيعة، وهو الأصحّ. حاشية «ش».
6- 6 كذا اختاره الشهيد في الدروس: 95.
7- 7 إللى هنا تنتهي نسخة «ر».
8- 8 من «ش».
9- 9 هو اليوم الثامن من ذي الحجّة، سمّي بذلك لأنّ الناس كانوا يتروّون فيه الماء ويحملونه إلى عرفة. انظر: علل الشرائع: 435 ح 1.
10- 10 في «ك»: عزمه. وهو تصحيف.
11- 11 من «ش».

ص: 27

المكلّف إن كان منزله أقرب إلى مكّة من الميقات وجب تعيين المواقيت وهي ستّة؛ فلأهل المدينة ذو الحليفة (1) وأفضله مسجد الشجرة وتعينه للاحرام منه أحوط، ولأهل الشام ومصر الجحفة، ولأهل اليمن يلملم، ولأهل الطائف قرن المنازل- بسكون الراء-، ولأهل العراق العقيق (2) وأفضله المسلح (3) وأوسطه غمرة (4)، وآخره ذات عرق، ومن كان منزله أقرب فالميقات منزله، وميقات العمرة المفردة خارج الحرم ولو سلك طريقاً بين ميقاتين أحرم إذا حاذى أحدهما في برّ أو بحر، فإن بيّن تقدّمه أعاد وإلّا أجزأ، ولو لم يحاذ ميقاتاً ففي إحرامه من أدنى الحلّ إلى الحرم أو مساواة أقرب المواقيت إلى مكّة وجهان أحوطهما الثاني] (5).

[البحث] (6) الثاني: الوقوف بعَرَفَة، ومعناه الكَون بها يوم التاسع، ووقته من زوال الشمس إلى غُروبها ناوياً فيه: أقِفُ بعَرَفَة إلى غروب الشمس في حَجّ الإسلام حَجّ التمتّع لوجوبه قربةً إلى اللَّه، ويجب استِدامتها حكماً إلى آخره، ويجزِئ مُسمّى الكَون وهو الركن، وإن أثم بالإفاضَة قَبلَ الغُروب (7).

ولا يقِف بنَمِرَة وثَوِيَّة وذي الَمجَاز والأرَاك (8) فإنّها حدود.

ويُستحبّ ضرب الخِبَاء (9) بنَمِرة.

ويشترط السَّلامة من الجنون، والإغماء، والسّكر، والنَّوم في جزءٍ من الوقت. ولوْ أفاضَ قبل الغروب عامداً عالِماً لم يبطل حجّه، ووجب عليه بدنة (10). ولو تعذّر الوقوف [بها] (11) نهاراً أجزأ (12) ليلًا. والواجب فيه مسمّى الكون، وهو صالح للمَشْعر أيْضاً.

الثالث: الوقوف بالمَشْعَرِ (13)، ويجب المَبِيت به ليلة العاشر ناوياً أوّل المَبيت: أبيتُ هذه الليلة بالمَشْعَرِ في حَجّ الإسلام حَجّ التمتّع لوجوبهِ قربةً إلى اللَّه.

وهذا الوقوف فيه شائِبة الاضطراريّ، أمّا الاختياريّ المحض فمن طلوع فجر النَّحر إلى طلوع الشَّمس.

والواجب الكون (14)، والرّكْنُ هو مسمّى الكون في هذا الوقت إن لم يكُن وَقَفَ (15) ليلًا، لكن لو أفاضَ قبل


1- 1 وهو بضمّ الحاء وفتح اللام: موضع على ستّة أميال من المدينة. حاشية «ش».
2- 2 هو واد وكلّه ميقات، فمن أيّ موضع منه أحرم صحّ، صرّح به جماعة. حاشية «ش».
3- 3 لم نقف على شي ء نعتمد عليه في ضبط الحاء المهملة والمعجمة. حاشية «ش». وقد قيل: إنّه بالسين والحاء المهملتين واحد المسالح، وهو المواضع العالية، وبالخاء المعجمة لنزع الثياب به. «الروضة البهيّة: 2/ 225».
4- 4 لم نجد في كون الميم ساكناً أو غيره شيئاً نعوّل عليه. حاشية «ش».
5- 5 ما بين المعقوفين من «ش».
6- 6 من «ش».
7- 7 في «ش»: وهو ركن، فإن أخلّ أثم.
8- 8 وكذلك عُرَنَة، فهذه الأماكن الخمسة حدود عَرَفة. والأراك: شجر يُسْتَاكُ بقُضْبانه- أي: يُؤْخَذُ مِنْهُ السِّواك-، له حملٌ كَعَناقِيدِ العِنَبِ، يملأ العُنقُودُ الكفَّ. والمراد به هنا: مَوْضِعٌ بعَرَفَة، مِن ناحِيَةِ الشَّام قُرْبَ نَمِرَة.
9- 9 الخِبَاء: الخيمة، ونحوها.
10- 10 في «ش»: وجبره ببدنة.
11- 11 من «ش».
12- 12 في «ش»: أجزأه.
13- 13 حدّه ما بين المَأزمَيْن إلى الحياض إلى وادي محسِّر. «شرائع الإسلام». والمَأزِمَان: مضِيقٌ بين جَمْعٍ وعَرَفَة، وآخر بين مكّة ومِنى. «معجم البلدان: 2/ 163، وج 5/ 40».
14- 14 في «ك»: الكلّ.
15- 15 في «ك»: إن كانَ قَد وَقَفَ.

ص: 28

الفَجْر [عامداً] (1) عالماً وجَبَ عليه شاة.

والاضطراريّ المحض من طلوع الشمس إلى زوالها، والواجب فيه المُسمّى. ولو أفاضَ قبل طُلوع الشَّمس فلا يُجاوز إلى وادي مُحَسِّر (2) إلّابعد طلوعها، فإنْ فَعَلَ أثم وَلَا كفّارة.

وتجب فيه النيّة مقارنة لأوّل الفجر:

أقفُ بالمَشْعَر من طُلوع الفَجر إلى طُلوع الشَّمس في حَجّ الإسلام حَجّ التمتّع لوجوبه قربةً إلى اللَّه.

الرابع: نزول مِنى (3) يوم النَّحْر للرَّمي والذَّبح والحَلْق، وتجب مُراعاة (4) هذا الترتيب فإن خالف أثم وَلم يبْطل ما فَعَلَهُ (5).

والواجب في يوم النَّحر [هو] (6) رمْيُ جَمَرَة العَقَبة بسبع حَصيات من (7) الحرَم إلّا (8) المساجد، ويجب أن تكون أبكاراً، ويُستحبّ أن تكون بُرشاً (9)، منقّطَة ملتقطة (10) رخْوة كُحْليّة (11)، بما يُسَمّى رَمْياً. ويُشترط الإصابة بفِعْلِهِ مباشرة بيدهِ، فلا تجوز (12) الاستنابة إلّامع الضّرورة.

ووقتهُ ما بين طلوع الشمس إلى غروبها، وفضيلته من الطُّلوع إلى الزَّوال. ويقضي لو فات مقدّماً على الحاضِرِ (13)، ويخرج وقته بخروج أيّام التشريق إلى قابِل.

ونيّته: أرْمِي هذه الجمْرَة بسبْع حَصَيَات في حَجّ الإسلام حَجّ التمتّع أداءً لوجوبه قُربةً إلى اللَّه، وكذا يصنع في رمي الجَمْرات الثَّلاث في كلّ يوم من أيّام التشريق، وهي الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر، مُرتّباً يبدأ بالاولى، ثمّ بالوسطى، ثمّ بجَمْرة العَقَبة، فلو نكس أعادَ على ما يَحْصل معه التَّرتيب.

ويحصل بأربع إذا لم يكن عامداً فيتمّ ما بقي، ولو تعمّد أو لَمْ (14) يبلغ الأرْبَع أعاد، إلّاإنّه يُعيد مطلقاً مع عدم بلُوغها، ويُعيد على ما بَقِيَ من الجَمْرَات دون التي رَماها أرْبعاً، فَيَقْتَصِر على إتمام رَمْيها.

ويجب ذبح الثَّنِيّ من النِعَم الثلاثة (15)، ويجزئ من الضَّأْن الجَذَع [لِسَنَتِهِ] (16)، وهو ما كَمل لَهُ سبعة أشهر، والثنيّ من الإبل [وهو] (17) ما دخل في السادسة، وفي غيرها ما دَخَلَ


1- 1 من «ك».
2- 2 محسِّر: موضع بمنى. «الصحاح: 2/ 63».
3- 3 سمّي المكان المخصوص بذلك لأنّ جبرئيل عليه السلام قال هناك لإبراهيم عليه السلام: تمنّ على ربّك ما شئت. انظر علل الشرائع: 435 ب 172 ح 1.
4- 4 في «ك»: رعاية.
5- 5 في «ك»: ولم يبطل فعله.
6- 6 من «ك».
7- 7 في «ك»: في.
8- 8 في «ش»: لا.
9- 9 المراد اختلاف ألوآنها والفرق بين البرش والمنقّطة- مع اشتراكهما في اختلاف الألوان- أنّ الاختلاف في الأوّل في جملة الحصاة، والثاني في الحصاة نفسها، ويجوز العكس. «مسالك الأفهام: 2/ 290».
10- 10 أي أن يكون كلّ واحدة منها مأخوذة على حدتها من الأرض.
11- 11 أي لا تكون بيضاً ولا سوداً ولا حمراً. «مسالك الأفهام: 2/ 290».
12- 12 في «ك»: فلا تُجْزِئ.
13- 13 في «ش»: الواجب.
14- 14 في «ش»: وَلَمْ.
15- 15 أي: الإبل، أو البقر، أو الغنم.
16- 16 من «ك».
17- 17 من «ك».

ص: 29

في الثانية.

ويُشترط تمام (1) الخلْقة والصِّحّة (2)، وأن يكون على كُلْيَتيه شَحْم، ويكفي الظَّنّ وإنْ ظهر بعد الذَّبْحِ خِلافه ولا يجْزئ المَعِيب، وتَجِب الصَّدقَة بثُلثُهِ، وإهداء ثُلُثه، والأكل ناوياً عند ذبحهِ: أذبَحُ هذا الهدْي في حَجّ الإسْلام حَجّ التمتّع لوجُوبِهِ قُربةً إلى اللَّه.

ويُسْتحبّ مباشَرَة الذَّبْح إن أحْسَنه، وإلّا جَعَلَ يده مع يد الذَّابِح، وينوي في الصَّدقة والاهْدَاء والأكل: أتصدّق، أو أهْدي ثلث هَدْي حَجّ الإسلام [أو آكل من هدي حجّ الاسلام] (3) حَجّ التمتّع لوجُوبه قُربةً إلى اللَّه.

ويشترط في المهدى إليه الايمان، وفي محلّ الصَّدقة [الايمان و] (4) الفَقْر معهُ، ولا ترتيب في الأقسام.

ويجب حَلْق الرَّأس أو التقصير كما سبق مقارناً للنيّة: أحْلق أو أُقصّر للإحلال من إحرام حَجّ الإسلام حَجّ التمتّع لوجوبه قُربةً إلى اللَّه. واستِدامتها حكماً إلى آخِر الفِعْل.

ويتعيّن على المرأة والخُنْثى التقصِير (5)، ومن ليس على رأسه شَعْر يُجْزئه إمرار المُوس على رأسه (6).

ولا يخرج عن مِنى حتّى يأتي بالثَّلاثة في ذي الحِجّة، فإنْ رَحَلَ (7)رجَعَ للذَّبح والحَلق بها طوله، فإن تعذّر استنابَ في ذبح الهدي وحلق مكانه واجباً وبعثَ بالشَّعر ليُدفَن بِها ندباً.

وأمّا الرَمي فيفوت وقته بخروج الثالث عشر كما سبق.

وبالحَلق يتحلّل من المحرّمات إلّا الطِّيبَ والنِساءَ والصَّيدَ، ثمّ يتحلّل من الطّيب بطواف الزِّيارة والسَّعي على الأقوى، فإذا طاف للنساء حَلَلْن له، وبطوافِهِنّ يَحلّ الصَّيد الّذي حَرُم بالإحْرام.

الخامس: العَوْد إلى مكّة للطوافين والسّعي، ويسمّى الأوّل طواف الحَجّ، وطواف العَوْد، وطواف الزِّيارة، وطواف الرّكْن، وطواف الصَّدْر (8).

وكيفيّة الجميع كما سبق إلّافي النيّة، فينوي هنا: أطُوفُ سبعة أشواط طواف حَجّ الإسلام حَجّ التمتّع لوجوبِه قربةً


1- 1 في «ك»: ويشترط فيه إتْمام.
2- 2 فلا يُجزي العَوْراء، ولا العَرجاء البيِّنُ عَرَجُها، ولا الَّتي انكسَرَ قرنُها الدَّاخلُ، ولا المقطوعة الاذُن، ولا الخَصِيُ من الفُحُول. «شرائع الإسلام: 1/ 260».
3- 3 من «ش».
4- 4 من «ش».
5- 5 وَيَجزِيهُنَّ مِنْهُ ولو مِثْل الأَنْمُلَة. «شرائع الاسلام».
6- 6 استحباباً، وينبغي أن لا يجزيه عن التقصير، قاله المصنّف في حاشية الارشاد. حاشية «ش».
7- 7 في «ك»: أحلّ.
8- 8 أي الرجوع.

ص: 30

إلى اللَّه، اصلّي رَكْعتي طواف حج الإسلام حَجّ التمتّع لوجوبهما قربةً إلى اللَّه، أسعى سبعة أشواط سَعي حَجّ الإسلام حَجّ التمتّع لوجوبه قربةً إلى اللَّه، أطوفُ سبعة أشواط طواف النساء في حَجّ الإسلام حَجّ التمتّع لوجوبه قربةً إلى اللَّه، اصلّي رَكْعتي طواف النساء في حَجّ الإسلام حَجّ التمتّع لوجوبِهما قربةً إلى اللَّه.

السادس: العَوْد إلى مِنى للمَبيت بها ليالي التشريق الثلاث، ويجوز لمن اتّقى الصّيد والنساء (1) النَّفر في الثاني عشر، فسقط المبيت ليلة الثالث عشر ورَمْيه، إلّاأن تَغْرب الشمس وهو بمِنى.

ويجزئ في المبيت الكَوْن بها إلى نصف الليل، ولو باتَ بغيرها فعن كلّ ليلةٍ شاة، إلّاأن يبيتَ بمكّة مشتغِلًا بالعِبادة، واجبة كانت أوْ مستحبّة فلا شي ء، ولا فَرق بين خُروجهِ حينئذٍ من مِنى قبل غروب الشمس أو بعده.

ويجب استيعاب الليلة بالعِبادة إلّاما يضطرّ إليه من أكلٍ أو شربٍ، أو نومٍ يغلب عليه.

وحدّ مِنى من العَقَبة إلى وادي مُحَسِّر.

ويجب في المبيت النيّة مقارنة لأوّل الليلة مُسْتدامة الحكم: أبِيتُ هذه الليلة بمِنىً في حَجّ الإسلام حَجّ التمتّع لِوجوبه قُربةً إلى اللَّه.

والمفرِدُ والقارِنُ يُحْرِمان من الميقات بالحَجّ، ويأتيان بأفعال الحجّ إلى آخرها، وبعد الفراغ يأتيان بعُمْرةٍ مفْردةٍ.

والفرق بينهما أنّ المفرِد لا يقرن بإحرامه هَدْياً بخِلاف القارِن، وحينئذٍ فيذبحه أو ينحره بمِنى إذا قَرن به إحرام الحَجّ، ويقسمه أثلاثاً كَهْدي التمتّع.

ولو كان نائباً أضافَ إلى نيّته في كُلّ فعلٍ: نيابةً عن فُلان، ولو قالَ:

«لوجوبه (2) عليه بالأصَالة وعليَّ بالنيابة» كان أكمل، فينوي في إحرامهِ:

احرم بالعُمْرة المتَمتّع بها إلى حَجّ الإسلام حَجّ التمتّع، والبّي التلبيات الأربع- إلى آخره (3)- نيابةً عن فُلان لِوجوبِ الجميع عليه بالأصالة وعَليَّ بالنيابة قُربةً إلى اللَّه لبّيك [اللّهمّ لبّيك] (4) إلى آخره-.

وكذا يَفْعَل (5) في باقي المناسِك.


1- 1 المراد باتّقاء النساء عدم إتيانهنّ في حال الاحرام بمعنى عدم الجماع لا مطلق ما يحرم على المحرم ممّا يتعلّق بهنّ كالقبلة واللمس بشهوة على ما ورد في لفظ الحديث وعبارة العلّامة في المنتهى والتذكرة. أمّا الحديث فالمرويّ عن الصادق عليه السلام: مَن أتى النساء في إحرامه لم يكن له أن ينفر في النفر الأوّل [الوسائل: 10/ 225 ح 1]. وأمّا عبارة التذكرة: [1/ 394] فهي قوله إنّما يجوز النفر في النفر الأوّل لمن اتّقى النساء والصيد في إحرامه فلو جامع في إحرامه أو قتل صيداً فيه لم يجز له أن ينفر في الأوّل. ومثلها عبارة المنتهى، ولأنّ المتبادر إلى الفهم من اتّقاء النساء وعدمه وهو مجانبة الوطي وعدمها، وكذا الظاهر انّ المراد من اتّقاء الصيد عدم قتله كما هو ظاهر عبارة التذكرة والمنتهى أيضاً ويحتمل العموم في كلّ من الأمرين والأصل يدفعه. وفي بعض الأخبار اعتبار جميع محرّمات الاحرام واختاره ابن إدريس، والمشهور الأوّل، والاتّقاء معتبر في إحرام الحجّ قطعاً، وفي إحرام عمرة التمتّع في وجه قويّ لأنّها جزء من الحجّ، وهل يفرّق بين العامد والناسي في الأمرين معاً فيكون الناسي متّقياً أم في النساء فقط إذ لا شي ء على الناسي لو جامع بخلاف قتل الصيد سهواً أم لا..... فيهما؟ فيه أوجه، ولم أظفر في ذلك بكلامٍ للأصحاب، إلّاأنّ المتبادر من الاتّقاء عدم المواقعة، والعمد والنسيان متصوّر إليهما. حاشية «ش».
2- 2 في «ش»: لوجوب الجميع.
3- 3 في «ش»: «للحجّ» بدل «إلى آخره».
4- 4 من «ش».
5- 5 في «ك»: الفِعل.

ص: 31

خاتمة

[فيها بحثان:] (1)

[الأوّل:] (2) يستحبُّ للحاجِّ زيارةُ النبيّ صلى الله عليه و آله بالمدينة استحباباً مؤكَّداً، وكذا يستحبّ لغيرهِ. ويجبر الإمامُ (3) النّاسَ على ذلك لو تَرَكوه (4) لما فيه من الجَفَاءِ الُمحَرَّمِ، كما يُجبرون على الأذان.

وقد رويَ أنّه صلى الله عليه و آله قال: «مَنْ أتى مكّة حاجّاً ولم يَزرني إلى المدينة جَفَوتهُ يوم القيامة، ومَنْ أتاني زائراً وجَبَتْ له شفاعتي، ومن وَجَبَتْ له شفاعتي وَجَبَتْ له الجنّة» (5).

ويستحبُّ زيارة فاطمة عليها السلام في بيتها و [في] (6) الرَّوضة والبقيع (7)، قالت عليها السلام: «أخبرَني أبي: أنّه مَنْ سَلّم عَليه وعلَيَّ ثلاثة أيّام أوْجَبَ اللَّه له الجنّة».

قيل لها: في حياتكما؟

قالت: «نعم، وبعد موتنا» (8).

ويُستحبّ زيارة الأئمّة الطاهرين عليهم السلام،- [في البقيع، وهم:

الحسن وزين العابدين والباقر والصادق- صلوات اللَّه عليهم.

روي] عن الباقر عليه السلام (9) [أنّه قال] (10): «ابْدَؤُا بِمَكّة واختِمُوا بِنا» (11).

وعنه عليه السلام أنّه قال: «إنّما امِرَ الناس أن يأتوا هذه الأحجار، فيطُوفوا بها، ثُمَّ يأتُونا فيخبِرُونا بولايتهم، ويعرضُوا علينا نَصْرَهم» (12).

وعن أبي عبداللَّه عليه السلام: «مَنْ زار إماماً مُفْتَرَض الطاعة كان له ثواب حجّة مبرورة» (13).

وعن الامام الرضا صلوات اللَّه عليه: «انّ لِكلّ إمامٍ عهْداً (14) في أعناق أوليائِهِ وشيعتهِ، وإنّ من تَمام الوفاء بالعَهْد وحُسن الأداء زيارة قبورهم، فمن زارَهُم رَغبةً في زِيارتهم وتصديقاً بما رَغبوا فيه كانت أئمّتهم شُفعاءَهم يوم القيامة» (15). (16) البحثُ الثاني:

[في قولٍ وجيزٍ] (17) في بيان شي ءٍ من كفّارات الإحرام:

فأمّا الصَّيد فمنه ما لِكفّارته بدل على الخُصوص كالنعامة فإنّ فيها بدنة، فإن عجَزَ عنها فضّ قيمتها عَلى البرّ وأطعم كلّ مسكين نصف صاع، فإنْ زادت عن


1- 1 من «ش».
2- 2 من «ش».
3- 3 في «ش»: الإمام عليه السلام.
4- 4 في «ش»: ذلك بمكّة.
5- 5 الكافي: 4/ 548 ح 5، كامل الزيارات: 13 ح 9، من لا يحضره الفقيه: 2/ 565 ح 338، علل الشرائع: 460 ح 7، التهذيب: 6/ 4 ح 5، البحار: 100/ 1400 ح 5 و 6.
6- 6 من «ش».
7- 7 وسبب خفاء قبرها عليها السلام دفن عليّ عليه السلام لها ليلًا من غير أن يشعر بها أحداً، فينبغي زيارتها في المواضع الثلاثة، وأفضلها بيتها، وأبعد الاحتمالات كونها في الروضة. «مسالك الأفهام: 2/ 383».
8- 8 التهذيب: 6/ 9 ح 18، عنه البحار: 100/ 194 ح 9. وأورده في مناقب ابن شهر آشوب: 3/ 365.
9- 9 ما بين المعقوفين أثبتناه من «ش».
10- 10 من «ش».
11- 11 الكافي: 4/ 550 ح 1، من لا يحضره الفقيه 2/ 558 ح 3138.
12- 12 الكافي: 4/ 549 ح 1، من لا يحضره الفقيه: 2/ 558 ح 3139. وقال الشيخ الصدوق رحمه الله: هذه الأخبار إنّما وردت فيمن يملك الاختيار ويقدر على أن يبدأ بأيّهما شاء من مكّة أو المدينة، فأمّا من يؤخذ به على أحد الطريقين فاحتاج إلى الأخذ فيه شاء أو أبى فلا خيار له في ذلك، فإن اخذ به على طريق المدينة بدأ بها وكان ذلك أفضل له لأنّه لا يجوز له أن يدع دخول المدينة وزيارة قبر النبي صلى الله عليه و آله والأئمّة عليهم السلام بها وإتيان المشاهد انتظاراً لرجوعه، فربّما لم يرجع أو اخترم دون ذلك، والأفضل له أن يبدأ بالمدينة.
13- 13 أخرج في البحار: 100/ 124 ح 32 عن البلد الأمين: روي أنّ من زار إماماً مفترض الطاعة بعد وفاته وصلّى عنده أربع ركعات كتبت له حجّة وعمرة. وأخرج في ص 130 ح 15 عن مصباح الزائر: عن الصادق عليه السلام قال: من زار إماماً مفترض الطاعة بعد وفاته....
14- 14 قال الفاضل التفرشي: المراد بالعهد ما يشبه العهد فان من قال بإمامة الأئمّة عليهم السلام وبأنّهم أوصياء رسول اللَّه صلى الله عليه و آله، وانّ اللَّه- عزّوجلّ- فرض طاعتهم، فكأنّه عهد إليه أن يطيعه ويخلص له عقيدته ويزوره إلى غير ذلك.
15- 15 الكافي: 4/ 567 ح 2، كامل الزيارات: 122 ح 2، من لا يحضره الفقيه: 2/ 577 ح 3160، عيون أخبار الرضا عليه السلام: 2/ 260 ح 24، علل الشرائع: 459 ح 3، التهذيب: 6/ 79 ح 155 و ص 93 ح 175، البحار: 10/ 116 ح 1 و ص 117 ح 2- 4.
16- 16 زاد في «ك»: وليكن هذا آخر الرسالة، والحمد للَّه وحده، والصلاة على خير خلقه محمّدٍ وآله. من تتمّة منشآت المصنّف- تغمّده اللَّه برضوانه-.
17- 17 من «ش».

ص: 32

ستّين مسكيناً اقتصر على الستّين، وإن نقصت اقتصَرَ على [قَدر] (1) القيمة.

ومنه ما لا بدل له كالحَمامة فإنّ فيها شاة على الُمحْرِم في الحِلّ، ودرهماً على الُمحِلّ في الحَرَم، ويجتمعان على الُمحرِم في الحَرَمِ.

وفي الجَرادة والقملة إذا ألقاها أو قتلها (2)كَفّ من طعام.

وفي لُبْس الَمخِيطِ عَمْداً دم شاة وإن كان مُضطرّاً، لكن في الضّرورة ينتفي الإثم خاصّة، وكذا في لُبْس الخَفّين ونحوهما، والظاهر أنّه لا فرق في لزُومِ الكفّارة بين أنْ يشقّهما أوْ لَا.

وفي قلم كلّ ظفر مدّ مِن طعام، وفي أظْفار يَدَيه أو رِجليه أو هُما في مجلسٍ واحدٍ دم، ولوْ تعدّد الَمجْلس فَدَمان.

وفي إزالة مُسمّى الشَعْر بِحَلْقٍ وغيره شاة، أو إطعام عشرة مساكين، لِكُلّ مسكينٍ مدّ، أو صيام ثلاثة أيّام.

ولو اضْطرّ إلى حَلْق الرَّأْس لأذًى انتفى الإثم دون الكفّارة، ولو وقع شي ء من شعر رأسه أو لحيته بلمسه في غير الوضوء، وكذا الغُسل على الأقرب (3)- ولا يبعد إلحاق إزالة النجاسة بهما- وجبَ التصدّق بِكفٍّ من طعامٍ.

وفي الوضوء وما الحِقَ به لا شي ء، وفي تغطية الرأس ولو بالارتماس في الماء (4) أو حَمل ساتر شاة، وكذا في التَّظْليل سائراً، وفي الجدال ثلاث مرّات صادقاً شاة، ولا شي ء فيما دونها، وكاذباً بدنة، وفي الاثنين بَقرة، وفي الواحدة شاة.

وفي قَلْعِ الشَّجرة الكبيرة في الحرَم بقرة وإنْ كان محلّاً، وفي الصغيرة شاة، وفي الأبعاض والحشيش القِيمة.

ولا كَفّارة على الجاهل والناسي والمجنون في شي ء من ذلك، إلّاالصَّيد فإنّ الكفّارة فيه على النّاسي والجاهل.

وتتعدّد بتعدّد الأسباب اتَّحَدَ الوقت أو اختلف، كَفّر عن السابق أوْ لا.

ويتحقّق التكرّر في الحلق بتغاير الوقت، كأن يحلق بعض رأسه غدوة وبعضه عشيّة.

وكذا اللُبس والتَّطيّب وأكل ما لا يحلّ.

وفي رواية محمّد بن مسلم، عن الباقر عليه السلام: «إنّ لكُلّ صنفٍ من الثّياب


1- 1 من «ك».
2- 2 في «ش»: وقتلهما.
3- 3 وكذا التيمّم. حاشية «ش».
4- 4 في «ك»: بالماء.

ص: 33

فِداءً» (1) وليس يبعد (2)، وهو مقتضى كلام المُنتهى، فعلى هذا يُعتبر تغاير الوقت في الصِّنْف الواحد دون المتعدّد (3) وهل يفرق بين ذي (4) الضّرورة وغيره في ذلك؟ فيه تردّد.

ومحلّ الذبح والنَّحر والصَّدقة مكّة إنْ كانت الجناية في إحرام العُمْرة وإنْ

كانت مُتعة، ومنى [إنْ كانت] (5) في إحْرام الحَجّ.

وَالحمدُ للَّه ربّ العالمين، وصلّى اللَّه على سيّدنا مُحمّد وأهل بيتهِ الطاهرين.

فهرس مصادر التحقيق

1- القرآن الكريم.

2- إحياء الداثر من القرن العاشر «طبقات أعلام الشيعة» للشيخ آقا بزرك الطهراني، نشر جامعة طهران 1366 ه. ش.

3- الاستبصار لشيخ الطائفة أبي جعفر الطوسي، نشر دار الكتب الإسلاميّة، طهران 1390 ه. ق.

4- أعيان الشيعة للسيّد محسن الأمين، نشر دار التعارف للمطبوعات- بيروت 1403 ه. ق.

5- أمل الآمل للشيخ الحرّ العاملي، نشر مكتبة الأندلس- بغداد.

6- بحار الأنوار للعلّامة محمّد باقر المجلسي، نشر مؤسّسة الوفاء- بيروت 1403 ه. ق.

7- تاريخ كرك نوح للدكتور حسن عبّاس نصر اللَّه، نشر المستشاريّة الثقافيّة للجمهورية الإسلامية الإيرانية بدمشق- 1406 ه. ق.

8- تهذيب الأحكام لشيخ الطائفة الطوسي، نشر دار الكتب الإسلامية- طهران 1390 ه. ق.

9- جامع المقاصد للشيخ عليّ الكركيّ- مصنّف هذه الرسالة-، تحقيق ونشر مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث، قم 1408- 1415 ه. ق.

10- الدرّ المنثور من المأثور وغير المنثور للشيخ علي بن محمد بن حسن ابن زين الدين الجبعي العاملي، نشر مكتبة المرعشي النجفي- قم 1398 ه. ق.

11- الدروس للشهيد الأوّل محمّد ابن مكّي العاملي، نشر مكتبة الصادقي- قم.


1- 1 الكافي: 4/ 348 ح 2، من لا يحضره الفقيه: 2/ 341 ح 2623، التهذيب: 5/ 384 ح 1340.
2- 2 في «ش»: ببعيد.
3- 3 في «ش»: التعدّد.
4- 4 في «ك»: ذوي.
5- 5 من «ك».

ص: 34

12- الذريعة للشيخ آقا بزرك الطهراني، نشر دار الأضواء- بيروت 1403 ه. ق.

13- روضات الجنّات للميرزا محمّد الخوانساري، نشر مكتبة إسماعيليان- قم 1390 ه. ق.

14- الروضة البهيّة في شرح اللمعة الدمشقية للشهيد الثاني، نشر دار إحياء التراث العربي- بيروت 1403 ه. ق.

15- رياض العلماء للميرزا عبداللَّه أفندي الاصفهاني، نشر مكتبة المرعشي النجفي- قم 1401 ه. ق.

16- شرائع الإسلام في مسائل الحلال والحرام للمحقّق الحلّي، نشر دار الأضواء- بيروت 1403 ه. ق.

17- الصحاح للجوهري، نشر دار العلم للملايين- بيروت 1404 ه. ق.

18- علل الشرائع للشيخ الصدوق، نشر مكتبة الداوري- قم.

19- عيون أخبار الرضا عليه السلام للشيخ الصدوق، نشر مكتبة جهان- طهران.

20- غاية المراد للشهيد الأوّل ومعه حاشية الإرشاد للشهيد الثاني، نشر مركز الأبحاث والدراسات الإسلامية- قم 1414 ه. ق.

21- فهرس مخطوطات مكتبة آية اللَّه العظمى المرعشي النجفي «الطبعة الفارسيّة»، نشر المكتبة- قم 1395 ه. ق.

22- الفوائد الرضويّة في أحوال علماء المذهب الجعفري للشيخ عبّاس القمي.

23- الكافي للشيخ محمد بن يعقوب الكليني، نشر دار صعب ودار التعارف للمطبوعات- بيروت 1401 ه. ق.

24- كامل الزيارات لابن قولويه، طبع المطبعة الرضويّة- النجف 1356 ه. ق.

25- لسان العرب لابن منظور الافريقي المصري، نشر أدب الحوزة- قم 1405 ه. ق.

26- لؤلؤة البحرين للشيخ يوسف البحراني، نشر مؤسسة آل البيت عليهم السلام للطباعة والنشر- قم.

27- مدارك الأحكام للسيّد محمد ابن علي الموسوي العاملي، تحقيق ونشر مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث- مشهد 1410 ه. ق.

ص: 35

28- مسالك الأفهام للشهيد الثاني، تحقيق ونشر مؤسّسة المعارف الإسلامية- قم 1413 ه. ق.

29- مستدرك الوسائل للميرزا حسن النوري «الطبعة الحجرية»، نشر المكتبة الإسلامية- طهران.

30- معجم البلدان لياقوت الحموي، نشر دار إحياء التراث العربي- بيروت 1399 ه. ق.

31- من لا يحضره الفقيه للشيخ الصدوق، نشر جماعة المدرّسين في الحوزة العلميّة- قم.

32- نقد الرجال للتفريشي، نشر مكتبة الرسول المصطفى- قم.

33- نيّات الحجّ والعمرة للشهيد الثاني، نشر في مجلّة «ميقات الحجّ» العدد رقم 2- بتحقيقنا-.

34- وسائل الشيعة للشيخ الحرّ العاملي، نشر دار إحياء التراث العربي- بيروت 1403 ه. ق.

الهوامش:

من معالم الحج والزيارة يلملم

ص: 36

ص: 37

ص: 38

ص: 39

ص: 40

ص: 41

ص: 42

ص: 43

ص: 44

من معالم الحج والزيارة يلملم

الدكتور عبد الهادي الفضلي

يلملم معلمة من معالم الحج المهمة لأنه من المواقيت التي وقّتها رسول اللَّه صلى الله عليه و آله، والحديث فيه أو البحث عنه يتطلب تصنيف الموضوع إلى الجوانب التالية:

1- البحث عنه لغوياً.

2- البحث عنه جغرافياً.

3- البحث عنه حديثياً.

4- البحث عنه فقهياً.

فنقول- واللَّه ولي التوفيق-:

يلملم لغوياً:

- (لغات الكلمة):

ذكرت المعاجم التي بين يدي ثلاث لغات (لهجات) للكلمة، هي: (يلملم)، (ألملم)، (يرموم).

ص: 45

وسمعت عند زيارتي للمنطقة من بعض أفراد قبيلة (فَهْم) القاطنين في أرض (الوَدْيان) من مركز يلملم ثلاث لهجات، هي: يلملم وألملم، وململم... ويضيف الهمداني في (صفة جزيرة العرب) ص 326 لهجة أخرى هي: (لملم).

- (جذر الكلمة):

وقد أدّى تعدد اللهجة في هذه الكلمة على الاختلاف بين اللغويين في تحديد جذر الكلمة والمادة الأصلية لها التي تدرج في المعجم تحت عنوانها، ويرجع إليها لمعرفة معناها اللغوي إلى الأقوال التالية:

1- ذهب الأزهري وابن فارس إلى أن الكلمة من المزيد الذي في أوله ياء، قال ابن فارس في (المجمل)- 4/ 943- 944- (باب ما زاد على ثلاثة أحرف أوله ياء): «اليسروع: دويبة تشبّه بها أصابع النساء لنعومتها وبياضها، ويبرين:

موضع، وكذلك [يمؤود] ويلملم...، وسبيل الياء سبيل الهمزة الزائدة في الرباعي والخماسي، لأن الياء إنما يعتبر بها في هذين البابين الحرف الذي بعدها».

وقال في (المقاييس)- 6/ 160-: «فأمّا ما زاد على الثلاثة في هذا الباب مثل (اليربوع) وهي دويبة، و (يبرين) وهو موضع، و (يمؤود) و (يلملم) وهما موضعان، و (اليرندج) وهي جلود سود، وما أشبه ذلك، فإن سبيل الياء في أوائلها سبيل الهمزة في الرباعي والخماسي فانهما زائدتان، وانما الاعتبار بما يجي ء بعد الياء، كما هو الاعتبار في باب الهمزة بما يجي ء بعدها».

ونستخلص منه: أن جذر الكلمة ومادتها عنده (لملم)، والياء في (يلملم) مزيدة، والألف في (ألملم) مبدلة من الياء، وفي (يرموم) زيدت الياء، وأبدلت الراءان من اللامين.

وتابعهما على ذلك المعلم البستاني في (محيط المحيط) فذكر الكلمة بلغاتها الثلاث في مادة (لملم).

2- وذكر ابن منظور في (لسان العرب): يلملم في مادة (يلم)، ويرموم في مادة

ص: 46

(رمم)، ويلملم وألملم في مادة (لمم).

ويعني هذا أن جذر الكلمة عنده ومادتها ثلاثي، وهو بالنسبة إلى كلمة (يرموم): (رمم)، و (يلملم) من غير إبدال (يلم)، وبإبدال يائها همزة (لمم).

وتابعه على ذلك الفيومي في (المصباح المنير) مع فارق اعتباره الأصل في الكلمة (ألملم)- بالهمزة-، والياء في (يلملم) مبدلة من الهمزة، ولذا اعتد جذر الكلمة ومادتها (ألم).

ونسق (المعجم الكبير) نسق (المصباح المنير)، وكذلك (تاج العروس) حيث ذكرت الكلمة فيه في مواد: (يلم) و (لمم) و (رمم).

- (وزن الكلمة):

أما وزن الكلمة فلا خلاف بينهم في أن وزنها (فَعَلْعْلَ)، قال ابن منظور في (اللسان)- مادة يلم-: «قال ابن بري: قال أبو علي: يلملم فَعَلْعَل، الياء فاء الكلمة واللام عينها والميم لامها».

ويدل هذا على أن الياء في الكلمة أصل وليس زائداً، وهو ما ذهب إليه ابن منظور- كما تقدم.

يلملم جغرافياً:

قال البكري في (معجم ما استعجم من أسماء البلدان والمواضع)- 1/ 187:

«أَلملم- بفتح أوله- قال أبو الفتح: هو فَعَلْعَل- بفتح أوله- كصَمَحْمَح، ولا يكون من لفظ لملمتُ، لأن ذوات الأربعة لا تلحقها الزيادة في أولها إلّافي الأسماء الجارية على أفعالها، نحو مُدَحْرج.

ويقال أيضاً: يلملم، وكذلك القول فيه، لأن الياء بدل من الهمزة. وهو جبل من كبار جبال تهامة، على ليلتين من مكة، أهله كنانة، وأوديته تصب في البحر، قال سلمى بن المُقْعَد:

ولقد نزعنا من مجالس نخلة فنجيزُ من حُتُنٍ بياضَ ألملما» وفي 2/ 1398 قال: «يلملم- بفتح أوله وثانيه- جبل على ليلتين من مكة، من جبال تهامة، وأهل كنانة، تنحدر أوديته إلى البحر. وهو في طريق اليمن إلى مكّة، وهو ميقات من حج من هناك.

ويقال: ألملم- بالهمز- وهو الأصل، والياء بدل من الهمزة،- وقد تقدم ذلك في حرف الهمزة-، وقال طُفيل:

وسلهبة تنضو الجياد كأنها رداة تدلّتْ من فروع يلملم وقال ابن مُقبل:

تراعي عنوداً في الريا وكأنها سهيل بدا في عارضٍ من يلملما» وقال الهمداني في (صفة جزيرة العرب): ص 326: «ويلملم: ميقات أهل تهامة.

وجاء في بعض الحديث: ألملم، مكان الياء همزة، قال طُفيل:

وسلهبة تنضو الجياد كأنها رداة تدلت من فروع يلملم وقال: لملم أيضاً».

وقال ياقوت في (معجم البلدان)- 5/ 441-: «يلملم: ويقال:

ألملم- والململم المجموع-: موضع على ليلتين من مكّة، وهو ميقات أهل اليمن، وفيه مسجد معاذ بن جبل.

وقال المرزوقي: هو جبل من الطائف على ليلتين أو ثلاث.

وقيل: هو وادٍ هناك. قال أبو دهبل:

فما نام من راعٍ ولا ارتد سامرٌ من الحي حتى جاوزتْ بي يلملما» وقال البلادي في (معجم معالم الحجاز)- 10/ 28- 29-: «يلملم- ياء مثناة

ص: 47

ص: 48

تحت، مفتوحة، وتكرير اللام والميم-: وادٍ فحلٍ من أودية الحجاز التهامية يأخذ أعلى مساقط مياهه من شفا بني سفيان، على قرابة (30) كيلًا جنوب غربي الطائف، ثم يندفع غرباً في انحدار عميق بين صلاهيج (1) جبال فيمر بالسعدية ميقات أهل اليمن على طريق تهامة، على (100 كيل) جنوب مكّة، فيصب في البحر جنوب جدة على مسافة مرحلتين.

وهو وادٍ متعدد الروافد، منها: حُثُن، ووَدْيان، وتَصِيل، ونُمار، وشكيل، وغيرها كثير ممّا يجعل سيله جارفاً.

وبه بعض الأراضي الصالحة للزراعة، ولكن لم تستصلح بعدُ. ونباته الأراك.

وسكانه: في صدره: فَهْم، وبقية بني صاهلة من هُذيل، وأسفله: المجادلة من بني شعبة من كنانة.

وروافده الشمالية من ديار هُذيل.

فيه مركز حكومي تابع لإمارة الليث، وبه مركز صحي، ومقترح انشاء مدرسة في السعدية، وقد أنشئت، وأنشئت مدرسة بالملاقي حيث الامارة.

وإمارته تضم قبيلة فهم فقط.

أما أسافله ففي السعدية امارة تابعة لقائم مقام مكّة».

وقال في المصدر نفسه ص 29: «يلملم، ويقال: ألملم، والململم المجموع:

موضع على ليلتين من مكّة، وهو ميقات أهل اليمن، وفيه مسجد معاذ بن جبل.

وقال المرزوقي: هو جبل من الطائف على ليلتين أو ثلاث.

وقيل: هو وادٍ هناك، قال أبو دهبل:

فما نام راعٍ ولا ارتد سامرٌ من الحي حتى جاوزتْ بي يلملما (2) وقال البكري: من جبال تهامة، وأهله كنانة، تنحدر أوديته إلى البحر، وهو في طريق اليمن إلى مكّة، وهو ميقات من حج من هناك، ويقال: ألملم- بالهمزة-


1- 1 صلاهيج: جمع صَلْهَج وهي الصخرة العظيمة.
2- 2 إلى هنا- ممّا ذكره البلادي- هو نصّ عبارة ياقوت المنقولة في أعلاه، ولا أدري لماذا لم يُشر البلادي إلى ذلك؟

ص: 49

وهو الأصل، والياء بدل من الهمزة- وقد تقدم في حرف الهمزة-، وقال طُفيل:

وسلهبةٍ تنضو الجياد وكأنها سهيل بدا في عارض من يلملما». وجاء في (المعجم الكبير)- مادة ألملم-: «ألملم (فَعَلْعَل): جبل من جبال تهامة على ليلتين من مكّة (نحو 60 ك. م)، وهو ميقات أهل اليمن وأهل تهامة في الحج.

وأهله كنانة، وأوديته تصب في البحر».

وفي (محيط المحيط)- مادة لملم-: «ويلملم أو ألملم أو يرمرم: ميقات أهل اليمن، وهو جبل على مرحلتين من مكة».

وفي (المصباح المنير)- مادة ألم-: «وألملم: جبل «في» تهامة، على ليلتين من مكّة، وهو ميقات أهل اليمن».

وفي (النهاية)- لابن الأثير-: «يلملم: فيه ذكر (يلملم) وهو ميقات أهل اليمن، بينه وبين مكّة ليلتان».

وقال الزبيدي في (تاج العروس)- مادة لمم-: «ويلملم وألملم أو يرموم، الثانية على البدل، ميقات أهل اليمن، للاحرام بالحج، وهو جبل على مرحلتين من مكّة، وقد وردتُهُ».

ونستنتج من هذا:

1- أن الجغرافيين واللغويين القدامى اتبعوا في تحديد موقع (يلملم) الطريقة المألوفة لديهم قديماً، وهي اعتبار الوحدة القياسية للمسافة بين منزلين (والمنزل- هنا- يراد به ما تنزله القوافل اثناء قطعها للمسافات) الليلة، ويريدون بها الامتداد المكاني الذي يقطعه السائر في نحو ليلة زمنية.

وقد يطلقون على الليلة باعتبارها وحدة قياسية للمسافة المرحلة- كما رأينا في نص التاج-.

ص: 50

وتقدر الليلة بالكيلومتر (الوحدة القياسية المتعارفة الآن في بلداننا الاسلامية) ب (50 كم)- خمسين كيلومتراً- قد تنقص قليلًا، نظراً لاختلاف الطرق التي كانت تسلك قديماً سهولة وحزونة.

2- ان يلملم منزل من منازل الطريق بين مكّة المكرّمة واليمن، ويبعد عن مكّة بمرحلتين أو ليلتين، أي: بينه وبين مكّة المكرمة حوالى (100 كم)- مئة كيلومتر-.

وقدّرت المسافة في بعض المناسك- أمثال: منسك الشيخ محمد طاهر الخاقاني ومنسك الشهيد الصدر ومنسك السيد الگلبايگاني- ب (94 كم)- أربعة وتسعين كيلومتراً.

وهنا لابدّ من التنبيه علماً أن لليمن إلى مكّة المكرّمة ثلاثة طرق، هي:

1- طريق تهامة، وهو الذي يمر بيلملم.

2- طريق صنعاء- صعدة، ويمر ببيشة فوادي تُرَبَة فقرن المنازل فمكة.

3- طريق حضرموت- نجران، ويلتقي مع الطريق الثاني بقرن تثليث، فيمر أيضاً بقرن المنازل.

فالطريق المقصود هنا هو طريق تهامة.

ومنازله- كما في (مناسك) الحربي ص 643- هي: صنعاء- جازان- الليث- يلملم- مكّة.

وعليه تكون النتيجة: إنّ لمعرفة موقع يلملم أمارتين هما:

أ- وقوعه على طريق اليمن- مكّة التهامي.

ب- وعلى بُعد مرحلتين أو ليلتين من مكّة.

وقد قمت في يوم الأحد 15/ 6/ 1409 ه الموافق 27/ 1/ 1989 م برحلة استطلاعية بغية إجراء دراسة ميدانية للموقع الراهن.

غادرت جدة الساعة الثامنة صباحاً بسيارة (جيب تويوتا)، وكان معي

ص: 51

ابناي معاد وفؤاد وابنا عمتهما وهما السيدان حسن وحسين الخليفة، وسلكنا من مكّة المكرّمة الطريق الساحلي الذي يعرف بطريق الليث، وطريق اليمن الساحلي.

وأهم المدن التي يمر بها الطريق، هي: مكّة المكرّمة- القنفذة- جيزان- حرض (وهو جمرك الحدود السعودية)- اليمن.

وبعد 100 كم من مكّة تقع على يمين الطريق محطة بنزين تعرف ب (محطة الطَفيل)- بفتح الطاء-، ويقابلها على يسرة الطريق مسجد حديث من انشاء الحكومة السعودية للاحرام منه باعتباره محاذياً للميقات، إلّاانه كان مغلقاً ومهملًا حال وصولنا إليه؛ لعزوف الحجاج عن الاحرام منه بسبب عدم تيقنهم محاذاته للميقات.

وبعد 110 كم من مكة وعلى يمين الطريق أيضاً هناك محطة تسمى (محطة المجيرمة)، وتحاذي هذه المحطةُ مركزَ السعدية الآتي ذكره بعد قليل.

وبعد 126 كم من مكة على يسار الطريق محطة ثالثة معروفة ب (محطة الميقات) لأنها تحاذي ميقات يلملم، وقد أشير إلى هذا في لوحة منصوبة على حافة الطريق، وفيها مسجد من الطين رجع بناؤه إلى عهد قريب، وآخر من البناء الجاهز من إنشاء الحكومة السعودية، وحمامات بدائية مصنوعة من الخشب العادي لاغتسال الحجاج، ينقل إليها الماء يدوياً من صهاريج من الصفيح قريبة من المقهى، وفيها أكثر من مقهى وأكثر من بقالة لبيع المواد الغذائية وملابس الاحرام، وأكثر من مطعم، وكلها من النوع الشعبي البدوي.

وعندما وصلنا إلى محطة الطَفيل المذكورة في الساعة العاشرة قبل الظهر انحدرنا يسرة الطريق العام من منعطف قبيل المسجد المغلق- المشار إليه- في طريق ترابية ممهدة تمهيداً يسيراً.

وسار بنا هذا الطريق آخذاً إلى اليمن حتى صب- بعد مسافة قصيرة- في وادي يلملم.

ص: 52

وبعد أن قطعنا حوالى 25 كم من هذا الطريق وصلنا إلى مركز (السعدية).

ورأينا في هذا المركز على حافة الوادي اليمنى بستاناً لأحد أهالي مكة كما قال لنا شخص كان يستقي الماء هناك.

وعلى مقربة من حافته اليسرى رأينا بئراً عميقة وقديمة، عليها مضخة كهربائية تنقل الماء إلى خزان منصوب على حافة الوادي اليسرى، وفي داخل البئر على الجهة المقابلة للقبلة صخرة ملصقة في جدارها كتب عليها العبارة التالية:

«هذه بئر العلي سلطان الهند ذي الإجلال محمد علي خان رحمه اللَّه. صلى اللَّه على محمد وآله. سنة 711».

وعلى حافة الوادي اليسرى قريباً من البئر مسجد حديث ومدرسة ومستوصف، وهي من منشآت الحكومة السعودية، وبقالة وورشة لإصلاح السيارات.

وبعد بئر السعدية بحوالى كيلوين بئر اخرى مندثرة، وبالقرب منها على حافة الوادي اليسرى قلعة حربية صغيرة، تشبه تماماً في تصميمها العام وأحجارها وألوانها محطة قطار الحجاز بالمدينة المنورة، كتب على إحدى أحجارها: «991 محمد علي پركسحاي (؟)...».

ودلفنا إلى يلملم مع الوادي، وبعد مسافة غير قليلة ضللنا الطريق خارجين من الوادي إلى حَرّة على مرتفع حافته اليسرى، ثم وبعد السؤال من رعاة هناك اهتدينا إلى الطريق وهبطنا الوادي ثانية، حتى انتهى بنا بعد خمسة وعشرين كيلومتراً من السعدية، إلى الوَدْيان، وهو مركز يلملم.

وفيه محطة بنزين وعدة بقالات ومطعمان ومقهى ومسجد حديث من إنشاء الحكومة السعودية سنة 1402 ه، ومدرسة للبنات وأخرى للبنين ومركز حكومي للإمارة، مكتوب على لوحته: (مركز إمارة يلملم التابعة لإمارة الليث)، وإمارة الليث تتبع إمارة مكّة المكرّمة.

ص: 53

وفيه أيضاً بعض الورش لاصلاح السيارات ولصناعة الأبواب والشبابيك الحديدية، وورش نجارة.

كما أن فيه بيوتاً قليلة بدوية المادة والبناء.

ويشرف على المركز في شرقي جنوبه جبل يلملم، ويسميه أبناء الوادي (يلملم) و (الوعرة) (1).

وقمنا بتصوير الجبل وبعض المرافق كالمسجد والمستوصف ومدرسة البنين.

وكان وصولنا إليه في الساعة الثانية عشرة قبيل الظهر بنصف ساعة.

وبعد أن تناولنا الغداء في أحد مطعميه، عدنا يضمنا بطن الوادي، الذي مررنا فيه على كثير من شجر السُمُر والأراك.

ورأينا في جزء منه عين تنز الماء نزاً، ويسيل منها إلى مسافة لا تقل عن أربعة أو خمسة كيلومترات وسط نهر صغير.

وشاهدنا في أكثر من موضع في الوادي، وفي الحِرار على حافتيه محارق لصنع الفحم من أخشاب شجر الوادي، يعمل فيها سكان الوادي، وهي على الطريقة البدائية: حفرة صغيرة لا تزيد على مترين في ثلاثة أمتار، يطرح فيها الخشب ويغطى بشي ء من الأعشاب اليابسة، ثمّ يلقى عليه قليل من النفظ لإشعال النار، وتغلق الحفرة بالصفيح، ويستمر الإحراق نهاراً كاملًا.

وابتعنا كيساً كبيراً من الفحم بخمسين ريالًا للاستعمال المنزلي.

وصلينا الظهر في مسجد السعدية، ووصلنا إلى جدة الساعة الرابعة عصراً، والحمد للَّه على التوفيق والسلامة.

ولا يفوتني أن أشير إلى أن سكان الوادي من جهة يلملم قبيلة (فَهْم)، ومن جهة السعدية قبيلة (الجحادلة).

(نتائج الاستطلاع):

1- أن وادي يلملم يبدأ من سفح جبل يلملم ضيقاً ثم يتسع شيئاً فشيئاً حتى


1- 1 يقال جبل واعر لصلابة وحزونة مرتقاه، ولعل التسمية اخذت من هذا.

ص: 54

يتلاشى بعد السعدية وقبيل الطريق الساحلي العام، ليلتقي مع أودية أخرى تصب جميعها في البحر الأحمر.

2- أن قمة جبل يلملم تشبه في شكلها الاسطواني قمة جبل النور بمكّة المكرّمة.

3- لم نهتد إلى رؤية أثر من بقايا طريق اليمن القديم المار بيلملم مباشرة، الذي ذكره غير واحد من الجغرافيين والمؤرخين، ومنهم الحربي في (المناسك)- كما تقدّم-.

وممن ذكره الهمداني في (صفة جزيرة العرب) ص 341 قال: «محجة صنعاء إلى مكّة- طريقة تهامة: من صنعاء: صِلِيت من البون ثم الموبد ثم أسفل العرقة وأخرف ثم الصرجة ثم رأس الشقيقة ثم حرض ثم الخصوف من بلد حكم ثم البحر ثم عثر ثم بيض ثم زنيف ثم ضنكان ثم المعقد ثم حكي ثم الجو ثم الجوينية من قنونا وتسمى القناة ثم دوفة وهي للعبديين من بقايا جرهم ثم إلى السرين ثم المعجز ثم الخيال ثم إلى يلملم ثم ملكان ثم مكّة. هذه طريق الساحل.

والمحجة القديمة إلى حَلي العليا وتسمى حَلية، وإليها ينسب أسود حلية، وهي التي يعني الشنفري بقوله:

بريحانة من بطن حلية نوّرتْ لها أرج من حولها غير منستِ ثم إلى عشم ثم على الليث ومركوب إلى يلملم».

4- رأينا آثاراً تدل على أن طريق الحاج كان يمر بالسعدية- التي هي محاذية ليلملم على بعد 25 كم- منها: اصلاح بئرها، والبئر الأخرى الواقعة قريباً منها، والقلعة الحربية.

ويستنتج من نسبة إنشاء بئر السعدية والقلعة بعدها إلى الهنود أن حجاج الهند كانوا يمرون من هنا.

ص: 55

ويؤيد هذا ما جاء في محاضرة للاستاذ حسن بن ابراهيم الفقيه عميد الكلية المتوسطة بالقنفذة، التي ألقاها في قاعة المسرح بمقر قيادة سلاح الحدود بالقنفذة، ونشر عدد الأربعاء الأسبوعي من جريدة (المدينة)- التي تصدر بجدة- تعريفاً لها ومقتطفات منها، بتاريخ 23 رجب سنة 1409 ه، وعنوانها: (القنفذة مدينة قديمة يعود تاريخها إلى القرن الثامن الهجري)، فقد جاء فيها: «وتسجل بعض الوثائق التاريخية استخدام مينائها (ميناء القنفذة) باباً لمكّة المكرّمة يدخل عن طريقه حجاج جنوب الجزيرة العربية وحجاج جنوب شرق آسيا وخاصة حجاج الهند».

ولعل ما جاء في (كتاب الفقه على المذاهب الأربعة)- 1/ 640- من أن يلملم ميقات لأهل اليمن والهند، يشير إلى هذا أيضاً ويؤكده.

ويعني هذا أن الطريق القديم المار بيلملم مباشرة تحول إلى طريق السعدية، ثمّ تحول إلى الطريق الساحلي الحاضر.

وبين طريق يلملم الراهن 25 كم، فيكون بين موضع المحاذاة في الطريق الراهن وجبل يلملم 50 كم.

وممّن أشار إلى اتخاذ حجاج اليمن موضع السعدية محرماً المؤرخ التركي أيوب صبري باشا في كتابه (مرآة جزيرة العرب)- 2/ 246- ترجمة الدكتور أحمد فؤاد متولي والدكتور الصفصافي أحمد المرسي، فقد جاء فيه تحت عنوان: (بداية المحمل اليمني وانقطاعه): «بدأ الوزير مصطفى باشا والي اليمن ينظم موكب المحمل الشريف باسم محمل صنعاء اليمن منذ سنة 963 ه بعد الفرمان الصادر بهذا الخصوص، والذي يسمح له بذلك، وعند وصول المحمل المذكور إلى مكّة المكرّمة كان المرحوم الشريف حسن يستقبله في (بركة ماجن) ثم يدخل المدينة.

تتحرك القوافل من (جبس) وتتجه نحو زبيد وتبقى في موقع (المخا) الواقع في الجنوب من الموقع السابق.

ص: 56

وتتحرك القافلة من زبيد متجهة نحو مرحلة (رفع) ومنها إلى (بيت العقبة الصغير) ومن هناك إلى (قطيع) ومنها إلى (المنصورية) ثم قلعة (فراوع) ومنها إلى (غاغية) ثم تنزل القوافل في (بيت الفقيه الكبير).

وأحياناً يسلك حجاج صنعاء طريق بلاد (حباب وطويلة وبلاد بني الخياط وبلاد بني الأهلية) ثم يواصلون سيرهم في الطريق المعتاد.

وتتجه القوافل التي ترد من أحد هذين الطريقين من بيت فقيه إلى (صعلب) ومنها إلى (دومة)، ومن هناك إلى (حيوان) وبعدها إلى (عالية)، ومنها إلى (أبو عريش) ثم (سلامة)، ومنها إلى (ربيش) ومن هناك إلى (نماو) ومن نماو إلى (عتود) ومنها إلى (شفيق) ثم (أبيار)، ومن هناك إلى (دهيان) حيث تحط القوافل رحالها تستريح وتتزود بزاد الطريق.

وتكثر الأشجار المسماة (شجر المقل) في أراضي مرحلة دهيان هذه.

وتدخل قوافل الحج التي تغادر دهيان إلى منزل (بركة) التي من جملة آثار عمرو بن منصور من ملوك بني رسول.

ثم تتحرك القوافل نحو (شفق)، ومنها تعاود سيرها حتى تنزل في استراحة (قنوتا)، وهذه الاستراحة في وادٍ مياهه وفيرة، وله اسم آخر هو (الواديين).

وتصل القوافل التي تغادر مرحلة قنوتا إلى (ليثة) [/ الليث]، ثم منزل (هصم) المشهور بكثرة مائه، ثم تصل مرحلة (سعدية) التي تعد ميقات سكان تهامة اليمن.

وتعتبر مرحلة سعدية هذه من أكثر المراحل ماء، وتبعد عن منزل (يلملم) ثمانية عشر ميلًا».

5- أن ما يعرف الآن بمحطة الميقات، والتي هي محرم الحاج في عصرنا هذا، لا تحاذي السعدية، ولكن بالإمكان أن تحاذي يلملم لانعطاف الوادي.

والمحطة التي تليها والتي تعرف بمحطة المجيرمة تحاذي السعدية، ولأنها تحاذي

ص: 57

السعدية تحاذي يلملم أيضاً.

أما محطة الطفيل فتحاذي السعدية ويلملم معاً، وقد أنشأت الحكومة السعودية فيها مسجداً ليكون المحرم المحاذي، ولكن عزوف الحاج اليماني عنه واستمراره على الإحرام من محطة الميقات، استدعى الحكومة غلقه والإعراض عنه.

يلملم حديثياً:

ورد توقيت (يلملم) محرماً في الأحاديث التي تكفلت بذكر المواقيت الخمسة، وهي أمثال:

- صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد اللَّه الصادق عليه السلام: قال: «من تمام الحج والعمرة أن تحرم من المواقيت التي وقتها رسول اللَّه صلى الله عليه و آله، لا تجاوزها إلّاوأنت محرم، فإنه وقت لأهل العراق- ولم يكن يومئذ عراق- بطن العقيق من قبل أهل العراق، ووقّت لأهل اليمن يلملم، ووقّت لأهل الطائف قرن المنازل، ووقّت لأهل المغرب الجحفة- وهي مهيعة- ووقّت لأهل المدينة ذا الحليفة، ومن كان منزله خلف هذه المواقيت من ما يلي مكة فوقته منزله» (1).

- حسن الحلبي عن أبي عبداللَّه الصادق عليه السلام: «الإحرام من مواقيت خمسة، وقتها رسول اللَّه صلى الله عليه و آله، لا ينبغي لحاج ولا لمعتمر أن يحرم قبلها ولا بعدها.

وقّت لأهل المدينة ذا الحليفة وهو مسجد الشجرة، يصلى فيه ويفرض الحج، ووقّت لأهل الشام الجحفة، ووقّت لأهل نجد العقيق، ووقّت لأهل الطائف قرن المنازل، ووقّت لأهل اليمن يلملم، ولا ينبغي لأحد أن يرغب عن مواقيت رسول اللَّه صلى الله عليه و آله» (2).

وبهذين الحديثين الشريفين وأمثالهما احتج فقهاؤنا على مشروعية توقيت يلملم محرماً، وشرعية الإحرام منه.

وهناك أحاديث أخرى ذكر فيها أن وقت أهل اليمن هو قرن المنازل، كالذي


1- 1 الوسائل: الباب الأول من اليواقيت.
2- 2 الوسائل: الباب الأول من اليواقيت.

ص: 58

رواه عبداللَّه بن جعفر في (قرب الإسناد) عن أحمد بن محمد بن عيسى عن الحسن ابن محبوب عن علي بن رئاب، قال: سألت أبا عبداللَّه (الصادق) عليه السلام عن الأوقات التي وقتها رسول اللَّه صلى الله عليه و آله للناس، فقال: إن رسول اللَّه صلى الله عليه و آله وقّت لأهل المدينة ذا الحليفة وهي الشجرة، ووقّت لأهل الشام الجحفة، ووقّت لأهل اليمن قرن المنازل، ولأهل نجد العقيق» «1».

والجمع بين الطائفتين من أحاديث التوقيت لأهل اليمن، هو أن الأحاديث التي ذكر فيها أن يلملم هو وقت أهل اليمن أريد بها من يمر من أهل اليمن على طريق تهامة- وهو الطريق الساحلي- والأول من الطرق الثلاثة التي ذكرتها آنفاً نقلًا عن (مناسك الحربي).

أما الأحاديث التي ذكر فيها أن ميقات أهل اليمن هو قرن المنازل، فأريد بها من يسلك من أهل اليمن أحد الطريقين الآخرين اللذين يمران بقرن المنازل، وهما:

طريق صنعاء- صعدة، وطريق حضرموت- نجران، أو غيرهما من الطرق المارة بالطائف.

وبهذا تكون الأحاديث بمجموعتيها قد غطّت جميع الطرق من اليمن إلى مكّة المكرّمة، التي كانت على عهد رسول اللَّه صلى الله عليه و آله أو في العصر الإسلامي الأول وما بعده حتى عصرنا هذا.

يلملم فقهياً:

واستناداً إلى النصوص الشرعية المتقدّمة وأمثالها أفتى فقهاؤنا بمشروعية اعتبار يلملم محرماً، وبشرعية الإحرام منه، ولا خلاف بينهم في ذلك.

وقد اختلفت عباراتهم في التعبير عن ذلك بين مطلق ومقيد، ومنها:

- ما جاء في (المقنع) و (الهداية) للصدوق و (النهاية) و (الجمل) للطوسي و (الشرائع) للمحقق: «ولأهل اليمن يلملم».

- وفي (المقنعة) للمفيد: «ووقّت لأهل اليمن يلملم، وهي ميقاتهم وميقات كلّ (1)


1- 1 الوسائل: الباب الأول من اليواقيت.

ص: 59

من صحبهم من الحاج في طريقهم ومرّ عليه».

- وفي (الجمل) للمرتضى و (الكافي) لابن الصلاح و (المراسم) لسلّار و (الجامع) لابن سعيد: «وميقات أهل اليمن يلملم».

- وفي (الاصباح) للصهرشتي و (الغنية) لابن زُهرة: «ولمن حجّ على طريق اليمن يلملم».

- وفي (المهذب) لابن البراج: «ويلملم وذلك ميقات أهل اليمن ومن حجّ على طريقهم».

- وفي (السرائر) لابن إدريس: «ووقّت لأهل اليمن جبلًا يقال له يلملم، ويقال ألملم».

- وفي (الإشارة) لابن أبي الفضل: «أو يلملم ويختص باليمنيين ومَن نحا نحوهم».

- وفي (الوسيلة) لابن حمزة: «والرابع ميقات أهل اليمن وهو يلملم».

- وفي (القواعد) للعلّامة و (الابتهاج) لآل عصفور: «ولليمن جبل يقال له يلملم».

- وفي (اللمعة) للشهيد: «ويلملم لليمن» (1).

- وفي (الهداية) لفتاوى الشيخ يوسف البحراني: «ويلملم لأهل اليمن ومَن والاهم».

- وفي (العروة) لليزدي: «الرابع يلملم وهو لأهل اليمن».

- وفي (المنهاج) للحكيم: «الخامس يلملم وهو ميقات أهل اليمن ومَن عبر على طريقهم إلى مكّة من أهل الآفاق الأخر».

- وفي (المنهج) للخنيزي: «ويلملم لأهل اليمن».

- وفي (المناسك) للخوئي: «الرابع يلملم وهو ميقات من أراد الحج عن طريق اليمن».


1- 1 انظر: مجموعة الحج اعداد الشيخ علي اصغر مرواريد ط. 1 سنة 1406 ه.

ص: 60

- وفي (الموجز) للصدر: «الرابع يلملم» وهو جبل من جبال تهامة، ويقال إن بعده عن مكّة يقدر بأربعة وتسعين كيلومتراً».

- وفي (الرسالة) للخاقاني: «الميقات الرابع يلملم وهو ميقات أهل اليمن وكلّ مَن جاء على طريق يلملم وجب عليه الإحرام منه، ويبعد هذا الميقات عن مكة بأربعة وتسعين كيلومتراً».

- وفي (المناسك) للگلبايگاني: «خامساً يلملم وهو جبل من جبال تهامة، ويبعد عن مكّة المكرّمة أربعة وتسعين كيلومتراً تقريباً، وهو ميقات أهل اليمن ومن يمرّ على طريقهم إلى مكّة من أهل الآفاق والأقطار والأمصار الأخرى» (1).

أطلت بذكر الفتاوى لأُنبه على شي ء مهم هنا، وهو أن جميع هؤلاء المفتين قصروا ميقات أهل اليمن على يلملم، والأمر- كما رأينا في النصوص الشرعية من الروايات المذكورة في أعلاه وأمثالها- ليس كذلك، لأن لليمن طرقاً أخرى لا تمرّ على يلملم، وانها تسلك إلى الطائف حيث يكون الميقات قرن المنازل، والمحرم المحاذي وادي محرم.

ولأن الفتاوى- عادة- يفتى بها ليعمل المقلِد على وفقها، كان على المفتى تعرف طرق اليمن أولًا والمنازل التي تمر بها إلى مكّة، ثم الإفتاء في ضوء هذا.

فكان الذي ينبغي أن يعبّر به للافتاء أن يقال: (يلملم: ميقات من يسلك طريق اليمن التهامي (أو الساحلي) ماراً به- سواء كان من أهل اليمن أو تهامة أو غيرهما).

وليس هذا الأمر من الإطلاق في التعبير قاصراً على فقهاء الإمامية، فقد رأيت فيما لدي من كتب الفقه السني ما يشارك كتبنا الفقهية في هذا، ومنه:

- ما جاء في (المحلى) لابن حزم 7/ 70: «ولمن جاء على طريق اليمن منها أو من جميع البلاد يلملم، وهو جنوب مكّة، ومنه إلى مكّة ثلاثون ميلًا».

- وفي (الروض المربع) للبهوتي: «وميقات أهل اليمن يلملم، بينه وبين مكّة


1- 1 لم اذكر أرقام الصفحات من هذه الكتب المنقول عنها؛ لان موضوع المنقولات معلوم وهو المواقيت.

ص: 61

ليلتان».

- وفي (كتاب الفقه على المذاهب الأربعة) 1/ 640: «والميقات لأهل اليمن والهند يلملم- بفتح اللامين وسكون الميم بينهما- وهو جبل من جبال تهامة على مرحلتين من مكة».

- وفي (فقه السنة) لسيد سابق: «وميقات أهل اليمن يلملم، جبل يقع جنوب مكّة، بينه وبينها 54 كيلومتراً».

- وفي (التحقيق والإيضاح) لابن باز: «الرابع يلملم وهو ميقات أهل اليمن».

نعم، يستثنى من هذه الملاحظة الإمام الشافعي رضى الله عنه فقد تنبه لذلك، وكانت عباراته وافية بالمطلوب، وشاملة لطرق اليمن جميعها.

وقد يرجع هذا إلى أنه ابن مكّة، فهو أعرف من سواه بالطرق المؤدية إليها، قال في (الأُم) 1/ 152- 153: «وان قوله (يهل أهل المدينة من ذي الحليفة) إنما هو لأنهم يخرجون من بلادهم وقد يكون ذو الحليفة طريقهم وأول ميقات يمرون به.

وقوله: (وأهل الشام من الجحفة) لأنهم يخرجون من بلادهم والجحفة طريقهم وأول ميقات يمرون به، ليست المدينة ولا ذو الحليفة طريقهم، إلّاأن يعرجوا إليها.

وكذلك قوله في أهل نجد واليمن، لأن كلّ واحد منهم خارج من بلده، وكذلك أول ميقات يمرون به.

وفيه معنى آخر أن أهل نجد اليمن يمرون بقرن، فلما كانت طريقهم، ولم يكلفوا أن يأتوا يلملم، وأن ميقات يلملم لأهل غور اليمن وتهامتها ممّن هي طريقهم».

- وهنا ملاحظة ثانية هي أن تقدير المسافة بين يلملم ومكة ب (54 كم) أو (94 كم) لا تصدق على الطريق السالك بينهما في عصرنا هذا، وإنما المراد بها الطريق القديم الذي يمر بيلملم مباشرة قبل اندثاره.

ولأن المناسك والكتب الفقهية التي ذكرت فيها هذه التقديرات لفقهاء

ص: 62

معاصرين كان ينبغي لهم تقدير المسافة وفق واقعها الحاضر.

والواقع الحاضر هو أن المسافة بين مكّة المكرّمة ومن موضع المحاذاة إلى جبل يلملم في مركز يلملم (الوَدْيان) حوالى 50 كم.

ولهذا لابدّ من ذكر الطرق الراهنة السالكة إلى مكة من اليمن وتهامة؛ لأضعها بين يدي الفقهاء الأجلاء للإفادة منها في مجال الإفتاء، وهي:

1- اليمن- جيزان- القنفذة- قرن المنازل

المخواة- الباحة- الطائف (السيل الكبير) مكة

الليث- مفرق المُضيليف وادي محرم

محاذاة يلملم- مكة

قرن المنازل (السيل الكبير)- مكة

المخواة- الباحة- الطائف وادي محرم- مكة

2- اليمن- جيزان- محايل المضيليف- محاذاة يلملم- مكة

3- اليمن- جيزان- أبها الباحة- الطائف قرن المنازل (السيل الكبير)- مكة

وادي محرم- مكة

محايل المخواة- الباحة- الطائف قرن (السيل)- مكة

وادي محرم- مكة

المضيليف- محاذاة يلملم- مكة

وبعد هذه التطوافة العلمية لابدّ من التلميح للترويح بتطوافة أدبية نذكر فيها بعض الشعر العربي ورد فيه ذكر يلملم، فقد تغنى الشعراء العرب به مثله مثل المعالم

ص: 63

والمعاهد العربية الأخرى... ومنه:

- قول أبي دَهْبَل وهب بن زمعة الجمحي (ت 63 ه) يصف ناقة له «لم يكن في زمانها أسير منها ولا أحسن» (1):

خرجتُ بها من بطن مكّة بعدما أصات المنادي للصلاة وأعتما

فما نام من راعٍ ولا ارتد سامر من الليل حتى جاوزتْ بي يلملما

وما ذرَّ قرن الشمس حتى تبينت بقليبَ نخلًا مشرفاً ومخيّما

ومرَّتْ ببطن الليث تهوي كأنها تبادر بالإصباح نهباً مقسّماً

وجازت على البزواء والليل كاسر جناحيه بالبزواء ورداً وأدهما

فقلت لها قد تعتِ غير ذميمة وأصبح وادي البِرْك غيثاً مديما - قول سلمى بن المقعد:

ولقد نزعنا من مجالس نخلة فنجيزُ من حُثُنٍ بياضَ ألملما - قول طُفيل:

وسلهبة تنضو الجياد كأنها رداة تدلت من صخور يلملم - قول ابن مُقبل:

تراعي غوداً في الرواة كأنها سهيل بدا في عارض من يلملما - قول السيد جعفر الحلي:

والليل يشهد لي بأني ساهر إن طاب للناس الرقاد وهوموا

من قرحة لو أنه بيلملم نسفت جوانبه وساخ يلملم - وقول شاعر الحجازيات الشريف الرضي من قصيدة له في رثاء والده


1- 1 الشعر والشعراء 390، ط. ابريل ليدن 1902 م.

ص: 64

الحسين الموسوي المتوفى سنة 400 ه والتي مطلعها:

وسمتك حالية الربيع المرهم وسقتك ساقية الغمام المرزم ملأ الزمان منائحاً وجرائحاً خَبَطاً ببؤسي في الرجال وأنعم

واستخدم الأيام في أوطاره فليفن أبعد غاية المستخدم

اليوم أغمدتُ المهندَ في الثرى ودفنتُ هَضْبَ متالعٍ ويلملم - وقوله الآخر:

إني وإن ضرب الحجابُ بطوده أو حال دونك يذبلٌ ويلملمُ

لأراك في مرآة جودك مثلما يلقى العيانَ الناظر المتوسم - ومن قصيدة يهنئ بها الوزير أبا منصور محمد بن الحسن بالمهرجان سنة 378 ه:

إلى كم تَصبّاني الغواني وبينها وبيني عفاف مثلُ طود يلملم الهوامش:

شروط حجّ المرأة في بحث فقهي مقارن

ص: 65

شروط حجّ المرأة في بحث فقهي مقارن

حسن محمد

حسن محمد

لوجوب فريضة الحج على كلّ من الرجل والمرأة شروط أربعة ذكرها الفقهاء وهي: البلوغ والعقل والحرية، والاستطاعة. وهذه الشروط عليها إجماع علماء الإسلام من كلا الفريقين، وقامت عليها أدلّتهم المفصّلة. فمن الكتاب الكريم وللَّه على الناس حجّ البيت من استطاع إليه سبيلًا (1)

ومن السنّة ذكر كلا الفريقين روايات من طرقه الخاصة على ذلك. كما اتفقت كلمتهم على أنه لا يشترط إذن الزوج للزوجة في الحج الواجب كما لا يجوز له منعها عنه لولا أن علق بعض العامة- كما سنرى- وجوب الحج على إذن الزوج. هذا كله كان محلّ اتفاق بينهم، إلّا أن الخلاف وقع بينهم في شرطين آخرين لوجوب الحج يختصّان بالمرأة، وهذان الشرطان هما:

الشرط الأول: أن يكون معها زوجها أو مَحْرم لها أو نسوة ثقات.

الشرط الثاني: ألا تكون معتدة عن طلاق أو وفاة.

وقد ترتبت على ذلك الخلاف بين فقهاء المسلمين أقوال متعدّدة تبعاً لأدلتها


1- 1 آل عمران: 97.

ص: 66

نوجزها في هذه المقالة:

الشرط الأول

أقوال فقهاء الفرق الإسلامية:

1- الإمامية: إن ما ذهب إليه فقهاء الإمامية هو أنه ليس هناك فرق في وجوب الحج بين الذكر والانثى والخنثى بعد حصول سببه وهو الاستطاعة.

فلا يشترط إذن الزوج للزوجة في الحج إذا ما توفرت لها الاستطاعة. كما لا يشترط لوجوب الحج عليها وجود الزوج أو المحرم لها ويكفي أمن السلامة، وعدم الخوف عليها إذا حجّت وحدها بدون زوج أو محرم (1).

1- إذن الزوج:

لا يشترط إذن الزوج للزوجة في الحج إذا ما توفرت لها الاستطاعة، ولا يجوز له منعها منه، كما أن منعه ليس معيقاً لسفرها، هذا في الحج الواجب، وكذا في الحجّ النذري ونحوه، إذا كان مضيّقاً، وفي المندوب يشترط إذنه، وفي الحج الموسّع قبل تضييقه على الأقوى، وكذا في حجة الإسلام له منعها من الخروج مع أول الرفقة مع وجود أخرى قبل تضييق الوقت (2). وهذا ما عليه فقهاء الإمامية، وإن كان هناك تأملٌ في الحج النذري.

الروايات:

- عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال: سألته عن امرأة لم تحج ولها زوج، وأبى أن يأذن لها في الحج، فغاب زوجها، فهل لها أن تحجّ؟

قال: لا طاعة له عليها في حجّة الإسلام (3).

- عن معاوية بن وهب، قال: قلت لأبي عبد اللَّه عليه السلام: امرأة لها زوج فأبى أن يأذن لها في الحجّ، ولم تحجّ حجّة الإسلام، فغاب عنها زوجها وقد نهاها أن تحجّ.

فقال: لا طاعة له عليها في حجّة الإسلام ولا كرامة، لتحجّ إن شاءت (4).


1- 1 المختصر النافع ص 103، الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية 1/ 161، الشرائع 1/ 168، الجواهر 17/ 330.
2- 2 تحرير الوسيلة للإمام الخميني قدس سره 1/ 384.
3- 3 الوسائل باب: 59 من أبواب وجوب الحج، الحديث 1.
4- 4 الوسائل باب: 591 من أبواب وجوب الحج، الحديث 3.

ص: 67

- عن زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام قال: سألته عن امرأة لها زوج وهي صرورة، ولا يأذن لها في الحجّ.

قال: تحجّ وإن لم يأذن لها (1).

- وعن الصادق عليه السلام قال: تحجّ وإن رغم أنفه (2).

- وفي رواية أخرى: قال عليه السلام: ليس للزوج منعها من حجّة الإسلام، وإن خالفته وخرجت لم يكن عليها حرج (3).

- وقال عليه السلام: لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.

وأيضاً: لا تسخطوا اللَّه برضا أحد من خلقه، ولا تتقربوا إلى الناس بتباعد من اللَّه. وعن علي عليه السلام قال: لا دين لمن دان بطاعة مخلوق في معصية الخالق (4).

وفي هذا الأمر قال بعض الفقهاء: إنّ ترك الواجب معصية ولا ريب في ذلك، فكيف يكون للزوج الحق في أن يبطل ما صار واجباً بحق غيره وهو لا يستطيع إبطاله بحق نفسه؟ ثمّ إن المولى- سبحانه وتعالى- يعطي سلطنة للآخرين فيما لا يتعارض وسلطنته. والواجبات المفروضة جزء من سلطنته فكيف يمنع ما يعارضها ويناقضها إلّافي حالة التخلي عنها وهذا لا دليل عليه؟!

هذا فيما إذا وجبت عليها حجة الإسلام، وأما فيما إذا تعلقت ذمتها بحج وجب بالنذر ونحوه. فأيضاً ليس له الحقّ في منعها منه إذا كان مضيقاً لمراعاة حقّ اللَّه الذي ترتب عليها بالنذر ولقوله عليه السلام: «لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق».

فهذا الحديث بل هذه الأحاديث حاكمة على أدلة وجوب طاعة الزوج- وإن كان هناك تأملٌ في الحج الواجب بالنذر وتفصيلٌ ممّا دعا الى التوقف نعرض عنهُ خوف الاطالة (5)- والنظر إلى هذه الأحاديث يدلنا على أن موضوع حجّ المرأة التي استقرّ عليها بعد استطاعتها أمر ليس للزوج منعها عنه.

أما في حالة عدم استطاعتها فإن الحج غير واجب عليها أي هو مندوبٌ وبالتالي لابدَّ لها من الحصول على إذن الزوج وله أن يمنعها من هذا الحج وليس في


1- 1 الوسائل باب: 59 من أبواب وجوب الحج، الحديث 4.
2- 2 الوسائل باب: 59 من أبواب وجوب الحج، الحديث 5.
3- 3 الوسائل باب: 59 من أبواب وجوب الحج، الحديث 6.
4- 4 انظر الوسائل باب 11 من أبواب الأمر والنهي من كتاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
5- 5 يراجع براهين الحج للكاشاني 1/ 250- 251، وتفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة للشيخ فاضل اللنكراني 1/ 322- 324.

ص: 68

هذا معصية للخالق؛ لأن المعصية تتحقق إذا ما كان هناك وجوبٌ قد وقع، ومنعٌ من الزوج قد حصل. كما أن للزوج أن يمنعها إذا ما كان الواجب موسّعاً لا مضيّقاً انطلاقاً من «ولا تخرج من بيتها إلّابإذنه» وقد خرج من هذا مورد التضييق فقط، أي إذا كان واجب الحج عليها مضيقاً، فلها أن تخرج من بيتها، وليس له منعها، ففي حالة السعة والحج المندوب ليس في منعه لها معصية، ولا يترتب عليه أي أثر من ذلك، فحق الزوج واجب ولا يفوت بما ليس بواجب.

- عن اسحاق بن عمار، عن أبي الحسن عليه السلام قال: سألته عن المرأة الموسرة قد حجّت حجة الإسلام، تقول لزوجها: أحجني من مالي، أله أن يمنعها من ذلك؟

قال: نعم، ويقول لها: حقّي عليك أعظم من حقّك عليّ في هذا (1).

2- الزوج، المحرم، الثقات:

ولأهميّة التعرّف على المحرم لغةً وشرعاً نقول:

حَرُم الشي ء، يُحرم حرمةً: امتنع، ويقال حُرم عليه كذا، أي امتنع عليه فعله... وحَرَّم الشي ءَ عليه أو على غيره تحريماً جعله حراماً... الحرام: الممنوع من فعله...

وفي مفردات الراغب: حرم: الحرامُ: الممنوع منه إنما بتسخير إلهي وإما بمنع قهري، وإما بمنع من جهة العقل، أو من جهة الشرع، أو من جهة من يَرتسِمُ أمرَه...

الَمحْرَم: ذو الحرمة جمعها محارم. والمحَرم من النساء والرجال: هو الذي يُحرم التزوّج به لرحمه وقرابته. والمحَرَم: الحَرامُ ويقال: هو ذو مَحرَمٍ منها إذا لم يحلّ له نكاحُها...

ومن ذلك: الرَّحِمُ الَمحرَمُ: هو القريب الذي حَرُمَ نكاحه أبداً.

وحريم الرجل: ما يدافع عنه ويحميه، ومنه سميت نساء الرجل بالحريم أو أهله.


1- 1 الوسائل 11، باب: 9 من أبواب وجوب الحج، الحديث 2.

ص: 69

ومن ذلك سميت المرأة بالحُرمة. والحرمةُ، حرمة الرجل وأصله وجمعها حُرَمٌ (1)...

والمحرم ما حرّمَ اللَّه تعالى، ومن ضمن ما حرم اللَّه تعالى النساء اللاتي حرم على الرجال نكاحهنّ أو تحريم العقد عليهن لأنه حقيقة فيه... أي يمتنع نكاحهنّ ولهذا بينت الآية 23 من سورة النساء ما حرم على الرجال من النساء أي ما امتنع:

حرمت عليكم امهاتكم وبناتكم وأخواتكم وعماتكم وخالاتكم وبنات الأخ وبنات الأخت وامهاتُكم اللاتي أرضعنكم واخواتكم من الرضاعة وأمهات نسائكم وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهنَّ فإن لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناح عليكم وحلائلُ أبنائكم الذين من أصلابكم وأن يجمعوا بين الأختين... (2)

.

فالآية- بعد تقدير المضاف أي نكاح أمهاتكم لاستحالة تحريم الذوات- بيّنت المحرمات من النساء، نسباً أو سبباً «رضاعة ومصاهرة» على تفصيل ذكر في هذه المسألة في كتب التفسير والفقه. اضافة إلى زوجة الأب على تفسير ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء... (3)

فهي من المحارم، فيجوز للمرأة السفر مع محرمها بالنسب والسبب، هذا وإن ضابط المحرم عند الفقهاء هو مَن حرم عليه نكاحها على التأبيد بسبب مباح لحرمتها بنسب أو سبب وبالتالي يجوز لها أن تسافر مع كل واحد من هؤلاء باعتباره المحرم.

وقد عثرتُ على رأي للحنابلة، يجعلون فيه الزوج من المحارم قال الحنابلة:

المحرم الذي يشترط للسفر مع المرأة للحج يشمل زوجها ومن تحرم عليه على التأبيد بنسب كأبيها، أو الرضاع كأخيها من الرضاعة، أو المصاهرة كأبي زوجها وابن زوجها. ودخل الزوج في مفهوم المحرم هنا مع كونه يحلّ لها وتحلّ له؛ لحصول المقصود بسفره معها وهو حفظها وصيانتها.

فقد جعلوا الزوج من المحارم لأنه يؤدي الفرض نفسه الذي يؤديه المحرم في


1- 1 انظر المنجد، المختار من صحاح اللغة، المعجم الوسيط، القاموس الفقهي لغة واصطلاحاً.
2- 2 النساء: 23.
3- 3 النساء: 22.

ص: 70

سفرها من أمن وسلامة ورعاية، وقد استدلوا على مدعاهم هذا بالحديث الذي أخرجه البخاري عن ابن عباس أنه سمع النبي صلى الله عليه و آله يقول: «ولا يخلُونَّ رجل بامرأةٍ إلّا معها ذو محرم، ولا تسافر المرأةُ إلّامع ذي محرم، فقام رجل وقال: يا رسول اللَّه إن امرأتي خرجت حاجّةً وإنني أكتتب في غزوة كذا وكذا. قال صلى الله عليه و آله: فانطلق واحجج مع امرأتك».

وجه الدلالة بهذا الحديث أن الزوج داخل في مفهوم المحرم هنا أو قائم مقامه.

أقول: ولا أرى ضرورة لهذا الدمج بين الَمحْرم والزوج خاصة بعد أن فرّقت روايات أخرى بينهما كالحديث التالي: «لا تسافر المرأة يومين من الدهر إلّاومعها ذو محرم منها أو زوجها» وكالحديث الذي أخرجه مسلم عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله: «لا يحلُ لامرأةٍ تؤمن باللَّه واليوم الآخر أن تسافر سفراً يكون ثلاثة أيام فصاعداً إلّامعها أبوها أو ابنها أو زوجها أو ذو محرم منها» فالمقصود بهذا أن الذي يجوز للمرأة مرافقته في سفرها والذي هو شرط لوجوب الحج عليها هو الزوج ومن هو مَحرم عليها على التأبيد. وأما بالنسبة للحديث الأول، فبما أنها سافرت وليس معها محرم، أمره الرسول بالذهاب مع زوجته، وليس معنى هذا أنه محرم. كما ليس هناك من دليل على أننا إذا اطلقنا كلمة محرم فإنّ هذا الاطلاق يشمل الزوج ومن يحرم عليها على التأبيد.

وقد ذكر الزوج في أحاديث أخرى صراحة بجانب المحرم ممّا يدل على التفريق بينهما.

ثم إننا إذا عدنا إلى العرف واستعمالاته فإنه يميز بين اللفظتين، ويقول هذا زوج لها وهذا محرم.

هذا اضافة إلى الجانب اللغوي لكلمة محرم الذي يعني فيما يعنيه من معاني «امتنع» أي امتنع عليه نكاحها وليس هذا حال الزوج... وقد عرّفت الحنفية المَحرم بأنه هو الذي لا يحل له زواجها بسبب النسب أو المصاهرة أو الرضاع.

ص: 71

كما أننا ذكرنا أن المحرم من حرم عليه نكاحها على وجه التأبيد أي حرمة أبدية، فلا يشمل المُلاعن بالنسبة لزوجته التي لاعنها، فإن تحريمها عليه بعد اللعان والتفريق بينهما فرقة مؤبدة إنما هو تحريم على وجه العقوبة والتغليظ وليس لحرمتها، فلا يكون المُلاعن حرماً لها (1).

أما شروط المَحرم فهي أن يكون: مسلماً بالغاً، عاقلًا، قادراً. أما وظيفته: فهي حفظ المرأة بتوفير الأمن والسلامة لها، وهذا لا يحصل إذا كان المحرم صبياً أو مجنوناً أو مريضاً أو عاجزاً عن تلك المهمة المناطة به.

أقوال فقهاء الفرق الإسلامية:

1- الإمامية: لا تتوقف استطاعة المرأة لأداء فريضة الحج ووجوب هذه الفريضة على وجود المحرم. هذا ما نراه في الروايات ثمّ في أقوال فقهاء الإمامية.

الروايات

عن صفوان الجمال قال: قلت لأبي عبداللَّه عليه السلام: قد عرفتني بعملي، تأتيني المرأة أعرفها بإسلامها وحبّها إياكم، وولايتها لكم ليس لها محرم، قال: إذا جاءت المرأة المسلمة فاحملها، فإن المؤمن محرم المؤمنة، ثم تلا هذه الآية: والمؤمنون و المؤمنات بعضهم أولياء بعض.

عن سليمانِ بن خالد، عن أبي عبداللَّه عليه السلام في المرأة تريد الحج ليس معها محرم، هل يصلح لها الحج؟ فقال: نعم، إذا كانت مأمونة.

وفي رواية: عن المرأة تحج إلى مكة بغير ولي؟ فقال: لا بأس، تخرج مع قوم ثقات.

وفي رواية أخرى:... إن كانت مأمونة تحج مع أخيها المسلم.

وفي رواية:... إذا كانت مأمونة ولم تقدر على محرم فلا بأس بذلك.

... لا بأس أن تحج المرأة الصرورة مع قوم صالحين إذا لم يكن لها محرم ولا زوج (2).


1- 1 الفقه الإسلامي وأدلته للزحيلي- الاستطاعة.
2- 2 انظر وسائل الشيعة 9 باب 58 من أبواب الحج.

ص: 72

أقوال الفقهاء:

نذكر الآن شيئاً مما قاله بعض فقهاء الإمامية:

يقول السيد الإمام: لا يشترط وجود الَمحرم في حجّ المرأة إذا كانت مأمونة على نفسها وبضعها، كانت ذات بعل أو لا،... (1) «وليس المحرم شرطاً في وجوب الحج عليها مع الاستغناء عنه عند علمائنا» (2) وعن الجواهر:

فلا يشترط حينئذ في وجوب الحج وجود المحرم في النساء مع عدم الحاجة إليه، بل يكفي غلبة ظنها بالسلامة على نفسها وبضعها للرفقة مع ثقات، وكونها مأمونة أو غير ذلك بلا خلاف أجده فيه بيننا؛ لصدق الاستطاعة بعد جواز خروجها مع عدم الخوف نصّاً وفتوى بدونه (3).

ويمكن استفادة ذلك كله من لسان الروايات حيث إن ما يظهر منها ومن أقوال الفقهاء أن الغرض من استصحاب الزوج أو المحرم أو من تثق بدينه هو السلامة والأمن، فإذا ما توفر لها هذان العنصران فلا حاجة ولا ضرورة لرفقة الزوج أو المحرم؛ لأن رفقتهما إنما تُطلب لتوفير السلامة لها، وها هي قد توفرت لها.

لاحظ التعليل الوارد في أقوال الفقهاء لا يشترط وجود المحرم في حج المرأة إذا كانت مأمونة على نفسها وبضعها، وقد ورد هذا التعليل في لسان جملة من الروايات والأخبار:

ففي صحيح ابن خالد عن أبي عبد اللَّه عليه السلام: «المرأة تريد الحج وليس معها محرم، هل يصلح لها الحج؟ فقال عليه السلام: نعم، إذا كانت مأمونة». أو (.. امرأة تحج بغير ولي فقال: لا بأس تخرج مع قوم ثقات).

ولا فرق بين كونها ذات بعل أم لا وذلك لوجود شرط الوجوب وهو الاستطاعة ولدلالة الأخبار الكثيرة عليه (4)، وفي صحيح ابن عمار عنه عليه السلام: «عن المرأة تحجّ بغير وليّ؟ قال عليه السلام: لا بأس. وإن كان لها زوج أو أخ أو ابن أخ فأبوا أن


1- 1 تحرير الوسيلة 1/ 384.
2- 2 التذكرة، الذخيرة.
3- 3 الجواهر: 17/ 330.
4- 4 براهين الحج للكاشاني 1/ 251.

ص: 73

يحجوا بها، وليس لهم سعة فلا ينبغي لها أن تقعد، ولا ينبغي لهم أن يمنعوها» وظهوره في عدم الفرق بين من لها زوج ومن لا زوج لها ممّا لا ينكر.

هذا في حالة كونها آمنة فعليها أن تخرج للحج وليس لهم منعها.

وأما في حالة كونها غير آمنة فيجب عليها حينئذٍ استصحاب المحرم لو قَبل الرفقةَ ولو بالإجرة، مع تمكنها منها، ومع عدم قدرتها لا تكون مستطيعة، لكون ذلك من مؤن الحج، فمع التمكّن منها يجب، ومع العدم لا وجه للوجوب.

يقول السيد الإمام:... ومع عدم الأمن يجب عليها استصحاب مَحرم أو مَن تثق به ولو بالإجرة، ومع العدم لا تكون مستطيعة ولو وجد ولم تتمكن من إجرته لم تكن مستطيعة... (1) ويقول صاحب الجواهر: نعم، لو توقف حجّها عليه للخوف بدونه، اعتبر حينئذ، وإن لم يجب عليه الإجابة، ولو اقترح اجرة أو نحوها وجب عليها مع استطاعتها لذلك، وإن كان أزيد من اجرة المثل، وإلّا لم يجب الحجُّ عليها، ضرورة كونه كغيره حينئذ من المقدمات التي فرض توقف الحج عليها.

بعد هذا يمكن القول: إنه لا وجه لاختصاص الحكم بالزوج أو بالَمحرم بعد أن عرفنا أن الواجب على المرأة المستطيعة استصحابَ من تثق به لسلامتها وأمنها ولو لم يكن زوجاً أو محرماً: «تخرج مع قوم ثقات» بل يجب عليها الحج إذا كانت مأمونة، «تحج بغير محرم إذا كانت مأمونة».

وعن صفوان الجمّال، قال: قلتُ لأبي عبداللَّه عليه السلام: قد عرفتني بعملي، تأتيني المرأة أعرفها بإسلامها وحبّها إياكم، وولايتها لكم، ليس لها محرم، قال: إذا جاءت المرأة المسلمة فاحملها، فإنّ المؤمن محرم المؤمنة، ثمّ تلا هذه الآية: والمؤمنون و المؤمنات بعضهم أولياء بعض (2)

.

وهذا ما استفاده الشيخ في النهاية: وينبغي أن لا تخرج إلّامع ذي محرم لها من أب أو أخ أو عمّ أو خال، فإن لم يكن لها أحد ممّن ذكرناه، جاز لها أن تخرج مع مَن


1- 1 تحرير الوسيلة 384/ 1.
2- 2 الوسائل الباب: 58، وجوب الحج وشرائطه، الحديث 1،؟؟؟.

ص: 74

تثق بدينه من المؤمنين.

فإذا كانت مأمونةً يجب عليها إذن أن تؤدي فريضة الحج ومناسكها التي علقت على الأمان، أما إذا لم تكن كذلك فيجب على المرأة أن تبذل وسعها لاستصحاب من تستطيع معه أن تكون سالمة آمنة مطمئنة غير خائفة ولو بأن تستأجر محرماً، وإنما يجب ذلك عليها من جهة كون الامتثال أي امتثال الفريضة متوقفاً عليه لخطورة وأهمية حفظ العرض والفرج والنفس، ويكون ذلك من قبيل مقدمة الواجب التي يجب عليها تحصيلها، اللهم إلّاأن يترتب على سعيها ذلك ذلة لها أو يشقّ عليها فعند ذلك يسقط وجوب الحج عليها لقاعدة نفي العسر والحرج وقد (لا يجب عليها الحج من أول الأمر، ولا يلزم عليها تحمل السفر المستلزم للخطر بل ربما يكون السفر أو الخروج من الدار محرماً، فالاستطاعة حينئذ غير حاصلة (1).

أما إذا كان وجوب الحج أو الاستطاعة معلقاً على وجود المحرم، ولأن تحصيل الاستطاعة ليس واجباً عليها، فبالتالي لا يجب عليها بذل جهدها لتحصيل المحرم.

نعم قد ينتقل عملها إلى الاستنابة.

الاستنابة: في البداية لابدّ من ملاحظة ما يلي:

أولًا: اطلاق أدلة التكليف توجب على المكلف الحي أداء ما كلّف به بنفسه وبمباشرته له. وللَّه على الناس حجّ البيت....

ثانياً: أن فعل الشخص الآخر خارج عن قدرة ذلك المكلف؛ لهذا فالاستنابة وهي فعل الغير تحتاج إلى دليل آخر.

ثالثاً: ولو وجد الدليل واستناب المكلف، فسقوط التكليف بفعل النائب هذا يحتاج أيضاً إلى دليل آخر.

فالاستنابة إذن خلاف الأصل، إلّاأن النيابة عن الحي في الحج- شريطة


1- 1 مستند العروة الوثقى: 1/ 286 للسيد الخوئي.

ص: 75

استطاعته أولًا. وشريطة وجود العسر والحرج والضرر ثانياً. وثالثاً عدم علم المكلف بارتفاع ذلك العسر والحرج والضرر، أو عدم علمه بحصول الأمن والسلامة في السنوات اللاحقة- خرجت النيابة عن الحي في الحج عن الأصل للروايات الخاصة وبالتالي فلا إشكال فيها. هذا ملخّص ما ذكره بعض الفقهاء عند تعرضهم لمسألة الاستنابة.

فالمرأة التي وجب عليها الحجّ ولم يتوفر لها الأمان والسلامة وحفظ الفرج والعرض فيجب- على قول- عليها الاستنابة في هذه الحالة.

تقول الروايات:

محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال: كان علي عليه السلام يقول: لو أن رجلًا أراد الحج فعرض له مرض، أو خالطه سقم فلم يستطع الخروج فليجهز رجلًا من ماله ثمّ ليبعثه مكانه.

وعن الإمام الصادق عليه السلام قال:... وإن كان موسراً وحال بينه وبين الحج مرض أو حصر أو أمر يعذره اللَّه تعالى فيه فإنّ عليه أن يحجّ عنه من ماله صرورة لا مال له.

... وعن الإمام أبي جعفر عليه السلام عن أبيه أن علياً عليه السلام قال لرجل كبير لم يحج قط:

إن شئت ان تجهّز رجلًا ثم ابعثه يحجّ عنك...

وفي رواية أخرى: إن شئت فجهّز رجلًا ثمّ ابعثه يحجّ عنك.

وعلى ضوء هذه الروايات التي ذكرنا قسماً منها اختلفت آراء الفقهاء بين وجوب الاستنابة واستحبابها، فالذي ذهب إلى الوجوب كان ذلك مستنداً إلى ظاهر الروايات التي تدل على الوجوب، في حين استند الفريق الثاني في ذهابه إلى الاستحباب إلى أن بجانب هذه الروايات روايات أخرى تعلق الأمر فيها على المشيئة وبالتالي فهي لا تدل على الوجوب بل على عدمه، فرفعوا اليد عن الأدلة الظاهرة في الوجوب وحملوا المسألة (الاستنابة) على الاستحباب.

ص: 76

وهنا يمكن أن يرد السؤال التالي: إذا كانت الاستنابة مستحبةً عليها وبالتالي لها الحق في عدم الاستنابة، فهل تحج مع الحرج وعدم السلامة أم أنها لا تحج، علماً بأن وجوب الحج عند الإمامية مبني على الفور لا التراخي الذي يُعمل به عند بعض المذاهب الأخرى، فيؤجل الحج حتى يتوفر عنصرا السلامة والأمان؟ وهذا ما أجاب عنه البحث الفقهي في كون عنصرا الأمن والسلامة إن كانا جزءاً من الوجوب والاستطاعة فلا يجب عليها السعي لتحصيل الاستطاعة؛ لأن تحصيلها ليس بواجب، وبالتالي تكون غير مستطيعة فلا حجّ عليها.

وإن كان الأمن والسلامة من المقدمات للواجب فعليها تحصيلهما أو تحصيل ما يؤدي إليهما إلّاإذا ترتب عليها في ذلك مهانة وحرج فيسقط وجوب الحج عليها لقاعدة نفي العسر والحرج.

أما إذا حجت مع عدم توفر عنصري الأمن والسلامة صحّ حجّها على تفصيلٍ بأن جُعل وصولها الميقات هو الحدّ الفاصل للصحة وعدم الصحة، وخلاصته: أن حالة الخوف الحاصل وعدم الأمن إن كان قبل الميقات- وها هي قد وصلت الميقات- فقد أجزأ عملها عن حجة الإسلام بعكس ما لو كان الخوف وعدم الأمن قد حصلا بعد الميقات ففي صحة حجّها إشكال وإن ذهب صاحب العروة الوثقى إلى اقوائية الصحة.

وتوضيح ذلك كما ذكر السيد الخوئي: إنّ الخوف الحاصل قد يكون في خصوص الطريق قبل الوصول إلى الميقات، وقد يكون من الميقات وما بعده، فإن كان على النحو الأول فلا ريب في الحكم بالصحة، لاقتران جميع الأعمال بالشرائط المعتبرة كالأمن وعدم الخوف، والمفروض زوال الخوف بالوصول إلى الميقات. نعم لا يجب عليها الحج من أول الأمر، ولا يلزم عليها تحمل السفر المستلزم للخطر، بل ربما يكون السفر أو الخروج من الدار محرماً فالاستطاعة حينئذ غير حاصلة.

وأما لو تحملت السفر المستلزم للخوف، وزوال الخوف عند الميقات، فقد

ص: 77

حصلت الاستطاعة هناك ويجب عليها الحجّ وصحّ حجّها، لعدم خلل في أفعاله وأجزائه.

وإن كان على النحو الثاني، وكان الخوف وعدم الأمن حصلا من الميقات وما بعده، فقد استشكل البعض في صحة حجها، وصرّح بعضٌ آخر بعدم اجزائه، بينما ذهب ثالث إلى تفصيل انتهى به إلى أن العبرة في الحكم بالصحة بالأمن الواقعي، والأمن الحاصل لها طريق إلى الواقع مستدلًا بصحيح معاوية بن عمار: (عن المرأة تحجّ إلى مكّة بغير ولي، فقال: لا بأس تخرج مع قوم ثقات) حيث علق وجوب الحج عليها بكون القوم ثقات، ومن المعلوم أن الوثوق طريق إلى الواقع لا أنه مأخوذ في الحكم (1).

بعد ذلك ننتقل إلى معرفة آراء الفرق الإسلامية الأخرى:

* الشافعية: لهم رأيان:

الأول: وهو المشهور عندهم وعليه جمهورهم وهو المستفاد ممّا عندهم من نصوص وروايات، والقائل بعدم وجوب الحج عليها إلّاإذا كانت برفقة محرم لها أو زوج أو نسوة ثقات وإلّا لم يلزمها الحج؛ لأن الشرط لوجوب هذه الفريضة عليها عند أصحاب هذا الرأي هو حصول الأمن لها والسلامة على نفسها، وهذا ما يتوفر لها بالزوج أو المحرم أو وجود نسوة يتصفن بالثقة والعدالة ولو وجدت امرأة واحدة وإن كانت ثقة فلا يجب عليها الحج، ولكن يجوز لها الحج معها.

الثاني: في حين ذهب فريق منهم إلى رأي آخر يختلف عن الأول كثيراً في مسألة الجواز والوجوب.

حيث يقول: يلزمها الحج بوجود نسوة ثقات أو امرأة واحدة ثقة، وقد يكثر الأمن ولا تحتاج إلى أحد بل تسير وحدها في جملة القافلة، وتكون آمنة.

وقد اختلفوا أيضاً في خروجها لحج التطوع وسفر الزيارة والتجارة ونحو ذلك من الأسفار التي ليست واجبة، فقال بعضهم: يجوز لها الخروج فيها مع نسوة


1- 1 مستند العروة الوثقى، السيد الخوئي.

ص: 78

ثقات كحجة الإسلام، وقال الجمهور: لا يجوز إلّامع زوج أو محرم، يقول النووي: وهذا هو الصحيح للأحاديث الصحيحة.

وأما بخصوص إذن الزوج فقد نقل في مغني المحتاج أن الشافعية قالت: ليس للمرأة حجّ التطوع إلّابإذن زوجها، وكذا لحج الفريضة في الأصح في المذهب (1).

وهذا بخلاف ما نقله بعضٌ من أنهم (فقهاء المذاهب الإسلامية) اتفقوا على أنه لا يشترط إذن الزوج للزوجة في الحج الواجب (2).

* المالكية: قالت: يشترط لوجوب الحج على المرأة أن تجد محرماً من محارمها يسافر معها للحج، أو يخرج معها زوجها إن كانت ذات زوج، ويقوم مقام المحرم الرفقة المأمونة في سفر الفرض فقط. والرفقة المأمونة قد تكون من النساء فقط، أو من الرجال فقط، أو من مجموع الجنسين (3).

قال الدسوقي في حاشيته:... في حق المرأة أن تجد محرماً من محارمها يسافر معها أو زوجاً لقول رسول اللَّه صلى الله عليه و آله: «لا يحل لامرأة تؤمن باللَّه واليوم الآخر أن تسافر يوماً وليلة إلّاومعها محرم...» (4).

* الظاهرية: قالت: المرأة التي لا زوج لها ولا ذا محرم يحج معها فإنها تحجّ ولا شي ء عليها، فإن كان لها زوج ففرض عليه أن يحج معها، فإن لم يفعل فهو عاصٍ للَّه تعالى، وتحج من دونه وليس له منعها من حج الفرض، ولكن له منعها من حج التطوع. فقد قال ابن حزم في الفقه الظاهري:... وليس له منعها في فرضٍ، وله منعها من حج التطوع (5) وقد احتج ابن حزم وغيره من الظاهرية بقوله تعالى:

وللَّه على الناس حجّ البيت من استطاع إليه سبيلًا. فالحج واجب في هذه الآية ولم يشترط أو يعلق هذا الواجب على وجود المحرم أو الزوج، فحال المرأة حال جميع المسلمين في أن الحج واجب على من توفرت الاستطاعة عنده وهو ما يتّفق مع رأي الإمامية.

أما موقفهم إزاء الأحاديث الناهية عن سفر المرأة إلّامع محرم أو زوج، فقد


1- 1 انظر مغني المحتاج: 1/ 468.
2- 2 الفقه المقارن، جناتي.
3- 3 الشرح الصغير للدردير، حاشية الصاوي 263- 264، حاشية الدسوقي 2/ 9- 10.
4- 4 الدسوقي في حاشية على الشرح الكبير 2/ 9، وانظر 7/ 107 من موسوعة الفقه الإسلامي.
5- 5 المحلى 7/ 47، موسوعة الفقه الإسلامي 7/ 122، نيل الأوطار للشوكاني 4/ 326 باب النهي عن سفر المرأةللحج إلّابمحرم.

ص: 79

عدوها أحاديث عامة لكل سفر إلّاالسفر الواجب، وبما أن سفر الحج واجب فقد استثني من نواهي السفر المذكورة.

ولم ينجو قول ابن حزم من الردّ عليه بأن يقال: إن اشتراط المحرم أو الزوج لا يتعارض مع الآية المذكورة. لأن وجودهما من جملة الاستطاعة المطلوبة لوجوب الحج. ولم تكن الاستطاعة متوقفة فقط على وجود الزاد والراحلة دون الشروط الأخرى التي منها وجود الزوج أو المحرم للمرأة.

ويواصل صاحب هذا القول كلامه بقوله: لأنا نقول: إن أحاديث النهي عن سفر المرأة إلّامع زوج أو محرم تضمنت اشتراط وجود الزوج أو المحرم مع وجود الزاد والراحلة بالنسبة لسفر الحج، وهذه الزيادة غير منافية لشرط الزاد والراحلة فيتعين قبولها... (1)* الزيدية: قالت: وجود المحرم للمرأة هو شرط أداء لحجها، وليس هو شرط وجوب، كما أن هذا هو في حقّ الشابة، أما في حق العجوز فليس بشرط، فيجوز لها الخروج إلى الحج مع نساء ثقات أو مع غيرهن (2). كما جعلوا اجرة المحرم جزءاً من الاستطاعة، ويلزمها المحرم إذا كانت المسافة بريداً (3) فصاعداً أو ثلاثة أيام فصاعداً (4).

* الحنابلة: قالوا: لا يجب الحج على المرأة التي لا محرم لها ولا زوج، وقد نصّ على ذلك الإمام أحمد، فقد قال أبو داود، قلت لأحمد: امرأة موسرة لم يكن لها محرم، هل يجب عليها الحجّ؟ قال: لا، وقال المحرم من السبيل. وعنه أن المَحرم لحفظها، فهو كأمن الطريق، وإمكان المسير.

وعن أحمد أيضاً: أن المحرم من شرائط الأداء لا الوجوب، وعلى هذا من فاتها الحج بعد إكمال شرائط الوجوب بموت أو بمرض لا شفاء منه أخرج من مالها ما يحج به عنها. ولكن المذهب عند الحنابلة هو الأول، أي أن وجود المحرم- أو الزوج- من شرائط الوجوب واحتجوا لمذهبهم بجملة من الأحاديث التي منها:


1- 1 انظر مغني المحتاج 1/ 468.
2- 2 شرح الأزهار 2/ 65- 66، موسوعة الفقه الإسلامي 7/ 123، الفقه الإسلامي وأدلته، الاستطاعة.
3- 3 البريد: فرسخان.
4- 4 موسوعة الفقه الإسلامي 7/ 123 الاستطاعة.

ص: 80

الدارقطني بإسناده عن ابن عباس أن رسول اللَّه صلى الله عليه و آله قال: «لا تحجن امرأة إلّاومعها ذو محرم»..

ولأنها لا يمكنها الحج بلا محرم، فإذا امتنع من الحج معها- مع أن نفقته عليها لأنها كالراحلة- فهي كمن لا محرم لها وبالتالي لا تحج (1).

أما في مسألة إذن الزوج فقد ذهبوا إلى أنه يستحب للمرأة أن تستأذن زوجها في حجة الفريضة، فإن أذن لها فيها، وإلّا خرجت بغير إذنه إذا وجدت المحرم، أما في حج التطوع فلابدّ من اذنه.

قال ابن المنذر: أجمع كلّ من أحفظ عنه من أهل العلم أنه له منعها من الخروج في حجّ التطوع، وذلك لأن حقّ الزوج عليها واجب، فليس لها تفويته بما ليس بواجب (2).

ومعنى هذا أن لها تفويت حقه بواجب وهو حجّة الإسلام.

* الاباضية:

وملخص ما ذهبوا إليه أن المرأة تحج مع زوج أو محرم، فإن منعها زوجها أو أبوها وكانت مستطيعة لم يلزمها الحج.

فإن لم تجد زوجاً أو محرماً فلها أن تسافر مع ثقات يمنعونها من الضرر كمنعهم أنفسهم وإن لم تجد فلها أن تستأجر، وإلّا سقط عنها الحج (3).

* الحنفية: قالت:- بعد أن قسموا الاستطاعة إلى أنواع ثلاثة: البدنية والمالية والأمنية وجعلت سلامة المرأة من النوع الثالث- يشترط لحج المرأة أن يكون معها زوجها أو محرم لها، فإن لم يوجد أحدهما لا يجب عليها الحج فبعد أن ميزوا بين شروط وجوب الحج عندهم وشروط الأداء لانهم يفرقون بين الوجوب وبين الأداء ذكروا شروطاً أربعة للأداء كان ثالثها: وجود زوج أو محرم للمرأة، لا فرق بين أن تكون المرأة شابة أو عجوزاً إذا كان بينها وبين مكّة ثلاثة أيام فأكثر؛ أما إذا كانت المسافة أقل من ذلك، فيجب عليها أداء الحج وإن لم يكن


1- 1 موسوعة الفقه الإسلامي- المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية- باب الاستطاعة 7/ 119 المغني 3/ 236- 237، 238.
2- 2 المغني 3/ 240.
3- 3 موسوعة الفقه الإسلامي، الاستطاعة 7/ 130.

ص: 81

معها محرم ولا زوج؛ والمحرم هو الذي لا يحل له زواجها بسبب النسب؛ أو المصاهرة أو الرضاع. هذا وان ابن عابدين في الوقت الذي عدّ أمن الطريق والمحرم من شروط الاداء، فقد عدّها الكاساني من شروط الوجوب وقال:... ولأنها إذا لم يكن معها زوج أو محرم لا يؤمن عليها، إذ النساء لحم على وضم (الوضم ما وقيت به اللحم عن الأرض من خشب وحصير...) إلّاما ذبّ عنه.

وقال أيضاً في خصوص قوله تعالى: وللَّه على الناس حجّ البيت من استطاع إليه سبيلًا: هذه الآية لاتتناول النساء حال عدم الزوج أوالمحرم؛ لأن المرأة لا تقدر على الركوب والنزول بنفسها، فتحتاج إلى من يركبها، وينزلها، ولا يجوز ذلك لغير الزوج والمحرم فلم تكن مستطيعة في هذه الحالة فلا يتناولها النصّ ... (1)وقد ذكر في البدائع أنهم قالوا: لها أن تخرج مع المحرم في حجة الفريضة من غير إذن زوجها إذا وجدت المحرم مع وجود الزاد والراحلة لها وله، فقد استطاعت إلى حج البيت سبيلًا فوجب عليها الحج، وإذا قيل: إن حق الزوج في الاستمتاع بها يفوت بخروجها، فيجب أخذ إذنه، فإن أذن خرجت، وإن أبى لم تخرج؛ لأن الحج على التراخي لا على الفور، فإنا نقول: إن منافع الزوجة والاستمتاع بها من قبل زوجها مستثناة من حق الزوج فيها في أوقات أداء الزوجة الفرائض كما في الصلوات الخمس وصوم رمضان، فكذلك في حج الفريضة بخلاف حج التطوع إذا منعها فعليها الامتناع (2).

اقول: وفرق كبير بين الصلاة والصوم التي تكون على مقربة من زوجها وبين فريضة تتطلب سفراً طويلًا وغياباً لأيام وليالي، فالقياس على الصلاة والصيام لا أظنه ينهض دليلًا على ما ذهبوا إليه من استثناء.

وذكروا للمحرم شروطاً فقالوا: ويشترط فيه أن يكون مأموناً عاقلًا بالغاً، ولا يشترط كونه مسلماً.

واحتجوا بجملة أحاديث، كما احتجوا بأن حجّها بدون المحرم أو الزوج


1- 1 موسوعة الفقه الإسلامي، الاستطاعة 7/ 102.
2- 2 البدائع 2/ 124.

ص: 82

يعرضها للفتنة وهذا ضرر بها، والضرر مرفوع شرعاً (1).

الادلة:

إن الذين اشترطوا وجود الزوج أو المحرم للمرأة لوجوب الحج عليها، احتجوا بالأحاديث الصحيحة الثابتة عندهم التي تدل على ما ذهبوا إليه، التي منها:

* اخرج الإمام البخاري عن ابن عباس: «لا تسافر المرأة إلّامع ذي محرم، ولا يدخل عليها رجل إلّاومعها محرم. فقال رجل: يا رسول اللَّه إني أريد أن أخرج في جيشِ كذا وكذا، وامرأتي تريدُ الحجَّ، فقال صلى الله عليه و آله: اخرج معها» (2).

* وأخرج عبدالرزاق وغيره عن ابن عيينة عن عكرمة عن النبي صلى الله عليه و آله: «ولا تحجنَّ امرأة إلّاومعها محرم» (3).

* واخرج الإمام مسلم عن أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه و آله: «نهى أن تسافر المرأة مسيرة يومين إلّاومعها زوجها أو ذو رحم...» (4).

* وعن نافع عن عبداللَّه بن عمر عن النبي صلى الله عليه و آله قال: لا يحلّ لامرأة تؤمن باللَّه واليوم الآخر تسافر مسيرة ثلاث ليالٍ إلّاومعها ذو محرم.

في حين احتج القائلون: بأن للمرأة أن تحجّ وحدها، ولا يشترط لوجوب الحج عليها وأداءه وجود الزوج أو المحرم بهذه الأدلة:

1- الآية وللَّه على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلًا فالحج في هذه الآية لم يعلّق وجوبه إلّاعلى الاستطاعة.

2- حديث عدي بن حاتم الذي قال فيه: «بينا أنا عند رسول اللَّه صلى الله عليه و آله إذا أتاه رجل فشكا إليه الفاقةَ. ثم أتاه آخرُ فشكا إليه قطع السبيل، فقال صلى الله عليه و آله: يا عدي، هل رأيت الحيرة؟ قال عدي: لم أرها وقد أُنبئتُ عنها. قال صلى الله عليه و آله: فإن طالت بكَ حياةٌ لتريَنَّ الظعينةَ ترتحلُ من الحيرة حتى تطوف بالكعبة، لا تخاف أحداً إلّااللَّه، قال عدي: فرأيتُ الظعينةَ ترتحلُ من الحيرةِ حتى تطوفَ بالكعبة لا تخاف


1- 1 موسوعة الفقه الإسلامي، الاستطاعة 7/ 103.
2- 2 صحيح البخاري بشرح العسقلاني 3/ 72.
3- 3 صحيح البخاري بشرح العسقلاني 4/ 75.
4- 4 صحيح مسلم بشرح النووي 9/ 106.

ص: 83

إلّا اللَّه...» (1).

فبعض فقهاء العامة أخذوا بهذا الحديث واستدلوا به على جواز سفر المرأة وحدها. في حين ذهب بعض آخر منهم إلى أن هذا الحديث لا ينفعنا في مسألة جواز سفر المرأة وحدها فضلًا عن وجوبه، لأنه أمر مستقبلي أخبر به الرسول وأنه سيقع هذا لا غير فهو من النبؤات المستقبلية، وبالتالي لا يصمد هذا الحديث أمام الأحاديث الناهية عن سفر المرأة وحدها (2).

وقد ردّ هذا بأن هذا الخبر ورد عن الرسول صلى الله عليه و آله ولم يستنكره أو يعبر عن استيائه بل هي حالة ممدوحة (... حتى تطوف بالكعبة لا تخاف إلّااللَّه) ولأنها مبعث على السرور والمدح فيمكن أن تدل على جواز سفرها...

3- القياس: فقد اتخذ هذا الفريق ممّن أسلمت في دار الحرب، وأن لها الحق في أن تخرج إلى دار الإسلام وحدها. وليس هذا فقط بل الأسيرة المسلمة إذا تخلصت من أسر الكفار، فإن لها الخروج إلى دار الإسلام وحدها. اتخذ من ذلك دليلًا على أنه يجوز للمرأة إذن أن تخرج وحدها إلى الحج قياساً على جواز خروجها وحدها إلى دار الإسلام.

ويرد عليه أنه قياس مع الفارق؛ لأن خروج المرأة المسلمة وحدها إلى دار الإسلام في هاتين الحالتين هو خروج للضرورة، فلا يصح أن يقاس عليه خروج المسلمة للحج في حال السعة والاختيار.

وقد اضاف هذا الفريق في رده قائلًا: إن الفقهاء اختلفوا في الحج هل هو على الفور أو على التراخي؟

فإن قلنا بالتراخي فممّا يجعل سفرها حتى يوجد المحرم أو الزوج أولى من سفرها وحدها.

ثمّ إن الأسيرة ومن أسلمت في دار الحرب، إنما تدفعان بخروجهما وحيدتين ضرر بقائهما بين الكفار بتعرضهما للفتنة أو الاعتداء على عرضهما فجاز لكل


1- 1 صحيح البخاري- باب علامات النبوة في الإسلام، بشرح العسقلاني 6/ 610- 611.
2- 2 المغني 3/ 238.

ص: 84

واحدة منهما دفع هذا الضرر بتحمل ضرر السفر لوحدها، وهو ضرر مظنون وليس هو مثل ضرر بقائهما في دار الكفر...

أما في السفر إلى الحج وحدها ففيه ضرر محتمل تتحمله المرأة دون دفع أي ضرر أصلًا (1).

وفرق القاضي في مسألة الهجرة ومسألة الحج قائلًا: واتفق العلماء على أنه ليس لها أن تخرج في غير الحج والعمرة إلّامع ذي محرم إلّاالهجرة من دار الحرب فاتفقوا أن عليها أن تهاجر منها إلى دار الإسلام وإن لم يكن معها محرم.

والفرق بينهما أن إقامتها في دار الكفر حرام إذا لم تستطع إظهار الدين، وتخشى على دينها ونفسها، وليس كذلك التأخر عن الحج فإنهم اختلفوا في الحج هل هو على الفور أم على التراخي؟ وقد ذهبوا إلى التراخي وبالتالي يصح لها تأخير الحج.

وفي رواية للدارقطني عن أبي أمامة مرفوعاً: (لا تسافِرُ المرأةُ سفرَ ثلاثة أيام أو تحجّ إلّاومعها زوجها أو لا تحجنّ امرأة إلّاومعها زوجها» (2) و «لا تسافر المرأة ثلاثة إلّاومعها ذو محرم» (3) واحتج ابن حزم لمذهبه بحديث أبي معبد عن ابن عباس قال: سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه و آله يخطب ويقول: «لا يخَلُوَنَّ رجلٌ بامرأةٍ ولا تُسافر امرأةٌ إلّامع ذي محرمٍ. فقام رجل فقال: يا رسولَ اللَّه إنّ امرأتي خرجت حاجّةً وإني اكتتبتُ في غزوة كذا أو كذا. فقال صلى الله عليه و آله: انطلقْ فاحجُجْ مع امرأتك» (4).

وقد استدل ابن حزم بهذا: لأن نهيه عليه الصلاة والسلام عن أن تسافر امرأة إلّا مع ذي محرم- وقع- أي وقع سفر المرأة بدونه- ثمّ سأل الرجل عن امرأته التي خرجت حاجةً لا مع ذي محرم، ولا مع زوج، فأمره النبي صلى الله عليه و آله بأن ينطلق فيحجّ معها، ولم يأمر صلى الله عليه و آله بردّها، ولا عاب سفرها إلى الحجّ دونه ودون ذي محرم.

ويمكن هنا ردّ استدلال ابن حزم بأنه لو لم يكن ذلك- أي وجود المحرم أو الزوج مع المرأة في سفرها- شرطاً لما أمر صلى الله عليه و آله زوجها بالسفر معها وترك الغزو الذي كتب فيه (5). ولما ورد عن نافع وعن روايات أخرى ذكرها مسلم في (سفر المرأة مع


1- 1 المغني 3/ 238.
2- 2 انظر الفقه الإسلامي وأدلته ص 36، وعن نيل الأوطار 4/ 491.
3- 3 انظر الفقه الإسلامي وأدلته ص 36، متفق عليه عند البخاري ومسلم وأحمد عن ابن عمر، عن نيل الأوطار 4/ 290، باب النهي عن سفر المرأة للحج... أورد ثلاث روايات عن ابن عباس وابن عمر وعن أبي سعيد وعن أبي هريرة.
4- 4 متفق عليه عن ابن عباس، واللفظ لمسلم سبل السلام 2/ 183.
5- 5 المحلى 7/ 47- 51، نيل الأوطار للشوكاني 4/ 291- 292.

ص: 85

محرم إلى حج وغيره) (1).

رفقة النساء الثقات:

رفقة النساء الثقات هي الاخرى تقوم مقام الزوج أو المحرم في سفر المرأة للحج هذا ما رآه الإمام البخاري استناداً إلى ما رواه في صحيحه: أن عمر بن الخطاب قد أذن لأزواج النبي صلى الله عليه و آله في آخر حجّة حجّها، فبعث معهن عثمان بن عفان وعبدالرحمن بن عوف، ثمّ كان عثمان بعد عمر بن الخطاب يحج بهن في خلافته أيضاً.

وبعد ذكر هذا يقولون: إن وجه الدلالة بحج أمهات المؤمنين برفقة عثمان بن عفان وعبدالرحمن بن عوف أن هذا الأمر حصل باتفاق عمر وعثمان وعبدالرحمن ابن عوف ونساء النبي ودون نكير عليهن من غيرهم من الصحابة.

ومن هذا كله يستفيدون أيضاً الاجماع على جواز سفر المرأة للحج برفقة نساء ثقات، لأن أمهات المؤمنين كن ثمانية في سفرهن للحج، وقد ذكر ابن حجر العسقلاني في شرحه «لصحيح البخاري» من حديث أم معبد الخزاعية، الذي أخرجه ابن سعد، قالت: «رأيت عثمان وعبدالرحمن في خلافة عمر حجّا بنساء النبي صلى الله عليه و آله فنزلن بقديد، فدخلت عليهن وهن ثمان».

وأما المالكية: فيقولون: إن الرفقة المأمونة تقوم مقام الزوج والمحرم ولكن بشرط إن كانت الرفقة نساء فقط أو نساء ورجالًا فنساء النبي صلى الله عليه و آله أكثر من واحدة بدلالة الحديث الآخر عن أمّ معبد الخزاعية، ولا يستدل على كفاية الرفقة إن كانت رجالًا فقط.

فالمالكية يشترطون إذن لصحة الرفقة وجود نساء أو نساء ورجال ثقات.

الشرط الثاني

أما بالنسبة إلى الشرط الثاني لوجوب الحج على المرأة، وهو ألا تكون معتدة


1- 1 صحيح مسلم بشرح النووي 9/ 102- 109.

ص: 86

من طلاق أو وفاة، فنقول:

إن الإمامية ذهبوا إلى أن المطلّقة في عدّتها الرجعية يجوز لها أن تؤدي حجة الإسلام إذا استطاعت، لأن البينونة في العدّة الرجعية لا تحصل إلّابعد انقضاء هذه العدّة فحالها حال الزوجة في عدم كون إذن زوجها شرطاً في استطاعتها أو في وجوب حجة الإسلام عليها وليس له منعها، وأما في الحج المندوب والموسّع فهي تحتاج الى إذن زوجها وله منعها.

أما البائنة فلها ان تحج حجاً واجباً أو مندوباً مضيّقاً أو موسّعاً في عدّتها لإنقطاع عصمتها من الزوج.

أما التي توفي عنها زوجها، فهي أيضاً لها ان تحج الحج الواجب أو المندوب..

لانتفاء إذن الزوج بانتفاء وجوده.

الروايات

* عن معاوية بن عمار عن أبي عبداللَّه عليه السلام في حديث قال: لا تحجّ المطلقة في عدتها.

فهذه الرواية- وبالنظرة الأولى لها- عامة تشمل كلَّ مطلقة وكلَّ صاحبة عدّة، ولكن نظراً لانقطاع عصمة المرأة البائنة من زوجها فقد ملكت نفسها بذلك وليس له سلطنة عليها بعد وقوع البينونة تلك وبالتالي فلا تحتاج إلى إذنه، ولا تكترث بمنعه لو حدث، إذا ما أرادت أن تحج حجاً واجباً أو مستحباً..

فعن سعيد بن أبي خلف في المطلقة، قال: سألت أبا الحسن موسى عليه السلام عن شي ء من الطلاق، فقال: إذا طلق الرجل امرأة طلاقاً لا يملك فيه الرجعة، فقد بانت منه ساعة طلّقها وملكت نفسها ولا سبيل له عليها (1).

وكذلك المتوفى عنها زوجها لها أن تحج واجباً كان الحج أو مستحباً في عدتها لانتفاء وجود الزوج بوفاته.

لهذا كله فقد خرجت كلّ من البائنة والمتوفى عنها زوجها حكماً وموضوعاً


1- 1 وسائل الشيعة، كتاب الطلاق- أبواب الطلاق/ الباب 20.

ص: 87

من هذه الرواية وكذلك من الآية التي ستأتي.

بقي عندنا الحالة الثالثة وهي المرأة المطلّقة رجعياً في عدّتها، التي لا تحصل البينونة فيها إلّابعد انقضاء العدة كما قلنا، لذلك عليها ان تبقى في بيتها وهو بيت الزوجية طيلة فترة العدّة لا تُخرج منه ولا تَخرج منه، إلّاإذا أتت بفاحشة مبينة كما في الآية التالية: لا تُخرجوهنّ من بيوتهنّ ولا يَخرجن إلّاأن يأتينَ بفاحشةٍ مبيّنة فليس للزوج إخراجها منه مادامت تقضي فترة عدتها من طلاقها الرجعي، وليس لها هي الأخرى أن تَخرج من هذا البيت إلّالضرورة ظاهرة فإن خرجت فقد اثمت كما عن مجمع البيان (1).

وإنما ألزمت بالبقاء في بيت زوجها لا كعقوبة لها ولكن لإعطاء فرصة أخرى لكلّ من الزوج والزوجة ليراجع كلٌ منهما نفسه، فلعل الحياة الزوجية الطيبة تعود من جديد بينهما ويعيشا بالمعروف..

وهذه المرأة إذا أرادت أن تؤدي حجاً مستحباً أو موسعاً- فقد جاءت هذه الرواية وغيرها من الروايات لتوضّح لنا- أن عليها أن لا تخرج في هذه الحالة من بيتها، ولابدّ لها من إذن زوجها وإذا منعها ليس لها مخالفته؛ لأن المطلقة الرجعية بحكم الزوجة، وهذا بعكس ما لو استطاعت ووجبت عليها حجّة الإسلام، فلها أن تخرج في هذه الحالة من بيتها لتؤدي فريضة الحج فحالها- لاستمرار عنوان الزوجية عليها- حال الزوجة المستطيعة التي استقر عليها الحج في عدم كون إذن زوجها شرطاً في استطاعتها وفي وجوب الحج عليها، كما ليس له منعها من هذا الحج.

فإذن اضافةً الى الاستثناء الوارد في الآية:.. إلّاأن يأتينَ بفاحشةٍ مبيّنة، يستثنى امرٌ آخر- استناداً الى الروايات- وهو أن تخرج لأداء فريضة الحج التي استقرت عليها بسبب استطاعتها دون الحج المستحب أو الموسّع علماً بأن صاحب الوسائل حمل رواية معاوية هذه على أن المراد لا تحج تطوّعاً في عدّتها الرجعية


1- 1 مجمع البيان سورة الطلاق الآية 1.

ص: 88

بدون إذن الزوج.

*... عن محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام قال: المطلّقة تحجّ في عدتها، وهذه الرواية عامّة أيضاً تشمل الحج سواءً أكان حجاً واجباً أو مستحباً.

*... عن منصور بن حازم: إن كانت صرورة حجّت في عدتها، وإن كانت حجت، فلا تحج حتى تقضي عدتها.

فهذه الرواية المرسلة، تدل مع المطلقة تحجّ في عدتها حجّة الإسلام دون الحج المندوب.

أما روايات حج المرأة وهي في عدة وفاة زوجها فهي:

* عن داود بن الحصين، عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: سألته عن المتوفى عنها زوجها، قال: تحجّ وإن كانت في عدّتها.

* وعن زرارة، قال: سألت أبا عبداللَّه عليه السلام عن المرأة التي يتوفى عنها زوجها، أتحجّ؟ فقال: نعم.

* وعن عبداللَّه بن بكير، قال: سألت أبا عبداللَّه عليه السلام عن المتوفى عنها زوجها، تحجّ في عدّتها؟ قال: نعم، وتخرج وتنتقل من منزل إلى منزل (1).

أما الحنفية فقد اشترطوا لوجوب حج المرأة بأن لا تكون معتدة أية عدّة كانت، سواء أكانت في عدّة طلاق أو في عدة وفاة... فإذا كانت معتدة وقت خروج أهل بلدها للحج فلا يجب عليها الحج.

دليلهم:

1- الآية: ولا تخرجوهنَّ من بيوتهنّ ولا يخرجن فقد نهى اللَّه تعالى المعتدات عن الخروج.

2- ولما روي أن عبداللَّه بن عمر، وعبداللَّه بن مسعود ردّا المعتدات من الميقات.

3- ولأن الحج يمكن أداؤه في وقت آخر، أما العدة فلابد من قضائها في وقتها


1- 1 وسائل الشيعة 11/ 159 باب 61.

ص: 89

أي لها وقت مخصوص وهو ما بعد الطلاق أو الوفاة مباشرة، فكان الجمع بين الأمرين أولى بل المتعين.

وأما إذا لزمتها العدة بعد خروجها للسفر، فإن كانت العدة من طلاق رجعي، فإن على زوجها أن لا يفارقها؛ لأن الطلاق الرجعي لا يزيل الزوجية، ولكن الأفضل أن يُراجعها زوجها.

وإن كانت العدة من طلاق بائن أو عن وفاة يُنظر: فإن كانت المسافة بينها وبين بلدها أقل من مدة السفر، أي أقل من مسيرة ثلاثة أيام، والى مكّة مدة السفر، أي: مسيرة ثلاثة أيام، فإنها ترجع إلى بلدها؛ لأنه ليس فيه إنشاء سفر، فصار كأنها في بلدها، وإن كانت المسافة بينها وبين مكّة أقل من مدة السفر.

وإن كانت المسافة من الجانبين أقل من مدة السفر فهي بالخيار إن شاءت مضت إلى مكّة، وإن شاءت رجعت الى بلدها.

وإن كان من الجانبين مدة سفره فإن كانت في المصر فليس لها أن تخرج حتى تنقضي عدتها في قول أبي حنيفة، وإن وجدت محرماً.

وعند أبي يوسف ومحمد: لها أن تخرج إذا وجدت محرماً، وليس لها أن تخرج بلا محرم، وإن كان ذلك في المفازة أو في بعض القرى بحيث لا تأمن على نفسها ومالها، فلها أن تمضي فتدخل في موضع الأمن، ثم لا تخرج منه في قول أبي حنيفة سواء وجدت محرماً أو لم تجد، وعند أبي يوسف ومحمد: تخرج إذا وجدت محرماً.

هذا هو مذهب الحنفية (1).

الحنابلة:

وأما عند الحنابلة: لا تخرج إلى الحج في عدة الوفاة نصّ عليه أحمد، قال:

ولها أن تخرج إليه في عدة الطلاق البائن؛ لأن لزوم المنزل والمبيت فيه واجب في عدة الوفاة، وقدم على الحج لأنه يفوت، والطلاق البائن لا يجب فيه ذلك.

وإن كانت في عدّة طلاق رجعي فإن هذا الطلاق لا يرفع النكاح، فهي


1- 1 الفقه الإسلامي وأدلته 3/ 37 للدكتور الزحيلي، والفقه على المذاهب الأربعة، وانظر البدائع 2/ 124.

ص: 90

زوجته ما دامت في العدة، وإذا خرجت للحج فتوفي زوجها، فإن كانت قريبة من بلدها رجعت لتعتد في بيتها، وإن كانت بعيدة عن بلدها مضت في سفرها إلى الحج (1).

الهوامش:

تحوّل القبلة ومسجد القبلتين


1- 1 انظر المغني 3/ 240- 241.

ص: 91

ص: 92

ص: 93

تحوّل القبلة ومسجد القبلتين

محمد علي المقدادي

قال اللَّه تبارك وتعالى في كتابه العزيز:

سَيَقُولُ السُّفَهآءُ مِنَ النَّاسِ ماوَلَّهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتى كانُوا عَلَيْها قُلْ للَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدى مَنْ يَشآءُ الى صِراطٍ مُسْتَقيمٍ* وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ امَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدآءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهيداً وَما جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتى كُنْتَ عَلَيْهآ الَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلى عَقِبَيْهِ وَانْ كانَتْ لَكَبيرَةً الَّا عَلَى الَّذينَ هَدَى اللَّهُ وَما كانَ اللَّهُ لِيُضيعَ إيمانَكُمْ إنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحيمٌ* قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِى السَّمآءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضها فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَه وَإنَّ الَّذِينَ اوتُوا الْكِتابَ لَيَعْلَمُونَ أنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ* وَلَئِنْ أتَيْتَ الَّذينَ اوتُوا الْكِتابَ بِكُلِّ ايَةٍ ما تَبِعُوا قِبْلَتَكَ وَما أنْتَ بِتابِعٍ قِبْلَتَهُمْ وَما بَعْضُهُمْ بِتابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ اهْوآءَهُمْ مِنْ بَعْدِ ما جآءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إنَّكَ اذاً لَمِنَ الظَّالِمينَ* الَّذينَ اتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَه كَما يَعْرِفُونَ أبْنآءَهُمْ وَإن

ص: 94

فَريقاً مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ* الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرينَ* وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَليها فاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ أيْنَ ما تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَميعاً إنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَي ءٍ قَديرٌ* وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسِجدِ الْحَرامِ وَإنَّه لَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ* وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسجِدِ الْحَرامِ وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُم شَطْرَه لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إلَّاالَّذينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِى وَلُاتِمَّ نِعْمَتِى عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (1)

.

إن تحوّل القبلة من بيت المقدس (2) إلى الكعبة المشرَّفة من أهم الوقائع التي حدثت في غرب المدينة المنورة، بعد هجرة رسول اللَّه صلى الله عليه و آله إليها من مكّة المكرّمة، وبعد مضي أكثر من أربع عشرة سنة من أداء الصلاة ودفن الموتى وذبح الذبائح إلى القبلة الاولى ببيت المقدس.

هذه الواقعة حوت مراتب كبيرة من الامور الدينية والتشريعية والأخلاقية والتربوية والتأريخية، نستعرضها في خمسة محاور وباللَّه التوفيق.

أولًا: البواعث التي أدّت إلى تحويل القبلة.

ثانياً: تفسير الآيات الواردة حول هذا الموضوع.

ثالثاً: الروايات الواردة في شأن نزول تلك الآيات الشريفة.

رابعاً: ما هو السبب لجعل بيت المقدس قبلة أولًا، ثم الكعبة ثانياً؟

خامساً: زمان تحول القبلة ومكانه، وكيفية وقوعه.

1- البواعث التي أدّت إلى تحويل القبلة

لا شك في أنّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله لم يزل مطيعاً لأوامر اللَّه سبحانه وراضياً بها، ولم يكن في نفسه الشريفة كراهة حتى للحظة واحدة بالنسبة إلى القبلة الأولى، لأن الكراهة لا تجتمع مع الإطاعة، ولكنه كان منتظراً ومتوقعاً نزول الوحي في أمر


1- 1 سورة البقرة: 142- 150.
2- 2 قراءة «بيت المَقْدِسْ» أو «البيت المقدَّس» كل من القراءتين صحيحة انظر: المنجد، حرف الباء: 55.

ص: 95

القبلة، كما يشير إليه القرآن الكريم: قد نَرى تقلُّبَ وجهك في السماء... (1)

وذلك لبواعث نذكر بعضها:

1- نقل المفسرون والمؤرخون أن اليهود كانوا يعيّرون المسلمين، ويتفاخرون عليهم ويقولون: نحن أقدم منكم زماناً لعبادة اللَّه نحو الصخرة في بيت المقدس، وأنتم اتّبعتم قبلتنا، فاغتمّ رسولُ اللَّه صلى الله عليه و آله بذلك غمّاً شديداً، كما دلّت عليها الأخبار الواردة من طرق الفريقين، الشيعة والسنة، سنذكرها.

قال العلّامة الطباطبائي قدس سره: إن اليهود كانوا امّة لا يرون لغير المحسوس من عالم الطبيعة أصالة، ولا لغير الحسّ وقعاً، إذا جاءَهم حكم من أحكام اللَّه معنوي، قبلوه من غير تكلم عليه، وإذا جاءَهم أمر من ربّهم صوري متعلق بالمحسوس من الطبيعة كالقتال والهجرة والسجدة وخضوع القول وغيرها، قابلوه بالانكار وقاوموا عليه ودونه أشد المقاومة.

وبالجملة فقد أخبر اللَّه سبحانه عمّا سيعترضون به على تحويل القبلة وعلّم رسوله ما ينبغي أن يجابوا ويقطع به قولهم.

أمّا اعتراضهم: فهو أن التحول عن قبلة شرعها اللَّه سبحانه للماضين من أنبيائه إلى بيت ما كان به شي ء من هذا الشرف الذاتي، ما وجهه؟ فإن كان بأمر من اللَّه، فإن اللَّه هو الذي جعل بيت المقدس قبلة فكيف ينقض حكمه وينسخ ما شرعه، واليهود ما كانت تعتقد النسخ (كما تقدم في آية النسخ)، وإن كان بغير أمر اللَّه ففيه الانحراف عن مستقيم الصراط والخروج من الهداية إلى الضلال، وهو تعالى وإن لم يذكر في كلامه هذا الاعتراض، إلّاأن ما أجاب به يلوّح بذلك؟

وأمّا الجواب: فهو إنّ جعل بيت من البيوت كالكعبة، أو بناء من الأبنية أو الأجسام كبيت المقدس، أو الحجر الواقع فيه قبلة، ليس لاقتضاء ذاتي منه يستحيل التعدّي عنه، أو عدم إجابة اقتضائه، حتى يكون البيت المقدّس في كونه


1- 1 سورة البقرة: 144.

ص: 96

قبلة لا يتغيّر حكمه ولا يجوز إلغاؤه، بل جميع الأجسام والأبنية وجميع الجهات التي يمكن أن يتوجه إليه الإنسان في أنها لا تقتضي حكماً ولا يستوجب تشريعاً على السواء، وكلها للَّه، يحكم فيها ما يشاء، وكيف يشاء، ومتى يشاء، وما حكم به من حكم فهو لهداية الناس على حسب ما يريد من صلاحهم وكمالهم الفردي والنوعي، فلا يحكم إلّاليهدي به ولا يهدي إلّاإلى ما هو صراط مستقيم إلى كمال القوم وصلاحهم (1).

2- قال الزمخشري: كان رسول اللَّه صلى الله عليه و آله يتوقع من ربّه أن يحوّله إلى الكعبة؛ لأنها قبلة أبيه إبراهيم، وأدعى للعرب إلى الإيمان؛ لأنها مفخرتهم ومزارهم ومطافهم، ولمخالفة اليهود، فكان يراعي نزول جبريل عليه السلام والوحي بالتحويل (2).

3- وذكر أن الباعث للتحويل هو اختبار المسلمين وامتحانهم لاتّباع النبي صلى الله عليه و آله بما أمرهم به وما نهاهم عنه، قال الإمام أبو محمد العسكري عليه السلام: إن هوى أهل مكّة كان في الكعبة، فأراد اللَّه أن يبين متبع محمّد صلى الله عليه و آله من مخالفيه، باتباع القبلة التي كرهها، ومحمّد صلى الله عليه و آله يأمر بها، ولما كان هوى أهل المدينة في بيت المقدس، أمرهم بمخالفتها والتوجه إلى الكعبة، ليبيّن من يوافق محمداً صلى الله عليه و آله فيما يكرهه، فهو مصدقه وموافقه... الحديث (3).

4- وقد ذكر أيضاً، أن الكعبة كانت مشغولة في صدر الإسلام بأصنام المشركين وأوثانهم، وكان السلطان معهم، والإسلام لم يقو بعد بحيث يظهر قهره وقدرته، فهدى اللَّه رسوله إلى استقبال بيت المقدس، لكونه قبلة لليهود، الذين هم أقرب في دينهم من المشركين إلى الإسلام، ثمّ لمّا ظهر أمر الإسلام بهجرة رسول اللَّه صلى الله عليه و آله إلى المدينة، قرب زمان الفتح وتوقع تطهير البيت من أرجاس الأصنام، جاء الأمر بتحويل القبلة (4).

وسنذكر مطالب اخرى في المحور الرابع إن شاء اللَّه تعالى.


1- 1 الميزان 1: 317، 318.
2- 2 الكشّاف 1: 202.
3- 3 البرهان في تفسير القرآن 1: 159.
4- 4 الميزان 1: 329.

ص: 97

2- تفسير الآيات المباركة حول التحويل

الآيات الواردة في سورة البقرة من رقم 142 إلى 150 تحكي واقعة تحويل القبلة، وما هو مربوط بتلك الواقعة من توطين الرسول صلى الله عليه و آله نفسه للجواب عمّا يثيره اليهود والمشركون حول هذه المسألة، ومن ابتلاء المسلمين، وقبول صلواتهم تجاه القبلة الأولى من قِبلِ اللَّه سبحانه وتعالى، وغيرها من النكات.

وقد ادّعى بعض المفسرين تقدم بعض هذه الآيات على بعضها الآخر ونسخ بعضها بعضاً، قال العلّامة الطباطبائي قدس سره:

الآيات مترتبة متَّسقة منتظمة في سياقها على ما يعطيه التدبر فيها وهي تنبئ عن جعل الكعبة قبلة للمسلمين، فلا يصغى إلى قول من يقول: إن فيها تقدماً وتأخراً، أو إن فيها ناسخاً ومنسوخاً، وربما رووا فيها شيئاً من الروايات، ولا يعبأ بشي ء منها بعد مخالفتها لظاهر الآيات (1).

إذا عرفت هذا فلنشرع ببيان ما ورد في تفسير هذه الآيات البينات، ولنبدأ بما قاله المفسر المتألّه الفيض الكاشاني رحمه الله قال:

قوله تعالى: سيقول السفهاء من الناس الذين خفّ أحلامهم أو استمهنوها بالتقليد والإعراض عن النظر، يريد المنكرين لتغيير القبلة من المنافقين واليهود والمشركين، وفائدة تقديم الإخبار به، توطين النفس وإعداد الجواب ما وَليَّهم ما صرفهم عن قبلتهم التي كانوا عليها يعني بيت المقدس قل للَّه المشرق والمغرب لا يختص به مكان دون مكان يهدي مَن يشاء إلى صراط مستقيم وهو ما يقتضيه الحكمة والمصلحة من التوجّه إلى بيت المقدس تارةً، وإلى الكعبة اخرى (2).

وقال العلّامة الطباطبائي قدس سره في ذيل هذه الفقرة من الآية الشريفة: قل للَّه المشرق والمغرب، اقتصر من بين الجهات بهاتين لكونهما المعينتين لساير الجهات الأصلية والفرعية، كالشمال والجنوب، وما بين كل جهتين من الجهات


1- 1 المصدر نفسه 1: 317.
2- 2 تفسير الصافي: 49.

ص: 98

الأربعة الأصلية، والمشرق والمغرب جهتان إضافيتان تتعينان بشروق الشمس أو النجوم وغروبهما، يعمان جميع نقاط الأرض غير نقطتين موهومتين، هما نقطتا الشمال والجنوب الحقيقيتان، ولعل هذا هو الوجه في وضع المشرق والمغرب موضع الجهات.

ثمّ ذكر قدس سره للفقرة الأخيرة من الآية الشريفة يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم ما هذا لفظه: تنكير الصراط، لأن الصراط يختلف باختلاف الامم في استعداداتها للهداية إلى الكمال والسعادة (1).

قوله تعالى:... وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلّالنعلم من يتَّبع الرسول... وما كان اللَّه ليضيعَ إيمانكم إنّ اللَّه بالناس لرءُوف رحيم ذكر الزمخشري (2) أن رسول اللَّه صلى الله عليه و آله كان يصلي بمكّة إلى الكعبة، ثم أمر بالصلاة إلى صخرة بيت المقدس بعد الهجرة تألفاً لليهود، ثم حوّل إلى الكعبة ثانياً بعد الهجرة.

ثم نقل الزمخشري عن ابن عباس: كانت قبلته بمكّة بيت المقدس، إلّاأنه كان يجعل الكعبة بينه وبينه.

أقول: إن الزمخشري بعد أن ادّعى ذلك لم يذكر دليلًا للمدّعى بل نقل عن ابن عباس تلك الرواية التي ذكرناها تعارض ما قال ولا تفيده شيئاً.

نعم، بما أن رسول اللَّه كان موحّداً ومؤمناً إبراهيمياً وكان عابداً للَّه سبحانه وتعالى من أوّل عمره إلى آخره فهل صلواته في مكّة المكرّمة قبل البعثة وبعدها كانت تجاه الكعبة أو بيت المقدس؟ لهذا البحث مجال واسع يتطلب محلًا آخر.

وقال السيد عبداللَّه شبَّر (3): وقيل: المراد الكعبة، أي ما رددناك إلى ما كنت عليها إلّالنعلم الثابت من المرتد لأنه صلّى اللَّه عليه وآله كان يصلّي بمكّة إليها.

هذا، ولكن روى الفيض الكاشاني قدس سره في تفسيره الصافي، عن كتاب الاحتجاج أنه: «لما كان رسول اللَّه صلى الله عليه و آله بمكّة أمره اللَّه عزّوجلّ أن يتوجّه نحو بيت المقدس في صلاته ويجعل الكعبة بينه وبينها إذا أمكن، وإذا لم يمكن استقبل بيت


1- 1 الميزان 1: 319.
2- 2 الكشاف 1: 200.
3- 3 تفسير شُبَّر: 61.

ص: 99

المقدس كيف كان، وكان رسول اللَّه صلى الله عليه و آله يفعل ذلك طول مقامه بها...» (1).

وأنت كما ترى لا يمكن أن يكون مثل هذه الطائفة من الأخبار دليلًا لو فرض أن الزمخشري وغيره قد استفاد منها، وسياق الآيات الكريمة وظاهرها لا يساعده، مع أنّه نجد غير واحد من المفسرين يخالف هذا الادّعاء كالفيض الكاشاني والعلامة الطباطبائي و....

قال في تفسير الميزان: وظاهر الآية أنه دفع لما يختلج في صدور المؤمنين من تغيير القبلة ونسخها، ومن جهة الصلوات التي صلّوها إلى القبلة، وما شأنها؟

ويظهر من ذلك أن المراد بالقبلة التي كان رسول اللَّه صلى الله عليه و آله عليها، هو بيت المقدس لا الكعبة، فلا دليل على جعل بيت المقدس قبلة مرتين، وجعل الكعبة قبلة مرتين، إذ لو كان المراد من القبلة في الآية الكعبة، كان لازم ذلك ما ذكر (2).

وفي تفسير آلاء الرحمن: وما جعلنا القبلة التي كنت عليها ظاهر قوله تعالى في الآية التي بعد هذه فلنولّينك قبلة أنها نزلت قبل تحوله صلى الله عليه و آله إلى الكعبة، وظاهر السوق أن هذه الآية نزلت قبل تلك، مع أن ظاهر قوله تعالى: التي كنت عليها كنت تتوجّه إليها فيما مضى وصرفت عنها، فتشكل هذه الظواهر.

ولأجل ذلك قال بعضهم: إنّ كان تامة بمعنى أنت عليها. وقال في الكشاف:

إن التي كنت عليها مفعول ثان لجعلنا، والمقصود من الموصول مكة، أي وما جعلنا القبلة مكة. وفيه تعقيد ومخالفة للاعتبار مع أن الإشكال المذكور على حاله.

ويرتفع من أصله بأن قوله تعالى: كنت عليها لا يختص بما بعد الانصراف عنها وانقطاع الكون، بل قيل باعتبار الكون الماضي وتوجهه صلى الله عليه و آله إلى البيت المقدس أشهراً عديدة من دون نظر إلى الانقطاع نحو: وكان اللَّه غفوراً رحيماً أي: وما جعلنا بيت المقدس قبلة لك هذه المدة إلّالِنعلم اللام للعاقبة، والحصر إنما هو باعتبار العاقبة لا حكمة التشريع (3).

قوله تعالى:... إلّالِنَعلم مَن يتّبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه وإن


1- 1 تفسير الصافي: 49.
2- 2 الميزان 1: 324 والمراد من قوله رحمه الله: «جعل بيت المقدس قبلة مرتين وجعل الكعبة قبلة مرتين» أي: مرة في مكّة المكرّمة ومرّة أخرى في المدينة المنوّرة.
3- 3 آلاء الرحمن في تفسير القرآن 1: 134.

ص: 100

كانت لكبيرةً إلا على الذين هدى اللَّه وما كان اللَّه ليضيع إيمانكم إن اللَّه بالناس لرَءُوف رحيم (1)

قال البلاغي رحمه الله في تفسيره: وكبيرة ثقيلة، ومن اللازم أن يكون استقبال بيت المقدس ثقيلًا على قريش والعرب إلّاالذين هداهم اللَّه إلى الإيمان برسول اللَّه صلى الله عليه و آله فيعلمون أن ذلك أمر من اللَّه الحكيم وما كان اللَّه ليضيع ايمانكم إن اللَّه بالناس لرَءُوف رحيم في الكافي عن ابن أبي عمير الزبيدي عن أبي عبداللَّه عليه السلام في الآية: إن اللَّه سمّى الصلاة ايماناً. وذكر الصدوق في الفقيه: قال المسلمون: صلاتنا إلى بيت المقدس تضيع يا رسول اللَّه؟ فأنزل ذلك. وذكر أنّه أخرج حديثه في كتاب النبوة. وفي رواية العياشي: أنّه لما حولت القبلة قالوا: ما حالنا؟ أي في صلاتنا الماضية، وما حال من مضى في صلاتهم إلى بيت المقدس؟

فأنزل اللَّه: وما كان اللَّه ليضيع ايمانكم. وفي الدرّ المنثور عن ابن عباس نحوه وصحّحه الحاكم (2).

ونقل الطبري في تفسيره عن ابن عباس قال: لمّا وجه رسول اللَّه صلى الله عليه و آله إلى الكعبة قالوا: كيف بمن مات من إخواننا قبل ذلك وهم يصلون نحو بيت المقدس؟

فأنزل اللَّه جلّ ثناؤه: وما كان اللَّه ليضيع إيمانكم ونقل أيضاً عن أبي إسحاق عن البراء قال: مات على القبلة قبل أن تحول إلى البيت رجال وقتلوا فلم ندر ما نقول فيهم، فأنزل اللَّه تعالى ذكره: وما كان اللَّه ليضيع إيمانكم (3)

.

قوله تعالى: قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولّينك قبلةً ترضيها فولّ وجهك شطر المسجد الحرام....

تقدم سابقاً تفسير هذه الآية الشريفة في المحور الأول من المباحث فراجع.

قال علي بن إبراهيم القمي رحمه الله في تفسيره: إن اليهود كانوا يعيرون برسول اللَّه صلى الله عليه و آله ويقولون: أنت تابع لنا، تصلي إلى قبلتنا، فاغتم من ذلك رسول اللَّه صلى الله عليه و آله غمّاً شديداً، وخرج في جوف الليل ينظر في آفاق السماء ينتظر بأمر اللَّه تبارك وتعالى في ذلك، فلمّا أصبح وحضرت صلاة الظهر كان في مسجد


1- 1 سورة البقرة: 143.
2- 2 آلاء الرحمن في تفسير القرآن 1: 135.
3- 3 جامع البيان 2: 11.

ص: 101

بني سالم [بني سلمة] (1) قد صلى بهم الظهر ركعتين، فنزل جبرئيل عليه السلام فأخذ بعضديه فحوّله إلى الكعبة... (2).

قال العلامة الطباطبائي قدس سره: قوله تعالى: وإن الذين اوتوا الكتاب ليعلمون أنّه الحق من ربهم وذلك لاشتمال كتابهم على صدق نبوة رسول اللَّه صلى الله عليه و آله أو كون قبلة هذا النبي الصادق هو شطر المسجد الحرام، وأيّاً ما كان فقوله: اوتوا الكتاب يدل على اشتمال كتابهم على حقيقة هذا التشريع، إمّا مطابقةً أو تضمناً وما اللَّه بغافل عمّا يعملون من كتمان الحق، واحتكار ما عندهم من العلم (3).

قوله تعالى: ولئن أتيت الذين اوتوا الكتاب بكلّ آية ما تبعوا قبلتك وما أنت بتابع قبلتهم... (4)

.

قال البلاغي رحمه الله: ولئن أتيت الذين اوتوا الكتاب ولم يوفقوا للإيمان بك بكل آية ما تبعوا قبلتك أي الكعبة وما أنت بتابع قبلتهم اتباعاً خصوصاً بعدما أُمرت بالتوجه شطر المسجد الحرام وما بعضهم بتابع قبلة بعض فإن النصارى تتوجّه إلى المشرق واليهود إلى بيت المقدس ولئن اتبعت أهواءَهم...

هذا توبيخ لهم وتبكيت بأنهم أصحاب أهواء فاسدة لا يتبعها إلّاالظالمون.

وخوطب بذلك رسول اللَّه صلى الله عليه و آله لقطع أطماعهم ولبيان فضله، لأنه لا يتّبع أهواءَهم أبداً بدليل قوله تعالى: وما أنت بتابع قبلتهم (5)

.

وفي الميزان: قوله تعالى: ولئن أتيت الذين اوتوا الكتاب بكل آية تقريع لهم بالعناد واللجاج، وأنّ اباءَهم عن القول ليس لخفاء الحق عليهم، وعدم تنبيه لهم، فانهم عالمون بأنّه حق علماً لا يخالطه شك، بل الباعث لهم على بث الاعتراض وإثارة الفتنة، عنادهم في الدين وجحودهم للحق، فلا تنفعهم حجة، ولا تقطع إنكارهم آية، فلو أتيتهم بكل آية ما تبعوا قبلتك لعنادهم وجحودهم، وما أنت بتابع قبلتهم؛ لأنك على بيّنة من ربك، ويمكن أن يكون قوله: وما أنت نهياً في صورة خبر، وما بعضهم بتابع قبلة بعض، وهم اليهود يستقبلون صخرة


1- 1 الصحيح ما ذكرناه بين المعقوفتين، فراجع المحور الخامس من البحث، وانظر الخريطة رقم 1.
2- 2 تفسير القمي 1: 63.
3- 3 الميزان 1: 326.
4- 4 سورة البقرة: 145.
5- 5 آلاء الرحمن في تفسير القرآن 1: 136- 137.

ص: 102

بيت المقدس أينما كانوا، فلا هذا البعض يقبل قبلة ذاك البعض، ولا ذاك يقبل قبلة هذا اتباعاً للهوى (1).

وقال الشيخ الطوسي رحمه الله في التبيان: قوله: وما أنت بتابع قبلتهم قيل في معناه أربعة أقوال:

أولها- أنّه لمّا قال: ولئن أتيت الذين اوتوا الكتاب بكلّ آية ما تبعوا قبلتك وما أنت بتابع قبلتهم... على وجه المقابلة كما تقول: ما هم بتاركي إنكار الحق وما أنت بتارك الاعتراف به، فيكون الذي جرّ الكلام، التقابل للكلام الأول، وذلك حسن من كلام البلغاء.

الثاني- أن يكون المراد أنه ليس يمكنك استصلاحهم باتباع قبلتهم لاختلاف وجهتهم، لأن النصارى يتوجهون إلى المشرق، واليهود الى بيت المقدس، فبيّن اللَّه تعالى أن رضا الفريقين محال.

الثالث- أن يكون المراد حسم طمع أهل الكتاب من اليهود، إذ كانوا طمعوا في ذلك وظنوا أنه يرجع إلى الصلاة إلى بيت المقدس وماجوا في ذكره.

الرابع- أنه لما كان النسخ مجوزاً قبل نزول هذه الآية، فأنزل اللَّه تعالى الآية، ليرتفع ذلك التجوّز (2).

ثم إنه ذكر الشيخ الطوسي رحمه الله قولين آخرين في ذكر هذه الفقرة من الآية: وما بعضهم بتابع قبلة بعض هذا نصّه: قيل في معناه قولان:

أحدهما- قال الحسن، والسدي، وابن زيد، والجبائي: إنه لا يصير النصارى كلهم يهودياً، ولا اليهود كلهم يصيرون نصارى أبداً، كما لا يتبع جميعهم الإسلام.

وهذا من الإخبار بالغيب.

[ثانيهما]- وقال غيرهم: معناه إسقاط الاعتدال بأنّه مخالفة لأهل الكتاب، الذين ورثوا ذلك عن أنبياء اللَّه بأمره إياهم به، فكلما جاز أن يخالف بين وجهتهم للاستصلاح جاز أن يخالف بوجهة ثالثة للاستصلاح في بعض الأزمان (3).


1- 1 الميزان 1: 326.
2- 2 التبيان 1: 19- 20.
3- 3 المصدر نفسه 1: 20.

ص: 103

قوله تعالى: الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءَهم... (1)

.

قال الطبرسي رحمه الله: أخبر اللَّه سبحانه بأنهم يعرفون النبي صلى الله عليه و آله وصحة نبوته فقال الذين آتيناهم أي أعطيناهم الكتاب وهم العلماء منهم يعرفونه أي يعرفون محمداً صلى الله عليه و آله وأنّه حقّ كما يعرفون أبناءَهم (2)

...

ونرى في تفسير الميزان: الضمير في قوله: يعرفونه راجع إلى رسول اللَّه صلى الله عليه و آله دون الكتاب، والدليل عليه تشبيه هذه المعرفة بمعرفة الأبناء، فإن ذلك إنما يحس في الإنسان، ولا يقال في الكتاب إن فلاناً يعرفه أو يعلمه، كما يعرفه ابنه، على أن سياق الكلام- وهو في رسول اللَّه صلى الله عليه و آله وما أوحى إليه من أمر القبلة- أجنبي عن موضوع الكتاب الذي اوتيه أهل الكتاب، فالمعنى أن أهل الكتاب يعرفون رسول اللَّه صلى الله عليه و آله بما عندهم من بشارات الكتب كما يعرفون أبناءَهم، وإن فريقاً منه ليكتمون الحق وهم يعلمون...

قوله تعالى: الحق من ربّك فلا تكوننَّ من الممترين تأكيد البيان السابق وتشديد في النهي عن الامتراء، وهو الشك والارتياب، وظاهر الخطاب لرسول اللَّه صلى الله عليه و آله ومعناه للُامّة (3).

قوله تعالى: ولكلٍّ وجهةٌ هو مولّيها فاستَبقوا الخيرات... (4)

قال الطبرسي رحمه الله في معنى هذه الآية الشريفة: هذا بيان لأمر القبلة أيضاً وقوله: ولكلٍّ وِجْهَةٌ فيه أقوال:

أحدها- أن معناه لكلّ أهل ملّة من اليهود والنصارى قبلة؛ عن مجاهد وأكثر المفسرين.

ثانيها- أن لكلّ نبيّ وصاحب ملّة وجهة، أي طريقة وهي الإسلام وإن اختلفت الأحكام كقوله تعالى: لكلٍّ جعلنا منكم شرعة ومنهاجاً يعني شرائع الأنبياء، عن الحسن.

ثالثها- أن لكلّ من المسلمين وأهل الكتاب قبلة، يعني صلاتهم إلى بيت


1- 1 سورة البقرة: 146.
2- 2 مجمع البيان 1: 229.
3- 3 الميزان 1: 326- 327.
4- 4 سورة البقرة: 148.

ص: 104

المقدس وصلاتهم إلى الكعبة، عن قتادة.

رابعها- أن لكلّ قوم من المسلمين وجهة، ومن كان منهم وراء الكعبة أو قدامها أو عن يمينها أو عن شمالها، وهو اختيار الجبائي... (1).

قوله تعالى: ومن حيث خرجت فولّ وجهك شطر المسجد الحرام وإنه للحق من ربّك وما اللَّه بغافلٍ عمّا تعلمون* ومن حيث خرجت فولّ وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولّوا وجوهكم شطره... (2)

.

قال البلاغي رحمه الله في تفسيره: ومن حيث خرجت سواء كان الخروج من مكّة إلى المدينة أو من المدينة إلى الشام... فولّ وجهك في جميع هذه الأحوال وجميع الجهات شطر المسجد الحرام نحوه وإنّه أي التوجه إلى المسجد الحرام في الصلاة على الاطلاق المنصوص عليه لَلْحق من أمر ربك وشريعته الجارية على الحكمة وكرامة البيت، وأن اللَّه لا يضيع أجركم في امتثال أمره (3)، انتهى كلامه.

أقول: أما التكرار الذي وقع في صدر هاتين الآيتين أعني: ومن حيث خرجت فولّ وجهك شطر المسجد الحرام فقد نقل الطبرسي رحمه الله لذلك وجوهاً نذكرها:

1- أنه لما كان فرضاً نسخ ما قبله، كان من مواضع التأكيد والتبيين؛ لينصرف الخلق إلى الحال الثانية من الحال الاولى على يقين.

2- أنه مقدم لما يأتي بعده ويتصل به فأشبه الاسم الذي تكرر لخبر عنه بأخبار كثيرة كما يقال: زيد كريم، زيد عالم، زيد فاضل وما أشبه ذلك ممّا يذكر لتعلق الفائدة به.

3- أنه في الأول بيان لحال الحَضر وفي الثاني بيان لحال السفر (4).

قال العلامة الطباطبائي قدس سره: قوله تعالى:... لئلا يكون للناس عليكم حجّة إلّا الذين ظلموا منهم فلا تخشوهم واخشوني بيان لفوائد ثلاث في هذا الحكم


1- 1 مجمع البيان 1: 230- 231.
2- 2 سورة البقرة: 149- 150.
3- 3 آلاء الرحمن في تفسير القرآن 1: 138.
4- 4 مجمع البيان 2: 13.

ص: 105

الذي فيه أشد التأكيد على ملازمة الامتثال، والتحذر عن الخلاف:

إحديها- أن اليهود كانوا يعلمون من كتبهم أن النبيّ الموعود تكون قبلته الكعبة دون بيت المقدس، كما قال تعالى: وإن الذين أوتوا الكتاب ليعلمون أنّه الحق من ربهم... وفي ترك هذا الحكم، الحجة لليهود على المسلمين بأن النبيّ ليس هو النبيّ الموعود، لكن التزام هذا الحكم والعمل به يقطع حجتهم إلّاالذين ظلموا منهم، وهو استثناء منقطع، أي لكن الذين ظلموا منهم باتباع الأهواء لا ينقطعون بذلك فلا تخشوهم؛ لأنهم ظالمون باتباع الأهواء، واللَّه لا يهدي القوم الظالمين واخشوني.

ثانيتها: أن ملازمة هذا الحكم يسوق المسلمين إلى تمام النعمة عليهم بكمال دينهم...

ثالثتها: رجاء الاهتداء إلى الصراط المستقيم (1)...

هذا تمام الكلام فيما أردت أن أذكره في هذا المحور، من التفسير حول التحويل.

3- الروايات الواردة في شأن نزول آيات التحويل

قد ذكرنا بعض الروايات الواردة حول شأن النزول في المحورين السابقين ومع ذلك نذكر بعضاً آخر منها، تتميماً للفائدة:

نقل الطبري عن ابن جُريج عن مجاهد قال: قالت اليهود: يخالفنا محمد ويتبع قبلتنا، فكان يدعو اللَّه جلّ ثناؤه ويستعرض للقبلة فنزلت: قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلةً ترضاها فولِّ وجهك شطر المسجد الحرام- وانقطع قول اليهود يخالفنا ويتبع قبلتنا- في صلاة الظهر فجعل الرجال مكان النساء والنساء مكان الرجال (2).

ونقل شيخ الطائفة رحمه الله في التهذيب عن الطاطري عن محمد بن أبي حمزة عن


1- 1 الميزان 1: 328- 329.
2- 2 جامع البيان 2: 13.

ص: 106

ابن مسكان عن أبي بصير عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: سألته عن قوله تعالى: وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلّالنعلم من يتبع الرسول ممّن ينقلب على عقبيه أمره به؟ قال: نعم، إن رسول اللَّه صلى الله عليه و آله كان يقلب وجهه في السماء، فعلم اللَّه عزّوجلّ ما في نفسه فقال: قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها (1)

.

ونقل الطبرسي رحمه الله في الاحتجاج، عن الإمام أبي محمد العسكري عليه السلام: «جاء قوم من اليهود إلى رسول اللَّه صلى الله عليه و آله، فقالوا: يا محمد هذه القبلة بيت المقدس، قد صليت إليها أربع عشرة سنة، ثم تركتها الآن، أفحقاً كان ما كنت عليه؟ فقد تركته إلى باطل، فإنما يخالف الحق الباطل، أو باطلًا كان ذلك؟ فقد كنت عليه طول هذه المدة، فما يؤمننا أن تكون الآن على باطل؟ فقال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله: بل ذلك كان حقّاً وهذا حقّ، يقوله اللَّه: قل للَّه المشرق والمغرب يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم إذا عرف صلاحكم يا أيها العباد في استقبال المشرق أمركم به، وإذا عرف صلاحكم في استقبال المغرب أمركم به، وإن عرف صلاحكم في غيرهما أمركم به، فلا تنكروا تدبير اللَّه في عباده، وقصده إلى مصالحكم، ثم قال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله: قد تركتم العمل يوم السبت، ثم عملتم بعده سائر الأيام، ثم تركتموه في السبت ثم عملتم بعده، افتركتم الحقّ إلى الباطل والباطل إلى حقّ؟ أو الباطل إلى باطل؟ أو الحقّ إلى حقّ؟ قولوا: كيف شئتم، فهو قول محمد صلى الله عليه و آله وجوابه لكم، قالوا: بل ترك العمل في السبت حقّ، والعمل بعده حقّ، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله: فكذلك قبلة بيت المقدس في وقته حقّ، ثم به بزعمك من الصلاة إلى بيت المقدس، حين (2) نقلك إلى الكعبة؟ فقال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله: ما بدا له عن ذلك، فإنه العالم بالعواقب، والقادر على المصالح، لا يستدرك على نفسه غلطاً، ولا يستحدث رأياً يخالف (3) المتقدم، جلّ عن ذلك، ولا يقع أيضاً عليه مانع يمنعه عن مراده، وليس يبدو إلّالمن كان هذا وصفه، وهو عزّوجلّ متعال عن هذه الصفات علواً كبيراً.

ثم قال لهم رسول اللَّه صلى الله عليه و آله: أيها اليهود، أخبروني عن اللَّه، أليس يُمرض ثمّ


1- 1 تهذيب الأحكام 2: 43.
2- 2 في المصدر: حتى.
3- 3 وفيه: بخلاف.

ص: 107

يُصح؟ ويصح ثمّ يمرض؟ أبدا له في ذلك؟ أليس يحيي ويميت؟ (أليس يأتي بالليل في أثر النهار ثم بالنهار في أثر الليل) (1)؟ أبدا له في كلّ واحد من ذلك؟ قالوا: لا، قال:

فكذلك اللَّه تَعبَّد نبيّه محمداً صلى الله عليه و آله، بالصلاة إلى الكعبة، بعد أن (2) تَعبَّده بالصلاة إلى بيت المقدس، وما بدا له في الأول- ثم قال:- أليس يأتي بالشتاء في أثر الصيف؟

والصيف في أثر الشتاء؟ أبدا له في كلّ واحد من ذلك؟ قالوا: لا، قال: فكذلك لم يبد له في القبلة.

قال، ثم قال: أليس قد ألزمكم في الشتاء أن تحترزوا من البرد بالثياب الغليظة؟ وألزمكم في الصيف أن تحترزوا من الحر؟ فبدا له في الصيف حتى أمركم بخلاف ما كان أمركم به في الشتاء؟ قالوا: لا، قال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله: فكذلك تعبدكم في وقت لصلاح يعلمه بشي ء، ثم بعده (3) في وقت آخر لصلاح آخر يعلمه بشي ء آخر، فإذا أطعتم اللَّه في الحالين استحققتم ثوابه، وأنزل اللَّه وللَّه المشرق والمغرب فاينما تولوا فثم وجه اللَّه (4)

أي إذا توجهتم بأمره، فثمّ الوجه الذي تقصدون منه اللَّه وتأملون ثوابه.

ثم قال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله: يا عباد اللَّه، أنتم كالمرضى واللَّه ربّ العالمين كالطبيب، فصلاح المرضى فيما يعلمه (5) الطبيب [و] (6) يدبره به، لا فيما يشتهيه المريض ويقترحه، ألا فسلموا للَّه أمره تكونوا من الفائزين.

فقيل له: يا ابن رسول اللَّه، فلم أمر بالقبلة الأُولى؟ فقال: لما قال اللَّه عزّوجلّ: وما جعلنا القبلة التي كنت عليها وهي بيت المقدس إلا لنعلم من يتبع الرسول ممّن ينقلب على عقبيه (7)

إلا لنعلم ذلك منه موجوداً، بعد أن علمناه سيوجد ذلك، إنّ هوى أهل مكّة كان في الكعبة، فأراد اللَّه أن يبين متبع (8) محمد صلى الله عليه و آله من مخالفه (9)، باتباع القبلة التي كرهها، ومحمد صلى الله عليه و آله يأمر بها، ولما كان هوى أهل المدينة في بيت المقدس، أمرهم بمخالفتها والتوجّه إلى الكعبة، ليتبين (10) من يوافق محمداً صلى الله عليه و آله فيما يكرهه، فهو مصدقه وموافقه.


1- 1 ما بين القوسين ليس في المصدر.
2- 2 وفيه زيادة: كان.
3- 3 في المصدر: تعبّدكم.
4- 4 البقرة 2: 115.
5- 5 في المصدر: يعمله.
6- 6 أثبتناه في المصدر.
7- 7 البقرة 2: 143.
8- 8 في المصدر: متبعي.
9- 9 ممّن خالفه.
10- 10 وفيه: ليُبيّن.

ص: 108

ثم قال: وإن كانت لكبيرة إلّاعلى الذين هدى اللَّه (1)

إنما كان التوجه إلى بيت المقدس، في ذلك الوقت كبيرة، إلّاعلى من يهدي اللَّه، فعرف أن اللَّه يُتعبّد بخلاف ما يريده المرء، ليبتلي طاعته في مخالفته هواه» (2).

فقد ظهرت من هذه الروايات وغيرها، مهمّة القبلة وتحويلها من بيت المقدس إلى الكعبة المشرّفة، والحِكم التي أرادها اللَّه سبحانه وتعالى من بداية هذه الواقعة الكبيرة حتى النهاية.

وسيوافيك مزيداً من البحث حول هذا الموضوع إن شاء اللَّه.

4- ما هو السبب لجعل بيت المقدس قبلةً أوّلًا ثم الكعبة ثانياً؟

حينما نرجع إلى المصادر- من الكتاب والسنّة والتفسير والتأريخ- للتعرف عن السبب لهذا الجعل، نجد أسباباً مختلفةً ومطالب شتى، فبما أن تعرّف هذه الأسباب مفيد جدّاً، وأن الورود في مثل هذه الأبحاث يستدعي التعرض للمطالب الفرعية فضلًا عن الأصلية، فلنبدأ بذكر تلك الأسباب:

1- قوله تعالى: وللَّه المشرق والمغرب فأينما تولّوا فَثَمَّ وجهُ اللَّه (3)

.

2- قوله تعالى: سيقول السفهاء من الناس ما ولّيهم عن قبلتهم التي كانوا عليهم قل للَّه المشرق والمغرب يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم (4)

.

3- قوله تعالى: وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلّالنعلم من يتبع الرسول... (5)

.

4- الإمام الحسن بن عليّ العسكري عليه السلام: إن هوى أهل مكّة كان في الكعبة... وهوى أهل المدينة في بيت المقدس... فأراد اللَّه أن يبين متبع محمّد صلى الله عليه و آله من مخالفه (6).

5- الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام: «إن رسول اللَّه صلى الله عليه و آله لما بعث كانت الصلاة إلى قبلة بيت المقدس، فكان في أول بعثته يصلي إلى بيت المقدس


1- 1 البقرة 2: 143.
2- 2 مستدرك الوسائل 3: 175.
3- 3 سورة البقرة: 115.
4- 4 المصدر نفسه: 142.
5- 5 المصدر نفسه: 143.
6- 6 مستدرك الوسائل 3: 178.

ص: 109

جميع أيام مقامه بمكّة، وبعد هجرته إلى المدينة بأشهر، فعيّرته اليهود...» (1).

6- قال صاحب تفسير مجمع البيان: وأمّا الوجه في الصرف عن القبلة الأولى ففيه قولان:

أحدهما: أنه لِما علم اللَّه تعالى في ذلك من تغير المصلحة.

الآخر: أنه لما بيّنه سبحانه بقوله: لنعلم من يتبع الرسول ممّن ينقلب على عقبيه لأنهم كانوا بمكّة أمروا أن يتوجهوا إلى بيت المقدس ليتميزوا من المشركين، الذين كانوا يتوجهون إلى الكعبة، فلما انتقل رسول اللَّه صلى الله عليه و آله إلى المدينة كانت اليهود يتوجهون إلى بيت المقدس، فأمروا بالتوجه إلى الكعبة ليتميزوا من أولئك (2).

7- قال الزمخشري في الكشاف: إن رسول اللَّه صلى الله عليه و آله... أمر بالصلاة إلى صخرة بيت المقدس... ثمّ حوّل إلى الكعبة... امتحاناً للناس وابتلاء... (3).

8- وقيل: لنميز التابع من الناكص (4).

9- قال البلاغي رحمه الله:... ومن اللازم أن يكون استقبال بيت المقدس ثقيلًا على قريش والعرب، إلّاالذين هداهم اللَّه إلى الإيمان برسول اللَّه فيعلمون أن ذلك أمر من اللَّه الحكمى (5).

10- نقل العلامة المجلسي رحمه الله عن كتاب الاحتجاج: وتفسير العسكري عليه السلام في احتجاج النبيّ صلى الله عليه و آله على المشركين قال: إنّا عباد اللَّه مخلوقون مربوبون، نأتمر فيما أمرنا، وننزجر عمّا زجرنا... فلما أمرنا أن نعبده بالتوجه إلى الكعبة أطعنا، ثم أمرنا بعبادته بالتوجه نحوها في سائر البلدان التي نكون بها فأطعنا، فلم نخرج في شي ء من ذلك من اتباع أمره (6).

11- وقال العلامة الطباطبائي: إن هذه الأحكام والتشريعات ليست إلّا لأجل مصالح تعود إلى تربية الناس وتكميلهم، وتمحيص المؤمنين من غيرهم وتمييز المطيعين من العاصين، والمنقادين من المتمردين (7).

هذا تمام الكلام في الأسباب.


1- 1 بحار الأنوار 81: 66.
2- 2 مجمع البيان 1: 222.
3- 3 الكشاف 1: 200.
4- 4 المصدر نفسه.
5- 5 آلاء الرحمن في تفسير القرآن 1: 135.
6- 6 بحار الأنوار 81: 71.
7- 7 الميزان 1: 324.

ص: 110

ثم إنه اختلف في الذين عابوا المسلمين بالانصراف عن قبلة بيت المقدس أولًا ثم إلى الكعبة ثانياً، أهم اليهود، أو المشركون، أو المنافقون؟

قال ابن عباس وغيره: هم اليهود.

وقال الحسن: هم مشركو العرب، وأن رسول اللَّه صلى الله عليه و آله لمّا حوّل إلى الكعبة من بيت المقدس قالوا: يا محمد رغبت عن قبلة آبائك، ثم رجعت إليها، فلترجعنَّ إلى دينهم.

وقال السدي: هم المنافقون، قالوا ذلك استهزاءً بالإسلام (1).

واختلف أيضاً في سبب مقالتهم، فقال ابن عباس: إنهم قالوا ذلك على وجه الإنكار للنسخ. وقيل: للامتحان. وقيل: إنما قاله مشركو العرب؛ ليوهموا أن الحقّ ما هم عليه (2).

5- زمان تحويل القبلة ومكانه وكيفية وقوعه

بما أن هذا المحور من أدقّ وأصعب المحاور في هذا المقال؛ لكثرة الاختلاف في المواضيع التي أردنا التعرض لها، فلذلك أخرناه حتى تكون المحاور السابقة بمثابة المقدمة، وسنستفيد من بعض الخرائط اللازمة تبييناً للمراد وتسهيلًا للبحث.

الف: زمان تحويل القبلة:

اعلم أن زمان التحويل كان في السنة الثانية للهجرة، والأكثر قائلون بذلك شيعة وسنة، ويؤيده بعض الأخبار من طرق الفريقين، ولكن الخلاف وقع في شهر الوقوع ويومه.

نقل العلامة المجلسي في البحار عن المفيد: حوّلت القبلة في النصف من رجب سنة اثنتين من الهجرة (3).

وقال الواقدي: كان هذا يوم الاثنين للنصف من رجب على رأس سبعة عشر شهراً، وعن البراء: على رأس ستة عشر شهراً أو سبعة عشر شهراً، وعن


1- 1 مجمع البيان 1: 222.
2- 2 المصدر نفسه.
3- 3 بحار الأنوار 81: 63.

ص: 111

السدي: على رأس ثمانية عشر شهراً من مهاجرته (1).

وقال الحلبي في سيرته: وحوّلت القبلة في شهر رجب من السنة المذكورة، التي هي الثانية في نصفه... (2).

وقال ابن هشام: قال ابن إسحاق:... وصرفت في رجب على رأس سبعة عشر شهراً من مقدم رسول اللَّه صلى الله عليه و آله المدينة (3).

وذكر الطبري في تفسيره أن ابن عباس قال:... وصرفت في رجب على رأس سبعة عشر شهراً... (4).

ونقل الكازروني اليماني عن محمد بن حبيب الهاشمي: حوّلت في الظهر يوم الثلاثاء للنصف من شعبان (5).

وقال الشبلنجي: وفي السنة الثانية من الهجرة في نصف شعبان حوّلت القبلة إلى الكعبة (6).

وقال اليعقوبي في تأريخه:... وصرفت القبلة نحو المسجد الحرام في شعبان بعد مقدمه بالمدينة بسنة وخمسة أشهر، وقيل بسنة ونصف (7).

ونرى في تأريخ الطبري: صرفت في النصف من شعبان (8).

ونقل الحلبي أيضاً: وقيل: كان في جمادى الآخرة (9).

هذا، والحق ما قاله المفيد رحمه الله والواقدي ومن تبعهما؛ لأن قدوم رسول اللَّه صلى الله عليه و آله من مكّة المكرّمة إلى المدينة كان في شهر ربيع الأول، والدليل على ذلك ما رواه الطبرسي في الاحتجاج بالإسناد إلى الإمام أبي محمد العسكري عليه السلام، قال: «لمّا كان رسول اللَّه صلى الله عليه و آله بمكة، أمر اللَّه تعالى أن يتوجّه نحو البيت المقدس في صلاته، ويجعل الكعبة بينه وبينها إذا أمكن، وإذا لم يتمكن استقبل البيت المقدس كيف كان، وكان رسول اللَّه صلى الله عليه و آله يفعل ذلك طول مقامه بها، ثلاث عشرة سنة، فلمّا كان بالمدينة، وكان متعبداً باستقبال بيت المقدس، استقبله وانحرف عن الكعبة، سبعة عشر شهراً أو ستة عشر شهراً...» (10).


1- 1 حياة النبي وسيرته 1: 298.
2- 2 السيرة الحلبية 2: 128.
3- 3 السيرة النبوية لابن هشام 2: 198.
4- 4 تفسير الطبري 2: 3.
5- 5 المنتقى في مولد المصطفى.
6- 6 نور الأبصار: 44.
7- 7 تأريخ اليعقوبي 2: 42.
8- 8 تأريخ الطبري 2: 416.
9- 9 السيرة الحلبية 2: 128.
10- 10 مستدرك الوسائل 3: 184.

ص: 112

وروى الطبرسي أيضاً في المجمع عن ابن عباس: «كانت الصلاة إلى بيت المقدس بعد مقدم النبي صلى الله عليه و آله المدينة سبعة عشر شهراً» (1).

وروى أيضاً عن البراء بن عازب قال: «صليت مع رسول اللَّه صلى الله عليه و آله نحو بيت المقدس ستة عشر شهراً أو سبعة عشر شهراً، ثم صرفنا نحو الكعبة» (2).

ب- مكان تحويل القبلة

لا شك في أن تحويل القبلة وقع في المدينة، ولكن اختلفت الأخبار والآراء في محلّ التحويل، فهل وقع ذلك في المسجد النبوي الشريف، أو وقع في مسجد بني سلمة (دار أم بشر)، أو في مكان آخر؟

أما المسجد النبوي الشريف، فلا يمكن القول به؛ لأنه:

أولًا: إذا حدث هذا الأمر المهم في المسجد النبوي؛ لعرفنا موضع التحويل كما نعرف الأماكن الأثرية المقدّسة في ذلك المكان الشريف.

ثانياً: يوجد مسجد واحد فقط بالمدينة، يعرف بالقبلتين، مع أنه حدث في مكانين آخرين (مسجد قبا (3) وعند بني عبد الأشهل (4)) أداء صلاة واحدة إلى القبلتين (بيت المقدس والكعبة) ولم يطلق عليهما اسم القبلتين من صدر الإسلام إلى زماننا هذا، فإن لم تكن لمسجد القبلتين (المعروف من صدر الإسلام حتى الآن) خصوصية، فلماذا لم يطلق لكلا المكانين ذلك الاسم؟

ثالثاً: إن النبي صلى الله عليه و آله لم يكن في نفس الوقت عند بني عبدالأشهل ومسجد قبا، بل خبر التحويل وصل إلى المكانين المذكورين، والمصلّون كانوا في الصلاة، فاستداروا نحو الكعبة.

رابعاً: إنّا لم نجد خبراً يدل على وجود مسجد عند بني عبدالأشهل يعرف بالقبلتين، مع أنهم كانوا يعيشون في شرق المدينة المنورة، لا في غربها.

نعم، روى الشيخ الطوسي في التهذيب عن أبي بصير عن أحدهما عليهما السلام:

«... قال: إن بني عبدالأشهل أتوهم وهم في الصلاة قد صلّوا ركعتين إلى بيت


1- 1 مجمع البيان 1: 223.
2- 2 المصدر نفسه.
3- 3 الموطّأ 1: 194.
4- 4 تهذيب الأحكام 2: 44.

ص: 113

المقدس فقيل لهم: إن نبيكم قد صرف إلى الكعبة، فتحول النساء مكان الرجال، والرجال مكان النساء، وجعلوا الركعتين الباقيتين إلى الكعبة، فصلّوا صلاة واحدة إلى القبلتين، فلذلك سمّي مسجدهم مسجد القبلتين» (1).

ولكنه لا يخفى أن المسجد الأثري الذي يعرف بمسجد القبلتين، يقع إلى الشمال الغربي من المسجد النبوي الشريف في الحرّة الغربية (حرّة الوبرة)، وكان لبني سلمة، وكان فيه محرابان، أحدهما متجهٌ إلى بيت المقدس، وثانيهما متجهٌ إلى الكعبة.

وأمّا بنو عبدالأشهل فكانت بيوتهم ومساكنهم في الحرّة الشرقية (حرّة واقم)، شرق المسجد النبوي الشريف، وشتان بينه وبين ذاك المسجد الأثري، الذي حقّق اللَّه تعالى فيه أمنية وتطلّعات رسوله الكريم صلى الله عليه و آله، في أن تكون وجهته وقبلته البيت الحرام والكعبة المشرّفة.

وممّا يجدر ذكره أن مسجد الإجابة (مسجد المباهلة) يقع بين دور بني عبدالأشهل (2)ودور بني معاوية، ولم يعرف ولم يسمّ بالقبلتين، اللّهم إلّاأن يقال:

إنه كان هناك مسجد وخرب ولم يبق منه أثر؛ وهذا بعيد جدّاً.

وممّا يؤيد ما نحن بصدده، ما قاله الفيض الكاشاني رحمه الله في ذيل خبر التهذيب، حيث أورد بعض الأشياء على ظهور الخبر، واختلاف الألفاظ في قصة بني عبدالأشهل.

قال: بيانٌ: «أتوهم» أي جماعة، والظاهر أن لفظة «هم» زيادة من النساخ، وبناء الفعل للمفعول كما في «قيل» فإنّ في بعض هذه القصة: «فأتى بني عبدالأشهل رجل من الأنصار» وفي بعضها: «فأتى رجل ممّن صلّى مع النبي صلى الله عليه و آله قوماً في مسجد». وبالجملة فيها ما يدلّ على انفراد المخبر (3).

ثم إنه توجد روايات في كتب الفريقين تدل على تحويل القبلة في مسجد بني سلمة، والنبيّ صلى الله عليه و آله كان حاضراً هناك، وإليك بعضها:


1- 1 المصدر نفسه.
2- 2 انظر إلى الخريطة رقم 2.
3- 3 الوافي 7: 538.

ص: 114

روى علي بن إبراهيم بإسناده عن الإمام جعفر الصادق عليه السلام قال: تحوّلت القبلة إلى الكعبة بعدما صلّى النبيّ صلى الله عليه و آله بمكّة ثلاث عشرة سنة إلى بيت المقدس...

فلمّا أصبح وحضر وقت صلاة الظهر، كان في مسجد بني سالم [سلمة] (1) قد صلّى من الظهر ركعتين فنزل عليه جبرائيل عليه السلام فأخذ بعضديه فحوّله إلى الكعبة...

وكان صلّى ركعتين إلى بيت المقدس وركعتين إلى الكعبة (2).

وعن جابر بن عبداللَّه الأنصاري: أن النبي صلّى في مسجد الخربة ومسجد القبلتين، وفي مسجد بني حرام الذي بالقاع (3).

وروى عثمان بن محمّد الأحبشي قال: زار رسول اللَّه صلى الله عليه و آله امرأة من بني سلمة يقال لها أم بشر في بني سلمة، فصنعت له طعاماً فجاء الظهر، فصلّى رسول اللَّه صلى الله عليه و آله بأصحابه في مسجد القبلتين الظهر، فلمّا صلَّى ركعتين أُمر أن يتوجه إلى الكعبة، فاستدار رسول اللَّه صلى الله عليه و آله، فسمي ذلك المسجد مسجد القبلتين (4).

وقال السمهودي: وعند الزمخشري: صُرفت القبلة ورسول اللَّه صلى الله عليه و آله في مسجد بني سلمة- يعني مسجد القبلتين- وقد صلّى بأصحابه ركعتين من صلاة الظهر، فتحوّل في الصلاة، واستقبل الميزاب، وحول الرجال مكان النساء، والنساء مكان الرجال (5).

فقد ورد أنّه صلى الله عليه و آله جاء يعزي أم بشر، امرأة من بني سلمة مات ابن لها، وعزمت عليه أن يقيل عندها هو ومن معه من أصحابه، فذبحت له عناقاً «جفرة» وتغدى عندها، فأدركته صلاة الظهر فقام يصلي هو وأصحابه في بيتها متوجهين إلى بيت المقدس، وبعد قيامه للركعة الثالثة نزل عليه الوحي بتحويل القبلة إلى بيت اللَّه الحرام، فاستدار بوجهه إلى الجنوب، واستدار أصحابه حتى صاروا خلفه... وبعد ذلك طلب بنو سلمة من أم بشر أن تبيعهم هذه الدار؛ ليتخذوها مسجداً لصلاة النبي صلى الله عليه و آله فيها، فوهبتها لهم فبنوا فيها مسجدهم الذي أطلق عليه بعد مسجد بني سلمة إسم «القبلتين» الذي نزلت آية تحويل القبلة في مكانه (6).


1- 1 الظاهر الصحيح ذلك، انظر الخريطة رقم 2.
2- 2 مجمع البيان 1: 223.
3- 3 تأريخ المدينة المنوّرة، لابن شبّه 1: 68.
4- 4 أخبار مدينة الرسول، لابن النجار: 115.
5- 5 وفاء الوفا، للسمهودي 1: 362.
6- 6 طيبة، مدينة الرسول: 90- 91.

ص: 115

ج- كيفية وقوع التحويل

بما أن الروايات والأخبار التأريخية الواردة في شأن هذا الحدث العظيم قد صرحت بتحويل القبلة، حين الصلاة في بني سلمة، إلّاأن تسمية هذا المكان ب (مسجد القبلتين) تمّ؛ لأن التحويل وقع فيه أولًا وفي صلاة جماعة كان النبيُّ صلى الله عليه و آله إمامَها ثانياً، ولو لم يكن كذلك، لصدق أسم مسجد القبلتين على غيره من الأماكن كمسجد بني عبد الأشهل ومسجد قبا (1) لوقوع صلاة العصر في الأول وصلاة الصبح في الثاني إلى القبلتين.

ثم إنه نقل السمهودي في وفاء الوفا عن ابن سعد أن الانصراف إلى الكعبة كان في صلاة الجماعة. وكذا ابن سعد نقل عن الواقدي: أن تحويل القبلة كان في صلاة الجماعة، وكان إمامها رسول اللَّه صلى الله عليه و آله، وفي مسجد القبلتين، ثم قال ابن سعد: قال الواقدي: هذا أثبت عندنا (2).

ونقل الشيخ قوام الدين الوشنوي عن إسعاف الراغبين: وفي هذه السنة- السنة الثانية- حوّلت القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة، والنبيّ صلى الله عليه و آله يصلّي بأصحابه صلاة الظهر عند الأكثر، فوقع نصفها إلى بيت المقدس ونصفها إلى الكعبة (3).

ونقل الشيخ قوام الدين الوشنوي أيضاً: والأكثرون على ان تحويلها كان في صلاة الظهر، وقيل العصر، وفي الصحيحين عن البراء: أن أول صلاة صلّاها رسول اللَّه صلى الله عليه و آله إلى الكعبة صلاة العصر. ثم قال: وقد يقال لا منافاة، لجواز أن يكون المراد أول صلاة صلّاها كلّها إلى الكعبة صلاة العصر، لأن الظهر صلّى نصفها الأول إلى بيت المقدس ونصفها الثاني إلى الكعبة (4).

فظهر عمّا ذكر أن تحويل القبلة حدث في صلاة الظهر، وقد صرّح بذلك ما رواه علي بن إبراهيم بإسناده عن الإمام جعفر بن محمد الصادق عليهما السلام (5)، وقد ذكر في كتب الحديث والتأريخ أنه حدث ذلك في صلاة الجماعة بإمامة رسول اللَّه صلى الله عليه و آله في مسجد القبلتين. واللَّه العالم.


1- 1 الموطّأ 1: 194.
2- 2 وفاء الوفا، للسمهودي 1: 363.
3- 3 حياة النبي وسيرته 1: 301.
4- 4 المصدر نفسه 1: 299.
5- 5 مجمع البيان 1: 223.

ص: 116

الخريطة رقم 1

ص: 117

الخريطة رقم 2

ص: 118

المراجع

1- القرآن الكريم.

2- المنجد، الطبعة 21، دار المشرق، بيروت.

3- الميزان في تفسير القرآن، الطبعة 3، مؤسسة اسماعيليان للنشر، قم، 1393 ه.

4- البرهان في تفسير القرآن، الطبعة 2، دار الكتب العلمية، قم.

5- الكشاف، الطبعة 1، مكتب الإعلام الإسلامي، قم، 1414 ه.

6- تفسير الصافي، رحلي، مكتبة المحمودي، طهران، 1334 ه. ش.

7- آلاء الرحمن في تفسير القرآن، لمحمد جواد البلاغي، الطبعة 2، مكتبة الوجداني، قم.

8- جامع البيان في تفسير القرآن، للطبري، دار المعرفة، بيروت، 1409 ه.

9- تفسير القمي، لعليّ بن إبراهيم القمي من أعلام قرني 3- 4 ه، مكتبة الهدى، ط 2، بيروت، 1387 ه.

10- تهذيب الأحكام، للشيخ الطوسي رحمه الله، دار الأضواء، بيروت- الطبعة 3، 1406 ه.

11- مستدرك الوسائل، مؤسسة آل البيت عليهم السلام، الطبعة 1، 1407 ه.

12- بحار الأنوار، للعلامة المجلسي رحمه الله، مؤسسة الوفاء، بيروت- الطبعة 2، 1403 ه.

13- مجمع البيان، للشيخ الطبرسي رحمه الله، دار إحياء التراث العربي، 1379 ه.

14- حياة النبي وسيرته، لقوام الدين الوشنوي، دار الأسوة، قم ط 1، 1416 ه.

15- السيرة الحلبية.

16- السيرة النبوية لابن هشام.

17- تفسير الطبري، دار المعرفة بيروت، 1409 ه.

18- المنتقى في مولد المصطفى، للكازروني اليماني.

19- نور الأبصار، للشبلنجي.

20- تأريخ اليعقوبي، لأحمد بن أبي يعقوب، دار صادر بيروت، 1379 ه- 1960 م.

21- تأريخ الطبري، لأبي جعفر محمد بن جرير الطبري، بيروت، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم.

22- الموطّأ، لمالك بن أنس، دار إحياء التراث العربي- بيروت.

23- الوافي، لملّا محسن الفيض الكاشاني، طبع إصفهان، ط 1، 1406 ه.

24- تأريخ المدينة المنورة، لابن شبّه.

25- أخبار مدينة الرسول، لحافظ محمد بن النجار، مكتبة الثقافة، مكّة المكرّمة، ط 3، 1401 ه.

26- وفاء الوفا، للسمهودي، دار إحياء التراث العربي، بيروت ط 3، 1981 م.

27- طيبة، مدينة الرسول، المهرجان للإعلان، جدة، 1994 م.

امُّ المؤمنين خديجة

ص: 119

ص: 120

ص: 121

ص: 122

ص: 123

أمُّ المؤمنين خديجة

محمد سليمان

في بيت من البيوت العريقة وذات السمعة الطيبة والمكانة العالية في الحجاز، ولدت سيدتنا خديجة لأبوين قرشيين: فأبوها خويلد بن أسد بن عبد العزّى بن قصي بن كلاب بن مرّة ابن كعب بن لؤي ابن غالب بن فهر بن مالك بن النضر من كنانة... من قريش، فهو من بني أسد. وقدمات في حرب الفِجار، التي قامت في الجاهلية في الأشهر الحرم بين قريش وقيس عيلان، ويومذاك كان عمر خديجة- إذا ما أخذنا برواية أن عمرها حين زواجها من الرسول صلى الله عليه و آله أربعون سنة- ثلاثين سنة.

وأما أمُّها فهي فاطمة بنت زائدة بن الأصم بن فهر بن لؤي بن غالب. فهي تجتمع مع زوجها خويلد في لؤي بن غالب... من كنانة من قريش.

خديجة القرشيّة الأسدية تلتقي نسباً مع النسب الكريم لرسول اللَّه صلى الله عليه و آله في جدّه الرابع «قصي»، فهو محمد بن عبداللَّه بن عبدالمطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي... وهي بالتالي أقرب نسائه إليه صلى الله عليه و آله.

كانت تدعى في الجاهلية بالطاهرة، وسيدة نساء قريش، وسيدة قريش.

ص: 124

وهي يومئذ أوسط نساء قريش نسباً، وأعظمهنّ شرفاً، وأكثرهنّ مالًا وأحسنهنّ جمالًا... وفي لفظ كان يقال لها سيدة قريش؛ لأن الوسط في ذكر النسب من أوصاف المدح والتفضيل، يقال: فلان أوسط القبيلة أعرقها في نفسها... (1) عمرُ خديجة:

الاهتمام بعمرها أمر طبيعي جدّاً؛ لأنه جزء من دراسة حياتها المباركة بعد أن اقترنت برسول اللَّه صلى الله عليه و آله، وصارت حياتها جزءاً من حياته الشخصية والدينية بكلِّ أبعادها.

ولكن هذا الاهتمام بدلًا من أن يولد لدينا القطع بعمرها عمّق الاختلاف فيه تبعاً لاختلاف الروايات والأخبار وبالتالي الآراء عن ولادتها، وعن عمرها وحياتها حين اقترانها بالرسول الكريم صلى الله عليه و آله، وراحت- اعتماداً على تلك الروايات- أقوال قدماء المؤرخين بالذات وأقوال مَن جاراهم من الكتاب المحدثين توسع ذلك الاختلاف وتثبته ولم تستطع حسمه بما تقدمه من أدلة.

وابتداء نشير إلى بعض روايات سنِّها ومصادرها:

فعن ابن عباس: كانت خديجة يوم تزوجها رسول اللَّه صلى الله عليه و آله ابنة ثمان وعشرين سنة (2).

وعن حكيم بن مزاحم (ابن اخيها):

تزوج رسول اللَّه صلى الله عليه و آله خديجة وهي ابنة أربعين سنة، ورسول اللَّه صلى الله عليه و آله ابن خمس وعشرين سنة. ويقول مزاحم: وكانت أسنّ مني بسنتين، ولدت قبل الفيل بخمس عشرة سنة، وولدت أنا قبل الفيل بثلاث عشرة سنة (3) (فقد ولد صلى الله عليه و آله بعد وقعة الفيل بخمسين يوماً...) (4).

وذكر الواقدي: أنها كانت لما تزوجها رسول اللَّه صلى الله عليه و آله بنت خمس وأربعين سنة.

وعن البيهقي والحاكم:... وأن عمره صلى الله عليه و آله كان خمساً وعشرين وعمرها خمساً وثلاثين.

كما أن هناك من يقول: إنها ابنة 25 سنة، أو 30 سنة...

يقول صاحب كتاب اتحاف الورى بأخبار أمِّ القرى...

... خطب النبيُّ صلى الله عليه و آله الى خديجة نفسها، وكانت ابنة أربعين سنة. ويقال:


1- 1 انظر السيرة الحلبية 1/ 137، باب تزوجه صلى الله عليه و آله خديجة بنت خويلد رض.
2- 2 مختصر تاريخ دمشق 2/ 275.
3- 3 مختصر تاريخ دمشق 2/ 275.
4- 4 انظر الطبقات الكبرى لابن سعد 1/ 100، وأنساب الأشراف للبلاذري ص 92.

ص: 125

ابنة خمس وأربعين ويقال:... ثمان وأربعين سنة ويقال:... ست وأربعين، وقيل:... ثلاثين، ويقال:... ثمان وعشرين....

فالأقوال إذن في مسألة عمرها مختلفة، وقد ذهب جلال مظهر في كتابه: محمد رسول اللَّه، سيرته وأثره في الحضارة إلى (أنها كانت ابنة 25 سنة) دون أن يذكر سبباً مرجّحاً لذلك.

في حين اعتمدت بنت الشاطئ في كتابها نساء النبيّ رواية الأربعين، التي اعتمدها الطبري والواقدي ورواها حكيم بن مزاحم. وهيكل هو الآخر اعتمد في كتابه حياة محمد ما اعتمده الطبري والواقدي.

وقد ذكر كلٌّ من الدكتور عبد الصبور شاهين وإصلاح عبدالسلام في أمهات المؤمنين: وقد أجمعت كتب التأريخ والسيرة، إلّارواية واحدة في الطبقات على أن السيدة خديجة كانت في الأربعين من عمرها، عند زواجها...

إن ما ذكراه بعيد عن الدقّة، فأين هو الإجماع، وهذه المصادر وكتب التأريخ بين أيدينا قد ذكرت روايات متعددة...، وكلّها تشير إلى الاختلاف في سنّها؟!

وذهب ابن اسحاق، كما في مستدرك الحاكم، إلى أن خديجة كانت في الثامنة والعشرين من العمر (1).

في حين ذهب العقاد في كتابه فاطمة الزهراء والفاطميون إلى اعتماد رواية 25، 28 سنة، حيث يرى أن المرأة في بلاد كجزيرة العرب يبكر فيها النمو ويبكر فيها الهرم، فلا تتصدى للزواج بعد الأربعين.

وهذا ردّ صريح على من أخذ برواية الأربعين، الذين أخذوا في اعتبارهم أن السيدة خديجة قد تزوجت قبل رسول اللَّه صلى الله عليه و آله من عتيق بن عائذ ومن بعده من أبي هالة زُرارة، وأنجبت لهما أولاداً، ثم مكثت بعد وفاة زوجها الثاني مدّة ليست قصيرةً، راغبةً في تنمية ثروتها وأموالها، التي ورثتها من أبيها الذي كان ثرياً ومن قبيلة ذات مال وفير، ومن زوجيها، عازفةً عن الزواج الثالث؛ لأن كلّ من تقدّم لزواجها- كما زعم- إنما كان تدفعه الرغبة في ثروتها، ولأنها لم تجد فيهم


1- 1 مستدرك الحاكم 3/ 182، وقد كان كلام ابن اسحاق بلا إسناد.

ص: 126

من الشرف والأمانة والصدق، هذه الصفات التي كانت تنشدها، حتى تستطيع أن تأمنه على أموالها وتجارتها... حتى قدر لرسول اللَّه صلى الله عليه و آله أن يضارب بتجارتها، وقد قبلت به لمعرفتها بأنه الصادق الأمين، وهو الذي عُرف بهذا بينهم، وفعلًا سافر إلى الشام ببضاعتها وعاد ببضاعة أخرى وفيرة وأرباح عالية لم تعهدها من قبل، مع ما حدّثها عنه غلامها ميسرة، الذي كان برفقة محمد وخدمته، فزادت معرفتها به، وعظم تعلقها به، ورأت فيه ما كانت تتمنى، فتزوجته. وقد استعان أصحاب رواية الأربعين بذيل الرواية نفسها عن حكيم بن مزاحم على تأييد ما ذهبوا إليه، وذيلها يقول: إنها توفيت في شهر رمضان سنة عشر من النبوّة وهي يومئذ ابنة خمس وستين سنة (1)...

وأُخذ على هذا الرأي: أنها كيف أنجبت في هذه السن المتأخرة؟!

واجيب عن ذلك بأنه من المشاهد وجود نساءٍ قد أنجبن بعد الأربعين، بل بعد الخمسين أيضاً، وهذا الأمر يتوقف على توفر عوامله، التي منها صحة المرأة واستعدادها وقابليتها وبيئتها، وما تعيشه المرأة من رفاهية في حياتها واستقرار وراحة... وهو ما توفر للسيدة خديجة. علماً بأن هناك من يقول: إن آخر ما أنجبته خديجة فاطمة الزهراء وهي في الخمسين إن لم تكن أقل من ذلك من عمرها المبارك، ومعنى هذا أنها لم تنجب بعد الخمسين سنة وكانت هذه الفترة 15 سنة.

فالمدائني قال: ولدت فاطمة قبل النبوة بخمس سنين.

وفي رواية جعفر بن سليمان: ولدت فاطمة سنة إحدى وأربعين من مولد النبي صلى الله عليه و آله.

وعن أبي جعفر:... أما أنت يا فاطمة فولدت وقريش تبني الكعبة والنبي صلى الله عليه و آله ابن خمس وثلاثين سنة.

فهذه الروايات تبين أن فاطمة- وهي آخر مولود لخديجة- ولدت وخديجةُ بعدُ لم تتجاوز الخمسين من عمرها. وعلى رواية الأربعين كانت البعثة وخديجة في الخامسة والخمسين من عمرها...


1- 1 مختصر تاريخ دمشق 2/ 271.

ص: 127

وقد ترد بعض الملاحظات على مسألة التمسك برواية 40 وأنها قد تزوجت مرتين...

1- لماذا هذا الاصرار على التمسك برواية الأربعين وعدّها هي المشهورة، وهي رواية من عدّة روايات (45 سنة، 28 سنة، 25 سنة، 30 سنة...) أليس هذا ترجيحاً بلا مرجح؟

2- امرأة بهذا العمر (40، 45 سنة، وفي أجواء كأجواء الحجاز الحارة جدّاً، التي يسرع الكبر فيها إلى الإنسان، وقد تقدم لخطبتها- كما تقول الأخبار- أعظم قريش نسباً ومالًا ورفضتهم، بل وتمناها وتهالك عليها كلّ شريف وعظيم، فقد كان ممّن خطبها عقبة بن أبي معيط، والصلت بن أبي يهاب وكان لكلّ واحد منهما أربعمائة عبد وأمة، وخطبها أبو جهل بن هشام، وأبو سفيان (1)، فهل كلّ هذا يكون من أجل امرأة بهذه السنّ المتأخرة، ومن أجل امرأة عاشت ببيتين (بيت عتيق، وبيت «أبو هالة»)، وأنجبت واحداً على رواية، واثنين على رواية أخرى، وثلاثة على رواية ثالثة، وهم (هند والحارث وبنت اسمها زينب) (2)، وترملت بعدهما وعاشت سنين أخرى؟! أو يصح هذا وهم قادرون بما عندهم من شرف ومال وجاه أن يتزوجوا بما يحلو لهم من النساء من بيوتات عربية أخرى ذات شرف وعفة ومال وجمال؟!

ثم إن زوجيها السابقين لم يكونا بدرجة عالية من المكانة، ومع هذا قبلت بهما وهي في شبابها... فكيف وقد تقدم بها العمر ترفض زعماء قريش وأشرافها؟! وإن قيل إنها قررت تنمية ثروتها، فإن هذا ادعاء سطرته أقلامُ الكتاب، ولا يصلح أن يكون مبرراً يفرض عليها ما دامت لم تصرح به، علماً بأن في قبال هذا الادعاء ادعاءً يقول: إنها إنما رفضتهم جميعاً؛ لعدم توفر الصفات التي تريدها فيمن تقدم لخطبتها، وهو ادعاء اقوى من ادعاء الكتّاب؛ لأنه من أقرب الناس لها.

قال ابو القاسم الكوفي: إن الإجماع من الخاص والعام، من أهل الأنام ونقلة الأخبار، على أنه لم يبق من


1- 1 انظر البحار 16/ 22.
2- 2 جوامع السيرة النبوية، ابن حزم الأندلسي المتوفى سنة 456 ه دار الكتب العلمية- بيروت.

ص: 128

أشراف قريش، ومن ساداتهم، وذوي النجدة منهم، إلّامن خطب خديجة، ورام تزويجها، فامتنعت على جميعهم من ذلك، فلما تزوجها رسول اللَّه صلى الله عليه و آله غضب عليها نساء قريش وهجرنها، وقلن لها: خطبك أشراف قريش، وأمراؤهم فلم تتزوجي أحداً منهم، وتزوجت محمداً يتيم أبي طالب فقيراً، لا مال له؟! فكيف يجوز في نظر أهل الفهم أن تكون خديجة، يتزوجها أعرابي من تميم، وتمتنع من سادات قريش، وأشرافها على ما وصفناه؟! ألا يعلم ذوو التمييز والنظر أنه من أبين المحال، وأفظع المقال؟! (1) 3- وفي الاستغاثة ذكر بعض أنه كانت لخديجة أخت اسمها هالة (2) تزوجها رجل مخزومي، فولدت له بنتاً اسمها هالة، ثم خلف عليها رجل تميمي يقال له أبو هند فأولدها ولداً اسمه هند... وكان لهذا التميمي امرأة أخرى قد ولدت له زينب ورقية، فماتت ومات التميمي، فلحق ولده هند بقومه وبقيت هالة أخت خديجة والطفلتان اللتان من التميمي وزوجته الأخرى؛ فضمتهم خديجة إليها، وبعد أن تزوجت بالرسول صلى الله عليه و آله ماتت هالة، فبقيت الطفلتان في حجر خديجة والرسول صلى الله عليه و آله... وكان العرب يزعمون أن الربيبة بنت، ونسبتا إليه صلى الله عليه و آله، مع أنهما ابنتا أبي هالة زوج أختها، وكذلك كان الحال بالنسبة لهند نفسه (3).

أريد من هذا كله أن أقول: إن ما يناسب صفات هذه السيدة، وما يلائم كلّ ما قيل بحقّها، ورغبة الآخرين فيها، وما يبعدنا عن مسألة كلّ ما يرد من إشكالات حول عمرها وقدرتها على الانجاب، وما دامت الروايات كلها قد تكون بمستوى واحد وليس لواحدة على الأخرى ترجيح، أرى أن الأخذ برواية 25، أو 28 كما ذهب إليه العقاد أولى، لأن هاتين الروايتين تناسبان واقع حياة هذه المرأة لا غير.

أما زواجها السابق لمرتين فهو أيضاً محل تأمل وتوقف، وقد وردت أدلة وأقوال على أنها باكر كما ذهب إلى ذلك كلّ من أحمد البلاذري، وأبو القاسم الكوفي في كتابيهما، والمرتضى في الشافي، وأبو جعفر في التلخيص: أن


1- 1 لها ذكر في كتب الأنساب، فراجع على سبيل المثال: نسب قريش لمصعب الزبيري ص 157- 158.
2- 2 الاستغاثة 1/ 70.
3- 3 راجع الصحيح في سيرة النبيّ صلى الله عليه و آله، والاستغاثة 1/ 68- 69 ورسالة مطبوعة طبعة حجرية في آخر مكارم الأخلاق ص 6.

ص: 129

النبي تزوج بها وكانت عذراء، هذا ما نقله ابن شهر آشوب في المناقب في ترتيب أزواجه صلى الله عليه و آله، حيث يقول: تزوج بمكّة أولًا خديجة بنت خويلد؛ قالوا:

وكانت عند عتيق بن عايذ المخزومي ومن ثمّ عند أبي هالة زرارة بن نباش الأسدي.

وروى أحمد البلاذري، وأبو القاسم الكوفي في كتابيهما، والمرتضى في الشافعي، وأبو جعفر في التلخيص: أن النبيّ تزوّج بها وكانت عذراء، يؤكد ذلك ما ذكر في كتابي الأنوار والبدع: أن رقية وزينب كانتا ابنتي هالة أخدت خديجة (1).

الزواج المبارك:

استجمعت أحاسيسها وراحت تستمع فرحةً مسرورةً لحديث غلامها ميسرة، الذي صحب النبيّ صلى الله عليه و آله وهو يضارب في تجارة لخديجة في الشام، وراح يحدثها عن سيرة محمد معه وعن أخلاقه وطباعه وصفاته الجميلة، وعمّا كان يراه من كراماته التي لم ير ميسرة مثيلًا لها من قبل على كثرة سفراته مع آخرين، فأعجبت به، وقد أسر كلَّ مشاعرها، وامتلك كلَّ عواطفها، وتحرّكت في قلبها أسراره، وكأنها تريد لهذا الحديث ألّا يتوقف أو ينتهي، ثم راحت تحدّق في مستقبل فتى بني هاشم الصادق الأمين، الذي غدا صدقه يملأ الآفاق، وأمانته يلهج بها كلّ لسان، ماذا يخبئ المستقبل لهذا اليتيم الهاشمي، وما هو ذاك الشأن العظيم الذي ينتظره؟!

لقد تمثلت أمام عينيها شخصيته بكلّ ما فيها من نبل صفاته ورقة شمائله، وعظيم وكرم أخلاقه، وجمال روحه وشرفه وفضله على الجميع.

لاحت من ميسرة نظرة إلى سيدته، فردّت طرفها وعلتها العفة وهي أنبل نساء عصرها حياءً وأعظمهنّ خُلقاً...

فانقلبت غبطتها تلك وفرحتها إلى حبٍّ لم تحسّ به من قبل، والى ودٍّ ما لامس مثله أحاسيسها أبداً، وإلى إكبار وتكريم ولجا قلبها ملأ كلّ منهما عليها حياتها... وهي التي تمرّدت على واقع نساء قومها، وامتنعت أمام أعظم قريش شرفاً ونسباً وثراء ومكانة...

فالتفتت بعد حين إلى أختها على قول


1- 1 المناقب لابن شهر آشوب المازندراني المتوفى سنة 588، 1/ 159.

ص: 130

وإلى صديقتها نفيسة بنت منبه على قول آخر؛ لتسرّها بأن ما قاله ميسرة عن محمد قد نفذ إلى روحها، وأنها وجدت فيه ما كانت تتمناه ولم تجده فيمن تقدم لخطبتها، فما كان من نفيسة- وقد سرّت بما سمعته- إلّاأن بادرت إليه- على رواية- فقالت له: ما يمنعك أن تتزوج؟

قال: ما بيدي ما أتزوج به.

قالت: فإن كفيت ذلك، ودُعيت إلى الجمال والمال والشرف والكفاءة، ألا تجيب؟

قال: فَمن هي؟!

قالت: خديجة.

قال: كيف لي بذلك؟!

فقالت نفيسة، وقد علت ملامح وجهها الفرحةُ: عليّ ذلك، وسارعت لتبلغ خديجة بما سمعته من محمد.

وفي رواية:... وكانت لبيبةً حازمةً، فبعثت إليه تقول: يا ابن عمِّ، إني قد رغبتُ فيك لقرابتك وأمانتك وحسن خلقك وصدق حديثك (1).

لقد خصّها اللَّه بكرامة ادّخرها لها، وكانت له من الشاكرين، واختارها لمكانتها وصفاتها لتكون امرأة خاتم رسله، وسيد الأولين والآخرين محمد ابن عبداللَّه.

لم يتأخر محمد في إبلاغ عمّه (أبو طالب) وعشيرته بذلك، كما لم تتأخر خديجة فقد أبلغت عمّها عمرو بن أسد، الذي حضر، ودخل رسول اللَّه صلى الله عليه و آله عليه في عمومته، ومعه بنو هاشم وسائر رُؤساء مُضَر، فخطب أبو طالب فقال:

الحمد للَّه الذي جعلنا من ذرية إبراهيم، وزرع إسماعيل، وضئضئ مَعَدّ، وعُنصر مُضر، وجعلنا حَضَنَة بيته، وسُوّاس حَرمِه، وجعل لنا بيتاً محجوباً، وحرماً آمناً، وجعلنا الحكام على الناس، ثم إنّ ابن أخي هذا محمد بن عبد اللَّه لا يُوزن به رجل من قريش إلّارجح به شرفاً ونُبلًا وفضلًا وعقلًا، فإن كان في المال فلا، فإن المال ظلّ زائل، وأمر حائل، وعارية مسترجعة. ومحمد مَن قد عرفتم قرابته، وقد خطب خديجة، وبذل لها من الصداق ما آجله وعاجله من مالي هذا، وهو مع هذا- واللَّه- له نبأ عظيم، وخطر جليل أو «له واللَّه خطب عظيم ونبأ شائع». فتزوجها


1- 1 السيرة الحلبية 1/ 137.

ص: 131

وأصدقها عشرين بكرة، وقيل اثنتي عشرة (اثنتين وعشرين) أوقيه ذهباً ونشا (نصف اوقية)، والأوقية أربعون درهماً، والنش عشرون درهماً؛ فذلك خمسمائة درهم.

وفي رواية- فقال لأعمامه..، فجاء معه حمزة عمّه حتى دخل على خويلد [خويلد بن أسد، وقيل: بل عمرو بن خويلد بن أسد، وقيل بل عمرو بن أمية عمّها، وكان شيخاً كبيراً وهو الصحيح، على ما في نهاية الأرب 16/ 98، وعند ابن سعد في الطبقات 1/ 132 وعن جمهرة النسب للكلبي ص 74 وهو عمرو بن أسد ابن عبد العزّى، وهو يومئذ شيخ كبير لم يبق لأسد لصُلبه يومئذ غيره، ولم يلد عمرو ابن أسد شيئاً] (1).

إذن فقد اشتهر أن عمّها عمرو بن أسد، هو الذي زوّجها، وإن قيل: إن الذي زوجها أخوها عمرو بن خويلد؛ لأن أباها مات قبل حرب الفِجار، وهذا كلّه يكذب المزاعم، التي رويت من أن أباها زوّجها بعد أن سقته خمراً... لتحصل بذلك على موافقته؛ لأنه لا يوافق من تزويجها من فقير يتيم...

ففي رواية أحمد في مسنده:

حدّثنا أبو كامل، ثنا حمّاد، عن عمّار ابن أبي عمار، عن ابن عبّاس- فيما يحسب حمّاد- أن رسول اللَّه صلى الله عليه و آله ذكر خديجة، وكان أبوها يرغب عن أن يزوّجه، فصنعت هي طعاماً وشراباً، فدعت أباها وزُمراً من قريش فطعِموا وشربوا ثم ثَمِلوا، فقالت لأبيها: إن محمداً يخطبني فزوِّجني إيّاه، فزوَّجها إياه، فخلَّقته (طيبته، وفي المسند «فجملته») وألبسته حُلّةً كعادتهم، فلما صحا نظر، فإذا هو مخلّق فقال: ما شأني؟ فقالت: زوّجتني محمّداً، فقال:

وأنا أزوّج يتيم أبي طالب! لا لعمري، فقالت: أما تستحي؟ تريد أن تسفّه نفسك معي عند قريش بأنك كنت سكران، فلم تزل به حتى رضي.

وقد روى طرفاً منه الأعمش، عن أبي خالد الوالبي، عن جابر بن سُمرة أو غيره.

كما ذكر مختصر تاريخ دمشق رواية نسبت إلى عمار بن ياسر تشبه هذه


1- 1 السيرة الحلبية 1/ 138..

ص: 132

الرواية.

وهذا ما نفاه الواقدي بعد نقله بقوله:

وهذا غلط، والثبت عندنا المحفوظ من حديث محمد بن عبداللَّه بن مسلم، عن أبيه، عن محمد بن جبير بن مطعم، ومن حديث ابن أبي الزّناد، عن هشام ابن عُروة، عن أبيه، عن عائشة. ومن حديث ابن أبي حبيبة، عن داود بن الحُصين، عن عكرمة، عن ابن عباس؛ أن عمّها عمرو بن أسد زوّجها رسولَ اللَّه صلى الله عليه و آله، وأن أباها مات قبل الفجار (1).

وقد بلغت تلك الرواية من الضعف والسخف درجة كبيرة، فهي إضافة إلى منافاتها لأخلاق هذه السيدة المباركة حتى قبل زواجها برسول اللَّه صلى الله عليه و آله، فقد شهد لها- في الجاهلية- بسمو الخلق والنجابة والشرف وبرجاحة عقلها وقوة شخصيتها، مع ما لها من المكانة الكبيرة عند أهلها وعشيرتها، ممّا جعلها موضع فخر واعتزاز وممّا يؤهلها لاقناع أبيها- على فرض حياته- بهذا الزواج. يقول صاحب السيرة الحلبية عنها: امرأة حازمة أي ضابطة جلدة أي قوية شريفة أي مع ما أراد اللَّه تعالى لها من الكرامة ومن الخير...

فامرأة تحمل هذه الصفات لا أظنها بحاجة إلى أن تستعين بأسلوب يتنافى مع كلّ ما مَنّ اللَّه تعالى عليها من صفات كريمة، وقد وصفت خديجة نفسُها هذا الأسلوب- حسب الرواية- بقولها إلى أبيها: تريد أن تسفه نفسك معي عند قريش بأنك كنتَ سكران.

فهو إذن أمر معيب عندهم فكيف ترتكبه؟! وإضافةً إلى هذا فإن الرواية تتنافى مع الرواية الأخرى التي نالت إجماع أكثر المؤرخين من أن أباها توفي من قبل وأن عمّها هو الذي زوجها، وعلى رواية ضعيفة أن أخاها زوجها.

وتمّ هذا الزواج المبارك، بعد رجوع النبي صلى الله عليه و آله من سفره إلى الشام بشهرين وخمسة وعشرين يوماً، وقبل بعثته نبيّاً بخمس عشرة سنة، وبعد أن أكمل صلى الله عليه و آله خمساً وعشرين سنة وشهراً وعشرة أيام من عمره المبارك (2)، وأخذت هذه السيدة مكانها الذي اختارتهُ السماء لها لتكون بجانبه صلى الله عليه و آله وهو يستعد لتحمل


1- 1 انظر تاريخ الطبري 1/ 522.
2- 2 اتحاف الورى بأخبار امّ القرى- السنة 26.

ص: 133

مهام أعظم رسالة سماوية إلى الناس كافة، فكانت للرسول صلى الله عليه و آله نعم الزوجة ونعم السكن ونعم النصير، وكان لها أحسن حظ طالما انتظرته وتمنته، ولم ينجو هذا الاقتران من حسدٍ وبغضٍ وغضب، فقد أحدث هزّة بين الرجال، الذين سبق لهم أن توافدوا على عتبة بابها، وهم يحملون معهم كلّ المغريات ليخطبوا يدها، إلّاأنهم عادوا من حيث أتوا خائبين بعد أن رفضتهم، ولم تعبأ بما حملوه معهم من مال، ولم يجد شرفهم وزعاماتهم أيّ أثر في نفسها. فلاذ بعضهم بالسكوت، والبغض والحسد يأكلان قلبه، في حين لم يتمالك بعض آخر أحاسيسه ولسانه فقال: ما هذا إلّا سحر، مسكينة خديجة، فقد سحرها اليتيم فشغفت به.

كما غضب عليها نساء قريش وهجرنها، وقلن لها: خطبك أشرافُ قريش، وأمراؤهم، فلم تتزوجي أحداً منهم، وتزوجت محمداً يتيم أبي طالب، فقيراً لا مال له؟!

فما كان من خديجة- بعدما سمعت بذلك كلّه- إلّاأن صنعت طعاماً ودعت نساء قريش وكان بينهن نساء المبغضين فلما اجتمعن وأكلن قالت لهن: معاشر النساء بلغني أن بعولتكن عابوا عليَّ فيما فعلته من أني تزوجت محمداً، وأنا أسألكم هل فيكم مثله، أو في بطن مكّة شكله من جماله وكماله وفضله وأخلاقه الرضيّة؟! وأنا قد أخذته لأجل ما قد رأيتُ منه، وسمعت منه أشياء ما أحد رآها، فلا يتكلم أحد فيما لا يعنيه، فكفّ كلّ منهن ومنهم عن الكلام (1).

وقد تابع الزوجان حياتهما المباركة هذه، وجهادهما الدؤوب، وقدر لخديجة أن تكون في قلب الأحداث الجسام المملؤة بالآلام والشدائد المضنية، ووهبت كلّ ما تملكه من ثروة وهو كثير ووضعته بين يدي رسول اللَّه صلى الله عليه و آله ليضمّه إلى سيف علي عليه السلام.

أنجبت له صلى الله عليه و آله كلّ أولاده إلّاإبراهيم فهو من مارية القبطية. وهم القاسم وبه كان صلى الله عليه و آله يكنى والطيب والطاهر- على قول- وقد ماتوا صغاراً رضعاً قبل بعثته المباركة، ورقية وزينب- على قول- وأمّ كلثوم وفاطمة الزهراء التي تزوّجها الإمام علي عليه السلام.


1- 1 البحار للمجلسي 19/ 71.

ص: 134

ولم يتزوج رسول اللَّه صلى الله عليه و آله غيرها طيلة حياتها المباركة معه، التي دامت قرابة خمس وعشرين سنةً.

إسلامها:

من بركات اللَّه تعالى الخاصة بهذه المرأة أن مَنّ عليها بأن اختارها لتكون أول نساء العالمين إسلاماً وأسبقهن تصديقاً برسول اللَّه ودعوته، وأخلص نسائه صلى الله عليه و آله جهاداً، وأعظمهن وفاءً وطاعة له، وأصبرهن تحملًا لما لاقاه رسول اللَّه من ضروب الأذى والتضييق، وأكثرهن بذلًا وعطاءً في سبيل اللَّه ورسوله، فعن عبداللَّه بن مسعود: إن أول شي ء علمت من أمر رسول اللَّه صلى الله عليه و آله قدمتُ مكة مع عمومة لي أو ناسٍ من قومي نبتاع منها متاعاً، فكان في بغيتنا شراء عطر، فأرشدنا إلى العباس بن عبدالمطلب، فانتهينا إليه وهو جالس إلى زمزم، فجلسنا إليه، فبينا نحن عنده إذ أقبل رجل من باب الصفا أبيض،... كأنه القمر ليلة البدر، يمشي على يمينه غلام، حسن الوجه...

تقفوهم امرأة، قد سترت محاسنها، حتى قصد نحو الحجر فاستلمه ثم استلمه الغلام، واستلمته المرأة، ثم طاف بالبيت سبعاً والغلام والمرأة يطوفان معه، ثم استقبل الركن، فرفع يديه وكبّر، وقامت المرأة خلفهما، فرفعت يديها وكبرت، ثم ركع فأطال الركوع، ثم رفع رأسه من الركوع، فقنت مليّاً، ثم سجد وسجد الغلام معه والمرأة، يتبعونه، يصنعون مثلما يصنع، فرأينا شيئاً أنكرناه، لم نكن نعرفه بمكة، فأقبلنا على العباس فقلنا: يا أبا الفضل، إن هذا الدين حدث فيكم، أو أمر لم نكن نعرفه فيكم. قال: أجل، واللَّه، ما تعرفون هذا؟ قال: قلنا: لا، واللَّه ما نعرفه، قال: هذا ابن أخي محمد بن عبداللَّه، والغلام علي بن أبي طالب، والمرأة خديجة بنت خويلد امرأته أما، واللَّه، ما على وجه الأرض أحد نعلمه يعبد اللَّه بهذا الدين إلّاهؤلاء الثلاثة.

لقد آمنت برسول اللَّه، ولم يسبقها إلى ذلك إلّاالإمام علي عليه السلام كيف لا يكون كذلك، وقد قرأت- بما ألهمها اللَّه تعالى، وبما منحها من قدرة وحكمة وبصيرة ونظرة ثاقبة لمستقبل الصادق الأمين- مستقبله وأنه ذو شأن كبير

ص: 135

ومقام كريم ومنزلة محمودة؟!

لقد واكبت مسيرته المباركة وهو في غار حراء، بخدمتها الصادقة وكلماتها الطيبة، التي تدل على مدى اخلاصها ونباهتها وصفائها: «وهيأت خديجة لزوجها ما يناسبه من حياة، فلما لجأ للتحنث في غار حراء، كانت تعدُّ له ما يحتاجه من طعام وشراب خلال الفترة، التي اعتكف فيها بالغار، فلما جاءه الوحي كانت أول من صدقه، وعانت معه صراع قريش ضده، وكانت البلسم الشافي لجراحه من هؤلاء المعتدين، ودخلت معه الشعب عندما قرر سادة قريش أن يقاطعوا المسلمين...» (1).

كانت تسمعه كلمات رقيقة هادئة كلما دخل بيتها عائداً من غار حراء، كلمات ملؤها الحنان والحب. تدعوه أن يطمئن، وتدعوه أحياناً أن يهدأ وينام، فكان يقول لها: مضى عهد النوم يا خديجة. لقد كانت كلماتها تلاحقه وهو في بيته، وهو خارج منه، وهو في الغار، وهو يدعو عشيرته للإيمان، وهو في دار الارقم يدعو الناس سراً، وهو في كل مكان في مكة يقارع قريشاً وشركها جهراً، وهو يرى أعداءه والمتربصين به، والمبغضين له، فكانت تخفّف عنه كلّ معاناته وكلّ ما يلقاه من أذى وتكذيب وعنت من قومه.

وكان صلى الله عليه و آله يصرّح ويفضي لها بكلّ شي ء يقول ابن هشام في سيرته:

وآمنت به خديجة بنت خويلد، وصدقت بما جاءه من اللَّه، ووازرته على أمره،... فخفف اللَّه بذلك عن نبيه صلى الله عليه و آله، لا يسمع شيئاً ممّا يكرهه من ردّ عليه وتكذيب له، فيحزنه ذلك، إلّافرّج اللَّه عنه بها إذا رجع إليها، تثبته وتخفف عليه، وتصدقه وتهوّن عليه أمر اللَّه، رحمها اللَّه تعالى (2).

ومن كلماتها له صلى الله عليه و آله أيضاً: أبشر، فواللَّه، لا يخزيك اللَّه أبداً، واللَّه، إنك لتصل الرحم، وتصدق الحديث، وتؤدي الأمانة، وتحمل الكلَّ، وتقري الضيفَ، وتعين على نوائب الدهر.

في شعب أبي طالب:

ما انفكت قريش تصعد عداءها لرسول اللَّه صلى الله عليه و آله ودعوته الجديدة، ولم يتوقف عملها في تجذير ذلك العداء في نفوس أبنائها قولًا وعملًا. وكلما ازداد


1- 1 سير أعلام النبلاء 1/ 81.
2- 2 السيرة النبوية لابن هشام 1/ 240.

ص: 136

رسول اللَّه صلى الله عليه و آله وصحبه التزاماً بموقفهم وثباتاً على مبادئهم ازداد عداءُ قريش لهم وأذاها. وقد رأت أن أهله وعشريته قد وفروا له الرعاية والحماية، فعزمت على شنّ حملتها على هذه الاسرة، وارتأت أن تتخذ وسيلة غير الحرب في أول أمرها فلعلّها تصل إلى أهدافها دون قتال وما يجرّه هذا القتال من ويلات وانقسامات بين قبائلها.

فاجتمع زعماؤها وكتبوا الصحيفة، التي قرروا فيها:

مقاطعة بني هاشم على المستويات الاجتماعية والاقتصادية فلا يتزوجون منهم، ولا يزوجونهم، ولا يبيعون لهم ولا يشترون منهم، ولا يكلمونهم، ولا يزورون مرضاهم، ولا يشيعون موتاهم، وأكرهوهم أن يلزموا الشِّعب وهو طريق بين جبلين.

أما نتائج هذه المقاطعة- التي استمرت حوالى ثلاث سنوات- فقد كانت قاسية جدّاً على بني هاشم، ومسّهم بسببها الضرّ بل الجوع والحرمان... ولم تنقض إلّابعد أن أشفق بعض القرشيين على بني هاشم بسبب ما نالهم من أذى وعذاب، فخرقوا هذه الوثيقة، وعادوا إلى الاتصال بهم (1) وهناك رواية: أن الأرضة أتت على كلّ شي ء في الصحيفة، ولم تدع إلّااسم اللَّه جلّ وعلا وقد أوصى اللَّه لمحمد بذلك، فنقل ذلك إلى عمّه أبي طالب، فتحدى أبو طالب جماعة المشركين، وأحضروا الصحيفة فظهر صدق محمد.

هذه خلاصة المقاطعة، التي كانت خديجة ضحيةً من ضحاياها، فقد أصابها الضر أيما إصابة، وعانت معاناة عظيمة من آثار هذه المحاصرة الظالمة، ولكنها لاذت بالصبر، ووقفت إلى جانب رسول اللَّه صلى الله عليه و آله موقفاً، يندر أن تقف مثله امرأة، وكان لشخصيتها ومكانتها وهيبتها في النفوس الأثر الكبير، إلى درجة أنها صارت من أسباب قيام خلافٍ ونزاعٍ أدّى إلى انهيار موقف قريش، وترك العمل بالصحيفة وفشل المقاطعة.

ففي السيرة النبوية (2): أن أبا جهل لقى حكيم بن حزام بن خويلد، ومعه غلام يحمل قمحاً إلى خديجة بنت


1- 1 السيرة النبوية لابن هشام 1/ 110، 231، ابن القيم 2/ 46.
2- 2 لابن هشام 2/ 5.

ص: 137

خويلد زوجة الرسول وعمّة حكيم، فتعلق به أبو جهل، وقال: أتذهب بالطعام إلى بني هاشم، واللَّه، لا تبرح أنت وطعامك حتى أفضحك بمكة، فجاءه أبو البختري، وقال له: مالك وله؟ إنه طعام كان لعمته رغبتْ إليه فيه، فكيف تمنعه؟ فأبى أبو جهل، وقام نزاع كان من أسباب إغفال الصحيفة ونهاية المقاطعة.

كما كان لهشام بن عمرو بن الحارث العاملي الذي كان من أقرباء خديجة دور آخر في بذر الخلاف بين زعماء المقاطعة، فقد كان أكثر الناس إقداماً على مساعدة المحصورين المقاطعين، فكان يدخل أحمال الطعام إلى بني هاشم في الشعب... وأرادت قريش معاقبته.

فانبرى أبو سفيان وقال: دعوه، رجل وصل رحمه، أما واللَّه إني أحلف باللَّه لو فعلنا مثل ما فعل كان أحسن (1).

مكانتها في قلب الرسول صلى الله عليه و آله

لم تتحمل أمّ المؤمنين عائشة وهي ترى رسولَ اللَّه صلى الله عليه و آله يذكر خديجة، فقالت: ما زلتَ تذكر بحسرة وألم عجوزاً من عجائز قريش حمراء الشدقين، هلكت من عدة سنين، وقد أبدلك اللَّهُ خيراً منها!

فما كان من رسول اللَّه صلى الله عليه و آله بعد أن تغير وجهه الكريم، إلّاوزجرها غاضباً، وقال: «واللَّهِ ما أبدلني اللَّه خيراً منها» ولم يكتف صلى الله عليه و آله بهذا بل راح يذكر مناقبها- التي ما فتئ يعيشها صلى الله عليه و آله في حياته المباركة-: «آمنت بي حين كفر الناس، وصدقتني إذ كذبني الناس، وواستني بمالِها إذ حرمني الناس، ورزقني منها اللَّهُ الولدَ دون غيرها من النساء...

فقالت عائشة في نفسها: واللَّه لا أذكرها بعدها أبداً (2).

وقبل ذلك لم تتوقف غيرة أمّ المؤمنين عائشة من أمّ المؤمنين خديجة، التي احتلت تلك المكانة العظيمة من قلب رسول اللَّه صلى الله عليه و آله وظهر ذلك كلّه في مواقف عملية للرسول الكريم، حتى بعد وفاتها سلام اللَّه عليها.

رأته عائشة يوماً وقد ذبح شاةً يقول: أرسلوا إلى أصدقاء خديجة


1- 1 تاريخ قريش ص 316 للدكتور حسين مؤنس.
2- 2 الاستيعاب 4/ 1824.

ص: 138

منها، وهنا أيضاً، لم تتوقف عائشة عن أن تسمعه شيئاً، فقال: «إني لأحبّ حبيبها» (1).

وظلت الغيرة لا تنفك عن قلبها من سيدتنا خديجة، لا لشي ء- فالأمر كلّه بعد موتها- إلّالأنها سبقتها إلى نفس رسول اللَّه صلى الله عليه و آله وإلى قلبه فاحتلته بما امتلكته من خلق عالٍ وشرف رفيع وايمان صادق وجهاد خالص وذكر طيب، وبما قدمته من حياتها التي استرخصتها وثروتها وأموالها، كلّ ذلك وضعته بين يديه المباركتين؛ لنيل مرضاة اللَّه ولتُعينه صلى الله عليه و آله وهو يحمل أعظم رسالة وأخطر مسؤولية تبليغية تغييرية عرضتها السماء وعرفتها الإنسانية.

وحينما نصره اللَّه تعالى وفتحت أبواب مكة له- وكان وقتها قد مرّ على وفاتها أكثر من عشر سنوات، وكانت كلّ تلك السنين مليئةً بالأحداث والشؤون المريرة، ولكنها مع كلّ ذلك لم تشغله عن ذكره لخديجة- أقام في قبة ضربت له هناك إلى جوار قبرها- حيث روحها التي تخفق حوله فتريحه وتؤنسه وترافقه وهو يشرف على فتح مكة، ويطوف بالكعبة، ويحطم رموز الكفر والشرك، وهو بين لحظة وأخرى يرمق دارها حيث نبع الحب وحيث السكينة والمودة والحنان والتضحية.

وفيما قالته أمّ المؤمنين عائشة، كان رسول اللَّه صلى الله عليه و آله إذا ذكر خديجة لم يكد يسأم من ثناء عليها واستغفار. فذكرها ذات يوم فاحتملتني الغيرة، فقلتُ: لقد عوضك اللَّه من كبيرة السن، قالت:

فرأيت رسول اللَّه صلى الله عليه و آله غضب غضباً أُسقطتُ في جلدي، وقلتُ في نفسي:

اللهم إنك إن أذهبت غضبَ رسول اللَّه عني، لم أعد أذكرها بسوء ما بقيت. فلما راى النبي صلى الله عليه و آله ما لقيت، قال: كيف قلت؟ واللَّه، لقد آمنت بي إذا كفر بي الناس، وآوتني إذ رفضني الناس، وصدقتني إذ كذبني الناس، ورزقتْ مني الولد إذ حرمتُموه مني.

قالت: فعدا وراح عليّ بها شهراً.

أما ما ورد فيها عن رسول اللَّه صلى الله عليه و آله:

- فعن عبداللَّه بن جعفر بن أبي طالب رضوان اللَّه تعالى عليهما: أن رسول اللَّه صلى الله عليه و آله قال: أمرتُ أن أُبشر خديجة ببيت من قصب، لا صخب فيه


1- 1 الاستيعاب 4/ 1824.

ص: 139

ولا نصب.

قال ابن هشام: القصب ههنا:

اللؤلؤ المجوَّف (1).

- وعن عائشة، قالت: ما غرتُ من أحد ما غرتُ على خديجة، ولقد هلكت قبل أن يتزوجني رسول اللَّه صلى الله عليه و آله بثلاث سنين، ولقد أمر أن يبشرها ببيت من قصب في الجنة (2).

- وقال ابن هشام: وحدثني من أثق به، أن جبريل عليه السلام أتى رسول اللَّه صلى الله عليه و آله، فقال: أقرئ خديجةَ السلام من ربِّها، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله: يا خديجة، هذا جبريلُ يُقرئك السلام من ربك، فقالت خديجة: اللَّهُ السلامُ، ومنه السلامُ، وعلى جبريل السلامُ.

عام الحزن:

شاءت السماء أن تمتحن هذا القلب الكبير، وقد امتحنته مرات ومرات، ولكن هذه المرّة في زوجته التي أبت إلّا أن تعيش كبيرة وتموت كبيرة، والتي كانت له وزيرَ صدق على الإسلام (3)، وكانت شريكته في حياته كلّها، في دعوته، وفي تبليغه لها، وفي جهاده وتضحياته.

لقد رحلت عنه في السنة العاشرة من البعثة النبوية، ودفنت في مقبرة الحجون بمكّة بعد أن رحل قبلها- بشهور على قول وبأيام على قول آخر- عمّه أبو طالب الذي كان له عضداً وحرزاً في أمره، ومنعة وناصراً على قومه (4).

لقد رحلت هذه المرأة العظيمة، لتنتهي برحيلها ورحيل أبي طالب العم المدافع والمحامي القوي أولى مراحل رسالة السماء، التي شكلت الفترة المكّية الأولى بكلّ آلامها وأحداثها، كما كانت الفترة التأسيسية لهذه الرسالة المباركة، وكان لوجوديهما المباركين الأثر العظيم في تشكيل تلك المرحلة التي دامت قرابة عشر سنوات وفي بقائها واستمرارها وثباتها.

لقد رحلت هذه السيدة المباركة، بعد أن وصل نداء الإسلام الحبشة، وتجاوز صداه بقاع الحجاز، وبعد أن حملته قلوب صادقة ونفوس مضحية، وأيادٍ قوية...

رحلت هذه السيدة الجليلة، وغابت عن دنياه، ولكنها لم ترحل عن قلبه


1- 1 الروض الأنف، وانظر سيرة بن هشام 1/ 241.
2- 2 الروض الأنف، وانظر سيرة بن هشام 1/ 241.
3- 3 السيرة النبوية لابن هشام 2/ 416.
4- 4 السيرة النبوية لابن هشام 2/ 416.

ص: 140

النابض بمواقفها الصادقة.

رحلت هذه المرأة المباركة ولكنها ظلت ماثلة دائماً أمامه، ولم ينس ذكراها أو يتأس عنها، أو يدخل قلبه غيرها، أو يحتل مكانها منه، بل ولم تستطع أيّ واحدة من نسائه- مهما بذلت من جهدٍ- أن تبعد طيفها عنه صلى الله عليه و آله، وهو الذي ما فتئ يذكرها، وكان ذكره لها يثير غيرة بعض نسائه، وكانت أشدهن غيرة أمّ المؤمنين عائشة، فبذلت ما تستطيعه من أجل أن تنسيه ذلك الطيف الجميل وتلك الذكرى العطرة، أو أن تخمد أو على الأقل تخفّف ذلك من قلبه فما استطاعت، مع أنها كانت في مطلع صباها ونضارة شبابها..

فسلامٌ على خديجة في الخالدين

الهوامش:

رحلة رجل من البلاط القاجاري

ص: 141

ص: 142

رحلة رجل من البلاط القاجاري

تقديم: علي قاضي عسكر

لما للرّحلات من فوائد ثقافيّةٍ وتأريخيّةٍ.. طالما كانت مصدراً يرجع إليه في كثيرٍ من البحوث والكتابات .. تفتح مجلّتنا باباً جديداً خاصّاً برحلات الحجّ.

إدارة التحرير

المقدّمة:

إنّ كتابة الرحلات، سُنّة موجودة منذ القدم، وإن كانت بشكل محدود، بين الأقوام والملل في الدنيا، ولكنّها تطوّرت بشكل ملحوظ في القرنين الأخيرين، فقد انطلق كُتّاب الرحلات، كلٌّ حسب اختصاصه وتوجّهاته الفكرية الى شرح ووصف الأماكن والآثار والأبنية التأريخية، والمواقع الجغرافية، وعادات وتقاليد القرى والمدن، والحوادث والوقائع المهمّة والمثيرة في الطريق... الخ.

ومن بين الرحلات، تتميّز رحلات الحج بأهمية وجاذبية أكبر، فهي تنقل لنا

ص: 143

نقاطاً مهمة وحسّاسة عن كيفية أداء الحجيج لمناسك الحج في القرون الماضية، وأسلوب تعاملهم مع بعضهم، ومصاعب الطريق ومشاكله المختلفة، وعدم توفر الأمكانات المادية والترفيهية، وعن المعاملة السيئة التي يمارسها سكان مكّة والمدينة ضد الحجّاج غير العرب.

من بين رحلات الحجّ اللطيفة والمشوّقة، والمؤلمة أحياناً، هذه التي بين يديك، فمع أن كاتبها مجهول، لكنّه، عموماً، يمكن القول: إنّه كان أحد أفراد بلاط ناصر الدين شاه قاجار وموضع اهتمامه، حيث إنّه شرع في رحلته هذه بعد الاستئذان منه، وقد كتبها خصيصاً؛ ليقرأها (الشاه) نفسه.

يتّضح لنا من مواضيع هذه الرحلة، أن الكاتب كان يحمل أفكاراً جديدة، وتتصف بالتطور، ففيما يخصّ حياكة السّجاد يكتب قائلًا:

«للأسف، إن معظم الألوان المعدنية إفرنجية وغير ثابتة، فياليت قادة البلد يمنعون منعاً باتاً استعمال ألوان الصبغ الإفرنجي في الصناعات الإيرانية».

وحول بناء السّدود يكتب قائلًا:

«إن الأراضي الإيرانية، التي تمرّ عِبرها هذه الأنهار، كلّها صحراوية وقاحلة وعديمة الفائدة، في حين إنّه يمكن وبمبالغ بسيطة، بناء سدّ؛ لتوجيه المياه الوفيرة نحو الأراضي الخصبة والصالحة، وإحياء الزراعة».

إن الكاتب، من البداية وحتى النهاية، ينظر نظرة نقدية ثاقبة للمسائل المتعلّقة به، ويُطلع القارئ على كثير من الوقائع والأحداث والمشاكل الخاصّة بذلك العصر.

ومن المسائل التي تهزّ الضمير في هذه الرحلة، بيان جوانب من اضطهاد أهالي المدينة للشيعة، ففي هذا المجال يقول الكاتب:

والعجيب، أنّ شيعة أهل المدينة يسكنون خارج المدينة القديمة، وبيوتهم رديئة جدّاً وخَرِبة، ويعيشون عيشة صعبة للغاية، ولا يسمح لهم أهل المدينة بالدخول إلى الحرم الشريف ومسجد النبي صلى الله عليه و آله، ويحدث بين الحين والآخر أن يسطوا على منازلهم وينهبونها ويضربوهم ويقتلوهم...!

ص: 144

بدأت هذه الرحلة في الثاني والعشرين من شهر شعبان سنة 1296 ه. ق وانتهت في جمادى الآخرة سنة 1297 ه. ق.

العزم على الزيارة:

بعد أن طلبتُ الإذن بالسفر من تراب قدم صاحب الجلالة المباركة، غادرت في الثاني والعشرين من شهر شعبان سنة 1296 عازماً على زيارة بيت اللَّه الحرام، وقد رجعتُ الى طهران في الرابع عشر من شهر جمادى الآخرة سنة 1297، وما رأت عيناي في هذه الرحلة، كتبته يدي في السطور التالية:

من طهران الى خانقين:

في الطريق من طهران وحتى حدود خانقين، شاهدتُ بعض المضائق والجسور الجيدة، حيث إن الناس العظام الخيّرين قد بنوها، وذلك لتوفير الراحة والرفاهية للزائرين والمسافرين. وقد تهدّمت معظمها مع مرور الزمان، وبعضها على وشك الخراب. ويمكن في الوقت الحاضر، وبمبالغ بسيطة ترميمها كلّها، ويُخلّد القائمون على ذلك مدى الأجيال. ومتى ما أهملنا هذا الأمر، سيدبّ الخراب تدريجياً في جميع تلك الأبنية، وستذهب تلك المبالغ سُدًى، وسيتحمّل المارّون بها والمسافرون مشقّات إضافية، فعلى سبيل المثال، يوجد في ساروق- وهي قرية معروفة للميرزا علي قائم مقام، وقد انتشر فيها فن حياكة السجاد، وأهلها أناس شرسون- مضيق مهم، وهو من الأبنية التي خلّفها الصّفويون. وقد عاث أهل القرية فيها خراباً، وهم متعمدون، حتى لا تصلح للسكن، وبالتالي يأتون بالمارين بها الى خاناتهم (فنادقهم الصغيرة) حتى يعتدوا عليهم بمختلف الأشكال.

فن حياكة السجّاد:

إنّ فن حياكة السجّاد في هذه الدولة دائمة الملك، وللَّه الحمد، قد انتشر

ص: 145

وتطوّر. فلم نرَ في طريق عراق (اراك) وهمدان وكرمانشاه منطقة، إلّاوكان نساؤها وفتيانها منهمكين بهذا الفن، فعلى سبيل المثال، رأيتُ في كرمانشاه سجّادتين (زين پوش) جميلتين، وهما من صنع إحدى النساء، وقد نقشت أنواع الزهور عليها، وجميعها ذات ظلال، وقد كان إبداع المرأة المذكورة لدرجة يُظَنّ معها أنّها قد رُسِمت بريشة رسّامٍ إفرنجي. ولكن للأسف فإنّ أغلب ألوان الصبغ إفرنجيّ وغير ثابت، وأن الألوان النباتية الثابتة قد نُسخت نهائياً، ولهذا السبب، فإنّ تجارة السجّاد قد تدهورت منذ سنين عديدة، فياليت قادة البلد، يمنعون منعاً باتاً استعمال ألوان الصبغ الإفرنجي في الصناعات الإيرانية.

قُطّاع الطرق في نوبران:

كان في نوبران مركز لصيانة الطريق، وكان مكانه قرب الجسر، يسكنه عدد من العمّال، وكانوا أناساً أشراراً أو ذوي سلوك عدواني، متى ما مرّ اثنان أو ثلاثة أشخاص من هناك، فتشوا جيوبهم وآباطهم، وإذا عثروا على أموال أو أشياء ثمينة سلبوها منهم، وقد رأيتُ عدداً من زوّار منطقة هرات المترجّلين قد حدثت معهم مثل هذه الأعمال، وقد تعرّضوا جميعاً للاعتداء. وأخذ ما معهم بالإكراه.

ومن حدود ايران الى حدود بغداد في أرض العراق يمكن مشاهدة قرًى ومناطق كثيرة، مثل: خانقين، ومدينة وان، وبعقوبة، وقزل رباط، ومندلي وغيرها، وجميع هذه المدن ترتوي من الأنهار النابعة من إيران، وكلّها خضراء يانعة، في حين إن الأراضي الإيرانية، التي تمرّ عِبرها هذه الأنهار، صحراوية وقاحلة وعديمة النفع، حيث إنّه يمكن وبمبالغ بسيطة بناء السّدود، وتوجيه مياه غزيرة نحو الأراضي الخصبة والصالحة، وإحياء الزراعة، التي تحمل في طيّاتها منافع كثيرة للدولة والرعيّة، حيث يلي ذلك توفير الأمن على جميع الطرق، حتى يتمّ الخلاص من الوضع الحالي، الذي يغير فيه لصوص الحدود كلّ يوم على قافلة من القوافل في منطقة ما فيسلبونهم كلّ ما يملكون.

ص: 146

في قصر شيرين:

بأمر من قائد البلاد دائم الملك، تقرّر استنفار عدد من الفرسان في مدينة قصر شيرين بصورة دائمية، وقد تفحّصتهم بدقّة، فوجدتهم لا يتجاوزون الثلاثين، أو الأربعين، بخيولهم التعيسة وأسلحتهم المغشوشة، يريدون النجاة أمام لصوص الحدود، المسلّحين ببنادق جيدة، وعندهم الخيول القوية المقاتلة، فكيف يريد أولئك الفرسان أن يؤمّنوا الطريق حتى تعبر قوافل الزائرين بسلام؟!

إنّ في المنطقة الواقعة بين قصر شيرين والحدود، توجد آثار عدّة قلاع وبرج وقرية، بالقرب من الطريق الذي نسلكه، جميعها خرائب وخالية من السكان، وهي تقع في سهول خضراء ويانعة، وتحتوي على المياه الوفيرة، ويظهر أنّه بسبب بعض الاعتداءات، قد توارى سكّان تلك المناطق عنها، ومنذ ذلك الحين، أصبح السير في هذه القلعة غير آمن ومحفوفاً بالمخاطر.

العتبات المقدّسة:

عند توقفنا في العتبات المقدّسة، لفتت انتباهي نقاط، أهمّها:

أوّلًا: لا تتم المحافظة على الثريّات والشمعدانات المُهداة من قِبل صاحب الجلالة شهرياري، وأن الأموال التي تُقبض باسم إنارتها، لا تُصرف في ذلك، وخاصة في الكاظمية. أمّا في سرّ من رأى، فإنّ هناك ثريّات مضاءة كلّ ليلة، وعملها مُنظّم، إلّاأن معظم اغلفتها قد حُطِّمت واستُبدِلت باخرى رديئة.

ثانياً: في كلّ عام، تُنقل جنائز كثيرة للموتى من جميع أنحاء إيران إلى مدينة النجف الأشرف؛ لدفنها في مقبرة «وادي السلام». ومنذ لحظة دخول هذه الجنائز البلاد العثمانية، وحتى لحظة الدفن، تجبى ضرائب مختلفة في أماكن متعدّدة وبذرائع شتّى، مثل: ضريبة (جواز السفر)، وضريبة التابوت، وضريبة الطريق، وضريبة الحراسة، وحق الأرض وغير ذلك. وبعد دفن الجثمان، يقوم عمّال المقبرة أنفسهم، من فرط دناءتهم، بعد أيّام قليلة، بنبش القبر وسرقة أحجاره، التي هي غير ذات

ص: 147

قيمة، وكذلك يأخذون علامة القبر من حجر وطابوق، ليبيعوها في مكان آخر.

ونتيجة لذلك لا تستتر جثة الميّت إلّابحصى قليلة، وتكون على عمق يسير من سطح الأرض، حيث يصبح معظمها بعد ذلك طُعماً لدواب الصحراء، ولا يبقى لقبور المسلمين هناك أيّ أثر.

السفر نحو البصرة:

بعد التشرّف بزيارة العتبات المقدّسة، صعدنا في 14 شوال على ظهر مركب صغير على دجلة يسمى (لندن)، وانطلقنا من بغداد نحو البصرة، وبعد عدّة أيّام انتقلنا الى ظهر مركب آخر يسمى (بلاس لنج)، حيث وصلنا البصرة في 22 شوال، وفي الطريق إلى البصرة، كنا قد مررنا على آثار المدائن، وقبر سلمان الفارسي، وقصبة العمارة، التي تقع جميعها على الجانب الأيسر من دجلة، والعمارة قصبة واقعة على ضفاف دجلة، جميلة جدّاً، وهي تابعة للحكم العثماني، ولا يقل عدد سكانها عن مائة أسرة، كما يقطنها الكثير من الرعايا الإيرانيين، ويتواجد فيها موظف عن دائرة رعاية المصالح في بغداد أو ما يعرف بلغة اليوم القنصلية.

المدائن:

كانت في الماضي مدينة واقعة على ضفاف دجلة، بناها ملوك العجم، وكانت تعدّ العاصمة الشتوية لهم، وبعد تهدّمها، بُنيت بغداد من مواد البناء المتبقية من خرائبها، وفي الوقت الحاضر لم يبقَ منها سوى طاق كسرى، وبالقرب منه، قبر سلمان الفارسي رضى الله عنه حيث يُشاهد من على دجلة، مع أعدادٍ من النخيل.

قبر النبيّ عزير عليه السلام:

وعلى الضّفة اليمنى لنهر دجلة، يوجد قبر النبي عزير عليه السلام، حيث يحتوي على صحنٍ كبير وواسع، وحوله أبنية ذات طابقين يقطنها اليهود، والقبر بمثابة مكان مقدّس للعبادة.

ص: 148

البصرة:

وهي مدينة مُلحقة بالحكم العثماني وتابعة لبغداد، تقع على ضفاف شط العرب، على مسافة ثلاثة أرباع الفرسخ، وبُعد الشمال الشرقي والشمال الغربي عن الخليج الفارسي هو أربعة عشر فرسخاً، والمسافة من الجنوب الشرقي للمدينة إلى بغداد هي 46 فرسخاً، والطول الغربي للمدينة عن طهران هو ثلاث درجات، والعرض الشمالي لها ثلاثون درجة. وقد سُجّل عدد نفوسها بحوالى 50 الى 60 ألف شخص، ولكن حسب اعتقادي فإنه أقل بكثير من هذا العدد، وتضمّ أسواقاً كثيرة، وأزقة ضيّقة وقذرة وغير منتظمة، وتوجد فيها مستشفى أيضاً، وبسبب المّد والجزر لشط العرب فإن هواءَها غير صحّي.

إن مدينة البصرة، هي إحدى المراكز التجارية الكبيرة في آسيا، وللعديد من الدول الأوروپية مصالح تجارية فيها، وفي الماضي، كان لها شأن كبير.

وقد أسّسها الخليفة الثاني في عام 15 هجرية، وقد خضعت في العام 1048 هجرية لسيطرة ايران، ثمّ انتزعها العثمانيون بعد ذلك، وعادت الى السيطرة الإيرانية من جديد في العام 1187 ولمدّة ستة أعوام، وهي حاليّاً تحت السيطرة العثمانية.

معظم أهلها من أهل السنّة، وتجاورها بمحاذاة الشطّ، قصبة جميلة تُعرف ب (علي مقام) حيث تحتوي على مسجد قد صلّى فيه أمير المؤمنين علي عليه السلام، وهو محل زيارة العامّة. وتقطن هذه القصبة غالبية شيعية، ويُقيم الحجّاج فيها في الذهاب والإياب.

على مقربة من (علي مقام) وعلى ضفاف الشط، يوجد بستان كبير صاحبه تاجر مشهور من العجم يسمّى الآقا عبد النبي، وقد حلّ الدّاعي ضيفاً على صاحب هذا البستان، ومع حداثة سنّه، فإن التاجر المذكور ذو حظوة وشهرة كبيرتين، وهو يقوم بتلبية احتياجات الحجّاج من العجم. وقد تجاوز رؤساء

ص: 149

التجار كثيراً من القيم للحفاظ على أنفسهم وذلك بالانتماء الى الدولة العثمانية.

بعد ثلاثة أيام من الإقامة في البصرة، صعدنا على ظهر سفينة أكبر تدعى (هانري پولكو) وفي الثامن والعشرين من شهر شوال رست السفينة على شاطئ ميناء بوشهر، وقد مرّت في طريقها على المحمّرة، وهذه القلعة تقع على الضفة اليسرى من الشطّ، على بعد عدة فراسخ قبال البصرة، ويمرّ نهر الكارون بمحاذاتها، ويبدو جليّاً من بعيد منظر البرج وسور القلعة. وخصوبة المنطقة هي أكثر من البصرة، وتضمّ أراضي صالحة للزراعة، ولكن اقتضت سياسة شيخ العرب دائماً على أن يُبقي تلك المنطقة في خرابٍ ودمارٍ، وأن يحول دون إسكان أحد في القلعة، وإلّا فليس مستساغاً أن يكون وضع المحمّرة على هذا الحال بالمقارنة مع البصرة، فشيخ العرب هذا قد جمع لنفسه عقارات وضيعات خارج أرض المحمّرة، أي في الأراض العثمانية، وصبّ جلَّ اهتمامه عليها، ولولا وقوفه أمام طموح الرعيّة وسوء الظن بهم ورغبته في خرابها، لانتعشت قلعة المحمّرة بسكانها وتجارها، وازدهرت بساتين النخيل فيها، ولدرّت على الدولة والرعية أموالًا طائلة بينما لا تجد فيها الآن غير الخروف المشوي.

بوشهر:

وهي إحدى الموانئ في بلاد فارس، تقع على ضفاف الخليج الفارسي، ويمرّ عبرها دائرة نصف النهار لطهران، ويحين وقت الظهر في المدينتين في آنٍ واحد وهي على خط العرض 29 درجة الشمالي.

وعدد السكان فيها يناهز العشرة آلاف نسمة، ومعظم أزقّتها ضيّقة وأبنيتها ذات طابقين. وهي تعدُّ مركزاً تجارياً مرموقاً، وغالبية سكانها من التجّار، وتضمّ ثلاث سفارات مهمّة، الأولى السفارة البريطانية، التي تمارس نشاطاتها باقتدار شديد، ويقع مبنى السفارة على شاطئ البحر، و تحرسها مجموعتان من الجنود الهنود بإمرة أحد الضباط، الذين يؤدون التمارين العسكرية عصر كل يوم في باحة السفارة.

ص: 150

السفر نحو جِدّة:

في الثاني من شهر ذي القعدة تحرّكنا من بوشهر نحو جِدّة، وقد كان مرورنا على بندر عباس وجزيرة قشم، ومضيق هرمز، ومسقط، وعدن، وعبرنا مضيق باب المندب الى (مخا) ومن ثمّ وصلنا الى جِدّة في الثامن عشر من ذي القعدة.

بندر عباس:

مدينة في بلاد فارس على مسافة ستة فراسخ، إلى الشمال من مضيق هرمز، في الحدود الجنوبية لفارس، مساحتها 20 فرسخاً* 4 فراسخ، وهي مختصّة بأحد شيوخ العرب، الّذي يَمُتُّ بصلة قرابة لإمام مسقط. كانت تحتوي على ثلاثمائة قرية، ويبلغ تعداد سكّانها حالياً ستة عشر ألف نسمة، بما فيهم أربعة آلاف يسكنون بلدة قشم، في الجزء الشرقي من الجزيرة.

هرمز:

مدينة وميناء في قارة آسيا، تقع على الساحل الشمالي الشرقي لجزيرة هرمز، ولا تبعد كثيراً عن سواحل بلاد فارس، وهي تقع على بوابة الخليج الفارسي، وتتصل ببحر عمان عن طريق مضيق هرمز، ويبلغ عدد سكانها نحو ثلاثمائة شخص، وفي الماضي، كانت جزيرة هرمز مركزاً لاستخراج اللؤلؤ بكميات كبيرة، حيث كانت تجمع من أطرافها. والجزيرة، وإن كانت قاحلة فعملية استخراج اللؤلؤ، وموقعها الجغرافي المتميّز، الذي يعدُّ مفتاح الخليج الفارسي جعلها ذات أهميّة خاصّة، ولهذا، فإنّ سلطاناً صغيراً كان يسيطر على هذه المنطقة، وكان يضطلع بمسؤولية الحفاظ على أبراج الجزيرة، وكانت مقتدرة، وظلّت لمدّة طويلة بمثابة مقر للبرتغاليين في الشرق، ولكن الشاه عباس ضمّها تحت لوائه في عام 1033، وهي الآن تحت السيادة الإيرانية، ولكن صيد المحار قد أفل نجمه.

مسقط:

مدينة تقع في الجزيرة العربية، وهي عاصمة إمامة مسقط، تبعد عن مكّة

ص: 151

مسافة ثلاثمائة فرسخ، وهي على خط الطول الجغرافي (11) درجة الى الغرب من طهران، وعلى خط العرض 5/ 23 درجة شمالًا، وتقع على مقربة من مضيقٍ في الخليج الفارسي، ويبلغ عدد سكانها خمسين ألف نسمة، وتعدُّ موانئها من أفضل وأهمّ الموانئ. وأمّا مناخها فحارّ مُحرق وغير صحّي. وهي مكان لمرور جميع أنواع البضائع والسّلع، التي ترد من الهند إلى الخليج الفارسي، كما أنها مركز مهمّ للتجارة واللؤلؤ في هرمز.

عدن:

وهي من مدن اليمن، تقع بالقرب من الخليج الفارسي، على مسافة (36) فرسخاً جنوب شرقي (مَخا). كان عدد سكانها في السابق يبلغ ألف نسمة، إلّا أنها- وبعد أن أصبحت تابعة للتاج البريطاني- تقدّمت كثيراً من حيث العمارة والسكان وازدهرت، وتحتلّ اليوم مكانة مرموقة في الشؤون الحكومية، كما أنها ميناء تجاري عامرٌ للغاية.

باب المندب:

وتعني هذه الكلمة باب النواح والنُّدبة، قد مررنا من هُناك ليلة الجمعة (24) من ذي القعدة، عند السّحر. وباب المندب مضيق محفوف بالمخاطر الجمّة، وهو نقطة الاتصال بين البحر الأحمر وبحر عُمان، ويبلغ طوله حوالى ثمانية فراسخ، وأمّا طوله الجغرافي عن طهران فيبلغ (8) درجات غرباً، والعرض (5/ 21) درجة شمالًا. ويقع جبلان على عرض هذا المضيق، ويُقسّمان المعبر على ثلاثة طُرق، فالطريق الواقع الى اليسار قليل العرض، والطريق الأوسط قليل المخاطر. وقد وضعت الحكومة الإنجليزية هناك على الجبل حُرّاساً ومشعلًا دوّاراً لهداية الملّاحين، الذين يضلّون الطريق ليلًا لإيوائهم هناك.

مَخا:

مدينة في اليمن من جملة إمامة صنعاء، وتقع عند خليج الجزيرة العربية، الذي

ص: 152

يسمّونه كذلك بالبحر الأحمر، وتقع على مسافة (46) فرسخاً الى الجنوب الغربي من صنعاء. وهي على خط طول (9) درجات غرب طهران، وخط عرض (13) درجة شمالًا، ويبلغ عدد سكانها خمسة آلاف نسمة، وهي مرسىً عامر. وتبدو جميلة جدّاً عن بُعد، إلّاأن داخلها يختلف عن ذلك، فمنظرها كريه، وهواؤها حارّ جدّاً، فدرجات حرارتها مرتفعة للغاية. تحيط بها أراضٍ مكسّوة بالحصى، وتشتهر بزراعة البُن عند السفوح في أطرافها، واضافة إلى محاصيلها من القهوة، التي تصدّر إلى الخارج، فهي مشهورة بالصمغ والمُصطكي والكندر والجلود المعدّة للتجارة.

جدّة:

مدينة وميناء معمور في الحجاز، تقع بالقرب من البحر الأحمر على بُعد اثني عشر فرسخاً الى الغرب من مكّة المكرّمة. يبلغ عدد سكانها حوالى عشرة آلاف نسمة. وترسو السُّفن على مسافة نصف فرسخ منها. وهي مركز لتواجد قنصليات لدول عِدّة، من جملتها دولة إيران، التي تمتلك قنصلية هامة فيها. وهي مبنية من الآجر المسمّى بالبلوك المنحوت، وذات ثلاثة أو أربعة طوابق. وأزقّة جَدّة عريضة نسبياً ومستقيمة.

وجدّة تمتلك أسواقاً فاخرة وواسعة وعريضة تزخر ببضائع إنجليزية وهندية. أما مناخها فحار جدّاً، ودائماً نراه مشبعاً بالندى، كما هو الحال في بوشهر ومكّة والمدينة وجميع الموانئ البحرية، ولا يمكن مع هذا الجو النوم في العراء، ويوجد خارج البوابة الشمالية، بمسافة قليلة، قبر طويل وعريض يُنسب الى أمّ البشر، ويحرسه سدنة لصوص ومحتالون وأوباش.

وباختصار، فقد تنقّلنا بين ثلاث سفن طوال الرحلة، وكانت السفينتان الأوليان بريطانيتين. وكان طاقما السفينتين يتصفان بأدب رفيع، ومتفهِّمَيْنِ، وعارفَين بالقواعد الصحية، ولم يسمحا بازدحام السفينتين، لذلك لم يشقّ على

ص: 153

الحجاج الى حدّ ما. وأما السفينة الثالثة، التي كان يملكها ابن المرحوم الحاج زين العابدين أحد تجّار شيراز، الذي يسكن في بومباي، فكان عليها طاقم أجنبي فقط قبيح وطمّاع. وقد صعد أفراد الطاقم الى ظهر السفينة في مدينة بوشهر، وعلى افتراض أنهم مسلمون، ولكنّهم لم يتوانوا عن ارتكاب أي منكر، فعاثوا في السفينة فساداً، وارتكبوا سرقات متعدّدة، ومع أن هذه السفينة قد استُخدِمَت حديثاً في نقل الحجّاج، وأن صاحبها المسكين كان له اهتمام كبير بخلق سمعة طيبة لها، لترغيب الحجاج للسفر على ظهرها وجني الأرباح من وراء ذلك، ولكن، على العكس ممّا كان يتمنّى صاحبها، فأفراد الطاقم غير حريصين، فقد عمدوا الى حشر الكثير من الحجاج في مساحة قليلة على ظهر وداخل السفينة، فماذا أقول عمّا عاناه الحجاج من مصاعب ومِحن؟ فقد مَرِض الكثير بسبب رداءة هواء مخازن السفينة، ولمّا كان الحصول على الدواء والغداء المناسب غير متيسّر، مات بعضهم، ودفنوا في البحر وبطون الأسماك.

وباختصار، فقد مرّت ظروف عصيبة على ركاب السفينة، حتى وصلنا جدّة، ومنها إلى مكّة والمدينة عن طريق (السعدية).

السعديّة:

وهي المكان الذي يحرم منه الحاج، ويقع في مقابل جبل يلملم، الذي أحرم أمير المؤمنين علي عليه السلام منه، عند رجوعه من اليمن. والمكان عبارة عن وادٍ يَتوَسَّطه بئر، بعرض ثلاثة إلى أربعة أذرع وبعمق أربعة إلى خمسة أذرع، وقد بُني من الحجر المصيقل، وهو على بعد منازل ثلاثة من جدّة ومنزلين من مكّة المكرّمة، وفي كل منزل يوجد بئر مماثل، تشرب منه العشائر وأغنامها، والشي ء الذي توصلت إليه بشكل دقيق هو ما يلي:

يمكن شقّ الأنهار والقنوات في المنازل الخمسة المذكورة، بل في معظم المنازل الموجودة بين الحرمين، فإنّ غالبية الأراضي هناك تضمّ في جوفها الماء الوفير،

ص: 154

وهي وعرة التضاريس، ويمكن بحفر بضع آبار، أن تجري سلسلة من القنوات فيها، ويمكن إحياء كلّ تلك الأراضي، ولكن لا أعرف ما السبب في أنّ أحداً لم يطرق هذا الباب طوال القرون الماضية، وإحياء تلك الأراضي بأقل كلفة؟ ففي تلك الصحاري لا ينبت غير الزعرور، وهو شجر الصمغ العربي، في حين يمكن أن نجعل منها جنّات وحدائق زاهية.

الوصول إلى مكّة المكرّمة:

في السادس والعشرين من شهر ذي القعدة، وصلنا إلى مكّة المكرّمة من الطرف الجنوبي، وهي إحدى مدن الحجاز، ومنبع العظمة والقداسة، تقع على بُعد سبعة فراسخ إلى الشرق من البحر الأحمر، وتقع على خط الطول 11 غرباً، وعلى خط العرض 5/ 21 شمالًا.

كان عدد سكانها في السابق بحدود مئة ألف نسمة، وقبل ثمانين سنة كان العدد حوالى ثمانية عشر ألف نسمة، فارتفع العدد حتى وصل في الوقت الحاضر الى خمسين ألفاً، ويقدّر عدد الحجاج بمثل هذا الرقم، وفي هذا العام، قدّرت التخمينات عدد الحجاج بما يزيد على المئة ألف حاج.

وأزقتها منظّمة، وجميلة، وأبنيتها نظيفة، وقد بُنيت المدينة في عدّة أودية، وعلى حافات الجبال والشِعَب، فهي لهذا السبب غير مستوية. وجبل «أبو قبيس» يُقسم المدينة قسمين مختلفين، يقع القسم الأعظم منها على الطرف الأيمن، حيث تضمّ مركز المدينة، أمّا الطرف الأيسر فيضمّ القسم القديم منها. ومعظم مساكنها من الحصير والطين، وهي بسيطة جدّاً وبلا أساس. أما أبنيتها الأخرى فهي من الحجر المنحوت وذات طوابق ثلاثة أو أربعة، وليس للبيوت صحن أو باحة، وجميعها تحتوي على باب ونافذة على الطريق، وتستقي المدينة ماءَها من قناة زبيدة، وهي أقل من مستوى الأرض بذراعين أو ثلاثة أذرع، لذلك يستقون بواسطة الدلاء.

ص: 155

الكعبة وبيت اللَّه الحرام:

يقع القسم الأكبر من المدينة حول المسجد، ويتوسّطه بيت اللَّه، حيث يبلغ طوله 15 ذراعاً وعرضه 10 أذرع، وهو مربع الشكل، وارتفاعه أكثر من الطول والعرض، وقد بني من الحجر المنحوت، وأحجاره بحجم نصف ذراع وثلاثة أرباع الذراع* ربع ذراع وقد غُطّي بحُلّة سوداء من الحرير.

وموقع البيت بالنسبة للجهات الأربع منظّم، فأحد أضلاعه يوازي الجهة الشمالية، والثاني يوازي الجهة الجنوبية، والثالث يوازي الجهة الشرقية، والرابع يوازي الجهة الغربية، ويقال لزوايا الكعبة: الأركان.

الحجر الأسود:

يقع الحجر الأسود في الركن الجنوبي الشرقي، وعلى ارتفاع ذراع وربع الذراع تقريباً، وضع على الزاوية الخارجية لجدار الكعبة، ولا يتألف من قطعة واحدة، بل من حوالى عشرين قطعة، مُحاط بطوق فضّي، وقد نُصب هذا الطوق على زاوية. وسطح الحجر غير مسطّح، فهو مقعّر إلى حدٍّ ما وليس له قاعدة، ولونه أسود ولكن سواده غير مكروه، فهو قهوائي جذّاب جدّاً، وتتخلّله آخاديد بيض وحمر تَسُرُّ الناظر، والحجر متماسك، ومحكم جدّاً وصلد.

لقد اطّلعتُ في الكتب الإفرنجية على ما يعتقده حكماؤهم بأن هذا الحجر هو أحد الأحجار الساقطة من الجو، ويحتوي على الحديد والنيكل وبقية المواد المعدنية، ولكنّه اعتقاد باطل، فهذا الحجر بري ء مما ينسبونه إليه، فقد ذهبتُ مراراً في أوقات فراغي إلى هذا الحجر وشاهدته بدقّة، فلم أجد له أي شبه، فهو لا من الأحجار الأرضية، ولا من الأحجار المتساقطة من السماء.

حِجر إسماعيل:

وهو على شكل نصف دائرة يقع على أحد أطراف البيت مواجهاً للطرف الجنوبي، ويتّصل بضلع ميزاب الرّحمة. ويجب على الحجيج أن يطوفوا حول

ص: 156

الاثنين، وأرض الطواف هي بعرض خمس الى ست أذرع، تحيط بالبيت والحِجر معاً. وخارج أرض الطواف يوجد مقام سيدنا إبراهيم عليه السلام وقبة بئر زمزم وبقية خواص الحرم، وأرض الحرم مرتفعة عن أطرافه بمقدار ذراعين.

وقد زُيّن داخل البيت ببعض الزينة، وباعتقادي أن الزينة الروحانية الباطنية لبيت اللَّه كافية. «فالمحبوب الجميل لا يحتاج إلى الزينة»، فلو جُرّد البيت من الزينة، لكانت هيبته وعظمته في القلوب أعظم وأكبر بكثير. «فإن العروسة الجميلة أسعد حالًا بلا أثاث».

دكّان النخاسة:

استمرت إقامتي في مكّة شهراً واحداً، وكنت في بعض الأحيان أذهب للنزهة، وذات يوم ذهبتُ إلى دكان النخاسة، وهي في الواقع ثلاث دكاكين معتبرة في مكّة تقوم ببيع الرقيق، وقد شاهدتُ حالة غريبة: أنواع الإماء والعبيد والخصيان قد جُلبوا من الحبشة، وزنجبار، والنوبة، والسودان، وغيرها. وقد صُفَّت السرائر بالترتيب، ووضعوا الرقيق عليها في صفوف منظمة، وحضر السماسرة وأحد الملالي من جماعة أهل السنّة، وذلك لعقد صيغة البيع. وحضر الزبائن وهم من بلدان مختلفة، وكان السماسرة يتحدّثون إلى الزبون بمنتهى المحبّة، كما كانوا يأتون إليه بالأمَة أو العبد الذي يطلب، ويعرضون أمامه أعضاء بدنه كافة، ويتساومون معه بخلق وبمهارة فائقة. وأمّا إذا كان الزبون إيرانيّاً، فلا يُلقون إليه بالًا أبداً بل إذا توقّف قليلًا، فلا يُستبعد أن يؤذوه، فهم يحرّمون التعامل معه؛ لذلك فالزبون الأعجمي عليه أن يوكّل أحداً من العرب ليشتري بالنيابة عنه.

مولد النبي صلى الله عليه و آله ومولد علي عليه السلام:

يوجد في مكّة مكانان هما موضع زيارة العامة، الأول يعرف ب «مولد النبيّ» صلى الله عليه و آله والثاني هو «مولد أمير المؤمنين علي» عليه السلام، وقد قام بعض السلاطين العثمانيين بتعميرهما، ويتولّى أمرهما سادن وبعض الخدم.

ص: 157

مكان العمرة:

وهناك مكان العمرة، وهو أحد حدود الحرم الشريف، ويبعد مسافة نصف فرسخ الى الغرب من مدينة مكّة، ففي هذا المكان توجد علامة حدّ الحرم، وهناك أيضاً مسجد ومسبح ومقهى، فكلّ من كانت له نيّة العمرة المفردة، يغتسل هناك، ومن ثمّ النيّة، فالإحرام، ثم يرجع.

منى وعرفات:

ومن توابع مكّة أيضاً، منى وعرفات، وتقعان الى الشمال من مدينة مكّة، وتبعد منى مسافة نصف فرسخ، وفيها مباني عالية، تستخدم كمساكن للحجاج والتجار أيام موسم الحجّ، أما في بقية الفصول فتكون أماكن للنزهة والسياحة لأهل مكّة. ويوجد فيها مسجد يسمى (مسجد الخيف) حيث يبلغ طوله مئة وعشرة أذرع، ويبلغ عرضه تسعين ذراعاً، وإلى الشمال منه تمتد صحراء، فيها أعداد لا تُحصى من الأغنام التي جي ء بها كقرابين للحجيج، ولقد شاهدتُ كذلك وجود بعض الماعز الفريد، حيث لا يوجد أي تشابه بينه وبين الماعز في إيران، فجسمه شبيه تماماً بالغزال، له شعر قصير، ناعم وبرّاق، وعلى جلده وبر شبيه بما هو موجود على جسم النمور.

إن القرابين في منى تُعطى لجماعة من الزنوج، الذين يقومون بفرش لحومها على صخور الجبال تحت أشعة الشمس لتجفيفها بسرعة، ثم بعد ذلك يقومون بخزنها لمؤونة سنتهم.

وقد قاموا بحفر عدّة حُفَر لدفن فضلات ودماء الذبائح، ولكن الحجاج لم يعيروها أي أهمية، فكلّ حاج يقوم بذبح أضحيته أمام خيمته، فكان هذا العمل سبباً خطيراً في التلوث الشديد، بالرغم من أنّ هؤلاء الزنوج يقومون بنقل الفضلات بعد ذلك تدريجياً.

لا يوجد في مكّة المكرّمة أيّ حقل أو خُضرة، عدا حقل نخيل واحد يقع إلى

ص: 158

الجنوب، وهناك اثنان آخران إلى الشمال. كما أن هناك بعض قطع الأراضي الخضر حول المدينة، التي تُسقى من مياه الآبار.

إن ضرب الطبول معمول به في مكّة المكرّمة، حيث تُقرع الطبول عصر كلّ يوم أمام باب البيت، وكذلك تُستخدم بعض الآلات الموسيقية بلا أيّ مانع.

أمّا الطرق في مكّة المكرّمة فهي عبارة عن سوق مُغطّى وزقاق توجد على جانبيه مبانٍ ذات طوابق ثلاثة أو أربعة، لذلك فإن الهواء فيها غير طَلِق، وليس هناك أي ساحة أو عراء لتنفّس الهواء الطلق، عدا صحن المسجد وميدان خارج المدينة يقع الى الشمال منه.

الصفا والمروة:

وهما جبلان صغيران يقعان على طرفي المسجد الحرام، على مسافة ثلاثمائة ذراع، ويقع الصفا على حافة جبل «أبو قبيس»، والمروة الى الشمال من المسجد على حافة جبل آخر، ويصل بينهما طريق عام وسوق، يقع المسجد الحرام على أحد ضلعيه، وعلى الضلع الآخر هناك المباني والدكاكين، وقطعة الأرض هذه مقدّسة ومشرّفة جدّاً، ولا يوجد أي شك في أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله وقبله عدد من الأنبياء، وكذلك الأئمة الطاهرون وأولياء اللَّه قد قطعوا هذه المسافة تكراراً، ومع كلّ هذا فإن عرب مكّة قد جعلوا قطعة الأرض هذه من أوسخ الأماكن، وصارت مأوى لمعظم كلاب مكّة.

قُدُماً نحو المدينة الطيبة:

بعد أن أنهينا المناسك، غادرنا مكّة المكرّمة في 27 من ذي الحجة، عازمين على الذهاب إلى المدينة الطيبة، ووصلناها في أواسط شهر محرم الحرام، وتسمى أيضاً مدينة النبيّ صلى الله عليه و آله وفي السابق كانت تدعى ب (يثرب)، وهي مدينة لها من الشرف والمنزلة ما لمكّة. تقع في أرض سهلة على مسافة ستة وخمسين فرسخاً إلى الشمال الغربي من مكّة، وتقع على خط طول 11 درجة غرب طهران، وعلى خط

ص: 159

عرض 25 درجة شمالًا، وتضمّ ألفاً ومئتي أسرة، وهي ملجأ سيد المرسلين عند هجرته من مكّة، وفيها عدّة مدارس، ويقصدها الحجيج بعد زيارة مكّة وذلك لزيارة قبر الرسول الكريم صلى الله عليه و آله.

المدينة بلدة محصورة، ولم يبقَ أيّ أثر من الخندق القديم سوى آثار قليلة في بعض النقاط، وقد هُدّم مسجد الرسول صلى الله عليه و آله، وبنى السلطان عبدالحميد خان مكانه مسجداً فاخراً في ظاهره وكبيراً، ولم يبق شي ء من آثار المسجد القديم المقدّس غير المقاييس، والحدود التي نُقِشت على الأعمدة الصخرية، مثل حدود مسجد النبي صلى الله عليه و آله، وموضع عمود حنّانة، وموضع محراب ومنبر النبي صلى الله عليه و آله وأبواب بيته، التي تُعرف بباب جبرائيل وباب ميكائيل... الخ، وحدود بيت الزهراء سلام اللَّه عليها، وأمثال ذلك، وياليت أبنية الطين تلك باقية لحد الآن! وأمّا اليوم، فالمدينة لا تشبه بأي حالٍ من الأحوال المدينة القديمة، فجميع المباني هي من الحجر المنحوت ومعظمها ذات ثلاثة أو أربعة طوابق، وقد بُنيت بشكل خاص على تلك المساحات من الأرض، وعرض الزقاق فيها ثلاث أو أربع أذرع. ولكل طابق منها باب للخروج من كلا الطرفين إلى الطابق الثالث والرابع، حيث يمكن الانتقال من على سطح الدار في هذا الزقاق إلى الطرف الآخر، وتشبه سقوفها الى حدٍّ كبير السقوف «الجملونية» أو ما تسمى بالسقوف «الموشورية» على طول الزقاق.

وقد ارتفع المرقد الطاهر للرسول صلى الله عليه و آله وقبر الشّيخين بشكل مشابه لحرم بيت اللَّه، فهو مربّع الشكل، وغطّيت هذه القبور بالقماش، وتقع مع قبر الزهراء (عليها السلام) على جهة واحدة من المسجد. وأمّا المسجد فهو مكوّنٌ من صحن كبير احيط من أطرافه بالأعمدة والايوانات. ونقش في أعلى الأعمدة اسم «اللَّه» والاسم المبارك للرسول صلى الله عليه و آله وأسماء العشرة المبشرين بالجنة، وأسماء «الأئمة الأطهار» بالذهب وبخط جليّ وواضح.

هذا، ويرجع عهد بناء هذا المسجد ومتعلقاته الى السلطان عبدالحميد خان.

ص: 160

وأمّا بناء القبر الطاهر والضريح فيرجع إلى عهد قايتبا (ي). ويقع المسجد من ثلاث جهاته على الشارع الرئيس، وهو مبنيٌّ من الحجر المنحوت الجميل الصافي.

ومن بين القبور المعروفة في المدينة قبر عبداللَّه والد الرسول صلى الله عليه و آله والواقع في سوق الصّفّارين.

مقبرة البقيع:

تقع هذه المقبرة خارج المدينة، أمام إحدى بوّابات المدينة ويفصل بينهما زقاق. وتشمل هذه المقبرة بقعة من ترميمات السلطان محمود خان، تضمُّ في كنفها قبوراً مطهّرة لأربعة من الأئمة عليهم السلام: الإمام الحسن، والإمام زين العابدين، والإمام محمّد الباقر، والإمام جعفر الصادق عليهم السلام الى جانب قَبرين آخرَين أحدهما للعباس عمّ النبيّ صلى الله عليه و آله والآخر لفاطمة بنت أسد أو فاطمة الزهراء، ويقع بيت الأحزان خلف هذه البقعة الطاهرة إلى مسافة قصيرة، ويقع قبر الشيخ أحمد البحريني في جانب من هذه البقعة الشريفة. وهناك بقاعٌ اخرى في المقبرة لبنات النبي صلى الله عليه و آله وزوجاته وحليمة مرضعته صلى الله عليه و آله. وفي نهاية المقبرة المذكورة يقع قبر الخليفة الثالث.

وفي الطرف الشمالي الشرقي للمدينة يقع جبل احد حيث قبر سيدنا حمزة سيد الشهداء عليه السلام على سفح من سفوحه، وله مسجد وصحن، وتمّ ذلك على عهد السلطان عبدالحميد خان، وتقع قبور سائر شهداء أُحد خلف الحائط الشمالي. وقد أُحيطت هذه القبور بسور ترابي بسيط وهو على وشك الانهيار، وتقع بالقرب منه بقعة دُفِنَت فيها أسنان الرسول صلى الله عليه و آله.

وتجري في المدينة وما حولها بضع قنوات وبساتين جيدة، وخاصة في الطريق إلى احد. وقد ازيلت من بساتين أطراف المدينة الأتربة بحدود ذراعين إلى ثلاث باليد؛ وذلك لإبقاء الماء فيها عند الارواء.

مظلومية شيعة المدينة:

أغلب رجال أهل المدينة من الكواسج ولونهم أبيض، لكنّهم بذيئوا اللّسان

ص: 161

وقساةٌ ومعيشتهم ضنكا. وفيها طائفة النخاولة (1)الذين يرجع نسبهم الى الإمام السّجاد عليه السلام وجميع اولئك من الشيعة الُخلَّص، وهذه الطائفة لها بيوت خارج المدينة القديمة وهي بيوت خربة جدّاً، وتعيش في ضنك وفقر مدقع، ولا يسمح لها أهل المدينة بالدخول إلى الحرم الطاهر أو مسجد النبيّ، وقد حدث مراراً أن هجموا على بيوت تلك الطائفة، وأوقعوا فيها القتل ونهبوا ما لديها. واعتقد أن لو كان لأحد في المشرق نذر بقدر فلس واحد يحرم حينئذ إعطاؤه إلى غيرهم عند الإمكان، وعليه أن يوصله إليهم مع وجودهم، فحياة هؤلاء المساكين مُرّة وصعبة ولا يمكن شرحها على الإطلاق.

ومن عادات أهل المدينة أنّهم على الأغلب يربّون المواعز للحصول على ألبانها، فهم يشدّون على ضروعها كلّ صباح ويطلقونها تسرح، فتسيح هذه المواعز في الأزقة إلى غروب ذلك اليوم، وعند العشاء تعود إلى منازلها لوحدها، ولا يُعلم ما تأكله هذه الحيوانات المسكينة أو تشربُه! إذ لا يوجد في الأزقة ما يمكن أكله سوى الأتربة والخرائب، وتُحلبُ مع ذلك في الليل!

وقد تحيّرت في هذه الحادثة حتى سمعت خبراً، أنّه في عهد خاتم الرّسل صلى الله عليه و آله شكى أهل المدينة إليه صلى الله عليه و آله: أنما مضطرون للاحتفاظ بالمواعز من أجل ألبانها، إلّا أنّه لا يوجد عندنا شي ء لإطعامها، وأرضنا يابسة جرداء. فأجابهم الرسول صلى الله عليه و آله بكلام بياني إعجازي: اطلقوا مواعزكم تخرج في الصباح، وامسكوهن في الليل.

فصار ذلك عرفاً عندهم حتى وقتنا الحاضر، فقد عاشت مواعزهم بفضل وبركة كلامه صلى الله عليه و آله ولا يعرف أي شي ء كانت تأكله!

التعامل الجاف مع العجم:

إنَّ ما رأيته في الحجاز هو أنَّ العجم، ولا أدري ما السبب في ذلك؟ مغضوب عليهم، ويحتقرهم ويذلّهم الناس هناك، ومع أنّه في هذه السنوات وبحسن كفاءة ودراية الحاج ميرزا حسن خان منسّق الأعمال المقيم بجدّة، قد تحسّنت الحالة


1- 1 طائفة من أهل المدينة، وهم الساكنون في شارع أبي طالب حالياً، وأغلبهم من الشيعة.

ص: 162

كثيراً، إلّاأنَّ تلك الحالة لم تخلو من المخاطر، خاصة في المدينة الطيبة حيث تُستَحلُّ فيها دماء وأموال العجم، ولا يتأخر أهلها عن إيصال الأذى إلى الحجّاج، حتى السيد حسن المطوّف الذي هو مأمورٌ من جانب جناب معين الملك لملاحظة مطوّفي الحجاج الإيرانيين، أبدى منتهى سوء التصرف والسلوك. وقد ساد العُرف منذ سنين على جباية مبلغ ريالَين إفرنجيَّين من كلّ حاج أي ما يُعادل اثني عشر ألف دينار لحسابه، فيقسّمها هو على المزوّرين والخدام في الحرم.

ويعمد هذا الرجل المتوحش القليل الأدب مع جماعة من الخواجات والعسكر إلى الهجوم على مخيَّم الحجاج المساكين في منتصف الليل دون سابق إنذار لأخذ تلك الأموال، وإذا كان الناس نائمين في خيامهم، سواء أكانوا لوحدهم أم مع عيالهم، يغيرون عليهم ليلًا وينتزعون منهم تلك الأموال بكلّ وحشية، كما أنَّ بعض أهل المدينة- من الذين يتّصفون بقلّة الأدب الزائد عن الحدّ وبالوحشية- لا يعيرون الإيرانيين ذرّة وقار أو احترام بل ولا يحسبونهم من صنف البشر!

وقد رأيت بعينيَّ في مسجد الرسول الأكرم صلى الله عليه و آله جماعة من الحُجّاج الهُنود يخيّمون هناك، وكانوا قذرين للغاية وثيابهم رَثَّة، وهم يجلسون كلّ يوم تحت أشعة الشمس على فُرُش نظيفة، يقتّلون القَمْل ثم يضطجعون ويغطّون في النوم، ومع هذا يتحركون بكلّ حرّية ووقاحة دون أن يعترضهم أحد.

مَنْع الزيارة:

ومع أن أغلب الإيرانيين يلبسون ملابس نظيفة وجميلة، لا يُسمح لهم خلال النهار بالتوقف في المسجد كثيراً لأداء الزيارة، ولا يتجرأون في الذهاب إلى المسجد، وفي اللّيل هم ممنوعون تماماً من دخول المسجد مع أنّهم كانوا يتحركون بكلّ أدب وحيطة وحذر، وقد رأيت يوماً في زقاق من أزقة المدينة رجلين ايرانيين عظيمي الجُثّة يجتازان من أمام أحد الدكاكين، فقفز صبيٌّ من الدكان أمامهما وأخذ بيدي هذين الرجلين وساقهما نحو الدكان بقصد إيذائهما، ومع أن

ص: 163

هذين الرجلين كان باستطاعتهما أن يقتسما ذلك الصبي ويأكلاه كلقمة سائغة، إلّا أنهما لم يجرُؤا على إظهار غضبهما، وكانا كأسيرين في قبضة ذلك الطفل حتى بادر شخص آخر، وعمل على انقاذهما من يده.

البوّاب القبيح المنظر:

عند مقبرة البقيع، بقعة الأئمة الأطهار، يوجد بوّاب قبيح المنظر يحمل بيده هراوه، ويتطاير الغضب من وجهه، ويأخذ من كلّ إيراني يروم الدخول إلى هناك بقصد الزيارة صاحبقران (1) واحداً، ولو أراد ذلك الحاج مثلًا الدخول خمس مرات يومياً عليه أن يدفع خمس قرانات، وحال دخوله إلى هناك ولما يبدأ الزيارة بعد، يقول له البوّاب: اخرج.

وأراد أحد الأشخاص يوماً أن يُقيم مجلساً للعزاء تحت قبة الأئمة الأطهار، فمنعه البواب، فأعطاه مبلغ روبيتين اثنتين وتساويان ستة آلاف دينار حتى حصل على إذن بذلك.

وكلّ هذه الموانع والحجج هي من نصيب الايرانيين، ولا أحد يعترض طريق الاعراب أبداً.

ومن بين المميزات التي يحصل عليها الأعراب هي وكما رأيت بعينيّ في كلّ بلاد الجزيرة العربية، أنّه متى ما شبَّ نزاعٌ بين اعرابيّ وأعجميّ، فللأعرابي الحقّ في أن يكيل للأعجمي كلّ أنواع السّبّ والشتم والتُهَم، في حين لا يحقُّ للأعجمي حتى فتح فيه بسؤال أو جواب، وإلّا كان مصيره أن يهجم عليه الأعراب ويشبعوه ضرباً حتى يهلك.

ففي أرض الحجاز كل مِلّة يحقّ لها أن تتنقّل بحرّية كاملة بزيّها إلّاأهل إيران، الذين إمّا أن يلبسوا لباساً عربياً أو لباساً أفندياً، ومع ذلك فبمجرّد أن ينكشف لهم أنّه أعجميّ، يتعرّض إلى السّخرية والاستهزاء!

ومن الأعمال التي أدّاها الحاج ميرزا حسن خان منسّق الأعمال هذه السنة في


1- 1 نوع من العملة، كانت تُسَكُّ منذ عهد الأسرة الصفوية حتى ناصر الدين شاه القاجاري، وكان رأس صاحبقران وهو لقب بعض ملوك ايران منقوشاً عليها.

ص: 164

مكّة هي أنَّ أحد الفلاحين الايرانيين أراد يوماً الطواف حول بيت اللَّه والتّشرف بذلك، فربط مداسه بمنديله ووشاحه ووضعه على كتفه متدلياً خلف ظهره ودخل المسجد. فانتبه أحد خواجات الحرم إلى ذلك، وبينما كان الفلاح يطوف فإذا بالخواجة يُنزل ضربات عديدة بهراوته على ظهر الفلاح، فشاهد أحد أقرباء المنسّق في الدار الايرانية، تلك الواقعة من بعيد، فأسرع وأخبر المنسّق بذلك.

فقام المشار إليه لأخذ القصاص بإذن جناب الشريف وباشا مكّة وعاقبوا ذلك الخواجة في نفس المكان الذي قام هو فيه بضرب الفلاح بالهراوة. وهذه الامور تقع فقط للإيرانيين وحدهم دون غيرهم. فالأعراب وضعهم مختلف، فهم يحملون نعلهم تحت آباطهم ويدخلون المسجد دون أن يتعرّض لهم أحد بسوء.

والخلاصة أنّه ولسبب مجهول يتعرّض جماعة من الإيرانيين كلّ سنة إلى الأذى والمشقة والبلاء.

وبعد الخروج من المدينة الطيبة، تحركنا نحو الجبل، ولم تكن في الطريق من المدينة الى النجف الأشرف أيّة مدينة عامرة على جانبي الطريق سوى «مستجدة» و «جبل» وبعض الخيم السود القليلة، التي تسكنها جماعة من الأعراب.

و «مستجدة» على بعد ثلاثة منازل قبل الجبل، وهي قرية عامرة فيها بساتين كثيرة من النّخل والحمضيات.

و «جبل» قصبة من إيالة «نجد» ويبلغ عدد سكانها حوالى (200) عائلة وجبل هي مقرّ حكومة محمد الأمير. وتقع على خط عرض (29) درجة شمالًا وخط طول (6) درجات غرباً عن طهران، في أرض سهلية جرداء وحصوية، وأما سكانها فهم من الأعراب البدو.

نجد:

تقع بين (الاحساء) و (الحجاز) والأراضي الصحراوية، ويقطنها حوالى ثلاثمائة ألف نسمة، مناخها شديد الحرارة ولكنّه صحّي، وماؤها شحيح، ومعظم

ص: 165

أهلها من سكان البوادي، وتشكّل الخيل والجِمال والأغنام كلّ ما يملكون، والفرقة الوهابية خرجت من هذه الديار.

بعد طيّ الطريق الجبلي وصلنا الى النجف الأشرف في الرابع عشر من ربيع الأول، واستغرقت الرحلة ما يقارب الثمانين يوماً، وخلال هذه الفترة، ضلّ كثير من الحجّاج الأعاجم في صحاري الجزيرة العربية، وأصبحوا أسرى لدى:

عبدالرحمن أمير حاج نيابة عن محمد أمير الجبل.

متعهدي القوافل الماكرين، الذين لم يتورّعوا عن ارتكاب أنواع القبائح، عدا نفر قليل منهم مثل الحاج عباس القازي النجفي، الحاج اسماعيل الأصفهاني.

وأخيراً، أسرى بيد العُكّام الذين يُمسكون بزمام الجِمال، وهم أغنياء عن التعريف.

عادة محمد أمير الجبل هي أن يُرسل كلَّ عام قبيل موسم الحج شخصاً مثل عبدالرحمن، أو غلامه (قنبر) إلى النجف الأشرف، حتى يسوق الحجّاج في الخامس من شهر ذي القعدة، ليصل بهم إلى مكّة المكرّمة في الرابع من شهر ذي الحجة، وبالنظر إلى أنّ عليه أن يمرّ بالقوافل بسلام خلال القبائل الأكثر وحشيةً منه، وأن يدفع لهم الرسوم، لذا فهو يأخذ من كلِّ راكب جَمَل ما يعادل خمسة عشر توماناً تسمى (الأخوّة)، ويؤخذ من الأعراب إجمالًا نصف مبلغ الأخوّة، ومشاة الحجّاج معفون منذ القديم من دفع هذه الأتاوة، وعلى الرغم من أنّ المدينة الطيبة تقع على حافة الطريق، فهم لا يمرّون عليها ذهاباً، إلّاأنّهم يفعلون ذلك في الإياب، ويقطعون الطريق من نجد وحتى يصلوا بالقوافل الى النجف الأشرف، وأحياناً، يأخذون (الأخوّة) في الأربعين وحتى أواخر شهر صفر على الأغلب وبنفس الطريقة، إلّاأنّهم لا ينفّذون ما يقولون.

كلّ عام، يعتدون على مشاة الحجاج المساكين، وفي هذا العام، قام

ص: 166

عبدالرحمن في كلّ منزل بجمع عدد من المشاة بوشاية من الحاج حمودي النجفي، وأمر بعضاً من الأعراب الأشدّ كفراً ونفاقاً، بأن يحملوا عليهم بالهراوات، ويشبعوهم ضرباً حتى يقضي البعض نحبه تحت أيديهم، ويقوموا بنهب ما يمتلكون من دراهم ودنانير، حتى أن متعهد القافلة الحاج جواد بن الحاج عبد، وهو من الرعايا الإيرانيين، قد استشهد هذا العام تحت ضرب الهراوة لمحمّد.

وأخيراً، لم يبقَ سوى 23 نفراً من الحجاج المشاة، وما إن علمتُ بذلك حتى أرسلتُ في طلب عبدالرحمن، ووجهتُ إليه التهديدات قائلًا:

لو كان قادة دولة إيران يعلمون كيف أنكم بهذه القساوة والطمع، تتعاملون مع الحجاج الأعاجم؛ لمنعوا كليّاً الطريق الجبلي. ولقد توعّدته، وقلت له: إذا أمهلني الأجل فسأسجّل تفاصيل هذه المعاملة السيئة في دفتر مذكراتي، وسأعرضها على ولاة الأمر في ايران. وآخر الأمر، فقد أعطيته قطعة شال؛ لأنقذ بقية السيف من براثنه.

ومع هذا، فقد كانت تُفرض كلّ يوم وبمختلف الحُجج والأعذار، أتاوات من قِبل عبدالرحمن ومتعدي القوافل على الحجاج العجم، وكان الحاج حمودي يأخذها بأسوإ شكل، وكانوا إذا احتملوا وجود دينار في جيوب الحجاج، جالوا بهم في القفار حيارى وعطشى وجياعاً. وكلّ تلك المصائب تحدث خاصة أثناء العودة.

والحاج حمودي رجل من أهل النجف، وكان هو وأخوه جاسم يخرجان كلّ سنة من النجف مع بعض أقربائهم برفقة الحجيج، وهو رجل لا دين له ولا مذهب وكان يتبع مذهب كلّ جماعة يُرافقها. فهو شيعيٌّ في النجف، وسنيٌّ متعصّب في خيلِ أمير جبل، وشريك للّصوص في مخيّم الحجّاج، ورفيق القافلة والأمين والمشاور كذلك.

وأما عبدالرحمن فهو شخص ظالم وقاسي القلب، وكلّ ما يُصيب الحجاج من

ص: 167

الآلام والمصائب، فهي منه وإليه. ولو أنَّ هذا الرجل وأتباعه مُنعوا من مرافقة الحجاج على الأقل، لكان ذلك فوزاً عظيماً.

لذا فإنّي أرى من الضروري أن ينبّه عامة الناس على أنَّ طريق الجبل ليس هو الطريق الوحيد الذي يوصل إلى مكّة المكرّمة أو الرجوع منها، ولا يقتصر عليه أبداً. فالحمد للَّه هناك طرق عديدة آمنة ومفتوحة:

طريق الشام السلطاني الذي يُشرف على المدينة الطيبة عند الذهاب.

طريق إسلامبول (إسطانبول)، وعلى الحجاج الايرانيين أن يذهبوا عن طريق أنزلي نحو تغلب، وبعد اسطانبول يمرّون بالقرب من مصر ثمّ يصلون جدّة.

طريق البصرة الذي سرت فيه.

طريق بوشهر الذي يمكن الوصول عبره الى جدّة خلال (15) يوماً، وعند الرجوع بعد زيارة المدينة، يمكن الذهاب عن طريق الشام أيضاً، أو عن طريق ميناء يَنْبُع، إذا كان آمناً؛ لأنه بالقرب من المدينة، حيث يمكن ركوب السفينة والذهاب إلى أيّ مكان آخر.

ينبُع:

ميناء في الحجاز، ونسبته الى المدينة كنسبة جدّة الى مكّة، وهو عبارة عن قصبة محصورة، تبعد (17) فرسخاً الى الجنوب الغربي من المدينة. وترسو عنده الكثير من السفن إلّاأنّه غير آمن. فالناس هناك كالوحوش، وكلّما سنحت الفرصة لاتّخاذه معبراً كانت تتفاوت وتختلف المصاريف العامة ومدّة السّفر للحجاج.

كانت السفينة تتأهب للتحرّك من بغداد في النصف من شوّال، فكان الحجاج يصلون إلى ينبُع في العشرين من ذي القعدة، ويصلون من المدينة إلى مكّة خلال عشرة أيام أو أقل. وبعد الفراغ من الأعمال، من (15) إلى (20) ذي الحجة، يصعدون إلى السفينة من جدّة وكانوا يتّجهون إلى ما شاءوا من الجهات، إلى

ص: 168

بومباي، ومصر، وإسطانبول وبوشهر أو البصرة.

وأمّا إذاكان المقصد هو العتبات المقدّسة، فبالإمكان الوصول الى بغداد من (15) إلى (20) من محرّم، وعلى هذا كان الجهد ينصبّ على أن لا يُسلّم الحجاج أنفسهم بأيدي الطوائف الثلاث أو الأربع المتوحشة، وعندها سيقعون أسرى عندهم، ويسلبون أرادتهم أو يُعرّضون حياتهم أو أموالهم إلى الهلاك، فيكون الجوع والعطش مصيرهم. ليت طريق الجبل يُمنع ويُغْلَق لعدّة سنوات من قِبَل رِجال الدولة دام عمرهم حتى يستقرّ فيه النظام والأمن!

الهوامش:

شعر الحج

ص: 169

شعر الحج

ضياء الدين الصابوني

قدْ طابَ حَجُّكَ إنّهُ مبرورٌ وَسَقَيتَ سَقيَكَ إنَّهُ مشكور

فاهنأ بحَجّكَ والقَبولِ مع الرضا فلأنتَ في عَفوِ المليكِ جدير

تلكَ المعاني السامياتُ شهِدْتَها قَدْ زانَها التهليلُ والتكبير

ذقتَ الحلاوةَ في الرحابِ ومَنْ يذُق يَعرفْ، وضلَّ الجاحدُ المغرور

وشهدتَ من سرِّ الجمال وحسنه صوَراً تَردُّ الطرْفَ وهو حسير

ووقفتَ في (عرفات) تلتمس الندى وأفضتَ منها ذنبكَ المغفور

وأتيتَ (للحجرات) تهجر كلّ ما يُرديكَ أو يُغويكَ وهو كفور

أمّن يرى البيتَ العتيقَ وسِرَّه والقلبُ منه طافحٌ مغمور؟

ولقد كُسيتَ من الجلالة ثوبَها ومَعَ الجلالِ بَشاشةٌ وحبور

ها هم ضيوفكَ أقبلوا في لهفةٍ وقلوبُهم فيها الهُدى والنور

يدعون ربَّهم بقلبٍ خاشعٍ واللَّهُ يُجزلُ والجزاءُ كبير

ص: 170

وعلى الجباهِ الخاشعات علائمٌ وعلى الوجوهِ النيّرات سرور

نالوا الجوائزَ بعدما غُفرتْ لهمُ زلّاتُهمْ، إنَّ اللطيف خبير

وكم اعتراك هزّةٌ برحابه بلْ كادَ قلبُكَ من هواهُ يطير طوبى لمن قد فازَ منه بنفحةٍ فالعيشُ رَغْدٌ والزمان عبير

مهما أتيتَ من الذنوب فإنّما أملي بعفوكَ يا كريمُ كبير

ربّاه يا رحمن فاجبر كسرَنا إنَّ الفؤادَ من الذنوبِ كسير

ربّاه فاقبل توبتي وضراعتي أيقنتُ أنّكَ راحمٌ وغفور

جدْ لي بعفوكَ يا إلهي تكرماً فالكسرُ عندَ مَليكنا مجبور

جدْ لي بعفوكَ أنتَ أكرمُ مرتجى وإليه كلُّ الكائناتِ تصير

صلّى الإله على النبيّ وآلِه ما رفَّ قلبُ العبدِ وهو شكور شاعر طيبة: محمّد ضياءالدين الصابوني- عضو رابطة الأدب الإسلامي العالمية

يا مُحرمونَ .. شعار الصالحين على وجوههم .. للهدى والخير مَنْزِعُهُ

كأنّه من جنان الخُلد مُقْتَبَسٌ وفي الجباه يَدُ الرحمن تَطْبَعُهُ

يا مُحرمونَ، كيوم البعثِ مَنْشَرُهُم شَمْلُ البريّةِ هذا اليومُ يَجمَعُهُ

مِن كلّ جنسٍ ولونٍ أقبلوا زُمَراً حيثُ التفاضلُ للإيمانِ مَرْجِعُهُ

تَجرّدوا من هوى الدنيا وزُخرُفِها وكلّهم في رِضاءِ اللَّه مَطمَعُهُ

مُسالمين فلا بَغيٌ ولا حَرَبٌ ولا يُراودُ جَفْناً ما يُروّعُهُ

ترى الخيامَ على ظهرِ الربى نُصِبَت كالبحر.. منشورةً للريحِ أشرُعُهُ

هذي وفودك يا رحمنُ قائمة يَضُمُّها من جميل العفو أوسَعُهُ

في مَهبَطِ الوحي كم تنسابُ ذاكرةٌ تثير في القلب أشجاناً تُلوِّعُهُ

ص: 171

كم في المنازل من طيف ومن أثر يكاد ينطق بالأخبار موضعه

عفّت عليه الليالي وهو ملتحف بالصمت.. يسترجع الأحداث بَلْقَعُهُ

وفْدَ الحجيج سلامٌ عاطرٌ عبقٌ رَبُّ البريّة بالغفرانِ يَشفَعُهُ

وفدَ الحجيج.. ألا فتذكّروا أبداً مَجْداً لنا غابراً لابدّ نُرْجِعُهُ لا تتركو القبلة الأولى.. ومسجدها يشكو.. وكم طال في البلوى تفَجُّعُهُ

من هاهنا من ظلالِ البيتِ طاهرةً أذيالُنا.. مبدأ التحرير نُزْمِعُهُ

لا، لن نعودَ وفي أرواحنا وَهَنٌ ولن يَضُمَّ خلي البال مَضْجَعُهُ (1)

***

يا موطئاً من عهدِ إبراهيم لا يُمحى.. ولا تَعفو عليه رياحُ

بيدِيه شادَ أجلَّ بيتٍ يُبتَنى للَّه يُغْدى نحوَه ويُراحُ

تهوي النّفوسُ إليه.. فهي بساحِهِ لا إثمَ يُرهِقُها ولا أتراحُ

وهناك «إسماعيل» قامَ مُلبّياً وكلاهما بدعائه مِلحاحُ

قمرانِ من وحي الإله سناهُما خُلُقٌ أبرُّ. وعِفّةٌ وسماحُ

ربّاه.. هذا البيتُ بيتُك خالِصاً ومعالِمُ التوحيد فيه صراحُ

أرِنا مناسِكنا على النهج الذي يُرضيكَ عنّا.. ليس عنه بَراحُ من ارجوزة في الحج للسيد جمال الدين الهاشمي رحمه الله

سارت على اسم الخالق المعبود قافلة الإيمان والتوحيد

سارت تحجّ الكعبة الغرّاء بحبّ آل أحمد تلوب حتّى قصدنا مكّة المكرّمة في موكب شاراته محتشمة

وحينما لاحت حدود الحرم واستيقظت منها قلوب النوم


1- 1 نداء الحق. ديوان شعر لأحمد محمّد الصديق: 152، 156.

ص: 172

فبادر الركب إليه مسرعاً وكلّ فرد فيه من شوق دعا:

«لبّيك إنّ الحمد والنعمة لك لبّيك إنّ المجد والرحمة لك»

نخلع عن أجسامنا الثيابا إذ لم تزل لوعينا حجابا

هي القشور أضحت اللبابا هيا أمِطْ عن وعيك النقابا

لتظهر الحقيقة الخفيّة وتلمس الماهيّة النوريّة

تبعدنا مظاهر الحياة في زيفها عن الجمال الذاتي ما أنا في الحياة إلّابشر لكلّ ما أحبى به مفتقر

عبد فلا أملك رجلي ويدي بل كلّ ما عندي ملك سيّدي

فكلّ آثاري إليه تنسب في بعثها عنّي هو المسبّب

ما كنت إلّاعدماً لولاه أوجدني بأمره الإله

شغلني عن وعيها التشاغل بعالم لذاته حبائل

تصدّني في وصفها عن واقعي وتستزيد نحوها مطامعي

ربّاه يا ربّاه إنّنا بشر عن وعي واقع الأمور نقتصر

تجذبنا الظواهر المزبرجة عن واقع نيرانه مؤجّجة

وحينما أيقظنا الإيمان جئنا وكلّ ما بنا لسان:

«لبّيك لبّيك فلا شريك لك لبّيك لبّيك فلا مليكَ لك»

أحرمت عن ما ثمن تجرّدا وصرت عبدا مذ رأيت السيّد

وهكذا تجرّد الإنسان لما طمى في وعيه الإيمان.. الهوامش:

مهمّات مشبوهة في الديار المقدّسة (2)

ص: 173

مهمّات مشبوهة في الديار المقدّسة (2)

حسن السعيد

حينما شرع الغرب حركته لوعي الذات، عبر اكتشافه لشروط تكوينها الداخلية، ولتتمخّض عمّا يُعرف ب «النهضة الأوروپية»... كان هناك ثمّة حركة دائبة لاكتشاف الآخر (الخصم الأكبر)، بغية السيطرة عليه أحياناً، والتلاعب به، بل حتى ضمه وتدميره.

ولم يكن هذا «الآخر» سوى الشرق، الذي أصبح منذ القدم، وبخاصة المشرق الاسلامي معروفاً في الغرب بوصفه نقيض الغرب المتمّم له (1).

هناك إذن رؤية فكرية قد تهيّأت خاصة خلال حقبة المواجهة، وتحديداً في القرن الثاني عشر، ثم توسّعت وتدفقت في القرن الثالث عشر والرابع عشر؛ لتمتد حتى القرن الثامن عشر، وحتى العصر الاستعماري (2)، لتتكرّس وتتراكم باطراد حتى تستوطن اللاوعي الغربي، وكأنها حقائق مسلّمة.

وفي القرون اللاحقة، وبخاصة في القرن السادس عشر، الذي شهد ظهور مذهب التجارة في اوروپا الغربيّة (المتمدنة) و (المتفوقة) و (العقلانية) والتي عدلت


1- 1 للمزيد من الاطلاع على هذه النقطة، يُراجع كتاب «الاستشراق؛ المعرفة، السلطة، الإنشاء» لادوارد سعيد، ترجمة كمال أبو ديب، مؤسسة الأبحاث العربية، ط. 2 بيروت، 1984.
2- 2 هشام جعيّط: «اوروپا والإسلام»، ترجمة طلا عتريسي، دار الحقيقة، بيروت، 1980 م، ص 20.

ص: 174

من طبيعة مواجهتها مع «الطرف الآخر»، (المتوحّش) و (المتخلّف) و (الأدنى) منزلة، اختزل ثراء الحضارة الإسلامية الى صورة «وضيعة»، وذلك لتبرير الدوافع السياسية والاقتصادية وخدمتها. وبدأ اوروپا الغربيّة، التي لم تعد في حالة دفاع ضد التهديد الإسلامي- على الأقل ليس إلى الدرجة التي سادت خلال العصور الوسطى- بدأت تهتم اهتماماً من نوع جديد بالشرق، وقد أوحت بهذا الاهتمام الروحية الجديدة الناشئة عن مذهب التجارة من جهة، والتنافس السياسي والاقتصادي في الداخل من جهة اخرى» (1).

ومع أنّ الاهتمام الأوروپي، ثم الأمريكي، بالشرق كان سياسياً تبعاً لبعض المسارد التاريخية الواضحة التي أوردها «ادوارد سعيد» في كتابه «الاستشراق»، لكن الثقافة كانت هي التي خلقت ذلك الاهتمام، والتي فعلت بحيوية ديناميكية جنباً إلى جنب مع المعقلنات السياسية، والعسكرية، والاقتصادية (2)...

وإلى جانب هذه التطورات، بدأت مجموعات من التجار والرحالة بالوصول كذلك إلى الشرق لأغراض مختلفة، إذ كان بعضهم مرسلًا ببعثات دبلوماسية أو تجارية، وبعضهم من المغامرين أو من المبشرين بدين آخر، وبينما كان بعض الرحالة والتجار يختلقون الأوهام حول العرب، وهي أوهام سادت في بواكير القرن السابع عشر، كان العلماء منهمكين كذلك في دراسة الأدب والفكر العربيين وترجمتهما إلى الانكليزية... وعلى الرغم من أهميّة تلك الدارسات العربية، فإن الاتجاهات الهجوميّة القديمة- الجديدة نحو الإسلام قد طغت على أكثر أعمالهم (3).

وليس من شك، أن الاسلام لم يصبح رمزاً للرعب، والدمار، والشيطاني، وأفواج من البرابرة الممقوتين، بصورة اعتباطية. فبالنسبة لأوروپا، كان الإسلام رجّة مأساوية دائمة. وحتى نهاية القرن السابع عشر كان «الخطر العثماني» متربصاً بأوروپا ممثلًا بالنسبة للحضارة المسيحية كلها تهديداً دائماً، ومع مرور الزمن امتصت الحضارة الأوروپية هذا الخطر وأحداثه العظيمة، وخبراته الموروثة،


1- 1 د. خضر حلمي ساري: «صورة العرب في الصحافة البريطانية»، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 1988، ص: 27- 28.
2- 2 د. ادوارد سعيد؛ المرجع السابق: 46.
3- 3 بشي ء من التصرّف عن كتاب «صورة العرب في الصحافة البريطانية»؛ م. س: 28، 30.

ص: 175

وشخصياته، وفضائله، ورذائله وحوّلته شيئاً منسوجاً في لحمة الحياة الأوروپية (1).

وهكذا استقرّت صورة الاسلام في الوجدان الشعبي، وظلّ يُنظر إليه على أنه لا شي ء أكثر من ضلالة- أو بدعة- من المسيحية، وكان يُقال عنه أنه «دين السيف»، ويُعبّر عنه باستهزاء ب «الدين المحمدي) أو (المحمدية). والمسلمون أنفسهم أيضاً لم يسلموا من سخط المسيحيين في العصور الوسطى، وقد سمّوهم بالكافرين والوثنيين والأعراب والمحمديين (2).

وقد أدخل رحالة القرن السابع عشر أيضاً صوراً أخرى عن المسلمين تتعلق بالقرصنة والرق. وقد راجت هذه الصورة شعبيّاً، من جرّاء كتاب ألفه «جوزيف بيتِز»، وصف فيه أسره من قبل قراصنة جزائريين في 1678، بينما كان هو ورفاقه يبحرون في الساحل الجزائري (3) فمن هو «بيتز»؟ وما هي حكايته؟

جوزيف بيتز:

وجوزيف بيتز هو شاب انكليزي يافع من أهالي أوكسفورد، وقصته طريفة وغير عادية. فقد كان هذا البريطاني- الذي ولد في جنوب غربي البلاد- قد ورث تعلّقاً شديداً بالبحر، وعندما بلغ الخامسة عشرة من عمره التحق بسفينة كانت متوجهة إلى أمريكا عام 1678. وفي طريق العودة، على مقربة من الشواطئ الاسبانية، هاجم قراصنة جزائريون السفينة وأسروا أعضاء الطاقم ونقلوهم إلى العاصمة الجزائرية، حيث بيعوا في السوق كعبيد. وكتب «بيتز» عن تلك المرحلة:

«اشتراني رجل عاملني بقسوة فائقة، وعلى رغم من أن الجزائريين لم يكترثوا أبداً بديانة عبيدهم، إلّاأن معلمي كان يضربني باستمرار ليجبرني على تغيير ديني» (4).

ونظراً لأن «بيتز» كان يجيد التكلّم بالعربية والتركية فقد أتقن التعاليم الإسلامية أكثر من غيره. وكان صاحبه، النقيب في خيالة الجيش الجزائري،


1- 1 الاستشراق؛ م. س: 89.
2- 2 بربارا براون: «نظرة عن قرب في المسيحية»، ترجمة مناف حسين الياسري، نشر توحيد، طهران، 1416 ه- 1995 م، ص: 86.
3- 3 صورة العرب في الصحافة البريطانية؛ م. س: 31.
4- 4 مقال: «سيرة «عبد اوروپي» في بلاد المسلمين في القرن الثامن عشر» لرلى الزين، المنشور في صحيفة الحياة لندن- العدد 16. 11، الصادر بتاريخ 11 نيسان ابريل 1993 م- 19 شوال 1413 ه. ومن الواضح أن ثمّة سهواً قد وقع في عنوان المقال، حول التاريخ والصحيح هو «في القرن السابع عشر» وليس «الثامن عشر» كما سترى من خلال البحث.

ص: 176

رجلًا مسرفاً منغمساً في الدعارة والفجور، على ما يقول «بيتز»، فصمم على أن يكون سبباً في اعتناق مملوكه الانكليزي الديانة الإسلامية تكفيراً عن آثامه وخطاياه. فاستعمل الضرب والشدّة معه حتى نطق بالشهادة، لكنه بقي خلال وقته كلّه الذي قضاه في بلاد الاسلام والمسلمين يعبّر عن سخطه ودخيلة نفسه المجبولة على المسيحية في شتى الظروف والمناسبات (1).

وبعد فترة، بيع «بيتز» إلى رجل آخر في الجزائر، قدمه هديّة إلى أخيه في تونس... فمكث هناك 30 يوماً، تعرّف خلالها إلى القنصل البريطاني الذي وعد بمساعدته، وبعد أن قرر معلمه أنه لم يعد في حاجة إليه، اعيد «بيتز» إلى الجزائر، على رغم من أن القنصل البريطاني وتاجرين بريطانيين حاولوا شراء حريته، وقدّموا 300 دولار إلى صاحبه. إلّاأن التونسي أصرّ على مبلغ 500 دولار استحال على البريطانيين جمعه.

عندما وصل «بيتز» إلى الجزائر وعلم أنه سيردّ إلى معلمه الأول انهار بالبكاء. كانت حياته، في تلك الفترة، صعبة للغاية إلّاأنه مضى وقتاً طويلًا يتقن اللغتين العربية والتركية... وصار يلجأ في ساعات فراغه إلى المساجد، يدوّن الملاحظات الدقيقة حول المراسم المحيطة به، والصلوات، وكلمات الإمام، وتعاليم القرآن. وتقول زهرة فريث وفيكتور وينستون في كتابهما: «مستكشفون في الجزيرة العربية» عن بيتز: «نظراً إلى حداثة سنّه، وعلى رغم من أنه أُجبر على تغيير دينه، إلّاأن «بيتز» حاول جدّياً فهم العقيدة وتقديمها بموضوعيّة» (2)2 1978 ,reieM dna semloH :kroY weN ;niwnUdna nellA :notsoB ;nodnol arE nairotciV fo dnE eht ot ecnassianreReht morf aibarA fo srerolpxE ,enotsniW F .V .H dna hteerF noskcid arhaZ(3) ..

على أن هذه الأحكام بحاجة إلى اثباتات، لذا فإنها لا تعدو كونها ادعاءات.

وممّا يدلل على ذلك أن الرحالة بورتون المعروف بانحيازه الواضح إلى رسالة الرجل الأبيض، والى بريطانيته خاصة، ورغم ذلك اعترف بأن كتابة بيتز تتصف بالتعصّب الأعمى رغم خلوها من الخرافات أو الأشياء التي لا تُصدّق (4).

وكمثال على مدى تحامل بيتز على المسلمين الصاقه بهم العديد من الرذائل،


1- 1 جعفر الخليلي: «موسوعة العتبات المقدسة: قسم مكة» 2: 255 مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، ط. 2، بيروت، 1407 ه- 1987 م.
2- 2.
3- 2 1978 ,reieM dna semloH :kroY weN ;niwnUdna nellA :notsoB ;nodnol arE nairotciV fo dnE eht ot ecnassianreReht morf aibarA fo srerolpxE ,enotsniW F .V .H dna hteerF noskcid arhaZ
4- 3 موسوعة العتبات المقدسة؛ م. س: 255.

ص: 177

والتي ساهم هو نفسه في ترويجها عن المسلمين في الأوساط الغربيّة. ثم تغاضيه عن الاسلوب المتسامح معه، من قبل الآخرين، خاصة بعدما تغيّرت حاله أثر اعدام معلمه الأول، لمشاركته في تنظيم تمرّد ضد الحاكم، فباعته زوجة هذا الأخير إلى شخص جديد متقدّم في السن، عامله بلطف وطلب منه أن يرافقه في رحلة الحج إلى مكّة المكرمة.

الرحلة إلى الحج

قام بيتز برفقة سيده بالحج إلى مكّة والمدينة، أواخر القرن السابع عشر (1) ثم تمكّن من الفرار، ونشر قصّة رحلته تلك في بريطانيا سنة 1704 م، وهي قصّة يصحح بها بعض الأخطاء والمبالغات الموجودة في الكتب المعاصرة له، وأروع ما في الرحلة وصفه للقافلة واعدادها (2).

واجتذب الكتاب وعنوانه «وصف أمين لديانة وأخلاق المحمديين» اهتماماً كبيراً، لأن كاتبه عبد مسيحي، وفيه يعزّز روايات العبيد المسيحيين في الدول (البربرية)، الجزائر وتونس وطرابلس، فضلًا عن ذلك فإن أهميته تعود أيضاً إلى أن «بيتز» كان من أوائل الانكليز الذين دخلوا شبه الجزيرة العربية ووصفوا شعبها، والأماكن المقدسة، ومراسم الحج وشعائر العبادة في مكة، وقد زار بيتز كذلك قبر النبي صلى الله عليه و آله، ونفى حكاية أن القبر معلّق في الهواء، بفعل قوّة أحجار مغناطيسية (3).

بدأت رحلة بيتز وسيده بمصر، وعندما وصلا إلى الاسكندرية أُصيب المعلم بمرض شديد حتى ظنّ أن نهايته اقتربت، فأعطى الشاب البريطاني جزاماً فيه كيس من الذهب ورسالة كانت ستسلّم إليه في مكّة المكرّمة، يعلن فيها صاحبه عن اطلاق سراحه. إلّاأن الرجل استعاد عافيته وظل «بيتز» في خدمته، وتابعا طريقهما إلى القاهرة حيث مكثا فترة من الزمن لتجميع المواد اللازمة للمرحلة الثانية من الرحلة. وكان «بيتز» يدوّن ملاحظاته عن المدينة وأهلها (4).


1- 1 لم تحدّد المراجع بالضبط سنة الرحلة، ولكنها حدثت، على ما يبدو، عام 1692 م، بدليل أنه عاد مباشرة إلى بلاده، فيما استغرقت مدّة غربته عنها حوالى 15 سنة.
2- 2 د. محمود السمرة: «مراجعات حول العروبة والاسلام واورپا»، كتاب العربي 4 الكويت، 1984 م، ص: 120.
3- 3 صورة العرب في الصحافة البريطانيّة؛ م. س: 31.
4- 4 صحيفة الحياة؛ م. س.

ص: 178

على أن «بيتز» في وصفه لمصر وخليط السكان فيها (من أتراك ويهود ويونانيين وأقباط) كان أول من روّج شعبيّاً صورة جديداً جداً، ألا وهي صورة البغاء... وعلى أيّة حال، فإن تجارب بيتز وتصويره للعرب كقراصنة وشحاذين ولصوص ومشتغلين بتجارة الرقيق والبغاء كانت رائجة في انكلترا في نهاية القرن السابع عشر. ولابدّ من التأكيد هنا أن إشارات «بيتز» إلى العرب لم تكن واضحة جداً أبداً؛ فهو يدعوهم أحياناً جزائريين أو بربراً أو عرباً، ويشير إليهم أحياناً كأتراك ومصريين. وأحسن دليل على عدم وضوحه وصفه المشوّش للبغاء (1).

يمضي «بيتز» في وصف قافلة الحجاج، وهو ينتقل بمعيّة سيده من القاهرة إلى السويس، ومنها أبحرا إلى مرفإ صغير بين ينبع وجدّة، واستخدما الجِمال مجدداً للوصول إلى مكّة المكرمة. ودامت اقامتهما هناك شهرين، وكان «بيتز» يرافق معلمه كل يوم، في جولة حول المدينة، ويسجّل في ذهنه صور المباني وعادات الأهالي والطقوس الدينية. وكان الجهد الذي بذله لتسجيل كلّ هذه التفاصيل مميزاً، وكذلك عندما دوّنها في كتابه الشهير (2):

مكّة كما يصفها بيتز

كتب جوزيف بيتز مذكرات تفصيلية عن سفرته إلى مكّة، وصف فيها البلدة وأماكنها، كما وصف المسجد الحرام والكعبة ومناسك الحج كلها، وليس من الممكن بطبيعة الحال أن نورد هنا جميع ما كتب عن ذلك، وإنما نورد نماذج منتخبة ممّا كتب. فهو يقول عن أول وصوله إلى مكّة:

«... وحالما وصلنا إلى مكّة المكرّمة سار بنا الدليل في الشارع الكبير الذي يقع في وسطها، ويؤدّي إلى المسجد الحرام (يسميه المعبد)، وبعد أن أنخنا ذلولنا، كان أول ما أخذنا الدليل إليه البركة؛ لنقوم بعملية الوضوء، وعند ذلك جاء بنا إلى الحرم الشريف فخلعنا أحذيتنا، وتركناها عند الكيشوان، ثم دخلنا من باب السلام. وبعد أن سرنا خطوات معدودة، وقف بنا الدليل ورفع يده للدعاء، وأخذ


1- 1 صورة العرب في الصحافة البريطانية؛ م. س: 32.
2- 2 صحيفة الحياة؛ م. س.

ص: 179

يرتل بعض الجمل الدينية، فقلده الحجاج وكرروا ما كان يقوله. وما ان وقع نظر الحجاج على بيت اللَّه الحرام (يقصد الكعبة) في الداخل حتى انهمرت الدموع في أعينهم بغزارة، وقادنا الدليل إليه في الوقت الذي كنا ما نزال نكرر ما يقول من الأدعية والجمل الدينية. وقد أعقبنا ذلك بالطواف سبع مرّات من حوله، وبالصلاة ركعتين من بعد ذلك، وبعد الانتهاء من كل هذا أخذنا الدليل إلى الشارع من جديد حيث كان علينا أن نهرول أو نركض من مكان في الشارع إلى آخر (بين الصفا والمروة) فنقطع مسافة لا تزيد على رمية سهم. وإني اعترف بأنني لم يكن بوسعي سوى أن أعجب بهؤلاء المساكين الذين يخلصون إلى آخر حد في تأدية مثل هذه (الخرافات)، وأقدّر شعورهم حينما ألاحظ مقدار ما ينتابهم من الرهبة والارتعاش. والحق أنني لم أتمالك نفسي من البكاء وإرسال الدموع حينما رأيت حماستهم المتناهية في العقيدة، برغم ما فيها من وثنية (كذا)، ومع كونهم يؤدونها على العميا (1)....

أمّا فيما يتعلّق بالحجر الأسود، فلقد كانت لديه فكرة غريبة عنه، مع أنه يبدو وقد طاف حول الكعبة، إذ يقول: «هنالك في إحدى زوايا هذا البيت حجر أسود ثُبّت في إطار من الفضة، وكلما اقترب أحد من الزاوية، عليه أن يقبّل ذلك الحجر، ويقولون: إن هذا الحجر كان لونه أبيض سابقاً، ولكنه بسبب ذنوب وخطايا الحجاج، الذين يقبلونه تحوّل لونه إلى الأسود». ثم يقول: «إنه لم يعتقد بصحة ذلك التحذير الذي وُجّه إليه. وهو أن الإنسان ربما أصيب بالعمى إذا نظر حوله وهو في البيت الحرام، وهو يقول: إن هذه القصة غير صحيحة، ثم قرر أن ينظر حوله، ولكنه لم يحدّق النظر كثيراً، بل كان يُلقي نظرة من آن لآخر (2).

ويصف «بيتز» مكة فيقول: إنها بلدة تقع في وادٍ غير ذي زرع، أو في وسط عدّة جبال صغيرة. وهي غير عصيمة؛ لأنها ليس لها أسوار ولا أبواب... على أن البلدة محاطة لعدّة أميال بآلاف عدّة من التلال والجبال الصغيرة، التي تتقارب


1- 1 موسوعة العتبات المقدسة؛ م. س: 256.
2- 2 بيتر برينت: «بلاد العرب القاصية: رحلات المستشرقين إلى بلاد العرب» ترجمة خالد أسعد عيسى وأحمد غسّان سبانو، دار قتيبة، بيروت/ دمشق، 1411 ه- 1990 م، ص: 78.

ص: 180

بعضها إلى بعض حد التقارب. وكلها أحجار صخرية ميّالة إلى السواد في لونها...

وهناك فوق قمّة أحدها غار مشهور يسمى غار حرّاء، كان النبي محمّد يعتزل فيه فيستغرق في عبادته وتأملاته وصومه. وقد ذهبت إليه فلم أجد أن يد التجميل قد مسّته مطلقاً، فاعجبت جد الاعجاب بذلك (1).

ثم يقدّم لنا «بيتز» انطباعاته حول مكة، فيقول: إنه لم يجد فيها شيئاً مثيراً أو مبهجاً. ولم يعجبه سكان مكة أيضاً (2) فهم فقراء ميالون إلى النحافة والهزال، وسمر في لونهم (3) ولكنه قضى وقتاً في وصفهم ووصف الحجاج، ثم استرعى انتباهه أولئك المتصوفون (الدراويش) الذين يعيشون حياة الزهد والتنسّك ويسافرون من أدنى البلاد إلى أقصاها كالرهبان المتسولين، وهم يعيشون على صدقات الآخرين، يلبس الواحد منهم قفطاناً أبيض طولًا وقبعة طويلة بيضاء (مثل بعض فئات الرهبان المسيحيين) وعلى ظهر الواحد منهم جلد ضأن أو ماعز يرقد عليه، وفي يده يحمل عصا طويلة. وهنالك كثير من الأتراك يتبعون مثل هذه الحياة (4).

ويقول «بيتز» كذلك: إن مكة كان فيها ماء كثير، لكنها خالية من العشب والزرع إلّافي بعض الأماكن. على أنه وجد فيها عدّة أنواع من الفواكه ميسورة للناس مثل العنب والبطيخ والرقي والخيار والقرع وما أشبه. وهذه يُؤتى بها في العادة من مكان يقع على مسيرة يومين أو ثلاثة، يسمى «حباش» (؟) ولعله يقصد بذلك الطائف.

ثم يذكر خلال وصفه للحج ومناسكه أن سلطان مكة (أي الشريف) الذي ينحدر من نسل النبي محمد صلى الله عليه و آله لا يعتقد بأن غيره جدير بتنظيف البيت وتطهيره، ولذلك يقوم هو شخصيّاً والاثيرون عنده من رجاله بغسله بماء زمزم المقدس، ثم بالماء المطيّب المعطّر. وحينما يقومون بهذه العملية ترفع السلالم التي تؤدّي إلى بيت اللَّه، ولذلك يحتشد الناس تحت الباب ليدفع ماء الغسيل عليهم حتى يتبللوا به


1- 1 موسوعة العتبات المقدسة؛ م. س: 256- 257.
2- 2 بلاد العرب القاصية؛ م. س.
3- 3 موسوعة العتبات المقدسة؛ م. س.
4- 4 بلاد العرب القاصية؛ م. س.

ص: 181

من الرأس إلى القدم. ثم تقطع المكانس التي يكنس بها البيت المقدس قطعاً صغيرة، وترمى عليهم فيتلاقفونها، ومن يفز بقطعة منها يحتفظ بها كأثر مقدّس لديه (؟). ويتطرق بعد ذلك إلى ذكر الكسوة ووصفها كالمعتاد (1).

وأخيراً يصدر حكمه النهائي على تلك المدينة وعلى شعبها فيقول: «مع أن هذا البلد (مكة) يعتبر من الأماكن المقدسة، إلّاانني لا أعتبره مقدساً لكثرة ما فيه من الفسق والانغماس في الملذات. أمّا بالنسبة للأخلاق فهو مساوٍ للقاهرة العظيمة، فهم من الممكن أن يسرقوا الحرم الشريف نفسه (2).

وعلى هذا المنوال، ورغم تظاهره بالأمانة العلمية، فانه يطلق تعميماته الواسعة، التي لا تخلو من الدس والعشوائية.

المدينة المنوّرة

وبعد أن غادر بيتز مكة المكرّمة، طفق يصف تكوين القافلة المتوجهة صوب المدينة المنورة، مع تركيز على بعض التفصيلات التي لا تخلو من تشويه، وبخاصة حينما يتحدث عن الأخطار التي واجهها الحجاج، بعد دخول الصحراء، وما يتعرضون له من قطّاع الطرق البدو...

ثم يقول: «وبعد اليوم العاشر من هذه الرحلة اليسيرة من مكة ندخل إلى المدينة المنورة. ولكن هذه المدينة صغيرة وفقيرة، ومع ذلك فهي محاطة بسور، وفيها مسجد عظيم، ولكنه ليس عظيماً كمسجد مكة» (3).

وعن سور المدينة المنورة ومسجدها يعتقد «بيتز» أن هذا السور قد بُني ما بين سنتي 1503- 1680 م. وفي زاوية من زوايا المسجد بناء يشغل خمس عشرة خطوة مربعة، فيه شبابيك كبيرة مشبكة بالنحاس الأصفر. وفي داخله بعض المصابيح المعلقة والأعلاق النفيسة. وليس هناك ذلك العدد الكبير من المصابيح الذي كتب بعضهم يقول: إنها تبلغ ثلاثة آلاف في عددها. وفي وسط هذا المكان يوجد قبر محمد، وهنا يتجاوز على النبي الأعظم ويسميه (دعيّاً). ثم يصف


1- 1 موسوعة العتبات المقدسة: م. س.
2- 2 بلاد العرب القاصية؛ م. س: 79.
3- 3 المرجع نفسه: 80.

ص: 182

الستائر، ويشير إلى ما كان يتردد في هذا الشأن من الخرافة، التي تقول: إن الجدث الطاهر يشاهد وهو في تابوته معلقاً بين السقف والأرض. ويشير إلى البقعة المعدّة للمسيح عيسى بن مريم، ثم يقول: إن المدينة تتزوّد بجميع ما تحتاجه من الحبشة الكائنة في الجهة المقابلة من البحر الأحمر (1).

بقي أن نعلم، أن «جوزيف بيتز» قد اعتقه سيّده الجزائري وأخلى سبيله، وبذا وفى بوعده وأطلق سراحه، عند نهاية زيارتهما لمكّة المكرّمة (2) لكنه بقي يعيش مع سيّده ويخدمه لقاء اجور حتى عاد إلى الجزائر.

الهروب... والعودة

أمضى «بيتز» بعض الوقت في الجزائر، وعند ذاك أخذ يفكّر في الهرب والعودة إلى بلاده الأصليّة. فاستطاع التسلل إلى سفينة من السفن المتوجهة إلى استانبول، بعد أن أخذ معه كتاب توصية من المستر «بيكر» القنصل الانكليزي في الجزائر يومذاك إلى قنصل انكلترا في أزمير المستر «ري». ومع أن الحنين الى الجزائر قد عاوده في أزمير، وصار يفكّر في العودة واستئناف الحياة فيها كرجل مسلم، فقد استقلّ باخرة فرنسية متوجهة إلى ليغهورن في ايطاليا، بعد أن دفع ثمن التذكرة عنه تاجر انكليزي كان يقيم في أزمير يدعى المستر «أيليوت». وممّا يدلّ على مقدار تعصّب «بيتز» للمسيحية واحتفاظه بعقيدته فيها، رغم جميع ما أصابه


1- 1 من تقلبات وذكره العياشي في تفسيره 1: 187.
2- 2 تفسير القمي 2: 83، بلا إسناد إلى حجة معصوم، وسبقه الأزرقي ت 244 ه في أخبار مكّة 2: 30 عن أبي سعيد الخُدري عن عبداللَّه بن سلام، والفاكهي ت 272 ه 1: 448 عن مجاهد عن ابن عباس: أن حجر المقام لما صعد عليه إبراهيم عليه السلام للأذان بالحج تطاول حتى كان كأطول جبلٍ من الجبال، فنادى: يا أيها الناس أجيبوا ربّكم. ورواه عبد الرزاق الصنعاني ت 211 ه في المصنّف 5: 97، والمحبّ الطبري ت 694 ه في القِرى لقاصد أمّ القرى: 60، وابن حجر ت 852 ه في فتح الباري 6: 604 بحديث عثمان قال: لما فرغ ابراهيم من بناء الكعبة جاء جبرئيل فأراه المناسك كلها فقام إبراهيم على المقام فقال: يا أيها الناس أجيبوا ربّكم. ورواها السيوطي في الدر المنثور 1: 119 بل وجلّ المفسّرين للآية 27 من سورة الحج: «وأذن في الناس بالحج». فيما روى البخاري في صحيحه 6: 398 عن ابن عباس عنه صلى الله عليه و آله قال: جعل إسماعيل يأتي بالحجارة وإبراهيم يبني، حتى إذا ارتفع البناء جاء بهذا الحجر فوضعه له فقام عليه وإسماعيل يناوله الحجر. وروى الأزرقي في أخبار مكة 2: 32 عن ابن عباس أيضاً قال: فلمّا ارتفع البنيان وشق على الشيخ تناوله قرّب له إسماعيل هذا الحجر فكان يقوم عليه ويبني ويحوّله في نواحي البيت حتى انتهى إلى وجه البيت ... فذلك مقام إبراهيم. وروى هاتين الروايتين عن ابن عباس سائد بكداش في كتابه في فضل الحجر الأسود ومقام ابراهيم: 94، 95، وفي 96 و 99 قال: ولا مانع من تكرر صعوده على المقام للبناء وللنداء. وقد مرّ خبر القمي: أن الصعود على المقام كان للنداء لا للبناء، وأنه ارتفع حتى كان أطول من الجبال كذلك للنداء، لا للبناء كما اشتهر عند مؤرخي مكّة المتأخرين: أن المقام تطاول وعلا في السماء للبناء، وأقدم من ذكره ابو حيان التوحيدي ت 745 ه في تفسيره البحر المحيط 3: 7 كما في كتاب سائد بكداش: 97.

ص: 183

ومارسه من تجارب، ولكن هذه القصص لم تصبح جزءاً من التراث الشعبي في الغرب بالنسبة إلى بلاد العرب، وقد نسيها معظم الخبراء (1) فقد أصبحت معرفة أحوال تلك البلاد متوافرة، وطغت على تلك القصص، ومع ذلك فلا شك في أن صراحة تلك المعلومات ساعدت على تفهّم الشعب البريطاني والغرب لتلك الشؤون العربيّة، التي كانت تتسم بها تلك البلاد في تلك الأيام. فالمدن والقفار التي وصفها لم يكن من السهل للرحالة الأوروپي العادي الوصول إليها. إذ كانت تلك المناطق أماكن مغلقة بالنسبة للغرب بسبب (التعصّب) الديني- على حد زعم الكاتب الغربي بيتز برينت- وسلطة الامبراطورية العثمانية، ولهذا نرى أن قصّة «جوزيف بيتز» البسيطة الصريحة يجب أن تكون قد ظهرت ولمعت بضوء سحري لا يقل روعة عن قصص مانديفيل Mandeille الخرافيّة عن البلدان التي تحكمها الوحوش.

ما تجدر الاشارة اليه أن الرحالة البريطاني «رتشارد بورتون» قد أعاد نشر مذكرات بيتز هذا ضمن ملاحق رحلته المشهوره: «الحج إلى المدينة ومكّة» (1855- 1856) (2).

وتكمن أهميّة رحلة بيتز في أنها أول محاولة قام بها انكليزي، تتضمن وصفاً مفصلًا عن مدينة مكّة المكرّمة وموسم الحج، وعلى وصف أيضاً لمدينة الجزائر وضواحيها ولمدينتي الاسكندرية والقاهرة.

هل كانت هناك مهمّة سرّية؟

ومهما قيل حول الرحلة من إطراء، وخاصة في الغرب وفي الأجواء المتأثرة به (3)، فإن ذلك لا يقلل من أهمية علامات الاستفهام المثارة حول الكثير ممّا ورد في الرحلة، من معلومات أو انطباعات. فإضافة إلى ما تقدّم من تحفّظات، وردت في ثنايا الحديث، لا نعدم من يشكك في صحة بعض المعلومات التي ذكرها «بيتز»، إن لم يكذّبها، وهذا الباحث البريطاني «بيتز برينت» يؤكّد أن بعضاً من كلام


1- 1 ورغم ذلك، فان الكتب القديمة ما تزال تثير اهتمام هواة الجمع، وقد بيع كتاب جوزيف بيتر، في لندن عام 1993، بمبلغ وصل 2250 جنيها استرلينياً، في حين قُدّر ثمنه بين 300- 400 جنيه استرليني، وقد تنافست على شراء طبعته الأولى 1704 م ثلاث مؤسسات تتعامل بالكتب القديمة، وبعد مزادات عدّة حصلت مؤسسة «فوليوز» على الكتاب.
2- 2 قام برتون برحلته عام 1853 م، وعند عودته نشر كتاباً تحت هذا العنوان:. .hacceM anidaM lA ot egamirgliP E drahciR notraB
3- 3 للأسف، نجد أن الكثير يأخذ كلام المستشرقين والرحالة حول الشرق أخذ المسلّمات، دون وعي لما ينطوي عليه كلامهم من دس وافتراء تارة وتشويه مقصود أحياناً أخرى.

ص: 184

«بيتز» هو «قول مبني على الرغبة لا على الحقيقة، إن لم يكن كاذباً زائفاً ريائيّاً» (1).

وعلى طريقة: «شهد شاهد من أهلها»، فإن انطباعاً سلبيّاً يقفز لدى كلّ منصف يبتغي الحقيقة والموضوعية، حينما يطالعه عنوان كتاب بيتز: «وصف أمين لديانة وأخلاق المحمديين». فالأمانة قد خانت هذا الأوروپي المسكون بهواجس العبودية والأسر، في الكثير من محطات الكتاب، ثم إن اطلاق اسم المحمديين على المسلمين هو في الواقع تسمية خاطئة وتشبيه خاطئ بالمسيحيين والمسيحية. إنّ النبيَّ محمداً صلى الله عليه و آله لم يزعم لنفسه الالوهية بل ولا حتى موهبة العلم بالغيب أو صنع المعجزات. على العكس فقد جزم طيلة حياته وباطراد أنه إنسان فان. لذا فإن اسم الدين بالنسبة لمعتنقيه هو الإسلام لا المحمدية، والمؤمن برسالة محمد صلى الله عليه و آله لا يسمّي نفسه محمديّاً بل مسلماً (2).

وفي هذا السياق، فان من الواضح- والفاضح معاً- انتماء آراء بيتز إلى عالم التحيّز، الذي كان سائداً، وما يزال، في الوسط الغربي حيال الشرق، والمشرق الاسلامي بالذات، وعلى حد قول ادوارد سعيد؛ كان كلّ رحالة أو مقيم أوروپي في الشرق، وما يزال، مضطراً إلى أن يحمي نفسه من تأثيرات الشرق المقلقة (3).

وهذا ما يدعونا إلى طرح تساؤل خطير: هل كان الكتاب من وحي أفكار بيتز الخاصة؟ وتتأتى أهمية هذا التساؤل حينما نعلم أن «بيتز» عاش في أسر العبودية منذ كان عمره 15 سنة، فكيف تسنّى له تثقيف نفسه واعدادها، خاصة وأنه عانى حقبة مريرة من المعاناة والاضطهاد من سيّده الأول الذي اتسم بالفظاظة والعربدة، كما يعترف «بيتز» نفسه...؟!

وبعبارة أخرى؛ لو تلقّى «بيتز»، كغيره من معظم الرحالة الذين جابوا المشرق الاسلامي، الحد الأدنى من أسلحة المعرفة المطلوبة لكلّ ذي مهمة خطيرة، كاختراق الديار المقدسة في الحجاز، لكانت محاولته أمراً طبيعياً وغير


1- 1 بلاد العرب القاصية؛ م. س.
2- 2 صورة العرب في الصحافة البريطانية؛ م. س: 47 هامش 107.
3- 3 الاستشراق؛ م. س: 182.

ص: 185

ملفت للانتباه، باعتبارها تأتي ضمن سياقاتها الموضوعية، أمّا أن يُقدم شاب لم يتلقَ أيّ نصيب في مدارج المعرفة، وكلّ مالديه من زاد أنه كان مولعاً بالمغامرة والأسفار فقط، فكيف أقدم على تسجيل وقائع تجربته، حتى إنه «لم ينسَ أي شي ء، في تلك الظروف التي أحاطت به، فهو يتذكر الحجوم والأطوال والأرقام وعدد الأبواب والبوابات ويلاحظ الدوامات والجريان أثناء الطواف حول الكعبة» كما يقول «برينت»؟ (1).

إن قراءة واعية لما بين السطور المتقدمة تقودنا إلى التوجّس من هذا الاهتمام الدقيق الذي أبداه «بيتز»، ممّا يشير إلى أن هناك احتمالًا كبيراً وراجحاً بوجود مهمّة مكلّف بها من جهة معينة، تحرص على سبر غور الديار المقدّسة التي كانت مغلقة بوجه دوائر الغرب.

ولا يطول بنا المقام، لكي نوجه أصابع الاتهام صوب القنصل البريطاني في الجزائر «بيكر» الذي ساهم في عمليّة تهريبه إلى أوروپا عبر أزمير. وهذا التكليف لم يكن مستغرباً أبداً، وهناك عشرات الأدلّة على شواهد مماثلة.

وما يعزّز هذا التشكيك أن «بيتز» نفسه قد أشار في مقدمة رحلته إلى ملاحظة، وكأنه يدفع تهمة عنه إذ يقول: «قد يظهر للبعض أنني وقح في وضع هذا الكتاب الصغير.. وأنا لا أدعي أن لدي القدرات المطلوبة من شخص لكتابة تاريخ كهذا»، ولكنه يضيف قائلًا: إنه «يملك أفضل المؤهلات فيما يتعلّق بالحقيقة» (2).

ولسنا ندري ما هي تلك المؤهلات التي كان يتمتع بها «بيتز»، اللهم إلّاأنه ظل وفيّاً حتى آخر لحظة إلى نصرانيته وبريطانيته، وربما يشير، من طرف خفي، إلى مهمته الموكولة إليه، ولم يكن بيتز بدعاً في هذا الأمر بل هو الدفعة الثابته التي طبعت جلّ الجهود الغربية، إن لم يكن كلها قاطبة، في هذا الاتجاه. بما فيها حركة الاستشراق التي تباهت ردحاً طويلًا من الزمن بالعلميّة المجردة والمنهجية العارية.

وهذا ما دعا ادوارد سعيد إلى توجيه الاتهام القوى إلى الاستشراق، ولم يكتف


1- 1 بلاد العرب القاصية؛ م. س: 79.
2- 2 صحيفة الحياة؛ م. س.

ص: 186

بالتأكيد على وصف المستشرق بأنه وكيل لحكومته ليس واضح الدلالة فحسب، بل هو مذهل كذلك: «يمكن اعتبار المستشرق كوكيل خاص لدولة غربيّة عند محاولتها تطبيق سياسة معيّنة حيال المشرق. إنّ أي رحالة أوروپي متعلم (أوليس كذلك تماماً) يتجوّل في المشرق يشعر بأنه رجل غربي نموذجي قد سبر غور ما هو غامض من الأمور» (1).

على أنه لا يمكن فهم دور بيتز وأضرابه فهماً واضحاً من دون فهم خلفيّة المرحلة أو طبيعة الظرف التي كان يتحرّك فيها أو اللاحقة لها، ومع أن هذا خارج نطاق البحث، إلّاأن الإشارة السريعة إليه أمر ذو أهمية، خاصة فيما يتعلق بقضية التوغّل الغربي في ديار المشرق الإسلامي، وداخل شبه الجزيرة العربية تحديداً.

ما بعد بيتز

بعد «بيتز» قامت عدّة بعثات بالتوغّل داخل شبه الجزيرة العربيّة، وجميعها انحصرت تقريباً في الجنوب الغربي، وأشهرها بعثة الرجلين الفرنسيين «وي لاجر بلود ير» و «باربير». ولكن بعد مغادرتهما المنطقة أتت فترة يمكننا أن نسميها نهاية تلك الفترة الطوعية للاستكشافات في شبه الجزيرة العربيّة. وباستثناء «فارتيما»... لم يُعرف عن ذهاب أي شخص إلى بلاد العرب رغبةً في معرفة شي ء عن تلك المنطقة، أو ذلك الشعب، فقد كانوا يأتون بالقوة كعبيد أو عن طريق الدبلوماسية أو التجارة. ولم يحدث أن اهتموا بما حولهم وكتبوا شيئاً عمّا رأوه، ذلك لأن اهتماماتهم العامة بما حولهم لم تكن إلّاعملًا إضافيّاً يزيد على نواياهم الخاصة، فلم يكن سفرهم إلى تلك البلاد لتحليل المجتمع الذي يسكنها، ولكن بعد ذلك حدث التغيير، ابتداءً من منتصف القرن الثامن عشر فصاعداً، وعلى الأقل حتى الحرب العالمية الأولى، أصبح جميع أولئك الذين كتبوا بشكل فعّال عن جزيرة العرب يفعلون ذلك لإعطاء وصف لها، لأن هذا الوصف من عملهم الخاص (2).

وعليه، فإننا نستطيع القول أن حقبة كلّ من «فارتيما» و «بيتز» كانت تمثّل


1- 1 صورة العرب في الصحافة البريطانية؛ م. س: 34 هامش 60.
2- 2 بلاد العرب القاصية؛ م. س: 81.

ص: 187

مرحلة التوثّب الاستعماري، لتلحقها بعد فترة وجيزة مرحلة التوسّع الاستعماري، التي حددها «برينت» ما بين منتصف القرن الثامن عشر وحتى الحرب العالمية الأولى.

والدليل على ذلك أن البعثات الغربيّة قد تقاطرت على المنطقة بشكل مكثّف ومثير للدهشة. وإلى هذا أشار المستر هوغارث، حينما لخّص أسماء الأوروپيين الذين زاروا الأراضي المقدسة إذ قال: «إن قائمة الأوروپيين الذين زاروا مكّة هي قائمة طويلة في الحقيقة. فمنهم الايطاليون مثل: فارتيما وفيناتي، والألمان مثل:

فايلدوستيزن وفون مالتزان، والانكليز مثل: بيتز وبورتون وكين، والسويسريون مثل: بوخارت، والأسبان مثل: باديا، والسويد مثل والين، والهولنديون مثل هورغونيه، والفرنسيون مثل كوتر نلمونت.

وإلى جانب هؤلاء، هناك عدد من المحاربين والمغامرين، وقد سمع الرحالة نيبور بجرّاح فرنسي تمكن من الدخول إلى الأراضي المقدسة، وبرجلين انكليزيين أيضاً. وطرق سمع الرحالة «دوتي» أن عدداً من الإفرنج دخلوا إليها كذلك، وصادف هو بالذات رجلًا ايطالياً يسمّي نفسه فراري كان في طريقه إلى مكّة المكرّمة مع قافلة الحج الايرانية. ووجد جوزيف بيتز رجلًا ايرلندياً في المدينة، كما يقول الرحالة مالتزان أن ليون روش القنصل الفرنسي في تونس حجّ إلى مكّة وزار المدينة، وكذلك فعل رجل من البحارة الانكليز. هذا فضلًا عن عدد من الأوروپيين المشارقة مثل اليونان» (1).

ولا ريب في أن هذه القائمة للنماذج المعروفة، وما خفي أعظم، لم يكن همّ أصحابها الاستجمام أو المغامرة، بل هناك مهمّات خطيرة قد أوكلت إليهم، في ظلّ تنافس محموم كانت تتسابق إليه دوائر الغرب بحثاً عن موطئ قدم في هذا الشرق، الذي أُريد له أن يرزح تحت السيطرة الاستعمارية.

وعلى هذا الأساس، فإن الرحالة الذي رأيناه خلال القرنين السادس عشر


1- 1 موسوعة العتبات المقدسة؛ 3: 241.

ص: 188

والسابع عشر، قد اختفى وحلّ محله المستكشف الذي مهما بلغ به حبّ المغامرة والجرأة، إلّاأنه يرى ويعدّ وصف تلك البلاد جزءاً من مهمته الأصلية، وذلك بأن يكتب وصفاً دقيقاً لما رآه ومارسه، وما قاساه أحياناً في تلك البلاد (1).

ونستطيع أن نقول بايجاز: إنه في نهاية القرن السابع عشر وبداية القرن الثامن عشر، كانت قد توفرت لدى الغربيين المعلومات الأساسية عن شبه جزيرة العرب: عن المدينتين المقدستين، واليمن، والبدو.

كما أن من الواضح أن «دي فارتيما» وحده كان، حتى هذا التاريخ، هو الرائد، أما الآخرون فلم يكونوا سوى روّاد مصادفة.

ومنذ القرن الثامن عشر بدأ في تاريخ الريادة إلى شبه جزيرة العرب ما يمكن أن يسمّى بالريادة الحقيقية، بكلّ ما في الكلمة من معنى، وروّاد هذه الفترة أهدافهم متعددة متباينة، فبعضهم أغراضهم سياسية، وبعضهم الآخر هم من عشّاق المغامرات (2) بيد أن صراع الإرادات الذي احتدم في الشرق بشكل عنيف، منذ أو أن وطأت سنابك خيوك نابليون باحات الأزهر، قد وظّف جميع تلك الأغراض في بوتقة واحدة؛ لاختراق الشرق وتدجينه... واستلابه.

الهوامش:

من الآيات البيّنات: مقام إبراهيم عليه السلام


1- 1 بلاد العرب القاصية: 81.
2- 2 مراجعات حول العروبة والإسلام واوروپا؛ م. س: 120.

ص: 189

ص: 190

ص: 191

من الآيات البيّنات: مقام إبراهيم عليه السلام

محمّد هادى اليوسفي الغروي

وصف المقام

«لقد وجدنا حجر مقام إبراهيم الخليل عليه السلام مُثبَتاً فوق قاعدة صغيرة من الرّخام المرمر، بقدر قياس نفس المقام الشريف طولًا وعرضاً، وأما ارتفاعها فثلاثة عشر سنتيمتراً. وأما مقام إبراهيم عليه السلام: فهو حجر لونه ما بين الحمرة إلى الصفرة بل أقرب إلى البياض، يشبه المكعّب، ارتفاعه عشرون سنتيمتراً، وطول كل ضلع من أضلاعه الثلاثة من جهة سطحه ستة وثلاثون سنتيمتراً بزيادة سنتيمين في الضلع الرابع، فمحيطه 146 سنتيمتراً .. وهو ملبَّس بفضة خالصة لا يظهر منه إلّامعالم وهيئة القدمين، واضحة بيّنة لم تتغيّر ولم تتبدّل: طول كلّ واحدة من القدمين 27 سم، وعرضهما 14 سم من أعلى. وعمق إحداهما 10 سم والثانية 9 سم. وطولهما في عمقهما 22 سم وعرضهما 11 سم. وبينهما فاصل نحو 1 سم. وأما موضع العقَبين فلا يتّضح إلّالمن تأمل ودقّق النظر. وأما أثر أصابع القدمين فقد انمحى من مسح الناس له بأيديهم في طول الزمن» (1) أما اليوم فهو في مقصورة


1- 1 مقام إبراهيم للشيخ محمد طاهر الكردي المكي: 112- 114 ومشاهدته في سنة 1367 ه.

ص: 192

زجاجية عليها قبة صغيرة كرؤوس المنائر.

وقد جاء البياض فيه فيما رواه العيّاشي السمرقنديّ في تفسيره عن أبي جعفر الباقر عليه السلام قال: ثلاثة أحجار نزلت من الجنة: حَجر بني إسرائيل، ومقام إبراهيم عليه السلام والحجر الأسود، وكان أشدّ بياضاً من القراطيس فاسودّ من خطايا بني آدم (1).

مع ما رواه الصدوق في «علل الشرائع» بسنده عن ابن أبي يعفور قال: إن الصادق عليه السلام ذكر الحَجر فقال: لقد كان أشدّ بياضاً من اللَّبن: ثمّ قال: أما إنّ المقام كان بتلك المنزلة (2).

ووردت الحمرة فيه فيما رواه القطب الراوندي في «قصص الأنبياء»: أن آدم عليه السلام لما امر ببناء البيت ناداه جبل أبي قُبيس: يا آدم؛ إنّ لك عندي وديعة، فدفع إليه الحجر والمقام، وهما يومئذٍ ياقوتتان حمراوان (3).

وخبر الصدوق معتبر موثوق مسند مؤيّد بخبر العيّاشي، ولا تعارضهما مرفوعة القطب الراوندي، ولا مرفوعة الصدوق فيه عن وهب بن منبّه اليماني (عن ابن عباس) أنه ذكر الركن (الحجر الأسود) والمقام فقال: إنهما ياقوتتان من ياقوت الجنّة، انزلا فوضعاً على الصفا فأضاء نورهما لأهل الأرض ما بين المشرق والمغرب (4).

ولا مرفوعة الطبرسي في «مجمع البيان» عن عبد اللَّه بن عمرو (ابن العاص) عنه صلى الله عليه و آله قال: الركن (الحجر الأسود) والمقام ياقوتتان من ياقوت الجنّة، طمس اللَّه نورهما، ولولا أن اللَّه طمس نورهما لأضاءتا ما بين المشرق والمغرب (5) وهي بعكس السابقة في الاشراق.

كيف وُصف بأنه آية بيّنة؟

إذا كان حجر المقام من حجر الجنة فهو آية بالمعنى العام، من دون أن يكون آية خاصة ولا سيما أن يكون آية بيّنة، وإنّما ذلك لما رواه الكلينيّ في «فروع الكافي» عن علي بن إبراهيم القمي بإسناده عن ابن سنان قال:


1- 1 تفسير العيّاشي 1: 59 ح 92.
2- 2 علل الشرائع 2: 133 ط. دار الحجّة.
3- 3 قصص الأنبياء: 49.
4- 4 علل الشرائع 2: 132 ومن قبل في أخبار مكة للازرقي 1: 226 وكذلك للفاكهي 1: 94.
5- 5 مجمع البيان 1: 384، ولم يروه البخاري ولا مسلم وإن رواه على شرطه البيهقي في سننه 5: 75، والترمذي 3: 226، وعبدالرزاق في مصنفه 5: 39، والأزرقي 2: 29، والفاكهي 1: 440، وابن حَبّان في صحيحه 9: 24، وابن خُزيمة في صحيحه 4: 219.

ص: 193

سألت أبا عبداللَّه الصادق عليه السلام عن قول اللَّه عزّوجلّ: إنَ أول بيت وُضع لّلناس للذي ببكّة مباركاً وهدًى للعالمين فيه آيات بيّنات مقام إبراهيم ما هذه الآيات؟

قال عليه السلام: مقام إبراهيم حيث قام على الحَجَر فأثّرت فيه قدماه، والحَجر الأسود، ومنزل إسماعيل (1).

وخلا تفسير الآية في «تفسير القمي» من هذا الخبر.

وفي تفسيره لقوله سبحانه في سورة الحج: وأذّن في الناس بالحجّ يأتوك رجالًا وعلى كلّ ضامر يأتينَ من كلّ فجٍّ عميق قال: لما فرغ إبراهيم عليه السلام من بناء البيت أمره اللَّه أن يؤذّن في الناس بالحجّ، فقال: يا ربّ، وما يبلغ صوتي؟! فقال اللَّه:

أذِّن، عليك الأذان وعليّ البلاغ! فارتفع على هذه الصخرة وكانت يومئذٍ ملصقة بالبيت، فارتفعت حتى كانت أطول من الجبال، فأدخل اصبعيه في اذنيه، وأقبل ينادي ويقول ويحوّل وجهه شرقاً وغرباً:

- أيها الناس: كتب عليكم الحجّ إلى البيت العتيق فأجيبوا ربّكم!

فأجابوه مَن تحت البحور السبعة ومَن بين المشرق والمغرب إلى منقطع التراب من أطراف الأرض كلّها، ومَن في أصلاب الرجال وأرحام النساء: لبّيك اللهمّ لبّيك.

فمن حجّ من يومئذٍ إلى يوم القيامة فهم ممّن استجاب اللَّه ... يعني نداء إبراهيم على المقام بالحجّ (2).

ورواه الصدوق في «علل الشرائع» بإسناده عن سليمان بن خالد عن أبي عبداللَّه الصادق عليه السلام قال: لما أوحى اللَّه إلى إبراهيم عليه السلام: أن أذّن في الناس بالحجّ أخذ الحجر ... فوضعه بحذاء البيت لاصقاً به بحيال الموضع الذي هو فيه اليوم، ثمّ قام عليه فنادى بأعلى صوته بما أمره اللَّه تعالى به. فلما تكلّم بالكلام لم يحتمله الحجر فغرقت رجلاه فيه، فقلع إبراهيم عليه السلام رجليه من الحجر قلعاً (3).


1- 1 فروع الكافي 1: 227، ولم يذكر الخبر في تفسير القمي للآية، و ذكره العياشى فى تفسيرة 1: 187.
2- 2 فروع الكافي 1: 227، ولم يذكر الخبر في تفسير القمي للآية، و ذكره العياشى فى تفسيرة 1: 187.
3- 3 فروع الكافي 1: 227، ولم يذكر الخبر في تفسير القمي للآية، و ذكره العياشى فى تفسيرة 1: 187.

ص: 194

خبر آخر في أثر المقام:

رواه القطب الراوندي عن الصدوق أيضاً بسنده عن عُقبة عن أبي عبداللَّه الصادق عليه السلام قال: إنّ إبراهيم عليه السلام اشتاق إلى إسماعيل فأتاه وقد هلكت امه (هاجر) وأخذت عليه ساره أن لا ينزل حتى يرجع، فلم يوافق إسماعيل فقال لامرأته: أين زوجك؟ قالت: خرج للصيد عافاك اللَّه. فقال لها: كيف أنتم؟ فقالت: صالحون. قال:

وكيف حالك؟ قالت: حسنة وبخير. ثمّ قالت له: انزل يرحمك اللَّه حتى يأتي. فأبى، فلم تزل به تريده على النزل ويأبى (ولعله عرّفها بنفسه) فقالت له: أرى رأسك شعثاً فهل أجعل لك غَسولًا؟ فجعلت له غَسولًا ثم أدنت منه حجراً فوضع قدميه عليه فغسلت جانب رأسه، ثم انقلبت (إلى جانبه الآخر فرفع قدمه ووضع) قدمه الآخرى فغسلت الشقّ الآخر (ولم يأت اسماعيل) فقال لها: إذا جاء زوجك فقولي:

جاء شيخ هاهنا وهو يوصيك بعتبة بابك خيراً! ثمّ سلّم عليها (وانصرف راجعاً وقد بقى أثر قدميه في الحجر).

فلمّا أقبل إسماعيل وانتهى إلى الثنيّة وجد ريح أبيه! فقال لها: هل أتاك أحد؟

قالت: نعم، شيخ، وهذا أثر قدميه! فأكبّ على مقام أبيه يقبّله ... وفيه: إن إبراهيم كان يأتي من الحيرة إلى مكّة كلّ يوم! وفي خبر آخر فيه عن عبدالرحمان بن الحجاج مثله وفي آخره: قلت: كيف كان ذلك؟! قال عليه السلام: طويت له الأرض (1).

ولم نعثر عليهما فيما بأيدينا من كتب الصدوق ابن بابويه.

ورواه الطبرسيّ في «مجمع البيان» مرفوعاً عن ابن عباس، ثمّ قال: وقد روى هذه القصة بعينها علي بن إبراهيم القمي عن أبيه عن ابن أبي عُمير عن أبان عن الصادق عليه السلام (2) وكذلك لم نعثر عليه في تفسير القميّ ولا سائر أخباره، والقطب الراوندي (ت 573 ه) متعاقب للطبرسي (ت 548 ه) وإنما رواه القطب عن الصدوق بإسناده عن ابن أبي عمير عن أبان عن عُقبة عن الصادق عليه السلام، فلعلّه كان عن القمي عن أبيه عن ابن أبي عمير، وعليه فالطريق واحد، فالخبر واحد. ومُفاد


1- 1 قصص الأنبياء: 111، 112.
2- 2 مجمع البيان 1: 384، وهو ما حكاه الطوسي في التبيان 1: 453 عن السدي، والطبري في جامع البيان 1: 537، ثمّ الفخر الرازي في تفسيره 4: 53 ثم القرطبي في تفسيره 2: 113، ثمّ ابن كثير في تفسيره 1: 169، وذكر تضعيف سعيد بن جُبير للخبر.

ص: 195

الخبر متأخر زماناً عن الأخبار السابقة، فإنها أفادت أن الأثر في الحجر كان عند نداء إبراهيم للحجّ ثمّ حجّ مع ابنه إسماعيل وقرّبه للذبح وهو غلام لم يتزوّج بعد، وأمّه هاجر موجودة، وفي هذا الخبر أن إبراهيم عليه السلام أتاه وقد هلكت أمّه هاجر.

فأثر قدمي إبراهيم عليه السلام في الحجر كان سابقاً قبل سفره هذا، وتأثير قدميه اليوم تحصيل للحاصل الباطل.

وفي الخبر من الاستبعاد المضاعف- غير ما مرّ- أن إبراهيم عليه السلام كان يأتي كلّ يوم إلى مكة من الحيرة! ولا يشفع له الخبر الآخر عن عبدالرحمان بن الحجّاج، فهو لا يرفع الاستبعاد عن أسفاره كلّ يوم بل إنما عن سفرة واحدة؛ فلا يقول: كانت تطوى له الأرض، بل: طويت له الأرض، تعقيباً لقوله: إن إبراهيم عليه السلام استأذن سارة أن يزور إسماعيل بمكّة. ولو كانت أسفاره متكرّرة فلِمَ لَمْ تعرفه امرأة ابنه إلّاأنه شيخ، كما في الخبر؟! ثم إن لم تعرفه فكيف عرضت عليه أن تغسل رأسه وسوّغ لها ذلك ولم يستنكره منها؟!

والحيرة كلّ الحيرة في الحيرة في الخبر؟ إذ لم نعهد الحيرة إلّافي العراق، ولم نعهد إبراهيم يومئذٍ إلّافي الشام فأين الحيرة؟!

فكل هذا الاستبعاد يبعدنا عن التصديق بهذا الخبر بإزاء الأخبار السابقة الموثوقة.

وهل تغيّر موضعه ومحلّه؟

روى الكلينيّ في «فروع الكافي» والصدوق في «كتاب من لا يحضره الفقيه» بإسنادهما عن أبي جعفر الباقر عليه السلام قال: موضع المقام الذي وضعه إبراهيم عليه السلام عند جدار البيت، فلم يزل هناك حتى حوّله أهل الجاهلية إلى المكان الذي هو فيه اليوم.

فلمّا فتح النبيّ صلى الله عليه و آله مكّة ردّه إلى الموضع الذي وضعه فيه إبراهيم عليه السلام، فلم يزل هناك إلى أن ولي عمر بن الخطاب، فسأل الناس: مَن منكم يعرف المكان الذي كان فيه المقام؟! فقال رجل: أنا، قد كنت أخذت مقداره بنسع (/ قيد من جلد) فهو عندي!

ص: 196

فقال: ائتني به، فأتاه به، فقاسه ثم ردّه إلى ذلك المكان (1).

ومن قبل مرّ في خبره في «علل الشرائع» بإسناده عن سليمان بن خالد عن الصادق عليه السلام قال: أخذ إبراهيم عليه السلام الحجر فوضعه بحذاء البيت لاصقاً به بحيال الموضع الذي هو فيه اليوم. وفي آخره: فلما كثر الناس صاروا إلى الشرّ والبلاء ازدحموا عليه، فرأوا أن يضعوه في هذا الموضع الذي هو فيه اليوم ليخلو المطاف لمن يطوف بالبيت.

فلمّا بعث اللَّه عزّوجلّ محمداً صلى الله عليه و آله (وفتح مكة) ردّه إلى الموضع الذي وضعه فيه إبراهيم عليه السلام، فما زال فيه حتى قُبض رسول اللَّه صلى الله عليه و آله، وفي زمن أبي بكر وأول ولاية عمر، ثمّ قال عمر: قد ازدحم الناس على هذا المقام، فايّكم يعرف موضعه في الجاهلية؟!

فقال له رجل: أنا أخذت قدره بقيد! فقال له عمر: والقدر عندك؟ قال: نعم، قال: فاتني به، فأمر بالمقام فحُمل ورُدّ إلى الموضع الذي هو فيه الساعة (2).

وفي خبر آخر عنه عليه السلام قال: ما بين باب البيت إلى الركن العراقي هو الموضع الذي كان فيه مقام إبراهيم عليه السلام (3).

وروى ابن إدريس الحلي في «كتاب السرائر الحاوي لتحرير الفتاوي» عن «كتاب مسائل داود الحضرمي» قال: سألت أبا الحسن موسى بن جعفر الكاظم عليه السلام عن أفضل موضع للصلاة بمكة؟ فقال: عند مقام إبراهيم الأول، فإنه مقام إبراهيم وإسماعيل ومحمد صلى الله عليه و آله (4).

وروى السجستاني في «مسند عائشة» بسند عن هشام بن عروة (عن خالته عائشة) قال: (قالت): كان رسول اللَّه (بعد فتح مكة) يصلي إلى صقع البيت ليس بينه وبين البيت شي ء، وأبوبكر، وعمرصدراً من إمارته، ثمّ إنّ عمر ردّالناس إلى المقام (5).

تاريخ النقل ومناسبته:

وقال الإمام مالك في «المدوّنة الكبرى»: كان المقام ملصقاً بالبيت في عهد


1- 1 فروع الكافي 4: 223 ح 2، وكتاب من لا يحضره الفقيه 2: 158 ح 12.
2- 2 علل الشرائع 2: 128.
3- 3 بحار الأنوار 99: 231.
4- 4 كتاب السرائر.
5- 5 مسند عائشة: 82 ح 73، وانظر أخبار مكة للأزرقي 2: 30، والفاكهي 1: 442، والبيهقي في السنن الكبرى 5: 75، وابن حجر في فتح الباري 8: 169.

ص: 197

النبي صلى الله عليه و آله وعهد أبي بكر، وبلغني أن عمر بن الخطاب لما ولي وحج ودخل مكة آخّر المقام إلى موضعه الذي هو فيه اليوم (1).

وروى الفاكهي (ت 272 ه) في «أخبار مكة» بسند عن سعيد بن جُبير قال:

إنما قام إبراهيم عليه السلام على المقام حين ارتفع البنيان وأراد أن يشرف على البناء (ثم) كان في وجه الكعبة، فلمّا كثر الناس خشى عمر بن الخطاب أن يطؤوه بأقدامهم فأخرجه إلى موضعه هذا الذي هو به اليوم حذاء موضعه الذي كان به (2).

وروى ابن كثير في تفسيره عن إمام مكة عن سفيان بن عُيينة قال: كان المقام على عهد رسول اللَّه صلى الله عليه و آله في سقع البيت (/ لصيقاً به) وبعد نزول قوله تعالى:

واتّخذوا من مقام إبراهيم مصلّى وبعد النبيّ صلى الله عليه و آله حوّله عمر إلى مكانه هذا (3).

وروى ابن حجر في «فتح الباري» في حديث عثمان قال: كان إبراهيم عليه السلام يقوم على المقام يبني عليه ... وأخذه فجعله لاصقاً بالبيت (4).

وروى عبدالرزاق في مصنّفه عن مجاهد (عن ابن عباس) قال: أوّل من أخّر المقام إلى موضعه الآن عمر بن الخطاب.

وروى فيه عن ابن جريج عن عطاء (عن ابن عباس) قال: أول من نقله عمر ابن الخطاب (5).

ولم تخبرنا هذه الأخبار عن التاريخ الدقيق لنقل المقام، سوى ما فيها من أنه كان بعد صدر من إمارته أو أوّل ولاية عمر، ولم تذكر المناسبة.

وروى الأزرقي (ت 244 ه) عن التابعي ابن أبي مُليكة قال: ذهب السيل به في خلافة عمر، فجعل في وجه الكعبة حتى قدم عمر فردّه؟ (6)ورواه الفاكهي عن تابعيّ آخر هو عمرو بن دينار المكّي (7).

وروى الأزرقي عن حبيب بن أبي الأشرش قال: إن سيل أمّ نهشل احتمل المقام من مكانه ... فلمّا قدم عمر بن الخطاب سأل: من يعلم موضعه؟! فقال المطّلب ابن أبي وداعة: أنا يا أمير المؤمنين، قد كنت ذرعته وقدّرته بمقاط (/ بحبل) من


1- 1 تحفة المحتاج لابن حجر 4: 92 عن المدوّنة الكبرى للإمام مالك.
2- 2 أخبار مكة للفاكهي 1: 454.
3- 3 تفسير ابن كثير 1: 170.
4- 4 فتح الباري في شرح صحيح البخاري 6: 406.
5- 5 المصنّف لعبدالرزاق 5: 48 ونقله ابن حجر في فتح الباري وصحّحه 8: 169، وروى مثله البخاري في صحيحه والبيهقي في السنن بإسناد صحيح.
6- 6 أخبار مكة للأزرقي 2: 35.
7- 7 أخبار مكة للفاكهي 1: 445.

ص: 198

الحجر إليه ومن الركن إليه ومن وجه الكعبة إليه. فقال عمر: ائت به فجاء به فوضعه في موضعه هذا (1).

والخبر الأكثر تفصيلًا ما رواه الأزرقي بسنده إلى المطّلب بن الحارث السهمي من مسلمة الفتح قال: كانت تدخل السيول المسجد الحرام من باب بني شيبة الكبير حتى كان يقال له باب السيول، فربّما دفعت المقام عن موضعه ... حتى جاء سيل في خلافة عمر بن الخطاب ذهب بأمّ نهشل فسمّي بسيل أمّ نهشل بنت عبيدة ابن سعيد بن العاص فماتت، واحتمل المقام من موضعه ... فذهب به حتى وُجد بأسفل مكة، فاتي به فربُط في وجه الكعبة بأستارها. وكُتب في ذلك إلى عمر، فأقبل عمر فزعاً في شهر رمضان (17 أو 18 ه على ما في شفاء الغرام (2) أي في الخامسة من خلافته).

فدعا عمر بالناس فقال: أنشد اللَّه عبداً عنده علم في هذا المقام؟

قال المطّلب: فقلت: أنا يا أمير المؤمنين عندي ذلك ... أخذت قدره من موضعه إلى الركن، ومن موضعه إلى باب الحِجر، ومن موضعه إلى زمزم، بمِقاط (/ جبل) وهو عندي في البيت!

فقال لي عمر: فاجِلس عندي، وأرسَل إليها، فاتي بها، فمدّها إلى موضعه هذا وسأل الناس فقالوا: نعم هذا موضعه، فأمر به فاحكم بناء رُبضه (/ أساسه) تحته وحوله، فهو في مكانه هذا إلى اليوم (3).

هذا أكثر خبر تفصيلًا، ويؤرخ النقل بسيل أمّ نهشل، ويؤرّخه الفاسي في «شفاء الغرام» بالسنة 17 أو 18 ه أي في الخامسة من خلافة عمر، أي في أواخر الثلث الأول وأواخر الثلث الثاني من خلافته وليس أوّلها ولا صدرها.

وأنا أرى أفضل حلّ لهذا الإشكال مقال امام المكيين على عهده سفيان بن عيينة على ما نقله عنه ابن كثير في تفسيره عن ابن أبي حاتم عن سفيان قال: وبعد تحويل عمر اياه من موضعه هذا ذهب به السيل، فردّه عمر إليه (4) فهذا يوفّق بين


1- 1 أخبار مكة للأزرقي 2: 35.
2- 2 شفاء الغرام بأخبار البلد الحرام للفاسي 1: 209.
3- 3 أخبار مكة للأزرقي 2: 33.
4- 4 تفسير ابن كثير 1: 170، البقرة: 125.

ص: 199

الأمرين: بين أن يكون قد نقله في أول ولايته أو صدر إمارته وبين أن يكون ردّه بعد سيل أمّ نهشل في الخامسة من خلافته سنة 17 أو 18 كما في «شفاء الغرام».

ويؤيّده ما مرّ ذكره عن الإمام مالك في «المدوّنة الكبرى» حيث قال: كان المقام ملصقاً بالبيت في عهد النبيّ صلى الله عليه و آله وعهد أبي بكر، وبلغني أن عمر بن الخطاب لما ولي وحج ودخل مكة أخّر المقام إلى موضعه الذي هو فيه اليوم (1).

العلّة في تحويله من محلّه:

مرّ خبر الصدوق في «علل الشرائع» عن الصادق عليه السلام بشأن المقام، وكان عنوانه: علة تأثير قدمي إبراهيم عليه السلام في المقام، وعلة تحويل المقام من مكانه إلى حيث هو الساعة. وجاء فيه في علة تحويله من محله قوله عليه السلام: ثمّ قال عمر: قد ازدحم الناس على هذا المقام (2) وهذا هو الخبر الوحيد مما بأيدينا في تعليل تحويل المقام من محلّه.

ومرّ في خبر الفاكهي في «أخبار مكة» عن سعيد بن جُبير قال: فلمّا كثر الناس خشي عمر بن الخطّاب أن يطؤوه بأقدامهم فأخرجه إلى موضعه هذا الذي هو به اليوم (3).

ذكر هذا الخبر سائد بكداش في كتابه في فضل الحجر الأسود ومقام إبراهيم عليه السلام، وقال: ومن هذا الأثر عن ابن جبير أخذ ابن كثير ومن تابعه (ابن حجر) علة تأخير عمر للمقام (4).

وقال: قال ابن كثير (ت 774 ه) في بيان وجه تأخير عمر للمقام:

«وقد كان المقام ملتصقاً بجدار البيت حتى أخّره عمر بن الخطّاب في إمارته إلى ناحية الشرق؛ بحيث يتمكّن الطُوّاف منه ولا يشوّشون على المصلّين عنده بعد الطواف، فإن اللَّه قد أمرنا بالصلاة عنده» (5).

قال: وقد تابع الحافظ ابن حجر (ت 852 ه) في هذا الموضع من «فتح الباري» تابع ابن كثير متابعة تامة، فذكر كلامه وأدلّته، ولم يصرّح باسمه، وصاغ


1- 1 تحفة المحتاج لابن حجر 4: 92 عن المدوّنة الكبرى.
2- 2 علل الشرائع 2: 128.
3- 3 أخبار مكة للفاكهي 1: 454.
4- 4 فضل الحجر الأسود ومقام ابراهيم عليه السلام لسائد بكداش: 117.
5- 5 تفسير ابن كثير 1: 384.

ص: 200

علة تأخير عمر للمقام بما يلي:

قال: «وكان عمر رأى أن إبقاءه يلزمه التضييق على الطائفين أو المصلين، فوضعه في مكان يرتفع به الحرج، وتهيّأ له ذلك ... ولم تنكر الصحابة فعل عمر» (1).

وعلّق عليه يقول: وهذا يفيد أن موضع المقام الحالي هو اجتهاد من سيّدنا عمر بسبب زحمة الطائفين. ثمّ قال: وتعليل تأخير عمر للمقام بسبب زحمة الطائفين بعيد، فقد حجّ مع النبيّ صلى الله عليه و آله أكثر من مئة ألف صحابي، وهو عدد ضخم يجعل المقام قائماً بين الطائفين حتى ولو طاف منهم العشر أو أقل بكثير، ومع هذا لم يؤخّر النبيّ المقام (2).

ولعله لهذا لم يذكر سعيد بن جبير ما قاله ابن حجر: ان عمر رأى أن ابقاءه يستلزم التضييق على المصلين والطائفين فرفع الحرج برفعه، بل قال: لما كثر الناس خشي عمر بن الخطّاب أن يطؤوه بأقدامهم فأخرجه من موضعه إلى حيث هو اليوم.

وما حكم استلام المقام؟

روى الأزرقي عن ابن عباس قال: لما نزل آدم عليه السلام نزل بين الركن والمقام، وفي تلك الليلة انزل إلى جانبه الركن والمقام، فلمّا أصبح ورآهما عرفهما فضمّهما إليه (3).

وفيه عنه قال: إن الركن الأسود والمقام جوهرتان من جواهر الجنّة، ولولا ما مسّهما من أهل الشرك ما مسّهما ذو عاهة إلّاشفاه اللَّه (4).

وفيه بسند صحيح قال: لو لا ما مسّهما من خطايا بني آدم لأضاءا ما بين المشرق والمغرب، وما مسّهما من ذي عاهة ولا سقيم إلّاشُفي (5).

ورووا عن أنس بن مالك الأنصاري أن مسح الناس لأثر قدمي إبراهيم عليه السلام في المقام كان جارياً على عهده بلا نكير ولا مانع ولا رادع: فقد نقل ابن حجر في «فتح الباري» عن «الموَطَّأ» لابن وهب عن يونس عن ابن شهاب عن أنس قال:

رأيت أصابع قدمي إبراهيم وأخمصيهما في المقام، غير أنه أذهبه مسح الناس


1- 1 فتح الباري في شرح صحيح البخاري 8: 169.
2- 2 فضل الحجر الأسود ومقام إبراهيم، سائد بكداش: 119.
3- 3 أخبار مكة للأزرقي 1: 325.
4- 4 أخبار مكة للأزرقي 1: 322 و 2: 29 وهي مرفوعة.
5- 5 أخبار مكة للأزرقي 2: 29، والنووي في المجموع 8: 36، وقال: اسناده صحيح. ورواه البيهقي في السنن 5: 75.

ص: 201

بأيديهم (1).

نقل ذلك سائد بكداش في كتابه وقال: يظهر من أثر سيدنا أنس المتقدّم عن «الموطّأ» أن أثر الأصابع وأخمص القدمين كان ظاهراً لتأمّله، لكن كاد أن ينمحي بسبب مسح الناس له (2).

وكأنّ النكير على هذا المسح كان بعد ذلك على عهد التابعين: فقد روى الطبري في تفسيره «جامع البيان» في تفسير قوله سبحانه: واتّخذوا من مقام إبراهيم مصلّى عن قتادة قال: إنما أمروا أن يصلوا عنده ولم يؤمروا بمسحه، ولقد تكلّفت هذه الأمة شيئاً ممّا تكلّفته الأمم قبلها (؟!) ولقد ذكرنا بعض من رأى أثر عقبه وأصابعه فما زالت هذه الأمة يمسحونه حتى اخلولق وانمحى (3).

نقل هذا القول عن قتادة سائد بكداش في كتابه، وقد نقل قبله وبعده عن «مقام إبراهيم» للشيخ محمد طاهر الكردي المكي قال: ممّا هو جدير بالذكر والالتفات إليه: أن العرب في جاهليتها، مع عبادتهم الأحجار وبالأخص حجارة مكة والحرم، لم يُسمع عنهم أن أحداً منهم عبدَ الحجر الأسود أو المقام، مع عظيم احترامهم لهما ومحافظتهم عليهما. ولقد تأمّلنا في سرّ ذلك وسببه فظهر لنا: أن ذلك كان من عصمة اللَّه تعالى لهما، فإنهما لو عُبدا من دون اللَّه في الجاهلية ثم جاء الإسلام بتعظيمهما باستلام الركن الأسود والصلاة خلف المقام، لقال المنافقون وأعداء الإسلام: إن الإسلام أقرّ احترام بعض الأصنام! وإنه لم يخلص من شائبة الشرك، ولتمسّك بعبادتهما من كان يعبدهما من قبل، فلهذا حفظ اللَّه تعالى هذين الحجرين الكريمين من أيام إبراهيم عليه السلام إلى يومنا هذا وإلى ما شاء اللَّه (4).

فما هو وجه الشبه الذي أشار إليه قتادة بقوله: لقد تكلّفت هذه الأمة شيئاً ممّا تكلّفتْه الأمم قبلها؟! ما الذي تكلّفتْه أية أمة قبل الاسلام ممّا يُشبه استلام المقام؟! هذا وهو يقول: فما زالت هذه الأمة يمسحونه حتى اخلولق وانمحى أثر عقب إبراهيم وأصابعه، ولم يذكر أيّ نكير عليه من غيره، فلا أقل من دلالته على عدم


1- 1 فتح الباري 8: 169.
2- 2 فضل الحجر الأسود ومقام إبراهيم، سائد بكداش: 101.
3- 3 جامع البيان 1: 537، وأراه نقله عن الأزرقي في أخبار مكة 2: 29 ونقله ابن حجر في فتح الباري 8: 169 ولم ينكره.
4- 4 مقام إبراهيم للكردي: 107، وعنه في سائد بكداش: 53 و 132.

ص: 202

المنع بدون قصد الورود، ولا نقول بالندب. وقد استمر الناس على هذا حتى هذه الأواخر، كما ذكر الشيخ طاهر الكردي المكي قال: لم نشاهد أثراً لأصابع القدمين مطلقاً فقد انمحى من مسح الناس له بأيديهم في طول الزمان (1).

وهل يتيسّر تغيير محلّه للعلّة؟

وأخيراً نشر السماوي إبراهيم مقالًا في مجلة بعنوان: هل المناسب نقل مقام إبراهيم عليه السلام من مكانه؟! قال فيه: دعت الضرورة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب إلى أن يبعد المقام عن مكانه بجوار الكعبة إلى مكانه الحالي، وهي: كثرة الناس من الطائفين وخشيته من أن يطؤوه بأقدامهم. ثم قال: وهذه الضرورة متحققة في عصرنا بل هي اليوم أظهر منها في العهود السابقة، فهي داعية إلى اعادته إلى مكانه السابق للسبب ذاته، أو أنها داعية إلى إبعاده عن الكعبة بحذاء مكانه الحالي في صحن المطاف قرب المسعى.

وحيث إن في تقديمه إلى مكانه السابق قرب الكعبة خشية الزحام عنده فإبعاده أولى؛ إذ المترجّح أن المقصود بالمقام هو الحجر لا المكان المعيّن، والحجر يمكن نقله إلى مكان يحقق المصلحة للعامة، والتيسير على المسلمين ...

فمن المناسب أن يُعرض على كبار العلماء موضوع تحريك المقام من مكانه الحالي الذي يعرقل حركة سير الطائفين في مواسم العمرة والحج، إلى مكانه السابق في عهد النبيّ صلى الله عليه و آله وزمان خليفته أبي بكر، أو نقله إلى آخر صحن المطاف بحذاء مكانه الحالي.

هذا ما قاله واقترحه وعرضه ودعا إليه السماوي إبراهيم بشأن مكان مقام إبراهيم عليه السلام، من خلال مقال في المجلة.

وقد روى الكليني في «روضة الكافي» خطبة لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام قال فيها:

قد عملت الولاة قبلي أعمالًا خالفوا فيها رسول اللَّه صلى الله عليه و آله متعمّدين لخلافه،


1- 1 مقام إبراهيم للكردي: 113.

ص: 203

ناقضين لعهده، مغيّرين لسنّته. ولو حملت الناس على تركها وحولتها إلى موضعها وإلى ما كانت عليه على عهد رسول اللَّه صلى الله عليه و آله لتفرّق عنّي جُندي حتى أبقى وحدي!

ثمّ قال كمثال: أرأيتم لو أمرت بمقام إبراهيم عليه السلام فرددته إلى الموضع الذي وضعه فيه رسول اللَّه صلى الله عليه و آله ... إذاً لتفرّقوا عنّي (1).

ويظهر من هذا الخبر أنه عليه السلام كان يرى ما عمله الوالي قبله في ولايته من نقل المقام من مكانه بجوار البيت إلى حيث هو اليوم، عملًا خالف فيه رسولَ اللَّه متعمداً خلافه ناقضاً لعهده مغيّراً لسنّته! وإنما منعه عليه السلام أن يحوّل المقام مثلًا إلى موضعه الذي وضعه فيه رسولُ اللَّه صلى الله عليه و آله كما كانت على عهده، إنما منعه عن ذلك خشيته أن يتفرّق عنه جنده حتى يبقى وحده بلا ناصر ولا معين على أمر الدين، كما حكى اللَّه تعالى عن لسان هارون اعتذاراً لأخيه موسى عليهما السلام بعد عودته من ميقات ربّه:

... إني خشيتُ أن تقول فرّقتَ بين بني إسرائيل ولم ترقب قولي (2).

وعليه، فلا مانع من تحويل المقام إلى موضعه الذي وضعه فيه رسول اللَّه صلى الله عليه و آله كما كانت على عهده، ويُعمل من الأمر باتخاذه مصلّى على ما قال صلى الله عليه و آله: «إذا أمرتكم بشي ء فاتوا منه ما استطعتم» وكما قال تعالى: لا يكلف اللَّه نفساً إلّاوسُعها (3) و إلّا ما آتاها (4).

الهوامش:

لقاء وحوار


1- 1 روضة الكافي: 51 ط. النجف الأشرف.
2- 2 طه: 94.
3- 3 البقرة: 286.
4- 4 الطلاق: 7.

ص: 204

ص: 205

ص: 206

ص: 207

لقاء وحوار

على هامش مؤتمر أهل البيت عليهم السلام المنعقد في طهران بتاريخ 5/ شوال/ 1418، أجرى محسن الأسدي عضو الهيئة العلمية لتحرير مجلة ميقات الحج لقاءات مع بعض ضيوف المؤتمر حول الحجّ وما يتعلّق به.

إدارة التحرير

سماحة السيد محمد باقر الحكيم

* كيف يمكننا التعرّف على نظرة أهل البيت عليهم السلام لفريضة الحج ولكيفية أدائها، وما هي وصاياهم في خصوص ذلك؟

يمكن أن نفهم بصورة إجمالية نظرة أهل البيت عليهم السلام إلى فريضة الحج وكيفية أدائها من خلال تصويرهم لطبيعة هذه الفريضة وأهدافها وأغراضها العامة، وذلك من خلال النقاط التالية:

الأولى: إن الحج هو عبارة عن وفادة على اللَّه تعالى وقصد وزيارة له من خلال زيارة بيته المحرم، وتلبية لنداء اللَّه تعالى الذي أطلقه إبراهيم عليه السلام

ص: 208

كما أشار إلى ذلك القرآن الكريم وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالًا وعلى كلّ ضامر يأتين من كلّ فج عميق، ولذا كان أول عمل يؤديه الحاج هو التلبية التي ينعقد بها إحرامه.

وبهذا يمكن أن نفهم الحج بأنه ركن من أركان تكامل الإنسان في مسيرته إلى اللَّه تعالى وقصده إليه، ويتحقق ذلك كما ذكر أهل البيت عليهم السلام من خلال «استخراج الأموال وتعب الأبدان وحظرها عن الشهوات والملذات». وفي التذلل للَّه تعالى والتواضع لعباده وإذلال الجبابرة والطغاة، ومعرفة الإنسان لحاله وهويته عندما يخرج من كلّ مظاهر الدنيا وزينتها ويقف إلى صف سائر بني البشر على صعيد واحد.

الثانية: الطريق إلى الغفران والخروج من كلّ ما اقترف من الذنوب، والتوبة إلى اللَّه تعالى والإنابة، حيث يرجع بعد الحج وقد غفرت له ذنوبه فأصبح كيوم ولدته أمّه، فيكون أمامه استئناف العمل الجديد والبدء بصفحة جديدة من حياته يستفيد فيها من التجارب السابقة ومن الرؤية الواضحة ومن الإرادة والعزم الجديد.

فقد قال الإمام زين العابدين عليه السلام:

«حقّ الحج أن تعلم أنه وفادة إلى ربّك، وفرار إليه من ذنوبك، وبه قبول توبتك وقضاء الفرض الذي أوجبه اللَّه عليك».

وقال الإمام الرضا عليه السلام: «علة الحجّ الوفادة إلى اللَّه تعالى وطلب الزيادة، والخروج من كلّ ما اقترف، وليكون تائباً مما مضى مستأنفاً لما يستقبل».

الثالثة: اختبار الإنسان في طاعته للَّه تعالى ووفائه بعهده وميثاقه، وقد وصف ذلك الإمام علي عليه السلام هذا الجانب في خطبة له، حيث قال عليه السلام- على ما ورد-: «ألا ترون أن اللَّه سبحانه اختبر الأولين من لدن آدم صلوات اللَّه عليه إلى الآخرين من هذا العالم بأحجار لا تضر ولا تنفع ولا تبصر ولا تسمع، فجعلها بيته الحرام الذي جعله للناس قياماً، ثم وضعه بأوعر بقاع الأرض...- إلى آخر الوصف للبيت والظروف القاسية المحيطة به، وكذلك الحال الذي يكون عليه الحاج من التذلل ونزع الثياب والزينة...- ابتلاءً

ص: 209

عظيماً، وامتحاناً شديداً، واختباراً مبيناً، وتمحيصاً بليغاً، جعله اللَّه سبباً لرحمته، ووصلة إلى جنته...».

الرابعة: ما يحققه الحجّ من منافع للناس كما ذكر القرآن الكريم ليشهدوا منافع لهم.

وقد ذكر أهل البيت عليهم السلام منافع عديدة للناس:

1- التعارف والتآلف والمحبة والمودة والمشاركة في الهموم والتصورات، فهو يمثل وحدتهم وقوتهم واصطفافهم أمام عدوهم، والنصرة لأوليائهم من المؤمنين والمسلمين، والبراءة من أعدائهم المشركين والمنافقين.

2- ابتغاءالفضل من اللَّه تعالى في تبادل التجارات والبيع والشراء، وقد أشار القرآن الكريم إلى ذلك أيضاً في قوله تعالى ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلًا من ربّكم، حيث فُسِرَ الفضل هنا بالرزق الذي يأتي عن طريق التجارة.

3- المنافع التي يحصل عليها الفقراء والعمال وأهل المكاسب من خلال هذه العبادة، فالأضاحي والنقل والكسب وغيرها من الأعمال والنشاطات الاقتصادية كلها منافع للناس.

فقد سأل هشام بن الحكم الإمام الصادق عليه السلام عن علة الحجّ عليه السلام:- على ما روي عنه- «... وأمرهم ونهاهم ما يكون من أمر الطاعة في الدين ومصلحتهم من أمر دنياهم، فجعل فيه الاجتماع من المشرق والمغرب؛ ليتعارفوا وليتربح كلّ قوم من التجارات من بلد إلى بلد، ولينتفع بذلك المكاري والجمال».

ولابد من الالتفات هنا إلى أن هذه المنافع إنما هي في حاشية الحج ولا يصح للحاج أن يكون قصده من الحج التجارة والتكسب، بل يجوز له ذلك عندما يقصد اللَّه تعالى ويعمل بطاعته.

الخامسة: التعرف على آثار رسول اللَّه صلى الله عليه و آله ومواطن ذكريات الإسلام الأولى من نزول الوحي ومشاهد الجهاد في سبيل اللَّه، والأعمال العظيمة ومواقع الحوادث التي ذكرها القرآن الكريم وقارنت سيرة الرسول صلى الله عليه و آله وتلاوته لآيات اللَّه وإبلاغها، وتزكيته للأمة وتعليمهم

ص: 210

للكتاب والحكمة، لتكون دواعي التأسي والاقتداء به أعظم وأبلغ.

ولذلك جعل الإمام الصادق عليه السلام هذا الفرض من علل الحج «ولتعرف آثار رسول اللَّه صلى الله عليه و آله وتعرف أخباره ويذكر ولا ينسى».

ولا زال المسلمون يتطلعون إلى هذه الذكريات والمواقع عندما يقرأون القرآن، ويتحدثون بسيرة النبي صلى الله عليه و آله وأعماله، ويفتشون عن غار حراء وثور ودار الأرقم ومواقع شجرة الرضوان وبدر وأُحد والخندق، وأسطوانة التوبة ومسجد قبا ومحراب رسول اللَّه صلى الله عليه و آله وغيرها من المواضع.

ويشعر الإنسان بالحزن والأسى- بل المقت أحياناً- عندما يجد هذا الإهمال أو الإعفاء لهذه الآثار والمواقع تحت دعاوى واجتهادات خاصة، ونظرة ضيقة متحجرة ما أنزل اللَّه بها من سلطان ولا دلّ عليها دليل أو برهان.

السادسة: التفقه في الدين والاستزادة من المعرفة من خلال نقل الأخبار والأحاديث، والاطلاع على العلم والأحكام الشرعية؛ حيث كان أصحاب الأئمة في عصورهم يبذلون جهوداً كبيرة في الحج من أجل الحصول على أكبر قدر ممكن من العلوم الدينية، وكذلك لابدّ للمؤمنين من أن يبذلوا جهوداً كبيرة؛ للحصول على هذه العلوم من خلال لقاء العلماء والمجتهدين أهل المعرفة والثقافة الإسلامية الأصلية حيث تكون فرصة الحج فرصة ثمينة وغالية، لا سيما لأهل البلاد النائية أو التي يقل وجود العلماء أو يصعب الوصول إليهم فيها.

وقد طبق أهل البيت عليهم السلام آية النفر في أحد مصاديقها على الحجّ، فقد ورد عن الإمام الرضا عليه السلام في بيان علل الحج قوله: «مع ما فيه من التفقه ونقل أخبار الأئمة عليهم السلام إلى كلّ صقع وناحية، كما قال اللَّه عزّوجلّ فلولا نفر من كلّ فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون وكما قال وليشهدوا منافع لهم» فجعل ذلك من المنافع أيضاً.

وقد كان أهل بعض البلاد الإسلامية (مثل جزيرة جاوه) يعدّون الحاج إلى

ص: 211

بيت اللَّه عزّوجلّ من أهل العلم بعد أدائه للحج لما يمثل الحج ولأهمية هذه الفريضة.

السابعة: لقاء الإمام وولاة الأمر الشرعيين أو نوابهم وتجديد العهد والميثاق معهم، والتعبير عن البيعة والولاء والارتباط بهم، وقد ورد الأمر بزيارة النبي صلى الله عليه و آله والأئمة في البقيع باعتبار أن ذلك من كمال الحج وتمامه، كما أن لقاء الإمام والارتباط به وبالقيادة الدينية السياسية النائبة هو من تمام الحج وكماله.

فقد ورد عن الإمام الباقر عليه السلام «تمام الحج لقاء الإمام».

وقد ورد عن الإمام علي عليه السلام «أتموا برسول اللَّه حجّكم إذا خرجتم إلى بيت اللَّه فإن تركه جفاء، وبذلك أمر تم، وأتموا بالقبور التي ألزمكم اللَّه عزّوجلّ حقّها وزيارتها، واطلبوا الرزق عندها».

وورد عن الإمام الباقر عليه السلام أيضاً «إنما أمر الناس أن يأتوا هذه الأحجار فيطوفوا بها، ثم يأتونا فيخبرونا بولايتهم ويعرضوا علينا نصرهم».

إن هذه النقاط التي تتحدث عن أهداف الحجّ توضح الطريق في أداء هذه الفريضة، والوصايا التي لابدّ للإنسان أن يلتزم بها في هذا الأداء.

* إنشاء الأبنية السكنية وغيرها في منى وعرفة... أمر قد تكون له أهميته، فهل هناك مانع عنه من الناحية الشرعية؟ نأمل الحصول على توضيح من سماحتكم.

لا يوجد في الأساس مانع شرعي من إنشاء الأبنية في هذه الأماكن من المشاعر المقدسة (عرفات والمشعر الحرام ومنى) ولكن لابدّ من أن يؤخذ بنظر الاعتبار في إنشاء هذه الأبنية الأمور التالية التي تكوّن الصورة النظرية حول هذا الموضوع وهو ما يشخصه ولي أمر المسلمين فيها:

الأول: أن لا يؤدي بناء هذه الأماكن إلى تعطيل طبيعة هذه الأماكن في كونها مشاعر أعدها اللَّه تعالى لأداء فريضة الحج لكل المسلمين، أو إلى تغيير هويتها، أو عرقلة أداء المسلمين للواجبات المذكورة.

الثاني: أن يكون الهدف من هذه

ص: 212

الأبنية هو تحقيق الأمن والسلامة، وتسهيل أداء هذه الشعائر لعامة الحجاج فإن ذلك من أهم الواجبات، التي يتحمل مسؤوليتها ولاة أمرها والمسؤولون عن إدارتها.

الثالث: توفير الحد المعقول من الراحة والاستقرار للحجاج بحيث لا يتحول الحجّ- الذي بني على شي ء من النصب والتعب والمشقة والتذلل للَّه تعالى والتعارف بين المسلمين على صعيد واحد- إلى عمل يشبه الأعمال السياحية وأسفار الراحة والدعة والأنس.

وبتعبير آخر أن لا يؤدي ذلك إلى تعطيل أهداف الحج وأغراضه الإسلامية المستنبطة من الكتاب الكريم والسنة الشريفة، التي أشرنا إليها؛ لأن الحجّ من الأركان التي بني عليها الإسلام، وله أغراض واضحة لابدّ من المحافظة عليها في جميع مراحل أعماله ومناسكه.

* تتردّد هذه الأيام دعوات عبر بعض المجلات حول تغيير مقام إبراهيم عليه السلام ونقله إما خارج المطاف منعاً للزحام وإما إلصاقه حيث موضعه السابق عند جدار الكعبة، فما هو رأي سماحتكم في ذلك؟

هذا الموضوع من القضايا التي طرحت مرات عديدة للبحث والنظر، ومنها البحث الذي تناوله المؤتمر الإسلامي المنعقد بمكة سنة 1385 للهجرة، وقد كنت مشاركاً في ذلك البحث، وكان الرأي السائد في المؤتمر حينذاك هو إبقاء مقام إبراهيم في مكانه، ورفع البناء الذي كان قد أقيم عليه تسهيلًا للطواف، ولا زلت أعتقد أن هذا هو الرأي الصحيح في معالجة هذا الموضوع؛ لأنه:

أولًا: إن وجود المقام في وضعه الفعلي لا يولِّد مشكلة للطائفين تتجاوز المشاكل التي يواجهها الحاج عادة في عمل الحج، الذي بُني بالأساس على الكثير من المشقة والتعب إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم، وهذا الادعاء هو الذي يتذرع به القائلون بنقله.

ثانياً: إن نقل المقام إلى أي مكان في

ص: 213

المسجد الحرام الأصلي سوف يكون سبباً للمشكلة ذاتها في أيام الحج وغيرها من مواسم الازدحام إن لم تكن المشكلة عندئذٍ أعظم، ما لم يتم نقله إلى خارج المطاف، وبذلك يكون إلغاءً لدور المقام الذي أكده القرآن الكريم بالصلاة عنده كجزءٍ من شعائر الحج.

ثالثاً: إن التصرف بمثل هذه الأمور، التي كان لها هذا القدر من الثبات والأصالة في تاريخنا يفتح الباب واسعاً أمام الاجتهادات والوقوع في تجاوزات خطيرة لا يعلم مداها إلّااللَّه تعالى.

رابعاً: إن هذا العمل يؤدي إلى وقوع الاختلاف بين المسلمين، وقد وضع اللَّه تعالى الحجّ من أجل أن يكون تجسيداً ومظهراً لوحدة المسلمين وتعاونهم، وقد كان من نعم اللَّه العظيمة على المسلمين أن كانت شعائر الحج ومناسكه ومواضعه مما اتفق المسلمون على أركانه وأعماله العامة؛ لوجود النصوص المشتركة المتفق بينهم عليها ومنها الرواية التي يرويها الإمام الباقر عن جابر بن عبداللَّه الأنصاري في حجّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله والتي يرويها الفريقان.

خامساً: إن وجود هذا المقام في هذا المحل شي ء تلقيناه بالضرورة من عهد الصحابة بلا شك فهو أمر شرعي لا شك فيه ولا شبهة، وما يذكر من حديث نقله إنما هو رواية لا ترقى إلى درجة الاطمئنان فضلًا عن القطع واليقين، فلا يصح الركون إليها في مثل هذه الأمور الخطيرة.

وإذا كان النقل قد وقع حقيقة فهذا يعني أنه أمر قد عرفه الصحابة من أيام رسول اللَّه وأخذوا جوازه منه، وإلّا لاختلفوا فيه إذا كان لمجرد الاجتهاد كما نراه في الأمور الأخرى الاجتهادية التي حدثت بعد رسول اللَّه، فلا يصح النقل الآن لمجرد الاجتهاد.

الدكتور أحمد عبدالمجيد حمود- استراليا

الدكتور عضو المجمع العالمي لأهل البيت وله مؤلفات عديدة منها:

- الإمام جعفر الصادق عليه السلام رجل العلم والسياسة.

- دراسة حول مشايخ الكليني في كتاب الكافي.

ص: 214

- موقع النساء في الإسلام- باللغة الانگليزية-.

- نأمل أن يصدر له قريباً كتاب «الطاعة والثورة في فكر الإمام الحسين السياسي».

* ما هي نسبة المسلمين بالنسبة إلى مجموع سكان بلادكم؟ وما هي المقاطعات التي يتواجدون فيها؟ وهل هناك مؤسسات أو جمعيات تمثلهم وترعاهم وتحفظ لهم قيمهم وآدابهم؟

وما هي تلك الأنشطة التي تتحرك فيها مثل تلك المؤسسات أو الجمعيات؟

إن المسلمين في استراليا- لمن دواعي الفخر- جيدون في تنظيمهم وعملهم، وهم منتشرون في أرجاء القارة الإسترالية، لقد بنوا المساجد، حتى بلغ عدد المساجد في استراليا اليوم أكثر من مائة مسجد، وقد بدأوا في إنشاء المدارس، ويعدّ الدين الإسلامي ثاني أكبر دين في استراليا، والمسلمون محترمون في الدولة، ولهم علاقات جيدة في جميع ولايات استراليا، ويتحركون بحرية من خلال مؤسساتهم، وجمعياتهم ومراكزهم، ويقيمون صلاة الجمعة، والأعياد، في مسجد أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام في مدينة سيدني لإخواننا أهل السنة، فتضم صلاة الجمعة الآلاف من المصلين في مسجد الإمام. أمّا في صلاة العيدين فيبلغ عدد المصلين أكثر من ثلاثين ألف مصلٍ ومصلية. وكذلك تقام صلاة الجمعة في مركز الزهراء الإسلامي في مسجد السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام وفي باقي المساجد في جميع القارة الإسترالية، وهم في حالة نمو وتطور، وظهر في مدينة سيدني حديثاً مركز أهل البيت الإسلامي الإسترالي، ومركز الإمام الحسين عليه السلام. ويدرّسون الإسلام في المدارس الحكومية، ويعمل المسلمون الآن على شراء إذاعة لتبث 24 ساعة الثقافة الإسلامية.

* كلنا يعرف أن للحج آثاراً تربوية ومعنوية، فلو تفضلتم علينا بذكر بعض هذه الآثار.

إن من أهم هذه الآثار التربوية والمعنوية أنك تعيش مع رحاب اللَّه، وتذكرنا في يوم اللقاء مع اللَّه، وتثبت في النفس روح الإيمان، وتدلنا على

ص: 215

طريق اللَّه، وعلى آيات اللَّه في خلقه على اختلاف ألسنتهم وألوانهم، ويوضّح لنا الحج قوة المسلمين من خلال اجتماعهم في هذا المكان، والمساواة بينهم، وتقوي عرى الإسلام.

* نحن نعرف أن للحج دوراً عظيماً في تقريب أبناء المذاهب الإسلامية بعضهم من بعض، وبالتالي له الدور العظيم أيضاً في وحدة المسلمين، فهلا تفضل الدكتور العزيز بالحديث عن ذلك الدور؟

إنّ الحج هو مؤتمر اللَّه الأكبر في الأرض- أنا لا أفهم كيف يتفرق المسلمون وكلهم ينادون لا إله إلّااللَّه محمد رسول اللَّه صلى الله عليه و آله أنا لا أفهم كيف يتفرق المسلمون وهم جميعاً يصرخون، لبيك اللهم لبيك...

لقد أعلنها رسول اللَّه صلى الله عليه و آله صرخة مدوّية إلى يوم الدين: «من تعصّب ليس منّا» فهذا أخطر إنذار لكلّ مَن يفرّق المسلمين، وأكبر عامل لتوحيد كلمة المسلمين- فعلى العلماء الأعلام والمفكرين الإسلاميين، وأعني بهؤلاء العلماء والمفكرين من كلّ مذهب، هؤلاء الذين سما بهم الفكر إلى أن يسبحوا في بحار العلم والمعرفة، وارتقى بهم القلم والفكر إلى السماء العلى عليهم أن يجعلوا من الحج أكبر مناسبة لهم لتوحيد كلمة المسلمين، والذي يخرج عن دائرة الوحدة فهو جاهل. فعلى أي أساسٍ لا تتوحد المذاهب؟ ولماذا لا تتوحد؟

فهل اللَّه دعا إلى الفرقة، أم إلى الوحدة؟ وهل دعا اللَّه إلى رصّ الصفوف وجعلها كالبنيان المرصوص أم إلى التجزئة؟! فعلى ماذا الإختلاف؟

وهل اللَّه إلّاواحد يحب الوحدة؟

* الذي أعتقده أن أصحاب المذاهب الإسلامية وتابعيها لهم كامل الحق والحرية في أداء مناسك الحجّ والزيارة على ضوء ما تراه مذاهبهم، وليس لمذهب أن يكره الآخرين على اتباع آرائه، فما هو رأيكم في ذلك؟

إذا كان اللَّه عزّوجلّ لم يكره أحداً على عبادته، فكيف يمكن لك أن تكرهني على ما لا أحب أو أكرهك على ما لا تحب. إن الحرية في المعتقد هي جزء من حرية الإنسان، ومناسك

ص: 216

الحج هي مناسك اللَّه، ومناسك الحج مشرعة من اللَّه. وهي ممّا أنعمه اللَّه علينا. فالمناسك واحدة، والنعمة من اللَّه لكلّ المسلمين واحدة فعلام الإكراه؟

* كما تعلمون أن هناك اختلافات في آراء الفقهاء حول مسائل الحج، فما هي الطرق الكفيلة لحلّها؟

أنا أومن بالحوار، وبالفكر، فإنّ كلّ ما في الكون له حلّ في الإسلام؟

فعلى الفقهاء أن يدعو إلى مؤتمر يتبادلون فيه وجهات النظر حول هذه الآراء ويوفقون بإذن اللَّه إلى حلّها.

* كلّ مثقف يعرف ما للآثار الإسلامية في مكّة والمدينة من أهمية تستدعي حفظها والعناية بها، فهل تفضل الاستاذ الكريم بإفادتنا حول ذلك؟!

إن الآثار الإسلامية في مكّة والمدينة بل في أي موقع في الأرض لها آثارها الروحية على المسلمين؛ لأنها بمثابة الدروس والعبر للمسلم. إن كلّ الدول المتحضرة تحافظ على آثارها؛ لأنها جزء من حضارتها. ونحن المسلمين حضارتنا قد أثرت حضارات البشرية جمعاء، فنحن أولى من كلّ حضارة بحفظ آثارنا الإسلامية والعناية بها؛ لأنها أحد المصادر الإسلامية، التي يأخذ منها المسلمون ويعتمدون عليها في حفظ تراثهم.

* حريق منى الذي لم يكن هو الأول وقد لا يكون الأخير- معاذ اللَّه- ما هو رأيكم في الطرق الكفيلة للحيلولة دون تكراره مستقبلًا؟

أن يجتمع أهل الخبرة من مخططي المدن، والمهندسين، من أهل الخبرة في التخطيط، وتقديم الهندسة اللازمة في ضرب الخيام وتوزيعها بشكل إذا شب الحريق لا سمح اللَّه، أن لا يمتد الحريق إلى أماكن أخرى.

وعلى الحاج أن يكون واعياً وحذراً في منى؛ لأن المؤمن حذر. ونسأل اللَّه عزّوجلّ أن يدفع المكروه عن حجاج بيت اللَّه الحرام، وأن يعيدهم إلى أهلهم سالمين غانمين بحجٍ مبرور و سعيٍ مشكور.

* ما هي وصاياكم لزائري بيت اللَّه الحرام؟

أول وصية هي: فهم معاني الحج، وما هي أبعاد مضامين الحج؛ لأن

ص: 217

الحج هو جامع لكلّ معاني الحياة، لأن الحاج إذا فهم أبعاد فلسفة الحج فإنه يشعر بالسعادة، وبأنه أدّى هذه الفريضة كما أمره اللَّه.

والوصية الثانية: أن يتحلى الحاج بالأخلاق العظيمة، وأن لا ينسى جاره وأصدقاءَه واخوانه سواءً أكان ذلك في سيره أو في ركوبه أو في صلاته.

والوصية الثالثة: أن يدعو اللَّه أن يتقبل من حجاج بيت اللَّه، وأن يدعو للمسلمين حاضرهم وغائبهم، وأن يدعو اللَّه ليوحد الأمة الإسلامية، وينشر دينه في مشارق الأرض ومغاربها.

الدكتور الدمرداش العقالي- مصر

* آيات الحج في القرآن الكريم متعدّدة، ما نتمناه من الدكتور- بعد شكرنا- هو أن يوجز لنا حديثاً عن بعضها. وعن الحج باعتباره العروة الوثقى الموصلة بين المسلمين والرابطة لهم ببيت ربّ العالمين والمظهرة لجامعتهم والمؤكدة لبراءتهم من أعدائهم.

إن فريضة الحج ويأتي ترتيبها في سياق آيات سورة البقرة بعد الصلاة والصيام والحج إشارة إلى أنها يكتمل بها الدين، ويعزّ بها اليقين، ولذلك فإن اللَّه تعالى أحاطها بمقدمات قليل من تفطن إليها، هذه المقدمات أن اللَّه تعالى جعل الحج أشهراً معلومات فقال عزّ شأنه الحجّ أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج المقدمة الأولى هي التهيّؤ للحج بدءاً من أشهر الحج التي تبدأ بعد رمضان مباشرة وهذا التهيؤ ينطوي على قوله تعالى فمن فرض فيهن الحج أي فمن فرض على نفسه، وشُرف الإنسان في هذا المقام بأن جعله يفرض على نفسه مع أن الفارض الحاكم هو اللَّه عز وجل فمن فرض فيهن الحج أي من ألزم نفسه بأن يؤدي فريضة الحج فليبدأ بالتأدب بالأدب الإلهي فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج هذه الفريضة التي جعلها اللَّه عزّوجلّ علامة أمان لمن أدّاها بقوله تعالى وصفاً للبيت العتيق إن اول بيت وضع للناس للذي

ص: 218

ببكة مباركاً وهدًى للعالمين فيه آيات بينات مقام ابراهيم ومن دخله كان آمناً.

ثمّ بعد أن كتب الأمن للحاج الذي سعى متطوعاً راغباً حذّر من التفريط في الفريضة فبين أنها فريضة تطلب من الناس بالحب فمن فرض فيهن الحج أي فمن رغب وفرض على نفسه، لكنها في الحقيقة فريضة ينقص الدين وينقض بغيرها بقوله تعالى وللَّه على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلًا ومن كفر فإن اللَّه غني عن العالمين فجعل البديل عن عدم الحج للقادر هو الاتصاف بالكفر، ومن هنا فتارك الحج عمداً كافر بإجماع الأمة على اختلاف مذاهبها، ولعل هذا من الأحكام الجليلة التي تتفق فيها أوجه نظر المذاهب العامة ومذهب أهل البيت صلوات اللَّه عليهم وهو اعتبار الحج فريضة وأن عدم أدائها مع القدرة كفر.

* الدكتور: هل لكم أن تحدثونا عن مسألة تترتب عليها أمور مهمة وهي كون فريظة الحج عند الإمامية على الفور لا التراخي الذي تأخذ به المذاهب الأخرى؟

إنّ مذهب أهل البيت يتميز في خصوص الحج بميزة دقيقة ذلك لأن تعريف الحج عند أهل السنة أنه فريضة على التراخي بما أن الإنسان مخولٌ أن يسوف فيه ويؤديه قبل موته وعند الإمامية فإن الحج فريضة على الفور ويأثم من يؤخره بغير عذر قهري، معنى فريضة على الفور أن يحجّ الناس شباباً.

ومعنى فريضة على التراخي ان يحج الناس عجائز، ولذلك تجد هذا المعلم لو تفحصت في وجوه الحجيج من البلاد الاسلامية غير الشيعة تجد الحجيج من العجائز والمسنين وقلّ أن تجد فيهم شاباً جلداً، ولكنك إذا تفحصت وجوه الحجيج من الجمهورية الإسلامية- وهذه ملاحظة كانت تستوقفني، وقد أكرمني اللَّه تعالى بالحج أكثر من عشر مرات- فكان ممّا يستوقفني أن أرى شباباً في مقتبل العمر يحج، ولقد قادني هذا إلى أن أرجع الى فريضة الحج عند الشيعة الامامية فوقفت على هذا الحكم أن الحج فريضة

ص: 219

على الفور، وكنت وقتها عند هذا التأمل لم أكن قد تشيعت بعد، كانت هذه خطوة في طريق التشيع عبر هذه التأملات- ومن التأملات التي يثيرها افتراض الحج على الفور وانطلاق الشباب لأداء الفريضة أن يعلمهم التنشئة على طاعة اللَّه تعالى فيبدأ عمره بمعاهدة مع اللَّه عند بيت اللَّه ويقوم وفقاً لهذه المعاهدة في اصلاح نفسه وتقويم سلوكه على مقتضى منهج اللَّه ما يشرح صدره ويثبت يقينه. ثم إن كون وفود الحجيج تنطوي على الشباب مع الشيوخ مع اجتماع الاجيال في الحج يهيي ء الفرصة لتعلم الجيل القادم من الجيل الذي يتهيى ء للرحيل ويعين على كثرة التعارف بين وفود الحجيج من البلاد المختلفة.

* فريضة الحج طريق واسع للتعارف بين المسلمين، فهل لاحظتم هذا في حجّكم وقد وفقتم له مرّات متعدّدة؟

استطيع أن أقول: إن ها هنا وقفة هامّة بأنه مما يؤسف له أن الحج الذي شرع لتوثيق روابط المسلمين وجمعهم على كلمة سواء وتعارف بعضهم ببعض أصبح يبدأ وينفض، وكلّ فريق بمعزل عن الفريق الآخر، فنجد الحجاج الايرانيين وحدهم والمصريين وحدهم والترك وحدهم والحجازيين وحدهم..

ولابدّ من أن تضع الأمة الإسلامية برنامجاً للحجيج يتيح لكلّ هذه الوفود أن تلتقي وأن تتعارف في أقدس مكان يتم فيه التعارف، والحقّ أن المسلمين لو نهضوا بأداء الحج وأعانوا بعضهم بعضاً على أدائه بمعنى أن يتاح لكلّ مسلم أن يحج حجة الإسلام على الأقل فمعنى ذلك أن الحج لن يقل عدده في كلّ عام عن (10) ملايين؛ لأننا ألف مليون مسلم لو قسمتهم على أن يحجوا على خمسين سنة فيطلع عشرون مليون حاج، وخمسون سنة هي عمر جيل وتصور يا أخي لو يتم التعارفِ بين هؤلاء الحجيج وهو بهذه الكثرة كم ستكون آثاره الطيبة على بلادنا الإسلامية. فعلى الأمة الإسلامية أن تتواص بتيسير الحج وتسهيله لكي تخرج من عهدة اللَّه الذي أمرها بإحياء هذه الفريضة، وحذر من النكوص

ص: 220

عنها، ثم على المجتمعات الإسلامية والدول الاسلامية أن تهيى ء حجاجها لأداء الفريضة وبتعريفهم المناسك قبل الوصول الى البيت الحرام؛ لأنه مما يؤسف له أن يفد الوافد وهو لا يدري شيئاً عن المناسك فيتخبط وقد يؤخر ويقدم ويخل بالترتيب ويلحق حجه الإحباط، فلابد من أن يحج وهو على معرفةٍ بمناسكه وبمن حوله، وأتطلع الى اليوم الذي تصبح فيه المشاعر المقدسة وعلى الأخص الصفا والمروة والمزدلفة ومنى أن تصبح أماكنها أماكن خاصة بالحج؛ لكي يتسع المجال لقضاء الليل في المزدلفة بنظام وعبادة وراحة لمن يستريح؛ لأن الذي عايش أماكن الحجيج يجد أنها تضيق بالكثرة نتيجة استيلاء القلة على مساحات هائلة من هذه الأراضي الكبيرة، التي هي وقف لكلّ الحجاج.

* إنشاء الأبنية السكنية في منى وحتى في المزدلفة وعرفات قد يكون أمراً يتطلبه أمن الحجاج وسلامتهم، فما هو رأيكم بذلك؟

هذا ما عرضت له في أن منى هي وقف على المسلمين جميعاً والمزدلفة وعرفات... وينبغي أن لا يبنى فيها إلّا ما هو لازم لسلامة الحجيج كأن يبني مستشفى ولا يبني سكنٌ دائم للحجيج، بناء المساكن هذا غير صحيح. فالإقامة في المزدلفة قليلة وليس الأمر كذلك في منى، ومع هذا لا يصح البناء في منى، فمنى لابدّ من أن يدخل فيها الإحساس بهوان الدّنيا، وأنها لا تستحق خيمة تعيش فيها ليالٍ ثلاثة، وأنت قادم من عرفات قادم من البعث قادم من النشور قادم إلى منى فهي مرحلة الاصلُ فيها انقطاع صلتها بالدنيا، والمباني تثبت الصلة بالدنيا وتطفئ وهج وضوء ونور البساطة، يا سلام لمّا يشعر الحاج أن الدنيا عمرها لا يساوي الخيمة التي نصبت لتعود فتهدم بعد انقضاء أيامنا الثلاثة، والذي يلقي نظره على منى بعد أن ينصرف الحجيج منها يجدها بلقعاً ليس فيها شي ء.

* لا شك في أن ذاكرة استاذنا الدكتور قد أحتفظت بأمور وملاحظات، فهل هناك أمر استوقفكم؟

ومن الملاحظات التي بدت لي في

ص: 221

عدة سنوات من الحج وخصوصاً في أيام الصيف وقد أثارت عجبي، فهي عندما يأتي الحج في الصيف وبعد الذبح وانقضاء أيام التشريق، والذي يبقى في منى بعد يوم الرابع عشر من ذي الحجة يلاحظ أن أمطاراً غزيرة تهطل في منى، أمطاراً غزيرة جداً تغسل الأرض غسلًا وسيولًا تدفع بالجيف والحاجات المتبقية وبالتالي تغسل هذه الأرض غسلًا عجيباً.

فقد حججت أكثر من عشر مرات ولاحظت هذه الملاحظة في حج الصيف بالذات حيث إن الروائح والبقايا سريعة التلف تنتهي بعد أن تمطر في منى في اليوم الرابع عشر والخامس عشر من ذي الحجة نعم لا يأتي الخامس عشر إلّاومنى ممطرة مطراً شديداً.

وهذا من تطهير اللَّه عزّوجلّ لأن اللَّه يقول، ما معناه تطهرتم من ذنوبكم وأنا اطهر الأرض..

* على ذكر الاضاحي، الرأي الفقهي عند كثير من الإمامية أن هذه الاضاحي يمكن الاستفادة منها بتعليبها بشكل مناسب وبشروط معينة ثم توزع بلا ثمن على ذوي الحاجة والفقراء وخاصة فقراء بعض الدول الاسلامية كأفريقيا ومناطق أخرى من العالم.

يا أخي الحبيب لو عدت الى ما قدمت له من أن المسلمين لو صدعوا بأمر اللَّه في تيسير فريضة الحج لكلّ مسلم لكان عندنا حجيج لا يقل عن (10) ملايين من ألف مليون. هذا الحجيج سيكون أغلبهم- لو تم التيسير- من الفقراء العاجزين عن الذبح أو تقديم الهدي، هذا العدد لو احتشد لأكل ما يذبح الاغنياء، وعندئذٍ يتم التكامل في الفريضة.

إنما الكارثة هنا أن الذي يحج هو القادر، فالذبح أكثر من استهلاك الحجيج جميعاً، إنما المفروض أن يحج القادر بأسبابه الشخصية وغير القادر بمعونة المسلمين له؛ لأنها فريضة خطيرة ومهمة وما أعجب التعبير القرآني وللَّه على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا. ولم يقل الغني أو الموسر، فقد يوجد السبيل من غير مالٍ بأن تعمل جمعيات للحج من أصحاب

ص: 222

الاخماس والنذور وأشكال كثيرة أخرى على توفير الاستطاعة لمن لم يكن قادراً عليها.

ثم لو أن المسلمين قد تواصوا بأداء الفريضة وأصبح الفقير يعتقد أن له نصيباً لازداد حباً للغني وتقديراً له، وإنك إذا دخلت قرية من قرى أهل السنة- أنا لا أعرف الوضع في ايران- فستجد أنه لا يحجّ في قرى أهل السنة إلّاالأغنياء، فتكون نظرات الفقراء إليهم كأنها نظرات مجتمع منفصل عن أهل هذه القرية، وكأن الأمر يصدق عليه أنه لكم دين يا أصحاب القدرة ونحن المساكين الذين لا نقدر على الحج لنا دينٌ آخر. وكأن الحج للأغنياء.

ولهذا أنا في خطبة يوم الجمعة في قريتي وكانت في شهر رمضان وكان بعض الاغنياء يتجهزون للحج، والعادات في الصعيد أن المتجهز يجلس في بيته يوم الجمعة ليزوره الناس، فيكون معروفاً انه يريد الحج، فكنت أرى نظرات الكادحين والمستضعفين ترمق هؤلاء كما لو كانت تقول لهم:

هؤلاء عالم ثاني، فجعلت الخطبة في أن من استشعر أنه ينظر الى الكعبة وهو يصلي فقد حجّ، ما دام قد عجز عن أسباب الحج. فزيدوا من تصوركم للكعبة، أقول ذلك بعاطفة لتسلية هؤلاء الكادحين، فقام لي أحد المستضعفين فأخجلني بقوله: كيف أتصورها وأنا ما شفتها عايز اشوفه عشان أتصورها بصلاتي.

لا إله الا اللَّه محمد رسول اللَّه

فمسألة الاضاحي والأبحاث الفرعية هذه ما أغنانا عنها لو نظرنا للحج نظرة كلية، ولقد كان إلى عهدٍ قريب- فنحن الآن أصبحنا في مشكلة خطيرة- قبل وسائل المواصلات الحديثة يوم كان الحج على ظهور الأبل أو الدواب أو المشي أو السفن كان يحج حتى الفقير القوي الصحة يحج ماشياً، وعندي من أهلي وديرتي أن آباءَهم حجوا على أقدامهم. فكان يحج الناس كلهم ولو على اقدامهم فقيراً كان الحاج أو غنياً، فتستهلك الأضاحي، وما كانت تفسد؛ لأن عدد الحجاج يكفي لاستهلاك تلك الأضاحي، ولكن ولما اصبحت وسائل

ص: 223

المواصلات لها أثمان وقيم ومبالغ عالية فلا يقدر عليها إلا الغني، أما الفقير فقد عجز عنها، ولا يفكر الفقير بأن يحج على قدميه؛ لإنه غير متيسر له وليس معه رفيق للأنس.

كانت تخرج القوافل مبكرة الحج أشهر معلومات تخرج في شهر ويسير الفقير مع الغني. فعلى المسلمين أن يتواصوا لتيسير فريضة الحج؛ ليحج العدد الكافي وبالتالي تكتمل دورة حجّ كلّ المسلمين كلّ خمسين سنة، يعني نقسم الألف مليون على خمسين فحاصل القسمة يجب أن يحج، فيكون كل مسلم قد حج لأن الحجّ فريضة نال سهمه منها، واكتمل به الدين؛ لأن الذين حجوا مع رسول اللَّه صلى الله عليه و آله في حجة الوداع كانوا فوق المئة ألف، ولو جعلت نسبة لهم الى سكان الجزيرة في هذا الوقت لوجدتهم معظم سكان الجزيرة؛ وليس 150 بل هم معظم السكان، فالحج فريضة خطيرة جدّاً غبنها المسلمون وحرموا أنفسهم من آثارها.

* كانوا في خطبة الغدير أكثر من 100 ألف، وقيل 114 ألفاً.

ولهذا يا أخي فحديث الغدير أصبح أكثر الأحاديث تواتراً، جموع عن جموع، وليس جمعاً عن جمعٍ، قال من قال وكتم من كتم، لا حول ولا قوة إلّا باللَّه.

* أنا أطمع كثيراً للاستفادة منكم

حياكم اللَّه.

* عندنا مسألة أمن البيت فقد جعل اللَّه البيت الحرام مثابة للناس وأمناً....

حرماً آمنا هذا الأمن الذي ورد اخترق عدّة مرات..

الأمن في البيت نعمة أنعمها اللَّه تعالى على عباده، وذكر في عدّة آيات هذا الامتنان أو لم نمكن لهم حرماً آمنا ويتخطف الناس من حولهم....

وكلّ نعمة لا يغيرها اللَّه إلا إذا غيرها الناس أنفسهم ذلك بأن اللَّه لم يك مغيراً نعمةً أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم فإذا حدث من الناس تغير في خصوص أمن الكعبة بشغب أو بغيره فأحدث فيها ما يروع فهذا من شأن العباد بأنفسهم غيروا فغير اللَّه عليهم لكن يظلّ أن القاعدة

ص: 224

العامة فيها أنها آمنة. فلا يجوز فعل ما يخالف الأمن، نعم لا يجوز، وهي ليس حكماً بل هي نعمة يمنّ اللَّه بها، وشأنها شأن أي نعمة، كما تقول القرآن نعمة والامانة نعمة، رحمة، أما أن الناس لا ترضى بها فليس معناه أن الحكم حكم النعمة ارتفع لا، إنما الناس كفروا بالنعمة والرحمة فحرموا منها أنلزمكموها وأنتم لها كارهون.

* سيدنا إبراهيم عليه السلام نتمنى أن يكون الحديث عنه آخر لقائنا هذا..

هناك مَن هو مصمّم على أن أبا إبراهيم كان كافراً، وقياساً على ذلك يستجيز الجرأةَ على والد النبي صلى الله عليه و آله وعمّه أبي طالب، في الوقت الذي يفرق القرآن الكريم بين الأب المعني بالكفر (آزر) وبين الوالد المحكوم بإيمانه، فإبراهيم وعد أباه آزر أن يستغفر له، وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلّا عن موعدة وعدها إياه وهذا الأب هو الوارد في الآية وإذ قال إبراهيم لأبيه آزر... وهذا كله في أول حياة إبراهيم سأستغفر لك ربي إنه كان بي حفياً ثم علم أنه عدو للَّه فتبرأ منه فتمت البراءة. ابراهيم بعد أن رزق بإسماعيل وإسحاق، يقول ربّنا اغفر لي ولوالدي فهذه في أواخر عمره؛ لأنه لم يرزق بإسماعيل وإسحاق إلّافي آخر عمره.

الحمد للَّه الذي وهب لي على الكبر إسماعيل وإسحاق إن ربّي لسميع الدعاء ربّ اجعلني مقيم الصلاة ومن ذريتي ربّنا وتقبل دعاء ربّنا اغفر لي ولوالديّ وللمؤمنين يوم يقوم الحساب.

فما كان ليستغفر له لو كان هو عين الذي تبرأ منه.

والأب هو العم إذا سمي؛ ولهذا قال القرآن: وإذا قال إبراهيم لأبيه آزر اتتّخذ أصناماً آلهة... والأصل في الخطاب أنه لو كان أبوه لأبيه والده لا يذكر الاسم، لكن لأن الأعمام كثيرون، فلا بد من تعيينه وقال لأبيه آزر هذا وجه.

والوجه الثاني هو استغفار إبراهيم لوالديه، وهنا لم يقل اغفر لي ولأبي، فهناك قال وما كان استعفار ابراهيم لأبيه....

ص: 225

وهنا ربنا اغفر لي ولوالدي وللمؤمنين يوم يقوم الحساب.

فلا يستغفر لكافر.

سماحة الشيخ محمد باقر الأنصاري مسؤول المركز الإسلامي في هامبورغ- المانيا

* فريضة الحج تحتل مكاناً عظيماً في نفوس وأنشطة أئمة أهل البيت:

وأتباعهم فهلّا تفضل سماحة الشيخ بالحديث عن ذلك؟

كان ولا يزال دور أهل البيت عليهم السلام بارزاً وذا أهمية كبيرة في الحج وزيارة بيت اللَّه الحرام، والحجّ ركنٌ من أركان الدّين الإسلامي المهمة، وتجمّع عظيم للمسلمين من مختلف المذاهب والفرق الإسلامية حيث يتعرّفون هناك على بعضهم البعض عند أدائهم لتلك الفريضة الكبيرة والعبادة السياسية المهمة. لقد عُني أئمتنا عليهم السلام كثيراً بمسألة الحج رغم إبعادهم عن المسرح السياسي ورغم سلب حقّهم المشروع من أن يظهروا على ذلك المسرح، وكانوا يداومون على التشرّف بالحج وزيارة بيت اللَّه الحرام، ويطالعنا التأريخ من خلال التحوّلات وسيرة الأئمة الأطهار أنَّ أئمتنا كانوا يولون الحج أهمية استثنائية، ولعل أفضل شاهد على ما نقول هو تشرّف الإمامين الهُمامين الحسن المجتبى والحسين عليهما السلام بزيارة بيت اللَّه الحرام عدّة مرات سيراً على الاقدام من المدينة إلى مكة، يظهر ذلك من خلال مطالعة سيرة حياة هذين الامامين عليهما السلام بمايدل على اهتمامهم الكبير بهذه الفريضة العظيمة، وارتباطهم الروحي بهذا المكان المقدس، والعبادة الخالصة التي كانوا يؤدونها هناك، وكذلك التقاء الشيعة والتعرّف عليهم ومدّ جسور المحبة والعلائق الوثيقة معهم، ومع الاصدقاء الذين قد يتشرفون إلى الحج. وعلى هذا فإنّ الحج أضحى من المسائل المهمة التي تمَّ تأكيدها مراراً، ويبدو ذلك واضحاً من خلال هذه السيرة والأحاديث والروايات وتأريخ ائمتنا الهداة.

إنَّ مجمع أهل البيت والمجمع العالمي لأهل البيت كلاهما يستطيعان القيام

ص: 226

بالكثير حول هذه المسألة وأن يلعبا دوراً مهماً على هذا السبيل، وخصوصاً أنَّ المجتمع الشيعي وموالي مدرسة أهل البيت كانوا دوماً قدوةً وَمَثلًا يُحتذى به على مدى التاريخ واسوة حسنة للمسلمين سواء من حيث العمل أو السّلوك أو من حيث الرّؤى العقائدية لهم. ولذا فإن على هذا المجمع المقدس، مجمع أهل البيت أن يُبدي حضوراً فعّالًا في الحج على الدوام، وعليه اتخاذ البرامج المنظّمة حتى يتمّ له الحصول على الاستفادة القصوى من أيام الحج، الركيزة الأساسية لكلّ العالم الإسلامي إن شاء اللَّه تعالى.

لقد تمّ والحمد للَّه خلال السنين القليلة الماضية القيام بإنجازات رائعة كثيرة في هذه السنين من خلال زيارة الايرانيين لبيت اللَّه الحرام وخصوصاً الزوّار من الهيئات والمؤسسات المقدسة في الجمهورية الإسلامية ونظراً للعناية الخاصة التي كان يوليها قائد الثورة سماحة الإمام الخميني قدس سره وكذلك سماحة آية اللَّه الخامنئي للحج واعتباره فريضة عبادية إسلامية اجتماعية وسياسية فبالاضافة إلى المظاهرات وحمل الشعارات التي تتمّ في كلّ عام خلال مراسم البراءة، فقد كانت الأعمال الثقافية والاتصالات التي تمّت مع المسلمين الآخرين من قبل الشيعة ومُريدي مذهب أهل البيت، والحمد للَّه، جيدة جدّاً ونحن نرى آثار تلك الأعمال بوضوح في مكة والمدينة على السّواء، ولاحظنا أن الاتصالات وبناء الوشائج مع رفاقنا المحليين هناك أو مع آخرين من أقطار اخرى من قبل أعضاء هذه الهيئات في الجمهورية الإسلامية ومجمع أهل البيت، كانت قد آتت اكلها على أفضل ما يكون، وكانت كذلك مفيدة وبنّاءة.

أتمنى أن تواصل هذه الحركة مسيرها، وأن يعمل المسؤولون في المجمع العالمي لأهل البيت وأن يبذلوا جهدهم في هذا المجال وذلك عِبْرَ تقديم البرامج الخاصة والدقيقة والفعّالة، حتى يتمّ نشر رسالة مذهب أهل البيت بين المسلمين بصورة أوسع إن شاء اللَّه.

* نظراً لمكانتكم بين المسلمين في ألمانيا ولأنكم على رأس المركز

ص: 227

الإسلامي هناك، فهل تتوفر لديكم أنشطة وفعاليات خاصة بموسم الحج للمسلمين في المانيا؟

نعم، هناك برامج خاصة، فقد قمنا بتشكيل عدة قوافل على التوالي لأداء فريضة الحج والعمرة وقمنا بنقل الكثير منهم إلى الديار المقدسة والحمد للَّه، وقام رفاق كثر بعدنا بالقيام بما قمنا به على غرار ما فعلناه في مدن المانية أخرى، مثل فرانكفورت وبرلين وفي ميونخ وهامبورغ، فقد قامت وتشكلت عدّة قوافل للحج، والاعلان عن ذلك بين العرب والايرانيين، وكذلك الأخوة الافغان والباكستانيين حيث تتوفر اعدادهم بكثرة في هذه القوافل وهم يقومون بهذه السفرات سنوياً سواء للحج أو العمرة، ولقد كانت لذلك آثاره الطيبة. هذا وقد أبدى الشيعة خلال السنوات الأربع أو الخمس الأخيرة اهتماماً واضحاً وكبيراً بالنسبة للحج والحمد للَّه، وتعدّ هذه الرحلات من أهم العناصر الروحية والمعنوية خصوصاً وأنَّ اوروپا مثقلة بالمشاكل الحياتية والمادية وغارقة فيها إلى حدّ كبير، وممّا يزيد من تلك الأهمية أنهم يأتون إلى ايران لزيارة الإمام الرضا عليه السلام فكلّ ذلك يمكن أن يضع آثاره الايجابية والجيدة على هؤلاء المسلمين معنويّاً وروحياً.

سماحة الشيخ علي عزيز- لبنان

* قالت السماء كلمتها في اهداف الحجّ: ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم اللَّه في أيام معلومات... إن اللَّه تعالى يحب أن يذكر في أمكنة معينة وأزمنة معينة فللمكان وللزمان خصوصية، وإلّا فالمنافع قد تحصل للناس وهم في بلدانهم، وذكر اللَّه تعالى قد يقع منهم وهم في أوطانهم...

فلابّد من أن تكون هذه المنافع ذات طعم آخر... وأن يكون هذا الذكر ذا ميزة أخرى... فهلا تفضلتم بكلمة لبيان أهمية هذين العنصرين في منافعنا ودعائنا وأعمالنا....؟

إن الحق جلّ وعلا يقول في أهداف الحج، ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم اللَّه في أيام معلومات.

ص: 228

نعم فإن الجنة حفّت بالمكاره كما أن النار تكتنفها الشهوات، فالوصول إلى حضرة الباري لا يكون بالتنزة والرفاهية ولابدّ من ارتكاب الصعاب، وتحمل الأذى والمشقات، والمعاناة في النفس والمال، وتجشم المخاطر في كلّ منسك، وتحمل العنف في كلّ حركة.

فأعمال الحج هي سامقة صعبة، ولكنها لذيذة الطعم طيبة المذاق، لمن جاس تلك الديار.

ولإنها بعيدة تماماً عن الملذات والشهوات والطيبات، فهي لا تتأتى إلّا عن باعث العمل للامتثال والانقياد لأوامر اللَّه تعالى، ومن أجل هذا كان النفع عظيماً، والتجارة رابحة، والصفقة ناجزة يقول علي عليه السلام: «واختار من خلقه سمّاعاً أجابوا إليه دعوته، وصدّقوا كلمته، ووقفوا مواقف أنبيائه، وتشبهوا بملائكته المطيفين بعرشه، يحرزون الأرباح في متجر عبادته، ويتبادرون عند موعد مغفرته» وعن الصادق عليه السلام «الحاج ثلاث أصناف صنف يعتق من النار، وصنف يخرج من ذنوبه كهيئة يوم ولدته أمّه، وصنف يحفظ في أهله وماله وهو أدنى ما يرجع به الحاج». هذا من جهة، ومن جهة أخرى فهو مؤتمر مجمعي سنوي يتلاقى المسلمون فيه من شتى أصقاع الأرض عربيهم وأعجميهم وأبيضهم وأسودهم، فقيرهم وغنيهم، عالمهم وجاهلهم، رئيسهم ومرؤسهم فتتلاقح المعارف والآداب والقيم والتراث، وتبث الشكوى والأحزان والأفراح، وهنا فالغني يخشع، والفقير يتحمل، والعالم ينصح بعلمه، والجاهل يتعلم، والجميع في موكب النور إلى عطاءات السّماء، وذكر اللَّه على كلّ حال عند أحجار لا تضر ولا تنفع ولا تبصر ولا تسمع، جعلها اللَّه بيته الحرام للناس قياماً بأوعر بقاع الأرض حجراً، وأقل الدنياً مدراً، وأضيق بطون الأرض قطراً بين جبال خشنة، ورمال رمثة، وعيون وشلة، وأخرى منقطعة لا يزكو بها خفّ ولا حافر ولا ظلف.

* لئن تظافرت أيدي أنبياء (إبراهيم وإسماعيل... ورسول اللَّه محمد صلى الله عليه و آله) فجعلت مكّة بلداً آمناً وحرماً مقدساً يؤتى إليه من كلّ فجّ

ص: 229

عميق... فإن المدينة صارت بلداً وحرماً مقدساً بجهد نبيّ واحد محمد صلى الله عليه و آله، فهو قدشارك مشاركة كبيرة في الأولى، وهو المؤسس في الثانية.

فهل من ضوء يسلط على هذا الدور الكبير وتلك المشاركة العظيمة؟!

نعم فإنّ المدينة المنورة التي كان لها شرف إحتضان دعوة رسول المحبة صلى الله عليه و آله ومنها انتشر الدين الإسلامي الحنيف الى أصقاع الأرض، وإذا جاز لنا القول: إنّ الدين بدءُه مكّي واستمرارة ودعوته وعطاؤه مدني، فإنك لا تستطيع أن تسقط من حساباتك ما قام به الأنصار من احتضان لإخوانهم المهاجرين من مكّة، ومن التضحيات الجسام التي قدموها في سبيل الدين الجديد، فطيبة هي القاعدة التي انطلقت منها جحافل الإيمان والنور ومشاعل الهداية إلى بقاع الأرض جميعاً، وهي التي زحفت لتقاتل صناديد قريش في بدر وأحد والأحزاب وغيرها بمشاركة أكيدة وصميمية من إخوانهم المهاجرين تحت قيادة رسول الأمة صلى الله عليه و آله وقد جاء في فضل المدينة أحاديث صحيحة منها.

1- إن الإيمان ليأرِز الى المدينة كما تأرِز الحيّة إلى حجرها. أي ينضم ويجتمع بعضه إلى بعض فيها.

2- صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه إلّاالمسجد الحرام.

وكلّ عمل بالمدينة بألف.

3- لمّا دخل رسول اللَّه صلى الله عليه و آله المدينة قال: «اللّهم حبّب إلينا المدينةَ كما حببتَ إلينا مكةَ أو أشد، وبارك في صاعها ومدّها.

4- عن علي عليه السلام «لا تشدّ الرحال إلّا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام ومسجد رسول اللَّه صلى الله عليه و آله ومسجد الكوفة.

* الدعاء كان السمة البارزة في حركة نبي اللَّه إبراهيم عليه السلام، وهو يترك أهله بوادي غير ذي زرع، وهو يبني الكعبة، وهو يدعو الناس لحجّها، وهو يؤدي مناسك الحج نراه يدعو بالأمان وبالرزق الوفير؛ لأنه يعلم أنّ تلك المناسك الشاقة لا يمكن أن تؤدى دون أن يتوفر عنصرا الأمن والرزق... وأن قوافل الإيمان التي يُراد لها أن تنطلق لا يمكنها أن تؤدي دورها على أحسن

ص: 230

وجه، وهي تتعرض للخطف والقتل والسلب والحرمان والجوع... فلو تفضلتم لتوضيح أهمية الدعاء وأهمية الأمن والرزق لهذه الأرض ولهذه الفريضة المباركة.

قال تعالى: وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوةَ الداع إذا دعانِ فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلّهم يرشدون.

وقال صلى الله عليه و آله: «الدعاء سلاح المؤمن» «الدعاء مخّ العبادة» وفي الحديث الصحيح عنه صلى الله عليه و آله أنه قال: «أنا دعوة أبي إبراهيم خليل الرحمن».

والدعاء ركن من أركان عبادة المؤمن، وقلعة حصينة يلجأ إليها المسلم إذا داهمته الخطوب، والكهف الحصين للمسلم عند شدة الابتلاء. وأعمال الحجّ قاعدتها وسنامها التوسل والدعاء في أيام مباركة وأماكن معينة، ولا سيما في الوقوف بعرفة والمشعر الحرام، وحول الكعبة المطهرة، وفي السعي بين الصفا والمروة. وينبغي للمسلم أن يكون في أثناء الدعاء طاهراً نقيّاً قد خلع عنه كلّ شي ء سوى الاستغفار والتوبة والتضرع، صافياً نظيفاً في البدن والروح، خالصاً من الدنيا والاهتمام بالولد والأهل والمتجر، مقبلًا على ربّه، داحراً للشيطان والملذات، خالعاً ثوب الكبرياء والرئاسة، متدرعاً بقميص العبودية وبالبيت الحرام الآمن بأمان اللَّه، وبدعوة أبي الأنبياء إبراهيم الخليل نبي الرحمة عليه السلام هو خير مكان يسند المسلم ظهره إليه، يطلب من اللَّه المغفرة والعتق من النار، ويدعو الباري عزّوجلّ الجنة وروي أنه من أدمن الحجّ لا يفتقر أبداً، وأن كثرة الجلوس في الصفا مدعاة للرزق وفي الصحيح أن العمرة والحج تدحضان الذنب وتنميان الرزق. ولابدّ من الأمان والاستطاعة في أعمال الحج. وفي الختام وفي هذه العجالة نسأل اللَّه أن يتقبل منا حجّنا ويغفر ذنبنا إنه أرحم الراحمين.

سماحة السيد سامي البدري

* هناك ارتباط وثيق جدّاً بين مسألة الإمامة ومسألة بيت اللَّه والحج، تبدأ هذه العلاقة منذ إقامة القواعد من قبل إبراهيم وإسماعيل

ص: 231

المشار إليها في قوله تعالى: وإذ يرفع إبراهيم القواعدَ من البيت وإسماعيل كما أن الدعاء هو السمة البارزة في حركة خليل الرحمن وهو يؤدي وظيفة السماء: ربّنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم ربّنا واجعلنا مسلِمَيِن لك ومن ذريتنا أمةً مسلمةً لك. فهلّا تفضّل سماحتكم مشكوراً بإلقاء الضوء على تلك العلاقة وهذه السمة وثمارها؟

القرآن ينص هنا أن دعاء إبراهيم وإسماعيل في ذلك الوقت كانا يطلبان من اللَّه تعالى ذرية مسلمةً، وهذه الذرية المسلمة، القرآن ينصّ على أنها كإسلام إبراهيم وإسماعيل، ولا شك في أن إسلام إبراهيم وإسماعيل الإسلام اللغوي وليس الإسلام الاصطلاحي، يعني الانقياد التام، الانقياد الخالص للَّه تعالى- فإذن إبراهيم وإسماعيل يطلبان من اللَّه تعالى أن يرزقهم ذرية مسلمة كإسلامهما، تمثل الامتداد الحقيقي ومن ذريتنا أمة مسلمة لك ثم بعد ذلك يقول: ربّنا وابعث فيهم رسولًا منهم يعني في هذه الأمة المسلمة أن تبعث فيها رسولًا منها، أي مسلماً يتلو عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم هنا القرآن الكريم في هذه الآية يلفت نظرنا إلى قضية مهمة جدّاً، فحينما يتحدث عن الأميين يقدم التزكية على التعليم، هو الذي بعث في الأميين رسولًا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة فهذا التقديم والتأخير ليس اعتباطاً؛ لأن الأمة المسلمة من ذرية إبراهيم هي أمة مسلمة كإسلام إبراهيم وإسماعيل فهي لا تحتاج الى تطهير، فهي مطهرة، فيبعث فيها من أحد أفرادها رسولًا منها بعثة خاصة، وبالتالي هؤلاء يحتاجون فقط إلى التعليم يعلمهم الكتاب والحكمة فإذا استوعبوه استيعاباً خاصاً أظهر عظيم فضلهم، (يزكيهم) يعني يظهر عظيم فضلهم يثني عليهم، يمدحهم؛ لأن الزكاة في اللغة تأتي بمعنى المدح، وتأتي بمعنى التطهير.

أما أهل مكة هناك، باعتبارهم مشركين فهم يحتاجون الى التطهير أولًا، يزكيهم، يعني يطهرهم، ثم بعد

ص: 232

ذلك إذا أعلنوا إسلامهم وطهارتهم العامة من الشرك صاروا مؤهلين إلى أن يتعلموا الكتاب والحكمة.

فهنا في الحقيقة يشير النصّ إلى أهل البيت عليهم السلام إلى البقية من عترة إبراهيم، أن اللَّه سبحانه وتعالى وعد إبراهيم وأجابه بأن سيرزقه ذرية مسلمة على طول الخط، من زمن إسماعيل الى بعثة النبي صلى الله عليه و آله وهذه عقيدتنا بالحقيقة، أن أباء النبي مسلمون موحدون وأن النبي صلى الله عليه و آله في مكة في الحقيقة بعث من هذه الأسرة المسلمة من عترة إبراهيم، من ذرية إبراهيم، التي بقيت الى آخر الزمان، بُعث منها، ولذلك ورد في روايات السيرة أن النبي صلى الله عليه و آله كان يقول:

«يا بني هاشم إني بعثت إليكم خاصة وإلى الناس عامة». يشير في الحقيقة إلى هذا المعنى، ويشير أيضاً الإمام الصادق عليه السلام إلى ما في هذه الآية، هؤلاء نحن، الأمة المسلمة هؤلاء نحن، يشير إلى الأئمة عليهم السلام. فإذن نستفيد من هذه الآية أن الارتباط بين أهل البيت عليهم السلام وبين البيت، ومع الموسم ارتباط صميمي؛ لأن هذا البيت يحمل ذكرى التبشير بالنبي الخاتم وبأهل بيته عليهم السلام هذا البيت مؤسس حتى يستقبل النبي الخاتم بعد 2000 سنة. لذلك تلاحظون أن اللَّه تعالى ختم بعض الآيات هكذا وهو العزيز الحكيم؛ لأن مثل هذه الإجابة: أن اللَّه تعالى يجيب دعاء إبراهيم وإسماعيل بعد ألفي سنة ويبقى الخط من الذرية مستمراً، وليس كل ذرية إبراهيم مسلمين إسلاماً خاصاً، أن يستمر هذا الخط فهذا لا يقدر عليه إلّا اللَّه تعالى. ومن هنا قال وهو العزيز الحكيم فالعزيز الذي لا يمتنع منه شي ء، والحكيم الذي يصدر منه الأمر الحكيم في محله.

على هذا الأساس إذن مكة والكعبة والذكريات التأسيسة الأولى على يد إبراهيم وإسماعيل تحمل البشرى بمحمد صلى الله عليه و آله وآل بيته، وهذه البشرى مذكورة أو حفظتها الى اليوم التوراة نفسها، حينما تقول على لسان اللَّه تعالى:

أما إسماعيل فقد أجبتك فيه فأنذا أباركه واثمنه وأنميه محمد صلى الله عليه و آله واثني عشر إماماً من أهل بيته. وفي ضوء هذه الحقيقة، وإضافة إلى كون الحج فريضة إسلامية

ص: 233

تجمع كلّ المسلمين جاء تبني أهل البيت لموسم الحج تبنيّاً خاصاً؛ لأنه الموسم الوحيد الذي يشكل أوسع الأبواب لطرح قضية أهل البيت عليهم السلام على كلّ المسلمين.

سماحة الشيخ الخزرجي إمام وخطيب مسجد محمد رسول اللَّه- البرازيل

* سماحة الشيخ الخزرجي: من سنين وأنتم عاكفون على تأدية واجباتكم الإسلامية في هذه البلاد..

فهلّا تفضلتم بالحديث عن عدد المسلمين في البرازيل، وما هي المناطق التي يتواجدون فيها وهل هناك جمعيات تحتضنهم؟

بالنسبة الى عدد المسلمين المتواجدين في البرازيل، هذا العدد ما رأيت- في الواقع- احصائية دقيقة تحدد أو تذكر رقماً دقيقاً في هذا الباب.

ولكن الأرقام التقديريه تذكر بأن المسلمين يبلغ تعدادهم ثلاثة الى أربعة ملايين مسلم تقريباً، وهي نسبة لا بأس بها، وهم منتشرون على مساحة تقدر ب 500/ 8 الف كيلو متر وهي مساحة البرازيل. أمّا أهم المناطق التي يتواجد فيها المسلمون هي اريودو جانيرو التي كانت العاصمة سابقاً.

وكذلك برازيليا العاصمة الحالية.

وسامپاولو التي فيها كثافة وجود إسلامي لا بأس به، وكذلك في ولاية برنا التي تضم مدينتين (تورنيبا ومدينة فوزدي اگوا) وفي مناطق آخرى.

وكلّ المسلمين عندهم جمعيات وعندهم اتحادات تنظم امورهم، وتحيي مناسباتهم، افراحهم اتراحهم.

هذه الجمعيات ولو أنها لا تقوم بالواجب المطلوب ولكن وجودها أفضل من عدم وجودها.

* ما هي الكيفية التي يستقبلون بها موسم الحج؟ وما هي عاداتهم توديعاً للحجاج واستقبالًا؟

وأما بالنسبة الى موسم الحج. أنا ذهبت الى البرازيل سنة 1989 فرأيت أن مسألة الحج تكاد تكون ميتة إلا عند البعض، يعني التزامهم بهذا المنسك، التزامهم بهذه الفريضة توجههم ليس هناك توجه بالمعنى

ص: 234

الجيد، وإنما عند بعض الافراد فقط.

ولكن بعدما استقر بنا الحال وصارت الاتصالات والاجتماعات، وصارت الزيارات، وبعدة مدّة ليست قصيرة صار هناك تقارب مع إخواننا من أبناء السنّة، وبدأوا يحضرون احتفالاتنا احتفالات الشيعة ونحضر احتفالاتهم، يطلبون منا التحدث ونطلب منهم أن يتحدثوا في احتفالاتنا صار هناك تيار، وصار هناك شي ء لا بأس به، يشجع الآخرين على الذهاب الى الحج، فالأن تقريباً يذهب من البرازيل ما يقارب مأتين الى ثلاثمائة حاج سنوياً، من الشيعة ومن السنّة.

وأما العادات والتقاليد والأعراف التي تعارفوا عليها هو أنهم حينما يريدون الذهاب الى الحج والى زيارة بيت اللَّه الحرام، يأتي الناس الى زيارتهم ويودعونهم في المطار ويستقبلونهم في المطار أيضاً حين عودتهم وهم يحملون الورود، فالتوديع لا بأس يكون توديعاً جماعياً وكذلك حينما يأتون من الحج يستقبلونهم استقبالا جماعياً أيضاً وهو استقبال واضح لا أنه استقبال لشخص ذاهب الى زيارة عادية الى بلدة وراجع وإنما هو استقبال له طابع خاص، استقبال لشخص يحمل آثار الحج، استقبال يتم من قبل أصدقائه وأقاربه وجيرانه وحتى من غيرهم ومن غير أرحامه، ويرافقون الحاج من المطار حتى بيته وهذه سنة لا بأس بها وهي جيدة.

* لو تحدثتم شيئاً عن نظرة أهل البيت لفريضة الحج وأثرها في وحدة المسلمين وحل كثير من مشاكلهم سواء أكانت سياسية أو اجتماعية..

في الحقيقة بالنسبة الى خط أهل البيت هو في الواقع خط واضح، خط يحاول أن يجمع أكبر عدد ممكن من المسلمين في ظلال الإسلام الصحيح؛ فلذلك نرى الروايات والأحاديث والمواقف التي كان يقفها أئمتنا صلوات اللَّه وسلامه عليهم، فقد كانوا يجتمعون بالناس ويشجعونهم على الحج، كانوا يذهبون معهم، كانوا يجالسونهم، كانوا يحدثونهم، كانوا يحيون الشعائر والمناسك معهم، لذلك تلاحظ في دعاء عرفة للإمام

ص: 235

الحسين عليه السلام حينما يقرأوه الإنسان لا يتمالك نفسه يعيش في عالم عرفاني عالم ملكوتي، وهذا هو جوهر حركة الإنسان والساعات التي يقضيها في عرفات، وقد لاحظنا ذلك حينما يجتمع الحجاج تحت خيمة واحدة، وحينما يستمعون هذا الدعاء المبارك دعاء الإمام الحسين في عرفة فلا يتمالك الانسان نفسه ودموعه ووضعه بحيث يعيش في حالة من حالات الذوبان في اللَّه سبحانه وتعالى. حالة العشق الإلهي، فلذلك نلاحظ أئمتنا: كانوا يستثمرون هذه المناسبات ويغذونها بالغذاء الجيد والصالح؛ لان النفوس والأرواح متفتحة ولأن العقول متفتحة، والإنسان قادم الى أرض جرداء ليس فيها شي ء، لقاؤه مع اللَّه ليس هناك شي ء يعيقه من تجارة أو ولد أو امرأة أو زينة، فهو ذاهب الى ذلك المكان الى عرفات وهكذا في بقية المناسك، في هذه البقاع يعترف الإنسان بخطاياه وبذنبه وما جنى بين يدي مولاه سبحانه وتعالى.

فلذلك أهل البيت في الحقيقة قدموا الكثير وأدخلوا روح الحج في فكرنا، الحجّ ميت إذا لم يكن هناك اتصال باللَّه سبحانه وتعالى، اللَّه لا يريد أجسادنا تذهب الى هناك بل يريد أرواحنا تذهب الى هناك في هذه السفرة الملكوتية وفي هذه الهجرة الى اللَّه سبحانه وتعالى، لا يريد منا أن نذهب وان نلتقي بتلك المواقع من خلال المادة وإنما من خلال النفس والعقل والفكر والروح والقلب- حينما يلتقي الإنسان ويعرف مع من يلتقي والى أين يذهب يؤثر الحج في نفسه، وتكون له آثار ايجابية مباركة، والإنسان يصنعه الحج صناعة جديدة وحقيقية حينما يذهب الإنسان الى الحج ويعود، ففلان الذي كان قبل الحج فهو غيره حينما يأتي بعد الحج، يصنعه الحج من جديد، ويربيه تربية جديدة؛ لأنه كان في ضيافة اللَّه تعالى، وفي الحقيقة الإنسان دائماً في ضيافة اللَّه تعالى، ودائماً في عين اللَّه سبحانه وتعالى كما يقول الإمام الراحل الخميني رحمة اللَّه عليه: «العالم كلّه في محضر اللَّه، في محضر اللَّه لا تعصوا» فدائماً الانسان في محضر اللَّه تعالى،

ص: 236

ولكن كلما يقترب الإنسان من ساحته سبحانه وتعالى في مكة، في الأماكن المقدسة العظيمة يستشعر تلك العظمة ويتكهرب أكثر ويتمغنط أكثر، تكون روحيته أكثر شفافية، أي أن قوة الجذب العظيمة تسحره أكثر، تملك روحه وتصنعه وتؤثر فيه أكثر.

* ختاماً لهذا اللقاء، ما هي وصاياكم لحجاج بيت اللَّه الحرام؟

وصيتي هي حينما يريد الإنسان، الذي يوفقه اللَّه لزيارة البيت الحرام، ينبغي أن يعد العدة وأن يتهيّأ لهذا السفر الملكوتي؛ لأن سفره الى الحج ليس كسفره الى بقية الاماكن، ينبغي أن يتهيّأ روحياً، نفسياً عقلياً فكرياً؛ لأنه يذهب الى بيت اللَّه الحرام ويستجمع كلّ شي ء كلّ أخطائه يستجمعها حتى يعترف بين يدي اللَّه تعالى. الشي ء الآخر هو أن يستعد الانسان من الناحية العلمية حتى يهيي ء المادة التي يتحرك بها في الحج وهي معرفته بالمناسك؛ لأن الإنسان اذا لم يكن عارفاً بهذه المناسك فسوف يخطأ واذا أخطأ لا تكون أعماله ومناسكه كما يريدها اللَّه تعالى، فلذلك تصحيحها يكون صعباً بالنسبة اليه؛ لذلك أوصي اخواني وأخواتي وجميع الذين يذهبون الى زيارة بيت اللَّه الحرام أن يأخذوا دورة فقهية ولو سريعة، يتعرفون ولو على الحد الادنى، يتعرفون على أهم مناسك الحج، حتى إذا ذهبوا الى ذلك المكان يذهبون وهم على علم بذلك.

والشي ء الآخر حينما يذهب الإنسان الى زيارة بيت اللَّه الحرام ينبغي أن يأخذه فالإنسان كلما يقترب من اللَّه سبحانه وتعالى أكثر وكلما يقترب من معاني الحج أكثر وكلما يقترب من هذه المناسك أكثر ويتعلم أكثر كلما تكون آثاره على نفسه وعلى روحيته وعلى سلوكه تكون أكثر.

نسأل اللَّه تعالى التوفيق

سماحة الشيخ العباسى- اوغندا

* ما هي نسبة المسلمين بالنسبة إلى مجموع سكان بلادكم؟ وما هي المقاطعات التي يتواجدون فيها؟ وهل هناك مؤسسات أو جميعات تمثلهم وترعاهم وتحفظ لهم قيمهم وآدابهم؟

ص: 237

وما هي الأنشطة التي تتحرك فيها مثل تلك المؤسسات أو الجمعيات؟

لا توجد احصائية دقيقة للمسلمين في اوغنده غير أنهم يذكرون في محافلهم أن المسلمين يتراوح عددهم من 30- 35% من مجموع 18 مليون نسمة.

وهم يقطنون جميع المحافظات ويختلطون مع النصارى الذين يشكّلون الأغلبية وبلا حساسية بينهم، ومن المؤلم ان بعض المسلمات يتزوجن من النصارى رغم وجود المؤسسات والجمعيات الإسلامية، التي تؤكد حرمة مثل هذا الزواج.

والجمعيات الإسلامية تفعل كلّ ما هو ممكن لها مثل فتح المدارس الدينية وصفوف تعليم القرآن الكريم والمراكز الثقافية وعقد المؤتمرات والندوات وكفالة الايتام والأرامل، ورغم كثرة هذه المؤسسات إلّاأنها لا تغطي حاجة 10% من المسلمين لضعف برامجها وبساطة امكانياتها.

* وما هو الاهتمام بفريضة الحج في بلادكم استعداداً أو توديعاً للحجاج واستقبالًا لهم؟ وكيف تتمّ رحلات الحج: شكلها، نوعها، عددها، مجموع الحجاج فيها؟

إنّ ما يتعلق بموضوع الحج- فبسبب حالة الفقر لدى أغلب المسلمين حيث إن معدل الدخل لديهم لا يتجاوز ل 250 دولاراً سنوياً قياساً بحالة الغلاء الفاحش- فإنّ أغلبهم لا يتمكن من أداء فريضة الحج التي تبلغ تكاليفها 2000 دولاراً، ولذلك يكون عدد الحجاج سنوياً من 250- 300 حاج من مجموع 5 مليون مسلم تقريباً.

الحُلّة الخراسانية تكسي الكعبة الشريفة

ص: 238

الحُلّة الخراسانية تكسي الكعبة الشريفة

آصف فكرت

السطور القليلة القادمة تحكي قصة حَدَثٍ تأريخيّ مهم في القرن التاسع الهجري، ألا وهو مراسم إكساء الكعبة الشريفة بأول حُلّة صنعت بأيدٍ خراسانية.

وكان ذلك بهمّة شاهرخ بن الأمير تيمور غوركان، وقد عمل المذكور جهده كما ستقرأ ذلك فيما بعد- ولفترة طويلة من حكمه- للوصول الى مراده ذاك. ولهذا السبب كان قد ارسل عدّة بعثات الى مصر؛ لإثبات حُسن النيّة، وصرف في سبيل ذلك مبالغ طائلة حتى نال في النهاية هدفه، ولولا ذلك لاقتصرت مسألة إكساء الكعبة على العرب وحدهم، ولحُرِمَ غيرهم من الأمم المسلمة شرف ذلك.

لقد ظَلَّ موضوع اكساء الكعبة- ومنذ العهد الجاهلي حتى عهد الخلفاء وعلى مرّ العصور- موضع اهتمام المؤرّخين والمحقّقين، ويمكن الوصول الى ما يتعلّق بهذه المسألة بمجرد الرجوع الى المصادر المتعلّقة بذلك الموضوع. وليس هدفنا من هذه المقالة الموجزة إلّاالإطّلاع على جوانب بسيطة من هذا الموضوع، والاشارة إليه دون إطناب أو تفصيل.

ص: 239

روى القلقشندي في «صبح الأعشى» نقلًا عن «أخبار مكّة» للأزرقي قوله:

إنَّ أسعد الحميري (من تابعية اليمن) كان أول من كسا الكعبة الشريفة بالحُلّة في زمن الجاهلية.

حُلّة الكعبة أيام الجاهلية:

كانت الكعبة الشريفة تُكسى بأقمشة وحُلَل ملوّنة ومتنوعة في الجاهلية.

وكانت تلك الحُلّة في الزمن المذكور تُصْنَعُ وتهيئ بمعونة مختلف القبائل ومساعدة الجماعات وهمّتهم، حتى اقترح أحد التجّار آنذاك- ويُدعى أبو ربيعة عبد اللَّه بن عمرو بن مخزوم، وكان يعمل بالتجارة مع اليمن- أن يقوم هو بإكساء الكعبة سنة ويُلبسها كسوتها وتقوم قريش كلّها بذلك سنة اخرى. فاستمرّ ذلك النهج حتى توفي أبو ربيعة. والجدير بالذكر أنّ الكعبة كانت تُكسى بالنّطع (وهو نوع من الجلد) مدّة من الزمن.

في صدر الإسلام وما بعده:

كُسيت الكعبة أيام حياة رسول اللَّه صلى الله عليه و آله بالنسيج اليمانيّ، وسار الخلفاء الراشدون على هذا النهج كذلك. وكان لون تلك الحُلّة في تلك الأيام أبيض أحياناً أو أحمر أحياناً اخرى. وأمّا خلفاء بني العباس الذين كان شعارهم اللون الأسود فقد ألبسوا الكعبة بلباس أسود أيضاً.

فلمّا استولى ملوك مصر على الحجاز اقتصرت مسألة إكساء الكعبة عليهم وحدهم، فدام هذا النهج حتى القرن التاسع للهجرة.

وأمّا الحَدَث الذي نحن بصدده في هذه المقالة فيرجع تأريخه إلى النصف الأول من القرن التاسع الهجري، وذلك أيام حكم المماليك في مصر- الملك الأشرف حتى الملك الطاهر- وحاكم خراسان أو كما يسميه المؤرخون العرب ب «ملك الشرق»

ص: 240

شاهرخ ميرزا (ولد سنة 850 ه) بن الأمير تيمور غوركان.

طموح وهمّة شاهرخ:

اعتلى شاهرخ عرش خراسان الكبيرة بعد وفاة الأمير تيمور سنة 807 ه.

واتّخذ هرات عاصمة لحكمه. وتُعدّ فترة حكمه بحقّ من ألمع فترات الحكم وأكثرها ازدهاراً في مجال العلم والفن والعمارة والبناء في هذه البقعة من الأرض. وكانت فكرة إكساء الكعبة حلّتها تدور في ذهنه منذ ارتقائه عرش أبيه، وكانت هي أمله الوحيد الذي كان حِكراً على الحكام العرب حتى ذلك الحين، ولم يكن لأحد من العجم حَقٌّ في أداء ذلك على الإطلاق.

وكان شاهرخ في الحقيقة يهدف من وراء كلّ ذلك الحصول على شرف معنويّ لا مثيل له أوّلًا، وثانياً كان يريد كسر طَوق التمييز بين مختلف الأقوام المسلمة والنهج اللامنطقي لمماليك مصر، وثالثاً العروج الى المرتبة العُليا بين الامم.

يصف عبد الرزاق السمرقندي، صاحب مطلع السعدين، شاهرخ بأنّه «كان يحمل في جنباته دوماً طموحاً لا يُقاوم وهو إكساء بيت اللَّه الحرام بالحلّة على يديه متى طُلِبَ منه ذلك، إلّاأن هذا الطموح لم يكن ليحدث على أرض الواقع دون إذنٍ من سلطان مصر».

المحاولة الأولى:

شرعَ شاهرخ بإعداد أرضية مناسبة لمحاولته الأولى منذ عام 833 ه. ويذكر مؤرخو مصر أن مبعوث شاهرخ ملك شرق (خراسان) وصل الى القاهرة في 24 محرّم سنة 833 ه. وقام بتسليم الملك الأشرف رسالة من السلطان المذكور. وأمّا الرسالة فقد تضمّنت ثلاثة أمور رئيسية، هي:

الأمر الأول: كان شاهرخ قد طلب في الرسالة في بداية الأمر اهداءه كتابَيْنَ هما:

ص: 241

1- شرح البخاري لشهاب الدين أحمد بن حجر العسقلاني.

2- تاريخ السلوك لدول الملوك لتقيّ الدين أحمد بن علي المقريزي.

هذا الأمر يذهب بنا الى مدى اهتمام الحلقات العلمية في هرات بالاكتشافات الجديدة في عالم العلوم في تلك الحقبة.

الأمر الثاني: كان شاهرخ قد ذكر في رسالته تلك أنّه كان قد نَذَرَ أن يُهيّ ء حُلّة للكعبة الشريفة ويرسلها لإكسائها هناك، وأمّا الأمر الثالث: فقد أبدى شاهرخ اقتراحه في فتح غدير ماء ويجريه الى مدينة مكّة، وكأنّه أراد بذلك أن يضع التجارب الخاصة بالإرواء والسّقي بواسطة القنوات ومجاري المياه، المعمول بها في خراسان آنذاك موضع الفعل في مدينة مكّة للاستفادة منها هناك.

ويذكر ابن تغري بردي مؤلّف كتاب «النجوم الزاهرة في أخبار مصر والقاهرة» أنَّ أيّاً من مطالب ملك الشرق لم تُجَبْ من قِبَلِ ملك مصر، على خلاف ابن إياس مؤلّف «بدائع الزهور» الذي كتب يقول: انّ السلطان قام بإرسال شرح البخاري وتاريخ المقريزي الى شاهرخ، إلّاانّه امتنع عن قبول اقتراح شاهرخ بإرسال حُلّة للكعبة الشريفة، أو في فتح القناة الى مكّة. وكتب الملك الأشرف الى شاهرخ يقول: إنَّ هناك أوقافاً تجرى لتهيئة حُلّة الكعبة، وأنّه لا حاجة لأيّ من الملوك في تهيئة ذلك. وأمّا ما يتعلّق بالقناة فقد ذَكّرَ الملك الأشرف شاهرخ أنّ في مكة آباراً وعيون ماءٍ كثيرة، ولا داعي لإنشاء غيرها (ويظهر أنَّ الملك الأشرف لم يكن على عِلم أو اطلاع حول ما قصده شاهرخ من قنوات ومجارٍ مائية، ولعلّة حسبها كآبار عاديّة وعيون كالتي توجد في مكّة).

وذكر ابن حجر كذلك أن ثلاثة مجلّدات من «فتح الباري بشرح البخاري» أرسلت الى ملك الشرق.

غضب وتهديد:

كان لرفض حاكم مصر اقتراح شاهرخ وقعه الشديد على هذا الأخير، وأثار

ص: 242

غضبه وسخطه، فقام بإرسال مبعوث آخر يُدعى هاشم شريف الى القاهرة حَمّله رسالة تهديدية لملك مصر. فوصل هاشم شريف القاهرة يوم الرابع والعشرين من شهر رمضان المبارك من تلك السنة. وخَلَتْ رسالة شاهرخ من البسملة والختم المعهود، والتي دَلَّت على مدى غضب ملك الشرق (سلطان خراسان) واستيائه.

وابتدأت الرسالة بالآيات الشريفة من سورة الفيل: ألم تر كيف فعل ربّك بأصحاب الفيل ... ولم يذكر شاهرخ أيّ لقب رسميّ أو غير رسميّ، وكانت الرّسالة على العموم تنمُّ عن تهديد ووعيد لملك مصر. وعلى قول المقريزي كانت الرسالة مدوّية كالرّعد وقوية كالصاعقة. وكان شاهرخ، مع كلّ ذلك، قد أرسل بهدية الى حاكم مصر ذكرها صاحب «بدائع الزهور» باسم «الهدية الغشروية».

إلّا أنّ الملك الأشرف لم يخضع لرسالة شاهرخ ولا تهديدها، بل بعث جواباً عليها لا تقلّ شدة في اللّهجة عن تلك التي أرسلها شاهرخ، وعلى رأي ابن أياس «من دقَّ الباب سمع الجواب». هذا وتكررت رسائل العتاب والمعاتبة، التي بعث بها شاهرخ إلّاأنّه لم يَلْق النتيجة المرجوّة. وكتب ابن تغري بردي- الذي تنمّ كتاباته عن آثار ومواطن كثيرة ترمز الى العنصرية واللّون- فيما يتعلّق بمسألة العِناد، الذي أبداه الملك الأشرف ورفضه مقترح شاهرخ: لقد كان صمود وثبات الملك الأشرف إزاء مرامات شاهرخ ومطالِبهِ- وذلك بعد فتح قبرص- أهم ما قامَ به الملك الأشرف طول سنيّ حكمه.

وكتب أيضاً: إنَّ الملك الأشرف باحتكاره مسألة إكساء الكعبة بحلّتها قد حفظ لمصر هيبتها وحرمتها، ولحكام مصر شأنهم ومنزلتهم الى يوم القيامة. ولا جرم أنَّ ما دُوِّنَ من قِبَلِ مؤرخين مصريين في هذا الشأن يدلُّ بوضوح على أنّ ابن تغري بردي كان يُبالغ في كتاباته ويشطط فيها، وأنّه كان من المتملقين لحكام مصر، ويبدو من فحوى الرسالة التي بعث بها شاهرخ الى الملك الأشرف فيما بعد أنَّ شاهرخ يقوم بطمأنة الملك الأشرف على وصول هداياه.

ص: 243

مبعوث آخر:

كان تاج الدين علي بن عبد اللَّه الشريف مبعوثاً آخر من قِبَلِ شاهرخ، حمل معه هدايا ورسالة تتضمّن إثارةً للمقترح السابق، وكان تاج الدين صهر السيّد الشريف الجرجاني، كما روى ابن حجر الذي كان قد رآه بنفسه: وصل المبعوث المذكور في 27 محرم 838 ه. قام شاهرخ بذكر نذره السابق في الرسالة حول إرسالة حُلّة للكعبة الشريفة لتعليقها داخل الكعبة، وطلب من الملك الأشرف إرسال مبعوث من قبله الى هرات ليستلم الحلّة المذكورة.

فدعا الملك الأشرف قضاةً من المذاهب الأربعة، وأقام لهم مجلساً، وقرأ عليهم اقتراح شاهرخ، وطلب منهم إبداء رأيهم، وإصدار فتوى بهذا الشأن.

فأجاب قاضي القضاة بدر الدين الحنفي: أنَّ مثل هذا النذر لا أساس له.

هذا وقد انتقد ابن حجر قضاة المذاهب الأربعة أشدّ انتقاد، وذكر بعض أجوبتهم، التي لا تنسجم ومنطق العقل. وذكر ما قوله: «لقد قام بعض القضاة بكتابة الأسئلة والأجوبة المتعلّقة بهذا الموضوع دون أن يُطْلَبَ منهم ذلك. وكتب البعض الآخر قائلين: إن من شأن هذا النذر أن يعطّل الوقف وهو ممّا لا يجوز».

وكتب أحدهم يقول: «إنّه لما كان هذا العمل من شأنه أن يتحكّم بسلطان مصر فهو غير جائز». وأمّا السلطان فقد كان رأيه غَلْق هذا الباب تماماً؛ لئلا يتيح لسلاطين آخرين فرصة إكساء الكعبة. ويذكر ابن حجر أن رأيه كان كما قال السلطان؛ لأنّ من شأن هذا العمل أن يفتح المجال للآخرين للدخول الى هذا الملعب.

ورافق الشريف تاج الدين، أثناء عودته الى خراسان، اقطوة موساوي مؤيّدي المضيّف حاملًا رسالة جوابية من السلطان في مصر الى شاهرخ.

أمر الكعبة مناطٌ بملوك مصر:

وكتب الأشرف في رسالته الى شاهرخ: أنَّ مسألة إكساء الكعبة الشريفة أمرٌ مناطٌ بملوك مصر ومتعلّق بهم دائماً وهم، أي ملوك مصر، يقومون بتهيئة الأموال

ص: 244

اللازمة لعمل ذلك من دار الأوقاف المخصّص لهذا الغرض. وكان السلطان الأشرف قد اقترح على شاهرخ أن يبيع الحلّة، التي صنعها للكعبة ويتصدّق بمالها على فقراء مكّة إن هو أراد أن يَفيَ بنذره مِمّا سيضاعف له الثواب، ويستفيد أكبر عدد ممكن من الناس من ذلك المال.

وفي 4 شوال وصلت رسالة من شاهرخ الى القاهرة تتضمن تهديداً وانتقاداً لما يُؤخذ من التجار من أموال باسم (حَقّ النزول الى الميناء)، وتلمّح الرسالة ضمناً أنَّ شاهرخ يعتزم التحرّك باتجاه القدس الشريف.

وأمّا اقطوة- مبعوث سلطان مصر- فقد رجع الى القاهرة في 28 جمادى الآخر عام 839 ه. ثم وصل على إثره في صباح اليوم التالي الشيخ صفا مبعوث شاهرخ الى القاهرة حاملًا رسالة اخرى من ملك الشرق.

كيف عومِلَ الرسول؟

استقبل الملك الأشرف الشيخ صفا الهروي في الاصطبل السلطاني، وقام الشيخ بتلاوة رسالة شاهرخ بصوت عالٍ، وكان الملك الأشرف يستمع. وأمّا الرسالة فكانت تسمّى- بلسان شاهرخ- سلطان مصر نائباً لشاهرخ، ويأمره فيها أن يبدأ خُطَبَه ويضرب المسكوكات النقدية باسمه. فلمّا انتهى الشيخ من قراءة هذه الفقرة من الرسالة، تقدّم الشيخ نحو السلطان ليسلّمه الخلعة، التي أرسلت إليه من خراسان لكي يلبسها، وكذلك أرسل مع الخلعة المذكورة تاجاً للملك الأشرف.

فشاط بالملك الأشرف الغضبُ، وأمر بتمزيق الخلعة، وامِرَ بالشيخ التّعيس فضُرِبَ ضرباً مبرحاً، وغطِّسَ بالمسكين في حوض الإصطبل في يوم ذي زمهرير، حتى شارف الشيخ على الموت، ولم يتجرأ أحد على التوسّط لإنقاذه. ويقول ابن تغري بردي ما شرحه: أنّه لم يَرَ السلطانَ في هذه الحالة من الغضب فيما مضى قطّ. ثم دعا السلطان الشيخَ صفا وسلّمه رسالة تحتوي على مضامين عنيفة وعبارات شديدة جواباً على من بعثه. ومن بعض ما قاله السلطان في رسالته هو أنّه لن يقبل

ص: 245

شاهرخ هذا أن يكون حتى أصغر حرّاسه الليليين في أقصى قرية تقع تحت ملكه، وهو يدعوه نائباً له على مصر. فأمر أن يُطرد مبعوث شاهرخ ومرافقيه من مصر ويركبوا البحر راجعين. فوصل الجماعة الى مكّة، وظلّوا هناك حتى جاء موسم الحجّ فأدّوا المراسم، وطفقوا راجعين الى بلدهم.

وأمّا ابن تغري بردي فقد وصف ضرب وشتم مبعوث شاهرخ وتمزيق الرسالة بأنّه من أفضل أعمال الملك الأشرف وأقدرها، وقام بكيل المديح له على فعلته تلك، التي لم تكن لتُضاهيها فعِلةٌ اخرى طول فترة حكم السلطان المذكور.

وأمّا الملك الأشرف فلم يبق على قيد الحياة بعد تلك الواقعة طويلًا، حيث مات سنة 841 ه. وتسلّم العرش مكانه ابنه الملك العزيز، الذي لم يدم حكمه فترة طويلة، وخُلِعَ عن ملكه وارتقى العرش مكانه الملك الظاهر.

حُلم السائس الذي تحوّل الى واقع!

في يوم 12 جمادى الآخرة سنة 843 ه. دعا الملك الظاهر مبعوث شاهرخ القادم من هرات، وكتب مؤرخو خراسان من جملتهم عبد الرزاق وخواند مير يقولون: كان جقماق بيك- وهو نفسه الملك الظاهر- سائساً أيام حكم الملك الأشرف. فرأى في ليلة حُلماً وكأن شاهرخ رفعه وأجلسه على العرش. فلمّا وصل جقماق هذا الى الحكم، أرسل معبوثاً الى شاهرخ في هرات يُدعى جيجكتوقا، الذي كان من الأمراء الخاصين عنده. فوصل جيجكتوقا الى هرات في 843 ه.

ووُفِّقَ الى تقبيل يد شاهرخ.

مبعوث مصر يلقى حفاوة بالغة:

سأل شاهرخ المبعوث المصري عن أحوال الملك الظاهر بعد أن أجلسه عن يمينه، وأقيم له استقبال منقطع النظير وضيافة كريمة، وكانت معظم الأواني والأطباق المستخدمة في تلك الضيافة مطعّمة بالجواهر الحمراء. وأقام له الأمراء الآخرون ضيافة مستقلّة وقدّموا إليه هدايا ثمينة جدّاً.

ص: 246

علماء مصر يطلبون كتباً من خراسان:

وفي هذه المرّة على عكس المرّة السابقة طلب علماء مصر من خراسان كتباً عِدّة. وتقدّم جيجكتوقا بطلبٍ من السلطان جقماق (الملك الظاهر) لإرسال خمسة كتب قيّمة من مكتبة هرات هي:

1- تأويلات أهل السُّنّة والجماعة للشيخ أبو منصور الماتربدي.

2- التفسير الكبير للعلّامة الرازي.

3- شرح تلخيص جامع للخواجة مسعود البخاري.

4- شرح الكشّاف لمولانا علاء الدين بهلوان.

5- الروضة، في المذهب الشافعي.

وروى خواند مير أنّه بالرغم من وجود تلك الكتب في مكتبة هرات إلّاأن تلك الكتب امر بها أن تُكتَبَ بخطّ جيّد وجديد وتمَّ فهرستها، واعطيت الى جيجكتوقا. وبعد أن تسلَّم جيجكتوقا مبلغ (50) الف دينار وهدايا ثمينة اخرى عاد الى مصر. واعطي لكلّ خادم له وهم خمسون، الف دينار كهدية له إضافة الى الفرس والحُلّة الشخصية. ثم أمر شاهرخ حكّامهُ في اصفهان وشيراز ويزد وكاشان أن يقوموا باستقبال مبعوث مصر ومرافقيه أحسن استقبال، وأن يقدّموا لهم ما استطاعوا من الهدايا.

المبعوث الذي قضى نحبه في الطريق:

قام مولانا حسان الدين مباركشاه پروانجي أحد علماء هرات بمرافقة مبعوث السلطان المصري حتى مصر إلّاأنّه قبل بلوغه القاهرة توفي في (13 ربيع الآخر 844 ه) وقام ابنه خواجة كلان أو كلال نيابة عنه بايصال هدية شاهرخ ورسالته الى القاهرة.

عاصمة مصر تزدان بمبعوثي خراسان:

وصل الخواجة كلال ومرافقوه الى القاهرة في 26 ربيع الثاني 844 ه. وكانت

ص: 247

العاصمة المصرية قد زُيِّنَت بالمصابيح في كلّ ركن منها، وخرج ابن سلطان مصر مع جماعة من الأمراء؛ لاستقبال الوفد القادم. ووصف ابن تغري بردي والمقريزي ذلك اليوم بأنّه كان يوماً مشهوداً، وأن القاهرة لم تشهد طول حياتها مثل ذلك اليوم. وكان شاهرخ قد أرفق رسالته بهدايا قيّمة شملت (100) فصٍّ من الفيروز و (81) بالة من الحرير، وعدداً من الحُلَل والجلودوالقِرَب، وثلاثين بعيراً خراسانياً وأشياء ثمنية اخرى. وتسلّم المبعوثون الخراسانيون بالمقابل هدايا قيّمة كذلك. ثم توفي الخواجة كلال ودُفِنَ الأب والابن معاً في القدس الشريف بصورة مؤقتة.

مَن صَبَرَ ظفر!

غادر السيد محمد زمزمي في 847 ه. الى مصر، فوافق الملك الظاهر على طلب شاهرخ لإكساء الكعبة بالحُلّة وأن يفي بنذره كيف ما ارتأى. فأنيط أمر نقل الحُلّة الى بعض من كبار رجال خراسان منهم الشيخ محمد المرشدي شيخ الإسلام وشمس الدين محمد أبهري. ويروي مؤرخو مصر أنَّ إحدى زوجات تيمورلنك كانت ترافق القافلة المذكورة.

حُلّة يزدية:

كان قد تمّ صُنع حُلّة الكعبة الشريفة في دار العبادة في يزد، ثم ارسلت الى هرات وحُفِظَت في خزانة العاصمة. فحمل المبعوثون في هذه السنة (848 ه) تلك الحُلّة وتوجهوا الى مصر.

كانت ترافق الحُلّة مجموعة مؤلّفة ممّا يقارب مئة شخص. فلمّا وصلت القافلة الى الشام استقبلهم أمراء وأعيان تلك المنطقة بحفاوة بالغة. وأثناء وصولهم الى مصر في يوم الخميس 15 شعبان 848 ه. خرج جمعٌ من المقرّبين الى الملك الظاهر وبعض خواصّه؛ لاستقبال القادمين، وأنزلهم في دار جمال الدين المحافظ في ناحية بين القصرين. ثم تَمَّ استقبالهم من قِبَلِ الملك الظاهر سلطان مصر يوم الاثنين 11 رمضان 848 ه. وكان قد أصدر السلطان أمراً بإعداد حفلٍ بهيٍّ ترحيباً بالضيوف،

ص: 248

وقد وصف السخاوي وابن تغري بردي ذلك الحفل بإسهاب وإطناب.

السّرقة تَطال المبعوثين:

بالرغم من أنَّ السلطان كان قد أمر بوضع ما أتى به المبعوثون من الهدايا، وكذلك حُلّة الكعبة في مكان آمن وأمين، إلّاأنَّ مجموعة من المماليك الذين بلغ عددهم (300) نفر قامت بالهجوم على الضيوف أثناء عودتهم من قصر السلطان الى منزلهم، وسلبوا ما كان معهم من الهدايا والأشياء النفيسة الاخرى من كُتب وفُصوص وقِرَب وذهب وجلود ..

وهُرِعَ اثنان من أمراء مصر وهما يلخجا (يل خواجة) وينال علايي دوادار والأمير تنبك حاجب الحجاب على إثر سماع صياح وأصوات المبعوثين الخراسانيين وانقذوهم من براثن اللّصوص.

السلطان يقدّم اعتذاره

ويروي عبد الرزاق السمرقندي أنّ السلطان تأثّر كثيراً بعد سماعه نبأ الهجوم على المبعوثين الخراسانيين وقال: لقد أغضَبَ المشاغبون صديقي وألّبوه عليَّ. فقدّم اعتذاره لخراسان، ثم أمر بإرجاع كلّ ما سُلِبَ إلى أصحابه، وأغدق عليهم من الهدايا ما زاد عمّا فقدوه.

معاقبة اللّصوص:

عوقِبَ المماليك الذين قاموا بالهجوم على المبعوثين، وقطِعَت رواتب بعضهم، وقُيِّد البعض الآخر بالسلاسل وطيف بهم في طول المدينة وعرضها، ونوديَ بين الناس أنَّ هذا هو عقاب من يقوم بسرقة أموال حجّاج بيت اللَّه.

ثم بعث سلطان مصر بحُجّاج مصريين رافقوا المبعوثين الخراسانيين إلى مكّة، وعُلِّقت الحُلّة أخيراً داخل الكعبة في يوم عيد الأضحى المبارك، ثم عادَ المبعوثون الى هرات بعد أدائهم مراسم الحجّ، وعند وصولهم الى هناك قاموا بتقديم تقرير مفصّل عن رحلتهم تلك المليئة بالمغامرات الى شاهرخ.

ص: 249

(المصادر)

- ابن إياس الحنفي، محمد بن أحمد، بدائع الزهور في وقائع الدهور، ج 2 ص 244- 245.

- ابن تغري بردي يوسف، النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة، ج 14، ص 77، 265- 266، و ج 15، ص 364- 366.

- ابن حجر العسقلاني، أحمد بن علي، أنباء الغمر بأبناء العمر، بيروت، 1406 ه. ج 8، ص 49، 329- 330.

- خواند مير، غياث الدين محمد، حبيب السّير، طهران، ج 3، ص 626- 633.

- السخاوي، محمد بن عبد الرحمن، التبر المسبوك في ذيل الملوك، القاهرة.

- عبد الرزاق السمرقندي، مطلع اليفسدين ومجمع البحرين، مخطوطة.

- القلقشندي، أحمد بن علي، صبح الأعشى في صناعة الإنشاء، بيروت 1407 ه.

- المقريزي، تقي الدين أحمد، السلوك لمعرفة دول الملوك، القاهرة، صفحات مختلفة.

الوضع الاقتصادي في الجزيرة العربية

ص: 250

الوضع الاقتصادي في الجزيرة العربية

كاظم النصيري

كان البدو يحترفون المهن، وكسب الرزق عن طريق الصناعة، وقد اقتصر عملهم فيها على مصنوعات بسيطة، يصنعها العربي لنفسه.

أمّا الزراعة فإن الجفاف وطبيعة البلاد العربية، قد جعلا الأرض قاحلةً.

وحتى التجارة فإنه لم يكن للبدو خُلق يؤهلهم لها، وقليلًا ما كانوا يمارسونها، بيد أنهم قد استخدموا حراساً للقوافل التجارية، أو أدلّاء لها لقاء أجور يتقاضونها من أصحاب القوافل، الذين ربما استأجروا منهم جمالًا لنقل بضاعتهم. ومع كون التجارة هي المهنة التي يكنّون لها شيئاً من الاحترام أكثر من سواها، فإنهم كانوا يكرهون التكالب عليها، ويندّدون باندفاع قريش فيها.

إنما كانت معيشة البدو قائمة على ما تنتجه مواشيهم من ألبان ولحوم يتغذون بها، ومن صوف ينسجون منه خيامهم ولباسهم، ومن جلود يستعملون منها قراباً أو أحذية يحتذونها. كما كانوا يعتمدون على الموارد التي تأتيهم من الغزو، الذي كان ركناً من أركان الحياة في الصحراء. ولم يكن نوعاً من اللصوصية، بالرغم من

ص: 251

أنه شبيه بها، بل كان في نظرهم نوعاً من الممارسة المباحة ومن التقاليد المتعارف عليها، إذ تغير قبيلة على اخرى بسبب عداوة بينهما، أو حتى بسبب كونها أضعف منها، تأخذ إبلها وماشيتها ومتاعها، وتسبي نساءها وأولادها، فتتحفّز القبيلة المعتدى عليها للأخذ بالثأر، وتتربّص بالأولى، حتى إذا واتتها فرصة سانحة، انقضّت عليها لتغزوها بدورها، وتسلبها ما تملكه، ثأراً منها لما فعلته بها. ومما درج عليه العرب أنهم يحتفظون بالسبي من نساء وأولاد، حتى ترسل قبيلتهم الفدية التي تطلبها القبيلة المنتصرة، كما كان المغيرون يتحاشون جهد استطاعتهم إراقة الدماء (1) ..

فالبيئة البدوية بيئة غزو وغارات، وماذلك إلّالأن الصحراء قليلة الموارد شحيحة بالنبات. فالقبيلة التي تشعر بأنها لا تملك ما يؤمن لها موارد الرزق والمعيشة، ترى من حقّها أن تأخذ ممّن يملك، حتى أصبح الغزو جزءاً من عقلية البدوي وطبعه.

التجارة في الحضر:

يختلف الأمر بالنسبة للحضر، ذلك أن التجارة هي التي حظيت بالاهتمام في المجتمعات الحضرية، فأقبل القوم عليها إقبالًا شديداً إلى درجة أن المؤرخ اليوناني (سترابون) الذي اهتم بأحوال العرب في الجاهلية، كان يرى أن كلّ عربي فيها تاجر أو دليل (2). ويقول (درمنجهايم): إن العرب كانوا الروّاد الأوائل للتجارة العالمية، ولم يكن باستطاعة (الرومان) القدماء الاستغناء عنهم في هذا الميدان. وبلغ من أهمية التجارة لديهم، أنّ الملوك والزعماء كانوا أحياناً تجاراً، فملوك المناذرة كانوا يرسلون (القوافل التجارية) الى أسواق الحجاز في كلّ عام، كما كان ولاة الأمر في تدمر قد مارسوا التجارة، وكذلك عَلِيّة قريش ورؤساؤها.

هذا من جهة، ومن جهة أخرى فان التجارة كانت العامل الهام في نشوء دولة الشمال العربي. وكان أثرها كبيراً على أوضاع دول الجنوب العربي، من حيث


1- 110. P. malsI. I: ssaM irneH
2- 2 26, 24. pp,. dibI: mehgnemreD elimE

ص: 252

تذبذب عواصمها، وانتقالها تبعاً لانتقال الأهمية التجارية من مكان إلى آخر، حتى أن سقوط بعض الدول ونشوء غيرها، سواء في الجنوب أو في الشمال، كان على الغالب مبنياً على أساس ازدهار التجارة في الدولة الجديدة الناشئة، وانحطاط التجارة لدى الدولة الزائلة بسبب تحوّل الطرق التجارية عنها، وانحيازها الى الدولة الناشئة. وفضلًا عن ذلك، فإن العامل التجاري قد كيّف سياسة الدول الأجنبية المحيطة بشبه جزيرة العرب، وحدّد موقفها تجاه بعض الدول التي قامت فيها، إذ طمعت فيها كلّ من بيزنطة والحبشة، وصمّمت إمّا على انتزاع مقاليد التجارة من يدها، بالسيطرة على المسالك التجارية الهامة التي تصلها بالشرق الأقصى، أو باحتلالها. والواقع أن بعض أطراف شبه الجزيرة قد رزحت تحت الاحتلال الحبشي.. (1) ..

تجارة مكّة:

يقول (درمنجهايم): إنّ الازدهار التجاري الذي تصيبه شبه جزيرة العرب بعامّة ومكّة بخاصة، كان مرتهناً بطريق الهند، فبحسب أن يمرّ الطريق إلى الهند من الشمال عبر وادي الرافدين- فارس- أفغانستان أو من الجنوب والغرب، عبر شبه جزيرة العرب والخليج واليمن، يكون العرب إمّا فقراء أو أغنياء (2). والواقع أن مكّة قد استفادت من وقوعها على طريق (الهند)، ذلك أن القوافل التجارية الآتية من (اليمن) ببضائع (الهند)، والذاهبة إليها، كانت تمرّ فيها بوصفها محطة تجارية، لابدّ لها من النزول فيها. كما أعان على ازدهار مكّة وارتقائها من محطة تجارية إلى مدينة عامرة تدهور العلاقات بين ايران وبلاد الشام البيزنطيتين، ونشوب حروب طويلة بين الطرفين، في القرنين اللذين سبقا ظهور الإسلام، مما أدى إلى تعطيل التجارة بين بلاد الشام والهند عبر ايران وأفغانستان، وإلى انتقال النشاط التجاري إلى شبه جزيرة العرب، وخاصة إلى ساحلها الغربي الواقع على البحر الأحمر، فاتّجه المكيون إلى التجارة، وانصرفوا إليها بكليتهم، ولا سيما أن سقوط اليمن في


1- 1.10 .p ,namot fo eripmE l edtubeD uasenigiro sedmalslL :nehac dnalc إدوار بروي/ القرون الوسطى/ ص 111.
2- 2 27 p, dibI: mehgnemreD elimE

ص: 253

أيدي الأحباش، قد أدّى إلى خروج مقاليد التجارة من أيدي اليمنيين، وانتقالها بطبيعة الحال إلى أيدي المكيّين، فعوّضتهم التجارة ما حرمتهم الطبيعة من موارد الزراعة، بسبب كون الحجاز اقليماً يسوده الجفاف والفقر في النبات.

أسهم المكيّون إضافةً إلى نشاطهم التجاري الداخلي، في التجارة العالمية، فتاجروا مع مصر والحبشة، عبر البحر الأحمر عن طريق ميناء الشعيبة؛ الذي كان ميناءً لمكّة في العهد الجاهلي ومع اليمن، ولا سيما بعد أن نظّم هاشم بن عبد مناف رحلتي الشتاء والصيف، الأولى إلى اليمن والثانية الى الشام، فجعلهما منتظمتين (1) ..

وكان لقريش عداهما رحلات تجارية تسير في أوقات مختلفة غير معينة، فأرسل المكيّون قوافلهم إلى أسواق الحيرة، كما أرسلوها إلى الشام، يحملون إليها بضائع الهند من مجوهرات وتوابل وأقمشة نادرة، وبضائع الصين من ملابس حريرية مترفة للأباطرة والرهبان ورجال البلاط، ومن عطور وبضائع شرقي أفريقيا ومن ريش نعام وعاج ومسحوق الذهب وصموغ للكنائس، علاوة على صادرات الجنوب العربي من بخور ولبان وجلود ومعادن ثمينة وعطور (2)، ويعودون منها بالحبوب والزيوت والخمور، والمنسوجات القطنية والكتانية، والحريرية، وحتى بالأسلحة التي كانت بيزنطة تفرض الحظر على تصديرها، فيلجأ العرب إلى تهريبها. وكان ارتحال القوافل أو قدومها يثير ضجّة عظيمة في مكّة، فما أن يعلن عن قدوم إحداها حتى يهب سكانها في شبه هيجان، ويستقبلوها بالدفوف والهتافات (3)، لم تكن تجارة قريش ضيقة المجال، بل كانت عظيمة الاتّساع، ولم تكن قوافلها ملك أفراد، بل كانت تعبيراً عن آمال مدينة بأسرها، تحمل أموالًا لأهل مكّة جميعاً، منهم من يسافر معها، ومنهم من يستأجر رجالًا يقومون بهذه المهمة، ويسهم الجميع في رأس مالها، وقد تبلغ قيمة أسهم أحدهم كأبي أحيحة بن سعيد بن العاص بن أمية، وهو من أبرز أثرياء مكّة، (ثلاثين ألف دينار)، وقد لا يتجاوز سهم أحد الفقراء منهم نصف دينار. ويصل


1- 1 21. p, malsI L: ssaM irneH
2- 2 المصدر السابق.
3- 3. 28 27. pp,. dibI: mengncamreD elimE

ص: 254

عدد الإِبل السائرة فيها إلى أكثر من (1500) بعير، شاهد (استرابون) إحداها فقال: إنها أشبه بجيش سائر، إذ يرافقها حراس يتراوح عددهم بين (200- 300) مسلح (1).

والواقع أن تجارة قريش كانت تسير بقوافل لضمان حماية الأموال، إذ يرافقها رؤساء وحراس وأدلّاء يقل عددهم أو يكثر، بحسب قلة الأموال الثمينة التي تحملها أو كثرتها.

ويختار الادلّاء من القبائل التي تمرّ القافلة في أراضيها، لأنهم أعلم بطرقها من غيرهم، وأكثر خبرة بمواطن الماء والكلإ، وأكثر علماً بمكامن الخطر الذي قد تتعرّض له القافلة، كوجود عوارض طبيعية، يمكن أن يتخذها اللصوص وقطاع الطرق كمائن للإغارة عليها. كما يحرص المكيّون على أن يكون رؤساء القوافل وحراسها، من الشجعان القادرين على تأمين حمايتها. ويعقدون الاتفاقات مع رؤساء القبابل التي تمرّ القوافل في أراضيهم، ويدفعون لهؤلاء الرؤساء أتاوات وهدايا كي يسمحوا لها بالمرور، ويتعهدوا بحمايتها من اللصوص وقطاع الطرق، حتى إذا تعرض للقافلة أحد من هؤلاء بسوء، كان من واجب الرئيس المتعاقد معه، الذي يقع الاعتداء في منطقته، أن يتعقب المعتدين ويؤدّبهم، وأن يعيد الأشياء المنهوبة إلى أصحابها. وكان التجار يضيفون مبالغ هذه الأتاوات والهدايا إلى أسعار مبيع البضائع، الأمر الذي يجعلها غالية الثمن. وكثيراً ما كان أصحاب البضائع يلجأون إلى الوسائل المعنوية لحماية تجارتهم، مثل تقديم الهدايا والقرابين للآلهة عند مغادرة قوافلهم أو عند عودتها، وقد اتخذ بعض الأقوام كالانباط والتدمريين إلهاً خاصاً لحماية القوافل (ذو الثرى) عند الانباط و (ساعي القوم) أي حامي القوافل عند التدمريين.

ويعقد القائمون على الحكم العهود والمواثيق مع رؤساء وحكام الدول المحيطة بهم، التي تقصدها قوافلهم، وهي التي تخوّلهم حقّ المرور في أراضيهم والاتجار فيها


1- 1 Dermenghem, 92.؛ أحمد أمين: فجر الإسلام، ص 14

ص: 255

وتوفير الأمان لها وحسن الجوار (1). أشبه شي ء بالاتفاقات التجارية، التي تعقد بين الدول في أيامنا الحاضرة، ووفقاً لهذه العهود يتاح للتجار القرشيين التنقل في البلاد التي تعقد معها دون أن يعترضهم أحد، كما يتاح لأي دولة منها إذا شاءت أن تراقب الوافدين إليها. فالقوافل العربية التي كانت تقصد الشام كانت تتسوق من أسواق عينتها الحكومة البيزنطية لتحصّل منها الضرائب، ولتراقب الوافدين الأجانب إلى بلادها (2).

وقد اعتمد الروم البيزنطيون على تجارة مكّة في كثير من شؤونهم ووسائل ترفهم، ولا سيما في الحصول على الأقمشة الحريرية المزركشة الموشاة، ولم يكن بوسعهم الاستغناء عمّا يأتونهم به. وقد ذكر بعض مؤرخي الغرب أنه كان للبيزنطيين بيوت تجارية في مكّة يستخدمونها للشؤون التجارية وللتجسس على أحوال العرب (3) ..

وتقاسم بنو عبد عوف النشاط التجاري في مختلف البلدان المجاورة، فكان هاشم الذي يروى أنه قد حصل على عهد أمان من القيصر البيزنطي لتجار مكّة، يذهب الى الشام، وعبد شمس الذي حصل على عهد مماثل إلى الحبشة، والمطلب الى اليمن، ونوفل إلى فارس، وكلّ منهما حصل على عهد (ايلاف) من كلّ من ملكي اليمن وفارس (4). وقد نشطت التجارة في عهد عبد المطلب بن هاشم، وازدهرت مكّة وأصبحت مركزاً للصيرفة، كما يقول المستشرق (أوليدي)، ويمكن أن يدفع فيها التجار أثمان السلع، التي يُتّجر بها مع بلاد بعيدة، وكانت عمليات الشحن والتفريغ للتجارة الدولية تتم في مكة، ويجري فيها التأمين على التجارة عند نقلها من مكّة إلى مختلف الجهات عبر طريق محفوفة بالمخاطر (5). وقامت طبقة من الصيارفة، يؤمنون للتجار عملات الدول الأجنبية التي يتعامل معها القرشيون.

ومثلما كان لبيزنطة وفارس، وربما للحبشة أيضاً، ممثلون تجاريون في قلب مكّة، كان لمكّة أيضاً وكلاء تجاريون في أماكن مختلفة مثل غزة والشام ونجران.


1- 1 أحمد إبراهيم الشريف: مكّة والمدينة في الجاهلية وعهد الرسول: ص 93.
2- 2 المصدر السابق.
3- 3 184. p, dammahuM erofen aibarA: yraeI O
4- 4 أبو علي القالي: الأمالي: 3/ 199، سعيد الأفعاني: أسواق العرب: ص 155- 156.
5- 5. 182. p,. dibI: yraeI O

ص: 256

كما كان يأتي إلى مكّة قلة تجار أجانب من روم وفرس وغيرهم سكنوا فيها، وخالطوا أهلها؛ وتحالفوا مع أثريائها، وأقام بعضهم فيها لقاء جزية سنوية يدفعونها لهم، لتأمين حمايتهم ولحفظ أموالهم وتجارتهم. وقد اتخذ بعض التجار الأجانب مستودعات فيها، لخزن بضائعهم التي يأتون بها كالقمح والزيت والزيتون والخمور (1)، وقد أدّى اختلاط قوافل تجار العرب من قديم الزمن بعرب الشام وغيرهم، إلى تسرّب كثير من الكلمات التجارية والحضارية من يونانية وغير يونانية إلى لغة العرب فتعربت بمرور الزمن في العهد الجاهلي (2). ومما يدل على اهتمام الحجازيين بالتجارة كثرة الكلمات والعبارات المجازية، التي وردت في القرآن الكريم، سواء فيما يتعلق بالتجارة مثل الحساب والميزان والقسط والمثقال والذرة والقرض والربا والدينار والدرهم الخ... أو فيما يخاطب التنزيل الحكيم قريشاً باللغة، التي تفهمها وهي التجارة، من ذلك الآيات الكريمة: يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم تؤمنون باللَّه ورسوله وتجاهدون في سبيل اللَّه بأموالكم وأنفسكم ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون (3)

.

يقول (درمنجهايم): إن القرشيين قد تميزوا عن العرب جميعاً بحسن تذوقهم للعمل التجاري، فدعموا عملياتهم التجارية بتنظيم مالي ومصرفي مدهش، واستعملوا عملات مختلفة منها الدينار البيزنطي، الذي كان له المقام الأول في شبه الجزيرة، ومنها عملات يونانية أو فارسية (الدرهم الفضي الفارسي)، أو حميرية كما كان لهم موازين عامة، ويعتقد بأنهم استعملوا الميزان ذا الكفتين، كما يستدل من بعض الآيات الكريمة، ومكاييل (صاع، مد، ربع صاع) أشار إليها القرآن الكريم.

وكان لهم موازين خاصة دقيقة يزنون بها السبائك الذهبية الخام، ومكاييل خاصة يكيلون بها مساحيق الذهب. وقد عمد التجار المكيّون إلى استعمال دفاتر حسابات تولوا مسكها، كما استعملوا أختاماً وأساليب معقدة ورموزاً في الكتاب


1- 1 د. جواد علي: مفصل تاريخ العرب قبل الإسلام: 4/ 202.
2- 2 الأفعاني: أسواق العرب: ص 38.
3- 3 الصف: 10- 11.

ص: 257

كانت تثير تهكّم البدو لجهلهم بها (1) ..

لم يكن التجار القرشيّون يجمدون أموالهم الفائضة، بل كانوا يوظفونها في مشاريع استثمارية خارج الحجاز. فقد كان آل أبي ربيعة يشغلون أنوالًا لنسج الحرير في اليمن، وكان لأبي احيحة الثري الكبير أموال موظفة في مشاريع زراعية في الطائف، ولأبي سفيان أملاك وولايات تجارية في شرق الأردن وفلسطين، ولعقبة بن أبي معيط مركز تجاري في مدينة صفورية بفلسطين. ومن الدراسات التي قام بها بعض المستشرقين يستدل على أنّ تجار مكّة كانوا يراعون بعض المعاملات التجارية المالية، ويذكر الباحثون بعض الطرق التي كانوا يتبعونها، مثل طريقة عقد القرض، وطريقة الشراكة والمضاربة، إذ كانت تكتب بها صكوك، فيقدّم امرؤٌ مالًا ويأخذ ربحاً، فيصبح شريكاً مضارباً، دون أن يشترك في العمل.

وكثيراً ما كان الفقراء أو البدو البسطاء ضحية أساليب الغش، التي يلجأ إليها التجار من ذوي الضمائر الفاسدة، أو الصيارفة الجشعون، الذين كانوا يقرضون المال بفائدة فاحشة تزيد عن (50 في المائة) أو حتى (مائة في المائة) أو السماسرة والوسطاء المريبون، الذين يبتغون جمع الأموال دون ما حاجة إلى رأس مال (2)، كما كانوا فريسة للمزورين الذين يكتبون بالقروش المؤداة إلى المدين مستندات يسجلون فيها ضعف المبلغ الذي يؤدونه له، والذين كانوا يستعملون أساليب لا حصر لها في الخداع والغش، فيحصلون على فوائد القروض مضاعفة، وتضاعف كلما تأخر المدين عن أداء الدين السابق، وهو الذي عبّر عنه التنزيل الحكم باسم (الربا) وحرّمه. ومن التجارة التي راجت في مكّة تجارة الرقيق، فأصبحت أكبر سوق لها، كما اصطبغت مكّة بصبغة دولية، لكثرة ما كان يرتادها من غرباء جاءوا من أمم ومن أصقاع مختلفة، وأصبحت تعجُّ بهم عجّاً، بينهم فرس وروم وأحباش وزنوج، كما كان منهم النصارى واليهود، يشكلون جاليات جاء أفرادها للتجارة أو للعمل اليدوي في البناء والزراعة والصناعة، أو جاء بعضهم هرباً من


1- 1 32, 29, 26. pp, dibI: mehgnemreD
2- 2 المصدر السابق.

ص: 258

الاضطهادات الدينية في بلادهم الأصلية، مثل المسيحيين واليهود، وهذا ما يفسر لنا ما دخل لغة قريش من ألفاظ رومية أو فارسية أو حبشية وغيرها (1).

أسواق العرب:

كان للعرب أسواق تجارية عامّة، يقصدها الناس من شتى أنحاء شبه الجزيرة للبيع والشراء. وقد اختيرت لها الأماكن المناسبة، من حيث الاتساع والقرب من المدن المتحضرة وتوفر الماء. وهي تكون عادة محاذية للسواحل، حيث المنخفضات، التي تتجمع فيها السيول الهابطة من المرتفعات المجاورة، أو مجاورة للوديان التي تتوفر فيها الينابيع، أو متمركزة في واحات هي في الوقت نفسه محطات للتزود بالغذاء والماء، ومراكز تجارية ترتادها القوافل للبيع والشراء والراحة. ولم يكن عرب شبه الجزيرة فقط هم الذين يقصدون هذه الأسواق، بل كان يأتيها تجار من خارج البلاد. فقد كان الروم مثلًا يتوغلون الى مسافات بعيدة في أراضي العرب الشاسعة للبيع والشراء (2).

من هذه الأسواق ما هو دائم، ومنها ما هو موسمي مؤقت، يعقد في شهر معين من السنة، ومنها ما هو عام يرتاده العرب من شتى أنحاء شبه الجزيرة، أو ما هو محلي يتم فيه التبادل بين التجار والبدو المجاورين. ومع أن هذه الأسواق اقيمت لغاية أساسية هي التجارة وتبادل السلع المختلفة من طعام وشراب وثياب وسلاح وخيل وإبل، غير أنها لم تكن تقتصر على هذا الأمر، بل كان الشعراء والخطباء والمبشرون الدينيون من مسيحيين، وغيرهم يقصدونها للمباراة في الشعر والخطابة وبث الدعوات الدينية. ومما يُرى أن الرسول صلى الله عليه و آله كان يخرج إلى هذه الأسواق، ويعرض دينه على القبائل العربية، التي ترتادها لهدايتهم. وربما جاء أحدهم ليبحث عن غريم، أو عن عبد هرب من داره، أو عن دابة سُرقت له (3)، أو ليسعى. وفي هذه الأسواق، لا سيما في سوق عكاظ، كان العقلاء ينتهزون فرصة التقاء الزعماء من شتى القبائل، ليوفّقوا بين المتخاصمين منهم والمتنازعين،


1- 1 أحمد إبراهيم الشريف: مصدر سابق: ص 213.
2- 2 د. جواد علي، مفصل تاريخ العرب 4/ 413.
3- 3 د. عمر فروخ، العرب في حضارتهم وثقافتهم: ص 86.

ص: 259

وليصلحوا بين قبيلة وأخرى تقتتلان، وتحلّ المشاكل الموجبة للنزاع من دفع ديات أو وفاءٍ بالتزامات، أو دفع ديون. كما تعقد فيها عهود الجوار والمحالفات، وتعلن فيها القرارات التي تتخذها القبائل لخلع السفهاء من أفرادها. كانت الأسواق منتشرة في جميع انحاء شبه جزيرة العرب، وموزعة على أيام السنة كلها بوجه التقريب. يقول القلقشندي (1): «كان للعرب في الجاهلية أسواق يقيمونها في شهور السنة، وينتقلون من بعضها إلى بعض، ويحضرها سائر قبائل العرب، من بَعُد منهم ومن قَرُب، فكانوا ينزلون دومة الجندل أول يوم من ربيع الأول فيقيمون أسواقها بالبيع والشراء والأخذ والعطاء فيعشرهم رؤساء آل بدر في دومة الجندل، وربما غلب على السوق بنو كلب فيعشرهم بعض رؤساء كلب، فتقوم سوقهم إلى آخر. ثم ينتقلون إلى سوق هجر، من البحرين في شهر ربيع الآخر فتقوم أسواقهم بها. وكان يعشرهم (المنذر بن ساوى) أحد بني (عبداللَّه بن دارم)، ثم يرتحلون نحو عمان بالبحرين، فتقوم سوقهم بها، ثم يرتحلون فينزلون عدن من اليمن أيضاً، فيشترون منه اللطائم وأنواع الطيب، ثم يرتحلون فينزلون الرابية من حضرموت، ومنهم من يجوزها إلى صنعاء، ثم تقوم أسواقهم بها ويجلبون منها الخرز الأدم والبرود، وكانت تجلب إليها من معافر، ثم يرتحلون إلى عكاظ في الأشهر الحرم، فتقوم أسواقهم ويتناشدون الأشعار ويتحاجّون، ومن له أسير سعى في فدائه، ومن له حكومة ارتفع إلى الذي يقوم بأمر الحكومة، وكان الذي يقوم بأمر الحكومة فيها من بني تميم، وكان آخر من قام بها منهم (الاقرع بن حابس التميمي)، ثم يقيمون بعرفة يقضون مناسك الحج ويرجعون إلى أوطانهم».

إن أشهر أسواق شرقي شبه الجزيرة العربية: سوق (المشقّر) بالبحرين قرب هجر، وكان يرتادها ساكنو الجهات الشرقية والغربية من شبه الجزيرة، كما يرتادها تجار الهند وفارس. ويرتاد هؤلاء سوقاً أخرى في البحرين هي سوق هجر. وفي عمان وُجد سوقان احداهما سوق (دبا) وكانت مقصد الصينيين والهنود


1- 1 القلقشندي، نهاية الارب في معرفة انساب العرب: ص 464.

ص: 260

إلى جانب من يقصدها من سكان شبه الجزيرة، والأخرى سوق (صحار). واشتهر في جنوبي شبه الجزيرة العربية: سوق (الشحر) في المهرة، وسوق (عدن) وسوق (الرابية) بحضرموت وسوق (صنعاء) في اليمن. وفي شمالي شبه الجزيرة سوق (دومة الجندل) وتقع على منتصف الخط الواصل بين العقبة والبصرة تقريباً، وبالقرب من جبلي طي (أجأ وسلمى) وكان يتنافس على رئاستها كلّ من أكيدر العبادي من السكون، وقنافة من بني كلب أيهما كانت له الغلبة عشّر السوق. وأكيدر هو صاحب حصن دومة الجندل الشهير، وقد دهمه خالد بن الوليد بمناسبة وقعة تبوك، وتغلب عليه فأسلم بعدئذ. كان البيع يجري في هذه بطريقة (بيع الحصاة)، ولم يكن أحد ممن يرتاد السوق يشتري أو يبيع حتى يبيع (الأكيدر)، ملك السوق، كلّ شي ء يريد بيعه، ثم يشرع في استيفاء المكس على بيوع رواد السوق (1).

أما غربي شبه الجزيرة، ولا سيما الحجاز فقد حفل بكثير من الأسواق، وكان السبب في كثرتها أولًا: وجود الكعبة كمركز ديني يستقطب الوافدين إليه لاقامة الشعائر الدينية، وبالمناسبة للقيام بالاعمال التجارية في أسواق اقيمت لمد الحجاج بما يحتاجون إليه. ثانياً: وقوع حواضره الهامة على المسالك التجارية المارة من الجنوب إلى الشمال. ثالثاً: لأن المنطقة متعددة الفعاليات، ففيها تجارة قريش المزدهرة، وبعض الواحات والحرات التي يتعاطى أهلها الزراعة، وتكثر فيها الغلات، وتقوم فيها بعض الصناعات، كما في يثرب وفدك وتيماء وغيرها من الحرات التي سكنها اليهود. وقد اشتهر هؤلاء بصناعات كثيرة نقلوها إلى هذه الجهات، مما جعل في المنطقة حركة مبادلات تجارية نشيطة.

سوق عكاظ:

ومن أشهر أسواق غربي شبه الجزيرة العربية: سوق عكاظ التي عرفت بأهميتها التجارية العظيمة إلى جانب أهميتها من الناحيتين الاجتماعية والادبية.

ففيها تباع أفخر الملابس وأطيب الخمور وأشهر أنواع الأسلحة، ويرد إليها من


1- 1 الأفغاني، أسواق العرب: ص 232- 238.

ص: 261

اليمن البرود الموشاة وأحسن أنواع الطيوب، ومن الشام الزيوت والزبيب والخمور، ويباع فيها الحرير والأحذية وشتى الأدوات المعدنية ويعرض فيها الرقيق. وقد يأتي إليها غازٍ بما سلب من أسلحة خصم قتله في غراة، فيرى ذوو المقتول سلاح قتيلهم، فيترصدون بائعه، حتى إذا ظفروا به خارج السوق ثأروا منه لدم قريبهم. وكان من عادة فرسان العرب المبرزين أن يأتوا السوق ملثمين، كي لا ينكشف أمرهم ويتعرف عليهم ذوو الثارات عندهم، فيذهبوا ضحية الثأر.

وسوق عكاظ معرض لكثير من عادات العرب وأحوالهم الاجتماعية، ولحل بعض مشاكلهم السياسية، إذ كان يتم التحكيم بين القبائل المتحاربة ويتبادل الفرقاء المتخاصمون ديات قتلاهم. ومن كان له أتاوة على قوم نزل على عكاظ فجاؤوه بها، ومن أراد إجارة أحد هتفَ بذلك في السوق، ليعلم عامة الناس بذلك.

والقبيلة التي تريد خلع أحد السفهاء من أفرادها ينادي مناديها بذلك فيها. وإذا أراد أحد أن يلحق آخر بنسبه أعلن ذلك. وفي السوق تعقد معاهدات الصلح والسلام، ويتفق المتخاصمون على دفع الديات. فالسوق كانت بمثابة جريدة من الجرائد الدورية والرسمية، أو بالاحرى وسيلة من وسائل الاعلام العامة. والى جانب كون سوق عكاظ معرضاً من معارض التجارة، وندوة من ندوات السياسة والاجتماع، فهي معرض من معارض الأدب والخطابة، إذ تعقد فيها حلقات الأدب والشعر، ويتناشد الشعراء قصائدهم، يحكم فيها أخصائيون يكونون في الغالب من فطاحل شعراء الجاهلية، ففي الروايات أن (نابغة بني ذبيان) كانت تضرب له قبة من أدم أحمر اللون في سوق عكاظ، يجتمع إليه فيها الشعراء، ويستمع إلى ما ينشدونه من قصائد فيعطي رأيه فيها. ولعل ما عرف باسم المعلقات هو ممّا كان يعجب به هذا الشاعر الكبير، وهذا يتم في كلّ موسم من مواسم السوق. ومعلقات الشعراء الجاهليين كثيرة، وهي من عيون الشعر في الجاهلية، ولعل تسميتها جاءت من تشبيهها لجودتها بالقلائد التي تعلق في نحور الغانيات. ولم يكن أقل من

ص: 262

ذلك شأن الخطباء والوعاظ، إذا يحتشد الناس حول أحدهم، وتشخص إليه الابصار، فيطلع عليهم بخطبة كخطبة قيس بن ساعدة الأيادي التي يقول فيها:

(أيها الناس اسمعوا وعوا، من عاش مات، ومن مات فات،...) وهي معروفة (1).

وكان إلى جانب سوق عكاظ أسواق أخرى أقل أهمية، مثل (مجنة) و (ذي مجاز) وهي قريبة من مكة. وفي يثرب وحولها قامت بعض الأسواق مثل سوق (بني قينقاع) في يثرب نفسها، حيث كان العرب يبتاعون مصنوعات اليهود الذهبية والمعدنية وغيرها، وقد اشتهر بنو قينقاع بالصياغة. كما وجد في يثرب سوق يقيمها النصارى من سكانها تسمى (سوق النبط)، والمعتقد أن نبط الشام كانوا ينزلون فيها للاتجار بالحبوب، كما قام خارج يثرب والى مسافة غير بعيدة منها سوق بدر، حيث وقعت الموقعة الشهيرة في الإسلام بين الرسول وكفار قريش وهو موضع توفر فيه الماء.

حماية التجارة في الأسواق:

تعارف العرب على تقاليد يلتزمون بها في أمور تجارتهم، ومواسم حجّهم الى الكعبة. وهي تقضي بتحريم القتال خلال أربعة أشهر في السنة سموها الاشهر الحرم، ثلاثة منها متتابعة هي ذو القعدة، ذو الحجة، المحرم، وشهر واحد منفرد هو رجب الفرد، أو رجب الأصم، وربما كان السبب في تسميته (الاصم) كونه لا تسمع فيه قعقعة السلاح. وكان من أعظم العار عندهم، أن يخرق أحدهم حرمة هذه الأشهر فيسفك فيها دماً، حتى تنقضي تماماً، وحتى يغادر الناس المكان الحرام، أي الكعبة وما يجاورها من أماكن محدودة المعالم، والحرب محرمة فيها طوال أيام السنة، فإذا لقي المرء قاتل أبيه ما وسعه التعرض له بسوء فيها. ولذا سمى العرب الحروب التي جرت بين كنانة وقيس عيلان في عكاظ باسم (حروب الفجار) لأنهم اقتتلوا في الأشهر الحرم، وامتدت اشتباكاتهم حتى الأماكن المقدسة.

والسبب الذي حمل العرب على اتباع هذه التقاليد، هو حرصهم على توفير


1- 1 الأفغاني، أسواق العرب: ص 277- 315.

ص: 263

جو من السلام والطمأنينة، خلال مواسمهم الدينية التي يشترك الناس والقبائل من أرجاء شبه الجزيرة العربية كافة فيها. وقد حرصوا على جعل أكبر أسواقهم تقام في الأشهر الحرم؛ لتوفير جو السلام والهدوء للتجارة أيضاً. فكانت سوق حُباشة وسوق صحار في رجب، وسوق حضرموت في ذي القعدة، وأسواق عكاط ومجنة وذي مجاز في ذي الحجة (1)، بحيث لا ينتهي بيعهم وشراؤهم من سوق عكاظ حتى ينصرفوا إلى السوق التي تعقد بعدها، ويستمر تنقلهم على هذا المنوال طوال أيام السنة تقريباً. كما أن من الأسواق ما كانت تقام في غير الأشهر الحرم، الأمر الذي أوجب أن يكون قدوم الناس إليها بعروضهم التجارية بخفارة، ورجوعهم منها كذلك، خوفاً على هذه العروض من أن تكون نهباً مقسماً للصوص وقطاع الطرق. فتجارة العرب كانت أروج ما يكون حيث يستتب الأمن، ويعم الهدوء، وتعم الثقة. وقد تميزت مكّة وما يجاورها من مناطق بهذه الميزة لمجاورتها الكعبة، فغنيت وازدهرت من التجارة، وفرضت نفوذها الأدبي على القبائل العربية كافة.

بيد أن رعاية التقاليد الآنفة الذكر ليست بالشي ء المطرد على اطلاقه، بل قد يحدث أن بعض القبائل لا تعرف لهذه الحرمات حقاً، فتسفك الدم ولو في الشهر الحرام وفي البلد الحرام (2)، أو أن طالب ثأر لا يملك أعصابه حينما يشاهد قاتل أخيه أو أبيه فيقتله، الأمر الذي حمل القوم على التفكير في توفير الحماية لهذه الأسواق.

وقد اطلق على من يقومون بهذه المهمّة اسم (الذادة الُمحرِمين)، بينما اطلق على الذين يهتكون حرمة التقاليد المتعارف عليها اسم (الُمحِلين). ويشرف على مهمة الذود عن (التحريم) الملوك، إذا كانت الأسواق تعقد في أرض مملكة، أو رؤساء القبائل الذين تقوم الأسواق في جوارهم. والرئيس الذي يحمي السوق يلقب باسم (ملك السوق)، وربما تنافس رئيسا قبيلتين مجاورتين على ملكية السوق، فيجري الاتفاق بينهما على التناوب في القيام بهذه المهمة. وتتجلى سيادة الرئيس بأخذ العشر من التجار عمّا يباع، ويطلق عليه اسم (المكس)، وكان يقال للعشار


1- 1 الأفغاني، أسواق العرب: ص 70.
2- 2 المصدر السابق: ص 73.

ص: 264

صاحب المكس (1).

وربما اعتبر بعضهم المكوس بمثابة غرامات، وإلى ذلك يشير الشاعر (جابر ابن حنى التغلبي) بقوله:

أفي كلّ أسواق العراق أتاوة وفي كلّ ما باع امرؤ مكس درهم طرق البيع ومصطلحاته:

هناك طرق مختلفة للبيع والشراء عرفت في الجاهلية. وبعضها يبدو على شي ء من الغرابة، بحيث لا يختلف عمّا هو معروف لدينا الآن باسم (الحظ واليانصيب)، وقد أبطلها الإسلام إثْر قيامه. ولعل أشهرها طريقة بيع الحصاة التي كانت معروفة في سوق دومة الجندل.

وتتم على أشكال مختلفة، كأن يقول البائع للمشتري: ارمِ هذه الحصاة على أي ثوب وقعت فهو لك بكذا من الدراهم. أو أن يعترض المشتري قطيعاً من الغنم فيقول له صاحبه: ارمِ حصاة (فأي شاة أصابتها فهي لك بكذا). أو أن يبيع رجل من أرضه بقدر ما تنتهي إليه رمية حصاة بكذا من النقود. أو أن يقبض على كف من الحصى ويقول: لي بكلّ حصاة درهم ثمناً لكذا من الأشياء أو السلع التي يبيعها.

أو أن يجتمع نفر على سلعة يساومون صاحبها عليها، فأيهم رضي القى حصاته فيقع عليه البيع (2).

ومنها بيع الملامسة: وذلك بأن يأتي البائع بثوب مطوي نهاراً أو في ظلمة، فيلمسه المستام، فيقول له صاحب الثوب: «بعتكه بكذا شرط أن يقوم لمسك له، مقام نظرك، ولا خيار لك إذا رأيته، فلا يقلب المشتري الثوب لا ليلًا ولا نهاراً.

ومن طرق بيوع الجاهلية:

بيع المعاومة: كأن يبيع الرجل ثمرة شجره عامين أو ثلاثة أو أكثر. وهو بيع مجهول وغير مملوك.


1- 1 المصدر السابق: 56.
2- 2 الآلوسي، بلوغ الارب 1/ 264.

ص: 265

بيع المزابنة: وهو بيع الرطب في رؤوس النخل بالتمر كيلًا، أي بيع شي ء لا يسلم كيله ولا عدده ولا وزنه بمسمى من مكيل وموزون ومعدود، وقد يكون بيع معلوم بمجهول من جنسه، ويحتمل فيه الغبن فهو بيع مغابنة. وسمي بيع المزابنة؛ لأنّ أحد المتابعين إذا ندم زين صاحبه عما عقد عليه، أي دافعه في ذلك.

بيع التصرية: وتتلخص بأن الرجل إذا أراد بيع شاة أو ناقة امتنع عن حلبها أياماً، فيحتفل اللبن في ضرعها فيعظم. فإذا كان ذلك منها عرضها للبيع، فيظن المشتري أن كثرة لبنها واحتفال ضرعها عادة مستمرة لها، فلا يلبث أن يتبين خطأه بعد شرائها. والتصرية تعني الجمع، يقال: صرّ الماء في الحوض إذا جمعه.

ومن بيوع الجاهلية بيع ما في بطون الحوابل من الحيوانات، وأخيراً هناك ما يقال له:

بيع النَجَش: وهو أنْ يواطئ البائع رجلًا آخر، فيحمله على امتداح بضاعته، أو أنْ يساومه عليها بثمن مرتفع، فينظر إليه ناظر يرغب في شرائها، فتجوز عليه الخدعة ويشتري السلعة بثمن مرتفع (1).

وأخيراً هناك:

بيع الناجز: وهو البيع المعروف لجميع الناس بادين وحاضرين وذلك إذا كانت المبادلة يداً بيد. قالوا: بيع السوق ناجزاً بناجز أي حاضراً بحاضر (2).

الهوامش:


1- 1 الافعاني، أسواق العرب: ص 49- 54.
2- 2 المصدر السابق: ص 55- 56.

ص: 266

ص: 267

معجم ما كتب في الحجّ والزيارة ... (6)

معجم ما كتب في الحجّ والزيارة ... (6)

معجم ما كتب في الحجّ والزيارة ... (6)

عبد الجبار الرفاعي

الدائرة بين مكة والبلاد

ابن فضل العمري القرشي (700- 749 ه)

ظ: المنهل (جدة) س 56: ع 475 (3- 4/ 1410 ه/

10- 11/ 1989 م) ص 205.

دار الأرقم بن أبي الأرقم أول مدرسة في الإسلام

أحمد العربي

المنهل (جدة) مج 6: ج 11- 12 (11- 12/ 1365 ه/

10- 11/ 1946 م)

ص 540- 542.

دار القلائد فيما يتعلق بزمزم وسقاية العباس من العوائد

ابن علان المكي

ظ: المنهل (جدة) س 56: ع 475 (3- 4/ 1410 ه/

10- 11/ 1989) ص 20.

دار الندوة

فؤاد طرزي

العربي ع 35 (1961 م) ص 24- 27.

دار الهجرة وأهلها

عزالدين الخطيب التميمي

ص: 268

هدي الإسلام س 26: ع 1 (1402 ه) ص 8- 14.

داروهاى حج

(بالفارسية)

طهران: ط 1، 1371 ش.

داستان به حج رفتن مرد سفيه

(بالفارسية)

مجهول المؤلف

ط: سنا 2/ 133 «حكايت....»، فهرستواره منزوى 1/ 340.

داستان حج مالك (ملك) دينار

(قصة حج مالك بن دينار، بالفارسية)

مجهول المؤلف

ط: فيلم ها 2/ 269، فهرستواره منزوى 1/ 348.

دانستنى هاى پيش از حج عربستان سعودى وتاريخ مكة ومدينة

(بالفارسية)

جعفر شهيدي

طهران: دفتر تبليغات وآموزش حج، ط 1، 1361 ش، 64 ص.

دانستنى هاى پيش از سفر به خانه خدا

(بالفارسية)

مهدى ملتجى

طهران: كتابفروشي اشرفي، 1351 ش، 307 ص، 24 سم.

دانستنى هاى حج- كتاب براى كودكان ونوجوانان

(بالفارسية)

محمد شيرازي، حسين شاهرودي

قم: اسلامي، ط 3، 1368 ش، 32 ص.

دانستنى هاى سفر حج

(بالفارسية)

محمد علي بسطامي

طهران: انتشارات مهديه، 1350 ش، 150 ص.

داستانهاي شنيدي از فتح مكة وجنگ حُنين

(بالفارسية)

لمحمد محمدي اشتهاردي

قم: جماعة المدرسين في الحوزة العلمية، 1368 ش/

ص: 269

1989 م، 158 ص.

در آرزوى دو قطره اشك

[خاطرات سفر حج]

(بالفارسية)

غلام حسين جمى

ميقات حج س 2: ع 5 (پائيز 1372 ش) ص 195- 200.

الدر الثمين في معالم دار الرسول الأمين صلى الله عليه و آله

غالي محمد الأمين الشنقيطي

جدة: دار القبلة- بيروت:

مؤسسة علوم القرآن، ط 3، 1411 ه- 1991 م، 270 ص، 24 سم.

در جستجوى اهداف وحكمتهاى مراسم حج

(بالفارسية)

محمد باقر حجتي

ميقات حج: ع 16 (تابستان 1375 ه) ص 10- 28.

ع 18 (زمستان 1375 ش) ص 10- 28.

در حريم بيت العتيق سفر به مكه

(بالفارسية)

عباس بهلوان

طهران: انتشارات جاويدان، 1352 ش، 20+ 158 ص.

در حريم دوست [خاطرات سفر حج]

(بالفارسية)

محمد علي مهدوي راد

ميقات حج س 2: ع 5 (پائيز 1372 ش) ص 177- 193.

در حريم عشق

(بالفارسية)

محمد تقي نعمت زاده

ميقات حج: ع 17 (پاييز 1375 ش) ص 262- 281.

در راه برپايى حج ابراهيمى

(بالفارسية)

عباس علي عميد زنجاني

طهران: وزارة الثقافة والارشاد الإسلامي، ط 1، 1366 ش، 182 ص، 21 سم.

در راه خانه خدا

(بالفارسية)

ص: 270

عزالدين قلّوز

ترجمة: جعفر شهيدي

طهران: دانش نور، ط 1، 1357 ش، 2 ج.

در زيارت مدينه منوره

(بالفارسية)

محيى لارى

ميقات حج س 2: ع 8 (تابستان 1373 ش)، ص 144- 148.

الدر الكمين في ذيل العقد الثمين في تاريخ البلد الأمين

ابن فهد المكي

حققه ونشره: حمد الجاسر.

صدر عن: دار اليمامة للترجمة والنشر

ظ: المنهل (جدة) س 56: ع 475 (3- 4/ 1410 ه/

10- 11/ 1989 م) ص 205.

در محضر نور امامان عليهم السلام در حجر اسماعيل

(بالفارسية)

محمد أمين پوراميني

ميقات حج. س 4: ع 11 (بهار 1374 ش) ص 180- 195.

الدّر المنيف في زيارة أهل البيت الشريف

أحمد بن أحمد مقبل المصري

فرغ منه سنة 1267 ه

خ: الخديوية بمصر

ظ: ايضاح المكنون 1/ 452، الذريعة 8/ 79، معجم ما كتب عن الرسول وأهل البيت صلوات اللَّه عليهم 9/ 454.

الدر النصيع في زيارة النبي وأئمة البقيع

محمد صالح بن أحمد آل طعان ت 1333 ه.

خ: مكتبة السيد عبدالكريم بن محمد الشيخ بالمنطقة الشرقية في السعودية.

الموسم مج 3: ع 9، 10 (1411 ه)، ص 441.

دراسات عن الأضاحي ومدى الاستفادة منها

حفيظ أحمد باشا وآخرون

جدة: جامعة الملك

ص: 271

عبدالعزيز، 46 ص.

دراسات في تاريخ الدول العربية في عصور الجاهلية والنبوة والراشدين والأمويين (1- 132 ه/ 622- 749 م)

مصطفى أبو ضيف أحمد

الدار البيضاء: دار النشر المغربيّة، 1983، 556 ص، خرائط، شجرات انساب.

دراسات موسم الحج لعام 1400 ه.

حفيظ أحمد باشا وآخرون

جدة: جامعة الملك عبدالعزيز، 1401 ه، 16 ص.

دارسات موسم الحج لعام 1401 ه.

حفيظ أحمد باشا وآخرون

جدة: جامعة الملك عبدالعزيز، 125 ص.

دراسات موسم الحج لعام 1402 ه.

حفيظ أحمد باشا وآخرون

جدة: جامعة الملك عبدالعزيز، 210 ص.

دراسة تاريخية لمساجد المشاعر المقدسة «مسجد الحنيف» و «مسجد البيعة» بمنى

ناصر عبداللَّه البركاتي ومحمد نيسان سليمان مناع

جدة: دار المدن، ط 1، 1408 ه، 260 ص، 24 سم.

دراسة جغرافية لموقع غزوات الرسول صلى الله عليه و آله و سلم

ابراهيم حسن النصيرات

الرياض: جامعة محمد بن سعود الإسلامية، كلية العلوم الاجتماعية، 400 (ه. (رسالة ماجستير)).

دراسة عن مواقع المساجد بمدينة مكة المكرمة

عبدالعزيز بن صقر الغامدي

مكة: مطبوعات نادي مكة الثقافي الأدبي، 1406 ه، 56 ص، 24 سم.

دراسة موجزة لبعض مؤلفات كرستيان سنكوك هورغروني عن تاريخ الجزيرة العربيّة

عبداللطيف بن دهيش

في: الندوة العالمية الأولى

ص: 272

لدراسات تاريخ الجزيرة العربية (الرياض: 5/ 1397 ه/ 4/ 1977 م).

دراسة نقدية لحال الحجاز قبل الإسلام

عبدالأمير الأعسم

رسالة الإسلام (كلية أصول الدين: بغداد) س 2: ع 3، ص 98- 111.

دراسة نقديّة لطريق الحج بين الكوفة ومكة

المنهل (جدة) مج 39: ج 1 (1/ 1398 ه/ 12- 1/ 1978 م) ص 26- 29.

درب زبيدة

طريق الحج من الكوفة إلى مكة

«دراسة تاريخية وحضارية أثرية»

سعد عبدالعزيز سعد الراشد

الرياض: دار الوطن للنشر والإعلام.

درر الحكم في أسرار مناسك الحج والبيت الحرام

(رسالة)

يونس وهبي الرومي الحنفي

ط: المنهل (جدة) س 56: ع 475 (3- 4/ 1410 ه/

10- 11/ 1989 م) ص 205.

درر الفوائد المنظمة (يشتمل على جل تاريخ مكة)

عبدالقادر بن محمد بن عبدالقادر الأنصاري الجزيري، كان أمير الحج المصري ما يقرب من نصف قرن ت 977 ه

طبع سنة 1403 ه، 3 مج

العرب. س 18: ع 7- 8 (1، 2/ 1404 ه/ 10، 11/ 1983 م) ص 433- 1480 (حمد الجاسر)

درس هايى از فقه سياسى اسلام

(اسرار، مناسك، أدلّه حج)

(بالفارسية)

د. م: صوت اسلام، ط 2، 1362 ش، 464 ص، 24 سم.

درسهايى از حج

(بالفارسية)

ميقات حج س 2: ع 5 (پائيز 1372 ش) ص 41- 44.

ص: 273

درس هائى از ولايت با ضميمه سوغاتى از حج

(بالفارسية)

د. م: د. ن، ط 1، 1362 ش.

الدرّة الثمينة في أخبار المدينة

محب الدين محمد بن محمود بن النجار ت 643 ه

تحقيق: صالح جمال

بيروت: دار الفكر، 1391 ه.

الدرّة الثمينة في تاريخ المدينة

محمد بن جعفر بن هارون بن فروة الكوفي النحوي الشيعي من مشايخ النجاشي ت 420 ه

ظ: ريحانة الأدب 8/ 247، الذريعة 8/ 96

الدرّة الثمينة في زيارة المعصومين في المدينة

محمد صالح بن أحمد آل طعان الستري البحراني ت 1333 ه.

(رتّبه على اثني عشر باباً في أعمال المدينة، فرغ منه سنة 1325 ه)

خ: مكتبة آل طعان في القطيف.

ط: الذريعة 8/ 95، الموسم مج 3:

ع 9 (1411 ه) ص 432.

الدرّة الثمينة في فضل المدينة

محمد بن محمود البغدادي الشافعي المعروف بابن النجّار ت 643 ه

خ: مكتبة الحرم المكي الشريف في مكة المكرمة

طُبع في سنة 1956 م، (مع شفاء السقام)

ظ: الغدير 5/ 99، 104، 105، ريحانة الأدب 8/ 248، فهرس الفهارس والاثبات 680، نشرة أخبار التراث العربي ع 18 (3، 4/ 1985 م) ص 11.

الدرّة الثمينة فيما لزائر قبر النبي صلى الله عليه و آله و سلم إلى المدينة

أحمد بن محمد بن يونس القشّاش (991- 1107 ه)

القاهرة: مطبعة التقدم العلمية، 1326 ه، 157 ص.

ظ: ايضاح المكنون 1/ 457، هدية العارفين 1/ 161، معجم المطبوعات العربية لسركيس 1720، معجم ما ألف عن

ص: 274

رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم 354.

الدرّة الفاخرة في زيارات العترة الطاهرة

محمد صادق بن محمد النميني اللنكراني

ظ: الذريعة 8/ 106، معجم ما كتب عن الرسول وأهل البيت عليهم السلام 9/ 457.

الدرّة في أحكام الحج والعمرة

سليمان بن أحمد آل عبدالجبار القطيفي ت 1266 ه

ظ: الذريعة 8/ 89، 22/ 276.

الدرّة في مناسك الحج والعمرة

(بالفارسية)

محمد الفيروزآبادي اليزدي

النجف: المطبعة الحيدرية، 1338 ه، 39 ص.

الدرّة المضيئة في الزيارة المصطفوية

علي بن سلطان القاري الهروي ت 1014 ه

خ: في مكتبة حسن حسني باشا 1/ 251

(باسم الدرة المضيئة في زيارة الروضة الرضيّة) عارف حكمت، 72 مجاميع.

ظ: كشف الظنون 2/ 743، ايضاح المكنون 1/ 460، الذريعة 8/ 108، معجم ما ألّف عن رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم 355.

الدرّة المضيئة في الزيارة المصطفوية

محمد أمين بن عابدين ت 1253 ه

ظ: الغدير 5/ 121

الدرّة المكلّلة في فتح مكة المشرفة المبجلة

محمد بن محمد بن عبدالرحمن البكري الصديقي 898- 952 ه

طُبع في:

مصر: 1287 ه، 1282 ه، 104 ص.

مصر: 1297 ه.

المطبعة الميمنية: 1300 ه و 1308 ه، 84 ص.

مطبعة عثمان عبدالرزاق: 1301 ه و 1303 ه.

ص: 275

المطبعة العثمانية: 1310 ه، 79 ص.

مصر: 1317 ه، 63 ص.

المطبعة الشرفيّة: 1324 ه، 63 ص، 1935، 200 ص.

القاهرة: مكتبة الثقافة الدينية، 1987 م، 182 ص.

ظ: معجم المطبوعات لسركيس 581.

دروس حجة الوداع

أحمد غراب

في: ندوة الحج الدوليّة (لندن:

المعهد الإسلامي، 4- 7 أغسطس 1982 م).

دروس من السماء؛ الأضحية ومشروعيتها

اسماعيل الطحان

الرسالة الإسلامية (بغداد) ع 99 (1396 ه) ص 13- 17.

دروس الوحدة والتضحية في لقاء الحج والاحتفال بعيد الأضحى

محمد حامد أبو النصر

لواء الإسلام (القاهرة) س 45: ع 4 (6/ 1990 م) ص 4- 5.

دروس وعِبر من غزوة فتح مكة

محمود شيت خطاب

مجلة درع الوطن (أبو ظبي) ع 66 (محرم 1397 ه) ص 38- 39.

دروس وفتاوى في الحرم المكي

محمد بن صالح عثيمين

اعداد: بهاء الدين بن عبد المنعم آل دحروج

الرياض: مكتبة اولي النّهى

بيروت: دار حضر، ط 2، 1411 ه، 444 ص، 24 سم.

درون كعبه در دو ديدار

هادي فرهنگ انصاري

ميقات حج: ع 18 (زمستان 1375 ش) ص 186- 199.

دستور حج وعمره

(بالفارسية)

علي العلامة الفاني الاصفهاني

النجف الأشرف: مط النعمان، 1385 ه، 149 ص.

دستور العمل في الحجّ والمزار

باقر بن غلام علي التستري

ص: 276

ت 1327 ه.

دعاء عرفه للإمام علي بن الحسين عليه السلام

طهران: انتشارات الغدير، 1351 ش، 16 ص، 17 سم.

دعاها واذكار حج

(بالفارسية)

اصفهان: اداره كل ارشاد اسلامي، ط 1، 1360 ش.

دعاها واذكار مناسك حج، زيارات اعتاب مقدّسة مكة ومدينة

(بالفارسية)

حسين عماد زاده

طهران: مكتبة سعدي، ط 1، 1396 ه.

دعاي عرفه (روز شناخت)

(بالفارسية)

عبدالكريم بي آزار شيرازي

طهران: دفتر نشر فرهنگ اسلامي، 1373 ش، 64 ص، 24 سم.

دعاي عرفه

(بالفارسية)

ترجمة وشرح: علي أكبر محبّ الاسلام

مشهد: (د. ن) (د. ت)، 20 ص.

دعاي عرفه

(بالفارسية)

اعداد وتنظيم: معاونت آموزش وتحقيقات بعثه مقام معظم رهبري

طهران: نشر مشعر، 1372 ش، 79 ص.

دعاي عرفه امام حسين عليه السلام

(بالفارسية)

حسين عماد زاده اصفهاني

طهران: مكتب قرآن، 1353 ش، 121 ص، 24 سم.

الدعوات والزيارات

خ: الرضوية، 124 ص.

ظ: فهرس الرضوية 2/ 293، الذريعة 8/ 205، معجم ما كتب عن الرسول وأهل البيت عليهم السلام 9/ 471.

الدعوات والزيارات

خ: الرضوية، تاريخ وقفها سنة 1309 ه.

ص: 277

ظ: الذريعة 8/ 204، معجم ما كتب عن الرسول وأهل البيت عليهم السلام 9/ 471.

الدعوات والزيارات

خ: الرضوية، في 248 صفحة.

ظ: فهرس الرضوية 2/ 88، الذريعة 8/ 205، معجم ما كتب عن الرسول وأهل البيت عليهم السلام 9/ 471.

الدعوات والزيارات

خ: سپهسالار، في 474 ص.

ظ: فهرس سپهسالار 1/ 56، الذريعة 8/ 204، معجم ما كتب عن الرسول وأهل البيت عليهم السلام 9/ 471.

الدعوات والزيارات

خ: الرضوية، وقّفها علي أصغر، سنة 1250 ه، في 214 ص.

ظ: فهرس الرضوية 2/ 296، الذريعة 8/ 205، معجم ما كتب عن الرسول وأهل البيت عليهم السلام 9/ 472.

الدعوات والزيارات

خ: سپهسالار في 58 ص، سنة 1250 ه، بخط عبدالوهاب الطباطبائي

ظ: فهرس سپهسالار 1/ 51، الذريعة 8/ 205، معجم ما كتب عن الرسول وأهل البيت عليهم السلام 9/ 472.

الدعوات والزيارات

جلال الدين التبريزي

ظ: الذريعة 8/ 204، معجم ما كتب عن الرسول وأهل البيت عليهم السلام 9/ 472.

الدعوات والزيارات

خ: الرضوية في 62 ص، سنة 1227 ه، بخط محمد حسين المازندراني

ظ: فهرس الرضوية 2/ 289، الذريعة 8/ 205، معجم ما كتب عن الرسول وأهل البيت عليهم السلام 9/ 473.

الدعوات والزيارات

عبدالخالق اليزدي

خ: الرضوية

ص: 278

ظ: فهرس الرضوية 2/ 289، الذريعة 8/ 205، معجم ما كتب عن الرسول وأهل البيت عليهم السلام 9/ 472.

الدعوات والزيارات

غلام رضا الخراساني

خ: الرضوية، في 160 ص، تاريخها 1271 ه.

ظ: فهرس الرضوية 2/ 288، الذريعة 8/ 204، معجم ما كتب عن الرسول وأهل البيت عليهم السلام 9/ 472

الدعوات والزيارات المأثورة المعتبرة

دوّنها: علي بن عبدالخالق الحسني الرازي، فرغ من بعض أجزائها في سنة 1175 ه.

ظ: الذريعة 8/ 204، معجم ما كتب عن الرسول وأهل البيت عليهم السلام 9/ 472.

دعوات فراموش نشدني

[خاطرات سفر حج]

(بالفارسية)

محمد تقي باشانى

ميقات حج س 2: ع 5 (پائيز 1372 ش) ص 201- 208.

دعوة ابراهيم واسماعيل عند رفع القواعد من البيت

سامي البدري

ميقات الحج ع 1 (1415 ه) ص 244- 278.

الدعوة الإسلامية في عهدها المدني: مناهجها وغاياتها

رؤوف شلبي

الكويت: دار القلم، 1403 ه/

1983 م، 570 ص، 24 سم.

القاهرة: 1985 م، 617 ص، 24 سم، (موسوعة الدعوة الإسلامية: 3).

الدعوة الاسلاميّة في عهدها المكي

رؤوف شلبي

القاهرة: مجمع البحوث الإسلامية

الكويت: دار القلم، ط 3، 1402 ه/ 1982 م، 672 ص، 17+ 24 سم.

الدعوة في عهدها المكي

ص: 279

ممدوح عبدالعزيز الهياتمي

الرياض: جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، المعهد العالي للدعوة الإسلامية، 1404 ه (رسالة ماجستير).

دعوة للعلماء لتبيين حدود عرفات- مزدلفة- منى

حمد الجاسر

العرب س 5: ع 2 (7/ 1390 ه) ص 97، 202، س 6: ص 375، س 20: ص 47.

دلائل قدم جدة

عبدالقدوس الانصاري

المنهل (جدة) حج 23: ج 4 (4/ 1382 ه/ 9/ 1962 م) ص 209- 213.

الدلائل المُبينة في فضائل المدينة

يحيى بن علي القرشي الأموي المالكي ت 662 ه.

ظ: الغدير 5/ 95.

دلالات المسترشد على أن الروضة (أي في المدينة المنورة) هي المسجد

جمال الدين محمد الريمي

ظ: كشف الظنون 2/ 758.

دلالة الحركة في مسيرة الحاج

عبدالرحمن حللي

نهج الاسلام (دمشق) ع 64 (12/ 1416 ه- 5/ 1996 م) ص 60- 64.

دليل الأنام في سبيل زيارت بيت اللَّه الحرام

(رحلة إلى مكة في سنة 1297 ه سجل فيها مشاهداته يومياً بالفارسية)

سلطان مراد ميرزا حسام السلطنة

ظ: نسخه ها 6/ 4000، استوري 1/ 1157، مجلس 2/ 441 (الرقم 693)، ملك 2/ 251، فهرستواره منزوي 1/ 77.

دليل الحاج

بشير الزعبي

دمشق: دار الفكر، 1980 م، 63 ص.

دليل الحاج

حسن الموسوي البجنوردي

ص: 280

النجف: مط الأداب، 1974 م، 158 م.

دليل الحاج

شيت عوض العبد اللَّه

الموصل: مط أم الربيعين، د. ت، 54 ص.

دليل الحاج

عبدالوهاب الأعظمي

بغداد: دار البصري، ط 4، 1969 م، 56 ص.

دليل الحاج

محسن الطباطبائي الحكيم

النجف: مط النجف، ط 2، 1963 م، 176 ص (معه دليل الحاج في أعمال المدينة وزيارة القبور للسيد هادي الطباطبائي الحكيم).

دليل الحاج

محسن فهمي

التصوف الإسلامي (القاهرة) س 10: ع 6 (6/ 1988 م) ص 22- 25.

دليل الحاج

محمد حسنين مخلوف

القاهرة: مكتبة مصطفى البابي الحلبي، ط 3، 1399 ه.

دليل الحاج

هادي الطباطبائي الحكيم

النجف: مط النجف، 1965 م، 82 ص.

دليل الحاج

يونس إبراهيم السامرائي

بغداد: دار البصري، 1970 م، 48 ص.

دليل الحاج إلى بيت اللَّه الحرام

السيد محمود الفيض المستوفي

القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب 1968 م، 79 ص.

دليل الحاج: بحث في بيان مناسك الحج

اعداد: البعثة الدينية- ديوان الاوقاف

بغداد: مط الحكومة، 1971 م، 18 ص.

دليل الحاج: راهنماي قدم بقدم الحجاج: همه با هم بسوي خدا

ص: 281

(بالفارسية)

قم: روح، ط 3، 1375 ش، 280 ص، 21 سم.

دليل الحاج: في رحلة التوبة والمغفرة

محسن فهمي

التصوف الإسلامي (القاهرة) س 12: ع 6 (6/ 1990)

ص 18- 22.

دليل الحاج الكامل في مناسك الحج والعمرة

محمد عبدالعزيز الهلاوي

القاهرة: مكتبة القرآن، 1984 م، 159 ص.

دليل الحج للوارد إلى مكة والمدينة من كل فج

لواء محمد صادق المصري

(1320- 1387 ه)

[مطبوع ومؤلفه هو أول رحّالة عربي قام برحلة استكشافية للحجاز]

ظ: المنهل (جدة) س 56: ع 475 (3- 4/ 1410 ه/

10- 11/ 1989 م) ص 205.

دليل الحاج المصور ومناسك الحج على المذاهب الأربعة

صالح محمد كمال

مكة: دار الثقافة، ط 9، 1984 م، 191 ص، 24 سم.

دليل الحاج المغربي

المغرب: وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية.

دليل الحاج والمعتمر

عبدالمحسن بن عبداللَّه آل الشيخ

السعودية: وزارة الدفاع والطيران، ط 1.

دليل الحج والعمرة وزيارة مسجد الرسول صلى الله عليه و آله وكلّ ما يهم الحاج والمعتمر

كمال أحمد محمد مبارك الإسكندرية: 1986 م، 101 ص.

دليل الحج والعمرة وزيارة المسجد النبوي

رئاسة إدارة التحقيق العلمي وهيئة الفتوى والموعظ والإرشاد

الرياض: 1406 ه،

ص: 282

65 ص، 17 سم.

دليل الحجاج المصور

إعداد: محمد حسين فلاح زاده

تعريب: محمد حسن تبّرائيان

طهران: نشر مشعر، 1416 ه، 108 ص.

دليل الزائر في المدينة المنورة

ابو الخير صلاح بن محمد كرنبه

المدينة المنورة: دار الهدى، ط 1، 54 ص، 17 سم.

دليل الزائرين

عبدالعلي أديب الممالك

ظ: بسوي أم القرى 14.

دليل الزائرين

محمد رضا بن محمد القاسم الحسيني القزويني

ظ: الذريعة 8/ 258، معجم ما كتب عن الرسول وأهل البيت عليهم السلام 9/ 473.

دليل الزائرين وأنيس المجاورين في زيارة سيد المرسلين

علي بن ابراهيم الشرواني المدني (ت 1118 ه)

ظ: تحفة المحبين والأصحاب 299، ايضاح المكنون 1/ 478، العرب س 31: ج 5، 6 (11، 12/ 1416 ه) ص 348.

الدليل الشامل للمملكة العربية السعودية

زكي محمد علي

المدينة المنورة: مكتبة الزمان للثقافة والعلوم، 137 ص، رحلي.

دليل المتحيرين في مناسك الحاج والمعتمرين

معزالدين محمد مهدي بن الحسن القزويني الحلي النجفي ت 1300 ه.

دليل المجتاز بأرض الحجاز

الحسن بن عمر بن حبيب

العرب (الرياض) س 12: ج 5- 6 (11- 12/ 1977 م)

ص 406- 414.

دليل المدينة المنورة للحاج والزائر

عبيداللَّه محمد أمين الكردي،

ص: 283

وعبدالعزيز محمد الكابلي

المدينة المنورة: دار التراث، ط 1، 1405 ه، 211 ص، 24 سم.

الدليل المرشد للمدينة المنورة

اعداد: وكالة المنير للدعاية والاعلان

جدة: ط 1، 1407 ه، 110 ص، 21 سم.

دليل المسالك: شرح إحكام المسالك في أحكام المناسك

سعيد بن خلف الخزرجي

مسقط: وزارة التراث القومي والثقافة، 1984 م، 76 ص.

دليل المسلمين في زيارة أعمال الحرمين

عبدالمجيد علي

النجف: مطبعة الغري الحديثة، 1384 ه/ 1964 م، 48 ص.

دليل المناسك

محسن الطباطبائي الحكيم

النجف: مط الآداب، ط 1، 1377 ه/ 1958 م، 275 ص، 24 سم.

دليل المناسك

محمد حسين فضل اللَّه

بيروت: دار الملاك، 1416 ه، 228 ص.

دليل الناسك

(شرح استدلالي على منسك الحج للميرزا النائيني)

محسن الحكيم

تحقيق: محمد القاضي الطباطبائي

تقديم: محمد باقر الحكيم

قم: مؤسسة المنار، 1416 ه، 609 ص، 24 سم.

دور أجداد الرسول صلى الله عليه و آله في مكة

خالد صالح العلي

مجلة كلية التربية (البصرة س 3:

ع 6 (1981 م)، ص 31- 56.

دور أجداد الرسول صلى الله عليه و آله في مكة

خالد صالح العلي

مجلة كلية التربية (البصرة) س 3:

ع 6 (1981 م)، ص 31- 56.

دور الحج في ترسيخ السلام في العلاقات الاجتماعية

محمد مهدي الآصفي

ص: 284

ميقات الحج ع 1 (1415 ه) ص 289- 305.

دور الحج في صياغة الشخصية المؤمنة من خلال الطرح القرآني

نور الاسلام (بيروت) س 2: ع 15 (5/ 1991 م)، ص 42- 49.

دور الحج في مسيرة التاريخ

محمد باقر الصدر

طهران: مؤسسة البعثة، 52 ص، 21 سم.

دور الحج في المسيرة التاريخية

(دراسة لآراء الإمام الخميني في قضايا الحج)

محمد علي حسين

طهران: مؤسسة البعثة، 1402 ه، 49 ص، 21 سم.

دور الحجاز في الحياة السياسية العامة في القرنين الأول والثاني للهجرة

أحمد إبراهيم شريف

القاهرة: دار الفكر العربي، 1968 م، 480 ص.

دور دراسة ظاهرة الحج في تدعيم الفكر الإسلامي في مواجهة المناهج العربية المعاصرة

حسن العنيقة

طهران: مؤسسة الحج، ط 1، 1405 ه، 40 ص، 21 سم.

دور علي عليه السلام في فتح مكة

عفيف النابلسي

ميقات الحج ع 2 (1415 ه) ص 170- 194.

دور مكة التاريخي والثقافي

علي عبدالرحمن أبا حسين

مجلة قافلة الزيت مج 20: ع 12 (يناير/ فبراير 1973 م)

ص 43- 48.

دولة الرسول صلى الله عليه و آله و سلم في المدينة

أحمد إبراهيم الشريف

الكويت: دار البيان، 1392 ه/

1972 م، 324 م، 14* 19 سم.

دولة الرسول صلى الله عليه و آله و سلم في المدينة

محمد ممدوح العربي

القاهرة: الهيئة المصريّة العامة للكتاب، 1988 م، 386 ص، 25 ص.

ص: 285

دولة المدينة بين أثينا ومكة

(دراسة مقارنة)

هاشم يحيى الملاح

آداب الرافدين (جامعة الموصل) ع 4 (8/ 1972 م) ص 60- 76.

ديداري از غار حرا

(بالفارسية)

أحمد بهشتي

جهرم: انجمن اسلامي دين ودانش جوانان، ط 2، 1352 ش، 30 ص.

الدين وتاريخ الحرمين الشريفين

عباس كرازه

القاهرة: شركة فن الطباعة، 1951 م، 28 ص.

القاهرة: دار مصر للطباعة، 1384 ه، 22+ 5/ 14 سم.

مكة المكرمة: مركز الحرمين، 1404 ه، 21 سم.

ديوان عمر بن إبراهيم البري من شعراء المدينة في مطلع القرن الرابع عشر (دراسات حول المدينة المنورة)

تحقيق وتقديم: محمد الخطراوي

المدينة المنورة: مكتبة دار التراث، ط 1، 1406 ه، 256 ص، 24 سم.

ديوان محمد أمين الزللي من شعراء المدينة في القرن الثالث عشر (دراسات حول المدينة المنورة)

تحقيق وتقديم: محمد العيد الخطراوي

المدينة المنورة: مكتبة دار التراث، ط 1، 1405 ه، 195 ص، 24 سم.

ذاتيّتنا الإسلامية في ضوء حادثة تحويل القبلة

حلمي عبدالمنعم صابر

المجاهد (القاهرة ع 124 (2/ 1991 م) ص 48- 50.

ذبائح منى

عبدالعزيز بن باز

المنهل (جدة) مج 26: ج 3 (3/ 1385 ه/ 7/ 1965 م) ص 155.

ص: 286

ذبح الهدي للتمتع في مكة

إبراهيم النعمة

الرسالة الإسلامية (بغداد)

ع 119- 120 (1398 ه)

ص 55- 57.

الذخائر القدسيّة في زيارة خير البريّة

عبد الحميّد قدس بن محمد علي (ت 1335 ه)

القاهرة: المطبعة الميمنية، 1321 ه، 228 ص.

القاهرة: مكتبة مصطفى البابي الحلبي.

بيروت: دار الرائد العربي، 1982 م، 223 ص.

ظ: معجم المطبوعات لسركيس 1275، معجم ما كتب عن الرسول وأهل البيت عليهم السلام 2/ 8.

ذخائر المدينة المنورة في أسمائها وفضائلها وأدعية زيارة آثارها الشريفة

محمد سعيد الخنيزي

بيروت: دار الانتصار، 1390/ 1970 م، 84 ص.

ذراع مدينه

(بالفارسية)

مجهول المؤلف

ظ: ازبكستان طاشقنده 5/ 315، فهرستواره منزوي 1/ 218.

ذراع مدينه

(كُتب في 1037 ه، بالفارسية)

قريشي

ظ: نشريه 9/ 51، فهرستواره منزوي 1/ 218.

ذروة الوفاء في عمارة المسجد الشريف

نور الدين السمهودي ت 911 ه.

خ: الصافي بمكتبة الملك عبدالعزيز برقم 142.

ظ: تحفة المحبين والأصحاب 271، العرب. س 31: ج 5، 6 (11، 12/ 1416 ه) 348.

ذريعة الوصول إلى زيارة جناب حضرة الرسول صلى الله عليه و آله و سلم

عبدالغني بن عبدالجليل التلمساني 721 ه.

ص: 287

ظ: كشف الظنون

2/ 1828- 2000، هدية العارفين 1/ 590، معجم أعلام الجزائر 70، معجم ما كتب عن الرسول وأهل البيت عليهم السلام 2/ 11.

ذكر حجة الوداع وترتيبها وصفتها من حين خروج رسول اللَّه صلى الله عليه و آله من المدينة عامداً إلى مكة إلى حين رجوعه

أبو محمد بن أحمد الظاهري، ابن حزم ت 456 ه.

خ: كتاهيه بتركيا برقم 43 في 6 ورقة (القرن العاشر الهجري)

ظ: نوادر المخطوطات العربية في تركيا 1/ 75، معجم ما كتب عن الرسول وأهل البيت 2/ 11.

ذكريات طيبة وبحوث حول أسرار الحج والزيارة

هاشم محمد سعيد الدفتر دار

ظ: 1370 ه.

ذكريات على تلال مكّة

بنت الهدى

بيروت: دار التعارف للمطبوعات، ط 2، 1400 ه،

69 ص، 21 سم.

ميقات حج. س 3: ع 9 (پائيز 1373 ش) ص 225- 237، ع 10 (زمستان 1373 ش) ص 176- 192 (جواد محدثي).

ذكريات على مشارف مكّة

حسين شحاده

بيروت: دار التعارف، ط 1، 1397 ه، 48 ص، 21 سم.

ذكرياتي عن مدرسة الخياط بمكة

بكر شريف

المنهل (جدة) مج 7: ج 11- 12 (11- 12/ 1366 ه/

10- 11/ 1947 م)

ص 546- 549.

الذهب المسبوك في ذكر من حج من الملوك

أحمد المقريزي ت 845 ه

مصر: 1955 م.

ذيل الانتصار لسيد الأبرار

عمر بن علي السمهودي

ظ: المدينة المنورة بين الأدب

ص: 288

والتاريخ 100، العرب. س 31:

ج 5، 6 (11، 12/ 1416 ه) ص 348.

ذيل تاريخ المدينة للمرجاني

أحمد بن عبداللَّه بن حسن باعنتر السيوّوني الحضرمي

ت 1091 ه.

ظ: ايضاح المكنون 1/ 217، العرب. س 31: ج 5، 6 (11، 12/ 1416 ه) ص 348- 349.

ذيل الدرّة الثمينة في أخبار المدينة

أبو العباس الغرّافي

ظ: الاعلان بالتوبيخ 274، العرب. س 31: ج 5، 6 (11، 12/ 1416 ه) ص 349.

رأيت في بلاد اللَّه

ناصر قاسم

المنهل (جدة) مج 21: ج 1- 2

(1- 2/ 1380 ه/

7- 8/ 1960 م) ص 60- 63

ج 3 (3/ 1380 ه/

8- 9/ 1960 م) ص 135- 140.

راه حج

(بالفارسية)

عالم بن داملا رحيم طاشقندي

ظ: ازبكستان طاشقند 7/ 54، فهرستواره منزوي 1/ 219.

را خدا در مسائل اخلاقي واجتماعي واماكن مقدسه مكة ومدينة

(بالفارسية)

حسن ابطحي

مشهد: كانون بحث وانتقاد ديني، ط 1، 1362 ش، 191 ص.

راهنمايي احكام حج

(بالفارسية)

محمد الشيرازي

ترجمة: محمد علي الهمداني

قم: انجمن جوانان امام صادق عليه السلام، 1352 ش، 24 ص.

راهنماي اعمال حج از خاطرات راه مكة

(بالفارسية)

م. ل

طهران: (د. ن)، 1341 ش،

ص: 289

94 ص، 21 سم.

راهنماي حاج، تاريخ جغرافياي مكة واماكن متبركه وعتبات عاليات ومشاهد مشرفة

(مناسك حج)

(بالفارسية)

عماد الدين حسين الاصفهاني

طهران: انجمن تبليغات اسلامي، ط 1، 1327 ش.

راهنماي حج در اماكن مقدسه ومكه معظمه ومدينه منوره

جعفر وجداني

طهران: 1357 ش، 26 ص.

راهنماي حج- منظوم

غلام حسين امناي پور

طهران: 1349 ش، 32 ص، 17 سم.

راهنماي حج وزيارتكاههاي در جهان اسلام

(بالفارسية)

ابراهيم وحيد دامغاني

طهران: انتشارات رودكي، ط 1، 1362 ش، 224 ص.

راهنماي حج ومناسك مفصّل

(بالفارسية)

محمد باقر الكمره اى

باهتمام: نصر اللَّه نورياني

طهران: 1323 ش، 272 ص، 21 سم.

راهنماي حجاج

(بالفارسية)

اعداد: مركز تحقيقات وانتشارات حج

طهران: ط 1، 1405 ه.

طهران: ط 2، 1407 ه، 203 ص، 21 سم.

راهنماي حجاج بيت اللَّه الحرام

(بالفارسية)

إعداد: ممثلية الولي الفقيه لشؤون الحج والزيارة

طهران: حج وزيارت، 1371 ش، 76 ص.

راهنماي حجاج در مذاهب امام شافعي با تعيين فاصله مكانها

(بالفارسية)

مسعود قادر مرزي

ص: 290

قم: صاحب اثر، ط 1، 1375 ش، 64 ص.

راهنماي حرمين شريفين

(بالفارسية)

ابراهيم الغفّاري

منظمة الاوقاف والأمور الخيرية.

طهران: ط 1، 1370 ش، 5 ج.

راهنماي خانه خدا

(مناسك مصور حج، بالفارسية)

الهيئة التحريرية لمؤسسة الثورة الإسلامية.

طهران: قسم اعلام الثورة الإسلامية، ط 1، 1362 ش، 20 ص، 24 سم.

راهنماي زوار عتبات

(دليل زوار العتبات، بالفارسية)

محمد عادلي

مطبوع

ظ: الذريعة 11/ 312، فهرستواره منزوي 1/ 219.

راهنماي زيارت خانه خدا يا دستور عمره مفرده

(بالفارسية)

هاشم حميدي

د. م: (د. ن)، 1355 ش، 94 ص.

راهنماي سفر مكّه ومدينه

(بالفارسية)

شهاب الدين المرعشي النجفي

ط: طهران.

راهنماي قدم بقدم حجاج: همه با هم بسوي خدا

(بالفارسية)

عادل علوي

قم: روح، ط 3، 1375 ش، 280 ص، 21 سم.

راهنماي مسافرين خانه خدا

(بالفارسية)

علي البسطامي

د. م: (د. ت)، 1350 ش، 80 ص، 17 سم.

راهنماي مصور حجاج

(بالفارسية)

إعداد: محمد حسين فلاح زاده

[طهران]: مشعر، ط 2، 1373 ش، 164 ص.

طهران: مشعر، ط 3،

ص: 291

1374 ش، 120 ص.

راهنماي مناسك

(بالفارسية)

شمس المحدثين الحسيني

النجف: مط النعمان،

1964 م- 1385 ه، 232 ص.

راهنماي مناسك حج

(بالفارسية)

محسن الحكيم

د. م: (د. ن)، 1345 ش، 83 ص.

راهيان خانه خدا

(بالفارسية)

محمد مراد قلي كلوخي

د. م: المؤلف، ط 1، 1364 ش، 128 ص.

راهيان سفر روحاني مسافرت به مكه وسير در وطن در خدمت راهنما

(بالفارسية)

محمد رضا خاني وحشمت اللَّه خان

طهران: المؤلف، ط 1، 1369 ش.

راهيان كعبه سفيران انقلاب

(بالفارسية)

إعداد وتنظيم: مركز تحقيقات وانتشارات حج

(د. م): فتر نماينده امام وسرپرست حجاج، ط 1، 1368 ش، 114 ص، رحلي.

راهي به سوي كعبه

(بالفارسية)

مصطفى محمود

ترجمة: إسماعيل هادي

طهران: دفتر نشر فرهنگ إسلامي، 1360 ش، 119 ص، 21 سم.

راهي به كعبة

(بالفارسية)

غلام علي رحيميان

سمنان: (د. ن)، 1358 ش، 157 ص.

رؤية قصصية لواقعة تاريخية صارت من مناسك الحج

فاروق حسان السيد

منار الإسلام (أبو ظبي) س 20:

ع 12 (12/ 1415 ه/

ص: 292

5/ 1995 م) ص 30- 32.

الربذة

إبراهيم علي العياشي

المنهل (جدة) مج 26: ج 9 (9/ 1385 ه/ 9/ 1966 م) ص 708.

الرَّبَذَة ليست الحناكية

العرب س 13: ص 369، 390.

الرَّبَذَةُ أين تقع؟

العرب س 10: ع 1- 2، ص 1- 4 (7، 8/ 1395 ه)، س 11:

ص 161.

رجال من الحرمين الشريفين:

حمزة بن عبدالمطلب رضى الله عنه

عباس المهاجر

ميقات الحج. س 3: ع 5 (1417 ه) ص 199- 217.

رجال من الحرمين الشريفين:

عبداللَّه بن عباس إيماناً وجهاداً وعلماً

محسن الأسدي

ميقات الحج. س 3: ع 6 (1417 ه) ص 236- 266.

رجال من مكة المكرمة العاصمة المقدسة

زهير محمد جميل الكتبي

جدة: دار الفنون، ط 1، 1410 ه، 2 ج.

رحالة دمشقي مر بنجد سنة 1120 ه بعد عودة من الحج ومر بالاحساء ثم العراق

مرتضى بن علي بن علوان (ت بعد 1120 ه)

العرب. س 26: ع 3- 4 (9، 10/ 1411 ه/ 3، 4/ 1991 م)

ص 189- 205 (حمد الجاسر)

الرحلات الجزائرية الحجازية خلال العهد العثماني

أبو القاسم سعد اللَّه

دراسات تاريخ الجزيرة العربية ج 1 (1979 م) ص 335- 347.

الرحلات الحجازية كشف لأمجاد الجزيرة العربية مهد الإسلام ومنطلق الحضارات

عبدالعزيز بن عبداللَّه

مصادر تاريخ الجزيرة العربية ج 2

ص: 293

(1979 م) ص 349- 356.

الرحلات الحجازية وصلة بيت شقي العروبة

عبدالعزيز بن عبداللَّه

اللسان العربي (الرباط) مج 15: ج 1 (1977 م) ص 211- 217.

رحلات في بلاد العرب في شمال الحجاز والاردن

عاتق بن غيث البلادي

مكة المكرمة: دار مكة، ط 2، 1403 ه، 245 ص، 24 سم.

رحلات في قلب الحجاز

عاتق بن غيث البلادي

مكة المكرمة: دار مكة، ط 1، 320 ص، 24 سم.

رحلة ابن طوير الجنة إلى الحجاز؟

عبدالقادر زمامة

مجلة معهد المخطوطات العربيّة مج 25: ج 1، 2 (1979 م) ص 169- 181.

رحلة إلى طيبة

حمد الجاسر

العرب س 1: ع 6 (12/ 1386 ه/

3/ 1967) ص 481- 484، ع 7 (1/ 1387 ه/ 4/ 1967 م) ص 588- 592

ع 8 (2/ 1387 ه/ 5/ 1967 م) ص 692- 694، 696

ع 9- 10 (3، 4/ 1387 ه/

6/ 1967 م) ص 854- 857

ع 11 (5/ 1387 ه/ 8/ 1967 م) ص 1007- 1011

رحلة إلى المدينة المنورة

محمود ياسين

سورية: دار الفكر المعاصر، ط 1، 1987 م، 239 ص، 24 سم.

رحلة إلى وادي القرى

صالح العمري

المنهل (جدة) مج 34: ج 1- 2

(1- 2/ 1393 ه/ 3 4/ 1973 م) ص 65- 70.

رحلة البكري إلى الحج

حمد الجاسر

العرب س 22: ع 5- 6 (6، 7/ 1987 م)، ص 409- 413.

رحلة التميمي التونسي إلى الحج

ص: 294

محمد بن صالح القيرواني ت 1362 ه

العرب (الرياض) س 16: ع 1- 2 (7، 8/ 1401 ه/ 5، 6/ 1981 م) ص 136- 140.

ع 3- 4 (9، 10/ 1401 ه/ 7، 8/ 1981 م) ص 254- 258.

ع 5- 6 (11، 12/ 1401 ه/ 9، 10/ 1981 م) ص 456- 459.

ع 7- 8 (1، 2/ 1402 ه/ 11، 12/ 1981 م) ص 560- 566.

ع 9- 10 (3، 4/ 1402 ه/ 1/ 1982) ص 757- 763.

ع 11- 12 (5، 6/ 1402 ه/ 3، 4/ 1982) ص 936- 939.

س 17: ع 3- 4 (9، 10/ 1402 ه/ 6/ 1982 م) ص 255- 258.

ع 5- 6 (11، 12/ 1402 ه/ 9، 10/ 1982 م) ص 443- 446.

ع 11- 12 (5، 6/ 1403 ه./ 2، 3/ 1983 م) ص 869- 879

(حمد الجاسر)

رحلة الحج

الصافي الگلپايگاني

مطبوعة

رحلة الحج

آية اللَّه الطالقاني

مطبوعة

رحلة الحج

محمد حسن جان هندي

ظ: الفهرس المشترك للمخطوطات الفارسية 10/ 67.

رحلة الحج إلى بيت اللَّه الحرام

محمد الأمين الشنقيطي

جدة: دار الشروق، ط 1، 1403 ه، 287 ص، 21 سم.

رحلة حج البيت

إبراهيم بن درويش محمد الكازروني

ظ: الذريعة 12/ 186.

رحلة الحج شحنة روحية ألهمت الفنان المسلم

عبدالمنعم البداوي

الهلال (القاهرة) س 97: ع 7 (7/ 1990 م) ص 66- 73.

رحلة الحج في القرن 19

ص: 295

الحسن الغسال

إعداد: عبدالعزيز التمسماني

العربي ع 279 (2/ 1982 م) ص 175.

رحلة الحج ودليل الحجاج

حسين ذو القدر شجاعي

مطبوعة.

رحلة الحجاز

إبراهيم بن عبدالقادر المازني (1308- 1368 ه)

العرب. س 26: ع 3- 4 (9، 10/ 1411 ه/ 3، 4/ 1991 م) ص 208- 213 (حمد الجاسر)

رحلة الحجاز

عبدالغني شهبندر

بيروت: 1937 م.

ظ: معجم ما كتب عن الرسول وأهل البيت عليهم السلام 2/ 27.

رحلة الحجاز

محمد حسين الشهرستاني

ظ: الذريعة 12/ 196.

رحلة الحجاز

هدايت علي بن شيخ فضل علي

ظ: الفهرس المشترك للمخطوطات الفارسية 1/ 62.

الرحلة الحجازية

ابن عثمان المكناسي

ظ: فهرس الفهارس والاثبات 400، معجم ما كتب عن الرسول وأهل البيت عليهم السلام 2/ 28.

الرحلة الحجازية

أحمد بن طوير الجنة الحميري الشنگيطي

ظ: فهرس الفهارس والاثبات 272، معجم ما كتب عن الرسول وأهل البيت عليهم السلام 2/ 28.

الرحلة الحجازية

أبو العباس أحمد بن عبدالعزيز الهلالي السجلماسي

(1113- 1175 ه)

ظ: فهرس الفهارس والاثبات 1101، معجم ما كتب عن الرسول وأهل البيت عليهم السلام 2/ 28.

الرحلة الحجازية

أبو العباس أحمد بن قاسم بن أبي عبداللَّه محمد ساسي التميمي البوني

ص: 296

من بونه المعروفة الآن بعنابه في الجزائر (1063- 1139 ه)

ظ: فهرس الفهارس والاثبات 237، معجم اعلام الجزائر 97، معجم ما كتب عن الرسول وأهل البيت عليهم السلام 2/ 28.

الرحلة الحجازية

أبو العباس أحمد بن محمد بن داود ابن يعزي بن يوسف الجزولي التملي الهشتوكي ت 1127 ه.

ظ: فهرس الفهارس والاثبات 1103، معجم ما كتب عن الرسول وأهل البيت عليهم السلام 2/ 28.

الرحلة الحجازية

الحسين الورتلاني الزواوي

ظ: فهرس الفهارس والاثبات 239، 355، معجم ما كتب عن الرسول وأهل البيت عليهم السلام 2/ 28.

الرحلة الحجازية

حمد الجاسر

العرب. س 17: ع 11- 12 (4، 5/ 1403 ه/ 2، 3/ 1983 م) ص 857- 869.

الرحلة الحجازية

رضا بن محمد الهندي النجفي (1290- 1362 ه)

ظ: الذريعة 10/ 168.

الرحلة الحجازية

السيد الجيلاني الاسحاقي

ظ: فهرس الفهارس والاثبات 97، 121، 428، 429، 935، 1157، معجم ما كتب عن الرسول وأهل البيت عليهم السلام 2/ 28.

الرحلة الحجازية

عبداللَّه صوفان بن عودة بن عبداللَّه القدومي النابلسي الحنبلي

(1237- 1331 ه)

ظ: فهرس الفهارس والاثبات 940، معجم ما كتب عن الرسول وأهل البيت عليهم السلام 2/ 29.

الرحلة الحجازية

(لم تكمل)

عبدالقادر أحمد بن أبي جيدة الكوهن الفاسي

ظ: فهرس الفهارس والاثبات 492، 752، معجم ما كتب عن

ص: 297

الرسول وأهل البيت عليهم السلام 2/ 29.

الرحلة الحجازية

عبدالمجيد الزبادي

ظ: فهرس الفهارس والاثبات 355، معجم ما كتب عن الرسول وأهل البيت عليهم السلام 2/ 29.

الرحلة الحجازية

فضل اللَّه حجازي، علي رضا حجازي

ميقات حج: ع 16 (تابستان 1375 ش) ص 162- 190.

الرحلة الحجازية

محمد بن أحمد بن عبداللَّه الجزولي (1118- 1189 ه)

ظ: فهرس الفهارس والاثبات 352، معجم ما كتب عن الرسول وأهل البيت عليهم السلام 2/ 29.

الرحلة الحجازية

محمد بن التهامي بن عمرو ت 1244 ه

ظ: فهرس الفهارس والاثبات 281، معجم ما كتب عن الرسول وأهل البيت عليهم السلام 2/ 29.

الرحلة الحجازية

(لم تكمل)

محمد بن جعفر الكتاني

ظ: فهرس الفهارس والاثبات 517، معجم ما كتب عن الرسول وأهل البيت عليهم السلام 2/ 29.

الرحلة الحجازية

(وصف لرحلة حج عباس ابن حلمي الثاني خديوي مصر سنة 1327 ه)

محمد لبيب البتنوني ت 1357 ه

القاهرة: 1329 ه، 334 ص.

الرحلة الحجازية

محمد يحيى بن محمد المختار الولاتي

بيروت: دار الغرب الإسلامي، ط 1، 1990 م، 416 ص.

الرحلة الحجازية الأولى

محسن الأمين العاملي ت 1371 ش.

ظ: الذريعة 10/ 168.

الرحلة الحجازية (الأولى)

شمس الدين محمد بن الطيب الفاسي المدني الشركي

ص: 298

(1110- 1170 ه)

ظ: فهرس الفهارس والاثبات 1070، معجم ما كتب عن الرسول وأهل البيت عليهم السلام 2/ 29.

الرحلة الحجازية الثانية

محسن الأمين العاملي ت 1371 ه.

ظ: الذريعة 10/ 168.

الرحلة الحجازية (الثانية)

شمس الدين محمد بن الطيب الفاسي الشركي

ظ: فهرس الفهارس والاثبات 1070، معجم ما كتب عن الرسول وأهل البيت عليهم السلام 2/ 29.

الرحلة الحجازية الثالثة

محسن الأمين العاملي ت 1371 ه

ظ: الذريعة 10/ 168.

رحلة الحرمين

(في مناسك الحج، بالفارسية)

عبداللَّه بن أبي القاسم البلادي البوشهري

مطبوع

ظ: الذريعة 10/ 168.

الرحلة الحسينية

(تقرير عن سفر الحج)

محمد حسين بن حمد الحلي ت حدود 1354 ه.

د. م: د. ن)، 1329 ه.

الرحلة الرضوانية الدانية في الرحلة الحجازية الثانية

مصطفى البكري الصديقي

ظ: فهرس الفهارس والاثبات 223، معجم ما كتب عن الرسول وأهل البيت عليهم السلام 2/ 30.

رحلة عبدالساعي الدرعي المتوفي سنة 1239 ه

(رحلة إلى الحج)

الرياض: دار الرفاعي، 1402 ه، 177 ص.

رحلة العتبات ومكة

سيف الدولة

ط: سنة 1279 ه.

رحلة في بلاد العرب السعيدة

نزيه مؤيد العظم

القاهرة: مطبعة عيسى البابي، 1937 م.

الرحلة المقدسة إلى بيت اللَّه الحرام

ص: 299

عبداللَّه عبدالمطلب بوقس

بيروت: المؤلف، ط 1، 1403 ه، 239 ص، 24 سم.

بيروت: المؤلف، ط 2، 1406 ه، 424 ص، 24 سم.

رحلة مكة

مجهول المؤلف

ظ: آشنائي با چند نسخة خطي 105.

رحلة مكة

مجهول المؤلف

مهداة إلى ناصر الدين شاه، عام 1288 ه.

ظ: مجلة العرب س 32: ج 1، 2 (7- 8/ 1417 ه/

11- 12/ 1996 م) ص 31.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.