ميقات الحج المجلد8

اشارة

عنوان و نام پديدآور : ميقات الحج[پيايند: مجله]

مشخصات نشر : تهران: منظمة الحج و الزيارة، 1417 ق. - = 1375 -

فاصله انتشار : شش ماه يكبار

يادداشت : عربي

فهرست نويسي براساس سال3 شماره5 سال1417ق.

يادداشت : اين نشريه در بيروت نيز منتشر مي شود

يادداشت : المدير المسؤول: محمد محمدي ري شهري

رئيس التحرير: علي قاضي عسكر

يادداشت : كتابنامه

ترجمه عنوان : Mighat al - haj

موضوع : حج -- نشريات ادواري

شناسه افزوده : محمدي ري شهري، محمد، 1325 - ، مدير مسئول

Muhammadi Reyshahri, Muhammad

قاضي عسكر، سيدعلي، 1325 - ، سردبير

شناسه افزوده : سازمان حج و زيارت

رده بندي كنگره : BP188/8

رده بندي د... : 297/35705

الحج في احاديث الامام الخميني قدس سره

ص: 1

ص: 2

ص: 3

ص:4

ص: 5

العدد الثامن

الحج في أحاديث الإمام الخميني قدس سره

عندما تلفظون لبّيك اللّهمّ لبّيك، قولوا: لا، لجميع الأصنام، واصرخوا: لا، لكلّ الطواغيت الكبار والصغار.

وأثناء الطواف في حرم اللَّه حيث يتجلى العشق الإلهي، أخلوا قلوبكم من الآخرين، وطهّروا أرواحكم من أي خوف لغير اللَّه. وفي موازاة العشق الإلهي، تبرأوا من الأصنام الكبيرة والصغيرة والطواغيت وعملائهم وأزلامهم، حيث إنّ اللَّه تعالى ومحبّيه تبرّأوا منهم، وإنّ جميع أحرار العالم بريئون منهم.

وحين تلمسون الحجر الأسود أعقدوا البيعة مع اللَّه أن تكونوا أعداء لأعداء اللَّه ورسوله والصالحين والأحرار، ومطيعين وعبيداً له، أينما كنتم وكيفما كنتم. لا تحنوا رؤوسكم واطردوا الخوف من قلوبكم، واعلموا أن أعداء اللَّه وعلى رأسهم الشيطان الأكبر جبناء، وإن كانوا متفوّقين في قتل البشر وفي جرائمهم وجناياتهم.

أثناء سعيكم بين الصفا والمروة اسعوا سعي من يريد الوصول إلى المحبوب، حتى إذا ما وجدتموه هانت كل الأمور الدنيوية، وتنتهي كل الشكوك والترددات،

ص: 6

وتزول كل المخاوف والحبائل الشيطانية والارتباطات القلبية المادية، وتزهر الحرية، وتنكسر القيود الشيطانية والطاغوتية التي أسرت عباد اللَّه.

سيروا إلى المشعر الحرام وعرفات وأنتم في حالة إحساس وعرفان، وكونوا في أي موقف مطمئني القلب لوعد اللَّه الحقّ بإقامة حكم المستضعفين. وبسكون وهدوء فكّروا بآيات اللَّه الحقّ، وفكّروا بتخليص المحرومين والمستضعفين من براثن الاستكبار العالمي، واطلبوا من الحقّ تعالى في تلك المواقف الكريمة تحقيق سُبل النجاة. بعد ذلك عندما تذهبون إلى منى اطلبوا هناك أن تتحقّق الآمال الحقّة حيث التضحية هناك بأثمن وأحب شي ء في طريق المحبوب المطلق، واعلموا أنه ما لم تتجاوزوا هذه الرغبات، التي أعلاها حبّ النفس وحبّ الدنيا التابع لها، فسوف لن تصلوا إلى المحبوب المطلق. وفي هذا الحال ارجموا الشيطان، واطردوا الشيطان من أنفسكم، وكرروا رجم الشيطان في مواقع مختلفة بناء على الأوامر الإلهية؛ لدفع شرّ الشياطين وأبنائهم عنكم.

إن هذا السفر الإلهي الذي تذهبون إليه، وترجمون فيه الشيطان، وإذا ما كنتم- لا سمح اللَّه- من جنود الشيطان سترجمون أنفسكم أيضاً. يجب أن تكونوا فيه رحمانيين، وأن تصبحوا رحمانيين، حتى يكون رجمكم رجمَ أتباع الرحمن، وجنوده للشيطان، وأنتم تقفون في تلك المواقف والمواضع الكريمة، معاذ اللَّه أن يتلوّث وقوفكم بشي ء خلاف الشرع، أو يتلوّث بالمعصية، ففضلًا عن إراقة ماء الوجه أمام اللَّه تسقط كرامة الإسلام في الدنيا. اليوم كرامة الإسلام متقوّمة بوجودكم، أنتم الذين تذهبون جماعات جماعات إلى تلك المواقف الكريمة، ويشاهدكم سائر المسلمين من شتى بقاع الدنيا.

الحجّ في أحاديث الإمام الخامنئي

ص: 7

الحجّ في أحاديث الإمام الخامنئي

- مد ظله العالي-

بيت اللَّه الحرام هذه الأيام يستضيف مرةً أخرى سيولَ القلوب المتلهفة المشتاقة، التي هوت إلى كعبة الآمال من كلّ فجٍّ عميق .. حيث الملايين تستشعر الوحدة والوئام في ظل عبودية اللَّه الواحد القهّار؛ وحيثُ العيونُ التي تسخو بدموعها وهي تقف على ربوع النبيّ الأعظم صلى الله عليه و آله وأولياء اللَّه عليهم السلام والمجاهدين والعظام في تاريخ الإسلام؛ وحيث الأرواحُ تصفو وتشرق في ظلّ معنوية بيت اللَّه الحرام وحريم تربة المصطفى عليه وعلى آله آلاف التحية والسلام وحيث الأيدي المتضرّعةُ التي تسوق قوافل حاجتها ورجائها الى ساحة الغنيّ العزيز، وحيث المهمومون الذين يقفون على باب الحكيم؛ ليجدوا علاج هموم العالم الإسلامي، وليجدوا من يحمل مثل همومهم من أرجاء المعمورة، وحيث الضعفاءُ الذين يحسّون هناك بالقدرة والعظمة.

في هذه الأيام تعرض الأمة الإسلامية العظيمة مشهداً من أبُهّتها وعظمتها أمام أعين من لم يعرف قدرها، فتزيد المحبين أملًا والأعداء خوفاً، في هذه الأيام

ص: 8

تهطل أمطار الرحمة والحكمة على العطشى، فتنتعش القلوب الكئيبة، وتتفتح والعقول الراكدة.

نعم، هذه الأيام هي للعالم الإسلامي والأمة الإسلامية أيام عيد وأيام ميعاد، وجدير بالمسلمين في كل أرجاء الأرض، وخاصة حجاج بيت اللَّه الحرام، أن يغتنموها بقضاء ساعات وأوقات في التعبد والتعقل، وأن يعود من ظفر بفرصة الحج والزيارة الى دياره بيد مملوءة برحمة اللَّه وحكمته، وبعزم جديد وإرادة صلبة تجاه مستقبله ومستقبل الأمة الإسلامية.

من بين الفرائض الدينية، يعدُّ الحج أكبر فريضة تجمع الجانبين الفردي والاجتماعي بشكل واضح جليّ.

الهدف في الجانب الفردي التزكية والوصول الى حالة الصفاء والإشراق والتحرر من الزخارف المادية التافهة، والخلوة مع الذات المعنوية، والأنس باللَّه تعالى، والذكر والتضرّع والتوسّل إلى الحقّ سبحانه؛ ليجد الإنسان طريقه الى العبودية، ويسير على هذا الطريق الذي هو صراط اللَّه المستقيم نحو الكمال.

تنوّع الفرص والاختبارات في هذا الجانب كثير بحيث لو أراد شخص أن يجتازها بتوجّه وتدبّر فإنه ينال دون شك أعظمَ العطاء: فرصة الإحرام والتلبية، فرصة الطواف والصلاة، فرصة السعي والهرولة، فرصة الوقوف في عرفات والمشعر، فرصة الرمي والتضحية، وفرصة ذكر اللَّه، تشكل كلّها جوّاً زاخراً بالروح والحياة يمتدّ على جميع هذه المراحل. مجموع هذه الفرص يمكن أن يوفّر لكلّ فردٍ دورةً قصيرة من الرياضة الشرعية، وتمريناً على الزهد والسلم والحلم، وخصالًا خلقية حميدة أخرى.

في الجانب الاجتماعي، الحجُّ من بين جميع الفرائض الإسلامية فريضةٌ فريدة؛ لأنه مظهر قوّة الأمة الإسلامية وعزّتها واتحادها، ولا ترقى إليه أية فريضة أخرى في قدرته على تلقين الأفراد دروساً وعبراً بشأن الأمة الإسلامية والعالم

ص: 9

الإسلامي، وعلى تقريبهم روحاً وواقعاً من القدرة والعزّة والوحدة. وشلّ هذا الجانب من الحج إنّما هو غلق نبع يفيض على المسلمين بمنافع لا يمكن تحقّقها من أية وسيلة أخرى.

الاقتدار الوطني في المجتمعات البشرية مفتاح النجاح والتطور، والوسيلة اللازمة لتحقيق الحياة الطيبة لأفراد المجتمع. والمقصود بالاقتدار الوطني أن يتمتّع المجتمع والبلد بالأخلاق والعلم والثروة والنظام السياسي الفاعل والإرادة الشعبية.

صحيح أنّ المجتمعات المقتدرة إن افتقدت التوجيه والإرشاد والعدالة فستكون علومها وثرواتها عاملًا على طغيانها، وعلى زوال أخلاقها وإرادتها، وعلى دفعها نحو الانحطاط، كما تظهر اليوم أمارات ذلك في أمريكا ونظائرها، غير أنّ فقدان ذلك الاقتدار سيعجّل كثيراً من الانحدار في الانحطاط الأخلاقي والسياسي، وسيسلب الشعوب دنياها وآخرتها وعلمها وأخلاقها وكلّ شي ء لديها. من هنا فإن تعاليم الإسلام السياسية والإجتماعية تتّجه جميعاً نحو اعتلاء الأمة الإسلامية سلّم الاقتدار والسيادة في الحقول العلمية والأخلاقية والسياسية والروحية والمادية. واليوم فإنّ المخلصين الواعين من قادة شعوب العالم يسعون إلى استثمار كلِّ الإمكانيات والطاقات المتاحة لتصعيد اقتدار شعوبهم.

الأمة الإسلاميّة الكبرى مع وجود عددها وعُدتها تفتقد العزّة والاقتدار على الساحة العالمية. كيف يمكن أن تستعيد عزّتها وقدرتها اللائقة بها؟ هذا السؤال يجب أن يتردّد على الألسنة وفي الأذهان لدى كلّ المسلمين، خاصة القادة والمسؤولين والعلماء والمثقّفين والشخصيات الإسلامية، وأن يجدّوا للإجابة عنه.

ص: 10

أقل الواجبات في حجّ التمتع

قل الواجبات في حجّ التمتع

أقل الواجبات في حجّ التمتع

إبراهيم بن الشيخ حسن قفطان

تحقيق: محمد الإسلامي اليزدي

المؤلف

هو الشيخ إبراهيم بن الشيخ حسن بن علي بن نجم السعدي الرياحي النجفي الشهير بقفطان.

ولد المترجمَ له في النجف الأشرف سنة 1199 ه وتوفي بها سنة 1279 ه (1) ودرس عند والده الجليل الشيخ حسن، وحضر درس الشيخ علي والشيخ حسن ابني كاشف الغطاء، والشيخ محمد حسن صاحب الجواهر، والشيخ عبد الحسين الطريحي، وقرأ أخيراً على الشيخ مرتضى الأنصاري (2).

وانتهل من علمه جماعة من فضلاء النجف (3).

وكانت له رحمه الله مكانه ساميه عند فقهاء عصره، فقد نعته سيدنا الحسن الصدر رحمه الله:

بأنه كان مرجعاً للفحول في القضايا المشكلة، والمسائل المعضلة، وفضله لا ينكر، وان لم تحصل له الرئاسة مع غزارة علمه (4).

وإضافةً إلى تفقّهه، كانت له مكانة سامية في الشعر والأدب وجودة الخط، فقد عرف آل قفطان بجودة الخط.


1- 1 طبقات أعلام الشيعه الكرام البررة ق 13 2: 12.
2- 2 طبقات أعلام الشيعة الكرام البررة ق 13 2: 13.
3- 3 أعيان الشيعة 5: 126.
4- 4 طبقات أعلام الشيعة الكرام البررة ق 13 12: 13.

ص: 11

فمن شعره في رثاء الحسين عليه السلام:

يناديُهم هَلْ من نصيرِ فلم يكن سوى السمر والبيض الرقاق جوابُ

بنفسي من قاسى المنيةَ ظامئاً وفي كفّه للعالمين سحابُ

وما أنس لا أنسىَ الجسوم على الثرى عليهن من قاني الدماء ثيابُ (1) آثاره العلمية

من آثاره الباقية (2):

(أقل الواجبات في حجّ التمتع) وهو الذي بين يديك، فإنه رحمه الله ذكر في مقدمته: أنه اختصرها من منسك شيخه المؤتمن الشيخ محمّد حسن امتثالًا لأمره وأنه قد عرضها عليه فوجدها وفق ما أراد (3). ثمّ عرضها على شيخه الأنصاري رحمه الله فكتب على هامشه ما هو طبق فتاواه وجعل رمزه (تضى)، والنسخة عند السيد اغا التستري (4).

(رسالة في اثبات حلّية المتعة) ألّفها بأمر شيخه صاحب الجواهر، وهي جواباً عن أسئلة بعض العامّة؛ ودفعاً لشبهاتهم، وهي موجودة بخطه الشريف رحمه الله عند الشيخ طاهر السماوي رحمه الله.

كتاب في (الرهن) (5).

(قاطعة النزاع في أحكام الرضاع) لخّص فيه رأي أستاذه الفقيه صاحب الجواهر.

الرسالة

رسالة مختصرة عن كتاب (نجاة العباد في يوم المعاد) للشيخ محمد حسن النجفي صاحب الجواهر المتوفى 1266 ه وهي رسالة فتوائية كتبت لعمل المقلِّدين، مطبوعة طبعة حجرية في بمبي مطبعة أحمدي عليها حواشي السيد


1- 1 أعيان الشيعة 5: 126.
2- 2 أعيان الشيعة 5: 126.
3- 3 انظر المقدمة ص؟؟؟؟.
4- 4 طبقات اعلام الشيعة الكرام البررة ق 13 2: 13، الذريعة 2: 275/ 1111.
5- 5 الأعلام للزركلي 1: 35.

ص: 12

محمد كاظم الطباطبائي اليزدي رحمه الله سنة 1318 ه.

لخّصها الشيخ إبراهيم بن حسن قفطان النجفي رحمه الله باسم (أقلّ الواجبات في حجّ التمتع) بأمرٍ من الشيخ صاحب الجواهر (وقد عرضها عليه فوجدها وفق ما أراد).

ونسختها على مخطوطة مكتبة ملي طهران ضمن مجموعة رقم 2/ 2538 كُتبت في شهر رجب المرجب سنة 1264 ه وعليها تأييد الشيخ صاحب الجواهر للمنسك بقوله: (بسم اللَّه- تعالى شأنه- نعم قد تحقّق أنه مختصر من منسكنا الكبير. وكتب بيده: المؤلف القاصر محمد حسن بن المرحوم الشيخ باقر. وكتب الكاتب تحت هذا التوشيح مكان مهر الشيخ. وفي حاشيتها: (قد بلغ قبالًا بقدر الوسع).

وكتبت النسخة على النسخة الأصلية كما يظهر من أمر أنجب السادات آقا سيد محمد صحاف.

وتمّ تحقيق الرسالة وما يتعلّق بها من تقطيع وتقويم نصّ، وتوضيح ما كان غامضاً في المخطوطة، وبمقابلة هذه النسخة لكتاب (نجاة العباد، الطبعة الحجرية) على حسب نظري القاصر. سائلين المولى القبول، وأن يرزقنا حجّ بيته الحرام.

***

ص: 13

دو صفحه خالى براى مخطوط

ص: 14

صفحه خالى براى مخطوط

ص: 15

بسم اللَّه الرحمن الرحيم والحمدللَّه ربّ العالمين

وبعد: فهذه الرسالة أقلّ الواجبات في حجّ التمتّع، اختصرتها من منسكِ شيخنا المؤتمن، جناب الشيخ محمّد حسن- دام ظلّه العالي- امتثالًا لأمره؛ ليسهل تناول أحكامها، ويشمل عامّة المقلّدين معرفة حلالها وحرامها، وأنا الغريق في بحر العصيان إبراهيم بن شيخ حسن قفطان، وقد عرضتها عليه فوجدها وفق ما أراد.

فنقول: والاستعانة باللَّه، اعلم أنّ بيان حجّ التمتّع يتوقف على بيان أمرين:

الأوّل: العُمرة المتمتّع بها إلى الحجّ.

والثاني: الحجّ.

فأمّا العُمرة فواجباتها خمسة:

الأوّل: النيّة لها إجمالًا.

الثاني: من أفعال العُمرة؛ الإحرام وواجباته ثلاثة:

الأوّل: النيّة، ويجب فيها التعيّين والقُربة، والأحوط أن يقصد- مثلًا- ما يحرمُ به من العمرة (عمرة التمتّع لحجّ الإسلام)، لوجوبه أو ندبه، أداءً أو قضاءً، أصالةً، أو تحمّلًا، قُربةً إلى اللَّه تعالى.

الثاني: التلبيات الأربع، والأحوط مقارنتها لنيّة الإحرام، والواجب فيها:

«لبَّيك، اللَّهُمَّ لبَّيك، لبَّيكَ، لا شريكَ لَكَ لبَّيكَ»، والأحوط الخمس بأن يقول:

«لبَّيك، اللَّهُمَّ لبَّيك، لبَّيك، إنَّ الحَمدَ و النِعمةَ لكَ والمُلك لك، لا شريكَ لكَ لبّيك، بحجّةٍ وعمرةٍ، أو بعمرة مفردة تمامها عليك، لبّيك».

الثالث: لبسُ ثوبي الإحرام مع الاختيار- بعد نزع جميع ما يجب على المحرم

ص: 16

اجتنابه- قبل عقده الإحرام، يأتزر بأحدهما كيف شاء، وإن كان الأولى عدم عقده في عنقه، بل مطلقاً، ولو بعضه ببعضٍ، بل يغرزه (1) بنفسه ويرتدي بالآخر، أو يتوشح به أو غيرهما من الهيئات، وإن كان الأولى الارتداء.

ويجب أن يكونا ممّا تجوز فيه الصلاة، فلا يجوز في النّجس، ولا من صوف ما لا يؤكل لحمه، ولا في المغصوب، ولا في الحرير للرّجال، والأحوط اجتنابه للنساء، وإن كان الأقوى جوازه لهنّ على كراهة ولا في المذهّب.

والأقوى عدم وجوب لبس ثوبي الإحرام لهنّ، وإن كان الأولى أيضاً.

ومتروكات الإحرام خمسة وعشرون:

أحدها: صيد الحيوان البرّي الممتنع بالأصالة وإن لم يؤكل لحمه، وكذا الإشارة إليه، والدّلالة عليه، والإغلاق عليه، وغيرها من أنواع الإعانة عليه، وأكله، وكذا بيضه أكلًا وإتلافاً ودلالة وإعانة.

ثانيها: الجماع.

ثالثها: عقد النكاح دائماً أو منقطعاً أصالةً أو لغيره ولو فضولًا، دون التحليل، والأحوط اجتنابه أيضاً.

رابعها: شهادةُ عقد النّكاح بين المحلين أو الُمحرِمين أو المختلفين لإقامتها، بل مطلقاً على الأحوط.

خامسها: تقبيل النساء لإرادة الاستمتاع والالتذاذ.

سادسها: النظر إليهنّ للالتذاذ، وكذا الضمُّ واللمس.

سابعها: الاستمناء بملاعبةٍ أو نحوها.

ثامنها: الطيب كدهن الورد والقرنفل وقصب الذريرة ونحوها، استعمالًا وأكلًا وشمّاً، دون الرياحين.

تاسعها: لبس المخيط للرجال، والأقوى والأحوط حرمة لبس ما يسمى


1- 1 في نجاة العباد: بل دعم غرزه بأبرة ونحوها بل يغرزه.

ص: 17

قميصاً وقباء وسراويل وإن لم تكن مخيطة، بل الأحوط ترك التوشّح به وافتراشه، بل والتدثّر به.

عاشرها: لبس الخفّ ونحوه بل كلّ لباس يستر تمام ظهر القدم.

حادي عشرها: الاكتحال بالسّواد بقصد الزينة، بل الأحوط مطلقاً.

ثاني عشرها: النظر في المرآة للزينة، والأحوط مطلقاً أيضاً.

ثالث عشرها: الفسوق، وهو الكذب، وكذا السّباب والمفاخرة.

رابع عشرها: الجدال، وهو قول (لا واللَّه وبلى واللَّه) في الخصومة، ولا يكفي الحلف باللَّه بغير ذلك ولا به مع عدم الخصومة، وإن كان الأحوط.

خامس عشرها: إلقاء القمَّل عن ثيابه أو جسده أو عن محرم آخر، وكذا قتله.

سادس عشرها: لبس الخاتم للزينة دون السنّة.

سابع عشرها: إزالة الشعر قليله وكثيره، عن أي موضع من البدن.

ثامن عشرها: تغطية الرجل الرأس من قصاص الشعر، ويدخل فيه الأُذنان دون الوجه والأحوط عدم تغطيته.

تاسع عشرها: تغطية الوجه للمرأة، والأحوط لها تقديم مقدمة الصلاة عند التعارض، ويجوز لها السدل إلى النحر للستر، ولا يجب التجافي وإن كان أحوط.

العشرون: التظليل للرجل سائراً على رأسه اختياراً، ويجوز المشي في ظلّ المحمل، لا تحته.

الحادي والعشرون: الحجامة والفصد والحك المُدمي، بل الأحوط إلحاق مطلق الإدماء.

الثاني والعشرون: قلع الضرس والسن وإن لم يدم.

الثالث والعشرون: قلم الأظفار إلّامع الأذية.

الرابع والعشرون: لبس السلاح أو حمله بحيث يعد متسلّحاً.

الخامس والعشرون: وهو يشمل المحرم والمحلّ، قطع كلّ نابت في الحرم، ولو

ص: 18

الشّوك؛ ولا بأس بقلع ما نبت في منزله بعد نزوله لا قبله، ولا بقلع شجر الفواكه والنخل والإذخر، ولا بترك المحرم إبله ترعى، ولا بالغصن المكسور والورق السّاقط، والأحوط الأقوى اجتناب الفقع (1) دون الكماءَة.

واعلم أنّ إحرام المرأة كإحرام الرّجل في ذلك إلّافيما استثنيناه من لبس المخيط والتظليل وستر الرأس ونحو ذلك.

ومواقيت الإحرام سبعة: العقيق لأهل العراق، وذُو الحليفة لأهل المدينة، والجحفة لأهل الشام ومصر، ويلملم لأهل اليمن، وقرن المنازل لأهل الطائف، ومنزل من كان منزله أقرب إلى مكّة من الميقات، ومكّة لإحرام الحج وأفضلها المسجد واللَّه العالم.

الثالث من أفعال العمرة: الطواف، وهو ركن فيها تبطل بتركه عمداً ولو نساه قضاه بنفسه، ولو بعد المناسك وانقضاء الوقت. والأحوط إن لم يكن أقوى إعادة السعي معه.

وواجبات الطّواف أربعة عشر:

الأول: الطهارة من الحدث الأصغر والأكبر حتّى إذا كان جزء من عمرة مندوبة أو حجّ كذلك. وتقوم الترابية مقام المائية، ولا تجب في المندوب.

الثّاني: طهارة الثوب، البدن من الخبث، ويعفى عن دم الجروُح والقروح دون الأقل من الدّرهم، وفيما لا تتم الصلاة فيه، وعن الجاهل والنّاسي إلى الفراغ؛ الأحوط الاستيناف.

الثالث: حلية اللّباس في الأحوط إن لم يكن أقوى وكذا حلية ما يطُوف عليه من ثوب أو دابة.

الرابع: سترة العورة، كما في الصلاة للذكر والأنثى.

الخامس: الختان للذكر والأحوط دون المرأة.

السّادس: النيّة، والأولى أن يقول إذا أراد الاحتياط: أطوف بالبيت سبعة


1- 1 في نجاة العباد: هو شي ء ينبت في الأرض ويكون له ساق.

ص: 19

أشواطٍ لعمرة الّتمتع إلى حجّ الإسلام؛ لوجوبه قربة إلى اللَّه تعالى.

السابع والثامن: الابتداء بالحجر الأسود والاختتام به، والمدار على صدقهما عرفاً؛ والظّاهر انّه لا بأس بالزيادة مقدمة، والأحوط أن يحاذي بأول جزء من الحجر لأول جزء من مقاديم بدنه بحيث يمرّ كلّه على كلّه.

التاسع: جعل البيت على يساره ولا يقدح الانحراف اليسير.

العاشر: إدخال حجر إسماعيل في الطواف.

الحادي عشر: خروجه عن البيت والحِجر على وجه يصدق عليه الطّواف بهما.

الثاني عشر: كونه بين البيت والصخرة، التي هي المقام مراعياً قدر ما بينهما من جميع الجهات حتّى من جهة الحجر.

الثالث عشر: العدد وهو سبعة أشواط، فلو نقّص ولو خطوة أو زاد عمداً لم يصحّ طوافه، ولا بأس بالزيادة مقدّمة على الأصحّ.

الرابع عشر: ركعتا الطواف عند المقام، ولو نساهما رجع، فإن شقّ عليه، فعلَهما في الحرم في الأحوط، فإن شقّ عليه صلّاهما حيث شاء.

الرابع من أفعال العُمرة: السعي وهو ركن. وواجبات السّعي خمسة:

الأوّل: النيّة والأحوط أن يقول: أسعى بين الصّفا والمروة، بأن أذهب منها وأعود إليها، إلى أن أتمّ سبعة أشواط لعُمرة التمتع إلى حجّ الإسلام؛ لوجوبه قربة إلى اللَّه تعالى.

الثاني: البدأة بالصّفا على وجه يجعل عقبه- وهو ما بين السّاق والقدم- ملاصقاً له، والأحوط العقبين فإذا عاد ألصق أصابع قدميه بموضع العقب، ولا يجب الصعود للدرجة الرابعة، وإن كان لا ينبغي تركه.

الثالث: يختم بالمروة بحيث يلصق أصابعه بها والأحوط القدمين، فإذا عاد جعل عقبه في موضع أصابعه، ولا يجب الصعود عليها وإن كان أحوط، فيقصد

ص: 20

السعي من الأعلى ومن الأسفل ويكفي استمرار الدّاعي.

الرابع: العدد وهو سبعة أشواطٍ من الصّفا إلى المروة شوط، ومن المروة إلى الصفا شوط آخر.

الخامس: السعي في الطريق المعهود.

الخامس من أفعال العمرة: التقصير.

ويكفي مسمّاه الذي هو الأخذ من شعر الرأس، أو الشارب واللحية، أو الحاجب بحديد أو سِنّ أو نحو ذلك واللَّه العالم.

وأما الحجّ فأفعاله سبعة:

الأوّل: الإحرام للحجّ من مكّة، وهو في النيّة واللبس والتلبية والتروك كإحرام العمرة، إلّاأنّه يقصد بالنيّة هنا إحرام الحج، وأفضل أوقاته يوم التروية بل هو الأحوط.

الثاني: الوقوف بعرفة وواجبات الوقوف ثلاثة:

الأوّل: النيّة كما عرفت.

الثاني: الكون بها من الزوال إلى الغروب للمختار، وللمضطرّ من الغروب إلى طلوع فجر يوم النحر، والركن منه مسمّاه وإن قلّ.

الثالث: أن يكون في اليوم التاسع من ذي الحجة.

الثالث من أفعال الحجّ: الوقوف بالمشعر ويجب فيه أمران:

الأوّل: النيّة.

الثاني: الكون فيه، والأحوط مسمّى الوقوف من طلوع الفجر إلى طلوع

ص: 21

الشمس للمختار، والأقوى عدم وجوب الاستيعاب، وإن كان أحوط، والأحوط المبيت فيه ناوياً ذلك أيضاً، وأحوط منه تجديد النيّة عند الفجر، والركن منه مسمّاه، وإن قلّ في ليلة النحر إلى طلوع الشمس على الأقوى.

الرابع: من أفعال الحجّ المضي إلى منى، وواجبات منى ثلاثة:

الأوّل: رميُ جمرة العقبة ناوياً، والأحوط في النيّة أن يقول: أرمي جمرة العقبة يوم النحر سبعاً لحجّ الإسلام أداءً، لوجوبه قربةً إلى اللَّه تعالى، ويجب أن يكون بسبع حصيات متعاقبة في الرّمي، لا الإصابة، وأن يصيب الجمرة أو موضعها، ويستحبّ وضع الحصاة على الإبهام ودفعها بظفر السبّابة، بل هو الأحوط.

الثاني: الذبح أو النّحر وواجباته خمسة:

الأول: النية.

الثاني: أن يكون من الإبل أو البقر أو الغنم.

الثالث: أن يكون ثنياً في غير الضان، وهو من الإبل ما دخل في السادسة، ومن البقر والمعز ما دخل في الثالثة، وفي الضأن يجزي الجَذَعُ، والأحوط فيه ما دخل في الثانية منه.

الرابع: أن يكون صحيحاً.

الخامس: أن يكون تامّاً.

الثالث من واجبات منى: الحلق أو التقصير مخيّراً بينهما، ويتعيّن على النساء التقصير، ويكفي فيه المسمى، واللَّه العالم.

الخامس: من أفعال الحجّ: الطواف بالبيت، والأفضل أن يمضي إليه في يوم النحر، فإن أخّره فمن غده، فإن أخّرهُ عن الغدِ اشتدّت الكراهة، بل الأحوط عدم التأخير، وإن كان يجزيه طوافه وسعيه طول ذي الحجة، وهو سبعة أشواط كما في

ص: 22

طواف العمرة، وحكمه مثله إلّافي النيّة فيقصد هنا (طواف الحجّ)، ويصلّي ركعتيه عند مقام إبراهيم.

والسادس: من أفعال الحجّ: السعي بين الصّفا والمروة، وهو كسعي العمرة في الأحكام.

السابع: من أفعال الحجّ: طواف النساء وهو كطواف العمرة أيضاً، وبعده يحلُّ من كلّ شي ء حتّى النساء.

ويجب بعد ذلك الرجوع إلى منى في يومه ذلك قبل الغروب؛ للمبيت فيها ليلة الحادي عشر والثاني عشر، بل والثالث عشر لمن لم يتّق النساء والصيد.

ويجب أن يرمي في نهار الحادي عشر والثاني عشر، بل والثالث عشر، لمن أقام ليلته في منى، الجمار الثلاث كلّ جمرة بسبع حصيات.

ويجب فيه- زيادة على ما يجب في الرمي، كما عرفته سابقاً- الترتيب بين رمي الجمرات، بأن يبدأ بالأولى ثمّ الوسطى ثمّ جمرة العقبة. ووقت الرمي للمختار من طلوع الشمس إلى غروبها، والأفضل إيقاعه عند الزوال.

ويلحقها الكلام فيما يجب من الكفّارات وما تجب فيه، وما لا تجب.

فنقول: اعلم أنّ ما لا كفارة فيه هو صيد البحر: وهو ما يبيض أو يفرّخ في الماء، أو يتولّد كذلك، والدجاج الحبشي (وذبح النعم وأكلها وإن توحّشت، والسباع ماشيةً أو طائرةً إلّاالأسد فإنّ على قاتله في الحرم كبشاً إذا لم يرده، بل وإن أراده وكان في غير الحرم على الأحوط إن لم يكن أقوى، والعقرب والفأرة والحيّات والحدات، والغراب بجميع أقسامه، والبقّ والبرغوث مع الأذيّة وعدمها، والزنبور إذا أراده، والأحوط دفعها إذا لم يرده، وهي شي ء من الطعام واللَّه العالم.

ما لكفّارته بدل مخصوص على خمسة:

الأوّل: النعامة وفي قتلها بَدَنةُ، والأحوط بل الأقوى كونها من الإبل، وأن

ص: 23

تكون ممّا قد دخل في السادسة، ولو عجز عن عين البدنة دفع عن قيمتها برّاً، أو غيره ممّا يجزي في الكفّارة، وتصدّق لكلّ مسكين مدّان، فإن زاد عن ستين لم يلزم، ولا يجب الإكمال لو نقص، فإن عجز صام عن كلّ مدّين يوماً حتّى يبلغ الستين لو كانت، فلو عجز عن صوم الستين مثلًا صام ثمانية عشر يوماً.

الثاني: بقر الوحش وفيه بقرة أهلية وكذا حمار الوحش، والأحوط مع ذلك بدنة، ومع العجز دفع عن القيمة ما يجزي في الكفارة، وتصدق به لكلّ مسكين مدّان حتّى يبلغ ثلاثين، ولا يلزم بالزّايد ولا بإكمال النّاقص، ومع العجز صام عن كلّ مدّين يوماً، فإن عجز صام تسعة أيّام.

الثالث: الضبي وفي قتله شاة، ومع العجز يدفع عن قيمتها ما يجزي في الكفارة لكلّ مسكين مدّان، ولايلزم مازاد عن عشرة، ولا إكمال النّاقص، فإن عجز صام عن كلّ مدّين يوماً، فإن عجز صام ثلاثة أيّام، وكذا قتل الثعلب والأرنب على الأصحّ.

الرابع: بيض النعام، وفي كلّ بيضة تحرّك الفرخ فيها بكرة من الإبل، وإن لم يتحرّك ففيه إرسال فَحْلِ الإبلِ على الإناث منها، الصالحة للحمل بعدد البيض، مع حصول الطروقة فما نتج فهو هدي، وما لم ينتج فلا شي ء عليه، ومع العجز فعن كلّ بيضةٍ شاة، فإن عجز أطعم عشرة مساكين كُلّ مسكين مدّ، والأحوط مدّان، فإن عجز صام ثلاثة أيام.

الخامس: بيض القطا والحجل والدرّاج، وفي كلّ واحدة منه إذا تحرّك الفرخ فيها بكرة من الغنم- أي صغيرة منه- وقبل التحرّك أولًا فرخ، فيه إرسال الفحل في الإناث من الغنم، كما في بيض النعام، ومع العجز فعن كلّ بيضة شاة، وإن لم يجد أطعم لكلّ بيضة عشرة مساكين، فإن لم يجد صام لكلّ بيضة ثلاثة أيّام، واللَّه العالم.

ما لا بدل لكفارته بالخصوص خمسة:

الأوّل: الحمام وهو كلّ طائر يهدر ويعبَّ في الماء.

ص: 24

وفي قتل الُمحرم الحمام في الحلِّ شاةٌ، والمحلِّ في الحرم درهم، والأحوط القيمة مع فرض زيادتها عليه، وفي فرخها للمحرم حمل، والأولى كونُه ذكراً من الضّان، مضى له أربعة أشهرٍ، وللمحل في الحرم نصف درهم، والمحرم في الحرم يجتمعُ عليه الأمران لو قتل شيئاً من ذلك.

والبيضُ مع تحركِ الفرخ كالفرخ، ومع عدمه على المحرم في الحلّ درهم، وعلى المحلّ في الحرم ربع درهم، والمحرم في الحرم يلزمه درهم وربع.

الثاني: في كلّ من القطاء والحجل والدّراج، حمل قد فطم من اللّبن ورعى من الشجر.

الثالث: في قتل كلّ واحد من القنفذ والضبّ أو اليربوع جدي (1).

الرابع: في كلّ من العصفور والقبّرة والصّعوة (2) مدّ من طعام، والأحوط شاة في كلّ طائرٍ عدا النعامة.

الخامس: في قتل الجرادة أو أكلها تمرة.

وفي الكثير من الجراد مع إمكان التحرّز عنه دم شاة، وإلّا فلا شي ء، وفي إلقاء القمّلة من جسده كفٌّ من طعام، وكذا قتلها، وكلّما لا تقدير لفديته ففي قتله قيمته، وكذا البيوض التي لا تقدير لفديتها.

موجبات الضمان وهي ثلاثة: مباشرة الاتلاف، واليد، والسبب.

أمّا الأول: فقتل المحرم الصيد في الحلّ موجب لفديته، ولو أكله لزمه فداء آخر، وفي الحرم يتضاعف الجزاء وتضمن أبعاض الصيد كما تُضمن الجملة، فيكون عليه الأرش حينئذ إلّافي الغزال، ففي كسر المحرم في الحلّ قرنيه نصف قيمته، أو أحدهما ربعها، وفي فقاء عينيه تمامُ قيمته، وفي كسر إحدى يديه أو رجليه نصف قيمته، وإن فعل ذلك في الحرم فعليه مع ما سمعت دمُ يهريقه.

وأمّا الثاني: فمن أحرم ومعه صيد زال ملكه عنه، ووجب إرساله، فلو مات ولو حتف أنفه، قبل إرساله الممكن له لزمهُ ضمانه من غير فرقٍ بين الحرم وغيره،


1- 1 في نجاة العباد: الجدى ابن ستة أشهر أو سبعة.
2- 2 في نجاة العباد: والصّعوة التي هي على ما قيل عصفور صغير له ذنب طويل يرمح به.

ص: 25

ولو أمسك المحرم صيداً في الحلّ فذبحه محرم آخر ضمن كلّ منهما فداءً كاملًا، ولو كانا في الحرم تضاعف الجزاء ما لم يبلغ بدنه، بل وإن بلغ في الأحوط، ولو كانا محلّين في الحرم لم يتضاعف.

وأمّا الثالث: فمن أغلق على حَمام الحرم وفراخ وبيض ضمن بالإغلاق، فإن أرسلها سليمة زال الضمان، ولو هلكت ضمن المحرم الحمامة بشاة، والفرخ بحمل، والبيضة بدرهم.

والمحل الحمامة بدرهم، والفرخ بنصف درهم، والبيضة بربع درهم، والأحوط وجوب شاة واحدة على من نفّر حمام الحرم وعاد، وعن كلّ واحدة شاة إذا لم يعد مُحلًاّ كان أو محرماً.

وإذا رمى المحرمان صيداً فأصابه أحدهما كان على كلّ منهما جزاء.

ولو أوقد جماعة محرمون ناراً في الحلّ فوقع فيها صيد؛ فإن قصدوا ذلك بإيقادها لزم كلّ واحد جزاء، والّا ففداء واحد، ولو قصد بعضٌ دون بعض فلكلّ منهما حكمه.

والمحرم السائق للدابة في الحلّ يضمن ما تجنيه بأي جزء منها، وكذا الراكب الواقف، ولو سار ضمن ما تجنيه بيدها ورأسها كالقائد، ونحوه المحلّ في الحرم.

ويتضاعف الجزاء على المحرم في الحرم.

ولو أغرى المحرم كلبه بصيد فقتله ضمن، ولو نفّر صيداً فهلك بمصادفة شي ء أو أخذه جارح، أو هلك صيد آخر بمصادفته ضمن، ولو وقع الصيد في شبكه، وأراد تخليصه، فهلك أو عاب ضمن في الأحوط، كما لو خلّصه من فم هرّة، أو سبع، أو من شقّ جدار، فمات في يده بما ناله من السبع مثلًا، والأقوى عدم الضمان.

ومن دلّ على صيد من المحرمين في الحلّ والحرم، أو المحلّين في الحرم فقتل أو جرح أو أخذ ضمن، واللَّه العالم.

ص: 26

القول في صيد الحرم

يحرم من الصيد على المحلّ فيه ما يحرم على المحرم في الحلّ، وحينئذٍ فمن قتل فيه صيداً من المحلّين كان عليه قيمته، ولو كان محرماً وجب معها الفداء إن كان ممّا له فداء، وإلّا تضاعفت القيمة للإحرام والحرم، ولا شي ء على المحلّ في قتل القمل والبراغيث والنمل في الحرم.

وبالجملة فيجب على المحلّ في الحرم القيمة، وأمّا على المحرم في أكل فيجب الفداء إن كان له فداء، ووجوب الفداء مع القيمة على المحرم إن كان له فداء، وإلّا فقيمتان فيه.

والأحوط إن لم يكن أقوى فيما وجب فيه بدنة أن تجب فيه على المحرم في الحرم بدنتان، واللَّه العالم.

القول في باقي المحظورات التي فيها الكفارة وهي سبعة:

الأوّل: الاستمتاع بالنساء: فمن جامع زوجته ولو أمةً بالمنقطع محرماً بالحجّ فرضاً، أو ندباً قبل المشعر بعد عرفة، ولو بغيبوبة الحشفة في الفرج قبلًا أو دبراًژ، عامداً للجماع، عالماً بالتحريم كان عليه إتمامه وبدنة والحجّ من قابل، والظّاهر ترتب الأحكام على الزنا واللواط فضلًا عمّا لو جامع أمته، ولا شي ء على الجاهل بالحكم والنّاسي للإحرام والمكره، ولو كانت امرأته مثلًا محرمة وطاوعته، ترتبت عليها الأحكام المذكورة، وفرّق بينهما في حجة الإتمام، وحجة القضاء إذا حجّا على تلك الطريق إلى قضاء المناسك، والأولى أن يرجع (1) إلى مكان الخطيئة، بل الأحوط ذلك في حجّة الإتمام.

والمراد بالافتراق أن لا يخلوا إلّاومعهما ثالث صالح؛ لعدم وقوع المواقعة مع وجوده، ولو جامع عالماً عامداً بعد الوقوف بالمشعر قبل أن يطوف للنساء أو طاف منه ثلاثة أشواطٍ فما دون، أو جامع في غير الفرجين كالتفخيذ ونحوه وإن لم ينزل،


1- 1 في نجاة العباد: يرجعا.

ص: 27

كان عليه بدنة لا غير، وإن صحّ حجّه.

الثاني: الطيب، وفيما يحرم منه على المحرم ابتداءً واستدامة دم شاة مع العلم والعمد، من غير فرق بين الأكل والشم والبخور والتداوي وغيرها ممّا يحرم منه، نعم لو سها (1) عن إزالة إلى أن أحرم أو وقع عليه وهو محرم، أو سهى فتطيّب وجب إزالته، ولا كفّارة عليه بغسله بيده، والأولى غسل الحلال له، ولا يبعد تعيين غسل الحلال له إذا كان غسله هو يستلزم بقاء الطيب بيده.

الثالث: قلم الأظفار: وفي كلّ ظفرٍ مدّ من طعام إلى أن يبلغ العشرة أو العشرين، وحينئذ ففي أظفار يديه ورجليه في مجلس واحد إذا لم يتخلل التكفير دم واحد، ولو كان كلّ واحد منهما في مجلس لزمه دمان، والأحوط ثبوت الدم ببلوغ الخمس.

والأحوط بل الأقوى التكفير بشاة بقلع الضرس بل والسن وإن لم يدم.

الرابع: لبس المخيط: من لبس المخيط حال الإحرام عالماً عاماً كان عليه دم شاة، بل لو اضطر إلى لبسه ليتقي الحرّ والبرد كان عليه ذلك أيضاً، واللَّه العالم.

الخامس: في حلق شعر الرأس عامداً عالماً بل مطلق إزالته شاة، أو إطعام ستّة مساكين لكلّ مسكين مدّان، أو صيام ثلاثة أيّام، ولو لغير ضرورة، والأحوط حينئذ الشاة. كما أن الأحوط أحد الثلاثة في شعر البدن عدا الابطين، أما هما ففي نتفهما دم، وفي أحدهما إطعام ثلاثة مساكين. والمدار على صدق مسمى حلق الرأس، أمّا مع عدمه فالأحوط الدم مع المساواة لنتف الإبطين أو أزيد، والصدقة بهما كان فيما دون ذلك.

ولو مسّ لحيته أو رأسه فوقع منهما شي ء ولو شعرة أطعم كفّاً من طعام، ولو فعل ذلك في الوضوء بل مطلق الطّهارة لم يلزمه شي ء.

وفي التظليل سائراً ولو لضرورةٍ شاةٌ، والأحوط شاة لكلّ يوم، والظاهر تعدد الشاة بتعدد النسك كما في العمرة والحج، وتتحقق التغطية ولو بالرقيق الذي يحكي ما تحته.


1- 1 في نجاة العباد: نعم ان كان عليه او على ثوبه وسها.

ص: 28

السادس: الجدال، وفي الكذب منه مرّة شاة، ومرّتين بقرة، وثلاثاً فما زاد بدنة، وفي الصدق منه ثلاثاً فما زاد شاة، ولا كفّارة فيما دون ذلك، وإن وجب الاستغفار والتوبة.

السابع: قلع شجر الحرم غير المستثنى، ولو كان القالع حلالًا، وفي الكبيرة بقرة والصغيرة شاة، وأبعاضها قيمته، إلّاإذا أعادها إلى مكانها، أو مساوية في الجودة، وإلّا ففي الحرم، وقد عادت على ما كانت عليه، وإن لم تفدها الإعادة فالكفارة بحالها، ولا كفارة في قلع الحشيش وإن أثم إلّاما استثنى.

تتمّة: إذا اجتمعت أسباب الكفّارة مختلفة كالصيد واللبس، لزم لكلّ واحد كفارة، كفّر عن الأول أو لم يكفّر، بل لو كرّر السبب الواحد وكان ممّا لم يفرق الشرع ولا العرف في صدق السبب من مسمّاه بين اتّحاد المجلس والوقت، وتعدّدهما كالصيد والوطي ونحوهما تكررت الكفارة.

وكلّ محرم لبس أو أكل عالماً عامداً ما لا يحلّ له لبسه أو أكله، ولم يكن له مقدّر فعليه دم شاة، بل هو كذلك في كلّ محرّم على المحرم ممّا لم ينصّ على عدم الكفارة فيه، أو نصّ على أن فيه دماً من غير تعيين، نعم لا كفّارة على الساهي والناسي والجاهل في غير الصيد، وأمّا الصيد فثبتت فيه الكفارة مع السهو والجهل، واللَّه العالم.

القول في المصدود: وهو الممنوع من فعل النسك بالعدوّ.

من تَلبّس بإحرام الحجّ ثمّ صُدَّ تحلل بمحلله من كلّ ما أحرم منه حتّى النساء، ولو خشي فوات الحجّ بغير الصدّ صبر حتّى يتحقق ذلك، ثمّ يتحلل بعمرة مفردة.

ولا يجوز التحلّل بالعلم به قبل تحقّقه على الأصحّ، ولا يتحلّل المصدود إلّا بعد ذبح الهدي، أو نحره في محلّ صدّه أو يبعثه، وزمان النحر من حين الصدّ إلى ضيق الوقت عن الحجّ، ولا يجب التأخير إلى الضيق.

ص: 29

القول في المحصور والممنوع من فعل النسك بالمرض:

من تلبّس بالإحرام لحج، أو عمرة تمتع، أو مفردة ثم أُحصر، كان عليه أن يبعث ما ساقه إن كان ساقاً، وإلّا بعث هدياً أو ثمنه، ولا يحلّ حتّى يبلغ الهدي محلّه وهو منى إن كان حاجّاً، وفناء الكعبة إن كان معتمراً، كما إنّ زمانه يوم النحر، والأقوى إلحاق أيّام التشريق، فإذا بلغ الهدي على مقتضى الوعد إن كان، وإلّا فإلى أن يمضي زمان النحر قصّر وأحلّ من كلّ شي ء إلّاالنساء، فليمسك عنهنّ حتّى يحجّ في القابل، أو يطاف عنه طواف النساء إن كان تطوعاً، أو واجباً غير مستقر أو مستقراً وقد عجز عن الرجوع، أمّا لو تمكّن من الرجوع توقّف تمام الإحلال فيه على فعل النّسك. ويقوى إلحاق المستأجر والمتبرّع عن الغير بالمندوب في الاجتزاء بالنيابة.

ويستحبّ أن يبعث الإنسان مع أحد إخوانه ثمن أضحية ويأمره أن يطوف عنه أسبوعاً بالبيت، ويذبح عنه. فإذا كان يوم عرفة لبس ثيابه، والأولى أن تكون كثياب المحرم، وتهيّأ وأتى المسجد، ولا يزال في الدعاء حتّى تغرب الشمس، فإن ذاك يقوم مقام الحجّ في كلّ سنة.

واللَّه العالم والعاصم عن الخطإ والخطل.

حرّره في شهر رجب المرجب سنة 1264

الهوامش:

حكم الاضحية في عصرنا

ص: 30

ص: 31

حكم الأضحية في عصرنا

ناصر مكارم الشيرازي

إدراكاً منها لأهمّية فقه الحجّ ولمسائله المستحدثة بالذات، تتمنّى مجلة ميقات الحج أن يتفضّل عليها السادة علماء وفقهاء.. ببحوثهم ودراساتهم في هذا المجال الذي تخصّصه لأفكارهم وآرائهم، وقد تفضّل سماحة المرجع الديني آيةاللَّه ناصر مكارم الشيرازي ببحثه القيّم هذا، المتّسم بالجدّة والدقّة، فاتحاً بذلك باب البحث والدراسة في مجلّتنا حول هذه المسألة وغيرها..

إدارة المجلّة

تمهيد

حينما تشرّفت بزيارة بيت اللَّه الحرام لأوّل مرّة، ذهبت الى المسلخ في منى؛ لأشاهد عن قرب نحر الأضاحي يوم العيد، فاذا بي أواجه مشهداً عجيباً، حيث رأيت أن الآلاف المؤلّفة من أشلاء الأنعام من الشياه والبقر والإبل قد غطّت أرض المسلخ بحيث كان من الصعب العبور من خلالها، في حين كانت شمس الحجاز الحارقة التي تلهب بحرارتها كلّ شي ء فتعفّنها تدريجيّاً، دون أن يستفيد منها أحد من

ص: 32

النّاس خاصةً المساكين.

وتبادر الحكومة السعودية- ومن أجل أن تمنع انتشار الأوبئة بين الحجيج بسبب تعفّن الأضاحي بعد نحرها- إلى دفنها رغم ما يعترض هذا العمل من صعوبات. وبعد أن اطلعت على هذا الوضع سعيت- بدوري- للحصول على شاة صحيحة تتوفّر فيها المواصفات المطلوبة، فتمّ لي ذلك، وقدّمتها لبعض المساكين هناك، ولعلّهم اكتفوا ببعض منها وتركوا الباقي.

كما لاحظت وجود عدد من الفقراء المعوزين، الذين كانوا ينقلون أجزاءً من الأضاحي خارج المسلخ، ولا تتجاوز نسبة ما يقتطعونه من الأضاحي في أحسن الأحوال عشرة بالمئة، ويتلف الباقي بالدفن أو الحرق.

وكما قلنا فإنّ عملية الإتلاف لا تتمّ بسهولة؛ ولهذا قد تُنجز بشكل ناقص ممّا يؤثّر على أجواء منطقة منى الّتي تعاني من جرّاء ذلك من التلوّث يومي الحادي عشر والثاني عشر من ذي الحجّة، ولا سيّما المناطق القريبة من المسلخ.

ولعلّ الكثير من الأشخاص، الذين يدخلون المسلخ، ويشاهدون الوضع فيه، يتساءلون عن رأي الشارع المقدّس في هذه الظاهرة، وموقف الفقهاء ومراجع الدّين منها، وهل هي من المسائل المستحدثة، أم أنّها كانت منذ عصر المعصومين وفقهاء السلف؟

في تلك الفترة كنت من طلاب العلوم الدينية، وحديث عهد ببحوث الفقه الاستدلالي، وكنت مقلّداً في عدد من المسائل، ومنها مسائل الحج، فكانت وظيفتي الذبح، ثم طرح الأضحية في محلّها، أو أن أقوم بعملية صورية عن طريق أخذ النيابة من جانب الفقير، ثمّ القبول من ناحيته، وتركها في نفس المحلّ.

ولكن بعد أن حصلت على قدرة أكثر في استنباط المسائل، استغرقت في التفكير، وعزمت على ملاحظة أدلّة المسألة بالدقّة والتأمّل اللائقين، وعدم

ص: 33

الاقتناع بأنّ الآخرين قد فعلوا كذا فعلينا أن نفعله أيضاً، خصوصاً بعد أن صارت المسألة أعقد بانتقال جميع المذابح من منى إلى خارجها (عير مثلث صغير يكفي لجماعة قليلة من الحجّاج فقط) مع أنّ من شروط صحّة الأضحية عند فقهاء الشيعة كونها في منى، وعدم كفاية ما يقع في خارجها، ولذلك تفحّصت جميع روايات أبواب الذبح بدقّة وتدبّر، وتعمّقت في كلمات القوم وفتاوى الفقهاء الكرام واستدلالالتهم، وناقشت بعضهم، وسعيت لأن أفرغ ذهني من الجوّ الموجود حتّى أفتي في المسألة مع فراغ البال، وعدم انجذاب الفكر إلى أيّ شي ء غير الأدلّة المعتبرة- كما حصل في قصّة العلّامة الحلّي رحمه الله في حكمه بردم بئر داره، ثمّ الفحص عن أدلّة اعتصام ماء البئر، وفي النهاية أفتى بالاعتصام خلافاً لجميع ما كانوا قبله- فانتبهت إلى أنّ مثل هذه الأضاحي ليست مجزية لوظيفة الحج، وعلى الحجّاج الاجتناب عنها، والاحتياط بالإتيان بها في أيام ذي الحجّة في أوطانهم أو مكان آخر.

ولهذا عزمت على بيان ما ثبت لي من الدليل على هذه الفتوى- مع أداء التكريم والاحترام لجميع المراجع والفقهاء العظام- حتّى ينفتح بذلك للسائرين باب بحثٍ أكثر وفحصٍ أبلغ حول هذه المسألة المهمّة.

محاور البحث

وقبل كلّ شي ء لابدّ من أن نعلم أنّ لمسألة الأضحية في زماننا هذا ثلاث حالات:

1- إذا أمكن إيقاع الذبح في منى (أو في المذابح الموجودة اليوم في صورة عدم إمكانها في منى) وصرف لحوم الأضاحي في مصارفها، بحيث لا يلزم الإتلاف والدفن والإحراق، فلا إشكال في تقدّمه على أيّ شي ء آخر.

2- إذا لم يوجد المستحقّون في منى، ولكن يمكن نقل اللحوم الى خارج منى، أو الى خارج المملكة السعودية بتجفيف اللحم، أو استخدام

ص: 34

إحدى الوسائل الحديثة، لحفظه وتعبئته في علب تدرأ عنه الفساد، ثم صرفه للمستحقّين، يجب الذبح أيضاً في منى ثم النقل الى خارجها.

3- إذ استعصت الحالتان السابقتان بحيث لم يبق أمامنا إلّا الإتلاف أو الإحراق، فيجب ترك الذبح في منى، وعزل قيمة الهدي على الاحتياط اللازم، والإتيان بسائر المناسك، ثم الذبح في الوطن أو محل آخر بعد الرجوع، والأولى في صورة الإمكان، التنسيق والاتفاق مع بعض الأهل والأصدقاء للذبح يوم الأضحى في الوطن، والتقصير بعده (لكن هذا ليس بواجب لأنّه يوجب العسر والحرج على كثير من الحجاج).

والدليل على ذلك أمور ثلاثة:

الأمر الأول: عدم الإطلاق في روايات الأضحية

لا إشكال في أن مسألة الأضحية بشكلها الفعلي في يومنا هذا من المسائل المستحدثة، التي لا سابق لها في عصر النبي صلى الله عليه و آله والأئمة عليهم السلام وذلك لقلّة عدد الحجاج يومذاك، وكثرة المستحقين بحيث كانت اللحوم تصرف جميعها في أيّام الحج. ولعلّ بداية الوضع الفعلي قد حصلت في القرن الأخير؛ ولذلك يخبر المعمّرون أنّ لحوم الأضاحي كانت تصرف بسرعة في منى وخارجها. وبهذا يظهر أن وجه عدم طرح هذه المسألة في كتب الفقهاء السابقين، إنّما هو عدم ابتلائهم بها.

والمستفاد من الروايات أيضاً صرف لحوم الأضاحي بتمامها في عصر النبي صلى الله عليه و آله في الأيام الأولى بعد الذبح، بحيث نهى عن ادّخارها أكثر من ثلاثة أيّام؛ وذلك لكثرة المستحقين في ذلك العصر:

منها: ما رواه محمّد بن مسلم عن الباقر عليه السلام قال: كان النبي صلى الله عليه و آله نهى أن تحبس لحوم الأضاحي فوق ثلاثة أيام من أجل الحاجة، فأمّا اليوم فلا

ص: 35

بأس به (1).

ومثله الحديث الثالث من الباب نفسه عن محمّد بن مسلم عن الباقر عليه السلام أيضاً.

ومنها: ما رواه أبو الصلاح عن الصادق عليه السلام وحنان بن سدير عنه أيضاً، قال: نهى رسول اللَّه صلى الله عليه و آله عن اللحوم الأضاحي بعد ثلاث، ثمّ أذن فيها وقال: كلوا من لحوم الأضاحي بعد ذلك وادّخروا (2).

فيستفاد من هذه الروايات وروايات أخرى صرف اللحوم بتمامها، أو جعلها على الأقل بصورة القديد لادّخارها لأيام أخرى (وكان الادّخار ممنوعاً في بداية الأمر لكثرة المحتاجين ثم أذن فيه). بل يستفاد منها منع إخراج اللحوم من منى؛ لكثرة الحاجة إليها، نعم بعد أن كثرت اللحوم وقلّ المستحقون أجيز نقلها إلى خارج منى.

ففي حديث محمد بن مسلم عن الصادق عليه السلام قال: سألته عن إخراج لحوم الأضاحي من منى، فقال: كنّا نقول: لا يخرج منها بشي ء لحاجة الناس إليه، فأما اليوم فقد كثر النّاس فلا بأس بإخراجه (3).

وعلى أيّ حال، فإنّ مدلول مجموع هذه الروايات صرف لحوم الأضاحي في أعصار الأئمة المعصومين عليهم السلام أيضاً إمّا في الأيام الأولى من الحج في منى، أو في أيام أُخر في مكّة، أو خارج مكّة، وأما ما نشاهده اليوم من دفنها أو إحراقها هو أمر مستحدث لا وجود له في السابق، ولذلك فإن من المشكل جدّاً إطلاق الروايات بحيث يشمل تمام صور المسألة حتى صورة الدفن أو الحرق؛ لأنّ المصداق الموجود في عصرنا إنما هو من قبيل الفرد النادر أو الفرد المعدوم في عصر نزول آيات الهدى وصدور روايات الأضحية.

إن قيل: ندرة المصداق أو عدم وجوده، لا يوجب عدم شمول إطلاق أو عموم بالنسبة إليه، وإلّا لم يجز التمسّك بالتعميمات والإطلاقات للمصاديق المستحدثة من


1- 1 الوسائل: الباب 41 من أبواب الذبح، الحديث 4.
2- 2 الباب نفسه، الحديث 1.
3- 3 الوسائل: الباب 42 من أبواب الذبح، الحديث 5.

ص: 36

موضوعات الاحكام كالتمسّك بعموم «أوفوا بالعقود» لصحة عقد التأمين مثلًا.

قلنا: إنّه كذلك، أي التمسّك بتلك التعميمات أو الاطلاقات في باب العقود المستحدثة مشكلة لنفس الإشكال، وطريق حلّ مشكلة هذه العقود في محلّه منحصر بإلغاء الخصوصية القطعيّة العرفيّة في الموارد، التي يمكن ذلك فيها. ولا إشكال في أن الخصوصية موجودة في محلّ البحث يقيناً، فلا يمكن إلغاؤها؛ لأنّه لا يمكن لأحد دعوى اليقين أو الاطمئنان بعدم الفرق بين الذبائح، الّتي تصرف لحومها، والتي تعدم بالدفن أو الحرق.

بل المستفاد من ظاهر الآيات أن الأضحية المطلوبة في الشريعة الإسلامية إنما هي ما تصرف لحومها للفقراء والمساكين، قال اللَّه تبارك وتعالى: والبدن جعلناها لكم من شعائر اللَّه لكم فيها خير فاذكروا اسم اللَّه عليها صوافّ فإذا وجبت جنوبها فكلوا منها وأطعموا القانع والمعترّ (1).

فالمستفاد من هذه الآية خصوصاً بقرينة الفاء فكلوا ... جعل الأضحية في سبيل الإطعام، ولزوم تمتّع المضحّي والقانع والمعترّ- القانعون من الفقراء والمعترّون منهم- من لحومها، ومن الواضح أن الآية ليست ناظرة إلى الموارد، التي لا يتمتّع منها المضحّون والقانعون والمعترّون بل تلتهمها حفر الأرض ومصاهر النار.

إن قيل: لعل مفهوم قوله تعالى بعد الآية المزبورة: لن ينال اللَّهَ لحومُها ولا دماؤها ولكن ينالُه التقوى (2)

عدم موضوعية للصرف، وأنّ المهم إنّما هو التقوى والنيّات الخالصة حين الذبح.

قلنا: يلزم هذا الاستنباط من الآية عدم لزوم إراقة الدم أيضاً؛ لأنها تقول: لن ينال اللَّهَ لحومُها ولا دماؤها وهو خلاف المطلوب، فالصحيح أن يقال: إن المقصود في الآية أن قيمة إراقة الدم، وصرف المضحّي لحومها لنفسه ولغيره، إنّما هي


1- 1 الحج: 36.
2- 2 الحج: 37.

ص: 37

فيما إذا كانت الأضحية ملازمة لقصد القربة وخلوص النيّة، فهو نظير ما إذا قلنا: إن قيامكم أو قعودكم في الصلاة ليس بمهمّ، إنّما المهم هو إخلاص النيّة، وقصد التقرب إلى اللَّه تعالى. ونظير الآية المزبورة والبدن جعلناها لكم ... في الدلالة على لزوم الصرف، وموضوعية التمتّع من اللحوم. وهناك آية أخرى من سورة الحج وهي:

و أذّن في الناس بالحجّ ... ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم اللَّه في أيّام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير (1).

ولو سلمنا في أن صيغة «كلوا» في هذه الآية تأتي في مقام دفع توهّم الحظر من أكل المضحّي، فلا دلالة لها على الوجوب (كما قال به كثير من الفقهاء والمفسرون) فلا إشكال في دلالة «أطعموا» على وجوب صرف اللحوم في الفقراء، كما تدلّ عليه الروايات الواردة في أبواب الذبح أيضاً.

إن قيل: لعلّ المسألة من قبيل تعدّد المطلوب، فكانت إراقة الدم في منى أمراً مطلوباً، وصرف اللحوم في المصارف المنصوصة هو الآخر كان أمراً مطلوباً، فإذا لم يقدر المكلّف على إتيان أحدهما (وهو صرف اللحوم) لم يسقط الآخر وهو إراقة الدم في منى.

قلنا: ظاهر الأمر في الآية الشريفة وما تفرّع عنها هو وحدة المطلوب، وان تعدد المطلوب يحتاج إلى قرينة مفقودة في المقام، بل القرينة قائمة على خلافه؛ لظاهر التفريع بالفاء، وبالجملة على مدّعي التعدّد تقديم القرينة. هذا- مضافاً إلى ما مرّ من عدم سبق إراقة الدم بدون صرف اللحوم في عصر نزول القرآن وأعصار المعصومين حتى يدّعى التعدد، فإن تعدد المطلوب يرجع الى نوع من الإطلاق وشمول الدليل، والإطلاق بالنسبة الى مصداقٍ، فرع وجود ذلك المصداق، كما أشرنا إليه سابقاً.

إن قيل: لازم وحدة المطلوب سقوط الهدي، فإن المطلوب الواحد


1- 1 الحج: 27- 28.

ص: 38

ينتفي بانتفاء قيده، وهو في مقام وقوع الهدي في منى أوّلًا، وصرفه في الفقراء ثانياً، فانتفاء الأول بانتقال المذبح الى خارج منى، وانتفاء الثاني بإعدام اللحوم بالدفن أو الحرق يوجب انتفاء أصل الهدي وسقوطه عن الوجوب.

قلنا: هذا وإن كان محتملًا بحسب صناعة الفقه، ولكنه مخالف للاحتياط قطعاً، خصوصاً بعد ملاحظة عدم إسقاط الشارع المقدس الهدي في مورد من الموارد، حتى بالنسبة إلى من لم يجد ثمن الهدي، فأوجب عليه بدل الهدي الصيام ثلاثة أيام متوالية في الحجّ، وسبعة بعد الرجوع إلى أهله.

وفيما نحن فيه حيث إنّه واجد لثمن الهدي، ودليل الصيام مختصّ بمن لم يجد، فلا أقلّ من أنّ مقتضى الاحتياط إتيان الهدي في محلّ آخر.

وبعبارة آخرى عدم سقوط الهدي في جميع الموارد، دليل على أنّه إذا لم يكن الهدي في منى وجب إتيانه في محلّ آخر، إلّاإذا لم يكن واجداً للثمن، فيأتي ببدله وهو الصيام.

إن قيل: إتيان الهدي بالقيدين المذكورين (وقوع الذبح في منى، وصرف لحوم الهدي معاً) متعذّر غالباً في الأوضاع الحالية، فلابدّ من ترك أحدهما والإتيان بالآخر، فإمّا أن يأتي بالهدي في منى مع عدم صرف لحومها، وإما أن يترك ذبح الهدي في منى ويأتي به في خارجها، مع صرف اللحوم في مصارفها، وإنّ ترجيح أحد القيدين على الآخر محتاج الى دليل.

قلنا: أوّلًا: جميع المذابح في يومنا هذا خارج منى، وثانياً: ليس القيدان على حدّ سواء، فإنّ صرف اللحوم في مصارفها من مقدّمات الهدي في نظر العرف وأهل الشرع، ومن البعيد جدّاً أن يكون لمجرّد إراقة الدم موضوعيّة، لا سيما قد جرّ ذلك إلى الإسراف، أو التبذير الحرام في رأي الشارع المقدّس، وسيأتي شرحه في المباحث اللاحقة.

وحينئذ فإن ترجيح أحد القيدين على الآخر- أي إيقاع الهدي خارج منى، وصرف اللحوم في

ص: 39

مصارفها- ليس من قبيل الترجيح بلا مرجّح.

وممّا يدلّ على ذلك دلالة قويّة ما ورد في أبواب الذبح عن الامام الصادق عليه السلام، عن آبائه عن جدّهم رسول اللَّه صلى الله عليه و آله أنه قال: «إنّما جعل هذا الأضحى؛ لتشبع مساكينكم من اللحم فأطعموهم» (1).

وإذا تأمّلت هذه الرواية علمت أن الأضاحي، التي تقدّم في أيّامنا هذه لا تصرف لإطعام الفقراء وإشباعهم، فهي على ذلك خارجة عن نطاق أوامر الشرع.

والرواية وإن ذكرها صاحب الوسائل في أبواب الأضحية المستحبّة، ولكن مفادها عام يشمل الجميع.

إن قيل: هل وجدتم في لسان الروايات مورداً أمر الشارع فيه بإيقاع الهدي خارج منى؟ أليس هذا من قبيل الإتيان بالطواف أو السعي في غير مكّة؟

قلنا: توجد موارد عديدة في روايات الباب توجب إيقاع الهدي خارج منى:

منها: المصدود- وهو من أتى بهدي، ومنع من الدخول في الحرم أو مكّة- إذا ساق هدياً فالروايات وفتاوى المشهور من الفقهاء العظام متفقة على وجوب ذبحه في نفس محلّ الصدّ، فلو كان الهدي في غير منى كالطواف في غير مكّة، سقط الهدي ولم يكن الهدي خارج منى جائزاً (2).

ومنها: رجل ساق الهدي فعطب في موضع لا يقدر على من يتصدّق به عليه، فعليه أن ينحره أو يذبحه، ويكتب كتاباً أنه هدي، يضعه عليه؛ ليعلم من مرّ به أنه صدقة، ويأكل من لحمها إن أراد (3).

فهذه الروايات تدل بشكل قوي أوّلًا: على جواز الهدي خارج منى في موارد الضرورة. وثانياً: على لزوم السعي في صرف لحومه بإعلام المستحقّين ابتداءً، وفي صورة عدم حضور المستحقين بنصب علامة تدلّ على أنّه هدي وصدقة يجوز للمؤمنين


1- 1 الوسائل، الباب 60 من أبواب الذبح، الحديث 10.
2- 2 راجع الباب 6 من أبواب الإحصار والصدّ، الوسائل.
3- 3 راجع الباب 21 من أبواب الذبح.

ص: 40

والمستحقين الأكل منه.

إن قيل: ألا يمكن هذا في مذابح منى في يومنا هذا، أي يكتب كتاباً، وينصب على الأضاحي حتى يستفيد منها المستحقّون؟

قلنا: المفروض في المقام عدم وجود المستحقّ مطلقاً، بحيث لا محيص عن دفنها، أو إحراقها كما نشاهده في كل عام، ومن المعلوم لغويّة الكتابة والنصب في هذه الحالة.

نعم لو وجدنا مستحقّين في منى، ولو بالنسبة إلى بعض الأضاحي، يجب ذبحها في منى، ولا يجوز العدول عن ذلك في خصوص هذه الموارد.

الأمر الثاني: نقل جميع المذابح من منى

إنا نعلم بانتقال المذابح في يومنا هذا إلى خارج منى إلّاالقليل منها، ولا يمكن لجميع الحجاج إتيان الهدي فيها إلّا للأقل من القليل، وعلى هذا حتى لو رفعنا أيدينا عن أدلة حرمة الإسراف- الّتي سيأتي بيانها- وفرضنا شمول أدلة الذبح لصورة فساد اللحوم، كان الإشكال باقياً على حاله، فإن إجماع العلماء على لزوم وقوع الذبح في منى، والروايات أيضاً تصرّح بأنه «إن كان هدياً واجباً فلا ينحر إلّابمنى» (1)

وفي بعض الروايات: «لا ذبح إلّابمنى» (2)

، وعلى أيّ حال، العمل بهذا الواجب غير ممكن، وحينئذ إن قلنا: إن إيقاع الذبح في منى شرط في صحّته مطلقاً سواء في الاختيار والاضطرار، فلازمه سقوط الذبح من الأساس؛ لأن المشروط ينتفي بانتفاء شرطه، نظير ما إذا قلنا: إنّ الصلاة غير واجبة على فاقد الطهورين؛ لأن الطهارة شرط على الإطلاق، وإن قلنا بأنه شرط حال الاختيار فقط، فلازمه سقوط هذا الشرط حال الاضطرار، ووجوب الإتيان به في محلّ آخر من دون فرق بين وادي محسّر وغيره؛ لعدم الدليل على لزوم رعاية الأقرب فالأقرب.

إن قيل: جاء في غير واحدة من الروايات جواز الذبح في مكّة، مثل


1- 1 الوسائل: الباب 4 من أبواب الذبح، الحديث 1.
2- 2 الوسائل: الباب 4 من أبواب الذبح، الحديث 6.

ص: 41

معتبرة معاوية بن عمار في قوله: «قلت لأبي عبد اللَّه عليه السلام: إن أهل مكّة أنكروا عليك أنك ذبحت هديك في منزلك بمكّة، فقال: إن مكّة كلّها منحر» (1)

، وفي معناه غيره.

والجمع بينها وبين ما دلّ على أنّ الذبح لا يكون إلّابمنى، يقتضي حملها على صورة عدم إمكان الذبح بمنى.

قلنا: أوّلًا لابدّ من حمل هذه الروايات على الهدي غير الواجب؛ لورود التصريح بأنه «إن كان هدياً واجباً، فلا ينحره إلّابمنى، وإن كان ليس بواجب فلينحره بمكّة إن شاء» (2).

وثانياً: لو كان الذبح في منى أمراً مستحيلًا لم يصح الاعتراض عليه عليه السلام.

وثالثاً: سلمنا، ولكن الذبح بمكّة أيضاً متعذراً في زماننا هذا، نعم يمكن ذلك لأفراد قليلين، لكنه لجميع الحاجّ أو عشر من أعشارهم غير ممكن، فلا تفيد هذه الروايات في حلّ هذه المشكلة، وأين مكّة من وادي محسّر؟!

قد يقال: إنّ المرتكز في أذهان المتشرّعة من المسلمين: أن محلّ إيقاع مناسك الحج وشعائره ليس إلّا مساحة الأرض، التي تحيط ببيت اللَّه الحرام- زادها اللَّه شرفاً وعزّاً- ولا يجزي ما يؤتى بها في خارج هذه القطعة من وجه الأرض إلّاعدد يسير مما نطقت به الأدلّة: كالإحرام من مسجد الشجرة، وكصيام سبعة أيّام بدل الهدي. والظاهر أنّ هذا الارتكاز لا يفرّق بين حالتي الاختيار والاضطرار، وهذا الارتكاز وإن لم يكن مما ينبغي أن يعتمد عليه في الجزم بالحكم الشرعي، إلّاأنه مما يمنع عن الركون إلى خلاف ما يقتضيه في استنباط الحكم الشرعي.

قلنا: هذا أشبه شي ء بالاستحسان الظنّي، ولا يمكن الركون اليه، كما اعترف به صاحب هذا الإشكال، وإذا لم يكن ممّا يمكن الركون إليه، فلماذا يمنع عن الركون إلى خلاف ما يقتضيه؟! هذا، مضافاً إلى أنّ الذي لا يجوز الإتيان به من المناسك في غير هذه القطعة من الأرض أمور خاصّة:


1- 1 الوسائل: الباب 4 من أبواب الذبح، الحديث 2.
2- 2 الباب نفسه، الحديث 1.

ص: 42

كالوقوف بعرفات ومنى والمشعر والطواف والسعي ممّا يكون قوامه بالمحلّ الخاص، ولكن غير واحد من المناسك قد يؤتى بها في غير هذه القطعة كركعتي الطواف، فقد أفتى فقهاؤنا- رضوان اللَّه عليهم- بأنّه إذا نسيها، ولم يأت بها، وخرج من مكّة، ولم يمكنه الرجوع إليها، يأتي بهما في الطريق، وإذا تذكّر بعد الرجوع إلى وطنه، يأتي بهما في وطنه، وقد صرّحت بذلك روايات الباب أيضاً:

منها: ما رواه أبو بصير- يعني المرادي- قال: «سألت أبا عبد اللَّه عليه السلام عن رجل نسي أن يصلّي ركعتي طواف الفريضة خلف المقام، وقد قال اللَّه تعالى: واتّخذوا من مقام إبراهيم عليه السلام مصلّى حتى ارتحل، قال: إن كان ارتحل فإنّي لا أشقّ عليه، ولا آمره أن يرجع، ولكن يصلّي حيث يذكر» (1).

ومثله ما رواه أبو الصباح الكناني (2) عن أبي عبد اللَّه عليه السلام.

ومنها: ما رواه عمر بن يزيد عن أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: «من نسي أن يصلّي ركعتي طواف الفريضة حتى خرج من مكّة، فعليه أن يقضي، أو يقضي عنه وليّه، أو رجل من المسلمين» (3).

ومنها: ما رواه معاوية بن عمّار، قال: قلت لأبي عبد اللَّه عليه السلام: رجل نسي الركعتين خلف مقام إبراهيم عليه السلام فلم يذكر حتّى ارتحل من مكّة، قال:

فليصلّهما حيث ذكر، وإن ذكرهما وهو في البلد، فلا يبرح حتى يقضيهما» (4).

هذا بالنسبة إلى ركعتي الطواف.

وأما بالنسبة الى الهدي الذي هو محل الكلام فقد مرّ أنه إذا كان معه الهدي، وعطب في بعض الطرق، ومرض بحيث يخشى هلاكه، يجوز نحره، أو ذبحه في محلّه، وإن كان بينه وبين الحرم مسافة بعيدة، كمن خرج من مسجد الشجرة قاصداً مكّة وبعد طيّ مسافة قليلة مرض هديه وعطب، ففي رواية حفص بن البختري قال: قلت لأبي عبد اللَّه عليه السلام: «رجل ساق الهدي،


1- 1 الوسائل: الباب 74 من أبواب الطواف، الحديث 10.
2- 2 الوسائل: الباب 74 من أبواب الطواف، الحديث 16.
3- 3 الباب نفسه، الحديث 13.
4- 4 الباب نفسه، الحديث 18.

ص: 43

فعطب في موضع لا يقدر على من يتصدّق به عليه، ولا يعلم أنّه هدي قال: ينحره، ويكتب كتاباً أنه هدي يضعه عليه؛ ليعلم من مرّ به أنه صدقة» (1)

. ومثله سائر روايات الباب فراجع.

ومرّ أيضاً ذكر المصدود إذا ساق هدياً، وأن الروايات وفتاوى المشهور متّفقة على وجوب ذبحه في نفس محلّ الصدّ، ففي حديث زرارة عن أبي جعفر عليه السلام: «فإنّ المصدود يذبح حيث صدّ، ويرجع صاحبه ...» (2).

وفي رواية حمران عن أبي جعفر عليه السلام: قال: «إن رسول اللَّه صلى الله عليه و آله حين صدّ بالحديبيّة قصّر وأحلّ ونحر، ثمّ انصرف منها ...» (3).

وكذلك بالنسبة إلى التقصير، فقد ورد التصريح في جملة من الروايات بجوازه خارج تلك القطعة المعروفة من الأرض:

منها: ما مرّ آنفاً في الرواية الأخيرة (رواية حمران) من أن رسول اللَّه قصّر في الحديبيّة.

ومنها: ما رواه مسمع قال:

«سألت أبا عبد اللَّه عليه السلام عن رجل نسي أن يحلق رأسه أو تقصّر حتّى نفر. قال: يحلق في الطريق أو أين كان» (4)

. ومثلها الرواية السادسة من نفس الباب.

هذا- مضافاً الى ما إعترف به صاحب الإشكال من خروج الإحرام، الذي هو من مناسك الحج عن تلك القطعة، فإن المواقيت كلّها خارجة عن الحرم، وكذا صيام سبعة أيام بدل الهدي.

فتحصّل مما ذكرنا أنّ كثيراً من مناسك الحج يجوز فعلها خارج المواقف الخاصّة عند الاضطرار، ولا سيّما نفس محل الكلام وهو الهدي؛ لما مرّ من رواية حفص البختري، فيمن كان معه الهدي، وعطب في بعض الطرق، وروايتي حمران وزرارة في المصدود، فلو كان الهدي ممّا يقوم بتلك القطعة من الأرض كالوقوفات والسعي والطواف، لم يجز إتيانه خارجها اختياراً واضطراراً.


1- 1 الوسائل: الباب 31 من أبواب الذبح، الحديث 1.
2- 2 الوسائل: الباب 1 من أبواب الإحصار والصدّ، الحديث 5.
3- 3 الوسائل: الباب 1 من أبواب الإحصار والصدّ، الحديث 1.
4- 4 الوسائل: الباب 1 من أبواب الإحصار والصدّ، الحديث 1.

ص: 44

إن قيل: مقتضى القاعدة عند تعذّر الذبح بمنى، وإن كان جواز الذبح في أيّ مكان آخر يختاره الحاجّ، إلّاأن هذا إنّما يصحّ القول به لو لم يتوفر دليل على ثبوت بدل اضطراري بمنى، والدليل على ذلك موجود، وهو موثق سماعة في قوله: قلت لأبي عبد اللَّه عليه السلام:

«إذا كثر الناس بمنى وضاقت عليهم كيف يصنعون؟ قال: يرتفعون الى وادي محسّر» (1) فإنّ المتفاهم العرفي من هذه المعتبرة قيام وادي محسّر مقام منى عند كثرة الحجّاج، وضيق منى عن استيعابهم في جميع ما هو وظيفة الحاجّ فيها، حتّى بالنسبة إلى ذبح الأضحية.

قلنا: هذا الاستدلال ضعيف جدّاً؛ لأن ظاهر الرواية أنها واردة في مورد الوقوف في منى، لا مطلق ما يؤتى به في منى، وحينئذ قياس الأضحية على الوقوف قياس مع الفارق، فإنّ الوقوف قائم بمنى نفسها، فإنه لا معنى للوقوف في غيرها، فعند التعذّر يرتفع الحاج بمقتضى هذه الرواية الى وادي محسّر، وأما الأضحية فقد عرفت أنه قد تتّفق في غير منى أيضاً، فقياسها على الوقوف قياس مع الفارق، وهو غير جائز عندنا.

الأمر الثالث: حرمة الإسراف و التبذير

إن القرآن الكريم نهى عن الإسراف نهياً شديداً، وواجه المسرفين مواجهة عنيفة، فقال تبارك وتعالى في سورة الأنعام: ولا تسرفوا إنّه لا يُحب المسرفين (2)

وقال في تعبير أشدّ في سورة غافر: وأنّ المسرفين هم أصحاب النّار (3)

وقال في آية أخرى من هذه السورة: إن اللَّه لا يهدي من هو مسرف كذّاب (4)

، وفي سورة الأنبياء جعل الإسراف من دلائل الهلاك والمحق وقال: وأهلكنا المسرفين (5)

، بل جعل في سورة الفرقان عدم الإسراف حتى في الإنفاق من علائم عباد الرحمن- مع أن الإنفاق عمل مطلوب


1- 1 الوسائل: الباب 12 من أبواب احرام الحج والوقوف، الحديث 4.
2- 2 الانعام: 141.
3- 3 غافر: 43.
4- 4 غافر: 28.
5- 5 الأنبياء: 9.

ص: 45

مستحسن، حثّ عليه الشارع في آيات كثيرة- فقال: والّذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواماً (1).

ونهى القرآن عن التبذير أيضاً بأسلوب شديد اللهجة، فعرّف المبذّرين بأنّهم إخوان الشياطين حيث قال: وآتِ ذا القربى حقّه والمسكين وابن السبيل ولا تبذّر تبذيراً إن المبذّرين كانوا إخوان الشياطين وكان الشيطان لربّه كفوراً (2).

وقد وقع الكلام بين المحقّقين في بيان الفرق بين الإسراف والتبذير، والّذي يظهر- من خلال الدقّة والتأمّل- أن الإسراف بمعنى الخروج عن حدّ الاعتدال والاقتصاد من دون تضييع شي ء بحسب الظاهر كلبس الثياب الثمينة القيّمة، الّتي تساوي قيمتها أضعاف قيمة الثياب العادية مئات المرّات مثلًا، فهو إسراف، وفي نفس الحال لم يضيّع شي ء، ولكن التبذير هو ما يؤدي الى تضييع نعم اللَّه تعالى، كما اذا هيّأ لعشرة أشخاص مثلًا طعام خمسين شخصاً بحيث يطرح الزائد ويفسد.

هذا هو الفرق بين الكلمتين، الذي يفسّره المعنى اللغوي لهما، وربما اتحدا واستعملا في معنى واحد.

ثمّ إن دائرة مفهوم الإسراف أو التبذير واسعة بحيث تشمل أخسّ الأشياء، فضلًا عن الموضوعات المهمّة والأشياء الثمينة، فقد جاء في حديث داود الرقّي، عن أبي عبد اللَّه عليه السلام قال:

«إن القصد يحبّه اللَّه عزّوجل، وإن السرف يبغضه، حتى طرحك النواة فإنها تصلح لشي ء، وحتّى صبّك فضل شرابك» (3).

وفي حديث بشر بن مروان، قال: «دخلنا على أبي عبد اللَّه عليه السلام فدعى برطب، فأقبل بعضهم يرمي بالنوى، قال: فأمسك أبو عبد اللَّه عليه السلام يده، فقال: لا تفعل، إنّ هذا من التبذير، واللَّه لا يحبّ الفساد» (4).

وفي حديث مكارم الأخلاق عن الصادق عليه السلام:

«أدنى الإسراف هراقة فضل الإناء، وابتذال ثوب الصون،


1- 1 الفرقان: 67.
2- 2 الإسراء: 26- 27.
3- 3 بحار الانوار 71: 346.
4- 4 بحار الانوار 75: 303.

ص: 46

وإلقاء النوى» (1) وعن الكاظم عليه السلام:

«... ولكن السرف أن تلبس ثوب صونك في المكان القذر» (2) . بل جاء في روايات عديدة أن الأئمة عليهم السلام كانوا يأخذون فتات الخبز المطروحة في حواشي المائدة، ويأمرون به أصحابهم خشية الإسراف والتبذير.

إذا عرفت ذلك، فلا يخفى عليك أن ذبح الأضاحي مع دفنها أو إحراقها، أو طرحها حتّى تتعفّن بحيث لا تأكلها الكلاب أيضاً، من أوضح مصاديق الإسراف والتبذير الممنوعين شرعاً، ولا سيّما إذا كان بهذا المقدار والعدد الكبير، الذي قد يبلغ المليون أو أكثر، فهل يرضى الشارع الحكيم بمثل هذا الإسراف الفاحش؟ وما الدليل على خروجه عن محكمات الآيات والروايات الواردة في حرمة الإسراف والتبذير حتى في النواة وفضل ماء الشرب؟

فإن قيل: هذا في طريق إطاعة أمر اللَّه.

قلنا: هذه مصادرة على المطلوب، فإن تعلّق الأمر به أوّل الكلام، كما عرفت فيما سبق، مع أنّ كونه من المصاديق العرفية للإسراف والتبذير لا ريب فيه، فتعمّه اطلاقاتهما بلا ريب.

والخلاصة: أن قوة إطلاقات أدلة الإسراف والتبذير واستحكامها يكون إلى حدّ تعمّ تضييع أخسّ الأشياء، فضلًا عن تضييع المئات والآلاف من نعم اللَّه.

إذا عرفت هذا، فيأتي الكلام في أنّه ما النسبة بين الدليلين: دليل وجوب الأضحية، ودليل حرمة الإسراف؟

تارة نقول: إنّ دليل وجوب الأضحية لا إطلاق له بالنسبة إلى مصاديق يومنا هذا- كما هو الحق- فلا كلام ولا إشكال. وتارة أخرى نقول بأن له إطلاقاً يشمل ما نحن فيه، فإن كانا من قبيل المتعارضين كانت النسبة بينهما العموم من وجه، واللازم تقديم تعميمات الإسراف؛ لأنها أقوى دلالة على المطلوب، فإن


1- 1 بحار الانوار 75: 303، والمراد من ثوب الصون هو: الثوب القي يلبس في خارج البيت حفظاً لمكانة الإنسان، فإن لبسه في المكان القذر أو مثله نوع من التضييع والإسراف، وهو منهيّ عنه.
2- 2 بحار الانوار 79: 317.

ص: 47

الأضحية في يومنا هذا من أظهر مصاديقه، واما أدلة الأضحية فإطلاقها أضعف منها بالنسبة الى ما نحن فيه؛ لأنه من أخفى مصاديقها.

سلمنا أنهما متساويان من حيث القوة والضعف، والظهور والخفاء، فاللازم التساقط في محلّ الاجتماع، فيرجع الى الأصول العملية، والأصل العملي في المقام هو: البراءة؛ لأنه من قبيل الأقل والاكثر الارتباطيين، والمعروف بين المعاصرين والقريبين من عصرنا إجراء البراءة فيه وهو الأقوى، فيسقط الأمر بالأضحية هنا، وإن كان الاحتياط فعلها في محل آخر، لا يحصل من الأضحية فيه الإسراف والتبذير.

هذا كلّه إذا قلنا: إنّهما يتعارضان.

وإن قلنا: إنّ هذين من قبيل المتزاحمين، وإن ملاك الأضحية موجود في مثل هذه الأضاحي، كما أنّ ملاك الإسراف أيضاً موجود فيها، فأللازم الأخذ بأقوى الملاكين، ولا دليل على أن ملاك الأضحية أقوى، بل الأمر بالعكس. ولكنّ الإنصاف أن المقام ليس من قبيل المتزاحمين، فإن وجود ملاك الأضحية في المقام دعوى بلا دليل، فاللازم معاملة المتعارضين معهما.

إن قيل: وجود ملاك الإسراف أيضاً دعوى بلا دليل.

قلنا: يلزم هذا الكلام الشكّ في وجود أحد الملاكين إجمالًا، وهذا اعتراف بخروج المقام عن بحث التزاحم، ودخوله في مسألة التعارض، فيعود الكلام السابق فيه.

هذا كله على سبيل المماشاة، وإلّا قد عرفت أنّه لا ينبغي القول: بشمول إطلاقات الأضحية للموارد، التي لا تصرف فيها لحوم الأضاحي، فيما يلزم صرفها فيه، مع قطع النظر عن دليل الإسراف، ومع ملاحظته، فالأمر أوضح (1).


1- 1 جدير بالذكر أنّا بعد صدور الفتوى المزبورة من سماحة الاستاذ دام ظله وقفنا على رأي اثنين من العلماء، صرّح كل منهما بصورة كاملة بعدم إجزاء الأضاحي، التي لا تصرف لحومها، ويكون مصيرها الدفن في يومنا، فيجب صرف النظر عن مثل هذا الهدي. وقد ذكر كل واحد منهما أيضاً أدلة موجزة لإثبات ذلك: وهما: آية اللَّه الشيخ محمّد جواد مغنية قدس سره من مشاهير عصرنا، وله تأليفات عديدة في الفقه والأصول والتفسير، وشتّى المسائل الإسلامية والمعارف الدينية، فإنّه أشار إلى هذه المسألة في كتابه الفقهي الموسوم ب «فقه الإمام جعفر الصادق» المجلد 2، كتاب الحج، الصفحة 244. والشهيد آية اللَّه السيد محمّد الحسيني البهشتي قدس سره- مقامه العلمي لا يحتاج الى شرح وتوضيح- فإنّه أشار إلى هذا الموضوع في كتابه «حج در قرآن» الصفحة 90- 91. فعلى الإخوة الباحثين في هذه المسألة المهمّه والمهتمين بحلّ مشكلة الأضحية في يومنا هذا، الرجوع إلى هذين المصدرين أيضاً.

ص: 48

الهوامش:

البيت الحرام

ص:49

ص: 50

البيت الحرام

محمد مهدي الآصفي

(جعل اللَّه الكعبة البيت الحرام قياماً للناس) (1).

يطلق «البيت الحرام» في القرآن على الكعبة المشرفة، وتتضمن هذه الكلمة مفردتين:

(البيت) و (الحرام).

وفيما يلي سأتحدث إن شاء اللَّه عن كل من هاتين الكلمتين، ونبدأ بالحديث عن (البيت).

1- البيت

يكثر في القرآن استعمال (البيت) في الكعبة الشريفة، وفيما يلي نذكر طائفة من آيات كتاب اللَّه، التي أطلقت كلمة (البيت) على (الكعبة):

(وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل) (2). فمن حجّ البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوّف بهما (3).


1- 1 المائده: 97.
2- 2 البقرة: 127.
3- 3 البقرة: 158.

ص: 51

وإذ جعلنا البيت مثابة للناس وأمناً) (1). إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركاً) (2). وللَّه على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلًا) (3).

مقوّمات البيت:

ولا بد من أن نقف وقفة تأمل قصيرة عند هذه الكلمة.

إن للبيت مقومات أربعة:

1- فالبيت يجمع شمل الأسرة الواحدة من نسيج حضاري واحد.

2- وفي البيت يجد الإنسان (سكوناً) واستقراراً لا يجده في غيره، وفي أي مكان آخر على وجه الأرض. يقول تعالى (واللَّه جعل لكم من بيوتكم سكناً) (4).

و (السكن) هو ما يطمئن إليه الإنسان، ويجد فيه استقراره النفسي، ويركن إليه.

وقد عَدَّ اللَّه تعالى (الصلاة) و (الليل) و (الدار) الّتي يؤوي إليها الناس سكناً.

يقول تعالى: (وصلّ عليهم إن صلاتك سكن لهم) (5).

فالإنسان يسكن إلى الصلاة والدعاء واللجوء إلى اللَّه تعالى، ويجد في كلّ ذلك سكناً، تطمئن به نفسه وقلبه (ألا بذكر اللَّه تطمئن القلوب) وطمأنينة القلوب، وسكون النفس من مقولة واحدة.

والليل هو الآخر، يسكن إليه الإنسان، ويجد فيه راحة من زحمة النهار ومتاعبه، يقول تعالى: (وجعل الليل سكناً) (6).

والدار التي يسكنها الإنسان هي الأخرى سكن وقرار له. يقول تعالى: (واللَّه جعل لكم من بيوتكم سكناً) (7).

3- إضافةً الى ما يتذوقه الإنسان في البيت من (السكن والاستقرار


1- 1 البقرة: 125.
2- 2 آل عمران: 96.
3- 3 آل عمران: 90.
4- 4 النحل: 80.
5- 5 التوبة: 103.
6- 6 الانعام: 96.
7- 7 النحل: 80.

ص: 52

النفسي) ... يجد في البيت (الأمان) أيضاً، فإنَّ للبيت في المجتمعات البشريّة حرمة وأماناً، وقد يخترق الظالمون هذه الحرمة ويدخلون الرعب الى (البيوت)، ولكن يبقى الأصل في (البيت) الحرمة والأمان، وليس لأحد الحقُّ أن يخترق هذه الحرمة والأمان إلا بموجب القانون الذي يحمي حرمة المجتمع وأمن المجتمع؛ وحرَّم القرآن على الذين آمنوا أن يدخلوا بيوتاً غير بيوتهم إلا بعد الاستيناس والسلام والإذن من أصحابها، يقول تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتاً غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها ذلكم خير لكم لعلكم تذكرون فإن لم تجدوا فيها أحداً فلا تدخلوها حتى يؤذن لكم وإن قيل لكم ارجعوا فارجعوا هو أزكى لكم، واللَّه بما تعملون عَليم) (1).

(البيت) والانتماء الحضاري

يعيش الناس على وجه الأرض على حالتين حالة الانتماء الحضاري وحالة اللاانتماء، والحالة الأولى هي: حالة الحياة البيتية، والحالة الثانية هي: الحالة اللابيتية.

وحالة (البيت) هي حالة الانتماء والتآلف والتعاون، وفي هذا النمط من الحياة يُحِسّ الإنسان بالعلاقة العضوية بالمجتمع الذي يحتضنه ويؤديه، ويتذوق التآلف والتعارف في الحياة الاجتماعية، وهذه الحالة هي حالة الإنسان الذي ينتمي الى البيت.

والحالة الأخرى هي حالة اللاانتماء، وهي حالة لا حضارية يفقد فيها الإنسان الإحساس بالعلاقة العضويّة بالمجتمع الذي يعيش فيه، ويفقد فيها الإحساس بالتآلف والتعارف، ويسيطر عليه شعور غريب ب (الغربة)، وهذه الحالة هي حالة الإنسان الذي لا ينتمي الى بيت.

ومن يقرأ الرواية القصصية (الغريب) للكاتب الوجودي المعروف ... يشعر


1- 1 النور: 27، 28.

ص: 53

بصورة دقيقة بعمق الشعور بالغربة في نفس الإنسان المعاصر، وهذه هي حالة عدم الانتماء الى بيت يجمع شمل المجتمع.

إذن في حياة الناس حالتان: حالة البيت، وحالة اللابيت.

وحالة البيت ليست حالة واحدة، بل حالتين: بيت التوحيد وبيت الشرك، ونتحدث الآن عن هذين البيتين في حياة الناس.

بيت التوحيد وبيت الشرك:

يعبّر كل من هذين البيتين عن حالة الإنتماء الحضارية في حياة الإنسان، غير أن البيت الأوّل انتماء الى أسرة التوحيد، والبيت الثاني انتماء الى أسرة الشرك، وكل منهما انتماء، ولا يصح أن نتصور أن حالة الشرك والكفر لا تعبر عن الإنتماء غير أن الانتماء انتماءان.

وكل من هذين الإنتماءين يتألّف من نسيج حضاري تحكمه شبكة من العلاقات العضوية. والقرآن يقرر هذه الحقيقة في كل من هذين البيتين، يقول تعالى عن العلاقة العضوية داخل البيت الأول: (والذين آووا ونصروا أُولئك بعضهم أولياء بعض) (1)

الذين آووا ونصروا في التاريخ، وعلى وجه الأرض أسرة واحدة، أينما كانوا من الأرض، ومن التاريخ ... بعضهم أولياء بعض، ولا تُضعف وشيجة الولاء هذه فواصل المكان والزمان ولا اختلاف اللغات والألوان والدماء.

ولوشيجة (الولاء) أصولها وأحكامها ومقوماتها. وهذه الوشيجة هي التي تحفظ أُسرة التوحيد من التفكّك والتفرق والتمزق، والعقم والعطل في التاريخ، إلّا أن هذه العلاقة العضوية لا تخصّ أسرة التوحيد ... فإن الذين كفروا، في أنحاء الأرض وفي التاريخ أيضاً، أسرة واحدة، على وجه الأرض، في مواجهة أسرة التوحيد، رغم كل الخلاف الثقافي والسياسي والعسكري فيما بينهم، وداخل هذه الأُسرة (بعضهم من بعض)، ولا أعرف تعبيراً أدق في تصوير حالة الانتماء والعلاقة


1- 1 المائدة: 51.

ص: 54

العضوية داخل هذه الأسرة من قوله تعالى: (بعضهم من بعض) فهي مجتمعة «بعضها من بعض» وفي داخل هذه الأسرة الكبيرة أُسرٌ صغيرة أيضاً «بعضها من بعض» على درجات مختلفة من القوة والضعف، ولكن تبقى القاعدة الثابتة في كلّ الحالات، وفي المجتمعات الصغيرة والمجتمع الكبير أنها بعضها من بعض.

وليس معنى ذلك أن الأسرة الكافرة تابعة لمحور ولاء واحد، فهي قد تكون ولاءات متعددة، وصدق اللَّه تعالى في التعبير عن هذه الحقيقة (اللَّه ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات الى النور والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت) (1)

فالذين كفروا لهم ولاءات عديدة، إلا أنهم لهم براءة واحدة، لا يختلفون فيها وهي البراءة من الذين آمنوا.

يقول تعالى: (ما يود الذين كفروا من أهل الكتاب ولا المشركين أن ينزل عليكم من خير من ربكم) (2)

ويقول تعالى: (ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم ان استطاعوا) (3)

وهذه البراءة الواحدة تجعلهم صفاً واحداً كتلة واحدة، كلما اقتضى الأمر، في مواجهة الأمّة المسلمة، وتكسبهم بذلك حالة الولاء الواحدة، فتكون عندئذ كما قال ربنا: (بعضهم من بعض).

فالذين كفروا، إذن رغم كلّ الصراع والخلاف المنتشر بينهم أمة واحدة، وأسرة واحدة، وكتلة واحدة في مواجهة الذين آمنوا، ولنقرأ بيان هذه الحقيقة الخطيرة من كتاب اللَّه: (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض) (4)

. وفي سورة الأنفال: (والذين كفروا بعضهم أولياء بعض).

بيتان إذن هناك في التاريخ، وعلى وجه الأرض (بيتان) و (أسرتان) و (جبهتان) و (انتماءان) انتماء الى اللَّه ورسوله وإلى الذين آمنوا، وهذا هو الانتماء الأول. وانتماء الى الذين كفروا، وهذا هو الانتماء الثاني. وكل منهما (بيت)، تحكمه علاقات البيت الواحد، من حيث الولاء والبراءة.


1- 1 البقرة: 257.
2- 2 البقرة: 105.
3- 3 البقرة: 217.
4- 4 المائدة: 51.

ص: 55

أيّ البيتين أَقدم؟

إذا عرفنا أن هناك بيتين في التاريخ، وعلى وجه الأرض، فإنَّ من الطبيعي أن نتساءل أيّ البيتين أسبق وأَقدم في التاريخ ... بيت التوحيد أم بيت الشرك؟

الذي يقرره القرآن: أن الناس كل الناس كانوا على هدى التوحيد بالفطرة، ثم اختلفوا بعد ذلك فبعث اللَّه تعالى فيهم النبيين والمرسلين مبشرين ومنذرين.

يقول تعالى: (وما كان الناس إلّا أُمّة واحدة فاختلفوا) (1).

ويقول تعالى: (كان الناس أمّة واحدة فبعث اللَّه النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه) (2).

إذن البيت الأول في التاريخ هو (بيت التوحيد)، ولما اختلف الناس وانشقّوا عن التوحيد أقاموا لأنفسهم بيتاً جديداً، بدلًا عن البيت الذي أقامه اللَّه تعالى لهم.

فكان هذا البيت الثاني متأخّراً عن البيت الأول، وانشقاقاً على البيت الأول، وخروجاً على أصوله وقيمه وأحكامه.

الصراع بين البيتين:

ومنذ أن انشقَّ البيت الثاني عن البيت الأول استقر بينهما الصراع الى اليوم، ولا يزال الصراع قائماً بينهما، حتى يقضي اللَّه أمراً كان مفعولًا.

والصراع بين هذين البيتين من حتميات التاريخ، ورغم كل شراسَة الشرك في ضرب قلاع التوحيد، فإن بيت التوحيد بيت مقاوم وصعب، وبيت الشرك بيت موهون وضعيف كبيت العنكبوت، يتخذه العنكبوت ليكون لها وقاية وأمناً، فتمزقه الرياح وتبدده (مثل الذين اتخذوا من دون اللَّه أولياء كمثل العنكبوت اتخذت بيتاً وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت لو كانوا يعلمون) (3).

الكعبة بيت الموحدين

وقرّر اللَّه تعالى أن تكون الكعبة المشرفة بيتاً للموحدين، يجمع شملهم من


1- 1 يونس: 19.
2- 2 البقرة: 213.
3- 3 العنكبوت: 40.

ص: 56

نقاط شتى من الأرض، ويوحدّ جهة حركتهم على امتداد التأريخ، ويؤلف بين قلوبهم، ويوحدها، برغم الفواصل المكانية والزمانية الكثيرة، ويؤلف بين قلوبهم، ويُعرّف بينهم.

صورة

والمعمار الأول لهذا البيت هو إبراهيم عليه السلام وابنه إسماعيل:

(وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل) (1).

وأولياء هذا البيت هم المتقون.

(وما لهم ألّا يعذبهم اللَّه وهم يَصدّون عن المسجد الحرام وما كانوا أولياءَه إن أولياؤه إلّا المتقون) (2).

وهذا فارق جوهري بين أولياء هذا البيت، وأولياء بيوت الشرك، فإن أولياء هذا البيت المتقون دائماً.

وأما غير هذا البيت من بيوت الشرك والكفر فلا يتولاه إلا الجبابرة والطغاة،


1- 1 البقرة: 127.
2- 2 الانفال: 34.

ص: 57

والصادون عن سبيل اللَّه.

وأما بيت اللَّه فالمتقون وحدهم هم الذين يحق لهم أن يتولوا أمر هذا البيت، دون الجبابرة والطغاة، وأما روّاد هذا البيت، فهم بعكس روّاد البيوت الأخرى، هم الطائفون والعاكفون والركع السجود.

(وعهدنا الى إبراهيم وإسماعيل أن طهرا بيتي للطائفين والعاكفين والركع السجود) (1).

وهذا هو الفارق الجوهري الآخر بين هذا البيت والبيوت التي يقيمها الكافرون لأنفسهم في الأرض.

فإن هذا البيت رواده الطائفون، العاكفون، الركع السجود، المسبحون، الذاكرون، بينما يرتاد البيوت التي يقيمها الكافرون وأهل البطر وأهل الرياء من الناس، ومن لا يطلب في عمله وحركته وجه اللَّه.

الكعبة البيت الأول على وجه الأرض

والكعبة، بصراحة القرآن، أول بيت وضع للناس، يقول تعالى:

(إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركاً وهدى للعالمين فيه آيات بينات مقام إبراهيم ومَن دخله كان آمناً وللَّه على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلًا ومن كفر فإن اللَّه غنيّ عن العالمين) (2).

كان لابد لبيت التوحيد في التاريخ، وعلى وجه الأرض، من موضع يجمع شملهم، ويوحّد جهة حركتهم، ويقرّب، ويعرّف، ويؤلف بينهم، فأَمَر اللَّه تعالى إبراهيم وإسماعيل ببناء الكعبة المشرفة؛ ليتخذه الناس بيتاً لهم، وليكون لهم سكناً، وأَمناً، ومحلًا يجمع شملهم.

وهو أول بيت للناس، وبعد ذلك عمّر أولياء اللَّه بيوتاً كثيرة للناس على وجه الأرض.


1- 1 البقرة: 125.
2- 2 آل عمران: 96- 97.

ص: 58

وأما البيوت التي أقامها المشركون للبطر والرياء فلم تكن لخدمة الناس وتوجيههم إلى اللَّه، وإنما كانت لتضليل الناس، واستعبادهم، وصدّهم عن سبيل اللَّه، ولم تكن بأمر اللَّه، وإنما كانت بإغراء وإغواء من الشيطان، لدعوة الناس الى الانشقاق على التمرد على حدود اللَّه، وليَأوى إليه المنشقون على حدود اللَّه وأحكامه.

الكعبة (بيت اللَّه) و (بيت الناس)

الكعبة، بصراحة القرآن (بيت اللَّه) وفي نفس الوقت (بيت الناس) أيضاً؛ بيت اللَّه، لأن اللَّه تعالى أمر خليله وابن خليله بإقامته، وأمر إبراهيم عليه السلام أن يدعو الناس إليه للحجّ، وشَدَّ أفئدة الناس إليه، وأمر خليله إبراهيم عليه السلام وابنه بتطهيره وإعداده للطائفين والقائمين والراكعين والساجدين، ونسبه الى نفسه، كما نسبه إبراهيم عليه السلام إليه تعالى فهو بيت للَّه.

وهو بيت للناس لأن اللَّه تعالى اتخذه بيتاً لهم، يأوون إليه ويتآلفون، ويتعارفون في رحابه، فهو بيت للناس.

وسوف نقدم إن شاء اللَّه توضيحاً لهاتين النسبتين للكعبة الشريفة فيما يلي:

بيت اللَّه

الكعبة (بيت اللَّه) بصريح القرآن نسبه اللَّه تعالى الى نفسه، ونسبه إليه تعالى عبده وخليله إبراهيم، وأنبياؤه عليهم السلام.

يقول تعالى لعبديه وخليليه إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام.

(طهرا بيتي للطائفين والقائمين والركع السجود) (1).

وينسب إبراهيم عليه السلام البيت الى اللَّه، فيقول كما يحدثنا القرآن: (ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرّم) (2)

واللَّه تعالى بَوَّأ


1- 1 الحج: 26.
2- 2 إبراهيم: 37.

ص: 59

لإبراهيم عليه السلام مكان البيت من الأرض يقول تعالى:

(وإذ بوَّأنا لإبراهيم مكان البيت أن لا تشرك بي شيئاً) (1).

واللَّه تعالى أمر إبراهيم عليه السلام أن يطهر البيت ويُعِدّه للطائفين والعاكفين والقائمين والركع السجود من عباده (وطهر بيتي للطائفين والقائمين والركع السجود).

وأمر اللَّه تعالى عبده وخليله إبراهيم أن يعلن في الناس حجّ هذا البيت، ويدعو الناس إليه.

(وأذن في الناس بالحج) (2).

واللَّه تعالى جذب أفئدة الناس من كلّ فجّ عميق الى هذا البيت، والى الاستجابه لأذان إبراهيم عليه السلام (يأتوك رجالًا وعلى كل ضامر يأتين من كلّ فجّ عميق) (3).

منزلة الكعبة عند اللَّه:

وهذا البيت أحبّ بقاع الأرض الى اللَّه تعالى.

روى الصدوق في الفقيه، عن سعيد بن الأعرج، عن أبي عبد اللَّه عليه السلام، قال:

أحبّ الأرض الى اللَّه تعالى مكة، وما تربة أحبّ الى اللَّه عز وجل من تربتها، ولا حجر أحبّ الى اللَّه من حجرها، ولا شجر أحبّ الى اللَّه من شجرها، ولا جبال أحبّ الى اللَّه من جبالها (4).

وروى الكليني عن ابن أبي عمير عن زرارة، قال: كنت قاعداً الى جنب أبي جعفر عليه السلام، وهو محتجب مستقبل الكعبة، فقال: (أما إن النظر اليها عبادة).

فجاءه رجل، من بجيلة يقال له: عاصم بن عمر، فقال لأبي جعفر عليه السلام: إن كعب الأحبار كان يقول: إن الكعبة تسجد لبيت المقدس في كل غداة.

فقال أبو جعفر عليه السلام: فما تقول فيما قال كعب الأحبار؟ فقال: صدق. القول ما قال كعب.


1- 1 الحج: 26.
2- 2 الحج: 27.
3- 3 الحج: 27.
4- 4 من لا يحضره الفقيه 2/ 162.

ص: 60

فقال أبو جعفر عليه السلام: كذبت وكذب كعب الأحبار معك، وغضب.

قال زرارة: ما رايته استقبل أحداً يقول: كذبت، غيره.

قال عليه السلام: ما خلق اللَّه عز وجل بقعة في الأرض أحبّ إليه منها. ثم أومأ بيده نحو الكعبة، ولا أكرم على اللَّه عز وجل منها، لها حرّم اللَّه عز وجل الأشهر الحرم في كتابه، يوم خلق السماوات والأرض ثلاثة متوالية للحجّ: شوال، وذو القعدة، وذو الحجة، وشهر مفرد للعمرة، رجب (1).

وقد تظافرت الروايات: إن النظر الى الكعبة عبادة روى حريز عن أبي عبد اللَّه (الصادق) عليه السلام قال:

النظر الى الكعبة عبادة، والنظر الى الوالدين عبادة، والنظر الى الإمام عبادة.

وقال: مَن نظر الى الكعبة كتبت له حسنة، ومحيت عنه عشر سيئات (2).

وعن سيف الثمار عن أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: من نظر الى الكعبة لم يزل تكتب له حسنة، وتمحى عنه سيئة حتى ينصرف ببصره عنها (3).

وعن أبي عبد اللَّه الصادق عليه السلام، قال: من أيسر ما يعطي من ينظر الى الكعبة أن يعطيه اللَّه بكل نظرة حسنة، وتمحى عنه سيئة وترفع له درجة (4).

بيت الناس

والكعبة بيت الناس، جعله اللَّه للناس بيتاً، يَأوون ويتوبون إليه، يقول تعالى:

(إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركاً) (5).

فما هي علاقة هذا البيت بالناس، بعد علاقته باللَّه تعالى؟

من قراءة كتاب اللَّه نتعرف على وجوه لهذه العلاقة.

فهو مسجد للناس، ومثابة للناس، وقوام معايش الناس، ومصالحهم في الدنيا، ومنازلهم ومواقعهم من اللَّه في الآخرة.

واليكم إيضاحاً لهذه الانحاء الثلاثة من علاقة البيت بالناس من خلال


1- 1 الكافي، الفروع 1: 231، ووسائل الشيعه 9: 363.
2- 2 وسائل الشيعة 9: 364.
3- 3 المصدر نفسه.
4- 4 المحاسن للبرقي 69.
5- 5 آل عمران: 96.

ص: 61

كتاب اللَّه.

1- الكعبة مسجد للناس، وفي رحابها يجتمع الطائفون، العاكفون، القائمون، الراكعون، الساجدون، المسبحون، الذاكرون اللَّه كثيراً؛ ليذكروا اللَّه كثيراً، ويسبحوه، ويطوفوا له، ويعكفوا في بيته.

يقول تعالى:

(واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى وعهدنا الى إبراهيم وإسماعيل أن طهرا بيتي للطائفين والعاكفين والركع السجود) (1).

ويقول تعالى:

(وطهر بيتي للطائفين والقائمين والركع السجود) (2).

ويُسْكن إبراهيم أبو الأنبياء عليه السلام ذريته عند البيت الحرام؛ ليقيموا فيه للَّه الصلاة.

(ربنا إني أسكنت من ذريتي بوادٍ غير ذي زرع عند بيتك المحرم، ربنا ليقيموا الصلاة).

إذن، فقد وضع اللَّه تعالى هذا البيت للناس؛ ليتخذوه مسجداً، ومصلى ومطافاً، ومقاماً بين يديه تعالى ... ومن هذا البيت ينطلق الناس الى اللَّه، وفي هذا البيت أَمر اللَّه تعالى عباده أن يعبدوه، ويوحدوه، ويسبحوه ويذكروه كثيراً.

2- والكعبة مثابة للناس يثوبون إليها، فيجتمع بعضهم ببعض، والخلف بالسلف، والإنسان بنفسه، يقول تعالى: (واذ جعلنا البيت مثابة للناس) ومن طبيعة الحياة الدنيا أنها تشتت، وتقطع وتغيب.

تشتت الناس بعضهم عن بعض.

وتقطع الناس عن أصولهم.

وتُغيب الإنسان عن نفسه.

وهذا التشتيت والتقطيع والتغييب، يَضُرُّ الإنسان، ويفسده ويغرّبه (يشعره


1- 1 البقرة: 125.
2- 2 الحج: 26.

ص: 62

بالغربَة)، ويحجبه عن أصول شمله، فلابد للإنسان من محل يثوب إليه، يجمع شملهم بعضهم ببعض، ويصل الإنسان بأصوله، ويعيد الإنسان الى نفسه.

والكعبة هي هذه المثابة التي جعلها اللَّه تعالى للناس، فهي تجمع الناس كل سنة مرة منذ أن أذن إبراهيم عليه السلام في الناس بالحج الى اليوم (واذن في الناس بالحج يأتوك رجالًا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق).

ويجمع الناس في كل يوم خمس مرات من شتى مناطق الأرض، يستقبلونها في صلواتهم، يقول تعالى: (فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره) (1).

فيجد المسلمون الموحدون، الذين اسلموا وجوههم للَّه على ملة إبراهيم في الكعبة مثابة لهم، تجمعهم كلما تشتتوا، وتوحّد حركتهم كلما تفرقت بهم المذاهب والمسالك في الحياة الدنيا.

وتصل الخلف بالسلف، كلما قطعت الحياة الدنيا هذه الأواصر التي تربط الأبناء بالآباء، فيعيدهم البيت الحرام الى آبائهم وأصولهم إبراهيم وإسماعيل، ويأمرهم اللَّه تعالى أن يتخذوا من مقام إبراهيم مصلى (واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى).

فيذكّرهم (المقام) بإبراهيم، و (الحجر وزمزم) بإسماعيل و (الصفا والمروة) بهاجر.

وإذا عاد الناس الذين أسلموا للَّه حنفاء، بعضهم الى بعض، وعادوا الى أُصولهم وأسلافهم ... عادوا الى أنفسهم، ولم يضيعوا في زحمة الحياة.

فالكعبة تشعر هذه الأمة بعرضها العريض على وجه الأرض، وعمقها في التأريخ.

إن المسلم الذي يحضر ضمن هذا الحشد الهائل من حجاج بيت اللَّه الحرام ...

يلمس في الحج حجمه وعمقه ونفسه، فيلمس حجمه الحقيقي في الحشد الهائل


1- 1 البقرة: 144.

ص: 63

الذي يقصد الحج من مختلف مناطق الأرض، ويلمس في الحج عمقه الحقيقي، عندما تذكره الكعبة وأجواؤها بجذوره التأريخيه الضاربة في أعماق التاريخ، ويشعره الحج بأنه فرع من الشجرة الطيبة، فيجد نفسه عند الكعبة عندما يتعرف على أصوله وأسرته وبيته.

وهذا هو البعد الأول من هذه المعرفة وهو بعد «الولاء». والبعد الثاني هو بعد «البراءة»، فإن البيت الحرام كما يصل الإنسان باللَّه تعالى وبأصوله وجذوره الممتدة في التأريخ وبأسرة التوحيد الكبيرة على وجه الأرض، كذلك يقطعه عن المشركين ويفصل بينه وبين أسرة الكفر والشرك على وجه الأرض وفي التأريخ.

ففي رحاب الكعبة إذن يثوب الناس الى أُصولهم، وأسرتهم، وبيتهم، ويتميزون، وينفصلون عن المشركين والكفار.

يقول تعالى: (وأذان من اللَّه ورسوله الى الناس يوم الحج الأكبر أن اللَّه بري ء من المشركين ورسولُه) (1).

3- والكعبة تؤمّن معيشة الناس، وتقوّم معايشهم في دنياهم، كما تقوم آخرتهم.

وهذه الحقيقة يذكرها اللَّه تعالى لعبده وخليله إبراهيم عليه السلام عندما أمره أن يؤذِّن في الناس بالحج.

(واذن في الناس بالحج يأتوك رجالًا وعلى كل ضامر يأتين من كل فجّ عميق ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم اللَّه في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام) (2).

كما أن هذه القضية وردت في دعاء إبراهيم عليه السلام، عندما أودع أهله وذريته واد غير ذي زرع عند البيت المحرم ليقيموا الصلاة.

فقد دعا اللَّه تعالى أن يجعل أفئدة من الناس تهوي اليهم ويرزقهم من الثمرات.

(فاجعل أفئِدة من الناس تهوي إليهم وارزقهم من الثمرات


1- 1 التوبة: 3.
2- 2 الحج: 27- 28.

ص: 64

لعلهم يشكرون) (1).

وقد استجاب اللَّه دعاء عبده وخليله إبراهيم عليه السلام.

الكعبة قيام للناس

فالكعبة إذن قضية كُبْرى وأساسيه في حياة الناس، لا يستغني عنها الناس في دنياهم، ولا في آخرتهم، ولا يستغنون عنها في سلم أو في حرب، ولا في ولاء من يجب ولاؤه، ولا في البراءة عمن تجب البراءة عنه.

فهي إذن قوام حياة الناس، يقول تعالى: (جعل اللَّه الكعبة البيت الحرام قياماً للناس) (2).

و «القيام» هو ما يقوم حياة الناس.

وقد ذكر اللَّه تعالى في كتابه المال، وقال عنه: إنه قيام للناس، قال تعالى:

(ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل اللَّه لكم قياماً) (3).

والكعبة، قيام للناس، يُقَوِّم حياة الناس ومعايشهم في الدنيا، كما تقوم آخرتهم، فيَستقيم بها دينهم ودنياهم وآخرتهم.

وقد روى (لا يزال الدين قائماً ما قامت الكعبة) (4).

فإن الكعبة تقوم دين الناس ودنياهم، وتدفع عنهم العذاب الذي يستحقه الناس بأعمالهم.

عن أبي عبد اللَّه الصادق عليه السلام قال: لو ترك الناس الحجّ أنزل عليهم العذاب (5).

وعن عبد الرحمن بن أبي عبد اللَّه، قال: قلت لأبي عبد اللَّه عليه السلام: إن ناساً من هؤلاء القصاص يقولون: إذا حج الرجل حجة ثم تصدّق ووصل كان خيراً له، فقال: كذبوا، لو فعل هذا الناس، لعُطِّل هذا البيت. إن اللَّه عز وجل جعل هذا البيت قياماً للناس (6).


1- 1 إبراهيم: 37.
2- 2 المائدة: 97.
3- 3 النساء: 5.
4- 4 وسائل الشيعة 8: 14.
5- 5 المصدر نفسه 8: 13.
6- 6 وسائل الشيعة 8: 14.

ص: 65

الكعبة مباركة

جعل اللَّه الكعبة مباركة في الحياة، تستنزل رحمة اللَّه تعالى وبركاته على الناس، يقول تعالى:

(إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركاً وهدىً للعالمين) (1).

فهي من منازل رحمة اللَّه على الناس.

روى معاوية بن عمار، عن أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: إن اللَّه تبارك وتعالى جعل حول الكعبة عشرين ومائة رحمة، منها ستون للطائفين، وأربعون للمصلين، وعشرون للناظرين (2).

وعن الحسن بن راشد عن أبي عبد اللَّه عليه السلام، قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: إذا خرجتم حجاجاً الى بيت اللَّه، فأكثروا النظر الى بيت اللَّه، فإن للَّه مائة وعشرين رحمة عند بيته الحرام: ستون للطائفين، وأربعون للمصلين، وعشرون للناظرين (3).

هذا إجمال من رسالة الكعبة ودورها في حياة الناس، فهي تشدّهم باللَّه تعالى وبأوليائه، وتشدّهم بأسرة التوحيد على وجه الأرض، وفي التاريخ، وتجمع شملهم، وتؤلف بين قلوبهم، وتوحد حركتهم، وتعرّف بينهم، وتؤلف بين قلوبهم، وتعيدهم الى أنفسهم، وتقوم لهم معايشهم في دنياهم، ومنازلهم من اللَّه في آخرتهم.

2- الحرام

الحرام والحرمة بمعنى الحظر والمنع.

يقول تعالى:

(ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام) (4). (قل أرايتكم ما أنزل اللَّه لكم من رزق فجعلتم منه حراماً وحلالًا قل ءاللَّه اذن لكم أم على اللَّه تفترون) (5).


1- 1 آل عمران: 196.
2- 2 وسائل الشيعة 9: 363.
3- 3 المصدر نفسه 9: 365.
4- 4 النحل: 116.
5- 5 يونس: 59.

ص: 66

وتأتي كلمة الُمحرّم بنفس المعنى، يقول تعالى: (قل لا أجد فيما أوحى الي مُحرماً على طاعم يطعمه) (1).

كما أن «الَحرْم» وهو المنطقة المحيطة بالبيت الحرام منطقة حظر ومنع، ويطلق عليه الحرم بهذا الاعتبار.

يقول تعالى:

(أولم نمكن لهم حرماً آمناً يجبى إليه ثمرات كل شي ء) (2).

والشهر الحرام هو كذلك شهر حظر فيه اللَّه تعالى القتال.

يقول تعالى: (يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير وصدّ عن سبيل اللَّه وكفر به) (3).

يقول الراغب في (المفردات):

و «الحَرَم» سمي بذلك لتحريم اللَّه تعالى فيه كثيراً مما ليس بمُحرم في غيره من المواضع، وكذلك «الشهر الحرام» (4).

والعلاقة بين (ما يحرمه اللَّه تعالى) وبين (من يُحَرَّم عليه) و (ما يُحَرَّم فيه) علاقة عكسية.

وتوضيح ذلك:

إن ما يحرّمه اللَّه تعالى من قول وفعل فلا بد من أن يكون ذلك لسبب فيه من فساد أو دناءة كالشرك والفحشاء، وقول الزور والباطل والعدوان، أو أن اللَّه تعالى يكرهه لعباده، ولو لظرف خاص من مكان أو زمان.

وأما من يحرم الحرام عليه، ويضع اللَّه تعالى عليه الحرمه والنهي فإن ذلك إشعار بقيمته ومنزلته عند اللَّه، ومهما كثرت عليه المحرمات عند اللَّه كان ذلك دليلًا على منزلته وقيمته.

فليس على الحيوان تكليف من حرام وحلال، وليس على المجنون والطفل تكليف، فالتكليف بالحرمة إشعار بقيمة المكلف عند اللَّه، كما أن كثرة الحرمات في


1- 1 الأنعام: 145.
2- 2 القصص: 57.
3- 3 البقرة: 217.
4- 4 مفردات الراغب حرف الحاء: 115.

ص: 67

مكان أو زمان إشعار بقيمة ذلك المكان والزمان عند اللَّه.

فإذا كان يحرم في المسجد ما لا يحرم في غيره، كالإجناب ودخول الجنب، مثلًا، وتتأكد فيه حرمة اللهو واللغو الباطلين فإن ذلك إشعار بأن قيمة المسجد أعظم عند اللَّه من قيمة غيره من الأماكن.

وإذا كان يحرم في الأشهر الحرم ما لا يحرم في غيرها، أو تتأكد فيها الحرمة، دون غيرها من الأشهر ... فذلك لأهمية هذه الأشهر ومنزلتها عند اللَّه تعالى.

وبنفس الميزان نقول: إن اعتبار الكعبة الشريفة والمسجد الحرام، ومنطقة الحرم منطقة حظر ومنع، يكثر فيها الحظر والمنع من عند اللَّه على الناس، ويحظر اللَّه تعالى فيها على الناس ما لا يحظر في غيره ... لأهمية هذه البقعة المباركة والمنطقة من الأرض.

ولذلك وصف اللَّه تعالى الكعبة بالحرام، فقال تعالى: (جعل اللَّه الكعبة البيت الحرام) ووصف اللَّه المنطقة بالحرم فقال تعالى: (أولم نمكّن لهم حرماً آمناً) ووصف اللَّه تعالى المسجد بالحرام فقال تعالى: (فولّ وجهك شطر المسجد الحرام) (1).

ومن هذا التفصيل نريد أن نخلص الى النتيجة التالية: كل ما يحرمه اللَّه تعالى على عباده فهو سبحانه وتعالى راغب عنه كاره له، وإذا حرم اللَّه تعالى على عباده المحرمات فهو إشعار بحبه لهم، ورغبته فيهم، ومهما أكثر اللَّه تعالى المحرمات على عباده كان ذلك إشعاراً لحبه لهم، ورغبته فيهم، وتنزيهه لهم عنها، وكذلك المكان والزمان.

فمهما أكثر اللَّه تعالى من المنع والحظر والحرمة على مكان أو زمان ك (الحرم) و (المسجد الحرام) و (الأشهر الحرم) و (شهر رمضان) كان ذلك إشعاراً بقيمة متميزة لذلك المكان عند اللَّه تعالى.

والآن، بعد هذا التوضيح ل (الحرام) نتحدث عن المحرمات، التي حرمها اللَّه


1- 1 البقرة: 144.

ص: 68

تعالى على الناس في (البيت الحرام) وحُرُمات هذا البيت.

حُرُمات البيت الحرام

1- البدء بالقتال: حرم اللَّه تعالى على المسلمين أن يبدأوا الكفار بالقتال عند المسجد الحرام، إلا أن يبدأ الكفار قتال المسلمين عنده، فيجوز عندئذ قتالهم وصدهم عن العدوان، يقول تعالى:

(واقتلوهم حيث ثقفتموهم واخرجوهم من حيث أخرجوكم والفتنة أشد من القتل ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه فإن قاتلوكم فاقتلوهم كذلك جزاء الكافرين فإن انتهوا فإن اللَّه غفور رحيم) (1).

فينهى اللَّه تعالى المسلمين من قتال الكفار عند المسجد الحرام، إلا أن يكون الكفّار هم البادِئون بالقتال.

ثم يقول تعالى عن القتال في الحرم عند المسجد الحرام، وفي الأشهر الحرم (الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما أعتدى عليكم واتقوا اللَّه واعلموا أن اللَّه مع المتقين) (2).

فأجاز اللَّه تعالى للمسلمين أن يقتصّوا من المشركين إذا قاتلوهم في الأشهر الحرم، أو عند المسجد الحرام، وأجاز للمسلمين أن يقاتلوهم كما يقاتلهم المشركون فيه ويعاملوهم بالمثل.

والحرمات التي تشير إليها الآية الكريمة بقوله تعالى: (والحرمات قصاص) هي حرمة «الشهر الحرام» وحرمة «المسجد الحرام» وحرمة «الحرم».

فإذا تجاوز المشركون على هذه الحرمات، وقاتلوا المسلمين فيها جاز للمسلمين معاملتهم بالمثل.

عن ابن أبي عمير، عن معاوية بن عمار، قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله يوم فتح مكة: إن اللَّه حَرَّم مكة يوم خلق السماوات والأرض، وهي حرام الى أن تقوم


1- 1 البقرة: 191، 192.
2- 2 البقرة: 194.

ص: 69

الساعة، لم تحِلَّ لأحد قبلي، ولا يَحلَّ لأحد بعدي، ولم تحل لي إلا ساعة من نهار (1).

وعن أبي عبد اللَّه الصادق عليه السلام في حديث فتح مكة إن النبي صلى الله عليه و آله قال:

ألا إن مكة محرمة بتحريم اللَّه، لم تحل لأحد كان قبلي، ولم تحل لي إلا ساعة من نهار الى أن تقوم الساعة، لا يختلى خلاها، ولا يقطع شجرها، ولا ينفر صيدها، ولا تحل لقطتها إلا لمنشد (2).

2- حرمة تلويث الكعبة بالشرك، وحرمة الإبقاء على مظاهر الشرك وآثاره حول الكعبة، ووجوب تطهرها منه. والشرك حرام على كل حال وفي أي مكان، ويجب تطهر الأرض منه في كل مكان، ولكن هذه الحرمة، وهذا الوجوب في الحرم أعظم وأبلغ وأكد.

فإن الشرك باللَّه العظيم وجس يلوث كل شي ء يصيبه، ويفقده دوره ويسلبه خصائصه ويعطّله.

والإنسان خليفة اللَّه، وليس في الكون كله صفة أشرف من هذه الصفة، وليس لشي ء دور أعظم من هذا الدور (خلافة اللَّه)، ومع ذلك فإذا أشرك الإنسان فَقَدَ كُلَّ خصائصه وكرامته، وسقط مرة واحدة، كما لو أنه خَرَّ من السماء دفعة واحدة (ومن يُشْرك باللَّه فكأنَما خَرَّ من السماء فتخطفه الطير أو تهوي به الريح في مكان سحيق) (3).

ويُحوِّل الشرك الإنسان من محور خلافة اللَّه الى محور الصدود والإعراض عن اللَّه، وكذلك الكعبة المشرفة إذا أصابتها لوثة الشرك أفقدتها خصائصها وبركاتها، ودورها الكبير والمبارك في حياة الناس.

ولكي يتم تفعيل دور الكعبة في حياة الناس، وتعدّ الكعبة الشريفة، لتكون منطلقاً لعروج الإنسان الى اللَّه تعالى، لابد من تطهير الكعبة من الشرك، يقول تعالى: (واذ بَوأنا لإبراهيم مكان البيت أن لا تشرك بي شيئاً وطهر بيتي للطائفين والقائمين والركع السجود) (4).


1- 1 وسائل الشيعة 9: 68.
2- 2 المصدر نفسه 9: 69.
3- 3 الحج، 31.
4- 4 البقرة: 125.

ص: 70

فلا يعرج الناس الى اللَّه من الطواف حول البيت والقيام والركوع والسجود بين يدي اللَّه في رحاب البيت الحرام، إن لم يطهر الناس الكعبة من رجس الشرك.

وقد عهد اللَّه تعالى بذلك الى إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام.

يقول تعالى:

(وعهدنا الى إبراهيم واسماعيل أن طهرا بيتي للطائفين والعاكفين والركع السجود) (1) (2).

3- حرمة إدخال المشركين الى المسجد الحرام، ووجوب إقصائهم عنه.

يقول تعالى:

(إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام) (3).

4- تحريم قطع الحشيش والشجر من الحرم للمُحل والمحرم.

هكذا عنون صاحب الوسائل هذا العنوان.

وروى عن حريز عن أبي عبد اللَّه الصادق عليه السلام بسند معتبر قال: كل شي ء ينبت في الحرم فهو حرام على الناس أجمعين (4).

5- يحرم الصيد في الحرم وتنفيره مطلقاً للمحرم والمحل.

وروى الكليني عن جريز عن أبي عبد اللَّه الصادق عليه السلام بسند صحيح، قال: قال رسول اللَّه: ألا إن اللَّه عز وجل قد حَرَّم مكة يوم خلق السماوات والأرض، وهي حرام بحرام اللَّه الى يوم القيامة، لا ينفر صيدها، ولا يعضد شجرها، ولا يختلى خلاها، ولا تحل لقطتها إلا لمنشد (5).

6- يحرم في الحرم كل ذنب، وتعظم حرمته عند اللَّه حتى لو كان مثل شتم الخادم وضربه، وليس شأن الحرم شأن غيره من الأماكن، فإن كل ذنب حرام في أي مكان، وفي أي زمان، ولكن هذه الحرمة في الحرم أعظم وأبلغ وآكد.

وقد كان بعض الفقهاء والصالحين يتحرجون من الإقامة في جوار الحرم خشية أن يصدر منهم ذنب، فيعاقبهم اللَّه تعالى عليه بالعذاب الأليم.


1- 1 تفسير التطهير في هذه الآية المباركة بتنظيف البيت من القمامة والنجاسات المادية لا يناسب الاهتمام البليغ الذي يعطيه اللَّه تعالى لهذا الأمر، فيعهد الى إبراهيم واسماعيل عليهما السلام، واللَّه اعلم.
2- 2 البقرة: 125.
3- 3 التوبة: 27.
4- 4 وسائل الشيعة 9: 172.
5- 5 المصدر نفسه 9: 175.

ص: 71

يقول تعالى: (إن الذين كفروا وصدوا عن سبيل اللَّه والمسجد الحرام الذي جعلناه للناس سواءً العاكف فيه والباد ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب اليم) (1).

يذكر المفسرون في تفسير قوله تعالى: (ومن يرد فيه بالحاد ...): أن الذي يريد في البيت إلحاداً بظلم فاللَّه تعالى يذيقه العذاب الأليم.

والإلحاد هو العدول عن القصد والاعتدال.

وروى الطبرسي عن ابن عباس والضحاك ومجاهد وابن زيد أن الإلحاد هو استحلال الحرام وركوب الاثم (2).

وقد صحّت النصوص المعتبرة ان كل إثم إلحاد.

فقد جاء بسند معتبر عن الحلبي قال: سألت أبا عبد اللَّه عليه السلام عن قول اللَّه عزّوجل (ومن يرد فيه بالحاد بظلم) فقال: كل الظلم فيه الحاد حتى لو ضربت خادمك ظلماً خشيت أن يكون إلحاداً، فلذلك كان الفقهاء يكرهون سكنى مكة (3).

وروى أبو الصباح الكناني قال: سألت أبا عبد اللَّه عليه السلام عن قوله عز وجل (ومن يرد فيه بالحاد بظلم نذقه من عذاب اليم) فقال: كل ظلم يظلمه الرجل على نفسه بمكه من سرقة أو ظلم أحد، أو شي ء من الظلم فإني أراه إلحاداً، ولذلك كان يتّقي أن يسكن الحرم (4).

وعن رسول اللَّه صلى الله عليه و آله: «جعل اللَّه الحسنات في الحرم مضاعفة والسيئات مضاعفة» (5).

7- يحرم ملاحقة المجرم الذي أقدم خارج الحرم على جريمة تستوجب قصاصاً أو حدّاً أو تعزيراً ففر الى الحرم، احتراماً للحرم، وأمنه، ولكن يضيّق عليه، ويمنع من الشراء من الأسواق حتى يضطر للخروج من الحرم.

وقد استدل الفقهاء على ذلك بقوله تعالى:


1- 1 الحج: 25.
2- 2 مجمع البيان للطبرسي 4: 81.
3- 3 وسائل الشيعة 9: 341.
4- 4 المصدر نفسه 9: 341.
5- 5 المصدر نفسه 9: 336.

ص: 72

(ومن دخله كان آمناً) (1) (2).

روى ثقة الإسلام الكليني بسند معتبر عن معاوية بن عمار قال: سألت أبا عبد اللَّه (الصادق) عليه السلام عن رجل قتل رجلًا في الحل، ثم دخل الحرم، فقال: لا يقتل، ولا يطعم ولا يسقى ولا يباع حتى يخرج من الحرم، فيقام عليه الحدّ.

قلت: فما تقول في رجل قتل في الحرم أو سرق؟ قال: يقام عليه الحدّ في الحرم صاغراً؛ لأنه لم ير للحرم حرمة، وقد قال اللَّه عز وجل: (فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم) (3).

وروى أيضاً بسند معتبر عن الحلبي، عن أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: سألته عن قول اللَّه عزّوجل: (ومن دخله كان آمناً). قال: إذا أحدث العبد في غير الحرم جناية، ثم فَرَّ الى الحرم لم يسع لأحد أن يأخذه في الحرم، ولكن يمنع من السوق، ولا يبايع ولا يطعم، ولا يسقى، ولا يتكلم، فإنه إذا فعل ذلك يوشك أن يخرج فيؤخذ، وإذا جنى في الحرم جناية أقيم عليه الحد في الحرم، لأنه لم يرع للحرم حرمة (4).

عن عبد اللَّه بن سنان أنه سأل أبا عبد اللَّه (الصادق) عليه السلام عن قول اللَّه عزوجل:

(ومن دخله كان آمناً) قال: من دخل الحرم مستجيراً به كان آمناً من سخط اللَّه، ومن دخله من الوحش والطير كان آمناً من أن يهاج أو يؤذى، حتى يخرج من الحرم (5).

والنصوص بهذا المعنى كثيرة.

فإذا كان لا يجوز ملاحقة المجرم في الحرم، ولا يجوز تنفير الصيد وتهييجه وأذاه فلا يجوز بشكل آكد وأبلغ ترويع المسلمين وإرعابهم في رحاب حرم اللَّه، وتعظم حرمته عند اللَّه.

روى محمد بن مسلم، عن أبي جعفر الباقر عليه السلام قال: سألته عن قوله تعالى (ومن دخله كان آمناً). قال: يأمن فيه كل خائف مالم يكن عليه حدّ من حدود اللَّه (6).


1- 1 آل عمران: 97.
2- 2 راجع «آيات الأحكام للجزائري» 2: 7.
3- 3 وسائل الشيعة 9: 337.
4- 4 المصدر نفسه 9: 337، ح 2.
5- 5 المصدر نفسه 9: 202.
6- 6 المصدر نفسه 9: 339.

ص: 73

والذي يقرأ اهتمام القرآن بأَمْن هذا البيت لا يشك في أن للأمن دوراً أساسياً في رسالة البيت.

وقد كان (أمن البيت) من دعاء إبراهيم عليه السلام.

(واذ قال إبراهيم رب اجعل هذا بلداً آمناً). (واذ قال إبراهيم رب اجعل هذا البلد آمناً).

وبين الدعاءَين فرق.

معنى الدعاء الأول يدعو إبراهيم عليه السلام أن يجعل اللَّه الكعبة بلداً أمناً، ويبدو أن هذا الدعاء كان قبل أن يحل الناس بجوار الكعبة فيكون بلداً، فدعا اللَّه تعالى أن يجعل البيت بلداً آمناً.

وفي الدعاء الثاني يدعو اللَّه تعالى أن يجعل هذا البلد آمناً، ويبدو أن الدعاء كان بعد أن حلّ الناس بجوار البيت.

ومن اهتمام القرآن بأمن البيت: القَسَمُ بالبلد الأمين، يقول تعالى: (والتين والزيتون وطور سنين وهذا البلد الأمين) (1).

ويمنّ اللَّه تعالى على المؤمنين: أن جعل لهم الحرم آمناً، تجبى إليه الثمرات من كل حدب، ومكنهم منه ...

(أولم نمكن لهم حرماً آمناً يجبى اليه ثمرات كل شي ء) (2).

فقد مَنَّ اللَّه تعالى عليهم اذن، في هذه الآية مرتين.

مَكَنَّهم من حرمه، بعد أن كان بيد المشركين وتحت نفوذهم وهذا هو المنّ الأول.

وجعله آمناً في وسط دنيا صاخبة وهائجة بالحروب، ويتخطف الناس من حوله وهو المنّ الثاني.

يقول تعالى:

(أولم يروا أنا جعلنا حرماً آمناً ويتخطف الناس من حولهم) (3).


1- 1 التين: 1، 2، 3.
2- 2 القصص: 57.
3- 3 العنكبوت: 63.

ص: 74

8- يحرم التمكين لولاية الظالمين على البيت الحرام، الذين يصدون الناس عن سبيل اللَّه وعن المسجد الحرام، ويعطلون دور هذا البيت، ويجب تمكين المتقين من ولاية البيت الذين يعدون للبيت ويطهرونه للطائفين والقائمين والركع السجود.

يقول تعالى: (وما لهم ألا يعذبهم اللَّه وهم يصدون عن المسجد الحرام وما كانوا أولياءَه إن أولياؤه إلا المتقون) (1).

وقد أوعد اللَّه تعالى الذين كفروا، والذين يصدون الناس عن سبيله والمسجد الحرام بالعذاب الأليم فقال تعالى:

(إن الذين كفروا ويصدون عن سبيل اللَّه والمسجد الحرام الذي جعلناه للناس سواء العاكف فيه والباد ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب اليم) (2).

فانذر الذين يصدون عن المسجد الحرام، الذي جعله اللَّه تعالى للناس عامة بالعذاب الأليم.

ويندّد القرآن بأولئك الظالمين الذين يصدون الناس عن المسجد الحرام:

(هم الذين كفروا وصدوا عن المسجد الحرام) (3)

فيحرم على الناس تمكين الظالمين من ولاية البيت الحرام، ويجب عليهم تحرير هذا البيت من نفوذ الطاغوت وسلطانه، كما يجب عليهم تمكين المتقين منه؛ وقد وصف اللَّه تعالى هذا البيت ب (العتيق) فقال تعالى:

(ثم مَحِلّها الى البيت العتيق) (4).

وقال تعالى:

(وليطّوفوا بالبيت العتيق) (5).

والعتيق من العتق، وهو التحرير. فهذا البيت حَرره اللَّه تعالى من قبضة الظالمين مثل أبرهة، وعتاة قريش، ولم يجعل اللَّه لأحد عليه سلطاناً، ولم يملكه أحداً من الناس حتى يكون بيتاً للناس جميعاً.


1- 1 الانفال: 34.
2- 2 الحج: 25.
3- 3 الفتح: 25.
4- 4 الحج: 29.
5- 5 الحج: 29.

ص: 75

يقول الجزائري في آيات الأحكام في معنى العتيق: (إنه لا يملكه أحد من الناس).

ثم ذكر في معناه أيضاً: (أنه عُتِق من الجبابرة، وحفظه منهم كأبرهة وغيره) (1).

عن أبي جعفر الباقر عليه السلام في جواب من سأل: لِمَ سمَّي البيت عتيقاً؟ قال: هو بيتٌ حرٌ عتيق من الناس لم يملكه أحد (2).

الهوامش:

لمحة عن الحجّ ومناسكه


1- 1 آيات الأحكام للجزائري 2: 26.
2- 2 وسائل الشيعه 3: 347.

ص: 79

لمحة عن الحجّ ومناسكه

محمّد جواد حجّتي كرماني

1- لمحة عن الحجّ

كلمة الحجّ وما يندرج تحتها من عناوين المناسك، تستطيع التعبير بنفسها- عن المحتوى العظيم لهذه الفريضة الإلهيّة المَلْأى بالأسرار والرموز، والمكتظّة بالإشارات والكنايات.

فالحجّ- هذه اللّفظة القصيرة ذات النغم المحبّب، التي تستبطن معاني القصد والعزم والتصميم- يحمل معنى بشموخ التأريخ المعنويّ للبشرية، التأريخ المعنويّ الذي يضفي النظام على الحياة الإنسانية- سياسيّاً واجتماعيّاً- على أساس الحقّ والعدل.

والحجّ الذي يتكوّن- عموماً- من عناصر السكون والتأمّل والتدبّر والحركة والسعي والصراع، فيه إشارات جامعة وشاملة إلى السنن الإلهيّة الجارية على الصعيدين:

التكويني والتشريعي.

لغة الحجّ لغة نموذجية، وأعماله- بتعبير متعارف- تمثيلية إيمائية يمكن أن تكون حاكية ومجسّدة

ص: 80

لتأريخ الأنبياء، وعالم الدنيا وعالم الآخرة.

كان الحجّ- هذه الفريضة الرمزية والمشحونة بالإشارات والشعارات- موضوعاً للدّراسة والتحليل من زوايا متعدّدة، وبنظرات مختلفة، من قبل الباحثين والكتّاب والمحلّلين، فرديّاً واجتماعيّاً، وعباديّاً وسياسيّاً، وعسكريّاً، وعالميّاً، ويتّصف بعض هذه البحوث والتحليلات بشمولية نسبية ناقصة لأبعاد الحجّ، بينما يختصّ البعض الآخر ببعد وجانب واحد، وبرؤية لا تتعدّى حدود مجتمع معيّن. وقد أغفلت هذه التحليلات والدراسات، ذات البعد الواحد الشموليّةَ المحيّرة والمتناقضة- أحياناً- في ظاهرة الحجّ، التي تجعل الزاهدين المعرضين عن الدنيا غافلين عن أحد جانبي الشموليّة، وتجعل أصحاب السياسة والمتصدّين لإدارة الدول الإسلامية غافلين عن الجانب الآخر. ولهذا سوف نسعى- في هذا المقال القصير- إلى اختصار الكلام، وأن نشير إشارة عابرة إلى شموليّة الحجّ، ونحن على ثقة بأنّ أهل الفضل والعلم سوف لا يكتفون بهذا المختصر، ولكنّهم سيبذلون ما عندهم في توسيع البحث وإكماله وشرحه.

يُعدُّ الحجّ- من زاوية- اجتماعاً للطاهرين والأخيار، وأصحاب المعنى وطلاب الآخرة...، وهو اجتماع يغلب عليه طهر المقدّسين وملائكة الملإ الأعلى، الذين يحتشدون- كما هو المشهور- حول أوّل بيت وضع للناس، كالبحر المتلاطم، وما الحاجّ لبيت اللَّه إلّافطرة من هذا البحر.

وإنّ الحجّاج في هذا الاجتماع العظيم- منذ اللحظات الأُولى التي ينوون فيها الحجّ، ويرحلون عن أهاليهم وديارهم، وينقطعون عن كلّ ما يجذبهم إلى الدنيا، حتى الإحرام من الميقات، فالطواف، فالوقوف، فالرمي، وفي كلّ حلّ ومرتحل لهم يبحثون عن اللَّه، ويطلبون الزلفى إليه.

وما مناسك الحجّ وشعائره إلّا

ص: 81

تجسيد لأحوال الإنسان الباحث عن ربّه، المتوجّه إليه أينما حلّ وارتحل، يلتمس سُبُلَ الوصول إليه، ويتعرّض لأنفاس رحمته، فالعاشق الذي أشرف على الهلاك من فراق محبوبه، وسُلب منه الاختيار، فهو مختلف الأطوار في سبيل الوصول إلى الحبيب، فتارة تراه متأمّلًا تعلوه السكينة، وتارة تراه مضطرباً غير مستقرّ، ينتقل من مكان إلى مكان صباحاً ومساء، فربّما التجأ إلى جبل، أو أفضى إلى صحراء، لا يهدأ له بال ولا ينعم بقرار.

والحجّ- من هذه الزاوية- حركة إنسانيّة روحيّة، يقوم بها- في زمان واحد ومكان واحد- جمعٌ غفير من الناس، يأتون من جميع أرجاء الأرض وأقطارها إلى البيت الذي أُعِدّ للتقرّب إلى المبدإ الأعلى للخلق.

وهو- من هذه الزاوية أيضاً- مؤتمر للَّه يضمّ المخلصين والمتّقين والصالحين والعابدين والقانتين على وجه الأرض.

وما أكثر الاجتماعات والمؤتمرات العالميّة التي تعقد في مختلف شؤون الحياة الإنسانيّة؛ الدينيّة والسياسيّة والعسكريّة والتأريخيّة والأدبيّة، ولكنّك لن تجد في أيّ مكان- غير الحجّ- مؤتمراً للتوحيد والإخلاص والعبادة، ومؤتمراً لجهاد النفس والانقطاع عن الدنيا والاستعداد للآخرة، ومؤتمراً للسير إلى اللَّه، وما يتضمّنه السير من مراقبة ومكاشفة.

ولن تجد- غير الحجّ- مؤتمراً يُذيب الفرد في الجماعة والجماعة في الفرد، فإذا بالأعمال الفرديّة تضمحلّ لتمتزج في أجواء الجماعة، وأجواء الجماعة تضمحلّ لتمتزج في الأعمال الفرديّة؛ بحيث أنّ الحاجّ يظلّ- في أيام الحجّ- عاكفاً على نفسه يحاول اكتشافها وسبر أغوارها، قد شُغِلَ بحديث النفس والمناجاة، وتصفية باطنه ممّا علق به من الشوائب، وهذا من قبيل الرهبانيّة التي يمارسها الرهبان المنقطعون عن هذا الخلق، وهي تدعو صاحبها إلى الخلوة والاعتزال ومفارقة الناس، وتؤكّد

ص: 82

فرديّة الفرد. ونجد- إلى جانب هذا ومتزامناً معه- هذه الفرديّة تفنى وتتلاشى في الجماعة، في كلّ موقف من مواقف الحجّ العظيمة، وأكثر ما تتجلّى روعة هذا الفناء في عرفات. وإفناء الفرديّة في العمل الجماعي يساهم في رسم الخطوط السياسيّة والاجتماعيّة للأمّة الإسلاميّة، كما يساهم في توحيدها، وسنشير إلى هذا فيما بعد.

وفي الحجّ- من ناحية أُخرى- أثر باق من أعماق التأريخ النورانيّ لأنبياء اللَّه وأوليائه، من آدم، ونوح، وإبراهيم، وموسى، وعيسى، ومحمّد صلى الله عليه و آله، وآله، وأصحابه، ففيه يتمّ إعادة بناء وصياغة هذا التأريخ الممتلئ بحوادث ومحاولات حُفت بالأخطار، أبطالها الأنبياء والأولياء، فالحجّ- من خلال هذه الرؤية- إعادة بناء لتأريخ الأنبياء.

والحجّ عبارة عن أعمال وألوان من السلوك تعود في جذورها التشريعيّة- طبقاً لما جاء به الكتاب، والأحاديث الواردة بطرق السنّة والشيعة- إلى عهد آدم أبي البشر عليه السلام.

وقد طاف حول هذا البيت كلّ من جاء- بعده- من الأنبياء إلى نبيّنا عليهم السلام وأدّوا مناسكهم على هذه الأرض المقدّسة، في عرفات، والمشعر، ومنى.

والحجّ- على وجه التحديد- هو الرقيب على إعادة بناء وتجديد نظام مؤسّسة التوحيد، الذي تمّ بواسطة أبي الأنبياء إبراهيم خليل اللَّه عليه السلام حين رفع قواعد البيت وطهّره للطائفين والعاكفين والركّع السجود، كما قصّ لنا ذلك القرآن الكريم. فتضحيات وجهود إبراهيم وهاجر وإسماعيل عليهم السلام وما راودهم خلال ذلك من انفعالات ومخاوف وآمال، تُعاد صياغتها وتتجدّد في كلّ منسك من مناسك الحجّ بالشكل الذي سنشير إليه فيما بعد.

وفي الحقيقة: إنّ إبراهيم عليه السلام بطل التوحيد، وإنّ الملايين من حجّاج بيت اللَّه العاشقين، ليقومون- في كلّ عام، ومن خلال مناسك الحجّ- بتجلية هذه

ص: 83

الشخصيّة العظيمة وإمدادها بالبقاء.

ولنتذكّر أن إبراهيم كان أبَ الأنبياء الموحّدين: موسى، وعيسى، ومحمّدصلوات اللَّه عليهم أجمعين؛ وأنّ الأُمّة الإسلاميّة- دون بقية الأمم الأخرى- هي وحدها التي تحتفي بذكرى رائد التوحيد، وتحترمه بما يتناسب مقامه الشامخ، وتخلّد ذكره في مناسك الحجّ العظيمة بالعمل لا بالقول فحسب. وسوف نشير إلى هذا الإحياء والتجديد أثناء الإشارة إلى مضمون كلّ واحد من المناسك.

الحجّ- من زاوية أُخرى- تدريب متعدّد الجوانب، أو هو- كما يُصطلح- استعراض شامل للنواحي السياسيّة، والعقائديّة، والعسكريّة؛ لبعث روح الحماس وإحياء الغيرة والحميّة الدينيّة في المجتمع الإسلامي.

ولتوضيح الصورة أكثر نتساءل:

ما هو الهدف من الاستعراض العسكري، أو التدريب الذي تقوم به فرق إطفاء الحريق أو إنقاذ الغريق، أو الفرق الأُخرى المخصّصة لمواجهة الحوادث الجويّة والبريّة والبحريّة، مثلًا؟

والجواب: أنّ هذا الاستعراض والتدريب، وإن كان لا يتمّ على أرض الواقع، بل ينطلق في أرض مفروضة، ويتابع أهدافاً مُفْتَرَضة، لكنّهُ أمر ضروريّ جدّاً لإيجاد الكفاءة العسكريّة، والاستعداد القتالي، والمهارة، وسرعة الانتقال، وسرعة التصميم والعمل، وغيرها ممّا ينبغي توفّره فيمن يمارس هذه الأعمال المهمّة والمصيريّة.

وهكذا الحجّ، إذ إنّ له دوراً مهمّاً في رسم الطريق، ووضع الخطوط والملامح الرئيسية للحياة الإنسانيّة، التي هي مزيج من العمل، والصراع، والسعي، والمتابعة، وكونها كذلك يستتبع لا محالة كفّ النفس، والأخذ بزمامها، ولا يلائم التنعّم وطلب الراحة.

فالحجّ تدريب واستعراض وتعليم يستغرق عدّة أيام، ويبتغى من ورائه إعداد الإنسان ليكون متمرّساً

ص: 84

ومهيّئاً لخوض الصراع الضاري في ميادين الحياة.

في الحجّ يتعلّم الإنسان أنّ عليه أن يترك وطنه وأهله وماله، ويقطع كل علائق الدنيا، ويتحمّل مصاعب السفر والسهر والقلق والغربة والهجرة، ويتخلّى عن كلّ ما يرتبط بمظهره من اللباس والرياش، في سبيل الوصول إلى حياة إنسانية إسلامية مليئة بالفخر.

يتعلّم أن عليه أن يُعرض عن كلّ ذلك، ويستجيب لدعوة الحقّ الأزليّ، فلا يسمع سائر الدعوات الأخرى الباطلة، ويدور مع الحقّ حيثما دار، ولا يسعى- في هذه الحياة- إلّاإلى الطهارة والنزاهة والصدق والحقّ.

ويتعلّم أنّ عليه أن يمزج التوقّف والتّروّي بالسعي والعمل؛ لأن كلًاّ من التوقّف والتروّي يجب أن يستتبع سعياً وعملًا، كما أنّ السعي والعمل لا يكونان إلّابعد تروٍّ وتوقّف؛ ونظر في العواقب، وحسابٍ للمستقبل، فالتروّي دون عمل والعمل دون رويّة، آفتان للإنسان في دينه ودنياه.

في الحجّ يطوي الإنسان مراحل متعدّدة في أيّام قلائل، تعلّمه أنّ ما طواه منها يجب أن يكون مثالًا يحتديه في حياته.

الحجّ- بمنظار آخر- تمثيل لعرصات القيامة، وتجسيد لحشر الخلق، فالكلّ إلى جهة واحدة، لا شي ء يميّز بينهم، متوجّهون إمّا إلى الجنّة وإمّا إلى النار، حشر عظيم في هذه الحياة الدنيا، ونموذج مصغّر عن الحشر الأكبر في الآخرة.

الرحيل عن الدار والأهل يشبه الموت الذي هو بداية الحياة الأُخرى، ومواقف الحجّ ومناسكه، كلّ واحد منها يذكّر بمواقف العبد أمام مولاه في يوم القيامة، حيث ينتهي به المطاف إلى الردّ أو القبول: فريق في الجنّة وفريق في السعير.

والحاج- من خلال هذه الرؤية التطبيقية بين مواقف الحجّ ومواقف القيامةفي قلق واضطراب دائمين، واقف بين الخوف والرجاء فإلى أيّ

ص: 85

ناحية سيتوجّه، ومع أيّ فريق سيحشر؟

وذلك لأنّ بعض الحجّاج- كبعض من يحشر يوم القيامة- سيؤخذون الى الجحيم، ولا يزيدهم الحجّ غير تبار وتخسير.

وإنّ شرح مواقف الحجّ ومواقف القيامة، والتطبيق بينهما، وتجلية روعة هذا التطبيق، ليحتاج إلى مقال مستقلّ، ولكن في هذه الإشارة كفاية لليقظين الموقنين بالموت، والدائمين على التفكّر في الدار الآخرة، يخافون سوء الحساب وسوء الدار.

والحجّ- أخيراً، ومن خلال رؤية أعمق- صعود للإنسان في مقابل هبوطه التأريخي، وتسالم وتعاون للبقاء في مقابل تنازع البقاء المتأصّل في حياة الإنسان.

وهذه النقطة جديرة بالعناية والتأمّل، ولهذا سنتريّث في الحديث عنها قليلًا:

لقد بدأ السقوط والهبوط الإنسانيّ عندما التفتت البشريّة- بحكم حاجاتها الطبيعية والفطرية- إلى ضرورات الحياة، وسعت إلى استخدام الطبيعة من أجل مواصلة الحياة، وسرعان ما جعل هذا الاستخدامُ الإنسان مفتوناً بالطبيعة، ودفعه خياله المطلق العنان إلى طلب الزيادة بعد الزيادة، ومن هنا كان الانحدار شيئاً فشيئاً، ثمّ استمرّ هذا الانحدار مع بروز الصراع والنزاع بين أفراد النوع الإنساني، وأخذ يتضاعف مع مرور الأيّام أَلهاكم التكاثر ...، وكان هذا منشأً لكلّ الحروب الطويلة المدمّرة في التأريخ الإنساني الزاخر بالحوادث والوقائع.

وأمّا الحجّ، فهو تعليم، وتجربة مؤقّتة، ومظهر للمثل العليا، يحثّ الإنسان على كبح جماح غرائز حبّ الزيادة والمكاثرة، ويظلّ الإنسان ينهل من هذا التعليم- المحدود زماناً- طوال عمره.

كما أنّ هذه الرؤية... تتّضح أيضاً بوصفه مدرسة أخلاقيّة ومعنويّة، بنّاءة ومؤثّرة؛ فالحجّ

ص: 86

بتهذيبه للنفس وتزكيته للأخلاق، وإحيائه للروح، يُطلق الإنسان، ويحرّره ممّا يكدّر صفاء روحه؛ من حرص وطمع وتكاثر وتفاخر وتكالب، وينقذه من السقوط، ويعرج به إلى الأعلى والأوج.

وهذا العروج الإنساني إلى الأوج، وإن كان أخلاقيّاً وعباديّاً وعرفانيّاً في جوهره، إلّاأنّهُ أساس انتصار الإنسان على الصعيد السياسي، والعسكري، والاقتصادي ...

كما هو واضح عند أرباب الرأي والنظر.

الحجّ- من زاوية أُخرى، وعلى المدى البعيد- يُعدُّ إعداداً لتأسيس حكومة عالميّة موحّدة، وإزالة الحدود الجغرافيّة، وإدارة المجتمعات البشرية من قبل حكومة عادلة عالمة مقتدرة.

وكما نعلم فإنّهُ قد بشّر بفكرة الحكومة العالميّة الواحدة كثيرٌ من روّاد الفكر، وعلماء الاجتماع، والسياسيين، والفلاسفة في العالم.

ومع أنّ تحقيق هذه الفكرة في هذه القرون الأخيرة- التي يمكن عدّها آخر أدوار الترقّي البشري- أمرٌ متعذّر، إلّاأنّ تحقّق الأفكار الإلهيّة، وتطبيق الأهداف السماوية العظيمة، له أجل معيّن، ويتعاقب بشكل ينسجم والتأريخ البشريّ، ومن هذه الناحية فإنّ عرض الوحدة السياسيّة الاجتماعيّة من قبل الحجّاج، الذين يحضرون مراسم الحجّ من جميع أقطار الأرض، سيكون أحد العوامل المهمّة في تحقيق الجزء الأخير من هذه الوحدة.

والحجّ- على المدى القريب- يسعى لوضع قضايا ومشاكل المجتمع الإسلامي- الداخلية والخارجيّة، اجتماعية كانت أو سياسيّة، أو اقتصاديّة- موضعَ البحث والمطالعة.

ويخطّط لمواجهة الأعداء الذين نذروا أنفسهم لحرب الإسلام والمسلمين.

ويحتضن كلّ أرباب الرأي والفكر، والمصلحين، والمؤرّخين، وعلماء الاجتماع، والسياسيّين، وعلماء الدين، وزعماء المذاهب، من كلّ أطراف

ص: 87

الأرض؛ لتتجدّد روابط الأُخوّة الإسلاميّة، وتشيع المودّة والمحبّة بينهم، وليتعرف كلّ منهم على ما يحمله الآخرون من أخلاق وآداب، وطبائع، وأفكار، وعقائد، وخُطَط واقتراحات، ثمّ ليصلوا من خلال المشاورة، واستطلاع الرأي، والبحث الجماعيّ المنسّق- مع الأخذ بنظر الاعتبار مستجدّات العصر ومتغيّراته- إلى طرق الحلول المناسبة، الشاملة، المتكاملة؛ وليقوموا- بعد ذلك- بإيصال ما حصلوا عليه من هذا السفر المبارك إلى أسماع شعوبهم والمسلمين المقيمين في الدول غير الإسلاميّة، وإلى أسماع العلماء وأرباب الرأي في كل أرجاء البلاد الإسلاميّة وغيرها، حتى يتعرّفوا على آرائهم فيما سمعوه، ويستفيدوا منها.

وينبغي على هؤلاء أن يخضعوا هذا الارتباط العلمي، والاستطلاع، والحِجاج، والبحث الجماعيّ، لإدارة منظمة، ويقوموا بوضع نظام وقواعد لهذا البحث بشكل يكون معروفاً ومقبولًا لدى المسلمين، وبهذا يتمّ تعزيز الروابط بين الدول الإسلاميّة، ويُفسح الطريق أمام الوحدة المستقبليّة الكاملة للعالم الإسلاميّ.

والحجّ- مع حفظ كلّ ما فيه من نواحٍ معنويّة وسياسيّة واجتماعيّة سبق ذكرها- يشتمل على جانب آخر، ألا وهو الرؤية الاقتصادية في الحجّ.

والحجّ- من خلال هذه الرؤية- سوق حرّة للدول الإسلاميّة.

والرقي الاقتصادي لهذه الدول مرهون بتبادل المنتوجات الصناعيّة واليدوية والزراعيّة، وتبادل الخبرات في هذه المجالات. ولو أنّ دولة من هذه الدول انطوت على نفسها، وقطعت روابطها الاقتصادية مع سائر الدول الإسلاميّة، فإنّها ستكون عُرضةً للتخلّف الاقتصادي، أو الانجذاب إلى فلك إحدى القوى الاقتصاديّة الكبرى في العالم، والتبعيّة لها.

والحجّ- بصورته الفعليّة- لا ينسجم اقتصاديّاً مع الغايات التي يسعى إليها الاقتصاد الإسلاميّ، بل

ص: 88

هو- في أكثره- معرض ومكان لبيع وشراء السلع المستوردة من دول غير إسلاميّة، وهذا أمر طارئ على الحجّ أفرزته المشاكل السياسيّة التأريخيّة في العالم الإسلامي، وليس له ارتباط بنفس الحجّ.

فالحجّ- بنفسه- ملتقىً اقتصاديّ للدول الإسلاميّة، ولا ريب في أنّ له دوراً أساسيّاً ومؤثّراً في تسريع عجلة الاقتصاد، وإيصال العالم الإسلامي إلى الاكتفاء الذاتيّ، علميّاً، وصناعيّاً، وزراعيّاً.

نضيف إلى كلّ ما مرّ أنّ الحجّ- كما تشهد به التجربة- عمل صحّيّ وعلاجيّ، يضمن سلامة أفراد الحجّاج، إذ لا شكّ في أنّ سفراً حيّاً مليئاً بالحركة والنشاط كهذا السفر، إضافةً إلى أنهُ يدفع بالسموم المستقرّة في البدن إلى الخارج، وينظّم الدورة الدموية، ويساعد على تنشيط الدماغ والأعصاب، وذلك بسبب المجهود البدني والحركة الكثيرة، فإنّهُ- أي الحجّ- بما فيه من روحانيّة ومعنويّة يضفي على الزائر جوّاً روحانيّاً مؤثّراً يملأ نفسه صفاءً وقلبه راحة واطمئناناً، وينعكس هذا بشكل إيجابيّ على صحّته البدنيّة. وكلّ من وُفّق إلى هذا السفر العظيم، لمس ذلك بالتجربة.

ونقول باختصار: إنّ الحجّ رهبانيّة إسلاميّة، فيه قوام الدنيا والدين، وهو كله منافع للناس، وذكر اللَّه.

الحجّ عبادة وسياسة، سياحة وزيارة، اقتصاد وصحّة، الحجّ فرد ومجتمع، مادّة ومعنى، دنيا وآخرة، وهو كهذا العالم، وهذا الإنسان، مركّب ثنائيّ من جسم وروح.

وينبغي أن نُشير إلى نقطة جديرة بالاهتمام، وهي: أنّ الحاجّ إذا لم يسعَ في إصلاح نفسه، وينعتقْ من أنانيّته، ويهتمّ بتزكية نفسه وتصفيتها، ويتدبّر في أسرار الحجّ ورموزه، وإذا لم يطهر ممّا إلتاث به من مساوئ الأخلاق وأمراض النفس، فإنّهُ سوف لن يصل إلى أيّ منفعة من المنافع الآنفة الذكر.

ص: 89

لا في السياسة، ولا في الاقتصاد، ولا في جهاد الأعداء، ولا في الفكر، ولا في أيّ مجال آخر، وذلك لأنّ الإنسان إذا لم ينتصر على عدوّه الداخلي- وهو النفس الدائبة على معاداة اللَّه وكلّ المظاهر الإلهيّة، والتي لا تبرح زائغة عن صراطه المستقيم- فإنّهُ ليس منتصراً.

والانتصار على العدوّ الخارجيّ معناه تضافر وتجسّد كلّ القوى المعادية للَّه والموجودة في كلّ نفس، وليس انتصاراً أن يظهر عدوّنا الداخليّ ويبرز. ففي الحقيقة أنّ كلّ واحد منّا يحمل في داخله عدوّاً من قبيل الطابور الخامس- إذا صحّ التعبير- وهو الأنا وحبّ الذات، وإذا لم يتمّ القضاء على هذا الطابور الخامس، الذي هو- بتعبير أدقّ- مقرّ قيادة العدو، فلن نكون بمأمن من شرّ العدوّ.

والمقصود: هو أنّ إعطاء الأهميّة للجانب المعنويّ من الحجّ، والاستناد إلى الزوايا العرفانيّة والأخرويّة، وإلى معاني ورموز وإشارات السير والسلوك الكامنة في الحجّ، ينبغي أن لا يمنع من الرؤية الاجتماعيّة والسياسية، وأن لا يحول دون النظر إلى الجوانب الدنيويّة الأُخرى في الحجّ.

2- لمحة عن مناسك الحج

نقصد في هذا القسم من المقالة تطبيق ما عرضناه في القسم الأوّل منها وبشكل كلّي على كلّ منسك من مناسك الحجّ.

فلابدّ- إذن- من أن نبدأ بالكعبة:

البيت الذي عبّر عنه القرآن أنّهُ أوّل بيت وضع للناس (1)

بيت حجريّ بسيط، بني بهندسة معماريّة بدائيّة، تفتقد كلّ أنواع المظاهر والزينة ومع هذا كلّه فهو رمز للوحدة البشريّة، وشعار للأمن والأمان في المجتمع الإنسانيّ. هذا البيت العتيق- الذي هو أقدم معبد على وجه


1- 1 آل عمران: 96.

ص: 90

الأرض، وقد أُعيد بناؤه على يد إبراهيم الخليل- هو الحمى، والملجأ الدينيّ والكهف الاجتماعيّ الحصين لجميع الناس.

ولا يوجد في أيّ نقطة من هذا العالم- لقوم، أو قبيلة، أو عرق، أو طائفة- مركز فيه هذه المميّزات مع ما فيه من الجاذبية والمعنوية والحرمة والقدسيّة لهذا البيت.

ومراكز الأمن (الدول المحايدة) التي تُعدُّ ملجأً للمظلومين وحتّى المجرمين، ما هي إلّامن الإبداعات الحديثة في القرون المتأخّرة، وكما قال الطنطاوي: إنّ اللَّه ألهم الناس أن يقوموا بعمل أوحاه إلى نبيّه إبراهيم عليه السلام.

الحرم:

تحيط بالكعبة من جهاتها الستّ منطقة محرّمة، وهي الحرم الإلهيّ الآمن، وفي هذه المنطقة- التي ذكرت حدودها في الكتب الفقهيّة- تقع على عاتق الحجّاج بل وغيرهم، أحكامٌ ومسؤوليّات، منها عدم جواز التعرّض لأمن ما يضمّه الحرم: فنبات الحرم آمن، وحيوانه آمن، واللاجى ء إليه آمن، والحرب فيه محرّمة و ...، كلّ هذا رعاية لحريم بيت اللَّه المطهّر، وإسباغاً للمعنويّة والقدّسيّة والإحترام على هذه البقعة، وليكون هذا المكان الواسع- إلى حدّ ما- مكاناً يتميّز على كلّ ما سواه، خالصاً لمنافع الإنسان المادّية والمعنويّة.

فالحرم منطقة صلح كامل، وأمن كامل، وحبّ وتعاون كاملين، يخضع فيه الإنسان لسيطرة كاملة، فيمنع حتّى من التعرّض للنبات والحيوان، فما بالك بأخيه الإنسان؟!

الإحرام:

من جملة الأفعال الواجبة لدخول الحرم، الإحرامُ، وما أَروع اتّحاد مادّة (الحرم) و (الإحرام)، ويمكننا القول- بتعبير أدقّ- إنّ الإحرام يُعدّ تمثيلًا للحرم في وجود المحرِم؛ فكأنّ الحاجّ الذي يلبس ثوبي

ص: 91

الإحرام يجسّد الحرم الإلهيّ الآمن في وجوده، ويعلن أنّ حدود وجوده منطقة محرّمة، منطقة صلح وسلام وأمن وأمان.

وهذا هو واقع الأمر؛ إذ يحرم على الحاجّ- بعد الإحرام- ارتكاب أربعة وعشرين شيئاً، فلا يجوز له حتّى قطع شعرة من شعره، ولا يجوز له قلع واحد من أسنانه، ولا إخراج الدم من بدنه وبدن غيره، وليس له الحقّ في أن يتعرضّ لحيوان في الحرم ولو كان حشرة استقرّت على بدنه أو ثيابه، ويحرم عليه أن يجادل أحداً بقول:

«بلى واللَّه، ولا واللَّه» ولو كان غير حاجّ، إلى غير ذلك.

ولا يحقّ له- من ناحية أخرى- أن يدور على محور الشهوة، بل ليس له الحقّ في أن يحوم حول مقدّماتها؛ كالخطبة لنفسه وغيره، وإجراء العقد كذلك، فلا يجوز له النظر بشهوة، ولا العمل الشهوانيّ (ولو كان محلّلًا قبل الإحرام)، بل يمنع حتّى من التعطّر، وشمّ الروائح الطيّبة، وسدّ أنفه عن الروائح المنتنة، والاستظلال من الشمس، وتغطية رأسه، و ...

وليس المقصود أن نقوم بتعداد كلّ محرّمات الإحرام، ولكنّا نريد من وراء ذلك تجسيد تلك الحالة المفعمة بالروحانيّة والتنزّه التي تستغرق كيان المحرم، فتجعل من وجوده حرماً إلهيّاً آمناً.

ونقول باختصار: إنّ الحاجّ- بعد الإحرام- يجد نفسه ملائكيّ الصفات، طاهراً من شوائب المادّة، من الشهوة والغضب، ومن كلّ ما يمثّل حيوانيته.

ومثل هذه الحالة لا يعفوها النسيان، بل تبقى ملازمة لذاكرة الإنسان، منبعاً للمُثُل ومصدراً للموعظة، في جميع مستقبله، ولابدّ لتربية الإنسان- من سلوك طريقة تبقى حيّة في ذاكرته على الدوام، ولهذا أُمر الحاجّ بمفارقة لباسه المخيط، حيث يخلع عن بدنه لباسه المعتاد، ويكتفي بقطعتين من لباس أبيض بسيط، علامةً على مفارقته لكلّ العلائق والروابط، وإعراضه عن كلّ مظاهر

ص: 92

الامتياز والتعالي والتفاخر، وهو بذلك يضع- تحت قدميه- كلّ الامتيازات التي أضفاها مصمّموا الأزياء والخيّاطون على آلاف من أنواع الملابس العسكريّة والدينيّة والعرقيّة والطائفيّة، وعلى أنواع ثياب الملوك المتكبّرين، وأصحاب المناصب المدّعين.

وإذا بهذه الأُمم المختلفة، وهؤلاء الأفراد المختلفين، شؤوناً ومناصب، حكّاماً ومحكومين، ينصهرون في وحدة خالصة مُخْلَصة من كلّ غلّ وغشّ، ويظهرون بمظهر الاتّحاد والأُخوّة والمساواة، في شكل واحد ظاهر وطاهر، أبيض نورانيّ، إلهيّ، ومعرض هذه الوحدة صحراء أرض التوحيد المترامية الأطراف، والحرم الإلهيّ المقدّس.

ويظلّ هذا العرض- إلى الأبد- عالقاً في ذاكرة كل فرد من الحجّاج الذين حضروا هذا المشهد، كما يظلّ عالقاً في ذاكرة المجتمع الإسلامي، وذاكرة كلِّ المجتمع البشريّ أيضاً، بوصفه لوحة رائعة منقطعة النظير، ملهمة للأجيال، ومشحونة بالدعوة إلى الصلح والسلام، والمعنويّة، والإخلاص، وعبادة الواحد الأحد.

التلبية:

«لبّيك اللّهمّ لبّيك، لبّيك لا شريك لك لبّيك، إنّ الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك لبّيك».

إذا ما استثنينا صلاة الطواف التي هي بهيئة الصلاة المتعارفة، فليس في فروض الحجّ فرض يكون من مقولة اللّفظ والكلام سوى هذه الكلمات المدوّية، والملْأى بالجلال والعظمة. ولا يجب على الحاجّ- في جميع مناسك الحجّ- قول أو دعاء أو ورد أو ذكر، غير التلبية. وقال الفقهاء: المقدار الواجب من التلبية هو هذه التلبيات الأربع الأولى، لا غير.

ولهذه الترنيمة الرائعة المتناسقة- التي يردّدها الحجّاج بإخلاص منقطع النظير، وبصوت عالٍ

ص: 93

متناغم متكرّر- أثر في تلقين روح الطاعة واتّباع حكم اللَّه، والاستجابة لدعوته، وهذا الأثر شي ء لا يناله الوصف، و لا يسبر أعماقه قلم أو بيان.

وللكلام في الموضوع مجال واسع يضيق به هذا المقال.

عرفات:

أرض معرفة، أرض أوّل إنسان هبط، ثمّ أخذ في طريق الصعود، أرض آدم وإبراهيم ومحمد عليهم السلام، أرض تجلّى فيها جبرئيل بحقيقته لنبيّنا صلى الله عليه و آله، أرض صحراوية قاحلة، تخلو من أيّ معلم أو بناء، فيها يفترش الإنسان الأرض ويلتحف السماء، فأيّ أرض هذه التي تضع الإنسان في صميم خلقه الطبيعي والحقيقيّ بهذا الشكل؟!

هنا- في عرفات- عصر التوبة والإنابة المضي ء، وعهد إعادة بناء وتكوين الشخصيّة الجديدة، هنا المقرّ الأبديّ لإعلان شريعة الإسلام عبرَ آخر سفير من سفراء الوحي الإلهيّ.

هنا يفنى الإنسان في هالة من العظمة والسكون، والإلهام والروحانيّة، والفكر والتدبّر، والمناجاة والدعاء والعبادة.

قال النبيّ صلى الله عليه و آله: «الحجّ عرفة».

ولو أنّك- في أوّل منازل الحجّ- لمست في روحك وقلبك التغيّر والتحوّل، ودفعك الوقوف في عرفات إلى التأني والتفكّر والتدبّر، ثمّ انتهى بك الوقوف في المشعر إلى إكمال ما بدأته في عرفات، فهذا يعني أنّ أساس سائر المناسك قد استقرّ وأحكم بما لا يقبل الزعزعة، وأنَّ الوقوفين قد أُدّيا على أحسن وجه.

وقد أشرنا- آنفاً- إلى أنّ التدبّر والتأمّل لابدّ من أن يكونا أساساً للحركة والانبعاث. والوقوفان هما أساس وجوهر مناسك الحجّ الشريفة؛ ولهذا فلا يوجد ركن يبطل الحجّ بتركه سهواً ودون تفريط، غير هذين الوقوفين (1).

الحاجّ في عرفات يُلْهم من الأرض والسماء؛ يلهم من نفسه التي تطهّرت وتنزّهت، ويلهم من هذه


1- 1 راجع الرسائل العمليّة.

ص: 94

الأفواج التي تقاطرت من كلّ مكان، على اختلاف لغاتها وألوانها وأعراقها، ثمّ ظهرت بمظهر واحد، لتشغل بمعرفة أنفسها، وعالمها، وربّها.

وهناك نقطة أُخرى جديرة بالتأمّل في صحراء عرفات، وهي أنّها تصوّر لنا عرصات المحشر، فإذا بالحاجّ- حيث تتمثّل يعينه صور القيامة والحساب- يستغرق في حالة من الانقطاع والتضرّع، تجعل منه- بحقّ- إنساناً آخر، إنساناً متعالياً متكاملًا، قد أقبل على الآخرة، وكان أهلًا لوصال الحبيب والتشرّف بدخول الحرم.

المشعر الحرام:

فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا اللَّه عند المشعر الحرام (1).

هذه الآية الكريمة تعني الحجّاج الذين أفاضوا إلى المشعر الحرام غروبَ اليوم التاسع من ذي الحجّة.

وللمشعر لون وعطر وإشراق، وله جاذبيّة خاصّة، وحالة خاصّة، فالمشعر حرم، وعرفات ليست من الحرم.

وأنت- أيّها الحاجّ- تحرم من حرم إلى حرم- ولكي تكون مؤهّلًا لدخول الحرم، فإنّك عدت إلى معرفة ذاتك، وأعدت بناءها خارج الحرم في صحراء عرفات، وهنا أنت تعزم- ليلًا- على الرحيل إلى حرم اللَّه، فالمشعر حرم، ومنى حرم، ومكّة حرم، وتطلب الإذن بالدخول مرحلة بعد مرحلة.

وها أنت تقضي ليلتك في المشعر الحرام بذكر اللَّه، طبقاً لهذه الآية المباركة وللسنّة، وجرياً على السيرة المتعارفة، وتعدّ ما استطعت من قوّة وسلاح لمقارعة الشيطان. ومن السنّة أن تقوم بجمع أحجار الرمي من أرض المشعر الحرام، وهذا التشريع إعداد للأفراد من أجل مواجهة العدوّ، ويكون ذلك ليلًا وفي صمت، في الخفاء أو نصف الخفاء، وهذه الحالة من الخفاء أو نصف الخفاء محسوسة بالكامل لمن كانوا ليلةَ العاشر في


1- 1 البقرة: 198.

ص: 95

المشعر الحرام.

وأرض المشعر- هذه المنطقة الجبليّة الوعرة، بخلاف أرض عرفات- شاهدة على الآلاف والآلاف من الحجّاج الذين ينتشرون في أرجائها، فرادى، وجماعات من الثلاثة والأربعة، ليجمعوا الأحجار لمعركة الغد.

وتذكّر أنّك لن تكون جديراً بدخول المعركة إلّابالوقوف في عرفات والمشعر، وتهذيب نفسك، والظفر بشخصيتك المعنويّة الجديدة.

منى:

أرض الآمال، أرض معركة إبراهيم المنتصرة، وفيها يُؤدّى أكثر مناسك الحج صعوبة في زمان يزيد على كلّ مدّة الحجّ، مع أنّ ما يؤدّى فيها هو من أقصر الفروض، منى أرض الصراع ضدّ الشيطان، وأرض القرابين، والتقصير، ووصل اللّيل بالنهار على حال من الخوف والرجاء، بذهنيّة ومعنويّات المجاهد الصامد الذي يدأب في ثلاثة أيام متوالية على إسناد المعركة وتغذيتها والاستمرار فيها حتّى الوصول إلى النصر المحتّم على العدوّ، ويواصل هذا الجهاد مشفوعاً بالنشاط والأمل والاجتهاد واليقظة.

في هذا المكان يحلّ للحاجّ- بعد التقصير- كثير من المحرّمات، على التفصيل المذكور في كتب الفقه، ويعود الحاجّ- بعد نحر أُضحيته- إلى ما اعتاده من اللّباس، ليكون مستعدّاً لوصال الحبيب، والدخول إلى حريم المعبود، والطواف ببيت اللَّه، والسعي بين الصفا والمروة.

في منى يقترن الجهاد أطراف النهار بالتدبّر آناءَ اللّيل، ويكون كل منهما مكمّلًا للآخر.

ويتوافد كثير من الحجّاج- بعد النحر- إلى مكّة؛ ليؤدّوا الطواف والسعي، ثمّ يعودوا أدراجهم إلى منى، ويمكنك أن تقضي ثلاثة أيّام بليلتيها في منى، ثمّ تتوجّه عصرَ اليوم الثاني عشر إلى مكّة لإتمام المناسك

ص: 96

مرّة واحدة.

ونودّ الإشارة إلى أنّ العادة جارية- في عصرنا- على إقامة المؤتمرات والاجتماعات في أرض منى؛ للبحث وتبادل الآراء في أُمور المسلمين، وهو أمر مقبول إجمالًا، شريطة أن لا يكون مظهراً خالياً من المحتوى، وكلاماً لا يقترن بالعمل، أو يكون- لا قدّر اللَّه- مخالفاً لمرضاة اللَّه ومصلحة المسلمين.

رمي الجمار:

وهو تدريب رائع لبعث روح الجهاد ضدّ العدوّ، فالجمرات الثلاث معالم للشرّ والخبث، وهنا التحم إبراهيم مع وسوسة الشيطان في صراع مرير، ثمّ ظهر على الشيطان، وليس المقصودُ من رمي الأحجار التافهة، ضربَ معلم الشرّ (البناء) البارز، بل هو إعداد نموذجيّ للبشريّة من أجل خوض الصراعات المستمرّة في جميع ميادين الحياة.

وميدان الرمي هذا- على حدّ تعبير حافظ عامر بيك- مكان لصناعة اليد المحاربة. فالرمي باليد مباشرة يوجد فيك ملكة الكفاءة القتالية، ومتابعة العدوّ، والتهديف الدقيق، وإنّ يداً- كهذه اليد- سوف تكون نافعة وقادرة على حلّ المشاكل في مستقبل الحياة.

الأُضحية:

هذه السنّة العظيمة لإبراهيم خليل اللَّه، والذكرى الخالدة لفداء إسماعيل تذكّر أنّ شيخاً طاعناً في السنّ قضى سنين عمره الشريف في السعي، والجهاد، والهجرة، والإعراض عن المال والولد، وها هو- في أواخر عمره- يؤمر بتقريب ونحر ولده الحبيب الذي أصبح- الآن- شمعة تضي ء لهذا الشيخ الكبير ظلام الحياة على حين انقطاع الأمل، وعندما عزم إبراهيم- صادقاً ومن أعماق قلبه- على التضحيّة بولده، وتلّه للجبين مُمِرّاً المدية على نحره، نودي بما أخبرنا به القرآن: وناديناه أن يا إبراهيمُ قد

ص: 97

صدقت الرؤيا إنّا كذلك نجزي المحسنين ... وفديناه بذبح عظيم .... (1)

، وجاء الفداء، وأُمر إبراهيم بذبح الكبش مكان ولده.

ومن هنا فإنّ نحر الأُضحية- وهو آخر أعمال الحاجّ في حال الإحرام- إلى جانب كونه إحياءً لذكرى فداء إبراهيم العظيم في مقابل تلك التضحية التي تحيّر العقول وتأخذ بالألباب، فإنّهُ يعلّم الحاجّ التضحية بماله في سبيل اللَّه، تضحيةً تعود عليه وعلى سائر المسلمين بالنفع المادّي، فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير (2).

وعلى المسلمين في العالم أن يسعوا بتعاونهم وتخطيطهم المشترك- إلى إكمال مشروع تجميد لحوم الأضاحي وتعليبها، بشكل يضمن التطبيق الكامل لحكمة هذا التشريع الواردة في القرآن الكريم، ويحول دون الإسراف وإفساد هذه اللحوم ودفنها في التراب، حتّى لا يتسبّبوا في تضييع هذه المنفعة العامّة.

التقصير:

هو أحد مناسك عمرة الحجّ، وبه تختم العمرة، فهو خاتمة مقطع من الحجّ، ويؤدّى بأخذ مقدار من شعر الرأس، أو اللحية والشارب، أو تقليم الأظفار.

ويحل لك- بعد التقصير- كثير من محرّمات الإحرام، ولكنّك لستَ محلًا بالكامل بعدُ، ولا تزال غير قادر على الاستجابة لكلّ غرائزك الشهوانيّة الأساسيّة، إذ إنّ حرمة التعطّر والجماع مستمرّة إلى ما بعد التقصير في مقطع من الحجّ.

ويمكن أن يكون التقصير علامة على أنّك وفّقت- إلى حدّ ما- في مرحلة تطهير الجسد والروح، وها أنت يجب عليك- لتنجح نجاحاً كاملًا- أن تؤدّي قسماً آخر من المناسك في منى، ومكّة أيضاً. إذن، فإنّ للأمل والرجاء- هنا في منى- تجلّياً خاصّاً، فهل- تُرى- سمّيت منى بمنى لهذا السبب؟!

أورد كلّ من محمّد الغزالي في


1- 1 الصافّات: 104- 105- 107.
2- 2 الحجّ: 28.

ص: 98

إحياء علوم الدين، والفيض الكاشاني في المحجّة البيضاء بعض المطالب، وإليك منتخباً ممّا تحتويه:

الطواف صلاة. احفظ مراتب التعظيم والتكريم والخوف والرجاء والمحبّة. ها أنت كالملائكة الذين يطوفون بالعرش الإلهيّ، ولا تحسب أنّ المقصود طواف بدنك في أطراف البيت، بل المقصود طواف قلبك بذكر صاحب البيت، فلا تبدأ ذكراً ولا تختمه إلّاباسمه، كما أنّ الطواف يبدأ من البيت وينتهي إلى البيت واعلم أنّ جوهر الطواف طواف القلب بالحضرة الإلهيّة، وما البيت إلّامثال ظاهريّ في عالم الملك للحضرة الربوبية التي لا ترى بهذه العين، كما أنّ الجسد مثال ظاهري للقلب (1) في عالم الشهود، ولابدّ من معرفة أن عالم الملك والشهود العالم الحسي يرقى درجة بعد درجة لمن فتحت له الباب.

وما ورد في الأخبار من أنّ في السماء بيتاً وضع قبالة الكعبة، يسمّى بالبيت المعمور، تطوف حوله الملائكة كما يطوف الناس حول الكعبة، فيه إشارة إلى هذه الموازنة والمسانخة بين عالم الملك والملكوت.

وبما أنّ أكثر الناس قاصرون عن الوصول إلى هذه المرتبة من الطواف، فقد أُمروا بالتشبّه ما وسعهم ذلك. (إلى هنا ينتهي ما انتخبناه من محتوى كلام الغزالي).

فالطواف هو بيت القصيد الرقيق والمتغلغل إلى أعماق القلب، من ملحمة الحجّ الرائعة.

الطواف تبلور لمقام القرب والوصال بين العابد والمعبود، وينفرد الطواف مع صلاته عن بقيّة المناسك باشتراط الطهارة فيهما، فلا يجب على الحاجّ الوضوء أو الغسل (إذا صدر منه أحد موجباته) لسائر أعمال الحجّ الأُخرى، كما لا تشترط الطهارة من الحيض في المرأة- لغير الطواف وصلاته.

الطواف حول البيت عدل وموازن للصلاة، فالصلاة هي الطواف بصورته الساكنة مقابل الكعبة،


1- 1 المراد من القلب في هذه الموارد، الجوهر النفسانيّ المجرّد، المتّحد مع نفس الإنسان.

ص: 99

والطواف هو الصلاة- بصورتها المتحرّكة- حول البيت.

وتقريب هذه الصورة أكثر، افترض أنّ الكعبة مركز لدوائر كثيرة يحيط بعضها بالبعض الآخر، أوّلها المطاف- وهو أقرب وأصغر دائرة ترسم بالطواف حول البيت- وآخرها ما يستدير في أقصى نقاط الأرض المختلفة، وتتشكّل هذه الدوائر من المصلّين الذين يتوجّهون من جهات هذا العالم الأربعة إلى الكعبة المكرّمة، ولو أنّك أمعنت النظر في دائرة من هذه الدوائر، لرأيت أنّ المصلّين في حالة من الطواف، غير أنه طواف ساكن بصورة الصلاة.

ومن جهة أخرى فإن الطائفين حول البيت يشكّلون دائرة بالطواف أيضاً، وهم بهذا الطواف يقومون بتصوير وعرض كلّ الدوائر التي يرسمها المصلّون في أرجاء الأرض وكلّ واحد من المصلّين- في أيّ قوس، ومن أيّ دائرة- ما هو إلّاممثّل لطواف الطائفين بالبيت، كما أنّ الطائفين بالبيت يمثّلون بطوافهم صلاة المصلّين في جميع أرجاء الأرض.

فأنت- أينما ومتى وقفت للصلاة- قوس من دائرة أقواسها الأخرى في شعاعك، وهذه الدائرة- حتّى في أبعد فاصلة من الكعبة- ما هي إلّاتمثيل لدائرة الطواف الصغيرة بمقياس أوسع وأكبر.

والطائفون المتحرّكون الحاضرون في المسجد الحرام، هم- أيضاً- المجسّدون للدوائر الكثيرة المتكررة من الطائفين الساكنين، والمنبثّين في أرجاء العالم، الغائبين عن البيت.

يتّضح بهذا أنّ الطواف حول البيت ليس أمراً ينفرد به حجاج البيت؛ فالمصلون أينما وقفوا- في أي شعاع، وأيّ دائرة، صغيرة كانت أو كبيرة- كأنّهم يطوفون بالبيت طوافاً ساكناً في صورة الصلاة.

وباختصار: فإنّ الطواف صلاة متحرّكة، والصلاة طواف ساكن.

والصلاة والطواف عبادة واحدة تؤدّى

ص: 100

بشكلين، أو هما روح واحدة في بدنين.

ويمكننا القول- زيادة في التوضيح- إنّ الانجذاب والعشق يتجلّيان في أفعال العاشق بصورتين مختلفتين: فطوراً بالهدوء والتأمّل والانفراد والترنّم بأسرار الحبّ، وطوراً بالنهوض والحركة والعجز عن امتلاك زمام النفس، التجلّي الأوّل هو الصلاة، والتجلّي الثاني هو الطواف.

الطواف والصلاة مظهران لأطهر وأقدس وأروع حالات الإنسان، وأكثرها جذباً وروحانية وملكوتية، (الصلاة معراج المؤمن).

وليست هناك حالة أُخرى ينتفع فيها الإنسان إلى هذا الحدّ بالوصال والقرب التام من سرّ الخلق، وكنه الوجود، ومعشوق العالم، ومعبود الكلّ.

الطواف- من زاوية أُخرى- تصوير للسير الدائري لكلّ نظام الخليقة على محور الخالق الذي منه يبدأون وإليه ينتهون. الطواف تجسيد للسير الدائري- المحيِّر، والحائر- لكلّ ذرّات عالم الوجود.

والطواف- في الوقت نفسه- بدايةٌ لدوران جديد، وعثورٌ جديد على المحور، يعيد حياة الإنسان المنفصل عن الحقيقة والدائر على محاور الدنيا الباطلة، إلى الدوران على محور الحقّ والعدل والطهارة. وإذا ما كان المحور الذي تدور عليه حركتنا وأعمالنا هو الحرص والطمع، وهذه الأهداف الدنيوية الفانية المادّية، فإنّ الطواف هو المغيّر لهذا المحور الذي تدور عليه حياتنا.

وفي الطواف رمز آخر، وهو أنّهُ يدعو الإنسان ذا الأُفق الضيّق والبعد الواحد إلى النظر من جميع الجوانب، ويجلب انتباهه إلى جميع الجهات.

الطواف سير في اللانهاية، ودوران من الحقّ إلى الحقّ، وأنت تصبح بهذا السير إنساناً لا يهدف إلّا إلى الحقّ، ولا يدور إلّاعلى محور الحقّ يفضل الطواف كالصلاة معراج للمؤمن. الطواف الصلاة في عرضه للحركة وعدم الاستقرار، والصلاة

ص: 101

تفضله بتجسيدها للهدوء والتأمّل.

الحجر الأسود:

حجر أسود، لا يتميّز- بطبيعته- على غيره من الأحجار، خلق بشكل غامض ومجهول، وعرّف بأنّهُ يمين اللَّه.

الحجر الأسود بمنزلة العَلَم الذي لا يختلف عن نظائره بشكله وصناعته الظاهرية، ولكنهُ رمز يعكس كلّ تأريخ الأمة ووجودها وشرفها.

تصوّر البعض أنّ استلام الحجر يشبه احترام أو تحية العلم، وهو أمر معتاد ومرسوم في جميع الدول، ويبدو أنّ هذا التصوّر صحيح، وينسجم مع الروايات التي عبّرت عن الاستلام بأنّهُ (مصافحة مع اللَّه) أو ما يشبه ذلك.

والحجر- في تصوّر بعض آخر- هو قلب البيت، فكأنّ كلّ ما هناك من قدس وجلال ومعنوية وجاذبية وعظمة ينبعث من هذا الحجر إلى جميع أرجاء البيت. ومن البيت إلى المسجد، ومن المسجد إلى مكة، ومن مكة إلى الحرم، ومن الحرم إلى جميع أنحاء العالم، فقلب المعنوية نابضٌ في الحجر، ومنه تسري المعنوية إلى البيت، والبيت قلب المسجد النابض؛ والمسجد قلب مكة الذي يضخّ المعنوية والقدسية في عروقها، ومكة- بدورها- تسقي منطقة الحرم، ومن هذا المركز المطهّر المضي ء (الحرم) ترتوي كل أرجاء العالم من نبع التوحيد الأصيل.

والحجر- من خلال رؤية أُخرى- رمز لوحدة البشريّة، فكأنّ جميع الناس على هذه الأرض، يعلنون- باستلامهم الحجر- الوحدة في التراب والوطن، فالكلّ من أرض واحدة، ولا حدود تفصل بين أوطانهم، وعند هذا الحجرالأسود يُعلَنُ أنّ الناس من عرق واحد وتراب واحد وطبيعة واحدة (1).

السعي بين الصفا والمروة:

السنّة أن يتوجّه الحاجّ بعد الطواف إلى بئر زمزم، ويشرب من مائه، ثمّ يذهب إلى جبل الصفا، ليبدأ


1- 1 فلسفة الحجّ، حافظ عامر بيك.

ص: 102

سعيه إلى المروة، بأدعية طويلة رائعة تعبق بذكرى الروح الملكوتية لآخر سفير من سفراء الوحي الإلهيّ.

الصفا، هو ذكرى أوّل نداءٍ أعلن عن نبوّة خاتم الأنبياء محمّد (صلّى اللَّه عليه وآله وصحبه المنتجبين).

والسعي من هذا الجبل إلى ذاك الجبل- إضافةً الى كونه تجديداً لقصّة هاجر أمّ إسماعيل في بحثها المتواصل المنهك عن الماء لولدها الرضيع- يصوّر حالة الخوف والرجاء التي تعتري الزائر في الحجّ.

وليس هناك في العالم فاصلة بين جبلين كهذه الفاصلة القصيرة بين الصفا والمروة، تثير في النفس كلّ هذه الخواطر الروحانية والملكوتية.

فما الذي تريده من السعي بين الصفا والمروة؟ أتريد الذهابَ من جبل إلى جبل بحثاً عن الحبيب، أو طلبَ القرب على حال من نفاذ الصبر والاضطراب، أو تجسيد حالة الحيرة بعد الظفر بالقرب في الطواف؟

الحاجّ- في هذا المنسك- يظهر سعيه المتواصل والمكرّر للاستمرار في طريق الوصال، ويبدي اضطرابه. وفي الهرولة- بشكل خاص- مدّ وجزر روحيّ، ويتّضح انعكاس هذا المدّ والجزر على كلّ أعضاء بدن الساعي؛ بما يعتريه من قلق ونفاد الصبر. كما أنّ الهرولة- من جهة أُخرى- تلقي عن كاهل الإنسان أثقال الكبر والأنانيّة وحبّ الذات. وقد جاء في الرواية:

«ما للَّه- تعالى- من منسك أحبّ إلى اللَّه- تبارك وتعالى- من موضع المسعى؛ وذلك أنّهُ يذلّ فيه كلّ جبّار عنيد (1).


1- 1 علل الشرائع.

ص: 103

الهوامش:

مهمّات مشبوهة في الديار المقدّسة (1)

ص: 104

مهمّات مشبوهة في الديار المقدّسة (1)

حسن السعيد

بادئ ذي بدء، نجد أنّ من الضروري تحديد المقصود ب «الديار المقدّسة»، التي نعني بها هنا «الحرمين الشريفين»: [مكّة المكرمة والمدينة المنوّرة]، وذلك رفعاً لالتباس قد يحصل، إذ يزخر الوطن الإسلامي بالأماكن المقدّسة: القدس الشريف، النجف الأشرف، كربلاء، الكاظمين، خراسان، سامراء... الخ (1) وتأتي خصوصيّة مدينتي مكّة والمدينة، من كونهما معقل الإسلام الحصين لقرون طويلة، وهما مهبط الوحي والتنزيل، ومحط أنظار المسلمين. وقد بقيتا في ظل العصور الإسلامية الزاهرة، عصيّتين على أعداء الإسلام من الكافرين، إذ لم يكن بمستطاع القوى الغربيّة، أن تعرف تفاصيل كافية، عن طبيعة سكان الجزيرة العربية، وتضاريسها الجغرافية. ومع تزايد قوّة اوروپا، في القرون المتأخرة، وضعف العالم الإسلامي، انطلقت في الغرب موجة من الاهتمام الظاهري الذي أخفى ذلك الاهتمام الحقيقي، الناتج عن اعتبارات سياسية واستراتيجية (2).

وليس بوسعنا الاحاطة بأبعاد هذا الاهتمام وحقيقته، دون معرفة خلفياته


1- 1 في حدود علمنا، تُعد «موسوعة العتبات المقدّسة» التي أعدها وأشرف عليها المرحوم جعفر الخليلي أفضل عمل في هذا الباب.
2- 2 يُراجع مقال «من تاريخ رحلات الاستكشاف الغربية إلى الجزيرة العربية وأغراضها؛ رجال على ظهر الرمال العربيّة لعبد الرحيم حسن، مجلة العالم لندن- 276: 50 27 آيار مايو 1989 م- 22 شوال 1409 ه.

ص: 105

التأريخية، وظروفه السياسية، وفي سياق معترك الصراع الحضاري المحتدم، منذ قرون، بين الإسلام والغرب.

أبرز محطّات الاحتكاك

وباختصار شديد، إن الغرب ما يزال، منذ 14 قرناً، مفتوناً بالإسلام في شكل ما. ذلك أن الإسلام ظلّ دائماً- من وجهة نظر غربيّة طبعاً- خصماً ومنافساً وعدواً للغرب الأكثر قرباً إليه، على مستوى العوالم الثقافية الشمولية، وعلى حدّ تعبير المستشرق الفرنسي «مكسيم رودنسون» فإن الإسلام قدّم نفسه، منذ نشأته، على أنه الخصم الأكبر لأوروبا المسيحية، بعد أن انتزع منها السيطرة على عدد كبير من المناطق في العالم (1).

في البداية كان ردّ الفعل المسيحي للإسلام هو، ببساطة، نوع من التذمّر المكتوم، ولكن عندما دمّر الخليفة الفاطمي «الحاكم بأمر اللَّه» المزارات المسيحية المقدّسة في القدس، فإنّ هذا التذمّر تطوّر إلى صخب هادر (2) لتتفاقم تداعياته لاحقاً على غير صعيد، في ظل خوف أوروپي من غزو إسلاميّ قادم، ومن ثمّ لتلملم أوروپا شتاتها، وتقوم بالهجوم المضاد، حتى انتصارها المدوّي، يوم أجهزت على العالم الإسلامي، خلال الحرب العالمية الأولى، لتمزقّه أشلاء وكيانات هزيلة.

وبالإمكان إجمال أهم محطّات الاحتكاك المباشر بين الإسلام والغرب فيما يلي:

1- مواقف الإسلام أمام الرومان منذ غزوات «تبوك»، و «اليرموك»... الخ.

2- فتوحات المسلمين في صقلية والأندلس وجنوب فرنسا، قبل أن تستيقظ أوروپا من غفوتها إلى وعيها الثقافي الجديد.

3- الاصطدام العنيف بين أوروپا المتحدة وبين الإسلام، تحت شعار


1- 1 للمزيد من الاطلاع على هذه النقطة، يُراجع كتاب «الإسلام والغرب؛ الوجه الآخر» لكاتب السطور، من اصدار مؤسسة التوحيد للنشر، طهران، 1418 ه- 1997 م: 14 وما بعدها.
2- 2 بربارا براون: «نظرة عن قرب في المسيحية» ترجمة مناف حسين الياسري، نشر توحيد، طهران، 1416 ه- 1995 م.: 85.

ص: 106

«الحروب الصليبية».

4- سقوط القسطنطينية في يد الأتراك عام 1453 م، وبسقوطها فُتح باب أوروپا على مصراعيه للسيل الإسلامي (1).

ثمّة حدثان خطيران آخران، في هذا الاتجاه، لعبا دوراً مهماً في تحديد مسار الصراع، هما: سقوط الأندلس عام 1495 م، وبلوغ العثمانيين مشارف قينا مرتين، عامي 1529 م، 1683 م. ففي الوقت الذي استمدّ فيه الغرب من الحدث الأول زخماً هائلًا لمواصلة هجومه على الإسلام، في بقعة أو بقاع أخرى.. كان الحدث الثاني، وما أثاره من خوف دفين، باعثاً قويّاً لابعاد الخطر المحدق.

ومن هنا نشأت المسألة الشرقية، حيث كان الأتراك- في البداية- يشكلون تهديداً حقيقياً للنظام السياسي والاجتماعي في أوروپا. أما في المرحلة الثانية، من مراحل هذه المسألة، فلم يكن الأتراك يشكلون خطراً على أوروپا، بل كانت الدول المسيحية، في أوروپا، تشكّل خطراً على الأتراك، ينذر بزوالهم من الوجود.

وينبغي لنا الآن- يقول أحد الباحثين- ألّا ننسى وألّا نقلّل من شأن هذه الحقيقة، وهي أن العامل الديني كان من أهم عوامل المسألة الشرقية. فإن الأتراك لم يكونوا فقط غرباء عن أوروپا عرقياً ولغوياً واجتماعياً، وبلغة ه. أ.

ماريوت (Marriott) «مادة غريبة كليّاً مغروسة في جسم أوروپا الحي» بل كانوا أولًا وآخراً مسلمين.. ولذا فإن المسألة الشرقية، كما عرّفها ادوارد دريو (Driault) هي «مشكلة القضاء على قوّة الإسلام السياسية» (2).

ولكن كيف يتسنّى للغرب ذلك؟

جزيرة العرب: بؤرة الاهتمام

لسنا، هنا، بصدد الإجابة عن هذا التساؤل، غير أنّ ذلك لا يعفينا عن


1- 1 د. محمد إبراهيم الفيومي: «الاستشراق رسالة استعمار»، دار الفكر العربي، القاهرة 1993 م،: 30 بشي ء يسير جداً من التصرّف.
2- 2 زين نورالدين زين: «الصراع الدولي في الشرق الأوسط وولادة دولتي سوريا ولبنان»، دار النهار للنشر، بيروت، 1971 م،: 23.

ص: 107

تسليط بعض الضوء، على بعض الإجابة، وبما يتماشى مع منهجيّة البحث، وبشكل موجز.

بعد أن افتتح الأتراك مدينة القسطنطينية سنة 1453 م، وُضعت خطط عديدة لتقسيم الامبراطورية العثمانية. وقد جمع ت. ج. جوآرا (Djuwara) الديبلوماسي الروماني، لا أقل من اثنتين وتسعين خطة من هذه الخطط. ومن بينها خطط وضعها بابوات مشهورون، مثل البابا ليون العاشر، وكليمنت الثامن، وأخرى وضعها ملوك وأباطرة أمثال: مكسيميليان الأول، ونابليون الأول، وديبلوماسيون ورجال سياسة أمثال البروني (Alberoni) وتاليران (Talleyrand)، كما أن رجالًا من أصحاب الخيال الشارد، ومن المثاليين أمثال ليبنتس (Leibnitz) وراهب سان بيير.. اشتركوا أيضاً في وضع مثل هذه الخطط لاقتسام الدولة العثمانية (1).

وحينما كتب «وليم بلغريف» في مشاهداته الشخصيّة عن «رحلة عام في وسط وشرق الجزيرة العربية» عام 1873 م: «لقد حان الوقت لأن نملأ هذا الفراغ الموجود في خارطة آسيا، وهذا الذي سنحاوله رغم كل خطر، فامّا أن تصبح الأرض الممتدة أمامنا قبراً لنا، أو أننا سنعبر أوسع امتداداتها عرضاً» فإنه كان يلخّص حلم الرحالة الذين سبقوه، وأغراض أولئك الذين سيأتون بعده.

قد تكون ملاحظة «بلغريف» مقطعاً عرضياً، في تأريخ واهتمام واسعين، يتجاوزان الجزيرة ورمالها إلى حلم الشرق، وهو يدخل المخيلة الغربية، بعد أن عاد لها الصليبيون بحس عالم مختلف. ويرتبط ذلك الحلم بروح عصر النهضة الذي أخذ يدبّ في أوروپا، ويفتح عيونها على البحار البعيدة والقريبة، والشعوب التي تقطنها. واكتسب الشرق صورة خاصة، في تشكيلات الحلم الغربي، وتلوّن بمختلف حالات أوروپا الفكرية وأوضاعها السياسية والعسكرية (2).

وما أن انتهى القرن التاسع عشر الميلادي، حتى كان معظم العالم الإسلامي


1- 1 المرجع السابق.
2- 2 لعل أوسع تاريخ للحلم الغربي عن الشرق ذاك الذي كتبه «ادوارد سعيد» في كتابه «الاستشراق»، إلّاأنه قصر الجهود المتقدّمة على النصف الثاني من القرن الماضي على الطابع العلمي الأكاديمي وحده. مجلة العالم؛ المرجع السابق.

ص: 108

قد استحوذت عليه الدول الأوروبية، أو خلقت فيه مناطق نفوذ سياسية أو اقتصادية. ففي الخليج الفارسي كانت بريطانيا تتسلل تدريجياً، منذ فترة مبكرة، خاصة بعد انتصار الاسطول البريطاني على الاسطول الأسباني، في معركة «الارمادا» عام 1588 م، وتأسيس شركة الهند الشرقية عام 1600 م، حيث أخذت الشركة تستولي على إمارات الساحل العربي في الخليج الفارسي، وتطوّر علاقاتها مع كل من ايران والعراق.

ومن المعلوم أن معظم الشمال الأفريقي قد سقط بيد الاحتلال الفرنسي، ابتداءً من عام 1830، واحتلت روسيا القيصرية المناطق الإسلامية في آسيا، ولم يبق بيد الدولة العثمانية إلّاالأناضول والعراق والشام والجزيرة العربية. أما مصر فقد خرجت من السلطة الحقيقية للدولة العثمانية، منذ عام 1798 م، حين غزاها نابليون بونابرت. ولكنّها بقيت على شبه ولاء، حتى جاء عام 1882 م، لتصبح ضمن ممتلكات الاستعمار البريطاني.

وكانت الخطة الأوروبية للاستيلاء على العالم الإسلامي، تتمثّل بالاحتلال العسكري التدريجي، أو التعامل الاقتصادي، أو التسلل من خلال التبشير، أو الرحالة الجغرافيين، أو إيجاد العملاء المحليين، حيثما كان ذلك ممكناً. وبدون ذلك ما كان يسهل لأوروپا أن تدخل في صراع مباشر، مع العالم الإسلامي الواسع الأرجاء، والذي يملك حصانة دينية متينة، تعضدها روح جهادية تخيف أوروپا وتقلقها.

من أجل ذلك، كانت المنطقة العربيّة من أكثر المناطق الإسلامية اهتماماً من لدن الأوروبيين، نظراً للموقع الاستراتيجي والتأريخي، وكانت الجزيرة العربية بؤرة هذا الاهتمام الذي سيعجّل من رجحان كفّة الأوروبيين، وتمزيق العلاقات العربية- العثمانية (1).

وبديهي أن تحتل مكة المكرمة والمدينة المنورة موقع الصدارة في قائمة


1- 1 د. شلتاغ عبود شرّاد: «غياب الوعي في موقف الشعراء العرب من ثورة الحجاز 1916: البطولة الفردية وحلم الوحدة»، مجلة العالم لندن- 343: 50 8 أيلول/ سبتمبر 1990 م- 17 صفر 1411 ه.

ص: 109

أولويات الاهتمام الغربي بالجزيرة العربية. فقد كان لظهور الإسلام- الذي تفجّرت ينابيعه من بطاح مكّة ووهادها القاحلة، وللمعجزة الخالدة التي حقّقها (النبيّ) محمد صلى الله عليه و آله والمهتدون بهديه، في نشر الإسلام، بمثل تلك السرعة الخاطفة، في الخافقين- صدًى ما زال يرنّ في الغرب، ويدوّي في أرجائه. فراح علماؤه ومستشرقوه يبحثون في كل ماله علاقه بهذه الدعوة، التي اهتدى المسلمون بهديها، واستضاءُوا بنورها، فأخذ العالم يدرس أحوال مكّة التي انبثق منها ذلك النور، ويمحّص المؤرخون جميع ما يمتّ إليها بصلة. وقد بلغ من اهتمام الغربيين بمكّة أن دخل اسمها في لغتهم، وأصبح كلمة خاصة تدرج في القواميس، لتدل على الجهة التي يتوجّه إليها الناس، أو يقصدونها بصفة دائمة.

لم يكتفوا بذلك فقط، وإنّما شدّ لها الرحالون الغربيون رحالهم أيضاً، وقصدها السيّاح والمسافرون منهم، فجازفوا بأنفسهم وأرواحهم؛ ليدخلوا فيها ويحجّوا إليها متنكّرين. وقد حالف التوفيق عدداً منهم، وفشل كثيرون غير هؤلاء، فتكونت ممّا كتبوه ودونوه، عن تلك الدراسات والمجازفات، ثروة علمية يصعب على الباحث أن يحيط بها كلّها، ولا سيّما أن ما كتب لم يكن في لغة واحدة، من اللغات الغربيّة الحيّة، وإنّما كتب بلغات عدّة أخصّها؛ الانكليزية، والألمانية، والفرنسيّة.

ولا يخفى أن الدوافع التي تدفع الغربيين إلى الاهتمام بمكّة، وما يتصل بها من شؤون، أو الكتابة عنها، هي دوافع معروفة أهمها: الأغراض التبشيرية، أو البحث العلمي، أو المجازفة والتطويح، أو التجسس والأغراض السياسية في الغالب (1).

المغامرون يتقاطرون على الشرق

صحيح أن جزيرة العرب ورد ذكرها في بعض المصادر الغربية، ومنذ وقت


1- 1 جعفر الخليلي: «موسوعة العتبات المقدّسة» [قسم مكّة]- 2: 180 مؤسسة الأعلمي، ط 2، بيروت، 1407 ه- 1987 م.

ص: 110

بعيد، إذ ذكرها في كتبه مؤرخ القرن الخامس قبل الميلاد، هيرودوتس، وكذلك تحدّث ثيوفرست تلميذ أرسطو حديثاً شيّقاً عن طيوب بلاد العرب الشهيرة في كتابه «تاريخ النبات»، والجغرافي اليوناني سترابون (حوالى مستهل القرن الأول الميلادي)، والمؤرخ الروماني بليني في القرن الثاني للميلاد، الذي وضع لوائح بأسماء القبائل والمدن والقرى الموجودة في وسط شبه جزيرة العرب.

ولكن كل ما كتبه هؤلاء الكتاب لم يكن كافياً لإماطة اللثام عن حقيقة شبه جزيرة العرب، وإن كان كافياً لإثارة همّة الدول لاكتشاف ما خفي منها (1).

وفي خضم دوّامة الاحتكاكات بين الإسلام والغرب، غاب الكثير من الحقائق، وانطمس وراء ستار الدخان الكثيف، حتى آلت الأمور إلى أن كل ما كان يعرفه الأوروبيون، عن جزيرة العرب، هو أن الرسول الكريم ولد بها، وفيها المدينتان المقدّستان عند المسلمين؛ مكة المكرمة والمدينة. وكان يسود بينهم اعتقاد خاطئ، بأن جثمان النبي الكريم معلّق في الهواء!! (2) وليس هذا الاعتقاد الخاطئ هو اليتيم في تصورات الغربيين عن الإسلام، فهناك ركام من الأوهام قد يصل حدّ الخرافات والأساطير، وهو ما اعترف به الكاتب «بيتر برينت»، حينما يقول: «لقد وصلت إلينا- نحن الأوروبيين- خرافات وأساطير تصف أعداءَنا، وهم يجوبون جيئة واياباً أوروپا، ووصلت إلينا معلومات عن المشرق الإسلامي، تتّسم بطابع الإشاعات والخوف والحسد، بدلًا من البحث والاستقصاء والتبصّر بالأمور. فقد أصبحت بلاد العرب، ولا سيّما مكّة مجرد مناطق خرافية يكمن فيها الخطر، وهي أصل وقلب ذلك الدين الذي يهدّد كيان المسيحية بأسرها. فشوارعها وأرضها محظورة على الغرباء الكفّار. والسيف يحمي حماها، والتعصّب الأعمى يسيطر على المدافعين عنها. وهكذا تراجعت حقيقتها عن الأوروبيين الذين لم يمارسوا أي تفكير سويّ تجاهها، بل بالعكس أصبح الرحالة الأوروبيون يخترعون حالة من الظلام، وسحابة كثيفة مفعمة،


1- 1 د. محمود السمرة: «مراجعات حول: العروبة والإسلام واوروپا»، سلسلة كتاب العربي 4- الكويت، 1984 م،: 118.
2- 2 المرجع السابق: 117.

ص: 111

ومحفوفة بالأخطار بأن تلك المنطقة هي منطقة غير منظمة، ولا يجوز الاقتراب منها، إلّافي حالة خطر الموت المحدق. فهنالك يكمن فيما وراء حدود سورية، وخلف جبال اليمن، وفي الداخل خلف البحر الأحمر، أساطير خرافيّة وتهديد، وبؤرة ملايين الصلوات، ومولد أعداء المسيحية (هكذا) وموطن ذلك اللغز المحيّر المخيف» (1).

ويواصل «برينت» حديثه قائلًا: «وهكذا أصبحت شبه الجزيرة العربية بلاداً أسطورية، فلقد أطلقت الاشاعات والتخمينات عليها هذا الاسم، فضلًا عمّا كتبه بعض الرحالة الموسوسين شديدي التدقيق والاهتمام بالتوافه الذين أتوا للاستكشاف.

وبسب عدم قدرة الأوروبيين على اختراقها، أصبحت المنطقة الإسلامية سرّاً من الأسرار.. وهكذا ظلت بلاد العرب محتفظة بذلك السحر والإثارة بالنسبة للأوروبيين، خلال قرون وقرون. فماذا كان هناك يا ترى؟ ما هو قدس الأقداس الذي يستقطب صلوات الملايين، من غرناطة حتى دلهي، ومن سراييفو حتى تمبكتو يا ترى؟

وهكذا فالتحدي الضمني الموجود، في مثل هذه الأوضاع، أصبح في النهاية أمراً لا يُقاوم، وكما سنرى لم يكن من الممكن مقاومته. وهكذا بدأ المغامرون الدهاة الواسعو الحيلة والتواقون لكشف سرّ وجود مكة والمدينة، هاتين المدينتين المغلفتين بالأسرار والمحروستين بالتعصّب (..!!)، بدأ هؤلاء المغامرون يتقاطرون بشوق للتعرّف على تينك المدينتين، وعلى شبه جزيرة العرب بأجمعها، مع وجود فوارق كبيرة في دوافعهم، تراوحت بين الشدّة والضعف» (2).

مهمّات ومحاولات مشبوهة

ولأسباب كثيرة، دونها حسّاسية الموقف المفرطة، أُحيطت تحركات


1- 1 بيتر برينت: «بلاد العرب القاصية: رحلات المستشرقين إلى بلاد العرب»: 32. ترجمة خالد أسعد عيسى وأحمد غسّان سبانو، منشورات دار قتيبة، بيروت، 1411 ه- 1990 م.
2- 2 المرجع نفسه: 34- 35.

ص: 112

الغربيين، حول مكة المكرمة والمدينة المنورة، بالحيطة الشديدة، ولذا اتّسمت- في الأعم الأغلب- بالسرية التامة.

غير أن هناك تحركاً علنيّاً، هو الأول من نوعه، انفرد بروايته الكولونيل البريطاني «جيرالد ديغوري»، إذ يتحدّث عن إقدام الصليبيين على مهاجمة الإسلام في عقر داره، بقطع طريق الحج إلى مكّة، ومحاولة الاستيلاء على المدينتين المقدّستين، في حوالى سنة 1182- 1183 م، على عهد الشريف قتادة، وفي أيّام الخليفة المقتدر في بغداد.

فهو يقول: إن فارساً من فرسان الصليبيين الفرنسيين يدعى «رينودي شاتيون» Chatillon de Reynaud كان قد استولى على بلاد شرقي الأردن وقلاع مؤاب والشوبك، شرقي البحر الميّت، فأصبح مسيطراً من هناك على طريق الحج إلى مكّة المكرمة، فصارت تراود مخيلته خطة جريئة، يهاجم فيها الإسلام في عقر داره، ويحقّق آمال الصليبية. وفي السنة التالية خالف شروط الهدنة المعقودة مع المسلمين، وتوغل في جزيرة العرب حتى وصل إلى تيماء، فقطع طريق الحج، واستولى على عدد من القوافل الغنيّة، غير أنه تخلّى عن فكرته في مهاجمة المدينة بطريق البر، للاستيلاء على ما كان يؤمل وجوده من أموال ونفائس، في قبر النبي صلى الله عليه و آله، وقرر أن يفعل ذلك عن طريق البحر..

وبعد قيامه بأفعال شنيعة، من إحراق السفن التجارية، وإغراق سفينة كبيرة كانت تقل عدداً كبيراً من الحجاج إلى جدة.. قرّر صلاح الدين الأيوبي- يتابع ديغوري- أن يضع حدّاً إلى الأبد لهذا الخطر الذي صار يهدّد مكّة وغيرها، من المدن المقدّسة، فأمر بالاستيلاء على قصر رينو وقلعته، وبدأ حصاره بقيادته هو نفسه، في خريف عام 1183 م، وفلت رينو من الحصار، على أنه لم يبق طويلًا على قيد الحياة، بعد حملته الفاشلة في البحر الأحمر، على كل حال، لأن صلاح الدين دحر الصليبيين سنة 1187 م، في موقعة حطين بالقرب من الجليل، فسقطت في

ص: 113

يده مملكة القدس الصليبية، وقد أسر أمراء المسيحيين وفرسانهم، وقُتل رينو «عفريت الغرب» وخصم صلاح الدين شر قتلة، في حضور صلاح الدين بالذات، وفي رواية أنه قتله بيده (1).

وبإخفاق هذه المحاولة اليائسة، تراجعت- إلى حدٍّ كبير- الرؤية الموضوعية، لصالح التدليس والتحريف لحقائق التأريخ، والحط من قيمة الإسلام والمسلمين، واعتبار أن المسلمين ليسوا أصحاب حكمة ودراية بالحرب وفنونها، وأنّهم جبناء.. وكفّار، وملاحدة، ووحوش، وقطّاع طرق.. (2) ليأتي لاحقاً أدب الرحلات الاستشراقي، ليضفي على هذه الأحكام طابعاً نمطيّاً، حتى بدت المعلومات المقلوبة والشوهاء وكأنّها محايدة وموضوعية وواقعية!

يقول البروفيسور «ادوارد سعيد»: «لم يصبح الإسلام رمزاً للرعب، والدمار، والشيطاني، وأفواج من البرابرة الممقوتين، بصورة اعتباطية. فبالنسبة لأوروپا كان الإسلام رجّة مأساوية دائمة».. ويدعونا «ادوارد سعيد» إلى أن نتأمّل كيف أصبح الشرق، منذ القدم، وبخاصة الشرق الأدنى، معروفاً في الغرب بوصفه نقيض الغرب المتمم له .. فيقول: كان ثمّة الكتاب المقدّس وبزوغ المسيحية وانتشارها. وكان ثمّة رحالون مثل ماركو بولو الذي رسم خطوط التجارة، وخلق نسقاً لنظام مقنّن للتبادل التجاري، ومثل لودقيكو قارتيما وبيترو ديلا فالي من بعده، وكان ثمّة مؤلّفون للحكايات الخرافية مثل ماندقيل، وكان ثمّة حركات الفتوح الشرقية المهيبة بالطبع، وفي مقدّمتها الإسلام، وكان ثمّة الحجاج المقاتلون كالصليبيين بشكل رئيسي. وقد نشأ من مادة الأدب، الذي ينتمي إلى هذه التجارب كلّها، سجلُّ حفظٍ ذو بنية داخلية متماسكة. ومن هذا كلّه ينبع عدد محدود من الكسولات النمطية: الرحلة، التأريخ، الخرافة، النموذج المنمّط، والمواجهات التماحكية. وتلك هي العدسات التي من خلالها يُجرَّب الشرق ويُعايَن، وهي تصوغ لغة الصدام بين الشرق والغرب، كما تصوغ تصوّره وشكله» (3).


1- 1 De Gaury ,Gerald :Rulerz of Mecca ,London ,1591 .P :97 38 نقلًا عن موسوعة العتبات المقدّسة 2: 220.
2- 2 د. رفعت سيد أحمد: «آيات شيطانية: جدليّة الصراع بين الإسلام والغرب»: 54. الدار الشرقية، ط 2، 1409 ه- 1989 م.
3- 3 ادوارد سعيد: «الاستشراق؛ المعرفة، السلطة، الانشاء»: 88. ترجمة كمال أبو ديب، مؤسسة الأبحاث العربية، ط 2، بيروت، 1984 م.

ص: 114

ولا ريب، أن الرحالة والمغامرين والمستشرقين الذين قاموا بمهمّات سريّة أو مشبوهة، في عمق المشرق الإسلامي، والحجاز تحديداً، كانوا بمثابة طلائع الاستعمار وأدلَّائه (1).

قارتيما: أوّل المتظاهرين بالإسلام

ويستفاد ممّا جاء، في عدد غير يسير من المراجع الغربية، أن مكّة المكرمة تطرّق إلى ذكرها المؤرخون الغربيون، منذ القدم، كما أشرنا، وأن عدداً من رحالي الغرب ومستشرقيه قد تسنّى لهم الدخول إليها، والاشتراك في مناسك الحج، في مختلف الأدوار السابقة واللاحقة، بعد أن أعلنوا إسلامهم الحقيقي أو غير الحقيقي.

وقد تهيّأ لعدد من هؤلاء أن يكتب عن مجازفاته ومغامراته (2).

وسنكتفي بالإشارة إلى المشهورين من هؤلاء، أمّا المغمورون وأولئك الذين بقيت مهمّاتهم طي الكتمان فهم أكثر بكثير من المعلنين والمعروفين لدينا في الأقل (3).

وأول أوروپي زار مكّة والمدينة، في العصور المتأخرة وكتب عن رحلته، فوصلت كتابته إلينا سالمة واضحة رجل ايطالي مغامر يدعى «لودقيكو قارتيما» «Ludovico de Varthema» (4)» وإن كان من الصعب أن نتأكد؛ إذا كان قارتيما هو حقيقة أول شخص أوروپي يغامر باختراق الصحراء العربية، فقد ادّعى أكثر من واحد، أنّهم دخلوا مكّة قبل قارتيما، مثل جون كابوت «John Cabot» الذي ادّعى أنه قد وصل مكّة في الثمانينيات من عام 1480 م، بيد أنه وأمثاله لم يكتبوا شيئاً، ولم يتركوا أي شاهد على رحلاتهم.

ولذلك يبقى لدينا أن «قارتيما» كان أول شخص يخترق صخب الخرافات والفزع، الذي كان يغلّف أواسط وقلب بلاد الإسلام ويخفيه عن عيون الأوروبيين. وأن كان ما نعرف عنه- يقول برينت- هو هذه المغامرة التي قام بها


1- 1 يُراجع المقال الذي يحمل عنوان «خبراء الاستشراق: طلائع الاستعمار وأدلّاؤه»: 82- 107. لكاتب السطور في مجلة التوحيد، العدد 87 السنة الخامسة عشرة، ذو القعدة 1417 ه- آذار 1997 م.
2- 2 موسوعة العتبات المقدّسة 2: 250.
3- 3 ما تجدر الإشارة إليه، أنه قد طبع في فرنسا، في الفترة الممتدة من [1665- 1745 م] ما يزيد عن مئة وخمسين رحلة، منها على الأقل مئة رحلة جديدة، قسم كبير منها إلى المشرق، تُراجع قائمة بأهم كتب الرحلات إلى المشرق من القرن السادس عشر حتى القرن الثامن عشر، أدرجها د. جبور الدويهي في ذيل مقاله «الرحلة وكتب الرحلات الأوروپية إلى المشرق حتى نهاية القرن الثامن عشر» المنشور في مجلة الفكر العربي- 32: 58 نيسان/ أبريل- حزيران/ يونيو 1983 م.
4- 4 موسوعة العتبات المقدّسة 2: 251.

ص: 115

بمرح وسعادة ودهاء (1).

وما زال المؤرخون مختلفين في أصل قارتيما حتى الآن: فبعضهم يقول: إنه بولوني، وآخرون يقولون: إنه روماني. وحتى الذين يؤكّدون أنه ايطالي لا يعرفون، تماماً، من أية مدينة ايطالية أتى هذا الرجل. وما يزيد القضية غموضاً أن «قارتيما» نفسه يدّعي أنه من أهالي بولونيا الأيطالية، في مقدمة كتابه «Itinerario»، ثم يعود ويشير نفسه بأنه روماني، فيما تطلق عليه بعض المراجع الغربية لقب «نبيل روما» (2).

وليس المهم عندنا أصله، بل رحلته التي تعاقبت طباعتها وترجمتها، خلال ثلاثين عاماً دون انقطاع (3) وهو يدّعي أنه طبيب، ومع ذلك فهو يذكر، بقليل من الأسى والأسف، أنه قد ترك وراءه زوجة وأطفالًا، يمرّ على ذكرهم مرّ الكرام.

ثمّ يخبرنا بشي ء من التواضع أن ليس لديه شي ء من المواهب، ولكنّه لا يخلو من النزر اليسير، ومع ذلك فإن طبيعة ملاحظاته تدل على قدر كبير من الدهاء.

وهو يستعمل مهارته كجندي، ولربما تعلم الفنون، وهو في خدمة بعض الشخصيات في ايطاليا.

ولمّا كانت طرق التجارة، إلى الشرق وإلى شمال أفريقيا، تجتذب المغامرين يومذاك، فإنه عقد العزم على خوض هذه المغامرة، مهما كان الثمن، وصرّح بأنه ينوي القيام برحلة، تعتبر من أشق وأصعب أنواع الرحلات التي نسجها خياله، وطغت على أفكاره. فهذا الرجل كان ينوي أن يكون أول مسيحي يتّجه إلى مكّة المسلمة. وعندما غادر ايطاليا لم تكن تلك الفكرة قد استحوذت عليه، بل يبدو أنه بدأ بالتفكير بتلك المغامرة، عندما رأى الفرصة مناسبة لتحقيقها. والأمر الأكيد هو أن «قارتيما» كانت تنتابه بعض الهواجس، وكان يتوق إلى القيام بشي ء جديد، كما يتوق الظمآن للماء العذب! (4) وهكذا أبحر «قارتيما» من البندقية في عام 1503 م، ووصل الاسكندرية،


1- 1 بلاد العرب القاصية؛ م. س: 57.
2- 2 للمزيد يُراجع؛ موسوعة العتبات المقدّسة 2: 251 وما بعدها، وبلاد العرب القاصية: 56 وما بعدها، مراجعات حول العروبة والإسلام واوروپا: 118 وما بعدها.
3- 3 مراجعات حول؛ العروبة والإسلام واوروپا؛ م. س:
4- 4 بلاد العرب القاصية: 56- 57.

ص: 116

وبعد أن زار حصن بابليون في مصر، على ما يقول، توجّه لزيارة طرابلس وانطاكية وبيروت ودمشق. وهناك ارتبط بصداقة مع ضابط من ضباط المماليك، فقرر الذهاب إلى مكّة معه، في ضمن موكب الحج السنوي الذي يخرج من دمشق، بكثير من المراسيم والتقاليد (1).

وعلى ما يبدو أن الخطوات التي أقدم عليها «قارتيما» كانت محسوبة بدقّة، ولم تكن محض صدفة. وما يدلل على ذلك ما ذكره الكاتب البريطاني «بيتر برينت»، فقد سارع، منذ أول وصوله دمشق، إلى تعلم اللغة العربية، واستعدّ لاستئناف الرحلة جنوباً، ثمّ أمّن لنفسه مكاناً في القافلة الذاهبة إلى مكّة، بعد أن عمل على عقد عُرى الصداقة مع أحد زعماء المماليك، بما بذل من الهدايا والتودد. وهكذا عينوه حارساً من حرّاس القافلة. ولم ينزعج عندما طلب منه اعتناق الدين الإسلامي. فقد كان ابن النهضة الايطالية البار، في ذلك الزمن الذي تألّق فيه الترف والذكاء، وعندما أصبحت المسيحية تحت رعاية آل مديشي وغيرهم من الأمراء المستنيرين. فلم يكن ليتعثر عند اعتناق دين غريب، وعندما طلب منه اختيار اسم اختار اسم جونه (2).

الطريق الى مكّة

وفي الثامن من نيسان (أبريل) 1503 م تحرّك قارتيما إلى مكّة بزي جندي من جنود المماليك، ضمن قافلة الحجاج التي تضم حوالى أربعين ألفاً من الحجاج.

انطلقت القافلة في الصباح الباكر تكتنفهم أصوات الجمال وصرخات سائقي الأبل والغبار المنطلق؛ ليملأ جو ذلك النهار الربيعي. وكان «قارتيما» يراقب كل شي ء، وبرفقته ستون حارساً مثله، وهو ممتط صهوة حصانه، وكانت القافلة تسير بشكل متعرّج ملتو، وبدأت تلك الحركات المعقدة في جانبه وخلفه، والتي أكدت له أخيراً أن مغامرته الحقيقية قد بدأت وأصبحت في حيّز الوجود والتنفيذ (3).


1- 1 موسوعة العتبات المقدّسة؛ م. س 1- 2: 252.
2- 2 بلاد العرب القاصية: 58.
3- 3 المرجع نفسه.

ص: 117

ويظهر من الرحلة التي دوّنها «قارتيما» أنه رجل أفّاق، متحامل على النبي صلى الله عليه و آله والإسلام، بعيد عن الثقافة والاتزان. ادّعى أنّه اتصل بكثير من المسلمات في رحلاته، ودوّن ملاحظات فيها الكثير من الخلط والخرافات (1) والمبالغة. فهو يذكر مثلًا: أن القافلة بلغت وادي سدوم وعمورة، بعد مسيرة اثنين وعشرين يوماً!! ومن الواضح أنّ ذلك ليس صحيحاً؛ لأن هاتين المدينتين تقعان على شاطئ البحر الميّت.. وأغلب الظن، إذا أخذنا بعين الاعتبار أيام السير المذكورة، أن المدينتين الواقعتين في ثلاثة أخماس المسافة ما بين دمشق والمدينة، لا يمكن أن تكونا سوى مدائن صالح والعلا، وقد مرّ بهما «قارتيما» متوهّماً أنهما سدوم وعمورة... (2) وإضافة إلى أسلوب المبالغة الذي طفح على العديد من الأحداث التي رواها، مع حرص واضح على تشويه سمعة المسلمين والإساءة إليها، فإنه عمد في مواطن عديدة إلى ذكر أحداث يكاد ينفرد بها دون سواه، ومن ذلك ما يرويه في رحلته، إذ يذهب إلى أنه وصل مع القافلة إلى جبل بالقرب من المدينة (المنورة) يسكنه قوم من اليهود، يبلغ عددهم خمسة آلاف نسمة، وهؤلاء قصار القامة لا يزيد الواحد منهم على الخمسة أو الستة أشبار، أو أقل من ذلك بكثير، ولهؤلاء أصوات رقيقة كأصوات النساء، وبشرة تميل إلى السواد، وهم يعيشون على لحم الماعز، وإذا وقع المسلم بأيديهم يسلخون جلده وهو حي!

وحينما وصل إلى المدينة التي يسميها «مدينة النبي» بقي فيها ثلاثة أيّام، وهو يدّعي أنه دخل الحرم الشريف، الذي يسميه المعبد، ويصفه وصفاً موجزاً، فيقول: إنه مسجد مقبب يدخل إليه من بابين كبيرين، ويحمل سقفه حوالى أربعة مئة عمود من الآجر الأبيض!!، وفيه عدد كبير من المصابيح المعلّقة- الثريّات- يناهز الثلاثة آلاف!! ويشير إلى وجود عدد من الكتب الدينية، في جهة من جهات المسجد التي تحتوي على تعاليم الديانة الإسلامية وحياة النبي وأصحابه، ثمّ يذكر


1- 1 موسوعة العتبات المقدّسة [قسم المدينة]- 3: 239.
2- 2 مراجعات حول؛ العروبة والإسلام وأوروپا: 118.

ص: 118

شيئاً عن القبر المطهر، ويقول: إنه توجد بقربه قبور أبي بكر وعثمان (كذا) وفاطمة (1).

وينتهز «قارتيما» الفرصة لإيراد بعض القصص المسيحية، وتسنح له الفرصة لتصحيح الاعتقاد الشائع في اوروپا من أن جثمان النبي صلى الله عليه و آله معلّق في الفضاء في البيت الحرام بمكّة، فيقول: «أمّا بخصوص هذه الأخبار فأنا أخالفها تماماً، وأؤكّد أن هذا ليس صحيحاً، وليس به أي مظهر من مظاهر الصدق والحقيقة».

ولكنّه سرعان ما يعود إلى تحامله، حين يبدي تبرّمه من المناظر القذرة، والحلي التافهة الكاذبة التي تُعرض في الأسواق، ومن الغش والرياء والنفاق في دين محمد صلى الله عليه و آله!! (2) الحجّ: مناسك.. وانطباعات

يبدأ «قارتيما» بوصف مكّة. إذ يذكر في الفصل الذي يتطرّق فيه إلى تشييدها وانشائها أنها مدينة جميلة تكتظ بالسكان؛ لأنّها تحتوي على ستة آلاف أسرة.

ودورها حسنة للغاية، مثل دور الايطاليين، على حد تعبيره، وهناك بعض الدور تقدر قيمة الواحدة منها بثلاثة أو أربعة آلاف دوكات. ويذكر كذلك أن مكّة لم تكن مسوّرة؛ لأن أسوارها هي الجبال الطبيعية التي تحيط بها، ولها أربعة مداخل.

وحينما وصل الحج الشامي كان الموكب المصري قد وصل إلى مكّة، ولذلك يذكر «قارتيما» بالمناسبة أن هذا الموكب كان فيه حوالى أربعة وستين ألف جمل، وله مئة مملوك للحراسة. ويقول بطريقته التهكّمية، التي تدلّ على تعصّبه ضد الإسلام: إن اللَّه سبحانه وتعالى أنزل لعنته على هذه المدينة، فجعلها جرداء قاحلة لا تنتج أي شي ء من العشب والأشجار، ولا أي شي ء آخر، وإنّما كانت تستورد معظم أطعمتها وحاجياتها من القاهرة عن طريق البحر الأحمر. وقد اندهش «قارتيما» من كثرة الحجاج الهائلة وتعدد جنسياتهم وقومياتهم، بحيث يقول: إنه لم يجد


1- 1 موسوعة العتبات المقدّسة- 3: 239.
2- 2 بلاد العرب القاصية: 60.

ص: 119

مطلقاً، من قبل، مثل هذا العدد من الناس يجتمع في بقعة واحدة من الأرض (1).

ويمضي «قارتيما» في نقل انطباعاته ومشاهداته، فيذكر في الفصل المخصص للحج والغفران من رحلته أن مركز مكّة يوجد فيه معبد جميل جدّاً، على حدّ تعبيره، يشبه الكولوسيوم الموجود في روما، لكنّه مبني من اللبن المشوي، وللمسجد الحرام، أو المعبد كما يسميه مئة باب ذات طوق، ثمّ يشير إلى وجود الكعبة في الوسط، دون أن يذكر اسمها، ويقول: إن المغفرة من اللَّه تطلب عند الطواف حولها، وللكعبة- التي يسميها «برجاً»- باب فضة لا تزيد في علوّها على قامة واحدة (2).

ورغم أنه حرص على وصف الشعائر التي تمارس في مكّة، وغير ذلك ممّا وقعت عليه عيناه، أو تناهى إلى سمعه، غير أنه لم يذكر شيئاً عن الحجر الأسود، مع أنه قد وصف ذلك (البرج) في وسط المسجد الحرام، وهو الكعبة، وأخبرنا عن ذلك الحشد الذي وُجد في 22 مايس (أيار) عام 1503 م (وهو موعد عيد الأضحى) وقال: إن الاحتفال يبدأ في الصباح قبل الفجر، وكان الناس يطوفون سبع مرّات حول البرج ويقبلون زواياه، وغالباً ما كانوا يتحسسون زواياه ويلمسونها.

إن الحجر الأسود موضوع في إحدى زوايا الكعبة. وهنا يتساءل المرء عمّا إذا كان «قارتيما» قد دخل البيت الحرام حقيقة، أو أن أساس ما قاله كان يرتكز على ما قيل له، إذ إنه كان يراقب الحجاج من مكان بعيد، ربما بصفته حارساً يقف على الجدران في أعالي ذلك البيت المقدّس (3).

ثمّ يصف بئر زمزم ويقول: إن لها قبّة جميلة، وإن عمقها يبلغ سبعين قامة، وإن ستة أو سبعة رجال يقفون عادة حول البئر؛ ليستقوا الماء للناس منها. وهؤلاء يريقون ثلاثة أسطل من ماء زمزم فوق كل حاج من الحجاج، فيتبلل به من قمّة الرأس إلى أخمص القدم، ولو كان لباسه من حرير (4).


1- 1 موسوعة العتبات المقدّسة- 2: 253.
2- 2 المرجع نفسه.
3- 3 بلاد العرب القاصية: 62.
4- 4 موسوعة العتبات المقدّسة- 2: 253.

ص: 120

بعد ذلك، يخبرنا عن الأماكن التي تُراق بها دماء الأضاحي من الحيوانات، كما يقول، في «منى» خارج مكّة.. «لقد رأيت هناك حشداً من الفقراء، يزيد على عشرين ألفاً (..) وهؤلاء يحفرون خنادق في الأرض يشعلون فيها النيران التي يُغذّيها روث الحيوانات، ويشوون اللحوم التي تُعطى لهم ويأكلونها وهم في أمكنتهم. ثمّ يصف باختصار الهدية التي أرسلها امبراطور الحبشة إلى سلطان مكّة، وهي عبارة عن زوج من حيوان أحادي القرن.. (1) وبعد أن أدّى «قارتيما» مناسك الحج كلها في المدينة ومكّة، على ما يقول، استطاع بتدبير خبيث أن يهرب من القافلة وزملاؤه الحرّاس عليها إلى جدّة، ومن هناك أبحر عن طريق البحر الأحمر إلى إيران (2)ومنها إلى مناطق أخرى؛ ليكمل المهمة الموكولة إليه، على ما يبدو.

الهروب من الحجاز

ونترك هنا المجال لكاتب غربي هو «برينت»؛ ليسلط بعض الضوء على المهمّة الخاصة التي كان «قارتيما» منغمساً فيها، حيث يقول: «لم يكن «قارتيما» من الأشخاص الذين يعودون من الطريق نفسه التي أتوا منها، فهو يريد السفر والترحال إلى الأمام؛ ليرى بلداناً أخرى وعجائب أخرى. ولقد مرّت به فترات تعرّض فيها للخطر، وهي التي جلبت له تلك الفرصة السانحة للتجوال، فقد كُشِف أمره، وعُرف أنه أوروپي، وتعرّف عليه أحد المغاربة كمسيحي، والمغاربة معروفون باتساع مدى رحلاتهم الى البندقية وجنوه. ولذا فقد تدبّر «قارتيما» أمره، وأقنع ذلك المغربي أنه قد اعتنق الدين الإسلامي عن صدق وإيمان، وتظاهر بكراهيته للمسيحيين بصورة عامة وللبرتغاليين بصورة خاصة، وهم الذين حولوا التجارة إلى البحر الأحمر. ومقابل ذلك أقنع رئيس القافلة المملوكي أن يسمح للمغربي بإخراج خمسة عشر جملًا محملة بالتوابل إلى خارج مكّة، دون دفع


1- 1 بلاد العرب القاصية: 62.
2- 2 موسوعة العتبات المقدّسة- 2: 253.

ص: 121

الرسوم المعتادة، عندها قبل ذلك المغربي السماح لقارتيما بالنوم والالتجاء إلى بيته.

بدأ «قارتيما» يصلّي الى اللَّه. وكانت صلاته كلّها عصبية وخوف، ثمّ سمع أثناء اختبائه في داخل بيت المغربي صوت نافخ البوق في القافلة السورية داعياً الحرّاس للتجمّع. على حين كان قارتيما مختبئاً بأمان في بيت المغربي، وفي أقصى ركن سرّي من ذلك البيت. وهكذا رحلت القافلة السورية إلى دمشق ومعها المغربي والجمال الخمسة عشر المحملة بالتوابل دون دفع الرسوم (1).

وفي معرض وصفه لهزيمته، يذكر «قارتيما» أنه اختبأ في بيت أحد المسلمين في مكّة إلى حين خروج موكب الحج الشامي منها، لكنه يذكر أنه كان من حسن ظنه أن أحبته إحدى قريبات صاحب البيت فساعدته على التخفّي والهرب (2) مع إحدى القوافل الذاهبة إلى جدّة، فإلى السفن الراسية هناك تنتظر الحجاج الهنود لإرجاعهم إلى بلادهم.

وفي جدّة كان عليه أن يتظاهر بالمرض والفقر. وكان هنالك جمهور وحشد كبير من الناس قدّرهم «قارتيما» بخمسة عشر ألفاً. وكانوا في كرب حقيقي وهو يقول: «لقد كانت الحرارة شديدة هنا، وقد بدا الرجال وكأن أجسادهم قد جفّت بسبب الحرارة، وأصيب الكثيرون بالمرض». ومع ذلك فقد وجد أحد ربابنة السفن الذي وافق، بعد أخذ الثمن، على اصطحابه معه في سفينته إلى بلاد العجم».

ولم يكن قدره أن يترك بلاد العرب بالسهولة التي تصوّرها. ففي عدن شكّوا في أمره وظنّوا أنه جاسوس، وذلك بسبب الحساسية التي ولدتها الحملات البرتغالية إلى بلاد العرب، وهكذا حملوه سجيناً إلى أمير اليمن الذي ألقاه في غياهب السجن.. وعندما طُلب منه، خلال الاستجواب، أن ينطق بالشهادتين، خانته شجاعته لأوّل مرّة في حياته المغامرة. فلم يستطع أن يتفوّه بتلك الكلمات، وهو يعلّق على ذلك بقوله: «لقد كان ذلك بإرادة اللَّه، أو بسبب الخوف الذي اعتراني فلم استطع ان أتفوّه ببنت شفة».


1- 1 بلاد العرب القاصية: 63.
2- 2 موسوعة العتبات المقدّسة- 2: 252.

ص: 122

وفي السجن تظاهر قارتيما بالجنون، فسمح له أن يخرج إلى الشارع وهو ممزّق الثياب، وفي وضع مزرٍ من أوضاع المخبولين المجانين، وليواجه ضحكات الأطفال الذين بدأوا يقذفونه بالحجارة. ولكن ما لبثت إحدى زوجات السلطان الغائب، أن لاحظته ولمحته من إحدى النوافذ المشبكة، وليتكرر الإدعاء أن تلك المرأة وقعت في حب ذلك الشاب الإيطالي الوسيم، كما أحبته الشابة في مكّة من قبل، وعندما عاد السلطان تدخلت السلطانة لمصلحة «قارتيما» ورجت السلطان أن يعفو عنه.. وهو يذكر أن تلك السيدة كانت تقول له: «إذا برهنت أنك رجل جيّد فسوف تصبح أميراً» (1).. ولا ندري كيف يقنعنا «قارتيما» بأن الأميرة تقع في هوى مجنون، فضلًا عن أنّها تراهن عليه أميراً؟!!، لعلّها في أحسن الأحوال أشفقت على شبابه وغربته ففسّر ذلك أو حرّفه دسّاً وتشويهاً..!

وأخيراً، وبالتحديد في كانون الأول (ديسمبر) 1503 م استطاع قارتيما أن يركب سفينة إلى سقطرة، ومنها إلى الهند، حيث كان «فاسكودي غاما» قد نجح بالدوران حول رأس الرجاء الصالح سنة 1499 م.. ومع السفن البرتغالية عاد «قارتيما» إلى لشبونة، ومنها إلى روما، وفي ايطاليا أثابته جامعة البندقية على روايته المدهشة المليئة بالأحداث، وحظي برعاية كولونا وسفورزا، وأسبغ عليه الكاردينال كارفاجال حمايته، وهذا الكاردينال هو الذي موّل ترجمة هذه الرحلة الى اللاتينية (2).

وفي عام 1510 م، أخبر قرّاءه في المقدّمة أنه بعد أن زار جزءاً من بلدان وجزر الشرق شمالًا وغرباً اعتراه التفكير الجدّي، بعد الاتكال على اللَّه، أن يذهب لزيارة الأقسام الشمالية من الشرق، ويبدو أنه ليس من المحتمل، أن هذا الرجل الشديد العزيمة والتصميم والحيلة، لم يحاول أن يحوّل نيته هذه إلى العمل الفعلي.. إلّا أنه لم يترك أيّة كلمة تشير إلى هذه الرحلة (3).

وخاتمة حياة «قارتيما» مجهولة كأصله، والأرجح أنه توفي بين 1512


1- 1 بشي ء من الاختصار عن كتاب بلاد العرب القاصية: 63- 65.
2- 2 مراجعات حول؛ العروبة والإسلام واوروپا: 119.
3- 3 بلاد العرب القاصية: 67.

ص: 123

و 1517 م. وميزة قارتيما أنه أوّل من ترك وصفاً، وان كان مقتضباً، للأماكن التي زارها في شبه جزيرة العرب، كما أنه ترك لنا خريطة تظهر فيها شبه جزيرة العرب ممدودة عرضاً في الجهة الجنوبيّة (1).

وبعد هذه الجولة مع «قارتيما» أليس من حقّنا أن نطرح تساؤلًا مشروعاً؛ هل كان الشرق، وبما يحفل به من سحر وروعة وفتنة وغموض، كافياً لكي يتحمّل المغامرون- ومنهم قارتيما- كلّ ما صادفوه من متاعب، ومما كابدوه من مشاق، وما جابهوه من أخطار..؟!

وليس هناك من شك في أن الإيجاب ب «نعم» عن هذا التساؤل، يعدّ تبسيطاً مخلّاً لحالة معقّدة، وقراءةً مبتورة أو غير واعية أو ظاهرية لحقيقة غاطسة خفيّة مريبة.

المهمة السريّة: ملاحظات ومؤشرات

وما يدعونا إلى إطلاق هذه الأحكام، بخصوص «قارتيما»، ومَنْ هم على شاكلته، هو الملاحظات التالية:

1- إن مهمّة «قارتيما» التي شرع بها عام 11503 م، جاءت في أعقاب نشوة النصر التي شهدتها أوروپا إثر سقوط الأندلس سنة 1492 م، وكان هذا حافزاً قويّاً على ملاحقة الضربات الشديدة للطرف الآخر، «المتوحّش»، «المتخلّف»، «الشهواني»، «الفظ»، «الكافر».. الخ من الصور النمطية المستقرة في اللاشعور الغربي.

2- إن إيطاليا- التي انطلق منها قارتيما- تمثّل قلعة البابوية، وهي رأس الرمح في الهجوم الصليبي على المشرق الإسلامي، وحتى هذا اليوم لم تتخلّ عن مهمتها هذه، رغم كل الادعاءات.

وليس اعتباطاً أن يُسبغ على «قارتيما» لقب «نبيل روما»، وكذلك حماية


1- 1 مراجعات حول؛ العروبة والإسلام وأوروپا: 119.

ص: 124

الكاردينال لقارتيما وتمويله لترجمة كتابه.

3- بعد السقوط المدوّي للأندلس (1492 م)، واكتشاف كل من أمريكا (1492 م) ورأس الرجاء الصالح (1497- 1499 م).. برزت البرتغال قوّة استعمارية غاشمة، ولعل تأريخ الاستعمار ما عرف للبرتغال مثيلًا في القسوة، وانعدام الإنسانية، وموت الضمير، كما يقول د. محمود السمرة (1)(2)(3).

لقد تبنّت أوروپا الصليبية يومئذ مخططاً مفاده؛ قضم أطراف العالم الإسلامي تمهيداً لشن الهجوم الكاسح على قلبه «أي المشرق الإسلامي» وانبرت البرتغال لهذا المخطط، واهتمت به كل الاهتمام، وأولته عنايتها، فأرسلت في عام 1487 م «بدرو دا كوفيلهام» لدراسة المشرق الإسلامي، وكتابة تقرير عن مدى استعدادات المنطقة وقوّتها. وقد قام «بدرو» برحلتين بريتين ماراً بالقاهرة، وبلدان المشرق العربي الرئيسية، وموانئ البحر الأحمر، والموانئ الممتدة على طوال شواطئ شبه جزيرة العرب، حتى كلكتا وجُوا في الهند. وفي عام 1490 م قدّم «بدرو» تقارير مفصّلة عمّا رأى وشاهد (4).

وفي تلك الأثناء، كان البرتغاليون يجوبون المحيط الأطلسي بحثاً عن مستعمرات، وبعد اكتشاف رأس الرجاء الصالح- بأمر من ملك البرتغال مانويل الأول- أخذت السفن البرتغالية تجوب المحيط الهندي والبحار العربية.

وفي عام 1502 م اتخذ البرتغاليون قرارهم الخطير بسد البحر الأحمر أمام السفن العربية، وكانت الحملة البحرية بقيادة «فاسكودي غاما».. وتمكّنت من الوصول إلى بحر العرب وسيطرت على مركب تجاري وبأمر من «دي غاما» وتمّ قتل جميع ركابه البالغ عددهم 400 شخص، بمن فيهم النساء والأطفال وثمّ أحرق البرتغاليون المركب، فكان هذا الحادث سبباً في اشعال مواجهة بحرية مع البرتغال، استمرت طيلة القرن السادس عشر (5).

وما يعنينا، في هذا البحث، أن مهمّة «قارتيما» جاءت بعد عام واحد من حملة


1- 1 يُراجع التعريف بكتاب «الصراع بين العرب والبرتغال» المنشور في مجلة العربي الكويتية 59: 132 جمادى الأولى 1383 ه- تشرين أول/ اكتوبر 1963 م، ومن الملفت أن هذه العبارة قد حُذفت حينما أعيد نشر المقال ضمن كتاب مراجعات حول العروبة والإسلام وأوروپا، ص: 103!!
2- 1 يُراجع التعريف بكتاب «الصراع بين العرب والبرتغال» المنشور في مجلة العربي الكويتية 59: 132 جمادى الأولى 1383 ه- تشرين أول/ اكتوبر 1963 م، ومن الملفت أن هذه العبارة قد حُذفت حينما أعيد نشر المقال ضمن كتاب مراجعات حول العروبة والإسلام وأوروپا، ص: 103!!.
3- 1 يُراجع التعريف بكتاب «الصراع بين العرب والبرتغال» المنشور في مجلة العربي الكويتية 59: 132 جمادى الأولى 1383 ه- تشرين أول/ اكتوبر 1963 م، ومن الملفت أن هذه العبارة قد حُذفت حينما أعيد نشر المقال ضمن كتاب مراجعات حول العروبة والإسلام وأوروپا، ص: 103!!
4- 2 المرجع السابق: 134.
5- 3 د. عبد الوهاب الكيالي وآخرون: «موسوعة السياسة» 4: 448 مادة فاسكودي غاما وعن الدور الخطير لكل من فاسكودي غاما والسياسة البرتغالية الاستعمارية، يُراجع كتاب «الصراع بين العرب والبرتغال» Cost Arabian South the of Portuguese The- للبروفسور «سارجنت» R. B. Serjeant، وهو من منشورات جامعة اكسفورد، 1963 م.

ص: 125

فاسكودي غاما على بوابات عدن، وهذا ما يفسّر لنا خلفيّة إلقاء القبض عليه هناك بتهمة الجاسوسية، كما ويلقي ضوءاً على أسباب ادعائه الكراهية للمسيحيين بصورة عامّة والبرتغاليين بصورة خاصة، أثناء عقده صفقة مع المغربي في مكّة..

ومن خلال تجميع القرائن الموحية، لا يستبعد أنه كان منخرطاً في مهمّة سرية أوروبية صليبية أو برتغالية، في الأقل، وذلك من خلال المؤشرات التالية:

أوّلًا: تتّسم شخصية «قارتيما» بمواصفات مطلوبة في أيّة مهمّة سرية، وقد ظل على طبيعته في الخداع والاحتيال إلى النهاية، كما يقول «برنت».

ثانياً: أنه سلك الطريق الممتد بين اوروپا والهند، مركّزاً على اختراق المناطق الإسلامية، خاصة في الحجاز واليمن، وهي التي كانت بمثابة مجاهيل بالنسبة للغرب، ويهمّه كثيراً أمر استجلائها، كخطوة أولى للتعامل معها، على طريق «اعرف عدوّك».

ثالثاً: كان اهتمام الصليبية منصّباً على التعرف على الأماكن المقدّسة بالذات، ومحاولة رصد تحصيناتها، ومعرفة طبائع السكان وتقاليدهم، والتعرّف على المراسيم الدينية، كالحج، ودورها في حياتهم (1) وهذا ما نجده بشكل واضح لدى «قارتيما» خاصة وأنه دشّن مهمّته بزيارة حصن بابليون في مصر، فضلًا عن تلك الإشارات المبثوثة في ثنايا كتابه حول تحصينات مكّة والمدينة وصنعاء وعدن.. الخ. ولا نقلل من أهميّة الغرض الكامن وراء الخريطة التي تركها لشبه جزيرة العرب والتفصيل في مناطق الجهة الجنوبية.

رابعاً: في إشارة «برنت» الى رحلة قارتيما التي استمرت سبع سنوات، بعد قضاء فترة طويلة في خدمة البرتغاليين، وحتى التحاقه بالاسطول البرتغالي في الهند، وعودته معه في رحلة العودة، تثير الكثير من علامات الاستفهام حول علاقة قارتيما بالبرتغال وخططها السرية.

خامساً: إذا كان البرتغاليون قد استطاعوا أن يسيطروا على شواطئ شبه


1- 1 مجلة العالم لندن- 276: 51.

ص: 126

جزيرة العرب، فإنهم قد فشلوا في النفوذ إلى الداخل، وارتدت سفنهم مدحورة من أمام عدن وجدّة. وكانت غايتهم من السيطرة على الداخل أن يؤمّنوا الطريق البرّي إلى الهند أيضاً، كما أنّهم كانوا يحلمون بالاستيلاء على جثمان النبي الكريم صلى الله عليه و آله في المدينة؛ ليطلبوا عندها تسليمهم كنيسة القيامة فديةً له (1).

ونظرة متأنية لرحلة «قارتيما»، وبكل مداخلاتها وخلفياتها وظروفها السياسية والدينية والاقتصادية، فضلًا عن وضع قارتيما الشخصي وعلاقاته مع أرباب السلطة والكنيسة.. كل ذلك يثبت لنا أن مهمّة قارتيما كانت تصبّ، وفي العمق، بالمخطط الصليبي عموماً والبرتغالي على وجه الخصوص.

وما تظاهره باعتناق الإسلام، ومن ثمّ تظاهره بالجنون في وقت لاحق.. إلّا جزء من مستلزمات المهمّة الخطيرة التي كان يقوم بها.

.. ما بعد «قارتيما»

على أن خطة احتلال المدينة المنوّرة، وتأمين طريق الهند لم تظل فكرة مجرّدة، أو رغبة جامحة تداعب الخيال الصليبي، بل تحوّلت إلى التنفيذ، وخلال فترة قياسية، ففي عام 1513 م، أي بعد ثلاث سنوات فقط من عودة «قارتيما» إلى لشبونة، حاول الأميرال البرتغالي «الفونسودي البوكرك» حل تلك المشكلة بضربة فاصلة. ورغم فشل هجومه على عدن، لكنّه أبحر متقدّماً إلى البحر الأحمر، وكان عقله مشحوناً بأفكار جهنميّة. فكان تخطيطه أن يحتل المدينة المنوّرة ومعه جماعة من الغزاة، ويستولي على تابوت النبي محمد صلى الله عليه و آله ويطالب بفديته، ويعلن أن ثمنه هو كنيسة بيت المقدس، ثمّ يهجم هجوماً ساحقاً على ضفاف النيل، وهنالك يبني سدّاً ويحوّل مجرى النيل إلى بلاد الحبشة المسيحية! وهكذا وبضربة معلّم سوف يعمل على جلب الثروة إلى الحبشة وإفقار مصر المسلمة.


1- 1 مراجعات حول؛ العروبة والإسلام واوروپا: 119.

ص: 127

ولكن أخيراً ظهرت الحقيقة، ولم يستطع هذا المغامر أن يعمل شيئاً في البحر الأحمر سوى اثارة بعض الضجّة والضوضاء وكتابة بعض الملاحظات، مع أنه هاجم «عدن» مرّة أخرى، في رحلة العودة (1).

وفي الوقت الذي أقدم فيه هذا الأميرال على ارتكاب حماقته، كان قبطان إحدى السفن البرتغالية مسجوناً في عدن، ويسمى «غريغوريو داكودرا» وقد أسر هو وجماعته، حينما جنحت سفينته إلى شواطئ مقديشو، ومن ثمّ أرسلوه هديّة إلى حاكم عدن، وظل سجيناً هناك حتى عام 1516 م، حين حدثت ثورة محلية أطاحت بذلك الحاكم الذي ألقاه سجيناً لمدة طويلة.

وقد حدث أن رغب الحاكم الجديد في أداء فريضة الحج. فاستطاع «داكوردا» بعد إعلان إسلامه أن يصاحب الحاكم إلى الحج. وفي المدينة المنوّرة أصيب فجأة بنوبة من نوبات الحماس المسيحي (هكذا تقول القصة) فأعلن بصوت عال عن أمله وأحلامه بأن يتحوّل المسجد العظيم أمامه إلى كنيسة مسيحية، كما حدث في كنيسة السيّدة مريم في لشبونة.

وإزاء هذا التصرّف المتهوّر.. أطلق الحجاج سراحه وأعطوه مؤناً ونقوداً، ليلتحق بالقافلة الذاهبة إلى دمشق، التي كانت قد غادرت المدينة قبل بضعة أيام..

ويضل طريقه في الصحراء القاحلة، لتنقذه قافلة عابرة من موت محقّق، ولينطلق صوب البصرة، ثمّ سار على طول الخليج الفارسي إلى مدينة «هرمز» حيث أحد المراكز البرتغالية، وكان أول رحالة أوروپي يعبر الصحارى الوسطى القفراء الواقعة بين المدينة المنوّرة ووادي دجلة والفرات، ومن هرمز سافر إلى الهند، وبعدها وجد سفينة أخرى أرجعته إلى البرتغال، فوصل إليها عام 1520 م، ولكنّه سرعان ما التحق بدير من الأديرة هناك (2).

ويظل القرن السادس عشر الذي كاد أن يطبع بصبغة برتغالية، شاهداً على محاولات أخرى، على هذا الصعيد. ففي تموز (يوليو) 1565 م حجّ إلى مكّة المكرمة


1- 1 بلاد العرب القاصية: 68.
2- 2 المرجع نفسه: 69.

ص: 128

مملوك برتغالي الأصل مجهول الاسم، فكتب وصفاً دقيقاً عنها، برغم اختصاره، واقتضاب ما جاء فيه، وقد اكتشف ما كتبه هذا المملوك في السنوات الأخير «السنيور ديلافيدا» مكتوباً في حاشية كتاب عربي موجود في مكتبة الفاتيكان برقم 217. وكان هذا البرتغالي قد تحرّك من رابغ إلى مكّة، في آخر يوم من حزيران، وهو يقول: إن الناس يذهبون عراة إلى مكّة من هناك، مشيراً إلى الإحرام بطبيعة الحال.

وفي حوالى الوقت نفسه، حجّ إلى مكّة كذلك رجل ألماني يسمى «هانس وايلد» كان قد أخذه الأتراك أسيراً في هنغاريا يومذاك، وسيق إلى مكّة، فلم يعد إلى ألمانيا إلّافي سنة 1611 م. وبعده بسنوات قليلة أُسر فتىً بندقي يدعى «ماركو دي لومباردو»، وهو يعبر الأبيض المتوسط بصحبة عمّه القبطان، فبُعث به إلى مكّة من مصر مصاحباً لابن سيده. وقد دوّن أشياء طريفة عن سفرته التي نشرها، بعد ذلك بسنين عديدة، المبشر «يوجين روجر» (1).

وفيما يبقى الأخيران استثناءً للحقبة البرتغالية (إذا صحّ التعبير) فإنّ المراحل اللاحقة، وخاصة في القرون الثلاثة المتأخرة، شهدت تبدلات عميقة لصالح الدول الغربية، خلافاً للبرتغال، وبالذات لكل من بريطانيا، هولندا، النمسا، السويد..

عبر الرحالة المنتمين لهذه الدول، وكلٌّ منهم كان مكلّفاً بمهمّة خاصة محدّدة، والشي ء الوحيد الذي لم يتبدل هو تلك الصورة الشرقية الشوهاء في المخيّلة الغربية، التي أوغل في تعميقها، أكثر فأكثر، الرحالون الغربيون الذين تقاطروا على المنطقة، في وقت لاحق، بأعداد غفيرة ومثيرة، وهو ما سيكون محور البحث القادم، بإذن اللَّه تعالى.


1- 1 موسوعة العتبات المقدّسة- 2: 254.

ص: 129

الهوامش:

الحجّ في الادب العربي مختارات شعريّة

ص: 132

الحجّ في الأدب العربي مختارات شعريّة

أنشد الإمام علي بن الحسين عليه السلام وقد كان متعلّقاً بأستار الكعبة:

يا من يجيب دعاء المضطر في الظلم يا كاشف الضرّ والبلوى مع السقم

قد نام وفدك حول البيت قاطبة وأنت وحدك يا قيّوم لم تنم

أدعوك ربّ دعاءً قد أمرت به فارحم بكائي بحق البيت والحرم

ان كان عفوك لا يرجوه ذو سرف فمن يجود على العاصين بالنّعم ومع ميمية ابن القيم وهو يصور رؤية البيت:

ولمَّا رَأَتْ أبصارُهُم بيتَهُ الذي قُلوبُ الورى شوقاً إليه تَضرَّمُ

ص: 133

كأنَّهُمُ لم يَنْصَبُوا قَطُّ قَبْلَهُ لَأنَّ شَقَاهُمْ قد تَرَحَلَّ عَنْهُمُ

فلِلهِ كَمْ مِنْ عَبْرَةٍ مُهْرَاقةٍ وأُخرى عَلَى أثارِها لا تَقَدَّمُ

وقد شَرِقت عينُ المحبِ بِدَمْعِهَا فينظُرُ مِنْ بَيْنِ الدُّمُوعِ ويُسجمُ

إذَا عَايَنَتْهُ العينُ زَالَ ظَلَامُهَا وَزالَ عَن القلبِ الكئيبِ التألمُ

ولا يَعْرِفُ الطَّرْفُ المُعَاينُ حُسْنَهُ إلَى أن يعودَ الطرفُ والشوقُ أعظمُ

ولا عَجَبٌ مِنْ ذَا فَحِينَ أضافَه إلِى نفسِه الرحمنُ فهو المُعَظَّمُ

كساهُ من الإجلالِ أعظَمَ حُلَّةٍ عليها طِرَازٌ بالملَاحَةِ مُعْلَمُ

فَمِنْ أَجْلِ ذَا كُلُّ القلوبِ تُحِبُّهُ وتَخضَعُ إجلالًا لَهُ وتُعَظِّمُ ولابن القيم أيضاً تصوير آخر لموقف الحجّ:

وراحوا إلى التعريف يرجون رحمة ومغفرة ممن يجود ويكرم

فلله ذاك الموقف الأعظم الذي كموقف يوم العرض بل ذاك أعظم

ويدنو به الجبار جلّ جلاله يباهي بهم أملاكه فهو أكرم

يقول عبادي قد أتوني محبة وإني بهم بر أجود وأرحم فأشهدكم أني غفرت ذنوبهم وأعطيْتهم ما أملوه وأنعم

فبشراكم يا أهل ذا الموقف الذي به يغفر اللَّه الذنوب ويرحم

ص: 134

فكم من عتيق فيه كمل عتقه وآخر يستسعي وربك أرحم

وما رؤي الشيطان أغيظ في الورى وأحقر منه عندها وهو ألأم

وذاك الأمر قد رأه فغاظه فأقبل يحثو الترب غيظاً ويلطم

وما عاينت عيناه من رحمة أتت ومغفرة من عند ذي العرش تقسم

بنى ما بنى حتى إذا ظن أنه تمكن من بنيانه فهو محكم

أتى اللَّه بنياناً له من أساسه فخر عليه ساقطاً يتهدم

وكم قدر ما يعلو البناء وينتهي إذا كان يبنيه وذو العرش يهدم من شعر أبو زكريا الصرصري:

وأحرموا ثمّ لبَّوْا خاشعين لذي ال - جلال كلٌّ إلى مولاه مبتهلُ

وساوت السوقةُ الأملاكَ تحسبهم إلى الحساب من الأجداث قد نَسَلُوا

وشارفوا عرفات فاستبان لهم أن الحجيج إلى ما حاولوا وصلوا

ص: 135

فيا له موقفاً فيه لوافده جوائز الفضل والرضوان تُبتذلُ

وفاض بالمشعر الإحسان فوقهم وبالمُنى في منى من ربهم حصلوا

ثم استقلوا إلى البطحاء حين قضوا رَمْيَ الجمار وقد نالوا الذي أملوا

طافوا بذات الستور ازداد معلمها جلالة وبهاءً ليس ينفصل

وأحسنوا السعي بين المروتين وفي المقام بعد الطواف وانتقلوا

شفوا بزمزم داء الصدر واعتمروا وما بدا لهم من صالح عملوا

وودعوا البيت والأحشاء واجفة وفي القلوب لآلام النوى شُغُلُ للشيخ محمد علي كمونة، في وقت كان السفر على ظهور الإبل:

نرى ظعناً يبغي (منىً) فا (لمحصّبا) فادنى إليه اليعملات وقرّبا وقوّض من بعد الإقامة راحلًا يلفّ الربى بالبيد والبيد بالربى

وجشمها شرق البلاد وغربها إذ جاز منها سبسباً أمّ سبسبا

ص: 136

ليقضي عليها من (منىً) غاية المنى فقد شاقه من (شعبه) ما تشعبا

وقد جنحت (للخيف) حتى كأنما قوائمها نيطت بأجنحة الصّبا

وأرسلها وخداً إلى ذلك الحمى ومنه الجناب الرحب حيّا ورحبا

وعرّس كيما يستريح ركابه بأعطافها مما عراها وأتعبا

ولما حدا الحادي وهاج اهاجها رواقص للادلاج هجنَ تطرّبا

ووجّه تلقاء (المعرّف) وجهه ليقضي به فرض (الوقوف) تقرّبا

ولما قضى (التعريف) والشمس آذنت - وقد أزف الترحال- أن تتحجّبا

وحيث (أفاض) الناس أرخى ركابه وألوى به (للمشعرَين) ونكّبا

وقد رقصت عند (المحسّر) من (منى) به وعلى أكوارها ماس مطربا

وضجّ فضجّ الناس كلّ مؤدّياً من (الذكر) ما نصّ الإله وأوجبا

ومال الى جمع (الجمار) و (رميها) ولما رماها ساق (هدياً) وقرّبا

ص: 137

وطاف (ببيت اللَّه) سبعاً إنابةً إليه وصلّى في (المقام) وعقّبا

وقد أوسع (الأركان) عند (استلامها) دموعاً فخيل السيل قد بلغ الزبى

وأكثر عند (المستجار) تنصّلًا إلى ربّه مما أسَاءَ وأذنبا

وساغ إليه الورد من ماء (زمزم) وأعذِبْ بماء ورده ساغ مشربا

و (للسعي) بين (المروتين) مهرولًا سعى وبجلباب الخضوع تجلببا

وسارع (للتقصير) غير مقصّرٍ وشرّق (للتشريق) ينحو (المحصّبا)

ولما قضى نسكاً (مناسك) حجّه نحا (يثربا) لا أبعد اللَّه يثربا (1) من شعر وليد الأعجمي:

طاف «بالبيت» فاستهلَت جُفونُهْ عَبراتٍ فاضتْ بهنَّ شؤونُهْ

واحتواه من الجلالةِ شوقٌ وبأعماقه استفاق دَفِينُه

شاعر عاشق له سُبُحاتٌ بهوى المكَّتين بادٍ حنينُهْ

هائم قلبُهُ، وفي كل وادٍ عند «أُمّ القرى» تَهيج شجونُهْ

يَتَمَلَّى من الجمال فنوناً وجمالُ الإِيمان شتَّى فنونُهْ

ويداري هواه بالشعر نحوي فيباريه بالنشيد أنينُهْ

وانثنى ضارعاً وللدمع سَمْطٌ لؤلؤىٌّ منثَّرٌ مَكنونُهْ


1- 1 ديوان ابن كمونة، النجف سنة 1948: 25- 27.

ص: 138

يشتكي باللوى لواعجَ شوقٍ وبِسَلْعٍ وساكنيه سكونُهْ

بثَّ شكواه بالقريضِ حزيناً ومن الشعر ما يُريحُ حزينُهْ

وتمنى وهو الذي قد تساوتْ عنده أُمنياتُهُ ومَنُونُهْ

هيبة «البيت» علَّمته بياناً بالهوى زاد والتقى تبينُهْ

رقَّ باللفظِ شعره، والمعاني حين راقت يَزينُها وتَزينُهْ

كلُّ أنشودةٍ له حين تُتلى تُنِعشُ القلبَ رقةً وتُلينُهْ

كالغواني الحسانِ مِسنَ دلالًا وجنى الروض قد تَدَلَّتْ غصونُهْ

أيها الشاعر المُشوق تمهّل «كعبة اللَّه» هذه و «يَمينُهْ»

يَجِفُ القلبُ خاشعاً في حِمَاهَا و «بأركانها» يطيب ركونُهْ

و «مقامُ الخليل» فيضٌ ونورٌ للبرايا مكانُهُ ومكينُهْ

وصلاةٌ «بالبيتِ» تَعدلُ عُمْراً بالضلالاتِ قد تَقَضَّتْ سنونُهْ

عَرَفَ الأنسَ شاعرٌ أرهَقتْهُ بالخطايا ذنوبُهُ وديونُهْ

ملأ الحبُّ قَلبه والحنايا ألَقاً من سناه ضاءَتْ دجُونُهْ واستنارت له سبيل هُداه فَتلَاشَتْ أوهامُهُ وظنونُهْ

وتسامى بالروح حيث استقرَّتْ جَبْهَتاه على «الحصى» وجَبِينُهْ

مطمئنَّ الضَّمير طَلَقَ الُمحيا رَضِيَتْ نفسُهُ وقَرَّتْ عيونُهْ

وله في النهار سَبْحٌ طويلٌ تَتوخّاه في الحياة شؤونُهْ

ويعاني بناشئَات الليالي وَطْأةً، ربُّه عليها يُعِينُهْ

ويناجي الإِلهَ بسرٍّ خفيٍّ عن سوى الخالقِ العظيم يصونُهْ

حَسْبُهُ وقفةٌ بِجُنْح الدياجي والخلّيون هُجَّعٌ ومجُونُهْ

حَسْبُهُ سجدةٌ ستغدو كتاباً تَتَلقَّاه بالحسابِ يَمينُهْ

ورحيقٌ من نبعِ «زمزم» يروي كلَّ صادٍ تَسنيمُهُ ومَعِينُهُ

فَجَّرَتْها عناية اللَّه عيناً أيْنَ منها أنهارُهُ وعيونُهْ

ص: 139

ثَرَّة بالعطاءِ وبالخيراتِ ثَجَّ اجُها طعام طُعْم سمينُه

وشفاءٌ من كلِّ سُقمٍ وداءٍ يتلوّى مبطونُهُ وطعينُهْ

يغمرُ القلبَ بالَمسَرَّاتِ وادٍ آهلاتٌ منه الصفا وحجُونُهْ

وهدير الدعاء للَّه حولَ ال بيت طَابتْ أنغامُهُ ولحُونُهْ

واختلاف الألوانِ في الحج والألسن آيات بهنَّ يَقْوى يَقينه

قصدوا موطنَ الرجاءِ وفودًا وسحابُ الِرِّضْوَانِ سحَّ هُتونُهْ

يبتغون الرِّضا ويَرجُونَ ربَّاً مانحاً فضلهُ لمنْ يَستَعينهْ

وعَجِلنا إليك ربِّ لترضى يومَ لا ينفع القرينَ قرينُهْ

وبحوم المضمار لن يتساوى أعوجيٌّ مُجَرّدٌ وهَجينُهْ

ومضَى ركبُهُ إلى «عرفات» وبوادي نُعْمان حَطَّتْ ظُعُونُه ومِنَ الدَّمْعِ هَلَّ بالسَّفْحِ سَفْحٌ فوقَ خديهِ يَسْتَدِرُّ سَخِينُهْ

جذوة الوجد بين جَنْبيهِ شَبَّتْ كشبا السَّيفِ أرهفتْه قُيونُهْ

كلَّما حاولَ اصطباراً عليه يَهتِكُ الدَّمعُ صَبرَهُ ويخُونُهْ

وطيوب «الخيام» فاحَتْ فقلنا عَطَّر الرَّوضَ عابقاً نسرينُهْ

ورياحُ البشرى وبين يَديها تتهادى بِيضُ السَّحابِ وجُونُهْ

والغماماتُ ظُلَّةٌ تتنزّى بالرَّبابِ الرَّطيب إذ حان حِينُهْ

بردهُ يطفى ءُ الأوامَ كريماً ويُنقي الفؤادَ مَما يَرينُهْ

وترى أوْجُه العبادِ وِضاءً زانهَا نَضرْةُ النَّعيمِ ولِينُه

نَاضِرَاتٍ لِرَبِّها نَاظِرَاتٍ أزْلِفَتْ حُورُهُ إليهم وَعِينُهْ

وضجيجُ الحجيج يَعلو وَيحلو بالمناجاةِ وَقْعُهُ ورَنينُهْ

رَبَّنا هَبْ لنا من الأمر رُشداً وسبيلًا إلى العُلا نَستَبينُهْ

نَجِدُ الأمْنَ والسعادة فيه فَلَقدْ عَزَّ من سبيل أمينه

ولقد ذَلَّت الرِجَال ودانَتْ لِلذي كان قبلَ ذاكَ تُدِينُهْ

ص: 140

نَقَضَتْ عهدها وخانَتْ فَهانتْ واعتراها ذُلُّ الفسادِ وهونُهْ

ورأينا بأعين العَجز مَنَّا هَجْعَةَ الَّليثِ حين دِيسَ عَرينُهْ

عزمةٌ منك تبعث العزم فينا صارماً حَدُّه وَرَيّاً كمينُهْ

أملًا يملأ النفوس فيمضي يَحْطِمُ القيدَ بالإِباءِ رَهينُهْ

كالربيعِ الضَّحوكِ يَطْفَحُ بِشراً بأزاهيره زَهَا تلوينُهْ

وعلى سَجْعِ طيرهِ وغِناهُ رَفَّ زَيتُونُهُ وَرفْرَفَ تِينُهْ

أجدَر النّاس بالكرامةِ عبدٌ تَلِفَت نَفْسُه لِيَسْلَمَ دِينُهْ الهوامش:

رسالة رئيس منظمة الحجّ والزيارة إلى وزير حجّ المملكة العربية السعودية

ص: 141

رسالة رئيس منظمة الحجّ والزيارة إلى وزير حجّ المملكة العربية السعودية

بسم اللَّه الرحمن الرحيم الحمد للَّه والصلاة والسلام على رسول اللَّه محمد خاتم النبيين وآله الطيبين الطاهرين، وصحبه المنتجبين إلى قيام يوم الدين. سعادة الاخ الدكتور محمود بن محمد سفر- وزير الحج للمملكة العربية السعودية المحترم، السلام عليكم ورحمة اللَّه وبركاته

حمداً للَّه سبحانه، وله الشكر أن منَّ عليَّ وعليكم بتوفيق خدمة حجّاج بيت اللَّه الحرام، واستطعنا بفضله ومنّته أن نطوي موسم حجّ آخر، أدّى فيه عباد اللَّه مناسكهم، وعادوا إلى أوطانهم سالمين غانمين.

نعم، لقد كان لحادث حريق منى- حيث توفي جمع من الحجاج، وأُصيب جمع آخر منهم- وقع مؤلم على القلوب، وسيكون من الحوادث المؤلمة التي تذكر في تأريخ الحج، غير أن عزاءنا جميعا أن هؤلاء لقوا مالقوا في طريق زيارة بيت اللَّه الحرام وأداء نسك الحج، وأملنا كبير في أن يتغمد اللَّه سبحانه المتوفين برحمته الواسعة،

ص: 142

ويغدق على المصابين أجر الصابرين المحتسبين. ويلزمني أن أتقدم بالشكر لكل العاملين في البلدين الشقيقين الجمهورية الاسلامية الايرانية والمملكة العربية السعودية على ما بذلوه من جهود في أرض منى؛ لتجاوز العقبات والنقائص، التي سببها الحريق، ولتوفير الراحة لضيوف الرحمن. شكر اللَّه مساعيهم، فخدمة حجاج بيت اللَّه الحرام من أفضل الأعمال وأجلّها كما ورد في النصوص الإسلامية:

سأل رجل الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام قال: إنا إذا قدمنا مكة، ذهب أصحابنا يطوفون، ويتركونني أحفظ متاعهم. قال الامام: أنت أعظمهم أجراً.

وعن رجلين تزاملا في سفر الحج فلما دخلا، المدينة اعتلّ أحدهما، فكان الآخريمضي إلى المسجد، ويدع صاحبه وحده، فبلغ ذلك الإمام الصادق عليه السلام، فأرسل إليه، وقال له: قعودك عنده أفضل من صلاتك في المسجد.

من هاتين الروايتين يتبين عِظم أجر خدمة ضيوف الرحمن. نسأل اللَّه سبحانه أن يجعل أعمالنا خالصة لوجهه الكريم، ويتقبل منّا ومنكم، ويوفقنا لمزيد من هذه الخدمة الجليلة.

من جانب آخر، مثل هذه الخدمة الكبرى لا يمكن أن تخلو من عيب ونقص؛ بسبب حجمها الهائل وضخامة مسؤولياتها، من هنا فلابدّ من تظافر الجهود؛ للتغلب على النواقص، وإحدى السبل في ذلك فتح باب النقد الذاتي، وهي سنّة إسلامية أكّدها رسول اللَّه صلى الله عليه و آله بقوله لجموع المسلمين: «رحم اللَّه امرئاً أهدى إليّ عيوبي»، وورد عن أئمة أهل البيت عليهم السلام قولهم: «أحبّ إخواني إليّ من أهدى إليّ عيوبي».

ومن الوفاء أن أذكر أولًا أن السنوات الماضية شهدت تطويراً في أداء الخدمات لحجاج بيت اللَّه الحرام مثل: توسعة الحرمين، ومدّ الطرق والجسور، وتوفير احتياجات الحجاج و ... لكن هناك الكثير من

ص: 143

المشاكل، التي يمكن تجاوزها، أو تقليصها إلى أقل حدٍّ ممكن عن طريق الاستثمار الأفضل والأصح للإمكانيات الموجودة، ومعرفة طبيعة هذه المشاكل، والتفكير الجادّ في الحلول العملية، مما يوفر رضا ضيوف الرحمن، وبالتالي رضا ربّ العزّة والجلال. لقد تلمست من معاليكم خلال سنوات توليكم وزارة الحج رغبةً صادقةً في تطوير أداء الخدمات، واهتماماً جاداً بتحسين أوضاع الحج، باطّراد. لذلك دأبتُ بعد انتهاء كل موسم أن أكتب لكم وجهات نظرنا بشأن ماحدث في ذلك الموسم، ووجدنا- والحمد للَّه- اهتماماً بما كتبناه لكم، ورأينا تنفيذاً لبعض ما قدمناه من اقتراحات، وهذا يشجعنا على مواصلة هذه السنّة الحسنة.

والآن وبعد موسم حج سنة 1417 ه أتقدم بالشكر لمعاليكم، ولكل العاملين معكم في وزارة الحج، وللّذين ساهموا في خدمة الحجاج، آملًا أن يكون تقريرنا هذا مساهمة في هذه الخدمة الكبرى بإذنه تعالى، وأن يكون عاملًا على مزيد من التعاون لما نصبوا إليه جميعاً في الحج.

*** آ- مطار جدة

1- لقد تعامل المسؤولون في مطار جدة هذا العام- مع الأسف- تجاه ما يحمله الحجاج من المصاحف وكتب الأدعية، والمناسك والمكتوبات الشخصية بشكل يتنافى مع ما اتفقنا عليه، ومع أصول الخلق الإسلامي، فقد أخذوا تلك الكتب ورموها جانباً، وأبوا أن يعيدوها إلى أصحابها رغم المطالبة والتوضيح، مما أدى إلى استياء الحجاج الإيرانيين. أَليس الحجّ مكاناً للعبادة والدعاء والتضرع إلى اللَّه سبحانه؟ أَلستم تصرّون على أن الأماكن المقدسة خاصة بالعبادة؟

فلماذا إذن تحجز المصاحف وكتب الدعاء، وقد ورد في النصوص أن «الدعاء سلاح المؤمن» وأن «الدعاء مخّ العبادة». ربما يقول قائل: إن

ص: 144

المصاحف متوفرة في المساجد. هذا صحيح، ولكن الحجاج يحتاجون إلى تلاوة القرآن في منازلهم أيضاً، وعادة الناس عندنا أن يختموا القرآن مرةً أو مرات خلال أيام حجّهم، أو أن يكثروا من تلاوته في تلك الأيام المباركة.

فلماذا يُحرمون من ذلك؟ ولماذا يعود الحجاج من سفرهم التأريخي المقدس هذا، وهم يحملون مشاعر جريحة من جراء هذا التعامل؟ جدير بالذكر أن أكثر الكتب المحتجزة قد سبق أن قدمت نماذج منها إلى المسؤولين السعوديين مما لا يدع أيّ مبرر لاحتجازها.

2- الحجاج القادمون إلى موسم الحج ينتمون إلى مذاهب مختلفة منهم الحنبلي والشافعي والحنفي والمالكي والجعفري و .. ومن الضروري أن يشعر هؤلاء جميعاً بأن روح الاخوّة الإسلامية هي التي تسود بينهم جميعاً، وأنّ الفوارق الفقهية بينهم ضئيلة لاتكاد تميّز بينهم في موسم الحج. لكن الحجاج في المطار يواجهون كتباً تصرّ على طرح مسائل في الفروع والأصول وفق مذهب معين، وبذلك تخلق نوعاً من الاستفزاز الطائفي الذي لا مبرّر له إطلاقاً، والأغرب من ذلك أن الحاج الإيراني يرى أنه ممنوع من اصطحاب كتب المناسك معه، مما يُشعر بأن هناك إصراراً على فرض حالة من الطائفية البعيدة عن روح الاخوّة الإسلامية في موسم الحج. نحن على استعداد للتحدث بشأن هذه المسألة قبل موسم الحج القادم؛ لتجاوزها ولإحلال روح الاخوّة الإسلامية بين جميع المسلمين.

3- علماء الدين يحظون عند جميع المسلمين بمنزلة خاصة وحرمة خاصة. من هنا لابد من التعامل معهم في المطار بما يتناسب ومكانتهم. ولكن الملاحظ أن هؤلاء الأجلاءيخضعون في المطارلحالة مزريةموهنة من التفتيش، لا تتناسب مع توجهات حكومة خادم الحرمين الشريفين؛ لذلك يلزم الإيعاز برعاية حرمة علماء الدين.

4- من الأمور الهامة في إدارة الأعمال- كما تعلمون- الانسجام

ص: 145

الكامل بين الأقسام التنفيذية. لكن المشاهد في مطار جدّة هو غياب هذا الانسجام وحضور التعامل الذوقي الفردي مكانه، مما يؤدي الى اختلال الأمور. بعض العاملين في المطار يجهلون التعليمات بشأن الجوازات، وبعضهم شباب قليلو التجربة، وبعضهم شيوخ بطيئو الحركة، وربّما شاهدنا توقف أجهزة الكامپيوتر في الصالة، مما يؤدي بأجمعه إلى تعب الزائرين وإرهاقهم. وتتركز هذه المشكلة بشأن جوازات الخدمة.

فأصحاب هذه الجوازات لا يجدون أية تسهيلات- كما هو المتعارف بين الدول الصديقة- بل يواجهون مزيداً من التأخير في بعض الأحيان.

5- فترة رحلات الطائرات الإيرانية مضغوطة، والصالة لا تستوعب حجاج عدد من الرحلات، مما يؤدي إلى تأخر في الإجراءات، وقد يؤدي ذلك إلى بقاء الحاج أكثر من ثماني ساعات في صالة الانتظار.

من هنا نرى ضرورة عدم الاكتفاء بصالة واحدة للسنوات القادمة.

6- الأسلوب الجديد في صدور تذاكر الحافلات عن طريق مكتب الوكلاء الموحّد أحدث مشاكل منها:

- انخفاض قدرة الأداء رغم زيادة العاملين.

- عدم توفر التدريب الكافي للعاملين.

- إضافة طابور جديد في مداخل المطار وازدحام الحجاج. يمكن حلّ المشاكل المذكورة عن طريق إصدار تذاكر جماعية للقوافل، وتسليمها إلى ممثلى تلك القوافل.

7- المواقف الخاصة لا تفي بحجم الحجاج الإيرانيين القادمين. ونشير الى أننا اتفقنا مع معاليكم على زيادة مساحة هذه المواقف.

*** ب- إسكان الحجاج

مشاكل قسم الإسكان:

1- تعدد مرات التفتيش المختلفة دون تنسيق مسبق، ودخول الأفراد

ص: 146

إلى منازل الحجاج يؤدي إلى اختلال في إدارة أمور الحجاج. ومن الطبيعي أن هيئة الإسكان ملزمة بالتعاون والتنسيق مع الجهات المعنية رسمياً من قبل المملكة العربية السعودية، وتعتذر عن التعاون مع أية جهات أخرى، وعن السماح لهم بدخول المنازل.

2- ممثلو وزارة الحج ومؤسسة المطوفين يقومون بتفتيش المنازل بعد إسكان الحجاج، وبعد أن سعت لجنة الإسكان إلى رفع نواقص تلك المنازل.

مما يجعل عملية التفتيش غير مجدية.

ولكي تكون مفيدة، لابدّ من أن تتزامن مع جهود لجنة الإسكان في إعداد السكن، وأن تكون قبل عشرة أيام على الأقل من ورود أول مجموعة من الحجاج.

3- عملية إرسال العقد الموقع بين لجنة الإسكان وأصحاب المنازل إلى مؤسسة المطوفين، ثم من المؤسسة إلى وزارة الحج لتأييده، وعودته إلينا، وتسليمه للمالكين تستغرق مدة طويلة مما يؤدي إلى اختلال العمل.

4- التعليمات تقتضي اجتناب استيجار المنازل الفاقدة للتصريح ما أمكن ذلك. ومن جهة أخرى نرى بعض المنازل لدى الإقدام على استيجارها لم تحصل على التصريح بعد، وتصريحها قيد التنفيذ. من هنا نرى من المناسب الإسراع في إعطاء التصريحات للمنازل، التي تتوفر فيها الشروط خلال شهر رجب.

5- نظراً لعدم توفر مياه الشرب بالمقدار الكافي لدى ازدحام الحجيج، من المناسب اتخاذ مايلزم لتعبئة مياه زمزم بشكل صحي وتوزيعها على المنازل.

6- موسم الحج يتجه إلى الاقتراب من فصل الشتاء، ولابدّ من الاهتمام بتوفير الماء الساخن في حمامات المنازل، وأن يدرج موضوع السخانات في التعليمات والتنظيمات، كما أن توفّر وسائل التدفئة كالبطانيات ضروري أيضا.

7- عملية توزيع اللافتات المنصوبة على المنازل؛ لتوجيه الحجاج

ص: 147

بواسطة مؤسسة المطوفين كانت في الموسم الماضي ذات نواقص كثيرة.

نقترح أن يتفق الجانبان على شكل معيّن لهذه اللافتات، وبعد الاتفاق النهائي، يأتي مدراء القوافل بهذه اللافتات الموحّدة المتفق عليها من إيران، كي نؤمّن مسألة التوحّد في هذه اللافتات، ونعفي المؤسسة من هذه المسألة؛ لتنصرف الى أعمالها المكثفة في الموسم.

8- من المناسب إصدار التعليمات إلى البلدية للاهتمام أكثر بنظافة أطراف المنازل، وخاصة أطراف المجتمعات السكنية، حيث تجتمع أحيانا القاذورات لأيام مسببة تلوث البيئة والأمراض.

9- يُطلب من المالكين توفير خط تلفون واحد على الأقل لكل 200 زائر، قبل إسكان الحجاج، وفي زمان منح التصريح، لراحة الحجاج.

10- يُطلب من مسؤولي «النقل الجماعي» زيادة خطوطها في مسير قوافل الحجاج الايرانيين، كي تتوفر للحجاج إمكانات التردد بين الحرم ومنازلهم البعيدة.

*** ج- النقل بين المدن

المشاكل المرتبطة بالنقل:

1- التحسن النسبي في وضع شركات نقابة السيارات تبعث على السرور، لكن عدد الشركات الملتزمة بنقل الحجاج الايرانيين كثيرة (10 شركات)، ومن أجل ضبط السيطرة وتسهيل الارتباط بالشركات، نرجح حصر عدد الشركات في خمسة على أكثر تقدير.

2- في تقييمنا للحافلات تحوز شركة سابتكو على معدل 98 بالمائة باعتبارها أفضل الشركات المتعاملة معنا، وشركات: المغربي، دلة، مكة، والسعودية على أقل معدّل يبلغ 4/ 93، ومن المناسب أن تحذف هذه الشركات من قائمة مجموعة شركات نقل الحجاج الإيرانيين.

3- رغم تحسن وضع الحافلات

ص: 148

كما ذكرنا، غير أن بعض مواد الاتفاق بيننا وبين النقابة لا يراعى في كثير من الأحيان مثل نظافة الحافلة، ومهارة السائق، ومعرفته للطرق، وتمكنه من اللغة العربية، وتوفر المياه الباردة وغيرها. وهذا يتطلب المزيد من الأوامر والتأكيدات.

4- يشاهد مع الأسف أحياناً تصرف سي ء بعيد عن الخلق الإسلامي من قبل السواق ومسؤول النقل الجماعي، وكذلك عدم توفّر المكان المناسب لعفش الحجاج في المقاعد الخلفية خلافاً لصريح الاتفاق، مما يسبب مشاكل في سفر الحجاج.

5- مما يسبب في راحة الحجاج وسلامتهم لدى سفرهم زيادة عدد ورشات الصيانة الثابتة والسيارة بواسطة شركات النقل بين المدن، خاصة في مسير جدة- الجحفة- مكة، ومسير جدة- المدينة، والمدينة- مكة وبالعكس، وهكذا طباعة قائمة بعنوان هذه الورشات الثابتة وأرقام هواتفها، أو إعدادها بشكل ملصق يوضع في كل باص.

6- النقص في علامات المرور على مسير ميقات الجحفة لايزال من مشاكل الحجاج، وقد يؤدي أحياناً إلى تأخّر الحجاج عن موعد مناسك عمرة التمتع ووقوعهم في مشاكل شرعية. زيادة عدد العلامات يؤدي حتماً إلى تقليل هذه المشاكل.

7- إدارة شؤون النقل داخل المدن وبين المدن في الظروف العادية، لا يمكن أن تلبّي حاجة المسافرين في أيام الحج. من هنا فلابد من إدارة خاصة لأيام الموسم تتصرف وفق نظام جديد يتناسب مع الحالة الخاصة، التي تواجه النقل خلال 20- 30 يوماً من أيام الموسم.

*** د- المشاعر المقدسة وأيام التشريق

1- الخيام:

1/ 1- حادث حريق منى من الحوادث الهامة في موسم الحج الماضي، وقد أدّى إلى وفاة كثيرين

ص: 149

وإصابة آخرين. وهذا الحريق لو قُدّر له أن ينشب في اليوم العاشر أو الحادي عشر لأدى إلى مأساة كبرى للعالم الإسلامي. وهذه الحادثة ليست الأولى من نوعها، ولو لم تتخذ الإجراءات الحاسمة للوقاية منها فسوف لا تكون الأخيرة من نوعها لا سمح اللَّه. نحن نقترح عقد اجتماع من العلماء والمتخصصين من جميع أرجاء العالم الإسلامي لدراسة مسألة البناء في منى. وإذا لم تحسم هذه المسألة، فإن هذه المآسي ستتكرر ويذهب ضحيتها جموع من ضيوف الرحمن.

نشير هنا إلى أن هذه المسألة تحتاج إلى وقت لحسمها، وخلال هذا الوقت يمكن الاستفادة من التقنيات الحديثة للحدّ من وقوع هذه الكوارث. بعض المراكز الصناعية في الجمهورية الإسلامية الإيرانية أعربت عن استعدادها لصنع خيام منى وعرفات من مواد مقاومة للاحتراق.

2/ 1- مؤسسة مطوفي الحجاج الإيرانيين تخصص كل عام القطع 76، 77، 80، 81، 82، 83، 84، 85 في أرض منى للحجاج الإيرانيين، وتوزعها على المكاتب التابعة (11 مكتباً). وهذا التوزيع يتم بشكل غير منتظم على القطعات مما يؤدي إلى تشتت المكتب الواحد، وكان ذلك نصيب 7 مكاتب في موسم الحج الماضي بين المكاتب الأحد عشر. كما أن شارعاً يمرّ بين القطعات الاصلية والقطعات المتممة مما يؤدي الى مشاكل في الإشراف وتنقل الحجاج.

ومن الضروري التغلب على هذه الظواهر بدراستها على الواقع ووضع مخطط جديد لها. لذلك نقترح إعادة النظر في تفكيك القطع الثمان، وتوزيع خدمات المكاتب بشكل يتناسب مع سعة القطع.

3/ 1- نقترح الإيعاز إلى مسؤولي مؤسسة المطوفين رسمياً بتخصيص خيام في المشاعر المقدسة لأولئك الحجاج القادمين من ايران، خارج إطار مؤسسة الحج والزيارة، إيرانيين كانوا أم غير إيرانيين، وعدم

ص: 150

توزيع هؤلاء بين المكاتب المسؤولة عن الحجاج الإيرانيين دون استشارة مسؤولي الحج والزيارة في الجمهورية الإسلامية الإيرانية، تجنباً للاخلال والإزعاج في أعمال القوافل الإيرانية.

ومن الأفضل تعيين سهم خاص لهؤلاء كي يُريحوا ويستريحوا.

4/ 1- مساحة الخيام في كثير من الحالات أقل من الحدّ المقرّر المتفق عليه. وقد يكون ارتفاع الخيمة قليلًا جداً بحيث يعيق تردد الحجاج، نأمل اتخاذ مايلزم لإزالة هذه النواقص.

2- النقل داخل المشاعر المقدسة

1/ 2- عدم الاهتمام الجاد من قبل النقابة لزيادة عدد مقاعد الحافلات.

2/ 2- التأخير في إعطاء الاعتمادات وتذاكر الحافلات بحجة استلام مبلغ في المقدمة، رغم أن الاتفاق لا ينصّ على ذلك.

3/ 2- عدم انطباق عدد الركاب المذكور في تذاكر الحافلات مع الحافلة المحوّلة من قبل شركات: أم القرى، والأندلس، ودلة. وعدم التزام النقابة والشركات بتعهداتهم.

4/ 2- ضعف خدمات الصيانة خاصة على طول المسير.

5/ 2- عدم كفاءة السائق في مهنته، بحيث أن أكثر حالات العطب ناشئة عن عدم وجود الكفاءة.

6/ 2- عدم وجود تشابه بين حافلات الإسعاف والحافلات المستأجرة. بحيث أن هذه الحافلات (الإسعاف) ذات مستوى هابط في السعة والكيفية بالنسبة للحافلات المستأجرة.

7/ 2- رغم أننا في نقل المشاعر نعتمد نظام الردّ الواحد، ندفع لذلك ضعف سائر البلدان، مع ذلك أغلب الحافلات المخصصة من موديل 77 إلى 88 وذات حالة غير مرضية تماماً.

المتوقع تخصيص حافلات لا تقل عن موديل 86.

8/ 2- استناداً الى تقارير مدراء القوافل، المبالغ المدفوعة بسبب الاختلاف بين عدد المقاعد المحوّلة

ص: 151

وعدد مقاعد الحوالة الصادرة 480/ 33 ريالًا سعودياً، وبسبب استيجار حافلات عن طريق مدراء القوافل في مسير المشاعر 000/ 25 ريال سعودي. ومثل هذه الخسائر نتحملها سنوياً بسبب عدم وجود مستندات يوافق عليها الجانب السعودي. ومشكلة هذه المستندات هي ضرورة أن تحمل توقيع السائق، وتأييد بقية المراجع القانونية مثل مؤسسة المطوفين والأدلاء، أو ممثلي الشركات .. وهذا متعذّر غالباً. من هنا نتوقع مساعدة معاليكم في تسوية الحسابات النهائية، كي نستطيع في المستقبل- إن شاء اللَّه تعالى- أن نوجّه مدراء القوافل بهذا الشأن.

9/ 2- في عرفات والمشعر ومنى في أيام التشريق، يلزم اتباع نظام في المرور يتحلّى بالسرعة والمرونة، كي يحول دون الازدحام، ويمنع حدوث احتكاك بين مسؤولي المرور والحجاج.

10/ 2- عدم تخصيص تصاريح لسيارات بعثة حج الجمهورية الإسلامية الإيرانية أدى إلى صعوبات وتعويقات في الأعمال؛ لذا يقتضي ما يلزم لصدور تصاريح لخمس سيارات يستطيع أن يتردد بها مسؤولو بعثتنا 1 بين المشاعر أسوة ببقية البعثات.

3- سائر مسائل المشاعر المقدسة:

1/ 3- تعلمون معاليكم أننا استعنا منذ سنوات بالبالون في منى من أجل توجيه الحجاج إلى محلّ خيامهم، خاصة وأن المسافة بين خيام حجاجنا والجمرات طويلة، وكثير منهم طاعنون في السن، وبعضهم أميون، واستطعنا بذلك أن نتغلب إلى حدّ كبير على ضياعهم. ولكن مُنع تصعيد البالون في موسم الحج الماضي، ولم تثمر جهودكم في توضيح الأمر لمسؤولي إطفاء الحريق. مشكلة ضياع الأفراد لو اقتصرت على حدود خيام الإيرانيين؛ لأمكن التغلب عليها عن طريق توظيف أفراد لهذا الأمر، ولكن المشكلة تتسع لتشمل المسافات

ص: 152

البعيدة عن الخيام أيضاً، عندئذ يكون استخدام الأفراد لهذا الغرض غير مفيد. لذلك نطلب إعادة النظر في رفع البالون ولو بالون مركزي واحد.

ولإكمال هذه المهمّة نطلب السماح لاستعمال الإضاءة الليزرية في الليل، وهي إضاءة غير مضرّة، وقابلة للرؤية من مسافات بعيدة.

2/ 3- بسبب قلة مساحة أرض منى، وزيادة عدد الحجاج كل عام، نقترح إنشاء مرافق صحية ذات طوابق عديدة تخصص السفلية منها للمراحيض والعليا للاستحمام.

3/ 3- بسبب زحمة الحجاج في المشاعر المقدسة، وبطء السير في الطرق بين منى والمشعر وعرفات وبالعكس، من المناسب استخدام الأساليب الحديثة في النقل. ونقترح في هذا المجال أربعة خطوط للقطارات الكهربائية (ترامواى): اثنان منها في الأنفاق الأرضية، واثنان فوق الارض؛ لنقل الحجاج بين المشاعر، مما سيكون له أكبر الأثر في إزالة تلوث الجو، وتقليل تعب الحجاج الراكبين والراجلين.

4/ 3- لتلطيف الجوّ في المشاعر وتنظيفه، نقترح شتل أشجار مقاومة للحرارة والجفاف مثل الكاليبتوس، وستعمل هذه الأشجار على تطهير الجوّ أيضا لما تفرزه من غازات مطهّرة.

5/ 3- قدمنا من قبل اقتراحاً لمسألة الحلق، وما يجرّه من وضع مزر يهدد سلامة الحجاج في منى. وذكرنا ضرورة تخصيص محل خاص بالحلق، ووضع أكياس نايلون تحت تصرّف القوافل لجمع الشعر فيها. ونحن نؤكد هنا هذا الاقتراح.

6/ 3- توقف الحافلات إلى جانب مكاتب منى يحول دون قراءة لافتات الحملات. نرجو الإيعاز إلى الجهات المختصة بمنع وقوف وسائط النقل جوار الخيام.

7/ 3- الجسور المؤدية إلى رمي الجمرات من الطابق الأعلى كانت في اليومين 11 و 12 ذي الحجة مسدودة حتى الظهر، مما أدى إلى ازدحام شديد

ص: 153

حول الجسور. ومثل هذا العمل قد يؤدي إلى بروز حوادث سيئة بسبب شدة الحرارة وحيرة الحجاج، ويؤدي إلى هجوم مباغت من قبل المتجمعين بعد فتحه مما قد يعرّض الحجاج إلى الخطر. نأمل اتخاذ أسلوب أفضل للسنة القادمة.

*** ه- المسائل العامة

1- مشكلة السرقات في الأماكن المزدحمة وخاصة في الحرمين الشريفين، واختطاف الأفراد وضربهم من أجل سلب أموالهم ظاهرة مشهودة في الموسم الماضي، ويمكننا أن نضعكم في صورة تفاصيل تلك الحوادث. لذلك نرى من الضروري استخدام عدد أكبر من البوليس السرّي لصيانة أمن الزائرين بشكل أدق وأكمل.

2- عدم وجود نظام ودائع صحيح لأموال الحجاج من المشاكل الموجودة في موسم الحج، ولابدّ من التفكير في حلّ لها.

3- انتشار الأمراض المسرية من المشاكل التي تؤذي الحجاج كل عام، وقد يعود الحاج وهو مبتلى لأشهر بهذه الأمراض، من هنا لابد- كما ذكرنا سابقاً- من إجراء دراسات تخصصية موسعة في هذا المجال. وأعرب مرة أخرى عن استعداد اللجنة الطبية لحج الجمهورية الإسلامية الإيرانية للتعاون في هذا المجال.

جدير بالذكر أن عدم الاهتمام اللازم بالنظافة في المشاعر والمسجد الحرام، وخاصة في قسم مياه زمزم ومحلات الوضوء والمرافق يوفّر الأرضية المساعدة لانتشار هذه الأمراض، وهذا يستلزم مزيداً من الاهتمام بالتوجيه الصحي للحجاج.

4- المسائل المرتبطة بوراثة الحجاج المتوفين في المملكة سواء من نقل منهم إلى إيران أو دفن هناك تتطلب في الأجهزة القضائية الإيرانية شهادة وفاة من الشرطة السعودية.

لكن الحصول على هذه الشهادة من

ص: 154

الشرطة فيه صعوبات جمّة. نرجو الإيعاز بتقديم التسهيلات اللازمة.

5- من الضروري تنظيم توزّع الناس في المسجد الحرام بحيث لا يزاحم المصلي الطائف، ولا الماشي المصليَ، ولا مستلم الحجر حركةَ الطواف، ولا المارةُ الساعينَ بين الصفا والمروة. وهذا يحتاج الى خطة تحول دون التداخل الحالي.

6- لعل جميع الحجاج القادمين إلى الحرمين الشريفين يودّون أن يقضوا أكثر أوقاتهم في العبادة بالحرمين الشريفين. وهذا الهدف يتحقق في مكة المكرمة حيث المسجد الحرام يستقبل الناس ليل نهار. لكن ذلك متعذر في المدينة المنورة، بسبب الإسراع في غلق المسجد النبوي الشريف بعد صلاة العشاء. ثمة مطالب كثيرة أحملها من الايرانيين تدعو حكومة المملكة العربية السعودية إلى فتح أبواب المسجد النبوي خلال موسم الحج على الأقل في الليل أيضاً.

7- في المدينة المنورة وخاصة في البقيع يواجه الحجاج موانع ومشاكل، من ذلك على سبيل المثال منعهم من الذهاب تحت مظلة البقيع، وكون الطرق المؤدية إلى المسجد النبوي ترابية. من المناسب اتخاذ مايلزم لإزالة هذه الظواهر. ومن الطبيعي أن حجاجنا سوف يتعاونون على حفظ الانضباط والنظام في هذه الأماكن الشريفة.

8- الارتباط عن طريق الهاتف العمومي بإيران من المملكة، وخاصة من المدينة ما كان متيسراً خلال الموسم الماضي. وكان اسم إيران محذوفاً من قائمة «الكود» في الهواتف العمومية. وهذا يترك انطباعاً سيئاً لدى الحجاج لايتناسب مع العلاقات الودية بين بلدينا؛ لأنهم يشعرون بنوع من التمييز بينهم وبين سائر حجاج البلدان الإسلامية. من المؤمل أن لا يتكرر مثل ذلك في السنوات القادمة.

9- بعد طلبنا إقامة عدد من الخطوط الدولية والداخلية، فقد تمّ

ص: 155

نصب بعض التلفونات المطلوبة، لكن الهواتف الدولية كانت بين الفينة والأخرى تتوقف عن العمل بحيث أدى إلى ارتباك الأمور في البعثة، وما عاد إرسال الفكس إلى إيران مقدوراً.

وأحياناً كان الارتباط الدولي ينقطع تماماً، ويتحول الهاتف إلى داخلي فقط.

وكانت هذه المشكلة تواجهنا حتى في مكاتب الهاتف، فيقولون: إن خط إيران «خربان». بينما كانت مدارات الارتباط بإيران سالمة، وكان من الممكن الارتباط بايران في المنازل والفنادق. وهذه المشاكل أثارت اعتراض حجاجنا خاصة أولئك الذين اشتروا كارت الاتصال من فئة 100 ريال أو 50 ريالًا. وهكذا كان من المقرر حسب الاتفاق منحنا تلفونات جوّالة، وكتبنا إلى دائرة الهاتف في المدينة المنورة ومكة المكرمة طالبناهما بخمسة تلفونات جوّالة. ولكن طلبنا بقي دون جواب.

نقترح ايصال نسخة من اتفاقنا إلى الجهات المختصة بسرعة، وأن يتعين ممثل عن دائرة الهاتف في كل من مكة المكرمة والمدينة المنورة وجدّة للاتصال به عند اللزوم.

10- واجه الحجاج هذا العام في المسجد النبوي الشريف مزيداً من العنت والتضييق. فقد كان مأمورو الأمر بالمعروف في الحرم يقتحمون صفوف الحجاج الجالسين بانتظام وهدوء لتلاوة الدعاء، فينتزعون كتاب الدعاء من يد الحاج، مما يؤدي إلى استياء شديد بينهم. نطالب بإصدار التعليمات اللازمة لمنع هذه التصرفات المشينة التي تترك أسوأ الآثار في نفوس الحجاج. طبعاً، نحن نؤيد تمام التأييد أي عمل إرشادي للحجاج خاصة في موسم الحج بمعزل عن الإهانات والإثارات الطائفية.

معالي الأخ الوزير

نحن نؤمن بأن السبيل الوحيد للتغلب على المشاكل والنقائص هو تظافر جهود كل البلدان الإسلامية استجابة لقوله سبحانه: وتعاونوا على البرّ والتقوى، دون أن يكون

ص: 156

للاختلافات السياسية والجغرافية واللغوية والمذهبية دور في عملية بذل الجهود.

من هنا فإننا نكرر اقتراحنا بضرورة اشتراك متخصصين من كل البلدان الإسلامية بإشراف المملكة العربية السعودية من أجل إجراء دراسات معمقة لكل المسائل التنفيذية للحج والتوصل إلى أنجع الحلول.

إنكم قادرون على بثّ روح «الاستباق للخيرات» بين المسلمين في هذا المجال، وسيكون لهذا الأمر نتائج ملموسة تعود بالخير والبركة على حجاج بيت اللَّه الحرام، وعلى الجوّ الإسلامي المعنوي للحج.

أغتنم الفرصة لأرفع إليكم تحيات أخوية عطرة أحملها من معالي وزير الثقافة والإرشاد الإسلامي في الجمهورية الإسلامية الإيرانية إلى معاليكم، كما أحمل إعلان استعداد الوزارة كاملة للتعاون الأخوي مع حكومة المملكة العربية السعودية وشخصكم الكريم، وكل العاملين في حقل الحج.

في الخاتمة أسأل اللَّه سبحانه أن يمنّ علينابفضله وكرمه لأن نصل إلى ما نصبو اليه جميعاً عن طريق تعاون جادّ مخلص بين الحكومتين الإيرانية والسعودية.

إن ما تلمسناه فيكم من روح تطوير للحج وتقبل للاقتراحات، وتفهّم للمشاكل، وتحرٍّ للنقائص هو الذي شجعنا على الكتابة إليكم، وإننا إذ نطرح هذه المشاكل نعلن ثانية عن استعدادنا للتعاون معكم في التوصل إلى حلول بشأنها، وأملنا أن نكون قد قطعنا بهذا الكتاب خطوة أخرى على طريق التعاون مثلما تلمسنا أثر مثل هذه الكتابة من قبل. وما توفيقي، إلّا باللَّه عليه توكلت وإليه أنيب.

والسلام عليكم ورحمة اللَّه وبركاته

أخوكم محمد حسين رضائي

رئيس منظمة الحج والزيارة في الجمهورية الإسلامية الإيرانية

الحرم المكّي في مرآة الفقه (2) خصوصيات مكّة المكرّمة

ص: 157

الحرم المكّي في مرآة الفقه (2) خصوصيات مكّة المكرّمة

عبدالكريم آل نجف

في دراستنا السابقة تحدّثنا عن الخصوصيات الشرعية للحرم المكّي؛ ونحاول الآن في هذه الدراسة تسليط الأضواء على الخصوصيات الشرعيّة لمدينة مكّة، ومن الطبيعي أن لا نتناول الخصوصيات المشتركة بينهما التي مر البحث فيها آنفاً كخصوصية الأمن.

1- كراهة السكنى في مكّة

ذكر الفقهاء كراهة المجاورة في مكّة: منهم الشيخ المفيد في المقنعة (1) والشيخ الطوسي في النهاية (2)، والمبسوط (3)، وابن البراج الطرابلسي في المهذب (4)والعلامة الحلي في تبصرة المتعلمين (5)، وتلخيص المرام (6)، وقواعد الأحكام (7)، والمحقّق الحلّي في الشرائع (8)، وعدّه الشهيد الأول في الدروس الشرعية الرأي المشهور في المسألة (9)، وفي المدارك للسيّد محمّد العاملي أنهُ المعروف بين الأصحاب (10) وإن اختار تقييد الكراهة بما إذا كانت الإقامة سنةً تامة متواصلة مع الخوف من ملابسة


1- 1 مرواريد، علي اصغر، الينابيع الفقهيّة 7: 95.
2- 2 المصدر نفسه: 219.
3- 3 المصدر نفسه 30: 260.
4- 4 المصدر نفسه 7: 333.
5- 5 المصدر نفسه 30: 294.
6- 6 المصدر نفسه: 342.
7- 7 المصدر نفسه 8: 763.
8- 8 المصدر نفسه 8: 646.
9- 9 المصدر نفسه 30: 466.
10- 10 العاملي، محمّد بن علي، المدارك 8: 271.

ص: 158

الذنب، وفي الدروس الشرعية قيّد الشهيد الأول الكراهة بما إذا لم يأمن نفسه من الوقوع في المحذورات فإذا أمن ذلك استحبت له الإقامة في مكة، وفي رياض المسائل أنّ الأخذ بما هو المشهور- وهو الكراهة مطلقاً- أولى (1)، ومال إليه صاحب الجواهر (2).

ومنشأ الاختلاف في المسألة، النصوص المختلفة، فقد وردت في الوسائل إحدى عشرة رواية تؤيد رأي المشهور: منها روايات صحيحة معتبرة كرواية الحلبي عن الصادق عليه السلام قال: «سألت أبا عبد اللَّه عليه السلام عن قول اللَّه عزّوجلّ ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم (3)

فقال: كل الظلم فيه إلحاد، حتى لو ضربت خادمك ظلماً خشيت أن يكون إلحاداً» فلذلك كان الفقهاء يكرهون سكنى مكّة» (4)، ورويت تحليلات أخرى كالتحليل بأنّ المجاورة فيها تُقسي القلب (5)، وأن من سارع إلى الخروج منها دام شوقه إليها (6).

وإلى جانب ذلك وردت أخبار أخرى تقيد الإقامة في مكة بمدة أقل من سنة كما عن الباقر عليه السلام: «لا ينبغي للرجل أن يقيم بمكّة سنة، قلت: كيف يصنع؟ قال:

يتحوّل عنها ..» (7)، وأخبار أخرى تدل على استحباب الإقامة مطلقاً كالخبر المروي عن علي بن مهزيار «قال: سألت أبا الحسن عليه السلام المقام بمكّة أفضل أو الخروج إلى بعض الأمصار؟ فكتب: المقام عند بيت اللَّه أفضل» (8).

وقد ظهر إزاء ذلك اتجاهان فقهيّان، اتّجاه يحاول الجمع بين الأخبار بهذا الوجه، وذلك كما في المدارك حيث كتب يقول: «والذي يقتضيه الجمع بين هذه الروايات كراهة المجاورة سنة تامّة حيث لا يخرج فيها إلى غيرها، وكذا ما دونها مع الخوف من ملابسة الذنب، واستحبابها على غير هذين الوجهين، وربما جمع بينهما بحمل أخبار الترغيب على المجاورة للعبادة، وحمل ما تضمن النهي عن المجاورة لغيرها كالتجارة ونحوها، وهو غير واضح» (9).

واحتمل في الجواهر «كون مراد القائل استحباب الجوار من حيث كونه


1- 1 الطباطبائي، السيّد علي، رياض المسائل 7: 156.
2- 2 النجفي، محمّد حسن، جواهر الكلام 7: 278- 279.
3- 3 سورة الحجّ: 25.
4- 4 الحر العاملي، محمّد بن الحسن، وسائل الشيعة 13: 131- 232.
5- 5 المصدر نفسه: 234- 235.
6- 6 المصدر نفسه: 234.
7- 7 المصدر نفسه: 233.
8- 8 المصدر نفسه: 232.
9- 9 العاملي، محمد بن علي، المدارك 8: 272.

ص: 159

جواراً لا من حيث العبادات الأخرى من طواف ونحوه، وبذلك يظهر لك عدم التنافي بين النصوص» (1)، وعلى ذلك سار الفاضل الهندي في كشف اللثام (2) والاتجاه الآخر يرفض الجمع ويتمسّك بالكراهة المطلقة. كما في رياض المسائل حيث كتب يقول ردّاً على كشف اللثام: «ومقتضى الأصول وان كان لزوم تقييد إطلاق ما سبقها بها، إلّاأنّ التعليلات فيها كادت تلحقها بالنصّ على الكراهة مطلقاً، سيما التعليل بإيراثها قساوة القلب، وأنه أمر غير اختياري، فيكون التعارض بينهما من قبيل تعارض النصّين، ولا ريب بأنّ الأخذ بما هو المشهور أولى .... فالكراهة لا معارض لها من قبيله فصاعداً ليتوقف في الفتوى بها مسامحة» (3).

والشي ء الذي يهمّنا في هذه الدراسة بيان هذه الخصوصية لمكّة المعظمة سواء كانت الكراهة مطلقة أم مقيّدة.

2- حكم البناء أعلى من الكعبة

اشتهر بين الفقهاء كراهة البناء أعلى من الكعبة الشريفة بالنسبة الى أهل مكّة. و هو الظاهر من عبارة الشيخ في المبسوط (4) و النهاية (5) و صرح به العلامة في قواعد الأحكام (6) وإرشاد الأذهان (7)، وكذلك الشهيد الأول في الدروس (8)، والمحقّق في الشرائع (9) والمختصر (10) ومال إليه الشيخ النجفي في الجواهر (11). وهناك قول آخر في المسألة وهو الحرمة، وقد نُسب هذا القول في المدارك إلى الشيخ وجماعة (12). وقد مرّ أن الظاهر من رأي الشيخ في النهاية والمبسوط الكراهة لاستعماله عبارة «لا ينبغي ...» الظاهرة في الكراهة. والظاهر من عبارة القاضي ابن البراج الحرمة (13) ونص العلّامة في تلخيص المرام بقوله: «يحرم الارتفاع على الكعبة بالبناء ..» (14) ومدرك المسألة عند الجميع صحيحة محمّد بن مسلم عن الإمام الباقر عليه السلام أنه قال: «لا ينبغي لأحد أن يرفع بناء فوق الكعبة» (15) وهي


1- 1 النجفي، محمّد حسن، جواهر الكلام 7: 279.
2- 2 الفاضل الهندي، كشف اللثام 1: 385 س 4.
3- 3 الطباطبائي، السيّد علي، رياض المسائل 7: 155.
4- 4 مرواريد، علي اصغر، الينابيع الفقهيّة 30: 259.
5- 5 المصدر نفسه 7: 218.
6- 6 المصدر نفسه 8: 763.
7- 7 المصدر نفسه 30: 323.
8- 8 المصدر نفسه: 467.
9- 9 المصدر نفسه 8: 646.
10- 10 المصدر نفسه 8: 680.
11- 11 النجفي، محمّد حسن، جواهر الكلام 7: 267.
12- 12 العاملي، محمّد بن علي، المدارك 8: 257.
13- 13 مرواريد، علي اصغر، الينابيع الفقهيّة 7: 324.
14- 14 المصدر نفسه 30: 342.
15- 15 الحر العاملي، محمّد بن الحسن، وسائل الشيعة 13: 233.

ص: 160

ظاهرة بالكراهة، وروى الشيخ المفيد في المقنعة أن الإمام الصادق عليه السلام «نهى أن يرفع الإنسان في مكّة بناء فوق الكعبة» (1). وهذه العبارة تحتمل الحرمة، لكن الرواية مرسلة خالية من الإسناد، ولذلك قال في المدارك: إنّ القول بالتحريم «مناسب للتعظيم إلّاأن الأشبه الكراهية لأصالة عدم التحريم، ولقوله عليه السلام في صحيحة محمّد ابن مسلم، ولا ينبغي ..».

ثمّ إنّ البناء يشمل الدور وغيرها، ومنه حيطان المسجد الحرام نفسه فيجري عليها الحكم، والظاهر من رفع البناء أن يكون ارتفاعه أكثر من ارتفاع الكعبة من حيث الأصل، فلا يكره البناء على الجبال المرتفعة بأصلها على بناء الكعبة، واحتمل الفاضل الهندي شمول الكراهة لهذه الحالة أيضاً (2).

3- سواء العاكف فيه والباد

ومن خصوصيّات مكّة أيضاً ما دلّ من النصوص على ما لحجاج المسلمين من الحقّ في نزول دورها حتى يقضوا حجّهم، ونهي أهل مكّة عن وضع الأبواب والمصاريع لدورهم، وقد صيغ الحكم في المسألة تارة بصورة حرمة منع الحاج من دور مكّة، وأخرى بصورة كراهة ذلك، ونُسب القول بالتحريم إلى الشيخ، وان كان كلامه في المبسوط (3) والنهاية (4) مشعر بالكراهة لاستعماله عبارة «لا ينبغي» الظاهرة في ذلك، وفي المهذب للقاضي ابن البراج «ليس لأحد أن يمنع الحاج موضعاً من دور مكّة» (5) وهو ما يفهم منه القول بالتحريم، وفي تلخيص المرام للعلّامة أنهُ يحرم منع الحاج دور مكّة على رأي (6)، واستدل فخر المحقّقين في شرح القواعد- كما حكي عنه- بأن مكة كلها مسجد لقوله تعالى: سبحان الذي أسرى بعبده ليلًا من المسجد الحرام ... وكان الإسراء من دار أم هاني، وإن كانت كذلك فلا يجوز منع أحد منها لقوله تعالى: سواء العاكف فيه والباد (7).

وعلّق صاحب المدارك عليه بأنهُ استدلال ضعيف، أمّا، أولًا فلأن الإجماع


1- 1 مرواريد، علي اصغر، الينابيع 7: 95.
2- 2 الفاضل الهندي، كشف اللثام 1: 384 س 18.
3- 3 مرواريد، علي اصغر، الينابيع الفقهيّة 3: 259.
4- 4 المصدر نفسه 7: 218.
5- 5 المصدر نفسه: 324.
6- 6 المصدر نفسه 30: 342.
7- 7 العاملي، محمّد بن علي، المدارك 8: 255- 256.

ص: 161

القطعي منعقد على خلافه، وأمّا ثانياً فلمنع كون الإسراء من بيت أم هاني، ثمّ لو سلمناه لجاز مروره بالمسجد الحرام؛ ليتحقق منه الإسراء حقيقة إلى المسجد الأقصى (1). وردَّ صاحب الجواهر عليه أيضاً بأنهُ «منافٍ للإجماع بقسميه على عدم كونها مسجداً، مع منع كونه في الدار المزبورة» (2) ويبدو من «رياض المسائل» أنه فهم من كلام الشيخ القول بالحرمة، وقد مرّ أن كلامه في المبسوط مشعر بالكراهة، ثمّ ردَّ صاحب الرياض على الشيخ بأنّ القول بالحرمة ضعيف «لشذوذ القول به ودعوى الإجماع القطعي في السرائر والمدارك على خلافه، مضافاً إلى الأصل وأظهرية دلالة الصحاح على الكراهة من الحسنة على الحرمة» (3).

غير أن التدقيق في كلام السرائر والمدارك لا يدل على ادعاء الإجماع بالخلاف، أمّا عبارة المدارك فقد مرّت، والإجماع المدّعى فيها ليس على عدم الحرمة، وإنّما على أن مكة ليست مسجداً كما هو الواضح من عبارة الجواهر أيضاً.

وأمّا عبارة السرائر فهي في سياق بيان ما هو الدليل على أصل الحكم، حيث استدل الشيخ في المبسوط بالآية: سواء العاكف فيه والباد على قوله: «لا ينبغي أن يُمنع الحاج شيئاً من دور مكة» فأراد ابن إدريس أن يرد عليه بأنّ الآية لا تصلح للاستدلال، وإنّما الدليل هو الإجماع حيث كتب يقول معلّقاً: «للإجماع على ذلك فأمّا الاستشهاد بالآية فضعيف، بل إجماع أصحابنا منعقد وأخبارهم متواترة، فإن لم تكن متواترة فهي متلقاة بالقبول لم يدفعها أحد منهم، فالإجماع هو الدليل القاطع على ذلك دون غير، فأمّا الآية وهو قوله تعالى: سواء العاكف فيه والباد فإنّ الضمير راجع الى ما تقدّم وهو نفس المسجد الحرام دون مكّة جميعها، وأيضاً قوله تعالى: لا تدخلوا بيوتاً غير بيوتكم حتى تستأنسوا فحظر علينا عزّوجلّ دخول غير بيوتنا، فأمّا من قال: لا يجوز بيع رباع مكّة ولا اجارتها، فصحيح إنّ أراد نفس الأرض؛ لأنّ مكة أُخذت عنوة بالسيف فهي لجميع المسلمين لا تُباع ولا توقف ولا تستأجر ..» (4) فسواء كان كلام الشيخ في المبسوط


1- 1 المصدر نفسه.
2- 2 النجفي، محمّد حسن، جواهر الكلام 7: 266.
3- 3 الطباطبائي، السيّد علي، رياض المسائل 7: 157.
4- 4 مرواريد، علي اصغر، الينابيع 8: 587.

ص: 162

يدل على التحريم أو الكراهة، فإن تعليق ابن إدريس عليه جاء في سياق تنقيح الدليل ولم يرد لبيان الرأي المختار في المسألة، أي أنهُ في سياق تأكيد كلام الشيخ لا ردّه، وقد اعتمد صاحب المدارك وصاحب الجواهر على عبارة «ليس ينبغي» و «لم يكن ينبغي» الورادة في أكثر نصوص المسألة وأدلتها أساساً لاختيار القول بالكراهة، منها صحيحة حفص بن البختري عن أبي عبداللَّه الصادق عليه السلام أنهُ قال:

«ليس ينبغي لأهل مكّة أن يجعلوا على دورهم أبواباً، وذلك أن الحاج ينزلون معهم في ساحة الدار حتى يقضوا حجّهم» (1).

وفي حسنة الحسين بن أبي العلاء أن الإمام الصادق عليه السلام ذكر آية سواء العاكف فيه والباد وقال: «كانت مكّة ليس على شي ء منها باب، وكان أوّل من علّق على بابه المصراعين معاوية بن أبي سفيان، وليس ينبغي لأحد أن يمنع الحاج شيئاً من الدور منازلها» (2).

ويلاحظ في أكثر نصوص المسألة استشهاد الإمام عليه السلام بآية سواء العاكف فيه والباد والإشارة إلى معاوية بكونه أوّل من أغلق داره بوجه الحاج، وهو ما يدل على أن المراد بالمسجد الحرام في قوله تعالى: إنّ الذين كفروا ويصدون عن سبيل اللَّه والمسجد الحرام الذي جعلناه للناس سواء العاكف فيه والباد (3)

ما يعمّ مكّة، ويؤيده ما ورد آنفاً من الروايات التي فسّرت ذيل الآية وهو قوله تعالى:

ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم بأنّ المراد بالضمير المجرور في «فيه» هو مكّة أيضاً، وهو ما أدى إلى استنباط كراهة المجاورة بمكّة، ولذا ردّ في الجواهر على ابن إدريس زعمه بأنّ الآية غير صالحة للاستدلال، ونصّ على أن الأولى الاستدلال بها وبالروايات التي فسرتها.

وعلى صعيد الفقه السني، لخّص سيد قطب في سياق تفسير الآية آراء فقهاء أهل السنة في المسألة فكتب يقول:

«وقد اختلفت أقوال الفقهاء في جواز الملكية الفردية لبيوت مكّة غير


1- 1 الحر العاملي، محمّد بن الحسن، وسائل الشيعة 13: 269.
2- 2 المصدر نفسه: 269.
3- 3 سورة الحج: 25.

ص: 163

المسكونة بأهلها، وفي جواز كراء هذه البيوت عند من أجاز ملكيتها، فذهب الشافعي رحمه الله إلى أنّها تملك وتورث وتؤجر محتجّاً بما ثبت من أن عمر بن الخطاب اشترى من صفوان بن أمية داراً بمكة بأربعة الآف درهم فجعلها سجناً، وذهب اسحق بن راهويه إلى أنّها لا تورث ولا تؤجر، وقال: توفي رسول اللَّه صلى الله عليه و آله وأبو بكر وعمر وما تدعى رباع مكّة- جمع ربع- إلّاالسوائب، من احتاج سكنَ ومن استغنى اسكن. وقال عبد الرزاق عن مجاهد عن أبيه عن عبداللَّه بن عمر أنه قال:

لا يحل بيع دور مكة ولا كرؤها، وقال أيضاً عن ابن جريج: كان عطاء ينهي عن الكراء في الحرم، وأخبرني أن عمر بن الخطاب كان ينهى عن تبويب دور مكّة؛ لأن ينزل الحاج في عرصاتها .... وتوسط الإمام أحمد فقال: تملك وتورث ولا تؤجر جمعاً بين الأدلة» (1).

4- السلطة على مكّة

ونحن إذا ما تمعنّا في الآية أكثر، وجدناها تنطوي على أبعاد هامة وجديرة بالدراسة المستفيضة، فمن الواضح أنّها في سياق إبراز خصوصية لمكة، وبيان ما تمتاز به عن سائر المدن والأماكن. وهي خصوصية تساوي جميع المسلمين في العالم من حيث ما لَهم من الحقّ فيها، وإنّ نسبة الجميع إليها واحدة سواء كان عاكفاً فيها ومن أهلها أو نائياً عنها سواء العاكف فيه والباد، وهذا يعني بالنتيجة أنّ المسلمين لا يتساوون في المدن والبلدان الأخرى، ففي مدينة كبغداد وبلد كالعراق لابدّ من التسليم بحقّ خاص لأهالي هذه المدينة وسكان هذا البلد فيه بحيث لا يتساوى غيرهم معهم فيه، وإن كان الغير مسلماً، وليس ذلك إلّاحقّ إدارة المدينة أو البلد المذكور من قبل أهله ضمن قوانين الإسلام وأحكامه، ومن الطبيعي أن هذا الحقّ محفوظ لهم ما دام الحكم القائم إسلامياً. فإن اخلوا بذلك سقط هذا الحقّ الذي يعبّر عنه بالاصطلاح السياسي الحديث ب «حق تقرير المصير» وأصبح


1- 1 سيد قطب، في ظلال القرآن 5: 591.

ص: 164

بإمكان المسلمين الآخرين القيام بواجب إدارة البلد؛ لأنّ قوانين الإسلام لا تعطل بحال من الأحوال.

ومن خلال المقابلة والمقارنة بين مكّة وسائر المدن والبلدان من هذه الجهة، نفهم أنّ الحق الذي يتساوى المسلمون جميعاً فيه بالنسبة إلى مدينة مكة المكرمة ليس حقّاً عبادياً خاصاً بأداء مراسم الحج، وإنّما هو حقّ عبادي واجتماعي وسياسي شامل، وأنّهم جميعاً شركاء في حقّ تقرير مصير هذه المدينة التي جعلها اللَّه عاصمة للتوحيد في الأرض، والمسلمون هم حمَلَة راية التوحيد وبالتالي فهم جميعاً أبناء هذه العاصمة، وهم مكيّون وان لم يقيموا فيها، ولو أن الحقّ المشترك للمسلمين في مكة كان حقاً عبادياً فقط لم يعد وجه لاستشهاد الأئمة عليهم السلام بهذه الآية في النصوص المروية عنهم في مسألة كراهة منع الحاج شيئاً من دور مكة، فإنّ هذه المسألة تدلل على أن الحق المشترك للمسلمين في مكّة أوسع من الجانب العبادي وأنه يشمل جانباً اجتماعياً.

صحيح أن الآية الذين كفروا ويصدّون عن سبيل اللَّه والمسجد الحرام الذي ... نزلت بشأن مشركي مكّة ومحاولاتهم منع المؤمنين من الطواف والعبادة في المسجد الحرام، لكن ذلك لا يقيد المساواة المجعولة في الآية الذي جعلناه للناس سواء العاكف فيه والباد، فالجعل مطلق يعمّ العبادة وغيرها، وإن كان مورد الآية أمراً عبادياً خاصّاً.

وحتى لو قلنا بأنّ المساواة المجعولة خاصة بالعبادة وشؤونها، فإنّ ذلك لا يقلل من شأنها، وذلك نظراً إلى أن مكة مدينة قوامها العبادة وأساس وجودها ذلك بحيث لا تعرف إلّابها، وليس هناك مدينة تزيد عليها من هذه الجهة، وبالتالي فإنّ الإيمان بحق مشترك لجميع المسلمين بممارسة الشؤون العبادية في مكة يعني حقهم المشترك في تنظيم هذه الشؤون، وإدارة ما يرتبط بها من الأمور التي تبدأ من العبادة، ثمّ تصبح من خلال الحلقات المتصلة بها اجتماعية وسياسية، وهكذا يبدأ

ص: 165

الحق المشترك للمسلمين في مكة عبادياً، ثمّ يتطوّر فيصبح اجتماعياً وسياسياً، وما مسألة كراهة منع الحاج من سكنى دور مكة إلا تعبيراً عن هذا التطور الطبيعي، ومن الناحية العملية توجد صورتان لتجسيد هذا الحقّ.

1- صورة وجود دولة إسلامية واحدة تحكم العالم الإسلامي مركزياً.

2- صورة وجود دول متعددة.

والحق الإسلامي المشترك في مكة لا يواجه مشكلة في الصورة الأولى؛ لأنّ الدولة الواحدة هي تجسيد لإرادة العالم الإسلامي ككل، وبالتالي فإنّ قيام هذه الدولة بتسيير شؤون مكة يعني أنها تقوم بذلك نيابة عن العالم الإسلامي، وتجسيداً للإرادة الإسلامية العامة. بحيث يتحقّق معنى سواء العاكف فيه والباد.

ولكن المشكلة تظهر عندما تتعدّد الكيانات الإسلامية، ويتجزأ العالم الإسلامي إلى بلدان ودول وحكومات متعددة، وتكون السلطة على مكة جزءاً من كيان دولة معينة وحكومة خاصة، كما هي الحالة القائمة الآن.

وفي مثل هذه الحالة تظهر الحاجة إلى بلورة صيغة معينة من شأنها حماية مركزية العالم الإسلامي من التلاشي والاندثار، والحيلولة دون ضياع الخصوصية المكية، وتجسيد الحق المشترك للمسلمين فيها. والصيغة الوحيدة في ظل الظروف الراهنة هي انتخاب هيئة عليا من علماء المسلمين كافة تقوم بالإشراف على شؤون مكة المكرمة. وهذه الفكرة التي نقولها ليست جديدة ولا الأولى من نوعها في تأريخ مكة. بل إنّ لها جذوراً تمتد إلى أكثر من سبعين سنة سابقة؛ وهي من جملة الأسس التي قامت عليها الدولة السعودية الحديثة. وذلك حينما قام شريف مكة الشريف حسين بمنع حجاج نجد من أداء مراسم الحج في مكة ضمن صراع عنيف كان يدور آنذاك بين سلطنة نجد بزعامة عبد العزيز آل سعود والحجاز بزعامة الشريف حسين، وفي أثناء الصراع وجّه آل سعود خطاباً إلى أهل مكة وجدّة ضمّنه عهداً بأنّ يكون أمر «الحرمين الشريفين شورى بين المسلمين وإلّا يمضى فيهما أمر يضرّ

ص: 166

بهما أو بشرفهما؟ أو بأهلهما إلّاما توافق عليه المسلمون وامضته الشريعة» وختم بيانه بالإعلان بأن كل ما جاء فيه شاهد له- أي لآل سعود- أو عليه عند اللَّه وعند جميع المسلمين، وأنه عهد اللَّه وميثاقه (1) ثمّ دعا إلى عقد مؤتمر في الرياض حضره رجال الدين لمناقشة قضية مكة، فكان قرار المؤتمر الأخير ضرورة اللجوء إلى القوة «لتحرير الحجاز» من سلطة الشريف حسين. وكانت المداولات تدور حول أن مكة ليست ملكاً لأحد (2)، وفي شتاء عام 1924 بدأت المعركة العسكرية بين الطرفين وسقط الشريف حسين، وحلّ محله ابنه الأمير علي الذي سرعان ما تنازل لآل سعود، فوجّه آل سعود برقية إليه نصّ فيها على أن «الحرمين الشريفين ليسا ملكاً لأحد، ولكن الأشراف وعلى الأخص والدكم قد اعتبر الحجاز ملكاً خاصاً .... نحن لا نريد سوى تحرير الحجاز للمسلمين ..» (3).

وقبل وصوله الى الحجاز ابرق عبد العزيز إلى الحكومات الإسلامية يطلب منهم إرسال مبعوثين للمشاركة في مؤتمر مكة لدراسة شؤون الحجاز والحرمين الشريفين وذلك في 10/ ربيع الأول/ 1344 ه إلّاأن أحداً لم يستجب للدعوة سوى جمعية الخلافة في الهند، وفي أثناء ذلك اجتمع علماء جدّة؛ لدراسة مستقبل الحجاز وقرروا مبايعة آل سعود مَلكاً عليه، وأن الحجاز للحجازيين، وأمضى آل سعود قرارهم هذا رسمياً في 25/ جمادى الآخرة/ 1344 ه (8/ كانون الثاني/ 1928 م) (4) وهذه بداية التنازل عن العهود والمواثيق التي قدّمها للعالم الإسلامي.

ثمّ وجّه دعوة ثانية إلى حكومات العالم الإسلامي لعقد مؤتمر في مكة للتداول في شأن الحجاز، وفي 26/ ذي القعدة/ 1344 ه عقد هذا المؤتمر أوّل جلساته، وحضرته وفود من السودان وبيروت وفلسطين ومصر وروسيا وافغانستان واليمن والهند. وفي أثناء المؤتمر ارتفعت أصوات تطالب بتدويل الحجاز إسلامياً؛ ليتولى المسلمون كافة إدارة شؤون الحجاز تحت إشراف الملك عبد العزيز. لكن


1- 1 عسّه، أحمد، معجزة فوق الرمال: 95.
2- 2 المصدر نفسه: 86.
3- 3 المصدر نفسه: 96.
4- 4 المصدر نفسه: 102.

ص: 167

الملك عارض التدويل الإسلامي الذي كان قد دعا له، واعتبره عهد اللَّه وميثاقه عليه، وقال: «إن مصير الحجاز قد تقرر من قبل شعب الحجاز نفسه .. وإنه لن يسمح لمنظمات غير رسميه ولا مسؤولة أن تتدخل بشؤون الحجاز الداخلية» (1).

وكان المؤتمر قد عقد 12 جلسة ولم يصل إلى نتيجة، وعزم البعض على السفر، فقدّم الملك بياناً للمؤتمر يكشف فيه عن يأسه منه، وعدم تحقيقه الغرض المطلوب منه (2). وهكذا تم التنصل من العهود والمواثيق السابقة، وظل الحجاز يحكم حكماً ذاتياً من قبل الحجازيين بعيداً عن التدويل الإسلامي المنشود زهاء ست سنوات، حتى صدر مرسوم ملكي في 18/ أيلول/ 1932 بتوحيد المقاطعات التي أقامها عبد العزيز فكانت المملكة العربية السعودية، وعاد الحجاز واحدة من تلك المقاطعات الخاضعة للحكم المركزي في الرياض.

إنّ الخصوصيتين الثالثة والرابعة تجسّدان ضرورة ظهور مكة المكرمة كوطن مشترك لجميع المسلمين، ومدينة تحمل صفة الدولية الإسلامية، وترمز إلى نقطة مركزية في العالم الإسلامي، وتجسّد وحدة المسلمين كأمّة وككيان سياسي.

وقد تمت استفادة هاتين الخصوصيتين من آية سواء العاكف فيه والباد، بما يوضّح مدى اندكاك الحج بالسياسة، ومدى الحاجة إلى تحريك وتفعيل الفقه السياسي للحج.

5- آداب الدخول إلى مكّة

ومن خصوصيات مكة المكرمة ما ذكره الفقهاء من الآداب والمستحبات عند دخولها، كالغسل ومضغ الأذخر والدخول إليها من أعلاها، وأن يكون الداخل حافياً وعلى سكينه ووقار.

أمّا الغسل فمستنده أخبار عديدة منها حسنة الحلبي قال: «أمرنا أبو عبداللَّه عليه السلام أن نغتسل من فخ قبل أن ندخل إلى مكّة» (3) وقال عليه السلام أيضاً: «إنّ اللَّه


1- 1 المصدر نفسه: 109.
2- 2 الخطيب، عبد الحميد، الإمام العادل عبد العزيز آل سعود 1: 150.
3- 3 الحر العاملي، محمّد بن الحسن، وسائل الشيعة 13: 200 ح 1.

ص: 168

عزّوجلّ قال في كتابه أن طهّرا بيتي للطائفين والعاكفين والركع السجود (1)

، فينبغي للعبد أن لا يدخل مكة إلّاوهو طاهر قد غسل عرقه والأذى وتطهر» (2).

وهناك أخبار أخرى دلّت على استحباب غسل آخر لدخول الحرم وثالث لدخول المسجد. وقد استظهر في المدارك من النصوص أن «مقتضاها استحباب غسل واحد إمّا قبل دخول الحرم أو بعده من بئر ميمون الحضرمي الذي في الأبطح أو من فخ ... أو من المحل الذي ينزل فيه بمكة على سبيل التخيير وغاية ما يستفاد منها أن إيقاع الغسل قبل دخول الحرم أفضل فما ذكره المصنّف- أي المحقق في الشرائع- وغيره- كالشيخ في المبسوط- من استحباب غسل لدخول مكة واخر لدخول المسجد غير واضح واشكل منه حكم العلامة وجمع من المتأخرين بأستحباب ثلاثة أغسال بزيادة غسل آخر لدخول الحرم» (3) وردّ عليه في الجواهر «إنّ النصوص المزبورة ظاهرة الدلالة على غسلين أحدهما للحرم والآخر لدخول مكّة ... وأمّا الغسل الثالث لدخول المسجد فأنه وإن كنا لم نعثر في النصوص على ما يدل عليه لكن يكفي فيه ما عن الخلاف والغنية من الإجماع عليه» (4).

والمستند في استحباب مضغ شي ء من الأذخر، ما رواه الكليني في حسنة ابن أبي عمير عن معاوية بن عمار عن الصادق عليه السلام: «إذا دخلت الحرم فخذ من الأذخر فامضغه» (5).

وقد اختلفت كلمات الفقهاء في كون ذلك عند دخول مكّة أو عند دخول الحرم، ففي المختصر النافع والوسيلة والمهذب أنه الأول وفي التهذيب والنهاية والمبسوط والسرائر والتحرير والتذكرة والمنتهى والاقتصاد والمصباح ومختصره أنه الثاني. كما حكى ذلك كله في الجواهر (6) ثمّ نقول قول الكليني: «سألت بعض أصحابنا عن هذا فقال: يستحب ذلك؛ ليطيب به الفم لتقبيل الحجر». وعلّق صاحب الجواهر عليه بأنه: «يؤيد استحبابه لدخول مكّة بل المسجد وكونه من سنن الطواف» ثمّ استظهر قائلًا: «ولعل الأولى الحكم باستحباب الجميع». ومنشأ


1- 1 سورة البقرة: 125.
2- 2 المصدر نفسه: 201.
3- 3 العاملي، محمّد بن علي، المدارك 8: 1- 7.
4- 4 النجفي، محمّد حسن، الجواهر 7: 153.
5- 5 الحر العاملي، محمّد بن الحسن، الوسائل 13: 198.
6- 6 النجفي، محمّد حسن، الجواهر 7: 153.

ص: 169

الخلاف قوله عليه السلام: «إذا دخلت الحرم ..» فإنه يحتمل الخصوصية للحرم ولمكة، كما أن التعليل بطيب الفم يدل على أن الخصوصية للمسجد الحرام.

وأمّا الدخول من أعلاها فمستنده صحيحة معاوية بن عمار عن الصادق عليه السلام في صفة حج رسول اللَّه أنه صلى الله عليه و آله «دخل من أعلى مكّة من عقبة المدنيين، وخرج من أسفل مكّة من ذي طوى» وموثقة يونس بن يعقوب الدالة عليه أيضاً (1).

وجرى بحث بين الفقهاء في كون الحكم خاصاً بمن أراد المجي ء إليها من المدينة أم أنه عام للجهات الأخرى. فحكى في الجواهر عن المقنعة والتهذيب والمراسم والوسيلة والسرائر أنه خاص واستدل به بأنه مقتضى التأسي بالرسول صلى الله عليه و آله والوارد في موثقة يونس بن يعقوب. وردّ في الجواهر أن التأسي يقتضي الأعم، وأن التقييّد الوارد في موثقة يونس مذكور في كلام السائل (2) فمن الطبيعي أن يأتيه الجواب مقيّداً بجهة المدنية، مؤيداً بذلك المحقّقَ في الشرائع والشهيدين في الدروس والروضة من عمومية الحكم للمدني وغيره.

وأمّا الدخول حافياً على سكينة ووقار فدليله حسنة معاوية بن عمار عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال: «من دخلها بسكينة غفر له ذنبه، قلت: كيف يدخلها بسكينة؟ قال: يدخلها غيرمتكبّر ولامتجبّر» (3) وفي خبر اسحق عن الصادق عليه السلام:

«لا يدخل رجل مكة بسكينة إلّاغفر له، قلت: وما السكينة؟ قال: بتواضع» (4).

وهذان النصّان وغيرهما ممّا ورد في المقام لم يرد فيها ذكر الحفاء، الذي نصّ عليه المحقّق في الشرائع والنافع ومحكي القواعد والمبسوط والوسيلة، وظاهر الجمل والعقود والاقتصاد و المهذب و السرائر و الجامع، ولذا فسّر صاحب الجواهر ذلك بأنّ الحفاء من التواضع المذكور؛ ولذا ردّ على كشف اللثام بأنّ توقفه فيه في غير محلّه (5).

وورد في نص آخر عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال: «إذا هبط الرجل منكم وادي مكّة، فالبسوا خلقان ثيابكم أو سمل ثيابكم، فإنه لم يهبط وادي مكّة أحد ليس في قلبه من الكبر إلّاغفر له» (6).


1- 1 الحر العاملي، محمّد بن الحسن، الوسائل 13: 199، الحديث الأول والثاني.
2- 2 النجفي، محمّد حسن، الجواهر 7: 154.
3- 3 الحر العاملي، محمّد بن الحسن، الوسائل 13: 202.
4- 4 المصدر نفسه: 203.
5- 5 النجفي، محمّد حسن، الجواهر 7: 154.
6- 6 الحر العاملي، محمّد بن الحسن 13: 203.

ص: 170

6- وجوب الإحرام لدخولها

فإنه يجب على كل من دخل مكة أن يكون محرماً بحج أو عمرة. وادّعى المدارك الإجماع عليه، وفي محكي الخلاف كذلك، وفي الجواهر أنه لم يجد خلافاً فيه.

ونقل عن المقنع للشيخ الصدوق أن الوجوب ثابت حتى لو دخل مرتين أو ثلاثاً في السنة، وقد دلّت على ذلك أخبار عديدة منها صحيحة محمّد بن مسلم عن الإمام الباقر عليه السلام «سألت أبا جعفر عليه السلام: هل يدخل الرجل مكة بغير إحرام؟ قال: لا إلّا مريضاً أو من به بطن» (1) وفي صحيحة أخرى له عنه عليه السلام «سألته: هل يدخل الرجل الحرم بغير إحرام؟ قال: لا إلّاأن يكون مريضاً أو به بطن» (2) والنصّ الثاني يوسع الدائرة الى الحرم، ولكن حيث دلّ الدليل على عدم وجوب الإحرام لمن لم يرد النسك، وأراد حاجة خارج مكة؛ لذا فإنه يحمل على من دخل الحرم بقصد الدخول إلى مكة. ولعلّ أشد النصوص لهجة حسنة معاوية بن عمار قال:

«قال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله يوم فتح مكّة: إنّ اللَّه حرّم مكة يوم خلق السموات والأرض، وهي حرام إلى أن تقوم الساعة، لم تحل لأحد قبلي ولا تحل لأحد بعدي، ولم تحل لي إلّا ساعة من نهار» (3).

وحكى في المدارك عن الشيخ وجماعه استثناء العبيد من هذا الحكم، ونقل عن المنتهى الاستدلال عليه بأنّ السيّد لم يأذن لهم بالتشاغل بالنسك عن خدمته، فإذاً لم تجب عليهم حجة الإسلام لهذا المعنى، فعدم وجوب الإحرام لذلك أولى، ثمّ وصف صاحب المدارك هذا الاستدلال بأنّهُ لا بأس به (4)، وفي الجواهر أن هذا الاستثناء مناف لإطلاق الأدلة وعمومها (5).

والمعروف استثناء المريض والمتكرر بالدخول الى مكة كالحطاب والحشاش لدلالة النصوص على ذلك.

وحيث اتضح ثبوت الإحرام على من دخل مكة وكونه من خصوصيات هذه المدينة المكرمة، ولذا فمن الطبيعي أن نُرجع خصوصيات الإحرام إلى مكة أيضاً،


1- 1 الحر العاملي، محمّد بن الحسن، الجواهر 12: 403.
2- 2 المصدر نفسه.
3- 3 الحر العاملي، محمّد بن الحسن 12: 404.
4- 4 العاملي، محمّد بن علي، المدارك 7: 382.
5- 5 النجفي، محمّد حسن، الجواهر 6: 668.

ص: 171

فمحرّمات الإحرام التي مُنع منها المحرم، وعوقب على ارتكابها بالكفارة ونحوها بإمكاننا أن نعدّها من خصوصيات مكة أيضاً؛ لأنّ الفرع يعود إلى الأصل هو وما يتفرع عليه.

7- استحباب الإتمام فيها

والخصوصية الأخيرة لمكة استحباب الإتمام فيها لمن سافر إليها. ويشترك مع مكة في هذه الخصوصية المدينة المنورة ومسجد الكوفة والحائر الحسيني. والظاهر أن هذه الخصوصية من حيث الأصل لمكة، ثمّ ألحقت المواطن الأخرى بها كما هو الأمر في جملة من خصوصيات هذه المدينة المكرمة.

وقد جرى البحث بين الفقهاء وحول نقطتين من هذه المسألة: أولاهما: أصل الحكم بالإتمام أو القصر، والثانية: هل الحكم يشمل كل مكة أم أنه خاص بالمسجد الحرام منها.

وفي النقطة الأولى ظهرت أربعة آراء هي:

أ- التخيير والإتمام أفضل. وفي الجواهر أنه المنسوب إلى مشهور الأصحاب والمنقول عن المختلف والمصابيح، والمحكي عن التذكرة والذكرى، والصريح من السرائر، ونقل عن الخلاف الإجماع عليه (1).

ب- وجوب الإتمام، نقل في الجواهر حكاية ذلك عن المرتضى وابن الجنيد (2).

ج- وجوب التقصير. حكاه في الجواهر عن العلامة الطباطبائي تبعاً للمحكي عن الفاضل البهبهاني، بل ادّعى أنه المشهور بين متقدّمي الأصحاب. ثمّ احتمل أن يكون الطباطبائي قد أخذه عن محكي بن قولويه في كامل الزيارات (3). وهو المعروف عن الصدوق حيث اختار وجوب التقصير إذا لم تكن نيّة للإقامة.

د- التخيير والأحوط القصر، كما هو مختار الجواهر (4).


1- 1 النجفي، محمّد حسن، الجواهر 5: 402- 407.
2- 2 المصدر نفسه.
3- 3 المصدر نفسه.
4- 4 المصدر نفسه.

ص: 172

ومنشأ ذلك الأخبار والنصوص المختلفة، حيث دلّ بعضها على الإتمام كما في خبر زياد بن مروان قال: «سألت أبا إبراهيم عليه السلام عن إتمام الصلاة في الحرمين؟ فقال:

أحبّ لك ما أحبّ لنفسي أتم الصلاة» (1) وهو ظاهر في استحباب الإتمام، وهناك ما يظهر منه وجوب القصر كالمروي عن الإمام الرضا عليه السلام: «قصّر ما لم تعزم على مقام عشرة أيام» (2).

وهكذا النصوص الأخرى تساعد على آراء أخرى كالتخيير أو وجوب الإتمام. وربما أمكننا الاستظهار بأنّ جواز الإتمام أو استحبابه أو وجوبه في مكة منسجم تماماً مع الخصوصية الثالثة الدالة على مساواة المكّي مع غيره في الحقّ بأرض مكّة ودورها بنحو يُشعر بأنّ مكة وطن للجميع، وحينئذ فكأن المسافر إذا وصلها قد وصل وطنه الطبيعي الذي يتم الصلاة فيه. ولكنّ أحداً من القائلين بالإتمام وجوباً أو استحباباً لم يذكر ذلك دليلًا عليه.

وبخصوص النقطة الثانية ظهر رأيان:

أ- إنّ الحكم أيّاً كان خاص بالمسجدين، المسجد الحرام والمسجد النبوي دون المدينتين، وهو مختار ابن إدريس في السرائر (3) وتابعه صاحب الجواهر عليه (4)، وكذلك السيّد اليزدي في العروة.

ب- إنّ الحكم يشمل المدينتين معاً مكة والمدينة، وعلى ذلك الشيخ (5) والمحقّق، واختاره صاحب المدارك ونسبه إلى أكثر الأصحاب (6)، واعتمده السيّد الحكيم في المستمسك (7).

ومنشأ الاختلاف في المسألة اختلاف النصوص. حيث ذكر بعضها عنوان الحرمين والقدر المتيقّن منهما المسجدان: الحرام والنبوي، فيما ذكر بعضها الآخر اسم مكة والمدينة (8).


1- 1 الحر العاملي، محمّد بن الحسن، الوسائل 8: 530.
2- 2 المصدر نفسه: 533.
3- 3 ابن ادريس، السرائر: 76.
4- 4 النجفي، محمّد حسن، الجواهر 5: 408.
5- 5 الطوسي، محمّد بن الحسن، النهاية: 124.
6- 6 العاملي، محمّد بن علي، المدارك 4: 469.
7- 7 الحكيم، السيّد محسن، المستمسك 8: 185.
8- 8 الحر العاملي، محمّد بن الحسن، الوسائل 8: 524- 534.

ص: 173

الهوامش:

امن الحرم

ص: 176

أمن الحرم

محسن الأسدي

الدعاء كان السمة البارزة في حركة جميع الأنبياء وبالذات في حركة نبيّ اللَّه إبراهيم الخليل عليه السلام وهو يخطو خطواته المتقنة في مسيرته المباركة؛ لتنفيذ أوامر السماء في جوف تلك الصحراء النائية، وفي ذلك الوادي المقفر الأجرد الذي تظلله الجبال ذات الصخور الصماء وتحف به التلال، وهو بين لحظة وأخرى يرمق السماء رافعاً يديه متوسّلًا باللَّه تعالى أن يسدّد خطواته، وأن يعينه على ما أمره به. فكان من دعائه عليه السلام: ربِّ اجعل هذا بلداً آمناً ..

صفة الأمن ما أعظمها وما أروعها وما أوقعها في النفوس! فبدونها تفقد الحياة كلّ معانيها الجميلة، وكل ما فيها من خير وعطاء. فالأمن ضرورة لكلّ تقدم وحضارة وبناء. خاصّة لذلك الوادي الذي يُراد له أن يكون مكاناً تنبعث منه رسالة السماء إلى النّاس كافّة. وتؤدى فيه أدقّ عبادة وأشقّها .. وبغير أمان وطمأنينة قد لا يستطيع أحد أداء مناسكها على ما هو مرسوم لها، ولا يتمكن أحد من أن يعمر ذلك الوادي وإلّا، قل لي: كيف تؤدى مثل هذه الفريضة ذات المناسك

ص: 177

المتعدّدة والشاقة والدقيقة؟ وكيف تبنى بذلك الوادي حضارة يراد لها أن تكون مشعل نور للأجيال وقبلة لها إذا كان ساكنوه يئنّون تحت أجواء الخوف وقسوة الجوع ..؟!

لم تشغل شيخ الأنبياء تلك المحنة المتمثلة بترك زوجته وابنه، وكم هي عظيمة وخطرة أن يترك الزوج زوجته والأب ابنه في مثل ذلك المكان وفي مثل تلك الظروف! لم تشغله تلك المحنة التي تنوء بالعصبة أولي القوة عن طلب الأمان إلى جبال هذا الوادي وإلى رماله وتلاله وإلى ساكنيه، فلقد قدر لكلّ صخرة فيه ولكلّ ذرة رمل ولكلّ تل صغيراً كان أو كبيراً، ولكلّ ساكن فيه رجلًا كان أو امرأة، شاباً كان أو شيخاً، قويّاً كان أو ضعيفاً، سيداً كان أو عبداً، شريفاً كان أو وضيعاً .. دورٌ في حياة هذا الوادي وفي أحداثه. ويمكننا القول بقوة: إن شيخ الأنبياء كأنه انكشف له ما سيؤول إليه واقع هذا الوادي من اقتتال وتنازع وتخاصم من جهة، ومن جهة أخرى أنه سيتحول إلى بقعة من أقدس بقاع الدنيا وأعظمها، وما يستتبع ذلك من خير وبركة وعطاء وسيصبح مهبطاً لوحي السماء، ومنبعاً للنور الإلهي بعد أن يغرق بالظلام والجهالة، وأنه سيتحول من وادٍ رملي خال من أي عود أخضر إلى ربيع زاهٍ تخفق فيه طيور المودّة والمحبة، وتتردد في جنباته ونواحيه أصوات التلبية والتسبيح وآيات القرآن. فتهوي إليه الأفئدة أفئدة الناس من كل ناحية وصوب واجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم من أجل هذا وغيره كان لابد لإبراهيم من أن يطلب الأمن والأمان لهذه الأرض وحتى يأنسوا به ويعرفوا قيمة الأمان، ثمّ يميّزوا بينه وبين الخوف، وبالتالي بين السلام وثماره والحرب وآثارها، وبين الاستقرار من جهة والنزاع والتشرد من جهة اخرى. بين المعاني الجميلة والعظيمة للخير والمعاني القبيحة والوضيعة للشر وما يترتب عليه من تناحر وتشتت وتفرق ..

لقد أراد شيخ الأنبياء من دعائه أن تكون مكّة بعيدة عن الغدر والكراهية والبغضاء والاحتيال .. وأن تبقى أرضاً مقدّسة مباركة لا مكان فيها لسياط

ص: 178

الجلادين الظلمة، التي تلهب ظهور العبيد والمظلومين، وأن لا تكون مقبرة للبنات، التي تُقتل حال ولادتها خوفاً من العار المزعوم، لم يرد هذا ولا غيره، بل أرادها أن تكون مكاناً وأرضاً نابضة بالحياة يلوذ بها المظلومون، ويأوي إليها الضعفاء والمشردون؛ ليجدوا فيها حقوقهم التي سحقت، وكراماتهم التي سلبت، وأموالهم التي نهبت.

يقول سيد قطب: هذا البيت الحرام الذي قام سدنته من قريش فروّعوا المؤمنين، وآذوهم وفتنوهم عن دينهم حتى هاجروا من جواره .. لقد أراده اللَّه مثابة يثوب إليه الناس جميعاً، فلا يروّعهم أحد، بل يأمنون فيه على أرواحهم وأموالهم. فهو ذاته أمن وطمأنينة وسلام (1).

لقد أراد لها أن تكون أرضاً تسير فيها قوافل الإيمان، وتزداد أعدادها وتتضاعف، ويشعّ نورها ويتسع؛ ليتعدى الجزيرة وما حولها إلى كلّ الدنيا وما فيها، وبالتالي يعمّ نموذجُ الأمن وتجربته كلّ البقاع وكلّ الأمم الأخرى.

يقول صاحب التفسير المنير: ومن نعمه تعالى على العرب التي أمر اللَّه نبيّه أن يذكّرهم بها: دعاء إبراهيم عليه السلام: أن يجعل هذا البلد في أمن وطمأنينة، فلا يتسلط عليه الجبارون، ولا يعكر صفوه المجرمون الآثمون (2).

فهل تحقق كلّ هذا ولم تعبث بهذا الوادي الأيدي القذرة والنفوس السيئة؟

لئن مرّت على هذا البيت الكريم سنوات خير وأمان وطمأنينة، فقد تعرّض طيلة سنوات عديدة لحوادث سلب ونهب، وضرب بالمنجنيق، وقتل فيه الأبرياء والآمنون، وتسلط عليه الجبارون، وعكر صفوه المجرمون الطغاة، كالقرامطة الذين قاموا بفعلتهم القذرة، من قتل الحجّاج الأبرياء الذين جاءوا يطلبون رحمة اللَّه ومغفرته ورضوانه، وقاموا بسرقة الحجر الأسود والاحتفاظ به بعيداً عن مكانه لأكثر من عشرين سنة إلى غيرها من الأعمال المشينة قديماً وحديثاً آلمت قلوب المسلمين جميعاً وواجهوها باستنكار بالغ، ومازالت مرارتها في نفوسنا جميعاً.


1- 1 في ظلال القرآن 1: 113.
2- 2 التفسير المنير 1: 305.

ص: 179

هذه الأيدي لم ترع للبيت حرمة ولا كرامة، وتغافلت عن تكريم اللَّه تعالى له بجعل نعمة الأمان آية من آياته، وهبة من مواهبه لعباده، أن جعل قطعة من الأرض تشعر فيها النفوس بحلاوة الأمن والطمأنينة بعد أن عانت من فقدان الأمن، وهي تعيش بعيداً عنه تحت سوط الطغاة والجلادين والغزو والقتال أو لم يروا أنا جعلنا حرماً آمناً ويتخطف الناس من حولهم (1).

فالأمن إذن لم يعد بعد تلك الجرائم والاعتداءات صفة للبيت، ممّا جعلنا نتساءَل هل حوداث الاعتداء هذه على بيت اللَّه الحرام، وإراقة الدماء وإزهاق الأرواح البريئة على أرضه المقدّسة وعلى ترابه الطاهر تتعارض مع نصوص الأمن القرآنية، وبالتالي تزعزع صفة البيت الآمن الذي حدّدته الآيات الكريمة؟

إن ظاهر هذا كلّه يفيد أنّ هناك تناقضاً بين ما حدث وبين ما قاله اللَّه تعالى في كتابه العزيز: وإذ جعلنا البيت مثابة للناس وأمناً وهذا البلد الأمين، فالبيت وُصفَ بالأمن في الوقت الذي دخله القتلة، وأثاروا فيه الرعب والفزع والقتل، وتركت هذه الجرائم آثارها على النّاس الآخرين الذين يقصدون البيت ولكنّهم خائفون وجلون ممّا قد يتكرّر، وممّا قد يقع.

وقبل التعرض إلى ذلك لابدّ من ذكر الأمن لغة وآياته والأقوال المتعددة في مسألة أمن الحرم؛ لنصل إلى حلّ ما قد يُرى من تناقض بين النصوص والواقع التاريخي لأمن الحرم.

الأمن لغة: من أمِنَ يَأمنُ أمْناً وأماناً وأمانةً وأمَناً وإمْناً وأمَنَةً: اطمأنَّ وَلم يَخَفْ، فهو آمنٌ وأمِنٌ وأمينٌ يُقال: لك الأمانُ: أي قد آمنتُك أي جعلتك في أمن بعيداً عمّا يخيفك ويقلقك: وأمن يأمن البلدُ اطمأنّ فيه أهلُه .. والأمن: ضد الخوف.

فالبلد الأمين أي بلد الأمن أو البلد المأمون فيه، يأمن فيه من دَخله.

وآمنهم من خوف أي آمنهم من خوف وقد نكر لبيان شدّته، فجعلهم في أمن وسلامة وطمأنينة على أنفسهم وأموالهم و ...


1- 1 العنكبوت: 67.

ص: 180

يقول السيّد السبزواري: ومادة (أَمَنَ) تأتي بمعنى الطمأنينة، وزوال الخوف، وسكون النفس، وقد استعملت جملة من مشتقاتها بالنسبة إلى الحرم الأقدس الإلهي، قال تعالى: وإذ جعلنا البيت مثابةً للناس وأمناً وقال تعالى: وهذا البلد الأمين ..

الآيات:

وإذ قال إبراهيم ربّ اجعل هذا بلداً آمناً ... (1). فيه آيات بينات ... ومن دخله كان آمناً (2). وإذ قال إبراهيم ربّ اجعل هذا البلد آمناً (3). أو لم نمكن لهم حرماً آمناً يجبى إليه ثمرات كلّ شي ء (4). أو لم يروا أنا جعلنا حرماً آمناً ... (5). وإذ جعلنا البيت مثابة للناس وأمناً (6). وهذا البلد الأمين (7). الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف (8).

الروايات ومنها:

1- فعن جابر، قال: سمعتُ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله يقول: «لا يحل لأحد أن يحمل بمكة السلاح».

2- وعن ابن عباس، قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله يوم فتح مكة: «إن هذا البلد حرّمه اللَّه يوم خلق السموات والأرض، فهو حرام بحرمة اللَّه إلى يوم القيامة، وإنه لا يحل القتال فيه لأحد قبلي، ولم يحل لي إلّاساعة من نهار، فهو حرام بحرمة اللَّه إلى يوم القيامة، لا يعضد شوكه، ولا ينفر صيده، ولا يلتقط لقطته إلّامن عرَفها، ولا يختلى خلالها (أي لا يجز ولا يقلع كلؤها). فقال العباس: يا رسول اللَّه إلّاالإذخر


1- 1 البقرة: 126.
2- 2 آل عمران: 97.
3- 3 إبراهيم: 35.
4- 4 القصص: 57.
5- 5 العنكبوت: 67.
6- 6 البقرة: 125.
7- 7 التين: 3.
8- 8 التين: 4.

ص: 181

فإنه لقينهم ولبيوتهم. فقال: إلّاالإِذخر».

3- وأخرج مسلم عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه و آله قال: «اللهم إن إبراهيم حرم مكة فجعلها حراماً، وإني حرمت المدينة، حراماً ما بين مأزميها أن لا يهراق فيها دم، ولا يحمل فيها سلاح لقتال، ولا تخبط فيها شجرة إلّالعلف، ...».

4- قال الإمام الصادق عليه السلام: من دخل الحرم مستجيراً به فهو آمن من سخط اللَّه عزّوجلّ، ومن دخله من الوحش والطير كان آمناً من أن يهاج أو يؤذى حتى يخرج من الحرم.

الأقوال في أمن الحرم:

إن الحديث عن أمن البيت الحرام مما اختلفت فيه الأقوال، وتشعبت فيه الآراء وذهبت مذاهب شتى في المراد منه ..

ففريق ذهب إلى أن الأمن المقصود في الآيات أمن من عذاب اللَّه تعالى، فالذي يدخل الحرم وهو معظم له، عارف به وبمنزلته ومكانته الدينية والذي يقصده للأجر والثواب، فهو يخرج من ذنوبه، وقد يبعد اللَّه عنه عذاب الآخرة. قال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله: «من حجّ فلم يرفث ولم يفسق، خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمّه».

في حين ذهب فريق ثانٍ إلى أن أمن الحرم هو أن الجاني يأمن من أن يقام الحدّ عليه، فلا يقتل به الكافر، ولا يقتص فيه من القاتل، ولا يقام الحد على المحصن والسارق، وهذا ما ذهب إليه أبو حنيفة.

بينما ذهب فريق ثالث إلى أن المقصود هو أن اللَّه نهى المؤمنين عن قتال أعدائهم من مشركين وغيرهم داخل الحرم حتى يبدأوا بقتالهم انطلاقاً من قوله تعالى: ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه فإن قاتلوكم فاقتلوهم كذلك جزاء الكافرين.

أو أنه إخبار عن عدم وقوع القتل في الحرم، وهذا مردود، لان القتل الحرام

ص: 182

وقع فيه، والقتل المباح قد يوجد فيه بدليل الآية: ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام ..

وقد ذهب فريق رابع إلى أنه مكان آمن يلوذ به الناس؛ ليبعدوا أنفسهم عن التشفي والانتقام، فلا تنتقم العرب ممن دخل البيت، فكان الشخص يرى قاتل أبيه أو أخيه .. داخل الحرم فلا يتعرض له بسوء حتى يخرج منه، مع أن الثأر كان متجذراً في نفوسهم، بل العربي الذي لا يأخذ بثأره يكون موضع سخرية وعار ومع هذا لا يثأر لمقتوله داخل الحرم.

كما أن هناك فريقاً خامساً ذهب إلى أن اللَّه تعالى جعل الحرم آمناً وأيضاً آمناً من القحط والجدب على ما قاله تعالى: أو لم نمكن لهم حرماً آمناً يجبى إليه ثمرات كلّ شي ء فإن إبراهيم أسكن أهله في وادٍ تحيط به المخاوف وهو غير ذي زرع ولا ضرع؛ ولهذا رفع يديه بالدعاء سائلًا اللَّه تعالى: ربّ اجعل هذا البلد آمناً أي أمناً من كلّ ما يخيف ثم عقبه بقوله: وارزق أهله من الثمرات من آمن زمنهم ... فإبراهيم رأى أن يطلب هذين الأمرين: الأمن والرزق .. أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف فبدونهما لا تدب حياة في هذا الوادي ولا يدوم بقاء وخير.

بينما ذهب فريقٌ سادس إلى أن المقصود بالأمن هو الأمن من القحط والجدب فقد ذكر صاحب التفسير الكبير أن (أبو بكر الرازي) ذكر وجوهاً للأمن المسؤول في الآية: ومن تلك الوجوه أنه سأله الأمن من القحط .. واحتج عليه بأنه عليه السلام سأله الأمن أولًا، ثمّ سأله الرزق ثانياً، ولو كان الأمن المطلوب هو الأمن من القحط لكان سؤال الرزق بعده تكراراً فقال في هذه الآية: ربّ اجعل هذا البلد آمناً وارزق أهله من الثمرات.

... ثم يقول: واعلم أن هذه الحجة ضعيفة فإن لقائل أن يقول: لعلّ الأمن المسؤول هو الأمن من الخسف والمسخ، أو لعلّه الأمن من القحط، ثمّ الأمن من

ص: 183

القحط قد يكون بحصول ما يحتاج إليه من الأغذية، وقد يكون بالتوسعة فيها فهو بالسؤال الأول طلب إزالة القحط، وبالسؤال الثاني طلب التوسعة العظيمة (1).

وهناك فريقٌ سابع يقول: إن المقصود بالأمن هو أن اللَّه تعالى آمن هذا البلد وأهله من الخسف والمسخ وكما يقول الزحيلي: ويحميه سبحانه وتعالى من الخسف والزلزال والغرق والهدم، ونحو ذلك من مظاهر سخط اللَّه على بلادٍ أخرى (2).

أقول: نعم قد تكون مكّة بعيدة عن الحوادث والظواهر الطبيعية، التي تأتي تعبيراً عن سخطه تعالى وعقوبة منه كما حدث لبعض الأقوام حينما سخط عليهم، وكان سخطه هذا عذاباً حلّ بهم، وعقوبة جماعية نزلت عليهم؛ بسبب كفرهم وطغيانهم وتكذيبهم الرسول والأنبياء، وقد حدّثنا القرآن عن:

قوم لوط ثمّ دمرنا الآخرين وأمطرنا عليهم مطراً فساء مطر المنذَرين (3).

قوم شعيب فكذّبوه فأخذهم عذاب يوم الظلّة .. (4).

فرعون وقومه فأخذناه وجنوده فنبذناهم في اليمّ .. (5).

قوم ثمود .. فأخذتهم الصاعقة .. (6).

قوم عاد فلما رأوه عارضاً مستقبل أوديتهم قالوا هذا عارض ممطرنا بل هو ما استعجلتم به ريح فيها عذاب أليم ... (7)

فهذه تكون مكّة بمنجاة ومأمن منها؛ لأنه تعالى لا يخلف وعده لمكّة بالأمن ولا ينقضه ...

أما الظواهر الطبيعية كالسيول والعواصف وغيرها التي تأتي بأسبابها الطبيعية وليست تعبيراً عن سخط اللَّه وغضبه، فهي تصيب مكة وبالتالي تخلّ بالأمن التكويني على فرض صحته وحتى إن كانت لا تعدّ شراً إذا عرفنا أنها حالات يستوجبها النظام الكوني العام، وهي جزء من ديمومته واستقراره، وليست حالات شاذة عنه ومخالفة للحكمة الإلهيّة ونظامها ودقتها، وإذا ما نظرنا إليها نظرة عامة في إطار ذلك النظام الكوني، وليست نظرة انعزاليه عنه أو ضيقة .. ولكنّها مع


1- 1 التفسير الكبير للفخر الرازي 3: 59- 60.
2- 2 التفسير المنير 1: 305.
3- 3 الشعراء: 172- 173.
4- 4 الشعراء: 189.
5- 5 الذاريات: 40.
6- 6 هود: 82.
7- 7 الأحقاف: 24.

ص: 184

هذا كلّه تعدّ خرقاً لنظام الأمن؛ لأنها تسبب الخوف والهلع اللذين هما ضد الأمن.

ويستطيع الإنسان بما آتاه اللَّه من القدرات أن يستثمرها في تعمير هذه المنطقة ويبني ويؤسس ما يقيها العواصف ويمنع عنها السيول وبالتالي يحفظ مكّة منها أو على الأقل يخفف آثارها.

وأمّا السيّد السبزواري فبعد أن يذكر بعض آيات الأمن (1)، يقول قولًا متيناً وكلاماً واضحاً: والمراد منها ما ورد عن نبينا الأعظم صلى الله عليه و آله في قوله يوم فتح مكة: «إنّ اللَّه حرّم مكّة يوم خلق السموات والأرض، فهي حرام إلى أن تقوم الساعة، لم تحل لأحد قبلي، ولا تحل لأحد بعدي، ولا تحل لي إلّاساعة من النهار» وأمثال ذلك من الأحاديث الكثيرة التي تدلّ على أصل الحرمة والاحترام التي كانت قبل الخلق، ودعاء إبراهيم عليه السلام إنما كان تأكيداً لما سبق وترغيباً للناس، لا أن تكون دعوة مستأنفةً.

ثمّ راح السيّد يقول: والأمن المستعمل في القرآن إمّا أخروي، أو دنيوي، أو هما معاً. والأول كقوله تعالى: ادخلوها بسلام آمنين (2)

وقوله تعالى: إن المتقين في مقام أمين (3)

. وللثاني موارد كثيرة، منها الآيات المباركة الواردة في المقام.

ثمّ واصل حديثه بقوله: والمراد بالأمن، إمّا للإرشاد إلى أن المحلَّ محلٌّ لا ينبغي أن يقع الظلم فيه مطلقاً، فيكون تنبيهاً للعقل والعقلاء إلى عظمة المحلّ، كما ورد في تعظيم القرآن، والوالدين، والمؤمن، فتترتب على المخالفة المفسدة لا محالة، أو أنه أمر تكليفي فعلي، لجعل المحل امناً ممّا حذّر ارتكابه في غيره.

ثمّ يقول بعد ذلك: وكل منهما صحيح، ولا منافاة بينهما، كما أنّهُ يصحُّ أن يكون الأمن فيه من القسم الأخير، أي أمن الدنيا والآخرة. وفي الآية المباركة امتنان عظيم على أهل الحرم وروّاده، من جعل البلد آمناً في نفسه، ومأمناً لأهله وغيرهم.

وعندما تعرض الطبرسي لتفسير وإذ جعلنا البيت مثابة للناس وأمناً قال


1- 1 تفسير مواهب الرحمن للسيّد السبزواري 2: 28- 29.
2- 2 الحجر: 46.
3- 3 الدخان: 51.

ص: 185

في (أمناً): أراد مأمناً أي موضع أمن، وإنما جعله اللَّه أمناً بأن حكم أن من عاذ به والتجأ إليه لا يخاف على نفسه ما دام فيه، وبما جعله في نفوس العرب من تعظيمه حتى كانوا لا يتعرضون إلى من فيه فهو آمن على نفسه وماله، وإن كانوا يتخطفون الناس من حوله، ولعظم حرمته لا يقام في الشرع الحدّ على من جنى جنايته فالتجأ إليه وإلى حرمه، لكن يضيق عليه في المطعم والمشرب والبيع والشراء حتى يخرج منه فيقام عليه الحد، فإن أحدث فيه ما يوجب الحد أقيم عليه الحدّ فيه؛ لأنه هتك حرمة الحرم، فهو آمن من هذه الوجوه، وكان قبل الإسلام يرى الرجل قاتل أبيه في الحرم فلا يتعرض له، وهذا شي ء كانوا قد توارثوه من دين إسماعيل فبقوا عليه إلى أيام نبينا صلى الله عليه و آله (1) ..

كما أن رأي الشافعي فيمن دخل البيت من الذين تجب عليهم الحدود، هو أن الإمام يأمر بالتضيق عليه بما يؤدي إلى خروجه من الحرم، فإذا خرج أقيم عليه الحد في الحل، فإن لم يخرج حتى قتل في الحرم جاز، وكذلك من قاتل في الحرم جاز قتاله فيه، واحتج الشافعي بأنه صلى الله عليه و آله أمر عندما قتل عاصم بن ثابت بن الأقلح وخبيب بقتل أبي سفيان في داره بمكّة غيلة إن قدر عليه. قال الشافعي: وهذا في الوقت الذي كانت مكّة فيه محرمة، فدلّ على انّها لا تمنع أحداً من شي ء وجب عليه، وأنها تمنع من أن ينصب الحرب عليها كما ينصب على غيرها.

أمّا أبو حنيفة فقال: لا يجوز، واحتج بهذه الآية: وإذ جعلنا البيت مثابة للناس وأمناً.

وأمّا صاحب المنار الذي أخذ المراغي منه فيقول في تفسير وإذ جعلنا البيت مثابة للناس وأمناً: واذكر أيها الرسول- أو أيها الناس- إذ جعلنا البيت الحرام مثابة للناس وأمناً أي ذا أمن بأن خلقنا بما لنا من القدرة في قلوب الناس من الميل إلى حجّه والرحلة إليه المرة بعد المرة من كل فجّ وصوب ما كان به مثابة لهم، ومن احترامه وتعظيمه وعدم سفك دم فيه ما كان به آمناً ...


1- 1 تفسير معجم البيان 1: 383.

ص: 186

ثمّ واصل حديثه بقوله: يذكّر اللَّه تعالى العرب بهذه النعمة أو النعم العظيمة وهي جعل البيت الحرام مرجعاً للناس يقصدونه ثمّ يثوبون إليه، ومأمناً لهم في تلك البلاد بلاد المخاوف التي يتخطف الناس فيها من كل جانب ... وكونه- أي البيت- مثابة للناس أمر معروف في الجاهلية والإسلام، وهو يصدق برجوع بعض زائريه إليه، وحنين غيرهم وتمنيهم له عند عجزهم عنه، وكذلك جعله أمناً معروف عندهم، فقد كان الرجل يرى قاتل أبيه في الحرم فلا يزعجه على ما هو معروف عندهم من حبّ الانتقام والتفاخر بأخذ الثأر (1).

ثمّ راح يذكر سؤالًا قد سأل به الشيخ محمد عبده والجواب عنه فيقول:

(الاستاذ الإمام) قد يقال: ما وجه المنة على العرب عامة بكون البيت أمناً للناس والفائدة فيه إنّما هي للجناة والضعفاء، الذين لا يقدرون على المدافعة عن أنفسهم؟ والجواب عن هذا: أنّهُ ما من قوي إلا ويوشك أن يضطر في يوم من الأيام الى مفزع يلجأ إليه لدفع عدو أقوى منه، أو لهدنة يصطلح في غضونها مع خصم يرى سلمه خيراً من حربه، وولاءه أولى من عدائه، فبلاد كلها أخطار ومخاوف لا راحة فيها لأحد، وقد بين اللَّه المنة على العرب إذ جعل لهم مكاناً آمناً بقوله في سورة العنكبوت (29: 67) أو لم يروا أنا جعلنا حرماً آمناً ويتخطف الناس من حولهم أفبالباطل يؤمنون وبنعمة اللَّه يكفرون (2).

أقول: فالمكان الذي اختار اللَّه تعالى لعباده ليكون لهم مثابة أي ملجأً يلجأون إليه، ومأوى يأوون إليه ويلوذون به، ومرجعاً يثوبون إليه زواراً و غيرهم لليشهدوا منافع لهم .. (3)

، لابد من أن يتوفر فيه عنصرا الحياة والاستقرار:

الأمن والرزق .. ربّ اجعل هذا بلداً آمناً وارزق أهله من الثمرات ...

وإلّا كيف يقصد الناس شيئاً، أو مكاناً يخيفهم ويكون سبباً في هلاكهم؟

وكيف يثوبون إلى هكذا مكان فقد فيه الأمن والرزق؟

وأين تلك المنافع التي يرجونها والمخاوف تحيطهم ..؟!


1- 1 تفسير المنار 1: 460.
2- 2 تفسير المنار 1: 461، وتفسير المراغي- أحمد مصطفى المراغي 1: 210- 211.
3- 3 سورة الحج: 28.

ص: 187

يقول سعيد حوى في تفسيره:

وقال كثيرون من أئمة التفسير: إن المثابة: المجمع، وعلى هذا القول يكون المعنى: أن اللَّه عزّوجلّ أراد أن يكون هذا البيت ملتقىً للشعوب كلّها، وللأجناس كلّها، يجتمعون فيه فيتعارفون وينتفعون، قائمين بأمر اللَّه، عابدين له، موّحدين معظمين شعائره (1).

وأما بخصوص طلب الرزق فيجيب الرازي عن السؤال الثاني الذي يذكره في تفسيره وهو: المطلوب من اللَّه تعالى هو أن يجعل البلد آمناً كثير الخصب، وهذا ما يتعلق بمنافع الدنيا، فكيف يليق بالرسول المعظم طلبها؟

والجواب عنه من وجوه: أحدها: أن الدنيا إذا طلبت ليتقوى بها على الدين، كان ذلك من أعظم أركان الدين، فإذا كان البلد آمناً وحصل فيه الخصب: تفرغ أهله لطاعة اللَّه تعالى، وإذا كان البلد على ضد ذلك كانوا على ضد ذلك.

وثانيها: أنه تعالى جعله مثابة للناس، والناس إنّما يمكنهم الذهاب إليه إذا كانت الطرق آمنة والأقوات هناك رخيصة. وثالثها: لا يبعد أن يكون الأمن والخصب ممّا يدعو الإنسان إلى الذهاب إلى تلك البلدة، فحينئذ يشاهد المشاعر المعظمة، والمواقف المكرمة، فيكون الأمن والخصب سببَ اتصاله في تلك الطاعة (2).

وقد رأيت أن ابن العربي في أحكام القرآن (3) يذهب إلى أن المراد بالأمن هو أن من دخل الحرم كان آمناً من التشفي والانتقام، كما كانت العرب تفعله فيمن أناب إليه من تركها لحق يكون لها عليه، وهذا هو القول الثاني من الأقوال الأربعة التي يذكرها ابن العربي في أحكام القرآن حول المراد من الأمن. حيث يقول بعد سرده لتلك الأقوال: والصحيح فيه القول الثاني، ثمّ واصل حديثه بقوله: وهذا إخبار من اللَّه تعالى عن منته على عباده، حيث قرّر في قلوب العرب تعظيم هذا البيت، وتأمينَ من لجأ إليه؛ إجابة لدعوة إبراهيم عليه السلام حين أنزل به أهله وولده، فتوقع عليهم الاستطالة، فدعا أن يكون أمناً لهم فاستجيب دعاؤه.


1- 1 الأساس في التفسير 1: 267.
2- 2 التفسير الكبير 3: 59.
3- 3 أحكام القرآن 1: 58- 59.

ص: 188

ثمّ ردّ الأقوال الثلاثة التي ذكرها فقال: وأمّا من قال: إنّهُ أمنٌ من عذاب اللَّه تعالى، فإن اللَّه تعالى نبّه بجعله مثابةً للناس وأمناً على حُجّته على خلقه، والأمنُ في الآخرة لا تقام به حجّة.

وأمّا بخصوص عدم إقامة الحد على الجاني فيقول: وأمّا امتناع الحد فيه فقول ساقط؛ لأن الإسلام الذي هو الأصل، وبه اعتصم الحرم، لا يمنع من إقامة الحدود والقصاص، وأمر لا يقتضيه الأصل أحرى ألا يقتضيه الفرع.

أقول: وهذا مردود بأن الإسلام نفسه الذي أمر بالقصاص والحدود له أن يمنع من إقامتها في مكان معين كالحرم، أو يمنع عنها في زمن معين وهذا حقّ له، وهو ما يقتضيه الأصل دون الفرع ولهذا أمر بالتضيق على الجاني في المأكل وأن لا يبايع ..

حتى يضطره للخروج، وعند ذاك يقام عليه الحدّ أما الذي يرتكب جنايته داخل الحرم فيُقام الحد عليه داخله.

فالإسلام لم يجعله آمناً فقط بل ذكر أحكاماً لحفظ هذا الأمن، ورعاية حرمته .. ومن تلك الأحكام- وحتى لا يتمادى المجرم في إجرامه، والسارق في فعله وضلاله، وحتى لا يكون بمنأى عن العقوبة- ترى الشارع المقدّس أمر بالتضيق عليه حتى يخرج منه- بعد أن دخله ليستفيد من نعمة الأمان المتوفرة فيه، التي استغلها- ليُقام الحد عليه.

ثمّ واصل ابن العربي حديثه قائلًا: وأمّا الأمن عن القتل والقتال فقول لا يصح؛ لأنه قد كان فيه القتل والقتال بعد ذلك ويكون إلى يوم القيامة، وإنّما أخبر النبي صلى الله عليه و آله عن التحليل للقتال، فلا جرم لم يكن فيها تحليل قبل ذلك اليوم، ولا يكون لعدم النبوة إلى يوم القيامة، وإنّما أخبر النبي صلى الله عليه و آله عن امتناع تحليل القتال شرعاً لا عن منع وجوده حسّاً.

أقول: إن حصر المراد من الأمن بأن من دخله كان آمناً من التشفي والانتقام أو بأن لا يُقام الحدّ فيه على الجاني أمر لا يتناسب مع آيات الأمن وتأكيدها، وهو

ص: 189

تفريغ للأمن من محتواه الأوسع والأعظم والأنفع للناس جميعاً. والصحيح أن الأمن يراد منه كل ما هو يدفع الخوف عن ساكني الحرم سواء أكان خوفاً من الانتقام أو خوفاً من القتل والقتال أو من الحدّ أو من السرقة أو من الجوع أو من أي شي ء آخر يدعو لعدم الاستقرار والطمأنينة ويثير الرعب والهلع في النفوس .. فحينما نقول هذه منطقة آمنة يفهم منها الناس أو العرف أنها بعيدة عما يثير الخوف والرعب ..

كما أن التواجد في هذه المنطقة ورعاية أحكامها وأداء مناسكها بإخلاص وصدق قد يكون ذلك نجاة للإنسان من عذاب الآخرة، وأماناً له من عقابها.

وموضعاً للتزود من أجر الآخرة وثوابها، فهي إذن يمكن أن تكون أيضاً أماناً من العذاب. منطقة هيّأها اللَّه تعالى لعباده؛ ليستجلبوا فيها منافع الدنيا والآخرة وليتذوقوا فيها طعم الأمان والاستقرار وكذلك حلاوة الإيمان والطاعة، وبالتالي أجر ذلك في الآخرة وهو أجر عظيم وثواب جزيل.

فالحرم منطقة آمنة ومثابة للناس تتوفر بها كلّ مقومات الأمن والسلامة، ويشعر فيها الإنسان بكامل حريته وبنعمة الأمان والإيمان شريطة محافظته ورعايته لقوانينها وأحكامها، وإذا ما أساء إليها وانتهك حرمتها يعاقب بما يناسب مخالفته ومعصيته في الدنيا وفي الآخرة. فهو أمن وأمان ومأمن ينبغي على الناس بل يجب عليهم حفظه ورعايته لتحصل آثاره، ويجنوا ثماره.

أما حصرها بهذا المراد (المنع من التشفي والانتقام أو من إقامة الحد فقط) يعني وكأنها شرعت للقتلة وللجناة دون غيرهم!

وقال القرطبي (1) في تفسير هذه الآية: وإذ قال إبراهيم ربّ اجعل هذا بلداً آمناً ...:

وفيه ثلاث مسائل، ونحن نذكر منها مسألتين يخصّان المقام.

الأولى: قوله تعالى: بلداً آمناً يعني مكّة، فدعا لذريته وغيرهم بالأمن


1- 1 الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 1: 117- 118.

ص: 190

ورغد العيش .. وكانت مكّة وما يليها حين ذلك قفراً لا ماء ولا نبات، فبارك اللَّه فيها .. وأنبت فيها أنواع الثمرات ..

الثانية: اختلف العلماء في مكّة هل صارت حرماً آمناً بسؤال إبراهيم أو كانت قبله كذلك؟ على قولين:

أحدهما- أنها لم تزل حرماً من الجبابرة المسلّطين، ومن الخسوف والزلازل، وسائر المثلات التي تحل بالبلاد، وجعل في النفوس المتمرّدة من تعظيمها والهيبة لها ما صار به أهلها متميزين بالأمن من غيرهم من أهل القرى، ولقد جعل فيها سبحانه من العلامة العظيمة على توحيده ما شوهد من أمر الصيد فيها، فيجتمع فيها الكلب والصيد فلا يهيج الكلبُ الصيدَ ولا ينفر منه، حتى إذا خرجا من الحرم عدا الكلب عليه وعاد إلى النفور والهرب.

وإنّما سأل إبراهيم ربّه أن يجعلها أمناً من القحط والجدب والغارات، وأن يرزق أهله من الثمرات؛ لا على ما ظنه بعض الناس أنه المنع من سفك الدم في حق من لزمه القتل، فإن ذلك يبعد كونه مقصوداً لإبراهيم صلى الله عليه و آله حتى يقال: طلب من اللَّه أن يكون في شرعه تحريم قتل من التجأ إلى الحرم؛ هذا بعيد جداً.

ثانيهما: أن مكّة كانت حلالًا قبل دعوة إبراهيم عليه السلام كسائر البلاد، وأن بدعوته صارت حَرَماً آمناً، كما صارت المدينة بتحريم رسول اللَّه صلى الله عليه و آله أمناً بعد أن كانت حلالًا.

وراح القرطبي يذكر أدلّتهم بقوله:

احتج أهل المقالة الأولى بحديث ابن عباس قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله يوم فتح مكة: «إن هذا البلد حرّمه اللَّه تعالى يوم خلق السموات والأرض فهو حرام بحرمة اللَّه تعالى إلى يوم القيامة، وأنه لم يحلّ القتال فيه لأحد قبلي ولم يحل لي إلّا ساعةً من نهار، فهو حرام بحرمة اللَّه إلى يوم القيامة لا يعضد (1) شوكه، ولا يُنفر صيدُه، ولا تلتقط لقطته إلا من عرفها، ولا يُختلى خلاها (2). فقال العباس: يا


1- 1 لا يعضد: لا يقطع.
2- 2 الخلى مقصور: النبات الرطب الرقيق ما دام رطباً؛ واختلاؤه: قطعه.

ص: 191

رسول اللَّه إلّاالاذخر (1) فإنه لقينهم ولبيوتهم؛ فقال: لا، إلّاالاذخر». ونحوه حديث أبي شُريح، أخرجهما مسلم وغيره.

ثمّ قال أيضاً: وفي صحيح مسلم أيضاً عن عبداللَّه بن زيد بن عاصم أن رسول اللَّه صلى الله عليه و آله قال: «إن إبراهيم حرّم مكّة ودعا لأهلها، وإني حرّمت المدينة كما حرّم إبراهيم مكّة، وإني دعوت في صاعها ومُدّها بمثل ما دعا به إبراهيم لأهل مكّة».

قال ابن عطية: «ولا تعارض بين الحديثين؛ لأن الأول إخبار بسابق علم اللَّه فيها وقضائه، وكون الحرمة مدّة آدم وأوقات عمارة القطر بإيمان. والثاني إخبار بتجديد إبراهيم لحرمتها وإظهاره ذلك بعد الدثور. وكان القول الأول من النبي صلى الله عليه و آله ثاني يوم الفتح إخباراً بتعظيم حرمة مكّة على المؤمنين بإسناد التحريم إلى اللَّه تعالى، وذكر إبراهيم عند تحريم المدينة مثالًا لنفسه، ولا محالة أن تحريم المدينة هو أيضاً من قبل اللَّه تعالى ومن نافذ قضائه وسابق علمه».

ثمّ نقل القرطبي قولًا للطبري: كانت مكّة حراماً فلم يتعبد اللَّه الخلق بذلك حتى سأله إبراهيم فحرّمها.

أقول: إن من الأدلة على أنها كانت حراماً قبل دعاء إبراهيم هو الآية القرآنية ربنا إني أسكنت من ذريتي بوادٍ غير ذي زرع عند بيتك المحرّم لاحظ بيتك المحرّم فهذا خير دليل قرآني على أن البيت محرم قبل دعاء إبراهيم. ويبدو أن هذه الحرمة ملازمة لأصل البيت منذ لحظته الأولى.

والدليل الآخر الروايات التي منها قول الرسول صلى الله عليه و آله: إن اللَّه حرم مكّة قبل خلق السموات والأرض ..

وهنا نورد ما ذكره الشيخ الطبرسي في تفسيره فيقول في تفسير هذه الآية:

إذ قال إبراهيم رب اجعل هذا بلداً آمناً يعني مكّة أي اجعله ذا أمن كما يقال:

بلد آهل أي ذو أهل. قيل: معناه يأمنون فيه كما يقال: ليل نائم أي ينام فيه. قال ابن


1- 1 الإذخر بكسر الهمزة والخاء: حشيشة طيبة الرائحة يسقف بها البيوت فوق الخشب، ويحرق بدل الخشب والفحم. والقين: الحداد.

ص: 192

عباس: يريد حراماً محرماً لا يصاد طيره، ولا يقطع شجره، ولا يختلى خلاؤه، وإلى هذا المعنى يؤول ماروي عن الصادق عليه السلام من قوله: «من دخل الحرم مستجيراً به فهو آمن من سخط اللَّه عزّوجلّ، ومن دخله من الوحش والطير كان آمناً من أن يهاج أو يؤذى حتى يخرج من الحرم». وقال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله يوم فتح مكّة: «إن اللَّه تعالى حرّم مكّة يوم خلق السموات والأرض فهي حرام إلى أن تقوم الساعة، لم تحلّ لأحد قبلي ولا تحلّ لأحد بعدي، ولم تحل لي إلّاساعة من النهار» فهذا الخبر وأمثاله في روايات أصحابنا تدلّ على أن الحرم كان آمناً قبل دعوة إبراهيم عليه السلام وإنما تأكدت حرمته بدعائه عليه السلام.

وقيل: إنّما صار حرماً بدعائه عليه السلام وقبل ذلك كسائر البلاد، واستدل عليه بقول النبي صلى الله عليه و آله: إن إبراهيم حرّم مكّة، وإني حرمت المدينة. وقيل: كانت مكّة حراماً قبل الدعوة بوجه غير الوجه الذي صارت به حراماً بعد الدعوة:

فالأول: بمنع اللَّه إياها من الاصطدام والائتفاك (1)كما لحق ذلك غيرها من البلاد، وبما جعل ذلك في النفوس من تعظيمها والهيبة لها.

والثاني: بالأمر بتعظيمه على ألسنة الرسل، فأجابه اللَّه تعالى إلى ما سأل، وإنّما سأله أن يجعلها آمنة من الجدب والقحط؛ لأنه أسكن أهله بوادٍ غير ذي زرع ولا ضرع، ولم يسأله أمنها من الإئتفاك والخسف الذي كان حاصلًا لها، وقيل: إنّهُ عليه السلام سأله الأمرين على أن يديمهما وإن كان أحدهما مستأنفاً والآخر قد كان قبل ... ثمّ سأل لهم الثمرات ليجتمع لهم الأمن والخصب فيكونوا في رغد من العيش (2).

وقد تقدم قول السيد السبزواري بهذا الخصوص.

أمّا الفخر الرازي فقد ميّز بين شيئين بين كون الآية جعلنا البيت مثابة للناس وأمناً خبراً وهو ما يراه، وبين أنها أمر في حالة صرفها عن ظاهرها، ويترتب على كل من القولين مراد، فيقول:


1- 1 ائتفك البلد بأهله: انقلب.
2- 2 مجمع البيان، الطبرسي 1: 387، التبيان للطوسي 1: 356- 357.

ص: 193

لا شك في أن قوله جعلنا البيت مثابة للناس وأمناً خبر. فتارة نتركه على ظاهره ونقول: إنه خبر. وتارة نصرفه عن ظاهره ونقول: إنه أمر.

أمّا القول الأول: فهو أن يكون المراد أنهُ تعالى جعل أهل الحرم آمنين من القحط والجدب، على ما قال: أو لم يروا أنا جعلنا حرماً آمناً وقوله: أولم نمكن لهم حرماً آمناً يجبى إليه ثمرات كل شي ء، ولا يمكن أن يراد منه الإخبار عن عدم وقوع القتل في الحرم؛ لأنا نشاهد أن القتل الحرام قد يقع فيه وأيضاً فالقتل المباح قد يوجد فيه، قال اللَّه تعالى: ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه فإن قاتلوكم .. فأخبر عن وقوع القتل فيه.

القول الثاني: أن نحمله على الأمر على سبيل التأويل، والمعنى أن اللَّه تعالى أمر الناس بأن يجعلوا ذلك الموضع أمناً من الغارة والقتل، فكان البيت محترماً بحكم اللَّه تعالى، وكانت الجاهلية متمسكين بتحريمه، لا يهيجون على أحد التجأ إليه، وكانوا يسمون قريشاً: أهل اللَّه تعظيماً له، ثمّ اعتبر فيه أمر الصيد، حتى أن الكلب ليهمّ بالظبي خارج الحرم، فيفر الظبي منه، فيتبعه الكلب، فإذا دخل الظبي الحرم لم يتبعه الكلب. ورويت الأخبار في تحريم مكّة، قال عليه الصلاة والسلام:

«إن اللَّه حرم مكّة وأنها لم تحل لأحد قبلي ولا تحل لأحد بعدي، وإنما أحلت لي ساعة من نهار وقد عادت حرمتها كما كانت».

وقد رجح الفخر الرازي ما ذهب إليه الشافعي حيث قال: .. إن قوله تعالى (وأمناً) ليس فيه بيان أنه جعله أمناً فيماذا، فيمكن أن يكون أمناً من القحط، وأن يكون أمناً من نصب الحروب، وأن يكون أمناً من إقامة الحدود، وليس اللفظ من باب العموم حتى يحمل على الكل، بل حمله على الأمن من القحط والآفات أولى؛ لأنا على هذا التفسير لا نحتاج إلى حمل لفظ الخبر على معنى الأمر، وفي سائر الوجوه نحتاج إلى ذلك، فكان قول الشافعي أولى (1).

أقول: حصر مقصودها بالقحط والجدب سواء كان خبراً إذا ما حملناه على


1- 1 التفسير الكبير للرازي 4: 52- 53.

ص: 194

ظاهره أم كان أمراً في حالة صرفه عن الظاهر فهو أمرٌ لا يتفقُ مع أهمية الأمن كما قلنا ومع الآية الأخرى التي تبين أن هناك شيئين قد منحتهما السماء لمكّة وأهلها وليس شيئاً واحداً، قال تعالى: الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف منحتهما الإطعام والأمن وإن كان الثاني أعمّ من الأول حيث آمنهم من كلّ ما يكون سبباً للخوف سواء أكان جوعاً وحرماناً أم قتلًا وسلباً ونهباً. فالأمن في الآية مطلق وله مصاديق كثيرة كما نلاحظ ذلك في كلام الشيخ البلاغي فهو كلام نافع ومتين فقد عدّ أمن البيت من آياته، فعند تفسيره للآية وإذ جعلنا البيت مثابة للناس وأمناً .. (وأمناً) يأمن مَن حلّ في حماه من الناس مع وحشية الأعراب وتعاديهم وعداوتهم، وعدّ البلاغي هذا من آيات البيت، حيث واصل حديثه عن أمن البيت في تفسيره للآية الأخرى وفيه آيات بينات مقام إبراهيم ومَن دخله كان آمناً أي من دخل بلده وحرمه المعروف. والجملة من أقسام البدل التفصيلي من الآيات معطوفة على مقام إبراهيم أي وآمن من دخل فيه، ولعل «من» جي ء بها لتغليب من يعقل على ما لا يعقل، وفي الأمن آيات ظاهرة، فإن العرب على فوضويتهم ووحشيتهم وتهوّرهم في العدوان والنخوة الجاهلية وغلظتهم في ذلك، بحيث لا يمنعهم من ذلك، ولا يردعهم شريعة ولا وازع روحي ولا سيطرة، ولا استقامة أخلاق، قد كانوا خاضعين لاحترام من دخل الحرم، منقادة نفوسهم لذلك في القرون العديدة في تلاطم أمواج الجاهلية فضلًا عن الإسلام. وليس ذلك من طبع التربة والهواء، ولا بنحو الجبر السالب للاختيار، بل لأن العناية الإلهية ألهمت الناس إكراماً للبيت الحرام أن يحترموا الحرم ومَن فيه. نعم وقع التمرد من جيش يزيد والحجاج، ولعلّ الحكمة في ذلك أن يعرف الناس أن هذا الاحترام ليس من قسم الطبيعة والإلجاء وإنما هو توفيق من اللَّه شمل المشركين ولم يشمل من تمرد على اللَّه وحاده وعاداه. وفي الصحيح أو الحسن كالصحيح عن الحلبي عن الصادق عليه السلام قال: سألته عن قول اللَّه ومن دخله كان آمناً قال عليه السلام: إذا أحدثَ

ص: 195

العبد جناية في غير الحرم، ثمّ فرّ إلى الحرم لم ينبغِ لأحد أن يأخذه من الحرم، ولكن يمنع من السوق ولا يبايع ولا يطعم ولا يسقى ولا يكلم، فإذا فُعِل ذلك يوشك أن يخرج فيؤخذ، وإذا جنى في الحرم جناية أقيم عليه؛ لأنه لم يرع للحرم حرمةً، ونحوها معتبرة حفص ورواية علي بن أبي حمزة عنه عليه السلام في السارق والجاني، ونحوها صحيحة معاوية بن عمار عنه عليه السلام في القاتل وفيها لا يأوي. وفي الدر المنثور أن جماعة اخرجوا من طرق سعيد وطاوس ومجاهد وعكرمة وعطا عن ابن عباس في الآية مثل ذلك. ولا ينافي ذلك ما روي من طرق الفريقين من أنه أمنَ من سخط اللَّه، أو في الآخرة، أو من النار، فإن ذلك يكون بياناً لبعض المصاديق المندرجة في عموم الأمن. وبمقتضى الروايات المتقدّمة قال علماء الإمامية من دون خلاف يعرف، وأبو حنيفة وصاحباه .. واللؤلئي وافقوا الإمامية في قصاص النفس واحتجوا بالآية. ويرد عليهم أن الأمن فيها مطلق، فإذا قدم على دليل القصاص قدم على سائر أدلة القصاص والحدود لذلك الوجه حتى لو حملنا الخبر في الآية على الأمر، مع أن الآية لا تحمل على ذلك ولا يتوقف عليه، بل الآية تدل على جعل الأمن بنحو وضعي عام، وجعله من اللَّه من حيث الشريعة هو أظهر الأفراد وأولاها، فإن الذهن لا يذعن بأن اللَّه تبارك اسمه يمجد البيت بأن من آياته أن الناس يحترمونه بإلهام وتوفيق منه، وهو جل شأنه لا يشرع احترامه في حقوقهم وحقوقه. نعم إن الجاني في الحرم قد هتك حرمته فيؤخذ بجنايته في ذلك لقول اللَّه تعالى: ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه (1) والحرمات قصاص (2)

... وأيضاً إن طعام العرب ممّا يصطادونه من أحناش الأرض وحيواناتها، ولهم في الصيد ولع وعادة، ومع ذلك يحترمون صيد الحرم ومكة، ومن المستفيض نقله أن الحيوانات لا يقتل بعضها بعضاً فيه، ولا تصطاد الكلاب والسباع فيه، ومن آيات البيت ما استفاض نقله من أن الطير لا يعلو عليه في طيرانه بل يحيد عنه يميناً وشمالًا (3).


1- 1 سورة البقرة 191.
2- 2 سورة البقرة 194.
3- 3 آلاء الرحمن، البلاغي 1: 124 و 314، 315، 316.

ص: 196

بعد هذا الاستعراض لأقوال هذه النخبة المختارة من المفسرين والعلماء في خصوص المراد من أمن الحرم وتأريخه وحكم الجاني .. أقول: إنّ أمن الحرم سواء أكان قبل دعاء إبراهيم عليه السلام وأنه تأكد بدعائه عليه السلام، أو أنه صار آمناً بعد استجابة اللَّه تعالى لدعائه عليه السلام وسواء أكانت مصاديقه ضيقة أو كانت واسعة لكلّ ما يترك ضرراً أو يسبب خوفاً أو تلفاً للأموال والأنفس ومصادرة للحقوق والحريات، فإن المهم هو حلّ ما يرى من بعدٍ أو تناقض بين نصوص الأمن وما تعرّض له هذا المكان من اعتداءات على ضوء ما يستظهر مما ذكرناه من آيات وروايات وأقوال وآراء .. فلهذا نقول: إنّ مثل ذلك التناقض الذي يبدو للبعض منا بين النصّ الوارد بالأمن والواقع الخارجي للبيت الذي اخترق أمنه مرّات عديدة كما حدّثنا بذلك التأريخ .. يعزى إلى عدم تفريقنا بين أمرين مهمّين وردا في الخطاب القرآني:

الأوّل: يتعلّق بأشياء ثابتة لا تتغير ولا تبتدل يُراد به أمور تكوينية ليس للإنسان القدرة في تغييرها أو تبديلها .. ومثل هذا في القرآن الكريم الكثير، منه:

وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة .. (1)

يخلف كلّ منهما الآخر فيتعاقبان.

ومثل: الشمس تجري لمستقرٍّ لها .. حركة الشمس دائبة متواصلة منذ أن خلقها اللَّه تعالى .. فهذهِ وغيرها أمور ثابتة ليس لنا قدرة على تغيير مسيرتها أو إيقافها.

الثاني: يتعلّق بأمور تشريعيّة من قبيل الأحكام العبادية والمعاملاتية ..، من قبيل ما أحلّ اللَّه فعله وما حرّم فعله، من قبيل أوامر اللَّه تعالى ونواهيه، افعل ولا تفعل، مع أنّه سبحانه وتعالى ترك لنا في ذلك الاختيار، فكما أمرني أن أفعل جعلني في الوقت نفسه قادراً أيضاً على أن لا أفعل، وحينما قال لي ناهياً، لا تفعل الشي ء الفلاني، جعلني في الوقت نفسه قادراً على الفعل بدليل قوله لي لا تفعل .. وبيّن لنا ثواب ذلك أو عقابه، ثواب إلتزامنا وطاعتنا، وعقاب تخلّفنا وعصيانا أوامره ..

فالآية: ومن دخله كان آمناً وآيات الأمن الأخرى تبين أن جعل البيت


1- 1 الفرقان: 62.

ص: 197

آمناً ليس من قبيل تعاقب الليل والنهار، أو مسيرة الشمس، وليس من قبيل:

لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار (1)

حتى يقع التناقض، وإنما تدخل ضمن الأمر الثاني، ضمن التشريع، أي يكون تقديره ومن دخله فأمنوه؛ لأنّه استجار ببيت اللَّه تعالى، ومن استجار به فعليكم أن تؤمنوه ولا تفزعوه فيه وتخيفوه، وإلّا فإنّكم استهنتم ببيت اللَّه تعالى ولم تحترموا جواره، وخالفتم ما أمركم به اللَّه تعالى من توفير الأمن والاستقرار والأمان لداخل هذا البيت ولمن استجار به، وأن لا يؤذى ولا يُضايق إلّابالقدر الذي يخرجه من البيت إن كان مطلوباً للقضاء والعدل وكما سمحت به الشريعة؛ ليُقام عليه الحدّ، وإلّا فإنّه خلاف الأمن والأمان أن يبقى المجرم داخل البيت آمناً يعيش بعيداً عن العدل وإقامة الحدّ عليه، وبالتالي سيتحوّل البيت إلى ملاذ آمن للخونة والمجرمين ..

ويكون مشجّعاً- والعياذ باللَّه- لهم على التمادي بجرائمهم.

وقد وردت في هذا الأمر الروايات والتي منها صحيحة هشام بن الحكم عن أبي عبد اللَّه عليه السلام في الرجل يجني في غير الحرم ثم يلجأ إلى الحرم؟ قال: «لا يُقام عليه الحد، ولا يُطعم ولا يُسقى ولا يُعلم ولا يبايع، فإذا فُعل به ذلك يوشك أن يخرج فيُقام عليه الحد، وإن جنى في الحرم جناية أقيم عليه الحد في الحرم، فإنه لم ير للحرم حرمة فقد قال صلى الله عليه و آله: «إن أعتى الناس على اللَّه القاتل غير قاتله والقاتل في الحرم» فالروايات تبين إمكان وقوع القتل في الحرم وحكم الجناة الذين يلجأون إليه ..

إذن أمرنا اللَّه تعالى بأن نرعى للبيت حرمته وأمنه، وهي طاعة نستحقّ عليها أجراً وثواباً، وإن خالفنا وعصينا وأسئنا لأمنه، فإنّ العقاب جزاؤنا إزاء ما اقترفناه، ويبقى كلام اللَّه تعالى لا يمسّه شي ء وبعيداً عن التناقض، ذلك أنّ اللَّه سبحانه وتعالى قال: من دخله كان آمناً ... أي من دخل بيتي فاجعلوه آمناً، فإذا لم نجعله آمناً فالمخالفة منّا والذنب ذنبنا، بدليل الآية الأخرى: ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتّى يقاتلوكم فيه فإن قاتلوكم فاقتلوهم كذلك


1- 1 يس: 40.

ص: 198

جزاء الكافرين، نهى المؤمنين عن قتال المشركين لعلمه بأنّ نفوس المؤمنين قد حدّثتهم بقتال المشركين في مكان أمر اللَّه تعالى بحفظ أمنه ورعاية أحكامه.

فنهاهم عن ذلك، عن قتالهم المشركين حتّى يبدأ المشركون بقتالهم فشرع لها حكماً آخر: فإن قاتلوكم فاقتلوهم .. وهذا أيضاً يدل على أنّ أمن البيت بعيد عن التكوين، قريب من التشريع، فإذا دخل البيت قوم، يصرّون على المعصية، وعلى سفك الدماء داخل بيت اللَّه، وعلى الإساءة له وعدم تقدير لحرمته- كالذي يرتكب جريمة داخله فإنه لم ير للحرم حرمة- وعلى ترويع الآمنين .. فإن بدأوا بأفعالهم القذرة هذه، فليس عليكم إلّاقتالهم وإلّا إقامة القصاص عليهم. فلو كان الأمن تكوينياً لما نهانا اللَّه تعالى عن القتال، ولما توعد مَن يعزم على الشر بعذاب مؤلم شديد .. ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم وكيف ينهانا عن أمر يخالف التكوين والثبات، أَو يصح أن ينهانا عن تغيير مسيرة الشمس أوالقمر بقوله: لا تغيّروا مسيرة الشمس ولا القمر وهي أمور خارجة عن قدرتنا واختيارنا؟ ولو كان أمن الحرم يتعدّى كونه تشريعاً إلى أنّه أمر تكويني وأمن تكويني لما وقع مثل هذا القتال، ولمّا استطاع المجرمون من انتهاك حرمته وتقويض أمنه وكما في الرواية ... وإذا جنى في الحرم جناية أقيم عليه الحد في الحرم لأنه لم يرع للحرم حرمة.

في رواية أخرى حول من يسرق ويلتجأ إلى الحرم: ... وإن أحدث في الحرم ذلك الحدث أُخذ فيه (1). فحفظ أمن الحرم ورعايته أمر شرعه اللَّه تعالى وأوكله إلينا، وخصص لمن يحفظه ويرعاه أجراً عظيماً يتناسب وعظمة البيت وأمنه، وأعدّ لمن خالف ذلك وانتهك حرمته وأمنه عذاباً عظيماً كما قلنا سابقاً؛ لأنّه إثم عظيم وكفرٌ بالنعمة. فالثواب والعقاب يتناسبان مع عظمة البيت وقداسته وطهارته، وأنّ بمراعاة أحكام الشريعة المختصة بأمن البيت من قبل النّاس يتحقّق الأمن والأمان وهم يعيشون على ترابه، ويتفيئون ظلاله.


1- 1 انظر زبدة البيان في أحكام القرآن عن الكافي 4: 226 و 227.

ص: 199

يقول سيد قطب: فنعمة الأمن نعمة ماسة بالإنسان، عظيمة الوقع في حسّه، متعلّقة بحرصه على نفسه، والسياق يذكرها هنا ليذكر بها سكان ذلك البلد، الذين يستطيلون بالنعمة ولا يشكرونها، وقد استجاب اللَّه دعاء أبيهم إبراهيم فجعل البلد آمناً، ولكنّهم هم سلكوا غير طريق إبراهيم، فكفروا النعمة .. (1) يقول السيد الطباطبائي في تفسير الميزان: فالحقّ أنّ قوله: ومن دخله كان آمناً مسوق لبيان حكم تشريعي لا خاصّة تكوينيّة، غير أنّ الظاهر أن تكون الجملة إخبارية يخبر بها عن تشريع سابق للأمن، كما ربّما استفيد ذلك من دعوة إبراهيم المذكورة في سورتي إبراهيم والبقرة، وقد كان هذا الحقّ محفوظاً للبيت قبل البعثة بين عرب الجاهلية ويتصل بزمن إبراهيم عليه السلام.

وأمّا كون المراد من حديث الأمن هو الإخبار بأن الفتن والحوادث العظام لا تقع ولا ينسحب ذيلها إلى الحرم فيدفعه وقوع ما وقع من الحروب والمقاتلات واختلال الأمن فيه؛ وخاصّة ما وقع منها قبل نزول هذه الآية، وقوله تعالى: أو لم يروا أنّا جعلنا حرماً آمناً ويتخطّف النّاس من حولهم، لا يدلّ على أزيد من استقرار الأمن واستمراره في الحرم، وليس ذلك إلّالما يراه النّاس من حرمة هذا البيت ووجوب تعظيمه الثابت في شريعة إبراهيم عليه السلام وينتهي بالآخرة إلى جعله سبحانه وتشريعه.

وراح السيد الطباطبائي يقول:

وكذا ما وقع في دعاء إبراهيم المحكي في قوله تعالى: ربِّ اجعل هذا البلد آمناً وقوله: ربِّ اجعل هذا بلداً آمناً، حيث سأل الأمن لبلد مكّة فأجابه اللَّه بتشريع الأمن وسوق النّاس سوقاً قلبياً إلى تسليم ذلك وقبوله زماناً بعد زمان (2).

وفي مكان آخر من تفسيره لسورة إبراهيم الآية 35 يقول السيد الطباطبائي:

والمراد بالأمن الذي سأله عليه السلام الأمن التشريعي دون التكويني .. فهو يسأل ربّه


1- 1 في ظلال القرآن 4: 2109.
2- 2 الميزان في تفسير القرآن 3: 390- 391.

ص: 200

أن يشرع لأرض مكّة حكم الحرمة والأمن، وهو- على خلاف ما ربّما يتوهم- من أعظم النعم التي أنعم اللَّه بها على عباده، فإنا لو تأملنا هذا الحكم الإلهي الذي شرعه إبراهيم عليه السلام بإذن ربّه أعني حكم الحرمة والأمن وأمعنا فيما يعتقده الناس من تقدير هذا البيت العتيق وما أحاط به من حرم اللَّه الآمن، وقد ركّز ذلك في نفوسهم منذ أربعة آلاف سنة حتى اليوم وجدنا ما لا يحصى من الخيرات والبركات الدينية والدنيوية عائدة إليها وإلى سائر أهل الحقّ ممن يحنّ إليهم ويتعلّق قلبه بهم، وقد ضبط التأريخ من ذلك شيئاً كثيراً وما لم يضبط أكثر، فجعل تعالى مكّة بلداً آمناً وهي من النعم العظيمة التي أنعم اللَّه بها على عباده (1).

أقول: وهذا الفهم للأمن ممّا تعارف عليه الناس قديماً وكان مرتكزاً في أذهانهم فقد حدّثتنا المصادر التأريخيّة أنّ (أبو طاهر القرمطي) ضرب الحجر الأسود بفأس كانت بيده في محاولة منه لقلعه، فانكسر الحجر، ثمّ التفت إلى جموع النّاس قائلًا لهم: أيّها الجهلة! أنتم تقولون: إنّ كلّ من يرد البيت فهو آمن، وقد رأيتم ما فعلتُ أنا إلى الآن، فتقدّم إليه رجل من الحاضرين ممن كان قد هيّأ نفسه للموت، فأمسك بلجام حصان أبو طاهر وأجابه قائلًا: إنّ معنى ذلك ليس كما قلتَ بل إنّ المعنى هو أن من يدخل هذا البيت فعليكم منحه الأمان على نفسه وماله وعرضه حتّى يخرج منه، فامتعض القرمطي وتحرّك بحصانه دون أن ينبسّ ببنت شفة (2).

هذا وقد اعترض بعض على نظرية الأمن للسيد الطباطبائي قائلًا: إن الاقتطاف أمر تكوينيٌّ ولذا فإن الأمن مقابل ذلك يعدّ أمناً تكوينياً .. وجاء بأدلته التي لا أظنها تنهض لتأييد مدعاه مؤجلًا مناقشتها إلى كتابنا حول نظرية أمن الحرم إن شاء اللَّه تعالى.

وإن تعجب فعجب قول القائل: .. ولابدّ من الالتفات إلى هذه النقطة، وهي أن استجابة اللَّه لدعاء إبراهيم بخصوص أمن مكّة له جهتان: فمن جهة منحها أمناً


1- 1 تفسير الميزان 12: 69.
2- 2 المنتظم لابن الجوزي 6: 43.

ص: 201

تكوينياً، ولذلك لم تشهد في تاريخها إلّاالنزر القليل من إخلال الأمن، ومن جهة ثانية منحها الأمن التشريعي ... (1) أقول: النزر لغة القليل التافه، فهل ما مرّ على هذه الأرض المقدّسة من سلب ونهب وتخريب وسفك للدماء وإزهاق للأرواح البريئة .. كلّ هذا من القليل التافه، وبالتالي لا يقدح ولا يخل بالأمن التكويني؟!

والرازي في جواب عن سؤال يفترضه:

أليس أن الحجاج حارب ابن الزبير وخرب الكعبة وقصد أهلها بكل سوء وتمّ له ذلك؟

لم يكن مقصوده تخريب الكعبة لذاتها، بل كان مقصوده شيئاً آخر (2).

فالأول يريد أن يبرر وجود الأمن التكويني فجعل ما أصاب الكعبة من النزر القليل! والثاني يريد أن يبرر عدم نزول العذاب على الحجاج وجنده وعدم إرسال الطير الأبابيل بأن الحجاج لم يكن قاصداً الكعبة بسوء بل كان يقصد رأس ابن الزبير!

الهوامش:

جعفر الطيار


1- 1 الأمثل في تفسير كتاب اللَّه المنزل 7: 461.
2- 2 التفسير الكبير 4: 59.

ص: 204

جعفر الطيار

حسن محمد

لستُ زاعماً أن الصحابة كلهم في الفضل سواء، أَوَ يكون هذا وقد فضّل اللَّه الرسل- وهم أكرم الخلق وأقربهم إليه تعالى- بعضهم على بعض فقال:

تلك الرسل فضّلنا بعضهم على بعض (1)

والتفضيل حالة توافق طبيعة الأشياء؟

فإن كان هذا الزعم ليس من حقّي بل ليس من حق الجميع- كما هو الحقّ- إلّاأني استطيع وبقوة أن أقول: إنّ الصحابة- بعضهم- صناعة خاصة أعدّتهم السماء وتفضّلت بهم علينا جميعاً؛ ليصوغوا لنا تأريخاً مليئاً بالخير، وليصنعوا حاضراً كلّه عطاء، ويبنوا مستقبلًا زاهراً بالأمل مشرقاً بالحبّ، بعيداً عن العداوة والبغضاء فكانوا جيلًا لا نظير له فيما مضى من تأريخ الرسالات.

فقد نجح هؤلاء وهم النخبة الطاهرة من الأصحاب في تبليغ أعظم رسالة سماوية استطاعت أن تغير أمّة جاهلية بل أمماً أخرى فغيرت بذلك وجه التأريخ، فاستحقوا بذلك الفوز في الدنيا والآخرة.

كانوا من ورثة جنة النعيم، يتبوّأون منها غرفاً، وينعمون بها، ويمرحون في


1- 1 سورة البقرة: 253.

ص: 205

بحبوحة منها.

ولا غرابة في ذلك بعد أن أحبوا اللَّه ورسوله، وطلبوا رضوانه تعالى وملئوا شوقاً إلى لقائه، فقد كانوا يطلبون الموت ويتحاثون عليه.

كم كانت تربيتك يا رسول اللَّه لهذه الزمرة الطيبة مجدية نافعة خالدة! وكم كان حبّهم لك عظيماً صادقاً شهد بها أبو سفيان وهو يعيش العداء كلّه لرسول اللَّه ولدينه ولمن معه: ما رأيت من الناس أحداً يحبّ أحداً كما يحبّ أصحاب محمد محمداً!

وجعفر من هذه النخبة الطيبة الصادقة. كان صحابياً متميزاً في دينه وولائه وفي فصاحته وبيانه وحلمه، كما كان مثلًا رائعاً للشجاعة والفداء، أبى إلّاأن تكون ساحات الوغى أرضاً له، وإلّا ظلال السيوف سقفاً له حتى كان شهيداً، ولكن متى؟! بعد أن قطعت يداه وبعد أن تحمل جسمه وضمّ بدنه أكثر من سبعين طعنة رمح وضربة سيف ورمية سهم.

نسبه ولقبه وكناه

كان جعفر من سلالة تلك العائلة الكريمة في خصالها، الرفيعة في شرفها، المتميزة في سيادتها وزعامتها ورجالها، فهم سادة قريش بل سادة الدنيا على الإطلاق، هذه العشيرة التي ضمّت أكرم خلق اللَّه محمداً وآله الطاهرين..

فأبوه: شيبة الحمد، شيبة بني هاشم أبو طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي... واسمه عبد مناف، وقد كني بأكبر أولاده (طالب)، وقد كان الكافل الحامي المدافع عن النبي صلى الله عليه و آله، الذي أحاط رسول اللَّه صلى الله عليه و آله بعناية عظيمة قلّ مثيلها، خاصة إذا نظرنا إلى مكانته في مجتمع قريش وبين زعمائها وما يسببه ذلك الدفاع من إحراج أمامهم.

وكانت هذه الحماية من الأهميّة لرسول اللَّه ولدعوته إلى الدرجة التي لم تطمع

ص: 206

قريش في رسول اللَّه صلى الله عليه و آله وكانت كاعةً عنه حتى توفي عمّه أبو طالب، ولم يهاجر إلى المدينة إلّابعد وفاته رضوان اللَّه عليه.

وأمّه: كانت أم جعفر الطيار من تلك النساء القلة الطاهرات اللّائي امتازت حياتهن بمواقف جليلة في مسيرة الأنبياء.

وهي إحدى تلك النساء اللواتي نلن ذكراً جميلًا على لسان خاتم الرسل محمد صلى الله عليه و آله. تقول الرواية: لما ماتت فاطمة بنت أسد أمّ عليّ- وكانت قد أوصت لرسول اللَّه صلى الله عليه و آله وقَبل وصيتها- ألبسها النبي صلى الله عليه و آله قميصه واضطجع معها في قبرها، فقالوا: ما رأيناك يا رسول اللَّه صنعت هذا!

فقال: «إنّه لم يكن أحد بعد أبي طالب أبرَّ بي منها، إنّما ألبستها قميصي لتكسى من حُلَلِ الجنّة، واضطجعت معها ليُهوَّن عليها».

وفي دعاءٍ خاص لها قال: اللهم اغفر لأمّي فاطمة بنت أسد، ولقنها حجّتها، ووسع عليها مدخلها. وخرج من قبرها وعيناه تذرفان.

لقد كانت لرسول اللَّه صلى الله عليه و آله بمنزلة الأم بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معنى، فقد ربته في حجرها وكان شاكراً لبرّها، وكان يسميها ويناديها ب أمّي، وقد كانت تفضله على جميع أولادها في البر والرعاية، تقول بعض الروايات: كان أولادها يصبحون شعثاً رمصاً ويصبح رسول اللَّه صلى الله عليه و آله كحيلًا دهيناً.

أمّا إيمانها فهي بدرجة عظيمة، وقد سبقت إلى الإسلام، وكانت من المهاجرات الأول إلى المدينة، وهي بدرية.

فذاك أبوه وهذه أمّه فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف بن قصي، وهي أول هاشمية تزوّجت من هاشمي، فهو وليد هذه الأسرة المباركة.

أمّا لقبه: فكان يلقب بجعفر الطيار كما لقبه رسول اللَّه ب (ذي الجناحين).

أمّا كنيته: فقد كناه رسول اللَّه صلى الله عليه و آله ب (أبي المساكين) وله كنية أخرى (أبو عبداللَّه).

ص: 207

إخوته

كان جعفر الثالث في إخوته، فقد كان طالب أكبر ولد أبي طالب سناً ثم يليه عقيل ثم يلي عقيلًا جعفر ويلي جعفراً عليٌّ عليه السلام، والشي ء الملفت للنظر إن لم نقل للعجب أن كل واحد منهم أكبر من صاحبه بعشر سنين، وكان عليّ أصغرهم سنّاً (1).

زوجته وأولاده

بنى جعفر بأسماء بنت عميس الخثعمية المرأة الصالحة، فولدت له ثلاثة أولاد وهم محمد وعبداللَّه وعوف، وقد ولدوا جميعاً في الحبشة في الفترة التي أمضاها جعفر وزوجته مهاجرين هناك في كنف ملك الحبشة المعروف بالعدل.

إسلامه

كان جعفر الثاني من الرجال الذين أعلنوا إسلامهم، وهناك رواية تقول: إنّه الثالث بعد علي عليه السلام وزيد بن حارثة (2).

كما وردت في كيفية إسلامه روايتان تصرحان بأنّه ممّن أسلم باكراً، والدعوة لا تزال في مهدها، وكان إسلامه بأمر من أبيه أبي طالب، حيث كان جعفر برفقة أبيه حينما كان رسول اللَّه صلى الله عليه و آله يؤدي صلاته وإلى جنبه ابن عمّه علي بن أبي طالب، فلما رآهما يصليان التفت إلى جعفر قائلًا: انزل يا جعفر فصل جناحَ ابن عمّك، أو أي بني، صل جناحَ ابن عمّك. وقد وفق جعفر لأن ينال ثواب أول جماعة عقدت في الإسلام، وكانت تأريخاً لبداية إسلامه.

وفي هذا عثرتُ على روايتين تبينان إسلام جعفر، ودفاع أبي طالب عن النبي صلى الله عليه و آله وعما هو عليه من أمر الدعوة الجديدة. كانت الرواية الأولى عن علي عليه السلام يقول فيها:


1- 1 شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد 3: 407، وطبقات ابن سعد 1: 77.
2- 2 مختصر تاريخ دمشق لابن منظور 6: 66.

ص: 208

بينما أنا مع النبي صلى الله عليه و آله في حَيْر (1) لأبي طالب أصلي، أشرف علينا أبو طالب، فنظر إليه النبي صلى الله عليه و آله فقال: يا عم ألا تنزل فتصلي معنا؟ فقال: يا بن أخي، إني لأعلم أنك على الحق،..، لكن انزل يا جعفر فصل جناحَ ابن عمّك.

قال: فنزل فصلى عن يساري. فلما قضى النبي صلى الله عليه و آله صلاته، التفت إلى جعفر فقال: أما إنّ اللَّه تعالى وقد وصلك بجناحين تطير بهما في الجنة، كما وصلت ابن عمّك (2).

وفي رواية ثانية يذكرها أيضاً صاحب مختصر تاريخ دمشق عن صلصال بن الدلهمس يقول فيها:.. فكان الذي بينهما- بين أبيه الدلهمس وأبي طالب- في الجاهلية عظيم (عظيماً)، فكان أبي يبعثني إلى مكّة لأنصر النبي صلى الله عليه و آله مع أبي طالب قبل إسلامي، فكنت أقيم الليالي عند أبي طالب لحراسة النبي صلى الله عليه و آله من قومه، فإني يوم من الأيام جالس بالقرب من منزل أبي طالب في الظهيرة وشدّة الحر، إذ خرج أبو طالب شبيهاً بالملهوف فقال لي: يا أبا العصيفر، هل رأيت هذين الغلامين فقد ارتبت بإبطائهما عليّ؟

فقلت: ما حسست لهما خبراً منذ جلست، فقال: انهض بنا فنهضت، وإذا جعفر بن أبي طالب يتلو أبا طالب، قال: فاقتصصنا الأثر حتى خرج بنا من أبيات مكّة، قال: ثمّ علونا جبلًا من جبالها، فأشرفنا منه على أكمة دون ذلك التل، فرأيت النبي صلى الله عليه و آله وعلياً قائماً عن يمينه، ورأيتهما يركعان ويسجدان قبل أن أعرف الركوع والسجود، ثم انتصبا قائمين، فقال أبو طالب لجعفر: أي بني، صل جناح ابن عمّك، قال: فمضى جعفر مسرعاً حتى وقف بجنب علي، فلما أحسّ به النبي صلى الله عليه و آله أخّرهما وتقدم، وأقمنا موضعنا حتى انقضى ما كانوا فيه من صلاتهم، ثمّ التفت إلينا النبي صلى الله عليه و آله فرآنا بالموضع الذي كنّا فيه، فنهض ونهضنا معه مقبلين، فرأينا السرور يتردّد في وجه أبي طالب، ثمّ انبعث يقول:

إنّ عليّاً وجعفراً ثقتي عِندَ مُهِمِّ الأمورِ والكربِ


1- 1 الحَيْرُ: بالفتح شبه الحظيرة أو الحمى. انظر اللسان: حَيَر.
2- 2 مختصر تاريخ دمشق 6: 66.

ص: 209

لا تخذلا وانصُرا ابن عمِّكمَا وابنَ أمّي من بينهم وأبي

واللَّهِ لا أُخذلُ النبيَّ ولا يَخذُلُه مِن بَنِيَّ ذُو حَسبِ قال: فلما آمنت به ودخلتُ في الإسلام، سألت النبيَّ صلى الله عليه و آله عن تيك الصلاة، فقال: نعم، يا صلصال هي أول جماعة كانت في الإسلام (1).

صفاته:

لقد اجتمعت في جعفر خصال كثيرة قلما تجتمع في غيره، فقد اتفقت مصادر ترجمته عليها، فإضافة إلى شبابه وحيوته وفتوته وشجاعته كان حليماً بارّاً متواضعاً، وكان يخشى اللَّه خشية عظيمة، حتى إنه قبل إسلامه كانت نفسه وكأنها قد جبلت على كره المحرمات.

يقول ابن عباس في رواية له: قال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله لجعفر بن أبي طالب: إن اللَّه تعالى أوحى إليّ أنه شكرك على أربع خصال، كنتَ عليهن مقيماً قبل أن يبعثني اللَّه، فما هن؟

قال له جعفر: بأبي أنت وأمّي، لولا أن اللَّه أنبأك بهن ما أنبأتك عن نفسي كراهية التزكية: إني كرهت عبادة الأوثان؛ لأني رأيتها لا تضرّ ولا تنفع. وكرهت الزنا... وكرهت شرب الخمر؛ لأني رأيتها منقصة للعقل، وكنت إلى أن أزيد في عقلي أحبّ إليّ من أن انقصه. وكرهت الكذب؛ لأني رأيته دناءة (2).

ما أعظمك يا جعفر في الجاهلية كما ما أعظمك في إسلامك!

كان جعفر جواداً كريماً سخياً سمحاً، فقد قال فيه رسول اللَّه صلى الله عليه و آله: أسمح أمّتي جعفر.

ولطيب نفسه ومراعاته لضعفاء الناس ومساكينهم كان رسول اللَّه يكنيه أبا المساكين.

فعن أبي هريرة قال: كان جعفر يحب المساكين ويجلس إليهم


1- 1 المصدر نفسه.
2- 2 المصدر نفسه 6: 67.

ص: 210

ويحدثهم ويحدثونه (1).

وعنه أيضاً: كان خير الناس للمساكين جعفر بن أبي طالب، وكان ينقلب بنا فيطعمنا ما كان في بيته، وإن كان ليخرج إلينا العكة فنشقها فنلعق ما فيها.

الهجرة:

إن من أعظم ما ناله المسلمون الأوائل هو وسام الهجرة، هذه التي منّ اللَّه تعالى بها عليهم، لتكون نقطة انطلاقة كبرى وانفتاح على العالم الآخر بعيداً عن الحجاز وعبث الظالمين فيه، وأذاهم وتعذيبهم للصفوة المؤمنة. فالدعوة في بدايتها وقد حفت بالمخاطر، والمؤمنون بها قلة قليلة ضعيفة لا حول لها ولا قوة.. ترقبها عيون قريش هنا وهناك، تتربص بهم ليسوموهم سوء العذاب لا لذنب اقترفوه أو جريمة تلبسوا بها سوى أنهم فتية آمنوا بربّهم وزدناهم هدًى (2)

. وهجروا دين آبائهم وكبرائهم...

تقول رواية أمّ سلمة:

لما ضاقت على النبي صلى الله عليه و آله مكّة، وأوذي أصحابه، وفتنوا، ورأوا ما يصيبهم من البلاء والفتنة في دينهم، وأن رسول اللَّه صلى الله عليه و آله لا يستطيع دفع ذلك عنهم، وكان رسول اللَّه صلى الله عليه و آله في منعة من قومه ومن عمّه، لا يصل إليه شي ء مما يكره مما ينال أصحابه، فقال لهم رسول اللَّه صلى الله عليه و آله: إن بأرض الحبشة ملكاً لا يظلم أحد عنده، فالحقوا ببلاده حتى يجعل اللَّه لكم فرجاً ومخرجاً مما أنتم فيه.

فخرجنا إليها أرسالًا حتى اجتمعنا بها، فنزلنا بخير دار إلى خير جار، أمنا على ديننا، ولم نخش ظلماً.

فلما رأت قريش أنا قد أصبنا داراً وأمناً، اجتمعوا على أن يبعثوا إليه فينا؛ ليخرجنا من بلاده، وليردنا عليهم. فبعثوا عمرو بن العاص وعبد اللَّه بن أبي ربيعة، فجمعوا له هدايا ولبطارقته، فلم يَدَعُوا منهم رجلًا إلّابعثوا له هدية على


1- 1 رواه البخاري 7: 77، حلية الأولياء 1: 117.
2- 2 سورة الكهف: 13.

ص: 211

حِدَة، وقالوا لهما: ادفعوا إلى كل بطريق هديته قبل أن تكلموا فيهم، ثمّ ادفعوا إليه هداياه، وإن استطعتما أن يردهم عليكم قبل أن يكلمهم فافعلوا.

أقول: كانت تخشى قريش أن ينطلق الحقّ من لسانهم ووقع الذي كانت تخشاه.

فقدما علينا، فلم يبق بطريق من بطارقته إلّاقدّموا إليه هديته، فكلموه، فقالوا له: إنّا قدمنا على هذا الملك في سفهاء من سفهائنا، فارقوا أقوامهم في دينهم، ولم يدخلوا في دينكم، فبعثَنا قومُهم ليردهم الملك عليهم، فإذا نحن كلمناه فأشيروا عليه بأن يفعل، فقالوا: نفعل، ثم قدّموا إلى النجاشي هداياه، فكان من أحبّ ما يهدى إليه من مكّة الأَدَم. فلما أدخلوا عليه هداياه، فقالوا له: أيها الملك إن فتية منا سفهاء، فارقوا دين قومهم، ولم يدخلوا في دينك، وجاؤوا بدين مبتدع لا نعرفه، وقد لَجأُوا إلى بلادك، فبَعَثنا إليك فيهم عشائرهم، آباؤهم وأعمامهم وقومهم لتردهم عليهم، فهم أعلى بهم (1) عيناً.

فقالت بطارقته: صدقوا أيها الملك، لو رددتهم عليهم وكانوا هم أعلى بهم، فإنهم لم يدخلوا في دينك فيمنعهم أملك. فغضب، ثمّ قال: لا، لعمر اللَّه، لا أردهم عليهم حتى أدعوهم وأكلمهم وأنظر ما أمرهم، قوم لَجأُوا إلى بلادي، واختاروا جواري على جوار غيري، فإن كانوا كما تقولون رددتهم عليهم، وإن كانوا على غير ذلك منعتهم، ولم أدخل بينهم وبينهم، ولم أنعمهم عيناً فأرسل إليهم النجاشي فجمعهم- ولم يكن شي ء أبغض إلى عمرو بن العاص وعبداللَّه بن أبي ربيعة من أن يسمع كلامهم- فلما جاءهم رسول النجاشي اجتمع القوم فقال: ماذا تقولون؟

فقالوا: ماذا نقول؟! نقول واللَّه ما نعرف وما نحن عليه من أمر ديننا، وما جاء به نبينا صلى الله عليه و آله كائن من ذلك ما كان، فلما دخلوا عليه كان الذي يكلمه منهم جعفر بن أبي طالب، فقال له النجاشي:

ما هذا الدين الذي أنتم عليه؟ فارقتم دين قومكم، ولم تدخلوا في يهودية ولا


1- 1.. وأعلى بهم عيناً أي أبصر بهم، وأعلم بحالهم. اللسان: علا.

ص: 212

نصرانيه، فما هذا الدين؟

فراح جعفر رضوان اللَّه عليه يبين له حيث قال:

.. أيها الملك كنّا قوماً على الشرك، نعبد الأوثان، ونأكل الميتة، ونسي ء الجوار، ونستحلّ المحارم.. وغيرها، لا نحلّ شيئاً ولا نحرّمه، فبعث اللَّه إلينا نبياً من أنفسنا نعرف وفاءَه وصدقَه وأمانتَه، فدعانا إلى أن نعبد اللَّه وحده لا شريك له، ونصلَ الرحم، ونُحسِنَ الجوار، ونصلّي للَّه تعالى، ونصوم له، ولا نعبد غيره، فقال:

هل معك شي ء مما جاء به؟ وقد دعا أساقفته فأمرهم فنشروا المصاحف حوله، فقال له جعفر: نعم، فقال: هلمّ فاتلُ عليَّ ما جاء به. فقرأ عليه صدراً من كهيعص فبكى واللَّه النجاشي حتى أخضل لحيته، وبكت أساقفته حتى أخضلوا مصاحفهم. ثم قال: إن هذا الكلام ليخرج من المشكاة التي جاء بها موسى؛ انطلقوا راشدين، لا، واللَّه لا أردهم عليهم، ولا أنعمكم عيناً، فخرجنا من عنده، وكان أتقى الرجلين فينا عبداللَّه بن أبي ربيعة، فقال عمرو بن العاص: واللَّه لأثنينه غداً بما أستأصل به خضراءهم (1). فلأخبرنه أنهم يزعمون أن إلهه الذي يعبد عيسى بن مريم عبد.

فقال له عبداللَّه بن أبي ربيعة: لا تفعل.. فإنهم إن كانوا خالفونا فإن لهم رحماً ولهم حقاً، فقال: واللَّه لأفعلن، فلما كان الغد دخل عليه، فقال: أيها الملك، إنهم يقولون في عيسى قولًا عظيماً، فأرسل إليهم فسلهم عنه، فبعث إليهم، ولم ينزل بنا مثلها. فقال بعضنا لبعض: ماذا تقولون له في عيسى إن هو سألكم عنه؟

فقالوا: نقول واللَّه الذي قاله اللَّه تعالى، والذي أمرنا به نبينا صلى الله عليه و آله أن نقول فيه: فدخلوا عليه وعنده بطارقته، فقال: ما تقولون في عيسى بن مريم؟

وهنا أيضاً كان جعفر رضوان اللَّه عليه هو المحاور فقال له: نقول: هو عبدُ اللَّه ورسوله وكلمتهُ وروحهُ ألقاها إلى مريم العذراء البتول، فدلى النجاشي يده إلى الأرض، فأخذ عوداً بين أصبعيه، فقال: ما عدا عيسى بن مريم ما قلت هذا


1- 1 خضراءهم: شجرتهم التي منها تفرعوا.

ص: 213

العويد (1)، فتناخرت بطارقته، فقال: وإن تناخرتم واللَّه، اذهبوا، فأنتم شيوم في أرضي- والشيوم: الآمنون- مَن سبّكم غرم، ثمّ من سبّكم غرم، ثمّ مَنْ سبّكم غرم، فأنا ما أحب أن لي دَبْراً وأني آذيتُ رجلًا منكم- والدبر بلسانهم:

الذهب- فواللَّه ما أخذ اللَّه تعالى مني الرشوة حين ردّ علي ملكي فآخذ الرشوة منه، ولا أطاع الناس فيّ فأطيع الناس فيه، ردوا عليهما هداياهما، فلا حاجة إلي بها، وأخرجا من بلادي. فرجعا مقبوحَيْن مردوداً عليهما ما جاءا به. فأقمنا مع خير جار، وفي خير دار.

فلم ينشب أن خرج عليه رجل من الحبشة ينازعه في ملكه، فواللَّه ما علمنا حزناً حزنّا قط كان أشدّ منه فرقاً من أن يظهر ذلك الملك عليه، فيأتي ملك لا يعرف من حقنا ما كان يعرفه، فجعلنا ندعو اللَّه ونستنصره للنجاشي، فخرج إليه سائراً... فهزم اللَّه ذلك الملك وقتله، وظهر النجاشي عليه... فواللَّه ما علمنا فرحنا بشي ء قط فرحنا بظهور النجاشي، ثمّ أقمنا عنده حتى خرج من خرج منا راجعاً إلى مكة، وأقام من أقام... (2) وفي رواية ثانية ذكرها أبو نعيم في حليته عن بردة عن أبيه:

قال: لما أمرنا رسول اللَّه صلى الله عليه و آله أن ننطلق مع جعفر بن أبي طالب إلى أرض النجاشي، فبلغ ذلك قريشاً، فبعثوا عمرو بن العاص، وعمارة بن الوليد، فجمعوا للنجاشي هدية، فقدمنا وقدما على النجاشي، فأتياه بالهدية فقبلها، وسجدا له. ثم قال له عمرو بن العاص: إنّ أناساً من أرضنا رغبوا عن ديننا وهم في أرضك.

قال لهم النجاشي: في أرضي؟ قالوا: نعم، فبعث إلينا.

فقال لنا جعفر: لا يتكلم منكم أحد، أنا خطيبكم اليوم، فانتهينا إلى النجاشي وهو جالس في مجلس وعمرو بن العاص عن يمينه، وعمارة عن يساره، والقسيسون والرهبان جلوس سماطين سماطين، وقد قال لهم عمرو وعمارة: إنّهم لا يسجدون لك، فلما انتهينا بدرنا مَنْ عنده من القسيسين والرهبان:


1- 1 العويد: أي مقدار هذا العود الصغير.
2- 2 مختصر تاريخ دمشق 6: 63، 64، 65.

ص: 214

اسجدوا للملك. فقال جعفر: لا نسجد إلّاللَّه عزّوجلّ.

قال له النجاشي: وما ذاك؟ قال: إنّ اللَّه تعالى بعث فينا رسولًا وهو الرسول الذي بشر به عيسى عليه السلام.

قال: من بعدي اسمه أحمد. فأمرنا أن نعبد اللَّه لا نشرك به شيئاً، ونقيم الصلاة ونؤتي الزكاة، وأمرنا بالمعروف ونهانا عن المنكر.

فأعجب النجاشي قوله. فلما رأى ذلك عمرو بن العاص، قال: أصلح اللَّه الملك إنهم يخالفونك في ابن مريم.

فقال النجاشي لجعفر: ما يقول صاحبكم في ابن مريم؟

قال: يقول فيه قول اللَّه عزّوجلّ: هو روح اللَّه وكلمته، أخرجه من البتول العذراء التي لم يقربها بشر، ولم يفترضها ولد.

فتناول النجاشي عوداً من الأرض فرفعه، فقال: يا معشر القسيسين والرهبان ما يزيد هؤلاء على ما تقولون في ابن مريم ما يزن هذه. ثمّ قال: مرحباً بكم وبمن جئتم من عنده.

وأنا أشهد أنه رسول اللَّه، وأنه الذي بشر به عيسى عليه السلام ولولا ما أنا فيه من الملك لأتيته حتى أقبل نعله. امكثوا في أرضي ما شئتم. وأمر لنا بطعام وكسوة وقال: ردوا على هذين هديتهما (1).

وفي حلية الأولياء أيضاً كان جواب جعفر: أيها الملك كنا قوماً أهل جاهلية نعبد الأصنام، ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش، ونقطع الأرحام، ونسي ء الجوار، ويأكل القوي منا الضعيف. وكنّا على ذلك حتى بعث اللَّه تعالى إلينا رسولًا منّا نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه، فدعانا إلى اللَّه تعالى لنوحده ونعبده، ونخلع ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان، وأمرنا بصدق الحديث، وأداء الأمانة، وصلة الرحم، وحسن الجوار، والكف عن المحارم والدماء، ونهانا عن الفحش، وقول الزور، وأكل مال اليتيم، وقذف المحصنة. وأمرنا أن نعبد اللَّه


1- 1 حلية الأولياء: 114- 115.

ص: 215

وحده لا نشرك به شيئاً. وأمرنا بالصلاة والزكاة والصيام. قال:- فعدد عليه أمور الإسلام- فصدقناه وآمنا به، واتبعناه على ما جاء به من اللَّه عزّوجلّ، فعبدنا اللَّه وحده، فلم نشرك به شيئاً، وحرمنا ما حرم علينا، وأحللنا ما أحل لنا. فعدا علينا قومنا فعذبونا وفتنونا عن ديننا؛ ليردونا إلى عبادة الأوثان من عبادة اللَّه عزّوجلّ، وأن نستحل ما كنّا نستحل من الخبائث، فلما قهرونا وظلمونا وضيقوا علينا وحالوا بيننا وبين ديننا، خرجنا إلى بلادك، فاخترناك على مَنْ سواك، ورغبنا في جوارك، ورجونا أن لا نظلم عندك أيها الملك...

ولما أرسلت قريش مبعوثيها إلى الحبشة، يقول ابن هشام في سيرته (1):

فقال (ابو طالب) حين رأى ذلك من رأيهم وما بعثوهما فيه، أبياتاً للنجاشي يحضّه على حسن جوارهم والدّفع عنهم:

ألا ليتَ شعري كيف في النأي جعفرٌ وعمرو وأعداء العدوّ الأقاربُ

وهل نالت أفعالُ النجاشي جعفراً وأصحابه أو عاق ذلك شاغب

تعلَّم، أبيت اللّعن، أنّك ماجدٌ كريمٌ فلا يشقى لديك المجانب

تعلّم بأنّ اللَّهَ زادك بَسطةً وأسبابَ خيرٍ كلّها بك لازب

وأنّك فيضٌ ذو سِجال غزيرةٍ يَنال الأعادي نفعها والأقارِب أما لماذا جعفر؟!

لقد كان جعفر ومعه زوجته أسماء الوحيد من بني هاشم ممّن قد خرج إلى أرض الحبشة مهاجراً، والذي أعتقده أن جعفراً لم يكن من الذين اضطُهِدوا من قبل قريش، ولم يتعرض إلى ما تعرض له بقية المسلمين لما يتمتع به من منعة عشيرته ومكانتها- وإن كان هناك غيره لم تستطع قريش من اضطهاده- إلّاأن لجعفر قدرات ذاتية اكتشفها رسول اللَّه صلى الله عليه و آله فيه ستجعل له دوراً رسالياً مهماً في الحبشة. وإذا ما تعرض المهاجرون- الذين كان عددهم أكثر من 80 مهاجراً- إلى


1- 1 السيرة النبوية لإبن هشام 1: 332.

ص: 216

مواقف خطيرة وفي الذب والدفاع عنهم وعن الدين الجديد. وهذا ما حدث بالفعل، فقد نقلنا تلك الروايات لنلقي الضوء كاملًا على دور هذا الرجل في إقناع النجاشي وبطارقته بمظلومية المهاجرين وليس هذا فقط بل في عرض الإسلام بشكل واضح وجلي، مبيناً خصائص النبي صلى الله عليه و آله ودوره في دعوة قومه إلى هذا الدين ونبذ عبادة الأصنام.. وكل هذا يحتاج إلى شجاعة وجرأة وقدرة على البيان والمحاورة، وهذه الصفات جمعت في جعفر بن أبي طالب رضوان اللَّه تعالى عليه، فجعلت رسول اللَّه صلى الله عليه و آله يأذن له بالهجرة بل ويأذن له بالبقاء طيلة خمس عشرة سنة تقريباً فقد هاجر سنة خمس من مبعث النبي صلى الله عليه و آله وقدم إلى المدينة سنة سبع من الهجرة، فنال بذلك وسام الهجرتين.

لقد كان بحقّ رجل الإسلام الأول ورجل الحوار الأوّل في تلك البلاد، فمن محاوراته الجميلة التي أحرجت عمرو وصاحبه أمام النجاشي.. ما ذكره صاحب تفسير مجمع البيان:.. قال جعفر: يا أيها الملك سلهم أنحن عبيد لهم؟ فقال: لا، بل أحرار. قال: فسلهم ألهم علينا ديون يطالبوننا بها؟ قال: لا، ما لنا عليكم ديون.

قال: فلكم في أعناقنا دماء تطالبوننا بها؟ قال عمرو: لا. قال: فما تريدون منّا؟

آذيتمونا فخرجنا من دياركم. ولم يكتف جعفر بهذا بل عقبه بذكر النبيّ وأحكام الإسلام.

أيها الملك بعث اللَّه فينا نبيّاً أمرنا بخلع الأنداد، وترك الاستقسام بالأزلام، وأمرنا بالصلاة والزكاة والعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، ونهانا عن الفحشاء والمنكر والبغي... (1) فرسول اللَّه صلى الله عليه و آله لم يأذن لهم بالهجرة للخلاص بأنفسهم وأهليهم فحسب، وإن كان هذا هدفاً سليماً طالما لم يستطع الدفاع عنهم من ظلم قريش وتعسّفها وهو بعد في أول أمره ولم يؤمر بالجهاد، إلّاأنه كان يريد منهم أيضاً أن يحملوا هذه الرسالة التي جاءت إلى الناس كافة، وأن يكونوا له دعاةً في غير مكّة وبلاد


1- 1 تفسير مجمع البيان 3: 361.

ص: 217

الجزيرة العربية، وأن يزيحوا العوائق التي قد تستفيد منها قريش مستقبلًا.. أراد رسول اللَّه صلى الله عليه و آله لجعفر وللمهاجرين أن يكونوا دعاة رسالة ورجال حضارة وبناة تأريخ ومستقبل زاهر بالإسلام ومبادئه. وأن يستوعبوا الزمن كلّه والمكان كلّه والناس كلّهم، وهذا ما حدث فعند عودة جعفر إلى المدينة كان معهم سبعون رجلًا منهم اثنان وستون من بلاد الحبشة وثمانية من أهل الشام فيهم بحيراء الراهب، فقرأ عليهم رسول اللَّه صلى الله عليه و آله سورة يس إلى آخرها فبكوا حين سمعوا القرآن وآمنوا وقالوا: ما أشبه هذا بما كان ينزل على عيسى، فأنزل اللَّه فيهم.. وإذا سمعوا ما أنزل اللَّه إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحقّ يقولون ربّنا آمنا فاكتبنا مع الشاهدين.. (1)

.

أمّا لماذا الحبشة؟!

لابدّ لمن يريد أن ينجو من الاضطهاد والعذاب أن يختار مكاناً آمناً يلوذ به وإلّا فسيكون كالمستجير من الرمضاء بالنار. لهذا فقد تمّ اختيار هذه البلاد وكما صرح بذلك رسول اللَّه صلى الله عليه و آله حينما أمر المسلمين بالهجرة: لو خرجتم إلى أرض الحبشة، فإن بها مَلكاً لا يُظلم عنده أحد، وهي أرض صدق، حتى يجعل اللَّه لكم فرجاً ممّا أنتم فيه (2).

إذن فهي بلاد صدق وفيها حاكم عادل فتجد الدعوة ويجد المهاجرون ساحة بلا موانع يستطيعون التحرّك عليها بحريّة وأمان. كما أنها أرض كانت متجراً لقريش، يقول الطبري:.. وكانت أرض الحبشة متجراً لقريش يتجرون فيها، يجدون فيها رفاغاً من الرزق، وأمناً ومتجراً حسناً (3).

وكانت- أيضاً بلاداً مفتوحةً على كثير من البلدان، فهي بالتالي تشكّل ساحة مناسبة لنشر الدعوة الجديدة وبثّها في تلك البلاد وفي غيرها، كما تشكّل ساحة ضغط على قريش وتجارتها..


1- 1 سورة المائدة: 82- 84، انظر مجمع البيان 3: 361.
2- 2 سيرة ابن هشام 12: 321.
3- 3 تاريخ الطبري 1: 546، رفاغاً: سعة.

ص: 218

وهذا ما حصل بالفعل، فقد وصل تأثير المهاجرين- بدءاً بالملك الذي أعلن موقفه من الإسلام ومن المهاجرين وحمايتهم بقوله: أنا أشهد أنه رسول اللَّه... إلى غير الملك من أشراف القوم وأبناء البلاد الآخرين.. وكما يذكر الطبري: ثمّ إنه فشا الإسلام فيها، ودخل فيه رجال من أشرافهم (1).

شجاعته واستشهاده:

بعد عودته رضوان اللَّه عليه إلى المدينة من الحبشة- كان رسول اللَّه صلى الله عليه و آله بخيبر سنة 7 ه- بعد أن قضى فيها سنين عدداً مهاجراً، وكان بصحبته زوجته أسماء وأولاده الثلاثة محمد وعبداللَّه وعوف، تقول الرواية المنقولة عن الشعبي... قال:

لما فتح النبي صلى الله عليه و آله خيبر قدم جعفر بن أبي طالب رضوان اللَّه عليه من الحبشة، فالتزمه رسول اللَّه صلى الله عليه و آله، وجعل يقبّل بين عينيه ويقول: «ما أدري بأيهما أنا أشدّ فرحاً بقدوم جعفر أم بفتح خيبر؟!» (2) وقد آخى بينه وبين معاذ بن جبل.

فأقام بالمدينة شهراً ثمّ جعله رسول اللَّه صلى الله عليه و آله أحد الامراء الثلاثة على جيش غزوة مؤتة بناحية الكرك بالبلقاء. فتوجه إلى هناك حيث خاض معركة لم يخض المسلمون معركة مثلها، كما وصفت، وكان أعداء المسلمين من المشركين الروم قد ادّرعوا بالعتاد والأعداء ما يملأ السهل والجبل، وما لا طاقة للعرب ولا للمسلمين به، وكان جعفر أحد قواد الجيش الثلاثة الذين عيّنهم رسول اللَّه صلى الله عليه و آله فعن عروة بن الزبير: أنه بعث ذلك البعث (بعث رسول اللَّه صلى الله عليه و آله الجيش إلى مؤتة) في جمادى..

لسنة ثمان من الهجرة، واستعمل عليهم زيد بن حارثة، وقال: إن أُصيب زيد فجعفر بن أبي طالب على الناس، فإن أصيب جعفر فعبد اللَّه بن رواحة على الناس (3).

وقد ذكر الدكتور الجميلي صاحب كتاب صحابة النبي صلى الله عليه و آله وصفاً للمعركة ولاستشهاد جعفر: واشتبكت الأسنة، واشتجر الوغى، وعلا رهج الحرب،


1- 1 تاريخ الطبري 1: 546.
2- 2 انظر مقاتل الطالبيين: 30، عن ابن سعد 4: 23 وابن أبي الحديد 3: 407، والبداية والنهاية 4: 256، والاستيعاب 1: 81.
3- 3 أنظر مقاتل الطالبيين: 30، عن ابن سعد 2: 93، و 4: 22، وابن هشام 4: 15، والبداية والنهاية 1: 241، والسيرة الحلبية 3: 77.

ص: 219

وأدرك الروم أنهم إزاء فارس لا ضريب له، لا تثلم له ضربة، ولا يغل له سنان، ولا تنبو له ضريبة، فاعتوره الأعداء من كل صوب وجهة، وهو يرميهم ذات اليمين وذات الشمال، يستأصل شأفتهم، ويبيد خضراءهم، وهو ممسك بالراية بيده اليمنى، فقطعوها له، فالتقطها بيده اليسرى، ولا يزال صامداً متماسكاً، إلّاأن الروم ظلوا يتدافعون إليه، واحتوشوه حتى قطعت يده اليسرى، فاحتضن الراية بعضديهَ شهامةً حتى الموت، واندفعت الأمور لنهاياتها الحتمية، فقتل جعفر رضي اللَّه عنه وسقط شهيداً مضرجاً بدمائه مثخناً بجراحه، مزملًا في ثيابه، مدثراً ببطولة لا مثل لها.

يقول عبد اللَّه بن عمر: كنت مع جعفر في غزوة مؤتة، فالتمسناه، فوجدناه وبه بضع وتسعون ما بين طعنة ورمية.

وقال الزركلي في أعلامه: وحضر موقعة مؤتة بالبلقاء من أرض الشام، فنزل عن فرسه وقاتل ثمّ حمل الراية وتقدم صفوف المسلمين، فطعنت يمناه فحمل الراية باليسرى فطعنت أيضاً، فاحتضن الراية إلى صدره، وصبر حتى وقع شهيداً وفي جسمه نحو تسعين طعنة ورمية، فقيل: إن اللَّه عوضه عن يديه جناحين في الجنة، وقال حسان:

فلا يبعدن اللَّه قتلى تتابعوا بمؤتة منهم ذو الجناحين جعفر وقد روى عكرمة عن ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه و آله قال: دخلت الجنة فرأيت جعفر الطيار مع الملائكة وجناحاه مضرجان بالدم.

يقول بن عوف- وهو ممن حضر معركة مؤتة- عن شجاعة جعفر: لكأني أنظر إلى جعفر بن أبي طالب يوم مؤتة حين اقتحم عن فرس له شقراء فعقرها، ثمّ تقدم فقاتل حتّى قتل، قال بن اسحق: فهو أول من عقر في الإسلام وهو يرتجز:

يا حبذا الجنة واقترابُها طيبةٌ وباردٌ شرابُها

والرومُ رومٌ قد دنا عذابُها عليّ إن لاقيتها ضرابُها وفيما قاله رسول اللَّه صلى الله عليه و آله عن إيمان جعفر الثابت وشجاعته:.. ولما أخذ جعفر ابن أبي طالب الراية، جاءه الشيطان فمناه، وكره إليه الموت، فقال: الآن حين استحكم الإيمان في قلوب المؤمنين تمنيني الدنيا، ثمّ مضى قدماً حتى استشهد.

فصلى عليه رسول اللَّه صلى الله عليه و آله ودعا له، ثمّ قال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله: «استغفروا لأخيكم جعفر فقد استشهد ودخل الجنة، وهو يطير فيها بجناحين من ياقوت حيث شاء من الجنة».

ولما ورد خبر استشهاد زيد وجعفر وعبداللَّه بكى أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه و آله وهم حوله فقال: ما يبكيكم؟ فقالوا: ما لنا لا نبكي وقد ذهب خيارنا وأشرافنا وأهل الفضل منا. فقال: لا تبكوا، فإنما مثل أمتي كمثل حديقة قام عليها صاحبها فأصلح رواكيها وهيّأ مساكبها، وحلق سعفها، فأطعمت عاماً فوجاً، ثمّ عاماً فوجاً، ثمّ عاماً فوجاً، فلعل آخرها طعماً أن يكون أجودها قنواناً، وأطولها شمراخاً. والذي بعثني بالحقّ ليجدن ابن مريم في أمتي خلفاً من حواريه (1).

ولما استشهد جعفر وأصحابه أتى رسول اللَّه صلى الله عليه و آله بيت جعفر، تقول أسماء بنت عميس زوجة جعفر: لما اصيب جعفر وأصحابه أتاني رسول اللَّه صلى الله عليه و آله، ولقد هيأت أربعين مناً (2) من أدم، وعجنت عجيني، وأخذت بنيّ فغسلت وجوههم ودهنتهم، فدخل عليّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله فقال: يا أسماء، أين بنو جعفر؟ فجئت بهم إليه، فضمهم إليه وشمهم، ثمّ ذرفت عيناه فبكى، فقلت: أي رسول اللَّه لعله بلغك عن جعفر شي ء، فقال: نعم، قتل اليوم. فقالت: فقمت أصيح، واجتمع إليّ النساء، قالت: فجعل رسول اللَّه صلى الله عليه و آله يقول: يا أسماء: لا تقولي هُجراً، ولا تضربي صدراً.

قالت: فخرج رسول اللَّه صلى الله عليه و آله حتى دخل على ابنته فاطمة، وهي تقول:

واعماه، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله: على مثل جعفر فلتبك الباكية، ثمّ قال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله:

اصنعوا لآل جعفر طعاماً، فقد شغلوا عن أنفسهم اليوم... ثمّ صعد المنبر فحمد اللَّه وأثنى عليه، ثمّ قال: أيها الناس، إن جعفر بن أبي طالب مرّ مع جبريل وميكائيل


1- 1 مقاتل الطالبيين: 31- 32.
2- 2 في الأصل: «منياً» تحريف. والمنا: الكيل أو الوزن الذي يوزن به، وهو أفصح من المنّ، لغة تميم. اللسان: منن، مني.

ص: 221

له جناحان، عوضه اللَّه من يديه فسلّم عليّ.. وأخبرني أنه لقي المشركين يوم كذا وكذا.... فقال: لقيت المشركين فأصبت في جسدي من مقاديمي ثلاث وسبعين طعنة وضربة، ثم أخذت اللواء بيدي اليمنى فقطعت، ثمّ أخذته بيدي اليسرى فقطعت فعوضني اللَّه من يدي جناحين أطير بهما مع جبريل وميكائيل، أنزل من الجنة حيث شئت... فلذلك سمّي الطيار في الجنة.

عمره

وقع الخلاف في عمره الشريف حينما استشهد في معركة مؤتة، فقد ذهب الواقدي وغيره إلى أن قتله كان سنة ثمان من الهجرة.. وعمّر جعفر ثلاثاً و ثلاثين سنة، وقيل: قتل وهو ابن خمس وعشرين سنة.

في حين ذهب بعض إلى أن عمره رضوان اللَّه عليه وقت استشهاده كان ثلاثاً أو أربعاً وثلاثين سنة، وقد نسب هذا إلى أحد أحفاد جعفر وهو علي بن عبد اللَّه ابن جعفر بن إبراهيم بن محمد بن علي بن عبد اللَّه بن جعفر بن أبي طالب حيث قال: قتل جعفر وهو ابن ثلاث أو أربع وثلاثين سنة.

هذه هي خلاصة بعض الأقوال في عمره، وكلها مردودة، فقد رفض أبو الفرج الأصفهاني صاحب مقاتل الطالبيين هذا حيث قال: وهذا عندي شبيه بالوهم؛ لأنه قتل في سنة ثمان من الهجرة، وبين ذلك الوقت وبين مبعث رسول اللَّه صلى الله عليه و آله إحدى وعشرون سنة، وهو أسن من أخيه أمير المؤمنين علي عليه السلام بعشر سنين، كان لعلي حين أسلم سنون مختلفة في عددها، فالمكثر يقول: كانت خمس عشرة، والمقلل يقول: سبع سنين.

وكان إسلامه في السنة التي بعث فيها رسول اللَّه صلى الله عليه و آله لا خلاف في ذلك. وعلى أي الروايات قيس أمره علم أنه كان عند مقتله قد تجاوز هذا المقدار من السنين.

وذكر أبو الفرج في الهامش بأن ابن عبد البر جزم بأن سنّه كانت إحدى

ص: 222

وأربعين سنة (1).

وهذا القول الأخير مبني على كون عمر جعفر حين إسلامه كان عشرين سنة.

وما ورد في الرواية أعلاه من كون عمره 33، 34 فهو خطأ؛ لأن الأخذ بها يجعل عمر جعفر حين إسلامه 12 سنة أو 13 سنة، وبالتالي فهو يساوي عمر الإمام علي عليه السلام أو يقاربه إن لم يكن أصغر سناً من الإمام إذا ما أخذنا برواية المكثرين من كون عمر الإمام كان 15 سنة وقت إسلامه، وهذا يخالف كل المصادر التأريخية التي أجمعت على كون جعفر أكبر سناً من الإمام علي عليه السلام بعشر سنين.

فعمر جعفر وقت استشهاده قد لا يمكن القطع به بل يمكننا أن نقول: إنه بعد تجاوزه الأربعين سنة بقليل، أما تحديده ب 41، أو 42 على وجه الجزم أمر قد لا يخلو من مجازفة، وهو ترجيح لرواية السن على أخرى بلا مرجح قوي. وأما كون عمره خمساً وعشرين سنة فهو أمر لا يستحق الوقوف عنده.

صلاة جعفر

وممّا علّمه رسول اللَّه صلى الله عليه و آله صلاة خاصّة تسمى بصلاة الحبوة والتسبيح.

فقد روى أبوحمزة الثمالي عن أبي جعفر عليه السلام قال: «قال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله لجعفر بن أبي طالب: يا جعفر ألا أمنحك، ألا أُعطيك، ألا أحبوك (2)، ألا أُعلّمك صلاة إذا أنت صلّيتها لو كنت فررت من الزّحف وكان عليك مثل رمل عالج (3) وزبد البحر ذنوباً غفرت لك؟ قال: بلى يا رسول اللَّه، قال: تصلّي أربع ركعات إذا شئت إن شئت كلّ ليلة، وإن شئت كلّ يوم، وإن شئت فمن جمعة إلى جمعة، وإن شئت فمن شهر إلى شهر، وإن شئت فمن سنة إلى سنة، تفتتح الصلاة ثمّ تكبّر خمس عشرة مرّة، تقول: اللَّه أكبر وسبحان اللَّه والحمد للَّه ولا إله إلّااللَّه، ثمّ تقرأ الفاتحة وسورة، وتركع فتقولهنَّ في ركوعك عشر مرّات، ثمّ ترفع رأسك من الركوع فتقولهنّ عشر


1- 1 مقاتل الطالبيين، انظر شرح المواهب 2: 271.
2- 2 أمنحك وأعطيك وأحبوك متقاربة المعاني، والمنحة: العطية. والحباء: العطاء ومنه الحبوة باعتبار اعطاءالنبي صلى الله عليه و آله لجعفر عليه السلام.
3- 3 الرمل العالج أي المتراكم، وعوالج الرمل هو ما تراكم منه.

ص: 223

مرّات، وتخرُّ ساجداً وتقولهنَّ عشر مرّات في سجودك، ثمّ ترفع رأسك من السجود فتقولهنّ عشر مرّات، ثمّ تخرّ ساجداً وتقولهنّ عشر مرّات، ثمّ ترفع رأسك من السجود فتقولهنّ عشر مرّات، ثمّ تنهض فتقولهنّ خمس عشرة مرّة، ثمّ تقرأ فاتحة الكتاب وسورة، ثمّ تركع فتقولهنّ عشر مرّات، ثمّ ترفع رأسك من الركوع فتقولهنّ عشر مرّات، ثمّ تخرُّ ساجداً فتقولهنّ عشر مرّات، ثمّ ترفع رأسك من السجود فتقولهنّ عشر مرّات، ثمّ تسجد فتقولهنّ عشر مرّات، ثمّ ترفع رأسك من السجود فتقولهنّ عشر مرّات، ثمّ تتشهّد وتسلّم؛ ثمّ تقوم وتصلّي ركعتين أخراوين تصنع فيهما مثل ذلك ثمّ تسلّم. قال أبوجعفر عليه السلام: فذلك خمس وسبعون مرّة في كلّ ركعة ثلاثمائة تسبيحة تكون ثلاثمائة مرّة في الأربع ركعات ألف ومائتا تسبيحة يضاعفها اللَّه عزّوجلّ ويكتب لك بها اثنتي عشرة ألف حسنة، الحسنة منها مثل جبل أُحد وأعظم» (1) وعن أجر من صلّاها، سئل الإمام أبوعبداللَّه عليه السلام «عمّن صلّى صلاة جعفر، هل يكتب له من الأجر مثل ما قال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله لجعفر؟ قال: إي واللَّه» (2).

قالوا فيه

إذا ما نظرنا في الذي ورد في جعفر من أقوال وروايات.. يمكننا أن نتصور من خلال ذلك شخصيته ومكانته وما يملكه من قدرات، فمن أقوال الرسول صلى الله عليه و آله فيه:

«خير الناس حمزة، وجعفر وعلي» (3).

«رأيت جعفراً ملكاً يطير في الجنة مع الملائكة بجناحين» (4).

وقال صلى الله عليه و آله مخاطباً جعفراً: «أنت أشبهت خَلقي وخُلقي» (5).

«نحن بنو عبد المطلب سادات أهل الجنة: رسول اللَّه، وحمزة سيد الشهداء، وجعفر ذو الجناحين، وعلي، وفاطمة، والحسن، والحسين» (6).

وفي رواية أخرى قال فيها رسول اللَّه صلى الله عليه و آله:


1- 1 من لا يحضره الفقيه 1: 370.
2- 2 المصدر نفسه 1: 371.
3- 3 شرح ابن أبي الحديد 3: 407.
4- 4 طبقات ابن سعد 4: 26، وأسد الغابة 1: 287، الإصابة 1: 249.
5- 5 ابن أبي الحديد 3: 407، الإصابة 1: 248.
6- 6 مختصر تاريخ دمشق 6: 68.

ص: 224

«نحن سبعة «بنو عبد المطلب» سادات أهل الجنة، أنا، وعلي أخي، وعمّي حمزة، وجعفر، والحسن والحسين، والمهدي» (1).

أمّا ما قاله صاحب حلية الأولياء أبو نعيم الأصفهاني في مقدمة ترجمة جعفر:

ومنهم الخطيب المقدام، السخي المطعام، خطيب العارفين، ومضيف المساكين، ومهاجر الهجرتين، ومصلي القبلتين، البطل الشجاع، الجواد الشعشاع، جعفر بن أبي طالب عليه السلام، فارق الخلق ورامق الحق،...

وأما ما قاله فيه صاحب سير أعلام النبلاء..

السيد الشهيد، الكبير الشأن، علم المجاهدين، أبو عبداللَّه، ابن عمّ رسول اللَّه.

ومن شعر حسان بن ثابت في بني هاشم ومنهم جعفر (2):

رأيت خيارَ المؤمنينَ توادُوا شَعُوبَ وقد خُلِّفتُ فيمن يؤخَّرُ

فلا يُبعدَنَّ اللَّهُ قتلى تتابعوا جَميعاً ونيرانُ الحروبِ تَسَعَّرُ

غداة غدا بالمؤمنينَ يقودُهُمْ إلى الموتِ ميمونُ النّقِيبَة أزهرُ

وكنا نرى في جعفرٍ مِنْ محمد وَقَاراً وأمْراً حَازِماً حِيْن يَأمُرُ

وما زال للإسلامِ مِنْ آلِ هاشمٍ دَعائمُ عِزٍّ لا تَزالُ ومَفْخرُ

بَهالِيْلُ منْهُمْ جَعْفَر وابنُ أُمّهِ عليٌّ ومِنْهُمْ أحمدُ المتخيَّرُ

وحمزةُ والعباسُ منهمْ وَمنْهُمُ عَقِيلٌ وماءُ العُودِ مِنْ حيثُ يُعَصرُ

بهمْ تُفْرَجُ اللأواءُ في كلِّ مأزقٍ عَماس (3) إذا ما ضَاقَ بالأمْر مَصْدَرُ

وهمْ أولياءُ اللَّهِ نزّل حكمهُ عليهم وفيهِمْ والكتابُ المطَّهرُ

وفي رثاء جعفر قال كعب بن مالك:

هدت العيون ودمع عينك يهمل سَحَّاً كما وَكَفَ الضباب الُمخْضلُ (4) وكأنّما بين الجوانح والحشا مما تأَوَّ بَني شِهابٌ مُدْخَلُ (5) (7)


1- 1 مختصر تاريخ دمشق 6: 68.
2- 2 الديوان: 235، باختلاف في الرواية، وانظر مقاتل الطالبين: 32- 33.
3- 3 أمر عَماس: شديد مظلم، لا يُدرى من أين يؤتى له. اللسان: عمس.
4- 4 الشعر في ابن هشام 4: 27 ابن أبي الحديد 3: 404 والبداية والنهاية 4: 261. همل الدمع: سال، وسحا: صبا، ووكف: قطر، ويروى «كما وكف الطباب» وهو جمع طبابة، وهي سير بين خرزتين في المزادة فإن كان غير محكم كف منه الماء، والمخضل: السائل الندى. وفي ابن أبي الحديد 3: 404 «وكف الرباب» وفي سيرة ابن هشام بعد هذا البيت: في ليلة وردت على همومها طوراً أحن وتارة أتململ واعتادني حزن فبَتَ كأنني ببنات نعش والسماك موكل
5- 5 المدخل: النافذ: إلى الداخل.

ص: 225

وَجْداً على النَّفَر الذين تَتَابَعُوايوْماً بمُؤتَة أُسْندوا لمْ يُنْقَلوا صلى الإِلهُ عليهم من فِتيةٍوسقى عظامهمُ الغمامُ المُسْبِل (1) صبروا بمؤتة للإِله نفوسهُمْ عند الحِمَامِ حفيظةً أن يَنْكُلُوا (2) إذ يهتدون بجعفرٍ ولوائِهِ قُدَّامَ أَوَّلِهِمْ ونِعْمَ الأَوَّل (3) حتى تفرَّقت الصفوف وجعفرٌحيثُ الْتَقى وَعْثُ الصُّفُوفِ مُجَدَّل (4) فَتَغَيَّرَ القمرُ المنيرُ لفقده والشمسُ قد كَسَفَتْ وكادتْ تَأْفُل (5) [قومٌ بهم نصرَ الإِلهُ عبادَه وعليهُم نزل الكتاب المُنْزَل (6)

]

وبهديهمْ رَضي الإِلهُ لِخَلْقِهِ وحَدّهم نُصِرَ النبيّ المُرْسَل (7) بيضُ الوجوه تُرَى بُطُون أَكُفِّهِمْ تَنْدَى إذا اعتذرَ الزمانُ المُمْحِل (8) ومن أبيات لحسان وهو يرثي جعفر بن أبي طالب:

لقد جزعتُ وقلتُ حين نُعيتَ لي مَن للجلاد لدى العُقاب وظلِّها (9)

بعد ابن فاطمة المبارك جعفرخير البرية كلِّها وأجلّها

*** فسلام عليك يا جعفر في الخالدين

الهوامش:

بحثا عن النور


1- 1 المسبل: الممطر.
2- 2 الحمام: الموت. وينكلوا: يرجعوا هائبين لعدوهم.
3- 3 بعد هذا البيت في سيرة ابن هشام: فمضوا أمام المسلمين كأنّهم فنق عليهن الحديد المرفل
4- 4 في سيرة ابن هشام «حتى تفرجت» والوعث الرمل الذي تغيب فيه الأرجل، ومجدل: مطروح على الجدالة، وهي الأرض. وفي ابن أبي الحديد «... التقى جمع الغواة».
5- 5 تأفّل: تغيب، وفي القرآن «فلما أفلت قال إني لا أحب الآفلين» وفي سيرة ابن هشام بعد هذا البيت: قرم علا بنيانه من هاشم فرعاً أشم وسؤدداً ما ينقل
6- 6 الزيادة من النسخة الخطية وفي سيرة ابن هشام «عصم الإِله» وفيها بعد البيت: فضلوا المعاشر عشرة وتكرماً وتنهدت أحلامهم من يجهل لا يطلقون إلى السفاه حُباهم ويرى خطيبهم بحق يفصل
7- 7 ويروى «بجدهم» قال أبوذر: «من رواه بالحاء المهملة فمعناه بشجاعتهم وإقدامهم؛ ومن رواه بالجيم المكسورة فهو معلوم».
8- 8 الممحل: الشديد القحط وفي أ، ب: «قوم بهم نظر الإِله لخلفه».
9- 9 العقاب: اسم لراية الرسول.

ص: 228

بحثاً عن النور

علي الكوراني

في طريقنا إلى البقيع سألني رفيقي مرتضى:

- ما لي أراك ساكتاً متفكراً كأنّك في عالم آخر ... هل حدث لك شي ء؟!

- لم يحدث لي شي ء، وكأني لست أهلًا لأن يحدث لي شي ء .. أو أجد ريح يوسف ...

هل نسيت أننا في مدينة الرسول، وأنها مسكن صاحب الأمر، أرواحنا فداه؟!

لقد شغل فكري حديث عن الإمام الصادق عليه السلام يقول: «لابدّ لصاحب هذا الأمر من غيبة، ولابدّ له في غيبته من عزلة، ونعم المنزل طيبة، وما بثلاثين من وحشة».

مسألة بهذه الضخامة، كيف لا تشغل الفكر والحواس؟!

نور اللَّه في أرضه وحجته على عباده .. يسكن في هذا البلد الذي نحن فيه، ولا نبحث عنه، أو عن أثارةٍ منه

أما قرأت قوله تعالى: اللَّهُ نورُ السماوات والأرض مثلُ نوره كمشكاة فيها مصباحٌ المصباحُ في زجاجة الزجاجةُ كأنها كوكب دري

ص: 229

يوقدُ من شجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولا غربية يكاد زيتُها يضي ء ولو لم تمسسه نار نورٌ على نور يهدي اللَّه لنوره من يشاء ويضرب اللَّه الأمثال للناس واللَّه بكلّ شي ء عليم في بيوت أذن اللَّه أن ترفع ويذكر فيها اسمُهُ يُسبّح له فيها بالغدو والآصال رجال لا تلهيهم تجارةٌ ولا بيعٌ عن ذكر اللَّه وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة ...؟ (1).

يعني أنّ لنوره- عزوجل- مركزاً في الأرض، وأنه مثل المشكاة، وأنه- تعالى- يضرب هذا المثل للناس الساكنين على هذه الأرض!!

فأين هو هذا النور الإلهي، والمشكاة والمصباح المتوقّد؟ ..

كيف يمكننا أن نقبل أقوال المفسرين بأن الآية التي بعدها: في بيوت أذن اللَّه أن ترفع لا علاقة لها بآية النور، ونغمض عيوننا عن الحديث النبوي الذي نرويه عن أهل البيت عليهم السلام، ويرويه السيوطي والثعلبي بأنّ هذا النور الإلهي موجود في هذه البيوت، وأنّها بيوت الأنبياء والأئمة؟!

يقول السيوطي في الدر المنثور: (2) «وأخرج ابن مردويه عن أنس ابن مالك وبريدة قال: قرأ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله هذه الآية في بيوت أذن اللَّه أن ترفع فقام إليه رجل فقال: أي بيوت هذه يا رسول اللَّه؟

قال: بيوت الأنبياء. فقام إليه أبو بكر فقال: يا رسول اللَّه، هذا البيت منها- لبيت علي وفاطمة-؟ قال: نعم من أفاضلها»!

وكيف نقنع بتفسير المفسّرين لهذه البيوت بأنها المساجد، وبأن مشكاة نور اللَّه في الأرض هي قناديل المساجد التي يضيؤها الناس بالشمع، والنفط، والكهرباء؟!

ألا ترى أنّ مطلع الآية اللَّه نور السماوات والأرض يمهد للمسألة ويلخّصها كلّها .. فهو- عزوجل- نور خلق السماوات والأرض .. ونور استمرار وجودها وحياتها .. ونور كل شي ءٍ فيها .. وله في كلّ عصر نور في


1- 1 النور: 35- 37.
2- 2 الدر المنثور 5: 50.

ص: 230

الأرض أشبه ما يكون بالمصباح في المشكاة، يهدي إليه من يشاء ..

وهذا هو مضمون الحديث المتواتر: «إنّ اللَّه- تعالى- لا يخلي أرضه من حجّة، إمّا ظاهراً مشهوداً، أو خائفاً مغموراً».

*** وبعد الزيارة، اقترح صاحبي أن نجلس عند جدار البقيع، ونكمل حديثنا عن الإمام المهدي عليه السلام، فجلسنا، وقال:

- أتعني: أنّ الإمام المهدي عليه السلام هو في عصرنا مركز النور الإلهي في آية النور؟

- يا صاحبي إنّ مقتضى قوله مثل نوره كمشكاة أن هذه المشكاة موجودة دائماً في الأرض، لأنّه كلام مطلق من حيث الوقت وليس مقيّداً بزمان، والحديث النبوي الذي رواه السيوطي صريح في ذلك.

- أقول: إنّ الأفعال الإلهية في الأرض والناس تتمّ بواسطة الإمام المهدي عليه السلام؟!

- بل أقول: إنّ للَّه مصباحاً في أرضه هو مركز نوره، ولا شكّ في أنّه كان متمثلًا بالنبيّ صلى الله عليه و آله، وكان له دوره في إشعاع النور الإلهي، ودوره في فيض العطاء الإلهي أكثر من تصوّرنا العادي ..

ثمّ لا شكّ في أنّ هذا المصباح تمثل من بعده بعليّ والأئمة من ولده عليهم السلام ضمن الحدود التي أخبر بها رسول اللَّه صلى الله عليه و آله ..

أَما فهمت من سؤال أبي بكر للنبي أنه أراد أن يعرف أن بيت عليّ وفاطمة- الذي يؤكد الرسول دائماً أنّه بيته، وأنّ أهله هم أهل بيته- هل هو من بيوت الأنبياء ومراكز النور الإلهي؟ فأجابه النبيُّ صلى الله عليه و آله: بأنه ليس فقط جزءاً منها بل هو من البيوت المميّزة فيها!!

أَما قرأت سورة القدر وملائكتها المتنزلة في كلّ عام بكلّ أمر ..؟

أَما تأمّلت في هذا التعميم؟!

إنّ مقام نبيّنا ومقام أوصيائه يا

ص: 231

صاحبي أعظم مما نتصوّر، وأنواع الأفعال الإلهية أكثر مما نتصوّر، فمنها ما يفعله اللَّه- تعالى- مباشرة، ومنها ما يفعله بواسطة ملائكته وأنبيائه، أو بواسطة من يشاء من خلقه!

ولعلّنا نستطيع أن نجد أضواء على أنواع الفعل الإلهي وقوانينه من القرآن، من نسبة الفعل إلى اللَّه- تعالى- بصيغة المفرد المتكلّم، أو بصيغة الجمع، أو بصيغة الغائب ..

إنّ دراسة الأفعال المسندة إلى اللَّه- تعالى- في القرآن، عن طريق إحصائها وتقسيمها وتحليلها، سيعطينا أضواء هامة على أنواع الفعل الإلهي ووسائله .. إنك تشعر أن في صيغ الفعل الإلهي في القرآن هدفاً، وأنّ وراءها قاعدة ..

مثلًا بعض الأفعال أسندها- عزوجل- إلى نفسه بصيغة المفرد المتكلم، وبصيغة جمع المتكلم، وبصيغة المفرد الغائب، مثل: أوحيت، أوحينا، نوحي، أوحى ..

وبعضها أسندها بصيغة جمع المتكلم والغائب فقط، ولم يسندها بصيغة المفرد مثل: بشّرنا، أرسلنا، صوّرنا، رزقنا، بيّنّا .. الخ. ولم يقل بشّرت أو رزقت .. الخ.

أشعر بأنّ في الأمر قاعدة، فإنّ كلمات القرآن وحروفه موضوعة في مواضعها بموجب حسابات وقواعد دقيقة، كما وضعت النجوم في مواضعها ومداراتها في الكون فلا أُقسم بمواقع النجوم وإنه لقسمٌ لو تعلمون عظيم إنّه لقرآن كريمٌ (1).

ولكن استكشافنا للقاعدة في استعمال الفعل سيبقى ظنياً وتخمينياً؛ لأننا محرومون من الذي عنده علم الكتاب روحي فداه!

روي في الاحتجاج أنّ شخصاً جاء إلى أمير المؤمنين عليه السلام وقال له:

لولا ما في القرآن من الاختلاف والتناقض؛ لدخلت في دينكم! فقال له عليه السلام: وما هو؟ فقال:

(... أجد اللَّه يقول: قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم، وفي موضع يقول: اللَّه يتوفى الأنفس


1- 1 الواقعة: 75- 77.

ص: 232

حين موتها، والذين تتوفاهم الملائكة طيبين، وما أشبه ذلك، فمرّة يجعل الفعل لنفسه، ومرّة لملك الموت، ومرّة للملائكة ....

فقال أمير المؤمنين عليه السلام: سبوح قدوس ربّ الملائكة والروح، تبارك وتعالى، هو الحيّ الدائم، القائم على كلّ نفس بما كسبت، هات أيضاً ما شككت فيه:

قال: حسبي ما ذكرت ....

قال عليه السلام: فأما قوله: اللَّه يتوفى الأنفس حين موتها، وقوله:

يتوفاكم ملك الموت، وتوفته رسلنا، والذين تتوفاهم الملائكة طيبين، والذين تتوفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم ... فهو- تبارك وتعالى- أعظم وأجلّ من أن يتولى ذلك بنفسه، وفعل رسله وملائكته فعله، لأنّهم بأمره يعملون، فاصطفى- جلّ ذكره- من الملائكة رسلًا وسَفَرَةً بينه وبين خلقه وهم الذين قال فيهم: اللَّه يصطفي من الملائكة رسلًا ومن الناس .. فمن كان من أهل الطاعة تولت قبض روحه ملائكة الرحمة، ومَن كان من أهل المعصية تولّت قبض روحه ملائكة النقمة، ولملك الموت أعوان من ملائكة الرحمة والنقمة يصدرون عن أمره، وفعلهم فعله، وكلّ ما يأتون به منسوب إليه، وإذا كان فعلهم فعل ملك الموت، وفعل ملك الموت فعل اللَّه؛ لأنّه يتوفى الأنفس على يد من يشاء، ويعطي ويمنع ويثيب ويعاقب على يد من يشاء، وإنّ فعلَ أُمنائه فعلُه).

*** قال صاحبي:

- أَتعتقد بأنّ الأنبياء والأئمة مضافاً إلى دورهم في التبليغ والهداية، لهم دور في الفعل الإلهي في الطبيعة والأشخاص والمجتمعات؟

- لابدّ لنا من الاعتقاد بذلك، لأنّ الآيات تدلّ عليه، والأحاديث والسيرة صريحة فيه .. أما حدود هذا الدور وتفاصيله فلا نعرفها، والظاهر أنها من أسرار اللَّه- تعالى- فقد

ص: 233

بنى- سبحانه- أكثر أفعاله على الاسرار، حتى إنه قال لنبيّه موسى عن الآخرة: إنّ الساعة آتيةٌ أَكاد أُخفيها لِتُجزى كلُّ نفسٍ بما تسعى (1)!

- وعلى هذا يحقّ للآخرين أن يتهمونا بأنا نجعل الأنبياء والأئمة شركاء للَّه تعالى!

- تعالى اللَّه عن ذلك .. لا يحزنك يا صاحبي الذين يتّهمون المسلمين بالشرك، واسألهم:

إذا ثبت بآية أو بحديث صحيح أنّ اللَّه- تعالى- يجري قسماً من أفعاله بواسطة ملائكته ورسله وأوليائه، فقبلنا ذلك وآمنّا به، هل نكون مشركين؟!

أَما قرأت قوله تعالى: قُل إِن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين سبحان ربّ السماوات والأرض ربّ العرش عما يصفون (2)؟

يعني: أيها النبي، قل أنا تابع لما يأتيني من ربي، فإذا أخبرني أن له ولداً، وأمرني بعبادته، فأنا أول العابدين، لكنه تعالى عن ذلك.

ونحن نقول: إذا دلّنا الدليل من كتاب اللَّه- تعالى- أو سنّة نبيّه صلى الله عليه و آله على أنّ اللَّه- تعالى- يجري بعض أفعاله بواسطتهم، فنحن نسمع ونطيع ونعتقد بذلك، وهو عين التوحيد، ونقول لمن يتّهمنا: افهموا التوحيد قبل أن تتّهموا الناس بالشرك.

كأنّ هؤلاء يضعون شرطاً على اللَّه- تعالى- لتوحيده!! وهو أن تكون أفعاله- عزوجل- مباشرة بدون واسطة، أو تكون بواسطة الملائكة دون غيرهم من البشر والمخلوقات ..

أما نحن فنوحّده- تعالى- بدون شرط، ونقبل أفعاله بأيّ واسطة أجراها، ونعتقد بأنّ فعل أمنائه هو فعله على حدّ تعبير أمير المؤمنين عليه السلام ..

فأيّ التوحيدين أرقى .. وأعمق؟

- حقاً، إنها فكرة عميقة أسمعها لأوّل مرّة، نعم، إنّ التوحيد الصحيح هو التوحيد بلا شروط، وإلّا لصار الشرط شركاً! ..

حسناً .. ماذا يعمل الإمام


1- 1 طه: 15.
2- 2 الزخرف: 81- 82.

ص: 234

المهدي في المدينة، ومع مَن يعيش؟

- كما يعمل الخضر ويعيش .. أما قرأت قصّة موسى والخضر عليهما السلام في القرآن؟

- بلى، وهل يعتقد كلّ العلماء بأنّ الخضر ما زال حيّاً يرزق؟

- نعم، فقد وردت الروايات الصحيحة عندنا بأنّه ما زال حيّاً ويقوم بعمله، وثبت ذلك عند أكثر علماء السنّة، فقد ذكر في مجموع النووي في مسألة استحباب تعزية أهل الميت بمصابهم، ذكر استدلال العلماء على ذلك بتعزية الخضر لأهل بيت النبيّ عند وفاته صلى الله عليه و آله.

اقرأ قصة الخضر في القرآن؛ لتعرف أنه مأمور من اللَّه- تعالى- بعمليات خاصّة إذا صحّ التعبير، وأنّ نبيّ اللَّه موسى عليه السلام قد رافقه ليوم أو يومين فرأى منه ما لم يستطع عليه صبراً!

وقد ورد عن النبي صلى الله عليه و آله أنّه قال:

رحم اللَّه أخي موسى لقد عجل على العالِم، أما إنّه لو صبر عليه لرأى منه العجائب!

ولابدّ من أنّ نبيّنا صلى الله عليه و آله قد رأى هذه العجائب!

- وما هي هذه العجائب؟

- ياصاحبي! إنّ إدارة اللَّه- تعالى- وربوبيّته لنا تشبه كرة الثلج في الماء لا يظهر منها إلّاعشرها، بينما تخفى علينا تسعة أعشارها!

وكلّ مرحلة باطنة من إدارته- عزوجل- أعجب من التي قبلها، وأصعب فهماً؛ لأنّها كما يظهر تتمّ بقوانين ووسائل أعمق من التي قبلها!

وما أدري أين هو موقع نبيّنا وآله صلى الله عليه و آله من هذه المراحل، ولكن أدري أنهم نور اللَّه في الأرض، يجري- عزوجل- على أيديهم ما يشاء من الأفعال.

- يعني مثل الرزق والموت والحياة؟

- وما المانع من ذلك؟ هل تريد أن تمنع اللَّه- تعالى- من أن يوكّل أحداً بفعل من أفعاله! أو تمنع عطاءه

ص: 235

لأنبيائه؟!

ما المانع من أن يأمرهم اللَّه- تعالى- بشي ء من ذلك، ويعطيهم القدرة عليه، فيفعلونه بأمره وإذنه، لا بأمرهم وقدرتهم؟ فإنّما هم عباد مخلوقون ليس لهم من الأمر شي ء، ولكنهم عباد مكرمون لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون (1).

- وهل يوجد الآن غير الخضر والإمام المهدي مأمورون بهذا النوع من العمليات الخاصة؟

- تقول بعض الروايات:

«قال موسى عليه السلام: بينا أنا والخضر على شاطئ البحر، إذ سقط بين أيدينا طائر، فأخذ في منقاره قطرة من ماء البحر، ورمى بها نحو المشرق، وأخذ منه ثانية، ورمى بها نحو المغرب، ثمّ أخذ ثالثة ورمى بها نحو السماء، ثمّ أخذ رابعة ورمى بها نحو الأرض، ثمّ أخذ خامسة وألقاها في البحر، فبهتّ أنا والخضر من ذلك وسألته عنه؟ فقال: لا أعلم.

بينما نحن كذلك فإذا صياد يصيد في البحر، نظر إلينا وقال: ما لي أراكما في فكرة من أمر هذا الطائر؟ فقلنا له:

هو ذاك. فقال: أنا رجل صياد وقد علمت إشارته، وأنتما نبيّان لا تعلمان؟! فقلنا: ما نعلم إلّاما علّمنا اللَّه عزوجل».

من هذه الرواية وأمثالها نعرف أن للَّه- تعالى- أولياء معتمدين متعددين يجري ما يريده من أفعال بواسطتهم، وقد قال عزوجل: وللَّه جنود السماوات والأرض (2)

وقال:

وما يعلم جنود ربك إلّاهو (3)!

ولكن يبقى للإمام المهدي عليه السلام موقعه المميز في جنود اللَّه- تعالى- وأوليائه.

فإنّ الأحاديث الثابتة تقول: إنّ مسألة النبي وأهل بيته مسألة مميزة من الأساس، وأنّ اللَّه- تعالى- قد خلق نور محمد وأهل بيته قبل أن يخلق آدم وينفح فيه من روحه!

كنت رأيت هذه النصوص في مصادرنا، ثمّ رأيتها في مصادر إخواننا


1- 1 الأنبياء: 26- 27.
2- 2 الفتح: 4، 7.
3- 3 المدثر: 31.

ص: 236

السنّة، وفي مؤلفات بعض المؤلفين الذين يحاولون التقليل من أهمية أهل البيت ما وجدوا إلى ذلك سبيلًا!

وأخيراً قرأت ذلك عند المسعودي في مقدمة تأريخه «مروج الذهب»، حيث تحدّث- على عادة المؤرّخين- عن بداية خلق العالم، وأورد حديث خلق النور المحمدي قبل خلق آدم، ممّا يدلّ على أنّ هذه النصوص كانت معروفة عند المؤرخين أيضاً!

قال المسعودي (1) «فهذا ما روي عن أبي عبد اللَّه جعفر بن محمد، عن أبيه محمد بن عليّ، عن أبيه عليّ بن الحسين، عن أبيه الحسين بن عليّ، عن أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب كرّم اللَّه وجهه:

إنّ اللَّه حين شاء تقدير الخليقة، وذرأ البريّة، وإبداع المبدعات، نصب الخلق في صور الهباء قبل دحو الأرض ورفع السماء، وهو في انفراد ملكوته وتوحد جبروته فأتاح (فأساح) نوراً من نوره فلمع، و [نزع] قبساً من ضيائه فسطع، ثمّ اجتمع النور في وسط تلك الصور الخفيّة فوافق ذلك صورة نبيّنا محمد صلى الله عليه و آله، فقال اللَّه عزّ من قائل: أنت المختار المنتخب، وعندك مستودع نوري وكنوز هدايتي، من أجلك أسطح البطحاء، وأمرج الماء، وأرفع السماء، وأجعل الثواب والعقاب والجنّة والنار، وأنصب أهل بيتك للهداية، وأوتيهم من مكنون علمي ما لا يشكل عليهم دقيق ولا يعييهم خفي، وأجعلهم حجّتي على بريّتي ... ثمّ أنشأ اللَّه الملائكة من أنوار أبدعها، وأرواح اخترعها، وقرن بتوحيده نبوّة محمد صلى الله عليه و آله، فشهرت في السماء قبل بعثته في الأرض، فلمّا خلق آدم أبان فضله للملائكة، وأراهم ما خصّه به من سابق العلم من حيث عرفه عند استنبائه إياه أسماء الأشياء، فجعل اللَّه آدم محراباً وكعبة وباباً وقبلةً أسجد إليها الأبرار والروحانيين الأنوار، ثمّ نبّه آدم على مستودعه، وكشف له [عن] خطر ما ائتمنه عليه» (2).


1- 1 في المجلد الأول من تاريخه: ص 22.
2- 2 مروج الذهب 1: 22.

ص: 237

(وشبيه به في تذكرة الخواص لابن الجوزي الحنبلي!) (1) اسمع يا مرتضى! إنّ اللَّه تعالى يقول:

أم يحسدون الناس على ما آتاهم اللَّه من فضله فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكاً عظيماً (2).

ويقول عن الخضر: آتيناه رحمةً من عندنا وعلّمناه من لدنّا علماً (3).

- ولكن هل تعتقد أنّ اللَّه- تعالى- أعطى الخضر وآل ابراهيم أكثر ممّا أعطى محمداً وآل محمد؟

كلّا، ولكنّه- تعالى- لم يصرّح بذلك في القرآن؛ لأنّ أُمّة النبيّ وأمم العالم لا يتحمّلون تفضيل محمد وعترته إلى هذا الحدّ إلى يوم القيامة ..!

وقد رأينا أنهم لم يتحمّلوا ما هو أقل من ذلك، وأنهم عاملوا أهل بيت النبيّ بأسوأ ما تعامل الحكومات الاسر المنافسة لها!

الخضر يا صاحبي مكلّف بما يؤمر به من علم الباطن، وموسى مكلّف بما يؤمر به من علم الظاهر، ونبيّنا وأئمّتنا مكلّفون بما يؤمرون به من علم الظاهر والباطن!

- وهل يعقل أن يكون إنسان واحد مكلّفاً بعلم الظاهر والباطن معاً! إنّ علم الظاهر والباطن لم يستطيعا أن يتعايشا معاً لمدّة قصيرة في قصّة موسى والخضر، حتى قال له الخضر:

هذا فراق بيني وبينك (4)!

- أسألك يا أخ مرتضى: هل يمكن أن يكون في جيبك مال وتحتاج إلى إنفاقه ولا تنفقه؟

- نعم يمكن، ولكن هل هذا مثل أن يعلم الإنسان علم الباطن ولكنه يعمل بعلم الظاهر؟

- نعم هذا شبيه به، ولكن أسألك سؤالًا آخر: هل يمكنك أن تكون على علم بأنّ صديقك فلاناً سوف يموت في هذه السنة ولا ترتّب على علمك بذلك أثراً أبداً؟

وهل يمكنك أن تصبر على


1- 1 تذكرة الخواص: 128- 130.
2- 2 النساء: 54.
3- 3 الكهف: 65.
4- 4 الكهف: 78.

ص: 238

عداوة عدوّك، وأنت تستطيع أن تدعو اللَّه عليه فيستجيب دعاءك ويهلكه؟

قصدي من هذه الأسئلة أنك إذا ملكت وسائل وأسباباً غير عادية، أو قدرة على صنع المعجزة، هل تستطيع أن تعيش بالأسباب العادية والقوانين المادية الطبيعية؟

- لا أظن أنّي أستطيع ذلك، ولذا أقول: إنّه لا يمكن للإنسان أن يجمع بين علم الباطن والعمل بعلم الظاهر.

- أمّا نبيّنا وأهل بيته فيمكنهم ذلك بمعونة اللَّه- تعالى- وعصمته، وهذا هو الفرق بينهم وبيننا!!

قم بنا يا صاحبي فقد طال بنا الجلوس ....

*** من ذلك اليوم لم يعفني صاحبي من أسئلته واستفهاماته عن مكانة الإمام المهدي عند اللَّه تعالى، وعن معيشته وعمله ... وكأنّ ذلك صار شغله الشاغل!

وصار الجلوس في المسجد عند جدار البقيع لمدّة طويلة محبباً إليه ..

كان يجلس طويلًا متفكّراً، أو يقرأ القرآن .. أو يذكر اللَّه تعالى ..

رأيته يوماً جالساً في المسجد ..

فجلست إليه وقلت له: حدّثني يا مرتضى عن عالمك، بماذا تفكّر؟

- بل أنت حدّثني عن تنزّل الملائكة في ليلة القدر، وما هو البرنامج الذي يأتون به إلى صاحب الأمر روحي فداه؟

- وما علمي بذلك يا مرتضى ..

الذي أعرفه من ذلك قوله تعالى:

تنزّل الملائكة والروح فيها بإذن ربّهم من كلّ أمر وقد ورد في الرواية أنّ عمر بن الخطاب سأل النبيّ صلى الله عليه و آله لماذا يرق قلبه عندما يقرأ هذه السورة أكثر مما يرقّ لغيرها؟ فأعاد النبيّ قراءتها حتى وصل إلى قوله تعالى:

من كلّ أمر ثمّ قال لعمر:

وهل بقي بعد هذا شي ء، قال: كلا.

وهذا الحديث يدلّ على تنوّع الأوامر والأمور النازلة في ليلة القدر على قلب رسول اللَّه صلى الله عليه و آله، أو على قلب حجّة اللَّه في أرضه!

ص: 239

وقد وردت روايات عن الأئمة الطاهرين تؤكد هذا المعنى، وتذكر بعض التفاصيل.

- إنّها مسألة كبيرة، وقد وصلت إلى أن ترك التفكير فيها أولى، أَليس كذلك؟

- التفكير يوصلنا إلى معرفة أشياء كثيرة، ولكن ما ينزل في ليلة القدر لا يمكن معرفته بالتفكير فيه، ولا نحن مكلّفون بذلك .. إنّما يجب علينا أن نؤمن بقوله تعالى: تنزّل الملائكة والروح فيها بإذن ربّهم من كلّ أمر على عمومه وإجماله.

- فكّرت في هؤلاء الثلاثين الذين يلتقي بهم صاحب الأمر- روحي فداه- فوصلت إلى أنّه قد يعطي كلّ واحد منهم قسماً من برنامج السنة ويأمره بتنفيذه، أَليس كذلك؟

- هذا محتمل، كما يحتمل أن تنزل طريقة تنفيذ البرنامج مع البرنامج نفسه، فلا يمكننا أيضاً أن نعرف بالتفكير طريقة عمل الإمام المهدي أرواحنا فداه.

- لقد فكّرت في قصة الخضر في القرآن فرأيت أنّ محور أعماله هو مساعدة المؤمنين وخدمتهم في أمور معيشتهم، مثل أصحاب السفينة الذين خلّص سفينتهم من المصادرة، والغلامين اللذين حفظ لهما كنزهما، كما قام لدفع الضرر والضلال عن والدي الغلام الشرّير.

كما فهمت من قصّة الخضر عليه السلام أنّه شخص متجوّل وليس مقيماً في مكان واحد. فقد ركب في السفينة وقصد قرية واحدة أو عدّة قرى، وكان له في كلّ مكان هدف وعمل.

وعلى هذا يمكن أن نقول: إنّ أعمال صاحب الأمر وجماعته- روحي فداه وفداهم- تدور حول خدمة المؤمنين مادياً ومعنوياً، وأنهم متحرّكون لا يقيمون في مكان واحد.

- نعم هو كذلك، وقد ورد في كنز الغلامين أنه كان لوحاً من ذهب، وقد كتب عليه العلم والحكمة، فتكون خدمة الخضر لهما خدمة في أمر

ص: 240

معيشتهما وفي هدايتهما معاً.

- إذن ما معنى الرواية التي تقول:

إنهم يقيمون في المدينة؟!

- المدينة مقرّ إقامتهم، ولا يمنع ذلك من تحرّكهم وتجوّلهم.

وتركت صاحبي جالساً في مسجد النبي صلى الله عليه و آله يتمتم بذكر اللَّه- تعالى، ويتأمل في مقام النبي وآله.

الهوامش:

المساجد والأماكن الأثريّة المجهولة (6)

ص: 241

المساجد والأماكن الأثريّة المجهولة (6)

عبدالرحمن خويلد

مقدّمة:

بما أنّ للمدينة المنوّرة فضلًا كبيراً على المسلمين، لأنّها مهاجر الرسول الكريم محمّد صلى الله عليه و آله و سلم، وعاصمة الإسلام الأُولى، ومنها انطلق الإسلام إلى الآفاق، وعمَّ بنوره البشرية، وأنقذ مَن هداه اللَّه سبحانه من الشك والضلالة إلى التوحيد والهداية؛ لذلك لابدّ من معرفة معالمها المهمة، وآثارها الرائعة.

وقد رأيت أنّ أكثر الزائرين لطيبة الطيبة لا يعرف عنها سوى المسجد النبوي الشريف، والبقيع، والمزارات الأربعة المشهورة، وهي (مسجد قباء، ومسجد القبلتين، والمساجد السبعة، وشهداء أُحد)، علماً بأنّ قسماً منهم لا يعرف حتّى هذه المزارات الأربعة إلّابعد سماعه عنها من أصحابه أو من بعض سائقي السيّارات عندما يرفعون أصواتهم بعبارة (زيارة يا حاج).

أمّا بقيّة المساجد والأماكن الأثرية الأُخرى فأعتقد أنّ أغلب زوّار هذه المدينة العزيزة إن لم يكن كلّهم لا يعرف أو لم يسمع عن بعضها، بالرغم من زيارته

ص: 242

للمدينة المنوّرة مرّات عديدة.

وكيف تُجهل هذه المساجد والأماكن التي كانت عامرة بنزول الوحي عليه السلام، أو كونها مصلّى أو مقيلَ أو مبيت النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم؟

فتجّول زوّارها في ربوعها يعيد إلى أذهانهم الذكريات العطرة، والصور الرائعة للسيرة النبوية على هذه الأرض المباركة، ممّا يثلج صدورهم ويسعد نفوسهم، ويزيد إيمانهم؛ لذلك رأيت أنّ من الضروري إخراج هذا الكتاب لينتفع به الزوّار.

والمنهج الذي اتّبعته في ذلك هو: تصوير هذه المساجد والأماكن لسهولة التعرّف عليها أوّلًا، وللحفاظ على صورتها خشية اندثارها ثانياً، ثمّ إيضاح أماكنها، والتعليق عليها.

وقد رتّبتها من حيث القرب والبعد عن مسجد الرسول صلى الله عليه و آله و سلم، مراعياً في ذلك موقعها في اتجاه واحد. ووضعت خريطة تبيّن أماكنها، وتسلسل أرقامها؛ ليستطيع الزائر الوصول إليها بسهولة ويسر، وختمتُ الكتاب بوضع أربعة فهارس له.

وحرصت على ذكر المساجد التي ثبت أنّ النبي صلى الله عليه و آله و سلم صلّى فيها.

راجياً من اللَّه تعالى العون والسداد والتوفيق لما يحبّه ويرضاه، إنّه نِعم المولى ونِعم النصير.

27- جبل بنى قريظة

مكان هذا الجبل مقابل مستشفى المدينة الوطني، ويسهل الوصول إليه للمتجه إلى مسجد قباء عبر طريق الحزام، باتخاذ الشارع الفرعي الأيسر بعد محطة ابن فارس للبنزين، ثم الدخول في أول شارع فرعي على اليمين قبل منازل الإسكان الحكومي، ويمكن أن يُرى من شارع خط الحزام العام.

وبنو قريظة قوم من اليهود نزلت المدينة قديماً انتظاراً لمبعث نبي آخر الزمان،

ص: 243

ولمّا بعث النبيّ صلى الله عليه و آله كفروا به (1)، كما جاء في قوله تعالى: وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة اللَّه على الكافرين (2).

صورة

ولما غدر اليهود بالنبيّ صلى الله عليه و آله والمسلمين، وهم قوم غدر، حاصرهم صلى الله عليه و آله خمسة عشر يوماً، ثم حكّم فيهم سعد بن معاذ زعيم الأوس، فقد روى أبو سعيد الخدري:

«نزل أهل قريظة على حكم سعدبن معاذ، فأرسل النبيّ صلى الله عليه و آله إلى سعد فأتى على حمار، فلما دنا من المسجد، قال للأنصار: قوموا إلى سيدكم أو إلى خيركم، قال: قد نزلوا على حكمك، فقال: تُقتل مُقاتلتهم، وتُسبى ذراريهم، قال: قضيت بحكم اللَّه» (3).

وقد اتخذ الشيخ عبد العزيز بن صالح إمام المسجد النبوي السابق قصراً على شرق هذا الجبل، ثم حفر جهاته الثلاث الأخرى، ممّا حال دون الصعود إليه في الوقت الحاضر.

ولقد صعدتُ على سطح هذا الجبل عام 1980 م، ووجدت خندقاً في محيطه


1- 1- جامع البيان 1/ 41، ومجمع البيان 1/ 355، والجامع لأحكام القرآن 2: 27، وأسباب النزول: 16- 17.
2- 2- سورة البقرة 2/ 89.
3- 3- فتح الباري بشرح صحيح البخاري- كتاب المغازي- باب مرجع النبيّ صلى الله عليه و آله من الأحزاب ومخرجه إلى بني قريظة 7/ 411 حديث رقم 4121، وصحيح مسلم، كتاب الجهاد والسير- باب جواز قتال من نقض العهد، حديث رقم 1768.

ص: 244

يصل إلى حزام الرجل، وأرضه خصبة تَصلُح للزراعة، وقد خطر لي في حينها

صورة

الواقع الحقيقي لليهود الذي بيّنه الخالق تعالى بقوله: لا يقاتلوكم جميعاً إلّافي قرى محصّنة أو من وراء جدر بأسهم بينهم شديد تحسبهم جميعاً وقلوبهم شتّى ذلك بأنّهم قوم لا يعقلون (1).

28- حصن كعب بن الأشرف

يقع هذا الحصن إلى الغرب من جبل قريظة، في الطريق الموصل إلى سد بطحان مع أي طريق سواء قباء- قربان- العوالي (2)، وهو بعد حديقة السد، وفي نفس اتجاهها، ويبعد عنها بمسافة تقدّر بثمانمائة متر، ويمكن للذاهب إليه أن يرى أطلال القصر واضحة من الشارع.

وكعب بن الأشرف يُعتبر ملك اليهود بالمدينة، وهو الطائي نسباً، اليهودي


1- 1- سورة الحشر 59/ 14.
2- 2- المغانم المطابة: 457.

ص: 245

ديناً وخؤولة، وهو معدود من بني النضير.

صورة

وقد نقض العهد الذي بينه وبين النبيّ صلى الله عليه و آله حسداً وحقداً، وصار يناصر قريشاً ضدالمسلمين، ويتشبب بنساءالمسلمين، فقال النبي صلى الله عليه و آله: مَن لكعب بن الأشرف؟ (1) جاء في طبقات ابن سعد (2): (وكان سبب قتله أنه كان رجلًا شاعراً يهجو النبيّ صلى الله عليه و آله وأصحابه، ويحرّض عليهم ويؤذيهم، فلما كانت وقعةبدر كُبت وذلّ، وقال:

بطن الأرض خير من ظهرها اليوم، فخرج حتّى قدم مكة، فبكى قتلى قريش وحرّضهم بالشعر، ثم قَدِم المدينة، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله: اللهم اكفني ابن الأشرف بما شئت في إعلانه الشر وقوله الأشعار، وقال أيضاً: مَن لي بابن الأشرف فقد آذاني).

فاستعدّ جماعة من الصحابة لقتله وهم: محمد بن مسلمة، وسلكان (أبو نائلة) أخو كعب بن الأشرف من الرضاعة، وعبّاد بن بِشر، والحارث بن أوس بن معاذ، وأبو عبس بن جبر، وضربوه على أمّ رأسه، وشقّه محمد بن مسلمة بسيف قصير


1- 1- الدر الثمين: 132.
2- 2- 2: 32.

ص: 246

حتّى هلك في شِعب العجوز بين بوابة حصنه والوادي (1).

29- مسجد الصيحاني

مكان هذا المسجد بعد الإشارة الضوئية التي تقطع شارع الحزام وشارع

صورة

قربان الموصل إلى سد بطحان باتجاه القادم إلى مسجد قباء، في أول فتحة على اليسار بعد الإشارة المذكورة، وموقعه قبل مصنع مياه المدينة المنورة- طيبة، وفي نفس اتجاهه، ويبعد عنه بحوالى ثلاثمائة وخمسين متراً، وينزل إليه من بعد البيوتات المبنية بالطوب العادي بثلاثين متراً، بالاتجاه إلى الشرق، وهو خلف الحجار الأسود، ويعرفه بعض سكان تلك المحلة.

ولم يذكره مؤلفو كتب تاريخ المدينة المنورة- حسب إطلاعي- إلّاالسمهودي، جاء في كتابه خلاصة وفاء الوفا بأخبار دار المصطفى (2)ما نصه: (وأنواع تمر المدينة


1- 1- تاريخ معالم المدينة: 242، والدر الثمين: 133.
2- 2- الباب الأول- الفصل الخامس: 30، وينظر: وفاء الوفا، الباب الثاني- الفصل السادس 1/ 73.

ص: 247

كثيرة استقصيناها في الأصل الأول فبلغت مائة وبضعة وثلاثين نوعاً منها الصيحاني، وفي فضل أهل البيت لابن المؤيد عن جابر رضى الله عنه، قال: كنتُ مع النبيّ صلى الله عليه و آله يوماً في بعض حيطان المدينة ويد عليّ في يده، قال: فمررنا بنخل، فصاح النخل: هذا محمّد سيد الأنبياء وهذا عليّ سيد الأوصياء أبو الأئمة الطاهرين، ثمّ مررنا بنخل، فصاح النخل: هذا، محمّد رسول اللَّه صلى الله عليه و آله، وهذا عليٌّ سيف اللَّه، فالتفت النبيّ صلى الله عليه و آله إلى عليّ، فقال له: سمّه الصيحاني، فسُمّي من ذلك اليوم الصيحاني، فكان سبب تسمية هذا النوع بذلك، أو المراد فضل ذلك الحائط، وبالمدينة موضع يُعرف بالصيحاني).

وقد ذكره ابن شاذان في كتابه فضائل أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام (1)، بهذا النص: (الفضيلة الثالثة والسبعون: عن أبي بكر عبد اللَّه بن عثمان، قال: كنتُ مع النبيّ صلى الله عليه و آله في بستان عامر بن سعد بعقيق السفلى، فبينما نحن نخرق البستان إذ صاحت نخلة، فقال النبيّ صلى الله عليه و آله: أتدرون ما قالت النخلة؟ قلنا: اللَّه ورسوله أعلم، فقال: صاحت هذا محمّد ووصيّه عليّ بن أبي طالب، فسمّاها النبيّ صلى الله عليه و آله الصيحاني).

وكان بعض زوّار المدينة سابقاً يأتون إلى هذا المسجد للصلاة فيه، أما الآن فهو مهمل ومتروك.

30- مسجد مصَبِّح

يقع هذا المسجد جنوب مسجد قباء، ويبعد عنه بمسافة تقدّر بكيلومتر واحد، وهو خلف خزانات مصلحة المياه والصرف الصحي، التي يغلب عليها اسم العين الزرقاء، ويمكن الوصول إليه بسهولة للقادم من مسجد قباء باتجاه الجنوب، ثم الدخول في الشارع الفرعي الأيمن قبل المصلحة المذكورة.

وكان اسمه قبل تجديده (مصَبِّح)، ويعرفه أهل تلك المحلّة بهذا الاسم، ولكن لما جُدِّد تحوّل الاسم إلى (الصبح).

وقيل: إنّ سبب تسميته بهذا الاسم أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله خرج لاستقبال ابن عمّه


1- 1- ص 88.

ص: 248

صورة

صورة

ص: 249

عليِّ بن أبي طالب عليه السلام ومَن معه، قادمين من مكة إلى المدينة بعدما فدى النبي صلى الله عليه و آله بنفسه، ونام في فراشه ليلة هجرته (1)، وأدّى ودائع الناس التي (2) كانت عند المصطفى صلى الله عليه و آله، وقد بات النبي صلى الله عليه و آله في ذلك المكان حتى الصباح، ثم صلّى الصبح فيه، لذلك سُمّي مصَبِّح.

وقد توهم السيد أحمد الخياري (3) بقوله: (ولعل سبب هذه التسمية ترجع إلى أن قدوم رسول اللَّه صلى الله عليه و آله على قباء مهاجراً كان صباحاً، وقوبل في هذا المكان).

فقد ورد في سيرة ابن هشام (4) عن قوم من أصحاب الرسول صلى الله عليه و آله أنّهم قالوا:

(لما سمعنا بمخرج رسول اللَّه صلى الله عليه و آله من مكة، وتوكفنا (5) قدومه، كنا نخرج إذا صلينا الصبح، إلى ظاهر حرّتنا ننتظر رسول اللَّه صلى الله عليه و آله، فواللَّه ما نبرح حتى تغلبنا الشمس على الظل فإذا لم نجد ظلًا دخلنا وذلك في أيام حارة، حتى إذا كان اليوم الذي قَدِم فيه رسول اللَّه صلى الله عليه و آله، جلسنا كما كنا نجلس حتى إذا لم يبق ظل دخلنا بيوتنا، وقَدِم رسول اللَّه صلى الله عليه و آله حين دخلنا البيوت فكان أول مَن رآه رجل من اليهود قد رأى ما كنا نصنع، وإنّا ننتظر قدوم رسول اللَّه صلى الله عليه و آله، فصرخ بأعلى صوته: يا بني قَيْلة (6)، هذا جَدّكم (7) قد جاء. قال: فخرجنا إلى رسول اللَّه صلى الله عليه و آله، وهو في ظل نخلة). وهذا يدل على أنّ الرسول صلى الله عليه و آله وصل قُبيل الظهر أو بعده، فكيف كان وصوله صباحاً؟.

وبما أنّ مكان هذا المسجد باتجاه القبلة، وأنّ الرسول محمّداً صلى الله عليه و آله لم يذهب إلى آبار علي لاستقبال القادم من مكة، أقترح هنا إنشاء طريق ثان من المدينة المنوّرة باتجاه مسجد قباء ماراً بمسجد مصبّح حتى يصل إلى مكة المكرمة، وقد قيل لي نقلًا عن أحد المهندسين: لو أُنشِئ هذا الطريق لفرّق حوالى مائة وخمسين كيلومتراً عن الطريق الحالي، ويُصبح طول الطريق المقترح أقلّ من ثلاثمائة كيلومتر، أما طريق الهجرة الحالي فطوله أربعمائة وعشرون كيلومتراً.

فحبّذا لو أُنشئ هذا الطريق المقترح ليكون عوناً على تخفيف معاناة ضيوف الرحمن، واللَّه وليُّ التوفيق، وآخر دعوانا أن الحمد للَّه ربّ العالمين.


1- 1- جاء في سيرة ابن هشام 2/ 71 تحت عنوان استخلافه لعلي ما نصه: فأتى جبريل عليه السلام رسول اللَّه صلى الله عليه و آله، فقال: لا تبت هذه الليلة على فراشك الذي كنت تبيت عليه، قال: فلما كانت عتمة من الليل اجتمعوا على بابه يرصدونه متى ينام فيثبون عليه، فلما رأى رسول اللَّه مكانهم، قال لعلي بن أبي طالب: نم على فراشي، وتسبح ببردي هذا الحضرمي الأخضر، فنم فيه، فإِنه لن يخلص إليك شي ء تكرهه منهم، وكان رسول اللَّه صلى الله عليه و آله ينام في برده ذلك إذا نام.
2- 2- قال ابن هشام في سيرته 2/ 81 الآتي: وأقام عليّ بن أبي طالب عليه السلام بمكة ثلاث ليال وأيامها، حتى أدى عن رسول اللَّه صلى الله عليه و آله الودائع التي كانت عنده للناس حتى إذا فرغ منها، لحق برسول اللَّه صلى الله عليه و آله، فنزل معه على كلثوم بن هِدم.
3- 3- تاريخ معالم المدينه: 125.
4- 4- 2: 79- 80.
5- 5- توكفنا: توقعنا، ينظر: الصحاح، باب الفاء- فصل الواو 4/ 1441.
6- 6- قَيْلة: أم الأوس والخزرج، ينظر: الصحاح، باب اللام- فصل القاف 5/ 1808.
7- 7- الجَدّ: البخت والحظ، ينظر: القاموس المحيط، باب الدال- فصل الجيم: 346.

ص: 250

نقشه

خريطة المساجد والأماكن الأثريّة

ص: 251

الهوامش:

ص: 252

الفهارس:

أ- فهرس الآيات القرآنية.

ب- فهرس الأحاديث النبوية.

ج- فهرس المساجد والأماكن الأثرية.

د- فهرس المراجع.

أ- فهرس الآيات القرآنية:

التسلسل الآية القرآنية السورة رقم الآية 1- وإذ يعدكم اللَّه إحدى الطائفتين أنها لكم ... الأنفال 270- ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل اللَّه أمواتاً ... آل عمران 354- يأيها الذين آمنوا إذا قيل لكم تفسحوا في المجالس ... المجادلة 462- فكيف إذا جئنا من كلّ أمة بشهيد وجئنا بك ... النساء 541- وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا ... البقرة 689- لا يقاتلونكم جميعاً إلّافي قرى محصّنة .... الحشر 14

ص: 253

ب- فهرس الأحاديث النبوية:

التسلسل الحديث 1- «هذا مستمطرنا ومصلّانا لفِطرنا وأضحانا ...» 2- «سألت ربّي ثلاثاً ...» 3- «إن جبريل أتاني، فقال: مَن صلّى عليك ...» 4- «جاءني جبريل عليه السلام بهذا الموضع، فقال: إنّ اللَّه يقرئك السلام ...» 5- «لا نستعين بالمشركين على المشركين» 6- «غضب اللَّه على مَن دمى وجه نبيه» 7- «الحمد للَّه أحمده وأستعينه وأستغفره وأستهديه ...» 8- «رأيت الليلة أني أصبحت على بئر من الجنة ...» 9- «هي عين من عيون الجنّة» 10- «إذا أنا مِتُّ فاغسلوني بسبع قِرب من بئري بئر غرس» 11- «إذهب يا سلمان ففقِّر لهما ...» 12- «سلمان منّا أهل البيت» 13- «مخيريق خير يهود» 14- «أصلَّيت يا علي ...» 15- «أدع اللَّه ليرد عليك الشمس ...» 16- «قوموا إلى سيدكم أو إلى خيركم ...» 17- «مَن لكعب بن الأشرف؟» 18- «اللّهم أكفني ابن الأشرف بما شئت في إعلانه الشر وقوله الأشعار» 19- «مَن لي بابن الأشرف فقد آذاني» 20- «سَمِّه الصيحاني» 21- «أتدرون ما قالت النخلة؟ ..»

ص: 254

ج- فهرس المساجد والأماكن الأثرية التي نشرت في الأعداد السابقة لمجلة ميقات الحج كالآتي:

التسلسل الموضوع ميقات الحج 1- مسجد المصلّى (الغمامة) 3: 2946- مسجد الإمام عليّ بن أبي طالب 3: 3948- مسجد السقيا 3: 4950- مسجد المنارتين 3: 5951- مسجد الإجابة 3: 6952- مسجد السجدة أو البحير أو أبي ذر 4: 71223- مسجد السبق 4: 81224- كهف بني حرام 4: 91226- مسجد الراية 4: 101227- مسجد الدرع 4: 111229- مسجد الشيخين أو البدائع أو المستراح 4: 121230- جبل عينين (الرماة) 4: 131231- الزبية (الحفرة) 5: 14228- مسجد الفسح (المسجد المسور) 5: 15229- المهراس 5: 16231- قبر النبي هارون عليه السلام 5: 17232- مسجد الكاتبية 5: 18233- مسجد المغيسلة 5: 19234- ثنية الوداع 6: 20568- مسجد بنات النجار 6: 21569- مسجد الجمعة 6: 571

ص: 255

22- مسجد ردّ الشمس 6: 23573- بئر غرس 7: 24872- مسجد الفُقَيْر 7: 25875- مشربة أم إبراهيم 7: 26877- مسجد الفضيخ 7: 27879- جبل بني قريظة 8: 281146- حصن كعب بن الأشرف 8: 291148- مسجد الصيحاني 8: 301150- مسجد مصَبِّح 8: 1151

د- فهرس المراجع

1- القرآن الكريم

2- آثار المدينة المنورة، لعبد القدوس الأنصاري.

الناشر: المكتبة العلمية بالمدينة المنورة- الطبعة الثانية 1378 ه.

3- آداب الحرمين، للسيد جواد الحسيني، الدار العالمية للطباعة، الطبعة السابعة 1988 م.

4- أسباب النزول، لأبي الحسن علي الواحدي، دار الكتب العلمية- بيروت 1395 ه- 1975 م.

5- البداية والنهاية، لابن كثير، دار الفكر- بيروت، 1398 ه- 1978 م.

6- تاريخ الطبري، لأبي جعفر محمد الطبري، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم، دار سويدان للطباعة- بيروت، الطبعة الثانية، 1380 ه- 1960 م.

7- تاريخ المدينة المنورة، لابن شبّه ت 262 ه، تحقيق: فهمي محمد شلتوت، دار

ص: 256

الاصفهاني للطباعة- جدّة 1393 ه.

8- تاريخ معالم المدينة المنورة قديماً وحديثاً، لأحمد ياسين الخياري، تحقيق: عبيد اللَّه كردي، دار العلم- جدَّة، الطبعة الثانية 1411 ه- 1990 م.

9- تحقيق النصرة بتخليص معالم دار الهجرة، لزين الدين المراغي، تحقيق: محمد عبد الجواد الأصمعي، الناشر: المكتبة العلمية بالمدينة المنورة، الطبعة الأولى 1374 ه.

10- جامع البيان عن تأويل آي القرآن، لأبي جعفر الطبري، مطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده بمصر، الطبعة الثالثة 1388 ه- 1968 م.

11- الجامع لأحكام القرآن، للقرطبي، طبعة دار إحياء التراث العربي- بيروت.

12- خلاصة الوفاء بأخبار دار المصطفى، للسمهودي، دار إحياء الكتب العربية- القاهرة 1367 ه.

13- الدر الثمين في معالم دار الرسول الأمين، لغالي محمد الأمين الشنقيطي، مطابع الدوحة الحديثة 1988 م.

14- ردّ الشمس، لمحمد سعيد الطريحي- مؤسسة أهل البيت- بيروت، 1401 ه- 1981 م.

15- سنن الدارمي، دار الكتب العلمية- بيروت.

16- سنن المصطفى، لابن ماجة- دار الفكر- بيروت، الطبعة الثانية.

17- السيرة النبوية، لابن هشام ت 213 ه، تحقيق: د. محمد فهمي السرجاني، دار التوفيقية للطباعة، القاهرة 1978 م.

18- الصحاح، للجوهري، تحقيق: أحمد عبد الغفار عطار، دار العلم للملايين- بيروت.

19- صحيح مسلم، لمسلم بن الحجاج، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، الناشر: إدارة البحوث العلمية بالمملكة العربية السعودية، 1400 ه- 1980 م.

20- الطبقات الكبرى، لابن سعد، دار صادر- بيروت.

21- عمدة الأخبار في مدينة المختار، لأحمد بن عبد الحميد العباسي، مطبعة المدني-

ص: 257

القاهرة، الطبعة الثالثة.

22- عنوان النجابة في معرفة مَن مات بالمدينة المنورة من مشاهير الصحابة، لمصطفى محمد الرافعي، الناشر: المكتبة العلمية بالمدينة المنورة، الطبعة الأولى 1404 ه- 1984 م.

23- فتح الباري بشرح صحيح البخاري، لابن حجر، المطبعة السلفية- القاهرة 1380 ه.

24- فضائل أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام، لابن شاذان- تحقيق: عبد الرحمن خويلد، مطبعة دار البلاغة- بيروت، الطبعة الأولى 1407 ه- 1987 م.

25- القاموس المحيط، للفيروز آبادي، مؤسسة الرسالة بيروت، الطبعة الثانية 1407 ه- 1987 م.

26- كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال، للمتقي الهندي، تحقيق: فهمي محمد شلتوت، مطبعة البلاغة- حلب، الطبعة الأولى 1389 ه- 1969 م.

27- مجمع البيان في تفسير القرآن، للطبرسي، الناشر: دار مكتبة الحياة- بيروت، 1380 ه- 1961 م.

28- مشكل الآثار، لأبي جعفر الطحاوي ت 321 ه، مطبعة مجلس دائرة المعارف النظامية بالهند، الطبعة الأولى 1333 ه.

29- المصباح المنير، للفيوي، المطبعة الأميرية بالقاهرة، الطبعة الخامسة 1922 م.

30- المعجم الصغير، للطبراني، مطبعة المعرفة- القاهرة 1388 ه- 1968 م.

31- المغانم المطابة في معالم طابة، للفيروزآبادي، تحقيق: حمد الجاسر، منشورات: دار اليمامة- الرياض، الطبعة الأولى 1389 ه- 1969 م.

32- وفاء الوفا بأخبار دار المصطفى، للسمهودي، تحقيق: محمد محيي الدين عبد الحميد، مطبعة السعادة بمصر، الطبعة الأولى 1374- 1955 م.

ص: 258

معجم ما كتب في الحجّ والزيارة... (5)

معجم ما كتب في الحجّ والزيارة والمعالم المشرّفة في الحجاز (5)

معجم ما كتب في الحجّ والزيارة والمعالم المشرّفة في الحجاز (5)

عبد الجبار الرفاعي

تعريف بمصادر دراسة الحج ومكة المكرّمة، والمدينة المنوّرة، والمعالم المشرّفة في الحجاز، وما يرتبط بذلك. يشتمل على ما كُتِبَ من مؤلفات، ورسائل جامعية، وبحوث، ومقالات، باللغتين العربية والفارسية.

إشارات:

1- بلغ عدد العناوين ما يقارب (3000) عنوان.

2- شملت التغطية الزمانية ما كُتِب منذ بداية التدوين عند المسلمين إلى اليوم.

3- لا تمثل هذه القائمة استقراءً تاماً لجميع ما كُتِب في هذه الموضوعات، لذا يرجو المؤلف من السادة الكُتّاب إعلامه بأعمالهم التي لم تُرصد في القائمة على عنوان المجلة، كيما يجري استدراكها حيثما ينشر هذا العمل في كتاب.

4- اعتمدت المداخل على عناوين الكتب والبحوث والمقالات.

5- رُتبت المداخل تبعاً للترتيب الهجائي التام، واعتبار الوحدة في الترتيب

ص: 259

هي الكلمة، أي على أساس كلمة كلمة، ثمّ حرف حرف.

المختصرات:

ت: تاريخ الوفاة ج: الجزء ح: الحلقة

خ: نسخة مخطوطة د. ت: بدون تاريخ د. ن: بدون ذكر الناشر

س: السنة مط: المطبعة سم: سنتيمتر

ش: السنة الهجرية الشمسية ص: الصفحة ط: الطبعة

ظ: انظر ع: العدد ق 7 ه: القرن السابع الهجري

م: السنة الميلادية مج: مجلد ه: السنة الهجرية القمرية

د. م: بدون ذكرمكان النشر في المطبوع

*** 665- الحجّ في موكب التاريخ

أحمد الواسطي

ميقات الحج: ع 4 (1416 ه) ص 140- 150.

666- الحجّ في نهج البلاغة

فارس تبريزيان

ميقات الحج: ع 4 (1416 ه) ص 59- 80.

667- الحجّ في وحدة الفكر الإسلامي

علي القاضي

منبر الإسلام (القاهرة) س 49:

ع 11 (5/ 1991 م) ص 47- 51.

668- الحج قبل مائة عام

(مذكرة وتقرير، اثر القيام برحلة سرية إلى مكّة المكرمة 1898- 1899 م)

عبدالعزيز دولتشين

تقديم: يفيم ريزمان

بيروت: دار التقريب، 1993 م.

الاجتهاد (بيروت) س 5: ع 21 (1993 م) ص 189- 210 (نقولا

ص: 260

زيادة).

ميقات الحج: ع 6 (1417 ه) ص 217- 235.

669- حج كنگره عبادي وسياسي

(مجموعة أحاديث وبيانات الإمام الخميني، بالفارسية)

طهران: مركز تحقيقات وانتشارات حج، ط 1، 1405 ه.

670- حج كنگره عظيم اسلامي

(بالفارسية)

حيدر علي قلمداران

طهران: 1381 ه، 52 ص، 21 سم.

671- حج گزاري در تاجيكستان

(بالفارسية)

ميقات حج: ع 15 (بهار 1375 ش) ص 192- 196.

672- حج گزاري در كشورهاي إسلامي

(بالفارسية)

ميقات حج س 3: ع 10 (1373 ش) ص 148- 153.

673- حج گزاري در مالزي

(بالفارسية)

ميقات الحج س 2: ع 6 (زمستان 1372 ش) ص 169- 190.

674- الحجّ ليس وثنية

إبراهيم النعمة

الموصل: مط: الجمهور، 1979 م، 64 ص.

675- الحجّ مؤتمر عالمي

جعفر شرف الدين

المعارج (بيروت) مج 2: ع 15 (8- 12/ 1412 ه/ 3- 6/ 1992 م) ص 11- 12.

676- الحجّ مؤتمر عام

هاشم الحاج باقر الحدّاد

النجف: مط: الغري الحديثة، د. ت، 8 ص.

677- الحجّ مؤتمر عبادي سياسي: مجموعة خطابات ونداءات الإمام الخميني قدس سره.

ترجمة عبدالكريم حدّاد.

طهران: مركز الحجّ للدراسات والنشر، ط 1، 1366 ش، 304 ص،

ص: 261

21 سم.

طهران: مكتب مندوب القائد والمشرف على الحجّاج الإيرانيين، 1370 ش/ 1991 م، 203 ص.

678- الحج المبرور في آثار الرسول

صباح العاني

بغداد: مطبعة عصام، 1988، 29 ص.

679- الحج المبرور وجزاؤه

عبدالحميد الصيفي

الإسلام وطن (القاهرة) س 2: ع 16 (8/ 1988 م)

ص 44- 47.

680- الحجّ المبرور والذنب المغفور

عبداللَّه الواعظ الفرهادي

بغداد: مط: المتبني، 1957 م، 16 ص.

681- الحجّ المبرور والسعي المشكور: وصايا للحاج والمعتمر وزائر مسجد الرسول

القاهرة: دار البشير للطباعة والنشر والتوزيع، 1985 م، 62 ص.

682- حج، مجموعة مقالات

(بالفارسية)

تأليف: مجموعة من المؤلفين

جمع وتنظيم: (إداره پژوهش ونگارش).

طهران: وزارة الارشاد الاسلامي، 1361 ش، 294 ص.

683- الحجّ المخطر: جواب السائلين عن الحجّ في سلطة الوهّابيين.

هبة الدين الشهرستاني

بغداد: المط: العصرية، 1924 م

684- الحجّ مظهر للطاعة وموسم للمغفرة

محمّد رجاء حنفي

الوعي الإسلامي (الكويت) س 26:

ع 311 (6/ 1990 م)

ص 40- 45.

685- الحجّ معروف منذ قديم الزمان وعند مختلف الأديان

محمد طنطاوي

العربي (الكويت) ع 154

ص: 262

(9/ 1971 م) ص 136.

686- حج مكتوب

(بالفارسية)

علي قادري

تاريخ وفرهنگ معاصر (قم) س 1:

ع 3 و 4 (بهار وتابستان 1371 ش)

ص 412- 429.

687- كتاب الحجّ من خلاصة الحقائق في شرح شرايع الإسلام

محمّد رضا المشتهر بالمحقق الطهراني

قم: ط 1، 1364 ش، 424 ص، 24 سم.

688- الحجّ من شرح كتاب القواعد

محمّد حسن المظفر

تقديم وتصحيح: محمّد رضا المظفّر.

النجف: مط: النعمان (1378 ه/ 1959 م)، ج 7، 520 ص.

689- الحج: مناسكه وأهدافه

بغداد: وزارة الإعلام، 1975 م، 46 ص.

690- الحجّ: مناسكه وواجباته وفقاً لآراء الإمام روح اللَّه الموسوي الخميني

محمّد علي آذرشب

طهران: وزارة الإرشاد الإسلامي، 1404 ه، 31 ص، 21 سم.

691- الحجّ منحة ربّانية

جاد الحق علي جاد الحقّ

الأزهر (القاهرة) س 62: ع 11 (6/ 1990 م) ص 1092- 1096.

المجاهد (القاهرة) ع 116 (7/ 1990 م) ص 10- 11.

692- الحجّ منذ عهد الخليل إبراهيم

بدرت نوال بدير

الهداية (المنامة) س 11: ع 129 (7/ 1988 م) ص 16- 19.

693- الحجّ منطلق الوحدة الإسلامية

إعداد: مجلة الشهيد

طهران: 61 ص، 17 سم.

694- الحجّ مهرجان إعلامي ودعوي لانظير له ولكنّنا لانستثمر معطياته، ونضيع

ص: 263

إمكاناته

محيي الدين عبدالحليم

الفيصل (الرياض) ع 222 (12/ 1415 ه- 5/ 1995 م) ص 55.

695- الحجّ موسم عبادي وملتقى سياسي

جعفر سبحاني

طهران: وزارة الإرشاد الإسلامي، ط 1، 1364 ش، 24 ص.

696- حج نامه

(بالفارسية)

أحمد مسكين

باهتمام: رسول جعفريان

ميقات حج: ع 13 (پاييز 1374 ش) ص 162- 166.

697- حج نامه

(بالفارسية)

صوفى اللَّه يار بن اللَّه قلي اللَّه يار

ظ: ازبكستان طاشقند 1/ 227،

فهرست واره منزوي 1/ 75.

698- حج نامه

(تقريررحلةفي 1972 م، بالفارسية)

علي نقي منزوي

مطبوع

ظ: فهرستواره منزوي 1/ 75.

699- حج نامه

(بالفارسية)

منصور عليشاه عباسعلي بن اسماعيل كيوان قزويني

طهران: 1248 ه، حجرية.

طهران: 1308، 62 ص، حجرية

700- الحج هجرة إلى اللَّه

جعفر شرف الدين

المعارج (بيروت) مج 2: ع 15 (8- 12/ 1412 ه/ 3- 6/ 1992 م) ص 38- 40.

701- الحجّ هجرة إلى اللَّه

السيد رزق الطويل

منبر الإسلام (القاهرة) س 46: ع 12 (7/ 1988 م)

ص 28- 31.

702- حج 75 از ديدگاه نماينده ولي فقيه وأمير الحاج

(بالفارسية)

ميقات حج: ع 5 (بهار 1375 ش)

ص: 264

ص 150- 162.

703- الحج وآثاره على الحياة الاجتماعية

محمد علي التسخيري ومحمود قانصوه

طهران: منظمة الإعلام الإسلامي، معاونية العلاقات الدولية 1369 ش/ 1990 م، 102 ص.

704- حج وابراهيم عليه السلام شامل آيات قرآن مجيد در باره حج وابراهيم به ترتيب نزول

(بالفارسية)

طهران: شركت سهامي انتشار، 1359 ش، 72 ص، 21 سم.

705- الحج واثره التربوي في السلوك

فؤاد علي مغيمر

المجاهد (القاهرة) ع 116 (7/ 1190 م) ص 18- 21.

706- الحج وأحكامه: دراسة تحليلية

جمال الدين محمّد عطوة

القاهرة: 1986 م، 299 ص.

707- الحج وأحكامه

محمّد حسن شمس

الهداية (البحرين) س 12: ع 141 (06/ 1989 م) ص 16- 20.

708- الحج وأحكامه

وهبي غاوجي

بيروت: مؤسسة الرسالة، 1986 م، 223 ص.

709- حجّ وادى امن

(بالفارسية)

حسين انصاريان

طهران: الإسلامية، 1355 ش، 200 ص.

710- الحج وإعادة ترتيب النفس

محمد المهدي

النفس المطمئنة (القاهرة) س 6:

ع 23 (7/ 1990 م) ص 4- 6.

711- حج وامر بمعروف

(بالفارسية)

محمد شيرازي

ترجمه: مصطفى زماني

مشهد: 1349 ش، 136 ص.

ص: 265

712- الحج وانظمته الثلاثة

محمد محمود الشرقاوي

منار الإسلام (أبو ظبي) س 16:

ع 11 (5/ 1991 م)، ص 18- 22.

713- حج وانقلاب

(بالفارسية)

ابو بصير

طهران: اوج، ط 1، 1360 ش.

714- حجّ وانقلاب اسلامي

(بالفارسية)

طهران: وزارة الارشاد الإسلامي، ط 1، 1362 ش.

715- الحج وأهميته الدينيّة

المنهل (جدة) مج 3: ج 3 (2/ 1358 ه/ 3/ 1939 م) ص 2.

716- الحج وبعده السياسي في الإسلام

محمد أحمد حامد محمد خير

(د. م): (د. ن)، 1988 م، 40 ص، 24 سم.

717- الحج وتكريم أهل الإيمان

محمود سليم الشريف

المجاهد (القاهرة) س 9: ع 92 (8/ 1988 م) ص 33- 34.

718- الحج وتنمية الترابط بين المسلمين

جاد الحق علي جاد الحق

المجاهد (القاهرة) س 9: ع 92 (8/ 1988 م) ص 2.

719- حج و جهاد

(بالفارسية)

مصطفى زماني

مشهد: مكتبة جعفري.

720- الحج والجهاد ... المفاهيم المتكاملة

عبد الكريم آل نجف

ميقات الحج: ع 4 (1416 ه) ص 210- 217.

721- الحج وحدة .. وانتصار

كاظم السباعي

(د. م): السيد المدرسي، ط 4، 1364 ش، 84 ص، 17 سم.

722- الحج والحركة السكانية:

دارسة في المجتمع الإسلامي

محمود عبد الحميد حسين

الفكر الإسلامي (بيروت) س 17:

ص: 266

ع 7 (7/ 1988) ص 36- 55.

723- حج وداع: رفت و آمد ميهمانان خارجي وهيأت هاى اعزامي، تكميل دين و انتقال عهد ولايت

(بالفارسية)

عبد الكريم بي آزار الشيرازي

(د. م): المؤلف، 1366 ش، 16 ص، مصور.

724- الحج ودوره الهامّ في تحقيق القيادة المسلمة الواحدة

عباس علي عميد الزنجاني

التوحيد (طهران) ع 29 (11- 12/ 1407 ه/ 7- 8/ 1987 م) ص 31- 39.

725- الحج ودوره الهامّ في حياة الإنسان

طهران: منظمة الإعلام الإسلامي؛ قسم العلاقات الدوليه، 1403 ه/ 1361 ش، 32 ص.

726- حج و راه و روش آن

(بالفارسية)

محمّدعلى أنصاري

طهران: طهوري، 1347 ش، 679 ص.

727- حجّ و زيارت

(بالفارسية)

محسن بن محمد الحسيني

خ: مكتبة ملي ملك بطهران ضمن مجموع برقم 2619.

728- حجّ و زيارت

(بالفارسية)

محمد صادق نجمى

قم: دفتر انتشارات اسلامي، ط 3، 1361 ش.

729- حج و زيارت

انتقال تشكيلات مديريتى، خط مشى ها و وظايف

(بالفارسية)

مسعود عاليخانى

ميقات حج: ع 20 (تابستان 1376 ش) ص 168- 178.

730- الحج والسلام

محمد مهدي الآصفي

رسالة القران: ع 12 (10- 12/ 1413 ه) ص 131- 144.

ص: 267

731- الحج والسلام العالمي

عبد الكريم آل نجف

ميقات الحج: ع 3 (1416 ه) ص 97- 112.

732- حج وشاعران قرن ششم

(بالفارسية)

خليل اللَّه يزدانى

ميقات حج: ع 18 (زمستان 1375 ش) ص 140- 157.

733- الحج وطواف الفكر

نزيه الحسن

الثقافة الإسلامية (دمشق) ع 32 (7/ 1990 م) ص 105- 120.

التوحيد (طهران) ع 47 (11- 12/ 1410 ه/ 6- 7/ 1992 م) ص 108- 123.

734- الحج الوظائف المغيبة والتلبية المبتورة

رسالة الجهاد (مالطا) س 10:

ع 100 (6/ 1991 م) ص 5- 7.

735- الحج والعمرة

أبو بكر الجزائري

الرابطة (مكة المكرمة) س 26:

ع 280 (6/ 1988 م) ص 36- 35.

736- الحج والعمرة

أسعد الصاغرجي

جدة: دار القبلة للثقافة الإسلامية

737- الحج والعمرة

جمعة مكي

القاهرة: دار الهدى، 1993 م، 473 ص.

738- الحج والعمرة

الشهيد الثاني

خ: ملّي، ملك، ضمن مجموع برقم 2395.

739- الحج والعمرة

علي الشربجي

دمشق: دار البشائر، 1994 م، 192 ص.

740- الحج والعمرة

محمد حسين

الإسكندرية: دارالدعوةللطبع والنشر والتوزيع، ط 1، 1984 م، 43 ص.

741- الحج والعمرة، أحكامهما وأثرهما في بناء المجتمع

ص: 268

الإسلامي

رفعت فوزي عبد المطلب

القاهرة: مكتبة الخانجي، ط 1، 1990 م، 587 ص.

(4) ص لوحات، خرائط.

742- الحج والعمرة، دعوة اللَّه المتجددة للإنسانية

محمود محمد رسلان

الأزهر (القاهرة) س 60: ع 12 (7/ 1988 م)، ص 1578- 1584.

743- الحج والعمرة- فقهه- اسراره- حجة النبي صلى الله عليه و آله

محيي الدين مستو

دمشق: دار القلم، ط 1، 1977 م، 303 ص، 16* 12 سم.

744- الحج والعمرة في الفقه الإسلامي

نور الدين عتر

بيروت: مؤسسة الرسالة، ط 4، 1404 ه، 314 ص، 24 سم.

745- الحج والعمرة والأدعية المأثورة

أحمد عرموش

بيروت: دار النفائس، 1992 م، 103 ص.

746- الحج وفلسفة التوحيد

محمد جمال الدين محفوظ

الحرس الوطني (الرياض) س 10:

ع 82 (7/ 1989 م) ص 16- 18.

747- الحج وقدرة المسلمين

محمد الجمل

المجاهد (القاهرة) ع 116 (7/ 1990 م) ص 12- 13.

748- الحج ومقارعة المسلمين للاستكبار الشرقي والغربي

حسين الموسوي

التوحيد (طهران) ع 23 (11- 12/ 1406 ه/ 8- 9/ 1986 م) ص 71- 75.

749- الحج ومكانته في الإسلام

صلاح أحمد الطنوبي

منبر الإسلام (القاهرة) س 46:

ع 11 (6/ 1988 م) ص 29- 31.

750- الحج .. والميثاق الإسلامي لحقوق الإنسان

جمال الدين محمود

ص: 269

منبر الإسلام (القاهرة) س 48:

ع 12 (7/ 1990 م)

ص 18- 19.

751- حج و ولايت

(بالفارسية)

محمّد تقي رهبر

ميقات حج: ع 20 (تابستان 1376 ش) ص 25- 40.

752- حج يا كنگره جهاني مسلمين

(بالفارسية)

محمد حسين النائيني

ترجمة: محمد باقر فالي

قم: مكتبة الإمام المهدي (عج)، 1363 ش، 240 ص.

753- الحج يبني الفرد والأمة

التوحيد (طهران) ع 5 (11- 12/ 1403 ه/ 8- 9/ 1983 م) ص 5- 9.

754- حج

(بالفارسية)

يوسف رضايى

قم: دار التبليغ الإسلامي، ط 1، 1398 ه.

755- حجاج شيعي در دوره صفوي

(بالفارسية)

رسول جعفريان

ميقات حج س 2: ع 4 (تابستان 1372 ش) ص 117- 127.

756- الحجاز: أرضه وسكانه

عمر الفاروق السيد رجب

جدة: دار الشروق، 1399 ه- 1979 م، 384 ص.

757- الحجاز بين الماضي والحاضر

محمود أبار

المنهل (جدة) مج 9: ج 11- 12 (11- 12/ 1368 ه/ 9- 10/ 1949 م) ص 461- 467.

758- الحجاز في القرن السابع الهجري على ما في رحلة ابن رشيد الأندلسي

محمد بن عمر بن رشيد

العرب مج 3: ج 5 (11/ 1388 ه) ص 442- 458، ج 6،

ص: 270

(12/ 1388 ه) ص 507- 571، ج 7 (1/ 1389 ه)، ص 643- 660، ج 8 (3/ 1389 ه)، ص 749- 754، ج 10 (4/ 1389 ه)، ص 944- 957، ج 11 (5/ 1389 ه)، ص 1037- 1048، ج 12 (6/ 1389 ه) ص 1111- 1118، مج 4: ج 1 (رجب 1389 ه) ص 56- 63، ج 2 (8/ 1389 ه)، ص 160- 168.

759- الحجاز كما حدده الجغرافيون العرب

عبداللَّه الوهيبي

مجلة كلية الآداب (الرياض) مج 1 (1970 م) ص 53- 70.

760- الحجاز ميناء المدينة القديم البريكة حالياً

عبد الكريم الخطيب

الدارة س 9: ع 4 (4/ 1984 م) ص 65- 72.

761- الحجاز والحرمان الشريفان في القرن الثالث عشر

جعفر شهيدي

في: الندوة العالمية الأولى لدراسات تاريخ الجزيرة العربية (الرياض): 5/ 1397 ه/ 4/ 1977 م).

وفي: ندوة الحج الدولية (لندن 4- 17 اغسطس 1982 م)

ميقات الحج ع 1 (1415 ه) ص 135- 142.

762- الحجاز والدولة الإسلامية:

دراسة في اشكاليّة العلاقة مع السلطة المركزية في القرن الأول الهجري

ابراهيم بيضون

بيروت: المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، ط 1، 1983، 416 ص.

الفكر العربي س 5: ع 35، 36 (9- 12/ 1983 م) ص 268- 275 (فايز ترحيني)

763- الحجازيات

(مجموعة من الفوائد المتفرّقة دوّنها المؤلف في رحلته للحج من طريق الهند)

ص: 271

محمد علي هبة الدين الشهرستاني

الذريعة ظ 6/ 254.

764- الحجازيات

(شعر)

الشريف الرضي

ميقات الحج: ع 4 (1416 ه) ص 205- 209.

765- حجازيه

(رحلة الى الحجاز في بداية حكم الملك اويس الجلايرى سنة 757 ه، بالفارسية)

محمد بن حسين يزدى

ظ:

فهرس مشترك 10/ 215،

فهرس نسخه ها 6/ 3999،

فهرس آستان قدس 7/ 179، فهرستواره منزوى 1/ 75.

766- حجازيه

(بالفارسية)

أبو الأشرف محمد يزدي ت 762 ه

تحقيق: محمد جعفر ياحقي

مشهد: بنياد پژوهشهاى إسلامي (مع: مجموعه رسائل خطي فارسي).

767- الحجج المبينة في التفضيل بين مكة والمدينة

جلال الدين السيوطي

تحقيق: عبداللَّه محمد الدرويش

دمشق- بيروت: دار اليمامة، 1985 م، 85 ص.

768- حجر اسماعيل

(بالفارسية)

محمد امين پور اميني

ميقات حج س 2: ع 8 (تابستان 1373 ش)، ص 102- 117، س 3: ع 9 (پاييز 1373 ش) ص 107- 130.

769- حجر اسماعيل في مسيرته التاريخية والفقهية

محسن الاسدي

ميقات الحج. س 3: ع 5 (1417 ه) ص 104- 148.

770- الحجر الأسود

محسن الأسدي

ميقات الحج: ع 4 (1416 ه) ص 151- 179.

771- الحجر الأسود: إشارات

ص: 272

ودلالات.

منبر الإسلام س 47: ع 1 (8/ 1988 م) ص 54- 56.

772- الحجر الأسود بين الإمام العابد والسلطان الزائف

عبد المطلب محمد

ميقات الحج. س 3: ع 5 (1417 ه) ص 94- 103.

773- الحجر الأسود وحقيقة عنصره

خطاب بك محمد

لواء الإسلام (القاهرة) ع 5 (1950 م) ص 291- 295.

774- الحجر ليس مدائن صالح:

مناقشات وتعليقات

حمد الجاسر

الفيصل (الرياض) س 3: ع 31 (1/ 1400 ه/ 12/ 1979 م) ص 100- 156.

775- حجة الإسلام

ابن حجر العسقلاني

جمع وتحقيق: محمد عبدالحكيم القاضي

القاهرة: دار الحديث، 1988 م، 125 ص.

776- حجة الرسول الأعظم صلى الله عليه و آله

قافلة الزيت مج 19: ع 12 (1- 2/ 1972 م) ص 4- 5.

777- حجة رسول اللَّه صلى الله عليه و آله كأنك تراها

المجاهد (أفغانستان) س 3: ع 32 (7/ 1991 م) ص 28- 34.

778- حجة لا ينساها التاريخ

حبيب الرحمن الأعظمي

المنهل (جدة) مج 17: ج 9 (11/ 1376 ه/ 6/ 1956 م) ص 605- 608.

779- حجة المصطفى

أحمد بن عبداللَّه الطبري ت 694 ه

القاهرة: المكتبة التجارية الكبرى.

780- حجة المصطفى يبينها النور الوهاج في ايضاح مناسك الحج هاشم بن عبد السلام الظاهر

الموصل: مط الهدف، 1955 م، 32 ص.

ص: 273

781- حجة النبي صلى الله عليه و آله

عمر يوسف حمزة

في: الندوة العالمية الأولى للحج وأحكامه (حيدرآباد، الهند:

1988 م).

782- حجة النبي صلى الله عليه و آله

محمد حيّان السمان

الفيصل س 5: ع 54 (10/ 1981 م) ص 72- 77.

783- حجة النبي صلى الله عليه و آله

محمّد ناصرالدين الألباني

دمشق: ط 1، 1373 ه، 148 ص.

دمشق: المكتب الإسلامي، 1384 ه، 149 ص و 1967 م، 161 ص.

دمشق: المكتب الإسلامي، ط 3، 1971 م، 152 ص، 17 سم.

القاهرة: المطبعة السلفية ومكتبتها، 1976 م.

بيروت: المكتب الإسلامي، 1985، 149 ص.

784- حجة النبي وعُمرته

احمد عبد الغفور عطار

ت 1411 ه

(د. م): ط 1، 1377 ه، 182 ص.

785- حجة الوداع

عباس الهمداني

النور (لندن) ع 36 (11/ 1414 ه/ 5/ 1994 م) ص 50- 51.

786- حجة الوداع

عبداللَّه بن الغني خياط

التضامن الإسلامي (مكة المكرمة) س 40: ج 5 (ذو القعدة 1406 ه) ص 39- 47.

787- حجة الوداع

علي بن أحمد بن حزم ت 456 ه

تحقيق: ممدوح حقي

بيروت: 1956 م، 164 ص.

بيروت: دار اليقظة، ط 2، 1966 م، 287 ص.

788- حجة الوداع

محمد علي التنكابني

الفكر الإسلامي (طهران) س 1: ع 3 (12/ 1392 ه) ص 35- 37.

789- حجة الوداع: منظار الحج

م. نسيم عثمان

ص: 274

في: ندوة الحج الدوليّة (لندن:

المعهد الإسلامي، 4- 7 أغسطس 1982 م).

790- حجة الوداع وعمرات النبي صلى الله عليه و آله

محمد زكريّا الكاندهلوي

الهند: مطبعة ندوة العلماء بلكهنو، ط 1، 208 ص، 5/ 18* 5/ 24 سم.

الهند: مطبعة ندوة العلماء بلكهنو، ط 2، 1390 ه، 307 ص (تقديم:

أبي الحسن علي الحسني الندوي).

791- حجّوا كما حجَّ النبي المصطفى

محمد عبده يماني

القافلة (ظهران) مج 44: ع 12 (ذو الحجة 1416 ه) ص 2- 7.

792- الحُجُون

حمد الجاسر

العرب (الرياض) س 2: ص 865

س 20: ع 11- 12 (5، 6/ 1406 ه/ 1، 2/ 1986 م) ص 834- 837.

793- حدائق الجنان في الزيارات

(بالفارسية)

محمد صالح بن عبد الواسع الحسيني

(صهر العلّامة المجلسي)

ظ: مرآة الكتب 2/ 190، معجم ما كتب عن الرسول وأهل البيت عليهم السلام 9/ 436.

794- حدود الحرم المكي الشريف وعلاماته

عبد الملك بن عبداللَّه بن دهيش

ظ:

موسوعة الأدباء والكتّاب السعوديين 376.

795- حدود حمى المشاعر

حمد الجاسر

العرب س 22: ص 467.

796- حدود عرفات

حمد الجاسر

العرب س 22: ص 313.

797- حدود عرفات، مزدلفة، منى

حسن الجواهري

ميقات الحج ع 1 (1415 ه) ص 143- 168.

ص: 275

798- حدود منى ومزدلفة

العرب س 22: ص 165

799- الحديبية بعضها حلّ وبعضها حرم

العرب س 23: ص 538

800- حديث الأضاحي

محمد محمد الشرقاوي

منار الإسلام (أبو ظبي) س 20:

ع 12 (12/ 1415 ه/ 5/ 1995 م) ص 13- 15.

801- حديث عن الأدب في المدينة المنورة

عبد الرؤوف عبد الباقي

المنهل (جدة) مج 5: ج 1 (4/ 1356 ه/ 5/ 1937 م) ص 16- 19.

802- حديث عن الحج وكلمة حق لحجاج بيت اللَّه الحرام

الرسالة الإسلامية (بغداد) ع 145 (1401 ه) ص 1- 5.

803- حديث عن حجة الوداع

محمد شطا

المنهل (جدة) مج 3: ج 3 (2/ 1356 ه/ 4/ 1937 م) ص 6- 11.

ج 4 (3/ 1356 ه/ 5/ 1937 م) ص 17- 20.

804- حديث عن مكاتب المدينة المنورة وما فيها من النفائس

عبد المجيد الحريري

المنهل (جدة) مج 11: ج 9- 10 (11- 12/ 1370 ه/ 8- 9/ 1951 م) ص 370- 379.

805- حديث القرآن عن فريضة الحج

محمد سيد طنطاوي

الرسالة الإسلامية (بغداد) ع 21 (1389 ه) ص 20- 25.

806- حديث الكتب ووصف المدينة المنوّرة في 1303- 1885 م

علي موسى الأفندي

العرب مج 7: ج 2 (شعبان 1392 ه) ص 134- 137.

807- حرا، مطلع وحي

(بالفارسية)

ص: 276

ترجمة: مهدي پيشوايى

ميقات حج: ع 14 (زمستان 1374 ش) ص 105- 115.

808- حرز الحجاز في زيارة بيت اللَّه الحرام وزيارة مرقد خير الأنام

أفضل الدين ابراهيم بن علي العجمي الملقّب بحسان العجم المعروف بالخاقاني ت 582

ظ:

أعيان الشيعة 6/ 197.

809- الحرف والصناعات في الحجاز في عصر الرسول صلى الله عليه و آله

عبد العزيز بن ابراهيم بن سلمان العمري

الرياض: جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، كلية العلوم الاجتماعية، 1405 ه، (رسالة ماجستير) الرياض: 1406 ه، 384 ص.

810- حرك سواكن الغرام الى حج بيت اللَّه الحرام

الكرمي بن يوسف ت 1624 م.

ظ:

المنهل (جدة) س 56: ع 475 (3- 4/ 1410 ه/ 10- 11/ 1989 م) ص 204

811- الحركة العلمية في عصر الرسول صلى الله عليه و آله والخلفاء الراشدين

محمد السيد الوكيل

(جدة): دار المجتمع، ط 1، 1409 ه، 187 ص، 24 سم.

812- حرم جناب ابراهيم فرزند رسول خدا

(بالفارسية)

محمد صادق نجمى

ميقات حج س 2: ع 8 (تابستان 1373 ش)، ص 124- 142.

813- حرم المدينة المنورة وتجديده

علي حافظ

المنهل (جدة) مج 24: ج 6 (6/ 1383 ه/ 9- 10/ 1963 م) ص 330.

814- الحرم المكي الشريف والأعلام المحيطة به

ص: 277

عبد الملك بن عبداللَّه بن دهيش

العرب س 30: ج 9، 10 (3- 4/ 1416 ه) ص 584- 593، ج 11، 12 (5- 6/ 1416 ه) ص 728- 743.

س 31: ج 1، 2 (7- 8/ 1416 ه) ص 23- 33. ج 3، 4 (9- 10/ 1416 ه/ 2، 3/ 1996 م) ص 165.

ج 5، 6 (11- 12/ 1416 ه/ 4، 5/ 1996 م) ص 295- 307.

ج 7، 8 (1، 2/ 1417 ه/ 6، 7/ 1996 م) ص 441- 452.

ج 9، 10 (3، 4/ 1417 ه/ 8، 9/ 1996 م) ص 583- 597.

ج 11، 12 (5، 6/ 1417 ه/ 9- 10/ 1996 م) ص 726- 742.

س 32: ج 1، 2 (7- 8/ 1417 ه/ 11، 12/ 1996 م) ص 7- 22.

ج 3، 4 (9- 10/ 1417 ه/ 1، 2/ 1997 م) ص 149- 163.

ج 5، 6 (11، 12/ 1417 ه/ 3، 4/ 1997 م) ص 309- 321.

ج 7، 8 (1، 2/ 1418 ه/ 6، 7/ 1997 م) ص 445- 459.

ج 9، 10 (3، 4/ 1418 ه/ 8، 9/ 1997 م) ص 597- 611.

815- الحرم المكي في مرآة الفقه

عبد الكريم آل نجف

ميقات الحج. س 4: ع 7 (1418 ه) ص 117- 141.

816- الحرم المكي وحدوده

عبداللَّه بن عبد الرحمن البسام وآخرون

العرب س 22: ص 5.

817- حرم منطقه آزاد وقلب جهان اسلام

(بالفارسية)

عباس علي عميد الزنجاني

ميقات حج س 1: ع 2 (زمستان 1371 ش)، ص 91- 103.

818- حرم همسران ودختران رسول خدا

(بالفارسية)

محمد صادق نجمي

ميقات حج. س 4: ع 11 (بهار

ص: 278

1374 ش) ص 164- 179.

819- الحرمان الشريفان قمة العمارة الإسلامية (كتاب توثيقي عن الحرمين الشريفين في مكة المكرمة والمدينة المنورة)

منصور حسين عطار

تقديم: عبداللَّه عمر نصيف، ورضا محمد سعيد عبيد

جدة: دار الخشرمي، [1994 م].

820- الحرمان الشريفان وحجاجهما وتأريخ الإرهاب

علي خازم

ميقات الحج: ع 4 (1416 ه) ص 218- 225.

821- حرمة الحرمين الشريفين والمسجد الأقصى

أحمد عبد الرحيم السايح

الرابطة (مكة المكرمة) س 26:

ع 281 (7/ 1988 م) ص 17- 21.

الفكر الإسلامي (بيروت) س 17:

ع 8 (8/ 1988 م).

المنهل (جدة) مج 51: ع 475 (3- 4/ 1410 ه) ص 14- 21.

822- حرمين شريفين

(بالفارسية)

ابراهيم غفاري

طهران: انتشارات اسوه وابسته به سازمان اوقاف وامور خيريه.

823- الحرمين الشريفين

عظمت شيخ

ايطاليا: المؤلف، 1983 م.

824- حرمين شريفين (تاريخ مكة والمدينة)

(بالفارسية)

حسين قره چانلو

طهران: امير كبير، ط 1، 1361 ش، 189 ص، 24 سم.

825- حسن التوسل في آداب زيارة أفضل الرسل

(جمع فيه 94 أدباً من آداب الزائر)

جمال الدين عبداللَّه بن أحمد بن علي الفاكهي المكي الشافعي ت 972 ه.

مصر: 1318 ه (بهامش الاتحاف للشبراوي).

مكة المكرمة: المطبعة الميريّة

ص: 279

1316 ه، (بهامش خلاصة الوفا في أخبار المصطفى) (وبهامش الاتحاف بحب الأشراف للشبراوي).

ظ:

ريحانة الأدب 4/ 288، معجم المطبوعات لسركيس 1432.

826- حسن الصفا والابتهاج بذكر من ولي امارة الحج

أحمد الرشيدي

(وهو من علماء المغرب ت 1096 ه)

خ:

خزانة الحرم المكي 2

ظ:

المنهل (جدة) س 56: ع 475 (3- 4/ 1410 ه/ 10- 11/ 1989 م) ص 204.

827- حُسن القِرى في ذكر أَودية أم القرى

جار اللَّه بن فهد المكي (891- 954 ه).

العرب س 13: ع 5- 6 (10- 11/ 1978 م) ص 464- 468.

س 16: ج 5، 6 (11- 12/ 1981 م) ص 464- 468.

س 18: ج 1، 2 (4- 5/ 1983 م) ص 1- 53.

س 18: ج 3، 4 (7- 8/ 1983 م) ص 187- 213.

س 18: ج 5، 6 (9- 10/ 1983 م)، ص 357- 382.

828- حسن النبا في فضل مسجد قبا

محمد بن علي بن علان الصديقي

(ت 1057 ه)

(اختصره من جواهر الأنباء لإبراهيم الوصابي اليمني)

خ: رامبور بالهند برقم 3620 معهد المخطوطات بالقاهرة مصورة برقم 3033.

ظ:

خلاصة الأثر 4/ 187، العرب.

س 31: ج 5، 6 (11، 12/ 1416 ه/ 4، 5/ 1996 م) ص 345.

829- حفر بئر زمزم

ص: 280

اسحق بن بشر الاخباري ت 206 ه

ظ:

المنهل (جدة) س 56: ع 475 (3- 4/ 1410 ه/ 10- 11/ 1989 م) ص 204.

830- حقيقت احرام در مذاهب اسلامى

(بالفارسية)

علي حسيني

ميقات حج: ع 16 (تابستان 1375 ه) ص 45- 68.

831- حقيقة المجاز الى الحجاز

خليل بن ايبك الصفدي

ت 764 ه.

خ: شيخ الإسلام عارف حكمت.

832- الحقيقة والمجاز في رحلة بلاد الشام ومصر والحجاز

عبد الغني بن إسماعيل النابلسي ت 1143 ه.

خ: اسعد افندي في تركية برقم 2376.

الحرم المكي برقم 41.

833- حكم العمرة في الحج

أحمد بن عبد اللَّه البتيوشي

الرسالة الإسلامية (بغداد) ع 51 (1392 ه) ص 91.

834- حكم فتح راه حجاز به انشاى عطا ملك جويني در سال 667 ه)

(بالفارسية)

باهتمام: رسول جعفريان

ميقات حج: ع 15 (بهار 1375 ش) ص 65- 69.

835- حكم قناديل المدينة

مجد الدين الفيروزآبادي

ت 817 ه

خ: المكتبة الوطنية في الجزائر ضمن مجموع برقم 1360، 816 ه 122- 139 ورقة.

مكتبة حمد الجاسر مصورة عن النسخة اعلاه في آخر كتابه (المغانم المطابة) الذي حقق القسم الجغرافي منه ونشره.

ظ: العرب. س 31: ج 5، 6 (11، 12/ 1416 ه/ 4، 5/ 1996 م)

ص: 281

ص 345- 346.

836- حِكَمٌ من الحج

محمد بن سعد الشويعر

الفيصل (الرياض) ع 234 (12/ 1416 ه/ 4/ 1996 م) ص 79.

837- الحكمة في مناسك الحج

محمد كمال الشريف

منار الإسلام (أبو ظبي) س 20:

ع 12 (12/ 1415 ه/ 5/ 1995 م) ص 68- 73.

838- الحكمة من تقبيل الحجر الأسود

محمد محروس المدرّس

الرسالة الإسلامية (بغداد) ع 45 (1391 ه) ص 53- 59.

839- الحكومة الإسلامية الأولى في المدينة

سليم التكريتي

الوعي الإسلامي س 4: ع 47 (1388 ه) ص 42- 47.

840- حكومة الرسول صلى الله عليه و آله في المدينة المنورة

جمال الدين عياد

القاهرة، مط دار الفكر الحديث، 1950 م، ج 1، 100 ص.

841- حكومة الرسول في المدينة ودورها في توحيد الجزيرة العربية

بدر عبد الرحمن محمد

القاهرة: مكتبة الانجلو المصرية، 1986، 136 ص، ببليوجرافية ص 123- 132.

842- حكومة مكة الائتلافية قبل الإسلام

أحمد رائف

الهلال الدولي (لندن) س 1: ع 9 (27 جمادى الآخرة 1408 ه/ 15 فبراير 1988 م)، ص 7.

843- حكومة مكة وصيغ الأحلاف السياسية العربية قبل الإسلام

عبد الحسين مهدي الرحيم

آفاق جامعية (جامعة السليمانية:

العراق) س 2: ع 9 (تموز 1978 م) ص 31- 33.

ص: 282

844- حلف الفضول

(بالفارسية)

رسول محلاتي

ماهنامه پاسدار إسلام: ع 46 (مهر 1364 ش)، ص 32- 34.

845- حلف الفضول وقصة الغزال

هشام بن محمد بن السائب الكلبي النسّابة

ظ:

الذريعة 7/ 62.

846- حلق وتقصير

(بالفارسية)

أحمد زماني

ميقات حج. س 3: ع 9 (پاييز 1373 ش) ص 27- 37.

847- الحلقة المفقودة في تاريخ الحجاز على من تقع مسؤوليتها

أحمد السباعي

المنهل (جدة) مج 1: ج 11- 12 (10- 11/ 1356 ه/ 12/ 1937 م- 1/ 1938 م) ص 12- 16.

848- حلية الاهتداء في الصلواة على أهل بيت الاصطفاء

خ: مجلس الشورى في طهران

ظ: فهرس المجلس 9/ 45، معجم ما كتب عن الرسول وأهل البيت 9/ 441.

849- حلية الزائرين

محمد علي بن محمد بن هداية اللَّه الحسني الرازي الشاه عبد العظيمي النجفي (1258- 1334 ه)

النجف الأشرف: المطبعة المرتضوية، 1343 ه، 49 ص، 24 سم، حجرية.

850- حلية المتّقين

(في الزيارات)

عبداللَّه بن محمد رضا الحسيني الشبّري، ت 1242 ه

ظ: الذريعة 7/ 83، معجم ما كتب عن الرسول وأهل البيت عليهم السلام 9/ 442.

851- حمى المدينة وجبالها وأوديتها

أبو الحسن علي بن محمد بن

ص: 283

عبد اللَّه بن أبي سيف المدائني ت 225 ه

ظ: فهرست النديم 116، العرب.

س 31: ج 5، 6 (11، 12/ 1416 ه/ 4، 5/ 1996 م) ص 346.

852- حمامة البشرى إلى أهل مكة وحلماء أم القرى

أحمد المتنبي القادياني ت 1908 م

ظ:

المنهل (جدة) س 56: ع 475 (3- 4/ 1410 ه/ 10- 11/ 1989 م) ص 204.

853- الحنين الى الحجاز

فؤاد الخطيب

المنهل (جدة) مج 14: ج 1 (1/ 1373 ه/ 9/ 1953 م) ص 51- 53.

854- الحنين الى مكة

أحمد إبراهيم الغزاوي

المنهل (جدة) مج 23: ج 3 (3/ 1382 ه/ 8/ 1962 م) ص 171- 172.

855- حوادث تاريخي مكه- حوادثي كه در طي قرنهاى گذشته در مكه اتفاق افتاده است

(بالفارسية)

هادي اميني

ترجمة: محسن آخوندي

ميقات حج س 1: ع 1 (پائيز 1371 ش) ص 72- 65.

856- حوادث تتعلّق بالحجرة النبوية

يُحتمل للسمهودي

(د. م): نشرها حمد الجاسر، 1392 ه (بضمن رسائل تتعلق بتاريخ المدينة، وسمى المجموع «رسائل في تاريخ المدينة».

857- حِوارٌ مع ممثل الولي الفقيه في شؤون الحجِّ والزيارة

ميقات حج: ع 2 (1415 ه) ص 334- 349.

858- حوار مع ممثل الولي الفقيه في شؤون الحج والزيارة حول موسم الحج لعام 1416 ه

ميقات الحج. س 3: ع 5 (1417 ه) ص 182- 198.

ص: 284

859- حوارات حول شؤون الحج

خادم علي سالاريان، جواد رجايي

طهران: مشعر، ط 2، 1375 ش، 96 ص.

860- حول بيت اللَّه الحرام

عبداللَّه الشيبي

المنهل (جدة) مج 9: ج 1 (1/ 1368 ه/ 11/ 1948 م) ص 11- 12.

861- حول تاريخ المدينة للمرجلني

محمد الشاذلي النيفر

المنهل (جدة) مج 31:

ج 1 (1/ 1390 ه/ 3/ 1970 م) ص 88- 90.

862- حول طريق المدينة

حمد الجاسر

العرب. س 1: ص 1157، س 17:

ع 3- 4 (9، 10/ 1402 ه) ص 216- 224.

863- حول القبة المبنية على قبر الرسول صلى الله عليه و آله

مقبل بن هادي الوادعي

مطبوع.

ظ:

أخبار التراث الإسلامي ع 16 (1408 ه/ 1988 م) ص 15.

864- حول مساجد مكة المكرمة:

فضائل أم القرى حقائق ثابتة

حمد الجاسر

العرب س 20: ع 9- 10 (3، 4/ 1406 ه/ 11، 12/ 1985) ص 641- 646.

865- حول المسجد الحرام:

خصائص بيت اللَّه الحرام بمكة

الحسيني مصطفى الريس

الهداية (المنامة) س 11: ع 130 (8/ 1988 م) ص 4- 19.

866- حول مكاتب المدينة المنورة

محسن أحمد باروم

المنهل (جدة) مج 12: ج 2 (2/ 1371 ه/ 11/ 1951 م) ص 111- 112.

867- حول الملتقى الذي إليه

ص: 285

تهفو القلوب وتشتاق الأرواح

حمدي لطفي

المجاهد (القاهرة) س 9: ع 92 (8/ 1988 م) ص 22- 26.

868- حول وادي العقيق

حمد الجاسر

العرب (الرياض) س 6: ع 11 (5/ 1392 ه/ 7/ 1972 م) ص 841- 844.

869- الحياة الاجتماعية في صدر الإسلام

محمد ضيف اللَّه بطاينة

المدينة المنورة: مكتبة دار التراث، 1988 م، 289 ص.

870- الحياة الاجتماعية والاقتصادية في المدينة المنوّرة في صدر الإسلام

نورة بنت عبد الملك بن ابراهيم آل الشيخ

جدة: تهامة، 1403 ه/ 1983 م، 189 ص (رسائل جامعيّة، 13) (رسالة ماجستير مقدمة في كلية التربية للبنات، 1402 ه).

871- الحياة الاقتصادية والاجتماعية في نجد والحجاز في العصر الأموي 40- 132 ه/ 660- 750 م

عبداللَّه محمد ناصر السيف

القاهرة: جامعة القاهرة، 1978 م (رسالة دكتوراه).

872- الحياة الزراعية في عصر دولة الرسول صلى الله عليه و آله والخلفاء الراشدين (1- 40 ه)

الحبيب الجنحاني

في: ندوة النظم الإسلامية (أبو ظبي: 18- 20/ 2/ 1405 ه/ 11- 13/ 11/ 1984 م).

873- الحياة الزراعيّة في عصر دولة الرسول صلى الله عليه و آله والخلفاء الراشدين (1- 40 ه)

عبد العزيز الدوري

بحث مقدّم في: ندوة النظم الإسلامية المنعقدة في (أبو ظبي:

11/ 1984 م).

874- الحياة السياسية في مكة والمدينة المنوّرة في العصر

ص: 286

العباسي الأول

فاطمة حمدان حمود اليماني

جدة: كلية التربية، الرئاسة العامة لتعليم البنات، 1407 ه (رسالة ماجستير)

875- الحياة السياسية ومظاهر الحضارة في المدينة المنوّرة في العصر الأموي من سنة 41 الى 132 ه

نورة عبدالملك بن ابراهيم آل الشيخ

جدة: كلية التربية، الرئاسة العامة لتعليم البنات، 1407 ه (رسالة دكتوراه)

876- خارطة المسجد النبوي ومرقده صلى الله عليه و آله وتعيين زيادات المسجد

ابراهيم بن أحمد حمدي المدني (1288 ه)

ظ: الذريعة 7/ 133.

ذيل كشف الظنون للطهراني 43

877- خاطرات حج

(بالفارسية)

محمد عظيمي

طهران: دهخدا، ط 1، 1363 ش، 120 ص.

878- خاطرات زيارت خانه خدا وعتبات عاليات در خدمت راهنما

(بالفارسية)

محمّدرضا خاني

باهتمام: حبيب اللَّه، باگ گوهر وسيد محمود السعيدي

ط 1: 1367 ش، 526 ص، 24 سم.

879- خاطرات سفر حج

(بالفارسية)

سلطان حسين بن صالح عليشاه گنابادى

(1332 ه...)

ظ: مشار 1/ 1841،

مشار مؤلفين 3/ 345،

فهرستواره منزوى 1/ 76.

880- خاطرات سفر مكه

(بالفارسية)

احمد هدايتي

طهران: 1343 ش، 239 ص، 24 سم.

881- خاندان ابو سعيد ورامينى

ص: 287

وتلاش براى: آبادانى حرمين شريفين

(بالفارسية)

رسول جعفريان

ميقات حج س 1: ع 1 (بائيز 1371 ش) ص 170- 165.

882- خانه كعبه وراز معنوى آن

(بالفارسية)

هانرى كربن

ترجمة بزرگ نادر زاده

معارف اسلامى ع 23 (دى 1354 ش) ص 21- 27، ع 24- 25 (1355 ش) ص 91- 95.

883- خانه مردم باياد داشتى از سفر حج

(بالفارسية)

مهدي بازرگان

طهران: شركت انتشار، 1345 ش، 83+ 79+ 69 ص.

884- الخدمات الصحية بمدينة مكة المكرمة: دراسة في الجغرافيا الاجتماعية

عبداللَّه الصنيع

مكة المكرمة: جامعة ام القرى، 1983، 112 ص.

885- خريطة مكة والمشاعر

محمد زكي فارس

جدة: 1402 ه.

ظ: المنهل (جدة) س 56: ع 475 (3- 4/ 1410 ه/ 10- 11/ 1989 م) ص 205.

886- خسي در ميقات

(بالفارسية)

طهران: انتشارات رواق، ص 3، 1364 ش، 184 ص، 21 سم.

887- خصائص العاملين الباكستانيين المتكفلين بالانفاق على حجاج باكستان

احمد باشا وآخرون

جدة: جامعة الملك عبد العزيز، 32 ص.

888- خصوصيت فقهى محدوده كعبه

(بالفارسية)

عبد اللَّه جوادي آملي

ميقات حج س 2: ع 5 (بائيز

ص: 288

1372 ش) ص 17- 33.

889- الخطب في المسجد الحرام في الدين والاجتماع

عبداللَّه عبد الغني

دمشق: مكتبة الغزالي، ط 1، 1399 ه، 255 ص، 24 سم.

890- خطط المدينة المنورة

صالح احمد العلي

العرب مج 1: ج 12 (6/ 1387 ه) ص 1057- 1062.

891- الخطط المكيّة

محمد بن سعيد الحضراوي ت 1326 ه

ظ: المنهل (جدة) س 56: ع 475 (3- 4/ 1410 ه/ 10- 11/ 1989 م) ص 205

892- خلاصة الأخبار في تاريخ المدينة

محمد عاشق الحنفي

خ: أيا صوفيا برقم 2389

ظ: العرب. س 31: ج 5، 6 (11، 12/ 1416 ه/ 4، 5/ 1996 م) ص 347.

893- خلاصة الاعتبار في الحج والاعتمار

الشهيد الأول محمد بن مكي، سنة 786 ه

ظ: الذريعة 7/ 214، 22/ 276.

894- خلاصة تاريخ مكة المعظمة

(بالأردو)

فخر الدين حسين الدهلوي

(كان حياً سنة 1268 ه)

ظ: الثقافة الاسلامية في الهند 76.

895- خلاصة الرسائل في فضائل مكة

محمد بن بار الهندي البرهانبوري

(1041- 1110 ه)

ظ: المنهل (جدة) س 56: ع 475 (3- 4/ 1410 ه/ 10- 11/ 1989 م) ص 204.

896- خلاصة الروضة الشريفة

عبداللَّه محمد الحبشي

العرب س 10: ج 3، 4 (10- 11/ 1975 م) ص 268- 272.

897- الخلاصة في تاريخ

ص: 289

المدينة

(رسالة فارسية)

عمر الحافظ الرومي

ظ: كشف الظنون 1/ 719،

العرب. س 31: ج 5، 6 (11، 12/ 1416 ه/ 4، 5/ 1996 م) ص 347.

898- خلاصة الكلام في بيان أمراء البلد الحرام

أحمد زيني دحلان ت 1304 ه

القاهرة: المطبعة الخيرية الجمالية، 1305 ه (طبع بهامشه: الإعلام بأعلام بيت اللَّه الحرام، للنهروالي)

بيروت: د. ت.

899- خلاصة مناسك الحج:

مطابقة لفتاوى سماحة الإمام السيد روح اللَّه الموسوي الخميني

(بالفارسية)

قم: پاسدار اسلام، ظ 1، 1365 ش، 148 ص، 19 سم.

ط 3، 1366 ش، 136 ص، 19 سم.

900- خلاصة مناسك الحج

الإمام الخميني قدس سره

تعريب: فهري

بيروت: الدار الاسلامية، 222 ص، 21 سم.

901- خلاصة مناسك حج

(بالفارسية)

موسوي خوئيني

طهران: مركز تحقيقات وانتشارات حج، 1407 ه، 132 ص.

902- خلاصة الوفا في أخبار المصطفى

(مختصر كتاب المؤلف وفاء الوفا)

علي بن عبداللَّه بن أحمد السمهودي

804- 911 ه

خ: الرباط، الخزانة الملكية، عدة نسخ، 4716، 1558 و 8884 و 5098 و 2143.

روان كشك 1573

طُبع في: بولاق: 1285 ه، 244 ص (وبهامشه: حسن التوسل في آداب زيارة أفضل الرسل للفاكهي)

ص: 290

مكة المكرمة: المطبعة المنيريّة، 1316 ه، 286 ص.

القاهرة: مطبعة الحلبي، 1367 ه، 4، 420 ص.

المدينة المنورة: المكتبة العلمية، 1972 م، 659 ص.

ظ: كشف الظنون 2016،

معجم المطبوعات لسركيس 1053، معجم ما ألّف عن رسول اللَّه صلى الله عليه و آله 95.

903- خواطر بين الكعبة والمصطفى

عبدالحي طه علوان

الرسالة الاسلامية (بغداد)

ع 111 (1398 ه) ص 81- 82.

904- خواطر حاج

عبدالغني الملاح

الموصل: مط الاتحاد الجديدة، 1953 م، 68 ص.

905- خواطر الحج

توفيق محمد شاهين

الوعي الإسلامي (الكويت) س 25:

ع 300 (7/ 1989 م) ص 20- 23.

906- خواطر عن الحج

فؤاد رضا

المنهل (جدة) مج 20: ج 1 (1/ 1379 ه/ 7/ 1959 م) ص 45- 46.

907- خواطر من الحج عند بيت المولى

علي الكوراني

ميقات الحج ع 1 (1415 ه) ص 31- 318.

908- خورشيد معرفت در گناه وطاعت: در پيرامون حج وعمره مأخوذ از قرآن مجيد واحاديث نبي اكرم وآل عصمت

(بالفارسية)

محمد جواد الموسوي الغروي

طهران: جاويد، 1353 ش، 388 ص.

909- خير القرى في زيارة أمّ القُرى

أحمد بن عبداللَّه الطبري ت 696 ه

ظ: كشف الظنون 727،

معجم ما ألف عن رسول اللَّه صلى الله عليه و آله 354

ص: 291

الفهرس العام لمجلة ميقات الحج 5- 8

الفهرس العام لمجلة ميقات الحج 5- 8

الفهرس العام لمجلة ميقات الحج 5- 8

فهرس المواضيع:

العددالصفحة

1- الحجّ في أحاديث الإمام الخميني قدس سره 105

2- الحجّ في أحاديث الإمام الخميني قدس سره 3056

3- الحجّ في أحاديث الإمام الخميني قدس سره 6097

4- الحجّ في أحاديث الإمام الخميني قدس سره 9098

5- الحجّ في أحاديث الإمام الخامنئي- مدّ ظلّه العالي- 135

6- الحجّ في أحاديث الإمام الخامنئي- مدّ ظلّه العالي- 3076

7- الحجّ في أحاديث الإمام الخامنئي- مدّ ظلّه العالي- 6117

8- الحجّ في أحاديث الإمام الخامنئي- مدّ ظلّه العالي- 9118

ص: 292

1- فقه الحجّ:

المقالة المؤلّف المحقّق العدد الصفحة

1- مناسك الحجّ والعمرة الشهيد الثاني رحمه الله 375 ت: ابوالحسن المطلبي ورضا المختاري

2- حجر إسماعيل في مسيرته محسن الأسدي 1045 الفقهية و ...

3- الإستدارة وصلاة الجماعة محمّدعلي المقدادي 1495 في المسجد الحرام

4- المنسك الصغير الشهيد الأوّل رحمه الله 3686 ت: محمّد الإسلامي اليزدي

5- الطواف ومسائله محمّد إبراهيم الجنّاتي 4056

6- مناسك الحجّ الشيخ علي القطيفي رحمه الله 6537 ت: ضياء بدر آل سنبل القطيفي

7- مقام إبراهيم محسن الأسدي 6837

8- الحرم المكي في مرآة الفقه (1) عبدالكريم آل نجف 7217

9- الحجّ البذلي محمّدعلي المقدادي 7777

10- أقل الواجبات في حجّ التمتّع إبراهيم بن الشيخ حسن قفطان 9148

11- حكم الأضحية في عصرنا ناصر مكارم الشيرازي 9358

12- الحرم المكي في مرآة الفقه (2) عبدالكريم آل نجف 10618

ص: 293

2- مفاهيم الحجّ:

المقالة المؤلّف المحقّق العدد الصفحة

1- أسرار الحجّ وأعماله الباطنة ابن ميثم البحراني رحمه الله 165 إعداد: فارس تبريزيان

2- أضواء حول الحجّ عبداللَّه جوادي آملي 3106

3- تأمّلات جمالية عرفان الفهدي 3326

4- فلسفة الحجّ وأسرار مناسكه عباس علي عميد الزنجاني 6157

5- البيت الحرام محمّد مهدي الآصفي 9548

6- لمحة عن الحجّ ومناسكه محمّد جواد حجّتي كرماني 9838

7- أمن الحرم محسن الأسدي 10808

8- بحثاً عن النور علي الكوراني 11328

3- الحجّ والتأريخ:

المقالة المؤلّف المحقّق العدد الصفحة

1- الحجر الأسود بين الإمام العابد عبدالمطلب محمّد 945 والسلطان الزائف

2- حجر إسماعيل في مسيرته محسن الأسدي 1045 التأريخية و...

3- هل طاف النبيّ صلى الله عليه و آله حول محمّد هادي اليوسفي 1715 الأصنام...؟

4- أبوالوليد الأزرقي وكتابه محمّد علي مهدوي راد 2375 «أخبار مكّة»

5- نشأة الحياة العلمية في الحجاز عبدالجبار الرفاعي 4236

ص: 294

المقالة المؤلّف المحقّق العدد الصفحة

6- الحجّ قبل مائة سنة عبدالعزيز دولتشين ت: عبداللَّه المؤمن 5176

7- بيعة العقبة محمّدهادي اليوسفي 6737

8- تعمير الكعبة ومراسمه أيّوب صبري باشا 7467 إعداد: السيد علي قاضي عسكر

9- القرامطة وفتنتهم في مكّة يعقوب الجعفري 8057

10- واقعة الحرّة شهاب الدين الحسيني 8477

11- مهمّات مشبوهة في حسن السعيد 10088 الديار المقدّسة

4- رجال من الحرمين الشريفين:

المقالة المؤلّف المحقّق العدد الصفحة

1- حمزة بن عبدالمطلب رضى الله عنه عباس المهاجر 1995

2- عبداللَّه بن عباس محسن الأسدي 5366

3- جعفر الطيّار حسن محمد 11088

5- الحجّ في الأدب العربي:

المؤلّف المحقّق العدد الصفحة

1- ترنيمة عرفانية محمّد علي الحسيني 4906

2- مختارات شعرية إدارة المجلّة 7967

3- مختارات شعرية إدارة المجلّة 10368

ص: 295

6- جغرافية الحجّ ومعالمه المقدّسة:

المقالة المؤلّف المحقّق العدد الصفحة

1- قرن المنازل عبدالهادي الفضلي 845

2- مختصر معجم معالم مكّة عاتق بن غيث البلادي 2185 التأريخية (3)

3- المساجد والأماكن الأثرية ... (3) عبدالرحمن خويلد 2285

4- الجحفة عبدالهادي الفضلي 3826

5- أرض عرفات علي قاضي عسكر 4686

6- المساجد والأماكن الأثرية... (4) عبدالرحمن خويلد 5676

7- مختصر معجم معالم مكّة عاتق بن غيث البلادي 8287 التأريخية (4)

8- المساجد والأماكن الأثرية ... (5) عبدالرحمن خويلد 8717

9- المساجد والأماكن الأثرية ... (6) عبدالرحمن خويلد 11458

7- الرسائل واللقاءات:

العددالصفحة

1- حوارٌ مع ممثّل الولي الفقيه... 1825

2- رسالة الأستاذ واعظ زاده إلى بن باز 2655

3- لقاء مع المؤرّخ الحجازي، عاتق بن غيث البلادي 4956

4- رسالة رئيس منظمة الحجّ و الزيارة إلى وزير حجّ المملكة العربية السعودية 10458

ص: 296

8- المعاجم:

المقالة المؤلّف المحقّق العدد الصفحة

1- معجم ما كتب في الحجّ والزيارة... (2) عبدالجبار الرفاعي 2795

2- من ألّف في الحجّ من أهل هَجر أحمد الكناني 5766

3- معجم ما كتب في الحجّ والزيارة... (3) عبدالجبار الرفاعي 5936

4- معجم ما كتب في الحجّ والزيارة... (4) عبدالجبار الرفاعي 8857

5- معجم ما كتب في الحجّ والزيارة... (5) عبدالجبار الرفاعي 11628

فهرس الكتاب والمحقّقين:

العددالصفحة

الحجّ في أحاديث الإمام الخميني قدس سره 105

الحجّ في أحاديث الإمام الخميني قدس سره 3056

الحجّ في أحاديث الإمام الخميني قدس سره 6097

الحجّ في أحاديث الإمام الخميني قدس سره 9098

الحجّ في أحاديث الإمام الخامنئي- مدّظلّه العالي- 135

الحجّ في أحاديث الإمام الخامنئي- مدّظلّه العالي- 3076

الحجّ في أحاديث الإمام الخامنئي- مدّظلّه العالي- 6117

الحجّ في أحاديث الإمام الخامنئي- مدّظله العالي- 9118

ص: 297

المؤلّف المحقّق المقالة العدد الصفحة

الآصفي محمد مهدي البيت الحرام 9548

إبراهيم بن الشيخ حسن قفطان أقل الواجبات في حجّ التمتع 9148 تحقيق: محمد الإسلامي اليزدي

الأسدي محسن حجر إسماعيل في مسيرته التأريخيّة و الفقهية 1045

الأسدي محسن عبداللَّه بن عباس 5366

الأسدي محسن مقام إبراهيم 6837

الأسدي محسن أمن الحرم 10808

البحراني إبن ميثم أسرار الحجّ وأعماله الباطنة ... 165

البلادي عاتق بن غيث مختصر معجم معالم مكّة التأريخية (3) 2185

البلادي عاتق بن غيث مختصر معجم معالم مكّة التأريخية (4) 8287

الجعفري يعقوب القرامطة وفتنتهم في مكّة 8057

الجنّاتي محمّد إبراهيم الطواف ومسائله 4056

الحسيني محمّد علي ترنيمة عرفانية 4906

الحسيني شهاب الدين واقعة الحرّة 8477

الرفاعي عبدالجبّار معجم ما كتب في الحجّ والزيارة (2) 2795

الرفاعي عبدالجبار نشأة الحياة العلمية في الحجاز 4236

الرفاعي عبدالجبار معجم ما كتب في الحجّ والزيارة ... (3) 5936

الرفاعي عبدالجبار معجم ما كتب في الحجّ والزيارة ... (4) 8857

الرفاعي عبدالجبار معجم ما كتب في الحجّ والزيارة ... (5) 11628

السعيد حسن مهمّات مشبوهة في الديار المقدّسة (1) 10088

ص: 298

المؤلّف المحقّق المقالة العدد الصفحة

الشهيد الأوّل المنسك الصغير 3686 تحقيق: محمّد الإسلامي اليزدي

الشهيد الثاني مناسك الحجّ والعمرة 375 رضاالمختاري/ أبوالحسن المطلبي

الفضلي عبدالهادي قرن المنازل 845

الفضلي عبدالهادي الجحفة 3826

الفهدي عرفان تأمّلات جمالية 3326

القطيفي العلّامة الشيخ علي مناسك الحجّ 6537

الكناني أحمد من ألّف في الحجّ من أهل هجر 5766

الكوراني علي بحثاً عن النور 11328

المحمّدي الري شهري محمّد حوار 1825

المقدادي محمّدعلي الاستدارة و صلاة الجماعة في المسجد الحرام 1495

المقدادي محمّدعلي الحجّ البذلي 7777

المهاجر عباس حمزة بن عبدالمطلب 1995

المؤمن عبداللَّه الحجّ قبل مائة سنة 5176

آل نجف عبدالكريم الحرم المكّي في مرآة الفقه ... (1) 7217

آل نجف عبدالكريم الحرم المكّي في مرآة الفقه ... (2) 10618

اليوسفي محمّد هادي هل طاف النبيّ حول الأصنام ...؟ 1715

اليوسفي الغروي محمّد هادي بيعة العقبة 6737

حجّتي كرماني محمّد جواد لمحة عن الحجّ ومناسكه 9838

جوادي آملي عبداللَّه أضواء حول الحجّ 3106

ص: 299

المؤلّف المحقّق المقالة العدد الصفحة

خويلد عبدالرحمن المساجد والأماكن الأثريّة... (3) 2285

خويلد عبدالرحمن المساجد والأماكن الأثريّة... (4) 5676

خويلد عبدالرحمن المساجد والأماكن الأثرية... (5) 8717

خويلد عبدالرحمن المساجد والأماكن الأثريّة المجهولة (6) 11458

رضائى محمّد حسين رسالة رئيس منظمة الحجّ والزيارة ... 10458

صبري باشا أيوب تعمير الكعبة ومراسمه 7467 إعداد: السيدعلي قاضي عسكر

عميدالزنجاني عباس علي فلسفة الحجّ وأسرار مناسكه 6157

قاضي عسكر سيدعلي أرض عرفات 4686

محمّد عبدالمطلب الحجرالأسود بين الإمام العابد و... 945

محمد حسن جعفر الطيار 11088

مكارم الشيرازي ناصر حكم الأضحية في عصرنا 9358

مهدوي راد محمّدعلي أبوالوليد الأزرقي وكتابه «أخبار مكّة» 1375

واعظ زاده الخراساني رسالة الأستاذ... 2655

هيئة التحرير لقاء مع المؤرّخ الحجازي عاتق بن غيث 4956 البلادي

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.