ميقات الحج المجلد4

اشارة

عنوان و نام پديدآور : ميقات الحج[پيايند: مجله]

مشخصات نشر : تهران: منظمة الحج و الزيارة، 1417 ق. - = 1375 -

فاصله انتشار : شش ماه يكبار

يادداشت : عربي

فهرست نويسي براساس سال3 شماره5 سال1417ق.

يادداشت : اين نشريه در بيروت نيز منتشر مي شود

يادداشت : المدير المسؤول: محمد محمدي ري شهري

رئيس التحرير: علي قاضي عسكر

يادداشت : كتابنامه

ترجمه عنوان : Mighat al - haj

موضوع : حج -- نشريات ادواري

شناسه افزوده : محمدي ري شهري، محمد، 1325 - ، مدير مسئول

Muhammadi Reyshahri, Muhammad

قاضي عسكر، سيدعلي، 1325 - ، سردبير

شناسه افزوده : سازمان حج و زيارت

رده بندي كنگره : BP188/8

رده بندي د... : 297/35705

الحجّ في أحاديث الإمام الخميني قدس سره

ص:1

ص:2

ص:3

ص:4

ص:5

ص:6

ص: 7

العدد الرابع

الحجّ في أحاديث الإمام الخميني قدس سره

إنّ المراتب المعنوية للحج هي رأس مال الحياة الخالدة، وهي التي تقرّب الإنسان من أُفق التوحيد والتنزيه، ولن نحصل عليها ما لم نطبق أحكام وقوانين الحج العبادية بشكلصحيح وحسن. وحرفاً بحرف، واذا ما دفنتم في عالم النسيان الجهات المعنوية، فلا تظنوا أنكم قادرون على التخلص والتحرر من مخالب شيطان النفس. وما دمتم في أسر وقيد ذواتكم وأهوائكم النفسانية، فلن تستطيعوا جهاداً في سبيل اللَّه ودفاعاً عن حرماته تعالى.

على الحجاج المحترمين والعلماء المعظّمين مسؤولي قوافل الحجّاج أن يصرفوا وقتهم، ويكون كل همّهم تعليم وتعلم مناسك الحج.

على العارفين مراقبة من يرافقهم من الحجاج حتى لا يتخلف أحدٌ عن أداء المناسك والأوامر لا سمح اللَّه.

ص: 8

إعلموا- جميعاً- أن البعد السياسي والاجتماعي للحج لا يتحقق إلّابعد أن يتحقق البعد المعنوي الإلهي.

إن كلمة (لبيك) التي تتلفظون بها هي استجابة كبيرة وعميقة لدعوة الحق تعالى، وبها تنقونصفة الشرك بجميع مراتبها، وعليكم أن تشعروا بذلك أنفسكم وبها تهاجروا بأنفسكم التي هي منشؤ الشرك الكبير نحو الباري جلّ وعلا. وعندئذ تنالون أجركم وهو على اللَّه تعالى حتى وإن أدرككم الموت في هجرتكم هذه.

في المواقيت الإلهية والمقامات المقدّسة، في جوار بيت اللَّه الملي ء بالبركات، راعوا آداب الحضور في الساحة المقدّسة للعليّ العظيم، وحرّروا قلوبكم أيُّها الحجّاج الأعزّاء من جميع الارتباطات المتعلّقة بغير اللَّه، وأخرجوا من قلوبكم غير حبّ اللَّه ونوّروها بأنوار التحليات الإلهية، حتى تكون الأعمال والمناسك في سيرها إلى اللَّه مليئة بمضمون الحج الإبراهيمي وبعده بالحجّ المحمدي، وبمقدار تخفيف الحمل من أفعال الطبيعة يسلم الجميع من أوزار المنى والمنية، وبحمل ثقل معرفة الحق وعشق المحبوب تعودون إلى أوطانكم، وتجلبون للأصدقاء هدايا النعم الإلهية الأزلية بدل الهدايا المادية الفانية، وبقبضات مليئة بالقيم الإنسانية الإسلامية التي بعث لأجلها الأنبياء العظام من إبراهيم خليل اللَّه إلى محمد حبيب اللَّهصلّى اللَّه عليهم وآلهم أجمعين، تلتحقون بالرفاق عشّاق الشهادة. هذه القيم والدوافع التي تحرِّر الإنسان من أسر النفس الأمّارة بالسوء، وتنجّي من الارتباط بالشرق والغرب، وتوصل إلى شجرة الزيتون المباركة اللّاشرقية واللّاغربية.

الحجّ في أحاديث الإمام الخامنئي

ص: 9

الحجّ في أحاديث الإمام الخامنئي

(مد ظله العالي)

... وإذ وفّق اللَّه- سبحانه- جمعاً من السعداء الذين توافدوا من كلّ فجٍّ عميق؛ لينالوا حظّهم من الأيام المعلومات وحج بيت اللَّه الحرام، فإني أتضرّع وأبتهل إلى اللَّه- سبحانه وتعالى- أن يكون حجّهم مقبولًا مأجوراً، وأن ينعم بمنافعه على كلّ الأُمة المسلمة، وأتقدّم ضمناً بتوصيات إلى الإخوة والأخوات بما يلي:

1- اغتنموا هذه الفرصة لبناء النفس والإنابة والتضرّع، وخذوا منها زادكم المعنوي لجميع عمركم.

2- اسألوا اللَّه سبحانه أن يفرّج عن المسلمين مشاكلهم الكبرى، وكرّروا هذا الطلب مرّات ومرّات في أدعيتكم ومناجاتكم.

3- اغتنموا كلّ فرصة للتعرّف على المسلمين الوافدين من جميع أرجاء العالم، واستفيدوا ممّا في مجريات حياتهم من جوانب سلبية أو إيجابية.

ص: 10

وعلى المسلمين، غير الإيرانيين خاصة، أن يسمعوا حقائق وقضايا إيران الإسلام من لسان إخوتهم الإيرانيين، ليميزوا الصحيح عن غير الصحيح ممّا سمعوه بشأنهم من الإعلام العالمي.

وليسعوا اليوم ودائماً أن يستوعبوا تعاليم الإمام الراحل العظيم الإمام الخميني- رضوان اللَّه تعالى عليه- بشأن ما يرتبط بمسائل المسلمين، وأن يتعرّفوا عن قرب، وبشكل أفضل، على هذا المصلح الكبير في تأريخ الإسلام.

4- انقلوا كلّ معلوماتكم واطلاعاتكم الصحيحة عن وضع الأُمّة الإسلامية، أو عن بلدكم إلى المسلمين القادمين من البلدان الأُخرى.

5- في حديثكم مع إخوانكم المسلمين، من أيصقع كانوا، ركّزوا على مسألة «الأُمة الإسلامية» والنظرة الشمولية التوحيدية للعالم الإسلامي، ولتتجاوز أفكاركم وأفكار من تحاورونه إطار الحدود الجغرافية والعنصرية والعقائدية والحزبية وأمثالها، وارتفعوا إلى مستوى هموم الإسلام والمسلمين.

6- ذكّروا مخاطبيكم دائماً بما أنعم اللَّه به على المسلمين من نفوس تزيد على المليار، وبلدان تبلغ العشرات، ومن ثروات مادية ومعنوية ضخمة، وتراث عظيم ثقافي وحضاري وديني وأخلاقي.

7- حطّموا أُسطورة قدرة الغرب التي لا تقهر! خصوصاً أمريكا. هذه الأُسطورة التي يحاول الاستكبار العالمي دائماً أن يلقيها في أذهان المسلمين عن طريق تهويل قوّته. وذكّروا أنفسكم وذكّروا المسلمين الآخرين؛ أنّ قوّة المعسكر الشيوعي، التي كانت تبدو أنها لا تقهر، قد تحطّمت منذ قريب أمام أعين هذا الجيل، وأصبحت أثراً بعد عين ..

ص: 11

القوى المتعملقة الحالية، ومنها قوّة أميركا، هي الأُخرى من الممكن أن تنهار بالسهولة نفسها وينقطع أثرها.

8- ذكّروا علماء الدين والمثقّفين في البلدان المسلمة بمسؤولياتهم الكبرى الثقيلة دائماً، وذكّروا الآخرين أيضاً بذلك.

9- انطلاقاً من واجب النصيحة لأئمة المسلمين، ذكّروا زعماء البلدان المسلمة بمسؤولياتهم تجاه الأُمة المسلمة، وتجاه إقامة وحدة المسلمين والابتعاد عن القوى الاستكبارية .. ذكّروهم بضرورة التوجه إلى شعوبهم والاعتماد عليها، وإحلال الرابطة الحسنة بين الشعوب والحكّام. واطلبوا من اللَّه سبحانه إصلاح أُمورهم.

10- كونوا متفهّمين دائماً أن مسؤولية الزعماء لا تعني رفع المسؤولية عن كلّ فرد من أفراد الشعوب المسلمة، فكل أبناء الأُمة يستطيعون أن يكون لهم دور فاعل في كل هذه الأهداف الكبرى.

آمل من اللَّه بفضله، وبدعاء وليّ اللَّه الأعظم المهدي المنتظر (أرواحنا فداه وعجّل اللَّه تعالى فرجه) أن يمنّ بحج مقبول على الحجّاج المحترمين، وبرحمة واسعة ونعمة سابغة على الأُمة الإسلامية وآحاد المسلمين.

ابراهيم الخليل مؤسّس أُمّ القرى

اشاره

ص: 12

إبراهيم الخليل مؤسّس أُمّ القرى

عبد اللَّه جوادي آملي

قال اللَّه تبارك وتعالى:

«ربّنا إنّي أسكنتُ من ذرّيتي بوادٍ غير ذي زرعٍ عند بيتك المحرّم ربّنا ليُقيموا الصلاة فاجعل أفئدةً من الناس تهوي إليهم وارزقهم من الّثمرات لعلّهم يشكرون» (1).

تضمّ المدينة الفاضلة نقطةً مركزية وأربعةِ أركان، وتتحمل النقطة المركزية للمدينة الفاضلة مسؤولية «الحكومة والقيادة»، التي لو تتسم بالقسط والعدل، لتمَّ في ظلها تأمينُ «ازدهار» المنطقة و «أمنها وحريتها». وإقامةُ الاقتصاد السالم، وتعلقُ القلوب وإحساسها بالهدوء والسكينة في هذه المدينة.

إنّ المدينة الفاضلة بحاجة إلى أُناس يتمتعون بما يلي:

1- التقوى في الأمور الأخلاقية.

2- مراعاة الأمور العائلية والحقوق المتبادلة للأُمهات والآباء والأبناء.


1- 1 إبراهيم: 37.

ص: 13

3- العمل على ضمان الأمن الوطني والحرية والأخوة والمساواة، ونحوها في المسائل الاجتماعية.

4- الابتعاد عن الاستبداد والاستعمار والاستثمار في المسائل السياسية، وبناءً على ذلك، فإنّ المدينةَ ستكون فاضلةً، باحتوائها على جميع هذه الأمور.

ولو أراد مجتمعٌ ما أن يقيم مدينةً فاضلة، من المؤكد أنه لا يمكن تحقيق ذلك بغير امتلاك الحكومة، وإنّما تكون الحكومة فاضلةً، عندما يقف على رأس الهرم فيها حاكمٌ واعٍ، ومتحرر، ومدير ومدبّر، يأخذ على عاتقهِ إدارة أمور الدولة، هذا من جهة، ومن جهة أخرى، أن تكون أُمّةُ تلك المدينة أمةً واعية ومطيعة، فلا الإمام قادرٌ على إقامة المدينة الفاضلة من دون «الأمّة الواعية»، ولا الأمّة الواعية من دون «الإمام» تستطيع أن تقيم المدينة الفاضلة. وإن مسيرة الأنبياء الإبراهيميين على خُطى إبراهيم الخليل من هذا القبيل، حيث إنهم يطلبون في أدعيتهم وتوسلاتهم إلى اللَّه- تبارك وتعالى- أن يهديهم إلى السبيل ذاته الذي عيّنه القرآن الكريم للناس على لسان إبراهيم الخليل عليه السلام. وفي الوقت ذاته الذي سعوا فيه إلى إعداد أركان المدينة الفاضلة، فإنهم كانوا يسعون إلى أن تلوح بارقةُ حبٍّ تنفخ الروح في مساعيهم.

لقد نظّم إبراهيم الخليل- معمار ومهندس المدينة والحضارة- خارطةَ المدينة الفاضلة على أساس الأركان الأربعة والنقطة المركزية سائلًا ذلك من اللَّه- تبارك وتعالى- والأركان الأربعة تشمل:

1- البناء والإعمار.

2- الأمن.

3- الاقتصاد السالم.

4- عواطف وسكينة القلوب.

ص: 14

يمكن أن تكون مكّة «أمَّ القرى» (1)

وعندئذٍ تصبح أنموذج المدينةِ الفاضلة. إن إبراهيم الخليل هو باني الكعبة، وهو الذي جعل البلد غير ذي الزرع أمَّ القرى، ومن أجل أن تتحول هذه الديار غير ذي الزرع إلى أمّ القرى، ويرتفع منها النداء إلى العالم أجمع، ويشتاق ساكنوا الأرض للقاء هذه الفلوات، فقد توجّه للَّه- تعالى- بالسؤال: (2) 1- «ربّ اجعل هذا بلداً ...» اللهم! تفضل على هذا الوادي غير ذي الزرع بالإعمار واجعله بلداً، ومن البديهي أنه لو أريد للوادي غير ذي الزرع أن يتحول إلى مدينة فاضلة، لابدّ من إعادة بنائه وتحويله إلى مدينة أولًا.

2- «ربّ اجعل هذا بلداً آمناً ...» أي وفّر أسباب الأمن لأهل هذه المدينة.

3- «وارزق أهلهُ من الثمرات ...» أي أمِّن الاقتصاد السالم لساكني هذه المنطقة.

وتمثل هذه الطلبات الثلاثة، ثلاثة أركان فقط من أركان أمّ القرى، وهي لا تكفي لإقامة المدينة الفاضلة وإن كانت لازمة ومهمة. ومن هنا فإن سيدنا إبراهيم عليه السلام طلب الركن الرابع أيضاً من اللَّه- تعالى- فقال: «... فاجعل أفئدةً من الناس تهوي إليهم ...» (3).

ومن هنا فإنّ المدينة إنما تصبح فاضلة عندما تهوي إليها القلوب وتتعلق بها. اللهم! فاجعل أفئدةً من الناس ترنوا إلى هذه البلاد وتهاجر إليها، من دون أن ترحل عنها.

فلو فقد «الأمن» في البلد، و «الحرية» جرّت الويلات، ولم يبق «للاقتصاد السليم» أثرٌ يذكر، ولاتّضح من ذلك بأن ثقافة أهل ذلك البلد قد تدنّت واضمحلّت، ولا أثر من مراعاتهم للمسائل الأخلاقية، وتهيئ أرضية الرحيل


1- 1 الأنعام: 92؛ الشورى: 7.
2- 2 «ربّ اجعل هذا بلداً آمناً وارزق أهله من الثمرات من آمن منهم باللَّه واليوم الآخر قال ومن كفر فامتّعُهُ قليلًا ثم أضطرُّهُ إلى عذابِ النّار وبئس المصيرُ» البقرة/ 126 «وإذ قال إبراهيمُ ربّ اجعل هذا البلدَ آمِناً واجنُبني وبنيَّ أن نعبدَ الأصنام» إبراهيم/ 35.
3- 3 إبراهيم: 37.

ص: 15

عن البلد، حتى بفقدان واحدة من تلك الثلاثة. وما ألطف مقولة مصلح الدين سعدي الشيرازي في هذا المجال: «لا أقوى على العيش بعناء على أني ولدت هنا».

إذن ليس بوسع العاقل أن يحيا في مدينةٍ، تفتقد أركان المدنيّة هذه.

قال الإمام عليُّ بن أبي طالب عليه السلام: «ليس بلد أحقّ لك من بلد، خير البلاد ما حَملك» (1)؛ نعم، خير البلاد وأفضلها ما كان يضمن إمكانية التطور والنمو للإنسان.

لقد لاحظ الأنبياءُ الإبراهيميّون أن النبيَّ إبراهيم عليه السلام قد أولى عناية خاصة أيضاً بالركن الرابع عند دعائه: اللهم! اجعله بلداً من جهة، وآمناً من جهة أخرى، وذا اقتصاد سليم من جهة ثالثة، إلّاأنّ الفضائل الثقافية والمزايا الأخلاقية أيضاً ضرورية ولازمة لنموّ الإنسان ورقّيهِ، لكي لا تنفر القلوب عن هذه البلاد، فضلًا عن ولوهها إليها.

أجل، فقد اعتبر مهندس المدنيّة والحضارة إبراهيم الخليل عليه السلام هذه الأصول الأربعة لازمةً وضروريةً لتأسيس أمّ القرى.

المحور الأساس لهذه الأركان:

إنّ المحور الأساس والقطب الذي تدور في فلكه هذه الأركان الأربعة، والعنصر البنّاء الذي يجعل بلداً ما أمناً، ويمتلك اقتصاداً سليماً، مؤمِّناً حرية الناس وجاعلًا أفئدتهم تهوي إليه، ذلك العنصر هو الحكومة المتبلورة في ظل الوحي، وقيادة الإنسان الكامل (المعصوم)، الحكومة المتشكّلة في ظل سلطة رجل الدين والسياسة، المدير والمدبّر، والواعي، وفي ظل القانون المدوّن على أساس التوجيهات السماوية.

ومن هنا، فإن إبراهيم الخليل عليه السلام لم يجعل من هذا المعنى وهذا العنصر ركناً


1- 1 غرر الحكم ودرر الكلم 83: 5.

ص: 16

خامساً في تسلسل الأركان الأربعة فحسب، بل عدّه العنصر الأصل، والمحور الذي تطوف حوله الأركان الأربعة.

«ربّنا وابعث فيهم رسولًا منهم يتلوا عليهم آياتِكَ ويعلّمهم الكتابَ والحكمةَ ويُزكّيهم إنّك أنت العزيز الحكيم» (1).

اللهم! لئن طلبت منك أن تجعل هذا المكان بلداً، وآمناً، وينعم بالاقتصاد السليم، وأن يعي الناس بعضهم بعضاً ... وإلى غير ذلك، فلا يمكن أن يتيسر قيام كلّ ذلك دون حكومة سماوية، فابعث فيهم رسولًا مرسلًا من قبلك ليتلو على الناس قوانينك ويعلمها لهم، ويطلعهم على الحِكَم السماوية، ويهذبهم بالتربية الصحيحة.

اللهم! إنّ الذين ينعمون بالأمن والاقتصاد السليم والحريّة، لئن لم يستمدّوا العون من مدرسة وحيك، ستنقلب نعمهم إلى نقمات.

فابعث اللهم فيهم رسولًا منهم يتلو عليهم آياتك، ولا يجعلهم يراوحون في مرحلة قراءة القرآن فحسب، بل يأخذ بأيديهم إلى مرحلة العلم والعمل لكي يفقهوا الكتاب والحكمة، ويصبحوا من أهل الكرامة وتهذيب النفوس و ....

ومن هنا يجب القول: بأنّ واجب النبيّ إنّما يكمن في تأسيس وإقامة الحكومة وليس الوعظ والنصح فقط. ولو أن رسالة الأنبياء أمكن اختصارها بالوعظ والنصحية، لأصبحت قوافل الأنبياء على طول التاريخ غير ذات معنى.

ولها تعرض أكثر الأنبياء للقتل. وهذهِ موارد متعددة من آيات القرآن الكريم تذكر ذلك، وتتحدث عن استشهادهم سلام اللَّه عليهم:

«قل فلِمَ تقتُلون أنبياءَ اللَّه من قبلُ إن كنتم مؤمنين» (2). «... ذلك بأنّهم كانوا يكفرون بآيات اللَّه ويقتُلون النبيينَ بغير الحقِّ» (3). «إنَّ الذين يكفُرون بآيات اللَّه ويقتُلون النبيين بغير حقٍ» (4).


1- 1 البقرة: 129.
2- 2 البقرة: 91.
3- 3 البقرة: 61.
4- 4 آل عمران: 21.

ص: 17

«... وقتلهم الأنبياءَ بغير حقّ» (1).

إن القرآن الكريم وفي كثير من الموارد يذكر هذه الكلمات ب «الألف» و «اللام»، حيث يراد بذلك، أن أعداء الدين قتلوا الكثير من الأنبياء.

«وكأيّن من نبيّ قاتل معه رِبّيّون كثيرٌ» (2)

؛ أي أن الكثير من الأنبياء ندبوا طائفة من الناس إلى جبهات القتال، ودعوهم لمقارعة الطواغيت.

ولو كان عمل الأنبياء مقتصراً على النشاطات الثقافية والوعظ، لما دعتهم الحاجة إلى المواجهات العسكرية ولا إلى المواجهات السياسية، ولم يتعرض لهم المتعرضون بالقتل والاستشهاد. ويتضح من ذلك أنهم كانوا فيصدد تأسيس الحكومة. حكومة يقفُ على رأسها قائدٌ إلهي، يتلو على الناس آيات اللَّه، ويدلّهم إلى علوم الغيب ومعارفهِ، ويجعل الحِكَم السماوية نصب أعينهم، ويجتهد في تهذيب وتربية وتزكية الأُمّة. الأمّة التي تعيش في ظل الوحي، لا مُتسلّطَة ولا مُتَسَلَّطُ عليها، لأنه جاء في كتاب الحكمة (القرآن) «فلا تظلموا» «ولا تركنوا إلى الذين ظلموا» «... لا تظلِمُونَ ولا تُظلمُونَ» (3)

فإنّ مقارعة الطواغيت ومحاربة الأجانب من ضمن أوامر القرآن الكريم. وإن طردَ الاستبداد، ومحاربة الاستعمار درسٌ علّمه الوحي للمسلمين، وهذا هو محور المدينة الفاضلة.

الهوامش:

الحجّ في السنّة (2)


1- 1 آل عمران: 181؛ النساء: 155.
2- 2 آل عمران: 146.
3- 3 التوبة: 36؛ هود: 113؛ البقرة: 279.

ص:18

ص: 19

الحجّ في السنّة (2)

واعظ زاده الخراساني

روايات الحج، ورواتها في كتب الشيعة:

أقصد بالشيعة هنا ثلاث فرق منهم، لكلّ منها فقه مستند، وأتباع موجودون حتّى الآن، وهي الإمامية الاثنا عشرية أو الجعفرية، والزيدية، والإسماعيلية. نتحدّث أولًا باختصار عن الزيدية والإسماعيلية، ثمّ ندرس ما عند الإمامية من روايات الحج التي تبلغ أضعاف روايات الفرقتين الأخريين، بل أضعاف روايات أهل السنّة.

1- روايات الزيدية في الحج: مرجعنا في هذه الروايات كتاب «مسند زيد» وحده، ويسمى أحياناً «المجموع الفقهي» لزيد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليهم السلام ويُعدّ أهم مصدر فقهي للطائفة الزيدية، وكتبت عليه شروح (1).

سند الكتاب، كما ذكر في بدايته، وصرّح بذلك الباحثون والمحقّقون، ينحصر بأبي خالد الواسطي (2). وأبو خالد روى أحاديث زيد بن عليّ وفتاواه


1- 1 مقدمة مسند زيد: 5.
2- 2 مقدمة مسند زيد: 11؛ المسند: 50.

ص: 20

دون واسطة، ويمكن اعتباره أقدم كتاب بقي في الحديث والفقه حتّى يومنا هذا.

لأنّ الكتب الأخرى، بما في ذلك «موطأ» مالك بن أنس (93- 179 ه) ألفت بعده.

زيد بن علي ولد سنة 76 ه، واستُشهد في محرّم سنة 122 هجرية في الكوفة بعد ثورته الدموية البطولية (1).

أبو خالد الواسطي، راوي مسند زيد، من موالي بني هاشم، وكوفي انتقل بعدها إلى «واسط» وتوفي في الخمسينيات من القرن الثاني الهجري، وروى عنه ثلاثة هم: إبراهيم بن الزبرقان، ونصر بن مزاحمصاحب كتاب «صفين» وحسين بن علوان الكلبي (2).

كان هذا الكتاب في الأصل يتكون من مجموعتين: الأولى حديثية، والأخرى فقهية، ثمّ ضمّت المجموعتان في كتاب واحد على يد عبد العزيز بن إسحاق البقال (المتوفى سنة 463 ه) (3). سند هذا الكتاب يبدأ اليوم بهذا الشخص، وترجمته مشروحة في مقدّمة المسند (4)، وفي شرح الحديث الأوّل (5).

تناول الكثيرون بالبحث سندية هذا الكتاب المروي عن طريق شخص واحد. ودرس الشيخ محمد أبو زهرة في كتابه «الإمام زيد بن عليّ» هذه المسألة دراسة مستوفية. غير أن الكتاب وراويه موثوقان عند الزيدية (6)، ولهم إليه طرق متعددة، منها طريق عبد الواسع بن يحيى الواسعي الذي رفع سلسلة روايته إلى زيد بن عليّ، كما جاء في مقدّمة المسند (7).

أبو خالد يدّعي أن أصحاب زيد الآخرين سمعوا منه ذلك أيضاً، لكنهم استُشهدوا جميعاً، ولم تتسنّ لهم فرصة رواية الكتاب، وهو الوحيد الناجي بينهم، والراوي للكتاب (8). ويقول: إنّه لازم زيداً في المدينة خمس سنوات قبل أن يتّجه إلى الكوفة، وكان يلازمه في موسم الحج كلّ عام عدّة أشهر، وسمع منه كلّ


1- 1 الأعلام 3: 98.
2- 2 مقدمة المسند: 11 وما بعدها.
3- 3 مقدمة المسند: 13.
4- 4 المصدر نفسه.
5- 5 مسند زيد: 50.
6- 6 مقدمة المسند: 17.
7- 7 مقدمة المسند: 34.
8- 8 مسند زيد: 380.

ص: 21

حديث مرّة أو مرّات، حتّى إنّه سمع منه الحديث الواحد خمس مرّات أو أكثر (1)، علماء الشيعة ومنهم النجاشي، لهم طريق إلى مسند زيد (2)، وروايات زيد في كتب الإمامية كثيرة، وهكذا في كتب أهل السنّة، فالإمام الترمذي ينقل في حجة الوداع بسنده عن زيد بن عليّ عن آبائه عن علي عليه السلام ممّا لم يرد في مسند زيد أيضاً.

على أيّ حال ورد في كتاب الحج من مسند زيد (3) ما يقارب من سبعين حديثاً، بعضها يرتبط بالصيد ولا علاقة له بالحج. ولم يرد ذكر حجة الوداع في هذا الكتاب، ولكن بعض جوانبها وبعض كلمات الرسول وردت في عدد من روايات الكتاب. كلّ روايات الحج تقريباً، مثل سائر روايات المسند، منقولة عن زيد بن عليّ عن أبيه عن جدّه عن عليّ عليه السلام ويمكن القول: إنّ مسند زيد يضمّ مجموعة روايات وفتاوى عليّ عليه السلام ويستند أحياناً إلى أحاديث الرسول، ويتضمّن كذلك فتاوى زيد نفسه.

المسألة الملفتة للنظر في مسند زيد ترتبط بالخلاف بشأن حج التمتع. فهو يذهب إلى التخيير بين حجّ التمتع، والقران بين الحجّ والعمرة، وحجّ الإفراد، دون ترجيح لواحد على الآخر (4). وينسب هذا إلى عليّ عليه السلام وهذه الفتوى تتناسب تماماً مع أسلوب زيد السياسي بشأن مسألة خلافة علي، حيث لم يتّخذ زيد من هذه المسألة الموقف الصريح الذي اتّخذه سائر الشيعة، ولم يعرّض بخلافة الخليفتين الأوّل والثاني. وهناك مواقف أخرى في المسند تنسجم مع روايات أهل السنّة.

2- روايات الإسماعيلية في الحج: ومصدرنا في هذا المجال محدود أيضاً بكتاب دعائم الإسلام للقاضي النعمان المغربي المصري، وهو أوثق مصدر فقهي، بل لعلّه المصدر الوحيد لهذه الطائفة. مؤلف الكتاب، أبو حنيفة، النعمان بن محمد


1- 1 مسند زيد: 382.
2- 2 جامع الترمذي 4: 119.
3- 3 مسند زيد: 230- 253.
4- 4 مسند زيد: 224.

ص: 22

بن منصور بن أحمد بن حيّون التميمي المغربي الداعي الأكبر، والقاضي، وعالم الإسماعيلية في مطلع حكومتهم. أدرك عدداً من أئمّتهم، ثمّ رحل مع «المعزّ لدين اللَّه» الخليفة الفاطمي الرابع إلى مصر، ودوّن كتباً كثيرة في الدفاع عن ذلك المذهب منها في الفقه كتاب دعائم الإسلام بأسلوب جذّاب (1).

كتاب دعائم الإسلام في الحقيقة كتاب حديثي فقهي، ويشبه كثيراً كتاب «من لا يحضره الفقيه» لمعاصره عَلم الشيعة الإمامية الشيخ الصدوق (المتوفى سنة 381 هجرية) لكنّه أكثر نظماً منه، وفي بدايته فصل مشبع بالولاء لآل البيت (2). توفي القاضي النعمان سنة 363 هجرية في القاهرة، وتولّت أسرته القضاء لأجيال عديدة (3).

روايات هذا الكتاب منقولة غالباً دون ذكر السند عن الإمامين محمد بن عليّ الباقر، وجعفر بن محمد الصادق عن آبائهما عن عليّ، أو عن الرسول.

وتكتفي الروايات أحياناً بالنقل عن الإمامين، وأحياناً تستند فقط إلى أئمة آل البيت، وتكاد تكون جميعها نصوص أحاديث الشيعة الإمامية، ولذلك أورد العلامة المجلسي في «بحار الأنوار»، والمحدّث النوري في «مستدرك الوسائل» وآية اللَّه البروجردي في «جامع أحاديث الشيعة» روايات الدعائم فيصفّ روايات الإماميّة، وأصرّ المحدّث النوري في خاتمة المستدرك على اعتبار المؤلف شيعياً إمامياً. والبحث في هذا الصدد واسع لا مجال لنا أن نلجه الآن (4).

في كتاب الحج من «دعائم الإسلام» ورد 394 حديثاً ليس بينهما وبين روايات الإمامية أي تفاوت (5). حتى مسألة «حجّ التمتع» الخلافية، جاءت الروايات فيها موافقة لبعض روايات الإمامية (6)ويشاهد فيه مقاطع من حديث حجّة الوداع بشكل متفرّق مطابقة لروايات الإمامية (7)، التي سنستعرضها فيما بعد. من هنا فليس لنا في هذا المجال بحث مستقل أكثر ممّا تقدم


1- 1 راجع مقدمة تأويل الدعائم.
2- 2 دعائم الإسلام 1: 20 وما بعدها.
3- 3 راجع مقدمة تأويل الدعائم.
4- 4 مستدرك الوسائل 3: 313 ومابعدها؛ راجع بهذاالصدد مقدمتنا على كتابي المقنع والهداية للصدوق: 17.
5- 5 دعائم الإسلام 1: 295- 346.
6- 6 دعائم الإسلام 1: 324.
7- 7 دعائم الإسلام 1: 305.

ص: 23

سوى ما سنورده ضمن شرحنا لروايات، ورواة الحج لدى الشيعة الإمامية.

2- روايت الحج، ورواتها في كتب الشيعة الإمامية: رواة الحج في كتب الإمامية كثيرون، وعن كلّ منهم نقلت عدّة أحاديث عن أحد الأئمة، وأكثر الروايات عادة منقولة عن الإمام جعفر بن محمد الصادق، وبعده في عدد الروايات الإمام محمد بن علي الباقر. ونظراً لسعة نطاق أحاديث الشيعة وكتبهم، لا نستطيع هنا أن ندرسها جميعاً، لكننا نستطيع أن نتناول نموذجاً كاملًا جامعاً يمكن اعتباره معياراً لسائر الكتب، وهو كتاب «الكافي» للشيخ أبي جعفر محمد بن يعقوب بن إسحاق الكليني (المتوفى سنة 329 هجرية)، هذا الكتاب في قدمه وشهرته وجامعيّته والوثوق به منقطع النظير بين كتب الإمامية، وغني عن التعريف.

الكافي أحد الكتب الحديثية الأربعة الرئيسة عند الشيعة الإمامية، ويشتمل على روايات الأصول والفروع والأخلاق والتاريخ وغيرها من الروايات، وهو يختلف من هذه الناحية عن سائر الكتب الأربعة المقتصرة على الأحاديث الفقهية. عدد أحاديثه تزيد على 16 ألف حديث، وهو في هذه الناحية يفوق الكتب الثلاثة، ويفوق كذلك الصحاح الستة لدى أهل السنّة.

كتاب الحج في الكافي (1) يشتمل على 1485 حديثاً (2)، أكثرها مرويّة عن الإمام أبي عبد اللَّه الصادق، ولعلّ مجموع هذه الروايات مع ما ورد في سائر الكتب الحديثية الشيعية حول الحج يبلغ ألفي حديث، بعد الإدغام وحذف المكررات كما ذكرنا بشأن أحاديث أهل السنّة.

لا نستطيع هنا أن نُشخّص هذا العدد بشكل دقيق؛ لأنّ هذه المكرّرات جاءت بشكل متفرّق في كتب الحديث المطوّلة مثل وسائل الشيعة، ومستدرك الوسائل، وبحار الأنوار. والكتاب الوحيد الذي أدغم مكررات الكتب الأربعة


1- 1 الكافي 4: 184- 598.
2- 2 فهرست الكافي 4: 607.

ص: 24

هو «الوافي» للفيض الكاشاني. أما كتاب «جامع أحاديث الشيعة» فقد أجرى عملية إدغام المكرّرات بالنسبة لجميع الروايات، غير أنّ كتاب الحج من هذا الجامع لم يخرج من المطبعة تماماً، كي نقدم إحصائية دقيقة في هذا المجال بين رواة الحج في الكافي، يمتاز معاوية بن عمّار بأنّه روى أكثر من الآخرين، وقد يأتي بعده في عدد الروايات عبيد اللَّه بن عليّ الحلبي الذي ينقل أحياناً مع معاوية بن عمار حديثاً واحداً (1).

معاوية بن عمار بن أبي معاوية الخباب العجلي الدهني، بائع السابري (نوع من القماش)، أبو القاسم الكوفي، من موالي بني دُهْن، وهي فخذ من قبيلة بجيلة.

الكشيّ في رجاله ذكر أنه عمّر 175 عاماً، وهذا خلاف المتعارف، لذلك ذكر آخرون هذا الرقم باعتباره سنة وفاته (2).صاحب الأعلام ذكر أنّ سنة وفاته حوالي سنة 145 هجرية، ويقول: إنه روى عن سعيد بن جبير، وروى عنه سفيان الثوري (3). قال عنه الذهبي في ميزان الاعتدال: إنّهصدوق، ونقل أقوالًا مختلفة في توثيقه وقال: إنه روى عن أبيه عمار وأبي الزبير، وعنه روى يحيى بن يحيى، وقتيبة وجماعة. يتناول الذهبي والده عمّار، بعد أن يذكر مشايخه ورواته، يقول: وثقه أحمد وابن معين وأبو حاتم والناس، ثمّ ينقل عدم توثيقه عن العقيلي، ويتحدّث عن رأيه في تشيّعه، ويذكر أن سنة وفاته 133 هجرية (4).

معاوية بن عمار، على أيّ حال، من وجوه الإمامية، وموضع ثقتهم، ووالده عمّار موثّق عند أهل السنّة. روى عن الإمام جعفر بن محمد الصادق، وعن الإمام موسى بن جعفر. النجاشي يذكر بين كتبه كتاب الحج ويقول: روى هذا الكتاب جماعة من أصحابنا، ويذكر بعض طرقه إلى ذلك الكتاب (5). وكان لعدد آخر من أصحاب الأئمة كتب في الحج (6)، ولكن يبدو أنّ كتاب معاوية بن عمّار كان موضع اعتماد أكثر من غيره من الكتب. ويبدو من رواياته أنه تابع


1- 1 الكافي 4: 520.
2- 2 جامع الرواة 1: 182 وما بعدها.
3- 3 الأعلام 8: 174.
4- 4 ميزان الاعتدال 4: 137 و 3: 170 و 172.
5- 5 رجال النجاشي: 293.
6- 6 في فهرست الشيخ الطوسي: 498 ذكر اسم 17 شخصاً.

ص: 25

مسائل الحج، وجمع ما وسعه من أحاديث الحج بحيث لا يخلو باب من أبواب الحج في الكافي من روايته، وينقل أحياناً روايات مطوّلة في آداب الحج وأدعيته عن الإمام الصادق. وتشتمل بعض رواياته على عدّة أسئلة.

في الكافي وحده روي ما يقارب من مائتي حديث في الحج برواية معاوية بن عمار (1)، بينها 15 حديثاً تتعلّق بحجة الوداع (2)، وبين أحاديث حجة الوداع حديث مفصّل كامل عن حجّة الوداع منقول عن الإمام أبي عبد اللَّه الصادق (3). هذا الحديث يمكن مقارنته بحديث جابر وإن فاقه في الدقة. وفيما يلي ندرس حديث حجّة الوداع بطرقه ونصوصه المختلفة من كتب أهل السنّة والشيعة الإمامية.

حديث حجة الوداع:

حجة الوداع هي الحجة الوحيدة التي أدّاها رسول اللَّهصلى الله عليه و آله بعد الهجرة، وفيها علَّم المسلمين أحكام الحج ومناسكه، ولهذا الهدف وجهت الدعوة العامة إلى المسلمين في الجزيرة العربية، للاشتراك في تلك الحجة (4). ومن هنا فحجة الوداع قبل كلّ شي ء سفرة تعليمية عملية، كما تؤكد ذلك المصادر المختلفة، كي يأخذ المسلمون عملياً طريقة أداء مناسك الحجّ عن قائد الإسلام الأول، وهذه المسألة تزيد من أهمية حديث حجة الوداع في باب الحج، ويمكن اتخاذها حكماً ومرجعاً في المسائل المختلف عليها بين الفقهاء والمذاهب الإسلاميّة.

حج رسول اللَّه قبل الهجرة مرّتين استناداً إلى روايات أهل السنة (5). بينما تذكر الروايات الشيعية أرقاماً تزيد على ذلك، وتبلغ العشرين (6). أما بعد الهجرة، فإضافة إلى حجّة الوداع اعتمر الرسول أربع فرات (7)، كما يلي:

1- عمرة الحديبيّة: في السنة السادسة للهجرة، وفيها حال مشركو مكة


1- 1 لاحظ الكافي 4: 184- 598.
2- 2 الكافي 4: 184- 598.
3- 3 الكافي 4: 245.
4- 4 سيرة ابن هشام 4: 242؛ تاريخ الطبري 4: 1754، 1756.
5- 5 تاريخ الطبري 4: 1765.
6- 6 بحار الأنوار.
7- 7 طبقات ابن سعد 2: 170 و 171.

ص: 26

دون اتمام العمرة. والرسول الأعظم أحلّ من إحرامه في محل الحديبيّة ومسجد الرضوان، وفرض على المسلمين أن يحلّوا أيضاً وهم كارهون، ثم أعقب ذلك «صلح الحديبية» مع المشركين، و «بيعة الرضوان» مع أصحابه، ومن هناك عاد إلى المدينة.

2- عمرة القضاء: بعد عام من العمرة الأولى، أي في السنة السابعة للهجرة، وفيها اعتمر الرسول استناداً إلى اتفاقيةصلح الحديبية لقضاء العمرة التي لم تتم، ولذلك سميت بعمرة القضاء.

3- عمرة الفتح: في سنة فتح مكة، أي السنة الثامنة للهجرة، وفيها أحرم الرسول من «الجِعرّانة» (منطقة خارج مكة) واعتمر، ولذلك تسمّى أحياناً بعمرة الجعرانة (1).

4- عمرة حجة الوداع: وأدّاها الرسول مع الحج، وجاء شرحها في حديث حجة الوداع وأحاديث أخرى، وحدث اختلاف بعد ذلك في كيفية عمل الرسول فيها. ونقلها الصحابة بأشكال مختلفة. وكلّ الروايات ترتبط بمسألة «حج التمتع» و برأي الخليفة الثاني فيها. وينبغي أن تدرس بشكل مستقل.

وسميت «حجة الوداع» لأنّ الرسول الأعظم ودّع الناس بعد انتهاء خطبته في عرفات أو منى، ومن هنا قال الناس عنها: إنّها حجة الوداع (2) ويقول الطبري: إنّها سميت حجة الوداع وحجة التمام، وحجة البلاغ (3). ووجه التسميتين الأخيرتين يعود إلى نزول الآية التي أعلنت إتمام الدين «اليوم أكملت لكم دينكم» في تلك السفرة، والى قول الرسول «ألا هل بلّغت اللهم اشهد» تكراراً في خطبته.

ويقول ابن سعد في الطبقات (4): إن هذه هي الحجة التي يسميها الناس حجة الوداع، بينما كان المسلمون يسمونها «حجة الإسلام»، وكان ابن عباس


1- 1 سنن النسائي 5: 247.
2- 2 طبقات ابن سعد 2: 184.
3- 3 تاريخ الطبري 4: 1794 و 1756.
4- 4 طبقات ابن سعد 3: 172.

ص: 27

يكره أن يسميها حجة الوداع، وكان هو يقول «حجة الإسلام» (1).

في بحار الأنوار نقلًا عن خصال الصدوق رواية عن عبد اللَّه بن عمر تقول:

إن سورة الفتح نزلت على رسول اللَّه في أيام التشريق (أيام الإقامة في منى) ففهم النبيّ أنها علامة الوداع فامتطى ناقته وألقى خطبة (2)، ويمكن أن يكون ذلك باعثاً على تسمية هذه الحجة بحجة الوداع.

يبدو أن حجة الوداع ذات أهمية في فقه أهل السنة وحديثهم بلحاظ أحكام الحج نفسها، وهي كما ذكرنا مهمة بهذا اللحاظ. غير أنها لدى الشيعة تحظى بأهمية أكثر، بسبب إعلان الرسول الأعظم عن ولاية أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب، بعد اختتام هذه الحجة ولدى عودته، في محل «غدير خم» قرب «الجحفة»، بأمر اللَّه- تعالى- وما أعقب هذا الإعلان من أخذ البيعة من الناس.

وبعبارة أخرى فإن مسألة غدير خم قد طغت على مسائل الحج في حجة الوداع (3). في بعض روايات الشيعة جاءت قصة الغدير في أعقاب حديث حجة الوداع. والشيخ المفيد في «الإرشاد» نقل حجة الوداع في باب فضائل عليّ وبهدف نقل قصة الغدير (4).

يبدو أن حديث حجة الوداع كانت له أهميته الخاصة عند علماء أهل السنة: فالإمام يحيى بن شرف أبو زكريا محيي الدين النووي الشافعي (631- 676 ه) في شرحه لصحيح مسلم (5) يقول: هو حديث عظيم مشتمل على جملة من الفوائد والنفائس من مهمات القواعد .. حتى يقول: وقد تكلم الناس على ما فيه من الفقه وأكثروا. وصنف فيه أبو بكر بن المنذر جزءاً كبيراً وخرّج فيه من الفقه مائة ونيفاً وخمسين نوعاً، ولو تقصى لزيد على هذا القدر أو هو قريب منه ..

والنووي في شرح أحاديث الحج منصحيح مسلم يستند مراراً إلى هذا


1- 1 طبقات ابن سعد 2: 188.
2- 2 بحار الأنوار 21: 382 ط دار الكتب؛ نقلًا عن الإرشاد للمفيد وأعلام الورى للطبرسي.
3- 3 بحار الأنوار 21: 383.
4- 4 ارشاد المفيد: 80.
5- 5صحيح مسلم 8: 170.

ص: 28

الحديث، ويشرح بالتفصيل مبهماته ومشكلاته (1).

الشيخ منصور علي ناصف من علماء الأزهر في كتاب «التاج الجامع للأصول» الذي يشتمل على روايات خمسة من الصحاح (عدا سنن ابن ماجة) يقول: هذا حديث جليل القدر عظيم الفضل، حوى كلّ ما فعله النبيّصلى الله عليه و آله في حجة الوداع من أركان وواجبات ومندوبات إلّاقليلًا، وهو أول حديث طويل في كتاب التاج ويليه في الطول حديثا الإسراء والهجرة الآتيان في كتاب النبوّة ...

ثمّ ذكر أحاديث أخرى وقال أخيراً: وجابر رضى الله عنه كان يقود راحلة النبيصلى الله عليه و آله في حجة الوداع، فلذا كان أعلم الناس بها (2).

يخطر في ذهني أن أستاذنا الكبير المرحوم آية اللَّه حسين الطباطبائي البروجردي تسلم هداياً من الملك سعود، لدى زيارة هذا الأخير إلى إيران، ومعها قطعة من ستار الكعبة، فكتب آية اللَّه البروجردي إليه رسالة طبعت في مجلة «رسالة الإسلام» (3)، ذكر له فيها أنه استلم الهدايا، ولكنه يعيدها؛ لأنّه ليس من عادته أن يقبل هدايا الملوك، واحتفظ بقطعة ستار الكعبة فقط تبركاً.

والمرحوم الأستاذ بعث مع الرسالة حديث حجة الوداع بتفاصيله. ويبدو أن الأستاذ أراد من إرسال الحديث الإشارة إلى أنّ هذا الحديث الشريف يُشكّل في سنده نقطة التقاء حديثي بين السنة والشيعة، إضافة إلى أن العمل بمحتواه يستطيع أن يوحّد المسلمين في عمل الحج، ويزيل على الأقل بعض الاختلافات الموجودة في مسألة الحج بما في ذلك «حج التمتع».

مصادر وأسانيد حديث جابر بن عبد اللَّه حول حجة الوداع:

روى عدد من أصحاب الصحاح وكتب الحديث المعتبرة رواية جابر في حجة الوداع جميعها أو بعضها بأسانيد مختلفة عن جعفر بن محمد عن أبيه، عن


1- 1صحيح مسلم 8: 107- 196.
2- 2 التاج الجامع للُاصول 2: 140.
3- 3 طبعة القاهرة، في إحدى الأعداد بين سنة 1370 و 1380، لا يتوفر عندي العدد المذكور.

ص: 29

جابر بن عبد اللَّه هم:

1- الإمام مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري (204- 261 ه) فيصحيحه (1).

2- أبو داود سليمان بن الأشعث السجستاني (202- 275 ه) في كتاب السنن (2).

3- الحافظ أبو محمد عبد اللَّه بن عبد الرحمن الدارمي السمرقندي (181- 255 ه) في كتاب السنن (3).

4- الحافظ أبو عبد اللَّه محمد بن يزيد القزويني، المعروف بابن ماجة (207- 275) في كتاب السنن (4).

5- إمام أهل الحديث، أبو عبد اللَّه أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني الوائلي (164- 241 ه) في كتاب المسند (5).

6- الحافظ أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي (215- 303 ه) في كتاب السنن (6).

7- الحافظ أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي (384- 458 ه) في السنن الكبرى (7).

سند مسلم على النحو التالي: حدّثنا أبو بكر بن أبي شيبة وإسحاق بن إبراهيم جميعاً عن حاتم قال أبو بكر: حدّثنا حاتم بن إسماعيل المدني عن جعفر بن محمد عن أبيه قال: دخلنا على جابر ... (8) وحدّثنا عمر بن حفص بن غياث، حدّثنا أبي، حدّثنا جعفر بن محمد، حدّثني أبي قال: أتيت جابر بن عبد اللَّه ... وزاد (9).

مسلم ينقل كلّ الحديث بهذين السندين، كما ينقل إضافة إلى ذلك قطعات


1- 1صحيح مسلم 8: 170.
2- 2 سنن أبى داود.
3- 3 سنن الدارمي 2: 44.
4- 4 سنن ابن ماجة 2: 1022.
5- 5 مسند أحمد بن حنبل 3: 320.
6- 6 سنن النسائي ج 5 في الصفات التي تذكر بعدها لكلّ مسند.
7- 7 سنن البيهقي 5: 6.
8- 8صحيح مسلم 8: 170.
9- 9صحيح مسلم 8: 194.

ص: 30

من هذا الحديث بالسند نفسه (1). أو بأسانيد أخرى (2) تصل جميعاً إلى جعفر بن محمد.

سند أبي داود على النحو التالي: حدّثنا عبد اللَّه بن محمد النفيلي وعثمان بو أبي شيبة وهشام بن عمّار وسليمان بن عبد الرحمن الدمشقيان، وربما زاد بعضهم على بعض الكلمة والشي ء، قالوا: حدّثنا حاتم بن إسماعيل، حدّثنا جعفر بن محمد عن أبيه قال: دخلنا على جابر بن عبد اللَّه ... (3) وينقل أبو داود أيضاً قطعاً من الحديث بسنده عن جعفر بن محمد (4).

سند الدارمي بالشكل التالي: أخبرنا إسماعيل بن أبان، حدّثنا حاتم بن إسماعيل بن أبان، عن جعفر بن محمد، عن أبيه عن جابر بن عبد اللَّه، قال أبو جعفر: دخلنا على جابر ... (5) وأخبرنا محمد بن سعيد الأصبهاني، أخبرنا حاتم بن إسماعيل، عن جعفر بن محمد عن جابر ... (6) الدارمي نقل قطعة مستقلة من هذا الحديث أيضاً (7).

سند ابن ماجة كالتالي: حدّثنا هشام بن عمار، حدّثنا حاتم بن إسماعيل، حدّثنا جعفر بن محمد عن أبيه قال: دخلنا على جابر (8) ... ونقل أيضاً قطعاً من هذا الحديث.

سند أحمد بن حنبل بالشكل التالي: حدّثنا يحيى، حدّثنا جعفر، حدّثني أبي، قال: أتينا جابر بن عبد اللَّه وهو في بني سلمة فسألناه عن حجة النبي فحدّثنا أنّ


1- 1صحيح مسلم 8: 195 و 9: 9.
2- 2صحيح مسلم 8: 134، 196.
3- 3 سنن أبي داود ج 1.
4- 4 سنن أبي داود 1: 301.
5- 5 سنن الدارمي 2: 44.
6- 6 سنن الدارمي 2: 49.
7- 7 سنن الدارمي 2: 42.
8- 8 سنن ابن ماجة 2: 1022.

ص: 31

رسول اللَّه مكث بالمدينة (1) ... ورواية أحمد بن حنبل خلاصة للحديث، فلم تتضمن كيفية لقاء أبي جعفر الباقر بجابر، ولا أحكام الإحرام في يوم التروية حتى يوم الأضحى، غير أنه يحتوي على مكان لقاء الإمام الباقر بجابر، وهو بيته في قبيلة بني سلمة (في المدينة).

سند النسائي متعدد كثيراً على النحو التالي: أخبرنا محمد بن المثنى، قال:

حدّثنا يحيى بن سعيد عن جعفر بن محمد، قال: حدّثني أبي قال: أتينا جابراً فسألناه عن حجة النبي (2) ...

أخبرنا يعقوب بن إبراهيم، قال: حدّثنا يحيى بن سعيد (3) ...

أخبرني عمران بن يزيد، قال: أنبأنا شعيب، قال: أخبرني ابن جريج، قال:

سمعت جعفر بن محمد يحدّث عن أبيه عن جابر في حجة النبي (4).

أخبرنا علي بن حجر، قال: أنبأنا إسماعيل، وهو ابن جعفر، قال: حدّثنا جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر ... (5) أخبرنا محمد بن عبد اللَّه بن عبد الحكم، عن شعيب، أنبأنا الليث، عن ابن الهاد عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جابر بن عبد اللَّه، قال: أقام رسول اللَّه تسع سنين (6) ...

أخبرني عبد الأعلى بن واصل بن عبد الأعلى، قال: حدّثنا يحيى بن آدم، عن سفيان، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جابر (7) ...

أخبرنا محمد بن سلمة والحارث بن مسكين قراءة عليه وأنا أسمع، عن ابن القاسم، قال: حدّثني مالك، عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر ... (8)أخبرنا عمرو بن عثمان بن سعيد بن كثير بن دينار الحمصي، عن الوليد بن مالك، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جابر بن عبد اللَّه ... (9)


1- 1 مسند أحمد 3: 320.
2- 2 سنن النسائي 5: 143، 157، 243.
3- 3 سنن النسائي 5: 155، 239، 243، 255، 265.
4- 4 سنن النسائي 5: 162، 176، 240.
5- 5 سنن النسائي 5: 164، 244.
6- 6 سنن النسائي 5: 164، 635، 240، 243.
7- 7 سنن النسائي 5: 228.
8- 8 سنن النسائي 5: 230، 239، 240.
9- 9 سنن النسائي 5: 236.

ص: 32

أخبرني إبراهيم بن هارون، قال: حدّثنا حاتم بن إسماعيل، قال: حدّثنا جعفر بن محمد عن أبيه، قال: دخلنا على جابر ... (1)العجيب أن النسائي يروي الحديث بتسعة طرق عن جعفر بن محمد قطعة قطعة. ويكرر بداية الحديث في عدة مواضع، لكنه لا ينقل الحديث كاملًا في أي موضع من المواضع. لو أن هذه القطع المتفرقة من الحديث رواها النسائي بطرق متشابهة، لاحتملنا بل لتأكدنا أن النسائي نفسه قطع الحديث. لكن اختلاف الأسانيد يدفع هذا الاحتمال. وعلى أي حال لو وضعنا هذه القطع المتفرقة إلى جانب بعضها لألفيناها مشتملة على أكثر موضوعات الحديث عدا بداية الحديث التي تدور حول كيفية لقاء الإمام الباقر بجابر.

سند البيهقي بالشكل التالي: حدّثنا أبو الفضل بن إبراهيم، حدّثنا الحسين بن محمد بن زياد وأحمد بن سلمة، قالا: حدّثنا إسحاق بن إبراهيم، أنبأنا حاتم بن إسماعيل (ح وأخبرنا) أبو علي الروذباري- واللفظ له- أنبأنا أبو بكر محمد بن بكر بن داسة، حدّثنا أبو داود السجستاني، حدّثنا عبد اللَّه بن محمد النفيلي وعثمان بن أبي شيبة وهشام بن عمار وسليمان بن عبد الرحمن الدمشقيّان وربما زاد بعضهم على بعض الكلمة والشي ء، قالوا: حدّثنا حاتم بن إسماعيل، حدّثنا جعفر بن محمد عن أبيه، قال: دخلنا على جابر بن عبد اللَّه، فلما انتهينا إليه سأل عن القوم ... (2).

لو أمعنّا النظر في هذه الأسانيد وقارنّاها لوجدنا أن أربعة من أصحاب السنن والصحاح أعني مسلماً، وأبا داود والدارمي وابن ماجة يروون عن الإمام جعفر بن محمد الصادق بواسطتين. وواسطتهم الثانية حاتم بن إسماعيل. وأحمد


1- 1 سنن النسائي 5: 267، 274.
2- 2 السنن الكبرى للبيهقي 5: 6.

ص: 33

بن حنبل يروي عن الصادق بواسطة واحدة، أعني (يحيى بن سعيد). والنسائي يروي بواسطتين أحياناً الثانية منهما يحيى بن سعيد، وأحياناً بثلاث وسائط الثالثة في إحداها مالك بن أنس وفي الأخرى حاتم بن إسماعيل نفسه. والبيهقي لأنه متأخرٌ عن الجميع يروي بأربع وخمس وسائط عن الإمام جعفر بن محمد، والواسطة المتصلة بالإمام، حاتم بن إسماعيل وطريق البيهقي الثاني يصل إلى نفس طريق أبي داود.

إضافة إلى ما سبق هناك آخرون من القدماء مَنْ رووا قطعاً من حديث جابر عن طريق الإمام الصادق هم:

1- مالك بن أنس بن مالك الأصبحي الحميري أبو عبد اللَّه،صاحب المذهب المالكي (93- 179 ه) في كتاب «الموطأ». نقل أربع قطع من الحديث عن جعفر بن محمد دونما واسطة (1)، إضافة إلى نقله حديثين آخرين في الحج عن الصادق عدا حديث جابر (2). مالك نقل في الموطإ تكراراً عن الإمام جعفر بن محمد.

2- محمد بن سعيد بن المنيع الزُهري المعروف بالكاتب الواقدي (168- 230) في كتاب «طبقات الفقهاء» (3).

3- أبو عيسى محمد بن عيسى السُلّمي الترمذي (209- 279 ه) في جامعه الصحيح (4).

4- الحاكم النيسابوري، أبو عبد اللَّه محمد بن عبد اللَّه بن حمدويه الطهاني النيسابوري (321- 405 ه)، في كتاب «المستدرك على الصحيحين في الحديث» طريق الحاكم يصل إلى محمد بن إسحاقصاحب المغازي (المتوفى سنة 151 ه) الذي يروي عن الإمام محمد بن عليّ الباقر عن جابر، دون واسطة الإمام الصادق (5).


1- 1 الموطأ لمالك بن أنس: 239، 243، 245، 256.
2- 2 الموطأ لمالك بن أنس: 223، 251.
3- 3 طبقات ابن سعد 2: 177، 186.
4- 4 جامع الترمذي 4: 30، 31، 33، 88، 90، 94، 99.
5- 5 المستدرك على الصحيحين 1: 455.

ص: 34

مما تقدم يتبين أن محمد بن إسماعيل البخاري (194- 256 ه) انفرد وحده بين أصحاب الصحاح والسنن في الامتناع عن ذكر حديث جابر عن طريق جعفر بن محمد فيصحيحه. بينما نقل تكراراً عن جابر بأسانيد أخرى مواضيع بشأن حجة الوداع أو بشأن الحج بشكل عام. أما آخرون، وفيهم محمد بن جرير الطبري (224- 310 ه) في تاريخه، نقلوا عن طريق جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر مما لم يرد في حديث جابر التفصيلي (1).

تجدر الإشارة إلى أن رواة آخرين غير الإمام جعفر بن محمد عن أبيه الباقر، نقلوا قطعاً متفرقة من حجة الوداع، أو أحكام الحج الأخرى عن جابر موجودة في مواضع عديدة من الكتب المذكورة، لكن أي واحد من الرواة عدا الإمام الباقر لم ينقل جميع الحديث عن جابر. وهؤلاء الرواة هم:

1- أبو الزبير (2).

2- عطاء بن أبي رباح (3).

3- عبد اللَّه بن عامر بن ربيعة (4).

4- عبد الرحمن بن عبد اللَّه بن أبي عمّار (أو أبي عامر) (5).

5- محمد بن المنكدر (6).

6- طاووس اليماني (7).

7- مجاهد بن جبر أبو الحجاج المكي تلميذ ابن عباس (8) (21- 104 ه).

8- المطلب بن عبد اللَّه بن حَنْطب (9).

9- عمرو بن دينار (10).

10- مهاجر المكي (11).

11- أبو عيّاش (12).

12- أبو سفيان (13).


1- 1 تاريخ الطبري 4: 1751؛ سيرة ابن هشام 4: 248؛ طبقات ابن سعد 2: 176 وما بعدها.
2- 2 في جامع الترمذي 9 موارد، فيصحيح البخاري مورد واحد، في سنن الدارمي 6 موارد، فيصحيح مسلم 6 مرّات، في سنن ابن ماجة 7 مرات، في سنن ابن داود مرّتين، في سنن النسائي 3 مرّات، في طبقات ابن سعد مرّتين، في المستدرك مرّتين.
3- 3 فيصحيح البخاري 6 مرّات، فيصحيح مسلم 4 مرّات، في سنن أبي داود 3 مرّات، في سنن الدارمي مرّتين، في سنن ابن ماجة 3 مرّات، في مستدرك الحاكم 3 مرّات.
4- 4 سنن ابن ماجة: 976؛ سنن الدارمي 2: 74 مرّتين.
5- 5 سنن ابن ماجة: 1031؛ سنن الدارمي: 74 مرّتين، مستدرك الحاكم: 452 ثلاث مرّات.
6- 6 سنن ابن ماجة: 989، 1002؛ مستدرك الحاكم 1: 483.
7- 7 سنن ابن ماجة: 990؛ سنن النسائي 5: 226،صحيح البخاري 2: 176، 189، 196.
8- 8 سنن ابن ماجة: 990،صحيح مسلم 8: 169.
9- 9 سنن النسائي 8: 187، مستدرك الحاكم 1: 452، 467.
10- 10صحيح البخاري 2: 179، 189.
11- 11 سنن الدارمي: 69؛ جامع الترمذي 4: 87.
12- 12 مستدرك الحاكم 1: 467.
13- 13 مستدرك الحاكم 1: 483.

ص: 35

هؤلاء الرواة جميعاً من التابعين، وبعضهم من الفقهاء والمفسّرين والمحدّثين المعروفين. نقلوا مضامين روايات جابر بما فيها رواية حجة الوداع يمكن مشاهدتها في روايات سائر الصحابة تكراراً في كتب الحديث، ولا حاجة لاستعراضها.

حديث جابر في مصادر الشيعة الإمامية:

العلّامة المجلسي في بحار الأنوار (1) ينقل حديث جابر عن كتاب «أمالي الطوسي» لأبي جعفر بن الحسن بن علي الطوسي (385- 460 ه) الفقيه، والمتكلم، والمفسر، ومحدث الشيعة الملقب ب «شيخ الطائفة الإماميّة» بهذا السند حتى حاتم بن إسماعيل: حمويه بن علي، عن محمد بن محمد بن بكر، عن الفضل بن حباب، عن مكي بن مروك (خ مردك) الأهوازي، عن علي بن بحر، عن حاتم بن إسماعيل عن جعفر بن محمد عن أبيه عليهما السلام قال: دخلنا على جابر ...

ينقل نصّ الحديث مثل مسلم فيصحيحه وآخرين إلى «حتى أتينا ذا الحليفة» ثم يقول: فذكر الحديث «وقدم علي من اليمن» حتى «صدقتصدقت» ولم ينقل ما بعده.

إضافة إلى هذا، ثمة شاهدان آخران على ارتباط حديث الشيعة برواية جابر:

الأول: الكليني في الكافي ينقل رواية عن «حريز» مرفوعة إلى الرسول تتضمن نزول الوحي على النبيّ بعد الإحرام وإقرار التلبية وتقديم الهدي، ثم يضيف حريز نقلًا عن جابر بن عبد اللَّه بشأن بُحّصوت المسلمين قبل أن يصلوا «الروحاء» (2) (محل يبعد 40 ميلًا عن المدينة).


1- 1 بحار الأنوار 21: 382.
2- 2 الكافي 4: 336.

ص: 36

و «حريز» المذكور هو أبو محمد حريز بن عبد اللَّه الأزدي الكوفي السجستاني أحد الرواة والأصحاب الموثقين للإمام الصادق. وصاحب الكتاب الكبير «الصلاة» الذي كان مشهوراً جداً بين الشيعة (1) فحريز هذا نقل الرواية المذكورة عن جابر بن عبد اللَّه، ولابدّ من أن يكون نقله بواسطة، وهذا يوضّح معرفته بروايات جابر في الحج.

الثاني: في سنن الدارمي رواية بهذا السند: أخبرنا إسماعيل بن أبان، حدّثنا معاوية بن عمار الدهني، عن أبي الزبير عن جابر، ثم ينقل أنّ الرسول الأعظم كان عند فتح مكة مرتدياً عمامة سوداء (2) يبدو من قول «الذهبي» في «ميزان الاعتدال» أن «مسلم» فيصحيحه نقل هذا الحديث أيضاً مسنداً إلى «معاوية بن عمار» عن أبي الزبير عن جابر، وعدّ الذهبي ذلك من متفردات معاوية بن عمار (3).

معاوية بن عمار هذا هو الذي ذكرنا من قبل أنه روى أكثر روايات الحج بما في ذلك حديث حجة الوداع التفصيلي عن الإمام الصادق. وسنقارن روايته برواية جابر.

مما تقدم يتضح أن دراسة «الحجّ في السنة» في إطار كتب أهل السنة المعروفة ينبغي أن تدور حول رواية جابر لحجة الوداع، وجابر هو أيضاً متفهّم لأهمية روايته إذ قال: «على يدي دار الحديث» (4). أما الدراسة في إطار أحاديث الشيعة فيجب أن تتخذ رواية «معاوية بن عمار» محوراً لها، ونحن فعلنا ذلك، وفيما يلي أسانيد هذه الرواية وطرقها ومصادرها.


1- 1 فهرست الطوسي: 84، 85؛ جامع الرواة 1: 182 وما بعدها.
2- 2 سنن الدارمي 2: 74.
3- 3 ميزان الاعتدال 3: 170، 172.
4- 4صحيح مسلم 8: 168.

ص: 37

مصادر وأسانيد حجة الوداع في كتب الشيعة الإمامية:

إضافةً إلى أن حديث جابر- كما مرّ سابقاً- له ذكر في مصادر الشيعة الإماميّة، هناك حديث معاوية بن عمار عن الإمام جعفر بن محمد الصادق في كتب الحديث الشيعية، وهو أطول حديث بشأن حجة الوداع، ورد هذا الحديث في الكافي (1) للكليني (المتوفى 329 ه) وتهذيب الأحكام (2) للشيخ الطوسي (385- 460 ه) مسنداً كما ورد قسم منه مرسلًا في كتاب «من لا يحضره الفقيه» (3) للشيخ الصدوق (المتوفى 387 ه) كما يلي:

سند الكليني على النحو التالي: علي بن إبراهيم عن أبيه، ومحمد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان، جميعاً عن ابن أبي عمير، عن معاوية بن عمار، عن أبي عبد اللَّه (الصادق) عليه السلام، قال: إن رسول اللَّهصلى الله عليه و آله أقام بالمدينة عشر سنين لم يحجّ ...

الكليني بهذا السند أو بأسانيد تختلف عنه. روى أحداث حجة الوداع، وأحكام الحج بشكل عام، عن معاوية بن عمار والأسانيد التالية توضح ما بينها من تفاوت:

1- عليّ بن إبراهيم، عن أبيه عن ابن أبي نجران عن عاصم بن حميد، عن معاوية بن عمار ... (4) 2- علي بن إبراهيم عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن معاوية بن عمار (5).

3- علي بن إبراهيم عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عنصفوان عن معاوية بن عمار (6).

4- على بن إبراهيم عن أبيه، ومحمد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان، عنصفوان بن يحيى عن معاوية بن عمار (7).

5- علي بن إبراهيم عن أبيه، عن ابن أبي عمير، ومحمد بن إسماعيل، عن


1- 1 الكافي 4: 245.
2- 2 تهذيب الأحكام 5: 454.
3- 3 من لا يحضره الفقيه 2: 153، 155.
4- 4 الكافي 2: 275.
5- 5 الكافي 4: 422.
6- 6 الكافي 4: 372.
7- 7 الكافي 4: 520، 536.

ص: 38

الفضل بن شاذان، عنصفوان بن يحيى بن أبي عمير جميعاً عن معاوية بن عمار (1).

6-صفوان، عن معاوية بن عمار (2). مثل هذا السند يطلق عليه في الاصطلاح اسم «التعليق»، حيث يرتبط هنا بالسند الذي يسبقه ويكمله.

7- علي بن إبراهيم عن أبيه عن إسماعيل بن مرار، عن يونس، عن معاوية بن عمار (3).

8- علي بن إبراهيم عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن معاوية بن عمار، وعن حماد، عن الحلبي، عن أبي عبد اللَّه عليه السلام (4).

9- علي بن إبراهيم، عن أبيه عن ابن أبي عمير، عن عبد الرحمن بن الحجاج ومعاوية بن عمار عن أبي عبد اللَّه عليه السلام (5)

10- علي بن إبراهيم عن أبيه، عن ابن أبي عمير، ومحمد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان، عنصفوان بن يحيى، وابن أبي عمير، وعدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن الحسين بن سعيد، عن فضالة بن أيوب، وحماد بن عيسى جميعاً عن معاوية بن عمار ... (6).

سند الشيخ الطوسي بالشكل التالي: محمد بن علي بن محبوب، عن يعقوب بن يزيد، عن ابن أبي عمير، عن معاوية بن عمار، ومحمد بن الحسن، وعلي بن السندي، والعباس كلّهم عنصفوان عن معاوية بن عمار (7). المتخصصون في هذا الحقل يعلمون أن الشيخ الطوسي أخذ الحديث في هذه الموارد من كتب الأشخاص الذين ذكرهم في بداية سنده، وطريقه إليهم مذكور في مشيخة نهاية كتاب التهذيب والاستبصار. أي توجد عدة وسائط أخرى بين الشيخ الطوسي


1- 1 الكافي 4: 335.
2- 2 الكافي 4: 472، 532.
3- 3 الكافي 4: 325.
4- 4 الكافي 4: 535.
5- 5 الكافي 4: 520، 468.
6- 6 الكافي 4: 442.
7- 7 تهذيب الأحكام 5: 454.

ص: 39

وأولئك الأشخاص. وبالتدقيق في كتاب تهذيب الأحكام نستطيع الحصول على سائر طرق الشيخ الطوسي إلى معاوية بن عمار.

أما الشيخ الصدوق: في «من لا يحضره الفقيه» فقد نقل قسماً من رواية معاوية بن عمار ابتداءً من بدء نزول حكم حج المتعة على الرسول (1). حتى نهاية فقرة الوقوف بعرفة (2)، وما عدا ذلك فقد نقله مرسلًا دون ذكر اسم معاوية بن عمار. أما سائر روايات معاوية بن عمار بشأن الحج المذكورة في الكافي، فقد وردت أيضاً في التهذيب، والاستبصار، ومن لا يحضره الفقيه، وسائر كتب الحديث بأسانيد مختلفة، وربما كان فيها ما لم يرد في روايات الكافي. ولا مجال الآن للتدقيق فيها.

ينبغي الالتفات إلى أن معاوية بن عمار يروي عن الإمام الصادق فقط، دون أن يرفع الصادق الرواية الى الرسول كما في رواية جابر. ومثل هذا الحديث «مرسل ومرفوع» في نظر أهل السنة، لأن الراوي يرفع الحديث الى النبيِّ مع حذف الوسائط، غير أن هذا الحديث غير مرسل ولا مرفوع في نظر الشيعة لاعتقادهم بعصمة الإمام وحجية أقواله ولإيمانهم بأن ما يقوله أئمة آل البيت منقول عن آبائهم الواحد بعد الآخر عن علي عن رسول اللَّه وهناك حديث بهذا المضمون (3).

انطلاقاً من هذا الأساس ينبغي أن نعدَّ حديث «معاوية بن عمار» حديثاً يمتاز بهذه الخاصية، أي إن الإمام الصادق روى عمل النبيِّ عن آيائه عن الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام ومن المحتمل أن يكون هذا الحديث هو حديث جابر نفسه، غير أن الإمام الصادق حذف الوسائط أو فعل الرواة ذلك، بلحاظ أن النقل كان موجهاً للشيعة المؤمنين بإمامة الإمام وبحجية أحاديثه، المستغنين عن


1- 1 من لا يحضره الفقيه 2: 152.
2- 2 من لا يحضره الفقيه 2: 281.
3- 3 الكافي 1: 53.

ص: 40

السند، ولذلك لم ترد في ذلك الحديث قصة لقاء الإمام الباقر بجابر، كما لم ترد أيضاً عند أحمد بن حنبل من رواة أهل السنة كما ذكرنا من قبل. لكن الاختلافات الكثيرة بين نصي الحديث- كما سنرى- يُبعد هذا الاحتمال، ومن الأفضل أن نقول: إن حديث معاوية بن عمار في حجة الوداع طريق آخر مستقل عن طريق حديث جابر، وإن كان الإمام الصادق يشكل حلقة في سلسلة رواة الحديثين.

الكليني في الكافي ينقل روايتين أخريين أقصر من رواية معاوية بن عمار بشأن حجة الوداع.

الأولى: رواية الحلبي، أي عبيد اللَّه بن علي الحلبي عن الإمام الصادق (1) وفيها بداية حجة الوداع ونحر مائة من الإبل بيد الرسول وعلي، ولم يذكر شيئاً عن إحرام يوم التروية، والوقوف في منى والمشعر وعرفات، ورمي الجمار، والرجوع إلى مكة.

الثانية: رواية عبد اللَّه بن سنان عن الصادق (2)، وهي قطعة من حجة الوداع. وفيها إضافات جديدة منها أن النبيَّ كتب قبل حجة الوداع إلى الأطراف يخبر الناس بحجّه في تلك السنة، ويدعوهم إلى الاشتراك في الحج، وأمره الناس في ذي الحليفة بتنظيف أجسامهم من شعر الإبط والعانة، والغسل ولبس الإزار والرداء أو الإزار والعمامة بدل الرداء، وكيفية التلبية، وآداب الطواف، وآداب شرب ماء زمزم والسعي وغيرها من الزيادات.

عبيد اللَّه الحلبي وعبد اللَّه بن سنان اثنان آخران من كبارصحابة الإمام الصادق، ونقلت عنهما روايات متعدّدة بشأن الحج في الكافي وكتب الحديث الأُخرى.

العلّامة المجلسي في بحار الأنوار نقل حجة الوداع بالتفصيل عن كتاب الإرشاد للمفيد وأعلام الورى للطبرسي (3) وهذان العلمان لم يذكرا مصدراً


1- 1 الكافي 4: 248.
2- 2 الكافي 4: 249.
3- 3 بحار الأنوار 21: 383 وما بعدها.

ص: 41

وسنداً لروايتهما، ولكن يتضح من أقوالهما أنها لفّقا بين رواية معاوية بن عمار وروايات أخرى. وفي نهاية الرواية أوردا قصة الغدير، كما ضمّنا الرواية قصة معارضة الخليفة الثاني وبعض أصحاب الرسول لحج التمتع، وامتناع عمر عن الخروج من الإحرام مع تأكيد الرسول.

ولنلق الآن نظرة على نقاط الاختلاف بين رواية جابر ورواية معاوية بن عمار.

مقارنة بين رواية جابر ورواية معاوية بن عمار

نقاط الاختلاف بين الروايتين تتمثل فيما يلي:

1- رواية جابر تتحدث عن مشاهدات جابر ومسموعاته، بينما رواية معاوية بن عمار تنقل قصة حجة الوداع- عن الإمام الصادق بوصفها حادثة وقعت في زمن مضى، ولذلك لم ترد فيها قصة لقاء الإمام الباقر بجابر.

2- اختصت رواية معاوية بذكر: أن الرسول أمر- عند نزول آية «وأذن في الناس بالحج»- المؤذنين أن يؤذنوا بأعلى أصواتهم أنّ رسول اللَّهصلى الله عليه و آله يحجّ في عامه هذا.

3- جاء في رواية معاوية أن رسول اللَّهصلى الله عليه و آله خرج في أربع بقين من ذي القعدة، وفي رواية جابر بنقل أحمد بن حنبل جاء الخروج لعشر بقين من هذا الشهر، بينما لم يذكر الرواة الآخرون عن جابر مدة أصلًا.

4- في رواية معاوية جاء: فلما انتهى (الرسول) إلى ذي الحليفة زالت الشمس فاغتسل، ثمّ خرج حتى أتى المسجد الذي عند الشجرة فصلّى فيه الظهر وعزم بالحج مفرداً، وخرج حتى انتهى إلى البيداء عند الميل الأول فَصُفّ له سماطان فلبّى مفرداً. وهذه التفاصيل لم ترد في حديث جابر.

ص: 42

5- قصة نفاس أسماء بنت عميس وولادة محمد بن أبي بكر وردت في رواية جابر فقط.

6- ذكرت رواية جابر طريقة تلبية الرسول في «البيداء»، وأضافت:

وأهلّ الناس بهذا الذي يهلّون به، فلم يرد رسول اللَّهصلى الله عليه و آله عليهم شيئاً منه. وفي رواية أحمد أنّ الناس زادوا في التلبية «ذا المعارج» وسمع الرسول ولم يقع شيئاً.

7- رواية معاوية ذكرت أنّ الرسول ساق الهدي ستاً وستين أو أربعاً وستين حتى انتهى إلى مكة في سلخ أربع من ذي الحجة، وبدلًا من ذلك جاء في رواية جابر: أنّ الرسول لزم تلبيته .. وأننا لسنا ننوي إلّاالحج، لسنا نعرف العمرة حتى إذا أتينا البيت معه، استلم الركن.

8- اختصت رواية جابر بذكر أنّ الرسول رَمَل ثلاثاً، ومشى أربعاً، وأنه كان يقرأ في ركعتي الطواف: قل يا أيها الكافرون، وقل هو اللَّه أحد.

9- جاء في رواية جابر: أنّ الرسول رقى على الصفا حتى رأى البيت ... ثم تلا أذكاراً وأعادها ثلاث مرات. أما في رواية معاوية جاء أنّ الرسولصعد على الصفا واستقبل الركن اليماني فحَمَدَ اللَّه وأثنى عليه ودعا مقدار ما يقرأ سورة البقرة، مترسلًا، ولم تتعرض الرواية لأذكار الرسول.

10- اختصت رواية جابر بذكر أنّ الرسول بعد نزوله إلى المروة مشى حتى إذا انصبت قدماه رمل في بطن الوادي. حتى إذاصعدتا (قدماه) مشى حتى أتى المروة.

11- اختصت رواية معاوية بذكر أنّ الرسول لما فرغ من سعيه وهو على المروة أقبل على الناس بوجهه فحمد اللَّه وأثنى عليه ثم قال: إن جبرئيل- وأومأ بيده إلى خلفه- يأمرني أن آمر من لم يسق هدياً أن يُحلّ.

12- اختصت هذه الرواية بذكر أن رجلًا من القوم قال: لَنَخرجنّ

ص: 43

حجّاجاً ورؤوسنا وشعورنا تقطر! فقال له رسول اللَّهصلى الله عليه و آله: أما إنك لن تؤمن بهذا أبداً.

13- في رواية معاوية جاءت قصة دهشة عليٍّ من عمل زوجه فاطمة وإنكاره عليها عملها بلغة أكثر ليونة بكثير من لغة رواية جابر. أحمد بن حنبل بعد أن ينقل هذه القصة، ينقل عدد أضاحي الرسول البالغ مائة رأس، وكيفية نحرها، ولم ينقل ما جاء في رواية جابر من يوم التروية حتى يوم النحر.

14- اختصت رواية معاوية بذكر أنّ الرسولصلى الله عليه و آله نزل بمكة بالبطحاء هو وأصحابه ولم ينزل الدور.

15- اختصت هذه الرواية أيضاً بالقول: فلما كان يوم التروية عند زوال الشمس، أمر (الرسول) الناسَ أن يغتسلوا ويهلّوا بالحج، وهو قول اللَّه- عزّ وجل- الذي أنزل على نبيّهصلى الله عليه و آله: «فاتّبعوا ملة أبيكم إبراهيم».

16- اختصت هذه الرواية أيضاً بذكر: أنّ اللَّه- تعالى- أنزل: «ثم أفيضوا من حيثُ أفاض الناس واستغفروا اللَّه» يعني إبراهيم وإسماعيل وإسحاق في إفاضتهم منها ومَن كان بعدهم، ثم أفاض الرسول من ذلك المكان.

17- اختصت رواية معاوية بذكر أن «نَمرة» هي «بطن عُرَنة» بحيال الاراك، وفيها ضُربت قبة الرسول وضرب الناس أخبيتهم عندها.

18- اختصّت هذه الرواية بالقول: فلما زالت الشمس خرج رسول اللَّهصلى الله عليه و آله ومعه قريش، وقد اغتسل وقطع التلبية حتى وقف بالمسجد فوعظ الناس وأمرهم ونهاهم. وبدلًا من ذلك جاء في رواية جابر: حتى إذا زاغت الشمس، أمر بالقصواء فرُحلت له. فركب حتى أتى بطن الوادي .. فخطب الناس ....

19- لم يرد نص خطبة الرسول في رواية معاوية، بينما وردت في رواية جابر. هذه الخطبة نقلها ابن ماجة والبيهقي ومسلم بهذا الشكل: «وقد تركت

ص: 44

فيكم ما لن تضلّوا بعده إن اعتصمتم به كتاب اللَّه». وفي سيرة ابن هشام: «كتاب اللَّه وسنة رسوله» وفي روايات الشيعة نقلًا عن الرسول أنّه قال في حجّة الوداع:

«كتاب اللَّه وعترتي أهل بيتي»، بينما لم ترد هذه الجملة أصلًا في مسند أحمد.

20- لم يرد في رواية معاوية اسم «بلال» بوصفه مؤذّن الرسول.

21- اختصت رواية معاوية بذكر أنّ الناس جعلوا يبتدرون أخفاف ناقة الرسول يقفون إلى جانبها فنحّاها، ففعلوا مثل ذلك فقال: أيها الناس ليس موضع أخفاف ناقتي بالموقف ولكن هذا كلّه- وأومأ بيده إلى الموقف- فتفرّق الناس وفعل مثل ذلك بالمزدلفة. وفي رواية جابر جاء بدلًا من ذلك: ... فجعل بطن ناقته إلى الصخرات. وجعل حبل المشاة بين يديه، واستقبل القبلة. فلم يزل واقفاً حتى غربت الشمس وذهبت الصُفرة قليلًا. حتى غاب القرص.

22- لم يرد في رواية معاوية ذكر لإرداف أسامة بن زيد والفضل بن العباس.

23- ذكرت رواية جابر اضطجاع الرسول في مزدلفة بينما ذكرت رواية معاوية وقوفه فيها.

24- في رواية جابر جاء ذكر ركوب النبيّ إلى المشعر الحرام بعدصلاة الفجر، حتى إذا أتى المشعر الحرام فرقى عليه فحمد اللَّه وكبّره وهلّله. بينما جاء في رواية معاوية إفاضة الرسول إلى المزدلفة وهو المشعر الحرام بعد وقوع قرص الشمس ثم أقام في المزدلفة حتىصلّى فيها الفجر.

25- اختصت رواية معاوية بذكر تعجيل ضعفاء بني هاشم بليلصوب منى، وأمر الرسول إياهم أن لا يرموا الجمرة- جمرة العقبة- حتى تطلع الشمس.

26- رواية معاوية ذكرت وقت إفاضة الرسول إلى منى عندما أضاء النهار، وأضافت رواية جابر: قبل طلوع الشمس.

ص: 45

27- اختصت رواية جابر بذكر كيفية الحركة نحو الجمرة، وشكل الجمرات وعددها والتكبير عند كلّ رمية، وقربها من الشجرة.

28- جاء في رواية معاوية أنّ الهدي الذي جاء به رسول اللَّهصلى الله عليه و آله أربعة وستون أو ستة وستون، وجاء علي عليه السلام بأربعة وثلاثين أو ستة وثلاثين، ونحر كلّ منهما هذا العدد نفسه، وفي رواية معاوية جاء أنّ الرسول نحر ثلاثاً وستين بدنة بيده وأعطى علياً فنحر ما بقي.

29- اختصت رواية معاوية بذكر أنّ الرسول وعلياً لم يعطيا الجزارين جلود الأضاحي ولا جلالها ولا قلائدها، وتصدق به.

30- جاء في رواية معاوية أنّ الرسول: حلق وزار البيت ورجع إلى منى وأقام بها، حتى كان اليوم الثالث من آخر أيام التشريق، ثم رمى الجمار، ونفر حتى انتهى إلى الأبطح. أما رواية جابر فتنتهي بإضافة رسول اللَّهصلى الله عليه و آله إلى البيت وصلاته بمكّة الظهر وشربه من ماء زمزم. ورواية أحمد بن حنبل تخلو من ذكر المجي ء إلى مكة.

31- في رواية معاوية، يلي ما سبق، ذكر عمرة عائشة مع أخيها من «التنعيم»، والتحاقها بالنبي في «الأبطح»، وارتحال النبيّ من الأبطح من دون أن يدخل المسجد الحرام ثانية وأن يطوف بالبيت. وفي نهاية الرواية جاء: أنّ النبيّ دخل من أعلى مكّة من عقبة المدنيين، وخرج من أسفل مكّة من ذي طوى.

هذا ونورد فيما يلي نص الحديثين، حديث جابر نقلًا عن سنن الترمذي، وحديث معاوية بن عمّار نقلًا عن الكافي للكليني:

رواية جابر بن عبد اللَّه كما رواها الترمذي:

حدّثنا هشام بن عمار، ثنا حاتم بن إسماعيل، ثنا جعفر بن محمد عن أبيه،

ص: 46

قال: دخلنا على جابر بن عبد اللَّه، فلمّا انتهينا إليه سأل عن القوم، حتى انتهى إليَّ فقلتُ: أنا محمد بن عليّ بن الحسين. فأهوى بيده (1) إلى رأسي فحلّ زِرّي (2) الأعلى، ثمّ حلّ زرّي الأسفل، ثمّ وضع كفّه بين ثدييَّ، وأنا يومئذٍ غلامٌ شاب. فقال:

مرحباً بك، سل عمّا شئت، فسألته وهو أعمى، فجاء وقت الصلاة، فقام في نساجةٍ (3) ملتحفاً بها، كلما وضعها على منكبيه رجع طرفا إليه، منصغرها، ورداؤه إلى جانبه على المشجب (4)، فصلّى بنا. فقلت: أخبرنا عن حجة رسول اللَّهصلى الله عليه و آله فقال بيده (5)، فقعد تسعاً وقال: إنّ رسول اللَّهصلى الله عليه و آله مكث تسع سنين لم يحج فأذّن (6) في الناس في العاشرة: أنّ رسول اللَّهصلى الله عليه و آله حاجّ (7)، فقدم المدينة بشر كثير، كلّهم يلتمس(8) أن يأتمّ (9) برسول اللَّهصلى الله عليه و آله ويعمل بمثل عمله. فخرج وخرجنا معه، فأتينا ذا الحليفة، فولدت أسماء بنت عميس محمّد بن أبي بكر، فأرسلت إلى رسول اللَّهصلى الله عليه و آله: كيف أصنع؟ قال: «اغتسلي واستثفري (10) 10 بثوبٍ وأخرمي» فصلّى رسول اللَّهصلى الله عليه و آله في المسجد ثمّ ركب القصواء (11) 11. حتّى إذا استوت (12) 12 به ناقته على البيداء (13) 13 (قال جابر) نظرت إلى مدّ بصري (14) 14 من بين يديه، بين راكبٍ


1- 1 1 فأهوى بيده إلى رأسي: أي مدها إليه.
2- 2 2 فحلّ زري: هو أحد أزرار القميص. فعل ذلك إظهاراً للمحبة وإعلاماً بالمودة، لأجل بيت النبوة.
3- 3 3 نساجة: ضرب من الملاحف منسوج كأنها سميت بالمصدر.
4- 4 4 المشجب: أعواد تضم رؤوسها ويفرج بين قوائمها، توضع عليها الثياب.
5- 5 5 فقال بيده: أي أشار بيده.
6- 6 فأذّن: أي نادى.
7- 7 7 حاجّ: أي خارج إلى الحج.
8- 8 يلتمس: أي يطلب ويقصد.
9- 9 9 يأتم: أي يقتدي ويعمل بمثل عمله.
10- 10 وأستثفري: هو أن تشد فرجها بخرقة لتمنع سيلان الدم.
11- 11 11 القصواء: هي، لغة، الناقة التي قطع طرف أذنها. وقيل: اسم لناقتهصلى الله عليه و آله بلا قطع أذن. وقيل: بل للقطع.
12- 12 12 استوت به ناقته: أي علت به أو قامت مستوية على قوائمها، والمراد أنه بعد تمام طلوع البيداء، لا في أثناء طلوعه.
13- 13 13 البيداء: المفازة، وهاهنا اسم موضع من قريب من مسجد ذي الحليفة.
14- 14 14 مد بصري: أي منتهى بصري. وأنكر بعض أهل اللغة ذلك، وقال: الصواب مدى بصري، قال النووي: ليس بمنكر بل هما لغتان، والمدّ أشهر.

ص: 47

ماش، وعن يمينه مثل ذلك، وعن يساره مثل ذلك، ومن خلفه مثل ذلك، ورسول اللَّهصلى الله عليه و آله بين أظهرنا وعليه ينزل القرآن، وهو يعرف تأويله، ما عمل به من شي ء عملنا به، فأهلَّ بالتوحيد «لبّيك اللّهمّ لبّيك، لبّيك لا شريك لك لبّيك، إنّ الحمد والنعمةَ لك والملك، لا شريك لك» وأهلّ الناس بهذا الذي يهلُّون به، فلم يرُدَّ رسول اللَّهصلى الله عليه و آله عليهم شيئاً منه. ولزم رسول اللَّهصلى الله عليه و آله تلبيته. قال جابر: لسنا ننوي إلّا الحجّ. لسنا نعرف العمرة. حتى إذا أتينا البيت معه، استلم الركن، فرمل ثلاثاً:

ومشى أربعاً، ثمّ قام إلى مقام إبراهيم، فقال: «واتّخذوا من مقام إبراهيم مصلّى» فجعل المقام بينه وبين البيت. فكان أبي يقول: ولا أعلمه إلّاذكره عن النبيصلى الله عليه و آله:

إنّه كان يقرأ في الرّكعتين: قل يا أيّها الكافرون وقل هو اللَّه أحد، ثمّ رجع إلى البيت فاستلم الركن، ثمّ خرج من الباب إلى الصّفا، حتى إذا دنا من الصّفا قرأ «إنّ الصفا والمروة من شعائر اللَّه نبدأ بما بدأ اللَّه به» (1) فبدأ بالصفا، فرقي عليه، حتّى رأى البيت، فكبَّر اللَّه وهلّله وحمده، وقال: «لا إله إلّااللَّه وحده لا شريك له، أنجز وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده» ثمّ دعا بين ذلك وقال مثل هذا ثلاث مرّات، ثمّ نزل إلى المروة، فمشى حتى أتى المروة، ففعل على المروة كما فعل على الصّفا، فلمّا كان آخر طوافه على المروة قال: «لو أنّي استقبلت من أمري ما استدبرت لم أسُق الهدي، وجعلتهما عمرةً، فمن كان منكم ليس معه هدي فليحلل وليجعلها عمرة» فحلّ الناس كلّهم وقصّروا، إلّاالنبيّصلى الله عليه و آله ومن كان معه الهدي، فقام سراقة بن مالك جُعشُم فقال: يا رسول اللَّه! ألعامنا هذا أم لأبد الأبد؟ قال:

فشبَّك رسول اللَّه أصابعه في الأخرى وقال: «دخلت العمرة في الحج هكذا» (2)


1- 1 1 نبدأ بما بدأ اللَّه به: يفيد أن بداية اللَّه تعالى ذكراً، تقتضي البداءة عملًا.
2- 2 2 دخلت العمرة في الحج: أي حلّت في أشهر الحج وصحّت.

ص: 48

مرّتين «لا، بل لأبد الأبد» (1)، وقدم عليٌّ ببُدنِ (2) النبيّصلى الله عليه و آله. فوجد فاطمة ممّن حلّ، ولبست ثياباًصبيغاً، واكتحلت فأنكر ذلك عليها عليّ، وقالت: أمرني أبي بهذا، فكان عليّ يقول بالعراق: فذهبتُ إلى رسول اللَّهصلى الله عليه و آله مُحرّشاً (3) على فاطمة في الذيصنعته، مستفتياً رسول اللَّهصلى الله عليه و آله في الذي ذكرت عنه، وأنكرتُ ذلك عليها، فقال:

«صدقت،صدقت، ماذا قلت حين فرضت الحج؟» قلت: اللّهمّ! إنّي أهلُّ بما أهلَّ به رسولكصلى الله عليه و آله، قال: «فإنّ معيَ الهدي فلا تُحلّ» قال: فكان جماعة الهدي الذي جاء به عليّ من اليمن، والذي أتى به النبيصلى الله عليه و آله من المدينة، مائة. ثمّ حلّ الناس كلّهم وقصّروا، إلّاالنبيصلى الله عليه و آله ومن كان معه هدي، فلمّا كان يوم التروية وتوجّهوا إلى منى، أهلّوا بالحجّ فركب رسول اللَّهصلى الله عليه و آله فصلّى بمنى الظهر والعصر والمغرب والعشاء والصبح. ثمّ مكث قليلًا حتى طلعت الشمس، وأمر بقبّة من شعرٍ فضُربت له بنمرة (4)، فسار رسول اللَّهصلى الله عليه و آله، لا تشكُّ قريش إلّاأنّه واقفُ عند المشعر الحرام أو المزدلفة، كما كانت قريش تصنع في الجاهلية.

فأجاز (5) رسول اللَّهصلى الله عليه و آله حتّى أتى عرفة فوجد القبّة قد ضربت له بنمرة، فنزل بها، حتى إذا زاغت (6) الشمس، أمر بالقصواء فرُحلت (7) له. فركب حتى أتى بطن الوادي (8). فخطب الناس فقال: «إنّ دماءكم (9) وأموالكم عليكم حرام كحُرمة


1- 1 بل لأبد الأبد: أى آخر الدهر.
2- 2 بدن: جمع بدنة و هى ناقة أو بقرة تنحر بمكة. سميت بذلك لأنهم كانوا يسمنونها.
3- 3 محرشا: من التحريش و هو الإعراء.
4- 4 نمرة: فى النهاية، هو الجبل الذى عليه أنصاب الحرم بعرفات.
5- 5 فأجاز أى جاوز مزدلفة.
6- 6 زاغت الشمس: أى جعل عليها الرجل.
7- 7 فرحلت: أى جعل عليها الرجل.
8- 8 بطن الوادى: هو وادى عرنة.
9- 9 إن دماءكم: قيل: تقديره سفك دم واحد حرام. إذ الذوات لا توصف بتحريم ولا تحليل.

ص: 49

يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا، ألا وإنّ كلّ شي ءٍ من أمر الجاهلية موضوعٌ تحت قدميّ (1) هاتين، ودماء الجاهلية موضوعة. وأوّل دمٍ أضعهُ دم ربيعة بن الحارث. (كان مسترضعاً في بني سعد، فقتلتْهُ هُذيْلُ) ورِبَا الجاهلية موضوع، وأوّل رباً أضعه ربانا، ربا العبّاس بن عبد المطّلب، فإنّه موضوع كلّه، فاتّقوا اللَّه في النساء، فإنّكم أخذتموهنّ بأمانة اللَّه (2). واستحللتم فروجهنّ بكلمة اللَّه (3)، وإنّ لكم عليهنّ أن لا يوطئن (4) فرشكم أحداً تكرهونه، فإن فعلن ذلك فاضربوهنّ ضرباً غير مبرّج (5). ولهنّ عليكم رزقهنّ وكسوتهنّ بالمعروف. وقد تركت فيكم ما لم تضلّوا إن اعتصمتم به، كتاب اللَّه، وأنتم مسؤولون عنّي. فما أنتم قائلون؟» قالوا:

نشهد أنك قد بلّغت وأدّيت ونصحت. فقال بإصبعه السّبابة إلى السّماء وينكبها (6) إلى الناس: «اللّهمّ! اشهد اللّهمّ! اشهد» ثلاث مرات. ثمّ أذّن بلال، ثمّ أقام فصلّى الظهر، ثمّ أقام فصلّى العصر، ولم يصلّ بينهما، ثمّ ركب رسول اللَّهصلى الله عليه و آله حتى أتى الموقف، فجعل بطن ناقته الى الصّخرات (7)، وجعل حبل المشاة (8) بين يديه، واستقبل القبلة، فلم يزل واقفاً على غربت الشمس وذهبت الصفرة قليلًا، حتى


1- 1 تحت قدميّ: إبطال لأمور الجاهلية. بمعنى أنه لا مؤاخذة بعد الإسلام بما فعله في الجاهلية، ولا قصاص ولا دية ولا كفارة بما وقع في الجاهلية من القتل، ولا يؤخذ الزائد على رأس المال بما وقع في الجاهلية من عقد الربا.
2- 2 بأمانة اللَّه: أي ائتمنكم عليهن، فيجب حفظ أمانته وصيانتها عن الضياع بمراعات الحقوق.
3- 3 بكلمة اللَّه: أي إباحته وحكمه. قيل: المراد بها الإيجاب والقبول.
4- 4 أن لا يوطئن: قال الخطابي: معناه أن لا يأذن لأحد من الرجال يدخل فيتحدّث إليهن. وكان عادة العرب تحديث الرجال إلى النساء، قال النووي: المختار لا يأذنّ لأحد تكرهون دخوله في بيوتكم، سواء كان رجلًا أو امرأة، أجنبياً أو محرَماً منها.
5- 5 غير مبرّج: أي غير شديد ولا شاق.
6- 6 وينكبا: أي يميلها، يقال: نكبت الاناء نكبا، ونكّبته تنكيبا، إذا أماله وكبّه.
7- 7 إلى الصخرات: هيصخرات مفترشات في أسفل جبل الرحمة ه نووي.
8- 8 حبل المشاة: أي مجتمعهم.

ص: 50

غاب القرص، وأردف أسامة بن زيد خلفه، فدفع رسول اللَّهصلى الله عليه و آله وقد شنق القصواء بالزّمام (1)، حتى إنّ رأسها ليصب مورك رحله (2)، ويقول بيده اليمنى: «أيها الناس! السكينة السكينة! (3) فلما أتى حبلًا من الحبال (4) أرخى لها (5) قليلًا حتى تصعد.

ثمّ أتى المزدلفة فصلّى بها المغرب والعشاء بأذانٍ واحد واقامتين، ولم يصلّ بينهما شيئاً، ثمّ اضطجع حتّى طلع الفجر، فصلّى الفجر حين تبيّن له الصّبح بأذان وإقامة، ثمّ ركب القصواء، حتى أتى المشعر الحرام، فرقي عليه فحمد اللَّه وكبّره وهلّله. فلم يزل واقفاً حتى أسفر جداً (6)، ثمّ دفع قبل أن تطلع الشمس، وأردف الفضل بن العباس، وكان رجلًا حسن الشعر، أبيض، وسيماً (7). فلمّا دفع رسول اللَّهصلى الله عليه و آله، مرّ الظعنُ (8) يجرين، فطفقَ ينظر إليهنّ، فوضع رسول اللَّهصلى الله عليه و آله يده من الشقّ الآخر.

فصرف الفضل وجهه من الشق الآخر ينظر، حتى أتى محسّراً (9). حرّك قليلًا، ثمّ سلك الطريق الوسطى التي تخرجك إلى الجمرة الكبرى، حتى أتى الجمرة التي عند الشجرة، فرمى بسبع حصيات، يكبر مع كلّ حصاةٍ منها مثل حصى الخذف (10) 1، ورمى بطن الوادي، ثمّ انصرف إلى المنحر، فنحر ثلاثاً وستين بدنة


1- 1 شنق القصواء بالزمام: أي ضمّ وضيّق.
2- 2 مورك رحله: المورك والمولكة المرفقة التي تكون عند قادمة الرجل. يضع الراكب رجله عليها ليستريح من وضع رجله في الركاب، أراد أنه كان قد بالغ في جذب رأسها إليه، ليكفها عن السير.
3- 3 السكينة السكينة: أي الزموها.
4- 4 حبلًا من الحبال: قيل: الحبال في الرمل كالجبال في غير الرمل.
5- 5 أرخى لها: أي أرخى للقصواء الزمام.
6- 6 أسفر جداً: الضمير في أسفر يعود إلى الفجر المذكور أولا. وقوله جدا أي إسفاراً بليغاً. يعني أضاء إضاءةتامة.
7- 7 وسيماً: أي حسناً وضيئاً.
8- 8 الظعن: جمع طغينة، وأصل الظعينة البغير الذي عليه امرأة. ثم تسمى به المرأة مجازاً.
9- 9 محسراً: موضع معلوم.
10- 10 10 حصى الخذف: أي حصىصغار بحيث يمكن أن يرمى بأصبعين، والخذف في الأصل مصدر سُمّي به. يقال: خذفت الحصاة ونحوها خذفاً، من باب ضرب، إذ رميتها بطرفي الإبهام والسبابة.

ص: 51

بيده، وأعطى عليّاً فنحر ما غبر (1)، وأشركه في هديه، ثمّ أمر من كلّ بدنةٍ ببضعةٍ (2)، فجعلت في قدرٍ، فطبخت، فأكلا من لحمها وشربا من مرقها، ثمّ أفاض رسول اللَّهصلى الله عليه و آله إلى البيت، فصلّى بمكة الظهر، فأتى بني عبد المطّلب وهم يسقون على زمزم، فقال: «انزعوا بني عبد المطّلب لولا أن يغلبكم الناس على سقايتكم لنزعت معكم فناولوه دلوا فشرب منه.

رواية معاوية بن عمار في حجّة الوداع في الكافي:

عليّ بن إبراهيم، عن أبيه؛ ومحمد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان جميعاً عن ابن أبي عمير، عن معاوية بن عمار، عن أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: إنّ رسول اللَّهصلى الله عليه و آله أقام بالمدينة عشر سنين لم يحجّ ثمّ أنزل اللَّه عزّ وجلّ عليه: «وأذن في الناس بالحجّ يأتوك رجالًا وعلى كل ضامرٍ يأتين من كلّ فجٍ عميق» (3)

، فأمر المؤذّنين أن يؤذنوا بأعلى أصواتهم بأنّ رسول اللَّهصلى الله عليه و آله يحجُّ في عامه هذا، فعلم به من حضر المدينة وأهل العوالي والأعراب واجتمعوا لحجّ رسول اللَّهصلى الله عليه و آله وإنّما كانوا تابعين ينظرون ما يؤمرون ويتبعونه أو يصنع شيئاً فيصنعونه فخرج رسول اللَّهصلى الله عليه و آله في أربع بقين من ذي القعدة فلمّا انتهى إلى ذي الحليفة زالت الشمس فاغتسل ثمّ خرج حتى أتى المسجد الذي عند الشجرة فصلّى فيه الظهر وعزم بالحجّ مفرداً وخرج حتى انتهى إلى البيداء عند الميل الأوّل فصفّ له سماطان (4) فلبّى بالحجّ مفرداً وساق الهدي ستّاً وستيّن أو أربعاً وستّين حتى انتهى إلى مكة


1- 1 ما غبر: أي ما بقى.
2- 2 ببضعة: أي بقطعة من اللحم.
3- 3 الحج: 26 والضامر: البعير المهزول. وفج عميق: أي طريق بعيد.
4- 4 ذو الحليفة: موضع على ستة أميال من المدينة، وقوله «مفرداً» أي عن دون عمرة معه في نية واحدة، والبيداء: أرض ملساء بين الحرمين، وسماط القوم:صفهم.

ص: 52

في سلخ أربع من ذي الحجّة (1) فطاف بالبيت سبعة أشواط ثمّصلّى ركعتين خلف مقام إبراهيم عليه السلام ثمّ عاد إلى الحجر فاستلمه وقد كان استلمه في أوَّل طوافه ثمّ قال: إنّ الصفا والمروة من شعائر اللَّه فأبدء بما بدء اللَّه تعالى به وإن المسلمين كانوا يظنّون أنّ السّعي بين الصّفا والمروة شي ءصنعه المشركون فأنزل اللَّه عزّ وجلّ:

«إنّ الصفا والمروة من شعائر اللَّه فمن حجّ البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوّف بهما» (2)

ثمّ أتى الصفا فصعد عليه واستقبل الرّكن اليماني فحمد اللَّه وأثنى عليه ودعا مقدار ما يقرأ سورة البقرة مترسّلًا ثمّ انحدر وعاد إلى الصّفا فوقف عليها ثمّ انحدر إلى المروة حتى فرغ من سعيه، فلمّا فرغ من سعيه وهو على المروة أقبل على النّاس بوجهه فحمد اللَّه وأثنى عليه ثمّ قال: إنّ هذا جبرئيل- وأومأ بيده إلى خلفه- يأمرني أن آمر من لم يسق هدياً أن يحلّ ولو استقبلت من أمري ما استدبرت لصنعت مثل ما أمرتكم (3)ولكنّي سقت الهدي ولا ينبغي لسائق الهدي أن يحلّ حتّى يبلغ الهدي محلّه؛ قال: فقال له رجل من القوم: لنخرجنّ حجّاجاً ورؤسنا وشعورنا تقطر (4)؟ فقال له رسول اللَّهصلى الله عليه و آله: أما إنّك لن تؤمن بهذا أبداً، فقال له سراقة بن مالك بن جعشم الكناني: يا رسول اللَّه عُلّمنا ديننا كأنّا خلقنا اليوم فهذا الذي أمرتنا به لعامنا هذا أم لما يستقبل؟ فقال له رسول اللَّهصلى الله عليه و آله: بل هو للأبد إلى يوم القيامة، ثمّ شبك أصابعه وقال: دخلت العمرة في الحجّ إلى يوم القيامة، قال: وقدم علي عليه السلام من اليمن على رسول اللَّه وهو بمكة فدخل على فاطمة عليها السلام


1- 1 أي آخر اليوم الرابع.
2- 2 البقرة: 153. «فلا جناح» أي فلا إثم عليه. «أن يطوّف بهما» فيه ادغام التاء في الأصل في الطاء والتقديرأن يتطوف بهما.
3- 3 يعني لو جاءني جبرئيل بحجّ التمتع وادخال العمرة في الحج قبل سياقي الهدي كما جاءني بعد ما سقت الهدي لصنعت مثل ما أمرتكم يعني لتمتعت بالعمرة وما سقت الهدي.
4- 4 يقصد تقطر من ماء غسل الجنابة.

ص: 53

وهي قد أحلّت فوجد ريحاً طيّبة ووجد عليها ثياباً مصبوغة فقال: ما هذا يا فاطمة؟ فقالت: أمرنا بهذا رسول اللَّهصلى الله عليه و آله. فخرج عليّ عليه السلام إلى رسول اللَّهصلى الله عليه و آله مستفتياً، فقال: يا رسول ا للَّه إنّي رأيت فاطمة قد أحلّت وعليها ثياب مصبوغة؟

فقال رسول اللَّهصلى الله عليه و آله: أنا أمرت النّاس بذلك فأنت يا عليّ بما أهللت؟ قال: يا رسول اللَّه إهلالًا كإهلال النبي، فقال له رسول اللَّهصلى الله عليه و آله: قرّ على إحرامك مثلي وأنت شريكي في هديي، قال: ونزل رسول اللَّهصلى الله عليه و آله بمكة بالبطحاء هو وأصحابه ولم ينزل الدّور فلمّا كان يوم التّروية عند زوال الشمس أمر الناس أن يغتسلوا ويهلّوا بالحجّ وهو قول اللَّه عزّ وجلّ الذي أنزل على نبيّهصلى الله عليه و آله: «فاتّبعوا ملّة أبيكم إبراهيم» (1)

فخرج النبيُّصلى الله عليه و آله وأصحابه مهلّين بالحجّ حتى أتى منى فصلّى الظّهر والعصر والمغرب والعشاء الآخرة والفجر ثمّ غدا والنّاس معه وكانت قريش تفيض من المزدلفة وهي جمع ويمنعون النّاس أن يفيضوا منها، فأقبل رسول اللَّهصلى الله عليه و آله وقريش ترجو أن تكون إفاضته من حيث كانوا يفيضون فأنزل اللَّه تعالى عليه: «ثمّ أفيضوا من حيث أفاض الناس واستغفروا اللَّه» (2)

يعني إبراهيم وإسماعيل وإسحاق في إفاضتهم منها ومن كان بعدهم، فلمّا رأت قريش أنّ قبّة رسول اللَّهصلى الله عليه و آله قد مضت كأنّه دخل في أنفسهم شي ء للّذي كانوا يرجون من الإفاضة من مكانهم حتى انتهى إلى نمرة وهي بطن عرنة (3) بحيال الأراك فضربت قبّته وضرب النّاس أخبيتهم عندها فلمّا زالت الشمس خرج رسول اللَّهصلى الله عليه و آله ومعه قريش وقد اغتسل وقطع التلبية حتى وقف بالمسجد فوعظ الناس وأمرهم ونهاهم، ثمّصلّى الظهر والعصر بأذان وإقامتين، ثمّ مضى إلى الموقف فوقف به


1- 1 آل عمران: 89.
2- 2 البقرة: 198.
3- 3 بضمّ العين وفتح الراء كهمزة- بحذاء عرفات.

ص: 54

فجعل النّاس يبتدرون أخفاف ناقته يقفون إلى جانبها فنحاها، ففعلوا مثل ذلك، فقال: أيّها الناس ليس موضع أخفاف ناقتي بالموقف ولكن هذا كلّه- وأومأ بيده إلى الموقف- فتفرّق الناس وفعل مثل ذلك بالمزدلفة فوقف الناس حتى وقع القرص- قرص الشمس- ثمّ أفاض وأمر الناس بالدعة (1) حتى انتهى إلى المزدلفة وهو المشعر الحرام فصلّى المغرب والعشاء الآخرة بأذان واحد وإقامتين ثمّ أقام حتىصلّى فيها الفجر وعجّل ضعفاء بني هاشم بليل وأمرهم أن لا يرموا الجمرة- جمرة العقبة- حتّى تطلع الشمس فلمّا أضاء له النّهار أفاض حتى انتهى إلى منى فرمى جمرة العقبة وكان الهدي الذي جاء به رسول اللَّهصلى الله عليه و آله أربعة وستّين أو ستّة وستّين (2) وجاء عليّ عليه السلام بأربعة وثلاثين أو ستّاً وثلاثين، فنحر رسول اللَّهصلى الله عليه و آله ستّة وستّين ونحر علي عليه السلام أربعاً وثلاثين بدنة وأمر رسول اللَّهصلى الله عليه و آله أن يؤخذ من كل بدنة منها جذوة (3) من لحم، ثمّ تطرح في برمة، ثمّ تطبخ، فأكل رسول اللَّهصلى الله عليه و آله وعليّ وحسيا من مرقها ولم يعطيا الجزّارين جلودها ولا جلالها ولا قلائدها وتصدَّق به وحلق وزار البيت ورجع إلى منى وأقام بها حتى كان اليوم الثالث من آخر أيّام التّشريق، ثمّ رمى الجمار ونفر حتى انتهى إلى الأبطح فقالت له عائشة:

يا رسول اللَّه ترجع نساؤك بحجّة وعمرة معاً وأرجع بحجّة؟ فأقام بالأبطح وبعث معها عبد الرّحمن بن أبي بكر إلى التنعيم فأهلّت بعمرة ثمّ جاءت وطافت بالبيت وصلّت ركعتين عند مقام إبراهيم عليه السلام وسعت بين الصّفا والمروة، ثمّ أتت النبيّصلى الله عليه و آله فارتحل من يومه ولم يدخل المسجد الحرام ولم يطف بالبيت ودخل من أعلى مكّة من عقبة المدنيّين وخرج من أسفل مكة من ذي طوى.


1- 1 أي الوقار والسكينة.
2- 2 لعلّ الترديد من الراوي أو خرج مخرج التقية.
3- 3 الجذوة: القطعة وهي مثلثة والبرمة- بالضم- قدر من الحجارة.

ص: 55

الهوامش:

الحجّ في نهج البلاغة

ص:56

ص:57

ص:58

ص: 59

الحجّ في نهج البلاغة

فارس تبريزيان

الكلام كلما حسن نظمه، وانتظمت مفرداته بأحسن نظام وتحلّى بالفصاحة، وتزيّن بالبلاغة، يكون للقبول أقرب وبالنفوس أوقع، خصوصاً إذا جمع بين البلاغة والفصاحة، وبين المعنى العميق الشامل لأنواع المعلومات ودقائق المفاهيم.

ومن هذا المنطلق جعل اللَّه- سبحانه- معجزة النبيصلى الله عليه و آله القرآن المجيد، ببلاغته وحسن عباراته، وبما فيه من الأحكام والإنذار والإبلاغ وشتّى العلوم، حتى تحدّى به العرب- الذين كانوا أهل البلاغة والفصاحة- أن يأتوا بآية من مثله.

وبعد وفاة النبي الأكرمصلى الله عليه و آله، خلّف الثقلين: القرآن، والعترة، وتمثّل ثقل العترة بأمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام، وانتقلت إليه مواريث الأنبياء والأوصياء، وورث الفصاحة والبلاغة المحمدية، شرع- سلام اللَّه عليه- بهداية

ص: 60

الأُمّة، بخطبه وحكمه ومواعظه ورسائله الفصيحة الشاملة لأدقّ المعاني وأمتنها، حتّى ضاهت بلاغته وفصاحته بلاغة وفصاحة العرب، وصار أمير الفصاحة والبلاغة، كما كان أمير الشجاعة والعلم والصبر والحزم والعبادة.

وبلغت خطبه عليه السلام إلى حدّ من البلاغة وحسن النظم حتى قيل: إنّ كلامه عليه السلام فوق كلام المخلوق ودون كلام الخالق.

وقيّض اللَّه- سبحانه- الكثير من العلماء ممّن جمع كلامه وخطبه ورسائله ومواعظه عليه السلام، ودوّنها في كتب مستقلة، منهم: الشريف الرضي- رضوان اللَّه عليه-، حيث كتب كتابه نهج البلاغة، اختار فيه من خطب أمير المؤمنين عليه السلام وكلامه وحكمه ورسائله، حتى أصبح نهج البلاغة ولا يكاد يجهله أحد، اختار فيه من كلامه عليه السلام بما له ربط: بالتوحيد، والعدل، والنبوّة، والإمامة، والمعاد، ووصف القرآن والنبيّ وأهل البيت عليهم السلام والأحكام الشرعية، والمسائل الأخلاقية وصفات المتقين ووصف المنافقين والمنحرفين، وفنون الحرب وعجيب خلقة بعض الحيوانات.

وانتخبت من كلامه عليه السلام في نهج البلاغة ما لهصلة بالحج وبيت اللَّه الحرام، وضبطته بالاعتماد على أقدم نسختين لنهج البلاغة وسائر النسخ الأُخرى، وشرحت كلامه عليه السلام شرحاً شافياً، مستعيناً بالشروح المعتَمَدَة لنهج البلاغة.

نصّ الخطبة؛ منها:

وَفَرَضَ عَلَيْكُمْ حَجَّ بَيْتِهِ الْحَرَامِ، الَّذِي جَعَلَهُ قِبْلَةً لِلْأَنَامِ، يَرِدُونَهُ وُرُودَ الْأَنْعَامِ، وَيَأْلَهُونَ إلَيْهِ وُلُوهَ الْحَمَامِ.

جَعَلَهُ سُبْحَانَهُ عَلَامَةً لِتَوَاضُعِهِمْ لِعَظَمَتِهِ، وَإِذْعَانِهِمْ لِعِزَّتِهِ.

وَاخْتَارَ مِنْ خَلْقِهِ سُمّاعاً أَجَابُوا إلَيْهِ دَعْوَتَهُ، وَصَدَّقُوا كَلِمَتَهُ، وَوَقَفُوا

ص: 61

مَوَاقِفَ أَنْبِيَائِهِ، وَتَشَبَّهُوا بِمَلَائِكَتِهِ الْمُطِيفِينَ بِعَرْشِهِ، يُحْرِزُونَ الْأَرْبَاحَ فِي مَتْجَرِ عِبَادَتِهِ، وَيَتَبَادَرُونَ عِنْدَهُ مَوْعِدَ مَغْفِرَتِهِ.

جَعَلَهُ سُبْحَانَهُ لِلْإسْلَامِ عَلَماً، وَلِلْعَائِذِينَ حَرَماً.

فَرَضَ حَجَّهُ، وَأَوْجَبَ حَقَّهُ، وَكَتَبَ عَلَيْكُمْ وِفَادَتَهُ، فَقَالَ سُبْحَانَهُ: «

وَللَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ» (1).

ذكر الشريف الرضي هذا المقطع في آخر الخطبة الأُولى من كتابه الشريف نهج البلاغة، واعتمدنا في نقل هذا المقطع من الخطبة على أقدم نسختين من كتاب نهج البلاغة كتبتا في القرن الخامس الهجري:

الأُولى: في المكتبة العامة لآية اللَّه المرعشي رحمه الله، في قم، رقم 3827، كتبت سنة 499 ه، أو سنة 469 ه، ويقع هذا المقطع من الخطبة في هذه النسخة في الصفحة الثامنة والتاسعة.

الثانية: في مكتبة فخر الدين النصيري، في طهران، كتبت في القرن الخامس الهجري، ويقع هذا المقطع من الخطبة في هذه النسخة في الصفحة السادسة.

كما ويقع هذا المقطع من الخطبة في الصفحة الثانية عشرة من نهج البلاغة، طبعة مؤسسة نهج البلاغة في طهران سنة 1413 ه، وفي الصفحة السابعة والعشرين من نهج البلاغة بشرح الأُستاذ محمد عبده طبعة مؤسسة الأعلمي في بيروت، وفي الصفحة الثانية والعشرين من نهج البلاغة بشرح الدكتورصبحي الصالح طبعة دار الأُسوة في قم سنة 1415 ه، وفي الجزء الأول من الصفحة المائة والثالثة والعشرين من شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد المعتزلي طبعة دار إحياء الكتب العربية سنة 1378 ه، وفي الجزء الأول من الصفحة الخامسة والثمانين من منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة لقطب الدين سعيد بن هبة اللَّه


1- 1 آل عمران: 97.

ص: 62

الراوندي طبعة المكتبة العامة لآية اللَّه المرعشي رحمه الله في قم سنة 1406 ه، وفي الجزء الأول من الصفحة المائتين والتاسعة والأربعين من كتاب مصادر نهج البلاغة وأسانيده للسيد عبد الزهراء الحسيني الخطيب طبع مؤسسة الأعلمي في بيروت سنة 1395 ه، وفي الجزء الأول من الصفحة المائتين واثنتين وعشرين من شرح نهج البلاغة لكمال الدين ميثم البحراني طبعة مطبعة خدمات چاپى في طهران سنة 1404 ه، وفي الصفحة الثانية والثمانين من اختيار مصباح السالكين لكمال الدين ميثم البحراني طبعة مجمع البحوث الإسلامية في مشهد سنة 1408 ه، وفي الجزء التاسع من الصفحة الثلاثمائة واثنتي عشرة من بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة للشيخ محمد تقي التستري طبعة منشورات مكتبة الصدر في طهران سنة 1390 ه، وفي الجزء الحادي عشر من الصفحة الرابعة عشر من كتاب تفصيل وسائل الشيعة الحديث رقم 14127 طبعة مؤسسة آل البيت عليهم السلام في قم سنة 1411 ه.

اختلاف النسخ:

ذكرنا فيما سبق مِن نقل نصّ الخطبة اعتمادنا على أقدم نسختين خطّيتين من نهج البلاغة، وأشرنا إلى مواضع الخطبة في سائر الطبعات والشروح، وفي هذا الفصل نذكر الاختلافات الواردة بين نسخ نهج البلاغة وطبعاته المختلفة وشروحه، وإن كانت أكثر الاختلافات لا تمسّ بالمعنى ولا تغيّر مفاد الخطبة، نذكرها تتميماً للفائدة:

قوله: منها: في بعض النسخ: منها في ذكر الحج.

قوله عليه السلام: وفرض عليكم، في بعض النسخ: وفرض عليهم، وفي بعض النسخ: وفرض اللَّه عليكم حجّ بيته.

ص: 63

قوله عليه السلام: حجّ بيته الحرام، في بعض النسخ لم يرد لفظ الحرام.

قوله عليه السلام: جعله سبحانه علامة، في بعض النسخ: وجعله سبحانه علامة.

قوله عليه السلام: يردونه، في بعض النسخ: الذي يردونه.

قوله عليه السلام: ويتبادرون عنده موعد مغفرته، في بعض النسخ: ويتبادرون عند مغفرته، وفي بعض النسخ: ويتبادرون عند موعد مغفرته.

قوله عليه السلام: جعله سبحانه، في بعض النسخ: جعله سبحانه وتعالى.

قوله عليه السلام: وللعائذين، في بعض النسخ: والعائذين.

قوله عليه السلام: فرض حجّه وأوجب حقّه، في بعض النسخ: فرض حقّه وأوجب حجّه.

رواية الخطبة:

روى هذه الخطبة الشريف الرضي في كتابه نهج البلاغة مرسلًا، من دون ذكر سنده وهذه طريقته في كل كتابه نهج البلاغة.

وقال قطب الدين سعيد بن هبة اللَّه الراوندي في كتابه منهاج البراعة (1):

وأمّا رواية الخطبة: فعن الشيخ أبي جعفر محمد بن علي بن الحسن الحلبي، عن الشيخ أبي جعفر الطوسي، عن الشيخ المفيد أبي عبد اللَّه الحارثي، أخبرنا أبو الحسن علي بن محمد الكاتب، أخبرنا الحسن بن علي الزعفراني، أخبرنا أبو إسحاق إبراهيم بن محمد الثقفي، أخبرنا أبو الوليد العباس بن بكار الضبي، حدّثنا أبو بكر الهذلي، عن الزهري وعيسى بن زيد، عنصالح بن كيسان، عن أمير المؤمنين عليه السلام.

ولو أردت ذكر ما حذفه الرضي من الخطبة لطال هذا الكتاب.

أقول: يفهم من آخر كلامه أنّ الشريف الرضي لم يورد الخطبة الأُولى التي


1- 1 منهاج البراعة 1: 107- 109.

ص: 64

في آخرها هذا المقطع بأكملها، بل حذف منها شيئاً، ويفهم أيضاً أنّ ما حذفه الشريف الرضي من الخطبة ليس بالشي ء اليسير. ولعلّ الشريف الرضي روى الخطبة من غير الطريق الذي رواه القطب الراوندي، فحدث باختلاف الطريق الزيادة والنقصان.

شرح الخطبة:

قوله عليه السلام:

وَفَرَضَ عَلَيْكُمْ حَجَّ بَيْتِهِ الْحَرَامِ.

فرض اللَّهُ الأحكام فرضاً: أوجبها، فهو عليه السلام في كلامه هذا يشير إلى وجوب الحج على الخلق، وهو معلوم بالضرورة من الدين.

والحجّ: قصدُ بيت اللَّه لزيارته مع مناسك خاصة.

وإضافة البيت إلى اللَّه للتفضيل والتشريف والتخصيص، وإن كانت الدنيا وما فيها للَّه عزّ وجلّ.

والفريضة على قسمين: موقّتة بوقتٍ معيّن، وغير موقّتة؛ فإذا كانت الفريضة موقتة دلّ اختصاصها بوقتٍ لها على فضلها وشرفها ونباهة حالها، يُستدعى من الموظّف عليها فضل جهدٍ في إقامتها، ويكون ثوابها أعظم، فإنّ أفضل الأعمال أحمزها.

والحجّ من الفرائض الموقّتة بوقتٍ معيّن، ومعيّنة بمكانٍ مشخص، ممّا يستدعي من الموظّف عليها إقامتها في وقتها ومكانها، وذلك يتطلب مزيد جهدٍ للاستعداد لها، وتحمّل المشاق في إقامتها، فصارت فريضة الحج من الفرائض المهمّة في الإسلام، ويثيب اللَّه مقيمها ما لا يثيبه في غيرها من الفرائض.

والحرام، إمّا بمعنى المحرّم، كقوله تعالى: «عند بيتك المحرّم» (1)

، فإنّ العرب كانت تحرّم فيه ما تستحلّ في غيره من القتل والقتال؛ وإمّا بمعنى الحرم- كزمان


1- 1 إبراهيم: 37.

ص: 65

وزمن- لكونه أمْناً لمن دخله ومانعاً له؛ وإمّا لأنه ذا حرمة واحترام يحرم على الخلق أن يفعلوا فيه ما لا ينبغي من مناهي الشرع.

وروي عن النبيصلى الله عليه و آله أنه قال: «ألا إنّ مكّة محرّمة بتحريم اللَّه، لم تحلّ لأحدٍ كان قبلي، ولم تحلّ لي إلّامن ساعة من نهار إلى أن تقوم الساعة، لا يختلي خلاها، ولا يقطع شجرها، ولا ينفدصيدها ...» (1).

قوله عليه السلام:

الَّذِي جَعَلَهُ قِبْلَةً لِلْأَنَامِ.

جعل اللَّه- سبحانه وتعالى- بيته الحرام الذي فرض حجّه قِبلةً للأنام، فقال عزّ من قال: «فلنولينّك قبلةً ترضاها فولّ وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولّوا وجوهكم شطره» (2)

، وهذا ممّا يزيد في شرف هذا البيت العظيم: بتوجّه المسلمين كافة أينما كانوا نحوه فيصلواتهم وذبحهم وتوجيه أمواتهم، إلى غير ذلك ممّا يجب أو يستحب فيه استقبال القبلة، والقصد إليه لأداء مراسم الحج.

والقبلة: اسم للمكان المتوجّه إليه للصلاة وغيرها.

وإنّما عبّر عن البيت الحرام بالقبلة؛ لأنّ المصلي يقابلها وتقابله، أو لأنّ اللَّه- تعالى- يقبلصلاة مَن توجّه إليها.

وجعل اللَّه- سبحانه- اختلاف القبلة سمات أهل الأديان، وأعلاماً يوقف بها على انتحال المصلّي إلى نحلة لزمها من النحل، فقال عزّ من قائل: «ولكلٍّ وجهةٌ هو مولّيها» (3).

والأنام: الجنّ والإنس، وقيل: ما على وجه الأرض من جميع الخلق.

وبناءً على التفسير الأول، يكون بيت اللَّه الحرام قبلةً للإنس والجنّ، أمّا الإنس فواضح، وأمّا الجنّ، فيدل كلامه عليه السلام: جعله قبلةً للأنام- بناءً على تفسير


1- 1 الوسائل 12: 406 ح 16634.
2- 2 البقرة: 144.
3- 3 البقرة: 148.

ص: 66

الأنام بالجنّ والإنس- على أنّ بيت اللَّه الحرام قبلةً للجنّ أيضاً، يتوجّهون إليه حين عبادتهم، وإن كانت ماهية عبادتهم لنا مجهولة.

وبناءً على التفسير الثاني، يكون بيت اللَّه الحرام قبلةً لجميع ما على وجه الأرض من الخلق، ومعلوم أنّ المخلوقات كلّها تعبد خالقها، وإن كانت كيفية عبادتها مجهولة لنا، إلّاأنّ المفهوم من قوله عليه السلام: جعله قبلةً للأنام- بناءً على تفسير الأنام: ما على وجه الأرض من جميع الخلق- أنّ بيت اللَّه الحرام قبلةً لجميع المخلوقات تتوجّه إليه في عبادتها لربّها وخالقها.

قوله عليه السلام:

يَرِدُونَهُ وُرُودَ الْأَنْعَامِ.

الورود: الموافاة، يقال: وردَ البعير الماء يرده ورداً بلغه ووافاه من غير دخول، وقد يحصل دخول فيه، وأكثر ما يستعمل ورود الأنعام على الماء، فهذا تشبيهٌ لطيف منه عليه السلام لورود الأنام بيت اللَّه الحرام، فكما ترد الأنعام بتلهّفٍ وظمإٍ واشتياق وازدحام لشرب الماء ومدافعة بعضهم بعضاً، يردُ الأنام بيت اللَّه الحرام وهم على أشدّ الشوق والتلهّف لزيارة بيت ربّهم، يزدحمون ويهرولون للوصول إلى بيت اللَّه الحرام؛ ليعترفوا بذنوبهم لربهم فيغفرها لهم، ويتزوّدوا من العرفان لربّهم، ويصوغوا أنفسهمصياغة ربّانية، ويتذكّروا إنسانيتهم التي نسوها من أمدٍ بعيد!

والأنعام جمع نَعم، أكثر ما يقع على الإبل، وقيل: النعم: الإبل خاصة، والأنعام: ذوات الخفّ والظلف، وهي الإبل والبقر والغنم، وقيل غير ذلك.

وقيل: إنّ وجه الشبه بين الأنام والأنعام: عدم اطّلاع الخلق على أسرار الحجّ وعلى ما تشتمل عليه المناسك من الحكمة الإلهية، ولمّا كان العقل الذي به يتميّز الإنسان عن الأنعام وسائر الحيوان معزولًا عن إدراك هذه الأسرار كاد أن

ص: 67

لا يكون بين الإنسان وبين مركوبه فرق في الورود إلى البيت!

وفي بعض الوجوه من هذا القيل بُعدٌ.

وروي: أنّ الكعبة شكت إلى اللَّه- تعالى- في الفترة بين عيسى ومحمدصلى الله عليه و آله، فقالت: يا ربّ، ما لي قلّ زوّاري؟ فأوحى اللَّه إليها: «إنّي منزلٌ نوراً جديداً على قومٍ يحنّون إليك كما تحنّ الأنعام إلى أولادها، ويُزَفّون إليك كما تزفّ النسوان إلى أزواجها»، يعني: أُمّة محمدصلى الله عليه و آله (1).

قوله عليه السلام:

وَيَأْلَهُونَ إِلَيْهِ وُلُوهَ الْحَمَامِ.

قال الراوندي: أله يأله ألهاً: أي تحيّر، والأصل وله يوله ولهاً، وقال أبو الهيثم: أصل اللَّه إلاه، وأصله ولاه، فقلبت الواو همزةً، فالخلق يولهون إليه في حوائجهم، ويفزعون إليه في كلّ ما ينوبهم (2).

وقال ابن أبي الحديد: الوله: شدّ الوجد، حتى يكاد العقل يذهب، وله الرجل يوله ولهاً. ومَن روى: «يألهون إليه ولوه الحمام» فسّره بشي ءٍ آخر، وهو يعكفون عليه عكوف الحمام، وأصله أله: عبد، ومنه الإله، أي: المعبود، ولمّا كان العكوف على الشي ء كالعبادة له لملازمته والانقطاع إليه، قيل: أله فلان إلى كذا، أي: عكف عليه كأنه يعبده. ولا يجوز أن يقال: «يألهون إليه» في هذا الموضع بمعنى يولهون، وأنّ أصل الهمزة واو، كما فسّره الراوندي؛ لأنّ فعولًا لا يجوز أن يكون مصدراً من فعلت بالكسر، ولو كان يألهون هو يولهون، كان أصله ألِه بالكسر، فلم يجز أن يقول: «ولوه الحمام»، وأمّا على ما فسّرناه نحن فلا يمتنع أن يكون الولوه مصدراً؛ لأنّ أله مفتوح، فصار كقولك: دَخل دخولًا (3).

وقال التستري: قلت: أمّا ما قاله من أنّ معنى «يألهون إليه» أي: يعكفون عليه، فخلط لفظاً ومعنى. أمّا لفظاً؛ فلأنه لم يقل أحد أن معنى أله عكف، بل عبد،


1- 1 الوسائل 11: 22 ح 14143.
2- 2 منهاج البراعة 1: 106.
3- 3 شرح نهج البلاغة 1: 123.

ص: 68

فإن قال: قلته كناية، يمنعه إليه [في قوله: يألهون إليه]، فلو كان عليه كان له وجه.

وأمّا معنىً، فلأنّ الناس لا يعكفون في مكة، وإنّما يشتاقون إلى زيارتها اشتياق الحمام إلى وكرها. وأمّا ما قاله: من أنّ فعولًا لا يكون مصدر فعل بالكسر، ووله بالكسر، فليس ذلك كليّاً، بل إذا كان مضارعه يفعل بالفتح، وأمّا إذا كان يفعل بالكسر فيجوز، كما في قولك: وثق وثوقاً، وقد قال في القاموس: وله مثل ورث ووجل ووعد. وأمّا ما قاله من أنه إذا كان يألهون مهموز الأصل، فيجوز أن يكون مصدره ولوهاً؛ لأنّ أله مفتوح، فيكون مثال: دخل دخولًا. ففيه: أنّ مصادر المجرّد ليست بقياسية، ولم ينقل في اللغة كون مصدر أله: ألوهاً، بل الاهه والوهه (1).

والحمام عند العرب: كلّ ذي طوق من الفواخت والقماري والقطا والدواجن وأشباه ذلك، الواحدة حمامة، والعامة تخصّ الحمام بالدواجن، وكان الكسائي يقول: الحمام هو البري واليمام هو الذي يألف البيوت، وقال الأصمعي:

اليمام حمام الوحش، وهو ضرب من طير الصحراء.

وفي تشبيهه عليه السلام ولوه الأنام بولوه الحمام عدّة وجوه:

منها: إشارة إلى شوق الخلق في كلّ عام إلى ورود البيت كما يشتاق إليه الحمام الذي يسكنه عند خروجه.

ومنها: إشارة إلى أنّ الحمام كما يفزع إلى محله عند الخوف، فكذلك الأنام، فإنّ الحمام يظهر عليه أثر اللوذ بكثرة.

قالوا: ومن طبع الحمام أنه يطلب وكره ولو أرسل من ألف فرسخ، وربّما اصطيد وغاب عن وطنه عشر حجج فأكثر، ثمّ هو على ثبات عقله حتى يجد فرصة فيطير إلى وطنه.

وقيل: حمام الحرم يلتجئ إليه إلهاماً من اللَّه لها أنه المأمن، ويقال: إنها من


1- 1 بهج الصباغة 9: 314- 315.

ص: 69

نسل طير أبابيل.

قوله عليه السلام:

جَعَلَهُ سُبْحَانَهُ عَلَامَةً لِتَواضُعِهِمْ لِعَظَمَتِهِ.

علامة لتواضعهم: أي دليلًا لتواضعهم، فإنّ المواقف والأعمال تدلّ على التواضع والخشوع.

ومَن لابس عملًا لا يلائمصورة التكبر وينافي أعمال الجبابرة: من الإقبال على حجرٍ أصم بالتقبيل، وعلى مواطن خالية من حوادث الاطماع بالإجلال،صار ذلك الفعل أتمّ رياضة على طرح الأنَفَة؛ فإنّ من أطاعته نفسه لوجه اللَّه- تعالى- في توقير شي ء، ظاهره لا ينفع ولا يؤذي ولا يعلم ولا يشكر، فهو إلى توقير مَن هو أعلى منه درجة من الأنبياء والملائكة أسرع.

قوله عليه السلام:

وَإِذْعَانِهِمْ لِعِزَّتِهِ.

أذعن إذعاناً: انقاد ولم يستعص، وناقة مِذعان: منقادة.

والعزّة: الغلبة، والعزيز من أسمائه سبحانه: الغالب الذي لا يُغلب.

وإنّما جعله- سبحانه- علامةً لإذعانهم لعزّته؛ لأنّ العقل لمّا لم يكن ليهتدي إلى أسرار أعمال الحج، لم يكن الباعث عليها في أكثر الخلق إلّاالأمر المجرّد وقصد امتثاله من حيث هو واجب الاتباع فقط، وفيه كمال الرقّ وخلوص الانقياد للَّه، فمن فعل ما أمر به من إتيان بيت اللَّه وأداء مناسك الحج، فهو المنقاد لعزّة اللَّه، المخلص الذي ظهرت عليه علامات المخلص المتواضع المذعن لجلال اللَّه ربّ العالمين.

وروي: أنّ ابن أبي العوجاء تلميذ الحسن البصري انحرف عن التوحيد، فقيل له: تركت مذهبصاحبك ودخلت فيما لا أصل له ولا حقيقة، فقال: إنّ

ص: 70

صاحبي كان مخلطاً، كان يقول طوراً بالقدر وطوراً بالجبر، وما أعلمه اعتقد مذهباً دام عليه، فقدِم مكة متمرّداً وإنكاراً على من يحج، وكان يكره العلماءُ مجالسَتَهُ، لخبث لسانه وفساد ضميره، فأتى أبا عبد اللَّه عليه السلام، فجلس إليه في جماعة من نظرائه، فقال: يا أبا عبد اللَّه، إنّ المجالس بالأمانات، ولابدّ لكلّ مَن به سعال مِن أن يسعل، أفتأذن لي بالكلام؟ فقال: تكلّم.

فقال: إلى كم تدوسون بهذا البيدر، وتلوذون بهذا الحجر، وتعبدون هذا البيت المرفوع بالطوب والمدر، وتهرولون حوله هرولة البعير إذا نفر، إنّ مَن فكّر في هذا وقدّر علم أنّ هذا أسسه غير حكيم ولا ذي نظر، فقل، فإنّك رأس هذا الأمر وسنامه، وأبوك أُسّه وتمامه.

فقال عليه السلام: «إنّ من أضلّه اللَّه وأعمى قلبه، واستوثم الحقّ ولم يستعذ به، فصار الشيطان وليّه وربّه، يورده مناهل الهلكة ثمّ لا يصدره، وهذا البيت استعبد اللَّه به خلقه، ليختبر طاعتهم في إتيانه، فحثّهم على تعظيمه وزيارته، وجعله محلّ أنبيائه وقبلةً للمصلّين إليه، فهو شعبة من رضوانه، وطريق يؤدّي إلى غفرانه، منصوب على استواء الكمال، ومجمع العظمة والجلال، خلقه اللَّه قبل دحو الأرض بألفي عام، ...» (1).

قوله عليه السلام:

وَاخْتَارَ مِنْ خَلْقِهِ سُمَّاعاً أَجَابُوا إِلَيْهِ دَعْوَتَهُ.

السّماع جمع سامع- كسامر وسمّار- وهم الحاج في قوله تعالى: «وأذّن في الناس بالحجّ يأتوك رجالًا وعلى كلّ ضامرٍ يأتين من كلّ فجٍّ عميق» (2).

والضمير في قوله عليه السلام: «أجابوا إليه» للبيت، وفي «دعوته» للَّه تعالى، أي أجابوا- قاصدين إلى البيت- دعوتَه تعالى.

وروي عن الإمام الصادق عليه السلام: «لمّا أُمر إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام ببناء البيت،


1- 1 الكافي 4: 198 ح 1.
2- 2 الحج: 27.

ص: 71

وتمّ بناؤه، قعد إبراهيم على ركن ثمّ نادى: هلمّ الحجّ، فلو نادى: هلمّوا إلى الحج، لم يحجّ إلّامن كان يومئذٍ إنسياً مخلوقاً، ولكنّه نادى: هلمّ الحج، فلبّى الناس في أصلاب الرجال: لبّيك داعي اللَّه، لبّيك داعي اللَّه عزّ وجلّ، فمن لبّى عشراً يحجّ عشراً، ومَن لبّى خمساً يحجّ خمساً، ومن لبّى أكثر من ذلك، فبعدد ذلك، ومَن لبّى واحداً حجّ واحداً، ومَن لم يلبّ لم يحجّ» (1).

قوله عليه السلام:

وَصَدَّقُوا كَلِمَتَهُ.

إشارة إلى مطابقة أفعالهم، لما جاءت به الأنبياء من كلام اللَّه سبحانه، وعدم مخالفتهم وتكذيبهم لهم.

قوله عليه السلام:

وَوَقَفُوا مَوَاقِفَ أَنْبِيَائِهِ.

في كلامه هذا عليه السلام استدراج حسن للطباع اللطيفة المتشوقة إلى لقاء اللَّه، وجذب لها إلى هذه العبادة، بذكر التشبيه بالأنبياء.

وإنّما شبّه مواقفهم بمواقف الأنبياء؛ لأنّ الأنبياء قد حجّوا بالبيت الحرام أيضاً، ووقفوا في تلك المواقف، فهي مواقف إبراهيم وإسماعيل وآدم والأنبياء ومحمد-صلوات اللَّه عليهم-.

فروي عن أبي جعفر عليه السلام: «كان طول سفينة نوح ... وطافت بالبيت، وسعت بين الصفا والمروة سبعة أشواط، ثمّ استوت على الجودي» (2).

وروي: أنّ إبراهيم لمّا أذّن في الناس بالحج، حجّ هو وأهله وولده (3).

وروي عن أبي عبد اللَّه عليه السلام: «لمّا أفاض آدم من منى تلقّته الملائكة، فقالت:

يا آدم، برّ حجّك، أما إنّا قد حججنا هذا البيت قبل أن تحجّه بألفي عام» (4).

وروي: سئل أبو عبداللَّه عليه السلام عن البيت: أكان يحجّ قبل أن يبعث النبيصلى الله عليه و آله؟


1- 1 الوسائل 11: 10 ح 14115.
2- 2 الوسائل 11: 8 ح 14110.
3- 3 الوسائل 11: 8 ح 14110.
4- 4 الوسائل 11: 9 ح 14112.

ص: 72

قال: «نعم، وتصديقه في القرآن قول شعيب عليه السلام حين قال لموسى عليه السلام حيث تزوّج:

«على أن تأجرني ثماني حججٍ» (1)

، ولم يقل: ثماني سنين، وأنّ آدم ونوح عليهما السلام حجّا، وسليمان بن داود قد حجّ البيت بالجنّ والإنس والطير والريح، وحجّ موسى على جمل أحمر، يقول: لبيك لبيك، وأنّه كما قال اللَّه: «إنّ أوّل بيتٍ وضع للناس للّذي ببكّة مباركاً وهدًى للعالمين» (2)» (3).

وروي عن أبي عبد اللَّه عليه السلام: «مرّ موسى النبي عليه السلام بصفاح الروحاء على جمل ... وهو يقول: لبيك يا كريم لبيك. قال: ومرّ يونس بن متّى بصفاح الروحاء وهو يقول: لبيك كشاف الكرب العظام لبيك. قال: ومرّ عيسى بن مريم بصفاح الروحاء وهو يقول: لبيك عبدك ابن أمتك. ومرّ محمّدصلى الله عليه و آله بصفاح الروحاء وهو يقول: لبيك ذا المعارج لبيك» (4).

وروي عن أبي جعفر عليه السلام: مرّ موسى بن عمران عليه السلام في سبعين نبياً على فجاج الروحاء ... يقول: لبيك عبدك ابن عبديك» (5).

قوله عليه السلام:

وَتَشَبَّهُوا بِمَلَائِكَتِهِ الْمُطِيفِينَ بِعَرْشِهِ.

«الملائكة المطيفين بالعرش»: هم الكروبيّون، وهم أشراف الملائكة وعظماؤهم.

والمطيف هاهنا: بمعنى الطائف، والمطيف أيضاً: الملمّ النازل بقومٍ، وطاف بالبيت طوفاً: أي دار حوله، وحقيقة أطاف: أنّ المطيف، هو الذي يطيف نفسه كأنه فزعها لذلك، فهو بكلّيته مشتغل به من أفعال القلوب وأفعال الجوارح.

والتشبّه بالملائكة من طريق الأفعال التي هي عبادة اللَّه تعالى، والتنزّه عن الرفث والفسوق والجدال وقضاء الشهوات في الإحرام، فمن أعرض عن قضاء الشهوات وهو مقبل على عبادة اللَّه تشبّه بالملائكة، فإنّ الملائكة يسبّحون الليل


1- 1 القصص: 27.
2- 2 آل عمران: 96.
3- 3 مستدرك الوسائل 8: 9 ح 8922.
4- 4 الوسائل 12: 385 ح 16573.
5- 5 الوسائل 12: 385 ح 16574.

ص: 73

والنهار لا يفترون ولا يقضون شهوة.

ويحتمل أن يكون التشبّه بالملائكة من حيث قال تعالى: «وترى الملائكة حافّين من حول العرش» (1)

، وكذلك الحجاج حول الكعبة.

ويحتمل أن يكون التشبّه بالملائكة إشارة إلى أنّ البيت المعمور بإزاء الكعبة في السماء، وأنّ طواف الخلق بهذا البيت يشبه طواف الملائكة وإحداقهم بالبيت المعمور والعرش، فهم متشبّهون بالملائكة في الطواف من طريق التعبّد، والغاية أن يترقّى مَن أخذ العناية بيده من هذا الطواف إلى أن يصير من الطائفين بالعرش والبيت المعمور.

واعلم، أنّ الطواف المطلوب هو طواف القلب بحضرة الربوبية، وأنّ البيت مثال ظاهر في عالم الشهادة لتلك الحضرة التي هي عالم الغيب، كما أنّ الإنسان الظاهر في هذا العالم مثال للإنسان الباطن الذي لا يشاهد بالبصر وهو في عالم الغيب، وأنّ عالم الشهادة مرقاة ومدرج إلى عالم الغيب لمن فتح له باب الرحمة، وأنّ أولياء اللَّه المقرّبين لمّا يطوفون حول بيت اللَّه الحرام ناظرون في طوافهم الطواف حول البيت المعمور الذي هو بإزاء الكعبة، متشبّهون بطواف الملائكة حول البيت المعمور والعرش بحسب الإمكان، وعدّوا بأنّ مَن تشبّه بقومٍ فهو منهم، وكثيراً ما يزداد ذلك التشبّه إلى أن يصير المتشبّه في قوّة المتشبّه به.

وروي عن الإمام الرضا عليه السلام: «علّة الطواف بالبيت: أنّ اللَّه قال للملائكة:

«إنّي جاعلٌ في الأرض خليفةً قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ...» (2)

، فردّوا على اللَّه، فندموا، فلاذوا بالعرش واستغفروا، فأحبّ اللَّه أن يتعبّد بمثل ذلك العبادُ، فوضع في السماء الرابعة بيتاً بحذاء العرش يسمّى الضراح، ثمّ وضع في السماء الدنيا بيتاً يسمّى البيت المعمور بحذاء الضراح، ثمّ وضع البيت بحذاء البيت المعمور، ثمّ أمر آدم عليه السلام فطاف به فتاب عليه، وجرى


1- 1 الزمر: 75.
2- 2 البقرة: 30.

ص: 74

ذلك في ولده إلى يوم القيامة» (1).

وروي أيضاً عن الإمام الصادق عليه السلام: «لمّا أفاض آدم من منى تلقّته الملائكة، فقالت: يا آدم برّ حجّك، أما إنّاقد حججنا هذا البيت قبل أن تحجّه بألفي عام» (2).

قوله عليه السلام:

يُحْرِزُونَ الْأَرْبَاحَ فِي مَتْجَرِ عِبَادَتِهِ.

الحرز: المكان الذي يحفظ فيه، واحرزت المتاع: جعلته في الحرز، واحرزت الشي ء إحرازاً، ضممته، أحرز قصب السبق: إذا سبق إليها فضمّها دون غيره.

والأرباح: جمع ربح، والمراد به هاهنا: الثواب.

والمتجر: محلّ التجارة، ومواقف الحج في مكة وحواليها متجر يحصل الإنسان فيها على الثواب؛ لأنها متجر العبادة والطاعة، لا المال والمادة.

فقد استعار عليه السلام لفظ المتجر للحركات في العبادة، ولفظ الأرباح لثمرتها في الآخرة من كرامة اللَّه.

وقد ذكر عليه السلام هاهنا الربح استدراجاً لطباع الخلق بما يفهمونه ويميلون إليه من حبّ الأرباح في الحركات، ليشتاقوا فيعبدوا، وإلّا فهو عليه السلام قسّم العبادة إلى ثلاثة أقسام، وعدّ هذه العبادة عبادة التجّار، وأحسن للعبد إذا نظر في عبادته إلى أنّ اللَّه هو أهل للعبادة، فيحذف جميع الأغراض والخواطر عن درجة الاعتبار، ويجعلها خالصة لوجهه تعالى؛ لأنّه هو.

قوله عليه السلام:

وَيَتَبَادَرُونَ عِنْدَهُ مَوْعِدَ مَغْفِرَتِهِ.

المبادرة: المسارعة والمسابقة، أي: يسابق بعض الحجاج بعضاً.


1- 1 الوسائل 13: 296 ح 17788.
2- 2 الوسائل 11: 9 ح 14112.

ص: 75

وقوله عليه السلام: «عند موعد مغفرته»، أي: عند المحلّ الذي وعد اللَّه الغفران فيه.

والتبادر إنّما هو بالأعمال الصالحة، كما قال اللَّه سبحانه: «وسارعوا إلى مغفرةٍ من ربّكم» (1)

، كأنّ مَن يعمل أكثر يكون أكثر مسارعةً لتحصيل المغفرة والمثوبة.

وروي عن الإمام الرضا عليه السلام: «إنّما أُمروا بالحجّ لعلّة الوفادة إلى اللَّه- عزّ وجلّ-، وطلب الزيادة، والخروج من كلّ ما اقترف العبد تائباً ممّا مضى، مستأنفاً لما يستقبل، مع ما فيه من إخراج الأموال، وتعب الأبدان، والاشتغال عن الأهل والولد، وحظر النفس عن اللذات، شاخصاً في الحرّ والبرد، ثابتاً على ذلك دائماً، مع الخضوع والاستكانة والتذلّل ...» (2).

قوله عليه السلام:

جَعَلَهُ سُبْحَانَهُ لِلْإِسْلَامِ عَلَماً.

ولمّا كان الإسلام وأحكامه هو الطريق إلى اللَّه سبحانه، استعار لفظ العلم للحج بالنسبة إليه؛ لأنّ به يكون سلوك طريق اللَّه والصراط المستقيم، كالأعلام التي تخفق للعسكر فيأوي إليها الجيش والمارة على مقاصدهم.

ويحتمل أن يكون المراد بالعلم: الجبل، فهو كالجبل الأشم الذي يلوذ بكنفه الناس من الحرّ والبرد وسائر المخاوف.

وروي عن الإمام الصادق عليه السلام: «لا يزال الدين قائماً ما قامت الكعبة» (3).

قوله عليه السلام:

وَلِلْعَائِذِينَ حَرَماً.

«العائذين» جمع عائذ: وهو المستجير.

وقوله عليه السلام: حرماً أي محلّ أمن وسلامة، حتى إنّ الولي للدم لا يتمكن من


1- 1 آل عمران: 133.
2- 2 الوسائل 11: 13 ح 14121.
3- 3 الوسائل 11: 21 ح 14142.

ص: 76

أن ينال المجرم بسوء وهو عائذ بالحرم، فمن دخل من الناس الحرم مستجيراً به فهو آمن، ومَن دخله من الوحش والطير كان آمناً من أن يهاج أو يؤذى حتّى يخرج من الحرم.

قوله عليه السلام:

فَرَضَ حَجَّهُ.

فرض: أي أوجب.

والحج مستجمع لعبادة النفس، وعبادة المال، وعبادة البدن، وهو الطهور الأكبر، والنسك الأعظم، وبه يفارق المسلم أهل الملل، ولذلك قال عليه السلام: «مَن مات ولم يحجّ حجّة الإسلام فليمت على أيّ حال: إن شاء يهودياً، أو نصرانياً».

وروي عن أبي جعفر عليه السلام قال: «بني الإسلام على خمس: على الصلاة، والزكاة، والحج، والصوم، والولاية» الحديث (1).

قوله عليه السلام:

وَأَوْجَبَ حَقَّهُ.

أي: حق البيت بالحجّ والاحترام.

روي عن الإمام السجاد عليه السلام: «وحقّ الحجّ: أن تعلم أنّه وفادة إلى ربّك، وفرار إليه من ذنوبك، وفيه قبول توبتك، وقضاء الفرض الذي أوجبه اللَّه تعالى عليك».

قوله عليه السلام:

وَكَتَبَ عَلَيْكُمْ وِفَادَتَهُ.

كتب: فرض وألزم.

والوفادة: الزيادة، والقدوم للاسترفاد والانتفاع، ولفظه مستعار للحج؛ لأنّه قدوم إلى بيت اللَّه طلباً لفضله وثوابه.


1- 1 الوسائل 1: 13 ح 1.

ص: 77

قوله عليه السلام:

فَقَالَ سُبْحَانَهُ: «

... وَللَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ» (1).

استدلّ عليه السلام بهذه الآية على وجوب الحج، حيث قال عليه السلام: «فرض حجّه وأوجب حقّه وكتب عليكم وفادته».

وقوله تعالى: «وللَّه على الناس حجّ البيت»، أي: حقّ للَّه على الناس أن يحجّوا بيته.

وقوله تعالى: «من استطاع إليه سبيلًا»، أي: تمكّن من المسير إليه بالزاد والراحلة والنفقة وما أشبه ذلك.

وقوله تعالى: «ومن كفر فإنّ اللَّه غنيٌّ عن العالمين»، فجعل من لم يحجّ وهو مستطيع كافراً، وأنه لا يضرّ اللَّه، وإنّما يضرّ نفسه، لأنّ اللَّه- سبحانه- غنيٌّ عن العالمين، والمراد بالكفر هنا إمّا مطلق الكفر، فتجري على مَن عرف وجوب الحجّ وهو مستطيع ولم يحجّ طغياناً أحكام الكفار؛ أو الكفر العملي لا مطلق الكفر.

فروي عن أبي عبد اللَّه عليه السلام أنّه قال: «من مات ولم يحج حجة الإسلام، لم يمنعه من ذلك حاجة تجحف به، أو مرض لا يطيق فيه الحج، أو سلطان يمنعه، فليمت يهودياً أو نصرانياً» (2).

وروي عن الإمام الكاظم عليه السلام حين سئل عن هذه الآية، وأن من لم يحجّ فقد كفر، فقال عليه السلام: «لا، ولكن مَن قال: ليس هذا هكذا فقد كفر» (3).

وقبل هذه الآية: «إنّ أول بيتٍ وضع للناس للّذي ببكّة مباركاً وهدًى للعالمين فيه آيات بيّنات مقام إبراهيم ومن دخله كان آمناً».


1- 1 آل عمران: 97.
2- 2 الوسائل 11: 29 ح 14162.
3- 3 الوسائل 11: 16 ح 4128.

ص: 78

مصادر البحث:

1- القرآن الكريم.

2- نهج البلاغة، الشريف الرضي، شرح الدكتورصبحي الصالح، دار الأسوة، قم، 1415 ه.

3- نهج البلاغة، الشريف الرضي، نسخة مخطوطة، رقم 3827، في المكتبة العامة لآية اللَّه المرعشي، قم.

4- نهج البلاغة، الشريف الرضي، شرح الأستاذ محمد عبده، مؤسسة الأعلمي، بيروت.

5- نهج البلاغة، الشريف الرضي، نسخة مخطوطة، في مكتبة فخر الدين النصيري، طهران.

6- نهج البلاغة، الشريف الرضي، تحقيق الشيخ عزيز اللَّه العطاردي، مؤسسة نهج البلاغة، طهران، 1413 ه.

7- شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد المعتزلي، دار إحياء الكتب العربية، 1378 ه.

8- منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة، قطب الدين سعيد بن هبة اللَّه الراوندي، المكتبة العامة لآية اللَّه المرعشي، قم، 1406 ه.

9- مصادر نهج البلاغة وأسانيده، السيد عبد الزهراء الحسيني الخطيب، مؤسسة الأعلمي، بيروت، 1395 ه.

10- معارج نهج البلاغة، ظهير الدين علي بن زيد البيهقي فريد خراسان، المكتبة العامة لآية اللَّه المرعشي، قم، 1409 ه.

11- المصباح المنير، أحمد بن محمد الفيّومي، دار الهجرة، قم، 1414 ه.

12- شرح نهج البلاغة، كمال الدين ميثم بن علي بن ميثم البحراني، مطبعة خدمات چاپى، 1404 ه.

ص: 79

13- بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة، محمد تقي التستري، مكتبة الصدر، طهران، 1390 ه.

14- نهج البلاغة (نسخة المعجم المفهرس)، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين، قم، 1408 ه.

15- المعجم الموضوعي لنهج البلاغة، إدريس كريم محمد، مجمع البحوث الإسلامية، مشهد، 1408 ه.

16- المعجم المفهرس لألفاظ نهج البلاغة، كاظم محمدي ومحمد دشتي، دار الأضواء، بيروت.

17- اختيار مصباح السالكين (شرح نهج البلاغة الوسيط)، كمال الدين ميثم بن علي بن ميثم البحراني، مجمع البحوث الإسلامية، مشهد، 1408 ه.

18- توضيح نهج البلاغة، السيد محمد الحسيني، دار تراث الشيعة، طهران.

19- تفصيل وسائل الشيعة، الشيخ محمد بن الحسن الحرّ العاملي، مؤسسة آل البيت: لإحياء التراث، قم، 1411 ه.

20- مستدرك الوسائل، الحاج ميرزا حسين النوري، مؤسسة آل البيت:

لإحياء التراث، قم، 1407 ه.

الهوامش:

اسرار الحج في حوار بين الإمام زين العابدين عليه السلام والشبلي

ص:80

ص: 81

أسرار الحج في حوار بين الإمام زين العابدين عليه السلام والشبلي

محمد علي مقدادي

المقدمة:

لأهل بيت النبوّة والعصمة- الذين أذهب اللَّه عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً- روايات كثيرة ومواقف مملوءة بالمعارف الجليلة تخصُّ فريضة الحجّ ومناسكه، التي هي ركن من أركان الدين الإسلامي الحنيف، كما هو في الخبر الصحيح عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه وعبد اللَّه بن الصلت جميعاً، عن حمّاد بن عيسى، عن حريز بن عبد اللَّه، عن زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام قال: «بُني الإسلام على خمسة أشياء: على الصلاة، والزكاة، والحجِّ، والصوم، والولاية ...» (1).

وذكر مثل هذا الخبر فيصحاح أهل السنّة وكتبهم عن رسول اللَّهصلى الله عليه و آله وبألفاظ مختلفة، منها ما قاله الرسول الكريمصلى الله عليه و آله: «بُني الإسلام على خمس:

شهادة أن لا إله إلّااللَّه وأنّ محمداً عبده ورسوله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحجّ البيت، وصوم رمضان» (2).


1- 1 راجع: الأُصول من الكافي 2: 18، دار الكتب الإسلامية، طهران؛ وسائل الشيعة 1: 13 أبواب مقدمة العبادات، الباب 1، الحديث 2، مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث.
2- 2 راجع:صحيح مسلم بشرح الإمام النووي 1: 177، دار الفكر؛ كنز العمال 1: 28، الحديث 28، مؤسسة الرسالة، بيروت.

ص: 82

وبهذا وبغيره فإنّ ركنية الحج ثابتةٌ عند جميع المذاهب الإسلامية وبالتالي فقد حظي هذا الركن بأهمية بالغة وعظيمة- سواء في أحكامه ومناسكه أم في معارفه ومعنوياته وآثاره- على النفوس المؤمنة، ولذا فإنّ من أراد الحجّ والعمرة لابدّ له من أن لا يكتفي بمعرفة أحكامه ومناسكه ومواقفه وكيفية أدائه فحسب، بل ينبغي له التعرّف على ما يترتّب على تلك المناسك من التزامات روحية وأخلاقية لنفسه وللآخرين وعندئذٍ سيكون الحج مظهراً يجسّد الإيمان عبادةً وعملًا وقولًا، وصورةً رائعةً منصور الجمال الروحي ترافق الحاج منذ اللحظات الأُولى لهذه الفريضة المباركة وعند عودته إلى وطنه وأهله.

كم هي عبادة جميلة تلك التي تترك آثارها على الإنسان؛ على إيمانه باللَّه تعالى، وعلى سلوكه وتعامله مع الناس!

حقاً، إنّ فريضة الحج ولادةٌ جديدة للإنسان، إذا استطاع أن يعيش آثارها ومعانيها، وإذا فتح قلبه لاستقبال أنوارها (1).

إنّ الإمام زين العابدين عليه السلام بيّن للشبلي (2) مفاهيم الحج العالية؛ والآن نحن جميعاً- لا الشبلي وحده- بين يدي الإمام عليه السلام:


1- 1 هكذا في رواية نقلها العلّامة المجلسي رحمه الله: «لا يزال على الحاج نور الحج ما لم يذنب». بحار الأنوار 96: 10، مؤسسة الوفاء، بيروت.
2- 2 مع أني بذلتُ جهدي فيما تيسر لي من مصادر، لم أعثر فيها على ترجمة مناسبة للشبلي هذا، وعلى ذلك فأعتقد أنه من المجاهيل، لم يذكر في كتب رجال الحديث وتراجمهم عند الفريقين. وكل ما وجدته في خلال تتبعي هو شخص آخر يُدعى أبو بكر الشبلي البغدادي واسمه دُلَفْ بن جحدر وقيل: جعفر بن يونس وقيل: جعفر بن دُلف الذي توفي ببغداد سنة 334 عن نيّف وثمانين سنة. انظر: 1- الغدير 11: 149. 2- سير أعلام النبلاء 15: 367. 3- العبر 2: 50. 4- مستدرك سفينة البحار 5: 316. ولهذا نكتفي بذكر هذه الرواية هنا لعلوّ مضامينها ولما فيها من دروس نافعة وعبر وهي تبيّن لنا جانباً كبيراً من أسرار هذه الفريضة المقدّسة والرحلة المباركة.

ص: 83

لمّا رجع مولانا زين العابدين عليه السلام من الحجّ استقبله الشبلي.

فقال عليه السلام له: «حججت يا شبلي؟».

قال: نعم، يابن رسول اللَّه.

فقال عليه السلام: «أَنَزلْتَ الميقات وتجرّدت عن مخيط الثياب واغتسلت؟».

قال: نعم.

قال عليه السلام: «فحين نزلت الميقات نويت أنك خلعت ثوب المعصية، ولبست ثوب الطاعة؟».

قال: لا.

قال عليه السلام: «فحين تجرّدت عن مخيط ثيابك، نويت أنّك تجرّدت من الرياء والنفاق والدخول في الشبهات؟».

قال: لا.

قال عليه السلام: «فحين اغتسلت نويت أنّك اغتسلت من الخطايا والذنوب؟».

قال: لا.

قال عليه السلام: «فما نزلت الميقات، ولا تجرّدت عن مخيط الثياب، ولا

ص: 84

اغتسلت!».

ثم قال عليه السلام: «تنظّفت، وأحرمت وعقدت بالحج؟».

قال: نعم.

قال عليه السلام: فحين تنظّفت وأحرمت وعقدت الحج، نويت أنّك تنظّفت بنورة (1) التوبة الخالصة للَّه تعالى؟».

قال: لا.

قال عليه السلام: «فحين أحرمت نويت أنّك حرّمت على نفسك كلّ محرّم حرّمه اللَّه عزّوجلّ؟».

قال: لا.

قال عليه السلام: «فحين عقدت الحجّ نويت أنّك قد حللت كلّ عقد لغير اللَّه؟».

قال: لا.

قال له عليه السلام: «ما تنظّفت ولا أحرمت، ولا عقدت الحج!».

قال له عليه السلام: «أدخلت الميقات وصلّيت ركعتي الإِحرام ولبّيت؟».

قال: نعم.

قال عليه السلام: «فحين دخلت الميقات، نويت أنك بنيّة الزيارة؟».

قال: لا.

قال عليه السلام: «فحينصلّيت الركعتين، نويت أنّك تقرّبت إلى اللَّه بخير الأعمال من الصلاة، وأكبر حسنات العباد؟».

قال: لا.

قال عليه السلام: «فحين لبّيت، نويت أنك نطقت للَّه- سبحانه- بكلّ طاعة، وصمت عن كلّ معصية؟».

قال: لا.

قال له عليه السلام: «ما دخلت الميقات، ولاصلّيت، ولا لبّيت!».

ثم قال له عليه السلام: «أدخلت الحرم ورأيت الكعبة وصلّيت؟».

قال: نعم.

قال عليه السلام: «فحين دخلت الحرم، نويت أنّك حرّمت على نفسك كلّ غيبة تستغيبها المسلمين من أهل ملّة الإِسلام؟».

قال: لا.


1- 1 في نسخة: بنور.

ص: 85

قال عليه السلام: «فحين وصلت مكّة، نويت بقلبك أنّك قصدت اللَّه؟».

قال: لا.

قال عليه السلام: «فما دخلت الحرم، ولا رأيت الكعبة، ولاصليت!».

ثم قال: «طفت بالبيت، ومسست الأركان، وسعيت؟».

قال: نعم.

قال عليه السلام: «فحين سعيت نويت أنّك هربت إلى اللَّه، وعرف منك ذلك علّام الغيوب؟».

قال: لا.

قال عليه السلام: «فما طفت بالبيت، ولا مسست الأركان، ولا سعيت!».

ثم قال له عليه السلام: «صافحت الحجر، ووقفت بمقام إبراهيم عليه السلام، وصلّيت به ركعتين؟».

قال: نعم.

فصاح عليه السلامصيحة كاد يفارق الدنيا ثم قال: «آه آه».

ثم قال عليه السلام: «منصافح الحجر الأسود، فقدصافح اللَّه تعالى، فانظر يا مسكين! لا تضيّع أجر ما عظم حرمته، وتنقض المصافحة بالمخالفة، وقبض الحرام نظير أهل الآثام».

ثم قال عليه السلام: «نويت حين وقفت عند مقام إبراهيم عليه السلام، أنك وقفت على كلّ طاعة، وتخلّفت عن كلّ معصية؟».

قال: لا.

قال عليه السلام: «فحينصلّيت فيه ركعتين، نويت أنكصلّيت بصلاة إبراهيم عليه السلام، وأرغمت بصلاتك أنف الشيطان؟».

قال: لا.

قال له عليه السلام: «فماصافحت الحجر الأسود، ولا وقفت عند المقام، ولاصلّيت فيه ركعتين!».

ثم قال عليه السلام له: «أَشْرَفْتَ على بئر زمزم، وشربت من مائها؟».

قال: نعم.

قال عليه السلام: «نويت (1) أنّك أشرفت على الطاعة، وغضضت طرفك عن المعصية؟».

قال: لا.


1- 1 في نسخة: أنويت.

ص: 86

قال عليه السلام: «فما أشرفت عليها، ولا شربت من مائها!».

ثم قال له عليه السلام: «أسعيت بين الصفا والمروة، ومشيت وتردّدت بينهما؟».

قال: نعم.

قال له عليه السلام: «نويت أنّك بين الرجاء والخوف؟».

قال: لا.

قال عليه السلام: «فما سعيت، ولا مشيت، ولا ترددت بين الصفا والمروة!».

ثم قال عليه السلام: «أخرجت إلى منى؟».

قال: نعم.

قال عليه السلام: «نويت أنك آمنت الناس من لسانك وقلبك ويدك؟».

قال: لا.

قال عليه السلام: «فما خرجت إلى منى!».

(ثم) قال له عليه السلام: «أوقفت الوقفة بعرفة، وطلعت جبل الرحمة، وعرفت وادي نمرة، ودعوت اللَّه- سبحانه- عند الميل والجمرات؟».

قال: نعم.

قال عليه السلام: «هل عرفت بموقفك بعرفة معرفة اللَّه- سبحانه- أمر المعارف والعلوم، وعرفت قبض اللَّه علىصحيفتك واطّلاعه على سريرتك وقلبك؟».

قال: لا.

قال عليه السلام: «نويت بطلوعك جبل الرحمة، أن اللَّه يرحم كلّ مؤمن ومؤمنة، ويتولى كلّ مسلم ومسلمة؟».

قال: لا.

قال عليه السلام: «فنويت عند نمرة أنّك لا تأمر حتى تأتمر، ولا تزجر حتى تنزجر؟».

قال: لا.

قال عليه السلام: «فعندما وقفت عند العَلَم والنمرات، نويت أنها شاهدة لك على الطاعات، حافظة لك مع الحفظة بأمر ربّ السموات؟».

قال: لا.

ص: 87

قال عليه السلام: «فما وقفت بعرفة، ولا طلعت جبل الرحمة، ولا عرفت نمرة، ولا دعوت، ولا وقفت عند النمرات!».

ثم قال عليه السلام: «مررت بين العلمين، وصلّيت قبل مرورك ركعتين، ومشيت بمزدلفة، ولقطت فيها الحصى، ومررت بالمشعر الحرام؟».

قال: نعم.

قال عليه السلام: «فحينصلّيت ركعتين، نويت أنّهاصلاة شكر في ليلة عشر، تنفي كلّ عسر، وتيسر كلّ يسر؟».

قال: لا.

قال عليه السلام: «فعندما مشيت بين العلمين ولم تعدل عنهما يميناً وشمالًا، نويت أن لا تعدل عن دين الحقّ يميناً وشمالًا لا بقلبك، ولا بلسانك، ولا بجوارحك؟».

قال: لا.

قال عليه السلام: «فعندما مشيت بمزدلفة، ولقطت منها الحصى، نويت أنّك رفعت عنك كلّ معصية وجهل، وثبّت كلّ علم وعمل؟».

قال: لا.

قال عليه السلام: «فعندما مررت بالمشعر الحرام، نويت أنّك أشعرت قلبك إشعار أهل التقوى والخوف للَّه عزّوجلّ؟».

قال: لا.

قال عليه السلام: «فما مررت بالعلمين، ولاصلّيت ركعتين، ولا مشيت بالمزدلفة، ولا رفعت منها الحصى، ولا مررت بالمشعر الحرام!».

ثم قال له عليه السلام: «وصلت منى ورميت الجمرة، وحلقت رأسك، وذبحت هديك، وصلّيت في مسجد الخيف، ورجعت إلى مكّة، وطفت طواف الإِفاضة؟».

قال: نعم.

قال عليه السلام: «فنويت عندما وصلت منى، ورميت الجمار، أنّك بلغت إلى مطلبك، وقد قضى ربّك لك كلّ حاجتك؟».

قال: لا.

قال عليه السلام: «فعندما رميت الجمار،

ص: 88

نويت أنّك رميت عدوّك إبليس وغضبته بتمام حجّك النفيس؟».

قال: لا.

قال عليه السلام: «فعندما حلقت رأسك، نويت أنك تطهّرت من الأدناس ومن تبعة بني آدم، وخرجت من الذنوب كما ولدتك أُمّك؟».

قال: لا.

قال عليه السلام: «فعندماصلّيت في مسجد الخيف، نويت أنك لا تخاف إلّا اللَّه- عزّوجلّ- وذنبك، ولا ترجو إلّا رحمة اللَّه تعالى؟».

قال: لا.

قال عليه السلام: «فعندما ذبحت هديك، نويت أنّك ذبحت حنجرة الطمع بما تمسكت به من حقيقة الورع، وأنك اتّبعت سنّة إبراهيم عليه السلام بذبح ولده وثمرة فؤاده وريحان قلبه، وحاجه (1) سنّته لمن بعده، وقرّبه إلى اللَّه تعالى لمن خلقه؟».

قال: لا.

قال عليه السلام: «فعندما رجعت إلى مكّة وطفت طواف الإِفاضة، نويت أنّك أفضت من رحمة اللَّه- تعالى- ورجعت إلى طاعته، وتمسّكت بودّه، وأدّيت فرائضه، وتقرّبت إلى اللَّه تعالى؟».

قال: لا.

قال له زين العابدين عليه السلام: «فما وصلت منى، ولا رميت الجمار، ولا حلقت رأسك، ولا أدّيت (2) نسكك، ولاصلّيت في مسجد الخيف، ولا طفت طواف الإِفاضة، ولا تقرّبت، ارجع فإنك لم تحجّ!».

فطفق الشبلي يبكي على ما فرّطه في حجّه، وما زال يتعلّم حتى حجّ من قابل بمعرفة ويقين، انتهى (3).


1- 1 كذا في المخطوط، والظاهر أنّصوابه «وأحييت».
2- 2 في نسخة: ذبحت.
3- 3 مستدرك الوسائل 10: 166- 172 نقلًا عن كتاب شرح النخبة.

ص: 89

الهوامش:

المنسك الكبير

ص: 90

المنسك الكبير

تأليف الشيخ السعيد الشهيد محمد بن مكّي، شمس الدين، العاملي

تحقيق: محمد الإسلامي اليزدي

الشهيد الأوّل في سطور

ولادته- واستشهاده:

وُلِد باتّفاق المؤرخين في سنة (734) للهجرة النبوية (1).

واستُشْهِدَ مظلوماً يوم الخميس تاسع جمادى الأولى عام (786) بدمشق، بعد ما حُبِسَ مدة سنة قدس اللَّه نفسه الزكيّة.

اسمه ولقبه ونسبه:

هو: الشيخ الشهيد السعيد أبو عبداللَّه محمدُ بن مكّي العامليّ، الملقّب ب «شمس الدين» والمشهور ب «الشهيد الأوّل».

شخصيّته العلمية:

إنّ من الصعب محاولة استيعاب شخصيّة الشهيد العلميّة، حيث إنّه أكبر فقهاء الشيعة على مرّ التاريخ، ولاتزال آثاره القيّمة مطرحاً للأنظار، ومناراً للاستفادة في الحوزات العلمية،صار البعض منها مادّة دراسية لايستغني عنها طلّاب العلم وعلماء الحوزة.


1- 1 حياة الإمام الشهيد الأوّل: 37.

ص: 91

تُرجِمَ الشهيدُ الأوّل في أكثر مصادر الترجمة وقد عدّ فضيلة المحقق الشيخ رضامختاري (57) مصدراً منها (1).

وإليك نموذجاً مما ورد في كلمات الأعلام في حقّه.

قال شيخُه فخر الدين في إجازته له عام «759): أفضل علماء العالم (2).

وقال شيخه الكرماني القرشي في إجازته له عام (758):صاحب الفضلين (3).

وقال شيخه عبد الصمد شيخ دار الحديث ببغداد في إجازته له: الفقيه البارع الورع (4).

وقال المحقّق الكركي في وصفه:

عَلَم الفُقهاء، أفضل المتقدّمين والمتأخّرين، مُهذّب المذهب، فقيه أهل البيت (5).

وقال العلّامة السيّد الأمين: من مفاخر الشيعة، يضرب المثل بفقاهته (6).

وقال العلّامة الأميني: لم يزل فقهه مُستقى علماء الإمامية في نظرياتهم، وكتبه مرجع فقهائهم، وأنظاره العلمية مرتكز آرائهم، وشهرته في الفقه والأُصول أظهر من أن تخفى، فلا أُطيل الثناء فأكون «كناقل التمر إلى هَجَر» (7).

هذا، وغلب الجانب الفقهي على ثقافة شيخناالشهيد، فكلّ مَنْ ترجم الشهيد ذكره بالفقه والفقاهة.

فهو: «الفقيه» على الإطلاق (8) و «الفقيه البارع»، والشيخ (9) «الفقيه»، «فقيه» أهل البيت في زمانه (10)، و «علم الفقهاء» (11)

، وكان «فقيهاً مجتهداً» (12)

، و «فقيهاً محدثاً» (13)

و «أفقه» جميع «فقهاء» الآفاق (14)، وأُستاد «فقهاء» الأنام (15)، و «أفقه الفقهاء»، ووصف بأنّه: «فقيه عظيم» (16).

الرسالتان (المنسك الكبير والمنسك الصغير):

قد ذكر الشهيد في إجازته لابن نجدة سنة (770 ه) «خلاصة الاعتبار» بقوله: «فمّما سمعه عليّ من مصنفاتي كتاب ... خلاصة الاعتبار في


1- 1 مقدمة «غاية المراد في شرح الإرشاد» 1: 70- 74.
2- 2 بحار الأنوار 104: 178.
3- 3 بحار الأنوار 104: 183.
4- 4 بحار الأنوار 106: 72.
5- 5 بحار الأنوار 105: 42.
6- 6 اعيان الشيعة 10: 59.
7- 7 شهداء الفضلية: 81.
8- 8 الكنى والألقاب 2: 346.
9- 9 بحار الأنوار 106: 72.
10- 10 بحار الأنوار 105: 42.
11- 11 لؤلؤة البحرين: 143- 144.
12- 12 أمل الآمل 1: 181.
13- 13 روضات الجنات 7: 3- 4.
14- 14 شفاء الصدور: 6- 7.
15- 15 خاتمة «مستدرك الوسائل» 3: 437- 438.
16- 16 أعيان الشيعة 10: 59.

ص: 92

الحجّ والاعتمار» (1).

وذكر الشهيد رسالة في الحجّ في إجازته لابن الخازن سنة (784 ه) حيث قال وهو يعدّ مؤلفّاته: «ومن ذلك رسالة تشتمل على مناسك الحجّ مختصرة جامعة» (2).

وأشار إلى الرسالة أيضاً في كتابه «غاية المراد» حيث قال:

وقد كنتُ ذكرتُ في رسالة: «أن الإحرام هو توطين النفس على ترك المنهيّات المعهودة إلى أن ياتي بالمناسك» (3).

وهذا المطلب موجود في رسالتنا هذه (4).

ونسبت رسالتان إلى الشهيد الأوّل في موضوع مناسك الحجّ في فهارس النسخ المخطوطة، وقد جاء التعبير عن إحداهما بالمنسك الكبير، وعن الأخرى بالمنسك الصغير. وذكر للشهيد كتاب باسم خلاصة الاعتبار في الحجّ والاعتمار.

وبعد مراجعتنا للنسخ وجدنا:

1- أنّ النسخة التي نقدّمها أوّلًا هي أكبر حجماً وأكثر تفصيلًا بينما الثانية أخصر.

2- وجدنا في النسخة الكبيرة إجازة السيد إبراهيم الحسيني البحراني، وقد ذكر فيها «أنهاه ... قراءةً وبحثاً ...

وكذا منسك الشيخ الشهيد- الصغير» وهذا يدل على أنّ هذه النسخة هي المنسك الكبير.

3- وجدنا في نفس المجموعة نصّ المنسك الصغير، وهو مطابق للنسخة التي كانت عندالسيد الأمين، وأثبتها كلّها في كتاب معادن الجواهر (5).

وقد ذكر العلّامة الطهراني تحت عنوان «خلاصة الاعتبار» مواضع النسخ ومنها نسخة الامين (6)مما يدلّ على اعتقاده، بأنّ «المنسك الصغير» هو «خلاصة الاعتبار».

4- ذكر الاستاذ السيد حسين المدرسي في مؤلفات الشهيد «المنسك الكبير» وأرشد إلى نسخة مكتبة


1- 1 بحار الأنوار 104: 195.
2- 2 بحار الأنوار 104: 187- 188.
3- 3 غاية المراد 1: 389.
4- 4 انظر: 31.
5- 5 معادن الجواهر 1: 296- 303.
6- 6 الذريعة إلى تصانيف الشيعة 7: 214/ 1038.

ص: 93

ملك (1)، وهي من النسخ التي اعتمدنا عليها في تحقيق الرسالة الكبيرة؛ وذكر «خلاصة الاعتبار» وأرشد إلى نسختين في مجلس سنا ومكتبة المحيط طهران (2).

وقد جاء في نهاية نسخة ملك برقم (14/ 2147) التي اعتَمدناها ما نصه: «ويتلوه المنسك الصغير للشهيد».

وقد راجعنا نسخة المجلس فوجدناها مطابقة للمنسك الصغير.

فتحصل أنّ للشهيد الأوّل منسكاً كبيراً وهو ما نقدمه في هذا العدد، وآخر منسكاًصغيراً وهو المسمّى ب «خلاصة الاعتبار» وهو ما نقدمه ثانياً.

النسخ المعتمدة

النسخ المعتمدة

وجدنا للرسالة الكبيرة ثلاث نسخ:

1- نسخة مكتبة مَلِك العامة طهران: في مجموعة برقم (14/ 2147) ذكرت باسم «المنسك الكبير» في 16صفحة. وكاتبها: يحيى بن حسين بن حسن بن ناصر سلمابادي سنة 908 ه.

والنسخة جاء في آخرها تاريخ تأليف الشهيد الأُول للرسالة، وأنها كتبت بالحلة شهر شوال سنة خمس وستين وسبعمائة.

وهي نسخة قيّمة، حسنة الخط،صحيحة، وعليها تعليقات، ورمزنا لها ب «ك».

2- نسخة مكتبة السيد آية اللَّه المرعشي (ره) بقم. ضمن مجموعة برقم (3307) منصفحه 36- 138.

وجاء في آخرها كتب بالحلة في شهر شوال سنة خمس وستين وسبعمائة. هذا آخر كلام المصنف.

وكاتب المجموعة هو «محمد بن حسن بن أحمد بن فرج بن أحمد بن حسن بن مبارك الأوالي السهلاولي، كتبها في السنوات (942- 947 ه) وعلى هامش آخرصفحة من بعض رسائل المجموعة بلاغ هذا نصه: «بلغ قراءة وفقه اللَّه».


1- 1 مقدمه اى بر فقه شيعه: 150/ 125.
2- 2 مقدمه اى بر فقه شيعه: 148/ 121.

ص: 94

وفي هامش نهاية رسالتنا هذه إجازة كتبها شيخ كاتب النسخة له، بعد إنهائه قراءتها عليه، مع مجموعة من الكتب، جاء اسمها في الإجازه:

والمجيز هو: السيّد إبراهيم بن إسماعيل بن عبداللَّه الحسيني الأوالي.

وهذا نصّها:

«أنهاه أيدهُ اللَّه- وهو الشيخ الفاضل العالم العامل، عمدة الأصحاب الأجلاء، الشيخ الأعظم والولد الأعزّ الأكرم: محمد بن حسن بن أحمد بن فرج، أدام توفيقه [في] الدنيا والآخرة، بمحمد [وآله] الطاهرين، قراءة وبحثاً.

وكذا قرأ علي «منسك» شيخنا الشيخ العلّامة علي بن عبد العالي قدس اللَّه روحه ونور ضريحه.

وقد أجزت له العمل بهما، وقراءتهما وكذا «منسك الشيخ الشهيد الصغير» لمن شاء وأحب وأراد، محتاطاً لي ولشيخي.

وكتب العبد الأقل إبراهيم بن إسماعيل الحسيني، غفراللَّه له ولوالديه، ولجميع المؤمنين والمؤمنات، إنه غفور رحيم.

وكذا حاشية الشيخ علي بن عبد العالي على الألفية، الكبيرة، على النهج المتقدّم، باللَّه التوفيق»

وهذه النسخة المرعشية، من أتمّ النسخ وأضبطها وأصحّها، ورمزنا لها ب «ن» والحمد للَّه على توفيقه.

3- نسخة مكتبة فخر الدين النصيري الخاصّة.

جاء في آخرها: «تمّ منسك الشيخ الفاضل الكامل الأجلّ محمّد بن مكّي وهو الشهيد الأوّل تغمده اللَّه بغفرانه وأسكنه أعلى جنانه- على يد العبد الضعيف المذنب، الراجي رحمة ربه الغنيّ، محمّد بن فتح اللَّه البسطامي- عُفي عنهما يوم الخميس تاسع شهر رمضان المبارك سنة (1006، ألف وست) بدار السلطنة قزوين» ورمزنا لها ب «ص».

العمل في الرسالة:

سعياً في تقديم نسخة محقّقة قمنا

ص: 95

بمايلي بعد هذه المقدمة:

1- مقابلة النسخ الموجودة التي ذكرناها.

2- انتخاب النصّ المضبوط.

3- تنقيط النصّ وتقطيعه.

4- تعيين مواضع الآيات القرآنية، وتخريح الأحاديث الشريفة من المصادر.

5- وضع الفهارس.

وهنا أُقّدم شكري لأُستاذي السيّد محمّد رضا الحسيني الجلالي لتوجيهه وإشرافه على العمل، وإرشاداته القيّمة حوله، وإلى الأخ المحقّق الشيخ رضا مختاري لتقديمهصورة من نسخة مكتبة النصيري.

ونشكر مسؤولي مكتبة مَلِكْ ومكتبة السيد آية اللَّه المرعشي قدس سره، لتسهيلهم أمر مراجعة النسخ المخطوطة، وتصويرها، وفقهم اللَّه جميعاً لخدمة العلم والعلماء والترات الإسلامي المجيد.

المنسك الكبير

المنسك الكبير

اللَّه أحمدُ على جميع فرايضه وسُننه، وإيّاه أشكر على حسن توفيقه ومننه، وأسأله المزيد من فضله في سرّه وعلنه، والإعانة على الإبانة لمناسك حجّ بيته الحرام، وإنجاز خلاصة محتومها بأوجز كلام.

وأُصلّي على سيّدنا محمّد، الداعي إلى الإيمان، الهادي لصراط الرحمان، وآله المقتفين هديهُ ورشدَه، والمجتهدينصَدْره، ووِرْده.

وبعدُ: فهذه «الرسالة» في فرض الحجّ والعمرة، مجردةً عن دليلٍ، وهي مبنيّة على مقدّمةٍ، ومقالتين، وتكميلٍ.

فالمقدمة في حدّه، وغايته، ونَبْذٍ من الترغيب فيه.

والمقالة الأُولى في أفعال عمرة التمتّع، والإفراد.

ص: 96

والمقالة الثانية في أفعال الحجّ.

والتكميل في زيارة البشير النذير، وأهل بيته المخصوصين بالتطهير.

كمال الحجّ أن تقف المطايا على ليلى وتقرئها السلاما (1) أمّا المقدّمة

فالحجّ لغة: القصدُ المطلق.

ويُطلق على الغلبة، ومنه الحُجة (2).

ومن الأوّل المحجّة؛ لأنّها طريق القصد، وربما رجعت إليه الحُجة، باعتبار مّا.

وشرعاً: اسمٌ لجميع المناسك المؤداة في الميقات، ومكة، والمشاعر، للقُربة.

وهو أولى من جعله اسماً للقصد إلى بيت اللَّه لأدائها، لمبادرة المعنى الأوّل إلى فهم أهل الاصطلاح، وهو آيةٌ في الحقيقة.

ولايُشْكَل بأنّ التخصيص خيرٌ من النقل، لأنّه إنّما رُجّح لعدم ثبوت النقل، وسبق الفهم يُحَقِّقُهُ.

وغايته: تكميلُ النفس في قُوّتها العمليّة بتحصيل السعادة الأبديّة.

ووجوبُه من ضروريّات الدين، ومُستحلّ تركهِ كافرٌ إجماعاً، والآية الكريمة (3) ناطقة بهما.

وفيها ضروبٌ من التأكيد، مبيّنة فيصناعة المعاني.

وفي الخبر النبويّ بطريق أهل البيت عليهم السلام فيمن وجب عليه الحجّ ولم يحُجَّ، «فليمُت إن شاء يهوديّاً وإن شاء نصرانياً» (4).

وهو محمولٌ على النفي الكليّ، مع الاستحلال للترك.

والتخييرُ فيصِنف الميتةِ للمبالغة في الحكم بالكفر.


1- 1 هكذا جاء هنا هذا البيت من الشعر في النسخ كلّها.
2- 2 لسان العرب 1: 570- 569.
3- 3 قوله تعالى: «وللَّه على الناس حجّ البيت مَن استَطاعَ إليه سبيلًا ومَن كَفَرَ فَإنَّ اللَّه غنىٌّ عن العالَمينَ» آل عمران: 97.
4- 4 التهذيب 5: 462/ 1610.

ص: 97

وخَصَّ هاتين الميتتين حذفاً لغيرهما من درجة الاعتبار، وتقريعاً لهما وتوبيخاً. «قل هل يَستَوي الّذين يعلمونَ والذين لا يعلمونَ» (1).

ووجوبه فوري؛ إجماعاً من الفرقة الُمحِقّةِ، وتأخيره كبيرةٌ مُوْبقة.

وتأخيرُ النبيّصلى الله عليه و آله عن عام النُزول؛ لعدم الشرط، ولأنَّ التأخير أعمّ من الاستقرار، ولا دلالة للعامّ على الخاصّ المعيّن.

وأمّا ثوابه: فناهيك به أنّه جَمع بين أصناف أكثر العبادات، مع اشتماله على رُكُوب الأهوال، وفراق الأهل، وعلى التوكّل والتفويض، وقطع العلائق، وذكر سفر الآخرة.

وقد روي عن النبىّصلى الله عليه و آله بطريق أهل البيت عليهم السلام في ذلك ما لايُحصَى:

فمن ذلك بطريق الإمام المعصوم أبي عبداللَّه جعفر بن محمّد الصادق عليهما السلام:

«من حَجّ هذا البيتَ بِنيّةٍصادقةٍ جعله اللَّه- تعالى- مع الرفيق الأعلى من النبيّين والشهداء والصالحين، وحَسُنَ أُولئك رفيقاً.» (2)وعن النبيّصلى الله عليه و آله: «إنّك إذا توجّهتَ إلى سبيل الحجّ، ثمّ ركبتَ راحلتك وقُلتَ: بسم اللَّه الرحمن الرحيم ومضت بك الراحلةُ، لم تضع راحلتُك خُفاً ولم ترفع خفّاً إلّا كتب اللَّه لك بكلّ خطوة حسنةً، ومحاعنك سيّئةً، فإذا أحرمتَ ولبيتَ كتب اللَّه لك بكل تلبيةٍ عشر حسناتٍ، ومحاعنك عشر سيّئاتٍ، فإذا طُفْتَ أُسبوعاً كان لك بذلك عنداللَّه عَهدٌ وذِكْرٌ يستحي أنْ يعذّبَك بعده، فإذاصلّيتَ ركعتين عند المقام، كتبَ اللَّه لك بهما ألْفَ ركعةٍ مقبولة.

وإذا سعيتَ بين الصفا والمروة سبعة أشواطٍ، كان لك عند اللَّه- عزّ وجلّ- مثلُ أجر مَنْ حجّ ما شياً من بلاده، ومثلُ أجر مَنْ أعتق سبعين رقبةً مؤمنةً.

وإذا وقفتَ بعرفات إلى غُروب الشمس فلو كان عليك من الذنوب مثلُ رَمْل عالِجٍ، وزَبَد البحر، لغفرها اللَّه لكَ.


1- 1 الزمر: 9.
2- 2 من لايحضره الفقيه 2: 152/ 664.

ص: 98

فإذا رميتَ الجِمارَ كتبَ اللَّهُ لك بكلّ حَصاةٍ عشر حسناتٍ.

فإذا ذبحتَ هَدْيك كتبَ اللَّه لك بكل قطرة من دمها حسنةً.

فإذا طُفْتَ بالبيت أُسبوعاً للزيارة، وصلّيتَ عند المقام ركعتين؛ ضربَ مَلَكٌ كريمٌ بين كتفيكَ: أمّا ما مضى فقد غُفِر لك» (1).

وعن النبيّصلى الله عليه و آله بطريق مولانا الصادق عليه السلام: «الحَجّةُ ثوابُها الجَنّةُ، والعُمرة كفارة ذنبٍ» (2).

وعنهصلى الله عليه و آله: «مَن أرادَ دُنياً وآخرةً فَلْيَؤمَّ هذا البيت» (3).

وعن مولانا الصادق عليه السلام: «مَن حجَّ حجّة الإسلام فقد حَلّ عقدةً من النار من عُنقه، ومَنْ حجَّ حجّتين لم يزل في خيرٍ حتى يموتَ، ومَنْ حجّ ثلاث سنين جُعِلَ في نعيم الجّنة، ومَنْ حجَّ أربَع سنين لم يُصبه ضَغَطةُ القبر أبداً» (4).

وغير ذلك من الأحاديث.

ووجوبه: مرّة على الكامل الحرّ، ولو أذن السيّدُ.

ولو كَملُ وأُعِتقَ قبل أحَد الموقفين تَمّ حجّهُ.

بشرط:

الاستطاعة، التي هي: «الزاد، الراحلة» في المفتقر إلى قطع المسافة- مطلقاً، المتمكن من المسير-.

ونفقة واجب النفقة، ذَهاباً وعَوْداً.

ومن شرطصحّته: النيّةُ، ومن ثَمَّ لم يقع من الكافر مطلقاً، ولا من غير المميّز مُباشرةً؛ لعدم الإتيان بهما (5) على الوجه. وحيث لا وجوب لا إجزاء عندنا.

ويستحبُّ قطع العلائق، واختيار يومصالح، ورفيقصالح.

وينبغي التوبة إلى اللَّه- تعالى- من المعاصي، وصلاة ركعتين أمام التوجّه،


1- 1 من لايحضره الفقيه 2: 130/ 551؛ التهذيب 5: 20/ 57.
2- 2 من لايحضره الفقيه 2: 142/ 620.
3- 3 من لايحضره الفقيه 2: 141/ 614.
4- 4 من لايحضره الفقيه 2: 139- 140/ 603- 606.
5- 5 كذا ظاهر النسخ، ولعل الصواب: «لهما» أي للكافر وغير المميّز.

ص: 99

والدعاء بعدَهما، والوقوف على بابه مستقبلَ الطريق، واليمين، واليسار، قارئاً فاتحة الكتاب، وآية الكرسيّ في الثلاث، والدعاء بالمنقول، والبسملة (1) عند الركوب، والذكر والدعاء حال الاستقرار (2) والسير والنزول، والإكثار من تلاوة القرآن، وحُسنُ الخلق، وبذل الزاد والماء والمعونةِ (3) للرفيق، وصلاة ركعتين في كلّ منزل عند نزوله وارتحاله، والدعاء عند مُشاهدة المنازل والقُرى.

المقالة الأولى: في أفعال العمرة

المقالة الأولى: في أفعال العمرة

وهي أربعة، وفي المفردة خمسة:

الأوّل: (الإحرام)

ومعناه: توطينُ النفس على اجتناب الصيد، والنساء والطيب على العموم، والاكتحال بالسواد، وبما فيه طيبٌ، وإخراج الدم، وقصّ الأظفار، وإزالة الشعر، وقطع الشجر والحشيش النابتين في الحرم، إلّافي ملكه، وإلّا الأُذْخُر والمحالة وشجر الفواكه، والكذب، والجدال، وقتل هوامّ الجسد.

ولبس المخيط للرجل والخنثى، والخُفّين وما يستر ظهر القدم له، ولبس الخاتَم للزينة، والحُليّ للمرأة إلّاأن يكون مُعتاداً فيحرم عليها إظهاره للزوج وغيره، والحناء للزينة، وتغطية الرأس للرجل والوجه للمرأة، والتظليل للرجل سائراً اختياراً على الأصحّ، ولبس السلاح بَعْدَ التلبية إلى (4) أن يأتي بالمحلّل من الأفعال.

وكيفيّتُه: أنْ ينويَ من الميقات بعدَ لبس ثوبي الإحرام: «أحْرمُ بالعمرة المتمتَّع بها إلى الحجّ- حجّة الإسلام حجّ التمتع- لوجوب الجميع، قُربةً إلى اللَّه»

«لَبْيّك اللهم لَبيّك، لبيّك، إنّ الحمدَ والنعمة والملكَ لك، لا شريك لك


1- 1 في «ن» و «ك» الدعاء.
2- 2 في نسخة «ن»: عند الاستقبال.
3- 3 في «ص» و «ك»: المُعْوَزْ.
4- 4 كذا الظاهر، وكان في النسخ «إلّا» ووجه الاستظهار: إنّ قوله «بعد التلبية» متعلق بقوله: «اجتناب ...» في تعريف الإحرام، والمراد: «إن الإحرام هو توطين النفس على اجتناب محرّمات الإحرام بعد التلبية، إلى أن يخرج المحرم من الإحرام بفعل المحلل» وهذا أظهر مما لو كانت الكلمةُ «إلّا» حيث يستلزم عدم ذكر منتهى لأمد الاجتناب، وكذلك يستلزم أن يكون الاستثناء منقطعاً، وقد جاءت كلمة «إلى» بدلا من «إلا» في المنسك الصغير للمؤلف الذي أثبت نفس النصّ فيه. وكذلك في غاية المرام 1/ 389 حيث جاءت العبارة التالية «إنّ الإحرام هو توطين النفس على ترك المنهيات المعهودة، إلى أن يأتي بالمناسك» والحمد للَّه وكتب السيد محمد رضا الحسيني الجلالي.

ص: 100

لبيّك» (1).

وفي هذه النيّة قيود:

الأوّل

«أحرم»

أيْ أُوطّنُ نفسي على ترك الأُمور المذكورة آنفاً.

الثاني

«بالعمرة»

وهي لُغةً: الزيارة (2).

وشرعاً: أداء المناسك المخصوصة، أو زيارة البيت مُحرماً للطواف والسعي.

والثالث

«المتمتّع بها»

أي التي يتخلّل بينها وبين الحجّ رفاهيةٌ ودَعَةٌ من «التمتُّع» الذي هو الالتذاذُ والانتفاعُ.

الرابع

«إلى الحجّ»

أي يستمرّ بها الانتفاع إلى، أو التي يحصل بها انتقاع بالثواب إلى وقت الحجّ سابق عليه.

وبه تخرج المفردة كما خرج بالعمرة الحجُّ.

الخامس

«إلى حجّ الإسلام»

وبه تتميّز العُمرة المتمتّع بها عن حجّ النَذْر وشبهه.

السادس

«حجّ التمتّع»

وبه يخرج ما يتمتّع بها إلى حجّ الإسلام- حجِّ القران، أو حجِّ الإفراد- فإنّه وإن لم يكن مشروعاً إلّا أنّه متصوّر.

السابع

«لوجوب الجميع»

وبه يمتاز عن الندب.

ووجه الوجوب: هو اللطف في التكليف العقلي، أو شكر النعمة، على اختلاف الرأيين، كما بيّناه في «رسالة التكليف» (3).

الثامن

«قربة إلى اللَّه»

وهو غاية الفعل المتعبد به، والمراد بها موافقة إرادة اللَّه تعالى سبحانه، والتقريب إلى رضاه، قُرْبَ الشَرَفِ، لا التشرُف (4).

ومعنى

«لَبَّيْكَ»

: إجابةً بعد إجابةٍ لك يا ربّ، وإخلاصاً بعد إخلاصٍ، وإقامة على طاعتك بعد إقامةٍ، على اختلاف تفسيره.

ومعنى

«الّلهُمَ»

: يا اللَّهُ.


1- 1 بهذه الصيغة أثبت التلبية المؤلف في الدروس: 67، وقد ذكرها السيدصاحب العروة منصور التلبية وهي ثالثتها في العروة الوثقى: 521.
2- 2 لسان العرب 4: 883.
3- 3 من كتب المؤلف.
4- 4 يعنى قرب المجد، لا العلوْ المكانيّ وفي «ك» الشَرَف لا الشَرْف.

ص: 101

وتتعيّن هذه اللفظة؛ فلو بَدَّلها بمرادفها لم يُجزِه.

وكذا باقي ألفاظ التلبية.

وُ تكْسَرُ «إنَّ» على الاستيناف، وتفتح بنزع الخافض.

والأوّل يقتضي تعميمَ التلبية، والثاني تخصيصها، فالأوّلُ أولى، وهو معنى قول أبي العبّاس النحوي: «مَنْ فَتَحَ خَصّ، ومَنْ كَسَر فقد عمّ». (1) لطيفة:

قال بعض علمائنا: إنّ هذه التلبية جوابٌ للنداء المذكور في قوله عزّ وجلّ:

«وَأذّنْ في النّاس بالحجّ» (2).

وفيه تذكير بالميثاق القديم، وفي «لاشريك له» إرغام لمعاطَس الجاهلية، الذين كانوا يُشركون الأصنام والأوثان بالربّ.

وفي تكرار لفظها بَعْثٌ للقلب على الإقبال على خالص الأعمال، وتلافٍ لما لَعلّهُ وَقَعَ من إخلالٍ، كتكرار الركعات والتسبيحات والتكبيرات.

ويستحب الإكثار منها، ومن التلبيات الأُخَر المستحبّة، وخُصوصاً

«لَبّيكَ ذا المَعارِج لبّيكَ».

والباقي:

«لَبّيْكَ داعياً إلى دارالسلام لَبّيْك، لَبّيْكَ غَفّار الذُنوب، لَبّيْكَ أهلَ التلبيةِ لَبّيْك، لَبّيْك ذا الجلال والإكرام لَبّيْكَ، لَبّيْكَ تُبْدَئُ والمَعاد إليك لَبّيْكَ، لَبيّك تستغني ويفتقر إليك لبيّك، لَبّيْكَ مَرْهُوباً ومرغوباً إليك لَبّيْكَ، لَبّيْكَ إلهَ الحَقّ لَبّيْكَ، لَبّيْكَ ذالنَعْماءِ والفضلِ الحَسَنِ الجَميلِ لَبّيْكَ، لَبّيْكَ كشّاف الكُرب العظام لَبّيْكَ، لَبّيْكَ عَبْدُكَ وابْنُ عَبْدَيْكَ لَبّيْكَ، لَبّيْكَ أتقرّبُ إليكَ بمحمّد وآل محمّد لَبّيْكَ، لَبّيْكَ ياكريمُ لَبّيْكَ، لَبّيْكَ إلى العُمرة المتمتّع بِها إلى الحجّ لَبّيْكَ».


1- 1 وكذلك أثبته الشهيد الثانى في حاشيته على الارشاد 1: 390.
2- 2 الحجّ: 27.

ص: 102

وتجب المقارنة بين النية والتلبية، واستدامتها حكماً.

والإخلالُ بالمقارنة مُبْطلٌ، وبالاستدامة مُؤْثمٌ.

ويشترط في الثوبينصحّة الصلاة فيهما.

ولايجوز النقص اختياراً، ولاحَرَجَ في الزيادة وإلابدال، ولكنّ الطواف في الأوّلين مستحبٌّ.

وفي كون لبس الثوبين شَرْطاً في الإحرام، أو جُزْءاً من ماهيّته، أو واجباً لا غير، بحث. (1)وتظهر الفايدة في الإخلال.

والنيّةُ شَرْطٌ، أو شَطْرٌ قطعاً.

والتلبيةُ شَرْطٌ عند كثيرٍ، فإنّ الإحرام هو التوطين، إلّا أنه لايتحقّق الاعتداد به من دونها.

وفي ركنيّتها قولان:

ولا خلاف في تحقّق معنى الإحرام عند تحقّق (2) التلبية.

ولكنّ اللبس أشْبَهُ بالشرط؛ من حيث جواز تقديمه بزمانٍ.

ويليه في الشبه النيّةُ؛ وهي إلى الركن أقرب؛ للمقارنة.

والتلبيةُ كالتحريمة بالإضافة إلى الصلاة.

وهذا الفعل- أعني الإحرام- يشبه التَرْكَ.

وقيل: بالعكس.

وعلى ما فسّرناه من التوطين فهو فعل محض.

ومثله من العبادات الصوم، أمّا الصلاة ففعلٌ محضٌ.

والإخلال بالقصد (3)تَرْكٌ مَحْضٌ.

وسبب الاشتباه في الإحرام والصيام قطعُ النظر عن الأفعال القلبية،


1- 1 وفي نسخة «ك» خلاف.
2- 2 في بعض النسخ زيادة كلمة «معنى» وليست في ن.
3- 3 كذا أرى أن تكون الكلمةُ، وهي في النسخ مشوشة، وفي ن «بالقبيح» وفي نسخة «بالفسح». أقول: بما أن المصنف يرى التوطين- وهو من الأمور القلبيّة- فِعلًا محضاً، لأنه عزم وتصميم، فالإخلال به يساوق تركه محضاً، من دون حاجة إلى إيجاد فعل آخر. والأفعال القلبية- كالعزم والتوطين- يكفي في الإخلال بها وتركها عدم قصدها. ومثل هذا في العبادات: الصوم، فإنّه العزم على ترك المُفَطّرات، فإنه فعل قلبي وحقيقته القصد، فالإخلال به يتحقق بالعزم على العدم، وليس بحاجة إلى فعلٍ وجودي كايجاد الضدّ. لكن مَن أعرض عن جهة كون «الإحرام والصيام» من الأفعال القلبية، وخصّ التكليف بالأفعال البدنيّة العملية، دعاه هذا إلى أنْ يلتزم بأن التكليف في «الإحرام والصيام» متعلّق بحرمة فعل هو ضدّ الإحرام والصيام، لكون الإحرام وكذلك الصوم عنده أمرين عدميّين، وهو الامتناع عن محرّمات الإحرام ومفطّرات الصوم، ولايعقل عنده تعلق التكليف بالأمر العدميّ. هذا ما نفهمه من عبارة المصنف، وعلى أساسه انتخبنا كلمة «بالقصد» وكلمة «البدنيّة» وكلمة «قوماً» واللَّه أعلم وكتب السيد محمد رضا الحسينى الجلالي.

ص: 103

واستسلافُ أنّ الأفعال يُراد بها «البدنية» (1).

وحَمَلَ ذلك قوماً (2) من الأُصوليّين على أن جعلوا التكليف فيهما متعلّقاً بإيجاد الضدّ، هَرَباً من تعلّق الإرادة بالمعدوم.

وهي مسئلة كلاميّة.

الثاني: الطواف

وهو لغة: الدَوَران المطلق في السِكَك (3).

وشرعاً: حركةٌ دَوْرية حَوْل الكعبة الشريفة، للقُربة والاسْوَة.

والسّر فيه: إذلال النَفْس بتكرار الدَوَران حَوْل بَيْت المَلِك، على حالة تَشْبَهُ حَالة المَيّت وأكفانه، طَلَباً لرضاهُ، وتحرّياً لمغفرته.

وطواف أهل العبارة بالقالب، وأهْل الإشارة بالقلب.

وهوصلاةٌ، إلّا في تحريم الكلام.

ونفله أفضل من نفلها للمجاور.

ويعتبر فيه سبعة عشر:

الأوّل: الطهارة من الحَدَث ولو تيمّماً، ومن الخَبَث إلّا أنْ يُعْفَى عنه في الصلاة على قولٍ.

الثاني: سَتْرُ العورة الواجب سَتْرُها في الصلاة، ويختلف بحسب حال الطائف.

الثالث: الختان للرجل إلّا للضرورة.

الرابع: النيّة: «أطوفُ سبعةَ أشواطٍ لِلعُمرة المتمتّع بها إلى الحجّ- حجّ الإسلام، حجِّ التمتّع- لوجوبه، قُربةً إلى اللَّه.

الخامس: مقارنتُها لابتدائه، وهو محاذاة أوّل جُزء من مقاديم بَدَنِه لأوّل الحِجْرِ، عِلماً، أو ظَنّاً.


1- 1 في النسخ «الندبية» ولاحظ الهامش الأسبق.
2- 2 في النسخ «قوم» ولاحظ.
3- 3 المصباح المنير 2: 32؛ مفردات الراغب: 320.

ص: 104

السادس: الحركةُ الذاتية أو العَرَضية عقيبها.

السابع: استدامُتها حكماً لافعلًا، وفُسِّر بأمْرٍ عَدَمّي، وفيه دقيقةٌ كلاميّة.

الثامن: جَعْلُ البيت على اليسار.

التاسع: جَعْلُ المقام على اليمين.

العاشر: إدخالُ الحِجْر في الطواف.

الثاني عشر: مراعاةُ النِسْبَة بين البَيْت والمقام من البعد، بحيث لا يزيد عليه؛ والدُنُوُّ من البيت أفضل.

خروجُه بجميع البدن عن البيت.

الثالث عشر: إكمالُ العَدَد.

الرابع عشر: حفْظُه، فلو لم يحصّل العدد أو شكّ في النقيصة أو في الزيادة قبل بُلوغ الركن، بَطَلَ.

الخامس عشر: المُوالاةُ بحيث لاينقصُ المقطوع عن أربع.

السادس عشر: الخَتْمُ بموضع الِبْدأة من الحَجَر، فلو زاد عليه متعمّداً بَطَلَ، وسَهْواً تَخَيّر في الإكمال والقطع إلى الحَجَر، وإلّا قَطَعَ.

والثاني نَفْلٌ.

السابع عشر: ركعتاهُ، ومحلهما خَلْفَ المقام، ووقتُها عندَ الفراغ، وهىِ كاليوميّة، ولايتعيّن فيهما جَهْرُ ولا إخفاتٌ.

ونيّتُهما: «أُصلّي ركعتي طوافِ العُمرة المتمتّع بها إلى حجّ الإسلام- حجِّ التمتّع- أداءً، لوجوبهما، قربةً إلى اللَّه».

الثالث: السعي

وهو لغةً: السُرعة في المشي (1).


1- 1 مفردات الراغب: 238.

ص: 105

وشرعاً: الحركاتُ المعهودة بين الصَفا والمَرْوة، قربةً إلى اللَّه.

ويتمُّ باثني عشر:

الأوّل: النيّةُ: «أسْعَى سبعةَ أشواطٍ للعُمرة المتمتَّع بها إلى حَجّ الإسلام- حجِّ التمتّع- لوجوبه، قربةً إلى اللَّه».

الثاني: مقارنتُها للصفا، ويُستحب الصعود.

الثالث: الاستمرارُ عليها حُكماً.

الرابع: الحركةُ عقيبها بلا فَصْل.

الخامس: الذهابُ بالطريق المعهود.

السادس: الخَتْمُ بالمروة، ولو بإصابع قدميّه.

السابع: إتمام السبعة من الصفا إليه شوطان.

الثامن: موالاتُه احتياطاً كالطواف.

الثاني عشر: استقبالُ المطلوب بوجهه.

العاشر: إيقاعُه بعد الركعتين.

الحادي العشر: حفظُ العَدَد كالطواف.

الثاني عشر: إيقاعُه في يوم الطواف، وهو واجبٌ، لاشَرْط الصّحة.

الرابع: التقصيرُ

وهو: إبانَةُ مُسمّى الشَعْر، أو الظُفْر.

وبه يتحقّقُ إلاحْلال من إحرام المتمتّع بها، لاالمفردة؛ فلا يتحقّق الإحْلالُ التامُّ فيها إلّا بالطواف، وركعتيه، وهو طوافُ النساء.

وواجباته ثلاثة:

الأوّل: النيّةُ: «أُقصّر للإحلال من إحرام التمتّع بها إلى حجّ الإسلام- حجِ

ص: 106

التمتّع- لوجوبه، قربةً إلى اللَّه».

الثاني: المقارنةُ.

الثالث: الاستدامةُ.

ويُجزئ في المفردة الحلْق، ويحرُم هُنا ولايُجزئ في الأصَحّ.

والإهْلالُ قبلهَ عمداً يقلبُ العمرةَ حجّةً مُفردةّ في المرويّ. (1) وسَهْواً: يقعُ ولاشي ء، وشاةٌ جَبْراً أفضلُ.

المقالة الثانية: في أفعال الحجّ

وهي ستّةٌ:

الأوّل: الإحرامُ به

وتحقيقه كما مَرّ.

ولافرق في النيّة غيرَ أنّه ينوي: «أُحرمُ لحجّ الإسلام- حجِّ التمتّع- وأُلبّي التلبيات الأربع، لعقد إحرام حجّ الإسلام- حجّ التمتّع- لوجوب الجميع، قربةً إلى اللَّه. لَبَّيْكَ ....» إلى آخره.

ومحلّه للمتمتّع مكّةٌ، وأفضلُها المسجدُ، وخلاصتُه المقامُ، أو تحت الميزاب؛ ولو تعذّر أحرمَ من حيث أمكنَ ولو بِعَرَفَةَ.

وللقارن والمفرد: ميقاتُ عمرة التمتّع، أو دُوَيْرةُ أهله.

ولايبطل بزوال الشمس يوم التروية، أو يوم عَرَفة قبله، بل ولابِغُروبها لاعامداً إذا أدْرَكَ المشعر اختياريّاً.

نعم يُستحبّ إيقاعه بعد ظُهر التَرْوِية.

والطوافُ بعده غيرُ مشروعٍ، إذاكانَ للتمتّعِ، فإن فعلَه أعادالتلبيةَ على قولٍ.


1- 1 التهذيب 5: 90/ 296؛ الوسائل 12: 412 كتاب الحجّ، أبواب الإحرام، باب 54 ح 4.

ص: 107

أمّا قسيماهُ فلا حَجْرَ.

الثاني: الوقوف بعرفة

أي: الكَونُ بها إلى غروب الشمس مُبتدئاً بالنيّة، مصاحباً لحُكمها، ويجبُ ابتداؤُه من الزوال، ويُجزئ مسّمى الكَوْن يوم التاسع، وإن أثمَ.

فلا يقف بِنَمِرة، وثَوِيّة، وذي الَمجاز، والأَراك؛ فإنّها حُدود. نعم يستحب ضرب الخباء بِنَمِرة.

والنيّة: «أقفُ بعرفة في حجِّ إلاسلام- حجّ التمتع- لوجوبه، قربةً إلى اللَّه».

ولو فات، لا عامداً، اجتزأ بالليل.

وواجبُه مسمّاهُ، وهوصالحٌ للمشعر.

الثالث: الوقوفُ بالمشعر

وحدُّه ما بين المأزَمينِ إلى الحِياض إلى وادي مُحسَّرٍ.

ويجب فيه النيةُ: «أبيت هذه الليلةَ بالمشعر في حجِّ الإسلام- حجِّ التمتع- لوجوبه قُربةً إلى اللَّه».

وهذا الوقوف فيه شائبة الاضطراري.

أمّا الاختيارىُّ الخالصُ، فهو من مَبدإ طلوع الفجر إلى الشمس، يومَ العيد، ناوياً: «أقف بالمشعر في حجّ الإسلام- حجّ التمتع- لوجوبه، قُربةً إلى اللَّه».

واضطراريُّه المحضُ إلى الزوال.

ويجبُ فيه الكلّيُ، وفي الآخَر الكُلُّ.

والإفاضة قبل الغُروب من عَرَفة عامداً عالماً غير مُبطِل، ويَجْبُرُه ببدنةٍ، ولا شي ء على المضطرّ.

ص: 108

ومن المشعر قبل الفجر بالقَيديْنِ شاةُ.

الرابع: نزول منى للرمي والذبح والحلق

مرتّباً، وهو شرط في نفي الإثم، لافي الصّحةِ.

والواجبُ يومَ النحر رَمْيُ جَمَرة العَقَبة بسبعَ حَصَياتٍ، حِرميّةُ- لا مَسْجِديّةً أبْكاراً.

بما يسمّى رَمْياً، مُصِيْةً بِفعْلهِ، مُباشَرة بيدهِ.

ووقته ما بين طلوع الشمس إلى غُروبها، وفضيلتُه من الطلوع إلى الزوال.

ويقضي لوفات مقدّماً على الحاضِر.

ويخرج وقتُه بخروج الثالث عشر إلى القابل.

ويجب الترتيب حيثُ يجب رَمْيُ الثلاث، وهو أيّام التَشريقُ، أعني:

الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر.

ويحصل بأرْبَعٍ، لاعامداً.

ونيتُه: «أرمي هذه الجَمَرة بسبعِ حَصَياتٍ في حجّ الإسلام- حجّ التمتّع- أداء، لوجوبه، قربة إلى اللَّه».

ويُجبُ ذِبْحُ الثَني من النَعَم الثلاثة، ويُجزي من الضأن الجَذَعُ.

ويعتبر فيه: تمامُ الخلْقة، وأنْ يكونَ على كُليته شَحْمٌ، ويكفي الظَنُّ وإن أخطأ.

أمّا المعيبةُ فلا.

وتجبُ الصدقةُ والإهْداءُ والأكلُ مقروناً بالنية: «أتصدّق، أو أُهْدي، أو آكلُ من هَدْي حجّ الإسلام- حجّ التمتّع- أداءً، لوجوبه، قُربةً إلى اللَّه».

ويُشترط في المُهْدَى إليه: الإيمان، وفي محلّ الصدقة: الفقرُ مَعَهُ.

ولايجبُ الترتيبُ.

ص: 109

ويجب حَلْقُ شعر الرأس، أو تقصيره للإحلال من إحرام حجّ الإسلام ولو أنْمُلَةً.

والمرأةُ والخُنثى المُشكِلُ: التقصير ليس إلّا.

والنيّة فيه مقارنةً، مُسْتدَامةً: «أحْلقُ أو اقَصِّرُ للإحْلال من إحرام حجِّ الإسلام- حجّ التمتّع- لوجوبه، قُربةً إلى اللَّه».

ولايخرجُ من مِنى حتّى يأتي بالثلاثة ولو في ذي الحجة، ويرجع للذبْح، والحَلْق طولَهُ، فإن تعذَّرَ خَلَّفَ الهدي وحَلَقَ مكانَهُ، وبَعَثَ بالشعر ليُدفَنَ بها نَدْباً.

أمّا الرمْيُ، فكما مَرَّ.

وبالحلق يتحلَّلُ من المحرّماتِ إلّا الطيب والنساءَ، والصيدَ.

ثم يتحلّلُ من الطيب بطواف الزيارةِ والسَعْي على الأصَحّ.

ومن النساء بِطوافهنّ بعدَ طواف الزيارة.

والأوْلى توقُّفُ حلّ الصَيْدِ الإحْراميّ على طواف النساء.

الخامسُ: العَوُد إلى مكّة للطوافين والسعي

ويُسمّى الأوّلُ طوافَ الحجّ، وطوافَ العَود، وطوافَ الزيارة، وطوافَ الركْن، وطوافَ الصَدّر (1). وكيفية الجميع كما تقدّمَ.

والنيّة: «أطوف سبعة أشواطٍ طَوافَ حجّ الإسلام حجّ التمتّع- لوجوبه، قُربةً إلى اللَّه».

«أُصلّي ركعتي طَوافِ حجّ الإسلام- حجّ التمتّع- أداءً، لوجوبهما، قربةًإلى اللَّه».

«أسعَى سبعة أشواط سَعَي حجّ الإسلام- حجّ التمتّع- لوجوبه، قُربةًإلى اللَّه».

«أطوف طواف النساء في حجّ الإسلام- حجّ التمتّع- لوجوبه، قربةً إلى اللَّه».


1- 1 وهو طواف الوداع، انظر تفسير الكشاف للزمخشري 3: 11 وفي نسخة ك. العدد.

ص: 110

«أصلي ركعتي طواف النساء في حجِّ الإسلام- حجِّ التمتع- أداءً لوجوبهما، قربة إلى اللَّه».

السادسُ: العَودُ إلى مِنى للمبيت بها ليالي التشريق

ويُجزي إلى نصف الليل.

فلوباتَ بغيرها فشاةٌ عن كلّ ليلةٍ، إلّا للعبادة بمكّةَ.

ولايجبُ الثالث على المتّقي، ويجبُ على غيره، وعلى من غربت عليه شمس الثاني عشر.

والنَفْرُ الأوّل بعد الزوال من اليوم الثاني عشر، والثاني قبله من اليوم الثالث عَشَر.

وحَدُّ مِنى من العَقَبة إلى وادي مُحَسّرٍ.

ونيّةُ المبيت: «أبيتُ هذه الليلةَ بمنى في حجِّ الإسلام- حجّ التمتّع- لوجوبه، قُربةً إلى اللَّه».

والنائب يُضيفُ في جميع ماذكرناه: «نيابةً عن فلانٍ» فينوي:

«أُحرمُ بالعُمْرة المتمتّع بها إلى حجّ الإسلام- حجّ التمتّع- نيابةً عن فُلانٍ» و «أُلبّي» إلى آخرها ... «لوجوب الجميع عليهِ بالأصالة وعليّ بالنيابة، قُربةً إلى اللَّه».

وأمّا التكميل

فاعلم أنّه قد ثَبَتَ في العُلوم الحقيقيّة، والأخبار النبويّة بقاءُ النَفْسِ بَعْدَ خَرابِ البَدَنِ.

وأنّ إدراكها أتمُّ منه حالَ التعلُّق بالبَدن.

ص: 111

ولاشكّ أنَّ للنفس الخيّرةِ أثَراً عظيماً في الإشراف على مَنْ دُوْنَها.

ولاخَفاءَ أنّ نَفْس النبيّصلى الله عليه و آله أشْرفُ من غيرها.

ولمّا كانَ نبيُّناصلى الله عليه و آله أفضَلَ (1)الأنبياء، كانَ إشرافُ (2) نَفْسه الشريفة أعْظَمَ، والتعلُّقُ بها أكْمَلَ.

والزيادةُ (3) في ذلك إعدادٌ تامّ، باعتبار توجّهِ النَفْس المشْرُوفة نحو الذات الشريفة، ويستعدُّ لتلقّي الفَيْض من عالم الغيْب.

والأخْبارُ الواردةُ بثواب زيارتهصلى الله عليه و آله وزيارة أهل بيته، كثيرةٌ، مشهورةٌ.

فَرُوِّينا عن مولانا الإمام أبي جعفر عليه السلام أنّه قال: «ابدءوا بمكّةَ واختموابِنا» (4).

ورُويَ عنهصلى الله عليه و آله: «إنّما أُمِرَ الناس أنْ يأتوا هذه الأحْجار فيطوفُوا بها. ثم يأتوُنا فيُخبرونا بولايتهم، ويعرضُوا علينا أعمالهم» (5).

وعن الصادق عليه السلام: «مَنْ زارَ النبيّصلى الله عليه و آله كمن زَار اللَّه فَوْقَ عرشه» (6).

وعنه عليه السلام قالَ: قال رسول اللَّهصلى الله عليه و آله: «مَنْ أتاني زائِراً كنتُ أنا شفيعَهُ يومَ القيامة» (7).

وعن أبي عبداللَّه عليه السلام: «مَنْ زار إماماً مفترضَ الطاعةِ كانَ له ثوابُ حَجَّةٍ مَبْرورةٍ» (8) وعن مولانا الإمام أبي الحسن عليّ بن موسى الرضا عليه السلام: «أما إنّ لكلّ إمامٍ عَهْداً في أعْناق أوليائه. وشيعته، وإنّ من تمام الوفاء بالعَهْد وحُسن الأداء زيارة قبورهم، فَمَن زارهُم رَغْبةً في زيارتهم، وتصديقاً فيما رَغِبُوا فيه، كانَتْ أئمّتهُم شفعاءهم يومَ القيامة» (9).

والأحاديثُ بتعيُّن (10) ثواب زيارتهم- إجمالًا وتفصيلًا- مذكورٌ في كتب الأصحاب والأحاديث، وهي كثيرةٌ.


1- 1 كذا في أكثر النسخ، وهو في هامش ن، لكن في متن ن: أشرف، بدل: أفضل.
2- 2 في نسخة ك إشراق.
3- 3 كذا فيص وظاهركَ و ن ويحتمل في ن الزيارة.
4- 4 الكافي 4: 55/ 1؛ من لايحضره الفقيه 2: 334/ 1552.
5- 5 الكافي 4: 549/ 1، من لا يحضره الفقيه 2: 334/ 1553.
6- 6 الكافي 4: 549/ 1، التهذيب 6: 4/ 6.
7- 7 الكافي 4: 548/ 3؛ التهذيب 6: 4/ 4 وص 78/ 155.
8- 8 المقنعة: 486.
9- 9 الكافي 4: 567/ 2؛ من لايحضره الفقيه 2: 345/ 1577.
10- 10 كذا ولعلّه: بتبين.

ص: 112

وهذا آخر الرسالة، والحمدُ للَّه على كلِّ حالة، والصلاة على المبعوث إلى خير أُمّةٍ، وآله خير أئمّة.

كُتِبَ بالحلّة في شهر شوّال سنة «خَمْس وستّين وسبعمائة».

«نهاية نسخة السيّد المرعشي»

هذا آخر كلام المصنّف، والحمد للَّه حقّ حمده، وصلّى اللَّه على محمد وآله.

صورة الصفحة الأُولى والأخيرة من نسخة السيّد المرعشي رحمه الله

ص: 113

صورة الصفحة الأُولى والأخيرة من نسخة (ص) النصيري

صفحة من مجموعة (ن) المرعشيّة وفيها تأريخ الاستنساخ

ص: 114

الهوامش:

التلبية

ص:115

ص : 116

ص: 117

التلبية

محمد مهدي الآصفي

لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكْ لَبَّيْكَ لَاشَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكْ إِنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ وَالْمُلْكْ لَا شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكْ

الحج «دعوة» و «تلبية»:

دعوة من اللَّه- تعالى- لعباده أن يَحِلُّوا ضيوفاً عليه، عند بيته المحرّم، ويطلبوا قِراه، ويستفتحوا أبواب رحمته الواسعة. وإبراهيم عليه السلام خليل الرحمن، وأبو الأنبياء و رائد التوحيد، هو رسول اللَّه- تعالى- إلى عباده، والمبلّغ عن اللَّه في هذه الدعوة.

يقول تعالى: «وأذّن في الناس بالحج يأتوك رجالًا وعلى كلّ ضامرٍ يأتين من كلّ فجٍّ عميق» (1)

، هذه هي الدعوة.


1- 1 الحج: 27.

ص: 118

وأما التلبية فهي من الناس الذين دعاهم ربّهم إلى بيته (وأذّن في الناس بالحجّ) يُشهرون فيها استجابتهم لدعوة ربّهم، ويعلنون الاستجابة كلّ سنة في جموع غفيرة حاشدة في الميقات من كلّ فجٍّ عميق.

ويرفعون إلى اللَّه تعالى هذه التلبية كلّ سنة في رحاب الميقات بالتلبيات الأربعة التي علّمناها رسول اللَّهصلى الله عليه و آله:

لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ لَاشَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ، إِنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ وَالْمُلْكَ، لَاشَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ».

روى عبيد اللَّه الحلبي عن أبي عبد اللَّه (الصادق) عليه السلام قال: سألته لِمَ جُعِلَتْ التلبية؟ فقال: إنّ اللَّه- عزّ وجلّ- أوحى إلى إبراهيم عليه السلام: «وأذّن في الناس بالحجّ يأتوك رجالًا» فنادى فأجيب من كلّ فجٍّ عميق يلبّون (1).

وسنتحدّث- إن شاء اللَّه- عن كلّ من «الدعوة» و «التلبية».

الدعوة:

الحجّ ضياف ء اللَّه- تعالى- لعباده، فهو دعاهم لهذه الضيافة، واستضافهم في بيته المحرّم في موسم الحج، كما أنّ الصيام ضيافة أُخرى في شهر رمضان المبارك، وفي كلا الضيافتين يدعو اللَّه- تعالى- عباده إلى أفضل مواهبه ونعمه.

والمواهب والنعم التي يدعو اللَّه- تعالى- عباده إليها في الحج تختلف عمّا نألفه ونعرفه في حياتنا الدنيا من المواهب الإلهية والنعم، حتى عن تلك التي يهبها لعباده الصائمين في شهر رمضان.

فإنّ دعوة الحج تتضمن الدعوة إلى «التوحيد» و «التسليم» و «الإخلاص» و «الكدح في سبيل اللَّه» و «التجرّد عن الأنا والهوى» و «الانقطاع إلى اللَّه» و «انتزاع الغل والحقد من النفوس»، كما تتضمن الدعوة الالتزام بقيم العبودية الخالصة للَّه وحده.


1- 1 بحار الأنوار 99: 184؛ وعلل الشرايع: 416.

ص: 119

هذهِ هي الدعوة، والتلبية استجابة لهذه الدعوة الإلهية استجابة من العباد لدعوة اللَّه- تعالى- لهم على لسان نبيّه إبراهيم عليه السلام.

الدعوة والوعد بالاستجابة:

ومن جمال وعظمة هذه الدعوة الإلهية- التي أشْهَرها إبراهيم خليل الرحمن بأمرٍ من اللَّه تعالى في عباده (وأذّن في الناس بالحجّ يأتوك رجالًا وعلى كلّ ضامرٍ يأتين من كلّ فجّ عميق)- أنّ اللَّه تعالى وعد عبده وخليله إبراهيم عندما أمره بإشهار هذه الدعوة ... استجابة عباده لهذه الدعوة، (يأتوك ورجالًا وعلى كلّ ضامرٍ).

فكأنّ الدعوة من اللَّه لعباده، وإشهار الدعوة بأمر من اللَّه، والاستجابة للدعوة بضمان ووعد من اللَّه تعالى لعبده وخليله إبراهيم عليه السلام.

ومنذ أن وعد اللَّه- تعالى- إبراهيم عبده وخليله بالاستجابة لهذه الدعوة يحج في كلّ عام حشد غفير من الحجاج من الميقات إلى البيت الحرام ليلبّوا هذه الدعوة.

الدعوة إلى التلبية الطوعية:

وكل ما في هذا الكون يلبّي أمر اللَّه طائعاً، منقاداً في كلّ شي ء للَّه تعالى، إلّا أنّ اللَّه- تعالى- أكرم الإنسان بالدعوة إلى عبادته وطاعته طوع إرادتهم، وأكرمهم بهذه التلبية الطوعية.

وتختلف التلبية «الطوعية» عن التلبية «القهرية» أنّ الحركة منها إلى اللَّه حركة واعية، وبالحركة الواعية يبلغ الإنسان من الكمال والعروج إلى اللَّه ما لا يصله بغيرها.

ص: 120

وهي ميزة وتكريم خصّ اللَّه بها من اصطفى من خلقه. والنقطة المقابلة لهذا التكريم هي «السقوط» والهلاك إذا رفض الإنسان الاستجابة للَّه طوعاً، وعن اختيار. إنّ في كل استجابة طوعية لدعوة اللَّه تعالى عروج إلى اللَّه، وفي كل إعراض وصدود عن اللَّه تعالى سقوط وهلاك.

وخصّ اللَّه الإنسان وأكرمه بهذا الخيار «الصعب» «إنّا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنّه كان ظلوماً جهولًا» (1).

الدعوة من اللَّه والتلبية من العباد:

وتكريم آخر للإنسان في أصل الدعوة. فإنّ الدعوة عادة منصاحب الحاجة، والتلبية ممن يملك هذه الحاجة، واللَّه تعالى هو الغني، وعباده الفقراء إليه:

«يا أيّها الناس أنتم الفقراء إلى اللَّه واللَّه هو الغنيّ الحميد» (2).

وشاء اللَّه أن يكرم عباده بأن دعاهم إلى عبادته، وهو الغني عن عبادة عباده له، وشاء اللَّه أن تكون التلبية من عباده الفقراء إليه.

وحقّ عليهم أن يطلبوا من اللَّه- تعالى- أن يأذن لهم بالعبودية والعبادة، ولكن اللَّه- تعالى- بدأهم بهذه الدعوة، وأكرمهم بالتلبية والاستجابة، وهو غاية ما يمكن أن يبلغه الكرم، وإذا كانت هذه الدعوة من اللَّه غاية الجود والكرم من اللَّه، فإنّ الإعراض والصدود عنها غاية اللؤم من الإنسان، وإذا كانت الاستجابة لهذه الدعوة من سعادة الإنسان، فإنّ من بؤس الإنسان وشقائه الإعراض والصدود عن الاستجابة لهذه الدعوة.

ولهذا السبب قلت: إنّ الاستجابة لدعوة اللَّه- تعالى- عروج إلى اللَّه، والصدود والإعراض عنها سقوط وهلاك للإنسان.


1- 1 الأحزاب: 72.
2- 2 فاطر: 15.

ص: 121

وكيف انعكس الأمر- في هذه الدعوة الإلهية- وانقلب العبد في فقره وحاجته من موقع الطالب والداعي والسائل إلى موقع «التلبية». وكان اللَّه تعالى هوصاحب الدعوة والطلب، وهو غني بذاته عن خلقه وعباده.

إنّ لهذا الانقلاب في المواقع سرّاً. وهو خصلة الكرم والجود الذاتية والأصيلة في الذات الإلهية، فهو سبحانه وتعالى يُحبُّ أن يجود على عباده ويُحبُّ أن يكرمهم وأن يحسن إليهم، كما نحتاج نحن إلى جوده وكرمه وإحسانه.

وحبّ الجود والكرم والإحسان والعطاءصفة منصفات ذاته عزّ شأنه، وليس على الإنسان إلّاأن يضع نفسه في مواضع جوده وكرمه وإحسانه وعطائه تبارك وتعالى، وهذه حقيقة من حقائق العلاقة بين اللَّه تعالى وعباده، وهذه الحقيقة تفتح على الإنسان أبواباً من المعرفة. فكما نحتاج نحن إلى رحمة اللَّه تعالى وفضله يحبّ اللَّه تعالى أن يجود برحمته وفضله على عباده. وهذه العلاقة قائمة بين كلّ غني وفقير. ولا تقلّ حاجة الغني إلى العطاء والكرم عن حاجة الفقير إلى الغني.

واللَّه تعالى غني عن عباده، وغناه في ذاته، فلا يحتاج عبادَه وخلقه في شي ء، ولكنّه يحبّ أن يجود عليهم، ويكرمهم، ويعطيهم من فضله ورحمته، كما نحتاج نحن إلى رحمته وفضله وجوده.

وهذا هو سرّ دعوة اللَّه لعباده بالإقبال عليه، والدخول في رحاب ضيافته، والوقوف على أبواب رحمته في شهر ذي الحجة في عرفات عند بيته المحرّم وفي شهر الصيام، فيدعو اللَّه تعالى عباده لدعائه؛ ليستجيب لهم برحمته وفضله.

وهذه من ألطاف سنن الكرم الإلهي. يقول تعالى: «أُدعوني أستجب لكم» فتحل دعوة العبد، في هذه الآية الكريمة بين دعوة اللَّه تعالى واستجابته.

فاللَّه عزّ شأنه يدعو عباده لدعائه ليستجيب لهم (أُدعوني أستجب لكم)،

ص: 122

فيقع دعاء العبد بين «دعوته» تعالى له بالدعاء، و «استجابته» سبحانه لدعائه.

واللَّه عزّ شأنه يحبّ دعاء عباده، ويشتاق إلى مناجاتهم، ويحب الاستجابة لدعائهم.

عن رسول اللَّهصلى الله عليه و آله: إنّ اللَّه أحبّ شيئاً لنفسه، وأبغضه لخلقه، أبغض لخلقه المسألة، وأحبّ لنفسه أن يُسأل، وليس شي ء أحبّ إلى اللَّه- عزّ وجلّ- من أن يُسأل. فلا يستحي أحدكم من أن يسأل اللَّه من فضله، ولو شسع نعل (1).

وعن أبي عبد اللَّه الصادق عليه السلام: «أكثروا من أن تدعو اللَّه، فإنّ اللَّه يحبّ من عباده المؤمنين أن يدعوه، وقد وعد عباده المؤمنين الاستجابة» (2).

وفي الدعاء الذي علّمه أمير المؤمنين عليه السلام لكميل بن زياد النخعي رحمه الله:

«وأمرتهم بدعائك، وضمنت لهم الإجابة»

ودعاء العبد يقع بين تلك الدعوة وهذه الإجابة.


1- 1 فروع الكافي 1: 196؛ من لا يحضره الفقيه 1: 23.
2- 2 وسائل الشيعة 4: 1086 ح 8616.

ص: 123

التلبية جوهر العبودية:

التلبية هي الاستجابة.

والاستجابة للَّه في مساحتين: مساحة الدعوة ومساحة الأحكام والأمر والنهي.

واللَّه تعالى يدعو عباده، ويأمرهم. وبينهما فرق. فإنّ الدعوة هي أساس الأحكام والأوامر الإلهية.

يدعو عباده إلى ما يحييهم، ويطلب من عباده أن يستجيبوا لدعوته: «يا أيّها الذين آمنوا استجيبوا للَّه وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم» (1)

، ويأمر عباده ويحكمهم، واللَّه تعالى يحكم عباده في التكوين والتشريع. يحكم عباده في التكوين بالقضاء والقدر، بألوان الابتلاء والفتنة والجوع والمرض ونقص من الأموال والأنفس والثمرات. وليس للناس حيلة في ذلك كلّه، ولكن اللَّه- تعالى- يطلب من عباده أن يستجيبوا لحكمه وأمره في قضائه وقدره، ويطمئنوا إليها، ويفوّضوا أمرهم إليه- تعالى- في كلّ ذلك، ويسلّموا أمرهم له تسليماً، (وأُفوّض أمري إلى اللَّه إنّ اللَّه بصير بالعباد)، هذا في مساحة التكوين.

واللَّه تعالى يحكم عباده في مساحة التشريع بالأمر والنهي. ويطلب منهم أن يستجيبوا له في أمره وحكمه ويسلّموا تسليماً (ثمّ لا يجدوا في أنفسهم حرجاً ممّا قضيت ويُسلّموا تسليماً) (2)».


1- 1 الأنفال: 24.
2- 2 النساء: 65.

ص: 124

التلبية، لدعوة اللَّه وحكمه:

والاستجابة لدعوة اللَّه تعالى هي الإيمان والإسلام. والإعراض عن دعوة اللَّه- تعالى- هو الكفر والشرك والريب والشك والنفاق.

والاستجابة لقضاء اللَّه تعالى وقدره وأحكامه على عباده في الابتلاء والفتنة والفقر والجوع والموت والمرض هي التفويض، والرضا، والتسليم، والاطمئنان، والثقة بحكم اللَّه تعالى.

وقد ورد في الدعاء:

«واجعلني بقسمك راضياً قانعاً، وفي جميع الأحوال متواضعاً»

، «واجعل نفسي مطمئنة بقدرك، راضية بقضائك».

وخلاف ذلك «الاعتراض» و «التذمر» و «الشكوى» من أمر اللَّه وحكمه.

ولا ينفع الإنسان اعتراض وتذمر عن أمر اللَّه وحكمه وقضائه وقدره في مساحة التكوين، فإنّ اللَّه- تعالى- يقهر عباده بقضائه وقدره، ولكنه يطلب من عباده أن يستجيبوا لقضائه وقدره، ويسلّموا أمرهم إليه تسليماً، ويفوّضوا إليه أُمورهم تفويضاً، ويطمئنّوا إلى قضائه وقدره، دون اعتراض وتذمر.

والاستجابة لأمر اللَّه وحكمه في التشريع هي الطاعة والانقياد عن طوع وإرادة.

وخلاف ذلك الزنب والمعصية والفسوق.

العقل مبدأ التلبية والاستجابة:

والاستجابة للَّه بكلّ أقسامها هي جوهر العبودية للَّه تعالى.

وقيمة الإنسان في الاستجابة للَّه تعالى.

ووزن الإنسان ومقامه عند اللَّه بمقدار عبوديته وتسليمه له تعالى.

والاستجابة للَّه هي العبودية والتسليم، و «العقل» هو مبدأ هذه

ص: 125

الاستجابة.

روى سماعة عن أبي عبد اللَّه الصادق عليه السلام «خلق العقل، وهو أوّل خلق خلقه من الروحانيين عن يمين العرش من نوره، فقال له: أقبل فأقبل، ثمّ قال له:

أدبر فأدبر» (1).

وهذه الرواية تتحدّث بلغة الرمز، وهي لغة مألوفة في الروايات الإسلامية، والإقبال هنا الاستجابة لأمر اللَّه تعالى، وهو ما ذكرنا آنفاً أنّه جوهر العبودية للَّه تعالى. والعقل ينهض بهذه الرسالة في حياة الإنسان ويتبعه القلب ويقترن به.

مراتب الاستجابة والتلبية:

وللاستجابة أربع مراتب بعضها فوق بعض.

المرتبة الأُولى من الاستجابة: هي الاستجابة التكوينية للَّه تعالى، فكلّ شي ء في الكون مسخّر لأمر اللَّه، يجري بأمره.

«والشمس والقمر والنجوم مسخّرات بأمره» (2). «وسخّر لكم الليلَ والنهارَ والشمسَ والقمرَ والنجومُ مسخّراتٌ بأمره إنّ في ذلك لآياتٍ لقوم يعقلون» (3).

والإنسان جزء من هذا الكون، ومقهور لإرادة اللَّه ومسخّر لأمره تعالى في شطر من شخصيته بالضرورة. وهذه الاستجابة التكوينية تعمّ المؤمن والمنافق والكافر، من دون فرق.

المرتبة الثانية من الاستجابة: الاستجابة لأمر اللَّه تعالى، بمعنى الطاعة وعدم الاعتراض وهي أدنى مراتب الاستجابة له تعالى، في التشريع والتكوين.

وهذه المرتبة بدون ريب من مراتب التسليم لأمر اللَّه تعالى في أمره


1- 1 بحار الأنوار 1: 109.
2- 2 الأعراف: 54.
3- 3 النحل: 12.

ص: 126

وقضائه، ولكن التسليم على مرتبتين:

1- التسليم بمعنى الطاعة وعدم الاعتراض.

2- والتسليم عن رضا بأمر اللَّه.

والاستجابة في هذه المرتبة تسليم بالمعنى الأول، وهو روح الإسلام وجوهره. وقد روي عن أمير المؤمنين عليه السلام في هذا الشأن: «لأنسبنَّ الإسلام نسبة لم ينسبه أحد قبلي، ولا ينسبه أحد بعدي: الإسلام هو التسليم، والتسليم هو التصديق، والتصديق هو اليقين، واليقين هو الأداء، والأداء هو العمل» (1).

هذا التسليم لأمر اللَّه في مساحة التشريع وهو الإسلام للَّه تعالى.

يقول تعالى: «ومَن أحسن ديناً ممّن أسلم وجهه للَّه وهو محسن» (2). «فإن حاجّوك فقل أسلمتُ وجهي للَّه ومن اتّبعن ...» (3). «وأُمرتُ أن أُسلِم لربّ العالمين» (4).

وهو طاعة اللَّه عزّ وجلّ ورسولهصلى الله عليه و آله.

يقول تعالى: «قل أطيعوا اللَّه والرسول» (5). «وأطيعوا اللَّه والرسول لعلّكم تُرحمون» (6). «أطيعوا اللَّه ورسوله ولا تولّوا عنه وأنتم تسمعون» (7).

وكما يحبّ اللَّه تعالى من عباده التسليم له في أحكامه وحدوده وشريعته، يحبّ منهم التسليم في قضائه وقدره.

وهو من خصائص الإيمان، ولا شك في أنّ الإنسان يحبّ العافية فيما يرزقه تعالى.

ولكن المؤمن إذا أُنزل به البلاء سلّم أمره إلى اللَّه تعالى.

يروى أنصبياً لأبي جعفر الباقر عليه السلام كان قد مرض واشتدّ مرضه، فقلق الإمام الباقر عليه السلام وبان ذلك على وجهه، فمات الطفل فانبسط وجه الإمام


1- 1 بحار الأنوار 68: 309.
2- 2 النساء: 125.
3- 3 آل عمران: 20.
4- 4 غافر: 66.
5- 5 آل عمران: 32.
6- 6 آل عمران: 132.
7- 7 الأنفال: 20.

ص: 127

الباقر عليه السلام واطمأن، فتعجّب من ذلك أصحابه.

فقال عليه السلام: «إنّا لنحبّ أن نعافى فيمن نحبّ، فإذا جاء أمر اللَّه سلّمنا فيما يحبّ» (1).

وعن أبي الحسن الرضا عليه السلام عن أبيه موسى عن جعفر عليهما السلام قال: أمرني أبي (يعني أبا عبد اللَّه عليه السلام) أن آتي المفضل بن عمرو فأُعزّيه بإسماعيل، وقال: اقرء المفضل السلام، وقل له: أصبنا بإسماعيل فصبرنا، فاصبر كماصبرنا. إذا أردنا أمراً وأراد اللَّه أمراً سلّمنا لأمر اللَّه (2).

وروي عن الإمام الصادق عليه السلام: لم يكن رسول اللَّه يقول الشي ء قد مضى لو كان غيره (3).

وهذه المرتبة من التسليم في الاستجابة لأمر اللَّه- تعالى- تجري في أحكامه تعالى في التشريع والتكوين على نحو سواء.

المرتبة الثالثة من الاستجابة: الاستجابة والتسليم لأمر اللَّه عن رضا، وهذه مرتبة فوق المرتبة السابقة وتجري في التشريع والتكوين كذلك على نحو سواء.

عن رسول اللَّهصلى الله عليه و آله: أعبد اللَّه في الرضا، فإن لم تستطع ففي الصبر على ما تكره خير كثير (4).

وفي هذه الرواية تفكيك واضح بين مرتبتين من الاستجابة والتسليم، وانّ المرتبة العليا هي الاستجابة والتسليم عن رضا، فإن لم يتمكّن العبد من هذه المرتبة فليصبر ويسلّم أمره للَّه تعالى عنصبر على قضاء اللَّه وقدره، ولا يعترض، أو يتذمر، أو يشكو من قضاء اللَّه.

وليس معنى «الرضا» بأمر اللَّه أن لا يحبّ الإنسان لنفسه ولن يحبّ شيئاً، ولكن معنى ذلك أنّ العبد إذا عرف أنّ اللَّه يحبّ ما يكره رضي بما يحبّ اللَّه، وجعل رضاه تبعاً لرضا اللَّه عزّ وجلّ.


1- 1 بحار الأنوار 46: 301.
2- 2 بحار الأنوار 82: 103.
3- 3 تنبيه الخواطر: 417.
4- 4 المحجة البيضاء 5: 104.

ص: 128

روي عن أبي عبد اللَّه الصادق عليه السلام:

«إنّا قوم نسأل اللَّه ما نحبّ فيمن نحبّ، فيعطينا، فإذا أحبّ ما نكره فيمن نحبّ رضينا» (1).

والمرتبة الرابعة للاستجابة: هي الاستجابة عن حبّ وشوق إلى اللَّه تعالى ودعوته وأمره وقضائه.

والحبّ والشوق مرتبة فوق مرتبة الرضا.

وأحسن حالات العبادة والإقبال على اللَّه والاستجابة لدعوته تعالى وأمره وذكره، هو ما يكون عن شوق وحبّ.

عن رسول اللَّهصلى الله عليه و آله:

«أفضل الناس من عشق العبادة فعانقها، وأحبّها بقلبه، وباشرها بجسده، وتفرّغ لها، فهو لا يبالي أصبح من الدنيا على عُسر أم على يُسر» (2).

يروي هارون بن خارجة عن أبي عبد اللَّه الصادق عليه السلام قال:

«إنّ العبّاد ثلاثة: قوم عبدوا اللَّه عزّ وجلّ خوفاً فتلك عبادة العبيد، وقوم عبدوا اللَّه تبارك وتعالى طلب الثواب فتلك عبادة الأجراء، وقوم عبدوا اللَّه حبّاً له فتلك عبادة الأحرار، وهي أفضل العبادة» (3).

عن يونس بن ظبيان قال: قال الصادق جعفر بن محمد عليه السلام:

«إنّ الناس يعبدون اللَّه عزّ وجلّ على ثلاث أوجه:

فطبقةٌ يعبدونه رغبةً في ثوابه، فتلك عبادة الحرصاء، وهو الطمع.

وآخرون يعبدونه خوفاً من النار، فتلك عبادة العبيد، وهي الرهبة.

ولكني أعبده حبّاً له عزّ وجلّ، فتلك عبادة الكرام، وهو الأمن لقوله عزّ وجلّ: «وهم من فزعٍ يومئذٍ آمنون» (4)

، ولقوله عزّ وجلّ: «قل إن كنتم تحبّون اللَّه فاتّبعوني يحبِبْكُمُ اللَّه ويغفر لكم ذنوبكم» (5).


1- 1 بحار الأنوار 82: 132.
2- 2 أُصول الكافي 2: 83.
3- 3 وسائل الشيعة 1: 45، مكتبة الإسلامية، طهران.
4- 4 النمل: 89.
5- 5 آل عمران: 31.

ص: 129

فمن أحبّ اللَّه عزّ وجلّ أحبّه اللَّه، ومن أحبّه اللَّه كان من الآمنين» (1).

وعن أمير المؤمنين عليه السلام:

«إنّ قوماً عبدوا اللَّه رغبةً فتلك عبادة التجار، وإنّ قوماً عبدوا اللَّه رهبةً فتلك عبادة العبيد. وإنّ قوماً عبدوا اللَّه شكراً فتلك عبادة الأحرار» (2).

يقول الشيخ محمد مهدي النراقي في كتابه القيّم «جامع السعادات» في التعليق على الروايات الواردة في «عبادة الأحرار»:

«لا ريب في أنّ العبادة على الوجه الأخير لا نسبة لمنزلتها ودرجتها إلى درجة العبادة على الوجهين الأوّلين، فإنّ من تنعّم بلقاء اللَّه والنظر إلى وجهه الكريم يسخر ممّن يلتفت إلى وجه الحور العين» (3).

«تكبيرة الإحرام» و «التلبية»:

وقد أودع اللَّه تعالى في «الحج» كنوزاً من الوعي، والإخلاص، والانفتاح، والإقبال على اللَّه، والإعراض عمّا دون اللَّه، والكدح، والتسليم، والتوحيد، والاخلاص، والتوكل، والذكر، والولاء، والبراءة، وغير ذلك من أبواب المعرفة والكدح إلى اللَّه، ومفتاح هذه الكنوز جميعاً «التلبية»، ولا ينال الحاج ما أودع اللَّه تعالى في الحجّ من هذه الكنوز إلّاإذا أحسن التلبية.

ومن لا يحسن التلبية لا ينال من حجّه الكثير، وكلّ ما كان حظّ الحاج أكثر من الإقبال والانفتاح على اللَّه في التلبية كان حظّه من مواهب الحجّ أكثر.

وشأن «التلبية» في الحجّ شأن «تكبيرة الإحرام» في الصلاة. فإنّ الصلاة كنز، ومفتاح هذا الكنز تكبيرة الإحرام. ومن أحسن «تكبيرة الإحرام» في الصلاة فتح اللَّه تعالى عليه كنوز الصلاة، ومن لم يحسن تكبيرة الاحرام، كانتصلاته هيكلًا من دون روح.


1- 1 وسائل الشيعة 1: 46؛ عن علل الشرائع: 16؛ والمجالس: 21؛ والخصال 1: 88.
2- 2 نهج البلاغة بتحقيقصبحيصالح 3: 510 حكمة رقم 237.
3- 3 جامع السعادات 3: 117.

ص: 130

فإنّ كلًّا من الصلاة والحج، رحلة إلى اللَّه تعالى. وكلّ رحلة إلى اللَّه عروج وصعود. ولابدّ في هذا العروج من أن ينفصل عن هذه الدنيا ويقلع عنها اقلاعاً كاملًا بصورة مؤقتة خلال هذه الرحلة، وما لم يقلع الإنسان فيصلاته وحجّه عن دنياه، وما لم يتحرّر من الأواصر والعلائق التي تشدّه إلى هذه الدنيا شدّاً، لا يستطيع الإنسان أن يجد فيصلاته وحجّه ذوق العروج والسفر إلى اللَّه.

وليس يدعو الإسلام الناس إلى أن يفصلوا أنفسهم عن دنياهم التي لابدّ لهم منها، ولا يريد منهم أن يعرضوا عن هذه الدنيا وما فيها من لذّة ونعيم وعلائق ووشائح تشدّهم بها، وإنّما يطلب منهم أن يتحرّروا في حياتهم من أسر التعلّق بهذه الدنيا وحبّها والافتتان بها. وهذا رأي الإسلام في التعامل مع الدنيا.

تكبيرة الإحرام مفتاح الصلاة:

فإذا أقبل العبد على اللَّه- تعالى- فيصلاته فلابدّ من أن يفصل نفسه عن هذه الدنيا وما فيها من علائق ووشائج ولذّة وفتنة فصلًا كاملًا؛ لكي يستطيع أن ينعم بلذّة العروج والصعود إلى اللَّه في الصلاة.

ففي هذه الرحلة العجيبة التي يكرم اللَّه- تعالى- بها عباده في كلّ يوم خمس مرّات، يمرّ الإنسان بآفاق رحبه من الحمد، والعبادة، والاستعانة باللَّه، والتوحيد، والتعظيم، والدعاء، والتسبيح، والتأليه، والذكر، والشكر، والتضرّع، والإبتهال، والمناجاة، والتسليم له، وما لا أعرف من آفاق العبودية للَّه، وليس بإمكان الإنسان أن يقطع هذه الآفاق الرحبة المباركة من لقاء اللَّه، ما لم ينفصل بشكل كامل عن هذه الدنيا وما فيها من لذّة ونعيم وعلائق ووشائج وهمّ وحرص وقلق وانشغال، فإنّها تصرفه وتشغله عن آفاق اللقاء في هذه الرحلة.

وأشدّ ما في الصلاة، هو هذا الانفصال والإقلاع عمّا حول الإنسان من

ص: 131

العلائق والوشائج ومن الهمّ والتفكير في الدنيا والانشغال بها، فإذا أمكنه أن يقلع فيصلاته عن ذلك كلّه أمكنه أن يعرج فيصلاته إلى اللَّه، وأن يتمتع في هذه الرحلة بلذّة لقاء اللَّه، وأن يعيش فيها آفاق اللقاء الرحبة المباركة، وأن يتمتع بمواهبها وكنوزها.

ومفتاح ذلك كلّه «تكبيرة الإحرام»، فإنّها إذا أدّاها مقيم الصلاة أداءًصحيحاً تفصله مرّة واحدة،- وبحركة سريعة خفيفة عمّا حوله- فصلًا سريعاً قويّاً.

فإنّ تكبيرة الإحرام تتضمّن بُعدين، أحدهما يتضمّن الآخر، وهما معاً يقوّمان معنى هذه التكبيرة العظيمة التي يفتح بها المصلّيصلاته.

البُعد الأول: تكبير اللَّه تعالى وتعظيمه. واللَّه كبير عظيم، ذو الجلال، والكبرياء، والعظمة، إلّاأنّ هذا التكبير يتضمّن معنًى رقيقاً يستحقّ الكثير من التأمل والتفكير، وهو معنى «أفعل التفضيل» في هذه الكلمة، ومقارنة كبرياء اللَّه- تعالى- إلى وضاعة الدنيا، وجلال اللَّه إلى حقارة ما يشغله ويصرفه عن اللَّه.

فكلّ ما في هذه الدنيا ممّا دون اللَّه حقير وضيع، ومتاع زائل، ومن سقط المتاع ومتاع الغرور.

«إعلموا أنّما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد كمثل غيثٍ أعجب الكفار نباتهُ ثمّ يهيج فتراه مصفرّاً ثمّ يكون حُطاماً وفي الآخرة عذاب شديد ومغفرة من اللَّه ورضوان وما الحياة الدنيا إلّامتاع الغرور» (1).

ومتاع مثل هذا المتاع زائل ووضيع لا يستحق أن يصرف الإنسان ويشغله عن اللَّه ذي الجلال والاكرام، ولو اللحظة واحدة، ولا يحسن به أن يرافقه في هذه الرحلة، فيشغله عن اللَّه، ويصرفه عنه تعالى، ولو لبعض الوقت، وببعض


1- 1 الحديد: 20.

ص: 132

الانشغال والانصراف، فإنّ اللَّه أكبر من كلّ ذلك وأجلّ وأعظم، وهو الباقي وما في هذه الدنيا زائل، وهو الحقّ وما في هذه الدنيا باطل، وهو العظيم وما في هذه الدنيا حقير. وهذا هو البُعد الثاني الذي تتضمنّه تكبيرة الإحرام. وهذا البُعد يستنبطه معنى «أفعل التفضيل» في التكبيرة.

ويستحب أن يفتح المقيم للصلاةصلاته بسبع تكبيرات، ليؤكّد ويعمّق في نفسه حالة الإقلاع والفصل عن الدنيا، ويتجاوز بها الحجب التي تحجبه عن اللَّه تعالى، ليمكنه بعد ذلك أن ينطلق إلى اللَّه في هذه الرحلة العجيبة.

وقد روي في تعليل التكبيرات السبعة في افتتاح الصلاة: «أنّ النبيصلى الله عليه و آله لمّا أُسري به إلى السماء قطع سبعة حُجب، فكبّر عند كلّ حجاب تكبيرة، فأوصله اللَّه- عزّ وجلّ- بذلك إلى منتهى الكرامة» (1).

والتلبية مفتاح الحج:

وينطلق الحاج إلى الحجّ من «الميقات» ب «التلبية»، والتلبية مفتاح الحجّ، كما أنّ التكبيرة مفتاح الصلاة، ومن دون التلبية لا يتمكّن الحاج من أن ينطلق في هذه الرحلة المباركة التي شقّ طريقها إليها أبونا إبراهيم عليه السلام، وعمّقه، ووكده ابنه المصطفى خاتم الأنبياءصلى الله عليه و آله.

ولا يتأتّى للإنسان أن ينطلق إلى اللَّه في هذه الرحلة الإبراهيمية في الاستجابة لدعوة اللَّه تعالى، من دون أن يفتح كلّ قلبه في هذه الاستجابة، ويلبّي الدعوة إلى هذه الضيافة التي ينعم بها اللَّه تعالى على عباده في كلّ سنة، عند بيته المحرّم، بكلّ مشاعره وأحاسيسه وعقله وقلبه.

ولا تتأتّى له هذه الاستجابة وهذا والانفتاح على هذه الدعوة إذا كان لا يعرض في هذه الرحلة- على الأقل- عن كلّ دعوة أُخرى يدعوه إليها ما في


1- 1 وسائل الشيعة 4: 722.

ص: 133

الدنيا من الغنى، وإذا كان لا يقاطع،- ولو بصورة مؤقتة- كلّ ما يشغل باله وهمّه عن هذه الدعوة.

إنّ التلبية من فعل القلب، وأفعال الجوانح تختلف عن أفعال الجوارح.

فليس في وُسع القلب أن يكون له في وقت واحد همّان واهتمامان، وانشغالان، وانصرافان واستجابتان، وذكران، بعكس الجوارح التي يمكنها أن تمارس في وقت واحد أكثر من فعل واحد.

يقول تعالى: «ما جعل اللَّه لرجلٍ من قلبين في جوفه» (1)

فليس في جوف الإنسان إلّاقلب واحد، وليس للقلب الواحد إلّااهتمام واحد.

فإمّا أن يصرف الإنسان هذا الإهتمام في الاستجابة إلى اللَّه تعالى، وإما أن يصرفه إلى غير اللَّه، وإمّا أن يعطل الإنسان قلبه، ويُبلّدهُ فيكون محلًا لكلّ شارد ووارد.

التلبية استجابة وإعراض:

والتلبية استجابة وإعراض. استجابة لدعوة اللَّه- تعالى- وإعراض عن كلّ دعوة أُخرى. ممّا تلقاها في هذه الدنيا.

وليس يدعو الإسلام المسلمينَ إلى الإعراض عن الدنيا، وليس ينهي الإسلام عن الإقبال على هذه الدنيا وفتنها، وإنّما يدعوهم إلى أن يجعلوا استجابتهم لها في طول استجابتهم لدعوة اللَّه وامتدادها، وليس في عرضها، وإلى جنبها.

وأمّا في «الحج» فلا يتمكّن الحاج أن يستجيب لهذه الدعوة الإلهية وأن يقطع آفاق هذه الرحلة الإبراهيميّة المباركة إن لم يمحّض قلبه واهتمامه واستجابته


1- 1 الأحزاب: 4.

ص: 134

للَّه تعالى، ولا يتأتّى له هذا التمحيض إن لم يعرض عن أية دعوة أُخرى في هذه الدنيا. حتى لا تشغله دعوة عن هذه الدعوة، ولا تصرفه مغريات دعوات الدنيا وعواملها وفتنها عن دعوة اللَّه تعالى لعبادة اللَّه. و «التلبية» تتضمّن هذين المعنيين معاً، الاستجابة للَّه، والإعراض عن غير اللَّه، والانفتاح على اللَّه والانقلاب عمّا دون اللَّه.

الانقلاب الذي يحدث في «الميقات» بفعل «التلبية»:

و «التلبية» تفصل الحاج في الميقات فصلًا كاملًا عن دعوات هذه الدنيا ومغرياتها وفتنها وإثاراتها مرّة واحدة، ويصبّ الحاج من كلّ فجّ عميق في الميقات بأزياء مختلفة وهموم كثيرة واهتمامات عديدة، فيصيغهم اللَّه تعالى في «الميقات»صياغة جديدة وينتزعهم من كلّ رغباتهم وهمومهم واهتماماتهم انتزاعاً كاملًا ب «التلبية»، ويمحّضهم للاستجابة لدعوته تعالى، وينزعهم أزياءهم. ويوحّد نسكهم وزيّهم وهمّهم واهتمامهم وعملهم ومسارهم ويَصُبَّهُم في مصبٍّ واحد إلى بيته المحرّم.

و مبدأ كلّ ذلك ومنطلقه «التلبية»، فإنّ التلبية توحّد في نفس الحاج شتات الهموم والاهتمامات والاستجابات والرغبات، وتوحّد همّهم واهتمامهم ورغباتهم واستجاباتهم باتّجاه الاستجابة إلى دعوة اللَّه تعالى.

إنّ «التلبية» تجمع شتات اهتمامات الإنسان في همّ واهتمام واحد، وتجمع بنفس الطريقة شتات اهتمام الناس وتعدد مذاهبهم في الحياة الدنيا في اتجاه واحد.

إنّ الحياة تشتت الإنسان إلى هموم واهتمامات شتّى، وتشتت الناس إلى مصالح ومذاهب شتّى.

والميقات يجمع شتات الناس، في همّ واحد، واهتمام واحد، وزيّ واحد،

ص: 135

وطريق واحد.

و «التلبية» هي وسيلة هذا التوحيد، وفي الوقت نفسه توجّه هذا الحشد البشري الهائل الواحد إلى اللَّه الواحد القهّار.

فهي توحّد الإنسان (الفرد) وتوجهه إلى اللَّه.

وتوحّد الناس (المجتمع) وتوجّههم إلى اللَّه.

وهذا الانقلاب العظيم يجري في «الميقات» بفعل «التلبية»، و «الميقات» و «الحرم» وعاء هذا الانقلاب، و «التلبية» عامل هذا الانقلاب.

وغاية الحجّ أن تتحوّل ساحة الحياة كلّها إلى «الميقات» و «الحرم»، ويكون لكلمة «لا إله إلّااللَّه» في ساحة الحياة الواسعة نفس الفعل والدور الذي يكون لكلمة «التلبية»، وأن ينقل الحجّاج «الحرم» إلى واقع حياتهم في «السوق».

ومن بؤس الناس وشقائهم أنّهم ينقلون «السوق» إلى «الحرم»، بخلاف ما يريده اللَّه تعالى وذلك أنّ «التلبية» تعيدُ بناء الفرد والمجتمع.

وهذا البناء يتمّ علىصعيدين:

توجيه الناس إلى الاستجابة للَّه تعالى، وهو البُعد الأوّل. وتوحيد الناس بهذا الاتجاه، وهو البُعد الثاني. والبُعد الأول يوحّد شتات هموم الإنسان واهتماماته، والبُعد الثاني يوحّد شتات مذاهب الناس ومصالحهم وأعمالهم.

ويحبّ اللَّه تعالى أن ينقل الحجاج هذه «الوُحدانية الموجهة» إلى حياتهم في الأسواق، وفي مواقع الحكم والسياسة، وساحات الصراع ... ومن عجب أنّ الناس ينقلون شتات أهوائهم وميولهم ومذاهبهم إلى «الميقات» و «الحرم».

ولو أمعنّا النظر في «الميقات» و «التلبية» لقلنا: إنّ الميقات ليس فقط يستقبل شتات الناس ليصهرهم في اتجاه واحد، واهتمام واحد، وأُسرة واحدة،

ص: 136

وهمّ واحد، وإنّما ينتزعهم من دنياهم انتزاعاً ليعبد بناءهم الفردي والاجتماعي، بعد أن شتتتهم الحياة الدنيا آراءً ومذاهب ومصالح وهموماً.

هذا إذا أعطى الحاج نفسه ل «التلبية»، وفعل «التلبية» في نفسه، وفتح كلّ قلبه بالتلبية على اللَّه، ولم يحتفظ لنفسه عند التلبية بشطر من قلبه، ويعطي الشطر الآخر للَّه تعالى. فإنّ القلب السليم لا ينشطر ولا يتعدّد. «ما جعل اللَّه لرجلٍ من قلبين في جوفه».

والقلب البليد العاطل فقط ينشطر ويتعدّد.

وأمارة سلامة القلب توحيد اللَّه، وأمارة بلادة القلب وعَطَله التعدّد والانشطار.

والتلبية توجه القلوب إلى الاستجابة للَّه، وتوحّد القلوب في هذه الاستجابة.

وهذه هي أبعاد هذا الانقلاب العظيم. ووعاؤه «الميقات» و «الحرم».

وعامله «التلبية».

روي عن الإمام الرضا عليه السلام: «إنمّا أُمروا بالإحرام ليخشعوا قبل دخولهم حرم اللَّه وأمنه، ولئلّا يلهو ويشتغلوا بشي ء من أُمور الدنيا وزينتها ولذّاتها، ويكونوا جادّين فيما هم فيه، قاصدين نحوه مقبلين عليه بكليتهم» (1).

تأكيد التلبية:

لقد ورد في النصوص الإسلامية الاهتمام بتكرار التلبية، والإكثار منها وترديدها.

روى ابن أبي عمير وابن فضّال عن رجال شتّى عن أبي جعفر عليه السلام قال:

قال رسول اللَّهصلى الله عليه و آله: من لبّى في إحرامه سبعين مرّة احتساباً أشهد اللَّه له ألف ملك


1- 1 وسائل الشيعة 9: 3.

ص: 137

ببراءة من النار وبراءة من النفاق (1).

والبراءة من النفاق من فعل التلبية، فإنّ التلبية وترديدها وتكرارها تزيل النفاق من النفس وتبرئصاحبها من حالة النفاق، وتشتت الميول والأهواء والهموم.

وكان رسول اللَّه يلبّي بالتلبيات الأربع المعروفات ويكثر من ذي المعارج (2).

وهي:

«لبيك ذا المعارج لبيك، لبيك تُبدئ وتعيد، والمعاد إليك لبيك، لبيك داعياً إلى دار السلام لبيك، لبيك كشّاف الكرب العظام لبيك، لبيك يا كريم لبيك، لبيك عبدك وابن عبديك بين يديك لبيك، أتقرّب إليك بمحمدٍ وآل محمد، لبيك» (3).

شعور الحاج عند التلبية:

إنّ التلبية تقترن في نفس الحاج بانفعالات نفسيّة وأحاسيس مختلفة، فهي تقترن بالشوق إذ يقبل الحاج إلى الميقات ملبّياً دعوة ربّه. ويقترن بالإحساس بالهيبة عندما يشعر الحاج أنّه يقف بين يدي ذي الجلال والعظمة ليلبّي دعوته.

ويقترن بالرهبة والخوف، عندما ينظر إلى نفسه، فلا يراها أهلًا لهذا التكريم الإلهي، ولا يراها موضعاً لهذه الدعوة الإلهية ويخشى إن لبّى أن يردّ اللَّه تعالى تلبيته.

روى الصدوق في الأمالي عن ابن المتوكل عن السعدآبادي عن البرقي عن أبيه، عن الأزدي قال: سمعت «مالك بن أنس» فقيه المدينة يقول: كنت أدخل إلى الصادق جعفر بن محمد عليهما السلام، فيقدّم لي مخدّة، ويعرف لي قدراً، ويقول: مالك إنّي أُحبّك، فكنت أُسرّ بذلك، وأحمد اللَّه عليه.


1- 1 المحاسن للبرقي: 64.
2- 2 قرب الاسناد: 76.
3- 3 فقه الرضا عليه السلام: 27.

ص: 138

قال: وكان- عليه السلام- لا يخلو من إحدى ثلاث خصال: إمّاصائماً، وإمّا قائماً، وإمّا ذاكراً، وكان من عظماء العبّاد، وأكابر الزهّاد الذين يخشون اللَّه عزّ وجلّ، وكان كثير الحديث، طيب المجالسة، كثير الفوائد، فإذا قال: قال رسول اللَّهصلى الله عليه و آله، اخضرّ مرّة واصفرّ مرّةً أُخرى، حتى ينكره من كان يعرفه.

ولقد حججت معه سنة، فلمّا استوت به راحلته عند الإحرام كان كلّما همّ بالتلبية إنقطع الصوت في حلقه، وكاد أن يخرّ من راحلته، فقلت: يا ابن رسول اللَّهصلى الله عليه و آله ولابدّ لك من أن تقول، فقال: كيف أجسر أن أقول: لبّيك اللّهمّ لبّيك، وأخشى أن يقول عزّ وجلّ لي: لا لبّيك ولا سعديك (1).

وعند الوقوف بين يدي اللَّه تعالى في موقف التلبية في الميقات تتفاعل هذه الانفعالات والأحاسيس في نفس الحاج، وهذا المزيج المتناسق والمتكامل من المشاعر والانفعالات النفسية تساهم في هذه النقلة والانقلاب النفسي والاجتماعي الذي يحصل للحجاج في «الميقات» و «الحرم».

الهوامش:

الحجّ في موكب التاريخ


1- 1 أمالي الصدوق: 169.

ص:139

ص: 140

الحجّ في موكب التأريخ

أحمد الواسطي

الحج- عند البشر جميعاً- هو زيارة جماعية لمكانٍ مقدس، في وقتٍ معلوم، بقصد الشعور باقتراب خاص من المعبود الذي يؤمن به القوم.

ويربطون هذه الزيارة بذكريات معيّنة موغِلة في القِدم، تتصل بالمكان الذي يفِدون إليه.

هكذا كان الحجّ ولا يزال، فقد قدّس الناس الأشجار والغابات والجبال، والأنهار، والآبار وجعلوا منها أماكن يزورونها جماعات، فيشعرون بالقوّة التي يبعثها في نفوسهم العدد الكثير، وبالطمأنينة لوجودهم معاً في موقف عبادة ذات شعائر خاصة، ونظام دقيق. ومن المؤكد أن الإنسان في العصور السحيقة قبل التاريخ، كان يرتاد بقاعاً من الأرض يجد لها رهبة، أو راحة نفسية، أو شفافية روحانية، يحلّق بها في آفاق أسمى من المطالب المادية التي تحاصره. ثمّ تبلور هذا الشعور في العصور التاريخية القديمة: فالمصريون القدماء كانوا يعتقدون أنّ آلهتهم

ص: 141

الفرعونية تجتمع في معبد «أوزيريس» بمدينة «أبيدوس» في عيد هذا المعبود، فكانوا يحجّون إليه بهذه المناسبة. وكان الهنود يحجّون إلى المعابد الضخمة بجبال الهملايا، أو على ضفاف نهر الكنج، في «جُمنا»، أو «برندابان» أو في مدينة «بَنارِس» الجليلة القدر عندهم. وفي الصين كانت الجبال المقدسة التي يَؤمّونها للحج كثيرة، خاصة جبال «تاي- تِشان». وفي اليابان حيث تلتقي عبادة أرواح الأسلاف بالطقوس البوذية، في تعايش سلمي منسجم، تقوم معابد (الشِنْتو)- أي تقديس الأسلاف- مستقلة عند المعبد البوذي ومجاورة له: الأولى تسمى في لغتهم «جِنْجا» والثانية «أوتيرا». وأماكن حجّهم على الجبال العالية، ولا سيما جبل «فُوجي ياما». كما يؤمّون المعابد البوذية في مدينة «نارا» حيث أقسم أسلافهم القدماء على تحرير وطنهم من التبعية لامبراطور الصين، فأصبح معبدها البوذي مكاناً للحجّ.

وفي العراق القديم، كانت كلّ إمارة سومرية أو أكادية في (الألف الرابع قبل الميلاد) تتخذ لها عاصمة: تل العُبيد- الوَرْكاء- أُور- إريدُو- تل خَلَف- نينوى- بابل- خفاجي- أرْبِل- كِرْكوك ... الخ وكان تخطيط العاصمة يبدأ بمعبد مركزي، يمنح المدينة قدسيتها، إذْ يصبح حرماً ومكاناً للحج.

وكان هذا المعبد إما مربعاً، إشارة إلى أنّ اللَّه هو المهيمن على الجهات الأربع للعالم: الشرق والغرب والشمال والجنوب، وإما بيضاوياً، يذكر بأنّ اللَّه خالق للحياة، بإرادته تخرج الدجاجة، لتبيض بدورها بمشيئته، فتستمر الحياة.

وفي كلّ معبد برج شامخ يسمّونه «زِقُّورة» شكله مربع في المعابد المربّعة، ومستدير في المعابد البيضاوية، ينتهي من أعلى بشرفة يرصد منها الكهنة النجوم- وكانوا يعبدونها- ويعلنون بدايات الطقوس الدينية للحجاج.

وهكذا كان الحج في إيران القديمة وبلاد الحيثيين في آسيا الصغرى وغيرها من

ص: 142

بلدان العالم القديم.

وإذا كان إبراهيم الخليل عليه السلام قد رفع القواعد من بيت اللَّه في مكة المكرّمة، فإنّه لم يَرِد عنه، حتى في المرويّات اليهودية، أنه بنى للَّه- تعالى- بيتاً آخر في فلسطين، بل يقولون: إنّه مرّ ببلدة «سالم» وهو الاسم الفلسطيني القديم للقدس فنزل ومن معه ضيوفاً على ملكيصادق (ملك الفلسطينيين) وقدّم ملكيصادق ملك (سالم) خبزاً ونبيذاً؛ لأنّه كان كاهناً للَّه العليّ، ثمّ باركه وقال: «مبارك أبرام من اللَّه العليّ مالك السموات والأرض، وتبارك اللَّه العليّ الذي دفع أعداءك إلى يديك» (1).

أما الساميون فقد كانوا على اختلاف عشائرهم يحجّون إلى أماكن معيّنة في أوقات معلومة. وكان أهم هذه البقاع المباركة عندهم، الجبال والأشجار والآبار وعيون الماء، فنقرأ مثلًا في التوراة: «وهذه هي الرسوم والأحكام التي أعطاك الرب إله آبائك، لتملكها كلّ الأيام، التي تحيونها على الأرض، تقوّضون جميع المواضع التي كانت الأُمم التي ترثونها تعبد فيها آلهتها: على الجبال الشامخة، والتلال، وتحت كلّ شجرة وارفة، وتُهدّمون مذابحهم، وتكسّرون أنصابهم، وتحرّقون غاباتهم بالنار، وتحطّمون زخارفهم لآلهتهم، وتمحون أسماءهم من ذلك الموضع، حتى لا تصنعوا هكذا نحو الرب إلهكم. بل الموضع الذي يختاره الربّ إلهكم من جميع أسباطكم، ليحلّ فيه اسمه ويسكن فيه، فتؤمونه، وإلى هناك تسيرون، حاملين إليه محرقاتكم وذبائحكم وأعشاركم وتقدمات أيديكم ونذوركم ونوافلكم وبكور بقركم وغنمكم. وتأكلون هناك أمام الرب إلهكم وتفرحون بجميع ما تمتد إليه أيديكم أنتم وبيوتكم، مما بارككم فيه الرب إلهكم» (2).

ولم ينصّ الرب- لا هنا ولا في أي نصّ من كتابهم- على هذا الموضع! أمّا «أورشليم» فلم يكن اسمها قد أُطلق عليها بعد، بل كانت تحمل اسم «سالم»


1- 1 التوراة، سفر التكوين 14: 18- 20.
2- 2 سفر التثنية 12: 1- 7.

ص: 143

الفلسطيني، ثمّ سميت «يبوس» باسم العشيرة الفلسطينية التي كانت تسكنها، أما «أُورشليم» فقد بدأ بناءَها داودُ وأتمّها سليمان، كلّ ذلك بعد موسى بخمسمائة سنة، وهما عند اليهود من الملوك وليسا من الأنبياء، ولا الكهنة!

وكان اليهود- أو بنو إسرائيل- يجعلون من الأشجار والجبال والتلال وعيون الماء والآبار مزارات يحجّون إليها ويتبرّكون بها، ويبنون عندها معابدهم (1).

ولا يفوتنا أن نذكر «بئر الحيّ الرائي» بالقرب من الخليل، وقبالة سنديانة قمراً، وكثير من اليهود يحجّون إليها حتى اليوم، لما جاء في التوراة:

«وكان بعد موت إبراهيم أنّ اللَّه بارك إسحق ابنه، وأقام إسحق عند بئر الحيّ الرائي ...» (2).

كما سبق ذكر التبرك بهذه البئر، إذ تزوج عندها إسحق من رفقة، قبل موت أبويه إبراهيم وسارة (3).

أما معبد «بيت إيل» الذي أقامه يعقوب في أرض كنعان بالقرب من نابلس، فقد كان المكان الأول الذي يحج إليه بنو إسرائيل حتى بعد أن شيّد سليمان الهيكل في القدس، ولم يفقد منزلته هذه إلّابعد انشطار مملكة سليمان نصفين بعد وفاته:

السامرة شمالًا وكانت مملكة معادية لأُسرة داود وسليمان في الجنوب، وتسمّي نفسها إسرائيل! واستمرّت في الحجّ إلى «بيت إيل». أمّا أُسرة يهوذا المنحدرة من داود وسليمان فكانت تحج إلى «الهيكل» في أُورشليم، وهو الاسم الذي اشتهرت به منذ سليمان.

الحج قبل الإسلام وبعده:

تعدُّ أيام الحج وما بعدها أعياداً تقام بها الأفراح لإدخال السرور إلى قلب الأرباب. ويكون الحج بالدعاء وبمخاطبة الآلهة، غير أنّ بعض الجاهليين كان يحجّصامتاً أي من دون كلام.

وقد تميّز الشهر الذي يقع فيه الحج عن الأشهر الأُخرى بتسميته بشهر ذي


1- 1 سفر التكوين 18: 1- 14.
2- 2 التكوين 25: 11.
3- 3 التكوين 24: 62.

ص: 144

الحجة وبشهر الحج. وهذه التسمية المعروفة حتى الآن في التقويم الهجري هي تسمية قديمة، كانت معروفة عند العرب قبل الإسلام (1) وكان هناك عدد من الآلهة يحج الناس إليها في الجاهلية؛ لذلك تعددت بيوت الأرباب.

ومعنى هذا أنّ حجّ أهل الجاهلية لم يكن إلى مكة وحدها، بل كان إلى محجّات عديدة أُخرى، بحيث حجّ كلّ قوم إلى البيت الذي قدّسوه، والصنم الذي عبدوه وطافوا حوله وتقرّبوا إليه ولبّوا له. وكانت «قريش» تتعبّد لأصنامها في الكعبة، ولكنها كانت تزور «العزّى» وتهدي لها وتتقرّب لها بالذبائح، كما كانت «قُضاعة» و «لَخْم» و «جَذام» و «أهل الشام» يحجّون إلى «الأُقيصر» ويحلقون رؤوسهم عنده.

وكانت «مُذْحِج» تحج إلى «يَغوث» كما كانت «طَي» تعبد «الغَلَس» وتهدي إليه. وكانت «ثقيف» تعبد «اللّات» في الطائف.

وحجَّ الجاهليون إلى بيوت أُخرى مثل «بيت نجران» و «بيت ذي الخِلْصة» و «بيت مناة» و «بيت جَهار» و «سُواع شمس» و «مَحرِق» و «مَرحَب» و «ذُريح» (2).

ولم تكن طقوس الحج إلى مكة واحدة عند كلّ القبائل، بل كانوا يختلفون ويصنّفهم المؤرخون فيصنفين عامين هما «الحُمْس» أو (الأحماس» و «الحُلّة» ويضيف البعضصنفاً ثالثاً هم «الطُلْس» أو (الأطلاس).

و «الحُمْس» من العرب، وهم قريش كلّها و «خُزاعة» لنزولها مكة، وكلّ من ولدت قريش من العرب، وكل من نزل مكة من قبائل العرب. أمّا «الطُلْس» فهم سائر أهل «اليمن» وأهل «حضرموت» و «عك أياد». أمّا «الحُلّة» فالمفروض أنهم بقية القبائل.

والأخباريون يذكرون أنّ الطائفين بالبيت كانصنف منهم يطوف عرياناً، وصنف يطوف في ثيابه، ويعرف من يطوف بالبيت عرياناً ب «الحَلّة».

أمّا الذين يطوفون بثيابهم


1- 1 د. جواد علي، مفصل تاريخ العرب قبل الإسلام 6: 190.
2- 2 المصدر نفسه، ودراسة مستقلة حول أصنام العرب.

ص: 145

فيعرفون ب «الحُمْس».

وكان «الطُلْس» لا يتعرّون حول الكعبة ولا يستعيرون ثياباً، ويدخلون البيوت من أبوابها ولا يئدون بناتهم.

وكان «الحَلّة» يقصدون من نزع الثياب طرح ذنوبهم معها ويقولون: إنّهم لا يطوفون في الثياب التي فارقوا فيها الذنوب، ولا يعبدون اللَّه في ثياب أذنبوا بها. وذكر أنّ «الحُلّة» إذا أتمّوا طوافهم تركوا ملابسهم عند الباب ولبسوا ملابس جديدة (1).

وقد منع الإسلام طواف العري في أي وقت، وحتّم على جميع قريش وغيرهم لبس الإحرام. والإحرام قديم عرف عند غير العرب أيضاً.

ويظهر أنّ أهل مكة وقريشاً كانوا يلبسون الإحرام أو يعيرونه لغيرهم من العرب إنْ كانوا من حلفائهم.

ومن المحتمل أن «المَعينيين» و «السَبيئيين» و «القَتْبانيين» و «الحَضْرميين» كانوا يطوفون حول معابدهم على نحو ما كان يفعله أهل الحجاز؛ لأنّ الطواف حول بيوت الأصنام من السنن الشائعة بين العرب وعند بني «أرم» و «النبط». وكان الطواف حول البيت الحرام بمكة سبعة أشواط (2).

ومن مناسك الحج: التلبية وهي إجابة الملبّي ربّه وقولهم: لبّيك اللّهمّ لبّيك معناه: إجابتي لك يا رب.

وكان الجاهليون يلبّون تلبيات مختلفة، فتلبية قريش كانت: «لبيك اللهم لبيك. لبيك لا شريك لك إلّا شريك هو لك تملكه وما ملك».

وتلبية من نسك للعزّى كانت:

«لبيك اللهم لبيك، لبيك وسعديك ما أحبنا إليك». وتلبية من عبد اللّات كانت: «لبيك اللهم لبيك كفى ببيتنا بنيه ليس بمهجور ولا بلية، لكنه من تربة زكية أربابه منصالحي البرية».

وكانت تلبية من عبد «هبل»:

«لبيك اللهم لبيك إننا لقاح حرمتنا على أسنّة الرماح يحسدنا الناس على


1- 1 المصدر نفسه 6: 198.
2- 2 المصدر نفسه.

ص: 146

النجاح». والتلبية هي من الشعائر الدينية التي أبقاها الإسلام ولكنّه غيّرصيغها القديمة بما يتّفق مع عقيدة التوحيد، فصارت على هذا النحو:

«لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك. إنّ الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك لبيك».

كما جعلها جزءاً من حجّ مكة بعد أن كانت تتم خارج مكة، إذْ كانت كلّ قبيلة تقف عندصنمها وتصلّي عنده ثمّ تلبّي قبل أنْ تأتي إلى مكة، وذلك بالنسبة لمن كان يحج مكة فأبطل ذلك الإسلام (1).

ومن مناسك الحج السعي بين الصفا والمروة وكان بهماصنمان هما ل «أساف» و «نائلة» وطواف الحجاج بهما قدر طوافهم بالكعبة أي سبعة أشواط وكانت قريش تقوم بذلك. أمّا غيرهم فلم يطوفوا بهما. وبين «الصفا» و «المروة» يكون المسعى وكان «أساف» بالصفا و «نائلة» بالمروة.

وكان أهل مكة يطوفون ب «أساف» أولًا ويلمسونه كلّ شوط ثم ينتهون ب «نائلة» ويلبّون لها. وذُكر أنّ قوماً من المسلمين قالوا: يا رسولَ اللَّه! لا نطوف بين «الصفا» و «المروة»، فإنه شرك كنّا نصنعه في الجاهلية، ولما جاء الإسلام وكسرت الأصنام كره المسلمون الطواف بينهما لأجل الصنمين، فأنزل اللَّه في كتابه الكريم: «إنّ الصفا والمروة من شعائر اللَّه» (2)

. ويتّضح من الأخبار أن الذين كانوا يطوفون بالصنمين ويسعون بينهما هم قريش خاصة؛ لأنها كانت تعبد الصنمين، وليس كلّ من كان يحج من العرب. وقد استبدل الإسلام الطواف بالسعي بين الموضعين. وذُكر أنّ السعي بين «الصفا» و «المروة» شعار قديم من عهد هاجر أُمِّ إسماعيل (3).

ومن مناسك حج أهل الجاهلية الوقوف ب «عرفة» ويكون ذلك في اليوم التاسع من ذي الحجة ويسمى ذلك اليوم «يوم عرفة». ومن «عرفة» تكون الإفاضة إلى «المزدلفة» ومن «المزدلفة» إلى «منى».


1- 1 د. جواد علي، مفصل تاريخ العرب قبل الإسلام 6: 201.
2- 2 البقرة: 158.
3- 3 د.صالح العلي، محاضرات في تاريخ العرب 1: 75.

ص: 147

وكان الجاهليون من غير قريش يفيضون في «عرفة» عند غروب الشمس وفي «المزدلفة» عند شروقها.

ولم يكن «الحَمس» يحضرون «عرفة» وإنّما كانوا يقفون «بالمزدلفة»، وقد بدّلَ الإسلام ذلك وأخضع الجميع للوقوف ب «عرفة». قال تعالى: «ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس واستغفروا اللَّه إنّ اللَّه غفوررحيم» (1)

، يعني من «عرفة».

و «عرفة» موضع على مسافة غير بعيدة عن «مكة».

ولابدّ من أنه كان من المواضع التي قدّسها الجاهليون، وربما كان له ارتباط بصنم من الأصنام.

ويقف الحجاج المسلمون موقف «عرفة» من الظهر إلى وقت الغروب.

وقد يكون وقوف الجاهليين في «عرفة» وقت الغروب له علاقة بعبادة الشمس، فإذا غربت الشمس اتّجه الناس إلى «المزدلفة» وهي على منتصف الطريق بين «عرفة» و «منى».

وفيها يبيت الحجاج ليلة العاشر من ذي الحجة، وقد وصفت في القرآن الكريم بالمشعر الحرام. وكانت الافاضة منها عند شروق الشمس إلى «منى».

ومن المحتمل أنّ «المزدلفة» كانت من مواضع الجاهلية المقدّسة التي لهاصلة بالأصنام (2).

وذُكر جبل ب «المزدلفة» اسمه «قُزَح»، وهناكصنم يقال له: «قُزَح» وقد تكون لهصلة بهذا الموضع. ويذكر أنه كانت على قُزَح اسطوانة من حجارة مدوّرة محيطها (24) ذراعاً وارتفاعها (12) ذراعاً كانت توقد عليها النيران منذ زمن قصيّ ليلة الجمعة.

وعند طلوع شمس اليوم العاشر من ذي الحجة كان الحجاج في الجاهلية يفيضون من «المزدلفة» إلى منى لرمي الجمرات ولنحر العتائر (3)، وإفاضة الجاهليين عند طلوع الشمس له دلالة على عبادة الشمس عندهم (4).

ورمي الجمرات بمنى من مناسك الحج، وهو من شعائر الحج المعروفة في


1- 1 البقرة: 199.
2- 2 د.صالح العلي، محاضرات في تاريخ العرب 1: 80- 81.
3- 3* الذبائح.
4- 4 د.صالح العلي، محاضرات في تاريخ العرب 1: 80- 81.

ص: 148

المحجات الأُخرى في جزيرة العرب، وكان معروفاً عند غير العرب أيضاً.

ويرجع أهل الأخبار مبدأ رمي الجمرات إلى «عمرو بن لحي». وترمى الجمرات على مكان عرف بموضع الجمار بمنى، تتجمع وتتكوّم عنده الحصى، وهي جمرات ثلاث: الجمرة الأولى، والجمرة الوسطى وجمرة العقبة.

ويرمي المسلمون كلًّا منها بسبع حصي (1).

ومن الشعائر المتعلقة بمنى نحر الذبائح وهي «العتائر» في الجاهلية، والأضاحي أو الهدْي في الإسلام ولذلك عرف هذا العيد بعيد الأضحى.

وكان الجاهليون يقلّدون «عتائرهم» بقلادة أو بنعلين يعلّقان على رقبة الحيوان إشعاراً للناس بأنه للذبح.

ولا يحلّ للحجاج في الجاهلية حلق شعرهم أو تقصيره طيلة حجّهم وإلّا بطل حجّهم.

ويلاحظ أنّ غير العرب من «الجزيريين» كانوا يفعلون ذلك في المناسبات الدينية. وكانت القبائل لا تحلق شعرها إلّاعند أصنامها وذلك بعد النحر مباشرة ولا يجوز أن يتمّ قبله. ولا يقتصر ذلك على الحجّ إلى مكة، بل يمتد إلى بقية الآلهة فكان الأوس يحلقون شعرهم عند مناة، وكانت «قضاعة» و «لخم» و «جذام» تقصّ شعرها عند «الأُقيصر». ويجوز للحجاج مغادرة «منى» في اليوم العاشر من ذي الحجة، أي في اليوم الأول من العيد، ففي هذا اليوم يكمل الحجاج حجهم، ولكن فيهم من يبقى في هذا المكان حتى اليوم الثالث عشر وذلك ابتهاجاً بأيام العيد (2).

والجدير بالذكر أنّ الإسلام خطا بالضمير الإنساني شوطاً بعيداً في جميع هذه المناسك والعبادات.

فالمسلم لا يحج إلى الكعبة ليعزّز فيها سلطان الكهّان أو ليقدّم إليهم القرابين والاتاوات، وإنّما هي فريضة «عبادية- سياسية» للأُمة وفي مصلحة


1- 1 المصدر نفسه: 86.
2- 2 المصدر نفسه: 86.

ص: 149

الأُمة، وعلى شريعة المساواة بين أبناء الأُمة، وهي بهذه المثابة فريضة اجتماعية تعلن فيها الأُمم الإسلامية وحدتها، والمساواة بين الكبير والصغير أمام اللَّه وعند بيت اللَّه. وليس المقصود بالضحية في الإسلام أنها طعام للكهان، أو طعام للإله، ولكنها سخاء من النفس في سبيل العبادة، يشير بها الإنسان إلى واجب التضحية بشي ء من الدنيا في سبيل الدين، متجشماً لذلك مشقة الرحلة وتكاليفها جهد المستطيع.

ويمتاز الحج في الإسلام بدلالته الروحية التي تناسب مقصدها الأسمى من تحقيق الرابطة بين الأُمم، التي تدين بعقيدة واحدة في أرجاء الكرة الأرضية على تباعد مواقعها واختلاف أجوائها وفصولها، فهو رابطة من روابط السماء تؤمن بها أُمم وحّدتها العقيدةُ السماوية، وإن فرّقت بينها شتّى المطارح والبقاع.

فالحجّ الإسلامي في عصرنا هذا هو الفريضة الوحيدة الباقية من قبيلها في جميع الأديان الكتابية.

فهيكل بيت المقدس قد تهدّم منذ القرن الأول للميلاد، ولم يرد في الأناجيل المسيحية نصّ على مكان مقدس مفروض على المسيحيين أن يحجوا إليه، وكلّ ما عرف بعد القرون الأُولى فإنما اتّبع فيه الخَلْق سُنّة الملكة «هيلانة» أُمّ الامبراطور قسطنطين التي قيل: إنها وجدت الصليب الأصيل في فلسطين عندما توجّهت إليها لزيارة آثار السيد المسيح، وهي قصة يكفي للدلالة على قيمتها التاريخية أنّ رواتها جميعاً نقلوها بعد عصر الملكة «هيلانة» وأنّ مؤرخ العصر الأكبر يوسيبيوس Eusebius لم يشر إليها بكثير أو قليل على شدّة اهتمامه باستقصاء الأخبار التي لا تذكر بالقياس إلى هذا الخبر العظيم.

ثم تتابعت القرون والدول- المنتسبة إلى المسيحية- وهي تتذرع بالأماكن المقدسة لترويج مطامعها السياسية، فروسيا القيصرية تدّعي حمايتها على مذهب الكنيسة الشرقية، وملوك فرنسا يدّعون حمايتها على

ص: 150

مذهب الكنيسة الغربية. ولما ذهب هؤلاء الملوك وتبعتهم دولة الجمهورية «اللاتينية» كانت الغيرة على الحج في عهدها على أشدّها وأقواها، ونشأت في أيامهاصحيفة الحاج Pelerin التي بلغ المطبوع من أعدادها مئات الأُلوف، وامتلأتصفحاتها بأنباء المعجزات والكرامات التي تشاهد في أرض الميلاد، وتظافرت الدولة والكنيسة على ترويجها خدمة لمطامع الاستعمار.

ثمّ تقلّبت الأيام حتى رأينا دعاة الاستعمار يسلّمون الأماكن المقدّسة الى أيدي الصهيونيين!

أما فريضة الحج الإسلامي فقد بقيت لها رسالتها التي لا عبث فيها ولا موضع للمكر والدسيسة من ورائها، وإن رسالتها اليوم في العالم الإسلامي لأعظم وألزم من رسالاتها في جميع الأزمنة؛ لأنها العهد المجدّد في كل عام بين شعوب الإسلام إلى الوفاق والوئام.

الهوامش:

الحجر الاسود

ص: 151

الحجر الأسود

محسن الأسدي

في ذلك الوادي الذي وصفه اللَّه- تعالى- بأنه (غير ذي زرع) يرفع إبراهيم وإسماعيل قواعدَ البيت الحرام، وعيونهما بين لحظة وأخرى ترمقان السماء، ويدعوان اللَّه- تعالى- أن يتقبل عملهما ويجعله خالصاً لوجهه الكريم «وإذ يرفع إبراهيمُ القواعد من البيت وإسماعيلُ ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم» (1).

وما إن وصلا ببناء الكعبة إلى المكان الذي شاء اللَّه- تعالى- أن يوضع فيه الحجر الأسود (الركن الشرقي من جدار الكعبة، بينه وبين الأرض ذرعان وثلثا ذراع، مقابل زمزم ..) (2) حتى أمر إبراهيمُ إسماعيلَ قائلًا: ائتني بحجر ليكون علماً للناس، يبتدئون منه الطواف. فأتاه بحجر لم يرضه ... وبعد هنيئة وإذا بحجر بين يدي إبراهيم. فيعجب إسماعيل لهذا، ويسأل: من أين جاء هذا الحجر؟ فيُجيبه إبراهيم: جاءني به جبريل من عند مَن لم يتكل على بنائي وبنائك، ولم يكلني على حجرك (3).


1- 1 البقرة: 127.
2- 2 معجم البلدان: 224 حرف الحاء، وورد خطأً أنه في الركن الشمالي؛ وانظر معجم معالم الحجاز 2: 235؛ موسوعة المورد 2: 74.
3- 3 أخبار مكة، الأزرقي 1: 62 و 65 طبعة الشريف الرضي، قم، ايران؛ تاريخ الطبري 1: 153 دار الكتب العلمية، بيروت، الكامل ج.ص.

ص: 152

ويكتمل البناء، ويُرفع الأذان بالحج على لسان نبيِّ اللَّه إبراهيم، ويلبي الناسُ دعوته من كلّ مكان، وتبدأ مسيرة الحج العظيمة لتستمر عَبر التأريخ وإلى ما شاء اللَّه تعالى:

«وأذّن في الناس بالحج يأتوك رجالًا وعلى كلّ ضامر يأتين من كلّ فجٍّ عميق ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسمَ اللَّه في أيام معلوماتٍ على ما رزقهم من بهيمة الأنعام فكُلوا منها وأطعِموا البائسَ الفقير ثم ليقضوا تفثَهُم وليوفوا نذورهم وليطوّفوا بالبيت العتيق» (1).

وبقيت الكعبة على هيئتها من عمارة إبراهيم عليه السلام حتى أتى عليها سيل عظيم انحدر من الجبال، فصدع جدرانها بعد توهينها ثمّ بدأت تنهدم، فاجتمع كبراء قريش، وقرّروا إعادة بنائها .. وراحت قريش تنفذ ما قررته حتى ارتفع البناء إلى قامة الرجل، وآن لها أن تضع الحجر الأسود في مكانه من الركن، اختلفت حول مَن منها يضع الحجر في مكانه، وأخذت كلّ قبيلة تطالب بأن تكون هي التي لها ذلك الحقّ دون غيرها، وتحالف بنو عبد الدار وبنو عدي أن يحولوا بين أية قبيلة وهذا الشرف العظيم، وأقسموا على ذلك جهد أيمانهم، حتى قرّب بنو عبد الدار جفنة مملوءة دماً، وأدخلوا أيديهم فيها توكيداً لأيمانهم؛ ولذلك سُمُّوا «لَعَقَة الدم». وعظم النزاع حتى كادت الحرب أن تنشب بينهم لولا أن تدخل أبو أمية بن المغيرة المخزومي بعد أن رأى ماصار إليه أمر القوم، وهو أسنهم، وكان فيهم شريفاً مطاعاً، فقال لهم:

يا قوم! إنما أردنا البرَّ، ولم نرد الشرَّ فلا تحاسدوا، ولا تنافسوا فإنكم إذا اختلفتم تشتت أموركم، وطمع فيكم غيركم، ولكن حكموا بينكم أول مَن يطلع عليكم من هذا الفج [أو اجعلوا الحكم بينكم أول مَن يدخل من باب الصَّفا] قالوا: رضينا وسلمنا (2).


1- 1 الحج: 27- 29.
2- 2 أخبار مكة 1: 163؛ الكامل 2: 45؛ الطبري 1: 526؛ سيرة ابن هشام 1: 197.

ص: 153

فلما قبلوا هذا الرأي، أخذوا ينظرون إلى باب الصفا منتظرينصاحب الحظّ العظيم، والشرف الرفيع الذي سيكون على يديه حقن دمائهم، وحفظ أنفسهم ... فاذا بالطلعة البهية، والنور الساطع .. انظروا .. إنه محمّدٌ بن عبد اللَّه ..

إنه الصادق الأمين .. وبصوت واحد .. هذا الأمين قبلناه حكماً بيننا .. هذا الصادق رضينا بحكمه .. ثمّ تقدم نحوه كبراؤهم وزعماؤهم .. يا محمد! أحكم بيننا فيما نحن فيه مختلفون! نظر إليهم رسولُ اللَّهصلى الله عليه و آله فرأى العداوة تبدو في عيونهم ..

والغضب يعلو وجوههم .. والبغضاء تملأُصدورهم .. أيُّ قبيلة سيكون لها هذا الشرف العظيم، والفخر الكبير، إن حكم لقبيلة دون أُخرى؟ وهل سيرضون بحكمٍ كهذا، وقد ملئت قلوبهم بغضاً، ونفوسهم حقداً، ووضعوا أيديهم على مقابض سيوفهم، وعلت الرماح فوق رؤوسهم؟

في هذا الجو المرعب والمخيف والمحاط بالشرّ، كلّ الشرّ، يقف الصادق الأمين ليعلن حكماً ينال رضاهم جميعاً، ويعيد السيوف إلى أغمادها .. الجميع سكوت ينتظر ما يقوله فتى قريش وأمينها، وهو في هذا العمر (35 سنة) أمام شيوخ قريش وساداتها .. قال رسول اللَّهصلى الله عليه و آله: هَلُمّ [هلمّوا] إليّ ثوباً، الكلُّ ينظر إليه، ماذا يُريد بهذا محمد؟ فيقول آخرون: انتظروا لنرى: أُتي بالثوب، نشره بيديه المباركتين، رفع الحجر ووضعه وسط الثوب، ثمّ نظر إليهم وقال: ليأخذ كبيرُ كلِّ قبيلة بناحية من الثوب. فتقدّم كبراؤهم وأخذ كلّ واحد منهم بطرف من أطراف الثوب، ثم أمرهم جميعاً بحمله إلى ما يحاذي موضع الحجر من بناء الكعبة حيث محمد بانتظارهم عند الركن. تناول الحجر من الثوب ووضعه في موضعه، فانحسم الخلاف، وانفضّ النزاع بفضل حكمة الصادق الأمين (1)، التي فعتِ الفتنة أن تقع، وحفظتِ النفوس أن تزهق، والدماءَ أن تُراق، حقاً إنّك يا رسول اللَّه رحمةٌ للعالمين قبل بعثتك نبيّاً وبعدها، حياتك عطاءٌ كلّها وخيرٌ وبركة


1- 1 أخبار مكة 1: 163؛ حياة محمد، هيكل: 124- 126؛ الطبري 1: 526، الكامل 2: 42- 45؛ سيرة ابن هشام 1: 197.

ص: 154

كلّها. رفعتَ الحجر بيدك المباركة من الأرض، ثمّ رفعته ثانية لتضعه في مكانه فنال بذلك بركات أيدٍ ثلاث لأنبياء عظام (إبراهيم وإسماعيل ومحمدصلوات اللَّه عليهم).

*** ولم يزل هذا الحجر في الجاهلية والإسلام محترماً معظّماً مكرّماً، ولم يعتدَ على حرمته ومكانته حتى جاء القرامطة يتزعمهم أبو طاهر القرمطي سنة 317 ه ودخلوا مكّةَ عنوة (يوم التروية)، فنهبوها وقتلوا الحُجّاج، وسلبوا البيت، وقلعوا الحجر الأسود ثم حملوه معهم إلى بلادهم بالإحساء من أرض البحرين، ويقال: إنّه لما أخذ الحجر، قال: هذا مغناطيس بني آدم، وهو يجرّهم الى مكّة، وأراد أن يحول الحجّ الى الإحساء. وبقي عندهم اثنتين وعشرين سنة، وقد باءت كلّ محاولات ردّه بالفشل، حتى توسط الشريف أبو علي عمر بن يحيى العلوي بين الخليفة المطيع للَّه في سنة 339 وبينهم حتى أجابوا الى ردّه، وجاءُوا به إلى الكوفة، وعلّقوه على الأسطوانة السابعة من أساطين الجامع، ثم حملوه وردّوه إلى موضعه في شهر ذي القعدة من سنة 339 ه، وصُنع له طوقان من فضة وأحكموا بناءَه (1).

وهناك بعض الاعتداءات والتجاوزات التي كان الحجر الأسود عرضةً وهدفاً لها، لكنها لم تصل في خطورتها إلى اعتداء القرامطة المذكور (2).

وظل هذا الحجر موضعاً يتبرك به الناس، يتزاحمون على استلامه، وعلى تقبيله بدءاً برسول اللَّهصلى الله عليه و آله، فقد كانصلى الله عليه و آله يقبّل الحجر الأسود عند دخوله إلى البيت، وقبل أن يبدأ طوافه سبعاً، ويعيد تقبيله بعد أن ينهي الطواف والصلاة.

ولما أراد أن ينطلق مهاجراً إلى المدينة، جاء إلى الكعبة واستلم الحجر الأسود، وقام وسط المسجد ملتفتاً إلى البيت قائلًا: إني لأعلم ما وضع اللَّه


1- 1 أخبار مكة 1: 346؛ معجم البلدان: 224 حرف ح؛ المختصر في أخبار البشر لابن الوردي 1: 390.
2- 2 أخبار مكة 1: 346.

ص: 155

- عزّ وجلّ- في الأرض بيتاً أحبّ إليه منكَ، وما في الأرض بلدٌ أحبّ إليّ منكِ (مكة)، وما خرجتُ عنكِ رغبةً، ولكن الذين كفروا هم أخرجوني ... (1).

فكان تقبيل الحجر واستلامه أول عمل لهصلى الله عليه و آله في المسجد قبل الطواف، وقبل أن يقول أو يعمل شيئاً.

واقتدى المسلمون بسيرتهصلى الله عليه و آله، فأخذوا يقدسون الحجر الأسود ويعظمونه، وراحوا يتسابقون لاستلامه وتقبيله تبركاً به؛ لأن رسول اللَّهصلى الله عليه و آله كان يستلمه ويقبله ويستقبله ويدعو عنده ... وقد ورد في ذلك حشدٌ من الروايات التي تصرح وبضرس قاطع بجواز التبرك بهذا الحجر استلاماً وتقبيلًا ... إضافةً إلى آراء فقهاء المسلمين وعلمائهم على اختلاف مذاهبهم ومدارسهم الفقهية وكلّها تؤكد استحباب التبرك به ... كما تبين وجوب الابتداء بالطواف حول الكعبة وبأشواطه السبعة- من الحجر الأسود والانتهاء إليه. وعدمصحة الطواف بل بطلانه إذا لم يبدأ به وينتهي إليه. ولم أجد فيما تيسر لي من المراجع مخالفاً لذلك الاستحباب وهذا الوجوب.

*** قالوا في الحجر الأسود:

كثرت الأقوال، واختلفت الآراء، والتساؤلات عن الحجرالأسود؛ من أين أُتي به؟ ومن أيّ شي ء هو؟ وهل يضرُّ أو ينفع؟ وما هذهِ الهالة التي أُحيط بها في الروايات والأقوال وهو لا يعدو كونه حجراً عادياً؟ ..

وقد توفرتُ على كثير من هذهِ الأقوال والآراء، وقبل أن أذكر بعضاً منها، أقول: كلّ هذهِ الأقوال والآراء- التي دوّنت بعضها وتركتُ بعضها الآخر لا لشي ءٍ إلّاللإختصار. ليست هي السبب في فضله، وقدسيته عندنا وفي تعظيمنا


1- 1 أخبار مكه 2: 155.

ص: 156

له؛ لأنّ ذلك الفضل وتلك القدسية وهذا التعظيم، وأيضاً وجوب البدء به في كلّ شوط من الطواف والانتهاء اليه، واستحباب التبرّك به تقبيلًا ولمساً أو استلاماً والدعاء عنده ... كلّ هذهِ الأُمور ثبتت عندنا بالسنّة الصحيحة لرسول اللَّهصلى الله عليه و آله فعلًا وقولًا وتقريراً، وسار عليها الصالحون وعموم المسلمين تعبداً، واقتداءً واتّباعاً لرسول اللَّهصلى الله عليه و آله وتأسيّاً به، ولا يهمنا بعد هذا ما تحمله تلك الأقوال والآراء ككونه درّة بيضاء في الجنّة، أو أنزله جبريل من السماء، أو كان ياقوتاً أو جوهراً أو شيئاً آخر، أو أنه كما قرأت: مِن أن رجلًا من القرامطة، قال لرجل من أهل العلم بالكوفة، وقد رآه يتمسّح به وهو معلّق على الأُسطوانة السابعة: ما يؤمنكم أن نكون غيّبنا ذلك الحجر وجئنا بغيره؟ فقال له: إنّ لنا فيه علامة، وهو أننا اذا طرحناه في الماء لا يرسُب، ثمّ جاءَ بماء فألقوه فيه، فطفا على وجه الماء (1).

نعم، قد تزيدنا هذه الأقوال والآراء معرفةً به، واطلاعاً عليه، لو ثبتت أمام التحقيق العلمي لها. أما لو تركنا نحن وهذهِ الأقوال والآراء- وبعيداً عن السنّة المباركة- فإنّنا لا نستفيد تلك القدسية ولا ذلك الوجوب أو الاستحباب.

صحيح أن قراءة روايات الحجر الأسود التي سأذكر قسماً منها من السنّة والشيعة، وقراءة سيرة رسول اللَّهصلى الله عليه و آله من الوقوف مستقبلًا هذا الحجر والدعاء عنده، ولمسه أو استلامه وتقبيله ... هذه القراءة تبين لنا أنه حجر ذو شأن كبير وأثر عظيم، وأنه ليس كباقي الأحجار الأُخرى التي قد يحمل نفس مكوّناتها.

وعلى فرضصحة ما ذكرناه من أن إبراهيم عليه السلام قال لإسماعيل: إئتني بحجر ليكون علماً للناس، يبتدئون منه الطواف، لكن هذا لا يمنع من أن تكون له أغراض أُخرى،- غير كونه علماً يُبتدأُ منه الطواف- إن لم تكن في الدنيا ففي الآخرة كما تحدّثت عنها روايات الفريقين، وليس عجيباً وغريباً أن يدلي بشهادته في ساحة الحساب الأكبر «يومَ تبيضّ وجوه وتسودّ وجوه ...» (2).


1- 1 معجم البلدان 2: 224 حرف الحاء.
2- 2 آل عمران: 106.

ص: 157

قال تعالى: «... الذي أنطق كلّ شي ء ...» (1).

فينطق الحجر الأسود، ويشهد على كلِّ عهد، وكلِّ ميثاق تمّ في ساحته، حيث بداية مسيرة الطواف، فيستقبله كلُّ حاج ويدعو ويتعهّد عنده بالتخلي عن كلّ ما ارتكبه من انحراف ومن ذنوب ومخالفات. وأنه يجدّد البيعة لرسول اللَّهصلى الله عليه و آله والالتزام بما جاء به من عند اللَّه- تعالى- ويتعهد أيضاً بالطاعة والانضمام إلى موكب التائبين كما ستقرأ ذلك في الأدعية المأثورة عند الحجر وأول الطواف.

وعندئذٍ سيكون نطقه وستكون شهادته ضارةً أو نافعة لنا وبالتالي يمكن وصفه بأنه ضارٌ أو نافعٌ.

ولكنّا لو تركنا هذا كلّه وقلنا: إنه حجر كباقي الأحجار المبعثرة هنا وهناك، وإنه لا يستحق هذهِ الكثرة من الروايات والأقوال والآراء .. وبالتالي ليس هناك سببٌ لأن يحظى بالقدسية والاهتمام. ويبقى مجرد علامة يستدلّ بها الحجاج على بدء أشواط الطواف. إن قلنا هذا فسنواجه أسئلة كثيرة قد تثار، منها:

ما هذهِ الفضيلة والقدسيةُ اللتان أُعطيتا له من قبل المسلمين بكلّ مذاهبهم وعبر تأريخهم الطويل؟

وما هذا الاهتمام والاعتناء به والحرص عليه من قبل المسلمين؟ ناهيك عن أهل الجاهلية الذين كاد الأمر يصل بهم الى سفك الدماء وقتل الأنفس من أجل نيل شرف وضعه في مكانه لولا رحمةُ اللَّه- تعالى- وحكمة الصادق الأمين كما قرأنا.

ولماذا لم يوضع حجر آخر مكانه عند سرقته من قبل القرامطة، فقد ترك مكانه خالياً طيلة فترة غيابه عندهم؟ ولماذا لم يبدل بشي ء آخر أو بحجر غيره كما بدلت أحجار الكعبة في كلّ عملية هدم وبناء تعرضت لها الكعبة في تأريخها، وقد شمل التبديل حتى القواعد من البيت؟ فإن التاريخ لم يذكر لنا مثل ذلك. فقد


1- 1 فصلت: 21.

ص: 158

بقي الحجر الأسود منذ أن وضعه إبراهيم عليه السلام في مكانه، يحمل الشكل نفسه والصفات ذاتها، إلّااللون الذي كان أبيضَ ناصعاً فاسودّ كما نقلت ذلك الروايات و ....

وجوابنا هو: أنه حتى وإن قلنا: بأنه حجر كباقي الأحجار لا يفوقها بشي ء، وتعرضنا لمثل هذهِ الأسئلة، جوابنا أن اللَّه- تعالى- قد تعبدنا به كما تعبدنا بغيره، وليس لنا- كمسلمين- إلّاالانقياد لذلك؛ لأن الانقياد إلى اللَّه تعالى، وللذي تعبدنا به هو جوهر الدين وحقيقته، وإن لم نعرف العلة والحكمة من ذلك، ويجب علينا المحافظة على ما تعبدنا اللَّه- تعالى- به، ورعايته بل وتقديسه.

ثم علينا بعد هذا أن نسكت عما يسكت اللَّه تعالى ورسوله عنه. ولو توقفت المصلحة على التفاصيل لكان على اللَّه تبيانها ولو من باب اللطف ومن الحسن أن لا نخوض في أمور لا يزيدنا الخوض فيها إلّاجهلًا وإلّا غموضاً وتعقيداً، وتكون بالتالي ميداناً لأن يُلقي بعضٌ بخرافاته وأوهامه، وبعض يهرف بما لا يعرف ...

وبالتالي نفقد أشياء كثيرة في خضم هذه الأجواء.

بعد هذا تأتي إلى ذكر بعض ما قالوه في الحجر الأسود:

... عن محمد بن علي بن الحسين قال: روي عن النبيصلى الله عليه و آله والأئمة عليهم السلام: ...

وكان أشدّ بياضاً من اللبن فاسودّ من خطايا بني آدم، ولولا ما مسّه من أرجاس الجاهليّة ما مسّه ذو عاهة إلّابرئ (1).

قال سلمان رحمه الله: ليجيئن الحجر يوم القيامة مثل أبي قبيس له لسان وشفتان، ويشهد لمن وافاه بالموافاة (2).

... عن الإمام الرضا عليه السلام: ... أن اللَّه لمّا أخذ مواثيق بني آدم التقمه الحجر، فمن ثمن كلّف الناس بتعاهد ذلك الميثاق .. ويقال عنده: أمانتي أدّيتها وميثاقي


1- 1 وسائل الشيعة 13: 302، 319.
2- 2 وسائل الشيعة 13: 302، 319.

ص: 159

تعاهدته لتشهد لي بالموافاة (1).

قال أبو عبد اللَّه عليه السلام: ...، إن للحجر لساناً ذلقاً يوم القيامة يشهد لمن وافاه بالموافاة .. ثمّ ذكر حديث خلق آدم وأخذ الميثاق على ذريّته، وأن الحجر التقم الميثاق من الخلق كلّهم،- إلى أن قال:- فمن أجل ذلك أُمرتم أن تقولوا إذا استلمتم الحجر: أمانتي أديتها، وميثاقي تعاهدته لتشهد لي بالموافاة يوم القيامة (2).

وفي قول آخر لأبي عبد اللَّه أيضاً: والميثاق هو في هذا الحجر الأسود، أما واللَّه، إنّ له لعينين وأذنين وفماً ولساناً ذلقاً ... (3).

... عن أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: مرّ عمر بن الخطاب على الحجر الأسود فقال:

واللَّه يا حجر إنّا لنعلم أنّك لا تضرّ ولا تنفع، إلّاأنّا رأينا رسول اللَّهصلى الله عليه و آله يحبّك فنحن نحبّك، فقال أمير المؤمنين علي عليه السلام: كيف يا بن الخطاب؟! فواللَّه ليبعثنه اللَّه يوم القيامة وله لسان وشفتان، فيشهد لمن وافاه، وهو يمين اللَّه- عزّ وجلّ- في أرضه يبايع بها خلقه، فقال عمر: لا أبقانا اللَّه في بلد لا يكون فيه علي بن أبي طالب (4).

... عن ابن عباس، أن النبيّصلى الله عليه و آله قال لعايشة وهي تطوف معه بالكعبة حين استلما الركن: يا عايشة لولا ما طبع اللَّه على هذا الحجر من أرجاس الجاهلية وأنجاسها إذاً لاستشفي به من كلّ عاهة ... وإنه لياقوتة بيضاء من ياقوت الجنّة، ولكن اللَّه- عزّ وجلّ- غير حسنه بمعصية العاصين .. وإن الركن يمين اللَّه- عزّ وجلّ- في الأرض وليبعثه اللَّه يوم القيامة وله لسان وشفتان وعينان ولينطقنّه اللَّه يوم القيامة بلسان طلق ذلق ليشهد لمن استلمه بحق استلامه اليوم، بيعة لمن لم يدرك بيعة رسول اللَّهصلى الله عليه و آله (5).

وذكر وهب أن الركن والمقام ياقوتتان من ياقوت الجنة أنزلا فوضعا على الصفا، فأضاء نورهما لأهل الأرض ما بين المشرق والمغرب كما يضي ء المصباح


1- 1 البحار 99: 221.
2- 2 البحار 99: 221
3- 3 البحار 99: 221.
4- 4 معجم البلدان، باب الحاء: 224.
5- 5 معجم البلدان، باب الحاء: 224.

ص: 160

في الليل المظلم يؤمن ويستأنس إليهما، وليبعثنّ الرّكن والمقام وهما في العِظم مثل أبي قبيس يشهدان لمن وافاهما بالموافاة. فرفع النور عنهما وغير حسنهما ووضعا حيث هما (1).

وقال عياض: الحجر الأسود يقال هو الذي أراده النبيّصلى الله عليه و آله، حين قال: إني لأعرف حجراً كان يسلّم عليّ، إنه ياقوتة بيضاء أشد بياضاً من اللبن فسوّده اللَّه- تعالى- بخطايا بني آدم ولمس المشركين إياه (2).

عن ابن عباس رضى الله عنه عن النبي قال: نزل الحجرُ الأسود من الجنة وهو أشدّ بياضاً من اللبن فسوّدته خطايا بني آدم (3).

عن ابن عباس رضى الله عنه عن النبيصلى الله عليه و آله قال في الحجر: واللَّه ليبعثنهُ اللَّهُ يوم القيامة له عينان يُبصر بهما ولسانٌ ينطق به يشهدُ على من استلمه بحقٍّ (4).

وعن عمر أنه جاء إلى الحجر الأسود فقبّله وقال: إني أعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع ولولا أني رأيت النبيّصلى الله عليه و آله يقبلك ما قبلتك. [رواه الخمسة وزاد الحاكم في روايته:

فقال علي رضى الله عنه: يا أمير المؤمنين بل إنه يضر وينفع، وذلك في تأويل كتاب اللَّه تعالى في قوله: «وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألستُ بربكم؟ قالوا بلى» فلما أقروا أنه الربّ- عزّ وجلّ- وأنهم العبيد، كتب ميثاقهم في رقٍّ وألقمه هذا الحجر، وإنه يبعث يوم القيامة وله عينان ولسان وشفتان يشهد لمن وافى بالموافاة، فهو أمين اللَّه في هذا الكتاب. فقال له عمر: لا أبقاني اللَّه بأرض لستَ فيها يا أبا الحسن ... (5)]

وقال عبد اللَّه بن عباس: ليس في الأرض شي ء من الجنة إلّاالركن الأسود (الحجر) والمقام، فإنهما جوهرتان من جوهر الجنّة، ولولا من مسهما من أهل الشرك ما مسهما ذو عاهة إلّاشفاه اللَّه (6).


1- 1 التاج الجامع كتاب الحج 2: 129، 130؛ معجم البلدان 2: 224- 223.
2- 2 التاج الجامع كتاب الحج 2: 129، 130؛ معجم البلدان 2: 224- 223.
3- 3 التاج الجامع كتاب الحج 2: 129، 130؛ معجم البلدان 2: 224- 223.
4- 4 التاج الجامع كتاب الحج 2: 129، 130؛ معجم البلدان 2: 224- 223.
5- 5 التاج الجامع كتاب الحج 2: 129، 130؛ معجم البلدان 2: 224- 223.
6- 6 التاج الجامع كتاب الحج 2: 129، 130؛ معجم البلدان 2: 224- 223.

ص: 161

وقال عبد اللَّه بن عمرو بن العاص: الركن والمقام ياقوتتان من يواقيت الجنّة طمس اللَّه نورهما، ولولا ذلك لأضاءا ما بين المشرق والمغرب، وقال محمد بن علي: ثلاثة أحجار من الجنة: الحجر الأسود والمقام وحجر بني إسرائيل (1).

الحجر الأسود هو الحجر الموجود بمكة، وكان أبيض ناصعاً، وإنما اسودّ من كثرة لمس الناس له (2).

... هذا ويميل بعض العلماء إلى الاعتقاد بأن الحجر الأسود في الكعبة المشرفة لا يعدو أن يكون رَجماً من الرُّجم. وهذهِ الرجم قد تكون مكونة من حديد حيناً، ومن حجارة حيناً، ومن مزيج من الحديد والحجارة في بعض الأحيان (3).

وفي موضع آخر من موسوعته (المورد) يذكر أن الحجر الأسود حجرٌ بيضوي الشكل، أسود اللون، ضارب إلى الحمرة، يبلغ قطره نحواً من اثني عشر إنشاً (حوالي 30 سنتيمتراً) ... (4).

ومما قالهصاحب كتاب «المساجد في الإسلام» حول الحجر الأسود: ...

وفي البيت الحرام يوجد الحجر الأسود، ويسميه المسلمون على سبيل التكريم ب (الحجر الأسعد)، وقد اختلفت الآراء في حقيقة الحجر المذكور، وذهب الناس في الكلام عنه كلّ مذهب، والتقاليد المتداولة بين عامة المسلمين تقول: بأن هذا الحجر المقدس أصله من الجنة، وأنه كان أبيض اللون، واسودّ نتيجة ارتكاب أهل الدنيا للآثام والمعاصي. وهناك من يقول: بأن هذا الحجر قد يكون شهاباً (تيركاً) هوى من بعض الكواكب، أو أنه جزء من معبد مقدس رفعه النبيُّ إبراهيم عندما خطّط المعبد الذي يحيط به (البيت الحرام) وهذا الحجر كان مقدساً عند المسلمين وقبلهم لدى أهل الجاهلية (5).


1- 1 دائرة معارف القرن العشرين 3: 355.
2- 2 دائرة معارف القرن العشرين 3: 355.
3- 3 موسوعة المورد، منير البعلبكي 7: 21 و 2: 74.
4- 4 موسوعة المورد، منير البعلبكي 7: 21 و 2: 74.
5- 5 المساجد في الإسلام للشيخ طه الولي: 60- 61.

ص: 162

الطواف والحجر الأسود:

1- الإمامية

وصورة الطواف عندهم أن يقف الحاج إلى جانب الحجر الأسود، قريباً منه أو بعيداً عنه مراعياً في ذلك أن تكون الكعبة إلى جانبه الأيسر، ثم ينوي الطواف، ويطوف حول الكعبة سبعة أشواط مبتدئاً في كلّ شوط بالحجر الأسود ومنتهياً إليه.

قال الشيخ الطوسي:

فإذا أراد الطواف بالبيت، فليفتتِحهُ من الحجر الأسود، فإذا دنا منه، رفع يديه، وحَمِدَ اللَّه وأثنى، وصلّى على النبيّصلى الله عليه و آله وسأله أن يتقبل منه، ويستلم الحجر الأسود ويُقبله، فإن لم يستطع استلمه بيده، فإن لم يقدر على ذلك أيضاً، أشار إليه بيده، وقال: «أمانتي أدّيتها، وميثاقي تعاهدتُه، لتشهد لي بالموافاة، اللّهمّ تصديقاً بكتابك ...».

وينبغي أن يختم الطواف بالحجر الأسود كما بدأ به، ويستحب أن يستلم الأركان كلّها، وأشدها تأكيداً الركنُ الذي فيه الحجر الأسود .. ومن كان مقطوع اليد، استلم الحجر بموضع القطع، فإن كان مقطوعاً من المرفق استلمه بشماله (1).

وقد قال المحقّق الحلي في كيفية الطواف: أنه يشتمل على: واجب وندب، فالواجب سبعة: ... والبدء بالحجر والختم به ..

والندب خمسة عشر: منها الوقوف عند الحجر، وحمد اللَّه والثناء عليه والصلاة على النبيّ وآله عليهم السلام. ورفع اليدين بالدعاء .. واستلام الحجر على الأصحّ وتقبيله، فإن لم يقدر فبيده، ولو كانت مقطوعة استلم بموضع القطع، ولو لم يكن له يد اقتصر على الإشارة وأن يقول: «هذه أمانتي أدّيتُها، وميثاقي تعاهدته، لتشهد لي بالموافاة. اللّهمّ تصديقاً بكتابك، إلى آخر الدعاء» (2).


1- 1 النهاية، الشيخ الطوسي: 235- 236.
2- 2 شرح شرائع الإسلام، المحقق الحلّي، كتاب الحج، كيفية الطواف: 199- 201.

ص: 163

أما الشهيدان الأول والثاني فقد قالا في واجبات الطواف: (والبداءة بالحجر الأسود) بأن يكون أول جزء من بدنه بإزاء أول جزء منه حتى يمرَّ على كلّه ولو ظناً. والأفضل استقباله حال النية بوجهه للتأسي ....

وقالا (رض) في سنن الطواف:

... (الوقوف عند الحجر) الأسود، (والدعاء فيه)- في حالة الوقوف مستقبلًا، رافعاً يديه- بالمنقول .. (واستلام الحجر) بما أمكن من بدنه، والاستلام بغير همز المس من السلام بالكسر وهي الحجارة بمعنى مس السلام، أو من السلام وهو التحية، وقيل بالهمز من اللأمة وهي الدرع [بفتح اللام والميم وسكون الهمزة، يقال: استلأم الرجل أي لبس الدرع]، كأنه اتخذه جنة وسلاحاً، (وتقبيله) مع الإمكان، وإلّا استلمه بيده، ثم قبَّلَها، (أو الإشارة إليه) إن تعذر، وليكن ذلك في كلّ شوط، وأقله الفتح والختم (1). أي افتتاح الشوط الأول، واختتام الشوط الأخير.

وقال العلّامة الحلي في قواعد الأحكام، والمحقق الكركي في شرحها:

وفي الطواف مطالب:

الأول: في واجباته وهي أحد عشر: ... منها البدأة بالحجر الأسود، فلو بدأ بغيره لم يعتد بذلك الشوط، إلى أن ينتهي إلى أول الحجر، فمنه يبتدئ الاحتساب إن جدد النية عنده للإتمام مع احتمال البطلان، ولو حاذى آخر الحجر ببعض بدنه في ابتداء الطواف لم يصح.

ومنها: الختم بالحجر، فلو أبقى من الشوط شيئاً وإن قلّ لم يصح، بل يجب أن ينتهي من حيث ابتدأ. انتهى كلام العلّامة.

أما المحقّق الكركي: فيقول في الهامش:

ويجب فيه أن يحاذي بأوّل مقاديم بدنه- حال كون البيت على يساره-


1- 1 اللمعة الدمشقية، الشهيد الأول؛ الروضة البهية، الشهيد الثاني 2: 248، 254، 255.

ص: 164

أوّل الحجر الذي إلى جهة الركن اليماني، مقارناً بالنية أوّل حركات الطواف بحيث تمرّ عليه كلّه، ولا يجب أن يستقبله بوجهه ثم ينحرف، بل يجزئه أن يجعله على يساره ابتداءً، وإن كان الأفضل استقباله أولًا ... ثم يستمر في شرح ما قاله العلّامة.

وفي سنن الطواف يقول العلّامة في قواعده:

... والوقوف عند الحجر، والدعاء رافعاً يديه به، واستلامه ببدنه أجمع، وتقبيله، فإن تعذر فببعضه، فإن تعذر فبيده، ويستلم المقطوع بموضع القطع، وفاقد اليد يشير ...

ويشرح الكركي (واستلامه ببدنه أجمع): بأن المراد: معظمه مجازاً، والاستلام بغير همز معناه: المس، افتعال من السلام بالكسر: وهو الحجارة، أو من السلام بالفتح، (أعني) التحية، أي: يحيي نفسه عند الحجر، كما في قولهم:

اختدم، أي خدم نفسه إذا لم يكن له خادم. وقيل: إنه بالكسر بهمز من اللّامة:

وهي الدرع، فيكون معناه: اتخذه جنة و وسلاحاً (1).

بعد هذا ننتقل إلى ذكر روايات وجوب ابتداء الطواف من الحجر الأسود والانتهاء به:

... معاوية بن عمار عن الإمام الصادق عليه السلام: من اختصر في الحِجر (في الطواف) فليعد طوافه من الحجر الأسود إلى الحجر الأسود (2).

ومعنى الاختصار فيه عدم ادخال الحِجر في الطواف.

... ابن سنان عن أبي عبد اللَّه عليه السلام: إذا كنتَ في الطواف السابع فائت المتعوذ، إلى أن قال: ثم ائت الحجرَ فاختم به.

للطواف واجبات غير الشروط المتقدمة، وعبر عنها إن شئت بالأجزاء، وهي:


1- 1 جامع المقاصد، المحقق الكركي؛ شرح القواعد، العلّامة الحلّي ج 3 كتاب الحج، الطواف: 190، 198.
2- 2 وسائل الشيعة، الحر العاملي، مؤسسة آل البيت، باب الحج- الطواف.

ص: 165

1- الابتداء بالحجر الأسود، والاختتام، أي منه وإليه، قال الإمام الصادق عليه السلام: «الطواف من الحجر الأسود وإلى الحجر الأسود» (1).

من روايات استلام الحجر وتقبيله:

... عن أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: إذا دنوت من الحجر الأسود فارفع يديك وأحمد اللَّه ... ثم استلم الحجر وقبّله، فإن لم تستطع أن تقبّله فاستلمه بيدك، فإن لم تستطع أن تستلمه بيدك فأشر إليه ... (2).

... عن أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: كان رسول اللَّهصلى الله عليه و آله يستلم الحجر في كلّ طواف فريضة ونافلة (3).

... عن معاوية بن عمار: سألت أبا عبد اللَّه عليه السلام عن رجل حجّ ولم يستلم الحجر، فقال: هو من السنّة. فإن لم يقدر عليه فاللَّهُ أولى بالعذر (4).

... عن سيف التمّار قال: قلت لأبي عبد اللَّه عليه السلام: أتيتُ الحجر الأسود فوجدتُ عليه زحاماً فلم ألق إلّارجلًا من أصحابنا فسألته، فقال: لابدّ من استلامه، فقال: إن وجدته خالياً وإلّا فسلّم من بعيد (5).

... عن محمد بن عبيد اللَّه قال: سُئل الرضا عليه السلام عن الحجر الأسود، وهل يقاتل عليه الناس إذا كثروا؟ قال: إذا كان كذلك فأوم إليه ايماءً بيدك (6).

... عن محمد الحلبي قال: سألت أبا عبد اللَّه عليه السلام عن الحجر إذا لم استطع مسّه وكثر الزحام؟ قال: أما الشيخ الكبير والضعيف والمريض فمرخص، وما أحبّ أن تدع مسّه إلّاأن لا تجد بدّاً (7).

... عن السكوني، عن جعفر، عن آبائه عليهم السلام أن عليّاً عليه السلام سُئل كيف يستلم الأقطع الحجر؟ قال: يستلم الحجر من حيث القطع، فإن كانت مقطوعة من المرفق استلم الحجر بشماله (8).


1- 1 وسائل الشيعة: 344- 325.
2- 2 فقه الإمام الصادق، مغنية 2: 200.
3- 3 فقه الإمام الصادق 2: 203.
4- 4 وسائل الشيعة 13: 325.
5- 5 وسائل الشيعة 13: 325 ح 1.
6- 6 وسائل الشيعة 13: 315 ح 4.
7- 7 الوسائل 13: 326.
8- 8 الوسائل 13: 327.

ص: 166

روايات في استحباب الدعاء بالمأثور عند الحجر الأسود:

... عن أبي عبد اللَّه عليه السلام: إذا دنوت من الحجر الأسود فارفع يديك، واحمد اللَّه وأثن عليه، وصل على النبيصلى الله عليه و آله، واسأل اللَّه أن يتقبّل منك، ... وقل:

«اللّهمّ أمانتي أدّيتها، وميثاقي تعاهدته، لتشهد لي بالموافاة، اللّهمّ تصديقاً بكتابك، وعلى سنّة نبيك، أشهد أن لا إله إلّااللَّه وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله، آمنتُ باللَّه، وكفرتُ بالجبت والطاغوت، وباللّات والعزّى وعبادة الشيطان، وعبادة كل ندّ يدعى من دون اللَّه» ...

«اللّهمّ إليك بسطتُ يدي، وفيما عندك عظُمت رغبتي، ...، واغفر لي وارحمني.

اللّهمّ إني أعوذ بك من الكفر والفقر ومواقف الخزي في الدنيا والآخرة» (1).

... عن أبي عبد اللَّه عليه السلام قال.: إذا دخلتَ المسجد فامش حتى تدنو من الحجر فتستلمه [فتستقبله] وتقول:

«الحمد للَّه الذي هدانا لهذا وما كُنّا لنهتدي لولا أن هدانا اللَّه، سبحان اللَّه والحمد للَّه ولا إله إلّااللَّه واللَّه أكبر، أكبر من خلقه، وأكبر ممّن أخشى وأحذر، ولا إله إلّااللَّه وحده لا شريك له، لهُ الملك وله الحمد، يُحيي ويُميت ويُميتُ ويُحيي، بيده الخير وهو على كلّ شي ءٍ قدير» (2) ...

... عن أبي جعفر عليه السلام قال: إذا دخلت المسجد الحرام وحاذيت الحجر الأسود فقل:

«أشهد أن لا إله إلّااللَّه وحده لا شريك له، وأشهدُ أن محمداً عبده ورسوله، آمنتُ باللَّه وكفرت بالطاغوت وباللّات والعزّى، وبعبادة الشيطان، وبعبادة كلّ ندّ يدعى من دون اللَّه»

ثم ادنُ من الحجر واستلمه بيمينك، ثم قل:

«بسم اللَّه واللَّه أكبر، اللّهمّ أمانتي أدّيتها، وميثاقي تعاهدته لتشهد لي بالموافاة

[ليشهد لي عندك]» (3).

وهناك أحاديث أخرى تنصب على استحباب استلام الحجر وتقبيله والدعاء عنده تجدها في كتب الأحاديث عند الإمامية.


1- 1 الوسائل 13: 343.
2- 2 الوسائل، الحج- الطواف: 314.
3- 3 الوسائل، الحج- الطواف: 314.

ص: 167

2- الشافعية

قالوا للطواف في ذاته ثمانية شروط ... الثالث منها: بدؤه من جهة الشق الأيسر، بأن لا يقدم جزءاً من بدنه على جزء من الحجر، فإذا بدأ بغيره لم يحسب ما طافه قبل وصوله إليه، فإذا انتهى إليه ابتدأ منه؛ ويشترط أن يحاذيه على الوجه المذكور عند الانتهاء أيضاً.

وقالوا: للطواف ثماني سنن:

الأولى: أن يستقبل البيت أول طوافه، ويقف بجانب الحجر إلى جهة الركن اليماني بحيث يصير جميع الحجر عن يمينه، ومنكبه الأيمن عند طرفه، ثم ينوي الطواف، ثم يمشي مستقبلًا الحجر، ماراً إلى جهة الباب، فإذا جاوزه انفتل وجعل يساره إلى البيت وهذا خاص بالمرة الأولى.

... وأن يلمس الحجر الأسود بيده أول طوافه، ويقبله تقبيلًا حفيفاً، ولا يسن للمرأة ذلك إلّاعند خلو المطاف ليلًا أو نهاراً، ويستحب للرجل أن يضع جبهته عليه، وأن يكون الاستلام والتقبيل ثلاثاً، فإن عجز عن الاستلام بيده استلمه بنحو عصا، ويقبل ما أصابه به، فإن عجز عن ذلك أيضاً أشار إليه بيده؛ أو بما فيها؛ واليمين أفضل، يفعل ذلك في طوافه؛ ....

وبعد أن يصلّي ركعتين ... يندب استلام الحجر عقبهما وأن يسعى عقب الاستلام ... (1).

3- المالكية

قالوا تشترط لصحة الطواف شروط ... منها:

... ويلزم ابتداء الطواف من الحجر الأسود، فلو ابتدأه قبله وجب إتمام الشوط الأخير إليه، فإن لم يتمه وطال الفصل أو انتقض وضوؤه فعليه إعادته ...


1- 1 كل هذه الآراء للمذاهب الأربعة نقلت من مصدر واحد وهو الفقه على المذاهب الأربعة، عبد الرحمن الجزيري، كتاب الحج 1: 653.

ص: 168

وأمّا سننه، فهي: تقبيل الحجر الأسود في الشوط الأول، ويكبر عند ذلك، فإن لم يتمكن من تقبيله لمسه بيده، فإن لم يستطع لمسه بعود مثلًا، ثم يضع يده أو العود بعد اللمس بأحدهما على فيه ويكبر حينئذٍ، فإن لم يستطع شيئاً من ذلك كبر عند محاذاته ... (1).

4- الحنابلة

قالوا: تشترط لصحة الطواف شروط: ... منها كون الأشواط سبعاً، يبتديها من الحجر الأسود، فاذا ابتدأ من غيره لا يحسب هذا الشوط ...

وسنن الطواف هي: ... استلام الحجر الأسود وتقبيله في كلّ شوط أيضاً إن تيسر، والإشارة إليه بيده عند محاذاته إن تعسّر (2).

5- الحنفية

قالوا: واجبات الطواف وسننه أمور، فمن واجباته أن يبدأ من الحجر الأسود، فلو لم يفعل ذلك وجب عليه إعادة الطواف مادام بمكّةَ، فإن لم يعده ورجع وجب عليه دمٌ، والأفضل أن لا يترك شيئاً من الحجر الأسود، بل يقابله بجميع بدنه، بأن يجعله عن يمينه ويجعل منكبه الأيمن عند الحجر الأسود.

ومن سنن الطواف عندهم ... استلام الحجر، وتقبيله عند نهاية كل شوط ... فإن لم يستطع استلامه بيده استلمه بنحو عصا إن أمكن، ويقبل ما مس به، فإن لم يستطع ذلك استقبل الحجر ورفع يديه مستقبلًا بباطنها إياه، ويكبر، ويهلل ويحمد اللَّه- تعالى- ويصلي على النبيصلى الله عليه و آله، وهذا الاستقبال مستحب، وكذا استلام الركن اليماني مستحب ... (3).

وقال ابن رشد القرطبي الأندلسي:


1- 1 كل هذه الآراء للمذاهب الأربعة نقلت من مصدر واحد و هو الفقه على المذاهب الأربعه، عبد الرحمن الجزيرى، كتاب الحج 1: 653.
2- 2 كل هذه الآراء للمذاهب الأربعة نقلت من مصدر واحد و هو الفقه على المذاهب الأربعه، عبد الرحمن الجزيرى، كتاب الحج 1: 653.
3- 3 كل هذه الآراء للمذاهب الأربعة نقلت من مصدر واحد و هو الفقه على المذاهب الأربعه، عبد الرحمن الجزيرى، كتاب الحج 1: 653.

ص: 169

والجمهور مجمعون على أنصفة كلّ طواف واجباً كان أو غير واجب أن يبتدئ من الحجر الأسود، فإن استطاع أن يقبله قبله أو يلمسه بيده ويقبلها إن أمكنه ... وكذلك أجمعوا على أن تقبيل الحجر الأسود خاصة من سنن الطواف إن قدر، وإن لم يقدر على الدخول إليه قبّل يده، وذلك لحديث عمر بن الخطاب الذي رواه مالك، أنه قال وهو يطوف بالبيت حين بلغ الحجر الأسود: «إنّما أنت حجر ولولا أني رأيتُ رسولَ اللَّه قبّلك ما قبّلتك، ثمّ قبّله» (1).

أما الدكتور وهبة الزُّحيلي وبعد أن استعرض آراء المذاهب الأربعة (الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة) انتهى إلى هذا التلخيص فيصورة الطواف وذكرها في 9 نقاط، نأخذ النقطة الخامسة منها التي تخصّ بحثنا وهي:

الابتداء بالحجر الأسود: ليس بشرط وإنما هو واجب عند الحنفية، وعند المالكية، وشرط عند الشافعية والحنابلة، وترك الواجب يوجب الدم فيما لو ابتدأ من غير الحجر (2).

وقد لخصّ الدكتور الزّحيلي في كتابه «الفقه الإسلامي وأدلته» أيضاً سنن الطواف من تسعة مصادر وهي:

الدر المختار 2: 227، البدائع 2: 131، مراقي الفلاح: 124، القوانين الفقهية: 3، الشرح الصغير 2: 48- 52، الإيضاح: 34- 44، مغني المحتاج 1:

487- 492، غاية المنتهى 1: 402، المغني 3: 372- 376، 379، 383.

أكتفي بنقل ما يتعلق بالموضوع (الحجر الأسود).

فقال: استلام الحجر الأسود (أي لمسه بيده اليمنى أو بكفيه) أول طوافه وفي بدء كلّ شوط وتقبيله بلاصوت، ووضع جبهته عليه عند الشافعية بلا إيذاء، إذا لم تكن زحمة، فإن لم يتمكن من الاستلام باليد استلم بعود ونحوه مع استقباله بجميع بدنه، فإن عجز أشار بيده، ثمّ وضع العود أو يده على فيه بعد اللمس


1- 1 بداية المجتهد ونهاية المقتصد، القاضي ابن رشد القرطبي الأندلسي 1: 248، القول في الطواف.
2- 2 الفقه الإسلامي وأدلته، الدكتور وهبة الزحيلي، دار الفكر 3: 161.

ص: 170

بأحدهما بلاصوت، فإذا أظهر الصوت جاز على الأرجح عند المالكية، وكره مالك السجود وتمريغ الوجه على الحجر، ويسن عند الشافعية، أن يكون التقبيل ووضع الجبهة ثلاثاً.

ويكبر ويهلل ويحمد اللَّه تعالى، ويصلي على النبيّصلى الله عليه و آله.

ودليل التقبيل فعل الرسولصلى الله عليه و آله، كما رواه الشيخان، ودليل وضع جبهته عليه اتباع السنّة كما رواه البيهقي. ودليل الاستلام باليد دون إيذاء: «أنّ النبيّصلى الله عليه و آله قال: يا عمر، إنك رجل قوي، لا تزاحم على الحجر، فتؤذي الضعيف، إن وجدتَ خلوةً، وإلّا فهلل وكبر» [رواه الشافعي وأحمد عن عمر].

ولأن ترك الإيذاء واجب، وتقبيل ما استلمه به من يد أو نحو عصا، لخبر الصحيحين: «إذا آمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم» ولما روى مسلم بن نافع قال: «رأيت ابن عمر يستلم الحجر بيده، ويقول: ما تركته منذ رأيتُ رسول اللَّهصلى الله عليه و آله يفعله».

وتكرار الاستلام والتقبيل في كلّ طوفة من الطوفات السبع، لحديث «أنهصلى الله عليه و آله كان لا يدع أن يستلم الركن اليماني والحجر الأسود في كلّ طوفة» [رواه أبو داود والنسائي عن ابن عمر].

وراح الدكتور الزحيلي يتمّ تلخيصه هذا بقوله:

ولو استقبل الحجر مطلقاً، ونوى الطواف عند من اشترط النية وهم الحنفية والحنابلة، كفى في تحقيق المقصود الذي هو الابتداء من الحجر.

ولا يستلم بيده الركنين الشاميين (وهما اللذان عندهما الحِجْر) ولا يقبلهما، ويستلم الركن اليماني (وهو الذي يسبق ركن الحجر) في آخر كل شوط، ولا يقبله؛ لأنه لم ينقل، كما في الصحيحين عن ابن عمر: «أنهصلى الله عليه و آله كان لا يستلم إلّا الحَجَر والركن اليماني».

ص: 171

ويستحب للمرأة عند الحنابلة اذا قدمت مكة نهاراً تأخير الطواف الى الليل ليكون أستر لها، ولا يستحب لها مزاحمة الرجال لاستلام الحجر، لكن تشير بيدها اليه كالذي لا يمكنه الوصول اليه (1).

وقال الشيخ منصور علي ناصف: فيسنّ تقبيل الحجر الأسود واستلامه بالكفين أو بأحدهما إذا لم يمكنه وتقبيلهما، وإلّا استلمه بعصا في يده، وكذا يندب استلام الركن اليماني بالكفين أو بأحدهما أو بشي ء في يده لحديث الترمذي: كان ابن عمر يزاحم على الركنين زحاماً شديداً فسئل عن ذلك، فقال: سمعتُ رسول اللَّهصلى الله عليه و آله يقول: إن مسحهما كفارة للخطايا، وخُصّ هذان الركنان بالعناية لأنهما على أصل بناء الخليل عليه السلام، وركن الحجر الأسود أفضل الأركان باتفاق ويليه اليماني، وينبغي للطائف الإكثار من ذكر اللَّه تعالى كاستغفار وتسبيح وتهليل ودعاء فيكون عابداً بجسمه ولسانه ... (2).

ورأيتُ أن أنقل ما كتبه الإمام محي الدين النووي الشارح لصحيح مسلم عن الحجر الأسود تتميماً للفائدة:

باب استحباب استلام الركنين اليمانيين في الطواف

دون الركنين الآخرين

قوله «لم أر رسول اللَّهصلى الله عليه و سلم يمسح من البيت إلّاالركنين اليمانيين» وفي الرواية الأخرى لم يكن رسول اللَّهصلى الله عليه و سلم يستلم من أركان البيت إلّاالركن الأسود والذي يليه من نحو دور الجمحيين وفي الرواية الأخرى لا يستلم إلّاالحجر والركن اليماني. هذه الروايات متفقة فالركنان اليمانيان هما الركن الأسود والركن اليماني وإنما قيل لهما اليمانيان للتغليب كما قيل في الأب والأم الأبوان وفي الشمس والقمر القمران وفي أبي بكر وعمر العمران وفي الماء والتمر الأسودان ونظائره مشهورة.


1- 1 الفقه الإسلامي وأدلته، الدكتور الزحيلي 3: 164- 165.
2- 2 التاج الجامع 2: الهامشص 130.

ص: 172

واليمانيان بتخفيف الياء هذه اللغة الفصيحة المشهورة. وحكى سيبويه والجوهري وغيرهما فيها لغة أخرى بالتشديد فمن خفف قال هذه نسبة إلى اليمن فالألف عوض من إحدى ياءي النسب فتبقى الياء الأخرى مخففة ولو شدّدناها لكان جمعاً بين العوض والمعوض وذلك ممتنع. ومن شدّد قال الألف في اليماني زائدة وأصله اليمني فتبقى الياء مشدّدة وتكون الألف زائدة كما زيدت النون فيصنعاني ورقباني ونظائر ذلك واللَّه أعلم. وأما قوله «يمسح» فمراده يستلم وسبق بيان الاستلام واعلم أن للبيت أربعة أركان الركن الأسود والركن اليماني ويقال لهما اليمانيان كما سبق وأما الركنان الآخران فيقال لهما الشاميان. فالركن الأسود فيه فضيلتان إحداهما كونه على قواعد إبراهيم عليه السلام والثانية كونه فيه الحجر الأسود.

وأما اليماني ففيه فضيلة واحدة وهي كونه على قواعد إبراهيم. وأما الركنان الآخران فليس فيهما شي ء من هاتين الفضيلتين فلهذا خصّ الحجر الأسود بشيئين الاستلام والتقبيل للفضيلتين. وأما اليماني فيستلمه ولا يقبله لأن فيه فضيلة واحدة. وأما الركنان الآخران فلا يقبلان ولا يستلمان واللَّه أعلم. وقد أجمعت الأمة على استحباب استلام الركنين اليمانيين واتفق الجماهير على أنه لا يمسح الركنين الآخرين، واستحبه بعض السلف، وممن كان يقول باستلامهما الحسن والحسين ابنا علي وابن الزبير وجابر بن عبد اللَّه وأنس بن مالك وعروة بن الزبير وأبو الشعثاء جابر بن زيد رضي اللَّه عنهم. قال القاضي أبو الطيب: أجمعت أئمة الأمصار والفقهاء على أنهما لا يستلمان قال: وانما كان فيه خلاف لبعض الصحابة والتابعين، وانقرض الخلاف، وأجمعوا على أنهما لا يستلمان واللَّه أعلم. قوله «ان رسول اللَّهصلى الله عليه و سلم كان لا يستلم إلّاالحجر الأسود والركن اليماني» يحتج به الجمهور في أنه يقتصر بالاستلام في الحجر الأسود عليه دون الركن الذي هو فيه، وقد سبق قريباً فيه خلاف القاضي أبي الطيب. قوله «رأيت ابن عمر يستلم الحجر بيده ثم

ص: 173

قبل يده، وقال ما تركته منذ رأيت رسول اللَّهصلى الله عليه و سلم يفعله» فيه استحباب تقبيل اليد بعد استلام الحجر الأسود إذا عجز عن تقبيل الحجر وهذا الحديث محمول على من عجز عن تقبيل الحجر، وإلّا فالقادر يقبل الحجر ولا يقتصر في اليد على الاستلام بها. وهذا الذي ذكرناه من استحباب تقبيل اليد بعد الاستلام للعاجز هو مذهبنا ومذهب الجمهور وقال القاسم بن محمد التابعي المشهور: لا يستحب التقبيل وبه قال مالك في أحد قوليه واللَّه أعلم.

- عكس-

ص: 174

باب استحباب تقبيل الحجر الأسود في الطواف

قوله «قبل عمر بن الخطاب الحجر ثم قال أم واللَّه لقد علمت أنك حجر، ولولا أني رأيت رسول اللَّهصلى الله عليه و سلم يقبلك ما قبلتك» وفي الرواية الأخرى وإني لأعلم أنك حجر وأنك لا تضر ولا تنفع. هذا الحديث فيه فوائد منها استحباب تقبيل الحجر الأسود في الطواف بعد استلامه، وكذا يستحب السجود على الحجر أيضاً بأن يضع جبهته عليه، فيستحب أن يستلمه ثم يقبله ثم يضع جبهته عليه هذا مذهبنا ومذهب الجمهور وحكاه ابن المنذر عن عمر بن الخطاب وابن عباس وطاوس والشافعي وأحمد قال وبه أقول قال وقد روينا فيه عن النبيصلى الله عليه و سلم وانفرد مالك عن العلماء فقال: السجود عليه بدعة واعترف القاضي عياض المالكي بشذوذ مالك في هذه المسألة عن العلماء وأما الركن اليماني فيستلمه ولا يقبله بل يقبل اليد بعد استلامه هذا مذهبنا وبه قال جابر بن عبد اللَّه وأبو سعيد الخدري وأبو هريرة وقال أبو حنيفة لا يستلمه وقال مالك وأحمد: يستلمه ولا يقبل اليد بعده وعن مالك رواية أنه يقبله وعن أحمد رواية أنه يقبله واللَّه أعلم. وأما قول عمر لقد علمت أنك حجر واني لأعلم أنك حجر وأنك لا تضر ولا تنفع فأراد به بيان الحث على الاقتداء برسول اللَّهصلى الله عليه و سلم في تقبيله ونبه على أنه لولا الاقتداء به لما فعله. وانما قال وإنك لا تضر ولا تنفع لئلا يغتر بعض قريبي العهد بالإسلام الذين كانوا ألفوا عبادة الأحجار، وتعظيماً ورجاء نفعها وخوف الضرر بالتقصير في تعظيمها، وكان العهد قريباً بذلك فخاف عمر أن يراه بعضهم يقبله ويعتني به فيشتبه عليه فبين أنه لا يضر ولا ينفع بذاته، وإن كان امتثال ما شرع فيه ينفع بالجزاء والثواب، فمعناه أنه لا قدرة له على نفع ولا ضر، وأنه حجر مخلوق كباقي المخلوقات التي لا تضر ولا تنفع، وأشاع عمر هذا في الموسم؛ ليشهد في البلدان ويحفظه عنه أهل الموسم المختلفوا الأوطان واللَّه أعلم. قوله «رأيت الأصلع» وفي

ص: 175

رواية الأصيلع يعني عمر فيه أنه لا بأس بذكر الإنسان بلقبه ووصفه الذي يكرهه، وإن كان قد يكره غيره مثله. قوله «رأيت عمر قبل الحجر والتزمه وقال رأيت رسول اللَّهصلى الله عليه و سلم بك حفياً» يعني معتنياً.

باب جواز الطواف على بعير وغيره واستلام الحجر بمحجن

ونحوه للراكب

قوله «إن رسول اللَّهصلى الله عليه و سلم طاف في حجة الوداع على بعير يستلم الركن بمحجن» المحجن بكسر الميم واسكان الحاء وفتح الجيم وهو عصا معقفة، يتناول بها الراكب ما سقط له، ويحرك بطرفها بعيره للمشي وفي هذا الحديث جواز الطواف راكباً واستحباب استلام الحجر وأنه إذا عجز عن استلامه بيده استلمه بعود (1).

روايات استلام الحجر الأسود وتقبيله:

حدّثنا ... عن عمر أنه جاء إلى الحجر فقبّله، فقال: إني أعلم أنك حجر لا تنفع ولا تضر، ولولا أني رأيت رسول اللَّهصلى الله عليه و آله يقبلك ما قبلتك (2).

... عن سويد بن غَفَلَة، قال: رأيتُ عُمر قبَّل الحجرَ والتزمَهُ، وقال: رأيتُ رسولَ اللَّهصلى الله عليه و آله بك حفيّاً، وفي رواية أخرى: رأيت أبا القاسمصلى الله عليه و آله بك حفيّاً (3).

... عن ابن عمر قال: كان رسول اللَّهصلى الله عليه و آله لا يدع أن يستلم الركن اليماني والحجر في كلّ طوفة، قال: وكان عبد اللَّه بن عمر يفعله (4).

... عن أبي هريرة، قال: أقبل رسول اللَّهصلى الله عليه و آله فدخل مكة، فأقبل رسول اللَّهصلى الله عليه و آله إلى الحجر فاستلمه ثمّ طاف بالبيت ... (5).

... عن ابن عباس، قال النبيُّصلى الله عليه و آله: «يلبي المعتمر حتى يستلم الحجر» حيث


1- 1صحيح مسلم 9: 16 الهامش.
2- 2صحيح سنن المصطفى، السجستاني، كتاب المناسك: 294 باب تقبيل الحجر؛ أخبار مكة 1: 330.
3- 3صحيح مسلم 9: 17- 18؛ التاج الجامع للأصول، كتاب الحج 2: 121.
4- 4صحيح مسلم 9: 17- 18؛ التاج الجامع للأصول، كتاب الحج 2: 121.
5- 5صحيح مسلم 9: 17- 18؛ التاج الجامع للأصول، كتاب الحج 2: 121.

ص: 176

إن المعتمر يشتغل بالتلبية حتى يريد استلام الحجر الأسود للطواف وتنتهي التلبية، وعلى هذا الجمهور والشافعي وأحمد والثوري ... (1).

قال ابن عمر: لم أرَ النبيَّصلى الله عليه و آله يستلم من البيت إلّاالرّكنين اليمانيين [وهما الركن الذي فيه الحجر والركن الذي قبله، وسميا بهذا لأنهما جهة اليمن كما سمي الآخران بالشامي والعراقي لاتجاههما لهما] (2).

وفي رواية: طاف النبيُّصلى الله عليه و آله في حجة الوداع على بعير [لأنه كان مريضاً] يستلم الركن بمحجنٍ [عصا محنية الرأس] (3) رواه الخمسة.

وفي رواية: كلّما أتى على الركن أشار إليه بشي ء في يده وكبَّر (4).

قال منصور: سألت مجاهداً إذا أردتُ الوداع كيف أصنع؟ قال: تطوف بالبيت سبعاً، ... ثمّ تستلم الحجر، وتنصرف (5).

قال جابر: ... حتى إذا أتينا البيتَ معه استلم الركن [أي مع النبيِّصلى الله عليه و آله استلم الحجر الأسود بمسحه وتقبيله] (6).

... عن سالم عن أبيه قال: لم يكن رسول اللَّهصلى الله عليه و آله يستلم من أركان البيت إلّا الركن الأسود ... (7).

... عن نافع عن عبد اللَّه ذكر أن رسول اللَّهصلى الله عليه و آله كان لا يستلم إلّاالحجر والركن اليماني (8).

... حدّثني نافع عن ابن عمر قال: ما تركتُ استلامَ هذين الركنين اليماني والحجر مُذ رأيتُ رسول اللَّهصلى الله عليه و آله يستلمهما في شدّة ورخاء (9).

... عن نافع، قال: رأيت ابن عمر يستلم الحجر بيده ثم قبّل يدَه، وقال: ما تركتُهُ مُنذ رأيتُ رسولَ اللَّهصلى الله عليه و آله يفعلُهُ (10).

... سمع ابن عباس يقول: لم أرَ رسول اللَّهصلى الله عليه و آله يستلم غير الركنين اليمانيين ..

وفي رواية عنه أيضاً: أن رسول اللَّهصلى الله عليه و آله طاف في حجة الوداع على بعير يستلم


1- 1صحيح مسلم 9: 17- 18؛ التاج الجامع للأصول، كتاب الحج 2: 121.
2- 2صحيح سنن المصطفى، كتاب المناسك: 294.
3- 3 التاج الجامع 2: 130.
4- 4 البخاري 2: 583 باب 61.
5- 5 الفقه الإسلامي وأدلته 3: 151.
6- 6 التاج الجامع 2: 154.
7- 7صحيح مسلم 9: 13.
8- 8صحيح مسلم 9: 14.
9- 9صحيح مسلم 9: 15.
10- 10صحيح مسلم 9: 15.

ص: 177

الركن بمحجنٍ (1).

عن عطاء أنه سمع ابن عباس يقول: إذا وجدت على الركن زحاماً فلا تؤذ ولا تؤذى (2).

وفي فضل استلام الركنين (الركن الأسود واليماني) قال عبيد اللَّه بن عمير لابن عمر: إني أراك تزاحم على هذين الركنين فقال: إنّي سمعتُ رسول اللَّهصلى الله عليه و آله يقول: إن استلامهما يحطّ الخطايا حطّاً (3).

الدعاء عند الحجر الأسود وفي بداية كل طوفة:

فيقول عند استلام الحجر الأسود عند ابتداء كل طوفة: بسم اللَّه؛ واللَّهُ أكبر مع رفع يديه كرفع الصلاة: اللّهمّ إيماناً بك، وتصديقاً بكتابك، ووفاءً بعهدك، واتباعاً لسنة نبيك سيدنا محمدصلى الله عليه و آله، وهذا القول آكد في الطوفة الأولى من غيرها (4).

وفي الختام آمل أن أُوفق مرةً أخرى لأن أُقدم دراسة تحقيقية شاملةً لكلّ ما ورد عن الحجر الأسود من روايات وآراء وأقوال .. ولما تعرض له من حوادث .. فتكون وقتذاك دراسة مستوعبة قصته التاريخية والفقهية ....

الهوامش:

جَنَّة المعلاة


1- 1صحيح مسلم 9: 18؛ البخاري 2: 582 باب 56، 57- 58، 59، 60، 61 أبواب تختص بروايات الحجر الأسود.
2- 2 أخبار مكة 1: 334.
3- 3 الفقه على المذاهب الأربعة، الطواف؛ الفقه الإسلامي وأدلته.
4- 4 الفقه على المذاهب الأربعة، الطواف؛ الفقه الإسلامي وأدلته.

ص:178

ص: 179

ص: 180

جَنَّة المعلاة

علي قاضي عسكر

يقع إلى جوار الحجون في مكّة المكرّمة شعب يُعرف بشعب أبي دبّ (1)، وأبو دبّ رجل من بني سواءة بن عامر سكنه فسمّي به (2).

وقال ياقوت الحموي عن هذا الشعب ما يلي:

شِعْبُ أبي دُبّ: بمكة ... قال الفاكهي أبو عبد اللَّه محمد بن إسحاق في كتاب مكّة من تصنيفه: أبو دُبّ هذا رجل من بني سُواءة بن عامر بنصَعصَعة (3).

ويُسمّى هذا الشعب الواقع إلى الشمال الشرقي من مكّة أيضاً، بشعب الجزّارين (4) ويُسَمّيه بعض آخر، باسم «شعب المقبرة» وسبب هذه التسمية أن أهل الجاهلية كانوا يدفنون موتى أهل مكّة في هذا المكان (5).

وذكر الأزرقي:

كان أهل الجاهلية وفيصدر الإسلام يدفنون موتاهم في شعب أبي دبّ من الحجون إلى شعب الصفي،صفي السباب (6)، وفي الشعب اللاصق بثنية المدنيين


1- 1 العقد الثمين 1: 222.
2- 2 أخبار مكّة للأزرقي 2: 210؛ معجم معالم الحجاز: 56.
3- 3 معجم البلدان 3: 393.
4- 4 أخبار مكّة للأزرقي 2: 273.
5- 5 المصدر نفسه: 209؛ شفاء الغرام 1: 285.
6- 6صفي السباب: أكمة في المعابدة تشرف على الخرمانية من مطلع الشمس. أخبار مكّة للسباعي: 31.

ص: 181

الذي هو مقبرة أهل مكّة اليوم، ثم تمضي المقبرة مصعدة لاصقة بالجبل إلى ثنية أذاخر بحايط خرمان (1).

وقال في موضع آخر:

كان أهل مكّة يدفنون موتاهم في جنبتي الوادي يمنة وشامة (2)في الجاهلية وفيصدر الإسلام، ثم حول الناس جميعاً قبورهم في الشعب الأيسر لما جاء من الرواية فيه، ولقول رسول اللَّهصلى الله عليه و آله نعم الشعب، ونعم المقبرة. ففيه اليوم قبور أهل مكّة إلّاآل عبد اللَّه بن خالد بن أسيد بن أبي العيص بن أمية بن عبد شمس، وآل سفيان بن عبد الأسد بن هلال بن عبد اللَّه بن عمر بن مخزوم فهم يدفنون في المقبرة العليا بحايط خرمان (3).

تُعرف هذه المقبرة فيما مضى بمقبرة المعلّاة، ويسمّيها بعض آخر بالمُعلّى (4) وبين أهل مكّة تعرف بجنّة المعلاة (5) ولمّا كان جبل الحجون مشرفاً على هذه المقبرة، فقد سمّاها البعض بمقبرة الحجون (6).

روى ابن عباس عن النبيّصلى الله عليه و آله أنه قال:

نعم المقبرة هذه، مقبرة أهل مكّة (7).

روى هذه الرواية بتعبير آخر:

قال رسول اللَّهصلى الله عليه و آله: نِعْمَ الشِّعب ونِعْمَ المقبرة (8).

وجاء في معجم الطبراني أن ابن عباس قال: لما أشرف النبيُّصلى الله عليه و آله على المقبرة وهو على طريقها الأول، أشار بيده وراء الضفيرة أو الظهيرة فقال: «نِعْمَ المقبرة هذه» قلت للذي يخبرني: خصّ الشعب؟ قال: هكذا كنا نسمع أن النبيَّصلى الله عليه و آله خصّ الشعب المقابل بالبيت (9).

عبد اللَّه بن مسعود قال: وقف رسول اللَّهصلى الله عليه و آله على الثنيّة، ثنيّة المقبرة، وليس بها يومئذٍ مقبرة فقال: يبعث اللَّه من هذه البقعة ومن هذا الحرم كلّه سبعين


1- 1 أخبار مكّة للأزرقي 2: 209.
2- 2 قال ابن ظهيرة المراد باليمنى هو شعب أبي دب المعروف الآن ب «شعب العفاريت» و «شعب الجزارين» والمراد بالشام هو «شعب الصفي». أخبار مكّة للأزرقي 2: 211.
3- 3 أخبار مكّة للأزرقي 2: 211.
4- 4 شفاء الغرام 1: 284.
5- 5 فقه العبادات الحج: 205.
6- 6 فقه العبادات الحج: 205.
7- 7 أخبار مكّة للأزرقي 2: 209.
8- 8 شفاء الغرام 1: 453.
9- 9 المعجم الكبير للطبراني 11: 110 ح 11282.

ص: 182

ألفاً، يدخلون الجنّة بغير حساب، يشفع كلّ واحد منهم في سبعين ألف، وجوههم كالقمر ليلة البدر، فقال أبو بكر: يا رسولَ اللَّه من هم؟ قال: الغرباء. انتهى (1).

كثير بن كثير- من مشاهير شعراء القرن الأوّل للهجرة- قال في هذه المقبرة:

كم بِذاكَ الحَجُون مِنْ أَهْلِصِدْقِ وكُهُولٍ أَعِفَّةٍ وشَباب

سَكَنُوا الجَزَع جَزْعَ بيت أبي مو سى إِلى النَّخْلِ منصُفىِّ السّباب

أهل دار تبايعوا للمنايا ما على الدّهر بعدهم من عتاب

فارقوني وقد علمتُ يقيناً ما لمن ذاق ميتة من إياب (2) كانت هذه المقبرة ومنطقة الحجون معروفة في الماضي، ونظم فيها شعراء العرب الكثير من الأشعار، نذكر بعضها:

فلمّا التَقَيْنا بالحَجُونِ تَنَفَّسَت تَنَفُّس محزونِ الفؤاد سقيم (3)

وقال شاعر آخر:

وارداتِ الكديد (4) مُجتَرعاتٍ حُزن وادِى الحَجُون بِالاثْقال (5) وقال آخر:

ليالي سّمار الحَجُونِ إِلَى الصَّفا خُزاعة إذ خَلّت لها البيت جُرْهُم

ولو نَطَقَتْ بَطْحاؤُها وحَجونُها وخيفُ مِنىً والمأزِمان وزمزم (6) وقال الأعْشي:

فَما أَنْتَ مِنْ أَهْلِ الحَجُونِ ولَا الصَّفا 7 ولا لَكَ حَقُّ الشِّرْبِ فى ماءِ زَمزَم

وقال عمرو بن الحرث بن مُضاض بن عمرو يَتأسَّف على البيت، وقيل هو للحرث الجُرْهُمي:

كَأَن لَمْ يَكُنْ بَيْنَ الحَجُونِ إِلَى الصَّفا أنيسٌ ولم يسمُر بمكَّةَ سامِرُ

بَلى نحن كُنَّا أَهْلَها، فَأبادَناصُروفُ الليالي والجُدُودُ الْعَواثِرُ (7)


1- 1 شفاء الغرام 1: 454؛ في رحاب بيت اللَّه الحرام: 252.
2- 2 الأغاني 1: 322؛ أخبار مكّة للأزرقي 2: 211.
3- 3 الأغاني 1: 218.
4- 4 الكديد: مكان بين مكّة والمدينة، يبعد عن مكّة بمسافة اثنين وأربعين ميلًا. معجم معالم الحجاز 7: 204.
5- 5 المصدر نفسه.
6- 6 الأغاني 19: 78.
7- 7 لسان العرب 3: 69.

ص: 183

وروى الأزرقي عن ابنصيفي أنه قال: من قُبر في هذه المقبرة بُعث آمناً يوم القيامة- يعني مقبرة مكّة- (1).

وإنّ من مميزات هذه المقبرة وقوعها أمام جزء من الكعبة:

قال الأزرقي: قال جدّي: لا نعلم بمكّة شعباً يستقبل ناحية من الكعبة ليس فيه انحراف إلّاشعب المقبرة فإنّه يستقبل وجه الكعبة كلّه مستقيماً (2) وممّا ورد في فضل هذه المقبرة ما نقل عن عبد اللَّه بن المرجاني في تاريخه للمدينة أنه قال:

سمعت والدي يقول: سمعت الشيخ أبا عبد اللَّه الدلاصي يقول: سمعت الشيخ أبا محمد الدبشي يقول: كُشِف لي عن أهل المعلاة فقلت: أتجدون نفعاً بما يُهدى إليكم من قراءَةٍ أو نحوها؟ فقالوا: لسنا محتاجين إلى ذلك، قال: فقلت لهم: ما منكم أحد واقف الحال؟ قالوا: ما يقف حال أحد في هذا المكان (3).

قال الفاسي في شفاء الغرام:


1- 1 أخبار مكّة للأزرقي 2: 209.
2- 2 المصدر نفسه.
3- 3 شفاء الغرام 1: 454.

ص: 184

زيارة هذه المقبرة مستحبّة لِما حَوَتْه من سادات الصحابة والتابعين وكبار العلماء والصالحين (1).

قال الجوهري: الحَجون- بفتح الحاء- جبل بمكة وهي مَقْبُرة.

وقال ابن الأثير: الحَجُونُ الجَبَلُ المُشْرِف ممّا يَلي شِعْب الجَزَّارين بِمَكّة.

وقال ابن منظور: والحَجُونُ موضِعٌ بمكّة ناحية من البيت (2).

وقال محمد حسين هيكل في وصف مقبرة المعلّاة:

ومقبرة المعلاة تقع في الشمال الشرقي من مكّة، وهي فضاء فسيح محصور بين الجبال من شماله وغربه، وتفصل بينه وبين الجبال من الشرق بعض المساجد والمساكن، ويتصل من الجنوب بمنازل أهل مكّة، وهذه المقبرة قديمة ترجع إلى عهد الجاهلية، وهي ما تزال مع ذلك مقبرة أهل مكّة في هذا الزمن الحاضر.

ولعل بقاءها مقبرة حتى اليوم يرجع إلى تقديس المكيين للقبور القديمة الّتي بها أكثر مما يرجع إلى رغبتهم عن اتخاذ مقبرة لمدينتهم فيما وراء الجبال التي تحصرها (3).

والمسافة من باب بني شيبة إلى باب مقبرة المعلاة 2127 ذراعاً بذراع اليد أي 1042 متراً تقريباً (4). والمسافة بين باب المعلاة بمكة وأوّل منى 5407 أمتار (5).

المدفونون في هذه المقبرة:

دُفن في هذه المقبرة الكثير من الشخصيات البارزة في تاريخ الإسلام نذكر فيما يلي أسماء بعضهم:

1- قصي بن كلاب، وهو أوّل شخص دفن في الحجون، توفّي في مكّة، ومن بعد دفنه في الحجون، اعتاد الناس على دفن موتاهم فيها (6).


1- 1 المصدر نفسه: 456.
2- 2 لسان العرب 3: 69.
3- 3 في منزل الوحي: 210.
4- 4 مرآة الحرمين 1: 338.
5- 5 المصدر نفسه: 339.
6- 6 العقد الثمين 1: 147.

ص: 185

2- عبد مناف (1).

3 و 4- عبد المطّلب وهاشم أجداد النبيِّصلى الله عليه و آله (2).

5- أبو طالب، توفي في السّنة العاشرة للبعثة بعد أن مضى من عمره نيّفٌ وثمانون عاماً، ودفن في مقبرة الحجون (3).

6- خديجة بنت خويلد زوجة رسول اللَّهصلى الله عليه و آله وأُمّ المؤمنين (4)، توفيت بعد انتهاء المقاطعة، والخروج من الشعب، عن عمر يبلغ 65 عاماً ودفنت في مقبرة الحجون، فجع الرسول بوفاتها وحزن عليها أشدّ الحزن.

7- القاسم بن رسول اللَّهصلى الله عليه و آله (5).

8- الطيب (عبد اللَّه) بن رسول اللَّهصلى الله عليه و آله (6).

أبناء رسول اللَّهصلى الله عليه و آله الّذين ولدوا بمكّة هم:

1- القاسم 2- الطيب (عبد اللَّه) 3- الطاهر 4- زينب

5- رقيّة 6- أُمّ كلثوم 7- فاطمة عليها السلام.

قال ابن هشام: كان أكبرهم القاسم ومن بعده الطيب والطاهر (7)ولد القاسم قبل البعثة، إلّا أن عبد اللَّه واسمه الآخر الطيب، وكذلك الطاهر ولدا في عهد الإسلام وبعد البعثة (8).

9- سميّة أُمّ عمار بن ياسر أوّل شهيدة في الإسلام واسمها سميّة بنت الخبّاط مولاة أبي حذيفة بن المغيرة بن عبد اللَّه.

10- عبد اللَّه بن ياسر، أخو عمّار.

11- حذامة بنت خويلد اخت خديجة الكبرى عليها السلام.

12- أسماء بنت أبي بكر.

13- زينب بنت مظعون بن حبيب بن وهب أُخت عثمان بن مظعون زوجة


1- 1 مرآة الحرمين 1: 31.
2- 2 مرآة الحرمين 1: 31.
3- 3 أُسد الغابة في معرفة الصحابة 1: 19.
4- 4 مرآة الحرمين 1: 31؛ فقه العبادات الحج: 205.
5- 5 بحار الأنوار 19: 20.
6- 6 المصدر نفسه.
7- 7 البداية والنهاية 3: 294.
8- 8 تاريخ اليعقوبي 2: 20.

ص: 186

عمر بن الخطاب.

14- عبد اللَّه بن شهاب بن عبد الحرث جدّ محمد بن شهاب الزهري.

15- عبد اللَّه بن عمر بن الخطّاب وأُمّه زينب بنت مظعون، مات بمكة في سنة أربع وسبعين، وقد أتت له أربع وثمانون وكان نازلًا على عبد اللَّه بن خالد بن أسيد في داره، وكانصديقاً له، فلما حضرته الوفاة أوصاه أن لا يصلّي عليه الحجاج، وكان الحجاج بمكة والياً بعد مقتل ابن الزبير فصلّى عليه عبد اللَّه بن خالد بن أسيد ليلًا على ردم آل عبد اللَّه عند دارهم، ودفنه في مقبرته (1).

16- عبد اللَّه بن الزبير بن العوّام (2).

ظنّ بعض المؤرخين أن قبر آمنة بنت وهب أُمّ رسول اللَّهصلى الله عليه و آله في هذه المقبرة، وهذا ليس بصحيح إذ ذكر ابن هشام في سيرته، وابن سعد في طبقاته بأنّ وفاة آمنة كان بالأبواء بين مكّة والمدينة، ودفنت هناك (3).

وقال الأزرقي: قد زعم بعض المكيين أن في هذا الشعب قبر آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة أُمّ رسول اللَّه (4). ومن هذه العبارة- قد زعم- يظهر بأن هذا عنده ليس بصحيح.

وجاء في مرآة الحرمين:

... وبه أيضاً قبر زعموا أنه لآمنة أمّ الرسولصلى الله عليه و آله وهذا افتراء، والحقيقة أنها مدفونة بالأبواء (5) بين المدينة ومكّة على نحو 13 ميلًا من رابغ (6).

وقع الأبواء في الجهة الشرقية للمدينة المنورة، ومن رابغ إلى الأبواء 43 كيلومتراً-

وقد ذكر مجد الدّين أبو الطاهر محمد بن يعقوب الحافظ الفيروز آبادي في كتابه باسم- اثارة الحجون إلى زيارة الحجون- وكذلك محمد بن العلوي المالكي


1- 1 أخبار مكّة للأزرقي 2: 210.
2- 2 في رحاب البيت الحرام: 252- 258؛ فقه العبادات الحج: 205.
3- 3 السيرة النبوية 1: 177؛ طبقات ابن سعد 1: 73.
4- 4 أخبار مكّة للأزرقي 2: 210.
5- 5 الأبواء تسمّى اليوم الخريبة.
6- 6 مرآة الحرمين 1: 31.

ص: 187

في مؤلفاته، أسماء بعض الصحابة والتابعين والعلماء والعرفاء المدفونين في هذه المقبرة (1).

كانت مقبرة الحجون قبل تسلّط الوهابيين موضع اهتمام خاص من أهل مكّة وحجّاج بيت اللَّه الحرام، وكان الناس يقصدونها لزيارة القبور.

قال محمد حسين هيكل في كتابه- في منزل الوحي- ما يلي:

وقبور المعلاة مسوّاة بالأرض اليوم، وهي لم تكن كذلك قبل أن يدخل الوهابيون الحجاز. ويفصل بينها وبين الطريق منحدر من الأرض يسمو بها، وبما تحويه من ذكريات إلى سفح الجبل. وإنك لترى بها على رؤوس قبور شواهد نفشت عليها بالخطّ الكوفي أو بالخطّ الثلث الجميل آيات قرآنية في أغلب الأمر، وأسماء ساكني هذه القبور في بعض الأحيان، ولقدصحبنا حارس المقبرة في مسيرنا يهدينا أثناءها إلى مقابر بعض الصحابة والتابعين.

وتقدمنا غير بعيد، ثم وقف يشير بإصبعه إلى قبر ذكر أنّه قبر عبد اللَّه بن الزبير ... وإلى جانب قبر ابن الزبير أشار الحارس إلى قبر آخر ذكر أنه قبر أُمّه أسماء بنت أبي بكر. ومدّ الحارس بصره إلى ناحية الجبل من الشمال ومددنا البصر معه، فأشار الى جدار قائم في سفح الجبل يحجب ما وراءه ولم ينبِس ببنت شفة. أمّا الشيخ عبد الحميد حديدي (2) فقد أخبرني أنّ الوهابيين شادوا هذا الجدار ليستروا به قبر خديجة أُمّ المؤمنين، وقبور بني هاشم من أجداد الرّسول عن الأعين، وليحولوا بين الحجاج وزيارتها للتبرّك بها؛ لأنّهم يرون في الزيارة والتبرك إثماً هو إثم الشرك باللَّه، أو اتخاذ هذه القبور زُلْفَى إليه.

وتقدّمنا الشيخ عبد الحميد إلى ناحية هذا الجدار متخطِّياً المقبرة التي كنّا بها إلى فضاء يعترض السبيل إليه عارض من خشب سُدَّ به الطريق ... وبعد هنيهة أشار إلى قبر على يسار الداخل قال: إنّه قبر خديجة بنت خويلد أُمّ


1- 1 في رحاب البيت الحرام: 258.
2- 2 الشيخ عبد الحميد حديدي كان مع الشيخ عباس قطان في أمانة العاصمة، وكان قبل ذلك قد اشتغل بالتعليم في جدّة، وبالقضاء عند أدنى حدود الحجاز من اليمن. في منزل الوحي: 208.

ص: 188

المؤمنين وجدّة جميع المنتسبين إلى الرسول بأنهم من أبناء ابنته فاطمة وابن عمّه علي بن أبي طالب. ولقد سُوِّى هذا القبر بالأرض كما سويت سائر القبور بأمر الوهابيين. وتقدمنا خطوتين بعد ذلك إلى قبور، قال الحارس: إنها قبور جَدّي الرسول: عبد المطلب وعبد مناف وعمه أبي طالب. ثم أشار إلى قبر ذكر أنه قبر أُمّه آمنة. ولم يدهشني ما ذكره عن قبر آمنة مع علمي أنها توفيت ودفنت بالأبواء بعد الذي ذكره أهل مكّة عن هذه الآثار وقيمة سندها من التاريخ.

فالقول بوجود قبر آمنة في هذا المكان إنما كان يقْصَد به الى الاستزادة مما يدفعه الحجاج أثناء زيارتهم هذه القبور للتبرّك ... وآن لنا أن ننصرف من المقبرة، فاستوقفنا الحارس إذ مدّ يده ممسكاً بها قطعة من القاشاني الأخضر الجميل اللون زينت أطرافها بنقش فني دقيق وقال: «هذه قطعة من جدار القبة التي كانت على قبر السيدة خديجة» فقد كان على قبر خديجة قبة شاهقة بارعة الجمال، يذكر المؤرخون أنها بنيت في السنة الخمسين والتسعمائة من الهجرة أثناء ولاية داود باشا بمصر، وأن الذي بناها أمير دفاتر هذا الوالي الأمير الشهيد محمد بن سليمان الجركسي. وقد أزال الوهابيون هذه القبة فيما أزالوا من القباب أوّل دخولهم مكّة إرضاء لهوى إيمانهم، ثم بقيتصورتها الشمسية تشهد بأنها كانت آية بارعة في فنّ العمارة براعةً تصدّ من يفهم هذا الفن عن أن يصيبها بسوء.

وكانت إلى جوارها قباب لجدّي النبيّ عبد المطّلب وعبد مناف ولعمّه أبي طالب، بذلك كانت هذه المقبرة بِدْعاً يعشقه من يحبون جمال الفن، وكان الناس يزورونها إجلالًا لهذه القِباب، وتبركاً بذكرى ساكنيها. أما اليوم فلا يفكر أحد في القباب وقد أزيلت، ولا يزور أحدٌ القبورَ وقد حيل بين الناس وبينها بهذا الجدار الذي يصدّهم عنها. على أنهم ما فتئوا يحضرون اليوم كما كانوا يحضرون من قبل فيقفون عند هذا الحاجز الذي تخطيناه قبل أن نصعد سفح الجبل فيقرأُون الفاتحة

ص: 189

ويلتمسون البركة ثم ينصرفون (1).

قال «رفعت باشا»: قد زرنا هذه المقابر وقت مرورنا بها، ويحيط بالمقبرة سور قديم مَبْن بالحجارة وبها قبور كثير من الصحابة، وبالشق الأيسر قبة شاهقة على قبر السّيدة خديجة أُمّ المؤمنين- رضي اللَّه عنها- وبه أيضاً جملة قباب قيل لنا: إنها على مقابر عبد مناف وعبد المطلب بن هاشم أجداد النبيِّصلى الله عليه و آله وكذلك قبة على قبر عمّه أبي طالب (2).

تحظى منطقة الحجون- إضافةً إلى ما لها من أهمية بسبب عظمة الشخصيات المدفونة فيها- بقداسة خاصة لدى المسلمين ولا سيما أهل السنة، وذلك لأنّ النبيّصلى الله عليه و آله حينما عاد من المدينة ودخل مكّة، دخلها من هذه المنطقة وسكن فيها.

ابو الوليد قال: حدّثني جدّي عن مسلم بن خالد عن ابن جريج قال:

أخبرني عطاء أنّ النبيَّصلى الله عليه و آله بعدما سكن المدينة كان لا يدخل بيوت مكّة، قال: إذا طاف بالبيت انطلق إلى أعلى مكّة فاضطرب به الأبنية، قال عطاء: في حجته فعل ذلك أيضاً، ونزل أعلى مكّة قبل التعريف، وليلة النفر نزل أعلى الوادي.

ونقل عن أبي رافع أنه قال: قيل للنبيِّصلى الله عليه و آله يوم الفتح: أَلا تنزل منزلك بالشعب؟ قال: وهل ترك لنا عقيل منزلًا؟ قال: وكان عقيل بن أبي طالب باع منزل رسول اللَّهصلى الله عليه و آله ومنازل أخوته من الرجال والنساء بمكة حين هاجروا، ومنزل كلِّ مَن هاجر من بني هاشم فقيل لرسول اللَّهصلى الله عليه و آله: فانزل في بعض بيوت مكّة في غير منزلك، فأبى رسول اللَّهصلى الله عليه و آله وقال: لا أدخل البيوت. فلم يزل مضطرباً بالحجون لم يدخل بيتاً، وكان يأتي المسجد من الحجون (3).

ونقل أيضاً عن سعيد بن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه عن جدّه قال:

رأيت رسول اللَّهصلى الله عليه و آله مضطرباً بالحجون في الفتح يأتي لكلصلاة (4).


1- 1 في منزل الوحي: 211 و 212.
2- 2 مرآة الحرمين 1: 30، 31 و 32.
3- 3 أخبار مكّة للأزرقي 2: 161.
4- 4 المصدر نفسه.

ص: 190

وسكن أبو موسى الأشعري في هذا الشعب بعد انصرافه من الحكمين، وله على فم الشعب سقيفة وقال كثير بن كثير السهمي له:

سكنوا الجزع جزع بيت أبي موسى إلى النخل منصفى السباب وعلى باب الشعب بئر لأبي موسى، وكانت تلك البئر قد دثرت واندفنت حتى نثلها بغا الكبير أبو موسى، ونفض عامتها، وبناها بنياناً محكماً، وضرب في جبلها حتى انبط ماؤها، وبنى بحذائها سقاية، وجنابذ يسقي فيها الماء، واتخذ عندها مسجداً، وكان نزوله هذا الشعب حين انصرف عن الحكمين، وكانت فيه قبور أهل الجاهلية فلما جاء الإسلام حولوا قبورهم إلى الشعب الذي بأصل ثنية المدنيين الذي هو اليوم فيه، فقال أبو موسى حين نزله: أجاور قوماً لا يغدرون، يعني أهل المقابر (1).

وجاء في الروايات التاريخية: حينما ولد الرسولصلى الله عليه و آله سمع قائل يقول فوق الحجون:

فأقسم ما أنثى من الناس أنجبت ولا ولد أنثى من الناس واحدة

كما ولدت زهرية ذات مفخر مجنبة لؤم القبائل ماجدة (2) وروى أبي سلمة، أن رسول اللَّهصلى الله عليه و آله وقف عام الفتح على الحجون، ثم قال [لأرض مكّة]: واللَّه إنك لخير أرض اللَّه، وإنك لأحبّ أرض اللَّه إلى اللَّه، ولو لم أُخرج منك ما خرجتُ ... (3).

وكان أيضاً لابن أبي ذر في أصل الحجون دار كان يسكنها (4) بعض الناس يتصوّرون أن النبيَّصلى الله عليه و آله وقومه وأنصاره قد بقوا في هذه المنطقة لمدّة ثلاث سنين محاصرين من قبيلة قريش، ويعدّون هذا المكان شعب أبي طالب، إلّا أنّ هذا التصوّر غيرصحيح، فشعب أبي طالب يقع قرب المسجد الحرام وإلى جبل أبي قبيس.


1- 1 المصدر نفسه: 272.
2- 2 سبل الهدى والرشاد 1: 426.
3- 3 أخبار مكّة للأزرقي 2: 156.
4- 4 المصدر نفسه: 160.

ص: 191

الهوامش:

مختصر معجم معالم مكة التأريخية (2)

ص:192

ص: 193

مختصر معجم معالم مكة التأريخية (2)

عاتق بن غيث البلادي

الحَثَمة:

بثلاث فتحات، هي حَثَمَة عمر بن الخطاب، كانت من ربع رهطة بني عدي بن كعب، وكان يقول:

إن الذي أخرجني من الحَثَمة لقادر على أن يسوقها إليَّ. أي الشهادة.

والحثمة- جغرافياً- أكمةصخرية قابلة للتفتت. وكانت هذه الحثمة بسفح جبل عُمر مما يلي الشبيكة فغشيها العمران، وهي اليوم لصق جسر الشبيكة من مغيب الشمس، وفيها يقول خالد بن المهاجر بن خالد بن الوليد بن المغيرة، ويقال الحارث بن خالد بن العاصي بن هشام بن المغيرة:

لَنِساءٌ بين الحُجُون إلى الحَثَ - مة في ليال مقمرات وشرق

ساكنات البطاح أشهى إلى القلب من الساكناتِ دور دمشْقِ

يتضمخن بالعنبر والمسك ضماخاً كأنّه ريحُ مَرْقِ ويروي الأصفهاني، قصة هذا الشعر فيقول: (1)


1- 1 الأغاني: 3347 ط دار الشعب.

ص: 194

بلغني أن الحارث بن خالد بن العاصي بن هشام بن المغيرة، ويقال: بل خالد بن المهاجر بن خالد بن الوليد بن المغيرة، كان تزوج حُمَيدة بنت النعمان بن بَشِير بدمشق لما قدم على عبد الملك بن مروان، فقالت فيه:

نكحت المَدِينيَّ إذ جاءَني فيا لك من نكحةٍ غاوية

كهول دمشق وشبانها أحبّ إلينا من الجالية صنان لهم كصنان التيو سِ أعيا على المسك والغالية فقال الحارث يجيبها:

قاطنات الحجون أشهى إلى قل - بي من ساكنات دور دمشق من قصيدة طويلة، وله أشعار أخرى في تشوقه إلى مكة. وكذلك ظلت خزاعة تلي البيت خمسمائة سنة إلى أن أفسدت فأزاحها قُصيّ بن كلاب، فوليتها قُرَيش وعمرتها، فلما أفسدت في الحرم بما وضعت فيه من أصنام، وغيرت ما تبقى من ملة إبراهيم، أرسل اللَّه محمداً (صلى الله عليه و آله) بدين الحق، وبدل اللَّه مكة خيراً وجعلها قبلة الدنيا.

وقصيدة مضاض هذه، قبل البعثة النبوية بما يقرب من 700 سنة، وهي من الجودة بحيث جاءت في قمة النضوج مما يدل على أن عمر الشعر العربي قبل البعثة بأمد مديد، أما قول المستشرقين بأن الشعر العربي بدأ قبل الرسالة بزمن قصير نسبياً، فهو من تخميناتهم الكثيرة، وأما تشكيكهم في كلّ شعر ذي زمن عميق كشعر مضاض، فإنّا لو اتخذنا التشكيل معياراً ومذهباً لألغينا جلّ تراثنا.

هذا استطراد أملته سيرة مضاض بن عمرو.

وقال أبو طالب عمّ النبيّ (صلى الله عليه و آله): (1)

جزى اللَّه رهطاً بالحجون تتابعوا على ملأ يهدي الحزم ويرشدُ

قعوداً لدى خَطْم الحُجُون كأنهم مقاولة بل هم أعزّ وأمجد


1- 1 أخبار مكه 2: 273.

ص: 195

ويقول كثير بن كثير- بفتح الكاف- السهمي: (1)

كم بذاك الحُجُون من حيّصدقٍ من كهولٍ أعفّةٍ وشباب

فارقوا وقد علمت يقيناً ما لمن ذاق ميتةً من إياب وقال أبو ذؤيب الهذلي: (2)

ألِكني إليها وخيرُ الرس - لِ أعلمهم بنواحي الخبر

بايةِ ما وقفتْ والركا بِ بين الحُجُون وبين السرر وقال النصيب: (3)

لا أنساك ما أرسَى ثَبِيرٌ مكانَه وما دام جاراً للحُجُون الُمحصّب

يتضوّعْنَ لو تضمّخْنَ بالمس - كِصناناً كأنّه ريحُ مرق وقد رأيت مَن تمحل وفسّر هذا الشعر، ففسّر (المرق) بأنّه نوع من العطور.

والعرب تعرف المرق وقبح ريحه في الثياب، خاصة أن الموقف كان موقف سباب ومعايرة.

وهذان حجازيان تقدم أحدهما فقطن الشام، وعدَّ اللاحق جالية أي غريباً!

الحُجُون:

بضم الحاء المهملة والجيم على التوالي .. والعامة اليوم تقول: الحُجُول، بإبدال النون لاماً، وذلك لقرب مخارج الحروف.

كانت جرهم سادة البيت فبغوا وفسقوا فيه فثارت الحرب بينهم وبين خُزاعة فأجلتهم خزاعة إلى اليمن، فضلت إبل لمُضاض بن عمرو الجُرهمي ملك جرهم، فتابع أثرها حتى أشرف على وادي مكة، فإذا بإبله تنحر وتطبخ، فأنشأ مُضاض يقول:


1- 1 أخبار مكه 2: 273.
2- 2 معجم ما استعجم الحجون.
3- 3 معجم ما استعجم الحجون.

ص: 196

كأن لم يكن بين الحُجُون إلى الصّفا أنيس، ولم يسمر بمكّة سامر

ولم يتربّع واسطاً فجُنُوبه إلى المنحنى من ذي الأراكة حاضر

بلى! نحن كنّا أهلها فأزالنا صروف الليالي والجُدُود العواثر

وبدّلنا ربِّي بها دار غُرْبة بها الذيب يعوي والعدو المحاصر

فإن تمل الدنيا علينا بكلّها وتصبح حال بعدنا وتشاجر

فكنّا ولاةَ البيتِ من بعد نابتٍ نطوف بهذا البيت والخيرُ ظاهرُ كل هذه الأقوال لشعراء عبروا عن الحجون، فأين الحجون؟ المعروف اليوم ريع الحجون وتقول العامة: الحجول كما قدمنا، ولكن هذا الريع ما كان يسمى الحجون في عهد أولئك الشعراء، بل كان يسمى كداء وهو الذي يقول فيه حسان بن ثابت، يخاطب مشركي قريش:

عدمتم خَيْلنا إن لم تروها تثير النقع موعدها كَدَاء ولم يتعمق جغرافيو المتقدّمين في تحديد الحجون، ولعل ذلك لبعدهم عن مكة. ومَن شاهدها منهم شاهدها مشاهدة الزائر الغريب، وما ستأتي به مشاهدات غريب؟ إن لم يكن له من أهل البلد راوية ومرشد. وعندما قام الأستاذ رشدي ملحس بتحقيق أخبار مكة، تأليف محمد الأزرقي، توهم أن الحجون حجونان: أحدهما جاهلي، والآخر إسلامي، ولا أرى ذلك. بل إن لدينا نصوصاً من أهمها نصّ الأزرقي نفسه، على أن الحجون هو الجبل الذي يمتد من ريع الحجون اليوم مشرقاً بشمال، ويكون وجهه الشرقي جبل أذاخر الذي يشرف على ثنية أذاخر التي تفضي على الخُرمانية (حائط خرمان) وهي الثنية التي دخل منها رسول اللَّه (صلى الله عليه و آله) يوم الفتح، فإذاً جبل الحجون هو ذلك الجبل الذي تقع مقبرة أهل مكة القديمة بسفحه من الجنوب الغربي، وفي هذه المقبرة قبر خديجة رضي اللَّه عنها.

ص: 197

وقفة: هذه الوقفة مع شعر مضاض بن عمرو الجرهمي المتقدم. فقبل مدة ألقى أحد الأساتذة الكرام محاضرة كرر فيها أن عمر الشعر العربي لا يزيد عن (200) سنة! قبل البعثة النبوية على أكثر تقدير. ويقول هذا المحاضر (وعساه يعي ما يقول) وكان ذروة مجد الشعر ذلك البيان الذي نجده في القرآن! لما تركته المعلقات من مفردات راقية، أي أن بلاغة القرآن- على حدّ تعبير هذا المحاضر- ما كانت لتصل إلى هذا المستوى لو لم يترق الشعر! ولن نناقش هذا الزعم الباطل يقيناً. إنما الذي نريد أن نناقشه قوله: إن أول من هلهل الشعر وهو المُهَلْهِل بن ربيعة خال امرئ القيس، فأورثه شعره وعلى يد امرئ القيس سما الشعر. أه.

قلت: هذا منحى نحاه بعض المتقدمين رحمهم الله كقولهم: فتح الشعر بأمير وختم بأمير. أي فتح بامرئ القيس وختم بأبي فراس الحمداني، ولا زال الشعر حياً يغنى رغم القرون التي مرّت على موت أبي فراس. وكانوا يجادلون في من هو أشعر الناس. ولكنهم كانوا يقصدون أشعر الناس في زمانهم. وحتى بعض المتأخرين قال: ختم الشعر بشوقي ولم يختم بعد. والمهم في موضوعنا المقارنة بين زمن مضاض والمهلهل.

فالمصادر تقول: إن المهلهل عاش نحو (570) م أي قبل الهجرة بخمسين سنة. ومُضاض قبل الهجرة بسبعمائة سنة تقريباً، ذلك أن خزاعة وليت البيت بعد جرهم خمسمائة سنة، وبين قُصَيّ وبين الرسول (صلى الله عليه و آله) بمائتي سنة، كل هذا بالتقريب. وهذا شعر مضاض أمامنا من شعر البلدانيات والتشوق الجيد، وهو بالتأكيد ليس بدعاً عليه بل نتيجة مسيرة طويلة.

ولجرهم شعر آخر:

لهُمّ إن جُرهماً عبادُك الناس طَرْف وهمُو تلادُك فإلى أخي ذلك المحاضر الذي تكرم وأرسل إليّ نسخة من المحاضرة وإلى

ص: 198

كلّ الدارسين لأدبنا نقول: التروي والبحث العميق قبل إصدار الحكم «وما أُوتيتُم من العلم إلّاقليلًا».

حِرَاء:

بكسر أوله وفتح ثانيه مع المد، من أشهر جبال مكة بل أشهرها على الإطلاق: جبل يقع في شرقي مكة إلى الشمال، فيه الغار الذي كان يتعبد فيه رسول اللَّه (صلى الله عليه و آله). وفيه نزلت على رسول اللَّه (صلى الله عليه و آله): «اقرأ باسم ربك الذي خلق خلق الإنسان من علق اقرأ وربك الأكرم الذي علّم بالقلم» (1).

وكانت النبوة التي عمّ البشرية نورها ووسعهم عدلها وشغلتهم بركتها، فلا يحرم منها، إلّاشقيّ. وله تأريخ طويل وأقوال للمتقدمين فيه لغوية وتأريخية (انظر معجم معالم الحجاز) وقد أكثر المتأخرون من ذكره في أشعارهم، فقد أصبح رمزاً للهداية والإلهام، أما ذكره في الشعر القديم فمنه قول عوف بن الأحوص:

فإني والذي حجت قريش محارمه وما جمعت حِراء وكتبنا في معجم معالم الحجاز:

حِرَاء: هو الجبل الشامخ ذو الرأس الأزلج المقابل لِثَبير الأثبرة من الشمال، بينهما وادي أُفَاعية، يأخذه (أفاعية) الطريق من مكة إلى الشرق ماراً باليمانية.

فيه الغار الذي كان يتعبد فيه (صلى الله عليه و آله) وفيه نزلت عليه أول سورة من القرآن «اقرأ باسم ربك الذي خلق خلق الإنسان من علق» وكان يسمى ثبيراً الأعرج، ويسمى اليوم جبل النور، يسيل منه إلى الغرب وادي جليل، وقد وصل اليوم عمران مكة إلى سفوحه الغربية. يرتفع حراء (200 م) عن سطح البحر، وبسفحه الجنوبي آثار عين الزعفران، وهي من العيون التي أجرتها زُبيدة إلى مكة، ثم انقطعت.


1- 1 العلق: 1- 4 ويعرف اليوم بجبل النور.

ص: 199

وقال ياقوت:

بالكسر، والتخفيف والمد: جبل من جبال مكّة على ثلاثة أميال، وهو معروف، ومنهم من يؤنثه فلا يصرفه، قال جَرير:

أَلسنا أكرم الثقلين طُرّاً وأعظمهم ببطن حِراءَ نارا؟ فلا يصرفه لأنه ذهب به إلى البلدة التي حراء بها، وقال بعضهم: للناس فيه ثلاث لغات: يفتحون حاءه وهي مكسورة، ويقصرون ألفه وهي ممدودة، ويميلونها وهي لا تسوغ فيها الإمالة، لأن الراء سبقت الألف ممدودة مفتوحة وهي حرف مكرَّر فقامت مقام الحرف المستعلى مثل راشد ورافع فلا تمال؛ وكان النبي (صلى الله عليه و آله) قبل أن يأتيه الوحي يتعبد في غار من هذا الجبل، وفيه أتاه جبريل عليه السلام؛ وقال عَرَّام بن الأصبغ: ومن جبال مكة ثبير، وهو جبل شامخ يقابل حراء، وهو جبل شامخ أرفع من ثبير في أعلاه قُلَّة شامخة زلوج، ذكروا أن رسول اللَّه (صلى الله عليه و آله) ارتقى ذروته ومعه نفر من أصحابه فتحرك، فقال رسول اللَّه (صلى الله عليه و آله):

اسكن يا حراءُ فما عليك إلّانبيّ أوصديق أو شهيد؛ وليس بهما نبات ولا في جميع جبال مكّة إلّاشي ء يسير من الضَّهياء يكون في الجبل الشامخ، وليس في شي ء منها ماء، ويليها جبال عرفات، ويتصل بها جبال الطائف، وفيها مياه كثيرة.

وقال البكري: حِراءُ: بكسر أوله ممدود على وزن فعال: جبل بمكة. قال الأصمعي: بعضهم يذكره ويصرفه، وبعضهم يؤنثه ولا يصرفه؛ قال عَوْف بن الأحوص في تأنيثه:

فإني والذي حَجّت قريش محارمه وما جمعت حراءُ وأنشد الفراء:

أَلسنا أكرم الثقلين رحلًا وأعظمهم ببطن حراءَ نارا؟ قال ابن الأنباري: إنما لم يجر حراء لأنه جعله اسماً لما حول الجبل، فكأنه

ص: 200

اسم لمدينة، وأنشد لابن هَرْمة:

وخَليْتُ حراءُ من ربيع وصيف نعامة رحل وافراً ومقر نصا واجراها لضرورة الشعر. وقال أبو حاتم: التذكير في حراء أعرف الوجهين. وذكر الحديث السابق مع اختلاف في اللفظ.

وقال رؤبة: ورب وجهٍ من حراءٍ منحن.

قال الأصمعي: لم أره منحنياً. قال المؤلف: أمّا قول عرام: أرفع من ثبير.

فهو خطأ تظهره المشاهدة، وقُلَّة حراء فيها شي ء من الانحناء.

الحَزْوَرَة:

قال الأزرقي: (1) الحَزْوَرَة وهي كانت سوق مكة، كانت بفناء دار أم هاني ابنة أبي طالب التي كانت عند الحناطين (2)، فدخلت في المسجد الحرام، كانت في أصل المنارة إلى الحثمة والحزاور والجباجب الأسواق، وقال بعض المكيين: بل كانت الحَزْورَة في موضع السقاية التي عملت الخَيْزرَان بفناء دار الأرقم؛ وقال بعضهم: كانت بحذاء الردم في الوادي، والأولى أنها كانت عند الحناطين أثبت وأشهر عند أهل مكة. وروى سفيان عن ابن شهاب قال: قال رسول اللَّه (صلى الله عليه و آله) وهو بالحزورة: أما واللَّه إنك لأحبّ البلاد إلى اللَّه- سبحانه- ولولا أن أهلك أخرجوني منك ما خرجت. قال سفيان، وقد دخلَتْ الحَزورة في المسجد الحرام وفي الحزورة يقول الجرهمي:

بدأها قوم أشحّاء أشدَّة على ما بهم يشرونها بالحزاور وقال أبو عبيد البكري:

الحَزْوَرة: موضع بمكة يلي البيت، وفيه دفن عبد الرحمن بن عثمان بن عبيد اللَّه، ابن أخي طلحة بن عبيد اللَّه وكان قُتِل مع ابن الزبير، فلما زيد في المسجد


1- 1 2: 294.
2- 2 كذا قال: الحناطين، وهم بائعوا الحنطة، ولكن في الفاكهي الخياطين.

ص: 201

الحرام دخل قبره في المسجد، ذكر ذلك الزبير بن أبي بكر.

وقال الغَنَوي:

يوم ابن جُدعان بجنب الحزوره كأنه قَيصرْ أو ذو الدسكرهْ روى الزهري قال: أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن: أن عبد اللَّه بن عدي بن حمراء الزهري أخبره، أنه سمع رسول اللَّه (صلى الله عليه و آله) يقول وهو واقف بالحزورة في سوق مكة (واللَّه إنك لخير أرض اللَّه، وأحبّ أرض اللَّه إليّ، ولولا أني أُخرجتُ منك ما خرجت).

قلت: ولذا احتج الشافعي، بأنّ مكّة أفضل البلدان على الإطلاق.

ولذا يتعين أن موضع الحزورة هو داخل الركن الشمالي الغربي من المسجد الحرام، قبل التوسعة العثمانية، أي أنّها الآن في طرف الصحن مما يلي ذلك الركن.

الخَطُم:

بفتح الخاء المعجمة وضم الطاء المهملة: هو ما يسميه عرب اليوم الخشم، وهو النعف المنقاد من الجبل إلى الأرض، وبمكّة خطمان: أحدهما خطم الحُجُون، وهو ما حازت مقبرة أهل مكة باتجاه أذاخر. وعن يمين الأبطح.

وفي هذا يقول الحارث بن خالد: (1)

أقوى من آل فطيمة الحزم فالعَيْرتان فأوحش الخَطُم وهذا هو الذي يقع في سفحه حي الجعفرية الممتد من مقبرة أهل مكة القديمة إلى شعب أذاخر اليماني، وله شاهد في الحجون.

والخطم الآخر يقع شمال عَرَفة بينهما سيل عُرَنَة يأخذ بعضه حدّ الحرم، يتصل شمالًا بجبال الشُّعُر جمع شعراء، ثم جبل الطارقي، وتمتد منه إلى الشرق والشمال الشرقي سهول المُغَمّس.


1- 1 معجم معالم الحجاز، الخطم.

ص: 202

وهذا عناه أبو خراش الهذلي بقوله: (1)

غداة دعا بني جشع وولي يؤم الخَطُمَ لا يدعو مُجِيبا وبنو جشع أرىصوابها بني جُشَم، لأن بني جشم قبيلة معروفة،

خُمٌّ:

بضم الخاء المعجمة، وميم: بئر كانت بمكّة. قيل: هي لكلاب بن مُرَّة أبي قصي، وقيل: حفرها وحفر رم، عبد شمس بن عبد مناف، وقال:

حفرت خُمّاً، وحفرت رُمّا حتى ترى المجدَ لنا قد تَمّا (2)

وقيل: خُمّ: بئر قريبة من الميثب، وكان الناس يأتون خُمّاً في الجاهلية والإسلام يتنزهون (3).

قلت: خُمّ- اليوم- شعبتان جنوب المسجد الحرام على قرابة خمسة أكيال، أو أقل، إحداهما تدعى خُمّاً، والأخرى خُمَيْماً، تصبان من جبل سُدَير، فتجتمعان فتكوِّنان رأس بطحاء قُرَيش، التي تذهب إلى عُرَنة.

وفي خُمّ مسلك لماء المطر يخرج إليه أهل مكة إذا مطرت متنزهين، وعند اجتماع الشعبين توجد بئر كان فيها الماء إلى عهد قريب، ربما هي (بئر خُمّ) المنسوبة إلى قدماء قريش. ومن هذا البئر يمكنك أن ترى الميثب مغيب الشمس.

وقد أكّد لي أحد كبار السن من سكان تلك الناحية: أن البير تدعى بئر خم، وكذلك الشعبة التي تقع فيها البئر. والعرب من عادتهم تسمية الشي ء بجاره وما فيه، على أني أرجح أنها هي البئر القرشية القديمة، لوجود نظائرها على أسمائها القديمة.

الخَنْدَمة:

بفتح الخاء المعجمة، وسكون النون ثم الدال المهملة فميم فهاء. وقد تجمع


1- 1 معجم البلدان، الخطم.
2- 2 معجم البلدان، الخطم.
3- 3 أخبار مكة: 214.

ص: 203

الخنادم: هي سلسلة جبلية خشباء بمكة، تبدأ من شعب عامر قرب المسجد الحرام فتشرق حتى تصل المفجر، وإن كان شرقها يسمى باسم آخر، وفيها اليوم أحياء كثيرة وهي تقابل الحجون من الجنوب، وتمتد جنوباً فيكون نهايتها هناك جبل (سُدَير).

قيل: وكان أبو الرّعّاس- أحد بنيصاهلة- وقيل: حِمَاس بن قيس بن خالد البكري (1) يعد سلاحاً، فقالت امرأته: ما تصنع بما أرى؟ قال: سمعت أن محمّداً سيغزونا فهذا له ولأصحابه. فقالت: ما أرى أنه يقوم لمحمد وأصحابه شي ء. فقال: واللَّه إنّي لأرجو أن أخدمك منهم خادماً، ثم قال: (2)

إن يقبلوا اليوم فما بي عِلّهْ هذا سلاح كامل وألَّهْ وذو غرارين سريع السَّلَّهْ

ثم شهد هذا الشاعر يوم الفتح الخندمة مع أناس جمعهمصفوان بن أمية وسهيل بن عمرو، فهزمهم خالد بن الوليد، فمر منهزماً حتى دخل بيته، وقال لامرأته: هل من مخش؟ فقالت: أين الخادم؟ قال:

إنك لو شهدت يوم الخَنْدمهْ إذ فرصفوان وفر عكرمهْ

واستقبلتنا بالسيوف المُسلِمهْ يقطعن كلّ ساعد وجُمْجُمه

لهم نَهِيتٌ خَلْفنا وهَمْهمهْ ضرباً فلا تسمع إلّاغَمغَمهْ لم تنطقي باللوم أدنى كلمهْ

قلت: وقوله: فهزمهم خالد بن الوليد، هذا ناتج عما لخالد في نفوس المسلمين من البطولة، فلا يكادون يجهلون قائداً أحدث مثل هذا حتى يتبادر إلى أذهانهم اسم خالد، وهذا وهم، لأن خالداً دخل مع (كُدَى) المعروف اليوم بريع الرسام، وكان سيره على طول الشارع المعروف اليوم بشارع خالد بن الوليد، وفيه مسجد ينسب إليه، وهذا غرب المسجد الحرام، ومعروف أن جيوش الفتح


1- 1 كذا في معجم ما استعجم، وفي معجم البلدان: حماس .. الخ الخندمة.
2- 2 معجم ما استعجم.

ص: 204

أحاطت بمكّة من ثلاث جهات: أذاخر حيث دخل رسول اللَّه (صلى الله عليه و آله)، وكداء- بالفتح- حيث دخل الزبير وكتائب من الأنصار، وكُدَى- بالضم والقصر- حيث دخل خالد. فاجتمعت في المسجد الحرام. فكيف يقاتل خالد في الخندمة في أعلى مكّة؟

لكن هذه فرقة أرسلها الزبير لا شك، للسيطرة على جبل الخندمة المسيطر على كلّ معلاة مكّة إلى المسجد الحرام، وتوطئة لنزول رسول اللَّه في الأبطح، ولأن فيلق الزبير يمر بسفح الخنادم فلا شك أن مجموعةصفوان ناوشتهم وهم بين ثنية المدنيين (ريع الحجون اليوم) وبين المسجد الحرام، فأمر القائد بتطهير هذا الجيب لتخلو معلاة مكة وتأمن.

وقال بُدَيل بن عبد مناة بن أم أصرم يخاطب أنس بن زنيم الديلي، والديل من كنانة، رهط أبي الأسود الدُّؤلي،صاحب الإمام علي (عليه السلام).

بكى أنَسٌ رَزْناً، فأَعوله البُكا فإلّا عَديّاً إذ تُطلُّ وتُبْعَدُ

أصابَهُمُ يومَ الخَنادمِ فتيةٌ كرامٌ، فسل منهم، نُفَيلٌ ومَعْبدُ

هنالك، إن تسفح دموعك، لا تلم عليهم وإن لم تدمع العينُ تُكمدُ ... يتبع

الهوامش:

الحجازيات

ص: 205

الحجازيات

الشريف الرضي رحمه الله

ميعاد دمع العين

ألا يا لَيالي الخَيفِ! هلْ يَرْجعُ الهَوى إلَيكنّ لي؟ لا جازكنّ ندَى القَطْرِ

فَيَا دِينَ قَلْبي مِنْ ثَلاثٍ عَلى مِنًى مَضَينَ وَلمْ يُبقِينَ غيرَ جوَى الذّكْرِ

وَرَامِينَ وَهْناً بِالجِمَارِ، وَإنّمَا رَمَوْا بَينَ أَحْشَاءِ الُمحِبّينَ بالجَمْرِ

رَمَوْا لا يُبَالُونَ الحَشَى، وَتَرَوّحوا خَلِيِّينَ، وَالرّامي يُصِيبُ، وَلا يدرِي

وَقالُوا: غَداً ميعادُنا النَّفْرُ عن مِنًى، وَمَا سَرَّني أنّ اللّقَاءَ مَعَ النَّفْرِ وَيَا بُؤسَ للقُرْبِ الذي لا نَذُوقُهُ سوَى سَاعَةٍ ثمّ البعَادُ مَدى الدّهرِ

فَياصَاحبي! إنْ تُعطِصَبراً، فإنّني نزَعتُ يدَيّ اليَوْمَ من طاعَةِ الصّبرِ

وَإنْ كُنتَ لمْ تَدْرِ البُكَا قَبلَ هَذه، فمِيعَادُ دَمعِ العَينِ مُنقَلَبُ السَّفْرِ أحبك

أُحِبُّكِ ما أقام مِنًى وَجَمْعٌ، وَمَا أرْسَى بِمَكّةَ أخْشَبَاهَا (1)

وَمَا رَفَعَ الحَجيجُ إلى المُصَلّى، يَجُرّونَ المَطيّ عَلى وَجَاهَا (2) وَما نحَرُوا بخَيفِ مِنى، وكَبّوا

عَلى الأذْقانِ مُشعَرَةً ذُرَاهَا نَظَرْتُكِ نَظْرَةً بالخَيفِ كانَتْ

جَلاءَ العَينِ مِنّي بَلْ قَذاهَا وَلمْ يَكُ غَيرُ مَوْقِفِنا فَطارَتْ

بكُلّ قَبِيلَةٍ مِنّا نَوَاهَا فَوَاهاً كَيْفَ تَجْمَعُنَا اللّيَالي؛

وآهاً مِنْ تَفرُّقِنَا، وآهَا فَأُقْسِمُ بالوُقُوفِ عَلى أَلالٍ،

وَمَن شَهِدَ الجِمارَ، وَمن رَماهَا وَأرْكَانِ العَتِيقِ وَبَانِيَيْهَا

، وَزَمزَمَ وَالمَقَامِ وَمَنْ سَقَاهَا لأنْتِ النّفْسُ خَالِصَةً، فإن لمْ

تَكُونِيهَا، فَأنْتِ إذاً مُنَاهَا نَظَرْتُ بِبَطنِ مَكةَ أُمّ خِشفٍ

تَبَغَّمُ، وَهيَ نَاشِدَةٌ طَلاهَا وَأعجَبَني مَلامِحُ مِنكِ فيها

، فَقُلتُ أَخَا القَرِينَةِ أمْ تُرَاهَا؟ فَلَوْلا أنّني رَجُلٌ حَرَامٌ،

ضَمَمتُ قُرُونَها ولَثمتُ فَاهَا (3)

سلوت المعالي إن سلوتك حَلَفْتُ بأعلامِ الُمحَصَّبِ مِنْ مِنًى، وَما ضَمّ ذاكَ القاعُ وَالمَنزِلُ الرّحبُ

وَكُلِّ بُجَاوِيٍّ يَجُرّ زِمَامَهُ، إذا مَا تَراخَتْ في أزِمّتِها النُّجْبُ (4)

وَتَرْجيعِ أصْوَاتِ الحَجيجِ وَقَد بَداوَقُورُ النّواحي تَستَبِدّ بهِ الحُجْبُ وَرَوْعَةِ يَوْمِ النّحرِ، وَالهَدْيُ حائرٌ،

وكُلِّ دَمٍ أوْدَى بِجُمّتِهِ الرّكْبُ


1- 1 الأخشبان: هما جبلا مكة أبو قبيس والأحمر.
2- 2 رفعوا: أصعدوا. وجاها: حفاها.
3- 3 حَرامٌ: مُحْرِمٌ.
4- 4 البجاوي: نوع من الإبل ينسب إلى بجاوة وهي أرض النوبة.

ص: 206

ص: 207

لَقدْ جَلّ ما بَيني وَبَيْنَكَ عن قِلًى، سَوَاءٌ تَدانَى البُعدُ أوْ بَعُدَ القُرْبُ

وَلي دَمْعُ عَينٍ لا يُرَنِّقُ سَاعَةً، وَنَارُ غَرَامٍ بَينَ جَنبَيّ لا تَخبُو (1)

وَقَلْبٌ يَمُورُ الطّرْفُ إنْ قَرّ في الحشا، وَطَرْفٌ، إذا سَكنْتَهُ نَفَرَ القلبُ (2)

وَجِسْمٌ، إذا جَرّدْتَهُ مِنْ قَمِيصِهِ على الناسِ قالوا: هكذا يَفعلُ الحُبّ

فَما لي عَلى ما بي أُعَنَّفُ في الهَوَى، وَيُرْمِضُني العَدْلُ المُؤرِّقُ وَالعَتبُ (3)

عَلى حِين أُعطيكَ الوَفَاءَ مُصَرَّحاً، وَأُصْفيكَ محْضَ الوُدّ ما عظمَ الخطبُ

وَكُنتُ، إذا فَارَقتُ دارَكَ سَاعَةً،صَمَتُّ، فَلا جِدٌّ لَدَيّ ولا لِعبُ

ألا لَيتَ شِعْرِي هَلْ أبيتَنّ لَيلَةً بميثَاءَ يَلطَى في أبَاطِحِها التُّرْبُ (4)

تَطَرّقَهَا مَاءُ الغَمَامِ وَدَرّجَتْ بها الرّيحُ مُخضَرّاً كما نُشرَ العَصْبُ (5)

وَهَلْ أذْعَرَنْ قَلْبَ الظّلامِ بفِتْيَةٍ تَهاوَى بهِمْ قُودُ السّوَالِفِ أوْ قُبّ (6)

وَهَلْ أرِدَنْ مَاءً وَرَدْنا بِمِثْلِهِ جميعاً وَفي غُصْنِ الهَوَى وَرَقٌ رَطبُ

وَهَلْ لي بدارٍ أنْتَ فِيها إقَامَةٌ فَأنْشُرَ مَا تَطوِي الرّسائلُ وَالكتْبُ

سَلَوْتُ المَعالي إنْ سَلَوْتُكَ سَاعَةً، وَمَا أنَا إلّامُغْرَمٌ بالعُلَىصَبّ هواي يمان وركبي معرق أمِنْ ذِكْرِ دارٍ بالمُصَلّى إلى مِنًى، تُعَادُ كمَا عِيدَ السّليمُ المُؤرَّقُ

حَنِيناً إلَيْهَا وَالتِوَاءً مِنَ الجَوَى، كَأنّكَ في الحَيّ الوَلُودُ المُطَرِّقُ (7)

أأللَّهُ، إنّي إنْ مَرَرْتُ بِأرْضِهَافُؤادِيَ مَأسُورٌ وَدَمْعيَ مُطْلَقُ أكُرّ إلَيْهَا الطَّرْفَ ثمّ أرُدُّهُ،

بإنسانِ عَينٍ فيصَرَى الدّمعِ يَغرَقُ (8) هَوَايَ يَمَانٍ كَيفَ، لا كَيفَ نَلتَقي،

وَرَكْبيَ مُنْقَادُ القَرِينَةِ مُعرِقُ فَوَاهاً مِنَ الزَّبْعِ الذي غَيّرَ البِلَى؛

وَآهاً عَلى القَوْمِ الّذِينَ تَفَرّقُوا


1- 1 يرفق: يضعف، يتوقف.
2- 2 يمور: يجري. الطرف: العين.
3- 3 يرمضني: يحرقني.
4- 4 الميثاء: الأرض السهلة. يلطى: يلزق.
5- 5 العصب: ضرب من البرود، واللبلاب.
6- 6 القود، الواحد أقود: الذليل المنقاد. وقوله السوالف: أراد الخيل ذات السوالف. وسالفة الفرس: ما تقدّم من عنقه. القب: الضوامر البطون.
7- 7 المطرق، من طرقت الحامل بولدها: نشب في بطنها ولم يسهل خروجه.
8- 8 الصرى: الماء إذا طال مكثه.

ص: 208

أصُونُ تُرَابَ الأرْضِ كَانُوا حُلولها، وَأحذَرُ مِنْ مَرّي عَلَيها وَأُشفِقُ

وَلمْ يَبقَ عِندي للهَوَى غَيرَ أنّني إذا الرّكبُ مَرّوا بي على الدّارِ أشهَقُ

أنةُ الشاكي وتنفس المكروب لا وَالذي قَصَدَ الحَجيجُ لبَيْتِهِ،

مَا بَينَ نَاءٍ نَازِحٍ وَقَرِيبِ وَالحِجرِ وَالحَجَرِ المُقَبَّلِ تَلتَقي

فيهِ الشّفَاهُ، وَركنِهِ الَمحْجُوبِ لا كانَ مَوْضِعُكَ الذي مُلِّكْتَهُ

بَينَ الأضَالِعِ بَعدَ ذا لحَبيبِ إنّي وَجَدْتُ لَذاذَةً لكَ في الحشا

لَيسَتْ لَمأكُولٍ وَلا مَشْرُوبِ لي أنّةُ الشّاكي إذا بَعُدَ المَدَى

مَا بَيْنَنَا وَتَنَفُّسُ المَكْرُوبِ

ذكرى تَذَكّرْتُ، بَينَ المَأزمَينِ إلى مِنًى، غَزالًا رَمَى قَلْبي وَرَاحَ سَلِيماً (1)

لَئِنْ كُنتُ أستَحلي مَوَاقعَ نَبلِهِ، فإنّي أُلاقي غِبَّهنّ ألِيمَا

أصَابَ حَرَاماً يَنْشُدُ الأجرَ غُدوَةً، فَما عَادَ مَأجُوراً وَعَادَ أثِيَما

فَلَوْ كَانَ قَلْبي بَارِئاً ما ألِمتُه، وَلَكِنّ أسْقَاماً أصَبْنَ سَقِيَما

إذا بَلّ مِنْ داءٍ أعادَتْ لَهُ المَهَا نُكَاساً، إذا مَا عَادَ عادَ مُقيَما

يظُنّونني استَطرَفتُ داءً من الهَوى، وَهَيهاتَ، داءُ الحبّ كانَ قَديمَا

قَنَصْتُ بجَمْعٍ شادِناً فَرَحِمْتُهُ، وَأخفَقَ قَنّاصٌ يكُونُ رَحِيَما (2)

أأغْدُو مُهِيناً بالحَبَائِلِ سَاعَةً غَزَالًا على قَلبي، الغَداةَ، كَرِيهَا

تَرَاءَتْ لنا بالخَيفِ نَفحُ لَطيمَةٍ، سَرَتْ عَنكَ إلّاعَبْقَةً وَنَسِيَما (3)


1- 1 المأزمين: مضيق بين مكة ومنى.
2- 2 جمع: اسم للمزدلفة.
3- 3 اللطيمة: وعاء المسك، أو سوقه.

ص: 209

وَلمْ أرَ مِثْلَ المَاطِلاتِ عَشِيّةً، ذَوَاتِ يَسَارٍ مَا قَضَينَ غَرِيمَا

فَلا يُبْعِدِ اللَّهُ الذي كَانَ بَيْنَنا مِنَ العَهدِ إلّاأنْ يكونَ ذَمِيَما الهوامش:

الحجّ والجهاد ... المفاهيم المتكاملة

ص: 210

الحجّ والجهاد ... المفاهيم المتكاملة

عبد الكريم آل نجف

يرتبط الحج في بعض أبعاده ومفاهيمه مع الجهاد بعلاقة، قد تبدو غريبة على المفهوم السلمي، الذي استوحيناه سابقاً من الحج (1). وأكثر ما تتضح هذه العلاقة في الموقف الإسلامي من الشرك وأهل الكتاب. إضافةً إلى موقف الإسلام العام منهم.

فهذهِ العلاقة تمثل موقفاً خاصاً من مشركي الجزيرة وكتابييها. ففي مطلع سورة براءة نقرأ قوله- تعالى-:

«براءةٌ من اللَّه ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين فسيحوا في الأرض أربعة أشهر واعلموا أنكم غيرُ معجزي اللَّه وأنّ اللَّه مخزي الكافرين وأذان من اللَّه ورسوله إلى الناس يوم الحجّ الأكبر أنّ اللَّه بري ء من المشركين ورسولُهُ» (2).


1- 1 راجع العدد الثالث من مجلة ميقات الحج: 97، الحجّ والسلام العالمي.
2- 2 التوبة: الآيات 1- 3.

ص: 211

فهذه الآيات التي نزلت في السنة التاسعة من الهجرة تنبئ عن موقف إسلامي متشدّد اتجاه مشركي الجزيرة، كما أن الأخبار التي تحدّثت عن أن النبيّصلى الله عليه و آله في أواخر حياته أمر بإخراج أهل الكتاب من الجزيرة تنبئ- أيضاً- عن موقف إسلامي خاص بهم.

فكيف ينسجم المفهوم السلمي للحج في بُعده المكاني مع هذه المواقف المتشدّدة؟

هنا نحتاج إلى البحث في أصل الموقف الإسلامي من هاتين الطائفتين مرّة، وفي المتشدّد مع من كان منهما في الجزيرة العربية مرّةً أُخرى.

ففي المرّة الأولى نرى أن ذلك الموقف يرتبط بجوهر النظرة الإسلامية للحياة الإنسانية، وأُسس الموقف الإسلامي من الديانات الأخرى، فالإسلام- خلافاً للعلمانية الحديثة- يرى أن قضية الإيمان والتوحيد تمسّ جوهر الحياة الإنسانيّة. فكما لا أهميّة للبدن من غير روح، كذلك تفقد الحياة واقعها المعنوي إذا ابتعدت عن الإيمان الذي يعطي لحركة القلب والعقل الاتجاه الصحيح، ويروي ظمأ الروح، قال تعالى:

«يا أيها الذين آمنوا استجيبوا للَّه وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم ..» (1).

ولذلك يتّخذ الإسلام من التوحيد قاعدة لحضارته، ويرى ضرورة نشر هذه القاعدة لتستوعب الكرة الأرضية برمتها حيثما وُجد الإنسان، ويعدّ ذلك مبدأً تفوق أهميته أهميةَ مبدإ الحريّة الإنسانيّة، التي يؤمن بها الإسلام أساساً، ولكنه لا يجد مناصاً من التخلي عنها عندما تتعارض مع قضية الإيمان. فيرى ضرورة نشر التوحيد في الأرض، وإزالة الموانع السياسية والاجتماعية التي تحول دون تقدمه، أو تشكّل خطراً عليه في الأرض.

وإذا كانت الحضارة المعاصرة في مستواها النظري تبدو غير متفقة مع


1- 1 الأنفال: 24.

ص: 212

الإسلام في هذا الموقف، فإنها تسلك مع خصومها سلوكاً متشابهاً، بتأكيدها الحرية الإنسانيّة، وجعلها قاعدة وجودها، وعدم سماحها بظهور النظم السياسية الديكتاتورية والفاشستية في العالم إلى حدّ استخدام القوّة العسكرية ضدّها لاسقاطها، فتكون قد عملت بنفس النهج الإسلامي الذي تعدّه بائداً ينتسب إلى القرون الوسطى.

فإذا كان ما تقوله حقّاً فهي أولى به ذمّاً؛ لأنّ الإسلام لم يجعل الحرية قاعدة لوجوده حتى يناقض هذا السلوك مع تلك القاعدة، وإنما جعل الحرية جزءاً من حضارته، والتوحيد قاعدة لها، ومن الطبيعي أن يقدم مصلحة القاعدة على مصلحة الجزء كلما تعارضتا، فيلجأ إلى القوة كلما تطلبت مصلحة التوحيد ذلك. فإنّه لو لم يقم بذلك ينتهي الأمر إلى أن تخسر البشرية المصلحة المرجوّة من الإسلام، قد تقول: لماذا لا يترك الإسلام الشرك ليسقط وحده وبالوسائل السلمية؟

ويبتني هذا السؤال على افتراض أن تقدم الزمن وتطور المعرفة كفيلان بإزالة الشرك، ولكن الواقع ينفي هذا الافتراض. فإنّ المعرفة لا تؤثر في كثير من الأحيان بالأديان والمذاهب التي تستقر غالباً في كوامن النفس، وتتغلغل فيها عبر نقاط لا سبيل إلى المعرفة إليها فتبقى هناك يتوارثها الأجيال، فتتحوّل بعد فترة من الزمن والأحداث المؤثرة نفسياً عليها إلى عقائد قومية يشحذها التعصب القومي تجاه القوميات ذات الأديان المختلفة. ألا ترى أنّ عبادة الأوثان والحيوانات ظاهرة لا زالت قائمة في أفريقيا وشبه الجزيرة الهندية إلى الآن؟

وليس من شك أنّ بقاء هذه الظاهرة لمما يُعاب عليه الإنسان في كل زمان ومكان فضلًا عن زماننا. وهي مما يزري بالإنسانيّة المعاصرة أكثر من إزراء الديكتاتورية- التي تعدّ في نظر الغرب فاحشة الفواحش في دنيا الإنسان- بها.

ص: 213

وانطلاقاً من قاعدته الكبرى في الحياة يقسم الإسلام المجتمع ثلاثةَ أقسام هي:

الأول: يمثل إنسانية ملتزمة.

الثاني: يمثل إنسانية شبه ملتزمة.

الثالث: يمثل إنسانية ترفض الالتزام.

وهذا التبرّج في الالتزام يمثل تدرجاً في القرب والبعد من التوحيد، وعلى ضوئه يوزع الإسلام المواقع والمسؤوليات في الحياة بين هذه الأقسام. فيعطي الموقع الأول في الحياة للقسم الأول، والموقع الثاني للقسم الثاني فيما يرفض الإيمان باستحقاق القسم الثالث لأيّ موقع. ويتضمّن موقع القسم الأول- الإنسانيّة الملتزمة- حقّ السيادة على الأرض وقيادة المجتمع الإنساني. قال تعالى:

«ونريد أن نمنّ على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلَهُم أئمة ونجعلَهُم الوارثين» (1). «وكذلك جعلناكم أُمّة وسطاً لتكونوا شهداءَ على الناس ...» (2).

والسيادة في عرف الإسلام ليست سيادة عنصرية كما هو المفهوم منها في العصر الحاضر، وإنما هي سيادة موضوعية ناشئة عن مبدإ سيادة التوحيد على ما سواه في الأرض؛ ليكون الدين كلّه للَّه، وليست سيادة الإنسان على الإنسان إلّا ظلًا لذلك المبدإ وهذا ما يفسر الكيفيّة الأيسر، والخسائر الأقل التي يتطلبها فرض هذه السيادة بالقياس إلى عمليات فرض الأنواع الأخرى التي تأخذ أشكالًا عنصرية- قومية أو وطنية- فتجعل كيفيتها متعذرة، وخسائرها لا تطاق؛ لأنها شكلٌ من أشكال عبودية الإنسان للإنسان. والإسلام يرفض كلّ أشكال هذه العبودية، ويحصر نطاق العبودية في الخالق العظيم- سبحانه وتعالى-


1- 1 القصص: 5.
2- 2 البقرة: 143.

ص: 214

ومن هنا فإنّ مفهوم السيادة في الإسلام لا يحمل أي معنى سلبي مخلّ بإنسانية الإنسان، وإحساسه بكرامته وشخصيّته. وما قد يتصوّره البعضُ من أنّ عملية بسط سيادة التوحيد على المجتمع الإنساني ككل سوف تكون عمليّة متعذّرة، وستتطلب أنهاراً من الدماء، منشؤه القياس على الحروب الإستعمارية. والفرق بين الفتح الإسلامي والحروب الإستعمارية واسعٌ جداً (1) وهو الفرق الأساس بين مبدإ الإسلام في الدفاع عن قاعدته الكبرى- التوحيد- ومبدإ الغرب في الدفاع عن قاعدته الكبرى- الحريّة- فإنّ الإسلام يستطيع أن يفرض على أتباعه النقاء في هذه الأهداف بينما لا يستطيع الغرب أن يفرض على أتباعه ذلك.

وسرعان ما تتحوّل عملية الدفاع عن الحرية وحقوق الإنسان إلى نظام انتداب أو معاهدة مذلّة، أو احتلال عسكري مباشر، أو استعمار اللعبة الدولية والمخابرات السريّة الذي يسقط متى ما أراد هذا النظام الحاكم اسقاطه، وإقامة نظام آخر على انقاضه.

إنّ تبني الإسلام لمبدإ حاكمية الإنسانية الملتزمة على الأرض ناشئٌ من هدفية الإسلام، وسعيه للاتساق مع النظام الكوني بفرض النظام على الحياة الإنسانية، ومنعها من الانحدار إلى العبثية والفوضوية. ولكي تكون السيادة في نهاية المطاف للقانون الإلهي الذي يعطي كلّ ذي حقّ حقّه، ويمنع كلّ غير ذي حقّ من الاعتداء على حقوق غيره، وبما يخدم قضية السلم الإنساني بنطاقها الواسع، ولا يصعب على الإنسان المؤمن بالهدفية في الحياةِ الإيمانُ بمبدإ حاكمية الإنسانية الملتزمة، بل يجد الغضاضة بغيره.

من هنا فإنّ التناقض الإسلامي- الغربي حول هذه النقطة ناشئ من عبثية الفكر الغربي، الذي لم يعطِ لمسألتي الكون والحياة حقّهما من البحث، وفصل الثانية عن الأولى انطلاقاً من فكرة العلمانية القائلة بفصل الدين عن السياسة.


1- 1 راجع بحث الفرق بين الفتح الإسلامي والاستعمار، للسيد الشهيد آية اللَّه العظمى محمد باقر الصدر.

ص: 215

فأهمل البحث في المسألة الأولى (المسألة الكونية) وانكب على دراسة المسألة الثانية (المسألة الاجتماعية) فجاءت فكرته عن الحرية الإنسانية نتيجة طبيعية لعبثيته ولا أباليّته في المسألة الكونية، التي حكم عليها بأنها نظرية لا علاقة لها بالحياة، وهو حكم متسرّع لم ينشأ من دراسة موضوعية، وإنما من رغبة في إقصاء الدين عن الحياة، بعدما أشبعت الكنيسةُ أوروبا بالمظالم والمفاسد والانحرافات. ولو أنّ الغرب بحث هذه المسألة بعيداً عن تلك الروح السلبية تجاه الدين، وانتهى بحكم البحث الموضوعي إلى الايمان باللَّه، وكان منطقياً هادفاً ومنسجماً مع نفسه وعقله، لوجد أنّ الواقع يفرض عليه أن يبحث في المسألة الاجتماعية في ضوء نتائج بحثه في المسألة الكونية، وأن يحدّ من نطاق إيمانه بالحرية الإنسانية كما آمن الإسلام بذلك. ومن هنا فإنّ الإسلام عندما أعطى السيادة للمجتمع الإسلامي دون سواه كان ينطلق من ذلك من مبدإ هدفيته في الحياة، ومطالبته المجتمع الإنساني أن يكون منسجماً مع عقله، وهادفاً في وجوده، ورافضاً انحدار ذلك المجتمع إلى حضيض العبثية.

أمّا الإنسانيّة شبه الملتزمة المتمثّلة بأهل الكتاب، الذين يحملون نوعاً من التشبث بالتوحيد، فقد منحها الإسلام الموقع الثاني في الحياة، وهو موقع يتضمّن حقّ الحياة والوجود بلا سيادة. والذي منحها هذا الحقّ هو تشبثها بالتوحيد، كما أنّ الذي حرمها من السيادة هو نقصان ما تدّعيه من التوحيد؛ ولذلك أمر الإسلام بمعاملتهم بالحسنى، والوفاء معهم بالعهود والمواثيق التي تعطى لهم، ولم يمنعهم من ممارسة شعائرهم الدينية إذا لم يخلّوا بشرائط الذمة. وآمنوا بالسيادة الإسلاميّة عليهم حتى قال النبيصلى الله عليه و آله:

«مَن آذى ذميّاً فقد آذاني».

فما عندهم من التوحيد يبتعد بهم عن الاتصاف بالخطر على قاعدة

ص: 216

الإسلام فلا يبقى إلّاخطرهم السياسي، فإذا ما التزموا بشروط الذمة زال ذلك الخطر، وأصبح وجودهم في ظلّ الدولة الإسلامية طبيعياً.

وتمشياً مع نزعته الإنسانيّة سعى الإسلام إلى توسيع دائرة أهل الكتاب لتشتمل على من لهم شبهة كتاب كالمجوس، ولا تقتصر على من يُقطع بانتسابهم إلى كتاب سماوي كاليهود والنصارى، فلم يشترط أن يكون الانتساب للسماء قطعياً.

أمّا القسم الثالث فقد رفض الإسلام الاعتراف به، وجعل التعامل معه قائماً على أساس القتال، ما لم يترك الشرك الذي يمثل أعلى درجات الفوضوية والعبثيّة في الحياة، ويشكّل خطراً على قاعدة الإسلام الحضارية المتمثلة بالتوحيد، وسيادته السياسية على الأرض المتمثلة بحاكمية القانون الإلهي.

ولما كان التوحيد قاعدة السلم في الحياة الإنسانية، فإنّ الشرك بما يمثله من اتجاه فوضوي عابث يرفض الاتساق مع الفطرة والطبع، ويصرّ على الانحراف، ويشكل خطراً جدّياً على قضية السلم والأمن؛ لذا فإنّ محاربته ضرورة من ضرورات الأمن، كما كانت سيادة التوحيد في الأرض تعني سيادة قوى السلم فيها (1).

هذا فيما يخصّ موقف الإسلام من المشركين وأهل الكتاب عامة. أمّا ما يخصّ نصارى العرب وكتابيي الجزيرة، فإنّ الإسلام وقف منهم موقفاً خاصاً، فلم يقبل من نصارى العرب الجزية، وعاملهم معاملة المشركين بالتخيير بين الإسلام والقتال، وأمر بترحيل الكتابيين غير العرب عن الجزيرة؛ لأنه يعدّ الجزيرةَ مهد الإسلام وعاصمة التوحيد، فلابد من تنقيتها من شوائب الشرك، وإخلائها لأهل التوحيد الخالص.

فإذا كان الإسلام قد أقرّ بحقّ الكتابيين بالوجود المجرّد عن السيادة، فإنّه لم


1- 1 لمزيد من التفصيل راجع كراس الجهاد وحالاته المشروعة في القرآن، للشهيد مطهري؛ وتفسير الميزان للعلّامة الطباطبائي 2: 65؛ وكتاب الإسلام ومنطق القوّة للعلّامة فضل اللَّه: 205- 210.

ص: 217

يقرّ أن يكون ذلك الوجود في مهبط الوحي ومركز التوحيد.

عن أمير المؤمنين عليّ عليه السلام أنه قال: «لا يقبل من عربي جزية. وإن لم يسلموا قوتلوا» (1) وعن الصادق عليه السلام أنه قال: «لا يدخل أهل الذمة الحرم ولا دار الهجرة ويخرجون منها» (2) وعنه عليه السلام: «إنّما حرّم اللَّه الجزية من مشركي العرب» (3).

الهوامش:

الحرمان الشريفان وحجاجهما وتأريخ الإرهاب


1- 1 مستدرك الوسائل، المحدّث النوري 11: 101.
2- 2 المصدر نفسه: 102.
3- 3 جامع أحاديث الشيعة، السيد حسين البروجردي 13: 215.

ص: 218

الحرمان الشريفان وحجاجهما وتأريخ الإرهاب!

علي خازم

يختصر هذا العنوان بل ويستحضر من تاريخنا العربي والإسلامي أحوالًا عاشها الحرمان الشريفان- مكة والمدينة- وسكانهما والقاصدون والمغادرون أحياناً لا تسر القارئ، ولعلّها تشكلصدمة لما استراحت إليه الذاكرة القرآنية والروائية، التي تسبغ على عبادة الحج وجغرافيتهاصورة الأمن والمثابة والطمأنينة.

فلماذا هذا التشويش؟

أَلم يجعل اللَّه البيت مثابة للناس وأمناً؟

أَلم يقدم الفقه أحكامه الخاصة بالحج ليضمن للمسلمين جوّاً روحياً واجتماعياً يقربهم من المولى؟

أَلم يشهد الحرمان تطوراً عمرانياً شاملًا في البناء والخدمات يستحق الحديث عنه، وهو يبقينا فيصورة المشهد الايجابي المشجع؟

ولست استبعد من سياق هذه الأسئلة أن تعدَّ المقالةَ كلَّها مندرجة

ص: 219

تحت عنوان إشاعة الفاحشة، لكنني آمل لها أن تقرأ بروحية قرآنية.

إنّ الأحداث المؤلمة التي أدّت إلى انتهاك حرمة وقداسة الحرمين ليست إلّا مورداً من موارد الفتنة للمسلمين عن دينهم، سواء في الأرض المقدسة نفسها أو بعيداً عنها، وبالتالي يصير الأسى الذي تستحضره هذه القراءة السريعة، مما لابدّ منه في محاولة بناء التاريخ القادم على أساس الاستفادة من تجاربنا السابقة.

وإنّ كلّ حدث مذكور هنا يستحق بنفسه دراسة مستفيضة، وله العديد من المراجع والمصادر استغنيتُ عن ذكرها هنا؛ لأنني آمل من الأساتذة الباحثين أن يفيدونا عنها بصورة مستقلة محقّقة للغرض الذي ذكرته، خصوصاً أن هذه الضرورة تحتمها إحدى نتائج الاستقراء للحوادث، من جهة أنّ العدد الكبير من الانتهاكات يجعل الأجيال المتتابعة للمسلمين مشاهدة وبصورة مباشرة على أحد هذه الحوادث على الأقل. وهناك أمرٌ آخر تؤكده إشارات هذه الفهرسة وهو:

أنّ الجعل الإلهي للأمن في الحرم جعلٌ تشريعي لا تكويني، وبالتالي لابدّ لنا من ايجاد الضوابط المساعدة على ايجاد الأمن للحجاج، وتسهيل شؤون ومجريات هذه العبادة بحيث تؤدي إلى الغاية منها.

1- حملة أبرهة في عام الفيل حيث دفع اللَّه عن البيت الحرام بالطير الأبابيل.

2- سنة 35 هجرية الموافقة 655 ميلادية في 18 ذي الحجة قتل عثمان بن عفان الخليفة الثالث، وكانت مدة خلافته 12 سنة إلّا 12 يوماً وذلك في المدينة المنوّرة.

3- سنة 40 هجرية الموافقة 660 ميلادية بعث معاوية بسرَ بن أرطاة في عسكر إلى الحجاز فقدم المدينة، وعامل علي عليه السلام عليها هو أبو أيوب الأنصاري فهرب، ودخل بسر المدينة وسفك الدماء، واستكره الناس

ص: 220

على البيعة لمعاوية، ثمّ سار إلى اليمن فهرب منه عاملها عبيد اللَّه بن العباس فذبح ولديه الصبيين.

4- سنة 50 هجرية الموافقة 670 ميلادية، أراد معاوية نقل منبر النبيصلى الله عليه و آله من المدينة إلى الشام، وقال:

لا يترك هو وعصا النبي بالمدينة، فعارضه من الصحابة جابر وأبو هريرة وقالا له: «إن أردت فانقل المسجد بكامله»، فتركه معاوية وزاد فيه ست درجات واعتذر.

5- سنة 51 هجرية الموافقة 670 ميلادية حج معاوية بالناس، وأخذهم ببيعة ابنه يزيد بالقوة، وكان بينه وبين الصحابة ما كان في ذلك.

6- سنة 60 هجرية أنفذ يزيد بن معاوية عمرو بن سعيد بن العاص الأشدق الفاتك الجبّار في عسكر عظيم، وأمّره على الحاج، وولّاه أمر الموسم، وأوصاه بقبض الحسين عليه السلام، وإن لم يتمكن منه يقتله غيلةً، وأمره أن يناجز الحسين القتال إن هو ناجزه. ودسَّ مع الحاج ثلاثين رجلًا من شياطين بني أمية، وأمرهم باغتيال الحسين عليه السلام ولو كان متعلقاً بأستار الكعبة.

7- سنة 63 هجرية الموافقة 682 ميلادية، كانت وقعة الحرة على باب طيبة؛ لأنّ أهلها عندما خالفوا يزيد أرسل إليهم 12 ألف مقاتل تحت إمرة مسلمة بن عقبة المرسي لمحاصرتهم، وأن لا يفكّوا الحصار عن المدينة إلّاإذا أذعنت، وليحرقوها إذا مضت ثلاثة أيام ولم تذعن.

وهكذا حصل فأصبحت المدينة غنيمة للنار بعد القتل والنهب والسبي والفسق، وفعل ما لا يفعل، وكانت وقعة الحرة في 27 ذي الحجة.

8- في خلافة عبد الملك بن مروان أكل ابن دلجة عامله في المدينة اللحم والخبز على المنبر الشريف، وقال عامله الآخر خالد بن عبد اللَّه القسري:

واللَّه لو علمت أن عبد الملك لا يرضى عني إلّابنقض هذا البيت- وهو مستند إلى جداره- حجراً حجراً لنقضته في

ص: 221

مرضاته.

9- في سنة 72 هجرية الموافقة 691 ميلادية جهَّز عبد الملك بن مروان الحجاجَ بن يوسف الثقفي في جيش إلى مكة لقتال عبد اللَّه بن الزبير، فسار في جمادى الأولى من تلك السنة، ونزل الطائف، وجرى بينه وبين أصحاب ابن الزبير حروب كانت الكرّة فيها على أصحاب ابن الزبير.

وأخيراً حصر ابن الزبير بمكة ورمي البيت الحرام بالمنجنيق ودام الحصار لآخر هذه السنة.

في سنة 74 هجرية الموافقة 693 ميلادية هدم الحجّاج الكعبة وأخرج الحجر عن البيت، وبنى البيت على ما كان عليه في زمن النبيصلى الله عليه و آله وهو على ذلك إلى الآن.

10- في سنة 129 هجرية الموافقة 746 ميلادية خرج بحضر موت طالب الحق عبد اللَّه، واجتمعت عليه الإباضية من الخوارج، وفي هذه السنة جهّز عبد اللَّه عشرة آلاف مقاتل وسار إلى مكة وفيها عبد الواحد بن سليمان بن عبد الملك بن مروان، فتغلب طالب الحق عبد اللَّه على مكة بالقوة.

11- في سنة 130 هجرية الموافقة 747 ميلادية أرسل الخليفة مروان الحمار جيشاً لتخليص مكة ودعم عبد الواحد، فبرز أعوان طالب الحق لقتالهم، والتقى الجمعان بقديد فانهزم عبد الواحد، وسار أبو حمزة فاستولى على المدينة.

12- في سنة 145 هجرية الموافقة 762 ميلادية ظهر محمد بن عبد اللَّه بن الحسن بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب واستولى على المدينة، فأرسل المنصور ابن أخيه عيسى بن موسى لقتاله، فانهزم محمد بن عبد اللَّه، واستولى عيسى على المدينة.

وفي هذه السنة منع يزيد بن حاتم أمير مصر أهلَ مصر من الحج؛ لما كان في الحجاز من اضطرابات.

13- في سنة 230 هجرية 844 ميلادية عاثت الأعراب فساداً حول

ص: 222

المدينة، فسار لحربهم الأمير بغا، وأنزل بهم القتل والأسر، وحبس منهم في القيود نحو ألف نفس، وكان ذلك في خلافة الواثق، والأعراب هؤلاء هو بنو سليم كانوا يؤذون الناس.

14- في سنة 285 هجرية الموافقة 898 ميلادية تعبت الحجاج تعباً شديداً لخروجصالح بن مدرك الطائي وقطعه الطريق عليهم.

15- في سنة 294 هجرية الموافقة 906 ميلادية خرج زكرويه القرمطي وأوقع بالحجاز ما أوقع وأخذ جميع ما معهم. فانتدب المكتفي جيشاً لقتاله تحت إمرة زبالة، فهزمه زكرويه وفتك بالقافلة الثالثة التي كانت متأخرة، فعظم الأمر على المكتفي وأرسل جيشاً آخر تحت إمرة وصيف، فتغلب عليه وقتله وخلّص النساء والأموال التي كان زكرويه نهبها.

16- في سنة 317 هجرية الموافقة 929 ميلادية سطا عدو اللَّه أبو طاهر القرمطي على البيت الحرام، وعرّاه وقلع الباب والحجر الأسود، وطرح القتلى في بئر زمزم، وأتى كلّ أمر منكر، ودام الحجر الأسود عنده 22 سنة إلى أن ردّ في مكانه في خلافة المطيع.

في سنة 338 هجرية 949 ميلادية تحركت القرامطة وأثاروا الشغب والرعب ولم يحج أحد.

17- في سنة 339 هجرية 950 ميلادية ردّ الحجر الأسود إلى موضعه، بعث به القرمطي مع محمد بن بشير الى الخليفة المطيع للَّه، وكان قد دفع فيه 50 ألف دينار وما أجابوه إلى ذلك.

18- في سنة 400 هجرية الموافقة 1009 ميلادية أرسل الحاكم بأمر اللَّه من مصر إلى المدينة، ففتح باب بيت الإمام جعفر الصادق عليه السلام وأخرج منه مصحفاً وسيفاً وكساءً وقعباً وسريراً.

19- استعمل البارود في حصار مكة سنة 407 هجرية كما ذكر اللواء أحمد مختار باشا من دون توضيح للجهة

ص: 223

المحاصرة.

20- في عامي 410 و 411 هجرية انقطع الحج من العراق وعاد سنة 412 هجرية.

21- في سنة 414 هجرية الموافقة 1023 ميلادية كان يوم النفر الأول يوم الجمعة، فقام رجل من مصر، بإحدى يديه سيف مسلول وفي الأخرى دبوس بعد ما فرغ الإمام من الصلاة، فقصد ذلك الرجل الحجر الأسود كأنه يستلمه، فضرب الحجر الأسود ثلاث ضربات بالدبوس وقال:

إلى متى يعبد الحجر الأسود ومحمد وعلي؟! فليمنعني مانع من هذا، فإني أريد أن أهدم البيت. فخاف أكثر الحاضرين وتراجعوا عنه وكاد يفلت، فثار به رجل فضربه بخنجرٍ فقتله وقطعه الناس وأحرقوه، وقتل ممن اتّهم بمصاحبته جماعة وأحرقوا.

وفي هذه السنة عاد الحجاج إلى العراق من طريق الشام؛ لصعوبة الطريق المعتاد، والظاهر أن الأسباب هي نفسها المانعة من حجّ عامي 410 و 411 هجرية.

22- في سنة 545 هجرية الموافقة 1150 ميلادية وفي 14 من شهر محرَّم أخذت العرب الحجاج بين مكة والمدينة في مكان يقال له الغرابي، فلم يسلم منهم إلّاالقليل.

23- في سنة 556 هجرية الموافقة 1160 ميلادية احتال أمير مكة قاسم بن أبي فليتة على أموال أهل مكة، وجمع العرب لمحاربة عمّه عيسى.

ولمّا نكث بما وعدهم فيه تنحوا عنه فتملك عمُّه مكة، وهرب قاسم إلى جبل قبيس، فسقط عن فرسه حالصعوده ومات.

24- في سنة 577 هجرية الموافقة 1181 ميلادية عزم البرنس أرناطصاحب الكرك على المسير إلى المدينة المنوّرة، فمنعه عزّ الدين فرحشاه نائب عمّه السلطانصلاح الدين في دمشق، وقد قتله السلطانصلاح الدين سنة 583 هجرية لنقضه العهد،

ص: 224

وتهديده الحرم الشريف.

25- في سنة 727 هجرية الموافقة 1326 ميلادية حاصر الأمير ودى جماز المدينةَ النبوية سبعة أيام ودخلوها، وأحرقوا باب السويقة.

26- في سنة 731 هجرية الموافقة 1330 ميلادية ثارت عبيد مكّة ساعة الجمعة بالوفد، وقتلوا ونهبوا جماعة من الحجاج، وقتلوا أمير مصر وهو أيدمر. فجرد السلطان محمد بن قلاوون جيشاً من مصر والشام للانتقام من فاعل ذلك.

27- في سنة 1109 هجرية الموافقة 1697 ميلادية اشتكى العلماء والمشايخ والسناجق للحضرة السلطانية بقول: إن (علي باشا) المعزول (والي مكة) أخذ من ثمن غلال الحرمين الشريفين، وجرايات العساكر، وعلائق الخيول وغيرها من كلّ أردب ما (قيمته 190 نصفاً فضة).

28- في سنة 1184 هجرية الموافقة 1770 ميلادية تكلّفت مصر بحملة عسكرية على مكّة، وهي من الحروب التي أقامها علي بك ومحمد بك أبو الذهب وكانت كلفتها 26 مليون فرنك.

29- في سنة 1226 هجرية الموافقة 1811 ميلادية استلم طوسون باشا السيف المرسل له هديةً من قبل الحضرة السلطانية، واستلم سر عسكرية تجريدة الوهابية.

30- في سنة 1227 هجرية الموافقة 1812 ميلادية سخَّر طوسون باشا الناس والحمير لخدمة العسكر المسافرين للحجاز. وفي شوال أرسل خبراً لوالده ليخبر الباب العالي بأن طريق الحجصار آمناً.

31- في سنة 1229 هجرية الموافقة 1813 ميلادية قام طوسون باشا بتجهيز جيشٍ لحرب الوهابية في المدينة المنوّرة.

32- في سنة 1231 هجرية الموافقة 1815 هجرية قام إبراهيم باشا بحملة عسكرية في المدينة المنورة ضدّ

ص: 225

الوهابية.

33- في سنة 1233 هجرية الموافقة 1817 ميلادية (7 ذو القعدة) طلب عبد اللَّه بن سعود المهادنة بعد حصار استمر نحو سبعة أشهر. ثم سلَّم المدينة على شروط منها: رد الكوكب الدري إلى محله. وفيما عدا ذلك لم يضمن إبراهيم باشا لابن سعود حياته حيث كان أمره بيد السلطان.

34- في سنة 1343 هجرية الموافقة 1924 ميلادية استولى السعوديون على الطائف في محرّم وعلى مكّة في 13 ربيع الثاني وفي 5 جمادى الآخرة دخل ابن سعود مكة. وفي هذه الفترة جرى تهديم مقامات أهل البيت عليهم السلام.

35- في سنة 1400 هجرية ثار جهيمان العتيبي على السلطة السعودية وهو من أصوليين الوهابية، وقد نسب إليه إدعاء المهدوية، والتجأ إلى الحرم المكي بعد مطاردته وجماعته إلى أن استقطت حركته بواسطة القوات الفرنسية والأميركية مدنسة الحرم الشريف بقيادة الكابتن الفرنسي بول باريل.

36- في سنة 1407 هجرية الموافقة 1987 ميلادية ضربت قوات الأمن السعودية حجاج بيت اللَّه الحرام (ايرانيين وغيرهم) فقتلت منهم عدداً عظيماً وذلك تحت قيادة الجنرال الألماني اولريخ فينجر.

ص: 226

(3) رجال من الحرمين الشريفين

المقداد بن الأسود الكندي محمد سليمان

إيمان، مواقف

كان أبي عمرو بن ثعلبة بن مالك البهراني أو البهراوي طريد قومه الذين يطالبونه بدم سفكه فلحق بحضرموت وحالف بني كندة، وتزوج عندهم، ثمّ ولدتُ بينهم، لهذا لقبت ب (الكندي).

ولما كبرتُ وقع بيني وبين أبي شمر بن حجر الكندي شيخ القبيلة نزاعٌ، فشهرتُ سيفي بوجهه، ثمّ ضربت رجله، وكان جزاء عملي ذلك الموت.

وقبل أن ينفذ بي العقاب تسللتُ من سجنهم حيث الصحراء الشاسعة، لا يأويني مكان، ولا يستقر بي أوان.

أجوب الصحاري المترامية الأطراف، أقطع عشرات الأميال عَبر الأودية والتلال والجبال، ولم أعبأ بأهوال السفر ومشقة الطريق، وكيف يكون ذلك، وبين جنبي روح تحدّثني بالعزّة والأمل، وفي أن أعيش فارساً عزيزاً يهابني الآخرون، ولا تريحه ولا تستهويه إلّا ميادين القتال وساحات الوغى؟

نزلتُ من على ظهر فرسي (سبحة) لأستريح قليلًا على ظهر تلٍّ،

ص: 227

وقد احتواني العراء الواسع، سرحتْ عيناي فيما يحيطني من جهات، حتى وقع بصري على شي ء، دققتُ النظر فيه من بعيد .. إنّه مضارب بني زهرة، القبيلة التي عرفت بمنعتها بين قبائل العرب.

أسرعتُ نحوهم، أويتُ إليهم، وألقيت رحلي عندهم، لم يكن لي خيارٌ إلّاأن أُحالف الأسود بن عبد يغوث الزهريّ، الذيصرتُ ادعى باسمه حتى نزل قوله تعالى: «ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند اللَّه» (1)

. فعدتُ إلى اسمي (المقداد بن عمرو بن ثعلبة ...) ولكني بقيت معروفاً ب «ابن الأسود الكندي»، وبقي هذا يلازمني طيلة حياتي وبعد مماتي.

كنيتي: أبو الأسود، وأبو عمر، وأبو معبد أحبُّ كناي إليّ، لأنّ رسول اللَّهصلى الله عليه و آله كان يدعوني أبا معبد.

أماصفاتي: فقد كنتُ طويلَ القامة، بطيناً عظيمَ الجثة، قويها، حينما أعلو فرسي تكاد رجلاي تخطّان الأرض، أما شعر رأسي فكثير، ولحيتي فكثيفة .. و ختاماً فإنّ اللَّه- تعالى- منَّ عليّ بهيئة مهابة.

عشت ردحاً في مضارب بني زهرة، فاقداً لحقوق كثيرة- يتمتع بها أبناء القبيلة- وهذا شأن كلّ محالف.

رافضاً حالة السلب والنهب، والغزو بغير حقّ، نابذاً عادات الجاهلية المقيتة التي لم تجد رضاً وقبولًا عندي، وكم تمنّيت أن أجد مَن يشاطرني ذلك كلّه، ويشاركني الرأي .. فكانت الفرصة، إنّها لقائي بعمار بن ياسر وتعرفي عليه، فانشتشلني من ذاك الضياع، بعد أن سبقني إلى نور الإسلام، وعظمة الإيمان.

اصطحبني معه في جوف الليل إلى دار الأرقم حيث رسول اللَّهصلى الله عليه و آله والمؤمنون.

أعلنتُ إسلامي بين يديهصلى الله عليه و آله فتخلّصتُ نفسي من ظلام الجاهلية. وتغيرت حياتي، فقد ملأ الإيمان قلبي، وأضاء التوحيد بصيرتي، وأخذتُ أروي ظمأي منه وأنهل من معين الإسلام بنهمٍ وشوق عظيمين. حتىصرتُ من الأوائل الذين أظهروا إسلامهم، فتصدّت لنا قريش بكلّ جبروتها،


1- 1 الأحزاب: 5.

ص: 228

ووسائل قمعها، وسياط تعذيبها، فنالت من أبداننا وأجسادنا شيئاً عظيماً، لكنها لم تنل من عقيدتنا وصمودنا وثباتنا أبداً، كنا نزداد قوّة أمام قوّتها، وشموخاً عظيماً وعزّة إزاءَ طغيانها وجبروتها.

ولما رأى رسول اللَّهصلى الله عليه و آله ما حلّ بنا، واشتداد أذى قريش علينا وملاحقتها لنا أمرنا بالهجرة إلى الحبشة حيث قال: «لو خرجتم إلى أرض الحبشة، فإنّ بها مَلكاً لا يُظلم عنده أحد، وهي أرضصدق حتى يجعل اللَّه لكم مخرجاً مما أنتم فيه ...».

فكنتُ مع نحو ثمانين من المهاجرين، ممن وطأت أقدامهم أرض الحبشة حيث وجدنا ما قاله لنا رسول اللَّهصلى الله عليه و آله مَلكاً عادلًا، أحسن ضيافتنا، ورفض تسليمنا إلى وفد المشركين من قريش الذي أتبعنا ... ثمّ عدنا إلى مكة ودخلها كلّ واحد منّا تحت أمان وعهد زعيم من زعمائها، وكبير من كبرائها، فعدتُ مرّة أُخرى حليفاً لأحدهم ....

هاجر رسول اللَّهصلى الله عليه و آله إلى يثرب وتبعه جمع من الصحابة، ولم أتمكن من اللحاق بهصلى الله عليه و آله حتى أعدت قريش سرية قتال التحقتُ بها معصاحبي عتبة بن غزوان- وكان هدفهم قتال سرية أرسلها رسول اللَّهصلى الله عليه و آله بقيادة حمزة بن عبد المطلب، فلما اقتربنا منها انحزنا إليها والتحقنا بإخواننا الذين سبقونا إلى يثرب.

وفي المدينة لم يدم انتظارنا لقتال المشركين طويلًا حيث تناهت إلينا أخبار عن استعداد مشركي مكة لقتالنا، وجاءوا بجيش فاق عددنا كثيراً. فأقبل رسول اللَّهصلى الله عليه و آله علينا ونحن مجتمعون يحدث بعضُنا بعضاً عن الأخبار تلك، وقال:

«.. هذه مكة قد أَلقت إليكم أفذاذ أكبادها .. فما ترون في قتالهم؟» فتحدث عدد من الصحابة حتى جاء دوري فقلتُ:

يا رسولَ اللَّه امضِ لما أمرك اللَّه فنحن معك، واللَّه لا نقول لك كما قالت

ص: 229

بنو إسرائيل لموسى: «اذهب أنت وربك فقاتلا إنّا هاهنا قاعدون» ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنّا معكما مقاتلون، فوالذي بعثك بالحق لو سرتَ بنا إلى برك الغِماد (أو تل العماد، يعني مدينة الحبشة) لجالدنا معك من دونه حتى تبلغه، .. فاستبشر رسول اللَّه بذلك، وأشرق وجهه، ودعا لي بخير.

وسميتُ عند بعضهم ب «صاحب المقال المحمود» إشارة إلى قولي هذا لرسول اللَّهصلى الله عليه و آله، ودفع مقالي ذاك أيضاً الأنصار إلى قولهم: فتمنينا نحن لو أنّا قلنا كما قال المقداد، أحبُّ إلينا من أن يكون لنا مالٌ عظيم ....

كما حمل موقفي ذاك وقولي كبارَ الصحابة على الإشادة به وإكباره وتمنوه، فهذا الصحابي الجليل عبد اللَّه بن مسعود يقول: لقد شهدت من المقداد مشهداً لأن أكون أناصاحبه أحبّ إليّ مما في الأرض من شي ء؛ كان رجلًا فارساً، وكان رسول اللَّهصلى الله عليه و آله إذا غضب احمارّت وجنتاه، فأتاه المقداد على تلك الحال، فقال: «أبشر يا رسول اللَّه! فواللَّه لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى: «اذهب أنت وربك فقاتلا إنّا هاهنا قاعدون» ولكن والذي بعثك بالحق ... لنكوننّ من بين يديك ومن خلفك، وعن يمينك وعن شمالك، أو يفتح اللَّه لك.

ثم قام سعد بن معاذ عن الأنصار فقال: ... بأبي وأُمي يا رسول اللَّه! إنّا قد آمنّا بك وصدّقناك، وشهدنا أنّ ما جئت به حقّ من عند اللَّه فمرنا بما شئت، وخذ من أموالنا ما شئت، واترك منها ما شئت، واللَّه لو أمرتنا أن نخوض هذا البحر لخضناه معك، ولعلّ اللَّه- عزّ وجلّ- أن يريك منّا ما تقرّ به عينك، فسر بنا على بركة اللَّه.

ففرح رسول اللَّهصلى الله عليه و آله بما سمع من أصحابه، وقال: «سيروا على بركة اللَّه، فإنّ اللَّه عزّ وجلّ قد وعدني إحدى الطائفتين، ولن يخلف اللَّه وعده، واللَّه لكأني أنظر إلى مصرع أبي جهل بن هشام وعتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة

ص: 230

وفلان وفلان ...».

ثمّ أمرناصلى الله عليه و آله بالتوجه إلى بدر الذي نزلناه عشاء ليلة السابع عشر من رمضان، وكانت الآبار ومنابع الماء إلى جانب المسلمين. وكان عددنا 300 رجل كنتُ الفارس الوحيد فيهم، فيما كان عدد المشركين قرابة ألف رجل ..

فيهم من الفرسان عدد كثير.

كانت عيوننا متجهةصوب رسول اللَّهصلى الله عليه و آله وهو يناجي ربَّه ويدعوه: «اللّهمّ هذه قريش قد أقبلت بخُيلائها وفخرها، تحادك، وتكذب رسولك، اللّهمّ فنصرك الذي وعدتني ...».

واشتدّ أوار المعركة، وخفقت رايات القتال ولمعت الأسنة والسيوف، وعندها تيقنتُ أن الفروسية في الإسلام غيرها في الجاهلية، وتعلمتُ وقتها الفرق بينها وهي تحمل راية الحق وتدافع عنه وبينها وهي تحمل راية الضلال وتدافع عن الباطل، إنّ لها حلاوة وطعماً حينما تكون دفاعاً عن المبدإ الحق والعقيدة الصحيحة. لا دفاعاً ولا قتالًا من أجل الثأر والنهب والسطو.

إنّه القتال والجهاد والنضال المقدس الذي تعلّمته وإخواني من الإسلام ونبي الإسلام. قتال عظيم هذا الذي ترعاه السماء بآيات القرآن وبإمدادها الرباني، ويرعاه رسول اللَّهصلى الله عليه و آله، بدعواته التي لا يحجبها عن السماء شي ء ولا يمنعها مانع، وتتخلله استغاثة المؤمنين ....

«إذ تستغيثون ربّكم فاستجاب لكم أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين ...» (1)

والرسولصلى الله عليه و آله يقول:

«والذي نفس محمد بيده لا يقاتلهم اليوم رجل فيقتلصابراً محتسباً مقبلًا غير مدبر إلّاأدخله اللَّه الجنة».

فكانت تلك الآيات وهذهِ الكلمات باعثاً عظيماً قوياً لنا، يثبت أقدامنا ويشدّ عزمنا نحو الشهادة ...

فكان النصر حليفنا، وكان القتل وكانت الهزيمة والعار والذل يلاحق المشركين


1- 1 الأنفال: 9- 13.

ص: 231

الذين تركوا كبار زعمائهمصرعى على أرض المعركة ينتظرهم القليب الذي أمر بحفره رسول اللَّه لتلقى به جثثهم. كما وقع آخرون أسرى، منهم النضر بن الحارث بن علقمة الذي يكنّى أبا القائد وقع أسيراً بيدي، وكان أشدّ قريش تكذيباً للنبيصلى الله عليه و آله وأذًى لأصحابه، كما كان ينظر في كتب الفرس ويخالط اليهود والنصارى وهو من الذين قالوا:

«وأقسموا باللَّه جهد أيمانهم لئن جاءهم نذير ليكوننّ أهدى من إحدى الأُمم فلما جاءهم ما زادهم إلّا نفوراً ...».

وهو الذي نزلت فيه هذه الآية:

«وإذا تتلى عليه آياتُنا قالوا قد سمعنا لو نشاءُ لقلنا مثل هذا إن هذا إلّا أساطيرُ الأولين».

وكان يقول: إنما يأتيكم محمد بأساطير الأولين. وقع هذا أسيراً بيدي وأتيت به إلى رسول اللَّهصلى الله عليه و آله، وما إن رآه حتى أمر علياً عليه السلام بقتله.

فقلت: يا رسول اللَّه! أسيري.

فقال النبيّصلى الله عليه و آله: إنه كان يقول في كتاب اللَّه ورسوله ما يقول.

وأنا أقول: إنه أسيري.

حتى قال رسول اللَّهصلى الله عليه و آله: اللّهمّ أغن المقداد من فضلك.

فقلت: هذا الذي أردتُ.

فقتله عليٌّ عليه السلامصبراً.

وفي معركة أُحد، هذهِ المعركة التي كنتُ فيها فارساً مقداماً، ومقاتلًا عنيداً ... أُنزلت هزيمةٌ مروعة بالمشركين الذين ولّوا هاربين وقد تركوا قتالهم تملأ ساحة المعركة، وكاد النصر النهائي يكون حليفنا لولا أن ترك بعض الرماة مواقعهم التي حدّدها لهم رسول اللَّهصلى الله عليه و آله طمعاً في الغنائم التي خلّفها مشركو قريش وراء ظهورهم، فلمّا أحسّ خالد بن الوليد ومن كان معه من المشركين بضعف هذا الموقع، وثبوا عليه، وقتلوا ما بقي من الرماة، ثمّ عادوا من خلفنا، فوقفتُ مع نفر من أجلّ الصحابة مدافعين عن رسول اللَّه ذابّين بأرواحنا وأجسادنا عنه، إنها

ص: 232

لحظات كادت تودي برسول اللَّهصلى الله عليه و آله وبدينه لولا رحمة اللَّه تعالى به وبنا.

ويوم فتح مكة معقل قريش، كنتُ يومها على ميمنة الجيش الإسلامي الذي يقوده رسول اللَّهصلى الله عليه و آله، فتهاوت بدخولهصلى الله عليه و آله وجيشه الأوثان والأصنام التي كانت تمثل الشرك والكفر كلّه، وقد أحاطت الكعبة من كلّ جوانبها، وبلغ عددها 360صنماً، فأمر رسول اللَّهصلى الله عليه و آله بتهديمها وإخراجها من البيت الحرام. وارتفعت راية التوحيد خفاقةً، وملأ التكبير سماءَ مكّة، وكانت فرحتُنا بهذا النصر الذي طال انتظاره، عظيمة، وابتهاجنا به كان كبيراً ....

وإذ نحن في غمرة أفراحنا بهذا النصر تناهت إلينا أنباءُ حشود عظيمة خطيرة بلغ تعدادها أكثر من 12 ألفَ مقاتل من قبائل الطائف وفي مقدمتها قبيلتا هوازن وثقيف. فراح رسول اللَّهصلى الله عليه و آله يعدُّ منّا جيشاً كبيراً بلغ تعداده 12 ألف مقاتل أو يزيد، وأمرنا بالتحرك، وكان اللقاء في وادي حنين حيث حلّت بنا هزيمة مفاجئة، تحوّلت- برحمةٍ من اللَّه- إلى نصرٍ كبير لنا بعد أن ثبت رسول اللَّهصلى الله عليه و آله وأكثر من ثمانين من الذين بايعوه حتى الموت وكنتُ أحدهم، وبعد أن عاد المسلمون الذين لاذوا بالفرار من ساحة المعركة فاندفعت جموعهم نحو ساحة المعركة التي حمي وطيسها وهم ينزلون بالعدو هزيمة ساحقة.

لم أتخلّف أبداً عن معارك رسول اللَّه وغزواته كما أني شاركت في معركة اليرموك وفي فتح مصر وحمص ودمشق وغيرها حتى قال لي أحدُ الذين كنت أُحدّثهم عن الجهاد- يوم فتح حمص ودمشق- وقد كبر عمري وضعف جسمي، يومذاك، قال لي: لو قعدتَ العامَ عن الغزو.

فقلت: أبتِ البحُوث، فقد قال اللَّه عزّ وجلّ فيها: «انفروا خفافاً وثقالًا» (1).

وكنت في كل تلك المعارك فارساً أخوض غمارها، وأُبلي بها بلاءً حسناً،


1- 1 التوبة: 5، سميت بذلك أي ب «البحوث»؛ لأنها بحثت عن المنافقين وأسرارهم، أي استثارتها وفتشت عنها.

ص: 233

مستبشراً بإحدى الحسنيين: الشهادة أو النصر.

*** قال لي- يوماً- عبد الرحمن بن عوف وقد جلسنا نتحدّث:

ما يمنعك أن تتزوّج؟

فقلتُ له: زوّجني ابنتك.

فما كان منه إلّاأن أغلظ لي في الكلام وجَبهني.

وكان الصحابة إذا أصاب أحدٌ منهم غمٌّ أو غيظ أو فتنة شكى ذلك إلى رسول اللَّهصلى الله عليه و آله. فقمتُ من فوري وأتيتُ رسول اللَّهصلى الله عليه و آله، فما إن نظر إليّ حتى عرف الغمّ في وجهي.

وقال: ما شأنك يا مقداد؟

فقلت: يا رسول اللَّه! بأبي أنت وأُمّي، كنتُ عند عبد الرحمن بن عوف جالساً فقال لي:

ما منعك يا مقداد أن تزوّج؟

فقلت له: زوّجني أنت ابنتك، فأغلظ لي وجبهني.

فقال لي رسول اللَّهصلى الله عليه و آله: لكنّي أُزوّجُك- ولا فخر- ضُباعةَ بنت الزبير بن عبد المطلب.

فتزوّجتها وكانت من العقل والجمال بدرجة عالية مع قرابتها من رسول اللَّهصلى الله عليه و آله.

*** نزلت فيّ وفي نفر من أصحاب رسول اللَّهصلى الله عليه و آله (ابن مسعود،صهيب، عمار، بلال) هذهِ الآية: «ولا تطرد الذين يدعون ربّهم بالغداة والعشي يريدون وجهه».

حين كنّا جلوساً عند رسول اللَّهصلى الله عليه و آله، وجاءَ بعض زعماء قريش، فقالوا لرسول اللَّه:

إنّا لا نرضى أن نكون أتباعاً لهؤلاء، فاطردهم عنك حتى نجلس معك فنزلت فينا تلك الآية.

كما نزلت فيّ وفي رهط من أصحاب رسول اللَّهصلى الله عليه و آله هذه الآية «يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيّبات ما أحلّ اللَّه لكم» (1).

حينما اجتمعنا في دار الصحابي


1- 1 المائدة: 87.

ص: 234

الجليل القدر عثمان بن مظعون، واتّفقنا على أن نصوم النهار ونقوم الليل، ولا ننام على الفرش، ولا نأكل اللحم ولا الوَدَك، ولا نقرب النساء والطيب، ولا نلبس المسوح، ونرفض الدنيا ونسيح في الأرض ونترهب ونجبّ المذاكيرَ.

فبلغ ذلك رسول اللَّهصلى الله عليه و آله فجمعنا، وقال: ألم أُنبَّأ أنكم اتّفقتم على كذا وكذا؟

فقلنا: بلى يا رسول اللَّه! وما أردنا إلّاالخير.

فقال لنا: إني لم أُومَر بذلك، إنّ لأنفسكم عليكم حقاً، فصوموا وأفطروا، وقوموا وناموا، فإني أقوم وأنام، وأصوم وأفطر، وآكل اللحم والدّسم، ومن رغب عن سنّتي فليس منّي، ثمّ خرج إلى الناس وخطبهُم فقال:

ما بال أقوامٍ حرّموا النساءَ والطعام، والطيب والنوم، وشهواتِ الدنيا؟

أما إني لست آمركم أن تكونوا قسّيسينَ ولا رهباناً، فإنّه ليس في ديني تركُ اللحم والنساء، ولا اتخاذ الصوامع، وإن سياحة أُمتي الصوم، ورهبانيتها الجهاد؛ واعبدوا اللَّه ولا تشركوا به شيئاً، وحُجُّوا واعتمروا، وأقيموا الصلاة، وآتوا الزكاة، وصوموا رمضان؛ فإنّما هلك مَنْ كان قبلكم بالتشديد، شدّدوا على أنفسهم فشدّد اللَّه عليهم، فأُولئك بقاياهم في الدِّيارات والصوامع.

فأنزل اللَّه تعالى تلك الآية.

وقلنا: يا رسولَ اللَّه! كيف نصنع بأيماننا التي حلفنا عليها؟

وكنّا حلفنا على ما عليه اتّفقنا.

فأنزل اللَّه تعالى: «لا يؤاخذكم اللَّه باللغو في أيمانكم».

ومما قاله رسول اللَّهصلى الله عليه و آله فيّ وما سمعته منه:

أمرني اللَّهُ- عزّ وجلّ- بحبّ أربعة من أصحابي، وأخبرني أنه يحبّهم:

عليّ، وأبو ذر، وسلمان، والمقداد الكندي.

ألا إنّ الجنّة اشتاقت إلى أربعة من أصحابي، فأمرني ربّي أن أُحبَّهم:

ص: 235

فانتدبصُهيب، وبلال بن رَباح، وطلحة، والزُّبير، وسعد بن وقّاص، وحذيفة بن اليمان، وعمار بن ياسر.

فقالوا: يا رسول اللَّه! مَن هؤلاء الأربعة حتى نحبَّهم؟

فقال رسول اللَّهصلى الله عليه و آله: يا عمّار أنت عرّفك اللَّه المنافقين، وأما هؤلاء الأربعة فأحدهم عليّ بن أبي طالب، والثاني المقداد بن الأسود الكندي، والثالث سلمان الفارسي، والرابع أبو ذر الغفاري.

وممّا سمعه منهصلى الله عليه و آله:

بعث رسول اللَّهصلى الله عليه و آله سرية وأمّرني عليها، فلما رجعتُ قال ليصلى الله عليه و آله:

كيف وجدتَ الإمارةَ يا أبا معبد؟

قلتُ: خرجتُ يا رسول اللَّه! وأنا كأحدهم، ثمّ رأيتُ أنّ لي على القوم فضلًا، ورجعتُ وأنا أراهم كالعبيد لي.

فقالصلى الله عليه و آله: كذلك الإمارة يا أبا معبد، إلّامن وقاه اللَّه شرَّها، فخُذ أو دَع.

فقلت: لا جرم، والذي بعثك بالحق يا رسولَ اللَّه! لا أتأمّر على اثنين بعدها أبداً.

قلتُ- يوماً- لأصحابٍ لي:

العجب من قوم مررتُ بهم آنفاً يتمنّون الفتنة، يزعمون ليبتليهم اللَّه فيها بما ابتلى به رسول اللَّهصلى الله عليه و آله وأصحابه، وأيم اللَّه، لقد سمعتُ رسول اللَّهصلى الله عليه و آله يقول:

«إنّ السعيد لمن جنب الفتن» يردّدها ثلاثاً «وإن ابتلي فصبر».

وأيم اللَّه، لا أشهد لأحد أنه من أهل الجنة حتى أعلم بما يموت عليه بعد حديثٍ سمعتُه من رسول اللَّهصلى الله عليه و آله، سمعته يقول:

«لقلب ابن آدم أسرع انقلاباً من القدر إذا استجمعت غلياً».

«وعد اللَّه الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات لَيستخلفنّهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم ولُيمكننّ لهم دينَهُم الذي ارتضى لهم وليبدّلنهم من بعد خوفهم أمناً يعبُدُونني لا يُشركون بي شيئاً ومَن كفر بعد ذلك فأُولئك هم الفاسقون» (1).


1- 1 النور: 55.

ص: 236

وعقب نزول هذه الآية، سمعتُ رسول اللَّهصلى الله عليه و آله يقول: ما على ظهر الأرض بيت حجر أو مَدر إلّاأدخله اللَّه كلمة الإسلام بعزّ عزيز أو ذلّ ذليل:

أما بعزّهم فيجعلهم من أهلها، وأمّا بذلّهم فيدينون بها.

*** وما عرفتُ الحزنَ واللوعةَ، وألمَ الفراق وقسوته، حتى داهمني الخبر المشئوم (نعي الحبيب رسول اللَّهصلى الله عليه و آله) فكان نبأً عظيماً، وفاجعة جسيمة، ما لبثت حتى زلزلة الدنيا، وانتشر دويها في الخافقين ... حقّاً، إنّها لصدمةٌ، وكيف لا تكون كذلك وقد وصلت برسول اللَّه القلوب، وجبلت على حبّه النفوس، واعتادت على التشرّف بطلعته الوجوه، وقد انتشلها من الضلالة إلى الهدى ومن الظلام إلى النور ....

لقد عاهدتك يا سيدي على أن لا أكون أكثر من جنديٍّ في خدمة الإسلام، وفدائيٍّ نذر نفسه دفاعاً عنه، فجزاك اللَّه يا رسولَ اللَّه! عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء، ونسأله- تعالى- أن يرزقنا شفاعتك وصحبتك يوم لا ينفع مالٌ ولا بنون ....

*** من أحاديثي:

كنتُ مع جمعٍ من أصحابي إذ مرّ رجل فقال لي: طوبى لهاتين العينين اللتين رأتا رسولَ اللَّهصلى الله عليه و آله! واللَّه لودِنا أنّا رأينا ما رأيت، وشهدنا ما شهدتَ.

فاستغضبني قولُه هذا، وأقبلت عليه قائلًا:

ما يحمل الرجل على أن يتمنّى شيئاً غيَّبه اللَّه عنه، لا يدري لو شهده كيف يكون فيه؟

واللَّهِ، لقد حضر رسولَ اللَّهصلى الله عليه و آله أقوام أكبَّهم اللَّهُ على مناخرهم في جهنم، لم يُعينوه ولم يصدِّقوه، أوَلا تحمدون اللَّهَ أن أخرجكم لا تعرفون إلّاربَّكم؟

وأنتم مصدِّقون لما جاء به نبيُّكم، قد كفيتُم البلاء بغيركم؛ واللَّه، لقد بعث النبيُّصلى الله عليه و آله على أشدّ حال بُعث عليه نبيٌّ من الأنبياء في فترة وجاهلية، ما يرون

ص: 237

أنّ ديناً أفضلُ من عبادة الأوثان، فجاء بفُرقان يُفرقُ به بين الحقِّ والباطل، وفرَّق بين الوالد وولده، حتى إن كان الرجلُ لَيَرى والدَهُ أو ولدَه أو جدَّه كافراً وقد فتح اللَّه قُفلَ قلبه للإيمان ...

ثمّ قرأت هذه الآية: «ربّنا هب لنا من أزواجنا وذريّاتنا قُرّةَ أعيُنٍ» (1).

توفّاه اللَّه تعالى سنة 33 ه بأرض كانت له تسمى «الجرف» وحمله أصحابه إلى المدينة فدفن فيها. فسلامٌ عليك فارساً مؤمناً قوياً في ذات اللَّه مجاهداً في سبيله، لم تدخر شجاعة ولا نصيحة ولم تبخل بشي ء، فكنت حقّاً حبيباً للَّه ولرسوله.

عدتُ فيما كتبت إلى ما تيسّر لي من مصادر وهي:

1- تاريخ الطبري، لأبي جعفر محمد بن جرير الطبري، ج 2، طبعة دار الكتب العلمية- بيروت.

2- الكامل، لابن الأثير.

3- المغازي، للواقدي.

4- العقد الفريد، ابن عبدربه الأندلسي.

5- ربيع الأبرار.

6- أُسد الغابة في معرفة الصحابة لابن الأثير الجزري.

7- حلية الأولياء، لأبي نعيم الاصفهاني.

8- الإصابة في معرفة الصحابة لابن حجر العسقلاني.

9- السيرة النبوية لابن هشام، ولابن كثير.

10- الإمامة والسياسة لابن قتيبة، ج 1.

الهوامش:

ضربة الشمس


1- 1 الفرقان 25: 74.

ص: 238

ضربة الشمس

مصطفى شاهرضائي/ نويد علياري

المقدّمة:

في كلّ عامٍ يتوجه آلاف المسلمين لأداء فريضة الحج المقدسة، فيشكّل وجودهم حشداً هائلًا يجعله عرضة للإصابة ببعض الأمراض، ومنها ضربة الشمس التي كثيراً ما يصاب بها عددٌ من الحجاج في كلّ موسم حجّ؛ ولذا رأينا من المناسب نشر هذهِ المقالة في مجلة الميقات علّها تنفع القارئ الكريم بما احتوته من معلوماتصحيّة يمكن بها احتواء هذهِ الإصابة، والتعرّف على طرق الإسعافات الأولية، التي نرى من الضرورة للحاج التزوّد بها حتى تكون عنده ثقافةصحيّة وإن كانت بسيطة.

ضربة الشمس:

وهي إحدى الحالات الطارئة التي تلاحظ بصورة شائعة، ومع عدم وجود إحصاء دقيق عن نسبة انتشار هذه الحالة في إيران، إلّاأنّه من المحتمل أن تكون هذه الحالة على جانب كبير من الشيوع والانتشار؛ بسبب كثرة وجود

ص: 239

المناطق الحارّة في بلادنا. وقد شوهدت هذه الحالة بشكل متكرّر بين المقاتلين طوال سنوات الحرب المفروضة في المناطق الجنوبية لإيران، وكذلك بين حجّاج بيت اللَّه الحرام. وتشاهد كذلك بين الرياضيين المحترفين، الذين يمارسون الرياضة كهواية للحصول على السلامة البدنية. وتختلف الأعراض التي تظهر إثر الإصابة بضربة الشمس، وتشمل الحالات التالية: السكتة القلبية على أثر ارتفاع الحرارة، والتشنج العضلي الشديد، والإرهاق والضعف المفرط الناشئ عن الحرارة، وضربة الشمس و ...

كيف ينظم الجسم درجة حرارته؟

كما نعلم فإن الإنسان يعدّ من الموجودات ذات الدم الحار، ومن أجل بقائه على قيد الحياة لابدّ من أن يحافظ على درجة حرارة جسمهِ ضمن حدود ضيقة.

إنّ المحافظة على حرارة الجسم ضمن هذه الحدود تعدّ عاملًا حيوياً وأساسياً، من أجل قيام مختلف أجهزة الجسم بوظائفها المعينة على النحو المطلوب. وبهذا اللحاظ فإن بدن الإنسان يسعى جاهداً كي يحافظ على درجة حرارته عند 37 درجة سانتيغراد. ومن أجل المحافظة على بقاء هذه الدرجة ثابتة، يجب أن تتوازن عملية فقدان الحرارة مع انتاجها. هذا التعادل يحصل من خلال تغيير نسبة جريان دم القسم الخارجي للبدن؛ أي عندما ترتفع الحرارة المركزية للجسم، فإنّ العروق المجاورة تتسع وينقل الدم الحرارة الفائضة إلى الجلد، ويتم التخلص منها هناك بطريقتي الإشعاع والتوصيل. وإن كانت حرارة الجلد أقل من حرارة المحيط، يتم التخلص من الحرارة على شكل عرق يفرز خارج الجسم ... وبإمكان الفرد البالغ أن يفرز لتراً واحداً من العرق خارج بدنه خلال ساعة واحدة كأقصى حدّ؛ علماً بأنّ التعرق يحصل عندما تكون رطوبة

ص: 240

الجو قليلة، وينقطع التعرق عندما تصل الرطوبة إلى 75%. وتصل نسبة الحرارة المتولدة في الظروف المُثلى، وأثناء الاستراحة لدى الشخص البالغ إلى حوالي 60- 70 كيلو كالري في الساعة. طبعاً هناك عوامل مختلفة يمكنها أن ترفع معدل انتاج الحرارة في الظروف المثلى. ومن جملة هذه العوامل يمكن الإشارة إلى الاضطراب، والخوف، وتعاطي بعض الأدوية وارتفاع هرمونات الغدة الدرقية.

ومن أهم العوامل التي تؤدي إلى ارتفاع معدل انتاج الحرارة الجهد البدني الذي يمكنه أن يرفع الحرارة المتولدة إلى 1000 كيلو كالري في الساعة بحسب نوعه وشدّته. ولو تلاحظون أننا عندما نقوم بجهد بدني عالٍ، (مثلًا عندما نؤدي التمرينات الرياضية الثقيلة و ...) فإن لون بشرتنا يميل إلى الحمرة، وهذا يعود إلى ارتفاع معدل جريان الدم تحت الجلد، الذي يحصل لغرض انتقال حرارة الجسم إلى المحيط الخارجي.

كيفية خفض درجة حرارة البدن:

1- الإشعاع: ويعدّ من أهم الطرق في فقدان الحرارة، الذي يتمثل بانتقال الحرارة من سطحٍ إلى سطح آخر دون حصول التماسٍ فيزيائي بينهما. وفي الظروف الطبيعية، يتم دفع 6% من الحرارة المتولدة في الجسم عن طريق الاشعاع.

2- التوصيل (كنداكسيون): هذه الطريقة مهمة في الماء والأجواء القطبية.

ومن خلال طريقة التوجيه، فإنّ الهواء البارد الذي يكون في حالة تماس مع الجلد يسخن، ويخلي مكانه أمام الهواء البارد للنقاط الأخرى.

3- طريقة التصعيد: الذي يتم فيه تبادل الهواء عن طريق حركة الهواء، أو جريان السوائل، مثل الحرارة الخارجة من الجسم عن طريق حركة الهواء الرطب، والإدرار، والعرق.

ص: 241

التأقلم مع التغييرات الحرارية:

كيف يتمكن بعض الأشخاص أن يتحملوا الحرارة، ويعيشون بكل هدوء وراحة في الأجواء الحارّة؟

يطلق على الطريقة التي تؤدي إلى ايجاد هذه الحالة التأقلم أو التطابق الحراري. وعندما يحصل الشخص على حالة التطابق مع الحرارة، يمكنه القيام بأداء أعماله بكلّ راحة في الحالات التي كانت تعدّ سابقاً غير قابلة للتحمل ومجهدة في الظروف الطبيعية. ومع أن التطابق الأولي والنموذجي يمكن أن يحصل خلال 5 أيام، إلّاأنّ التطابق الكامل يحتاج إلى أسبوعين أو أكثر من الوقت.

ويحتاج التطابق الكامل إلى تعاون الأجهزة القلبية والعِرقية والجهاز الكليوي.

وكما قلنا سابقاً: فإن معدل الحرارة المتولدة في الظروف المثلى، وأثناء الاستراحة يصل 60- 70 كيلو كالري في الساعة لدى الشخص البالغ، علماً بأن هذا المعدل يتفاوت خلال الفعاليات المتعددة. وفي الجدول التالي مقارنة بين الحرارة المتولدة في الأشخاص حسب الأعمال المختلفة، مع بيان متوسط مقدار الحرارة الناتجة:

نوع العمل معدل الحرارة المتولدة

كيلوكالري/ ساعة

الطباعة

84

رياضة كرة القدم

102

الأعمال الوظيفية- الإدارية

108

رياضة المصارعة

114

رياضة الهوكي

173

أعمال البناء

216

حمل أدوات البناء

300

رياضة كرة السلة

344

الركض لمسافة 5 أميال

360

استخدام المنشار

450

الحراثة بالمجرفة

570

رياضة السباحة

660

ص: 242

الحوادث والأضرار الناتجة عن الحرارة:

تقسم الأضرار الناتجة عن الحرارة إلى مجاميع ثلاثة: ضربة الشمس، والإرهاق الناشئ عن الحرارة، والآلام والتشنّجات العضلية الناشئة عن الحرارة.

أ- ضربة الشمس:

تحدث ضربة الشمس عندما تعجز الأنظمة المسؤولة عن تنظيم الحرارة في الجسم عن تبريد الجسم إلى الحد المطلوب، وفي هذه الحالة ترتفع حرارة الجسم، ولكن دون حصول التعرق، وبالنتيجة تُخزن نسبة عالية من الحرارة في الجسم، مما يؤدي إلى إصابة الخلايا الدماغية بالضرر. وهذه المسألة تؤدي إلى الضعف الدائم أو الموت.

ويمكن تشخيص الإصابة بأنها «ضربة شمس» في حالة وجود الأعراض والأمارات المبينة أدناه:

1- حرارة أكثر من 40 درجة م.

2- الجلد ساخن، ويابس ومحمّر.

3- النبض بحدود 160 ضربة في الدقيقة، حيث يكون في بداية الأمر قوياً وسريعاً، ومع تفاقم الحالة يضعف ويسرع.

4- ضيق الحدقات في البداية، ولكن بعد فترة تأخذ بالاتساع.

5- الدوار.

6- التنفس في البداية يكون سريعاً وشديداً، ولكن يضعف بالتدريج ويصبح سطحياً.

7- الصداع.

ص: 243

8- تيبّس الفم.

9- التهوّع، والتقيّؤ والضعف العام.

10- انخفاض ضغط الدم.

11- التشنجات العضلية، مع احتمال الإغماء وفقدان الوعي.

وفي أمريكا يلقى أكثر من 4000 شخص سنوياً حتفهم على أثر الإصابة بضربة الشمس. وإن 80% من هذه الوفيات تحدث في الأفراد الذين تزيد أعمارهم على 50 سنة، وتعدّ «ضربة الشمس» السبب الشائع الثاني للوفاة بين الرياضيين في المدارس الإعدادية. (السبب الأول يتمثل بالصدمة النخاعية).

إنّ الذين يتعرّضون للإصابة بضربة الشمس يواجهون الوفاة بنسبة 80%، وكلّما تأخر العلاج أكثر فإن الضرر الذي يلحق بالجهاز العصبي سيكون أكثر ديمومة وإضعافاً للمصاب. كما أن المسنّين، والضعفاء، والمبتلين بسوء التغذية، وخاصة المبتلين بالأمراض المزمنة (مثل أمراض الكلى، وأمراض القلب والعروق، ومرض الپاركنيسون «1»، ومرض السكر، والإدمان على الكحول، والسمنة والأمراض الجلدية)، فهم أكثر تعرضاً لخطر الإصابة.

وأمّا المدمنون على المخدرات فهم لا محالة معرضون للإصابة. وحتى الأفراد الأصحاء عندما يبذلون نشاطاً مضاعفاً فإنهم معرضون للإصابة والموت بفعل ذلك. ويمكن أن تكون بشرة الشباب الذين يعانون من الإصابة بضربة الشمس حارّة ورطبة أكثر من الحدّ الطبيعي. ويرتفع معدل الإصابة ب «ضربة الشمس» بارتفاع درجة الحرارة مع ارتفاع نسبة الرطوبة وسرعة الرياح.

ويمكن أن تحدث «ضربة الشمس» بسبب بعض العوامل مثل:

الحمّى التي يستعصي علاجها، وتعاطي الكحول و ....

ص: 244

العلاج:

كما علمنا سابقاً: فإنّ «ضربة الشمس» تعدّ من الحالات الطارئة، وأهم إسعاف فوري لها الإسراع لتبريد الجسم المصاب؛ ولهذا أبعدوا المريض عن أشعة الشمس فوراً، اخلعوا ملابسه، وبلّلوا كلّ جسمه بالماء البارد، سارعوا إلى تهوية المكان بالهواء البارد. ثم لفّوا المريض بالأغطية المبلّلة بالماء البارد، انقلوه من مكانه بأسرع ما يمكن، وعلّموا الشخص المرافق له، كيف يحافظ على تعريض المريض أثناء الانتقال إلى الهواء، وأن يشغّل جهاز التهوية بقابليته القصوى. ومن الأفضل الإسراع بوضع المريض داخل حوض فيه ماء وثلج. أو تمسح بشرته بالثلج. وإن لم يكن بالإمكان القيام بذلك، فضعوا قطع الثلج في كيس بلاستيكي، وبلّلوا جسم المريض بالماء، وعند تشغيل المكيّف امسحوا الكيس على جسمه، وضعوا سطح الثلج تحت أيدي المريض، وحول رقبته، وعلى أطراف قبة الرجل كي تبرد العروق السطحية الكبيرة.

إن أكياس الثلج العادية عندما تستخدم بمفردها لا تؤدي إلى انخفاض الحرارة حتى الحدّ المطلوب، وعليه ينبغي أن تلفّق هذه الطريقة مع أساليب أخرى متعددة، وعندما تصل حرارة الجسم إلى أقل من 039 مئوية يجب قياس حرارة الجسم بواسطة المحارير بشكل مستمر، واحذروا انخفاض حرارة الجسم لأكثر من الحدّ المطلوب. وما دامت حرارة الجسم لم تصل إلى أقل من 8/ 037 مئوية استمروا بعملية التبريد. وفي حالة عدم وصول الحرارة إلى أقل من 8/ 037 مئوية بواسطة الإجراءات التي قمتم بها فإن ضربة الشمس ستحدث ثانية. وأثناء تبريد جسم المريض ارفعوا رأسه وأكتافه إلى الأعلى قليلًا، وتأكّدوا من أن المريض ينعم بالهدوء.

لا تعطوا المريض أية مادة مهيّجة أو سوائل ساخنة اطلاقاً. وبما أن ضربة

ص: 245

الشمس تؤثر على أجزاء الجسم كافة، فمن الممكن أن تحدث إصابات كثيرة ناشئة عن ضربة الشمس أو الإجراءات العلاجية؛ ومن هذه الناحية لاحظوا الأعراض التالية أثناء تبريد جسم المريض:

1- التشنجات.

2- رجوع المواد المتقيّأَة إلى الحلقوم.

يحدث التقيّؤ غالباً بشكل متزامن مع التشنجات الناشئة عن أساليب التبريد، ولغرض منع دخول المواد المتقيّأة إلى الحلقوم اجعلوا المريض في وضعٍ يساعدكم على إخراج السوائل من المسالك التنفسية بسهولة.

ولو نجحتم في تخفيض حرارة الجسم بنسبة 02 مئوية خلال 30- 60 دقيقة أوقفوا إجراءات التبريد، وافسحوا المجال أمام الجسم ليبرد تلقائياً.

وراقبوا المريض بشدّة، فإن ارتفعت حرارة جسمهِ مجدّداً قبل إكمال عمليات نقل المريض فاستأنفوا إجراءات التبريد مرةً أخرى.

خلاصة إجراءات الطوارئ:

1- هيّئ التهوية اللازمة والأوكسجين الكافي.

2- انقل المريض إلى محيط بارد، واخلع كلّ ما يمكن خلعه من ملابسه.

3- برّد جسم المريض بأية وسيلة متوفرة، وبالسرعة الممكنة. إنّ حوضاً مليئاً بالماء البارد والثلج مفيدٌ جداً لتبريد المريض. وفي غير هذه الحالة فالاستحمام بالماء البارد، ومسح الثلج المجروش على جسمه، واستمرار الغسل المتزامن مع مسح البدن بالكحول، ولفّ المريض بغطاء مرطوب، مع التهوية بالهواء البارد، سيكون مفيداً هو الآخر.

ولابدّ من القول: بأن نجاح هذه الإجراءات العلاجية يتوقف على

ص: 246

سرعة العمل والدقة العالية، والتأخير في العلاج يؤدي إلى حدوث الاختلال الدائم في الدماغ. تابع قياس حرارة جسم المريض من ناحية المقعد عدّة مرات.

يجب الاستمرار بشكل جدّي في الإجراءات العلاجية لتبريد المريض لحين بلوغ درجة حرارة الجسم أقلّ من 039 مئوية.

4- حافظ على معدل النشاط القلبي حين نقل المريض، ويمكن الاستفادة من نبض المريض للسيطرة على ذلك.

5- لاحظ وراقب حالات التشنّج.

ب- الإرهاق الناشئ بفعل الحرارة:

تحدث هذه الحالة في الفرد السالم عندما يؤدي نشاطاً بدنيّاً شديداً في محيط حار جدّاً، إذ تحدث نتيجة لحصول اختلال حقيقي في جريان الدم (كما يحصل في اختلال جريان الدم أثناء الصدمة).

إن الإرهاق الحراري في الواقع حالة مُشابهة للصدمة، التي تحدث بسبب تجمع الدم في العروق الجلدية وانخفاض نسبة ايصال الدم إلى الأعضاء الرئيسة، ويفقد الجسم مقادير كبيرة من السوائل والأملاح بسبب كثرة تصبب العرق. وفي حالة عدم تعويض هذه السوائل المفقودة بالحدّ الكافي فإن جريان الدم يضعف، ويؤثر ذلك على فعاليات الدماغ والقلب والرئة. ويبرز «الإرهاق الحراري» أحياناً متزامناً مع فقدان الماء والأملاح والإحساس بالآلام والتشنجات العضلية، ويعدّ «الإرهاق الحراري» أكثر شيوعاً من «ضربة الشمس».

إنّ عمال الغسيل والأفراد الذين يشتركون في الألعاب الرياضية الثقيلة، والتمرينات المجهدة وفي الأجواء الحارة، وكذلك الذين انتقلوا توّاً إلى المناطق

ص: 247

الحارّة، معرضون لخطر الإصابة أكثر من غيرهم.

حالات الشكوى والأعراض الأولية عبارة عن:

1- الصداع، والدوار، والتهوع والضعف.

2- الإغماء.

3- التعرق الشديد.

4- فقدان الشهية.

5- انخفاض الوعي بنسبة قليلة

6- انخفاض درجة حرارة الجسم لأقل من الحدِّ الطبيعي أو ثباتها في الحدِّ الطبيعي.

7- اتّساع حدقة العين.

8- الضعف والنبض السريع.

9- التنفس السطحي والسريع.

10- شحوب لون البشرة (عادةً ما يكون لونها رمادياً)، وتكون باردة رطبةً.

11- احتمال وجود آلام في العضلات.

12-صعوبة السير.

وفي الوقت الذي تتشابه فيه أعراض وأمارات الإرهاق الحراري لسائر حالات ضربة الشمس، إلّاأنه توجد اختلافات واضحة بينها تساعدك على التشخيص الصحيح للمرض. وأكثر الفوارق وضوحاً هو حالة الجلد أو البشرة ودرجة حرارة الجسم. ففي «ضربة الشمس» يكون الجلد محمّر اللون، ويابساً وحاراً جداً، بينما في حالة «الإرهاق الحراري» يكون الجلد- عادةً- رطباً، بارداً

ص: 248

وشاحبَ اللون. ودرجة حرارة الجسم في الفرد المصاب بضربة الشمس يمكن أن تصل إلى أكثر من 041 مئوية، بينما في «الإرهاق الحراري» تكون الحرارة طبيعية أو أقل من الحدّ الطبيعي.

أهم المشاكل في «الإرهاق الحراري» هي فقدان الأملاح: وحتى المرضى الذين يستخدمون العلاجات المساعدة على الادرار فهم معرضون للخطر بشدة.

إذ إنّ نسبة الماء والأملاح في أجسامهم تفقد توازنها. أي أنّ مقدار فقدان الماء يزيد على نسبة استهلاك الأملاح أو بالعكس.

لغرض علاج المريض يجب:

1- حمله إلى غرفةٍ باردة، ولكن تأكّد من عدم ارتجافه من البرد، وامسح بشرته بأكياس باردة ورطبة، واستخدم مكيّف الهواء البارد.

2- اطلب منه أن يستلقي، وارفع رجليه لارتفاع 20- 30 سم، واخفض رأسه قليلًا؛ لكي يصل الدم الكافي إلى دماغه، حاول أن تخلع ملابسه جهد الإمكان، وإن كان ذلك غير ميسور فأرخها.

3- أعط المريض محلول الماء والملح (ملعقة طعام في قدح ماء) بمعدل نصف قدح في كلّ 15 دقيقة، ولمدة ساعة واحدة.

4- إذا تقيّأ المريض، توقف عن إعطائه محلول الماء والملح، وانقله إلى المستشفى؛ ليزرقوا محلول الماء والملح في أوردته (استخدام المغذي). وهذه الحالة عادة ما تكون الحالة الوحيدة التي يحتاج فيها الفرد المصاب بالإرهاق الحراري إلى الرقود في المستشفى؛ ذلك لأن تعويض الماء والملح أمرٌ ضروري.

5- في حالة عدم تقيّؤ المريض، علِّموا أفراد الأسرة بأن يتركوا المريض ليستريح في جو هادئ لمدة 2- 3 أيام، وأن لا يجعلوه عرضةً للحرارة.

ص: 249

ج- الشدّ العضلي (التشنجات العضلية) الناشئة بفعل الحرارة:

إنّ تقلّص العضلات الناشئ بفعل الحرارة والانقباض، أو التشنج الدائمي للعضلات عادةً ما يرافقه الألم والأوجاع، الذي يحدث عند فقدان الأملاح بنسبة عالية أثناء التعرق الشديد، أو انخفاض نسبة تمثيل الأملاح في الجسم. وعندما تنخفض نسبة الماء في الجسم فإن المريض يشعر بالعطش، لذا يلجأ إلى شرب مقادير كبيرة من الماء ليطفئ ظمأه من دون أن يلتفت إلى تعويض الملح المفقود.

وفي كلّ الأحوال فإنّ الشدّ العضلي يحصل غالباً في عضلات اليد، والفخد والبطن. وغالباً ما يكون ذلك علامةً على احتمال حصول «الإرهاق الحراري».

ليس من الضروري أن يكون الهواء شديد الحرارة أو ساخناً ليحصل الشدّ العضلي (التشنج العضلي). وعلى سبيل المثال فان الشخص الذي يمارس الرياضة بشدة في الهواء البارد، ويتصبب عرقاً، من الممكن أن يتعرض للإصابة للشد العضلي الناشئ بفعل الحرارة، في حالة عدم تعويضه الأملاح المفقودة من جسمه. وبشكل عام ومن أجل أداء العضلات لوظائفها بنحوٍ أحسن، فهي بحاجة إلى توازن دقيق في نسبة الماء والأملاح. ومتى ما اختلّ هذا التوازن فإنّ الانقباض والانبساط العضلي لا يحدثان بشكل جيّد، ممّا يؤدي إلى حدوث الشدّ العضلي.

ومع إمكانية تعرض المريض إلى الدوار وحتى الشعور بالإغماء، إلّاأن الوضع النفسي ومستوى الوعي لدى هؤلاء المرضى يبقيان في مستواهما الطبيعي.

ولغرض معالجة الشدّ العضلي، أضف ملعقة طعام من الملح إلى قدحٍ من الماء، وأعط المريض نصف قدح كلّ 15 دقيقة بهدوء. هذا العلاج يقضي على الشدّ العضلي بسرعة. وانتبه جيداً إلى عدم دَلك العضلات المصابة بالشدّ

ص: 250

العضلي، ذلك أن التدليك لا يعالج التشنجات، بل يمكن أن يزيد الآلام! ومن المهم جداً أن نبيّن للمريض الحالة التي تعرّض لها وما هو سببها، كي يقيَ نفسه من حصول هذه الحادثة مجدداً، وأكدوا له أنه لا يعاني من مشكلة معينة.

إن بعض المرضى المصابين بالشدّ العضلي الشديد ويعانون من آلامه، يخشون من تخثّر الدم أو تمزّق العضلة. ساعدوا المريض ليحافظ على هدوئه، ذلك أن الهدوء يبعث على سرعة تحسّن التشنجات العضلية. ويجب على المريض أن يجتنب القيام بأي نشاط لمدة 12 ساعة.

الوقاية:

متى ماصادفتم المرضى المبتلين بالأضرار الناجحة عن الحرارة، فاشرحوا لهم الطرق والأساليب التي بوسعها أن تساعدهم في المستقبل على اجتناب هذه الأضرار.

ذكّروهم بالاجراءات المبينة أدناه:

1- ارتدوا الملابس الفضفاضة (بحيث لا تلتصق كثيراً بالجسم) والملابس ذات اللون الفاتح (التي تعكس أشعة الشمس وتساعد على التعريق بنحوٍ أفضل)، وضعوا القبعات العريضة على رؤوسكم.

2- اجتنبوا التغييرات المفاجئة في الجو؛ مثل المغادرة السريعة لبنايةٍ ذات تهوية باردة والنزول إلى الشارع الساخن. وقبل أن تستقلّوا السيارة التي هي في الموقف تحت أشعة الشمس، افتحوا أبوابها بضع دقائق لغرض تهويتها وتغيير الهواء الذي بداخلها.

3- تناولوا الأغذية والمشروبات الباردة، وضعوا المقدار الذي ترغبونه من الملح على الطعام، وفي حالة توازن نظامكم الغذائي فلا داعي لأقراص الملح عادةً.

ص: 251

4- اشربوا المقدار الكافي من الماء في الجو الحار، حتى وإن لم تشعروا بالعطش.

5- لغرض التأقلم على هواء منطقة حارّة دخلتموها توّاً، يجب عليكم أن تحددوا فترة 15 دقيقة في اليوم الأول للتعرض إلى أشعة الشمس الشديدة، أو القيام بالنشاطات الفعّالة ولمدة 10 أيام، وفي كلّ يوم أضيفوا 15- 30 دقيقة لذلك المقدار.

6- اجتنبوا القيام بأي نشاط خارج الأماكن المغلقة أو المسقّفة بين الساعة 10- 12 نهاراً قدر الإمكان.

7- متى ما مارستم الرياضة في الجو الحارّ، الجأُوا إلى الاستراحة لمدة 5- 10 دقائق كلّ نصف ساعة.

8- احرصوا على شرب مقادير من الماء المملح أثناء ممارسة الرياضة.

9- لو كانت الرطوبة مرتفعة في منطقةٍ حارّة، يجب أن تكونوا أكثر احتياطاً، فعندما تصل رطوبة المنطقة الى 60% فإنّ الهواء المحيط سيكون غير قادر على تقبل جميع العرق المتصبب منكم، ولو وصلت الرطوبة إلى 75% فلن يتعرق جسمكم اطلاقاً.

10- في المناطق الساخنة والجافة لا تظنوا بأن أجسامكم لا تتعرق، بل إن العرق في حالة تصبب من أبدانكم، وعليكم أن تشربوا مقادير كبيرة من الماء.

11- لو بلغت درجة حرارة المحيط أكثر من 030 مئوية كونوا أكثر احتياطاً.

12- لو كنتم تتبعون نظاماً غذائياً يخلو من الملح أو قليل الملح، أو تعانون من أحد الأمراض المزمنة مثل مرض القلب، أو ضغط الدم العالي، أو مرض السكر، أو الأمراض الرئوية، فإنّ الحرارة العالية والرطوبة على درجة عالية من

ص: 252

الخطورة، وينبغي عليكم استشارة طبيبكم الخاص قبل القيام بأي نشاط غير مألوف في الجو الحار والرطب.

13- لو تعرّضتم للدوار، التهوع، الإرهاق غير الطبيعي، الصداع، تقلص عضلات الفخذ واليد، ألم وحرقة شديدة في المعدة، فلابد من الخضوع لمراقبة الطبيب.

الخصوصيات التشنجات العضلية الارهاق الحراري ضربة الشمس السبب

فقدان الماء والأملاح فقدان الماء والأملاح فقدان آلية تنظيم حرارة الجسم

الشدّ العضلي يحدث ممكن الحدوث غير موجود

الوضع النفسي طبيعي يمكن أن يختلّ النعاس، الإغماء

الجلد بارد ورطب بارد ورطب وشاحب اللون حار ومحمّر وجاف

درجة الحرارة طبيعيةطبيعية أو منخفضةمرتفعة عادةً

النبض سريع سريع وضعيف سريع وقوي

ضغط الدم يمكن أن يكون منخفضاًيمكن أن يكون منخفضاًيمكن أن يرتفع في البداية

العلاج إعطاء الماء والملح إعطاء الماء والملح وتبريد الجسم تبريد الجسم بسرعة

الهوامش:

المساجد والأماكن الأثرية المجهولة لزائر المدينة المنوّرة الميمونة (2)

ص: 253

المساجد والأماكن الأثرية المجهولة لزائر المدينة المنوّرة الميمونة (2)

عبد الرحمن خويلد

6- مسجد السجدة أو البحير أو أبي ذر

دو فصلنامه «ميقات الحج»،ص: 254

يبعد هذا المسجد حوالي خمسمائة وخمسين متراً شمال المسجد النبوي، ويقع في نهاية شارع أبي ذر المتّصل بشارع المطار القديم.

ومسجد السجدة هو أصل اسم هذا المسجد؛ لأنّ النبيّ (صلى الله عليه و آله)صلّى في مكانه ركعتين، وأطال السجود في إحداهما حتى ظنّ مَن كان معه أنّه قُبض، فلما نهض من سجوده أخبر بقوله: «إنّ جبريل أتاني فقال: مَنصلّى عليك من أمتكصلّى اللَّه عليه عشراً، ورفعه بها عشر درجات» (1).

ثم أُطلق على هذا المسجد اسم البحير، وهو اسم لبستان كان المسجد يقع في طرفه (2)، وتدارك النسيان هذا الاسم، وأصبح الآن يُعرف بمسجد أبي ذر، ولعلّه سمي بذلك نسبة لاسم الشارع الذي يقع المسجد في نهايته، واللَّه أعلم.

7- مسجد السبق


1- 1 أخرجه المتقي الهندي في كنز العمال 2: 267 ح 2982.
2- 2 الدر الثمين: 170.

ص:254

ص: 255

يقع هذا المسجد في الشمال الشرقي من مسجد الرسول (صلى الله عليه و آله)، ويبعد عنه بمسافة تقدّر بخمسمائة متر، وهو في نهاية نفق المناخة السابق، قبل زيادة امتداده حالياً، وهو ملاصق لمحطة النقل الجماعي الرئيسية.

وسمي بالسبق لأنه يقع في منتصف مَيدان سباق الخيل في عهد النبيّ (صلى الله عليه و آله) (1). روى الدارمي في سننه (2) أنه «كان رسول اللَّه (صلى الله عليه و آله) يسابق بين الخيل المضمرة من الحفياء (3) إلى الثنية، والتي لم تضمر من الثنية إلى مسجد بني زريق».

وقد بُني هذا المسجد بناءً حديثاً، وتقام فيه الصلوات الخمس، ويُعتبر من


1- 1 تاريخ معالم المدينة المنورة: 120؛ والدر الثمين: 232.
2- 2 باب في السبق 2: 212.
3- 3 الحفياء: هي السهل الواقع غربي جبل أحد، ينظر: الدر الثمين: 232؛ وجاء في كتاب معالم المدينةالمنورة: 249 حَفْيا بالفتح ثم السكون وياء وألف ممدودة، موضع قرب المدينة المنورة، أجرى منه رسول اللَّهصلى الله عليه و آله الخيل في السباق.

ص: 256

المساجد الكبيرة بالمدينة المنورة.

8- كهف بني حرام

مكان هذا الكهف على جبل سلع، وهو مَعلَم بارز فيه، يمكن أن يُرى من مكان بعيد، لكن العمائر العالية غطّت أغلب جهاته، وهو في الشمال الغربي من المسجد النبوي، ويبعد عنه بمسافة تقدّر بثمانمائة متر، وهو قريب من مسجد السبق، على يمين المتجه إلى المساجد السبعة، ويمكن الصعود إليه من ممر ضيّق بين عمارة جوهرة المدينة للزائرين والحجاج، وجوهرة أمّ القرى للسفريات الدولية.

وبناؤه عثماني، وكان فوقه قبّةصغيرة، ثم أزيلت، وبقي الكهف قائم العين حتى الآن.

وقيل: إنّ النبيّ (صلى الله عليه و آله) كان يبيت فيه محروساً أيام غزوة الخندق قبل أن يترك الحراس (1).


1- 1 الدر الثمين: 232.

ص: 257

وروى الطبراني (1) عن أبي قتادة قال: «خرج معاذ بن جبل لطلب رسول اللَّه (صلى الله عليه و آله) فلم يجده، فطلبه في بيوته فلم يجده، فأتبعه في سكة حتى دُلّ عليه في جبل ثواب (سلع) فخرج حتى رقي جبل ثواب، فنظر يميناً وشمالًا فبصر به في الكهف الذي اتخذه الناس إليه طريقاً إلى مسجد الفتح، قال معاذ: فإذا هو ساجد، فهبطتُ من رأس الجبل وهو ساجد فلم يرفع رأسه حتى أسأت به الظن؛ فظننت أنه قد قُبض، فلما رفع رأسه قلت: يا رسولَ اللَّه! لقد أسأت بك الظن، وظننت أنك قد قُبضت، فقال: جاءني جبريل عليه السلام بهذا الموضع فقال: إنّ اللَّه- عزّ وجلّ- يقرئك السلام، ويقول لك: ما تحبّ أن أصنع بأمتك، قلت: اللَّه أعلم، فذهب، ثم جاءني فقال: إنّه يقول: لا أسوءك في أمتك، فسجدتُ، فأفضل ما يتقرب به العبد إلى اللَّه السجود».

9- مسجد الراية


1- 1 المعجم الصغير 2: 117.

ص: 258

يقع هذا المسجد شمال المسجد النبوي، ويبعد عنه بمسافة تقدّر بكيلومتر واحد وثمانمائة متر، وهو خلف المحطة الأهلية للبنزين، التي تُعرف بمحطة الزغيبي.

وقد أصبح هذا المسجد محصوراً بين المساكن الجديدة، ويصعد إليهصعوداً، وكان في حجم الغرفة، وبناؤه من الحجر، وقربه حوش، أما الآن فقد رممت الغرفة، وطلي حجرها بالبلاط الجميل الصغير الحجم، وأُلحق الحوش بالمسجد، وفُصل بينه وبين الغرفة جدار له باب متصل بها.

وأصل تسميته بمسجد الراية نسبة إلى جُبيل الراية الذي يقع عليه هذا

دو فصلنامه «ميقات الحج»،ص: 259

المسجد، والذي نصب النبيّ (صلى الله عليه و آله) رايته المنصورة عليه في غزوتي خيبر وتبوك.

وقدصلّى الرسول (صلى الله عليه و آله) على هذا الجبيل، ووضع قبته عليه في الأيام الأولى من حفر الخندق (1).

10- مسجد الدرع

مكان هذا المسجد على يسار طريق مزار سيد الشهداء، وقبل مسجد المستراح بثلاثمائة متر، وسُمي بالدرع؛ لأن النبيّ (صلى الله عليه و آله) وضع فيه درعه، وهو لباس الحرب الخاص به (2).


1- 1 وفاء الوفا 2: 845، وعمدة الأخبار: 187- 188؛ والدر الثمين: 171.
2- 2 تاريخ معالم المدينة: 134.

ص:259

ص: 260

وبناؤه عثماني، وقد جُدد في الوقت الحاضر.

11- مسجد الشيخين أو البدائع أو المستراح

يقع هذا المسجد على يسار الذاهب إلى أُحد من طريق سيد الشهداء، وقبل الوصول إلى شهداء أُحد بمسافة تقدّر بكيلومتر واحد وثلاثمائة متر، وقد بُني إلى جانبه مسجدٌ حديثٌ، وسمّي باسمه.

وأصل تسميته بمسجد الشيخين نسبة إلى أجمة الشيخين، وهي عبارة عن نتوء كان أصله أطمان ليهود، وقيل: سميت بأجمة الشيخين نسبة إلى رجل وامرأة تجاوز عمرهما مائة عام، تحادثا وتسامرا عند هذه الأجمة، فاستغرب الناس ذلك، وسموا مكانهما بهذا الاسم (1).

وكان هذا المسجد يسمى أيضاً بمسجد البدائع (2).

فروى ابن شبه (3) عن سعد: «أنّ النبيّ (صلى الله عليه و آله)صلّى في المسجد الذي عند


1- 1 عمدة الأخبار: 176؛ والدر الثمين: 175.
2- 2 تاريخ المدينة 1: 72؛ ووفاء الوفا 2: 865؛ والدر الثمين: 175.
3- 3 تاريخ المدينة 1: 72.

ص: 261

الشيخين، وبات فيه، وصلّى فيه الصبح يوم أُحد، ثم غدا منه إلى أُحد، وعن ابن عباس عن سعد أن النبيّ (صلى الله عليه و آله)صلّى في المسجد الذي عند البدائع عند الشيخين العصر والمغرب والعشاء والصبح وبات فيه حتى أصبح».

ويسمى الآن بمسجد المستراح، وهو معروف عند أهل المدينة بهذا الاسم، ويظهر أنّ سبب تسميته بذلك نسبة إلى استراحة النبيّ (صلى الله عليه و آله) فيه عند ذهابه إلى غزوة أُحد.

وقد استعرض الرسول (صلى الله عليه و آله) جيشه عند هذا المسجد، وردّ مَن استصغره من الصحابة، كما ردّ كتيبة اليهود من أحلافه، وقال: «لا نستعين بالمشركين على المشركين» (1)، وعندها رجع عبد اللَّه بن أبيّ بمن أطاعه من المنافقين، وهم ثلث الجيش، متذرعاً أنّ النبيّ (صلى الله عليه و آله) أخذ برأي غيره (2).

12- جبل عينين (الرماة)


1- 1 طبقات ابن سعد 2: 39؛ وتحقيق النصرة: 154؛ والدر الثمين: 174.
2- 2 الدر الثمين: 174.

ص: 262

وهو جبيل شمال المسجد النبوي على بُعد أربعة كيلومترات وثلاثمائة متر منه.

وكلمة عينين أصلها اسم لرجل من العمالقة (1).

جبل الرماة من الخلف، ويظهر مجرى السيل واضحاً

وقيل: إنّ النبيّ (صلى الله عليه و آله)صلّى على هذا الجبل يوم أُحد.

وسمي في الإسلام جبل الرماة، لأن النبيّ (صلى الله عليه و آله) أوقف عبد اللَّه بن جبير في خمسين من الصحابة الرماة يوم معركة أُحد لصدّ المشركين من الجهة الجنوبية ورميهم بالنبل، وأوصاهم بعدم التحرك من الجبل سواء انتصر المسلمون أم هزموا، وقد حاولت خيول المشركين الإغارة على المسلمين من جهة هذا الجبل،


1- 1 الدر الثمين: 175؛ والعمالقة قوم كانوا في يثرب المدينة قبل مجي ء تُبّع من اليمن إليها، ومحاصرته لها، وإعجابه بها، ورغبته في اتخاذها محلًا لسكناه، لكن قيل له: إنّها ليست لك، إنها مهاجر نبيّ يأتي في آخر الزمان، فترك من قومه، وهم الأوس والخزرج، ليدركوا ذلك النبيّ وينصروه.

ص: 263

فصدّهم الرماة ثلاث مرّات.

وبعد احتدام القتال بين الجانبين أسفر عن قتل حملة لواء المشركين، وانكشفوا وتركوا متاعهم، فنزل أغلب الرماة ليشاركوا بقية المسلمين في أخذ الغنائم، ولم يبق منهم إلّارئيسهم وستة من أصحابه (1)، وعند ذاك التفّ عليهم خالد بن الوليد في خيول المشركين، واستطاعوا قتلهم، وأخذوا مكانهم، ثم هجموا على المسلمين، فتألم قائد الرماة عبد اللَّه بن جبير، وقال: «اللّهمّ إني أبرأ إليك ممّا فعل هؤلاء وما فعل هؤلاء»، يعني المخالفين والمشركين (2).

وأصيب سيد الشهداء حمزة رضى الله عنه برمية وحشي (3) في الركن الجنوبي الشرقي من هذا الجبل، ثم سقط شهيداً في جهته الشرقية، ودفن مع ابن أُخته عبد اللَّه بن جحش في ذلك المكان، وبقيا كذلك حتى سنة 46 ه، ثمّ نقلا إلى مكانهما الحالي بسبب سيل الماء الشديد الذي جرف قبريهما (4).

وقيل: إنّه تحركت يد حمزة- رضوان اللَّه عليه- عن جرحه، فسال منه الدم، وكأنّصاحبه حيٌّ لم يَمُت (5)»، ثم أُعيدت إلى مكانها فوقف ثوران الدم، فصدق اللَّه- تعالى- بقوله: «ولا تحسبنّ الذين قتلوا في سبيل اللَّه أمواتاً بل أحياء عند ربّهم يرزقون» (6).

وقد أُزيل الكثير من هذا الجبل، فقبل بضع سنين رأيت عليه بناءً عثمانياً من الحجر، لكنه هدم معظم هذا البناء، ولم يبق منه إلّاآثار قليلة، كما سوي سطحه، وصار الصعود إليه سهلًا.

والملاحظ على جبل أُحد أنّه شبيه بقلعة عسكرية محصّنة من جهاتها الثلاث الشمالية والشرقية والغربية، أما جبل الرماة فهو حماية للجيش الإسلامي من الجهة الجنوبية، فلما دخل جيش المشركين بين الجبلين سَهُل الانقضاض عليه، فلو التزم الرماة بأمر النبيّ (صلى الله عليه و آله) لما استطاع الكفار الانتصار في هذه


1- 1 الدر الثمين: 187.
2- 2 الدر الثمين: 176.
3- 3 جاء في سيرة ابن هشام 3: 12 ما نصّه: «فبلغني أنّ وحشياً لم يزل يحدّ في شرب الخمر حتى خلع من الديوان»؛ وجاء في الدر الثمين: 199 أنه «مات مدمن خمر».
4- 4 جاء في تحقيق النصرة: 134- 135 أنه «لا يُعرف من قبور الشهداء إلّاحمزة وابن أخته عبد اللَّه بن جحش، قيل: وهو الملقب بالمُجدع في اللَّه، لأنه قُتِل وجُدِع قُطِع أنفه وأذنه».
5- 5 تاريخ المدينة المنورة 1: 133، والدر الثمين: 199.
6- 6 آل عمران 169.

ص: 264

المعركة.

فيا ليتنا نلتزم بأوامر اللَّه- تعالى- ونبيّه (صلى الله عليه و آله) التزاماً كاملًا؛ لنفوز بسعادة الدارين، ويكون لنا شأن آخر.

... يتّبع

الهوامش:

ص: 265

معجم ما كتب في الحجّ والزيارة والمعالم المشرّفة في الحجاز (1)

عبد الجبار الرفاعي

تعريف بمصادر دراسة الحج ومكة المكرّمة، والمدينة المنوّرة، والمعالم المشرّفة في الحجاز، وما يرتبط بذلك. يشتمل على ما كُتِبَ من مؤلفات، ورسائل جامعية، وبحوث، ومقالات، باللغتين العربية والفارسية.

إشارات:

1- بلغ عدد العناوين ما يقارب (2000) عنوان.

2- شملت التغطية الزمانية ما كُتِب منذ بداية التدوين عند المسلمين الى اليوم.

3- ينشر هذا العمل خلال حلقات في مجلة «ميقات الحج» بناءً على طلب رئيس تحرير المجلة. وبعد الفراغ من نشره هنا ستقوم معاونية شؤون التعليم والبحوث الإسلاميّة في الحجّ، التابعة لممثليّة الوليّ الفقيه لشؤون الحجّ والزيارة

ص: 266

بنشره مستقلًا إن شاء اللَّه تعالى.

4- لا تمثل هذه القائمة استقراءً تاماً لجميع ما كُتِب في هذه الموضوعات، لذا يرجو المؤلف من السادة الكُتّاب إعلامه بأعمالهم التي لم تُرصد في القائمة على عنوان المجلة، كيما يجري استدراكها حيثما ينشر هذا العمل في كتاب.

5- اعتمدت المداخل على عناوين الكتب والبحوث والمقالات.

6- رُتبت المداخل تبعاً للترتيب الهجائي التام، واعتبار الوحدة في الترتيب هي الكلمة، أي على أساس كلمة كلمة، ثمّ حرف حرف.

المختصرات:

ت: تاريخ الوفاة

ج: الجزء

ح: الحلقة

خ: نسخة مخطوطة

د. ت: بدون تاريخ

د. م: بدون ذكرمكان النشر في المطبوع

د. ن: بدون ذكر الناشر

س: السنة

سم: سنتيمتر

ش: السنة الهجرية الشمسية

ص: الصفحة

ط: الطبعة

ظ: انظر

ع: العدد

ق 7 ه: القرن السابع الهجري

م: السنة الميلادية

مج: مجلد

مط: المطبعة

ه: السنة الهجرية القمرية

*** 1- آئين وملت ابراهيم عليه السلام در قرآن مجيد

(بالفارسية)

عبد اللَّه جوادي آملي

ميقات حج، س 3، ع 9 (پاييز 1373 ش)ص 46- 55.

2- آثار اسلامى مكه ومدينه

(بالفارسية)

رسول جعفريان

طهران: مشعر، ط 1، 1371 ش، 140ص.

طهران: نشر مشعر، ط 2، 1373 ش، 111ص، تصاوير.

ص: 267

3- الآثار الإسلامية في الجزيرة العربية في عهد الرسول والخلفاء الراشدين

سعد بن عبد العزيز الراشد

العصور، مج 3، ج 2 (ذو القعدة 1408 ه- يوليو 1988 م)ص 199- 236.

4- الآثار الإسلامية في مكة المكرمة

العرب، س 17،ص 161، 793، س 20،ص 641.

5- آثار المدينة المنوّرة

عبد القدوس الأنصاري

دمشق: مطبعة الترقي، على نفقة المكتبة العلمية بالمدينة المنوّرة، ط 1، 1353 ه (1935 م).

المدينة المنورة: المكتبة العلمية، 1935 م، 188ص، خريطة، لوحة، مصور، 22 سم.

القاهرة: دارالكتاب العربي، 1378 ه، 187ص.

6- آداب حج

عبد الرحمن الجامي

خ:

ملك في طهران برقم 4795، تاريخها رجب 895 ه.

(والمظنون أنّ هذا الكتاب متّحد مع مناسك الحج الآتي للمؤلف)

ظ:

الذريعة 22/ 265.

7- آداب الحج الظاهرة

محمدصابر البرديسي

منار الاسلام (أبو ظبي)، س 16، ع 12 (6/ 1991)،ص 105- 109.

8- آداب الحرمين

علي بطحائي گلپايگاني

طهران: إسلامية، 1382 ه، 74ص.

طهران: خزر، ط 3، 1371 ش، 352ص.

9- آداب زيارة المسجد النبوي والسلام على رسول اللَّهصلى الله عليه و آله

عطية محمد سالم

المدينة المنورة: مكتبة دار التراث، 1988 م، 78ص.

10- آداب واحكام حج

(بالفارسية)

محمد رضا الگلپايگاني

قم: دار القرآن الكريم، ط 1، 1372 ش، 600ص.

11- آداب وأدعية زيارة المدينة المنورة وزيارة مسجد رسول اللَّهصلى الله عليه و آله

أحمد بن عبد الحليم بن تيمية (661- 728 ه)

القاهرة: شركة الشمرلي، 1965 م، 120ص.

ص: 268

12- آراء المراجع في الحج

علي افتخاري گلپايگاني

طهران: 1357 ش، 204ص.

13- آل فهد مؤرخو مكة

العرب (الرياض): س 11،ص 908.

14- آيا غير مسلمان مى تواند در جزيرة العرب سكونت كند؟

(بالفارسية)

يعقوب جعفرى

ميقات حج، س 1، ع 1 (پاييز 1371 ش)،ص 136- 129.

15- أبحاث الندوة العالميّة الأولى لدراسات تاريخ الجزيرة العربية

الرياض: ربيع الثاني 1397 ه- آيار 1977 م.

16- أبحاث الندوة العلميّة لدراسات تاريخ الجزيرة العربية في عصر الرسولصلى الله عليه و آله والخلفاء الراشدين

الرياض: جامعة الملك سعود، 15- 21 محرم/ 1404 ه.

17- أبواب الجنان وبشائر الرضوان

(وهو في بيان زيارة النبي وسائر الأئمة عليهم السلام وبعض الأدعية والأعمال مرتباً على مقدمة في فضل مكة والمسجد وسائر المشاهد للأئمة عليهم السلام)

خضر بن شلال آل خدام العفكاوي النجفي (ت 1255 ه)

ظ:

الذريعة 1/ 74، معجم ما كُتب عن الرسول وأهل البيت 1/ 110.

18- ابو الوليد ازرقى وكتاب او (اخبار مكه)

نقد و بررسى كتاب- اخبار مكه- نوشته محمد بن عبد اللَّه الازرقى

محمد على مهدوى راد

ميقات حج، س 3، ع 9 (پاييز 1373 ش)،ص 178- 200.

19- اتحاف الزائر في فضائل المدينة

عبد الصمد بن عبد الوهاب بن عساكر أبي الُيمن (ت 676 ه)

ظ:

الضوء اللامع 642،

معجم ما أُلف عن رسول اللَّهصلى الله عليه و آله 93،

معجم ما كُتب عن الرسول وأهل البيت 1/ 113.

20- اتحاف فضلاء الزمن في تاريخ مكة المكرمة

مجهول المؤلف

حققه: حمد الجاسر

الرياض: دار اليمامة للبحث والترجمة والنشر

ظ:

المنهل (جدة)، س 56، ع 475، مج 51 (1410 ه

ص: 269

/ 10- 11/ 1989 م)ص 202.

21- اتحاف الورى بأخبار أم القرى

محمد بن محمد بن محمد بن محمد بن فهد القرشي الهاشمي، المعروف بعمر بن فهد، وليس اسمه عمر ولا اسم أبيه فهد (812- 885 ه)

تحقيق: فهيم محمد شلتوت، وعبد الكريم بن علي الباز

مكة المكرمة: مركز البحث العلمي بجامعة أم القرى، 1404 ه، 4 مج.

العرب، س 18، ج 5، 6 (9- 10/ 1983 م)ص 428.

22- اتمام الحجج في تفسير مدلول «ولا جدال في الحج» يا پاسخى به تفسير محرف مفهوم جدال در حج

(بالفارسية)

محمد باقر حجتى

ميقات حج، س 1، ع 2 (زمستان 1371 ش)،ص 66- 89، ع 2 (1415 ه)ص 39- 59.

23- اتمام الحجة على من أوجب الزيارة كالحجة، ولقبها المذهب المأثور في زيارة سيد القبور

بشير بن بدر الدين السهسواني

ظ:

الثقافة الاسلامية في الهند 245،

معجم ما كُتب عن الرسول واهل البيت 1/ 114- 115.

24- اثارة الترغيب والتشويق إلى المساجد الثلاثة والبيت العتيق

محمد بن إسحاق الخوارزمي (827 ه)

خ:

الحرم المكي/ 2، قالصاحب الأعلام:

اختصره محمد بن أحمد الزملكاني والمختصر مطبوع.

ظ:

المنهل، س 56، ع 475، مج 51 (1410 ه/ 10- 11/ 1989 م)ص 201.

25- الإحرام

محمد محمد الشرقاوي

منار الإسلام (ابو ظبي)، س 15، ع 11، (5/ 1990)،ص 87- 89.

26- احرام- قاموس واژه ها واصطلاحات حج

(بالفارسية)

على حجتى كرمانى

ميقات حج، س 1، ع 2 (زمستان 1371 ش)ص 105- 118؛

س 2، ع 4 (تابستان 1372 ش)ص 85- 93؛

س 2، ع 5 (پاييز 1372 ش)ص 47- 55.

ص: 270

27- احكام اختصاصى مكه ومسجد الحرام (بالفارسية)

يعقوب جعفرى

ميقات حج، س 2، ع 8 (تابستان 1373 ش)،ص 38- 61.

28- إحكام الأساس في قوله تعالى إنّ أول بيت وضع للناس

مرعي بن يوسف الكرمي المقدسي (ت 1033 ه).

ظ:

المنهل (جدة): س 56، ع 475 (3- 4/ 1410 ه/ 10- 11/ 1989 م)،ص 202.

29- أحكام الأضحية

عبد اللطيف عمارة

المجاهد (القاهرة)، س 9، ع 92 (8/ 1988)،ص 50- 51.

30- أحكام الحج

محمد علي الصابوني

الوعي (بيروت)، س 3، ع 27 (7/ 1989)،ص 6- 11.

31- أحكام الحج والعمرة

إبراهيم سعفان

المجاهد (القاهرة)، ع 127 (5/ 1991)،ص 34- 37.

32- أحكام الحج والعمرة

الشهيد الثاني زين الدين العاملي

تحقيق: رضا مختاري

ميقات الحج، ع 3 (1416 ه)،ص 71- 83.

33- أحكام الحج والعمرة

عبد اللَّه الموسوي الشيرازي

النجف: مط النعمان، 1974 م، 32ص.

34- أحكام الحج والعمرة

عبد اللطيف عمارة

المجاهد (القاهرة)، ع 91 (7/ 1988)،ص 56- 85،

ع 103 (6/ 1989)ص 50- 52،

ع 115 (6/ 1990)ص 50- 52.

35- أحكام الحج والعمرة في الفقه الإسلامي دراسة مقارنة على المذاهب الأربعة مع بيان الراجح منها

أبو سريع محمد عبد الهادي

القاهرة: دار الاعتصام، 1984 م، 229ص.

36- أحكام الحج والعمرة من حجة النبي وعمرتهصلى الله عليه و آله

أحمد عبد الغفور عطار (ت 1411 ه)

مكة: 1977 م، 189ص.

37- احكام ويژه بانوان در حج

(بالفارسية)

مطابق لفتاوى آيات اللَّه: الخوئي والگلپايگاني، والأراكي، وفاضل

ص: 271

لنكراني.

[د. م]: نشر مشعر، 144ص.

38- احكام ويژه بانوان در حج

(بالفارسية)

محمد حسين فلاح زاده

طهران: حج وزيارت، 1371 ش، 86ص.

39- الأحوال السياسية والاقتصادية لمكة في العصر المملوكي

المستشرق مرينارد مورتيل

ظ:

المنهل (جدة)، س 56، ع 475 (3- 4/ 1410 ه/ 10- 11/ 1989 م)ص 206.

40- احوالات مكه

(بالفارسية)

خواجه محمد پارسا (ت 822 ه)

ظ:

منزوي 3932.

41- أخبار أمراء مكة

عمر بن شبة النميري البصري (173- 262 ه)

ظ:

المنهل (جدة)، س 56، ع 475 (3- 4/ 1410 ه/ 10- 11/ 1989 م)ص 202.

42- أخبار بناء الكعبة

علي بن محمد المدائني (135- 225 ه)

ظ:

المنهل (جدة)، س 56، ع 475 (3- 4/ 1410 ه/ 10- 11/ 1989 م)ص 202.

43- اخبار حسينيه در اخبار مدينه

(ترجمة خلاصة الوفاء، بالفارسية)

ظ:

فهرست مشترك باكستان 10/ 11.

44- إخبار الكرام بأخبار المسجد الحرام

أحمد بن محمد الأسدي (ت 1066 ه)

خ: الحرم المكي/ 2، تاريخ 18 دهلوي

ظ:

معجم ما ألّف عن رسول اللَّهصلى الله عليه و آله 17،

معجم ما كتب عن الرسول وأهل البيت 1/ 136،

المنهل (جدة)، س 56، ع 475، مج 51 (3- 4/ 1410 ه/ 10- 11/ 1989 م)ص 201.

45- أخبار المدينة

الحسن بن خلف بن شاذان الواسطي (ت 246 ه)

ظ:

الإصابة 2/ 751،

تاريخ التراث العربي لفؤاد سزكين، مج 1، ج 2/ 204.

معجم ما كتب عن الرسول وأهل البيت 1/ 136.

46- أخبار المدينة

الزبير بن بكّار (172- 235 ه)

ص: 272

توجد مقتبسات منه في الإصابة لابن حجر: 2/ 157، 3/ 92، 434، 682، 801، 950، 4/ 633، 660، 819، 839.

ظ:

تاريخ التراث العربي لفؤاد سزكين، مج 1، ج 2/ 149

الرسالة المستطرفة 60،

معجم ما ألّف عن الرسولصلى الله عليه و آله 93،

معجم ما كُتب عن الرسول وأهل البيت 1/ 136- 137.

47- أخبار المدينة

محمد بن الحسن بن زُبالة (من أصحاب مالك)

أُلّف سنة 199 ه.

ظ:

كشف الظنون 1/ 29، 302،

معجم ما ألّف عن رسول اللَّهصلى الله عليه و آله 193،

معجم ما كتب عن الرسول وأهل البيت 1/ 137.

48- أخبار المدينة

محمد بن يحيى العلوي

ظ:

الضوء اللامع 641،

معجم ما ألّف عن رسول اللَّهصلى الله عليه و آله 93،

معجم ما كتب عن الرسول وأهل البيت 1/ 137.

49- أخبار المدينة

يحيى بن الحسن بن جعفر بن عبيد اللَّه الأعرج بن الحسين الأصغر بن الإمام السجاد عليه السلام العبيدلي العقيقي النسّابة الشهير

(المتوفى بمكة سنة 277 ه)

ظ:

كشف الظنون 1/ 29،

الغدير 5/ 95، 104، 105، 148،

ريحانة الأدب 4/ 106،

الذريعة 1/ 349،

معجم ما ألّف عن رسول اللَّهصلى الله عليه و آله 93،

معجم ما كتب عن الرسول وأهل البيت 1/ 137.

50- أخبار المدينة المنوّرة

عمر بن شبّة النميري البصري (173- 262 ه)

تحقيق: فهيم محمد شلتوت

جدة: دار الأصفهاني، ط 1، 1982 م، 4 ج، 1396ص، 24 سم.

بيروت: دار التراث، الدار الإسلامية، ط 1، 1410 ه/ 1990 م، 4 ج، 1396ص، 24 سم.

قم: دار الفكر، 1369 ه. ش/ 1990 م، 3 ج، 1396ص، 24 سم.

دراسات تاريخ الجزيرة العربية، ج 1 (1979 م)ص 3- 8 (فهيم محمد شلتوت).

العرب، س 19، ج 5، 6

ص: 273

(9/ 10/- 1983 م)ص 989- 356.

س 18، ع 9، 10 (1/ 1985 م)ص 589- 657 (حمد الجاسر).

51- الأخبار المستفادة فيمن ولّي مكة من آل قتادة

محمد بن أبي السعود بن ظُهيرة (ت 940 ه)

ظ:

كشف الظنون 1/ 30،

معجم ما ألّف عن رسول اللَّهصلى الله عليه و آله 17،

معجم ما كتب عن الرسول وأهل البيت 1/ 138.

52- أخبار مكة

علي بن محمد المدائني

ظ:

المنهل (جدة)، س 56، ع 475 (3- 4/ 1410 ه/ 10- 11/ 1989 م)ص 202.

53- أخبار مكة

عمر بن شبة (ت 262 ه)

ظ:

تاريخ التراث العربي لفؤاد سزكين، مج 1، ج 2/ 206،

معجم ما كتب عن الرسول وأهل البيت 1/ 138.

54- أخبار مكة

محمد بن عمر بن واقد الواقدي (130- 207 ه)

(أفاد منه الأزرقي كثيراً، وأخذه عنه بالرواية التالية: حدّثني محمد بن يحيى عن الواقدي)

ظ:

فهرست ابن النديم 111،

تاريخ التراث العربي لفؤاد سزكين، مج 1، ج 2/ 105،

الذريعة 1/ 351،

معجم ما كتب عن الرسول وأهل البيت 1/ 138.

55- أخبار مكة

(نصوص عربيّة في أربعة مجلدات)

جمعها: المستشرق فستنفلد (1808- 1899 م)

ليپتسك: 1857- 1861 م.

جمع فستنفلد في هذا المجموع مؤلفات خمسة مؤرّخين:

فالمجلد الأول: يحتوي على أخبار مكة، للأزرقي وابنه. وقد نشرها فستنفلد عام 1858 م، ليپتسك، 29+ 518ص.

والمجلد الثاني: يشتمل على نصوص الفاكهي وابن ظُهيْرة، ليپتسك، 1859 م، 23+ 391ص.

والمجلد الثالث: يحتوي على تاريخ مكة والبيت الحرام، لقطب الدين (ق 10 ه)، وقد ظهر أول المجلدات الأربع في:

ليپتسك، 1857 م، 16+ 480ص.

والمجلد الرابع: يحتوي على ترجمة ألمانية

ص: 274

للمجلدات الثلاثة الأولى، وظهر في ليپتسك، 1861 م.

ظ:

موسوعة المستشرقين 279.

56- أخبار مكة

أبو عبد اللَّه محمد بن إسحاق الكناني الفاكهي (ت حوالي 280 ه)

تحقيق: عبد الملك بن دهيش

مكة المكرّمة: مكتبة النهضة، 1407 ه، 5 مج (تشكل هذه المجلدات النصف الثاني من الكتاب مع حواشي المحقّق، لأنّ النصف الأول منه مفقود)

ظ:

موسوعة الأدباء والكتاب السعوديين 375،

معجم ما كتب عن الرسول وأهل البيت 1/ 138- 139.

57- أخبار مكة شرّفها اللَّه تعالى وما جاء فيها من الآثار

محمد بن عبد اللَّه بن أحمد الأزرقي (ت 223 ه)

غوتنغن: 1275 ه (بعناية وستنفلد).

بيروت: 1964 م، (أوفسيت).

مكة المكرمة: مطابع دار الثقافة، ط 2، 1965 م.

بيروت: دار الأندلس، ط 2، 1403 ه/ 1983 م، 2 ج (تحقيق: رشدي الصالح ملحس).

بيروت: منشورات دار الثقافة، 1988 م، 842ص.

قم: الشريف الرضي، 1411 ه، 829ص، 24 سم، 2 ج، (تحقيق:

رشدي الصالح ملحس) (أوفسيت على طبعة دار الأندلس).

طهران: چاپ ونشر بنياد، 1368 ش/ 1989 م، 2 ج، 623ص، (تحقيق:

رشدي الصالح ملحس) [ترجمه الى الفارسية: محمود مهدوي دامغاني].

58- أخبار مكة والمدينة وفضلهما

رزين بن معاوية العَبْدري السرقسطي (ت 535 ه)

ظ:

بروكلمان، الذيل الأول 630،

معجم ما ألّف عن رسول اللَّهصلى الله عليه و آله 93،

معجم ما كتب عن الرسول وأهل البيت 1/ 139.

59- إخبار الورى بأخبار أم القرى

محمد بن عمر (809- 917 ه)

في مجلّدين، سجل فيه الحوادث التأريخية لمكة منذ سنة 872 ه الى سنة وفاته (917 ه).

ظ:

المنهل (جدة)، س 56، ع 475 (3- 4/ 1410 ه/ 10- 11/ 1989 م)ص 201.

ص: 275

60- كتاب اختلاف الحج

يونس بن عبد الرحمن

ظ:

رجال النجاشي 447،

الذريعة 5/ 18.

61- الإخلاص في الحج

عادل العلوي

ميقات الحج، ع 2 (1415 ه)ص 318- 333.

62- أدعية زيارة المدينة المنوّرة

مكة المكرمة: 1316 ه، حجريّة.

ظ:

معجم المطبوعات العربية والمعربة لسركيس 1991،

معجم ما كتب عن الرسول وأهل البيت 1/ 146.

63- ادعيه سعى

طهران: مشعر، ط 1، 1371 ش، 40ص.

64- أدعية مناسك الحج والعمرة على المذاهب الأربعة، ويليه زيارة المدينة ودعاء ختم القرآن

أسعد محمد سعيد الحبال

[د. م]: شركة الشمرلي، 1965 م، 116، 36ص، مصور.

65- أدعية مناسك الحج والعمرة وزيارة قبر الرسول

محمد عثمان الغشت

القاهرة: مكتبةالقرآن، ط 1، 1984 م، 55ص.

66- ادعيه وآداب حرمين

(بالفارسية)

طهران: معاونت آموزشى بعثه، 1371 ش، 448ص.

67- أدعية وآداب الحرمين

اعداد: معاونية بعثة قائد الثورة الإسلامية لشؤون التعليم والبحوث

تعريب: محمد حسين تبرائيان

[د. م]: نشر مشعر، ط 1، 1413 ه، 432ص.

68- الأدلة الإسلامية في المدينة في عهد الرسول ... المسجد- المؤاخاة- الدستور

حنفي عبد المتجلي

الدارة، س 16، ع 4 (1/ 1991)،ص 44- 81.

69- أدنى الحل «مواقيت العمرة المفردة لمن كان بمكة»

حسن الجواهري

ميقات الحج، ع 2، (1415 ه)ص 60- 79.

70- الارتسامات اللطاف

(ثمرة رحلة شكيب أرسلان إلى الحجاز سنة 1348 ه)

ص: 276

شكيب أرسلان

القاهرة: دار الشعب، 356ص.

71- الأرج المسكي والتاريخ المكي

علي بن عبد القادر الطبري المكي (ت 1070 ه)

خ:

جامعة الملك عبد العزيز

مكتبة محمد نظيف في جدة،

مكتبة الحرم المكي، 2 تاريخ دهلوي.

ظ:

معجم ما ألّف عن رسول اللَّهصلى الله عليه و آله 16،

معجم ما كُتب عن الرسول وأهل البيت 1/ 149.

72- أُرجوزة في فقه الحج

محمود البغدادي

ميقات الحج، ع 2 (1415 ه)ص 15- 16.

73- إرشاد المؤمنين إلى تعاليم الحج وزيارة المعصومين

جعفر شبر

النجف الأشرف: مط النعمان، 116ص.

74- ارمغان آورده ام بر خاك ره مصطفى

(شعر بالفارسية)

شاعر من افغانستان

ميقات حج، س 2، ع 4 (تابستان 1372 ش)ص 197- 198.

75- إزاحة الوسوسة عن تقبيل الاعتاب المقدسة

عبد اللَّه بن محمد حسن المامقاني (ت 1351 ه)

النجف الأشرف: المطبعة المرتضوية، 1345 ه، 277ص، 24 سم (مع مخزن اللآلئ)

ظ:

الذريعة 1/ 528،

معجم ما كتب عن الرسول وأهل البيت 1/ 156.

76- الأزرقي المؤرخ من خلال رواياته

محمد علي مختار

في الندوة العالمية الأولى لدراسات تاريخ الجزيرة العربية (الرياض:

5/ 1397 ه/ 4/ 1977 م).

77- از همان راه كه رسول خدا از مدينه به تبوك رفت (بالفارسية)

محمد حسين مشايخ فريدني

ميقات حج، س 1، ع 1 (پاييز 1371 ش)ص 177- 184.

78- أساطين الشعائر الإسلامية وفضائل السلاطين والمشاعر الحرمية

عبد القادر الطبري (976- 1033 ه)

ظ:

المنهل (جدة)، س 56، ع 475، مج 51 (3- 4/ 1410 ه/ 10- 11/ 1989 م)ص 202.

ص: 277

79- الأساطين في حج السلاطين

عبد القادر الطبري

(ألّفهُ بمناسبة حج السلطان عثمان خان)

ظ:

المنهل (جدة)، س 56، ع 475، مج 51 (3- 4/ 1410 ه/ 10- 11/ 1989 م)ص 202.

80- اسامى كعبه در قرآن

(بالفارسية)

محمد ابراهيم جناتى

ميقات حج، س 1، ع 1 (پاييز 1371 ش)ص 37- 46.

81- الأسباب الاقتصادية والاجتماعية لمعارضة قريش الدعوة إلى الإسلام

نبيه عاقل

دراسات تاريخية (دمشق)، ع 7 (ربيع الثاني 1402 ه/ يناير 1982 م)ص 83- 97.

82- استطاعت چيست ومستطيع كيست؟ (بالفارسية)

جعفر شهيدى

ميقات حج، س 1، ع 1 (پاييز 1371 ش)ص 46- 55.

83- استعراض لتاريخ شبه الجزيرة العربية من القرن الأول إلى ظهور الإسلام

لولتير مولر

بحث مقدم في: الندوة العالمية الأولى لدراسات تاريخ الجزيرة العربية (الرياض: 5/ 1397 ه/ 4/ 1977 م).

84- استفتاآت (بالفارسية)

باهتمام: محمد حسين فلاح زاده

ميقات حج، س 2، ع 7 (بهار 1373 ش)،ص 81- 89،

س 3، ع 9 (پاييز 1373 ش)،ص 38- 44.

85- أسرار الحج

ابن أبي جمهور الاحسائي

طهران: مطبعة أحمد الشيرازي، 1329 ه، 585ص، 24 سم، حجرية.

86- اسرار حج در روايات (بالفارسية)

عبد اللَّه جوادي آملي

ميقات حج، س 1، ع 2 (زمستان 1371 ش)،ص 17- 30.

87- أسرار الحج ومقاصده

عبد الوهاب الساكت

منبر الاسلام (القاهرة)، س 46، ع 12 (7/ 1988)،ص 36- 39.

88- أسرار المدينة المنورة وخصائصها

لعل المؤلف هو أحمد بن محمد الدجاني القشاشي المدني (ت 1071 ه)

خ: الصبيحية بسلافمن مجموعة برقم 489 في 55 ورقة.

ص: 278

ظ:

فهرسها 432- 433.

89- أُسس المجتمع الجديد في المدينة المنورة

محمد أحمد علي سعلول

المجاهد (القاهرة)، س 1، ع 117 (8/ 1990)،ص 39- 41.

90- إسعاف الحجاج بمناسك سيد العبادصلى الله عليه و آله

صالح بن أحمد

القاهرة: مطبعة أمين عبد الرحمن، 1956 م، 159ص، 24 سم، (وبذيله قصيدة ذكر الحج وبركاته للصنعاني).

91- الإسلام في مكة ومقاومة المشركين له

أحمد شلبي

مراجعة: محمد الطيب النجّار

القاهرة: وزارة الأوقاف، المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، مركز السيرة والسنة، 1989 م، 126ص، 21 سم، (أضواء على السيرة النبوية الشريفة: 2).

92- أسماء القبائل من قريش وأصولها، وفروعها وخلفاؤها ومن كان معها من العرب

محمد بن محمد بن علي الخزّاز النسابة

خ: التيمورية برقم 930 تاريخ.

ظ:

معجم ما ألّف عن رسول اللَّهصلى الله عليه و آله 47،

معجم ما كتب عن الرسول وأهل البيت 1/ 183.

93- أسماء الكعبة المشرّفة

محمد المكي بن الحسين بن علي بن عمر (1301- 1382 ه)

تونس: مط التليلي، 1368 ه، 1949 م، 22ص.

94- أسماء المدينة المنوّرة ونعوتها

أحمد زماني

ميقات الحج، ع 3 (1416 ه)،ص 229- 256.

95- أسماء مكة

محمد مهدي فقيهي

ميقات الحج، ع 1 (1415 ه)،ص 187- 212.

96- أسنى المواهب والفتوح لعمارة المقام الإبراهيمي وباب الكعبة وسقفها والسطوح

ابن علان المكي (ت 996 ه/ 1057 م)

ظ:

المنهل (جدة)، س 56، ع 475، مج 51 (3- 4/ 1410 ه/ 10- 11/ 1989 م)ص 202.

97- أسواق مكة والمدينة

عباس المهاجر

ص: 279

ميقات الحج، ع 1 (1415 ه)،ص 223- 243.

98- الإشارة والاعلام ببناء الكعبة والبيت الحرام

علي بن أحمد المقريزي (ت 845 ه)

ظ:

كشف الظنون 1/ 97،

معجم ما ألّف عن رسول اللَّهصلى الله عليه و آله 17،

معجم ما كتب عن الرسول وأهل البيت 1/ 187.

99- أشراف مكة وأُمراؤها

مجهول المؤلف

ظ:

الأعلام 1/ 219.

100- أشهر رحلات الحج لبيت اللَّه الحرام

حمد الجاسر

الحرس الوطني (الرياض)، س 11، ع 94 (6/ 1990)،ص 18- 25.

101- أشهر أودية الحجاز

العرب، س 7،ص 83، 247، 358، 578، 647.

س 8،ص 9، 90، 171، 255، 372، 495، 645، 854.

س 9،ص 5، 165، 508.

102- اصحابصفه

(بالفارسية)

جواد محدثى

ميقات حج، س 1، ع 1 (پاييز 1371 ش)ص 155- 163.

103- الأضحية؛ أحكامها وفلسفتها التربوية

عبد المتعال الجبري

القاهره: دار الصحوة للنشر والتوزيع، ط 1، 1985 م، 56ص.

104- الأضحية؛ حكمها وشروطها في مذاهب الفقهاء

أحمد الحجي الكردي

نهج الإسلام (دمشق)، س 11، ع 40 (7/ 1990)،ص 28- 34.

105- الأضحية في الإسلام

مجدي محمد عرابي

المنهل (جدة)، مج 53، ع 496 (12/ 1412 ه)ص 83- 84.

106- الأضحية في الإسلام والشرائع الأُخرى

علي عبد الواحد وافي

الدارة، س 5، ع 1 (3/ 1979 م)ص 207- 219.

107- أضواء من أسرار الحج

جعفر السبحاني

ميقات الحج، ع 3 (1416 ه)ص 44- 50.

ص: 280

108- أطلس تاريخ الإسلام

حسين مؤنس

القاهرة: دار الزهراء للاعلام العربي، 1987 م، 527ص.

109- أطلس المدينة المنوّرة

محمد شوقي بن ابراهيم مكي

الرياض: جامعة الملك سعود، 1405 ه.

110- أطوار بناء المسجد النبوي الشريف

أحمد محمدصالح البرادعي

ظ:

موسوعة الأدباء والكتاب السعوديين 74.

111- الاعتداء على حرمة البيت وأمنه

محمد رضا باقرصادق

ميقات الحج، ع 3، (1416 ه)ص 113- 124.

112- أعظم القربة في تعظيم الكعبة

بدر الدين محمد سبط الشرينلالي (ت 1182 ه).

ظ:

المنهل (جدة)، س 56، ع 475 (3- 4/ 1410 ه/ 10- 11/ 1989 م)ص 202.

113- اعلام الأنام بتاريخ بيت اللَّه الحرام

محمدصالح الشبيبي (وهو من سدنة بيت اللَّه الحرام)

خ:

الدهلوي بالحرم المكي/ 6.

ظ:

المنهل (جدة)، س 56، ع 475 (3- 4/ 1410 ه/ 10- 11/ 1989 م)ص 201.

114- الإعلام بأعلام بلد اللَّه الحرام

محمد بن أحمد القطب المكي النهروالي (ت 988 ه)

طبع بعناية: وستنفلد في غوتنجن:

1274 ه.

مصر: 1303 ه.

القاهره: المطبعة الخيرية الجمالية، 1305 ه.

(بهامش: خلاصة الكلام في بيان أمراء البلد الحرام لأحمد زيني دحلان).

115- إعلام العامة فيصحة الحج مع العامة

عبد النبي محمد علي العراقي الاصفهاني

النجف: مط الغربي، 1945 م، 166ص.

116- إعلام العلماء الأعلام ببناء المسجد الحرام (مختصر كتاب: الاعلام بأعلام بيت اللَّه الحرام، لقطب الدين النهروالي 917- 990 ه)

عبد الكريم بن محبّ الدين القطبي (ت 1014 ه)

علّق عليه: أحمد جمال، وعبد العزيز

ص: 281

الرفاعي، وعبد اللَّه الجبوري.

الرياض: دار الرفاعي، 1403 ه، 175 ه، 37ص (دليل).

117- الاعلام لفضائل بيت اللَّه الحرام

علي بن سلطان القاري الهروي (ت 1004 ه)

ظ:

المنهل (جدة)، س 56، ع 475 (3- 4/ 1410 ه/ 10- 11/ 1989 م)ص 202.

118- أعمال الحج

محمد بن مهدي الحسيني الشيرازي

النجف الأشرف: مط الآداب، 1384 ه، 29ص.

119- أعمال الحرمين (الجزء الأول من كتاب أربح التجارات في الأدعية والزيارات)

علي منصور المرهون

النجف: مط النجف، ط 61، 1381 ه،/ 1961 م، 129ص.

النجف: مط النعمان، 1969 م، 280ص.

120- أعمال مكة والمدينة

محمد بن مهدي الحسيني الشيرازي

طبع في كربلاء

121- أغلاط في كتاب «المغانم المطابة في معالم طابة»

العرب (الرياض)، س 5،ص 493.

122- افادة الأنام بذكر أخبار بلد اللَّه الحرام

الكرمي بن يوسف (الفلسطيني الأصل ت 1033 ه)

ظ:

المنهل (جدة)، س 56، ع 475 (3- 4/ 1410 ه/ 10- 11/ 1989 م)ص 202.

123- افادة الأنام في أخبار البلد الحرام (تاريخ مكة)

عبد اللَّه بن غازي المكي (ت 1357 ه)

مخطوط في مكتبة الحرم المكي الشريف، 4 مج.

ظ:

المنهل (جدة)، مج 51، ع 475 (3- 4/ 1410 ه/ 10- 11/ 1989 م)ص 199،

موسوعة الأدباء والكتاب السعوديين 240.

124- افتخار الحرمين المحروسين مكة والمدينة

مجهول المؤلف

خ:

خزانة كمبردج/ 3.

ظ:

العرب (الرياض)، س 11،ص 424،

المنهل (جدة)، س 56، ع 475 (3- 4/ 1410 ه/ 10- 11/ 1989 م)ص 201.

ص: 282

125- الإفراد بالحج: مذهب الخليفة الراشد عمر بن الخطاب

نور الدين عتر

الوعي الإسلامي (الكويت)، س 26، ع 311 (11/ 1410 ه/ 6/ 1990)،ص 28- 32.

126- أفضل القرى لقراء أم القرى

مجهول المؤلف

(لعلّه في تاريخ مكة)

خ: مكتبة كمبردج/ 3.

ظ:

المنهل (جدة)، س 56، ع 475 (3- 4/ 1410 ه/ 10- 11/ 1989 م)ص 201.

127- الأقوال المعلمة في وقوع الكعبة المعظمة

عبد القادر الطبري (976- 1033 ه)

ظ:

المنهل (جدة)، س 56، ع 475 (3- 4/ 1410 ه/ 10- 11/ 1989 م)ص 202.

128- إلى بيت اللَّه الحرام

محمود أحمد محجوب

الجيزة (مصر): جمعية المحافظة على القرآن، ط 2، 1984 م، 128ص.

129- الإلحاد في المسجد الحرام كبيرة من الكبائر

محمد سيد طنطاوي

منبر الإسلام (القاهرة)، س 46، ع 12 (7/ 1988)ص 23- 27.

130- الإلمام في فضائل بيت اللَّه الحرام

زين الدين عبد الرحمن بن رجب الحنبلي (706- 795 ه)

ظ:

المنهل (جدة)، س 56، ع 475 (3- 4/ 1410 ه/ 10- 11/ 1989 م)ص 202.

131- أمّ القرى

عبد الرحمن الكواكبي

(تطرّق فيه الى مؤتمر عقد في مكة سنة 1316 ه، تخيّله هو ناقش فيه أحوال المسلمين)

بيروت: دار الرائد العربي، ط 2، 1402 ه، 255ص.

132- أمّ القرى مكة المكرّمة

فؤاد علي رضا

بيروت: مؤسسة المعارف، 1987 م، 278ص.

133- إمارة الحج وبيت الموسوي

فارس تبريزيان الحسّون

ميقات الحج، ع 3 (1416 ه)ص 84- 96.

134- إمارة مكة المكرمة

شكيب أرسلان

مجلة المقتبس (دمشق)، مج 8 (1914 م)

ص: 283

ص 525.

135- الأماكن المأثورة في مكة المكرمة

فيصل بن محمد عراقي

المنهل (جدة)، مج 51، ع 475 (3- 4/ 1410 ه)ص 56- 58.

136- الإمام الأكبر شيخ الأزهر في حديث عن الحج

محمد بكر

التصوّف الاسلامي (القاهرة)، س 10، ع 6 (6/ 1988)ص 18- 21.

137- أمثال أهل مكة المكرمة

سنوك هرجونيه

لاهاي: 1886 م.

138- الإنارة في الزيارة

ابن حجر العسقلاني (ت 852 ه)

ظ:

كشف الظنون 1/ 170،

معجم ما ألّف عن رسول اللَّهصلى الله عليه و آله 354،

معجم ما كتب عن الرسول وأهل البيت 1/ 232.

139- الأنباء المبينة عن فضل المدينة

القاسم بن علي بن عساكر (ت 600 ه)

ظ:

الضوء اللامع 642،

معجم ما ألّف عن رسول اللَّهصلى الله عليه و آله 94،

معجم ما كتب عن الرسول وأهل البيت 1/ 235.

140- انتبه أيّها الحاج إلى هذه النصائح

حلمي عبد المنعمصابر

المجاهد (القاهرة)، ع 128 (6/ 1991)،ص 31- 38.

141- الانتفاء في أخبار المدينة

أبو طاهر ابن المخلص

ظ:

كشف الظنون 1/ 175،

معجم ما ألّف عن رسول اللَّهصلى الله عليه و آله 94،

معجم ما كتب عن الرسول وأهل البيت 1/ 238.

142- أنساب قريش وأخيارها

أحمد بن محمد بن أبي جهم الجهمي

(صاحب كتاب الانتصار في الرد على الشعوبيّة)

ظ:

الفهرست 124،

الذريعة 2/ 382،

معجم ما ألّف عن رسول اللَّهصلى الله عليه و آله 47،

معجم ما كتب عن الرسول وأهل البيت 1/ 241.

143- أنعام الخالق بزيارة خير الخلائق

أحمد بن محمد بن عبد السلام الشافعي (المولود سنة 847 ه)

(رسالة ذكر فيها أنه لخّصها من شفاء السقام للسبكي وزاد عليه)

ظ:

كشف الظنون 1/ 183،

ص: 284

معجم ما ألّف عن رسول اللَّهصلى الله عليه و آله 354،

معجم ما كتب عن الرسول وأهل البيت 1/ 245.

144- أنغام الرحيل

(شعر في الحج إلى البيت الحرام)

بنت الهدى (آمنة حيدر الصدر) (ت 1400 ه)

ميقات الحج، ع 1 (1415 ه)ص 319- 322.

145- انقلاب اسلامى ايران و مسئله حج

(بالفارسية)

بهمن مهربان پهمدان

طهران: كلية العلوم السياسية والمعارف الإسلامية، جامعة الإمام الصادق (رسالة ماجستير).

146- إنّ للبيت ربّاً يحميه

خاطر العابدي

القاهرة: 1966 م.

147- أنيس الحجاج

(بالفارسية)

صفي بن ولي

ظ:

منزوي 3992.

148- الأهداف الاجتماعية للحج الإبراهيمي

عبد الجبار شرارة

ميقات الحج، ع 1 (1415 ه)ص 279- 288.

149- أهكذا التحقيق أيّتها الدكتورة؟

حول كتاب «حسن الصفا والابتهاج بذكر مَنْ ولي إمارة الحج»

حمد الجاسر

العرب، س 17،ص 928.

150- اهميت احكام حج

(بالفارسية)

عبد اللَّه جوادي آملي

ميقات حج، س 2، ع 8 (تابستان 1373 ش)، 14- 31.

151- أهمية شواهد القبور كمصدر لتاريخ الجزيرة العربية في العصر الإسلامي

(مع نشر مجموعة الشواهد بالمتحف الآثاري بكلية الآداب، جامعة الرياض)

حسن باشا

دراسات تاريخ الجزيرة العربية (ابريل 1982 م)ص 58- 59.

152- أهمية الوثائق العثمانية في دراسة تاريخ الخليج وشبه جزيرة العرب

نجاة عبد القادر القناعي

دراسات الخليج والجزيرة العربية (ابريل 1982 م)ص 143- 192.

ص: 285

153- الأوائل في تاريخ المدينة المنوّرة

أحمد ياسين الخياري (ت 1380 ه)

ظ:

موسوعة الأدباء والكتاب السعوديين 332.

154- أودية مكة

عاتق بن غيث البلادي

مكة المكرمة: دار مكة للنشر والتوزيع، 1405 ه، 222ص، 21 سم.

155- أودية مكة المكرمة

العرب، س 9،ص 641، 807.

156- أوضح منهج إلى معرفة مناسك الحج

عبدالباقي سعدالدين بن محمود الآلوسي

القاهرة: 1860 م، حجرية.

157- أول من بنى البيت

أحمد عمر هاشم

المجاهد (القاهرة)، ع 115 (6/ 1990)ص 44- 45.

158- الايلاف القرشي

(بحث في التكوين الاقتصادي المكي قبل الإسلام)

إبراهيم بيضون

تاريخ العرب والعالم (بيروت)، س 4، ع 42 (نيسان 1982 م)ص 22- 35.

159- أين الحجون وأين كداء؟

العرب، س 2،ص 865،

س 22،ص 250.

160- أين نزل رسول اللَّهصلى الله عليه و آله بعد فتح مكة؟

عبد المعطي قلعجي

المجلة العربية (الرياض)، س 5، ع 7 (10/ 1981 م)ص 16- 17.

161- بئر زمزم تاريخاً وعطاءً

محمد عيسى رضوان

المجاهد (القاهرة)، س 9، ع 92 (8/ 1988) س 39.

162- بئر عسفان وبئر الحديبية

حمد الجاسر

العرب (الرياض)، س 19، ج 3- 4 (6- 7/ 1984 م)ص 168- 187.

163- باب السنة: الحج والعمرة

محمد علي عبد الرحيم

مجلة التوحيد (القاهرة)، س 19، ع 11 (6/ 1991 م)ص 6- 35.

164- باب الكعبة

إسماعيل أحمد حافظ

الدارة (الرياض)، س 7، ع 3 (ربيع الثاني 1402 ه/ شباط 1982 م).

165- با كاروان ابراهيم

(بالفارسية)

رسول جعفريان، ومحمد علي خسروي

مراجعة: علي موسوي گرمارودي

ص: 286

[د. م]: نشر مشعر، ط 1، 1371 ش، 357ص، 24 سم.

166- با كاروان عشق

(تقرير بعثة الولي الفقيه في الحج عن موسم حج عام 1372 ش، بالفارسية)

محمد علي مهدوي راد، ورسول جعفريان

[د. م]: نشر مشعر، ط 1، 1372 ش، 434ص، تصاوير.

167- البحر العميق في مناسك المعتمر والحاج إلى البيت العتيق

ابن ضياء المكي (ت 854 ه)

(في مجلّدين كبيرين وهو يتعلّق بمناسك الحج إلّاأنّصاحب الاعلام خلال حديثه عنه ذكر أنّ الربع الأخير منه يُسجل حوادث مكة والكعبة والمسجد الحرام).

ظ:

المنهل (جدة)، س 56، ع 475 (3- 4/ 1410 ه/ 10- 11/ 1989 م)ص 202.

168- بحضور جمع من العلماء والكتّاب والمفكّرين: ندوة حول الحج تنعقد في الخرطوم

الطاهرة (طهران)، ع 2 (8/ 1988)ص 13.

169- برّ الحج

أحمد ناجي إبراهيم

المجاهد (القاهرة)، ع 128 (6/ 1991)،ص 24- 26.

170- براى نخستين بار در تاريخ حج:

سخن ماه (بالفارسية)

ن- م

درسهايى از مكتب اسلام، س 32، ع 4 (مرداد 1371 ش)ص 35.

171- برخى از سفرنامه هاى حج

(بالفارسية)

حمد الجاسر

ترجمة: حسن اسلامي

ميقات حج، س 2، ع 4 (تابستان 1372 ش)ص 211- 228.

172- بررسى حقيقت احرام

(بالفارسية)

محمد فاضل لنكراني

ميقات حج، س 2، ع 6 (زمستان 1372 ش)ص 47- 57.

173- البرق السامي في تعداد منازل الحج الشامي

محمد بن طولون الحنفي

العرب، س 10، ج 11- 12 (5- 6/ 1976 م)ص 869- 905.

174- بركات خانه خدا

(بالفارسية)

عبد اللَّه جوادي آملي

ص: 287

ميقات حج، س 2، ع 4 (زمستان 1372 ش)ص 17- 28.

175- برگى از حج ابراهيمى عليه السلام

(بالفارسية)

علي سكندري

فصلنامه فرهنگى، پيش شماره 3،ص 1.

176- بزم غريب

(رحلة للحج، بالفارسية)

محمد علي بن محمد رضي البروجردي

ظ:

به سوى ام القرى 16.

177- يه سوى ام القرى

سفرنامه حج سال 1373

(بالفارسية)

رسول جعفريان

[د. م]: نشر مشعر، ط 1، 1373 ش، 149ص، 24 سم (معه ثلاث رسائل في رحلات الحج).

178- بسوى ضيافت خدا (بالفارسية)

علي كوراني

طهران: دفتر نشر فرهنگ اسلامى، ط 2، 1372 ش، 160ص.

179- البشارة الهنية بأن الطاعون لا يدخل مكة والمدينة

خطاب الرعيني (902- 954 ه)

ظ:

المنهل (جدة)، س 56، ع 475 (3- 4/ 1410 ه/ 10- 11/ 1989 م)ص 202.

180- بشرى الأخيار فى زيارات النبي والأئمة الأطهار

محمد رضا بن القاسم بن محمد الغراوي (1303 ه)

ظ:

شعراء الغري 8/ 403،

ماضي النجف وحاضرها 3/ 40،

معجم ما كتب عن الرسول وأهل البيت 1/ 291.

181- بعث النبيّ أبا بكر ليحج بالمسلمين

رسالة المسجد (مسقط)، س 8، ع 38 (7/ 1988)ص 28- 30.

182- البُعد العرفاني والتربوي والعبادي للحج

محمد حسين فضل اللَّه

ميقات الحج، ع 2 (1415 ه)ص 11- 27.

183- بعضى از آداب حج (بالفارسية)

أحمد نراقي

ميقات حج، س 2، ع 7 (بهار 1373 ش)ص 41- 49.

184- بغيّة الراغبين وقوّة عين أهل البلد الأمين

عبد اللَّه الزواوي (1266- 1343 ه)

ص: 288

(رسالة في أحوال عين زبيدة)

ظ:

المنهل (جدة)، س 56، ع 475 (3- 4/ 1410 ه/ 10- 11/ 1989 م)ص 203.

185- بلاد الحجاز في العصر الأيوبي

عائشة بنت عبد اللَّه باقاسي

مكة المكرّمة: نادي مكة الثقافي، 1400 ه، 138ص، 21 سم (رسالة ماجستير).

186- بلاد الحجاز في المخطوطات المغربية المدوّنة خلال القرنين الحادي عشر والثاني عشر للهجرة

عبد الكريم كريم

في الندوة العالمية الأولى لدراسات تاريخ الجزيرة العربية (الرياض:

5/ 1397 ه/ 4/ 1977 م).

العرب، س 12، ج 453 (9- 10/ 1977 م)،ص 186- 209.

دراسات تاريخ الجزيرة العربية، ج 1 (1978 م)ص 403- 417.

187- بلوغ القرى في ذيل إتحاف الورى بأخبار أم القرى

عبدالعزيز عمر بن فهد المكي (ت 922 ه)

خ:

الحرم المكي، تاريخ، عبد الوهاب.

الدهلوي بالحرم المكي/ 2.

ظ:

معجم ما ألّف عن رسول اللَّهصلى الله عليه و آله 18،

معجم ما كتب عن الرسول وأهل البيت 1/ 302.

188- بل ولد في مكة عليه الصلاة والسلام

العرب، س 20،ص 28، 37.

189- بناء الكعبة: ثلاثة تواريخ

ابن علان محمد بن علي (976- 1057 ه)

ظ:

المنهل (جدة)، س 56، ع 475 (3- 4/ 1410 ه/ 10- 11/ 1989 م)ص 202.

190- بناء الكعبة على قواعد إبراهيم

أحمد بن عبد الغفور عطار (ت 1411 ه)

[د. م]: 1398 ه، 127ص.

191- بناء الكعبة المشرفة

إحسانصدقي العمد

الوعي الإسلامي، س 25، ع 30 (7/ 1989)ص 24- 28.

192- بناء الكعبة المعظمة

العرب، س 2،ص 512.

193- بناء الكعبة وأخبارها

إبراهيم بن يحيى اليزيدي (ت 225 ه)

ظ:

المنهل (جدة)، س 56، ع 475 (3- 4/ 1410 ه/ 10- 11/ 1989 م)ص 203.

ص: 289

194- بنو فهد مؤرّخو مكة المكرّمة، والتعريف بمخطوط النجم بن فهد (اتحاف الورى في أخبار أمّ القرى)

ناصر بن سعد الرشيد

في:

الندوة العالمية الأولى لدراسات الجزيرة العربية (الرياض: 5/ 1397 ه/ 4/ 1977 م).

مصادر تاريخ الجزيرة العربية، ج 2 (1979 م)ص 90- 96.

195- بهجة الدماثة فيما ورد في فضل المساجد الثلاثة

ابن فهد المكي

ظ:

المنهل (جدة)، س 56، ع 475 (3- 4/ 1410 ه/ 10- 11/ 1989 م)ص 203.

196- بهجة الزمان بعمارة الحرمين بملوك آل عثمان

جار اللَّه محبّ الدين القرشي الشافعي

(المعروف بابن فهد ت 954 ه)

ظ:

المنهل (جدة)، س 56، ع 475 (3- 4/ 1410 ه/ 10- 11/ 1989 م)ص 203.

197- بهجة النفوس والاسرار في تاريخ هجرة المختار

عبد اللَّه بن عبد الملك القرطبي المرجاني التونسي البكري

خ:

الحرم المكي برقم 13، تاريخ دهلوي، عارف حكمت 45، تاريخ.

ظ:

كشف الظنون 1/ 259،

المورد مج 2، ع 4 (1973 م)ص 224،

معجم ما ألّف عن رسول اللَّهصلى الله عليه و آله 94،

تراجم المؤلفين التونسيين 4/ 300،

معجم ما كتب عن الرسول وأهل البيت 1/ 308.

198- بهره گيرى از ابعاد سياسى حج

(بالفارسية)

محمد محمدي اشتهاردي

ميقات حج، س 2، ع 4 (تابستان 1372 ش)ص 45- 52.

199- البيئة الطبيعية لمكة المكرمة:

دراسة في الجغرافيّة الطبيعيّة لمنطقة الحرم الشريف

رقية حسين سعد نجيم

مكة المكرمة: جامعة أم القرى، كلية العلوم الاجتماعيّة، قسم الجغرافية، 1412 ه (ماجستير).

200- البيان والاعلام في توجيه فرضية عمارة الساقط من البيت لسلطان الإسلام

ابن علان المكي (996- 1057 م)

ص: 290

ظ:

المنهل (جدة)، س 56، ع 475 (3- 4/ 1410 ه/ 10- 11/ 1989 م)ص 202.

201- بيت الاحزان يك حقيقت فراموش ناشدنى (بالفارسية)

محمدصادق نجمى

ميقات حج، س 1، ع 2 (زمستان 1371 ش)ص 119- 130.

202- بيت اللَّه الحرام

نور الإسلام (بيروت)، س 1، ع 5 (7/ 1988 م)ص 140- 141.

203- بيت اللَّه الحرام: حول تاريخ بنائه ومكانته

خليل رزق

نور الإسلام، س 3، ع 27- 28 (11- 12/ 1412 ه/ 5- 6/ 1992 م)ص 8- 12.

204- البيت الحرام ومكة المكرمة

أحمد شلبي

القدس (القاهرة): س 3، ع 128 (9/ 1990 م)ص 54- 55.

205- بين حجّ الجاهلية والحج في الإسلام

عبد الرحمن العدوي

منبر الاسلام (أبو ظبي) س 49، ع 12 (6/ 1991)ص 11- 14.

206- بين يدي مكة

المنهل (جدة)، مج 51، ع 475 (3- 4/ 1410 ه)ص 4- 5.

207- پا به پاى امين جبل

سفرنامه حج علّامه سيد محسن الأمين

(بالفارسية)

ترجمه: جواد محدثى

ميقات حج، س 2، ع 7 (بهار 1373 ش)ص 219- 210،

س 2، ع 8 (تابستان 1373 ش)،ص 176- 181.

208- پنجاه و يك فضيلت مشترك مكه و مدينه

(بالفارسية)

محمد جواد حجتى كرمانى

ميقات حج، س 2، ع 7 (بهار 1373 ش)،ص 16- 19.

209- پيشينه تاريخى طواف

(بالفارسية)

علي قاضي عسكر

ميقات حج، س 2، ع 6 (زمستان 1372 ش)،ص 73- 89.

... يتّبع

ص: 291

الفهرس العام لمجلة الميقات 1- 4

فهرس المواضيع:

اسم المقالة المؤلف/ المحقّق العدد الصفحة

1- الحج في أحاديث الامام الخميني قدس سره 121

2- الحج في أحاديث الامام الخميني قدس سره 3292

3- الحج في أحاديث الامام الخميني قدس سره 6833

4- الحج في أحاديث الامام الخميني قدس سره 9774

5- الحج في أحاديث الامام الخامنئي- مد ظله العالي- 151

6- الحج في أحاديث الامام الخامنئي- مد ظله العالي- 3312

7- الحج في أحاديث الامام الخامنئي- مد ظله العالي- 6853

8- الحج في أحاديث الامام الخامنئي- مد ظله العالي- 9794

9- حوارٌ مع ممثّل الوليّ الفقيه لشؤون الحجّ والزيارة 6562

ص: 292

اسم المقالة المؤلف/ المحقّق العدد الصفحة

1- القرآن والحج

1- الحج في القرآن عبد اللَّه جوادي آملي 361

2- شريعة إبراهيم في القرآن المجيد عبد اللَّه جوادي آملي 6883

3- إبراهيم الخليل مؤسس أُمّ القرى عبد اللَّه جوادي آملي 9824

4- وقفة فاحصة عند لفظة محمد هادي معرفة 1001

«فلا جناح عليه»

5- دعوة إبراهيم وإسماعيل عند رفع سامي البدري 2441

القواعد من البيت

6- ليشهدوا منافع لهم وهبة الزحيلي 3502

7- إتمام الحجج في تفسير «ولا جدال محمد باقر حجّتي 3612

في الحج»

2- الحجّ في السنّة الشريفة

1- الإخلاص في الحج عادل العلوي 6402

2- الحج في السنّة (1) واعظ زاده الخراساني 7013

3- الحج في السنّة (2) واعظ زاده الخراساني 9894

4- شرح فقرة من دعاء عرفة السيد ماجد الحسيني 7253

5- الحج في نهج البلاغة فارس تبريزيان 10294

6- أسرار الحج في حوار بين الإمام محمد علي مقدادي 10514

زين العابدين عليه السلام والشبلي

ص: 293

اسم المقالة المؤلف/ المحقّق العدد الصفحة

3- فقه الحجّ

1- حدود عرفات، مزدلفة، منى حسن الجواهري 1431

2- أدنى الحل حسن الجواهري 3822

3- هل يحقّ لغير المسلم أن يدخل يعقوب الجعفري 2131

جزيرة العرب

4- وجوب الحج وفوريّته محسن الأراكي 1081

5- حجّ الصبيان محسن الأراكي 5172

6- نيات الحج والعمرة الشهيد الثاني 4022

فارس حسّون كريم

7- أحكام الحج والعمرة الشهيد الثاني 7453

رضا المختاري

8- أُرجوزة في فقه الحج محمود البغدادي 4722

9- المنسك الكبير الشهيد الأول 10604

محمد الإسلامي اليزدي

4- مفاهيم الحج

1- الحج عبادة وحركة وسياسة محمد حسين فضل اللَّه 181

2- البعد العرفاني والتربوي والعبادي محمد حسين فضل اللَّه 3332

للحج

3- الأهداف الاجتماعية للحجّ الإبراهيمي عبد الجبار شرارة 2791

ص: 294

اسم المقالة المؤلف/ المحقّق العدد الصفحة

4- دور الحج في ترسيخ الإسلام ... محمد مهدي الآصفي 2891

5- المنازل الثلاثة للرحمة في السعي محمد مهدي الآصفي 4192

6- القبلة والطواف محمد مهدي الآصفي 7993

7- التلبية محمد مهدي الآصفي 10874

8- ما هي الإستطاعة ومن هو المستطيع؟ جعفر شهيدي 4832

9- الحجّ في مبناه ومعناه لبيب بيضون 6082

10- رؤى الإمام الخميني قدس سره في الحجّ محمد محمّدي ري شهري 672

الإبراهيمي

11- أضواء من أسرار الحج جعفر السبحاني 7183

12- الحجّ والسلام العالمي عبد الكريم آل نجف 7713

13- الحجّ والجهاد ... المفاهيم المتكاملة عبد الكريم آل نجف 11804

5- الحجّ والتأريخ

1- الحجّ الإبراهيمي والحجّ الجاهليصادق آئينه وند 771

2- يوم الحجّ الأكبر علي قاضي عسكر 1691

3- تحقيق حول شعب أبي طالب علي قاضي عسكر 8423

4- أسواق مكة والمدينة عباس المهاجر 2231

5- أسماء مكّة محمد مهدي الفقيهي 1871

6- نبذة تأريخية عن القبلة في المسجد محمد هادي اليوسفي 3061

النبوي الشريف

7- دور عليّ عليه السلام في فتح مكّة عفيف النابلسي 4922

ص: 295

اسم المقالة المؤلف/ المحقّق العدد الصفحة

8- اليهود في الجزيرة العربية أحمد الواسطي 5422

9- أبعاد التأثيرات الفكرية على أحمد الواسطي 8913

العقليّة اليهودية

10- الحج في موكب التأريخ أحمد الواسطي 11104

11- النواحي العمرانية لمكّة المكرّمة عباس المهاجر 5612

على مرّ العصور

12- غزوة بدر الكبرى حسن أبو أمجد 5842

13- أخبار مكة للفاكهي «تعريف» محمد علي مهدوي راد 6152

14- إمارة الحج وبيت الموسوي فارس تبريزيان الحسون 7583

15- الاعتداء على حرمة البيت وأمنه محمد رضا باقرصادق 7873

16- أسماء المدينة المنوّرة أحمد زماني 9033

17- الحرمان الشريفان وحجاجهما علي خازم 11884

وتأريخ الإرهاب

6- رجال من الحرمين الشريفين

1- عثمان بن مظعون فارس تبريزيان الحسّون 4412

2- عبد اللَّه بن مسعود محمد سليمان 8743

3- المقداد بن الأسود الكندي محمد سليمان 11964

7- الحجّ في الأدب العربي

1- خواطر من الحجّ «عند بيت المولى» علي الكوراني 3101

ص: 296

اسم المقالة المؤلف/ المحقق العدد الصفحة

2- أنغام الرحيل الشهيدة بنت الهدى 3191

3- لبّيك قد لبّيت لك أبو نواس 6722

4- مفتاح القلوب رياض عبيد 6732

5- زمزم 8353

6- الحجازيات الشريف الرضي رحمه الله 11754

8- من مقدّسات الحرمين

1- الروضة المقدّسة محمد جواد الطبسي 9313

2- الحجر الأسود محسن الأسدي 11214

3- جنّة المعلّاة علي قاضي عسكر 11504

4- المساجد والأماكن الأثرية عبد الرحمن خويلد 9453

المجهولة لزائر المدينة المنوّرة (1)

5- المساجد والأماكن الأثرية عبد الرحمن خويلد 12234

المجهولة لزائر المدينة المنوّرة (2)

9- إرشاداتصحيّة

1- ضربة الشمس مصطفى شاهرضايى 12084

نويد علياري

10- المعاجم

1- مختصر معجم معالم مكة التأريخية (1) عاتق بن غيث البلادي 8153

ص: 297

اسم المقالة المؤلف/ المحقّق العدد الصفحة

2- مختصر معجم معالم مكة التأريخية (2) عاتق بن غيث البلادي 11634

3- معجم ما كتب في الحجّ و ... (1) عبد الجبار الرفاعي 12354

فهرس الكتّاب والمحقّقين:

المؤلف/ المحقّق اسم المقالة العدد الصفحة

1- الامام الخميني قدس سره الحج في أحاديث الإمام الخميني قدس سره 121

2- الامام الخميني قدس سره الحج في أحاديث الإمام الخميني قدس سره 3292

3- الامام الخميني قدس سره الحج في أحاديث الإمام الخميني قدس سره 6833

4- الامام الخميني قدس سره الحج في أحاديث الإمام الخميني قدس سره 9774

5- الإمام الخامنئي الحج في أحاديث الإمام الخامنئي 151

- مد ظله العالي-- مد ظله العالي-

6- الإمام الخامنئي الحج في أحاديث الإمام الخامنئي 3312

- مد ظله العالي-- مد ظله العالي-

7- الإمام الخامنئي الحج في أحاديث الإمام الخامنئي 6853

- مد ظله العالي-- مد ظله العالي-

ص: 298

المؤلف/ المحقّق اسم المقالة العدد الصفحة

8- الإمام الخامنئي الحج في أحاديث الإمام الخامنئي 9794

- مد ظله العالي-- مد ظله العالي-

9- آئينه وند-صادق الحج الابراهيمي والحج الجاهلي 771

10- الآصفي- محمد مهدي دور الحج في ترسيخ السلام في 2891

العلاقات الاجتماعية

11- الآصفي- محمد مهدي المنازل الثلاثة للرحمة في السعي 4192

12- الآصفي- محمد مهدي القبلة والطواف 7993

13- الآصفي- محمد مهدي التلبية 10874

14- آل نجف- عبد الكريم الحج والسلام العالمي 7713

15- آل نجف- عبد الكريم الحج والجهاد .. المفاهيم المتكاملة 11804

16- أبو أمجد- حسن غزوة بدر الكبرى 5842

17- أبو نواس لبّيك قد لبّيت لك 6722

18- الأراكي- محسن وجوب الحج وفوريته 1081

19- الأراكي- محسن حجّ الصبيان 5172

20- الأسدي- محسن الحجر الأسود 11214

21- باقرصادق- محمد رضا الاعتداء على حرمة البيت وأمنه 7873

22- البدري- سامي دعوة ابراهيم واسماعيل عند رفع 2441

القواعد من البيت

23- البغدادي- محمود أُرجوزة في فقه الحج 4722

24- البلادي- عاتق بن غيث مختصر معجم معالم مكة التأريخية (1) 8153

25- البلادي- عاتق بن غيث مختصر معجم معالم مكة التأريخية (2) 11634

ص: 299

المؤلف/ المحقّق اسم المقالة العدد الصفحة

26- بنت الهدى- الشهيدة أنغام الرحيل 3191

27- بيضون- لبيب الحج في معناه ومبناه 6082

28- تبريزيان الحسون- فارس عثمان بن مظعون 4412

29- تبريزيان الحسون- فارس إمارة الحج وبيت الموسوي 7583

30- تبريزيان الحسون- فارس الحج في نهج البلاغة 10294

31- الجعفري- يعقوب هل يحق لغير المسلم أن يسكن 2131

جزيرة العرب؟

32- جوادي آملي- عبد اللَّه الحج في القرآن 361

33- جوادي آملي- عبد اللَّه شريعة إبراهيم في القرآن المجيد 6883

34- جوادي آملي- عبد اللَّه إبراهيم الخليل مؤسس أُمّ القرى 9894

35- الجواهري- حسن حدود عرفات ومزدلفة ومنى 1431

36- الجواهري- حسن أدنى الحل 3822

37- حجتى- محمد باقر اتمام الحجج في تفسير 3612

«ولا جدال في الحج»

38- الحسيني- ماجد شرح فقرة من دعاء عرفة 7253

39- خازم- علي الحرمان الشريفان وحجاجهما 11884

وتاريخ الإرهاب!

40- خويلد- عبد الرحمن المساجد والأماكن الأثرية المجهولة 9453

لزائر المدينة المنورة (1)

41- خويلد- عبد الرحمن المساجد والأماكن الأثرية المجهولة 12234

لزائر المدينة المنورة (2)

ص: 300

المؤلف/ المحقّق اسم المقالة العدد الصفحة

42- الرفاعي- عبد الجبار معجم ما كتب في الحجّ و ... (1) 12354

43- الزحيلي- وهبة ليشهدوا منافع لهم 3502

44- زماني- أحمد أسماء المدينة المنوّرة ونعوتها 9033

45- السبحاني- جعفر أضواء من أسرار الحج 7183

46- سليمان- محمد عبد اللَّه بن مسعود 8743

47- سليمان- محمد مقداد بن الأسود الكندي 11964

48- شاهرضايي/ علياري ضربة الشمس 12084

49- شرارة- عبد الجبار الأهداف الاجتماعية للحج الابراهيمي 2791

50- الشهيد الأوّل رحمه الله المنسك الكبير 10604

محمد الإسلامي اليزدي

51- الشهيد الثاني رحمه الله نيّات الحجّ والعمرة 4022

فارس حسّون كريم

52- الشهيد الثاني رحمه الله أحكام الحج والعمرة 7453

رضا المختاري

53- شهيدي- جعفر الحجاز والحرمان الشريفان في القرن 1351

الثالث عشر

54- شهيدي- جعفر ما هي الإستطاعة ومن هو المستطيع؟ 4832

55- الطبسي- محمد جواد الروضة المقدّسة 9313

56- عبيد- رياض مفتاح القلوب (شعر) 6732

57- العلوي- عادل الإخلاص في الحج 6402

58- فضل اللَّه- محمد حسين الحجّ عبادة وحركة وسياسة 181

ص: 301

المؤلف/ المحقّق اسم المقالة العدد الصفحة

59- فضل اللَّه- محمد حسين البُعد العرفاني والتربوي والعبادي 3332

للحج

60- الفقيهي- محمد مهدي أسماء مكة 1871

61- قاضى عسكر- علي يوم الحج الأكبر 1691

62- قاضي عسكر- علي تحقيق حول شعب أبي طالب 8433

63- قاضي عسكر- علي جنّة المعلاة 11504

64- الكوراني- علي خواطر من الحج «عند بيت المولى» 3101

65- محمدي ري شهري رؤى الإمام الخميني قدس سره في الحج 671

الإبراهيمي

67- محمدي ري شهري حوار 6562

68- معرفة- محمد هادي وقفة فاحصة عند لفظة 1001

«فلا جناح عليه»

69- مقدادي- محمد علي أسرار الحج في حوار بين الإمام 10514

زين العابدين عليه السلام والشبلي

70- المهاجر- عباس أسواق مكة والمدينة 2231

71- المهاجر- عباس النواحي العمرانية لمكة المكرّمة 5612

على مرّ العصور

72- مهدوي راد- محمد علي تعريف بكتاب «أخبار مكة» للفاكهي 6152

73- المؤمن- عبد اللَّه من رحلة ابن جبير عن الحج 9553

74- النابلسي- عفيف دور علي عليه السلام في فتح مكة 4922

75- الواسطي- أحمد اليهود في الجزيرة العربية 5422

ص: 302

المؤلف/ المحقّق اسم المقالة العدد الصفحة

76- الواسطي- أحمد أبعاد التأثيرات الفكرية والأدبية 8913

على العقلية اليهودية

77- الواسطي- أحمد الحج في موكب التأريخ 11104

78- واعظ زاده الخراساني الحج في السنة (1) 7013

79- واعظ زاده الخراساني الحج في السنة (2) 9894

ص:303

ص: 304

قسيمة الاشتراك

الاسم:

مدّة الاشتراك: ابتداءً من العدد:

العنوان:

، الجمهورية الإسلامية في ايران: 5000 ريال

الاشتراك لمدّة سنة:

دول العالم الأُخرى: 20 دولاراً

تسدّد قيمة الاشتراك على حسابنا الجاري المرقّم 1222 في بنك ملي ايران- طهران- شبعه سازمان حج وزيارت- مجلة ميقات الحج.

وتراجع جميع فروغ هذا البنك في البلدان الأُخرى لدفع قيمة الاشتراك على حسابنا أعلاه. وترسل الحوالة المصرفيّة مع قسيمة الاشتراك على العنوان البريدي التالي:

تهران:ص. ب 5856/ 12155

ملاحظات:

1- يكتب الاسم والعنوان بخط واضح.

2- عدم إرسال المبالغ نقداً.

3- عند تغيير عنوانكم، يخبر مكتب المجلة فوراً.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.