تذكره الفقهاء المجلد 21

اشارة

سرشناسه : علامه حلي حسن بن يوسف ق 726 - 648

عنوان و نام پديدآور : تذكره الفقهاء/ تاليف العلامه الحلي الحسن بن يوسف بن المطهر؛ تحقيق موسسه آل البيت عليهم السلام لاحياآ التراث مشخصات نشر : قم موسسه آل البيت عليهم السلام لاحياآ التراث 1400ق = 1300.

مشخصات ظاهري : ج 22

فروست : (موسسه آل البيت عليهم السلام لاحياآ التراث 127؛ 129؛ 130134)

شابك : 964-5503-33-7 (دوره ؛ 964-5503-44-2 2900ريال (ج 4) ؛ 964-5503-46-9 (ج 6) ؛ 964-319-007-2 (ج 7) ؛ 964-319-224-5 8000ريال (ج 11)

يادداشت : عربي يادداشت : فهرست نويسي براساس جلد چهارم 1414ق = 1372

يادداشت : ج 1 (چاپ اول 1420ق = 1378)؛ 8000 ريال ج 1) :ISBN 964-319-197-4

يادداشت : ج 8 (چاپ اول 1417ق = 1376)؛ 6500 ريال ج )8ISBN 964-319-051-x

يادداشت : ج 9 (چاپ اول 1419ق = 1377)8000 ريال :(ج )9ISBN 964-319-008-0

يادداشت : ج 13 (چاپ اول 1423ق = 1381)9500 ريال :ISBN 964-319-389-6

يادداشت : كتابنامه مندرجات : (ج )7) ISBN 964-319-007-2 ج 12) 1422ق = 8500 :1380 ريال موضوع : فقه جعفري -- قرن ق 8

شناسه افزوده : موسسه آل البيت عليهم السلام لاحياآ التراث رده بندي كنگره : BP182/3 /ع8ت4 1300ي

رده بندي ديويي : 297/342

شماره كتابشناسي ملي : م 73-2721

ص: 1

اشارة

ص: 2

ص: 3

ص: 4

الجزء الحادي و العشرون

كتاب الوصايا و فيه مقدّمة و مقاصد:

أمّا المقدّمة ففي ماهيّتها و تسويغها.

الوصيّة تمليك عين أو منفعة بعد الموت تبرّعا.

و هي مشتقّة من قولهم: وصى إليه بكذا يصيه صيتة إذا وصل به، و أرض واصية، أي: متّصلة النبات، فسمّي هذا التصرّف وصيّة؛ لما فيه من وصلة القربة الواقعة بعد الموت بالقربات المنجّزة في الحياة، فكأنّه وصل تصرّفه في حياته بتصرّفه بعد مماته، يقال: أوصيت لفلان بكذا و وصّيت، و أوصى إليه: إذا جعله وصيّه(1).

و هي جائزة بالنصّ و الإجماع.

قال اللّه تعالى: كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ وَ الْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ (2).

و قال تعالى: مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها أَوْ دَيْنٍ (3).

و قال تعالى: إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنانِ الآية(4).

و ما رواه العامّة عن سعد بن [أبي وقّاص](5) قال: جاءني

ص: 5


1- في «ل»: «وصيّا».
2- سورة البقرة: 180.
3- سورة النساء: 11.
4- سورة المائدة: 106.
5- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «معاذ». و المثبت كما في المصادر.

رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله يعودني عام حجّة الوداع من وجع اشتدّ بي، فقلت:

يا رسول اللّه قد بلغ بي من الوجع ما ترى و أنا ذو مال و لا يرثني إلاّ بنيّة أفأتصدّق بثلثي مالي ؟ قال: «لا» قلت: فالشطر يا رسول اللّه ؟ قال: «لا» قلت: فالثّلث ؟ قال: «الثّلث، و الثّلث كثير، إنّك إن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تدعهم عالة يتكفّفون الناس»(1).

و عن عليّ عليه السّلام قال: «إنّكم تقرؤون هذه الآية مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها أَوْ دَيْنٍ و إنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و اله قضى أنّ الدّين قبل الوصيّة»(2).

و قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله: «ما حقّ امرئ [مسلم] له شيء [يوصى فيه] يبيت ليلتين إلاّ و وصيّته مكتوبة عنده»(3).

و قدم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله المدينة فسأل عن البراء بن معرور، فقيل: إنّه هلك و أوصى لك بثلث ماله، فقبل ثمّ ردّ على ورثته(4).

و قال عليه السّلام: «إنّ اللّه أعطاكم ثلث أموالكم في آخر أعماركم زيادة في6.

ص: 6


1- صحيح البخاري 103:2، و 3:4، صحيح مسلم 1250:3-1628/1251، سنن أبي داود 2864/112:3، الجامع الصحيح (سنن الترمذي) 2116/430:4، سنن النسائي (المجتبى) 241:6-242، سنن ابن ماجة 903:2-2708/904، سنن الدارمي 407:2، السنن الكبرى - للبيهقي - 268:6، مسند أحمد 291:1 - 1549/292، الموطّأ 4/763:2، المغني و الشرح الكبير 444:6.
2- سنن ابن ماجة 2715/906:2، السنن الكبرى - للبيهقي - 232:6، المغني 6: 444، الشرح الكبير 445:6.
3- الموطّأ 1/761:2، مسند أحمد 5487/200:2، صحيح البخاري 2:4، صحيح مسلم 1627/1249:3، سنن أبي داود 2862/112:3، سنن النسائي (المجتبى) 239:6، السنن الكبرى - للبيهقي - 272:6، و ما بين المعقوفين أثبتناه منها.
4- المستدرك - للحاكم - 353:1، السنن الكبرى - للبيهقي - 276:6.

أعمالكم»(1).

و من طريق الخاصّة: ما رواه حمّاد بن عثمان - في الصحيح - قال:

قال الصادق عليه السّلام: «ما من ميّت تحضره الوفاة إلاّ ردّ اللّه عليه من بصره و سمعه و عقله للوصيّة أخذ الوصيّة أو ترك، و هي الراحة التي يقال لها:

راحة الموت، فهي حقّ على كلّ مسلم»(2).

و في الصحيح عن محمّد بن مسلم عن أحدهما عليهما السّلام، قال: «الوصيّة حقّ على كلّ مسلم»(3).

و عن عليّ عليه السّلام قال: «الوصيّة تمام ما نقص من الزكاة»(4).

و قال الصادق عليه السّلام: «مرض عليّ بن الحسين عليهما السّلام ثلاث مرضات في كلّ مرضة يوصي بوصيّة، فإذا أفاق أمضى وصيّته»(5).

و قد أجمع العلماء كافّة في جميع الأمصار و الأعصار على صحّة الوصيّة و جوازها.

إذا عرفت هذا، فعندنا أنّ الوصيّة واجبة لمن عليه حقّ؛ للآيات السابقة(6).

و لما رواه الصادق عليه السّلام عن الباقر عليه السّلام قال: «من لم يوص عند موته لذوي قرابته ممّن لا يرثه فقد ختم عمله بمعصية»(7).9.

ص: 7


1- الحاوي الكبير 320:8، العزيز شرح الوجيز 4:7.
2- الفقيه 460/133:4.
3- التهذيب 701/172:9.
4- الفقيه 464/134:4، التهذيب 706/173:9 و 707.
5- الكافي 14/56:7، الفقيه 601/172:4، التهذيب 955/246:9.
6- في ص 5.
7- الفقيه 466/134:4، التهذيب 708/174:9.

و قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله: «من لم يحسن وصيّته عند الموت كان نقصا في مروءته و عقله»(1).

و عن أبي حمزة عن أحدهما عليهما السّلام، قال: «إنّ اللّه تعالى يقول: ابن آدم! تطوّلت عليك بثلاثة: سترت عليك ما لو علم به أهلك ما واروك، و أوسعت عليك و استقرضت منك لك فلم تقدّم خيرا، و جعلت لك نظرة عند موتك في ثلثك فلم تقدّم خيرا»(2).

و الأخبار في ذلك أكثر من أن تحصى.

و لأنّ ذمّته مشغولة بالحقّ الذي عليه، فإذا لم يوص فقد فرّط في أداء الحقّ الواجب عليه، فكان مأثوما.

و لا فرق بين أن يكون الحقّ الذي وجب عليه للّه تعالى، كالزكاة و الخمس و الحجّ، أو دين لآدميّ.

و هل تجب على من ليس عليه حقّ؟ الأقرب: العدم؛ لأصالة براءة الذمّة.

و قيل بالوجوب مطلقا(3).

و الأفضل تعجيل الصدقة في الحياة؛ لقوله عليه السّلام: «أفضل الصدقة أن تتصدّق و أنت صحيح شحيح تأمل الغنى و تخشى الفقر، و لا تمهل حتى إذا بلغت الحلقوم، قلت: لفلان كذا و لفلان كذا»(4).2.

ص: 8


1- الكافي 1/2:7، الفقيه 482/138:4، التهذيب 711/174:9.
2- التهذيب 712/175:9.
3- الاستذكار 33211/7:23، التمهيد 292:14، المحلّى 312:9، الجامع لأحكام القرآن 259:2، ذيل تفسير الآية 180 من سورة البقرة، المغني 445:6، الشرح الكبير 445:6-446.
4- صحيح البخاري 137:2، صحيح مسلم 1032/716:2.

و إذا أراد الوصيّة، فالأفضل تقديم من لا يرث من أقاربه، و يقدّم منهم المحارم ثمّ غير المحارم ثمّ يقدّم بالرضاع.

***

ص: 9

ص: 10

المقصد الأوّل: في أركان الوصيّة و فيه فصول:

الفصل الأوّل: في الصيغة و فيه مباحث:

البحث الأوّل: الإيجاب.
اشارة

لا بدّ من الإيجاب في الوصيّة، و لفظه الصريح: أوصيت له بكذا، أو أعطوا فلانا بعد موتي كذا، أو ادفعوا إليه بعد موتي، أو جعلت له بعد موتي أو لفلان بعد موتي كذا، و كذا كلّ لفظ دلّ على ذلك القصد، مثل: ملّكته بعد موتي، أو وهبته بعد موتي.

و لو اقتصر على قوله: وهبت منه، و نوى الوصيّة، فالأقرب: أنّه يكون وصيّة؛ لأنّه أبلغ في التمليك من قوله: أوصيت.

و أظهر وجهي الشافعيّة: أنّه لا يكون وصيّة؛ لأنّه أمكن تنفيذه في موضوعه، و هو التمليك الناجز(1).

و لو قال: هو له، فهو إقرار يؤاخذ به، و لا يجعل كناية عن الوصيّة؛ لأنّه لا يصلح إقرارا.

ص: 11


1- الوسيط 429:4، العزيز شرح الوجيز 61:7، روضة الطالبين 133:5-134.

و يحتمل أن يرجع إلى نيّته، فإذا قال: نويت أنّه له بعد الموت، كان وصيّة؛ لاحتمال اللفظ له، و هو أعرف بنيّته و قصده، فيرجع إليه فيه.

و لو قال: عيّنته له، فهو كناية؛ لأنّه يحتمل التعيين للتمليك بالوصيّة و التعيين للإعارة و الإخدام في الحال، فلا ينصرف إلى الوصيّة إلاّ بالتعيين، فإن عيّن صحّت بالكناية مع النيّة.

و للشافعيّة و جهان، أحدهما: تنفذ(1).

و تتعيّن الوصيّة بالكنايات جزما؛ لأنّ الوصيّة في نفسها تقبل التعليق بالأغرار، فأشبهت ما يقبل التعليق بالأغرار، كالكتابة، و الخلع [فإنّه] ينعقد بالكناية مع النيّة، فالوصيّة أولى؛ لأنّها إذا قبلت التعليق بالأغرار فبأن تقبل الكنايات أولى، و لأنّ الوصيّة لا تفتقر إلى القبول في الحال، فيشبه ما يستقلّ به الإنسان من التصرّفات.

مسألة 1: لا تنعقد الوصيّة إلاّ باللفظ مع القدرة عليه،

فلو كتب بخطّه: إنّي قد أوصيت لفلان بكذا، لم ينفذ إذا كان الشخص ناطقا - قاله بعض الشافعيّة(2) - كما لو قيل له: أوصيت لفلان بكذا؟ فأشار أن نعم.

و يحتمل القبول مع قيام الإشارة مع الكتابة مقام التصريح باللفظ في العلم بما دلّ اللفظ عليه من الوصيّة، و لأنّ الكتابة بمثابة كنايات الألفاظ، و قد بيّنّا جواز الوصيّة بالكناية التي ليست صريحة في دلالتها عليها مع القرينة، فإذا كتب و قال: نويت الوصيّة لفلان، أو اعترف الورثة بعد موته به، وجب أن تصحّ.

أمّا لو اعتقل لسانه و لم يتمكّن من النطق فكتب الوصيّة أو أشار بما

ص: 12


1- الوجيز 273:1، العزيز شرح الوجيز 62:7، روضة الطالبين 134:5.
2- العزيز شرح الوجيز 62:7، روضة الطالبين 134:5.

يدلّ على الرضا بها، أو قيل له: أوصيت بكذا؟ فيشير برأسه: نعم، أو يقرأ عليه كتاب الوصيّة فأشار بها، فإنّها تصحّ - و به قال الشافعي(1) - لما رواه العامّة: أنّ أمامة بنت أبي العاص أصمتت، فقيل لها: لفلان كذا و لفلان كذا، فأشارت أن نعم، فجعل ذلك وصيّة(2).

و من طريق الخاصّة: ما رواه الحلبي - في الصحيح - عن الصادق عليه السّلام أنّ أباه حدّثه: «أنّ أمامة بنت أبي العاص ابن الربيع، و أمّها زينب بنت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله تزوّجها عليّ عليه السّلام بعد فاطمة عليها السّلام، فخلف عليها بعد عليّ عليه السّلام المغيرة بن نوفل، و أنّها توجّعت وجعا شديدا حتى اعتقل لسانها، فأتاها الحسن و الحسين عليهما السّلام و هي لا تستطيع الكلام، فجعلا يقولان - و المغيرة كاره [لما] يقولان -: أعتقت فلانا و أهله ؟ فتشير برأسها: نعم، أم: لا» قلت: فأجازا ذلك، قال: «نعم»(3).

و عن سدير عن الباقر عليه السّلام قال: «دخلت على محمّد بن الحنفيّة و قد اعتقل لسانه فأمرته بالوصيّة، فلم يجب» قال: «فأمرت بالطشت فجعل فيه الرمل فقلت له: فخطّ بيدك» قال: «فخطّ وصيّته بيده إلى رجل و نسخت أنا في صحيفة»(4).

و لأنّه غير قادر على النطق فصحّت وصيّته بالإشارة، كالأخرس.

و قال أبو حنيفة و أحمد: لا تصحّ الوصيّة إلاّ أن يكون مأيوسا منر.

ص: 13


1- العزيز شرح الوجيز 63:7، روضة الطالبين 135:5، المغني 561:6، الشرح الكبير 451:6.
2- مختصر المزني: 208، التهذيب - للبغوي - 191:6، البيان 402:10، العزيز شرح الوجيز 63:7، المغني 12:9-13، الشرح الكبير 11:9.
3- التهذيب 936/258:8، و ما بين المعقوفين أثبتناه منه.
4- التهذيب 934/241:9، و في الفقيه 505/146:4 بتفاوت يسير.

نطقه؛ لأنّه لو لم يؤيس من نطقه فلا تقوم إشارته مقام نطقه، كالساكت(1).

و الفرق: أنّ الساكت قادر على الكلام.

مسألة 2: إذا وجدت وصيّة بخطّ الميّت و لم يكن أشهد عليها و لا أقرّ بها،

لم يجب على الورثة العمل بها، بل لهم ردّها و إبطالها، سواء عملوا بشيء منها أو لا.

و قال الشيخ رحمه اللّه: يتخيّر الورثة بين العمل بها و بين ردّها و إبطالها، فإن عملوا بشيء منها لزمهم العمل بجميعها(2) ؛ لما رواه إبراهيم بن محمّد الهمداني قال: كتبت إلى أبي الحسن عليه السّلام: رجل كتب كتابا فيه ما أراد أن يوصي به هل يجب على الورثة القيام بما في ذلك الكتاب بخطّه و لم يأمرهم بذلك ؟ فكتب: «إن كان ولده ينفذون (شيئا منه وجب عليهم أن ينفذوا)(3) كلّ شيء يجدون في كتاب أبيهم في وجه البرّ و غيره»(4).

و تحمل هذه الرواية على أنّهم اعترفوا بصحّة هذا الخطّ، فحينئذ يجب العمل بالجميع.

و اختلفت الشافعيّة:

فقال أكثرهم: لا تنفذ بذلك وصيّته(5).

و قال بعضهم: إذا وجد له كتاب وصيّة بعد موته و لم تقم بيّنة على

ص: 14


1- الهداية - للمرغيناني - 269:4، المغني 560:6-561، الشرح الكبير 6: 450-451.
2- النهاية: 621-622.
3- ما بين القوسين لم يرد في المصدر.
4- الفقيه 146:4-507/147، التهذيب 936/242:9.
5- العزيز شرح الوجيز 62:7، روضة الطالبين 134:5.

مضمونه، وجب العمل به(1).

و قال أحمد: من كتب وصيّة و لم يشهد فيها و عرف خطّه و كان مشهورا بالخطّ حكم بها ما لم يعلم رجوعه عنها؛ لقول النبيّ صلّى اللّه عليه و اله: «ما حقّ امرئ مسلم له شيء يوصى فيه يبيت ليلتين إلاّ و وصيّته مكتوبة عنده»(2)في «ر، ل»: «يصحّ».(3) و لم يذكر شهادته، و لأنّ الوصيّة يتسامح فيها، و لهذا صحّ(3) تعليقها على الخطر و الغرر، و صحّت الوصيّة للحمل و به و بما لا يقدر على تسليمه و بالمعدوم و المجهول، فجاز أن يتسامح فيها بقبول الخطّ، كرواية الحديث(4).

و لا دلالة فيه؛ فإنّ المراد كتبة وصيّة تفيد العمل بها، و ذلك إنّما يتمّ بالإشهاد فيها، و التسامح فيها بما ذكر لا يوجب ثبوتها بغير بيّنة، و لهذا نصّ اللّه تعالى على وجوب الإشهاد بقوله: اِثْنانِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ (5).

مسألة 3: لو كتب وصيّة و قال للشهود: اشهدوا عليّ بما في هذه الورقة،

و لم يطلعهم على ما فيها، أو أشهد جماعة أنّ الكتاب خطّي و ما فيه وصيّتي، و لم يطلعهم على ما فيه، فأكثر الشافعيّة على أنّه لا تنفذ الوصيّة بذلك، و لا يعمل بما فيه حتى تشهد به الشهود مفصّلا(6).

و قال بعضهم: يكفي الإشهاد عليه مبهما(7).

و بعضهم اكتفى بالكتاب من غير إشهاد(8).

ص: 15


1- العزيز شرح الوجيز 62:7-63، روضة الطالبين 134:5.
2- تقدّم تخريجه في ص 6، الهامش
3- .
4- المغني 521:6 و 522، الشرح الكبير 452:6.
5- سورة المائدة: 106.
6- العزيز شرح الوجيز 62:7، روضة الطالبين 134:5.
7- العزيز شرح الوجيز 62:7، روضة الطالبين 134:5.
8- العزيز شرح الوجيز 62:7-63، روضة الطالبين 134:5.

و الوجه: الأوّل.

و حكي عن أحمد: أنّ الرجل إذا كتب وصيّة و ختم عليها و قال للشهود: اشهدوا عليّ بما في هذا الكتاب لا يجوز حتى يسمعوا منه ما فيه، أو يقرأ عليه فيقرّ بما فيه، و بعض أصحابه قبله - و العجب من أحمد أنّه قبل الخطّ المجرّد عن الختم و الإشهاد(1) ، فمعهما أولى بالقبول - و ممّن قبل ذلك مكحول و مالك و الليث و الأوزاعي و محمّد بن مسلمة و أبو عبيد و إسحاق؛ لأنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و اله كان يكتب إلى عمّاله و أمرائه في أمر ولايته و أحكامه و سننه، ثمّ [ما] عمل به الخلفاء بعده من كتبهم إلى ولاتهم بالأحكام التي فيها الدماء و الفروج و الأموال يبعثون بها مختومة، و لا يعلم حاملها ما فيها، و أمضوها على وجوهها(2).

و الوجه: الأوّل؛ لأنّه كتاب لا يعلم الشاهد ما فيه، فلم يجز أن يشهد عليه، مثل كتاب القاضي، و تلك المراسلات اعتمد فيها البناء على العادة و غلبة الظنّ بأمر الكاتب بما فيها مع معرفة الخطّ و قلّة الخطر فيها.

تذنيب: إذا ثبتت الوصيّة إمّا بالإشهاد أو بالإقرار، فإنّ حكمها يثبت و يعمل بها ما لم يعلم رجوعه عنها و إن طالت مدّته و تغيّرت أحوال الموصي، مثل أن يوصي في مرضه فيبرأ منه ثمّ يموت بعد؛ لأنّ الأصل بقاؤه، فلا يزول حكمه بمجرّد الاحتمال و الشكّ، كسائر الأحكام.

مسألة 4: و يستحبّ أن يكتب الموصي وصيّته و يشهد عليها؛

لأنّه أحفظ لها و أحوط لما فيها.

ص: 16


1- راجع: الهامش (4) من ص 15.
2- المغني 522:6-523، الشرح الكبير 453:6، و ما بين المعقوفين أثبتناه منهما.

و قد روي عنهم عليهم السّلام: «ما ينبغي لمسلم أن يبيت ليلة إلاّ و وصيّته تحت رأسه»(1).

و ينبغي تصديرها بالعهد الذي رواه الصادق عليه السّلام عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله، قال: «قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله: من لم يحسن وصيّته عند الموت كان نقصا في مروءته و عقله، قيل: يا رسول اللّه و كيف يوصي الميّت ؟ قال: إذا حضرته وفاته و اجتمع الناس إليه، قال: اللّهمّ فاطر السموات و الأرض عالم الغيب و الشهادة الرحمن الرحيم، إنّي أعهد إليك في دار الدنيا أنّي أشهد أن لا إله إلاّ أنت وحدك لا شريك لك، و أنّ محمّدا عبدك و رسولك، و أنّ الجنّة حقّ و النار حقّ، و أنّ البعث حقّ و الحساب حقّ و القدر و الميزان حقّ، و أنّ القرآن كما أنزلت، و أنّك أنت اللّه الحقّ المبين، جزى اللّه محمّدا (صلّى اللّه عليه و اله) خير الجزاء، و حيّى اللّه محمّدا و آل محمّد بالسلام، اللّهمّ يا عدّتي عند كربتي و يا صاحبي عند شدّتي و يا وليّ نعمتي، إلهي و إله آبائي لا تكلني إلى نفسي طرفة عين أبدا فإنّك إن تكلني إلى نفسي أقرب من الشرّ و أبعد من الخير، و آنس في القبر وحشتي، و اجعل لي عهدا يوم ألقاك منشورا، ثمّ يوصي بحاجته، و تصديق هذه الوصيّة في القرآن في السورة التي تذكر فيها مريم في قوله عزّ و جلّ: لا يَمْلِكُونَ الشَّفاعَةَ إِلاّ مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمنِ عَهْداً (2) فهذا عهد الميّت، و الوصيّة حقّ على كلّ مسلم أن يحفظ هذه الوصيّة و يعلّمها، و قال أمير المؤمنين عليه السّلام: علّمنيها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله، و قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله: علّمنيها جبرئيل»(3).5.

ص: 17


1- المقنعة: 666.
2- سورة مريم: 78.
3- الكافي 2:7-1/3، الفقيه 138:4-482/139، التهذيب 174:9-711/175.
مسألة 5: قال ابن الجنيد: لو وصّى رجل بغير خطّه و لم يشهد إلى أن يحضره الموت

فقال لجماعة من الشهود بحضرته: قد كتبت وصيّتي و تركتها عند زيد فاشهدوا عليّ بما فيها، ثمّ مات، كانت شهادتهم كلّهم كشهادتهم على شهادة زيد على الموصي.

فإن قال: قد جعلتها على نسختين عند زيد واحدة و عند عبد اللّه أخرى فاشهدوا عليّ بما فيهما، فأحضر زيد و عبد اللّه النسختين، قامت شهادة الشهود عليه مقام شهادتهم على شاهدين غير الآخرين.

و لو كانت ممّا كتبها بخطّه و لم يسترب به، جاز للشاهدين أن يشهدا عليه بما فيها إذا أمرهما بذلك.

و لو لم يشهد فيها ثمّ ذكر حالها و أخرجها المعدّلة عنده بعد موته، أنفذت.

و لو لم يقرأ الوصيّة على الشهود و طواها ثمّ قال: اشهدوا عليّ بما تضمّنته، فكتبوا، جازت الشهادة، و لو طبع عليها و قال لهم: اشهدوا عليّ بما فيها، فطبعوا مع طابعه، جاز لهم أن يشهدوا عليه بما فيها.

و في هذه الأحكام كلّها نظر، و الوجه: المنع من الجميع؛ لما سبق(1) من أنّه لا يجوز للشاهد أن يشهد بمجرّد معرفة خطّه.

البحث الثاني: في القبول.
مسألة 6: الموصى له إن كان معيّنا،

كولده و زوجته و أجنبيّ معيّن، اشترط القبول، فلا يملك الموصى له الوصيّة إلاّ بالقبول؛ لأنّ الوصيّة عقد،

ص: 18


1- في ص 15-16، المسألة 3.

فلا يتحقّق إلاّ بين اثنين عن تراض منهما، و الرضا من الأمور الباطنة، فلا بدّ من لفظ يدلّ عليه، و لأنّ الوصيّة تمليك مال لمن هو من أهل الملك متعيّن، فاعتبر قبوله، كالهبة.

و للشافعيّة خلاف(1) يأتي.

و إن كانت لغير معيّن، كالفقراء و المساكين و من لا يمكن حصرهم، كبني هاشم و بني تميم، أو على مصلحة، كمسجد أو قنطرة أو حجّ، لم تفتقر إلى القبول، و لزمت بالموت ما لم يكن قد رجع عنها؛ لأنّ اعتبار القبول من جميعهم متعذّر، فسقط اعتباره، كما لو وقف عليهم، و لا يتعيّن واحد منهم، فيكفي قبوله، و لأنّ الملك لا يثبت للموصى لهم، و إنّما يثبت لكلّ واحد منهم بالقبض، فيقوم قبضه مقام قبوله.

أمّا الآدمي المعيّن فيثبت له الملك، فيعتبر قبوله، و لا يشترط القبول لفظا، بل يكفي من الأفعال ما يدلّ عليه، كالأخذ و الفعل الدالّ على الرضا، كما في الهبة.

و يجوز القبول على الفور، أي: قبل الموت على خلاف، و على التراخي، أي: حين موت الموصي إجماعا.

مسألة 7: اختلف علماؤنا،

فبعضهم(2) اشترط وقوع القبول بعد موت الموصي، و لا يصحّ قبول الوصيّة و لا ردّها في حياة الموصي، و له الردّ و إن قبل في الحياة، و بالعكس - و هو المشهور عند الشافعيّة(3) - لأنّه

ص: 19


1- العزيز شرح الوجيز 63:7، روضة الطالبين 135:5.
2- السيّد ابن زهرة في الغنية: 306.
3- المهذّب - للشيرازي - 459:1، نهاية المطلب 204:11، الوسيط 429:4، حلية العلماء 75:6، التهذيب - للبغوي - 92:5، البيان 149:8، العزيز شرح الوجيز 63:7، روضة الطالبين 135:5.

لا حقّ له قبل الموت، لأنّ الوصيّة تحقيق ملك الموصى له بعد الموت، و قبل الموت باق على ملك الموصي.

و قال أبو حنيفة: إذا قبل في الحياة لم يكن له الردّ بعد الموت، و إذا ردّ في الحياة كان له القبول بعد الموت(1).

و قال بعض علمائنا: لو قبل قبل الوفاة جاز، و بعد الوفاة آكد(2).

فعلى هذا إذا مات الموصي بعد قبول الموصى له في حياته، لم يحتج إلى تجديد قبول آخر، و كفى الأوّل في تماميّة الملك و استقراره، و لو مات [الموصى له] قبل موت الموصي بعد قبوله، لم يحتج الوارث إلى قبول بعد موت الموصي.

إذا عرفت هذا، فإنّه لا يشترط الفور في القبول بعد الموت؛ لأنّ الفور إنّما يشترط في العقود الناجزة التي يعتبر فيها ارتباط القبول بالإيجاب.

مسألة 8: لو مات الموصى له قبل موت الموصي و قبل القبول،

فالمشهور بين علمائنا: أنّ الموصي إذا مات بعد ذلك قبل رجوعه عن الوصيّة فإنّ الوصيّة تنتقل إلى ورثة الموصى له، و ينتقل القبول إليهم - و به قال الحسن البصري(3) - لأنّه مات بعد عقد الوصيّة، فيقوم الوارث مقامه، كما لو مات بعد موت الموصي و قبل القبول.

و لما رواه محمّد بن قيس عن الباقر عليه السّلام قال: «قضى أمير المؤمنين عليه السّلام

ص: 20


1- العزيز شرح الوجيز 63:7.
2- المحقّق الحلّي في شرائع الإسلام 243:2.
3- الحاوي الكبير 257:8، حلية العلماء 77:6، المغني 466:6، الشرح الكبير 474:6.

في رجل أوصى لآخر و الموصى له غائب فتوفّي الذي أوصي له قبل الموصي، قال: الوصيّة لوارث الذي أوصي له، إلاّ أن يرجع في وصيّته قبل موته»(1).

و لأنّ القبول حقّ للموروث(2) ، فيثبت للوارث بعد موته، كخيار الردّ بالعيب.

قال المفيد رحمه اللّه: إذا أوصى الإنسان لغيره بشيء من ماله فمات الموصى له قبل الموصي، كان ما أوصى به راجعا على ورثته، فإن لم يكن له ورثة رجع إلى مال الموصي، إلى أن قال: و لصاحب الوصيّة إذا مات الموصى له قبله أن يرجع فيما أوصى له به، فإن لم يرجع كان ميراثا لمخلّفي الموصى له(3).

و رواه ابن بابويه في كتابه(4) ، و هو مذهب اشتهر بين الأصحاب.

و قال ابن الجنيد: لو كانت الوصيّة لأقوام بعينهم مذكورين يشار إليهم، كالذي يقول: لولد فلان هؤلاء، فإن ولد لفلان غيرهم، لم يدخل في الوصيّة، و إن مات أحدهم قبل موت الموصي بطل سهمه.

و هو يعطي بطلان الوصيّة إذا مات الموصى له قبل الموصي، و لا بأس به - و هو قول أكثر العامّة، و روي(5) عن عليّ عليه السّلام، و به قال الزهري و حمّاد ابن أبي سليمان و ربيعة و مالك و الشافعي و أحمد و أصحاب الرأي(6) - لأنّها -

ص: 21


1- الكافي 1/13:7، التهذيب 230:9-903/231، الاستبصار 137:4-515/138.
2- في الطبعة الحجريّة: «للمورّث».
3- المقنعة: 677.
4- الفقيه 541/156:4.
5- في «ر، ص»: «و رووه».
6- المغني 465:6-466، الشرح الكبير 473:6-474، الحاوي الكبير 8: -

عطيّة صادفت المعطي ميّتا فلم تصح، كما لو وهب ميّتا، و ذلك لأنّ الوصيّة عطيّة بعد الموت، فإذا مات قبل القبول بطلت الوصيّة أيضا.

و لما رواه أبو بصير و محمّد بن مسلم - في الصحيح - جميعا عن الصادق عليه السّلام، قال: سئل عن رجل أوصى لرجل فمات الموصى له قبل الموصي، قال: «ليس بشيء»(1).

و في الموثّق عن منصور بن حازم عن الصادق عليه السّلام، قال: سألته عن رجل أوصى لرجل بوصيّة إن حدث به حدث، فمات الموصى له قبل الموصي، قال: «ليس بشيء»(2).

قال الشيخ رحمه اللّه: الوجه في هذين الخبرين أحد شيئين:

أحدهما: أن يكون قوله: «ليس بشيء» يعني ليس بشيء ينقض الوصيّة، بل ينبغي أن تكون على حالها في الثبوت لورثته.

و الثاني: أن يكون المراد بذلك بطلان الوصيّة إذا كان غيّرها الموصي في حالة حياته؛ لقول عليّ عليه السّلام في الخبر الذي رواه محمّد بن قيس أوّلا:

«إلاّ أن يرجع في وصيّته قبل موته»(3)(4).

مسألة 9: إذا ردّ الموصى له الوصيّة،

فإن كان قبل موت الموصي فقد قلنا: إنّه لا اعتبار بالردّ، لكن لو مات الموصى له قبل موت الموصي و بعد ردّه و قلنا: إنّ القبول ينتقل إلى الوارث، ففي انتقاله هنا نظر، أقربه:

ص: 22


1- التهذيب 906/231:9، الاستبصار 518/138:4.
2- التهذيب 907/231:9، الاستبصار 519/138:4.
3- راجع: الهامش (1) من ص 21.
4- الاستبصار 138:4-139، ذيل ح 519.

الانتقال، و إن كان بعد موت الموصي، فأقسامه أربعة:

الأوّل: أن يردّ الوصيّة قبل القبول، فتبطل الوصيّة، و يستقرّ الملك للورثة، و لا نعلم فيه خلافا؛ لأنّه أسقط حقّه في حال يملك قبوله و أخذه، فأشبه عفو الشفيع عن الشفعة بعد البيع، و إبراء المديون بعد الاستدانة، بخلاف ما لو ردّ قبل القبول في حياة الموصي؛ لأنّ الوصيّة هناك لم تقع بعد، فأشبه ردّ المبيع قبل إيجاب البيع، و لأنّ ذلك الوقت ليس محلاّ للقبول، فلا يكون محلاّ للردّ.

هذا إذا كان الموصى به عين مال أو منفعة و العين للورثة، أمّا لو أوصى بالعين لواحد و بالمنفعة لآخر فردّ الموصى له بالمنافع، فهي للورثة، و هو أظهر وجهي الشافعيّة، و الثاني: أنّها للموصى له بالعين(1).

و لو أوصى بخدمة عبد لإنسان سنة، و قال: هو حرّ بعد سنة، فردّ الموصى له، لم يعتق قبل السنة، و به قال الشافعي(2).

و قال مالك: يعتق قبل السنة(3).

الثاني: أن يقع بعد القبول و قبض الموصى له، فلا يصحّ الردّ إجماعا؛ لأنّ ملكه قد استقرّ و لزم، فلا يخرج عنه، إلاّ بعقد ناقل، و ليس الردّ منه، فأشبه ردّه لسائر ملكه، إلاّ أن ترضى الورثة بذلك، فيكون هبة منه لهم، و يشترط جميع شرائط الهبة من العقد و القبض.

الثالث: أن يقع الردّ بعد القبول و قبل القبض.

قال الشيخ رحمه اللّه: يجوز الردّ، قال: و في الناس من قال: لا يصحّ الردّ؛ لأنّه لمّا قبل ثبت ملكه إمّا بالموت أو بالشرطين، و إذا حصل في ملكه7.

ص: 23


1- العزيز شرح الوجيز 63:7، روضة الطالبين 135:5.
2- العزيز شرح الوجيز 63:7، روضة الطالبين 135:5.
3- العزيز شرح الوجيز 63:7.

لم يكن له الردّ، ثمّ قال: و الصحيح أنّ ذلك يصحّ؛ لأنّه و إن كان قد ملكه بالقبول إلاّ أنّه لم يستقر ملكه عليه ما لم يقبضه، فصحّ منه الردّ، كما أنّ من وقف عليه شيء فإنّه متى ردّ صحّ ذلك و إن كان قد ملك الرقبة و المنفعة أو أحدهما(1).

و للشافعيّة و جهان، هذا أحدهما؛ لأنّه تمليك من آدميّ بغير عوض، فصحّ ردّه قبل القبض، كما لو وقف، و هو نصّ الشافعي في الأمّ، و أظهرهما عندهم: المنع؛ لأنّ الملك حاصل بعد القبول، فلا يرتفع بالردّ، كما في البيع، و كما بعد القبض(2).

و هذا هو الوجه عندي؛ لأنّ الموصى له قد ملك بالوصيّة الجامعة للشرائط، فلا يزول ملكه عنه، إلاّ بسبب ناقل، و ليس الردّ ناقلا.

و قول الشيخ: «لم يستقر ملكه عليه» ممنوع؛ فإنّه عقد لا خيار فيه بحيث ينقسم إلى مستقرّ و غير مستقرّ، و القياس على الوقف باطل؛ لفساد القياس في نفسه، و قيام الفرق فيه؛ لأنّه إذا ردّ لم يحصل القبول الذي هو شرط أو جزء. نعم، لو قبل ثمّ ردّ لم يكن للردّ حكم.

و للحنابلة تفصيل، فقالوا: إن كان الموصى به مكيلا أو موزونا صحّ الردّ؛ لأنّه لا يستقرّ ملكه عليه قبل القبض، و إن كان غير ذلك لم يصح الردّ؛ لأنّ ملكه قد استقرّ عليه، فهو كالمقبوض، و لأنّه لمّا ملك الردّ من غير قبول ملك الردّ من غير قبض(3).6.

ص: 24


1- المبسوط - للطوسي - 33:4.
2- المهذّب - للشيرازي - 459:1، حلية العلماء 76:6، البيان 150:8، العزيز شرح الوجيز 64:7، روضة الطالبين 135:5، المغني 468:6، الشرح الكبير 475:6.
3- المغني 468:6، الشرح الكبير 475:6.

و الملازمة ممنوعة.

الرابع: أن يردّ بعد القبض و قبل القبول، فإنّها تبطل؛ لأنّ القبول جزء السبب و قد حصل الردّ قبله، فيبطل العقد، كما لو لم يكن قبض؛ إذ القبض لا عبرة به، و لا مدخل له في التملّك.

مسألة 10: إذا ردّ الموصى له الوصيّة،

ففي كلّ موضع يصحّ ردّه فيه فإنّ الوصيّة فيه تبطل بالردّ، و يرجع إلى التركة، فيكون لجميع الورثة؛ لأنّ الأصل ثبوت الحقّ لهم، و إنّما خرج بالوصيّة، فإذا بطلت الوصيّة رجع إلى ما كان عليه، كأنّ الوصيّة لم توجد.

و لو عيّن بالردّ واحدا و قصد تخصيصه بالمردود، لم يكن له ذلك، و كان لجميعهم؛ لأنّ ردّه امتناع من تملّكه، فيبقى على ما كان عليه، و لأنّه لا يملك دفعه إلى أجنبيّ فلم يملك دفعه إلى وارث يخصّه به.

و كلّ موضع امتنع الردّ؛ لاستقرار ملكه عليه، فله أن يخصّ به واحدا من الورثة؛ لأنّه ابتداء هبة و تمليك، و لأنّه يملك أن يدفعه إلى أجنبيّ فملك أن يدفعه إلى وارث.

فإذا قال: رددت هذه الوصيّة لفلان، قيل له: ما أردت بقولك:

«لفلان»؟ فإن قال: أردت تمليكه إيّاها و تخصيصه بها، فقبلها، اختصّ بها إذا أتى بإيجاب الهبة، و إن قال: أردت ردّها إلى جميعهم لرضا فلان، عادت إلى جميعهم إذا قبلوها، و لو قبلها بعضهم دون بعض فللقابل حصّته منها خاصّة، و حصّة غيره للرادّ.

و قالت الشافعيّة: إذا قال الموصى له: رددت الوصيّة لفلان، يعني أحد الورثة، ففي الأمّ: إن قال: أردت لرضاه، كان ردّا على جميع الورثة،

ص: 25

و إن قال: أردت تخصيصه بالردّ عليه، فهو هبة منه خاصّة(1).

قال بعضهم: هذا مفرّع على تصحيح الردّ بعد القبول، و إلاّ فما لا يملكه لا يمكنه أن يملّكه غيره، ثمّ لم يعتبر لفظ الهبة و التمليك، و لا بدّ منه، و هو القياس عندهم(2).

و لو مات و لم يبيّن مراده، جعل ردّا على جميع الورثة، فإذا لم يقبل الموصى له و لم يردّ فللوارث مطالبته بأحد الأمرين، فإن امتنع حكم عليه بالردّ.

تنبيه: يحصل الردّ بقول الموصى له: رددت الوصيّة، أو: لا أقبل الوصيّة، و ما يقوم مقام ذلك من ألفاظه و يؤدّي معناه.

آخر: لو كانت الوصيّة لاثنين فقبل أحدهما و ردّ الآخر، رجع نصيب الرادّ إلى جميع الورثة، كالواحد.

و قال ابن الجنيد: لا يرجع نصيب الرادّ إلى الورثة. و ليس بجيّد.

البحث الثالث: في سبب التملّك.
مسألة 11: اختلف علماؤنا في أنّ الموصى له متى يملك ما أوصي له به ؟

قال في المبسوط: الأقوى أن يقال: إنّ الشيء الموصى به ينتقل إلى ملك الموصى له بوفاة الموصي، و قد قيل: إنّه بشرطين: بالموت، و قبول الموصى له. و قيل: إنّه مراعى، فإن قبل علم أنّه انتقل بالموت إليه، و إن ردّ علم أنّه بالموت انتقل إلى الورثة.

ص: 26


1- العزيز شرح الوجيز 64:7، روضة الطالبين 135:5-136.
2- العزيز شرح الوجيز 64:7، روضة الطالبين 136:5.

ثمّ قال: و على ما قلناه لو أهلّ هلال شوّال و قد مات الموصي و قد أوصى له بجارية و لم يقبل الموصى له بعد، لزمه فطرتها، و على القولين الآخرين لا تلزمه، و إنّما رجّحنا الأوّل؛ لقوله تعالى: مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها أَوْ دَيْنٍ (1) فأثبت الميراث بعد الوصيّة و الدّين، و لم يقل: بعد وصيّة و قبول الموصى له، فوجب أن لا يعتبر ذلك(2).

و قال قبل ذلك: إذا مات الموصي متى ينتقل الملك إلى الموصى له ؟ قيل: فيه قولان:

أحدهما: إنّه ينتقل بشرطين: بوفاة الموصي، و قبول الموصى له، فإذا وجد الشرطان انتقل الملك عقيب القبول.

و القول الثاني: إنّه مراعى، إن قبل الوصيّة تبيّنا أنّه انتقل إليه الملك بوفاته، و إن لم يقبل تبيّنا أنّ الملك انتقل إلى الورثة بوفاته.

و قيل: فيه قول ثالث، و هو: إنّ الملك ينتقل إلى الموصى له بوفاة الموصي، مثل الميراث يدخل في ملك الورثة بوفاته، فإن قبل ذلك استقرّ ملكه عليه، و إن ردّ ذلك انتقل عنه إلى ورثته، و هذا قول ضعيف لا يفرّع عليه(3) ، مع أنّه قال أوّلا: إنّه ينتقل بموت الموصي.

و قال في الخلاف: إذا أوصى له بشيء فإنّه ينتقل إلى ملك الموصى له بوفاة الموصي(4).

و قال ابن الجنيد: فإن اكتسب العبد بعد موت السيّد و قبل قبول8.

ص: 27


1- سورة النساء: 11.
2- المبسوط - للطوسي - 33:4-34.
3- المبسوط - للطوسي - 28:4.
4- الخلاف 146:4، المسألة 18.

الموصى له إيّاه، كان ما اكتسبه تابعا له. و هو يدلّ على الانتقال بالموت.

و قال ابن إدريس: الأقوى: أنّه لا ينتقل بالموت، بل بانضمام القبول من الموصى له، لا بمجرّد الموت(1).

و المعتمد أن نقول: إن كانت الوصيّة لغير معيّن لم يفتقر إلى القبول، و لزمت بالموت، و حصل الانتقال به، و إن كانت لمعيّن انتقل الملك إليه بوفاة الموصي انتقالا غير مستقرّ، بل متزلزلا قابلا للزوال، و إن ردّ ذلك انتقل عنه إلى ورثته؛ لأنّ الملك بعد موت الموصي إمّا أن يكون باقيا على ملكه، و هو باطل؛ لأنّ الميّت لا يملك شيئا، و استمرار الملك مع الموت بعيد جدّا، و إمّا أن ينتقل إلى الورثة، و هو باطل، و إلاّ لكان الموصى له يتلقّى الملك من الوارث لا من الميّت، و هو بعيد، و لأنّ الوارث لو كره الانتقال إلى الموصى له لم يعتد بكراهيّته في الانتقال و حكم به بغير اختيار الوارث، و إمّا أن يكون ملكا للّه تعالى، فلا يختصّ بالموصى له، بل يجب انتقاله إلى سبل الخير؛ لأنّها مصبّ حقّ اللّه تعالى، و إمّا أن يبقى بلا مالك، و هو بعيد؛ لاستحالة بقاء ملك بغير مالك، فتعيّن انتقاله إلى الموصى له.

فنقول حينئذ: لا يجوز انتقاله إليه على وجه اللزوم و الاستقرار، و إلاّ لما ارتدّ عنه بالردّ، و التالي باطل بالإجماع فالمقدّم مثله، و الملازمة ظاهرة؛ فإنّ الأملاك المستقرّة على أربابها لا تزول عنهم بردّهم إيّاها، و لا يمكن القول بالوقف؛ لأنّه إنّما يثبت الوقف بالنسبة إلينا؛ لعدم علمنا بالحكم، لا في نفس الأمر، و نحن قسمنا بالنسبة إلى ما في نفس الأمر، فلم يبق إلاّ ما ادّعيناه.3.

ص: 28


1- السرائر 202:3.

و أمّا العامّة فقد اختلفوا:

فللشافعي أقوال ثلاثة:

أحدها: أنّه يدخل الموصى به في ملك الموصى له بموت الموصي بغير اختياره، كما يدخل الميراث في ملك الورثة، و يستقرّ بقبوله.

و هو قول غير مشهور بينهم.

و وجهه: أنّه يستحقّه بالموت، فأشبه الميراث، و لأنّه لا يجوز أن يبقى على ملك الميّت؛ لأنّه صار جمادا، و لا يجوز أن ينتقل إلى الورثة؛ لأنّ اللّه تعالى قال: مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها أَوْ دَيْنٍ (1) فثبت أنّه ينتقل إلى الموصى له.

و الثاني: أنّ الموصى له يملك ما أوصي له بالقبول؛ لأنّه تمليك بعقد، فيتوقّف الملك فيه على القبول، كما في البيع و نحوه، و به قال مالك و أبو حنيفة و أحمد و أهل العراق(2).

و على هذا فالملك قبل القبول للوارث، أو يبقى للميّت ؟ فيه للشافعيّة و جهان، أصحّهما: الأوّل.

و الثالث - و هو أصحّ الأقوال عند الشافعيّة، و به قال المزني -: أنّ الملك موقوف في الحال، فإن قبل تبيّنّا أنّه ملك من يوم الموت، و إلاّ تبيّنّا أنّه كان ملكا للوارث من يومئذ؛ لأنّه لو ملك بالموت لما ارتدّ بالردّ، كالميراث، و بتقدير أن يرتدّ وجب أن يكون انتقاله إليهم بحسب الهبة منه، لا بحسب الإرث من الموصي.6.

ص: 29


1- سورة النساء 11:4.
2- المغني 471:6، الشرح الكبير 478:6.

و لو ملك بالقبول فإمّا أن يكون قبل القبول للميّت، و استمرار الملك مع الموت بعيد، أو للوارث، و حينئذ فالموصى له يتلقّى الملك عن الوارث، لا عن الموصي، و هو بعيد أيضا، و لأنّ الإرث يتأخّر عن الوصايا، و إذا بطلت الأقسام وجب التوقّف(1).

و الملازمة الأولى ممنوعة، و إنّما تتمّ لو كان الملك مستقرّا لازما، أمّا إذا قلنا بأنّه متزلزل فلا، و لا نسلّم كون الانتقال مع الارتداد بحسب الهبة، بل نقول: الارتداد رافع للملك من أصله، و القياس على الإرث باطل؛ لأنّ الإرث ليس بتمليك بإيجاب، و الوصيّة بخلافه.

و قد اعترضت الشافعيّة على قولهم بأنّه لو أوصى بعتق عبد معيّن بعد وفاته انتقل العبد إلى الوارث إلى أن يعتق، و لا يجعل على الخلاف.

و الفرق: أنّ الوصيّة تمليك للموصى له، فيبعد الحكم بالملك لغير من أوجب له الملك، و العتق ليس بتمليك(2).

و أجابوا أيضا بأنّ الوصيّة بالعتق دون الرقبة، فلم يمنع من ملك الوارث، و هنا الوصيّة بالملك، فلم ينتقل ما وصّى به إلى الوارث مع استحقاقه الوصيّة به.

ثمّ اعترضوا بأن قالوا: لم لا يبقى على حكم مال الميّت ؟ كما لو كان على الميّت دين، فإنّه يكون باقيا في حكم ذمّة الميت.6.

ص: 30


1- الحاوي الكبير 252:8 و 253، المهذّب - للشيرازي - 459:1، نهاية المطلب 204:11-205، حلية العلماء 75:6 و 76، التهذيب - للبغوي - 92:5-93، البيان 149:8 و 150، العزيز شرح الوجيز 65:7، روضة الطالبين 136:5، المغني 471:6-472، الشرح الكبير 478:6.
2- العزيز شرح الوجيز 65:7-66.

و أجابوا بالفرق بينهما: بأنّه يجوز أن يجدّد عليه وجوب دين، و هو إذا كان حفر بئرا في حال حياته فوقع فيها إنسان بعد موته، و لا يجوز أن يتجدّد له ملك بعد موته فلم يبق املاكه.

قيل عليه: كيف يجوز أن يتعلّق الملك بشرط مستقبل!؟ و ذلك محال.

و أجابوا بأنّ هذا غير مانع، كما إذا قال لها: أنت طالق قبل موتي بشهر، فإنّه إذا مات تبيّنّا أنّه وقع الطلاق، أو لم يقع، و هذا لا يشبه القبول؛ لأنّ الموت ليس بشرط في وقوع الطلاق، و إنّما يتبيّن به الوقت الذي أوقع فيه، و لو قال: إذا متّ فأنت طالق قبله بشهر، لم يصح.

قالوا: و ينبغي أن يكون القبول هنا ليس بشرط في صحّة الملك، و إنّما يتبيّن(1) به اختياره للملك حال الموت، فتبيّن حصول الملك باختياره.

و بعد هذا كلّه فالقول بأنّ القبول كاشف عن الملك لا بأس به عندي.

و اعترض على القائل بأنّ الملك ينتقل إلى الوارث بقوله تعالى: مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها أَوْ دَيْنٍ (2) شرط في ملك الوارث انتفاء الوصيّة، و الوصيّة هنا ثابتة، فلا يتحقّق الملك للوارث.

و أجيب بأنّ الملك يثبت(3) للوارث بالموت، و المراد بالآية: من بعد وصيّة مقبولة، و لهذا فإنّ الموصى له لو لم يقبل الوصيّة كانت ملكا للوارث إجماعا، و قبل قبولها ليست مقبولة.».

ص: 31


1- في «ص»: «تبيّن».
2- سورة النساء: 11.
3- في «ل» و الطبعة الحجريّة: «ثبت».

و يحتمل أن يكون المراد بقوله تعالى: فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ (1) أي: ذلك لكم مستقرّ، و لا يمنع هذا ثبوت ملك غير مستقرّ، و لهذا لا يمنع الدّين ثبوت الملك في التركة، و هو آكد من الوصيّة(2).

ثمّ قال بعضهم بأنّه يبقى ملكا للميّت، كما إذا كان عليه دين.

و اعترضوا على من نفى تملّكه بأنّ الملك يبقى له فيما يحتاج إليه من مؤونة تجهيزه و دفنه و قضاء ديونه و تنفيذ وصاياه، و لأنّه يتعذّر انتقاله إلى الوارث من أجل الوصيّة و امتناع انتقاله إلى الموصى له قبل القبول الذي هو إمّا جزء السبب أو شرطه، فإنّ ذلك يقتضي تقدّم المسبّب أو المشروط على جزء السبب أو شرطه.

و جوّزوا أن يتجدّد للميّت ملك في ديته إذا قتل، و فيما إذا نصب شبكة فوقع فيها صيد بعد موته بحيث تنفذ وصاياه و تقضى ديونه منها، و يجهّز أيضا، فإن ردّ الموصى له أو قبل انتقل حينئذ، فإن قلنا: إنّه ينتقل إلى الوارث، فإنّه يثبت له الملك على وجه لا يفيد إباحة التصرّف كثبوته في العين المرهونة، فلو باع الموصى به أو رهنه أو أعتقه أو تصرّف بغير ذلك، لم ينفذ شيء من تصرّفاته.

و لو كان الوارث ابنا للموصى به، مثل أن تملك امرأة زوجها الذي لها منه ابن فتوصي به لأجنبيّ، فإذا ماتت انتقل الملك فيه إلى ابنه إلى حين القبول، و لا يعتق عليه(3).0.

ص: 32


1- سورة النساء: 12.
2- المغني 472:6، الشرح الكبير 479:6.
3- المغني 472:6-473، الشرح الكبير 479:6-480.
البحث الرابع: في المسائل المتفرّعة على المذهبين.
اشارة

قد بيّنّا أنّ الأقوال في ملك الموصى له متى يكون ؟ ثلاثة:

أحدها: إنّه يملك بالموت، و هو رواية أبي ثور عن الشافعي(1).

و الثاني - و به قال أبو حنيفة و مالك و أحمد(2) -: إنّه يملك بالقبول، و على هذا فالملك قبل القبول للوارث، أو يبقى للميّت ؟ فيه و جهان للشافعيّة، أصحّهما: الأوّل.

و الثالث - و به قال المزني، و هو الأصحّ عندهم(3) -: الوقف، فإن قبل ظهر أنّه ملك من حين الموت، و إلاّ تبيّنا أنّه كان ملكا للوارث من ذلك الوقت.

و فرّع الفقهاء على ذلك مسائل.

مسألة 12: لو كان الموصى به عبدا كسوبا فكسب شيئا،

أو شجرة فأثمرت، أو دابّة فحملت، و بالجملة سائر زوائد الموصى به إن حصلت قبل موت الموصي، فهي للموصي؛ لأنّه قبل موته مالك للعين إجماعا، فتتبعه الزيادات المتّصلة و المنفصلة، و الوصيّة لا تتناول المنفصلة منها؛ لأنّها عين حصلت في ملك الموصي، و ليست جزءا من مسمّى الموصى به، فلا تندرج تحته.

و إن حصلت بعد موته و بعد القبول، فهي للموصى له؛ لأنّها حصلت و قد ملك العين.

ص: 33


1- العزيز شرح الوجيز 65:7.
2- راجع: الهامش (2) من ص 29.
3- راجع: الهامش (1) من ص 30.

و إن حصلت بعد موته و قبل القبول، فإن قلنا: الملك يحصل بالموت، فهي للموصى له، قبل الوصيّة أو ردّها؛ [لأنّها حصلت](1) بعد تمام الملك للموصى له، حيث جعلنا الملك تابعا للموت خاصّة.

و للشافعيّة فيما إذا ردّ الوصيّة وجه: أنّ الزوائد تتبع العين في الردّ أيضا؛ لأنّا تبيّنا أنّ سبب الملك لم يستقر(2).

و إن قلنا: يحصل بالقبول، فلا تكون الزوائد للموصى له، سواء قبل الوصيّة أو ردّها؛ لأنّها حدثت قبل حصول ملكه.

و للشافعيّة فيما إذا قبل الوصيّة وجه: أنّها تكون للموصى له؛ لأنّ حقّ التملّك من وقت الموت، فهي حادثة على محلّ حقّه(3).

و إن قلنا بالتوقّف، فهي موقوفة أيضا، كالأصل، فطن قبل الوصيّة فهي له، و إلاّ فلا.

و كلّما قلنا: إنّ الزوائد ترتدّ فإلى من ترتدّ؟ للشافعيّة و جهان:

أحدهما: إلى الموصي حتى تكون من جملة تركاته تقضى بها ديونه و تنفذ وصاياه، كالأصل.

و أصحّهما: أنّها تكون للوارث؛ لحدوثها بعد زوال ملك الموصي(4) ، و هو الوجه عندي.

مسألة 13: لو أوصى بعبده لزيد ثمّ مات ثمّ أهلّ شوال قبل القبول

ثمّ قبل، فإن قلنا: إنّه ينتقل بالموت، فالفطرة على الموصى له، و إن قلنا بالقبول، فالفطرة على الوارث، و إن قلنا بالوقف، فإن قبل تبيّنّا الملك حين

ص: 34


1- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «لأنّه حصل». و المثبت يقتضيه السياق. (2الى4) العزيز شرح الوجيز 66:7، روضة الطالبين 137:5.

الموت، فالفطرة على الموصى له، و إلاّ فعلى الوارث.

و كذا مؤونة العبد و نفقته التي يحتاج إليها بعد الموت و قبل القبول، فإنّ حكمها حكم الفطرة.

و قال بعض الشافعيّة: إنّها على الموصى له إن قبل على كلّ قول، و على الوارث إن ردّ على كلّ قول، و لا يتأتّى الوجه المذكور في الزيادات، و إن كان يحتمل أن يقال: الغرم في مقابلة الغنم، لكن إدخال شيء في الملك قهرا أهون من إلزام مؤونة قهرا(1).

و إذا توقّف الموصى له في القبول و الردّ، ألزم النفقة، فإن أراد الخلاص ردّ.

و يحتمل إلزام الوارث إن قلنا: إنّه يملك بالقبول خاصّة بعد الموت.

مسألة 14: لو زوّج أمته من حرّ ثمّ وصّى له بها ثمّ مات الموصي،

قال الشيخ رحمه اللّه: هذه المسألة تبنى على أصول ثلاثة:

أحدها: أنّ الحمل هل له حكم أم لا؟ و قد قيل: فيه قولان أحدهما:

لا حكم له، و الثاني: له حكم.

و معنى ذلك إنّا إذا قلنا: له حكم، تناوله البيع و الوصيّة، و جرى ذلك مجرى عين منفردة عن الأصل، و مجرى الولد المنفصل، و إذا أوصى بها و هي حبلى فكأنّه أوصى بها و بحملها، و إذا باعها فالثمن يتقسّط عليهما.

و إذا قلنا: لا حكم للحمل، فلا يحكم بأنّ العقد تناوله، فإذا وضعته كان كأنّه نماء حدث الآن، و جرى مجرى السمن، و إذا أوصى بجارية حبلى فإنّ وصيّته تكون بها دون الحمل، و إذا باعها فالثمن لا يتقسّط على الحمل،

ص: 35


1- الغزالي في الوسيط 431:4، و عنه في العزيز شرح الوجيز 66:7، و روضة الطالبين 137:5.

و متى وضعت فكأنّما حدث في تلك الحالة.

و الأصل الثاني: أنّ أقلّ مدّة الحمل ستّة أشهر، فمتى وضعت من حين الوصيّة لستّة أشهر فما زاد، فالظاهر أنّه حدث بعد الوصيّة، و إن وضعت لدون ستّة أشهر من حين الوصيّة، تبيّنّا أنّ الحمل كان موجودا حين الوصيّة.

و الأصل الثالث: أنّ من أوصى لرجل بشيء فإنّ ملكه لا يزول عن ذلك الشيء قبل وفاته إجماعا.

و إذا مات الموصي متى ينتقل الملك إلى الموصى له ؟ فيه قولان:

أحدهما: ينتقل بشرطين: موت الموصي، و قبول الموصى له، فإذا وجد الشرطان انتقل الملك عقيب القبول.

و الثاني: أنّه مراعى، إن قبل الوصيّة تبيّنّا أنّه انتقل إليه الملك بوفاته، و إن لم يقبل تبيّنّا أنّ الملك انتقل إلى الورثة بوفاته.

و قيل: فيه قول ثالث، و هو أنّ الملك ينتقل إلى الموصى له بوفاة الموصي، فإن قبل ذلك استقرّ ملكه، و إن ردّ انتقل إلى الورثة، و ضعّفه الشيخ.

ثمّ فرّع على الأوّلين، فقال: إذا زوّج أمته من حرّ ثمّ أوصى للزوج بها، فإمّا أن يردّ أو يقبل.

فإن ردّ بطلت الوصيّة، و كانت الأمة على الزوجيّة ينتقل ملكها إلى الورثة، و النكاح للزوج بحاله، إلاّ إذا قلنا: إنّ الموصى له يملك بالموت، فينفسخ النكاح من يوم الموت و إن كان الملك ضعيفا؛ للتنافي بين الملك و النكاح.

و أمّا إن كان قبل الوصيّة نظرت فإن كانت الأمة حائلا فقد ملكها،

ص: 36

و انفسخ النكاح بينهما؛ لأنّ النكاح لا يجتمع مع ملك اليمين، لأنّ أحكامهما متضادّة، و ملك اليمين أقوى فمنع النكاح.

و متى ينفسخ ؟ يبنى على القولين متى يملك الموصى له ؟ فإن قلنا بالقبول، انفسخ يوم القبول، و من يوم الموت على سبيل التبيّن إن قلنا بالتوقّف.

و إن كانت حاملا فسيأتي(1).

و إن كان قد زوّجها من وارثه ثمّ أوصى بها لغيره، فإن قبل الموصى له الوصيّة استمرّ النكاح، إلاّ إذا قلنا: إنّ الملك يحصل بالقبول و إنّه قبل القبول للوارث، ففيه للشافعيّة و جهان، أظهرهما: الانفساخ، و الثاني عدمه؛ لأنّ الملك ضعيف يتعلّق باختيار الغير، بخلاف جانب الموصى له(2).

و إن ردّ انفسخ النكاح.

و في استناده إلى حالة الموت لضعف الملك هذا الخلاف(3).

هذا إذا خرجت الأمة من الثّلث، فإن لم تخرج و لم يجز الورثة، انفسخ النكاح؛ لدخول شيء ممّا يزيد على الثّلث في ملك الزوج.

و إن أجازوا و قلنا بحصول الملك بالموت، أو قلنا بالتوقّف، فهل ينفسخ ؟ إن قلنا: إجازتهم تنفيذ لما فعله، فلا، و إن قلنا: ابتداء عطيّة، فنعم؛ لكونها في ملكهم إلى أن أعطوا.

مسألة 15: لو أوصى له بجارية فولدت،

فالأقسام ثلاثة:

الأوّل: أن تلد قبل موت الموصي، فإن انقضى أقلّ مدّة الحمل من يوم الوصيّة - و هي ستّة أشهر - فالولد غير داخل في الوصيّة؛ لاحتمال

ص: 37


1- المبسوط - للطوسي - 27:4-29.
2- العزيز شرح الوجيز 67:7، روضة الطالبين 137:5.
3- العزيز شرح الوجيز 67:7، روضة الطالبين 137:5.

تجدّده بعد الوصيّة، و الأصل عدم الحمل يوم الوصيّة، و الأصل عدم تناول الوصيّة له، فلا يجعل للموصى له بالشكّ و الاحتمال.

و إن وضعته لأقلّ من ستّة أشهر من حين الوصيّة، علم وجوده يوم الوصيّة، و يبنى على الخلاف في أنّ الحمل هل يعرف و يعطى حكما قبل الانفصال ؟ إن قلنا: لا و إنّما النظر إلى حالة الانفصال، فالولد غير داخل أيضا، بل هو زيادة حدثت في ملك الموصي، فيكون لورثته، و إن قلنا:

نعم، فهو كما لو أوصى بالجارية و ولدها بعد الانفصال، فينظر أيقبلهما الموصى له، أم يردّهما، أم يقبل أحدهما دون الآخر.

و المعتمد: أنّ الحمل غير داخل في وصيّة الأمّ.

و إذا كان الموصى له زوج الجارية و قبل الوصيّة في الولد، عتق عليه بالملك، و لا ولاء له عندنا، و عند العامّة يكون له ولاؤه(1) ، و لا تكون الجارية أمّ ولد له؛ لأنّها علقت منه برقيق.

الثاني: أن تلد بعد موت الموصي و قبل قبول الموصى له، فإمّا أن تلد بعد انقضاء [أقلّ] مدّة الحمل من يوم موت الموصي، أو قبله، و حينئذ فإمّا أن تلد بعد انقضاء هذه المدّة من يوم الوصيّة أو قبلها، فهذه أحوال ثلاثة:

الأوّل: إذا ولدت بعد انقضاء أقل مدّة الحمل من يوم الموت، لم يدخل الولد في الوصيّة؛ لاحتمال حدوثه بعد الموت.

ثمّ إن كان الموصى له زوج الجارية، بني حكم الجارية على أنّ الوصيّة بم تملك ؟ إن قلنا بالقبول و إنّها قبل القبول لورثة الموصي، فالولد5.

ص: 38


1- العزيز شرح الوجيز 67:7، روضة الطالبين 142:5.

لهم، لا إرثا عن الميّت، بل لحدوثه من(1) ملكهم، و إن قلنا: تملك بالموت أو توقّفنا فقبل، فيكون العلوق في ملك الموصى له، فينعقد الولد حرّا لا ولاء عليه، و تكون الجارية أمّ ولد له.

الثاني: إذا ولدت قبل أقلّ مدّة الحمل من يوم الموت و بعد انقضاء هذه المدّة من يوم الوصيّة، فهذا لا يجوز حدوثه بعد الموت، و يجوز أن يكون بعد الوصيّة، فيجعل كأنّه حدث بعدها، فإن قلنا: الحمل يعرف و يعطى حكما قبل الانفصال، فالولد زيادة حدثت في ملك الموصي، فهو له و لورثته بعده، و إن قلنا: لا يعرف و لا يعطى حكما، فيبنى على أنّ الوصيّة بم تملك ؟ إن قلنا بالقبول و إنّها للورثة قبل القبول، فالولد حادث في ملكهم، و إن قلنا بالموت أو توقّفنا و كان الموصى له زوج الجارية فقبل، عتق الولد عليه بالملك، و لا ولاء [له] عندنا، و عند العامّة له الولاء(2) ، و لا تصير الجارية أمّ ولد له؛ لأنّ العلوق حصل و هو مملوك.

الثالث: إذا ولدت قبل انقضاء مدّة الحمل من يومي الموت و الوصيّة جميعا، فإن قلنا: الحمل يعرف و يعطى حكما قبل الانفصال، فكأنّه أوصى بالجارية و الحمل جميعا، و إلاّ فعلى الخلاف في أنّ الوصيّة بم تملك ؟ على ما تقدّم في الحالة الثانية.

القسم الثالث: أن تلد بعد الموت و القبول، فله أحوال:

الأوّل: أن تلد بعد انقضاء أقلّ مدّة الحمل من وقت القبول، فالولد للموصى له، فإن كان الموصى له زوج الجارية، انعقد الولد حرّا، و صارت الجارية أمّ ولد.5.

ص: 39


1- الظاهر: «في» بدل «من».
2- العزيز شرح الوجيز 68:7، روضة الطالبين 143:5.

الثاني: أن تلد قبل انقضاء هذه المدّة من وقت القبول و بعد انقضائها من وقت الموت، فإن قلنا: الوصيّة تملك بالموت أو توقّفنا فقبل، فالحكم كما في الحالة الأولى، و إن قلنا: تملك بالقبول و إنّها قبل القبول للورثة، فإن قلنا: الحمل يعرف، فهو زيادة في ملك الورثة، و إلاّ فللموصى له، فإذا كان الموصى له زوج الجارية، عتق الولد عليه، و ثبت له الولاء، و لا تصير الجارية أمّ ولد.

الثالث: أن تلد قبل انقضاء هذه المدّة من وقت القبول و الموت جميعا و بعد انقضائها من يوم الوصيّة، فإن قلنا: الحمل يعرف، فالولد غير داخل في الوصيّة، و إن قلنا: لا و اعتبرنا حالة الانفصال، فالانفصال حصل في ملك الموصى له، فيكون الولد له، و يعتق عليه إن كان الموصى له زوجها، و لا استيلاد.

الرابع: أن تلد قبل انقضائها من يوم الوصيّة أيضا، فإن قلنا: إنّ الحمل يعرف، فهو داخل في الوصيّة، و إلاّ فهو حاصل في ملك الموصى له، فيكون له، فإن كان زوجها، عتق عليه بالملك، و لا استيلاد.

و نتاج سائر الحيوان يعرف بما ذكرنا، و يرجع في مدّة حملها إلى أهل الخبرة، فإنّها تختلف.

تذنيبان:

الأوّل: قال بعض الشافعيّة: حيث حكمنا بمصير الجارية أمّ ولد فتعتبر حقيقة الإصابة من وقت الملك، أم يكفي إمكان الإصابة ؟ فيه

ص: 40

و جهان، و الثاني هو الملائم لكلام أكثرهم(1).

الثاني: قال: حيث بقّينا الولد على ملك الوارث فالمعتبر من الثّلث قيمة الجارية وحدها، و إذا لم نبقّ فالمعتبر من الثّلث ما كان موجودا يوم موت الموصي، فإن كانت حائلا اعتبر قيمتها وحدها، و إن كانت حاملا اعتبر قيمتها مع قيمة الحمل، و حينئذ فالنظر إلى قيمتها حاملا يوم موت الموصي عند عامّة الشافعيّة(2).

و قال بعضهم: تعتبر قيمتها يومئذ لو كانت حاملا، و تعتبر قيمة الحمل في أوّل حال الانفصال، و إذا قوّمناهما فخرجا من الثّلث فذاك، و إلاّ فلا يقرع، و لكن تنفذ الوصيّة في القدر الذي يحتمله الثّلث منهما على نسبة واحدة(3).

مسألة 16: لو أوصى بأمة لزوجها فلم يعلم حتى وضعت له بعد موت سيّدها

أولادا، فإن قبل عتقوا، و لم تكن أمّهم أمّ ولد حتى تلد منه بعد قبوله لستّة أشهر، قاله بعض الشافعيّة(1).

و أشكل عليه من وجهين:

أحدهما: أنّه اعتبر عدم العلم بالوصيّة، و لا فرق بين أن يعلم أو لا يعلم.

و الثاني: أنّه حكم بحرّيّة الأولاد و بأنّها لا تصير أمّ ولد، فإن فرّع على أنّ الملك يحصل بالموت أو على قول التوقّف، فلم اعتبر مضيّ الأشهر في مصير الجارية أمّ ولد؟ و إن فرّع على الحصول بالقبول، فلم حكم بحرّيّة

ص: 41


1- قاله المزني في مختصره: 144، و عنه في العزيز شرح الوجيز 69:7، و روضة الطالبين 144:5.

الأولاد في الحال ؟

أمّا الأوّل فقد فرّق بعضهم بين العلم و عدمه؛ لأنّ الشافعي حكم فيما إذا وطئ أمة الغير على ظنّ أنّها زوجته الحرّة بحرّيّة الولد، و لو ظنّ أنّها زوجته الرقيقة، يكون الولد رقيقا، فاختلف الحكم باعتقاده.

و الظاهر أنّه لا فرق في ثبوت أمّيّة الولد بين أن يكون عالما أو لا يكون، حتى لو وطئ أمته على ظنّ أنّها لغيره، أو أنّها حرّة و أحبلها، تثبت أمّيّة الولد، فإذا قوله: «و لم يعلم» كأنّه خرج مخرج الغالب، فإنّ الغالب أنّ الوصيّة لا تبقى المدّة الطويلة معلّقة غير مردودة و لا مقبولة، إلاّ إذا لم يعلم الموصى له بالوصيّة لغيبة أو نحوها.

و أمّا الثاني فقد قيل: إنّه تخليط من المزني، فقوله: «عتقوا» تفريع على أنّ الملك يحصل بالموت، و قوله: «و لا تصير أمّ ولد له» تفريع على أنّه يحصل بالقبول(1).

و قال أكثرهم: بل هو تفريع على قول التوقّف، و يتبيّن حصول الملك بالموت، و أراد بالقبول في قوله: «بعد قبوله» الموت، سمّاه قبولا؛ لأنّه وقت القبول(2).

مسألة 17: لو أوصى بجاريته لزوجها و مات الموصى له قبل القبول و الردّ،

فقد تقدّم أنّ ورثته يقومون مقامه في الردّ و القبول.

فإن قبلوا فعلى الخلاف في أنّ الملك بم يحصل ؟ إن قلنا بالموت، أو قلنا: هو موقوف، فقبولهم كقبول الموصى له في عتق الأولاد بالملك، و في انعقادهم على الحرّيّة و مصير الجارية أمّ ولد، و في بقائهم مماليك

ص: 42


1- العزيز شرح الوجيز 69:7-70، روضة الطالبين 144:5-145.
2- العزيز شرح الوجيز 70:7، روضة الطالبين 145:5.

لورثة الموصي على اختلاف الأحوال المذكورة في المسألة بلا فرق، إلاّ أنّهم إذا عتقوا بقبول الموصى له ورثوه، و إذا عتقوا بقبول الورثة لم يرثوا.

و إن قلنا: يحصل الملك بالقبول، فإن كان بين الوارث و الأولاد قرابة تقتضي العتق بأن كان وارث الموصى له أباه، فينعتقون عليه؛ لأنّهم حفدته، و إلاّ فللشافعيّة و جهان(1).

و إذا لم يحصل العتق فهل تقضى ديون الموصى له منها، أم تسلّم للورثة ؟ فيه وجهان(2).

مسألة 18: إذا أوصى الإنسان لغيره بأبيه أو بابنه،

لم يجب عليه القبول، بل كان للموصى له أن يردّ، كما أنّ له أن يقبل؛ لأنّ قبول الوصيّة استجلاب ملك الأب، و هو غير لازم له، كما لو بذل بيعه فإنّه لا يجب عليه شراؤه إجماعا، فكذا لو أوصي له به، و به قال الشافعي(3).

و قال مالك: إنّ الموصى له يجب عليه أن يقبل الوصيّة؛ لأنّه يحصل لأبيه الحرّيّة من غير التزام مال، فلزمه ذلك لانتفاء الضرر عنه(4).

و هو ممنوع؛ فإنّ المنّة ضرر، و يلزمه نفقته و كسوته، و هو ضرر أيضا.

و للشافعيّة وجه: أنّه يمتنع الردّ إذا فرّعنا على أنّ الملك يحصل بالموت؛ لأنّه يعتق عليه(5).

ص: 43


1- العزيز شرح الوجيز 70:7، روضة الطالبين 145:5.
2- العزيز شرح الوجيز 71:7، روضة الطالبين 145:5.
3- التهذيب - للبغوي - 95:5، البيان 322:8-323، العزيز شرح الوجيز 7: 71، روضة الطالبين 139:5، المغني 454:6.
4- التهذيب - للبغوي - 95:5، العزيز شرح الوجيز 71:7.
5- العزيز شرح الوجيز 71:7، روضة الطالبين 139:5.

لكن مذهب الشافعيّة خلافه، و أنّه لا يعتق عليه قبل القبول، فإن عرف ذلك فردّ فذاك، و إن قبل و قلنا: إنّ الملك يحصل بالقبول، عتق عليه حينئذ، و إن قلنا بالموت أو قلنا بالتوقّف، تبيّن أنّه عتق عليه يوم الموت(1).

مسألة 19: لو ملك ابن أخيه فأوصى به لأجنبيّ و لا وارث للموصي سوى أخيه أبي الابن الموصى به،

فقبل الموصى له الوصيّة، فالابن للأجنبيّ إن قلنا بحصول الملك بالموت، أو قلنا بالتوقّف، و إن قلنا بحصوله بالقبول و جعلناه قبل القبول للوارث، فقضيّته العتق على الوارث يوم الموت؛ لأنّه قد ملك ابنه.

لكن جماعة الشافعيّة لم يحكموا بعتقه، بل بعدم العتق؛ لئلاّ تبطل الوصيّة(2). و فيه إشكال.

مسألة 20: هذا في ردّ الموصى له و قبوله بنفسه،

أمّا لو أوصى لإنسان بأبيه و مات الموصى له بعد موت الموصي و قبل القبول، و قلنا: إنّ الوارث يقوم مقامه في الردّ و القبول لنيابته عنه في الحقوق، فإن قبل فهو كما لو قبل الموصى له بنفسه إن قلنا بالتوقّف أو بحصول الملك بالموت.

و إن قلنا بحصوله بالقبول، فإن لم يكن بين الموصى به و وارث الموصى له قرابة تقتضي عتقه عليه بأن كان الوارث أخا للموصى له أو ابن أخيه، فهل يحكم بعتقه ؟ الأقوى: ذلك؛ لأنّ الموصي إنّما أوجب الملك للموصى له في حياته، فقد أوجد سبب الملك في حياته، فأشبه ما لو نصب شبكة في حال حياته و تعلّق بها صيد بعد موته، فإنّه يحكم بثبوت الملك له.

ص: 44


1- العزيز شرح الوجيز 71:7، روضة الطالبين 139:5.
2- العزيز شرح الوجيز 71:7، روضة الطالبين 139:5.

و يحتمل المنع؛ لأنّ القبول الذي يترتّب عليه الملك وجد من الوارث، فيثبت له الملك ابتداء، لا تلقّيا من المورّث، كما لو ورث حقّ الشفعة و أخذ بها، ينتقل الملك إليه من المشتري لا من مورّثه.

و للشافعيّة و جهان(1) كهذين.

و إن كان بين الموصى به و وارث الموصى له قرابة تقتضي العتق بأن كان الوارث أب الموصى له، فيحكم بعتق الموصى به لا محالة.

و يعود الوجهان في أنّه يعتق على الموصى له أو على وارثه، و أنّ الولاء عند مثبتيه من العامّة لمن يثبت ؟(2).

و إذا لم يحكم بالعتق فهل تقضى منه ديون الموصى له، أم يسلّم للوارث ؟ للشافعيّة و جهان:

أحدهما: أنّه يسلّم للوارث؛ لأنّ الوارث ملك لا من جهة الموصى له.

و الثاني: أنّه تقضى منه ديون الموصى له؛ لأنّ الوارث ملكه بسبب يتعلّق بالموصى له، فهو كالدية الواجبة بقتله تقضى منها ديونه و إن قلنا:

إنّها تثبت للوارث ابتداء(3).

مسألة 21: إذا أوصى له بمن يعتق عليه،

كولده أو والده، فإن قبله في حال صحّته أو مرضه الذي لم يمت فيه، فإنّه يعتق عليه، و إذا مات ورثه.

و إن كان قبله في مرضه الذي مات فيه، احتمل أن يكون من ثلثه - و هو قول الشافعي(4) - لأنّه ملكه بالقبول ثمّ عتق عليه، فقد عتق ملكه في مرضه.

ص: 45


1- العزيز شرح الوجيز 71:7-72، روضة الطالبين 139:5. (2الى4) العزيز شرح الوجيز 72:7، روضة الطالبين 140:5.

فإن خرج من ثلثه نفذ عتقه، و إن لم يخرج من ثلثه فأجاز الورثة ذلك عتق، و إن لم يجيزوا جاز منه ما خرج من الثّلث، و لا يرث عند الشافعي؛ لأنّا لو ورّثناه لكان عتقه وصيّة للوارث، و الوصيّة للوارث لا تنفذ عندهم(1) ، و إذا لم يحصل عتقه لم يرث، فأثبتنا العتق و نفينا الميراث؛ لأنّ ثبوت الميراث يؤدّي إلى بطلان العتق من حيث إنّ الوصيّة به تكون وصيّة للوارث، و هي عندهم باطلة، و إذا بطل العتق بطل الميراث أيضا، فثبوت الميراث يؤدّي إلى نفيه، و كلّ ما كان ثبوته يؤدّي إلى نفيه كان محالا.

و يحتمل أن ينفذ عتقه من الأصل - و قوّاه الشيخ(2) رحمه اللّه، و هو قول بعض الشافعيّة(3) - لأنّه إنّما يعتبر من الثّلث ما يخرجه من ملكه، و هنا لم يخرج من ملكه شيئا، و إنّما قبل وصيّته و لم يستقر ملكه عليه، فيكون عتقه مبطلا لملكه، و لا يخرج في مقابلة ذلك شيء من ماله، فعلى هذا يرث؛ لأنّه حين وفاته حرّ.

مسألة 22: إذا ملك المريض من ينعتق عليه بغير عوض،

عتق و ورث، و به قال مالك و بعض الشافعيّة، و حكي مذهبا للشافعي، و به قال أحمد، و لا خلاف بين هؤلاء في أنّه إذا ملكه بالميراث عتق و ورث(4).

و قال أبو حنيفة: إن حمله الثّلث عتق و ورث، و إلاّ سعى فيما بقي عليه و لم يرث، و لم يفرّق بين أن يملك بعوض أو بغير عوض(5).

و قال أبو يوسف و محمّد: يحسب ميراثهم من قيمتهم، فإن فضل

ص: 46


1- العزيز شرح الوجيز 72:7، روضة الطالبين 140:5.
2- المبسوط - للطوسي - 37:4.
3- العزيز شرح الوجيز 72:7، روضة الطالبين 140:5.
4- المغني 451:6 و 529-530.
5- المغني 451:6 و 530.

شيء أخذوه، و إن فضل عليهم شيء سعوا فيه(1).

و الوجه: الأوّل؛ لأنّ المريض لم يصنع فيه شيئا من ماله، و إنّما تعاطى سبب ملكه على وجه لم يستقر، و زال بغير إزالته، فلم يحسب عليه من ثلثه، كما لو اتّهب شيئا فرجع الواهب فيه، أو اشترى ما فيه غبطة بشرط خيار البائع ففسخ، أو تزوّجت المرأة و طلّقت قبل الدخول، و إذا لم تكن وصيّة تحتسب عليه من الثّلث لم يمنع الميراث، كما لو ملك حال صحّته.

إذا عرفت هذا، فكلّ موضع يدخل في ملكه بغير عوض، بل بإرث أو هبة يعتق من الأصل، و هو الأظهر عند الشافعيّة(2).

و بعضهم(3) فرّق بين أن يرثه المريض و أن يقبل الوصيّة به، فإنّ(4) الأوّل يعتق عليه من الأصل، و الثاني من الثّلث؛ لأنّه إذا قبل الوصيّة فقد استجلب ملكه، و إذا ورثه فقد دخل في ملكه بغير اختياره، و عتق بغير اختياره، ألا ترى أنّه لو(5) ورث بعضه لم يقوّم عليه الباقي، و إذا أوصى له ببعضه فقبله عتق عليه و قوّم عليه الباقي.

و لو قبل المديون في مرض موته الوصيّة له بمن ينعتق عليه، احتمل أن يعتق من الأصل؛ لأنّه لم يتلف بذلك مالا لنفسه، و هو قول بعض الشافعيّة الذين قالوا بعتقه من الأصل(6) ، و أن يباع في الدّين إن قلنا: يعتق7.

ص: 47


1- المغني 451:6 و 530.
2- راجع: العزيز شرح الوجيز 132:7، و روضة الطالبين 140:5 و 186.
3- لم نتحقّقه.
4- في «ص» و الطبعة الحجريّة: «في أنّ».
5- في النّسخ الخطّيّة: «إذا» بدل «لو».
6- العزيز شرح الوجيز 132:7، روضة الطالبين 186:5-187.

من الثّلث؛ لأنّه حينئذ يكون وصيّة، و الدّين مقدّم.

لكن الأوّل أحقّ؛ لأنّ العتق قهريّ، و هذا الوجه بعيد و إن صار إليه بعض الشافعيّة(1).

و لهم وجه ثالث أبعد من هذا؛ بناء على العتق من الثّلث؛ لأنّه لا يصحّ قبوله، لأنّه يؤدّي إلى بيع أبيه عليه(2).

و لو اشترى المريض من يعتق عليه، فإن خرج من ثلثه عتق عليه، و إن لم يخرج من ثلثه(3) ، فإن أجاز الورثة عتق، و إن لم يجيزوا عتق منه ما يخرج من الثّلث، و انتقل الباقي إلى ورثته، فإن كان فيهم من يعتق عليه عتق عليه نصيبه منه و يرقّ الباقي، قاله الشافعيّة، و لا يرث في هذه الأحوال عندهم(4) ، و حكاه بعضهم عن الشافعي و مالك(5).

و حكي عن الشافعي أيضا أنّه لا فرق بين أن يملك بعوض أو غيره، و أنّه إن خرج من الثّلث عتق، و إلاّ عتق منه بقدر الثّلث، و لا يرث في الحالين؛ لأنّه لو ورث لكان إعتاقه وصيّة لوارث، فيبطل عتقه، و يبطل ميراثه؛ لبطلان عتقه، فيؤدّي توريثه إلى إبطال توريثه، فصحّحنا عتقه و لم نورّثه(6).

و مذهب أبي حنيفة و أصحابه في هذا كمذهبهم إذا ملكهم(7) بغير».

ص: 48


1- العزيز شرح الوجيز 132:7، روضة الطالبين 187:5.
2- لم نتحقّقه في مظانّه.
3- في النّسخ الخطّيّة: «الثّلث» بدل «ثلثه».
4- بحر المذهب 75:14-76.
5- المغني 452:6.
6- المغني 452:6.
7- كذا قوله: «ملكهم» في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة، و الظاهر: «ملكه».

عوض(1).

و الوجه: أنّه يعتق عليه؛ لما رواه العامّة عن النبيّ صلّى اللّه عليه و اله أنّه قال: «من ملك ذا رحم محرم فهو حرّ»(2).

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السّلام: «إذا ملك الرجل والديه أو أخته أو عمّته أو خالته أو بنت أخيه - و ذكر أهل هذه الآية من النساء(3) - عتقوا جميعا(4)»(5) الحديث.

و لأنّه ملك وجد معه ما ينافيه فيبطل، كملك النكاح مع ملك الرقبة فيما إذا اشترى أحد الزوجين صاحبه.

و إذا عتق ورث؛ لأنّ سبب الميراث - الذي هو القرابة - وجد عريّا من الموانع، فورث، كالورثة.

و قولهم: «إنّ عتقه وصيّة» باطل؛ لأنّ الوصيّة فعله، و العتق هنا يحصل بغير اختياره و لا إرادته، و لأنّ رقبة المعتق لا تحصل له، و إنّما تتلف ماليّته و تزول، فيصير ذلك كتلفه بقتل بعض رقيقه، أو كإتلاف بعض ماله في بناء مسجد.4.

ص: 49


1- المغني 452:6.
2- مسند أبي داود الطيالسي: 910/123، مسند أحمد 19715/651:5، سنن ابن ماجة 2524/843:2، و 2525/844، سنن أبي داود 3949/26:4، الجامع الصحيح (سنن الترمذي) 1365/646:3، المعجم الكبير - للطبراني - 248:7 - 6852/249، المعجم الأوسط - له أيضا - 1461/125:2، المستدرك - للحاكم - 214:2، السنن الكبرى - للبيهقي - 289:10، معرفة السنن و الآثار 14: 20479/406.
3- سورة النساء: 23.
4- كلمة «جميعا» لم ترد في المصدر.
5- التهذيب 871/241:8، الاستبصار 47/15:4.

و مثال ذلك: مريض وهب له ابنه فقبل و قيمته مائة ثمّ مات المريض و خلّف ابنا آخر و مائتين، فإنّه يعتق، و يقاسم أخاه في المائتين في قول أكثر العامّة(1).

و للشافعي قول: إنّه يعتق و لا يرث شيئا(2).

و عند أبي يوسف و محمّد: يعتق، و له نصف التركة يحتسب له(3) بقيمته، و يبقى له خمسون(4).

و لو كان باقي التركة خمسين، فعند مالك: يعتق، و له نصف الخمسين(5).

و عند أبي حنيفة: يعتق نصفه، و يسعى في باقيه، و الخمسون كلّها لأخيه(6).

و قال صاحباه: تعتق ثلاثة أرباعه(7).

و عند الشافعي في أحد القولين: يعتق نصفه، و يرقّ نصفه، و نصفه الرقيق و الخمسون بأسرها لأخيه(8).

و إن كان باقي التركة ثلاثمائة، فعند مالك: يعتق، و له مائة و خمسون(5).

و عند الشافعي: يعتق، و لا يرث شيئا(10).

و عند أبي يوسف و محمّد: يعتق، و له ثلث الثلاثمائة(11).6.

ص: 50


1- المغني 453:6 و 531.
2- المغني 453:6 و 531.
3- الظاهر: «عليه» بدل «له» كما في الموضع الأوّل من المغني، راجع: الهامش التالي.
4- المغني 453:6 و 531. (5الى8) المغني 453:6.
5- المغني 531:6. (10الى11) المغني 453:6.

و إن كان اشترى ابنه [بمائة](1) و مات و خلّف ابنا آخر و مائة أخرى، ففي إحدى الروايتين عن أحمد: يعتق، و يقاسم أخاه المائة الباقية، و في الأخرى: يعتق منه ثلثاه، و يرث أربعين، و يعتق باقيه على أخيه، و لا يرث بذلك [الجزء](2) شيئا؛ لأنّ عتقه حصل بعد موت أبيه(3).

و عند الشافعي: يعتق ثلثاه، و لا يرث(4).

و قال أبو حنيفة: يعتق ثلثاه، و يسعى في باقيه، و لا يرث(5).

و عند صاحبيه: يعتق كلّه، و لا يرث شيئا، فإن كان قد تصدّق قبل ذلك بثلثه أو حابى به، لم يعتق؛ لأنّ الثّلث قد ذهب(6).

مسألة 23: لو أوصى للمريض بمن يعتق عليه،

فمات قبل القبول، فقبل وارثه، فإن حكمنا بحصول الحرّيّة عند القبول لم يرث من الموصى له؛ لتأخّر عتقه عن موته و انتقال التركة إلى القابل قبل العتق.

و إن حكمنا بحصولها عند الموت، فإن كان القابل من يحجبه الموصى به كالأخ لو قبل الوصيّة بابن الميّت أخيه، فالأقرب: أنّه لا يرث؛ لأنّ تركة الموصى له انتقلت بموته إلى أخيه، و الابن الموصى له به بعد لم ينتقل إليه؛ لكون الموصي حيّا، فإذا قبله ينبغي أن لا يرث؛ لأنّ عتقه لم يصادف تركة للميّت.

و أمّا العامّة فقالوا: إنّه لا يرث أيضا، لكن بعلّة أخرى، و هي: أنّه لو ورث لحجب الأخ و أخرجه عن أن يكون وارثا، و إذا خرج عن أن يكون وارثا بطل قبوله، فبقي(1) رقيقا، فيمنع توريثه، فإذن في توريثه إبطال

ص: 51


1- في «ر»: «فيبقى».

توريثه(1).

و هذا بناء على أنّ الولد يدخل في ملك الموصى له أو لا؟

و لو كان القابل من لا يحجبه الموصى به، كابن آخر حرّ، فللشافعيّة ثلاثة أوجه:

أحدها: أنّه يرث؛ لأنّ توريثه لا يؤدّي إلى حرمان القابل، فصار كما لو مات عن ابن مشهور النسب فأقرّ بابن آخر يرثان معا، و لو مات عن أخ فأقرّ بابن للميّت ثبت نسبه و لم يرث عندهم.

و أظهرها: المنع من الإرث؛ لأنّا لو ورّثناه لارتدّ حقّ القابل من القبول في الكلّ إلى القبول في النصف، و لا يصحّ من الموصى به أن يقبل نصيب نفسه؛ لأنّه إنّما يقبل إذا كان وارثا، و إنّما يكون وارثا إذا عتق، و إنّما يعتق إذا قبل، فإذن يبقى نصيبه رقيقا، و من بعضه رقيق لا يرث عندهم كمن كلّه رقيق.

و فرّقوا بين هذا و بين إقرار الابن بابن آخر؛ لأنّهما حينئذ يقرّان بأنّهما ابنا الميّت، فورثا المال، و هنا العتق في جميعه لا يصحّ إلاّ بقبول من يحوز جميع التركة، و لا مدخل للمقبول في القبول، فلو لم يكن الأوّل جائزا بطل القبول من أصله.

و الوجه الثالث: أنّه إن ثبت القبول للموصى له و هو مريض، لم يرثه؛ لأنّ قبول ورثته كقبوله، و أنّه لو قبله لكان وصيّة، و الإرث و الوصيّة لا يجتمعان، و إن ثبت و هو صحيح ورثه(2).

مسألة 24: لو أوصى لرجل بزوجته الحامل من الزوج و هي أمة

ص: 52


1- العزيز شرح الوجيز 72:7، روضة الطالبين 140:5.
2- العزيز شرح الوجيز 72:7-73، روضة الطالبين 140:5.

الموصي و لابن لها حرّ و مات و خرجت هي كلّها من الثّلث فقبلا الوصيّة و هما موسران، فإن قبلاها معا عتقت الأمة بأسرها على ابنها، النصف بالملك، و الباقي بالسراية إن قلنا بثبوتها هنا كقول الشافعيّة(1) ، و عليه للزوج نصف قيمتها، و يعتق الحمل عليهما بالسوّية.

أمّا نصيب الزوج: فلأنّه ولده.

و أمّا نصيب الابن: فلأنّ الأم عتقت عليه، و العتق يسري في الحامل إلى ما يملكه المعتق من حملها عندهم(2) ، و لا يقوّم نصيب واحد منهما على الآخر؛ لأنّ العتق عليهما حصل دفعة واحدة، فأشبه ما إذا اشترى ابنان أباهما أو أمّهما، عتق عليهما و لا تقويم.

و إن قبل أحدهما قبل الآخر، فإن قلنا: يحصل الملك بالموت، أو قلنا بالتوقّف، فالجواب كذلك؛ لأنّ وقت الملك واحد و إن اختلف وقت القبول.

و إن قلنا: يحصل الملك بالقبول، فإن تقدّم قبول الابن عتقت الأمة بالملك، و الحمل بسراية العتق من الأم إلى الحمل، و عليه للزوج نصف قيمتها.

و إن تقدّم قبول الزوج، عتق جميع الحمل عليه، النصف بالملك، و النصف بالسراية، فيغرم نصف قيمته يوم الولادة للابن، و لا يعتق عليه من الأمة شيء.

فإذا قبل الابن، عتق عليه جميعها بالملك و السراية، و غرم للزوج نصف قيمتها.7.

ص: 53


1- العزيز شرح الوجيز 73:7.
2- العزيز شرح الوجيز 73:7.

و إن قبل الزوج وحده، عتق عليه الحمل، النصف بالملك، و النصف بالسراية، فيغرم نصف قيمته لورثة الموصي، و لا يسري العتق من الحمل إلى الأم؛ لأنّ الحمل تبع لها، و ليست هي تبعا له.

و إن قبل الابن وحده، عتقا عليه، و غرم نصف قيمتهما لورثة الموصي.

مسألة 25: لو أوصى لإنسان بمن يعتق عليه و مات الموصى له عن ابنين،

فالقول في قبولهما تفريعا على الأقوال في وقت الملك كما سبق.

و الظاهر صحّته عند الشافعيّة(1) أيضا، و وقوع العتق عن الميّت.

و إن قبل أحدهما دون الآخر، صحّ القبول في النصف، و يعتق على الميّت.

ثمّ قال بعضهم: ينظر إن ورث القابل من الموصى له ما يفي بباقي قيمة العبد قوّم عليه الباقي فيما ورثه، و إلاّ لم يقوّم عليه، و لا اعتبار بيسار القابل في نفسه، [و لا يثبت التقويم في نصيب الذي لم يقبل من التركة.

أمّا أنّه لا اعتبار بيساره في نفسه: فلأنّ] العتق وقع عن الميّت، فلا يكون التقويم على غيره.

و أمّا أنّه لا يثبت للّذي لم يقبل: فلأنّ سبب العتق القبول، فالذي لم يقبل لم ينتسب(2).

[و] اعترض بأنّه هب أنّه لم ينتسب إليه لكنّه غير منكر عتق نصيب القابل و اقتضاءه التقويم، و التقويم كدين يلحق التركة(3).

ص: 54


1- العزيز شرح الوجيز 74:7، روضة الطالبين 140:5.
2- نفس المصدرين، و ما بين المعقوفين أثبتناه منهما.
3- العزيز شرح الوجيز 74:7، روضة الطالبين 140:5.

و قال بعضهم: يجب أن لا يقوّم على الميّت، و يقتصر العتق على القدر المقبول؛ لوجهين:

أحدهما: أنّ الملك حصل للميّت بغير اختياره، بل بقبول الوارث، فأشبه ما إذا [ورث](1) شقصا من عبد يعتق عليه و لا يقوّم عليه.

و الثاني: أنّ العتق يحصل بعد موته، و لا مال له حينئذ، فأشبه ما إذا أعتق شقصا من عبد بعد الموت لا يقوّم عليه الباقي(2).

و اعترض بأنّا لو حكمنا بالعتق على الميّت لجعلنا الوارث نائبا عنه، و كيف ينتظم مع القول بالنيابة نفي اختيار المنوب!؟ نعم، كلاهما حكميّان، و أمّا الثاني فلا نسلّم أنّ العتق يحصل بعد الموت، بل يستند إلى ما قبل الموت كما تقدّم(3).

ثمّ ولاء ما عتق منه للميّت.

و هل يشترك الابنان معا، أم ينفرد به القابل ؟ للشافعيّة و جهان، أحدهما: انفراد القابل؛ لأنّه انفرد باكتسابه، فأشبه ما إذا شهد شاهد بدين للميّت و حلف معه أحد الابنين، فإنّه ينفرد الحالف بنصفه، و لا يشاركه الآخر فيه(4).

[و] اعترض بأنّ المنفرد بالاكتساب في هذه الصورة لم ينفرد إلاّ بنصفه ممّا أثبته للميّت، فوجب أن يكون هنا كذلك(5).5.

ص: 55


1- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «أعتق». و المثبت كما في المصدر.
2- العزيز شرح الوجيز 74:7، روضة الطالبين 140:5-141.
3- العزيز شرح الوجيز 74:7، روضة الطالبين 141:5.
4- العزيز شرح الوجيز 74:7، روضة الطالبين 141:5.
5- العزيز شرح الوجيز 74:7-75.

و لو أوصى لإنسان ببعض من يعتق عليه و مات الموصى له و قبل وارثه الوصيّة، فالقول في عتقه على الميّت و تقويم الباقي عليه على ما تقدّم في هذه المسألة.

مسألة 26: لو كان له أمة ذات ولد من غيره فأوصى بها لذلك الولد،

فإن كانت تخرج من الثّلث و قبل الموصى له الوصيّة عتقت عليه، و إن ردّ بقيت للوارث.

و إن لم تخرج، فالجواب في قدر الثّلث كذلك، و أمّا الزائد عليه فلو أعتقه الوارث و هو موسر عتق عليه.

ثمّ إن لم يقبل ابنها الوصيّة تبيّنا أنّ جميعها للوارث، فيسري العتق من البعض الذي أعتقه إلى الباقي، و إن قبل عتق عليه ما قبل.

قال بعض الشافعيّة: و لا يقوّم نصيبه على الوارث و لا نصيب الوارث عليه.

أمّا الثاني: فلأنّه أعتق نصيبه قبل قبوله.

و أمّا الأوّل: فلأنّا نتبيّن بالقبول حصول ملكه بالموت و تقدّمه على إعتاق الوارث للزيادة.

و الصواب عند الشافعيّة أن يقال: إن قلنا بحصول الملك بالموت ابتداء أو تبيّنا، فيقوّم نصيب الوارث عليه؛ لأنّا تبيّنا استناد عتقه إلى وقت الموت، و عتق الوارث متأخّر عنه؛ [لأنّه](1) لا بدّ فيه من مباشرة الإعتاق، و إن قلنا بحصوله بالقبول، فيعتق الجميع على الوارث؛ لأنّه يسري من نصيبه إلى قدر الثّلث، و القبول بعده كإعتاق الشريك الثاني بعد إعتاق الأوّل

ص: 56


1- ما بين المعقوفين أثبتناه من العزيز شرح الوجيز.

و هو موسر.

هذا إذا حكمنا بحصول السراية بنفس الإعتاق، فإن قلنا: إنّها لا تحصل إلاّ بعد أداء القيمة، فقبوله كإعتاق الشريك الثاني نصيبه قبل أخذ القيمة، و فيه و جهان:

أحدهما: النفوذ؛ لأنّه يملكه ما لم يأخذ القيمة.

و أصحّهما: المنع؛ لأنّ الأوّل بإعتاق نصيبه استحقّ تقويمه عليه للإعتاق، فصار كما لو استولد أحد الشريكين الجارية المشتركة و هو موسر تصير أمّ ولد له، و ليس للآخر إعتاق نصيبه، فعلى هذا تكون قيمة نصيبه على الوارث، و كأنّه فوّته بإعتاق نصيبه(1).

و لو كانت المسألة بحالها و وارث الموصي ابن له من هذه الأمة، فإن ردّ الموصى له عتقت على الابن الذي هو وارث السيّد، و إن قبلها فينظر إن خرجت من الثّلث عتقت على الموصى له، و إن لم تخرج فالزائد على الثّلث منها.

و أطلق بعضهم بأنّه يعتق في الحال على الوارث(2).

و فصّل قوم، فقالوا: إن لم يجز الوارث الزيادة على الثّلث، فالحكم ما تقدّم، و إن أجاز فعتقه مبنيّ على أنّ إجازة الوارث ابتداء عطيّة منه أو تنفيذ؟ إن قلنا بالأوّل، فقد حكمنا للوارث بالملك قبل أن يعطى، فيعتق عليه، و إن قلنا: تنفيذ، لم يعتق؛ لأنّا على هذا القول لا نجعل الزائد على الثّلث للوارث، بل نقفه على الردّ و الإجازة، فإن أجاز تبيّن أنّه لم يملكه، و أمّا قدر الثّلث فإنّه يعتق على الموصى له، و لا يقوّم نصيب أحدهما على2.

ص: 57


1- العزيز شرح الوجيز 75:7، روضة الطالبين 141:5.
2- العزيز شرح الوجيز 75:7، روضة الطالبين 141:5-142.

الآخر.

أمّا أنّه لا يقوّم على ابن السيّد: فلأنّه ملك بالإرث، و عتق الشقص المملوك بالإرث لا يقتضي السراية.

و أمّا أنّه لا تقويم على ابنها الموصى له: فلأنّ نصيب شريكه عتق قبل عتق نصيبه إن قلنا: إنّه يملك بالقبول، و مع عتق نصيبه إن قلنا: إنّه يملك بالموت، و لا تقويم على التقديرين(1).

مسألة 27: لو أوصى بعبده لشخصين أحدهما ابن العبد،

فإن قبلا الوصيّة معا و قلنا بالتقويم في مثل ذلك، عتق جميعه على القريب إن كان موسرا، النصف بالملك، و الباقي بالسراية، و يغرم للأجنبيّ نصف قيمته.

و إن قبل الابن أوّلا، عتق جميعه عليه، و غرم قيمة النصف الآخر إمّا للأجنبيّ إن كان قبل الوصيّة بعد ذلك، و إمّا لوارث الموصي إن لم يقبل.

فإن قبل الأجنبيّ أوّلا ملك نصيبه، و بقي نصيب الابن موقوفا إلى أن يقبل أو يردّ، فإن قبل عتق عليه الجميع، و قوّم عليه حصّة الأجنبيّ، و إن ردّ فنصفه للوارث و الأوّل للأجنبيّ.

و لو أعتق الأجنبيّ نصيبه قبل قبول الابن ثمّ قبل، فإن قلنا: الملك في الوصيّة يحصل بالقبول، قوّم نصيبه على الأجنبيّ، و كان كما لو أعتق الشريك نصيبه و هو موسر، ثمّ أعتق الثاني نصيبه، و إن قلنا: يحصل بالموت، تبيّن أنّ عتق الأجنبيّ غير نافذ، و أنّه عتق جميعه على الوارث، و عليه نصف القيمة للأجنبيّ.

مسألة 28: لو أوصى بجارية لزوجها و أولدها بعد موت الموصي

ص: 58


1- العزيز شرح الوجيز 75:7-76، روضة الطالبين 142:5.

و قبل القبول، فولده رقيق للوارث إن قلنا: إنّ الملك بالقبول، و إن قلنا:

القبول كاشف، فإن قبل تبيّنّا أنّ الملك ثبت حين موت الموصي، فالولد حرّ الأصل لا ولاء عليه، و أمّه أمّ ولد؛ لأنّها علقت منه بحرّ في ملكه.

و إن مات الموصى له قبل القبول و الردّ، فلوارثه قبولها، فإن قبلها ملك الجارية و ولدها، فإن كان ممّن يعتق الولد عليه عتق، و لم يرث من أبيه شيئا على الأوّل، و على القول بالكشف تكون الجارية أمّ ولد، و يرث الولد أباه، فإن كان يحجب الوارث القابل حجبه.

و قالت الشافعيّة: لا يرث الولد هنا شيئا؛ لأنّ توريثه يمنع كون القابل وارثا، فيبطل قبوله، فيفضي إلى الدور، و إلى إبطال [ميراثه](1) فأشبه ما لو أقرّ الوارث بمن يحجبه عن الميراث(2).

و ليس بجيّد؛ فإنّ المقرّ به يرث.

و قولهم: «إنّ توريث المقرّ به يفضي إلى إسقاط توريثه؛ لأنّه لو ورث لخرج المقرّ به عن كونه وارثا، فبطل إقراره، و سقط نسب المقرّ به و توريثه، فيؤدّي توريثه إلى إسقاط نسبه و توريثه، فأثبتنا النسب دون الميراث»(3) باطل؛ لأنّا إنّما نعتبر كون المقرّ وارثا على تقدير عدم المقرّ به، و خروجه بالإقرار عن الإرث لا يمنع صحّته؛ بدليل أنّ الابن إذا أقرّ بأخ فإنّه يرث مع كونه يخرج بإقراره عن أن يكون جميع الورثة.

فإن قيل: إنّما يقبل إقراره إذا صدّقه المقرّ به، فصار إقرارا من جميع7.

ص: 59


1- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «ميراثهم». و المثبت كما في المصدر.
2- المغني 473:6.
3- المغني 330:5، الشرح الكبير 203:7.

الورثة، و إن كان المقرّ به طفلا أو مجنونا لم يعتبر قوله، فقد أقرّ كلّ من يعتبر قوله.

قلنا: و مثله هنا، فإنّه و إن كان المقرّ به كبيرا فلا بدّ من تصديقه، فقد أقرّ به كلّ من يعتبر إقراره، و إن كان صغيرا غير معتبر القول لم يثبت النسب بقول الآخر، كما لو كانا ابنين أحدهما صغير فأقرّ البالغ بأخ، لم يقبل، و لم يقولوا: إنّه لا تعتبر موافقته، كذا هنا، و لأنّه لو كان في يدي إنسان عبد محكوم له بملكه فأقرّ به لغيره، ثبت للمقرّ له و إن كان المقرّ يخرج بالإقرار عن كونه مالكا، كذا هنا.

و لو أوصى لرجل بأبيه فمات الموصى له قبل القبول فقبل ابنه، صحّ، و عتق عليه الجدّ، و لم يرث من ابنه شيئا؛ لأنّ حرّيّته إنّما حدثت حين القبول بعد أن صار الميراث لغيره، و على القول بالكشف تثبت حرّيّته من حين موت الموصي، فيرث من ابنه السّدس.

و قال بعض الشافعيّة: لا يرث أيضا؛ لأنّه لو ورث لاعتبر قبوله، و لا يجوز اعتبار قبوله قبل الحكم بحرّيّته، و إذا لم يجز اعتباره لم يعتق، فيؤدّي توريثه إلى إبطال توريثه(1).

و هو باطل؛ فإنّه لو أقرّ جميع الورثة بمشارك لهم في الميراث ثبت نسبه و ورث، مع أنّه يخرج المقرّون به عن كونهم جميع الورثة.

مسألة 29: إذا مات الموصى له قبل القبول و قبل وارثه،

فإن قلنا: إنّ الموصى له يملك بالقبول، ثبت الملك للوارث القابل ابتداء من جهة الموصي، لا من جهة مورّثه، و لم يثبت للموصى له شيء، فحينئذ لا تقضى

ص: 60


1- المغني 474:6، الشرح الكبير 482:6.

ديونه و لا تنفذ وصاياه، و لا يعتق من يعتق عليه.

و إن كان فيهم من يعتق على الوارث، عتق عليه، و كان ولاؤه له دون الموصى له إن أثبتنا الولاء.

و على القول الآخر يظهر أنّ الملك كان ثابتا للموصى له، و أنّه انتقل منه إلى وارثه، فتنعكس هذه الأحكام، فتقضى ديونه و تنفذ وصاياه و يعتق من يعتق عليه، و له ولاؤه، و يختصّ به الذكور من ورثته.

مسألة 30: لو أوصى لغيره بأمته ثمّ مات الموصي(1) قبل القبول

مسألة 30: لو أوصى لغيره بأمته ثمّ مات الموصي(1) قبل القبول(2) ،

فوطئها الوارث فأولدها، صارت أمّ ولد، و ولدها حرّ؛ لأنّه وطئها في ملكه إن قلنا: إنّ الملك يتحقّق بالقبول، و عليه قيمتها للموصى له إذا قبلها.

اعترض كيف قضيتم بعتقها هاهنا و هي لا تعتق بإعتاقها؟

أجيب بأنّ الاستيلاد أقوى، و لذلك يثبت من الراهن و الأب و الشريك و إن لم ينفذ إعتاقهم(3).

و على القول بأنّ القبول كاشف يكون الولد رقيقا، و الأمة باقية على الرقّ.

و لو وطئها الموصى له قبل قبولها، كان ذلك قبولا لها، و ثبت الملك له به؛ لأنّه لا يجوز إلاّ في الملك، فإقدامه عليه دليل على اختياره الملك، فأشبه ما لو وطئ من له الرجعة المطلّقة الرجعيّة، أو وطئ من له الخيار في البيع الأمة المبيعة، أو وطئ من له خيار فسخ نكاح امرأته.

ص: 61


1- في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة زيادة: «و الموصى له». و هي كما ترى.
2- أي: قبل قبول الموصى له.
3- راجع: المغني 474:6، و الشرح الكبير 481:6.

ص: 62

الفصل الثاني: في الموصي

اشارة

و له شرطان:

الأوّل: كمال العقل، فلا تصحّ وصيّة المجنون المطبق و لا من يعتوره الجنون في وقت جنونه، و تصحّ في وقت إفاقته؛ لقوله عليه السّلام: «رفع القلم عن ثلاثة» و ذكر المجنون من جملتهم(1) ، و لأنّ عبارته غير معتدّ بها في غير الوصيّة فكذا فيها؛ لعدم الوثوق بقصده و إرادته.

و كذا المبرسم و المعتوه الذي لا يعقل و النائم و السكران و المغمى عليه؛ لأنّ هؤلاء في حكم المجنون.

مسألة 31: لا تصحّ وصيّة الصبي غير المميّز إجماعا؛ لأنّه بمنزلة المجنون،

و هو أحد الثلاثة الذين رفع القلم عنهم.

و هل تصحّ وصيّة المميّز؟ أكثر علمائنا(2) عليه، و شرط الشيخ رحمه اللّه أمورا ثلاثة: بلوغ عشر سنين، و وضعه الأشياء مواضعها، و كونها في

ص: 63


1- مسند أبي داود الطيالسي: 90/15، مسند أحمد 1187/226:1، و 145:7 - 24173/146، سنن الدارمي 171:2، سنن ابن ماجة 2041/658:1، سنن أبي داود 4403/141:4، سنن الدارقطني 138:3-173/139، المستدرك - للحاكم - 258:1، و 59:2، و 389:4.
2- كالشيخ المفيد في المقنعة: 667، و الشيخ الطوسي في النهاية: 611، و سلاّر في المراسم: 203، و ابن البرّاج في المهذّب 119:2، و ابن حمزة في الوسيلة: 372.

معروف(1) ، و التدبير(2) وصيّة في الحقيقة - و هو أحد قولي الشافعي، و به قال مالك و أحمد(3) - لما روى العامّة أنّ غلاما من غسّان حضرته الوفاة و له عشر سنين، فأوصى لبنت عمّ له و له وارث، فرفعت القصّة إلى عمر، فأجاز وصيّته(4) ، و أجاز عثمان وصيّة غلام ابن أحد عشر سنة(5).

و من طريق الخاصّة: ما رواه أبو بصير و أبو أيّوب عن الصادق عليه السّلام في الغلام ابن عشر سنين يوصي، قال: «إذا أصاب موضع الوصيّة جازت»(6).

و سأل منصور بن حازم الصادق عليه السّلام، قال: سألته عن وصيّة الغلام هل تجوز؟ قال: «إذا كان ابن عشر سنين جازت وصيّته»(7).

و لأنّ الوصيّة لا تزيل ملكه في الحال و تفيد الثواب بعد الموت فتصحّ، كسائر القربات.

و قال ابن إدريس من علمائنا: لا تصحّ وصيّة غير البالغ، سواء كان9.

ص: 64


1- النهاية: 611.
2- أي: تدبير الصبي.
3- الحاوي الكبير 189:8، و 137:18، المهذّب - للشيرازي - 457:1، نهاية المطلب 297:11، بحر المذهب 120:14، الوسيط 403:4، حلية العلماء 6: 69، التهذيب - للبغوي - 99:5، البيان 137:8 و 353، العزيز شرح الوجيز 7: 6 و 7، الإشراف على نكت مسائل الخلاف 2062/1010:2، عيون المجالس 4: 1406/1971، الاستذكار 33314/25:23، بداية المجتهد 334:2، عقد الجواهر الثمينة 1216:3، المغني 558:6، الشرح الكبير 447:6 و 448، مختصر اختلاف العلماء 2162/22:5، بدائع الصنائع 334:7.
4- الموطّأ 2/762:2 و 3، السنن الكبرى - للبيهقي - 317:10، العزيز شرح الوجيز 6:7، المغني 559:6، الشرح الكبير 448:6.
5- العزيز شرح الوجيز 7:7.
6- التهذيب 727/181:9.
7- التهذيب 730/182:9.

في وجوه البرّ أو غيرها؛ لأنّ وجود كلام الصبي غير البالغ كعدمه، و لأنّه محجور عليه في أمواله إجماعا، و لقوله تعالى: وَ ابْتَلُوا الْيَتامى حَتّى إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ (1) أمر بالدفع بعد البلوغ، و هو في الرجل الاحتلام أو بلوغ خمس عشرة سنة(2).

و الأظهر من قولي الشافعي - و به قال أبو حنيفة -: أنّ وصيّته و تدبيره باطلان؛ لأنّه لا عبارة له، و لهذا لا يصحّ بيعه و إن كان فيه غبطة(3).

فروع:

أ: منع المفيد رحمه اللّه من هبة الصبي و إن بلغ عشر سنين مميّزا، و جوّز وقفه و صدقته بالمعروف كالوصيّة(4) ؛ لقول أحدهما عليهما السّلام: «يجوز طلاق الغلام إن كان قد عقل و صدقته و وصيّته و إن لم يحتلم»(5).9.

ص: 65


1- سورة النساء: 6.
2- السرائر 206:3.
3- الحاوي الكبير 189:8، و 137:18، المهذّب - للشيرازي - 457:1، و 2: 8، نهاية المطلب 298:11، و 334:19، بحر المذهب 120:14، الوسيط 4: 403، حلية العلماء 69:6 و 181، التهذيب - للبغوي - 99:5، البيان 137:8 و 353، العزيز شرح الوجيز 7:7، روضة الطالبين 93:5، مختصر اختلاف العلماء 2162/21:5، مختصر القدوري: 243، المبسوط - للسرخسي - 28: 91، روضة القضاة 3891/704:2، تحفة الفقهاء 207:3، الفتاوى الولوالجيّة 341:5، الفقه النافع 1185/1418:3، بدائع الصنائع 334:7، الهداية - للمرغيناني - 234:4، الاختيار لتعليل المختار 90:5، الإشراف على نكت مسائل الخلاف 2062/1010:2، عيون المجالس 1406/1971:4، المغني 6: 558، الشرح الكبير 448:6.
4- المقنعة: 667 و 668.
5- التهذيب 733/182:9.

و منع سلاّر من وقفه(1).

ب: قال ابن الجنيد: إذا أوصى الصبي و له ثمان سنين، و الجارية و لها سبع سنين بما يوصي به البالغ الرشيد جاز.

و كأنّه عوّل على رواية الحسن بن راشد عن العسكري عليه السّلام قال: «إذا بلغ الغلام ثمان سنين فجائز أمره في ماله، و قد وجب عليه الفرائض و الحدود، و إذا تمّ للجارية سبع سنين فكذلك»(2).

و هذه الرواية متروكة بين الأصحاب.

ج: قال الشيخ: إذا كان سنّ الصبي أقلّ من عشر سنين لم تجز وصيّته، قال: و قد روي أنّه إذا كان ابن ثمان سنين جازت وصيّته في الشيء اليسير في أبواب البرّ، و الأوّل أحوط و أظهر(3).

و كأنّه أشار بذلك إلى الرواية السابقة عن العسكري عليه السّلام.

د: روي جواز وصيّة ابن سبع سنين في المعروف، رواه أبو بصير عن الصادق عليه السّلام قال: «إذا بلغ الغلام عشر سنين فأوصى بثلث ماله في حقّ جازت وصيّته [و إذا كان ابن سبع سنين فأوصى من ماله باليسير في حقّ جازت وصيّته]»(4).

ه: روى محمّد بن مسلم في طريق واضح عن أحدهما عليهما السّلام قال:

«يجوز طلاق الغلام إذا كان قد عقل و صدقته و وصيّته و إن لم يحتلم»(5)9.

ص: 66


1- المراسم: 203.
2- التهذيب 736/183:9.
3- النهاية: 611.
4- الكافي 29:7 (باب وصيّة الغلام و الجارية التي لم تدرك...) ح 4، الفقيه 4: 145-503/146، التهذيب 732/182:9، و ما بين المعقوفين أثبتناه منها.
5- التهذيب 733/182:9.

فسوّغ بعض علمائنا بمقتضى هذه الرواية جواز طلاقه إذا بلغ عشر سنين(1) ، و لا دلالة فيها، بل في ضدّ قوله؛ لأنّ قوله عليه السّلام: «إذا عقل» يدلّ على البلوغ بالفحوى؛ لأنّ مناط العقل بلوغ خمس عشرة سنة، و قوله عليه السّلام:

«و إن لم يحتلم» غير مناف؛ لأنّه قد يبلغ بالسنّ و إن لم يحتلم.

و قيل: إنّما تصحّ وصيّة الصبيّ لقرابته، و لا تصحّ للأجانب(2) ؛ لما رواه محمّد بن مسلم عن الصادق عليه السّلام، قال: سمعته قال: «إنّ الغلام إذا حضره الموت و لم يدرك جازت وصيّته لذوي الأرحام و لم تجز للغرباء»(3).

مسألة 32: قال المفيد رحمه اللّه: المحجور عليه لسفه إذا أوصى في برّ و معروف جازت وصيّته،

و لم يكن لوليّه الحجر عليه في ذلك، و لا تجوز وصيّة الصبي و المحجور عليه فيما يخرج عن وجوه البرّ و المعروف، و هبتهما باطلة، و وقفهما و صدقتهما جائزة إذا وقعا موقع المعروف(4).

و قال سلاّر: السفيه لا تمضى وصيّته إلاّ في وجوه البرّ و المعروف خاصّة، و الصبي إذا بلغ عشر سنين جازت وصيّته أيضا في البرّ و المعروف خاصّة، و لا تمضى هبته و لا وقفه، و كذلك السفيه(5).

و قال أبو الصلاح: لا تمضى وصيّة من لم يبلغ عشر سنين و المحجور عليه، إلاّ ما تعلّق بأبواب البرّ(6).

ص: 67


1- الشيخ الطوسي في النهاية: 518، و ابن البرّاج في المهذّب 288:2، و ابن حمزة في الوسيلة: 323.
2- راجع: الفقيه 504/146:4.
3- الكافي 2/28:7، التهذيب 728/181:9.
4- المقنعة: 667-668.
5- المراسم: 203.
6- الكافي في الفقه: 364.

فقد ظهر من هذا الخلاف بين علمائنا أنّ السفيه هل تبطل وصيّته بالمعروف، أو يكون كالصبي تصحّ وصيّته فيه ؟

و للشافعيّة في السفيه المبذّر طريقان:

أحدهما: تخريج وصيّته إذا كان محجورا على القولين في وصيّة الصبي المميّز.

و أصحّهما: القطع بالصحّة، محجورا كان أو لم يكن؛ لأنّ عبارته صحيحة، ألا ترى أنّ طلاقه يقع، و إقراره بالعقوبات يقبل(1).

الشرط الثاني: الحرّيّة، فلا تصحّ وصيّة العبد إذا مات على العبوديّة.

و لو عتق و ملك ثمّ مات، فوصيّته حال الرقّيّة لاغية أيضا على أقوى الاحتمالين؛ لأنّه لم يكن أهلا للوصيّة حينئذ، و به قال أبو حنيفة و الشافعي في أظهر القولين، و الثاني لهم: الصحّة؛ لأنّه صحيح العبارة و قد أمكن تنفيذ وصيّته(2).

و المكاتب كالقنّ إن كان مشروطا أو مطلقا و لم يؤدّ شيئا من مال الكتابة.

و لو كان قد أدّى و تحرّر بعضه، صحّت الوصيّة بقدر ما تحرّر منه، و بطلت بقدر ما فيه من الرقّيّة؛ لقول الباقر عليه السّلام: «قضى أمير المؤمنين عليه السّلام في مكاتب قضى نصف ما عليه فأوصى بوصيّة، فأجاز نصف الوصيّة، و قضى في مكاتب قضى ثلث ما عليه و أوصى بوصيّة، فأجاز ثلث5.

ص: 68


1- العزيز شرح الوجيز 7:7، روضة الطالبين 93:5.
2- نهاية المطلب 298:11، الوجيز 269:1، الوسيط 404:4، العزيز شرح الوجيز 7:7، روضة الطالبين 93:5.

الوصيّة»(1).

مسألة 33: الكافر تصحّ وصيّته؛ لأنّه عاقل ينفذ عتقه و تمليكه و سائر تصرّفاته الماليّة و هبته فتصحّ وصيّته،

إلاّ أن يوصي بما يمنع الشرع منه، فلو أوصى بخمر أو خنزير لم تنفذ وصيّته، سواء أوصى بهما لمسلم أو ذمّيّ، على إشكال في الذمّي، و الشافعيّة منعوا الوصيّة بهما للذمّي(2).

و لو أوصى في جهات المعاصي، بطلت وصيّته، كما لو أوصى بعمارة كنيسة مبتكرة، أمّا بتجديدها فلا يجوز عند الشافعيّة(3) ، و فيه إشكال.

و لو أوصى بكتبة التوراة و الإنجيل أو بقراءتهما، لم تصح.

و لو أوصى بدهن يشعل في البيع و الكنائس، فإن قصد تعظيم البيع لم يجز، و إن قصد انتفاع المقيمين أو المجتازين بضوئها جازت الوصيّة، كما لو أوصى بصرف شيء إلى أهل الذّمّة.

مسألة 34: لو أوصى المسلم بمعصية - كبناء موضع لشرب الخمر أو بيعه أو الفسق أو اللهو أو القمار فيه -

لم تصح وصيّته؛ لأنّ المقصود من شرع الوصيّة تدارك ما فات في حال الحياة من الحسنات، فلا يجوز أن يكون في وجوه المعصية.

و يجوز من المسلم و الكافر الوصيّة بعمارة المسجد الأقصى أو عمارة قبور الأنبياء عليهم السّلام، و كذا عمارة قبور العلماء و الصالحين؛ لما فيها من إحياء الزيارة و التبرّك بها.

و كذا يجوز أن يوصي المسلم و الكافر بفكّ أسارى الكفّار من أيدي

ص: 69


1- التهذيب 223:9-876/224.
2- الوسيط 404:4، العزيز شرح الوجيز 7:7، روضة الطالبين 93:5-94.
3- العزيز شرح الوجيز 7:7، روضة الطالبين 93:5-94.

المسلمين؛ لأنّ المفاداة جائزة.

و كذا تصحّ الوصيّة ببناء رباط ينزله أهل الذمّة، أو دار تصرف غلّتها إليهم.

مسألة 35: لو جرح الإنسان نفسه بما فيه هلاكها ثمّ أوصى،

لم تصح وصيّته عند أكثر علمائنا(1) ، و كذا قال المفيد رحمه اللّه: لو أحدث في نفسه حدث القتل من جراح أو شرب سمّ و نحو ذلك، كانت وصيّته مردودة(2) ، و نقله ابن الجنيد عن الصادق عليه السّلام.

و قال ابن إدريس: الذي تقتضيه أصولنا أنّ وصيّته صحيحة ماضية إذا كان عقله ثابتا؛ لأنّه عاقل رشيد فتصحّ وصيّته كغيره(3).

و الوجه: الأوّل؛ لأنّه سفيه فلا ينفذ تصرّفه، و لأنّه في حكم الأموات فلا يتصرّف في مال غيره، و لأنّه قاتل نفسه فلا يتصرّف في ماله، فإنّ الوارث يخرج عن التصرّف في التركة بقتله مورّثه فكذا قاتل نفسه.

و لأنّ الموصى له إنّما يملك بعد القبول و الموت فملكه عن الموصي، فيكون المال حال الموت على حكم مال الميّت؛ لعدم استحقاق الوارث له، لأنّ اللّه تعالى إنّما ملّكه ما قبل الوصيّة، فلم ينتقل المال إليه، و لا إلى الموصى له، و إلاّ لم يزل عنه بالردّ، بل بعقد شرعيّ، فيبقى على حكم مال الميّت، فكأنّ الميّت مبذّر كالوارث، فيمنع من التصرّف في التركة، كما يمنع الوارث القاتل.

ص: 70


1- منهم: الشيخ الطوسي في النهاية: 610، و أبو الصلاح الحلبي في الكافي في الفقه: 364، و القاضي ابن البرّاج في المهذّب 107:2.
2- المقنعة: 672.
3- السرائر 197:3.

و لقول الصادق عليه السّلام: «فإن كان أوصى بوصيّة بعد ما أحدث في نفسه من جراحة أو قتل لعلّه يموت لم تجز وصيّته»(1).

و يمنع الرشد.

أمّا لو أوصى الإنسان بوصيّة ثمّ قتل نفسه، فإنّ وصيّته تنفذ، و يجب العمل بها إجماعا؛ لانتفاء المانع حالة الوصيّة و وجود المقتضي.

و لأنّ أبا ولاّد سمع الصادق عليه السّلام يقول: «من قتل نفسه متعمّدا فهو في نار جهنّم خالدا فيها» قلت له: أرأيت إن كان أوصى بوصيّة ثمّ قتل نفسه في ساعته تنفذ وصيّته ؟ قال: فقال: «إن كان أوصى قبل أن يحدث حدثا في نفسه من جراحة أو قتل أجيزت وصيّته في ثلثه»(2) الحديث.

مسألة 36: الوصيّة بالولاية إنّما تصحّ ممّن يملكها،

فإنّ من لا يملك شيئا لا تصحّ وصيّته؛ إذ من ليس له التصرّف في حياته الأولى أن يمنع منه بعد موته.

إذا عرفت هذا، فلا تصحّ الوصيّة على الأطفال إلاّ من الأب أو الجدّ للأب خاصّة، و لمّا انتفت الولاية عن الأم لم تصح وصيّتها بالولاية عليهم.

و لو أوصت لهم بمال و أقامت وصيّا، صحّ ما أوصت به من المال في ثلث التركة و في إخراج ما عليها من الحقوق، و لم تصح وصيّتها بالولاية في ذلك المال على الأولاد، بل يكون المتولّي فيه الأب أو الجدّ أو الحاكم.

ص: 71


1- التهذيب 820/207:9.
2- التهذيب 820/207:9.

ص: 72

الفصل الثالث: الموصى له

اشارة

الوصيّة إن كانت لجهة عامّة، فالشرط فيها أن لا تكون جهة معصية، و قد تقدّم(1) ، و إن كانت لمعيّن فشرطه أن يتصوّر له الملك، و إنّما يتحقّق هذا الشرط لو كان الموصى له موجودا، فلو أوصى للمعدوم لم تصح وصيّته إجماعا.

و كذا لو أوصى لميّت أو لمن ظنّ وجوده فبان ميّتا حال الوصيّة؛ لأنّ الوصيّة تمليك، و هو غير متحقّق في الميّت.

و لا فرق بين أن يعلم بموته حال الوصيّة أو يجهل ذلك و يتوهّم حياته ثمّ يظهر موته حالة الوصيّة، و به قال أكثر العامّة(2).

و قال مالك: إن علم بموته صحّت الوصيّة له، و كان الموصى به تركته(3).

و هل يشترط التعيين ؟ الأقرب: ذلك، فلو أوصى لأحد الشخصين لم يصح.

ص: 73


1- في ص 69، المسألة 34.
2- المغني 466:6، الشرح الكبير 526:6، مختصر اختلاف العلماء 5: 2159/19، الإشراف على نكت مسائل الخلاف 2085/1017:2، عيون المجالس 1403/1968:4، المعونة 1634:3، البيان 140:8، العزيز شرح الوجيز 7: 33، روضة الطالبين 111:5، المحلّى 322:9.
3- الإشراف على نكت مسائل الخلاف 2085/1017:2، عيون المجالس 4: 1403/1968، المعونة 1634:3، المحلّى 322:9، البيان 140:8، العزيز شرح الوجيز 33:7، مختصر اختلاف العلماء 1403/19:5، المغني 466:6، الشرح الكبير 526:6.

و كذا لو أوصى لما تحمله المرأة من بعد الوصيّة أو لمن يوجد من أولاد فلان.

و هنا مطلبان:

المطلب الأوّل: في المسائل المعنويّة.
اشارة

و فيه مباحث:

البحث الأوّل: في الوصيّة للحمل.
مسألة 37: تصحّ الوصيّة للحمل بشرطين: وجوده حالة الوصيّة،

و انفصاله حيّا؛ لأنّ الوصيّة تجري مجرى الميراث من حيث إنّها انتقال المال من الإنسان بعد موته إلى الموصى له بغير عوض كانتقاله إلى وارثه، و لأنّ الوصيّة تتعلّق بغرر و خطر فصحّت للحمل، كالعتق، و لأنّ الوصيّة أوسع مجالا من الإرث، فإنّ المكاتب و الكافر و العبد لا يرثون، و تجوز الوصيّة لهم، و الحمل يرث بالإجماع، و إذا ثبت الميراث للحمل فالوصيّة بالثبوت أولى.

و لا نعلم في صحّة الوصيّة للحمل خلافا، و به قال الشافعي و الثوري و أحمد و إسحاق و أبو ثور و أصحاب الرأي(1).

و إنّما شرطنا العلم بوجوده؛ لأنّ الأصل عدمه، فإذا لم يعلم الوجود

ص: 74


1- الأم 112:4، مختصر المزني: 143، الحاوي الكبير 215:8، نهاية المطلب 114:11، الوجيز 269:1، الوسيط 409:4، التهذيب - للبغوي - 81:5، البيان 140:8، العزيز شرح الوجيز 9:7، روضة الطالبين 95:5، المغني 6: 507، الشرح الكبير 504:6، مختصر القدوري: 244، المبسوط - للسرخسي - 87:28، روضة القضاة 3875/687:2، تحفة الفقهاء 208:3، الفقه النافع 3: 1191/1421، بدائع الصنائع 335:7.

حكم بالعدم، و المعدوم لا تصحّ الوصيّة له.

و كذا لو أوصى لحمل سيكون، فسدت الوصيّة، و هو أصحّ وجهي الشافعيّة(1).

و إنّما يعلم وجوده حال الوصيّة لو وضعته لأقلّ من ستّة أشهر من حين الوصيّة، فلو انفصل لستّة أشهر من حين الوصيّة فصاعدا إلى أقصى مدّة الحمل - و هو سنة على رأي - فإن كانت المرأة فراشا لزوج أو سيّد، لم يعط الحمل شيئا؛ لجواز تجدّده بعد الوصيّة و حدوث العلوق بعدها، و الأصل عدم الحمل يوم الوصيّة، و إن لم تكن فراشا، بل فارقها زوجها أو سيّدها قبل الوصيّة، فإن كان انفصاله لأكثر من سنة من وقت الوصيّة، فكذلك لا يستحقّ شيئا؛ لعلمنا بأنّه لم يكن موجودا حال الوصيّة.

و عند الشافعي: أقصى الحمل أربع سنين، فإن وضعته لأكثر من أربع سنين من حين الوصيّة لم يعط شيئا(2).

و إن كان انفصاله بين مدّة أقلّ الحمل و أكثره، فالأقوى: أنّه يستحقّ الوصيّة؛ لأنّ الظاهر وجوده حين الوصيّة، لندور اتّفاق وطئ الشبهة، و لا يحكم بأنّه ولد الزنا؛ لأصالة عدم إقدام المسلم على المحرّم، و هو أظهر قولي الشافعي، و في الثاني: بطلان الوصيّة؛ لاحتمال حدوث العلوق بعد الوصيّة، و يخالف النسب، فإنّه يكفيه الإمكان(3).5.

ص: 75


1- الوجيز 269:1-270، الوسيط 410:4، التهذيب - للبغوي - 82:5، البيان 141:8، العزيز شرح الوجيز 11:7، روضة الطالبين 96:5.
2- الحاوي الكبير 215:8، نهاية المطلب 115:11، الوجيز 269:1، الوسيط 410:4، البيان 141:8، العزيز شرح الوجيز 10:7، روضة الطالبين 95:5.
3- نهاية المطلب 115:11، الوجيز 269:1، الوسيط 410:4، البيان 8: 141، العزيز شرح الوجيز 10:7، روضة الطالبين 95:5.

و لو قال الموصي: أوصيت لحمل فلانة من زيد، فكما يشترط العلم بوجوده عند الوصيّة يشترط أن يكون ثابت النسب من زيد، حتى لو كانت الوصيّة بعد زوال الفراش فأتت بولد لأكثر من سنة عندنا و من أربع سنين عند الشافعي(1) من وقت الفراق، و لأقلّ من ستّة أشهر من يوم الوصيّة، فلا يستحقّ؛ لأنّ النسب غير ثابت منه، بخلاف ما إذا اقتصر على الوصيّة لحمل فلانة.

و لو اقتضى الحال ثبوت النسب من زيد لكنّه نفاه باللعان، فقال بعضهم: إنّه لا شيء له؛ لأنّه لم يثبت نسبه، بل نفى نسبه عنه، و إذا لم يثبت نسبه لم يوجد شرطه(2).

و قال آخرون: إنّه يستحقّ؛ لأنّه كان النسب ثابتا، إلاّ أنّه انقطع باللعان، و اللعان إنّما يؤثّر في حقّ الزوجين خاصّة، و لهذا لا يجوز لغير الزوج رميها بذلك(3).

و هذا الخلاف كالخلاف في أنّ التوأمين المنفيّين باللعان يتوارثان بإخوة الأم وحدها، أو بإخوة الأبوين ؟(4).

مسألة 38: و يشترط في الحمل انفصاله حيّا؛ لأنّ الميّت لا يملك شيئا،

و الوصيّة نوع تمليك، فلا تصحّ له.

و لا فرق بين أن يكون قد حلّته الحياة في بطن أمّه أو لا؛ لأنّ الحياة المشروطة هنا ما وجدت بعد انفصاله.

و لا فرق بين أن يقع بجناية جان أو لا.

ص: 76


1- العزيز شرح الوجيز 10:7، روضة الطالبين 95:5.
2- العزيز شرح الوجيز 11:7، روضة الطالبين 95:5.
3- العزيز شرح الوجيز 11:7، روضة الطالبين 95:5.
4- العزيز شرح الوجيز 11:7.

و لو ولدت أحد التوأمين لأقلّ من ستّة أشهر ثمّ ولدت الثاني لأقلّ من ستّة أشهر من الولادة الأولى، صحّت الوصيّة لهما و إن زاد ما بين الثاني و الوصيّة على ستّة أشهر و كانت المرأة فراشا؛ لأنّهما حمل واحد إجماعا.

مسألة 39: إذا أوصى للحمل صحّت،

و كان القابل للوصيّة أبوه أو جدّه أو من يلي أمره بعد خروجه حيّا.

و لو قبل قبل انفصاله حيّا ثمّ انفصل حيّا، ففي الاعتداد بذلك القبول إشكال.

و للشافعي قولان، كما لو باع مال أبيه على ظنّ أنّه حيّ فبان أنّه ميّت(1).

هذا كلّه إذا صرّح و قال: أوصيت لحملها، أو لحملها الموجود، و لو صرّح و قال: أوصيت لحملها الذي سيحدث و يكون من بعد، فإنّ الوصيّة باطلة على ما تقدّم(2).

و للشافعيّة وجهان:

أصحّهما هذا؛ لأنّ الوصيّة تمليك على ما بيّنّا، و تمليك من لم يوجد بعد محال، و لأنّه لا متعلّق للعقد في الحال، فأشبه ما إذا وقف على مسجد سيبنى.

و الثاني: أنّ الوصيّة صحيحة، كما تصحّ بالحمل الذي سيوجد، فإذا جاز تمليك [ما](3) لم يوجد جاز تمليك من لم يوجد(4).

ص: 77


1- العزيز شرح الوجيز 11:7، روضة الطالبين 96:5.
2- في ص 75، ضمن المسألة 37.
3- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «من». و المثبت كما في العزيز شرح الوجيز.
4- الوجيز 269:1-270، الوسيط 410:4-411، البيان 141:8، العزيز شرح الوجيز 11:7-12، روضة الطالبين 96:5.

و لهم وجه ثالث، و هو النظر إلى حال الموت، فإن كان الحمل موجودا حينئذ صحّت الوصيّة، و إلاّ فلا(1).

و تصحّ الوصيّة بالمنافع المتجدّدة إجماعا، و كذا عندنا بثمار الأشجار، و للشافعيّة فيه قولان(2).

لا يقال: يصحّ الوقف على المعدوم تبعا للموجود فلئن تصحّ الوصيّة له أولى؛ لأنّ الوصيّة تصحّ بالمعدوم و المجهول، بخلاف الوقف.

لأنّا نقول: الوصيّة أجريت مجرى الميراث، و لا يحصل الميراث إلاّ لموجود، فكذا الوصيّة، و الوقف يراد للدوام، فمن ضرورته إثباته للمعدوم.

مسألة 40: إذا أوصى لحمل امرأة فولدت ذكرا و أنثى،

تساويا في الوصيّة؛ لأنّ ذلك عطيّة و هبة، فأشبه ما لو وهبهما شيئا بعد ولادتهما، و لو فصل بينهما اتّبع كلامه، كالوقف(3).

و إن قال: إن كان في بطنها غلام فله ديناران، و إن كان فيه جارية فلها دينار، فولدت غلاما و جارية، فلكلّ واحد منهما ما وصّى له به؛ لوجود الشرط فيه، و إن ولدت أحدهما منفردا فله وصيّته.

و لو قال: إن كان حملها أو إن كان ما في بطنها غلاما فله ديناران، و إن كانت جارية فلها دينار، فولدت أحدهما منفردا، فله وصيّته، و إن ولدت غلاما و جارية فلا شيء لهما؛ لأنّ أحدهما ليس هو جميع الحمل و لا كلّ ما في البطن، و هو قد شرط الذكورة أو الأنوثة في جملة الحمل

ص: 78


1- العزيز شرح الوجيز 12:7، روضة الطالبين 96:5.
2- العزيز شرح الوجيز 34:7، روضة الطالبين 112:5.
3- في «ر، ص»: «كما لو وقف».

و لم يحصل، و به قال أصحاب الرأي و أصحاب الشافعي و أبو ثور(1).

البحث الثاني: في الوصيّة للعبد و شبهه.
مسألة 41: لا تصحّ الوصيّة لمملوك الغير و لا لمكاتبه المشروط و لا المطلق

الذي لم يؤدّ شيئا و لا لمدبّر الغير و لا لأمّ ولد الغير عند علمائنا.

خلافا للعامّة، فإنّهم جوّزوا الوصيّة لعبد الغير و مكاتبه و مدبّره و أمّ ولده(2).

لنا: أنّ العبد لا يملك شيئا؛ للآية(3) ، فلا يصحّ من الغير أن يملّكه، كما لا يصحّ أن يملّك الميّت و المعدوم و الجماد.

و ما رواه عبد الرحمن بن الحجّاج عن أحدهما عليهما السّلام قال: «لا وصيّة لمملوك»(4).

و العامّة لمّا جوّزوا الوصيّة لعبد الغير قالوا: إن استمرّ رقّه فالوصيّة للسيّد، حتى لو قتل العبد الموصى له [لم] تبطل الوصيّة، و لو قتله سيّد العبد، كانت وصيّته للقاتل(5).

ص: 79


1- المغني 510:6، الشرح الكبير 507:6، المبسوط - للسرخسي - 86:28، بدائع الصنائع 336:7، الحاوي الكبر 216:8 و 217، التهذيب - للبغوي - 5: 82، البيان 143:8-144، العزيز شرح الوجيز 87:7، روضة الطالبين 154:5.
2- المغني 569:6، الشرح الكبير 498:6 و 500-501، الحاوي الكبير 192:8 - 193، المهذّب - للشيرازي - 459:1، الوجيز 270:1، الوسيط 405:4 و 406، البيان 144:8 و 145، العزيز شرح الوجيز 12:7 و 16، روضة الطالبين 96:5 و 100.
3- سورة النحل: 75.
4- التهذيب 852/216:9، الاستبصار 506/134:4.
5- العزيز شرح الوجيز 12:7، روضة الطالبين 96:5، و ما بين المعقوفين أثبتناه منهما.

قالوا: يكون القبول للعبد؛ لأنّ العقد مضاف إليه، فأشبه ما لو وهبه شيئا، فإذا قبل ثبت لسيّده؛ لأنّه من كسب عبده، و كسب العبد لسيّده(1).

و ليس بجيّد؛ لأنّ الموصي إنّما قصد بالعطيّة العبد الذي لا يصحّ تملّكه، و السيّد غير مقصود له، فلا يملك.

و هل يفتقر قبول العبد إلى إذن السيّد؟ فيه للشافعيّة وجهان:

أصحّهما عندهم: المنع؛ لأنّه كسب فصحّ من غير إذن سيّده، كالاحتطاب، و هو قول أهل العراق و الشافعي.

و لأصحابه وجه آخر: أنّ إذن السيّد شرط في القبول؛ لأنّه تصرّف [من](2) العبد، فأشبه بيعه و شراءه(3).

و ليس بشيء؛ لأنّه تحصيل مال بغير عوض، فلم يفتقر إلى إذنه، كقبول الهبة و تحصيل المباح.

و هل يصحّ من السيّد مباشرة القبول بنفسه ؟ للشافعيّة و جهان:

أحدهما: نعم؛ لأنّ الاستحقاق له، و الفائدة تعود إليه.

و أصحّهما: المنع؛ لأنّ الخطاب لم يجر معه(4).

و الوجهان فيما قيل(5) مخصوصان بقولنا: إنّ قبول العبد يفتقر إلى إذن5.

ص: 80


1- المغني 569:6، الشرح الكبير 501:6.
2- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «في». و المثبت كما في المغني.
3- الحاوي الكبير 192:8، الوسيط 405:4، حلية العلماء 74:6، التهذيب - للبغوي - 72:5، البيان 144:8-145، العزيز شرح الوجيز 12:7-13، روضة الطالبين 97:5، المغني 569:6، الشرح الكبير 501:6.
4- الوسيط 405:4، الوجيز 270:1، التهذيب - للبغوي - 72:5، البيان 8: 145، العزيز شرح الوجيز 13:7، روضة الطالبين 97:5.
5- كما في العزيز شرح الوجيز 13:7، و روضة الطالبين 97:5.

السيّد، و يجوز أن يعمّما؛ لأنّ الملك للسيّد بكلّ حال، فلا يبعد تصحيح الوصيّة منه و إن لم يسمّ في الوصيّة، ألا ترى أنّ وارث الموصى له يقبل و إن لم يسمّ في الوصيّة.

و هل قبول السيّد الهبة من العبد على هذين الوجهين ؟

قال قائلون: نعم(1).

و قال بعضهم: لا، بل تبطل لا محالة؛ لأنّ القبول في الهبة كالقبول في سائر العقود، و قبول الوصيّة بخلافه، ألا ترى أنّه يعتدّ به منفصلا عن الإيجاب، و واقعا بعد خروج الموجب عن أهليّة الإيجاب، و صادرا من وارث الموصى له مع أنّه لم يخاطب(2).

و إذا صحّحنا قبول العبد من غير إذن السيّد، فلو منعه من القبول فقبل، قال بعض الشافعيّة: يصحّ، و يحصل الملك للسيّد، كما لو نهاه عن الخلع فخالع، و إذا قلنا: لا يصحّ من غير إذنه، فلو ردّ السيّد فهو أبلغ من عدم الإذن(3).

فلو بدا له أن يأذن في القبول بعد ذلك، ففيه احتمال عند بعضهم.

و لو صحّحنا القبول من السيّد، فينبغي أن يبطل ردّ العبد لو ردّ(4).

و هذه الفروع كلّها ساقطة عندنا.

مسألة 42: لو أوصى لعبد غيره و لم يستمر رقّه،

لم يصح عندنا، كما لو استمرّ على ما تقدّم.

ص: 81


1- كما في العزيز شرح الوجيز 13:7، و روضة الطالبين 97:5.
2- نهاية المطلب 245:11، العزيز شرح الوجيز 13:7، روضة الطالبين 97:5.
3- نهاية المطلب 246:11، العزيز شرح الوجيز 13:7، روضة الطالبين 97:5.
4- نهاية المطلب 246:11 و 247، العزيز شرح الوجيز 13:7، روضة الطالبين 97:5.

و عند العامّة يصحّ، فإذا لم يستقر رقّه بل أعتق، فإن كان عتقه قبل موت الموصي فالملك للعبد؛ لأنّ الوصيّة تمليك بعد الموت و هو حرّ حينئذ.

و إن عتق بعد موته فإمّا أن يتقدّم القبول على العتق، أو بالعكس، فإن سبق القبول فالاستحقاق عندهم للسيّد، و إن عتق ثمّ قبل، فإن قلنا: الوصيّة تملك بالموت، أو قلنا: يتبيّن بالقبول الملك من يوم الموت، فالاستحقاق للسيّد أيضا، و إن قلنا: تملك بالقبول، فالملك للعبد.

و إذا أوصى له و المالك زيد، فباعه من عمرو، فينظر في وقت البيع، و يجاب بمثل هذا التفصيل(1).

مسألة 43: لو أوصى لمن نصفه حرّ و نصفه لأجنبيّ،

صحّت الوصيّة عندنا في نصيب الحرّيّة، و بطلت في نصيب الأجنبيّ. و عند العامّة يصحّ الجميع(2).

ثمّ لا يخلو إمّا أن تكون بينه و بين السيّد مهايأة أو لا تكون.

فإن لم تكن و قبل بإذن السيّد، فالموصى به بينهما بالسويّة، كما لو احتشّ أو احتطب.

و إن قبل بغير إذنه، فعلى الوجهين في افتقار العبد إلى إذن السيّد، فإن قلنا به، فالقبول باطل في نصف السيّد، و في نصفه لهم وجهان؛ لأنّ ما يملكه ينقسم على [نصفيه](3) فيلزم دخول بعضه في ملك السيّد من غير

ص: 82


1- العزيز شرح الوجيز 13:7-14، روضة الطالبين 97:5.
2- البيان 158:8، العزيز شرح الوجيز 14:7، روضة الطالبين 97:5.
3- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «نصفه». و المثبت كما في المصدر.

إذنه.

و إن وقعت بينهما مهايأة، فإن قلنا: إنّ الاكتسابات النادرة لا تدخل في المهايأة، فتكون كما لو لم تكن بينهما مهايأة، و إن قلنا بالدخول، فلا حاجة إلى إذن السيّد في القبول؛ لأنّه لمّا هايأه فقد أذن له في جميع الاكتسابات الداخلة في المهايأة(1).

ثمّ اختلفت الشافعيّة في أنّ الاعتبار بأيّ يوم هو؟ فقال بعضهم بيوم الوصيّة، حتى إذا وقعت الوصيّة في يوم العبد فالوصيّة له و إن كان القبول في يوم السيّد، و إذا وقعت الوصيّة في يوم السيّد فالوصيّة للسيّد و إن كان القبول في يوم العبد، كما أنّ في اللّقطة الاعتبار بيوم الالتقاط.

و قال المحقّقون منهم: ليست الوصيّة كالالتقاط؛ لأنّ الالتقاط سبب ثبوت الحقّ، ألا ترى أنّه لو أوصى لعبد فعتق قبل موت الموصي كانت الوصيّة للعبد؟ و لو التقط العبد ثمّ عتق قبل تمام الحول كان الملك للسيّد.

و بنوا ذلك على أنّ الملك في الوصيّة بم يثبت ؟ إن قلنا بموت الموصي، أو قلنا: يتبيّن بالقبول الملك من يوم الموت، فالاعتبار بيوم الموت، و إن قلنا: يثبت بالقبول، فوجهان:

أحدهما: أنّ الاعتبار بيوم القبول؛ لأنّه يوم الملك.

و أصحّهما: أنّ الاعتبار بيوم الموت أيضا؛ لأنّه يتأكّد به الحقّ و يلزم و إن لم يثبت الملك، كما أنّ في اللّقطة الاعتبار بيوم الالتقاط؛ لأنّه يثبت به الحقّ و إن لم يثبت الملك(2).5.

ص: 83


1- العزيز شرح الوجيز 14:7، روضة الطالبين 97:5-98.
2- العزيز شرح الوجيز 14:7، روضة الطالبين 98:5.

و الهبة لمن نصفه حرّ و نصفه رقيق على القولين في دخول الاكتسابات النادرة في المهايأة أيضا، فإن أدخلناها فإذا وقع العقد في يوم أحدهما و القبض في يوم الآخر فيبنى على أنّ الملك في الهبة المقبوضة يستند إلى وقت الهبة، أو يثبت عقيب القبض ؟ فإن قلنا بالأوّل، فالاعتبار بيوم العقد، و إن قلنا بالثاني، فالاعتبار به أو بيوم القبض ؟ فيه وجهان، كالوجهين في الوصيّة: [أنّ](1) الاعتبار بيوم الموت أو بيوم القبول ؟ تفريعا على أنّ الملك يحصل بالقبول.

لكن الأظهر في الهبة اعتبار يوم القبض؛ لأنّ الحقّ لا يلزم بالهبة، و في الوصيّة يلزم بالموت(2).

تذنيبان:

أ: لو قال: أوصيت لنصفه الحرّ أو لنصفه الرقيق خاصّة، فالأقرب عندنا: صحّة الوصيّة لنصفه الحرّ، و بطلانها في نصفه الرقيق لغيره؛ لأنّه لو أوصى له كان الحكم ما ذكرنا، فكذا إذا فصل.

و للشافعيّة و جهان:

أحدهما: أنّ الوصيّة باطلة، فإنّه لا يجوز أن يوصي لنصف الشخص، كما لا يجوز أن يرث بنصفه، و الثاني باطل عندنا.

و قال آخرون: إنّها تصحّ، و ينزّل تقييد الموصي بمنزلة المهايأة، فيكون الموصى به للسيّد إن أوصى لنصفه الرقيق، و للعبد إن أوصى لنصفه5.

ص: 84


1- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «لأنّ». و الصحيح ما أثبتناه من العزيز شرح الوجيز.
2- العزيز شرح الوجيز 14:7-15، روضة الطالبين 98:5.

الحرّ(1).

ب: لو صرّح بإدراج الاكتسابات النادرة في المهايأة، فالأقرب:

دخولها قطعا.

و للشافعيّة تردّد في أنّها تدخل لا محالة، أو يكون على الخلاف(2).

و تردّد بعضهم أيضا فيما إذا عمّت الهبات و الوصايا في قطر أنّها تدخل لا محالة كالاكتسابات العامّة، أو هي على الخلاف؛ لأنّ الغالب فيها الندور(3).

مسألة 44: لو أوصى لعبد نفسه،

فلا يخلو إمّا أن تكون الوصيّة بجزء شائع كثلث أو ربع، أو بعين من تركته.

فإن كانت بجزء شائع، صحّت الوصيّة و قوّم العبد، فإن خرج العبد من الوصيّة عتق من الوصيّة إن كانت بالثّلث فما دون، و إن كانت بالأزيد من الثّلث صحّ بقدر الثّلث.

فلو أوصى له بثلث تركته، فإن كانت قيمة العبد بقدر الثّلث أيضا عتق و لا شيء له، و كان باقي التركة للورثة، و إن كانت قيمة العبد أزيد من الثّلث عتق من العبد بقدر الثّلث، و استسعي في باقي قيمته للورثة، فإن عجز عن السعي رقّ منه بقدر الزائد، و إن كانت قيمة العبد أقلّ من الثّلث أعتق و أعطي باقي الثّلث.

و لو أوصى له بربع تركته، نسبت القيمة إلى الرّبع، فإن كانت بقدره عتق، و لا شيء له و لا عليه، و إن كانت قيمته أزيد من الرّبع عتق منه بقدر

ص: 85


1- العزيز شرح الوجيز 15:7، روضة الطالبين 98:5.
2- العزيز شرح الوجيز 15:7، روضة الطالبين 99:5.
3- العزيز شرح الوجيز 15:7، روضة الطالبين 99:5.

الرّبع، و استسعي في باقي قيمته، و إن كانت قيمته أقلّ من الرّبع عتق، و أعطي كمال الرّبع.

و لو أوصى له بنصف تركته، بطلت في الزائد.

و بهذا قال الحسن و ابن سيرين و أبو حنيفة(1).

لأنّ الجزء الشائع يتناول نفسه أو بعضها؛ لأنّه من جملة الثّلث الشائع، و الوصيّة له بنفسه تصحّ، و يعتق، و ما فضل استحقّه؛ لأنّه حرّ فيملك الوصيّة، فيصير كأنّه قال: أعتقوا عبدي من ثلثي و أعطوه ما فضل.

و ما رواه الحسن بن صالح عن الصادق عليه السّلام: في رجل أوصى لمملوك له بثلث ماله، قال: فقال: «يقوّم المملوك بقيمة عادلة ثمّ ينظر ما ثلث الميّت، فإن كان الثّلث أقلّ من قيمة العبد بقدر ربع القيمة استسعي العبد في ربع القيمة، و إن كان الثّلث أكثر من قيمة العبد أعتق العبد، و دفع إليه ما فضل من الثّلث بعد القيمة»(2).

و قال الشيخان رحمهما اللّه: إذا أوصى لعبده بثلث ماله، ينظر في قيمة العبد قيمة عادلة، فإن كانت قيمته أقلّ من الثّلث أعتق و أعطي الباقي، و إن كانت مثله أعتق، و ليس له شيء و لا عليه شيء، و إن كانت القيمة أكثر من الثّلث بمقدار السّدس أو الرّبع أو الثّلث أعتق بمقدار ذلك، و استسعي في الباقي لورثته، و إن كانت قيمته على الضّعف من ثلثه كانت الوصيّة باطلة(3).

و قال في الخلاف: إذا أوصى لعبد نفسه، صحّت الوصيّة، و قوّم العبد و أعتق إذا كان ثمنه أقلّ من الثّلث، و إن كان ثمنه أكثر من الثّلث استسعي0.

ص: 86


1- المغني 567:6، الشرح الكبير 502:6-503.
2- التهذيب 851/216:9، الاستبصار 505/134:4.
3- المقنعة: 676، النهاية: 610.

العبد فيما يفضل للورثة(1) ، و أطلق، و تبعه ابن إدريس(2).

و كأنّ الشيخ رحمه اللّه عوّل في الحكم الأوّل على مفهوم الرواية، حيث أمر الصادق عليه السّلام بالاستسعاء عند نقص الثّلث عن القيمة بقدر ربع القيمة(3) ، فإنّه يلزم عدمه مع الزيادة.

لكن دلالة المفهوم ضعيفة، مع أنّ هذه الرواية ضعيفة السند، و لا يلزم من نفي الاستسعاء بطلان الوصيّة؛ لجواز الأمر بالاستسعاء مع قلّة الفاضل، لا مع زيادته.

و قال الشافعي: الوصيّة باطلة، إلاّ أن يوصي بعتقه؛ لأنّه أوصى بمال يصير للورثة فلم يصحّ، كما لو أوصى له بمعيّن(4).

و ليس بجيّد؛ لأنّ الجزء الشائع بتناول نفسه أو بعضها؛ لأنّه من جملة الثّلث الشائع، و الوصيّة له بنفسه تصحّ و يعتق، و ما فضل استحقّه؛ لأنّه حرّ، فيملك الوصيّة، فكأنّه يقول: اعتقوا عبدا من ثلثي، و أعطوا ما فضل منه، بخلاف ما لو أوصى له بمعيّن؛ لأنّه لا يتناول شيئا منه.

و أمّا أصحاب الشافعي فقالوا: لو قال: أوصيت له بثلث ما أملك، أو بثلث أموالي، و لم ينصّ على رقبته، فوجهان:

أظهرهما: أنّ رقبته تدخل في الوصيّة؛ لأنّها من جملة أمواله.

و الثاني: لا تدخل؛ لأنّ قوله: «أوصيت لك بثلث أموالي» يشعر بالمغايرة بين الموصى به و بين الموصى له، و بأنّ المراد ما سوى رقبته،6.

ص: 87


1- الخلاف 165:4، المسألة 48.
2- السرائر 198:3.
3- راجع: الهامش (2) من ص 86.
4- المغني 567:6-568، الشرح الكبير 503:6.

فعلى هذا لا يعتق منه شيء، و الوصيّة له وصيّة للعبد بغير رقبته، و على الأوّل الحكم كما لو قال: أوصيت له بثلث رقبته و ثلث باقي أموالي.

و لهم وجه ثالث: أنّه تجمع الوصيّة في رقبته، فإن خرج كلّه من الثّلث عتق، و إن كان الثّلث أكثر من قيمة رقبته صرف الفضل إليه، و إن لم يخرج كلّه من الثّلث عتق منه بقدر ما يخرج(1).

مسألة 45: لو أوصى لعبده بعين معيّنة من ماله،

فإن كانت غير نفسه فقال: أعطوه من مالي كذا، كثوب أو دار أو مائة دينار، فظاهر كلام الأصحاب: الحكم فيه كالجزء الشائع.

و الوجه: بطلان الوصيّة هنا؛ لأنّ الموصي قصد إعطاء عين، فلا يجوز التخطّي إلى غيرها؛ لأنّه يكون تبديلا للوصيّة، و لأنّ العبد لا يملك فلا تصحّ له الوصيّة، و لا يمكن أن يحرّر من قيمة العين؛ لما فيه من التبديل للوصيّة المنهي عنه(2) ، و لا مجّانا؛ إذ لا سبب لعتقه، و لأنّه إضرار بالورثة، و زيادة على الوصيّة.

و بهذا قال الثوري و أحمد و إسحاق و أصحاب الرأي؛ لأنّ العبد يصير ملكا للورثة، فما أوصى له به فهو لهم، فكأنّه أوصى لورثته بما يرثونه، و لا فائدة فيه، بخلاف ما إذا أوصى له بمشاع(3).

لكن علماؤنا يقولون: إنّه تجمع الوصيّة في رقبته، كما قالوا في المشاع.

و على قول أصحابنا - و هو رواية أخرى عن أحمد(4) - إنّ الوصيّة

ص: 88


1- البيان 160:8، العزيز شرح الوجيز 15:7-16، روضة الطالبين 99:5.
2- سورة البقرة: 181.
3- المغني 568:6، الشرح الكبير 503:6.
4- المغني 568:6، الشرح الكبير 503:6.

تصحّ - و هو قول مالك و أبي ثور(1) - كالمشاع.

و قال الحسن و ابن سيرين: إن شاء الورثة أجازوا، و إن شاؤا ردّوا(2).

و قال أصحاب الشافعي: إذا أوصى له بعين، فإن مات و هو ملكه فالوصيّة للورثة، و إن باعه الموصي فالوصيّة للمشتري، و إن أعتقه فهي للعتيق(3).

و على قول علمائنا لو أوصى له بالعين ثمّ باعه بطلت الوصيّة؛ لأنّها تصير وصيّة لعبد الغير، و الوصيّة لعبد الغير باطلة.

مسألة 46: لو أوصى لعبده برقبته،

فالأقرب: الصحّة، و يكون بمنزلة تدبيره(4) - و به قال مالك و الشافعي و أصحاب الرأي(5) - لأنّه أوصى له بمن لا يملكه على الدوام فصحّ، كما لو أوصى به لأبيه، و لأنّ معنى الوصيّة له برقبته عتق له؛ لعلمه بأنّه لا يملك رقبته، فصارت الوصيّة كناية عن إعتاقه بعد موته.

و قال أبو ثور: تبطل الوصيّة؛ لأنّه لا يملك رقبته(6).

و لو أوصى له ببعض رقبته، فهو تدبير لذلك الجزء.

و هل يعتق جميعه إذا احتمله الثّلث ؟ نظر.

و عن أحمد روايتان(7).

و قال أصحاب الرأي: يسعى في قيمة باقيه(8).

ص: 89


1- المغني 568:6، الشرح الكبير 503:6.
2- المغني 568:6، الشرح الكبير 503:6.
3- العزيز شرح الوجيز 16:7، روضة الطالبين 99:5.
4- في النّسخ الخطّيّة: «التدبير».
5- المغني 568:6، نهاية المطلب 255:11، التهذيب - للبغوي - 75:5، العزيز شرح الوجيز 135:7، روضة الطالبين 189:5. (6الى8) المغني 568:6.

و كذا لو دبّر بعض عبده و هو مالك كلّه.

و هل يفتقر إلى قبول العبد؟ الوجه: العدم؛ لأنّه في المعنى كقوله:

أعتقوا عبدي، و هو أحد وجهي الشافعي، و أصحّهما: أنّه يفتقر إليه؛ لاقتضاء الصيغة القبول، فصار كما لو قال لعبده: وهبت منك نفسك، أو ملّكتك نفسك، فإنّه يحتاج إلى القبول في المجلس(1).

و عند أبي حنيفة لا يحتاج إلى القبول في شيء من هذه الصّور(2).

و لو قال: وهبت منك نفسك، لا على طريق التمليك، بل نوى به العتق، ففي العتق نظر.

و قال الشافعي: يعتق من غير قبول(3).

مسألة 47: لو أوصى له بجزء من رقبته،

نفذت الوصيّة فيه، و كان ذلك تدبيرا لذلك الجزء، و عتق ذلك الجزء من الثّلث.

و كذا لو قال: أوصيت له بثلث مالي، و لا مال له سواه.

و لو قال: أوصيت له بكلّ ما أملك من رقبته و غيرها من أموالي، و لا شيء له سواه، نفذت الوصيّة في ثلثه، و بقي باقيه رقيقا للورثة، فتكون الوصيّة له بالثّلث من سائر أمواله وصيّة لمن بعضه حرّ و بعضه رقيق للوارث.

و لو خلّف شيئا غيره و أوصى له برقبته، فهو تدبير له، يخرج من الثّلث، فإن وسعه الثّلث عتق، و إلاّ سعى في باقي قيمته للورثة عندنا.

و لو أوصى له بجزء من نفسه و كان أقلّ من الثّلث و لا شيء له سواه،

ص: 90


1- نهاية المطلب 255:11-256، العزيز شرح الوجيز 135:7، روضة الطالبين 189:5.
2- العزيز شرح الوجيز 135:7.
3- العزيز شرح الوجيز 135:7، روضة الطالبين 189:5.

كأن يوصي بأن يعتق ربعه أو خمسه مثلا، عتق ثلثه كملا، و إن كان له مال غيره، فإن وسع ثلثه جميع قيمته عتق بأسره، و إلاّ فبقدر ما يحتمله الثّلث، و هو إحدى الروايتين عن أحمد، و الثانية: لا يسري العتق إلى باقيه(1).

و قال أصحاب الرأي: يسعى في قيمة باقيه(2).

و لو قال: أوصيت له بكلّ ما أملك من رقبة و غيرها، عتق من الثّلث عندنا، فإن قصر الثّلث عن قيمته استسعي في الباقي، فإن عجز كان لورثة مولاه بقدر ما فيه من الرقّيّة، فإن فضل الثّلث أعتق و أعطي باقي الثّلث، و لو أجاز الورثة عتق الجميع.

و قال أصحاب الشافعي: تنفذ الوصيّة في ثلثه، و يبقى باقيه رقيقا للورثة، فتكون الوصيّة له بالثّلث من سائر أمواله وصيّة لمن بعضه حرّ و بعضه رقيق للوارث(3).

و لو قال: أوصيت له بثلث ما أملك أو بثلث أموالي، و لم ينص على رقبته، دخل في الوصيّة، و عتق من الثّلث عندنا.

و للشافعيّة و جهان:

أظهرهما: أنّ رقبته تدخل في الوصيّة؛ لأنّها من جملة أمواله.

و الثاني: لا تدخل؛ لأنّ قوله: «أوصيت له بثلث أموالي» يشعر بالمغايرة بين الموصى به و الموصى له(4) ، و قد تقدّم(5).

و لو أوصى له بثلث جميع أمواله و شرط تقديم رقبته، عتق جميعه،8.

ص: 91


1- المغني 568:6.
2- المغني 568:6.
3- العزيز شرح الوجيز 15:7، روضة الطالبين 99:5.
4- راجع: الهامش (1) من ص 88.
5- في ص 87-88.

و دفع إليه ما يتمّ به الثّلث عندنا، و عند الشافعيّة(1) أيضا.

مسألة 48: يصحّ أن يوصي الإنسان لأمّ ولده،

و لا نعلم فيه خلافا، و به قال عامّة علمائنا، و روي عن عمر و عمران بن حصين، و به قال ميمون ابن مهران و الزهري و يحيى الأنصاري و مالك و الشافعي و أحمد و إسحاق(2).

لكن اختلف علماؤنا بعد اتّفاقهم على صحّة الوصيّة في عتقها هل تعتق من نصيب ولدها و تعطى ما أوصى لها به، أو تعتق من الوصيّة، فإن قصرت الوصيّة عن القيمة أعتق الفاضل منها من نصيب الولد؟ قال الشيخ رحمه اللّه بالأوّل(3) ، و ابن إدريس بالثاني(4).

و روى ابن بابويه: أنّها تعتق من الثّلث و تعطى الوصيّة(5).

روى أبو عبيدة - في الصحيح - أنّه سأل الصادق عليه السّلام: عن رجل كانت له أمّ ولد له منها غلام فلمّا حضرته الوفاة أوصى لها بألفي درهم أو بأكثر، للورثة أن يسترقّوها؟ قال: فقال: «لا، بل تعتق من ثلث الميّت، و تعطى ما أوصى لها به»، و في كتاب العباس: «تعتق من نصيب ابنها، و تعطى من ثلثه ما أوصى لها به»(6).

و هذا الذي في كتاب العباس هو الذي ذهب الشيخ إليه، و ما تقدّم في

ص: 92


1- العزيز شرح الوجيز 16:7، روضة الطالبين 99:5-100.
2- المغني 569:6، و 510:12، الشرح الكبير 500:6-501، الحاوي الكبير 193:8، المهذّب - للشيرازي - 459:1، الوسيط 406:4، التهذيب - للبغوي - 74:5، البيان 145:8، العزيز شرح الوجيز 16:7، روضة الطالبين 100:5.
3- النهاية: 611.
4- السرائر 199:3-200.
5- الفقيه 559/160:4.
6- الكافي 4/29:7.

الرواية هو الذي اختاره الصدوق.

و احتجّ ابن إدريس بقوله تعالى: مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها أَوْ دَيْنٍ (1) فجعل استحقاق الإرث بعد الوصيّة و الدّين بلا خلاف، فلو أعتقت من سهم ولدها دون الوصيّة فقد قدّمنا الإرث على الوصيّة، و هو خلاف القرآن(2).

و يمكن أن يقال: المراد في الآية استقرار الملك على ما تقدّم؛ لعدم بقاء التركة على ملك مال الميّت؛ لانتفاء صلاحيّته للتملّك، و عدم انتقالها إلى الدّيّان و الموصى له بالإجماع، و عدم بقائها بغير مالك، فتعيّن انتقالها إلى الورثة.

و نمنع التقدّم على الإرث هنا، بل نقول: إنّها من حين الوفاة تعتق و تحسب قيمتها على الولد؛ لأنّ العتق مبنيّ على التغليب و السراية، و لهذا لو لم يكن هنا وصيّة و لا إرث سواها فإنّها تعتق على الولد، و تستسعى لباقي الورثة، مع امتناع تقديم بعض الورّاث في الإرث؛ لتساويهم فيه.

و عند العامّة تصحّ الوصيّة لأمّ الولد؛ لأنّها حرّة بعد موته، و هي تعتق من رأس المال، و الوصيّة تعتبر من الثلث(3).

مسألة 49: و يصحّ أن يوصي الإنسان لمدبّره،

فتجتمع له الوصيّتان، إحداهما: التدبير؛ لأنّه وصيّة في الحقيقة يخرج من الثّلث، و الثانية: الوصيّة بالمال الذي أوصى له به، فإن خرجت الوصيّتان من الثّلث عتق و أعطي ما فضل له، و إن عجز الثّلث عنهما قدّم العتق؛ لأنّه أنفع له، و لأنّه أوصى لعبده وصيّة صحيحة، فيقدّم عتقه على ما يحصل له من المال، كما لو

ص: 93


1- سورة النساء: 11.
2- السرائر 200:3.
3- التهذيب - للبغوي - 74:5، العزيز شرح الوجيز 16:7.

أوصى لعبده القنّ بمشاع من ماله.

و قال الشافعيّة: يعتبر عتقه و وصيّته من الثّلث، فإن وفى بهما عتق، و نفذت الوصيّة، و إن لم يف الثّلث بالمدبّر عتق منه بقدر الثّلث، و صارت الوصيّة وصيّة لمن بعضه حرّ و بعضه رقيق للوارث، و إن و فى الثّلث بأحد الأمرين من المدبّر و الموصى به، مثل أن كان المدبّر يساوي مائة و الوصيّة بمائة و له سواهما مائة، فوجهان:

أحدهما: تقدّم رقبته، فيعتق كلّه، و لا شيء له من الوصيّة، كما اخترناه نحن.

و الثاني: يعتق نصفه، و الوصيّة وصيّة لمن نصفه حرّ و نصفه رقيق(1).

مسألة 50: تصحّ الوصيّة لمكاتبه المطلق،

سواء أدّى من مال الكتابة شيئا أو لا، و لمكاتبه المشروط.

فإن كانت الوصيّة لمكاتبه المشروط، احتمل دفعه إليه بموت الموصي الذي هو مولاه؛ لأنّه نوع اكتساب، و هو من أهله، فإن عتق بالأداء أو الإبراء فلا بحث.

و إن عجز و استرقّ، فإن كان قد أتلفه فلا بحث أيضا.

و إن كان قد دفعه إلى الوارث في مال الكتابة، احتمل إجراؤه مجرى العبد في عتق ما قابل الوصيّة؛ لأنّه ليس أقلّ مرتبة منه، فحينئذ لا ينظر النسبة إلى مال الكتابة؛ لبطلانها بعجزه، بل إلى قيمته، كالعبد، و أن تجرى الوصيّة مجرى اكتسابه، فله التصرّف فيها كيف شاء، فإذا دفعه إلى الوارث ثمّ عجز تبيّنّا بطلان الوصيّة، و فساد الدفع، و لو لم يدفعه و عجز ردّ في

ص: 94


1- التهذيب - للبغوي - 74:5-75، العزيز شرح الوجيز 16:7-17، روضة الطالبين 100:5.

الرقّ، و كان مال الوصيّة للورثة؛ لظهور بطلان الوصيّة.

و يحتمل احتساب المدفوع من مال الكتابة؛ لأنّه مكاتب ملك بالوصيّة المدفوع، و كان عليه دفعه في مال الكتابة، فحينئذ إن كان مال الكتابة أكثر من القيمة كان النظر إلى مال الكتابة، فإن دفع مال الكتابة بأسره عتق، و صحّت الوصيّة و ما دفعه منها في مال الكتابة، و إن عجز رجع رقّا للوارث، و ظهر فساد الوصيّة و فساد الدفع.

و يحتمل مقاصّة الورثة بمال الكتابة من غير دفع إن كان مال الكتابة قد حلّ، و إلاّ فإشكال ينشأ من أولويّة الدفع؛ لما في تأخيره من التعرّض لبطلان الوصيّة؛ لجواز عجزه، فيسترقّ فتبطل الوصيّة، و من أصالة براءة الذمّة من تعجيل الدفع.

إذا عرفت هذا، فإن أجريناه مجرى العبد فعجز عن دفع باقي مال الكتابة، و عجز مال الوصيّة عن الثّلث و بقي بعضه رقيقا، استسعي، فيحتمل الاستسعاء في باقي قيمته؛ لبطلان الكتابة بالعجز، و العتق الحاصل له إنّما كان باعتبار الوصيّة، كالعبد.

و يحتمل الاستسعاء في باقي مال الكتابة؛ لأنّه قد دفع البعض منه و عتق به ما قابله باعتبار الوصيّة التي لا يقصر فيها عن العبد، فيبقى باقي مال الكتابة عليه.

و قالت العامّة: تصحّ الوصيّة لمكاتبه، سواء أوصى له بجزء شائع أو بمعيّن؛ لأنّ ورثته لا يستحقّون المكاتب، و لا يملكون ماله، فكان مستقلاّ بالملك، فصحّت الوصيّة له، ثمّ إن عجز و رقّ صارت الوصيّة للورثة(1).1.

ص: 95


1- راجع: الهامش (2) من ص 79، ضمن المسألة 41.
مسألة 51: لو أوصى لمكاتبه المطلق،

صحّت الوصيّة له، سواء أدّى من كتابته شيئا أو لا، فإن حلّت النجوم و اتّحد الجنس قاصّ مع الورثة، و إلاّ فبقدر الحالّ.

و لو مات و لم يؤدّ شيئا، بطلت الكتابة، و ظهر بطلان الوصيّة، و إن كان قد أدّى شيئا عتق منه بقدر ما أدّى، و كان له الوصيّة، و يؤدّي ما عليه و ينعتق.

و لو أوصى لمكاتبه المطلق برقبته، احتمل البطلان؛ إذ لا تصرّف له في رقبته، و الصحّة؛ لأنّ هذا التصرّف يعود نفعه إلى المكاتب، فيكون محسنا و لا سبيل عليه، فحينئذ يحمل على الإبراء من مال الكتابة.

و لو كان المكاتب مشروطا، فأوصى له برقبته، فالجواز هنا أقوى؛ لأنّه عبد ما بقي عليه شيء.

و كذا لو أوصى لأمّ ولده برقبتها أو لمدبّره برقبته.

مسألة 52: لو أوصى لمكاتب الغير،

المشروط، لم يصح؛ لأنّه مملوك لذلك الغير، و لا تصحّ الوصيّة لمملوك الغير على ما تقدّم(1).

و يحتمل الصحّة؛ لأنّ قبول الوصيّة نوع كسب، و تصرّفات المكاتب بالاكتساب صحيحة.

و لو كان مطلقا، فالجواز فيه أقوى.

و عند العامّة: إنّه تصحّ الوصيّة لمكاتب الغير و مملوكه؛ لأنّه مستقلّ بالملك(2).

و تصحّ الوصيّة لمكاتب الغير، المطلق إذا تحرّر بعضه بقدر ما فيه من

ص: 96


1- في ص 79، المسألة 41.
2- راجع: الهامش (2) من ص 79، ضمن المسألة 41.

الحرّيّة، و تبطل بقدر ما فيه من الرقّيّة.

و كذا لو أوصى المكاتب المتحرّر بعضه، صحّت وصيّته بقدر ما تحرّر منه، و بطلت في نصيب الرقّيّة؛ لقول الباقر عليه السّلام قال: «قضى أمير المؤمنين عليه السّلام في مكاتب قضى بعض ما كوتب عليه أن يجاز من وصيّته بحساب ما أعتق منه، و قضى في مكاتب قضى نصف ما عليه فأوصى بوصيّة فأجاز نصف الوصيّة، و قضى في مكاتب قضى ثلث ما عليه و أوصى بوصيّة فأجاز ثلث الوصيّة»(1).

مسألة 53: إذا أوصى لعبد وارثه،

لم تصح عندنا؛ لما تقدّم(2) من أنّه لا تصحّ الوصيّة لعبد الغير، و عند العامّة تصحّ(3).

فإن باعه الوارث قبل موت الموصي، فالوصيّة للمشتري عندهم(4).

و إن استمرّ في ملكه فهي وصيّة للوارث تقف على إجازة جميع الورثة عندهم، قاله الشافعي و أبو حنيفة و أحمد(5).

و قال مالك: إن كان يسيرا جاز، و وقعت للعبد، و إن أوصى بمال كثير فهي كالوصيّة للوارث؛ لأنّ العبد يملك، و إنّما لسيّده أخذه، فإذا وصّى له بشيء يسير علم أنّه قصد بذلك العبد دون سيّده(6).

ص: 97


1- التهذيب 223:9-876/224.
2- في ص 79، المسألة 41.
3- المغني 569:6، الشرح الكبير 501:6، التهذيب - للبغوي - 74:5، العزيز شرح الوجيز 17:7، روضة الطالبين 100:5.
4- التهذيب - للبغوي - 74:5، العزيز شرح الوجيز 17:7، روضة الطالبين 100:5.
5- العزيز شرح الوجيز 17:7، روضة الطالبين 100:5، المغني 569:6، الشرح الكبير 501:6.
6- الإشراف على نكت مسائل الخلاف 2072/1012:2، المغني 569:6-570، الشرح الكبير 501:6.

و كذا لو أوصى لعبد أجنبيّ فاشتراه وارث الموصي ثمّ مات الموصي.

و لو أوصى لمن نصفه حرّ و نصفه لوارثه، صحّ له نصف الوصيّة بالجزء الحرّ و بطلت في نصف الرقّيّة عندنا.

و عند العامّة: إن لم تكن بينه و بين السيّد مهايأة أو كان بينهما مهايأة و قلنا: إنّ الوصيّة لا تدخل في المهايأة، فهي كالوصيّة للوارث؛ لأنّ ما يثبت له بالوصيّة يكون نصفه للوارث، و لهذا قلنا: إنّه لا يرث؛ لأنّه لو ورث شيئا لملك السيّد نصفه، و هو أجنبيّ عن الميّت.

قال الجويني: و كان يحتمل أن تتبعّض الوصيّة كما لو أوصى بأكثر من الثّلث(1).

و إن جرت بينهما مهايأة و قلنا: إنّها تدخل في المهايأة، فقد تقدّم أنّ العبرة بيوم الموت على ظاهر مذهبهم، فينظر يوم موت الموصي، فإن مات في يوم العبد فالوصيّة صحيحة، و إلاّ فهي للوارث، و لا فرق بين أن تكون بينهما مهايأة يوم الوصيّة أو لا تكون ثمّ يحدثانها قبل موت الموصي(2).

و لو أوصى لمكاتب وارثه، فإن عتق قبل موت الموصي نفذت الوصيّة، و كذا لو أعتق بعده بأداء النجوم، و إن عجز رقّ و صارت وصيّته للوارث.

البحث الثالث: في الوصيّة للدابّة.
مسألة 54: لو أوصى لدابّة الغير،

فإن قصد تمليكها فالوصيّة باطلة؛ لأنّها وصيّة بالمستحيل، و لا يجوز صرف الوصيّة إلى مالكها؛ لأنّه غير

ص: 98


1- نهاية المطلب 252:11.
2- العزيز شرح الوجيز 17:7، روضة الطالبين 100:5.

مقصود للموصي، فلا فرق بين المالك و غيره، فكما لا يصرف ذلك إلى الغير لا يصرف إلى المالك.

و لو أوصى للدابّة و أطلق، فالأقوى: البطلان أيضا؛ لأنّ مفهوم اللّفظ المطلق التمليك، و الدابّة لا يتصوّر فيها ذلك، و مطلق اللّفظ إنّما يحمل على مفهومه.

و كذا عندنا لو أوصى لعبد الغير.

و أمّا المجوّزون من العامّة لوصيّة العبد فإنّهم فرّقوا بينه و بين الدابّة؛ لأنّ العبد عاقل من أهل الخطاب، و يمكن القبول منه، و ربما يعتق قبل موت الموصي فيثبت الملك له، بخلاف الدابّة التي لا يتصوّر فيها ذلك(1).

لكن للشافعيّة و جهان في الوقف على الدابّة: هل يكون وقفا على مالكها، أم لا، و يشبه أن تكون الوصيّة على ذلك الخلاف(2).

و قد فرّق بعضهم بين الوصيّة و الوقف بأنّ الوصيّة تمليك محض، فينبغي أن يضاف إلى من يملك، و الوقف ليس بتمليك محض، بل هو عند بعضهم ليس بتمليك، حيث قالوا بانتقاله إلى اللّه تعالى، فيجوز أن يترخّص فيه بالإضافة إلى من لا يملك(3).

مسألة 55: لو أوصى لدابّة الغير و قصد الصرف في علفها،

فالأقرب:

الجواز - و به قال الشافعي(4) - لأنّ علف الدابّة واجب على مالكها، فالقصد بهذه الوصيّة المالك.

ص: 99


1- التهذيب - للبغوي - 82:5، العزيز شرح الوجيز 18:7، روضة الطالبين 5: 101.
2- العزيز شرح الوجيز 18:7، روضة الطالبين 101:5.
3- العزيز شرح الوجيز 18:7، روضة الطالبين 101:5.
4- نهاية المطلب 290:11، الوسيط 406:4، التهذيب - للبغوي - 82:5، البيان 212:8، العزيز شرح الوجيز 18:7، روضة الطالبين 101:5.

لكن للشافعيّة في الوقف على علف دابّة الغير و جهان في صحّة الوقف، و الوصيّة تشبهه؛ لأنّها في معناه(1).

و على القول بالصحّة فالأقوى: اشتراط قبول مالك الدابّة؛ لأنّ الوصيّة في الحقيقة هنا للمالك، فاشترط قبوله، كما في الوصايا، كما لو أوصى بعمارة داره، و هو أظهر وجهي الشافعيّة، و الثاني: أنّه لا يشترط قبوله؛ لأنّها وصيّة للدابّة نفسها، ففي كلّ كبد حرّى أجر(2).

و هو بعيد؛ فإنّ حدوث الاستحقاق لملكه من غير رضاه بعيد جدّا.

و على تقدير القبول هل يتعيّن صرف الموصى به إلى جهة الدابّة ؟ الأولى ذلك؛ لأنّها وصيّة صحيحة، فلا يجوز تغييرها؛ لقوله تعالى: فَمَنْ بَدَّلَهُ (3) و لما فيه من رعاية غرض الموصي، و هو أحد وجهي الشافعيّة، و الثاني: أنّه لا يتعيّن على المالك صرف ذلك في العلف، بل له إمساكه و التصرّف فيه كيف شاء، و ينفق على الدابّة من موضع آخر(4).

و على القول بالتعيين يتولّى الإنفاق على الدابّة الوصيّ إن كان له وصيّ على ذلك، و لو لم يكن تولاّه الحاكم أو من يأمره به من المالك أو غيره.

و هل للمالك أخذه من غير إذن الحاكم ؟ إشكال أقربه ذلك؛ لأنّا قد جعلنا هذه الوصيّة وصيّة للمالك.

مسألة 56: إذا قلنا: إنّه إذا أوصى للدابّة كانت الوصيّة للمالك،

يشترط في الوصيّة للدابّة أن تكون مملوكة، فلا تصحّ الوصيّة للوحوش

ص: 100


1- العزيز شرح الوجيز 18:7، روضة الطالبين 101:5.
2- نهاية المطلب 290:11، الوجيز 270:1، الوسيط 406:4 و 407، البيان 8: 212، العزيز شرح الوجيز 18:7-19، روضة الطالبين 101:5.
3- سورة البقرة: 181.
4- العزيز شرح الوجيز 19:7، روضة الطالبين 101:5.

و الصيود المباحة؛ إذ لا مالك لها، و إن قلنا: إنّ الوصيّة للدابّة، فالأقرب ذلك أيضا؛ لأنّ فيه نوع إضاعة للمال؛ لاستغناء الوحوش في البراري عن العلف.

و للشافعيّة وجه: أنّه تصحّ الوصيّة لها على هذا التقدير، مع اتّفاقهم على أنّه لا يصحّ الوقف عليها(1).

و لو أوصى للبهيمة المملوكة فانتقلت الدابّة من مالكها إلى غيره، فإن قلنا: الوصيّة للدابّة، استمرّت الوصيّة لها، و إن قلنا: للمالك، اختصّت الوصيّة بالمشتري.

و لو أوصى لدار زيد، فإن قصد تمليك الدار لم تصح، و إن قصد مالكها أو عمارتها له، فالأقرب: الجواز، فحينئذ هل له صرف الوصيّة إلى غير تلك الجهة ؟ الأولى المنع.

و لو أوصى للمسجد و فسّر بالصرف إلى عمارته أو مصلحته، صحّت الوصيّة.

و لو أطلق، فللشافعيّة و جهان:

أحدهما: البطلان، كالوصيّة للدابّة.

و أظهرهما: الصحّة؛ لأنّ مقتضى العرف تنزيله على الصرف إلى عمارته و مصلحته، ثمّ القيّم يصرف إلى الأهمّ و الأصلح باجتهاده(2).

و لو قال: أردت به تمليك المسجد، قال بعضهم: إنّ الوصيّة لاغية(3).5.

ص: 101


1- العزيز شرح الوجيز 19:7.
2- الوسيط 408:4، العزيز شرح الوجيز 19:7، روضة الطالبين 102:5.
3- العزيز شرح الوجيز 19:7، روضة الطالبين 102:5.

و يحتمل أن يملك المسجد، كالوقف عليه، قاله بعض الشافعيّة(1).

البحث الرابع: في الوصيّة للكافر.
مسألة 57: الأقوى: أنّه لا تصحّ وصيّة المسلم للحربيّ،

و هو قول الشيخ رحمه اللّه في الخلاف(2).

و قال في المبسوط: لا تصحّ الوصيّة للكافر الأجنبيّ(3).

و في النهاية: إذا أوصى لأحد أبويه أو بعض قراباته بشيء من ثلثه وجب إيصاله إليهم و إن كانوا كفّارا ضلاّلا(4).

و قال المفيد: إذا أوصى لغيره بشيء من ثلثه وجب دفعه إليه و إن كان الموصى له كافرا(5).

و قال ابن الجنيد: إذا أوصى بفداء بعض أهله من يد أهل الحرب من أهل الكتاب و المشركين جاز، و لا تصحّ الوصيّة لحربيّ.

و به قال أبو حنيفة و بعض الشافعيّة(6).

لقوله تعالى: لا يَنْهاكُمُ اللّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ

ص: 102


1- العزيز شرح الوجيز 19:7، روضة الطالبين 102:5.
2- الخلاف 153:4، المسألة 26.
3- المبسوط - للطوسي - 4:4.
4- النهاية: 609.
5- المقنعة: 671.
6- روضة القضاة 8354/684:2، بدائع الصنائع 341:7، الحاوي الكبير 8: 193، المهذّب - للشيرازي - 458:1، نهاية المطلب 287:11، حلية العلماء 6: 71-72، التهذيب - للبغوي - 72:5، البيان 138:8، العزيز شرح الوجيز 7: 20، المغني 562:6، الشرح الكبير 497:6، الإشراف على نكت مسائل الخلاف 2079/1015:2.

وَ لَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَ تُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ - إلى قوله تعالى - إِنَّما يَنْهاكُمُ اللّهُ عَنِ الَّذِينَ قاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ (1) الآية، أشعر ذلك بالنهي عن أن نبرّهم إذا قاتلونا.

و لأنّا مأمورون بقتلهم، فلا معنى للتقرّب إليهم بالوصيّة، و لأنّ تملّك الحربيّ غير لازم، و ماله غير معصوم، و لا يجوز دفع ماله، بل يجوز الاستيلاء عليه، بخلاف الذمّيّ، و لو جازت الوصيّة للحربيّ لكان إمّا أن يجب على الوصيّ الدفع إليه، و هو محال؛ لما تقدّم، أو لا، و هو المطلوب؛ إذ معنى بطلان الوصيّة عدم وجوب التسليم.

و قال أحمد و مالك و أكثر الشافعيّة: تجوز الوصيّة للحربي، كما يجوز البيع و الهبة منهم، كالذمّي، و قد روي أنّ عمر بن الخطّاب أعطى خاله الحربي حلّة من حرير بمكة، و عن أسماء بنت أبي بكر قالت: أتتني أمّي و هي راغبة، يعني عن الإسلام، فسألت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله، فقلت:

يا رسول اللّه أتتني أمّي و هي راغبة أفأصلها؟ قال: «نعم»(2).

و اعلم أنّ أصحّ الوجهين عند الشافعيّة في الوقف على الحربي:

المنع، و في الوصيّة: الجواز، و فرّقوا بوجهين:

أحدهما: أنّ الوقف صدقة جارية، فاعتبر في الموقوف عليه الدوام، كما اعتبر في الوقف.5.

ص: 103


1- سورة الممتحنة: 8 و 9.
2- المغني 562:6، الشرح الكبير 496:6 و 497، الإشراف على نكت مسائل الخلاف 2097/1015:2، الحاوي الكبير 193:8، المهذّب - للشيرازي - 1: 458، نهاية المطلب 287:11، الوجيز 270:1، الوسيط 408:4، حلية العلماء 71:6-72، التهذيب - للبغوي - 72:5، البيان 138:8، العزيز شرح الوجيز 20:7، روضة الطالبين 102:5.

و الثاني: أنّ معنى التمليك في الوصيّة أظهر منه في الوقف، ألا ترى أنّ الموصى له يملك الرقبة و المنفعة و التصرّف كيف شاء، و الموقوف عليه بخلافه، فألحقت الوصيّة بسائر التمليكات(1).

مسألة 58: المرتدّ إن كان عن فطرة لم تصح الوصيّة له؛

لأنّه واجب القتل في كلّ حال، و لا يجوز إبقاؤه؛ لأنّه لا تقبل توبته، فلا يتحقّق زمان يثبت له الملك فيه، و لأنّ جواز الملك فيه ينافي وجوب القتل، و لأنّ أمواله زالت عنه و لم يبق أهلا لاستمرار التملّك، فلا يكون أهلا لابتدائه.

و إن كان عن غير فطرة، ففي جواز الوصيّة له إشكال، أقربه: المنع، كالحربيّ.

و يحتمل الجواز؛ لأنّ أمواله لا تزول عنه إلاّ بالقتل، و القتل إنّما يجب بعد الامتناع عن التوبة بعد الاستتابة.

و الوجهان اللّذان ذكرناهما للشافعيّة في الوصيّة للحربيّ جاريان في المرتدّ:

أحدهما: أنّه تصحّ الوصيّة له، كما تجوز له الهبة.

و الثاني: المنع؛ لأنّ ملكه غير مستقرّ، و لا يرث، فهو كالميّت، و لأنّ ملكه يزول عن ماله بردّته، فلا يثبت له الملك بالوصيّة(2).

مسألة 59: الأقوى: صحّة الوصيّة لأهل الذمّة.

قال الشيخ في الخلاف: الوصيّة لأهل الذمّة جائزة بلا خلاف، و في أصحابنا خاصّة من قيّد إذا كان من قراباته، و لم يشترط الفقهاء ذلك(3).

ص: 104


1- العزيز شرح الوجيز 20:7.
2- العزيز شرح الوجيز 20:7، روضة الطالبين 102:5.
3- الخلاف 153:4، المسألة 36.

و قال في المبسوط: لا تصحّ الوصيّة من الكافر الذي لا رحم له من الميّت(1).

و جوّز أبو الصلاح الوصيّة للكافر إذا لم يكن صدقة(2).

و قال ابن إدريس: تصحّ الوصية للكافر و إن لم يكن ذا رحم(3).

و هو قول العامّة منهم: شريح و الشعبي و الثوري و الشافعي و أحمد و إسحاق و أصحاب الرأي(4) ، و لا نعلم بينهم خلافا.

قال محمّد بن الحنفيّة و عطاء و قتادة في قوله تعالى: إِلاّ أَنْ تَفْعَلُوا إِلى أَوْلِيائِكُمْ مَعْرُوفاً (5): هي وصيّة المسلم لليهودي و النصراني(6).

و روت العامّة عن عكرمة أنّ صفيّة بنت حيي باعت حجرتها من معاوية بمائة ألف و كان لها أخ يهوديّ فعرضت عليه أن يسلم فيرث، فأبى فأوصت له بثلث المائة(7).

و من طريق الخاصّة: ما رواه محمّد بن مسلم - في الصحيح - عن2.

ص: 105


1- المبسوط - للطوسي - 4:4.
2- الكافي في الفقه: 364.
3- السرائر 186:3.
4- المغني 561:6، الشرح الكبير 496:6، الحاوي الكبير 193:8، المهذّب - للشيرازي - 458:1، نهاية المطلب 287:11، الوجيز 270:1، التهذيب - للبغوي - 72:5، البيان 138:8، العزيز شرح الوجيز 20:7، روضة الطالبين 102:5.
5- سورة الأحزاب: 6.
6- جامع البيان 78:21، تفسير القرآن العظيم - لابن أبي حاتم - 3115:9، الكشف و البيان (تفسير الثعلبي) 10:8، النكت و العيون (تفسير الماوردي) 4: 376، معالم التنزيل (تفسير البغوي) 434:4، الجامع لأحكام القرآن 126:14، المغني 561:6، الشرح الكبير 496:6.
7- المغني 561:6-562.

أحدهما عليهما السّلام: في رجل أوصى بماله في سبيل اللّه، قال: «أعط لمن أوصى له و إن كان يهوديّا أو نصرانيّا، إنّ اللّه تعالى يقول: فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (1)»(2).

و قال الصادق عليه السّلام في آخر حديث: «لو أنّ رجلا أوصى إليّ أن أضع في يهوديّ أو نصرانيّ لوضعته فيه، إنّ اللّه تعالى يقول: فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ» (3).

و كتب الخليل بن هاشم إلى ذي الرئاستين - و هو والي نيسابور -: إنّ رجلا من المجوس مات و أوصى للفقراء بشيء من ماله، فأخذه قاضي نيسابور فجعله في فقراء المسلمين، فكتب الخليل إلى ذي الرئاستين بذلك، فسأل المأمون عن ذلك، فقال: ليس عندي في ذلك شيء، فسأل أبا الحسن عليه السّلام، فقال أبو الحسن عليه السّلام: «إنّ المجوسيّ لم يوص لفقراء المسلمين، و لكن ينبغي أن يؤخذ مقدار ذلك المال من مال الصدقة فيردّ على فقراء المجوس»(4).

مسألة 60: و يصحّ أن يوصي الذمّيّ للذمّيّ و للمسلم،

و المسلم للمسلم إجماعا، و للذمّيّ على الخلاف.

و كذا يصحّ أن يوصي الحربيّ للحربيّ على إشكال.

و لا تصحّ الوصيّة لكافر بمصحف و لا عبد مسلم؛ لأنّه لا يصحّ له

ص: 106


1- سورة البقرة: 181.
2- التهذيب 201:9-804/202، الاستبصار 484/128:4.
3- الكافي 14:7-4/15، الفقيه 515/148:4، التهذيب 805/202:9، الاستبصار 128:4-485/129.
4- الكافي 16:7 (باب آخر منه) ح 1، التهذيب 202:9-807/203، الاستبصار 487/129:4.

تملّكهما بالهبة و البيع و غيرهما من أسباب الملك؛ لعموم السبب في جميع الأسباب، و هو تعظيم الكتاب العزيز، و انتفاء السبيل للكافر على المسلم(1).

فإن أوصى للكافر بعبد كافر فأسلم العبد قبل موت الموصي، بطلت الوصيّة، و إن أسلم بعد الموت و قبل القبول، بطلت إن قلنا: إنّ الملك لا يثبت إلاّ بالقبول؛ لأنّه لا يجوز أن يبتدئ الملك على المسلم، و إن قلنا:

يثبت الملك بالموت قبل القبول، فالوصيّة صحيحة عنده(2) ؛ لأنّا نتبيّن أنّ الملك يثبت بالموت؛ لأنّه أسلم بعد أن ملكه.

مسألة 61: لو أوصى المسلم لأهل قريته،

لم يعط من فيها من الكفّار إذا كان أهل القرية مسلمين، و كذا لو أوصى لقرابته و فيهم كافر و مسلم، لم يعط الكافر شيئا، و اختصّت الوصيّة بالمسلمين - و به قال أحمد(3) - لقوله تعالى: يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ (4) و لم يدخل فيه الكفّار إذا كان الميّت مسلما، و إذا لم يدخلوا في وصيّة اللّه تعالى مع عموم اللّفظ فكذا في وصيّة المسلم.

و لأنّ الظاهر من حال المسلم عدم إرادة الكفّار؛ للعداوة الدينيّة الراسخة بينه و بينهم، و عدم الوصلة المانعة من الميراث و وجوب النفقة على فقيرهم، و لذلك خرجوا من عموم اللفظ في الأولاد و الإخوة و الأزواج و سائر الألفاظ العامّة في الميراث، فكذا هنا؛ لأنّ الوصيّة أجريت مجرى الميراث.

ص: 107


1- سورة النساء: 141.
2- أي: عند من قال بثبوت الملك بالموت قبل القبول، كما في المغني 563:6.
3- المغني 564:6.
4- سورة النساء: 11.

و لو صرّح الموصي بدخولهم، دخلوا؛ لأنّ صريح المقال أقوى من دلالة الحال.

و لو أوصى لأهل قريته و كلّهم كفّار أو لقرابته و هم كفّار، صحّت الوصيّة، و لا يمكن تخصيصهم كما قلنا بتخصيصهم لو كانوا بعض أهل القرية أو بعض القرابة؛ لأنّ في تخصيصه رفع اللّفظ بالكلّيّة.

و لو كان فيها مسلم واحد و الباقي كفّار، دخلوا في الوصيّة أيضا؛ لبعد إخراجهم بالتخصيص هاهنا؛ لما فيه من مخالفة الظاهر الذي هو العموم، و حمل اللّفظ الدالّ على الجمع على المفرد.

و لو كان أكثر أهل القرية كفّارا، فالأقوى: تخصيص المسلمين بالوصيّة؛ لأنّ حمل اللّفظ عليهم ممكن، و صرفه إليهم و التخصيص يصحّ و إن كان بإخراج الأكثر.

و يحتمل الدخول؛ لأنّ التخصيص في مثل هذا بعيد؛ فإنّ تخصيص الصورة النادرة قريب، و تخصيص الأكثر بعيد يحتاج فيه إلى التنصيص.

و كذا الحكم في باقي ألفاظ العموم، كما لو أوصى لإخوته أو عمومته أو بني عمّه، أو لليتامى، أو للفقراء.

و الأقرب في هذا كلّه: صرف الوصيّة إلى المسلمين، و كذا الكافر.

و لو أوصى للفقراء، انصرف إلى فقراء ملّته؛ عملا بالعرف، و لقضيّة الرضا عليه السّلام، المذكورة في الخبر السابق(1).

و لو وجدت قرينة تدلّ على دخول المسلمين دخلوا، كما لو أوصى لأهل قريته أو لقرابته و كلّهم مسلمون، و كذا يدخلون لو لم يكن فيهم إلاّ كافر واحد.6.

ص: 108


1- في ص 106.

و لو انتفت القرائن، فالأقرب: عدم الدخول [كما لم يدخل الكفّار في وصيّة المسلم.

و يحتمل الدخول](1) ؛ لتناول اللفظ لهم و هم أحقّ بالوصيّة من غيرهم، و لا يصرف اللّفظ عن مقتضاه و عمّن هو أحقّ بحكمه إلى غيره.

و لو كان في القرية [كافر](2) من غير أهل دين الموصي، لم يدخل في الوصيّة؛ لأنّ قرينة حال الموصي تخرجه، و لم يوجد [فيه](3) ما وجد في المسلم من الأولويّة، فيبقى خارجا بحاله.

و يحتمل عدم الخروج؛ لأنّ الكفّار يتوارثون و إن اختلفوا في الأديان.

و كذا يدخلون لو وجدت قرينة الدخول، كما لو لم يكن في قريته إلاّ أولئك.

البحث الخامس: في الوصيّة للقاتل.
مسألة 62: في الوصيّة للقاتل قولان لعلمائنا.

قال الشيخ رحمه اللّه: تصحّ؛ لقوله تعالى: كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ وَ الْأَقْرَبِينَ (4) و لم يفرّق، و قال تعالى: مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها أَوْ دَيْنٍ (5) و لم يفرّق، و المنع يحتاج

ص: 109


1- ما بين المعقوفين أثبتناه من المغني 565:6، حيث يقتضيه السياق.
2- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «كفّار». و المثبت يقتضيه السياق.
3- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «فيهم». و المثبت يقتضيه السياق.
4- سورة البقرة: 180.
5- سورة النساء: 11.

إلى دليل(1).

و هو أظهر قولي الشافعي؛ لأنّ التملّك بالوصيّة تملّك بإيجاب و قبول، فأشبه التملّك بالبيع و الهبة(2) ، و به قال مالك(3) أيضا.

و روي عنه: تخصيص الجواز بما إذا كان القتل خطأ(4).

و القول الثاني للشافعي: لا تصحّ الوصيّة للقاتل - و به قال أبو حنيفة(5) و ابن الجنيد من علمائنا، إلاّ أنّه خصّص، فقال: لا وصيّة لقاتل عمد، و هو موافق لما روي عن مالك(6) ، و عن أحمد روايتان(7) كالمذهبين - لما روي عن النبيّ صلّى اللّه عليه و اله قال: «ليس للقاتل وصيّة»(8) و لأنّ القتل يمنع الميراث الذي».

ص: 110


1- الخلاف 154:4، المسألة 27.
2- الحاوي الكبير 191:8، المهذّب - للشيرازي - 458:1، نهاية المطلب 11: 284-285، الوسيط 409:4، حلية العلماء 72:6-73، التهذيب - للبغوي - 73:5، البيان 139:8، العزيز شرح الوجيز 21:7، روضة الطالبين 102:5، المغني 570:6، الشرح الكبير 508:6.
3- الإشراف على نكت مسائل الخلاف 2087/1018:2، التلقين: 556، المعونة 1631:3، الحاوي الكبير 191:8، التهذيب - للبغوي - 73:5، البيان 8: 139، العزيز شرح الوجيز 21:7، المغني 570:6، الشرح الكبير 508:6.
4- كما في العزيز شرح الوجيز 21:7، و ينظر: المدوّنة الكبرى 34:6-35، و الكافي في فقه أهل المدينة: 545-546، و مختصر اختلاف العلماء 2160/20:5.
5- مختصر اختلاف العلماء 2160/19:5، مختصر القدوري: 242، المبسوط - للسرخسي - 175:27-176، روضة القضاة 3858/685:2، تحفة الفقهاء 3: 208، الفقه النافع 1171/1406:3، بدائع الصنائع 339:7، الهداية - للمرغيناني - 4: 232، الحاوي الكبير 191:8، حلية العلماء 72:6، التهذيب - للبغوي - 73:5، البيان 139:8، العزيز شرح الوجيز 21:7.
6- راجع: الهامش السابق.
7- المغني 570:6، الشرح الكبير 508:6.
8- سنن الدارقطني 236:4-115/237، السنن الكبرى - للبيهقي - 381:6، و فيهما: «... لقاتل...».

هو آكد من الوصيّة، فالوصيّة أولى [و](1) لأنّ الوصيّة أجريت مجرى الميراث، فمنعها ما يمنعه(2).

و الوجه: التفصيل، و هو أنّه إن أوصى قبل القتل أو الجرح الموجب للقتل لم تصح الوصيّة، كما لو قال: أعطوا زيدا كذا، ثمّ قتله زيد - و هو قول الحسن بن صالح بن حي(3) - لأنّ القتل طرأ على الوصيّة فأبطلها؛ لأنّه يبطل ما هو آكد منها.

و تحقيقه: أنّ القتل إنّما منع الميراث لأنّ القاتل بالقتل استعجل الميراث الذي انعقد سببه، فعورض بنقيض قصده، و هو منع الميراث، دفعا لمفسدة قتل الموروث، و لهذا بطل التدبير بالقتل الطارئ عليه، و هذا المعنى متحقّق في القتل الطارئ على الوصيّة، فإنّه ربما طلب تعجيل الوصيّة، فبادر إلى قتله ليبلغ غرضه، فاقتضت الحكمة منعه، بخلاف ما لو جرحه بالمهلك ثمّ أوصى له، فإنّ الموصى له لم يقصد بقتله استعجال مال؛ لعدم سببه، و الموصي راض بالوصيّة بعد صدور ما فعله في حقّه.

مسألة 63: و هل يقع فرق بين قتل العمد و الخطأ؟

الأقرب: ثبوت الفرق، فيمنع من الوصيّة مع العمد، دون الخطأ، و عليه دلّ قول ابن الجنيد، و لأنّ المقتضي للمنع في العمد إنّما هو الاستعجال، و هذا إنّما يكون بقصد القتل، و لا يتحقّق في الخطأ، فكان الأولى قبول الوصيّة فيه،

ص: 111


1- ما بين المعقوفين أثبتناه كما في المغني 571:6، و الشرح الكبير 508:6.
2- الحاوي الكبير 191:8، المهذّب - للشيرازي - 458:1، نهاية المطلب 11: 284-285، الوسيط 409:4، حلية العلماء 72:6، التهذيب - للبغوي - 5: 73، البيان 139:8، العزيز شرح الوجيز 21:7، روضة الطالبين 102:5، المغني 570:6-571، الشرح الكبير 508:6.
3- المغني 571:6، الشرح الكبير 508:6.

كما قلنا: إنّ الأولى قبول الوصيّة لو تجدّدت بعد القتل.

و الشافعيّة لم يفرّقوا بينهما، بل جعلوا القولين فيهما معا(1)راجع: الهامش (7) من ص 110.(2) ، و هو قول أحمد(2).

ثمّ تكلّم الشافعيّة في موضع القولين من وجهين:

أحدهما: هل من فرق بين أن يكون القتل بحقّ كالقصاص، أو لا يكون ؟ سكت أكثرهم عنه.

و قال بعضهم: تجوز الوصيّة للقاتل بالحقّ، و الخلاف في غيره.

و الوجه: أنّ الوصيّة تصحّ للقاتل بالحقّ كما يصحّ له الميراث.

و أحال بعض الشافعيّة الوصيّة على الإرث، فقال: إن ورّثنا القاتل بالحقّ جوّزنا الوصيّة له، و إلاّ ففيه الخلاف.

و الثاني: قال بعض الشافعيّة: القولان فيما إذا أوصى المجروح لجارحه ثمّ مات، فأمّا إذا أوصى لإنسان فجاء و قتله بطلت الوصيّة قولا واحدا، فإنّه مستعجل بالقتل فيحرم، كالوارث.

و منهم من عكس، فصحّح الوصيّة جزما فيما إذا أوصى لجارحه، و خصّص القولين بما إذا أوصى لإنسان فجاء و قتله.

و الأكثرون طردوا القولين في الحالتين(3).

فحينئذ يكون للشافعي ثلاثة أقوال، أحدها: الصحّة، و الثاني: المنع، و الثالث: الصحّة إن تقدّمت الجراحة، و تبطل إن تأخّرت(4).7.

ص: 112


1- راجع: الهامش
2- من ص 110.
3- العزيز شرح الوجيز 21:7، روضة الطالبين 102:5.
4- كما في العزيز شرح الوجيز 21:7.
مسألة 64: لو قتلت أمّ الولد سيّدها،

عتقت من نصيب الولد و إن استعجلت - و به قال الشافعي(1) - لأنّها لا تعتق على الميّت عندنا، و إنّما تعتق على الولد، و هو غير قاتل، فورثها، و كلّ من ورث أمّه عتقت عليه.

و عند العامّة تنعتق أيضا و إن استعجلت؛ لأنّ الإحبال منزلته منزلة الإعتاق، ألا ترى أنّ الشريك، إذا أحبل الجارية المشتركة سرى الاستيلاد إلى نصيب الشريك، كما لو أعتق نصيبه، و إذا كان كالإعتاق لم يقدح القتل فيه، كما إذا أعتق العبد ثمّ قتله العبد(2).

و كذا مستحقّ الدّين المؤجّل إذا قتل المديون حلّ أجله؛ لأنّ الأجل حقّ من عليه الحقّ، أثبت ليرتفق به بالاكتساب في المدّة، فإذا هلك، فالحظّ له في التعجيل لتبرأ ذمّته.

مسألة 65: لو قتل المدبّر سيّده،

فهو كما لو أوصى لإنسان فقتل الموصى له الموصي هل تبطل وصيّته، أم لا؟ على ما تقدّم من الخلاف؛ لأنّ التدبير عندنا وصيّة.

و قالت الشافعيّة: إنّه يبنى على أنّ التدبير وصيّة أو تعليق عتق بصفة، إن قلنا بالأوّل، فهو كما لو أوصى لإنسان فجاء و قتله، و إن قلنا بالثاني، عتق، كالمستولدة(3).

و قال بعض الشافعيّة: إن صحّحنا الوصيّة للقاتل، عتق المدبّر إذا قتل

ص: 113


1- المهذّب - للشيرازي - 458:1، نهاية المطلب 286:11، التهذيب - للبغوي - 73:5، البيان 140:8، العزيز شرح الوجيز 21:7، روضة الطالبين 103:5.
2- العزيز شرح الوجيز 21:7-22، روضة الطالبين 103:5.
3- المهذّب - للشيرازي - 458:1، نهاية المطلب 286:11-287، الوسيط 4: 409، حلية العلماء 73:6-74، البيان 140:8، العزيز شرح الوجيز 22:7، روضة الطالبين 103:5.

سيّده، و إن لم نصحّحها، لا يعتق، و يبطل التدبير، سواء جعلنا التدبير وصيّة أو تعليقا للعتق؛ لأنّه و إن كان تعليقا فهو في حكم الوصيّة؛ لأنّه يعتبر من الثّلث، و هذا إثبات للخلاف، سواء جعلناه وصيّة أو تعليقا(1).

و إذا أوصى لعبد جارحه أو لمدبّره أو مستولدته، فإن عتق قبل موت الموصي صحّت الوصيّة له، و إن انتقل منه إلى غيره صحّت الوصيّة لذلك الغير، و إلاّ فهي وصيّة للجارح.

و لو أوصى لعبد بشيء فجاء العبد و قتله، لم تتأثّر به الوصيّة، و إن جاء السيّد و قتله، فهي وصيّة للقاتل.

و لو [أوصى](2) لمكاتب، فقتل المكاتب الموصي، فإن عتق فهي وصيّة للقاتل، و إن عجز فالوصيّة صحيحة للسيّد، فإن جاء سيّد المكاتب فقتله فالحكم بالعكس، و تجوز الوصيّة للعبد القاتل؛ لأنّها تقع للسيّد عند العامّة(3).

البحث السادس: في الوصيّة للوارث.
مسألة 66: الوصيّة للوارث صحيحة عند علمائنا كافّة،

سواء أجاز الورثة أو لا؛ لقوله تعالى: كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ وَ الْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ * فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللّهَ سَمِيعٌ

ص: 114


1- التهذيب - للبغوي - 73:5، العزيز شرح الوجيز 22:7، روضة الطالبين 5: 103.
2- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «قال». و الصحيح ما أثبتناه.
3- العزيز شرح الوجيز 22:7، روضة الطالبين 103:5.

عَلِيمٌ (1) فأوجب تعالى الوصيّة للوالدين اللّذين هما أقرب الناس إلى الميّت، ثمّ قال تأكيدا للوجوب بقوله تعالى: حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ و هو يعطي عدم اتّقاء من لا يعتقد حقّيّتها، ثمّ ثنّى التأكيد بقوله تعالى: فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ ثمّ أكّد هذه الجملة بقوله تعالى: إِنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ و هذه الآية نصّ في الباب.

و ما رواه العامّة عن ابن عبّاس أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و اله قال: «لا تجوز الوصيّة لوارث إلاّ أن يجيزها الورثة»(2) و قال عليه السّلام: «لا وصيّة لوارث إلاّ أن يشاء الورثة»(3) و الاستثناء من النفي إثبات، و هو يدلّ على صحّة الوصيّة عند الإجازة؛ لأنّ الإجازة لا تصيّر ما ليس بصحيح في نفسه صحيحا.

و لأنّ الإجازة متأخّرة، فحين وقوع الوصيّة المتقدّمة على الإجازة إن وقعت باطلة لم تصح بالإجازة المتأخّرة، فإنّ الباطل لا عبرة به و لا اعتبار له في نظر الشرع، فوجب أن تكون صحيحة.

و من طريق الخاصّة: ما رواه محمّد بن مسلم - في الصحيح - عن الصادق عليه السّلام، قال: سألته عن الوصيّة للوارث ؟ فقال: «تجوز»(4).

و في الصحيح عن أبي بصير، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: تجوز للوارث وصيّته ؟ قال: «نعم»(5).

و في الصحيح عن أبي ولاّد الحنّاط، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام: عن4.

ص: 115


1- سورة البقرة: 180 و 181.
2- سنن الدارقطني 89/97:4، و 9/152، السنن الكبرى - للبيهقي - 263:6 - 264 بتفاوت.
3- سنن الدارقطني 10/152:4، السنن الكبرى - للبيهقي - 264:6 بتفاوت.
4- الكافي 4/10:7، التهذيب 791/199:9، الاستبصار 126:4-476/127.
5- التهذيب 794/199:9، الاستبصار 477/127:4.

الميّت يوصي للبنت بشيء؟ قال: «جائز»(1).

و لأنّه تصرّف صدر من أهله في محلّه فصحّ، كما لو أوصى لأجنبيّ.

و قالت العامّة: لا تصحّ الوصيّة للوارث(2).

و للشافعيّة طريقان:

أصحّهما: أنّ الحكم في الوصيّة للوارث كالحكم فيما لو أوصى بزيادة على الثّلث، فإنّ الوصيّة بالزيادة لا تقع باطلة، بل إن أجازها جميع الورثة صحّت، و إلاّ فلا، و كذا هنا، فيرتدّ بردّ سائر الورثة.

و إن أجازوا، فعلى قولين:

أحدهما: أنّ إجازتهم ابتداء عطيّة، و الوصيّة باطلة؛ لما رووه عن النبيّ صلّى اللّه عليه و اله أنّه قال: «إنّ اللّه قد أعطى كلّ ذي حقّ حقّه، ألا لا وصيّة لوارث»(3).

و الأصحّ - و به قال أبو حنيفة و مالك و أحمد -: أنّها تنفيذ لما فعله الموصي، و للّذي فعله انعقاد [و](4) اعتبار؛ لما روي عن ابن عباس أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و اله قال: «لا تجوز الوصيّة لوارث إلاّ أن يجيزها الورثة»(5) و يروى:

«لا وصيّة لوارث إلاّ أن يشاء الورثة»(6).

و الطريق الثاني: أنّها باطلة و إن أجازها جميع الورثة، بخلاف الوصيّة5.

ص: 116


1- الاستبصار 478/127:4، و في التهذيب 798/200:9: «للوارث» بدل «للبنت».
2- المغني 449:6، الشرح الكبير 463:6.
3- سنن ابن ماجة 2713/905:2، سنن أبي داود 2870/114:3، و 296 - 3565/297، الجامع الصحيح (سنن الترمذي) 2120/433:4، سنن النسائي (المجتبى) 247:6، السنن الكبرى - للبيهقي - 265:6.
4- ما بين المعقوفين أثبتناه من العزيز شرح الوجيز.
5- راجع: الهامش (2 و 3) من ص 115.
6- راجع: الهامش (2 و 3) من ص 115.

للأجنبيّ بما زاد على الثّلث، و الفرق: أنّ المنع من الزيادة لحقّ الورثة، فإذا رضوا جوّزنا، و المنع هنا لتغيير الفروض التي قدّرها اللّه تعالى للورثة على ما أشعر به الخبر، فلا تأثير لرضاهم، و هو قول المزني و ابن أبي هريرة منهم(1).

ثمّ فرّعوا على القولين، فقالوا: إن قلنا: إنّ الإجازة تنفيذ و إمضاء، كفى لفظ الإجازة، و لا حاجة إلى هبة و تجديد قبول و قبض من الموصى له، و ليس للمجيز الرجوع و ان لم يحصل القبض بعد، و إن قلنا: إنّها ابتداء عطيّة منهم، فلا يكفي قبول الوصيّة أوّلا، بل لا بدّ من قبول آخر في المجلس و من القبض، و للمجيز الرجوع قبل القبض.

و هل يعتبر لفظ التمليك و لفظ الإعتاق إذا كان الموصى به العتق ؟ وجهان:

أظهرهما: لا يكفي لفظ الإجازة، بل يعتبر لفظ التمليك، كما لو تصرّف فاسدا من بيع أو هبة ثمّ أجازه، و هو قول مالك و المزني.

و الثاني: أنّه يكفي لفظ الإجازة؛ لظاهر الخبر.

و لو خلّف زوجة هي بنت عمّه و أباها و كان قد أوصى لها فأجاز أبوها الوصيّة، فلا رجوع للأب إن جعلنا الإجازة تنفيذا، و إن جعلناها ابتداء عطيّة فله الرجوع، بناء على مذهبهم من جواز رجوع الأب في هبة الابن.

و لو أعتق عبدا في مرضه أو أوصى بعتقه و لا مال [له](2) سواه، أو زادت قيمته على الثّلث، فإن جعلنا الإجازة ابتداء عطيّة من الورثة فولاء ما زاد على الثّلث للمجيزين ذكورهم و إناثهم بحسب استحقاقهم، و إن جعلناهار.

ص: 117


1- العزيز شرح الوجيز 24:7-25، روضة الطالبين 103:5-104.
2- ما بين المعقوفين أثبتناه من المصدر.

تنفيذا فولاء الكلّ للميّت يرثه ذكور العصبات.

و لهم وجه آخر: أن يكون الولاء للميّت على القولين جميعا؛ لأنّا و إن جعلنا إجازتهم ابتداء عطيّة فإجازتهم إعتاق الميّت كإعتاقهم عن الميّت بإذنه، و من أعتق عبده بإذنه و التماسه كان الولاء للآذن.

و استبعدوه بأنّ اعتبار الإذن بعد موت الآذن كالمستبعد.

و لو أعتق العبد في المرض ثمّ مات العبد قبل موته، فيموت، كلّه حرّ، أم كيف الحال ؟ و فيه خلاف بينهم(1).

و كلّ هذه التفريعات عندنا باطلة؛ لعدم الفرق عندنا بين الوارث و الأجنبيّ.

مسألة 67: لو وهب الوارث في مرض موته أو أبرأه عمّا له في ذمّته أو وقف عليه كذلك،

كان حكمه حكم الوصيّة على الأقوى عندنا، و حينئذ يصحّ من الثّلث، سواء أجاز باقي الورثة أو لا.

و عند العامّة أنّها كالوصيّة أيضا، لكن تبطل، إلاّ أن يجيز الورثة بأسرهم(2).

مسألة 68: تصحّ الوصيّة للوارث عندنا من الثّلث و إن لم يجز الورثة

على ما تقدّم(3) ، و عند العامّة لا تصحّ إلاّ بإجازتهم(4).

و لا اعتبار بإجازتهم و لا بردّ الورثة في حياة الموصي عندهم، فإذا أجازوا في الحياة أو أذنوا له في الوصيّة ثمّ أرادوا الردّ بعد الموت فلهم

ص: 118


1- العزيز شرح الوجيز 25:7-26، روضة الطالبين 104:5-105.
2- العزيز شرح الوجيز 26:7، روضة الطالبين 105:5.
3- في ص 114، المسألة 66.
4- راجع: الهامش (2) من ص 116.

ذلك؛ لأنّه لا يتحقّق استحقاقهم قبل الموت؛ لجواز أن يبرأ المريض أو يموتوا قبل موته(1).

و قال مالك: إنّ الإجازة قبل الموت تلزم، إلاّ أن يكون الوارث في نفقته(2).

و عنه أيضا أنّهم إذا أذنوا له في الوصيّة و هو صحيح فلهم الرجوع، و إن أذنوا و هو مريض فلا رجوع لهم(3).

و لو أجازوا بعد الموت و قبل القسمة، ففي تنزيلها منزلة الإجازة قبل الموت قولان مخرّجان، و الظاهر عندهم لزومها(4).

مسألة 69: لو أوصى لغيره بشيء يزيد على الثّلث،

اشترط فيه معرفة الورثة بمقدار الزائد على الثّلث و مقدار التركة، فإن لم يعرف قدر الزائد و قدر التركة لم تصح الإجازة إن جعلناها ابتداء عطيّة، و إن جعلناها تنفيذا فهي كالإبراء من المجهول يصحّ عندنا، و إن جوّزنا هبة المجهول لم يشترط العلم بشيء من ذلك.

و لو أجاز الوصيّة بما زاد على الثّلث ثمّ قال: ظننت قلّة التركة فظهرت أكثر ممّا ظننت، أحلف، و نفذت الوصيّة في القدر الذي كان يتحقّقه.

مسألة 70: العبرة عند من منع الوصيّة للوارث بكونه وارثا حال الموت،

فلو أوصى لأخيه و ليس له ولد فولد له ابن بعد ذلك، قبل موت الموصي، فالوصيّة صحيحة عندهم(5) ؛ لأنّه ظهر أنّ الوصيّة ليست للوارث.

و لو أوصى لأخيه و له ابن فمات الابن قبل موت الموصي، فالوصيّة

ص: 119


1- العزيز شرح الوجيز 26:7، روضة الطالبين 105:5.
2- العزيز شرح الوجيز 26:7.
3- العزيز شرح الوجيز 26:7.
4- العزيز شرح الوجيز 26:7، روضة الطالبين 105:5.
5- العزيز شرح الوجيز 27:7، روضة الطالبين 106:5.

للوارث.

و كذا لو أوصى لابنه ثمّ قتله الابن و قلنا: إنّ القتل لا يمنع الوصيّة، نفذت الوصيّة عندهم؛ لأنّه يوم الموت ليس بوارث(1).

و لو أقرّ للوارث، فللشافعيّة قولان، أحدهما: أنّ العبرة بيوم الإقرار، و الثاني: أنّ العبرة بيوم الموت، و فرّقوا بأنّ استقرار الوصيّة بالموت، و لا ثبات لها قبله(2).

و هذا التفريع ساقط عندنا؛ لصحّة الوصيّة للوارث.

مسألة 71: لو أوصى لكلّ واحد من ورثته بقدر حصّته من التركة،

لغت الوصيّة؛ لأنّهم مستحقّون لها و إن لم يوص، و هو قول الشافعيّة(3).

و لهم [وجهان](4) فيما إذا لم يكن له إلاّ وارث واحد فأوصى له بماله.

و المذهب عندهم: أنّ الوصيّة لاغية، و يأخذ التركة بالإرث.

و الثاني: أنّه يأخذها بالوصيّة إذا لم ينقضها(5).

و تظهر الفائدة فيما إذا ظهر دين، إن قلنا: إنّه يأخذ التركة بالإرث، فله إمساكها و قضاء الدّين من موضع آخر، و إن قلنا: إنّه يأخذها بالوصيّة قضاه منها، و لصاحب الدّين الامتناع لو قضى من غيرها(6).

ص: 120


1- راجع: التهذيب - للبغوي - 74:5.
2- التهذيب - للبغوي - 262:4، البيان 394:13، العزيز شرح الوجيز 281:5، و 27:7، روضة الطالبين 8:4، و 106:5.
3- الوجيز 271:1، الوسيط 412:4، العزيز شرح الوجيز 27:7، روضة الطالبين 106:5-107.
4- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «وجه آخر». و المثبت يقتضيه السياق و كما في المصدر.
5- العزيز شرح الوجيز 28:7، روضة الطالبين 107:5.
6- العزيز شرح الوجيز 28:7، روضة الطالبين 107:5.

قال بعضهم: معلوم أنّه لا فرق بين أن يتّحد الوارث أو يتعدّد(1).

و لو أوصى لكلّ واحد من الورثة بعين هي قدر حصّته من غير ترتيب، كما لو أوصى لابنه بعبد قيمته مائتان، و لبنته بأمة قيمتها مائة و لا وارث غيرهما و لا مال سواهما، فالأقرب: أنّه يحتاج إلى إجازة الورثة في تخصيص كلّ واحد بما عيّنه؛ لتفاوت الأغراض بأعيان الأموال و المنافع الحاصلة منها، فكما لا يجوز إبطال حقّ الوارث من قدر حقّه لا يجوز من عينه، و هو أظهر وجهي الشافعيّة.

و الثاني: أنّه لا يحتاج إلى الإجازة، و يختصّ كلّ واحد بما عيّنه الموصي بمجرّد الوصيّة و إن لم يجز الورثة؛ لأنّ حقّ الورثة يتعلّق بقيمة التركة لا بعينها، و لهذا فإنّ المريض لو باع عين التركة بثمن المثل صحّ و إن تضمّن فوات عين المال - و فيه قوّة - و تعلّقت حقوقهم بالقيمة موفّاة هنا(2).

و لو أوصى أن تباع عين ماله من إنسان، صحّت الوصيّة؛ لأنّ الأغراض تتعلّق بالعين كما تتعلّق بالقدر، فتصحّ الوصيّة بها كما تصحّ بالقدر.

و للشافعيّة وجه آخر: أنّها لا تصحّ - و به قال أبو حنيفة - لأنّه لو باع ماله في مرض الموت لا يعتبر من الثّلث، و لو صحّت الوصيّة لاعتبر من الثّلث(3).

و لو باع المريض ماله من وارثه بثمن المثل، نفذ - و هو قول5.

ص: 121


1- الرافعي في العزيز شرح الوجيز 28:7.
2- نهاية المطلب 113:11-114، الوجيز 271:1، الوسيط 412:4، البيان 136:8، العزيز شرح الوجيز 28:7، روضة الطالبين 107:5.
3- الوجيز 271:1، الوسيط 412:4، العزيز شرح الوجيز 28:7، روضة الطالبين 107:5.

الشافعي(1) - لأنّه لا تبرّع فيه، فإنّه يجوز بيعه من الأجنبيّ بثمن المثل.

و قال أبو حنيفة: إنّه وصيّة يتوقّف على إجازة سائر الورثة(2).

مسألة 72: لو أوصى بثلث ماله لأجنبيّ و وارث،

صحّت الوصيّة عندنا، و اشتركا في الثّلث.

و قالت الشافعيّة: إن صحّحنا الوصيّة للوارث مع الإجازة فأجاز جميع الورثة، فالثّلث بينهما، و إن أبطلناها أو ردّها سائر الورثة، ففي أحد الوجهين: أنّها تبطل في حقّ الأجنبيّ أيضا؛ أخذا من منع تفريق الصفقة، لكنّه ضعيف عندهم؛ لأنّ العقد مع شخصين كعقدين، بل للأجنبيّ السّدس، و به قال مالك و أبو ثور(3).

و قال أبو حنيفة: له تمام الثّلث(4).

و لو أوصى لهذا بالثّلث و لهذا بالثّلث، فإن أجاز الورثة صحّت الوصيّة لهما، و إلاّ بطلت الثانية على ما يأتي.

و قالت الشافعيّة: إن اعتبرنا الوصيّة للوارث و أجاز سائر الورثة فلكلّ واحد منهما الثّلث، و إن أبطلناها أو ردّوا، فلا شيء للوارث. ثمّ ينظر في كيفيّة الردّ، فإن ردّوا وصيّة الوارث سلّم للأجنبيّ تمام الثّلث؛ لأنّهم خصّوا الوارث بالإبطال.

و فيه وجه بعيد لهم: أنّه لا يسلّم إلاّ السّدس.

ص: 122


1- الوجيز 271:1، العزيز شرح الوجيز 28:7، روضة الطالبين 107:5.
2- العزيز شرح الوجيز 28:7.
3- نهاية المطلب 110:11، الوسيط 413:4، البيان 219:8، العزيز شرح الوجيز 29:7، روضة الطالبين 107:5، المغني 454:6، الشرح الكبير 528:6.
4- نهاية المطلب 111:11، الوسيط 413:4، العزيز شرح الوجيز 29:7.

و إن قالوا: رددنا ما زاد على الثّلث من الوصيّتين، فللشافعيّة وجهان:

أحدهما: أنّه ليس للأجنبيّ إلاّ السدس - و به قال مالك - فإنّ الزيادة قد بطلت بالردّ، فكأنّه أوصى بالثّلث لهما؛ لأنّ الوارث يزاحم الأجنبيّ إذا أجاز الورثة الوصيّتين، فيكون لكلّ منهما الثّلث، فإذا أبطلوا نصفهما بالردّ كان البطلان راجعا إليهما، و ما بقي منهما بينهما، كما لو تلف ذلك بغير الردّ.

و أرجحهما عند أكثرهم: أنّ للأجنبيّ تمام الثّلث - و به قال أبو حنيفة - لأنّ القابل للردّ في حقّ الأجنبيّ الزائد على الثّلث، و في حقّ الوارث الجميع، فكان الانصراف إلى نصيب الوارث أولى(1).

و لو صرّح الورثة فقالوا: أجزنا الثّلث لكما و رددنا الزائد عليه من وصيّتكما، كان ذلك آكد في جعل السدس لكلّ واحد منهما؛ لتصريحهم به، و إن قالوا: أجزنا وصيّة الوارث كلّها و رددنا نصف وصيّة الأجنبيّ، فهو على ما [قالوا](2) و كذا يجوز العكس.

و لو أجازوا للوارث نصف وصيّته و للأجنبيّ الجميع، جاز.

و لو أرادوا أن ينقصوا الأجنبيّ عن نصف وصيّته، لم يملكوا ذلك عندهم، سواء أجازوا للوارث أو ردّوا عليه(3).

و إن ردّوا جميع وصيّة الوارث و نصف وصيّة الأجنبيّ، فعلى أحد وجهي الشافعي: لهم ذلك؛ لأنّ لهم أن يجيزوا الثّلث لهما، فيشتركان فيه،6.

ص: 123


1- العزيز شرح الوجيز 29:7، روضة الطالبين 107:5-108، المغني 455:6، الشرح الكبير 528:6-529.
2- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «قال». و الصحيح ما أثبتناه.
3- المغني 455:6، الشرح الكبير 529:6.

و يكون لكلّ منهما نصفه، ثمّ إذا رجعوا فيما للوارث لم يزد الأجنبيّ على ما كان له حالة الإجازة للورثة.

و على الآخر: يتوفّر الثّلث كلّه للأجنبيّ؛ لأنّه إنّما ينقص بمزاحمة الوارث، و إذا زالت المزاحمة وجب توفير الثّلث عليه؛ لأنّه قد أوصى له به(1).

مسألة 73: لو أوصى لأحد ورثته بقدر نصيبه من التركة أو بما دونه،

صحّ عندنا إن كانت بقدر الثّلث فما دون، و إن زاد احتاج في الزيادة إلى إجازة باقي الورثة، و كان للموصى له مشاركة باقي الورثة في باقي التركة، أمّا لو حصر نصيبه فيه انحصر على ما تقدّم.

و قالت الشافعيّة: إذا أوصى لأحد ورثته بقدر نصيبه من التركة أو بما دونه و أجاز الباقون، سلّم له الموصى به، و الباقي مشترك بينهم(2).

قال الجويني: و ذلك القدر خرج عن كونه موروثا باتّفاق الورثة، أمّا الموصى له: فلأنّه أوقعه عن جهة الوصيّة حيث قبلها، و أمّا غيره: فلأنّه أجازها(3).

و لو أوصى لبعض الورثة بأكثر من نصيبه، فإن قصد منعه من الإرث بعده صحّت الوصيّة إن كانت الزيادة بقدر الثّلث فما دون، و إلاّ بطلت في الزائد، و إن لم يقصد اعتبر ما أوصى به من الثّلث.

و للشافعيّة و جهان:

ص: 124


1- راجع: المغني 455:6، و الشرح الكبير 529:6.
2- العزيز شرح الوجيز 30:7، روضة الطالبين 108:5.
3- نهاية المطلب 103:11، و عنه في العزيز شرح الوجيز 30:7، و روضة الطالبين 108:5.

أصحّهما: أنّه إن أجاز الباقون، سلّم له الموصى به، و الباقي مشترك بينهم، و خرج ذلك القدر عن كونه موروثا باتّفاق الورثة.

و الثاني: أنّ الباقي لمن لم يوص له؛ لاحتمال أنّ غرضه من الوصيّة تخصيصه بتلك الزيادة، لا بجميع الموصى به(1).

و يتخرّج على هذا الأصل ما إذا أوصى لأجنبيّ بنصف ماله و لأحد ابنيه الحائزين بالنصف و أجاز الوصيّتين، فللأجنبيّ النصف، و أمّا الابن ففيما يستحقّه و جهان للشافعيّة، أحدهما: النصف، و الثاني: الرّبع و السّدس، و الباقي - و هو نصف السّدس - للّذي لم يوص له؛ لأنّ الثّلث مسلّم للأجنبيّ، لا حاجة فيه إلى إجازة الابنين، و الباقي بينهما لو ردّ لكلّ واحد منهما الثّلث، فإذا أوصى لأحدهما بالنصف فقد زاد على ما يستحقّه سدسا، فإن قلنا: الباقي بعد الوصيّة لهما جميعا، فالسّدس بينهما، لكنّهما إذا أجازا لزم كلّ واحد منهما أن يدفع نصف السّدس إلى الأجنبيّ ليتمّ له النصف، و حينئذ فيعود ما كان للموصى له إلى النصف، و لا يبقى للآخر شيء، و هذا هو الوجه الأوّل.

و إن قلنا: إنّ السّدس الباقي يختصّ بالذي لم يوص له، فيعود بإجازتهما وصيّة الأجنبيّ نصف الابن الموصى له إلى ربع و سدس، و للابن الآخر نصف سدس، و هذا هو الوجه الثاني.

و لو أجاز الابن الذي لم يوص له الوصيّتين معا و لم يجز الموصى له وصيّة الأجنبيّ، صحّت المسألة من اثني عشر، للأجنبيّ الثّلث: أربعة بلا إجازة، و يأخذ سهما آخر من نصيب الذي أجاز، فيجتمع له خمسة،5.

ص: 125


1- العزيز شرح الوجيز 30:7، روضة الطالبين 108:5.

و للابن الموصى له سبعة، ستّة منها بحكم الوصيّة، و واحد؛ لأنّه لم يجز وصيّة الأجنبيّ، و هذا قياس الوجه الأوّل، و قياس الثاني أن يأخذ الابن الموصى له ستّة أسهم، و يبقى للابن الآخر سهم.

و لو لم يجز الابن الذي لم يوص له وصيّة الأجنبيّ، فللموصى له خمسة.

ثمّ على قياس الأوّل، للابن الموصى له ستّة، و للآخر سهم، و على قياس الثاني، للموصى له خمسة، و للآخر سهمان(1).

مسألة 74: لو أوصى لأجنبيّ بثلث ماله و لأحد ابنيه الحائزين بالكلّ،

و أجازا الوصيّتين، و قصد العول في الوصايا، فللأجنبيّ الثّلث كاملا عند الشافعيّة، و الثّلثان للابن الموصى له، و ليس له زحمة الأجنبيّ في الثّلث؛ فإنّ الوصيّة بالثّلث للأجنبيّ مستغنية عن الإجازة(2).

و فيه احتمال لمتأخّريهم(3).

و يحتمل عندي القسمة على العول، و يقسّم على أربعة.

و لو ردّ الابنان، فثلث الأجنبيّ بحاله، و لا شيء للابن الموصى له بالوصيّة.

و لو أوصى لأجنبيّ بالثّلث و لكلّ واحد من ابنيه بالثّلث فردّا، لم يؤثّر ردّهما في حقّ الأجنبيّ.

و لهم وجه آخر: أنّه ليس له إلاّ ثلث الثّلث بالشيوع(4).

ص: 126


1- العزيز شرح الوجيز 30:7-31، روضة الطالبين 108:5.
2- العزيز شرح الوجيز 31:7، روضة الطالبين 108:5.
3- العزيز شرح الوجيز 31:7، روضة الطالبين 108:5.
4- نهاية المطلب 112:11، البيان 221:8، العزيز شرح الوجيز 31:7، روضة الطالبين 108:5.
مسألة 75: لو وقف دارا في مرض موته على ابنه الحائز،

صحّ الوقف عندنا.

و قالت الشافعيّة: إن أبطلنا الوصيّة للوارث، فالوقف باطل، و إن اعتبرناها موقوفة على الإجازة، قال بعضهم: إن احتملها ثلث ماله لم يكن للوارث إبطال الوقف في شيء منها؛ لأنّ تصرّف المريض في ثلث المال(1) نافذ، فإذا تمكّن من قطع حقّ الوارث عن الثّلث بالكلّيّة فلأن يتمكّن من وقفه عليه و تعليق حقّ الغير به كان أولى، و إن زادت على الثّلث لم يبطل الوقف في قدر الثّلث، و أمّا الزيادة فليس للمريض تفويت ملكها على الوارث، و للوارث الردّ و الإبطال، فإن أجاز فإجازته وقف منه على نفسه إن جعلنا إجازة الوارث ابتداء عطيّة منه، و إن جعلناها تنفيذا، لزم الوقف.

و قال بعضهم: له ردّ الوقف في الكلّ؛ لأنّ الوصيّة بالثّلث في حقّ الوارث كهي بالزيادة في حقّ غيره عندهم، و لهذا فإنّه لو أوصى لأحد الوارثين بشيء قليل، كان للآخر الردّ، فإن أجاز الابن فالحكم في الكلّ على الخلاف في كيفيّة الإجازة(2).

و أجاب بعضهم عن هذا: بأنّا إنّما جوّزنا لأحد الوارثين إبطال الوصيّة على الثاني؛ لأنّه بالوصيّة فضّله عليه، و نقص حقّ الذي لم يوص له عن عطيّة اللّه تعالى، و هنا لا تفضيل(3).

و التفريع على جواز الوصيّة للوارث في الجملة، فلينفذ تصرّفه في

ص: 127


1- في الطبعة الحجريّة: «ماله» بدل «المال».
2- العزيز شرح الوجيز 31:7، روضة الطالبين 109:5.
3- العزيز شرح الوجيز 31:7.

الثّلث المستحقّ في النقل المشهور عن ابن الحدّاد، و عليه تتفرّع [الصّور](1) المذكورة من بعد(2).

قال الجويني: المسألة مصوّرة فيما إذا نجّز الوقف في مرض موته [و كان الابن إذ ذاك](3) طفلا فقبله [له](4) ثمّ مات فحاول الابن الردّ أو الإجازة(5).

لكنّه لا حاجة إلى هذا الفرض؛ لأنّه و إن كان بالغا و قبل بنفسه لم يمتنع عليه الردّ بعد الموت؛ إذ الإجازة المعتبرة هي الواقعة بعد الموت(6).

مسألة 76: لو كان له ابن و بنت فوقف ثلثي داره على ابنه و الثّلث على البنت،

فإن خرجت الدار من الثّلث لم يكن لهما الردّ؛ لأنّه لم يفضّل و لم يغيّر عطيّة اللّه تعالى، و إن زادت على الثّلث فلهما ردّ الوقف في الزيادة.

و لو وقفها عليهما نصفين و احتملها الثّلث، صحّ عندنا أيضا،

ص: 128


1- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «الصورة». و المثبت كما في العزيز شرح الوجيز 31:7، و روضة الطالبين 109:5.
2- العزيز شرح الوجيز 31:7، روضة الطالبين 109:5.
3- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «أمّا إذا كان الابن». و هي كما ترى، و المثبت كما في نهاية المطلب للجويني و كما هو موافق لما في روضة الطالبين نقلا عنه، و في العزيز شرح الوجيز كما في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة.
4- ما بين المعقوفين أثبتناه من المصدر.
5- نهاية المطلب 98:11، و عنه في العزيز شرح الوجيز 31:7-32، و روضة الطالبين 109:5.
6- قوله: «لكنّه... الموت» من كلام الرافعي في العزيز شرح الوجيز 32:7، و نقله النووي أيضا في روضة الطالبين 109:5.

و لم يكن لهما الردّ.

و قالت الشافعيّة: إن رضي الابن فهي كما لو وقف، و إلاّ فظاهر قول ابن الحدّاد: أنّ له ردّ الوقف في ربع الدار؛ لأنّه لمّا وقف عليه النصف كان من حقّه أن يقف على البنت الرّبع، فإذا زاد كان للابن ردّه، ثمّ لا يصير شيء منه وقفا عليه، فإنّ الأب لم يقف عليه إلاّ النصف، بل يكون الرّبع المردود بينهما أثلاثا ملكا، و يقسّم من اثني عشر؛ للحاجة إلى عدد له ثلث ربع، فتسعة منها وقف عليهما، و ثلاثة ملك، و كلاهما بالأثلاث(1).

و قال بعضهم: ليس للابن إبطال الوقف إلاّ في سدس الدار؛ لأنّه إنّما يحتاج إلى إجازته فيما هو حقّه، و حقّه منحصر في ثلثي الدار، و قد وقف عليه النصف، فله استخلاص تمام حقّه، و هو السّدس، أمّا الثّلث الآخر فهو حقّها، فلا معنى لتسلّطه على بطلان الوقف فيه. نعم، تتخيّر إن شاءت أجازت، فيكون كلّه وقفا عليها، و إن شاءت ردّت الوقف في نصف سدس الدار، و حينئذ فتكون القسمة على ما سبق، و النسبة بين وقفها و ملكها كالنسبة بين وقفه و ملكه(2).

مسألة 77: لو وقف الدار على ابنه و زوجته نصفين،

و لا وارث له غيرهما، فإن أجازا و خرجت من الثّلث صحّ الوقف، و إلاّ صحّ في قدر الثّلث، و كان الباقي طلقا.

و قال ابن الحدّاد من الشافعيّة: قد نقص عن حقّ الابن ثلاثة أثمان الدار، و هي ثلاثة أسباع حقّه؛ لأنّ سبعة أثمان الدار له، و لم يقف عليه إلاّ أربعة أثمانها، و هي أربعة أسباع حقّه، فله ردّ الوقف في حقّها من الدار

ص: 129


1- البيان 84:8، العزيز شرح الوجيز 32:7، روضة الطالبين 109:5-110.
2- العزيز شرح الوجيز 32:7، روضة الطالبين 110:5.

- و هو الثّمن - إلى أربعة أسباعه، ليكون الوقف عليها من نصيبها كالوقف عليه من نصيبه، و يكون الباقي بينهما أثمانا ملكا، فتكون الفريضة من ستّة و خمسين؛ لأنّا نفتقر إلى عدد لثمنه سبع، فيكون أربعة أسباع الدار كلّها - و هي اثنان و ثلاثون - وقفا، ثمانية و عشرون منها وقف على الابن، و أربعة على الزوجة، و الباقي - و هو أربعة و عشرون - ملكا بينهما، منها أحد و عشرون للابن، و ثلاثة للزوجة(1).

و قال بعضهم: ليس له ردّ الوقف إلاّ في تتمّة حقّه، و هو ثلاثة أثمان الدار، و أمّا الثّمن فالخيار فيه للزوجة(2).

و لو وقف ثلث الدار على ابنه و ثلثيها على ابنته و لا وارث له سواهما، فعلى قول ابن الحدّاد إنّه نقص من نصيب الابن ثلث الدار؛ لأنّه يستحقّ ثلثيها، و لم يقف عليه إلاّ الثّلث، و ذلك نصف نصيبه، فله ردّ الوقف في نصف نصيبها، و هو سدس الدار، و الباقي يكون بينهما أثلاثا ملكا، و تقع القسمة من ستّة؛ لأنّا نحتاج إلى عدد لثلثه نصف، فيكون نصف الدار وقفا و نصفها ملكا أثلاثا، و على القول الآخر لا يردّ الوقف إلاّ في تتمّة نصيبه، و هي الثّلث، و لها الخيار في السّدس(3).

مسألة 78: لو أسقط المريض عن وارثه دينا له عليه،

أو أوصى بقضاء دينه الذي عليه للأجنبيّ، أو أسقطت المرأة صداقها عن زوجها، أو عفا عن جناية موجبها المال، صحّ ذلك كلّه من الثّلث، و كان كالوصيّة للوارث تصحّ عندنا من الثّلث من غير إجازة، خلافا للعامّة(4).

ص: 130


1- العزيز شرح الوجيز 32:7-33، روضة الطالبين 110:5.
2- العزيز شرح الوجيز 33:7، روضة الطالبين 110:5.
3- العزيز شرح الوجيز 33:7، روضة الطالبين 110:5.
4- المغني 449:6، الشرح الكبير 463:6.

و إن عفا عن القصاص و قلنا: الواجب القصاص عينا، سقط إلى غير بدل، و إن قلنا: الواجب القصاص أو الدية - كما هو مذهب بعض العامّة(1) - سقط القصاص، و وجب المال.

و لو عفا عن حدّ القذف، سقط مطلقا.

و لو أوصى لغريم وارثه، صحّت الوصيّة، و كذلك إن وهب له، و به قال الشافعي و أبو حنيفة و أحمد(2).

و قال أبو يوسف: إنّه وصيّة للوارث؛ لأنّ الوارث ينتفع بهذه الوصيّة، و يستوفي دينه منها(3).

و ليس بجيّد؛ لأنّ الوصيّة إنّما وقعت للأجنبيّ، فصحّ، كما لو أوصى لأجنبيّ عادته الإحسان إلى وارثه.

و لو أوصى لولد وارثه، صحّ.

و قالت العامّة: إن قصد بذلك نفع الوارث لم يجز فيما بينه و بين اللّه تعالى(1).

مسألة 79: لو أوصى بثلث لوارث و أجنبيّ و قال: إن ردّوا وصيّة الوارث فالثّلث كلّه للأجنبيّ،

لم يصح ردّهم؛ لأنّها لم تزد على الثّلث، و الوصيّة للوارث عندنا صحيحة.

و من منع الوصيّة للوارث جوّز لهم الردّ، فيكون الثّلث كلّه للأجنبيّ؛ عملا بالوصيّة(2).

و لو قال: أوصيت لفلان بثلثي فإن مات قبلي فهو لفلان، صحّ.

ص: 131


1- المغني 451:6، الشرح الكبير 464:6-465.
2- المغني 456:6.

و إن قال: وصّيت بثلثي لفلان فإن أقبل فلان الغائب فهو له، صحّ، فإن قدم الغائب قبل موت الموصي فالوصيّة له، و بطلت وصيّة الأوّل، سواء عاد إلى الغيبة أو لم يعد؛ لأنّه قد وجد شرط انتقال الوصيّة إليه، فلم تنتقل عنه بعد ذلك.

و لو مات الموصي قبل قدوم الغائب، فالوصيّة للحاضر، سواء قدم الغائب بعد ذلك أو لم يقدم، قاله بعضهم(1).

و يحتمل أنّ الغائب إن قدم بعد موت الموصي كانت الوصيّة له؛ لأنّه جعلها له بشرط قدومه و قد وجد ذلك.

مسألة 80: لو أوصى لوارثه فأجاز بعض الورثة الوصيّة دون بعض،

نفذ في نصيب المجيز دون من لم يجز إذا كانت بأكثر من الثّلث عندنا، و مطلقا عند العامّة(2).

قالوا: لو أجاز بعضهم بعض الوصيّة و أجاز بعضهم جميعا أو ردّها، فهي على ما فعلوا من ذلك(3).

فلو خلّف ثلاثة بنين و عبدا لا يملك غيره فوصّى به لأحدهم أو وهبه إيّاه في مرض موته، صحّ له الثّلث عندنا من غير إجازة، و عندهم لا بدّ من الإجازة، فإن أجاز الأخوان له فالعبد له، و إن أجاز له أحدهما وحده فله ثلثاه(4).

و لو أجاز له نصف العبد، فله نصفه عندهم، و لهما النصف(5).

و لو أجاز أحدهما له نصف نصيبه و ردّ الآخر، فله النصف كملا:

الثّلث بنصيبه، و السّدس بنصيب المجيز.

ص: 132


1- المغني 456:6، الشرح الكبير 490:6. (2الى5) المغني 456:6، الشرح الكبير 530:6.

و لو أجازا له نصف نصيبهما، فله الثّلثان: ثلث بالميراث، و ثلث بإجازة أخويه.

و لو أجاز أحدهما له نصف نصيبه و الآخر ثلاثة أرباع نصيبه، كمل له ثلاثة أرباع العبد.

و لو أوصى بالعبد لاثنين منهما، فللثالث أن يجيز لهما أو يردّ عليهما، أو يجيز لهما بعض وصيّتهما إن شاء متساويا و إن شاء متفاضلا، أو يردّ على أحدهما و يجيز للآخر وصيّته كلّها أو بعضها، أو يجيز لأحدهما جميع وصيّته و للآخر بعضها، كلّ ذلك جائز له؛ لأنّ الحقّ له، فكيفما أراد فعل فيه.

المطلب الثاني: في المسائل اللّفظيّة.
اشارة

و فيه مباحث:

الأوّل: فيما يتعلّق بالوصيّة للحمل.
مسألة 81: قد تقدّم

مسألة 81: قد تقدّم(1) البحث في شرائط الوصيّة للحمل،

و النظر الآن في قضيّة اللّفظ باعتبار العدد و الذكورة و الأنوثة.

فإذا قال: أوصيت لحمل فلانة بكذا، فأتت بولدين، وزّع عليهما بالسويّة، و لا يفضّل الذكر على الأنثى، كما لو وهب شيئا لرجل و امرأة، و إنّما التفضيل في التوريث بالعصوبة.

و لو فضّل أحدهما صريحا، اتّبع قوله، سواء فضّل الأنثى أو الذكر.

و لو خرج حيّ و ميّت، فالكلّ للحيّ؛ لأنّ الميّت كالمعدوم، و لهذا لو كان الخارج واحدا ميّتا بطلت الوصيّة، و لم يكن لورثته شيء، و كان

ص: 133


1- في ص 74، المسألة 37.

كالميراث الموقوف للحمل، و هو أظهر وجهي الشافعيّة، و الثاني: أنّه يسقط النصف، و يكون للوارث، و يصرف النصف إلى الحيّ أخذا بالأسوأ في حقّه(1).

مسألة 82: لو قال: إن كان حملها غلاما فأعطوه عشرة،

و إن كان جارية فأعطوه(2) خمسة، و اقتصر على أحد الطرفين، فولدت غلامين، فالأقرب: أنّه لا شيء لهما؛ لأنّ التنكير يشعر بالتوحيد، و لصدق أن يقال:

إنّ حملها غلامان لا غلام، و هو أظهر وجهي الشافعيّة، و الثاني: أنّه يكون العشرة بينهما؛ لأنّ الشافعي [ذكر](3) في باب الطلاق: لو قال: إن كان حملك ذكرا فأنت طالق طلقة و إن كان أنثى فأنت طالق طلقتين، فولدت ذكرين، وجهين، أحدهما: أنّها لا تطلّق؛ لهذا المعنى، و الثاني: أنّها تطلّق واحدة، و المعنى إن كان جنس حملك ذكرا، و لا فرق بين البابين، فالوجهان آتيان فيهما(4).

قالوا: و لو قال: إن كان حملها ابنا فله عشرة، و إن كان بنتا فخمسة، فولدت ابنين، فلا شيء لهما.

و فرّقوا بين الابن و البنت و بين الذكر و الأنثى بأنّ الذكر و الأنثى اسما جنس، فيقع على الواحد و العدد، بخلاف الابن و البنت(5).

ص: 134


1- نهاية المطلب 117:11، الوسيط 444:4، الوجيز 275:1، العزيز شرح الوجيز 87:7، روضة الطالبين 154:5.
2- تذكير الضمير في «فأعطوه» باعتبار الحمل.
3- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «قال». و المثبت كما في المصدر و حيث يقتضيه السياق.
4- العزيز شرح الوجيز 87:7-88، روضة الطالبين 154:5.
5- العزيز شرح الوجيز 88:7، روضة الطالبين 154:5.

و ليس بشيء.

و لا فرق بين ألفاظ العموم في ذلك، مثل: إن كان ما في بطنها ذكرا، و الذي في بطنها.

مسألة 83: لو قال: إن كان في بطنها غلام فله كذا،

فولدت غلاما و جارية، استحقّ الغلام ما ذكره، و لا شيء للجارية.

و لو ولدت غلامين، لم تبطل الوصيّة - و هو أظهر وجهي الشافعيّة - لوجود ما شرطه، و الثاني للشافعيّة: أنّ الوصيّة باطلة؛ لأنّ التنكير يقتضي التوحيد(1).

و على الصحيح يحتمل توزيع الموصى به عليهما؛ لعدم الأولويّة، و تخيير الوارث في الصّرف إلى من شاء منهما، كما لو وقع الإبهام في الموصى به يرجع إلى الوارث، و الإيقاف إلى أن يبلغا فيصطلحا.

و للشافعيّة مثل هذه الاحتمالات أقوال ثلاثة(2).

و كذا لو أوصى لأحد الشخصين و جوّزنا الإبهام في الموصى له فمات قبل البيان، ففي وجه: يوزّع، و في آخر: يعيّن الوارث، و في آخر: يوقف بينهما إلى أن يصطلحا.

و لو قال: إن كانت حاملا بغلام أو إن ولدت غلاما، فهو كما لو قال:

إن كان في بطنها غلام.

و لو قال: إن ولدت ذكرا فله مائتان، و إن ولدت أنثى فمائة، فولدت خنثى مشكلا، دفع [إليه](3) الأقلّ.

و لو ولدت ذكرا و أنثى، فلكلّ واحد منهما ما ذكر.

ص: 135


1- العزيز شرح الوجيز 88:7، روضة الطالبين 155:5.
2- العزيز شرح الوجيز 88:7، روضة الطالبين 155:5.
3- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «إليها»، و الظاهر ما أثبتناه.

و لو ولدت ذكرين و أنثيين، فللشافعيّة و جهان(1) تقدّما(2).

البحث الثاني: في الوصيّة للجيران و القرّاء و العلماء.
مسألة 84: إذا أوصى بشيء لجيرانه،

صحّت الوصيّة إجماعا، و يصرف إلى من يطلق عليه أنّه جار عرفا؛ إذ الألفاظ إنّما تحمل على معانيها العرفيّة إذا لم يكن هناك عرف شرعيّ.

و قال الشيخ رحمه اللّه في المبسوط: إذا أوصى لجيرانه فإنّه يفرّق على من بينه و بينه أربعون ذراعا، و قد روي أربعون دارا، و فيه خلاف(3).

و المشهور عند الشافعيّة: أنّه يفرّق على من(4) يلي داره إلى أربعين دارا من كلّ جانب من الجوانب الأربعة(5) ، و به قال أحمد و الأوزاعي(6) ؛ لما رووه عن النبيّ صلّى اللّه عليه و اله أنّه قال: «حقّ الجوار أربعون دارا» هكذا و هكذا و هكذا و هكذا، و أشار قدّاما و خلفا و يمينا و شمالا(7).

و روى العامّة عن عليّ عليه السّلام في قول النبيّ صلّى اللّه عليه و اله: «لا صلاة لجار

ص: 136


1- العزيز شرح الوجيز 88:7، روضة الطالبين 155:5.
2- في ص 134، ضمن المسألة 82.
3- المبسوط - للطوسي - 41:4.
4- في «ص، ل»: «في من» بدل «على من».
5- المهذّب - للشيرازي - 462:1، نهاية المطلب 318:11، الوجيز 276:1، الوسيط 445:4، حلية العلماء 95:6، التهذيب - للبغوي - 79:5، البيان 8: 204، العزيز شرح الوجيز 89:7، روضة الطالبين 155:5، مختصر اختلاف العلماء 2185/50:5، النتف 824:2، الإفصاح عن معاني الصحاح 62:2، المغني 585:6-586، الشرح الكبير 521:6.
6- الإفصاح عن معاني الصحاح 62:2، المغني 585:6 و 586، الشرح الكبير 6: 521.
7- مسند أبي يعلى 5982/385:10.

المسجد إلاّ في المسجد» قال: «من سمع النداء»(1).

و قال سعيد بن عمرو بن جعدة: من سمع الإقامة(2).

و قال أبو حنيفة: الجار هو الملاصق؛ لأنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و اله قال: «الجار أحقّ بصقبه»(3) يعني الشفعة، و إنّما تثبت للملاصق، و لأنّ الجار مشتقّ من المجاورة(4).

و ليس بجيّد؛ لأنّ اللّه تعالى قال: وَ الْجارِ ذِي الْقُرْبى وَ الْجارِ الْجُنُبِ (5) فأثبت الجوار مع البعد.

و قال قتادة: الجار: الدار و الداران(6).

و قال أبو يوسف: الجيران أهل المحلّة إن جمعهم مسجد، فإن تفرّق أهل المحلّة في مسجدين صغيرين متقاربين فالجميع جيران، و إن كانا عظيمين فكلّ أهل مسجد جيران، و أمّا الأمصار التي فيها القبائل فالجوار6.

ص: 137


1- المغني 586:6، الشرح الكبير 521:6.
2- المغني 586:6، الشرح الكبير 521:6.
3- مسند أحمد 26639/536:7، و فيه: «... بصقبه أو سقبه»، مسند أبي داود الطيالسي: 973/131، سنن أبي داود 3516/286:3، سنن النسائي (المجتبى) 320:7، سنن الدارقطني 74/224:4 و 75، السنن الكبرى - للبيهقي - 6: 105، و فيها: «... بسقبه».
4- الإفصاح عن معاني الصحاح 62:2، المغني 586:6، الشرح الكبير 521:6، مختصر اختلاف العلماء 2185/50:5، مختصر القدوري: 243، النتف 2: 824، روضة القضاة 4017/707:2، الفتاوى الولوالجيّة 392:5، الفقه النافع 1186/1418:3، بدائع الصنائع 351:7، شرح الزيادات 1614:5، الهداية - للمرغيناني - 249:4، الاختيار لتعليل المختار 109:5، نهاية المطلب 11: 318، الوجيز 276:1، حلية العلماء 96:6، التهذيب - للبغوي - 79:5، البيان 204:8، العزيز شرح الوجيز 89:7.
5- سورة النساء: 36.
6- حلية العلماء 96:6، المغني 586:6، الشرح الكبير 521:6.

على الأفخاذ(1).

و روى الشافعيّة وجها مثل قول أبي حنيفة(2).

و قال بعض الشافعيّة: من تلاصق داره داره من الجوانب جار، و في من ليس بملاصق - كالذي باب داره حذاء باب داره، و الذين هم في زقاق واحد غير نافذ - اختلاف للأصحاب(3).

و عن أحمد رواية: أنّ جيرانه هم الذين يحضرون مسجده(4).

فروع:

أ: لو أوصى لأهل دربه أو سكّته، فهم أهل المحلّة الذين طريقهم في دربه.

ب: لو أوصى لجيران قريته أو لجيران بلده، لم يكن لأهل القرية و لا لأهل بلده شيء، و صرف إلى أقرب الناس إلى قريته و بلده مكانا.

ج: لو أوصى لجيران قريته، ففي الانصراف إلى القرايا(5) القريبة إشكال، أقربه: صرفه إلى أقرب القرايا إلى قريته من جهة واحدة، فإن تساوت قريتان أو أربع من الجوانب قربا اشتركوا.

مسألة 85: لو أوصى للقرّاء،

انصرف إلى من يقرأ جميع القرآن، لا إلى من يقرأ بعضه، عملا بالعرف، فإنّه لا يفهم منه إلاّ الكلّ، لأنّهم الذين

ص: 138


1- مختصر اختلاف العلماء 2185/50:5، المغني 586:6، الشرح الكبير 521:6.
2- نهاية المطلب 318:11، الوجيز 276:1، العزيز شرح الوجيز 89:7، روضة الطالبين 155:5.
3- نهاية المطلب 318:11، العزيز شرح الوجيز 89:7، روضة الطالبين 155:5.
4- التهذيب - للبغوي - 79:5، العزيز شرح الوجيز 89:7.
5- كذا قوله: «القرايا» - و كذا فيما يأتي - في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة، و القرية تجمع على «قرى» على غير القياس، كما في تهذيب اللغة 270:9، و الصحاح 6: 2460 «قرا».

يقع عليهم الاسم في العادة.

و هل يدخل فيه من لا يحفظه و إنّما يقرأ من المصحف ؟ إشكال ينشأ: من معارضة العرف للوضع.

و للشافعيّة وجهان(1).

و الأقرب: الرجوع إلى العرف، و هو الآن ينصرف إلى الحفّاظ الذين يقرأون بالألحان، و أمّا من حيث الوضع فإنّه لا يشترط في إطلاق اللّفظ الحفظ عن ظهر القلب، بل يصدق على من يقرأ في المصحف، و لا يشترط أيضا قراءة جميع القرآن؛ لأنّه مأخوذ من القرء، و هو الجمع، و هو صادق في البعض كما يصدق في الجميع.

مسألة 86: لو أوصى للعلماء أو لأهل العلم،

صرف إلى العلماء بعلوم الشرع، و هي التفسير و الحديث و الفقه.

و لا يدخل في هذا الاسم الذين يسمعون الحديث و لا علم لهم بطرقه(2) ، و لا بأسامي الرواة و لا بمتن الأحاديث، فإنّ السماع المجرّد ليس بعلم، و كذا لا يدخل فيه المقرئون و المعبّرون(3).

قالت الشافعيّة: و لا يدخل فيه الأدباء و الأطبّاء و المنجّمون و الحسّاب و المهندسون(4) ، و هكذا ذكر أكثرهم في المتكلّمين(5).

و قال بعضهم: إنّ علم الكلام داخل في العلوم الشرعيّة(6).

و الوجه: دخول الجميع فيه.

ص: 139


1- الوسيط 446:4، التهذيب - للبغوي - 79:5-80، العزيز شرح الوجيز 7: 89، روضة الطالبين 155:5.
2- في الطبعة الحجريّة: «بطريقه».
3- أي: المعبّرون للرؤيا. (4الى6) العزيز شرح الوجيز 90:7، روضة الطالبين 156:5.

و في المنجّم إشكال من حيث تحريم صنعته، و من حيث إنّ الوصيّة له لا في التنجيم.

و لو أوصى للفقهاء، فالأقرب: اندراج من يصدق عليه أنّه فقيه عرفا، و هو لمن يعلم أحكام الشرع من كلّ نوع شيئا.

و للشافعيّة أقوال:

أحدها: ما ذكرناه.

و الثاني: أنّه يدخل فيه من حصّل شيئا من الفقه و إن قلّ حتى المسألة الواحدة.

و الثالث: أنّ من حفظ أربعين مسألة فهو فقيه؛ لما روي عن النبيّ صلّى اللّه عليه و اله أنّه قال: «من حفظ على ديني(1) أربعين حديثا كتب فقيها»(2).

مسألة 87: لو أوصى لأعقل الناس في البلد،

فهو لأجودهم تدبيرا في دينه و دنياه.

و قال الشافعي: يصرف إلى أزهدهم(3).

و لو قال: لأجهل الناس، قال بعض الشافعيّة(4): يصرف إلى عبدة الأوثان(5).

فإن قال: لأجهل الناس من المسلمين، قال بعض الشافعيّة: يصرف إلى من يسبّ الصحابة(6).

ص: 140


1- في العزيز شرح الوجيز 91:7: «أمّتي» بدل «ديني».
2- العزيز شرح الوجيز 91:7، روضة الطالبين 157:5.
3- البيان 205:8، العزيز شرح الوجيز 91:7، روضة الطالبين 157:5.
4- في النّسخ الخطّيّة: «بعض أصحابه» بدل «بعض الشافعيّة».
5- العزيز شرح الوجيز 91:7، روضة الطالبين 157:5.
6- البيان 205:8، العزيز شرح الوجيز 91:7، روضة الطالبين 157:5.

و قال صاحب التتمّة من الشافعيّة: يصرف إلى الإماميّة المنتظرة للقائم(1).

و كلا القولين خطأ.

أمّا بيان خطأ الأوّل: فلأنّ السبّ لا يخرج السابّ عن كونه عاقلا، أقصى ما في الباب أنّه ارتكب ما لا يجوز، و ليس ذلك سببا في سلب العقل(2) ، و إلاّ لكان كلّ فسق كذلك، و هو باطل قطعا، مع أنّ السباب بين الصحابة قد وقع، فقد سبّ معاوية و بنو أميّة أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السّلام على المنابر ثمانين سنة، و كذا سبّ أمير المؤمنين عليه السّلام معاوية، مع كمال عقله و سبقه في العلم و بلوغه أقصى الغايات فيه.

ثمّ قتل الصحابة أعظم كثيرا من سبّهم، و قد قتل يزيد بن معاوية الحسين عليه السّلام و نهب حريمه مع إظهار النبيّ صلّى اللّه عليه و اله محبّته له(3) ، و اشتهار أمره و أمر أخيه، و جعل اللّه تعالى مودّتهم أجر الرسالة(4) ، التي هي أعظم الألطاف الربّانيّة على العبيد، فإنّ بسببها يحصل الثواب الدائم و الخلاص من العقاب السرمد، مع أنّ يزيد لم يخرج بذلك عن حدّ العقلاء، بل كان إماما عند بعضهم.

و كان عمر بن الخطّاب عندهم ثاني الخلفاء صاحب الفتوح الكثيرة3.

ص: 141


1- عنه في العزيز شرح الوجيز 91:7، و روضة الطالبين 157:5.
2- في الطبعة الحجريّة: «السلب» بدل «سلب العقل».
3- راجع على سبيل المثال: المصنّف - لابن أبي شيبة - 97:12-12231/98 و 12232، و فضائل الصحابة - لأحمد بن حنبل - 1356/769:2، و 770 - 1358/771، و سنن ابن ماجة 142/51:1، و الجامع الصحيح (سنن الترمذي) 5: 656-3769/657.
4- سورة الشورى: 23.

و السياسات العظيمة و قد سبّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله في مرضه الذي توفّي فيه صلّى اللّه عليه و اله، حيث قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله: «ائتوني بدواة و كتف لأكتب فيه كتابا لن تضلّوا بعده أبدا» فقال عمر: إنّ الرجل ليهجر، حسبنا كتاب اللّه، فأعرض النبيّ صلّى اللّه عليه و اله عنه مغضبا، ثمّ وقع التشاجر بين الصحابة، فقال بعضهم: القول ما قاله عمر، و قال آخرون: القول ما قاله رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله، و أمرهم النبيّ صلّى اللّه عليه و اله بالانصراف عنه؛ حيث آذوه بالصياح عنده، فسألوا منه الكتابة، ففتح عينيه صلّى اللّه عليه و اله و قال: «أبعد ما سمعت»(1).

و قال يوما: إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله شجرة نبتت في كبا، أي: في مزبلة، و عنى بذلك رذالة أهله، فسمع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله ذلك فاشتدّ غيظه ثمّ نادى:

«الصلاة جامعة» فحضر المسلمون بأسرهم، فصعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله المنبر، ثمّ حمد اللّه و أثنى عليه، و قال: «أيّها الناس ليقم كلّ منكم ينتسب إلى أبيه حتى أعرف نسبه» فقام إليه شخص من الجماعة و قال: يا رسول اللّه، أنا فلان بن فلان بن فلان، فقال: «صدقت» ثمّ قال آخر فقال: يا رسول اللّه، أنا فلان بن فلان، فقال: «لست لفلان، و إنّما أنت لفلان، و انتحلك فلان ابن فلان» فقعد خجلا، ثمّ لم يقم أحد، فأمرهم عليه السّلام بالقيام و الانتساب مرّة و اثنتين، فلم يقم أحد، فقال: «أين السابّ لأهل بيتي ليقم إليّ و ينتسب إلى أبيه ؟» فقام عمر و قال: يا رسول اللّه، اعف عنّا عفا اللّه عنك، اغفر لنا غفر اللّه لك، احلم عنّا أحلم اللّه عنك، و كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله كثير الحياء، فقال:

«إذا كان يوم القيامة سجدت سجدة لا أرفع رأسي حتى لا يبقى أحد من بنير.

ص: 142


1- الطبقات الكبرى - لابن سعد - 242:2 و 244، مسند أحمد 2983/534:1، صحيح البخاري 156:7، صحيح مسلم 21/1259:3 و 22، سرّ العالمين: 11، الوفا بأحوال المصطفى 779:2-780، و فيها بتفاوت و اختصار.

عبد المطّلب إلاّ دخل الجنّة»(1).

و أيضا فقد سبّ أهل السّنّة و الجماعة النبيّ صلّى اللّه عليه و اله، حيث نسبوا إليه الكفر؛ لأنّه صلّى اللّه عليه و اله صلّى يوما صلاة الصبح و قرأ فيها سورة النجم إلى أن وصل إلى قوله تعالى: وَ مَناةَ الثّالِثَةَ الْأُخْرى (2) قالوا: فقرأ بعد ذلك: تلك الغرانيق العلى منها الشفاعة ترتجى(3) ، و هذا عين الكفر، و أيّ سبّ أعظم ممّن نسب الكفر إلى من قال اللّه تعالى فيه قبل هذه الآية بكلمات وَ ما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى * إِنْ هُوَ إِلاّ وَحْيٌ يُوحى (4).

و نسبوا أباه إلى الكفر(5) ، و أيّ سبّ أعظم من أن يقال للشخص:

يا ابن الكافر، بل سبّوا اللّه تعالى، حيث أسندوا جميع الموجودات من الحسن و القبيح إليه تعالى، فجميع شرّ في العالم أو ظلم أو غير ذلك فهو صادر منه، تعالى اللّه عن ذلك، و إذا سبّ الإنسان غيره فقال: أنت كافر، كان معناه أنّك أوجدت الكفر و فعلته، فبأيّ شيء يسبّ اللّه تعالى بأعظم من ذلك.

و أمّا بيان بطلان القول الثاني: فلأنّ الجهل ليس باعتبار اعتقاد الإمامة؛ لأنّ العقل و النقل متطابقان عليها، و لا باعتبار اعتقادهم في صفات الإمام من العصمة و الانحصار في عدد معيّن؛ لدلالة العقل و النقل معا عليه، فإنّ غير المعصوم يحتاج إلى إمام معصوم كما احتاجت الأمّة إليه، و قد نصّ2.

ص: 143


1- لم نعثر عليه فيما بين أيدينا من المصادر.
2- سورة النجم: 20.
3- ينظر: جامع البيان 131:17 و ما بعدها، و الوسيط - للواحدي - 276:3، و النكت و العيون (تفسير الماوردي) 35:4-36.
4- سورة النجم: 3 و 4.
5- دلائل النبوّة - للبيهقي - 192:1، و ينظر: البداية و النهاية 280:2.

النبيّ صلّى اللّه عليه و اله في عدّة مواطن على تعيين الإمام و على تعدّده و انحصاره في الاثني عشر عليهم السّلام، و الإجماع المركّب الدالّ عليه، فإنّ كلّ من يعتقد وجوب العصمة في الإمام قال بانحصار الأئمّة فيهم، و قد ثبت بالدليل وجوب العصمة، فثبت الإجماع، و لا باعتبار اعتقادهم طول عمره؛ لأنّ ذلك أمر ممكن و واقع، و قد نصّ القرآن العزيز على وقوعه في نوح، حيث قال تعالى: فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلاّ خَمْسِينَ عاماً (1) و نقل أنّه عاش ألف سنة و ثلاثمائة سنة(2) ، و عاش آدم عليه السّلام تسعمائة و ثلاثون سنة، مذكور في التوراة(3) ، و عاش شيث تسعمائة و اثنتي عشرة سنة(4) ، و عاش إدريس ثلاثمائة و خمسا و ستّين سنة(5) ، و كان عمر إبراهيم عليه السّلام مائتي سنة(6) ، و قيل:

مائة و خمس و تسعون سنة(7) ، و عمر الخضر إلى الآن، و ليس له القرب الذي للإمام المنتظر عليه السّلام من النبيّ صلّى اللّه عليه و اله، و هو أقدم ولادة منه عليه السّلام بعدّة ألوف من السنين.

و بالجملة، فطول العمر من الأمور الممكنة بلا خلاف، و كلّ ممكن فهو مقدور للّه تعالى بلا خلاف، و من أنكر هذين الحكمين كان خارقا1.

ص: 144


1- سورة العنكبوت: 14.
2- تاريخ الطبري 179:1، الإنباء بأنباء الأنبياء: 55، الكامل في التاريخ 68:1.
3- تاريخ الطبري 158:1 و 159، البدء و التاريخ 11:3، الإنباء بأنباء الأنبياء: 51، الكامل في التاريخ 51:1، البداية و النهاية 95:1.
4- تاريخ الطبري 162:1-163، الإنباء بأنباء الأنبياء: 52، الكامل في التاريخ 54:1.
5- تاريخ الطبري 170:1، الإنباء بأنباء الأنبياء: 54، الكامل في التاريخ 62:1.
6- تاريخ الطبري 312:1، المنتظم 303:1، الكامل في التاريخ 124:1، البداية و النهاية 174:1.
7- الإنباء بأنباء الأنبياء: 61.

للإجماع، و إذا كان ممكنا كيف ينسب من يعتقد وقوعه - مستندا إلى هذا الإمكان و إلى أخبار كثيرة وردت عليه من جماعة يعتقد عدالتهم و أمانتهم و صدقهم - إلى الجهل!؟ بل لو اجتمعت هذه المعلومات(1) عند من حكم بالجهل ثمّ لم يعتقد النتيجة منها كان أجهل الناس، بل الأولى صرف هذه الوصيّة إلى منكري الضروريّات، كالسوفسطائيّة و من ضارعهم من أهل السّنّة و الجماعة.

و لو خصّص الوصيّة، فقال: يعطى هذا لأجهل المسلمين، قالوا:

ينبغي أن يصرف إلى من ضارع السوفسطائيّة في إنكار الضروريّات من أهل السّنّة و الجماعة(2).

و بيان ذلك: أنّ أهل السّنّة و الجماعة التزموا برؤية اللّه تعالى، و هذا اعتقاد مخالف لما قضت به بديهة العقل، فإنّ الضرورة قاضية بأنّ الرؤية إنّما تكون للمقابل أو في حكمه، و هو مخصوص بذوات الأوضاع، فما لا وضع له لا يمكن رؤيته بضرورة العقل، و كيف يحكم عاقل بأنّا نرى ما ليس في جهة و لا يشار إليه بإشارة حسّيّة أنّه هنا أو هناك!؟

و أيضا ذهبوا إلى أنّه يجوز أن يكون بين أيدينا جبال شاهقة من الأرض إلى السماء و هي مشرقة بألوان مختلفة و لا حاجب بيننا و بينها و نور الشمس قد سطع عليها و أشرقت به و صاحب الحاسّة السليمة لا يشاهدها و بينها و بينه أقلّ من شبر، و أنّه يجوز أن يشاهد الأعمى الذي لم يخلق اللّه تعالى له حاسّة البصر و هو على طرف المشرق - مثلا - نملة بقدر رأس الإبرة تمشي على صخرة سوداء في طرف قطر المغرب.5.

ص: 145


1- في النّسخ الخطّيّة: «المقدّمات» بدل «المعلومات».
2- ينظر: العزيز شرح الوجيز 91:7، و روضة الطالبين 157:5.

و كذا جوّزوا أن يكون صحيح السمع في الغاية لا يسمع الأصوات الهائلة التي هي أقوى من أشدّ الصواعق صوتا و لا حائل بينه و بينها، و يخفى عليه ذلك و لا صمم بأذنه، ثمّ يسمع الأصمّ الذي لا يسمع شيئا ألبتّة من أوّل عمره و هو على طرف قطر المشرق أدنى مشاورة بين اثنين لا يسمع ثالث عندهما و هما على طرف قطر المغرب.

و جوّزوا أن تكون البريّة الخالية من البشر، التي قدرها طولا و عرضا مائة فرسخ - مثلا - قد امتلأت ألوفا من الخلائق التي لا حصر لعددهم و هم في غاية المحاربة و المسابقة و المراماة بالمناجيق و المصاولة بالحراب و السيوف و الخيول التي يركبونها و لا حصر لها و الإنسان السائر في تلك البريّة طولا و عرضا و مستقيما و معوجا و على خطّ مستقيم و مستدير و يحيط تلك البريّة و يجول فيها بفرسه و لا يسمع لأولئك حسيسا، و لا يدرك لهم صورة، و لا يصدم منهم إنسانا و لا دابّة، بل تتوارى(1) عنه و تنحرف يمينا و شمالا و في جميع المسامتات تبعد عنه.

و جوّزوا أنّ الواحد منّا يرى جوع غيره و شبعه و يدرك ذلك منه و كذا يدرك لذّة الغير و ألمه و فرحه و غمّه و سروره و يرى علمه و ظنّه و وهمه و شكّه و خوفه و اعتقاده و إحساسه و جميع الكيفيّات النفسانيّة التي للغير و لا يشاهد لون بشرته و لا يرى أنّها سوداء أو بيضاء مع عدم الحاجب عنها و وقوع الضوء عليها، و بالجملة يشاهد ما وقع بينه و بينه حجاب عرضه ألف ذراع من الحديد - مثلا - في اللّيلة الظلماء و لا ضوء هناك و لا يشاهد ما هو إلى جانبه و لا حاجب له و نور الشمس مشرق عليه و هو ملوّن، و كذا يشاهد».

ص: 146


1- في «ر، ص»: «تنزوي» بدل «تتوارى».

الذرّة في المشرق و هو بالمغرب و لا يدرك الجبل العظيم الحاضر عنده و لا مانع من رؤيته.

و أيضا ذهبوا إلى انتفاء صدور المسبّبات عن أسبابها، و نفوا العلّيّة مطلقا بين العلّة و المعلول، فقالوا: الإنسان إذا نزل في الثلج إلى حدّ رأسه قد لا يحصل له البرد، بل يكون حاله هناك كحاله إذا وقع في تنّور مسعّر قد اشتعل فيه الخشب العظيم مدّة أيّام، و أن يكون حاله إذا وقع في ذلك التنّور بمنزلة ما إذا وقع في بحر الثلج بحيث يحسّ في الثلج بالحرّ المفرط و في التنّور المسعّر بالبرد المفرط، و إنّ الضرب ليس سببا في الألم، بل قد يضرب الإنسان أشدّ الضرب بأقوى الآلات المؤلمة و لا يحصل له ألم ألبتّة، بل قد يحصل له اللّذّة العظيمة التي يدركها عند مباشرته لأحسن الصّور حالة الوقاع، و بالعكس.

و هؤلاء في الحقيقة أعظم سفسطة من السوفسطائيّة؛ لأنّ جماعة من الحكماء لمّا عجزوا عن مجادلة منكري البديهيّات من السوفسطائيّة التجأوا إلى ضربهم بالخشب و إحراقهم بالنار بحيث يدركون الألم الشديد و يفرّقون بين حالهم عند الضرب و الإحراق و حالهم عند الخلوّ عنهما، و إذا فرّقوا بين الإحساس و عدمه حصل الفرق بالعقل بين المعلوم بالضرورة و ما لا يعلم بالضرورة، و هؤلاء اعترفوا على أنفسهم بأنّه قد يحصل لهم عند الضرب العظيم و الإحراق بالنيران الكثيرة ضدّ الألم، و هو اللّذّة العظيمة، فصاروا بهذا الاعتبار أشدّ عنادا للحقّ من السوفسطائيّة.

و قالوا: إنّ المدلول لا يحصل من سببه، و هو الدليل، بل قد يحصل من خلافه، أو يحصل ضدّه، فإذا قال الإنسان: العالم متغيّر و كلّ متغيّر

ص: 147

محدث، لا يلزم حصول اعتقاد أنّ العالم محدث، بل قد يحصل أنّ العالم قديم، أو يحصل أنّ الإنسان جسم مثلا، و إذا اعتقد أنّ الإنسان حيوان و أنّ كلّ حيوان جسم لا يحصل أنّ الإنسان جسم، بل قد يحصل أنّ الإنسان عرض أو أنّ العالم محدث، و أيّ جهل أعظم من ذلك ؟

و أيضا قالوا: إنّ اللّه تعالى هو الخالق(1) لأفعال العباد بأسرها خيرها و شرّها، حسنها و قبيحها، و قد خالفوا الضرورة في ذلك، فإنّ كلّ عاقل يجزم جزما ضروريّا بأنّه الفاعل لأفعال نفسه بحسب اختياره و إرادته، و أنّ الضرورة فرّقت بين وقوع الإنسان من سطح الدار و نزوله بالدرج، و نعلم بعدم اختياره في الأوّل، و أنّه مختار في الثاني.

قال أبو الهذيل العلاّف: حمار بشر أعقل من بشر؛ لأنّ حمار بشر إذا أتيت به إلى جدول صغير و حملته على طفره طفره، و لو أتيت به إلى جدول كبير و حملته على طفره لم يطفره، و لو بالغت في ضربه عدل يمينا و شمالا، و لم يطعك على طفره؛ لأنّه فرّق بين ما يقدر عليه و ما لا يقدر عليه، و بشر لم يفرّق بينهما(2).

و لزمهم من ذلك ارتكاب محالات:

أحدها: نسبة اللّه تعالى إلى الظلم، حيث يعذّب الكافر أشدّ العذاب من غير صدور ذنب منه؛ إذ لا فرق بين فعله و شكله، فجوّزوا تعذيب الكافر على لونه و طوله و قصره و غير ذلك من الأفعال التي فعلها اللّه تعالى فيه، كما يعذّبه على الذنوب.

و ثانيها: أنّه تعالى كلّف العبد ما لا قدرة له عليه، و أمره و نهاه بما2.

ص: 148


1- في «ل» و الطبعة الحجريّة: «الخلاّق» بدل «الخالق».
2- الفائق في أصول الدين: 242.

لا يمكن صدوره عنه، و أيّ ظلم أعظم من ذلك ؟ تعالى اللّه عن ذلك علوّا كبيرا.

و ثالثها: أنّهم جوّزوا بواسطة ذلك تكليف الأعمى قراءة المصاحف و نقطها، و التمييز بين الألوان، و تكليف الزّمن من العدو، و تكليف الإنسان الطيران إلى السماء، و يعذّب على ترك ذلك، و هذا من أعظم أنواع الظلم.

و رابعها: أنّهم يلزمهم تكذيب القرآن العزيز، فإنّ اللّه تعالى يقول:

وَ ما رَبُّكَ بِظَلاّمٍ لِلْعَبِيدِ (1) وَ مَا اللّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعِبادِ (2) وَ ما ظَلَمْناهُمْ وَ لكِنْ كانُوا هُمُ الظّالِمِينَ (3) و أهل السّنّة و الجماعة يقولون:

لم يكونوا ظالمين، بل اللّه تعالى ظلمهم.

و خامسها: أنّه يلزمهم نفي صفات الكمال عن اللّه تعالى، مثل قوله تعالى: غَفُوراً رَحِيماً (4)حَلِيماً (5) لأنّ هذه الصفات إنّما تثبت لو استحقّ العبد العذاب ثمّ عفا اللّه تعالى عنه و غفر له و رحمه، لكن استحقاق العقاب إنّما يكون على ارتكاب ما نهى اللّه تعالى عنه، فإذا كان الفعل من اللّه تعالى لم يتحقّق شيء من ذلك.

و سادسها: أنّه يلزم منه تكذيب القرآن العزيز في مواضع لا تحصى كثرة، كالآيات التي أضاف اللّه تعالى الفعل فيها إلى العبد: فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ1.

ص: 149


1- سورة فصّلت: 46.
2- سورة غافر: 31.
3- سورة الزخرف: 76.
4- سورة النساء: 23 و 96 و 106 و 110 و 129 و 152، سورة الفرقان: 6 و 70، سورة الأحزاب: 5 و 24 و 50 و 59 و 73، سورة الفتح: 14.
5- سورة الإسراء: 44، سورة الأحزاب: 15، سورة فاطر: 41.

يَكْتُبُونَ الْكِتابَ بِأَيْدِيهِمْ (1) بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً (2) و التي مدح المؤمن فيها على إيمانه، و ذمّ العاصي على عصيانه و الجزاء عليهما(3) ، و التي نزّه اللّه تعالى فيها نفسه عن مساواة فعله لأفعالنا(4) ، و التي ذمّ العباد فيها على فعلهم، و كيف يوبّخهم في قوله: فَأَنّى تُؤْفَكُونَ (5) و الإفك منه تعالى، لِمَ تَصُدُّونَ (6)لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللّهُ لَكَ (7)لِمَ تَكْفُرُونَ (8)لِمَ تَلْبِسُونَ (9)لِمَ أَذِنْتَ (10) و الآيات التي فيها الجزاء:

فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا (11) بِما كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ (12) .

و أيضا فإنّ هؤلاء الذين هم أهل السّنّة و الجماعة يلزمهم أحد الأمرين المحالين: إمّا كونه تعالى موجبا لأفعاله غير مختار فيها، أو التناقض بين كلامهم، و الأوّل محض الكفر، و الثاني أعظم المحالات.2.

ص: 150


1- سورة البقرة: 79.
2- سورة يوسف: 18.
3- سورة البقرة: 86، سورة آل عمران: 90، سورة الأنعام: 160، سورة طه: 15 و 124، سورة النمل: 90، سورة غافر: 17، سورة الطور: 16، سورة النجم: 37 و 38، سورة الرحمن: 60.
4- سورة النساء: 40 و 49، سورة هود: 101، سورة الحجر: 85، سورة الإسراء: 71، سورة غافر: 17، سورة فصّلت: 46، سورة الملك: 3.
5- سورة الأنعام: 95.
6- سورة آل عمران: 99.
7- سورة التحريم: 1.
8- سورة آل عمران: 70 و 98.
9- سورة آل عمران: 71.
10- سورة التوبة: 43.
11- سورة النساء: 160.
12- سورة الأعراف: 39، سورة يونس: 52.

و بيان ذلك: أنّهم استدلّوا على إسناد أفعال العباد إلى اللّه تعالى بوجوه أقواها عندهم: و جهان:

أحدهما: أنّ الفعل الذي صدر عن العبد إن علم اللّه تعالى وقوعه وجب وقوعه، و إلاّ لجاز أن لا يقع، فيلزم الجهل على اللّه تعالى، و هو محال، و إذا وجب وقوعه انتفت قدرة العبد، و إن علم اللّه تعالى عدم الفعل استحال وقوعه؛ إذ لو جاز وقوعه لزم تجويز الجهل على اللّه تعالى، و هو محال، و إذا استحال وقوعه انتفت قدرته عليه.

و ثانيهما: أنّ الفعل الصادر عن العبد إن وجب صدوره عنه انتفت قدرته عليه، فإنّ الواجب غير مقدور؛ لامتناع عدمه، و كلّ مقدور فهو غير ممتنع العدم، و إن لم يجب [صدوره] عنه كان ممكنا، فترجيح وجوده على عدمه إن كان لا لسبب لزم وقوع الممكن الجائز من غير سبب، و هو باطل بالضرورة، و مقتض لانتفاء دليل إثبات الصانع تعالى، و إن كان لسبب فإمّا أن يجب وجوده مع ذلك السبب، فيلزم نفي القدرة عليه أيضا، و إن لم يجب أمكن فرض عدمه في وقت و وجوده في آخر، فإن ترجّح الوجود على العدم لا لسبب لزم المحال السابق، و إن كان لسبب لم يكن ما فرضناه سببا بسبب، و أيضا يعود الكلام فيه، و على كلّ تقدير تنتفي قدرة العبد.

و هذان الوجهان إن أوجبا نفي قدرة العبد أوجبا نفي قدرة اللّه تعالى، و ذلك عين الكفر أو التناقض إن أثبتوا قدرة للّه تعالى لا للعبد، و لا يمكنهم الفرق بين اللّه تعالى و العبد في ذلك؛ لتناول الدليلين لهما بالسويّة.

و طريق الجواب فيهما واحد، و هو أنّ العلم تابع، فلا يؤثّر في المتبوع وجوبا و لا إمكانا و لا امتناعا، و الوجوب المستند إلى الاختيار مع القصد لا ينافي الإمكان الذاتي.

ص: 151

و أيضا فهؤلاء أهل السّنّة و الجماعة ارتكب بعضهم في باب أفعال العباد ما يخالف العقل، و هو أنّهم لمّا لزمهم الشناعات العظيمة السابقة و غيرها التجأوا إلى إثبات شيء لا يعلمونه، و هو الكسب، فقالوا: العبد غير فاعل للفعل لا بالاستقلال و لا بالشركة، و لكنّه مكتسب له، فسئلوا عن معنى الكسب ما هو؟ فقال بعضهم: إنّه صفة الفعل من كونه طاعة أو معصية، و قال آخرون: إنّه عبارة عن اختيار الفعل، فقيل لهما: هذا الصادر إن لم يكن شيئا فلا صدور و لا صادر و لا مؤثّر فيه، و إن كان شيئا صادرا عن العبد فقد اعترفتم بكون العبد فاعلا، فلم خالفتم الضرورة في إسناد الفعل إلينا؟ فالتجأ بعضهم إلى عدم العلم بهذا الكسب، و قالوا: إنّه غير معلوم، و هذا أشدّ استحالة من الأوّل، فإنّ إثبات ما ليس بمعلوم كنفي ما هو معلوم في الاستحالة، و أيّ جهل أعظم من ذلك ؟

و أيضا ارتكب أهل السّنّة و الجماعة في باب الكلام أشياء مخالفة للعقل، و الضرورة قاضية ببطلانها.

منها: أنّهم قالوا: إنّ الكلام الذي تعرفه الناس بأسرهم ليس هو الكلام بالحقيقة، و إنّما الكلام بالحقيقة عبارة عن صفة نفسانيّة قائمة بالمتكلّم مغايرة للإرادة و التخيّل و العلم، و هذه الحروف و الأصوات عبارة عنها و كناية لها.

و منها: أنّهم قالوا: إنّ هذا الكلام ليس بأمر و لا خبر و لا استخبار و لا نهي، و إنّ جميع أساليب الكلام مسلوبة عنه، و إنّه شيء واحد. و هذا غير معقول.

و منها: أنّهم قالوا: إنّ ذلك الكلام قديم، ثمّ ذهب بعضهم إلى أنّه في الأزل أمر و نهي و خبر و غير ذلك، و بعضهم نفى هذه الصفات عنه، و أثبتوا

ص: 152

قدم أصل الكلام و قدم الأمر و النهي و الخبر غير المعقول الصدور من الحكيم، فإنّ الواحد منّا لو جلس في داره وحده ثمّ قال: يا سالم قم، يا غانم اخرج، و لم يكن عنده أحد، عدّه العقلاء سفيها، و الضرورة قاضية بذلك، فهؤلاء قد خالفوا، و مع ذلك يلزم أن يكون اللّه تعالى كاذبا؛ لأنّه أخبر بقوله تعالى: إِنّا أَرْسَلْنا نُوحاً (1) و غيره من الإخبارات الماضية مع أنّه لا سابق على الأزلي، فقد أخبر تعالى بما لم يكن، و لا معنى للكذب سوى ذلك، و من جوّز ذلك على اللّه تعالى فهو أجهل الناس.

و منها: أنّهم أثبتوا للأمر معنى مغايرا للإرادة سمّوه الطلب، و للنهي معنى آخر غير الكراهة سمّوه الطلب، و جوّزوا أن يأمر اللّه تعالى بما يكرهه و أن ينهى عمّا يريده، بل اللّه تعالى كاره للطاعات التي لم يفعلها الكافر، و مريد للمعاصي التي فعلها و قد قال اللّه تعالى: كُلُّ ذلِكَ كانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهاً (2) و هذا هو عين السفه و الجهل، تعالى اللّه عن ذلك علوّا كبيرا.

و أيضا فإنّهم نفوا الحسن و القبح العقليّين، و لزمهم من ذلك محالات:

منها: مخالفة الضرورة في ذلك، فإنّ كلّ عاقل يعلم بالضرورة حسن الصدق النافع و قبح الكذب الضارّ و حسن الإحسان إلى الغير و قبح الظلم له، و أنّه يقبح تكليف الأعمى بنقط المصاحف و تعذيبه على تركه، و تكليف الزّمن الطيران إلى السماء و تعذيبه على تركه، و لأنّ كلّ عاقل يعلم بالضرورة الفرق بين المحسن و المسيء، و أنّ المحسن يستحقّ المدح و الثناء8.

ص: 153


1- سورة نوح: 1.
2- سورة الإسراء: 38.

و الشكر، و المسيء يستحقّ الذمّ و اللوم، و يعدّ ذامّ المحسن إليه دائما و شاكر المسيء إليه دائما من أسفه الناس و أجهلهم، و أنّ من خيّر بين الصدق و الكذب مع تساويهما في جميع المنافع فإنّه يختار الصدق على الكذب، و لو لا قضاء الضرورة بالفرق بينهما لما اختار العاقل الصدق على الكذب.

و منها: أنّه يجوز من اللّه تعالى على تقدير نفي الحسن و القبح العقليّين تعذيب المطيع دائما و إثابة العاصي دائما، فيدخل محمّدا صلّى اللّه عليه و اله النار حيث أطاعه و يعذّبه فيها دائما، و يدخل إبليس الجنّة حيث عصاه و يخلّده فيها دائما، و من يجوّز ذلك فإنّه لا شكّ [أنّه] من أجهل الناس.

و منها: أنّهم قالوا: إنّ اللّه تعالى لا يعذّب العاصي بعصيانه و لا يثيب المطيع بطاعته، بل قبضه إلى الجنّة و لا يبالي و قبضه إلى النار و لا يبالي، و حينئذ لا أسفه و لا أشدّ بلها و لا جهلا من الزاهد في الدنيا الباذل ماله في عمارة المساجد و الرّبط و القناطر و معونة الحاجّ و مساعدة العلماء و القرّاء و المشايخ و بذل المعروف، و التارك للملاهي و أنواع المعاصي و الطرب و القمار و الزنا و شرب الخمر و الظلم، الخائف من اللّه تعالى، حيث إنّ ذلك قد يكون سببا لأشدّ العذاب، و لا عقل أتمّ ممّن يتعجّل باستعمال الملاذّ و الملاهي المحرّمة و سائر أنواع اللعب و الظلم و الجور و أخذ الأموال من غير مظانّها، و اعتماد كلّ محرّم فيه منفعة دنيويّة، حيث إنّ ذلك قد يكون سببا للنعيم المخلّد، و بالجملة لا فرق في التأدية إلى النعيم أو العذاب بين غاية الطاعات و نهاية المعاصي، و أيّ جهل أعظم من اعتقاد ذلك ؟

و منها: تجويز صدور أنواع الظلم و العذاب من اللّه تعالى في حقّ من لا يستحقّ ذلك؛ لأنّه ليس بقبيح، و أن يمنع كلّ مستحقّ عن حقّه حيث

ص: 154

لا قبح فيه، بل هو عندهم نفس الواقع، حيث كلّف من لا يقدر على فعل و لا يتمكّن من ترك.

و هذا أيضا لازم لهم من جهة أخرى، فإنّهم قالوا: القدرة غير متقدّمة على الفعل، فحينئذ الفعل حالة وقوعه يكون واجبا، و حال عدمه يكون ممتنعا، و الواجب غير مقدور عليه، و قبل وقوع الفعل لا قدرة، و حال القدرة لا فعل، و التكليف عندهم لا يتقدّم الفعل، فقد كلّف ما لا يطاق، و يلزمهم من هذه الحيثيّة انتفاء العصيان من الكافر و الفاسق؛ لأنّ المعصية هي ترك ما أمر به، و الفعل قبل وقوعه غير مكلّف به، فلا يكون تاركه مخالفا للأمر، فلا يكون عاصيا.

و منها: أنّه يلزم انتفاء فائدة التكليف؛ لأنّ التكليف هو البعث على فعل الطاعة و الانتهاء عن المعصية حتى يحصل الثواب و العقاب، و مع انتفاء الحسن و القبح العقليّين يجوز الخلف في خبر اللّه تعالى و وعده و وعيده و بعثه الرّسل الكذّابين، و إذا لم يبق وثوق بوعد اللّه تعالى و وعيده و لا بصدقه و لا بصدق رسله كيف يمتثل العبد ما كلّف به، فإنّ في المشاهد لو كلّف السيّد عبده بشيء و تهدّده على تركه و وعده على فعله و علم العبد أنّ سيّده يكذب في ذلك كلّه و أنّه يجوز أن يفعل السيّد به أنواع العذاب لو امتثل أمره لعلم بالضرورة عدم إقدام العبد على ذلك الفعل، بل يتعجّل راحة ترك التكليف.

و منها: أنّه يلزم أن لا يحصل الجزم بصدق أحد من الأنبياء ألبتّة؛ لأنّه على تقدير نفي الحسن و القبح العقليّين يجوز إظهار المعجزات على يد الكذّاب، فإذا ادّعى الرسول الرسالة ثمّ ظهرت على يده المعجزات الباهرة جاز أن يكون كاذبا و أن يكون اللّه تعالى قد أقدره على ذلك طلبا لإضلال

ص: 155

عباده؛ إذ لا قبح فيه، و لا فرق بين طلب الإضلال و طلب الإرشاد، فيكون الجزم بصدق مدّعي الرسالة جهلا، و لا فرق بين مدّعي الرسالة مع إظهار المعجزات و مدّعيها بغير معجزة ألبتّة، فإنّ الجزم بصدق أحدهما و كذب الآخر جهل، و كلّ ذلك من أعظم الجهالات.

و أيضا قال أهل السّنّة و الجماعة: إنّ الغرض على اللّه تعالى في أفعاله محال، و إنّه تعالى يفعل لا لغرض.

و هذا يلزم منه محالات:

أحدها: أنّه يلزم منه محالات:

أحدها: أنّه يلزم منه العبث على اللّه تعالى و اللعب في أفعاله، و هو محال؛ لوجهين:

الأوّل: أنّه يدلّ على النقص العظيم، فإنّ المشتغل دائما باللعب و العبث يعدّ سفيها جاهلا، تعالى اللّه عن ذلك علوّا كبيرا، و من أجهل ممّن يعتقد الجهل في حقّ اللّه تعالى ؟

الثاني: أنّه يدلّ على تكذيب القرآن في قوله تعالى: وَ ما خَلَقْنَا السَّماءَ وَ الْأَرْضَ وَ ما بَيْنَهُما لاعِبِينَ (1)وَ ما خَلَقْنَا السَّماءَ وَ الْأَرْضَ وَ ما بَيْنَهُما باطِلاً ذلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النّارِ (2) فنسب من قال بهذه المقالة إلى الكفر، و وعدهم بالويل من النار فَما لِهؤُلاءِ الْقَوْمِ لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً (3).

و ثانيها: أنّه يلزم منه تكذيب القرآن العزيز في الآيات التي ذكر فيها8.

ص: 156


1- سورة الأنبياء: 16.
2- سورة ص: 27.
3- سورة النساء: 78.

الغايات، نحو قوله تعالى: وَ ما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَ الْإِنْسَ إِلاّ لِيَعْبُدُونِ (1)اَلْيَوْمَ تُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ (2)فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ طَيِّباتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَ بِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللّهِ كَثِيراً (3)هَلْ تُجْزَوْنَ إِلاّ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (4)لِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما تَسْعى (5)هَلْ جَزاءُ الْإِحْسانِ إِلاَّ الْإِحْسانُ (6)مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها (7) و الجزاء إنّما يكون مع الغاية و الغرض.

و كذا قوله تعالى: أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً بِجَهالَةٍ ثُمَّ تابَ مِنْ بَعْدِهِ وَ أَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (8)إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِماً فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ (9)مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ (10).

و كلّ ذلك و أشباهه يدلّ على الغاية و الغرض.

و ثالثها: أنّه تنتفي فائدة التكليف، فلا تبقى فائدة في بعثه الرّسل؛ لأنّه إذا لم يكلّف بالواجب لأجل إيصال الثواب إلى فاعله و لا بالامتناع عن المحرّم لأجل ترك عقابه لم يقدم المكلّف على فعل الواجب و لم يمتنع من فعل المحرّم، و كلّ ذلك ينافي الحكمة و يضادّها.3.

ص: 157


1- سورة الذاريات: 56.
2- سورة غافر: 17.
3- سورة النساء: 160.
4- سورة النمل: 90.
5- سورة طه: 15.
6- سورة الرحمن: 60.
7- سورة الأنعام: 160.
8- سورة الأنعام: 54.
9- سورة طه: 74.
10- سورة النساء: 123.

و رابعها: أنّه يلزم منه انتفاء الغايات المعلوم ثبوتها لكلّ العقلاء، فإنّ كلّ عاقل يجزم جزما ضروريّا أنّ اللّه تعالى خلق العين لأجل الإبصار بها، و خلق اليد لأجل البطش بها، و خلق آلات السمع للسمع، و اللسان للنطق، و الذوق لذوق الطعام(1) ، و الرّجل للمشي، و آلات التناسل لأجله، و آلات الإحساسات الظاهرة و الباطنة لإدراك المحسوسات الظاهرة و الباطنة، و من كابر ذلك فقد خالف مقتضى عقله، و كان من أجهل الناس.

و خامسها: أنّه يلزم نفي الغايات في خلق السماوات و الأرض و ما بينهما، و من المعلوم بالضرورة عند كلّ عاقل أنّ اللّه تعالى خلق النار للإحراق بها، و الماء للتبرّد(2) ، و الثمار للأكل، و الشمس و القمر للاستنارة بهما و للمنافع المتعلّقة بهما.

و سادسها: أنّه يلزم منه نفي علم الهيئة و الطبّ؛ لأنّ الأغذية و الأدوية على قولهم لم تخلق لما تعدّ منافع لها، و كذا علم الهيئة و غير ذلك.

و سابعها: أنّه يلزمهم التناقض في أقوالهم، و ذلك في غاية الجهل.

و بيان ذلك: أنّهم نصّوا على جواز القياس، و ذلك إنّما يتمّ بتعليل أفعال اللّه تعالى بالأغراض، فإنّه لو لا تعليل تحريم الخمر بالإسكار لم يمكن التعدية إلى تحريم النبيذ، و ذلك نصّ في تعليل أفعال اللّه تعالى بالأغراض.

و أيضا فإنّ هؤلاء أهل السّنّة و الجماعة يلزمهم أن لا يجزموا بنبوّة أحد من الأنبياء عليهم السّلام، و أن لا يكونوا مسلمين و لا غيرهم من أرباب الملل.

و بيان ذلك: أنّهم ذهبوا إلى نفي الحسن و القبح العقليّين، و إلى أنّ».

ص: 158


1- في «ر، ص»: «الطعوم».
2- في النّسخ الخطّيّة: «للتبريد».

أفعال اللّه تعالى غير معلّلة بشيء من العلل و الأغراض، و دليل النبوّة إنّما يتمّ بهاتين المقدّمتين، و ذلك لأنّا إذا أردنا أن نستدلّ على نبوّة بعض الأنبياء فإنّا نلتجئ إلى قولنا: إنّ محمّدا عليه السّلام نبيّ؛ لأنه ادّعى النبوّة و ظهر على يده المعجزة المخلوقة للّه تعالى، و كلّ من كان كذلك كان نبيّا مبعوثا من عند اللّه تعالى.

أمّا ادّعاء النبوّة: فظاهر.

و أمّا أنّه ظهر على يده المعجزة: فلأنّه ظهر على يده فعل خارق للعادة لأجل تصديقه، و كلّ من كان كذلك فهو صادق؛ لأنّه لو ادّعى إنسان أنّه رسول الملك لمهمّ له و قال له: أيّها الملك إن كنت صادقا في دعواي فارم قلنسوتك عن رأسك، فرمى الملك قلنسوته عن رأسه و كان ذلك غير عادة للملك، ثمّ قال: أيّها الملك إن كنت صادقا في دعواي فانزع خاتمك من إصبعك، ففعل الملك ذلك، و تكرّر من الملك مثل هذه الأفعال عقيب طلب ذلك الرسول منه لغرض تصديقه، فإنّ كلّ عاقل يجزم بصدق ذلك الرسول و أنّه مبعوث من عند الملك، كذا مدّعي النبوّة إذا ظهر منه الفعل الخارق للعادة الذي لا يمكن للبشر معارضته عقيب ادّعائه مرّة بعد أخرى، فإنّا نجزم بصدقه، و مع عدم القول بالمقدّمتين المذكورتين لا يتمّ هذا الدليل، فإنّ مع القول بنفي الحسن و القبح جاز أن يخلق اللّه تعالى المعجز على يد الكاذب(1) ، فلا يمكن الاستدلال به على الصدق، خصوصا مع قولهم بأنّ كلّ قبيح و كلّ إضلال في العالم فإنّه من فعله، تعالى اللّه عن ذلك علوّا كبيرا.».

ص: 159


1- في «ر، ل»: «الكذّاب».

و مع هذا الاعتقاد كيف يحصل الجزم بالصدق!؟ و مع القول بأنّه تعالى لا يفعل لغرض كيف يمكن القول بأنّه تعالى فعل المعجز لأجل التصديق!؟ فإنّ بينهما تناقضا ظاهرا، و إذا لم يثبت شيء من المقدّمتين لم يمكن الاستدلال على نبوّة أحد من الأنبياء عليهم السّلام ألبتّة، و لا جهل أعظم من ذلك.

و أيّ نسبة لاعتقاد طول عمر إنسان قد وقع مثله كثيرا إلى اعتقاد هذه الجهالات ؟ لكن لا استبعاد في ذلك كلّه ممّن يغيّر شرع اللّه تعالى و أحكامه غرضا و تعصّبا على قوم مؤمنين باعتبار محبّتهم لأهل بيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله، فإنّ الغزالي مع عظم قدره و وفور علمه على مذهب الشافعي قال: إنّ السّنّة تسطيح القبور، لكن لمّا فعلته الرافضة تركناه و قلنا بالتسنيم(1) ، و كذا في حجّ التمتّع: إنّه أفضل من القران و الإفراد، لكن لمّا استعملته الرافضة تركوه.

و قال أبو عبد اللّه محمّد بن علي بن عمر التميمي المغربي المالكي في كتابه الموسوم ب «المعلم بفوائد مسلم» المحدث في حديث مسلم: إنّ زيدا كبّر خمسا على جنازة و قال: كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله يكبّرها و قد قال به بعض الناس، و هذا المذهب الآن متروك؛ لأنّ ذلك صار علما على القول بالرفض(2).

و قال الزمخشري - و هو من أئمّة الحنفيّة - اعتراضا على نفسه في تفسير قوله تعالى: هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَ مَلائِكَتُهُ (3) هل يجوز أن3.

ص: 160


1- الوجيز 78:1، الوسيط 389:2.
2- المعلم بفوائد مسلم 326:1.
3- سورة الأحزاب: 43.

يصلّي على آحاد المسلمين بمقتضى هذه الآية ؟ فأجاب: ب «نعم، إلاّ أنّ جماعة الشيعة لمّا اتّخذوا أئمّة و صلّوا عليهم منعنا من ذلك»(1).

فانظر إلى هؤلاء القوم و اقض العجب من آرائهم و مذاهبهم و نسبة المحقّقين إلى الجهل.

و هذه المسألة ليست من هذا العلم، و إنّما طوّلنا فيها؛ إظهارا لخطأ من أخطأ، فالحمد للّه الذي هدانا لطرق الرشاد، و منعنا من ارتكاب الخطأ و الخلل و العناد.

البحث الثالث: في الوصيّة للفقراء و المساكين و باقي أصناف الزكاة.
مسألة 88: إذا أوصى للفقراء،

صرف إلى فقراء أهل نحلته، فإن كان الموصي مسلما فإلى فقراء المسلمين، و إن كان كافرا فإلى فقراء ملّته، فلا يدخل فقراء النصارى في وصيّة اليهوديّ للفقراء، و بالعكس.

هذا مع الإطلاق، و إن نصّ الموصي على قبيل، وجب اتّباع نصّه.

و الفقير هو الذي لا يملك قوت السنة، أو الذي لا يملك نصاب زكاة المال على اختلاف الرأيين.

و هل يدخل المساكين في الوصيّة للفقراء؟ إشكال، أقربه: الدخول إن جعلنا المسكين أسوأ حالا من الفقير.

و كذا لو أوصى للمساكين، ففي دخول الفقراء إشكال، أقربه:

الدخول إن جعلنا الفقير أسوأ حالا من المسكين.

و قال بعض الشافعيّة: إذا أوصى للفقراء، دخل فيه المساكين، و بالعكس، حتى يجوز الصرف إلى هؤلاء و إلى هؤلاء؛ لأنّ كلّ واحد من

ص: 161


1- الكشّاف 273:3، ذيل الآية 56 من سورة الأحزاب.

الاسمين يقع على الفريقين عند الانفراد(1).

و قال بعضهم نقلا عن الشافعي: إنّ ما أوصى به للفقراء لا يجوز صرفه إلى المساكين، و بالعكس يجوز؛ لأنّ حاجة الفقراء أشدّ(2).

و لو جمع بينهما، صرف إليهما إجماعا.

و لو فضّل أحدهما على الآخر، فقال مثلا: أعطوا الفقراء مائة و أعطوا المساكين مائتين، وجب متابعته، فلا يجوز حينئذ تساويهما في العطاء، بل يصرف إلى كلّ واحد من القبيلين، فيجب التمييز بينهما.

مسألة 89: لو أوصى لسبيل اللّه،

أو قال: ضعوا ثلثي في سبيل اللّه، فهو للغزاة الذين يصرف إليهم الزكاة عند بعض علمائنا القائلين بأنّ سبيل اللّه المراد به المجاهدون(3) ، و به قال الشافعي(4).

و قال آخرون: يجب صرفه في الحجّ(5) ؛ لما رواه الحسين بن عمر قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: إنّ رجلا أوصى إليّ بشيء في السبيل، فقال:

«اصرفه في الحجّ» قال: فقلت له: أوصى إليّ في السبيل، فقال لي: «اصرفه في الحجّ» قال: فقلت له: أوصى إليّ في السبيل، فقال: «لا أعلم شيئا من

ص: 162


1- الحاوي الكبير 270:8، المهذّب - للشيرازي - 463:1، نهاية المطلب 11: 319 و 539-540، الوجيز 276:1، الوسيط 447:4، التهذيب - للبغوي - 5: 80، البيان 207:8، العزيز شرح الوجيز 92:7، روضة الطالبين 158:5.
2- البيان 207:8، العزيز شرح الوجيز 92:7، روضة الطالبين 158:5.
3- المبسوط - للطوسي - 35:4-36، الخلاف 148:4، المسألة 20.
4- الأم 94:4، الحاوي الكبير 511:8، المهذّب - للشيرازي - 463:1، نهاية المطلب 319:11 و 557، الوجيز 276:1، الوسيط 447:4، التهذيب - للبغوي - 80:5، البيان 439:3، و 280:8، العزيز شرح الوجيز 92:7، روضة الطالبين 158:5.
5- راجع: الفقيه 153:4، ح 531 و ذيله.

سبيله أفضل من الحجّ»(1).

و يحتمل صرفه إلى كلّ قربة و مصلحة للمسلمين، كبناء القناطر، و عمارة المساجد، و المجاهدين و غيرهم؛ لما رواه الحسن(2) بن راشد قال:

سألت العسكري عليه السّلام بالمدينة عن رجل أوصى بمال في سبيل اللّه، فقال:

«سبيل اللّه شيعتنا»(3).

قال الشيخ: الوجه في الجمع بينهما ما ذكره أبو جعفر ابن بابويه، و هو أنّه يعطى رجل من الشيعة ليحجّ به، فيكون قد انصرف في الوجهين معا(4)(5).

و لو أوصى للرقاب، أو قال: ضعوا ثلثي في الرقاب، فهو للمكاتبين و العبيد الذين في الشدّة. و بالجملة، من هو مستحقّ في الزكاة.

فإن دفع إلى مكاتب فعاد إلى الرقّ و المال باق في يده أو في يد السيّد استردّ، قاله الشافعيّة(6) ، و فيه إشكال.

و لو أوصى للغارمين أو لأبناء السبيل، صرف إلى من يصرف إليه الزكاة منهم.

و الأصل في ذلك كلّه اتّباع عرف الشرع فيه.

مسألة 90: لو أوصى للفقراء و المساكين،

جعل المال بين الصنفين

ص: 163


1- التهذيب 809/203:9، الاستبصار 491/130:4.
2- في النّسخ الخطّيّة: «الحسين».
3- الكافي 15:7-2/16، الفقيه 530/153:4، التهذيب 811/204:9، الاستبصار 492/130:4.
4- الفقيه 153:4، ذيل ح 531.
5- التهذيب 204:9، ذيل ح 811، الاستبصار 130:4-131، ذيل ح 492.
6- العزيز شرح الوجيز 92:7، روضة الطالبين 158:5.

نصفين، و لو أوصى لبني زيد و بني عمرو، قسّم على عددهم، قاله الشافعيّة، و لا ينصّف كما ينصّف الأوّل(1). و فيه إشكال.

و لا يجب الاستيعاب، و يكفي الصرف من كلّ جنس إلى ثلاثة؛ لأنّه أتى بالجمع، و أقلّه ثلاثة، و لا يجب التسوية بين الثلاثة، و لو صرف إلى اثنين غرم للثالث إمّا الثّلث إن أوجبنا التسوية، أو أقلّ ما يتموّل إن لم نوجبها، و إذا غرم للثالث إمّا الثّلث أو أقلّ ما يتموّل لم يكن له دفعه إلى ثالث بنفسه، بل يسلّمه إلى الحاكم ليدفع بنفسه أو يردّه إليه، و يأتمنه في الدفع، لتفريطه بالمخالفة للموصي.

و كذا لا يجب الاستيعاب لو أوصى للعلماء أو الفقهاء و من عداهم من الموصوفين، بل يقتصر على ثلاثة.

نعم، الأولى استيعاب الموجودين عند الإمكان كما في الزكاة، قاله الشافعيّة(2).

و الأولى أن يقال: إن نصّ على بيان المصرف أجزأ الصرف إلى واحد، و إن قصد التعميم بالعطيّة وجب الاستيعاب، و يظهر ذلك بنصّه على القصد، فإن أطلق فالأولى التعميم؛ لصلاح اللفظ، و تساوي نسبته إلى كلّ واحد في تناوله له، فالتخصيص بالبعض يكون ترجيحا من غير مرجّح.

و لو أوصى لفقراء بلدة بعينها و هم محصورون، وجب استيعابهم و التسوية بينهم؛ لتعيّنهم.

و يشترط القبول في هذه الوصيّة، بخلاف الوصيّة لمطلق الفقراء.

و إذا أوصى للفقراء و المساكين، لم يجب تتبّع من غاب عن البلد،9.

ص: 164


1- العزيز شرح الوجيز 92:7، روضة الطالبين 158:5.
2- العزيز شرح الوجيز 92:7، روضة الطالبين 158:5-159.

سواء أطلق أو قال: لفقراء هذه البلدة، بل يفرّق على الحاضرين في ذلك البلد؛ حذرا من الضرر بالحمل.

و لا يجوز نقل المال الموصى به للفقراء و المساكين عن بلد الوصيّة مع وجودهم فيه، فإن نقل ضمن و إن أجزأ(1) إن كانت الوصيّة للمطلق، و إن كانت لفقراء تلك البلدة وجب أن يصرف بعضه فيهم، و يجوز حمل الباقي إلى من غاب عنها من الفقراء لا بعزم الاستيطان، و لو عزموا على الاستيطان في غير تلك البلدة لم يدخلوا في الوصيّة و إن وجدت قبل خروجهم عنها.

مسألة 91: لو أوصى للغارمين،

فالأقوى: الصرف إلى من تصرف إليه الزكاة منهم حتى يشترط إنفاق مال الغرم في غير المعصية.

و هل يجب الاستيعاب مطلقا، أو يشترط انحصارهم ؟ إشكال، فإن لم نوجبه مع عدم الانحصار فلا بدّ من مراعاة اسم الجمع، فلا يعطى أقلّ من ثلاثة، و لو كانوا محصورين وجب الاستيعاب.

فإن اقتصر الوصيّ على ثلاثة، ضمن حصص الباقين، و هو أحد وجهي الشافعيّة، و الثاني: أنّه يجزئه الدفع(2).

و على ما اخترناه من الضمان، فالأقرب: أنّه يضمن على عدد رؤوسهم، و هذا أحد وجهي الشافعيّة، و الثاني: أنّه يحسب على قدر ديونهم(3).

و لو أوصى لثلاثة معيّنين، وجبت التسوية بينهم، بخلاف الثلاثة المصروف إليهم من الفقراء و سائر الأصناف، فإنّا عرفنا ذلك من معهود الشرع في الزكاة، و هاهنا الاستحقاق مضاف إلى أعيانهم.

ص: 165


1- في «ص، ل»: «و أجزأ».
2- العزيز شرح الوجيز 93:7، روضة الطالبين 159:5.
3- العزيز شرح الوجيز 93:7، روضة الطالبين 159:5.

و لو أوصى لسبيل البرّ أو الخير أو الثواب، فعلى ما تقدّم في الوقف.

و لو قال: ضع ثلثي فيما رأيت أو فيما أراك اللّه، جاز أن يضعه في نفسه؛ لدخوله تحت اللفظ.

و قالت الشافعيّة: لا يجوز، كما لو قال: بع بكذا، لا يبيعه من نفسه(1).

و الفرق: أنّ العقد يفتقر إلى اثنين، بخلاف الوضع.

و على قولهم الأولى صرفه إلى أقارب الموصي الذين لا يرثون منه، ثمّ إلى محارمه من الرضاع، ثمّ إلى جيرانه(2).

أمّا لو قال: أعط من شئت، لم يكن له إعطاء نفسه، و له إعطاء أهله و من يلزمه نفقته؛ لصدق التعدّد.

مسألة 92: لو أوصى لأصناف الزكاة،

صرف إلى الأصناف الثمانية المذكورة في القرآن(3) ، و يجعل لكلّ صنف شيئا من الوصيّة.

و الفرق بين هذا و بين أصناف الزكاة حيث يجوز الاقتصار فيها على واحد: أنّ آية الزكاة أريد بها بيان المصرف و من يجوز الدفع إليه، و الوصيّة أريد بها من يجب الدفع إليه.

و يجوز الاقتصار من كلّ صنف على واحد؛ لتعذّر استيعابهم، و به قال أصحاب الرأي و أحمد في إحدى الروايتين(4).

و روي عن محمّد بن الحسن: أنّه يجب [الدفع] إلى اثنين من كلّ صنف(5).

ص: 166


1- المهذّب - للشيرازي - 463:1، التهذيب - للبغوي - 80:5، العزيز شرح الوجيز 93:7، روضة الطالبين 160:5.
2- المهذّب - للشيرازي - 463:1، التهذيب - للبغوي - 80:5، العزيز شرح الوجيز 93:7، روضة الطالبين 160:5.
3- سورة التوبة: 60.
4- المغني 586:6، الشرح الكبير 509:6-510.
5- المغني 586:6، الشرح الكبير 510:6، و ما بين المعقوفين يقتضيه السياق.

و قال الشافعي: يجب الثلاثة من كلّ صنف، و هو رواية عن أحمد(1).

البحث الرابع: في الوصيّة للواحد و الجمع أو لغير المالك.
مسألة 93: إذا أوصى لزيد و لجماعة معه،

فإمّا أن يكونوا موصوفين أو معيّنين(2).

فإن كانوا موصوفين غير منحصرين، كالفقراء و المساكين، فقال:

أعطوا زيدا و الفقراء كذا، صحّت الوصيّة في حقّ زيد و الفقراء، و هو قول المحصّلين(3) ؛ لأنّ زيدا ممّن يصحّ أن يوصى له، و كذا الفقراء، و لا تنافي بين جمعهما، كما لو أوصى لزيد و عمرو، أو للفقراء و الفقهاء.

و قال بعض من لا مزيد تحصيل له من الشافعيّة: تبطل الوصيّة في حقّ زيد؛ لجهالة ما أضيف إليه(4).

و التعليل باطل، و لو سلّم فلا استبعاد في الوصيّة بالمجهول.

إذا عرفت هذا، فقال بعض علمائنا: يدفع إلى زيد النصف، و إلى الفقراء النصف(5) ؛ لأنّه جعل الوصيّة لجهتين، فوجب أن يقسّم بينهما، كما لو قال: لزيد و عمرو، و لأنّه لو وصّى لقريش و تميم، لم يشرك بينهم على قدر عددهم و لا على قدر من يعطى منهم، بل يقسّم بينهم نصفين، كذا هنا، و به قال أبو حنيفة و محمّد(6).

ص: 167


1- المغني 586:6-587، الشرح الكبير 510:6.
2- يأتي حكم المعيّنين في ص 170، المسألة 95.
3- التهذيب - للبغوي - 77:5، العزيز شرح الوجيز 94:7، روضة الطالبين 168:5.
4- العزيز شرح الوجيز 94:7، روضة الطالبين 168:5.
5- الشيخ الطوسي في المبسوط 39:4.
6- الجامع الصغير: 520، مختصر اختلاف العلماء 2168/28:5، الهداية -

و عن محمّد رواية أخرى: أنّ لزيد الثّلث، و للفقراء [الثّلثين](1) ؛ لأنّ أقلّ الجمع عنده اثنان(2).

و للشافعي قولان:

أحدهما - نقله المزني، و هو أظهرهما عند أصحابه -: أنّه قال:

القياس أنّه كأحدهم، كما لو أوصى لزيد و لأولاد عمرو، فإنّ زيدا يكون كأحدهم.

ثمّ اختلف أصحابه في تفسير ما ذكره على وجوه.

أحدها: أنّ معناه أنّ الوصي يعطيه سهما من سهام القسمة، إن قسّم المال على أربعة من الفقراء أعطاه الخمس؛ لأنّ جملة المصروف إليهم خمسة، و إن قسّمه على خمسة منهم أعطاه السّدس، و هكذا.

و أظهرها: أنّه كواحد منهم في أنّه يجوز أن يعطى أقلّ ما يتموّل، إلاّ أنّه لا يجوز حرمانه؛ للنصّ عليه، و يعطى غنيّا كان أو فقيرا.

و الثالث - و به قال مالك -: أنّ لزيد الرّبع، و الباقي للفقراء؛ لأنّ أقلّ من يقع عليه اسم الفقراء ثلاثة، و كأنّه أوصى لزيد و ثلاثة معه، ثمّ نصيب الفقراء يقسّم بينهم كما يراه الوصيّ من تساو و تفاوت.

و لا بدّ على اختلاف الأوجه من الصرف إلى ثلاثة من الفقراء.

و الثاني: أنّه يعطى زيد النصف، و الفقراء النصف - كما ذهبنا إليه -7.

ص: 168


1- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «الثّلثان». و الصواب ما أثبتناه.
2- الهداية - للمرغيناني - 240:4، الاختيار لتعليل المختار 108:5، المغني 6: 587.

لأنّه قابل بينه و بينهم في الذكر، فأشبه ما إذا أوصى لزيد و عمرو(1).

و قال بعضهم: إنّ زيدا إن كان فقيرا فهو كأحدهم، و إلاّ فله النصف(2).

و قال صاحب التتمّة منهم: إنّ زيدا إن كان غنيّا فله الرّبع؛ لأنّه لا يدخل في الفقراء، فهم ثلاثة و هو رابعهم، و إن كان فقيرا فله الثّلث؛ لدخوله فيهم(3).

فهذه أربعة أوجه للشافعيّة.

مسألة 94: هذا كلّه فيما إذا أطلق ذكر زيد،

أمّا إذا وصفه بمثل صفة الجماعة، فقال: لزيد الفقير و للفقراء، جرى الخلاف فيما لزيد إن كان فقيرا.

و منهم من خصّ الأوجه الثلاثة بهذه الحالة، و نفى القول بكونه كأحدهم عند الإطلاق(4).

و نحن لا نفرّق بين أن يطلق أو يقيّد، بل احتمال التنصيف و التربيع قائم.

و إن كان غنيّا، لم يصرف إليه شيء، و نصيبه للفقراء إن قلنا: إنّه أحدهم، و إلاّ فهو لورثة الموصي.

و لو وصف زيدا بغير وصف الفقراء، فقال: لزيد الكاتب و للفقراء كذا، فالأقرب: مجيء الخلاف.

و قال بعض الشافعيّة: يكون له النصف قولا واحدا(5).

و الأقرب: احتمال الرّبع.

ص: 169


1- مختصر المزني: 145، الحاوي الكبير 300:8، المهذّب - للشيرازي - 1: 463، الوجيز 276:1، الوسيط 448:4، حلية العلماء 98:6، البيان 8: 208، العزيز شرح الوجيز 94:7-95، روضة الطالبين 168:5.
2- العزيز شرح الوجيز 95:7، روضة الطالبين 168:5.
3- عنه في العزيز شرح الوجيز 95:7، و في روضة الطالبين 168:5 من دون نسبة.
4- العزيز شرح الوجيز 95:7، روضة الطالبين 168:5.
5- العزيز شرح الوجيز 95:7، روضة الطالبين 168:5.

و لو أوصى لزيد بدينار و للفقراء بثلث ماله، لم يصرف إلى زيد غير الدينار و إن كان فقيرا؛ لأنّه قطع اجتهاد الوصي بالتقدير.

و يمكن أن يقال: إذا جاز أن يكون التنصيص على زيد في قوله:

«لزيد و للفقراء» لئلاّ يحرم زيد جاز أن يكون التقدير هاهنا لئلاّ ينقص المصروف إليه عن دينار، و أيضا فيجوز أن يقصد عين زيد [بالدينار](1) وجهة الفقراء للباقي، فيستوي في غرضه الصرف إلى زيد و غيره.

و لو أوصى لزيد و الفقراء و المساكين، فإن جعلناه كأحدهم في الصورة الأولى فكذا هنا، و إن جعلنا له النصف هناك فله الثّلث هاهنا، و إن جعلنا له الرّبع هناك فله السّبع هنا.

مسألة 95: لو كان الجماعة المنضمّة إلى زيد معيّنين،

فإن لم يكونوا محصورين - كالعلويّين و الطالبيّين - صحّت الوصيّة عندنا على ما سيأتي، خلافا للشافعيّة في بعض أقوالهم(2) ، و يكون الحكم هنا كما تقدّم في الموصوفين، كالفقراء.

و على أحد قولي الشافعيّة بالبطلان يكون بمثابة ما لو أوصى لزيد و للملائكة(3).

و إن كانوا محصورين، فهو كأحدهم، أو يكون له النصف ؟ على ما تقدّم.

و للشافعيّة الوجهان، و أظهرهما عندهم: الثاني(4).

ص: 170


1- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «الدينار». و الظاهر ما أثبتناه.
2- نهاية المطلب 282:11، الوسيط 450:4، العزيز شرح الوجيز 96:7، روضة الطالبين 168:5.
3- نهاية المطلب 282:11، الوسيط 450:4، العزيز شرح الوجيز 96:7، روضة الطالبين 168:5.
4- العزيز شرح الوجيز 96:7، روضة الطالبين 168:5-169.

و هل يقسّم النصف الذي للجماعة المحصورين بينهم بأسرهم، أو يجوز صرفه إلى ثلاثة منهم ؟ المشهور عندهم: لزوم القسمة على الجميع(1).

تذنيب: لو كانت له ثلاث أمّهات أولاد فأوصى لأمّهات أولاده و للفقراء و المساكين، أو كان له ثلاثة أولاد - عندنا - فأوصى لأمهات أولاده و للفقراء و المساكين، قسّم المال أثلاثا، لأمّهات الأولاد الثّلث، و للفقراء الثّلث، و للمساكين الثّلث الباقي، و هو أحد قولي الشافعيّة، و الثاني: أنّه يقسّم على خمسة؛ لأنّ أمهات الأولاد محصورات و يجب استيعابهنّ، و الفقراء و المساكين غير محصورين، فيجعل كلّ واحد من الصنفين مصرفا، و كلّ واحدة من أمّهات الأولاد مصرفا، و به قال أبو حنيفة و أبو يوسف(2).

و قال محمّد: يقسّم على سبعة، للفقراء سهمان، و للمساكين سهمان، و ثلاثة لأمّهات الأولاد(3).

و الأقوى: قسمته على تسعة؛ لأنّ أقلّ الجمع ثلاثة.

مسألة 96: لو أوصى لجماعة معيّنين غير محصورين - كالعلويّة و الهاشميّة و الطالبيّة

- صحّت الوصيّة عند علمائنا - و هو أصحّ قولي الشافعي، و به قال أحمد(4) - كالوصيّة للفقراء و المساكين.

ص: 171


1- العزيز شرح الوجيز 96:7، روضة الطالبين 169:5.
2- العزيز شرح الوجيز 96:7، روضة الطالبين 169:5، الجامع الصغير: 520، مختصر اختلاف العلماء 2168/28:5، الهداية - للمرغيناني - 239:4.
3- الهداية - للمرغيناني - 239:4.
4- الحاوي الكبير 301:8، المهذّب - للشيرازي - 463:1، نهاية المطلب 11: 282، الوجيز 276:1، الوسيط 449:4، حلية العلماء 99:6، التهذيب - للبغوي - 75:5، البيان 209:8، العزيز شرح الوجيز 96:7، روضة الطالبين 169:5، المغني 506:6.

و الثاني: أنّ الوصيّة باطلة - و به قال أبو حنيفة - لأنّ التعميم يقتضي الاستيعاب، و أنّه ممتنع، بخلاف الفقراء، فإنّا عرفنا هناك عرفا للشرع مخصّصا بثلاثة فاتّبعناه(1).

و ليس بجيّد؛ لأنّ ذلك العرف إنّما يثبت في الفقراء و أصناف الزكاة، ثمّ ألحق به العلماء و نحوهم بالاتّفاق، فلم لا يلحق بهم العلويّة و من في معناهم؛ لتعذّر الاستيعاب ؟

قال أبو حنيفة: لا تصحّ الوصيّة للقبيلة التي لا يمكن حصرها؛ لأنّه يدخل فيها الفقراء و الأغنياء، و إذا وقعت للأغنياء لم تكن قربة، و إنّما تكون حقّا لآدميّ، و حقوق الآدميّين إذا دخلت فيها الجهالة لم تصح، كما لو أقرّ لمجهول(2).

و هذا ضعيف جدّا؛ لأنّها وصيّة لجماعة محصورة، فصحّت لهم الوصيّة و إن كانوا غير محصورين، كالفقراء، و الوصيّة للأغنياء قربة، و قد ندب النبيّ صلّى اللّه عليه و اله إلى الهديّة(3) و إن كانت لغنيّ.4.

ص: 172


1- الحاوي الكبير 301:8، المهذّب - للشيرازي - 463:1، نهاية المطلب 11: 282، الوجيز 276:1، الوسيط 449:4، حلية العلماء 99:6، التهذيب - للبغوي - 75:5-76، البيان 209:8، روضة الطالبين 169:5، النتف 2: 825، الاختيار لتعليل المختار 113:5، المغني 506:6.
2- مختصر اختلاف العلماء 2157/17:5، المبسوط - للسرخسي - 158:27، روضة القضاة 3944/699:2، بدائع الصنائع 342:7 و 344، المغني 506:6.
3- مسند أبي داود الطيالسي: 2333/307، مسند أحمد 8997/122:3، الجامع الصحيح (سنن الترمذي) 2130/441:4، مسند أبي يعلي 6148/9:11، المعجم الكبير - للطبراني - 162:25-393/163، المعجم الأوسط - له أيضا - 7240/234:7، السنن الكبرى - للبيهقي - 169:6، الكافي - للكليني - 5: 7/143، و 14/144.

و فرّع الشافعيّة على الصحّة عدم وجوب الاستيعاب، و يجوز الاقتصار على ثلاثة منهم - و لا بأس به؛ لاستحالة استيعابهم، مع احتمال عموم صرفه في أهل البلد، و لا ريب في أولوّيته - و لا تجب التسوية كما في الفقراء، و لا يشترط القبول(1).

مسألة 97: إذا أوصى لبني فلان،

فإن كانوا قبيلة منتشرين - كبني هاشم و بني تميم و بني عليّ عليه السّلام - فهي كالوصيّة للعلويّة، و يجوز الصرف إلى إناثهم - و هو أظهر وجهي الشافعيّة(2) - لاندراجهم تحته، و الثاني: لا يندرج الإناث(3).

أمّا عندنا هل يجوز تخصيص الإناث به ؟ الأقرب ذلك أيضا، مع احتمال المنع.

و لو لم يكونوا قبيلة - كبني زيد و بني خالد - اشترط قبولهم، و وجب الاستيعاب و التسوية، و لا يجوز الصرف إلى الإناث.

مسألة 98: لو أوصى لزيد و جبرئيل عليه السّلام،

بطلت الوصيّة في حقّ جبرئيل عليه السّلام؛ لأنّه لا يوصف بالملك، و يكون لزيد النصف، و تبطل الوصيّة في حقّ جبرئيل.

و كذا لو ضمّ إلى زيد من لا يملك، كالميّت، كقوله: أعطوا زيدا و عمروا، و كان عمرو ميّتا، أو قال: لزيد و الريح، أو لزيد و الشيطان، أو لزيد و الحائط، أو لزيد و الدابّة، صحّ لزيد النصف، و بطلت الوصيّة في المضموم.

و هو أصحّ وجهي الشافعيّة، و الثاني: أنّ الجميع يكون لزيد - و به قال

ص: 173


1- العزيز شرح الوجيز 96:7، روضة الطالبين 169:5.
2- الحاوي الكبير 301:8، العزيز شرح الوجيز 96:7، روضة الطالبين 169:5.
3- الحاوي الكبير 301:8، العزيز شرح الوجيز 96:7، روضة الطالبين 169:5.

أبو حنيفة - و يلغو ذكر من لا يثبت له الملك(1).

و كذا لو أوصى لابن زيد و ابن عمرو و لم يكن لعمرو ابن، أو لزيد و عمرو ابني خالد و لم يكن لخالد إلاّ ابن يسمّى زيدا، أو له و لمن في هذا البيت و ليس فيه أحد، فإنّ النصف لزيد، و يبطل الباقي في ذلك كلّه.

و قال أبو حنيفة: يكون الكلّ لزيد، سواء علم موت المنضمّ إلى زيد أو لا؛ لأنّ المعدوم و الميّت لا يصلح مستحقّا، فلم تثبت المزاحمة لزيد، و صار كما لو أوصى لزيد و جدار(2).

و كذا لو قال: لزيد و لعقبه، فمات ولده قبل موت الموصي؛ لأنّ العقب من يعقبه بعد موته، فيكون معدوما في الحال.

و قال أبو حنيفة: لو قال: ثلث مالي بين زيد و بكر، و هو ميّت، أو لا بني زيد، و له ابن واحد، فلزيد هنا نصف الثّلث؛ لأنّ لفظة «بين» توجب التنصيف، فلا يتكامل بعدم المزاحم، بخلاف قوله: لفلان و فلان؛ لأنّ العطف يقتضي المشاركة في الحكم المذكور، و المذكور وصيّة بكلّ الثّلث، و التنصيف بحكم المزاحمة، فإذا(3) زالت المزاحمة يتكامل، ألا ترى أنّ من قال: ثلث مالي لفلان، و سكت، يستحقّ الثّلث، و لفظة «ابني زيد» لا تنطلق على الواحد، فكأنّه قال: بين فلان و فلان، و أحدهما ميّت.».

ص: 174


1- الحاوي الكبير 301:8، المهذّب - للشيرازي - 463:1، نهاية المطلب 11: 284، الوجيز 276:1، الوسيط 449:4-450، حلية العلماء 99:6-100، التهذيب - للبغوي - 77:5، البيان 211:8، العزيز شرح الوجيز 97:7، روضة الطالبين 169:5-170.
2- مختصر القدوري: 244، المبسوط - للسرخسي - 159:27، فتاوى قاضيخان - بهامش الفتاوى الهنديّة - 496:3، الفتاوى الولوالجيّة 379:5، الهداية - للمرغيناني - 238:4، الاختيار لتعليل المختار 107:5، البيان 212:8.
3- في الطبعة الحجريّة: «فإن».

ثمّ قال: لو قال: ثلث مالي بين بني زيد و بني بكر، و ليس لأحدهما بنون، فكلّ الثّلث لبني الآخر؛ لأنّه جعل كلّ الثّلث مشتركا بين بني زيد، حتى لو اقتصر عليه كان كلّ الثّلث بينهم، بخلاف قوله: بين فلان و فلان؛ لما مرّ(1).

و قال أبو يوسف: إذا أوصى لزيد و بكر بثلث ماله و علم موت بكر حالة الوصيّة، كان لزيد الثّلث بأسره، و إن لم يعلم كان لزيد نصف الثّلث؛ لأنّه مع العلم تكون الوصيّة للميّت لغوا، فيكون راضيا بالثّلث كلّه للحيّ، و إذا لم يعلم لم يرض(2) للحيّ إلاّ بنصف الثّلث(3).

و لو أوصى للأجنبيّ و الوارث بثلث ماله، صحّت الوصيّة لهما عندنا.

و عند العامّة تبطل في حقّ الوارث(4).

و يكون الثّلث بأسره للأجنبيّ على أحد قولي الشافعي(5).

و قال أبو حنيفة: يكون له نصف الوصيّة، بخلاف ما إذا أوصى لزيد و بكر و كان بكر ميّتا، فإنّ لزيد الثّلث بأسره؛ لأنّ الوصيّة أضيفت إلى من2.

ص: 175


1- روضة القضاة 687:2-3877/688 و 3880، الفتاوى الولوالجيّة 379:5، بدائع الصنائع 381:7، الهداية - للمرغيناني - 239:4، الاختيار لتعليل المختار 107:5.
2- في «ص، ل» و الطبعة الحجريّة: «لم يوص» بدل «لم يرض».
3- المبسوط - للسرخسي - 159:27، روضة القضاة 3878/688:2، فتاوى قاضيخان - بهامش الفتاوى الهنديّة - 496:3، الهداية - للمرغيناني - 238:4 - 239، الاختيار لتعليل المختار 109:5.
4- الجامع الصغير: 522، مختصر اختلاف العلماء 2177/38:5، المبسوط - للسرخسي - 175:27-176، بدائع الصنائع 338:7، الهداية - للمرغيناني - 241:4، الاختيار لتعليل المختار 109:5، و راجع: الهامش (3) من ص 122.
5- لاحظ: الهامش (3) من ص 122.

يملك و من لا يملك، فتصحّ فيما يملك، و تبطل فيما لا يملك، بخلاف الميّت؛ لأنّ الميّت ليس من أهل الوصيّة، فلا يزاحم الحيّ، فيكون الكلّ للحيّ، أمّا الوارث فمن أهل الوصيّة، حتى لو أجازت الورثة جازت، فيزاحمه الأجنبيّ، و كذا لو أوصى لقاتل و لأجنبيّ، و هذا بخلاف ما إذا أقرّ المريض لوارثه و لأجنبيّ بعين أو دين، فإنّه عند أبي حنيفة و أبي يوسف يبطل الجميع بكلّ حال، بخلاف الوصيّة للوارث و الأجنبيّ، حيث يصحّ النصف عندهما؛ لأنّ الوصيّة إنشاء تصرّف، و الشركة تثبت حكما له، فتصحّ في حقّ من يستحقّ منهما، و لا تصحّ في حقّ من لا يستحقّ منهما، و لا يلزم من بطلان بعض الحكم بطلان الإيجاب، كما إذا أوصى لرجلين و ردّ أحدهما و قبله الآخر، أمّا الإقرار فإخبار عن أمر كائن و قد أخبر بوصف الشركة فيما مضى، فلو ثبت بهذا الوصف يصير الوارث فيه شريكا و أنّه ممتنع، و لو ثبت بدون هذا الوصف لثبت على خلاف ما أخبر به، فيكون التزاما على المقرّ غير ما أقرّ به، و هو باطل(1).

و عندنا: أنّه يصحّ الإقرار في حقّ الأجنبيّ و الوارث.

و بعض الشافعيّة فرّق بين قوله: لزيد و الريح، و بين قوله: لزيد و جبرئيل: بأنّ الريح لا حياة لها و لا قدرة، فتلغو الإضافة إليها من كلّ وجه، بخلاف جبرئيل، فإنّه قادر حيّ، فصحّت الإضافة إليه(2).

و أكثر الشافعيّة لم يفرّقوا، و ذكروا فيها وجهين، و طردوا الوجهين في7.

ص: 176


1- الجامع الصغير: 522، المبسوط - للسرخسي - 175:27-176، بدائع الصنائع 338:7، الهداية - للمرغيناني - 241:4، الاختيار لتعليل المختار 5: 109.
2- نهاية المطلب 284:11، العزيز شرح الوجيز 97:7.

كلّ صورة أوصى لزيد و لمن لا يوصف بالملك(1).

و لو أوصى لزيد و الملائكة، أو لزيد و الرياح، أو لزيد و الحيطان، فإن جعلنا الكلّ لزيد فلا بحث، و إن قلنا: له النصف، احتمل هنا أن يكون له النصف أو الرّبع، أو للوصيّ أن يعطيه أقلّ ما يتموّل على ما تقدّم من الخلاف فيما إذا أوصى لزيد و الفقراء.

و لو قال: لزيد و للّه تعالى، فإن قصد التبرّك به فالكلّ لزيد، و إلاّ فالنصف.

و للشافعيّة و جهان:

أحدهما: أنّ الكلّ لزيد، و ذكر اللّه للتبرّك.

و الثاني: أنّ لزيد النصف، و الباقي للفقراء [فإنّهم](2) مصبّ حقوق اللّه تعالى(3).

و الوجه عندي: عدم اختصاص الفقراء به، بل يصرف في وجوه القرب بأسرها.

و قال بعض الشافعيّة: إنّ النصف المضاف إلى اللّه تعالى يرجع إلى ورثة الموصي(4).

مسألة 99: تصحّ الوصيّة للمساجد و المشاهد و المدارس و الرّبط

ص: 177


1- العزيز شرح الوجيز 97:7، روضة الطالبين 169:5-170.
2- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «فإنّها». و المثبت هو الصحيح كما في الوجيز و العزيز شرح الوجيز.
3- الحاوي الكبير 301:8، المهذّب - للشيرازي - 463:1، الوجيز 276:1، الوسيط 450:4، حلية العلماء 100:6، التهذيب - للبغوي - 78:5، البيان 8: 212، العزيز شرح الوجيز 97:7-98، روضة الطالبين 170:5.
4- العزيز شرح الوجيز 98:7، روضة الطالبين 170:5.

و أشباه ذلك من القناطر و غيرها؛ لأنّ ذلك في الحقيقة وصيّة للمسلمين، لكن خصّص بجهة معيّنة.

فلو أوصى للكعبة، صرف في عمارتها و في معونة الحاجّ و الزائرين؛ لقول الصادق عليه السّلام: «إنّ الكعبة لا تأكل و لا تشرب، و ما إذا أهدي إليها فلزوّارها»(1).

و سأل عليّ بن جعفر - في الصحيح - أخاه الكاظم عليه السّلام: عن رجل جعل ثمن جاريته هديا للكعبة [كيف يصنع ؟ قال: «إنّ أبي أتاه رجل و قد جعل جاريته هديا للكعبة] فقال له أبي: مر مناديا فينادي على الحجر: ألا من قصرت به نفقته أو نفد طعامه فليأت فلان بن فلان، و أمره أن يعطي الأوّل فالأوّل حتى ينفد ثمن جاريته»(2).

البحث الخامس: في الوصيّة للقرابة.
مسألة 100: تصحّ الوصيّة للقرابة بالإجماع و النصّ،

قال اللّه تعالى:

اَلْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ وَ الْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ (3) .

لكن الخلاف في القرابة من هم ؟

و تحقيقه: أنّه إذا أوصى لأقاربه أو لأقارب زيد، دخل فيه كلّ من يعرف بنسبه، سواء الذكر و الأنثى، و الفقير و الغني، و الوارث و غير الوارث، و المحرم و غير المحرم، و القريب و البعيد، و المسلم و الكافر من قبل الأب و الأم أو من قبل أحدهما؛ عملا بإطلاق اللفظ، فإنّ الاسم يتناول الجميع على

ص: 178


1- التهذيب 842/213:9.
2- التهذيب 843/214:9، و ما بين المعقوفين أثبتناه منه.
3- سورة البقرة: 180.

السواء، و لم يعهد في الشرع معنى آخر وضع هذا اللفظ له، فوجب صرفه إلى المتعارف بين الناس، كما هو المعهود من عادة الشرع، و به قال الشافعي(1).

قال الشافعي: و إذا كان الموصي لقرابته من قريش، قيل [له]: قريش تفترق فمن أيّها؟ فقال: من بني عبد مناف، فقيل: من أيّها؟ فقال: من بني عبد المطّلب، قيل: هم يفترقون فمن أيّها؟ فقال: من بني عبد يزيد، فقيل: من أيّها؟ قال: من بني السائب بن عبيد، فقيل: من أيّها؟ فقال: من بني شافع، قال الشافعي: و بنو شافع لا يفترقون، فتكون قرابته من ينتسب إلى شافع، و هو الأب الأدنى(2).

و قال الشيخ في الخلاف: إذا أوصى بثلثه لقرابته، فمن أصحابنا من قال: إنّه يدخل فيه كلّ من يقرب إليه إلى آخر أب و أمّ في الإسلام.

و اختلف الناس في القرابة، فقال الشافعي: إذا أوصى بثلثه لقرابته و لأقربائه و لذي رحمه و لأرحامه، فإنّها تنصرف إلى المعروفين من أقاربه في العرف، فيدخل فيه كلّ من يعرف في العادة أنّه من قرابته، سواء كان وارثا أو غير وارث. قال: و هذا قريب يقوى في نفسي، و ليس لأصحابنا فيها نصّ عن الأئمّة عليهم السّلام(3) ، و نحوه قال في المبسوط(4) ، و اختاره ابن إدريس(5).

و قال ابن الجنيد: و من جعل وصيّته لقرابته و ذوي رحمه غير مسمّين3.

ص: 179


1- الحاوي الكبير 302:8، نهاية المطلب 299:11، الوجيز 276:1، الوسيط 451:4، العزيز شرح الوجيز 98:7، روضة الطالبين 160:5، المغني 579:6.
2- الأم 111:4، مختصر المزني: 145.
3- الخلاف 150:4، المسألة 24.
4- المبسوط 40:4.
5- السرائر 187:3.

كانت لمن يقرب إليه من جهة ولده أو والديه، و لا أختار أن يتجاوز بالتدلية ولد الأب الرابع؛ لأنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله لم يتجاوز ذلك في تفرقة سهم ذوي القربى من الخمس.

و قال أبو حنيفة: إذا أوصى لأقاربه أو لذوي قرابته أو لذوي أرحامه أو لذوي أنسابه، كان للأقرب فالأقرب من كلّ [ذي] رحم محرم منه؛ لأنّ المقصود من الوصيّة صلة القريب، فيختصّ بها ذو المحرم، و يدخل فيه الجدّ و الجدّة و ولد الولد في ظاهر الرواية.

و عن أبي حنيفة و أبي يوسف: أنّ الجدّ و ولد الولد لا يدخل، و لا يدخل الوالدان و الولد؛ لأنّهم لا يطلق عليهم اسم القريب، و من سمّى والده قريبا كان عاقّا؛ لأنّ القريب في العرف من يتقرّب إلى غيره بواسطة الغير، و تقرّب الوالد و الولد بنفسيهما لا بغيرهما؛ لقوله: وَ الْأَقْرَبِينَ (1) عطفه على الأبوين. و لا حجّة فيه.

و لا يدخل الوارث، و لا يدخل فيه الغني و لا غير المحرم، و لا يسوّى بين القريب و البعيد، بل يقدّم الأقرب فالأقرب، فلا يصرف إلى العمّ شيء مع ولد الأخ، و لا إلى ابن العمّ مع العمّ، و يكون للاثنين فصاعدا، و يستوي فيه الصغير و الكبير، و الحرّ و العبد، و الذكر و الأنثى، و المسلم و الكافر، فيعطى من أدناهم اثنان فصاعدا، فإذا كان له عمّان و خالان فالوصيّة لعمّيه، و إن كان له عمّ و خالان فلعمّه النصف، و لخاليه النصف؛ لأنّه لا بدّ من اعتبار الجمع، و أقلّه اثنان في الوصيّة و الإرث(2). -

ص: 180


1- سورة البقرة: 180.
2- مختصر اختلاف العلماء 2178/39:5، مختصر القدوري: 243-244، -

و قال قتادة: للأعمام الثّلثان، و للأخوال الثّلث، و به قال الحسن، قال: و يزاد الأقرب بعض الزيادة(1).

و قال مالك: يقسّم على الأقرب فالأقرب بالاجتهاد(2).

و قال أحمد: إذا أوصى لقرابته أو لقرابة فلان، كانت لأولاده و أولاد أبيه و أولاد جدّه و أولاد ابنه، و يستوي فيه الذكر و الأنثى، و لا يعطى من هو أبعد منهم شيئا، فلو وصّى لقرابة النبيّ صلّى اللّه عليه و اله أعطي أولاده و أولاد عبد المطّلب و أولاد هاشم، و لم يعط بنو عبد شمس و لا بنو نوفل شيئا؛ لأنّ اللّه تعالى لمّا قال: ما أَفاءَ اللّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى - إلى قوله - وَ لِذِي الْقُرْبى (3) يعني قربى النبيّ صلّى اللّه عليه و اله، و أعطى النبيّ صلّى اللّه عليه و اله هؤلاء الذين ذكرناهم، و لم يعط من هو أبعد منهم - كبني عبد شمس و نوفل - شيئا، إلاّ أنّه أعطى بني المطّلب، و علّل عطيّتهم بأنّهم لم يفارقوا بني هاشم في جاهليّة و لا إسلام، و لم يعط قرابة أمّه - و هم بنو زهرة - شيئا(4) ، و لم يعط منهم إلاّ مسلما، فحمل مطلق كلام الموصي على ما حمل عليه المطلق من كلام اللّه تعالى، و فسّر بما فسّر به، و يستوي القريب و البعيد، و الذكر5.

ص: 181


1- المغني 580:6، الشرح الكبير 252:6.
2- - المبسوط - للسرخسي - 155:27-156، تحفة الفقهاء 212:3، الفتاوى الولوالجيّة 389:5، الفقه النافع 1419:3-1187/1420 و 1188، بدائع الصنائع 348:7-349، الهداية - للمرغيناني - 249:4-250، الاختيار لتعليل المختار 111:5-112، المغني 580:6، الشرح الكبير 252:6.
3- سورة الحشر: 7.
4- مسند أحمد 16299/36:5، سنن أبي داود 2980/146:3، سنن النسائي (المجتبى) 131:7، السنن الكبرى - للنسائي - 4439/45:3-5، مسند أبي يعلى 7399/396:13، المعجم الكبير - للطبراني - 1591/140:2، السنن الكبرى - للبيهقي - 341:6 و 365.

و الأنثى، و الصغير و الكبير، و الغني و الفقير(1).

و عن أحمد رواية أخرى: أنّه يصرف إلى قرابة أمّه إن كان يصلهم في حياته، كأخواله و خالاته و إخوته من الأمّ، فإن كان لا يصلهم لم يعطوا شيئا؛ لأنّ عطيّته لهم في حياته قرينة دالّة على صلته لهم بعد موته، و إلاّ فلا(2).

و عنه رواية ثالثة: أنّه يجاوز بها أربعة آباء، و إعطاء النبيّ عليه السّلام لا يمنع من العمل بالعموم في غير ذلك الموضع(3).

و التخصيص بالصلة لا دليل عليه، بل على ضدّه، فربما استدرك أمره في إعطاء من حرمه حال حياته، و التخصيص بالأربعة تحكّم محض، فإذا الوجه ما اخترناه من الصرف إلى المتعارف بين الناس في ذلك، و لا وجه لتخصيصه بذي الرحم المحرم، فإنّ اسم القرابة يقع على غيرهم.

فروع:

أ: قد بيّنّا أنّه لا يشترط في القرابة المحرميّة، خلافا لأبي حنيفة(4) ، فعلى قوله لو لم يكن للموصي ذو رحم محرم فالوصيّة عنده باطلة؛ لأنّ الوصيّة عنده إنّما هي لذي الرحم، فإذا لم يكن له ذو رحم محرم كانت الوصيّة للمعدوم، و الوصيّة للمعدوم باطلة.

ب: إذا أوصى لأقاربه، صرف إلى جميع أقاربه البعيد و القريب على6.

ص: 182


1- المغني 579:6.
2- المغني 579:6.
3- المغني 579:6-580.
4- مختصر اختلاف العلماء 2178/39:5، مختصر القدوري: 243-244، النتف 824:2، المبسوط - للسرخسي - 155:27، تحفة الفقهاء 212:3، الفقه النافع 1419:3-1187/1420، بدائع الصنائع 348:7، شرح الزيادات 1597:5 - 1598، الهداية - للمرغيناني - 250:4، الاختيار لتعليل المختار 111:5، التهذيب - للبغوي - 78:5، العزيز شرح الوجيز 98:7، المغني 580:6، الشرح الكبير 252:6.

ما تقدّم بيانه.

و على قول أبي حنيفة إذا كان له عمّان و خالان فالوصيّة لعمّيه؛ لأنّه يعتبر الأقرب كالإرث(1).

و عندنا و عند أبي يوسف و محمّد(2) يكون أرباعا.

و لو كان له عمّ واحد، فله نصف الثّلث عند أبي حنيفة(3) ، و بقي الآخر لا مستحقّ له؛ لأنّ أقلّ الجمع اثنان.

ج: لو خلّف عمّا و عمّة و خالا و خالة و أوصى لأقاربه، فالوصيّة بينهم أرباعا عندنا و عند الشافعي(4).

و قال أبو حنيفة: تكون الوصيّة للعمّ و العمّة على السواء؛ لاستواء قرابتهما، و قرابة العمومة أولى من قرابة الخؤولة، و العمّة و إن لم تكن وارثة عنده فهي مستحقّة للوصيّة، كما لو كان القريب رقيقا أو كافرا(5).

د: لو أوصى لذي قرابته، لم يشترط فيه الجمع - و به قال أبو حنيفة -5.

ص: 183


1- مختصر اختلاف العلماء 2178/39:5، مختصر القدوري: 244، المبسوط - للسرخسي - 156:27، تحفة الفقهاء 212:3، الفتاوى الولوالجيّة 389:5، بدائع الصنائع 349:7، شرح الزيادات 1605:5، الهداية - للمرغيناني - 4: 250، الاختيار لتعليل المختار 112:5، المغني 580:6.
2- المبسوط - للسرخسي - 156:27، تحفة الفقهاء 212:3، الفتاوى الولوالجيّة 389:5، بدائع الصنائع 349:7، شرح الزيادات 1605:5، الهداية - للمرغيناني - 250:4، الاختيار لتعليل المختار 112:5.
3- مختصر اختلاف العلماء 2178/39:5، المبسوط - للسرخسي - 156:27، تحفة الفقهاء 213:3، بدائع الصنائع 349:7، الهداية للمرغيناني - 250:4، الاختيار لتعليل المختار 112:5.
4- راجع: نهاية المطلب 308:11.
5- شرح الزيادات 1606:5، الهداية - للمرغيناني - 250:4، الاختيار لتعليل المختار 112:5.

لاستحقاق الكلّ، حتى لو كان له عمّ و خالان فكلّه للعمّ عند أبي حنيفة؛ لأنّ اللفظ للمفرد، فيحرز(1) العمّ الكلّ؛ لأنّه أقرب عنده(2) ، و عندنا يشتركون أو يخصّص الوارث من شاء.

ه: لو أوصى لأقارب زيد، دخل فيه ورّاث زيد إجماعا.

و لو أوصى لأقارب نفسه، فكذلك عندنا؛ لصحّة الوصيّة للوارث عندنا.

و هو أحد وجهي الشافعيّة؛ لتناول الاسم لهم، و وقوعه عليهم كوقوعه على غير الوارث، ثمّ يبطل نصيبهم عنده، و يصحّ الباقي لغير الورثة، و الثاني: أنّهم لا يدخلون؛ لقرينة الشرع؛ لأنّ الوارث لا يوصى له خاصّة، فلا يدخل في عموم اللفظ، فعلى هذا تختصّ الوصيّة بالباقين.

و هذا الثاني إنّما يتمّ على أحد قولي الشافعي: إنّ الوصيّة للوارث باطلة، أمّا إذا قلنا: إنّها تقف على الإجازة - كالقول الثاني له - فإنّه يتعيّن الوجه الأوّل(3).

مسألة 101: إذا أوصى لأقاربه أو أقارب زيد،

دخل فيه الأصول و الفروع عندنا - و هو أحد وجوه الشافعيّة(4) - لتناول الاسم لهم.

و الثاني: أنّ الأبوين و الأولاد لا يدخلون، و يدخل الأحفاد و الأجداد

ص: 184


1- في «ر، ل» و الطبعة الحجريّة: «فيحوز».
2- مختصر اختلاف العلماء 2178/39:5، شرح الزيادات 1607:5، الهداية - للمرغيناني - 250:4، الاختيار لتعليل المختار 112:5.
3- الوجيز 277:1، الوسيط 452:4، العزيز شرح الوجيز 98:7-99، روضة الطالبين 160:5.
4- الوجيز 277:1، الوسيط 451:4، العزيز شرح الوجيز 99:7، روضة الطالبين 160:5.

- و به قال أبو حنيفة(1) و أبو إسحاق من الشافعيّة - لأنّ الوالد و الولد لا يعرفان بالقريب في العرف، بل القريب من ينتمي إليه بواسطة(2)العزيز شرح الوجيز 99:7، روضة الطالبين 160:5-161.(3).

و هو خطأ؛ لأنّه لو أوصى لأقرب الأقارب، دخل الأبوان و الولد إجماعا، فكيف يكون الشخص من أقرب الأقارب و لا يكون من الأقارب!؟

و الثالث: أنّه لا يدخل واحد من الأصول و الفروع؛ إذ لا يسمّون أقارب(4).

و الأظهر عندهم: الوجه الثاني من الوجوه، حتى أنّ بعض الشافعيّة ادّعى إجماع أصحابه على عدم دخول الآباء و الأولاد(4).

و الحقّ ما قلنا نحن أوّلا.

مسألة 102: لو أوصى لأقاربه،

فقد قلنا: إنّه يصرف إلى المعروفين بنسبه.

و قالت الشافعيّة: يعتبر أقرب جدّ ينسب إليه الرجل و يعدّ أصلا و قبيلة في نفسه، فيرتقى في بني الأعمام إليه، و لا يعتبر من [فوقه](5) ، حتى لو أوصى لأقارب حسنيّ أو أوصى حسنيّ لأقارب نفسه، لم يدخل الحسينيّون في الوصيّة، و كذلك وصيّة المأمونيّ لأقاربه، و الوصيّة لأقارب

ص: 185


1- مختصر القدوري: 243-244، المبسوط - للسرخسي - 155:27، روضة القضاة 3928/696:2، تحفة الفقهاء 212:3، الفقه النافع 1419:3 - 1187/1420، بدائع الصنائع 348:7، الهداية - للمرغيناني - 249:4، الاختيار لتعليل المختار 111:5، العزيز شرح الوجيز 99:7.
2- نفس المصادر في الهامش
3- من ص 184.
4- نفس المصادر في الهامش (4) من ص 184.
5- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «قومه»، و في الطبعة الحجريّة: «قوم». و الصواب ما أثبتناه من المصدر.

المأمونيّ لا يدخل فيها أولاد المعتصم و سائر العبّاسيّة(1).

و الوصيّة من العجم و العرب واحدة.

و قالت الشافعيّة: وصيّة العجم تدخل فيها قرابة الأب و الأم، و في وصيّة العرب و جهان:

أحدهما: أنّ قرابة الأمّ لا تدخل - و به قال أحمد - لأنّ العرب لا تعدّها قرابة، و لا تفتخر بها، و إنّما تفتخر بمن ينتمي إليهم من جهة الأب.

و الثاني - و به قال أبو حنيفة -: أنّهم يدخلون - كما ذهبنا نحن إليه - كما في وصيّة العجم(2).

تذنيب: قال الشيخ رحمه اللّه في النهاية: إذا أوصى لأقاربه، دخل فيه كلّ من تقرّب إليه إلى آخر أب و أمّ في الإسلام(3).

و هذا يعطي اشتراط إسلام أقصى الأب.

و للحنفيّة قولان، أحدهما: هذا، و الثاني: أنّه لا يشترط، لكن يشترط إدراكه الإسلام(4).

و يحتمل كلام الشيخ هذا أيضا، فلا يدخل أولاد عبد المطّلب على القولين في وصيّة العلويّ لذوي قرابته؛ لأنّه لم يدرك الإسلام، و يدخل فيه أولاد عقيل و أولاد جعفر.

مسألة 103: لو أوصى فقال: أوصيت لأقاربي،

أو لقرابتي، أو لذي

ص: 186


1- العزيز شرح الوجيز 99:7، روضة الطالبين 161:5.
2- نهاية المطلب 300:11-301، الوجيز 277:1، التهذيب - للبغوي - 5: 78، العزيز شرح الوجيز 100:7، روضة الطالبين 161:5.
3- النهاية: 614.
4- شرح الزيادات 1601:5، الهداية - للمرغيناني - 249:4-250.

قرابتي، أو لذي رحمي، لم يكن فرق في جميع ما ذكرنا من هذه الألفاظ، لكن قرابة الأم تدخل في ذي الرحم إجماعا في وصيّة العرب و العجم جميعا؛ لأنّ لفظ الرحم لا يختصّ بطرف الأب.

و إذا لم يوجد إلاّ قريب واحد، صرف المال إليه إن أوصى لذي قرابته، أو لذي رحمه، أو لقرابته، فإنّ القرابة مصدر يوصف بها الواحد و الجمع.

أمّا إذا كان اللفظ: «لأقاربي» أو «لأقربائي» أو «ذوي قرابتي» أو «ذوي رحمي» فوجهان للشافعيّة في أنّه هل يكون الكلّ له ؟

أظهرهما عندهم: نعم؛ لأنّ الجمع ليس مقصودا هنا، و إنّما المقصود الصرف إلى جهة القرابة.

و يشكل بأنّه لو كان كذلك لما وجب الاستيعاب، كالوصيّة للفقراء.

و على القول بأنّه لا يكون الجميع لذلك الواحد فله(1) الثّلث، و يبطل الباقي(2).

و لهم وجه آخر: أنّه يكون له النصف(3) ، و به قال أبو حنيفة(4).

و لو كان هناك جماعة محصورون، فالأقوى: أنّه يقسّم المال بينهم بالسويّة.

و لا بدّ من استيعابهم، و به قال الشافعي(5).

خلافا لأبي حنيفة؛ حيث جوّز صرف المال إلى ثلاثة منهم(6).

و للشافعيّة وجه آخر مثله(7).5.

ص: 187


1- في «ر»: «يكون له» بدل «فله».
2- العزيز شرح الوجيز 100:7، روضة الطالبين 161:5.
3- العزيز شرح الوجيز 100:7، روضة الطالبين 161:5.
4- لم نعثر على قوله في مظانّه.
5- العزيز شرح الوجيز 100:7، روضة الطالبين 161:5.
6- العزيز شرح الوجيز 100:7.
7- العزيز شرح الوجيز 100:7، روضة الطالبين 161:5.

و لو كانوا غير محصورين، كالوصيّة للعلويّة و القبائل العظيمة، فلا يجب الاستيعاب.

مسألة 104: لو أوصى لأقرب أقاربه أو لأقرب أقارب زيد أو أقرب الناس إليه أو أقربهم به رحما،

لم يدفع إلى الأبعد مع وجود الأقرب، فيقدّم الأب على كلّ من أدلى به من الأجداد و الإخوة و الأعمام، و كذا تقدّم الأمّ على كلّ من يدلي بها منهم، و يقدّم الابن على كلّ من أدلى به و على كلّ من يدلي بالأب.

و لا خلاف في دخول الأبوين و كذا الولد.

و لو اجتمع الأبوان و الولد، تساووا في الاستحقاق؛ لأنّ كلّ واحد من هؤلاء يدلي بنفسه من غير واسطة - و هو أحد قولي الشافعي(1) - لاستوائهما في الرتبة، و على هذا يقدّم الأب على ابن الابن.

و الثاني: أنّه يقدّم الابن على الأبوين؛ لقوّة إرثه و عصوبته، فإنّه يسقط تعصيب الأب(2).

و الأوّل أولى عند أحمد؛ لأنّ إسقاطه تعصيبه لا يمنع مساواته في القرب، و لا يصيّره أقرب منه؛ بدليل أنّ ابن الابن يسقط تعصيبه مع بعده(3).

و على هذا القول للشافعي فالأولاد مقدّمون على من عداهم مطلقا، ثمّ يليهم البطن الثاني أولاد الأولاد، ثمّ البطن الثالث إلى حيث انتهوا، فيقدّم ابن ابن الابن و إن نزل عدّة مراتب على الأبوين(4).

و الحقّ خلافه، بل يقدّم الأب؛ لأنّه يدلي بنفسه و يلي ابنه من غير

ص: 188


1- التهذيب - للبغوي - 79:5، العزيز شرح الوجيز 101:7، روضة الطالبين 162:5.
2- التهذيب - للبغوي - 79:5، العزيز شرح الوجيز 101:7، روضة الطالبين 162:5.
3- المغني 580:6.
4- التهذيب - للبغوي - 79:5، العزيز شرح الوجيز 101:7، روضة الطالبين 162:5.

حاجب، و لا يسقط ميراثه بحال، بخلاف ابن الابن.

فروع:

أ: يستوي أولاد البنين و أولاد البنات، و به قال الشافعي(1).

و هو ينقض عليهم ما ذكروه من تقديم الابن على الأب؛ لأنّ قوّة الإرث و العصوبة في الابن إذا اقتضت تقدّمه على الأب فهلاّ اقتضى أصل الإرث و العصوبة في أولاد البنين تقدّمهم على أولاد البنات ؟(2).

ب: الأب و الأمّ سواء في هذه الوصيّة، و كذا الابن و البنت، و الجدّ أبو الأب مساو للجدّ أبي الأمّ، و كذا أبو الأمّ و أمّ الأمّ و أمّ الأب كلّهم سواء، ثمّ من بعد الأولاد أولاد البنين و إن سفلوا الأقرب فالأقرب، الذكور و الإناث سواء، و كذا أولاد البنات عندنا.

ج: لو لم يكن أحد من الأولاد و الأحفاد و الأبوين، قدّم الأجداد و الجدّات و الإخوة و الأخوات الأقرب فالأقرب.

و قالت الشافعيّة: إذا لم يوجد أحد من الأولاد و الأحفاد قدّم الأبوان و بعدهما الأجداد و الجدّات إن لم توجد الإخوة و الأخوات على شرط تقديم الأقرب فالأقرب منهم، أو الإخوة و الأخوات إن لم توجد الأصول(3).

و إن اجتمع الجدّ و الأخ، فأظهر الطريقين عندهم: أنّ المسألة على قولين:

أحدهما: أنّهما يستويان؛ لاستوائهما في الدرجة.

و أصحّهما: تقديم الأخ؛ لقوّة البنوّة.5.

ص: 189


1- التهذيب - للبغوي - 79:5، العزيز شرح الوجيز 101:7، روضة الطالبين 162:5.
2- التهذيب - للبغوي - 79:5، العزيز شرح الوجيز 101:7، روضة الطالبين 162:5.
3- العزيز شرح الوجيز 101:7، روضة الطالبين 162:5.

و هما كالقولين فيما إذا اجتمع جدّ المعتق و أخوه.

و الطريق الثاني: القطع بالقول الثاني.

و على القول بالتسوية فالجدّ أولى من ابن الأخ؛ لقربه(1) ، و هو مذهبنا أيضا.

و لو قدّم الأخ على الجدّ - كما ذهبوا إليه - قدّم ابن الأخ و إن سفل على الجدّ(2).

د: ابن الأخ و أبو الجدّ متساويان، و هو أحد قولي الشافعيّة(3).

و الظاهر تقديم ابن الأخ عندهم، ثمّ يقدّم بعد الأجداد و الجدّات إذا لم يكن إخوة و أخوات، و أولاد الإخوة و الأخوات، ثمّ الأعمام و العمّات، و يساويهم الأخوال و الخالات، ثمّ أولاد العمومة و العمّات و أولاد الخؤولة و الخالات(4).

و قالت الحنابلة: بعد الأولاد أولاد البنين و إن سفلوا، الأقرب فالأقرب، الذكور و الإناث، و في أولاد البنات لهم وجهان؛ بناء على دخولهم في الوقف، ثمّ من بعد الولد الأجداد، الأقرب فالأقرب؛ لأنّهم العمود الثاني، ثمّ الإخوة و الأخوات؛ لأنّهم من ولد الأب أو من ولد الأمّ، و أولادهم و إن سفلوا، و لا شيء لأولاد الأخوات على تقدير القول بعدم دخول ولد البنات، و الأخ للأب أولى من ابن الأخ للأبوين - و هو مذهبنا - كما في الميراث، ثمّ من بعدهم الأعمام، ثمّ بنوهم و إن سفلوا، و يستوي العمّ من الأب و العمّ من الأمّ، و كذا [أبناؤهما](5) ثمّ على هذا الترتيب.ر.

ص: 190


1- العزيز شرح الوجيز 102:7، روضة الطالبين 162:5.
2- العزيز شرح الوجيز 102:7، روضة الطالبين 162:5.
3- العزيز شرح الوجيز 102:7، روضة الطالبين 162:5.
4- العزيز شرح الوجيز 102:7، روضة الطالبين 162:5.
5- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «أبناؤهم». و المثبت كما في المصدر.

و هذا على الرواية التي تضمّنت جعل القرابة فيها كلّ من يقع عليه اسم القرابة، فأمّا على الرواية التي خصّصت القرابة بمن كان من أولاد الآباء فلا تدخل فيه الأمّ و لا أقاربها؛ لأنّ من لم يكن من القرابة لم يكن من أقرب القرابة، فعلى هذه الرواية تتناول الوصيّة من كان أقرب من أولاد الموصي و أولاد آبائه إلى أربعة آباء(1).

ه: الأخ من الأبوين أقرب من الأخ من الأب خاصّة، و لهذا قدّم عليه في الميراث.

و هل هو أقرب من الأخ من الأمّ؟ الأقوى ذلك و إن شاركه في الميراث.

و للشافعيّة قولان، أحدهما: أنّ الأخ من الجهتين يقدّم على الأخ من جهة واحدة؛ لزيادة قرابته(2).

و قال بعض الشافعيّة: إنّ للشافعي قولين، كما في ولاية التزويج(3).

و: الأخ من الأب و الأخ من الأمّ متساويان، و كذا القول في أولاد الإخوة و أولاد الأعمام و الأخوال، و مشاركة الأخ من الأمّ للأخ من الأبوين دون الأخ من الأب معارضة بكثرة نصيبه.

ز: في تقديم الجدّة من الجهتين على الجدّة من جهة واحدة إشكال، أقربه: العدم، كما في الإخوة.

و للشافعيّة و جهان، كالوجهين في الميراث: أنّ السدس بينهما، أم يفضّل صاحب الجهتين ؟(4).5.

ص: 191


1- المغني 581:6. (2الى4) العزيز شرح الوجيز 102:7، روضة الطالبين 162:5.

و يخرّج للشافعيّة ممّا قالوه أنّه إذا اجتمع أولاد إخوة متفرّقين و أولاد أخوات متفرّقات، فالمال لولد الأخ من الأبوين و ولد الأخت من الأبوين، و إن لم يوجد أولاد الإخوة و الأخوات من الأبوين فأولادهم من الأب و أولادهم من الأمّ سواء.

هذا إذا استوت الدرجة، فإن اختلفت قدّم الأقرب منهم من أيّ جهة كان، حتى لا يقدّم ابن ابن الأخ من الأبوين على الأخ من الأب و لا على ابنه، بل يقدّمان عليه، و كذا يقدّم الأخ من الأمّ و ابنه؛ لأنّ جهة الأخوّة واحدة، فيراعى قرب الدرجة.

و أمّا إذا اختلفت الجهة، فالبعيد من الجهة القريبة مقدّم على القريب من الجهة البعيدة، فيقدّم ابن ابن ابن الابن و إن نزل على الأخ، و ابن ابن ابن الأخ و إن سفل على العمّ.

و لا يرجّح في هذا الباب بالذكورة، و لا ينظر إلى الورثة، بل يستوي في الاستحقاق الأب و الأمّ و الابن و البنت و الأخ و الأخت، و يقدّم ابن البنت على ابن ابن الابن؛ لأنّ الاستحقاق منوط بزيادة القرب(1).

ح: العمّ من الأب لا يرث مع ابن العمّ من الأبوين على ما نصّ عليه علماؤنا أجمع.

و هل يحرم العمّ من الأب في الوصيّة بابن العمّ من الأبوين ؟ الأقرب:

المنع، و حرمانه في الإرث قضيّة خاصّة لا تتعدّى؛ لأنّها مخالفة للقياس.

مسألة 105: إذا أتى في وصيّته بلفظ الجمع،

فإن كان ممّا يعمّ وجب فيه الاستيعاب مع الحصر و إمكانه، و إن كان ممّا لا يعمّ أو لم يمكن الاستيعاب؛ لعدم الحصر، وجب صرفه إلى من يصدق اسم الجمع فيه،

ص: 192


1- العزيز شرح الوجيز 102:7، روضة الطالبين 162:5-163.

و هو إمّا ثلاثة على الأقوى، أو اثنان على الخلاف.

إذا عرفت هذا، فإذا أوصى لجماعة من أقرب أقاربه أو أقرب أقارب زيد، فلا بدّ من الصرف إلى ثلاثة، فإن كان في الدرجة القريبة ثلاثة دفع إليهم، و إن كانوا أكثر من ثلاثة فالأقرب: عدم وجوب التعميم؛ لأنّ الجماعة تحصل بثلاثة، فيختار الوصي ثلاثة منهم، كما لو أوصى للفقراء، و هو أحد وجهي الشافعيّة، و الثاني: أنّه يجب التعميم، و إلاّ صارت الوصيّة لغير معيّن، بخلاف الوصيّة للفقراء؛ لأنّ المرعيّ هناك جهة الفقر، و لأنّ الاسم يتناول الجميع على السواء، فلا وجه للترجيح بالبعض(1).

و إن كانوا دون الثلاثة، تمّمنا الثلاثة ممّن يليهم، فإن كان له ابنان و ابن ابن دفع إليهم، و إن كان له ابن و ابن ابن و ابن ابن ابن، دفع إليهم، و إن كان له ابن و ابنا ابن دفع إليهم، و هو قول الشافعيّة(2).

و يحتمل بطلان الوصيّة في حصّة البعيد، فلو كان له ابن و ابنا ابن دفع إلى الابن الثّلث، و بطل الثّلثان، كما لو أوصى لجماعة من العلماء، و ليس إلاّ عالم واحد، فإنّه تصحّ الوصيّة في الثّلث خاصّة.

و لو كان له ابن و ابن ابن و ابنا ابن ابن، فللشافعيّة و جهان:

أحدهما: أنّه يدفع إلى الابن و ابن الابن و واحد من الذين هم في الدرجة الثالثة.

و الثاني: أنّه يدفع إلى الجميع.

و على الدفع إلى الجميع فالقياس التسوية بين كلّ المدفوع إليهم، و هو أحد وجهي الشافعيّة، و الثاني: أنّ الثّلث لمن في الدرجة الأولى،

ص: 193


1- العزيز شرح الوجيز 103:7، روضة الطالبين 163:5.
2- العزيز شرح الوجيز 103:7، روضة الطالبين 163:5.

و الثّلث لمن في الثانية، و الثّلث لمن في الثالثة(1).

و قال بعضهم: إنّها وصيّة لغير معيّن؛ لأنّ لفظ الجماعة منكر، فصار كما لو أوصى لأحد الرجلين أو لثلاثة [لا](2) على التعيين من جماعة معيّنين(3).

و لو كانت الوصيّة لأقرب أقارب نفسه، فالترتيب على ما تقدّم.

لكن لو كان الأقرب وارثا صرف إلى من يليه ممّن ليس بوارث عند العامّة القائلين بمنع الوصيّة للوارث(4).

و عندنا أنّ الإرث لا يمنع الوصيّة، فيكون للوارث.

مسألة 106: إذا أوصى لجماعة من أقرب أقاربه و كان له ابن و أخ و عمّ لا غير،

فالوصيّة بينهم أثلاثا على إشكال.

و كذا لو كان له ابن و أخوان.

و إن كان له ابن و ثلاثة إخوة، دخل جميعهم في الوصيّة، و ينبغي أن يكون للابن ثلث الوصيّة، و لهم ثلثاها.

و إن كان الابن وارثا صحّت عندنا، سواء أجاز باقي الورثة أو لا إذا لم يزد على الثّلث، خلافا للعامّة(5).

و لو أوصى لعصبته، فهو لمن يرثه بالتعصيب في الجملة، سواء كانوا ممّن يرث في الحال أو لم يكن، و سواء القريب منهم و البعيد؛ لشمول اللفظ لهم، و لا خلاف في أنّهم لا يكونون من جهة الأمّ.

مسألة 107: لو أوصى لآله أو لآل غيره،

صحّت الوصيّة، و صرفت

ص: 194


1- العزيز شرح الوجيز 103:7، روضة الطالبين 163:5.
2- ما بين المعقوفين أثبتناه من العزيز شرح الوجيز.
3- العزيز شرح الوجيز 103:7، روضة الطالبين 163:5.
4- العزيز شرح الوجيز 103:7، روضة الطالبين 163:5.
5- المغني 582:6، الشرح الكبير 524:6.

إلى قرابته؛ قضيّة للعرف.

قال زيد بن أرقم: آل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله أصله و عشيرته الذين حرموا الصدقة بعده: آل عليّ عليه السّلام و آل العبّاس و آل جعفر و آل عقيل(1).

و أصل «آل»: «أهل» قلبت الهاء همزة.

و آل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله قرابته، كبني هاشم و بني المطّلب، و هو أحد وجهي الشافعيّة، و الثاني: أنّه جميع أمّته، و الأصحّ عندهم: الأوّل(2).

و عن مالك: أنّ آله أصحابه(3).

فلو أوصى لآل غير النبيّ صلّى اللّه عليه و اله، صحّ عندنا - و هو أحد قولي الشافعيّة(4) - لظهور أصل له في الشرع، و الثاني: بطلان الوصيّة؛ لإبهام اللفظ و تردّده بين القرابة و أهل الدين و غيرهما(5).

و على الأوّل - و هو الصحّة - يحتمل عندهم أن يكون كالوصيّة للقرابة، و أن يفوّض إلى اجتهاد الحاكم(6).

فإن كان هناك وصيّ، احتمل اتّباع رأيه؛ حيث جعل الأمر إليه، و هو أحد وجهي الشافعيّة، و الثاني: اتّباع رأي الحاكم(7).

و ينبغي أن يتّبع الحاكم و الوصيّ معا مراد الموصي إن ظهر لهما بقرينة5.

ص: 195


1- المغني 583:6.
2- الزاهر في غريب ألفاظ الشافعي (مقدّمة الحاوي الكبير): 227، الحاوي الكبير 517:7، نهاية المطلب 311:11، بحر المذهب 186:2، البيان 236:2، العزيز شرح الوجيز 534:1، و 104:7، روضة الطالبين 368:1، و 163:5، المجموع 466:3، صحيح مسلم بشرح النووي 124:4.
3- نهاية المطلب 311:11، العزيز شرح الوجيز 104:7.
4- نهاية المطلب 312:11، العزيز شرح الوجيز 104:7، روضة الطالبين 5: 163-164.
5- نهاية المطلب 312:11، العزيز شرح الوجيز 104:7، روضة الطالبين 5: 163-164.
6- نهاية المطلب 312:11، العزيز شرح الوجيز 104:7، روضة الطالبين 164:5.
7- نهاية المطلب 312:11، العزيز شرح الوجيز 104:7، روضة الطالبين 164:5.

حال و شبهها، و لا يتّبعان أظهر معاني اللفظ بالوضع أو الاستعمال، إلاّ مع عدم التمكّن من معرفة مراده.

مسألة 108: لو أوصى لأهل بيته،

صرف إلى أقاربه من قبل الأب و من قبل الأمّ، فيعطى الأبوان و آباؤهم من الجدّات و الأجداد، و أبناؤهم من الأعمام و الأخوال ذكورهم و إناثهم، و يعطى الأولاد و أولاد الأولاد الذكور و الإناث، و بالجملة، كلّ من يعرف بقرابته.

و قال أحمد بذلك، قال ابن المنذر: إنّه إذا أوصى بثلث ماله لأهل بيته، كان بمثابة قوله: لقرابتي، عند أحمد(1).

قال أحمد: قال النبيّ صلّى اللّه عليه و اله: «لا تحلّ الصدقة لي و لأهل بيتي» فجعل سهم ذي القربى لهم عوضا من الصدقة التي حرّمت عليهم، فكان ذوو القربى الذين سمّاهم اللّه تعالى هم أهل بيته الذين حرّمت عليهم الصدقة.

و ذكر حديث زيد بن أرقم: أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و اله قال: «أذكّركم اللّه في أهل بيتي» قال(2): قلنا: من أهل بيته ؟ نساؤه ؟ قال(3): لا، أصله و عشيرته الذين حرّمت عليهم الصدقة بعده: آل عليّ و آل عقيل و آل جعفر و آل العباس(4).

قال ثعلب: أهل البيت عند العرب آباء الرجل و أولادهم، كالأجداد و الأعمام و أولادهم، و يستوي فيه الذكور و الإناث(5).

ص: 196


1- المغني 582:6، الشرح الكبير 253:6.
2- القائل هو حصين بن سبرة - سمرة -، راجع: صحيح مسلم 2408/1873:4، و السنن الكبرى - للنسائي - 8175/51:5-3، و صحيح ابن خزيمة 62:4 - 2357/63، و السنن الكبرى - للبيهقي - 148:2، و 30:7-31.
3- القائل هو زيد بن أرقم، راجع الهامش السابق.
4- المغني 582:6، الشرح الكبير 253:6.
5- عنه في المغني 582:6-583، و الشرح الكبير 253:6.

قال بعض الحنابلة: إنّ أولاد الرجل لا يدخلون في اسم القرابة و لا أهل بيته(1).

و خطّأه باقيهم؛ لأنّ ولد النبيّ صلّى اللّه عليه و اله من أهل بيته و أقاربه الذين حرموا الصدقة و أعطوا من سهم ذي القربى و هم من أقرب أقاربه، فكيف لا يكونون من أقاربه ؟ و قد قال النبيّ صلّى اللّه عليه و اله لفاطمة و ولديها و زوجها عليهم السّلام:

«اللّهمّ هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس و طهّرهم تطهيرا»(2)(3).

و روى العامّة في الصحاح عن النبيّ صلّى اللّه عليه و اله أنّه قال لعليّ و فاطمة و الحسن و الحسين عليهم السّلام: «اللّهمّ هؤلاء أهل بيتي»(4).

و لو وقف على أقارب رجل أو وصّى لأقاربه، دخل فيه ولده بغير خلاف نعلمه.

قال بعضهم: لا يجاوز به أربعة آباء؛ لأنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و اله لم يجاوز بني هاشم بسهم ذي القربى، فجعل هاشما الأب الرابع، و إنّما يكون رابعا لو كان للنبيّ صلّى اللّه عليه و اله ابن؛ لأنّ هاشما إنّما هو رابع النبيّ صلّى اللّه عليه و اله(5).

و عند الشافعيّة لو أوصى الرجل لأهل بيته وجهان:

أحدهما: الحمل على ما يحمل عليه الآل.6.

ص: 197


1- المغني 583:6، الشرح الكبير 253:6.
2- مسند أحمد 415:7-25969/416، الجامع الصحيح (سنن الترمذي) 5: 3205/351، و 3787/663، السنن الكبرى - للنسائي - 112:5-8409/113، المعجم الكبير - للطبراني - 47:3-2666/48، و 2668/49، و 25:9 - 8295/26، و 65:22-159/66.
3- المغني 583:6، الشرح الكبير 253:6-254.
4- أورده الحاكم النيسابوري في المستدرك على الصحيحين 416:2، و 147:3، و راجع أيضا: الهامش (2).
5- المغني 583:6، الشرح الكبير 254:6.

و الثاني: دخول الزوجة أيضا، و هو أشبه عندهم(1).

و في أهله دون لفظ البيت و جهان للشافعيّة:

أحدهما: الحمل على الزوجة خاصّة، و به قال أبو حنيفة(2) ؛ لقوله تعالى: قالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا (3) و المراد امرأته، و يقال: تأهّل، أي: تزوّج.

و الثاني: على كلّ من تلزمه نفقته؛ لقوله تعالى: فَأَنْجَيْناهُ وَ أَهْلَهُ إِلاَّ امْرَأَتَهُ (4) و المراد من كان في عياله، فعلى الأوّل لو صدرت الوصيّة من امرأة بطلت(5).

مسألة 109: لو أوصى لآباء فلان،

دخل فيه أجداده من الجهتين، و لو أوصى لأمّهات فلان، دخل فيه جدّاته من الجهتين، و به قال بعض الشافعيّة(6).

و حكى بعضهم عن أصحاب الرأي أنّ الأجداد من جهة الأمّ لا يدخلون في الآباء، و الجدّات من جهة الأب لا يدخلن في الأمّهات(7).

و جعل الجويني المذهبين وجهين، و رأى الأظهر ما نسب إلى أهل الرأي(8).

ص: 198


1- نهاية المطلب 312:11، العزيز شرح الوجيز 104:7، روضة الطالبين 164:5.
2- تحفة الفقهاء 213:3، الفتاوى الولوالجيّة 391:5، بدائع الصنائع 350:7، الهداية - للمرغيناني - 250:4، الاختيار لتعليل المختار 110:5.
3- سورة القصص: 29.
4- سورة الأعراف: 83.
5- نهاية المطلب 312:11-313، العزيز شرح الوجيز 104:7-105، روضة الطالبين 164:5.
6- العزيز شرح الوجيز 105:7، روضة الطالبين 164:5.
7- العزيز شرح الوجيز 105:7.
8- نهاية المطلب 315:11، العزيز شرح الوجيز 105:7، روضة الطالبين 164:5.

و لا خلاف في شمول الأجداد و الجدّات الجهتين.

و لو أوصى لجنسه أو لأهل بيته أو لآله، دخل فيه كلّ من ينسب إليه من قبل آبائه و أمّهاته إلى أقصى أب و أمّ له في الإسلام؛ عملا بالعرف.

و في اشتراط القرابة في الجنس إشكال.

و قالت الحنفيّة: لو أوصى لجنسه أو لأهل بيته أو لآله، دخل فيه كلّ من ينتسب إليه من قبل آبائه إلى أقصى أب له في الإسلام، الأقرب و الأبعد و الذكر و الأنثى و المسلم و الكافر و الصغير و الكبير سواء، و لا يدخل فيه أولاد البنات و أولاد الأخوات و لا أحد من أيتام الموصي؛ لأنّهم لا ينتسبون إلى أب الموصي الأكبر، و إنّما ينتسبون إلى آبائهم، فكانوا من جنس آخر أو من أهل بيت آخر؛ لأنّ النسب يعتبر من الآباء، و الأب الأكبر لو كان حيّا لا يدخل تحت الوصيّة؛ لأنّ هذه الوصيّة للمضاف لا للمضاف إليه(1).

و لو أوصت المرأة لجنسها أو لأهل بيتها، قالت الحنفيّة: لا يدخل ولدها؛ لأنّ ولدها ينسب إلى أبيه، لا إلى أبيها الأكبر، إلاّ أن يكون أبوه من قومها(2).

و لو أوصى لبني فلان، فالأقرب: دخول الإناث - و به قال محمّد بن الحسن و أبو حنيفة أوّلا(3) - لتناول الاسم الجميع، قال اللّه تعالى: وَ إِنْ كانُوا إِخْوَةً رِجالاً وَ نِساءً (4).

و قال أبو حنيفة أخيرا و أبو يوسف: لا تدخل فيه الإناث؛ عملا6.

ص: 199


1- شرح الزيادات 1608:5-1609.
2- شرح الزيادات 1609:5.
3- الفتاوى الولوالجيّة 391:5، بدائع الصنائع 344:7، الهداية - للمرغيناني - 4: 251.
4- سورة النساء: 176.

بالحقيقة(1).

هذا إذا كانوا محصورين، و أمّا إن كان بنو فلان اسم قبيلة أو فخذ، فإنّه يدخل فيه الذكور و الإناث إجماعا.

و لا يدخل فيه مولى العتاقة و الموالاة؛ لعدم تناولهم عرفا و حقيقة.

و قالت الحنفيّة: يدخلون؛ لأنّ المراد الانتساب، كما في: بني آدم(2).

و هو ممنوع.

و لو أوصى لولد فلان، فالوصيّة للذكر و الأنثى على السواء؛ لشمول اسم الولد لهما.

مسألة 110: و لو أوصى لورثة فلان،

صحّت، و دخل فيه كلّ من يرثه ذكرا و أنثى بنسب أو سبب بالسويّة، سواء تفاوتت الورثة في الميراث، كابن و بنت، أو اتّفقوا، كابنين أو بنتين، و لا يعتبر تفاوتهم في الإرث.

و قالت الحنفيّة: الوصيّة بينهم للذكر مثل حظّ الأنثيين، كما في الإرث(3). و ليس بمعتمد.

و لو لم يكن له وارث خاصّ و صرف ماله إلى بيت المال، بطلت الوصيّة عند الشافعيّة(4).

و أمّا على مذهبنا فمقتضاه أنّه يكون للإمام؛ لأنّه وارث من لا وارث

ص: 200


1- الفتاوى الولوالجيّة 391:5، بدائع الصنائع 344:7، الهداية - للمرغيناني - 4: 251.
2- الفتاوى الولوالجيّة 390:5، الهداية - للمرغيناني - 251:4، الاختيار لتعليل المختار 114:5.
3- الهداية - للمرغيناني - 251:4، الاختيار لتعليل المختار 115:5.
4- نهاية المطلب 325:11، العزيز شرح الوجيز 106:7، روضة الطالبين 5: 165.

له، فهو وارث خاصّ.

و لو لم يكن له إلاّ بنت واحدة، صرف إليها؛ لصدق الاسم عليها، و المال بأسره لها.

و قالت الشافعيّة: إن لم يحكم بالردّ ففي استحقاقها لجميع الوصيّة أم لبعضها و جهان، أصحّهما عندهم: الأوّل(1).

و لو مات الموصي، و الذي أوصى لورثته أو لعقبه حيّ، فللشافعيّة قولان، أشهرهما(2) عندهم: بطلان الوصيّة؛ لأنّ الإنسان لا يرثه، و لا يعقبه أحد و هو حيّ(3).

و قال بعضهم: تصحّ الوصيّة في لفظ العقب إن كان له أولاد؛ لأنّهم يسمّون أعقاب الشخص في حياته، قال: و مثل هذا يحتمل في لفظ الورثة، فعلى هذا يوقف إلى أن يموت فيتبيّن من يرثه(4).

و الأقرب عندي: الصحّة؛ لأنّ الظاهر أنّ مراده من يرثه بعد موته، فيصرف اللفظ إليه عرفا.

مسألة 111: لو أوصى لأولاده،

دخل فيه الذكور و الإناث بالسويّة.

و هل يدخل أولاد الأولاد؟ الأقرب: المنع - و هو أصحّ وجهي الشافعيّة(5) - لأنّ اسم الولد إنّما هو حقيقة في الولد للصلب، و لهذا يصحّ

ص: 201


1- العزيز شرح الوجيز 106:7، روضة الطالبين 165:5.
2- في الطبعة الحجريّة: «أشبههما» بدل «أشهرهما».
3- نهاية المطلب 324:11، العزيز شرح الوجيز 106:7، روضة الطالبين 165:5.
4- الجويني في نهاية المطلب 324:11-325، و عنه في العزيز شرح الوجيز 7: 106، و روضة الطالبين 165:5.
5- نهاية المطلب 316:11، و ذكره الرافعي في العزيز شرح الوجيز 278:6، -

سلبه عن ولد الولد، فيقال: إنّه ليس ولده، بل ولد ولده.

و الثاني للشافعيّة: أنّه يدخل؛ لصدقه عليه، كما في قوله تعالى:

يا بَنِي آدَمَ (1) (2) .

و على القول بدخول أولاد الأولاد فالأقرب: دخول أولاد البنات أيضا.

و للشافعيّة على تقدير القول بالدخول و جهان(3).

و لو أوصى لأولاده، و ليس له إلاّ أولاد أولاد، فالأقرب: صرف الوصيّة إليهم؛ لأنّه قد يستعمل فيهم مجازا أو حقيقة على الخلاف، و عند القائلين بالمجاز إذا تعذّر حمله على الحقيقة صرف إلى المجاز إجماعا؛ صونا لكلام المكلّف عن الإلغاء.

و كذا لو أوصى لأولاده و أولاد أولاده، ففي دخول أولاد أولاد الأولاد الخلاف، لكن [عند](4) القائلين بالدخول أوّلا يكون الدخول هنا في الوصيّة أولى.

و لو أوصى لأولاده، دخل البنون و البنات و الخناثى المشكلون؛ لتناول الاسم لهم حقيقة.

و لو أوصى للبنين حقيقة، لم تدخل البنات و لا الخناثى المشكلون.

و في دخول بني البنين و جهان(5) ، كما في الأولاد.4.

ص: 202


1- سورة الأعراف: 26 و 27 و 31 و 35.
2- نهاية المطلب 316:11، و ينظر: العزيز شرح الوجيز 278:6، و روضة الطالبين 401:4.
3- نهاية المطلب 316:11، و ينظر: العزيز شرح الوجيز 278:6، و روضة الطالبين 401:4.
4- ما بين المعقوفين يقتضيه السياق.
5- - و النووي في روضة الطالبين 401:4 في الوقف، و كذا الوجه الثاني الآتي و الفروع الآتية، مضافا إلى غيرهما في غيرهما.

و هل يدخل بنو البنات ؟ للشافعيّة وجهان، أحدهما: الدخول؛ لقول النبيّ صلّى اللّه عليه و اله للحسن بن عليّ عليهما السّلام: «إنّ ابني هذا سيّد»(1) - (2).

و لو أوصى للبنات، لم يدخل الأبناء و لا الخناثى.

و في دخول بنات الأولاد للشافعيّة الوجهان(3).

و لو أوصى للخناثى، لم يدخل البنون و لا البنات.

و لو أوصى للبنين و البنات، فالأصحّ عند الشافعيّة - و هو الأقوى عندي -: دخول الخناثى؛ لأنّهنّ لا يخرجن عن الصنفين، و الثاني للشافعيّة:

المنع؛ لأنّ الخنثى لا يعدّ من البنين و لا من البنات(4).

و لو أوصى لبني تميم، فالأقوى: دخول البنات - و هو الأشبه عند الشافعيّة(5) - لأنّه يعبّر به عن القبيلة، و الثاني: عدمه، كما لو أوصى لبني زيد(6).

مسألة 112: لو أوصى لذرّيّته أو عقبه أو نسله،

دخل فيه أولاد البنين

ص: 203


1- المصنّف - لعبد الرزّاق - 20981/452:11، المصنّف - لابن أبي شيبة - 12: 12227/96، مسند أحمد 19879/17:6، صحيح البخاري 244:3، سنن أبي داود 4662/216:4، الجامع الصحيح (سنن الترمذي) 3773/658:5، سنن النسائي (المجتبى) 107:3، السنن الكبرى - للنسائي - 531:1-1718/532 - 2، المعجم الصغير - للطبراني - 271:1، المعجم الأوسط - له أيضا - 162:2 - 1554/163، المستدرك - للحاكم - 175:3، السنن الكبرى - للبيهقي - 165:6.
2- ينظر: العزيز شرح الوجيز 279:6، و روضة الطالبين 401:4.
3- ينظر: العزيز شرح الوجيز 279:6، و روضة الطالبين 401:4.
4- ينظر: المهذّب - للشيرازي - 451:1، و الوسيط 252:4، و حلية العلماء 6: 27، و التهذيب - للبغوي - 520:4، و البيان 74:8، و العزيز شرح الوجيز 6: 279، و روضة الطالبين 401:4.
5- ينظر: المهذّب - للشيرازي - 451:1، و الوسيط 253:4، و حلية العلماء 6: 28، و التهذيب - للبغوي - 523:4، و البيان 74:8-75، و العزيز شرح الوجيز 279:6، و روضة الطالبين 401:4.
6- ينظر: المهذّب - للشيرازي - 451:1، و الوسيط 253:4، و حلية العلماء 6: 28، و التهذيب - للبغوي - 523:4، و البيان 74:8-75، و العزيز شرح الوجيز 279:6، و روضة الطالبين 401:4.

و أولاد البنات قريبهم و بعيدهم - و به قال الشافعي(1) - لتناول الاسم لهم.

و قال مالك و أحمد: لا يدخل أولاد البنات(2).

و يبطل بقوله تعالى: وَ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَ سُلَيْمانَ - إلى قوله - وَ عِيسى (3) و ليس هو إلاّ ولد البنت.

و لو أوصى لعترته، قال ابن الأعرابي و ثعلب: إنّهم ذرّيّته(4).

و قال ابن قتيبة: إنّهم عشيرته(5).

و فيه للشافعيّة و جهان، أظهرهما عندهم: الثاني(6) ، و به قال زيد بن أرقم(7).

و لو أوصى لعشيرته، فهم القرابة.

و قال بعض الشافعيّة: إنّ العشيرة و القبيلة لا يدخل فيهما إلاّ قرابة الأب(8).4.

ص: 204


1- نهاية المطلب 323:11، و ينظر: الحاوي الكبير 528:7، و المهذّب - للشيرازي - 451:1، و الوسيط 252:4، و التهذيب - للبغوي - 521:4، و البيان 73:8، و العزيز شرح الوجيز 280:6، و روضة الطالبين 402:4.
2- ينظر: العزيز شرح الوجيز 280:6، و المغني 229:6، و الشرح الكبير 246:6.
3- سورة الأنعام: 84 و 85.
4- الزاهر (مقدّمة الحاوي الكبير): 319، المهذّب - للشيرازي - 451:1، نهاية المطلب 326:11، الوسيط 253:4، التهذيب - للبغوي - 521:4، البيان 8: 74، العزيز شرح الوجيز 280:6، روضة الطالبين 402:4، المغني 583:6، لسان العرب 538:4 «عتر».
5- المهذّب - للشيرازي - 451:1، نهاية المطلب 326:11، الوسيط 253:4، التهذيب - للبغوي - 521:4، البيان 74:8، العزيز شرح الوجيز 280:6، روضة الطالبين 402:4، المغني 583:6.
6- العزيز شرح الوجيز 280:6، روضة الطالبين 402:4.
7- العزيز شرح الوجيز 280:6، روضة الطالبين 402:4.
8- العزيز شرح الوجيز 281:6، روضة الطالبين 403:4.

و لو أوصى لأخواته، لم يدخل الإخوة، أمّا لو أوصى لإخوته ففي دخول الأخوات إشكال.

مسألة 113: لو أوصى لأختانه،

فهي لأزواج البنات، و لا يدخل فيه أزواج العمّات و الخالات عند الشافعيّة(1).

و في أزواج الأخوات و جهان عندهم، أصحّهما عند الجويني:

المنع(2).

و يدخل أزواج الأحفاد إن قلنا بدخول الأحفاد في الوصيّة للأولاد.

و قال أبو حنيفة: إنّه يدخل زوج كلّ ذات رحم محرم، كأزواج البنات و الأخوات و العمّات و الخالات(3) ، و هو قول آخر للشافعيّة(4).

و يستوي فيه الحرّ و العبد و الأقرب و الأبعد؛ لأنّ اللفظ يشمل الكلّ.

ثمّ الاعتبار بكونه زوجا عند الموت، فلو كانت خليّة يوم الوصيّة منكوحة يوم الموت استحقّ زوجها.

و لو كانت مزوّجة يوم الوصيّة مطلّقة يوم الموت، فإن كان الطلاق رجعيّا فالاستحقاق بحاله، و إلاّ فلا شيء له.

و لو طلّق بين الموت و القبول، استحقّ إن قلنا: الملك في الوصيّة يحصل بالموت أو توقّفنا، و إن قلنا: يحصل بالقبول، فعلى وجهين.

ص: 205


1- نهاية المطلب 313:11، العزيز شرح الوجيز 105:7، روضة الطالبين 5: 164.
2- نهاية المطلب 313:11، العزيز شرح الوجيز 105:7، روضة الطالبين 5: 164.
3- تحفة الفقهاء 215:3، الفتاوى الولوالجيّة 391:5، الفقه النافع 3: 1187/1419، بدائع الصنائع 351:7، شرح الزيادات 1611:5، الهداية - للمرغيناني - 249:4، الاختيار لتعليل المختار 110:5، نهاية المطلب 11: 113، العزيز شرح الوجيز 105:7.
4- العزيز شرح الوجيز 105:7، روضة الطالبين 164:5.

و يجري الخلاف في من تزوّجت بعد موت الموصي ثمّ قبل زوجها.

و لو أوصى لأصهاره، فهو لأبوي زوجته عند الشافعيّة، و في دخول أجدادها و جدّاتها تردّد(1).

و قال أبو حنيفة: إنّها لكلّ ذي رحم محرم من امرأته؛ لأنّه عليه السّلام لمّا تزوّج صفيّة أعتق كلّ من ملك من ذوي محرم منها إكراما لها، و كانوا يسمّون أصهار النبيّ صلّى اللّه عليه و اله، و كذا يدخل فيه كلّ ذي رحم محرم من زوجة أبيه و زوجة ابنه و زوجة كلّ ذي رحم محرم منه؛ لأنّ الكلّ أصهار(2).

و قال بعض الشافعيّة: إنّ كلّ رجل من رجال المحارم فأبو زوجته:

حمو، و إنّ الأصهار يشمل الأختان و الأحماء(3).

و يدخل في المحارم كلّ محرم بالرضاع أو بالمصاهرة.

مسألة 114: لو أوصى ليتامى بني فلان أو لأراملهم أو لعميانهم أو لزمناهم،

صحّت الوصيّة، سواء كانوا عددا محصورا أو غير محصور، و يستحقّ الغني و الفقير و الذكر و الأنثى، عند علمائنا؛ لتناول الاسم للجميع على السواء.

و قالت الحنفيّة: إن كانوا عددا محصورين فكما قلنا، و إن كانوا غير محصورين اختصّت الوصيّة بالفقراء منهم؛ لأنّ الوصيّة إذا وقعت باسم ينبئ عن الحاجة كانت واقعة للّه تعالى، فصحّ و إن كانوا لا يحصون عددا؛ لأنّه معلوم، و إن كان لا ينبئ عن الحاجة، فإن كانوا يحصون صحّت الوصيّة،

ص: 206


1- نهاية المطلب 314:11 و 315، العزيز شرح الوجيز 105:7، روضة الطالبين 165:5.
2- الفتاوى الولوالجيّة 391:5-392، بدائع الصنائع 351:7، الهداية - للمرغيناني - 249:4، الاختيار لتعليل المختار 110:5.
3- العزيز شرح الوجيز 105:7، روضة الطالبين 165:5.

و إلاّ بطلت، ثمّ إنّ هذه الأسامي تنبئ عن الحاجة، أمّا اليتم و العمى و الزمانة فظاهر، و كذا الأرامل؛ لأنّها جمع الأرملة، و هي المرأة التي مات زوجها و هي فقيرة، فأمكن حملها على الفقراء؛ تصحيحا للوصيّة(1).

و ليس بشيء؛ لأنّ الاعتبار عندنا إنّما هو بما دلّ اللفظ عليه، و قد بيّنّا أنّ الوصيّة للعدد الذي لا ينحصر جائزة، مع أنّ تخصيص الأرملة بالفقر ممنوع.

و قال بعض الشافعيّة: اسم الأرامل يقع على المحتاجات و الميتومات(2)(3).

و لو أوصى لشبّان بني فلان أو لأيامى بني فلان أو لثيّبهم أو لأبكارهم، صحّت الوصيّة مطلقا عندنا؛ عملا بمقتضى الأصل.

و قالت الحنفيّة: تصحّ إن انحصروا عددا، و إلاّ فلا؛ لأنّ هذه الأسامي لا تنبئ عن الحاجة، فلا يمكن صرفها إلى الفقراء، و لا يمكن تصحيحها تمليكا في حقّ الكلّ؛ لتفاحش الجهالة(4).

و قد تقدّم(5) بطلانه.

و قال بعض الشافعيّة: الأيامى غير ذوات الأزواج، و الفرق بينها و بين الأرملة على تفسيرهم بدخول المحتاجة و الميتومة(6): [أنّ](7) الأرملة: التي كان لها زوج، و الأيّم لا يشترط فيها تقدّم زوج، و تشتركان في اعتبار الخلوّر.

ص: 207


1- الفتاوى الولوالجيّة 392:5، بدائع الصنائع 346:7، الهداية - للمرغيناني - 4: 251، الاختيار لتعليل المختار 114:5.
2- في المصدر بدل «الميتومات»: «المبتوتة».
3- العزيز شرح الوجيز 107:7، روضة الطالبين 166:5.
4- الهداية - للمرغيناني - 251:4.
5- آنفا.
6- في العزيز شرح الوجيز و روضة الطالبين: «الميتوتة»، راجع: الهامش (3).
7- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «إذ»، و المثبت كما في المصدر.

عن الزوج في الحال(1).

و قال الفرّاء: لا يعتبر تقدّم الزوج في الأرامل(2).

و ذكروا في دخول من لا زوجة له من الرجال في لفظ الأرامل وجهين(3) ؛ لقول الشاعر:

أرى الأرامل قد تقضى حوائجهم فما لحاجة هذا الأرمل الذكر(4)

و المشهور غير ذلك؛ لأنّ العرف خصّصه بالإناث.

و هل يشترط الفقر؟ الأقوى: المنع.

و للشافعيّة وجهان(5).

مسألة 115: لو أوصى لثيّب

مسألة 115: لو أوصى لثيّب(6) في القبيلة،

فالوصيّة للنساء اللاّتي دخل بهنّ الرجال - و هو أظهر وجهي الشافعيّة(7) ، و به قال أبو حنيفة(8) - عملا بالعرف.

ص: 208


1- نهاية المطلب 320:11، العزيز شرح الوجيز 107:7، روضة الطالبين 166:5.
2- عنه في العزيز شرح الوجيز 107:7.
3- الحاوي الكبير 531:7، المهذّب - للشيرازي - 462:1-463، حلية العلماء 98:6، البيان 206:8-207، العزيز شرح الوجيز 107:7، روضة الطالبين 167:5.
4- البيت لجرير، كما في العين 266:8، و معجم مقاييس اللغة 442:2، و لسان العرب 297:11 «رمل». و صدره في الأوّلين هكذا: هذي الأرامل قد قضّيت حاجتها. و في الأخير: كلّ الأرامل...
5- نهاية المطلب 320:11، العزيز شرح الوجيز 107:7، روضة الطالبين 5: 166-167.
6- في «ر، ص»: «للثيّب».
7- نهاية المطلب 321:11، العزيز شرح الوجيز 108:7، روضة الطالبين 167:5.
8- بدائع الصنائع 348:7، نهاية المطلب 321:11، العزيز شرح الوجيز 108:7.

و الوجه الثاني للشافعيّة: أنّه يدخل الرجال الذين أصابوا النساء(1).

و ليس بجيّد؛ لأنّه مخالف للعرف.

و في الأبكار هذان الوجهان(2).

و لو أوصى للمعترّين من الأقارب، فهي للّذين يتعرّضون و لا يسألون.

و ذوو القنوع: الذين يسألون، و غلمان القوم و صبيانهم الذين لم يبلغوا، و كذا الأطفال و الذراري.

و اختلفت الشافعيّة في الشيوخ و في الفتيان و [الشّبّان](3) فقال بعضهم:

الشيوخ هم الذين جاوزوا الأربعين، و الفتيان و الشّبّان: الذين جاوزوا البلوغ إلى الثلاثين(4).

و يفهم منه أنّ الكهول هم الذين بين الثلاثين إلى الأربعين.

و المعتمد: الرجوع إلى اللغة أو العرف.

البحث السادس: في الوصيّة للمولى.
اشارة

اعلم أنّ لفظة المولى مشتركة بين معان، أحدها: الأولى، و الثاني:

ابن العمّ، و الثالث: الحليف، و الرابع: الجار، و الخامس(5): المعتق، و السادس(6): العتيق.

فإن أوصى لمولاه، فإن وجد منه قرينة، صرف إلى ما دلّت القرينة

ص: 209


1- نهاية المطلب 321:11، العزيز شرح الوجيز 108:7، روضة الطالبين 167:5.
2- نهاية المطلب 321:11، العزيز شرح الوجيز 108:7، روضة الطالبين 167:5.
3- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «الصبيان». و المثبت يقتضيه السياق، و كما ورد ذلك في العزيز شرح الوجيز و روضة الطالبين و غيرهما.
4- المهذّب - للشيرازي - 463:1، التهذيب - للبغوي - 80:5، البيان 207:8، العزيز شرح الوجيز 108:7، روضة الطالبين 167:5.
5- في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة زيادة: «على». و هي كما ترى.
6- في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة زيادة: «على». و هي كما ترى.

عليه.

و لو لم يكن له إلاّ مولى واحد من هؤلاء، صرف إليه؛ لأنّ تفرّده قرينة دالّة على إرادته.

و الفقهاء لم يذكروا سوى الخامس و السادس، فلنحذ حذوهم، فإنّ به يظهر الحكم في الجميع.

فنقول: لفظ المولى يقع على المعتق، و يسمّى المولى الأعلى، و على العتيق، و يسمّى المولى الأسفل، فإذا أوصى لمواليه و ليس له إلاّ أحدهما، فالوصيّة له خاصّة.

و لو وجدا معا، احتمل وجوها.

أحدها: بطلان الوصيّة إن قلنا: إنّ الوصيّة من شرطها تعيين الموصى له؛ لما في المصرف من الإبهام و الإجمال، و امتناع حمل اللفظ الواحد على المعنيين معا، و هو الأقوى عندي.

و الثاني: أنّه تصحّ الوصيّة، و يقسّم بينهما - و هو قول الشيخ في المبسوط(1) - لتناول الاسم لهما.

و الثالث: أنّه للمعتق؛ لأنّ المعتق أنعم عليه بالإعتاق، فهو أحقّ بالمكافأة.

و الرابع: أنّه للعتيق؛ لاطّراد العادة بالإحسان من السيّد إلى عبده العتيق.

و الخامس: أنّه يوقف إلى الاصطلاح.4.

ص: 210


1- المبسوط - للطوسي - 49:4.

و هذه الوجوه للشافعيّة مثلها(1).

و الحنفيّة قالوا بالبطلان، إلاّ أن يبيّن ذلك في حياته(2).

و روي عن أبي حنيفة و أبي يوسف التسوية بينهما، كالاحتمال الثاني - و هو قول زفر - لتناول الاسم، فصار كما لو أوصى لإخوته و هم ستّة يختلفون(3) ، فإنّ الوصيّة لهم، و هم في ذلك على السواء(4).

و هو ممنوع؛ فإنّ هذا اسم مشترك، فلا عموم له؛ لأنّ العامّ ما يشمل جمعا لمعنى واحد، و بطل التعيين؛ لاختلاف مقاصد الناس، فمنهم من يقصد الأعلى مجازاة و شكرا لإنعامه، و منهم من يقصد الأسفل لزيادة(5) الإنعام، فوجب الوقف إلى أن يبيّن، و لم يوجد البيان فيبطل.

و فرّقت الحنفيّة بين ذلك و بين ما إذا حلف لا يكلّم موالي فلان، فإنّه يتناول الأعلى و الأسفل، و يحنث بكلام أيّهما وجد؛ لأنّه في مقام النفي، و الاسم المشترك يعمّ في النفي؛ لأنّه لا تنافي فيه(6).

و هو ممنوع.4.

ص: 211


1- العزيز شرح الوجيز 280:6 و 106:7، روضة الطالبين 403:4، و 166:5، و ينظر: نهاية المطلب 317:11.
2- مختصر اختلاف العلماء 2191/57:5، المبسوط - للسرخسي - 160:27، روضة القضاة 3933/697:2، الهداية - للمرغيناني - 252:4، الاختيار لتعليل المختار 117:5، نهاية المطلب 317:11، المغني 584:6، الشرح الكبير 6: 260.
3- في «ر، ل»: «مختلفون». و المراد أنّ بعضهم أخ لأب و لأمّ، و بعضهم أخ لأب، و بعضهم أخ لأمّ.
4- المبسوط - للسرخسي - 160:27، روضة القضاة 3936/698:2، الاختيار لتعليل المختار 117:5، العزيز شرح الوجيز 280:6، و 106:7.
5- في الطبعة الحجريّة على كلمة «لزيادة»: «ظ: لعادة».
6- الهداية - للمرغيناني - 251:4.

قالوا: و هذا بخلاف الإخوة؛ لأنّ اسم الأخ يطلق على كلّ واحد لمعنى واحد، و هو المتفرّع من أصله، فصار الاسم عامّا لا مشتركا(1).

و عند أبي يوسف: أنّها تصرف إلى المعتق؛ لأنّ شكر الإنعام واجب، و فضل الإنعام مندوب، فصار صرف الوصيّة إلى أداء الواجب أولى(2).

و ليس بشيء، و إلاّ لوجبت الوصيّة للمنعم بالعتق، و ليس إجماعا.

و عن محمّد: أنّه إذا اصطلحا على أحد صحّ؛ لأنّ الجهالة تزول به، كما في مسألة الإقرار لأحد هذين(3).

و الفرق: قبول الإقرار للمجهول، دون الوصيّة إن شرطنا العلم.

فروع:

أ: يجب البحث عن موضع الأوجه الخمسة، فيقال: إن قصد أحدهما وجب أن يحمل اللفظ عليه، و لا يجيء فيه الخلاف، و إن فرض الكلام فيما إذا لم يقصد واحدا منهما فلا معنى لقولنا: إنّ الظاهر الإحسان إلى المعتق مكافأة، أو أنّ العادة الإحسان إلى المماليك، بل لا يتّجه إلاّ القسمة عليهما، أو الإبطال، أو باقي الوجوه.

ب: لو لم يوجد إلاّ أحدهما، فالأقرب: صرف اللفظ إليه.

و يحتمل أن يفرّع على الوجوه، فيقال: إن قلنا بالقسمة، فينبغي أن يصرف الآن إلى الذي وجد النصف، و إن قلنا بالحمل على المعتق أو المعتق، فإن كان الموجود هو المحمول عليه فذاك، و إلاّ بطلت الوصيّة، و إن قلنا بالبطلان، فكذلك هاهنا؛ لأنّ إبهام اللفظ لا يختلف بين أن توجد محامله أو لا توجد.ه.

ص: 212


1- لم نعثر عليه في مظانّه.
2- لم نعثر عليه في مظانّه.
3- لم نعثر عليه في مظانّه.

ج: إذا اقتضى الحال الحمل على الموالي من الأسفل، أو صرّح الموصي به، ثبت الاستحقاق لكلّ من عتق عليه، سواء تبرّع بإعتاقه أو أدّى به كفّارة أو نذر إعتاقه أو عتق عليه بالملك.

د: يدخل في الوصيّة من أعتقه في الصحّة و المرض.

و في أمّهات أولاده و مدبّريه - و هم الذين يعتقون بموته - للشافعيّة وجهان، أشبههما عندهم: الدخول(1).

و قالت الحنفيّة: لا يدخلون؛ لأنّ عتق هؤلاء يثبت بعد الموت، و الوصيّة مضافة إلى حالة الموت، فلا بدّ من تحقّق الاسم قبله ليثبت الاستحقاق(2).

و عن أبي يوسف: أنّهم يدخلون في الوصيّة؛ لأنّ سبب الاستحقاق لازم في حقّ هؤلاء، فينطلق اسم المولى عليهم(3).

ه: اشترط بعض الشافعيّة الفقر(4).

و ليس بجيّد؛ لتناول الاسم الجميع.

و: لا بدّ من تعميم المستحقّين إن انحصروا، و إلاّ جاز الاقتصار علىم.

ص: 213


1- نهاية المطلب 317:11، العزيز شرح الوجيز 107:7، روضة الطالبين 5: 166.
2- الجامع الكبير: 289، بدائع الصنائع 352:7، الهداية - للمرغيناني - 251:4، الاختيار لتعليل المختار 116:5، نهاية المطلب 317:11.
3- بدائع الصنائع 352:7، الهداية - للمرغيناني - 251:4-252، الاختيار لتعليل المختار 116:5، نهاية المطلب 317:11.
4- لم نعثر على قائله، و ينظر: العزيز شرح الوجيز 107:7، و روضة الطالبين 5: 166، ففيهما ورد الاشتراط المزبور فيما إذا كان الموصى له يتامى القبيلة، و هم الصبيان الفاقدون لآبائهم.

الثلاثة.

ز: لو نذر عتق عبده إن لم يضربه، فمات قبل ضربه، دخل في الوصيّة؛ لأنّ العتق يثبت في آخر جزء من أجزاء حياته، لتحقّق العجز عنده، فيثبت اسم المولى قبل الموت، هذا عند الحنفيّة(1) ، و فيه نظر.

ح: لو كان الموصي رجلا من العرب فأوصى لمواليه بثلث ماله، صحّت الوصيّة؛ لأنّ العرب لا تسترقّ و لا تسبى، فلا يكون له إلاّ المولى من الأسفل، فيبطل الاشتراك، فتصحّ الوصيّة.

ط: لو أوصى لمواليه و قصد الأسفل أو كان عربيّا، صرف إليه.

و هل يدخل ولده ؟ قالت الحنفيّة: نعم(2). و فيه نظر.

ي: لو أوصى لمواليه، لم يدخل فيه مولى الموالاة و لا معتق المعتق؛ لأنّ الأصل الحمل على الحقيقة، فيبطل المجاز.

و عن أبي يوسف: أنّ مولى الموالاة يدخل، و الكلّ شركاء؛ لأنّ الاسم يتناولهم على السواء(3).

قال باقي الحنفيّة: سبب ثبوت أحدهما الإعتاق، و سبب الآخر العقد، و هما معنيان مختلفان، و إنّما حمل على الإعتاق لأنّ السبب فيه لازم، فكان الاسم له أحقّ، بخلاف ولد المعتق؛ لأنّه ينسب إليه بإعتاق وجد منه، فإنّ الحكم في الفرع يثبت في الحرّيّة للحرّيّة، فصار كالأصل، بخلاف موالي5.

ص: 214


1- بدائع الصنائع 352:7، الهداية - للمرغيناني - 252:4، الاختيار لتعليل المختار 116:5.
2- الجامع الكبير: 288، مختصر اختلاف العلماء 2190/55:5، الهداية - للمرغيناني - 252:4، الاختيار لتعليل المختار 117:5.
3- الهداية - للمرغيناني - 252:4، الاختيار لتعليل المختار 117:5.

الموالي؛ لوجود السبب المقصود من الغير فيهم، فنزّلوا منزلة ولد الولد مع ولد الصلب(1).

و إن لم يكن له موال و لا أولاد الموالي، فالثّلث لموالي مواليه؛ لأنّ الاسم يتناولهم بطريق المجاز، فنصير إليه عند تعذّر اعتبار الحقيقة.

يأ: لو كان له معتق واحد و موالي الموالي، فالنصف لمعتقه، و ما بقي للورثة؛ لتعذّر الجمع بين الحقيقة و المجاز، و الحقيقة مرادة، فينتفي المجاز، بخلاف ما قال أبو حنيفة في من أوصى لأقاربه و له عمّ و خالان، فإنّ للعمّ النصف، و للخالين النصف؛ لأنّ اسم الأقارب ينطلق على الكلّ بالحقيقة، إلاّ أنّه اعتبر الترتيب بالقوّة، فصحّ الجمع(2).

يب: لو أوصى لمواليه، لم يدخل فيهم موال أعتقهم أبوه أو ابنه؛ لأنّهم ليسوا بمواليه لا حقيقة و لا مجازا، و إنّما يحرز ميراثهم بسبب العصوبة، بخلاف معتق المعتق؛ لأنّه ينسب إليه بالولاء.

و قال زفر: يدخل في الوصيّة مع مواليه موالي أبيه؛ لأنّهم يسمّون مواليه(3).

و قال أبو يوسف: إذا أوصى لمواليه و له موالي أب و قد مات أبوه و ورث ولاءهم، فالوصيّة لهم؛ لأنّهم مواليه حكما(4).ه.

ص: 215


1- الهداية - للمرغيناني - 252:4، الاختيار لتعليل المختار 117:5.
2- مختصر اختلاف العلماء 2178/39:5، مختصر القدوري: 244، المبسوط - للسرخسي - 156:27، تحفة الفقهاء 212:3-213، الفتاوى الولوالجيّة 5: 389، الفقه النافع 1188/1420:3، بدائع الصنائع 349:7، الهداية - للمرغيناني - 250:4، الاختيار لتعليل المختار 112:5، المغني 580:6، الشرح الكبير 252:6.
3- مختصر اختلاف العلماء 2190/56:5.
4- لم نعثر عليه في مظانّه.

يج: لو أوصى لموالي بني فلان لفخذ محصور، دخل فيهم المعتق و معتق المعتق.

قالت الحنفيّة: و يدخل أيضا من علّق عتقه بعدم ضربه؛ لأنّ المراد مجرّد الانتساب، و الكلّ ينسبون إليه. و لا يدخل المدبّر و أمّ الولد؛ لما مرّ(1).

مسألة 116: قد بيّنّا أنّه إذا أوصى لجماعة بشيء تساووا فيه إذا لم يفضّل،

سواء كانوا ورّاثا أو لا، و سواء تساووا في الإرث أو تفاضلوا فيه، فلو أوصى لأبويه بشيء تساويا فيه؛ عملا بالأصل - و هو التسوية - و قضيّة اللّفظ المقتضي للتشريك في الجميع، كما في الأبوين و الأولاد.

و كذا لو أوصى لابنه و بنته بشيء، تساويا.

و لو قال: على كتاب اللّه تعالى، كان للذكر ضعف الأنثى؛ لأنّه المتعارف من هذا اللّفظ.

و لو أوصى لأعمامه و أخواله بشيء معيّن، فكذلك يتساوى الأعمام و الأخوال فيه.

و قال الشيخ: كان لأعمامه الثّلثان، و لأخواله الثّلث(2).

و احتجّ بما رواه زرارة عن الباقر عليه السّلام: في رجل أوصى بثلث ماله في أعمامه و أخواله، فقال: «لأعمامه الثّلثان، و لأخواله الثّلث»(3).

و الجواب: إنّا نحمل الرواية على ما إذا قيّد الموصي، فقال: على كتاب اللّه تعالى، مع أنّ في طريق الرواية سهل بن زياد، و هو ضعيف، إلاّ

ص: 216


1- راجع: الهامش (2) من ص 213، و الهامش (1) من ص 214.
2- النهاية: 614.
3- التهذيب 845/214:9.

أنّ ابن بابويه روى هذا المعنى في الصحيح عن زرارة عن الباقر عليه السّلام(1) ، و رواه ابن يعقوب(2) في الحسن.7.

ص: 217


1- الفقيه 535/154:4.
2- الكافي 3/45:7.

ص: 218

الفصل الرابع: في الموصى به الموصى به إمّا أن يكون مالا أو منفعة مال أو ولاية عليه، فهنا ثلاثة مطالب.

المطلب الأوّل: في الوصيّة بالمال.
اشارة

و أبوابه ثلاثة.

الباب الأوّل: في الشرائط
اشارة

الباب الأوّل: في الشرائط(1).

مسألة 117: يشترط في العين الموصى بها أن تكون مملوكة؛

لأنّ غير المملوك لا يعدّ مالا، فلو أوصى بما لا يصحّ تملّكه إمّا لخروجه عن كونه مقصود التملّك - كفضلات الإنسان، مثل شعره و ظفره و العذرات و غيرها - لم تصحّ الوصيّة إجماعا، أو تكون المنفعة محرّمة، كما لو أوصى بالخمر أو الخنزير أو كلب الهراش؛ لأنّ المنفعة المحرّمة غير مطلوب للشارع انتقالها ببيع و غيره، فصارت كالمعدومة.

و أمّا ما يكون مقصودا فإنّه تصحّ الوصيّة به و إن حرم بيعه، كالفيل و الأسد و غيرهما من المسوخ و المؤذيات إن منعنا من بيعها تبعا للانتفاع بجلودها.

و كذا تصحّ الوصيّة بما يحلّ الانتفاع به من النجاسات، كالكلب المعلّم و الزيت النجس لإشعاله تحت السماء، و الزّبل للانتفاع بإشعاله و التسميد به، و جلد الميتة إن سوّغنا الانتفاع به، و الخمر المحترمة، لثبوت

ص: 219


1- في الطبعة الحجريّة: «شرائطه».

الاختصاص فيها و انتقالها من يد إلى يد بالإرث و غيره، و كذا شحم الميتة لتدهين السّفن إن سوّغنا الانتفاع به.

و كذا تصحّ الوصيّة بالجرو الذي يتوقّع الانتفاع به.

و للشافعيّة في الأخير و جهان، بناء على أنّه هل يجوز إمساكه و تربيته لما يتوقّع في المستقبل ؟ و الأظهر عندهم: الجواز(1).

أمّا ما لا يحلّ اقتناؤه - كالخمر و الخنزير و الكلب العقور - فلا تجوز الوصيّة به عندهم(2) كما ذهبنا إليه.

و نقل الحنّاطي من الشافعيّة وجها لهم: أنّه تجوز الوصيّة بالكلب الذي لا يجوز اقتناؤه أيضا، و قولا: إنّه لا تجوز الوصيّة بالمقتنى المنتفع به من الكلاب، كما لا تجوز هبته على رأي(3).

و هما عندهم غريبان(4).

مسألة 118: و يشترط في المال الموصى به أن يكون قابلا للنقل من شخص إلى آخر،

فلا تصحّ الوصيّة بما لا يقبل النقل، سواء كان مالا أو حقّا، كالوقف و أمّ الولد و المنذور عتقه، و تصحّ الوصيّة بما يقبل النقل و إن تعلّق به حقّ الغير، كالموصى به، فتبطل الأولى، و كالمستأجر و المستعار.

و لا تصحّ الوصيّة بحقّ القصاص و لا بحدّ القذف، فإنّهما و إن قبلا الانتقال بالإرث فإنّه لا يتمكّن مستحقّهما من نقلهما إلى غيره؛ لأنّهما شرّعا

ص: 220


1- الحاوي الكير 236:8، العزيز شرح الوجيز 35:7، روضة الطالبين 113:5.
2- الحاوي الكبير 237:8، المهذّب - للشيرازي - 459:1، الوسيط 417:4، التهذيب - للبغوي - 88:5، العزيز شرح الوجيز 35:7، روضة الطالبين 5: 113.
3- العزيز شرح الوجيز 35:7-36، روضة الطالبين 113:5.
4- العزيز شرح الوجيز 36:7، روضة الطالبين 113:5.

لتشفّي المنتقم بهما و استيفائهما، فليس للموصى له ذلك، كما كان للوارث، فإذا انتفى المعنى المسوّغ لهما في حقّ غير الوارث انتفيا.

و منع الشافعيّة من الوصيّة بالحقوق التابعة للأموال، كالخيار و حقّ الشفعة إذا لم يبطل بالتأخير، كتأجيل الثمن(1).

مسألة 119: تصحّ الوصيّة بنجوم الكتابة و إن لم تكن مستقرّة،

فإن عجز فلا شيء للموصى له، و تبطل الوصيّة، فلا يكون له تعلّق برقبة المكاتب؛ لأنّها غير الوصيّة.

و كذا تصحّ الوصيّة برقبة المكاتب بمعنى أنّه لو عجز ردّ في الرقّ، فيتعلّق بها الموصى له برقبته، و يصحّ جمعهما لواحد و تفريقهما على اثنين.

و قالت الشافعيّة: تصحّ برقبة المكاتب إن جوّزنا بيعه، و إلاّ فهي كما لو أوصى له بمال غيره(2).

مسألة 120: لو أوصى له بمال غيره،

فقال: أوصيت لك بهذا العبد، و هو ملك لغيره، أو قال: أوصيت لك بهذا العبد إن ملكته، فللشافعيّة و جهان:

أحدهما: الصحّة؛ لأنّ الوصيّة بغير الموجود جائزة، فبغير المملوك أولى؛ لأنّه موجود، و غير الموجود غير مملوك أيضا.

و الثاني: المنع؛ لأنّ مالكه يتمكّن من الوصيّة، و الشيء الواحد لا يجوز أن يكون محلاّ لتصرّف شخصين(3).

و يحتمل عندي القول الأوّل فيما إذا قيّد بالتملّك، و الثاني فيما إذا

ص: 221


1- العزيز شرح الوجيز 36:7، روضة الطالبين 111:5.
2- العزيز شرح الوجيز 36:7، روضة الطالبين 113:5.
3- العزيز شرح الوجيز 36:7، روضة الطالبين 114:5.

أطلق، و تصرّف الشخصين إن تضادّا انتفى أحدهما.

مسألة 121: كلّ عين يحرم الانتفاع بها و لا تقبل التغيير

لا تصحّ الوصيّة بها، كما لو أوصى له بصنم لا يقبل التغيير عن هيئته، أو بآلات اللهو و القمار و اللعب، كالطبل و الزمر و الشطرنج و النرد و هياكل العبادة و قوس البندق و أشباه ذلك؛ لما في ذلك من المساعدة و الإعانة على فعل المحرّم.

و كذا لا تجوز الوصيّة بما يحرم نقله بغيرها، كالسلاح لأعداء الدين من الحربيّ و غيره، و كذا الوصيّة بالعبد المسلم و المصحف للكافر؛ لأنّ ذلك كلّه بمثابة بيعها.

مسألة 122: يشترط في المال الموصى به أن لا يزيد على الثّلث؛ لما يأتي.

و لا يشترط وجود الموصى به حالة الوصيّة، فلو أوصى بالحمل فإمّا أن يوصي بالحمل الموجود في الحال، أو بالحمل الذي سيحدث.

فإن أوصى بالحمل الموجود في الحال، صحّت الوصيّة، سواء أطلق، فقال: أوصيت لك بحمل فلانة، أو قيّد فقال: أوصيت لك بحملها الموجود في الحال؛ لأنّه يجوز إعتاقه فتجوز الوصيّة به؛ إذ لا فرق بين التمليكين.

ثمّ الشرط في الوصيّة بالحمل الموجود أن ينفصل لوقت يعلم وجوده عند الوصيّة، و أن ينفصل حيّا، و ذلك بأن تضعه لأقلّ من ستّة أشهر من حين الوصيّة، فلو وضعته لأكثر من ستّة أشهر لم تصح؛ لإمكان تجدّده بعد الوصيّة، و الأصل تبعيّة الولد للأمّ في الملك.

و لو انفصل ميّتا، فإن لم يكن بجناية جان بطلت الوصيّة إجماعا؛ لتلف متعلّقها.

و إن كان بجناية جان، قيل: لا تبطل الوصيّة، و هو قول بعض

ص: 222

الشافعيّة، و تنفذ الوصيّة من الضمان؛ لأنّه انفصل متقوّما، بخلاف ما إذا أوصى لحمل و انفصل ميّتا بجناية جان فإنّها تبطل الوصيّة؛ لأنّ المعتبر هناك المالكيّة(1).

و هل يصحّ قبول الموصى له قبل الوضع ؟ للشافعيّة خلاف مبنيّ على أنّ الحمل هل يعرف ؟(2).

و إن كانت الوصيّة بالحمل الذي سيكون، صحّت الوصيّة به - و به قال أحمد و الشافعيّة في أصحّ الوجهين(3) - لأنّ الغرر و الجهالة لا يمنعان صحّة الوصيّة، و كما تصحّ الوصيّة بالمنافع المتجدّدة، و لأنّ الوصيّة إنّما جوّزت لإرفاق الناس، و لذلك احتمل فيها وجوه الغرر، فكما تصحّ بالمجهول تصحّ بالمعدوم.

و قال أبو حنيفة: إنّها باطلة - و هو القول الثاني للشافعيّة - لأنّ الاعتبار بحال الوصيّة، و حال الوصيّة لا ملك حينئذ بل لا وجود، و التصرّف يستدعي متصرّفا فيه(4).

و ينتقض بالمنافع المتجدّدة.

و كذا تصحّ الوصيّة بحمل الدابّة الموجود حال الوصيّة إجماعا، و بالمتجدّد في السنة الأخرى عندنا، و فيه خلاف - كالأمة - تقدّم.5.

ص: 223


1- الحاوي الكبير 219:8، الوسيط 436:4، العزيز شرح الوجيز 34:7، روضة الطالبين 112:5.
2- العزيز شرح الوجيز 34:7، روضة الطالبين 112:5.
3- المغني 507:6، الشرح الكبير 532:6، المهذّب - للشيرازي - 459:1، التهذيب - للبغوي - 85:5، العزيز شرح الوجيز 34:7، روضة الطالبين 112:5.
4- المبسوط - للسرخسي - 86:28، المهذّب - للشيرازي - 459:1، التهذيب - للبغوي - 85:5، العزيز شرح الوجيز 34:7، روضة الطالبين 112:5.
مسألة 123: تصحّ الوصيّة بثمرة البستان،

الحاصلة في الحال إجماعا.

و كذا تصحّ عندنا الوصيّة بالثمرة المتجدّدة فيما بعد.

و هو قول أكثر العامّة، منهم: مالك و الثوري و الشافعي و أحمد و أصحاب الرأي(1).

لأنّه يصحّ تمليكها بعقد المعاوضة، فتصحّ الوصيّة بها، كالأعيان، و كالوصيّة بالمنافع.

و للشافعيّة طريقان:

أظهرهما: أنّها على الوجهين في الحمل الذي سيحدث.

و الثاني: القطع بالصحّة؛ لأنّها تحدث من غير إحداث أمر في أصلها، و الولد لا يحدث إلاّ بإحداث أمر في أصله، و لهذا تجوز المساقاة على الثمار التي ستحدث، و لا تجوز المعاملة على النتاج الذي سيحدث(2).

و قال ابن أبي ليلى: لا تصحّ الوصيّة بالمنفعة؛ لأنّها معدومة(3) ، و هو أحد قولي الشافعيّة(4).

ص: 224


1- الإشراف على نكت مسائل الخلاف 2071/1012:2، بداية المجتهد 335:2، مختصر المزني: 141، الحاوي الكبير 220:8، الوجيز 271:1، التهذيب - للبغوي - 82:5 و 85، البيان 146:8، المغني 510:6، الشرح الكبير 6: 543، مختصر اختلاف العلماء 32:5-2171/33، المبسوط - للسرخسي - 28: 2، الهداية - للمرغيناني - 255:4، الاختيار لتعليل المختار 101:5.
2- نهاية المطلب 124:11، الوسيط 416:4-417، العزيز شرح الوجيز 7: 34، روضة الطالبين 112:5.
3- المغني 510:6، الشرح الكبير 543:6، الإشراف على نكت مسائل الخلاف 2071/1012:2، بداية المجتهد 335:2، مختصر اختلاف العلماء 5: 2171/33، البيان 146:8.
4- راجع: الهامش (2).

و لو أوصى له بثمرة بستانه فمات و فيه ثمرة، فله هذه الثمرة وحدها.

و لو أوصى بالثمرة مدّة معيّنة، صحّ، و كذا لو قال: أبدا، و هو قول العامّة(1) ، خلافا لابن أبي ليلى، على ما تقدّم(2).

مسألة 124: تصحّ الوصيّة بما لا قدرة على تسليمه،

كالمغصوب، سواء كانت الوصيّة للغاصب أو لغير الغاصب؛ لأنّ القبض ليس شرطا في الصحّة، و لأنّه تصحّ الوصيّة بالمعدوم فبالموجود الذي لا يقدر(3) عليه أولى.

و كذا تصحّ بالعبد الآبق و الطير المنفلت في الهواء.

و كذا تصحّ الوصيّة بالمجهول، مثل أن يقول: عبدا أو ثوبا، و يجوز أن يتوغّل في الإبهام إلى غايته، كأن يقول: أعطوه شيئا أو حظّا أو قسطا أو نصيبا أو جزءا أو سهما أو قليلا أو كثيرا، إلى غير ذلك؛ لأنّ اللّه تعالى أعطانا ثلث أموالنا في آخر أعمارنا(4) ، و قد يشتبه علينا قدر الثّلث إمّا لكثرة المال أو غيبته، فدعت الحاجة إلى تجويز الوصيّة بالمجهول، و لا نعلم فيه خلافا.

مسألة 125: لو أوصى بأحد العبدين،

صحّت الوصيّة؛ لأنّ الوصيّة محتملة للجهالة و الغرر، فلا يقدح الإبهام، بخلاف ما لو أوصى لأحد الشخصين، فإنّ فيه خلافا، منهم من منع كما في التمليكات(5) ، و قد

ص: 225


1- المغني 510:6، الشرح الكبير 543:6.
2- في ص 224.
3- في النّسخ الخطّيّة: «لا قدرة».
4- إشارة إلى الحديث النبويّ المتقدّم تخريجه في ص 7، الهامش (1).
5- الوجيز 271:1، البيان 144:8، العزيز شرح الوجيز 35:7، روضة الطالبين 112:5.

يحتمل في الموصى به ما لا يحتمل في الموصى له، و لذلك كان الأظهر عند العامّة في الوصيّة بحمل سيكون الجواز، و في الوصيّة لحمل سيكون المنع(1).

و لا فرق بين أن يقول: أوصيت لأحد الرجلين، و بين أن يقول:

أعطوا هذا العبد لأحد(2) هذين الرجلين في المنع أو الجواز.

و بعض الشافعيّة فرّق، فجوّز في الثانية دون الأولى، تشبيها بما إذا قال لوكيله: بع هذا العبد من أحد الرجلين(3).

و إذا أبهم الموصى به، عيّن الوارث من شاء من العبدين، أمّا لو أبهم الموصى له و قلنا بصحّته، فإنّه يحتمل ذلك، و القرعة، و الإيقاف حتى يصطلحا.

مسألة 126: قد ذكرنا أنّه يشترط في لزوم الوصيّة خروج الموصى به من ثلث التركة،

فلو أوصى بأزيد منه وقف على إجازة الورثة، فإن أجازوا صحّت الوصيّة بأسرها، و إلاّ بطلت في الزائد إجماعا؛ لما رواه العامّة عن سعد بن [أبي وقّاص](4) قال: جاءني رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله يعودني عام حجّة الوداع من وجع اشتدّ بي، فقلت: يا رسول اللّه، قد بلغ بي من الوجع ما ترى و أنا ذو مال و لا يرثني إلاّ بنيّة(5) أفأتصدّق بثلثي مالي ؟ قال: «لا» قلت:

ص: 226


1- العزيز شرح الوجيز 35:7.
2- في «ص»: «أحد» بدل «لأحد».
3- المهذّب - للشيرازي - 458:1-459، التهذيب - للبغوي - 76:5-77، العزيز شرح الوجيز 35:7، روضة الطالبين 112:5.
4- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «معاذ». و المثبت كما في المصادر.
5- في بعض المصادر: «ابنتي»، و في بعضها الآخر: «ابنة».

فالشطر يا رسول اللّه، قال: «لا» قلت: فالثّلث، قال: «الثّلث و الثّلث كثير، إنّك أن تدع ورثتك أغنياء خير من أن تدعهم عالة يتكفّفون الناس»(1).

و عن عليّ عليه السّلام أنّه قال: «لأن أوصي بالخمس أحبّ إليّ من أن أوصي بالرّبع، و لأن أوصي بالرّبع أحبّ إليّ من أن أوصي بالثّلث، فمن أوصى بالثّلث فلم يترك»(2).

و من طريق الخاصّة: ما رواه هشام بن سالم و حفص بن البختري و حمّاد بن عثمان - في الحسن - عن الصادق عليه السّلام قال: «من أوصى بالثّلث فقد أضرّ بالورثة، و الوصيّة بالخمس و الرّبع أفضل من الوصيّة بالثّلث، و من أوصى بالثّلث فلم يترك»(3).

و في الصحيح عن شعيب بن يعقوب أنّه سأل الصادق عليه السّلام: عن الرجل يموت ما له في ماله ؟ قال: «له ثلث ماله، و للمرأة أيضا»(4).

و في الحسن عن عاصم [بن حميد عن محمّد](5) بن قيس عن الباقر عليه السّلام قال: «كان أمير المؤمنين عليه السّلام يقول: [لأن](6) أوصي بخمس مالي أحبّ إليّ من أن أوصي بالرّبع، و لأن أوصي بالرّبع أحبّ إليّ من أن أوصي بالثّلث، و من أوصى بالثّلث فلم يترك و قد بالغ».ر.

ص: 227


1- صحيح البخاري 187:8، صحيح مسلم 1250:3-1628/1251، سنن أبي داود 2864/112:3، الجامع الصحيح (سنن الترمذي) 2116/430:4، سنن النسائي (المجتبى) 241:6-242، السنن الكبرى - للبيهقي - 268:6، الموطّأ 4/763:2، المغني و الشرح الكبير 444:6.
2- المصنّف - لابن أبي شيبة - 10972/202:11، العزيز شرح الوجيز 41:7.
3- التهذيب 769/191:9، الاستبصار 451/119:4، و في الكافي 5/11:7، و الفقيه 475/136:4 عن حمّاد بن عثمان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام.
4- الكافي 3/11:7، التهذيب 770/191:9، الاستبصار 452/119:4.
5- ما بين المعقوفين أثبتناه من المصدر.
6- ما بين المعقوفين أثبتناه من المصدر.

قال: «و قضى أمير المؤمنين عليه السّلام في رجل توفّي و أوصى بماله كلّه أو أكثره، فقال: له الوصيّة تردّ إلى المعروف غير المنكر، فمن ظلم نفسه و أتى في وصيّته المنكر و الحيف فإنّها تردّ إلى المعروف، و يترك لأهل الميراث ميراثهم».

و قال: «من أوصى بثلث ماله فلم يترك و قد بلغ المدى» ثمّ قال: «لأن أوصي بخمس مالي أحبّ إليّ من أن أوصي بالرّبع»(1).

مسألة 127: و إنّما تستحبّ الوصيّة أو تجب لمن يترك مالا؛

لأنّ اللّه تعالى قال: إِنْ تَرَكَ خَيْراً (2).

و لما رواه العامّة [عن ابن عمر](3) قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله: «[إنّ اللّه عزّ و جلّ يقول:](4) يا ابن آدم جعلت لك نصيبا من مالك حين أخذت بكظمك(5) لأطهّرك و أزكّيك»(6).

فأمّا الفقير الذي له ورثة محتاجون و لا حقّ عليه واجب فلا تستحبّ له؛ للآية(7).

و لقوله عليه السّلام لسعد: «إنّك إن تدع ورثتك أغنياء خير من أن تدعهم

ص: 228


1- الكافي 4/11:7، التهذيب 192:9-773/193، الاستبصار 119:4 - 453/120.
2- سورة البقرة: 180.
3- ما بين المعقوفين أثبتناه من المصادر.
4- ما بين المعقوفين أثبتناه من سنن الدارقطني.
5- كظم - بالتحريك -: مخرج النّفس من الحلق. النهاية - لابن الأثير - 178:4 «كظم».
6- سنن الدارقطني 1/149:4، سنن ابن ماجة 2710/904:2، المغني 445:6 - 446، الشرح الكبير 455:6.
7- سورة البقرة: 180.

عالة يتكفّفون الناس»(1).

و قال: «ابدأ بنفسك ثمّ بمن تعول»(2).

و رووا عن عليّ عليه السّلام أنّه قال: «أربعمائة دينار ليس فيها فضل عن الورثة»(3).

و عن ابن عباس قال: من ترك سبعمائة درهم ليس عليه وصيّة(4).

و قال عروة: دخل عليّ عليه السّلام على صديق له يعوده، فقال الرجل: إنّي أريد أن أوصي، فقال له عليه السّلام: «إنّ اللّه تعالى يقول: إِنْ تَرَكَ خَيْراً (5) و إنّك إنّما تدع شيئا يسيرا فدعه لورثتك»(6).

و اختلف الناس في القدر الذي لا تستحبّ الوصيّة لمالكه.

و الضابط عند علمائنا ما روي عن عليّ عليه السّلام أنّه قال: «من أوصى و لم يحف(7) و لم يضار كان كمن تصدّق(8) به في حياته»(9).

و روى العامّة عنه أنّه أربعمائة دينار(10).

و عن ابن عباس أنّه إذا ترك الميّت سبعمائة درهم لا يوصي، و قال:

من ترك ستّين دينارا ما ترك خيرا(11).6.

ص: 229


1- تقدّم تخريجه في ص 227، الهامش (1).
2- المغني 446:6، الشرح الكبير 456:6.
3- المغني 446:6، الشرح الكبير 456:6.
4- السنن الكبرى - للبيهقي - 270:6، المغني 446:6، الشرح الكبير 6: 456.
5- سورة البقرة: 180.
6- السنن الكبرى - للبيهقي - 270:6، المغني 446:6، الشرح الكبير 6: 456.
7- الحيف: الجور و الظلم. الصحاح 1347:4، لسان العرب 60:9 «حيف».
8- في النّسخ الخطّيّة و التهذيب: «صدّق».
9- الكافي 18/62:7، الفقيه 465/134:4، التهذيب 709/174:9.
10- المغني 446:6، الشرح الكبير 456:6.
11- المغني 446:6، الشرح الكبير 456:6.

و قال طاوس: الخير ثمانون دينارا(1).

و قال النخعي: ألف إلى خمسمائة(2).

و قال أبو حنيفة: القليل أن يصيب أقلّ الورثة سهما: خمسون درهما(3).

و قال أحمد بن حنبل: إذا ترك دون الألف لا تستحبّ له الوصيّة(4).

و لا يبعد عندي التقدير بأنّه متى كان المتروك لا يفضل عن غنى الورثة لا تستحبّ الوصيّة؛ لأنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و اله علّل المنع من الوصيّة بقوله: «لئن تترك ورثتك أغنياء خير من أن تدعهم عالة»(1).

و لأنّ إعطاء القريب المحتاج خير من إعطاء الأجنبيّ، فمتى لم يبلغ الميراث غناهم كان تركه لهم كعطيّتهم، فيكون ذلك أفضل من الوصيّة لغيرهم، فحينئذ يختلف الحال باختلاف الورثة في كثرتهم و قلّتهم و غناهم و حاجتهم، فلا يتقدّر(2) بقدر من المال.

مسألة 128: و الأولى أن لا يستوعب الثّلث بالوصيّة و إن كان الموصي غنيّا؛

لقول النبيّ صلّى اللّه عليه و اله: «و الثّلث كثير» رواه العامّة(3).

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السّلام: «من أوصى بالثّلث فقد أضرّ بالورثة»(4).

و هذا عامّ في الغني و الفقير، خصوصا قوله في حديث سعد:

«و الثّلث كثير» مع إخبار سعد بكثرة ماله و قلّة عياله، حيث قال في

ص: 230


1- تقدّم تخريجه في ص 227، الهامش (1).
2- في «ص»: «فلا يقدّر».
3- تقدّم تخريجه في ص 227، الهامش (1).
4- تقدّم تخريجه في ص 227، الهامش (3).

الحديث: إنّ لي مالا كثيرا و لا يرثني إلاّ ابنتي(1).

و عن سعد بن مالك قال: مرضت مرضا فعادني رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله فقال لي: «أوصيت ؟» فقلت: نعم، أوصيت بمالي كلّه للفقراء و في سبيل اللّه، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله: «أوص بالعشر» فقلت: يا رسول اللّه، إنّ مالي كثير و ورثتي أغنياء، فلم يزل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله يناقصني و أناقصه حتى قال:

«أوص بالثّلث، و الثّلث كثير»(2).

إذا عرفت هذا، فالأفضل للغني الوصيّة بالخمس، و هو قول عليّ عليه السّلام و أبي بكر(3) ، و هو ظاهر قول السلف و علماء أهل البصرة(4).

و روي عن عمر أنّه جاءه شيخ فقال له: أنا شيخ كبير و مالي كثير و يرثني أعراب موالي كلّ يروح بسهم أفأوصي بمالي كلّه ؟ قال: لا، فلم يزل يحطّه حتى بلغ العشر(5).

و قال إسحاق: السّنّة الرّبع، إلاّ أن يكون رجلا يعرف في ماله مزيّة شبهات أو غيرها فله استيعاب الثّلث(6).

و الأولى الخمس (لأنّ عليّا عليه السّلام قال)(7): «لأن أوصي بالخمس أحبّ».

ص: 231


1- تقدّم تخريجه في ص 227، الهامش (1).
2- نقله ابنا قدامة في المغني 447:6، و الشرح الكبير 457:6-458 عن سعيد، و بتفاوت في الجامع الصحيح (سنن الترمذي) 975/305:3، و مسند أبي يعلى 2: 779/115.
3- المغني 447:6، الشرح الكبير 458:6.
4- كما في المغني 447:6، و الشرح الكبير 458:6.
5- المغني 447:6-448، الشرح الكبير 458:6 بتفاوت في بعض الألفاظ.
6- المغني 448:6، الشرح الكبير 458:6، و فيهما: «حرمة» بدل «مزيّة».
7- بدل ما بين القوسين في «ر»: «لقول عليّ عليه السّلام».

إليّ من (أن أوصي بالرّبع)(1)»(2).

و أوصى أبو بكر بالخمس، و قال: وصّيت بما وصّى به لنفسه(3) ، يعني قوله تعالى: وَ اعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ (4).

مسألة 129: لو أوصى بأكثر من ثلث ماله،

فإن أجاز الورثة بأسرهم بعد موت الموصي صحّت الوصيّة فيما أوصى به بإجماع العلماء، و إن ردّوا الزائد أو الوصيّة بطلت في الزائد على الثّلث إجماعا.

و الأصل فيه قول النبيّ صلّى اللّه عليه و اله لسعد حين أوصى بماله كلّه قال: «لا» قال: فبالثّلثين، قال: «لا» قال: فبالنصف، قال: «لا» قال: فبالثّلث، قال:

«الثّلث و الثّلث كثير» و قال عليه السّلام: «إنّ اللّه تعالى تصدّق عليكم عند وفاتكم بثلث أموالكم زيادة في حسناتكم» رواهما العامّة(5).

و من طريق الخاصّة: ما تقدّم(6) من ردّ عليّ عليه السّلام وصيّة من أوصى بماله كلّه أو أكثره إلى المعروف، و هو الثّلث.

و عن محمّد بن مسلم - في الموثّق - أنّه سأل الصادق عليه السّلام: عن رجل حضره الموت فأعتق غلامه و أوصى بوصيّة و كان أكثر من الثّلث، قال:

«يمضى العتق في الغلام، و يكون النقصان فيما بقي»(7).

و عن الصادق عليه السّلام: عن رجل حضره الموت فأعتق مملوكا له ليس له

ص: 232


1- بدل ما بين القوسين في «ص، ل» و المغني: «الرّبع».
2- المغني 448:6، الشرح الكبير 458:6.
3- المغني 448:6، الشرح الكبير 458:6.
4- سورة الأنفال: 41.
5- الأوّل في: الأدب المفرد - للبخاري -: 181-520/182، و صحيح مسلم 3: 8/1253، و الثاني في: سنن الدارقطني 3/150:4.
6- في ص 228.
7- التهذيب 780/194:9، الاستبصار 454/120:4.

غيره، فأبى الورثة أن يجيزوا ذلك، كيف القضاء فيه ؟ قال: «ما يعتق منه إلاّ ثلثه، و سائر ذلك الورثة أحقّ بذلك، و لهم ما بقي»(1).

و لا نعلم في هذين الحكمين خلافا.

و لو أجازوا صحّت الوصيّة بأسرها إجماعا؛ لأنّ الحقّ لهم، و لو لم يجيزوا مضت في الثّلث خاصّة، و بطلت في الزائد.

و لا فرق في ذلك عندنا بين الوارث و غيره، خلافا للعامّة، فإنّهم شرطوا في الوصيّة للوارث إجازة الورثة و إن كانت بالثّلث فما دون، و قد تقدّم(2) البحث معهم.

و اعلم أنّ ما قلناه لا ينافي قول الشيخ عليّ بن بابويه رحمه اللّه من أنّه لو أوصى بالثّلث فهو الغاية في الوصيّة، فإن أوصى بماله كلّه فهو أعلم و ما فعله، و يلزم الوصي إنفاذ وصيّته على ما أوصى؛ لرواية عمّار الساباطي عن الصادق عليه السّلام قال: «الرجل أحقّ بماله ما دام فيه الروح إن أوصى به كلّه فهو جائز له»(3) لأنّ قول ابن بابويه لا دلالة فيه على مخالفة ما قلناه، فإنّا نسلّم أنّ الموصي أعلم بما فعل، و أمّا إنفاذ الوصيّة فنحن نقول بموجبه؛ لأنّا نوجب على الوصي إنفاذ وصيّته بمقتضى الشرع، و هو أنّ الورثة إن أجازوا الوصيّة أخرجت بأسرها، و إن ردّوا مضت من الثّلث، فهذا تنفيذ الوصيّة.

و قول الصادق عليه السّلام: «الرجل أحقّ بماله ما دام فيه الروح» لا يدلّ على مخالفة ما تقدّم، فإنّ المريض أحقّ بماله يصنع به مهما شاء من البيع1.

ص: 233


1- التهذيب 781/194:9، الاستبصار 455/120:4.
2- في ص 116، ضمن المسألة 66، و ص 118، المسألة 68.
3- الكافي 2/7:7، الفقيه 520/150:4، التهذيب 753/187:9، الاستبصار 4: 459/121.

و غيره، فإن أوصى به كلّه جاز، فإن أجاز الورثة نفذ ما أوصى به، و إلاّ فسخت الوصيّة في الثّلثين، و يؤيّد ذلك قول ابن بابويه: فإن أوصى بالثّلث فهو الغاية في الوصيّة.

مسألة 130: إذا زادت الوصيّة على الثّلث فأجاز الورثة،

لزمت الوصيّة.

و هل الإجازة تنفيذ و إمضاء لتصرّف الموصي، أم ابتداء عطيّة من الورثة ؟

الحقّ عندنا: الأوّل - و هو أصحّ قولي الشافعي(1) - لأنّ الملك باق على المريض، لم يخرج عنه بمرضه، فتصرّفه فيه صحيح؛ لأنّه تصرّف مصادف للملك، و حقّ الوارث إنّما يثبت في ثاني الحال، فأشبه بيع الشقص المشفوع، و أيضا لو برأ من مرضه نفذت تصرّفاته المنجّزة، و لم يفتقر إلى الاستئناف.

و القول الثاني للشافعي: إنّ الإجازة ابتداء عطيّة من الورثة، و تصرّف الموصي لاغ في الزيادة على الثّلث، لأنّه منهيّ عنه، و النهي يقتضي الفساد، و لأنّ الزيادة متعلّق حقّ الورثة، فيلغو تصرّفه فيها، كتصرّف الراهن في المرهون(2).

و نمنع النهي مطلقا، بل إنّما يثبت لحقّ الوارث، فإذا رضي به زال سبب النهي، و نمنع اقتضاء النهي الفساد، و نمنع تعلّق حقّ الورثة بالزيادة حالة حياة الموصي، سلّمنا لكن نمنع بطلان تصرّف الموصي، أقصى ما في الباب أنّه يكون تصرّف المتبرّع الفضولي، و نمنع تصرّف الراهن أيضا.

ص: 234


1- نهاية المطلب 95:11، البيان 132:8، العزيز شرح الوجيز 23:7، روضة الطالبين 103:5-104.
2- نهاية المطلب 95:11، البيان 132:8، العزيز شرح الوجيز 23:7، روضة الطالبين 103:5-104.
مسألة 131: لو لم يكن للميّت وارث خاصّ فأوصى بجميع ماله أو بما زاد على الثّلث،

اختلف علماؤنا فيه على قولين.

أحدهما: أنّها كالأولى لا تمضى إلاّ في الثّلث - و به قال الشافعي(1) - لقوله عليه السّلام: «إنّ اللّه تصدّق عليكم بثلث أموالكم عند وفاتكم زيادة في حسناتكم»(2) و لم يفرّق بين أن يكون له وارث أو لا، و لأنّه لا مجيز، و المال للمسلمين عند العامّة(3) ، و عندنا للإمام، فتعتبر إجازته.

و الثاني: أنّها صحيحة - و به قال أبو حنيفة و أحمد في أصحّ الروايتين، و للشافعيّة وجه آخر مثله(4) - لما رواه السكوني عن الصادق عليه السّلام عن الباقر عليه السّلام أنّه سئل عن الرجل يموت و لا وارث له و لا عصبة، قال:

«يوصي بماله حيث شاء في المسلمين و المساكين و ابن السبيل»(5).

و الجواب: ضعف السند، سلّمنا لكن الوارث هنا متحقّق، و هو الإمام، فاعتبرت إجازته، سلّمنا لكن الأمر بالوصيّة لا يستلزم النفوذ.

ص: 235


1- الحاوي الكبير 195:8، المهذّب - للشيرازي - 457:1، نهاية المطلب 10: 10، حلية العلماء 69:6، البيان 133:8، العزيز شرح الوجيز 23:7، روضة الطالبين 104:5، المحلّى 317:9-318، المغني 566:6، الشرح الكبير 6: 460.
2- سنن الدارقطني 3/150:4.
3- المهذّب - للشيرازي - 457:1، نهاية المطلب 10:10، البيان 133:8، العزيز شرح الوجيز 24:7، روضة الطالبين 104:5.
4- مختصر اختلاف العلماء 2188/53:5، أحكام القرآن - للجصّاص - 99:2، الحاوي الكبير 195:8، نهاية المطلب 10:10، حلية العلماء 69:6، البيان 8: 133، العزيز شرح الوجيز 24:7، روضة الطالبين 104:5، المغني 566:6، الشرح الكبير 460:6، المحلّى 317:9، المعونة 1620:3، بداية المجتهد 2: 336.
5- الفقيه 521/150:4، التهذيب 754/188:9، الاستبصار 460/121:4.

و قال بعض الشافعيّة: للإمام ردّ مثل هذه الوصيّة، و هل له إجازتها؟ يبنى على أنّ الإمام هل يعطى حكم الوارث الخاصّ؟(1).

مسألة 132: قد عرفت أنّ مذهبنا يقتضي جواز الوصيّة للوارث،

فإنّه لا فرق بين الوصيّة له و للأجنبيّ، بل للوارث أولى.

و العامّة منعوا من ذلك، إلاّ أن يجيز باقي الورثة(2).

فحينئذ لو أوصى للوارث بالثّلث فما دون، صحّت عندنا من غير اعتبار إجازة الورثة، و عند العامّة يجب اعتبار إجازتهم.

و للشافعيّة طريقان:

أصحّهما عندهم: أنّ الحكم كما لو أوصى لأجنبيّ بالزيادة على الثّلث حتى يرتدّ بردّ سائر الورثة.

و إن أجازوا فعلى القولين، و قد ذكرهما الشافعي في الأمّ:

أحدهما: أنّ إجازتهم ابتداء عطيّة، و الوصيّة باطلة.

و الأصحّ - و به قال أبو حنيفة و مالك و أحمد -: أنّها تنفيذ لما فعله الموصي، و الذي فعله انعقاد اعتبار(3).

و الطريق الثاني للشافعيّة: أنّها باطلة و إن أجاز الورثة، بخلاف الوصيّة للأجنبيّ بما زاد على الثّلث، و الفرق: أنّ المنع من الزيادة لحقّ الورثة، فإذا رضوا جوّزنا، و المنع هنا لتغيير الفروض التي قدّرها اللّه تعالى للورثة، فلا تأثير لرضاهم(4).

ص: 236


1- العزيز شرح الوجيز 24:7، روضة الطالبين 104:5.
2- المغني 449:6، الشرح الكبير 462:6.
3- في العزيز شرح الوجيز: «و للّذي فعله انعقاد و اعتبار».
4- العزيز شرح الوجيز 24:7-25، روضة الطالبين 104:5.
مسألة 133: قد ذكرنا أنّ الحقّ عندنا أنّ الإجازة تنفيذ و إمضاء لفعل الموصي،

و ليس ابتداء عطيّة، فيكفي فيه لفظ الإجازة و الإنفاذ و الإمضاء و أشباه ذلك، و لا حاجة إلى هبة و تجديد قبول و قبض من الموصى له، و ليس للمجيز الرجوع و إن لم يحصل القبض بعد، و به قال الشافعي على تقدير أنّها تنفيذ، و أحمد كذلك(1).

و قال على تقدير أنّها ابتداء عطيّة من الورثة: لا يكفي قبول الوصيّة أوّلا، بل لا بدّ من قبول آخر في المجلس و من القبض، و للمجيز الرجوع قبل القبض(2).

و هل يعتبر لفظ التمليك و لفظ الإعتاق إذا كان الموصى به العتق ؟ وجهان للشافعيّة:

أحدهما: لا يعتبر، بل يكفي لفظ الإجازة.

و أظهرهما عندهم: نعم، و لا يكفي لفظ الإجازة، كما لو تصرّف فاسدا من بيع أو هبة ثمّ أجازه(3).

و ينسب هذا الوجه إلى مالك، و هو اختيار المزني(4).

مسألة 134: قد بيّنّا أنّ الإجازة تنفيذ،

و بيّنّا في كتاب الهبة(5) أنّه إذا كانت الهبة لذي الرحم أبا كان أو ولدا أو غيرهما تلزم بالإقباض.

ص: 237


1- المغني 450:6، الشرح الكبير 464:6.
2- نهاية المطلب 8:10-9، البيان 134:8، العزيز شرح الوجيز 25:7، روضة الطالبين 104:5-105.
3- العزيز شرح الوجيز 25:7، روضة الطالبين 105:5.
4- كما في العزيز شرح الوجيز 25:7.
5- راجع: ج 20، ص 37.

و العامّة نازعوا في الحكمين، و لهم فيهما قولان(1).

فعلى ما اخترناه لو خلّف زوجة - هي بنت عمّه - و أباها - و كان وارثا - و كان قد أوصى لها و أجاز أبوها الوصيّة، فلا رجوع له عندنا و عند من قال:

إنّها تنفيذ من العامّة(2).

و أمّا على قول من قال: إنّها ابتداء عطيّة، فله الرجوع(3) ؛ لأنّ هبة الابن يجوز للأب الرجوع فيها عندهم(4).

مسألة 135: لو أعتق عبدا في مرضه و لا مال له سواه،

أو زادت قيمته على الثّلث، أو أوصى بعتقه فأجازوا عتقه، أو وصيّته بالعتق، صحّ العتق، و يكون الولاء بأسره للميّت يرثه من يرث الولاء عنه، و هو قول من جعل الإجازة تنفيذا من العامّة(5).

و من جعلها ابتداء عطيّة قال: إنّ ما زاد على الثّلث يكون ولاؤه للمجيزين ذكورهم و إناثهم بحسب استحقاقهم؛ لأنّهم باشروه بالإعتاق(6).

و قال بعض الشافعيّة: يحتمل أن يكون الولاء للميّت على القولين جميعا؛ لأنّا و إن جعلنا إجازتهم ابتداء عطيّة فإجازتهم إعتاق الميّت كإعتاقهم عن الميّت بإذنه، و من أعتق عبده عن غيره بإذنه و التماسه كان

ص: 238


1- راجع: ج 20، ص 37 و ما بعدها.
2- العزيز شرح الوجيز 25:7، روضة الطالبين 105:5.
3- العزيز شرح الوجيز 25:7، روضة الطالبين 105:5.
4- الإشراف على مذاهب أهل العلم 221:2، الحاوي الكبير 545:7، المهذّب - للشيرازي - 454:1، نهاية المطلب 423:8 و 424، الوجيز 249:1، الوسيط 272:4، حلية العلماء 52:6، التهذيب - للبغوي - 537:4، البيان 106:8، العزيز شرح الوجيز 322:6، روضة الطالبين 440:4، الإفصاح عن معاني الصحاح 51:2، المغني 305:6، الشرح الكبير 302:6.
5- العزيز شرح الوجيز 25:7-26، روضة الطالبين 105:5.
6- العزيز شرح الوجيز 26:7، روضة الطالبين 105:5.

الولاء للآذن، إلاّ أنّ اعتبار الإذن بعد موت الآذن كالمستبعد(1).

و كذا لو تبرّع بثلث ماله ثمّ أعتق أو أوصى بالإعتاق، فالحكم فيه كما تقدّم.

و لو أوصى لابن وارثه بعد تبرّعه بثلث ماله، أو أعطاه عطيّة في مرضه فأجاز أبوه وصيّته و عطيّته ثمّ أراد الرجوع فيما أجازه، فله ذلك إن قلنا: إنّه عطيّة مبتدأة، و ليس له ذلك على القول بأنّها إجازة مجرّدة.

و لو تزوّج ابنة عمّه فأوصت له بوصيّة أو عطيّة في مرض موتها ثمّ ماتت و خلّفته و أباه فأجاز أبوه وصيّته و عطيّته، فالحكم فيه عندهم(2) على ما ذكرنا.

و لو وقف على ورثته في مرضه فأجازوا الوقف، صحّ عندنا مطلقا، و عند العامّة كذلك إن قلنا: إنّ إجازتهم تنفيذ، و لم يصح على تقدير أن تكون إجازتهم عطيّة مبتدأة، لأنّهم يكونون واقفين على أنفسهم(3).

و لا فرق في الوصيّة بين الصحّة و المرض في أنّها تخرج من الثّلث.

و روى حنبل عن أبيه أحمد أنّه قال: إن وصّى في المرض فهو من الثّلث، و إن كان صحيحا فله أن يوصي بما شاء(4).

قال بعض أصحابه: يعني به العطيّة، أمّا الوصيّة فإنّها عطيّة بعد الموت، فلا يجوز منها إلاّ الثّلث على كلّ حال(5).

مسألة 136: الهبة في مرض الموت من الوارث و الوقف عليه و إبراؤه عمّا عليه من الدّين

كالوصيّة له، و قد بيّنّا جوازها.

و للعامّة قولان(2) تقدّما.

ص: 239


1- العزيز شرح الوجيز 26:7، روضة الطالبين 105:5. (2الى5) المغني 458:6، الشرح الكبير 468:6.
2- العزيز شرح الوجيز 26:7، روضة الطالبين 105:5.

و لو أوصى لامرأة أجنبيّة و أوصت له ثمّ تزوّجها، جازت وصيّتها له عندنا.

و عند العامّة لا تجوز إلاّ مع إجازة الورثة(1).

و لو أوصى أحدهما للآخر ثمّ طلّقها، جازت الوصيّة عندهم؛ لخروجه عن كونه وارثا، إلاّ أنّه إذا طلّقها في مرض موته فقياس مذهب العامّة أنّها لا تعطى أكثر من ميراثها؛ لأنّه يتّهم في أنّه طلّقها ليوصل إليها ماله بالوصيّة، فلم ينفذ ذلك لها، كما لو طلّقها في مرض موته و أوصى لها بأكثر ممّا كانت ترث(2).

مسألة 137: اختلف علماؤنا في أنّ الإجازة و الردّ هل يشترط فيهما موت الموصي

بحيث لو أجاز الورثة الوصيّة بالجميع أو بالزائد على الثّلث في حياة الموصي لم يكن بإجازتهم اعتبار، بل لهم الرجوع في الإجازة، و كذا في الردّ لو ردّ الورثة الوصيّة ثمّ مات الموصي فأجازوا، صحّت الإجازة و بطل الردّ، أو لا يشترط موت الموصي فيهما، بل متى أجازوا لم يكن للورثة الردّ بعد موت الموصي ؟

فقال المفيد و سلاّر و ابن إدريس من علمائنا بالأوّل(3) - و به قال ابن مسعود و شريح و طاوس و الحكم و الثوري و الحسن بن صالح بن حيّ و الشافعي و أبو ثور و ابن المنذر و أبو حنيفة و أصحابه(4) - لأنّهم أسقطوا

ص: 240


1- المغني 460:6، الشرح الكبير 469:6.
2- المغني 460:6، الشرح الكبير 469:6-470.
3- المقنعة: 669-670، المراسم: 203، السرائر 194:3.
4- المغني 458:6، الشرح الكبير 470:6، المهذّب - للشيرازي - 457:1، حلية العلماء 70:6، البيان 135:8، العزيز شرح الوجيز 26:7، روضة الطالبين 5: -

حقوقهم فيما لم يملكوه، فلم يلزمهم، كالمرأة إذا أسقطت صداقها قبل النكاح، أو أسقط الشفيع حقّه من الشفعة قبل البيع، و لأنّها حالة لا يصحّ فيها [ردّهم](1) للوصيّة فلم يصح فيها [إجازتهم](2) كما قبل الوصيّة.

و الجواب: لو لا تعلّق حقّ الوارث لم يمنع المريض، و الإجازة إنّما هي تنفيذ فعل قد حصل، فلا يتحقّق قبل الوصيّة، و الفرق بين الردّ و الإجازة ظاهر؛ فإنّ الردّ إنّما لم يعتبر حال حياة الموصي؛ لأنّ استمرار الوصيّة يجري مجرى تجدّدها حالا فحالا، بخلاف الردّ بعد الموت و الإجازة حال الحياة.

و قال الشيخ رحمه اللّه: لا يشترط في الإجازة موت الموصي، فليس لهم الرجوع بعد موت الموصي فيما أجازوه حال حياته(3) ، و به قال ابن حمزة(4) و ابن الجنيد و الصدوق(5) من علمائنا، و هو المعتمد عندي، و هو أيضا قول الحسن البصري و عطاء و حمّاد بن أبي سليمان و عبد الملك بن يعلى و الزهري و ربيعة و الأوزاعي و ابن أبي ليلى(6) ؛ لعموم قوله تعالى: مِنْ بَعْدِ8.

ص: 241


1- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «ردّها». و الصحيح ما أثبتناه.
2- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «إجازته». و الصحيح ما أثبتناه.
3- الخلاف 144:4، المسألة 14.
4- - 105، أحكام القرآن - للجصّاص - 98:2-99، النتف 819:2، المبسوط - للسرخسي - 154:27، مختصر اختلاف العلماء 2150/5:5، المحلّى 9: 319.
5- الفقيه 147:4-512/148.
6- المغني 458:6-459، الشرح الكبير 470:6، مختصر اختلاف العلماء 5: 2150/5، أحكام القرآن - للجصّاص - 99:2، المبسوط - للسرخسي - 27: 154، المحلّى 319:9، حلية العلماء 70:6، البيان 135:8.

وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها أَوْ دَيْنٍ (1) .

و لأنّ الردّ حقّ للورثة، فإذا رضوا بالوصيّة سقط حقّهم، كما لو رضي المشتري بالعيب، و لأنّ الأصل عدم اعتبار إجازة الوارث؛ لأنّه تصرّف من المالك في ملكه، لكن منع من الزيادة على الثّلث إرفاقا للوارث(2) ، فإذا رضي الوارث زال المانع، و لأنّ المال الموصى به لا يخرج عن ملك الموصي و الورثة؛ لأنّه إن برأ كان المال له، و إن مات كان للورثة، فإن كان للموصي فقد أوصى به، و إن كان للورثة فقد أجازوه.

و ما رواه الخاصّة - في الصحيح - عن منصور بن حازم عن الصادق عليه السّلام: في رجل أوصى بوصيّة و ورثته شهود فأجازوا ذلك فلمّا مات الرجل نقضوا الوصيّة، هل لهم أن يردّوا ما أقرّوا به ؟ قال: «ليس لهم ذلك، الوصيّة جائزة عليهم إذا أقرّوا بها في حياته»(3).

قالوا: لم يتحقّق استحقاق الورثة قبل الموت؛ لجواز أن يبرأ المريض أو يموتوا قبل موته(4).

قلنا: قد بيّنّا أنّ لهم تعلّقا مّا، و لهذا منع المريض من التصرّف فيه.

و قال مالك: إنّ الإجازة قبل الموت تلزم، إلاّ أن يكون الوارث في نفقته(5).

تذنيب: لو أذن الورثة للموصي في أن يوصي بأكثر من الثّلث، كان حكم إذنهم كحكم إجازتهم قبل الموت تمضى عندنا.7.

ص: 242


1- سورة النساء: 11.
2- في النّسخ الخطّيّة: «للورثة».
3- الكافي 12:7، ح 1 و ذيله، الفقيه 147:4-512/148 و 513، التهذيب 9: 775/193 و 776، الاستبصار 464/122:4 و 465.
4- العزيز شرح الوجيز 26:7.
5- العزيز شرح الوجيز 26:7.

و القائلون ببطلان الإجازة قالوا: لهم الرجوع في الإذن بعد الموت(1).

و قال مالك: إذا أذنوا له في الوصيّة و هو صحيح فلهم الرجوع، و إن أذنوا و هو مريض فلا رجوع لهم؛ لأنّه حالة المرض حالة الحجر عليه، فإذا أزالوا حجره بإذنهم له لزمهم حكم الإذن(2).

آخر: إذا أجازوا بعد الموت و قبل القسمة، لزمت الوصيّة.

و للشافعي في تنزيلها منزلة الإجازة قبل الموت قولان مخرّجان، و الظاهر لزومها(3).

مسألة 138: لا يشترط في الإجازة علم الورثة بالقدر الزائد على الثّلث و لا قدر التركة،

فلو لم يعرف الورثة قدر الزائد و لا قدر التركة صحّت الإجازة عند علمائنا - و هو قول أكثر الشافعيّة(4) - لأنّ الإجازة تنفيذ، فتجري مجرى الإبراء عن المجهول.

و على قولهم الآخر بأنّها عطيّة مبتدأة يشترط علم الورثة بقدر الزائد على الثّلث و قدر التركة(5).

و لو أوصى بجزء الزائد على الثّلث - كنصف تركته مثلا - فأجاز الوارث ثمّ قال: كنت أعتقد أنّ التركة قليلة فبانت أكثر ممّا كنت أعتقد، فالأقرب: الرجوع إليه و قبول قوله مع اليمين، و تنفذ الوصيّة في القدر الذي كان يعتقده، و هو قول الشافعي في كتاب الأمّ(3).

قال أصحابه: و إنّما يحتاج إلى اليمين إذا حصل المال في يد الموصى له،

ص: 243


1- العزيز شرح الوجيز 26:7، روضة الطالبين 105:5.
2- عيون المجالس 1384/1947:4، المعونة 1622:3، العزيز شرح الوجيز 7: 26. (3الى5) العزيز شرح الوجيز 26:7، روضة الطالبين 105:5.
3- الأم 110:4، و عنه في العزيز شرح الوجيز 26:7، و روضة الطالبين 105:5.

أمّا إذا لم يحصل فلا حاجة إلى اليمين إذا جعلناها ابتداء هبة، فإنّ الهبة قبل القبض لا تلزم(1).

و قال بعضهم: إنّ التنفيذ في القدر الذي يتحقّقه مبنيّ على أنّ الإجازة تنفيذ فتنزّل منزلة الإبراء، أمّا إذا جعلناها ابتداء هبة فإذا حلف بطل في الجميع(2).

هذا إذا لم تكن بيّنة، فإن أقام الموصى له بيّنة على أنّ الوارث كان عالما بقدر التركة عند الإجازة، لزمت إن جعلناها تنفيذا، و إن جعلناها ابتداء هبة، لم تلزم إذا لم يوجد القبض.

أمّا لو كانت الوصيّة بمعيّن من التركة - كعبد أو دار أو ثوب - فأجاز الوارث، ثمّ قال: كنت أظنّ أنّ التركة كثيرة و أنّ العبد خارج من ثلثها فظهر لي خلافه، أو ظهر دين لم أعلمه، أو تبيّن لي أنّه تلف بعضها، لم يلتفت إليه، و صحّت الوصيّة؛ لأنّ العبد معلوم لا جهالة فيه، و الجهالة في غيره، بخلاف ما إذا كانت الوصيّة بالجزء المشاع.

و قال بعضهم: يحتمل أن يملك الفسخ؛ لأنّه قد يسمح بذلك ظنّا منه أنّه يبقى له من المال ما يكفيه، فإذا بان خلاف ذلك لحقه الضرر في الإجازة، فملك الرجوع، كالمشاع(3).

و قالت الشافعيّة(4): إن جعلنا الإجازة ابتداء عطيّة، صحّت الوصيّة؛ للعلم بقدر الذي وقعت الإجازة فيه، و إن جعلناها تنفيذا و إمضاء، فقولان:».

ص: 244


1- العزيز شرح الوجيز 27:7، روضة الطالبين 105:5-106.
2- العزيز شرح الوجيز 27:7، روضة الطالبين 106:5.
3- المغني 459:6، الشرح الكبير 472:6.
4- في «ل»: «و قال بعض الشافعيّة».

أحدهما: الصحّة؛ للعلم بالعبد.

و الثاني: أنّه يحلف، و لا يلزم إلاّ الثّلث، كما في المشاع(1).

مسألة 139: إنّما تعتبر الإجازة من وارث جائز التصرّف،

فلو أجاز الأجنبيّ أو الصبي أو المجنون أو المحجور عليه لسفه، لم تصح الإجازة؛ لأنّها تبرّع بالمال فلم تصح منه، كالهبة.

و أمّا المحجور عليه للفلس فإن قلنا: الإجازة تنفيذ، صحّت الوصيّة، و إن قلنا: إنّها هبة، لم تصح؛ لأنّه ليس له هبة ماله.

إذا عرفت هذا، فالعبرة في إجازة من هو وارث يوم الموت حتى لو أوصى لأجنبيّ و لا ابن له بل كان له أخ أو عمّ ثمّ تجدّد بعد الموت له ابن، اعتبر في تنفيذ(2) الوصيّة إجازة الابن المتجدّد؛ لأنّه الوارث يوم الموت، و قد ظهر أنّ الأخ أو العمّ لا إرث له، فلا اعتبار بإجازتهما لو كانا قد أجازا.

و لو كان للموصي ابن و أخ، فالوارث هو الابن، فلو أجاز الوصيّة ثمّ مات قبل موت الموصي بطلت إجازته، و اعتبر إجازة الأخ؛ لأنّه الوارث يوم الموت.

الباب الثاني: في الوصيّة بالأعيان المعيّنة.
اشارة

و فيه بحثان:

البحث الأوّل: في الأعيان المحرّمة.
مسألة 140: قد بيّنّا أنّه يشترط في الوصيّة بالأعيان أن تكون محلّلة يجوز الانتفاع بها،

فلو أوصى بالأعيان المحرّمة، فإن لم يفرض لها منفعة محترمة بطلت الوصيّة إجماعا، كما لو أوصى بمال في إعانة الظالم على

ص: 245


1- العزيز شرح الوجيز 27:7، روضة الطالبين 106:5.
2- في «ر، ل»: «تنجيز» بدل «تنفيذ».

ظلمه، و الفاسق على فسقه، و الزّناة على زناهم؛ لأنّها وصيّة بغير المعروف، و مشتملة على المساعدة للظالم على الظلم.

و إن فرض لها منفعة محلّلة إمّا مع بقاء عينها على صفاتها الموجودة حالة الوصيّة أو بعد زوال صفاتها، صحّت الوصيّة إجماعا؛ لعدم انحصار المنافع في المحرّمة، و الأصل حمل تصرّفات المسلم على الصحّة.

و كذا لو أوصى بكتبة التوراة و الإنجيل؛ لأنّهما محرّفتان.

و كذا لو أوصى بكتبة كتب الضلال.

مسألة 141: لو أوصى بكلب الهراش،

لم تصح الوصيّة؛ لأنّه ليس بمال، و لا يجوز اقتناؤه و لا بيعه و لا ثمنه، أمّا لو كان الكلب ممّا يحلّ اقتناؤه - مثل: كلب الصيد و الماشية و الزرع و الحائط - صحّت الوصيّة به إجماعا؛ لأنّ فيه نفعا مباحا، و تقرّ اليد عليه، و الوصيّة تبرّع تصحّ في المال و غير المال من الحقوق، و لأنّه تصحّ هبته فتصحّ الوصيّة به، كالمال.

و لو قال: أعطوه كلبا من كلابي، فإن لم يكن له كلب يباح اقتناؤه، بل كلّ كلابه كلاب الهراش، بطلت الوصيّة، و لو كان له كلاب يباح الانتفاع بها، صحّت الوصيّة، و أعطي واحدا منها.

و كذا لو قال: أعطوه كلبا من مالي، فإن قلنا: الكلب المباح اقتناؤه يصحّ بيعه و شراؤه، كان مالا، و صحّت الوصيّة به، و إن قلنا: إنّه لا يصحّ بيعه، فإنّه تصحّ الوصيّة به أيضا - و به قال الشافعي(1) - و إن لم يكن الكلب مالا؛ لأنّ المنتفع به من الكلاب يصحّ اقتناؤه و اعتبار الأيدي المتداولة عليه، كالأموال، و يستعار له اسم المال بهذا الاعتبار، بخلاف كلب الهراش، فإنّ

ص: 246


1- التهذيب - للبغوي - 88:5، العزيز شرح الوجيز 37:7، روضة الطالبين 5: 114.

الوصيّة به باطلة، سواء قال: أعطوه كلبا من كلابي أو من مالي؛ لأنّه لا يصحّ ابتياع الكلب المذكور، لأنّه لا قيمة له، و لا يباح اقتناؤه، فلا يعدّ مالا حقيقة و لا مجازا، بخلاف ما لو قال: أعطوه عبدا من مالي، و لا عبد له، فإنّه يشترى له عبد من ماله؛ لتعذّر شراء كلب.

و لو تبرّع متبرّع و أراد تنفيذ وصيّته من عنده، احتمل الجواز، كما لو تبرّع بقضاء دينه.

مسألة 142: لو كان له كلب يباح اقتناؤه و لا مال له سواه،

فأوصى به، لم تنفذ الوصيّة إلاّ في الثّلث؛ لأنّه شيء ينتفع به، فلم يكن له تفويت جميعه على الورثة، كالأموال.

و لو لم يكن له كلب و قال: أعطوه كلبا من كلابي، بطلت الوصيّة؛ لفوات محلّها.

و لو قال: كلبا من مالي، فإن جوّزنا بيعه، صحّت الوصيّة، و اشتري له من ماله كلب يباح اقتناؤه، و إن منعنا من بيعه، بطلت الوصيّة؛ لأنّه لا يصحّ ابتياع الكلب؛ حيث لا قيمة له، بخلاف الشاة.

و لو كان له كلب يباح اقتناؤه و له مال سواه، فإن منعنا من بيعه، فللموصى له جميع الكلب و إن قلّ المال؛ لأنّ قليل المال خير من الكلب، لأنّه لا قيمة له، و هو قول بعض العامّة(1).

و قال بعضهم: للموصى له به ثلثه و إن كثر المال؛ لأنّ موضوع الوصيّة على أن يسلم ثلثا التركة للورثة، و ليس في التركة شيء من جنس الموصى به(2).

ص: 247


1- المغني 618:6، الشرح الكبير 533:6.
2- المغني 618:6، الشرح الكبير 533:6.

و لا يصحّ تقويمه بحيث يندر للورثة من باقي التركة بقدر ثلثي قيمته.

و إن جوّزنا بيعه، قوّم من باقي التركة، كغيره من الأموال.

و لو أوصى ببعضه، أو كان له كلاب فأوصى ببعضها، صحّت الوصيّة، و اعتبرت قيمته من الثّلث.

و قال بعض الشافعيّة: لا يعتبر خروج الموصى به من الثّلث؛ لأنّها غير متقوّمة، و يكفي أن يترك شيئا للورثة كم كان(1).

و المشهور عندهم: اعتباره، كما في الأموال، و على هذا لو لم يكن له إلاّ كلب واحد لم يخف اعتبار الثّلث منه(2).

و إن كان له كلاب، ففي كيفيّته لهم وجوه:

أحدها: أنّه ينظر إلى قيمتها بتقدير الماليّة فيها، كما يقدّر الرقّ في الحرّ عند الحاجة، و تنفذ الوصيّة في الثّلث بالقيمة.

و الثاني: أنّه ينظر إلى عدد الرؤوس، و تنفذ الوصيّة من ثلثه في واحد.

و الثالث: أنّه تقوّم منافعها؛ لأنّه لا ماليّة للذوات، و يؤخذ الثّلث من قيمة المنافع(3).

و من لم يملك إلاّ كلبا و طبل لهو و زقّ خمر محترمة فأوصى بواحد منها، و أردنا اعتبار الثّلث، لم يجر الوجه الثاني و لا الثالث؛ لأنّه لا تناسب بين الرؤوس و لا بين المنافع، فيتعيّن اعتبار القيمة(4).

هذا إذا لم يكن للموصي بالكلب مال، أمّا إذا كان له مال و كلاب فأوصى بجميعها أو بعضها، فللشافعيّة وجوه:

أظهرها: نفوذ الوصيّة و إن كثرت و قلّ المال؛ لأنّ المعتبر أن يبقى

ص: 248


1- العزيز شرح الوجيز 38:7، روضة الطالبين 115:5.
2- العزيز شرح الوجيز 38:7، روضة الطالبين 115:5.
3- العزيز شرح الوجيز 38:7، روضة الطالبين 115:5.

للورثة ضعف الموصى به، و المال و إن قلّ خير من ضعف الكلب الذي لا قيمة له.

و الثاني: أنّ الكلاب ليست من جنس الأموال، فيقدّر كأنّه لا مال له، و تنفذ الوصيّة في ثلث الكلاب على ما مرّ، و هذا كما أنّ وصيّته بالمال و الصورة هذه تعتبر من ثلث المال، و يقدّر كأنّه لا كلاب له.

و الثالث: أنّه تقوّم الكلاب أو منافعها على اختلاف الوجهين السابقين، و يضمّ إلى ما له من المال، و تنفذ الوصيّة في ثلث الجميع، كمن له أعيان و منافع و أوصى له بها، فإنّ ثلثه يعتبر من الأعيان و المنافع جميعا(1).

مسألة 143: لو خلّف مالا و كلابا فأوصى بالكلاب لرجل و بثلث ماله لآخر،

فللموصى له بالثّلث الثّلث، و للموصى له بالكلاب ثلثها، و هو قول بعض الشافعيّة(2).

و قال بعضهم: إنّه تنفذ الوصيّة بجميع الكلاب؛ لأنّ ثلثي المال الذي يبقى للورثة خير من ضعف الكلاب(3).

و استبعد بعضهم هذا؛ لأنّ ما يأخذه الورثة من الثّلثين هو حصّتهم بحسب ما نفذت الوصيّة فيه، و هو الثّلث، فلا يجوز أن يحسب عليهم مرّة أخرى في الوصيّة بالكلاب(4).

و قال بعضهم: تضمّ قيمة الكلاب أو منافعها إلى المال، و يدخل المال في حساب الوصيّة بالكلاب و إن لم تدخل الكلاب في حساب الوصيّة بالمال(5).

و لو وصّى بثلث ماله و لم يوص بالكلاب، دفع إليه ثلث المال، و لم تحسب الكلاب على الورثة إن منعنا من بيعها؛ لأنّها ليست مالا.

ص: 249


1- العزيز شرح الوجيز 38:7-39، روضة الطالبين 115:5-116. (2الى5) العزيز شرح الوجيز 39:7، روضة الطالبين 116:5.

و يحتمل احتسابها؛ لأنّ لها قيمة مقدّرة عند علمائنا.

و إذا قسّمت الكلاب بين الوارث و الموصى له، أو بين اثنين موصى لهما بها، أو بين وارثين، قسّمت على عددها إن لم يكن لها قيمة، فإن تشاحّوا في بعضها فينبغي أن يقرع بينهم فيه.

و لو أوصى بكلب من كلابه، فالتخيير للورثة.

و قال بعض العامّة بالقرعة(1).

و لو كان له كلب يباح اقتناؤه و كلب هراش، فالوصيّة بالمباح.

و مذهب الشافعي في هذا كلّه قريب ممّا قلناه(2).

و الأقرب: صحّة الوصيّة بالجرو الصغير إن قصد به الصيد أو حفظ الزرع أو الماشية أو الحائط.

و لا تصحّ الوصيّة بالخنزير و لا بشيء من السباع المحرّم اقتناؤها، و كذا كلّ ما لا منفعة فيه لا تصحّ الوصيّة به، و قد تقدّم(3).

مسألة 144: لو أوصى بدفّ من دفوفه،

قال الشيخ رحمه اللّه: لا تصحّ على مذهبنا؛ لأنّ استعمال ذلك محظور(4).

و قالت العامّة بجوازه؛ لما رووه عن النبيّ صلّى اللّه عليه و اله أنّه قال: «أعلنوا هذا النكاح و اضربوا عليه بالدفّ»(5)(6).

ص: 250


1- المغني 618:6، الشرح الكبير 534:6.
2- كما في المغني 618:6، و الشرح الكبير 534:6.
3- في ص 137، المسألة 117، و ص 139، المسألة 121.
4- المبسوط - للطوسي - 20:4.
5- الجامع الصحيح (سنن الترمذي) 398:3-1089/399، السنن الكبرى - للبيهقي - 290:7 بتفاوت.
6- المغني 619:6، الشرح الكبير 541:6.

و قال ابن إدريس: نعم ما قاله الشيخ؛ لأنّه من اللعب و اللهو و إن كان قد روي رواية شاذّة أنّه مكروه، و ليس بمحظور(1).

و قد تقدّم البحث في تحريم استعمال الدفّ.

مسألة 145: لفظة الطبل تستعمل في طبل الحرب،

الذي يضرب به للتهويل، و [تقع](2) على طبل الحجيج و القوافل، الذي يضرب لإعلام النزول و الارتحال، و على طبل العطّارين، و هو سفط(3) لهم، و على طبل اللهو، و قد فسّر بالكوبة التي يضرب بها المخنّثون، وسطها ضيّق، و طرفاها واسعان، و هي من الملاهي، و لعلّ التمثيل بها أولى من التفسير.

فإن أوصى بطبل حرب، صحّت الوصيّة إجماعا؛ لأنّ فيه منفعة مباحة، و كذا باقي الطبول، إلاّ طبل اللهو، فإن كان في الحال يصلح لطبل اللهو و الحرب معا، صحّت الوصيّة به؛ لأنّ المنفعة به قائمة، و كذا إن صلح للحجيج أو لمنفعة مباحة في الحال، صحّت الوصيّة.

و إن لم يصلح إلاّ للّهو لكن يصلح لغيره بعد تغيير يبقى معه اسم الطبل، صحّت الوصيّة أيضا - خلافا للحنابلة(4) - لأنّها عين يمكن الانتفاع بها مع تغييرها و بقاء اسم الموصى به عليه، فصحّت الوصيّة به، كما لو أوصى بعبد مريض لا يمكن الانتفاع به في الحال.

و أمّا إن لم يمكن الانتفاع به إلاّ بعد تغييره عن صفته بحيث لا يبقى اسم الطبل معه، فالأقرب: الصحّة أيضا، سواء كان لا ينتفع به إلاّ

ص: 251


1- السرائر 205:3.
2- ما بين المعقوفين يقتضيه السياق.
3- السّفط: الذي يعبّى فيه الطيب و ما أشبهه. لسان العرب 315:7 «سفط».
4- المغني 619:6، الشرح الكبير 541:6.

برضاضه، أو ينتفع به مع بقاء تركيبه لا على هيئة الطبل الذي لا ينتفع به إلاّ في اللهو، و سواء كان لرضاضه قيمة مقصودة نفيسة، كما لو كانت من ذهب أو فضّة أو عود، أو غير مقصودة و لا نفيسة، كنحاتة الخشب إذا كان له نفع مّا و إن قلّ.

و الشافعيّة فصّلوا مختلفين، فقالوا: إن كان لا يبقى اسم الطبل عند زوال الصفة المحرّمة فيه لم تصح الوصيّة عند بعضهم؛ لأنّه أوصى بالطبل، و لا يمكن بقاء الاسم إلاّ مع تحريم المنفعة، و هو المشهور عندهم، و إلاّ صحّت(1).

و قال آخرون: إنّه إذا لم يصلح لغرض مباح مع بقاء اسم الطبل و كان لا ينتفع به إلاّ برضاضه لم تصح الوصيّة؛ لأنّه لا يقصد منه الرّضاض إلاّ إذا كان من شيء نفيس كذهب أو عود فتنزّل الوصيّة عليه، و كأنّه أوصى برضاضه إذا كسر، و الوصيّة قابلة للتعليق(2).

و لهم في بيع الملاهي التي يعدّ رضاضها مالا ثلاثة أوجه، ثالثها:

الفرق بين أن تكون متّخذة من جوهر نفيس أو من غيره، فإن اكتفينا بماليّة الرّضاض لصحّة البيع في الحال فكذلك في الوصيّة(3).

مسألة 146: إذا أوصى بما يقع اسمه على المحلّل و المحرّم و لم ينصّ على أحدهما بل أطلق،

صرف إلى المحلّل دون المحرّم؛ ميلا إلى تصحيح

ص: 252


1- المهذّب - للشيرازي - 465:1، التهذيب - للبغوي - 89:5، البيان 233:8 - 234، العزيز شرح الوجيز 40:7، روضة الطالبين 116:5.
2- نهاية المطلب 174:11، الوجيز 271:1، الوسيط 420:4، العزيز شرح الوجيز 40:7، روضة الطالبين 116:5-117.
3- نهاية المطلب 496:5، الوسيط 20:3-21، العزيز شرح الوجيز 30:4، و 40:7، روضة الطالبين 20:3، و 117:5، المجموع 256:9.

الوصيّة؛ لأنّ الموصي يقصد حيازة الثواب، و الظاهر أنّه يقصد ما تصحّ الوصيّة فيه(1).

و لأنّ الظاهر من حال المسلم صحّة تصرّفاته، فيحمل مطلقه عليها؛ عملا بالظاهر، و عدولا عن غيره، و صونا لكلام العاقل عن اللغو، و له عن التصرّف الفاسد و المنهيّ عنه شرعا.

فلو كان له طبلان أحدهما: طبل حرب، و الآخر طبل لهو و أوصى بطبل من ماله أو من طبوله، صرف إلى طبل الحرب، دون طبل اللهو.

و لو تعدّدت الطبول المباح استعمالها، كان للموصى له واحد منها إمّا بالقرعة أو بما يخصّصه الورثة.

و لو لم يكن إلاّ طبول محرّمة، لم تصح الوصيّة، إلاّ أن ينتفع برضاضها أو بإزالة صفتها.

و إذا صحّت الوصيّة بالطبل، فالجلد الذي عليه يدفع إلى الموصى له، سواء كان يقع عليه اسم الطبل من دون الجلد، أو لا يقع عليه اسم الطبل؛ لأنّه كجزء من المسمّى.

و قالت الشافعيّة: إن كان لا يقع عليه اسم الطبل إلاّ معه(2) دخل، و إلاّ فلا(3). و لا بأس به.

و الدفّ قد بيّنّا الخلاف في أنّه هل تجوز الوصيّة به ؟ فإن جوّزناه و كان عليه شيء من الجلاجل و حرّمناها نزع، و لم يدفع إليه، إلاّ أن ينصّ عليه.5.

ص: 253


1- الظاهر: «به» بدل «فيه».
2- أي: مع الجلد.
3- العزيز شرح الوجيز 78:7، روضة الطالبين 146:5.
مسألة 147: اسم العود يقع على الذي يضرب به،

و هو عود اللّهو، و على واحد الأخشاب، منها: التي تستعمل في البناء، و التي تصلح للقسيّ و العصيّ.

و الوصيّة بعود اللّهو كالوصيّة بالطبل، فينظر هل يصلح على هيئته لمنفعة مباحة أو بعد تغييره مطلقا عندنا، و تغييرا يبقى معه اسم العود عند الشافعيّة(1) ؟ فتصحّ [الوصيّة](2) به، أو لا يصلح ؟ فلا تصحّ.

و إذا صحّت الوصيّة، لم يدفع إليه الوتر و المضراب؛ لأنّه يسمّى عودا دونهما.

و لو قال: أعطوه عودا من عيداني، و لم يكن له إلاّ عيدان القسيّ و البناء، فيعطى واحدا منها.

و كذا لو كان معها عيدان اللّهو لكنّها تصلح لمنفعة مباحة إمّا مطلقا أو مع التغيير، فيعطيه الوارث ما شاء من الجميع، أو يقرع له بين الجميع.

و إن كان له عيدان اللّهو، التي لا تصلح لمنفعة مباحة، و عيدان القسيّ و البناء، أعطي واحدا من العيدان المباحة إمّا بالقرعة أو بالاختيار - و هو أحد وجهي الشافعيّة(3) - كما في الطبل من أنّه ينزّل على المباح استعماله، و كما لو لم يكن إلاّ عيدان القسيّ و البناء، صونا لتصرّف المسلم عن الفساد، و لكلامه عن الهذريّة، و لأنّ المحرّم استعماله ساقط الاعتبار في نظر الشرع، فأشبه المعدوم.

ص: 254


1- العزيز شرح الوجيز 78:7، روضة الطالبين 147:5.
2- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «المنفعة». و المثبت هو الصحيح.
3- العزيز شرح الوجيز 78:7، روضة الطالبين 147:5.

و الثاني - و هو الأظهر عندهم -: تنزيل الوصيّة على عيدان اللّهو، فتبطل؛ لأنّ اسم العود عند الإطلاق إنّما ينصرف إليه، و استعماله في غيره مرجوح، و ليس كما لو قال: عودا من عيداني، و ليس له إلاّ أعواد القسيّ و البناء؛ لأنّ هناك التقييد منعنا من الأخذ بالإطلاق، و بخلاف الطبل؛ لوقوعه على طبل اللّهو و غيره بالسويّة(1).

و نمنع ظهور اسم العود في الذي يضرب به، بل هو لفظ مشترك يستعمل فيه، و في الذي يتبخّر به، و في الواحد من الأخشاب بحسب الحاجة.

سلّمنا أنّ الاستعمال في عود اللّهو أظهر، لكنّه كما ينصرف إليه إذا كان واحدا ينصرف إليه إذا جامع المباح، فيلزم أن ينصرف قوله: «عودا من عيداني» إليه، و حينئذ وجب أن تلغو الوصيّة إذا لم يكن له عيدان لهو و إن كان له ما يصلح للأبنية و القسيّ، و ليس كذلك.

مسألة 148: إذا أوصى له بعود و لا عود له،

فإن كان قال: من عيداني، بطلت الوصيّة؛ لفوات محلّها، و إن قال: من مالي، أو أطلق، صحّت الوصيّة.

فإن قلنا: إنّه ينصرف مطلقه إلى عود اللّهو، اشتري له عود لهو يصلح لمنفعة مباحة أو ينتفع برضاضه، و بالجملة يشترى ما لو كان موجودا في ماله أمكن تنفيذ الوصيّة بالعود به.

و لو لم يمكن الانتفاع به إلاّ على الوجه المحرّم، احتمل صرفه إلى المجاز، كعود البناء و القسيّ، و البطلان على بعد.

ص: 255


1- العزيز شرح الوجيز 78:7، روضة الطالبين 147:5.

و إن قلنا: إنّه لا ينصرف مطلقه إلى عود اللّهو، صحّت الوصيّة.

فإن أمكن الانتفاع بعود اللّهو بالمحلّل أو بالرّضاض، جاز أن يشترى له أو ما يريده الوارث، و إن لم يمكن، اشتري له عود البناء أو القسيّ بحسب تخصيص الوارث، أو القرعة.

قيل: وقوع الطبل على أنواعه ليس كوقوع العود على معانيه المذكورة، بل الطبل موضوع للمشترك بين الأنواع، و ليس من الألفاظ المشتركة بينها، و العود مشترك بين الخشب الذي يضرب به و الذي يتبخّر به، ثمّ هو بالمعنى الأوّل غير مشترك بين ما يستعمل في الأبنية و يصلح للقسيّ، بل للمشترك بينهما(1).

و لو أوصى بعود من عيدانه و ليس له إلاّ واحد من أعواد اللّهو و واحد ممّا يصلح للبناء و واحد ممّا يصلح للقسيّ، فإن حملنا لفظ العيدان على هذه الآحاد، حملنا اللفظ المشترك على معنييه معا، و هو ممنوع عند محقّقي الأصوليّين، فإن منع، فهذه الصورة كما لو أوصى بعود من عيدانه و ليس له إلاّ واحد من عيدان اللّهو أو لا عود له.

تذنيب: الوصيّة بالمزمار كالوصيّة بعود اللّهو، فإن أمكن الانتفاع به على الوجه المباح أو برضاضه، صحّت الوصيّة به، و إلاّ فلا، و إذا صلح لم يلزم تسليم المجمع، و هو الذي يجعله الزامر بين شفتيه؛ لأنّ الاسم لا يتوقّف عليه.

مسألة 149: اسم القوس يقع على العربيّة،

و هي التي يرمى بها النبل، و هي السهام العربيّة، و على الفارسيّة، و هي التي يرمى بها النّشّاب، و على

ص: 256


1- العزيز شرح الوجيز 79:7.

القسيّ التي لها مجرى تنفذ فيه السهام الصغار، و تسمّى الحسبان، و على الجلاهق، و هو ما يرمى به البندق، و على قوس النّدف، و السابق إلى الفهم من لفظ القوس أحد الثلاثة الأول، فإذا قال: أعطوه قوسا، حمل على أحدها، دون قوس النّدف و الجلاهق، قاله الشيخ(1) رحمه اللّه، و هو قول الشافعي(2) ؛ عملا بالعرف، و الإطلاق يحمل عليه.

و قال ابن إدريس: الورثة بالخيار في إعطاء أيّها شاؤا من الخمسة الأقواس، و منع العرف فيما ذكره الشيخ، و تخصيص كلام الموصي العامّ يحتاج إلى دليل(3).

و الشيخ رحمه اللّه لا ينازع في نقل العرف، فلعلّه نقل عرفا لغويّا أو عامّيّا في أنّ القوس إنّما يطلق حقيقة على أحد الثلاثة السابقة.

فالوجه أن نقول: إن كان في لفظه أو حاله قرينة تقتضي صرف اللفظ إلى أحدها، صرف إليه، مثل أن يقول: قوسا يندف به، أو يتعيّش به، أو ما أشبه ذلك، صرف إلى قوس الندّافين، و إن قال: يغزو به، خرج منه قوس الندف و البندق.

و لو كان الموصى له ندّافا لا عادة له بالرمي، أو بندقانيّا لا عادة له بالرمي بشيء سواه، أو كان جنديّا يرمي بقوس النّشّاب لا غيره، انصرفت الوصيّة إلى القوس الذي يستعمله عادة؛ لأنّ ظاهر حال الموصي أنّه قصد3.

ص: 257


1- المبسوط - للطوسي - 21:4.
2- مختصر المزني: 143-144، الحاوي الكبير 239:8، المهذّب - للشيرازي - 466:1، نهاية المطلب 176:11، الوجيز 274:1-275، الوسيط 438:4، حلية العلماء 117:6، التهذيب - للبغوي - 90:5، البيان 236:8، العزيز شرح الوجيز 79:7، روضة الطالبين 148:5.
3- السرائر 206:3.

نفعه بما جرت عادته بالانتفاع به.

و إن انتفت القرائن، فالقرعة، أو ما يختاره الورثة.

فروع:

الأوّل: إذا قال: أعطوه قوسا من قسيّي، و له الخمسة، فكالإطلاق، و لو لم يكن له إلاّ نوع واحد، صرف اللفظ إليه؛ صونا للّفظ عن الهذريّة، و للتقييد و الإضافة.

و لو تعدّد ما له، فإن تساوت القرائن فكالمطلق، و إن تفاوتت حمل على السابق إلى الفهم.

و لو لم يكن له إلاّ قوس الجلاهق أو النّدف، حمل عليه؛ للتقييد و الإضافة.

و لو كان له قوس الجلاهق و قوس النّدف جميعا، قالت الشافعيّة:

يعطى قوس الجلاهق؛ لأنّ الاسم أسبق إليه(1).

و قد تقدّم كلامنا فيه.

الثاني: لو قال: أعطوه ما يسمّى قوسا، فالوجه: أنّ للوارث أن يعطيه ما شاء من الأنواع الثلاثة و غيرها، و هو قول بعض الشافعيّة(2).

و قال بعضهم: إنّه كالمطلق(3). و ليس بجيّد.

الثالث: إذا أوصى له بقوس، أعطي قوسا معمولة؛ لأنّها لا تسمّى قوسا إلاّ كذلك.5.

ص: 258


1- الحاوي الكبير 240:8، الوسيط 438:4، البيان 237:8، العزيز شرح الوجيز 80:7، روضة الطالبين 148:5.
2- العزيز شرح الوجيز 79:7-80، روضة الطالبين 148:5.
3- العزيز شرح الوجيز 80:7، روضة الطالبين 148:5.

و هل تستتبع الوصيّة بالقوس الوتر؟ احتمال ينشأ من توقّف الانتفاع عليه، فكان كجزء من أجزائها، و من خروجه عن مسمّى القوس، فأشبه الوصيّة بالدابّة، فإنّها لا تستتبع السرج.

و للشافعيّة كالوجهين، و أصحّهما عندهم: الثاني(1).

و يجري الوجهان في بيع القوس(2).

الرابع: لا يدخل النّشّاب و لا غلاف القوس في الوصيّة، و يدخل الريش و النصل في الوصيّة بالسهم؛ لثبوتهما فيه.

البحث الثاني: في الوصيّة بالأعيان المباحة من الحيوان.
اشارة

و هو قسمان:

القسم الأوّل: الحيوان غير الرقيق.
مسألة 150: تصحّ الوصيّة بالحيوانات المملوكة،

سواء الآدمي و غيره بلا خلاف؛ لأنّها أعيان ينتفع بها، و يصحّ نقلها بعوض و غيره، فلو أوصى له بشاة تناول الذكر و الأنثى؛ لأنّه اسم جنس، كالإنسان، و ليست التاء فيه للتأنيث، يدلّ عليه قولهم: لفظ الشاة يذكّر و يؤنّث، و لهذا حمل قوله صلّى اللّه عليه و اله:

«في أربعين شاة شاة»(3) على الذكور و الإناث.

و هو قول أكثر الشافعيّة(4) ، قالوا: لأنّ أصحّ الوجهين: جواز إخراج

ص: 259


1- نهاية المطلب 177:11، البيان 237:8، العزيز شرح الوجيز 80:7، روضة الطالبين 148:5.
2- العزيز شرح الوجيز 80:7، روضة الطالبين 148:5.
3- سنن الدارمي 381:1، سنن ابن ماجة 1805/577:1، ذكر أخبار إصبهان 2: 319، السنن الكبرى - للبيهقي - 88:4.
4- نهاية المطلب 165:11، التهذيب - للبغوي - 87:5، العزيز شرح الوجيز 7: 80، روضة الطالبين 148:5.

الذكر عن خمس من الإبل؛ لشمول الاسم(1).

و قال الشافعي في كتاب الأم: إنّ اسم الشاة لا يتناول الكباش و التيوس، و إنّما هو للإناث؛ للعرف(2).

و يتناول اسم الشاة صغيرة الجثّة و كبيرتها، و السليمة و المعيبة، و الصحيحة و المريضة، و الضأنيّة و الماعزة.

و هل يتناول السخلة و العناق ؟ للشافعيّة و جهان:

أظهرهما: أنّ اسم الشاة لا يقع عليهما.

و الثاني: يقع؛ لأنّه اسم جنس(3).

إذا ثبت هذا، فلو قال: أعطوه شاة من شياهي أو من غنمي، فإن لم يكن له غنم، فالوصيّة باطلة؛ لفوات محلّها إن مات و لا غنم له، و إن كان له غنم أعطي واحدة منها سليمة أو معيبة من الضأن أو المعز، فإن كانت كلّها ذكورا، أعطي ذكرا، و إن كانت كلّها إناثا، أعطي أنثى، و إن كان بعضها ذكورا و بعضها إناثا، جاز أن يعطى أنثى.

و في الذكر للشافعيّة قولان؛ بناء على تناول الشاة للذكر(4).

و يحتمل على قول من منع منهم من إطلاق اسم الشاة على الذكر بطلان الوصيّة لو قال: أعطوه شاة من غنمي، و لا أنثى له، كما لو قال:

أعطوه شاة من غنمي، و لا غنم له، فإنّ الوصيّة باطلة؛ لفوات محلّها(5).7.

ص: 260


1- العزيز شرح الوجيز 80:7-81، روضة الطالبين 148:5-149.
2- الأم 91:4، و عنه في البيان 229:8، و العزيز شرح الوجيز 80:7، و روضة الطالبين 148:5.
3- العزيز شرح الوجيز 81:7، روضة الطالبين 149:5.
4- العزيز شرح الوجيز 81:7، روضة الطالبين 149:5.
5- العزيز شرح الوجيز 81:7.

فروع:

الأوّل: لو قال: أعطوه شاة من مالي، فإن لم يكن له غنم اشتري له ما يتناوله اسم الشاة من مال الموصي، بخلاف ما لو قال: من غنمي، و لا غنم له؛ لفوات محلّ الوصيّة، و لو كان له غنم أعطي واحدة منها يتناولها الاسم.

و هل للوارث أن يعطي ما يتناوله الاسم على غير صفة غنمه بأن يشتري له شاة يتناولها الاسم و لا يكون من غنم الموصي ؟ الأقرب:

الجواز؛ لصدق الاسم عليها.

الثاني: لو قال: أعطوه غنما من مالي، فقد قلنا: إنّه يتخيّر الوارث لو كان للموصي غنم بين أن يعطيه من غنم الميّت، و بين أن يشتري له من مال الميّت، و ليس له أن يشتري من مال نفسه؛ لأنّ الوصيّة تقيّدت بالإضافة إليه، فليس له التخطّي.

و كذا لو لم يكن للموصي غنم، وجب أن يشترى من ماله، لا من مال الوارث.

أمّا لو قال: أعطوه شاة أو شيئا آخر، و لم يضف إليه، جاز للوارث أن يعطي من مال نفسه، كما له أن يقضي دين غيره.

الثالث: لو قال: اشتروا له شاة، و له شياه، لم يعطه منها؛ لأنّه قيّد الوصيّة بالشراء، و هو يدلّ على إرادة غير غنمه.

و هل يجوز أن يشترى معيبة ؟ الأقرب: ذلك؛ لأنّا بيّنّا صحّة تناول اللفظ لها، و كذا المريضة، و هو قول بعض الشافعيّة(1).

و قال بعضهم: لا يجوز أن يشترى معيبة؛ لأنّ إطلاق الأمر بالشراء5.

ص: 261


1- التهذيب - للبغوي - 87:5، العزيز شرح الوجيز 81:7، روضة الطالبين 149:5.

يقتضي السليم، كما في التوكيل بالشراء(1).

الرابع: قد بيّنّا صحّة تناول الشاة للذكر و الأنثى إذا لم يكن هناك قرينة تدلّ على التخصيص، و لو كان هناك قرينة تدلّ على التخصيص حمل اللفظ عليه، فلو قال: أعطوه شاة يحتلبها، وجبت الأنثى، و لو قال: أعطوه كبشا أو تيسا أو شاة لينزيها على غنمه، فالوصيّة بالذكر قطعا، و لو قال:

أعطوه نعجة أو شاة يحتلبها أو ينتفع بدرّها و نسلها، فهي بالأنثى.

الخامس: الظباء قد يقال لها: شياه البرّ، و الثور الوحشي قد يسمّى شاة في اللغة(2) ، لكن مطلق الوصيّة بالشاة لا تحمل عليهما؛ لأنّ استعمالها فيهما مجاز؛ لعدم سبق الفهم إليهما، و ثبوت سبقه في غيرهما.

أمّا لو قال: أعطوه شاة من شياهي، و ليس له إلاّ الظباء، فالأقرب:

صرف الوصيّة إليها؛ صونا للّفظ عن الهذريّة.

و للشافعيّة و جهان(3).

مسألة 151: البعير و الجمل و الناقة أسماء تشمل السليم و المعيب و البخاتي و العراب.

و اسم الجمل لا يطلق على الأنثى، بل على الذكر خاصّة.

و كذا الناقة لا تطلق على الذكر، بل على الأنثى من الإبل خاصّة، و لا تطلق على الجمل.

و أمّا البعير فالأقرب: أنّه كالشاة، فمن جعلها شاملة للذكر و الأنثى باعتبار كونها اسم جنس جعل البعير هنا شاملا للذكر و الأنثى؛ لأنّه اسم

ص: 262


1- التهذيب - للبغوي - 87:5، العزيز شرح الوجيز 81:7، روضة الطالبين 149:5.
2- كما في العزيز شرح الوجيز 81:7، و روضة الطالبين 149:5.
3- العزيز شرح الوجيز 81:7-82، روضة الطالبين 149:5.

جنس.

و للشافعيّة الخلاف هناك(1).

و نصّ الشافعي أنّه لا يتناول الناقة، و ينزّل اسم البعير منزلة الجمل(2).

لكن الأظهر عند أصحابه: التناول؛ لأنّه اسم جنس في اللغة، و العرب تقول: صرعتني بعيري، و حلب فلان بعيره(3).

و قال بعض الشافعيّة: نصّ الشافعي على الذكر فيما إذا عمّ العرف(4) باستعمال البعير بمعنى الجمل، و العمل بقضيّة اللغة إذا لم يعم(5).

و اعلم أنّ اللفظ القابل لمعان متعدّدة يقتضي تخيير الوارث أو القرعة.

و تطلق هذه الألفاظ السابقة على الصحيح و المريض و السليم و المعيب و الصغير و الكبير.

و لو أوصى بما بلغ سنّا معيّنة، وجب.

و لو قال: أعطوه بنت مخاض، لم يجزئ إلاّ ما كمل سنّه سنة.

و الأقرب: أنّه تجزئ بنت اللبون؛ [لأنّها](6) أعلى منها و أنفع على إشكال.

مسألة 152: اسم الثور للذكر من البقر خاصّة،

و أمّا البقرة فالأقرب:

ص: 263


1- العزيز شرح الوجيز 82:7، روضة الطالبين 149:5.
2- نهاية المطلب 166:11، البيان 230:8، العزيز شرح الوجيز 82:7، روضة الطالبين 149:5-150.
3- نهاية المطلب 166:11، البيان 230:8، العزيز شرح الوجيز 82:7، روضة الطالبين 150:5.
4- في العزيز شرح الوجيز «ينزّل (تنزيل - روضة الطالبين) النصّ على ما إذا عمّ العرف...».
5- العزيز شرح الوجيز 82:7، روضة الطالبين 150:5.
6- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «لأنّه». و الظاهر ما أثبتناه.

أنّها لا تتناول الذكر من البقر - و هو أصحّ وجهي الشافعيّة(1) - قضاء للعرف الدالّ على التخصيص بالأنثى.

و الثاني: أنّها تتناول الذكر أيضا، كالشاة و الجمل، و التاء في البقرة للتوحيد، كقولنا: تمرة و زبيبة(2) ، و هو قول أبي حنيفة(3).

و كذا الخلاف في اسم البغلة(4).

و لو قال: أعطوه عشرة من الإبل أو البقر أو الغنم، جاز الذكر و الأنثى.

و لو قال: عشر أينق أو بقرات، لم يعط الذكور، بل الإناث.

و لا فرق بعد التصريح بلفظ الأينق و البقرات بين أن يقول: عشرا أو عشرة.

و عند الشافعيّة: إنّ هذا في البقرات جواب على الصحيح، و هو أنّ البقرة للأنثى(5).

و لو قال: أعطوه عشرا من الإبل أو عشرة، جاز الذكر و الأنثى؛ لتناول الإبل النوعين.

و قال بعضهم: إنّه إن قال: عشرة، فهو للذكور، و إن قال: عشرا، فهو للإناث(6).

و لو قال: أعطوه رأسا من الإبل أو البقر أو الغنم، جاز الذكر و الأنثى.

مسألة 153: لو أوصى بكلب أو حمار،

فالأقرب: انصرافه إلى الذكور

ص: 264


1- نهاية المطلب 167:11، التهذيب - للبغوي - 88:5، العزيز شرح الوجيز 82:7، روضة الطالبين 150:5.
2- نهاية المطلب 167:11، التهذيب - للبغوي - 88:5، العزيز شرح الوجيز 82:7، روضة الطالبين 150:5.
3- التهذيب - للبغوي - 88:5، العزيز شرح الوجيز 82:7.
4- نهاية المطلب 167:11، التهذيب - للبغوي - 88:5، العزيز شرح الوجيز 7: 82، روضة الطالبين 150:5.
5- العزيز شرح الوجيز 82:7، روضة الطالبين 150:5.
6- العزيز شرح الوجيز 82:7، روضة الطالبين 150:5.

من هذين الجنسين؛ لأنّهم ميّزوا فقالوا: كلب و كلبة و حمار و حمارة.

و قال بعض الشافعيّة: إنّهما للجنس، و إنّ هذا التمييز ليس مستمرّا متقرّرا في اللغة، و لذلك قال صاحب الصحاح: ربما قالوا للأتان:

حمارة(1) ، فرواه رواية الشيء الغريب، و بتقدير استمراره فلا شكّ أنّ العرف استمرّ بخلافه(2).

و فيه منع.

و لو أوصى بكلبة أو حمارة أو أتان، فهو للأنثى خاصّة، و لا يتناول اسم الكلب الخنزير و لا بالعكس.

و قول الشيخ في غسل الأواني: إنّه لو [ولغ](3) الخنزير في الإناء غسل ثلاثا أولاهنّ(4) بالتراب؛ لأنّه قد يطلق على الخنزير اسم الكلب(5) ، ممنوع، و لو سلّم كان مجازا لا يصحّ الحمل عليه عند الإطلاق.

تذنيب: قد بيّنّا أنّه يدخل في اسم الشاة الضأن و المعز، و كذا يدخل المعز في اسم الغنم، و لا يدخل الضأن في اسم المعز و لا بالعكس، على إشكال من حيث اختلافهما في الاسم.

و أمّا البقر فيتناول الجواميس، و لهذا يدخل في نصب البقر، و يكمل بها نصابها، و هما من نوع واحد.

و قال بعض الشافعيّة: الجواميس لا تدخل في البقر، إلاّ إذا قال: من3.

ص: 265


1- الصحاح 636:2 «حمر».
2- العزيز شرح الوجيز 82:7، روضة الطالبين 150:5.
3- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «لاغ». و الصحيح ما أثبتناه.
4- في المصدر: «إحداهنّ» بدل «أولاهنّ».
5- الخلاف 178:1، المسألة 133، و 186-187، المسألة 143.

بقري، و ليس له إلاّ الجواميس، فوجهان عندهم كما تقدّم في الظباء(1).

مسألة 154: الدابّة في الوضع اللغوي الحقيقي اسم لكلّ ما يدبّ على وجه الأرض،

ثمّ اشتهر استعماله في المركوب من البهائم، و الوصيّة تنزّل على هذا الوضع الثاني.

فلو قال: أعطوه دابّة، انصرف إلى الخيل و البغال و الحمير، يعطى واحدا منها ذكرا أو أنثى؛ لأنّ الاسم في العرف يقع على جميع ذلك، و به قال الشافعي(2).

و اختلف أصحابه:

فعن ابن سريج: أنّ الشافعي إنّما ذكر ذلك على عادة أهل مصر في ركوبها جميعا، و باستعمال لفظ الدابّة فيها، فأمّا في سائر البلاد فحيث لا يستعمل اللفظ إلاّ في الفرس لا يعطى إلاّ الفرس.

و عن أبي إسحاق و ابن أبي هريرة و غيرهما: أنّ الحكم في جميع البلاد كما ذكر الشافعي(3).

إذا عرفت هذا، فإذا قال: أعطوه دابّة من دوابّي، و له الأجناس الثلاثة، تخيّر الوارث أو أقرع، و لو كان له جنسان فكذلك، و لو لم يكن له إلاّ جنس واحد تعيّن، و لو لم يكن له منها شيء بطلت الوصيّة؛ لفوات

ص: 266


1- العزيز شرح الوجيز 83:7، روضة الطالبين 150:5.
2- الأم 91:4، مختصر المزني: 143، الحاوي الكبير 235:8، المهذّب - للشيرازي - 465:1، نهاية المطلب 168:11، الوسيط 440:4، حلية العلماء 114:6، التهذيب - للبغوي - 88:5، البيان 231:8، العزيز شرح الوجيز 7: 83، روضة الطالبين 150:5.
3- الحاوي الكبير 235:8، المهذّب - للشيرازي - 465:1، حلية العلماء 6: 114، البيان 231:8، العزيز شرح الوجيز 83:7، روضة الطالبين 150:5 - 151.

محلّها.

و يدخل في لفظ الدابّة الذكر و الأنثى و السليم و المعيب و الصغير و الكبير.

هذا مع الإطلاق، فإن قرن بلفظه ما يخصّص اللفظ بأحدها، حمل عليه، فلو قال: أعطوه دابّة للكرّ و الفرّ و القتال، حمل على الفرس، و كذا لو قال: دابّة يقاتل عليها، أو يسهم لها من الغنيمة.

و لو قال: دابّة ينتفع بظهرها و درّها، حمل على الفرس و الأنثى من الحمير عندنا؛ لأنّ لبنها مباح، و عند العامّة تحمل على الأنثى من الخيل خاصّة(1).

و كذا لو قال: بظهرها و نسلها، حمل على الأنثى من الخيل و الحمير إجماعا، و خرج منه البغال؛ لأنّه لا نسل لها و لا درّ، و كذا يخرج منه الذكور من الصنفين.

و لو قال: دابّة يحمل عليها، حمل على البغال و الحمير، إلاّ أن يكون في بلد جرت عادته بالحمل على البراذين فيدخل الجميع.

و لو كان في بلد يعتاد فيه الحمل على الإبل و البقر، جاز أن يعطى منهما، قاله بعض الشافعيّة(2).

و منعه باقيهم؛ لأنّا إذا نزّلنا لفظ الدابّة على الأجناس الثلاثة لا ينتظم منّا حملها على غير هذه الأجناس بأن نصفها بصفة أو نقيّدها بقيد(3).

و ليس بجيّد؛ لأنّ عرف البلد بالنسبة إلى ذلك البلد يجري مجرى5.

ص: 267


1- التهذيب - للبغوي - 88:5، البيان 232:8، العزيز شرح الوجيز 83:7، روضة الطالبين 151:5.
2- العزيز شرح الوجيز 83:7، روضة الطالبين 151:5.
3- العزيز شرح الوجيز 83:7، روضة الطالبين 151:5.

العرف العامّ بالنسبة إلى العامّة.

مسألة 155: تجوز الوصيّة بكلّ حيوان مملوك ينتفع به منفعة مقصودة في نظر الشرع

و إن [كان غير مأكول اللحم، تبعا للانتفاع به و لو بجلده](1) ، كما في السباع عند من جوّز بيعها، و عند غيره إشكال أقربه: الجواز أيضا، أمّا ما لا منفعة له كالحشرات فلا تجوز الوصيّة بها، كما لا يجوز تملّكها.

القسم الثاني: في الوصيّة بالرقيق.
مسألة 156: اسم الرقيق يتناول بالوضع الصغير و الكبير و السليم و المعيب و المسلم

و الكافر و الذكر و الأنثى و الخنثى.

إذا ثبت هذا، فإن قال: أوصيت له برأس من رقيقي، أو قال: أعطوه رأسا من رقيقي، فإن لم يكن له رقيق يوم الوصيّة و لا حدث من بعد، فالوصيّة باطلة؛ لفوات محلّها.

و كذا لو قال: أعطوه عبدي الحبشي، أو العبد الذي صفته كيت و كيت، و لا عبد له بتلك الصفة يوم الوصيّة و لا حدث بعده.

و لو حدث له أرقّاء بعد الوصيّة، تعلّقت الوصيّة بها.

و للشافعيّة الوجهان السابقان في أنّ الاعتبار بيوم الوصيّة أو بيوم الموت ؟(2).

و عليهما يخرّج ما إذا كان له أرقّاء يوم الوصيّة و حدث آخرون بعده، فإنّ للوارث أن يعطيه رقيقا من الحادثين بعد الوصيّة.

ص: 268


1- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «كانت غير مأكولة... بها و لو بجلدها». و المثبت يقتضيه السياق.
2- التهذيب - للبغوي - 87:5، العزيز شرح الوجيز 84:7، روضة الطالبين 5: 151.

و للشافعيّة قولان(1).

و لو لم يكن له إلاّ رقيق واحد، و قال: أعطوه رأسا من رقيقي، صحّت الوصيّة، و أعطي ذلك الرأس، سواء تجدّد له غيره أو لا.

و للشافعيّة وجهان، أظهرهما عندهم: صحّة الوصيّة، و الثاني:

البطلان(2).

و إذا كان له أرقّاء، أعطاه الوارث من شاء منهم.

و يجوز أن يعطي الخنثى؛ لوقوع الاسم عليه، و هو أصحّ وجهي الشافعيّة، و الثاني: المنع؛ لانصراف اللفظ إلى الغالب المعهود، و شبّهوا ذلك بما لو أوصى بدابّة تنصرف إلى المعهود، دون ما يدبّ على وجه الأرض(3).

و لا يجوز أن يعطى غير أرقّائه بدلا لا برضا الموصى له و لا بدون رضاه.

أمّا بدون رضاه: فظاهر.

و أمّا معه: فلأنّ حقّه غير متعيّن، و المصالحة عن المجهول غير جائزة.

مسألة 157: لو كان له أرقّاء فأوصى بواحد منهم فماتوا أو قتلوا قبل موت الموصي،

بطلت الوصيّة؛ لفوات محلّها، و لو بقي واحد منهم تعيّن ذلك الواحد للوصيّة، و كذا لو أعتقهم إلاّ واحدا، و ليس للوارث أن يمسك

ص: 269


1- التهذيب - للبغوي - 87:5، العزيز شرح الوجيز 84:7، روضة الطالبين 5: 151.
2- العزيز شرح الوجيز 84:7، روضة الطالبين 151:5.
3- العزيز شرح الوجيز 84:7، روضة الطالبين 152:5.

الذي بقي و يدفع إليه قيمة واحد من المقتولين.

و إن قتلوا بعد موته و بعد قبول الموصى له، انتقل حقّ الوصيّة إلى القيمة، فيصرف الوارث قيمة من شاء منهم إليه.

و لو قتلوا بعد الموت و قبل القبول، فكذلك إن قلنا بالوقف، أو قلنا:

تملك الوصيّة بالموت، و إن قلنا: إنّها تملك بالقبول، بطلت الوصيّة.

و إن مات واحد منهم أو قتل بعد موت الموصي و [قبول](1) الموصى له، فللوارث التعيين فيه حتى يجب التجهيز على الموصى له، و تكون القيمة له إذا قتل.

و إن كان ذلك بعد الموت و قبل القبول، فكذلك إن قلنا بالوقف، أو قلنا: تملك الوصيّة بالموت، و إن قلنا: تملك بالقبول، أعطي واحدا من الباقين، كما لو كان ذلك قبل موت الموصي.

تذنيب: لو أوصى له برأس من رقيقه ثمّ أعتقهم بأسرهم و مات و لا رقيق له، بطلت الوصيّة، سواء خرجوا من الثّلث أو لا.

أمّا مع الخروج: فظاهر؛ لأنّه تصرّف بما يبطل الوصيّة.

و أمّا إذا لم يخرجوا: فلأنّه بعتقه قصد الرجوع عن الوصيّة.

مسألة 158: لو أوصى برقيق من ماله و لم يضف

مسألة 158: لو أوصى برقيق من ماله و لم يضف(2) إلى أرقّائه،

فإن لم يكن له رقيق، اشتري من ماله رقيق و دفع إلى الموصى له.

و إن كان له رقيق، تخيّر الوارث بين أن يعطيه رقيقا واحدا منها، و بين أن يشتري له ما شاء من الأرقّاء؛ لأنّ اللفظ يتناولهما، فكما يتخيّر الوارث في التعيين بين الأفراد الشخصيّة من الأرقّاء لو أضاف إلى أرقّائه و كان له،

ص: 270


1- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «قبل». و الصحيح ما أثبتناه.
2- في الطبعة الحجريّة: «و لم يضفه».

كذا يتخيّر في التعيين بين الأفراد النوعيّة، حيث كان اسم المال منطلقا على ما يشترى له و على الموجود عنده.

و لو قال: اشتروا له مملوكا، فالوجه: وجوب الشراء، و لا يجزئ الواحد من أرقّائه.

و يجوز شراء المعيب على الأقوى.

و قد تقدّم(1) الخلاف في الشاة لو قال: اشتروا له شاة.

و لو قال: أعطوه رأسا، و لم يقل: من مالي، صحّت الوصيّة، و كان بمنزلة ما لو قال: من مالي؛ لأنّه المراد ظاهرا، و هو أحد وجهي الشافعيّة، و الثاني: تبطل، و المذهب عندهم: الأوّل؛ عملا بالظاهر(2).

مسألة 159: إذا قال: أعطوه عبدا،

انصرف إلى الذكر، و لا يعطى أمة و لا خنثى مشكلا.

و لو قال: أعطوه أمة، لم يعط عبدا ذكرا و لا خنثى مشكلا، و هو أحد وجهي الشافعيّة، و الثاني: أنّه يجوز إعطاء الخنثى(3).

و لو قال: رأسا من رقيقي، أعطى الوارث من شاء من الثلاثة على ما تقدّم، إلاّ أن يأتي بقرينة تصرفه إلى معيّن منها، كما لو قال: أعطوه رقيقا يقاتل أو يخدمه في السفر، فإنّه يحمل على العبد.

و لو قال: رقيقا يستمتع به أو يحضن ولده، فهو كما لو قال: أمة.

و لو قال: رقيقا يخدمه، فهو كما لو أطلق.

ص: 271


1- في ص 261، الفرع الثالث.
2- التهذيب - للبغوي - 87:5، و فيه بطلان الوصيّة، العزيز شرح الوجيز 85:7، روضة الطالبين 152:5.
3- في العزيز شرح الوجيز 85:7، و روضة الطالبين 152:5 ورد الوجهان فيما إذا كان الخنثى واضحا لا مشكلا.
الباب الثالث: في الوصيّة بالعتق و الحجّ و غيرهما من العبادات.
اشارة

و فيه مباحث:

البحث الأوّل: في الوصيّة بالعتق.
مسألة 160: العتق من أفضل العبادات الشرعيّة.

قال اللّه تعالى: وَ ما أَدْراكَ مَا الْعَقَبَةُ * فَكُّ رَقَبَةٍ (1).

و روى العامّة عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله قال: «من أعتق رقبة أعتق اللّه بكلّ عضو منها عضوا له من النار»(2).

و من طريق الخاصّة: عن الصادق عليه السّلام - في الصحيح - أنّه قال في الرجل يعتق المملوك، قال: «يعتق بكلّ عضو منه عضو من النار» قال:

«و يستحبّ للرجل أن يتقرّب عشيّة عرفة و يوم عرفة بالعتق و الصدقة»(3).

و عن النبيّ صلّى اللّه عليه و اله أنّه قال: «من أعتق مؤمنا أعتق اللّه العزيز الجبّار بكلّ عضو له عضوا من النار، فإن كانت أنثى أعتق اللّه العزيز الجبّار بكلّ عضوين منها عضوا من النار، لأنّ المرأة نصف الرجل»(4).

إذا عرفت هذا، فالوصيّة به من أشدّ الوصايا فضلا، و هي ماضية من الثّلث، إلاّ أن يكون عتقا واجبا بنذر لزمه في صحّته أو كفّارة لزمته، فإنّها تمضى من الأصل؛ لأنّه كالدّين.

مسألة 161: إذا قال: أعتقوا عنّي عبدا،

عتق عنه ما يقع عليه الاسم؛

ص: 272


1- سورة البلد: 12 و 13.
2- المسند - للحميدي - 338:2-767/339، مسند أحمد 16576/88:5، و 19126/552، صحيح مسلم 22/1147:2، المعجم الكبير - للطبراني - 6: 5839/157، السنن الكبرى - للبيهقي - 272:10.
3- الكافي 1/180:6، التهذيب 768/216:8.
4- الكافي 3/180:6، التهذيب 770/216:8.

عملا بمقتضى اللفظ الدالّ على المطلق، فهو كما لو قال: أعطوا فلانا رقيقا، و هو أظهر وجهي الشافعيّة، و الثاني لهم: أنّه لا يعتق إلاّ من يجزئ في الكفّارة؛ لأنّ للشرع عرفا معلوما في العتق، فينزّل لفظ الموصي عليه، بخلاف العطايا و التمليكات، فإنّه لا عرف للشرع فيها خاصّا(1).

و لو قال: اشتروا بثلثي عبدا و أعتقوه عنّي، ففعل الوارث ثمّ ظهر عليه دين مستغرق، فالوجه: بطلان العتق و الشراء و الوصيّة؛ لأنّ الوارث تصرّف في التركة مع قيام الدّين المستغرق، فيكون باطلا.

و قالت الشافعيّة: إن اشتراه في الذمّة وقع عنه، و لزمه الثمن، و يكون العتق عن الميّت؛ لأنّه أعتق عنه، و إن اشتراه بعين التركة بطل الشراء(2).

و لهم تفصيل في تصرّف الوارث في التركة مع قيام الدّين ذكروا فيه وجهين، و على تقدير البطلان لهم خلاف في أنّه إذا تصرّف ثمّ ظهر دين، تبيّن البطلان أم لا(3).

مسألة 162: إذا قال: أعتقوا عنّي رقابا،

أو اشتروا بثلث مالي رقابا و أعتقوهم، حمل الجمع على أقلّه، و هو ثلاثة، فينظر إن أمكن شراء ثلاث رقاب فصاعدا بثلثه فعل، و الاستكثار مع الاسترخاص أولى من الاستقلال مع الاستغلاء، فلو كان هناك خمس رقاب قليلة القيمة يمكن شراؤهم بالثّلث كان أولى من شراء أربع كثيرة القيمة؛ لما فيه من تخليص رقبة زائدة عن الرقّ.

ص: 273


1- المهذّب - للشيرازي - 464:1، الوجيز 275:1، الوسيط 441:4، البيان 8: 225، العزيز شرح الوجيز 85:7، روضة الطالبين 152:5.
2- نهاية المطلب 183:11، البيان 226:8-227، العزيز شرح الوجيز 85:7، روضة الطالبين 153:5.
3- العزيز شرح الوجيز 85:7، روضة الطالبين 153:5.

و لا يجوز صرف الثّلث إلى رقبتين أو رقبة مع إمكان الثلاث فما زاد، فإن صرفه في اثنتين أو واحدة مع إمكان الثلاث أو الأربع، احتمل بطلان الشراء و العتق؛ لأنّه خالف مقتضى الوصيّة فلا يتعذّر.

و قال بعض الشافعيّة: لو اشترى الوصي رقبتين مع إمكان شراء ثلاث رقاب، ضمن ثلث ما نفذ فيه الوصيّة أو أقلّ ما يجد به رقبة على خلاف بينهم فيه(1).

و لو لم يمكن شراء ثلاث رقاب بالثّلث، نظر فإن لم يوجد به إلاّ رقيقان اشتريا و عتقا، و لو أمكن شراء رقبتين و جزء من ثالثة اشتري الرقبتان.

و هل يجب شراء الزائد عليهما؟ كلام الشيخ رحمه اللّه يشعر بعدم الوجوب؛ لأنّه قال: يجب شراء ثلاث رقاب و يعتقون؛ لأنّه أقلّ الجمع، فإن قصر الثّلث عن ثلاثة و زاد على اثنتين جعل الرقبتين أكثرهما ثمنا، و لا يفضّل شيئا، ثمّ قال: و في الناس من قال: يجعل في عبدين و في جزء من ثالث، و روى أصحابنا أنّه إذا أوصى بعتق عبد بثمن معلوم فوجد بأقلّ منه، أعطي البقيّة ثمّ أعتق(2).

و قال في الخلاف: ينبغي أن يشترى بالثّلث ثلاثة فصاعدا؛ لأنّهم أقلّ الجمع، فإن لم يبلغ و بلغ اثنين فصاعدا أو جزءا(3) من الثالث، فإنّه يشترى الاثنان و يعتقان و يعطيان البقيّة؛ لإجماع الفرقة، فإنّ هذه منصوصة لهم(4).6.

ص: 274


1- العزيز شرح الوجيز 86:7، روضة الطالبين 153:5.
2- المبسوط - للطوسي - 22:4.
3- في المصدر: «و بلغ اثنين و جزءا».
4- الخلاف 145:4-146، المسألة 16.

و المعتمد: وجوب شراء جزء من الثالثة إن أمكن؛ لأنّه أوصى بصرف الثّلث إلى الرقاب، و أقلّه ثلاثة، و بالجزء الثالث يتحقّق الجمع؛ لأنّه يستسعى و يكمل عتقه فيتعيّن، بخلاف ما وردت به الرواية من إعطاء العبد الفاضل(1)صحيح مسلم 136/89:1.(2) ؛ لأنّ الوصيّة هناك بعتق عبد و قد عمل بمقتضاها بقدر الإمكان، بخلاف صورة النزاع.

و هو أحد وجهي الشافعيّة، و الثاني لهم: لا يشترى الزائد؛ لأنّ الشقص ليس برقبة، فصار كما لو قال: اشتروا بثلثي رقبة و أعتقوه، فلم يجدوا به رقبة، لا يشترى الشقص، و لأنّ نفاسة الرقبة أمر مرغوب فيه؛ لما روي عنه صلّى اللّه عليه و اله أنّه سئل عن أفضل الرقاب، فقال: «أكثرها ثمنا و أنفسها عند أهلها»(2) فنراعيها إذا لزمنا محذور التشقيص.

و هذا الثاني أظهر عند الشافعيّة و أظهر قولي الشافعي(3).

فعلى قولهم بعدم شراء الشقص تشترى رقبتان نفيستان يستغرق ثمنهما الثّلث، فإن فضل عن أنفس رقبتين وجدتا بطلت الوصيّة فيه عندهم، و يردّ على الورثة(4).

و إن قلنا: يشترى الشقص، فذاك إذا وجد شقص يشترى بالفاضل و زاد على ثمن أنفس رقبتين شيء، أمّا إذا لم يمكن شراء شقص بالفاضل5.

ص: 275


1- راجع: الهامش
2- من ص 274.
3- الحاوي الكبير 241:8-242، نهاية المطلب 182:11، الوجيز 275:1، حلية العلماء 111:6، البيان 227:8، العزيز شرح الوجيز 86:7، روضة الطالبين 153:5.
4- نهاية المطلب 181:11-182، البيان 227:8، العزيز شرح الوجيز 86:7، روضة الطالبين 153:5.

إمّا لقلّته أو لفقدان الشقص، فتشترى رقبتان نفيستان، فإن فضل شيء عن أنفس رقبتين وجدناهما، بطلت الوصيّة فيه عندهم(1).

و فيه وجه لهم: أنّه يوقف إلى أن يوجد شقص(2).

فإن لم يزد على أنفس رقبتين شيء، بل أمكن شراء رقبتين نفيستين و أمكن شراء خسيستين و شقص من ثالثة، فأيّ الطريقين أولى عندهم ؟ فيه لهم وجهان:

أحدهما: الأوّل؛ لمعنى النفاسة.

و ثانيهما: الثاني؛ لما فيه من كثرة العتق(3).

و لو كان لفظ [الموصي](4): «اصرفوا ثلثي إلى العتق» فلا خلاف في أنّا نشتري الشقص.

و لو قال: اشتروا عبدا بألف و أعتقوه، فلم يخرج الألف من ثلثه، و أمكن شراء عبد بالقدر الذي يخرج، فيشترى و يعتق قطعا، كما لو أوصى بإعتاق عبد فلم يخرج جميعه من الثّلث، يقتصر على إعتاق القدر الذي يخرج، و به قال الشافعي(5).

و قال أبو حنيفة: لا يشترى، و تبطل الوصيّة(6).4.

ص: 276


1- العزيز شرح الوجيز 86:7، روضة الطالبين 153:5.
2- العزيز شرح الوجيز 86:7، روضة الطالبين 153:5.
3- العزيز شرح الوجيز 86:7، روضة الطالبين 153:5-154.
4- ما بين المعقوفين يقتضيه السياق.
5- الحاوي الكبير 242:8، العزيز شرح الوجيز 86:7، روضة الطالبين 154:5، المغني 574:6، الشرح الكبير 512:6.
6- المغني 574:6، الشرح الكبير 512:6، الحاوي الكبير 242:8-243، العزيز شرح الوجيز 86:7، و ينظر: المبسوط - للسرخسي - 16:28، و بدائع الصنائع 393:7، و الهداية - للمرغيناني - 246:4.
مسألة 163: لو قال: أعتقوا عبدي بعد موتي،

لم يفتقر إلى قبول العبد؛ لأنّ العتق و إن تضمّن حقّا للعبد فإنّ فيه حقّا للّه تعالى قويّا، فأشبه الوصيّة للجهات العامّة، كبناء المساجد و عمارة القناطر و إعانة الحاجّ و الزائرين.

و لو قال: أوصيت له برقبته، فهي وصيّة صحيحة يقصد بها الإعتاق.

و هل يفتقر في هذه إلى قبول العبد؟ الوجه: العدم؛ لأنّه في المعنى بمنزلة قوله: أعتقوا عبدي، و هو أحد وجهي الشافعيّة، و الأصحّ عندهم:

أنّه يفتقر إلى القبول؛ لاقتضاء الصيغة القبول، فصار كما لو قال لعبده:

وهبت منك نفسك، أو ملّكتك نفسك، فإنّه يحتاج إلى القبول في المجلس(1).

و أبو حنيفة وافقنا على عدم الاحتياج إلى القبول في شيء من هذه الصّور(2).

و لو قال: وهبت منك(3) نفسك، لا على جهة التمليك، بل نوى به العتق، عتق من غير قبول عند الشافعيّة(4).

و عندي الأقرب: البطلان؛ لأنّ الاتّهاب لم يقصده، و العتق لم يأت بصيغته.

مسألة 164: إذا قال: إذا متّ فأعتقوا ثلث عبدي،

أو قال: ثلث عبدي حرّ إذا متّ، قال الشيخ رحمه اللّه في المبسوط: يعتق عنه ذلك الشقص، و لا يقوّم

ص: 277


1- نهاية المطلب 255:11، الوجيز 279:1، الوسيط 469:4، العزيز شرح الوجيز 135:7، روضة الطالبين 189:5.
2- العزيز شرح الوجيز 135:7.
3- كلمة «منك» لم ترد في العزيز شرح الوجيز و روضة الطالبين.
4- العزيز شرح الوجيز 135:7، روضة الطالبين 189:5.

عليه نصيب شريكه و إن كان غنيّا(1) ، و اختاره ابن إدريس(2) ، و به قال الشافعي؛ لأنّ إعتاق بعض الرقيق إنّما يسري إلى الباقي إذا كان المعتق مالكا للباقي أو يكون موسرا، و إذا مات زال ملكه عن الباقي و عن سائر أملاكه، فلا هو حال العتق مالك للباقي و لا موسر بقيمته، بخلاف ما لو أعتق المريض بعض عبده، فإنّه يسري إلى الباقي إذا و فى الثّلث به؛ لأنّه مالك للباقي(3).

و لرواية عقبة بن خالد(4) عن الصادق عليه السّلام، قال: سألته عن رجل حضره الموت فأعتق مملوكا له، ليس له غيره، فأبى الورثة أن يجيزوا ذلك، كيف القضاء فيه ؟ قال: «ما يعتق منه إلاّ ثلثه»(5).

و روى أحمد بن زياد عن أبي الحسن عليه السّلام، قال: سألته عن الرجل تحضره الوفاة و له مماليك لخاصّة نفسه و له مماليك بشركة رجل آخر، فيوصي في وصيّته: مماليكي أحرار، ما حال مماليكه الذين في الشركة ؟ فكتب: «يقوّمون عليه إن كان ماله يحتمله فهم أحرار»(6).

و يمنع صحّة السند؛ فإنّ الشيخ قال: أحمد بن زياد واقفيّ(7).

مسألة 165: لو كان له ثلاثة عبيد متساوية القيمة و لا شيء له غيرهم،

فأعتق في مرض الموت ثلث كلّ واحد منهم، فقال: أثلاث هؤلاء أحرار،

ص: 278


1- المبسوط - للطوسي - 57:6.
2- ينظر: السرائر 15:3.
3- العزيز شرح الوجيز 135:7، روضة الطالبين 189:5.
4- في المصدر: «عليّ بن عقبة».
5- تقدّم تخريجه في ص 233، الهامش (1).
6- الكافي 17/20:7، التهذيب 222:9-872/223.
7- رجال الطوسي: 22/343.

أو ثلث كلّ واحد حرّ، عمل بمقتضى الوصيّة، فيعتق من كلّ عبد ثلثه؛ لأنّها وصيّة سائغة بقدر الثّلث، فلا يجوز تبديلها، و هو أحد وجهي الشافعيّة.

و الأصحّ عندهم: أنّه يقرع بينهم لتجتمع الحرّيّة في واحد، فإنّ عتق المالك لا يتجزّأ، و إعتاقه بعض مملوكه كإعتاقه جميعه، فكأنّه قال: أعتقت هؤلاء، و لو قال ذلك لأقرعنا بسهم حرّ و سهمي رقّ، فمن خرج له سهم العتق عتق، فكذا هنا(1).

و فيه نظر.

أمّا لو قال: أعتقت ثلثكم، أو ثلثكم حرّ، فهو كما لو قال: أعتقتكم أو أعتقت واحدا منكم، فيقرع بينهم، و لا يجيء فيه الوجهان عند أكثر الشافعيّة(2).

و قال بعضهم: يجيء الوجهان، و جعل الصيغتين كما لو قال: أثلاث هؤلاء أحرار(3).

و لو أضاف إلى الموت، فقال: أثلاث هؤلاء أحرار بعد موتي، أو ثلث كلّ واحد منهم، فيعتق من كلّ واحد منهم ثلثه، و لا يقرع - و به قال الشافعيّ(4) - لأنّ العتق بعد الموت لا يسري.0.

ص: 279


1- التهذيب - للبغوي - 374:8، العزيز شرح الوجيز 135:7-136، روضة الطالبين 189:5.
2- العزيز شرح الوجيز 136:7، روضة الطالبين 189:5.
3- التهذيب - للبغوي - 374:8، العزيز شرح الوجيز 136:7، روضة الطالبين 5: 189.
4- التهذيب - للبغوي - 374:8، العزيز شرح الوجيز 136:7، روضة الطالبين 5: 190.

نعم، لو زاد ما أعتق على الثّلث، فيقرع لردّ الزيادة، لا للسراية، و به قال بعض الشافعيّة(1).

و قال بعضهم: إنّه يقرع، كما لو نجّز في مرض الموت، فمن خرج له سهم العتق عتق، و رقّ الآخران(2).

و الصحيح عندهم: الأوّل(3).

و فرّع بعضهم عليه، فقال: لو قال للأعبد الثلاثة: النصف من كلّ واحد منكم حرّ بعد موتي، فقد أعتق نصف ماله، فإن لم يجز الورثة أقرع بين العبيد بسهم رقّ و سهمي عتق، فالذي أصابه سهم الرقّ يرقّ، و اللّذان أصابهما سهما العتق يعتق من كلّ واحد منهما نصفه، و لا يسري(4).

و لو أعتق الأنصاف في مرضه، فمن عتق منه شيء لا بدّ أن يسري إلى باقيه إلى أن يتمّ الثّلث، فيقرع بينهم بسهمي رقّ و سهم عتق، فمن خرج له سهم العتق عتق كلّه، و هو ثلث المال.

و لو لم يكن إلاّ عبدان قيمتهما سواء، فقال: نصف غانم حرّ و ثلث سالم حرّ بعد موتي، فقد أعتق خمسة أسداس العبد، و ليس له إلاّ إعتاق ثلثي عبد، فيقرع بينهما لردّ الزيادة، فإن خرج سهم العتق لغانم عتق نصفه و سدس الآخر ليتمّ الثّلث، و إن خرج لسالم عتق ثلثه و عتق ثلث غانم.

و إن أعتق نصف كلّ واحد منهما في مرضه، أقرع بينهما، فمن خرج5.

ص: 280


1- العزيز شرح الوجيز 136:7، روضة الطالبين 190:5.
2- التهذيب - للبغوي - 374:8، العزيز شرح الوجيز 136:7، روضة الطالبين 5: 190.
3- كما في العزيز شرح الوجيز 136:7، و روضة الطالبين 190:5.
4- التهذيب - للبغوي - 374:8-375، العزيز شرح الوجيز 136:7، روضة الطالبين 190:5.

له سهم العتق عتق ثلثاه، و رقّ باقيه مع جميع الآخر.

و هذا كلّه مفروض فيما إذا أعتق الأبعاض معا بأن قال: أثلاث هؤلاء أحرار، أو نصف كلّ واحد حرّ، فأمّا إذا قدّم و أخّر، فيقدّم الأسبق فالأسبق، حتى لو قال: نصف غانم حرّ و ثلث سالم حرّ، يعتق من غانم ثلثاه، و لا قرعة، و به قال الشافعيّ(1).

مسألة 166: قد بيّنّا أنّ الوصيّة تعتبر من الثّلث،

فتمضى فيه خاصّة، و كذا التبرّعات الصادرة في مرض الموت على الأقوى.

إذا عرفت هذا، فإذا وجد تبرّعان فصاعدا، فإن اتّسع لها الثّلث خرجت(2) بأسرها، و إن ضاق فإن كانت منجّزة - كالعتق و الإبراء و الوقف و الصدقة و الهبة مع الإقباض و المحاباة في العقود - فإمّا أن ترتّب أو توجد دفعة، فإن ترتّبت قدّم الأوّل منها فالأوّل إلى أن تستغرق الثّلث، فإذا تمّ الثّلث وقف(3) الباقي على إجازة الورثة، فإن أجازوه أخرجت بأسرها، و إن أجازوا بعضها أخرج البعض الزائد و بطل الباقي.

و لو أجاز بعضهم في بعض الزائد أو في الجميع، اختصّ بالحكم فيه.

و لا فرق بين أن يكون المتقدّم و المتأخّر من جنس واحد أو جنسين، و لا إذا كانا من جنسين بين أن تتقدّم المحاباة على العتق أو يتقدّم العتق على المحاباة - و به قال الشافعي(4) - لأنّها عطيّة منجّزة لازمة، فلا يساويها

ص: 281


1- التهذيب - للبغوي - 375:8، العزيز شرح الوجيز 136:7، روضة الطالبين 190:5.
2- الظاهر: «أخرجت».
3- في «ص»: «أوقف».
4- البيان 171:8، العزيز شرح الوجيز 56:7، روضة الطالبين 130:5، المغني 526:6، الشرح الكبير 320:6-321.

ما بعدها، كما لو تقدّم العتق أو ترتّبت محابيات.

و قال أبو حنيفة: إذا تقدّمت المحاباة على العتق يسوّى بينهما، و يقسّم الثّلث عليهما(1).

و إذا وجدت دفعة واحدة، فإمّا أن يتّحد الجنس أو يختلف، فإن اتّحد كما إذا أعتق عبيده فقال: أعتقتكم، أو وهب عبيدا من جماعة أو أبرأ جماعة دفعة، لم يقدّم البعض على البعض؛ لعدم الأولويّة.

إذا عرفت هذا، فالفرق بين العتق و غيره أنّ [في] غير العتق يقسّط الثّلث على الجميع باعتبار القيمة على ما يقتضيه الحال من التساوي أو التفاضل، و في العتق يقرع بين العبيد، و لا تفرّق الحرّيّة - و به قال الشافعي(2) - لما رواه العامّة عن عمران بن حصين أنّ رجلا أعتق ستّة مملوكين له عند موته لم يكن له مال غيرهم، فدعا بهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله فجزّأهم أثلاثا ثمّ أقرع بينهم فأعتق اثنين و أرقّ أربعة(3).

و من طريق الخاصّة: ما رواه محمّد بن مروان عن الشيخ: «أنّ أبا جعفر مات و ترك ستّين مملوكا فأعتق ثلثهم، فأقرعت بينهم و أعتقت3.

ص: 282


1- كذا نقله عنه الرافعي في العزيز شرح الوجيز 56:7، و في مختصر اختلاف العلماء 2156/16:5، و مختصر القدوري: 243، و المبسوط - للسرخسي - 28: 133، و روضة القضاة 3885/689:2، و بدائع الصنائع 373:7، و الهداية - للمرغيناني - 245:4، و الاختيار لتعليل المختار 102:5، و البيان 171:8، و المغني 526:6، و الشرح الكبير 321:6: المحاباة مقدّمة على العتق، كما يأتي في ص 285 و 290-291 نقله عنه.
2- الوسيط 425:4، التهذيب - للبغوي - 374:8، البيان 171:8، العزيز شرح الوجيز 56:7، روضة الطالبين 130:5، صحيح مسلم بشرح النووي 140:11.
3- صحيح مسلم 1668/1288:3، سنن أبي داود 3958/28:4، سنن الترمذي 1364/645:3.

الثّلث»(1).

و لأنّ الغرض من الإعتاق تخليص الشخص من الرقّ ليكمل حاله، و هذا الغرض لا يحصل مع التشقيص؛ لبقاء أحكام الرقّ، و أمّا الغرض من الهبة و شبهها فهو التمليك، و التشقيص لا ينافيه، و لأنّ في قسمة العتق عليهم إضرارا بالورثة و الميّت و العبيد على ما يأتي، بخلاف غيره.

و قال أبو حنيفة: لا يقرع بينهم، بل يعتق من كلّ واحد منهم ثلثه، و يستسعى في الباقي(2).

و إن اختلف الجنس بأن وكّل بكلّ تبرّع وكيلا فتصرّفوا دفعة واحدة، فإن لم يكن فيها عتق بسط الثّلث على الكلّ باعتبار القيمة؛ لأنّهم تساووا في الاستحقاق، فقسّم بينهم على قدر عطاياهم و حقوقهم، كغرماء المفلس.

و إن كان فيها عتق و غيره، قال الشيخ رحمه اللّه: يقدّم العتق(3) ، و هو قول الشافعي و إحدى الروايتين عن أحمد؛ لتأكّده، [و الثانية](4): يقسّط على الجميع؛ لأنّها حقوق تساوت في استحقاقها فتساوت في تنفيذها، كما لو كانت من جنس واحد؛ لأنّ استحقاقها حصل في حالة واحدة(5).

و إن كانت التبرّعات منجّزة و ترتّب بعضها على بعض في الذكر6.

ص: 283


1- الفقيه 555/159:4، التهذيب 864/220:9، و في الكافي 11/18:7: «... و أخرجت الثّلث».
2- التهذيب - للبغوي - 374:8، العزيز شرح الوجيز 56:7، صحيح مسلم بشرح النووي 140:11.
3- المبسوط - للطوسي - 48:4.
4- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «الثاني». و الصحيح ما أثبتناه.
5- العزيز شرح الوجيز 57:7، روضة الطالبين 130:5، المغني 527:6، الشرح الكبير 321:6.

و كانت مختلفة أو متّفقة، فإنّ السابق مقدّم على ما بعده - و به قال الشافعي و أحمد(1) - لأنّ العطايا المنجّزة لازمة في حقّ المعطي، فإذا كانت خارجة من الثّلث فقد لزمت في حقّ الورثة أيضا، فلم تشاركها الثانية، و لأنّ الثانية لو شاركتها لكان ذلك يمنع لزومها في حقّ المعطي؛ لأنّه يملك أن يرجع عنها بعطيّة أخرى، بخلاف الوصايا؛ لأنّها ليست لازمة في حقّه.

و قال أبو حنيفة: هما سواء؛ لأنّهما عطيّتان من الثّلث من جنس واحد، فكانتا سواء كالمؤخّرتين(2).

و ليس بجيّد؛ لأنّهما عطيّتان منجّزتان من الثّلث، فإذا عجز الثّلث عنهما كانت السابقة أولى، كما لو حاباه ثمّ وهب.

و أمّا المؤخّرتان فعندنا أنّه يقدّم السابق منهما.

و أمّا عند الشافعيّة فالفرق: أنّهما استويا في حال لزومهما، بخلاف المنجّزتين(3).

و إذا كانت العطايا المنجّزة مترتّبة، فالسابق أولى من أيّ جنس كان على خلاف سبق(4) في العتق.

و لو كان بعضها واجبا، كان أولى بالتقديم(5) و إن تأخّر.

و الشافعي و أحمد وافقانا على تقديم السابق، و كذا زفر(6). -

ص: 284


1- العزيز شرح الوجيز 56:7، روضة الطالبين 130:5، المغني 526:6، الشرح الكبير 320:6-321.
2- المغني 526:6، الشرح الكبير 321:6.
3- المغني 526:6، الشرح الكبير 321:6.
4- آنفا.
5- في «ر، ل»: «بالتقدّم».
6- البيان 171:8، العزيز شرح الوجيز 56:7، روضة الطالبين 130:5، المغني -

و قال أبو حنيفة: إن كان السابق المحاباة، قدّمت على العتق، و إن كان السابق العتق، سوّي بينه و بين المحاباة، فلو حابى ثمّ أعتق ثمّ حابى، كان للأوّلة نصف الثّلث، و الباقي بين العتق و المحاباة الثانية؛ لأنّ المحاباة حقّ الآدمي على وجه المعاوضة، فكان مقدّما، كما لو أقرّ بالدّين، فإذا تقدّمت كانت أولى، و إذا تقدّم العتق كان له قوّة السبق فساوى قوّة المحاباة فاستويا(1).

و ليس بجيّد؛ لأنّهما عطيّتان مترتّبتان، فقدّم السابق منهما، كما لو سبقت المحاباة.

و ما قاله ليس بصحيح؛ لأنّ منزلة المحاباة منزلة الهبة، و لو كانت بمنزلة المعاوضة لم تكن من الثّلث، و ما قاله من السبق يبطل بما إذا أعتق ثمّ أعتق.

و قال أبو يوسف و محمّد: يقدّم العتق، تقدّم أو تأخّر؛ لأنّه آكد من المحاباة، لأنّه لا يلحقه الفسخ، بخلافها، و تفريعها عليه إذا تقدّم العتق(2).

و إن كانت التبرّعات متعلّقة بالموت، كالوصايا و التدبير، فعندنا يقدّم السابق في الذكر إلى أن يستوفى الثّلث، و يكون النقص داخلا على الأخير؛ لأنّ السبق دليل شدّة العناية.

و ما رواه حمران عن الباقر عليه السّلام: في رجل أوصى عند موته: أعتقوا6.

ص: 285


1- تقدّم تخريجه ممّا عدا العزيز شرح الوجيز في الهامش (1) من ص 282.
2- مختصر اختلاف العلماء 2156/16:5، مختصر القدوري: 243، المبسوط - للسرخسي - 133:28، روضة القضاة 3885/689:2، بدائع الصنائع 7: 373، الهداية - للمرغيناني - 245:4، الاختيار لتعليل المختار 102:5، المغني 526:6، الشرح الكبير 321:6.

فلانا و فلانا حتى ذكر خمسة فنظر في ثلثه فلم يبلغ ثلثه أثمان قيمة المماليك الذين أمرهم بعتقهم، قال: «يقوّموا و ينظروا إلى ثلثه فيعتق منهم أوّل من سمّى ثمّ الثاني ثمّ الثالث ثمّ الرابع ثمّ الخامس، فإن عجز الثّلث كان ذلك في الذين سمّاهم أخيرا، لأنّه أعتق بعد مبلغ الثّلث ما لا يملك، و لا يجوز له ذلك»(1).

و قال الشافعي: لا يقدّم عتق عبد على عتق غيره، و لا من غير العتق تبرّع على غيره و إن تقدّم بعض الوصايا و تأخّر بعضها، بل في العتق يقرع، و في غيره يقسّط الثّلث على الكلّ باعتبار القيمة(2).

و في العتق في هذا القسم وجه له: أنّه لا يقرع، بل يقسّط الثّلث عليهم، و إنّما القرعة من خاصّيّة العتق المنجّز(3).

هذا إذا أطلق الوصيّة، أمّا إذا قال: أعتقوا سالما بعد موتي ثمّ غانما، أو ادفعوا إلى زيد مائة ثمّ إلى عمرو، فيقدّم ما قدّمه عندنا و عنده(4).

و إذا اجتمع في هذا القسم العتق و غيره، فله [قولان:

أحدهما](5): يقدّم العتق؛ لأنّه أقوى، لتعلّق حقّ اللّه و حقّ الآدمي به، و لأنّ له سراية و قوّة ليست لغيره.

و أصحّهما عنده: التسوية؛ لأنّ وقت لزوم الجميع واحد(6).0.

ص: 286


1- الكافي 15/19:7، الفقيه 545/157:4، التهذيب 867/221:9.
2- العزيز شرح الوجيز 56:7-57، روضة الطالبين 130:5.
3- العزيز شرح الوجيز 57:7، روضة الطالبين 130:5.
4- العزيز شرح الوجيز 57:7، روضة الطالبين 130:5.
5- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «أقوال أحدها». و المثبت هو الصحيح.
6- التهذيب - للبغوي - 388:8، العزيز شرح الوجيز 57:7، روضة الطالبين 5: 130.

و هذا في وصايا التمليك مع الوصيّة بالعتق، أمّا إذا أوصى للفقراء بشيء و بعتق عبد، فقولان للشافعيّة:

أحدهما: يقدّم العتق؛ لما فيه من القوّة و السراية(1).

و الثاني: التسوية؛ لأنّ كلاّ منهما قربة(2).

و لو كان في الوصايا الأمر بزكاة واجبة أو حجّ واجب، قدّمت تلك الوصيّة على سائر الوصايا، و لا يقدّم ما ابتدأ به لفظا - و به قال أبو حنيفة(3) - لرواية معاوية بن عمّار - الحسنة - قال: أوصت إليّ امرأة من أهلي بثلث مالها و أمرت أن يعتق و يحجّ و يتصدّق، فلم يبلغ ذلك، فسألت أبا حنيفة عنها، فقال: يجعل أثلاثا، ثلث في العتق، و ثلث في الحجّ، و ثلث في الصدقة، فدخلت على الصادق عليه السّلام، فقلت: إنّ امرأة من أهلي ماتت و أوصت إليّ بثلث مالها و أمرت أن يعتق عنها (و يحجّ عنها و يتصدّق عنها)(4) فنظرت فيه فلم يبلغ، فقال: «ابدأ بالحجّ، فإنّه فريضة من فرائض اللّه عزّ و جلّ، و يجعل ما بقي طائفة في العتق، و طائفة في الصدقة» فأخبرت أبا حنيفة بقول الصادق عليه السّلام، فرجع عن قوله و قال بقول الصادق عليه السّلام(5).

و ظاهر كلام الشافعي: التقسيط بين الجميع(6).7.

ص: 287


1- العزيز شرح الوجيز 57:7، روضة الطالبين 130:5.
2- التهذيب - للبغوي - 389:8، العزيز شرح الوجيز 57:7، روضة الطالبين 130:5.
3- عنه في العزيز شرح الوجيز 57:7، و ينظر: مختصر اختلاف العلماء 12:5 - 2155/13، و مختصر القدوري: 243، و بدائع الصنائع 372:7، و الهداية - للمرغيناني - 247:4، و الاختيار لتعليل المختار 103:5.
4- بدل ما بين القوسين في «ر، ص» و الكافي و التهذيب: «و يتصدّق و يحجّ عنها».
5- الكافي 14/19:7، الفقيه 156:4-543/157، التهذيب 869/221:9، الاستبصار 509/135:4.
6- ينظر: العزيز شرح الوجيز 57:7.

و إن كانت التبرّعات بعضها منجّزة و بعضها معلّقة بالموت، قدّمت المنجّزة؛ لأنّها تفيد الملك في الحال، و لأنّها لازمة لا يتمكّن المريض من الرجوع عنها، و به قال الشافعي(1).

و عن أبي حنيفة: أنّه إذا أعتق و أوصى بالعتق فهما سواء(2).

و ليس بجيّد.

إذا عرفت هذا، فلو اتّسع الثّلث لكلّ المنجّزات، قدّمت، ثمّ إن بقيت فضلة صرفت في المبدوء بذكره من المؤخّرات.

و بالجملة، الترتيب واجب، يقدّم المنجّز، و يبدأ بالأوّل منه فالأوّل، و يؤخّر المؤخّر، و يقدّم الأوّل منه فالأوّل.

مسألة 167: التبرّعات المنجّزة - كالعتق و المحاباة و الهبة المقبوضة

و الصدقة المقبوضة و الوقف المقبوض و الإبراء من الدّين و العفو عن الجناية الموجبة للمال - إذا وقعت في حال الصحّة فهي من رأس المال إجماعا.

و إن كانت في مرض الموت، فهي من الثّلث على أقوى القولين عندنا و عند جمهور العلماء(3) ، خلافا لبعض علمائنا؛ حيث قال: إنّها تمضى من الأصل(4).

و قال أهل الظاهر: الهبة المقبوضة من رأس المال(5).

و ليس بجيّد؛ لقول رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله: «إن اللّه تصدّق عليكم عند

ص: 288


1- البيان 173:8، العزيز شرح الوجيز 57:7، روضة الطالبين 131:5.
2- البيان 173:8، العزيز شرح الوجيز 57:7.
3- المغني 524:6، الشرح الكبير 315:6-316.
4- الشيخ المفيد في المقنعة: 671، و ابن إدريس في السرائر 200:3 و 221.
5- المغني 524:6، الشرح الكبير 316:6، و ينظر: المحلّى 348:9.

وفاتكم بثلث أموالكم زيادة لكم في أعمالكم»(1).

و أمّا الإقرار فالوجه أن يقال: إن كان متّهما فيه مضى من الثّلث، و إن انتفت التهمة مضى من الأصل؛ لأنّ الإنسان في معرض ثبوت الحقوق في ذمّته و استمرارها إلى حين وفاته، فلو لم يسمع إقراره الذي انتفت التهمة فيه لم يكن له طريق إلى إبراء ذمّته، و ذلك من أعظم الضرر عليه.

إذا عرفت هذا، فإنّ العطايا المنجّزة حكمها حكم الوصيّة في أمور خمسة:

أ: يقف نفوذها على خروجها من الثّلث أو إجازة الورثة.

ب: إنّها تصحّ للوارث و غيره بإجازة الورثة و غيرها.

و عند العامّة: إنّها كالوصيّة لا تصحّ للوارث إلاّ بإجازة الورثة(2).

ج: إنّ فضيلتها ناقصة عن فضيلة الصدقة في الصحّة؛ لأنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و اله سئل عن أفضل الصدقة، فقال: «أن تصدّق و أنت صحيح شحيح تأمل الغنى و تخشى الفقر، و لا تمهل حتى إذا بلغت الحلقوم قلت: لفلان كذا و لفلان كذا و قد كان لفلان»(3).

د: إنّه يزاحم بها الوصايا في الثّلث.

ه: خروجها من الثّلث يعتبر حال الموت، لا قبله و لا بعده.

و يفارق الوصيّة في أمور ستّة(4):ة.

ص: 289


1- سنن ابن ماجة 2709/904:2.
2- المغني 525:6، الشرح الكبير 316:6.
3- مسند أحمد 7119/460:2، و 7359/494، و 9114/141:3، صحيح مسلم 1032/716:2، سنن أبي داود 2865/113:3، سنن النسائي (المجتبى) 6: 237.
4- المذكور هنا أمور خمسة.

أ: إنّها لازمة في حقّ المعطي ليس له الرجوع فيها و إن كثرت؛ لأنّ المنع من الزيادة على الثّلث إنّما كان لحقّ الورثة، فلم يملك إجازتها و لا ردّها، و إنّما كان له الرجوع في الوصيّة؛ لأنّ التبرّع بها مشروط بالموت، فقبل الموت لم يوجد التبرّع، بخلاف العطيّة في المرض، فإنّه قد وجدت منه العطيّة و القبول من المعطي و القبض، فلزمت، كالوصيّة إذا قبلت بعد الموت و قبضت.

ب: قبولها على الفور في حياة المعطي، و كذا ردّها، و أمّا الوصيّة فلا حكم لقبولها و لا ردّها إلاّ بعد الموت؛ لأنّ العطيّة تصرّف في الحال، فتعتبر شروطه وقت وجوده(1) ، و الوصيّة تبرّع بعد الموت، فتعتبر شروطها بعد الموت.

ج: العطيّة تفتقر إلى شروطها المشروطة لها في الصحّة من العلم، و كونها لا يصحّ تعليقها على شرط، و غيره، و الوصيّة بخلافها.

د: إنّها تقدّم على الوصيّة، و به قال جمهور العلماء، كالشافعي و أبي حنيفة و أبي يوسف و زفر، إلاّ في العتق، فإنّه حكي عنهم تقديمه؛ لأنّ العتق يتعلّق به حقّ اللّه تعالى و يسري و ينفذ في ملك الغير(2).

ه: العطايا إذا عجز الثّلث عن جميعها بدئ بالأوّل فالأوّل، سواء كان الأوّل عتقا أو غيره، و به قال الشافعي(3) ، و الوصيّة عندنا كذلك.

و قال أبو حنيفة: الجميع سواء إذا كانت من جنس واحد، و إن).

ص: 290


1- الظاهر: «شروطها... وجودها».
2- الحاوي الكبير 211:8، العزيز شرح الوجيز 57:7، روضة الطالبين 131:5، المغني 525:6-526، الشرح الكبير 326:6.
3- تقدّم تخريجه في ص 281، الهامش (4).

اختلفت و كانت المحاباة متقدّمة قدّمت، و إن تأخّرت سوّي بينها و بين العتق(1).

و قد تقدّم(2) البحث في ذلك.

و هذه المسائل انساق البحث إليها و إن لم يكن موضعها.

مسألة 168: لا يصحّ تعليق العتق بشرط أو وصف أو زمان،

بل لا يقع إلاّ منجّزا، خلافا للعامّة على ما يأتي، فلو علّق عتق عبد بالموت و قصد العتق الموقوف لا التدبير و أوصى بإعتاق آخر، لم يصح الأوّل، إلاّ أن يكون على وجه التدبير، و تصحّ الوصيّة.

و عند العامّة يصحّان معا، و لا يتقدّم أحدهما على الآخر؛ لأنّ وقت استحقاقهما واحد، و قد اشتركا في قوّة العتق(3).

و لو قصد التدبير، صحّا معا عندنا و عند العامّة.

و هل يقدّم المدبّر؟ الأقرب: ذلك - و به قال بعض العامّة(4) - لأنّ المدبّر يسبق الآخر من حيث إنّ الآخر يحتاج إلى إنشاء عتقه بعد الموت.

و لو وهب و أعتق، فإن أقبض الهبة تزاحما، و كان الحكم للمتقدّم مع القبض، و لو لم يقبض الهبة قدّم العتق، سواء تقدّم أو تأخّر؛ لأنّ تقدّم الهبة وحدها غير كاف، لأنّ تمام الهبة بالقبض.

و لو تقدّمت الهبة ثمّ أعتق أو حابى ثمّ أقبض الهبة، قدّم العتق أو المحاباة؛ لتأخّر القبض عنهما.

ص: 291


1- تقدّم تخريجه ممّا عدا العزيز شرح الوجيز في ص 282، الهامش (1).
2- في ص 281 و ما بعدها، المسألة 166.
3- الوسيط 426:4، العزيز شرح الوجيز 57:7، روضة الطالبين 131:5.
4- العزيز شرح الوجيز 58:7، روضة الطالبين 131:5.

و لا تفتقر المحاباة الواقعة في بيع و نحوه إلى القبض؛ لأنّها في ضمن معاوضة.

مسألة 169: هل تتقدّم الكتابة على الهبة و سائر الوصايا؟

الأقرب:

ذلك إن قلنا بتقدّم العتق، و إلاّ فكالعتق.

و للشافعيّة طريقان:

أشبههما عندهم: أنّها على القولين في تقدّم العتق عليها.

و الثاني: القطع بالتسوية؛ لأنّه ليس لها من القوّة و السراية ما للعتق(1).

و لو أوصى بالكتابة، اعتبرت من الثّلث و لو كانت في مرض الموت على قدر القيمة أو الأكثر.

[و الأقرب](2): أنّه تعتبر قيمته من الثّلث - و به قال الشافعي(3) ، خلافا لأبي حنيفة(4) - لأنّ المكاتب يقابل ملكه بملكه، و هو كسبه، فيكون تفويتا على الورثة، لا معاوضة.

و لو كانت في الصحّة فاستوفى في المرض، لم تعتبر قيمته من الثّلث؛ لأنّه بالكتابة كالخارج عن ملكه.

و لو أعتقه في المرض أو أبرأه عن النجوم، اعتبر من الثّلث أقلّ الأمرين من قيمته أو النجوم؛ لأنّ القيمة إن كانت أقلّ فربما كان يعجّز نفسه

ص: 292


1- المهذّب - للشيرازي - 461:1، حلية العلماء 86:6، البيان 173:8، العزيز شرح الوجيز 58:7، روضة الطالبين 131:5.
2- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «فالأقرب». و الظاهر ما أثبتناه.
3- الوجيز 273:1، البيان 228:8، العزيز شرح الوجيز 58:7، روضة الطالبين 128:5.
4- العزيز شرح الوجيز 58:7.

فتسقط النجوم، و إن كانت النجوم أقلّ فربما كان يؤدّيها فلا يحصل للوارث غيرها.

و الاستيلاد في المرض لا يعتبر من الثّلث كما يستهلك المريض من الأطعمة اللذيذة و الثياب الرفيعة.

و يقبل إقرار المريض بالاستيلاد؛ لقدرته على الإنشاء.

و لا تعتبر قيمتها من الثّلث، و به قال الشافعي(1).

و قال أبو حنيفة: تعتبر من الثّلث في صورة الإقرار(2).

مسألة 170: لو قال لعبده: أنت حرّ قبل مرض موتي بيوم أو شهر أو سنة،

ثمّ مرض و مات، لم يعتد به عندنا؛ لأنّه تعليق للعتق، و هو عندنا باطل.

و أمّا العامّة فقالوا: يصحّ و لا يعتبر من الثّلث(3).

و إن قال: قبل موتي بشهر، فإن نقص مرضه عن شهر، فكذلك عندهم، و إلاّ فهو كما لو علّق عتق عبد في الصحّة و وجدت الصفة في المرض، و فيه قولان(4).

و لو قال في مرضه: سالم حرّ و غانم حرّ و سعيد حرّ، فهو من صور ترتّب التبرّعات المنجّزة.

و لو قال: سالم و غانم و سعيد أحرار، فهو من صور وقوعها دفعة واحدة.

و لو علّق عتقهم بالموت، لم يصح عندنا، و أقرع بينهم عند العامّة،

ص: 293


1- العزيز شرح الوجيز 58:7، روضة الطالبين 128:5.
2- العزيز شرح الوجيز 58:7.
3- العزيز شرح الوجيز 58:7، روضة الطالبين 129:5.
4- العزيز شرح الوجيز 58:7، روضة الطالبين 129:5.

سواء قال: سالم حرّ و غانم حرّ و سعيد حرّ، أو قال: هم أحرار(1).

و لو قال: إذا متّ فسالم حرّ، و إن متّ في مرضي هذا فغانم حرّ، فإن مات في ذلك المرض و لم يف الثّلث بهما أقرع بينهما، فإن برأ أو مات بعده بطل التدبير المقيّد و عتق سالم عندهم(2).

و لو كان له عبدان: غانم و سالم، فقال: إن أعتقت غانما فسالم حرّ، ثمّ أعتق غانما في مرضه، فقد جعل عتق غانم صفة لعتق سالم، فيصحّ عتق غانم من الثّلث عندنا، و يبطل عتق سالم.

و عند العامّة: إن خرجا من الثّلث عتقا(3) ، و إن لم يخرج إلاّ أحدهما، فمذهب الشافعيّة: أنّه لا يقرع، بل يتعيّن عتق غانم(4).

و فيه وجه ضعيف لهم: أنّه يقرع بينهما، كما لو قال: أعتقتكما(5).

و إنّما منعوا من القرعة؛ لأنّه لو أقرع ربما خرجت القرعة على سالم، فيلزم إرقاق غانم، و إذا رقّ غانم لم يحصل شرط عتق سالم(6).

و لو قال: إن أعتقت غانما فسالم حرّ في حال إعتاقي غانما، ثمّ أعتق غانما في مرضه، لم يصح عتق سالم عندنا؛ لتوقّفه على الشرط، و يصحّ عتق غانم بالمباشرة.

و عند العامّة: إن خرجا من الثّلث عتقا، و إلاّ عتق غانم(7).

و لو قال: إن أعتقت غانما فسالم و سعد حرّان، ثمّ أعتق غانما، صحّ5.

ص: 294


1- العزيز شرح الوجيز 59:7، روضة الطالبين 131:5.
2- العزيز شرح الوجيز 59:7، روضة الطالبين 131:5.
3- العزيز شرح الوجيز 59:7، روضة الطالبين 131:5، المغني 527:6، الشرح الكبير 322:6.
4- العزيز شرح الوجيز 59:7، روضة الطالبين 131:5.
5- العزيز شرح الوجيز 59:7، روضة الطالبين 131:5.
6- العزيز شرح الوجيز 59:7، روضة الطالبين 131:5-132.
7- العزيز شرح الوجيز 59:7، روضة الطالبين 132:5.

عتق غانم عندنا خاصّة.

و عند العامّة يعتق الجميع إن احتمله الثّلث، و إلاّ عتق غانم قطعا، و لا قرعة، و إن فضل من الثّلث شيء أقرع بين الآخرين، فمن خرجت له قرعة الحرّيّة عتق كلّه إن خرج كلّه، و بعضه إن لم يخرج إلاّ بعضه، و لو خرج أحد الآخرين من الثّلث و بعض الثالث، فالذي خرجت له القرعة يعتق كلّه، و يعتق من الآخر بعضه(1).

و لو قال لعبده: إن تزوّجت فأنت حرّ، ثمّ تزوّج في مرض الموت، لم يصح العتق عندنا.

و عند العامّة يصحّ.

فإن كان أصدقها مهر المثل لزم من رأس المال، و يعتق سالم من الثّلث، و إن أصدقها أكثر من مهر مثلها فقدر مهر المثل يخرج من صلب المال، و الزيادة عليه من الثّلث إن كانت غير وارثة تستحقّ هي من الثّلث تلك الزيادة؛ لأنّ تلك الزيادة وصيّة، و لا وصيّة لوارث عندهم(2).

ثمّ ينظر فإن خرجت الزيادة و قيمة سالم من الثّلث عتق سالم، و إن لم تخرجا تدفع الزيادة إلى المرأة، و يبطل عتق سالم؛ لأنّ المهر أسبق، فإنّه يجب بالنكاح، و الزيادة وجبت قبل عتق العبد؛ لأنّ التزويج كان شرطا في عتقه فيقدّم عليه(3).

و إن قال: أنت حرّ في حال تزويجي، فتزوّج و أصدق أكثر من مهر5.

ص: 295


1- العزيز شرح الوجيز 59:7، روضة الطالبين 132:5.
2- المهذّب - للشيرازي - 458:1، البيان 131:8-132، العزيز شرح الوجيز 7: 24، روضة الطالبين 103:5، المغني 449:6، الشرح الكبير 463:6.
3- العزيز شرح الوجيز 59:7-60، روضة الطالبين 132:5.

المثل، كانت المحاباة و العتق سواء، فيقسّم الثّلث بينهما؛ لأنّهما قد وقعا في حالة واحدة، و لا تقدّم المحاباة؛ لأنّها حصلت حالة إيقاع العتق، و بطلان المحاباة لا يؤثّر في التزويج و لا يبطله.

و منع بعض الشافعيّة سبق المحاباة هنا؛ لأنّ المرتّب و المرتّب [عليه](1) يقعان معا، و لا يتقدّم أحدهما على الآخر، بل يوزّع الثّلث على الزيادة و على قيمة العبد، فقد قالوا: لو قال: إن تزوّجت فأنت حرّ في حال تزويجي، إنّه يوزّع الثّلث؛ لأنّه لا يترتّب، فكذلك عند الإطلاق إذا لم يكن ترتّب زمانيّ.

و الفرق بين التعليق بالتزويج و بين مسألة العبدين حيث لا يوزّع هناك كما لا يقرع: أنّ العتق هنا متعلّق بالنكاح، و التوزيع لا يرفع النكاح و لا يقدح فيه، و هناك عتق سالم معلّق بعتق غانم كاملا، و إذا وزّعنا لا يكمل عتق غانم، فلا يمكن إعتاق شيء من سالم(2).

و لو قال لجاريته الحامل: إن أعتقت نصف حملك فأنت حرّة، ثمّ أعتق نصف الحمل في مرض موته، لم يصح عتقها عندنا.

و قالت العامّة: قضيّة عتق ذلك النصف: سرايته إلى النصف الآخر و عتق الأم بسبب التعليق، فإن خرجا من الثّلث عتقا جميعا، و إن لم يخرج من الثّلث مع النصف المعتق إلاّ الأم أو النصف الآخر، كما لو كان جميع ماله ثلاثمائة و الأم قيمتها خمسون و الولد مائة، فيقرع بين الأم و النصف الآخر، فإن خرجت على الآخر، عتق جميع الولد و الأم رقيقة، و إن خرجت على الأم، لم تعتق كلّها؛ لأنّ الحمل في حكم جزء منها يتبع عتقه عتقها،5.

ص: 296


1- ما بين المعقوفين أثبتناه من المصدر.
2- العزيز شرح الوجيز 60:7، روضة الطالبين 132:5.

فيوزّع تتمّة الثّلث - و هي خمسون - على الأم و على النصف الباقي بالسويّة، فيعتق من الأم نصفها، و من النصف الباقي نصفه، فتكون ثلاثة أرباعه حرّا.

و لو كانت الصورة كما ذكرنا إلاّ أنّ قيمة الأم أيضا مائة و خرجت القرعة على الأم، وزّع الخمسون عليها و على النصف الباقي أثلاثا، فيعتق منها ثلثها، و هو ثلثا الخمسين، و من النصف الباقي ثلثه، و هو ثلث الخمسين و سدس الجملة، و تكون الحرّيّة من الأم الثّلث، و من الولد الثّلثان(1).

مسألة 171: لو ملك في مرض موته من يعتق عليه،

فإن كان بالإرث احتمل عتقه من الثّلث؛ لأنّه حصل في ملكه ثمّ زال، فأشبه ما إذا أعتق عبدا ورثه في مرضه، و ما إذا ورث مالا فاشترى به من يعتق عليه، و أن يعتق من الأصل؛ لأنّه لم يقصد تملّكا و لا إزالة ملك، بل حصلا بغير اختياره، و لم يبذل في مقابلته مالا فيتضرّر به الورثة.

و كلا الاحتمالين للشافعيّة وجهان(2) ، و يحكى الثاني عن مالك(3) ، و الأوّل أصحّ عند الشافعيّة(4).

و لو وهب منه من يعتق عليه أو أوصي له به، فإن قلنا: إنّه لو ورثه لعتق من الثّلث، فهنا أولى.

و إن قلنا: يعتق من رأس المال فهنا وجهان للشافعيّة:

أحدهما - و به قال أبو حنيفة -: أنّه يعتق من الثّلث، كما لو وهب منه

ص: 297


1- العزيز شرح الوجيز 60:7، روضة الطالبين 132:5-133.
2- التهذيب - للبغوي - 394:8، العزيز شرح الوجيز 131:7، روضة الطالبين 5: 186.
3- كما في العزيز شرح الوجيز 131:7.
4- التهذيب - للبغوي - 394:8، العزيز شرح الوجيز 131:7.

من لا يعتق عليه فقبله و أعتقه، و يجعل قصده إلى تملّك من يعتق عليه، كابتداء العتق في المرض.

و أظهرهما: أنّه يعتق من رأس المال؛ لأنّه لم يبذل في مقابلته مالا، و الزوال حصل بغير اختياره.

فإن قلنا: يعتق من رأس المال، يعتق و إن لم يكن له سواه.

و كذا لو كان عليه دين مستغرق، و كذا المفلس المحجور عليه إذا قبل، و لا سبيل للغرماء عليه.

و إن قلنا: إنّه يعتق من الثّلث، فإن لم يكن له سواه لم يعتق إلاّ ثلثه، و لو كان عليه دين بيع في الدّين، و بطل العتق، و كذا في المفلس المحجور عليه(1).

مسألة 172: لو اشترى المريض من يعتق عليه،

فإن كان عليه دين، احتمل صحّة الشراء؛ لأصالة الصحّة، و لا مانع من الشراء، فثبت مقتضاه، و هو الملك، و لا يعتق عليه لئلاّ يضيع حقّ الغرماء، لكن إن ترك مالا غيره عتق، و إلاّ بيع في الدّين، و البطلان؛ لأنّه لو صحّ لملكه، و لو ملكه لعتق عليه، و فيه تضييع حقّ الغرماء.

و للشافعي قولان(2) كهذين.

و كذا لو أوصي لصبيّ بمن يعتق عليه و الصبيّ موسر، هل للوليّ القبول ؟ قولان للشافعي: المنع، و إلاّ لعتق، و قوّم عليه الباقي، و فيه إتلاف مال الصبيّ، و الصحّة، و لا يقوّم عليه(3).

ص: 298


1- العزيز شرح الوجيز 131:7-132، روضة الطالبين 186:5-187.
2- العزيز شرح الوجيز 132:7، روضة الطالبين 187:5.
3- العزيز شرح الوجيز 132:7.

و إن لم يكن عليه دين، اعتبر عتقه من الثّلث؛ لأنّ ملكه باختياره، و بذل في مقابلته المال، فإن خرج كلّه من الثّلث صحّ الشراء، و عتق كلّه، و إلاّ ففي صحّة الشراء فيما زاد على الثّلث مثل الخلاف فيما إذا كان عليه دين، فإن قلنا: لا يصحّ، ففي قدر الثّلث الخلاف الثابت في تفريق الصفقة، و إن قلنا: يصحّ، عتق الثّلث، و لم يعتق ما زاد.

هذا إذا لم يكن هناك محاباة، فإن اشتراه محاباة، مثل أن تكون قيمته مائة فاشتراه بخمسين، كان قدر المحاباة كالموهوب، فيجيء الوجهان في أنّه هل يعتبر من الثّلث أو الأصل ؟ فإن اعتبرنا الموهوب من الثّلث، فجميع المائة من الثّلث، و إلاّ فخمسون.

ثمّ كلّما حكمنا بعتقه من الثّلث فلا يرث العتيق منه عند الشافعي؛ لأنّ عتقه وصيّة، و لا سبيل إلى الجمع بين الوصيّة و الميراث عنده، فلو ورث لصارت الوصيّة وصيّة للوارث فتبطل، و إذا بطل العتق امتنع التوريث(1).

و هذا عندنا باطل؛ لصحّة الوصيّة للوارث.

و لهم وجه: أنّه يرث؛ لأنّه لا يملك رقبته حتى يقال: أوصي له بها، و إنّما ينتفع بالعتق، فهو كانتفاع الوارث بمسجد و قنطرة بناهما الموّرث، و ذلك لا يمنع الميراث(2).

و قال أبو حنيفة: يسعى في قيمته حتى يخرج عتقه عن أن يكون وصيّة(3).7.

ص: 299


1- العزيز شرح الوجيز 132:7-133، روضة الطالبين 187:5.
2- العزيز شرح الوجيز 133:7-134، روضة الطالبين 187:5-189.
3- العزيز شرح الوجيز 134:7.

و مهما حكم بأنّه يعتق من رأس المال فالأصحّ: أنّه يرث؛ لأنّ العتق حينئذ ليس بوصيّة، بل هو مستحقّ شرعا، فلا يكون جمعا بين الميراث و الوصيّة.

و الثاني لهم: لا يرث، و يجعل عتقه وصيّة في حقّه و إن لم يكن وصيّة في حقّ الوارث(1).

مسألة 173: لو أعتق جارية بعد الموت و هي حامل،

لم يسر العتق إلى الولد؛ لأنّ اللفظ لم يتناوله، فيبقى على أصالة الملكيّة و استصحابها.

و هو أحد قولي الشافعي؛ لأنّ عتق الميّت لا يسري، و أصحّهما عنده: أنّه يعتق؛ لأنّ الجنين كعضو من الأم، و العتق لا يثبت في بعض الأعضاء دون بعض، و لأنّ الأم تستتبع الحمل، كما في البيع(2).

و هما ممنوعان، مع أنّ الأوّل يشكل عليهم بما إذا أعتق الحمل لا تعتق الأم عندهم(3) ، و لو كان كعضو منها عتقت.

و لو استثنى الحمل صريحا، فقال: هي حرّة بعد موتي إلاّ جنينها، أو دون جنينها، صحّ عندنا.

و للشافعيّة و جهان:

أحدهما: الصحّة؛ لأنّه يعرض الانفصال، فالاستثناء يجعله كالمنفصل.

ص: 300


1- العزيز شرح الوجيز 134:7، روضة الطالبين 189:5.
2- نهاية المطلب 263:11-264، الوجيز 279:1، الوسيط 469:4، التهذيب - للبغوي - 356:8، و في الأخيرين القول الثاني، العزيز شرح الوجيز 136:7 - 137، روضة الطالبين 190:5.
3- العزيز شرح الوجيز 137:7.

و الأشبه: المنع، كاستثناء الأعضاء(1).

و لو نجّز عتقها في الحياة، لم يعتق الحمل عندنا؛ للمغايرة.

و قالت الشافعيّة: إنّ الحمل يعتق أيضا، و إنّ الاستثناء لا يصحّ؛ لأنّ الاستثناء في البيع لا يصحّ عندهم، فكذا هنا، إلاّ أنّ البيع يبطل من أصله، و العتق ينفذ فيهما؛ لغلبته(2).

و لو كانت الأم لواحد و الحمل لآخر فأعتق مالك الأمّ [الأمّ](3) عتقت دون الحمل؛ لأنّ اختلاف الملك يمنع الاستتباع.

مسألة 174: لو أوصى بعتق مملوكه و لا شيء له سواه و عليه دين،

قدّم الدّين على الوصيّة، فإن فضل من قيمة العبد شيء عتق ثلثه، و كان ثلثا الباقي للورثة، و استسعي العبد في نصيب الرقّيّة، و إن لم يفضل من قيمته شيء بطلت الوصيّة.

و قال الشيخ رحمه اللّه: إن كانت قيمة العبد ضعفي الدّين استسعي العبد في خمسة أسداس قيمته: ثلاثة أسهم للدّيّان، و سهمان للورثة، و سهم له، و إن كانت قيمته أقلّ من ذلك بطلت الوصيّة(4).

و منع ابن إدريس ذلك، و قال: يقدّم الدّين(5).

و الوجه: ما تضمّنته رواية الحلبي - الصحيحة - عن الصادق عليه السّلام،

ص: 301


1- نهاية المطلب 264:11-265، الوجيز 279:1، الوسيط 470:4، العزيز شرح الوجيز 137:7، روضة الطالبين 190:5، و في التهذيب - للبغوي - 8: 356 الوجه الثاني.
2- التهذيب - للبغوي - 356:8، العزيز شرح الوجيز 137:7، روضة الطالبين 190:5.
3- ما بين المعقوفين يقتضيه السياق.
4- النهاية: 610.
5- السرائر 199:3.

قال: قلت له: رجل قال: إن متّ فعبدي حرّ، و على الرجل دين، فقال:

«إن توفّي و عليه دين قد أحاط بثمن الغلام بيع العبد، و إن لم يكن أحاط بثمن العبد استسعي العبد في قضاء دين مولاه، و هو حرّ إذا أوفى»(1).

و الشيخ رحمه اللّه عوّل في ذلك على رواية عبد الرحمن بن الحجّاج عن الصادق عليه السّلام، و هي تتضمّن بطلان العتق لو لم يخلّف مالا غير العتيق و قيمته ستّمائة و الدّين خمسمائة، و حكم ببيعه فيأخذ الدّيّان خمسمائة و الورثة المائة الباقية، و كذا لو كانت قيمته ستّمائة و الدّين أربعمائة يباع، و يأخذ الدّيّان أربعمائة و الورثة مائتين، و لو كانت قيمته ستّمائة و الدّين ثلاثمائة، قال: «يوقف العبد، و يستسعى، فيكون نصفه للغرماء، و يكون ثلثه للورثة، و يكون له السّدس»(2).

مسألة 175: لو أعتق في مرض الموت أو بعد موته عبدين و لا شيء له سواهما،

و قيمة أحدهما مائتان، و قيمة الآخر ثلاثمائة، و لم يجز الورثة، أقرع بينهما إذا وقعا دفعة، فإن وقعت القرعة على الذي قيمته مائتان عتق منه خمسة أسداسه، و هي ثلث الجميع، و إن وقعت على الآخر عتق منه خمسة أتساعه؛ لأنّ جميع ملك الميت خمسمائة، و هي قيمة العبدين، و ضرب في ثلاثة فأخذ ثلثه خمسمائة، فلمّا وقعت القرعة على الذي قيمته مائتان فضربناه في ثلاثة فصيّرناه ستّمائة، فصار المعتق منه خمسة أسداسه، و كذا يفعل في الآخر إذا وقعت عليه القرعة، هذا قول جمهور العلماء(3).

و حكي عن مسروق أنّه قال: إذا أعتق في مرض موته عبدا لا شيء له

ص: 302


1- التهذيب 218:9-857/219.
2- الكافي 26:7-1/27، التهذيب 217:9-854/218، الاستبصار 8:4-27/9.
3- المغني 612:6.

سواه يعتق بجملته(1).

و كذا ذهب ابن إدريس من علمائنا، حيث جعل المنجّزات من الأصل(2).

إذا عرفت هذا، فإذا أعتق ثلث عبيده أو أوصى بعتقهم، فإن كان لهم ثلث صحيح بأن كانوا ثلاثة قيمتهم متساوية، أقرع بينهم بسهم حرّيّة و سهمي رقّ، فالذي يقع له سهم الحرّيّة يعتق، و يرقّ الأخيران.

و لو كانوا ستّة، فالوجه: أنّه يكتب ستّة رقاع: رقعتان للحرّيّة و أربع للرقّيّة، فمن خرجت قرعته بالحرّيّة عتق، و رقّ الباقي.

و قيل: يكتب ثلاث رقاع: رقعة للحرّيّة، و رقعتان للرقّيّة(3).

و إن كان فيهم كسر كعبدين، أقرع بينهما فأيّهما وقعت عليه قرعة الحرّيّة ضربت قيمته في ثلاثة أسهم، فما بلغ نسبت إليه قيمة العبدين جميعا، فما خرج بالنسبة فهو القدر الذي يعتق منه.

فإذا وقعت القرعة في هذه المسألة على الذي قيمته مائتان، ضربتهما في ثلاثة صارتا ستّمائة، و نسبت منها قيمة العبدين معا، و هي خمسمائة، تجدها خمسة أسداسها، فيعتق منه خمسة أسداسه، و إن وقعت على الآخر عتق خمسة أتساعه.

مسألة 176: إذا أوصى بثلث ماله في الرقاب،

صرف إلى المكاتبين و العبيد إذا كانوا في شدّة يشترون من مال الصدقة أو الوصيّة، و يعتقون، قاله الشيخ رحمه اللّه، و استدلّ عليه بإجماع الفرقة، و بقوله تعالى: وَ فِي

ص: 303


1- المغني 612:6-613.
2- السرائر 199:3.
3- المغني 613:6.

اَلرِّقابِ (1) و ذلك عامّ(2).

و قال الشافعي: إنّهم المكاتبون يعطيهم من الوصيّة أو الصدقة ليدفعوا في كتابتهم - و رواه(3) عن عليّ عليه السّلام(4) ، و إليه ذهب سعيد بن جبير و النخعي و الليث بن سعد و الثوري و أبو حنيفة و أصحابه(5) - لقوله تعالى: وَ فِي الرِّقابِ (6) أو الدفع إليهم، كما في قوله تعالى: وَ فِي سَبِيلِ اللّهِ (7) أراد الدفع إلى المجاهدين، كذا هنا، و لا يمكن حمله على العبيد؛ لأنّه يعود النفع إلى(8) المعطي، و يثبت له الولاء(9).6.

ص: 304


1- سورة التوبة: 60.
2- الخلاف 145:4، المسألة 15، و 234، المسألة 17.
3- كذا قوله: «و رواه» في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة، و الظاهر: «و رووه» حيث لم نعثر على مصدر ينقل ذلك عن الشافعي.
4- الحاوي الكبير 503:8، حلية العلماء 158:3، أحكام القرآن - لابن العربي - 967:2، البيان 432:3، المجموع 200:6، المغني 321:7، الشرح الكبير 694:2.
5- أحكام القرآن - للجصّاص - 124:3، المبسوط - للسرخسي - 9:3، الحاوي الكبير 240:8 و 503، نهاية المطلب 178:11 و 551، حلية العلماء 158:3، البيان 432:3، المجموع 200:6، بداية المجتهد 277:1، التفسير الكبير - للرازي - 112:16.
6- سورة التوبة: 60.
7- سورة التوبة: 60.
8- في الطبعة الحجريّة: «على» بدل «إلى».
9- الأم 72:2، و 93:4، مختصر المزني: 144 و 157، الحاوي الكبير 240:8 و 502-503، المهذّب - للشيرازي - 179:1 و 463، نهاية المطلب 178:11 و 551، الوجيز 276:1 و 293، الوسيط 448:4 و 559، حلية العلماء 157:3 و 158، التهذيب - للبغوي - 76:5 و 193، البيان 432:3، و 208:8، العزيز شرح الوجيز 92:7 و 388، روضة الطالبين 177:2، و 158:5، المجموع 6: 200، أحكام القرآن - للجصّاص - 124:3، أحكام القرآن - لابن العربي - 2: 967، بداية المجتهد 277:1، التفسير الكبير - للرازي - 112:16.

و نمنع ثبوت الولاء عندنا على ما يأتي.

و قال ابن عباس و الحسن البصري و مالك و أحمد و إسحاق: المراد بالرقاب أن يشتري عبيدا يبتدئ بعتقهم(1) ؛ لقوله تعالى وَ فِي الرِّقابِ (2) و الرقبة إذا أطلقت انصرفت إلى القنّ؛ لقوله تعالى: فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ (3).

و ليس بجيّد؛ لأنّ الرقبة تشمل المكاتب و القنّ، و إنّما اختصّت بالقنّ؛ لأنّه قرنها بالتحرير.

إذا عرفت هذا، فإن كان ماله حاضرا و غائبا، صرف ثلث الحاضر في مكاتبي ذلك البلد، و صرف ثلث الغائب في مكاتبي بلد المال.

و إن كان المال كلّه في البلد، فإن عمّ الجميع أعطوا و أعتقوا، و إن لم يعم فالمستحبّ أن يعطوا بقدر حاجتهم، مثل أن يكون كتابة واحد على مائة و كتابة آخر على خمسين، فإنّه يعطى صاحب المائة سهمان، و صاحب الخمسين سهم.

قال الشيخ رحمه اللّه: و الذي يقوى في نفسي أنّه إن أعطي واحد منهم أو قوم منهم دون قوم جاز؛ لأنّه قد فعل المأمور به(4).

قال الشافعي: أحبّ أن يدفع إليهم على قدر ما عليهم من الديون،2.

ص: 305


1- المغني 321:7، الشرح الكبير 694:2، الإشراف على نكت مسائل الخلاف 616/421:1، أحكام القرآن - لابن العربي - 967:2، بداية المجتهد 277:1، الحاوي الكبير 240:8 و 503، نهاية المطلب 178:11، الوسيط 560:4، حلية العلماء 158:3، التهذيب - للبغوي - 194:5، البيان 432:3، العزيز شرح الوجيز 93:7 و 388، المجموع 200:6، أحكام القرآن - للجصّاص - 124:3 و 125، التفسير الكبير - للرازي - 112:16.
2- سورة التوبة: 60.
3- سورة المجادلة: 3.
4- المبسوط - للطوسي - 21:4-22.

فإن سوّى بينهم أو دفع إلى من كثر دينه أقلّ جاز؛ لوقوع الاسم، و إن اقتصر على ثلاثة من المكاتبين أجزأه، فإن دفع إلى اثنين غرم للثالث، و كم يغرم ؟ و جهان، أحدهما: الثّلث، و الثاني: أقلّ ما يجزئ دفعه إليه(1).

مسألة 177: إذا أوصى بعتق رقبة،

أجزأ الصغير و الكبير و الذكر و الأنثى و الصحيح و المعيب و المسلم و الكافر إن قلنا بصحّة عتق الكافر؛ لشمول الاسم، و به قال الشافعي(2) ، و لو منعنا عتق الكافر لم يجزئ إلاّ المسلم؛ توصّلا إلى العمل بمقتضى الوصيّة.

و لبعض الشافعيّة في المطلق و جهان:

أحدهما: إجزاء المعيبة الكافرة.

و الثاني: المنع؛ لأنّ المطلق في الوصيّة محمول على ما تقرّر في الشرع، و العبد المطلق في الكفّارة يجب اعتبار سلامته و إسلامه(3).

و يستحبّ أن يشترى العبد الأعفّ، و أن يشترى المجهود المكدود؛ ليخلّصه من ضرّه.

و لو أوصى بعتق عبد لا مال له سواه و أجاز الورثة و أعتق، أو أعتقه في مرضه و أجاز الورثة، ثمّ ظهر على الميّت دين يستغرق قيمة العبد، ردّ العبد و بيع في الدّين؛ لأنّ حقّ الغرماء مقدّم على الوصيّة، و لو كان الدّين بقدر نصفه بيع نصفه و عتق الباقي.

و لو لم يكن هناك إجازة، بيع نصفه، و عتق سدسه، و رقّ ثلثه.

ص: 306


1- الأم 93:4، مختصر المزني: 144، الحاوي الكبير 240:8-241، نهاية المطلب 179:11-180، التهذيب - للبغوي - 76:5، العزيز شرح الوجيز 7: 92، روضة الطالبين 158:5.
2- التهذيب - للبغوي - 76:5، العزيز شرح الوجيز 84:7، روضة الطالبين 151:5.
3- الوسيط 441:4، العزيز شرح الوجيز 85:7، روضة الطالبين 152:5.

و لو كان قد أوصى بأن يشترى بماله عبد و يعتق، فاشتروا و أعتقوه عنه، ثمّ ظهر دين يستغرق ماله، فإن كان العبد اشتري بعين مال الميّت كان البيع فاسدا و العتق باطلا؛ لتعلّق حقّ الغرماء بالتركة و انتقاله من ذمّته إلى تركته، فمنع ذلك من التصرّف فيه.

قال الشيخ: كالراهن إذا اشترى بالمرهون شيئا، فإنّ الشراء يكون باطلا(1).

و إن كان الشراء في الذمّة و نقدوا مال الميّت فيه، صحّ الشراء لهم؛ لبطلان إذن الميّت في الشراء، و الإنسان إذا اشترى لغيره ما لا يقع له وقع لنفسه، فإذا أعتقه نفذ عتقه، و يكون عن الميّت؛ لأنّه أعتقه و هو ملكه عن الميّت بإذنه، و ليس له أن ينقد الثمن من التركة، بل يصرف في الدّين، و يكون الثمن على المشتري، و لا يرجع به على أحد؛ لأنّ البائع ما غرّه، إنّما غرّه الموصي و لا تركة له فيرجع إليها.

و به قال الشافعي(2).

و يحتمل أن يشارك الغرماء و يضرب معهم في التركة بقدر دينه؛ لأنّ الدّين لزمه بتغرير الميّت، فيرجع به عليه في تركته، كأرش جنايته.

و قال أصحاب أبي حنيفة: يقع العتق عن الموصي؛ لأنّ الملك له(3).

و هو مبنيّ على أنّه إذا أعتق ملك نفسه عن غيره بإذنه وقع عنه، خلافا لهم(4) ، و سيأتي في موضعه إن شاء اللّه تعالى.

مسألة 178: إذا أوصى بعتق عبد،

فإن عيّن شخصا و نصبه للوصيّة

ص: 307


1- المبسوط - للطوسي - 23:4.
2- المغني 574:6، الشرح الكبير 513:6.
3- لم نتحقّقه في مظانّه.
4- لم نتحقّقه في مظانّه.

أعتقه النائب؛ لأنّه نائب الموصي في إعتاقه، فلم يملك ذلك غيره إذا لم يمتنع منه، كالوكيل في الحياة، و لو امتنع أعتقه الوارث.

و كذا لو أوصى بعتقه مطلقا و لم يسند العتق إلى أحد، فإنّ الوارث يلزمه إعتاقه، فإن امتنع أجبره الحاكم عليه؛ لأنّه حقّ وجب عليه، فأجبر عليه، كتنفيذ الوصيّة بالعطايا، فإن أعتقه الوارث، و إلاّ أعتقه الحاكم، و يكون حرّا من حين الإعتاق؛ لأنّه حينئذ عتق، و ولاؤه للموصي؛ لأنّه السبب، و هؤلاء نوّاب عنه، و لهذا لزمهم إعتاقه كرها.

مسألة 179: إذا أوصى بعتق و غيره،

فإن اتّسع الثّلث للجميع أخرج، و إن ضاق بدئ بالأوّل فالأوّل، و يدخل النقص على الأخير، سواء العتق و غيره.

و عند العامّة يدخل النقص على الجميع بالتقسيط إن لم يكن فيها عتق، و إن كان فعن أحمد روايتان:

إحداهما: يقسّم الثّلث بين جميع الوصايا العتق و غيره سواء على التقسيط، و به قال ابن سيرين و الشعبي و أبو ثور و الشافعي في أحد القولين.

و الثانية: تقديم العتق، و يبدأ به، فإن فضل منه شيء قسّم بين سائر أهل الوصايا على قدر وصاياهم - و به قال شريح و مسروق و عطاء الخراساني و قتادة و الزهري و مالك و الثوري و إسحاق - لأنّ فيه حقّا للّه تعالى و لآدميّ؛ لأنّ العتق آكد، و لأنّه لا يلحقه فسخ، بخلاف غيره، و لأنّه أقوى؛ لسرايته و نفوذه من الراهن و المفلس، و هو القول الثاني للشافعي(1).

و في رواية ابن أبي عمير عن معاوية بن عمّار: في امرأة أوصت بمال

ص: 308


1- المغني 627:6-628، الشرح الكبير 465:6-466.

في عتق و صدقة و حجّ فلم يبلغ، قال: «ابدأ بالحجّ فإنّه مفروض، فإن بقي منه(1) شيء فاجعل(2) في الصدقة طائفة و في العتق طائفة»(3).

و هو محمول على ما إذا كان الحجّ واجبا في الذمّة.

مسألة 180: لو قال: يخدم عبدي فلانا سنة ثمّ هو حرّ،

فإن كان وصيّة صحّ، فإن قال الموصى له بالخدمة: لا أقبل الوصيّة، أو قال: قد وهبت الخدمة له، لم يعتق في الحال - و به قال الشافعي(4) - لأنّه قصد إيقاع العتق بعد السنة، فلم يصح قبله، كما لو ردّ الوصيّة.

و قال مالك: إن وهب الخدمة للعبد عتق في الحال(5).

و هو ممنوع.

و لو أوصى أن يشترى له بثلث ماله [رقاب](6) و يعتقون، لم يجز صرفه إلى المكاتبين؛ لأنّه أوصى بالشراء لا بالدفع إليهم.

فإن اتّسع الثّلث لثلاثة، لم يجز أن يشترى أقلّ منها؛ تحقيقا لمسمّى الجمع.

و لو اتّسع لاثنين و بعض ثالث، قال ابن إدريس: في أخبارنا أنّه يشترى الاثنان و يعتقان و يعطيان البقيّة، قال: و الذي تقتضيه الأصول و تشهد

ص: 309


1- كلمة «منه» لم ترد في المصدر.
2- في «ص» و الكافي و التهذيب: «فاجعله».
3- الكافي 8/18:7، التهذيب 858/219:9، الاستبصار 508/135:4.
4- العزيز شرح الوجيز 63:7، روضة الطالبين 135:5، المغني 629:6، الشرح الكبير 511:6.
5- الإشراف على نكت مسائل الخلاف 2074/1013:2، العزيز شرح الوجيز 7: 63، المغني 629:6، الشرح الكبير 511:6.
6- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «رقابا». و الظاهر ما أثبتناه.

لصحّته الأدلّة أن يشترى بالباقي جزء من عبد ثالث؛ لأنّه يكون قد امتثل المأمور، لأنّ العبد يعتق، و يستسعى في باقي قيمته، فيكون قد أعتقوا ثلاثة(1).

مسألة 181: لو أوصى أن يشترى عبد زيد بخمسمائة و يعتق،

فتعذّر شراؤه إمّا لامتناع سيّده من بيعه أو من بيعه بذلك القدر أو لموته أو لقصور الثّلث عن القدر، فالثمن للورثة؛ لأنّ الوصيّة تعذّر العمل بها فتبطل، و لا يلزمهم شراء عبد آخر؛ لأنّ الوصيّة لمعيّن، فلا يصرف إلى غيره، قاله أبو حنيفة(2) ، و لا بأس به.

و يحتمل أن يقال: يشترى غيره و يعتق؛ لأنّه قد روي أنّه إذا أوصى بأبواب للبرّ معيّنة، فنسي الوصيّ بابا منها صرف في وجوه البرّ(3) ، و إنّما كان كذلك بخروج ذلك القدر بالوصيّة عن ملك الورثة، و قد تعذّر صرفه فيما أوصى به، فيصرف في البرّ، فكذا هنا يصرف إلى هذا النوع؛ لأنّه أقرب إلى الوصيّة؛ لاستلزام الوصيّة بالعتق الخاصّ مطلق العتق، فلا يبطل ببطلان أحد جزءيه.

و أمّا إن اشتروه بأقلّ، احتمل أن يعطى الباقي للعبد؛ لما روي في أخبارنا أنّه إذا أوصى بأن يعتق عنه رقبة بثمن معلوم، فلم يوجد بذلك القدر و وجد بأقلّ من ذلك اشتري و أعطي الباقي ثمّ أعتق.

و هي رواية سماعة عن الصادق عليه السّلام، قال: سألته عن رجل أوصى أن تعتق عنه نسمة بخمسمائة درهم من ثلثه، فاشتري نسمة بأقلّ من

ص: 310


1- السرائر 201:3-202.
2- ينظر: اختلاف الأئمّة العلماء 77:2.
3- ينظر: الكافي 58:7-7/59، و الفقيه 565/162:4، و التهذيب 844/214:9.

خمسمائة درهم و فضلت فضلة فما ترى ؟ قال: «تدفع الفضلة إلى النسمة من قبل أن تعتق ثمّ تعتق عن الميّت»(1).

و لو أوصى أن يشترى عبد بألف و يعتق عنه، فلم يخرج من ثلثه، اشتري عبد يحتمله الثّلث - و به قال الشافعي(2) - لأنّها وصيّة يجب تنفيذها إذا احتملها الثّلث، فإذا لم يحتملها وجب تنفيذها فيما يحتمله، كما لو أوصى بعتق عبد فلم يحتمله الثّلث.

و لما رواه عليّ بن أبي حمزة عن الكاظم عليه السّلام، قال: سألته عن رجل أوصى بثلاثين دينارا يعتق بها رجل من أصحابنا، فلم يوجد بذلك، قال:

«يشترى من الناس فيعتق»(3).

و قال أبو حنيفة: تبطل الوصيّة؛ لأنّه أمر بشراء عبد بألف، فلا يجوز للمأمور الشراء بدونه، كالوكيل(4).

و الفرق: أنّه لو وكّله في إعتاق عبد لم يملك إعتاق بعضه، و لو أوصى بإعتاق عبد أعتق منه ما يحتمله الثّلث.

مسألة 182: لو أوصى بشراء عبد و أطلق،

أو ببيع عبد و أطلق، فالأقرب: الجواز؛ لأنّها وصيّة في فعل سائغ.

و قال بعض العامّة: الوصيّة باطلة؛ لأنّ الوصيّة لا بدّ لها من مستحقّ،

ص: 311


1- الكافي 13/19:7، الفقيه 159:4-557/160، التهذيب 868/221:9.
2- حلية العلماء 153:6، اختلاف الأئمّة العلماء 78:2، المغني 574:6، الشرح الكبير 512:6.
3- الكافي 9/18:7، الفقيه 553/159:4، التهذيب 863/220:9.
4- بدائع الصنائع 393:7، الهداية - للمرغيناني - 246:4، حلية العلماء 6: 153، اختلاف الأئمّة العلماء 77:2، المغني 574:6، الشرح الكبير 512:6.

و لا مستحقّ هاهنا(1).

و لو أوصى ببيعه بشرط العتق، صحّت الوصيّة إجماعا، و بيع كذلك؛ لأنّ في البيع هنا نفعا للعبد بالعتق، فإذا لم يوجد من يشتريه كذلك، بطلت الوصيّة؛ لتعذّرها.

و لو أوصى ببيعه لرجل بعينه بثمن معلوم، بيع به؛ لأنّه قصد إرفاقه بذلك غالبا.

و إن لم يسمّ ثمنا، بيع بقيمته، و تصحّ الوصيّة؛ لكونه قصد إيصال العبد بعينه إلى رجل بعينه، فيحتمل أن يتعلّق الغرض بإرفاق العبد بإيصاله إلى من هو معروف بإعتاق الرقاب، و يحتمل أن يريد إرفاق المشتري لمعنى يحصل له من العبد، فإن تعذّر بيعه لذلك الرجل، أو أبى أن يشتريه بالثمن أو بقيمته إن لم يعيّن الثمن، بطلت الوصيّة.

مسألة 183: لو كان له عبدان اسم كلّ واحد: سعد،

فقال: سعد حرّ بعد موتي و له مائتا درهم، و لم يعيّنه، أقرع بينهما، فيعتق من خرجت له القرعة، و يأخذ المائتين إذا خرجت من الثّلث؛ لأنّ مستحقّها حرّ في حال استحقاقها.

و قال بعض العامّة: يصحّ العتق لمن تقع عليه القرعة، و ليس له من المائتين شيء؛ لأنّ الوصيّة بالمائتين وقعت لغير معيّن، و لا تصحّ الوصيّة إلاّ لمعيّن(2).

مسألة 184: لو قال: أحد عبيدي حرّ،

أقرع بينهم، و يخرج الحرّ

ص: 312


1- المغني 574:6، الشرح الكبير 513:6.
2- المغني 572:6.

بالقرعة - و به قال أحمد(1) - لأنّه عتق استحقّه واحد من جماعة معيّنين(2) ، فكان له إخراجه بالقرعة، كما لو أعتقهما فلم يخرج من ثلثه إلاّ أحدهما.

و لما رواه محمّد بن مروان عن الشيخ: «أنّ أبا جعفر مات و ترك ستّين مملوكا فأعتق ثلثهم، فأقرعت بينهم و أعتقت الثّلث»(3).

و قال أبو حنيفة و الشافعي: له تعيين أحدهما بغير قرعة؛ لأنّه عتق مستحقّ في معيّن، فكان التعيين إلى المعتق، كالعتق في الكفّارة، و كما لو قال لورثته: اعتقوا عنّي عبدا(4).

و الفرق: أنّ العتق في الكفّارة لم يستحقه أحد، إنّما استحقّ على المكفّر التكفير.

و إذا قال: أعتقوا عنّي عبدا، فإن لم يضفه إلى عبيده و لا إلى جماعة سواهم، فهو كالمعتق في الكفّارة.

و إن قال: أعتقوا أحد عبيدي، احتمل أن نقول بإخراجه بالقرعة، كمسألتنا، و احتمل أن يرجع فيه إلى اختيار الورثة.

ثمّ الفرق: أنّه في هذه المسألة جعل الأمر إلى الورثة، حيث أمرهم بالإعتاق، فكانت الخيرة إليهم، و في مسألتنا لم يجعل لهم من الأمر شيئا، فلا يكون لهم خيرة.

و لو أوصى بعتق جماعة من عبيده مفصّلا، بدئ بالأوّل فالأوّل، و كان النقص داخلا على الأخير؛ لرواية حمران عن الباقر عليه السّلام: في رجل أوصى2.

ص: 313


1- المغني 571:6، الشرح الكبير 282:12.
2- الظاهر بحسب السياق: «لو قال: أحد عبديّ حرّ، أقرع بينهما... واحد منهما».
3- تقدّم تخريجه في ص 283، الهامش (1).
4- المغني 571:6، الشرح الكبير 282:12.

عند موته: أعتق فلانا و فلانا و فلانا و فلانا و فلانا، فنظرت في ثلثه فلم يبلغ أثمان قيمة المماليك الخمسة الذين أمر بعتقهم، قال: «ينظر إلى الذين سمّاهم و بدأ بعتقهم، فيقوّمون، و ينظر إلى ثلثه فيعتق منهم أوّل شيء ثمّ الثاني ثمّ الثالث ثمّ الرابع ثمّ الخامس، فإن عجز الثّلث كان في الذي سمّى آخرا، لأنّه أعتق بعد مبلغ الثّلث ما لا يملك فلا يجوز له ذلك»(1).

إذا عرفت هذا، فلو قال: فلان و فلان و فلان أحرار و معتقون، فالأقرب: أنّه لا ترتيب هنا؛ إذ الكلام يتمّ بآخره.

مسألة 185: إذا أوصى بعتق جاريته على أن لا تتزوّج ثمّ مات،

فقالت: لا أتزوّج، وجب عتقها، فإذا عتقت فإن تزوّجت بعد ذلك لم يبطل عتقها - و به قال الأوزاعي و الليث و أبو ثور و ابن المنذر و أصحاب الرأي(2) - لأنّ العتق إذا وقع لا يمكن رفعه.

و لو أوصى لأمّ ولده بألف على أن لا تتزوّج، أو على أن تثبت مع ولده، ففعلت و أخذت الألف ثمّ تزوّجت و تركت ولده، ففيها وجهان:

أحدهما: تبطل وصيّتها؛ لأنّه فات الشرط ففاتت الوصيّة، و فارق العتق؛ فإنّه لا يمكن رفعه.

و الثاني: لا تبطل وصيّتها - و هو قول أصحاب الرأي(3) - لأنّ وصيّتها صحّت فلم تبطل بمخالفة ما شرط عليها، كالأولى.

و لو أعتق عبدين متساويي القيمة بكلمة واحدة و لا مال له غيرهما

ص: 314


1- تقدّم تخريجها في ص 286، الهامش (1).
2- المغني 570:6، الشرح الكبير 502:6، مختصر اختلاف العلماء 5: 2174/35، المبسوط - للسرخسي - 89:28.
3- المبسوط - للسرخسي - 90:28، المغني 570:6، الشرح الكبير 502:6.

فمات أحدهما، أقرع بين الحيّ و الميّت، فإن وقعت على الميّت فالحيّ رقيق، و تبيّنّا أنّ الميّت نصفه حرّ؛ لأنّ مع الورثة مثلي نصفه، و إن وقعت على الحيّ عتق ثلثه، و لا يحسب الميّت على الورثة؛ لأنّه لم يصل إليهم.

و لو أعتق في مرض موته تبرّعا ثمّ أقرّ بدين، لم يبطل تبرّعه، و نفذ العتق، و لم يردّ إلى الرقّ؛ لأنّ الحقّ ثبت بالتبرّع في الظاهر، فلم يقبل إقراره فيما يبطل به حقّ غيره.

هذا على قول بعض علمائنا(1) في إخراج المنجّزات من الأصل، و به قال أحمد(2) هنا.

و الوجه: أن نقول: إن كان المقرّ متّهما في إقراره، فالأمر كذلك، و إلاّ قدّم الإقرار، و بطل(3) التبرّع بخروج الإقرار مع انتفاء التهمة من الأصل.

و لو قال: إن تزوّجت فعبدي حرّ، لم يصح؛ لما بيّنّا من أنّ العتق لا يقع إلاّ منجّزا.

و قالت العامّة: يصحّ، فلو تزوّج في مرضه بأكثر من مهر المثل، فالزيادة محاباة تعتبر من الثّلث.

و لو ضاق الثّلث عنهما، فالمحاباة أولى؛ لأنّها وجبت قبل العتق، لكون التزويج شرطا في عتقه فسبقت عتقه.

و يحتمل أن يتساويا؛ لأنّ التزويج سبب لثبوت المحاباة و شرط للعتق، فلا يسبق وجود أحدهما صاحبه، فيكونان سواء(4).6.

ص: 315


1- ابن إدريس في السرائر 199:3.
2- المغني 539:6.
3- في الطبعة الحجريّة: «يبطل».
4- المغني 528:6.

ثمّ هل يقدّم العتق على المحاباة ؟ عن أحمد روايتان(1).

مسألة 186: التدبير وصيّة يمضى من الثّلث،

و لا نعلم فيه خلافا، و له الرجوع فيه و في بعضه؛ لما رواه محمّد بن مسلم - في الصحيح - عن الصادق عليه السّلام قال: «المدبّر من الثّلث» و قال: «للرجل أن يرجع في ثلثه إن كان وصّى في صحّة أو مرض»(2).

و في الحسن عن معاوية بن عمّار عن الصادق عليه السّلام، قال: سألته عن المدبّر، قال: «هو بمنزلة الوصيّة يرجع فيما شاء منها»(3).

و في الحسن عن زرارة عن أحدهما عليهما السّلام قال: «المدبّر من الثّلث»(4).

و في الصحيح عن هشام بن الحكم قال: سألته(5) عن الرجل يدبّر مملوكه أله أن يرجع فيه ؟ قال: «نعم، هو بمنزلة الوصيّة»(6).

إذا عرفت هذا، فلو دبّر عبده و كان عليه كفّارة عتق رقبة، لم يجزئ التدبير عن العتق؛ لرواية عبد اللّه بن سنان عن الصادق عليه السّلام: و سألته عن رجل جعل لعبده العتق إن حدث به الحدث، فمات الرجل و عليه تحرير رقبة واجبة في كفّارة يمين أو ظهار أيجزئ عنه أن يعتق عنه في تلك الرقبة الواجبة عليه ؟ قال: «لا»(7).

مسألة 187: لو أوصى بصرف شيء في العتق،

فأخرجه الوصي في

ص: 316


1- المغني 528:6.
2- الكافي 3/22:7، التهذيب 883/225:9.
3- الكافي 4/23:7، التهذيب 884/225:9.
4- الكافي 1/22:7، التهذيب 885/225:9.
5- في المصدر: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام».
6- الكافي 2/22:7، التهذيب 225:9-886/226.
7- التهذيب 882/225:9.

الحجّ عن الميّت، لم يجزئ، و كان على الوصي الغرم؛ لأنّه خالف الوصيّة.

و لما رواه محمّد بن مارد عن الصادق عليه السّلام، قال: سألته عن رجل أوصى إلى رجل و أمره أن يعتق عنه نسمة بستّمائة درهم من ثلثه، فانطلق الوصي فأعطى الستّمائة درهم رجلا يحجّ بها عن الميّت، فقال الصادق عليه السّلام: «أرى أن يغرم الوصي ستّمائة درهم من ماله، و يجعل الستّمائة فيما أوصى به الميّت في نسمة»(1).

مسألة 188: ينبغي عتق من ناله منه ضرر و شدّة ليقابل ذلك بالإحسان إليه.

روى أبو بصير عن الصادق عليه السّلام قال: «أعتق أبو جعفر عليه السّلام من غلمانه عند موته شرارهم و أمسك خيارهم، فقلت: يا أبة تعتق هؤلاء و تمسك هؤلاء!؟ فقال: إنّهم أصابوا منّي ضربا(2) فيكون هذا بهذا»(3).

مسألة 189: لو أوصى بعتق رقبة،

أجزأ أن يعتق عنه مسمّاها من ذكر و أنثى و خنثى؛ لتناول الاسم الجميع؛ لرواية أبي بكر الحضرمي عن الصادق عليه السّلام، قال: قلت له: إنّ علقمة بن محمّد أوصاني أن أعتق عنه رقبة، فأعتقت عنه امرأة أفتجزئه، أو أعتق عنه من مالي ؟ قال: «تجزئه» ثمّ قال لي: «إنّ فاطمة أمّ ابني أوصت أن أعتق عنها رقبة فأعتقت عنها امرأة»(4).

ص: 317


1- التهذيب 887/226:9، و في الكافي 3/22:7، و الفقيه 533/154:4 بتفاوت يسير.
2- في «ل» و الكافي: «ضرّا» بدل «ضربا».
3- الكافي 55:7-13/56، الفقيه 600/171:4، التهذيب 908/232:9.
4- الكافي 5/17:7، الفقيه 550/158:4، التهذيب 865/220:9.
مسألة 190: قال ابن إدريس: و روي أنّه إذا أوصى بعتق نسمة مؤمنة

و لم يوجد ذلك، جاز أن يعتق من أفناء الناس ممّن لا يعرف بنصب و لا عداوة، فإن وجدت مؤمنة لم يجزئ غيرها، قال: و الأظهر أنّه لا يجزئه غير المؤمنة على كلّ حال؛ لقوله تعالى: فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ (1) و هو جيّد.

فإن اشترى نسمة على أنّها مؤمنة و كان ظاهرها ذلك فأعتقت ثمّ ظهر بعد ذلك أنّها لم تكن كذلك، فقد مضى العتق و أجزأ عن [الوصي](2) ؛ لأنّه المتعبّد المكلّف المخاطب بذلك، و أجزأ أيضا عن الموصي(3).

مسألة 191: روى الشيخ رحمه اللّه عن أحمد بن محمّد عن ابن فضّال عن داود بن فرقد

قال: سئل الصادق عليه السّلام عن رجل كان في سفره و معه جارية له و غلامان مملوكان، فقال لهما: أنتما حرّان لوجه اللّه و اشهدا أنّ ما في بطن جاريتي هذه منّي، فولدت غلاما فلمّا قدموا على الورثة أنكروا ذلك و استرقّوهم ثمّ إنّ الغلامين عتقا بعد ذلك فشهدا بعد ما أعتقا أنّ مولاهما الأوّل أشهدهما أنّ ما في بطن جاريته منه، قال: «تجوز شهادتهما للغلام، و لا يسترقّهما الغلام الذي شهدا له، لأنّهما أثبتا نسبه»(4).

قال الشيخ رحمه اللّه: و لا ينافي هذا الخبر ما رواه البزوفري عن أحمد بن إدريس عن أحمد بن محمّد عن ابن أبي عمير عن حمّاد عن الحلبي عن

ص: 318


1- سورة البقرة: 181.
2- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «الموصى به». و الصحيح ما أثبتناه من المصدر.
3- السرائر 213:3.
4- التهذيب 870/222:9.

الصادق عليه السّلام: في رجل مات و ترك جارية [حبلى](1) و مملوكين فورثهما أخ له فأعتق العبدين و ولدت الجارية غلاما فشهدا بعد العتق أنّ مولاهما كان أشهدهما أنّه كان نزل(2) على الجارية و أنّ الحمل منه، قال: «تجوز شهادتهما، و يردّا عبدين كما كانا»(3) لأنّ الخبر الأوّل محمول على الاستحباب، و الأخير محمول على أنّه يجوز للولد استرقاقهما؛ لأنّهما أعتقهما من لا يملكهما، و لكن يستحبّ له عتقهما من حيث أثبتا نسبه، و لا تنافي بينهما على حال(4).

البحث
اشارة

البحث(5) الثاني: في الوصيّة بالحجّ.

مسألة 192: الحجّ ضربان: نفل و فرض،

فالنفل(6) تصحّ الوصيّة به عند علمائنا، و تجوز النيابة فيه - و هو أصحّ قولي الشافعي(7) - لأنّها من أفضل العبادات، و قد أمر النبيّ صلّى اللّه عليه و اله الخثعميّة بالحجّ عن أبيها، و قال لها:

«فدين اللّه أحقّ أن يقضى»(8) فكذا في نفله.

ص: 319


1- ما بين المعقوفين أثبتناه من المصدر.
2- في المصدر: «ينزل».
3- التهذيب 871/222:9.
4- التهذيب 222:9، ذيل ح 870 و ذيل ح 871.
5- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «المطلب»، و المثبت يقتضيه ما تقدّم.
6- في النّسخ الخطّيّة: «و النفل».
7- المهذّب - للشيرازي - 206:1، بحر المذهب 21:5-22، الوجيز 278:1، الوسيط 591:2، التهذيب - للبغوي - 249:3، العزيز شرح الوجيز 121:7، المجموع 114:7، روضة الطالبين 179:5.
8- الجامع لأحكام القرآن 151:4.

و قد ورد الحجّ بالصغير(1) ، و لا شكّ في عدم تمكّنه من الأفعال، و إنّما يتولاّها الوليّ، فدلّ على دخول النيابة فيه.

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السّلام و قد سئل عن رجل أوصى بحجّة، فقال: «إن كان صرورة فمن صلب ماله، إنّما هي دين عليه، و إن كان قد حجّ فمن الثّلث»(2).

إذا عرفت هذا، فإنّه يخرج من الثّلث، كسائر التبرّعات، و للرواية عن الصادق عليه السّلام(3).

ثمّ إن أوصى أن يحجّ عنه من الميقات أو من بلده، عمل بمقتضى وصيّته.

و إن أطلق، فللشيخ قولان(4):

أحدهما: أنّه يحجّ عنه من أقرب الأماكن إلى مكة، و لا يلزم الورثة الأجرة و الاستئجار إلاّ من ميقات أهله الذي هو ميقات الإحرام - و به قال بعض الشافعيّة(5) - حملا على أقلّ الدرجات، و لأنّ الغرض من الحجّ إيقاع المناسك في مواضعها، و قطع المسافة أمر ضروريّ غير مطلوب للشارع، و لهذا لو سافر بقصد التجارة إلى بعض البلاد جاز له تجديد نيّة الحجّ من5.

ص: 320


1- الكافي 1/303:4، الفقيه 1291/265:2، التهذيب 1424/409:5، و ينظر: الموطّأ 244/422:1، و صحيح مسلم 1336/974:2، و سنن ابن ماجة 2: 2910/971، و سنن أبي داود 142:2-1736/143، و الجامع الصحيح (سنن الترمذي) 264:3-924/265، و سنن النسائي (المجتبى) 120:5، و السنن الكبرى - للنسائي - 326:2-3625/327-3629، و مسند أبي يعلى 2400/289:4.
2- الفقيه 1316/270:2، التهذيب 898/229:9.
3- راجع: الهامش السابق.
4- راجع للقول الأوّل: المبسوط 24:4، و للقول الثاني: النهاية: 283 و 617.
5- الوسيط 462:4، العزيز شرح الوجيز 121:7، روضة الطالبين 179:5.

ذلك المكان، و لم يكلّف الرجوع إلى بلده و إنشاء الإحرام منه إجماعا، و لأنّ للحيّ أن ينشئ الإحرام من ميقاته، و لا يجب عليه قبل ذلك، بل له أن يقصد إلى الحجّ من أيّ بلد شاء، فكذا نائبه لو مات.

و الثاني: أنّه إن كان الثّلث أو ما أوصى به يفي بالحجّ من بلدته وجب أن يستأجر من بلده، و إلاّ وجب أن يستأجر عنه من الميقات؛ لأنّ الصادق عليه السّلام سئل عن رجل مات فأوصى أن يحجّ عنه، قال: «إن كان صرورة فمن جميع المال، و إن كان متطوّعا فمن ثلثه»(1).

و سئل الصادق عليه السّلام عن رجل أوصى بعشرين درهما في حجّة، قال:

«يحجّ بها [عنه] رجل من حيث يبلغه»(2).

و به قال بعض الشافعيّة(3) أيضا.

و لهم قول آخر مشهور: إنّه يحجّ من بلده؛ لأنّ الغالب التجهيز للحجّ و النهوض من البلد(4).

مسألة 193: إذا أوصى بحجّ التطوّع و غيره،

فإن قدّم الحجّ في الذكر يقدّم على غيره من الوصايا المتبرّع بها، و إن قدّم غيره كان مقدّما على الحجّ - و به قال أبو حنيفة(5) - لأنّ بدأته به لفظا يدلّ على شدّة اهتمامه و تقديمه.

ص: 321


1- التهذيب 895/228:9.
2- التهذيب 897/229:9، و ما بين المعقوفين أثبتناه منه.
3- العزيز شرح الوجيز 121:7.
4- العزيز شرح الوجيز 121:7، روضة الطالبين 79:5.
5- مختصر القدوري: 243، مختصر اختلاف العلماء 2155/13:5، تحفة الفقهاء 211:3.

و لما تقدّم(1) من الأخبار الدالّة على أنّ من أوصى بأكثر من الثّلث يكون النقص داخلا على الأخير.

و قال الشافعي: لا تقديم، بل يدخلها العول؛ لأنّها وصايا مؤخّرة استوت في حال الاستحقاق، فتساوت(2).

و نمنع تساويها(3) مع الترتّب(4) لفظا.

و للشافعي قول آخر: إنّه يقدّم على سائر الوصايا و إن تأخّر؛ لأنّ العتق مقدّم، لكونه قربة، فيقدّم الحجّ؛ لمشاركته إيّاه في العلّة، و لو لم يف الثّلث أو حصّة الحجّ منه بالحجّ، بطلت الوصيّة(5).

مسألة 194: لو أوصى بالحجّ الواجب إمّا حجّة الإسلام أو المنذورة أو غيرهما،

أخرجت من صلب المال إن أطلق، و كذا يخرج من صلب ماله(6) و إن لم يوص بها، و لا يسقط بالموت عنه - و به قال الشافعي(7) - لأنّها دين

ص: 322


1- في ص 285-286.
2- نهاية المطلب 187:11، الوسيط 462:4، العزيز شرح الوجيز 121:7، روضة الطالبين 179:5.
3- في «ل» و الطبعة الحجريّة: «تساويهما».
4- في «ر»: «الترتيب».
5- نفس المصادر في الهامش (2).
6- في «ر، ل»: «المال» بدل «ماله».
7- الحاوي الكبير 16:4، و 243:8، المهذّب - للشيرازي - 206:1، نهاية المطلب 184:11، بحر المذهب 25:5، الوسيط 463:4، الوجيز 278:1، حلية العلماء 244:3، التهذيب - للبغوي - 90:4، البيان 44:4، و 242:8، العزيز شرح الوجيز 303:3، و 122:7، روضة الطالبين 289:2، و 180:5، المجموع 110:7، المغني 198:3، و 591:6، الشرح الكبير 196:3، و 6: 517، بدائع الصنائع 221:2، الإشراف على نكت مسائل الخلاف 1: 708/458، عيون المجالس 496/769:2، المعونة 503:1.

في ذمّته.

و لما رواه معاوية بن عمّار - في الصحيح - عن الصادق عليه السّلام، قال:

سألته عن رجل مات فأوصى أن يحجّ عنه، قال: «إن كان صرورة فمن جميع المال، و إن كان متطوّعا فمن ثلثه»(1).

و قال أبو حنيفة و مالك: إن أوصى بالحجّ فمن ثلثه، و إن لم يوص فإنّها تسقط بموته(2).

و ليس بجيّد؛ لقوله عليه السّلام للخثعميّة: «فدين اللّه أحقّ أن يقضى»(3).

و لو أوصى بحجّ واجب و غيره، قدّم الواجب من صلب المال، و لو قال: من الثّلث، قدّم على غيره من الوصايا أيضا.

و قال الشافعي في أحد وجهيه كهذا، و في الآخر: يسوّى بينه و بين الوصايا، فإن و فى الثّلث بالجميع فلا كلام، و إن كان ما يصيب الحجّ لا يكفيه تمّم من رأس المال؛ لأنّ حجّة الإسلام تجب من رأس المال(4).

مسألة 195: إذا مات و عليه حجّ واجب حجّة الإسلام و غيرها

من

ص: 323


1- التهذيب 895/228:9.
2- تحفة الفقهاء 426:1 و 427، بدائع الصنائع 221:2 و 222، الاختيار لتعليل المختار 228:1، الإشراف على نكت مسائل الخلاف 708/458:1، عيون المجالس 768:2-496/769، المعونة 503:1، الحاوي الكبير 16:4، و 8: 243، نهاية المطلب 184:11، بحر المذهب 27:5، الوسيط 463:4، حلية العلماء 244:3، البيان 44:4، العزيز شرح الوجيز 303:3، و 122:7، المجموع 112:7، المغني 198:3، و 591:6، الشرح الكبير 196:3، و 6: 517.
3- الجامع لأحكام القرآن 151:4.
4- الحاوي الكبير 245:8، الوجيز 278:1، التهذيب - للبغوي - 91:5، البيان 177:8، العزيز شرح الوجيز 122:7، روضة الطالبين 180:5.

الواجبات و لم يوص، حجّ عنه من صلب ماله - و به قال الشافعي(1)في ص 323، ذيل المسألة 194.(2) - لأنّ ذلك واجب عليه، فهو كالدّين.

و قال أبو حنيفة و مالك: يسقط بالموت(3).

و ليس بجيّد، و قد تقدّم(4).

و يحجّ عنه من الميقات؛ لأنّ الواجب في الشرع إنّما هو الإحرام من الميقات، و يحجّ عنه بأقلّ ما يؤخذ(5) أجرة.

فأمّا إن أوصى أن يحجّ عنه، ففيه أربع مسائل:

الأولى: أن يوصي بأن يحجّ عنه حجّة الإسلام من صلب ماله، فهذه الوصيّة توكيد لما وجب بالشرع، و يحجّ عنه من الميقات، كما لو لم يوص.

و عند بعض علمائنا يحجّ عنه من بلده مع اتّساع المال، و إلاّ فمن الميقات(6).

الثانية: أن يوصي بأن يحجّ عنه حجّة الإسلام من ثلث ماله، فإنّه يحجّ عنه من الثّلث، و فائدة هذه الوصيّة: الرفق بالورثة و التوفير عليهم.

فإن(7) كان قد أوصى بثلثه لجهة أخرى، قدّم الحجّ.

و للشافعي وجهان سبقا(7) ، أحدهما: التقديم، و الثاني: التقسيط.4.

ص: 324


1- راجع: الهامش
2- من ص 322.
3- راجع: الهامش (2) من ص 323.
4- في ص 323.
5- في «ص»: «يوجد» بدل «يؤخذ».
6- ابن إدريس في السرائر 186:3-187.
7- في «ر، ل»: «و إن».

الثالثة: أوصى أن يحجّ عنه و لم يحج حجّة الإسلام، فإن بلغ ثلثه حجّة من بلده، قال بعض علمائنا: يحجّ عنه من بلده(1).

و قال بعضهم: يحجّ عنه من أقرب الأماكن(2).

و قال الشافعي: يحجّ من بلده.

و اختلف أصحابه في ذلك.

فمنهم من قال بظاهره، و قال: يحجّ عنه من ثلثه؛ لأنّ الوصيّة بذلك تقتضي أن يكون من الثّلث، لأنّه إنّما يملك الوصيّة بالثّلث، و لو جعل الحجّ من الثّلث كان منه، فكذلك إذا أطلق.

و قال أكثر أصحابه: إنّ الحجّ من رأس ماله، و وصيّته به يحتمل أن تكون تأكيدا و تذكيرا.

و تأوّلوا كلام الشافعي بأنّه أراد بذلك إذا أوصى به من ثلثه.

قالوا: و يحتمل أن يريد إذا كان عليه حجّة الإسلام و أوصى بأخرى تطوّعا(3).

و يحتمل أن يكون غلطا في الخطّ، و يكون موضع «و لم يحج» «و قد حجّ».

الرابعة: إذا أوصى بالحجّ و قرن به ما يكون من الثّلث، مثل أن يقول: حجّوا عنّي و أعتقوا و تصدّقوا، فمن قال هناك: يكون من رأس المال، قال أكثرهم هنا أيضا: يكون من رأس المال، و لا يتغيّر(4) حكم بما».

ص: 325


1- ابن إدريس في السرائر 186:3.
2- الشيخ الطوسي في المبسوط 23:4.
3- العزيز شرح الوجيز 123:7.
4- في «ر، ل»: «و لا يتعيّن».

اقترن به(1).

و قال بعضهم: يكون من الثّلث؛ لأنّه لمّا جمع بينه و بين ما يخرج من الثّلث دلّ على أنّه أراد أن يكون من الثّلث(2).

و الأوّل أصحّ عندهم؛ لأنّ الاقتران في اللفظ لا يدلّ على الاقتران في الحكم(3) ؛ لقوله تعالى: كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذا أَثْمَرَ وَ آتُوا حَقَّهُ (1) مع أنّ الإيتاء واجب و الأكل بخلافه.

مسألة 196: إذا أوصى أن يحجّ عنه،

فإمّا أن يذكر حجّا واجبا أو تطوّعا أو يطلق، فإن ذكر حجّا واجبا، فإمّا أن يقول: من رأس المال، أو من الثّلث، أو يطلق، و كذا في الباقيين، و على كلّ تقدير فإمّا أن يعيّن الأجرة أو يطلق.

فإن عيّن فإمّا أن يكون بقدر أجرة المثل أو بأقلّ أو بأكثر، فإن عيّن في الواجب و كان بقدر أجرة المثل أو أقلّ أخرج مطلقا، و إن كان أكثر من أجرة المثل أخرج أجرة المثل من الأصل و الزائد من الثّلث.

و لا فرق في ذلك بين أن يقول: من رأس المال، أو من الثّلث، أو يطلق، إلاّ أنّه إذا قال: من الثّلث، زاحم به الوصايا، و يقضى من الثّلث، كما لو أوصى بقضاء دينه من ثلثه، و تتضمّن هذه الوصيّة ترفيه الورثة بتوفير الثّلثين عليهم.

ثمّ إن لم يف الثّلث أو نصيب الحجّ منه بالأجرة المعيّنة أو أجرة المثل كمّل من رأس المال، كما لو قال: اقضوا ديني من ثلثي، فلم يف به

ص: 326


1- سورة الأنعام: 141.

الثّلث.

و يقدّم الحجّ على سائر الوصايا - و هو أحد قولي الشافعي(1)راجع: الهامش (2) من ص 322.(2) - لأنّه لو لم يوص كان مقدّما في جميع المال على الوصايا، فإذا جعله في الثّلث كان مقدّما.

و الثاني: أنّه لا يقدّم، بل يزاحمها بالمضاربة(2).

فإذا لم يف الثّلث بالحجّ على الوجه الأوّل أو الحاصل من المضاربة على الوجه الثاني كمّل من رأس المال، و حينئذ تدور المسألة.

و لو أطلق في الواجب فلم يضف إلى الثّلث و لا إلى رأس المال، حجّ عنه من رأس المال، و هو أحد قولي الشافعي، و الثاني: من الثّلث(3).

و لو أطلق القدر، أخرج أجرة المثل من الأصل، إلاّ أن يضيف إلى الثّلث فيخرج منه ما يحتمله، فإن قصر الثّلث عنه كمّل الباقي من الأصل.

و لو أوصى بحجّ التطوّع، أخرج من الثّلث، سواء عيّن الأجرة أو أطلق، فإن قصر الثّلث عن راغب و لو من أقرب الأماكن بطلت الوصيّة به؛ لتعذّر العمل بها، و سواء قال: من رأس المال، أو من الثّلث، أو أطلق، و يحجّ عنه من أقرب الأماكن، إلاّ أن يعيّن أجرة يحتملها الثّلث من البلد.

و لو أطلق و لم يذكر حجّا واجبا و لا ندبا، فإن كان مستطيعا و لم يحج حجّة الإسلام أو الواجب لو علم وجوبه، حملت الوصيّة عليه؛ عملا بالظاهر، و إن كان قد حجّ حجّة الإسلام و لم يعلم تعلّق ذمّته بحجّ واجب، حمل على التطوّع؛ لأصالة البراءة.5.

ص: 327


1- راجع: الهامش
2- من ص 322.
3- الحاوي الكبير 245:8، البيان 161:8، العزيز شرح الوجيز 122:7، روضة الطالبين 180:5.
مسألة 197: إذا أوصى أن يحجّ عنه واجبا أو تطوّعا،

فإن عيّن الأجرة و احتملت من بلده استؤجر بها من بلده، و إلاّ فمن أقرب الأماكن.

و إن لم يعيّن الأجرة، فإن عيّن الابتداء من بلده أخرج إن احتمله الثّلث، و إلاّ فمن أقرب الأماكن.

و لو لم يعيّن الابتداء، فالوجه: الحجّ من أقرب الأماكن؛ لأنّه لو كان حيّا لم يلزمه إلاّ ذلك، حتى لو كان في سفر تجارة ثمّ بدا له الحجّ حين انتهى إلى الميقات جاز.

و قال بعضهم: يستأجر من يحجّ من بلده، و نقله العامّة عن عليّ عليه السّلام؛ لقوله تعالى: وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلّهِ (1) لأنّ إتمامهما أن تحرم بهما من دويرة أهلك، لكن رخّص في ترك الإحرام من البلد إلى الميقات، فيبقى السعي من البلد واجبا، فعلى هذا إن أوصى بالحجّ من الثّلث فجميعه من الثّلث، و إن أطلق و جعلناه من الثّلث فالذي هو من الثّلث مؤونة ما بين البلد إلى الميقات، فأمّا من الميقات فمن رأس المال في الواجب(2).

و الأقرب: أنّه يحجّ عنه مع الإطلاق من الميقات؛ لأنّ الواجب بالشرع ذلك، فلو أوصى أن يحجّ عنه من بلده فلم يبلغ ثلثه حجّة من بلده حجّ عنه من حيث أمكن، و لا يقتصر على الحجّ من الميقات، بل لو وجد راغب في الحجّ من أبعد من الميقات وجب.

و لو لم يبلغ الحجّ من الميقات، تمّم من رأس المال في الحجّ الواجب، سواء كانت حجّة الإسلام أو المنذورة - و هو أحد وجهي

ص: 328


1- سورة البقرة: 196.
2- العزيز شرح الوجيز 123:7.

الشافعيّة(1) - لأنّها واجبة كحجّة الإسلام و الدّين و الزكاة.

و الثاني: أنّ المنذورة كالتطوّعات؛ لأنّها لا تلزم ابتداء، و إنّما لزمت بالتزامه، فعلى هذا إن لم يوص بها لم تقض عنه، و إن أوصى كانت من الثّلث(2).

و على الوجه الأوّل - و هو الذي ذهبنا إليه - إن أوصى بها فكما لو أوصى بحجّة الإسلام، فينظر في إطلاق الوصيّة و تقييدها، و إن لم يوص بها فتقضى من رأس المال في أحد وجهي الشافعي - و هو الذي نذهب إليه - و في الآخر: من الثّلث؛ لأنّه بالنذر متبرّع، فجعل نذره كالوصيّة، و لأنّها لو قضيت من رأس المال لم يؤمن أن تستغرق بالنذر أمواله(3).

و ليس بجيّد؛ لأنّا نلتزم ذلك إذا نذر حال الصحّة.

مسألة 198: من وجب عليه حجّة الإسلام و نذر أخرى ثمّ مات بعد استقرارهما

في ذمّته أخرجت حجّة الإسلام و المنذورة من صلب المال، فإن ضاق المال عنهما و لم يتّسع إلاّ لإحداهما حجّ عنه حجّة الإسلام، و سقطت الأخرى، لكن يستحبّ أن يحجّ عنه الأخرى.

و قال بعض علمائنا: تخرج حجّة الإسلام من أصل المال، و المنذورة من الثّلث(1).

و ليس بجيّد؛ لتساويهما في الوجوب.

و في رواية لنا: أنّه إذا نذر أن يحجّ رجلا و مات و عليه حجّة الإسلام أخرجت حجّة الإسلام من الأصل و ما نذره من الثّلث(2).

ص: 329


1- الشيخ الطوسي في المبسوط 306:1، و المحقّق الحلّي في شرائع الإسلام 235:1.
2- الفقيه 1280/263:2، التهذيب 1413/406:5.

و هي محمولة عندي على ما إذا أوقع النذر في مرض موته(1).

مسألة 199: إذا أوصى أن يحجّ عنه حجّة الإسلام من الثّلث

و أوصى لإنسان بمائة و التركة ثلاثمائة و أجرة الحجّ مائة، قدّمت أجرة الحجّ، و بطلت الوصيّة الأخرى.

و لو أوصى بعدم التقديم، وزّعنا الثّلث بين أجرة الحجّ و الوصيّة بالمال، فيدخلها الدور؛ لأنّ حصّة الحجّ تكمل من رأس المال، فإذا أخذنا شيئا من رأس المال نقص الثّلث، و إذا نقص الثّلث نقصت حصّة الحجّ، فلا تعرف حصّة الحجّ ما لم يعرف الثّلث، و لا يعرف الثّلث ما لم يعرف المأخوذ من رأس المال، و لا يعرف ذلك حتى تعرف حصّة الحجّ، فيلزم الدور.

و طريق معرفة ذلك: أن نقول: نأخذ من التركة شيئا لأجل تكميل حصّة الحجّ، تبقى التركة ثلاثمائة إلاّ شيئا، نأخذ ثلثه و هو مائة إلاّ ثلث شيء، يقسّم بين الحجّ و الموصى له بالسويّة، فنصيب الحجّ خمسون إلاّ سدس شيء، و يضمّ الشيء المأخوذ للحجّ إليه يصير خمسين و خمسة أسداس شيء، و هو كمال الأجرة، تسقط الخمسين بخمسين، تبقى خمسة أسداس شيء في مقابلة خمسين، و إذا كان خمسة أسداس شيء خمسين كان الشيء ستّين، فعرفنا أنّ المأخوذ لتكميل أجرة الحجّ ستّون، فنأخذ ثلث الباقي بعد الستّين و هو ثمانون، و نقسّمه بين الوصيّتين، يخصّ كلّ واحدة أربعون، فللحجّ أربعون، و أخرج لتكميل الحجّ ستّون نضمّها إليها تبلغ مائة هي تمام أجرة الحجّ.

ص: 330


1- في «ر، ل»: «الموت» بدل «موته».
مسألة 200: لو أوصى بأن يحجّ عنه تطوّعا أو حجّة الإسلام من ثلثه

بمائة و أوصى بما يبقى من ثلثه بعد المائة لزيد و بثلث ماله لعمرو و قصد التشريك لا الترتيب و لم يجز الورثة ما زاد على الثّلث، قسّم الثّلث بين عمرو و بين الوصيّتين الأخريين نصفين؛ لأنّ الوصيّة له بالثّلث، و الوصيّتان الأخيرتان بالثّلث أيضا، فإذا كان ثلث المال ثلاثمائة، كان لعمرو مائة و خمسون، و الباقي بين الحجّ و زيد.

و كيف يقسّم بينهما؟ الوجه: أنّه يصرف إلى الحجّ مائة و إلى زيد خمسون؛ لأنّه لم يوص له إلاّ بالزائد عن مائة الحجّ، و هو أصحّ وجهي الشافعيّة.

و الثاني لهم: أنّه يصرف إلى الحجّ خمسون، و مائة إلى زيد؛ رعاية للنسبة بين الوصيّتين على تقدير الإجازة، و لأنّ زيدا يقول للحاجّ: أوصى بالثّلث لي و لك أثلاثا ثمّ دخل علينا عمرو فليس لك أن تدخل عليّ ضررا بدخوله علينا(1).

و الحقّ ما قلناه.

و لو كان الثّلث مائتين، فلعمرو مائة، و يدخل زيد في الحساب، ثمّ المائة الثانية تصرف إلى الحجّ في أصحّ وجهي الشافعيّة، و لا شيء لزيد، و في الوجه الثاني: المائة الثانية بين الحجّ و الموصى له بالباقي بالسويّة(2).

و لو كان الثّلث مائة، قسّم بين الحجّ و بين عمرو نصفين، و لا يدخل زيد في الحساب؛ لأنّ الثّلث غير زائد على ما عيّنه للحجّ، و لا شيء لزيد و إن لم توجد الوصيّة الثانية، بخلاف ما إذا كان الباقي فوق مائة.

ص: 331


1- التهذيب - للبغوي - 91:5، العزيز شرح الوجيز 125:7، روضة الطالبين 182:5.
2- التهذيب - للبغوي - 91:5، العزيز شرح الوجيز 125:7، روضة الطالبين 182:5.

و لو كانت الوصايا بحالها لكنّه أوصى أوّلا بالثّلث لإنسان ثمّ أوصى بالحجّ بمائة ثمّ لآخر بما يبقى من الثّلث بعد المائة، قال أبو إسحاق من الشافعيّة: الوصيّة بالباقي من الثّلث بعد المائة باطلة؛ لأنّ الوصيّة الأولى قد استغرقت الثّلث(1).

و قال باقي الشافعيّة: لا فرق بين التقديم و التأخير، و الوصيّة بالمائة و ما يبقى من الثّلث بعد المائة وصيّة بثلث آخر، و هذا الشخص قد أوصى بالثّلثين، و لو لا ذلك لحكمنا فيما إذا أوصى لزيد بالثّلث ثمّ لعمرو بالثّلث ببطلان الوصيّة الثانية، و لما وزّعنا الثّلث عليهما(2).

و هذا كلّه على أنّ الحجّ لا يقدّم في الثّلث على سائر الوصايا، و إنّما قدّمنا مائة الحجّ على وصيّة الموصى له بالباقي؛ لأنّ الموصي قدّمها لفظا، فأمّا إذا قدّمنا الحجّ على سائر الوصايا، فإن كان الثّلث ثلاثمائة و المائة المقدّرة للحجّ أجرة مثل الحجّ، فتؤخذ المائة من رأس المال.

و كيف يقسّم الباقي بين الموصى له بالباقي و الموصى له بثلث جميع المال ؟ قال ابن الحدّاد: يجعل بينهما نصفين؛ لأنّ كلّ واحد منهما لو انفرد مع الحجّ لأخذ ما زاد على المائة(3).

و غلّطه عامّة الشافعيّة، و قالوا: يقسّم الباقي بينهما على قدر وصيّتهما، و الوصيّة للموصى له بالباقي بمائتين، و للموصى له بالثّلث بثلاثمائة، فيقسّم الباقي بينهما على خمسة أسهم، للموصى له بالباقي5.

ص: 332


1- الحاوي الكبير 250:8، التهذيب - للبغوي - 92:5، العزيز شرح الوجيز 7: 125، روضة الطالبين 182:5.
2- الحاوي الكبير 250:8، التهذيب - للبغوي - 92:5، العزيز شرح الوجيز 7: 126، روضة الطالبين 182:5.
3- العزيز شرح الوجيز 126:7، روضة الطالبين 182:5.

ثمانون بسهمين، و للآخر مائة و عشرون بثلاثة أسهم(1).

و لو كانت أجرة الحجّ خمسين و الصورة بحالها، أخذ من الثّلث خمسون أوّلا، [ثمّ](2) قال ابن الحدّاد من الشافعيّة: يجعل الباقي بين الموصى له بالثّلث و بين الحجّ و الوصيّة الأخرى، للموصى له بالثّلث مائة و خمسة و عشرون، و يصرف من الباقي خمسون إلى الحجّ بالوصيّة، و الباقي للموصى له الآخر(3).

و قال الآخرون: بل يقسّم الباقي بعد أجرة مثل الحجّ على أحد عشر سهما؛ لأنّ الوصيّة في هذه الصورة للموصى له بالثّلث بثلاثمائة، و للحجّ و الموصى له الآخر بمائتين و خمسين، و النسبة بينهما ما قلنا، فللموصى له بالثّلث ما يخصّ ستّة، و الباقي يقدّم الحجّ منه بخمسين؛ لأنّ حقّ الموصى له الآخر مؤخّر عن مائة الحجّ، و الباقي له(4).

و لو كان الثّلث مائتين، فإن كان أجرة مثل الحجّ مائة أخذ من رأس المال الثّلث، ثمّ على قول ابن الحدّاد يجعل الباقي بينهما نصفين(5) ، و على قول الأكثر يجعل بينهما على ثلاثة أسهم؛ لأنّ الوصيّة لهذا بمائة و لهذا بمائتين(6).

و إن كان أجرة مثله خمسين، أخذ خمسون أوّلا، و الباقي على قول ابن الحدّاد بين الموصى له بالثّلث و بين الوصيّتين الأخريين بالسويّة، ثمّ يقدّم الحاجّ بخمسين من حصّتهما(7) ، و على قول الأكثر يجعل الباقي بعد الخمسين على سبعة أسهم؛ لأنّه أوصى لأحدهما بمائتين، و للحجّ و الآخر5.

ص: 333


1- العزيز شرح الوجيز 126:7، روضة الطالبين 182:5-183.
2- ما بين المعقوفين أثبتناه من المصدر. (3الى7) العزيز شرح الوجيز 126:7، روضة الطالبين 183:5.

بمائة و خمسين، فللموصى له بالثّلث ما يخصّ أربعة، يؤخذ منه خمسون للحجّ، و الباقي للموصى له الآخر(1).

و لو كان الثّلث مائة، فإن كان أجرة مثل الحجّ مائة، فلا شيء للموصى لهما، و إن كان أجرة مثله خمسين، أخذ للحجّ خمسون، ثمّ على قول ابن الحدّاد الباقي بين الحجّ و الموصى له بالسويّة(2) ، و على قول الأكثر الباقي بين الحجّ و بين الموصى له بالثّلث على ثلاثة، للحجّ واحد؛ لأنّ الوصيّة في هذه الصورة للحجّ بخمسين و له بمائة، فإذا لم تف حصّة الحجّ في هذه الصورة بالحجّ، فإن كانت الوصيّة بحجّ التطوّع بطلت، و إن كانت بحجّة الإسلام فإنّها من رأس المال(3).

مسألة 201: لو قال: حجّوا عنّي بثلث مالي حجّة،

وجب أن يحجّ عنه بثلث ماله، سواء كانت بقدر أجرة المثل أو أكثر، و سواء استؤجر بها وارث أو لا، عند علمائنا؛ لأنّ الوصيّة للوارث عندنا سائغة بنصّ القرآن(4).

و قالت العامّة: إن كانت أجرة المثل [أكثر](5) من الثّلث، لم يستأجر بها الوارث، بل الأجنبيّ، أو يجيز باقي الورثة؛ لأنّ المحاباة للوارث عندهم لا تجوز، و لو كانت أجرة المثل بقدر الثّلث، جاز أن يستأجر الوارث و غيره إجماعا(6).

ص: 334


1- العزيز شرح الوجيز 126:7، روضة الطالبين 183:5.
2- العزيز شرح الوجيز 127:7، روضة الطالبين 183:5.
3- العزيز شرح الوجيز 127:7، روضة الطالبين 183:5.
4- سورة البقرة: 180.
5- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «أقلّ». و المثبت كما في المصدر.
6- العزيز شرح الوجيز 122:7، روضة الطالبين 180:5.

و لو قال: حجّوا عنّي بثلثي، فإن كانت أجرة المثل بقدر الثّلث حجّ عنه، و إن كان الثّلث أكثر حجّ عنه بأجرة المثل؛ لأنّ المطلق من المعاوضة يقتضي عوض المثل، كالإذن في البيع و غيره.

فإن كان الثّلث بقدر أجرة الحجّ مرّة واحدة، استؤجر به لحجّة واحدة، و إن كان أكثر، فإن بلغ حجّتين و إن كان من أقرب المواقيت استؤجر به لهما، و إن كان يزيد على الواحدة و لا يبلغ حجّتين استؤجر لواحدة، و ردّ الباقي إلى الورثة؛ لأنّ الجهة التي وصّى بالثّلث فيها لم يمكن صرفه فيها، فرجع إلى الورثة، بخلاف الأولى حيث قيّد بالوحدة، و هنا جعل الثّلث في الحجّ، فاقتضى جنسه، قاله الشيخ رحمه اللّه و ابن إدريس(1) ، و هو قول الشافعي(2).

و يحتمل أن يصرف الباقي إلى الحجّ، فيستأجر الثقة العارف الذي يتغالى في استئجاره إن رغب، و إلاّ صرف إلى من يستأجر مطلقا؛ لأنّ الموصي قصد التبرّع عليه بالزيادة.

و لو قال: حجّوا عنّي، و أطلق، فإن علم منه قصد التكرار حجّ عنه ما بقي من ثلثه شيء، و إلاّ حجّ عنه حجّة واحدة.

و قد روى محمّد بن الحسين بن أبي خالد عن الباقر عليه السّلام، قال:

سألته عن رجل أوصى أن يحجّ عنه مبهما، فقال: «يحجّ عنه ما بقي من ثلثه شيء»(3).

و في السؤال إشارة إلى قصد التكرار بقوله: مبهما.4.

ص: 335


1- المبسوط - للطوسي - 25:4، السرائر 214:3.
2- العزيز شرح الوجيز 121:7-122، روضة الطالبين 179:5-180.
3- التهذيب 1420/408:5، الاستبصار 1129/319:2، و 514/137:4.

و الشيخ رحمه اللّه قال: يحجّ عنه ما بقي من ثلثه شيء(1).

مسألة 202: لو أوصى أن يحجّ عنه في كلّ سنة بعشرين دينارا - مثلا

- من ضيعة له، و لم يتّفق من يرغب بذلك، أو قصرت الضيعة عن العشرين، أو انقطعت السبل و غلت الأجرة، جمع مال سنتين أو ثلاثة أو أزيد و استؤجر به؛ لأنّ إبراهيم بن مهزيار كتب إليه عليه السّلام: إنّ مولاك عليّ بن مهزيار أوصى أن يحجّ عنه من ضيعة صيّر ريعها إلى حجّة في كلّ سنة عشرين دينارا و إنّه قد انقطع طريق البصرة و تضاعفت المؤونة على الناس و ليس يكتفون بالعشرين، و كذلك أوصى عدّة من مواليك في حجّتهم، فكتب: «تجعل ثلاث حجج حجّة إن شاء اللّه»(2).

قال إبراهيم: و كتب إليه عليّ بن محمّد الحضيني: إنّ ابن عمّي أوصى أن يحجّ عنه حجّة بخمسة عشر دينارا في كلّ سنة فليس يكفي، ما تأمر في ذلك ؟ فكتب عليه السّلام: «تجعل حجّتين حجّة، فإن اللّه تعالى عالم بذلك»(3).

مسألة 203: لو أوصى أن يحجّ عنه فلان بعينه،

فإن عيّن القدر و رغب و خرج من الثّلث إن كان فيه محاباة صحّ و لا يجب، و لو لم يخرج من الثّلث أو لم يرغب، فإن كان الحجّ واجبا أخرج أجرة المثل فيه، فإن رغب المعيّن و إلاّ استؤجر عنه، و إن كان تطوّعا احتمل أن يستأجر غيره، و البطلان؛ لتعذّر إمضاء الوصيّة، فيصرف ما عيّن فيها إلى الورثة.

و لو لم يعيّن القدر، انصرف الإطلاق إلى أجرة المثل، فإن كان الحجّ

ص: 336


1- التهذيب 408:5، ذيل ح 1418.
2- الكافي 310:4 (باب) - بدون عنوان - ح 1، الفقيه 1326/272:2 بتفاوت.
3- الكافي 310:4 (باب) - بدون عنوان - ح 2، التهذيب 1418/408:5.

واجبا أخرجت أجرة المثل من الأصل، فإن لم يرغب صرف إلى غيره، و إن كان ندبا، فإن خرجت أجرة المثل من الثّلث و رغب استؤجر بها، و إلاّ احتمل البطلان، و استئجار الغير، و كذا لو لم يخرج من الثّلث، بل يخرج أقلّ من أجرة المثل.

مسألة 204: روى ابن أشيم عن الباقر عليه السّلام في عبد مأذون له في التجارة دفع إليه

رجل ألف درهم و قال له: اشتر منها نسمة فأعتقها عنّي و حجّ عنّي بالباقي، ثمّ مات صاحب الألف درهم فانطلق العبد و اشترى أباه و أعتقه عن الميّت و دفع إليه الباقي يحجّ عن الميّت فحجّ عنه، فبلغ ذلك موالي أبيه و مواليه و ورثة الميّت فاختصموا جميعا في الألف، قال موالي العتيق: إنّما اشتريت أباك بمالنا، و قال الورثة: إنّما اشتريت أباك بمالنا، و قال موالي العبد: إنّما اشتريت أباك بمالنا، فقال أبو جعفر عليه السّلام: «أمّا الحجّة فقد مضت بما فيها لا تردّ، و أمّا العتيق فهو ردّ في الرقّ لموالي أبيه، و أيّ الفريقين بعد أقام البيّنة أنّ العبد اشترى أباه من أموالهم كان لهم رقّا»(1).

مسألة 205: الحجّ يؤدّى عن الميّت إن كان فرضا إجماعا و إن لم يوص.

و لو عرف مستودع المال أنّ الورثة لا يحجّون عنه، جاز له أن يقتطع من الوداعة بقدر أجرة الحجّ من أقرب الأماكن؛ لأنّه دين خارج عن ملك الورثة، فلا يجوز صرفه إليهم.

و لو قال: حجّوا عنّي، و لم يعيّن النائب، فللوارث أن يحجّ بنفسه

ص: 337


1- الكافي 62:7-20/63، التهذيب 1023/134:7، و 243:9-945/244.

و بغيره.

و إن لم يوص، فللوارث أن يحجّ عنه، و هو أحد قولي الشافعي، و الثاني: المنع؛ لأنّ الحجّ عبادة، فتفتقر إلى النيّة، و لا تصحّ إلاّ باستنابته أو استنابة نائبه(1).

و أمّا حجّ التطوّع فيجري فيه النيابة عندنا، و للشافعي قولان(2).

البحث الثالث: في الوصيّة بالصدقة و غيرها.
مسألة 206: إذا أوصى بالصدقة،

حمل على الندب، فإن قال: إنّه واجب، كان كالإقرار إن كان في الصحّة أخرج من الأصل، و إن كان في المرض مع عدم التهمة فكذلك، و إن كان متّهما مضى من الثّلث.

ثمّ إن عيّن المقدار و الموصى له اتّبع ما عيّنه، و إن أطلقهما اكتفي بأقلّ ما يتموّل، فيتصدّق به عنه على من كان من الفقراء.

و هل يشترط الإسلام أو الإيمان ؟ إشكال.

و هل يكفي الإخراج في بناء القناطر أو عمارة المساجد أو سدّ البثوق أو حفر الأنهار و غير ذلك ممّا يشبهه من المصالح ؟ الأقرب: المنع.

و في تكفين الموتى الأقرب: الجواز.

مسألة 207: لو أوصى في سبيل اللّه،

قال ابن إدريس: صرف ذلك في جميع مصالح المسلمين، مثل: بناء المساجد و القناطر و تكفين الموتى و معونة الحاجّ و الزوّار و ما أشبه ذلك؛ بدليل إجماع أصحابنا، و لأنّ ما ذكرناه طرق إلى اللّه تعالى، فإذا كان كذلك فالأولى حمل لفظة «سبيل اللّه»

ص: 338


1- العزيز شرح الوجيز 127:7، روضة الطالبين 183:5.
2- العزيز شرح الوجيز 127:7، روضة الطالبين 183:5.

على عمومها(1).

و في رواية الحسين بن عمر عن الصادق عليه السّلام، قال: قلت له عليه السّلام: إنّ رجلا أوصى إليّ بشيء في السبيل، فقال لي: «اصرفه في الحجّ» قال:

فقلت له: أوصى إليّ في السبيل، فقال لي: «اصرفه في الحجّ» قال: فقلت له: أوصى إليّ في السبيل، قال: «اصرفه في الحجّ، إنّي لا أعلم شيئا من سبيله أفضل من الحجّ»(2).

و في رواية الحسن بن راشد قال: سألت العسكري عليه السّلام بالمدينة عن رجل أوصى بمال في سبيل اللّه، فقال: «سبيل اللّه شيعتنا»(3).

قال الشيخ الطوسي رحمه اللّه: ذكر أبو جعفر بن بابويه رحمه اللّه في الوجه بالجمع بين هذا الخبر و الخبر الذي قال فيه: سبيل اللّه الحجّ: إنّ المعنى في ذلك أن يعطى المال لرجل من الشيعة ليحجّ به(4) ، فيكون قد انصرف في الوجهين معا، و سلمت الأخبار من التناقض، قال الشيخ رحمه اللّه: و هذا وجه حسن(5).

مسألة 208: لو أوصى بالزكاة الواجبة،

وجب دفعها بمقتضى الوصيّة.

و إن لم يوص و علم أنّ الميّت لم يخرج الزكاة وجب إخراجها عنه، فإن امتنع الوارث أخرجها الحاكم، و يتولّى البيّنة الدافع.

ص: 339


1- السرائر 187:3-188.
2- التهذيب 809/203:9.
3- الكافي 15:7-2/16، الفقيه 530/153:4، معاني الأخبار: 167 (باب معنى سبيل اللّه) ح 3، التهذيب 811/204:9.
4- الفقيه 153:4، ذيل ح 531.
5- التهذيب 204:9، ذيل ح 811.

و لو تبرّع أجنبيّ بأداء الزكاة عنه جاز، كما لو قضى دينه عنه، و كذا زكاة الفطرة، و هو أظهر قولي الشافعي(1).

و لو أوصى بالخمس الواجب، وجب إخراجه من صلب المال؛ لأنّه دين عليه، و لو لم يكن واجبا أخرج من الثّلث، كغيره من التطوّعات المتبرّع بها.

و لو لم يوص بالخمس الواجب، وجب إخراجه من صلب ماله مع علم عدم الإخراج.

و لو أوصى بالصدقة المندوبة، أخرجت من الثّلث.

مسألة 209: الصلاة الفائتة الواجبة يصحّ قضاؤها عن الميّت،

سواء أوصى بها أو لم يوص، فإن أوصى الميّت بها أخرجت الوصيّة من الثّلث، لا من الأصل؛ لأنّها عبادة، و لا تعلّق لها بالمال، بخلاف الحجّ و الزكاة، فالمال غير واجب فيها، فتخرج الوصيّة بالأجرة من الثّلث و إن كانت الصلاة واجبة، و لأنّ الصلاة تجب على الولي، و هو أكبر أولاده الذكور على ما يأتي، فتكون الوصيّة بالأجرة تبرّعا عن الوارث، فأخرجت من الثّلث، و كذا لو أوصى بصلاة مندوبة، و على كلّ حال فإنّ ذلك ينفع الميّت.

خلافا للشافعي، حيث استدلّ بقوله تعالى: وَ أَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلاّ ما سَعى (2)(3).

و ليس بمانع لما قلناه؛ لأنّ تربية الولد و صداقة المتبرّع المقتضي

ص: 340


1- العزيز شرح الوجيز 127:7، روضة الطالبين 184:5.
2- سورة النجم: 39.
3- الوجيز 279:1، البيان 290:8، العزيز شرح الوجيز 131:7، روضة الطالبين 186:5.

للنيابة من سعي الإنسان.

إذا عرفت هذا، فإنّ العامّة منعوا من الوصيّة بالصلاة عن الميّت، و من التبرّع بها عنه.

و يدفعه نصّ القرآن، حيث قال تعالى: فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ (1).

و قد روى الخاصّة صحّة ذلك و أنّ الميّت ينتفع بذلك.

روى ابن بابويه عن الصادق عليه السّلام أنّه سئل يصلّى عن الميّت ؟ فقال:

«نعم، حتى أنّه يكون في ضيق فيوسّع عليه ذلك الضيق ثمّ يؤتى فيقال له:

خفّف عنك هذا الضيق بصلاة فلان أخيك عنك»(2).

و عن عليّ بن جعفر - في الصحيح - عن أخيه الكاظم عليه السّلام قال:

«سألت أبي جعفر بن محمّد: عن الرجل هل يصلح له أن يصلّي أو يصوم عن بعض موتاه ؟ قال: نعم، فيصلّي ما أحبّ، و يجعل تلك للميّت، فهو للميّت إذا جعل ذلك له»(3).

و عن محمّد بن عمر بن يزيد عن الصادق عليه السّلام، قلت له: يصلّى عن الميّت ؟ قال: «نعم، حتى أنّه ليكون في ضيق فيوسّع عليه ذلك الضيق ثمّ يؤتى فيقال له: خفّف عنك هذا الضيق بصلاة فلان أخيك عنك»(4).2.

ص: 341


1- سورة البقرة: 181.
2- الفقيه 554/117:1، و أورده عنه ابن طاوس في غياث سلطان الورى (مخطوط) على ما في ذكرى الشيعة 67:2.
3- غياث سلطان الورى - لابن طاوس - (مخطوط) على ما نقله الشهيد في ذكرى الشيعة 67:2.
4- رواه الصدوق في الفقيه 554/117:1، و أورده ابن طاوس في غياث سلطان الورى (مخطوط) على ما في ذكرى الشيعة 68:2.

و عن عمّار الساباطي أنّه سأل الصادق عليه السّلام: عن الرجل يكون عليه صلاة أو يكون عليه صوم هل يجوز أن يقضيه رجل غير عارف ؟ قال:

«لا يقضيه إلاّ مسلم عارف»(1).

و عن ابن أبي عمير(2) عن الصادق عليه السّلام: في الرجل يموت و عليه صلاة أو صيام، قال: «يقضيه أولى الناس به» قلت: و إن كان أولى الناس به امرأة ؟ قال: «لا، من الرجال - أو قال - لا، إلاّ الرجال»(3).

و في رواية هشام بن سالم في أصله عنه عليه السّلام، قال: قلت: يصل إلى الميّت الدعاء و الصدقة و الصلاة و نحو هذا؟ قال: «نعم» قلت: أو يعلم من صنع ذلك به ؟ قال: «نعم» ثمّ قال: «يكون مسخوطا عليه فيرضى عنه»(4).

و عن عبد اللّه بن أبي يعفور قال: «يقضى عن الميّت الحجّ و الصوم و العتق و فعاله الحسن»(5).

و روى الحسن بن محبوب في كتاب المشيخة عن الصادق عليه السّلام قال:

«يدخل على الميّت في قبره الصلاة و الصوم و الحجّ و الصدقة و البرّ و الدعاء» قال: «و يكتب أجره للّذي يفعله و للميّت»(6).

و روى الصدوق بإسناده عن الصادق عليه السّلام، قال: «يدخل على الميّت2.

ص: 342


1- غياث سلطان الورى (مخطوط) على ما في ذكرى الشيعة 68:2.
2- في المصدر زيادة: «عن حفص بن البختري».
3- رواه الكليني في الكافي 123:4 (باب الرجل يموت و عليه من صيام...) ح 1 بتفاوت يسير، و نقله الشهيد في ذكرى الشيعة 68:2 عن غياث سلطان الورى، بدون الذيل.
4- غياث سلطان الورى (مخطوط) على ما في ذكرى الشيعة 69:2.
5- غياث سلطان الورى (مخطوط) على ما في ذكرى الشيعة 73:2.
6- غياث سلطان الورى (مخطوط)، و عنه في ذكرى الشيعة 70:2.

في قبره الصلاة و الصوم و الحجّ و الصدقة و العتق»(1).

و عن الصادق عليه السّلام: «من عمل من المسلمين عملا صالحا عن ميّت أضعف اللّه أجره، و نفع به الميّت»(2).

و عن عمر بن محمّد بن يزيد قال: قال الصادق عليه السّلام: «إنّ الصلاة و الصوم و الصدقة و الحجّ و العمرة و كلّ عمل صالح ينفع الميّت حتى أنّ الميّت ليكون في ضيق فيوسّع عليه، و يقال: إنّ هذا بعمل ابنك فلان و بعمل أخيك فلان، أخوه في الدين»(3).

و عن محمّد بن يعقوب الكليني في كتابه عن الصادق عليه السّلام قال:

«ما يمنع الرجل منكم أن يبرّ والديه حيّين و ميّتين يصلّي عنهما و يتصدّق عنهما و يحجّ عنهما و يصوم عنهما فيكون الذي صنع لهما و له مثل ذلك، فيزيده اللّه ببرّه و صلاته خيرا كثيرا»(4).

و الأخبار في ذلك كثيرة لا تحصى.

مسألة 210: إذا أوصى بكفّارة وجب إخراجها عنه.

و إن لم يوص بها، فإن كانت مرتّبة، فللوارث أن يؤدّي الواجب المالي من التركة.

و لا ولاء هنا عندنا على ما يأتي؛ لأنّ الولاء إنّما يثبت في العتق

ص: 343


1- الفقيه 1369/279:2، و عنه في غياث سلطان الورى (مخطوط) على ما في ذكرى الشيعة 70:2.
2- الفقيه 556/117:1، و عنه في غياث سلطان الورى (مخطوط) على ما في ذكرى الشيعة 74:2.
3- غياث سلطان الورى (مخطوط) على ما في ذكرى الشيعة 70:2-71.
4- الكافي 127:2 (باب البرّ بالوالدين) ح 7، و عنه في غياث سلطان الورى (مخطوط) على ما في ذكرى الشيعة 72:2-73.

المتبرّع به.

و قال الشافعي: يثبت الولاء للميّت إذا أعتق(1).

و إن كانت مخيّرة، فللوارث أن يطعم و يكسو و يعتق، و هو أصحّ وجهي الشافعيّة.

و الثاني: أنّه ليس له أن يعتق؛ لأنّه لا ضرورة إليه(2).

و الحقّ ما قلناه؛ لأنّ الوارث نائب الميّت فإعتاقه كإعتاقه.

و لو أدّى الوارث من مال نفسه و لا تركة، جاز، و هو أظهر وجهي الشافعيّة.

و الثاني: المنع؛ لبعد العبادات عن النيابة، و إنّما جوّزنا هناك لمكان التركة(3).

و لهم وجه آخر: تخصيص المنع بالإعتاق؛ لبعد إثبات الولاء للميّت(4).

و على القول بالجواز لو تبرّع الأجنبيّ بالطعام أو الكسوة أو أدّى عنه فوجهان:

أحدهما: أنّه لا يقع عنه؛ لأنّه عبادة فلا بدّ من نيّته أو نيّة وارثه، بخلاف ما لو قضى دينه.

و أشبههما عندهم: الجواز، كما في قضاء الدّين؛ لأنّه لو اشترطت الوراثة لاعتبر [صدوره من](5) جميع الورثة، كالإقرار بالنسب، و لا يعتبر،ر.

ص: 344


1- نهاية المطلب 278:11، البيان 347:10، العزيز شرح الوجيز 128:7، روضة الطالبين 184:5.
2- نهاية المطلب 278:11-279، البيان 347:10-348، العزيز شرح الوجيز 128:7، روضة الطالبين 184:5.
3- العزيز شرح الوجيز 128:7، روضة الطالبين 184:5.
4- العزيز شرح الوجيز 128:7، روضة الطالبين 184:5.
5- ما بين المعقوفين أثبتناه من المصدر.

بل يستبدّ به كلّ واحد من الورثة(1).

و لو تبرّع بالعتق، صحّ عندنا، و للشافعيّة قولان(2).

و لو أوصى بالعتق في الكفّارة المخيّرة و زادت قيمة الرقبة على قيمة الإطعام و الكسوة، احتمل قويّا اعتبارها من الثّلث؛ لأنّ العتق غير متحتّم عليه، و تحصل براءة الذمّة بما دونه، و هو أصحّ وجهي الشافعيّة، و الثاني:

أنّ وصيّته تعتبر من رأس المال؛ لأنّه أداء واجب(3).

و على الأوّل للشافعي قولان:

أحدهما: أنّه يعتبر جميع قيمته من الثّلث، فإن لم يف الثّلث به عدل إلى الطعام.

و أشبههما عندهم: أنّ المعتبر من الثّلث ما بين القيمتين من التفاوت؛ لأنّ أقلّ القيمتين لازم لا محالة(1).

و يجري الخلاف فيما إذا أوصى بأن يكسى عنه و الكسوة أكثر قيمة من الطعام(2).

و لو أعتق في مرض الموت من عليه كفّارة مخيّرة، قال بعض الشافعيّة: لا تعتبر قيمة العبد من الثّلث؛ لأنّه مؤدّ فرضا(3).

مسألة 211: الدعاء للميّت ينفعه إجماعا.

قال اللّه تعالى: وَ الَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا وَ لِإِخْوانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونا بِالْإِيمانِ (4) مدحهم باعتبار دعائهم للسابقين.

ص: 345


1- العزيز شرح الوجيز 128:7-129، روضة الطالبين 184:5.
2- العزيز شرح الوجيز 129:7، روضة الطالبين 184:5.
3- العزيز شرح الوجيز 129:7، روضة الطالبين 185:5.
4- سورة الحشر: 10.

و روى العامّة عن أبي هريرة: أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و اله قال: «إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلاّ من ثلاثة: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له»(1).

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السّلام: «ليس ينفع الرجل بعد موته من الأجر إلاّ ثلاث خصال: صدقة أجراها في حياته فهي تجري له بعد موته، و سنّة هو سنّها [فهي](2) يعمل بها بعد موته، أو ولد صالح يدعو له»(3).

و كذا الصدقة عن الميّت تنفعه؛ لما رواه العامّة: أنّ رجلا قال للنبيّ صلّى اللّه عليه و اله: إنّ أبي مات و ترك مالا و لم يوص فهل يكفي(4) أن أتصدّق عنه ؟ قال: «نعم»(5).

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السّلام: «يدخل على الميّت في قبره الصلاة و الصوم و الحجّ و الصدقة و العتق»(6).

و يستوي في الصدقة و الدعاء الوارث و الأجنبيّ عند الشافعي(7).5.

ص: 346


1- مسند أحمد 8627/65:3، صحيح مسلم 1631/1255:3، سنن أبي داود 3: 2880/117، الجامع الصحيح (سنن الترمذي) 1376/660:3، سنن النسائي (المجتبى) 251:6، السنن الكبرى - للنسائي - 6478/109:4-1، مسند أبي يعلى 11: 6457/343، السنن الكبرى - للبيهقي - 278:6، و فيها: «الإنسان» بدل «ابن آدم».
2- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «فهو». و المثبت كما في المصدر.
3- الكافي 1/56:7، الأمالي - للصدوق -: 38 (المجلس التاسع) ح 7، التهذيب 909/232:9.
4- في المصدر: «يكفّر عنه» بدل «يكفي».
5- مسند أحمد 8624/64:3، صحيح مسلم 1630/1254:3.
6- الفقيه 1369/279:2.
7- العزيز شرح الوجيز 129:7، روضة الطالبين 185:5.

و لو أنبط عينا أو حفر نهرا أو غرس شجرة أو وقف مصحفا أو غيره في حال حياته، أو فعل عنه غيره بعد موته، لحق الثواب بالميّت.

و يجوز التضحية عن الميّت؛ لأنّها نوع صدقة.

و منع بعض الشافعيّة إلاّ مع الوصيّة(1).

مسألة 212: الصوم عن الميّت يحصل به نفع له من غير أن ينقص ثواب الصائم.

و منع الشافعي من التطوّع به عن الميّت(2).

و في قضاء فائتة عنه قولان: الجديد: المنع، و القديم: إنّ لوليّه أن يصوم عنه - و هو الذي ذهبنا إليه - و على هذا لو أوصى إلى أجنبيّ ليصوم، كان بمثابة الوليّ(3).

و لو مرض بحيث لا يرجى برؤه، ففي الصوم عنه للشافعي و جهان؛ تشبيها بالحجّ(4).

قال الشافعيّة: [و أمّا](2) غير الصوم - كالصلاة قضاء أو غير قضاء و قراءة القرآن عنه - فلا ينفعه(3).

و استثنى بعضهم عن الصلاة ركعتي الطواف، و قال: يأتي بهما الأجير عن المحجوج عنه(4).

ص: 347


1- البغوي في التهذيب 45:8، و عنه في العزيز شرح الوجيز 130:7، و روضة الطالبين 186:5. (2الى4) العزيز شرح الوجيز 130:7، روضة الطالبين 186:5.
2- ما بين المعقوفين أثبتناه من المصدر لأجل السياق.
3- العزيز شرح الوجيز 131:7، روضة الطالبين 186:5.
4- التهذيب - للبغوي - 114:5، العزيز شرح الوجيز 131:7، روضة الطالبين 5: 186.

و قالوا: إنّه يقع عنه تبعا للطواف(1).

و منهم من قال: هي عن الأجير، و تبرأ ذمّة المحجوج عنه بما يفعل، كما لو ارتكب محظورا و لزمه الدم أو الصوم(2).

و لو أوصى بتجديد قبر، فالأولى عدم النفوذ؛ لأنّه مكروه.

و كذا لو أوصى ببناء مكروه في القبر، و لو أوصى بغير مكروه فعل.

البحث الرابع: في الوصيّة المبهمة.
مسألة 213: إذا أوصى له بسهم من ماله و لم يبيّن،

كان وصيّته بالثّمن عند أكثر علمائنا(3) ؛ لما رواه ابن أبي نصر - في الصحيح - عن أبي الحسن عليه السّلام، قلت: فرجل أوصى بسهم من ماله، فقال: «السهم واحد من ثمانية» ثمّ قرأ: إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَ الْمَساكِينِ (4) إلى آخر الآية(5).

و مثله روى - في الصحيح - صفوان عن الرضا عليه السّلام(6).

و نقل ابن إدريس عن بعض علمائنا: أنّه السّدس(7).

ص: 348


1- التهذيب - للبغوي - 114:5، العزيز شرح الوجيز 131:7، روضة الطالبين 186:5.
2- التهذيب - للبغوي - 114:5، العزيز شرح الوجيز 131:7، روضة الطالبين 186:5.
3- كالشيخ المفيد في المقنعة: 674، و الشيخ الطوسي في النهاية: 613، و ابن البرّاج في جواهر الفقه: 150، المسألة 525، و سلاّر في المراسم: 204، و ابن إدريس في السرائر 187:3 و 208، و ابن حمزة في الوسيلة: 378، و المحقّق الحلّي في شرائع الإسلام 248:2.
4- سورة التوبة: 60.
5- التهذيب 828/209:9، الاستبصار 498/132:4.
6- الكافي 41:7 (باب من أوصى بسهم من ماله) ح 2، التهذيب 833/210:9، الاستبصار 503/133:4.
7- السرائر 208:3، و ممّن قال به الشيخ الطوسي في الخلاف 140:4، المسألة 9، و المبسوط 8:4.

و هو رواية عن أحمد، و رواه العامّة عن عليّ عليه السّلام و ابن مسعود، و به قال الحسن و إياس بن معاوية و الثوري؛ لرواية ابن مسعود: أنّ رجلا أوصى لرجل بسهم من المال، فأعطاه النبيّ صلّى اللّه عليه و اله السّدس، و لأنّ السهم في كلام العرب السّدس، قال إياس بن معاوية: السهم في كلام العرب السّدس، فتنصرف الوصيّة إليه، و لأنّه قول عليّ عليه السّلام و ابن مسعود، و لا مخالف لهما في الصحابة، و لأنّه أقلّ سهم مفروض يرثه ذو قرابة، فتنصرف الوصيّة إليه(1).

و نحن نمنع ذلك.

و الرواية الثانية عن أحمد: أنّه يعطى سهما ممّا تصحّ منه الفريضة، فينظركم سهما صحّت منه الفريضة و يزاد عليها [مثل] سهم من سهامها ما لم يزد على السّدس، فإن زاد على السّدس فله السّدس؛ لأنّه متحقّق، لأنّ قوله: «سهما» ينبغي أن يصرف إلى سهام فريضته، لأنّ وصيّته منها، فيصرف السهم إليها، فكان واحدا من سهامها، كما لو قال: فريضتي كذا و كذا سهما لك سهم منها(2).

و قال بعض أصحابه: له أقلّ سهم من سهام الورثة، و به قال أبو حنيفة(3). -

ص: 349


1- المغني 476:6 و 477، الشرح الكبير 580:6 و 581، الحاوي الكبير 8: 206، العزيز شرح الوجيز 145:7، روضة القضاة 3869/686:2-3871.
2- المغني 476:6، الشرح الكبير 580:6-581، و ما بين المعقوفين أثبتناه منهما.
3- المغني 476:6، الشرح الكبير 581:6، الجامع الصغير - للشيباني -: 521، مختصر اختلاف العلماء 2165/25:5، المبسوط - للسرخسي - 87:28، روضة -

و قال صاحباه: إلاّ أن يزيد على الثّلث فيكون له الثّلث؛ لأنّ سهام الورثة أنصباؤهم، فيكون له أقلّها؛ لأنّه المتيقّن، فإذا زاد على السّدس دفع إليه السّدس؛ لأنّه أقلّ سهم يرثه ذو قرابة(1).

و قال أبو ثور: يعطى سهما من أربعة و عشرين؛ لأنّها أكثر أصول الفرائض، فالسهم منها أقلّ السهام(2).

و قال الشافعي و ابن المنذر: يعطيه الورثة ما شاؤا؛ لأنّ ذلك يقع عليه اسم السهم، فأشبه ما لو أوصى له بحظّ(3).

و قال عطاء و عكرمة: لا شيء له(4).

و الرواية الثالثة عن أحمد: أنّه يعطى السّدس، إلاّ أن تعول الفريضة، فيعطى سهما مع العول، فكان معنى الوصيّة: أوصيت لك بسهم من يرث السّدس، فلو أوصى له بسهم في مسألة فيها زوج و أخت، كان له السّبع،1.

ص: 350


1- الجامع الصغير - للشيباني -: 522، مختصر اختلاف العلماء 2165/25:5، المبسوط - للسرخسي - 87:28، روضة القضاة 3867/686:2، بدائع الصنائع 356:7، الاختيار لتعليل المختار 105:5، الحاوي الكبير 206:8، حلية العلماء 103:6، البيان 214:8، المغني 476:6، الشرح الكبير 581:6.
2- المغني 476:6، الشرح الكبير 581:6، الحاوي الكبير 206:8، حلية العلماء 103:6.
3- - القضاة 3865/686:2 و 3866، بدائع الصنائع 356:7، الاختيار لتعليل المختار 105:5، الحاوي الكبير 206:8، حلية العلماء 101:6-102، البيان 8: 214، العزيز شرح الوجيز 145:7.
4- مختصر اختلاف العلماء 2165/27:5، المغني 477:6، الشرح الكبير 6: 581.

كما لو كان معهما جدّة على الروايات الثلاث، و كذا لو كان في المسألة أمّ و ثلاث أخوات متفرّقات، فإن كان معهم زوج فالمسألة من تسعة، للموصى له العشر على الروايات الثلاث، و لو كان الورثة زوجا و أبوين و ابنين، فالمسألة من خمسة عشر، و تعول بسدس آخر، فتصير من سبعة عشر على الرواية الأولى و الثانية، و على الثالثة يكون للموصى له سهم واحد يزاد على خمسة عشر، فتصير ستّة عشر، و لو خلّف أبوين و ابنين و أوصى لرجل بسدس ماله و للآخر بسهم، جعلت [ذا](1) السهم كالأمّ و أعطيت صاحب السّدس سدسا كاملا، و قسّمت الباقي بين الورثة و الموصى له على سبعة، فتصحّ من اثنين و أربعين، لصاحب السّدس سبعة، و لصاحب السهم خمسة على الروايات الثلاث. و يحتمل أن يعطى ذو السهم السّبع كاملا، كأنّه أوصى له به من غير وصيّة أخرى، فيكون له ستّة، و يبقى تسعة و عشرون على ستّة لا تنقسم، فتضربها في اثنين و أربعين، تكون مائتين و اثنين و خمسين(2).

و الحقّ ما قدّمناه؛ لأنّه المنقول عن أهل البيت عليهم السّلام(3) ، و هم أعرف بالأحكام.

مسألة 214: لو أوصى له بجزء من ماله و لم يبيّن،

صرف إلى السّبع عند أكثر علمائنا(4).

ص: 351


1- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «ذلك»، و المثبت كما في المصدر.
2- المغني 477:6-478، الشرح الكبير 582:6-584.
3- راجع: الهامش (5 و 6) من ص 348.
4- منهم: الشيخ الصدوق في الهداية: 81، و الشيخ المفيد في المقنعة: 673، و الشيخ الطوسي في الخلاف 39:4، المسألة 7، و سلاّر في المراسم: 204، و ابن البرّاج في جواهر الفقه: 150، المسألة 525، و ابن حمزة في الوسيلة: 378، و ابن إدريس في السرائر 207:3.

و قال بعضهم: العشر(1).

و لم يقدّره العامّة بشيء، بل يعطيه الورثة ما شاؤا(2).

و الحقّ: الأوّل؛ لما رواه ابن أبي نصر - في الصحيح - عن الرضا عليه السّلام، قال: سألته عن رجل أوصى بجزء من ماله، فقال: «واحد من سبعة، إنّ اللّه تعالى يقول: لَها سَبْعَةُ أَبْوابٍ لِكُلِّ بابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ (3)»(4).

و في رواية عن الحسين بن خالد عن أبي الحسن عليه السّلام، قال: سألته عن رجل أوصى بجزء من ماله، قال: «سبع ثلثه»(5).

و لا تنافي بين الروايتين؛ لجواز أن يكون السؤال الثاني وقع عن رجل أوصى بجزء من ماله الذي يتصرّف فيه المريض، فأجاب عليه السّلام بالسّبع من الثّلث، لأنّه سبع المال الذي وقع السؤال عنه.

و يدلّ على هذا التأويل ما رواه عبد الرحمن بن سيابة قال: إنّ امرأة أوصت إليّ و قالت: ثلثي يقضى به ديني و جزء منه لفلانة، فسألت عن ذلك ابن أبي ليلى، فقال: ما أرى لها شيئا، ما أدري ما الجزء، فسألت4.

ص: 352


1- الشيخ الصدوق في المقنع: 163، و الشيخ الطوسي في التهذيب 210:9، ذيل ح 831، و الاستبصار 133:4، ذيل ح 531.
2- الأم 90:4، البيان 213:8، العزيز شرح الوجيز 145:7، روضة الطالبين 5: 195، الجامع الصغير - للشيباني -: 521، مختصر اختلاف العلماء 5: 2165/26، المبسوط - للسرخسي - 88:28، الاختيار لتعليل المختار 106:5، المغني 478:6، الشرح الكبير 579:6-580.
3- سورة الحجر: 44.
4- التهذيب 828/209:9، الاستبصار 498/132:4.
5- الفقيه 529/152:4، التهذيب 831/210:9، الاستبصار 501/133:4.

الصادق عليه السّلام عنه بعد ذلك و خبّرته كيف قالت المرأة و بما قال ابن أبي ليلى، فقال: «كذب ابن أبي ليلى، لها عشر الثّلث، إنّ اللّه تعالى أمر إبراهيم عليه السّلام، فقال: اِجْعَلْ عَلى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً (1) و كانت الجبال يومئذ عشرة، فالجزء هو العشر من الشيء»(2) فقد حكم الإمام عليه السّلام بأنّ الجزء اسم للعشر، فإلى أيّ شيء أضفته أفاد عشر ذلك الشيء، و حكم هنا عليه السّلام بأنّ لها عشر الثّلث؛ لأنّ الضمير في قوله: «و جزء منه» يعود إلى قوله: «ثلثي».

و في رواية معاوية بن عمّار أنّه سأل الصادق عليه السّلام: عن رجل أوصى بجزء من ماله، قال: «جزء من عشرة، قال اللّه تعالى: اِجْعَلْ عَلى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً (3) إذ كانت الجبال عشرة أجبال»(4).

و في الطريق أحمد بن فضّال.

و في الحسن عن أبان بن تغلب عن الباقر عليه السّلام، قال: «الجزء واحد من عشرة، لأنّ الجبال كانت عشرة و الطير أربعة»(5).

قال الشيخ رحمه اللّه: وجه الجمع: حمل الجزء على العشر وجوبا، و على السّبع استحبابا، فيستحبّ للورثة إعطاء السّبع(6).

مسألة 215: لو أوصى له بشيء من ماله و لم يبيّن،

قال علماؤنا:

تكون وصيّته بالسّدس.

ص: 353


1- سورة البقرة: 260.
2- الكافي 39:7-1/40، التهذيب 824/208:9.
3- سورة البقرة: 260.
4- الكافي 2/40:7، الفقيه 528/152:4، التهذيب 825/208:9، الاستبصار 495/32:4.
5- الكافي 3/40:7، التهذيب 826/209:9، الاستبصار 496/132:4.
6- التهذيب 210:9، ذيل ح 831، الاستبصار 133:4، ذيل ح 501.

و خالفت العامّة في ذلك، و قالوا: تعطيه الورثة ما شاؤا(1).

و أصحابنا عوّلوا على رواية أبان عن زين العابدين عليه السّلام أنّه سئل عن رجل أوصى بشيء، فقال: «الشيء في كتاب عليّ عليه السّلام من ستّة»(2).

و ادّعى ابن إدريس على هذا إجماع الطائفة(3).

قال المفيد رحمه اللّه: فإن وصّى بشيء من ماله و لم يسمّ، كان السّدس من ماله، قال اللّه عزّ و جلّ: وَ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ - إلى قوله - ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبارَكَ اللّهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ (4) فخلق اللّه تعالى الإنسان من ستّة أشياء، فالشيء واحد من ستّة، و هو السّدس(5).

مسألة 216: لو أوصى بمال كثير،

احتمل أن يكون له ثمانون.

قال الشيخ رحمه اللّه في الخلاف في كتاب الإقرار: من قال له عندي مال كثير، فإنّه يكون إقرارا بثمانين على الرواية التي تضمّنت بأنّ الوصيّة بالمال الكثير [وصيّة] بثمانين، ثمّ قال: و عليه إجماع الطائفة في تفسير الكثير بثمانين(6).

و قال ابن إدريس: في هذا القول تسامح، إنّما الرواية وردت في من نذر أن يتصدّق بمال كثير، و ما وردت بالوصيّة جملة كافية، و لا أوردها أحد من أصحابنا في الوصايا، و الذي تقتضيه أصول المذهب و تحكم به

ص: 354


1- المغني 478:6، الشرح الكبير 579:6-580، نهاية المطلب 61:11، العزيز شرح الوجيز 145:7، روضة الطالبين 195:5.
2- الكافي 1/40:7، الفقيه 525/151:4، التهذيب 835/211:9.
3- السرائر 187:3.
4- سورة «المؤمنون»: 12-14.
5- المقنعة: 674.
6- الخلاف 359:3-360، المسألة 1، و ما بين المعقوفين أثبتناه منه.

الأدلّة و الاعتبار أن لا يتجاوز بالرواية ما وردت فيه فحسب، و لا يتعدّى إلى غير النذر، و يرجع في تفسير الكثير إلى المقرّ، و في الوصيّة يرجع إليهم في تفسير الكثير، كما يرجع إلى العرف و العادة في كثير الجراد في من قتله محرما، و كثير السفر(1)(2).

و قول ابن إدريس لا بأس به، لكن نسبة الشيخ إلى التسامح جهل منه، فإنّه أعرف منه بالروايات، و ليس إذا لم يجد الرواية مسطورة في تهذيبه و استبصاره تكون غير منقولة.

تذنيب: لو أوصى له بمجهول غير هذه الأشياء، حمل على اختيار الورثة، فإن لم يختاروا شيئا أو لم يكونوا من أهل الاختيار أو لا يكون هناك وارث، حمل على أقلّ ما يصدق عليه الاسم، كما لو قال: أعطوه حظّا من مالي أو نصيبا أو قسطا، أو أعطوه من مالي أو ارزقوه؛ لأنّ كلّ شيء نصيب و حظّ و قسط، فإنّه لا حدّ له في اللغة و لا في الشرع و لا في العرف، و كان على إطلاقه.

و كذا لو قال: عظيما، أو مالا عظيما أو عظيما جدّا.

مسألة 217: الوصيّة بالمجهول جائزة على ما قدّمناه

مسألة 217: الوصيّة بالمجهول جائزة على ما قدّمناه(3) ،

فلو أوصى له بعبد من عبيده أو بشاة من غنمه، صحّ عند علمائنا، و به قال مالك و الشافعي و أحمد و إسحاق(4).

ص: 355


1- في المصدر و النّسخ الخطّيّة: «كثير الشعر».
2- السرائر 188:3.
3- في ص 225، ضمن المسألة 124.
4- الإشراف على نكت مسائل الخلاف 2088/1018:2، الأم 90:4، مختصر -

و الأقرب: أنّه يتخيّر الورثة في تعيين ما شاؤا، فيعطوا الموصى له أيّ عبد اختاروه و إن كان أدونهم، صحيحا كان أو معيبا، جيّدا أو رديئا - و به قال الشافعي، و هو رواية عن أحمد(1) - لتناول اسم العبد، و أصالة براءة الذمّة من الزائد، كما لو أوصى له بعبد و لم يضفه إلى عبيده.

و عنه رواية أخرى: أنّه يقرع، و به قال إسحاق(2).

و قال مالك: إذا أوصى بعشر من إبله و هي مائة، أعطي عشرها، و هو يقتضي أنّه إذا أوصى له بعبد و له ثلاثة أعبد فله ثلثهم، و إن كانوا أربعة فله ربعهم، و النخل و الرقيق و الدوابّ على ذلك(3).

و ليس بجيّد، بل تعطى عشرة بالعدد؛ لأنّه الذي يتناوله لفظه، فلا يعدل عنه.

و لو لم يكن له إلاّ عبد واحد، تعيّنت الوصيّة فيه.

و كذا لو كان له عبيد فماتوا كلّهم إلاّ واحدا، تعيّنت الوصيّة فيه؛ لتعذّر تسليم الباقي.6.

ص: 356


1- الأم 90:4، مختصر المزني: 143، الحاوي الكبير 229:8، الوجيز 1: 275، الوسيط 440:4، البيان 223:8، العزيز شرح الوجيز 81:7، روضة الطالبين 149:5، الإشراف على نكت مسائل الخلاف 2088/1018:2، المغني 614:6، الشرح الكبير 537:5.
2- المغني 614:6، الشرح الكبير 537:6.
3- الإشراف على نكت مسائل الخلاف 2088/1018:2، المغني 614:6، الشرح الكبير 537:6.

و لو تلفوا كلّهم قبل موت الموصي أو قتلوا، بطلت الوصيّة؛ لأنّها إنّما تلزم بالموت و لا رقيق له حينئذ.

و إن تلفوا بعد موته بغير تفريط من الورثة، بطلت الوصيّة؛ لأنّ التركة عند الورثة غير مضمونة؛ لأنّها حصلت في أيديهم بغير فعلهم.

و إن قتلهم قاتل، فللموصى له قيمة أحدهم.

و لو أوصى له بعبد من عبيده و لا عبيد له، بطلت الوصيّة؛ لعدم متعلّقها، فأشبه ما لو أوصى بعبد معيّن فمات قبله.

و لو تجدّد له بعد الوصيّة عبيد، احتمل البطلان أيضا، كما لو قال:

أوصيت لك بما في كيسي، و لا شيء فيه ثمّ جعل في كيسه شيئا، و لأنّ الوصيّة تقتضي عبدا من الموجودين له حالة الوصيّة، و الصحّة، كما لو أوصى له بألف لا يملكها ثمّ ملكها، أو أوصى له بثلث عبيده ثمّ ملك عبيدا آخرين.

و في رواية عن أحمد: أنّه لو قال في مرضه: أعطوا فلانا من كيسي مائة درهم، فلم يوجد في كيسه شيء، يعطى مائة درهم، و لا تبطل الوصيّة؛ لأنّه قصد إعطاءه مائة درهم و ظنّها في الكيس، فإذا لم تكن في الكيس أعطي من غيره(1).

مسألة 218: لو قال: أعطوه عبدا،

أو أعتقوا عبدا، صحّت الوصيّة، و اشتري له عبد أيّ عبد كان.

و لو كان له عبيد، جاز للورثة أن يعطوه أيّ عبد شاؤا، و لا قرعة إلاّ في العتق؛ لأنّه لم يضف الرقيق إلى نفسه، و جاز لهم أن يشتروا له عبدا، و لا يتعيّن الإعطاء من عبيده و لا العتق.

ص: 357


1- المغني 615:6، الشرح الكبير 538:6.

قال بعض العامّة: و لهم أن يعطوه ما شاؤا من ذكر أو أنثى(1).

و هو خطأ؛ فإنّ(2) العبد إنّما ينصرف إلى الذكر، و قد فرّق اللّه تعالى في قوله: وَ أَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ وَ الصّالِحِينَ مِنْ عِبادِكُمْ وَ إِمائِكُمْ (3) و المعطوف يغاير المعطوف عليه، و [لأنّه] في العرف [كذلك](4) فإنّه لو وكّله في شراء عبد فاشترى أنثى لم يجزئ، و لا يجزئ الخنثى المشكل؛ لأنّه لا يعلم كونه ذكرا.

و لو قال: أعطوه أمة أو أنثى، لم يجزئ الذكر و لا الخنثى المشكل، أمّا لو أوصى له بواحد من رقيقه أو برأس ممّا ملكت يمينه، دخل في وصيّته الذكر و الأنثى و الخنثى.

و لو قال: اشتروا له عبدا، و كان له عبيد، لم يعط من عبيده؛ لأنّه قصد تمليك رقيقه للورثة، بخلاف ما لو قال: أعطوه عبدا، فإنّه يجوز أن يعطى من عبيده و غيرهم.

مسألة 219: لو أوصى له بسيف و كان في جفن عليه حلية،

كان السيف و الجفن و الحلية له إذا خرج من الثّلث؛ لما رواه أبو جميلة عن الرضا عليه السّلام، قال: سألته عن رجل أوصى لرجل بسيف و كان في جفن و عليه حلية، فقال له الورثة: إنّما لك النصل، و ليس لك المال، قال: فقال:

«لا، بل السيف بما فيه له»(5).

ص: 358


1- المغني 615:6-616، الشرح الكبير 535:6.
2- في «ر، ل»: «لأنّ» بدل «فإنّ».
3- سورة النور: 32.
4- في الطبعة الحجريّة: «و العرف ذلك». و في النّسخ الخطّيّة: «و في العرف ذلك». و الأنسب بالعبارة ما أثبتناه.
5- الكافي 1/44:7، الفقيه 561/161:4، التهذيب 837/211:9.

و في طريق آخر عن أبي جميلة المفضّل بن صالح قال: كتبت إلى أبي الحسن عليه السّلام: أسأله عن رجل أوصى لرجل بسيف، فقال الورثة: إنّما لك الحديد، و ليس لك الحلية، ليس لك غير الحديد، فكتب إليّ: «السيف له و حليته»(1).

و أبو جميلة فيه قول، لكن الرواية مناسبة للعقل، فإنّ الجفن كالجزء من السيف؛ لافتقاره إليه و حاجته و عدم انفكاكه غالبا عنه، و لهذا يطلق عليه لو قال: احمل السيف، أو أنفذه إليّ، أو سافر به، فإنّه لو أخرجه من جفنه و سافر به عدّه العقلاء سفيها.

مسألة 220: لو أوصى له بصندوق و فيه مال،

دخل المال في الوصيّة، و كذا لو أوصى له بسفينة فيها طعام، أو بجراب فيه متاع، أو بكيس فيه ذهب، دخل الطعام و المتاع و الذهب في الوصيّة، قاله علماؤنا؛ لما رواه أبو جميلة عن الرضا عليه السّلام، قال: قلت: رجل أوصى لرجل بصندوق و كان فيه مال، فقال الورثة: إنّما لك الصندوق و ليس لك المال، قال: فقال أبو الحسن الرضا عليه السّلام: «الصندوق بما فيه له»(2).

و عن عقبة بن خالد عن الصادق عليه السّلام، قال: سألته عن رجل قال:

هذه السفينة لفلان، و لم يسمّ ما فيها، و فيها طعام أ يعطاها الرجل و ما فيها؟ قال: «هي للّذي أوصى له بها، إلاّ أن يكون صاحبها متّهما، و ليس للورثة شيء»(3).

ص: 359


1- الكافي 3/44:7، التهذيب 839/212:9.
2- الكافي 44:7، ذيل ح 1، الفقيه 161:4، ذيل ح 561، التهذيب 211:9 - 212، ذيل ح 837.
3- الكافي 2/44:7، التهذيب 838/212:9.

و عن عقبة قال: سألت الصادق عليه السّلام: عن رجل أوصى لرجل بصندوق و كان في الصندوق مال، فقال الورثة: إنّما لك الصندوق، و ليس لك ما فيه، فقال: «الصندوق بما فيه له»(1).

و يمكن أن يقال: إن كان الظرف ممّا يصلح للموصي أن ينقله بمفرده إلى الموصى له، احتمل أن لا يتعدّى الوصيّة بالظرف إلى المظروف، و لو أوصى بالمظروف لم يدخل الظرف قطعا.

مسألة 221: لو أوصى له بخاتم و فيه فصّ،

دخل الفصّ فيه؛ لأنّه باتّصاله به صار كالجزء منه.

و لو أوصى له بالفصّ، لم يدخل الخاتم فيه.

و لو أوصى لواحد بالخاتم و لآخر بالفصّ، صحّ، و ليس لواحد منهما الانتفاع به إلاّ بإذن صاحبه.

و لو طلب صاحب الفصّ أو صاحب الخاتم قلع الفصّ عنه، أجيب إليه، و أجبر الآخر عليه.

و لو اتّفقا على التبقية أو اصطلحا على لبسه، جاز؛ لأنّ الحقّ لهما.

مسألة 222: لو أوصى الإنسان بوصيّة و جعلها أبوابا مسمّاة،

فنسي الوصيّ بابا منها، جعل ذلك السهم في وجوه البرّ، قاله الشيخ رحمه اللّه في النهاية(2) ؛ لما رواه محمّد بن الريّان قال: كتبت إلى أبي الحسن عليه السّلام: أسأله عن إنسان أوصى بوصيّة فلم يحفظ الوصيّ إلاّ بابا واحدا منها، كيف يصنع في الباقي ؟ فوقّع عليه السّلام: «الأبواب الباقية اجعلها في البرّ»(3).

ص: 360


1- الكافي 4/44:7، التهذيب 840/212:9.
2- النهاية: 613.
3- الكافي 58:7-7/59، الفقيه 565/162:4، التهذيب 844/214:9.

و للشيخ رحمه اللّه قول آخر في المسائل الحائريّات: إذا نسي الوصيّ جميع أبواب الوصيّة فإنّها تعود ميراثا للورثة(1) ، و اختاره ابن إدريس(2).

و القول الأوّل لا بأس به؛ لأنّ الموصي أخرج المال الموصى به عن ملك الورثة باعتبار الوصيّة، فلا يعود إليهم، فيبقى مالكه مجهولا، فيصرف في أبواب البرّ.

البحث الخامس: في الوصيّة بالنصيب.
مسألة 223: إذا أوصى له بنصيب وارث،

فإن قصد المثل صحّت الوصيّة إجماعا، و إن قصد العين بطلت الوصيّة - و به قال الشافعي و أبو حنيفة(3) - لأنّه أوصى له بما هو حقّ الغير(4) فتبطل، كما لو قال: بدار ابني.

و قال مالك و أهل البصرة و ابن أبي ليلى و زفر و داود: تصحّ الوصيّة؛ لأنّ ذلك وصيّة بجميع المال، و لو أوصى بجميع المال صحّت الوصيّة و إن كان قد أوصى له بنصيب الورثة(5).

ص: 361


1- المسائل الحائريّات (الرسائل العشر للشيخ الطوسي): 297، و حكاه عنها أيضا ابن إدريس في السرائر 208:3.
2- السرائر 208:3-209.
3- المهذّب - للشيرازي - 464:1، نهاية المطلب 15:10، حلية العلماء 6: 104، التهذيب - للبغوي - 66:5، البيان 215:8، مختصر اختلاف العلماء 5: 2164/23، بدائع الصنائع 358:7، الهداية - للمرغيناني - 237:4، الاختيار لتعليل المختار 106:5، المغني 480:6، الشرح الكبير 571:6.
4- في النّسخ الخطّيّة: «لغيره» بدل «الغير».
5- عقد الجواهر الثمينة 1230:3، المغني 480:6-481، الشرح الكبير 6: 571، الهداية - للمرغيناني - 237:4، نهاية المطلب 17:10، البيان 215:8.

و الفرق: أنّه إذا أوصى بجميع المال صحّ؛ لأنّه لم يضف إليه حقّ غيره، ألا ترى أنّه لو قال: أوصيت لفلان بما يستحقّه ابني، لم تصحّ الوصيّة، و لو أوصى بجميع المال صحّت الوصيّة و إن كان وصّى بما يستحقّه.

و لو أوصى بإخراج بعض ولده من الميراث، بطلت الوصيّة أيضا؛ لأنّ سعد بن سعد سأل الرضا عليه السّلام: عن رجل كان له ابن يدّعيه فنفاه و أخرجه من الميراث و أنا وصيّه فكيف أصنع ؟ فقال عليه السّلام: «لزمه الولد لإقراره بالمشهد، لا يدفعه الوصي عن شيء قد علمه»(1).

مسألة 224: لو أوصى له بمثل نصيب أحد الورثة و عيّنه،

صحّت الوصيّة من الثّلث إجماعا.

و اختلف في تقديره، فالذي عليه علماؤنا: أنّ الموصى له يكون بمنزلة وارث آخر، فيضاف إلى الورثة، و يتساوى الموصى له و الوارث، فلو كان له ابن واحد و أوصى بمثل نصيبه لزيد، فرض كأنّ له ابنين، فتكون الوصيّة بالنصف، فإن أجاز الابن، أخذ الموصى له النصف و الابن النصف، و إن ردّ كان للموصى له الثّلث و الباقي للولد، و لو كان له ابنان فأوصى بمثل نصيب أحدهما، فللموصى له مثل نصيب أحدهما مزادا على الفريضة، و يكون كواحد منهم زاد فيهم، و لو كان له ثلاثة، فللموصى له الرّبع - و هو قول أكثر العامّة، و به قال أبو حنيفة و الشافعي و أحمد(2) - لأنّه المتعارف من

ص: 362


1- الكافي 26/64:7، الفقيه 568/163:4، التهذيب 235:9-918/236، الاستبصار 520/139:4.
2- المغني 479:6، الشرح الكبير 570:6 و 571، مختصر اختلاف العلماء 5: 23 و 2164/24، مختصر القدوري: 242-243، روضة القضاة 3872/686:2، بدائع الصنائع 358:7، الاختيار لتعليل المختار 106:5، الأم 89:4، مختصر -

التماثل.

و قال مالك و ابن أبي ليلى و زفر و داود: يعطى مثل نصيب المعيّن أو مثل نصيب أحدهم إذا كانوا متساوين من أصل المال، و يقسّم الباقي بين الورثة؛ لأنّ نصيب الوارث قبل الوصيّة من أصل المال، فإذا أوصى له بمثل نصيب ابنه و له ابن واحد، فالوصيّة بجميع المال، و إن كان [له](1) ابنان فالوصيّة بالنصف، و إن كانوا ثلاثة فله الثّلث(2).

و ليس بجيّد؛ لأصالة بقاء مال الميّت على الوارث، و لأنّه جعل للموصى له نصيبا و للابن نصيبا و جعل نصيب الابن أصلا و حمل عليه نصيب الموصى له، فلا تسقط، بل يشتركان، كما لو قال: لفلان في هذه الدار مثل ما لفلان، فإنّه يقتضي شركتهما فيها، و لأداء قول مالك إلى تغيير الوصيّة و العمل بخلافها؛ لأنّه لو كان له ابنان فأوصى بمثل نصيب ابن، كان المال بينهم أثلاثا، و عند مالك يكون للموصى له النصف و لكلّ ابن ربع(3) ، -

ص: 363


1- ما بين المعقوفين أثبتناه من المغني و الشرح الكبير.
2- - المزني: 143، الحاوي الكبير 198:8، المهذّب - للشيرازي - 464:1، نهاية المطلب 18:10 و 19، الوجيز 280:1، الوسيط 472:4، حلية العلماء 6: 104-105، التهذيب - للبغوي - 67:5، البيان 214:8، العزيز شرح الوجيز 139:7-140، روضة الطالبين 192:5، الإشراف على نكت مسائل الخلاف 2053/1006:2، عيون المجالس 1379/1942:4، المعونة 1625:3.
3- التفريع 327:2، المعونة 1625:3، التلقين: 555، الحاوي الكبير 198:8، -

و هذا خلاف الوصيّة.

و كذا لو كان له ابنان أو بنون فأوصى بمثل نصيبهما أو نصيبهم، كان وصيّة بالنصف.

و قال مالك: تكون وصيّة بالكلّ(1).

و ليس بجيّد؛ لأنّ الوصيّة بمثل نصيب الابن تقتضي أن يكون للابن نصيب و للموصى له نصيب و أن يتساوى النصيبان فيلزم التسوية، و لأنّ الابن يأخذ الجميع لو لا الوصيّة، فإذا نزّل الموصى له منزلته فقد أثبت له الكلّ أيضا، و المبلغ إذا عال بمثله كان الزائد مثل المزيد عليه.

و الضابط عند مالك: أنّه يعتبر نصيب الموصى له بنصيبه لو لم تكن وصيّة(2) ، و عندنا يعتبر بعد الوصيّة، فتقام فريضة الميراث و يزاد عليها مثل سهم الموصى [له] بنصيبه.

مسألة 225: إذا كان له ورثة متعدّدون و أوصى لزيد بمثل نصيب أحدهم،

فإن كانوا متساوين، كما لو كان له ثلاث بنين و أوصى له بمثل نصيب أحدهم، فله مثل نصيب أحدهم مزادا على الفريضة، فيكون له الرّبع، و كذا لكلّ ابن.

ص: 364


1- القول المزبور لمالك فيما إذا أوصى بمثل نصيب ابنه و له ابن واحد، راجع: التفريع 327:2، و الإشراف على نكت مسائل الخلاف 2053/1006:2، و التلقين: 555، و المعونة 1625:3، و الحاوي الكبير 197:8، و نهاية المطلب 17:10، و البيان 214:8، و العزيز شرح الوجيز 140:7، و المغني 479:6، و الشرح الكبير 570:6.
2- الإشراف على نكت مسائل الخلاف 2053/1006:2، نهاية المطلب 17:10، الوسيط 472:4، العزيز شرح الوجيز 140:7.

و إن تفاضلوا كابن و بنت ثمّ أوصى له بمثل نصيب أحدهم، فإن عيّنه انصرفت الوصيّة إليه، و إن أطلق كان له نصيب أقلّهم ميراثا و يزاد على فريضتهم - و به قال الشافعي و أبو حنيفة(1) - لأنّه المتيقّن، و ما زاد مشكوك فيه، فلا يثبت مع الشكّ.

و قال مالك: مع التفاضل ينظر إلى عدد رؤوسهم، فيعطى سهما من عددهم؛ لأنّه لا يمكن اعتبار أنصبائهم؛ لتفاضلهم، فاعتبر عدد رؤوسهم(2).

و هو خلاف ما يقتضيه لفظ الموصي؛ فإنّ هذا ليس بنصيب لأحد ورثته، و لفظه إنّما اقتضى نصيب أحدهم، و تفاضلهم لا يمنع كون نصيب الأقلّ نصيب أحدهم، فيصرفه إلى الموصى له بقول الموصي؛ عملا بمقتضى وصيّته، و ذلك أولى من اختراع شيء لا يقتضيه قول الموصي أصلا.

و قوله: «لتعذّر العمل بقول الموصي» غير صحيح؛ فإنّه أمكن العمل به بما قلناه، ثمّ لو تعذّر العمل به لما جاز أن يوجب في ماله حقّا لم يأمر به.

و لو قال: أوصيت بمثل نصيب أقلّهم ميراثا، كان كما لو أطلق، و كان تأكيدا.6.

ص: 365


1- الحاوي الكبير 199:8، المهذّب - للشيرازي - 464:1، نهاية المطلب 10: 19، الوجيز 280:1، الوسيط 473:4، حلية العلماء 106:6، التهذيب - للبغوي - 67:5، البيان 216:8، العزيز شرح الوجيز 143:7، روضة الطالبين 194:5، مختصر اختلاف العلماء 2164/24:5، الإشراف على نكت مسائل الخلاف 2082/1017:2، المغني 479:6، الشرح الكبير 575:6.
2- المدوّنة الكبرى 70:6-71، التفريع 328:2، الإشراف على نكت مسائل الخلاف 2082/1017:2، التلقين: 555، المعونة 1625:3، حلية العلماء 6: 107، المغني 479:6، الشرح الكبير 575:6.

و لو قال: مثل نصيب أكثرهم ميراثا، فله ذلك مضافا إلى المسألة.

مسألة 226: لو أوصى له بمثل نصيب بنته و لا وارث له سواها،

فعندنا له النصف إن أجازت، و إن لم تجز فله الثّلث، و هو قول من يعتقد الردّ؛ لأنّها تأخذ المال كلّه بالفرض و الردّ(1).

و لو كان له بنتان، فله الثّلث؛ لأنّ المال عندنا للبنتين دون العصبة، فيكون الموصى له كبنت أخرى.

و لو كان له ثلاث أخوات من أمّ و إخوة من أب فأوصى لأجنبيّ بمثل نصيب أحد ورثته، كان له نصيب أخت، فتكون الفريضة من عشرة، تسعة للورثة، و سهم للموصى له.

و لو كان له زوجة و بنت و قال: مثل نصيب بنتي، فأجاز الورثة، صحّت فريضة الورثة، و هي ثمانية، للزوجة سهم، و للبنت سبعة، و ينزل عليهم سبعة أخرى، فتصير الفريضة من خمسة عشر، للزوجة سهم منها، و للبنت سبعة، و كذا للموصى له.

و لو كان له أربع زوجات و بنت فأوصى بمثل نصيب إحداهنّ، كانت الفريضة من ثلاث و ثلاثين، للزوجات الثّمن: أربعة، و للموصى له سهم كإحداهنّ، و الباقي للبنت.

و لو كان له ابن و أربع زوجات، فكذلك.

و لو قال في هذه: مثل نصيب أكثرهم، فالفريضة من ستّين؛ لأنّ فريضة الورثة اثنان و ثلاثون تضيف إليها ثمانية و عشرين للموصى له.

و قالت العامّة: لو كان له بنت و أوصى بمثل نصيبها، فالوصيّة بالثّلث؛

ص: 366


1- كما في المغني 484:6، و الشرح الكبير 577:6.

لأنّ المسألة من اثنين لو لم تكن وصيّة، فتزيد على الاثنين سهما و تعطيه من ثلاثة.

و لو كان له ابنتان و أوصى بمثل نصيب إحداهما، فالوصيّة بالرّبع؛ لأنّ المسألة من ثلاثة لو لا الوصيّة، لكلّ واحدة منهما سهم، فتزيد للموصى له سهما تبلغ أربعة.

و لو أوصى بنصيبهما، فالوصيّة بخمسي المال؛ لأنّها من ثلاثة، و لهما سهمان من ثلاثة، فتزيد على الثلاثة سهمين تبلغ خمسة(1).

و هذا عندنا باطل.

و لو أوصى بمثل نصيب ابن و له ثلاثة بنين و ثلاث بنات، فالفريضة من تسعة، لكلّ ابن سهمان، و للموصى له سهمان تصير أحد عشر.

و لو أوصى بمثل نصيب بنت و له بنت و ثلاثة بنين، فالوصيّة بالثّمن.

و لو كان له ابن و ثلاث بنات و أبوان و أوصى بمثل نصيب الابن، فالمسألة من ثمانية و ثلاثين.

و روى هذه الصورة العامّة عن عليّ عليه السّلام(2).

مسألة 227: لو أوصى له بمثل نصيب وارث مقدّر لو كان موجودا،

صحّت الوصيّة، و ننظر ما للموصى له مع وجوده، فيكون له مع عدمه، فلو خلّف ابنين و أوصى بمثل نصيب ثالث لو كان، فله الرّبع (و لو أوصى بمثل نصيب رابع لو كان، فله [الخمس])(3) ، و لو أوصى بمثل نصيب خامس لو

ص: 367


1- العزيز شرح الوجيز 140:7-141، روضة الطالبين 192:5.
2- كما في العزيز شرح الوجيز 141:7.
3- ما بين القوسين لم يرد في النّسخ الخطّيّة، و في الطبعة الحجريّة: «الرّبع» بدل «الخمس». و المثبت هو الصحيح.

كان، فله السّدس، و على هذا أبدا.

و لو كان له ابن و أوصى بمثل نصيب ابن ثان لو كان، فالوصيّة بالثّلث.

و قال بعض الشافعيّة: هذه الوصيّة تتضمّن إقامة الموصى له مقام الابن المقدّر، فتكون الوصيّة لو كان له ابن واحد بالنصف، و لو كان له ابنان بالثّلث، و لو كان له ثلاثة بالرّبع، و هكذا(1).

و هل يفرّق بين حذف لفظة «المثل» فيقول: بنصيب ابن ثان أو ثالث لو كان، و بين أن لا يحذفه ؟ القياس أنّه على الوجهين فيما إذا أضاف إلى الوارث الموجود عند الوصيّة(2).

و يحتمل الفرق بين اللفظتين هنا و إن لم يكن فرق لو أضاف إلى الوارث الموجود، فإنّه إذا أوصى بمثل نصيبه دفع إليه نصيبه لو كان مزيدا على سهام الفريضة، و لو أوصى بنصيبه دفع إليه نصيبه لو كان من أصل سهام الفريضة، فعلى هذا لو أوصى و له ابنان بنصيب ابن ثالث لو كان، فالوصيّة بالثّلث، و لو قال: بمثل نصيب ابن ثالث لو كان فبالرّبع.

و لو أوصى و له ثلاثة بنين بمثل نصيب بنت لو كانت، فالوصيّة بالثّمن، و يحتمل السّبع.

و لو أوصى بمثل نصيب ابنه لو كان و لا ابن له، فالوصيّة بالجميع، و لو لم يقصد التقدير بطلت الوصيّة؛ لانتفاء متعلّقها.

مسألة 228: لو كان له ابنان و أوصى لزيد بمثل نصيب ابن رابع

لو

ص: 368


1- نهاية المطلب 20:10-21، العزيز شرح الوجيز 141:7، روضة الطالبين 5: 193.
2- العزيز شرح الوجيز 141:7، روضة الطالبين 193:5.

كان، و لعمرو بمثل نصيب ابن خامس لو كان، ففي استخراج حسابها طريقان:

الأوّل: أن نقول: المسألة من اثنين لو لم تكن وصيّة، و من أربعة لو كانوا أربعة، و من خمسة لو كانوا خمسة، فهنا اثنان و أربعة و خمسة، و الاثنان و الأربعة متداخلان، فنحذف الاثنين، و نضرب أربعة في خمسة يبلغ عشرين ينقسم على الاثنين بلا وصيّة، و على الأربعة لو كانوا لكلّ واحد خمسة، و على الخمسة لو كانوا لكلّ واحد أربعة، فنزيد تسعة على الفريضة، فالفريضة تسعة و عشرون، لزيد خمسة، و لعمرو أربعة، و الباقي للابنين.

الثاني: أن نقول: لو لم تكن إلاّ وصيّة زيد لكان له سهم من خمسة، فيقسّم الباقي على خمسة؛ لوصيّته لعمرو بمثل نصيب ابن خامس، فيخرج من القسمة أربعة أخماس، و هي نصيب كلّ ابن لو كانوا خمسة، فتزيد على الخمسة، لعمرو أربعة أخماس يكون خمسة و أربعة أخماس، لزيد منها واحد، و لعمرو أربعة أخماس، و الباقي للابنين، فإذا بسطتها أخماسها كانت تسعة و عشرين.

أو نقول: لو لم تكن إلاّ وصيّة عمرو لكان له سهم من ستّة، فيقسّم الباقي على أربعة؛ لوصيّة زيد بمثل نصيب ابن رابع، فيخرج من القسمة واحد و ربع، و ذلك نصيب كلّ ابن لو كانوا أربعة، فنزيد على الستّة لزيد واحدا و ربعا يكون سبعة و ربعا، لعمرو منها واحد، و لزيد واحد و ربع، و إذا بسطتها أرباعا كانت تسعة و عشرين.

و لو كان له ابنان و أوصى لزيد بمثل نصيب ابن ثالث لو كان، و لعمرو بمثل نصيب ابن رابع لو كان، فعلى الطريق الأوّل المسألة من اثنين، و من

ص: 369

ثلاث لو كانوا ثلاثة، و من أربعة لو كانوا أربعة، نسقط الاثنين؛ لدخولهما في الأربعة، و نضرب ثلاثة في أربعة تصير اثني عشر، تنقسم على الاثنين و على ثلاثة لكلّ واحد أربعة، و على أربعة لكلّ واحد ثلاثة، فنزيد الثلاثة و الأربعة على اثني عشر تكون تسعة عشر، لزيد أربعة، و لعمرو ثلاثة، و الباقي للابنين.

و على الثاني لو لم تكن إلاّ وصيّة زيد، لكان له سهم من أربعة، يقسّم الباقي على أربعة للوصيّة الأخرى، تخرج من القسمة ثلاثة أرباع هي نصيب كلّ واحد لو كانوا أربعة، فنزيد ثلاثة أرباع على الأربعة لعمرو، و منها تصحّ القسمة، فإذا بسطتها أرباعا كانت تسعة عشر.

أو نقول: لو لم تكن إلاّ وصيّة عمرو، لكان له سهم من خمسة، يقسّم الباقي على ثلاثة للوصيّة الأخرى، يخرج من القسمة واحد و ثلث، و ذلك نصيب كلّ واحد، و لو كانوا ثلاثة فنزيد واحدا و ثلثا على الخمسة لزيد تبلغ ستّة و ثلثا، و منها تصحّ القسمة، و إذا بسطتها أثلاثا كانت تسعة عشر.

مسألة 229: لو كان له ابنان و أوصى لزيد بمثل نصيب أحدهما،

و لعمرو بمثل نصيب الثاني، فإن أجازا الوصيّتين قسّم المال بينهم أرباعا، و إن ردّا الوصيّتين فعندنا تبطل الوصيّة الثانية.

و يحتمل عندي أنّه لو قصد الموصي التشريك مع عدم الإجازة دون الترتيب، ارتدّت الوصيّتان إلى الثّلث، فكان الثّلث بينهما بالسويّة.

و لو أجازا إحداهما و ردّا الأخرى، فإن قصد التشريك أخذ كلّ واحد منهما سدس المال استحقاقا، و يأخذ الذي أجيز له مع ذلك نصف سدس آخر؛ اعتبارا بحال من أجاز الوصيّة بما لو أجازا الوصيّتين، و بحال الآخر

ص: 370

بما لو ردّاهما، و تصحّ من أربعة و عشرين، للّذي أجازا وصيّته ستّة، و للآخر أربعة، و لكلّ ابن سبعة.

و عن بعض الشافعيّة: إنّ الذي أجازا له يضمّ سدسه إلى ما للابنين، و يقسّمونه أثلاثا، و الذي ردّا وصيّته يأخذ السّدس، و تصحّ من ثمانية عشر(1).

و لو أجاز أحد الولدين لأحدهما دون الآخر و ردّ الثاني الوصيّتين، فعلى الأوّل - و هو مذهب الشافعيّة(2) - المسألة من أربعة و عشرين، لمن لم يجيزا له أربعة، و الذي أجيز له يستحقّ أربعة بغير إجازة، و مع الإجازة ستّة، فيأخذ أربعة و سهما ممّن أجاز له، فيحصل له خمسة، و للمجيز سبعة، و للرادّ ثمانية.

و على قول بعض الشافعيّة الفريضة من ثمانية عشر، للموصى لهما ستّة بأصل الوصيّة، لكلّ واحد ثلاثة، يبقى لكلّ ابن ستّة، و يدفع المجيز ممّا في يده ثلاثة أرباع سهم إلى من أجاز له؛ لأنّهما لو أجازا لهما كان لكلّ واحد منهم أربعة و نصف، فإذا أجاز أحدهما أعطاه نصف ما بقي، و هو سهم إلاّ ربعا، فيحصل له أربعة إلاّ ربعا، و للمجيز خمسة و ربع، و للآخر ستّة، و للموصى له الآخر ثلاثة(3).

مسألة 230: لو أوصى له بمثل نصيب من لا نصيب له،

بطلت الوصيّة، مثل: أن يوصي بمثل نصيب ابنه و هو غير وارث؛ لكونه كافرا أو قاتلا أو رقيقا، أو أوصى بمثل نصيب أخيه و هو محجوب عن ميراثه،

ص: 371


1- نهاية المطلب 24:10، العزيز شرح الوجيز 144:7، روضة الطالبين 5: 194.
2- نهاية المطلب 24:10، العزيز شرح الوجيز 144:7، روضة الطالبين 5: 194.
3- نهاية المطلب 24:10، العزيز شرح الوجيز 144:7، روضة الطالبين 194:5 - 195.

فلا شيء للموصى له؛ لأنّه لا نصيب لمن أضاف المثل إليه.

مسألة 231: لو أوصى لواحد بثلث ماله،

و لآخر بربعه، و لآخر بخمسه، و لآخر بمثل وصيّة أحدهم، فهي وصيّة بالخمس؛ تنزيلا على أقلّ المراتب؛ لأنّه المتيقّن.

و لو أوصى لرجل بعشر، و لآخر بستّة، و لآخر بأربعة، و لآخر بمثل وصيّة أحدهم، فله أربعة؛ لأنّه المتيقّن، و لو قال: فلان شريكهم، فله خمس ما لكلّ واحد منهم.

و لو أوصى لأحدهم بمائة، و لآخر بدار، و لآخر بعبد، ثمّ قال: فلان شريكهم، احتمل أن يكون له نصف ما لكلّ واحد منهم؛ لأنّه هنا يشارك كلّ واحد منهم منفردا، و الشركة تقتضي التسوية، فلهذا كان له النصف، بخلاف الأوليين، فإنّهم كلّهم مشتركون.

و يحتمل أن يكون له الرّبع في الجميع.

مسألة 232: لو خلّف ثلاثة بنين و أوصى لثلاثة بمثل أنصبائهم،

فالمال بينهم على ستّة مع إجازة جميع الورثة، و لو ردّوا فمن تسعة، للموصى لهم الثّلث ثلاثة، و الباقي بين البنين على ثلاثة.

و لو أجازوا لواحد و ردّوا على اثنين، فللمردود عليهما التّسعان اللّذان كانا لهما في حال الردّ عليهم، و في المجاز له وجهان:

أحدهما: له السّدس الذي كان له في حال الإجازة - و هو قول أبي يوسف و ابن سريج من الشافعيّة(1) - فيأخذ السّدس و التّسعين من مخرجهما، و هو ثمانية عشر، يبقى أحد عشر بين البنين، تضرب عددهم في ثمانية عشر، تكون أربعة و خمسين، للمجاز له السّدس تسعة، و لكلّ

ص: 372


1- المغني 484:6، الشرح الكبير 578:6.

واحد من صاحبيه ستّة، و لكلّ ابن أحد عشر.

الثاني: أن يضمّ المجاز له إلى البنين و يقسّم الباقي بعد التّسعين عليهم و هم أربعة تنكسر عليهم، تضرب أربعة في تسعة تكون ستّة و ثلاثين.

فإن أجاز الورثة بعد ذلك للآخرين أتمّوا لكلّ واحد منهم تمام [سدس](1) المال، فيصير المال بينهم أسداسا على الأوّل، و على الآخر يضمّون ما حصل لهم - و هو أحد و عشرون من ستّة و ثلاثين - إلى ما حصل لهما، و هو ثمانية، و يقتسمونه بينهم على خمسة، و لا تصحّ، تضرب خمسة في ستّة و ثلاثين، تكون مائة و ثمانين، و منها تصحّ.

و لو أجاز أحد البنين لهم و ردّ الآخران عليهم، فللمجيز السّدس، و هو ثلاثة من ثمانية عشر، و للّذين لم يجيزا أربعة أتساع، و هي ثمانية، تبقى سبعة بين الموصى لهم على ثلاثة، تضربها في ثمانية عشر، تكون أربعة و خمسين.

و لو أجاز واحد لواحد، دفع إليه ثلث ما في يده من الفضل، و هو ثلث سهم من ثمانية عشر، فاضربها في ثلاثة تصير أربعة و خمسين.

البحث السادس: في الوصيّة بالضّعف و الجزء و النصيب.
مسألة 233: لو أوصى له بضعف نصيب

مسألة 233: لو أوصى له بضعف نصيب(2) ابنه،

فللموصى له مثلاه - و به قال الشافعي(3) - عملا بالمتعارف في اللغة.

ص: 373


1- ما بين المعقوفين أثبتناه من المغني 485:6، و الشرح الكبير 579:6.
2- ما بين المعقوفين يقتضيه السياق.
3- مختصر المزني: 143، الحاوي الكبير 204:8، المهذّب - للشيرازي - 1: 464، نهاية المطلب 59:11، حلية العلماء 105:6، التهذيب - للبغوي - 5: -

قال اللّه تعالى: إِذاً لَأَذَقْناكَ ضِعْفَ الْحَياةِ وَ ضِعْفَ الْمَماتِ (1) و قال تعالى: فَأُولئِكَ لَهُمْ جَزاءُ الضِّعْفِ (2) و قال تعالى: وَ ما آتَيْتُمْ مِنْ زَكاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللّهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ (3).

و قال أبو عبيد القاسم بن سلاّم: الضّعف: المثل، قال اللّه تعالى:

يُضاعَفْ لَهَا الْعَذابُ ضِعْفَيْنِ (4) أي: مثلين، و قال تعالى: فَآتَتْ أُكُلَها ضِعْفَيْنِ (5) أي مثلين، و إذا كان الضّعفان مثلين فالواحد مثل(6).

و روى ابن الأنباري عن هشام بن معاوية النحوي، قال: العرب تتكلّم بالضّعف مثنّى، فتقول: إن أعطيتني درهما فلك ضعفاه، أي مثلاه(7).

و قال أبو عبيدة معمر بن المثنّى: ضعف الشيء [هوو] مثله، و ضعفاه [هوو] مثلاه، و ثلاثة أضعافه أربعة أمثاله(8).

مسألة 234: لو أوصى له بضعفي نصيب ابنه،

فله ثلاثة أمثاله، و إن أوصى بثلاثة أضعافه فله أربعة أمثاله، و على هذا كلّما زاد ضعفا زاد مرّة

ص: 374


1- سورة الإسراء: 75.
2- سورة سبأ: 37.
3- - 67، البيان 216:8، العزيز شرح الوجيز 144:7، روضة الطالبين 195:5، المغني 481:6، الشرح الكبير 572:6.
4- سورة الأحزاب: 30.
5- سورة البقرة: 265.
6- حكاه عنه ابنا قدامة في المغني 481:6، و الشرح الكبير 572:6، و العمراني في البيان 261:8.
7- الأضداد: 131، و حكاه عنه ابنا قدامة في المغني 481:6، و الشرح الكبير 6: 572-573.
8- حكاه عنه ابنا قدامة في المغني 481:6، و الشرح الكبير 573:6، و ما بين المعقوفين أثبتناه منهما، و راجع أيضا: الأضداد - لابن الأنباري -: 131.

- و به قال الشافعي(1) - لما تقدّم(2) من قول أبي عبيدة.

و قال أبو ثور: ضعفاه: أربعة أمثاله، و ثلاثة أضعافه: ستّة أمثاله؛ لأنّه قد ثبت أنّ ضعف الشيء مثلاه، فتثنيته: مثلا مفرده، كسائر الأسماء(3).

و قال بعضهم: ضعفاه: مثلاه؛ لقوله تعالى: فَآتَتْ أُكُلَها ضِعْفَيْنِ (4)(5) قال عكرمة: تحمل في كلّ عام مرّتين(6) ، و قال عطاء:

أثمرت في سنة مثل ثمرة غيرها سنتين(7).

و لا خلاف بين المفسّرين أنّ قوله تعالى: يُضاعَفْ لَهَا الْعَذابُ ضِعْفَيْنِ (8) أنّ المراد به مرّتين؛ بدليل قوله تعالى: نُؤْتِها أَجْرَها مَرَّتَيْنِ (9) و يستحيل أن يجعل أجرها على العمل الصالح مرّتين، و عذابها على الفاحشة ثلاث مرّات.

و المشهور: أنّ الضّعف عبارة عن الشيء و مثله، فلو أوصى بضعف1.

ص: 375


1- مختصر المزني: 143، الحاوي الكبير 205:8، المهذّب - للشيرازي - 1: 464، نهاية المطلب 59:11، الوجيز 280:1، حلية العلماء 106:6، التهذيب - للبغوي - 67:5، البيان 217:8، العزيز شرح الوجيز 145:7، روضة الطالبين 195:5، المغني 481:6، الشرح الكبير 573:6.
2- في ص 374.
3- الحاوي الكبير 205:8، حلية العلماء 106:6، البيان 217:8، المغني 6: 482، الشرح الكبير 573:6.
4- سورة البقرة: 265.
5- المغني 481:6 و 482، الشرح الكبير 573:6.
6- الكشف و البيان (تفسير الثعلبي) 264:2، معالم التنزيل (تفسير البغوي) 1: 383، المغني 482:6، الشرح الكبير 573:6.
7- نفس المصادر في الهامش السابق، مضافا إلى: التفسير الكبير - للرازي - 61:7.
8- سورة الأحزاب: 30.
9- سورة الأحزاب: 31.

نصيب ابنه و لا وارث سواه، فهي وصيّة بالثّلثين.

و لو قال: ضعف نصيب أحد أولادي، أو أحد ورثتي، أعطي مثلي نصيب أقلّهم نصيبا، فإن كانوا ثلاثة بنين بسطت المال على خمسة لكلّ ابن سهم، و للموصى له سهمان.

و لو أوصى لزيد بمائة و لعمرو بضعفها، فهي وصيّة بمائتين.

و ضعفا الشيء نفس ذلك الشيء و مثلاه على ما تقدّم(1) ، فلو أوصى بضعفي نصيب ابنه و له واحد، فالوصيّة ثلاثة أرباع المال.

و لو أوصى بضعفي نصيب أحد بنيه الثلاثة، قسّم المال على ستّة لكلّ واحد سهم، و للموصى له ثلاثة.

و عند أبي حنيفة: إذا أوصى بضعفي الشيء أعطي مثله أربع مرّات(2) ، و هو منسوب إلى مالك(3).

و الأوّل أجود؛ لأنّ المراد من الضّعفين أن يضعف مرّة بعد مرّة، و لأنّ اللفظ محتمل له، فيحمل عليه؛ لأنّه المتيقّن.

و لو قال: ضعف ضعفه، فهو ثلاثة أمثاله.

مسألة 235: إذا أوصى له بحظّ أو نصيب أو قسط أو بعض أو قليل أو وافر،

رجع في تفسير ذلك إلى الورثة، و يقبل تفسيرهم بأقلّ ما يتموّل؛ لوقوع هذه الألفاظ على ذلك.

و قال الشافعي: لو قال: أعطوه جزءا أو شيئا أو سهما أو كثيرا،

ص: 376


1- في ص 374.
2- الوسيط 473:4، العزيز شرح الوجيز 145:7.
3- العزيز شرح الوجيز 145:7.

فكذلك(1).

و قد بيّنّا فيما تقدّم(2) ما يحمل عليه.

و أبو حنيفة و أحمد وافقا الشافعي في الجزء و النصيب و الحظّ و القسط(3).

و قال أبو حنيفة: لو قال: أعطوه كثيرا أو عظيما، لم يقبل التفسير بأقلّ ما يتموّل(4).

و في لفظ السهم عنه روايتان:

أظهرهما: أنّ للموصى له أقلّ الأمرين من نصيب أقلّ الورثة نصيبا، و من سدس ماله.

و الثانية: له أكثر الأمرين من السّدس أو نصيب أقلّهم(5).

إذا عرفت هذا، فلو عيّن الورثة له قدرا من المال رجع إليهم و إن قلّ، فإن ادّعى الموصى له أنّ الموصي أراد أكثر من ذلك، قدّم قول الوارث2.

ص: 377


1- الأم 90:4، مختصر المزني: 142، الحاوي الكبير 205:8 و 206، المهذّب - للشيرازي - 464:1، نهاية المطلب 61:11، حلية العلماء 101:6، التهذيب - للبغوي - 69:5، البيان 213:8، العزيز شرح الوجيز 145:7، روضة الطالبين 195:5، المغني 476:6 و 478، الشرح الكبير 579:6-580.
2- في ص 348-354، المسائل 213-216.
3- الجامع الصغير - للشيباني -: 521، مختصر اختلاف العلماء 2165/26:5، المبسوط - للسرخسي - 88:28، بدائع الصنائع 356:7، الهداية - للمرغيناني - 237:4، الاختيار لتعليل المختار 106:5، المغني 478:6، الشرح الكبير 6: 579-580، العزيز شرح الوجيز 145:7.
4- العزيز شرح الوجيز 145:7.
5- المبسوط - للسرخسي - 87:28، روضة القضاة 3865/686:2 و 3866، بدائع الصنائع 356:7، الاختيار لتعليل المختار 105:5، حلية العلماء 101:6 - 102.

مع اليمين على أنّه لا يعلم أنّ الموصي أراد الزيادة.

و قال بعض الشافعيّة: لا يحلف على ذلك، بل على أنّه لا يعلم استحقاق الزيادة، و سلّم أنّه لو أقرّ بمبهم و مات و جرى مثل هذا النزاع بين المقرّ له و بين الورثة، يحلف الوارث على نفي [إرادة](1) المورّث، و فرّق بأنّ الإقرار إخبار، و الوصيّة إنشاء(2).

و لا حجّة فيه؛ فإنّ الموصي قد يخبر الوارث بما أراد إمّا قبل الإنشاء أو بعده، فاحتمال اطّلاع الوارث قائم في الصورتين.

مسألة 236: لو قال: أعطوه ثلث مالي إلاّ شيئا،

قبل من الوارث تفسير الموصى به و تنزيله على أقلّ ما يتموّل، و حمل الاستثناء على مال كثير؛ لأنّه المتيقّن.

و قال بعض الشافعيّة: إنّ هذه وصيّة بنصف الثّلث ليكون المستثنى دون النصف، فعلى الوارث أن يعطيه السّدس و يزيد ما شاء، قال: و كذا لو قال: أعطوه ثلث مالي إلاّ قليلا، و لو قال: أعطوه الثّلث إلاّ كثيرا، جاز أن يعطيه الوارث أقلّ من النصف(3).

و المشهور: ما تقدّم.

مسألة 237: لو قال: أعطوه من واحد إلى عشرة،

أعطي ثمانية؛ لأنّه المتيقّن.

و لو أراد الحساب، أعطي خمسة و خمسين الحاصل من جمع واحد

ص: 378


1- ما بين المعقوفين أثبتناه من المصادر.
2- التهذيب - للبغوي - 69:5، العزيز شرح الوجيز 146:7، روضة الطالبين 5: 195.
3- العزيز شرح الوجيز 146:7، روضة الطالبين 197:5.

إلى عشرة على توالي العدد.

و لو قال: أعطوه واحدا في عشرة أو ستّة في خمسة، أعطي ما يقتضيه الضرب.

و لو قال: أعطوه أكثر مالي، فالوصيّة بما يزيد على النصف.

و لو قال: أعطوه أكثر مالي و نصفه، فهي وصيّة بما يزيد على ثلاثة أرباع ماله، و لو قال: أكثر مالي و مثله، فهي وصيّة بالجميع.

و لو قال: أعطوه معظم الألف أو عامّته، فهي وصيّة بما يزيد على النصف.

و لو قال: أعطوه دراهم أو دنانير، أعطي أقلّ الجمع، و هو ثلاثة، و يعطى من غالب نقد البلد، فإن لم يكن غالب تخيّر الوارث.

و لو قال: كذا درهما و كذا و كذا، فكما في الإقرار.

و لو قال: أعطوه مائة و درهما، أو ألفا و درهما، لم تتعيّن المائة و الألف في الدرهم.

مسألة 238: إذا أوصى بجزء من ماله معيّن و له ورثة،

نسبت جزء الوصيّة إلى ما يبقى من المال الذي هو مخرج الوصيّة و تزيد بمثل نسبته على مسألة الورثة، فما بلغ صحّت منه المسألتان.

و إن كان فيه كسر، ضربته في مخرج الكسر، فما بلغت صحّت القسمة منه، فلو أوصى بثلث ماله و خلّف ابنين و بنتين، فمسألة الوصيّة من ثلاثة، و مسألة الورثة من ستّة، و نسبة جزء الوصيّة - و هو واحد - إلى ما بقي من مخرجها - و هو الثلاثة - مثل النصف؛ لأنّ الباقي بعد إخراج الواحد اثنان، و الواحد مثل نصف الاثنين، و يزاد على مسألة الورثة و هي ستّة مثل نصفها، تصير تسعة، و يعطى الموصى له الثّلث؛ لأنّه تبقى ستّة تصحّ على الورثة.

ص: 379

و لك طريق آخر: أن تنظر الباقي و مسألة الورثة، فطن تباينتا ضربت مسألة الورثة في مخرج الوصيّة، و إن توافقتا ضربت وفق مسألة الورثة في مخرج الوصيّة، فما بلغ صحّت منه القسمة.

ثمّ من له شيء من مخرج الوصيّة يأخذه مضروبا فيما ضربته في مخرج الوصيّة، و من له شيء من مسألة الورثة أخذه مضروبا فيما يبقى من مخرج الوصيّة بعد إخراج جزء الوصيّة إن كان الباقي مع مسألة الورثة متباينين، و إن توافقتا ففي وفق الباقي.

فلو خلّف ثلاثة بنين و أوصى بثلث ماله، فمسألة الورثة من ثلاثة و مخرج الوصيّة ثلاثة، و الباقي بعد جزء الوصيّة اثنان لا ثلث لها، تضرب ثلاثة في مخرج الوصيّة تبلغ تسعة، كان للموصى له سهم، فيأخذه مضروبا في الثلاثة المضروبة في مخرج الوصيّة، و كان لكلّ ابن سهم من فريضة الورثة يأخذه مضروبا في الباقي من مخرج الوصيّة بعد إخراج جزء الوصيّة، و هو اثنان.

و على الأوّل نقول: جزء الوصيّة نصف الباقي من مخرجها، فتزيد على فريضة الورثة نصفها تكون أربعة و نصفا تبسطها أنصافا تبلغ تسعة.

و لو خلّف أبوين و خمس بنات و أوصى بخمس ماله، الفريضة ثلاثون، و الوصيّة تصحّ من خمسة، تضرب وفق الباقي بعد إخراج جزء الوصيّة - و هو أربعة - في ثلاثين، و كان لكلّ واحد من الأبوين من الفريضة خمسة يأخذه مضروبا في نصف الأربعة، تكون عشرة.

و على الأوّل جزء المخرج مثل ربع الباقي، فتزيد على الثلاثين ربعها، و هو سبعة و نصف، تبسطها أنصافا، فتكون خمسة و سبعين.

و لو خلّف أبوين و أوصى بثمن ماله لرجل و بخمسه لآخر، الفريضة

ص: 380

من ثلاثة، و مخرج الجزأين أربعون، يخرج خمسها ثمانية، و ثمنها خمسة، تبقى سبعة و عشرون تقسّم على ثلاثة.

و لو خلّف ثلاثة بنين و أوصى بربع ماله لرجل و بنصف سدسه لآخر، الفريضة من ثلاثة، و مخرج الوصيّتين اثنا عشر، و مجموع الجزأين أربعة إذا خرجت تبقى ثمانية لا ثلث لها.

فعلى الثاني لا موافقة، فتضرب ثلاثة في اثني عشر، تبلغ ستّة و ثلاثين منها تنقسم.

و على الأوّل نقول: ما خرج من الوصيّتين نصف الباقي من مخرجهما، فتزيد على مسألة الورثة نصفها يبلغ أربعة و نصفا، تبسطها أنصافا، تكون تسعة، لكن نصيب الموصى لهما من مخرج الوصيّتين أربعة، و نصيبهما من التسعة ثلاثة لا تنقسم على أربعة، و لا وفق، تضرب أربعة في تسعة، تبلغ ستّة و ثلاثين.

و لو كان البنون ستّة و الوصيّتان بحالهما، فعلى الثاني الباقي - و هو ثمانية - لا يصحّ على ستّة، و لكن يتوافقان بالنصف، فتضرب نصف الستّة في اثني عشر، تبلغ ستّة و ثلاثين، و الطريق الأوّل كما سبق.

مسألة 239: لو أوصى بأكثر من الثّلث،

فإن أجاز الورثة نفذت، و إن ردّوا، فإن كانت الوصيّة لشخص واحد صحّ له الثّلث، و إن كانت لجماعة يشتركون فيه إمّا بجزء كالنصف، أو بجزأين كالنصف و الرّبع، فالاعتبار بإجازة الورثة و ردّهم، فإن أجازوا نفذ الجميع، و إن ردّوا دخل النقص على الأخير عندنا، و قالت العامّة: على الجميع(1).

ص: 381


1- العزيز شرح الوجيز 150:7.

و الوجه عندي: أنّه لو نصّ على التشريك و عدم التقديم بمجرّد السبق في اللفظ، فكذلك.

و لو أوصى لواحد بجزء و لآخر بجزء، فإن أجاز الورثة دفع إلى كلّ واحد منهم ما سمّي له، و قسّم الباقي بين الورثة على ما تقدّم، و إن ردّوا ما زاد على الثّلث قسّم الثّلث بينهم على نسبة أنصبائهم بتقدير الإجازة إن نصّ على التشريك، و عدم الالتفات إلى التقديم لفظا.

و لا فرق بين أن يزيد أحد الجزأين وحده على الثّلث كالنصف و الثّلث، أو لا يزيد واحد منهما كالثّلث و الرّبع، و به قال الشافعي(1).

و قال أبو حنيفة: إن لم يكن في الأجزاء ما يزيد على الثّلث، يقسّم هكذا على التفاوت، و إن كان فيها ما يزيد وحده على الثّلث، فلا تعتبر الزيادة في القسمة عند الردّ، حتى لو أوصى لواحد بالنصف و لآخر بالثّلث و ردّ الورثة، قسّم الثّلث بينهما بالسويّة(2).

و ليس بجيّد؛ لأنّه أوصى بجزأين مختلفين لشخصين، فإذا ارتدّت القسمة إلى الثّلث روعي تفاوت الجزأين، كما لو أوصى بجزأين لا يزيد واحد منهما على الثّلث.

فلو خلّف أبوين و ابنين و أوصى لواحد بنصف ماله و لآخر بالثّلث و أجازوا الوصيّتين، فريضة الورثة من ستّة، و كذا مخرج الوصيّتين، و الباقي بعد إخراج الوصيّتين واحد، فعلى الأوّل جزء الوصيّة خمسة أمثال الباقي من مخرجها، فتزاد على الفريضة خمسة أمثالها، تبلغ ستّة و ثلاثين، و على الثاني تضرب الستّة في مسألة الورثة، تصير ستّة و ثلاثين.7.

ص: 382


1- العزيز شرح الوجيز 150:7، روضة الطالبين 199:5.
2- العزيز شرح الوجيز 150:7.

و لو ردّوا الوصيّتين إلى الثّلث، قسّمنا الثّلث بينهما على خمسة؛ لأنّ نصيبهما بتقدير الإجازة خمسة من ستّة، و له طريقان:

أحدهما: أن ننظر إلى ما زاد من جملة الوصايا على الثّلث، و ننقص بتلك النسبة عن نصيب كلّ واحد من الموصى لهم، و نسبة ما زاد في هذه الصورة ثلاثة أخماس؛ لأنّ مجموع الوصيّة بخمسة من ستّة، لكن مخرج الوصيّة لا خمس له، و نصيب كلّ واحد منهما لا خمس له، فنضرب مخرج الخمس في ستّة يكون ثلاثين، منها خمسة عشر للموصى له بالنصف، و عشرة للموصى له بالثّلث، ينقص من كلّ واحد من النصيبين ثلاثة أخماسه، يبقى للأوّل ستّة، و للثاني أربعة، و يبقى عشرون للورثة، و هذه الأنصباء متوافقة بالنصف، فنردّها إلى أنصافها، و تقسّم من خمسة عشر.

الثاني: إنّا إذا كنّا نقسّم الثّلث بينهما أخماسا، فالستّة التي هي مخرج الوصيّتين لا ينقسم ثلثها أخماسا، فنطلب مالا لثلثه خمس، فنضرب مخرج الثّلث في مخرج الخمس، يكون خمسة عشر، يدفع ثلثها إليهما، ثلاثة إلى الموصى له بالنصف، و اثنين إلى الآخر، تبقى عشرة للورثة لا تصحّ على ستّة، لكن يتوافقان بالنصف، فنضرب نصف الستّة فيما صحّت منه الوصيّتان، و هو خمسة عشر، يكون خمسة و أربعين.

مسألة 240: لو استغرقت الوصايا المال بأسره،

فإن أجاز الورثة قسّم المال بين أرباب الوصايا، و إن ردّوا قسّم الثّلث بينهم على نسبة أنصبائهم بتقدير الإجازة على تقدير إرادة التشريك.

و لو زادت الوصايا على المال، كما لو أوصى لواحد بجميع ماله و لآخر بثلث ماله و قصد التشريك و عدم التقديم، عالت المسألة بثلثها إلى أربعة، فيقسّم المال على أربعة، لصاحب الجميع ثلاثة، و للآخر واحد.

ص: 383

و لو ردّوا، قسّم الثّلث على أربعة أيضا، و تكون قسمة الوصيّة من اثني عشر، و به قال الشافعي(1).

و قال أبو حنيفة: إن ردّوا، قسّم الثّلث بينهما بالسويّة، و إن أجازوا ففيه روايات:

منها: أنّ صاحب الجميع ينفرد بدعوى الثّلثين، فيسلم له الثّلثان، و يتزاحمان معا في الثّلث، فيشتركان فيه، فيكون لصاحب الجميع خمسة أسداس، و للآخر سدس.

و هذا عندنا في الدعاوي، فيحتمل في الوصيّة أيضا.

و منها: أنّ الوصيّة بالثّلث لازمة، فيستويان فيه، ثمّ الموصى له بالجميع يأخذ نصف المال؛ لأنّه لا منازع فيه، يبقى من المال سدس يتنازعان فيه، فيكون بينهما، فيحصل للأوّل ثلاثة أرباع، و للآخر ربع(2).

و لو أوصى لواحد بنصف ماله و لآخر بالثّلث و لآخر بالرّبع، فإن أجاز الورثة قسّم المال بينهم على ثلاثة عشر سهما، و إن ردّوا قسّم الثّلث على ثلاثة عشر، و به قال الشافعي(3).

و قال أبو حنيفة: إن أجازوا سلم لصاحب النصف السّدس الذي يفضل به على صاحب الثّلث، ثمّ كلّ واحد من صاحب النصف و صاحب7.

ص: 384


1- الحاوي الكبير 208:8 و 209، التهذيب - للبغوي - 70:5، البيان 218:8، العزيز شرح الوجيز 151:7، روضة الطالبين 200:5، روضة القضاة 2: 3815/677-3817.
2- روضة القضاة 3815/677:2 و 3818، المغني 498:6-499، الشرح الكبير 590:6، البيان 218:8-219، العزيز شرح الوجيز 151:7-152.
3- الحاوي الكبير 207:8، حلية العلماء 108:6، التهذيب - للبغوي - 70:5، البيان 218:8، العزيز شرح الوجيز 152:7.

الثّلث يفضل على صاحب الرّبع بنصف سدس، فيأخذ كلّ واحد منهما نصف سدس المال، ثمّ يقسّم الباقي أثلاثا.

و إن ردّوا، فالموصى له بأكثر من الثّلث لا يضرب إلاّ بالثّلث، و يقسّم الثّلث بينهم على أحد عشر سهما، لصاحب النصف أربعة، و كذا لصاحب الثّلث، و لصاحب الرّبع ثلاثة(1).

مسألة 241: لو أوصى لإنسان بعبد قيمته مائة و لآخر بجارية

قيمتها ألف و لثالث بخمسمائة و ثلث ماله ثمانمائة، فقد أوصى بثلثي ماله، فإن لم يجز الورثة فالزائد على الثّلث مثل جميع الوصايا، فتردّ كلّ وصيّة إلى نصفها، و يخصّ كلّ واحد منهم بنصف ما عيّن له إن نصّ على التشريك و عدم التقديم.

و لو أوصى لزيد بعشرة و لبكر بعشرة و لخالد بخمسة، و ثلث ماله عشرون، و لم يجز الورثة، و قصد التشريك، قسّمنا العشرين بينهم على خمسة، لكلّ من زيد و بكر ثمانية، و لخالد أربعة؛ لأنّهم لو أجازوا كان الخمسة و العشرون بينهم على خمسة أسهم.

و لو قال: قدّموا خالدا على بكر، كان لزيد ثمانية، و لبكر سبعة، و لخالد خمسة؛ لأنّه قدّم خالدا على بكر، فتمّمنا له الخمسة التي كان يأخذها مع إجازة الوصايا، و أدخلنا النقص على بكر.

و لو قال: قدّموا خالدا عليهما، فنتمّ له الخمسة، و دخل النقص عليهما بالسويّة، فيكون لكلّ واحد سبعة و نصف.

مسألة 242: لو أوصى لرجل بجزء مقدّر و لآخر بمثل نصيب وارث،

ص: 385


1- العزيز شرح الوجيز 152:7، الحاوي الكبير 207:8، البيان 218:8.

احتمل و جهان:

[الأوّل]: إعطاء الجزء لصاحبه، و قسمة الباقي بين الورثة و الموصى له كأنّه ذلك الوارث إن أجازوا، و إن ردّوا قسّم الثّلث بين الوصيّتين على حسب ما كان لهما قبل الإجازة، و الثّلثان بين الورثة.

و الثاني: إعطاء صاحب النصيب مثل نصيب الوارث كأن لا وصيّة سواها، فلو أوصى بثلث ماله لرجل و لآخر بمثل نصيب أحد بنيه و هم ثلاثة.

فعلى الأوّل للموصى له بالثّلث الثلث، و ما بقي بين البنين و الموصى له على أربعة، و تصحّ من ستّة، لصاحب الثّلث سهمان، و للآخر سهم، فإن ردّوا فالثّلث بين الوصيّتين على ثلاثة، و الثّلثان بين البنين على ثلاثة، و تصحّ من تسعة.

و على الآخر لصاحب الثّلث الثلث، و للآخر الرّبع إن أجيز لهما، و إن ردّ عليهما قسّمت الثّلث بينهما على سبعة، و الثّلثان للورثة، و تصحّ من ثلاثة و ستّين.

و لو زاد الجزء على الثّلث، مثل أن يوصي لرجل بالنصف و لآخر بمثل نصيب أحد بنيه، ففيه وجه ثالث، و هو أن يجعل لصاحب النصيب نصيبه من الثّلثين، و هو ربعهما؛ لأنّ الثّلثين حقّ الورثة لا يؤخذ منهما شيء إلاّ بإجازتهم و رضاهم، فيكون صاحب النصيب كواحد منهم، فلا ننقص من السّدس شيئا إلاّ بإجازته.

فعلى الأوّل لصاحب الجزء النصف، و النصف الباقي بين الآخر و البنين على أربعة، و تصحّ من ثمانية إن أجازوا، و إن ردّوا قسّمت الثّلث بين الوصيّتين على خمسة، و الثّلثين بين البنين على ثلاثة، و تصحّ من

ص: 386

خمسة و أربعين.

و على الثاني لصاحب النصف النصف، و للآخر الرّبع، و يبقى الرّبع بين البنين، و تصحّ من اثني عشر، و إن ردّوا فالثّلث بين الوصيّتين على ثلاثة [و] تصحّ من تسعة.

و على الثالث لصاحب النصف النصف، و للآخر السّدس، و يبقى الثّلث بين البنين على ثلاثة، و تصحّ من ثمانية عشر، و إن ردّوا فالثّلث بين الوصيّتين على أربعة، و تصحّ من ستّة و ثلاثين.

و إن أوصى لصاحب الجزء بالثّلثين، فعلى الوجه الأوّل لصاحب النصيب ربع الثّلث سهم من اثني عشر إن أجازوا، و إن ردّوا قسّمت الثّلث بين الوصيّتين على تسعة.

و على الوجه الثاني يكون له الرّبع في حال الإجازة، و في حال الردّ يكون الثّلث بين الوصيّتين على أحد عشر.

و على الوجه الثالث يكون له السّدس في الإجازة، و في الردّ يقسّم الثّلث بين الوصيّتين على خمسة.

و لو أوصى لرجل بجميع ماله، و لآخر بمثل نصيب أحد ورثته، فعلى الوجه الأوّل لا يصحّ للموصى له الأخير شيء في إجازة و لا ردّ.

و على الوجه الثاني يقسّم الوصيّتان، المال بينهما على خمسة في الإجازة، و الثّلث على خمسة في الردّ.

و على الثالث يقسّمان المال على سبعة في الإجازة، و الثّلث على سبعة في الردّ.

مسألة 243: لو خلّف ستّمائة و أوصى لرجل بمائة و لآخر بتمام

ص: 387

الثّلث، فلكلّ واحد منهما مائة؛ لأنّه الثّلث، فإن ردّ الأوّل وصيّته فللثاني مائة.

و لو وصّى للأوّل بمائتين و للآخر بتمام الثّلث، فلا شيء للثاني، سواء ردّ الأوّل وصيّته أو أجازها، و به قال الشافعي(1).

و قال أبو حنيفة: إن ردّ الأوّل فللثاني المائتان في المسألتين معا(2).

و ليس بجيّد؛ لأنّ المائتين ليست باقي الثّلث و لا تمامه، فلا تتعلّق وصيّة الثاني بها، كما لو قبل الأوّل.

و لو وصّى لعبد الغير بثلثه و لآخر بتمام الثّلث، فلا شيء للثاني.

و على قول أبي حنيفة له الثّلث كملا(3).

مسألة 244: لو وصّى لرجل بثلث ماله و لآخر بمائة و لثالث بتمام الثّلث

على المائة و لم يزد الثّلث على مائة، بطلت وصيّة التمام.

و لو زاد على المائة و أجاز الورثة، نفذت الوصايا على ما وصّى لهم.

و إن ردّوا و قصد التشريك، احتمل ردّ كلّ واحد منهما إلى نصف وصيّته؛ لأنّ الوصايا رجعت إلى نصفها، فيدخل النقص على كلّ واحد بقدر ما له في الوصيّة.

و احتمل أن لا شيء لصاحب التمام حتى تكمل المائة لصاحبها، ثمّ يكون الثّلث بين الوصيّتين الأخريين نصفين، و يزاحم صاحب المائة لصاحب التمام، و لا يعطيه شيئا؛ لأنّه إنّما يستحقّ بعد تمام المائة لصاحبها، و ما تمّت له، [و](4) يجوز أن يزاحم به و لا يعطيه.

ص: 388


1- المغني 495:6، الشرح الكبير 569:6.
2- المغني 495:6، الشرح الكبير 569:6.
3- كما في المغني 495:6، و الشرح الكبير 570:6.
4- ما بين المعقوفين يقتضيه السياق.
مسألة 245: لو أوصى بأجزاء من المال،

أخذتها من مخرجها، و قسّمت الباقي على الورثة كما تقدّم(1).

و لو لم يجيزوا، قسّمت الثّلث بين الأوصياء على قدر سهامهم في حال الإجازة، و قسّمت الثّلثين على الورثة.

و لا فرق بين أن يكون الموصى لهم من تجاوز وصيّته الثّلث أو لا، و به قال عامّة الجمهور، كالحسن و النخعي و مالك و ابن أبي ليلى و الثوري و الشافعي و إسحاق و أحمد و أبي يوسف و محمّد(2).

و قال أبو حنيفة و أبو ثور و ابن المنذر: لا يضرب الموصى له في حال الردّ بأكثر من الثّلث؛ لأنّ ما جاوز الثّلث باطل، فكيف يضرب به!؟(3).

و ليس بجيّد؛ لأنّه فاضل بينهما في الوصيّة، فلا تجوز التسوية، كما لو وصّى بثلث و ربع أو بمائة و مائتين و ماله أربعمائة، و هذا يبطل قولهم.

و لأنّها وصيّة صحيحة ضاق عنها الثّلث، فتقسّم بينهم على قدر الوصايا، كالثّلث و الرّبع، فلو أوصى لزيد بنصف ماله و لعمرو بربعه، فللموصى لهما ثلاثة أرباع المال إن أجاز الورثة، و الرّبع للورثة، و إن ردّوا فالثّلث بين الوصيّتين على ثلاثة، و تصحّ المسألة بأسرها من تسعة.

و لو أجازوا لأحدهما دون صاحبه، ضربت مسألة الردّ في مسألة الإجازة، و أعطيت المجاز له سهمه من مسألة الردّ مضروبا في مسألة الإجازة.

و إن أجاز بعض الورثة لهما و ردّ بعض عليهما، أعطيت المجيز سهمه من مسألة الإجازة مضروبا في مسألة الردّ، و من لم يجز سهمه من مسألة

ص: 389


1- في ص 385 و ما بعدها، المسألة 242.
2- المغني 496:6، الشرح الكبير 587:6.
3- المغني 496:6، الشرح الكبير 587:6.

الردّ مضروبا في مسألة الإجازة، و قسّمت الباقي بين الوصيّتين على ثلاثة.

و لو اتّفقت المسألتان، ضربت وفق إحداهما في الأخرى، و إن دخلت إحدى المسألتين في الأخرى، اجتزأت بأكثرهما.

و لو أوصى بثلثي ماله و نصفه و ثلثه، فالمال بينهم على تسعة مع الإجازة، و الثّلث على تسعة مع عدمها.

و قال أبو حنيفة: صاحب الثّلثين يفضلهما بسدس فيأخذه، و هو و صاحب النصف يفضلان صاحب الثّلث بسدس فيأخذانه بينهما نصفين، و يقتسمون الباقي أثلاثا، و تصحّ من ستّة و ثلاثين، لصاحب الثّلثين سبعة عشر، و لصاحب النصف أحد عشر، و لصاحب الثّلث ثمانية(1).

مسألة 246: لو خلّف ابنين و أوصى لرجل بماله كلّه و لآخر بنصفه و قصد التشريك،

فالمال بين الوصيّتين أثلاثا مع الإجازة؛ لأنّك إذا بسطت المال من جنس الكسر كان نصفين، فإذا ضممت النصف الآخر صارت ثلاثة، فيقسّم المال على ثلاثة، و إن ردّا فالثّلث على ثلاثة.

و لو أجازا لصاحب النصف وحده، فلصاحب المال التّسعان، و لصاحب النصف النصف في وجه؛ لأنّه موصى له به، و إنّما منعه أخذه في حال الإجازة لهما مزاحمة صاحبه، فإذا زالت مزاحمته أخذ جميع نصيبه.

و في وجه: له الثّلث الذي كان له حال الإجازة لهما؛ لأنّ ما زاد على ذلك كان حقّا لصاحب المال أخذه الورثة منه بالردّ عليه فيأخذه الورثة.

و إن أجازا لصاحب الكلّ وحده، فله ثمانية أتساع على الأوّل، و التّسع للآخر، و على الثاني ليس له إلاّ الثّلثان اللّذان كانا له حال الإجازة

ص: 390


1- المغني 498:6، الشرح الكبير 590:6.

لهما، و التّسعان للورثة.

فإن أجاز أحد الابنين لهما دون الآخر، فلا شيء للمجيز، و للآخر الثّلث، و الثّلثان بين الوصيّتين على ثلاثة.

و إن أجاز أحدهما لصاحب الجميع وحده، فللآخر التّسع، و للابن الآخر الثّلث، و الباقي لصاحب المال في وجه، و في الآخر: له أربعة أتساع، و التّسع الباقي للمجيز.

و إن أجاز لصاحب النصف وحده، دفع إليه نصف ما يتمّ به النصف، و هو تسع و نصف سدس في وجه، و في آخر: يدفع إليه التّسع، فيصير له تسعان، و لصاحب المال تسعان، و للمجيز تسعان، و الثّلث للّذي لم يجز، و تصحّ من تسعة.

و على الأوّل تصحّ من ستّة و ثلاثين، للّذي لم يجز اثنا عشر، و للمجيز خمسة، و لصاحب النصف أحد عشر، و لصاحب المال ثمانية؛ لأنّ مسألة الردّ من تسعة، لصاحب النصف منها سهم.

و لو أجاز له الابنان، كان له تمام النصف ثلاثة و نصف، فإذا أجاز له أحدهما لزمه نصف ذلك، و هو سهم و ثلاثة أرباع سهم، فنضرب مخرج الرّبع في تسعة يكون ستّة و ثلاثين.

مسألة 247: لو أوصى لزيد بعبده و لعمرو بما بقي

مسألة 247: لو أوصى لزيد بعبده و لعمرو بما بقي(1) من ثلث ماله،

قوّم العبد يوم موت الموصي؛ لأنّه حال نفوذ الوصيّة، و نظر إلى المال في تلك الحال، فإن خرج العبد من الثّلث دفع إلى زيد، فإن بقي من الثّلث شيء دفع إلى عمرو، و إن لم يبق شيء بطلت الوصيّة لعمرو، إذ لا متعلّق

ص: 391


1- في الطبعة الحجريّة: «يبقى».

لها حينئذ.

و لو مات العبد قبل موت الموصي، لم يحسب من التركة، و ينظر في سائر أمواله، و تقوّمها حال موت الموصي بدون العبد، ثمّ يقوّم العبد لو كان حيّا، فيحطّ من ثلثها قيمة العبد، و يدفع الباقي إلى عمرو، فإن لم يبق شيء فالوصيّتان باطلتان.

و لو ردّ زيد وصيّته، بطلت، و لم تبطل وصيّة عمرو، و كذا لو مات العبد بعد موت الموصي، لم تبطل وصيّة عمرو، و عدّ من التركة، و حسبت قيمته من الثّلث، فإن بقي شيء دفع إلى عمرو.

و لو لم يكن له مال سوى العبد، فأوصى لزيد به و لعمرو بثلثه أو بثلث ماله و قصد التشريك، فإن أجاز الورثة، قسّم العبد بينهما أرباعا: لزيد ثلاثة أرباعه، و لعمرو ربعه، و إن لم يجيزوا، قسّم الثّلث كذلك.

و قال جابر بن زيد و الحسن و عطاء و طاوس و داود: الوصيّة تصحّ للأخير منهما؛ لأنّه وصّى للثاني بما وصّى به للأوّل، فكان رجوعا، كما لو قال: ما أوصيت به لبكر فهو لبشر(1).

و هو حقّ إن لم يقصد التشريك.

و لو كان له مال آخر و الوصيّتان كذلك، كما لو كان له ألفان و قيمة العبد ألف، فإن أجاز الورثة جعل العبد بينهما أرباعا، و لعمرو مع ربع العبد ثلث الألفين.

و إذا كان العبد - الذي هو ثلث المال - أربعة، كان الألفان - و هما ثلثاه - ثمانية، و ليس لها ثلث، نضرب مخرج الثّلث في اثني عشر تكون ستّة6.

ص: 392


1- المغني 516:6.

و ثلاثين، العبد منها اثنا عشر، تسعة منه لزيد، و ثلاثة مع ثمانية من الباقي لعمرو، و الباقي للورثة.

و إن ردّ الورثة، قسّم الثّلث بينهما على عشرين؛ لأنّ سهام الوصايا حال الإجازة عشرون، و إذا كان العبد - و هو ثلث المال - عشرين، فالمال ستّون، لزيد تسعة من العبد، و لعمرو ثلاثة منه و ثمانية من الباقي، كما كان حال الإجازة، يبقى للورثة ثمانية أسهم من العبد و اثنان و ثلاثون من الباقي، و ذلك أربعون ضعف سهام الوصيّة.

هذا كلّه إذا أجاز جميع الورثة جميع الوصايا أو ردّوا كلّهم الجميع، و لو أجاز الجميع البعض خاصّة أو أجاز بعضهم الجميع و ردّ بعضهم الجميع أو أجاز بعضهم الجميع و بعضهم البعض أو ردّ بعضهم الجميع و بعضهم البعض أو أجاز بعضهم بعضا و بعضهم البعض الآخر، فطريق هذه الأقسام تصحيح المسألة على تقدير الإجازة المطلقة.

و على تقدير الردّ المطلق فإن تماثلت الفريضتان اكتفيت بواحدة منهما، و إن تداخلتا اكتفيت بالأكثر و استغنيت عن الضرب، و إن تباينتا ضربت إحداهما في الأخرى، و إن توافقتا ضربت جزء وفق إحداهما في الأخرى، ثمّ قسّمت المال على تقديري الإجازة و الردّ من ذلك العدد، و نظرت في الحاصل لكلّ مجيز على التقديرين، فيكون قدر التفاوت بينهما لمن أجاز له.

فلو خلّف ابنين و أوصى بنصف ماله لزيد و بثلثه لعمرو، فعلى تقدير الإجازة الفريضة من اثني عشر، و على تقدير الردّ من خمسة عشر و قد توافقتا بالثّلث، فنضرب ثلث إحداهما في الأخرى تبلغ ستّين، لزيد منها

ص: 393

على تقدير الإجازة ثلاثون، و لعمرو عشرون، و لكلّ ابن خمسة، و على الردّ لزيد اثنا عشر من عشرين هي ثلاثة أخماسها، و لعمرو خمساها، و لكلّ ابن عشرون، فالتفاوت بين نصيب كلّ ابن بخمسة عشر.

و لو أجازا وصيّة زيد، فقد سامحه كلّ واحد منهما بتسعة، فيتمّ له ثلاثون، و يبقى لكلّ واحد أحد عشر.

و إن أجازا وصيّة عمرو، فقد سامحه كلّ واحد بستّة، فيتمّ له عشرون، و لكلّ واحد أربعة عشر.

و إن أجاز أحدهما الوصيّتين و ردّهما الآخر، فقد سامح المجيز زيدا بتسعة و عمرا بستّة، فيكون لزيد أحد و عشرون، و لعمرو أربعة عشر، و للمجيز خمسة، و للآخر عشرون.

و إن أجاز أحدهما الوصيّتين و أجاز الآخر وصيّة زيد، تمّ له ثلاثون، و إن أجاز الآخر وصيّة عمرو، تمّ له عشرون.

و إن أجاز أحدهما وصيّة زيد و الآخر وصيّة عمرو، فهذا سامح زيدا بتسعة و ذاك سامح عمرا بستّة، فيكون لزيد أحد و عشرون، و لمجيزه أحد عشر، و لعمرو أربعة عشر، و لمجيزه مثله.

و لو خلّف ابنين و أوصى لزيد بجميع ماله و لعمرو بثلثه، فهي على تقدير الإجازة المطلقة من أربعة، ثلاثة لزيد، و واحد لعمرو، و على تقدير الردّ من اثني عشر، لزيد ثلاثة، و لعمرو واحد، و لكلّ ابن أربعة، و هي داخلة في اثني عشر، فيكتفى بها.

فإن أجازا وصيّة زيد فقد سامحه كلّ واحد بثلاثة، فيتمّ له ثلاثة أرباع المال.

ص: 394

و إن أجازا وصيّة عمرو، فقد سامحه كلّ واحد منهما بسهم، فيتمّ له ربع المال.

و إن أجاز أحدهما وصيّة زيد و الآخر وصيّة عمرو، فالذي أجاز لزيد سامحه بثلاثة، يبقى له واحد، و يحصل لزيد ستّة، و الذي أجاز لعمرو سامحه بسهم، يبقى له ثلاثة، و يحصل لعمرو سهمان.

و أمّا المسائل الدوريّة فنذكرها في آخر الوصيّة إن شاء اللّه تعالى.

مسألة 248: لو أوصى لرجل بمعيّن من ماله كعبد،

و لآخر بجزء مشاع كالثّلث من المال، فإن أجاز الورثة انفرد صاحب المشاع بوصيّته من غير المعيّن، ثمّ شارك صاحب المعيّن فيه، فيقسمانه بينهما على قدر حقّهما، و يدخل النقص على كلّ واحد منهما بقدر ما له في الوصيّة.

و لو ردّوا، فإن كانت وصيّتهما لا تجاوز الثّلث - كأن يوصي بسدس ماله لرجل و لآخر بمعيّن قيمته سدس آخر - فهي كحال الإجازة سواء؛ إذ لا أثر للردّ، و إن جاوزته رددنا وصيّتهما إلى الثّلث، و قسّمناه بينهما على قدر وصيّتهما، إلاّ أنّ صاحب المعيّن يأخذ نصيبه من المعيّن و الآخر يأخذ حقّه من جميع المال عند بعض العامّة(1).

و يقوى أنّهما في حال الردّ يقتسمان الثّلث على حسب ما لهما في الإجازة، و به قال ابن أبي ليلى(2).

و قال أبو حنيفة و مالك في الردّ: يأخذ صاحب المعيّن نصيبه منه، و يضمّ الآخر سهامه إلى سهام الورثة، و يقتسمون الباقي على خمسة لو كانت قيمة العبد مائة و خلّف مائتين زائدة؛ لأنّ له السّدس، و للورثة أربعة

ص: 395


1- المغني 575:6-576، الشرح الكبير 564:6.
2- المغني 576:6، الشرح الكبير 564:6.

أسداس(1).

و هو مثل قول بعض العامّة، إلاّ أنّ بعض العامّة يعطيه السّدس من جميع المال(2) ، و عند أبي حنيفة و مالك: أنّه يأخذ خمس المائتين و عشر العبد(3).

و اتّفقوا على أنّ كلّ واحدة من الوصيّتين ترجع إلى نصف وصيّة؛ لأنّ كلّ واحد منهما قد أوصي له بثلث المال، و قد رجعت الوصيّتان إلى الثّلث و هو نصف الوصيّتين، فيرجع كلّ واحد إلى نصف وصيّته، فيدخل النقص على كلّ واحد منهما بقدر ما له في الوصيّة.

و على قول بعض العامّة يأخذ كلّ واحد منهما نصف وصيّته من المحلّ الذي وصّى له منه، فصاحب الثّلث يأخذ سدس الجميع؛ لأنّه وصّى له بثلث الجميع(4).

و أمّا على قولنا فإنّ وصيّة صاحب العبد دون وصيّة صاحب الثّلث؛ لأنّه وصّى له بشيء شرّك معه غيره فيه كلّه، و صاحب الثّلث أفرده بشيء لم يشاركه غيره فيه، فوجب أن يقسّم بينهما الثّلث حالة الردّ على حسب ما لهما في حالة الإجازة، كما في سائر الوصايا.

ففي هذه المسألة لصاحب الثّلث ثلث المائتين: ستّة و ستّون و ثلثان لا يزاحمه الآخر فيها، و يشتركان في العبد، لهذا ثلثه، و للآخر جميعه، فابسطه من جنس الكسر - و هو الثّلث - يصير العبد ثلاثة، و اضمم إليها الثّلث الذي للآخر يصير أربعة، ثمّ اقسم العبد على أربعة أسهم يصير الثّلث ربعا، و في حال الردّ تردّ وصيّتهما إلى ثلث المال، و هو نصف وصيّتهما،6.

ص: 396


1- المغني 576:6، الشرح الكبير 564:6-565. (2الى4) المغني 576:6، الشرح الكبير 565:6.

فيرجع كلّ واحد إلى نصف وصيّته، و يرجع صاحب الثّلث إلى سدس الجميع، و يرجع صاحب العبد إلى نصفه.

و على ما قوّيناه نضرب مخرج الثّلث في مخرج الربع يكون اثني عشر، ثمّ في ثلاثة تكون ستّة و ثلاثين، فلصاحب الثّلث ثلث المائتين، و هو ثمانية من أربعة و عشرين، و ربع العبد، و هو ثلاثة أسهم، صار له أحد عشر، و لصاحب العبد ثلاثة أرباعه، و ذلك تسعة أسهم، نضمّها إلى سهام صاحب الثّلث صار الجميع عشرين سهما، ففي حال الردّ يجعل الثّلث عشرين، و المال كلّه ستّون، فلصاحب العبد تسعة من العبد، و هو(1) ربعه و خمسه، و لصاحب الثّلث ثمانية من الأربعين، و هي خمسها، و ثلاثة من العبد، و هو عشره و نصف عشره.

و لو كانت وصيّة صاحب المشاع بالنصف، فله في حال الإجازة مائة و ثلث العبد، و لصاحب العبد ثلثاه، و في حال الردّ لصاحب المشاع خمس المائتين و خمس العبد، و لصاحب العبد خمساه.

و على الوجه الآخر: لصاحب المشاع ربع المائتين و سدس العبد، و لصاحب العبد ثلثه.

و الطريق أن ينسب الثّلث إلى ما حصل لهما في حال الإجازة، ثمّ يعطى كلّ واحد ممّا حصل له في الإجازة مثل تلك النسبة، و على الوجه الأوّل ينسب الثّلث إلى وصيّتهما، ثمّ يعطى كلّ واحد في الردّ مثل الخارج بالنسبة.

و بيانه في هذه المسألة: أنّ نسبة الثّلث إلى وصيّتهما بالخمسين؛ لأنّ».

ص: 397


1- الظاهر: «و هي».

النصف و الثّلث خمسة من ستّة، فالثّلث خمساها، فلصاحب العبد خمسا العبد؛ لأنّه وصيّته، و لصاحب النصف الخمس؛ لأنّ له خمسي وصيّته.

و على الآخر [قد](1) حصل لهما في حال الإجازة الثّلثان، و نسبة الثّلث إليهما بالنصف، فلكلّ واحد منهما ممّا حصل له في الإجازة نصفه، و قد كان لصاحب المشاع من المائتين نصفها، فله ربعها، و كان له من العبد ثلثه فصار له سدسه، [و كان لصاحب العبد ثلثاه، فصار له ثلثه](2).

فإن كانت المسألة بحالها و ملكه غير العبد ثلاثمائة، ففي الإجازة لصاحب المشاع مائة و خمسون و ثلث العبد، و لصاحب العبد ثلثاه، و في الردّ لصاحب المشاع تسعا المال كلّه، و لصاحب العبد أربعة أتساعه على الأوّل، و على الثاني لصاحب العبد (ربعه و نصف سدسه، و للآخر من العبد عشرون هي خمسه)(3) و من المال ثمانون و هي ربعها و سدس عشرها.

و لو خلّف عبدا قيمته مائة و مائتين و وصّى لرجل بمائة و بالعبد كلّه، و وصّى لآخر بالعبد و قصد التشريك، ففي حال الإجازة يقسّم العبد بينهما نصفين، و ينفرد صاحب الثّلث [بنصف](4) الباقي، و في الردّ للموصى له بالعبد ثلثه، و للآخر ثلثه و ثلث المائة على وجه، و على آخر لصاحب العبد ربعه و للآخر ربعه و نصف المائة يرجع كلّ منهما إلى نصف وصيّته.

و لو لم تزد الوصيّتان على الثّلث - كما لو خلّف خمسمائة و عبدا6.

ص: 398


1- ما بين المعقوفين أثبتناه من المغني 577:6، و الشرح الكبير 577:6.
2- ما بين المعقوفين أثبتناه من المغني 577:6، و الشرح الكبير 577:6.
3- بدل ما بين القوسين في المغني 578:6: «أربعة و سدسه، و للآخر ثمنه و نصف سدسه». و في الشرح الكبير 567:6: «ثلثه و خمس تسعه، و للآخر ثمنه و نصف سدسه».
4- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة و كذا في المغني 578:6: «بثلث». و الصحيح ما أثبتناه من الشرح الكبير 568:6.

قيمته مائة و وصّى بسدس ماله لرجل و للآخر بالعبد - فلا أثر للردّ هنا، و يأخذ صاحب المشاع سدس المال و سبع العبد، و الآخر ستّة أسباعه.

و إن وصّى لصاحب المشاع بخمس المال، فله مائة و سدس العبد، و لصاحب العبد خمسة أسداسه، و لا أثر للردّ أيضا؛ لأنّ الوصيّتين لم يخرج بهما من المال أكثر من ثلثه.

مسألة 249: لو أوصى بجارية لزيد ثمّ أوصى لبكر بها،

أو أوصى بثلثه لزيد ثمّ أوصى لآخر بثلثه، أو أوصى بجميع ماله لزيد ثمّ أوصى لآخر به، بطلت الوصيّة الأولى، و كانت الثانية رجوعا عن الأولى - و به قال جابر ابن زيد و الحسن و عطاء و طاوس و داود(1) - لأنّه وصّى للثاني بما وصّى به للأوّل، فكان رجوعا؛ لأنّ الثانية تنافي الأولى، فإذا أتى بها كان رجوعا، كما لو قال: هذا لورثتي.

و قال الشافعي و الثوري و مالك و ربيعة و أحمد و إسحاق و ابن المنذر و أصحاب الرأي: لا يكون رجوعا؛ لأنّه وصّى لهما، فأشبه ما لو قال:

وصّيت لكما بالجارية(2).

و التحقيق أن نقول: إن قصد التشريك لم يكن رجوعا، و إلاّ فهو رجوع، فلو وصّى لرجل بعبد ثمّ وصّى لآخر بثلثه و قصد التشريك، فهو

ص: 399


1- المغني 516:6، الشرح الكبير 485:6، و ينظر: الحاوي الكبير 309:8، و حلية العلماء 133:6.
2- الحاوي الكبير 309:8، المهذّب - للشيرازي - 468:1، الوسيط 477:4، حلية العلماء 133:6، التهذيب - للبغوي - 101:5، البيان 271:8، العزيز شرح الوجيز 260:7، روضة الطالبين 268:5، الإشراف على نكت مسائل الخلاف 2067/1011:2، عقد الجواهر الثمينة 1232:3، المغني 516:6، الشرح الكبير 485:6، مختصر اختلاف العلماء 11:5-2154/12.

بينهما أرباعا، و إن لم يقصد، فللثاني ثلثه كاملا.

و لو وصّى بعبده لاثنين، فردّ أحدهما وصيّته، فللآخر نصفه.

و لو وصّى لاثنين بثلثي ماله، فردّ الورثة ذلك، و ردّ أحد الوصيّين وصيّته، فللآخر الثّلث كملا؛ لأنّه وصّى له به منفردا و زالت المزاحمة فتكمل له، كما لو انفرد به.

مسألة 250: لو أوصى له بشيء فتلف قبل موت الموصي،

بطلت الوصيّة إجماعا، و كذا لو تلف بعد موته بغير فعل الورثة؛ لأنّ الموصى له إنّما يستحقّ بالوصيّة لا غير، و قد تعلّقت بمعيّن، و قد ذهب فذهب حقّه، كما لو تلف في يده، و التركة في يد الورثة غير مضمونة عليهم؛ لأنّها حصلت في أيديهم بغير قولهم(1) و لا تفريطهم، فلم يضمنوا شيئا.

و لو تلف المال كلّه سواه، فهو للموصى له؛ لأنّ حقوق الورثة لم تتعلّق به؛ لتعيّنه للموصى له، و لهذا يملك قهرهم عليه، و يأخذه بغير رضاهم و لا إذنهم، فكان حقّه فيه دون سائر المال، و حقوقهم في سائر المال دونه، فأيّهما تلف حقّه لم يشارك الآخر في حقّه، كما لو كان التلف بعد أن أخذه الموصى له و قبضه، و كالورثة إذا اقتسموا ثمّ تلف نصيب أحدهم.

و لو أتلفه الورثة أو غيرهم، كان للموصى له الرجوع بقيمته على من أتلفه.

مسألة 251: لو أوصى له بمعيّن فاستحقّ بعضه أو تلف،

فله ما بقي إن حمله الثّلث، فلو وصّى له بثلث عبد أو ثلث ملك فاستحقّ ثلثاه،

ص: 400


1- الظاهر: «بغير فعلهم».

الطريق الثاني: القطع بأنّ له ثلث [الثّلث] الباقي، و حمل الأوّل على ما إذا لم يتلفّظ بالثّلث، و لكن كان له ثلاثون من الغنم فقال: أعطوه عشرة منها، ثمّ استحقّ عشرون منها بعينها، أو على ما إذا أوصى بأحد أثلاث العبد المعيّن، فاستحقّ ثلثاه، أو على ما إذا أوصى بثلث معيّن من الدار، فاستحقّ باقيها، أو على ما إذا اشترى ثلثها من زيد و ثلثيها من عمرو و أوصى بما اشتراه من زيد و استحقّ ما اشتراه من عمرو، فإنّ في هذه الصّور يكون له الثّلث الباقي، و في المشهور الخلاف في العبد المشترك بين اثنين بالسويّة إذا قال أحدهما: بعت نصفه، أنّ المبيع ينصرف إلى نصفه أو يشيع(1).

و فرّق بعضهم، فقال: [إنّ هذا فيما](2) إذا كان قد قال: أوصيت له بثلث هذا العبد، فأمّا إذا قال: أعطوه ثلثه، دفع إليه الثّلث الباقي(3).

و لو أوصى بأثلاث الأعبد الثلاثة و استحقّ اثنان منهم، فلا شكّ أنّ الوصيّة لا تبقى إلاّ في ثلث العبد الباقي.

و لو أوصى بثلث صبرة، فتلف ثلثاها، فله ثلث الباقي إجماعا؛ لأنّ الوصيّة تناولت التالف كما تناولت الباقي، و هنا لا تتناول المستحقّ.

مسألة 252: قد بيّنّا أنّه لا يجوز نقل الصدقة عن بلدها مع وجود المستحقّ،

أمّا لو أوصى بشيء للمساكين هل يجوز نقله إلى مساكين غير بلد المال ؟ الأقرب: المنع، كالزكاة.

و للشافعيّة طريقان:

ص: 401


1- العزيز شرح الوجيز 137:7-138، روضة الطالبين 191:5، و ما بين المعقوفين أثبتناه منهما.
2- ما بين المعقوفين أثبتناه من روضة الطالبين، و بدله في العزيز شرح الوجيز: «إنّ الوصيّة إنّما تنتفي في ثلث الثّلث الباقي».
3- العزيز شرح الوجيز 138:7، روضة الطالبين 191:5.

و للشافعيّة طريقان:

أحدهما: أنّه على قولين، كما في نقل الزكاة، تنزيلا للّفظ المطلق على ما ورد به الشرع.

و الثاني: ترتيب الوصيّة على الزكاة، إن جوّزنا نقل الزكاة، ففي الوصيّة أولى، و إن منعناه، ففي الوصيّة وجهان، و الفرق: أنّ الزكاة يطمح إليها نظر الفقراء من حيث إنّها موظّفة داره، و الوصيّة بخلافها، و لهذا يجوز تقييد الوصيّة بمساكين سائر البلاد.

و الطريق الثاني غير مشهور عندهم(1).

و على تقدير منع النقل لو لم يكن في البلد فقير نقل، كالزكاة، و هو أحد وجهي الشافعيّة، و الثاني: أنّ الوصيّة تبطل(2).

أمّا لو عيّن فقراء بلد و لم يكن فيه فقير، فإنّ الوصيّة تبطل، كما لو أوصى لولد فلان، و لا ولد له، أو أوصى للفقهاء، و لا فقيه فيه.

الباب الرابع: في مسائل متبدّدة من هذا المطلب.
مسألة 253: لو أوصى بفرس في سبيل اللّه و بألف درهم ينفق عليه فمات الفرس،

كانت الألف للورثة، و إن أنفق بعضها ردّ الباقي إلى الورثة؛ لأنّ الموصي عيّن جهة الوصيّة، فإذا فاتت عادت الوصيّة إلى الورثة، كما لو أوصى بشراء عبد زيد ليعتق فمات العبد، أو لم يبعه زيد.

مسألة 254: لو ملك المريض من يعتق عليه بغير عوض،

كالهبة

ص: 402


1- العزيز شرح الوجيز 138:7-139، روضة الطالبين 191:5.
2- العزيز شرح الوجيز 139:7، روضة الطالبين 191:5.

فالثّلث الباقي للموصى له - و به قال الشافعي و أحمد و أصحاب الرأي(1) - لأنّ الباقي كلّه موصى به، و قد خرج من الثّلث، فاستحقّه الموصى له، كما لو كان شيئا معيّنا.

و لو وصّى له بثلث ثلاثة أعبد فهلك عبدان أو استحقّا، فليس له إلاّ ثلث الباقي - و به قال الشافعي و أحمد و أصحاب الرأي(2) - لأنّه لم يوص له من الباقي بأكثر من ثلثه، و قد شرّك بينه و بين ورثته في استحقاقه.

و الأصل في ذلك أنّ للمورّث أن يوصي بثلث ماله إن شاء شائعا، و إن شاء معيّنا في شيء يكون قدره ثلث المال؛ لأنّ الورثة حقّهم متعلّق بالقدر دون العين، فإنّه لو باع جميع ماله في مرضه بثمن مثله، لم يكن للورثة الاعتراض، و إنّما يعترضون في المحاباة.

و ما قلناه مذهب عامّة الفقهاء.

و قال أبو ثور و زفر: إنّه إذا أوصى بثلث عبد أو ثوب ذكر أنّ جميعه له، و ادّعى آخر ثلثيه و أقام على دعواه بيّنة، يكون له ثلث الثّلث - و به قال بعض الشافعيّة(3) - لأنّ الثّلث الذي وصّى له شائع في جميع العبد، فإذا خرج ثلثاه مستحقّا بطل ما وصّى به منهما، و بقي ما كان شائعا في الثّلث،1.

ص: 403


1- الأم 91:4، مختصر المزني: 144، الحاوي الكبير 263:8، نهاية المطلب 230:11، المهذّب - للشيرازي - 462:1، حلية العلماء 89:6، التهذيب - للبغوي - 96:5، البيان 178:8-179، العزيز شرح الوجيز 137:7، روضة الطالبين 191:5، الهداية - للمرغيناني - 238:4، عيون المجالس 4: 1408/1972، المغني 622:6، الشرح الكبير 563:6.
2- التهذيب - للبغوي - 97:5، العزيز شرح الوجيز 138:7، روضة الطالبين 5: 191، المغني 622:6، الشرح الكبير 563:6، الفتاوى الولوالجيّة 370:5.
3- التهذيب - للبغوي - 96:5، العزيز شرح الوجيز 138:7، روضة الطالبين 5: 191.

و هو ثلثه، كما لو وصّى بثلث ماله فخرج بعضه مستحقّا، استحقّ الموصى له ثلث الباقي(1).

و ليس بجيّد؛ لأنّه وصّى بثلثه و هو يملكه و يخرج من ثلثه، فوجب أن تصحّ الوصيّة، كما لو كان يقرّ بأنّه يملك ثلثه و وصّى به.

و نمنع ما قالوه؛ لأنّه شائع في الكلّ، و هو مالك لثلث شائع، فانصرف إليه، و يخالف إذا أوصى بثلث ماله؛ لأنّ ما استحقّ ليس من ماله، و هنا وصّى بثلث العبد، فافترقا.

و اعلم أنّه لا خلاف إذا لم يملك غيره يكون للموصى له ثلث الثّلث، و الخلاف فيما إذا ملك غيره و احتمل ثلث ماله ثلث العبد.

و قد نقل عن الشافعي كقول أبي ثور(2).

و قال بعض الشافعيّة: في المسألة طريقان:

أصحّهما: أنّ فيها قولين:

أظهرهما: أنّ الوصيّة تنزّل على الثّلث الباقي و تصحّ فيه؛ لأنّ المقصود إرفاق الموصى له، فإذا أوصى بما احتمله الثّلث أمكن رعاية غرضه منها، فصار إليه.

و الثاني - و يحكى عن أبي حنيفة و مالك -: أنّ له ثلث الثّلث الباقي؛ لأنّ الوصيّة بالثّلث الشائع، فإذا خرج الثّلثان بالاستحقاق بقيت الوصيّة في الثّلث الباقي، و هو تسع الجملة.7.

ص: 404


1- الحاوي الكبير 263:8، المهذّب - للشيرازي - 462:1، نهاية المطلب 11: 230، البيان 179:8، الإشراف على نكت مسائل الخلاف 2064/1010:2، عيون المجالس 1408/1972:4.
2- التهذيب - للبغوي - 96:5، العزيز شرح الوجيز 137:7.

و الميراث، فالأقرب: أنّه يعتق و يرث، و به قال مالك و أكثر الشافعيّة(1).

و قال بعضهم: يعتق و لا يرث؛ لأنّه(2) وصيّة فلا يجامع الميراث(3).

و كلاهما ممنوع.

و قال أبو حنيفة: يعتق من الثّلث، فإن خرج منه عتق و ورث، و إن لم يخرج سعى في قيمة باقيه و لم يرث(4).

و قال أبو يوسف و محمّد: تحسب قيمته من ميراثه، فإن فضل من قيمته شيء سعى فيه(5).

و نمنع أنّه وصيّة؛ لأنّ الوصيّة هي التبرّع بماله إمّا بعطيّة أو إتلاف أو التسبّب إلى ذلك، و لم يوجد واحد منها؛ لأنّ العتق ليس من فعله، و لا حصل باختياره، و لا يقف على اختياره، و قبول الهبة ليس بعطيّة و لا إتلاف و لا تسبّب إليهما، و إنّما هو تحصيل لشيء يتلف بتحصيله، فأشبه قبوله لشيء لا يمكنه حفظه أو يتلف ببقائه في وقت لا يمكنه التصرّف.

فأمّا إن اشترى من يعتق عليه، فإن حمله الثّلث عتق و ورثه - و به قال مالك و أبو حنيفة(6) - و إن لم يخرج من الثّلث عتق منه بقدر الثّلث، و ورث6.

ص: 405


1- عقد الجواهر الثمينة 1228:3 و 1229، نهاية المطلب 247:19، حلية العلماء 82:6، العزيز شرح الوجيز 133:7-134، روضة الطالبين 187:5-189، المغني 529:6-530، الشرح الكبير 336:6.
2- أي: العتق.
3- نهاية المطلب 247:19، حلية العلماء 82:6، العزيز شرح الوجيز 132:7 - 133، روضة الطالبين 187:5، المغني 530:6، الشرح الكبير 336:6-337.
4- المغني 530:6، الشرح الكبير 337:6.
5- المغني 530:6، الشرح الكبير 337:6.
6- عقد الجواهر الثمينة 1228:3، مختصر اختلاف العلماء 2202/69:5، المغني 530:6، الشرح الكبير 337:6.

بقدر ما فيه من الحرّيّة، و باقيه على الرقّ، فإن كان الوارث ممّن يعتق عليه إذا ملكه عتق.

و قال أبو يوسف و محمّد: لا وصيّة لوارث، و يحتسب بقيمته من ميراثه، فإن فضل من قيمته شيء سعى فيه(1).

و قال بعض أصحاب مالك: يعتق من رأس المال، و يرث، كالموهوب و الموروث(2).

و هو قياس قول أحمد؛ لأنّه قال: إذا وقف في مرضه على ورثته صحّ، و لم يكن وصيّة؛ لأنّ الوقف ليس بمال؛ لأنّه لا يباع و لا يورث، فهذا أولى؛ لأنّ العبد لا يملك رقبته، فيجعل ذلك وصيّة له، و لا يجوز أن يجعل الثمن وصيّة [له](3) ؛ لأنّه لم يصل إليه، و لا وصيّة للبائع؛ لأنّه قد عاوض عنه(4).

و قال بعض الشافعيّة: إذا حمله الثّلث عتق و ورث؛ لأنّ عتقه ليس بوصيّة(5).

و قال بعضهم: يعتق و لا يرث؛ لأنّه لو ورث لصارت وصيّة لوارث، فتبطل وصيّته، و يبطل عتقه و إرثه، فيفضي توريثه إلى إبطال توريثه، فكان إبطال توريثه أولى(6).

و قيل على مذهبه: شراؤه باطل؛ لأنّ ثمنه وصيّة، و الوصيّة تقف على8.

ص: 406


1- المغني 530:6، الشرح الكبير 337:6.
2- المغني 530:6-531، الشرح الكبير 337:6.
3- ما بين المعقوفين أثبتناه من المصدر.
4- المغني 530:6 و 531، الشرح الكبير 337:6.
5- المغني 531:6، الشرح الكبير 337:6.
6- المغني 531:6، الشرح الكبير 6-337-338.

خروجها من الثّلث أو إجازة الورثة، و البيع عنده لا يجوز أن يكون موقوفا(1).

مسألة 255: لو قبل المريض الوصيّة له بابنه و قيمته مائة و خلّف مائتين و ابنا آخر،

عتق، و له مائة، و لأخيه مائة، و به قال مالك و أبو حنيفة و الشافعي(2).

و للشافعي قول: إنّه لا يرث، و المائتان كلّها للابن الحرّ(3).

و قال أبو يوسف و محمّد: يرث نصف نفسه و نصف المائتين، و يحتسب بقيمة نصفه الباقي من ميراثه(4).

و لو كان قيمته مائتين و بقيّة التركة مائة، عتق من رأس المال، و المائة بينه و بين أخيه، و به قال مالك و الشافعي(5).

و قال أبو حنيفة: يعتق منه نصفه؛ لأنّه قدر ثلث التركة، و يسعى في قيمة باقيه، و لا يرث؛ لأنّ المستسعى عنده كالعبد لا يرث إلاّ في أربعة مواضع: الرجل يعتق أمته على أن تتزوّجه، و المرأة تعتق عبدها على أن يتزوّجها، فيمتنعان من قبوله، و العبد المرهون يعتقه سيّده، و المشتري للعبد يعتقه قبل قبضه و هما معسران، ففي هذه المواضع يسعى كلّ واحد في قيمته، و هو حرّ يرث(1).

و قال أبو يوسف و محمّد: يرث نصف التركة، و ذلك ثلاثة أرباع رقبته، فيسعى في ربع قيمته لأخيه(2).

ص: 407


1- المغني 531:6-532، الشرح الكبير 338:6.
2- المغني 532:6، الشرح الكبير 338:6.

و لو وهب له ثلاث أخوات متفرّقات(1) لا مال له سواهنّ و لا وارث، عتقن من رأس المال عندنا، و به قال مالك و أحمد(2).

و إن كان اشتراهنّ، فكذلك على إشكال، و هو رواية عن أحمد، و قول أهل البصرة و بعض أصحاب مالك(3).

و في قول مالك: يعتق ثلثهنّ(4).

و في رواية عن أحمد: يعتقن؛ لكون وصيّة من لا وارث له جائزة في جميع ماله(5).

و إن ترك مالا يخرجن من ثلثه، عتقن و ورثن.

و قال أبو حنيفة: إذا اشتراهنّ أو وهبن له و لا مال و لا وارث، عتقن، و تسعى كلّ واحدة من [الأخت](2) للأب و الأخت للأم في نصف قيمتها للأخت من الأب و الأم، و إنّما لم ترثا؛ لأنّهما لو ورثتا لكان لهما خمسا الرقاب، و ذلك رقبة و خمس بينهما نصفين، فكان تبقى عليهما سعاية، و إذا ثبتت عليهما سعاية لم ترثا، و كانت لهما الوصيّة، و هي رقبة بينهما نصفين، و أمّا الأخت للأبوين فإذا ورثت عتقت؛ لأنّ لها ثلاثة أخماس الرقاب، و ذلك أكثر من قيمتها، فورثت، و بطلت وصيّتها(3).

و قال أبو يوسف و محمّد: يعتقن، و تسعى كلّ واحدة من الأخت من الأب و الأخت من الأم للأخت من الأبوين في خمسي قيمتها؛ لأنّ كلّ9.

ص: 408


1- أي: واحدة منهنّ أخت لأب، و الثانية أخت لأمّ، و الثالثة أخت لأب و أمّ. (2الى5) المغني 532:6، الشرح الكبير 338:6.
2- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «الأختين». و المثبت هو الصحيح.
3- المغني 532:6، الشرح الكبير 338:6-339.

واحدة ترث ثلاثة أخماس رقبة(1).

و على قول الشافعي لا يعتقن(2).

مسألة 256: لو اشترى أباه بألف و لا شيء له سواه،

ثمّ مات و خلّف ابنا، احتمل الصحّة، فيعتق على الابن ثلثاه و ثلثه بالوصيّة، و البطلان؛ لاستلزامه التصرّف بالإتلاف لجميع التركة.

و في رواية عن أحمد: يعتق كلّه على المريض، و له ولاؤه(3).

و نحن عندنا لا ولاء هنا.

و في رواية أخرى عنه: يعتق ثلثه بالوصيّة، و يعتق باقيه على الابن؛ لأنّه جدّه، و يكون ثلث ولائه للمشتري و ثلثاه لابنه عنده(4) ، و به قال مالك، و نقل عن الشافعي أيضا(5).

و قال أبو حنيفة: يعتق ثلثه بالوصيّة، و يسعى للابن في قيمة ثلثيه(6).

و قال أبو يوسف و محمّد: يعتق سدسه؛ لأنّه ورثه، و يسعى في خمسة أسداس قيمته للابن، و لا وصيّة له(7).

و نقل عن الشافعي: أنّه يفسخ البيع إلاّ أن يجيز الابن عتقه(8).

و قيل: يفسخ في ثلثيه، و يعتق ثلثه، و للبائع الخيار؛ لتفرّق(5) الصفقة عليه(6).

ص: 409


1- المغني 532:6، الشرح الكبير 339:6.
2- المغني 532:6، الشرح الكبير 339:6.
3- المغني 532:6-533، الشرح الكبير 339:6.
4- أي: عند أحمد. (5الى8) المغني 533:6، الشرح الكبير 339:6.
5- في النّسخ الخطّيّة: «لتفريق».
6- المغني 533:6، الشرح الكبير 339:6.

و قيل: لا خيار له؛ لأنّه متلف(1).

فإن ترك ألفين سواه، عتق كلّه، و ورث سدس الألفين، و الباقي للابن، و به قال مالك و أبو حنيفة(2).

و نقل نحوه عن الشافعي(3).

و نقل عنه: يعتق، و لا يرث(4).

و قيل: شراؤه مفسوخ(5).

و قال أبو يوسف و محمّد: يرث الأب سدس التركة، و هو خمسمائة يحتسب بها من رقبته، و يسعى في نصف قيمته، و لا وصيّة له(6).

و إن اشترى ابنه بألف لا يملك غيره و مات و خلّف أباه، عتق كلّه بالشراء في الوجه الأوّل، و في الثاني: يعتق ثلثه بالوصيّة و ثلثاه على جدّه عند الموت، و ولاؤه عندهم أثلاثا بينهما، و به قال مالك(7).

و قال أبو حنيفة: يعتق ثلثه بالوصيّة، و يسعى في قيمة ثلثيه للأب، و لا يرث(8).

و قال أبو يوسف و محمّد: يرث خمسة أسداسه، و يسعى في قيمة سدسه(9).

و قول الشافعي فيه كما قال في الأب(10).

و لو ترك ألفين سواه، عتق كلّه، و ورث خمسة أسداس الألفين، و للأب السّدس، و به قال مالك و أبو حنيفة(11).

و قال أبو يوسف و محمّد: للأب سدس التركة: خمسمائة، و باقيها للابن يعتق منها، و يأخذ ألفا و خمسمائة(1).0.

ص: 410


1- المغني 533:6-534، الشرح الكبير 339:6-340.

و لو اشترى المريض ابني عمّ له بألف لا يملك سواها، و قيمة كلّ واحد منهما ألف، فأعتق أحدهما ثمّ وهبه أخاه ثمّ مات و خلّفهما و خلّف مولاه، قال بعضهم: يعتق ثلثا المعتق، إلاّ أن يجيز المولى عتق جميعه، ثمّ يرث بثلثيه ثلثي التركة، فيعتق منه ثمانية أتساعه، و يبقى تسعه و ثلث أخيه للمولى(1).

و قال الشافعي: يعتق ثلثاه، و لا يرث؛ لأنّه لو ورث لكان إعتاقه وصيّة له، فيبطل إعتاقه، ثمّ يبطل إرثه، فيؤدّي توريثه إلى إبطال توريثه، و يبقى ثلثه و ابن العمّ الآخر للمولى(2).

و قال أبو حنيفة: يعتق ثلثا المعتق، و يسعى في قيمة ثلثه، و لا يرث(3).

و قال أبو يوسف و محمّد: يعتق كلّه، و يعتق عليه أخوه بالهبة، و يكونان أحقّ بالميراث من المولى(4).

المطلب الثاني: في الوصيّة بالمنافع.
مسألة 257: تصحّ الوصيّة بالمنافع،

كخدمة عبده و غلّة داره و سكناها و ثمرة بستانه، التي ستحدث، سواء وصّى بذلك في مدّة معلومة، أو بجميع الثمرة و المنفعة في الزمان كلّه، عند علمائنا أجمع - و هو قول عامّة أهل العلم: مالك و الثوري و الشافعي و أحمد و إسحاق و أبو ثور و أصحاب الرأي(1) - لأنّه يصحّ تمليكها بعقد المعاوضة، فتصحّ الوصيّة بها، كالإعتاق،

ص: 411


1- المدوّنة الكبرى 28:6-29، الإشراف على نكت مسائل الخلاف 2: -

و للرواية عن الرضا عليه السّلام(1).

و قال ابن أبي ليلى: لا تصحّ الوصيّة بالمنفعة؛ لأنّها معدومة(2).

و نمنع بطلان الوصيّة بالمعدوم، و يبطل قوله بصحّة المعاوضة عليها، و صحّة الوصيّة بالمنفعة على التأبيد؛ لأنّ الوصيّة تصحّ في المجهول، بخلاف الإجارة؛ لأنّها تمليك منفعة بعوض، فلا تصحّ مع الجهالة، فإذا مات الموصي انتقلت المنفعة إلى الموصى له و الرقبة إلى الورثة.

و لو أوصى بخدمة عبد سنة من السنين و لم يعيّن، صحّت الوصيّة، و التعيين إلى الوارث.

و يجوز أن يجعل له ثمرة بستانه هذا العام، فإن لم يثمر فثمرة العام المقبل، و كذا خدمة عبده العام، فإن مرض فخدمة العام المقبل.

و يجوز أن يوصي بخدمة عبده لإنسان مدّة حياة زيد، و كذا مدّة حياة العبد، و كذا مدّة حياة المخدوم.2.

ص: 412


1- الكافي 24/64:7، التهذيب 922/237:9.
2- المغني 510:6، الشرح الكبير 543:6، البيان 146:8، مختصر اختلاف العلماء 2171/33:5، المبسوط - للسرخسي - 181:27، بدائع الصنائع 7: 352، الإشراف على نكت مسائل الخلاف 2071/1012:2.

و يصحّ أن يوصي له بالخدمة، و يطلق.

قال الشافعي: و يحمل على التأبيد(1).

و فيه نظر أقربه: الحمل على أقلّ ما يصدق عليه الإطلاق، فتصحّ لحظة واحدة.

و تصحّ الوصيّة بالمنفعة مدّة معيّنة؛ لأنّها إذا صحّت مطلقة مع الجهالة كان صحّتها معلومة أولى.

مسألة 258: الوصيّة بالمنافع تمليك للمنافع بعد الموت،

و ليست مجرّد إباحة، كما أنّ الوصيّة بالأعيان تمليك لها بعد الموت، فلو مات الموصى له، كانت المنافع موروثة عنه، كسائر حقوقه و أمواله، و له إجارة الأعيان و الإعارة لها و الوصيّة بها، و لو مات العبد في يده لم يضمنه، كما لا يضمن المستأجر، عند علمائنا - و به قال الشافعي(2) - و ليس عليه مؤونة الردّ.

و قال أبو حنيفة: إنّها عارية لازمة لا ملك فيها، فلا تورث عنه، و ليس له الإجارة(3).

هذا إذا أطلق الوصيّة بالمنفعة، أو قيّدها بالتأبيد، و المراد من التأبيد(4) استيعاب الوصيّة منفعة العبد مدّة حياته.

ص: 413


1- نهاية المطلب 151:11، التهذيب - للبغوي - 82:5، العزيز شرح الوجيز 7: 34، روضة الطالبين 112:5.
2- الوجيز 178:1، العزيز شرح الوجيز 109:7، روضة الطالبين 171:5، المغني 511:6، الشرح الكبير 544:6-545.
3- العزيز شرح الوجيز 109:7، المغني 511:6، الشرح الكبير 545:6.
4- في «ل»: «بالتأبيد» بدل «من التأبيد».

و كذا إذا(1) أوصى بمنفعته مدّة معيّنة.

و قال بعض الشافعيّة: إنّها لا تنتقل إلى وارث الموصى له لا عند الإطلاق و لا إذا قرنه بمدّة معلومة و مات الموصى له قبل انقضائها(2).

و المشهور عندهم: الأوّل(3).

و لو قال: أوصيت لك بمنافعه مدّة حياتك، قال الشافعي: تكون إباحة لا تمليكا، و ليس له الإجارة، و في الإعارة و جهان، و إذا مات الموصى له رجع الحقّ إلى ورثة الموصي(4).

و لو قال: أوصيت لك أن تسكن هذه الدار، أو بأن يخدمك هذا العبد، فهو إباحة عندهم أيضا لا تمليك، بخلاف قوله: أوصيت لك بسكناها و خدمته، قاله بعض الشافعيّة(2).

و لهم و جهان فيما إذا قال: استأجرتك لتفعل كذا، أنّ العقد الحاصل إجارة عين أو إجارة في الذمّة ؟ فإن جعلوه إجارة في الذمّة، فينبغي أن لا يفرّق هنا بين قوله: بأن تسكنها، أو بسكناها(3).

و لو قال: أطعموا فلانا كذا منّا من الخبز من مالي، اقتضى تمليكه، كما في إطعام الكفّارة.

و لو قال: اشتروا الخبز و اصرفوه إلى أهل نحلتي، فسبيله الإباحة.

مسألة 259: قد بيّنّا أنّ الوصايا بأسرها إنّما تخرج من ثلث المال،

و أنّها متى زادت على الثّلث اعتبر إجازة الورثة، و لا فرق في ذلك بين

ص: 414


1- في الطبعة الحجريّة: «لو» بدل «إذا». (2الى4) العزيز شرح الوجيز 110:7، روضة الطالبين 171:5.
2- العزيز شرح الوجيز 110:7، روضة الطالبين 171:5-172.
3- العزيز شرح الوجيز 110:7.

الأعيان و المنافع، فإذا أوصى بالمنفعة اعتبر خروجها من ثلث المال، عند علمائنا أجمع، و هو قول كلّ من قال بصحّة الوصيّة بها، فإن لم تخرج من الثّلث أجيز منها ما يحتمله الثّلث - و به قال الشافعي(1) - لأنّها وصيّة صحيحة، فوجب تنفيذها على صفتها إن خرجت من الثّلث، أو بقدر ما خرج من الثّلث، كسائر الوصايا، و كالأعيان.

و قال مالك: إذا أوصى بخدمة عبده سنة، فلم يخرج من الثّلث، فالورثة بالخيار بين تسليم خدمته سنة و بين تسليم ثلث المال(2).

و قال أصحاب الرأي و أبو ثور: إذا أوصى بخدمة عبده سنة، فإنّ العبد يخدم الموصى له يوما و الورثة يومين حتى يستكمل الموصى له سنة، فإن أراد الورثة بيع العبد بيع على هذا(3).

مسألة 260: المنفعة الموصى بها إن كانت مؤبّدة،

ففي كيفيّة خروجها من الثّلث أقوال:

أحدها: أن تقوّم الرقبة و المنفعة من الثّلث، كما لو باع بثمن مؤجّل يعتبر قيمته من الثّلث، و ذلك لأنّه حال بينهما و بين الوارث، و الحيلولة كالإتلاف، فإنّ الغاصب يضمن بها، و لأنّ منافع الرقبة و فوائدها قد بطلت على الوارث، فكأنّه فوّتها بالكلّيّة، و لأنّ عبدا لا منفعة له و شجرا لا ثمرة له لا قيمة له غالبا، فوجب أن تقوّم الرقبة بمنفعتها جميعا، و يعتبر خروجها من الثّلث، و هو أحد قولي الشافعي(4).

ص: 415


1- المغني 510:6.
2- المغني 510:6، الشرح الكبير 544:6.
3- المغني 510:6، الشرح الكبير 544:6.
4- التهذيب - للبغوي - 82:5-83، البيان 183:8، العزيز شرح الوجيز 7: 116، روضة الطالبين 176:5.

و الثاني: أنّ المعتبر ما بين قيمتها بمنافعها و قيمتها مسلوبة المنفعة؛ لأنّ الرقبة باقية للوارث، فلا معنى لاحتسابها على الموصى له(1).

و رجّح جماعة من الشافعيّة الأوّل بأنّ المنفعة أبدا هي التي أوصى بها، و المنفعة أبدا لا يمكن تقويمها؛ لأنّ المنفعة أبدا يعنى بها منفعة مدّة العمر، و مدّة العمر غير معلومة، و ما لا يعلم و لا يضبط لا يمكن تقويمه، و إذا تعذّر تقويم المنافع وحدها تعيّن تقويم الرقبة(2).

إذا عرفت هذا، فطريق التقويم أن يقوّم العبد بمنفعته، فإذا قيل:

قيمته مائة، قيل: كم قيمته و لا منفعة فيه ؟ فإذا قيل: عشرة، فعلى الأوّل تعتبر من الثّلث المائة، و يشترط أن يكون سوى العبد مائتان، و على الثاني المعتبر التسعون، فيشترط أن يبقى للورثة ضعف التسعين مع العشرة في وجه، و بدونها في وجه، فيحتسب على الورثة في أحد الوجهين، و لا يحتسب على الآخر.

الثالث: تقوّم المنفعة و تسقط الرقبة في باب القيمة، و قوّاه الشيخ(3).

فمن قال: تقوّم الرقبة من الثّلثين و المنفعة من الثّلث، يقول: المنفعة تنتقل إلى الموصى له، و تنتقل الرقبة إلى الورثة.

و من قال: تقوّم الرقبة و المنفعة، قال: ينظر فإن خرج العبد من الثّلث، كان كلّه للموصى له، و إن خرج بعضه، كان له من العبد بقدر ذلك، و الباقي للورثة.4.

ص: 416


1- التهذيب - للبغوي - 83:5، البيان 183:8، العزيز شرح الوجيز 116:7، روضة الطالبين 176:5.
2- العزيز شرح الوجيز 116:7.
3- المبسوط - للطوسي - 14:4.

و على ما قاله الشيخ تقوّم المنفعة، فإن خرج من الثّلث كان له، و إن لم يخرج كان له منها بقدر الثّلث، و الباقي للورثة.

و إن كانت المنفعة مؤقّتة، مثل: أن يوصى له بمنفعته سنة أو شهرا، قال الشيخ: تقوّم المنفعة، و تقوّم الرقبة على الورثة، و تقويم المنفعة في المدّة(1) ، و تحتسب من الثّلث؛ لأنّ المنفعة يمكن تقويمها، و العين ليست مسلوبة المنفعة؛ لأنّ بعد انقضاء المدّة تعود المنفعة إليها.

و للشافعيّة هنا طرق:

أحدها: أنّ الحكم هنا كما في الوصيّة المؤبّدة.

و الثاني: إن اعتبرنا تفاوت ما بين القيمتين هناك فهنا أولى، و إن اعتبرنا قيمة الرقبة فهنا و جهان، بناء على جواز بيع المستأجر، إن جوّزناه اعتبرنا من الثّلث قدر التفاوت، و إلاّ اعتبرنا قيمة الرقبة؛ لأنّها كالتالفة.

و يمكن على هذا القياس أن يبتنى الخلاف فيما إذا أوصى بمنفعته أبدا على الخلاف في أنّ الوارث هل يتمكّن من بيعه ؟

الثالث: أنّ المعتبر من قيمته قيمة منفعة تلك المدّة، و هي أجرة المثل.

و استبعده بعضهم؛ لأنّ المنافع تحدث بعد الموت، فليس الموصي مفوّتا لها من ملكه(2).

و الرابع - و هو الأظهر -: أنّ العبد يقوّم بمنافعه ثمّ يقوّم مسلوب المنفعة في تلك المدّة، فما نقص فهو المعتبر من الثّلث، و قيمة الرقبة في هذه الحالة محسوبة من التركة بلا خلاف.7.

ص: 417


1- المبسوط - للطوسي - 15:4.
2- الغزالي في الوسيط 460:4، و عنه في العزيز شرح الوجيز 117:7.

و يتفرّع على الخلاف المذكور صور:

أ: لو أوصى بمنفعة عبده ثلاث سنين و لا مال له سواه، إن اعتبرنا قيمة الرقبة من الثّلث، صحّت الوصيّة في منافع الثّلث، و ردّت في الباقي، و إن اعتبرنا ما نقص بسببه(1) [و كان النقصان نصف القيمة، فتردّ الوصيّة في سدس العبد أم ينقص من آخر المدّة سدسها؟](2) فيه وجهان، أظهرهما:

الأوّل؛ لأنّ قيمة المنافع تختلف باختلاف الأوقات.

ب: لو أوصى برقبة عبد لإنسان و بمنفعته لآخر، إن قلنا: يعتبر من الثّلث كمال القيمة، فينظر فيما سواه من التركة، و يسلّم إلى كلّ واحد حقّه كاملا أو غير كامل، و إن قلنا: المعتبر التفاوت، فإن حسبنا الرقبة على الوارث إن بقيت له فهنا يحسب كمال القيمة عليهما، و إن لم تحسب الرقبة على الوارث فكذلك لا تحسب على الموصى له بها، و تصحّ وصيّته من غير اعتبار الثّلث.

ج: لو أوصى بالرقبة لإنسان و استبقى المنفعة للورثة، فإن قلنا:

المعتبر من الثّلث كمال القيمة، لم تعتبر هذه الوصيّة من الثّلث، و جعلنا الرقبة الخالية عن المنفعة كالتالفة، و إن قلنا: المعتبر التفاوت، فإن حسبنا قيمة الرقبة على الوارث فهنا نحسب قيمة الرقبة على أرباب الوصايا، و ندخلها في الثّلث، و إن لم نحسب قيمة الرقبة على الوارث فهنا نحسب قدر التفاوت على الوارث، و لا نحسب قيمة الرقبة على أرباب الوصايا.

د: العبد الموصى بمنفعته لو غصبه غاصب، فإن قلنا: المعتبر من6.

ص: 418


1- الظاهر: «بسببها». و في العزيز شرح الوجيز: «بسبب الوصيّة».
2- ما بين المعقوفين أثبتناه من العزيز شرح الوجيز 118:7، و روضة الطالبين 5: 176.

الثّلث جميع القيمة، فأجرة المدّة التي كانت في يد الغاصب للموصى له، فكأنّه فوّت الرقبة على الوارث، و إن قلنا: المعتبر التفاوت، فوجهان:

أحدهما: الأجرة لمالك الرقبة، كما لو غصب العبد المستأجر.

و أظهرهما: أنّها للموصى له بها؛ لأنّها بدل ملكه، و يخالف الإجارة؛ لأنّ الإجارة تنفسخ في تلك المدّة، فتعود المنافع إلى ملك مالك الرقبة.

ه: لو أوصى بثمرة بستانه، خرج على الخلاف، ففي وجه: يعتبر جميع قيمة البستان من الثّلث، و في وجه: ما بين قيمته بمنافعه و بين قيمته مسلوب المنافع، فإن احتمله الثّلث فذاك، و إلاّ فللموصى له القدر الذي يحتمله، و الباقي للوارث(1).

مسألة 261: لو أوصى لرجل بدينار كلّ شهر من غلّة داره أو كسب عبده،

و جعله بعده لوارثه، أو للفقراء و المساكين، و الغلّة و الكسب عشرة مثلا، فاعتبار هذه الوصيّة من الثّلث كاعتبار الوصيّة بالمنافع مدّة معلومة؛ لبقاء بعض المنافع لمالك الرقبة، فيكون الظاهر فيهما أنّ المعتبر قدر التفاوت بين القيمتين.

ثمّ ينظر، إن خرجت الوصيّة من الثّلث، قال بعضهم: ليس للورثة أن يبيعوا بعض الدار و يدعوا ما يحصل منه دينار؛ لأنّ الأجرة تتفاوت، فقد تتراجع و تعود إلى دينار و أقلّ، و حينئذ فيكون الجميع للموصى له(2).

و هذا إذا أرادوا بيع بعضها على أن تكون الغلّة للمشتري، فأمّا بيع مجرّد الرقبة فعلى ما سبق من الخلاف في بيع الوارث الموصى بمنفعته(3).

ص: 419


1- العزيز شرح الوجيز 117:7-119، روضة الطالبين 176:5-177.
2- العزيز شرح الوجيز 119:7، روضة الطالبين 178:5.
3- كما في العزيز شرح الوجيز 119:7، و روضة الطالبين 178:5.

و إن لم يخرج من الثّلث، فما زاد على الثّلث من الرقبة و الغلّة للوارث يتصرّف فيه كيف شاء.

و إن كانت الوصيّة بعشر الغلّة كلّ سنة، فالتسعة الأعشار الباقية تخلص للوارث يتصرّف فيه كيف شاء، و الفرق ظاهر.

مسألة 262: لو أوصى لإنسان بدينار كلّ سنة،

صحّت الوصيّة؛ لأنّ الجهالة لا تقتضي بطلان الوصيّة، و لا تمنع صحّتها.

و هو أحد قولي الشافعيّة؛ لأنّ الوصيّة بالمنافع لا إلى نهاية صحيحة فكذا هنا.

و الأظهر عندهم: الصحّة في السنة الأولى خاصّة، و البطلان فيما بعدها؛ لأنّه لا يعرف قدر الموصى به حتى يخرج من الثّلث(1).

و هو ممنوع؛ فإنّا نحسب الثّلث وقت الموت، و نسلّم إليه كلّ سنة دينارا حتى يستوفى قدر الثّلث.

إذا ثبت هذا، فإن لم يكن هناك وصيّة أخرى، تصرّف الورثة في ثلثي المال لا محالة.

و أمّا الثّلث الباقي فيحتمل أن يوقف لأجل الوصيّة، و قد ثبت استحقاق الدينار بقبول الوصيّة إلى أن يظهر المزيل للاستحقاق، و هو أحد قولي الشافعيّة، و الثاني: أنّ للورثة التصرّف بعد إخراج الدينار الواحد؛ لأنّا لا ندري استحقاق الموصى له في المستقبل(2).

ص: 420


1- نهاية المطلب 152:11، العزيز شرح الوجيز 119:7-120، روضة الطالبين 178:5.
2- نهاية المطلب 153:11، العزيز شرح الوجيز 120:7، روضة الطالبين 5: 178.

و على ما قلنا بالتوقّف إن بقي الموصى له إلى أن استوعب الدينار الثّلث فلا بحث، و إن مات فالأقرب: انتقال بقيّة الثّلث إلى الورثة؛ لأنّها كالوصيّة بالثمار بلا نهاية، فوجب أن ينتقل الحقّ إلى الورثة بعد قسمة الورثة للتركة، و هو أحد قولي(1) الشافعيّة، و الثاني: أنّ بقيّة الثّلث تسلّم لورثة الموصى له(2).

و إن كان هناك وصايا غيرها، قال بعض الشافعيّة: يفضّ الثّلث بعد الدينار الواحد على أرباب الوصايا، و لا يوقف، فإذا انقضت سنة أخرى استردّ منهم بدينار بقدر ما يقتضيه التقسيط(3).

و قال بعضهم: هذا ظاهر إذا كانت الوصيّة مقيّدة بحياة الموصى له، أمّا إذا لم تتقيّد و أقمنا ورثته مقامه، فهو مشكل لا يهتدى إليه(4).

مسألة 263: لو أوصى بخدمة عبده أو بمنافع دابّته،

فإن كانت مقيّدة بمدّة معلومة فالنفقة في تلك المدّة على الوارث إجماعا؛ لأنّه مالك الرقبة، فكان كما إذا(5) آجر عبده.

و إن كانت الوصيّة على التأبيد، فالوجه: أنّها على الوارث أيضا؛ لأنّه مالك الرقبة، فكانت النفقة عليه، كالعبد المستأجر، و هو ظاهر مذهب

ص: 421


1- في الطبعة الحجريّة: «وجهي» بدل «قولي».
2- نهاية المطلب 153:11، العزيز شرح الوجيز 120:7، روضة الطالبين 5: 178.
3- نهاية المطلب 155:11، العزيز شرح الوجيز 120:7، روضة الطالبين 5: 178-179.
4- الجويني في نهاية المطلب 155:11، و عنه في العزيز شرح الوجيز 120:7، و روضة الطالبين 179:5.
5- في «ر، ل»: «لو» بدل «إذا».

الشافعيّة، و به قال أبو ثور و أحمد في رواية(1).

و الثاني(2): أنّها على الموصى له - و به قال أبو حنيفة و بعض الشافعيّة(3) -؛ لأنّه ملك منفعته على التأبيد [فكانت](4) النفقة عليه، كالزوج - و هو رواية عن أحمد(5) - و لأنّ نفعه له فكان عليه ضرره، كالمالك لهما جميعا.

و تحقيق ذلك: أنّ إيجاب النفقة على من لا نفع له ضرر مجرّد، فيصير معنى الوصيّة: أوصيت لك بنفع عبدي و أبقيت على ورثتي ضرره، و إن أوصى بنفعه لإنسان و لآخر برقبته، كان معناه: أوصيت لهذا بنفعه و لهذا بضرّه، و الشرع ينفي هذا بقوله: «لا ضرر و لا ضرار»(6)0.

ص: 422


1- الحاوي الكبير 222:8، المهذّب - للشيرازي - 468:1، نهاية المطلب 11: 136، الوجيز 278:1، الوسيط 458:4، حلية العلماء 125:6-126، التهذيب - للبغوي - 84:5، البيان 251:8، العزيز شرح الوجيز 113:7، روضة الطالبين 173:5، المغني 512:6، الشرح الكبير 549:6.
2- أي: الوجه الثاني في الفرع المزبور، و هو المذكور في الحاوي الكبير 222:8، و المهذّب - للشيرازي - 468:1، و نهاية المطلب 136:11، و الوجيز 278:1، و الوسيط 458:4، و حلية العلماء 125:6، و التهذيب - للبغوي - 84:5، و البيان 251:8، و العزيز شرح الوجيز 113:7، و روضة الطالبين 173:5، و المغني 512:6، و الشرح الكبير 549:6.
3- راجع المصادر في الهامش السابق.
4- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «و كانت». و المثبت يقتضيه السياق.
5- المغني 512:6، الشرح الكبير 549:6.
6- الموطأ 31/745:2، مسند أحمد 446:6-22272/447، سنن ابن ماجة 2: 2340/784 و 2341، المعجم الكبير - للطبراني - 1387/86:2، و 11: 11806/302، المستدرك - للحاكم - 57:2-58، السنن الكبرى - للبيهقي - 6: 69، و 133:10.

و [لذلك](1)ورد التحقيق المزبور في المغني 512:6، و الشرح الكبير 549:6-550.(2) جعل الخراج بالضمان(3) ليكون ضرره على من له نفعه، بخلاف المستأجر، فإنّ نفعه في الحقيقة للمؤجر؛ لأنّه يأخذ [الأجر](4) عوضا عن منافعه(4).

و الفرق بين الزوج و الوارث: أنّ النفقة على الزوج في مقابلة التمكين من الاستمتاع، فدامت بدوامه، و النفقة في المملوك تابعة للملك، فتدوم بدوامه، و الضرر لا اعتبار به في نظر الشرع، كمن يملك عبدا عاجزا عن الحركة و الخدمة، فإنّ النفقة تجب له، و الضرر يندفع بعتقه في الصورتين.

و الثالث(5): أنّها في كسب العبد، فإن لم يف بنفقته أنفق عليه من بيت المال؛ لأنّ الورثة لا ينتفعون به، و صاحب المنفعة لا يملك الرقبة فيلزم إجباره، فلم يبق إلاّ ما ذكرناه، و هذا راجع إلى إيجابها على صاحب المنفعة؛ لأنّ كسبه من منافعه، فإذا صرف في نفقته فقد صرف المنفعة الموصى بها إلى النفقة، فصار كما لو صرف إليه شيئا من ماله سواه.

و نمنع عدم انتفاع الوارث به، فإنّ إعتاقه نفع عظيم؛ لاشتماله على6.

ص: 423


1- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «كذلك». و المثبت يقتضيه السياق، و كما في المغني و الشرح الكبير، لاحظ الهامش
2- .
3- مسند أحمد 23704/74:7، و 25468/338، سنن ابن ماجة 2243/754:2، سنن أبي داود 3508/284:3، الجامع الصحيح (سنن الترمذي) 581:3-1285/582، سنن النسائي (المجتبى) 255:7، السنن الكبرى - للنسائي - 11:4-6081/12، المستدرك - للحاكم - 15:2، السنن الكبرى - للبيهقي - 321:5 و 322.
4- ما بين المعقوفين أثبتناه من المغني و الشرح الكبير، لاحظ الهامش التالي.
5- أي: الوجه الثالث، و هو المذكور في المهذّب - للشيرازي - 468:1، و نهاية المطلب 136:11-137، و الوسيط 458:4، و حلية العلماء 126:6، و التهذيب - للبغوي - 84:5، و البيان 251:8، و العزيز شرح الوجيز 113:7، و روضة الطالبين 173:5، و المغني 512:6، و الشرح الكبير 550:6.

الثواب الكثير.

مسألة 264: فطرة هذا العبد تتبع النفقة،

فعلى من كانت وجبت عليه فطرته.

و للشافعيّة الخلاف السابق و الأقوال السابقة الثلاثة المتعدّدة(1).

و بعضهم قطع بوجوبها على مالك الرقبة(2).

إذا عرفت هذا، فعلف الدابّة كنفقة العبد.

و أمّا عمارة الدار الموصى بمنافعها و سقي البستان الموصى بثمرته، فإن تراضيا عليه أو تبرّع أحد به فلا بحث، و ليس للآخر منعه، و إن تنازعا لم يجبر واحد منهما، بخلاف النفقة؛ لحرمة الحيوان.

و بعض الشافعيّة نقل الخلاف المذكور في العمارة و سائر المؤن(3).

مسألة 265: العبد الموصى بمنفعته مدّة معيّنة أو على التأبيد يجوز للوارث إعتاقه؛

لأنّ رقبته خالصة له، و هو مذهب الشافعيّة(4).

و نقل بعضهم خلافا، و الظاهر الأوّل(5).

و هل يصحّ عتقه في الكفّارة ؟ يحتمل المنع - و هو أصحّ وجهى

ص: 424


1- نهاية المطلب 136:11، العزيز شرح الوجيز 113:7، روضة الطالبين 5: 173.
2- البغوي في التهذيب 83:5، و عنه في العزيز شرح الوجيز 113:7، و روضة الطالبين 173:5-174.
3- كما في العزيز شرح الوجيز 113:7، و روضة الطالبين 174:5.
4- الحاوي الكبير 223:8، المهذّب - للشيرازي - 468:1، الوجيز 278:1، حلية العلماء 127:6، البيان 254:8، العزيز شرح الوجيز 112:7، روضة الطالبين 173:5.
5- الحاوي الكبير 223:8، حلية العلماء 127:6، العزيز شرح الوجيز 112:7، روضة الطالبين 173:5.

الشافعيّة(1) - لأنّه عاجز عن الكسب لنفسه، فأشبه الزّمن، و الجواز؛ لأنّه ملك له، فأشبه المريض العاجز عن التكسّب.

و إذا أعتق عتق، و منفعته باقية للموصى له، و تبقى الوصيّة بحالها - و هو أصحّ وجهي الشافعيّة(2) - كما لو أعتق العبد المستأجر، و لا يرجع العبد المعتق بشيء من قيمة المنفعة، بخلاف ما لو آجر عبده مدّة ثمّ أعتقه، فإنّ العبد يرجع على معتقه ببدل المنفعة - على أحد قولي الشافعي(3) - لأنّ المعتق أخذ عوض المنفعة من المستأجر، فأتلف عليه منفعته بعد العتق بفعل قبله، فلهذا ضمنها، و ليس كذلك هنا؛ فإنّه لم يحصل للورثة المنفعة؛ لأنّهم ملكوها مسلوبة المنفعة، و لا ملكت من جهتهم، على أنّا نمنع رجوع العبد بالعوض في الإجارة على الحقّ عندنا، و هو أحد قولي الشافعي(4).

و قال بعض الشافعيّة: تبطل الوصيّة بالمنفعة بنفس الإعتاق؛ إذ يبعد أن يكون الحرّ مستحقّ المنفعة أبد الدهر(5).

و ليس بشيء.

و على القول به هل يرجع الموصى له على المعتق ببدل المنافع ؟5.

ص: 425


1- نهاية المطلب 150:11، العزيز شرح الوجيز 112:7، روضة الطالبين 5: 173.
2- العزيز شرح الوجيز 112:7، روضة الطالبين 173:5.
3- الحاوي الكبير 224:8، المهذّب - للشيرازي - 468:1، البيان 254:8، العزيز شرح الوجيز 112:7.
4- الحاوي الكبير 224:8، المهذّب - للشيرازي - 414:1، نهاية المطلب 8: 118-119، بحر المذهب 274:9، الوسيط 205:4، حلية العلماء 424:5، التهذيب - للبغوي - 437:4، البيان 321:7-322، و 254:8، العزيز شرح الوجيز 180:6، روضة الطالبين 320:4.
5- العزيز شرح الوجيز 112:7-113، روضة الطالبين 173:5.

للشافعي و جهان(1).

تذنيب: هل للوارث أن يكاتب هذا العبد؟ يحتمل الجواز؛ اعتمادا على ما يأخذه من الزكاة و غيرها، و عدمه؛ لأنّ اكتساباته مستحقّة للغير، فلا تنصرف إلى جهة الكتابة.

و يجوز تدبيره.

آخر: ليس للموصى له بالمنفعة عتق العبد؛ لأنّ العتق للرقبة، و هو لا يملكها، و لا تسقط وصيّته؛ لأنّ إعتاقه باطل، فلا يترتّب عليه حكم.

آخر: لو وهب الموصى له بالخدمة و المنافع العبد بمنافعه و خدمته و أسقطها عنه، فللورثة الانتفاع به؛ لأنّ ما يوهب للعبد يكون لسيّده(2).

مسألة 266: العبد الموصى بمنفعته إن كانت المنفعة معيّنة بمدّة مضبوطة،

صحّ بيعه إجماعا، كما يصحّ بيع العبد المستأجر.

و إن كانت مؤبّدة، صحّ البيع أيضا؛ لكمال الملك فيها، و يباع مسلوب المنفعة، و لأنّه يمكنه إعتاقه و تحصيل الثواب بذلك، فصحّ البيع، و هو أحد وجوه الشافعيّة.

و الثاني: المنع؛ لاستغراق المنفعة بحقّ الغير، فيبقى لا منفعة فيه، فلا يجوز بيعه، كالحشرات.

و الثالث: أنّه يصحّ بيع العبد و الأمة، دون البهائم و الجمادات؛ لأنّه يتقرّب إلى اللّه تعالى بإعتاقهما.

و الرابع: أنّه يصحّ البيع من الموصى له؛ لأنّه يجتمع له الرقبة

ص: 426


1- العزيز شرح الوجيز 113:7، روضة الطالبين 173:5.
2- في الطبعة الحجريّة: «للسيّد».

و المنفعة، و ينتفع بذلك، بخلاف غيره، و لا يصحّ البيع من غيره؛ إذ لا فائدة فيه(1).

و يمنع ذلك، فإنّ فائدة الإعتاق متحقّقة، و كذا تحصيل ولائه و جرّ ولاء أولاده بعتقه.

تذنيب: لو أوصى له بنتاج ماشية، جاز للوارث بيعها إجماعا؛ لبقاء بعض المنافع و الفوائد، كالصوف و اللبن و الظّهر، أمّا لو أوصى بجميع منافعها فالخلاف كما سبق.

مسألة 267: لو أوصى برقبته لإنسان و بمنفعته لآخر،

صحّت الوصيّة، و قام الموصى له بالرقبة مقام الوارث فيما ذكرنا، و به قال الشافعي و أبو ثور و أحمد و أصحاب الرأي(2).

و لو انهدمت الدار الموصى بمنافعها فأعادها الوارث بآلتها، هل يعود حقّ الموصى له ؟ فيه وجهان للشافعيّة(3) ، و الوجه: العود.

و لو أراد الموصى له إعادتها بآلتها، فللشافعيّة و جهان(4) ، و الوجه عندي: أنّ له ذلك.

مسألة 268: لو أوصى له بمنفعة العبد مؤبّدا،

كان للموصى له إثبات يده عليه ليتمكّن من استيفاء منافعه.

و تندرج تحت الوصيّة المنافع المعتادة من الخدمة و الاحتطاب و الاحتشاش و الاصطياد و أجرة الصنعة و الخدمة؛ لأنّها بدل منافعه.

ص: 427


1- العزيز شرح الوجيز 113:7-114، روضة الطالبين 174:5.
2- التهذيب - للبغوي - 83:5، البيان 147:8، العزيز شرح الوجيز 118:7، روضة الطالبين 176:5، الشرح الكبير 550:6، روضة القضاة 4030/710:2، تحفة الفقهاء 208:3، بدائع الصنائع 383:7.
3- العزيز شرح الوجيز 120:7، روضة الطالبين 179:5.
4- العزيز شرح الوجيز 120:7، روضة الطالبين 179:5.

و كذا تدخل الاكتسابات النادرة، كالموهوب و الملتقط - و هو أحد وجهي الشافعيّة(1) - لدخوله تحت عموم الاكتساب(2).

و الثاني: المنع؛ لأنّها لا تقصد بالوصيّة؛ لندورها(3).

و ليس بجيّد؛ لأنّ العامّ لا تقصد جزئيّاته بالفعل، بل بالقوّة.

مسألة 269: لو أوصى له بمنافع أمته،

فأتت بولد من زوج أو زنا، فهو مملوك إجماعا، فحكمه حكم أمّه.

و لمن يكون الولد؟ الأقرب: أن تكون رقبته لورثة الموصي كأمّه؛ لأنّه تابع لها، و المنفعة للموصى له كأمّه؛ لأنّه جزء من الأم، فجرى مجراها، و هو أحد وجوه الشافعيّة، و قوّاه الشيخ رحمه اللّه(4).

و الثاني: أنّه بمنافعه لورثة الموصي؛ لأنّ استحقاق منفعة الأم لا يتعدّى إلى الولد، كما في الإجارة.

و الثالث: أنّه يملكه الموصى له؛ لأنّه من كسب الأمة و منافعها، لأنّه عليه السّلام سمّى ولد الرجل كسبا له(5)(6).

فإن قتل هذا الولد و وجبت قيمته، فإن قلنا: إنّ الولد للموصى له،

ص: 428


1- نهاية المطلب 142:11، العزيز شرح الوجيز 110:7، روضة الطالبين 172:5.
2- في الطبعة الحجريّة: «الاكتسابات».
3- نهاية المطلب 142:11، العزيز شرح الوجيز 110:7، روضة الطالبين 172:5.
4- المبسوط - للطوسي - 15:4-16.
5- المصنّف - لعبد الرزّاق - 16643/133:9، المصنّف - لابن أبي شيبة - 7: 2735/157، مسند أحمد 23512/49:7، سنن ابن ماجة 2137/723:2، سنن أبي داود 288:3-3528/289 و 3529، سنن النسائي (المجتبى) 241:7، السنن الكبرى - للنسائي - 6043/4:4-1 و 6045-3 و 6046-4، المستدرك - للحاكم - 46:2، السنن الكبرى - للبيهقي - 479:7-480.
6- الحاوي الكبير 225:8، الوسيط 457:4، العزيز شرح الوجيز 111:7، روضة الطالبين 172:5.

كانت القيمة له، و إن قلنا: إنّ حكمه حكم الأم، فوجهان: أحدهما: تكون للورثة. و الثاني: يشترى بها [عبد](1) كذلك الولد تكون رقبته للورثة، و منفعته للموصى له.

و لو وطئها واطئ بشبهة أو زوجيّة فأتت بولد، فلا حدّ؛ لأنّه شبهة، و يلزمه المهر، و يكون المهر للموصى له؛ لأنّ منفعتها له، و الولد لاحق به، و يثبت النسب؛ لأنّه ولد شبهة.

و قال بعض الشافعيّة: إنّ المهر لورثة الموصي؛ لأنّه بدل منفعة البضع، و منفعة البضع لا تجوز الوصيّة بها، فبدلها لا يستحقّ بالوصيّة، و إذا تعذّر ذلك كان تابعا للرقبة(2).

و ليس للموصى له بمنفعتها و طؤها، كما لا يجوز للمستأجر وطء المستأجرة، فإن وطئها مع علم التحريم، حدّ، كما يحدّ المستأجر، و هو أحد قولي الشافعي، و الثاني: لا حدّ عليه؛ للشبهة(3) ، و قوّاه الشيخ(4).

و لا مهر عليه؛ لأنّ المهر له.

و لو أولدها بالوطء، لم تصر أمّ ولد.

و قال الشيخ رحمه اللّه: تصير أمّ ولد، و يكون الولد حرّا؛ للشبهة(5) ، و هو أظهر وجهي(6) الشافعيّة، و الثاني: أنّه يكون رقيقا(7).

و على الحرّيّة إن جعلنا الولد المملوك كالكسب، فلا قيمة عليه، و إلاّ فعليه القيمة.5.

ص: 429


1- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «أمة». و المثبت يقتضيه السياق.
2- العزيز شرح الوجيز 111:7، روضة الطالبين 172:5.
3- العزيز شرح الوجيز 111:7، روضة الطالبين 172:5.
4- المبسوط - للطوسي - 16:4، و فيه أفتى بذلك صريحا.
5- المبسوط - للطوسي - 16:4.
6- في «ص، ل» و الطبعة الحجريّة: «قولي» بدل «وجهي».
7- العزيز شرح الوجيز 111:7، روضة الطالبين 172:5.

ثمّ هي لمالك الرقبة، أم يشترى بها عبد تكون رقبته لمالك الرقبة و منفعته للموصى له ؟ و جهان.

و ليس لوارث الموصي و طؤها؛ لأنّ منفعتها ملك لغيره، فلا يجوز أن يستوفيها، فإن وطئ فلا حدّ؛ لشبهة تملّك الرقبة، و عليه المهر للموصى له، و الولد حرّ، و عليه قيمته إن قلنا: إنّها للموصى له، أو يشترى بها عبد كهيئته، و إن قلنا: له، لم يجب شيء، و تكون الأمة أمّ ولد تعتق بموته؛ لأنّها علقت منه بحرّ في ملكه، و هو قول بعض الشافعيّة(1).

و قال بعضهم: لا تصير أمّ ولد؛ لأنّه غير مالك لاستيلادها(2).

مسألة 270: إذا أوصى بمنفعة العبد،

اندرج تحته استحقاق الخدمة و سائر أبدال الاكتسابات و إجارته و إعارته.

و لو أوصى بمنفعة الدار، أفاد سكناها و إجارتها و إعارتها.

و لو أوصى بخدمة العبد و سكنى الدار، لم يفد استحقاق جميع المنافع، فإنّه لو استأجر عبدا للخدمة لم يملك تكليفه البناء و الغراس، و إذا استأجر دارا للسكنى لم يكن له أن يعمل فيها صنعة الحدّاد و القصّار، و لا يطرح فيها الزّبل.

و لو أوصى بالغلّة و الكسب، لم يفد استحقاق السكنى و الركوب و الاستخدام.

و لو أوصى بواحد منهما، لم يفد استحقاق الغلّة و الكسب؛ لأنّ الغلّة

ص: 430


1- الحاوي الكبير 226:8، نهاية المطلب 147:11، التهذيب - للبغوي - 5: 85، العزيز شرح الوجيز 114:7، روضة الطالبين 174:5.
2- الحاوي الكبير 226:8، العزيز شرح الوجيز 114:7، روضة الطالبين 5: 174.

فائدة عينيّة، و المنفعة تطلق في مقابلة العين، حيث تقسّم الأموال إلى أعيان و منافع.

و لو أوصى له بالمنفعة، لا يستحقّ طلب الكسب.

مسألة 271: ليس للموصى له بمنفعة الأمة تزويجها،

و كذا ليس للوارث المالك للرقبة تزويجها؛ لأنّ مالك المنفعة لا يملك رقبتها فلم يملك منافع وطئها بالنكاح، فليس له أن يملّكها لغيره، و إنّما وهبت له المنافع، و ذلك لا يبيح له الوطء و لا العقد، و مالك الرقبة لا يملك تزويجها؛ لاشتماله على ضرر صاحب المنفعة بتزويجها؛ لأنّها ربما نقصت بالولادة، و نقص نفعها بالحمل، و ربما ماتت في الطّلق.

فإن اتّفقا على تزويجها جاز.

و لو طلبت الجارية ذلك، قال بعض العامّة: وجب تزويجها؛ لأنّه حقّها، و حقّها في ذلك مقدّم عليهما؛ لأنّها لو طلبته من سيّدها الذي يملك رقبتها و نفعها أجبر عليه، و قدّم حقّها على حقّه، و وليّها في التزويج لو اتّفقا عليه مالك رقبتها(1).

و منع الشافعي من وطء الجارية الموصى بمنفعتها للوارث إن كانت ممّن تحبل؛ لما فيه من خوف الهلاك بالطّلق و النقص و الضعف بالولادة و الحمل، و لأنّ الملك غير تامّ، و إن كانت ممّن لا تحبل فوجهان(2).

مسألة 272: لو أوصى له بمنفعة العبد أو الأمة أو الدابّة،

فالأقرب: أنّ للموصى له الانفراد بالسفر بالموصى بمنفعتها؛ لأنّه لو منع من السفر بها انتقص انتفاعه، و تبعّض عليه الانتفاع، و هو أظهر وجهي الشافعيّة، و به قال

ص: 431


1- المغني 514:6، الشرح الكبير 546:6.
2- العزيز شرح الوجيز 114:7، روضة الطالبين 174:5.

أبو ثور(1).

و الثاني: أنّه ليس له ذلك - و به قال أصحاب الرأي، إلاّ أن يكون أهله في غير البلد فيخرجه إلى أهله(2) - كما لا يجوز لزوج الأمة أن يسافر بالأمة؛ رعاية لحقّ المالك(3).

و الفرق: أنّ منفعة الزوجة الأمة للسيّد، و لذلك يستقلّ السيّد بالسفر بها، و مالك الرقبة هنا لا يستقلّ.

مسألة 273: لو جني على العبد الموصى بمنفعته بأن قتل،

فإن أوجبت القصاص كان لمالك الرقبة الاقتصاص، فإذا اقتصّ سقط حقّ الموصى له بالمنفعة، كما لو مات، و ليس للموصى له منع الوارث من الاقتصاص، فإن صالح الوارث الجاني على الدية، لم يكن للموصى له شيء منها.

و إن أوجبت مالا، ففي القيمة المأخوذة خلاف بين العامّة.

[الأوّل]: قال أبو حنيفة: إنّه يشترى بها عبد يقوم مقامه، تكون رقبته للوارث و منفعته للموصى له؛ لأنّ القيمة بدل الرقبة و منافعها، فتقوم مقامها، و هو قول بعض الشافعيّة.

ص: 432


1- المغني 511:6، الشرح الكبير 545:6.
2- المبسوط - للسرخسي - 183:27، بدائع الصنائع 386:7، الهداية - للمرغيناني - 253:4-254، المغني 511:6، الشرح الكبير 545:6. و لا يخفى أنّه في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة كان موضع قوله: «و به قال أصحاب الرأي... إلى أهله» بعد قوله: «أظهر وجهي الشافعيّة»، و أيضا كان موضع قوله: «و به قال أبو ثور» بعد قوله: «ليس له ذلك»، و المثبت هو الموافق لما في المصادر و لسياق العبارة.
3- نهاية المطلب 146:11، الوسيط 458:4، العزيز شرح الوجيز 112:7، روضة الطالبين 173:5.

و الثاني: أنّ القيمة للوارث بحقّ ملك الرقبة، و لا شيء للموصى له بالمنفعة، كما لا حقّ للمستأجر في بدل المستأجر، و لا لزوج الأمة في بدلها، و لأنّ الوصيّة تعلّقت بالعين لا بالبدل، و العين قد تلفت، و قال به بعض الشافعيّة.

و الثالث: أنّها توزّع على الرقبة مسلوبة المنفعة و على المنفعة وحدها، و ذلك بأن تقوّم الرقبة بمنافعها ثمّ تقوّم بلا منفعة، و لا بدّ و أن يكون لها قيمة؛ لما في عتقها من الثواب و جلب الولاء و جرّه، فقدر التفاوت هو قيمة المنفعة، فما هو حصّة الرقبة من القيمة فهو للوارث، و ما هو حصّة المنفعة فللموصى له.

و مأخذ هذا الوجه و الوجه الأوّل واحد، و افتراقهما في أنّ القيمة تصرف إلى عبد آخر، أو تقسّم بحالها.

و الرابع: أنّها للموصى له خاصّة؛ لأنّ تقوّمه بمنافعه، و المنافع حقّه.

و يخرّج على هذا الخلاف ما إذا قتله الوارث أو الموصى له، فلا شيء على من تصرف القيمة إليه لو كان القاتل أجنبيّا(1).

و الأقرب عندي: الأوّل.

و لو قطع بعض أطرافه، فالأقرب: أنّه يشترى به عبد أو بعضه تكون رقبته للوارث و منفعته للموصى له.

و للشافعيّة الخلاف السابق(2).5.

ص: 433


1- المهذّب - للشيرازي - 468:1، نهاية المطلب 138:11-139، الوجيز 1: 278، الوسيط 459:4، البيان 251:8، العزيز شرح الوجيز 115:7، روضة الطالبين 174:5-175، و ينظر: المغني 515:6.
2- العزيز شرح الوجيز 115:7، روضة الطالبين 175:5.

و بعضهم قطع هنا بكون الأرش للوارث، و اتّفقوا على ترجيحه؛ لأنّ العبد يبقى منتفعا به، و مقادير المنفعة لا تضبط و تختلف بالمرض و الكبر، فكأنّ حقّ الموصى له باق بحاله(1).

مسألة 274: لو جنى هذا العبد الموصى بخدمته بما يوجب القصاص و اقتصّ منه،

فقد ضاع حقّ المالك و الموصى له جميعا.

و إن وجب المال، تعلّق برقبته، فإن فداه أحدهما فلا بحث.

و إن امتنعا من فدائه، بيع في الجناية، و بطل حقّهما.

فإن كان بعضه يفي بالأرش بيع البعض، و كان البعض مع منفعته للمشتري، و يبقى البعض الآخر من رقبته للوارث و منفعته للموصى له.

و لو لم يمكن إلاّ بيع الجميع و زاد الثمن على الأرش، احتمل الخلاف السابق.

و قال بعضهم: يقسّم بينهما على نسبة حقّهما(2).

و لو افتدياه معا، استمرّ الحقّان، و كذا لو فداه مالك الرقبة.

و إن فداه الموصى له، فوجهان في لزوم الإجابة على المجنيّ عليه.

أحدهما: لا يلزم؛ لأنّه أجنبيّ عن الرقبة.

و أشبههما عندهم: اللزوم؛ لأنّ له فيه غرضا ظاهرا(3).

هذا فيما إذا فدى أحدهما العبد بمنافعه.

و لو فدى حصّته، قيل: يباع نصيب صاحبه(4).

و فيه نظر من حيث إنّه لو فداه مالك الرقبة لم يملك بيع المنفعة وحدها.

ص: 434


1- العزيز شرح الوجيز 115:7، روضة الطالبين 175:5. (2الى4) العزيز شرح الوجيز 116:7، روضة الطالبين 175:5.

و إن فدى الموصى له و استمرّ حقّه، فبيع الرقبة على الخلاف.

مسألة 275: لو أوصى له بثمرة نخلة فتنازع الورثة و الموصى له في السقي،

فإن امتنعا لم يكن لأحدهما إجبار الآخر على السقي؛ لأنّ صاحب الثمرة لا يستحقّ على صاحب الأصول أن يسقي ثمرته، و لا يجبر صاحب الثمرة على أن يسقي شجرة؛ لأنّ الشجرة لا حرمة لها في نفسها، بخلاف العبد، حيث أوجبنا نفقته على الورثة في أحد الوجوه، و إجبارهم عليها؛ لأنّ للعبد حرمة في نفسه، و لهذا لو لم يتعلّق به حقّ أحد أجبر على الإنفاق عليه، بخلاف الجمادات.

و كذا الموصى له لا يجبر على سقي ثمرته و لا شجرة غيره.

و لو أراد أحدهما سقيها على وجه لا يضرّ بصاحبه، لم يملك الآخر منعه.

و مذهب الشافعي كذلك(1).

مسألة 276: يجوز للموصى له بالمنفعة أن يؤاجر العين مدّة،

أو يوصي بها مدّة، أو يعيرها مدّة أو مطلقا - و به قال الشافعي و مالك(2) - لأنّه قد ملك المنافع بحيث ليس لغيره الرجوع فيها، فصحّ إجارتها، كالمستأجر.

و قال أبو حنيفة و أصحابه: ليس له أن يؤاجرها؛ لأنّه ملكها بغير

ص: 435


1- لم نتحقّقه في مظانّه، و ينظر: المغني 511:6.
2- الحاوي الكبير 220:8، الوجيز 277:1-278، الوسيط 454:4، التهذيب - للبغوي - 84:5، العزيز شرح الوجيز 109:7، روضة الطالبين 171:5، المدوّنة الكبرى 63:6-64، الإشراف على نكت مسائل الخلاف 2: 2070/1012، المغني 511:6، الشرح الكبير 544:6-545، المبسوط - للسرخسي - 182:27-183، الهداية - للمرغيناني - 253:4.

عوض فليس له أن يؤاجرها، كالعارية(1).

و الفرق: أنّ المستعير ما ملك المنافع، و إجارتها إسقاط لحقّ صاحبها، فإنّه لم يملّكه إيّاها.

مسألة 277: لو أوصى بلبن شاة أو صوفها،

جاز، كما تجوز الوصيّة بثمرة الشجرة.

و كذا لو أوصى بصوفها و بلبنها معا.

و ينبغي أن تقوّم هنا المنفعة الموصى بها، دون العين؛ لأنّه لم يوص بجميع منفعتها.

و لو يبست الشجرة الموصى بثمرتها أو بمنفعتها، كان حطبها للوارث، أمّا لو يبس السعف أو الغصن، فإن كانت الوصيّة بالمنفعة، كان ذلك للموصى له بالمنفعة على إشكال، و إن كانت الوصيّة بالثمرة، فالوجه:

أنّه لا يدخل؛ إذ لا يسمّى ثمرا.

و لو وصّى له بثمرة سنة معيّنة فلم تحمل تلك السنة، فلا شيء للموصى له.

و لو قال: ثمرتها أوّل عام تثمر، صحّ، و له ثمرتها أوّل عام تثمر.

و كذا لو أوصى له بما تحمل جاريته أو دابّته.

و لو أوصى لرجل بشجرة و لآخر بثمرتها، صحّ، و كان صاحب الرقبة قائما مقام الوارث، و له ما له.

ص: 436


1- المبسوط - للسرخسي - 182:27، الهداية - للمرغيناني - 253:4، الحاوي الكبير 220:8، الوجيز 277:1-278، الوسيط 454:4، العزيز شرح الوجيز 109:7، الإشراف على نكت مسائل الخلاف 2070/1012:2، المغني 6: 511، الشرح الكبير 545:6.

و لو أوصى لرجل بحبّ زرعه و لآخر بتبنه، صحّ، و النفقة بينهما؛ لأنّ كلّ واحد منهما تعلّق حقّه بالزرع، فإن امتنع أحدهما من الإنفاق فهما بمنزلة الشريكين في أصل الزرع إذا امتنع أحدهما من سقيه و الإنفاق عليه، و فيه وجهان:

أحدهما: يجبر على الإنفاق عليه؛ لأنّ في ترك الإنفاق عليه إضرارا بهما و تضييعا، و النبيّ صلّى اللّه عليه و اله قال: «لا ضرر و لا ضرار»(1) و نهى عن إضاعة المال(2).

و الآخر: لا يجبر على الإنفاق على مال نفسه و لا على مال غيره إذا كان كلّ واحد منهما منفردا، فكذا إذا اجتمعا(3).

و أصل الوجهين إذا استهدم الحائط المشترك فدعا أحد الشريكين الآخر إلى عمارته فامتنع.

و ينبغي أن تكون النفقة بينهما على قدر قيمة حقّ كلّ واحد منهما، كما لو كانا مشتركين في أصل الزرع.

تنبيه: تصحّ الوصيّة بما لا يقدر على تسليمه، كالعبد الآبق، و الجمل الشارد، و الطير في الهواء، و السمك في الماء؛ لأنّ الوصيّة تصحّ بالمعدوم فبهذا أولى، و لأنّ الوصيّة تجري مجرى الميراث، و هذا يورث، فتصحّ الوصيّة به، فإن قدر عليه أخذه و سلّمه إذا خرج من الثّلث، و للموصى له السعي في تحصيله، فإن قدر عليه أخذه إذا خرج من الثّلث.2.

ص: 437


1- تقدّم تخريجه في ص 422، الهامش (6).
2- مسند أحمد 17727/305:5، و 17768/312، سنن الدارمي 311:2، صحيح البخاري 139:2، و 124:8، و 118:9.
3- ورد الوجهان المذكوران في المغني 515:6، و الشرح الكبير 551:6-552.

تذنيب: لو أوصى بالشقص الذي يستحقّ به الشفعة، فحقّ الشفعة للوارث، لا للموصى له.

ص: 438

فهرس الموضوعات

كتاب الوصايا

مقدّمة: في ماهيّتها و تسويغها 5

هل تجب الوصيّة على من ليس عليه حقّ؟ 8

المقصد الأوّل: في أركان الوصيّة

الفصل الأوّل: في الصيغة

البحث الأوّل: الإيجاب

لفظ الإيجاب الصريح 11

حكم ما لو اقتصر على قوله: وهبت منه و نوى الوصيّة 11

تعيّن الوصيّة بالكنايات 12

حكم ما لو كتب بخطّه: إنّي قد أوصيت لفلان بكذا 12

حكم الوصيّة فيما لو اعتقل لسانه و لم يتمكّن من النطق فكتب الوصيّة أو أشار بما يدلّ على الرضا بها 12

حكم ما إذا وجدت وصيّة بخطّ الميّت و لم يكن أشهد عليها و لا أقرّ بها 14

ص: 439

حكم ما لو كتب وصيّة و قال للشهود: اشهدوا عليّ بما في هذه الورقة و لم يطلعهم على ما فيها 15

تذنيب: فيما إذا ثبتت الوصيّة فإنّ حكمها يثبت و يعمل بها ما لم يعلم رجوع الموصي عنها 16

استحباب كتابة الوصيّة و الإشهاد عليها 16

فيما يتعلّق بوصيّة رجل بغير خطّه و عدم إشهاده عليها إلى أن يحضره الموت 18

البحث الثاني: في القبول

اشتراط قبول الوصيّة فيما إذا كان الموصى له معيّنا 18

عدم افتقار الوصيّة إلى القبول فيما إذا كانت الوصيّة لغير معيّن 19

جواز القبول على الفور و على التراخي 19

هل يشترط وقوع القبول بعد موت الموصي ؟ 19

حكم ما لو مات الموصى له قبل موت الموصي و قبل القبول 20

حكم ما إذا ردّ الموصى له الوصيّة و كان قبل موت الموصي 22

حكم ما إذا مات الموصى له قبل موت الموصي و بعد ردّه أو كان بعد موت الموصي 22

بطلان الوصيّة في كلّ موضع يصحّ ردّ الموصى له للوصيّة 25

حكم ما إذا قال الموصى له: رددت الوصيّة لفلان، يعنى أحد الورثة 25

تنبيه: في حصول الردّ بقول الموصى له: رددت الوصيّة أو لا أقبل الوصيّة و ما يقوم مقام ذلك 26

آخر: حكم ما لو كانت الوصيّة لاثنين فقبل أحدهما و ردّ الآخر 26

البحث الثالث: في سبب التملّك

متى يملك الموصى له ما أوصي له به ؟ 26

ص: 440

البحث الرابع: في المسائل المتفرّعة على المذهبين

زوائد الموصى به إن حصلت قبل موت الموصي فهي له و إن حصلت بعد موته و بعد القبول فهي للموصى له 33

حكم ما إذا حصلت الزوائد بعد موت الموصي و قبل القبول 34

حكم ما لو أوصى بعبده لزيد ثمّ مات ثمّ أهلّ شوّال قبل القبول ثمّ قبل 34

حكم ما لو زوّج أمته من حرّ ثمّ وصّى له بها ثمّ مات الموصي 35

أقسام ما لو أوصى له بجارية فولدت و بيان أحكامها 37

حكم ما لو أوصى بأمة لزوجها فلم يعلم حتى وضعت له بعد موت سيّدها أولادا 41

حكم ما لو أوصى بجاريته لزوجها و مات الموصى له قبل القبول و الردّ 42

فيما إذا أوصى الإنسان لغيره بأبيه أو ابنه فهل يجب عليه القبول ؟ 43

حكم ما لو ملك ابن أخيه فأوصى به لأجنبيّ و لا وارث للموصي سوى أخيه فقبل الموصى له الوصيّة 44

حكم ما لو أوصى لإنسان بأبيه و مات الموصى له بعد موت الموصي و قبل القبول 44

حكم ما إذا أوصى له بمن يعتق عليه و قبله في حال صحّته أو مرضه الذي لم يمت فيه أو مرضه الذي مات فيه 45

فيما يتعلّق بما إذا ملك المريض من ينعتق عليه بغير عوض 46

فيما لو أوصى للمريض بمن يعتق عليه فمات قبل القبول فقبل وارثه 51

حكم ما لو أوصى لرجل بزوجته الحامل من الزوج و هي أمة الموصي و لابن لها حرّ و مات و خرجت هي كلّها من الثّلث فقبلا الوصيّة و هما موسران 52

حكم ما لو أوصى لإنسان بمن يعتق عليه و مات الموصى له عن ابنين 54

حكم ما لو كان له أمة ذات ولد من غيره فأوصى بها لذلك الولد 56

حكم ما لو أوصى بعبده لشخصين أحدهما ابن العبد 58

ص: 441

حكم ما لو أوصى بجارية لزوجها و أولدها بعد موت الموصي و قبل القبول أو مات الموصى له قبل القبول و الردّ 58

حكم ما إذا مات الموصى له قبل القبول و قبل وارثه 60

حكم ما لو أوصى لغيره بأمته ثمّ مات الموصي قبل القبول فوطئها الوارث فأولدها. 61

الفصل الثاني: في الموصي

اشتراط كمال العقل في الموصي 63

بطلان وصيّة المجنون المطبق و من يعتوره الجنون في وقت جنونه و المبرسم و المعتوه و النائم و السكران و المغمى عليه 63

بطلان وصيّة الصبي غير المميّز 63

هل تصحّ وصيّة المميّز؟ 63

فروع:

1 - حكم هبة الصبي و وقفه و صدقته بالمعروف 65

2 - حكم وصيّة الصبي و له ثمان سنين و الجارية و لها سبع سنين 66

3 - بطلان وصيّة الصبي و له أقلّ من عشر سنين 66

4 - فيما روي من جواز وصيّة ابن سبع سنين في المعروف 66

5 - حكم طلاق الصبي إذا بلغ عشر سنين 66

حكم وصيّة السفيه بالمعروف 67

اشتراط الحرّيّة في الموصي 68

بطلان وصيّة العبد القنّ و المكاتب المشروط و المطلق إذا لم يؤدّ شيئا من مال الكتابة 68

صحّة وصيّة الكافر 69

بطلان وصيّة الكافر في جهات المعاصي 69

ص: 442

بطلان وصيّة الكافر بكتبة التوراة و الإنجيل أو بقراءتهما 69

حكم وصيّة الكافر بدهن يشعل في البيع و الكنائس 69

بطلان وصيّة المسلم بمعصية 69

جواز وصيّة المسلم أو الكافر بعمارة المسجد الأقصى أو قبور الأنبياء عليهم السّلام و كذا العلماء و الصالحين 69

جواز وصيّة المسلم و الكافر بفكّ أسارى الكفّار من أيدي المسلمين 69

صحّة الوصيّة ببناء رباط ينزله أهل الذمّة أو دار تصرف غلّتها إليهم 70

هل تصحّ وصيّة إنسان بعد ما جرح نفسه بما فيه هلاكها؟ 70

بطلان الوصيّة على الأطفال إلاّ من الأب أو الجدّ للأب خاصّة 71

الفصل الثالث: الموصى له

بطلان الوصيّة للمعدوم 73

بطلان الوصيّة لأحد الشخصين من دون تعيينه 73

بطلان الوصيّة لما تحمله المرأة من بعد الوصيّة أو لمن يوجد من أولاد فلان 74

المطلب الأوّل: في المسائل المعنويّة

المبحث الأوّل: في الوصيّة للحمل

صحّة الوصيّة للحمل بشرط وجوده حال الوصيّة و انفصاله حيّا 74

بطلان الوصيّة فيما لو أوصى لحمل سيكون 75

فيما لو انفصل الحمل لستّة أشهر من حين الوصيّة فصاعدا لم يعط الحمل شيئا 75

حكم ما إذا انفصل الحمل بين مدّة أقلّ الحمل و أكثره 75

فيما إذا قال الموصي: أوصيت لحمل فلانة من زيد يشترط العلم بوجوده عند الوصيّة و كونه ثابت النسب من زيد 76

اشتراط انفصال الحمل حيّا في صحّة الوصيّة له 76

ص: 443

فيما لو ولدت المرأة أحد التوأمين لأقلّ من ستّة أشهر ثمّ ولدت الثاني لأقلّ من ستّة أشهر من الولادة الأولى صحّت الوصيّة لهما 77

القابل لوصيّة الحمل هو أبوه أو جدّه أو من يلي أمره 77

فيما إذا قبل القابل الوصيّة للحمل قبل انفصاله حيّا ثمّ انفصل حيّا فهل يعتد بذلك القبول ؟ 77

صحّة الوصيّة بالمنافع المتجدّدة و بثمار الأشجار 78

حكم ما إذا أوصى لحمل امرأة فولدت ذكرا و أنثى 78

حكم ما إذا قال: إن كان في بطنها غلام فله ديناران و إن كان فيه جارية فلها دينار فولدت غلاما و جارية أو ولدت أحدهما منفردا 78

حكم ما لو قال: إن كان حملها أو ما في بطنها غلاما فله ديناران و إن كانت جارية فلها دينار فولدت أحدهما منفردا أو ولدت غلاما و جارية 78

البحث الثاني: في الوصيّة للعبد و شبهه

حكم الوصيّة لعبد الغير و مكاتبه و مدبّره و أمّ ولده 79

حكم ما لو أوصى لعبد غيره و لم يستمر رقّه 81

حكم الوصيّة فيما لو أوصى لمن نصفه حرّ و نصفه لأجنبيّ 82

تذنيبان:

1 - حكم ما لو قال: أوصيت لنصفه الحرّ أو لنصفه الرقيق 84

2 - حكم ما لو صرّح بإدراج الاكتسابات النادرة في المهايأة 85

حكم ما لو أوصى لعبد نفسه و كانت الوصيّة بجزء شائع أو بعين من تركته 85

حكم ما لو أوصى لعبده بعين معيّنة من ماله و كانت العين غير نفس العبد 88

حكم ما لو أوصى لعبده برقبته 89

حكم ما لو أوصى لعبده بجزء من رقبته 90

ص: 444

حكم ما لو قال: أوصيت لعبدي بثلث مالي أو بكلّ ما أملك من رقبته و غيرها من أموالي و لا شيء له سواه 90

حكم ما لو خلّف شيئا غيره و أوصى له برقبته 90

حكم ما لو أوصى له بجزء من نفسه و كان أقلّ من الثّلث و لا شيء له سواه 90

حكم ما لو قال: أوصيت له بكلّ ما أملك من رقبة و غيرها 91

حكم ما لو قال: أوصيت له بثلث ما أملك أو بثلث أموالي 91

حكم ما لو أوصى له بثلث جميع أمواله و شرط تقديم رقبته 91

صحّة وصيّة الإنسان لأمّ ولده 92

هل تعتق أمّ الولد - في الفرض المزبور - من نصيب ولدها أو من الوصيّة ؟ 92

صحّة وصيّة الإنسان لمدبّره و تجتمع له وصيّتان: التدبير و الوصيّة بالمال 93

صحّة وصيّة الإنسان لمكاتبه المطلق و المشروط 94

حكم ما لو أوصى لمكاتبه المطلق أو المشروط أو لمدبّره برقبته و كذا لأمّ ولده برقبتها 96

حكم الوصيّة لمكاتب الغير المشروط أو المطلق 96

صحّة الوصيّة لمكاتب الغير المطلق إذا تحرّر بعضه بقدر ما فيه من الحرّيّة 96

صحّة وصيّة المكاتب المتحرّر بعضه بقدر ما تحرّر منه 97

حكم وصيّة الإنسان لعبد وارثه 97

حكم ما لو أوصى لمن نصفه حرّ و نصفه لوارثه 98

حكم ما لو أوصى لمكاتب وارثه 98

البحث الثالث: في الوصيّة للدابّة

بطلان الوصيّة فيما لو أوصى لدابّة الغير و قصد تمليكها 98

حكم ما لو أوصى للدابّة و أطلق 99

ص: 445

حكم ما لو أوصى لدابّة الغير و قصد الصرف في علفها 99

حكم الوصيّة للوحوش و الصيود المباحة 101

حكم ما لو أوصى للبهيمة المملوكة فانتقلت الدابّة من مالكها إلى غيره 101

حكم الوصيّة لدار زيد أو للمسجد 101

البحث الرابع: في الوصيّة للكافر

حكم وصيّة المسلم للحربيّ 102

حكم الوصيّة للمرتدّ عن فطرة و عن غير فطرة 104

حكم الوصيّة لأهل الذمّة 104

صحّة وصيّة الذمّيّ للذّمّي و للمسلم و كذا المسلم للمسلم و حكم وصيّته للذمّي 106

حكم وصيّة الحربيّ للحربيّ 106

بطلان الوصيّة لكافر بمصحف و عبد مسلم 106

فيما لو أوصى المسلم لأهل قريته لم يعط من فيها من الكفّار 107

فيما لو أوصى لقرابته و فيهم كافر و مسلم لم يعط الكافر شيئا 107

حكم ما لو أوصى لأهل قريته و كلّهم كفّار أو لقرابته و هم كفّار 108

حكم الوصيّة فيما لو كان أكثر أهل القرية كفّارا 108

فيما لو أوصى للفقراء انصرف إلى فقراء ملّته 108

فيما لو كان في القرية كافر من غير أهل دين الموصي فهل يخرج عن الوصيّة ؟ 109

البحث الخامس: في الوصيّة للقاتل

حكم الوصيّة للقاتل 109

هل يقع فرق في حكم الوصيّة بين قتل العمد و الخطأ؟ 111

فيما لو قتلت أمّ الولد سيّدها عتقت من نصيب الولد و إن استعجلت 113

مستحقّ الدّين المؤجّل إذا قتل المديون حلّ أجله 113

ص: 446

فيما لو قتل المدبّر سيّده فهل تبطل وصيّته أم لا؟ 113

حكم ما إذا أوصى لعبد جارحه أو لمدبّره أو مستولدته و عتق قبل موت الموصي أو انتقل منه إلى غيره 114

حكم ما لو أوصى لعبد بشيء فجاء العبد و قتله أو جاء السيّد و قتله 114

حكم ما لو أوصى لمكاتب فقتل المكاتب الموصي أو جاء سيّد المكاتب فقتله 114

البحث السادس: في الوصيّة للوارث

صحّة الوصيّة للوارث سواء أجاز الورثة أم لا 114

فيما لو وهب الوارث في مرض موته أو أبرأه عمّا له في ذمّته أو وقف عليه كذلك كان حكمه حكم الوصيّة 118

صحّة الوصيّة للوارث من الثّلث و إن لم يجز الورثة 118

حكم ما لو أوصى لغيره بشيء يزيد على الثّلث 119

من منع من العامّة الوصيّة للوارث اعتبر كونه وارثا حال الموت 119

فيما لو أوصى لكلّ واحد من ورثته بقدر حصّته من التركة لغت الوصيّة 120

حكم ما لو أوصى لكلّ واحد من الورثة بعين هي قدر حصّته من غير ترتيب 121

حكم ما لو أوصى أن تباع عين ماله من إنسان 121

حكم ما لو باع المريض ماله من وارثه بثمن المثل 121

حكم ما لو أوصى بثلث ماله لأجنبيّ و وارث 122

حكم ما لو أوصى لهذا بالثّلث و لهذا بالثّلث 122

حكم ما لو أوصى لأحد ورثته بقدر نصيبه من التركة أو بما دونه 124

حكم ما لو أوصى لبعض الورثة بأكثر من نصيبه 124

حكم ما لو أوصى لأجنبيّ بثلث ماله و لأحد ابنيه الحائزين بالكلّ و أجازا الوصيّتين أو ردّاهما 126

ص: 447

حكم ما لو أوصى لأجنبيّ بالثّلث و لكلّ واحد من ابنيه بالثّلث فردّا 126

حكم ما لو وقف دارا في مرض موته على ابنه الحائز 127

حكم ما لو كان له ابن و بنت فوقف ثلثي داره على ابنه و الثّلث على البنت 128

حكم ما لو وقف الدار - في الفرض المزبور - عليهما نصفين و احتملها الثّلث 128

حكم ما لو وقف الدار على ابنه و زوجته نصفين و لا وارث له غيرهما 129

حكم ما لو وقف ثلث الدار على ابنه و ثلثيها على ابنته و لا وارث له سواهما 130

حكم ما لو أسقط المريض عن وارثه دينا له عليه أو أوصى بقضاء دينه الذي عليه للأجنبيّ أو أسقطت المرأة صداقها عن زوجها أو عفا عن جناية موجبها المال 130

حكم ما لو عفا عن القصاص أو عن حدّ القذف 131

حكم ما لو أوصى لغريم وارثه أو لولد وارثه 131

حكم ما لو أوصى بثلث لوارث و أجنبيّ و قال: إن ردّوا وصيّة الوارث فالثّلث كلّه للأجنبيّ 131

فيما إذا قال: أوصيت لفلان بثلثي فإن مات قبلي فهو لفلان صحّ 131

فيما إذا قال: وصّيت بثلثي لفلان فإن أقبل فلان الغائب فهو له صحّ 132

حكم ما لو أوصى لوارثه فأجاز بعض الورثة الوصيّة دون بعض 132

المطلب الثاني: في المسائل اللفظيّة

البحث الأوّل: فيما يتعلّق بالوصيّة للحمل

حكم ما إذا قال: أوصيت لحمل فلانة بكذا فأتت بولدين 133

فيما لو كان أحد الولدين - في الفرض المزبور - خرج ميّتا فالكلّ للحيّ 133

حكم ما إذا قال: إن كان حملها غلاما فأعطوه عشرة و إن كان جارية فأعطوه خمسة فولدت غلامين 134

حكم ما لو قال: إن كان في بطنها غلام فله كذا فولدت غلاما و جارية أو غلامين 135

ص: 448

حكم ما لو قال: إن ولدت ذكرا فله مائتان و إن ولدت أنثى فمائة فولدت خنثى مشكلا أو ذكرا و أنثى 135

البحث الثاني: في الوصيّة للجيران و القرّاء و العلماء

صحّة الوصيّة للجيران و تحديد الجار 136

فروع:

1 - فيما لو أوصى لأهل دربه أو سكّته فهم أهل المحلّة الذين طريقهم في دربه 138

2 - فيما لو أوصى لجيران قريته أو لجيران بلده لم يكن لأهل القرية و لا لأهل بلده شيء 138

3 - فيما لو أوصى لجيران قريته فهل ينصرف إلى القرايا القريبة ؟ 138

فيما لو أوصى للقرّاء انصرف إلى من يقرأ جميع القرآن 138

هل يدخل في من يقرأ جميع القرآن من لا يحفظه و إنّما يقرأ من المصحف ؟ 139

فيما لو أوصى للعلماء أو لأهل العلم صرف إلى العلماء بعلوم الشرع 139

فيما لو أوصى للفقهاء فيندرج فيه من يصدق عليه أنّه فقيه عرفا 140

فيما لو أوصى لأعقل الناس في البلد فهو لأجودهم تدبيرا في دينه و دنياه 140

فيما لو قال: لأجهل الناس أو لأجهلهم من المسلمين 140

ردّ العلاّمة الحلّي لبعض الشافعيّة القائل بصرف الوصيّة - في الفرض المزبور - إلى من يسبّ الصحابة أو إلى الإماميّة المنتظرة للقائم 141

البحث الثالث: في الوصيّة للفقراء و المساكين و باقي أصناف الزكاة

فيما إذا أوصى للفقراء صرف إلى فقراء أهل نحلته 161

تعريف الفقير 161

هل يدخل المساكين في الوصيّة للفقراء؟ أو يدخل الفقراء في الوصيّة للمساكين ؟ 161

فيما لو جمع في الوصيّة بين الفقراء و المساكين صرف إليهما 162

ص: 449

فيما لو فضّل أحدهما على الآخر وجب متابعته 162

مصرف الوصيّة لسبيل اللّه 162

فيما لو أوصى للرقاب فهو للمكاتبين و العبيد الذين في الشدّة 163

حكم ما لو دفع الوصيّة إلى مكاتب فعاد إلى الرقّ و المال باق في يده أو يد السيّد 163

فيما لو أوصى للغارمين أو لأبناء السبيل صرف إلى من يصرف إليه الزكاة منهم 163

فيما لو أوصى للفقراء و المساكين جعل المال بين الصنفين نصفين 163

فيما لو أوصى لبني زيد و بني عمرو هل يقسّم المال على عددهم ؟ 164

عدم وجوب الاستيعاب و كفاية الصرف من كلّ جنس إلى ثلاثة 164

فيما لو أوصى لفقراء بلدة بعينها و هم محصورون وجب استيعابهم و التسوية بينهم 164

اشتراط القبول في هذه الوصيّة 164

فيما إذا أوصى للفقراء و المساكين لم يجب تتبّع من غاب عن البلد 164

عدم جواز نقل المال الموصى به للفقراء و المساكين عن بلد الوصيّة مع وجودهم فيه 165

فيما لو أوصى للغارمين صرف المال إلى من تصرف إليه الزكاة منهم 165

هل يجب الاستيعاب مطلقا أو يشترط انحصارهم ؟ 165

فيما إذا اقتصر الوصي على ثلاثة ضمن حصص الباقين 165

فيما إذا أوصى لثلاثة معيّنين وجبت التسوية بينهم 165

حكم ما لو أوصى لسبيل البرّ أو الخير أو الثواب 166

فيما لو قال: ضع ثلثي فيما رأيت أو فيما أراك اللّه فهل يجوز أن يضعه في نفسه ؟ 166

فيما لو قال: أعط من شئت لم يكن له إعطاء نفسه 166

فيما لو أوصى لأصناف الزكاة صرف إلى الأصناف الثمانية المذكورة في القرآن 166

ص: 450

البحث الرابع: في الوصيّة للواحد و الجمع أو لغير المالك

فيما يتعلّق بما إذا أوصى لزيد و لجماعة معه 167

فيما يتعلّق بما إذا قال: لزيد الفقير و للفقراء أو لزيد الكاتب و للفقراء 169

فيما لو أوصى لزيد بدينار و للفقراء بثلث ماله لم يصرف إلى زيد غير الدينار و إن كان فقيرا 170

فيما يتعلّق بما إذا أوصى لزيد و الفقراء و المساكين 170

حكم الوصيّة فيما لو كان الجماعة المنضمّة إلى زيد معيّنين محصورين أو غير محصورين 170

تذنيب: في حكم ما لو كانت له ثلاث أمّهات أولاد فأوصى لهنّ و للفقراء و المساكين 171

صحّة الوصيّة فيما لو أوصى لجماعة معيّنين غير محصورين 171

فيما يتعلّق بما إذا أوصى لبني فلان و كانوا قبيلة منتشرين أو غير قبيلة 173

بطلان نصف الوصيّة فيما إذا أوصى لزيد و جبرئيل أو ضمّ إلى زيد من لا يملك 173

بطلان نصف الوصيّة فيما إذا أوصى لابن زيد و ابن عمرو و لم يكن لعمرو ابن 174

بطلان نصف الوصيّة فيما إذا أوصى لزيد و لعقبه فمات ولده قبل موت الموصي 174

حكم الوصيّة فيما إذا أوصى للأجنبيّ و الوارث بثلث ماله 175

فيما يتعلّق بما إذا أوصى لزيد و الملائكة أو لزيد و الرياح أو لزيد و الحيطان أو لزيد و للّه تعالى 177

صحّة الوصيّة للمساجد و المشاهد و المدارس و الرّبط و أشباه ذلك 177

مصرف الوصيّة للكعبة عمارتها و معونة الحاجّ و الزائرين 178

البحث الخامس: في الوصيّة للقرابة

صحّة الوصيّة للقرابة نصّا و إجماعا 178

ص: 451

القرابة من هم ؟ 178

فروع:

1 - عدم اشتراط المحرميّة في القرابة 182

2 - فيما إذا أوصى لأقاربه صرف إلى جميع أقاربه البعيد و القريب 182

3 - فيما لو خلّف عمّا و عمّة و خالا و خالة و أوصى لأقاربه فهل تكون الوصيّة بينهم أرباعا 183

4 - فيما إذا أوصى لذي قرابته لم يشترط فيه الجمع 183

5 - فيما لو أوصى لأقارب زيد أو أقارب نفسه دخل فيه ورّاث زيد أو ورّاث نفسه 184

فيما إذا أوصى لأقاربه أو أقارب زيد دخل فيه الأصول و الفروع 184

فيما لو أوصى لأقاربه يصرف إلى المعروفين بنسبه 185

فيما قاله الشافعيّة فيما لو أوصى لأقاربه من اعتبار أقرب جدّ ينسب إليه الرجل و يعدّ أصلا و قبيلة في نفسه 185

دخول قرابة الأب و الأمّ في وصيّة العرب و العجم 186

تذنيب: فيما إذا أوصى لأقاربه دخل فيه كلّ من يقرب إليه إلى آخر أب و أمّ في الإسلام 186

فيما يتعلّق بما إذا قال: أوصيت لأقاربي أو لقرابتي أو لذي قرابتي أو لذي رحمي 186

فيما لو أوصى لأقرب أقاربه أو لأقرب أقارب زيد أو أقرب الناس إليه أو أقربهم به رحما لم يدفع إلى الأبعد مع وجود الأقرب 188

فيما لو اجتمع الأبوان و الولد - في الفرض المزبور - تساووا في الاستحقاق 188

فروع:

1 - تساوي أولاد البنين و أولاد البنات في الوصيّة 189

ص: 452

2 - تساوي الأب و الأمّ في هذه الوصيّة و كذا الابن و البنت و الجدّ أبو الأب و الجدّ أبو الأمّ 189

3 - فيما لو لم يكن أحد من الأولاد و الأحفاد و الأبوين قدّم الأجداد و الجدّات و الإخوة و الأخوات 189

4 - تساوي ابن الأخ و أبي الجدّ 190

5 - أقربيّة الأخ من الأبوين من الأخ من الأب خاصّة 191

هل الأخ من الأبوين أقرب من الأخ من الأمّ؟ 191

6 - تساوي الأخ من الأب و الأخ من الأمّ و أولاد الإخوة و أولاد الأعمام و الأخوال. 191

7 - هل تقدّم الجدّة من الجهتين على الجدّة من جهة واحدة ؟ 191

8 - العمّ من الأب لا يرث مع ابن العمّ من الأبوين 192

هل يحرم العمّ من الأب في الوصيّة بابن العمّ من الأبوين ؟ 192

فيما يتعلّق بما إذا أتى في وصيّته بلفظ الجمع 192

فيما إذا أوصى لجماعة من أقرب أقاربه و كان له ابن و أخ و عمّ لا غير أو كان له ابن و أخوان فالوصيّة بينهم أثلاثا 194

فيما إذا كان له - في الفرض المزبور - ابن و ثلاثة إخوة دخل جميعهم في الوصيّة 194

فيما لو أوصى لعصبته فهو لمن يرثه بالتعصيب في الجملة 194

صحّة الوصيّة فيما لو أوصى لآله أو لآل غيره و صرفت إلى قرابته 194

من هم آل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله ؟ 195

صحّة الوصيّة لآل غير النبيّ صلّى اللّه عليه و اله 195

فيما لو أوصى لأهل بيته صرف إلى أقاربه من قبل الأب و من قبل الأمّ 196

فيما لو أوصى لآباء فلان أو أمّهات فلان دخل فيه أجداده أو جدّاته من الجهتين 198

ص: 453

فيما لو أوصى لجنسه أو لأهل بيته أو لآله دخل فيه كلّ من ينسب إليه من قبل آبائه و أمّهاته إلى أقصى أب و أمّ له في الإسلام 199

حكم ما لو أوصت المرأة لجنسها أو لأهل بيتها 199

فيما لو أوصى لبني فلان فهل تدخل فيه الإناث ؟ 199

دخول الذكور و الإناث في الوصيّة فيما إذا كان بنو فلان اسم قبيلة أو فخذ 200

عدم دخول مولى العتاقة و الموالاة في الوصيّة المذكورة 200

فيما لو أوصى لولد فلان فالوصيّة للذكر و الأنثى على السواء 200

صحّة الوصيّة لورثة فلان و دخول كلّ من يرثه من ذكر و أنثى في الوصيّة بالسويّة 200

فيما لو أوصى لأولاده دخل فيه الذكور و الإناث بالسويّة 200

هل يدخل أولاد الأولاد في الوصيّة المزبورة ؟ 200

فيما لو أوصى لأولاده و ليس له إلاّ أولاد أولاد تصرف الوصيّة إليهم 202

هل يدخل أولاد أولاد الأولاد فيما لو أوصى لأولاده و أولاد أولاده ؟ 202

فيما لو أوصى لأولاده دخل البنون و البنات و الخناثى المشكلون 202

فيما لو أوصى للبنين حقيقة لم تدخل البنات و لا الخناثى المشكلون 202

حكم دخول بني البنين أو بني البنات في الوصيّة المزبورة 202

فيما لو أوصى للبنات لم يدخل الأبناء و لا الخناثي 203

حكم دخول بنات الأولاد 203

فيما لو أوصى للخناثي لم يدخل البنون و لا البنات 203

فيما لو أوصى للبنين و البنات فهل يدخل الخناثي ؟ 203

فيما لو أوصى لبني تميم تدخل البنات في الوصيّة 203

فيما لو أوصى لذرّيّته أو عقبه أو نسله فهل يدخل أولاد البنات ؟ 203

فيما لو أوصى لعترته أو لعشيرته و بيان العترة و العشيرة 204

ص: 454

فيما لو أوصى لأخواته لم يدخل الإخوة 205

فيما لو أوصى لإخوته فهل تدخل الأخوات ؟ 205

فيما لو أوصى لأختانه و تعريفهم 205

فيما لو أوصى لأصهاره و تعريفهم 206

صحّة الوصيّة فيما لو أوصى ليتامى بني فلان أو لأراملهم أو لعميانهم أو لزمناهم سواء كانوا عددا محصورا أم لا 206

صحّة الوصيّة فيما لو أوصى لشبّان بني فلان أو لأيامى بني فلان أو لثيّبهم أو لأبكارهم 207

هل يشترط الفقر في الأرامل ؟ 208

فيما لو أوصى لثيّب في القبيلة فالوصيّة للنساء اللاّتي دخل بهنّ الرجال 208

فيما لو أوصى للمعترّين من الأقارب فهي للّذين يتعرّضون و لا يسألون 209

تفسر ذوي القنوع و غلمان القوم و صبيانهم و الأطفال و الذراري و الشيوخ و الفتيان و الشّبّان 209

البحث السادس: في الوصيّة للمولى

لفظة المولى مشتركة بين معان: الأولى، ابن العمّ، الحليف، الجار، المعتق، العتيق 209

فيما إذا أوصى لمولاه صرف إلى ما دلّت القرينة عليه 209

فيما إذا لم يكن له إلاّ مولى واحد من هؤلاء المذكورين صرف إليه 210

لفظ المولى يقع على المعتق و على العتيق و يسمّى الأوّل: المولى الأعلى و الثاني: المولى الأسفل 210

حكم ما إذا أوصى لمواليه و وجد المولى الأعلى و المولى الأسفل و فيه وجوه خمسة 210

ص: 455

فروع:

1 - وجوب البحث عن موضع الأوجه الخمسة 212

2 - فيما لو لم يوجد إلاّ أحدهما صرف اللفظ إليه 212

3 - فيما إذا اقتضى الحال الحمل على الموالي من الأسفل ثبت الاستحقاق لكلّ من عتق عليه 213

4 - يدخل في الوصيّة من أعتقه في الصحّة و المرض 213

5 - اشتراط بعض الشافعيّة الفقر 213

6 - لا بدّ من تعميم المستحقّين إن انحصروا 213

7 - فيما لو نذر عتق عبده إن لم يضربه فمات قبل ضربه دخل في الوصيّة 214

8 - صحّة الوصيّة فيما لو كان الموصي من العرب فأوصى لمواليه بثلث ماله 214

9 - فيما لو أوصى لمواليه و قصد الأسفل أو كان عربيّا صرف إليه 214

10 - فيما إذا أوصى لمواليه لم يدخل فيه مولى الموالاة و لا معتق المعتق 214

11 - فيما لو كان له معتق واحد و موالي الموالي فالنصف لمعتقه و ما بقي للورثة 215

12 - فيما لو أوصى لمواليه لم يدخل فيهم موال أعتقهم أبوه أو ابنه 215

13 - فيما إذا أوصى لموالي بني فلان لفخذ محصور دخل فيهم المعتق و معتق المعتق 216

فيما لو أوصى لأبويه أو لابنه و بنته بشيء تساويا 216

فيما لو قال: على كتاب اللّه تعالى كان للذكر ضعف الأنثى 216

فيما إذا أوصى لأعمامه و أخواله بشيء معيّن فهل يتساوون فيه ؟ 216

الفصل الرابع: في الموصى به

تقسيم الموصى به إلى مال أو منفعة مال أو ولاية عليه 219

ص: 456

المطلب الأوّل: في الوصيّة بالمال

الباب الأوّل: في الشرائط

اشتراط كون العين الموصى بها مملوكة 219

صحّة الوصيّة بما يحلّ الانتفاع به من النجاسات 219

صحّة الوصيّة بالجرو الذي يتوقّع الانتفاع به 220

اشتراط كون المال الموصى به قابلا للنقل من شخص إلى آخر 220

صحّة الوصيّة بما يقبل النقل و إن تعلّق به حقّ الغير 220

بطلان الوصيّة بحقّ القصاص و حدّ القذف 220

صحّة الوصيّة بنجوم الكتابة و برقبة المكاتب 221

حكم ما لو أوصى له بمال غيره أو قال: أوصيت لك بهذا العبد إن ملكته 221

بطلان الوصيّة بعين يحرم الانتفاع بها و لا تقبل التغيير 222

عدم جواز الوصيّة بما يحرم نقله بغيرها و كذا الوصيّة بالعبد المسلم و المصحف للكافر 222

اشتراط عدم زيادة المال الموصى به على الثّلث 222

عدم اشتراط وجود الموصى به حال الوصيّة 222

صحّة الوصيّة بالحمل الموجود في الحال أو بالحمل الذي سيحدث 222

في أنّ الشرط في صحّة الوصيّة بالحمل الموجود هو انفصاله لوقت يعلم وجوده عند الوصيّة و كذا انفصاله حيّا 222

بطلان الوصيّة بالحمل فيما لو انفصل ميّتا و لم يكن بجناية جان 222

حكم الوصيّة في الفرض المزبور إذا كان انفصال الحمل ميّتا بجناية جان 222

فيما قيل من بطلان الوصيّة بالحمل الذي سيكون 223

صحّة الوصيّة بحمل الدابّة الموجود حال الوصيّة و بالمتجدّد في السنة الأخرى 223

ص: 457

صحّة الوصيّة بثمرة البستان الحاصلة في الحال 224

حكم الوصيّة بالثمرة المتجدّدة فيما بعد 224

فيما لو أوصى له بثمرة بستانه فمات و فيه ثمرة فله هذه الثمرة وحدها 225

حكم ما لو أوصى بالثمرة مدّة معيّنة أو قال: أبدا 225

صحّة الوصيّة بما لا قدرة على تسليمه و كذا العبد الآبق و الطير المنفلت في الهواء و كذا المجهول 225

صحّة الوصيّة فيما لو أوصى بأحد العبدين 225

فيما لو أوصى بأزيد من الثّلث وقف على إجازة الورثة 226

استحباب الوصيّة أو وجوبها لمن يترك مالا 228

عدم استحباب الوصيّة للفقير الذي له ورثة محتاجون و لا حقّ عليه واجب 228

بيان القدر الذي لا تستحبّ الوصيّة لمالكه 229

في أنّ الأولى عدم استيعاب الثّلث بالوصيّة و إن كان الموصي غنيّا 230

في أنّ الأفضل للغني الوصيّة بالخمس 231

حكم ما لو أوصى بأكثر من ثلث ماله 232

فيما إذا أجاز الورثة ما زاد على الثّلث فهل هذه الإجازة تنفيذ و إمضاء لتصرّف الموصي أم ابتداء عطيّة من الورثة ؟ 234

حكم ما لو لم يكن للميّت وارث خاصّ فأوصى بجميع ماله أو بما زاد على الثّلث 235

صحّة الوصيّة للوارث من غير اعتبار إجازته خلافا للعامّة 236

كفاية لفظ الإجازة و الإنفاذ و الإمضاء و أشباه ذلك 237

فيما لو خلّف زوجة - هي بنت عمّه - و أباها - و كان وارثا - و كان قد أوصى لها و أجاز أبوها الوصيّة فلا رجوع له 238

ص: 458

فيما لو أعتق عبدا في مرضه و لا مال له سواه أو أوصى بعتقه فأجازوا عتقه أو وصيّته بالعتق صحّ العتق و يكون الولاء بأسره للميّت 238

صحّة العتق فيما لو تبرّع بثلث ماله ثمّ أعتق أو أوصى بالإعتاق 239

حكم الرجوع فيما لو أوصى لابن وارثه بعد تبرّعه بثلث ماله أو أعطاه عطيّة في مرضه فأجاز أبوه وصيّته و عطيّته ثمّ أراد الرجوع فيما أجازه 239

أيضا حكم الرجوع فيما لو تزوّج ابنة عمّه فأوصت له بوصيّة أو عطيّة في مرض موتها ثمّ ماتت و خلّفته و أباه فأجاز أبوه وصيّته و عطيّته 239

حكم الوقف فيما لو وقف على ورثته في مرضه فأجازوا الوقف 239

في أنّ الهبة في مرض الموت من الوارث و الوقف عليه و إبراءه عمّا عليه من الدّين كالوصيّة له 239

فيما لو أوصى لامرأة أجنبيّة و أوصت له ثمّ تزوّجها فهل تجوز وصيّتها له ؟ 240

جواز الوصيّة عند العامّة - في الفرض المزبور - فيما لو أوصى أحدهما للآخر ثمّ طلّقها 240

هل يشترط في الإجازة و الردّ موت الموصي ؟ 240

تذنيب: في أنّه لو أذن الورثة للموصي في الوصيّة بأكثر من الثّلث كان حكم إذنهم كحكم إجازتهم قبل الموت تمضى 242

تذنيب آخر: في لزوم الوصيّة فيما إذا أجاز الورثة بعد الموت و قبل القسمة 243

لا يشترط في الإجازة علم الورثة بالقدر الزائد على الثّلث و لا قدر التركة 243

اعتبار الإجازة من وارث جائز التصرّف 245

الباب الثاني: في الوصيّة بالأعيان المعيّنة

البحث الأوّل: في الأعيان المحرّمة

بطلان الوصيّة بالأعيان المحرّمة التي ليس لها منفعة محترمة 245

ص: 459

بطلان الوصيّة بكلب الهراش 246

بطلان الوصيّة فيما لو أوصى بكلب من كلابه و كان كلّ كلابه كلاب الهراش 246

حكم ما لو قال: أعطوه كلبا من مالي 246

فيما إذا كان له كلب يباح اقتناؤه و لا مال له سواه فأوصى به لم تنفذ الوصيّة إلاّ في الثّلث 247

فيما لو لم يكن له كلب و قال: أعطوه كلبا من كلابي بطلت الوصيّة 247

حكم ما لو قال: كلبا من مالي أو كان له كلب يباح اقتناؤه و له مال سواه 247

حكم ما لو أوصى ببعض الكلب أو كان له كلاب فأوصى ببعضها 248

حكم ما لو خلّف مالا و كلابا فأوصى بالكلاب لرجل و بثلث ماله لآخر 249

حكم ما لو وصّى - في الفرض المزبور - بثلث ماله و لم يوص بالكلاب 249

فيما إذا قسّمت الكلاب بين الوارث و الموصى له قسّمت على عددها إن لم يكن لها قيمة 250

فيما إذا أوصى بكلب من كلابه فهل يخيّر الورثة في تعيينه أو يقرع ؟ 250

فيما لو كان له كلب يباح اقتناؤه و كلب هراش فالوصيّة بالمباح 250

صحّة الوصيّة بالجرو الصغير إن قصد به الصيد أو حفظ الزرع أو الماشية أو الحائط 250

بطلان الوصيّة بالخنزير أو بشيء من السباع المحرّم اقتناؤها أو كلّ ما لا منفعة فيه 250

حكم ما لو أوصى بدفّ من دفوفه 250

فيما لو أوصى بطبل حرب صحّت الوصيّة 251

فيما يتعلّق بالوصيّة بطبل اللهو 251

حكم ما إذا أوصى بما يقع اسمه على المحلّل و المحرّم و لم ينص على أحدهما 252

ص: 460

حكم ما لو كان له طبلان: طبل حرب و طبل لهو و أوصى بطبل من ماله أو من طبوله 253

فيما لو تعدّدت الطبول المباح استعمالها كان للموصى له واحد منها 253

فيما لو لم يكن إلاّ طبول محرّمة لم تصح الوصيّة 253

فيما إذا صحّت الوصيّة بالطبل فالجلد الذي عليه يدفع إلى الموصى له 253

فيما إذا جازت الوصيّة بالدفّ و كان عليه شيء من الجلاجل نزع و لم يدفع إلى الموصى له 253

فيما يتعلّق بالوصيّة بالعود 254

فيما إذا أوصى له بعود و لا عود له 255

تذنيب: في حكم الوصيّة بالمزمار 256

بيان أنواع القسيّ و حكم الوصيّة بالقوس 256

فروع:

1 - حكم ما إذا قال: أعطوه قوسا من قسيّي و له أنواع من القوس 258

2 - حكم ما لو قال: أعطوه ما يسمّى قوسا 258

3 - فيما إذا أوصى له بقوس أعطي قوسا معمولة 258

هل تستتبع الوصيّة بالقوس الوتر؟ 259

4 - عدم دخول النّشّاب و غلاف القوس في الوصيّة و دخول الريش و النصل في الوصيّة بالسهم 259

البحث الثاني: في الوصيّة بالأعيان المباحة من الحيوان

القسم الأوّل: الحيوان غير الرقيق

صحّة الوصيّة بالحيوانات المملوكة 259

فيما لو أوصى له بشاة تناول الذكر و الأنثى 259

ص: 461

تناول اسم الشاة صغيرة الجثّة و كبيرتها و السليمة و المعيبة و الصحيحة و المريضة 260

حكم ما لو قال: أعطوه شاة من شياهي أو من غنمي و لم يكن له غنم أو كان له 260

فروع:

1 - حكم ما لو قال: أعطوه شاة من مالي و لم يكن له غنم أو كان له 261

2 - حكم ما لو قال: أعطوه غنما من مالي و كان للموصي غنم أو لم يكن 261

3 - فيما إذا قال: اشتروا له شاة و له شياه لم يعطه منها 261

4 - فيما إذا أوصى بشاة و هناك قرينة تدلّ على التخصيص بالأنثى أو الذكر حمل اللفظ عليه 262

5 - مطلق الوصيّة بالشاة لا تحمل على الظباء و الثور الوحشي حيث يطلق عليهما الشاة في اللغة 262

أسماء البعير و الجمل و الناقة تشمل السليم و المعيب و البخاتي و العراب 262

عدم إطلاق اسم الجمل على الأنثى و الناقة على الذكر 262

شمول اسم البعير للذكر و الأنثى 262

فيما لو أوصى بما بلغ سنّا معيّنة وجب 263

فيما لو قال: أعطوه بنت مخاض فهل تجزئ بنت اللبون ؟ 263

إطلاق اسم الثور على الذكر من البقر و هل يطلق البقرة على الذكر من البقر؟ 263

فيما لو قال: أعطوه عشرة من الإبل أو البقر أو الغنم جاز الذكر و الأنثى 264

فيما لو قال: أعطوه عشر أينق أو بقرات لم يعط الذكور 264

فيما لو قال: أعطوه عشرا من الإبل أو عشرة جاز الذكر و الأنثى 264

فيما لو قال: أعطوه رأسا من الإبل أو البقر أو الغنم جاز الذكر و الأنثى 264

فيما لو أوصى بكلب أو حمار فينصرف إلى الذكر منهما 264

فيما لو أوصى بكلبة أو حمارة أو أتان فهو للأنثى 265

ص: 462

تذنيب: في أنّه لا يدخل الضأن في اسم المعز و لا بالعكس 265

هل تدخل الجوامس في إطلاق البقر؟ 265

اشتهار استعمال الدابّة في المركوب من البهائم 266

فيما لو قال: أعطوه دابّة انصرف إلى الخيل و البغال و الحمير 266

حكم ما إذا قال: أعطوه دابّة من دوابّي و له الأجناس الثلاثة أو جنسان منها أو لم يكن له إلاّ جنس واحد أو لم يكن له منها شيء 266

شمول لفظ الدابّة للذكر و الأنثى و السليم و المعيب و الصغير و الكبير 267

فيما إذا قرن بلفظه ما يخصّص اللفظ بأحد الأوصاف المذكورة حمل عليه 267

جواز الوصيّة بكلّ حيوان مملوك ينتفع به منفعة مقصودة في نظر الشرع و إن كان غير مأكول اللحم 268

القسم الثاني: في الوصيّة بالرقيق

تناول اسم الرقيق للصغير و الكبير و السليم و المعيب و المسلم و الكافر و الذكر و الأنثى و الخنثى 268

بطلان الوصيّة فيما لو قال: أوصيت له برأس من رقيقي و لم يكن له رقيق يوم الوصيّة و لا حدث من بعد 268

حكم الوصيّة فيما لو حدث له أرقّاء بعد الوصيّة 268

حكم الوصيّة فيما إذا لم يكن له إلاّ رقيق واحد و قال: أعطوه رأسا من رقيقي 269

فيما إذا كان للموصي أرقّاء أعطى الوارث للموصى له من شاء منهم حتّى الخنثى 269

حكم الوصيّة فيما لو كان له أرقّاء فأوصى بواحد منهم فماتوا أو قتلوا قبل موت الموصي أو بعد موته و بعد قبول الموصى له أو بعد الموت و قبل القبول 269

فيما إذا مات واحد منهم أو قتل بعد موت الموصي و قبول الموصى له أو قبل قبوله فللوارث التعيين فيه 270

ص: 463

تذنيب: في بطلان الوصيّة لو أوصى له برأس من رقيقه ثمّ أعتقهم بأسرهم و مات و لا رقيق له 270

حكم ما لو أوصى برقيق من ماله و لم يضف إلى أرقّائه كان له رقيق أو لم يكن 270

فيما لو قال: اشتروا له مملوكا يجب الشراء و يجوز شراء المعيب 271

حكم الوصيّة فيما لو قال: أعطوه رأسا و لم يقل: من مالي 271

فيما إذا قال: أعطوه عبدا انصرف إلى الذكر 271

فيما إذا قال: أعطوه أمة لم يعط عبدا ذكرا و لا خنثى مشكلا 271

فيما إذا قال: أعطوه رأسا من رقيقي أعطى الوارث من شاء من عبد أو أمة أو خنثى 271

الباب الثالث: في الوصيّة بالعتق و الحجّ و غيرهما من العبادات

البحث الأوّل: في الوصيّة بالعتق

العتق من أفضل العبادات الشرعيّة 272

فيما إذا قال: أعتقوا عنّي عبدا عتق عنه ما يقع عليه الاسم 272

حكم ما لو قال: اشتروا بثلثي عبدا و أعتقوه عني ففعل الوارث ثمّ ظهر عليه دين مستغرق 272

فيما إذا قال: أعتقوا عنّي رقابا أو اشتروا بثلث مالي رقابا و أعتقوهم و أمكن شراء ثلاث رقاب فصاعدا بثلثه فعل 273

عدم جواز صرف الثّلث إلى رقبتين أو رقبة مع إمكان الثلاث فما زاد 274

حكم ما لو لم يمكن شراء ثلاث رقاب بالثّلث 274

حكم ما لو قال: اشتروا عبدا بألف و أعتقوه فلم يخرج الألف من ثلثه و أمكن شراء عبد بالقدر الذي يخرج 276

فيما لو قال: أعتقوا عبدي بعد موتي لم يفتقر إلى قبول العبد 277

ص: 464

فيما لو قال: أوصيت له برقبته فهي وصيّة صحيحة يقصد بها الإعتاق 277

هل يفتقر - في الفرض المزبور - إلى قبول العبد؟ 277

حكم ما لو قال: وهبت منك نفسك لا على جهة التمليك 277

حكم ما إذا قال: إذا متّ فأعتقوا ثلث عبدي أو قال: ثلث عبدي حرّ إذا متّ 277

فيما يتعلّق بما لو كان له ثلاثة عبيد متساوية القيمة و لا شيء له غيرهم فأعتق في مرض الموت ثلث كلّ واحد منهم 278

فيما يتعلّق بما إذا وجد تبرّعان فصاعدا و اتّسع لها الثّلث أو ضاق 281

حكم ما إذا وجدت التبرّعات المنجّزة مترتّبة أو دفعة 281

فيما إذا كانت التبرّعات متعلّقة بالموت يقدّم السابق في الذكر إلى أن يستوفى الثّلث 285

فيما لو كان في الوصايا الأمر بزكاة واجبة أو حجّ واجب قدّمت تلك الوصيّة على سائر الوصايا 287

التبرّعات المنجّزة إذا وقعت في حال الصحّة فهي من رأس المال 288

التبرّعات المنجّزة الواقعة في مرض الموت هل هي من الثّلث أم من الأصل ؟ 288

العطايا المنجّزة حكمها حكم الوصيّة في أمور خمسة 289

1 - وقوف نفوذها على خروجها من الثّلث أو إجازة الورثة 289

2 - صحّتها للوارث و غيره بإجازة الورثة و غيرها 289

3 - نقصان فضيلتها عن فضيلة الصدقة في الصحّة 289

4 - تزاحمها للوصايا في الثّلث 289

5 - اعتبار خروجها من الثّلث حال الموت 289

افتراق العطايا المنجّزة عن الوصايا في أمور خمسة 289

1 - لزومها في حقّ المعطي بحيث ليس له الرجوع فيها و إن كثرت 290

ص: 465

2 - قبولها أو ردّها على الفور في حياة المعطي 290

3 - افتقار العطيّة إلى شروطها المشروطة لها في الصحّة 290

4 - تقدم العطايا على الوصيّة 290

5 - البدء بالأوّل فالأوّل فيما إذا عجز الثّلث عن جميع العطايا 290

بطلان تعليق العتق بشرط أو وصف أو زمان 291

حكم ما لو علّق عتق عبد بالموت و قصد العتق الموقوف لا التدبير و أوصى بإعتاق آخر 291

حكم ما لو وهب و أعتق و أقبض الهبة أو لم يقبضها 291

فيما لو تقدّمت الهبة ثمّ أعتق أو حابى ثمّ أقبض الهبة قدّم العتق أو المحاباة 291

هل تتقدّم الكتابة على الهبة و سائر الوصايا؟ 292

حكم ما لو قال لعبده: أنت حرّ قبل مرض موتي بيوم أو شهر أو سنة ثمّ مرض و مات 293

حكم ما لو قال: قبل موتي بشهر و نقص مرضه عن شهر 293

حكم ما لو قال في مرضه: سالم حرّ و غانم حرّ و سعيد حرّ أو قال: سالم و غانم و سعيد أحرار 293

حكم ما لو علّق عتقهم بالموت 293

حكم ما لو قال: إذا متّ فسالم حرّ و إن متّ في مرضي هذا فغانم حرّ 294

حكم ما لو كان له عبدان: غانم و سالم، فقال: إن أعتقت غانما فسالم حرّ 294

حكم ما لو قال: إن أعتقت غانما فسالم حرّ في حال إعتاقي غانما ثمّ أعتق غانما في مرضه 294

حكم ما لو قال: إن اعتقت غانما فسالم و سعد حرّان ثمّ أعتق غانما 294

حكم ما لو قال لعبده: إن تزوّجت فأنت حرّ ثمّ تزوّج في مرض الموت 295

ص: 466

حكم ما لو قال لجاريته الحامل: إن أعتقت نصف حملك فأنت حرّة ثمّ أعتق نصف الحمل في مرض موته 296

فيما لو ملك في مرض موته بالإرث من يعتق عليه فهل يعتق من الثّلث أو من الأصل ؟ 297

فيما لو وهب منه من يعتق عليه أو أوصي له به فهل يعتق من الثّلث أو من الأصل ؟ 297

حكم ما لو اشترى المريض من يعتق عليه و كان عليه دين أو لم يكن 298

فيما لو أعتق جارية بعد الموت و هي حامل لم يسر العتق إلى الولد 300

حكم ما لو استثنى الحمل صريحا فقال: هي حرّة بعد موتي إلاّ جنينها 300

فيما لو نجّز عتق الجارية في الحياة فهل يعتق الحمل ؟ 301

فيما لو كانت الأم لواحد و الحمل لآخر فأعتق مالك الأمّ الأمّ عتقت دون الحمل 301

حكم ما لو أوصى بعتق مملوكه و لا شيء له سواه و عليه دين 301

حكم ما لو أعتق في مرض الموت أو بعد موته عبدين و لا شيء له سواهما و قيمة أحدهما مائتان و قيمة الآخر ثلاثمائة و لم يجز الورثة 302

حكم ما إذا أعتق ثلث عبيدة أو أوصى بعتقهم و كان لهم ثلث صحيح أو كان فيهم كسر 303

فيما إذا أوصى بثلث ماله في الرقاب صرف إلى المكاتبين و العبيد إذا كانوا في شدّة 303

فيما إذا أوصى بعتق رقبة أجزأ الصغير و الكبير و الذكر و الأنثى و الصحيح و المعيب و المسلم و الكافر 306

حكم ما لو أوصى بعتق عبد لا مال له سواه أو أعتقه في مرضه و أجاز الورثة ثمّ ظهر على الميّت دين يستغرق قيمة العبد 306

ص: 467

حكم ما لو كان قد أوصى بأن يشترى من ماله عبد و يعتق فاشتروا و أعتقوه عنه ثمّ ظهر دين يستغرق ماله 307

فيما إذا أوصى بعتق عبد و عيّن شخصا و نصبه للوصيّة أعتقه النائب 307

فيما إذا أوصى بعتق عبد مطلقا و لم يسند العتق إلى أحد يلزم الوارث إعتاقه 308

حكم ما إذا أوصى بعتق و غيره و اتّسع الثّلث للجميع أو ضاق 308

حكم ما لو قال: يخدم عبدي فلانا سنة ثمّ هو حرّ 309

فيما لو أوصى أن يشترى له بثلث ماله رقاب و يعتقون لم يجز صرفه إلى المكاتبين 309

حكم ما لو أوصى أن يشترى عبد زيد بخمسمائة و يعتق فتعذّر شراؤه 310

حكم ما لو أوصى أن يشترى عبد بألف و يعتق عنه فلم يخرج من ثلثه 311

حكم ما لو أوصى بشراء عبد أو بيعه و أطلق 311

فيما لو أوصى ببيع عبد بشرط العتق صحّت الوصيّة 312

حكم ما لو أوصى ببيع عبد لرجل بعينه بثمن معلوم أو لم يسمّ ثمنا 312

حكم ما لو كان له عبدان اسم كلّ واحد: سعد، فقال: سعد حرّ بعد موتي و له مائتا درهم و لم يعيّنه 312

فيما لو قال: أحد عبيدي حرّ أقرع بينهم 312

حكم ما إذا قال: أعتقوا عنّي عبدا أو أعتقوا أحد عبيدي 313

فيما لو أوصى بعتق جماعة من عبيده مفصّلا بدئ بالأوّل فالأوّل 313

فيما إذا أوصى بعتق جاريته على أن لا تتزوّج ثمّ مات فقالت: لا أتزوّج و عتقت فإن تزوّجت بعد ذلك لم يبطل عتقها 314

حكم الوصيّة فيما لو أوصى لأمّ ولده بألف على أن لا تتزوّج أو على أن تثبت مع ولده ففعلت و أخذت الألف ثمّ تزوّجت و تركت ولده 314

ص: 468

فيما لو أعتق عبدين متساويي القيمة بكلمة واحدة و لا مال له غيرهما فمات أحدهما أقرع بين الحيّ و الميّت 314

فيما لو أعتق في مرض موته تبرّعا ثمّ أقرّ بدين لم يبطل تبرّعه و نفذ العتق 315

فيما لو قال: إن تزوّجت فعبدي حرّ فهل يصحّ؟ 315

التدبير وصيّة يمضى من الثّلث و للمدبّر الرجوع فيه و في بعضه 316

فيما لو دبّر عبده و كان عليه كفّارة عتق لم يجزئ التدبير عن العتق 316

فيما لو أوصى بصرف شيء في العتق فأخرجه الوصي في الحجّ عن الميّت لم يجزئ 316

في أنّه ينبغي عتق من ناله منه ضرر و شدّة 317

فيما لو أوصى بعتق رقبة أجزأ أن يعتق عنه مسمّاها من ذكر و أنثى و خنثى 317

فيما روي من أنّه إذا أوصى بعتق نسمة مؤمنة و لم يوجد ذلك جاز أن يعتق من أفناء الناس ممّن لا يعرف بنصب و لا عداوة 318

فيما روي من جواز شهادة مملوكين لغلام جارية لمولاهما 318

البحث الثاني: في الوصيّة بالحجّ

صحّة الوصيّة بالحجّ الاستحبابي و جواز النيابة فيه 319

حكم ما إذا أوصى أن يحجّ عنه و أطلق و لم يعيّن من بلده أو من الميقات 320

حكم ما إذا أوصى بحجّ التطوّع و غيره و قدّم الحجّ في الذكر أو قدّم غيره 321

فيما لو أوصى بالحجّ الواجب أخرجت من صلب المال إن أطلق 322

فيما لو أوصى بحجّ واجب و غيره قدّم الواجب من صلب المال و لو قال: من الثّلث قدّم على غيره من الوصايا 323

فيما إذا مات و عليه حجّ واجب و لم يوص حجّ عنه من صلب المال 323

ص: 469

فيما إذا أوصى أن يحجّ عنه حجّة الإسلام من صلب ماله فهل يحجّ عنه من الميقات أو من بلده مع اتّساع المال ؟ 324

فيما إذا أوصى أن يحجّ عنه حجّة الإسلام من ثلث ماله فإنّه يحجّ عنه من الثّلث 324

فيما إذا أوصى أن يحجّ عنه و لم يحج حجّة الإسلام و بلغ ثلثه حجّة من بلده فهل يحجّ عنه من بلده أو من أقرب الأماكن ؟ 325

فيما يتعلّق بما إذا أوصى بالحجّ و قرن به ما يكون من الثّلث 325

فيما يتعلّق بما إذا أوصى أن يحجّ عنه و يذكر حجّا واجبا أو تطوّعا أو يطلق 326

فيما يتعلّق بما إذا أوصى أن يحجّ عنه واجبا أو تطوّعا و عيّن الأجرة أو لم يعيّنها 328

فيما إذا وجب عليه حجّة الإسلام و حجّة منذورة ثمّ مات بعد استقرارهما في ذمّته و لم يتّسع المال إلاّ لإحداهما فهل تسقط المنذورة أو تخرج من الثّلث ؟ 329

فيما إذا أوصى أن يحجّ عنه حجّة الإسلام من الثّلث و أوصى لإنسان بمائة و التركة ثلاثمائة و أجرة الحجّ مائة قدّمت أجرة الحجّ و بطلت الوصيّة الأخرى 330

فيما لو أوصى بعدم التقديم وزّع الثّلث بين أجرة الحجّ و الوصيّة بالمال فيدخلها الدور 330

فيما يتعلّق بما إذا أوصى أن يحجّ عنه من ثلثه بمائة و أوصى بما يبقى من ثلثه لزيد و بثلث ماله لعمرو و قصد التشريك و لم يجز الورثة ما زاد على الثّلث 331

فيما لو قال: حجّوا عنّي بثلث مالي حجّة وجب أن يحجّ عنه بثلث ماله 334

فيما يتعلّق بما إذا قال: حجّوا عنّي بثلثي و كانت أجرة المثل بقدر الثّلث أو كان الثّلث أكثر أو بقدر أجرة الحجّ مرّة واحدة 335

فيما إذا قال: حجّوا عنّي و أطلق و علم منه قصد التكرار حجّ عنه ما بقي من ثلثه شيء 335

ص: 470

فيما يتعلّق بما لو أوصى أن يحجّ عنه في كلّ سنة بعشرين دينارا من ضيعة له و لم يتّفق من يرغب بذلك أو قصرت الضيعة عن العشرين 336

فيما يتعلّق بما لو أوصى أن يحجّ عنه فلان بعينه و عيّن القدر أو لم يعيّنه 336

فيما روي عن الباقر عليه السّلام في عبد مأذون له في التجارة دفع إليه رجل ألف درهم و قال له: اشتر منها نسمة فأعتقها عنّي و حجّ عنّي بالباقي 337

الحجّ يؤدّى عن الميّت إن كان فرضا و إن لم يوص 337

فيما لو عرف مستودع المال أنّ الورثة لا يحجّون عن الميّت جاز له أن يقتطع من الوداعة بقدر أجرة الحجّ من أقرب الأماكن 337

فيما لو قال: حجّوا عنّي و لم يعيّن النائب فللوارث أن يحجّ بنفسه و بغيره 337

البحث الثالث: في الوصيّة بالصدقة و غيرها

فيما إذا أوصى بالصدقة حمل على الندب إلاّ أن يقول: إنّها واجبة فكان كالإقرار 338

فيما إذا عيّن الموصي مقدار الوصيّة و الموصى له اتّبع ما عيّنه و إن أطلقهما اكتفي بأقلّ ما يتموّل و يتصدّق به على من كان فقيرا 338

هل يكفي - في الفرض المزبور - إخراج الوصيّة في بناء القناطر أو عمارة المساجد و نحوهما؟ 338

حكم ما لو أوصى في سبيل اللّه و بيان المراد منه 338

فيما لو أوصى بالزكاة الواجبة وجب دفعها 339

فيما إذا لم يوص و علم أنّ الميّت لم يخرج الزكاة وجب إخراجها عنه 339

فيما لو تبرّع أجنبيّ بأداء الزكاة عن الميّت جاز 340

فيما لو أوصى بالخمس الواجب وجب إخراجه من صلب المال و إن لم يكن واجبا أخرج من الثّلث 340

فيما لو أوصى بالصدقة المندوبة أخرجت من الثّلث 340

ص: 471

صحّة قضاء الصلاة الفائتة الواجبة عن الميّت 340

فيما إذا أوصى الميّت بالصلاة الفائتة أخرجت الوصيّة من الثّلث 340

في منع العامّة من الوصيّة بالصلاة عن الميّت و من التبرّع بها عنه و ردّه بنصّ القرآن و الروايات 341

فيما إذا أوصى بكفّارة وجب إخراجها عنه 343

حكم ما إذا لم يوص بالكفّارة و كانت مرتّبة أو مخيّرة 343

انتفاع الميّت بالدعاء له 345

انتفاع الميّت بالصدقة عنه 346

حكم التضحية عن الميّت 347

حصول النفع للميّت بالصوم عنه من غير نقصان ثواب الصائم 347

البحث الرابع: في الوصيّة المبهمة

حكم ما إذا أوصى بسهم من ماله و لم يبيّن 348

حكم ما إذا أوصى بجزء من ماله و لم يبيّن 351

حكم ما إذا أوصى بشيء من ماله و لم يبيّن 353

حكم ما إذا أوصى بمال كثير 354

تذنيب: في حكم ما لو أوصى بمجهول غير ما سبق 355

حكم الوصيّة بالمجهول 355

بطلان الوصيّة فيما لو أوصى بعبد من عبيده و لا عبيد له 357

فيما لو قال: أعطوه عبدا أو أعتقوا عبدا صحّت الوصيّة و اشتري له عبد 357

فيما لو كان له - في الفرض المزبور - عبيد جاز للورثة أن يعطوه أيّ عبد شاؤا 357

فيما لو قال: أعطوه أمة أو أنثى لم يجزئ الذكر و لا الخنثى المشكل 358

ص: 472

فيما لو أوصى له بواحد من رقيقه أو برأس ممّا ملكت يمينه دخل في وصيّته الذكر و الأنثى 358

فيما لو قال: اشتروا له عبدا و كان له عبيد لم يعط من عبيده 358

فيما لو أوصى له بسيف و كان في جفن عليه حلية كان كلّها له إذا خرج من الثّلث 358

فيما لو أوصى له بصندوق و فيه مال أو بسفينة فيها طعام أو بجراب فيه متاع أو بكيس فيه ذهب دخل المال و الطعام و المتاع و الذهب في الوصيّة 359

فيما لو أوصى له بخاتم و فيه فصّ دخل الفصّ فيه و لم يدخل الخاتم لو كانت الوصيّة بالفصّ 360

فيما لو أوصى لواحد بالخاتم و لآخر بالفصّ صحّ 360

حكم ما لو أوصى بوصيّة و جعلها أبوابا مسمّاة فنسي الوصيّ بابا منها 360

البحث الخامس: في الوصيّة بالنصيب

حكم ما إذا أوصى له بنصيب وارث و قصد العين 361

فيما لو أوصى له بمثل نصيب أحد الورثة و عيّنه صحّت الوصيّة من الثّلث و اختلف في تقديره 362

حكم ما إذا كان له ورثة متعدّدون و أوصى لزيد بمثل نصيب أحدهم 364

حكم ما لو قال: أوصيت بمثل نصيب أقلّهم أو أكثرهم ميراثا 365

حكم ما لو أوصى له بمثل نصيب بنته و لا وارث له سواها 366

حكم ما لو كان له بنتان و أوصى بمثل نصيب بنتيه 366

حكم ما لو كان له ثلاث أخوات من أم و إخوة من أب فأوصى لأجنبيّ بمثل نصيب أحد ورثته 366

حكم ما لو كان له زوجة و بنت و قال: مثل نصيب بنتي 366

حكم ما لو كان له أربع زوجات و بنت فأوصى بمثل نصيب إحداهنّ 366

ص: 473

حكم ما لو قال في الفرض المزبور: مثل نصيب أكثرهم 366

حكم ما لو أوصى بمثل نصيب ابن و له ثلاثة بنين و ثلاث بنات 367

حكم ما لو أوصى بمثل نصيب بنت و له بنت و ثلاثة بنين 367

حكم ما لو كان له ابن و ثلاث بنات و أبوان و أوصى بمثل نصيب الابن 367

حكم ما لو أوصى له بمثل نصيب وارث مقدّر لو كان موجودا 367

حكم ما لو كان له ابن و أوصى بمثل نصيب ابن ثان لو كان 368

حكم ما لو أوصى و له ثلاثة بنين بمثل نصيب بنت لو كانت 368

حكم ما لو أوصى بمثل نصيب ابنه لو كان و لا ابن له 368

حكم ما لو كان له ابنان و أوصى لزيد بمثل نصيب ابن رابع لو كان و لعمرو بمثل نصيب ابن خامس لو كان 368

حكم ما لو كان له ابنان و أوصى لزيد بمثل نصيب ابن ثالث لو كان و لعمرو بمثل نصيب ابن رابع لو كان 369

حكم ما لو كان له ابنان و أوصى لزيد بمثل نصيب أحدهما و لعمرو بمثل نصيب الثاني 370

بطلان الوصيّة فيما لو أوصى له بمثل نصيب من لا نصيب له أو بمثل نصيب أخيه و هو محجوب عن ميراثه 371

حكم ما لو أوصى لواحد بثلث ماله و لآخر بربعه و لآخر بخمسه و لآخر بمثل وصيّة أحدهم 372

حكم ما لو أوصى لرجل بعشر و لآخر بستّة و لآخر بأربعة و لآخر بمثل وصيّة أحدهم 372

حكم ما لو أوصى لأحدهم بمائة و لآخر بدار و لآخر بعبد ثمّ قال: فلان شريكهم 372

حكم ما لو خلّف ثلاثة بنين و أوصى لثلاثة بمثل أنصبائهم 372

ص: 474

البحث السادس: في الوصيّة بالضّعف و الجزء و النصيب

حكم ما لو أوصى له بضعف نصيب ابنه 373

فيما قيل في تحديد الضّعف 374

حكم ما لو أوصى له بضعفي نصيب ابنه أو بثلاثة أضعافه 374

فيما لو أوصى بضعف نصيب ابنه و لا وارث سواه فهي وصيّة بالثّلثين 375

فيما لو قال: ضعف نصيب أحد أولادي أو أحد ورثتي أعطي مثلي نصيب أقلّهم نصيبا 376

فيما لو أوصى لزيد بمائة و لعمرو بضعفها فهي وصيّة بمائتين 376

فيما لو أوصى بضعفي نصيب ابنه و له واحد فالوصيّة ثلاثة أرباع المال 376

حكم ما لو أوصى بضعفي نصيب أحد بنيه الثلاثة 376

فيما لو قال: ضعف ضعفه فهو ثلاثة أمثاله 376

حكم ما لو أوصى بحظّ أو نصيب أو قسط أو بعض أو قليل أو وافر 376

فيما لو قال: أعطوه ثلث مالي إلاّ شيئا قبل من الوارث تفسير الموصى به 378

فيما لو قال: أعطوه من واحد إلى عشرة أعطي ثمانية 378

فيما لو قال: أعطوه واحدا في عشرة أو ستّة في خمسة أعطي ما يقتضيه الضرب 379

حكم ما لو قال: أعطوه أكثر مالي أو أكثر مالي و نصفه أو أكثر مالي و مثله 379

حكم ما لو قال: أعطوه معظم الألف أو عامّته أو قال: أعطوه دراهم أو دنانير 379

فيما لو قال: كذا درهما و كذا و كذا فكما في الإقرار 379

فيما لو قال: أعطوه مائة و درهما أو ألفا و درهما لم تتعيّن المائة و الألف في الدرهم 379

حكم ما إذا أوصى بجزء من ماله معيّن و له ورثة 379

حكم ما لو أوصى بأكثر من الثّلث 381

ص: 475

حكم ما لو أوصى لواحد بجزء و لآخر بجزء 382

حكم ما لو استغرقت الوصايا المال بأسره أو زادت على المال 383

حكم ما لو أوصى لواحد بنصف ماله و لآخر بالثّلث و لآخر بالرّبع 384

حكم ما لو أوصى لإنسان بعبد قيمته مائة و لآخر بجارية قيمتها ألف و لثالث بخمسمائة و ثلث ماله ثمانمائة 385

حكم ما لو أوصى لزيد بعشرة و لبكر بعشرة و لخالد بخمسة و ثلث ماله عشرون و قصد التشريك و لم يجز الورثة 385

حكم ما لو قال في الفرض المزبور: قدّموا خالدا على بكر أو قدّموا خالدا على زيد و بكر 385

حكم ما لو أوصى لرجل بجزء مقدّر و لآخر بمثل نصيب وارث 385

حكم ما لو أوصى لصاحب الجزء بالثّلثين أو أوصى لرجل بجميع ماله و لآخر بمثل نصيب أحد ورثته 387

حكم ما لو خلّف ستّمائة و أوصى لرجل بمائة و لآخر بتمام الثّلث 387

حكم ما لو وصّى - في الفرض المزبور - للأوّل بمائتين و للآخر بتمام الثّلث 388

حكم ما لو وصّى لعبد الغير بثلثه و لآخر بتمام الثّلث 388

فيما لو وصّى لرجل بثلث ماله و لآخر بمائة و لثالث بتمام الثّلث على المائة و لم يزد الثّلث على مائة أو زاد عليها 388

حكم ما لو أوصى بأجزاء من المال 389

حكم ما لو أوصى بثلثي ماله و نصفه و ثلثه 390

حكم ما لو خلّف ابنين و أوصى لرجل بماله كلّه و لآخر بنصفه و قصد التشريك 390

حكم ما لو أوصى لزيد بعبده و لعمرو بما بقي من ثلث ماله 391

ص: 476

حكم ما لو لم يكن له مال سوى العبد فأوصى لزيد به و لعمرو بثلثه أو بثلث ماله و قصد التشريك 392

حكم ما لو خلّف ابنين و أوصى بنصف ماله لزيد و بثلثه لعمرو 394

حكم ما لو أوصى لرجل بمعيّن من ماله كعبد و لآخر بجزء مشاع كالثّلث من المال 395

حكم ما لو كانت وصيّة صاحب المشاع - في الفرض المزبور - بالنصف 397

حكم ما لو كانت المسألة المزبورة بحالها و ملكه غير العبد ثلاثمائة 398

حكم ما لو خلّف عبدا قيمته مائة و مائتين و وصّى لرجل بمائة و بالعبد كلّه و وصّى لآخر بالعبد و قصد التشريك 398

حكم ما لو أوصى بجارية لزيد ثمّ أوصى لبكر بها أو أوصى بثلثه لزيد ثمّ أوصى لآخر بثلثه 399

فيما لو وصّى بعبده لاثنين فردّ أحدهما وصيّته فللآخر نصفه 400

فيما لو وصّى لاثنين بثلثي ماله فردّ الورثة ذلك و ردّ أحد الوصيّين وصيّته فللآخر الثّلث كملا 400

بطلان الوصيّة فيما لو أوصى له بشيء فتلف قبل موت الموصي أو بعد موته بغير فعل الورثة 400

فيما لو تلف المال كلّه - في الفرض المزبور - سواه فهو للموصى له 400

حكم ما لو أوصى له بمعيّن فاستحقّ بعضه أو تلف 400

فيما لو أوصى بشيء للمساكين هل يجوز نقله إلى مساكين غير بلد المال ؟ 403

الباب الرابع: في مسائل متبدّدة من هذا المطلب

حكم ما لو أوصى بفرس في سبيل اللّه و بألف درهم ينفق عليه فمات الفرس 404

حكم ما لو ملك المريض من يعتق عليه بغير عوض 404

حكم ما إذا اشترى المريض من يعتق عليه 405

ص: 477

حكم ما لو قبل المريض الوصيّة له بابنه و قيمته مائة و خلّف مائتين و ابنا آخر 407

حكم ما لو كان الابن - في الفرض المزبور - قيمته مائتين و بقيّة التركة مائة 407

حكم ما لو وهب له ثلاث أخوات متفرّقات لا مال له سواهنّ و لا وارث 408

حكم ما لو اشترى أباه بألف و لا شيء له سواه ثمّ مات و خلّف ابنا 409

حكم ما لو اشترى ابنه بألف لا يملك غيره و مات و خلّف أباه 410

حكم ما لو ترك الميّت - في الفرض المزبور - ألفين سواه 410

حكم ما لو اشترى المريض ابني عمّ له بألف لا يملك سواها و قيمة كلّ واحد منهما ألف فأعتق أحدهما ثمّ وهبه أخاه ثمّ مات و خلّفهما و خلّف مولاه 411

المطلب الثاني: في الوصيّة بالمنافع

صحّة الوصيّة بالمنافع 411

فيما لو أوصى بخدمة عبد سنة من السنين و لم يعيّن صحّت الوصيّة 412

جواز أن يوصي بخدمة عبده لإنسان مدّة حياة زيد و كذا مدّة حياة العبد أو مدّة حياة المخدوم 412

صحّة الوصيّة بالمنفعة مدّة معيّنة 413

الوصيّة بالمنافع تمليك لها بعد الموت 413

فيما إذا أوصى بالمنفعة اعتبر خروجها من ثلث المال 415

بيان كيفيّة خروج المنفعة الموصى بها إن كانت مؤبّدة 415

حكم ما لو أوصى لرجل بدينار كلّ شهر من غلّة داره أو كسب عبده و جعله بعده لوارثه أو للفقراء و المساكين و الغلّة و الكسب عشرة 419

حكم ما لو أوصى لإنسان بدينار كلّ سنة 420

حكم ما لو أوصى بخدمة عبده أو بمنافع دابّته و كانت الوصيّة مقيّدة بمدّة معلومة أو على التأبيد 421

ص: 478

حكم فطرة العبد الموصى بخدمته 424

حكم إعتاق الوارث للعبد الموصى بمنفعته 424

هل يصحّ عتق العبد الموصى بمنفعته في الكفّارة ؟ 424

تذنيب: في أنّه هل للوارث أن يكاتب العبد الموصى بمنفعته ؟ 426

آخر: في أنّه ليس للموصى له بالمنفعة عتق العبد 426

آخر: فيما لو وهب الموصى له بالخدمة و المنافع العبد بمنافعه و خدمته فللورثة الانتفاع به 426

حكم بيع العبد الموصى بمنفعته 426

صحّة الوصيّة فيما لو أوصى برقبة العبد لإنسان و بمنفعته لآخر 427

فيما لو انهدمت الدار الموصى بمنافعها فأعادها الوارث بآلتها هل يعود حقّ الموصى له ؟ 427

فيما لو أوصى له بمنفعة العبد مؤبّدا كان للموصى له إثبات يده عليه 427

حكم ما لو أوصى له بمنافع أمته فأتت بولد من زوج أو زنا 428

لمن يكون الولد في الصورة المزبورة ؟ 428

لمن تكون قيمة هذا الولد إن قتل ؟ 428

حكم ما لو وطئها واطئ بشبهة أو زوجيّة فأتت بولد 429

ليس للموصى له بمنفعتها وطؤها و حكم وطئها مع علم التحريم 429

فيما لو أولدها بالوطء هل تصير أمّ ولد؟ 429

ليس لوارث الموصي وطء الأمة الموصى بمنفعتها 430

بيان ما يدخل في الوصيّة بمنفعة العبد أو الدار أو خدمة العبد أو سكنى الدار أو الوصيّة بالغلّة و الكسب 430

ليس للموصى له بمنفعة الأمة و لا للوارث تزويجها 431

ص: 479

فيما لو أوصى له بمنفعة العبد أو الأمة أو الدابّة فللموصى له الانفراد بالسفر بالموصى بمنفعتها 431

حكم ما لو جني على العبد الموصى بمنفعته بما يوجب القصاص أو المال 432

حكم ما لو جنى العبد الموصى بخدمته بما يوجب القصاص أو المال 434

حكم ما لو أوصى له بثمرة نخلة فتنازع الورثة و الموصى له في السقي 435

حكم إجارة الموصى له بالمنفعة العين مدّة أو إعارتها كذلك أو مطلقا 435

جواز الوصيّة بلبن شاة أو صوفها أو هما معا 436

فيما لو يبست الشجرة الموصى بثمرتها أو منفعتها كان حطبها للوارث 436

حكم ما لو وصّى له بثمرة سنة معيّنة فلم تحمل تلك السنة 436

صحّة الوصيّة فيما لو أوصى لرجل بشجرة و لآخر بثمرتها 436

صحّة الوصيّة فيما لو أوصى لرجل بحبّ زرعه و لآخر بتبنه 437

تنبيه: في صحّة الوصيّة بما لا يقدر على تسليمه 437

تذنيب: فيما لو أوصى بالشقص الذي يستحقّ به الشفعة فحقّ الشفعة للوارث فقط 438

فهرس الموضوعات 439

ص: 480

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.