تذكره الفقهاء المجلد 20

اشارة

سرشناسه : علامه حلي حسن بن يوسف ق 726 - 648

عنوان و نام پديدآور : تذكره الفقهاء/ تاليف العلامه الحلي الحسن بن يوسف بن المطهر؛ تحقيق موسسه آل البيت عليهم السلام لاحياآ التراث مشخصات نشر : قم موسسه آل البيت عليهم السلام لاحياآ التراث 1400ق = 1300.

مشخصات ظاهري : ج 22

فروست : (موسسه آل البيت عليهم السلام لاحياآ التراث 127؛ 129؛ 130134)

شابك : 964-5503-33-7 (دوره ؛ 964-5503-44-2 2900ريال (ج 4) ؛ 964-5503-46-9 (ج 6) ؛ 964-319-007-2 (ج 7) ؛ 964-319-224-5 8000ريال (ج 11)

يادداشت : عربي يادداشت : فهرست نويسي براساس جلد چهارم 1414ق = 1372

يادداشت : ج 1 (چاپ اول 1420ق = 1378)؛ 8000 ريال ج 1) :ISBN 964-319-197-4

يادداشت : ج 8 (چاپ اول 1417ق = 1376)؛ 6500 ريال ج )8ISBN 964-319-051-x

يادداشت : ج 9 (چاپ اول 1419ق = 1377)8000 ريال :(ج )9ISBN 964-319-008-0

يادداشت : ج 13 (چاپ اول 1423ق = 1381)9500 ريال :ISBN 964-319-389-6

يادداشت : كتابنامه مندرجات : (ج )7) ISBN 964-319-007-2 ج 12) 1422ق = 8500 :1380 ريال موضوع : فقه جعفري -- قرن ق 8

شناسه افزوده : موسسه آل البيت عليهم السلام لاحياآ التراث رده بندي كنگره : BP182/3 /ع8ت4 1300ي

رده بندي ديويي : 297/342

شماره كتابشناسي ملي : م 73-2721

ص: 1

اشارة

ص: 2

الجزء العشرون

بسم اللّه الرّحمن الرّحيم

ص: 3

جميع الحقوق محفوظة و مسجّلة لمؤسسة آل البيت عليهم السّلام لإحياء التراث

مؤسسة آل البيت عليهم السّلام لإحياء التراث قم المقدّسة: شارع الشهيد فاطمي (دورشهر) زقاق 9 رقم 1-3 ص. ب 37185/996 هاتف: 5-7730001 فاكس: 7730020

ص: 4

كتاب العطايا المعجّلة و فيه مقصدان:

مقدّمة:

العطايا جمع عطيّة، أقسامها ثلاثة؛ لأنّها إمّا منجّزة غير معلّقة بالوفاة، و إمّا مؤجّلة معلّقة بالوفاة، و الثاني الوصيّة، و الأوّل إمّا أن تكون العطيّة مطلقة تقتضي الملك المطلق الموجب لإباحة أنواع التصرّفات، و هو الهبة، و إمّا أن تكون مقيّدة غير مطلقة، و هو الوقف.

المقصد الأوّل: في الهبة و فيه مقدّمة و فصول

اشارة

المقصد الأوّل: في الهبة و فيه مقدّمة و فصول(1).

أمّا المقدّمة: ففي بيان حقيقتها و تسويغها.

اشارة

قد عرفت أنّ أقسام العطايا ثلاثة، و أنّ من جملتها العطيّة المنجّزة في الحياة، المقتضية تسويغ عموم التصرّفات، و هي الهبة، لكنّها إن خلت عن العوض سمّيت هبة، فإن انضمّ إليه حمل الموهوب من مكان إلى مكان للموهوب منه إعظاما له و توقيرا سمّي هديّة، و إن انضمّ إليه كون التمليك من المحتاج تقرّبا إلى اللّه تعالى و طلبا لثوابه فهو صدقة، فامتازت الهبة عن الهديّة بالنقل و التحويل من موضع إلى موضع، و منه إهداء القرابين إلى الحرم، و لهذا لا يدخل لفظ الهديّة في العقارات و ما أشبهها من الأمور الممتنع نقلها، فلا يقال: أهدى إليه دارا، و لا عقارا، و لا أرضا، و إنّما يقال:

و هبه أرضا و عقارا و دارا، و يدخل أيضا في المنقولات، فصارت بهذا

ص: 5


1- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «فصلان». و المثبت يقتضيه ذكر ثلاثة فصول في طيّ الكتاب.

الاعتبار أعمّ من الهديّة و الصدقة، فإنّ كلّ هديّة و صدقة هبة، و لا تنعكس، و لهذا لو حلف أن لا يهب فتصدّق حنث، و بالعكس لا يحنث.

و اختلف أصحاب الشافعي في أنّه هل يعتبر في حدّ الهديّة أن يكون بين المهدي و المهدى إليه رسول و متوسّط على وجهين فيما إذا حلف أن لا يهدي إليه فوهب منه خاتما و شبهه يدا بيد، هل يحنث ؟ و المشهور عندهم: أنّه لا يعتبر(1).

مع أنّه ينتظم أن يقال لمن حضر عنده: هذه هديّتي أهديتها لك، مع انتفاء الرسول و المتوسّط فيه.

مسألة 1: و قد ورد في الكتاب العزيز و السّنّة و الأحاديث

ما يدلّ على استحباب الثلاثة و الترغيب فيها:

قال اللّه تعالى: وَ إِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها (2) قيل:

المراد منه الهبة(3).

و قال تعالى: وَ تَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَ التَّقْوى (4) و قال تعالى:

وَ لكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ وَ الْمَلائِكَةِ وَ الْكِتابِ وَ النَّبِيِّينَ وَ آتَى الْمالَ عَلى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبى وَ الْيَتامى وَ الْمَساكِينَ وَ ابْنَ السَّبِيلِ (5) و قال تعالى: إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَ الْمُصَّدِّقاتِ (6) و هي كثيرة.

ص: 6


1- العزيز شرح الوجيز 306:6، روضة الطالبين 427:4.
2- سورة النساء: 86.
3- الجامع لأحكام القرآن 298:5، العزيز شرح الوجيز 306:6.
4- سورة المائدة: 2.
5- سورة البقرة: 177.
6- سورة الحديد: 18.

و روى العامّة أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال: «لو أهدي إليّ ذراع لقبلت، و لو دعيت إلى كراع لأجبت»(1).

و كان عليه السّلام يأمر بالهديّة صلة بين الناس، قال عليه السّلام: «تهادوا تحابّوا»(2).

و قال عليه السّلام: «تهادوا فإنّ الهديّة تذهب الضغائن»(3).

و من طريق الخاصّة: ما رواه ابن بابويه عن الصادق عليه السّلام أنّه قال:

«تهادوا تحابّوا»(4).

و عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أنّه قال: لو دعيت إلى ذراع(5) لأجبت، و لو أهدي إليّ كراع لقبلت»(6).

و قال عليه السّلام: «عد من لا يعودك، و اهد لمن لا يهدي إليك»(7).

و قال الصادق عليه السّلام: «الهديّة ثلاثة: هديّة مكافأة، و هديّة مصانعة، و هديّة للّه عزّ و جلّ»(8).

و قال أمير المؤمنين عليه السّلام: «لإن أهدي لأخي المسلم هديّة تنفعه أحبّ3.

ص: 7


1- المصنّف - لابن أبي شيبة - 2028/556:6، مسند أحمد 9855/254:3، صحيح البخاري 201:3، و 32:7، السنن الكبرى - للبيهقي - 169:6، و 7: 273.
2- الموطّأ 16/908:2، الأدب المفرد - للبخاري -: 594/205، مسند أبي يعلى 6148/9:11، المعجم الأوسط - للطبراني - 7240/234:7، مسند الشهاب 1: 657/381، السنن الكبرى - للبيهقي - 169:6، تاريخ مدينة دمشق 225:61 و 227.
3- أورده الرافعي في العزيز شرح الوجيز 306:6.
4- الفقيه 858/190:3.
5- في المصدر: «كراع» بدل «ذراع».
6- الفقيه 861/191:3.
7- الفقيه 867/191:3.
8- الفقيه 868/191:3.

إليّ من أن أتصدّق بمثلها»(1).

و قد أجمع المسلمون كافّة على استحبابها.

و لا ينبغي أن يستخفّ القليل فيمتنع من إهدائه، و لا ينبغي للمهدى إليه الاستنكاف من قبوله؛ لما في ذلك من جبر القلب و حصول المؤانسة.

تنبيه: الهبة هي العقد المقتضي تمليك العين من غير عوض تمليكا منجّزا مجرّدا عن القربة، و يعبّر عنها بالنحلة أيضا، فقولنا: «العقد» جنس بعيد شامل لجميع العقود، و قولنا: «المقتضي تمليك العين» يخرج منه الإجارة و العارية، فإنّ الإجارة تقتضي تمليك المنافع لا تمليك العين، و العارية تقتضي إباحة المنافع لا تمليكها، و قولنا: «من غير عوض» يخرج عنه البيع، فإنّه يقتضي تمليك العين لكن مع العوض، و يزيد أنّ العوض لا يكون لازما، لا انتفاء العوض ليدخل في الحدّ الهبة المعوّض عنها، و التنجيز لإتمام الحدّ، و التجرّد عن القربة ليخرج الصدقة.5.

ص: 8


1- الكافي 12/144:5.

الفصل الأوّل: في الأركان و مباحثه ثلاثة:

البحث الأوّل: في صيغة الهبة
اشارة

البحث الأوّل: في صيغة الهبة(1).

الهبة عقد يفتقر إلى الإيجاب و القبول باللفظ، كالبيع و سائر التمليكات.

و أمّا الهديّة فذهب قوم من العامّة إلى أنّه لا حاجة فيها إلى الإيجاب و القبول اللفظيّين، بل البعث من جهة المهدي كالإيجاب، و القبض من جهة المهدى إليه كالقبول؛ لأنّ الهدايا كانت تحمل إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله من كسرى و قيصر و سائر الملوك فيقبلها و لا لفظ هناك، و استمرّ الحال من عهده عليه السّلام إلى هذا الوقت في سائر الأصقاع، و لهذا كانوا يبعثون على أيدي الصبيان الذين لا يعتدّ بعبارتهم(2).

و منهم من اعتبرهما، كما في الهبة و الوصيّة، و اعتذروا عمّا تقدّم بأنّ ذلك كان إباحة لا تمليكا(3).

و أجيب: بأنّه لو كان كذلك لما تصرّفوا فيه تصرّف الملاّك، و معلوم أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله كان يتصرّف فيه و يملّكه غيره(4).

ص: 9


1- في النّسخ الخطّيّة: «الصيغة» بدل «صيغة الهبة».
2- الحاوي الكبير 537:7، الوسيط 265:4، حلية العلماء 50:6-51، التهذيب - للبغوي - 543:4-544، البيان 96:8، العزيز شرح الوجيز 307:6 - 308، روضة الطالبين 428:4، المغني 283:6، الشرح الكبير 275:6.
3- العزيز شرح الوجيز 308:6، روضة الطالبين 428:4.
4- العزيز شرح الوجيز 308:6، روضة الطالبين 428:4، و راجع: الهامش (5) من ص 11، و الهامش (1 و 2) من ص 12.

و الصدقة كالهديّة في ذلك بلا فصل.

و يمكن الاكتفاء في هدايا الأطعمة بالإرسال و الأخذ من غير لفظ الإيجاب و القبول؛ جريا على المعتاد بين الناس.

و التحقيق: مساواة غير الأطعمة لها، فإنّ الهديّة قد تكون غير طعام، فإنّه قد اشتهر هدايا الثياب و الدوابّ من الملوك إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، و أنّ مارية القبطيّة أمّ ولده كانت من الهدايا(1).

و قال بعض الحنابلة: لا تفتقر الهبة إلى عقد، بل المعاطاة و الأفعال الدالّة على الإيجاب و القبول كافية، و لا يحتاج إلى لفظ؛ لأنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله كان يهدي و يهدى إليه، و يفرّق الصدقة، و يأمر سعاته بتفرقتها، و لم ينقل في ذلك إيجاب و لا قبول، و لو كان شرطا لأمر به، و لأنّه لا خلاف بين العلماء أنّ تقديم الطعام بين يدي الضّيفان إذن في الأكل، و أنّه لا يحتاج إلى قبول(2).

مسألة 2: الإيجاب هنا كلّ لفظ يقصد به تمليك العين بغير عوض،

و الصريح فيه: و هبتك، و ملّكتك، و أهديت لك، و أعطيتك، و هذا لك، و لا بدّ فيه من لفظ صريح، و لا تكفي الكنايات فيه، كالبيع؛ عملا بالاستصحاب.

و القبول كلّ لفظ يدلّ على الرضا بالتمليك، كقوله: قبلت، و رضيت، و ما يشابهه.

ص: 10


1- السيرة النبويّة - لابن هشام - 202:1، الطبقات الكبرى - لابن سعد - 214:8، مروج الذهب 1492/29:3، أسد الغابة 261:6، المستدرك - للحاكم - 38:4 و 39، السنن الكبرى - للبيهقي - 215:9، العزيز شرح الوجيز 308:6.
2- المغني 283:6-284، الشرح الكبير 275:6-276.

و لا بدّ و أن يكون العقد منجّزا، فلو علّقه على شرط لم يصح، كالبيع.

و يجب أن يكون القبول عقيب الإيجاب، فلا يجوز تأخيره عنه، بل يعتبر التواصل، كما في البيع، و ليتمّ القبول جوابا لذلك الإيجاب.

و ذكر بعض الشافعيّة أنّه يجوز تأخير القبول عن الإيجاب، كما في الوصيّة(1).

و هذا الخلاف حكاه أكثر الشافعيّة في الهبة(2).

و خصّصه بعضهم بالهديّة؛ لأنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أهدى إلى النجاشي(3) ، و لا يزال الناس يفعلون ذلك، و منع من التأخير في الهديّة جزما، و فعل النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و غيره إباحة لا هبة، و القياس: التسوية بينهما(4).

ثمّ في الهدايا التي يبعث بها من موضع إلى آخر إن اعتبرنا اللفظ و فوريّة القبول وكّل المهدي الرسول ليوجب و يقبل المهدى إليه، أو يوجب المهدي و يقبل المهدى إليه عند الوصول إليه.

و المشهور: أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله كان يتصرّف في الهبة(5) ، و لم ينقل في1.

ص: 11


1- العزيز شرح الوجيز 309:6، روضة الطالبين 428:4.
2- كما في العزيز شرح الوجيز 309:6، و روضة الطالبين 428:4.
3- الطبقات الكبرى - لابن سعد - 95:8، مسند أحمد 26732/552:7، المعجم الكبير - للطبراني - 205/81:25، المستدرك - للحاكم - 188:2، السنن الكبرى - للبيهقي - 26:6، صحيح ابن حبّان - بترتيب ابن بلبان - 515:11 - 5114/516.
4- العزيز شرح الوجيز 309:6، روضة الطالبين 428:4.
5- مسند أحمد 9011/124:3، و 10003/277، صحيح البخاري 105:1، و 203:3، صحيح مسلم 1077/756:2، و 2075/1646:3، المعجم الكبير - للطبراني - 1008/417:19 و 1009، السنن الكبرى - للبيهقي - 185:6، تاريخ مدينة دمشق 391:21.

شيء منه أنّه أوجب له الرسول و قبل منه، و كذا ما يفعله الناس.

و قوله: «إنّه إباحة» ليس بصحيح؛ لأنّهم أجمعوا على تسميتها هديّة و هبة، و لا يسمّونها إباحة، و لأنّ الإباحة تختصّ بالمباح له، و قد كان النبيّ صلّى اللّه عليه و آله إذا أهدي إليه شيء يهديه لزوجاته و غيرهنّ(1) ، و قد أهدي له حلّة فأهداها لعليّ عليه السّلام(2).

مسألة 3: و يشترط في المتعاقدين الكماليّة،

فلا يصحّ العقد إلاّ من بالغ كامل العقل جائز التصرّف.

و يقبل عن الطفل وليّه إمّا الأب أو الجدّ أو غيرهما.

و إن كان الواهب هو الوليّ، فإن كان أبا أو جدّا تولّى الطرفين، و إن كان غيرهما من حاكم أو وصيّ أو وليّ حاكم فكذلك على الأقوى.

و يحتمل أن يقبل الحاكم أو نائبه.

و لا يكفي في العقد الإيجاب منفردا عن القبول، بل لا بدّ منهما، كالبيع، و هو أحد وجهي الشافعيّة، و الثاني: أنّه يكفي الإيجاب عنه، و لا يكفي القبول مجرّدا عن الإيجاب(3).

و للشافعيّة وجه: أنّه يكفي إذا جاء بلفظ مستقلّ، مثل أن يقول:

اشتريت لطفلي كذا، أو اتّهبت له كذا، و لا يكفي قوله: قبلت البيع أو

ص: 12


1- الطبقات الكبرى - لابن سعد - 188:8، سنن الدارمي 104:2.
2- المصنّف - لابن أبي شيبة - 158:8-4699/159، مسند أحمد 1: 700/146، و 1175/224، صحيح مسلم 1644:3، ح 2071 و ذيله، سنن ابن ماجة 3596/1189:2، سنن أبي داود 4043/47:4، سنن النسائي (المجتبى) 197:8، السنن الكبرى - للنسائي - 9566/461:5-1، السنن الكبرى - للبيهقي - 424:2 و 425.
3- البيان 105:8، العزيز شرح الوجيز 309:6، روضة الطالبين 429:4.

الهبة(1).

و لا يكفي قبول المتعهّد الذي لا ولاية له على الطفل، و لا عبرة بقبوله عند علمائنا - و به قال الشافعي(2) - لانتفاء ولايته عنه.

و قال أبو حنيفة: يعتبر(3). و ليس شيئا.

و لو وهب من عبد غيره، اعتبر قبول العبد.

و هل يفتقر إلى إذن السيّد؟ نظر، و للشافعيّة فيه خلاف(4).

و لو وهب غيره شيئا فقبل نصفه، أو وهبه عبدين فقبل أحدهما خاصّة، فالأقرب: الجواز، بخلاف البيع؛ لأنّ البيع عقد مغابنة، و قد يتضرّر البائع بالتشقيص؛ لانتقاص قيمة الباقي، بخلاف الهبة.

و للشافعيّة فيه وجهان(5).

و لو قال غارس الشجرة: أغرس هذه لابني، لم يصر للابن بمجرّد ذلك.

و لو قال: جعلته لابني و كان صغيرا، فإن قلنا بالاكتفاء بالكنايات في العقود - على ما هو مذهب بعض الشافعيّة(6) - و بالاكتفاء من الأب في هبته من ابنه الصغير بأحد شقّي العقد، صار ملكا للابن، و إلاّ فلا، و لو كان كبيرا لم يصح.4.

ص: 13


1- نهاية المطلب 409:8، العزيز شرح الوجيز 309:6، روضة الطالبين 429:4.
2- التهذيب - للبغوي - 528:4، العزيز شرح الوجيز 309:6، روضة الطالبين 4: 429.
3- التهذيب - للبغوي - 528:4، العزيز شرح الوجيز 309:6.
4- التهذيب - للبغوي - 529:4، العزيز شرح الوجيز 309:6، روضة الطالبين 4: 429.
5- العزيز شرح الوجيز 309:6، روضة الطالبين 429:4.
6- العزيز شرح الوجيز 310:6، روضة الطالبين 430:4.

و لو اتّخذ عرسا لابنه إمّا في ختان أو غيره و عمل دعوة فحملت إليه الهدايا و لم يذكر أصحابها أنّها للأب أو للابن، للشافعيّة وجهان:

أحدهما: أنّها للأب الذي اتّخذ الدعوة؛ لأنّ الخراج بالضمان.

و الثاني: للابن؛ لأنّ الدعوة اتّخذت لأجله و له(1).

و خادم الصوفيّة الذي يتردّد في السوق و يجمع لهم شيئا يملكه، و لا يلزمه الصرف إليهم، إلاّ أنّ المروءة تقتضي الصرف، لإخلادهم إليه، و لو لم يصرفه إليهم، كان لهم منعه من أن يظهر بالجمع لهم و الإنفاق عليهم، و إنّما ملكه لانتفاء ولايته عنهم و وكالته منهم، كيف! و ليسوا بمتعيّنين، بخلاف هدايا الختان، أمّا لو دفع إليه على أنّه يطعم أصحابه، لم يكن له الاختصاص.

البحث الثاني: العين الموهوبة.
مسألة 4: كلّ عين يصحّ نقلها بالبيع يصحّ نقلها بالهبة؛

لأنّ الهبة تمليك ناجز كالبيع، و إنّما يفترقان في العوض و عدمه، فتصحّ هبة المشاع، كما يصحّ بيعه على الحدّ الذي يجوز بيعه فيه عند علمائنا أجمع - و به قال الشافعي و مالك و أحمد(2) - لأنّ وفد هوازن لمّا جاؤا يطلبون من

ص: 14


1- العزيز شرح الوجيز 310:6، روضة الطالبين 430:4.
2- الأم 62:4، الحاوي الكبير 534:7، المهذّب - للشيرازي - 453:1، نهاية المطلب 411:8، الوجيز 249:1، الوسيط 267:4، حلية العلماء 47:6، التهذيب - للبغوي - 529:4، البيان 102:8، العزيز شرح الوجيز 316:6، روضة الطالبين 434:4-435، الإشراف على نكت مسائل الخلاف 2: 1199/674، المعونة 1069:3، بداية المجتهد 329:2، الإفصاح عن معاني

رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أن يردّ عليهم ما غنمه منهم، قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: «ما كان لي و لبني عبد المطّلب فهو لكم»(1) و هذا هبة المشاع.

و عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدّه قال: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و قد جاءه رجل و معه كبّة(2) من شعر، فقال: أخذت هذه من المغنم لأصلح برذعة لي، فقال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: «ما كان لي و لبني عبد المطّلب فهو لك»(3).

و قال أبو حنيفة: هبة المشاع الذي يمكن قسمته لا تجوز، و إن كان ممّا لا يمكن قسمته صحّت هبته - و إذا وهب واحد من اثنين شيئا [ممّا ينقسم](4) لم يجز عند أبي حنيفة و زفر، و جاز عند أبي يوسف و محمّد(5) -8،

ص: 15


1- مسند أحمد 6690/382:2، و 6997/438، التاريخ الصغير - للبخاري - 1: 31، سنن النسائي (المجتبى) 262:6-263، السنن الكبرى - للنسائي - 4: 6515/120-1، السنن الكبرى - للبيهقي - 336:6، و 75:9، الطبقات الكبرى - لابن سعد - 114:1-115، و 153:2، تاريخ الطبري 86:3-87، الكامل في التاريخ 268:2-269.
2- الصحاح 50:2، المغني 285:6، الشرح الكبير 284:6، مختصر اختلاف العلماء 1837/139:4، المبسوط - للسرخسي - 64:12، روضة القضاة 2: 3052/519، تحفة الفقهاء 161:3، بدائع الصنائع 119:6.
3- سنن أبي داود 2694/63:3، سنن النسائي (المجتبى) 262:6-264، السنن الكبرى - للنسائي - 120:4-6515/121-1.
4- بدل ما بين المعقوفين في «ص، ع»: «لم يقسم»، و كلاهما لم يرد في «ر» و الطبعة الحجريّة، و المثبت كما في المغني و الشرح الكبير.
5- مختصر اختلاف العلماء 1839/140:4، مختصر القدوري: 124، المبسوط - للسرخسي - 67:12، روضة القضاة 523:2 و 3081/524 و 3082، و 3118/528، تحفة الفقهاء 162:3-163، الفقه النافع 738/1013:3، بدائع الصنائع 121:6، الهداية - للمرغيناني - 226:3، حلية العلماء 47:6-48،

لأنّ القبض شرط في الهبة، و وجوب القسمة يمنع من صحّة القبض و تمامه(1).

و هو ممنوع؛ لأنّه لا يمنع صحّة القبض في البيع [فكذا هاهنا](2) و لأنّ هذا جزء يجوز بيعه فجازت هبته، كالمشاع الذي لم ينقسم.

إذا عرفت هذا، فإن كان المشاع ممّا لا ينقل و لا يحوّل كالعقارات، فإنّ قبضه يكون بالتخلية بينه و بين الموهوب له، كما في البيع، و إن كان ممّا ينقل و يحوّل و لا يمكن إقباضه إلاّ بالنقل و لا يمكن نقل الجزء المشاع إلاّ مع الباقي، فإذا أراد التسليم قيل للشريك: هل ترضى أن يسلّم إلى الموهوب منه نصيبك أيضا على وجه الوديعة ؟ فإن سلّم إليه الجميع لينقله حصل الإقباض، و إن امتنع قيل للمتّهب: أتوكّله في أن ينقله لك و يقبضه ؟ فإن فعل قبضه له الشريك و قبّضه، و إن امتنع نصب الحاكم من يكون في يده لهما فينقله ليحصل القبض؛ لأنّ ذلك ممّا لا ضرر على الشريك فيه، و يتمّ به عقد شريكه.6.

ص: 16


1- مختصر اختلاف العلماء 1837/139:4، مختصر القدوري: 124، المبسوط - للسرخسي - 64:12، روضة القضاة 518:2-3052/519، تحفة الفقهاء 3: 161، الفقه النافع 735/1012:3، بدائع الصنائع 119:6، الهداية - للمرغيناني - 225:3، الحاوي الكبير 534:7، نهاية المطلب 411:8، الوسيط 267:4، حلية العلماء 47:6، التهذيب - للبغوي - 529:4، البيان 102:8، العزيز شرح الوجيز 316:6، الإشراف على نكت مسائل الخلاف 1199/674:2، المعونة 3: 1609، بداية المجتهد 329:2، الإفصاح عن معاني الصحاح 50:2، المغني 6: 285، الشرح الكبير 284:6.
2- ما بين المعقوفين أثبتناه من المغني 286:6، و الشرح الكبير 285:6.

و لو وهب رجل من اثنين شيئا، فإن قبلاه و قبضاه بإذنه صحّت الهبة، و إن قبض أحدهما و قبل، صحّت الهبة في النصف؛ لأنّ العقد من اثنين بمنزلة العقدين، و هو أحد وجهي الشافعيّة، و الثاني: لا تصحّ كما في البيع(1).

إذا عرفت هذا، فلا فرق بين أن يهب من الشريك و من غيره على ما بيّنّاه.

و قال أبو حنيفة: لا تصحّ هبة المنقسم من غير الشريك، و بالغ فقال:

لو وهب الشيء المنقسم من اثنين لم يصح أيضا(2).

تذنيب: تجوز هبة الأرض المزروعة دون الزرع، و بالعكس، و به قال الشافعي(3).

و قال أبو حنيفة: لا تجوز(4). و ليس بمعتمد.

مسألة 5: لا تجوز هبة الآبق و لا الضالّ؛

لأنّ الإقباض شرط في صحّة الهبة، و الآبق و الضالّ لا يمكن إقباضهما.

و تجوز هبة المغصوب من غير الغاصب إن قدر على الانتزاع، و إن لم يقدر فللشافعيّة وجهان(5).

و تصحّ الهبة من الغاصب، و تجوز هبة المستعار من المستعير و غيره.

و إذا قبض المتّهب من الغاصب بإذن المالك، برئ الغاصب من

ص: 17


1- العزيز شرح الوجيز 316:6، روضة الطالبين 435:4.
2- العزيز شرح الوجيز 316:6.
3- العزيز شرح الوجيز 316:6، روضة الطالبين 435:4.
4- تحفة الفقهاء 162:3، الفتاوى الولوالجيّة 125:3، بدائع الصنائع 125:6، الهداية - للمرغيناني - 225:3-226، المحيط البرهاني 242:6، العزيز شرح الوجيز 316:6.
5- العزيز شرح الوجيز 316:6، روضة الطالبين 435:4.

الضمان، و كذا المستعير يبرأ إن اقتضت العارية الضمان بالقبض منه المأذون فيه.

و تجوز هبة المستأجر من المستأجر و غيره؛ لأنّ بيع المستأجر يجوز من المستأجر و غيره عندنا.

و عند الشافعيّة تجوز هبة المستأجر من غير المستأجر إن جوّزوا بيعه، و إلاّ ففيها وجهان(1).

قال بعض الشافعيّة: لو وكّل المتّهب الغاصب أو المستعير أو المستأجر بقبض ما في يده من نفسه و قبل، صحّ، فإذا مضت مدّة يتأتّى فيها القبض برئ الغاصب و المستعير من الضمان(2).

و هذا يخالف أصلهم المشهور في أنّ الشخص الواحد لا يكون قابضا و مقبضا(3).

و لو وهب غيره شيئا له في يده إمّا وديعة أو عارية أو غصب، فإن أذن له في القبض تمّت الهبة و لزمت.

و إن لم يأذن له في القبض إلاّ أنّه مضى زمان يمكن فيه القبض فهل يصير مقبوضا؟ للشافعي قولان(1).

و عن أحمد روايتان في اشتراط الإذن في القبض لما هو في يد المتّهب بغصب أو عارية أو وديعة، فقال في إحداهما بالاشتراط، كما تقدّم من مذهب الشافعي، و في الأخرى: تلزم الهبة من غير قبض و لا مضيّ مدّة يتأتّى القبض فيها(2).6.

ص: 18


1- حلية العلماء 51:6، المغني 280:6، الشرح الكبير 278:6-279.
2- المغني 280:6، الشرح الكبير 279:6.
مسألة 6: تصحّ هبة المجهول على الأقوى

- و به قال مالك و أحمد في إحدى الروايتين(1) - لأنّه تبرّع، فصحّ في المجهول، كالنذر و الوصيّة، و لأصالة الصحّة، و لانتفاء الغرر فيه.

و قال الشافعي: لا تصحّ هبة المجهول - و هو الرواية الثانية عن أحمد - لأنّه عقد تمليك لا يصحّ تعليقه بالشرط، فلم يصح في المجهول، كالبيع(2).

و نمنع المشترك.

و قال بعضهم: الجهل إن كان في حقّ الواهب لم تصح الهبة؛ لأنّه غرر في حقّه، و إن كان من المتّهب صحّ، و لم يكن الجهل مانعا؛ لأنّه لا غرر في حقّه، فلم يعتبر في حقّه العلم بما يوهب له، كالموصى له(3).

فإذا قال: و هبتك شاة من غنمي أو قطعة من هذا الثوب أو من هذه الأرض، صحّت الهبة مع القبول و القبض بعد أن يعيّن المالك ما شاء.

إذا عرفت هذا، فإنّه تصحّ البراءة من المجهول مطلقا - و به قال أبو حنيفة(4) - لأنّ المانع من البيع و شبهه إنّما هو الغرر، فإذا رضي بالجملة

ص: 19


1- الإشراف على نكت مسائل الخلاف 1209/678:2، بداية المجتهد 329:2، عقد الجواهر الثمينة 979:3، الذخيرة 231:6 و 243، المغني 288:6، الشرح الكبير 286:6، الوجيز 249:1، البيان 103:8، العزيز شرح الوجيز 316:6، الإفصاح عن معاني الصحاح 53:2.
2- الحاوي الكبير 534:7، المهذّب - للشيرازي - 453:1، الوجيز 249:1، التهذيب - للبغوي - 529:4، البيان 103:8، العزيز شرح الوجيز 316:6، روضة الطالبين 435:4، الإشراف على نكت مسائل الخلاف 1209/678:2، الذخيرة 243:6، الإفصاح عن معاني الصحاح 53:2، المغني 288:6، الشرح الكبير 286:6.
3- المغني 288:6، الشرح الكبير 286:6.
4- روضة القضاة 3127/529:2، المغني 291:6، الشرح الكبير 280:6.

فقد زال الغرر.

و قال الشافعي: لا تصحّ إلاّ أنّه إذا أراد ذلك قال: أبرأتك من درهم إلى ألف(1).

و ليس بجيّد؛ لأنّه إسقاط، فصحّ من المجهول، كالعتاق و الطلاق، و كما لو قال: من درهم إلى ألف.

و قال أحمد: تصحّ إذا لم يكن لهما سبيل إلى معرفته(2).

و لو أبرأه من مائة و هو يعتقد أنّه لا شيء له عليه و كان له عليه مائة، ففي البراءة إشكال ينشأ: من أنّها صادفت ملكه فأسقطته، كما لو علمها، و من أنّه إبراء ممّا لا يعتقد ثبوته، فلم يكن إبراء في الحقيقة، كمن باع مال مورّثه و هو يعتقد حياته.

و للشافعي في البيع قولان، و في الإبراء وجهان(3).

مسألة 7: لا يصحّ تعليق الهبة بشرط على ما تقدّم

مسألة 7: لا يصحّ تعليق الهبة بشرط على ما تقدّم(4) من أنّ شرطها التنجيز؛

لأنّه تمليك لعين في الحياة، فلم يجز تعليقها على شرط، كالبيع، فإن علّقها على شرط لم تقع صحيحة.

و ما روي عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنّه قال: «إن رجعت هديّتنا إلى النجاشي فهي لك»(5) محمول على الوعد.

ص: 20


1- المغني 291:6، الشرح الكبير 281:6، روضة القضاة 3128/529:2.
2- المغني 291:6، الشرح الكبير 280:6.
3- المغني 292:6، الشرح الكبير 281:6.
4- في ص 11، ضمن المسألة 2.
5- مسند أحمد 26732/552:7، المعجم الكبير - للطبراني - 205/81:25، المستدرك - للحاكم - 188:2، السنن الكبرى - للبيهقي - 26:6، صحيح

و لو شرط في الهبة شروطا تنافي مقتضاها - مثل أن يقول: و هبتك هذا بشرط أن لا تهبه أو لا تبيعه، أو بشرط أن تهبه أو تبيعه - لم يصح الشرط، و في صحّة الهبة وجهان بناء على الشروط الفاسدة في البيع.

و لو قال: و هبتك هذا بشرط أن تهب فلانا شيئا، صحّ؛ لأنّه لا ينافي مقتضى الهبة، و كذا لو قال: و هبتك هذا العبد بشرط أن تعتقه، خلافا لأكثر العامّة(1).

و لو وقّت الهبة فقال: و هبتك هذا سنة ثمّ يعود إليّ، لم يصح؛ لأنّه عقد تمليك العين، فلم يصح موقّتا، كالبيع.

و لو وهب أمته و استثنى الحمل أو الشاة و استثنى صوفها، صحّ؛ لأنّه تبرّع بالأم دون ما في بطنها، فأشبه العتق، و به يقول في العتق أحمد و النخعي و إسحاق و أبو ثور(2).

و قال أصحاب الرأي: تصحّ الهبة، و يبطل الاستثناء(3).

و ليس بمعتمد؛ لأنّه لم يهب الولد فلم يملكه المتّهب، كالمنفصل و كالموصى به.

مسألة 8: الأقوى: أنّه تصحّ هبة المرهون من المرتهن،

فإن كان في

ص: 21


1- المغني 289:6، الشرح الكبير 287:6.
2- الإشراف على مذاهب أهل العلم 227:2، المغني 289:6، الشرح الكبير 6: 287.
3- مختصر القدوري: 125، المبسوط - للسرخسي - 73:12، تحفة الفقهاء 3: 164، الفقه النافع 747/1018:3، بدائع الصنائع 117:6، الهداية - للمرغيناني - 229:3، الاختيار لتعليل المختار 72:3، الإشراف على مذاهب أهل العلم 2: 228، المغني 289:6، الشرح الكبير 287:6.

يده صحّت الهبة، و لم تتوقّف على تجديد إقباض و لا على مضيّ زمان يمكن حصول الإقباض فيه على ما مرّ من الخلاف، بل يكفي الاستصحاب، و إن لم يكن في يده، افتقرت الهبة إلى تجديد الإقباض.

و إن كان من غيره، فالوجه: الصحّة، و يقع العقد موقوفا على إجازة المرتهن، فإن أجاز المرتهن الهبة بطل الرهن، فإن رجع الواهب لم يعد الرهن، و إن لم يجز المرتهن بطلت الهبة.

و للشافعيّة وجهان في هبة المرهون، أحدهما: البطلان، و الثاني:

الصحّة، ثمّ ينتظر، فإن بيع [في](1) الرهن فقد ظهر بطلان الهبة، و إن انفكّ الرهن فللواهب الخيار في الإقباض(2).

مسألة 9: الكلب قسمان:

مملوك، مثل كلب الصيد و الزرع و الماشية، فهذا تصحّ هبته و إقباضه، و الثاني: غير مملوك، و هو كلب الهراش، و هذا لا تصحّ هبته كما لا يصحّ بيعه.

و للشافعيّة في هبة الكلب وجهان:

أحدهما: المنع، كالبيع.

و الثاني: الصحّة؛ لأنّه تصحّ وصيّته فتصحّ هبته(3).

و كذا الخلاف بينهم في جلد الميتة قبل الدباغ(4).

ص: 22


1- ما بين المعقوفين أثبتناه من العزيز شرح الوجيز و روضة الطالبين.
2- نهاية المطلب 413:8، البيان 104:8، العزيز شرح الوجيز 316:6-317، روضة الطالبين 435:4.
3- نهاية المطلب 412:8، الوسيط 268:4، الوجيز 249:1، حلية العلماء 3: 59-60، التهذيب - للبغوي - 565:3، البيان 45:5-46، العزيز شرح الوجيز 25:4، و 317:6، روضة الطالبين 17:3، و 435:4، المجموع 231:9.
4- العزيز شرح الوجيز 317:6، روضة الطالبين 435:4-436.

و عندنا لا تصحّ هبته؛ لأنّ الدباغ غير مطهّر.

و كذا الخلاف في الخمور المحترمة(1).

مسألة 10: لا تصحّ هبة الحمل في البطن و اللبن في الضرع

- و به قال أبو حنيفة و الشافعي و أحمد و أبو ثور(2) - لأنّه مجهول معجوز عن تسليمه.

و على ما اخترناه من جواز هبة المجهول لا استبعاد في صحّة هبة الحمل و اللبن في الضرع، و يكون التسليم بتسليم الأم.

و كذا الأقوى: صحّة هبة الصوف على ظهور الأغنام - و هو أحد وجهي العامّة(3) - بناء على صحّة بيعه، فإذا أذن له في جزّ الصوف أو حلب اللبن كان إباحة.

و لو وهب دهن سمسمه قبل عصره أو زيت زيتونه قبل استخراجه، لم يصح - و به قال الشافعي و الثوري و أحمد و أصحاب الرأي(4) - لأنّه بمنزلة المعدوم، و لا تصحّ هبة المعدوم؛ لأنّه أبلغ في المنع من الذي بمنزلته، كما إذا وهبه ثمرة الشجرة في السنة المقبلة، أو ما تحمل أمته في العام الآتي.

مسألة 11: إذا وهب صاحب الدّين دينه ممّن هو عليه،

صحّ، و كان

ص: 23


1- العزيز شرح الوجيز 317:6، روضة الطالبين 435:4-436.
2- المبسوط - للسرخسي - 71:12، تحفة الفقهاء 163:3، بدائع الصنائع 6: 119، المحيط البرهاني 243:6، الهداية - للمرغيناني - 225:3-226، الاختيار لتعليل المختار 71:3، المغني 287:6، الشرح الكبير 286:6، الإشراف على مذاهب أهل العلم 227:2.
3- المغني 287:6، الشرح الكبير 286:6.
4- الإشراف على مذاهب أهل العلم 228:2، المغني 288:6، الشرح الكبير 6: 286، مختصر القدوري: 124، المبسوط - للسرخسي - 72:12، تحفة الفقهاء 163:3، بدائع الصنائع 119:6، الهداية - للمرغيناني - 225:3، الاختيار لتعليل المختار 71:3.

إبراء لمن عليه الدّين، و لا يشترط قبول المديون.

و الشيخ رحمه اللّه تردّد هاهنا، فقال تارة: إنّ الإبراء لا يفتقر إلى القبول، بل يسقط الحقّ عن ذمّته و إن كره ذلك؛ لقوله تعالى: وَ إِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ وَ أَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ (1) فاعتبر مجرّد الصدقة، و لم يعتبر القبول، و قال تعالى: وَ دِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ إِلاّ أَنْ يَصَّدَّقُوا (2) فأسقط الدية بمجرّد التصدّق، و لم يعتبر القبول، و التصدّق في هذا الموضع الإبراء.

و قال تارة: لا بدّ من القبول، فلو لم يقبل المبرأ الإبراء لم يسقط الدّين عن ذمّته بمجرّد إسقاط المالك و إبرائه، و يكون الحقّ ثابتا؛ لأنّ في إبرائه من الحقّ الذي عليه منّة، و لا يجبر على قبول المنّة، فافتقر إلى القبول، كهبة الأعيان(3).

و للشافعيّة قولان كهذين، أحدهما: السقوط من غير قبول؛ لأنّه إسقاط حقّ، فلا يفتقر إلى القبول، كالعتق و الطلاق و العفو عن دية العمد، بخلاف هبة الأعيان؛ فإنّها تمليك(4).

و قال بعض الشافعيّة: إذا تصدّق به صحّ، و أمّا هبته و البراءة منه فوجهان(5).

و قال بعض الشافعيّة أيضا: إن اعتبرنا القبول في الإبراء معنى فاعتبارهه.

ص: 24


1- سورة البقرة: 280.
2- سورة النساء: 92.
3- المبسوط - للطوسي - 314:3.
4- المهذّب - للشيرازي - 455:1، حلية العلماء 64:6، التهذيب - للبغوي - 4: 529، البيان 123:8، روضة الطالبين 436:4.
5- لم نتحقّقه في مظانّه.

في الهبة أولى، و إن لم نعتبره هناك ففي الهبة وجهان: إن نظرنا إلى اللفظ اعتبرناه، و إن نظرنا إلى المعنى فلا(1).

و لو كانت الهبة من غير من عليه الدّين، قال الشيخ رحمه اللّه: الذي يقتضيه مذهبنا أنّه يجوز بيعه و هبته و رهنه، و لا مانع منه(2).

و قال الشافعي في كتاب الشروط: إنّه يجوز بيعه و رهنه(3).

و قال في الرهن: لا يجوز رهنه، و يخالف البيع و الهبة؛ لأنّهما يزيلان الملك(4).

قال ابن سريج من الشافعيّة: اختلف أصحابنا في ذلك على ثلاثة أوجه:

أحدها: أنّه يصحّ البيع و الهبة دون الرهن على ظاهر قوله؛ لأنّ الدّين بمنزلة العين، و لهذا يصحّ أن يكون معاوضة به.

و على هذا الوجه لا يفتقر إلى رضا من عليه الدّين، و لا يحتاج إلى القبض لا في البيع و لا في الهبة؛ لأنّ الشافعي شبّه ذلك في كتاب الشروط بالحوالة، فقال: إذا أفلس من عليه الحقّ أو جحده لم يرجع بالدرك، كالحوالة.

و فرّق هذا القائل بين الهبة و البيع و بين الرهن بأنّهما يزيلان الملك دونه.

و الوجه الثاني: أنّه يصحّ(5) البيع و الهبة و الرهن، و يفتقر لزوم الرهنه.

ص: 25


1- العزيز شرح الوجيز 317:6.
2- المبسوط - للطوسي - 314:3.
3- لم نتحقّقه في مظانّه.
4- لم نتحقّقه في مظانّه.
5- في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «لا يصحّ». و الصحيح ما أثبتناه.

و الهبة إلى القبض؛ لأنّ الدّين كالعين في جواز العقد عليه، فإذا افتقرت الهبة إلى القبض في العين فكذلك في الدّين.

و الوجه الثالث: أنّه لا يصحّ بيعه و لا هبته و لا رهنه؛ لأنّه غير مقدور على تسليمه، فجرى مجرى الآبق و المغصوب(1).

و منعه بعض الشافعيّة بأنّ الدّين على غير الجاحد مقدور على تسليمه، فهو جار مجرى الوديعة(2).

قال بعض الشافعيّة: الخلاف في هبة الدّين على غير من هو عليه مبنيّ على الخلاف في بيع الدّين من غير من هو عليه، إن أبطلناه فكذلك الهبة، و هو الأصحّ عندهم، و إن صحّحناه ففي الهبة وجهان، كما في رهن الدّين.

و إن صحّحناه فهل يفتقر لزومها إلى قبض الدّين ؟ فيه وجهان:

أحدهما: نعم، على قياس الهبات.

و الثاني: أنّه لا حاجة إلى القبض.

و على هذا فوجهان:

أحدهما: أنّه يلزم بنفس الإيجاب و القبول، كالحوالة؛ لأنّ المقصود أن يصير المتّهب بعد الهبة كالواهب قبلها، و الواهب كان مستحقّا من غير قبض.

و الثاني: أنّه لا بدّ من تسليط بعد العقد و إذن مجدّد، و يكون ذلك كالتخلية في الأعيان التي لا يمكن نقلها.

و إذا فرّعنا على أنّه يجوز رهن الدّين افتقر لزومه إلى القبضه.

ص: 26


1- لم نتحقّقه في مظانّه.
2- لم نتحقّقه في مظانّه.

لا محالة؛ لأنّه لا يفيد انتقال الملك و الاستحقاق(1).

تذنيب: من عليه الزكاة لو وهب دينه على المسكين بنيّة الزكاة، قال بعض الشافعيّة: لم يقع الموقع؛ لأنّه إبراء و ليس بتمليك، و إقامة الإبراء مقام التمليك إبدال و إنّه غير جائز في الزكاة(2).

و هذا مبنيّ على أصل الشافعي من عدم جواز الإبدال في الزكاة(3) ، و قد أبطلناه.

و قد ذكروا وجهين في أنّ هبة الدّين ممّن عليه [الدّين](4) تنزّل منزلة التمليك، أم هو محض إسقاط؟ و على هذا خرج اعتبار القبول فيها، فإن [أعطيناها](5) حكم التمليكات وجب أن يقع الموقع(6).

و لو كان الدّين على غيره فوهبه من المسكين بنيّة الزكاة و قلنا: تصحّ الهبة، و لا يعتبر القبض، وقع عن الزكاة، و المستحقّ يطالب المديون به.

البحث الثالث: في القبض.
مسألة 12: الهبة و الهديّة و الصدقة لا يملكها المتّهب و المهدى إليه و المتصدّق عليه

بنفس الإيجاب و القبول إذا كان عينا إلاّ بالقبض، و بدونه

ص: 27


1- العزيز شرح الوجيز 317:6، روضة الطالبين 436:4.
2- نهاية المطلب 414:8، العزيز شرح الوجيز 318:6، روضة الطالبين 436:4.
3- المهذّب - للشيرازي - 157:1، حلية العلماء 167:3، التهذيب - للبغوي - 3: 65، البيان 203:3، المجموع 428:5 و 429 و 431، المغني 671:2، الشرح الكبير 521:2.
4- ما بين المعقوفين أثبتناه من المصدر.
5- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «أعطيناه». و المثبت كما في العزيز شرح الوجيز.
6- العزيز شرح الوجيز 318:6، روضة الطالبين 436:4-437.

لا يحصل الملك عند علمائنا أجمع، و به قال الشافعي و أبو حنيفة و الثوري و النخعي و الحسن بن صالح و العنبري، و هو إحدى الروايتين عن أحمد(1) ، قال بعض العامّة: اتّفق أبو بكر و عمر و عثمان و عليّ عليه السّلام على أنّ الهبة لا تجوز إلاّ مقبوضا(2) ، و لم يظهر مخالف فيكون إجماعا.

و لما رواه العامّة أنّ أبا بكر نحل عائشة ابنته جداد عشرين وسقا من ماله بالغابة(3) ، فلمّا مرض قال: يا بنيّة ما أحد أحبّ إليّ غنى بعدي منك و لا أحد أعزّ عليّ فقرا منك، و كنت نحلتك جداد عشرين وسقا، و وددت أنّك حزتيه أو قبضتيه، و هو اليوم مال الوارث أخواك و أختاك، فاقتسموه على كتاب اللّه، فقلت: لو كان كذا و كذا - تعني أكثر من ذلك - لتركته، أمّا أخواي فنعم، و أمّا أختاي فما لي إلاّ أخت واحدة: أسماء، فقال: ألقي في روعي(4) أنّ ذا بطن بنت خارجة جارية(5).1.

ص: 28


1- الإشراف على مذاهب أهل العلم 222:2-223، الحاوي الكبير 535:7، المهذّب - للشيرازي - 454:1، نهاية المطلب 409:8 و 410، الوسيط 4: 269، الوجيز 249:1، حلية العلماء 48:6، التهذيب - للبغوي - 527:4، البيان 97:8، العزيز شرح الوجيز 318:6، روضة الطالبين 437:4، مختصر القدوري: 124، المبسوط - للسرخسي - 84:12، روضة القضاة 3047/517:2، تحفة الفقهاء 161:3، الفقه النافع 733/1009:3، بدائع الصنائع 123:6، الهداية - للمرغيناني - 224:3، الاختيار لتعليل المختار 69:3، المغني 274:6 و 281، الشرح الكبير 276:6 و 277، الإفصاح عن معاني الصحاح 49:2، الإشراف على نكت مسائل الخلاف 1198/673:2.
2- المغني 275:6 و 281، الشرح الكبير 277:6.
3- الغابة: موضع قرب المدينة من ناحية الشام، فيه أموال لأهل المدينة. معجم البلدان 182:4.
4- أي: نفسي و خلدي. النهاية - لابن الأثير - 277:2 «روع».
5- الموطّأ 40/752:2، المصنّف - لعبد الرزّاق - 16507/101:9، السنن الكبرى - للبيهقي - 170:6، معرفة السنن و الآثار 50:9-12316/51.

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السّلام: «لا تكون الهبة هبة حتى يقبضها»(1).

و لأنّها هبة غير مقبوضة فلا تلزم، كما لو مات قبل أن يقبض، فإنّ مالكا يقول: لا يلزم الورثة التسليم(2).

و قال مالك: الهبة تلزم بالإيجاب و القبول من غير قبض(3) - و هو القول القديم للشافعي(4) - لأنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال: «الراجع في هبته كالراجع في قيئه»(5) و القيء حرام.

و قال أحمد في أصحّ الروايتين عنه: إنّها إذا كانت معيّنة لزمت من غير قبض، كما لو وهبه درهما بعينه، و إن لم يكن معيّنا - كما لو وهبه قفيزا من صبرة أو درهما من دراهم - فلا بدّ من القبض؛ لأنّ هذا تبرّع، فلا يفتقر إلى القبض، كالوقف و الصدقة(6).6.

ص: 29


1- التهذيب 654/159:9، الاستبصار 407/107:4.
2- البيان 98:8، المغني 275:6، الشرح الكبير 277:6.
3- الإشراف على نكت مسائل الخلاف 1198/673:2، بداية المجتهد 329:2، عقد الجواهر الثمينة 978:3، الذخيرة 228:6، الحاوي الكبير 535:7، الوسيط 269:4، حلية العلماء 48:6، التهذيب - للبغوي - 527:4، البيان 8: 97، العزيز شرح الوجيز 319:6، الإفصاح عن معاني الصحاح 49:2، المغني 274:6، الشرح الكبير 276:6، روضة القضاة 3047/517:2.
4- العزيز شرح الوجيز 319:6، روضة الطالبين 437:4.
5- ورد الحديث بلفظ: «العائد في هبته كالعائد في قيئه» في مسند أحمد 1: 2525/461، و صحيح البخاري 215:3، و صحيح مسلم 7/1241:3، و سنن ابن ماجة 2385/797:2، و سنن أبي داود 3538/291:3، و سنن النسائي (المجتبى) 264:6-267، و السنن الكبرى - للنسائي - 6527/123:4-5 و 6528-6، و السنن الكبرى - للبيهقي - 180:6.
6- حلية العلماء 48:6، العزيز شرح الوجيز 319:6.

و الخبر محمول على ما بعد القبض، و القياس على الوقف و الوصيّة باطل؛ لأنّ الوقف إخراج ملك إلى اللّه سبحانه و تعالى، فخالف التمليكات، و الوصيّة تلزم في حقّ الوارث، بخلاف الهبة.

و للشافعي قول ثالث: إنّ الملك موقوف إلى أن يوجد القبض، فإذا وجد تبيّنّا حصول الملك من وقت العقد(1).

و عن أحمد رواية ثالثة: أنّ القبض شرط في المكيل و الموزون دون غيرهما(2).

و يتفرّع على الأقوال أنّ الزيادات الحادثة بعد العقد و قبل القبض لمن تكون ؟

و قد قال الشافعي في زكاة الفطرة: إنّه لو وهبه عبدا في آخر رمضان و قبضه بعد غروب الشمس، كانت الفطرة على الموهوب له(3).

و هذا يدلّ على اختياره عدم اشتراط القبض.

و أيضا كلّ ما لا يمكن تسليمه كالعبد الآبق و الجمل الشارد و المغصوب لغير غاصبه ممّن لا يقدر على أخذه لا تصحّ هبته، و به قال أبو حنيفة و الشافعي(4).4.

ص: 30


1- نهاية المطلب 410:8، الوسيط 269:4، التهذيب - للبغوي - 527:4، العزيز شرح الوجيز 319:6، روضة الطالبين 437:4.
2- المغني 274:6 و 280، الشرح الكبير 276:6 و 277.
3- المهذّب - للشيرازي - 454:1، الوسيط 269:4-270، العزيز شرح الوجيز 319:6.
4- المغني 286:6-287، الشرح الكبير 285:6، المهذّب - للشيرازي - 1: 453، الوسيط 268:4، التهذيب - للبغوي - 529:4، البيان 103:8، العزيز شرح الوجيز 316:6، روضة الطالبين 435:4.
مسألة 13: الواهب بعد العقد بالخيار إن شاء أقبض و إن شاء منع،

فإن قبض المتّهب بغير إذن الواهب لم يصح القبض و لم تتمّ الهبة؛ لأنّ التسليم غير مستحقّ عليه، فلا يصحّ إلاّ بإذنه، كما لو أخذ المشتري المبيع من يد البائع قبل تسليم الثمن، بخلاف ما إذا قبضه المشتري بعد تسليم الثمن؛ لأنّه مستحقّ للقبض، فلا يعتبر فيه إذن المستحقّ عليه، أمّا هنا فإنّه غير مستحقّ عليه، فلا يصحّ بدون إذنه، فإن قبضه بدون إذنه دخل في ضمانه، فإن أذن له في القبض و قبضها تمّت الهبة، و إن رجع عن الإذن قبل أن يقبض المتّهب بطل الإذن، و إن رجع بعد القبض لم يبطل القبض؛ لتمام الهبة قبل رجوعه، و به قال الشافعي(1).

و قال أبو حنيفة: إذا قبضه في المجلس بغير إذن الواهب، صحّ القبض، و إذا قام من المجلس لم يجز قبضه إلاّ بإذن الواهب؛ لأنّ الإيجاب تضمّن الإذن في القبول و القبض جميعا، فإذا قبض صحّ، كما إذا قبل، و إنّما اختصّ بالمجلس لأنّ الإيجاب تضمّنه، و ما تضمّنه الإيجاب اختصّ(2) بالمجلس، كالقبول(3).

و ليس بجيّد؛ لأنّ الواهب لم يأذن له بعد العقد في القبض، فلا يصحّ قبضه، كما لو كان بعد المجلس، و لا نسلّم أنّ القبض و القبول تضمّنهما

ص: 31


1- نهاية المطلب 410:8، الوسيط 270:4، حلية العلماء 49:6، البيان 8: 98، العزيز شرح الوجيز 319:6، روضة الطالبين 438:4.
2- في الطبعة الحجرية: «يختصّ» بدل «اختصّ».
3- مختصر القدوري: 124، المبسوط - للسرخسي - 57:12، الهداية - للمرغيناني - 224:3، الاختيار لتعليل المختار 69:3، المغني 277:6، الشرح الكبير 6: 279، نهاية المطلب 410:8، الوسيط 270:4، حلية العلماء 49:6، البيان 98:8، العزيز شرح الوجيز 319:6.

الإيجاب، و إنّما القبول أثبته الشرع، و القبض لم يوجد في لفظه، و لو وجد في تلفّظه لم يبطل بالقيام من المجلس، كما لو أذن له بعد العقد، على أنّ الإيجاب جوابه [القبول](1) فاقتضاه، بخلاف القبض.

مسألة 14: إذا وهب شيئا و قبل

مسألة 14: إذا وهب شيئا و قبل(2) المتّهب فباع الواهب العين أو وهبها أو عقد عليها أحد العقود قبل القبض،

قال الشيخ رحمه اللّه: يصحّ البيع، و تنفسخ الهبة(3).

و هو جيّد؛ لأنّ البيع صادف ملكا للبائع لم يزل عنه بالهبة، فاقتضى حكمه، و تترتّب(4) عليه أحكامه، و هو معنى الصحّة.

و قال الشافعي: إن كان الواهب يعتقد أنّ الهبة ما تمّت و أنّه باع ما لم يهبه، فالبيع صحيح، و قد بطلت الهبة، و إن كان يعتقد أنّ الهبة قد تمّت و انتقل الملك بنفس العقد و أنّه ليس له البيع، ففي صحّة البيع قولان:

أحدهما: لا يصحّ؛ لأنّه يعتقد أنّه متلاعب، و أنّه ليس ببيع.

و الثاني: يصحّ؛ لأنّه بيع صادف ملكه الذي له تمليكه فصحّ(5).

و أصل هذين القولين: إذا باع مال مورّثه و هو غائب بغير إذنه إلاّ أنّه بان أنّه كان قد مات و أنّه حين باع كان قد ورثه، فهل يصحّ البيع ؟ قولان(6).

ص: 32


1- ما بين المعقوفين يقتضيه السياق.
2- في «ر» و الطبعة الحجريّة: «فقبل» بدل «و قبل».
3- المبسوط - للطوسي - 304:3.
4- في «ص، ع»: «ترتّبت».
5- حلية العلماء 49:6، البيان 99:8، العزيز شرح الوجيز 319:6، روضة الطالبين 439:4.
6- الوسيط 23:3، العزيز شرح الوجيز 33:4، و 319:6، روضة الطالبين 3: 22-23، و 439:4، المجموع 261:9.

و كذا إذا كاتبه مكاتبة فاسدة و أوصى برقبته معتقدا صحّة الكتابة، ففي صحّة الوصيّة قولان(1).

مسألة 15: إذا عقد الهبة بالإيجاب و القبول و لم يحصل قبض ثمّ مات الواهب أو المتّهب بين العقد و القبض،

بطلت الهبة عند علمائنا؛ لانتفاء الشرط، و هو القبض، و هو أحد قولي الشافعي؛ لأنّ الهبة من العقود الجائزة قبل القبض، فتنفسخ بالموت، كالوكالة و الشركة.

و أصحّهما عنده: المنع، و أنّ الهبة لا تنفسخ، فإن مات الواهب فالهبة بحالها، و يكون الوارث بالخيار إن شاء يتمّها بالإقباض، و إن شاء رجع، سواء خرجت من الثلث أو لا؛ لأنّ الهبة عقد يؤول إلى اللزوم، فلا ينفسخ بالموت، كالبيع المشروط فيه الخيار. و يفارق الوكالة و الشركة؛ فإنّهما لا يؤولان إلى اللزوم، و إن مات المتّهب قبض وارثه إن أقبضه الواهب(2).

و كذا الخلاف فيما إذا جنّ أحدهما أو أغمي عليه(3).

تذنيب: إذا أذن الواهب له في القبض ثمّ مات الآذن أو المأذون له قبل القبض، بطل الإذن؛ لأنّه جائز، و لم يكن له القبض إلاّ بإذن جديد.

و إن بعث هديّة إلى إنسان فمات قبل أن تصل إلى المهدى إليه أو مات المهدي إليه، لم يكن للرسول حملها، إلاّ أن يكون الوارث فيه بالخيار.

مسألة 16: إذا كان له في يد غيره مال وديعة أو عارية أو كان غصبا فوهبه المالك منه،

صحّت الهبة و لزمت إن كانت ممّا يلزم بالقبض؛ لأنّه في

ص: 33


1- الأم 79:8، الحاوي الكبير 304:18، بحر المذهب 265:14، العزيز شرح الوجيز 541:13، روضة الطالبين 521:8.
2- المهذّب - للشيرازي - 454:1، حلية العلماء 50:6، العزيز شرح الوجيز 6: 319، روضة الطالبين 437:4.
3- العزيز شرح الوجيز 319:6، روضة الطالبين 437:4.

يد المتّهب، فكان مقبوضا.

و الأقرب: أنّه لا يفتقر إلى تجديد إقباض و لا مضيّ زمان [يمكن](1) فيه الإقباض، و هو أشهر الروايتين عن أحمد(2).

و قال الشافعيّة: إن أذن له في القبض و مضى زمان يمكن فيه القبض، تمّت الهبة و لزمت، و إن لم يأذن له في القبض إلاّ أنّه مضى زمان يمكن فيه القبض، فهل يصير مقبوضا؟ قال الشافعي في الإقرار و المواهب: إذا مضت مدّة يتأتّى فيها القبض فقد تمّت الهبة. و اشترط الإذن في الرهن.

و اختلف أصحابه في ذلك على طريقين: منهم من يقول: قولان فيهما، و منهم من فرّق بينهما(3).

تنبيه: القبض هنا كالقبض في البيع، ففيما لا ينقل و لا يحوّل التخلية، و فيما ينقل و يحوّل النقل و التحويل، و فيما يكال أو يوزن الكيل أو الوزن.

و قال بعض الشافعيّة: إنّ القبض في المبيع المنقول فيه قولان، أحدهما: أنّه النقل و التحويل، و الثاني: أنّه التخلية، و هذا الثاني غير آت في الهبة، بل لا بدّ من النقل. و الفرق: أنّ القبض في البيع مستحقّ، و للمشتري المطالبة به، فجاز أن يجعل بالتمكّن قابضا، و في الهبة القبض غير مستحقّ، فاعتبر تحقيقه، و لم يكتف بالوضع بين يديه، و لهذا لو أتلف المتّهب الموهوب لم يصر قابضا، بخلاف المشتري إذا أتلف المبيع(4).

و ليس بشيء؛ لاتّحاد القبض في الموضعين، و اعتبار العرف فيهما.4.

ص: 34


1- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «يكون». و الظاهر ما أثبتناه.
2- المغني 280:6، الشرح الكبير 278:6.
3- راجع: الحاوي الكبير 536:7.
4- العزيز شرح الوجيز 320:6، روضة الطالبين 438:4.

فروع:

أ: لو أمر الواهب المتّهب بأكل الطعام الموهوب فأكله، أو بإعتاق العبد الموهوب فأعتقه، أو أمر المتّهب الواهب بإعتاقه فأعتقه، كان قابضا.

ب: لو قال: وهبته و ملّكته، فإن كان يعتقد رأي مالك، لم يكن إقرارا بلزوم الهبة، و كذا إن جهل حاله؛ لجواز أن يعتقد حصول الملك بمجرّد العقد، كما قاله مالك(1) ، و الإقرار مبنيّ على اليقين.

ج: لو قال: وهبته و خرجت إليه منه، لم يكن إقرارا بالقبض صريحا، لكن ينظر، فإن كان المال في يد المتّهب كان إقرارا منه بالقبض، و يكون ذلك أمارة على أنّه أراد به القبض، و إن كان في يد الواهب فلا، و يكون معنى قوله: «خرجت إليه منه» أنّه أذن له في القبض و لم يقبض بعد.

د: لو قيل له: هل وهبت دارك من فلان و أقبضتها منه ؟ فقال: نعم، كان إقرارا بالهبة و الإقباض.

ه: لو وهب اثنين شيئا فقبلا و قبضا، ملك كلّ منهما ما وهب له، فإن قبل أحدهما و قبض و امتنع الآخر، صحّت الهبة للقابض خاصّة.9.

ص: 35


1- راجع: الهامش (3) من ص 29.

ص: 36

الفصل الثاني: في الأحكام و فيه بحثان:

البحث الأوّل: في حكم الرجوع في الهبة.
اشارة

و فيه مطالب:

المطلب الأوّل: في الراجع.
مسألة 17: إذا وهب و أقبض،

فإن كان المتّهب أحد الأبوين، لم يكن للواهب الرجوع في الهبة عند علمائنا أجمع؛ لاشتماله على العقوق المحرّم فعله على الولد، و لأنّه ضدّ ما أمر به من مصاحبتهما بالمعروف(1).

و لقوله عليه السّلام: «الراجع في هبته كالراجع في قيئه»(2) و الرجوع في القيء حرام، خصّ بما أجمع عليه فيما يأتي، فيبقى في الباقي على عمومه.

و إن كان المتّهب غير الأبوين، فإمّا أن يكون ذا رحم أو أجنبيّا، فإن كان ذا رحم فإمّا أن يكون ولدا أو غيره من ذوي الأرحام.

فإن كان ولدا، لم يكن للوالد أن يرجع فيما و هبه إيّاه، سواء كان ولدا حقيقة، كالولد للصلب، أو مجازا، كولد الولد و إن نزل، و سواء كان من الذكور أو الإناث، عند علمائنا - و به قال الثوري و أحمد في إحدى الروايتين و أصحاب الرأي و العنبري(3) - لقوله عليه السّلام: «العائد في هبته كالعائد

ص: 37


1- سورة لقمان: 15.
2- تقدّم تخريجه في ص 29، الهامش (5).
3- الإشراف على مذاهب أهل العلم 221:2، المغني 305:6، الشرح الكبير 6:

في قيئه»(1).

و في رواية: «العائد في هبته كالكلب يعود في قيئه»(2).

و لأنّ الهبة للولد تستلزم الأجر و ثواب الآخرة، فتكون كالمعوّض عنها؛ لقوله عليه السّلام: «رحم اللّه امرأ أعان ولده على برّه»(3).

و قال عليه السّلام: «الصدقة بعشرة، و القرض بثمانية عشر، و صلة الإخوان بعشرين، و صلة الرحم بأربعة و عشرين»(4).

و لأنّ ذلك يحصل له في مقابله الثواب، فلم يكن له الرجوع فيه، كصدقة التطوّع.

و قال الشافعي: للوالد أن يرجع فيما وهب لولده، سواء كان ولده حقيقة أو مجازا، و سواء كان ذكرا أو أنثى - و به قال الأوزاعي و أحمد و إسحاق و أبو ثور - لما روى ابن عباس أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال: «لا يحلّ لرجل2.

ص: 38


1- تقدّم تخريجه في ص 29، الهامش (5).
2- المصنّف - لعبد الرزّاق - 16536/109:9، المصنّف - لابن أبي شيبة - 1752/476:6، مسند أحمد 1875/358:1، صحيح البخاري 207:3، سنن ابن ماجة 2386/797:2، سنن الترمذي 1298/592:3، سنن النسائي (المجتبى) 267:6، السنن الكبرى - للنسائي - 6526/123:4-4 و 6529-7، مسند أبي يعلى 293:4-2405/294، السنن الكبرى - للبيهقي - 180:6.
3- 302، الإفصاح عن معاني الصحاح 51:2، المبسوط - للسرخسي - 49:12، مختصر اختلاف العلماء 152:4 و 1847/153، الحاوي الكبير 545:7، الوسيط 273:4، حلية العلماء 52:6، التهذيب - للبغوي - 537:4-538، البيان 8: 106، العزيز شرح الوجيز 323:6، معالم السنن - للخطّابي - 145:3.
4- الكافي 3/10:4، الفقيه 164/38:2.

أن يهب هبة أو يعطي عطيّة فيرجع فيها إلاّ الوالد فيما وهب لولده»(1)(2).

و نمنع الرواية، سلّمنا لكنّا نقول بموجبها، فإنّ للأب مع الحاجة الأخذ من مال ولده قدر مؤونته؛ لأنّها واجبة على الولد، فتحمل على تلك الحال.

و قال مالك: يجوز للرجل أن يرجع فيما وهب لابنه لصلبه إذا لم ينتفع به، فأمّا إذا كان قد انتفع به، مثل أن يكون زوّج لأجله، لم يكن له الرجوع فيه؛ لظاهر قوله عليه السّلام: «لا يحلّ لرجل أن يهب هبة أو يعطي عطيّة فيرجع فيها إلاّ الوالد فيما وهب لولده»(3) فإنّ حقيقة الاسم لولد الصلب، و أمّا إذا زوّج لأجل الهبة فقد تعلّق بها حقّ الغير(4).

و سيأتي(5) بيان أنّه يجوز الرجوع في الهبة للأجنبيّ.

و إن كانت الهبة لذي الرحم، لم يجز للواهب (أن يرجع)(6) قرب أو».

ص: 39


1- سنن أبي داود 3539/291:3، المستدرك - للحاكم - 46:2.
2- الإشراف على مذاهب أهل العلم 221:2، الحاوي الكبير 545:7، المهذّب - للشيرازي - 454:1، نهاية المطلب 423:8 و 424، الوجيز 249:1، الوسيط 272:4 و 273، حلية العلماء 52:6، التهذيب - للبغوي - 537:4، البيان 8: 106-107، العزيز شرح الوجيز 322:6، روضة الطالبين 439:4 و 440، معالم السنن - للخطّابي - 145:3، الإفصاح عن معاني الصحاح 51:2، المغني 305:6-306، الشرح الكبير 302:6-303، مختصر اختلاف العلماء 4: 1847/153.
3- تقدّم تخريجه في الهامش (1).
4- التفريع 313:2، التلقين: 552، المعونة 1615:3-1616، بداية المجتهد 332:2، عقد الجواهر الثمينة 984:3 و 985، الذخيرة 266:6، الإشراف على مذاهب أهل العلم 221:2، حلية العلماء 52:6، البيان 106:8، العزيز شرح الوجيز 323:6، الإفصاح عن معاني الصحاح 51:2.
5- في ص 41، المسألة 18.
6- بدل ما بين القوسين في «ص، ع»: «الرجوع».

بعد، و به قال الشافعي و أكثر العامّة(1) - خلافا لأبي حنيفة؛ فإنّه شرط أن يكون محرما(2) ، و ليس بجيّد - لقوله تعالى: أَوْفُوا بِالْعُقُودِ (3).

و لما رواه محمّد بن مسلم - في الصحيح - عن الباقر عليه السّلام قال: «الهبة و النحلة يرجع فيها صاحبها إن شاء، حيزت أو لم تحز، إلاّ لذي رحم فإنّه لا يرجع فيها»(4).

و في الصحيح عن عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه و عبد اللّه بن سنان(5) أنّهما سألا الصادق عليه السّلام: عن الرجل يهب الهبة أيرجع فيها إن شاء؟ فقال:

«تجوز [الهبة] لذوي القربى و الذي يثاب من هبته، و يرجع في غير ذلك»(6) و المراد بالجواز هنا اللزوم.

و احتجاج السيّد المرتضى على جواز الرجوع(7): برواية داود بن1.

ص: 40


1- الحاوي الكبير 545:7، المهذّب - للشيرازي - 454:1، نهاية المطلب 8: 423، الوسيط 272:4، حلية العلماء 54:6، التهذيب - للبغوي - 537:4، البيان 107:8، العزيز شرح الوجيز 323:6، روضة الطالبين 440:4، المغني 328:6، الشرح الكبير 301:6-302.
2- مختصر اختلاف العلماء 1847/152:4، مختصر القدوري: 125، المبسوط - للسرخسي - 52:12، روضة القضاة 3071/522:2، تحفة الفقهاء 167:3، الفقه النافع 740/1014:3، بدائع الصنائع 132:6، الهداية - للمرغيناني - 3: 228، المحيط البرهاني 246:6، الاختيار لتعليل المختار 74:3، الحاوي الكبير 545:7، حلية العلماء 52:6، التهذيب - للبغوي - 537:4-538، البيان 8: 107، العزيز شرح الوجيز 323:6، بداية المجتهد 332:2.
3- سورة المائدة: 1.
4- التهذيب 643/156:9، الاستبصار 410/108:4.
5- في التهذيب: «عبد اللّه بن سليمان».
6- التهذيب 636/155:9، الاستبصار 108:4-414/109، و ما بين المعقوفين أثبتناه منهما.
7- الانتصار: 221.

الحصين عن الصادق عليه السّلام، قال: سألته هل لأحد أن يرجع في صدقة أو هبة ؟ قال: «أمّا ما تصدّق به للّه فلا، و أمّا الهبة و النحلة فيرجع فيها، حازها أو لم يحزها و إن كانت لذي قرابة»(1) ممنوع؛ لضعف السند.

مسألة 18: لو كانت الهبة للأجنبيّ و حصل الإيجاب و القبول و القبض،

جاز للواهب الرجوع فيها بشروط خمسة:

الأوّل: أن لا يقصد بها التقرّب إلى اللّه تعالى، فإن قصده بالهبة لم يكن له الرجوع؛ لأنّها كالمعوّض عنها؛ لأنّه طلب بها الثواب و قد حصل.

و لقول الصادق عليه السّلام: «و لا ينبغي لمن أعطى للّه عزّ و جلّ شيئا أن يرجع فيه»(2) الحديث، و غير ذلك من الأحاديث(3).

الثاني: أن لا يكون المتّهب قد عوّض عنها، فإن اتّهب شيئا و عوّض الواهب في مقابلة الهبة شيئا قلّ أو كثر، لم يكن للواهب الرجوع؛ لقول الصادق عليه السّلام: «إذا عوّض صاحب الهبة فليس له أن يرجع»(4).

الثالث: أن لا يكون المتّهب قد تصرّف في الهبة، فإن كان قد تصرّف في الهبة لم يكن له الرجوع؛ لقول الصادق عليه السّلام: «إذا كانت الهبة قائمة بعينها فله أن يرجع، و إلاّ فليس له»(5).

و إذا تصرّف المتّهب مطلقا إمّا تصرّفا لازما كالبيع و الهبة و الكتابة و الرهن، أو غير لازم كالعارية، لم يكن للواهب الرجوع.

ص: 41


1- التهذيب 645/157:9، الاستبصار 404/106:4.
2- الكافي 3/30:7، التهذيب 624/152:9، الاستبصار 423/110:4.
3- الكافي 30:7-4/31، التهذيب 625/153:9، الاستبصار 411/108:4.
4- الكافي 19/33:7، التهذيب 632/154:9.
5- الكافي 11/32:7، التهذيب 627/153:9، الاستبصار 412/108:4.

الرابع: أن لا يكون الموهوب دينا، فلو وهبه ما له عليه في ذمّته لم يكن له الرجوع؛ لأنّ الهبة هنا إسقاط.

و سئل الصادق عليه السّلام: عن الرجل يكون له على الرجل الدراهم فيهبها له أله الرجوع فيها؟ قال: «لا»(1).

الخامس: أن تكون العين قائمة، فلو تلفت فلا رجوع؛ للرواية(2).

و الأوّلان مجمع عليهما عندنا، و في الثالث خلاف، و الرابع و الخامس كالأوّلين.

إذا عرفت هذا، فقد قال النخعي و الثوري و إسحاق و أصحاب الرأي:

من وهب لغير ذي رحم شيئا فله الرجوع ما لم يثب عليها، و من وهب لذي رحم فليس له الرجوع - و هذا موافق لمذهبنا - لما روي عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنّه قال: «الرجل أحقّ بهبته ما لم يثب منها»(3) و لأصالة بقاء الملك على صاحبه، و لقول عمر: من وهب لذي رحم لم يكن له الرجوع فيها، و من وهب لغير ذي رحم كان له الرجوع فيها، و لأنّه لم يحصل له عنها عوض، فكان له الرجوع، كالعارية(4).

و قال الشافعي و أبو ثور و أحمد: ليس للواهب الأجنبيّ أن يرجع في هبته و إن لم يثب عليها؛ لقوله عليه السّلام: «لا يحلّ لرجل أن يهب هبة أو يعطي2.

ص: 42


1- الكافي 13/32:7، التهذيب 629/154:9، الاستبصار 424/111:4.
2- الكافي 11/32:7، التهذيب 627/153:9، الاستبصار 412/108:4.
3- المصنّف - لابن أبي شيبة - 1745/474:6، سنن ابن ماجة 3287/798:2، سنن الدارقطني 180/43:3.
4- المغني 328:6، الشرح الكبير 301:6-302.

عطيّة فيرجع فيها إلاّ الوالد فيما وهب لولده»(1) و لأنّها هبة لغير ولده، فلم يكن له الرجوع فيها بعد القبض، كما لو وهب لعمّه و أخيه(2).

و الخبر ممنوع، سلّمناه لكنّه مخصوص بذي الرحم، و استثناء الوالد لما تقدّم(3) من جواز أن يأخذ من ولده مع حاجته قدر كفايته. و الفرق بين العمّ و الأجنبيّ النسب، فإنّه يقتضي كون الهبة له يقصد بها صلة الرحم، و ذلك يقتضي قصد الثواب، فأشبهت الصدقة، بخلاف هبة الأجنبيّ، فإنّه قد يتوقّع فيها العوض، فإذا لم يسلم كان له الرجوع.

تذنيب: شرط أبو حنيفة في ذي الرحم أن يكون محرما في النسب(4) ، فيجوز عنده أن يرجع فيما وهبه لأولاد عمّه و عمّته و خاله(5) و خالته(6) ، فقد وقع الاتّفاق على أنّ ما وهب الإنسان رحمه المحرم غير ولده لا رجوع فيه.

و عندنا أنّ ذا الرحم غير المحرم و الولد ليس له الرجوع فيهما أيضا، و عندنا أنّ الأجنبيّ يجوز لواهبه الرجوع، خلافا للعامّة.

مسألة 19: قال الشيخ رحمه اللّه: عندنا أنّ الرجوع في هبة الزوج

أو

ص: 43


1- تقدّم تخريجه في ص 39، الهامش (1).
2- الحاوي الكبير 545:7، التهذيب - للبغوي - 537:4، البيان 107:8، العزيز شرح الوجيز 323:6، معالم السنن - للخطّابي - 145:3، المغني 327:6 - 328، الشرح الكبير 301:6-302، روضة القضاة 3074/523:2.
3- في ص 39.
4- راجع: الهامش (2) من ص 40.
5- في النّسخ الخطّيّة: «و أولاد خاله».
6- كما في البيان 107:8.

الزوجة مكروه(1). و هذا يعطي جواز الرجوع.

و قال جماعة من علمائنا: إنّ حكم الزوجين حكم ذوي الأرحام، فكما لا يجوز الرجوع في هبة ذوي الأرحام، كذا لا يجوز لكلّ من الزوجين الرجوع في هبة الآخر، و هو مذهب أكثر العامّة(2) ، و هو المعتمد؛ لما رواه زرارة - في الصحيح - عن الصادق عليه السّلام قال: «و لا يرجع الرجل فيما يهب لامرأته، و لا المرأة فيما تهب لزوجها حيز أو لم يحز، أليس اللّه يقول:

وَ لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً (3) [و قال:] فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً (4) و هذا (يدخل في)(5) الصداق و الهبة»(6).

و قال أحمد: ليس للرجل الرجوع فيما يهبه لامرأته، و هل للمرأة الرجوع فيما تهبه لزوجها؟ فيه روايتان عنه:

إحداهما: أنّه ليس لها الرجوع، و به قال عمر بن عبد العزيز و النخعي و ربيعة و مالك و الثوري و الشافعي و أبو ثور و أصحاب الرأي و أكثر الإماميّة، و هو قول عطاء و قتادة، كالزوج.4.

ص: 44


1- المبسوط - للطوسي - 309:3.
2- المغني 329:6، الشرح الكبير 309:6، حلية العلماء 54:6-55، العزيز شرح الوجيز 323:6، مختصر القدوري: 125، تحفة الفقهاء 167:3، الهداية - للمرغيناني - 228:3، الاختيار لتعليل المختار 74:3.
3- سورة البقرة: 229.
4- سورة النساء: 4.
5- بدل ما بين القوسين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «يدلّ على». و المثبت كما في المصدر.
6- الكافي 3/30:7، التهذيب 624/152:9، الاستبصار 423/110:4.

و الرواية الثانية: أنّ لها الرجوع فيما تهبه لزوجها؛ لقول عمر: إنّ النساء يعطين أزواجهنّ رهبة، فأيّما امرأة أعطت زوجها شيئا ثمّ أرادت أن تسترجعه فهي أحقّ به، و هذا قول شريح و الشعبي أيضا(1).

و عن أحمد رواية ثالثة: أنّ الزوجة إذا وهبت له مهرها، فإن كان قد سألها ذلك ردّه إليها، رضيت أو كرهت؛ لأنّها لا تهبه إلاّ مخافة غيظه و سخطه أو إضرار بأن يتزوّج عليها، و إن لم يكن سألها و تبرّعت به فهو جائز(2).

فروع:

أ: قد بيّنّا(3) أنّ أكثر العامّة جوّزوا للأب أن يرجع فيما وهبه لولده.

و شرط بعض الشافعيّة في ذلك أنّه إنّما يرجع إذا قصد بهبته استجلاب برّ أو دفع عقوق فلم يحصل غرضه، أمّا إذا لم يقصد ذلك و أطلق الهبة فلا رجوع له(4) ، لكن المشهور عندهم الأوّل(5).

و عن مالك: أنّه إذا رغب راغب في مواصلة الولد بسبب المال الموهوب6.

ص: 45


1- الإشراف على مذاهب أهل العلم 221:2 و 222، المغني 329:6-330، الشرح الكبير 309:6، البيان 107:8، مختصر القدوري: 125، المبسوط - للسرخسي - 51:12، روضة القضاة 3075/523:2، تحفة الفقهاء 167:3، الفقه النافع 741/1015:3، بدائع الصنائع 133:6، الهداية - للمرغيناني - 3: 228، الاختيار لتعليل المختار 74:3.
2- المغني 330:6، الشرح الكبير 309:6.
3- في ص 38 و 39.
4- الحاوي الكبير 547:7، نهاية المطلب 441:8، حلية العلماء 54:6، البيان 106:8، العزيز شرح الوجيز 323:6، روضة الطالبين 440:4.
5- البيان 106:8، العزيز شرح الوجيز 323:6.

فزوّج من الابن و تزوّج بالبنت فلا رجوع له(1)تقدّم تخريجه في ص 39، الهامش (1).(2).

ب: قد بيّنّا(3) أنّ هبة ذي الرحم لازمة لا رجوع فيها بحال، و ينبغي أن يشرط فيه ما لم يشرط الثواب، فإن وهب الأب الابن أو بالعكس أو غيرهما من ذوي الأرحام رحمة منه و شرط عليه العوض فلم يعوّض، كان له الرجوع؛ عملا بمقتضى الشرط.

ج: ليس للأم الرجوع فيما تهبه لولدها، و هو ظاهر على مذهبنا، حيث منعنا من رجوع ذي الرحم في هبة رحمه.

و أمّا من جوّز للأب الرجوع فيما يهبه لولده هل يجوز ذلك للأم ؟ قال الشافعي: نعم؛ لأنّها أحد الأبوين، و لأنّها كالأب في كون الولد منها، بل ولادتها متيقّنة، و انتسابه إلى الأب مستند إلى الظاهر، و لأنّها كالأب في حصول العتق و وجوب النفقة، هذا أصحّ قوليه(4).

و له قول آخر: إنّه لا يجوز لها الرجوع، و تخالف الأب في ذلك؛ لأنّ الخبر(4) ورد في الأب(5).

و قال مالك: للأم الرجوع في هبة ولدها ما كان أبوه حيّا، فإن كان ميّتا فلا رجوع لها؛ لأنّها هبة لليتيم، و هبة اليتيم لازمة، كصدقة التطوّع، و من4.

ص: 46


1- راجع: الهامش
2- من ص 39.
3- في ص 39.
4- نهاية المطلب 424:8، الوسيط 273:4، الوجيز 249:1-250، التهذيب - للبغوي - 537:4، البيان 106:8، العزيز شرح الوجيز 323:6، روضة الطالبين 440:4، المغني 307:6، الشرح الكبير 303:6.
5- نهاية المطلب 424:8، الوسيط 273:4، الوجيز 250:1، التهذيب - للبغوي - 537:4، العزيز شرح الوجيز 323:6، روضة الطالبين 440:4.

مذهبه أنّه لا يرجع في صدقة التطوّع(1).

د: في غير الأب من الأصول للشافعي قولان:

أحدهما: لا رجوع لهم؛ لأنّ الخبر ورد في الأب.

و أصحّهما عنده: الرجوع، كالأب؛ لأنّهم كالأب في حصول العتق و وجوب النفقة و سقوط القصاص(2).

و قطع جماعة من الشافعيّة بأنّ للجدّ أبي الأب و إن علا الرجوع في هبة ولد ولده و إن نزل؛ لصدق الأب عليه، و لأنّه كالأب في الولاية، و في أب الأم و أمّها و أمّ الأب قولان(3).

و قد ظهر من ذلك أنّ للشافعيّة في ذلك أربعة أوجه:

الأوّل: اختصاص الرجوع بالأب.

الثاني: اختصاصه بالأب و الأم.

الثالث: اختصاصه بكلّ أصل ثبت له الولاية.

الرابع: شموله كلّ أصل، و هو الأصحّ عندهم(4).

و قال مالك: لا رجوع لهم سوى الأم(5).

و قال أحمد: لا رجوع لها أيضا(6).

ه: غير الأصول كالأخ و العمّ و سائر الأقارب لا رجوع لهم عندنا6.

ص: 47


1- بداية المجتهد 332:2، الذخيرة 265:6-266، المغني 308:6، الشرح الكبير 304:6.
2- الوجيز 250:1، العزيز شرح الوجيز 323:6، روضة الطالبين 440:4.
3- العزيز شرح الوجيز 323:6، روضة الطالبين 440:4.
4- العزيز شرح الوجيز 323:6.
5- العزيز شرح الوجيز 323:6، و راجع أيضا: الهامش (1).
6- المغني 307:6، الشرح الكبير 303:6، العزيز شرح الوجيز 323:6.

و عندهم(1).

أمّا عندهم: فلأنّهم كالأجانب(2) ، و هبة الأجنبيّ لا يجوز الرجوع فيها عندهم(3) ؛ لما روي عن النبي صلّى اللّه عليه و آله أنّه قال: «لا يحلّ لرجل أن يعطي عطيّة أو يهب هبة فيرجع فيها إلاّ الوالد فيما يعطي ولده، و مثل الذي يعطي العطيّة ثمّ يرجع فيها كمثل الكلب يأكل فإذا شبع قاء ثمّ عاد فيه»(4).

و قال أبو حنيفة: لا رجوع في الهبة من المحرم، و يثبت في غير المحرم قريبا كان أو أجنبيّا، إلاّ في هبة أحد الزوجين من الآخر(5).

و: لا فرق في حقّ الرجوع بين أن يكون الوالد و الولد متّفقين في الدّين أو مختلفين.

و لو وهب من عبد [ولده](6) فله الرجوع عند الشافعي(7).4.

ص: 48


1- العزيز شرح الوجيز 323:6، روضة الطالبين 440:4.
2- العزيز شرح الوجيز 323:6.
3- راجع: الهامش (2) من ص 43.
4- سنن أبي داود 3539/291:3، المستدرك - للحاكم - 46:2.
5- مختصر اختلاف العلماء 1847/152:4، مختصر القدوري: 124 و 125، المبسوط - للسرخسي - 49:12 و 51 و 52-53، روضة القضاة 3071/522:2 و 3073، و 3075/523، تحفة الفقهاء 167:3، الفقه النافع 1014:3 و 739/1015-741، بدائع الصنائع 132:6 و 133، الهداية - للمرغيناني - 3: 227 و 228، الاختيار لتعليل المختار 73:3-74، الحاوي الكبير 545:7، حلية العلماء 54:6-55، التهذيب - للبغوي - 537:4-538، البيان 8: 107، العزيز شرح الوجيز 323:6.
6- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «و أمة». و المثبت كما في المصدر.
7- التهذيب - للبغوي - 541:4، العزيز شرح الوجيز 323:6، روضة الطالبين 441:4.

و لو وهب من مكاتب ولده، لم يكن له الرجوع عنده(1).

و هبة الإنسان من مكاتبه كهبته من الأجنبيّ.

ز: لو تداعى اثنان مولودا و وهبا منه، فلا رجوع لواحد منهما.

أمّا عندنا: فلأنّ كلّ واحد منهما يدّعي بنوّته، فيعترف بلزوم الهبة في حقّه؛ لأنّ هبة ذي الرحم لازمة عندنا.

و أمّا عند الشافعي: فلأنّ ولادته لأحدهما لم تثبت، فكان كالأجنبيّ(2) ، و لا يصحّ عنده رجوع الأجنبيّ في هبته(3) ، ضدّ ما نذهب نحن إليه.

فإن ألحق بأحدهما، فللشافعيّة وجهان؛ لأنّ الرجوع لم يكن ثابتا في الابتداء(4).

ح: حكم الرجوع في الهديّة حكم الرجوع في الهبة، فكلّ موضع جوّزناه هناك فإنّه جائز هنا، و ما لا فلا.

ط: لا يجوز الرجوع في الصدقة؛ لأنّها كالهبة المعوّض عنها.

و لو تصدّق على ابنه، فللشافعيّة وجهان:

أصحّهما: أنّ له الرجوع؛ لأنّ الخبر(5) يقتضي ثبوت الرجوع في الهبة، و الصدقة ضرب من الهبة، و لأنّه تبرّع على الولد في الحياة لا بدّ فيه9.

ص: 49


1- العزيز شرح الوجيز 324:6، روضة الطالبين 441:4.
2- الحاوي الكبير 547:7، المهذّب - للشيرازي - 454:1، الوسيط 274:4، التهذيب - للبغوي - 541:4، البيان 108:8، العزيز شرح الوجيز 324:6، روضة الطالبين 441:4.
3- راجع: الهامش (2) من ص 43.
4- الحاوي الكبير 547:7، المهذّب - للشيرازي - 454:1، الوسيط 274:4، التهذيب - للبغوي - 541:4، البيان 108:8، العزيز شرح الوجيز 324:6، روضة الطالبين 441:4.
5- راجع: الهامش (1) من ص 39.

من التسليم، فأشبه الهبة.

و الثاني - و به قال مالك(1) ، و هو مذهبنا -: أنّه لا رجوع؛ لأنّه ليس له الرجوع في الهبة عندنا، فالصدقة أولى، و لأنّ القصد من الصدقة ثواب الآخرة و قد حصل(2).

ي: لو أبرأ ابنه عن دينه برئ عندنا، و لم يكن له الرجوع.

و قالت الشافعيّة: يبنى على أنّ الإبراء إسقاط أو تمليك ؟ إن قلنا:

إسقاط، فلا رجوع، و إلاّ ثبت الرجوع(3).

يأ: لو وهب من ولده ثمّ مات الواهب، و وارثه أبوه لكون الولد مخالفا له في الدين، فلا رجوع للجدّ الوارث عند الشافعي؛ لأنّ الحقوق لا تورث وحدها، و إنّما تورث بتبعيّة الأموال، و هو لا يرث المال(4).

المطلب الثاني: فيما إليه يرجع الواهب.
اشارة

اعلم أنّ كلّ موضع يجوز للواهب الرجوع فيه فإنّ الرجوع يثبت له في عينه التي وهبها من المتّهب إن كانت باقية، و إن كانت تالفة لم يكن له الرجوع عندنا، سواء تلفت بفعل المتّهب أو بدون فعله؛ لأنّه ملكها بالعقد و القبض، فلا ضمان عليه، كغيرها من أمواله المملوكة له - و به قال

ص: 50


1- الإشراف على نكت مسائل الخلاف 1204/676:2، بداية المجتهد 332:2، الذخيرة 266:6، العزيز شرح الوجيز 324:6، الإفصاح عن معاني الصحاح 51:2.
2- الحاوي الكبير 547:7، المهذّب - للشيرازي - 454:1، الوجيز 250:1، الوسيط 273:4-274، حلية العلماء 52:6-53، التهذيب - للبغوي - 4: 540، البيان 108:8، العزيز شرح الوجيز 324:6، روضة الطالبين 441:4.
3- العزيز شرح الوجيز 324:6، روضة الطالبين 441:4.
4- العزيز شرح الوجيز 324:6، روضة الطالبين 441:4.

الشافعي(1) - للبراءة الأصليّة.

و لما رواه الحلبي - في الصحيح - عن الصادق عليه السّلام قال: «إذا كانت الهبة قائمة بعينها فله أن يرجع، و إلاّ فليس له»(2)التهذيب 653/158:9، الاستبصار 408/107:4، و 416/109.(3).

و لو كانت باقية إلاّ أنّ المتّهب تصرّف فيها ببيع أو شبهه، فلا رجوع عند أكثر علمائنا(4).

و قال بعضهم: للواهب الرجوع مع التصرّف(5).

و المعتمد: الأوّل؛ لأنّ المتّهب قد ملك بالعقد و الإقباض، و ظهر أثر الملك، و هو التصرّف، فقوي وجود السبب، فكان تامّا، و إلاّ لم يتحقّق أثره، فلا يتحقّق النقل عنه إلاّ بسبب طار، و ليس الرجوع سببا هنا، و إلاّ كان سببا في غيره.

و لما رواه إبراهيم بن عبد الحميد عن الصادق عليه السّلام قال: «أنت بالخيار في الهبة ما دامت في يدك، فإذا خرجت إلى صاحبها فليس لك أن ترجع فيها» و قال: «قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: من رجع في هبته فهو كما لو رجع في قيئه»(5).

و لا فرق بين أن يكون التصرّف لازما، كالبيع بعد انقضاء الخيار، و الكتابة، أو غير لازم، كالعارية و البيع في مدّة الخيار، و لا فرق بين أن تعود العين إلى المتّهب ببيع و ميراث و غيرهما، أو لا تعود؛ لأنّ الانتقال من9.

ص: 51


1- الحاوي الكبير 547:7-548، نهاية المطلب 425:8، حلية العلماء 59:6، البيان 111:8، العزيز شرح الوجيز 324:6، روضة الطالبين 441:4-442.
2- تقدّم تخريجه في ص 41، الهامش
3- .
4- منهم: الشيخ الطوسي في النهاية: 603، و يحيى بن سعيد في الجامع للشرائع: 366.
5- راجع: شرائع الإسلام 230:2.

الواهب تامّ، فلا تعود إليه بغير سبب، و الرجوع ليس سببا على ما تقدّم، و سواء كان التصرّف ممّا يحصل معه تغيّر في العين أو إحداث شيء فيها كاتّخاذ الخشبة بابا، أو لا.

و قال الشافعي: إذا تصرّف المتّهب في الهبة نظر(1) ، فإن كان تصرّفا لا يقطع تصرّف المتّهب عنها - مثل الإجارة و الإعارة و الزراعة و التدبير و تزويج الجارية - كان للواهب الرجوع فيها.

و هو آت على مذهب من يقول من أصحابنا: إنّ التصرّف غير مانع من الرجوع.

و إن كان يمنعه من التصرّف في الحال - كالكتابة و الرهن - لم يكن للواهب الرجوع في هذه الحال، فإن انفسخت الكتابة أو انفكّ الرهن، كان له الرجوع.

و حكى بعضهم أنّ في الكتابة وجها آخر: أنّه لا يرجع؛ لأنّ الكتابة تجعله في حكم من زال عنه ملك السيّد، فيصير كأنّه زال ملكه ثمّ عاد إليه(2).

و إن كان تصرّفه أزال ملكه، كالبيع و الهبة اللازمة، لم يملك الرجوع.

فلو عاد الموهوب إلى الموهوب منه، فهل يملك الواهب الرجوع ؟ وجهان:

أحدهما: يملك ذلك؛ لأنّ الموهوب موجود في ملكه، ألا ترى أنّ الزوجة إذا زال ملكها عن الصداق ثمّ عاد إليها ثمّ طلّقها الزوج فإنّه يرجع في نصفه، كذا هنا.6.

ص: 52


1- في «ص، ع»: «نظرت».
2- العزيز شرح الوجيز 326:6.

و الثاني: لا يرجع؛ لأنّ الملك للمتّهب لم يكن من جهته، فلا يملك فسخه و إزالته، بخلاف الصداق، فإنّ زوال ملكها عن العين لم يسقط حقّه، و إنّما تعلّق حقّه بالقيمة، فإذا عاد عاد الحقّ إليه، و هنا سقط حقّه، فافترقا(1).

مسألة 20: إذا جوّزنا الرجوع مع التصرّف - كما هو مذهب بعض علمائنا،

و مذهب أكثر العامّة - فلو كان المتّهب قد آجر العين أو زارع عليها أو زوّج الجارية فرجع الواهب، صحّ الرجوع، و صبر الواهب في الإجارة إلى انقضاء مدّتها، و كذا في المزارعة، و يبقى التزويج بحاله، و يكون مال الإجارة و الزراعة و المهر للمتّهب؛ لأنّ ذلك حصل في ملكه، و ليس للواهب فيه شيء لا عمّا مضى و لا عمّا يأتي.

و لو أبق العبد الموهوب في يد المتّهب، صحّ رجوع الواهب إن لم يتصرّف المتّهب عندنا، و مطلقا عند من جوّز الرجوع مع التصرّف.

و للشافعي قولان في العبد الموهوب في يد المتّهب هل يصحّ رجوع الواهب فيه على القول بأنّ هبة الآبق لا تصحّ؟ لأنّ الهبة تمليك مبتدأ، و الرجوع ينافيه، فيسامح فيه(2).

و لو جنى العبد في يد المتّهب و تعلّق الأرش برقبته، فهو كالمرهون في امتناع الرجوع، لكن لو قال الواهب: أنا أدفع الفداء و أرجع فيه، أجيب إليه، بخلاف المرهون لو قال الواهب: أنا أدفع قيمته و أرجع، فإنّه لا يجاب إلى ذلك؛ لأنّ في ذلك إبطال تصرّف المتّهب، و لا سبيل إليه.

و يحتمل عندي تمكينه من ذلك، و ليس في ذلك إبطال التصرّف.

ص: 53


1- العزيز شرح الوجيز 324:6 و 326 و 327، روضة الطالبين 441:4-443.
2- العزيز شرح الوجيز 325:6، روضة الطالبين 442:4.

و لو زال ملك المتّهب ثمّ عاد بإرث أو شراء، ففي عود الرجوع للشافعي قولان.

أحدهما: يعود؛ لأنّه وجد عين ماله عند من له الرجوع فيما وهب منه.

و أصحّهما عنده: المنع؛ لأنّ هذا الملك غير مستفاد منه حتى يزيله و يرجع فيه(1).

و احتجّ بعضهم لهذا الوجه: بأنّه لو وهب من ابنه فوهبه الابن من جدّه ثمّ وهبه الجدّ من ابن ابنه المتّهب أوّلا، فإنّ حقّ الرجوع للجدّ الذي حصل منه هذا الملك، لا للأب(2).

و يمكن أن يحكم القائل الأوّل بثبوت الرجوع لهما جميعا.

و مبنى القولين على أصل سبق(3) في البيع هو: أنّ الزائل العائد كالذي لم يزل أو كالذي لم يعد؟

مسألة 21: لو وهبه ما هو مملوك ثمّ خرج عن صلاحيّة التملّك ثمّ عاد إلى حاله

الأوّل - كما لو وهبه عصيرا ثمّ صار خمرا في يد المتّهب ثمّ عاد إلى الخلّ - كان للواهب الرجوع إن لم يتصرّف المتّهب عندنا، و مطلقا عند مجوّزي الرجوع مع التصرّف؛ لأنّ الملك الثابت في الخلّ سببه ملك العصير، فكأنّه الملك الأوّل بعينه.

و ذكر بعض الشافعيّة وجهين في أنّ الملك هل يزول بالتخمير؟

ص: 54


1- العزيز شرح الوجيز 325:6، روضة الطالبين 442:4.
2- العزيز شرح الوجيز 325:6-326، روضة الطالبين 442:4.
3- في ج 12، ص 279.

و وجهين في عود الرجوع تفريعا على القول بالزوال(1).

و لو انفكّ الرهن أو الكتابة بعجز المكاتب عن أداء النجوم، ثبت الرجوع؛ لأنّ الملك الذي كان لم يزل بالرهن و لا بالكتابة.

و حكى الجويني عن بعض الشافعيّة في انفكاك الرهن وجهين مرتّبين على الوجهين فيما إذا زال الملك و عاد(2).

و كذا في الكتابة وجه آخر؛ لأنّ الكتابة تجعله في حكم من زال ملكه عنه، و إذا انفكّت فكأنّه حصل ملك جديد(3).

مسألة 22: لو وهبه شيئا ثمّ أفلس المتّهب و حجر الحاكم عليه فأراد الواهب الرجوع في الهبة،

لم يكن له ذلك؛ لتعلّق حقّ الغرماء بالعين، فمنع ذلك الرجوع فيها، كالمرهون و الجاني، فإنّه لمّا تعلّق حقّ المرتهن و المجنيّ عليه بالعين، لم يكن للواهب الرجوع فيها، كذا هنا، و هو أصحّ وجهي الشافعيّة، و الثاني لهم: أنّ له الرجوع؛ لأنّ حقّه أسبق من حقّ الغرماء، فإنّ حقّ الرجوع للواهب ثبت بالهبة، و حقّ الغرماء إنّما يثبت بالحجر(4).

فإن باعها المتّهب ثمّ اشتراها بثمن مؤجّل ثمّ أفلس و قلنا: إذا عادت إليه كان للواهب الرجوع فيها، فإنّ هنا البائع أحقّ من الواهب؛ لأنّ حقّه تعلّق بها من جهة ملكه إيّاها بالبيع، فكان أولى، كما لو اشتراها و لم يبعها.

ص: 55


1- العزيز شرح الوجيز 326:6، روضة الطالبين 443:4.
2- نهاية المطلب 429:8، و عنه في العزيز شرح الوجيز 326:6.
3- حلية العلماء 56:6، البيان 112:8، العزيز شرح الوجيز 326:6.
4- المهذّب - للشيرازي - 454:1، الوسيط 275:4، حلية العلماء 54:6، التهذيب - للبغوي - 541:4، البيان 109:8، العزيز شرح الوجيز 326:6، روضة الطالبين 443:4.

و لو ارتدّ العبد في يد المتّهب و قلنا: الردّة لا تزيل الملك، ثبت الرجوع، و إن قلنا: تزيله، فلا رجوع، فإن عاد إلى الإسلام ثبت الرجوع.

و من الشافعيّة من جعله على الخلاف فيما إذا زال ملكه ثمّ عاد(1).

و لو وهب الابن المتّهب الموهوب من ابنه، لم يكن هنا رجوع عندنا.

و للشافعي قولان في أنّه هل للجدّ الرجوع ؟ فإن قلنا به، فهل للجدّ هنا الرجوع ؟ وجهان:

أحدهما: نعم؛ لأنّه موهوب ممّن للجدّ الرجوع في هبته.

و الثاني: المنع؛ لأنّ الملك غير مستفاد منه(2).

و لو باعه منه أو انتقل بموته إلى ابنه، قطع بعضهم بمنع الرجوع(3).

و بعضهم طرّد الوجهين في صورة الموت(4).

و بعضهم طرّدهما في البيع أيضا(«5»).

و الأصحّ في الكلّ عندهم: المنع(«6»).

مسألة 23: هذا كلّه إذا كان المتّهب قد زالت سلطنته عن العين الموهوبة،

و أمّا إذا كان باقيا في سلطنته فرجع الواهب فيما له الرجوع فيه، فلا يخلو إمّا أن تكون العين بحالها أو ناقصة أو زائدة.

فإن كانت بحالها، استرجعها الواهب، و لا بحث.

و إن كانت ناقصة، فله الرجوع أيضا، و لا أرش للواهب في الهبة التي

ص: 56


1- البيان 109:8، العزيز شرح الوجيز 326:6، روضة الطالبين 443:4، و مفروض المسألة فيها هو ما إذا ارتدّ نفس المتّهب، لا العبد في يد المتّهب.
2- التهذيب - للبغوي - 541:4، العزيز شرح الوجيز 326:6-327.
3- التهذيب - للبغوي - 541:4، العزيز شرح الوجيز 327:6. (4-6) العزيز شرح الوجيز 327:6.

لم يشترط فيها الثواب؛ لأنّ النقص حصل في ملك المتّهب، فلا يكون مضمونا عليه.

و إن كانت زائدة، فلا تخلو الزيادة من أن تكون متّصلة كالسمن و تعلّم الصنعة، أو منفصلة كالثمرة و الولد و الكسب و اللبن.

فإن كانت متّصلة، تبعت العين، فإذا رجع الواهب في العين كانت الزيادة في العين ترجع إلى الواهب - و به قال الشافعي(1) - لأنّها زيادة في الموهوب له، فلا تمنع الرجوع، كما لو كانت قبل القبض، أو كانت منفصلة.

و قال أبو حنيفة: لا يرجع إلاّ أن يكون قد زاد بتعلّم القرآن أو أسلم أو قضي عنه دين(2) - و قال محمّد: لا يرجع فيه إذا أسلم أو علّمه القرآن أو قضى عنه الدّين أيضا(3) - لأنّ الزيادة ملك الموهوب له، فلم يكن له الرجوع فيها، كالمنفصلة، و إذا امتنع الرجوع فيها امتنع الرجوع في الأصل؛ لأنّها غير متميّزة منه(4).

و هو يبطل بالردّ بالعيب؛ فإنّ الزيادة ملك المشتري، و لا تمنع الردّ.

و لا ينتقض ذلك بالزوج إذا طلّق قبل الدخول و كان المهر قد زاد في يد الزوجة زيادة متّصلة، فإنّ الزيادة تمنع الزوج من الرجوع في الصداق؛ لأنّ الفرق ظاهر، فإنّ الزيادة في الصداق لم يجعلها تابعة؛ لأنّه يمكنه7.

ص: 57


1- حلية العلماء 54:6، التهذيب - للبغوي - 542:4، البيان 110:8، العزيز شرح الوجيز 327:6، روضة الطالبين 443:4، المغني 312:6، الشرح الكبير 306:6.
2- في «ع»: «قضى عنه دينا».
3- حلية العلماء 55:6، البيان 110:8، المغني 313:6، الشرح الكبير 306:6 - 307.
4- حلية العلماء 55:6، البيان 110:8، المغني 312:6-313، الشرح الكبير 306:6 و 307.

الرجوع إلى القيمة، و هنا لا يرجع في القيمة، فجعلها تابعة، كالردّ بالعيب.

و إن كانت الزيادة منفصلة، ردّ الأصل دون الزيادة؛ لأنّها حصلت في ملك المتّهب، فلا تنتقل عنه إلاّ بسبب، و الرجوع ليس سببا.

مسألة 24: لو وهبه جارية أو دابّة حاملا فرجع الواهب قبل الوضع،

رجع فيها حاملا؛ لأنّ الزيادة هنا متّصلة، و لأنّ الولد للواهب - و به قال الشافعي(1) - لأنّا إن قلنا: للحمل حكم، فقد تناولته الهبة، و إن قلنا: لا حكم له، فهو كالزيادة المتّصلة.

و إن رجع بعد الوضع، فكذلك عندنا؛ لأنّ الزيادة هنا متّصلة.

و أمّا العامّة: فمن قال: لا حكم للحمل، قال: يرجع في الأمّ دون الولد، و من قال: له حكم، قال: يرجع فيهما معا(2).

و إن وهبها حائلا فحملت في يد المتّهب ثمّ رجع الواهب، فإن كان رجوعه بعد الوضع، كان له الرجوع في الأمّ خاصّة، و يكون الولد للمتّهب؛ لأنّه نماء ملكه لم يتناوله العقد، و إن رجع قبل الوضع، فمن قال: للحمل حكم، فهو كما لو كان منفصلا، فيرجع في الأمّ دون الحمل، و من قال:

لا حكم له، رجع فيهما(3).

و الوجه: أنّ الولد للمتّهب؛ لأنّه نماء ملكه.

إذا عرفت هذا، فكلّ موضع حكمنا له بالرجوع في الأمّ دون الولد فإنّه يرجع في الأمّ خاصّة و إن حصل التفريق؛ لأنّه مكروه لا محرّم على

ص: 58


1- التهذيب - للبغوي - 542:4، البيان 110:8، العزيز شرح الوجيز 327:6، روضة الطالبين 443:4.
2- نفس المصادر مضافا إلى: المغني 315:6، و الشرح الكبير 307:6.
3- حلية العلماء 55:6-56، البيان 110:8، روضة الطالبين 443:4، المغني 315:6، الشرح الكبير 307:6.

الأقوى.

و لو قلنا بالتحريم، احتمل أن يمنع من الرجوع في الأم - و هو قول بعض العامّة(1) - لاستلزامه التفريق المحرّم، و الجواز؛ لأنّها تفرقة ضروريّة.

مسألة 25: لو وهب منه ثوبا فقصره المتّهب،

لم يكن للواهب الرجوع عندنا.

و أمّا من جوّز له الرجوع مع التصرّف من علمائنا(2)حلية العلماء 55:6، التهذيب - للبغوي - 542:4، العزيز شرح الوجيز 6:

327، روضة الطالبين 444:4.(3) و من العامّة(4) فإنّ للواهب الرجوع.

فإن لم تزد قيمة الثوب بالقصارة، كان له الرجوع فيه.

و إن زادت قيمته بذلك، فهل تجري الزيادة مجرى العين، أو الأثر؟ للشافعي قولان، فإن قلنا: إنّها تجري مجرى العين، كانا شريكين، كالمفلس إذا قصر الثوب، و إن قلنا: إنّها أثر، كان للواهب الرجوع في الثوب مقصورا(4).

و لو وهب منه حبّا فزرعه أو بيضا فصار فرخا، لم يكن له الرجوع؛ لأنّ ماله صار مستهلكا.

قال بعض الشافعيّة: هذا إن ضمّنّا الغاصب بذلك، و إلاّ فقد وجد عين ماله فيرجع فيه(5).

و لو كان الموهوب ثوبا فصبغه المتّهب و جوّزنا الرجوع مع التصرّف،

ص: 59


1- المغني 314:6، الشرح الكبير 305:6.
2- لاحظ: الهامش
3- من ص 51.
4- لاحظ: الهامش (1) من ص 53.
5- التهذيب - للبغوي - 542:4، العزيز شرح الوجيز 327:6، روضة الطالبين 444:4.

رجع الواهب في الثوب، و كان المتّهب شريكا بالصبغ.

و لو كان الموهوب حنطة فطحنها المتّهب، أو غزلا فنسجه، فإن لم تزد قيمته فلا شيء للمتّهب، و كان للواهب الرجوع في الطحين و المنسوج، و إن زادت، احتمل إجراء الطحن و النسج مجرى الأعيان و مجرى الآثار.

و لو وهبه أرضا فبنى المتّهب فيها أو غرس، كان للواهب الرجوع في الأرض، و ليس له قلع البناء و الغراس مجّانا، بل يتخيّر بين الإبقاء بالأجرة، أو [التملّك](1) بالقيمة مع رضا المتّهب فيهما، أو القلع مع دفع أرش النقصان، كما في العارية.

و لو وهبه نخلا حائلا فأثمر في يد المتّهب، جاز له الرجوع إذا لم يتصرّف عندنا، و مطلقا عند آخرين.

فإذا رجع في العين، كانت الثمرة للمتّهب؛ لأنّها زيادة منفصلة، سواء كانت مؤبّرة حالة الرجوع أو لا.

و قال بعض العامّة: إن رجع قبل التأبير، فهي زيادة متّصلة، و إن رجع بعده، فهي زيادة منفصلة(2).

و لو وهب الرجل ولده جارية فوطئها المتّهب، فلا رجوع عندنا.

و أكثر العامّة جوّزوا الرجوع فيما يهبه لولده و إن تصرّف(3) ، فحينئذ قال بعض الشافعيّة: إنّ وطء الابن يمنع الرجوع و إن عرى الوطء عن9.

ص: 60


1- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «التمليك». و المثبت يقتضيه السياق.
2- المغني 315:6، الشرح الكبير 307:6.
3- راجع: الهامش (2) من ص 39.

الإحبال؛ لأنّه يحرّمها على الأب(1) ، لكن مذهب الشافعي يقتضي خلافه(2).

مسألة 26: قد بيّنّا أنّه لا يجوز للرجل الرجوع فيما يهبه لولده مع الإقباض،

و عند العامّة يجوز بشروط أربعة:

الأوّل: أن تكون العين باقية في ملك الابن، فإن خرجت عن ملكه ببيع أو هبة أو وقف أو إرث أو غير ذلك، لم يكن له الرجوع فيها؛ لأنّه إبطال لملك غير الولد، فإن عادت إليه بملك جديد، كبيع أو هبة أو وصيّة أو إرث، لم يملك الرجوع فيها؛ لأنّها عادت بملك جديد لم يستفده من قبل أبيه، فلا يملك فسخه.

و إن عادت بفسخ البيع لعيب أو إقالة أو فلس المشتري، فوجهان:

أحدهما: يملك الرجوع؛ لأنّ السبب المزيل ارتفع، و عاد الملك بالسبب الأوّل، فأشبه ما لو فسخ البيع بخيار المجلس أو خيار الشرط.

و الثاني: لا يملك الرجوع؛ لأنّ(3) الملك عاد إليه بعد استقرار ملك من انتقل إليه عليه، فأشبه ما لو عاد إليه بهبة.

و إن عاد إليه بفسخ خيار(4) الشرط أو خيار المجلس، فله الرجوع؛ لأنّ الملك لم يستقر عليه.

الثاني: أن تكون العين باقية في تصرّف الولد بحيث يملك التصرّف في رقبتها، فإن استولد الأمة لم يملك الأب الرجوع فيها؛ لأنّ الملك فيها لا يجوز نقله إلى غير سيّدها.

ص: 61


1- العزيز شرح الوجيز 327:6-328، روضة الطالبين 444:4.
2- الحاوي الكبير 548:7، العزيز شرح الوجيز 328:6، روضة الطالبين 444:4.
3- في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة إضافة: «رجوع»، و هي كما ترى.
4- في المغني: «للفسخ بخيار» بدل «بفسخ خيار».

الثالث: أن لا تتعلّق بها رغبة لغير الولد، فإن تعلّقت بها رغبة لغيره فلا رجوع، مثل أن يهب ولده شيئا فيرغب الناس في معاملته و أدانوه ديونا، أو رغبوا في مناكحته فزوّجوه.

و عن أحمد روايتان:

إحداهما: أنّه لا رجوع - و به قال مالك - لأنّها تعلّق بها حقّ غير الابن، ففي الرجوع إبطال حقّه، و قد قال عليه السّلام: «لا ضرر و لا ضرار»(1) و في الرجوع ضرر.

و الثانية: الرجوع؛ لعموم الخبر(2) ، و لأنّ حقّ المتزوّج و الغريم لم يتعلّق بعين هذا المال، فلم يمنع الرجوع فيه.

الرابع: أن لا تزيد العين زيادة متّصلة، كالسمن و الكبر و تعلّم صنعة، فإن زادت فعن أحمد روايتان:

إحداهما: لا تمنع الرجوع - و هو مذهب الشافعي - لأنّها زيادة [في](3) الموهوب، فلا تمنع الرجوع، كالزيادة قبل القبض و المنفصلة.

و الثانية: تمنع - و هو مذهب أبي حنيفة - لأنّ الزيادة [للموهوب](4)ر.

ص: 62


1- الكافي 4/280:5، و 292-2/293 و 6، التهذيب 146:7-651/147، و 727/164، سنن ابن ماجة 2341/784:2، مسند أبي يعلى 2520/397:4، المعجم الأوسط - للطبراني - 1037/407:1، و 3777/300:4، المعجم الكبير - له أيضا - 1387/86:2، و 11806/302:11، سنن الدارقطني 288/77:3، و 83/227:4، المستدرك - للحاكم - 57:2-58، السنن الكبرى - للبيهقي - 6: 69 و 157، و 133:10.
2- راجع: الهامش (1) من ص 39.
3- ما بين المعقوفين أثبتناه من المصدر.
4- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «في الموهوب». و المثبت كما في المصدر.

له؛ لكونها نماء ملكه، و لم تنتقل إليه من جهة أبيه، فلم يملك الرجوع، كالمنفصلة، و إذا امتنع الرجوع فيها امتنع الرجوع في الأصل لئلاّ يفضي إلى سوء المشاركة و ضرر التشقيص.

و يفارق الردّ بالعيب من جهة أنّ الردّ من المشتري و قد رضي ببذل الزيادة، فإن فرض الكلام فيما إذا باع عرضا بعرض فزاد أحدهما و وجد المشتري الآخر به عيبا، قلنا: بائع المبيع سلّط مشتريه على الفسخ ببيعه المعيب فكأنّ الفسخ وجد منه(1).

المطلب الثالث: فيما به يحصل الرجوع.
اشارة

الرجوع يحصل إمّا بالقول أو بالفعل.

أمّا القول: فأن يقول: رجعت فيما وهبت، و ارتجعت و استرددت المال، و رددته إلى ملكي، و أبطلت الهبة و نقضتها، و ما أشبه ذلك من الألفاظ الدالّة على الرجوع.

و للشافعيّة وجهان في أنّ الرجوع هل هو نقض و إبطال للهبة، أم لا؟ أحدهما: لا يكون نقضا؛ لأنّه لو كان نقضا لملك الواهب الزيادات الحاصلة من الموهوب.

و الثاني: أنّه يكون نقضا، كما أنّ الإقالة نقض و فسخ للبيع، و إنّما لا تستردّ الزيادة؛ لحدوثها على ملك المتّهب، كما لا تستردّ في الإقالة.

فعلى الأوّل ينبغي أن [لا](2) يستعمل لفظ النقض و الإبطال إلاّ أن

ص: 63


1- المغني 309:6-313، الشرح الكبير 304:6-306.
2- ما بين المعقوفين أثبتناه من المصدر.

يجعل كناية عن المقصود(1).

و قسّموا اللفظ الذي به يحصل الرجوع إلى قسمين: صريح، و هو قوله: رجعت، و كناية تفتقر إلى النيّة، مثل قوله: أبطلت الهبة و فسختها(2).

و أمّا الفعل: فأن يفعل الواهب فعلا لا يسوغ له إلاّ في ملك بأن يطأ الجارية الموهوبة أو يبيعها أو يقفها أو يهبها من آخر، فالأقوى عندي: أنّه يكون رجوعا، كما أنّ هذه التصرّفات في زمن الخيار فسخ للبيع، و هو أحد وجهي الشافعيّة.

و الأصحّ عندهم: أنّه لا يكون رجوعا؛ لأنّ الموهوب ملك للمتّهب؛ بدليل نفوذ تصرّفاته فيه، فيلغو تصرّف الواهب، و هذا كما لو ثبت له الفسخ بالعيب فتصرّف فيه، لم يحصل به الفسخ، و يخالف المبيع في زمن الخيار، فإنّ الملك فيه ضعيف(3).

و نمنع إلغاء تصرّف الواهب؛ لأنّ أفعال المسلم إنّما تبنى على الظاهر و هو الصحّة، و الفسخ لا ينافي ملك المتّهب قبله، كما لو فسخ بالقول، و نفوذ التصرّفات إن كان حال الوطء أو بعده فهو ممنوع، كما في القول، و إن كان قبله فهو مسلّم لكن نحن ندّعي زوال الملك قبل التصرّف مع الوطء، و إنّما ضعف الملك في زمان الخيار لإمكان انفساخه بفسخ صاحب الخيار، و هذا الإمكان متحقّق هنا.

إذا عرفت هذا، فإن قلنا: يحصل الرجوع بالفعل، ففي صحّة البيع4.

ص: 64


1- العزيز شرح الوجيز 328:6، روضة الطالبين 444:4.
2- العزيز شرح الوجيز 328:6، روضة الطالبين 444:4.
3- نهاية المطلب 431:8 و 432، التهذيب - للبغوي - 542:4-543، البيان 8: 112-113، العزيز شرح الوجيز 328:6، روضة الطالبين 444:4.

و الهبة وجهان، كما في البيع في زمن الخيار(1).

و يجري الوجهان في حصول الرجوع إذا أتلف الطعام الموهوب أو أعتق العبد أو وطئ الجارية(2).

و أشار الجويني إلى وجه ثالث، و هو أنّ مجرّد الوطء ليس برجوع، لكن إذا أحبلها و حصل الاستيلاد كان راجعا(3).

و على الصحيح عندهم يلزمه بالإتلاف القيمة، و يلغو الإعتاق، و عليه بالوطء مهر المثل، و بالاستيلاد القيمة(4).

و لو صبغ الثوب الموهوب أو خلط الطعام بطعام نفسه، لم يكن راجعا، بل هو كما لو فعل الغاصب ذلك.

مسألة 27: كلّ موضع يثبت فيه الرجوع يصحّ من غير اشتراط حكم القاضي عند علمائنا

- و به قال الشافعي و أحمد(5) - لأنّه خيار في فسخ العقد، فلا يفتقر الفسخ به إلى قضاء قاض، كخيار الثلاثة، و كالفسخ بخيار الشرط، و لأنّ الشارع جعل له الرجوع و أطلق و لم يقيّد بحكم الحاكم، و لو كان شرطا لذكره و بيّنه.

و قال أبو حنيفة: لا يصحّ الرجوع فيها إلاّ بقضاء قاض؛ لأنّ ملكه

ص: 65


1- كما في التهذيب - للبغوي - 543:4، و العزيز شرح الوجيز 328:6، و روضة الطالبين 444:4.
2- كما في التهذيب - للبغوي - 543:4، و العزيز شرح الوجيز 328:6، و روضة الطالبين 444:4.
3- نهاية المطلب 432:8، و عنه في العزيز شرح الوجيز 328:6، و روضة الطالبين 444:4.
4- التهذيب - للبغوي - 543:4، العزيز شرح الوجيز 328:6، روضة الطالبين 4: 444.
5- البيان 112:8، العزيز شرح الوجيز 329:6، روضة الطالبين 445:4، المغني 316:6، الشرح الكبير 308:6.

مستقرّ(1).

و هو ممنوع، و لأنّه لو كان مستقرّا لما زال بحكم القاضي؛ لأنّ الحكم عندنا تابع لا متبوع.

فروع:

أ: لو رجع و لم يسترد المال، فهو أمانة في يد المتّهب، بخلاف المبيع في يد المشتري بعد فسخ البيع؛ لأنّ المشتري أخذه على حكم الضمان.

ب: لو اتّفق الواهب و المتّهب على فسخ الهبة، ففي إلحاقه بالتقايل إشكال.

و للشافعيّة وجهان، أحدهما: أنّها تنفسخ، كما لو تقايلا، و الثاني:

لا تنفسخ، كالخلع(2).

ج: يشترط في الرجوع التنجيز، فلو علّقه بشرط - مثل أن يقول: إذا جاء رأس الشهر فقد رجعت في الهبة - لم يصح؛ لأنّ العقد لا يقف على شرط فكذا فسخه.

مسألة 28: لو أخذ الواهب الهبة من المتّهب،

فإن نوى به الرجوع كان رجوعا، و القول قوله في نيّته؛ لأنّه أبصر بها.

و إن لم يعلم هل نوى الرجوع أو لا و كان ذلك بعد موت الواهب، فإن لم توجد قرينة تدلّ على الرجوع لم يحكم بكونه رجوعا؛ لأنّ الأخذ

ص: 66


1- نفس المصادر في الهامش السابق، و في مختصر القدوري: 125، و المبسوط - للسرخسي - 54:12، و روضة القضاة 3099/525:2، و تحفة الفقهاء 3: 166، و بدائع الصنائع 128:6، و الهداية - للمرغيناني - 229:3، و الاختيار لتعليل المختار 75:3: «لا يصحّ الرجوع إلاّ بتراضيهما أو بحكم الحاكم».
2- العزيز شرح الوجيز 329:6، روضة الطالبين 445:4.

يحتمل الرجوع و غيره، فلا يزال حكم متيقّن بأمر مشكوك.

و إن اقترن به قرائن تدلّ على الرجوع، احتمل كونه رجوعا؛ لأنّا اكتفينا في العقد بدلالة الحال، ففي الفسخ أولى، و لأنّ لفظ الرجوع كان رجوعا؛ لدلالته عليه، فكذا كلّ ما دلّ عليه، و أن لا يكون - و به قال الشافعي(1) - لأنّ الملك ثابت للمتّهب يقينا، فلا يزول إلاّ بالصريح.

و يحتمل بناء هذا على العقد، فإن أوجبنا الإيجاب و القبول فيه لم يكتف هاهنا إلاّ بلفظ يقتضي زواله، و إن اكتفينا في العقد بالمعاطاة الدالّة على الرضا به فهنا أولى.

أمّا لو نوى الرجوع من غير فعل و لا قول فإنّه لا يحصل الرجوع وجها واحدا؛ لأنّه إثبات الملك على مال مملوك لغيره، فلم يحصل بمجرّد النيّة، كسائر العقود.

البحث الثاني: في الثواب.
مسألة 29: الهبة مطلقا لا تقتضي العوض إلاّ مع الشرط،

سواء في ذلك هبة الأعلى للأدنى، و المساوي لمثله، و الأدنى للأعلى، عند أكثر علمائنا(2) - و به قال أبو حنيفة و أحمد(3) - للأصل، و لأنّها عطيّة على وجه التبرّع، فلم تقتض الثواب، كالوصيّة و هبة المثل من المثل، و لأنّه لو أعاره دارا لم يلزم المستعير شيء، فكذا إذا وهب؛ إلحاقا للأعيان بالمنافع.

ص: 67


1- المغني 317:6، الشرح الكبير 309:6.
2- منهم ابن إدريس في السرائر 175:3، و المحقّق الحلّي في شرائع الإسلام 2: 232، و يحيى بن سعيد في الجامع للشرائع: 366.
3- المغني 331:6، الشرح الكبير 273:6.

و قال الشيخ رحمه اللّه في الخلاف و المبسوط: الهبة على ثلاثة أقسام: هبة لمن فوقه، مثل: هبة الرعيّة للسلطان، و الفقير للغني، و الغلام لأستاذه، و هبة المساوي لمثله، مثل: أن يهب الغني للغني، و الفقير للفقير، و التاجر للتاجر، و هبة لمن هو دونه، مثل: هبة السلطان للرعيّة، و الغني للفقير، و الأستاذ للغلام، و كلّها تقتضي الثواب(1).

و قال الشافعي: هبة الأعلى للأدنى لا تقتضي الثواب؛ إذ لا يقتضيه اللفظ و لا العرف و لا العادة، لأنّه يقصد بها نفع المتّهب، و كذا هبة المثل؛ لأنّه يقصد التودّد و المواصلة و التحابب، و أمّا هبة الأدنى للأعلى فهل تقتضي الثواب ؟ قولان: ففي القديم: تقتضي، و به قال مالك، و في الجديد:

لا تقتضي، و به قال أبو حنيفة(2).

احتجّ الشيخ رحمه اللّه بما رواه عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه [و عبد اللّه بن سنان](3) - في الصحيح - عن الصادق عليه السّلام: أنّهما سألاه عن الرجل يهب الهبة أيرجع فيها إن شاء؟ فقال: «تجوز الهبة لذوي القربى و الذي يثاب من هبته، و يرجع في غير ذلك إن شاء»(4).

و احتجّ الشافعي بما روي عن عمر أنّه قال: من وهب هبة يرجو).

ص: 68


1- الخلاف 568:3، المسألة 13، المبسوط - للطوسي - 310:3.
2- الحاوي الكبير 549:7 و 550، المهذّب - للشيرازي - 454:1، نهاية المطلب 433:8-434، الوجيز 250:1، الوسيط 276:4، حلية العلماء 57:6، التهذيب - للبغوي - 529:4-530، البيان 113:8-114، العزيز شرح الوجيز 329:6 و 330 و 331، روضة الطالبين 446:4، روضة القضاة 3136/530:5 - 3138، المغني 331:6، الشرح الكبير 273:6.
3- ما بين المعقوفين أثبتناه من الاستبصار، و بدله في التهذيب: «عبد اللّه بن سليمان».
4- تقدّم تخريجه في ص 40، الهامش (6).

ثوابها فهي ردّ على صاحبها ما لم يثب عليها(1) ، و مثله روي عن عليّ عليه السّلام(2).

و نحن نقول بموجب الروايتين؛ لأنّه إذا كانت الهبة للأجنبيّ خالية عن العوض كان لمالكها الرجوع فيها، و أمّا إذا اشتملت على العوض لم يكن له الرجوع، و لا يلزم من ذلك اقتضاء الهبة الثواب، على أنّ حديثهم عن عمر معارض بما روي عن ابن عباس و ابن عمر؛ حيث قالا بخلاف قول عمر(3).

مسألة 30: قد عرفت أنّ الذي اخترناه نحن أنّ مطلق الهبة لا يقتضي الثواب و لا عدمه،

فتنقسم حينئذ أقساما ثلاثة:

الأوّل: أن يطلق الواهب الهبة، فيقول: وهبتك كذا، فيقول المتّهب:

قبلت، و قد بيّنّا أنّه لا يقتضي الثواب، خلافا للشافعي في أحد قوليه و لمالك(4).

الثاني: أن يشترط عدم الثواب، و هو سائغ عندنا؛ لأنّه شرط لا ينافي العقد؛ لعدم التنافي بين الكلّي و أحد جزئيّاته، و هو أصحّ قولي

ص: 69


1- البيان 113:8، العزيز شرح الوجيز 329:6.
2- الخلاف 569:3، ذيل المسألة 13.
3- المصنّف - لابن أبي شيبة - 1751/476:6، مسند أحمد 4795/106:2، و 197-5469/198، سنن أبي داود 3539/291:3، سنن الترمذي 592:3، ذيل ح 1298، و 1299/593، و 2132/442:4، سنن النسائي (المجتبى) 6: 265، السنن الكبرى - للنسائي - 6519/121:4-3 و 6520-4، مسند أبي يعلى 2717/105:5، المعجم الكبير - للطبراني - 13462/396:12، سنن الدارقطني 42:3-177/43، المستدرك - للحاكم - 46:2، السنن الكبرى - للبيهقي - 180:6، صحيح ابن حبّان - بترتيب ابن بلبان - 5123/524:11، المغني 331:6-332، الشرح الكبير 273:6.
4- راجع: الهامش (2) من ص 68.

الشافعي، و في الآخر: أنّ الهبة المشروطة بعدم الثواب لا تصحّ، بناء على قوله القديم: إنّ مطلق الهبة يقتضي الثواب، فيكون شرط عدم الثواب شرطا ينافي مقتضاها، فتبطل الهبة(1)المغني 332:6، الشرح الكبير 273:6.(2).

الثالث: أن يشترط الثواب، و هي جائزة عندنا إجماعا، و هو قول أكثر العامّة(2) ؛ عملا بالأصل و الأحاديث، و هو المشهور من قولي الشافعي(3).

و له قول آخر: إنّها لا تصحّ؛ لأنّ الهبة لا تقتضي ثوابا، فإذا شرط فيها ثوابا أخرجها عن مقتضاها، فلم تصح، كما إذا عقد النكاح بلفظ الهبة(4).

و هو غلط: فإنّ المطلق لا ينافي المقيّد.

نعم، لو قلنا: الهبة تقتضي عدم الثواب، فلو شرطه كان منافيا لمقتضاها، و فرق بين عدم اقتضاء الثواب و اقتضاء عدم الثواب.

و أيضا الهبة تقتضي التمليك، فإذا شرط فيه العوض صحّ، ألا ترى أنّه لو قال: ملّكتك، و أطلق، كان هبة، و إذا شرط فيه عوضا صحّ، كذا هنا.

مسألة 31: إذا أطلق الهبة و قلنا: إنّها لا تقتضي الثواب،

فإنّها تلزم بالثواب لا بالقبض إذا كانت للأجنبيّ.

ص: 70


1- راجع: الهامش
2- من ص 68.
3- المهذّب - للشيرازي - 454:1، نهاية المطلب 436:8، حلية العلماء 58:6 و 59، التهذيب - للبغوي - 530:4، البيان 115:8، العزيز شرح الوجيز 6: 332، روضة الطالبين 447:4.
4- المهذّب - للشيرازي - 454:1، نهاية المطلب 436:8، حلية العلماء 58:6 و 59، التهذيب - للبغوي - 530:4، البيان 115:8، العزيز شرح الوجيز 6: 332، روضة الطالبين 447:4، المغني 332:6، الشرح الكبير 274:6.

و قال الشافعيّ: تلزم بالقبض(1).

و لو لم يثبه المتّهب، كانت صحيحة غير لازمة عندنا، إلاّ مع التلف أو التصرّف على الخلاف.

و إذا أطلق فأثابه المتّهب، كان ذلك ثوابا عندنا إذا رضي المتّهب، قلّ أو كثر، على معنى أنّها إذا رضي لزمت.

و لا يجب على الواهب قبوله، بل له الامتناع ليتمكّن من الرجوع في هبته عندنا.

و قال الشيخ و الشافعي: إذا أطلق الهبة، كانت لازمة بالقبض، و إن أثابه المتّهب عليها كانت ابتداء هبة لا يتعلّق الثواب بها، و لا يكون بدلا في الحقيقة، و لا تتعلّق إحدى الهبتين بالأخرى، فإن وقع الاستحقاق في إحداهما [و استرجعها](2) لم يؤثّر ذلك في الأخرى(3).

و إن قلنا: إنّها مع الإطلاق تقتضي الثواب و أوجبناه، ففي قدره إشكال تردّد الشيخ في الخلاف فيه، قال: إنّه يعتبر ثواب مثله على ما جرت به العادة؛ لأنّ أصل الثواب إنّما أثبتناه في الهبة بالعادة فكذلك مقدارها، و إن قلنا: إنّه لا مقدار فيها أصلا، و إنّما هي ما يثاب عنها قليلا كان أو كثيرا، كان8.

ص: 71


1- الإشراف على مذاهب أهل العلم 222:2-223، الحاوي الكبير 535:7، المهذّب - للشيرازي - 454:1، نهاية المطلب 409:8 و 410، الوسيط 4: 269، الوجيز 249:1، حلية العلماء 48:6، التهذيب - للبغوي - 527:4، البيان 97:8، العزيز شرح الوجيز 318:6، روضة الطالبين 437:4، المغني 274:6 و 281، الشرح الكبير 276:6 و 277.
2- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «و استرجعه». و المثبت يقتضيه السياق.
3- المبسوط - للطوسي - 310:3، و راجع: البيان 114:8.

قويّا؛ لعموم الأخبار و إطلاقها(1).

و للشافعي أربعة أقوال:

أحدها: ما يرضى به الواهب؛ لما روي أنّ أعرابيّا وهب للنبيّ صلّى اللّه عليه و آله ناقة فأثابه عليها، و قال: «أرضيت ؟» قال: لا، فزاده و قال: «رضيت ؟» قال: نعم، فقال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: «لقد هممت أن لا أتّهب إلاّ من قرشيّ أو أنصاريّ أو ثقفيّ»(2).

و روى أبو هريرة هذا الحديث بلفظ آخر، و هو أنّ أعرابيّا وهب للنبيّ صلّى اللّه عليه و آله ناقة، فأعطاه ثلاثا، فأبى، فزاده ثلاثا [فأبى، فزاده ثلاثا](3) فلمّا كملت تسعا قال: رضيت، فقال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: «و أيم اللّه لا أقبل من أحد بعد هذا اليوم هديّة إلاّ أن يكون قرشيّا أو أنصاريّا أو ثقفيّا أو دوسيّا(4)»(5).

و الثاني: قدر قيمة الموهوب؛ لأنّه عقد يقتضي العوض، و لا يشترط فيه التعيين و التسمية، فإذا لم يسمّ شيئا وجب عوض المثل، كالنكاح، و به قال مالك.

و الثالث: ما يعدّ ثوابا لمثله في العادة؛ لأنّ أصل الثواب مأخوذ من6.

ص: 72


1- الخلاف 570:3، المسألة 14.
2- ورد نصّه في العزيز شرح الوجيز 330:6، و بتفاوت في المصنّف - لعبد الرزّاق - 9: 105-16521/106، و 19920/65:11، و المسند - للحميدي - 1052/454:2.
3- ما بين المعقوفين أثبتناه من المغني كما هو الموافق لما في المسند للحميدي.
4- «دوسيّ» نسبة إلى «دوس» بفتح الدال المهملة و سكون الواو، بطن من الأزد. تحفة الأحوذي 444:10-445.
5- ورد نصّه في المغني 334:6، و الشرح الكبير 275:6، و بتفاوت في المسند - للحميدي - 453:2-1051/454، و مسند أحمد 7858/567:2، و الأدب المفرد: 205-596/206، و المستدرك - للحاكم - 62:2-63، و السنن الكبرى - للبيهقي - 180:6.

العادة، فكذلك قدره.

و الرابع: أن يكفي ما يتموّل؛ لوقوع اسم الثواب عليه(1).

إذا عرفت هذا، فإنّه لا يتعيّن للثواب جنس بعينه من الأموال، بل الخيرة في ذلك إلى المتّهب.

تنبيه: إذا اعتبرنا في الثواب قدر قيمة الموهوب و اختلف قدر القيمة، احتمل اعتبار القيمة يوم القبض، و يوم بذل الثواب.

و للشافعيّة وجهان كهذين، و أظهرهما: الأوّل عندهم(2).

مسألة 32: إذا أوجبنا العوض في المطلقة،

فإن أثاب المتّهب ما يصلح ثوابا فذاك.

و إن لم يثب شيئا، كان للواهب الرجوع إن بقي الموهوب بحاله؛ لرواية عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه و عبد اللّه بن سنان - الصحيحة - عن الصادق عليه السّلام: عن الرجل يهب الهبة أيرجع فيها إن شاء؟ فقال: «تجوز الهبة لذوي القربى و الذي يثاب من هبته، و يرجع في غير ذلك إن شاء»(3).

فإن زاد الموهوب زيادة متّصلة، رجع فيه مع الزيادة.

و قال بعض الشافعيّة: للمتّهب أن يمسكه، و يبذل قيمته دون الزيادة(4).

ص: 73


1- الحاوي الكبير 550:7-551، المهذّب - للشيرازي - 455:1، نهاية المطلب 434:8-435، الوسيط 276:4، حلية العلماء 58:6-59، التهذيب - للبغوي - 530:4-531، البيان 115:8-116، العزيز شرح الوجيز 6: 330، روضة الطالبين 446:4.
2- نهاية المطلب 440:8، الوسيط 278:4، العزيز شرح الوجيز 330:6، روضة الطالبين 446:4.
3- تقدّم تخريجها في ص 40، الهامش (6).
4- العزيز شرح الوجيز 331:6، روضة الطالبين 446:4.

و إن زاد زيادة منفصلة، رجع فيه دون الزيادة.

و إن كان الموهوب تالفا، فلا رجوع عندنا، إلاّ مع شرط الثواب؛ لأنّها عين تلفت في يد مالكها.

و للشافعي قولان:

أصحّهما عندهم: أنّه يرجع بقيمته؛ لأنّه مملوك بعوض، فإذا تلف كان مضمونا، كالبيع.

و الثاني: لا يرجع بشيء، كالأب في هبة ولده(1).

و إن كان ناقصا و رجع فيه، لم يرجع بأرش النقصان عندنا.

و للشافعي قولان كما لو تلف(2).

و قيل: له أن يترك العين، و يطالبه بكمال القيمة(3).

مسألة 33: هذا في هبة الأدنى للأعلى،

و أمّا هبة المساوي لمثله فكذا عندنا لا تقتضي الثواب إذا كانت مطلقة، خلافا للشيخ(4) رحمه اللّه.

و للشافعيّة طريقان:

أحدهما: التخريج على القولين السابقين؛ لأنّ الأقران لا يتحمّل بعضهم منّة بعض في العادة، بل يعوّضون.

و أظهرهما عندهم: القطع بنفي الثواب؛ لأنّ القصد من مثله الصلة و تأكيد الصداقة، و قد حصل هذا الغرض، فأشبه [الصدقة](5) لمّا كان

ص: 74


1- المهذّب - للشيرازي - 455:1، حلية العلماء 59:6، البيان 116:8، العزيز شرح الوجيز 331:6، روضة الطالبين 446:4.
2- المهذّب - للشيرازي - 455:1، حلية العلماء 59:6، البيان 116:8، العزيز شرح الوجيز 331:6، روضة الطالبين 446:4.
3- العزيز شرح الوجيز 331:6، روضة الطالبين 446:4.
4- راجع: الهامش (1) من ص 68.
5- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «الهديّة». و المثبت كما في العزيز شرح الوجيز.

الغرض منها ثواب الآخرة، لم تقتض ثوابا في الحال(1).

و بعضهم خرّج على القولين في هبة الأعلى من الأدنى أيضا(2).

تنبيه: كلّ موضع قلنا فيه بالثواب فإنّه لا يشترط فيه زيادة على قيمة العين الموهوبة.

و قال بعض الشافعيّة: لا بدّ من زيادة؛ لاقتضاء العادة الزيادة، فإنّ الواهب لو رضي به لباعه في السوق(3).

و ليس بجيّد.

مسألة 34: قد بيّنّا أنّ أقسام الهبة بالنظر إلى اشتراط الثواب ثلاثة،

و مضى اثنان، و بقي ما إذا اشترط الثواب، فنقول: إذا وهبه و شرط الواهب الثواب عنها، فلا يخلو إمّا أن يكون العوض المشروط معلوما أو مجهولا، فإن كان معلوما صحّ عندنا.

قال الشيخ رحمه اللّه في الخلاف: إذا ثبت أنّ الهبة تقتضي الثواب، فإن شرطه و كان معلوما صحّ؛ لأنّه لا مانع منه، و قوله عليه السّلام: «المؤمنون عند شروطهم»(4) و لم يفصّل، و الأصل جوازه، و المنع يحتاج إلى دليل(5).

و هذا هو الذي اختاره علماؤنا.

و للشافعي قولان:

أصحّهما عنده: صحّة العقد، أمّا إذا قلنا: إنّ مطلق الهبة لا يقتضي

ص: 75


1- الوسيط 276:4، العزيز شرح الوجيز 331:6، روضة الطالبين 446:4.
2- العزيز شرح الوجيز 331:6، روضة الطالبين 446:4.
3- العزيز شرح الوجيز 332:6.
4- التهذيب 1503/371:7، الاستبصار 835/232:3، الجامع لأحكام القرآن 6: 33.
5- الخلاف 570:3-571، المسألة 15.

الثواب؛ فلأنّه معاوضة مال بمال، كالبيع، و أمّا إذا قلنا: يقتضيه؛ فلأنّه إذا صحّ العقد و العوض الواجب مجهول فأولى أن يصحّ و هو معلوم، و لأنّ لفظ الهبة يقتضي التمليك، فإذا شرط فيه العوض صحّ، ألا ترى أنّه لو قال:

ملّكتك، و أطلق، كان هبة، و إذا شرط عوضا فيه صحّ، كذا هنا.

و الثاني: أنّه باطل، أمّا إذا اقتضت الهبة الثواب: فلأنّ مقتضاها ثواب غير معلوم و لا معيّن، فشرط المعلوم المعيّن يخالفه، و يخرج الهبة عن مقتضاها فلم تصح، كما إذا عقد النكاح بلفظ الهبة، و أمّا إذا لم تقتضه:

فلأنّ شرط العوض يخالف مقتضاها، و لأنّ لفظ الهبة يقتضي التبرّع، و الجمع بينه و بين شرط العوض مخلّ(1).

إذا عرفت هذا، فإذا شرط العوض المعيّن و قلنا بالصحّة - كما هو مذهبنا و أحد قولي الشافعيّة - فإنّها تكون هبة محضة عندنا؛ لأنّ مقتضى لفظ الهبة ذلك، و لا يجوز صرف الألفاظ عن حقائقها إلاّ بدليل و لم يثبت، و هو أحد وجهي الشافعيّة.

و الأظهر عندهم: أنّها تكون بيعا يثبت فيه الخياران، و يضمن فيه الدرك، و يستحقّ فيه الشفعة(2).

و الحقّ (عندنا)(3): أنّه لا خيار هنا و لا شفعة، و لا يلزم قبل القبض.».

ص: 76


1- المهذّب - للشيرازي - 454:1، نهاية المطلب 436:8، الوسيط 277:4، حلية العلماء 59:6، التهذيب - للبغوي - 530:4، البيان 115:8، العزيز شرح الوجيز 332:6، روضة الطالبين 447:4.
2- نهاية المطلب 436:8-437، التهذيب - للبغوي - 530:4، البيان 115:8، العزيز شرح الوجيز 332:6، روضة الطالبين 447:4.
3- ما بين القوسين أثبتناه من «ص، ع».

و على القول الثاني للشافعي تثبت هذه الأحكام(1).

و له قولان في أنّ هذه الأحكام تثبت عقيب العقد أو عقيب القبض ؟ و الأوّل أظهر عندهم. و المرجع بهذين القولين إلى التردّد في كونه بيعا أو هبة ؟(2).

مسألة 35: إذا وهب له حليّا بشرط الثواب أو مطلقا

و قلنا: الهبة تقتضي الثواب، فأثابه بجنسه أو بغير جنسه متفاضلا فيهما أو متساويا، جاز؛ لأنّ الهبة عندنا عقد قائم بنفسه أصل في ذاته غير فرع على غيره، و الربا و الصّرف يختصّان بالبيع، فلا يشترط هنا ما يشترط في البيع من وجوب التقابض في المجلس و من تحريم التفاضل مع اتّحاد الجنس؛ عملا بالأصل.

و به قال بعض الشافعيّة؛ لأنّا لم نلحقه بالمعاوضات في اشتراط العلم بالعوض، فكذا في سائر الشرائط، و لأنّ باذل الثواب في حكم واهب جديد، فكأنّه يقابل هبة بهبة(3).

و يضعّف الثاني: بأنّا لا نشترط في الثواب لفظ العقد إيجابا و قبولا، و لو كان هبة مجدّدة لاشترط.

و المشهور عند الشافعيّة: أنّه إن أثابه قبل التفرّق جاز، سواء كان من جنس الأثمان أو من غير جنسها، إلاّ أنّه إذا كان من جنس الحليّ اعتبر

ص: 77


1- نهاية المطلب 436:8، البيان 115:8، العزيز شرح الوجيز 332:6، روضة الطالبين 447:4.
2- العزيز شرح الوجيز 332:6، روضة الطالبين 447:4.
3- العزيز شرح الوجيز 333:6، روضة الطالبين 447:4، و راجع: نهاية المطلب 439:8.

بينهما التساوي قدرا؛ لأنّ ذلك معاوضة، فلا يصحّ فيها التفاضل في الجنس الواحد من النقود.

و إن كان ذلك بعد التفرّق، فإن أثابه من غير جنس النقود جاز؛ لأنّ التصرّف في ذلك قبل القبض جائز، و إن أثابه من جنس النقود لم يجز، سواء كان من جنس الحليّ أو من غير جنسه، فإذا فعل بطلت الهبة؛ لأنّ العوض في ذلك يتعيّن بالإثابة، فيصير كأنّهما تبايعا الأثمان و تفرّقا قبل القبض(1).

و من قال بجواز الرجوع للأب فيما يهبه لولده لو وهب الأب من ابنه بثواب معلوم، فإن جعلنا العقد بيعا فلا رجوع، و إلاّ فله الرجوع(2).

و لو تصدّق على ولده بشيء و أقبضه، لم يكن له الرجوع عندنا باعتبارين، أحدهما: أنّ هبة ذي الرحم لازمة، و الثاني: أنّ الصدقة لا يجوز له الرجوع فيها بعد الإقباض.

و قال الشافعي: له أن يرجع(3). و سيأتي(4).

و أبو حنيفة وافقنا على المنع من الرجوع في الصدقة(5).6.

ص: 78


1- نهاية المطلب 439:8 و 440، العزيز شرح الوجيز 332:6 و 333، روضة الطالبين 447:4.
2- العزيز شرح الوجيز 333:6، روضة الطالبين 447:4.
3- الحاوي الكبير 547:7، المهذّب - للشيرازي - 454:1، الوسيط 273:4، حلية العلماء 52:6-53، التهذيب - للبغوي - 540:4، البيان 108:8، العزيز شرح الوجيز 324:6، روضة الطالبين 441:4، المغني 305:6 و 308، الشرح الكبير 302:6 و 304.
4- في ص 111-112.
5- مختصر القدوري: 125، المبسوط - للسرخسي - 58:12، الفقه النافع 3: 748/1019، بدائع الصنائع 133:6، الهداية - للمرغيناني - 231:3، الاختيار لتعليل المختار 77:3، المغني 308:6، الشرح الكبير 304:6.
مسألة 36: إذا وهبه جارية بشرط الثواب أو مطلقا

و قلنا: إنّ مطلق الهبة يقتضي الثواب فوطئها المتّهب و امتنع من الثواب، جاز للواهب الرجوع فيها، فإذا رجع عادت إلى ملكه، و ليس للواهب الرجوع على المتّهب بالمهر؛ لأنّ الوطء صادف الملك، فلا يستحقّ فيه المهر.

هذا إذا قلنا بجواز الرجوع مع التصرّف.

و كذا لو وهبه ثوبا بشرط الثواب فلبسه و أخلقه ثمّ لم يثب، فإنّ له الرجوع، و لا شيء على لابس الثوب، و لو تلف الثوب لم يكن على المتّهب شيء - و هو أحد وجهي الشافعيّة(1) - لأنّها(2) تلفت في ملكه.

و الثاني: أنّه يجب عليه قيمتها مع التلف؛ لأنّه ملكها بعوض، فإذا تلفت ضمنها، كالبيع(3).

و كذا الوجهان في النقصان(4).

مسألة 37: إذا وهب الأب ابنه الصغير و قبضه له،

لزمت الهبة، سواء كانت من العرض أو من الذهب و الفضّة - و به قال الشافعي و أبو حنيفة(5) - لأنّ ذلك كلّه مال تصحّ هبته، فإذا وهبه الأب لابنه الصغير و قبضه وجب أن يصحّ، كسائر العروض.

و قال مالك: إذا وهب له شيئا يعرف بعينه كالعروض، جاز، و صحّ

ص: 79


1- المهذّب - للشيرازي - 455:1، حلية العلماء 59:6، البيان 116:8.
2- المهذّب - للشيرازي - 455:1، حلية العلماء 59:6، البيان 116:8.
3- تأنيث الضمير هنا و فيما يأتي باعتبار العين أو الهبة.
4- المهذّب - للشيرازي - 455:1، حلية العلماء 59:6، البيان 116:8.
5- الإشراف على مذاهب أهل العلم 223:2، حلية العلماء 57:6، الإشراف على نكت مسائل الخلاف 1206/677:2، المغني 294:6 و 296، الشرح الكبير 6: 282 و 283.

قبضه، و إن وهب له ما لا يعرف بعينه، كالدراهم و الدنانير، فلا يجوز، إلاّ أن يضعها على يد غيره و يشهد عليها؛ لأنّ الأب قد يتلف الذهب و الفضّة، و قد تهلك بغير سببه، فلا يتمكّن أن يشهد على شيء بعينه، و يصير الابن مدّعيا، فلا ينفع القبض شيئا(1).

و ليس بشيء.

مسألة 38: إذا وهبه بشرط الثواب المعلوم فإمّا أن يكون معيّنا أو لا،

فإن كان معيّنا فقبضه الواهب فوجد به عيبا، كان له الرجوع إلى عين الموهوب، فإن كان باقيا أخذه، و إن كان تالفا طالب بالقيمة.

و استبعد الجويني مجيء خلاف الشافعيّة هنا في أنّه بيع أو هبة(2) حتى لا يرجع على التقدير الثاني و إن طرّده بعضهم(3).

و إذا جعلناه هبة فكافأه بما دون المشروط إلاّ أنّه قريب منه، للشافعيّة وجهان في أنّه هل يجبر على القبول؛ لأنّ العادة فيه المسامحة ؟(4).

و ليس للواهب المطالبة بالعوض؛ لوقوع الشرط على هذه العين، فلم يكن له الانتقال إلى غيرها.

و الأقرب: أنّ له المطالبة بالأرش.

و إن كان العوض غير معيّن فوجده القابض معيبا، كان له المطالبة

ص: 80


1- النوادر و الزيادات 162:12-163، الإشراف على نكت مسائل الخلاف 2: 1206/677، بداية المجتهد 330:2، حلية العلماء 57:6، المغني 296:6، الشرح الكبير 283:6.
2- نهاية المطلب 439:8، و عنه في العزيز شرح الوجيز 333:6، و روضة الطالبين 447:4.
3- كما في العزيز شرح الوجيز 333:6، و روضة الطالبين 447:4.
4- العزيز شرح الوجيز 333:6، روضة الطالبين 447:4.

بالعوض سليما.

مسألة 39: هذا كلّه فيما إذا شرط الواهب العوض المعلوم،

فأمّا إن شرط عوضا مجهولا، فالأقرب: الصحّة؛ لأنّ الهبة في نفسها لا تقتضي الثواب، فإذا شرط عوضا مجهولا صحّ، كما لو لم يشرط شيئا.

و قد روى إسحاق بن عمّار قال: قلت له: الرجل الفقير يهدي الهديّة يتعوّض لما عندي فآخذها و لا أعطيه شيئا أتحلّ لي ؟ قال: «نعم، هي لك حلال، و لكن لا تدع أن تعطيه»(1).

و قال الشافعي: إذا شرط ثوابا مجهولا فإن قلنا: الهبة لا تقتضي الثواب، بطل العقد؛ لتعذّر تصحيحه بيعا و هبة، و إن قلنا: إنّها تقتضيه، صحّ، و ليس فيه إلاّ التصريح بمقتضى العقد.

هذا ما أورده أكثر الشافعيّة(2).

و لهم وجه آخر: أنّه يبطل؛ بناء على أنّ ذكر العوض يلحقه بالبيع، و إذا كان بيعا وجب أن يكون العوض معلوما(3).

و الأوّلون يقولون: إنّما يجعل بيعا على رأي إذا تعذّر جعله هبة، و ذلك إذا قلنا: إنّ الهبة لا تقتضي الثواب، أمّا إذا قلنا: تقتضيه، فالمعنى و اللفظ متطابقان، فلا معنى لجعله بيعا(4).

و قد ذكر الشافعي أنّه لو وهب من اثنين بشرط الثواب فأثابه أحدهما

ص: 81


1- الكافي 6/143:5.
2- نهاية المطلب 437:8، العزيز شرح الوجيز 333:6، روضة الطالبين 447:4 - 448.
3- العزيز شرح الوجيز 333:6، روضة الطالبين 448:4.
4- العزيز شرح الوجيز 334:6.

دون الآخر، لم يرجع في حصّة من أثاب، و أنّه لو أثاب أحدهما عن نفسه و عن صاحبه و رضي به الواهب، لم يرجع على واحد منهما، ثمّ إن أثاب بغير إذن الشريك لم يرجع عليه، و إن أثاب بإذنه رجع بالنصف. هذا إذا كان الثواب ممّا يعتاد ثوابا لمثله، فإن زاد فهو متطوّع بالزيادة(1).

مسألة 40: لو شرط الثواب و دفعه ثمّ خرج الموهوب مستحقّا بعد الدفع،

رجع المتّهب بما أثاب على الواهب.

و لو خرج بعضه مستحقّا فهو بالخيار بين أن يرجع على الواهب بقسطه من الثواب، و بين أن يردّ الباقي و يرجع بجميع الثواب، و هو أحد قولي الشافعيّة.

و الثاني: أنّها(2) تبطل الهبة في الكلّ، كما في نظيره من البيع(3).

و قال بعضهم: لا يجيء قول الإبطال في الهبة(4).

مسألة 41: لو اختلف الواهب و المتّهب في شرط الثواب،

فقال الواهب: وهبت منك ببدل، و قال المتّهب: وهبت بلا بدل، فإن قلنا: إنّ الهبة المطلقة تقتضي الثواب، فالقول قول الواهب؛ لأنّه يدّعي الأصل، و لأنّ الأصل عدم الشرط، و قد قلنا: إنّ أصالة عدم الشرط تقتضي الثواب، فقول المتّهب: «إنّك وهبت بغير بدل» يقتضي ادّعاء خلاف الأصل، فيقدّم قول الآخر.

و إن قلنا: إنّ الهبة لا تقتضي الثواب، فالقول قول المتّهب؛ لأنّهما قد اتّفقا على أنّ العين ملك المتّهب، و الواهب يدّعي اشتراط عوض، و الأصل

ص: 82


1- العزيز شرح الوجيز 334:6، روضة الطالبين 448:4.
2- الظاهر: «أنّه».
3- العزيز شرح الوجيز 334:6، روضة الطالبين 448:4.
4- العزيز شرح الوجيز 334:6، روضة الطالبين 448:4.

عدمه، و هو أحد وجهي الشافعيّة.

و الثاني: أنّ القول قول الواهب؛ لأنّه لم يعترف بزوال ملكه إلاّ ببدل(1).

و المعتمد: الأوّل.

مسألة 42: لو وهبه على الثواب فلم يثب المتّهب و مات و وجد الواهب عين الهبة،

كان له ارتجاعها؛ لأنّه لم يدفع إليه العوض، فكان له الرجوع في المعوّض، كالبيع.

و لما رواه عيسى بن أعين قال: سألت الصادق عليه السّلام: عن رجل أهدى إلى رجل هديّة و هو يرجو ثوابها فلم يثبه صاحبها حتى هلك و أصاب الرجل هديّته بعينها أله أن يرتجعها إن قدر على ذلك ؟ قال: «لا بأس أن يأخذه»(2).

فروع مختلفة:

أ: لو دفع إليه درهما و قال: خذه و ادخل به الحمّام، أو دفع إليه دراهم و قال: اشتر بها لنفسك عمامة، فالوجه: أنّه إباحة، لكن يختصّ بما أمره به، فليس له الصّرف في غير ما عيّنه له.

و قال بعض الشافعيّة: إن قال ذلك على سبيل التبسّط المعتاد ملكه، و تصرّف فيه كيف شاء، و إن كان غرضه تحصيل ما عيّنه لما رأى به من الوسخ و الشعث، أو لعلمه بأنّه مكشوف الرأس، لم يجز صرفه إلى غير

ص: 83


1- المهذّب - للشيرازي - 455:1، التهذيب - للبغوي - 532:4، البيان 117:8، العزيز شرح الوجيز 334:6، روضة الطالبين 449:4.
2- الفقيه 871/192:3، التهذيب 1116/380:6.

ما عيّنه(1).

ب: لو بعث شخص إلى من مات أبوه ثوبا ليكفّنه فيه، لم يملكه الولد.

و قال بعض الشافعيّة: إن كان الميّت ممّن يتبرّك بتكفينه لديانة أو ورع، لم يملكه الولد حتى أنّه لا يجوز له إمساكه و تكفينه في غيره، و لو كفّنه في غيره وجب عليه ردّه إلى مالكه، و إن لم يكن كذلك ملكه الولد، و كان له إمساكه و تكفينه في غيره؛ لأنّه يكون إهداء للولد(2).

ج: لو بعث إليه هديّة في ظرف و العادة في مثل تلك الهديّة ردّ الظرف، لم يكن الظرف داخلا في الهديّة؛ قضاء للعرف، و إن كانت العادة تقتضي عدم الردّ كما في قواصر التمر، فهو هديّة، كالمظروف؛ للعادة.

و إذا لم يكن الظرف هديّة، كان أمانة في يد المهدى إليه، و ليس له استعماله في غير الهديّة، و أمّا في تلك الهديّة فإن اقتضت العادة التفريغ لزم تفريغه، و إن اقتضت التناول منه جاز التناول منه، و يكون كالمستعار.

د: لو أنفذ كتابا إلى غيره حاضر أو غائب و كتب فيه أن اكتب الجواب على ظهره، فعليه ردّه، و ليس له التصرّف فيه، و إلاّ فهو هديّة يملكها المكتوب إليه، و هو أحد قولي الشافعيّة، و الثاني: أنّه يبقى على ملك الكاتب، و للمكتوب إليه الانتفاع به على سبيل الإباحة(3) ، و هو حسن.

ه: هبة منافع الدار هل هي إعارة لها؟ الوجه: المنع، و للشافعيّة4.

ص: 84


1- العزيز شرح الوجيز 334:6، روضة الطالبين 431:4.
2- العزيز شرح الوجيز 334:6-335، روضة الطالبين 431:4.
3- العزيز شرح الوجيز 335:6، روضة الطالبين 430:4.

وجهان(1).

و: إذا كانت الهبة فاسدة لم تثمر الملك للمتّهب عندنا، و به قال الشافعي(2) ، و يكون المال المقبوض مضمونا على المتّهب كالمقبوض بالبيع الفاسد، أو غير مضمون كالمقبوض في الهبة الصحيحة، للشافعي قولان(3) ، و الأقرب عندي: الثاني.

و قال أبو حنيفة: إنّ الهبة الفاسدة تفيد الملك للمتّهب(1).

ز: لا يشترط في القبض الفوريّة، فلو تراخى القبض عن العقد حكم بانتقال الهبة من حين القبض، لا من حين العقد، و ليس كذلك الوصيّة، فإنّه يحكم بانتقالها بالموت مع القبول و إن تأخّر.

ح: لو قال: وهبته كذا و لم أقبضه، كان القول قوله في عدم الإقباض؛ لأصالته، و للمقرّ له إحلافه إن ادّعى الإقباض.

و كذا لو قال: وهبته و ملّكته، ثمّ أنكر القبض؛ لإمكان أن يخبر عن وهمه.

خاتمة تتعلّق بالنحل:

النحل جمع نحلة، و هي العطيّة، قال اللّه تعالى: وَ آتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ نِحْلَةً (2) أي: عطيّة عن طيب نفس، و أكثر ما تستعمل في عطيّة الولد، يقال: نحل ولده نحلة.

و العطيّة مطلقا مندوب إليها مرغّب فيها، و هي للولد و ذي الرحم و القرابة أفضل، و الثواب بها أكثر.4.

ص: 85


1- المبسوط - للسرخسي - 54:24، العزيز شرح الوجيز 335:6.
2- سورة النساء: 4.

قال اللّه تعالى: وَ آتَى الْمالَ عَلى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبى وَ الْيَتامى (1) فبدأ بالقرابة.

و قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: «صدقتك على ذي رحمك صدقة و صلة»(2).

و قال: «أفضل الصدقة على ذي الرحم الكاشح(3)»(4).

و قال صلّى اللّه عليه و آله: «من سرّه أن ينسأ في أجله و يوسّع في رزقه فليصل رحمه»(5).

و روي أنّ زينب امرأة عبد اللّه بن مسعود كانت صناعا(6) و كانت تنفق على زوجها و ولده، فأتت النبي صلّى اللّه عليه و آله فقالت: يا رسول اللّه إنّ عبد اللّه و ولده شغلاني عن الصدقة، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: «لك في ولدك أجران: أجر».

ص: 86


1- سورة البقرة: 177.
2- أورد نصّه الماوردي في الحاوي الكبير 532:7، و بتفاوت يسير في مسند عبد اللّه بن المبارك: 158-171/159، و مسند أحمد 15800/592:4، و سنن الدارمي 397:1، و المعجم الكبير - للطبراني - 6207/275:6، و المستدرك - للحاكم - 407:1، و السنن الكبرى - للبيهقي - 174:4، و 27:7، و معرفة السنن و الآثار 13377/338:9.
3- الكاشح: العدوّ الذي يضمر عداوته، و يطوي عليها كشحه، أي: باطنه. النهاية - لابن الأثير - 175:4 «كشح».
4- المسند - للحميدي - 328/157:1، مسند أحمد 23019/578:6، صحيح ابن خزيمة 2386/78:4، المعجم الأوسط - للطبراني - 3291/454:3، المعجم الكبير - له أيضا - 204/80:25، مسند الشهاب 244:2-1282/245، المستدرك - للحاكم - 406:1، السنن الكبرى - للبيهقي - 27:7.
5- التاريخ الكبير - للبخاري - 384/129:1، المعجم الأوسط - للطبراني - 1: 251/135، المبسوط - للطوسي - 307:3.
6- امرأة صناع: إذا كان لها صنعة تعملها بيديها و تكسب بها. النهاية - لابن الأثير - 56:3 «صنع».

الصلة، و أجر الصدقة»(1).

و روي عن الصادق عليه السّلام: «أنّه لمّا حشرنا(2) من المدينة إلى المنصور ببغداد لبثنا شهرا لا نعبر عليه، فبعد شهر خرج إلينا الربيع الحاجب و قال:

أين هؤلاء العلويّة ؟ فقمنا إليه، فقال: ليدخل على أمير المؤمنين منكم اثنان، قال عليه السّلام فدخلت أنا و عبد اللّه بن الحسن فسلّمنا عليه، فقال لي: أنت الذي تعلم الغيب ؟ فقلت: لا يعلم الغيب إلاّ اللّه، فقال: أنت الذي يجبى إليك الخراج ؟ فقلت: الخراج يجبى إليك، فقال: أتدرون لم أتيت بكم ؟ قال عليه السّلام: فقلت: اللّه و رسوله أعلم، فقال: إنّما جئت بكم لأخرّب رباعكم(3) و أغوّر(4) قلبكم(5) و أنزلكم بالسراة(6) ، و لا أدع أحدا من أهل الحجاز و لا من أهل العراق يأتي إليكم، فإنّهم لكم مفسدة، قال عليه السّلام:

فقلت: يا أمير المؤمنين إنّ سليمان عليه السّلام أعطي فشكر، و إنّ أيّوب عليه السّلام ابتلي فصبر، و إنّ يوسف عليه السّلام ظلم فغفر، و أنت من نسل أولئك القوم، فاستحيى.

ثمّ قال: حدّثني الحديث الذي رويته لي منذ أوقات، قال عليه السّلام: فقلت له: روى أبي عن جدّي عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أنّه قال: [إنّ اللّه عزّ و جلّ يقول:](7) أنا الرحمن خلقت الرحم، و شققت لها اسما من اسمي، فمنر.

ص: 87


1- المبسوط - للطوسي - 307:3.
2- الحشر: هو الجلاء عن الأوطان. النهاية - لابن الأثير - 388:1، لسان العرب 191:4 «حشر».
3- رباع جمع «ربع»: المنزل و الدار بعينها. لسان العرب 102:8 «ربع».
4- غار الماء... و غوّر: ذهب في العيون. لسان العرب 34:5 «غور».
5- القلب، جمع القليب: البئر قبل الطيّ. المحيط في اللغة 435:5 «قلب».
6- السراة: ظهر الطريق و وسطه. الصحاح 2375:6-2376 «سرا».
7- ما بين المعقوفين أثبتناه من المصدر.

وصلها وصلته، و من قطعها بتته.

فقال: لست أعني هذا، فقلت: روى أبي عن جدّي عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أنّه قال: الرحم حبل متّصل ممدود من الأرض إلى السماء ينادي كلّ يوم: وصل اللّه من وصلني، و قطع من قطعني.

فقال: لست أعني هذا، فقلت: روى أبي عن جدّي عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أنّه قال: إنّ ملكا (من ملوك بني إسرائيل كان قد بقي من عمره ثلاثون سنة فقطع رحمه فجعلها اللّه ثلاث سنين، و إنّ ملكا)(1) من ملوك بني إسرائيل كان قد بقي من عمره ثلاث سنين فوصل رحمه فجعلها اللّه ثلاثين سنة.

فقال المنصور: و اللّه لأصلنّ اليوم رحمي، أيّ البلاد أحبّ إليكم ؟ فقال الصادق عليه السّلام: المدينة، قال: فسرحنا إليها سراحا جميلا»(2).

و الأخبار متواترة أكثر من أن تحصى.

إذا عرفت هذا، فإنّه يستحبّ التسوية في العطيّة لأولاده، و لا يفضّل بعضا منهم على بعض، بل يسوّي بين جماعتهم، سواء كانوا ذكورا أو إناثا أو بالتفريق - و به قال الشافعي و مالك و أبو حنيفة و أبو يوسف(3) - لما رواه2:

ص: 88


1- ما بين القوسين لم يرد في «ر» و المصدر.
2- مقاتل الطالبيّين: 350-352.
3- الحاوي الكبير 544:7، المهذّب - للشيرازي - 453:1، نهاية المطلب 8: 441، الوسيط 271:4، حلية العلماء 44:6، التهذيب - للبغوي - 538:4 و 540، البيان 93:8، العزيز شرح الوجيز 321:6 و 322، روضة الطالبين 4: 440، الإشراف على نكت مسائل الخلاف 1203/676:2، مختصر اختلاف العلماء 1843/142:4، المبسوط - للسرخسي - 56:12، روضة القضاة 2:

ابن عباس أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال: «سوّوا بين أولادكم في العطيّة، فلو كنت مفضّلا أحدا لفضّلت البنات»(1).

و قال شريح و أحمد و إسحاق و محمّد بن الحسن: المستحبّ أن يعطى الذكر مثل حظّ الأنثيين؛ لأنّ اللّه تبارك و تعالى قسّم الميراث على ذلك(2) ، و أولى ما اتّبع قسمة اللّه عزّ و جلّ(3).

و الفرق ظاهر؛ فإنّ الميراث يستحقّ بالرحم و التعصيب و غير ذلك، و لهذا يرث ابن العمّ من الأبوين دون العمّ من الأب عندنا، و عندهم يرث العمّ دون العمّة، و أمّا العطيّة فإنّها تستحبّ للرحم و القربى خاصّة، و ذلك يقتضي التسوية بين الذكر و الأنثى، كالإخوة من الأم، ألا ترى أنّ النفقة يستوي فيها الجدّ من الأب و الجدّ من الأم و إن افترقا في الميراث، فكذا العطيّة.

و لأنّ التفضيل يعطي العداوة، و يورث الشحناء بين الأولاد، كما جرى في قصّة يوسف عليه السّلام؛ لدلالة ذلك على رغبة الأب و زيادتها لبعض(4)».

ص: 89


1- أورده الرافعي في العزيز شرح الوجيز 322:6، و في السنن الكبرى - للبيهقي - 177:6: «... النساء» بدل «... البنات».
2- سورة النساء: 11.
3- 3069/522، الفتاوى الولوالجيّة 133:3، تحفة الفقهاء 170:3، بدائع الصنائع 127:6، المغني 302:6، الشرح الكبير 293:6.
4- في «ص، ع»: «لبعضهم».

على بعض، و ذلك يوجب الحسد، و يفضي إلى قطيعة الرحم، فمنع منه، كتزويج المرأة على عمّتها و خالتها.

و لأنّ نعمان بن بشير أتى أبوه به إلى النبيّ صلّى اللّه عليه و آله، فقال: إنّي نحلت ابني هذا غلاما، فقال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: «أكلّ ولدك نحلت مثل هذا؟» فقال: لا، فقال: «اردده»(1).

و روي أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال له: «أتحبّ أن يكونوا لك في البرّ سواء؟» قال: نعم، قال: «فارجعه»(2).

مسألة 43: إذا وهب بعض ولده دون بعض أو فضّل بعضا على بعض في حال صحّته،

صحّ ذلك، و لم يأثم به، و لكنّه يكون قد فعل مكروها - و به قال الشافعي و أبو حنيفة و مالك و الليث و الثوري و شريح و جابر بن زيد و الحسن بن صالح بن حيّ(3) - للأصل، و لأنّ للإنسان التصرّف في ملكه كيف شاء، و أن يهبه لمن شاء من الأجانب فالأقارب

ص: 90


1- المصنّف - لابن أبي شيبة - 17914/152:14، مسند أحمد 17915/338:5، صحيح مسلم 10/1242:3، سنن ابن ماجة 2376/795:2، سنن الترمذي 3: 1367/649، سنن النسائي (المجتبى) 258:6 و 259، السنن الكبرى - للنسائي - 6499/115:4-1، و 6502/116-4 و 6503-5، المعجم الأوسط - للطبراني - 382/178:1، السنن الكبرى - للبيهقي - 176:6 و 178، معرفة السنن و الآثار 9: 12360/62، صحيح ابن حبّان - بترتيب ابن بلبان - 5097/496:11.
2- مختصر المزني: 134، معرفة السنن و الآثار 12362/63:9 بتفاوت يسير.
3- الإشراف على مذاهب أهل العلم 220:2، الحاوي الكبير 544:7، المهذّب - للشيرازي - 453:1، الوسيط 272:4، حلية العلماء 44:6 و 45، التهذيب - للبغوي - 540:4، البيان 94:8، العزيز شرح الوجيز 321:6، روضة الطالبين 439:4، روضة القضاة 3066/522:2، بدائع الصنائع 127:6، التمهيد - لابن عبد البرّ - 225:7 و 227، النوادر و الزيادات 211:12، المغني 298:6، الشرح الكبير 294:6.

أولى، و لأنّ كلّ من جاز له أن يسوّي بينهم في العطيّة جاز أن يفاضل، كالأجنبيّات، و لأنّ الهبة إذا صحّت لا يجب الرجوع فيها، كما لو سوّى بينهم.

و قال طاوس: لا تصحّ الهبة(1) ؛ لما تقدّم(2) في حديث النعمان بن بشير؛ لأنّه قال: «هذا جور»(3) و إذا كان جورا كان باطلا.

و قال أحمد و داود: يجب أن يسترجع ذلك(4).

و عن أحمد رواية أخرى: أنّه لا يصحّ(5) ؛ لأنّه قال في حديث النعمان ابن بشير: «فارجعه»(6).

و الخبر ممنوع، سلّمنا لكنّ المراد بالجور أنّه خارج عن السّنّة،0.

ص: 91


1- الإشراف على مذاهب أهل العلم 220:2، الحاوي الكبير 544:7، حلية العلماء 45:6، البيان 94:8، التمهيد - لابن عبد البرّ - 227:7، المغني 6: 298، الشرح الكبير 294:6.
2- في ص 90، و ليس فيما تقدّم لفظ: «هذا جور».
3- مسند أحمد 17911/337:5، سنن أبي داود 3542/292:3، السنن الكبرى - للنسائي - 6023/493:3-1، صحيح ابن حبّان - بترتيب ابن بلبان - 11: 5104/503، المعجم الكبير - للطبراني - 845/338:24، السنن الكبرى - للبيهقي - 177:6 و 178.
4- حلية العلماء 45:6، البيان 94:8، العزيز شرح الوجيز 322:6، و راجع: المغني 298:6، و الشرح الكبير 294:6.
5- البيان 94:8، العزيز شرح الوجيز 322:6، و راجع: التمهيد - لابن عبد البرّ - 227:7.
6- صحيح البخاري 206:3، صحيح مسلم 1241:3-1623/1242، سنن النسائي (المجتبى) 258:6 و 259، السنن الكبرى - للنسائي - 115:4 - 6500/116-2 و 6501-3، السنن الكبرى - للبيهقي - 176:6، معرفة السنن و الآثار 12358/61:9، و 12361/62، و 12362/63، صحيح ابن حبّان - بترتيب ابن بلبان - 5100/499:11، و راجع: الهامش (2) من ص 90.

ألا ترى أنّه قال في خبر النعمان: «أشهد على هذا غيري» أمر بتأكيدها، و قوله: «ارجعه» إنّما أمره بذلك لأنّ الأب يجوز له أن يرجع فيما وهب عندهم(1)المصنّف - لابن أبي شيبة - 219:11-11036/220، و 17915/152:14، صحيح البخاري 206:3، صحيح مسلم 1242:3-13/1243، السنن الكبرى - للبيهقي - 176:6.(2) ، و أمره بذلك استحبابا، و على قولنا إنّما أمره لأنّ الهبة لم تكن مقبوضة؛ إذ ليس في الخبر ما يدلّ على الإقباض.

إذا عرفت هذا، فقد قال أحمد: إنّ الأب يأثم بالتفضيل، و يجب عليه التسوية بأحد أمرين: إمّا ردّ ما فضّل به البعض، أو إتمام نصيب الآخر؛ لما رواه النعمان بن بشير قال: تصدّق عليّ أبي ببعض ماله، فقالت أمّي عمرة بنت رواحة: لا أرضى حتى تشهد عليها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، فجاء بي إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ليشهده على صدقته، فقال: «أكلّ ولدك أعطيت مثله ؟» قال:

لا، قال: «فاتّقوا اللّه، و اعدلوا بين أولادكم» قال: فرجع أبي في تلك الصدقة(2) ، و في لفظ قال: «فاردده»(3) ، و في لفظ آخر: «فارجعه»(4)مسند أحمد 17911/337:5، صحيح مسلم 1243:3-17/1244، سنن ابن ماجة 2375/795:2، سنن أبي داود 3542/292:3، السنن الكبرى(5) ، و في لفظ: «لا تشهدني على جور»(6) ، و في لفظ: «فأشهد على هذا غيري»(6) ،رى

ص: 92


1- راجع: الهامش
2- من ص 39.
3- راجع: الهامش (1) من ص 90.
4- راجع: الهامش (2) من ص 90، و الهامش
5- من ص 91.
6- مسند عبد اللّه بن المبارك: 212/93، صحيح البخاري 224:3، صحيح مسلم 16/1243:3، السنن الكبرى - للنسائي - 6510/118:4-12، سنن الدارقطني 172/42:3، صحيح ابن حبّان - بترتيب ابن بلبان - 5102/501:11، و 5103/502، و 504-5105/505.

و في لفظ: «سوّ بينهم»(1) - (2).

و نحن نحمل هذه الرواية مع تسليمها على عدم الإقباض.

مسألة 44: لو فضّل بعض ولده على بعض لمعنى يقتضيه تخصيصه،

كشدّة المخصّص بحاجة أو زمانة أو عمى أو كثرة عائلة أو اشتغال بعلم أو نحوه من الفضائل، أو صرف عطيّته عن بعض ولده لفسقه أو بدعته أو لكونه يستعين بما يأخذه على معصية اللّه تعالى و ينفقه فيها، جاز، و لم يكن مكروها على إشكال، و هو إحدى الروايتين عن أحمد(3).

و لا خلاف بين العلماء في استحباب التسوية و كراهة التفضيل.

و ليس عليه التسوية بين أقاربه و لا إعطاؤهم على قدر مواريثهم، سواء كانوا من جهة واحدة، كإخوة و أخوات و أعمام و عمّات، أو من جهات، كإخوة و أعمام.

و قال بعض العامّة: المشروع في عطيّة الأولاد و سائر الأقارب أن يعطيهم على قدر ميراثهم، فإن خالف فعليه أن يرجع و يعمّهم بالنحلة؛ لأنّهم في معنى الأولاد(4).

ص: 93


1- مسند عبد اللّه بن المبارك: 213/93، سنن النسائي (المجتبى) 262:6، السنن الكبرى - للنسائي - 118:4-6513/119-15، صحيح ابن حبّان - بترتيب ابن بلبان - 498:11-5098/499 و 5099.
2- المغني 298:6-299، الشرح الكبير 294:6-295.
3- المغني 300:6، الشرح الكبير 295:6.
4- المغني 304:6، الشرح الكبير 297:6.

و ليس بشيء؛ لأنّ الأصل إباحة تصرّف الإنسان كيف شاء.

مسألة 45: و هل تلحق الأمّ بالأب فيما تقدّم ؟

قال بعض العامّة بذلك؛ لقول النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: «اتّقوا اللّه تعالى، و اعدلوا بين أولادكم»(1)المغني 305:6، الشرح الكبير 296:6.(2) و لأنّها أحد الأبوين، فمنعت التفضيل كالأب، و لأنّ المقتضي للمنع من التخصيص في الأب - و هو وقوع العداوة بين الأولاد، و الحسد، و قطع الرحم - ثابت في حقّ الأمّ، فتساويه في الحكم(2).

و هل لها الرجوع لو فضّلت ؟ مقتضى قول أحمد - و هو مذهب الشافعي أيضا - ذلك؛ لأنّها لمّا دخلت في قول النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: «سوّوا بين أولادكم»(3) ينبغي أن تتمكّن من التسوية بالرجوع في الهبة، بل ربما تعيّن طريقا في التسوية إذا لم يمكن إعطاء الآخر مثل عطيّة الأوّل، و لأنّها لمّا ساوت الأب في تحريم تفضيل بعض ولدها ينبغي أن تساويه في التمكين من الرجوع فيما فضّلته به؛ تخليصا لها من الإثم و إزالة للتفضيل المحرّم، كالأب(4).

و في الرواية المشتهرة(5) عن أحمد: أنّه ليس لها الرجوع، فرقا بينها و بين الأب؛ لأنّ للأب أن يأخذ من مال ولده، و ليس للأمّ ذلك(6).

و قال مالك: للأمّ الرجوع في هبة ولدها إذا كان أبوه حيّا، فإن كان

ص: 94


1- راجع: الهامش
2- من ص 92.
3- تقدّم تخريجه في ص 89، الهامش (1).
4- المغني 307:6، الشرح الكبير 303:6-304.
5- في النّسخ الخطّيّة: «الشهيرة».
6- المغني 307:6-308، الشرح الكبير 303:6.

ميّتا فلا رجوع لها؛ لأنّها هبة لليتيم، و هبة اليتيم لازمة، كصدقة التطوّع(1).

و هذا كلّه ساقط عندنا؛ لأنّا لا نحرّم التفضيل في العطيّة، بل هو مكروه، و مع تحقّقه لا يجوز للأب الرجوع فيه إذا اقترنت الهبة بالإقباض.

مسألة 46: إذا أعطى ولده ماله ثمّ ولد له ولد آخر،

لم يجز له الرجوع في عطيّته للأوّل مع شرائط التمليك.

و قال أحمد: يرجع و يسوّي بينهم وجوبا(2).

و ليس بجيّد.

قال أحمد: أحبّ للرجل أن لا يقسّم ماله و يدعه على فرائض اللّه تعالى لعلّه أن يولد له ولد فيسوّي بينهم، و عنى بذلك أنّه يرجع فيما أعطاه أولاده كلّهم أو يرجع في بعض ما أعطى كلّ واحد منهم ليدفعه لهذا الولد الحادث ليساوي إخوته. فإن كان هذا الولد الحادث ولد بعد الموت، لم يكن له الرجوع على إخوته؛ لأنّ العطيّة لزمت بموت أبيه، إلاّ على رواية أخرى عنه: أنّ للولد الرجوع(3).

و كلّ ذلك عندنا خطأ.

مسألة 47: ليس للأب أن يأخذ من مال ولده شيئا إلاّ بإذنه،

أو قدر ما يجب له من النفقة عليه إذا امتنع الولد من دفعها، و بدون ذلك لا يجوز - و به قال أبو حنيفة و مالك و الشافعي(4) - لأنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال: «لا يحلّ مال امرئ مسلم إلاّ عن طيب نفس منه»(5).

ص: 95


1- النوادر و الزيادات 190:12-191، الذخيرة 265:6-266، المغني 6: 308، الشرح الكبير 304:6.
2- المغني 320:6، الشرح الكبير 298:6.
3- المغني 320:6، الشرح الكبير 298:6.
4- المغني 321:6، الشرح الكبير 310:6.
5- أورده ابن عبد البرّ في التمهيد 231:10.

و قال عليه السّلام: «إنّ دماءكم و أموالكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا»(1).

و قال عليه السّلام: «كلّ أحد أحقّ بكسبه من والده و ولده و الناس أجمعين»(2).

و لأنّ ملك الابن تامّ على نفسه، فلم يجز انتزاعه منه، كالذي تعلّقت به حاجته.

و قال أحمد: للأب أن يأخذ من مال ولده ما شاء، و يملكه مع حاجة الأب إلى ما يأخذه و مع عدم حاجته، سواء كان الولد صغيرا أو كبيرا بشرطين، أحدهما: أن لا يجحف بالابن و لا يضرّ به، و لا يأخذ شيئا تعلّقت به حاجته، و الثاني: أن لا يأخذ من مال ولده فيعطيه الآخر؛ لأنّه ممنوع من تخصيص بعض ولده بالعطيّة من مال نفسه فلأن يمنع من تخصيصه بما أخذه من مال ولده الآخر أولى؛ لما روت عائشة قالت: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: «إنّ أطيب ما أكلتم من كسبكم، و إنّ أولادكم من كسبكم»(3).

و جاء رجل إلى النبيّ صلّى اللّه عليه و آله، فقال: إنّ أبي اجتاح مالي(4) ، فقال: «أنتة،

ص: 96


1- مسند أحمد 6:6-19824/7، صحيح مسلم 1218/889:2، سنن ابن ماجة 3074/1025:2، سنن أبي داود 1905/185:2، السنن الكبرى - للبيهقي - 3: 215.
2- سنن سعيد بن منصور 2293/115:2، سنن الدارقطني 112/136:4، السنن الكبرى - للبيهقي - 481:7 بتفاوت يسير، و أورد نصّه ابنا قدامة في المغني 6: 321، و الشرح الكبير 310:6.
3- المصنّف - لابن أبي شيبة - 18062/196:14، مسند أحمد 24768/233:7، سنن ابن ماجة 2290/769:2، سنن الترمذي 1358/639:3.
4- اجتاح مالي، أي: استأصله و أتى عليه أخذا و إنفاقا، و الاجتياح من الجائحة،

و مالك لأبيك»(1).

و جاء رجل إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، فقال: إنّ لي مالا و عيالا و لأبي مالا و عيالا و أبي يريد أن يأخذ مالي، فقال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: «أنت و مالك لأبيك»(2).

و لأنّ اللّه تعالى جعل الولد موهوبا لأبيه، فقال: وَ وَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَ يَعْقُوبَ (3) و قال: وَ وَهَبْنا لَهُ يَحْيى (4) و قال زكريّا: فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا (5) و قال إبراهيم عليه السّلام: اَلْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْماعِيلَ وَ إِسْحاقَ (6) و ما كان موهوبا له كان له أخذ ماله، كعبده(7).

و الجواب: ليس المراد بذلك الحقيقة، بل تعظيم الأب و حكمه على الابن و تواضع الابن له.

مسألة 48: إذا ثبت للولد دين على والده،

كان له مطالبته به مع يساره، و لا يحلّ للأب منعه - و به قال أبو حنيفة و مالك و الشافعي(8) - لأنّه دين ثابت، فجازت المطالبة به، كغيره.

ص: 97


1- المصنّف - لابن أبي شيبة - 18066/197:14، سنن ابن ماجة 2292/769:2.
2- الأم 103:6، المصنّف - لعبد الرزّاق - 16628/130:9، سنن سعيد بن منصور 2290/114:2، السنن الكبرى - للبيهقي - 480:7-481، معرفة السنن و الآثار 263/166:1.
3- سورة الأنعام: 84.
4- و هي: الآفة التي تهلك الثمار و الأموال و تستأصلها. النهاية - لابن الأثير - 312:1 - 313 «جوح».
5- سورة مريم: 5.
6- سورة إبراهيم: 39.
7- المغني 320:6-322، الشرح الكبير 310:6-311.
8- المغني 323:6، الشرح الكبير 313:6.

و قال أحمد: ليس للولد المطالبة بدين له على أبيه؛ لأنّ رجلا جاء إلى النبيّ صلّى اللّه عليه و آله بأبيه يقتضيه دينا عليه، فقال: «أنت و مالك لأبيك»(1)(2).

و قد بيّنّا أنّ المراد به التعظيم و الطاعة من الولد له بحيث لا يدخل الولد في العقوق.

و لو مات الابن، كان لورثته المطالبة به عندنا - خلافا لأحمد حيث منع؛ لأنّ مورّثهم ليس له المطالبة فهم أولى(3) - لما بيّنّاه من جواز المطالبة.

و لو مات الأب، رجع الابن في تركته بدينه - و به قال أحمد(4) - لأنّ دينه عليه لم يسقط عن الأب، و إنّما تأخّرت المطالبة.

و عن أحمد رواية أخرى: أنّه إذا مات الأب بطل دين الابن على الأب(5).

مسألة 49: لو تصرّف الأب في مال الابن قبل تملّكه،

لم يصح - و به قال أحمد(3) - فلا يصحّ عتق الأب لعبد ابنه ما لم يتملّكه، و لا يصحّ إبراؤه من دينه و لا هبته [لماله](4) و لا بيعه له؛ لأنّ ملك الابن تامّ على مال نفسه يصحّ تصرّفه و يحلّ وطء جواريه، و لو كان الملك مشتركا لم يحل له الوطء، كما لا يجوز له وطء الجارية المشتركة.

و هذا حجّة على أحمد، و إبطال لحمله الرواية - و هي قوله عليه السّلام:

«أنت و مالك لأبيك» - على الملك حقيقة.

قال أحمد: و لو كان الابن صغيرا، لم يصح للأب التصرّف في ماله؛

ص: 98


1- رواه أبو محمّد الخلاّل على ما في المغني 323:6، و الشرح الكبير 313:6.
2- المغني 323:6، الشرح الكبير 313:6. (3الى5) المغني 324:6، الشرح الكبير 313:6.
3- المغني 325:6، الشرح الكبير 311:6.
4- ما بين المعقوفين أثبتناه من المغني و الشرح الكبير، راجع: الهامش (6).

لأنّه لا يملك التصرّف بما لا حظّ للصغير فيه، و ليس من الحظّ إسقاط دينه و لا عتق عبده و لا هبة ماله(1).

و لو وطئ الأب جارية ابنه قبل أن يتملّكها، فعل حراما، فإن تملّكها لم يجز له وطؤها قبل الاستبراء، قاله أحمد؛ لأنّه ابتداء ملك، فوجب الاستبراء فيه، كما لو اشتراها(2).

و ليس بجيّد؛ لأنّ الاستبراء ليس واجبا إلاّ في محلّ توهّم وطئ المالك الأوّل لها، و هنا إن حصل الوطء حرمت مؤبّدا، و إن لم يحصل حلّت من غير استبراء.

لا يقال: يستبرئها؛ لجواز وطئ غير الابن لها.

لأنّا نقول: لو وجب ذلك لكان يجب مع كون المالك امرأة أو من أخبر باستبرائها.

و لو كان الولد قد وطئها، لم تحل على الأب؛ لأنّها صارت بمنزلة حليلة ابنه، فإن فعل عالما بالتحريم وجب عليه الحدّ.

و قال أحمد: لا يجب؛ لشبهة الملك، فإنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أضاف مال الولد إلى الأب، فقال: «أنت و مالك لأبيك»(3)(4).

و لو ولدت منه، لم تصر أمّ ولد، و لا يكون ولده الذكر حرّا.

خلافا لأحمد فيهما؛ حيث قال: تصير أمّ ولد، و يكون الولد حرّا؛ لأنّه من وطء انتفى عنه الحدّ فيه؛ للشبهة(5).

قال: و ليس للابن مطالبة الأب بشيء من قيمتها و لا قيمة ولدها6.

ص: 99


1- المغني 325:6، الشرح الكبير 312:6.
2- المغني 326:6، الشرح الكبير 312:6.
3- راجع: الهامش (1 و 2) من ص 97.
4- المغني 326:6، الشرح الكبير 312:6.
5- المغني 326:6، الشرح الكبير 312:6.

و لا مهرها(1).

و في تعزير الأب له روايتان:

إحداهما: يعزّر؛ لأنّه وطئ وطأ محرّما، أشبه ما لو وطئ جارية مشتركة بينه و بين غيره.

و الثانية: لا يعزّر؛ لأنّه لا يقتصّ منه بالجناية على ولده، فلا يعزّر بالتصرّف في ماله(2).

و ليس لغير الأب الأخذ من مال غيره إلاّ بإذنه إجماعا.

و لا يصحّ قياس غير الأب عليه عند أحمد أيضا؛ لأنّ للأب ولاية على ولده و ماله إذا كان صغيرا، و له شفقة تامّة و حقّ متأكّد، و لا يسقط ميراثه بحال(3).

و الأم لا تأخذ؛ لأنّه لا ولاية لها، و الجدّ أيضا؛ لأنّ شفقته قاصرة عن شفقة الأب، و يحجب به في الميراث و في ولاية النكاح عندهم(4).

و ليس لغيرهما من الأقارب و الأجانب الأخذ بطريق التنبيه؛ لأنّه إذا امتنع الأخذ في حقّ الأمّ و الجدّ مع مشاركتهما للأب في بعض المعاني فغيرهما ممّن لا يشارك الأب في ذلك أولى.6.

ص: 100


1- المغني 326:6، الشرح الكبير 312:6.
2- المغني 326:6-327، الشرح الكبير 312:6.
3- المغني 327:6، الشرح الكبير 312:6.
4- المغني 327:6، الشرح الكبير 313:6.

الفصل الثالث

اشارة

الفصل الثالث(1): في الصدقة المندوبة

الصدقة مستحبّة مندوب إليها مرغّب فيها، تشتمل على فضل كثير و ثواب جزيل، يضمن اللّه تعالى فيها المجازاة عليها، فقال: إِنَّ اللّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ (2) و قال تعالى: مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضاعِفَهُ (3) و قال تعالى: إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقاتِ فَنِعِمّا هِيَ وَ إِنْ تُخْفُوها وَ تُؤْتُوهَا الْفُقَراءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ (4) و الآيات في ذلك أكثر من أن تحصى.

و قال صلّى اللّه عليه و آله: «ليتصدّق الرجل من ديناره و ليتصدّق من درهمه و ليتصدّق من صاع برّه» رواه العامّة(5).

و من طريق الخاصّة: ما رواه الصدوق عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال:

«أرض القيامة نار ما خلا ظلّ المؤمن، فإنّ صدقته تظلّه»(6).

و قال الباقر عليه السّلام: «البرّ و الصدقة ينفيان الفقر و يزيدان في العمر و يدفعان عن [صاحبهما] سبعين ميتة سوء»(7).

و قال الصادق عليه السّلام: «داووا مرضاكم بالصدقة، و ادفعوا البلاء بالدعاء،

ص: 101


1- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «الثاني». و المثبت هو الصحيح.
2- سورة يوسف: 88.
3- سورة البقرة: 245.
4- سورة البقرة: 271.
5- أورده الرافعي في العزيز شرح الوجيز 419:7.
6- الفقيه 155/37:2.
7- الفقيه 37:2 (باب فضل الصدقة) ح 2، و ما بين المعقوفين أثبتناه منه.

و استنزلوا الرزق بالصدقة، فإنّها تفكّ من بين لحيي سبعمائة شيطان، و ليس شيء أثقل على الشيطان من الصدقة على المؤمن، و هي تقع في يد الربّ تبارك و تعالى قبل أن تقع في يد العبد»(1).

و الأخبار في ذلك أكثر من أن تحصى.

مسألة 50: و صدقة السرّ أفضل من دفعها في العلانية؛ للآية السابقة

(2)الفقيه 162/38:2.(3) .

و روى العامّة و الخاصّة: أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال: «صدقة السرّ تطفئ غضب الربّ جلّ جلاله»(4).

و من طريق الخاصّة: ما رواه عمّار عن الصادق عليه السّلام، قال: قال لي:

«يا عمّار الصدقة و اللّه في السرّ أفضل من الصدقة في العلانية، و كذلك و اللّه العبادة في السرّ أفضل من العبادة في العلانية»(4).

مسألة 51: صرف الصدقة إلى ذي الرحم أفضل من صرفها إلى الأجنبيّ،

و صرفها إلى الجيران أفضل من الأباعد.

و روى العامّة عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أنّه قال: «الصدقة على المسكين صدقة، و على ذي الرحم ثنتان: صدقة و صلة»(5).

ص: 102


1- الفقيه 156/37:2.
2- في ص 101، المخرّجة في الهامش
3- .
4- المعجم الصغير - للطبراني - 96:2، المعجم الأوسط - له أيضا - 947/385:1، و 3450/86:4، المعجم الكبير - له أيضا - 8014/312:8، و 1018/421:19، مسند الشهاب 92:1-99/93 و 100، و 102/94، المستدرك - للحاكم - 3: 568، الكافي 1/7:4، و 3/8، الفقيه 161/38:2، معاني الأخبار: 264 (باب معنى تثقّل الرحم) ح 1، التهذيب 299/105:4.
5- سنن الدارمي 397:1، سنن النسائي (المجتبى) 92:5، المعجم الكبير - للطبراني - 6210/276:6.

و عن عائشة أنّها قالت: يا رسول اللّه، إنّ لي جارين فإلى أيّهما أهدي ؟ فقال: «إلى أقربهما منك بابا»(1).

و من طريق الخاصّة: ما رواه الصدوق عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنّه سئل أيّ الصدقة أفضل ؟ قال: «على ذي الرحم الكاشح»(2).

و قال عليه السّلام: «لا صدقة و ذو رحم محتاج»(3).

و قال عليه السّلام: «الصدقة بعشرة، و القرض بثمانية عشر، و صلة الإخوان بعشرين، و صلة الرحم بأربعة و عشرين»(4).

و كذا الصدقة المفروضة و الكفّارات صرفها إلى الأقارب أولى إذا [كانوا](5) بصفة الاستحقاق و لا يلزمه نفقتهم.

و الأولى أن يبدأ بذي الرحم المحرم، كالإخوة و الأخوات و الأعمام و الأخوال، و يقدّم منهم الأقرب فالأقرب، و الزوج و الزوجة ملحقان بذلك، ثمّ يبدأ بذي الرحم غير المحرم، كأولاد الأعمام و أولاد الأخوال، ثمّ بالمحرم بالرضاع، ثمّ بالمحرم بالمصاهرة، ثمّ بالمولى - قال بعض الشافعيّة: من الأعلى و من الأسفل(6) - ثمّ بالجار.

و إذا كان في البلد أقارب و أجانب مستحقّون، فالأقارب أولى و إن كان2.

ص: 103


1- مسند أحمد 25009/267:7، صحيح البخاري 208:3، المستدرك - للحاكم - 167:4، السنن الكبرى - للبيهقي - 275:6-276.
2- الفقيه 165/38:2.
3- الفقيه 166/38:2.
4- الفقيه 164/38:2.
5- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة: «كان». و في الطبعة الحجريّة: «كانت». و المثبت هو الصحيح.
6- العزيز شرح الوجيز 420:7، روضة الطالبين 203:2.

الأجانب أقرب منزلا.

و إن كان الأقارب خارجين من البلد، فإن منعنا من نقل الصدقة بأن تكون واجبة فالأجانب أولى، و إلاّ فالأقارب الخارجون.

و كذا في أهل البادية إذا اعتبرنا مسافة القصر، إن كان الأجانب و الأقارب دون مسافة القصر فالأقارب أولى و إن كانت دورهم أبعد.

و كذا لو كانوا جميعا فوق مسافة القصر.

و إن كان الأجانب دون مسافة القصر و الأقارب فوقها، إن منعنا نقل الصدقات فالأجانب أولى، و إلاّ فالأقارب أولى.

مسألة 52: و الصدقة في رمضان أفضل منها في غيره،

كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أجود ما يكون في شهر رمضان، رواه العامّة(1).

و من طريق الخاصّة: ما رواه ابن بابويه قال: كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إذا دخل شهر رمضان أطلق كلّ أسير و أعطى كلّ سائل(2).

و عن الباقر عليه السّلام قال: «خطب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله الناس في آخر جمعة من شعبان، فحمد اللّه و أثنى عليه، ثمّ قال: أيّها الناس إنّه قد أظلّكم شهر فيه ليلة خير من ألف شهر، و هو شهر رمضان، فرض اللّه صيامه، و جعل قيام ليلة فيه (بتطوّع صلاة)(3) كمن تطوّع بصلاة سبعين ليلة فيما سواه من

ص: 104


1- مسند أحمد 2611/475:1، صحيح البخاري 5:1، و 33:3، و 137:4، صحيح مسلم 2308/1803:4، سنن النسائي (المجتبى) 125:4، السنن الكبرى - له أيضا - 2405/64:2-1، و 7993/7:5-2، صحيح ابن خزيمة 3: 1889/193، السنن الكبرى - للبيهقي - 305:4، صحيح ابن حبّان - بترتيب ابن بلبان - 3440/225:8، و 6370/285:14.
2- الفقيه 263/61:2.
3- ما بين القوسين لم يرد في الفقيه.

الشهور، و جعل لمن تطوّع [فيه](1) بخصلة من خصال الخير و البرّ كأجر من أدّى فريضة من فرائض اللّه عزّ و جلّ، و من أدّى فيه فريضة من فرائض اللّه عزّ و جلّ كان كمن أدّى سبعين فريضة فيما سواه من الشهور، و هو شهر الصبر، و إنّ الصبر ثوابه الجنّة، و هو شهر المواساة، و هو شهر يزيد اللّه فيه رزق المؤمن، و من فطّر فيه مؤمنا صائما كان له بذلك عند اللّه عتق رقبة و مغفرة لذنوبه فيما مضى، فقيل له: يا رسول اللّه ليس كلّنا يقدر على أن يفطّر صائما، فقال: إنّ اللّه تبارك و تعالى كريم يعطي هذا الثواب منكم من لم يقدر إلاّ على مذقة(2) من لبن يفطّر بها صائما، أو شربة من ماء عذب أو تميرات لا يقدر على أكثر من ذلك، و من خفّف فيه عن مملوكه خفّف اللّه عزّ و جلّ عليه حسابه، و هو شهر أوّله رحمة، و وسطه مغفرة، و آخره إجابة و العتق من النار، و لا غنى بكم فيه عن أربع خصال: خصلتين ترضون اللّه بهما، و خصلتين لا غنى بكم عنهما، أمّا اللّتان ترضون اللّه بهما فشهادة أن لا إله إلاّ اللّه و أنّي رسول اللّه، و أمّا اللّتان لا غنى بكم عنهما فتسألون اللّه فيه حوائجكم و الجنّة، و تسألون اللّه فيه العافية و تتعوّذون به من النار»(3).

مسألة 53: المديون و ذو العيال الذين يلزمه نفقتهم لا يستحبّ له التصدّق،

بل صرف ذلك في الدّين و النفقة أولى، و ربما يقال: يكره إلى أن يؤدّي ما عليه(4).

و أمّا إذا فضل عن حاجته و حاجة عياله هل يتصدّق بجميعه ؟ الأولى:

ص: 105


1- ما بين المعقوفين أثبتناه من المصدر.
2- مذقة: طائفة من اللبن الممزوج بالماء. لسان العرب 339:10 «مذق».
3- الفقيه 58:2-254/59، و نحوه في الكافي 66:4-4/67، و التهذيب 4: 152-423/153.
4- كما في العزيز شرح الوجيز 420:7، و روضة الطالبين 203:2.

الكراهة الشديدة؛ لما في ذلك من التعرّض للحاجة و سؤال الناس، و هو شديد الكراهة. و هو أحد وجوه الشافعيّة(1) ؛ لقوله تعالى: وَ لا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ (2) و قال تعالى: وَ الَّذِينَ إِذا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَ لَمْ يَقْتُرُوا (3).

و لما رواه العامّة أنّ رجلا جاء إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بمثل البيضة من الذهب و قال: يا رسول اللّه، خذها فهي صدقة و ما أملك غيرها، فأعرض عنه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، إلى أن أعاد القول مرّات، ثمّ إنّه أخذها و رماه بها رمية لو أصابته لأوجعته، ثمّ قال: «يأتي أحدكم بما يملك فيقول: هذه صدقة ثمّ يقعد يتكفّف وجوه الناس، خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى»(4).

و من طريق الخاصّة: ما رواه ابن بابويه عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أنّه قال:

«أفضل الصدقة صدقة عن(5) ظهر غنى»(6).

و عن الصادق عليه السّلام قال: «ضمنت لمن اقتصد أن لا يفتقر، و قال اللّه عزّ و جلّ: يَسْئَلُونَكَ ما ذا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ (7) و العفو: الوسط، و قال اللّه عزّ و جلّ: وَ الَّذِينَ إِذا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَ لَمْ يَقْتُرُوا وَ كانَ بَيْنَ ذلِكَ9.

ص: 106


1- العزيز شرح الوجيز 421:7، روضة الطالبين 203:2.
2- سورة الإسراء: 29.
3- سورة الفرقان: 67.
4- سنن الدارمي 391:1، سنن أبي داود 1673/128:2، صحيح ابن خزيمة 4: 2441/98، المستدرك - للحاكم - 413:1، السنن الكبرى - للبيهقي - 154:4 بتفاوت فيها، و ورد نصّه في العزيز شرح الوجيز 421:7.
5- في النّسخ الخطّيّة و الفقيه: «على» بدل «عن».
6- ثواب الأعمال: 15/170، الفقيه 115/30:2.
7- سورة البقرة: 219.

قَواماً (1) و القوام: الوسط»(2).

و عن الوليد بن صبيح قال: كنت عند أبي عبد اللّه الصادق عليه السّلام فجاءه سائل فأعطاه ثمّ جاءه آخر فأعطاه ثمّ جاءه آخر فأعطاه ثمّ جاءه آخر فقال:

«وسّع اللّه عليك» ثمّ قال: «إنّ رجلا لو كان له مال يبلغ ثلاثين ألفا أو أربعين ألف درهم ثمّ شاء أن لا يبقي منها شيئا إلاّ وضعه في حقّ لفعل فيبقى لا مال له فيكون من الثلاثة الذين يردّ دعاؤهم» قال: قلت: من هم ؟ قال:

«أحدهم: رجل كان له مال فأنفقه في [غير] وجهه ثمّ قال: يا ربّ ارزقني، فيقول اللّه عزّ و جلّ: ألم أرزقك ؟ و رجل يجلس في بيته و لا يسعى في طلب الرزق و يقول: يا ربّ ارزقني، فيقول اللّه عزّ و جلّ: ألم أجعل لك سبيلا إلى طلب الرزق ؟ و رجل له امرأة تؤذيه فيقول: يا ربّ خلّصني منها، فيقول اللّه عزّ و جلّ: ألم أجعل أمرها بيدك ؟»(3).

و الثاني للشافعيّة: أنّه لا يكره ذلك، بل يستحبّ.

و الثالث: أنّه إن كان المتصدّق قويّا يجد من نفسه قوّة الصبر على المضايقة فيستحبّ له التصدّق بالجميع، و إلاّ لم يستحب، بل يستبقي لنفسه ما يتعلّل به(4).

إذا عرفت هذا، فإنّه يكره التصدّق بالشيء الرديء و ما فيه شبهة؛ لقوله تعالى: لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتّى تُنْفِقُوا مِمّا تُحِبُّونَ (5).2.

ص: 107


1- سورة الفرقان: 67.
2- الفقيه 148/35:2.
3- الفقيه 39:2-173/40، و ما بين المعقوفين أثبتناه منه.
4- العزيز شرح الوجيز 420:7-422، روضة الطالبين 203:2.
5- سورة آل عمران: 92.
مسألة 54: الصدقة المفروضة محرّمة على بني هاشم،

إلاّ صدقة الهاشمي على مثله أو صدقة غيره عند الاضطرار؛ لما تقدّم(1).

و هل تحرم الصدقة المندوبة عليهم ؟ الأقرب: المنع - و هو أحد قولي الشافعي(2) - لقول رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: «من صنع إلى أحد من أهل بيتي يدا كافيته يوم القيامة»(3).

و قال عليه السّلام: «أنا شافع يوم القيامة لأربعة أصناف و لو جاؤا بذنوب أهل الدنيا: رجل نصر ذرّيّتي، و رجل بذل ماله لذرّيّتي عند الضيق، و رجل أحبّ ذرّيّتي باللسان و القلب، و رجل سعى في حوائج ذرّيّتي إذا طردوا و شردوا»(4).

و قال الصادق عليه السّلام: «إذا كان يوم القيامة نادى مناد: أيّها الخلائق أنصتوا فإنّ محمّدا يكلّمكم، فينصت الخلائق، فيقوم النبيّ صلّى اللّه عليه و آله فيقول:

يا معشر الخلائق من كانت له عندي يد و منّة و معروف فليقم حتى أكافئه، فيقولون: بآبائنا و أمّهاتنا و أيّ يد و أيّ منّة و أيّ معروف، بل اليد و المنّة و المعروف للّه و لرسوله على جميع الخلق، فيقول: بلى من آوى أحدا من أهل بيتي أو برّهم أو كساهم من عرى أو أشبع جائعهم فليقم حتى أكافئه، فيقوم أناس قد فعلوا ذلك، فيأتي النداء من عند اللّه عزّ و جلّ: يا محمّد يا حبيبي قد جعلت مكافأتهم إليك، فأسكنهم من الجنّة حيث شئت، قال:

ص: 108


1- في ج 5، ص 268 و 269 و 273، المسائل 180 و 181 و 186.
2- مختصر المزني: 159، الحاوي الكبير 539:8، المهذّب - للشيرازي - 1: 183، نهاية المطلب 547:11، الوسيط 575:4، الوجيز 269:1، حلية العلماء 169:3، التهذيب - للبغوي - 207:5، البيان 464:3، العزيز شرح الوجيز 419:7، روضة الطالبين 202:2-203، المجموع 239:6.
3- الكافي 8/60:4، الفقيه 152/36:2، التهذيب 312/110:4.
4- الكافي 9/60:4، الفقيه 153/36:2، التهذيب 323/111:4.

فيسكنهم في الوسيلة حيث لا يحجبون عن محمّد و أهل بيته صلوات اللّه عليهم أجمعين»(1).

و روى العامّة عن الصادق عليه السّلام عن أبيه الباقر عليه السّلام أنّه كان يشرب من سقايات بين مكة و المدينة، فقيل له: أتشرب من الصدقة ؟ فقال: «إنّما حرم علينا الصدقة المفروضة»(2).

و الثاني للشافعي: أنّ الصدقة المندوبة محرّمة عليهم؛ لظاهر قوله عليه السّلام: «إنّا أهل بيت لا تحلّ لنا الصدقة»(3)(4).

إذا عرفت هذا، فالوجه: أنّ الصدقة المندوبة محرّمة على النبيّ صلّى اللّه عليه و آله؛ لما فيها من الغضّ و النقص و تسلّط المتصدّق، و علوّ مرتبته على المتصدّق عليه، و منصب النبوّة أرفع من ذلك و أجلّ و أشرف.

و لقوله عليه السّلام: «إنّا أهل بيت لا تحلّ لنا الصدقة»(5).

و هو أحد وجهي الشافعيّة؛ للخبر(6).

و الثاني: أنّها لا تحرم عليه؛ لأنّ الهديّة لا تحرم عليه، فكذا الصدقة(7).2.

ص: 109


1- الفقيه 36:2-154/37.
2- الأم 56:4، مختصر المزني: 159، المهذّب - للشيرازي - 183:1، العزيز شرح الوجيز 419:7، المغني 520:2، الشرح الكبير 710:2، السنن الكبرى - للبيهقي - 183:6.
3- شرح معاني الآثار 10:2، و 298:3، المعجم الكبير - للطبراني - 77:3 - 2713/78، و 6418/87:7.
4- نهاية المطلب 547:11، التهذيب - للبغوي - 207:5، العزيز شرح الوجيز 7: 419، المجموع 239:6.
5- شرح معاني الآثار 10:2، و 298:3، المعجم الكبير - للطبراني - 77:3 - 2713/78، و 6418/87:7.
6- راجع: الهامش (3).
7- الوسيط 575:4، حلية العلماء 169:3، البيان 452:3، العزيز شرح الوجيز 419:7، روضة الطالبين 202:2.

و الفرق ظاهر.

و أمّا الأئمّة المعصومون من آله عليهم السّلام فالوجه: إلحاقهم به عليه السّلام في علوّ المنزلة و ارتفاعهم عن منقصة التصدّق من الغير، و لأنّ الواجبة حرّمت عليهم لعلوّ مرتبتهم عن أوساخ الناس، فالمندوبة كذلك؛ لمشاركتها في هذا المعنى.

نعم، يجوز لهم قبول الهديّة، كما قبلها النبيّ صلّى اللّه عليه و آله(1).

مسألة 55: تجوز الصدقة على الكافر و إن كان أجنبيّا

- و به قال الشافعي(2) - لقوله تعالى: لا يَنْهاكُمُ اللّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَ لَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَ تُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (3).

و لقوله عليه السّلام: «على كلّ كبد حرّى أجر»(4).

و كذا تجوز الصدقة على الأغنياء؛ للعموم.

ص: 110


1- مسند أحمد 22488/486:6، شرح معاني الآثار 10:2، المعجم الكبير - للطبراني - 232:6-6076/233، و 241-6110/245، و 6121/249، و 6155/259، المستدرك - للحاكم - 16:2، السنن الكبرى - للبيهقي - 327:5، و 321:10.
2- الحاوي الكبير 392:3، التهذيب - للبغوي - 132:3، البيان 463:3، العزيز شرح الوجيز 419:7، روضة الطالبين 203:2.
3- سورة الممتحنة: 8.
4- المسند - للحميدي - 902/401:2، المعجم الكبير - للطبراني - 6598/155:7، و 106:24-284/108، و فيهما: «في كلّ كبد...»، و في مسند أحمد 2: 7035/445، و سنن ابن ماجة 3686/1215:2، و مسند أبي يعلى 3: 1568/137، و المعجم الكبير - للطبراني - 155:7-6600/156، و 157 - 6602/159، و صحيح ابن حبّان - بترتيب ابن بلبان - 299:2-542/300، و 196:13-5882/197: «في كلّ ذات كبد...».

و لو نذر أن يتصدّق بشيء، فالأولى تحريمها على الغني؛ لأنّها صارت واجبة، فصار مصرفها مصرف الصدقات المفروضة، أمّا لو نذر أن يتصدّق على الأغنياء صحّ نذره و لزمه؛ لأنّه نذر في معروف.

ثمّ إن كانوا معيّنين لم يجز العدول إلى غيرهم، و لو لم يكونوا معيّنين احتمل جواز الصرف إلى غير(1) الأغنياء؛ لأنّهم أكثر استحقاقا.

و قد عرفت أنّ صدقة السرّ أفضل، أمّا لو اتّهم بترك المواساة أو قصد بالإظهار متابعة الناس له في ذلك و اقتداءهم به فالأولى الإظهار؛ دفعا للتهمة و تحريضا على نفع الفقراء.

مسألة 56: الصدقة عقد من العقود يفتقر إلى إيجاب و قبول و إقباض و نيّة التقرّب،

و إذا حصل الإقباض لم يجز الرجوع فيها عند علمائنا أجمع - و به قال مالك و أصحاب الرأي(2) - لأنّها هبة قصد بها الثواب و قد حصل بالدفع إلى الفقير، فتكون هبة قد عوّض عنها، و مع العوض لا يرجع.

و لقوله عليه السّلام: «الراجع في هبته كالراجع في قيئه»(3) و الرجوع في القيء حرام.

و قال الصادق عليه السّلام: «لا يرجع في الصدقة إذا تصدّق [بها] ابتغاء وجه اللّه عزّ و جلّ»(4).

ص: 111


1- كلمة «غير» لم ترد في النّسخ الخطّيّة.
2- الذخيرة 223:6، المبسوط - للسرخسي - 92:12، العزيز شرح الوجيز 6: 324، المغني 308:6، الشرح الكبير 304:6.
3- تقدّم تخريجه في ص 29، الهامش (5)، و في المصادر: «العائد في هبته كالعائد في قيئه».
4- الفقيه 639/182:4، التهذيب 577/137:9، الاستبصار 390/102:4، و ما بين المعقوفين أثبتناه منها.

و قال الشافعي و أحمد: يجوز الرجوع في الصدقة كما يجوز في الهبة و إن عوّض إذا كان ولده، و إن كان أجنبيّا لم يجز(1)سورة البيّنة: 5.(2).

و يشترط في القبض إذن المتصدّق، فلو قبض من غير إذن كان لاغيا، و لم تنتقل الصدقة إلى [المتصدّق عليه](3).

و يشترط فيها نيّة التقرّب؛ لأنّها طاعة و عبادة، و قد قال اللّه تعالى:

وَ ما أُمِرُوا إِلاّ لِيَعْبُدُوا اللّهَ مُخْلِصِينَ (3) و الإخلاص: التقرّب.5.

ص: 112


1- تقدّم تخريجه في ص 78، الهامش
2- .
3- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «المصدّق». و الظاهر ما أثبتناه.

المقصد الثاني: في الوقف و توابعه و فيه فصول:

الفصل الأوّل: في الوقف و فيه مباحث:

البحث الأوّل: في الأركان،
اشارة

و هي أربعة: الصيغة و الواقف و الموقوف عليه و الموقوف يشتمل عليها أربعة مطالب.

مقدّمة: سمّي الوقف وقفا؛ لاشتماله على وقف المال على الجهة المعيّنة، و قطع سائر الجهات و التصرّفات عنه، يقال: وقفت وقفا، و قد يقال في شذوذ اللغة: أوقفت(1) ، لا في فصيحها، و يقال: حبست و أحبست، على السواء، و جمعه: وقوف و أوقاف.

و الوقف: تحبيس الأصل و تسبيل الثمرة.

و فيه فضل كثير و ثواب جزيل.

قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: «إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلاّ من ثلاثة: ولد صالح يدعو له، و علم ينتفع به بعد موته، و صدقة جارية» رواه العامّة(2).

قال العلماء: المراد بالصدقة الجارية الوقف(3).

ص: 113


1- كما في المغني 206:6.
2- نهاية المطلب 339:8، العزيز شرح الوجيز 250:6، و في مسند أحمد 3: 8627/65، و صحيح مسلم 1631/1255:3، و سنن أبي داود 2880/117:3، و سنن الترمذي 1376/660:3، و سنن النسائي (المجتبى) 251:6، و السنن الكبرى - للبيهقي - 278:6 بتفاوت و تقديم و تأخير.
3- كما في نهاية المطلب 339:8، العزيز شرح الوجيز 250:6.

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السّلام: «ستّة تلحق المؤمن بعد وفاته: ولد يستغفر له، و مصحف يخلفه، و غرس يغرسه، و بئر يحفرها، و صدقة يجريها، و سنّة يؤخذ بها من بعده»(1).

و قال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: «حبّس الأصل و سبّل الثمرة»(2).

و اشتهر اتّفاق الصحابة على الوقف قولا و فعلا.

قال جابر: لم يكن أحد من أصحاب النبيّ صلّى اللّه عليه و آله ذو مقدرة إلاّ وقف(3).

و لم ير شريح الوقف، و قال: لا حبس عن فرائض اللّه(4).

قال أحمد: و هذا مذهب أهل الكوفة(5). و هو خلاف الإجماع من الصحابة.

إذا عرفت هذا، فالوقف تحبيس الأصل و تسبيل الثمرة.

مسألة 57: الوقف يلزم بالعقد و القبض عند علمائنا أجمع

- و به قال أحمد في إحدى الروايتين، و محمّد بن الحسن(6) - لأنّه تبرّع بمال، فلا يلزم بمجرّده، كالهبة و الوصيّة، و لأنّ الأصل بقاء الملك على مالكه، خرج عنه المقبوض، فيبقى الباقي على أصله.

و قال أبو حنيفة: الوقف لا يلزم بمجرّده، و للواقف الرجوع فيه، و إذا

ص: 114


1- الكافي 5/57:7، الفقيه 637/182:4.
2- الأم 52:4-53، ترتيب مسند الشافعي 457/138:2، مختصر المزني: 133، السنن الكبرى - للبيهقي - 162:6، معرفة السنن و الآثار 12274/38:9.
3- المغني 206:6-207، الشرح الكبير 206:6.
4- المغني 207:6، الشرح الكبير 206:6.
5- المغني 207:6، الشرح الكبير 206:6.
6- الإفصاح عن معاني الصحاح 45:2، المغني 209:6، الشرح الكبير 228:6 - 229 و 265، مختصر القدوري: 127، روضة القضاة 5231/777:2، تحفة الفقهاء 377:3، الفقه النافع 723/1001:3، الحاوي الكبير 511:7، حلية العلماء 7:6، البيان 48:8، العزيز شرح الوجيز 283:6.

مات رجع فيه ورثته، إلاّ أن يرضوا به بعد موته فيلزم، أو يحكم بلزومه حاكم(1).

و حكى بعض العامّة عن عليّ عليه السّلام و ابن مسعود و ابن عباس مثل قول أبي حنيفة؛ لأنّ عبد اللّه بن زيد صاحب الأذان جعل حائطا له صدقة و جعله إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، فجاء أبواه إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، فقالا: يا رسول اللّه، لم يكن لنا عيش إلاّ هذا الحائط، فردّه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، ثمّ ماتا فورثهما(2) ، و لأنّه أخرج ماله على وجه القربة من ملكه، فلا يلزم بمجرّد القول، كالصدقة(3).

و هذا القول مخالف للسّنّة الثابتة عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و إجماع الصحابة، فإنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال للواقف في وقفه: «لا يباع أصلها و لا يبتاع و لا يوهب و [لا يورث](4)»(5) ، و الصدقة و الهبة نحن نقول بموجبهما، فإنّهما لا يلزمان إلاّ بالقبض عندنا، كالوقف.6.

ص: 115


1- مختصر القدوري: 127، روضة القضاة 5228/777:2، تحفة الفقهاء 3: 376، الفقه النافع 723/1001:3، بدائع الصنائع 218:6، الإفصاح عن معاني الصحاح 45:2، المغني 207:6، الشرح الكبير 265:6، الحاوي الكبير 7: 512، حلية العلماء 8:6-10، التهذيب - للبغوي - 510:4، البيان 48:8، العزيز شرح الوجيز 283:6.
2- المغني 207:6، الشرح الكبير 265:6 نقلا عن المحاملي في أماليه.
3- نفس المصدر.
4- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «لا يوقف». و المثبت كما في المصادر.
5- المغني 207:6، الشرح الكبير 206:6 و 265، و راجع: المصنّف - لابن أبي شيبة - 978/252:6، و 17962/167:14، و مسند أحمد 5157/156:2، و صحيح مسلم 1632/1255:3، و سنن ابن ماجة 9396/801:2، و سنن الترمذي 1375/659:3، و السنن الكبرى - للنسائي - 6426/93:4-3، و السنن الكبرى - للبيهقي - 159:6.

و قال الشافعي و أبو يوسف و عامّة الفقهاء: إنّ الوقف يلزم بمجرّد العقد من غير إقباض، و لم يجعلوا القبض شرطا في صحّة العقد(1) و لا في لزومه؛ لأنّه تبرّع يمنع البيع و الهبة [و الميراث](2) فلزم بمجرّده، كالعتق(3).

و الفرق: أنّ العتق ليس عقدا، و لا يفتقر إلى قبول و لا قبض. سلّمنا، لكن المعتق قد ملّك العبد نفسه المقبوضة له حقيقة، فافترقا.

المطلب الأول: الصيغة.
مسألة 58: لا يصحّ الوقف إلاّ باللفظ؛ لأنّه تمليك منفعة أو عين و منفعة،

فأشبه سائر التمليكات. و أيضا فالعتق لا يحصل إلاّ باللفظ مع سرعة نفوذه فالوقف أولى، و لأنّ الأصل بقاء الملك على مالكه ما لم يثبت المزيل، فعلى هذا لو بنى بناء على هيئة المساجد أو على غير هيئتها و أذن في الصلاة فيه، لم يصر مسجدا، و كذا لو أذن بالدفن في ملكه لم يصر مقبرة، سواء صلّي في ذلك أو دفن في هذا، أو لا - و به قال الشافعي(4) -

ص: 116


1- في «ص، ع»: «الوقف» بدل «العقد».
2- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «و التبرّعات». و المثبت كما في المغني و الشرح الكبير، راجعهما في الهامش التالي.
3- الحاوي الكبير 511:7، المهذّب - للشيرازي - 449:1، الوسيط 255:4، حلية العلماء 7:6، التهذيب - للبغوي - 510:4، البيان 48:8، العزيز شرح الوجيز 283:6، روضة الطالبين 405:4، مختصر القدوري: 127، روضة القضاة 5229/777:2 و 5230، تحفة الفقهاء 377:3، الفقه النافع 3: 723/1001، الهداية - للمرغيناني - 14:3، الإفصاح عن معاني الصحاح 45:2، المغني 209:6-210، الشرح الكبير 228:6 و 229.
4- المهذّب - للشيرازي - 449:1، الوسيط 244:4، حلية العلماء 21:6، التهذيب - للبغوي - 516:4، البيان 62:8، العزيز شرح الوجيز 263:6، روضة الطالبين 387:4.

لعدم الشرط و هو العقد.

و قال أبو حنيفة: إذا صلّى فيه واحد صار مسجدا، و إذا دفن فيه ميّت واحد صار مقبرة و تمّ الوقف و إن لم يوجد فيه شيء من ألفاظ الوقف(1).

و ليس بجيّد؛ لما تقدّم(2).

و لو تلفّظ بالوقف و لم يحصل الإقباض و لو بصلاة واحد أو دفن واحد أو قبض حاكم الشرع، لم يصر وقفا عندنا على ما سلف(3).

إذا عرفت هذا، فهل يصير مسجدا بقوله: قد جعلته مسجدا؟ ظاهر كلام بعض الشافعيّة: أنّه يصير وقفا بذلك و إن لم يأت بشيء من ألفاظ الوقف الصريحة و الكناية(4).

و المشهور بينهم: أنّه لا يصير وقفا بذلك(5) ، و هو المعتمد؛ لأنّه وصفه بما هو موصوف به، قال عليه السّلام: «جعلت لي الأرض مسجدا»(6).

نعم، لو قال: جعلته مسجدا للّه، فالأقوى: أنّه يصير مسجدا؛ لأنّه يقوم مقام لفظ الوقف، لإشعاره بالمقصود و اشتهاره به.4.

ص: 117


1- المبسوط - للسرخسي - 34:12، المحيط البرهاني 205:6، الحاوي الكبير 513:7، حلية العلماء 21:6-22، التهذيب - للبغوي - 516:4، البيان 8: 63، العزيز شرح الوجيز 263:6، المغني 213:6، الشرح الكبير 207:6.
2- في ص 116.
3- في ص 114.
4- العزيز شرح الوجيز 263:6، روضة الطالبين 389:4.
5- العزيز شرح الوجيز 263:6، روضة الطالبين 389:4.
6- الفقيه 724/155:1، الخصال: 56/292، المصنّف - لابن أبي شيبة - 2: 402، مسند أحمد 2256/414:1، و 20792/179:5، سنن الدارمي 224:2، صحيح البخاري 91:1 و 119، سنن ابن ماجة 567/188:1، سنن الترمذي 2: 131، ذيل ح 317، سنن النسائي (المجتبى) 56:2، السنن الكبرى - للنسائي - 815/267:1، المعجم الكبير - للطبراني - 11047/61:11، السنن الكبرى - للبيهقي - 212:1، و 433:2-434.

و لو قال: وقفتها على صلاة المصلّين، و هو يريد جعلها مسجدا، فالأقرب: أنّها تصير مسجدا مع الإقباض.

مسألة 59: ألفاظ الوقف ستّة،

ثلاثة منها تدلّ عليه صريحا، و ثلاثة تدلّ عليه كناية، فالصريحة: وقفت، و حبّست، و سبّلت.

أمّا «وقفت» فلا خلاف بين العلماء في دلالتها بالصريح على معنى الوقف؛ لأنّها اللفظة الموضوعة له، مع أنّ في بعض أقوال الشافعي أنّها كناية عن الوقف لا تدلّ عليه إلاّ مع النيّة(1). و هذا من أغرب الأشياء.

و أمّا «حبّست» فالمشهور أنّها [صريحة](2) أيضا؛ لأنّه(3) حبس الملك في الرقبة عن التصرّفات المزيلة، و هو معنى الوقف، و لأنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله قال لعمر: «إن شئت حبّست أصلها و سبّلت ثمرتها»(4) و هو أحد أقوال الشافعي(5).

و في قول آخر: إنّها كناية؛ لأنّها لم تشتهر اشتهار الوقف(6).

و أمّا «سبّلت» فصريح أيضا عند جماعة من العلماء(7) ، و هو أحد

ص: 118


1- العزيز شرح الوجيز 264:6، روضة الطالبين 388:4.
2- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «صريح» و المثبت يقتضيه السياق.
3- أي: التحبيس.
4- المغني 212:6، الشرح الكبير 208:6، و بتفاوت يسير في معرفة السنن و الآثار 38:9-12275/39.
5- المهذّب - للشيرازي - 449:1، الوسيط 244:4، الوجيز 245:1، حلية العلماء 21:6، التهذيب - للبغوي - 515:4، البيان 62:8، العزيز شرح الوجيز 263:6، روضة الطالبين 388:4.
6- الوسيط 244:4، العزيز شرح الوجيز 263:6، روضة الطالبين 388:4.
7- المغني 212:6، الشرح الكبير 208:6.

أقوال الشافعي(1) ؛ لقوله عليه السّلام: «حبّس الأصل و سبّل الثمرة»(2).

و في بعض أقواله: إنّها كناية؛ لأنّها لم تشتهر اشتهار الوقف(3).

فقد حصل للشافعي هنا أربعة أقوال:

الأوّل: كلّ واحد من الثلاثة - و هي: وقفت، و حبّست، و سبّلت - صريح في الوقف لا يفتقر إلى قرينة في دلالتها عليه، و هو أشهرها.

الثاني: الجميع كنايات.

الثالث: الصريح وحده الوقف خاصّة، و أمّا لفظة الحبس و التسبيل فكنايتان.

الرابع: الكناية التسبيل وحده، و أمّا لفظتا الوقف و الحبس فصريحتان(4).

و أمّا ألفاظ الكناية فثلاثة: تصدّقت، و حرّمت، و أبّدت.

أمّا «تصدّقت» فليس صريحا؛ فإنّ هذا اللفظ على تجرّده إنّما يستعمل في التمليك المحض، و يستعمل كثيرا في الزكوات و الهبات، و إنّما يصير لفظا دالاّ على الوقف لو قرن به ما يخصّصه به و يجعله دليلا عليه، و ذلك المقترن الزائد عليه إمّا لفظ أو نيّة.

أمّا اللفظ فأن يقترن به بعض الألفاظ السابقة، مثل أن يقول: صدقة محبّسة أو موقوفة أو محرّمة، أو اقترن به ذكر حكم الوقف، مثل أن يقول:

صدقة لا تباع و لا توهب، التحق بالصريح؛ لانصرافه بما ذكر عن التمليك المحض، و هو أظهر وجوه الشافعيّة.4.

ص: 119


1- راجع: الهامش (5) من ص 118.
2- تقدّم تخريجه في ص 114، الهامش (2).
3- العزيز شرح الوجيز 263:6، روضة الطالبين 388:4.
4- كما في العزيز شرح الوجيز 264:6، و روضة الطالبين 388:4.

و الثاني: أنّه لا يكفي قوله: صدقة محرّمة أو مؤبّدة، بل لا بدّ من التقييد بأنّها لا تباع و لا توهب.

و الثالث: أنّه لا شيء من الألفاظ يلحقه بالصريح؛ لأنّه صريح في التمليك الذي يخالف مقصوده مقصود الوقف، فلا ينصرف إلى غيره بقرينة لا استقلال لها(1).

و أمّا النيّة فينظر إن أضاف اللفظ إلى جهة عامّة بأن قال: تصدّقت بهذا على المساكين، و نوى الوقف، فالأقرب: أنّها تلحق اللفظ بالصريح، و يكون وقفا، و هو أصحّ وجهي الشافعيّة، و الثاني: أنّها لا تلحق اللفظ بالصريح؛ لأنّها لا تلتحق باللفظ في الصرف عن الصريح إلى غيره(2).

و إن أضاف إلى معيّن فقال: تصدّقت عليك، أو قاله لجماعة معيّنين، لم يكن وقفا على الأقوى - نعم، لو نوى الوقف صار وقفا فيما بينه و بين اللّه تعالى، و لا يصير وقفا في الحكم، قاله الشيخ رحمه اللّه(3) ، فإذا أقرّ بأنّه نوى الوقف صار وقفا في الحكم - و هو أصحّ وجهي الشافعيّة(4) ، بل ينفذ فيما هو صريح فيه، و هو محض التمليك.

و يحتمل قويّا أن يكون تجريد لفظ الصدقة عن القرائن اللفظيّة إن أمكن فرضه في الجهات العامّة - مثل أن يقول: تصدّقت على فقراء المسلمين - فلا يمكن فرضه في التصدّق على شخص أو جماعة معيّنين إذا لم نجوّز الوقف المنقطع، فإنّه يحتاج إلى بيان المصارف بعد التعيين،4.

ص: 120


1- العزيز شرح الوجيز 264:6، روضة الطالبين 388:4.
2- العزيز شرح الوجيز 264:6، روضة الطالبين 388:4-389.
3- المبسوط - للطوسي - 291:3.
4- نهاية المطلب 344:8، الوسيط 245:4، العزيز شرح الوجيز 264:6، روضة الطالبين 389:4.

و حينئذ المأتيّ به لا يحتمل إلاّ الوقف، كما أنّ قوله: «تصدّقت به صدقة محرّمة أو موقوفة» لا يحتمل إلاّ الوقف.

و أمّا «حرّمت هذه البقعة للمساكين، أو أبّدتها، أو داري محرّمة، أو مؤبّدة» فالأقرب: أنّها كناية إن انضمّ إليها قرينة تدلّ على الوقف صارت كالصريح، و إلاّ فلا.

و قالت الشافعيّة: إن جعلنا لفظة «وقفت و حبّست و سبّلت» كناية، فكذا هنا، و إن جعلناها صريحة، فوجهان:

أحدهما: أنّ التحريم و التأييد أيضا صريحان؛ لإفادتهما الغرض، و استعمالهما كالتحبيس و التسبيل.

و أظهرهما: المنع؛ لأنّهما لا يستعملان مستقلّين، و إنّما يؤكّد بهما شيء من الألفاظ المتقدّمة(1).

مسألة 60: لو قال: جعلت أرضي موقوفة أو محبّسة أو مسبّلة،

أو قال: هذه أرضي موقوفة أو محبّسة أو مسبّلة، فهو صريح في الوقف.

أمّا الفعل المقترن بالقرائن فقد بيّنّا أنّه لا يكفي في الوقف، مثل أن يبني مسجدا و يأذن للناس في الصلاة فيه، خلافا لأبي حنيفة و لأحمد(2).

و كذا إذا اتّخذ مقبرة و أذن في الدفن فيها أو سقاية و يأذن في دخولها؛ لأنّه تحبيس أصل على وجه القربة، فلا يصحّ بدون اللفظ، كما لو وقف على الفقراء.

و قولهم: «العرف جار بذلك»(3) ممنوع، و قياسهم على تقديم الطعام

ص: 121


1- العزيز شرح الوجيز 264:6.
2- راجع: الهامش (1) من ص 117.
3- المغني 214:6، الشرح الكبير 208:6.

للضيف، و وضع ماء في حبّ على قارعة الطريق، و نثار شيء على الناس، و دخول الحمّام و استعمال مائه من غير إذن مباح بدلالة الحال(1) ضعيف؛ للفرق، فإنّ العرف قاض في ذلك بالإباحة، أمّا الوقف فعقد يفتقر إلى الإيجاب و القبول، و له شرائط لا يكفي فيها القرائن ما لم يكن هناك لفظ يدلّ عليه.

قال الشيخ رحمه اللّه عقيب نقل كلام العامّة: و الذي يقوى في نفسي أنّ صريح الوقف قول واحد، و هو «وقفت» لا غير، و به يحكم بالوقف، فأمّا غيره من الألفاظ فلا يحكم به إلاّ بدليل(2).

مسألة 61: هل يفتقر الوقف إلى القبول ؟

الأقرب أن نقول: إن كان الوقف على جهة عامّة كالفقراء، أو على المسجد و الرباط، فلا يشترط القبول؛ لعدم الإمكان، و هو قول الشافعيّة(3) ، و لم يجعلوا الحاكم نائبا في القبول كما جعل نائبا عن المسلمين في استيفاء القصاص و الأموال، و لو صاروا إليه كان وجها(4).

ثمّ ما ذكرناه مفروض في الوقف، أمّا إذا قال: جعلت هذا للمسجد، فهو تمليك لا وقف، فيشترط قبول القيّم و قبضه، كما لو وهب شيئا من صبيّ.

و إن كان الوقف على شخص معيّن أو جماعة معيّنين، فالأقرب:

ص: 122


1- المغني 214:6، الشرح الكبير 208:6.
2- المبسوط - للطوسي - 292:3.
3- الوسيط 245:4، البيان 52:8، العزيز شرح الوجيز 265:6، روضة الطالبين 389:4.
4- كما في العزيز شرح الوجيز 265:6.

اشتراط القبول؛ لأنّه يبعد دخول عين أو منفعة في ملكه من غير رضاه، و هو أصحّ وجهي الشافعيّة(1).

و على هذا فليكن القبول متّصلا بالإيجاب، كما في البيع و الهبة.

و الوجه الثاني للشافعيّة: أنّه لا يشترط، و استحقاق الموقوف عليه للمنفعة كاستحقاق العتيق منفعة نفسه بالعتق(2).

و قال بعض الشافعيّة: لا يحتاج لزوم الوقف إلى القبول، لكن لا يملك غلّته إلاّ باختيار، و يكفي في الدلالة على الاختيار الأخذ(3).

و قال بعضهم: الخلاف في اشتراط القبول إنّما هو فيما إذا قلنا: إنّ الوقف ينتقل الملك فيه إلى الموقوف عليه، فأمّا إذا قلنا بانتقاله إلى اللّه تعالى، أو قلنا ببقائه للواقف، فلا يشترط.

أمّا على الأوّل: فإلحاقا له بالإعتاق.

و أمّا على الثاني: فلأنّه إذا احتمل كون المنافع و الفوائد معدومة و مجهولة لم يبعد أن يحتمل ترك القبول، و سواء شرطنا القبول أو لم نشرطه، فلو ردّ بطل حقّه كما في الوصيّة، و كالوكالة ترتدّ بالردّ و إن لم نشترط القبول(4).

و قال بعض الشافعيّة: لا يرتدّ بردّه؛ لأنّه دخل في ملكه بمجرّد الإيقاع(5).4.

ص: 123


1- الوسيط 245:4، البيان 53:8، العزيز شرح الوجيز 265:6، روضة الطالبين 389:4.
2- الوسيط 245:4، البيان 53:8، العزيز شرح الوجيز 265:6، روضة الطالبين 389:4.
3- العزيز شرح الوجيز 265:6، روضة الطالبين 389:4.
4- العزيز شرح الوجيز 265:6-266، روضة الطالبين 389:4-390.
5- العزيز شرح الوجيز 266:6، روضة الطالبين 390:4.

و لو ردّ ثمّ رجع، قال بعض الشافعيّة: إن رجع قبل حكم الحاكم بردّه إلى غيره كان له، و إن حكم الحاكم به لغيره بطل حقّه(1).

هذا في البطن الأوّل، و أمّا في البطن الثاني و الثالث فلا يشترط قبولهم؛ لأنّ استحقاقهم لا يتّصل بالإيجاب، و هو مذهب الشافعي(2).

و لا يرتدّ الوقف بردّهم؛ لأنّ قبولهم لا يعتبر، و الوقف قد ثبت و لزم، فيبعد انقطاعه، و هو أحد وجهي الشافعيّة، و الثاني: أنّه يرتدّ بردّ البطن الثاني، و يشترط قبولهم أيضا(3).

و خلاف الشافعيّة في أنّه هل يشترط قبول البطن الثاني و الثالث ؟ و هل يرتدّ الوقف بردّهم ؟ مبنيّ على أنّ أهل البطن الثاني و من بعده هل يتلقّون الحقّ من الواقف أو من البطن الأوّل ؟ إن قلنا بالأوّل، فقبولهم و ردّهم كقبول الأوّلين و ردّهم، و إن قلنا بالثاني، لم يعتبر قبولهم و ردّهم، كما في الميراث(4).

و لا يبعد عندهم أن لا يتّصل الاستحقاق بالإيجاب و مع ذلك يعتبر القبول كالوصيّة(5).

المطلب الثاني: في الواقف.
اشارة

يشترط في الواقف البلوغ و كمال العقل(6) و الاختيار و القصد و الحرّيّة

ص: 124


1- العزيز شرح الوجيز 266:6، روضة الطالبين 390:4.
2- نهاية المطلب 379:8، الوجيز 246:1، الوسيط 245:4، العزيز شرح الوجيز 266:6، روضة الطالبين 390:4.
3- نهاية المطلب 379:8، الوجيز 246:1، الوسيط 245:4، العزيز شرح الوجيز 266:6، روضة الطالبين 390:4.
4- نهاية المطلب 379:8، العزيز شرح الوجيز 266:6، روضة الطالبين 390:4.
5- العزيز شرح الوجيز 266:6، روضة الطالبين 390:4.
6- في النّسخ الخطّيّة: «و العقل».

و المغايرة للموقوف عليه، فلا يصحّ وقف الصبي و إن كان مميّزا و بلغ عشر سنين على الأصحّ؛ لأنّه مسلوب التصرّف في غير الوقف فكذا فيه، و لأنّ القلم مرفوع عنه(1) ، فلا أثر لفعله، و إلاّ لكان مؤاخذا عليه.

و على قول من جوّز صدقة من بلغ عشرا ينبغي القول بجواز وقفه؛ لأنّ الوقف نوع من الصدقة.

و لا يصحّ وقف المجنون إجماعا؛ لسلب التكليف عنه، و عدم اعتبار عبارته في نظر الشرع.

و لو كان الجنون يعتوره أدوارا، صحّ وقفه حال إفاقته و الوثوق بكمال عقله، فإن ادّعى جنونه حالة الوقف قدّم قوله فيه.

و لا يصحّ وقف المكره؛ لأنّ الإكراه مناف للاختيار، و الفعل في الحقيقة صادر عن غيره، و إنّما هو آلة فيه.

و يتحقّق الإكراه بالخوف على النفس أو المال و إن قلّ، أو على العرض إن كان من أهل الاحتشام.

و لا يصحّ وقف غير القاصد له، كالسكران و المغمى عليه و اللاعب و العابث و الساهي و الغافل و النائم؛ لأصالة بقاء الملك على مالكه.

و لا يصحّ وقف العبد و الأمة؛ لأنّهما لا يملكان شيئا، و هما مسلوبا التصرّف، و لأنّ المملوك لا يصحّ أن يملك نفسه فلا يصحّ أن يملك غيره،5.

ص: 125


1- مسند أحمد 24182/147:7، سنن أبي داود 140:4-4401/141-4403، المستدرك - للحاكم - 258:1، و 59:2، و 389:4، السنن الكبرى - للبيهقي - 83:3، و 269:4، و 84:6، مسند أبي داود الطيالسي: 90/15، مسند أبي يعلى 587/440:1، صحيح ابن خزيمة 403/102:2، سنن الدارقطني 3: 138-173/139، صحيح ابن حبّان - بترتيب ابن بلبان - 143/356:1، الخصال - للصدوق -: 93-40/94، و 233/175.

فإنّ من سلب التصرّف في نفسه كان سلب تصرّفه في غيره أولى، قال اللّه تعالى: ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ (1) و قال تعالى: هَلْ لَكُمْ مِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ شُرَكاءَ فِي ما رَزَقْناكُمْ (2).

مسألة 62: لا يصحّ أن يقف الشخص على نفسه،

و لو وقف على نفسه ثمّ على الفقراء و المساكين، لم يصح وقفه على نفسه عند علمائنا - و هو أصحّ قولي الشافعي، و به قال مالك و محمّد بن الحسن(3) - لأنّ الوقف إزالة الملك، فلم يجز اشتراط نفعه لنفسه، كالبيع و الهبة، و لأنّ الوقف تمليك من الواقف و إدخال ملك على الموقوف عليه، و الملك هنا متحقّق ثابت لا يعقل إدخاله و تجديده مع ثبوته؛ لعدم قبوله للشدّة و الضعف، و عدم تعقّل زواله قبله عنه، و لأنّ الوقف تمليك منفعة وحدها أو مع الرقبة و الإنسان لا يملّك نفسه.

و القول الثاني للشافعي: إنّه يصحّ الوقف و الشرط - و به قال أحمد و ابن أبي ليلى و ابن شبرمة و أبو يوسف و أبو عبد اللّه الزبيري - لأنّ استحقاق الشيء وقفا غير استحقاقه ملكا، و قد يقصد حبسه و منع نفسه من التصرّف المزيل للملك، و هو اختيار ابن سريج من الشافعيّة؛ لأنّ عمر لمّا وقف

ص: 126


1- سورة النحل: 75.
2- سورة الروم: 28.
3- الحاوي الكبير 525:7، المهذّب - للشيرازي - 448:1، الوسيط 243:4، حلية العلماء 15:6، التهذيب - للبغوي - 512:4، البيان 55:8، العزيز شرح الوجيز 257:6، روضة الطالبين 383:4، الإشراف على نكت مسائل الخلاف 1197/673:2، عقد الجواهر الثمينة 964:3، الذخيرة 311:6، مختصر القدوري: 128، الهداية - للمرغيناني - 17:3-18، الاختيار لتعليل المختار 3: 59، المغني و الشرح الكبير 216:6.

قال: و لا بأس على من وليها أن يأكل منها أو يطعم صديقا غير متموّل فيه، و كان الوقف في يده إلى أن مات، و لأنّه لو وقف عامّا كالمسجد و السقاية، كان له الانتفاع به، فكذا هنا(1).

و جعل الشيء وقفا على نفسه غير صحيح؛ لما بيّنّا من أنّ الداخل في الملك لا يصلح دخوله فيه؛ لأنّه تحصيل الحاصل، و فعل عمر لا حجّة فيه، مع أنّا نقول بموجبه، فإنّ شرط نفع المتولّي جائز، و دخوله في الوقف العامّ ليس بالقصد الأوّل.

و قال بعض الشافعيّة: يصحّ الوقف، و يلغو شرطه و إضافته إلى نفسه؛ بناء على أنّه لو اقتصر على قوله: «وقفت» صحّ الوقف(2).

و كذا لو وقف على من لا يجوز الوقف عليه مطلقا ثمّ على من يجوز، مثل: أن يقف على المعدوم ثمّ على الموجود.

و لو وقف على غيره ممّن يصحّ الوقف عليه و شرط أن يقضي من ريع الوقف زكاته و ديونه و أن يخرج منه ما يحتاج إليه في نفقته و إدرار مؤونته، لم يصح؛ لأنّه وقف منه على نفسه و غيره.

و للشافعي القولان(3).

و كذا لو شرط أن يأكل من ثماره أو ينتفع به.4.

ص: 127


1- الحاوي الكبير 525:7، المهذّب - للشيرازي - 448:1، الوسيط 243:4، حلية العلماء 16:6، التهذيب - للبغوي - 512:4، البيان 55:8، العزيز شرح الوجيز 257:6، روضة الطالبين 383:4، المغني 215:6-216، الشرح الكبير 216:6 و 217، مختصر القدوري: 128، الهداية - للمرغيناني - 17:3 - 18، الاختيار لتعليل المختار 59:3، الإشراف على نكت مسائل الخلاف 2: 1197/673.
2- العزيز شرح الوجيز 257:6، روضة الطالبين 383:4.
3- العزيز شرح الوجيز 257:6، روضة الطالبين 383:4.

و بالجواز قال أحمد و الشافعي في أحد القولين(1) ؛ لأنّ في صدقة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أن يأكل أهله منها بالمعروف غير المنكر(2) ، و لأنّ عثمان وقف بئر رومة، و قال: دلوي فيها كدلاء المسلمين(3).

و حديث رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ليس دليلا على الدعوى؛ لأنّا نجوّز أن يقف الإنسان على أهله و أولاده و أن يشترط نفعهم في الوقف، و دعواهم جواز وقف الإنسان على نفسه أو عود الوقف إليه أو بعض منافعه.

و حديث عثمان ليس حجّة؛ لأنّ قوله لا عبرة به. سلّمنا، لكن ذلك ليس على سبيل الاشتراط، و لكنّه أخبر أنّ للواقف أن ينتفع بالأوقاف العامّة، كالصلاة في البقعة التي جعلها مسجدا و ما أشبهه.

و كذا إذا وقف على الفقراء و صار فقيرا، كان له المشاركة لهم في النفع، أو وقف على الفقهاء و صار منهم - و هو أحد وجهي الشافعيّة؛ بناء على القول بالمنع من وقفه على نفسه(4) -؛ لأنّه لم يقصد نفسه حالة الوقف، و إنّما وجدت فيه الجهة التي وقف عليها بعد خروجه عن ملكه و دخوله في تلك الجهة، فجاز له الأخذ؛ لأنّه صار أجنبيّا من الوقف، كغيره.

و الثاني: المنع من تناوله منه؛ لأنّ مطلق الوقف ينصرف إلى غير4.

ص: 128


1- المغني 215:6، الشرح الكبير 216:6، الحاوي الكبير 527:7، التهذيب - للبغوي - 512:4، العزيز شرح الوجيز 257:6، روضة الطالبين 383:4.
2- المغني 215:6، الشرح الكبير 217:6.
3- سنن النسائي (المجتبى) 235:6، السنن الكبرى - للنسائي - 6435/97:4 - 3، سنن الدارقطني 2/196:4، العزيز شرح الوجيز 257:6-258، المغني 215:6، الشرح الكبير 216:6.
4- الوسيط 243:4، العزيز شرح الوجيز 258:6، روضة الطالبين 383:4.

الواقف(1).

و ليس بجيّد؛ لأنّ مطلق الوقف على الفقراء ينصرف إلى غير الغني، مع أنّ الغني حالة الوقف لا يدخل فيه، فإن افتقر دخل، كذا هنا.

مسألة 63: لا فرق بين أن يشترط لنفسه الانتفاع به مدّة حياته أو مدّة معلومة،

و سواء قدّر ما يأكل منه أو أطلقه في الصحّة عند من يقول بها، و البطلان عند من يقول به، إلاّ أنّه إذا شرط أن ينتفع به مدّة معلومة عند من يقول بالصحّة، أو شرط لغيره من أقاربه أو الأجانب فمات المجعول له في أثنائها، كان ذلك لورثته، كما لو باع دارا و شرط أن يسكنها سنة فمات في أثنائها، فإنّ السكنى تنتقل إلى الوارث.

و لو شرط أن يأكل أهله منه، صحّ الوقف و الشرط؛ لأنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله شرط ذلك في صدقته(2) ، و شرطته فاطمة عليها السّلام(3).

و إن شرط أن يأكل الوالي على الوقف شيئا منه أو يطعم صديقا، جاز، فإن وليها الواقف جاز أن يأكل و يطعم صديقه، عملا بالشرط، و لا يكون ذلك شرطا للنفع على نفسه.

المطلب الثالث: في الموقوف عليه.
مسألة 64: يشترط في الموقوف عليه الوجود،

و صحّة أن يملك، و التعيين، و انتفاء تحريم الوقف عليه.

ص: 129


1- نفس المصادر.
2- المغني 215:6، الشرح الكبير 216:6.
3- راجع: الكافي 48:7 و 2/49 و 4-6، و الفقيه 632/180:4 و 633، و التهذيب 144:9-603/145 و 604، و السنن الكبرى - للبيهقي - 161:6.

إذا ثبت هذا، فنقول: الوقف إن كان على شخص معيّن أو على أشخاص معيّنين، وجب أن يكون الموقوف عليه أهلا لتملّك الوقف؛ لأنّ الوقف إمّا هو تمليك العين و المنفعة إن قلنا: إنّ الوقف يملكه الموقوف عليه، و إمّا تمليك منفعة إن لم نقل به، فلا يصحّ الوقف على المعدوم ابتداء، و يجوز تبعا، فلو وقف على من سيولد له ابتداء لم يصح؛ إذ لا مصرف للوقف هنا.

نعم، يصحّ تبعا، كما يقف على ولده الموجود ثمّ على من سيولد له، سواء رتّب أم لا.

و كذا لا يصحّ الوقف على الحمل؛ لعدم تيقّن حياته، بخلاف الوصيّة، فإنّها تصحّ له؛ لأنّ الوصيّة تتعلّق بالمستقبل، و الوقف تسليط في الحال.

و لا يصحّ الوقف على الملائكة و الجنّ و الشياطين؛ لعدم صلاحيّتهم للتملّك.

مسألة 65: لا يجوز الوقف على العبد؛

لأنّه ليس أهلا للتملّك، و الوقف تمليك إمّا لعين و منفعة أو لمنفعة.

و لا فرق بين أن يكون العبد قنّا أو مدبّرا أو أمّ ولد أو مكاتبا مشروطا؛ لأنّه لم يخرج عن حدّ الرقّيّة، و إنّما يخرج عنها بأداء جميع ما عليه، أمّا المكاتب المطلق فإن أدّى شيئا من مال الكتابة صحّ الوقف في نصيب الحرّيّة.

و لا فرق بين أن يقف على عبد نفسه أو على عبد غيره.

و من جوّز من علمائنا أن يملك العبد ما يملّكه مولاه لم يبعد جواز وقف مولاه عليه؛ لأنّه نوع تمليك.

ص: 130

و يحتمل المنع؛ لأنّ ملكه غير مستقرّ، و الوقف تمليك مستقرّ دائم فتنافيا.

و للشافعيّة قولان:

أحدهما: المنع من الوقف على العبد؛ لأنّه لا يملك(1).

و الثاني: الجواز؛ لأنّه يملك(2).

و القولان مفرّعان على الملك و عدمه، فعلى الجواز عندهم إذا عتق كان الوقف له دون سيّده(3).

و على القول بالمنع لو وقف على عبد غيره بطل، و لم يكن وقفا على سيّده؛ لأنّ الواقف لم يقصده بالوقف.

و للشافعي قولان، أحدهما: أنّ الوقف على العبد وقف على سيّده إن قلنا: إنّ العبد لا يملك ما يملّكه مولاه، كما لو وهب منه أو أوصى له، و إذا شرطنا القبول جاء فيه الخلاف بينهم في أنّه هل يستقلّ بقبول الهبة و الوصيّة، أم يحتاج إلى إذن السيّد؟(4).

و أمّا الوقف على المكاتب فقد بيّنّا حكمه عندنا.

و للشافعيّة قولان:4.

ص: 131


1- المهذّب - للشيرازي - 448:1، الوسيط 242:4، الوجيز 245:1، حلية العلماء 15:6، التهذيب - للبغوي - 511:4، البيان 54:8، العزيز شرح الوجيز 255:6، روضة الطالبين 381:4.
2- الوجيز 245:1.
3- حلية العلماء 15:6، البيان 55:8، العزيز شرح الوجيز 255:6-256، روضة الطالبين 382:4.
4- العزيز شرح الوجيز 256:6، روضة الطالبين 382:4.

أحدهما: أنّه لا يجوز الوقف عليه، كما لو وقف على القنّ(1).

و قال بعضهم: يصحّ الوقف في الحال، و تصرف الفوائد إليه، و نديم حكمه إذا عتق إن أطلق الواقف. و لو قال: تصرف الفوائد ما دام مكاتبا، بطل استحقاقه بعد العتق؛ لخروجه عن الصفة المشترطة في الاستحقاق، و إن عجز ظهر أنّ الوقف منقطع الابتداء(2).

مسألة 66: لو وقف على بهيمة و أطلق،

بطل الوقف؛ لعدم أهليّة البهيمة للتملّك، و كما أنّه لا تجوز الهبة منها و لا الوصيّة لها، كذا الوقف لها، و لا يكون وقفا على مالكها؛ لعدم قصد الواقف له.

و للشافعيّة وجهان:

أصحّهما: أنّه لا يصحّ الوقف عليها، كما اخترناه.

و الثاني - و هو ظاهر المذهب عندهم -: أنّه يجوز، كما لو وقف على العبد، و يكون لصاحبها كما في العبد(3).

قالوا: و ينفق المالك للدابّة عليها من ذلك الوقف ما بقيت، فإذا نفقت يكون لصاحبها، و العبد إن قلنا: إنّه لا يملك، فهو كالبهيمة، و إن قلنا:

يملك، صحّ الوقف عليه، و إذا عتق كان له، و على هذا فالقبول لا يكون إلاّ من المالك(4).

و لهم وجهان فيما إذا أضاف الوقف إلى العبد، أصحّ الوجهين: أنّه

ص: 132


1- حلية العلماء 15:6، العزيز شرح الوجيز 256:6، روضة الطالبين 382:4.
2- العزيز شرح الوجيز 256:6، روضة الطالبين 382:4.
3- التهذيب - للبغوي - 511:4-512، البيان 54:8، العزيز شرح الوجيز 6: 256، روضة الطالبين 382:4.
4- حلية العلماء 15:6، البيان 54:8 و 55، العزيز شرح الوجيز 256:6، روضة الطالبين 382:4.

لا يصحّ القبول من السيّد؛ لأنّ الخطاب لم يجر معه(1).

و لهم وجهان فيما إذا قال: وقفت على علف بهيمة فلان، أو علف بهائم القرية.

قالوا: و الخلاف فيما إذا كانت البهيمة مملوكة، أمّا إذا وقف على الوحوش أو على علف الطيور المباحة، لم يصح بلا خلاف(2).

لا يقال: إنّه يصحّ الوقف على المساجد و الرّبط مع عدم صلاحيّتها للتملّك.

لأنّا نقول: إنّ تلك لمنافع المسلمين، و الوقف عليها وقف عليهم، فلهذا صحّ.

لا يقال: قد جوّزتم الوصيّة للحمل.

لأنّا نقول: الوصيّة تجوز للمجهول فصحّت للحمل، و الوقف بخلافه.

لا يقال: إنّه يجوز أن يقف على ولد ولده و إن لم يخلقوا.

لأنّا نقول: إنّما يجوز ذلك تبعا للموجود حالة الوقف؛ لأنّه جعل جميعه للبطن الأوّل ثمّ ينتقل بعدهم إلى غيرهم فقد ملكه حال التملّك لمن يصحّ أن يملك.

مسألة 67: تعيين الموقوف عليه شرط في صحّة الوقف،

فلو وقف على أحد هذين الشخصين أو أحد المشهدين أو أحد الفريقين، لم يصح، و كذا لو وقف على رجل أو على امرأة أو على قوم أو نفر؛ لأنّ الوقف تمليك للعين أو المنفعة، فلا يصحّ على غير معيّن، كالبيع و الإجارة، و إنّما

ص: 133


1- العزيز شرح الوجيز 256:6.
2- العزيز شرح الوجيز 256:6، روضة الطالبين 382:4.

يصحّ على من يعرف، كولده و أقاربه و رجل معيّن، أو على برّ، كبناء المساجد و القناطر، و كتب الفقه و العلم و القرآن، و المقابر و السقايات و سبيل اللّه، أو على قبيلة معروفة و إن انتشرت أشخاصها انتشارا غير منحصر.

مسألة 68: لا يصحّ الوقف على من يحرم الوقف عليه إجماعا؛

لأنّ الوقف من شرطه القربة إلى اللّه تعالى، و لا قربة في المحرّم، فلو وقف على البيع و الكنائس و بيوت النيران و على عمارتها و قناديلها و فرشها و حصرها لم يصح؛ لما فيه من الإعانة على المعصية، فإنّها مجامع الكفر و مشاتم الرسول صلّى اللّه عليه و آله، و القناديل و الفرش و الحصر من جملة عمارتها و تعظيمها.

لا يقال: يجوز الوقف على المساجد و إن لم يكن لها أهليّة التملّك؛ لأنّ ذلك تمليك للمسلمين في الحقيقة فألاّ قلتم بجواز الوقف على البيع و الكنائس كما يجوز الوقف على أهل الذمّة؛ لأنّه تمليك لأهل الذمّة ؟

لأنّا نقول: إنّ الوقف على المساجد و إن كان تمليكا للمسلمين إلاّ أنّه مختصّ بالصّرف إلى المساجد، و لا يجوز صرفه إلى غيرها، فلو جاز الوقف على البيع و الكنائس باعتبار تملّك أهل الذمّة لها، إلاّ أنّه يقتضي الصّرف إلى البيع و الكنائس، و تلك جهة محرّمة، فلا تكون قربة، فلا يصحّ الوقف.

و لو وقف على خادم البيعة و الكنيسة، قال بعض الشافعيّة: لا يجوز(1).

و فيه إشكال ينشأ من أنّ ذلك من العمارة فيها و التعظيم لها فلم يجز، و من أنّه إن كان مسلما جاز الوقف عليه، و إن كان ذمّيّا فكذلك إن قلنا

ص: 134


1- البيان 54:8.

بجوازه على أهل الذمّة(1).

مسألة 69: اختلف علماؤنا في صحّة وقف المسلم على الذمّيّ،

فقال بعضهم: يجوز مطلقا(2) ، و هو الأقوى؛ لقوله تعالى: لا يَنْهاكُمُ اللّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَ لَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَ تُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ (3) و قال عليه السّلام: «على كلّ كبد حرّى أجر»(4) دلّ على جواز الصدقة، و الوقف نوع منها، و به قال الشافعي(5).

و قال بعضهم: لا يجوز إلاّ أن يكونوا أقارب للواقف(6) ؛ لأنّ الوقف عليهم يقتضي مودّتهم، و قد نهي عنها في قوله تعالى: لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللّهَ وَ رَسُولَهُ (7) و إنّما يجوز على القريب؛ لما فيه من صلة الرحم، و لما روي أنّ صفيّة ابنة حيي زوج النبيّ صلّى اللّه عليه و آله وقفت على أخ لها يهوديّ(8).

و الحجّة إنّما هو في تقرير النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و لم يثبت.

و قال آخرون(9): لا يجوز الوقف على الذمّيّ إلاّ أن يكون أحد

ص: 135


1- في النّسخ الخطّيّة: «على الذّمّي».
2- المحقّق الحلّي في شرائع الإسلام 214:2.
3- سورة الممتحنة: 8.
4- المسند - للحميدي - 902/101:2، المعجم الكبير - للطبراني - 6598/155:7، و 106:24-284/108، و فيهما: «في كلّ...».
5- الوسيط 242:4، الوجيز 245:1، التهذيب - للبغوي - 511:4، البيان 8: 53، العزيز شرح الوجيز 255:6، روضة الطالبين 381:4.
6- الشيخ الطوسي في الخلاف 545:3، المسألة 13.
7- سورة المجادلة: 22.
8- المغني 270:6، الشرح الكبير 213:6.
9- منهم ابن إدريس في السرائر 159:3.

الأبوين؛ لما فيه من البرّ بالأبوين، و قد قال تعالى: وَ صاحِبْهُما فِي الدُّنْيا مَعْرُوفاً (1).

و قال بعضهم: لا يجوز مطلقا(2) ؛ لقوله تعالى: وَ لَوْ كانُوا آباءَهُمْ أَوْ أَبْناءَهُمْ أَوْ إِخْوانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ (3) نهى عن مودّة الكافر و إن كان أبا.

مسألة 70: لا يجوز الوقف على كتبة التوراة و الإنجيل؛

لأنّهما منسوخان محرّفان، و لا نعلم فيه خلافا؛ لما روى العامّة أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله خرج إلى المسجد فرأى في يد عمر صحيفة فيها شيء من التوراة، فغضب النبيّ صلّى اللّه عليه و آله لمّا رأى الصحيفة مع عمر، و قال له: «أفي شكّ أنت يابن الخطّاب ؟ ألم آت بها بيضاء نقيّة ؟ لو كان أخي موسى حيّا ما وسعه إلاّ اتّباعي»(4) و لو لا أنّ ذلك معصية ما غضب منه.

و كذا لا يجوز الوقف على كتبة كتب الضلال و جميع ما لا تحلّ كتابته؛ لأنّها جهة محرّمة.

قال الشيخ رحمه اللّه: المنع من الوقف على كتب التوراة و الإنجيل باعتبار أنّهما مبدّلان محرّفان، لا باعتبار أنّهما منسوخان؛ لأنّ النسخ لا يذهب بحرمتهما، كما أنّ في آيات القرآن ما هو منسوخ و لم تذهب حرمتها. قال:

و هذا لا خلاف فيه. ثمّ قال: و يجب أن يقال في حفظه و تلاوته: إنّه محرّم(5)(6).

ص: 136


1- سورة لقمان: 15.
2- المراسم: 198، المهذّب - لابن البرّاج - 88:2.
3- سورة المجادلة: 22.
4- المغني 268:6، الشرح الكبير 214:6.
5- في النّسخ الخطّيّة: «حرام» بدل «محرّم».
6- المبسوط - للطوسي - 295:3.

أمّا لو وقف الكافر، فقد قال بعض علمائنا بالجواز(1).

و منعه الشافعي و أحمد و غيرهما من العامّة؛ لأنّ ما لا يصحّ الوقف عليه لا يصحّ من الذمّيّ، كالوقف على غير معيّن(2).

ثمّ اعترضوا على أنفسهم: بأنّ أهل الكتاب إذا عقدوا عقودا فاسدة و تقابضوا ثمّ أسلموا و ترافعوا إلينا لم ننقض ما فعلوه، فكيف أجزتم الرجوع فيما وقفوه على كنائسهم!؟.

و أجابوا: بأنّ الوقف ليس عقد معاوضة، و إنّما هو إزالة للملك في الموقوف على وجه القربة، فإذا لم يقع صحيحا لم يزل الملك، فيبقى بحاله، كالعتق(3).

مسألة 71: لا يجوز الوقف على معونة الزناة أو قطّاع الطريق أو شاربي الخمر و إن كانوا مسلمين؛

لأنّ الإعانة على فعل المعصية معصية، و من شرط صحّة الوقف التقرّب إلى اللّه تعالى، و لا يصحّ التقرّب بالمحرّم.

و أمّا المرتدّ و الحربي فلا يجوز الوقف عليهما - و هو أصحّ وجهي الشافعيّة(4) - لأنّهما مقتولان لا بقاء لهما، و الوقف صدقة جارية، فكما لا يوقف ما لا دوام له لا يوقف على من لا دوام له، و لأنّ الحربيّ و المرتدّ

ص: 137


1- المحقّق الحلّي في شرائع الإسلام 214:2.
2- المغني 268:6، الشرح الكبير 214:6، و لم نعثر على من منعه من العامّة غيرهما.
3- المغني 268:6، الشرح الكبير 214:6.
4- المهذّب - للشيرازي - 448:1، الوجيز 245:1، الوسيط 242:4، حلية العلماء 14:6، التهذيب - للبغوي - 511:4، البيان 54:8، العزيز شرح الوجيز 255:6، روضة الطالبين 381:4.

عن فطرة لا يجوز إبقاؤهما، فلا يصحّ الوقف عليهما؛ لتضادّ الحكمين.

و الثاني للشافعيّة: الجواز، كالذّمّي(1) ، و هو قول بعض علمائنا(2).

أمّا المرتدّ عن غير فطرة فيحتمل جواز الوقف عليه، و الأقرب:

المنع.

مسألة 72: إذا كان الوقف على غير معيّن،

كالوقف على الفقراء و المساكين، و يسمّى هذا وقفا على الجهة؛ لأنّ الواقف ينظر إلى جهة الفقر و المسكنة، و يقصد سدّ خلّة موصوف بهذه الصفة، و لا يقصد شخصا بعينه، فإذا كان كذلك فنقول: الجهة إن كانت معصية - كالوقف على عمارة البيع و الكنائس و قناديلها و فرشها، أو على معونة الزناة و الفسّاق على معاصيهم و مساعدة الظّلمة على ظلمهم و كتبة التوراة و الإنجيل - لم يصح الوقف، سواء صدر عن مسلم أو ذمّيّ، فنبطله إذا ترافعوا إلينا، عند الشافعيّة(3).

و جوّز علماؤنا وقف الذمّيّ على ذلك.

أمّا ما وقفوه قبل المبعث على كنائسهم القديمة فإنّه مقرّر عليهم حيث تقرّر الكنائس.

و إن لم تكن الجهة جهة معصية، صحّ الوقف، سواء ظهر فيها قصد القربة - كالوقف على المساكين، أو في سبيل اللّه، أو على العلماء أو المتعلّمين أو المساجد و المدارس و الرّبط و القناطر و المشاهد و الأقارب - أو لم يظهر قصد القربة، كالوقف على الأغنياء لكن بشرط قصد القربة؛ إذ من

ص: 138


1- نفس المصادر.
2- لم نتحقّقه، و راجع: شرائع الإسلام 216:2.
3- العزيز شرح الوجيز 259:6، روضة الطالبين 384:4.

شرط صحّة الوقف نيّة القربة.

و للشافعيّة في الوقف على من لم يظهر فيه قصد القربة - كالوقف على الأغنياء - وجهان مبنيّان على أنّ المراعى في الوقف على الموصوفين جهة القربة أو التمليك ؟

و تحقيقه: أنّ الوقف على المعيّنين سلك به مسلك التمليك، و لذلك لا يجوز على من لا يجوز تمليكه، ثمّ [قد](1) يقصد الواقف التقرّب به إلى اللّه تعالى، كالصدقة، و أمّا الوقف على من لا يتعيّن فالمراعى فيه طريق القربة دون التمليك، و لهذا لا يجب استيعاب المساكين، بل يجوز الاقتصار على ثلاثة منهم(2).

و قال بعضهم: المراعى طريق التمليك، كما في الوصيّة و الوقف على المعيّن، و ادّعى موافقة الباقين له، حتى أنّهم قالوا: إنّ الوقف على المساجد و الرّبط تمليك للمسلمين منفعة الوقف، فإن قالوا بالأوّل لم يجز الوقف على الأغنياء و لا على اليهود و النصارى و الفسّاق، و إن قالوا بالثاني جاز الكلّ(3).

و الحقّ عندنا ما قدّمناه.

و لو وقف على الطالبيّين أو العلويّين أو غيرهم ممّن لا ينحصر، جاز.

و للشافعي قولان، كما في الوصيّة لهم، فإن راعوا طريق القربة صحّ5.

ص: 139


1- ما بين المعقوفين أثبتناه من العزيز شرح الوجيز.
2- العزيز شرح الوجيز 259:6، روضة الطالبين 384:4.
3- العزيز شرح الوجيز 259:6-260، روضة الطالبين 384:4-385.

الوقف لهم، و إلاّ لم يصح؛ لتعذّر الاستيعاب، و الأشبه بكلام الأكثر ترجيح كونه تمليكا، و يصحّ الوقف على هؤلاء(1).

و كذا يصحّ الوقف على النازلين في الكنائس من مارّة أهل الذمّة، و يكون وقفا عليهم لا على الكنائس.

و قال بعض الشافعيّة: يصحّ الوقف على الأغنياء، و أبطل الوقف على اليهود و النصارى و قطّاع الطريق و سائر الفسّاق؛ لتضمّنه الإعانة على المعصية(2).

مسألة 73: إذا وقف على قبيلة عظيمة كثيرة الانتشار،

كقريش و بني تميم و بني وائل، و نحوهم، صحّ عند علمائنا - و هو أحد قولي الشافعي(3) - لأصالة الصحّة، و لأنّها جهة قربة و جهة صحّة تمليك، فجاز الوقف كالمنحصر، و لأنّ من صحّ الوقف عليه إذا كان عدده محصورا صحّ و إن لم يكن محصورا، كالفقراء و المساكين، و لأنّه يجوز الوقف على الفقراء و المساكين إجماعا مع عدم انحصارهم، فجاز هنا.

و القول الثاني للشافعي: إنّه لا يصحّ الوقف على من لا يمكن استيعابهم و حصرهم، كما لو قال: وقفت على قوم(4).

و الفرق: التعيين في صورة النزاع، بخلاف القوم، فإنّهم مع عدم انحصارهم غير معيّنين؛ لأنّه يطلق على جماعة غير معيّنة، فبطل.

ص: 140


1- العزيز شرح الوجيز 260:6، روضة الطالبين 385:4، المغني 261:6، الشرح الكبير 263:6.
2- العزيز شرح الوجيز 260:6، روضة الطالبين 385:4.
3- المغني 261:6، الشرح الكبير 263:6.
4- المغني 261:6، الشرح الكبير 263:6.

و لو وقف على المسلمين كلّهم أو على أهل إقليم كالعراق، أو على أهل مدينة كبغداد، صحّ أيضا، خلافا له(1).

و لو وقف على كافّة بني آدم أو على كافّة البشر، صحّ على ما اخترناه.

مسألة 74: إذا وقف على المسلمين،

كان لمن أقرّ بالشهادتين و لمن هو في حكمه من أطفالهم و مجانينهم؛ لأنّه المتبادر إلى الفهم.

و لا فرق في ذلك بين طوائف أهل الإسلام ما لم يرتكب ما يعلم بطلانه من الدين ضرورة، كالغلاة و المجبّرة و المشبّهة.

و خصّص بعض علمائنا ذلك إذا صدر من المسلم المحقّ بالمحقّ من المسلمين(2). و ليس جيّدا.

و نحو ما قلناه قاله الشيخ رحمه اللّه، فإنّه قال: إذا وقف المسلم شيئا على المسلمين، كان ذلك لجميع من أقرّ بالشهادتين و أركان الشريعة من الصلاة و الزكاة و الصوم و الحجّ و إن اختلفوا في الآراء و الديانات(3).

و قال بعض علمائنا: يكون لمن صلّى إلى القبلة(4).

و هو قريب إن لم يقصد الصلاة بالفعل، بل يقصد اعتقاد الصلاة إلى القبلة.

مسألة 75: إذا وقف على المؤمنين،

كان مصرفه الاثني عشريّة عند

ص: 141


1- راجع: الهامش السابق.
2- ابن إدريس في السرائر 160:3.
3- النهاية: 597.
4- سلاّر في المراسم: 198.

علمائنا؛ لأنّه المتعارف من هذا الإطلاق.

و هل يشترط فيه اجتناب الكبائر؟ قال الشيخ رحمه اللّه: نعم، فلا يجوز للفسّاق من الإماميّة أخذ شيء منه(1).

و أطلق سلاّر و قال: يكون للإماميّة(2) - كما اخترناه نحن - لأنّ الفسق لا يخرج المؤمن عن إيمانه.

و للشيخ رحمه اللّه قول آخر في التبيان(3) يقتضي دخول الفسّاق فيهم.

مسألة 76: إذا وقف على الشيعة و لم يميّز،

صرف ذلك إلى من يقدّم عليّا عليه السّلام في الإمامة على المشايخ.

و قال الشيخان رحمهما اللّه: يكون ذلك ماضيا في الإماميّة و الجاروديّة من الزيديّة، دون البتريّة(4).

و قال ابن إدريس: إذا كان الواقف من إحدى فرق الشيعة، كالجاروديّة و الكيسانيّة و الناوسيّة و الفطحيّة و الواقفيّة و الاثني عشريّة، حمل كلامه العامّ على شاهد حاله و فحوى قوله، و خصّص به و صرف في أهل نحلته، دون من عداهم من سائر المنطوق به؛ عملا بشاهد الحال(5).

و لا بأس به.

و لو وقف على الزيديّة، كان مصروفا إلى القائلين بإمامة زيد بن عليّ ابن الحسين عليهما السّلام و إمامة كلّ من خرج بعده بالسيف من ولد فاطمة عليها السّلام من

ص: 142


1- النهاية: 597-598.
2- المراسم: 198.
3- التبيان 81:2.
4- المقنعة: 654-655، النهاية: 598.
5- السرائر 162:3.

ذوي الرأي و العلم و الصلاح، قاله الشيخان(1) رحمهما اللّه.

و قال ابن إدريس: هذا الإطلاق ليس بجيّد، بل إذا كان الواقف زيديّا كان كذلك، فإن كان إماميّا كان الوقف باطلا؛ بناء منه على أنّ وقف المحقّ على غير المحقّ باطل(2).

مسألة 77: إذا وقف المسلم على الفقراء،

انصرف ذلك إلى فقراء المسلمين؛ عملا بشاهد الحال، و أنّ المراد ذلك دون غيرهم.

و لو وقف الكافر على الفقراء، انصرف إلى فقراء نحلته؛ لما تقدّم من شاهد الحال.

و كذا لو وقف المسلم على فقراء بلده و فيهم فقراء مسلمون و كفّار، انصرف إلى فقراء المسلمين خاصّة.

و كذا الكافر لو وقف على فقراء بلده و فيهم فقراء القبيلين انصرف إلى فقراء الكفّار.

و لو لم يكن فيهم إلاّ فقراء من غير قبيله، انصرف الوقف إليهم؛ عملا بالإضافة، فلو وقف المسلم على فقراء بلده و ليس فيهم فقير مسلم و علم بذلك، بل كان فقراؤه كلّهم كفّارا، انصرف وقفه إليهم، و كذا في طرف الكافر.

مسألة 78: إذا علّق الوقف على قبيلة مخصوصة أو على جماعة اشتركوا في نسبة علّق وقفه عليها

إمّا من صنعة أو وصف، صحّ، و لم يشركهم غيرهم فيه، فلو وقف على العلويّة، كان ذلك مصروفا إلى

ص: 143


1- المقنعة: 655، النهاية: 598.
2- السرائر 162:3-163.

المنتسبين إلى أمير المؤمنين عليه السّلام من طريق الأب، و لم يشركهم فيه غيرهم من أنسابهم، كبني جعفر و بني عقيل.

و كذا لو وقف على الهاشميّين، صرف إلى كلّ هاشميّ، و هو من انتسب إلى هاشم بالبنوّة.

و لو وقف على الفاطميّين، كان لمن انتسب إلى فاطمة عليها السّلام بالبنوّة، و اشترك فيه الحسنيّون و الحسينيّون.

و لو وقف على الحسنيّين، لم يكن للحسينيّين فيه شيء، و كذا لو وقف على الحسينيّين لم يكن للحسنيّين معهم شيء.

و لو وقف على المتفقّهة، صرف إلى المشتغلين بتحصيل الفقه، سواء كان مبتدئا أو منتهيا(1).

و لو وقف على الفقهاء، دخل فيه من حصّل شيئا من الفقه و إن قلّ.

و لو وقف على العطّارين أو البزّازين أو [النسّاجين](2) أو الحاكة أو النجّارين و غيرهم من أرباب الصنائع المحلّلة، شريفة كانت أو وضيعة، صحّ الوقف، و انصرف إلى الغني منهم و الفقير.

و لو وقف على الصوفيّة، فللشافعيّة قولان:

أحدهما: الصحّة، و هو المعتمد إن لم يخرجوا عن الشريعة المحمّديّة و لم يبتدعوا في طريقهم.

و الثاني للشافعيّة: البطلان؛ إذ ليس للتصوّف حدّ يوقف عليه(3).4.

ص: 144


1- كذا قوله: «كان... منتهيا» في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة.
2- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «النسّاج». و الظاهر بحسب السياق ما أثبتناه.
3- العزيز شرح الوجيز 261:6-262، روضة الطالبين 386:4.

و هو ممنوع؛ فإنّ المتصوّفة الذين يصحّ الوقف عليهم المشتغلون بالعبادة في أغلب الأوقات المعرضون عن الدنيا.

و فصّل بعضهم فقال: لا بدّ في الصوفيّ من العدالة و من ترك الحرفة، و لا بأس بالوراقة و الخياطة و ما أشبههما إذا كان يتعاطاها أحيانا في الرباط لا في الحانوت، و لا تقدح قدرته على الاكتساب و الاشتغال بالوعظ و التدريس، و لا أن يكون له من المال قدر ما لا تجب فيه الزكاة أو لا يفي دخله بخرجه، و تقدح الثروة الظاهرة و العروض الكثيرة، و لا بدّ و أن يكون في زيّ القوم، إلاّ إذا كان مساكنا لهم في الرباط، فتقوم المخالطة و المساكنة مقام الزيّ، و لا يشترط لبس الرقعة من يد شيخ(1).

مسألة 79: يجوز الوقف على أكفان الموتى و مؤونة الغسّالين و الحفّارين

و إن كان ذلك من فروض الكفايات.

و كذا يجوز على شراء الأواني و الظروف لمن تكسّرت عليه، و على شراء أقلام العلماء، دون أقلام الظلمة التي يكتب بها الظلم.

و يجوز على مصلّي صلاة الليل، و يصرف إلى من يصلّي صلاة الليل المنقولة عن أهل البيت عليهم السّلام، و لا يشترط أكثر من ثمان ركعات؛ لأنّها هي صلاة الليل، و لا بدّ و أن يصلّيها في الليل بعد انتصافه، و لو قدّمها في أوّل الليل نادرا دخل، و لا يكون ذلك عادة، و كذا إن اتّفق له القضاء بالنهار أو الترك مطلقا أحيانا، و لا يشترط الدعاء المنقول بين الركعات.

و لو وقف على الأرقّاء الموقوفين على خدمة الكعبة أو المشهد أو قبر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أو أحد قبور الأئمّة عليهم السّلام أو قبر بعض الصلحاء، فالأقرب:

ص: 145


1- العزيز شرح الوجيز 262:6، روضة الطالبين 386:4-387.

الجواز - و هو أصحّ وجهي الشافعيّة(1) - كالوقف على علف الدوابّ في سبيل اللّه.

و لو وقف على دار و حانوت، قال بعض الشافعيّة: لا يصحّ إلاّ أن يقول: وقفت على هذه الدار على أن يأكل فوائد الوقف طارقو الدار، فيصحّ على أظهر الوجهين عندهم(2).

و لو وقف على المقبرة لتصرف الغلّة إلى عمارة القبور، قال بعض الشافعيّة: لا يصحّ؛ لأنّ الموتى صائرون إلى البلى، فالعمارة لا تلائم حالهم(3).

مسألة 80: إذا وقف على الكفّار و الفسّاق،

فإن كان ذلك لإعانتهم على كفرهم و فسقهم، بطل الوقف قطعا، و إن كان لنفعهم في بقائهم، فقد بيّنّا الخلاف فيه.

و الشافعيّة ذكروا خلافا في الوقف على الكفّار و الفسّاق، و لم يذكروه في الوقف لنفقة قطّاع الطريق، بل أطلقوا الحكم بالبطلان، و لا يمكن أن يقدّر الفرق بينهما، فإنّ قطّاع الطريق ضرب من الفسّاق.

نعم، لو أراد الواقف بالوقف لنفقة قطّاع الطريق أن يشترط الصرف إلى ما يتهيّأ به القطع من سلاح و غيره، لم يجز، و كان كالوقف لعمارة البيع و الكنائس(1).

و لو وقف لآلات سائر المعاصي، بطل الوقف لا محالة.

و لو وقف لتصرف الغلاّت إلى القطّاع و سائر الفسّاق لا إلى جهة

ص: 146


1- العزيز شرح الوجيز 260:6.

الفسق، فقولان للشافعيّة(1).

مسألة 81: إذا شرط عود نفع الوقف في سبيل اللّه،

قال الشيخ رحمه اللّه في الخلاف: يجعل بعضه للغزاة المطوّعة دون العسكر العامل على باب السلطان، و بعضه في الحجّ و العمرة؛ لأنّهما من سبيل اللّه(2).

و قال في المبسوط: إذا وقف و شرط أن يصرف في سبيل اللّه و سبيل الثواب و سبيل الخير، صرف ثلثه إلى الغزاة و الحجّ و العمرة، و ثلثه إلى الفقراء و المساكين، و يبدأ بأقاربه، و هو سبيل الثواب، و ثلثه إلى خمسة أصناف من الذين ذكرهم اللّه تعالى في آية الصدقة، و هم الفقراء و المساكين و ابن السبيل و الغارمون الذين استدانوا لمصلحة أنفسهم، و في الرقاب، و هم المكاتبون، فهؤلاء سبيل الخير.

ثمّ قال: و لو قيل: إنّ هذه الثلاثة متداخلة، كان قويّا؛ لأنّ سبيل اللّه و سبيل الثواب و سبيل الخير يشترك الجميع فيه(3).

و قال بعض علمائنا: «سبيل اللّه» المجاهدون(4).

و قال آخرون: إذا وقف على سبيل اللّه، انصرف إلى ما يكون وصلة إلى الثواب، كالغزاة و الحجّ و العمرة و بناء القناطر و المساجد، و كذا لو قال:

في سبيل اللّه و سبيل الثواب و سبيل الخير، كان واحدا، و لا تجب قسمة الفائدة أثلاثا(5).

ص: 147


1- العزيز شرح الوجيز 260:6.
2- الخلاف 545:3، المسألة 12.
3- المبسوط - للطوسي - 294:3.
4- ابن حمزة في الوسيلة: 371.
5- المحقّق الحلّي في شرائع الإسلام 219:2.

و هو الوجه؛ لأنّ المفهوم من سبيل اللّه ذلك.

و قال الشافعي: إذا وقف على سبيل اللّه، فإنّه يكون للغزاة الذين لهم معايش يغزون إذا نشطوا، دون أهل الفيء الذين هم المرتّبون للغزو(1).

و حكي عن أحمد أنّه قال: الحجّ من سبيل اللّه؛ لحديث أمّ معقل، فإنّها قالت: يا رسول اللّه، إنّ أبا معقل جعل بعيره في سبيل اللّه و إنّي أريد الحجّ، فقال: «اركبيه فإنّ الحجّ من سبيل اللّه»(2).

و احتجّ الشافعي: بأنّ المطلق من كلام الآدميّين محمول على المعهود في الشرع، و قد ثبت أنّ سهم سبيل اللّه من الصدقات ينصرف إلى الغزاة، فكذا الوقف المطلق. و حملوا خبر أمّ معقل على أن يكون في كلام الواقف أو كلامها الذي حكته عنه ما دلّ على أنّه قصد سبيل الخير و الثواب، فإذا احتمل ذلك لم يعدل به عمّا تقرّر في عرف الشرع(3).

مسألة 82: إذا وقف على سبيل البرّ أو الخير أو الثواب،

كان كما لو وقف على سبيل اللّه يصرف في كلّ قربة إلى اللّه تعالى، كبناء القناطر و عمارة المساجد و المشاهد و إعانة الحاجّ و الزائرين و أكفان الموتى و الحجّ و الغزاة و غير ذلك من المثوبات.

و قال الشافعي: [يجوز الوقف على](4) سبيل اللّه [و](5) هم المعنيّون في آية الزكاة(6) - و قال أحمد: الحجّ من سبيل اللّه(7) - و على سبيل البرّ أو

ص: 148


1- حلية العلماء 40:6، البيان 71:8.
2- حلية العلماء 40:6، البيان 71:8، العزيز شرح الوجيز 260:6.
3- راجع: البيان 71:8.
4- ما بين المعقوفين أثبتناه من العزيز شرح الوجيز و روضة الطالبين.
5- ما بين المعقوفين أثبتناه من العزيز شرح الوجيز و روضة الطالبين.
6- سورة التوبة: 60.
7- راجع: الهامش (2).

الخير أو الثواب [و](1) يصرف إلى أقارب الواقف، فإن لم يوجد فإلى أهل الزكاة(2).

و قال بعض الشافعيّة: الموقوف على سبيل البرّ يجوز صرفه إلى ما فيه صلاح المسلمين من أهل الزكاة و إصلاح القناطر و سدّ الثغور و دفن الموتى و غيرها(3).

و فرّق بعضهم، فقال: إذا وقف على جهة الخير، صرف إلى مصارف الزكاة، و لا يبنى به مسجد و لا رباط، و إذا وقف على جهة الثواب، صرف إلى أقاربه(4).

و لو جمع [بين](5) سبيل اللّه و سبيل الثواب و سبيل الخير، قالوا:

صرف الثلث إلى الغزاة، و الثلث إلى أقاربه، و الثلث إلى الفقراء و المساكين و الغارمين و ابن السبيل و في الرقاب(6).

المطلب الرابع: الموقوف.
مسألة 83: يشترط في العين الموقوفة أمور خمسة:

أن تكون عينا معيّنة مملوكة ينتفع بها انتفاعا محلّلا مع بقائها، و يصحّ إقباضها، فلا يصحّ

ص: 149


1- ما بين المعقوفين أثبتناه من العزيز شرح الوجيز و روضة الطالبين.
2- العزيز شرح الوجيز 260:6، روضة الطالبين 385:4، المغني 238:6.
3- التهذيب - للبغوي - 513:4، البيان 71:8، العزيز شرح الوجيز 260:6، روضة الطالبين 385:4.
4- العزيز شرح الوجيز 260:6-261، روضة الطالبين 385:4.
5- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «في». و المثبت كما في المصدر.
6- العزيز شرح الوجيز 261:6، روضة الطالبين 385:4.

وقف ما ليس بعين، كالدّين، سواء كان حالاّ أو مؤجّلا، و سواء كان المديون موسرا أو معسرا.

و كذا لا يصحّ وقف ما ليس بمعيّن من الأعيان، كما لو وقف عبدا مطلقا، أو دارا كذلك، أو فرسا و ما أشبه ذلك.

و كذا لا يصحّ وقف ما ليس بمملوك من الأعيان، كالخمر و الأنبذة و كلب الهراش و الخنزير و السرجين و غير ذلك ممّا تقدّم من الأعيان التي لا يقع عليها الملك.

و لا يصحّ وقف الحرّ نفسه؛ لأنّ رقبته غير مملوكة و إن قدّر أنّ منافعه ملحقة بالأموال؛ لأنّ الوقف يستدعي أصلا يحبس ليستوفي الموقوف عليه منفعته على ممرّ الزمان.

و يصحّ وقف الكلب المعلّم و كلب الحائط و الماشية و السنّور؛ لجواز الانتفاع بها، و صحّة بيعها على الأقوى.

و للشافعيّة في وقف الكلب المعلّم وجهان بناهما قوم منهم على الخلاف في إجارته، و آخرون على الخلاف في هبته، و آخرون على أنّ الوقف يزيل ملك الرقبة أو لا يزيل ؟ فعلى قول عدم الإزالة فليست قضيّته سوى نقل المنافع، و منافعها مستحقّة، فجاز أن تنتقل.

و كيف ما قدّر فالأصحّ عندهم: المنع، و قطع به بعضهم مع القول بجواز الإجارة؛ لأنّ رقبته غير مملوكة(1).

و قد نصّ الشافعي على المنع من وقف الكلب؛ لأنّه غير مملوك(2).

و لا بدّ و أن يكون مملوكا للواقف، فلو وقف مال غيره لم يصحّ، و إن7.

ص: 150


1- العزيز شرح الوجيز 253:6.
2- الحاوي الكبير 518:7.

كان شريكا صحّ في قدر نصيبه خاصّة.

و لو أجاز المالك، قيل: يصحّ؛ لأنّه كالوقف المستأنف(1).

و لا يصحّ وقف ما لا ينتفع به إلاّ بالإتلاف، كالمطعومات و المشروبات و الشموع و أشباهها؛ لأنّ منفعتها في استهلاكها، و كالرياحين المشمومة، فإنّها سريعة الفساد، و إنّما سوّغ الوقف ليكون صدقة مخلّدة جارية على مرور الزمان، و به قال الشافعي(2).

و حكى الشافعيّة عن مالك و الأوزاعي أنّهما قالا: يجوز وقف الطعام(3) ، و لم يحكه أصحاب مالك(4).

و ليس بصحيح؛ لأنّه لا يمكن معنى الوقف فيه، و هو تحبيس الأصل و تسبيل الثمرة، و ما لا ينتفع به إلاّ بالإتلاف لا يصحّ فيه ذلك، فلا يصحّ وقفه.

و لا يصحّ وقف آلات الملاهي، كالنرد و الشطرنج و الأربعة عشر و آلات الزمر و غير ذلك من الأعيان التي تحرم منفعتها و إن كانت مملوكة.

و لا يصحّ وقف ما لا يمكن إقباضه، كالعبد الآبق و الجمل الشارد؛ لتعذّر التسليم، و هو شرط في الوقف عندنا.

مسألة 84: يجوز وقف العقار و الأراضي و جميع ما لا ينقل و لا يحوّل ممّا جمع الشرائط السابقة إجماعا.

ص: 151


1- كما في شرائع الإسلام 213:2.
2- المهذّب - للشيرازي - 447:1، الوسيط 241:4، حلية العلماء 11:6، التهذيب - للبغوي - 510:4، البيان 51:8، العزيز شرح الوجيز 253:6، روضة الطالبين 380:4.
3- حلية العلماء 11:6، البيان 51:8، و أيضا في المغني 262:6، و الشرح الكبير 212:6.
4- كما في حلية العلماء 11:6، و المغني 262:6، و الشرح الكبير 213:6.

و أمّا ما ينقل و يحوّل ممّا جمع الشرائط السابقة فهل يصحّ وقفه أم لا؟ قال علماؤنا: يصحّ، و به قال الشافعي و أحمد(1) ، و ذلك كالحيوان و السلاح و الأثاث و الثياب و المصاحف و الكتب و أشباه ذلك؛ لأنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال: «أمّا خالد فإنّه قد احتبس أدراعه و أعتده(2) في سبيل اللّه»(3).

و جاءت أمّ معقل إلى النبيّ صلّى اللّه عليه و آله فقالت: يا رسول اللّه، إنّ أبا معقل جعل ناضحه في سبيل اللّه و إنّي أريد الحجّ أفأركبه ؟ فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:

«اركبيه فإنّ الحجّ و العمرة من سبيل اللّه»(4).

و لأنّ معنى الوقف متحقّق فيه، و هو تحبيس الأصل و تسبيل المنفعة، فصحّ وقفه وحده، كالعقار.

و قال أبو حنيفة: لا مدخل للوقف في الحيوانات و في الكتب(5).2.

ص: 152


1- الحاوي الكبير 517:7، المهذّب - للشيرازي - 447:1، نهاية المطلب 8: 344، الوجيز 244:1، الوسيط 239:4، حلية العلماء 10:6، البيان 50:8، العزيز شرح الوجيز 251:6 و 253، روضة الطالبين 378:4.
2- في «ع» و الطبعة الحجريّة: «أعبده» و وردت الكلمة في «ر، ص» بدون النقاط، و المثبت كما في المصادر ما عدا صحيح مسلم و الموضع الثاني من السنن الكبرى للبيهقي و سنن الدارقطني، ففيها: «أعتاده». و «أعتد» جمع قلّة ل «عتاد»، و هو ما أعدّه الرجل من السلاح و الدوابّ و آلة الحرب. النهاية - لابن الأثير - 176:3 «عتد».
3- صحيح البخاري 151:2، صحيح مسلم 676:2-983/677، سنن أبي داود 1623/115:2، سنن النسائي (المجتبى) 33:5، سنن الدارقطني 1/123:2 و 2، السنن الكبرى - للبيهقي - 111:4، و 163:6-164، المغني 265:6، الشرح الكبير 210:6.
4- أورده الماوردي في الحاوي الكبير 517:7، و ابنا قدامة في المغني 265:6، و الشرح الكبير 210:6.
5- بدائع الصنائع 220:6، البيان 50:8، الوسيط 239:4، عيون المجالس 4: 1285/822.

و عن مالك: أنّ المنقول مطلقا لا يجوز وقفه(1).

و قال أبو يوسف: لا يجوز وقف الحيوان و لا الرقيق و لا العروض، إلاّ الكراع و السلاح و الغلمان و السّفن [و الآلة](2) في الأرض الموقوفة تبعا لها؛ لأنّ هذا حيوان لا يقاتل عليه فلم يجز وقفه، كما لو كان الوقف إلى مدّة(3).

و عن مالك في السلاح و الكراع روايتان(4).

و إجماع الناس حاصل على وقف الحصر و القناديل و الزلالي في جميع الأعصار.

مسألة 85: يصحّ وقف المشاع عند علمائنا أجمع،

كما يصحّ وقف المقسوم، فيصحّ أن يقف(5) نصف دار و نصف عبد - و به قال مالك و الشافعي و أحمد و أبو يوسف(6) - للأصل، و لأنّه عقد يجوز على بعض

ص: 153


1- العزيز شرح الوجيز 251:6، و راجع: الإشراف على نكت مسائل الخلاف 2: 1195/673، و عيون المجالس 1285/1822:4، و التلقين: 548، و المعونة 3: 1593، و عقد الجواهر الثمينة 961:3.
2- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «و الغرس». و المثبت كما في المصادر.
3- حلية العلماء 10:6-11، المغني 265:6، الشرح الكبير 209:6.
4- الإشراف على نكت مسائل الخلاف 1195/673:2، عيون المجالس 4: 1285/1822، التلقين: 548، المعونة 1593:3، عقد الجواهر الثمينة 3: 961، حلية العلماء 11:6، المغني 265:6، الشرح الكبير 209:6.
5- في «ر» و الطبعة الحجريّة: «وقف» بدل «أن يقف».
6- الإشراف على نكت مسائل الخلاف 1193/672:2، عيون المجالس 1288/1828:4، التلقين: 548، المعونة 1593:3، عقد الجواهر الثمينة 961:3، الحاوي الكبير 519:7، المهذّب - للشيرازي - 448:1، الوسيط 239:4، حلية العلماء 6: 12، التهذيب - للبغوي - 511:4، البيان 52:8، العزيز شرح الوجيز 251:6، روضة الطالبين 378:4، المغني 266:6، الشرح الكبير 210:6، مختصر

الجملة مفرزا فجاز عليه مشاعا، كالبيع، و لأنّه عرصة يجوز بيعها فجاز وقفها، كالمفرزة، و لأنّ الوقف تحبيس الأصل و تسبيل المنفعة، و هذا يحصل في المشاع كحصوله في المفرز.

و قال محمّد بن الحسن: لا يصحّ وقف المشاع، و بناه على أصله من أنّ القبض لا يصحّ في المشاع(1).

و أصله ممنوع؛ فإنّ المشاع يصحّ قبضه، كما يصحّ قبض المقسوم؛ لأنّ القبض في مثل ذلك إنّما هو التخلية، و لأنّ بيعه صحيح، و القبض في البيع جائز، و إذا جاز في البيع جاز في الوقف.

إذا ثبت هذا، فإنّ الوقف لا يسري من النصف الموقوف إلى النصف الآخر، و إنّما يسري العتق خاصّة.

مسألة 86: لو وقف نصف عبد،

صحّ الوقف على ما اخترناه، سواء كان الباقي له أو لغيره، فإن كان له و أعتق الواقف النصف الآخر، لم يعتق النصف الموقوف، و لا يقوّم عليه؛ لأنّ الوقف مؤبّد في جهته.

و لو أعتق الواقف النصف الموقوف، لم يصح؛ لزوال ملكه عنه

ص: 154


1- مختصر اختلاف العلماء 1849/159:4، مختصر القدوري: 127، المبسوط - للسرخسي - 37:12، روضة القضاة 5246/782:2، تحفة الفقهاء 377:3، بدائع الصنائع 220:6، الهداية - للمرغيناني - 14:3، المحيط البرهاني 111:6-112، الحاوي الكبير 519:7، حلية العلماء 13:6، البيان 52:8، المغني 266:6، الشرح الكبير 210:6، الإشراف على نكت مسائل الخلاف 1193/672:2، عيون المجالس 1288/1828:4، المعونة 1593:3.

بالوقف على المشهور، و لا على الآخر(1) ؛ لأنّ بالوقف قد قطع تصرّفه، و علق به حقّ غيره.

و لو أعتقه الموقوف عليه، لم ينفذ؛ لأنّه غير مالك على قول، و على الآخر: لا ينفذ أيضا؛ لتعلّق حقّ من بعده من أهل الوقف.

و كذا لو كان النصف الآخر لغيره فأعتقه مالكه، لم يقوّم عليه حصّة الوقف؛ لأنّ النصف لا يصحّ عتقه مباشرة فلئن لا يصحّ بالسراية أولى، أمّا لو كان النصف الآخر مرهونا، فإنّه يسري العتق؛ لأنّ الرهن قابل للإعتاق، بخلاف الوقف.

مسألة 87: يصحّ وقف كلّ عين ينتفع بها إمّا في الحال أو فيما بعده،

فلو وقف عبدا رضيعا أو دابّة صغيرة في الغاية و لو حين ولادتها، صحّ.

و كذا الشجر الصغير و الأرض البيضاء و الشاة الصغيرة لتوقّع لبنها و صوفها فيما بعد.

و كذا يجوز وقف الزّمن الذي يرجى زوال زمنه، كما يجوز نكاح الرضيعة.

و لا يجوز وقف ما لا يدوم الانتفاع به، كالمطعومات و المشمومات، فإنّها سريعة الفناء.

و كذا لا يصحّ وقف الشمع؛ لأنّه يتلف بالانتفاع به، فكان كالمأكول و المشروب، و كذا الماء.

و بالجملة، كلّ ما يتوقّف الانتفاع به على إتلاف عينه لا يصحّ وقفه.

و لا يجوز وقف العبد الذي استحقّت منفعته على التأبيد، و لا الأرض

ص: 155


1- أي: القول بأنّ ملك الواقف لا يزول عن الوقف.

كذلك؛ لعدم الانتفاع بها في الحال و لا فيما بعد الحال.

و كما لا يجوز وقف العين الخالية من المنفعة، كذا لا يصحّ وقف المنفعة من دون العين، فلا يجوز وقف المنافع، فمن ملك منافع الأعيان دون رقابها - كالمستأجر و الموقوف عليه - فوقف تلك المنافع، لم يصح، سواء ملك المنفعة موقّتا، كالمستأجر، أو مؤبّدا، كالموصى له بالخدمة و المنفعة؛ لأنّ الوقف يشبه التحرير، و ملك المنفعة لا يفيد ولاية التحرير، و لأنّ من شرط الوقف الدوام، و المنافع لا دوام لها، فإنّها تحدث شيئا فشيئا، و تفنى كذلك، فهي كالشيء الذي يسرع إليه الفساد.

مسألة 88: يصحّ وقف الذهب و الفضّة إذا كان حليّا لفائدة اللّبس و الإجارة له و الإعارة؛

لأنّه عين يمكن الانتفاع بها مع بقائها دائما، فصحّ وقفها، كالعقار، و بهذا قال الشافعي، و هو إحدى الروايتين عن أحمد(1).

و في الثانية: لا يصحّ؛ لأنّ التحلّي ليس هو المقصود الأصلي من الأثمان، فلم يصح وقفها عليه، كما لو وقف الدنانير و الدراهم(2).

و نمنع كون التحلّي ليس من المقاصد المهمّة، فإنّ العادة جارية به، و قد اعتبره الشرع في إسقاط الزكاة عن متّخذه و جواز إجارته للتحلّي، بخلاف الدراهم و الدنانير؛ فإنّ العادة لم تجر بالتحلّي بها، و لا يعتبرها الشرع في إسقاط زكاة.

أمّا الدراهم و الدنانير فإنّ أصحابنا تردّدوا في جواز وقفها، و للشافعيّة

ص: 156


1- الحاوي الكبير 519:7، نهاية المطلب 345:8، الوسيط 241:4، العزيز شرح الوجيز 253:6، روضة الطالبين 380:4، المغني 262:6 و 263، الشرح الكبير 211:6.
2- المغني 263:6، الشرح الكبير 211:6.

وجهان(1).

و الأصل فيه أن يقال: إن فرض لها منفعة مقصودة في نظر الشرع و عند العرف، صحّ وقفها، كما تصحّ إجارتها، فيجوز وقفها حينئذ لإجارتها و استيفاء تلك المنفعة المعتبرة عند العقلاء، و إن لم يكن لها منفعة معتبرة في نظر العقلاء، لم يصح وقفها و لا إجارتها.

و ألحق بعض الشافعيّة وقف الدراهم ليصاغ [منها](2) الحلّي بوقف العبد الصغير(3).

و ليس بجيّد؛ لأنّ الصغير يصير إلى حالة الانتفاع بنفسه، و هذا يحتاج إلى إحداث أمر بالاختيار.

مسألة 89: هل يصحّ وقف أمّ الولد؟ يحتمل ذلك؛ لعدم خروجها عن الملكيّة،

فصحّ وقفها كغيرها، و منع بيعها لا يقتضي منع وقفها؛ لأنّ الوقف يشبه العتق؛ لاشتراكهما في إزالة الملك عن المالك إلى وجه من وجوه القرب، و هو أحد وجهي الشافعيّة؛ لأنّه تجوز إجارتها، فجاز وقفها(4).

و يحتمل المنع - و هو أصحّ وجهي الشافعيّة(5) - لأنّ حلّها حرمة

ص: 157


1- الحاوي الكبير 519:7، المهذّب - للشيرازي - 447:1، نهاية المطلب 8: 345، الوسيط 241:4، حلية العلماء 11:6، التهذيب - للبغوي - 510:4، البيان 51:8، العزيز شرح الوجيز 253:6، روضة الطالبين 380:4.
2- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «منه»، و المثبت - كما في المصادر - يقتضيه السياق.
3- نهاية المطلب 345:8، العزيز شرح الوجيز 253:6، روضة الطالبين 380:4.
4- المهذّب - للشيرازي - 447:1، نهاية المطلب 346:8، الوسيط 240:4، حلية العلماء 12:6، البيان 52:8، العزيز شرح الوجيز 252:6، روضة الطالبين 379:4.
5- المهذّب - للشيرازي - 447:1، نهاية المطلب 346:8، الوسيط 240:4، حلية العلماء 12:6، البيان 52:8، العزيز شرح الوجيز 252:6، روضة الطالبين 379:4.

العتق، فكأنّها عتيقة، و به قال أحمد(1).

و بنى بعض الشافعيّة الخلاف على أنّ الوقف هل ينقل الملك عن الواقف ؟ إن قلنا: نعم، لم يصح وقفها؛ لأنّها لا تقبل النقل، و إن قلنا:

لا ينقل، صحّ وقفها(2).

فإن قلنا بصحّة وقفها، فإذا مات السيّد هل تعتق ؟ إن قلنا بالانتقال إلى الموقوف عليه، لم تعتق، و إلاّ عتقت، و هو قول أكثر الشافعيّة؛ بناء على القول بصحّة وقفها(3).

ثمّ قالوا: لا يبطل الوقف، بل تبقى منافعها للموقوف عليه، كما لو آجرها و مات(4).

و قال بعضهم: يبطل الوقف دون الإجارة؛ لأنّ الحرّيّة تنافي الوقف دون الإجارة(5).

و هذان الوجهان جاريان عند الشافعيّة في جواز وقف المكاتب(6).

و الأقرب عندي: المنع من وقف المكاتب؛ لانقطاع تصرّف المولى عنه.

و جوّز الشافعيّة وقف المعلّق عتقه بصفة، ثمّ إذا وجدت تلك الصفة، فإن قلنا: إنّ الملك في الوقف للواقف أو للّه تعالى، عتق، و بطل الوقف، و إن قلنا: إنّه للموقوف عليه، فلا يعتق، و يكون الوقف بحاله(7).

و هذا عندنا لا يصحّ؛ لعدم صحّة تعليق العتق بالصفة.

نعم، لو نذر عتقه عند صفة، فالأولى: المنع من وقفه؛ لتعلّق حقّ اللّه تعالى به.4.

ص: 158


1- المغني 263:6، الشرح الكبير 212:6.
2- العزيز شرح الوجيز 252:6. (3الى7) العزيز شرح الوجيز 252:6، روضة الطالبين 379:4.

أمّا المدبّر فإنّه يجوز وقفه إجماعا؛ لأنّه مملوك له ما دام حيّا، و يكون ذلك رجوعا في التدبير عندنا.

و أمّا الشافعيّة فقالوا: إنّه يكون رجوعا إن كان التدبير وصيّة، و إن كان تعليق عتق بصفة، فهو بمنزلة وقف العبد المعلّق عتقه بصفة(1).

لكن التدبير عندنا وصيّة محضة.

مسألة 90: قد بيّنّا أنّه يشترط في الوقف التعيين،

فلو وقف عبدا في الذمّة أو ثوبا في الذمّة، لم يصح، كما لو أعتق عبدا في الذمّة.

و كذا لا يصحّ أن يقف أحد عبديه؛ لعدم التعيين، كما لو باع أحد العبدين، و هو أظهر وجهي الشافعيّة، و الثاني: أنّه يجوز وقف أحد العبدين، كما يصحّ عتق أحد عبديه(2).

و يجوز وقف علوّ الدار دون سفلها، و بالعكس، و أن يجعل أحدهما مسجدا دون الآخر - و به قال الشافعي و أحمد(3) - لأنّه يصحّ بيعه فصحّ وقفه، كالدار بأسرها.

و قال أبو حنيفة: لا يصحّ؛ لأنّ المسجد يتبعه هواؤه(4). و هو ممنوع.

و إن جعل وسط داره مسجدا و لم يذكر الاستطراق، صحّ.

و قال أبو حنيفة: لا يصحّ حتى يذكر الاستطراق(5).

ص: 159


1- العزيز شرح الوجيز 252:6، روضة الطالبين 379:4.
2- العزيز شرح الوجيز 253:6، روضة الطالبين 380:4.
3- المهذّب - للشيرازي - 448:1، التهذيب - للبغوي - 511:4، البيان 52:8، العزيز شرح الوجيز 253:6، روضة الطالبين 380:4، المغني و الشرح الكبير 218:6.
4- المغني و الشرح الكبير 218:6.
5- المغني و الشرح الكبير 219:6.

و ليس بجيّد؛ لأنّه عقد يبيح الانتفاع، و من ضرورته الاستطراق، فصحّ و إن لم يذكر الاستطراق، كالبيع.

و يجوز أيضا وقف الفحل للنزوان، بخلاف إجارته فإنّه مكروه، لأنّ الوقف قربة يحتمل فيها ما لا يحتمل في المعاوضات.

مسألة 91: لا يصحّ وقف ما لا يمكن إقباضه؛

لأنّ الإقباض شرط في صحّة الوقف عندنا على ما تقدّم(1).

فلو وقف على الغير ما هو مقبوض في يده إمّا بإيداع أو بعارية أو بغصب أو بغير ذلك، صحّ؛ لأنّ حقيقة القبض موجودة فيه، و لا يفتقر إلى مضيّ زمان يصحّ القبض فيه.

و لو وقف على غير المتشبّث، فإن أقبضه صحّ، و إلاّ بطل، كما لو وقف ما له في يد الغاصب.

و لو آجر أرضه ثمّ وقفها، فعند الشافعيّة يصحّ؛ لأنّ القبض ليس شرطا عندهم(2)العزيز شرح الوجيز 254:6، روضة الطالبين 380:4-381.(3) ، و هو مملوك بالشرائط المذكورة، و ليس فيه إلاّ العجز عن صرف المنفعة إلى جهة الوقف في الحال، و لأنّه لا يمنع الصحّة، كما لو وقف ما له في يد الغاصب(3).

و أمّا عندنا فإن أقبضه بإذن المستأجر فلا بأس، و إلاّ لم يصح القبض، و لا يثمر لزوم الوقف.

و قال بعض الشافعيّة: إنّه مخرّج على الوقف المنقطع الأوّل(4).

ص: 160


1- في ص 114، المسألة 57.
2- راجع: الهامش
3- من ص 116.
4- العزيز شرح الوجيز 254:6، روضة الطالبين 381:4.

و زاد بعضهم فقال: إن وقف على المسجد، صحّ؛ لمشابهته الإعتاق، و إن وقف على إنسان، فإن قلنا: الملك ينتقل في الوقف إلى الموقوف عليه، فهو على الخلاف في بيع المستأجر، إن لم نصحّحه فكذلك الوقف، و إن صحّحناه فيخرّج حينئذ على الخلاف في الوقف المنقطع الأوّل، و إن قلنا:

ينتقل إلى اللّه تعالى، فوجهان؛ لافتقاره إلى القبول(1).

و وقف الورثة الموصى بمنفعته شهرا كوقف المستأجر.

مسألة 92: لو استأجر أرضا ليبني فيها أو يغرس فبنى و غرس

ثمّ وقف البناء أو الغراس، احتمل الصحّة؛ لاستجماعه جميع شرائط الصحّة، فإنّه مملوك يمكن الانتفاع به مع بقاء عينه انتفاعا مباحا، و العدم؛ لأنّ مالك الأرض متمكّن من هدم البناء و رفع الشجر، فكأنّه وقف ما لا ينتفع به.

و للشافعيّة وجهان كهذين الاحتمالين، و هما كالوجهين في أنّ الباني لو انفرد ببيع البناء هل يجوز بيعه أم لا؟ أمّا لو وقف صاحب الأرض أرضه و صاحب البناء أو الغراس بناءه أو غراسه فإنّه يصحّ إجماعا منهم، كما لو اجتمعا على البيع(2).

و إذا قلنا بصحّة الوقف، فإذا مضت المدّة و قلع مالك الأرض البناء، فإن بقي منتفعا به بعد [القلع](3) فهو وقف كما كان، و إن لم يبق، صار ملكا للموقوف عليه، و هو أحد وجهي الشافعيّة، و الثاني لهم: أنّه يرجع إلى الواقف(4).

و أمّا أرش النقص الذي يؤخذ من القالع يسلك به مسلك الوقف.

ص: 161


1- العزيز شرح الوجيز 254:6، روضة الطالبين 381:4.
2- العزيز شرح الوجيز 254:6، روضة الطالبين 381:4.
3- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «النقل». و المثبت كما في العزيز شرح الوجيز و روضة الطالبين، لاحظ الهامش التالي.
4- العزيز شرح الوجيز 254:6، روضة الطالبين 381:4.
البحث الثاني: في الشرائط.
اشارة

و هي أربعة تنظمها مطالب أربعة:

المطلب الأوّل: التأبيد.
مسألة 93: لا خلاف بين علماء الأمصار

في أنّ الوقف المعلوم الابتداء المؤبّد الذي لا انقضاء له صحيح لازم إذا جمع الشرائط.

و المراد بالمؤبّد الذي جعل المصرف فيه لا انقراض له إمّا ابتداء أو انتهاء، كالوقف على الفقراء و المساكين ابتداء، أو على من ينقرض، ثمّ يردّه إلى من لا ينقرض، كما لو وقف على ولده ثمّ على الفقراء و المساكين، أو على رجل ثمّ على عقبه ثمّ على الفقراء و المساكين، أو على المساجد و الرّبط و المدارس و المشاهد و القناطر؛ لعدم انقراضها غالبا.

و لو عيّن المسجد أو الرباط أو المدرسة أو المشهد أو القنطرة، جاز الوقف أيضا؛ لعدم الانقراض غالبا.

و للشافعيّة وجهان(1).

و لو وقف على العلماء أو جعلهم منتهى الوقف، صحّ أيضا؛ لعدم الانقراض غالبا، و هو قول أكثر الشافعيّة(2).

و عن بعضهم: أنّه لا يصحّ؛ لأنّهم قد ينقطعون(3).

مسألة 94: لو كان الوقف على من ينقرض غالبا

- كما لو وقف على ولده و عقبه ما توالدوا و تعاقبوا - و لم يجعل المنتهى إلى من لا ينقرض

ص: 162


1- العزيز شرح الوجيز 266:6، روضة الطالبين 390:4.
2- المهذّب - للشيرازي - 448:1، التهذيب - للبغوي - 513:4، البيان 57:8، العزيز شرح الوجيز 266:6، روضة الطالبين 390:4.
3- العزيز شرح الوجيز 266:6، روضة الطالبين 391:4.

غالبا، أو قال: وقفت على زيد، و سكت، نقل الشيخ رحمه اللّه في المبسوط و الخلاف لعلمائنا قولين، أحدهما: الصحّة، و الثاني: البطلان(1).

و الأوّل عندي هو المعتمد - و هو أحد قولي الشافعي، و به قال مالك و أبو يوسف و أحمد في إحدى الروايات(2) - لأنّ الوقف نوع تمليك و صدقة، فيتبع اختيار المالك في التخصيص بالأزمان، كما يتبع اختياره في التخصيص بالأعيان، و للأصل، و لأنّ تمليك الأخير ليس شرطا في تمليك الأوّل، و إلاّ لزم تأخّر المشروط عن شرطه.

و لما رواه أبو بصير عن الباقر عليه السّلام، قال: قال عليه السّلام: «ألا أحدّثك بوصيّة فاطمة عليها السّلام ؟» قلت: بلى، فأخرج حقّا أو سفطا فأخرج منه كتابا فقرأه: «بسم اللّه الرحمن الرحيم، هذا ما أوصت به فاطمة بنت محمّد صلّى اللّه عليه و آله، أوصت بحوائطها السبعة -: العواف و الدّلال و البرقة و الميثم - و في رواية عوض الميثم: الميثب(3) - و الحسنى و الصافية و مال أمّ إبراهيم(4) - إلى عليّ ابن أبي طالب، فإن مضى عليّ فإلى الحسن، فإن مضى الحسن فإلى الحسين، فإن مضى الحسين فإلى الأكبر من ولدي»(5).

و القول الثاني للشافعي: إنّ الوقف باطل - و به قال محمّد بن الحسن5.

ص: 163


1- المبسوط - للطوسي - 292:3، الخلاف 543:3، المسألة 9.
2- المهذّب - للشيرازي - 448:1، نهاية المطلب 347:8-348، الوجيز 1: 246، الوسيط 246:4، حلية العلماء 17:6، التهذيب - للبغوي - 513:4، البيان 58:8، العزيز شرح الوجيز 267:6، روضة الطالبين 391:4، المدوّنة الكبرى 101:6، الذخيرة 347:6، المغني 239:6، الشرح الكبير 224:6.
3- في الطبعة الحجريّة: «المبيت».
4- في الكافي: «و ما لأمّ إبراهيم».
5- الكافي 5/48:7، الفقيه 632/180:4، التهذيب 144:9-603/145.

الشيباني(1) - لأنّ شرط الوقف التأبيد، فإذا لم يردّه إلى ما يدوم لم يؤبّده، فكان كما لو قال: وقفته سنة، و لأنّه إذا لم يكن مؤبّدا كان منقطعا، فصار وقفا على مجهول فلم يصح، كما لو وقفه على مجهول في الابتداء(2).

و نمنع كونه وقفا على مجهول، بل هو وقف معلوم المصرف فصحّ، كما لو أبّده. و لا نسلّم أنّ شرط الوقف التأبيد، فإنّه المتنازع، و مجهول الابتداء غير معلوم المصرف، فكان باطلا، بخلاف المتنازع، فإنّ المصرف فيه معلوم.

و للشافعي قول ثالث، و هو الفرق بين أن يكون الموقوف عقارا فلا يجوز إنشاؤه منقطع الآخر، أو حيوانا فيجوز؛ لأنّ مصير الحيوان إلى الهلاك، فكما يجوز فوات الموقوف مع بقاء الموقوف عليه يجوز فوات الموقوف عليه مع بقاء الموقوف(3).

مسألة 95: اختلف الشيخان في الوقف إذا انقرض الموقوف عليهم.

فقال المفيد رحمه اللّه: يرجع إلى ورثة الموقوف عليهم(4) ؛ لأنّ الوقف ناقل عن الواقف، فلا يعود إليه إلاّ بسبب و لم يوجد، و لأنّه صدقة فلا يرجع إليه، و لأنّ الموقوف عليه يملك الوقف فيورث عنه كغيره، بخلاف البطن الأوّل، فإنّه لا يورث عنه و إن كان مالكا؛ لعدم تماميّة الملك في حقّه، إذ

ص: 164


1- حلية العلماء 17:6، البيان 58:8، المغني 239:6، الشرح الكبير 224:6.
2- المهذّب - للشيرازي - 448:1، نهاية المطلب 347:8، الوجيز 246:1، الوسيط 246:4، حلية العلماء 17:6، التهذيب - للبغوي - 513:4، البيان 8: 58، العزيز شرح الوجيز 267:6، روضة الطالبين 391:4، المغني 239:6، الشرح الكبير 224:6.
3- نهاية المطلب 348:8، الوسيط 246:4، العزيز شرح الوجيز 267:6، روضة الطالبين 391:4.
4- المقنعة: 655.

الوقف إنّما يجري على حسب شرط الواقف.

و نمنع كون مطلق الوقف ناقلا، بل الناقل المؤبّد منه خاصّة. و نمنع كونه صدقة مؤبّدة، بل يجري مجرى صدقة العمرى و الحبيس. و نمنع كون الموقوف عليه مالكا إلاّ مع التأبيد.

و قال الشيخ رحمه اللّه: يرجع إلى الواقف إن كان موجودا، و إن كان ميّتا يرجع إلى ورثته(1). و هو الوجه عندي.

و قال أبو يوسف: إذا انقرض الموقوف عليهم يرجع إلى الواقف أو إلى ورثته، إلاّ أن يقول: صدقة موقوفة ينفق منها على فلان، فإذا انقرض المسمّى كانت للفقراء و المساكين، و وجهه: أنّه جعلها صدقة على من سمّاه، فلا تكون صدقة على غيره، و يفارق ما إذا قال: ينفق منها على فلان؛ لأنّه جعل الصدقة مطلقة مؤبّدة(2).

و الحقّ ما قلناه؛ لأنّه في الحقيقة حبس؛ لانقراض أربابه، فلا يكون مؤبّدا، فيرجع إلى ورثة الواقف؛ لعدم خروجه عنه بالكلّيّة، أو إليه إن كان حيّا، و لأنّه إنّما وقف على قوم بأعيانهم، فلا يجوز التخطّي إلى غيرهم؛ لقول العسكري عليه السّلام: «الوقوف تكون على حسب ما يوقفها أهلها»(3).

و قال السيّد ابن زهرة من علمائنا: إنّه يرجع بعد انقراض الموقوف عليهم إلى وجوه البرّ(4).9.

ص: 165


1- الخلاف 543:3، المسألة 9.
2- مختصر القدوري: 127، المبسوط - للسرخسي - 41:12، الفقه النافع 3: 725/1002، بدائع الصنائع 220:6، حلية العلماء 18:6، المغني 239:6 - 240، الشرح الكبير 225:6.
3- الكافي 34/37:7، الفقيه 620/176:4، التهذيب 129:9-555/130.
4- الغنية: 299.

و اعلم أنّا قد نقلنا(1) عن الشافعي قولين ظاهرين و قولا ثالثا خفيّا، أحد القولين: الصحّة، و الثاني: البطلان.

و قال بعض أصحابه: القولان مبنيّان على أنّ البطن الثاني يتلقّون الوقف من الواقف أو من البطن الأوّل ؟ إن قلنا بالأوّل، فلا بدّ من بيان من ينتهي الاستحقاق إليه، و إن قلنا بالثاني، فلا حاجة إليه(2).

إذا عرفت هذا، فللشافعي على القول بالصحّة إذا انقرض الموقوف عليه قولان.

أحدهما: أنّه يرتفع الوقف، و يعود ملكا إلى الواقف أو إلى ورثته إن كان قد مات؛ لأنّ إبقاء الوقف بلا مصرف متعذّر، و إثبات مصرف لم يتعرّض له الواقف بعيد.

و أصحّهما: أنّه يبقى وقفا؛ لأنّ وضع الوقف على أن يدوم، و يكون صدقة جارية، و ذلك ممّا ينافيه الحكم بانقطاعه، و لأنّه صرف ماله إلى جهة قربة، فلا يعود ملكا، كما لو نذر هديا إلى مكّة فلم يقبله فقراؤها(3).

و على القول بأنّه يبقى وقفا ففي مصرفه للشافعي(4) أقوال:

أصحّها عندهم: أنّه يصرف إلى أقرب الناس إلى الواقف يوم انقراض المذكور؛ لأنّ الصدقة على الأقارب أفضل؛ لما فيه من صلة الرحم، فكان الصرف إليهم أولى.

و الثاني: أنّه يصرف إلى المساكين؛ لأنّ سدّ الحاجات أعمّ الخيرات.».

ص: 166


1- في ص 163-164.
2- العزيز شرح الوجيز 267:6.
3- نهاية المطلب 348:8، الوسيط 246:4، العزيز شرح الوجيز 267:6 - 268، روضة الطالبين 391:4.
4- الظاهر: «للشافعيّة».

و الثالث: أنّه يصرف إلى المصالح العامّة مصارف خمس الخمس، فإنّها أعمّ الخيرات، و الأعمّ أهمّ.

و الرابع: أنّه يصرف إلى مستحقّي الزكاة(1).

فعلى القول بأنّه يصرف إلى أقرب الناس إلى الواقف فالنظر إلى قرب الرحم، أو إلى استحقاق الإرث ؟ فيه للشافعيّة وجهان:

أصحّهما: الأوّل، حتّى يتقدّم ابن البنت على ابن العمّ؛ لأنّ المراعى صلة الرحم، و يتقدّم الأولاد على أولاد الأولاد.

و الثاني: أنّه يرجع إلى الورثة؛ لأنّهم الذين صرف اللّه تعالى إليهم ماله بعد موته و استغنائه عنه، فكذلك يصرف إليهم من صدقته ما لم يذكر له مصرفا، و لأنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال: «إنّك إن تترك ورثتك أغنياء خير من أن تدعهم عالة يتكفّفون الناس»(2) فحينئذ يكون بينهم على حسب الميراث(3).

و عن أحمد روايتان(4).

و عنه رواية أخرى: أنّه يكون وقفا على أقرب عصبة الواقف، دون بقيّة الورثة من أصحاب الفرائض، و دون البعيد من العصبات، فيقدّم الأقرب فالأقرب على حسب استحقاقهم لولاء الموالي؛ لأنّهم خصّوا بالعقل عنه و بميراث مواليه فخصّوا بهذا أيضا(5).6.

ص: 167


1- العزيز شرح الوجيز 268:6، روضة الطالبين 391:4-392.
2- مسند الحميدي 66/36:1، مسند أحمد 291:1-1549/292، سنن الدارمي 407:2، سنن أبي داود 2864/112:3، سنن النسائي (المجتبى) 241:6 - 242، مسند أبي يعلى 747/92:2، السنن الكبرى - للبيهقي - 269:6.
3- العزيز شرح الوجيز 268:6، روضة الطالبين 392:4.
4- المغني 240:6-241، الشرح الكبير 226:6.
5- المغني 241:6، الشرح الكبير 226:6.

و هو خطأ؛ لأنّ استحقاق العصبة بغير دليل باطل، و لا دليل من نصّ و إجماع، و لا يصحّ قياسه على ميراث ولاء الموالي؛ لأنّ علّته لا تتحقّق هنا.

و هل يشترط في القرابة الفقر؟ للشافعي قولان:

أحدهما: أنّه لا يشترط، بل يشترك فيه الفقراء و الأغنياء؛ لأنّ الوقف لا يختصّ بالفقراء، و إذا أطلق أولاده انصرف إلى الفقراء و الأغنياء، كذا هنا.

و الثاني: يستحقّه الفقراء خاصّة؛ لأنّ الأغنياء لا حاجة بهم إليه، و إنّما القصد به البرّ و الصلة، فكان الفقراء أولى(1).

و على القول باختصاصه بالفقراء فهل الاختصاص على سبيل الوجوب أو الاستحباب ؟ وجهان(2).

إذا ثبت هذا، فإن الذكر و الأنثى فيه سواء لا يفضّل الذكر فيه على الأنثى؛ لاتّفاقهما في السبب و هو القرابة، فإذا انقرض الأقارب بأسرهم صرف إلى المساكين، و حينئذ ففي تقديم جيران الواقف وجهان لهم، أشبههما: المنع؛ لأنّا لو قدّمنا بالجوار لقدّمنا بالقرابة بطريق الأولى(3).

مسألة 96: لو قال: وقفت هذا سنة،

احتمل البطلان؛ لأنّ شرط الوقف التأبيد.

و هل يبطل أصلا فلا يعتدّ به، أو يكون حبسا؟ إشكال، و يحتمل الصحّة، و يكون حبسا.

و المشهور عند الشافعيّة: البطلان في الشرط و الوقف(4).

ص: 168


1- العزيز شرح الوجيز 268:6-269، روضة الطالبين 392:4.
2- العزيز شرح الوجيز 269:6، روضة الطالبين 392:4.
3- العزيز شرح الوجيز 269:6، روضة الطالبين 392:4.
4- العزيز شرح الوجيز 267:6، روضة الطالبين 391:4.

و في وجه ضعيف لهم: أنّه يصحّ، و ينتهي الوقف بانتهاء المدّة(1).

و من الشافعيّة من قال: إنّ الوقف الذي لا يشترط فيه القبول لا يفسد بالتأقيت، كالعتق(2).

و لو قال: وقفت هذا على زيد شهرا على أن يعود إلى ملكي بعد الشهر، فالظاهر عند الشافعيّة بطلانه(3).

و فيه قول آخر: إنّه يصحّ، و على هذا فيعود ملكا بعد الشهر، أو يكون كما لو وقف المنقطع الآخر حتى يصرف بعد الشهر إلى أقرب الناس إلى الواقف ؟ فيه قولان(4).

المطلب الثاني: التنجيز.
مسألة 97: يشترط في الوقف التنجيز،

فلو علقّه على شرط أو صفة لم يصح، مثل أن يقول: إذا جاء زيد فقد وقفت داري، أو يقول: إذا جاء رأس الشهر وقفت عبدي، كما لا يصحّ تعليق البيع و الهبة، و هو قول أكثر الشافعيّة(5).

و قال بعضهم: الوقف المعلّق يخرّج على الخلاف المذكور فيما إذا وقف على من سيولد له(6).

ص: 169


1- العزيز شرح الوجيز 266:6-267، روضة الطالبين 391:4.
2- العزيز شرح الوجيز 267:6، روضة الطالبين 391:4.
3- التهذيب - للبغوي - 515:4، العزيز شرح الوجيز 269:6، روضة الطالبين 392:4.
4- التهذيب - للبغوي - 515:4، العزيز شرح الوجيز 269:6، روضة الطالبين 392:4.
5- المهذّب - للشيرازي - 448:1، الوسيط 248:4، التهذيب - للبغوي - 4: 512، البيان 69:8، العزيز شرح الوجيز 270:6، روضة الطالبين 393:4.
6- العزيز شرح الوجيز 270:6، روضة الطالبين 393:4.

و لو قال: على من سيولد لي، أو قال: وقفت على مسجد سأبنيه ثمّ على الفقراء، أو قال: وقفت على ولدي ثمّ على الفقراء بعده، و لا ولد له، فهذا الوقف منقطع الابتداء.

و كذا إذا وقف على نفسه أو عبده أو المجهول أو المعدوم أو الميّت ثمّ على الفقراء و المساكين، قال الشيخ رحمه اللّه في المبسوط: الذي يقتضيه مذهبنا أنّه لا يصحّ الوقف؛ لأنّه لا دليل عليه. ثمّ قوّى بطلانه في حقّ من لا يصحّ الوقف عليه، كنفسه و عبده و أمّ ولده، و صحّحه في حقّ الباقين، قال: لأنّا نقول بتفريق الصفقة(1).

و قال في الخلاف: إذا وقف على من لا يصحّ الوقف عليه، مثل عبد أو حمل لم يوجد أو رجل مجهول، و ما أشبهه، ثمّ بعد ذلك على أولاده الموجودين في الحال و بعدهم على الفقراء و المساكين، بطل الوقف فيما بدأ بذكره؛ لأنّه لا يصحّ الوقف عليهم، و الآخر يصحّ، فإذا بطل في حقّ من لا يصحّ الوقف عليه صحّ في حقّ من يصحّ الوقف عليه؛ لأنّه لا دليل على إبطاله، و لا مانع يمنع منه(2).

و للشافعي في منقطع الأوّل اختلاف قول، فقال في موضع: الوقف جميعه باطل(3).

و قال في حرملة قولين، أحدهما: أنّه باطل، و الثاني: أنّه يصحّ فيما يجوز فيه دون ابتدائه(4).8.

ص: 170


1- المبسوط - للطوسي - 393:3.
2- الخلاف 544:3، المسألة 10 من كتاب الوقف.
3- الحاوي الكبير 523:7، البيان 60:8.
4- البيان 60:8.

قال أصحابه: هذان القولان مبنيّان على تفريق الصفقة إذا باع ما يملك و ما لا يملك(1).

و قال بعضهم: فيه طريقان:

أحدهما: أنّه على القولين في منقطع الآخر.

قال بعضهم: و هما مبنيّان على أنّ البطن الثاني ممّن يتلقّون ؟ إن قلنا: من البطن الأوّل، لم يصح؛ لأنّ الأوّل إذا لم يثبت له شيء استحال التلقّي منه، و إن قلنا: من الواقف، فهو على الخلاف في تفريق الصفقة(2).

و الثاني: القطع بالبطلان، و الفرق بينه و بين منقطع الآخر: أنّ متّصل الأوّل وجد مستحقّا و ابتداء صحيحا يبنى الآخر عليه، بخلاف العكس، و لهذا يقال: في منقطع الأوّل قولان مرتّبان على القولين في منقطع الآخر، و هو أولى بالبطلان(3).

و عكس بعضهم هذا الترتيب، فإنّ منقطع الآخر أولى بالبطلان، لأنّ وضع الوقف على أن يدوم، و ليس في منقطع الأوّل إلاّ أنّ مصرفه منتظر(4).

و سواء أثبتوا الخلاف في المسألة أو لم يثبتوا، فالظاهر عندهم البطلان، و هو منصوص الشافعي(5).

و الثاني: يقال: إنّه مخرّج من منقطع الآخر، و يقال: إنّه منصوص4.

ص: 171


1- لم نتحقّقه في مظانّه.
2- العزيز شرح الوجيز 269:6.
3- العزيز شرح الوجيز 269:6، روضة الطالبين 392:4.
4- الجويني في نهاية المطلب 355:8 و عنه في العزيز شرح الوجيز 269:6-270.
5- التهذيب - للبغوي - 514:4، البيان 60:8، العزيز شرح الوجيز 270:6، روضة الطالبين 392:4.

أيضا(1).

و الأقوى عندي: البطلان، و إلاّ لزم صحّة الوقف مع انتفاء موقوف عليه، أو وقوع الوقف المعلّق على شرط أو صفة، أو عدم جريان الوقف على حسب ما شرطه الواقف، و اللازم بأقسامه باطل، و هو ظاهر.

و بيان الشرطيّة: أنّه حالة الوقف إمّا أن يكون هناك موقوف عليه، أو لا، و الثاني أحد الأقسام، و الأوّل إمّا أن يحكم بأنّه وقف على من لا يصحّ الوقف عليه، و هو باطل بالإجماع، أو على من يصحّ الوقف عليه، فإمّا أن يحكم بالوقف عليه من حين العقد، و ذلك مخالف لما شرطه الواقف؛ لأنّه إنّما جعله وقفا على البطن الثاني حال انقراض العبد أو بعد انقراض العبد، و هو قول بصحّة الوقف المعلّق على الشرط.

مسألة 98: إذا قلنا ببطلان الوقف المنقطع في الابتداء كما اخترناه،

فلا بحث، و يكون باقيا على ملك الواقف.

و إن قلنا بصحّته كما هو اختيار الشيخ(2) رحمه اللّه، فهل تصرف منفعة الوقف إلى من صحّ في حقّهم في الحال، أم لا؟

قال الشيخ في المبسوط: ينظر فإن كان الذي بطل الوقف في حقّه لا يصحّ اعتبار انقراضه - مثل أن يقف أوّلا على مجهول أو ميّت - فإنّه يكون في الحال لمن يصحّ الوقف في حقّهم، و يكون الأوّل بمنزلة المعدوم الذي لم يذكر في الوقف؛ لأنّ وجود المجهول كعدمه؛ لأنّا إذا صحّحنا الوقف مع ذكره فقد ألغيناه.

و إن كان الموقوف عليه أوّلا يمكن اعتبار انقراضه كالعبد، قال

ص: 172


1- العزيز شرح الوجيز 270:6.
2- راجع: الهامش (1 و 2) من ص 170.

بعضهم: تصرف إليهم في الحال؛ لأنّه لا يستحقّ غيرهم، و هو الصحيح.

و منهم من قال: لا تصرف إليهم في الحال؛ لأنّه إنّما جعل منفعة الوقف لهم بشرط انقراض من قبلهم، و الشرط لم يوجد، فتصرف إلى الفقراء و المساكين مدّة بقاء الموقوف عليه أوّلا ثمّ إذا انقرض رجعت إليهم(1).

و قالت الشافعيّة على تقدير القول بصحّة الوقف: ينظر فإن كان الموقوف عليه أوّلا لا يصحّ اعتبار انقراضه و لا يمكن انتظار ما ذكره - مثل أن يوقفه أوّلا على مجهول أو ميّت، أو على ولده و لا ولد له ثمّ على الفقراء - فإنّه يكون في الحال للبطن الثاني؛ لأنّ وجود المجهول كعدمه؛ لأنّا إذا صحّحنا الوقف مع ذكره فقد ألغيناه.

و أمّا إن كان ممّن يمكن انتظار ما ذكره إمّا انقراضا [كما لو وقف على من](2) يمكن اعتبار انقراضه كأمّ ولده ثمّ على الفقراء، و إمّا حصولا كما لو قال: وقفت على من سيولد لي، فلمن تكون غلّة الوقف قبل انقراضه و قبل الولادة ؟ فيه ثلاثة أوجه:

أحدها: أنّه يرجع إلى الواقف أو إلى وارثه ثمّ البطن الثاني؛ لأنّه لا يمكن أن يكون للثاني؛ لأنّه جعله لهم بعد انقراض الأوّل، و لا يكون للأوّل؛ لأنّه لم يصح له فلم يكن أولى من الواقف، و على هذا ففي ثبوت الوقف وجهان:

أحدهما: يثبت؛ لأنّه نجّزه، لكن يتأخّر الاستحقاق.

و الثاني: لا يثبت، بل هو ملك، و سبيله سبيل المعلّق عتقه على صفة.

و الوجه الثاني: أنّه يكون للبطن الثاني في الحال؛ لأنّ البطن الأوّلق.

ص: 173


1- المبسوط - للطوسي - 293:3-294.
2- ما بين المعقوفين يقتضيه السياق.

لم يصح الوقف عليه، فيسقط ذكرهم، كما لو كان الموقوف عليه أوّلا مجهولا.

و الثالث: أنّه يرجع إلى قرابة الواقف كما قلنا في منقطع الانتهاء.

و هل يعتبر فيه الفقر؟ قولان.

و يقدّم الأقرب فالأقرب على ما مضى.

و لهم وجه رابع: أنّه يكون للمصالح العامّة(1).

و الأوّل بعيد عندهم(2) ؛ لأنّا إذا جعلناه وقفا و جعلنا غلّته للواقف، فقد جعلنا له أن يقف على نفسه، و إن عاد إليه طلقا فقد أفسدنا الوقف، و إن قلنا: يصير وقفا في الثاني، فقد جعلنا ابتداء الوقف يتعلّق بالشرط، و هذا كلّه ممتنع، قالوا: و الأقيس هو الثالث(3).

و كذا الحكم لو وقف على معيّن ثمّ على الفقراء فردّه ذلك المعيّن، فإنّه يصير منقطع الابتداء.

مسألة 99: الوقف الذي لا خلاف في صحّته ما كان معلوم الابتداء و الانتهاء غير منقطع فيهما و لا في الوسط،

مثل: أن يقف على الفقراء و المساكين أو على طائفة لا يجوز بحكم العادة انقراضهم.

و أمّا إن كان غير معلوم الانتهاء - مثل: أن يقف على قوم يجوز انقراضهم بحكم العادة و لم يجعل آخره للمساكين و لا لجهة غير منقطعة - فإنّ الوقف يصحّ عند بعضهم دون بعض على ما تقدّم(4) من الخلاف.

ص: 174


1- العزيز شرح الوجيز 270:6، روضة الطالبين 392:4-393، و راجع: حلية العلماء 19:6، و التهذيب - للبغوي - 514:5، و البيان 60:8-61.
2- حلية العلماء 19:6.
3- حلية العلماء 19:6.
4- في ص 162-163، المسألة 94.

و إن كان معلوم الانتهاء غير معلوم الابتداء، فقد تقدّم(1) الخلاف فيه أيضا.

و إن كان منقطع الابتداء - مثل أن يقفه على من لا يجوز الوقف عليه، كنفسه أو أمّ ولده أو عبده أو كنيسة أو مجهول - فإن لم يذكر له مآلا يجوز الوقف عليه فالوقف باطل، و كذا إن جعل مآله ممّا لا يجوز الوقف عليه؛ لأنّه أخلّ بأحد شرطي الوقف، فبطل، كما لو وقف ما لا يجوز وقفه.

و إن جعل له مآلا يجوز الوقف عليه - مثل: أن يقفه على عبده ثمّ على المساكين - فقولان تقدّما(2).

و لو كان الوقف صحيح الطرفين منقطع الوسط - مثل: أن يقف على ولده ثمّ على [عبيده](3) ثمّ على الفقراء(4) - خرج في صحّة الوقف وجهان، كمنقطع الانتهاء.

ثمّ ينظر في ما(5) لا يجوز الوقف عليه، فإن لم يمكن اعتبار انقراضه ألغيناه إذا قلنا بالصحّة، و إن أمكن اعتبار انقراضه فهل يعتبر، أو يلغى ؟ وجهان - سبقا - مرتّبان على منقطع الآخر، إن صحّحناه فهذا أولى، و إلاّ فوجهان.

و يصرف عند توسّط الانقطاع إلى أقرب الناس إلى الواقف، أو إلى المساكين، أو إلى المصالح، أو إلى الجهة العامّة ؟ على الخلاف السابق.

و إن كان منقطع الطرفين صحيح الوسط - كرجل وقف على عبده ثمّ».

ص: 175


1- في ص 170.
2- في ص 170.
3- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «عبيدهم» و الظاهر ما أثبتناه.
4- في النّسخ الخطّيّة: «المساكين» بدل «الفقراء».
5- في «ر» و الطبعة الحجريّة: «في من» بدل «في ما».

على أولاده ثمّ على الكنيسة - خرج في صحّته أيضا وجهان، و مصرفه بعد من يجوز إلى مصرف الوقف المنقطع.

و لا خلاف في أنّ الوقف إذا كان منقطع الابتداء و الانتهاء و الوسط يكون باطلا، كما أنّه لا خلاف في صحّته مع اتّصال الثلاثة.

مسألة 100: لو قال: هذا وقف على ولدي سنة ثمّ على المساكين،

صحّ إجماعا، و كذا لو قال: هذا وقف على ولدي مدّة حياتي ثمّ هو بعد موتي للمساكين، صحّ إجماعا؛ لأنّه وقف متّصل الابتداء و الانتهاء و الوسط(1).

و لو وقف على من لا ينقرض غالبا ثمّ على من ينقرض و اقتصر، فإن وقّت الأوّل كان حكمه حكم منقطع الانتهاء، و في صحّته قولان سبقا، مثل أن يقول: هذا وقف على المساكين سنة أو عشر سنين ثمّ هو وقف على أولادي، و لم يذكر المصرف بعد أولاده، ففيه ما تقدّم من الخلاف في منقطع الانتهاء، و [لا يصرف](2) بعد أولاده إلى الفقراء كما كان.

و إن لم يكن موقّتا، مثل أن يقول: هذا وقف على المساكين ثمّ من بعد انقراضهم يكون وقفا على ولدي، كان وقفا على المساكين، و لغا قوله:

«على أولادي» لأن المساكين لا يمكن انقراضهم، فإن فرض صحّ الوقف على أولاده بعد انقراضهم.

و لو علّق انتهاء وقفه على شرط - نحو قوله: داري هذه وقف إلى

ص: 176


1- كذا قوله: «متّصل الابتداء و الانتهاء و الوسط»، و المصنّف رحمه اللّه ذكر في عنوان المسألة طرفين: «الابتداء و الانتهاء»، فتأمّل.
2- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «لا ينصرف». و الظاهر ما أثبتناه.

سنة أو إلى أن يقدم الحاج - ففي صحّته وجهان تقدّما.

المطلب الثالث: في الإلزام.
مسألة 101: يشترط في الوقف الإلزام،

فلا يقع لو شرط الخيار فيه لنفسه، و يكون الوقف باطلا، كالعتق و الصدقة، و كذا لو قال: وقفت بشرط أن أبيعه، أو أرجع فيه متى شئت؛ لأنّ الوقف إزالة ملك إلى اللّه تعالى، كالعتق، أو إلى الموقوف عليه، كالبيع و الهبة، و على التقديرين فهذا الشرط مفسد، و هو قول أكثر الشافعيّة(1).

و قال بعضهم: إنّ العتق لا يفسد، و يفسد الوقف، و فرّق بينهما بأنّ العتق مبنيّ على الغلبة و السراية(2).

و لو شرط عوده إليه عند حاجته، صحّ الشرط، و بطل الوقف، و صار حبسا يعود فيه مع الحاجة، و يورث.

و قال ابن إدريس: يبطل الوقف(3).

و قال بعض الشافعيّة: يحتمل أن يبطل الشرط و يصحّ أصل الوقف(4).

و لو وقف على شخص معيّن و شرط أن يرجع إليه إذا مات ذلك الشخص، بطل الوقف، مع احتمال صحّته حبسا.

و مذهب الشافعيّة: البطلان، مع أنّهم نقلوا عن الشافعي قولين، هذا أحدهما، و الثاني: الصحّة؛ أخذا من مسألة العمرى حيث جعلها لمن

ص: 177


1- الوجيز 246:1، الوسيط 248:4، التهذيب - للبغوي - 512:4، البيان 8: 69، العزيز شرح الوجيز 271:6، روضة الطالبين 393:4-394.
2- العزيز شرح الوجيز 272:6، روضة الطالبين 394:4.
3- السرائر 156:3 و 158.
4- العزيز شرح الوجيز 272:6، روضة الطالبين 394:4.

أعمرها في حياته و بعد موته، و أزال ملك المعمر، و أبطل شرطه(1).

و قال السيّد المرتضى من علمائنا: ممّا انفردت به الإماميّة القول بأنّ من وقف وقفا جاز أن يشترط أنّه إن احتاج إليه في حال حياته كان له بيعه و الانتفاع بثمنه(2).

و قال المفيد: متى اشترط الواقف في الوقف أنّه إن احتاج إليه في حياته لفقر كان له بيعه و صرف ثمنه في مصالحه(3).

و للشيخ قولان:

ففي النهاية: إذا شرط الواقف أنّه متى احتاج إلى شيء منه كان له بيعه و التصرّف فيه، كان الشرط صحيحا، و كان له أن يفعل ما شرط، إلاّ أنّه إذا مات و الحال ما ذكرناه رجع ميراثا، و لم يمض الوقف(4).

و في المبسوط: إذا شرط في الوقف أن يبيعه أيّ وقت شاء، كان الوقف باطلا؛ لأنّه خلاف مقتضاه، لأنّ الوقف لا يباع(5).

و قال سلاّر: إذا شرط رجوعه فيه عند فقره، كان له ذلك إذا افتقر(6).

و قال ابن الجنيد: إذا شرط أنّ له الرجوع فيما وقف و بيعه، لم يصح الوقف(7).

و قال بعض العامّة: إن شرط أن يبيعه متى شاء أو يهبه أو يرجع فيه،7.

ص: 178


1- العزيز شرح الوجيز 272:6، روضة الطالبين 394:4.
2- الانتصار: 226.
3- المقنعة: 652.
4- النهاية: 595-596.
5- المبسوط - للطوسي - 300:3.
6- المراسم: 197.
7- راجع ما حكاه عنه السيّد المرتضى في الانتصار: 227.

لم يصح الشرط و لا الوقف؛ لأنّه مناف لمقتضى الوقف. و يحتمل أن يفسد الشرط و يصحّ الوقف؛ بناء على الشرط الفاسد في البيع، و إن شرط الخيار في الوقف فسد، قاله أحمد(1).

و كذا إذا شرط بيع الوقف متى شاء لم يصح الوقف، و به قال الشافعي(2).

و قال أبو يوسف في رواية عنه: يصحّ؛ لأنّ الوقف تمليك المنافع، فجاز شرط الخيار كالإجارة(3).

و احتجّ الأوّلون بأنّه شرط ما ينافي العقد، فلم يصح، كما لو شرط [أنّ](4) له بيعه متى شاء، و لأنّه إزالة ملك إلى اللّه تعالى، فلا يصحّ اشتراط الخيار فيه، كالعتق، و لأنّه ليس بعقد معاوضة فلم يصح اشتراط الخيار فيه، كالهبة، و لأنّه إزالة ملك في أحد القولين، و في الآخر تمليك، فإذا شرط إبطال ذلك لم يجز، كما لو شرط في العتق و البيع(5).

و منعوا من دخوله في الإجارة، على أنّ الخيار إذا دخل في العقود وقفت أحكام العقد على انقضائه، و هنا يبقى الشرط مع حصول أحكامه، فافترقا(6).6.

ص: 179


1- المغني 217:6، الشرح الكبير 217:6-218.
2- الحاوي الكبير 532:7، البيان 69:8، العزيز شرح الوجيز 271:6، روضة الطالبين 393:4، المغني 217:6، الشرح الكبير 218:6.
3- البيان 69:8، المغني 217:6، الشرح الكبير 218:6.
4- ما بين المعقوفين أثبتناه من المغني و الشرح الكبير.
5- المغني 217:6، الشرح الكبير 218:6، و ينظر: العزيز شرح الوجيز 271:6، و روضة الطالبين 393:4-394.
6- المغني 217:6-218، الشرح الكبير 218:6.

و الوجه: ما قدّمناه من أنّه يكون حبسا يرجع إلى ورثة الواقف بعد موته؛ لما رواه إسماعيل بن الفضل أنّه سأل الصادق عليه السّلام: عن الرجل يتصدّق ببعض ماله في حياته في كلّ وجه من وجوه الخير، قال: إن احتجت إلى شيء من المال فأنا أحقّ به، ترى ذلك له و قد جعله للّه يكون له في حياته ؟ فإذا هلك الرجل يرجع ميراثا أو(1) تمضي صدقته ؟ قال: «يرجع ميراثا»(2).

مسألة 102: اختلف القائلون من علمائنا بصحّة هذا الشرط في الوقف:

فقال الشيخ رحمه اللّه: إذا مات الواقف يبطل الوقف، و يكون حكمه حكم الحبس(3) ؛ للرواية السابقة عن إسماعيل بن الفضل عن الصادق عليه السّلام.

و كلام السيّد رحمه اللّه يعطي جواز هذا الشرط، و أنّه يعمل بمقتضاه، فإن رجع الواقف في وقفه بطل الوقف؛ عملا بالشرط، و إن مات قبل الرجوع كان على حاله؛ لأنّ السيّد رحمه اللّه ادّعى الإجماع على ما نقلناه عنه في المسألة السابقة.

و احتجّ بأنّ كون الشيء وقفا تابع لاختيار الواقف و ما يشترط فيه، فإذا شرط لنفسه ما ذكرناه كان كسائر ما شرطه.

ثمّ اعترض على نفسه: بأنّ هذا شرط يناقض كونه وقفا، بخلاف غيره من الشروط.

و أجاب: بعدم المناقضة؛ لأنّه متى لم يختر الرجوع يكون ماضيا على

ص: 180


1- في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «و» بدل «أو». و المثبت كما في المصدر.
2- التهذيب 607/146:9 بتفاوت.
3- النهاية: 596.

مثله، و إذا مات قبل العود نفذ أيضا نفوذا تامّا، و هذا حكم ما كان مستفادا قبل عقد الوقف، فكيف يكون ذلك نقضا لحكمه و قد بيّنّا أنّ حكمه باق!؟

و لا يجوز قياس الوقف على العتق؛ لبطلان القياس عندنا، و للفرق؛ فإنّ العتق لا يصحّ دخول شرط مّا من الشروط فيه، و الوقف يدخله الشرط، كقوله: هذا وقف على فلان فإن مات فعلى فلان، و إذا صحّ دخول الشرط فيه صحّ دخول هذا الشرط.

ثمّ اعترض فقال: فإن قيل: إنّ أبا علي بن الجنيد قد خالف فيما ذكرتموه، و ذكر أنّه لا يجوز للواقف أن يشرط لنفسه بيعه له على وجه من الوجوه، و كذلك في من هو وقف عليه أنّه لا يجوز له أن يبيعه.

ثمّ أجاب: بأنّه لا اعتبار بقول ابن الجنيد و قد تقدّمه إجماع الطائفة و تأخّر أيضا عنه، و ربما عوّل في ذلك على ظنون و حسبانات و أخبار شاذّة لا يلتفت إلى مثلها(1).

و ابن إدريس من علمائنا عدّ من شرائط صحّة الوقف أن لا يدخله خيار الواقف في الرجوع فيه(2).

مسألة 103: لو شرط في الوقف إخراج من يريد من أرباب الوقف،

بطل الوقف.

و لو شرط إدخال من سيولد مع الموقوف عليهم، جاز، سواء وقف على أولاده أو على غيرهم.

و قالت الشافعيّة: لو وقف و شرط لنفسه أن يحرم من شاء، و يزيد من

ص: 181


1- الانتصار: 226-227.
2- السرائر 156:3.

شاء، أو يقدّم أو يؤخّر، ففي صحّة شرطه وجهان:

أصحّهما: المنع؛ لأن وضع الوقف على اللزوم، و إذا كان الموقوف عليه بمعرض السقوط فلا لزوم.

و الثاني: أنّه يصحّ، كما لو شرط صرف الرّيع(1) مدّة إلى هذا و مدّة إلى هذا(2).

و موضع الوجهين ما إذا ذكر الشرط في متن العقد، أمّا إذا أطلق ثمّ أراد أن يغيّر ما ذكره إمّا بإخراج أو إدخال مستحقّ آخر أو تقديم مؤخّر أو تأخير مقدّم، لم يكن له ذلك(3).

و لو قلنا بصحّة شرطه لنفسه، فلو شرط لغيره، فوجهان، أصحّهما:

الفساد، و إن أفسدناه ففي فساد الوقف به خلاف مبنيّ على أنّ الوقف كالعتق، أم لا؟ و الظاهر عندهم: بطلان الوقف و الشرط في ذلك كلّه(4).

و ذكر بعضهم ذلك على ثلاث مراتب:

الأولى: أن يقول: وقفت بشرط أن أرجع متى شئت، أو أحرم المستحقّ و أحوّل الحقّ إلى غيره متى شئت، فهو فاسد.

الثانية: أن يقول: بشرط أن أغيّر مقادير الاستحقاق بحكم المصلحة، و هو جائز.

الثالثة: أن يقول: أبقي أصل الوقف و أغيّر تفصيله، فوجهان(5).4.

ص: 182


1- الرّيع: النماء و الزيادة. لسان العرب 137:8 «ريع».
2- نهاية المطلب 362:8، حلية العلماء 34:6، العزيز شرح الوجيز 272:6، روضة الطالبين 394:4.
3- نهاية المطلب 363:8، العزيز شرح الوجيز 272:6، روضة الطالبين 394:4.
4- نهاية المطلب 363:8، العزيز شرح الوجيز 272:6، روضة الطالبين 394:4.
5- الغزالي في الوسيط 248:4، و عنه في العزيز شرح الوجيز 272:6، و روضة الطالبين 394:4.
مسألة 104: كلّ ما شرطه الواقف في وقفه من الشروط السائغة في نظر الشرع

و لا ينافي الوقف يلزم متابعته؛ لقول العسكري عليه السّلام: «الوقوف على حسب ما يوقفها أهلها»(1)الوسيط 249:4، العزيز شرح الوجيز 273:6، روضة الطالبين 395:4.(2) و إنّما يلزم الشرط إذا ذكر في متن العقد، فلو شرط شرطا بعد نفوذ العقد و تمامه و انفصاله، أو شرط قبل العقد، كان لغوا.

إذا عرفت هذا، فلو شرط الواقف أن لا يؤجر الوقف، صحّ الوقف و الشرط(3) ؛ عملا بالشرط السائغ غير المنافي لمقتضي العقد - و هو أحد وجوه الشافعيّة(3) - كسائر الشروط؛ لما فيه من وجوه المصلحة.

و الثاني: المنع؛ لأنّه يتضمّن الحجر على مستحقّ المنفعة.

و الثالث: الفرق بين أن يمنع مطلقا فلا يتّبع، أو الزيادة على سنة فيتّبع؛ لأنّه لائق بمصلحة الوقف(4).

و هذا يتفرّع على أنّ مدّة الإجارة في الوقف لا تتقدّر كمدّة إجارة الملك على أصحّ القولين عندهم(5).

و إذا أفسدنا الشرط، فالقياس عندهم فساد الوقف به، إلاّ أنّ بعضهم قال: إذا شرط أن لا يؤجر أكثر من سنة لم يخالف(6).

و فيه وجه آخر: أنّه لو كان الصلاح في الزيادة زيد، و هذا قول بالصحّة مع فساد الشرط(7).

مسألة 105: لو جعل داره مسجدا أو أرضه مقبرة أو بنى مدرسة

أو

ص: 183


1- تقدّم تخريجه في ص 165، الهامش
2- .
3- في «ص، ع»: «الشرط و الوقف».
4- الوسيط 249:4، العزيز شرح الوجيز 273:6، روضة الطالبين 395:4.
5- العزيز شرح الوجيز 273:6.
6- العزيز شرح الوجيز 273:6، روضة الطالبين 395:4.
7- العزيز شرح الوجيز 273:6، روضة الطالبين 395:4.

رباطا، فلكلّ أحد أن يصلّي و يعتكف في المسجد، و يدفن في المقبرة، و يسكن في المدرسة بشرط الأهليّة، و ينزل الرباط، و لا فرق فيه بين الواقف و غيره.

و لو شرط في الوقف اختصاص المسجد بأصحاب الحديث أو الرأي أو بطائفة معلومة، فالأقوى: الجواز؛ عملا بمقتضى الشرط، و هو أحد وجهي الشافعيّة، المفتى به عندهم؛ رعاية لشرط الواقف، و قطعا للنزاع في إقامة الشعائر.

و الثاني: بطلان الشرط؛ لأنّ جعل البقعة مسجدا كالتحرير، فلا معنى لاختصاصه بجماعة، و على هذا فيفسد الوقف بفساد الشرط(1).

ثمّ هذا الخلاف بينهم فيما إذا وقف دارا على أن يصلّي فيها أصحاب الحديث، فإذا انقرضوا فعلى عامّة المسلمين، أمّا إذا لم يتعرّض للانقراض فقد تردّدوا فيه(2).

و لو شرط في المدرسة و الرباط - في صلب العقد - الاختصاص، اتّبع شرطه.

و لو شرط في المقبرة الاختصاص بالغرباء أو بجماعة مخصوصين، جاز و لزم.

و عندهم الوجه: أن يترتّب على تخصيص المسجد، إن قلنا:

يختصّ، فالمقبرة أولى، و إلاّ فوجهان؛ لتردّدها بين المسجد و المدرسة.

و الثاني عندهم أظهر، فإنّ المقابر للأموات كالمساكن للأحياء(3).4.

ص: 184


1- الوسيط 249:4-250، العزيز شرح الوجيز 273:6، روضة الطالبين 395:4.
2- العزيز شرح الوجيز 274:6، روضة الطالبين 396:4.
3- العزيز شرح الوجيز 274:6، روضة الطالبين 396:4.
المطلب الرابع: في بيان المصرف.
مسألة 106: لا بدّ في عقد الوقف من بيان المصرف،

فلو قال: وقفت هذا، و لم يذكر على من، أو قال: تصدّقت بهذا صدقة محرّمة، لم يصح الوقف عند علمائنا - و هو أحد قولي الشافعي(1) - لأنّ الوقف تمليك، و هو إمّا للأعيان و المنافع، أو للمنافع، فلا بدّ من مالك، كالبيع و الهبة، فإنّه لو قال: بعت داري بكذا، أو وهبتها، و لم يذكر المصرف، بطلا، و لأنّه لو وقف على مجهول - مثل أن يقول: وقفت على جماعة - بطل، فإذا أطلق كان أولى؛ لأنّ علّة البطلان في مجهول المصرف الجهالة، و هي متحقّقة مع عدم ذكر المصرف مع زيادة سبب البطلان.

و الثاني: يصحّ؛ لأنّ الغرض من(2) الوقف الصدقة و القربة، فصحّ مطلقا، كالهدي، و كذا لو قال: وصّيت بثلثي، و أطلق، صحّ، و كان للفقراء و المساكين، كذا هنا، كما إذا قال: للّه عليّ أن أتصدّق بكذا، أو أهدي هديا، و لم يبيّن المصرف(3).

و نمنع كون مطلق القربة هي الغاية في الوقف و الغرض منه، بل يجوز أن تكون خصوصيّات القرب غايات و أغراضا في الوقف. و نمنع الحكم في الوصيّة، و نوجب تعيين الموصى له إمّا بوصف عامّ أو مخصّص، و الهدي و الصدقة الغاية فيهما معلومة، فكان الإطلاق منصرفا

ص: 185


1- الحاوي الكبير 520:7، المهذّب - للشيرازي - 449:1، نهاية المطلب 8: 361، الوجيز 246:1، الوسيط 250:4، حلية العلماء 20:6، التهذيب - للبغوي - 513:4، البيان 62:8، العزيز شرح الوجيز 274:6، روضة الطالبين 396:4، المغني 242:6، الشرح الكبير 227:6.
2- في «ر» و الطبعة الحجريّة: «في» بدل «من».
3- نفس المصادر في الهامش (1).

إليه.

و على القول بصحّة الوقف ففي مصرفه الخلاف المذكور في منقطع الآخر إذا صحّحناه(1).

و قال بعضهم: يصرفه المتولّي إلى ما يراه من وجوه البرّ، كعمارة المساجد و القناطر و سدّ الثغور و تجهيز الموتى و غيرها(2).

مسألة 107: إذا وقف على شخصين ثمّ على الفقراء فمات أحدهما،

فالأقرب: صرف نصيبه إلى الحيّ، فإذا مات الآخر صرف الجميع إلى الفقراء؛ لأنّ شرط الانتقال إلى المساكين انقراضهما جميعا و لم يوجد، و إذا امتنع الصرف إليهم فالصرف إلى من ذكره الواقف أولى به.

و يحتمل أن لا يصرف إلى صاحبه و لا إلى المساكين، و يكون الوقف في نصيب الميّت منقطع الوسط.

و للشافعيّة وجهان كهذين، و ثالث، و هو: أن يكون نصيب الميّت للفقراء، كما أنّ نصيبهما إذا انقرضا للفقراء(3).

و لو وقف على شخصين و سكت عن [المصروف](4) إليه بعدهما، فإن قلنا ببطلان الوقف، فلا بحث، و إن قلنا بصحّة الوقف المنقطع الآخر لو مات أحدهما، فنصيبه للآخر، و هو أحد وجهي الشافعيّة، و الثاني: أنّه

ص: 186


1- العزيز شرح الوجيز 275:6، روضة الطالبين 396:4.
2- الحاوي الكبير 520:7، حلية العلماء 20:6، التهذيب - للبغوي - 513:4، العزيز شرح الوجيز 275:6، روضة الطالبين 396:4-397.
3- العزيز شرح الوجيز 275:6، و في روضة الطالبين 397:4 الوجه الأوّل و الثالث.
4- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «المصرف». و الظاهر ما أثبتناه.

يكون حكمه حكم نصيبهما إذا ماتا(1).

مسألة 108: لو وقف على بطون متعدّدة متعاقبة فردّه البطن الثاني

و قلنا: إنّه يرتدّ بردّهم، فإنّه يكون وقفا منقطع الوسط، و فيه ما تقدّم(2) من الاختلاف الواقع بين الفقهاء.

و يحتمل أن يصرف إلى البطن الثالث، و يقدّر البطن الثاني معدوما.

البحث الثالث: في الأحكام.
اشارة

و فيه مطلبان:

المطلب الأوّل: فيما يتعلّق بالألفاظ.
مسألة 109: قد بيّنّا أنّ شرائط الواقف،

التي شرطها في متن العقد معتبرة لا يجوز تغييرها و لا تبديلها، و يمضى الوقف بحسب ما تقتضيه تلك الألفاظ إذا لم تكن منافية للشرع و لا لمقتضى الوقف؛ لما روي من وقف النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و وقف أهل البيت عليهم السّلام و وقف جماعة من الصحابة(3).

روى العامّة عن عمر بن الخطّاب أنّه وقف و شرط أن لا جناح على من وليها أن يأكل منها بالمعروف، و أن تليها حفصة في حياتها، فإذا ماتت فذو الرأي من أهلها(4).

ص: 187


1- العزيز شرح الوجيز 275:6، روضة الطالبين 397:4.
2- في ص 175.
3- السنن الكبرى - للبيهقي - 160:6-162.
4- صحيح البخاري 11:4-12 و 14، صحيح مسلم 1632/1255:3، سنن ابن ماجة 2396/801:2، سنن أبي داود 116:3-2878/117، سنن الترمذي 1375/659:3، سنن النسائي (المجتبى) 230:6-231، مسند أحمد 79:2 -

و وقفت فاطمة عليها السّلام لنساء رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و لفقراء بني هاشم و بني المطّلب(1).

و من طريق الخاصّة: ما رواه ربعي بن عبد اللّه عن الصادق عليه السّلام قال:

«تصدّق أمير المؤمنين عليه السّلام بدار له بالمدينة في بني زريق، فكتب: بسم اللّه الرحمن الرحيم، هذا ما تصدّق به عليّ بن أبي طالب و هو حيّ سويّ، تصدّق بداره التي في بني زريق صدقة لا تباع و لا توهب حتى يرثها(2) اللّه الذي يرث السماوات و الأرض، و أسكن هذه الصدقة خالاته ما عشن و عاش عقبهنّ، فإذا انقرضوا فهي لذوي الحاجة من المسلمين»(3).

و لقول العسكري عليه السّلام «الوقوف على حسب ما يوقفها أهلها»(4) و هو نصّ في الباب.

إذا ثبت هذا، فتجب مراعاة ما يدلّ عليه لفظ الواقف فيما يقتضي الجمع أو الترتيب أو هما معا، فيعمل بمقتضاه.

فإذا قال: وقفت على أولادي و أولاد أولادي، فلا ترتيب هنا؛ لعدم ما يدلّ عليه؛ لأنّ الواو للجمع المطلق من غير ترتيب، و يستوي البطن الأوّل و الثاني و من بعدهم في الاستحقاق، و كلّ من تجدّد من البطون يشارك من سبقه إذا كان موجودا.).

ص: 188


1- السنن الكبرى - للبيهقي - 161:6، المهذّب - للشيرازي - 451:1، البيان 8: 49، العزيز شرح الوجيز 276:6.
2- في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «يرث». و المثبت كما في المصدر.
3- التهذيب 131:9-560/132.
4- 4594/80، و 5157/156، و 6042/279، السنن الكبرى - للبيهقي - 160:6، البيان 48:8-49، العزيز شرح الوجيز 276:6.

و لا فرق بين أن يقول: ما تناسلوا و تعاقبوا، أو: بطنا بعد بطن، أو لا يقول ذلك، و يحمل على التعميم في الجميع، و هو الأشهر من قولي الشافعيّة(1).

و قال بعضهم: إنّ قوله: «بطنا بعد بطن» يقتضي الترتيب(2).

و لو أتى بما يدلّ على الترتيب، كالفاء، و «ثمّ» حكم بالترتيب، مثل أن يقول: وقفت هذا على أولادي ثمّ على أولاد أولادي ثمّ على أولاد أولاد أولادي ما تعاقبوا و تناسلوا بطنا بعد بطن، أو: وقفت على أولادي فأولاد أولادي، و هكذا، و لا يصرف إلى البطن الثاني و لا البطن الثالث شيء مع وجود واحد(3) من البطن الأوّل، فإذا انقرض البطن الأوّل بأجمعهم انتقل الوقف إلى البطن الثاني، لا يشاركهم واحد من البطن الثالث و لو بقي واحد من البطن الثاني، بل إذا انقرض البطن الثاني بأسرهم اختصّ بالبطن الثالث، و هكذا.

هذا هو المشهور بين الشافعيّة(4) ، لكن بعضهم قال فيما إذا مات واحد من البطن الأوّل: إنّ الخلاف في نصيبه كالخلاف المذكور فيما إذا وقف على شخصين أو جماعة ثمّ على المساكين فمات واحد، إلى من يصرف نصيبه ؟ فيه وجهان كالوجهين هناك، لكنّه قال: إنّ أحد الوجهين:

أنّ نصيب الميّت لصاحبه، و الثاني: أنّه لأقرب الناس إلى الواقف(5).

مسألة 110: لو قال: وقفت على أولادي و أولاد أولادي الأعلى

فالأعلى، أو الأقرب فالأقرب، أو الأوّل فالأوّل، فهو للترتيب.

ص: 189


1- العزيز شرح الوجيز 276:6، روضة الطالبين 399:4.
2- العزيز شرح الوجيز 276:6، روضة الطالبين 399:4.
3- في «ع»: «أحد».
4- العزيز شرح الوجيز 276:6-277، روضة الطالبين 399:4.
5- العزيز شرح الوجيز 277:6، روضة الطالبين 399:4-400.

و لو قال: على أولادي و أولاد أولادي على أن يبدأ بالأعلى منهم أو على أن لا حقّ لبطن و هناك من فوقهم، فهو للترتيب أيضا.

و لو قال: فمن مات من أولادي فنصيبه لولده، اتّبع شرطه.

و لو قال: على أولادي ثمّ على أولاد أولادي و أولاد أولاد أولادي، اجتمع فيه الترتيب بين البطن الأوّل و البطن الثاني، و الجمع بين البطن الثاني و البطن الثالث، فلا يأخذ البطن الثاني شيئا مع وجود واحد من البطن الأوّل؛ قضيّة للترتيب بينهما، فإذا انقرض البطن الأوّل كان للثاني، و إن كان واحد من البطن الثالث موجودا شاركهم، و كذا لو كانوا جماعة.

و لا يفضّل الثاني على الثالث؛ قضيّة للتشريك بينهما، و لا يشارك البطن الثالث البطن الأوّل؛ لمساواتهم البطن الثاني المرجوح بالنسبة إلى البطن الأوّل، فيكون مساويا في المرجوحيّة.

و لو قال: على أولادي و أولاد أولادي ثمّ على أولاد أولاد أولادي، فقد جمع بين البطن الأوّل و الثاني، و شارك بينهم في الاستحقاق، فلا ينفرد البطن الأوّل بشيء مع وجود البطن الثاني، بل يتشاركان بالسويّة، فيأخذ الواحد من البطن الثاني مثل ما يأخذ الواحد من البطن الأوّل، و رتّب بين البطن الثاني و الثالث، فلا يأخذ واحد(1) من البطن الثالث شيئا مع وجود واحد من البطن الثاني، و لا من البطن الأوّل شيئا قطعا.

و كذا في كلّ متعدّد يشبه ذلك، مثل أن يقول: وقفت على زيد ثمّ على عمرو و خالد، أو يقول: وقفت على زيد و عمرو ثمّ خالد.

و لو قال: وقفت على زيد و عمرو ثمّ على خالد و بكر، فقد شرّك بين البطن الأوّل و الثاني، و شرّك بين البطن الثالث و الرابع، فيشترك الأوّل».

ص: 190


1- في «ص، ع»: «أحد».

و الثاني، و لا يشاركهما الثالث و لا الرابع، فإذا انقرض زيد و عمرو معا اشترك خالد و بكر.

و لو قال: وقفت على زيد و عمرو و خالد ثمّ على بكر ثمّ على جعفر، فقد شرّك بين الثلاثة الأوّل، و رتّب عليهم الرابع، و رتّب بين الرابع و الخامس، و على هذا القياس.

و لو قال: على أولادي و أولاد أولادي و من مات منهم فنصيبه لأولاده، فإذا مات واحد كان نصيبه لأولاده خاصّة، و يشاركون الباقين فيما عدا نصيب أبيهم، و لا يشاركهم الباقون في نصيب أبيهم.

و لو قال: وقفت على أولادي و أولاد أولادي و هكذا الأسفل فالأسفل، فإن وجدت بطون متعدّدة أخذ الأسفل، و لا يأخذ من فوقه حتى ينقرض الأسفل، ثمّ يأخذ من هو أعلى، فإن كان بعد الأسفل أعلى و أسفل، أخذ الأسفل منهما، ثمّ لا يأخذ الأعلى إلاّ بعد انقراض الأسفل، فإذا فرض ثلاث بطون، أخذ الثالث أوّلا، فإن انقرضوا و لم يتجدّد رابع، أخذ الثاني، فإن تجدّد للثاني أولاد منعوا آباءهم، و كانوا أحقّ.

مسألة 111: إذا وقف على أولاده ثمّ على الفقراء،

اختصّ الوقف بالبطن الأوّل، ثمّ ينتقل من بعده(1) إلى الفقراء، و لا يكون لأولاد الأولاد فيه شيء.

و لو قال: وقفت على أولادي ثمّ على أولاد أولادي ثمّ على الفقراء، اختصّ بالبطنين الأوّلين، ثمّ ينتقل من بعدهم إلى الفقراء، و لا يكون لأولاد أولاد الأولاد شيء.

هذا مع التجرّد عن القرائن الصارفة المقتضية لعدم الاختصاص أو

ص: 191


1- في الطبعة الحجريّة: «بعدهم».

الموجبة له، فالقرائن الدالّة على اختصاص البطن الأوّل [مثل] أن يقول:

وقفت على ولدي لصلبي أو الذين يلوني، أو يقول: وقفت على أولادي فإذا انقرضوا فلأحفادي الثلث و الباقي للفقراء، و نحوه، فهذا يختصّ بالبطن الأوّل، و هم أولاده لصلبه خاصّة، ثمّ ينتقل بعدهم إلى الفقراء، و القرائن الدالّة على التشريك، مثل أن يقول: وقفت على ولد فلان و هم قبيلة ليس فيهم ولد [من] صلبه، أو قال: على أولادي، و لا ولد له من صلبه، أو قال:

يفضّل ولد الأكبر، أو الأعلم على غيرهم، أو قال: فإذا خلت الأرض من عقبي عاد إلى المساكين، أو قال: على ولدي غير ولد البنات، أو غير ولد فلان، أو قال: يفضّل البطن الأعلى على الثاني، أو قال: الأعلى فالأعلى، و أشباه ذلك، فإنّه يقتضي صرف لفظه إلى جميع نسله و عقبه ما تعاقبوا و تناسلوا.

و إن تجرّد عن القرائن كلّها، حمل على البطن الأوّل - و هو قول الشيخ رحمه اللّه(1) و أصحّ وجهي الشافعيّة(2) - لأنّ الولد يقع حقيقة على الولد للصلب، و لهذا يصحّ سلبه عن ولد الولد دون ولد الصلب، فيقال: هذا ليس ولده، و إنّما هو ولد ولده، و لو كان حقيقة فيه لم يصح سلبه عنه، و الأصل فيه أنّ الولد هو المتكوّن من النطفة المتولّد منها.

و قال جماعة من علمائنا(3): إنّه إذا وقف على أولاده دخل فيه أولاد أولاده و أولاد أولاد أولاده، و هكذا ما تعاقبوا و تناسلوا، و كذا إذا وقف على3.

ص: 192


1- المبسوط - للطوسي - 296:3.
2- العزيز شرح الوجيز 278:6، روضة الطالبين 401:4.
3- كالشيخ المفيد في المقنعة: 153، و الشيخ الطوسي في النهاية: 596-597، و الحلبي في الكافي في الفقه: 326، و ابن البرّاج في المهذّب 89:2، و ابن إدريس في السرائر 157:3.

أولاده و أولاد أولاده اشترك فيه البطون المتعاقبة(1) - و هو أحد قولي الشافعيّة(2) - لقوله تعالى: يا بَنِي آدَمَ (3) و قوله تعالى: يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ (4) و لا شكّ في دخول أولاد الأولاد فيه و إن سفلوا، و قوله تعالى: وَ لِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمّا تَرَكَ إِنْ كانَ لَهُ وَلَدٌ (5) و يتناول ولد الولد إجماعا، و قوله تعالى: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ وَ بَناتُكُمْ (6) و يدخل فيه بنت البنت.

و كذا كلّ موضع ذكر اللّه تعالى فيه دخل فيه ولد الولد، فالمطلق من كلام الآدمي إذا خلا عن قرينة ينبغي أن يحمل على المطلق من كلام اللّه تعالى، و يفسّر بما يفسّر به، و قد خاطب اللّه تعالى: يا بَنِي آدَمَ (7)يا بَنِي إِسْرائِيلَ (8).

و قال عليه السّلام: «إرموا بني إسماعيل فإنّ أباكم كان راميا»(9) و قال: «نحن بنو النضر بن كنانة»(10) و قال عليه السّلام عن الحسن و الحسين عليهما السّلام: «هذان ابناي2،

ص: 193


1- في النّسخ الخطّيّة المعتمدة في التحقيق: «المتنازلة» بدل «المتعاقبة».
2- العزيز شرح الوجيز 278:6-279، روضة الطالبين 401:4.
3- سورة الأعراف: 26 و 27 و 31 و 35، سورة يس: 60.
4- سورة النساء: 11.
5- سورة النساء: 11.
6- سورة النساء: 23.
7- سورة الأعراف: 26 و 27 و 31 و 35، سورة يس: 60.
8- سورة البقرة: 40 و 47 و 122، سورة طه: 80.
9- المصنّف - لابن أبي شيبة - 6373/22:9، مسند أحمد 643:4-16093/644، صحيح البخاري 45:4 و 179 و 219، مسند أبي يعلى 6119/502:10، المعجم الكبير - للطبراني - 2988/174:3، المستدرك - للحاكم - 94:2، السنن الكبرى - للبيهقي - 17:10.
10- مسند أحمد 21332/276:6، و 21338/277، سنن ابن ماجة 2612/871:2،

إمامان قاما أو قعدا»(1) و بال الحسين عليه السّلام - و هو صغير - في حجر النبيّ صلّى اللّه عليه و آله، فهمّوا بأخذه، فقال: «لا تزرموا على ابني بوله»(2) يعني لا تقطعوا.

و الجواب: لا شكّ في الاستعمال فيما ذكرتم، لكنّا ندّعي أنّه مجاز، و إلاّ لزم الاشتراك، و المجاز و إن كان على خلاف الأصل لكنّه راجح على الاشتراك.

مسألة 112: إذا وقف على أولاده،

اشترك فيه البنون و البنات؛ لصدق اسم الولد على كلّ منهما حقيقة.

و كذا لو وقف على إخوته، اشترك فيه الذكور و الإناث.

و كذا لو وقف على ذوي قرابته (اشترك فيه)(3) الذكور و الإناث و الأدنى و الأبعد؛ لصدق اسم القرابة عليهما.

و يحكم بالتساوي في القسمة، إلاّ أن يشترط ترتيبا أو اختصاصا أو تفضيلا(4).

و لو وقف على أولاد أولاده، دخل فيه أولاد البنين و أولاد البنات؛ لأنّ البنات أولاده، فأولادهنّ أولاد أولاده حقيقة، فيجب أن يدخل في الوقف أولاد البنات، كما يجب أن يدخل أولاد البنين؛ لتناول اللفظ لهم

ص: 194


1- إعلام الورى 407:1 و 421، المناقب - لابن شهرآشوب - 367:3، كشف الغمّة 533:1.
2- المعجم الأوسط - للطبراني - 6197/279:6.
3- بدل ما بين القوسين في «ص، ع»: «اقتضى اشتراك».
4- في النّسخ الخطّيّة المعتمدة في التحقيق: «تفصيلا» بالصاد المهملة.

- و كذا لو قال: وقفت على أولادي و عقبهم و نسلهم و ذرّيّتهم - و لقوله تعالى: وَ نُوحاً هَدَيْنا مِنْ قَبْلُ وَ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَ سُلَيْمانَ وَ أَيُّوبَ وَ يُوسُفَ وَ مُوسى وَ هارُونَ... (1) ثمّ قال تعالى: أُولئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَ مِمَّنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ وَ مِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْراهِيمَ وَ إِسْرائِيلَ وَ مِمَّنْ هَدَيْنا (2) و عيسى عليه السّلام منهم.

و قال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله للحسن عليه السّلام: «إنّ ابني هذا سيّد»(3) و هو ولد ابنته فاطمة عليها السّلام.

و لمّا قال تعالى: وَ حَلائِلُ أَبْنائِكُمُ (4) دخل في التحريم حلائل أبناء البنات، و لمّا حرّم اللّه تعالى البنات دخل في التحريم بناتهنّ.

و به قال الشافعي و مالك(5) و أبو يوسف(6).8:

ص: 195


1- سورة الأنعام: 84 و 85.
2- سورة مريم: 58.
3- المصنّف - لعبد الرزّاق - 20981/452:11، المصنّف - لابن أبي شيبة - 12: 12227/96، مسند أحمد 19879/17:6، صحيح البخاري 244:3، سنن أبي داود 4662/216:4، سنن الترمذي 3773/658:5، سنن النسائي (المجتبى) 107:3، السنن الكبرى - للنسائي - 531:1-1718/532-2، المعجم الصغير - للطبراني - 271:1، المعجم الأوسط - له أيضا - 162:2-1554/163، المستدرك - للحاكم - 175:3، السنن الكبرى - للبيهقي - 165:6.
4- سورة النساء: 23.
5- كذا قوله: «و مالك» في النّسخ الخطّيّة المعتمدة في التحقيق، و كذا في الطبعة الحجريّة، و لم نعثر على ما نسب إليه في المصادر المتوفّرة لدينا، بل في الحاوي الكبير 528:7، و روضة القضاة 5309/793:2، و العزيز شرح الوجيز 280:6، و المغني 229:6، و الشرح الكبير 246:6 نسب إليه القول بعدم دخول أولاد البنات في الوقف، فلاحظ.
6- الحاوي الكبير 528:7، المهذّب - للشيرازي - 451:1، نهاية المطلب 8:

و قال عيسى بن أبان: لا يدخل ولد البنت، و كان قاضيا على البصرة، فأخرج أولاد البنت من الوقف الذي وقفه بعضهم على أولاده و أولاد أولاده، و بلغ ذلك أبا حازم ببغداد، فقال: أصاب؛ لأنّ محمّدا(1) قال: لو أخذ الأمان لولده و ولد ولده دخل فيه أولاد البنين دون أولاد البنات؛ لأنّ أولاد البنات لا ينتسبون إليه فلا يدخلون في إطلاق اسم أولاد الأولاد، و لهذا قال الشاعر:

بنونا بنو أبنائنا و بناتنا بنوهنّ أبناء الرجال الأباعد(2)

و لأنّه لو وقف على ولد رجل و قد صاروا قبيلة، دخل فيه ولد البنين دون ولد البنات اتّفاقا، فكذا إذا وقف عليهم في حياته(3).

و قول ابن أبان خطأ، و فعله غلط؛ لأنّ البنت من الأولاد حقيقة و عرفا، و ولدها ولد بالضرورة.

و قول محمّد بن الحسن ليس حجّة، و لا نسلّم عدم الانتساب إليه؛ فإنّ النسبة محقّقة قطعا؛ لأنّ سببها التوليد و التكوّن من النطفة، و هي متحقّقة في المرأة و الرجل، فصحّت النسبة قطعا، و لهذا يقال: ابن بنته، كما يقال:6.

ص: 196


1- أي: محمّد بن الحسن الشيباني.
2- ورد البيت بلا نسبة إلى شاعر معيّن في الحاوي الكبير 528:7، و المهذّب - للشيرازي - 451:1، و الوسيط 252:4، و البيان 73:8، و المغني 230:6، و الشرح الكبير 247:6، و كتاب الحيوان - للجاحظ - 346:1، و الإنصاف - لابن الأنباري -: 66، و شرح المفصّل 275:1، و نسبه الكرماني إلى الفرزدق على ما حكاه عنه البغدادي في خزانة الأدب 444:1-445.
3- حلية العلماء 27:6، البيان 72:8-73، المغني 230:6، الشرح الكبير 246:6.

ابن ابنه.

و قول الشاعر لا عبرة به، مع أنّ قصد الشاعر الانتساب.

و لو قال: لمن انتسب إليّ من الأولاد، كان لأولاده و أولاد البنين دون البنات، و هو قول بعض الشافعيّة(1).

و قال بعضهم: يدخلون أيضا؛ لأنّهم منتسبون إليه، كما في حقّ الحسن عليه السّلام(2).

و لو قال: على أولادي غير ذوي الأرحام، فهو لأولاد البنين خاصّة.

و لو قال: على ولدي فلان و فلانة و فلانة و أولادهم، دخل فيه ولد البنات.

و كذا لو قال: على أنّ من مات منهم عن ولد فنصيبه لولده.

و لو قال الهاشميّ: وقفت على أولادي و أولاد أولادي الهاشميّين، لم يدخل في الوقف من أولاد بناته من كان غير هاشميّ، و لو كان هاشميّا، دخل على الخلاف.

منهم من قال بالدخول؛ لأنّه اجتمع فيهم الصفتان جميعا: كونهم من أولاد أولاده، و كونهم هاشميّين(3).

و منهم من قال بعدمه؛ لأنّهم لم يدخلوا في مطلق أولاد أولاده، فأشبه ما لو لم يقل: الهاشميّين(4).

و إن قال: على أولادي و أولاد أولادي ممّن ينتسب إلى قبيلتي، فكذلك.6.

ص: 197


1- العزيز شرح الوجيز 280:6، روضة الطالبين 401:4.
2- العزيز شرح الوجيز 280:6، روضة الطالبين 401:4.
3- المغني 231:6، الشرح الكبير 248:6.
4- المغني 231:6، الشرح الكبير 248:6.

و لو وقف على أولاده و لا ولد له و له أولاد أولاد، صرف الوقف إليهم؛ لأنّ عند تعذّر الحقيقة يجب الحمل على المجاز لئلاّ يلغو كلام العاقل، و الأصل صيانته عن الإلغاء.

و لو وقف على أولاده و أولاد أولاده، ففي دخول أولاد أولاد الأولاد الخلاف.

و كذا لو ذكر ثلاث بطون، ففي دخول الرابع الخلاف.

مسألة 113: إذا وقف على أولاده،

دخل فيه البنون و البنات و الخناثى المشكلون، و لو وقف على البنين لم تدخل البنات و لا الخناثى، و لو وقف على البنات لم يدخل البنون و لا الخناثى.

و هل يدخل أولاد البنين و أولاد البنات ؟ فيه ما تقدّم من الخلاف.

و من الشافعيّة من جعل الخلاف في دخول أولاد البنين في الوقف على الأولاد، و جزم بخروج أولاد البنات(1).

و هو تحكّم من غير دليل ألبتّة.

و لو وقف على البنات، ففي دخول بنات الأولاد وجهان.

و لو وقف على البنين و البنات، فأصحّ وجهي الشافعيّة: دخول الخناثى، مع أنّهم سلّموا أنّه لو وقف على البنين لم تدخل الخناثي، و لو وقف على البنات لم تدخل الخناثى، و احتجّوا بأنّه(2) لا يخرج عن الصنفين، و الثاني: المنع؛ لأنّه لا يعدّ من هؤلاء و لا من هؤلاء(3).

ص: 198


1- العزيز شرح الوجيز 279:6.
2- إفراد الضمير باعتبار الخنثى.
3- المهذّب - للشيرازي - 451:1، الوسيط 252:4، حلية العلماء 27:6،

و لو وقف على بني تميم، صحّ عندنا، و للشافعيّة قولان(1) ، فعلى الصحّة تدخل البنات منهم كما يدخل البنون، لأنّه يعبّر به عن القبيلة، و هو أحد وجهي الشافعيّة، و الثاني: لا تدخل النساء، كما لو وقف على بني زيد(2).

مسألة 114: لو وقف على أولاده أو أولاد غيره،

انصرف الوقف إلى الموجودين منهم دون الحمل الذي لم ينفصل، فلا يوقف له شيء إلى حين انفصاله، و لا يستحقّ شيئا في الوقف قبل انفصاله؛ لأنّه لم تثبت له أحكام الدنيا قبل انفصاله، و لأنّه يحتمل أن لا يكون حملا، فلا يثبت له حكم الولد قبل انفصاله، و به قال أحمد(3) ، و هو أصحّ وجهي الشافعيّة؛ لأنّه قبل الانفصال لا يسمّى ولدا، و الثاني: أنّه يستحقّ قبل انفصاله، و يستحقّ الغلّة لمدّة الحمل، و يوقف له إلى أن يولد، كما في الميراث، و أمّا غلّة ما بعد الانفصال فإنّه يستحقّها، و كذا الأولاد الحادث علوقهم بعد الوقف يستحقّون إذا انفصلوا(4).

و المنفيّ باللعان لا يستحقّ؛ لانقطاع نسبه، و خروجه عن أن يكون ولدا، و هو قول أكثر الشافعيّة(5).

ص: 199


1- المهذّب - للشيرازي - 451:1، الوسيط 253:4، حلية العلماء 28:6، التهذيب - للبغوي - 523:4، البيان 74:8-75، العزيز شرح الوجيز 279:6، روضة الطالبين 401:4.
2- المهذّب - للشيرازي - 451:1، الوسيط 253:4، حلية العلماء 28:6، التهذيب - للبغوي - 523:4، البيان 74:8-75، العزيز شرح الوجيز 279:6، روضة الطالبين 401:4.
3- التهذيب - للبغوي - 520:4، البيان 74:8، العزيز شرح الوجيز 279:6، روضة الطالبين 401:4.
4- العزيز شرح الوجيز 279:6، روضة الطالبين 401:4-402.
5- المهذّب - للشيرازي - 451:1، الوجيز 247:1، الوسيط 253:4، التهذيب

و قال بعضهم: يستحقّ، و أثر اللعان مقصور على الملاعن(1).

و لو قال: وقفت على ذرّيّتي، أو على عقبي، أو على نسلي، دخل فيه أولاد البنين و البنات قريبهم و بعيدهم - و به قال الشافعيّ(2) - لقوله تعالى:

وَ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَ سُلَيْمانَ إلى أن ذكر عيسى(3) عليه السّلام، و هو ولد البنت.

و قال مالك و أحمد: لا يدخل أولاد البنات في ذلك(4). و ليس شيئا.

و لو حدث حمل، فالأقرب: دخوله، و يوقف نصيبه؛ لأنّه من نسله و عقبه لا محالة، و به قال بعض الشافعيّة(5).

مسألة 115: لو كان له ثلاثة بنين

فقال: وقفت على ولدي فلان و فلان و على ولد ولدي الثالث و أولادهم، جاز الوقف على المسمّين و على أولادهما و أولاد الثالث، و ليس للثالث شيء؛ لعدم اندراجه في المسمّين، و لا منافاة بين الوقف على أولاد أولاده و حرمان الولد.

و قال أحمد: يدخل الثالث أيضا، و قال أيضا في رجل قال: وقفت هذه الضيعة على ولدي فلان و فلان و على ولد ولدي و له ولد من غير هؤلاء:

ص: 200


1- المهذّب - للشيرازي - 451:1، البيان 72:8، العزيز شرح الوجيز 279:6، روضة الطالبين 402:4.
2- الحاوي الكبير 528:7، المهذّب - للشيرازي - 451:1، الوسيط 252:4، التهذيب - للبغوي - 521:4، البيان 73:8، العزيز شرح الوجيز 280:6، روضة الطالبين 402:4.
3- سورة الأنعام: 84 و 85.
4- العزيز شرح الوجيز 280:6، المغني 229:6، الشرح الكبير 246:6.
5- - للبغوي - 521:4، البيان 72:8، العزيز شرح الوجيز 279:6، روضة الطالبين 402:4.

إنّهم يشتركون في الوقف؛ لأنّ قوله: «ولدي» يستغرق الجنس، فيعمّ الجميع، و قوله: «فلان و فلان» تأكيد لبعضهم، فلا يوجب إخراج الباقي؛ لقوله تعالى: مَنْ كانَ عَدُوًّا لِلّهِ وَ مَلائِكَتِهِ وَ رُسُلِهِ وَ جِبْرِيلَ وَ مِيكالَ (1)(2).

و ليس بجيّد؛ لأنّه أبدل بعض الولد من اللفظ المتناول للجميع، فاختصّ بالبعض المبدل، كما لو قال: على ولدي فلان؛ لأنّ بدل البعض يوجب اختصاص الحكم به، كقوله تعالى: وَ لِلّهِ عَلَى النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً (3) لمّا اختصّ المستطيع بالذكر اختصّ الوجوب به، و لو قال: ضربت زيدا رأسه، أو رأيت زيدا وجهه، اختصّ الضرب بالرأس و الرؤية بالوجه بإجماع النّحاة، و منه قوله تعالى: وَ يَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلى بَعْضٍ (4) و قول القائل: طرحت الدراهم بعضها فوق بعض، فإنّ الفوقيّة تختصّ بالبعض مع عموم اللفظ الأوّل، كذا هنا، بخلاف العطف، فإنّ عطف الخاصّ على العامّ يقتضي تأكيده لا تخصيصه.

مسألة 116: إذا وقف على أولاده و هم ثلاثة

على أنّ من مات من فلان و فلان و أولادهم عن ولد فنصيبه لولده، و إن مات فلان فنصيبه لأهل الوقف، اتّبع ما شرطه.

و كذا لو كان له بنون و بنات و أوقف عليهم، و قال في وقفه: من مات من الذكور فنصيبه لولده و من مات من البنات فنصيبها لأهل الوقف، فهو

ص: 201


1- سورة البقرة: 98.
2- المغني 227:6، الشرح الكبير 244:6.
3- سورة آل عمران: 97.
4- سورة الأنفال: 37.

على ما قال.

و لو قال: هو وقف على أولادي على أن يصرف إلى البنات منه ألف و الباقي للبنين، لم يستحق البنون شيئا حتى تستوفي البنات الألف؛ لأنّه جعل للبنات المسمّى، و جعل للبنين الفاضل عنه، و كان الحكم فيه على ما قال، فجعل البنات كذوي الفروض الذين سمّى اللّه تعالى لهم فرضا، و جعل البنين كالعصبات الذين لا يستحقّون إلاّ ما فضل عن ذوي الفروض.

و لو قال: وقفت على أولادي ثمّ على أولاد أولادي على أنّ من مات من أولادي عن ولد فنصيبه لولده، أو فنصيبه لإخوته أو لولد ولده، أو لولد أخيه، أو لأخواته، أو لولد أخواته، فهو على ما شرط.

و لو قال: من مات منهم عن ولد فنصيبه لولده و من مات منهم عن غير ولد فنصيبه لأهل الوقف، و كان له ثلاثة بنين، فمات أحدهم عن ابنين، انتقل نصيبه إليهما، ثمّ مات الثاني عن غير ولد، فنصيبه لأخيه و ابني أخيه بالسويّة؛ لأنّهم أهل الوقف، ثمّ إن مات أحد ابني الابن عن غير ولد انتقل نصيبه إلى أخيه و عمّه؛ لأنّهما أهل الوقف.

و لو مات أحد البنين الثلاثة عن غير ولد و خلّف أخويه و ابني أخ، فنصيبه لأخويه دون ابني أخيه؛ لأنّهما ليسا من أهل الوقف ما دام أبوهما حيّا، فإذا مات أبوهما صار نصيبه لهما، فإذا مات الثالث كان نصيبه لابني أخيه بالسويّة إن لم يخلّف ولدا، و إن(1) خلّف ابنا واحدا فله نصيب أبيه، و هو النصف، و لا بني عمّه النصف لكلّ واحد الربع.».

ص: 202


1- في الطبعة الحجريّة: «فإن».

و لو قال: من مات منهم عن غير ولد كان ما كان جاريا عليه جاريا على من هو في درجته، فإن كان الوقف مرتّبا بطنا بعد بطن، كان نصيب الميّت عن غير ولد لأهل البطن الذي هو منه.

و إن كان مشتركا بين البطون كلّها، احتمل أن يكون نصيبه بين أهل الوقف كلّهم؛ لأنّهم في استحقاق الوقف سواء، فكانوا في درجته من هذه الجهة، و لأنّا لو صرفنا نصيبه إلى بعضهم أفضى إلى تفضيل بعضهم على بعض، و التشريك يقتضي التسوية، فعلى هذا يكون وجود هذا الشرط كعدمه؛ لأنّه لو سكت عنه كان الحكم فيه كذلك.

و يحتمل أن يعود نصيبه إلى سائر أهل البطن الذي هو منه؛ لأنّهم في درجته في القرب إلى الجدّ الذي يجمعهم، و يستوي في ذلك إخوته و بنو عمّه و بنو بني (عمّه و بنو بني)(1) عمّ أبيه؛ لأنّهم سواء في القرب، و لأنّا لو شرّكنا بين أهل الوقف كلّهم في نصيبه لم يكن في هذا(2) الشرط فائدة، و الظاهر أنّه قصد شيئا يفيد، فعلى هذ إن لم يكن في درجته أحد بطل هذا الشرط، و كان الحكم فيه كما لو لم يذكره.

و إن كان الوقف على البطن الأوّل على أنّ من مات منهم عن ولد انتقل نصيبه إلى ولده و من مات عن غير ولد انتقل نصيبه إلى من في درجته، ففيه للعامّة ثلاثة أوجه.

أحدها: أن يكون نصيبه بين أهل الوقف كلّهم يتساوون فيه، سواء كانوا من بطن واحد أو من بطون، و سواء تساوت أنصباؤهم في الوقف أو».

ص: 203


1- ما بين القوسين لم يرد في النّسخ الخطّيّة.
2- في «ر» و الطبعة الحجريّة: «لهذا» بدل «في هذا».

اختلفت؛ لما تقدّم.

و الثاني: أن يكون لأهل بطنه، سواء كانوا من أهل الوقف أو لم يكونوا، مثل أن يكون البطن الأوّل ثلاثة فمات أحدهم عن ابن ثمّ مات الثاني عن ابنين فمات أحد الابنين و ترك أخاه و ابن عمّه و عمّه و ابنا لعمّه الحيّ، فيكون نصيبه بين أخيه و ابني عمّه.

و الثالث: أن يكون لأهل بطنه من أهل الوقف، فيكون على هذا لأخيه و ابن عمّه الذي مات أبوه(1).

و إن كان في درجته في النسب من ليس من أهل الاستحقاق بحال، كرجل له أربعة بنين وقف على ثلاثة منهم على هذا الوجه المذكور و ترك الرابع، فمات أحد الثلاثة عن غير ولد، لم يكن للرابع فيه شيء؛ لأنّه ليس من أهل الاستحقاق، فأشبه ابن عمّهم.

مسألة 117: قد بيّنّا أنّه يجب اتّباع ما شرطه الواقف في وقفه

إذا لم يناف مقتضى الشرع و لا مقتضى الوقف، فلو قال: وقفت على أولادي فإذا انقرض أولادي و أولاد أولادي فعلى الفقراء، فهو وقف منقطع الوسط؛ لأنّه لم يجعل لأولاد الأولاد شيئا، و إنّما جعل انقراضهم شرطا في استحقاق الفقراء، و هو قول أكثر علمائنا(2) و أكثر الشافعيّة(3).

و قال الباقون: إنّ أولاد الأولاد يستحقّون بعد انقراض أولاد الصلب؛ لأنّ

ص: 204


1- المغني 226:6، الشرح الكبير 243:6.
2- حكاه المحقّق الحلّي في شرائع الإسلام 220:2 بعنوان «قيل» ثمّ قال: و هو أشبه.
3- المهذّب - للشيرازي - 451:1، الوسيط 253:4، حلية العلماء 30:6، التهذيب - للبغوي - 521:4، البيان 77:8، العزيز شرح الوجيز 281:6، روضة الطالبين 404:4.

اشتراط انقراضهم يشعر بإثبات الاستحقاق لهم(1). و ليس بشيء.

و لو وقف على بنيه الأربعة و شرط أنّ من مات منهم و له عقب فنصيبه لعقبه، و من مات منهم و لا عقب له فنصيبه لسائر أرباب الوقف، ثمّ مات أحدهم عن ابن، و آخر عن ابنين، و ثالث عن غير عقب، يجعل نصيب الثالث بين الرابع و ابن الأوّل و ابني الثاني بالسويّة.

و لو قال: وقفت على بنيّ الخمسة و على من سيولد لي على ما أفصّله، ثمّ فصّل و قال: ضيعة كذا لابني فلان، و حصّة كذا لفلان، إلى أن ذكر الخمسة، ثمّ قال: و أمّا من سيولد لي فنصيبه إن مات من الخمسة و لا عقب له يصرف حقّه إليه، فمات واحد و لا عقب له و ولد للواقف ولد، صرف إليه نصيب من مات من غير عقب، و ليس له أن يطلب شيئا آخر؛ لقوله أوّلا: وقفت على بنيّ و على من سيولد لي، فإنّ التفصيل أخيرا بيّن ما أجمله أوّلا.

مسألة 118: لو شرط في الوقف تفضيل بعضهم على بعض أو تقديمه أو المساواة بينهم،

جاز، و اتّبع شرطه، و لا نعلم فيه خلافا، فلو قال:

وقفت على أولادي و أولاد أولادي و هكذا على أنّ للذكر سهمين و للأنثى سهما، أو قال: للذكر مثل حظّ الأنثيين، أو على حسب ميراثهم، أو على كتاب اللّه تعالى، كان للذكر ضعف الأنثى، لأنّ الكاظم عليه السّلام لمّا وقف أرضه قسّمها للذكر مثل حظّ الأنثيين، و شرط أنّ من تزوّج من النساء فلا حظّ لها في هذه الصدقة حتى ترجع بغير زوج(2).

و قدّمت فاطمة عليها السّلام في وقفها أمير المؤمنين ثمّ الحسن ثمّ الحسين عليهم السّلام

ص: 205


1- نفس المصادر.
2- الكافي 53:7-8/54، الفقيه 647/184:4، التهذيب 610/149:9.

ثمّ الأكبر من ولدها(1).

و لو شرط في وقفه تفضيل الأنثى على الذكر أو مساواتها له، صحّ.

و بالجملة، تجب مراعاة شرط الواقف في قدر ما لكلّ واحد و في صفات المستحقّين و في زمان الاستحقاق.

و لو وقف على العلماء، لم يعط غيرهم.

و لو شرط أن يكونوا على مذهب كذا أو شرط الفقر أو الغربة أو الشيخوخة، لزم ذلك كلّه، و لم تجز المخالفة لما شرطه.

و لو وقف على أبنائه الفقراء أو على بناته الأرامل، فمن استغنى منهم أو تزوّج منهنّ خرج عن الاستحقاق، فلو عاد فقيرا أو طلّقها زوجها عاد الاستحقاق.

و لو وقف على أمّهات أولاده إلاّ من تزوّج منهنّ، فتزوّجت واحدة، خرجت عن الاستحقاق، و إن طلّقت لم يعد الاستحقاق، و الفرق بينهنّ و بين بناته أمّا من جهة اللفظ فإنّه هناك أثبت الاستحقاق لبناته إذا كنّ أرامل، و إذا طلّقت حصلت الصفة، و هنا أثبت الاستحقاق لها إلاّ أن تتزوّج، و هذه و إن طلّقت صدق عليها أنّها تزوّجت، و أمّا من جهة المعنى فإنّ غرض الواقف هنا أن تفي له أمّهات الأولاد و لا يخلفه عليهنّ غيره، فمن تزوّجت منهنّ لم تكن وافية، طلّقت أو لم تطلّق.

مسألة 119: لو وقف على أولاده و شرط أن يكون غلّة السنة الأولى إلى واحد

و غلّة السنة الثانية إلى آخر و الثالثة إلى ثالث و هكذا ما بقوا، ثمّ إذا انتقل إلى الفقراء صرف غلّة السنة الأولى من سني الانتقال إلى العلماء من الفقراء، و غلّة السنة الثانية إلى القرّاء من الفقراء، و غلّة السنة الثالثة إلى

ص: 206


1- تقدّم تخريجه في ص 163، الهامش (5).

الفقهاء من الفقراء، و هكذا ما بقوا، تبع شرطه؛ لأنّه سائغ.

و لو وقف على قرابته من قبل أبيه و على قرابته من قبل أمّه ضيعة و شرط أن يخرج منها مقدار معيّن إلى أجنبيّ، صحّ ذلك، و لم يكن لقرابته شيء حتّى يستوفي صاحب المقدار ما قدّر له؛ لأنّ جعفر بن حيّان(1) سأل الصادق عليه السّلام: عن رجل أوقف غلّة على قرابة من أبيه و قرابة من أمّه و أوصى لرجل و لعقبه من تلك الغلّة - ليس بينه و بينه قرابة - بثلاثمائة [درهم] كلّ سنة و يقسّم الباقي على قرابته من أبيه و من أمّه، قال: «جائز للّذي أوصي له بذلك» قلت: أرأيت إن لم يخرج من غلّة الأرض التي أوقفها إلاّ خمسمائة درهم، فقال: «أليس أن يعطى الذي أوصي له من الغلّة ثلاثمائة درهم و يقسّم الباقي على قرابته من أبيه و من أمّه ؟» قلت: نعم، قال: «ليس لقرابته أن يأخذوا من الغلّة شيئا حتّى يستوفي الموصى له ثلاثمائة درهم ثمّ لهم ما يبقى بعد ذلك» قلت: أرأيت إن مات الذي أوصي له، قال: «إن مات كانت الثلاثمائة [درهم] لورثته يتوارثونها ما بقي أحد منهم، فإذا انقطع ورثته و لم يبق منهم واحد كانت الثلاثمائة درهم لقرابة الميّت تردّ إلى ما يخرج من الوقف ثمّ يقسّم بينهم يتوارثون ذلك ما بقوا و بقيت الغلّة» قلت: فللورثة قرابة الميّت أن يبيعوا الأرض إذا احتاجوا و لم يكفهم ما يخرج من الغلّة ؟ قال: «نعم إذا رضوا كلّهم و كان البيع خيرا لهم باعوا»(2).

مسألة 120: اسم المولى يقع على السيّد الذي أعتق عبده،

و يقال له:

ص: 207


1- في الفقيه و التهذيب: «جعفر بن حنّان».
2- الكافي 29/35:7، الفقيه 179:4-630/180، التهذيب 133:9-565/134، و ما بين المعقوفين أثبتناه منها.

المولى من أعلى، و على العبد الذي أعتقه سيّده، و يقال له: المولى من أسفل بالاشتراك، فإذا وقف على مولاه و ليس إلاّ أحدهما (فالوقف عليه)(1).

و لو وجدا معا، فإن كان هناك قرينة تدلّ على أحدهما صرف إليه؛ عملا بالقرينة.

و إن انتفت القرائن، قال الشيخ رحمه اللّه: ينصرف إليهما معا؛ لأنّ كلّ واحد منهما يقع عليه اسم المولى حقيقة، فانصرف إليهما، كولده(2).

و هو قول أبي حنيفة و أحد وجوه الشافعيّة(3).

و قال بعضهم: ينصرف إلى المولى من فوق؛ لأنّه أقوى جنبة، فإنّه يرث، بخلاف المولى من أسفل، فإنّه لا يرث، و لأنّه منعم عليه فكان أولى بالمكافأة(4) ، و به قال ابن حمزة(5) من علمائنا.

و الوجه الثالث: أنّه يبطل الوقف؛ لأنّه وقفه(6) على مجهول، لأنّ المولى من أسماء الأضداد، لأنّه يقع على المعتق و المعتق، و لا يمكن حمل اللفظ فيه على العموم، و إنّما يحمل على العموم أسماء الأجناس،».

ص: 208


1- بدل ما بين القوسين في الطبعة الحجريّة: «صرف الوقف إليه».
2- الخلاف 546:3، المسألة 14، المبسوط - للطوسي - 295:3.
3- الحاوي الكبير 530:7، المهذّب - للشيرازي - 452:1، نهاية المطلب 8: 402، الوجيز 247:1، حلية العلماء 32:6، التهذيب - للبغوي - 522:4 - 523، البيان 85:8، العزيز شرح الوجيز 280:6، روضة الطالبين 403:4، الشرح الكبير 260:6-261.
4- الحاوي الكبير 530:7، المهذّب - للشيرازي - 452:1، نهاية المطلب 8: 402، الوجيز 247:1، حلية العلماء 32:6، التهذيب - للبغوي - 522:4 - 523، البيان 85:8، العزيز شرح الوجيز 280:6، روضة الطالبين 403:4، الشرح الكبير 260:6-261.
5- لم نعثر عليه في الوسيلة.
6- في الطبعة الحجريّة: «وقف».

كالمسلمين، فلمّا تعذّر ذلك بطل(1).

و هو المعتمد عندي؛ لأنّ اللفظ المشترك لا يستعمل في كلا معنييه إلاّ بنوع من المجاز، و هو يدلّ على أحد المعنيين فصار بمنزلة قوله: وقفت على أحد هذين.

و هنا وجه رابع لبعض الشافعيّة: أنّه يكون للعتيق؛ لاطّراد العادة بإحسان السادة إلى العتقاء(2).

أمّا لو وقف على مواليه بلفظ الجمع، فإنّه يندرج الموليان معا فيه.

مسألة 121: إذا وقف على عترته،

قال ابن الأعرابي و ثعلب: إنّهم ذرّيّته(3).

و قال القتيبي: إنّهم عشيرته(4).

و للشافعيّة فيه وجهان، أظهرهما: الثاني(5) ، و قد روي ذلك عن زيد بن أرقم(6).

و [قال] ابن إدريس: إنّه للأخصّ من قومه و عشيرته؛ استدلالا بقول ثعلب و ابن الأعرابي(7).

و قال بعض علمائنا: إنّه يكون لذرّيّته. و استدلّوا أيضا بقول ثعلب و ابن الأعرابي(8).

ص: 209


1- نفس المصادر في الهامش (3 و 4) من ص 208.
2- العزيز شرح الوجيز 280:6، روضة الطالبين 403:4.
3- المهذّب - للشيرازي - 451:1، الوسيط 253:4، التهذيب - للبغوي - 4: 521، البيان 74:8، العزيز شرح الوجيز 280:6، روضة الطالبين 402:4.
4- المهذّب - للشيرازي - 451:1، الوسيط 253:4، التهذيب - للبغوي - 4: 521، البيان 74:8، العزيز شرح الوجيز 280:6، روضة الطالبين 402:4.
5- العزيز شرح الوجيز 280:6، روضة الطالبين 402:4.
6- العزيز شرح الوجيز 280:6، روضة الطالبين 402:4.
7- السرائر 158:3.
8- ابن زهرة في الغنية: 299، و الكيدري في إصباح الشيعة: 347.

و المرجع في ذلك كلّه إلى أهل اللغة.

و لو وقف على عشيرته، كان على الخاصّ من قومه الذين هم أقرب الناس إليه في نسبه، قاله الشيخان(1) - رحمهما اللّه - و جماعة من علمائنا(2).

و قال بعضهم: يعمل بالمعلوم من قصده، فإن لم يعرف مقصوده عمل بعرف قومه في ذلك الإطلاق(3).

و قالت الشافعيّة: إذا قال: على عشيرتي، فهو كما لو قال: على قرابتي(4).

و لو قال: على قبيلتي، أو عشيرتي، قال بعض الشافعيّة: لم يدخل فيه إلاّ قرابة الأب(5).

و لو قال: على قرابتي، دخل فيه من كان مشهورا بقرابته.

فإن ولد له قرابة بعد الوقف، دخل، و هو قول أكثر الشافعيّة(6).

و قال بعضهم: لا يدخل فيه من حدث(7).

و هو غلط؛ لأنّه لو قال: وقفت على أولادي و أولاد أولادي، دخل فيه من يحدث.

و لو قال: وقفت هذا على أهل بيتي، فهو لأقاربه من قبل الرجال و النساء.4.

ص: 210


1- المقنعة: 655، النهاية: 599.
2- كسلاّر في المراسم: 198، و ابن البرّاج في المهذّب 91:2، و إبن إدريس في السرائر 164:3.
3- الحلبي في الكافي في الفقه: 327.
4- التهذيب - للبغوي - 521:4، العزيز شرح الوجيز 280:6، روضة الطالبين 4: 402.
5- العزيز شرح الوجيز 281:6، روضة الطالبين 403:4.
6- المهذّب - للشيرازي - 451:1، حلية العلماء 31:6، التهذيب - للبغوي - 520:4، البيان 80:8، العزيز شرح الوجيز 281:6، روضة الطالبين 403:4.
7- المهذّب - للشيرازي - 451:1، حلية العلماء 31:6، التهذيب - للبغوي - 520:4، البيان 80:8، العزيز شرح الوجيز 281:6، روضة الطالبين 403:4.

و لو قال: وقفت على أقرب الناس إليّ، فهم الأبوان و الولد و إن سفلوا، فلا يكون لأحد من ذوي القرابة شيء ما لم يعدم المذكورون، ثمّ الأجداد و الإخوة و إن نزلوا، ثمّ الأعمام و الأخوال على ترتيب الإرث، لكن يتساوون في الاستحقاق، إلاّ أن يعيّن التفضيل.

قال الشيخ رحمه اللّه: إذا قال: وقفت على أولادي ما تعاقبوا، فإن انقرضوا فعلى أقرب الناس إليّ، فإنّ الوقف على أولاده ما تناسلوا، فإذا انقرضوا فأقرب الناس إليه بعد البنين الآباء و الأمّهات، فإن كان أبوه حيّا صرف إليه، و كذا إن كانت أمّه حيّة صرف إليها، و إن كانا حيّين فإليهما، فإن كان له جدّ و أم فالأم أقرب يصرف إليها، و أبو الأم و أبو الأب سواء؛ لأنّهما في درجة واحدة في الولادة، و على هذا فإن اجتمع أخ و جدّ فهو بينهما، و إن اجتمع إخوة متفرّقون كان الأخ من الأب و الأم أولى من غيره؛ لأنّ الانفراد بقرابة يجري مجرى التقدّم بدرجة، فتكون الإخوة من الأب و الإخوة من الأم بمنزلة بني الإخوة مع الأخ، و لهذا كان أولى بالميراث، فإذا اجتمع أخ من أب و ابن أخ من أب و أم، قدّم الأخ من الأب؛ لأنّ التقدّم حصل في جنبته، و حصل في جنبة ابن الأخ انفراد بقرابة هو بمنزلة التقدّم، و هذا كما نقول في الولاء بمنزلة النسب، فإذا اجتمعا قدّم النسب عليه(1).

و قال ابن حمزة من علمائنا: إذا قال: على أقرب الناس إليّ، كان على من هو أولى بميراثه(2).

و هو يعطي الاعتبار بالإرث، و ذلك يستلزم تشارك الإخوة من الأم مع الإخوة من الأبوين.1.

ص: 211


1- المبسوط - للطوسي - 297:3.
2- الوسيلة: 371.
مسألة 122: لو وقف على زيد بشرط أن يسكن موضع كذا ثمّ من بعده على الفقراء و المساكين،

فهذا وقف فيه انقطاع؛ لأنّ الفقراء إنّما يستحقّون بعد انقراضه، و استحقاقه مشروط بشرط قد يتخلّف.

و الصفة و الاستثناء عقيب الجمل المعطوف بعضها على بعض يرجعان إلى الكلّ.

مثال الصفة: وقفت على أولادي و أحفادي و إخوتي المحاويج منهم.

و مثال الاستثناء: وقفت على أولادي و أحفادي و إخوتي إلاّ أن يفسق واحد منهم.

هكذا أطلقه الشافعيّة(1).

و الجويني قيّده بقيدين:

أحدهما: أن يكون العطف بالواو الجامعة، و أمّا إذا كان العطف بكلمة «ثمّ» قال: يختصّ الصفة و الاستثناء بالجملة الأخيرة.

و الثاني: أن لا يتخلّل بين الجملتين كلام طويل، فإن تخلّل - كما لو قال: وقفت على أولادي على أنّ من مات منهم و أعقب فنصيبه بين أولاده للذكر مثل حظّ الأنثيين، و إن لم يعقب فنصيبه للّذين في درجته، فإذا انقرضوا فهو مصروف إلى إخوتي إلاّ أن يفسق أحدهم - فالاستثناء يختصّ بالأخيرة(2).

و الصفة المتقدّمة على جميع الجمل - مثل أن يقول: وقفت على محاويج أولادي و أولاد أولادي و إخوتي - كالمتأخّرة عن جميعها حتى

ص: 212


1- العزيز شرح الوجيز 282:6، روضة الطالبين 404:4-405.
2- نهاية المطلب 364:8-365، و عنه في العزيز شرح الوجيز 282:6، و روضة الطالبين 405:4.

يعتبر الحاجة في الكلّ.

و لو شرط إخراج بعضهم بصفة و ردّه بصفة، مثل: أن يقول: من تزوّج من أولادي فلا شيء له فإن فارق رجع حقّه، أو قال: من سكن الوقف كان له نصيب فإن تحوّل فلا نصيب له و إن عاد عاد نصيبه، أو يشرط:

من خرج من مذهب إلى مذهب بطل نصيبه فإن عاد إليه عاد نصيبه، فإنّ هذا كلّه شرط صحيح.

لا يقال: قد جعلتم الوقف معلّقا بشرط، و عندكم لو قال: إذا جاء رأس الشهر فقد وقفت كذا و كذا، لم يصح.

لأنّا نقول: لم نجعل - فيما قلناه - الشرط في أصل الوقف، فإنّ الوقف حاصل بالعقد، و إنّما علّق استحقاق غلّته بأوصاف و شروط، و ذلك جائز، و هذا كما في الوكالة لو علّقها بشرط لم تصح، و إن أطلق الوكالة و علّق التصرّف فيها بشرط جاز.

مسألة 123: إذا وقف على جيرانه،

قال الشيخان رحمهما اللّه: كان لمن يلي داره إلى أربعين ذراعا من جميع الجهات(1) ، و هو قول أكثر علمائنا(2).

و قال بعضهم: يصرف إلى من يطلق عليه اسم الجار عرفا(3).

و قال آخرون: يصرف إلى من يلي داره إلى أربعين دارا(4).

ص: 213


1- المقنعة: 653، النهاية: 599.
2- منهم: سلاّر في المراسم: 198، و الحلبي في الكافي في الفقه: 326، و ابن البرّاج في المهذّب 91:2، و ابن زهرة في الغنية: 299، و ابن حمزة في الوسيلة: 371، و ابن إدريس في السرائر 163:3، و الكيدري في إصباح الشيعة: 347.
3- قال به المحقّق الحلّي في شرائع الإسلام 215:2.
4- كما في شرائع الإسلام 215:2.

و الوجه: الرجوع إلى العرف الجاري بين الناس؛ لأنّ عادة الشارع حمل اللفظ عليه عند عدم الحقيقة الشرعيّة.

و لو وقف على قومه، قال الشيخان رحمهما اللّه: يكون ذلك على جماعة أهل لغته من الذكور دون الإناث(1) ، و تبعهما جماعة من علمائنا(2).

و قال بعضهم: يعمل بالمعلوم من قصده، فإن لم يعرف مقصده عمل بعرف قومه في ذلك الإطلاق(3).

و قال سلاّر منّا: يكون لجماعة أهل لغته(4) ، و لم يخص الذكور بالذّكر.

و قال ابن إدريس: يكون مصروفا إلى الرجال من قبيلته ممّن ينطلق في العرف بأنّهم أهله دون من سواهم؛ لقوله تعالى: لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ... وَ لا نِساءٌ مِنْ نِساءٍ (5).

و قال زهير:

و ما أدري و سوف إخال أدري أقوم آل حصن أم نساء(6)

و هذا يدلّ على اختصاص الذكور، و على الاختصاص بالقرابة قول الشاعر:6.

ص: 214


1- المقنعة: 655، النهاية: 599.
2- منهم: ابن البرّاج في المهذّب 91:2، و ابن زهرة في الغنية: 299، و ابن حمزة في الوسيلة: 371.
3- الحلبي في الكافي في الفقه: 327.
4- المراسم: 198.
5- سورة الحجرات: 11.
6- شعر زهير بن أبي سلمي: 136، و ورد البيت في المعاني الكبير في أبيات المعاني 593:1، و الاشتقاق - لابن دريد -: 46، و جمهرة اللغة - له أيضا - 2: 977-978، و الصحاح 2016:5 «قوم»، و الصاحبي - لابن فارس -: 306.

قومي هم قتلوا أميم أخي فإذا رميت يصيبني سهمي(1)(2)

و لو وقف على أهل بيته، فهم أقاربه من قبل الرجال و النساء، و به قال الشافعي(3).

و لو وقف على مستحقّي الخمس، قال الشيخ رحمه اللّه: كان ذلك على ولد أمير المؤمنين عليه السّلام و ولد العبّاس و جعفر و عقيل(4).

و الحقّ: أنّه يكون لأولاد هاشم كافّة: الذكور و الإناث؛ لأنّهم المستحقّون للخمس، و هم الآن أولاد أبي طالب و العبّاس و الحارث و أبي لهب، و ليس لبني المطلّب فيه شيء على رأي.

و لو وقف على العلويّين، فهو لأولاد عليّ عليه السّلام: الذكور و الإناث، و أولاد أولادهم إذا كانوا أولاد بنين دون أولاد البنات على رأي.

مسألة 124: و اختلف العامّة في أنّ الأفضل التسوية بين الذكر و الأنثى؛

لأنّ القصد القرابة على وجه الدوام، و قد استويا في القرابة، أو جعل الذكر ضعف الأنثى ؟ على حسب قسمة اللّه تعالى الميراث(5) ؛ لأنّه إيصال المال إليهم، فينبغي أن يكون بينهم على حسب الميراث، كالعطيّة، و لأنّ الذكر في مظنّة الحاجة أكثر من الأنثى؛ لأنّ كلّ واحد منهما في العادة يتزوّج و يكون له الولد، فالذكر تجب عليه نفقة امرأته و أولاده، و المرأة ينفق

ص: 215


1- البيت للحارث بن وعلة الذهلي، و هو في ديوان الحماسة: 64، و الأمالي - لأبي علي القالي - 262:1، و محاضرات الأدباء - للراغب الاصفهاني - 3: 342، و في عيون الأخبار - لابن قتيبة الدينوري - 100:3 بلا نسبة.
2- السرائر 164:3.
3- راجع: الحاوي الكبير 529:7، و حلية العلماء 28:6-29.
4- النهاية: 599.
5- سورة النساء: 11.

عليها زوجها و لا تلزمها نفقة أولادها، و قد فضّل اللّه تعالى الذكر على الأنثى في الميراث على وفق هذا المعنى، فيصحّ تعليله به، و يتعدّى إلى الوقف و إلى غيره من العطايا(1).

المطلب الثاني: فيما يتعلّق بالمعاني.
مسألة 125: مقتضى الوقف: اللزوم في الحال،

سواء أضافه إلى ما بعد الموت أو لم يضفه، و سواء قضى به قاض أو لم يقض، عند علمائنا أجمع، و به قال أحمد في إحدى الروايتين(2).

و الشافعي و إن وافقنا على اللزوم(3) إلاّ أنّه لا يشترط القبض على ما تقدّم(4).

و قال أبو حنيفة: الوقف كالعارية يرجع فيه متى شاء إلاّ أن يوصي به فيلزم بعد الموت، أو يقضي به قاض فيلزم(5).

و إذا لزم الوقف، امتنعت التصرّفات القادحة في غرض الوقف.

و شرط الوقف ثابت على الواقف و على غيره؛ لقول العسكري عليه السّلام:

«الوقوف على حسب ما يوقفها أهلها»(6).

و لأنّ الكاظم عليه السّلام لمّا وقف أرضه قال في آخر شرطه: «تصدّق فلان بصدقته هذه و هو صحيح صدقة بتّا بتلا لا مشوبة فيها و لا ردّ، ابتغاء وجه

ص: 216


1- المغني 233:6، الشرح الكبير 248:6-249.
2- المغني 209:6، الشرح الكبير 228:6 و 265.
3- الحاوي الكبير 511:7، المهذّب - للشيرازي - 449:1، الوسيط 255:4، حلية العلماء 7:6، التهذيب - للبغوي - 510:4، البيان 48:8، العزيز شرح الوجيز 283:6، روضة الطالبين 405:4، الإفصاح عن معاني الصحاح 45:2.
4- في ص 116، ذيل المسألة 57.
5- راجع: الهامش (1) من ص 115.
6- تقدّم تخريجه في ص 165، الهامش (3).

اللّه و الدار الآخرة، لا يحلّ لمؤمن يؤمن باللّه و اليوم الآخر أن يبيعها و لا يبتاعها و لا يهبها و لا ينحلها و لا يغيّر شيئا منها حتّى يرث اللّه الأرض و من عليها»(1).

و لو كانت كالعارية لم يحرم ذلك كلّه.

مسألة 126: إذا وقف و أقبض زال ملكه عنه عند أكثر علمائنا

(2) - و هو المشهور من مذهب الشافعي، و به قال أبو حنيفة و أحمد في إحدى الروايتين(3) - لأنّ الوقف سبب يزيل التصرّف في الرقبة و المنفعة فأزال الملك، كالعتق، و لأنّه لو كان باقيا على ملكه لرجعت إليه قيمته، كالملك المطلق.

و قال مالك: إنّ الواقف لا يزول ملكه عن الوقف - و هو أحد قولي الشافعي - لقوله عليه السّلام: «حبّس الأصل و سبّل الثمرة»(4) و لأنّ شرطه يتّبع، و لو زال لما اتّبع(5).

ص: 217


1- الفقيه 647/185:4.
2- منهم: الشيخ الطوسي في المبسوط 287:3، و ابن زهرة في الغنية: 298، و ابن إدريس في السرائر 152:3 و 153.
3- الحاوي الكبير 515:7، المهذّب - للشيرازي - 449:1، حلية العلماء 13:6، التهذيب - للبغوي - 516:4، البيان 64:8، العزيز شرح الوجيز 283:6، روضة الطالبين 406:4، الفقه النافع 724/1002:3، الذخيرة 327:6، المغني 209:6، الشرح الكبير 228:6.
4- تقدّم تخريجه في ص 114، الهامش (2).
5- الإشراف على نكت مسائل الخلاف 1194/672:2، عيون المجالس 4: 1286/1823، عقد الجواهر الثمينة 972:3، الذخيرة 327:6، الحاوي الكبير 515:7، المهذّب - للشيرازي - 449:1، حلية العلماء 13:6، التهذيب - للبغوي - 517:4، البيان 64:8، العزيز شرح الوجيز 283:6، روضة الطالبين 406:4، المغني 209:6.

و لا حجّة فيه؛ لأنّ المراد به أن يكون محبوسا لا يباع و لا يوهب و لا يورث، و الملك إنّما زال على هذا الحدّ من الشرائط.

و فائدة الخلاف: أنّا إذا حكمنا ببقاء ملكه لزمه مراعاته و الخصومة فيه، و يحتمل أن يلزمه أرش جنايته، كما يفدي أمّ الولد سيّدها لمّا تعذّر تسليمها، بخلاف غير المالك.

و ربّما احتجّ من قال ببقاء ملك الواقف عليه: بأنّ الوقف المنقطع ينصرف بعد الانقراض إلى أقرب الناس إلى الواقف(1). و الفرق ظاهر.

و إذا ثبت زوال ملك الواقف عنه، فإنّه ينتقل إلى الموقوف عليه(2) عند أكثر علمائنا(3) - و به قال أحمد و الشافعي في أحد القولين(4) - لأنّه مال، لأنّ أحكام الماليّة ثابتة فيه، و لهذا يضمن بالقيمة، فكان ملكا، و المنع من البيع لا يخرجه عن الماليّة، كأمّ الولد.

و قال جماعة من علمائنا: إنّه ينتقل إلى اللّه تعالى(5) - و به قالم.

ص: 218


1- راجع: العزيز شرح الوجيز 283:6.
2- في الطبعة الحجريّة: «الموقوف عليهم».
3- كالشيخ الطوسي في المبسوط 287:3، و ابن زهرة في الغنية: 298، و ابن إدريس في السرائر 154:3، و المحقّق الحلّي في شرائع الإسلام 218:2، و الكيدري في إصباح الشيعة: 346.
4- المغني 211:6، الشرح الكبير 229:6، الحاوي الكبير 515:7، المهذّب - للشيرازي - 449:1، الوسيط 255:4-256، حلية العلماء 13:6، التهذيب - للبغوي - 516:4، البيان 64:8، العزيز شرح الوجيز 283:6، روضة الطالبين 406:4، الإفصاح عن معاني الصحاح 45:2، الإشراف على نكت مسائل الخلاف 1194/672:2، عيون المجالس 1286/1825:4.
5- نسبه الشيخ الطوسي في المبسوط 287:3، و إبن إدريس في السرائر 154:3 إلى قوم.

أبو حنيفة في الوقف اللازم(1) - لأنّه أزال ملكه عن العين و المنفعة على وجه القربة بتمليك المنفعة، فانتقل الملك فيه إلى اللّه تعالى، كالعتق، و لأنّه لو انتقل إليه لافتقر إلى قبوله، كسائر الأملاك.

ثمّ نقضوا دليل أولئك ببواري المساجد و آلاتها، فإنّها تضمن بالقيمة و ملكها للّه تعالى.

و نمنع عدم الافتقار إلى القبول، و القياس ليس حجّة عندنا، و تظهر فائدة الملك في وجوب الزكاة في الغنم الموقوفة و النفقة على العبد.

و اعلم أنّ الشافعي قال تارة بأنّ ملك الواقف يزول عن رقبة الوقف و أنّ الموقوف عليه لا يملكها، و إنّما يملك المنفعة. و قال في الشهادات:

إنّ مدّعي الوقف إذا أقام شاهدا واحدا حلف معه. و هو يدلّ على أنّه ملك الوقف.

و لأصحابه في المسألة طرق، فقالوا: إنّ في طرق الواقف قولين:

أصحّهما: أنّ ملكه يزول؛ لأنّه تصرّف يقطع تصرّفه في الرقبة و استحقاقه المنفعة، فأشبه العتق و الصدقة.

و الثاني - و به قال مالك -: أنّه لا يزول ملكه؛ لأنّ شرطه متّبع، و لو زال لما اتّبع.

و على القول بالانتقال فإلى من ينتقل ؟

أظهر الطّرق: أنّه على قولين:

أصحّهما عندهم - و به قال أبو حنيفة -: أنّه ينتقل إلى اللّه تعالى،6.

ص: 219


1- حلية العلماء 13:6، العزيز شرح الوجيز 283:6، الإفصاح عن معاني الصحاح 45:2، المغني 211:6، الشرح الكبير 229:6.

كالعتق، و معناه أنّه ينفكّ عن اختصاصات الآدميّين.

و الثاني - و به قال أحمد -: أنّه ينتقل إلى الموقوف عليه، كالصدقة.

و الطريقة الثانية: القطع بالأوّل، و ثبوته بالشاهد و اليمين؛ لأنّ المقصود منه إظهار استحقاق المنفعة، لا لأنّ الرقبة ملك له، فيحلف مدّعي الوقف مع الشاهد(1) ؛ لأنّ المقصود من الوقف المنفعة، و هي مال يثبت بالشاهد و اليمين، بخلاف حرّيّة العبد؛ لأنّ المقصود منها تكميل أحكامه.

و الثالثة: القطع بالقول الثاني، و حمل ما ذكره في الوقف على أنّه لا يملك البيع و نحوه من التصرّفات(2).

هذا كلّه فيما إذا وقف على شخص معيّن أو جهة عامّة، أمّا إذا جعل البقعة مسجدا أو مقبرة، فهو فكّ عن الملك، كتحرير الرقيق، فينقطع عنها اختصاصات الآدميّين بلا خلاف فيه.

و قال بعض الشافعيّة: إن وقف على معيّن فهو ملك الموقوف عليه بلا خلاف، و إن وقف على جهة عامّة فالملك للّه بلا خلاف(3).

و قيل: إنّه على الأقوال الثلاثة في الصورتين(4).

و استبعد بعضهم نقل الملك إلى اللّه تعالى في الوقف على المعيّن؛ لأنّه ليس من القربات، و نقل الملك إلى الموقوف عليه في الجهات العامّة؛ لأنّ الوقف قد يكون على الرباطات و القناطر و ما لا ينسب إليه ملك(5).6.

ص: 220


1- في النّسخ الخطّيّة: «شاهده» بدل «الشاهد».
2- العزيز شرح الوجيز 283:6، روضة الطالبين 406:4.
3- العزيز شرح الوجيز 284:6، روضة الطالبين 406:4.
4- العزيز شرح الوجيز 284:6.
5- الغزالي في الوسيط 256:4، و عنه في العزيز شرح الوجيز 284:6.

و الأظهر عندهم من الأقوال: إضافة الملك إلى اللّه تعالى(1).

و لهم أن يجيبوا بالمنع من كون الوقف على المعيّن ليس قربة، و لو سلّم فليس المعنى بكون الملك للّه تعالى سوى انفكاك المحلّ عن ملك الآدميّين و اختصاصهم، و ذلك لا يتوقّف على القربة و قصدها، فإنّ الكافر إذا أعتق صار العتق للّه تعالى و إن لم يكن فيه قربة(2).

و يمنع انتفاء الملك عن المسجد و الرباط، فقد يكون لهما ملك كما يكون عليهما وقف.

مسألة 127: لمّا كان الوقف عبارة عن تحبيس الأصل و تسبيل المنفعة

اقتضى أن تكون فوائده و منافعه للموقوف عليه يتصرّف فيها كيف شاء تصرّف المالكين في أملاكهم من البيع و الهبة و الوقف و غير ذلك، فإنّ الوقف لذلك وضع.

فإن كان الوقف شجرة، ملك الموقوف عليه ثمارها ملكا تامّا، و أمّا أغصانها فإن كانت معتادة القطع فهي كالثمرة يملكها ملكا تامّا، كشجرة الخلاف، فأغصانها كثمار غيرها، و إن لم تكن معتادة القطع فهي كالأصل.

و لو كانت نخلا و كان الطلع موجودا حال الوقف، فالوجه: أنّه لا يدخل في الوقف، سواء أبّر أو لا؛ لأنّه ليس جزءا من المسمّى.

و إن كان الوقف بهيمة، ملك الموقوف عليه الصوف و اللبن و الزبد.

و الأقوى في النتاج: أنّه يملكه أيضا؛ لأنّه من جملة المنافع، فأشبه اللبن و الصوف، و هو أحد وجهي الشافعيّة، و الثاني: أنّه لا يملكه الموقوف عليه بالخصوصيّة، بل يكون وقفا كالأم، حكمه حكمها تبعا لها، كما أنّ

ص: 221


1- العزيز شرح الوجيز 284:6.
2- كما في العزيز شرح الوجيز 284:6.

ولد الأضحيّة يكون أضحيّة(1).

و قطع بعض الشافعيّة [في ولد النّعم بالأوّل](2) و قال: إنّ المطلوب منها الدرّ و النسل، و الوجهان في ولد الفرس و الحمار. و حكى فيه وجها ثالثا [ضعيفا](3) أنّه لا حقّ فيه للموقوف عليه، بل يصرف إلى أقرب الناس إلى الواقف، إلاّ إذا صرّح بخلافه(4).

و هذا الخلاف في النتاج الحادث بعد الوقف، فإن وقف البهيمة و هي حامل و قلنا: إنّ الحادث بعد الوقف وقف، فهنا أولى عند الشافعيّة، و إلاّ فوجهان؛ بناء على أنّ الحمل هل له حكم أم لا؟(5).

و أمّا عندنا (فإنّ الحمل)(6) للواقف إذا كان موجودا حال الوقف، و لا يدخل في الوقف، كما لا يدخل في البيع على ما حقّقناه، إلاّ أن يشترط دخوله في الوقف فيدخل، كما يدخل في البيع مع الشرط.

و ما ذكرناه في الدرّ و النسل مفروض فيما إذا أطلق أو شرطهما للموقوف عليه، أمّا إذا وقف الدابّة على ركوب إنسان و لم يشرط الدرّ و النسل فهما للواقف، و هو أحد قولي الشافعيّة(7).7.

ص: 222


1- العزيز شرح الوجيز 285:6، روضة الطالبين 407:4.
2- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة: «في المنع بالأوّل» و في الطبعة الحجريّة: «بالمنع في الأوّل». و الصحيح الموافق للمصدر ما أثبتناه.
3- بدل ما بين المعقوفين في «ر» و الطبعة الحجريّة: «متعيّن» و في «ص، ع»: «فتعيّن». و المثبت كما في العزيز شرح الوجيز.
4- العزيز شرح الوجيز 285:6، روضة الطالبين 407:4.
5- البيان 65:8، العزيز شرح الوجيز 285:6، روضة الطالبين 407:4.
6- بدل ما بين القوسين في «ر» و الطبعة الحجريّة: «فالحمل».
7- التهذيب - للبغوي - 525:4، العزيز شرح الوجيز 285:6، روضة الطالبين 4: 407.

و قال بعضهم: حكم الدرّ و النسل حكم وقف منقطع الآخر(1).

و ليس بشيء؛ لأنّ الدرّ و النسل لا مصرف لهما أوّلا و لا آخرا، بل هما غير داخلين في الوقف.

و بالجملة، فإنّه يجوز الوقف لبعض المنافع و الفوائد خاصّة دون بعض - و هو قول بعض الشافعيّة(2) - فلو وقف ثورا للإنزاء جاز، و لا يجوز استعماله في الحراثة.

و لو وقف دابّة مأكولة اللحم، لم يجز ذبحها و إن خرجت عن حدّ الانتفاع، كما لا يجوز إعتاق العبد الموقوف.

و ينبغي على قولنا من جواز بيع الوقف - على ما يأتي بيانه(3) - جواز بيعها.

أمّا إذا بلغت إلى حال بحيث يقطع بموتها لو لم تذبح، فالوجه:

جواز ذبحها؛ للضرورة.

ثمّ اللحم للموقوف عليه إن قلنا: إنّه يملك الوقف، أو للواقف إن قلنا بعدم خروج الوقف عن ملكه بالوقف، و إن قلنا: الملك للّه تعالى، فعل الحاكم ما يراه مصلحة فيه.

و قال بعض الشافعيّة: يباع اللحم، و يشترى بثمنه بهيمة من جنسها و توقف(4). و لا بأس به.

و إذا ماتت البهيمة الموقوفة، لم يكن للموقوف عليه الانتفاع بجلدها،4.

ص: 223


1- البيان 70:8، العزيز شرح الوجيز 285:6، روضة الطالبين 407:4.
2- التهذيب - للبغوي - 525:4، العزيز شرح الوجيز 286:6، روضة الطالبين 4: 407.
3- في ص 249 و ما بعدها، المسألة 147.
4- العزيز شرح الوجيز 286:6، روضة الطالبين 407:4.

سواء دبغ أو لا عندنا.

أمّا من طهّره بالدباغ - كالشافعيّة و غيرهم - فإنّ الموقوف عليه عندهم أولى بجلدها، و إذا دبغه ففي عوده وقفا وجهان(1).

مسألة 128: يجوز للموقوف عليه استيفاء المنافع المستحقّة له بالوقف بنفسه و إن شاء بغيره

ممّن يقيمه مقامه إمّا بإعارة منه أو إجارة، و يصرف مال الإجارة إليه إن كان الوقف مطلقا، أمّا إذا قيّده فقال: وقفت داري ليسكنها الموقوف عليه، لم يكن له إسكان غيره.

و لو قال: وقفت داري ليسكنها من يعلّم الصبيان في هذه القرية، فللمعلّم أن يسكنها، و ليس له أن يسكن غيره بأجرة و لا بغير أجرة؛ عملا بمقتضى ما شرطه الواقف.

و لو قال: وقفت داري على أن تستغلّ و تصرف غلّتها إلى فلان، تعيّن الاستغلال، و لم يجز له أن يسكنها.

و لو كان قد وقف الدار مطلقا، فقال الموقوف عليه: أنا أسكن الدار، و قال الناظر في الوقف: أنا أكريها لأصرف الغلّة إلى عمارتها، قدّم قول الناظر إن احتاجت إلى العمارة، و إلاّ قدّم قول الموقوف عليه.

مسألة 129: يجوز وقف الجارية إجماعا،

و لا يحلّ للواقف و طؤها بعد الوقف و تمامه.

أمّا على القول بزوال ملكه عن الوقف، فظاهر؛ لأنّ الوطء لم يصادف ملكا و لا عقدا.

و أمّا على القول ببقاء ملكه: فلأنّه ملك ناقص لم يحدث نقصانه

ص: 224


1- العزيز شرح الوجيز 286:6، روضة الطالبين 407:4.

بوطئ سابق، فلا يفيد حلّ الوطئ.

و احترزنا بهذا القيد عن أمّ الولد.

و لا يلزم وطء العبد الجارية التي ملّكها السيّد إيّاه حيث يجوز عندنا و على قول الشافعي القديم(1) ؛ لأنّ الملك فيه غير ناقص، و إنّما الناقص المالك، فهو كجارية للمجنون يطؤها و لا يتصرّف فيها؛ لنقصانه.

و كذا ليس للموقوف عليه أن يطأها.

أمّا إذا لم نثبت الملك له: فظاهر.

و أمّا إذا أثبتناه: فلأنّه ملك ناقص لم يحدث نقصانه بوطئ سابق، فلا يفيد حلّ الوطئ، كما قلنا في الواقف.

مسألة 130: إذا وطئت الجارية الموقوفة،

فإن كان الواطئ أجنبيّا، فإن لم يكن هناك شبهة وجب عليه الحدّ، و يكون الولد رقيقا.

و هل يكون وقفا أو طلقا؟ سبق(2) فيه وجهان، كما في نتاج البهيمة.

ثمّ إن كانت مكرهة وجب على الواطئ المهر إمّا العشر إن كانت بكرا، أو نصفه إن كانت ثيّبا، و إن كانت مطاوعة عالمة بالحال فقولان يأتيان فيما بعد إن شاء اللّه تعالى.

و لو كان هناك شبهة، فلا حدّ للشبهة، و يجب المهر للموقوف عليه؛ لأنّه من كسبها، و الولد حرّ لاحق به، و على الواطئ قيمته، و تكون ملكا للموقوف عليه إن جعلنا الولد ملكا له، و إلاّ فيشترى بها عبد و يوقف.

و هو أحد طريقي الشافعيّة، و الثاني: أنّ فيه قولين، أحدهما: هذا،

ص: 225


1- العزيز شرح الوجيز 287:6.
2- في ص 221.

و الثاني: يكون للموقوف عليهم(1).

و إن كان الواطئ الموقوف عليه، فإن لم تكن شبهة فلا حدّ عليه.

أمّا عندنا: فلأنّه ملكه.

و أمّا عند من نفى ملكه عنه: فلأنّ شبهة الملك فيه ثابتة(2).

و عند الشافعيّة: الأصحّ أنّه يبنى على أقوال الملك، إن جعلناه له فلا حدّ، و إلاّ فعليه الحدّ(3).

و لا عبرة بملك المنفعة، كما لو وطئ الموصى له بمنفعة الجارية.

و الولد ملك أو وقف ؟ فيه الوجهان عندهم(4).

و الوجه عندنا: أنّه حرّ؛ لأنّه قد صادف وطؤه الملك.

و إن وطئ بشبهة، فلا حدّ، و الولد حرّ، و لا قيمة عليه إن ملّكناه ولد الموقوفة - و على أحد قولي الشافعيّة: إنّه وقف، يشترى بها عبد آخر، و يوقف(2) - و تصير الجارية أمّ ولد إن قلنا: إنّ الملك للموقوف عليه، تعتق بموته، و تؤخذ قيمتها من تركته، ثمّ هي لمن ينتقل الوقف إليه بعده ملكا، أو يشترى بها جارية و توقف ؟ خلاف يذكر في قيمة العبد الموقوف إذا قتل(3) ، و لا مهر للموقوف عليه بحال؛ لأنّه لو وجب لوجب له.

و أمّا الموطوءة فإن قلنا: إنّ الملك لا ينتقل إليه، لم تصر أمّ ولد، و إن قلنا: ينتقل إليه، صارت أمّ ولد؛ لأنّه علقت منه بحرّ في ملكه، و إذا مات عتقت، و وجبت قيمتها في تركته قولا واحدا؛ لأنّه أتلفها على من بعده من1.

ص: 226


1- ينظر: العزيز شرح الوجيز 287:6، روضة الطالبين 408:4. (2الى4) العزيز شرح الوجيز 287:6، روضة الطالبين 408:4.
2- العزيز شرح الوجيز 287:6، روضة الطالبين 409:4.
3- راجع: ص 239 و ما بعدها، المسألة 141.

البطون، بخلاف الوقف إذا أتلفه في حياته، فإنّه أتلفه على نفسه، فكان فيه قولان.

و هل تشترى بالقيمة أمة تكون وقفا، أو تدفع إلى من بعده من أهل الوقف ؟ على الطريقين.

و إن كان الواطئ الواقف، فإن لم يكن الوطؤ بشبهة تفرّع على الخلاف في الملك، فإن نفينا ملكه فعليه الحدّ، و الولد رقيق، و في كونه ملكا أو وقفا الوجهان، و لا تكون الجارية أمّ ولد، و إن جعلنا الملك له فلا حدّ، و في نفوذ الاستيلاد إن أولدها الخلاف في استيلاد الراهن؛ لتعلّق حقّ الموقوف عليه بها، و هذا أولى بالمنع.

و إن وطئ بشبهة فلا حدّ، و الولد حرّ؛ للشبهة، و عليه قيمته إمّا للموقوف عليه أو يشترى به عبد يكون وقفا، و تصير الجارية أمّ ولد له إن ملّكناه، تعتق بموته، و تؤخذ قيمتها من تركته، و فيما يفعل بها الخلاف.

مسألة 131: يجوز تزويج الجارية الموقوفة؛

لأنّه عقد على منفعة فجاز في الوقف، كالإجارة، و لأنّ فيه تحصينا لها، و هو أظهر وجهي الشافعيّة، و الثاني: المنع؛ لما فيه من نقص القيمة و نقص المنفعة؛ لأنّها إذا حبلت منعت عن العمل، و ربما ماتت في الطلق فيتضرّر به أرباب الوقف(1).

و على القول بالمنع لا بحث، و على القول بالجواز قال الشيخ: إن قلنا بانتقال الملك إلى الموقوف عليه - و هو الصحيح - كان العاقد عليها

ص: 227


1- المهذّب - للشيرازي - 450:1، الوسيط 257:4، حلية العلماء 24:6، التهذيب - للبغوي - 518:4، البيان 66:8، العزيز شرح الوجيز 288:6، روضة الطالبين 409:4.

الموقوف عليه، و لا يستشير أحدا؛ لأنّه مالكها، و من قال: ينتقل إلى اللّه تعالى، زوّجت هي نفسها؛ لأنّها مالكة نفسها، و عند المخالف يزوّجها الحاكم(1). هذا آخر كلامه رحمه اللّه.

و قالت الشافعيّة: يزوّجها الحاكم على القول بانتقال الملك إلى اللّه تعالى(2) ، و هو الوجه عندي، إلاّ أنّهم قالوا: يستشار الموقوف عليه؛ لأنّ الحقّ في منافعها له(3).

و كذا إن قلنا: إنّه للواقف، يزوّجها بإذن الموقوف عليه(4).

فإذا زوّجت كان المهر للموقوف عليه؛ لأنّه من كسبها.

و إن أتت بولد، قال الشيخ: عندنا يكون الولد لاحقا بالحرّيّة إذا زوّجت من حرّ، و إن زوّجت من مملوك كان بينهما، و عند المخالف يكون لاحقا بأمّه(5).

و قالت الشافعيّة: في الولد وجهان: أحدهما: يكون للموقوف عليه طلقا؛ لأنّه إمّا أن يكون ملحقا باكتسابها، أو يكون ملحقا بالنماء الخارج من عينها كالثمرة. و الثاني: يكون وقفا معها؛ لأنّ كلّ أمّ ولد ذات رحم فإنّ حكمه حكمها، كولد المدبّرة عندنا، و كولد أمّ الولد عندهم و المكاتبة(6).4.

ص: 228


1- المبسوط - للطوسي - 289:3-290.
2- المهذّب - للشيرازي - 450:1، الوسيط 257:4، حلية العلماء 24:6، التهذيب - للبغوي - 518:4، البيان 66:8، العزيز شرح الوجيز 288:6، روضة الطالبين 409:4.
3- المهذّب - للشيرازي - 450:1، الوسيط 257:4، حلية العلماء 24:6، التهذيب - للبغوي - 518:4، البيان 66:8، العزيز شرح الوجيز 288:6، روضة الطالبين 409:4.
4- التهذيب - للبغوي - 518:4، العزيز شرح الوجيز 288:6، روضة الطالبين 4: 409.
5- المبسوط - للطوسي - 290:3.
6- المهذّب - للشيرازي - 450:1، التهذيب - للبغوي - 518:4، البيان 66:8، العزيز شرح الوجيز 288:6، روضة الطالبين 409:4.

و إذا قلنا: إنّه طلق، فإن قتله قاتل كان بدله للموقوف عليه، و إن قلنا:

إنّه وقف، فقتله قاتل، كانت قيمته على الطريقين اللّذين ذكرناهما في حقّ الأمّ.

و كذلك إذا أكرهت على الزنا، كان المهر للموقوف عليه، و الولد على ما ذكرناه في ولد الزوج.

و لو وقف الأمة حاملة بمملوك، فإن وقف حملها فهو كأمّه وقف، و إن لم يدخله في الوقف فهو للواقف عندنا.

و قالت الشافعيّة: إن قلنا: للحمل حكم، كان الولد وقفا، و إن قلنا:

لا حكم له، فإذا وضعته كان كولد الزوج(1).

تذنيب: ليس للموقوف عليه أن يتزوّج الأمة الموقوفة عندنا؛ لأنّها ملكه.

و أمّا الشافعيّة فلهم قولان، هذا أحدهما، و الثاني: أنّه يجوز إذا قلنا:

إنّها ليست ملكه(2).

و الظاهر عندهم - على القول بانتفاء الملك أيضا - المنع احتياطا، و على هذا فلو وقف عليه زوجته انفسخ النكاح(3).

مسألة 132: حقّ التولية للواقف في الأصل؛

لأنّ أصل قربة الوقف منه، فهو أحقّ من يقوم بإمضائها و صرفها في مظانّها و مواردها، فإذا وقف فلا يخلو إمّا أن يشترط التولية لنفسه أو لغيره أو يطلق و لا يذكر شيئا.

فإن شرطها لنفسه، صحّ و لزم؛ لأنّه أكّد بشرطه مقتضى الأصل، و قد

ص: 229


1- ينظر: البيان 65:8، و العزيز شرح الوجيز 285:6، و روضة الطالبين 4: 407.
2- العزيز شرح الوجيز 288:6، روضة الطالبين 410:4.
3- العزيز شرح الوجيز 288:6، روضة الطالبين 410:4.

جعل الكاظم عليه السّلام النظر في الأرض التي وقفها للرضا عليه السّلام و أخيه إبراهيم، فإذا انقرض أحدهما دخل القاسم مع الباقي، فإن انقرض أحدهما دخل إسماعيل مع الباقي منهما، فإن انقرض أحدهما دخل العباس مع الباقي منهما، فإن انقرض أحدهما دخل الأكبر من ولدي مع الباقي، فإن لم يبق ولدي معه إلاّ واحد فهو الذي يليه(1).

و ولّت فاطمة عليها السّلام حوائطها السبعة التي وقفتها أمير المؤمنين عليه السّلام ثمّ من بعده الحسن عليه السّلام ثمّ الحسين عليه السّلام ثمّ الأكبر من ولدها عليها السّلام(2)كما في العزيز شرح الوجيز 289:6.(3).

و لا نعلم فيه خلافا.

و إن شرطها لغيره، لزم عندنا، و لم يجز لأحد مخالفته عند علمائنا، و هو قول أكثر العلماء(4).

و لبعض الشافعيّة خلاف فيما إذا كان الوقف على معيّن و شرط التولية للأجنبيّ هل يتّبع شرطه إذا فرّعنا على أنّ الملك في الوقف له ؟(5).

و المشهور: الأوّل(5).

و لا فرق بين أن [يفوّض](6) في الحياة و بين أن يوصي في وجوب العمل بما شرطه و عيّنه.ه.

ص: 230


1- الكافي 53:7-8/54، الفقيه 184:4-647/185، التهذيب 149:9 - 610/150.
2- تقدّم تخريجه في ص 163، الهامش
3- .
4- نهاية المطلب 370:8، العزيز شرح الوجيز 289:6، روضة الطالبين 4: 410.
5- نهاية المطلب 370:8، العزيز شرح الوجيز 289:6، روضة الطالبين 4: 410.
6- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «يفرض». و الظاهر ما أثبتناه.

و لو أطلق في وقفه و لم يشرط التولية لأحد، احتمل أن يكون النظر للواقف؛ لأنّ النظر و التصرّف كان إليه، فإذا لم يصرفه عن نفسه بقي على ما كان عليه، و أن يكون للموقوف عليه؛ لأنّ النفع و الفائدة له، و أن يكون للحاكم؛ لأنّه يتعلّق به حقّ الموقوف عليه و من بعده، فصاحب النظر العامّ أولى بالنظر منه.

و مثل هذه الاحتمالات وجوه للشافعيّة(1).

و [منهم](2) من يبني الأمر فيه على الخلاف في ملك الرقبة، إن قلنا:

للواقف، فالتولية له. و قيل: للحاكم؛ لتعلّق حقّ الغير به.

و إن قلنا: للّه تعالى فهي للحاكم. و قيل: للواقف إذا كان الوقف على جهة عامّة، فإنّ قيامه بأمر الوقف من تتمّة القربة. و قيل: للموقوف عليه إذا كان الوقف على معيّن؛ لأنّ الرّيع و المنفعة له.

و إن قلنا: الملك للموقوف عليه، فالتولية له(3).

و ذكر كثير من الشافعيّة أنّ التولية في صورة السكوت للواقف من غير حكاية خلاف و لا بناء على خلاف(4).

لكنّ المشهور بينهم أنّ الوقف إن كان على جهة عامّة، فالتولية للحاكم، كما في الوقف على المسجد و الرباط، و إن كان الوقف على شخص معيّن، فكذلك إن قلنا: إنّ الوقف ينتقل إلى اللّه تعالى، و إن جعلناه4.

ص: 231


1- المهذّب - للشيرازي - 452:1، العزيز شرح الوجيز 289:6، روضة الطالبين 410:4.
2- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «فمنهم». و الظاهر ما أثبتناه.
3- العزيز شرح الوجيز 289:6، روضة الطالبين 410:4.
4- العزيز شرح الوجيز 289:6، روضة الطالبين 410:4.

للواقف أو للموقوف عليه، فالتولية كذلك(1).

مسألة 133: إذا شرط الواقف أمر التولية لنفسه،

كان النظر مفوّضا إليه، سواء كان عدلا أو لا؛ لأنّه إنّما نقل ملكه عن نفسه على هذا الحدّ، فيتّبع شرطه.

و إن شرطها لغيره بظنّ العدالة، اشترطت، فإن خرج المعيّن عنها رفعت يده، و كان حكم الوقف حكم ما لو أطلق الواقف التولية و لم يشترطها لأحد.

و لو علم فسقه و شرطها له، فالأقرب: اتّباع شرطه.

و لو أطلق أمر التولية من غير أن يشترطها لأحد، وجب في المتولّي الصلاحيّة لشغل التولية، و الصلاحيّة تثبت بثبوت وصفين: الأمانة و كفاءة التصرّف، و اعتبارهما كاعتبارهما في الوصيّ و القيّم.

و قال بعض الشافعيّة: لا فرق في اعتبار الوصفين بين المنصوب للتولية و بين الواقف إذا قلنا: هو المتولّي عند إطلاق الوقف، و لا بين الوقف على الجهات العامّة و الأشخاص المعيّنين(2).

و فيه لهم وجه: أنّه لا تشترط العدالة إذا كان الوقف على معيّنين و لا طفل فيهم، فإن خان حملوه على السداد(3).

و المذهب عندهم: الأوّل، حتّى لو فوّض إلى موصوف بالصفتين ثمّ خرج منهما أو من إحداهما انتزع الحاكم الوقف منه(4).

مسألة 134: وظيفة المتولّي للوقف العمارة له و الإجارة

و تحصيل

ص: 232


1- العزيز شرح الوجيز 290:6، روضة الطالبين 410:4. (2الى4) العزيز شرح الوجيز 290:6، روضة الطالبين 411:4.

الرّيع و قسمتها على المستحقّين و حفظ الأصول و الغلاّت على الاحتياط عند الإطلاق.

و يجوز أن ينصب الواقف متولّيا في بعض الأمور و آخر في الآخر، كما إذا جعل أمر العمارة و تحصيل المنافع إلى واحد و أمر حفظها و قسمتها على أربابها و مستحقّيها إلى آخر، أو شرط لواحد الحفظ و اليد، و للآخر التصرّف.

و لو فوّض إلى واحد العمارة و تحصيل الفائدة و أهمل أمر الحفظ و القسمة، كان ذلك مطلقا بالنسبة إلى هاتين الصفتين، فيتولاّهما الحاكم أو الواقف أو الموقوف عليه على الخلاف.

و لو فوّض النظر إلى اثنين، لم يستقل أحدهما بالتصرّف، سواء أطلق أو نصّ على عدم الاستقلال، أمّا لو فوّض إليهما على الجملة و الانفراد، كان لكلّ واحد منهما أن يستقلّ بالنظر و التصرّف.

و لو قال: وقفت على أولادي على أن يكون النظر لعدلين منهم، فلم يكن فيهم إلاّ عدل واحد، ضمّ الحاكم إليه عدلا آخر، و لو لم يوجد فيهم عدل أقام الحاكم عدلا واحدا، و احتمل اثنين.

و ليس للمتولّي أن يأخذ من مال الوقف شيئا على أن يضمنه، و لو فعل ضمن، و لا يجوز ضمّ الضمان إلى مال الوقف.

و إقراض مال الوقف حكمه حكم إقراض مال الصبي.

مسألة 135: لو شرط الواقف للمتولّي شيئا من الرّيع،

جاز، و كان ذلك أجرة عمله، ليس له أزيد من ذلك و إن كان أقلّ من أجرة المثل.

و لو لم يذكر شيئا، فالأقرب: أنّ له أجرة المثل عن قيامه.

ص: 233

و للشافعيّة فيه خلاف(1).

و لو شرط للمتولّي عشر الرّيع أجرة عمله ثمّ عزله، بطل استحقاقه.

و إن لم يتعرّض لكونه أجرة، قال بعضهم: إنّ استحقاقه لا يبطل؛ لأنّ العشر وقف عليه، فهو كأحد الموقوف عليهم(2).

و ليس شيئا.

مسألة 136: إذا وقف و فوّض أمر التولية إلى شخص،

فإن كان بعد إتمام الوقف و كماله لم يلزمه البقاء على ذلك، و جاز له عزله متى شاء.

و لو ذكر التفويض إلى المعيّن في متن العقد، فهل له عزله ؟ الأقرب:

أنّه ليس له ذلك، إلاّ أن يشترط الواقف لنفسه ذلك.

و قال بعض الشافعيّة: للواقف أن يعزل من ولاّه و ينصب غيره، كما يعزل الوكيل و ينصب غيره، و كأنّ المتولّي نائب عنه، هذا هو الظاهر عندهم(3).

و فيه وجه آخر لهم: أنّه ليس له العزل؛ لأنّ ملكه قد زال، فلا تبقى ولايته عليه، و قبول المتولّي يشبه أن يجيء فيه ما في قبول الوكيل أو قبول الموقوف عليه(4).

ثمّ قالوا: يشبه أن تكون المسألة مقصورة(2) في التولية بعد تمام الوقف، دون ما إذا وقف بشرط التولية لفلان، و كذا لو وقف مدرسة ثمّ قال لعالم: فوّضت إليك تدريسها، أو اذهب و درّس فيها، كان له تبديله.

ص: 234


1- العزيز شرح الوجيز 291:6، روضة الطالبين 411:4. (2الى4) العزيز شرح الوجيز 291:6، روضة الطالبين 412:4.
2- في العزيز شرح الوجيز: «مصوّرة»، و في روضة الطالبين: «مفروضة» بدل ما في المتن.

و لو وقف بشرط أن يكون هو مدرّسها أو قال حالة الوقف: فوّضت تدريسها إلى فلان، و جعله في متن العقد، فهو لازم لا يجوز تبديله، كما لو وقف على أولاده الفقراء لا يجوز التبديل بالأغنياء(1).

و لو جعل التولية في عقد الوقف لمعيّن، لم يكن لأحد تبديله و لا عزله و لا للواقف، و لو مات الواقف لم يكن للحاكم و لا للورثة عزله.

و لو جعل النظر إلى معيّن بعد تمام الوقف، كان له تبديله و عزله على ما تقدّم، فلو مات الواقف قبل عزله، قال بعض الشافعيّة: لم يكن لأحد تبديله، كأنّه جعله بعد موته بمثابة الوصي(2).

مسألة 137: لو شرط التولية لشخص،

لم يجب على ذلك الشخص القبول؛ لأصالة البراءة، و إذا قبل لم يجب عليه الاستمرار؛ لأنّ القبول غير واجب في الأصل، و الأصل الاستصحاب، و إذا ردّ تولاّه الحاكم، أو كان بحكم ما لو أطلق.

و يجوز أن يرتّب التولية بين أشخاص متعدّدة موجودين أو بعضهم، و أن يشرّك بينهم فيها، و أن يفضّل بعضهم على بعض في النفع، و أن يجعل لكلّ واحد منهم أو للواحد أن يستنيب حال حياته، و أن يوصي بالتولية التي شرطها له بعد وفاته، و إذا اشترط على نفسه التولية لواحد أو فوّضها إليه، لم يكن لذلك الناظر الاستنابة فيها.

و لو ذكر في كتاب الوقف أنّ التولية لشخص فأقرّ ذلك الشخص بالتولية لغيره، ففي نفوذ الإقرار إشكال ينشأ: من أنّ التولية تثبت له

ص: 235


1- العزيز شرح الوجيز 291:6، روضة الطالبين 412:4-413.
2- العزيز شرح الوجيز 292:6، روضة الطالبين 413:4.

فلا تنتقل عنه إلى غيره؛ لعدم الواقف، و من اعترافه بعدم استحقاقه للتولية.

و الوجه: سقوط ولايته باعترافه، و عدم ثبوتها للمقرّ له.

مسألة 138: لو وقف ما يحتاج إلى الإنفاق،

كالعبد و الدابّة، فإن عيّن الواقف الجهة أنفق عليه منها، فإن شرط في الوقف أن يكون من مال الواقف اتّبع شرطه، و إن شرط أن يكون من كسب العبد أو أجرة الدابّة فكذلك؛ لأنّه لمّا اتّبع شرطه في سبله وجب اتّباع شرطه في نفقته، و لو شرط أن يكون من مال الموقوف عليه، فكذلك يلزم شرطه.

و لو أطلق و لم يذكر الجهة التي ينفق عليه منها، كانت النفقة في كسبه، قاله الشيخ(1) رحمه اللّه، و به قال الشافعيّة(2) ، و كذا تكون في عوض منافع الدابّة؛ لأنّ الغرض انتفاع الموقوف عليه، و إنّما يمكنه ذلك ببقاء عين الوقف، و إنّما تبقى عينه بالنفقة، فيصير كأنّه شرطها في كسبه، و لأنّ الوقف اقتضى تحبيس أصله و تسبيل نفعه، و لا يحصل ذلك إلاّ بالإنفاق عليه، فكان ذلك من ضرورته.

فإن لم يكن العبد كسوبا أو عجز عن التكسّب أو لم يف كسبه أو مرض أو تعطّلت الدابّة، ابتني على أقوال الملك، فإن قلنا: إنّ الوقف ملك الموقوف عليه، فالنفقة عليه، و هو الوجه عندي، و إن قلنا: للّه تعالى، ففي بيت المال، كما لو أعتق عبدا لا كسب له، و إن قلنا: للواقف، فالنفقة عليه، فإذا مات فهي في بيت المال؛ لأنّ التركة انتقلت إلى الورثة، و الوقف لم ينتقل إليهم، فلا تلزمهم مؤونته، قاله بعض الشافعيّة(3).

ص: 236


1- المبسوط - للطوسي - 288:3.
2- العزيز شرح الوجيز 293:6، روضة الطالبين 414:4.
3- العزيز شرح الوجيز 293:6، روضة الطالبين 414:4.

و قال آخرون: قياس القول بأنّ رقبة الوقف للواقف انتقالها إلى ورثته(1).

و لو مات العبد، فمؤونة تجهيزه كنفقته في حياته.

و لو تعطّل العبد بزمانة، عتق عندنا، و سقطت خدمته عنه للموقوف عليه، و سقطت نفقته عن الموقوف عليه.

و عمارة العقار الموقوف من حيث شرطه الواقف، فإن لم يشرط شيئا فمن غلّته، فإن لم يحصل منه شيء لم يجب على أحد عمارته، كالملك الخالص، بخلاف الحيوان تصان روحه.

مسألة 139: لو اندرس شرط الوقف فلم تعرف مقادير السهام و الاستحقاق

أو جهل كيفيّة الترتيب بين أرباب الوقف، عمل بالأصل و هو التسوية؛ إذ ليس بعضهم أولى بالتقدّم و التفضّل من بعض، و هو قول أكثر الشافعيّة(2).

و قال بعضهم: القياس يقتضي التوقّف حتى يصطلحوا(3).

و لو اختلف أرباب الوقف في شرط الوقف و لا بيّنة، جعلت الغلّة بينهم بالسويّة.

و لو كان الواقف حيّا، قال بعض الشافعيّة: يرجع إلى قوله(4).

و منعه بعضهم، كما لا يرجع إلى قول البائع عند اختلاف المشتريين

ص: 237


1- العزيز شرح الوجيز 293:6، روضة الطالبين 414:4.
2- الوجيز 248:1، الوسيط 262:4، العزيز شرح الوجيز 293:6، روضة الطالبين 415:4.
3- العزيز شرح الوجيز 293:6، روضة الطالبين 415:4.
4- الحاوي الكبير 533:7، المهذّب - للشيرازي - 453:1، التهذيب - للبغوي - 526:4، البيان 89:8، العزيز شرح الوجيز 293:6، روضة الطالبين 415:4.

في كيفيّة الشراء(1).

و لا بعد فيه؛ لأنّه المبتدئ بالصدقة، و شرطه متّبع، فكذا ينبغي قبول قوله.

مسألة 140: يجوز للناظر في الوقف إجارته بحسب ما شرطه الواقف،

فإن لم يشرط مدّة و لا أجرة معيّنة و لا مستأجرا بعينه، رجع في ذلك كلّه إلى العادة و اعتماد المصلحة، و ما فيه المستزاد للنماء و النفع للموقوف عليه.

و لو لم ينصب للتولية أحدا، فالخلاف في من له التولية قد سبق(2) ، فإن قلنا: التولية للحاكم، فهو الذي يؤجّر، و إن قلنا: إنّه للموقوف عليه؛ بناء على أنّ الملك له، فالأولى أنّ له أن يؤجّر، و هو الظاهر من مذهب الشافعيّة(3) ، فإن كان الوقف على جماعة اشتركوا في الإجارة، فإن كان فيهم طفل قام وليّه مقامه.

و الثاني للشافعيّة: المنع؛ لأنّه ربما يموت في المدّة، فيتبيّن أنّه تصرّف في حقّ الغير(4).

فإن كان الواقف قد جعل لكلّ بطن منهم الإجارة، فلهم الإجارة عندنا و عندهم(5) قطعا؛ عملا بمقتضى شرط الواقف، و كان ذلك تفويضا للتولية إليهم.

و هل للواقف أن يؤجّر إذا لم يكن قد جعل لنفسه النظر في الوقف ؟

ص: 238


1- العزيز شرح الوجيز 293:6، روضة الطالبين 415:4.
2- في ص 231، ضمن المسألة 132. (3الى5) العزيز شرح الوجيز 294:6، روضة الطالبين 415:4.

قال بعض الشافعيّة: نعم(1). و ليس بمعتمد.

إذا عرفت هذا، فإذا أجّر الموقوف عليه بحقّ الملك و جوّزناه فزادت الأجرة في المدّة أو ظهر طالب بالزيادة، لم يؤثّر في العقد فسخا و لا خيار فسخ، كما لو أجّر ملكه المطلق.

و إن أجّر المتولّي بحقّ التولية ثمّ حدث ذلك، فكذلك - و هو أصحّ أوجه الشافعيّة(2) - لأنّ العقد وقت جريانه كان صحيحا؛ لأنّ ما جرى [كان](3) على وجه الغبطة، فأشبه ما إذا باع وليّ الطفل ماله ثمّ ارتفعت القيمة بالأسواق أو ظهر طالب بالزيادة.

و الثاني للشافعيّة: أنّه ينفسخ العقد؛ لأنّه قد ظهر وقوعه على خلاف الغبطة في المستقبل.

و الثالث: إن كانت الإجارة سنة فما دون لم يتأثّر العقد، و إن كانت أكثر فالزيادة مؤثّرة في ردّ الإجارة(4).

مسألة 141: لو قتل العبد الموقوف و لم يتعلّق القصاص بالقاتل،

فإن كان القاتل أجنبيّا وجبت عليه قيمة العبد؛ لبقاء الماليّة فيه، كأمّ الولد، و لأنّه يضمن بالغصب فكانت الماليّة متحقّقة فيه، و لأنّه لو بطلت ماليّته لم يبطل أرش الجناية عليه، فإنّ الحرّ يجب أرش الجناية عليه.

و لمن تكون القيمة ؟ قال الشيخ رحمه اللّه: قال قوم: يشترى بها عبد آخر و يقام مقامه، سواء قيل: انتقل ملكه إليه أو إلى اللّه تعالى؛ لأنّ حقّ البطون الأخر يتعلّق برقبة العبد، فإذا فاتت أقيم غيرها بقيمتها مقامها، و فيهم من

ص: 239


1- العزيز شرح الوجيز 294:6، روضة الطالبين 415:4.
2- الوسيط 262:4، العزيز شرح الوجيز 294:6، روضة الطالبين 415:4.
3- ما بين المعقوفين يقتضيه السياق.
4- الوسيط 262:4، العزيز شرح الوجيز 294:6، روضة الطالبين 415:4.

قال: تنتقل القيمة إليه - و هو الأقوى - لأنّا قد بيّنّا أنّ ملكه له، و الأوّل قول من قال: ينتقل إلى اللّه(1).

و الوجه عندي: شراء عبد بالقيمة يكون وقفا؛ لأنّه ملك لا يختصّ به الأوّل(2) فلم يختص ببدله، كالعبد المشترك و المرهون، و عدم اختصاصه ظاهر، فإنّه يتعلّق به حقّ البطن الثاني فلم يجز إبطاله، و لو عفا البطن الأوّل لم يصح العفو؛ لعدم علمه بقدر حقّه فيه.

و أمّا الشافعيّة فلهم طريقان:

أحدهما: تخريج مصرفها على أقوال الملك، إن جعلنا الملك للّه تعالى فيشترى بها عبد آخر ليكون وقفا مكانه، فإن لم يوجد فشقص عبد، بخلاف ما إذا أتلف الضحيّة و لم يجد بقيمتها إلاّ بعض شاة؛ لأنّه لا يضحّى ببعض شاة، و يوقف بعض العبد.

و إن جعلنا الملك للموقوف عليه أو الواقف، فوجهان:

أصحّهما: أنّه كذلك لئلاّ يبطل غرض الواقف و حقّ البطن الثاني و من بعده من البطون.

و الثاني: أنّها تصرف ملكا إلى من حكمنا له بملك الرقبة إمّا الواقف أو الموقوف عليه - كما قوّاه الشيخ عنده(3) - لأنّها بدل منفعة ملكه و ينتهي الوقف.

و الطريق الثاني: القطع بشراء عبد بها ليكون وقفا مكان الأوّل؛ لأنّ حقّ الوقف أوثق من حقّ الرهن، فإذا كان بدل المرهون مرهونا فبدل).

ص: 240


1- المبسوط - للطوسي - 289:3.
2- أي: البطن الأوّل.
3- راجع: الهامش (1).

الوقف أولى أن يكون موقوفا.

و أصحاب الطريقين متّفقون على الفتوى بصرفها في(1) ثمن عبد(2).

و إذا اشتري بها عبد و فضل شيء، فهو للموقوف عليه؛ لأنّه المالك، و هو أحد وجهي الشافعيّة، و الثاني: أنّه للواقف(3).

و على القول بشراء عبد يكون وقفا إن قلنا: إنّ الملك للّه تعالى، يتولّى شراءه الحاكم، و إن قلنا: للموقوف عليه، فالموقوف عليه، و إن قلنا:

للواقف - كما هو رأي بعض الشافعيّة - فوجهان؛ لأنّه لا يملك الفوائد و المنافع(4).

و خرّج بعضهم هذين الوجهين في حقّ الموقوف عليه أيضا هل يشتري أم لا؟ لأنّ كونه غير مالك للمنفعة إن منع من الشراء فكونه غير مالك الرقبة أولى أن يمنع منه(5).

و لا يجوز للمتلف أن يشتري العبد و يقيمه مقام الأوّل؛ لأنّ الشيء إذا ثبت في ذمّته فليس له استيفاؤه من نفسه لغيره.

إذا عرفت هذا، فهل يصير العبد المشترى وقفا بالشراء، أو لا بدّ من عقد جديد؟ للشافعيّة وجهان:

أحدهما: أنّه يكون وقفا بالشراء، كما في بدل المرهون إذا تلف.

و الثاني: أنّه لا بدّ من عقد جديد(6).4.

ص: 241


1- في «ر، ص»: «إلى» بدل «في».
2- العزيز شرح الوجيز 294:6-295، روضة الطالبين 416:4.
3- العزيز شرح الوجيز 295:6، روضة الطالبين 416:4.
4- العزيز شرح الوجيز 295:6، روضة الطالبين 416:4.
5- العزيز شرح الوجيز 295:6.
6- العزيز شرح الوجيز 295:6، روضة الطالبين 416:4.

و قال [بعض الشافعيّة](1): الحاكم هو الذي ينشئ عقد الوقف(2).

و يحتمل عندهم أن يكون مباشر الشراء يجدّد الوقف(3).

و هل يجوز شراء جارية بقيمة العبد و شراء عبد بقيمة جارية ؟ الأولى عندهم: المنع(4).

و في جواز شراء العبد الصغير بقيمة الكبير و بالعكس وجهان(5).

و إن كان القاتل الواقف أو الموقوف عليه، فإن قلنا: إنّ أحدهما هو المالك و إنّ القيمة تصرف إليه ملكا في الحالة الأولى، فلا قيمة عليه إذا كان هو القاتل، و إلاّ فالحكم فيه كما في الأجنبيّ.

مسألة 142: لو جني عليه بما يوجب القصاص،

فإن قلنا: الملك فيه للواقف أو للموقوف عليه، استوفى المالك منهما القصاص، و إن قلنا: إنّ الملك للّه تعالى، فهو كعبد بيت المال، فيجب القصاص، و يستوفيه الحاكم، و هو قول بعض الشافعيّة(3).

و قال بعض العامّة: لا يجب القصاص؛ لأنّه محلّ لا يختصّ به الموقوف عليه، فلم يجز أن يقتصّ من قاتله، كالعبد المشترك(4).

أمّا أروش أطراف العبد الموقوف أو الجناية على العبد الموقوف فيما

ص: 242


1- ما بين المعقوفين يقتضيه ما في المصدر، حيث إنّ المقول قول المتولّي صاحب التتمّة، و هو من الشافعيّة.
2- العزيز شرح الوجيز 295:6، روضة الطالبين 416:4-417. (3الى5) العزيز شرح الوجيز 295:6، روضة الطالبين 417:4.
3- العزيز شرح الوجيز 296:6، روضة الطالبين 417:4، المغني 258:6، الشرح الكبير 234:6.
4- المغني 258:6، الشرح الكبير 234:6.

دون النفس فحكمها في جميع ما ذكرنا حكم قيمته عند أكثر الشافعيّة(1).

و قال بعضهم: إنّه يصرف إلى الموقوف عليه على كلّ قول، و ينزّل منزلة المهر و الأكساب، فحينئذ يكون القصاص و العفو إلى الموقوف عليه؛ لأنّه لا يشاركه غيره فيه(2).

و لو أوجب القطع مالا أو عفا عن الجاني على مال، اشترى به عبدا إن أمكن، و إلاّ فشقص من عبد يكون وقفا.

و قيل: للموقوف عليه(3).

مسألة 143: لو جنى العبد الموقوف جناية توجب القصاص،

وجب، سواء كانت الجناية على الموقوف عليه أو على غيره، فإن قتل بطل الوقف فيه، كما لو مات، و إن عفا المجنيّ عليه على مال أو كانت الجناية موجبة للمال، لم يتعلّق برقبته؛ لتعذّر بيع الوقف، و لكنّه يفدى، كأمّ الولد إذا جنت.

فإن قلنا: الملك للواقف، فهو الذي يفديه.

و إن قلنا: للّه تعالى، فللشافعيّة ثلاثة أوجه:

أظهرها: أنّه يفديه الواقف أيضا؛ لأنّه بالوقف منع عن بيعه، فكان كالمستولدة لمّا منع بالاستيلاد من بيعها فداها.

و الثاني: أنّ فداءه في بيت المال، كأرش جناية الحرّ المعسر.

و الثالث: أنّه يتعلّق بكسبه؛ لأنّه إذا تعذّر التعلّق بالرقبة فأقرب الأشياء إليه كسبه، فيتعلّق به، كحقوق النكاح، و لأنّ الأرش يبعد تعلّقه برقبته؛ لأنّها لا تباع، و بالموقوف عليه؛ لأنّه لا يملكه، فكان في كسبه،

ص: 243


1- العزيز شرح الوجيز 296:6، روضة الطالبين 417:4.
2- العزيز شرح الوجيز 296:6، روضة الطالبين 417:4.
3- ينظر: البيان 66:8-67.

كالحرّ يكون في ماله(1).

و إن قلنا: إنّ الملك للموقوف عليه، فالفداء عليه، كما هو عندنا، و هو قول أكثر الشافعيّة(2).

و لهم وجهان آخران:

أحدهما: أنّه على الواقف.

و الثاني: إنّا إن قلنا: إنّ الوقف لا يفتقر إلى القبول، فهو على الواقف، و إن قلنا: إنّه يفتقر، فهو على الموقوف عليه؛ لأنّه تسبّب إلى تحقيق الوقف المانع من البيع و قد انضمّ إليه كونه مالكا(3).

و لو كانت الجناية على طرف و اقتصّ منه، بقي الباقي وقفا، كما لو تلف بفعل اللّه تعالى.

و إذا وجب أرش الجناية على الموقوف عليه و كانت الجناية قتلا، لم يلزم الموقوف عليه أكثر من قيمة الجاني، كأمّ الولد.

و لو كان الوقف على المساكين، فينبغي أن يكون الأرش في كسبه؛ لأنّ مستحقّه ليس معيّنا بحيث يمكن إيجاب الأرش عليه، و لا يمكن تعلّقه برقبته؛ لتعذّر بيعها، فتعيّن في كسبه.8.

ص: 244


1- المهذّب - للشيرازي - 450:1، حلية العلماء 26:6، التهذيب - للبغوي - 4: 517-518، البيان 68:8-69، العزيز شرح الوجيز 296:6، روضة الطالبين 417:4.
2- المهذّب - للشيرازي - 450:1، نهاية المطلب 378:8، حلية العلماء 26:6، التهذيب - للبغوي - 517:4، البيان 68:8، العزيز شرح الوجيز 296:6، روضة الطالبين 417:4.
3- نهاية المطلب 378:8، العزيز شرح الوجيز 296:6، روضة الطالبين 417:4 - 418.

و إن قلنا بإيجاب الفداء على الواقف لو كان الواقف قد مات، قال بعض الشافعيّة: على الوارث الفداء إن كان الواقف قد ترك مالا؛ لأنّ العبد ممنوع بسبب صدر من الواقف حال حياته، فلزمه ضمان جنايته في ماله(1).

و قال بعضهم: لا يفدى من التركة؛ لأنّها انتقلت إلى الوارث، و الملك في الوقف لم ينتقل إليه، ففي وجه: يتعلّق بكسبه، و في وجه: يفدى من بيت المال، كالحرّ المعسر الذي لا عاقلة له(2).

و لو مات العبد عقيب الجناية بلا فصل، سقط الأرش و القصاص عندنا.

و على قول إيجاب الفداء على المالك - كما هو رأي بعض الشافعيّة - وجهان:

أحدهما: يسقط، كما لو جنى القنّ و مات.

و أظهرهما عندهم: أنّه لا يسقط؛ لأنّ تضمين الواقف كان بسببه؛ لأنّه صار مانعا من البيع بالوقف، و يخالف العبد القنّ، فإنّ الأرش يتعلّق برقبته، فإذا مات فلا أرش و لا فداء(3).

و يجري الخلاف فيما إذا جنت أمّ الولد و ماتت(4).

و تكرّر الجناية من العبد الموقوف كتكرّرها من أمّ الولد.

تذنيب: لو مات العبد الموقوف، بطل الوقف؛ لفوات محلّه، و لو كان له كسب كان للموجودين.

مسألة 144: لو وقف شجرة فجفّت الشجرة أو قلعتها الريح

أو

ص: 245


1- العزيز شرح الوجيز 296:6، روضة الطالبين 418:4. (2الى4) العزيز شرح الوجيز 297:6، روضة الطالبين 418:4.

انكسرت الشجرة، احتمل بطلان الوقف فيها كما لو مات العبد؛ لفوات الأهمّ من منافعها، و لأنّ الوقف منوط باسم الشجرة، و الباقي جذع أو حطب ليس بشجرة، و هو أحد وجهي الشافعيّة(1) ، فحينئذ ينقلب الحطب ملكا للواقف عندهم(2) ، و عندنا يكون للموقوف عليه.

و أصحّ الوجهين عندهم: المنع من بطلان الوقف(3) ، و هو الأقوى عندي، فحينئذ تصرف منفعته إلى البطون إمّا بأن يؤجر للتسقيف أو لغيره، و لو لم يبق فيه منفعة ألبتّة فكالتالف فيشعل بالنار(1).

و عند الشافعيّة على وجه بقاء الوقف فيه وجهان:

أحدهما: يباع ما بقي؛ لتعذّر الانتفاع بشرط الواقف، و على هذا فالثمن كقيمة المتلف، فعلى قول يصرف إلى الموقوف عليه، و على قول يشترى به شجرة أو شقص شجرة من جنسها لتكون وقفا مكان الأولى، و يجوز أن يشترى به وديّ فيغرس في موضعها.

و أصحّهما عندهم: منع البيع؛ لأنّه عين الوقف، و الوقف لا يباع و لا يورث، فعلى هذا وجهان:

أحدهما: ينتفع بإجارته جذعا إدامة للوقف في عينه.

و الثاني: يصير ملكا للموقوف عليه، كقيمة العبد المتلف(2).

و الوجه: الأوّل إن أمكن استيفاء منفعة منه مع بقائه، و الثاني إن كانت منفعته في استهلاكه.

و إذا زمنت الدابّة الموقوفة، صارت كجفاف الشجرة.4.

ص: 246


1- في «ص»: «يشعل النار». و في الطبعة الحجريّة: «فيشعل النار».
2- العزيز شرح الوجيز 297:6-298، روضة الطالبين 418:4.
مسألة 145: إذا خلقت حصر المسجد و بواريه و بليت،

فالأقرب:

جواز بيعها لئلاّ تتلف و تضيع ماليّتها و يضيق المكان بها من غير فائدة، و كذا نحاتة أخشابه في النجر، و أستار الكعبة إذا لم يبق فيها منفعة و لا جمال، و هو أصحّ وجهي الشافعيّة، و الثاني لهم: المنع من بيعها؛ لأنّها عين الوقف، بل تترك بحالها أبدا(1).

و على ما اخترناه من جواز البيع - و هو الأصحّ عندهم - إن أمكن شراء حصير بثمن الحصير، لزم، و هو القياس عندهم(2).

و لهم قول آخر: إنّه يصرف ثمن الحصير و غيره في مصالح المسجد(3).

و الأولى المصير إلى الأوّل إن أمكن شراء حصير به، و إلى الثاني إن لم يمكن.

و جذع المسجد إذا انكسر، فإن صلح لشيء لم يجز بيعه و صرف فيما صلح له، و إن لم يصلح إلاّ للإحراق بيع فيه.

و للشافعيّة فيه الخلاف السابق(4).

و لو أمكن أن يتّخذ منه أبواب و ألواح، قال بعض الشافعيّة: يجتهد

ص: 247


1- الوجيز 248:1، الوسيط 260:4، التهذيب - للبغوي - 524:4، البيان 8: 87، العزيز شرح الوجيز 298:6، روضة الطالبين 418:4.
2- العزيز شرح الوجيز 298:6، روضة الطالبين 418:4.
3- الوجيز 248:1، الوسيط 260:4، التهذيب - للبغوي - 524:4، البيان 8: 87، العزيز شرح الوجيز 298:6، روضة الطالبين 419:4.
4- الوجيز 248:1، الوسيط 260:4، العزيز شرح الوجيز 298:6، روضة الطالبين 419:4.

الحاكم و يستعمله فيما هو أقرب إلى مقصود الواقف(1).

و يجري الخلاف في الدار المنهدمة، و فيما إذا أشرف الجذع على الانكسار و الدار على الانهدام(2).

مسألة 146: إذا فضل من حصر المسجد و بواريه شيء و استغنى المسجد عنه،

جاز أن يجعل في مسجد آخر، و كذا إن فضل شيء من قصبه أو نقضه؛ لاشتراك المساجد كلّها في الانتساب إلى اللّه تعالى.

و كذا لو كان للمسجد نخل أو وقف عليه في عمارته و استغنى عن العمارة، صرف النماء إلى عمارة مسجد آخر.

و قال أحمد: يتخيّر بين ذلك و بين الصدقة بالفاضل من ذلك على فقراء جيران المسجد و غيرهم؛ لأنّ كسوة المسجد إذا تخرّقت تصدّق بها، و قال: لأنّ شيبة بن عثمان [الحجبي](3) جاء إلى عائشة فقال: يا أمّ المؤمنين، إنّ ثياب الكعبة تكثر عليها فننزعها فنحفر لها آبارا و ندفنها حتى لا تلبسها الحائض و لا الجنب، قالت عائشة: بئس ما صنعت و لم تصب، إنّ ثياب الكعبة إذا نزعت لم يضرّها من لبسها من حائض أو جنب، لكن لو بعتها و جعلت ثمنها في سبيل اللّه و المساكين، فكان شيبة يبعث بها إلى اليمن فتباع فيها، فيضع ثمنها حيث أمرته عائشة؛ و لأنّه مال اللّه تعالى لم يبق له مصرف فصرف إلى المساكين، كالوقف المنقطع(4).

و نمنع عدم المصرف؛ فإنّ عين الكعبة قائمة، و قول عائشة ليس

ص: 248


1- العزيز شرح الوجيز 298:6، روضة الطالبين 419:4.
2- العزيز شرح الوجيز 298:6، روضة الطالبين 419:4.
3- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «الجهني». و المثبت كما في المصدر.
4- المغني 255:6-256، الشرح الكبير 270:6-271.

بحجّة(1).

مسألة 147: اختلف علماؤنا في جواز بيع الوقف إذا خيف وقوع فتنة بين أربابه،

أو خرب و تعذّرت عمارته.

قال في المبسوط: يجوز(2).

و قال في الخلاف: إذا خرب الوقف و لا يرجى عوده، في أصحابنا من قال: يجوز بيعه، و استدلّ بالأخبار(3).

و قال المفيد: ليس لأرباب الوقف بعد وفاة الواقف أن يتصرّفوا فيه ببيع و لا هبة، و لا يغيّروا شيئا من شروطه، إلاّ أن يخرب الوقف و لا يوجد من يراعيه بعمارة من سلطان و غيره، أو يحصل بحيث لا يجدي نفعا، فلهم حينئذ بيعه و الانتفاع بثمنه، و كذا إن حصلت بهم ضرورة إلى ثمنه، كان لهم حلّه، و لا يجوز ذلك مع عدم ما ذكرناه من الأسباب و الضرورات(4).

و قال السيّد المرتضى: ممّا انفردت به الإماميّة القول بأنّ الوقف متى حصل له الخراب بحيث لا يجدي نفعا جاز لمن هو وقف عليه بيعه و الانتفاع بثمنه، و أنّ أرباب الوقف متى دعتهم ضرورة شديدة إلى ثمنه جاز لهم بيعه، و لا يجوز لهم ذلك مع فقد الضرورة(5). و مثله قال سلاّر و ابن حمزة(6).

و قال ابن البرّاج و أبو الصلاح: إذا كان الشيء وقفا على قوم و من

ص: 249


1- في «ر، ص»: «حجّة».
2- المبسوط - للطوسي - 300:3.
3- الخلاف 551:3، المسألة 22.
4- المقنعة: 652-653.
5- الانتصار: 226.
6- المراسم: 197، الوسيلة: 370.

بعدهم على غيرهم و كان الواقف قد شرط رجوعه إلى غير ذلك إلى أن يرث اللّه الأرض و من عليها، لم يجز بيعه على وجه من الوجوه، و إن كان وقفا على قوم مخصوصين و ليس فيه شرط يقتضي رجوعه إلى غيرهم حسب ما قدّمناه و حصل الخوف من هلاكه و إفساده، أو كان بأربابه حاجة ضروريّة يكون بيعه أصلح لهم من بقائه عليهم، أو يخاف من وقوع خلاف بينهم يؤدّي إلى فساد، فإنّه يجوز حينئذ بيعه و صرف ثمنه في مصالحهم على حسب استحقاقهم، فإن لم يحصل شيء من ذلك لم يجز بيعه أيضا على وجه من الوجوه(1).

فقد اتّفق هؤلاء العلماء من أصحابنا على جواز بيعه في الجملة.

و أطلق ابن الجنيد المنع من البيع(2).

و قال ابن إدريس: لا يجوز البيع مطلقا، سواء خرب أو لا، و سواء خيف وقوع فتنة بين أربابه أو لا(3).

و أمّا العامّة فقال الشافعي و مالك: لا يجوز بيع شيء من ذلك؛ لقول رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: «لا يباع أصلها و لا يبتاع و لا يوهب و لا يورث» و لأنّ ما لا يجوز بيعه مع بقاء منافعه لا يجوز بيعه مع تعطيلها، كالعبد إذا أعتق، و أشبه الأشياء بالعتق المسجد؛ لأنّ في بيعه إبطال حرمته(4).

و قال أحمد: إذا خرب الوقف و بطلت منافعه، كدار انهدمت، أو أرض خربت و عادت مواتا و لم يمكن عمارتها، أو مسجد انتقل أهل القرية6.

ص: 250


1- المهذّب - لابن البرّاج - 92:2، و ينظر: الكافي في الفقه: 325.
2- كما في الانتصار: 227.
3- السرائر 153:3.
4- حلية العلماء 37:6، البيان 86:8، العزيز شرح الوجيز 299:6، روضة الطالبين 420:4، المغني 251:6-252، الشرح الكبير 267:6.

عنه و صار في موضع لا يصلّى فيه، أو ضاق بأهله و لم يمكن توسيعه في موضعه أو تشعّث جميعه و لم يمكن عمارته و لا عمارة بعضه إلاّ ببيع بعضه، جاز بيع بعضه لتعمر به بقيّته، فإن لم يمكن الانتفاع بشيء منه بيع جميعه.

و يجوز تحويل المسجد خوفا من اللصوص و إذا كان موضعه قذرا بحيث يمنع من الصلاة فيه، و جوّز بيع عرصته، و تكون الشهادة في ذلك على الإمام، و جوّز بيع الفرس الموقوفة على الغزو إذا كبرت فلم تصلح للغزو و أمكن الانتفاع بها في شيء آخر، مثل أن تدور في الرحى أو يحمل عليها تراب، أو تكون الرغبة في نتاجها، أو حصانا يتّخذ للطراق، فإنّه يجوز بيعها و يشترى بثمنها ما يصلح للغزو(1).

و قال محمّد بن الحسن: إذا خرب المسجد [أو](2) الوقف، عاد إلى ملك واقفه؛ لأنّ الوقف إنّما هو تسبيل المنفعة، فإذا زالت منفعته زال حقّ الموقوف عليه منه فزال ملكه عنه(3).

و الشافعيّة فرّقوا بين الشجرة إذا جفّت أو الجذع إذا انكسر أو الحصير إذا خلق، و بين المسجد إذا انهدم أو خربت المحلّة أو تفرّق عنها الناس أو تعطّل المسجد، فإنّه لا يعود ملكا بحال، و لا يجوز بيعه، كالعبد إذا أعتقه ثمّ زمن، و لا يشبه جفاف الشجرة؛ لأنّ توقّع عود الناس و العمارة قائم،6.

ص: 251


1- المغني 251:6، الشرح الكبير 267:6، حلية العلماء 38:6.
2- ما بين المعقوفين أثبتناه من المغني، و في الشرح الكبير: «و» بدل «أو».
3- المبسوط - للسرخسي - 42:12، تحفة الفقهاء 379:3، بدائع الصنائع 6: 221، الهداية - للمرغيناني - 20:3، المحيط البرهاني 208:6، الاختيار لتعليل المختار 64:3، حلية العلماء 38:6، البيان 86:8، المغني 251:6، الشرح الكبير 267:6.

و هذا كما لو وقف على ثغر فاتّسعت رقعة الإسلام، فإنّ ريع الوقف يحفظ؛ لاحتمال عوده ثغرا، و لأنّ الانتفاع في الحال بالصلاة في العرصة ممكن(1).

و الوجه: أن يقال: يجوز بيع الوقف مع خرابه و عدم التمكّن من عمارته، أو مع خوف فتنة بين أربابه يحصل باعتبارها فساد لا يمكن استدراكه مع بقائه؛ لأنّ الغرض من الوقف استيفاء منافعه، و إذا تعذّرت يجوز إخراجه عن حدّه، تحصيلا للغرض منه، و البقاء على العين مع تعطيلها تضييع للغرض و إبطال لقصد الواقف، كما لو عطّل الهدي ذبح في الحال و إن اختصّ بموضع، فلمّا تعذّر المحلّ ترك مراعاة الخاصّ المتعذّر.

و لما رواه عليّ بن مهزيار - في الصحيح - قال: كتبت إلى أبي جعفر عليه السّلام: إنّ فلانا ابتاع ضيعة فأوقفها و جعل لك من الوقف الخمس و يسأل عن رأيك في بيع حصّتك من الأرض، أو تقويمها على نفسه بما اشتراها أو يدعها موقفة ؟ فكتب عليه السّلام إليّ: «أعلم فلانا أنّي آمره ببيع حقّي من الضيعة و إيصال ثمن ذلك إليّ، و أنّ ذلك رأيي إن شاء اللّه، أو يقوّمها على نفسه إن كان ذلك أرفق له» و كتبت إليه: إنّ الرجل كتب: إنّ بين من وقف بقيّة هذه الضيعة عليهم اختلافا شديدا و إنّه ليس يأمن أن يتفاقم ذلك بينهم بعده، فإن كان ترى أن يبيع هذا الوقف و يدفع إلى كلّ إنسان منهم ما كان وقف له من ذلك أمرته ؟ فكتب بخطّه إليّ: «و أعلمه(2) أنّ رأيي له إن كان قد علم الاختلاف ما بين أصحاب الوقف أنّ بيع الوقف أمثل فإنّه ربمار.

ص: 252


1- المهذّب - للشيرازي - 452:1، الوسيط 260:4 و 261، حلية العلماء 37:6 و 39، التهذيب - للبغوي - 524:4 و 525، البيان 86:8، العزيز شرح الوجيز 298:6 و 299، روضة الطالبين 419:4 و 420.
2- في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «و أعلم». و المثبت كما في المصدر.

جاء في الاختلاف تلف الأموال و النفوس»(1).

و احتجّ المانعون من علمائنا بما رواه [أبو](2) علي بن راشد قال:

سألت أبا الحسن عليه السّلام، قلت: جعلت فداك، اشتريت أرضا إلى جنب ضيعتي فلمّا وفيت المال خبّرت أنّ الأرض وقف، فقال: «لا يجوز شراء الوقف، و لا تدخل الغلّة في ملكك(3) ، ادفعها إلى من أوقفت عليه» قلت:

لا أعرف لها ربّا، قال: «تصدّق بغلّتها»(4).

و لأنّ ما لا يجوز بيعه مع بقاء منافعه لا يجوز بيعه مع تعطيلها، كالمعتق.

و الجواب: القول بموجب الرواية، فإنّ المقتضي لتسويغ البيع هو الخراب أو وقوع فتنة بين أربابه، و التقدير حصول غلّة منها و عدم معرفة أربابها، فانتفى المعنيان، فلهذا نهاه عليه السّلام عن شرائها.

و الفرق بين العتق و الوقف ظاهر؛ فإنّ العتق إخراج عن الملك بالكلّيّة للّه تعالى، و الوقف تمليك للموقوف عليه لطلب النفع منه.

و كأنّ ابن البرّاج و أبا الصلاح عوّلا على ما رواه جعفر بن حنان قال:

سألت الصادق عليه السّلام: عن رجل أوقف غلّة له على قرابته من أبيه و قرابته من أمّه فللورثة أن يبيعوا الأرض إذا احتاجوا و لم يكفهم ما يخرج من الغلّة ؟ قال: «نعم، إذا رضوا كلّهم و كان البيع خيرا لهم باعوا»(5) فإنّ مفهوم هذه4.

ص: 253


1- التهذيب 557/130:9.
2- ما بين المعقوفين أثبتناه من المصدر.
3- في «ص» و الكافي: «مالك» بدل «ملكك».
4- الكافي 35/37:7، التهذيب 556/130:9.
5- الكافي 29/35:7، الفقيه 179:4-630/180، التهذيب 133:9 - 565/134، الاستبصار 382/99:4.

الرواية عدم التأبيد.

و أمّا المسجد فالوجه: أنّه لا يجوز تبديله و لا تحويله و لا بيعه بحال من الأحوال؛ لأنّه خرج عن ملك صاحبه للّه تعالى، فأشبه العبد الذي أعتق إذا تعطّل، فإنّه لا يعود ملكا لأحد ألبتّة، كذا هذا.

و قول محمّد بن الحسن غلط؛ فإنّ واقف المسجد أزال ملكه على كلّ حال، فلا يعود إلى ملكه باختلاله، كالعبد المعتق.

و احتجّ أحمد بأنّ عمر كتب إلى سعد لمّا بلغه أنّه قد نقب بيت المال الذي بالكوفة: أن انقل المسجد الذي بالتمارين، و اجعل بيت المال في قبلة المسجد، فإنّه لا يزال في المسجد مصلّ، و لأنّ فيما ذكره(1) استبقاء للوقف بمعناه عند تعذّر إبقائه بصورته، فوجب ذلك، كما لو استولد الجارية الموقوفة أو قبّلها أو [قبّلها](2) غيره(3).

و قول عمر ليس حجّة، و نمنع تعذّر استبقاء [الوقف](4) بصورته؛ لأنّه قد يمكن بعد ذلك عود العمارة.

مسألة 148: كلّ صورة جوّزنا

مسألة 148: كلّ صورة جوّزنا(5) بيع الوقف فيها فإنّه يباع و يصرف الثمن إلى جهة الوقف،

فإن أمكن شراء مثل تلك العين ممّا ينتفع به كان أولى.

و هل يكون واجبا؟ قال بعض العامّة: لا يجب، بل أيّ شيء اشترى

ص: 254


1- فاعل الفعل هو أحمد.
2- ما بين المعقوفين أثبتناه من المصدر.
3- المغني 252:6، الشرح الكبير 268:6.
4- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «المنفعة». و المثبت هو الصحيح.
5- في الطبعة الحجريّة: «جاز» بدل «جوّزنا».

بثمنه ممّا يردّ على أهل الوقف جاز، سواء كان من جنسه أو من غير جنسه؛ لأنّ المقصود المنفعة لا الجنس، لكن تكون المنفعة مصروفة إلى المصلحة التي كانت الأولى تصرف فيها؛ لأنّه لا يجوز تغيير المصرف مع إمكان المحافظة عليه، كما لا يجوز تغيير الوقف بالبيع مع إمكان الانتفاع [به](1).

و ما قلناه أولى؛ لما فيه من متابعة شرط الواقف بحسب الإمكان.

إذا عرفت هذا، فإنّه إن أمكن شراء شيء بالثمن يكون وقفا على أربابه كان أولى، فإن اتّفق مثل الوقف كان أولى، و إلاّ جاز شراء مهما كان ممّا يصحّ وقفه، و إن(2) لم يمكن صرف الثمن إلى الموقوف عليه يعمل به ما شاء.

و إذا لم يمكن تأبيده بحسب الشخص و أمكن بحسب النوع، وجب؛ لأنّه موافق لغرض الواقف و داخل تحت الأوّل الذي وقع العقد عليه، و مراعاة الخصوصيّة بالكلّيّة تفضي إلى فوات الغرض بأجمعه، و لأنّ قصر الثمن على البائعين يقتضي خروج باقي البطون عن الاستحقاق بغير وجه مع أنّهم يستحقّون من الوقف كما يستحقّ البطن الأوّل، و يقدّر وجودهم حالة الوقف.

و قال بعض الشافعيّة: إنّ ثمن الوقف يكون كقيمة الموقوف إذا تلف، فيصرف الثمن إلى الموقوف عليهم ملكا على رأي(3).4.

ص: 255


1- المغني 253:6، الشرح الكبير 268:6-269، و ما بين المعقوفين أثبتناه منهما.
2- في الطبعة الحجريّة: «فإن».
3- العزيز شرح الوجيز 299:6، روضة الطالبين 419:4.

و إذا قيل به، فإذا قال الموقوف عليه: لا تبيعوها و اقلبوها إلى ملكي، فعند الشافعيّة: لا يجاب، و لا تنقلب عين الوقف ملكا، بل ارتفاع الوقف موقوف على البيع(1).

و قال بعض الشافعيّة: إنّه يجاب إليه، و زعم أنّه ينقلب ملكا من غير عقد و قول قالب(2).

مسألة 149: لو لم يكف ثمن الفرس الحبيس للوقف لشراء فرس أخرى للغزو،

أعين به في شراء فرس أحسن يكون بعض الثمن؛ لأنّ المقصود استيفاء منفعة الوقف الممكن استيفاؤها و صيانتها عن الضياع، و لا سبيل إلى ذلك إلاّ بهذا الطريق، فيتعيّن.

و لو لم تتعطّل منفعة الوقف بالكلّيّة لكن قلّت و كان غيره أنفع منه، لم يجز بيعه؛ لأصالة تحريم بيع الوقف، و إنّما أبيح للضرورة، صيانة لمقصود الوقف عن الضياع مع إمكان تحصيله، و مع الانتفاع و إن قلّ لا يضيع المقصود، اللّهمّ إلاّ أن يبلغ في قلّة النفع إلى حدّ لا يعدّ نفعا، فيكون وجود ذلك النفع كالعدم(3).

و إذا تعطّل المسجد في الموضع الخراب و لم يخف من أولي القرابة نقضه لم ينقض، و إن خيف نقض و حفظ، و إن رأى الحاكم أن يعمر بنقضه مسجدا آخر جاز، و ما كان أقرب إليه فهو أولى، و لا يجوز صرفه إلى عمارة بئر أو حوض، و كذا البئر الموقوفة إذا خربت يصرف نقضها إلى بئر أخرى أو حوض، لا إلى المسجد، و يراعى غرض الواقف ما أمكن.

ص: 256


1- العزيز شرح الوجيز 299:6، روضة الطالبين 419:4-420.
2- العزيز شرح الوجيز 299:6، روضة الطالبين 420:4.
3- في الطبعة الحجريّة: «كعدمه».

و جميع ما ذكرنا في المسائل المتقدّمة في حصر المسجد و نظائرها إنّما هو إذا كانت موقوفة على المسجد، أمّا ما اشتراه المتولّي للمسجد أو وهبه منه واهب و قبله المتولّي فيجوز بيعه بلا خلاف بين العامّة عند الحاجة؛ لأنّه ملك، حتى إذا كان المشترى للمسجد شقصا كان للشريك الأخذ بالشفعة عند الغبطة عندهم(1).

البحث الرابع: في اللواحق.
مسألة 150: يجوز الوقف على كلّ مصلحة ينتفع بها

من يصحّ أن يملك تلك المنفعة، فلو وقف ضيعة على تكفين الأموات أو لشراء كفنهم أو حنوطهم أو إعانة من يكفّنهم و يتولّى دفنهم و تجهيزهم أو على من يصلّي عليهم، جاز و إن حرمت الأجرة في ذلك كلّه؛ لأنّ ذلك ليس مأخوذا على وجه الأجرة.

و كذا يجوز الوقف على من يصلّي إماما في المسجد الفلاني، أو من يصلّي فيه مطلق الفرائض الخمس، أو من يصلّي مطلقا و لو في داره، أو من يؤذّن للناس، أو من يعلّمهم القرآن أو الفقه، أو من يساعد بنفسه في الجهاد و إن وجب عليه، أو على من يصوم شهر رمضان.

و لو وقف ضيعة على المؤن التي تقع في قرية كذا من جهة السلطان، جاز، و صيغته أن يقول: وقفت أو تصدّقت بهذه الضيعة صدقة مخلّدة محرّمة على أن تستغل، فما فضل من عمارتها صرف إلى هذه المؤن و إن كانت تصل إعانة للظالم؛ لأنّه في الحقيقة يستدفع بها الأذى عن المؤمنين.

ص: 257


1- العزيز شرح الوجيز 300:6، روضة الطالبين 420:4.
مسألة 151: يجوز الوقف على عدد غير منحصر و إن انتشروا في البلاد المتباعدة،

كبني هاشم و بني تميم و أقارب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، خلافا للشافعي في أحد قوليه على ما تقدّم(1).

و قد تصدّق أمير المؤمنين عليه السّلام بداره في بني زريق صدقة لا تباع و لا تورث و لا توهب حتى يرث اللّه الأرض، ثمّ قال: «فإن انقرضوا فهي لذوي الحاجة من المسلمين»(2).

و لا فرق بين من لا ينحصر في ابتداء الوقف و انتهائه، و يكون ذلك بيانا للمصرف.

و يكفي الصرف إلى ثلاثة منهم؛ لتحقّق لفظ الجمع فيهم، فإذا وقف على الطالبيّين كفى الصرف إلى ثلاثة منهم.

و يجوز أن يكون أحدهم من أولاد عليّ عليه السّلام، و الثاني من أولاد عقيل، و الثالث من أولاد جعفر.

و لو وقف على أولاد عليّ عليه السّلام و أولاد عقيل و أولاد جعفر، فلا بدّ من الصرف إلى ثلاثة من كلّ صنف، هكذا قاله بعض الشافعيّة(3).

و الأولى: وجوب الصرف إلى جميع من يحضر البلد من الطالبيّين، و كذا من بني هاشم و الفقراء و غيرهم من أسماء الجموع.

نعم، لا يجب تتبّع من غاب عن البلد؛ لما فيه من العسر و المشقّة و خوف التلف.

و لما رواه عليّ بن سليمان النوفلي قال: كتبت إلى أبي جعفر

ص: 258


1- في ص 140، المسألة 73.
2- الفقيه 642/183:4، التهذيب 131:9-560/132، الاستبصار 378/97:4.
3- العزيز شرح الوجيز 301:6، روضة الطالبين 421:4.

الثاني عليه السّلام أسأله عن أرض أوقفها جدّي على المحتاجين من ولد فلان بن فلان الرجل الذي يجمع القبيلة و هم كثيرون متفرّقون في البلاد، و في ولد الموقف حاجة شديدة، فسألوني أن أخصّهم بها دون سائر ولد الرجل الذي يجمع القبيلة، فأجاب: «ذكرت الأرض التي أوقفها جدّك على نفر من ولد فلان و هي لمن حضر البلد الذي فيه الوقف، و ليس لك أن تتّبع من كان غائبا»(1).

و لو قال: وقفت داري هذه على المساكين بعد موتي، فإن قصد الوصيّة صحّ في الثلث، و إن قصد الوقف و علّقه بالموت كان باطلا.

و أفتى بعض الشافعيّة في رجل قال: وقفت داري هذه على المساكين بعد موتي بصحّة الوقف(2).

و حملوه على أنّه وصيّة، و لو عرض الدار على البيع، صار راجعا فيه(3).

و قال به(4) بعض العامّة(5).

و أبطله بعضهم؛ لأنّه تعليق للوقف على شرط، و هو باطل، كما لو علّقه في حياته(6).

و لو قال: جعلت داري هذه خانقاه للغزاة، لم تصر وقفا بذلك.

و لو قال: تصدّقت بداري هذه صدقة محرّمة ليصرف من غلّتها كلّ شهر إلى فلان كذا، صحّ الوقف - و هو أحد وجهي الشافعيّة(7) - للأصل.4.

ص: 259


1- الفقيه 627/178:4، التهذيب 563/133:9.
2- العزيز شرح الوجيز 300:6، روضة الطالبين 397:4.
3- العزيز شرح الوجيز 300:6، روضة الطالبين 397:4.
4- الضمير راجع إلى وقف الدار على المساكين بعد موت الواقف.
5- المغني 245:6، الشرح الكبير 220:6.
6- المغني 245:6، الشرح الكبير 220:6.
7- العزيز شرح الوجيز 300:6، روضة الطالبين 397:4.

و الفاضل عن المقدّر يكون للواقف، فإن مات فلورثته.

و للشافعيّة أوجه:

أحدها: الصرف إلى أقرب الناس إلى الواقف.

و الثاني: الصرف إلى الفقراء.

و الثالث: أنّه يكون ملكا للواقف(1).

و لو قال: جعلت هذه الدار للمسجد، أو دفع دارا إلى قيّم المسجد و قال: خذها للمسجد، لم يلزمه ذلك، و لم يكن وقفا صحيحا.

و لو قال: إذا متّ فأعطوا من مالي ألف درهم للمسجد، فهو وصيّة، و ليس وقفا.

و قال بعض الشافعيّة: لا يكون شيئا؛ لأنّه لم توجد صيغة [وقف](2) و لا تمليك(3).

مسألة 152: لو قال: وقفت داري على زيد و على الفقراء،

فيبنى على ما إذا أوصى لزيد و للفقراء، فإن جعلناه كأحدهم صحّ الوقف، و لا يحرم زيد، و إن قلنا(4): النصف له، صحّ الوقف في نصف الفقراء، و كان وقف زيد منقطع الآخر، و إن لم يصح صحّ في نصيب الفقراء.

و للشافعيّة وجهان مأخوذان من تفريق الصفقة(5).

و لو قال: وقفت هذه البقرة على رباط كذا ليسقي من لبنها من نزل فيه أو ينفق من نسلها عليه، جاز.

ص: 260


1- العزيز شرح الوجيز 300:6، روضة الطالبين 397:4.
2- ما بين المعقوفين أثبتناه من المصدر.
3- العزيز شرح الوجيز 300:6، روضة الطالبين 398:4.
4- في «ر» و الطبعة الحجريّة: «جعلنا» بدل «قلنا».
5- العزيز شرح الوجيز 300:6-301، روضة الطالبين 398:4.

و إن اقتصر على قوله: وقفتها عليه، فالأقوى: الجواز؛ لأنّ المراد ذلك.

و قال بعض الشافعيّة: لا يجوز و إن كنّا نعلم أنّه يريده؛ لأنّ العبرة باللفظ(1).

و لو قال: وقفت على مسجد كذا، فالوجه: الجواز، و صرف النفع إلى عمارته و دهن أضوائه و فرشه و غير ذلك من مصالحه.

و قال بعض الشافعيّة: لا يصحّ حتى يبيّن جهته، فيقول: [وقفت](2) على عمارته، أو يقول: وقفت عليه ليستغلّ فيصرف إلى عمارته، أو إلى دهن السراج و نحوهما(3).

و إطلاق جمهورهم يقتضي الجواز(4).

و لو وقف على مسجد أو رباط معيّن و لم يذكر المصرف إن خرب، احتمل أن يكون منقطع الآخر - و هو قول بعض الشافعيّة(5) - و أن لا يكون إن كان في وسط بلد يستبعد خرابه في العادة، فيكون صحيحا، و إن كان في قرية أو برّيّة على جادّة الطريق فهو منقطع الآخر.

مسألة 153: لو وقف نخلا أو شجرة،

فالأقرب: عدم دخول المغرس كما في البيع، و هو أحد وجهي الشافعيّة(3) ، و كذا حكم الأساس مع البناء، إلاّ أن يقول: بحقوقها.

و لو وقف على عمارة المسجد لم يجز صرف الغلّة إلى النقش

ص: 261


1- العزيز شرح الوجيز 301:6.
2- ما بين المعقوفين أثبتناه من المصدر. (3الى5) العزيز شرح الوجيز 301:6، روضة الطالبين 398:4.
3- العزيز شرح الوجيز 301:6، روضة الطالبين 421:4.

و التزويق.

و هل يجوز توفية أجرة القيّم منه ؟ الأقرب: ذلك - و هو قول بعض الشافعيّة(1) - و لا يجوز صرف شيء إلى الإمام و المؤذّن، و الفرق: أنّ القيّم يحفظ العمارة.

و يجوز أن يشترى [به] البواري و الحصر.

و هل يشترى الدّهن ؟ الأقرب: المنع، و هو أصحّ وجهي الشافعيّة(2).

و الفرق: أنّ ما يفرش حافظ للعمارة و لباس للمسجد، و منفعة الدّهن تختصّ بالمصلّين.

و قال كثير من الشافعيّة: لا يشترى به الدّهن و لا الحصير(3).

و أمّا التجصيص الذي فيه إحكام للبناء معدود في العمارات.

و لو وقف على مصلحة المسجد، لم يجز النقش و التزويق، و جاز شراء الحصر و الدّهن.

و الأقرب: جواز الصرف إلى الإمام و المؤذّن.

و الموقوف على الحشيش لا يصرف إلى الحصير؛ لأنّه لا يستعمل فيه عرفا، و بالعكس، و الموقوف على أحدهما لا يصرف إلى اللبود و بالعكس.

و لو وقف على المسجد مطلقا، قال بعض الشافعيّة - على تقدير الجواز - بالتسوية بينه و بين أن يقف على عمارة المسجد(4).

و لهم وجهان في جواز الصرف إلى النقش و التزويق في هذه4.

ص: 262


1- العزيز شرح الوجيز 301:6، روضة الطالبين 421:4.
2- العزيز شرح الوجيز 301:6، روضة الطالبين 421:4.
3- العزيز شرح الوجيز 301:6، روضة الطالبين 421:4-422.
4- العزيز شرح الوجيز 302:6، روضة الطالبين 422:4.

الصورة(1).

و لو وقف على النقش و التزويق، فالأقرب: المنع، و هو أحد وجهي الشافعيّة، و في الآخر: لا يجوز، كالخلاف في جواز تحلية المصاحف(2).

مسألة 154: إذا قال المتولّي للمسجد: أنفقت المال في كذا،

قبل قوله - و هو الأظهر من وجهي الشافعيّة(3) - إن احتمل الحال قوله، و إن ادّعى ما الظاهر فيه كذبه لم يسمع قوله.

و لو انهدم البناء أو انقلعت الأشجار، جاز إجارة الأرض ممّن يزرعها أو يضرب فيها خيامه أو يبني و يغرس عليها من غلّتها.

و يجوز أن يقرض الإمام المتولّي من بيت المال، أو يأذن له في الاستقراض، أو الإنفاق على العمارة من مال نفسه بشرط الرجوع، و ليس له الاستقراض بدون إذن الإمام.

و لو تلف الموقوف في يد الموقوف عليه أو في يد من يستحقّ إثبات اليد عليه من غير تعدّ، فلا ضمان عليه.

و لو انكسرت الآنية الموقوفة، فإن وجد متبرّع بالإصلاح فذاك، و إلاّ اتّخذ منه(1) أصغر، و أنفق الفضل على إصلاحه، فإن لم يمكن اتّخاذ مثل تلك الآنية اتّخذ منه(2) ما يمكن أن يكون آلة غيرها، كمغرفة و طاسة و غيرهما، و لا حاجة هنا إلى تجديد وقف، فإنّه عين الموقوف.

و إذا خرب العقار الموقوف على المسجد و للمسجد هناك مال فاضل دخل، بدئ منه بعمارة العقار؛ لأنّه أصل في عمارة المسجد.

ص: 263


1- الظاهر: «منها».
2- الظاهر: «منها».

و لو حصل مال كثير من غلّة وقف المسجد أخذ(1) منه بقدر ما لو خرب المسجد أعيدت العمارة، و الزائد يشترى به ما فيه للمسجد زيادة غلّة.

و قال بعض الشافعيّة: إنّ الموقوف لعمارة المسجد لا يشترى به شيء أصلا؛ لأنّ الواقف وقف على العمارة(2).

و هل يجوز صرف الفاضل من وقف المسجد إلى عمارة مسجد آخر؟ الأقرب: الجواز، مع احتمال العدم.

مسألة 155: لا تجوز قسمة الوقف بين أربابه،

سواء كان الموقوف عليه في الأصل واحدا ثمّ تعدّد البطن الثاني الذين انتقل إليهم، أو كان الوقف في الأصل على متعدّد، كما لو وقف على أولاده و هم أكثر من واحد، أو وقف على جهتين؛ لما فيه من تغيير شرط الواقف، لأنّ الحقّ ليس منحصرا في المقتسمين، فإنّ لمن بعدهم من البطون حقّا يأخذونه من الواقف لا على جهة الإرث من البطن الأوّل، و به قال أكثر الشافعيّة(3).

و قال بعضهم: إن جعلنا القسمة إفراز حقّ و تميّزه عن غيره، جازت القسمة، فإذا انقرض البطن الأوّل انتقضت(4).

و يجوز لأرباب الوقف المهايأة توصّلا إلى استيفاء المنافع.

و يجوز عندنا قسمة الوقف من الطلق؛ لأنّ القسمة ليست بيعا عندنا، و إنّما هي إفراز حقّ.

ثمّ لا يخلو إمّا أن يكون فيها ردّ أو لا، فإن لم يكن فيها ردّ جازت

ص: 264


1- في «ر، ص»: «أعدّ» بدل «أخذ».
2- العزيز شرح الوجيز 303:6.
3- العزيز شرح الوجيز 302:6، روضة الطالبين 422:4.
4- العزيز شرح الوجيز 302:6، روضة الطالبين 422:4.

القسمة عندنا و عند كثير من العامّة(1).

و إن اشتملت على ردّ، فإن كان من جانب أصحاب الوقف جاز أيضا؛ لأنّه يكون شراء لشيء من الطلق.

و إن كان من صاحب الطلق، قال بعض العامّة: لا يجوز؛ لتضمّنه شراء شيء من الوقف، و بيعه غير جائز(2).

و هو ممنوع.

و إن كان المشاع وقفا على جهتين فأراد أهله قسمته، لم تجز عندنا.

و عند بعض العامّة يبنى على ما ذكر، و لم تجز إذا كان فيها ردّ بحال، و متى جازت القسمة بين الوقف و الطلق و طلبها أحد الشريكين أو وليّ الوقف أجبر الآخر؛ لأنّ كلّ قسمة جازت من غير ردّ و لا ضرر فهي واجبة(3).

و لو وقف كلّ واحد من الشريكين حصّته على ولده أو على جهة أخرى و أراد الولدان أو صاحبا الجهتين القسمة، فالأولى المنع، كما لو كان الواقف واحدا.

و لو وقف أحد الشريكين حصّته، لم يكن للآخر شفعة؛ لأنّه إزالة ملك بغير عوض، فهو كالهبة، و لأنّ الشفعة إنّما تثبت عندنا بالبيع خاصّة دون غيره من أسباب النقل.

و لو جعل الواقف للموقوف عليه القسمة، ففي جوازها إشكال، فإن جوّزناه ففي لزومه في حقّ البطون المتجدّدة إشكال، و إن قلنا بلزومه ففي نقضه لو اتّفق البطن الثاني على نقضه إشكال.

ص: 265


1- المغني 267:6.
2- المغني 267:6.
3- المغني 267:6.
مسألة 156: لا يجوز تغيير الوقف عن هيئته،

فلا يجوز جعل الدار الموقوفة بستانا و لا حمّاما و بالعكس، إلاّ إذا جعل الواقف للمتولّي ما يرى فيه [مصلحة](1) الوقف.

و لو تعذّر الاستمرار، جاز التغيير إلى أقرب الأوصاف إلى الوقف.

و لو جعل دكّان القصّار للخبّاز و بالعكس، فالأقرب: الجواز - و هو قول بعض الشافعيّة(2) - لانتفاء التغيير في النوع.

و لو هدم الدار أو البستان متعدّ، أخذ منه الضمان، و بني به أو غرس ليكون وقفا مكان الأوّل.

و لو وقف على قنطرة فانخرق الوادي و تعطّلت تلك القنطرة و احتيج إلى قنطرة أخرى، جاز النقل إلى ذلك الموضع، بخلاف المسجد الذي باد أهله حيث تبقى عمارته، و يعمر بعد ما خرب إن أمكن ليصلّي فيه المارّة.

و إذا وقف على عمارة المسجد، جاز أن يشترى منه سلّم لصعود السطح، و مكانس يكنس بها و مساحي و مروز(3) و زبل لحفر التراب و نقله؛ لأنّ ذلك لحفظ العمارة.

و لو كان المطر يصيب بابه و يفسده، جاز بناء ظلال منه، و لا يجوز إذا كان مضرّا بالمارّة.

و إذا وقف على دهن السراج للمسجد، جاز وضعه في جميع الليل؛ لأنّه أنشط للمصلّين.

ص: 266


1- ما بين المعقوفين يقتضيه السياق.
2- العزيز شرح الوجيز 302:6، روضة الطالبين 422:4.
3- مروز، جمع، واحدها: مرز، و هو: الحباس الذي يحبس الماء، فارسيّ معرّب، لسان العرب 408:5 «مرز».

و يجوز وقف الستور ليستر بها جدران المسجد.

و قال بعض الشافعيّة: ينبغي أن يجيء فيه الخلاف المذكور في النقش و التزويق(1).

و لو وقف على المسجد مطلقا، فالأقرب: جواز صرف الغلّة إلى الإمام و المؤذّن إن ساغ لهما التناول.

و يجوز بناء منارة للمسجد، و كذا يجوز بناء المنارة من الوقف الذي وقف على عمارة المسجد.

و هل يجوز بناء سقاية المسجد؟ إشكال.

مسألة 157: إذا

مسألة 157: إذا(2) بني مسجد و صار مسجدا،

لم يجز رفعه من الأرض و جعل سقاية أو دكاكين تحته - خلافا لأحمد في إحدى الروايتين(3) - فإنّ المسجد ملك للّه تعالى لا يجوز نقله و لا إبداله و لا بيع ساحته، و لو جاز جعل أسفل المسجد سقاية و حوانيت لجاز جعل المسجد سقاية و حوانيت، و يجعل بدله مسجدا في موضع آخر.

و لو كان لمسجد منارة، و هو غير حصين من الكلاب، أمكن القول بجواز نقضها و بناء الحائط بها للمصلحة، و به قال أحمد(4).

و لو أريد حفر المسجد و جعل السقاية و الدكاكين تحته و البناء عليها بحيث يكون المسجد سقفا مساويا للأرض التي كان عليها في الارتفاع، فالأولى المنع.

ص: 267


1- العزيز شرح الوجيز 304:6، روضة الطالبين 422:4.
2- في الطبعة الحجريّة: «لو» بدل «إذا».
3- المغني 254:6، الشرح الكبير 269:6.
4- المغني 254:6، الشرح الكبير 270:6.

و لو جعل في سطحه مرتفق يجري مع حائطه من غير مداخلة له فيه، فالأقرب: الجواز.

مسألة 158: لا يجوز أن يغرس في المسجد شجرة،

فإن غرست كان للإمام قلعها؛ لأنّ المسجد إنّما بني لذكر اللّه تعالى و الصلاة فيه و تلاوة القرآن، و لأنّ موضع الشجرة من المسجد الذي جعل للصلاة، و بغرس الشجرة تمتنع الصلاة في مغرسها، و تؤذي المصلّين بسقوط ورقها في المسجد و رمي ثمرها، و تسقط عليها الطيور و تبول في المسجد، و ربما اجتمع الصبيان من أجلها و رموها بالحجارة ليسقط ثمرها.

و قد روي في أخبارنا أنّه: «من غرس في المسجد شجرة فكأنّما ربط فيه خنزيرا»(1).

و لو كانت النخلة قد نبتت عذيا من اللّه تعالى، ففي قلعها إشكال.

و لو جعل أرضا فيها نخلة مسجدا أقرّت فيه؛ لسبق حقّ الملك، و لا تصير وقفا بمجرّد ذكر الأرض، كبيع الأرض، و حينئذ لا يكلّف تفريغ الأرض.

و للشافعي قولان في البيع(2).

و قال أحمد: تصير النخلة وقفا، و تكون ثمرتها للمساكين؛ لأنّه لم يجعل لها مصرفا(3).

و لو وقف الشجرة على المسجد و احتاج(4) المسجد إلى عمارة،

ص: 268


1- لم نعثر عليه في مظانّه.
2- العزيز شرح الوجيز 304:6، روضة الطالبين 424:4.
3- المغني 255:6، الشرح الكبير 271:6-272.
4- في «ص»: «فاحتاج».

فالأقرب: جواز بيع الشجرة في عمارته.

و قال بعض الشافعيّة: يجوز للإمام قلعها باجتهاده ليتّسع للمصلّين(1).

و لو قال: جعلت هذه الأرض مسجدا، لم تدخل الشجرة، لأنّها لا تجعل مسجدا.

و لو جعل الأرض مسجدا و وقف الشجرة عليها، جاز، و لم يجز قلعها؛ لأنّها لمصالح المسجد.

و لو نبتت شجرة في المسجد، ففي جواز أكل ثمرها للداخل فيه نظر، أقربه: صرف الثمرة إلى مصالح المسجد من العمارة و شبهها.

و لو نبتت شجرة في المقبرة، ففي جواز أكل ثمرها للناس إشكال، أقربه: صرفها(2) في مصالح المسجد.

مسألة 159: يصحّ وقف المريض كما يصحّ وقف الصحيح،

إلاّ أنّ بين علمائنا اختلافا في أنّه هل يمضى من الأصل أو من الثلث ؟ و المعتمد:

الثاني على ما يأتي إن شاء اللّه تعالى، و لأنّه يؤخّر عن الديون فيكون وصيّة، و الملازمة ظاهرة.

و أمّا صدق المقدّم: فلما رواه أحمد بن حمزة أنّه كتب إلى أبي الحسن عليه السّلام: مدين(3) وقف ثمّ مات صاحبه و عليه دين لا يفي بماله، فكتب عليه السّلام: «يباع وقفه في الدّين»(4).

و لا فرق بين أن يكون الوقف على الأجنبيّ أو على الوارث، عند

ص: 269


1- العزيز شرح الوجيز 304:6، روضة الطالبين 424:4.
2- الظاهر: «صرفه».
3- في الفقيه: «مدبر».
4- الفقيه 624/177:4، التهذيب 601/144:9.

علمائنا؛ لقوله تعالى: اَلْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ وَ الْأَقْرَبِينَ (1).

و قال الشافعي: إن كان لأجنبيّ اعتبر من الثلث، فإن لم يزد عليه لزم، و إن زاد عليه وقف على إجازة الورثة، فإن أجازوا بأسرهم نفذ من الأصل، و إن ردّوا بأسرهم نفذ من الثلث، فإن أجاز بعضهم نفذ في حصّته من الأصل، و في حصّة الرادّ من الثلث، و إن وقف على بعض ورثته وقف على إجازة الباقين، فإن ردّوه بطل، سواء أخرج من الثلث أو لا، و كذا إذا أوصى بالوقف(2).

و قال أحمد في أصحّ الروايتين كقولنا: إنّه يمضي من الثلث و إن لم تجز الورثة كالأجنبيّ؛ لأنّ عمر جعل الولاية لحفصة ثمّ لذوي الرأي من أهله(3)المغني 247:6-248.(4) ، و لا حرج على من وليه أن يأكل منه، و لأنّ الوقف ليس في معنى المال، فإنّه لا يجوز التصرّف فيه، فهو بمنزلة عتق الوارث، و الوصيّة - عنده - للوارث و إن كانت باطلة إلاّ مع إجازة جميع الورثة، فإنّ الوقف مغاير لها؛ لأنّه لا يباع و لا يورث، و لا يصير ملكا للورثة ينتفعون بغلّته(4).

و لو وقف و وهب و حابى، فإن كان ذلك منجّزا قدّم الأوّل فالأوّل.

فإن اشتبه السابق، قال بعض علمائنا: يقسّم على الجميع بالحصص(5).3.

ص: 270


1- سورة البقرة: 180.
2- حلية العلماء 40:6-41، البيان 83:8.
3- راجع: الهامش
4- من ص 187.
5- نسبه المحقّق الحلّي في شرائع الإسلام 212:2 إلى القيل، و راجع: المبسوط - للطوسي - 299:3.

و الوجه: القرعة.

و إن كان وصيّة، فكذلك عندنا.

و قال الشافعي: يستوي الكلّ، إلاّ العتق فإنّ فيه قولين(1).

مسألة 160: لو وقف داره على ابنه و بنته بالسويّة في مرض موته،

و هي تخرج من الثلث، صحّ ذلك عندنا - و به قال أحمد في إحدى الروايتين(2) - لأنّه لمّا كان يجوز له تخصيص البنت بوقف الدار كلّها فنصفها أولى.

و قالت الشافعيّة و أحمد في الرواية الأخرى: إن أجاز الابن ذلك جاز(3).

و إن لم يجزه، قال بعض العامّة: بطل الوقف فيما زاد على نصيب البنت، و هو السدس، و يرجع إلى الابن ملكا، فيكون له النصف وقفا، و السدس ملكا طلقا، و الثلث للبنت جميعه يكون وقفا.

قال: و يحتمل أن يبطل الوقف في نصف ما وقف على البنت، و هو الربع، و تبقى ثلاثة أرباع الدار وقفا، نصفها للابن، و ربعها للبنت، و الربع الذي بطل الوقف فيه بينهما أثلاثا: للابن ثلثاه، و للبنت ثلثه.

و تصحّ المسألة من اثني عشر، للابن ستّة أسهم وقفا و سهمان ملكا، و للبنت ثلاثة أسهم وقفا و سهم ملكا(4).

و لو وقفها على ابنه و زوجته نصفين، و هي تخرج من الثلث، فردّ

ص: 271


1- البيان 172:8، العزيز شرح الوجيز 56:7، روضة الطالبين 130:5.
2- المغني 248:6-249.
3- البيان 84:8، العزيز شرح الوجيز 32:7، روضة الطالبين 109:5، المغني 249:6.
4- المغني 249:6.

الابن، صحّ الوقف على الابن في نصفها، و على المرأة في ثمنها، و للابن إبطال الوقف في ثلاثة أثمانها، فترجع إليه ملكا على الوجه الأوّل، و على الوجه الثاني يصحّ الوقف على الابن في نصفها، و هو أربعة أسباع نصيبه، و يرجع إليه باقي نصيبه ملكا، و يصحّ الوقف في أربعة أسباع الثّمن الذي للمرأة، و باقيه يكون لها ملكا، فاضرب سبعة في ثمانية يكون ستّة و خمسين: للابن ثمانية و عشرون وقفا، و أحد و عشرون ملكا، و للمرأة أربعة أسهم وقفا، و ثلاثة ملكا.

و أمّا إن كانت الدار جميع ملكه فوقفها كلّها، فعلى ما اخترناه و اختاره أحمد في إحدى الروايتين(1) الحكم فيها كما كانت تخرج من الثلث، فإنّ الوارث في جميع ذلك كالأجنبيّ في الزائد على الثلث.

و على قول أحمد في الرواية الأخرى يلزم الوقف في الثلث من غير اختيار الورثة، و فيما زاد لهما إبطال الوقف فيه، و للابن إبطال التسوية، فإن اختار إبطال التسوية دون إبطال الوقف، خرج فيه عندهم وجهان:

أحدهما: أنّه يبطل الوقف في التّسع، و يرجع إليه ملكا، فيصير له النصف وقفا و التّسع ملكا، و يكون للبنت السدس و التّسعان وقفا؛ لأنّ الابن إنّما يملك إبطال الوقف فيما له دون ما لغيره.

و الوجه الثاني: أنّ له إبطال الوقف في السدس، و يصير له النصف وقفا و التّسع ملكا، و للبنت الثلث وقفا و نصف التّسع ملكا لئلاّ تزداد البنت على الابن في الوقف.

و تصحّ المسألة في هذا الوجه من ثمانية عشر: للابن تسعة وقفا6.

ص: 272


1- المغني 249:6.

و سهمان ملكا، و للبنت ستّة أسهم وقفا و سهم ملكا(1).

و قال بعضهم: له إبطال الوقف في الربع كلّه، و يصير له النصف وقفا و السدس ملكا، و يكون للبنت الربع وقفا و نصف السدس ملكا، كما لو كانت الدار تخرج من الثلث، و تصحّ من اثني عشر(2).

تذنيب: لو وقف في مرض موته و عليه دين مستوعب، بطل الوقف على الأقوى؛ لأنّ منجّزات المريض كالوصيّة عندنا، و الدّين مقدّم عليه على رواية أحمد بن حمزة: إنّه كتب إلى أبي الحسن عليه السّلام: مدين وقف ثمّ مات صاحبه و عليه دين لا يفي بماله، فكتب عليه السّلام: «يباع وقفه في الدّين»(3) و لو كان المديون هو الموقوف عليه لم يبع الوقف في قضاء دينه.

مسألة 161: إذا كان الوقف شجرا فأثمر،

أو أرضا فزرعت و كان الوقف على أقوام بأعيانهم فحصل لبعضهم من الثمرة أو الحبّ نصاب، وجبت فيه الزكاة عند علمائنا - و به قال مالك و الشافعي و أحمد(4) - لأنّه استغلّ من أرضه أو شجره نصابا، فلزمته زكاته، كغير الوقف.

و الأصل فيه: أنّ الوقف تعلّق بأصل الشجرة و رقبة الأرض، و أمّا الثمرة و الزرع فطلق، و الملك فيهما تامّ له التصرّف فيهما بجميع التصرّفات، و يورّث عنه، فتجب فيها(5) الزكاة، كالحاصلة من أرض مستأجرة له.

و قال طاوس و مكحول: لا زكاة فيه؛ لأنّ الأرض ليست مملوكة لهم،

ص: 273


1- المغني 250:6.
2- المغني 250:6.
3- تقدّم تخريجها في ص 269، الهامش (4).
4- المغني 260:6.
5- الأولى: «و يورّثا عنه، فتجب فيهما».

فلا تجب عليهم زكاة في الخارج منها، كالمساكين(1).

و نمنع انتفاء الملك عنهم، و لو سلّمنا فإنّه مالك لمنفعتها، و يكفي ذلك في وجوب الزكاة، كالأرض المستأجرة، بل لو غصب أرضا و زرع زرعا و نمى وجب عليه فيه الزكاة، أمّا لو كان الموقوف عليه غير منحصر كالمساكين، فلا زكاة عليهم فيما يحصل في أيديهم، سواء حصل في يد بعضهم نصاب من الثمار و الحبوب، أو لم يحصل، و لا زكاة عليهم قبل تفريقها و إن بلغت نصابا؛ لأنّ الوقف على المساكين لا يتعيّن لواحد منهم، لأنّ كلّ واحد منهم يجوز حرمانه و الدفع إلى غيره، و إنّما يثبت الملك فيه بالقبض و الدفع لما أعطيه من غلّته ملكا مستأنفا، فلم يجب عليه فيه زكاة، كالذي يدفع إليه من الزكاة، و كما لو وهبه أو اشتراه، بخلاف الوقف على قوم بأعيانهم، فإنّه يتعيّن لكلّ واحد منهم حقّ في نفع الأرض و غلّتها، و لهذا يجب إعطاؤه و لا يجوز حرمانه.

مسألة 162: تشتمل على أحكام متعدّدة:

لو وقف على مصلحة فبطل رسمها فلم يمكن صرف الوقف إليها، صرف في وجوه البرّ.

و لو وقف في وجوه البرّ و أطلق، صرف في الفقراء و المساكين و كلّ مصلحة يتقرّب بها إلى اللّه تعالى.

و لو وقف على أعمامه و أخواله، تساووا جميعا.

و لو وقف على أقرب الناس إليه، فهم الأبوان و الولد و إن سفلوا، و لا يكون لأحد من ذوي القرابة شيء ما لم يعدم المذكورون، ثمّ الأجداد

ص: 274


1- المغني 260:6.

و الإخوة من بعدهم بالسويّة، ثمّ الأعمام و الأخوال على ترتيب الإرث، لكن يتساوون في الإستحقاق، إلاّ أن يعيّن التفضيل.

و إذا وقف على أولاده الأصاغر، كان قبضه قبضا عنهم، و كذا الجدّ للأب، بخلاف الجدّ للأمّ.

و الأقرب في الوصيّ ذلك أيضا؛ لثبوت الولاية له عليهم.

و لو وقف على أولاده الأصاغر، لم يكن له بعد ذلك و تمام الوقف إدخال غيرهم.

و قيل: يجوز له أن يشرك معهم و إن لم يشترط(1).

و ليس بجيّد.

و القبض إنّما يعتبر في البطن الأوّل، و يسقط اعتباره في باقي الطبقات.

و إذا وقف على الفقراء أو على الفقهاء، فلا بدّ من نصب قيّم يقبض الوقف.

و كذا لو كان الوقف على مصلحة، كفى إيقاع الوقف عن اشتراط القبول، و كان القبض إلى الناظر في تلك المصلحة.

و لو وقف مسجدا فخرب و خربت القرية أو المحلّة، لم يعد إلى ملك الواقف، و لم تخرج العرصة عن الوقف.

و لو أخذ السيل ميّتا فيئس منه، كان الكفن للورثة.

و إذا آجر البطن الأوّل الوقف مدّة ثمّ انقرضوا في أثنائها، فإن قلنا:

الموت يبطل الإجارة، فلا بحث، و إن لم نقل، فهل تبطل هنا؟ الأقرب6.

ص: 275


1- قال به الشيخ الطوسي في النهاية: 596.

ذلك؛ لأنّا تبيّنّا أنّ هذه المدّة ليست للموجودين، فيكون للبطن الثاني الخيار بين الإجازة في الباقي، و بين الفسخ فيه فيرجع المستأجر على تركة الأوّلين بما قابل المتخلّف.

أمّا لو مات المستأجر فإنّ الإجارة لا تبطل هنا على القول بعدم البطلان بموته.

و إذا وقف على الفقراء، لم يجب تتبّع من غاب عن البلد.

و هل يجوز الصرف إليه ؟ الأقرب ذلك.

و قال بعض علمائنا: إنّه ينصرف إلى فقراء البلد و من يحضره(1).

فإن قصد الاختصاص فهو ممنوع، و إن قصد جواز الاقتصار فهو حقّ.

و لو أحبل الموقوف عليه الجارية الموقوفة عليه، فالولد حرّ، و لا قيمة عليه؛ لأنّه لا يجب له على نفسه غرم.

هذا إن قلنا: إنّ الولد المتجدّد مختصّ بمن تجدّد في وقته من البطون، و إن جعلناه وقفا كالأم، فالأقرب: وجوب التقويم عليه؛ لعدم اختصاصه به.

و على التقديرين هل تصير أمّ ولد؟ الوجه ذلك، و تنعتق بموته، و توخذ القيمة من تركته لمن يليه من البطون.

و لو وطئها غيره و هو حرّ بوطئ صحيح، فالولد حرّ، إلاّ أن يشترط أرباب الوقف رقّيّته في العقد.

و لو وطئها الحرّ بشبهة، كان ولده حرّا، و عليه قيمته للموقوف2.

ص: 276


1- المحقّق الحلّي في شرائع الإسلام 221:2.

عليهم.

و لو كان بيع الوقف أنفع من بقائه، قال الشيخ المفيد: يجوز تغيير الشرط في الوقف إلى غيره، و ذلك أن يكون قد شرط الواقف أنّه إن احتاج إليه في حياته لفقر كان له بيعه و صرف ثمنه في مصالحه(1) ؛ لرواية إسماعيل ابن الفضل عن الصادق عليه السّلام، و قد سلفت(2).

و الوقف إن قلنا: إنّه ينتقل إلى الموقوف عليه، ثبت بالشاهد و اليمين؛ لأنّ المقصود منه المال، و إن قلنا: إنّه ينتقل إلى اللّه تعالى، لم يثبت بالشاهد و اليمين، كالعبد لو ادّعى العتق.

و يحتمل عندي على القول بانتقاله إلى اللّه تعالى ثبوته بالشاهد و اليمين و إن لم ينتقل إليه؛ لأنّه يحلف لتحصيل غلّته و منفعته، فلمّا كان المقصود من الوقف المنفعة و هي مال، ثبت بالشاهد و اليمين، بخلاف حرّيّة العبد؛ لأنّ المقصود منها تكميل الأحكام.

و إذا كان الوقف عامّا بحيث يدخل الواقف فيه - مثل أن يقف المسلم على المسلمين، أو يقف على فقرائهم ثمّ يصير فقيرا، أو يقف مسجدا و قنطرة و أشباه ذلك - جاز له الدخول في الانتفاع، كباقي المسلمين، و ادّعى الشيخ رحمه اللّه فيه الإجماع، فإنّه يعود إلى أصل الإباحة، فيكون هو و غيره فيه سواء(3).

و قال ابن إدريس: إذا وقف شيئا على المسلمين عامّة، جاز له الانتفاع به عند بعض أصحابنا؛ لأنّه يعود إلى أصل الإباحة، و إن كان ما3.

ص: 277


1- المقنعة: 652.
2- في ص 180.
3- المبسوط - للطوسي - 299:3.

وقفه دارا أو منزلا و كان وقفه عامّا في سائر الناس، كالدور التي ينزلها الحاج، و الخانات، جاز له النزول فيها، و إن لم يكن كذلك لم يجز له.

ثمّ قال: و يقوى عندي أنّ الواقف لا يجوز له الانتفاع بما وقفه على حال؛ لما بيّنّاه و أجمعنا عليه من أنّه لا يصحّ وقفه على نفسه(1).

و الوجه: أن نقول: إن انتقل الوقف إلى اللّه تعالى - كالمساجد - كان للواقف الانتفاع به كغيره، و إن انتقل إلى الخلق لم يدخل؛ لأنّه لو دخل تحت اللفظ العامّ لكان قد وقف على نفسه و غيره، فيبطل في حقّ نفسه؛ لتساوي نسبة أفراد العامّ إليه، فلو كان مرادا منه لكان قد وقف على نفسه و غيره، و إن لم يكن مرادا لم يدخل في الوقف.

و عدّ ابن حمزة من شرائط صحّته تسلّم الوقف من الموقوف عليه أو من وليه، إلاّ إذا جعل ولاية الوقف لنفسه مدّة حياته(2).

و هذا القول يشعر بأنّه إذا شرط الولاية لنفسه لم يكن القبض شرطا.

و هو ممنوع؛ لأنّ القبض شرط؛ لما رواه عبيد بن زرارة عن الصادق عليه السّلام أنّه قال في رجل تصدّق على ولد له قد أدركوا، فقال: «إذا لم يقبضوا حتى يموت فهو ميراث»(3) و عدم الشرط يستلزم عدم المشروط.

و قال الشيخ: إذا وقف على ولده الموجودين و كانوا صغارا ثمّ رزق بعد ذلك أولادا جاز أن يدخلهم معهم فيه، و لا يجوز أن ينقله عنهم بالكلّيّة إليهم(4).6.

ص: 278


1- السرائر 155:3.
2- الوسيلة 369:3.
3- الفقيه 639/182:4، التهذيب 577/137:9، الاستبصار 390/102:4.
4- النهاية: 596.

و أطلق باقي الأصحاب المنع من تغيير الوقف و شرائطه بعد لزومه.

و قال ابن البرّاج: الوقف يجب أن يجري على ما يقفه الواقف و يشترط فيه، و إذا وقف على ولد موجود و هو صغير ثمّ ولد له بعده غيره و أراد أن يدخله في الوقف مع الأوّل، كان جائزا، إلاّ أن يكون قد خصّ الولد الموجود بذلك و قصره عليه و شرط أنّه له دون غيره ممّن عسى أن يرزقه من الأولاد، فإنّه لا يجوز له أن يدخل غيره في ذلك(1).

و الحقّ أنّه ليس له إدخال من يولد إلاّ أن يشترط ذلك في متن العقد؛ لقول العسكري عليه السّلام: «الوقوف بحسب ما يوقفها أهلها»(2)الكافي 5/31:7، التهذيب 137:9-578/138، الاستبصار 391/102:4.(3).

و لأنّه عقد وقع لازما، فلا يجوز تغييره، و إلاّ لم يكن لازما.

و لما رواه جميل بن درّاج قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: رجل تصدّق على ولده بصدقة و هم صغار أله أن يرجع فيها؟ قال: «لا، الصدقة للّه»(3).

و إذا وقف على أولاده و لم يفضّل بعضا على بعض، تساوى الذكور و الإناث، و كذا لو قال: لورثتي، و هو المشهور؛ للأصل.

و قال ابن الجنيد: يكون للذكر مثل حظّ الأنثيين، مع أنّه قال:

لو جعل الرجل وقفه على ولد أمير المؤمنين عليه السّلام، أو جعلها لقرابة منه لا يتوارثون، كانت لجميعهم على الرؤوس لا يفضّل فيها ذكر على أنثى.

قال الشيخ رحمه اللّه: إذا وقف الإنسان مسكنا، جاز له أن يقعد فيه مع من وقفه عليهم، و ليس له أن يسكن غيره فيه(4).0.

ص: 279


1- المهذّب - لابن البرّاج - 88:2 و 89.
2- تقدّم تخريجه في ص 165، الهامش
3- .
4- النهاية: 600.

و قال ابن الجنيد: فإن لم يشترط لنفسه الأكل و السكنى فيما تصدّق به، لم يكن له أن يأكل من الغلّة و لا أن يسكن.

و الوجه: أنّه لا يجوز له السكنى معهم؛ لأنّ الواقف أخرج الملك عن نفسه بالوقف، فلا يجوز له الانتفاع به، كغيره.

و الشيخ رحمه اللّه عوّل على رواية أبي الجارود عن الباقر عليه السّلام: «و إن تصدّق بمسكن على ذي قرابته فإن شاء سكن معهم»(1).

و هي ضعيفة السند، و محمولة على الصدقة بالإسكان المطلق.

و قد روى أبو الصحاري عن الصادق عليه السّلام، قال: قلت له: رجل اشترى دارا فبقيت عرصة فبناها بيت غلّة أيوقف على المسجد؟ قال: «إنّ المجوس أوقفوا على بيت النار»(2).

و هو محمول على أنّه وقف على تزويق المسجد.

و قال ابن الجنيد: أولاد الحيوان المحبوسة يجرون مجرى أمّهاتهم في الحبس و تسبيل المنفعة.

و قال الشيخ: ولد الأمة الرقيق قيل فيه وجهان، أحدهما: يكون طلقا، و يكون للموقوف عليه، و الثاني: يكون وقفا كأمّه(3) ، و كذا الأضحيّة و الهدي، ثمّ قوّى الشيخ الثاني(4).

و إذا وقف المسلم شيئا على عمارة البيع و الكنائس، لم يجز، و إن وقفه الكافر جاز.3.

ص: 280


1- التهذيب 567/134:9، الاستبصار 393/103:4.
2- الفقيه 648/185:4، التهذيب 611/150:9.
3- في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «كأمّها». و الظاهر ما أثبتناه.
4- المبسوط - للطوسي - 290:3.

و أمّا إذا وقف الكافر شيئا على بيوت عبادة لغير اللّه تعالى، كبيوت النيران و الأصنام و القرابين للشمس و الكواكب، فإنّه باطل.

و لو وقف ضيعة و قال: يكون الارتفاع منصرفا إلى عمارتها و حقّ السلطان، و ما فضل بعد ذلك يكون في معاني الزكوات، صحّ، و يصرف إلى أرباب الزكوات.

و قال بعض الشافعيّة: يصرف إلى الفقراء و المساكين؛ لأنّ الظاهر أنّه أخرج زكاته و كفّارته، و إنّما خاف التقصير، فيكون هذا تطوّعا منه(1).8.

ص: 281


1- البيان 72:8.

ص: 282

الفصل الثاني: في السّكنى و العمرى و الرّقبى و الحبيس

مسألة 163: أحباس أهل الجاهليّة غير صحيحة،

و هي التي ذكرها اللّه تعالى في كتابه العزيز: ما جَعَلَ اللّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَ لا سائِبَةٍ وَ لا وَصِيلَةٍ وَ لا حامٍ (1)

فالبحيرة هي: الناقة التي تلد خمسة بطون، فإذا حصل ذلك منها بحروا أذنها، أي: شقّوها، و البحر: الشقّ، و منه سمّي البحر.

و قيل: إنّها ولد الناقة بعد عشرة بطون يشقّون أذنها(2).

و أمّا السائبة فهي: هذه التي ولدت عشرة بطون كلّها إناث فيسيّبونها إكراما لها، فلا تركب و لا يوجف وبرها و لا تحلب إلاّ لضيف.

و أمّا الوصيلة فهي: الناقة أو الشاة تلد عشر بطون في كلّ بطن ذكر و أنثى، فإذا كان منها ذلك قالوا: وصلت أولادها.

و قيل: هي الشاة تلد خمس بطون في كلّ بطن عناقان، فإذا ولدت بطنا سادسا ذكرا و أنثى قالوا: وصلت أخاها، فما تلد بعد ذلك يكون حلالا للذكور و حراما على الإناث(3).

و أمّا الحام فهو: الفحل ينتج من ظهره عشرة بطون فيسيّب، و يقال:

حمى ظهره، فلا يركب.

ص: 283


1- سورة المائدة: 103.
2- الحاوي الكبير 514:7، المبسوط - للطوسي - 287:3.
3- الحاوي الكبير 514:7، المبسوط - للطوسي - 287:3.

و قيل: هو أن يطرق الفحل عشر سنين فيحمى ظهره(1).

و قد سمّى الفقهاء المعتق بالسائبة إذا تبرّأ معتقه من ولائه في العتق.

و يبرأ عندنا، خلافا للشافعيّة، فإنّهم قالوا: يثبت عليه الولاء(2).

مسألة 164: يصحّ الحبس مع قصد التقرّب،

و هو كالوقف المنقطع، فإن حبس فرسه في سبيل اللّه أو غلامه في خدمة البيت أو المسجد أو المشهد، لزم ذلك، و لم يجز تغييره ما دامت العين باقية، و إن قيّد بمدّة لزمت، و إن أطلق دامت ما دامت العين.

و يجوز أن يحبس على رجل معيّن أو جماعة منتشرين كالفقراء، فلو حبس داره على زيد أو على الفقراء، فإن عيّن وقتا لزم إحباسه تلك المدّة.

و إن أطلق و لم يعيّن وقتا ثمّ مات الحابس، كان ميراثا، و كذا لو عيّن مدّة و انقضت، كان ميراثا لورثة الحابس؛ لما رواه ابن أذينة البصري قال:

كنت شاهد ابن أبي ليلى و قضى في رجل جعل لبعض قرابته غلّة داره و لم يوقّت لهم(3) وقتا فمات الرجل فحضر ورثته ابن أبي ليلى و حضر ورثة الرجل الذي جعل له الدار، فقال ابن أبي ليلى: أرى أن أدعها على ما تركها صاحبها، فقال له محمّد بن مسلم الثقفي: أما إنّ عليّ بن أبي طالب عليه السّلام قد قضى في هذا المسجد بخلاف ما قضيت به، قال: و ما علمك ؟ قال:

سمعت أبا جعفر عليه السّلام يقول: «قضى أمير المؤمنين عليه السّلام بردّ الحبيس و إنفاذ المواريث» فقال ابن أبي ليلى: هو عندك في كتاب (عليّ)(4) ؟ قال: نعم،

ص: 284


1- جامع البيان (تفسير الطبري) 59:7، التفسير الكبير - للرازي - 110:12.
2- حلية العلماء 249:6، التهذيب - للبغوي - 400:8، البيان 495:8، العزيز شرح الوجيز 386:13، روضة الطالبين 432:8.
3- كلمة «لهم» لم ترد في المصادر.
4- ما بين القوسين لم يرد في المصادر.

قال: فأرسل فأتني به، قال محمّد بن مسلم: على أن لا تنظر في الكتاب إلاّ في ذلك الحديث، قال: لك ذلك، قال: فأراه الحديث عن أبي جعفر عليه السّلام في الكتاب، فردّ قضيّته(1).

مسألة 165: السكنى عقد يفتقر إلى الإيجاب و القبول و القبض،

و فائدتها التسليط على استيفاء المنفعة مع بقاء الملك على مالكه، و يختلف عليها الأسماء بحسب اختلاف الإضافة، فإذا قرنت بعمر أحدهما قيل:

عمرى، و بالإسكان قيل: سكنى، و بالمدّة قيل: رقبى، إمّا من الارتقاب، أو من رقبة الملك، و كانت العرب في الجاهليّة تستعمل لفظين، و هما:

العمرى و الرّقبى، فالرّقبى مأخوذة من الرقوب، و العمرى مأخوذة من العمر، كأنّ كلّ واحد منهما يرتقب موت صاحبه.

و العبارة عن العقد أن يقول المالك: أسكنتك، أو أعمرتك، أو أرقبتك - أو ما جرى مجرى ذلك - هذه الدار، أو هذه الأرض، أو هذا المسكن عمرك، أو: عمري، أو: ما بقيت، أو: ما حييت، أو: ما عشت، أو مدّة معيّنة، أو يطلق، أو يقول: أرقبتك هذه الدار، أو: هي لك مدّة حياتك، أو: وهبت منك هذه الدار عمرك على أنّك إن متّ قبلي عادت إليّ و إن متّ قبلك استقرّت عليك.

و عن أحمد في تفسير الرّقبى روايتان:

إحداهما: أن يقول: هي لك عمرك فإن متّ قبلي رجع إليّ و إن متّ قبلك فهي لك، و معناه هي لآخرنا موتا، و كذا فسّرها مجاهد(2).

ص: 285


1- التهذيب 140:9-591/141، و في الكافي 34:7-27/35، و الفقيه 4: 635/181 بتفاوت يسير.
2- سنن أبي داود 3560/295:3، البيان 122:8.

و الثانية: هي أن يقول: هي لك حياتك فإذا متّ فهي لفلان، أو هي راجعة إليّ(1).

و قال عليّ عليه السّلام: «العمرى و الرّقبى سواء»(2).

و قال طاوس: من أرقب شيئا فهو سبيل الميراث(3).

و قال الزهري: الرّقبى وصيّة(4) ، معناها: إذا متّ فهي لك.

و قال الحسن و مالك و أبو حنيفة: الرّقبى باطلة؛ لأنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أجاز العمرى و أبطل الرّقبى(2) ، و لأنّ معناها أنّها لآخرنا موتا، و هذا تمليك معلّق بخطر، و لا يجوز تعليق التمليك بالخطر(3).

و العمرى و الرّقبى جائزان في قول أكثر العلماء(4) ؛ لما رواه العامّة عن جابر قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: «العمرى جائزة لأهلها، و الرّقبى جائزة لأهلها»(5).4.

ص: 286


1- المغني 340:6-341، الشرح الكبير 291:6. (2الى4) الإشراف على مذاهب أهل العلم 231:2، المغني 341:6، الشرح الكبير 291:6.
2- سنن أبي داود 3559/295:3، سنن النسائي (المجتبى) 272:6، المعجم الكبير - للطبراني - 4944/161:5، السنن الكبرى - للبيهقي - 175:6، معرفة السنن و الآثار 58:9، ذيل ح 12346.
3- الإشراف على مذاهب أهل العلم 231:2، المغني 341:6، الشرح الكبير 6: 291، الإفصاح عن معاني الصحاح 54:2، عيون المجالس 1293/1834:4، البيان 122:8، مختصر القدوري: 125، المبسوط - للسرخسي - 89:12، الفقه النافع 747/1017:3، الهداية - للمرغيناني - 230:3.
4- البيان 118:8، المغني 335:6، الشرح الكبير 287:6-288.
5- مسند أحمد 13842/236:4، سنن أبي داود 3558/295:3، سنن الترمذي 633:3-1351/634، سنن النسائي (المجتبى) 274:6، السنن الكبرى - للنسائي - 6571/131:4.

و من طريق الخاصّة: ما رواه أبو الصباح عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال:

سئل عن السكنى و العمرى، فقال: «إن كان جعل السكنى في حياته فهو كما شرط، و إن [كان] جعلها له و لعقبه من بعده حتى يفنى عقبه فليس لهم أن يبيعوا و لا يرثوا، ثمّ ترجع الدار إلى صاحبها الأوّل»(1).

و في الحسن عن الحلبي عن الصادق عليه السّلام: في الرجل يسكن الرجل داره، و لعقبه من بعده، قال: «يجوز، و ليس لهم أن يبيعوا و لا يرثوا» قلت:

فرجل أسكن داره حياته، قال: «يجوز ذلك» قلت: فرجل أسكن داره و لم يوقّت، قال: «جائز، و يخرجه إذا شاء»(2).

و لأنّها نوع من صدقة تتبع اختيار المتصدّق بها في القلّة و الكثرة و الدوام و عدمه.

و حكي عن الزهري أنّه قال: لم يكن الخلفاء يقضون بها(3).

و قال بعض العامّة: لا تصحّ العمرى و لا الرّقبى(4) ؛ لأنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال: «لا تعمروا و لا ترقبوا»(5).

قالت العامّة: و هذا النهي مصروف إلى ما كانت الجاهليّة تفعله من استرجاعها بعد موت المعمر، فإنّه إذا جعلها سنة فإنّه شرط شرطا ينافيها،8.

ص: 287


1- الكافي 33:7-22/34، الفقيه 653/187:4، التهذيب 588/140:9، الاستبصار 397/104:4، و ما بين المعقوفين أثبتناه منها.
2- الكافي 25/34:7، التهذيب 590/140:9، الاستبصار 398/104:4.
3- حلية العلماء 62:6.
4- المغني 335:6، الشرح الكبير 288:6.
5- ترتيب مسند الشافعي 587/168:2، السنن الكبرى - للبيهقي - 175:6، معرفة السنن و الآثار 57:9-12344/58.

و أمّا(1) إذا جعلها له عمره فليس بشرط ينافيها؛ لأنّ الإنسان لا يملك إلاّ عمره، و في الخبر زيادة: «فمن أعمر أو أرقب فهو سبيل الميراث»(2)(3).

و هذا الحمل ليس بجيّد عندنا؛ لأنّا نجوّز العمرى مطلقا و مقيّدا، و الخبر عندنا ممنوع.

و قال ابن البرّاج من علمائنا: السكنى و العمرى و الرّقبى بمنزلة واحدة، ثمّ قال: الرّقبى أن يقول: أرقبتك هذه الدار مدّة حياتك، أو مدّة حياتي، قال: و ذهب بعض أصحابنا في الرّقبى إلى أنّها هي قول الإنسان لغيره: جعلت لك خدمة هذا العبد مدّة حياتك، أو مدّة حياتي، و ذلك مأخوذ من رقبة العبد، و الأوّل مأخوذ من رقبة الملك، قال: و الذي ذكرناه أوّلا هو الظاهر من المذهب و المعوّل عليه(4).

مسألة 166: العمرى لا ينتقل الملك بها إلى المعمر بحال عندنا،

سواء أطلق الإعمار أو قيّده بالعود إليه أو إلى ورثته بعد موت المعمر، أو قيّده بعد موت المعمر برجوع الإعمار إلى عقب المعمر و نسله دائما، بل إذا مات المالك و قرنت العمرى بحياته رجعت إلى ورثته، سواء كان المعمر باقيا أو كان قد مات، و إن قرنت بعمر المعمر رجعت إلى المالك أو ورثته بعد موت المعمر، و لو قرنت بعمر المعمر و عقبه رجعت إلى المالك أو إلى ورثته بعد انقطاع عقب المعمر.

و بالجملة، العمرى عندنا غير ناقلة للعين إلى المعمر في حال من

ص: 288


1- في الطبعة الحجريّة: «فأمّا» بدل «و أمّا».
2- راجع: الهامش (5) من ص 287.
3- لم نتحقّقه في مظانّه، و ينظر: البيان 119:8.
4- المهذّب - لابن البرّاج - 100:2.

الأحوال - و به قال مالك و الليث بن سعد(1) - لما روى العامّة أنّ مكحولا سأل القاسم بن محمّد عن العمرى ما يقول [الناس] فيها؟ فقال القاسم: ما أدركت الناس [إلاّ] على شروطهم في أموالهم و ما أعطوا(2).

و قال إبراهيم بن إسحاق الحربي عن ابن الأعرابي: لم تختلف العرب في الرّقبى و العمرى و الإفقار(3) و الإحبال و المنحة و العريّة و العاريّة و السكنى و الإطراق(4) أنّها على ملك أربابها(5).

و من طريق الخاصّة: ما رواه أبو الصباح عن الصادق عليه السّلام، قال: سئل عن السكنى و العمرى، فقال: «إن كان جعل السكنى في حياته فهو كما شرط، و إن [كان] جعلها له و لعقبه من بعده حتى يفنى عقبه فليس لهم أن يبيعوا و لا يرثوا، ثمّ ترجع الدار إلى صاحبها الأوّل»(6).

و لأنّ التمليك لا يتأقّت، كما لو باعه إلى مدّة، فإذا كان لا يتأقّت حمل قوله على تمليك المنافع؛ لأنّه يصحّ توقيته، و لأنّ الملك ثابت في الأصل للمالك فيستصحب، و لأنّ قوله: «أعمرتك لك و لعقبك» ليس من الألفاظ الناقلة للأعيان في عرف الشرع؛ لأنّه يمكن أن يعمره مدّة منقطعة،ر.

ص: 289


1- الإشراف على نكت مسائل الخلاف 1200/674:2، عيون المجالس 4: 1292/1833، بداية المجتهد 331:2، الإشراف على مذاهب أهل العلم 2: 230، الحاوي الكبير 540:7، البيان 118:8، العزيز شرح الوجيز 311:6، المغني 336:6، الشرح الكبير 288:6.
2- المغني 336:6، الشرح الكبير 288:6، و ما بين المعقوفين أثبتناه منهما.
3- أفقرت فلانا ناقتي، أي: أعرته فقارها ليركبها. الصحاح 783:2 «فقر».
4- أي: إطراق الفحل.
5- المغني 336:6-337، الشرح الكبير 288:6.
6- تقدّم تخريجه في ص 287، الهامش (1)، و ما بين المعقوفين أثبتناه من المصدر.

و لا يوجب ذلك نقل العين.

و قال الشافعي: إذا قال: أعمرتك هذه الدار، مثلا، أو جعلتها لك عمرك، أو: حياتك، أو: ما عشت، أو: حييت، أو: بقيت، و ما يفيد هذا المعنى، فله أحوال:

الأوّل: أن يقول مع ذلك: فإذا متّ فهي لورثتك أو لعقبك، فتصحّ، و هي الهبة بعينها، لكنّه طوّل على نفسه، فإذا مات فالدار لورثته، فإن لم يكن له وارث فلبيت المال، و لا تعود إلى المعمر بحال؛ لما رواه جابر أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال: «أيّما رجل أعمر عمرى له و لعقبه فإنّها للّذي أعطيها، لا ترجع إلى الذي أعطاها، لأنّه أعطى عطاء وقعت فيه المواريث»(1).

و قال مالك هنا - كقولنا -: إنّ هذا التصرّف ينصرف إلى المنافع، فإذا مات المعمر و لا ورثة له رجعت إلى المالك، و كذا إن كان له ورثة فانقرضوا، و لا تكون لبيت المال(2).

الثاني: أن يقتصر على قوله: «جعلتها لك عمرك» و لم يتعرّض لما بعده، ففيه قولان:

الجديد - و به قال أبو حنيفة و أحمد(3) -: أنّه يصحّ، و حكمه حكم الهبة - و به قال جابر بن عبد اللّه و ابن عمر و ابن عباس و شريح و مجاهد6.

ص: 290


1- صحيح مسلم 1625/1245:3، سنن أبي داود 3553/294:3، سنن الترمذي 1350/632:3، سنن النسائي (المجتبى) 275:6-276، السنن الكبرى - للنسائي - 132:4-6577/133-6، السنن الكبرى - للبيهقي - 172:6.
2- راجع أيضا: الهامش (1) من ص 289.
3- المبسوط - للسرخسي - 94:12، تحفة الفقهاء 160:3، بدائع الصنائع 6: 116، المغني 338:6، الشرح الكبير 289:6.

و الثوري و طاوس(1) ، و نقله العامّة رواية عن عليّ عليه السّلام(2) - لما روي أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال: «العمرى ميراث لأهلها»(3).

و عن جابر أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال: «لا تعمروا و لا ترقبوا فمن أعمر شيئا أو أرقبه فسبيله الميراث»(4)العزيز شرح الوجيز 312:6.(5).

قالوا: هذا نهي إرشاد، معناه: لا تعمروا طمعا في أن تعود إليكم، و اعلموا أنّ سبيله الميراث(5).

و عن جابر قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: «أمسكوا عليكم أموالكم و لا تعمروها(6) ، فإنّه من أعمر [عمرى](7) فهي للّذي أعمرها حيّا و ميّتا»(8).

و لأنّ ملك كلّ واحد يتقدّر بحياته، و ليس في جعله له مدّة حياته ما ينافي انتقاله إلى ورثته من بعده، بل هو شرط الانتقال.

و في القديم: أنّه ليس كذلك؛ لما روي عن جابر أنّه قال: إنّما العمرى التي أجازها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أن يقول: هي لك و لعقبك من بعدك(9).

و اختلفوا في كيفيّة القول القديم للشافعي.».

ص: 291


1- المغني 336:6، الشرح الكبير 288:6.
2- المغني 336:6، الشرح الكبير 288:6.
3- صحيح مسلم 31/1248:3، معرفة السنن و الآثار 12346/58:9.
4- تقدّم تخريجه في ص 287، الهامش
5- .
6- في المصدر: «لا تفسدوها» بدل «لا تعمروها».
7- ما بين المعقوفين أثبتناه من المصدر.
8- مسند أحمد 13931/250:4، صحيح مسلم 1246:3-26/1247، السنن الكبرى - للبيهقي - 173:6.
9- أورده الرافعي في العزيز شرح الوجيز 312:6، و في صحيح مسلم 3: 23/1246، و سنن أبي داود 294:3-3555/295 بدون «من بعدك».

فالظاهر عند أصحابه أنّ العقد باطل من أصله؛ لأنّه تمليك عين قدّره بمدّة، فأشبه ما إذا قال: وهبت منك أو أعمرتك سنة.

و قال أبو إسحاق من الشافعيّة: إنّ الدار في القديم تكون للمعمر حياته، فإذا مات رجعت إلى المالك أو ورثته، كما شرط.

و نقل أبو إسحاق عن القول القديم للشافعي: أنّها تكون عارية متى شاء استردّها، و إذا مات عادت إلى المالك.

فحصل من ذلك للشافعي أربعة أقوال، و ظاهر المذهب منها:

الجديد، و يليه في الظهور من روايات القديم: البطلان.

الثالث: إذا قال: جعلتها لك عمرك فإذا متّ عادت إليّ، أو إلى ورثتي إن متّ، فإن حكمنا بالبطلان في صورة الإطلاق فهنا أولى، و إن قلنا بالصحّة و العود إلى المعمر فكذلك هنا، و ليس فيه إلاّ التصريح بمقتضى الإطلاق.

و إن قلنا بالجديد - و هو الصحّة و التأبيد - فوجهان:

أحدهما: البطلان؛ لأنّه شرط ما يخالف مقتضى الملك، فإنّ من ملك شيئا صار بعد موته لورثته.

و الثاني: يصحّ و يلغو الشرط، فإنّه لم يشترط على المعمر شيئا و لا قطع ملكه عليه، و إنّما شرط العود إليه بعد الموت، و حينئذ قد صار الملك للورثة.

و أكثرهم سوّوا بين هذه الحالة و حالة الإطلاق.

و الحاصل ممّا ذكروه: طريقان، أحدهما: طرد الخلاف، و الثاني:

ص: 292

التقاء الجديد [و](1) الظاهر من روايات القديم: اتّفاقهما على البطلان(2).

و عن أحمد روايتان:

إحداهما: صحّة العقد و الشرط، فإذا مات المعمر رجعت إلى المالك - و به قال القاسم بن محمّد و الزهري و أبو سلمة بن عبد الرحمن و ابن أبي ذئب و مالك و أبو ثور و داود و الشافعي في أحد قوليه - لما رواه جابر قال: إنّما العمرى التي أجازها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أن يقول: هي لك و لعقبك، فأمّا إذا قال: هي لك ما عشت، فإنّها ترجع إلى صاحبها(3).

و الرواية الثانية: أنّها تكون للمعمر و لورثته، فيسقط الشرط، و هو قول أبي حنيفة و الشافعي في الجديد(4).

مسألة 167: حكم الرّقبى عندنا حكم العمرى

في أنّ كلّ واحد منهما لا يفيد نقل الملك عن صاحبه، بل يثمر إباحة انتفاع المعمر بالملك المدّة التي ذكرها المالك، فهي كالعارية، إلاّ أنّها لازمة لا تبطل إلاّ بانقضاء المدّة، سواء كانت معيّنة، كسنة و شهر، أو مطلقة، كمدّة عمر أحدهما.

و عند الشافعيّة: أنّ الحكم في الرّقبى كالحكم في الحالة الثالثة من العمرى، و هي قوله: جعلتها لك عمرك فإذا متّ عادت إليّ أو إلى ورثتي، و إن متّ قبلك استقرّت عليك، فقوله: إن متّ قبلك استقرّت عليك، لا أثر له في المنع، فيبقى قوله: إن متّ قبلي عاد إليّ، فيحصل فيه للشافعي

ص: 293


1- ما بين المعقوفين أثبتناه من العزيز شرح الوجيز.
2- العزيز شرح الوجيز 311:6-313، روضة الطالبين 432:4-433، و ينظر: المهذّب - للشيرازي - 455:1، و حلية العلماء 62:6-63، و التهذيب - للبغوي - 532:4-534، و البيان 118:8-121.
3- تقدّم تخريجه في ص 291، الهامش (9).
4- المغني 338:6-339، الشرح الكبير 289:6-290.

طريقان:

أحدهما: القطع بالبطلان.

و أظهرهما: طرد القولين.

فعلى الجديد يصحّ و يلغو الشرط؛ لقوله عليه السّلام: «لا تعمروا و لا ترقبوا»(1) الحديث، و القديم: البطلان، أو الصحّة و الترقّب(2).

و أبو حنيفة وافقنا على أنّ الرّقبى لا يملك بها، إلاّ أنّه قال: إنّما هي عارية، و للمرقب الرجوع متى شاء(3).

و قال أحمد: تصحّ الرّقبى كالعمرى، و في صحّة الرجوع إلى الواهب روايتان عنه(4).

مسألة 168: تصحّ العمرى في غير العقار من الحيوان و الثياب

إمّا لأنّها نوع إعارة التزم بها، أو أنّها صدقة بالمنافع المباحة فجازت، كما تجوز في الملك، هذا عندنا.

و أمّا من يقول بأنّها هبة؛ فلأنّها هنا نوع هبة، فصحّت في ذلك، كسائر الهبات(5).

و لو أعمره جارية، لم يكن له وطؤها؛ لأنّ استباحة البضع منوطة

ص: 294


1- تقدّم تخريجه في ص 287، الهامش (5).
2- العزيز شرح الوجيز 313:6، روضة الطالبين 433:4، و ينظر: الحاوي الكبير 543:7، و المهذّب - للشيرازي - 455:1، و نهاية المطلب 420:8-421، و الوسيط 267:4، و حلية العلماء 64:6، و التهذيب - للبغوي - 534:4، و البيان 121:8.
3- حلية العلماء 64:6، البيان 122:8، العزيز شرح الوجيز 313:6.
4- المغني 340:6-341، الشرح الكبير 291:6، العزيز شرح الوجيز 313:6.
5- المغني 341:6-342، الشرح الكبير 291:6.

بلفظتين: الإباحة و التحليل.

و أحمد و إن قال: إنّ العمري ناقلة إلاّ أنّه قال: لا أرى له وطء الجارية؛ لأنّ الوطء استباحة فرج، و قد اختلف في صحّة العمرى، و جعلها بعضهم تمليك المنافع [فلم ير له وطأها لهذا]، و لو وطئها كان جائزا عنده(1).

مسألة 169: لو وقّت الهبة في غير العمرى و الرّقبى،

فقال: وهبتك هذا سنة، أو إلى أن يقدم الحاج، أو إلى أن يبلغ ولدي، أو مدّة حياتي، أو مدّة حياتك، أو نحو ذلك، لم يصح؛ لأنّها تمليك للرقبة فلم تصح موقّتة كالبيع، بخلاف العمرى و الرّقبى؛ لأنّهما عندنا لا تنقلان الأعيان، و عند العامّة تصحّ(2) ؛ لأنّ الإنسان يملك الشيء عمره، فإذا ملكه عمره فقد وقّته بما هو موقّت به في الحقيقة، فصار ذلك كالمطلق(3).

و لو أعمره مدّة حياة زيد أو مدّة حياة ولد المالك أو ولد المعمر أو غيرهما، جاز؛ لأنّها تمليك منافع، فتتبع اختيار المملّك، كما كان له اختيار التمليك مدّة أيّهما كان.

مسألة 170: إذا أعمر الإنسان داره أو أرقبها لزيد،

لم يكن لزيد بيع الدار و نحوه، كالمستعير، عند علمائنا و من وافقهم في عدم انتقال العين؛ لقول الصادق عليه السّلام: «و ليس لهم أن يبيعوا و لا يرثوا»(4).

ص: 295


1- المغني 336:6 و 342، الشرح الكبير 288:6 و 291، و ما بين المعقوفين أثبتناه منهما.
2- أي: تصحّ العمرى أو الرّقبى.
3- المغني 342:6، الشرح الكبير 291:6.
4- تقدّم تخريجه في ص 287، الهامش (2).

و لأنّ رقبة الملك باقية على ملك المالك، فليس لغيره البيع؛ لقوله عليه السّلام: «لا بيع إلاّ في ملك»(1).

و قالت الشافعيّة: إن صحّحنا العمرى و الرّقبى و ألغينا الشرط، تصرّف المعمر في المال كيف شاء، و إن أبطلنا العقد أو جعلناه عارية، لم يكن له التصرّف بالبيع و نحوه(2).

و إن قلنا بصحّة العقد و الشرط، فلو باع المعمر ثمّ مات فأظهر الاحتمالين عندهم: عدم صحّة البيع؛ لأنّ مقتضى البيع: التأبيد، و هو لا يملكه إلاّ موقّتا، فكيف يملّك غيره ما لم يملكه!؟

و الثاني: الصحّة، كبيع العبد المعلّق عتقه قبل وجود الصفة؛ لأنّه مالك في الحال، و الرجوع أمر يحدث بعد الموت، و شبّهوه برجوع نصف الصداق إلى الزوج بالطلاق قبل الدخول، و رجوع الواهب في الهبة قبل التصرّف(3).

و على القول بصحّة البيع فيشبه أن يرجع المعمر في تركته بالغرم رجوع الزوج إذا طلّق بعد خروج الصداق عن ملكها(4).

قال الجويني: في رجوع المال إلى ورثة المعمر إذا مات قبل المعمر استبعاد؛ لأنّه إثبات ملك لهم فيما لم يملكه المورّث، لكنّه كما لو نصب شبكة فتعقّل بها صيد بعد موته يكون الملك فيه للورثة(5).4.

ص: 296


1- ورد بلفظ: «لا بيع إلاّ فيما تملك» في سنن أبي داود 2190/258:2.
2- العزيز شرح الوجيز 313:6، روضة الطالبين 433:4.
3- نهاية المطلب 422:8، العزيز شرح الوجيز 313:6، روضة الطالبين 433:4.
4- العزيز شرح الوجيز 314:6، روضة الطالبين 433:4.
5- نهاية المطلب 421:8، العزيز شرح الوجيز 314:6، روضة الطالبين 433:4.

و الصحيح عندهم: أنّه تركة تقضى منها الديون و تنفّذ الوصايا(1).

مسألة 171: إذا قال: جعلت لك هذه الدار عمري أو حياتي،

لم تنتقل إلى المعمر، بل له الانتفاع مدّة عمر المالك، فإن مات المالك رجعت ميراثا إلى ورثته، و إن مات الساكن قبل المالك كانت العمرى لورثة الساكن ينتفعون بها مدّة عمر(2) المالك، و ليس للمالك إزعاجهم منها؛ لأنّ المعمر قد ملك الانتفاع مدّة عمر المالك، فإذا مات قبل موت المالك انتقل ما كان له إلى ورثته، كانتقال الإجارة إليهم.

و للشافعيّة وجهان:

أحدهما: أنّ قوله: جعلت لك هذه الدار عمري أو حياتي، كما لو قال: عمرك أو حياتك؛ لشمول اسم العمرى.

و أظهرهما: المنع؛ لخروجه عن اللّفظ المعهود في الباب، و لما فيه من تأقيت الملك؛ لجواز موت المعمر قبله، بخلاف ما إذا قال: عمرك أو حياتك؛ لأنّ الإنسان لا يملك إلاّ مدّة حياته، فلا تأقيت فيه(3).

و أجروا الخلاف فيما إذا قال: جعلتها لك عمر فلان(4).

و خرج من تصحيح العقد و إلغاء الشرط في هذه الصورة وجه: أنّ الشرط الفاسد لا يفسد الهبة، و طرد ذلك في الوقف أيضا(5).

و منهم من خصّص الخلاف في هذه القاعدة بما هو من قبيل

ص: 297


1- نهاية المطلب 421:8، العزيز شرح الوجيز 314:6، روضة الطالبين 433:4.
2- في «ص»: «حياة» بدل «عمر».
3- التهذيب - للبغوي - 534:4، البيان 121:8، العزيز شرح الوجيز 314:6، روضة الطالبين 433:4-434.
4- البيان 121:8، العزيز شرح الوجيز 314:6، روضة الطالبين 434:4.
5- العزيز شرح الوجيز 314:6، روضة الطالبين 434:4.

الأوقات، مثل أن يقول: وهبت منك [سنة، أو وقفتها سنة(1).

و منهم من طرده في كلّ شرط، كقوله: وهبتك](2) بشرط أن لا تبيعه إذا قبضته، و ما أشبه ذلك(3).

و فرّقوا بين البيع و بين الهبة و الوقف: بأنّ الشرط في البيع يورث جهالة الثمن، و يلزم من جهالة الثمن فساد البيع، و هذا إذا قالوا بالصحيح عندهم، و هو فساد البيع بالشروط الفاسدة(4).

و ظاهر مذهبهم فساد الهبة و الوقف بالشروط التي يفسد بها البيع، بخلاف العمرى؛ لما فيها من الأخبار(5).

و لو باع على صورة العمرى بأن يقول: ملّكتك بعشرة عمرك، قال بعض الشافعيّة: لا يبعد جوازه، تفريعا على الجديد(3).

و قال بعضهم: لا يجوز؛ لأنّه تطرق الجهالة إلى الثمن(4).

مسألة 172: لا يجوز تعليق العمرى على شرط أو صفة،

مثل أن يقول: إذا مات أو قدم فلان أو جاء رأس الشهر فقد أعمرتك هذه الدار، أو فهذه الدار لك عمرك، أمّا لو علّق بموت نفسه، فقال: إذا متّ فهذه الدار لك عمرك، فهو وصيّة يعتبر خروجها من الثلث.

و لو قال: إذا متّ فهي لك عمرك فإذا متّ عادت إلى ورثتي، فهو وصيّة بالعمرى، و هي وصيّة عند الشافعيّة بالعمرى على صورة الحالة

ص: 298


1- العزيز شرح الوجيز 314:6، روضة الطالبين 434:4.
2- ما بين المعقوفين أثبتناه من العزيز شرح الوجيز، و كذا روضة الطالبين. (3الى5) العزيز شرح الوجيز 314:6، روضة الطالبين 434:4.
3- العزيز شرح الوجيز 314:6-315، روضة الطالبين 434:4.
4- العزيز شرح الوجيز 315:6، روضة الطالبين 434:4.

الثالثة(1).

و لو جعل اثنان كلّ واحد منهما داره للآخر عمره على أنّه إذا مات قبله عادت إلى صاحب الدار، فهي رقبى من الجانبين.

و لو قال: داري لك عمرك، فإذا متّ فهي لزيد، أو عبدي لك عمري فإذا متّ فهو حرّ، صحّ العمرى - و به قال الشافعي في الجديد(2) - و لغا المذكور بعده؛ لأنّ العتق لا يقع معلّقا.

مسألة 173: السكنى جائزة عند علمائنا،

و تلزم بحسب ما شرطه.

فإن أطلق و قال: سكنى هذه الدار لك، أو أسكنتكها، أو جعلت سكناها لك، و ما أشبه ذلك، لزم العقد في مسمّى الإسكان و لو يوما، و الضابط ما يسمّى إسكانا، فحينئذ للمالك الرجوع متى شاء، كما تقدّم(3) في حديث الحلبي عن الصادق عليه السّلام، قلت: فرجل أسكن داره و لم يوقّت، قال: «جائز، و يخرجه إذا شاء».

و إن قيّد بمدّة مضبوطة، كسنة أو شهر، لزم الإسكان تلك المدّة، و جاز للمالك الرجوع بعد انقضائها متى شاء، و إن قرنها بعمر المالك أو عمر الساكن لزمت مدّة حياة أحدهما؛ لقول الصادق عليه السّلام في رواية أبي الصباح، قال: «إن كان جعل السكنى في حياته فهو كما شرط»(4).

و إن جعل له السكنى مدّة حياة(5) الساكن و لعقبه و نسله، لزم الإسكان

ص: 299


1- العزيز شرح الوجيز 315:6، روضة الطالبين 434:4.
2- العزيز شرح الوجيز 315:6، روضة الطالبين 434:4.
3- في ص 287.
4- تقدّم تخريجه في ص 287، الهامش (1).
5- في «ص»: «عمر» بدل «حياة».

ما دام العقب موجودا، فإن انقرض العقب رجعت إلى المالك؛ لقول الصادق عليه السّلام: «و إن [كان] جعلها له و لعقبه من بعده حتى يفنى عقبه فليس لهم أن يبيعوا و لا يرثوا ثمّ ترجع الدار إلى صاحبها الأوّل»(1).

و لو جعل له السكنى مدّة حياة المالك و مات الساكن قبله، كان لورثته السكنى إلى أن يموت المالك.

و لو جعل له السكنى مدّة حياة الساكن، فمات المالك أوّلا، لم يكن لورثته إزعاجه، بل يسكن طول حياته، و إذا مات رجعت إلى ملك ورثة المالك، كما قلنا في العمرى.

و قال أكثر العامّة كالشعبي و النخعي و الثوري و الشافعي و إسحاق و أحمد و أصحاب الرأي: إذا قال: لك سكنى هذه الدار عمرك، أو أسكنتك هذه الدار عمرك، و نحو ذلك، فليس بعقد لازم؛ لأنّه في الحقيقة هبة للمنافع، و المنافع إنّما تستوفى بمضيّ الزمان شيئا فشيئا، فلا تلزم إلاّ في قدر ما قبضه منها و استوفاه بالسكنى، و للمالك الرجوع متى شاء، و أيّهما مات بطلت الإباحة(2).

و قال الحسن و عطاء و قتادة: هي كالعمرى تكون له و لعقبه؛ لأنّها في معنى العمرى، فيثبت فيها مثل حكمها(3).

و قال الشعبي: إذا قال: هي لك اسكن حتى تموت، فهي له حياته2.

ص: 300


1- تقدّم تخريجه في ص 287، الهامش (1).
2- الإشراف على مذاهب أهل العلم 231:2 و 232، المغني 343:6، الشرح الكبير 292:6.
3- الإشراف على مذاهب أهل العلم 231:2، المغني 343:6، الشرح الكبير 6: 292.

و موته، و إن قال: داري هذه اسكنها حتى تموت، فإنّها ترجع إلى صاحبها؛ لأنّه إذا قال: هي لك، فقد جعل رقبتها له، فتكون عمرى، و إذا قال: اسكن داري هذه، فإنّما جعل له نفعها دون رقبتها، فتكون عارية(1).

و لا نسلّم أنّ السكنى هبة المنافع، و إنّما هي عقد مستقلّ يفيد إباحة المنافع على وجه لازم، كالوقف إذا قلنا بعدم الانتقال عن الواقف، و كالإجارة، و قبض المنافع بقبض العين، و نمنع الانتقال في العمرى، و قوله: هي لك، لا يوجب نقلها عنه.

مسألة 174: السّكنى و العمرى و الرّقبى و الحبس من العقود اللازمة مع الإقباض؛

لقوله تعالى: أَوْفُوا بِالْعُقُودِ (2).

و لأنّ الصادق عليه السّلام سئل عن السكنى و العمرى، فقال: «إن كان جعل السكنى في حياته فهو كما شرط»(3) و ذلك يقتضي اللزوم.

و قال بعض علمائنا: إنّها غير لازمة(4) ؛ للأصل.

و قال آخرون: إنّها تلزم إن قصد به القربة(5) ؛ لأنّها كهبة مقبوضة.

و الأوّل أشهر، فإذا عيّن للسكنى مدّة، لزمت بالقبض، و لا يجوز الرجوع فيها إلاّ بعد انقضائها.

ص: 301


1- الإشراف على مذاهب أهل العلم 231:2 و 232، المغني 343:6، الشرح الكبير 292:6.
2- سورة المائدة: 1.
3- تقدّم تخريجه في ص 287، الهامش (1).
4- المحقّق الحلّي في شرائع الإسلام 225:2.
5- قال به أبو الصلاح في الكافي في الفقه: 363 و 364 صريحا، و الشيخ المفيد في المقنعة: 653، و ابن زهرة في الغنية: 302، و يحيى بن سعيد في الجامع للشرائع: 367 ظاهرا.

و كذا لو جعلها عمر المالك، لم يرجع و إن مات المعمر، و انتقل ما كان له إلى ورثته حتى يموت المالك.

و كلّ ما يصحّ وقفه يصحّ إعماره، سواء كان عقارا أو حيوانا أو أثاثا.

مسألة 175: إطلاق السكنى يقتضي أن يسكن من جعلت له السكنى بنفسه و أهله و أولاده.

و الأقرب عندي: جواز إسكان من جرت العادة بالسكنى معه، كغلامه و جاريته و مرضعة ولده؛ قضاء للعادة.

و الشيخ رحمه اللّه اقتصر عليه و على أهله و أولاده، قال: و لا يجوز للساكن أن يسكن سواهم، و لا يجوز للساكن أن يؤاجره و لا أن ينتقل عنه فيسكن غيره، إلاّ بإذن صاحب المسكن(1) ، و كذا قال ابن البرّاج(2).

و قال ابن إدريس: الذي تقتضيه أصول المذهب أنّ له جميع ذلك، و أنّ له إجارته و انتقاله عنه و إسكان غيره معه، سواء كان ولده أو امرأته أو غيرهما، و سواء أذن له في ذلك أو لم يأذن؛ لأنّ منفعة هذه الدار استحقّها و صارت مالا من أمواله و حقّا من حقوقه، فله استيفاؤها كيف شاء بنفسه و بغيره(3).

و الوجه: ما قلناه من اختصاص الإسكان بالمسكن و من جرت العادة بسكناه معه.

و كذا له أن يسكن دابّة إذا كان الموضع يحتمل ذلك؛ لأصالة عصمة مال الغير و حفظه عن تسلّط غير المالك عليه، خرج عنه المسكن و من

ص: 302


1- النهاية: 601.
2- المهذّب - لابن البرّاج - 102:2.
3- السرائر 169:3.

جرت عادته بمصاحبته في السكنى [معه](1) بقي الباقي على الإطلاق.

و نمنع الاستحقاق مطلقا، بل إنّما يستحقّ على حدّ ما جعل له، و هو السكنى، فلا يتناول الإجارة و غيرها؛ لعدم الإذن فيه نطقا و عرفا.

مسألة 176: قال الشيخ رحمه اللّه: إذا وقف الإنسان مسكنا،

جاز له أن يقعد فيه مع من وقفه عليهم، و ليس له أن يسكن غيره فيه(2).

و قال ابن الجنيد: فإن لم يشترط لنفسه الأكل و السكنى فيما تصدّق به، لم يكن له أن يأكل من الغلّة و لا أن يسكن.

و قال ابن إدريس: إن كان الوقف عامّا على جميع المسلمين، جاز ذلك على قول بعض أصحابنا، و إن كان خاصّا على قوم بأعيانهم، لم يجز للواقف أن يسكن فيه مع من وقفه عليه(3).

و هو المعتمد؛ لأنّ الواقف أخرج الملك عن نفسه بالوقف، فلا يجوز له الانتفاع به كغيره.

و الشيخ احتجّ برواية أبي الجارود عن الباقر عليه السّلام قال: «و إن تصدّق بمسكن على ذي قرابته فإن شاء سكن معهم»(4).

و هي ضعيفة السند، و متأوّلة بأنّ المراد بالصدقة الإسكان المطلق، و معارضة برواية طلحة بن زيد عن الصادق عن أبيه الباقر عليهما السّلام: إنّ رجلا تصدّق بدار له و هو ساكن فيها، فقال: «الحين اخرج منها»(5).

مسألة 177: قد بيّنّا أنّه إذا جعل المالك لغيره السكنى مدّة حياة

ص: 303


1- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «عنه». و الظاهر ما أثبتناه.
2- النهاية: 600.
3- السرائر 155:3.
4- التهذيب 567/134:9، الاستبصار 393/103:4.
5- التهذيب 582/138:9، الاستبصار 394/103:4.

الساكن ثمّ مات المالك، لم يكن لورثته إخراج الساكن من المسكن قبل وفاته مطلقا، عند أكثر علمائنا(1) ؛ لأنّه قد ملّكه تمليكا لازما، فكان كالإجارة.

و قال ابن الجنيد: إذا أراد ورثة المالك إخراج الساكن بعد موت المالك نظر إلى قيمة الدار، فإن كانت تحيط بثلث الميّت لم يكن لهم إخراجه، و إن كانت تنقص عنها كان ذلك لهم؛ لما رواه خالد بن نافع البجلي عن الصادق عليه السّلام، قال: سألته عن رجل جعل لرجل سكنى دار حياته - يعني صاحب الدار - فمات الذي جعل له السكنى و بقي الذي جعل له السكنى، أرأيت إن أراد الورثة أن يخرجوه من الدار لهم ذلك ؟ قال:

فقال: «أرى أن تقوّم الدار بقيمة عادلة و ينظر إلى ثلث الميّت، فإن كان في ثلثه ما يحيط بثمن الدار فليس للورثة أن يخرجوه، و إن كان الثلث لا يحيط بثمن الدار فلهم أن يخرجوه» قيل: أرأيت إن مات الرجل الذي جعل له السكنى بعد موت صاحب الدار تكون السكنى لورثة الذي جعل له السكنى ؟ قال: «لا»(2).

قال الشيخ رحمه اللّه: ما تضمّن صدر هذا الخبر من قوله: «يعني صاحب الدار» حين ذكر أنّ رجلا جعل لرجل سكنى دار له فإنّه من كلام الراوي و قد غلط في التأويل و وهم؛ لأنّ الأحكام التي ذكرها بعد ذلك إنّما تصحّ إذا كان قد جعل السكنى مدّة حياة من أسكنه الذي جعلت له السكنى، فحينئذ تقوّم و ينظر باعتبار الثلث و زيادته و نقصانه(3).0.

ص: 304


1- منهم: الشيخ الطوسي في النهاية: 601، و ابن البرّاج في المهذّب 102:2، و ابن إدريس في السرائر 169:3.
2- التهذيب 594/142:9، الاستبصار 400/105:4.
3- التهذيب 142:9، ذيل ح 594، الاستبصار 105:4، ذيل ح 400.

و هذه الرواية محمولة عندنا على الوصيّة.

مسألة 178: قال الشيخ في النهاية: إذا جعل الإنسان خدمة عبده أو أمته لغيره مدّة من الزمان

ثمّ هو حرّ بعد ذلك، كان ذلك جائزا، و كان على المملوك الخدمة في تلك المدّة، فإذا مضت المدّة صار حرّا، فإن أبق العبد هذه المدّة ثمّ ظفر به من جعل له خدمته، لم يكن له بعد انقضاء تلك المدّة سبيل(1).

قال ابن إدريس: أورد الشيخ هذه الرواية، و هي من أضعف أخبار الآحاد؛ لأنّها مخالفة لأصول المذهب، لأنّ التدبير عند أصحابنا بأجمعهم لا يكون إلاّ بعد موت المولى الذي هو المعتق المباشر للعتق، و يكون بمنزلة الوصيّة يخرج من الثلث، هذا لا خلاف بينهم فيه، فمن ادّعى حكما شرعيّا آخر غير هذا يحتاج في إثباته إلى دليل شرعيّ(2).

و قال ابن الجنيد: إذا قال السيّد لعبده: أنت حرّ على شرط، يجوز أن يكون قبل وفاة سيّده، فيعتق بذلك، فإن لم يكن ذلك إلاّ بعد موت السيّد كان العبد حرّا من غير الثلث؛ لأنّ الوصيّة لا تكون بحال قبل الموت، و ذلك مثل قوله: إذا مات فلان فأنت حرّ، أو يقول لأمته: إذا أرضعت ولدي فأنت حرّة، فإن مات السيّد قبل فلان، خدم العبد الورثة إلى موت فلان، ثمّ هو حرّ، و إن مات الطفل قبل استتمام رضاعه خدمت الأمة تتمّة سنتين من يوم ولد الطفل و عتقت.

و الذي اخترناه نحن في مختلف الشيعة(3) قول الشيخ رحمه اللّه؛ لأصالة

ص: 305


1- النهاية: 601-602.
2- السرائر 171:3.
3- مختلف الشيعة 297:6، المسألة 80.

الجواز، و لأنّ المقتضي للإبطال ليس جعل الخدمة للغير؛ لأنّه سائغ إجماعا، و لا تأخير التحرير؛ لأنّه جائز في المدبّر إجماعا، و لا خصوصيّة من علّق التحرير بموته؛ إذ لا اعتبار بذلك في نظر الشرع، فإنّ لكلّ أحد تعليق تحرير عبده بموته، و معلوم أنّه لا مدخل لخصوصيّات العبيد و لا خصوصيّات المالك.

و ما رواه يعقوب بن شعيب - في الصحيح - عن الصادق عليه السّلام: في الرجل تكون له الخادم تخدمه، فيقول: هي لفلان تخدمه ما عاش، فإذا مات فهي حرّة، فتأبق الأمة قبل أن يموت الرجل بخمس سنين أو ستّ ثمّ يجدها ورثته ألهم أن يستخدموها قدر ما أبقت ؟ قال: «إذا مات الرجل فقد عتقت»(1).

إذا ثبت هذا، فالوجه عندي: أنّه ليس له الرجوع في جعل الخدمة؛ لأنّه رقبى إن قرن به نيّة القربة.

و هل ينعتق العبد من الأصل أو من الثلث ؟ الأقوى: أنّه من الأصل إن كان المالك حيّا حال حياة من علّقت الخدمة بموته، و من الثلث إن كان قد مات.

و كتب إليه محمّد بن أحمد بن إبراهيم سنة ثلاث و ثلاثين و مائتين يسأله عن رجل مات و خلّف امرأة و بنين و بنات و خلّف لهم غلاما أوقفه عليهم عشر سنين ثمّ هو حرّ بعد العشر سنين، فهل يجوز لهؤلاء الورثة بيع هذا الغلام و هم مضطرّون إذا كان على ما أصفه لك، جعلني اللّه فداك ؟ فكتب: «[لا يبيعوه](2) إلى ميقات شرطه، إلاّ أن يكونوا مضطرّين إلى ذلكه.

ص: 306


1- التهذيب 596/143:9، الاستبصار 32:4-111/33.
2- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «لا يبيعه»، و في التهذيب: «لا تبعه»، و المثبت كما في الفقيه.

فهو جائز لهم»(1).

مسألة 179: إذا جعل داره سكنى لزيد أو عمرى أو رقبى،

فإن عيّن المدّة لم تخرج عن ملكه، و جاز للمالك بيع الدار، و لا يبطل الإسكان و لا الإعمار، بل يكون للساكن السكنى التي جعلت له.

فإن كان المشتري عالما بالحال فلا خيار، و إن كان جاهلا، كان بالخيار بين فسخ البيع و بين إمضائه بجميع الثمن لحصول نفع في العين؛ لما رواه الحسين بن نعيم عن أبي الحسن الكاظم عليه السّلام، قال: سألته عن رجل جعل دارا سكنى لرجل أيّام حياته، أو جعلها له و لعقبه من بعده هل هي له و لعقبه كما شرط؟ قال: «نعم» قلت: فإن احتاج أن يبيعها؟ قال:

«نعم» قلت: فينقض بيعه الدار السكنى ؟ قال: «لا ينقض البيع السكنى، كذلك سمعت أبي عليه السّلام، قال: قال أبو جعفر عليه السّلام: لا ينقض البيع الإجارة و لا السكنى، و لكن يبيعه على أنّ الذي يشتريه لا يملك ما اشترى حتى تنقضي السكنى على ما شرط، و كذلك الإجارة» قلت: فإن ردّ على المستأجر ماله و جميع ما لزمه من النفقة و العمارة فيما استأجره ؟ قال: «على طيبة النفس و برضا المستأجر بذلك لا بأس»(2).

بقي هنا الإشكال، و هو أنّ في الرواية ما يدلّ على جواز بيع الملك الذي جعل سكناه للغير مدّة حياته، و مع هذا منعوا من بيع المسكن الذي تعتدّ فيه المطلّقة بالأقراء؛ لجهالة وقت الانتفاع، و هذا المعنى متحقّق هنا، فإن جعلت السكنى مقرونة بمدّة معيّنة صحّ البيع، و إلاّ بقي الإشكال.

و يحتمل أن يكون قوله في السؤال: «فإن احتاج أن يبيعها» إشارة إلى

ص: 307


1- الفقيه 634/181:4، التهذيب 581/138:9.
2- التهذيب 141:9-593/142، الاستبصار 399/104:4.

مطلق الإسكان الذي يحتمل التعيين، حوالة على المتعارف من اشتراط العلم بالمبيع.

مسألة 180: يكره لمن أخرج شيئا من ماله في الصدقة و لا يجد السائل أن يردّه إلى ملكه،

بل ينبغي أن يتصدّق به على غير ذلك السائل، و ليس محرّما؛ لما رواه عليّ بن إسماعيل عمّن ذكره عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:

في الرجل يخرج الصدقة يريد أن يعطيها السائل فلا يجده، قال: «فليعطها غيره، و لا يردّها في ماله»(1).

و عن طلحة بن زيد عن الصادق عليه السّلام عن الباقر عليه السّلام قال: «من تصدّق بصدقة ثمّ ردّت عليه فلا يأكلها، لأنّه لا شريك للّه عزّ و جلّ في شيء ممّا جعل له، إنّما هو بمنزلة العتاقة لا يصلح ردّها بعد ما تعتق»(2).

إذا ثبت هذا، فإنّه يكره للرجل أن يملك باختياره ما تصدّق به، و لا بأس أن يملكها بغير اختياره بأن تدخل في ملكه بميراث أو شبهه، كقضاء دينه على المتصدّق عليه؛ لما رواه أبان عن أبي الجارود قال: قال أبو جعفر عليه السّلام: «لا يشتري الرجل ما يتصدّق به»(3).

و عن منصور بن حازم عن الصادق عليه السّلام قال: «إذا تصدّق الرجل بصدقة لم يحل له أن يشتريها و لا يستوهبها و لا يستردّها إلاّ في ميراث»(4).

و إنّما قلنا ذلك على وجه الكراهية دون التحريم؛ لأنّ المسكين قد ملك الصدقة، فله(5) التصرّف فيها كيف شاء من بيع و غيره، و المالك قابل

ص: 308


1- التهذيب 647/157:9.
2- التهذيب 622/152:9.
3- التهذيب 567/134:9، الاستبصار 393/103:4.
4- التهذيب 150:9-614/151.
5- في «ص»: «فكان له» بدل «فله».

للتمليك، و قد قال اللّه تعالى: وَ أَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ (1) فقد ثبت المقتضي و انتفى المانع، فكان جائزا.

و قوله عليه السّلام: «لم يحل» محمول على الكراهية؛ لأنّ المراد بالحلّ الإباحة، و نفي الإباحة كما يثبت مع التحريم يثبت مع الكراهة، و المتيقّن الكراهة؛ لأصالة نفي التحريم.

و يؤيّده ما رواه محمّد بن مسلم عن الباقر عليه السّلام قال: «إذا تصدّق الرجل على ولده بصدقة فإنّه يرثها، و إذا تصدّق بها على وجه يجعله للّه فإنّه لا ينبغي له»(2).

أمّا إذا عادت إليه بميراث و شبهه فإنّه لا بأس به؛ لما تقدّم.

و لما رواه محمّد بن مسلم - في الصحيح - عن أحدهما عليهما السّلام: في الرجل يتصدّق بالصدقة أيحلّ له أن يرثها؟ قال: «نعم»(3).

إذا ثبت هذا، فإنّها إذا رجعت إليه بميراث كان رجوعا بغير اختياره، فلا يكون مكروها، و إذا كان الضابط عدم الاختيار ينبغي أن يندرج فيه ما رجع إليه بغير اختياره، كما لو كان له دين على الفقير فدفع إليه صدقة فقضاه دينه منها، لم يكن مكروها.

مسألة 181: لا يجوز لمن تصدّق بشيء على غيره متقرّبا به إلى اللّه تعالى أن يرجع في صدقته؛

لما رواه عبد اللّه بن سنان - في الصحيح - قال:

سألت الصادق عليه السّلام: عن الرجل يتصدّق بالصدقة ثمّ يعود في صدقته، فقال: «قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: إنّما مثل الذي يتصدّق بالصدقة ثمّ يعود فيها

ص: 309


1- سورة البقرة: 275.
2- التهذيب 616/151:9.
3- الكافي 15/32:7، التهذيب 615/151:9.

مثل الذي يقيء ثمّ يعود في قيئه»(1).

و عن أيّوب بن عطيّة - في الصحيح - قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: «قسّم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله الفيء فأصاب عليّا عليه السّلام أرضا فاحتفر فيها عينا فخرج منها ماء ينبع في السماء كهيئة عنق البعير، فسمّاها عين ينبع، فجاء البشير ليبشّره، فقال: بشّر الوارث، هي صدقة بتّا بتلا في حجيج بيت اللّه و عابر سبيله، لا تباع و لا توهب و لا تورث، فمن باعها أو وهبها فعليه لعنة اللّه و الملائكة و الناس أجمعين، لا يقبل اللّه منه صرفا و لا عدلا»(2).

مسألة 182: يشترط في الصدقة و العتق التقرّب بهما إلى اللّه تعالى؛

لأنّهما عبادة، فلا بدّ فيها من النيّة؛ لقوله تعالى: وَ ما أُمِرُوا إِلاّ لِيَعْبُدُوا اللّهَ مُخْلِصِينَ (3).

و ما رواه هشام و حمّاد و ابن أذينة و ابن بكير و غير واحد كلّهم قالوا:

قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: «لا صدقة و لا عتق إلاّ ما أريد به وجه اللّه تعالى»(4).

و في الحسن عن حمّاد بن عثمان عن الصادق عليه السّلام قال: «لا صدقة و لا عتق إلاّ ما أريد به وجه اللّه عزّ و جلّ»(5).

مسألة 183: تجوز الهبة و الصدقة بالمجهول؛ للأصل.

و لما رواه الفضل بن عبد الملك - في الصحيح - عن الصادق عليه السّلام:

في رجل تصدّق بنصيب له في دار على رجل، قال: «جائز و إن لم يعلم

ص: 310


1- التهذيب 618/151:9.
2- الكافي 54:7-9/55، التهذيب 148:9-609/149.
3- سورة البيّنة: 5.
4- الكافي 2/30:7، التهذيب 548/139:9، و 151-620/152.
5- الكافي 1/30:7، التهذيب 619/151:9.

ما هو»(1).

و عن الحلبي - في الصحيح - عن الصادق عليه السّلام، قال: سألته عن دار لم تقسّم فتصدّق بعض أهل الدار بنصيبه من الدار، فقال: «يجوز» قلت:

أرأيت إن كان هبة ؟ قال: «يجوز»(2).

مسألة 184: إذا أبرأت المرأة ذمّة زوجها من مهرها في مرض الموت،

نفذ الإبراء من الثلث؛ لأنّ سماعة سأل الصادق عليه السّلام: عن الرجل يكون لامرأته عليه صداق أو بعضه فتبرئه منه في مرضها، قال: «لا، و لكن إن وهبت له جاز ما وهبت له من ثلثها»(3).

و إذا وهب الرجل ولده الصغير جارية، جاز له أن يقوّمها على نفسه ثمّ يطأها؛ لما رواه عبد الرحمن - في الصحيح - عن أبي الحسن عليه السّلام أنّه سأله عن الرجل يتصدّق على ولده و هم صغار بالجارية ثمّ تعجبه الجارية و هم صغار في عياله، أترى أن يصيبها أو يقوّمها قيمة عدل فيشهد بثمنها عليه، أم يدع ذلك كلّه فلا يعرّض لشيء منه ؟ فقال: «يقوّمها قيمة عدل و يحتسب بثمنها لهم على نفسه و يمسّها»(4).

و إذا وهب الرجل غيره جارية، جاز له أن يطأها قبل التعويض؛ لإفادة الهبة إباحة الوطء.

و لما رواه القاسم بن سليمان عن الصادق عليه السّلام، قال: سألته عن الرجل يهب الجارية على أن يثاب فلا يثاب أله أن يرجع فيها؟ قال: «نعم

ص: 311


1- التهذيب 621/152:9.
2- الكافي 24/34:7، التهذيب 589/140:9.
3- التهذيب 652/158:9.
4- الكافي 31:7-10/32، التهذيب 626/153:9، الاستبصار 403/106:4.

إن كان شرط له عليه» قلت: أرأيت إن وهبها له و لم يثبه أيطأها أم لا؟ قال:

«نعم إذا لم يكن شرط عليه حين وهبها»(1).

تمّ الجزء الثالث عشر(2) من كتاب تذكرة الفقهاء بحمد اللّه تعالى و منّه، و يتلوه في الجزء الرابع عشر(3) كتاب الوصايا على يد مصنّفه العبد الفقير إلى اللّه تعالى حسن بن يوسف بن مطهّر الحلّي في سادس و عشرين(4) جمادى الأولى من سنة ستّ عشرة و سبعمائة بالسلطانيّة.».

ص: 312


1- التهذيب 154:9-633/155.
2- حسب تجزئة المصنّف قدّس سرّه.
3- حسب تجزئة المصنّف قدّس سرّه.
4- في «ع»: «سادس و عشري».

فهرس الموضوعات

كتاب العطايا المعجّلة

أقسام العطيّة 5

المقصد الأوّل: في الهبة

مقدّمة: في بيان حقيقة الهبة و تسويغها 5

فيما يدلّ على استحباب الهبة و الهديّة و الصدقة و الترغيب فيها 6

تنبيه: في أنّ الهبة هي العقد المقتضي تمليك العين من غير عوض تمليكا منجّزا مجرّدا عن القربة 8

الفصل الأوّل: في الأركان

البحث الأوّل: في صيغة الهبة

افتقار عقد الهبة إلى الإيجاب و القبول باللفظ 9

هل يحتاج الهديّة إلى الإيجاب و القبول اللفظيّين ؟ 9

ألفاظ الإيجاب و القبول في الهبة 10

اشتراط التنجيز في عقد الهبة 11

هل يجب كون القبول عقيب الإيجاب بلا فصل ؟ 11

اشتراط كمال المتعاقدين من البلوغ و كمال العقل و جواز التصرّف 12

فيما إذا كان المهدى إليه طفلا تولّى وليّه القبول 12

فيما إذا كان الواهب هو الوليّ تولّى الطرفين 12

هل يكفي في العقد الإيجاب منفردا عن القبول ؟ 12

ص: 313

هل يكفي قبول المتعهّد الذي لا ولاية له على الطفل ؟ 13

فيما لو وهب من عبد غيره هل يفتقر إلى إذن السيّد؟ 13

حكم ما لو وهب غيره شيئا فقبل نصفه أو وهبه عبدين فقبل أحدهما خاصّة 13

فيما إذا قال غارس الشجرة: اغرس هذه لابني لم يصر للابن بمجرّد ذلك 13

حكم ما لو قال - في الفرض المزبور -: جعلته لابني و كان صغيرا 13

حكم ما لو اتّخذ عرسا لابنه و عمل دعوة فحملت إليه الهدايا و لم يذكر أصحابها أنها للأب أو للابن 14

في أنّ خادم الصوفيّة الذي يتردّد في السوق و يجمع لهم شيئا يملكه 14

البحث الثاني: العين الموهوبة

كلّ عين يصحّ نقلها بالبيع يصحّ نقلها بالهبة 14

صحّة هبة المشاع 14

عدم الفرق في هبة المشاع بين هبته من الشريك و غيره 17

تذنيب: في حكم هبة الأرض المزروعة دون الزرع 17

عدم جواز هبة الآبق و الضالّ 17

جواز هبة المغصوب من غير الغاصب إن قدر على الانتزاع 17

صحّة الهبة من الغاصب و جواز هبة المستعار من المستعير و غيره 17

فيما إذا قبض المتّهب من الغاصب بإذن المالك برئ الغاصب من الضمان 17

جواز هبة المستأجر من المستأجر و غيره 18

حكم ما لو وهب غيره شيئا له في يده و أذن له في القبض أو لم يأذن 18

حكم هبة المجهول و البراءة منه 19

حكم ما لو أبرأه من مائة و هو يعتقد أنّه لا شيء له عليه و كان له عليه مائة 20

عدم صحّة تعليق الهبة بشرط 20

حكم ما لو شرط في الهبة شروطا تنافي مقتضاها 21

حكم ما لو قال: وهبتك هذا بشرط أن تهب فلانا شيئا أو قال: وهبتك هذا العبد بشرط أن تعتقه 21

ص: 314

حكم ما لو وقّت الهبة 21

حكم ما لو وهب أمته و استثنى الحمل أو الشاة و استثنى صوفها 21

حكم هبة المرهون من المرتهن 21

حكم هبة المرهون من غير المرتهن 22

حكم هبة الكلب بأقسامه 22

حكم هبة الخمور المحترمة 23

حكم هبة الحمل في البطن و اللبن في الضرع 23

حكم هبة الصوف على ظهور الأغنام 23

عدم صحّة هبة دهن السمسم قبل عصره أو زيت الزيتون قبل استخراجه 23

صحّة هبة صاحب الدّين دينه ممّن هو عليه 23

حكم هبة الدّين من غير من هو عليه 25

تذنيب: حكم ما لو كان عليه زكاة و وهب دينه على المسكين بنيّة الزكاة 27

البحث الثالث: في القبض

عدم تملّك المتّهب و المهدى إليه و المتصدّق عليه الهبة و الهديّة و الصدقة إلاّ بالقبض 27

في أنّ الواهب بعد العقد بالخيار إن شاء أقبض و إن شاء منع 31

حكم ما إذا وهب شيئا و قبل المتّهب فباع الواهب العين أو وهبها أو عقد عليها أحد العقود قبل القبض 32

حكم ما إذا عقد الهبة بالإيجاب و القبول و لم يحصل قبض ثمّ مات الواهب أو المتّهب بين العقد و القبض 33

تذنيب: في حكم ما إذا أذن الواهب له في القبض ثمّ مات الآذن أو المأذون له قبل القبض 33

حكم ما إذا بعث هديّة إلى إنسان فمات قبل أن تصل إلى المهدى إليه أو مات المهدى إليه 33

ص: 315

فيما إذا كان له في يد غيره مال فوهبه المالك منه صحّت الهبة و لزمت إن كانت ممّا يلزم بالقبض 33

تنبيه: في أنّ القبض في الهبة كالقبض في البيع 34

فروع:

1 - فيما لو أمر الواهب المتّهب بأكل الطعام الموهوب فأكله أو بإعتاق العبد الموهوب فأعتقه كان قابضا 35

2 - حكم ما لو قال: وهبته و ملّكته 35

3 - حكم ما لو قال: وهبته و خرجت إليه منه 35

4 - حكم ما لو قيل له: هل وهبت دارك من فلان و أقبضتها منه ؟ فقال: نعم 35

5 - حكم ما لو وهب اثنين شيئا فقبلا و قبضا أو قبض أحدهما و امتنع الآخر 35

الفصل الثاني: في الأحكام

البحث الأوّل: في حكم الرجوع في الهبة

المطلب الأوّل: في الراجع

فيما إذا وهب و أقبض و كان المتّهب أحد الأبوين لم يكن للواهب الرجوع في الهبة. 37

حكم الرجوع في الهبة فيما إذا كان المتّهب ولدا 37

حكم الرجوع في الهبة فيما إذا كانت الهبة لذي الرحم 39

جواز الرجوع في الهبة للواهب إذا كانت الهبة للأجنبيّ بشروط خمسة: 41

1 - عدم قصد التقرّب إلى اللّه بها 41

2 - عدم كون المتّهب قد عوّض عنها 41

3 - عدم تصرّف المتّهب فيها 41

4 - عدم كون الموهوب دينا 42

5 - كون العين قائمة 42

فيما إذا وهب لغير ذي رحم شيئا فهل له الرجوع في هبته ما لم يثب عليها؟ 42

تذنيب: فيما شرطه أبو حنيفة في ذي الرحم من كونه محرما في النسب 43

حكم الرجوع في هبة الزوج أو الزوجة 43

ص: 316

فروع:

1 - فيما شرطه بعض الشافعيّة في جواز الرجوع للأب فيما وهبه لولده من قصده بالهبة استجلاب برّ أو دفع عقوق فلم يحصل غرضه 45

2 - هبة ذي الرحم لازمة لا رجوع فيها بحال ما لم يشرط الثواب 46

3 - حكم رجوع الأم فيما تهبه لولدها 46

4 - حكم رجوع غير الأب من الأصول عند الشافعيّة 47

5 - ليس لغير الأصول الرجوع في الهبة 47

6 - عدم الفرق في حقّ الرجوع بين كون الوالد و الولد متّفقين في الدّين أو مختلفين 48

7 - فيما لو تداعى اثنان مولودا و وهبا منه فلا رجوع لواحد منهما 49

8 - حكم الرجوع في الهديّة حكم الرجوع في الهبة 49

9 - عدم جواز الرجوع في الصدقة 49

حكم الرجوع - عند الشافعيّة - فيما لو تصدّق على ابنه 49

10 - حكم الرجوع فيما لو أبرأ ابنه عن دينه 50

11 - فيما لو وهب من ولده ثمّ مات الواهب و وارثه أبوه فلا رجوع للجدّ الوارث عند الشافعي 50

المطلب الثاني: فيما إليه يرجع الواهب

ثبوت الرجوع في الهبة إن كانت عينها قائمة 50

صحّة الرجوع فيما لو كان المتّهب قد آجر العين أو زارع عليها أو زوّج الجارية 53

فيما لو أبق العبد الموهوب في يد المتّهب صحّ رجوع الواهب إن لم يتصرّف المتّهب 53

حكم ما لو جنى العبد في يد المتّهب و تعلّق الأرش برقبته 53

فيما لو زال ملك المتّهب ثمّ عاد بإرث أو شراء فهل يعود الرجوع ؟ 54

حكم ما لو وهبه ما هو مملوك ثمّ خرج عن صلاحيّة التملّك ثمّ عاد إلى حاله الأوّل 54

ثبوت الرجوع فيما لو انفكّ الرهن أو الكتابة بعجز المكاتب عن أداء النجوم 55

ص: 317

حكم ما لو وهبه شيئا ثمّ أفلس المتّهب و حجر الحاكم عليه فأراد الواهب الرجوع في الهبة 55

هل يثبت الرجوع فيما لو ارتدّ العبد في يد المتّهب بناء على عدم زوال الملك بالردّة ؟ 56

فيما لو وهب الابن المتّهب الموهوب من ابنه لم يكن هنا رجوع 56

حكم ما لو باع الابن المتّهب الموهوب من ابنه أو انتقل بموته إليه 56

حكم ما إذا رجع الواهب فيما له الرجوع فيه و كانت العين بحالها أو ناقصة أو زائدة 56

حكم ما لو وهبه جارية أو دابّة حاملا فرجع الواهب قبل الوضع أو بعده 58

حكم ما لو وهب منه ثوبا فقصره المتّهب 59

حكم ما لو كان الموهوب حنطة فطحنها المتّهب أو غزلا فنسجه 60

حكم ما لو وهبه أرضا فبنى المتّهب فيها أو غرس 60

حكم ما لو وهبه نخلا حائلا فأثمر في يد المتّهب 60

حكم ما لو وهب الرجل ولده جارية فوطئها المتّهب 60

جواز رجوع الرجل فيما يهبه لولده عند العامّة بشروط أربعة 61

المطلب الثالث: فيما به يحصل الرجوع

حصول الرجوع بالقول و بالفعل 63

عدم اشتراط حكم القاضي في صحّة الرجوع في كلّ موضع يثبت فيه الرجوع 65

فروع:

1 - حكم ما لو رجع و لم يسترد المال 66

2 - فيما لو اتّفق الواهب و المتّهب على فسخ الهبة فهل يلحق ذلك بالتقايل ؟ 66

3 - اشتراط التنجيز في الرجوع 66

حكم ما لو أخذ الواهب الهبة من المتّهب و نوى به الرجوع أو لم يعلم هل نوى الرجوع أم لا 66

حكم ما لو نوى الرجوع من غير فعل و لا قول 67

ص: 318

البحث الثاني: في الثواب

عدم اقتضاء الهبة للعوض إلاّ مع الشرط 67

أقسام الهبة و أحكامها 69

فيما إذا أطلق الهبة و قيل بعدم اقتضائها للثواب فهل تلزم بالثواب أو بالقبض ؟ 70

تحديد قدر الثواب 71

تنبيه: حكم ما إذا اعتبر في الثواب قدر قيمة الموهوب و اختلف قدر القيمة 73

حكم ما إذا وجب العوض في الهبة المطلقة و لم يثب المتّهب شيئا 73

هل هبة المساوي لمثله تقتضي الثواب إذا كانت مطلقة ؟ 74

تنبيه: في عدم اشتراط زيادة الثواب على قيمة العين الموهوبة 75

حكم ما إذا وهبه و شرط الواهب الثواب عن الهبة 75

حكم ما إذا وهب له حليّا بشرط الثواب أو مطلقا فأثابه بجنسه أو بغير جنسه متفاضلا فيهما أو متساويا 77

فيما لو تصدّق على ولده بشيء و أقبضه فهل له الرجوع ؟ 78

حكم ما إذا وهبه جارية بشرط الثواب أو مطلقا فوطئها المتّهب و امتنع من الثواب 79

فيما إذا وهبه ثوبا بشرط الثواب فلبسه و أخلقه ثمّ لم يثب 79

فيما إذا وهب الأب ابنه الصغير و قبضه له لزمت الهبة 79

حكم ما إذا وهبه بشرط الثواب المعلوم كان معيّنا أو لا 80

حكم ما إذا شرط الواهب عوضا مجهولا 81

حكم ما لو شرط الثواب و دفعه ثمّ خرج الموهوب كلّه أو بعضه مستحقّا بعد الدفع 82

حكم ما لو اختلف الواهب و المتّهب في شرط الثواب 82

حكم ما لو وهبه على الثواب فلم يثب المتّهب و مات و وجد الواهب عين الهبة 83

فروع:

1 - فيما لو دفع إليه درهما و قال: خذه و ادخل الحمّام أو دفع إليه دراهم و قال اشتر بها لنفسك عمامة فهو إباحة 83

ص: 319

2 - فيما لو بعث شخص إلى من مات أبوه ثوبا ليكفّنه فيه لم يملكه الولد 84

3 - فيما لو بعث إليه هديّة في ظرف و العادة في مثل تلك الهديّة ردّ الظرف لم يكن الظرف داخلا في الهديّة 84

4 - فيما لو أنفذ كتابا إلى غيره و كتب فيه أن اكتب الجواب على ظهره فعليه ردّه و إلاّ فهو هديّة 84

5 - هبة منافع الدار هل هي إعارة لها؟ 84

6 - فيما إذا كانت الهبة فاسدة لم تثمر الملك للمتّهب 85

7 - عدم اشتراط الفوريّة في القبض 85

8 - فيما لو قال: وهبته كذا و لم أقبضه أو قال: وهبته و ملّكته ثمّ أنكر القبض كان القول قوله 85

خاتمة: تتعلّق بالنحلة و فضلها 85

استحباب التسوية في العطيّة للأولاد 88

حكم ما إذا وهب بعض ولده دون بعض أو فضّل بعضا على بعض في حال صحّته 90

حكم ما لو فضّل بعض ولده على بعض لمعنى يقتضيه تخصيصه 93

عدم وجوب التسوية بين الأقارب و لا إعطائهم على قدر مواريثهم 93

هل تلحق الأمّ بالأب فيما تقدّم ؟ 94

هل للأمّ الرجوع فيما لو فضّلت بين ولدها؟ 94

فيما إذا أعطى ولده ماله ثمّ ولد له ولد آخر فهل يجوز له الرجوع في عطيّته للأوّل ؟ 95

هل يجوز للأب أن يأخذ من مال ولده شيئا؟ 95

فيما إذا ثبت للولد دين على والده فهل له مطالبته به مع يساره ؟ 97

حكم تصرّف الأب في مال الابن قبل تملّكه 98

حكم ما لو وطئ الأب جارية ابنه قبل أن يتملّكها 99

الفصل الثالث: في الصدقة المندوبة

استحباب الصدقة و فضلها 101

أفضليّة صدقة السرّ من دفعها في العلانية 102

ص: 320

أفضليّة صرف الصدقة إلى ذي الرحم و الجيران من صرفها إلى غيرهم 102

أفضليّة الصدقة في رمضان منها في غيره 104

عدم استحباب الصدقة للمديون و ذي العيال الذين يلزمه نفقتهم 105

حرمة الصدقة المفروضة على بني هاشم عدا صدقة الهاشمي على مثله أو صدقة غيره عند الاضطرار 108

هل تحرم الصدقة على بني هاشم ؟ 108

هل تحرم الصدقة المندوبة على النبيّ صلّى اللّه عليه و آله ؟ 109

حرمة الصدقة المندوبة على الأئمّة المعصومين عليهم السّلام 110

فيما لو نذر أن يتصدّق بشيء فالأولى تحريمها على الغني 111

الصدقة عقد من العقود يفتقر إلى إيجاب و قبول و إقباض و نيّة التقرّب 111

فيما إذا حصل الإقباض فهل يجوز الرجوع في الصدقة ؟ 111

المقصد الثاني: في الوقف و توابعه

الفصل الأوّل: في الوقف

البحث الأوّل: في الأركان

بيان أركان الوقف 113

مقدّمة: في وجه تسمية الوقف و تعريفه و فضله 113

هل يلزم الوقف بالعقد و القبض ؟ 114

المطلب الأوّل: الصيغة

عدم صحّة الوقف إلاّ باللفظ 116

فيما لو تلفّظ بالوقف و لم يحصل الإقباض لم يصر وقفا 117

فيما إذا قال: قد جعلته مسجدا فهل يصير مسجدا بذلك ؟ 117

ألفاظ الوقف الصريحة منها و الكناية 118

هل الفعل المقترن بالقرائن يكفي في الوقف ؟ 121

فيما إذا اتّخذ مقبرة و أذن في الدفن فيها أو سقاية و يأذن في دخولها لا تصير بذلك وقفا 121

ص: 321

هل يفتقر الوقف إلى القبول ؟ 122

المطلب الثاني: في الواقف

بيان ما يشترط في الواقف من البلوغ و كمال العقل و غيرهما 124

عدم صحّة وقف الصبي و المجنون و المكره و غير القاصد له و العبد و الأمة 125

حكم وقف الشخص على نفسه أو وقفه على نفسه ثمّ على الفقراء و المساكين 126

حكم ما لو وقف على غيره ممّن يصحّ الوقف عليه و شرط أن يقضي من ريع الوقف زكاته و ديونه 127

حكم ما لو شرط في الوقف أن يأكل من ثماره أو ينتفع به 127

حكم ما إذا وقف على الفقراء و صار فقيرا 128

عدم الفرق في اشتراط الانتفاع بالوقف لنفسه مدّة حياته أو مدّة معلومة 129

حكم ما لو شرط أن يأكل أهله من الوقف أو يأكل الوالي على الوقف شيئا منه أو يطعم صديقا 129

المطلب الثالث: في الموقوف عليه

اشتراط وجود الموقوف عليه و صحّة أن يملك و التعيين و انتفاء تحريم الوقف عليه 129

اشتراط كون الموقوف عليه أهلا للتملّك 130

عدم صحّة الوقف ابتداء على من سيولد له 130

عدم صحّة الوقف على الحمل و الملائكة و الجنّ و الشياطين 130

عدم جواز الوقف على العبد 130

حكم الوقف على المكاتب 131

حكم ما إذا وقف على بهيمة و أطلق 132

تعيين الموقوف عليه شرط في صحّة الوقف 133

عدم صحّة الوقف على من يحرم الوقف عليه 134

حكم ما لو وقف على خادم البيعة و الكنيسة 134

حكم وقف المسلم على الذمّي 135

ص: 322

عدم جواز الوقف على كتبة التوراة و الإنجيل و كتب الضلال 136

حكم وقف الكافر في الفرض المزبور 137

عدم جواز الوقف على معونة الزناة أو قطّاع الطريق أو شاربي الخمر 137

حكم الوقف على المرتدّ و الحربيّ 137

حكم الوقف على المرتدّ عن غير فطرة 138

حكم الوقف على غير معيّن 138

حكم الوقف على الطالبيّين أو العلويّين أو غيرهم ممّن لا ينحصر 139

صحّة الوقف على النازلين في الكنائس من مارّة أهل الذمّة 140

صحّة الوقف على قبيلة عظيمة كثيرة الانتشار 140

صحّة الوقف على المسلمين كلّهم أو على أهل إقليم أو على كافّة بني آدم 141

فيما إذا وقف على المسلمين كان لمن أقرّ بالشهادتين و لمن هو في حكمهم 141

فيما إذا وقف على المؤمنين كان مصرفه الاثني عشريّة 141

هل يشترط في الوقف على المؤمن اجتناب الكبائر؟ 142

حكم ما إذا وقف على الشيعة و لم يميّز 142

حكم ما لو وقف على الزيديّة 142

فيما إذا وقف المسلم على الفقراء انصرف ذلك إلى فقراء المسلمين 143

فيما لو وقف الكافر على الفقراء انصرف إلى فقراء نحلته 143

فيما لو وقف المسلم أو الكافر على فقراء بلده و فيهم فقراء مسلمون و كفّار 143

حكم ما لو لم يكن في فقراء البلد إلاّ فقراء من غير قبيله 143

صحّة الوقف فيما إذا علّقه على قبيلة مخصوصة أو جماعة اشتركوا في نسبة علّق وقفه عليها 143

فيما لو وقف على الهاشميّين أو الفاطميّين أو الحسنيّين أو الحسينيّين 144

فيما لو وقف على المتفقّهة أو الفقهاء 144

صحّة الوقف على العطّارين أو البزّازين و غيرهم من أرباب الصنائع المحلّلة 144

حكم الوقف على الصوفيّة 144

ص: 323

جواز الوقف على أكفان الموتى و مؤونة الغسّالين و الحفّارين 145

جواز الوقف على شراء الأواني و الظروف لمن تكسّرت عليه و على شراء أقلام العلماء 145

جواز الوقف على مصلّي صلاة الليل 145

حكم ما لو وقف على الأرقّاء الموقوفين على خدمة الكعبة أو المشهد أو قبور المعصومين عليهم السّلام أو بعض الصلحاء 145

حكم الوقف على دار و حانوت 146

حكم ما لو وقف على المقبرة لتصرف الغلّة إلى عمارة القبور 146

بطلان الوقف لآلات سائر المعاصي 146

حكم ما لو وقف لتصرف الغلاّت إلى القطّاع و سائر الفسّاق لا إلى جهة الفسق 146

حكم ما إذا شرط عود نفع الوقف في سبيل اللّه 147

فيما إذا وقف على سبيل البرّ أو الخير أو الثواب 148

المطلب الرابع: الموقوف

اشتراط أمور خمسة في العين الموقوفة 149

عدم صحّة وقف ما ليس بعين أو ما ليس معيّنا من الأعيان 150

عدم صحّة وقف ما ليس بمملوك من الأعيان 150

عدم صحّة وقف الحرّ نفسه 150

حكم وقف الكلب المعلّم و كلب الحائط و الماشية و السنّور 150

عدم صحّة وقف مال الغير 150

حكم وقف ما لا ينتفع به إلاّ بالإتلاف 151

عدم صحّة وقف آلات المناهي 151

حكم وقف ما لا ينتفع به إلاّ بالإتلاف 151

عدم صحّة وقف آلات المناهي 151

عدم صحّة وقف ما لا يمكن إقباضه 151

جواز وقف العقار و الأراضي و جميع ما لا ينقل و لا يحوّل ممّا جمع الشرائط 151

ص: 324

حكم وقف ما ينقل و يحوّل ممّا جمع الشرائط 152

صحّة وقف المشاع 153

صحّة وقف نصف عبد و بطلان عتق النصف الموقوف 154

صحّة وقف كلّ عين ينتفع بها في الحال أو فيما بعده 155

جواز وقف الزّمن الذي يرجى زوال زمنه 155

عدم جواز وقف ما لا يدوم الانتفاع به 155

عدم جواز وقف العبد الذي استحقّت منفعته على التأبيد أو الأرض كذلك 155

عدم صحّة وقف المنافع 156

حكم وقف الذهب و الفضّة إذا كان حليّا 156

حكم وقف الدراهم و الدنانير 156

هل يصحّ وقف أمّ الولد؟ 157

حكم وقف المكاتب 158

حكم وقف المعلّق عتقه بصفة 158

جواز وقف المدبّر 159

عدم صحّة وقف عبد أو ثوب في الذمّة 159

حكم وقف أحد العبدين 159

حكم وقف علوّ الدار دون سفلها و بالعكس 159

حكم ما إذا جعل وسط داره مسجدا و لم يذكر الاستطراق 159

جواز وقف الفحل للنزوان 160

عدم صحّة وقف ما لا يمكن إقباضه 160

حكم ما لو وقف على الغير ما هو مقبوض في يده أو وقفه على غير المتشبّث 160

حكم ما لو آجر أرضه ثمّ وقفها 160

حكم ما لو استأجر أرضا ليبني فيها أو يغرس فبنى و غرس ثمّ وقف البناء أو الغراس 161

ص: 325

البحث الثاني: في الشرائط

المطلب الأوّل: التأبيد

صحّة الوقف المعلوم الابتداء المؤبّد الذي لا انقضاء له 162

بيان المراد بالمؤبّد 162

جواز وقف المعيّن من المسجد أو الرباط أو المدرسة أو المشهد أو القنطرة 162

حكم ما لو وقف على العلماء أو جعلهم منتهى الوقف 162

حكم ما لو كان الوقف على من ينقرض غالبا و لم يجعل المنتهى إلى من لا ينقرض غالبا أو قال: وقفت على زيد و سكت 162

فيما إذا انقرض الموقوف عليهم فهل يرجع الوقف إلى ورثة الموقوف عليهم أو إلى الواقف إن كان موجودا و إلى ورثته إن كان ميّتا؟ 164

حكم ما لو قال: وقفت هذا سنة 168

هل يبطل الوقف أصلا - في الفرض المزبور - أو يكون حبسا؟ 168

حكم ما لو قال: وقفت هذا على زيد شهرا على أن يعود إلى ملكي بعد الشهر 169

المطلب الثاني: التنجيز

اشتراط التنجيز في الوقف 169

حكم الوقف المنقطع في الابتداء 170

فيما إذا قيل ببطلان الوقف المنقطع في الابتداء فهل تصرف منفعة الوقف إلى من صحّ في حقّهم في الحال أم لا؟ 172

صحّة الوقف المعلوم الابتداء و الانتهاء غير المنقطع فيهما و لا في الوسط 174

حكم الوقف غير معلوم الانتهاء 174

حكم الوقف معلوم الانتهاء غير معلوم الابتداء 175

حكم الوقف منقطع الابتداء 175

حكم الوقف صحيح الطرفين منقطع الوسط 175

حكم الوقف منقطع الطرفين صحيح الوسط 175

ص: 326

بطلان الوقف منقطع الابتداء و الانتهاء و الوسط 176

صحّة الوقف فيما لو قال: هذا وقف على ولدي سنة أو مدّة حياتي ثمّ على المساكين 176

حكم ما لو وقف على من لا ينقرض غالبا ثمّ على من ينقرض و اقتصر 176

حكم ما لو علّق انتهاء وقفه على شرط 176

المطلب الثالث: في الإلزام

اشتراط الإلزام في الوقف 177

بطلان الوقف فيما لو شرط الخيار لنفسه 177

بطلان الوقف فيما لو قال: وقفت بشرط أن أبيعه أو أرجع فيه متى شئت 177

حكم ما لو شرط عود الوقف إليه عند حاجته 177

حكم ما لو وقف على شخص معيّن و شرط أن يرجع إليه إذا مات ذلك الشخص 177

حكم ما إذا شرط بيع الوقف متى شاء 178

حكم الوقف فيما إذا قيل بصحّة الشرط المزبور 180

بطلان الوقف فيما لو شرط فيه إخراج من يريد من أرباب الوقف 181

جواز شرط إدخال من سيولد مع الموقوف عليهم 181

لزوم متابعة كلّ ما شرطه الواقف في وقفه من الشروط السائغة في نظر الشرع و لا ينافي الوقف 183

حكم ما لو شرط الواقف أن لا يؤجر الوقف 183

فيما لو جعل داره مسجدا أو أرضه مقبرة أو بنى مدرسة أو رباطا فلكلّ أحد أن يصلّي و يعتكف في المسجد و يدفن في المقبرة و يسكن في المدرسة... و ينزل الرباط 183

حكم ما لو شرط في الوقف اختصاص المسجد بأصحاب الحديث أو الرأي أو بطائفة معلومة 184

المطلب الرابع: في بيان المصرف

لزوم بيان المصرف في عقد الوقف 185

ص: 327

بطلان الوقف فيما لو قال: وقفت هذا، و لم يذكر على من 185

حكم ما إذا وقف على شخصين ثمّ على الفقراء فمات أحدهما 186

حكم ما لو وقف على شخصين و سكت عن المصروف إليه بعدهما 186

حكم ما لو وقف على بطون متعدّدة متعاقبة فردّه البطن الثاني 187

البحث الثالث: في الأحكام

المطلب الأوّل: فيما يتعلّق بالألفاظ

عدم جواز تغيير شرائط الواقف في متن العقد 187

وجوب مراعاة ما يدلّ عليه لفظ الواقف فيما يقتضي الجمع أو الترتيب أو هما معا 188

فيما إذا قال: وقفت على أولادي و أولاد أولادي فلا ترتيب هنا 188

فيما لو أتى بما يدلّ على الترتيب حكم بالترتيب 189

فيما لو قال: وقفت على أولادي و أولاد أولادي الأعلى فالأعلى أو الأقرب فالأقرب فهو للترتيب 189

فيما لو قال: على أولادي و أولاد أولادي على أن يبدأ بالأعلى منهم على أن لا حقّ لبطن و هناك من فوقهم فهو للترتيب 190

فيما لو قال: فمن مات من أولادي فنصيبه لولده اتّبع شرطه 190

فيما لو قال: على أولادي ثمّ على أولاد أولادي و أولاد أولاد أولادي اجتمع فيه الترتيب بين البطن الأوّل و الثاني و الجمع بين البطن الثاني و الثالث 190

فيما لو قال: على أولادي و أولاد أولادي ثمّ على أولاد أولاد أولادي فقد جمع بين البطن الأوّل و الثاني 190

فيما لو قال: وقفت على زيد و عمرو ثمّ على خالد و بكر فقد شرّك بين البطن الأوّل و الثاني و بين البطن الثالث و الرابع 190

فيما لو قال: وقفت على زيد و عمرو و خالد ثمّ على بكر ثمّ على جعفر فقد شرّك بين الثلاثة الأوّل و رتّب عليهم الرابع و رتّب بين الرابع و الخامس 191

فيما لو قال: على أولادي و أولاد أولادي و من مات منهم فنصيبه لأولاده 191

ص: 328

فيما لو قال: وقفت على أولادي و أولاد أولادي و هكذا الأسفل فالأسفل 191

حكم ما إذا وقف على أولاده ثمّ على الفقراء 191

حكم ما إذا قال: وقفت على أولادي ثمّ على أولاد أولادي ثمّ على الفقراء 191

فيما إذا وجدت القرائن الدالّة على اختصاص البطن الأوّل أو تجرّد الوقف عن القرائن كلّها 192

فيما إذا وقف على أولاده دخل فيه أولاد أولاده و أولاد أولاد أولاده و هكذا 192

فيما إذا وقف على أولاده اشترك فيه البنون و البنات 194

فيما إذا وقف على إخوته أو ذوي قرابته اشترك فيه الذكور و الإناث و الأدنى و الأبعد 194

فيما إذا وقف على أولاد أولاده دخل فيه أولاد البنين و أولاد البنات 194

فيما إذا قال: لمن انتسب إليّ من الأولاد كان لأولاده و أولاد البنين دون البنات 197

فيما إذا قال: على أولادي غير ذوي الأرحام فهو لأولاد البنين خاصّة 197

فيما إذا قال: على ولدي فلان و فلانة و فلانة و أولادهم دخل فيه ولد البنات 197

فيما إذا قال الهاشميّ: وقفت على أولادي و أولاد أولادي الهاشميّين لم يدخل في الوقف من أولاد بناته من كان غير هاشميّ 197

حكم ما لو وقف على أولاده و لا ولد له و له أولاد أولاد 198

فيما لو وقف على أولاده و أولاد أولاده فهل يدخل في الوقف أولاد أولاد الأولاد؟ 198

فيما إذا وقف على أولاده دخل فيه البنون و البنات و الخناثى المشكلون 198

فيما إذا وقف على البنين لم تدخل البنات و لا الخناثى 198

فيما لو وقف على البنات لم يدخل البنون و لا الخناثى 198

فيما إذا وقف على أولاده هل يدخل أولاد البنين و أولاد البنات ؟ 198

فيما لو وقف على البنات فهل تدخل بنات الأولاد؟ 198

فيما لو وقف على البنين و البنات فهل تدخل الخناثى ؟ 198

فيما لو وقف على بني تميم فهل تدخل النساء منهم ؟ 199

ص: 329

فيما لو وقف على أولاده أو أولاد غيره انصرف الوقف إلى الموجودين منهم دون الحمل 199

المنفيّ باللعان لا يستحقّ الوقف 199

فيما لو قال: وقفت على ذرّيّتي أو على عقبي أو على نسلي دخل فيه أولاد البنين و البنات 200

فيما إذا حدث حمل فهل يدخل في الوقف ؟ 200

حكم ما إذا كان له ثلاثة بنين فقال: وقفت على ولدي فلان و فلان و على ولد ولدي الثالث و أولادهم 200

موارد وجوب اتّباع ما شرطه الواقف في وقفه 201

فيما إذا قال: وقفت على أولادي فإذا انقرض أولادي و أولاد أولادي فعلى الفقراء فهو منقطع الوسط 204

فيما لو وقف على بنيه الأربعة و شرط أنّ من مات منهم و له عقب فنصيبه لعقبه و من مات منهم و لا عقب له فنصيبه لسائر أرباب الوقف 205

حكم ما لو قال: وقفت على بنيّ الخمسة و على من سيولد لي على ما أفصّله ثمّ فصّل 205

فيما لو شرط في الوقف تفضيل بعضهم على بعض أو تقديمه أو المساواة بينهم 205

صحّة شرط تفضيل الأنثى على الذكر أو مساواتها له 206

فيما لو وقف على العلماء لم يعط غيرهم 206

صحّة شرط كون العلماء على مذهب كذا أو شرط الفقر أو الغربة أو الشيخوخة 206

فيما لو وقف على أبنائه الفقراء أو على بناته الأرامل 206

فيما لو وقف على أمّهات أولاده إلاّ من تزوّج منهنّ فتزوّجت واحدة 206

أيضا فيما يجب اتّباع شرط الواقف 206

اسم المولى يقع على السيّد و على العبد 207

فيما إذا وقف على مولاه و ليس إلاّ السيّد أو العبد فالوقف عليه 208

حكم ما لو وجد السيّد و العبد 208

ص: 330

فيما لو وقف على مواليه بلفظ الجمع يندرج الموليان معا فيه 209

فيما إذا وقف على عترته و بيان المقصود منهم 209

فيما لو وقف على عشيرته أو قبيلته أو قرابته أو أهل بيته 210

فيما إذا قال: وقفت على أقرب الناس إليّ 211

حكم ما لو وقف على زيد بشرط أن يسكن موضع كذا ثمّ من بعده على الفقراء و المساكين 212

حكم ما إذا قال: وقفت على أولادي و أحفادي و إخوتي المحاويج منهم أو: إلاّ أن يفسق واحد منهم 212

حكم ما إذا قال: وقفت على محاويج أولادي و أولاد أولادي و إخوتي 212

حكم ما لو شرط إخراج بعضهم بصفة و ردّه بصفة 213

فيما إذا وقف على جيرانه و بيان المقصود منهم 213

فيما إذا وقف على قومه 214

فيما لو وقف على أهل بيته أو على مستحقّي الخمس أو على العلويّين 214

فيما اختلف فيه العامّة من أنّ الأفضل هل هو التسوية بين الذكر و الأنثى أو جعل الذكر ضعف الأنثى 215

المطلب الثاني: فيما يتعلّق بالمعاني

مقتضى الوقف: اللزوم في الحال 216

فيما إذا وقف و أقبض هل يزول ملكه عنه ؟ 217

فيما إذا ثبت زوال ملك الواقف عن الموقوف فهل ينتقل إلى الموقوف عليه أو إلى اللّه تعالى ؟ 218

في أنّ مقتضى الوقف كون فوائده و منافعه للموقوف عليه يتصرّف فيها تصرّف المالكين في أملاكهم 221

فيما لو وقف دابّة مأكولة اللحم لم يجز ذبحها 223

فيما إذا ماتت البهيمة الموقوفة لم يكن للموقوف عليه الانتفاع بجلدها 223

ص: 331

في أنّه يجوز للموقوف عليه استيفاء المنافع المستحقّة له بالوقف بنفسه أو بغيره ممّن يقيمه مقامه 224

فيما لو قال: وقفت داري ليسكنها من يعلّم الصبيان فللمعلّم أن يسكنها 224

فيما لو قال: وقفت داري على أن تستغلّ و تصرف غلّتها إلى فلان تعيّن الاستغلال 224

فيما لو كان قد وقف الدار مطلقا فقال الموقوف عليه: أنا أسكن الدار و قال الناظر في الوقف: أنا أكريها لأصرف الغلّة إلى عمارتها 224

جواز وقف الجارية و عدم حلّيّة وطئها للواقف بعد تمام الوقف 224

عدم جواز وطئ الجارية الموقوفة للموقوف عليه 225

فيما يتعلّق بوطئ الجارية الموقوفة 225

حكم تزويج الجارية الموقوفة 227

فيما إذا أتت الجارية الموقوفة بولد بسبب التزويج 228

حكم ما لو وقف الأمة حاملة بمملوك 229

تذنيب: في أنّه ليس للموقوف عليه التزويج بالأمة الموقوفة 229

حقّ التولية للواقف و صحّة شرطها لنفسه 229

حكم ما إذا شرط الواقف التولية لغيره 230

حكم ما لو أطلق في وقفه و لم يشرط التولية لغيره 231

فيما يتعلّق بما إذا شرط الواقف أمر التولية لنفسه أو لغيره 232

فيما لو أطلق أمر التولية من غير أن يشترطها لأحد 232

فيما هو وظيفة المتولّي للوقف 232

جواز نصب الواقف متولّيا في بعض الأمور و آخر في الآخر 233

فيما يتعلّق بتفويض الواقف العمارة و تحصيل الفائدة إلى واحد و إهماله أمر الحفظ و القسمة 233

حكم ما لو فوّض الواقف النظر إلى اثنين 233

فيما لو قال: وقفت على أولادي على أن يكون النظر لعدلين منهم فلم يكن فيهم إلاّ عدل واحد 233

ص: 332

في أنّه ليس للمتولّي أخذ شيء من مال الوقف على أن يضمنه 233

حكم إقراض مال الوقف حكم إقراض مال الصبي 233

جواز شرط الواقف للمتولّي شيئا من الرّيع 233

حكم ما لو لم يذكر الواقف شيئا 233

حكم ما لو شرط للمتولّي عشر الرّيع أجرة عمله ثمّ عزله 234

حكم ما إذا وقف و فوّض أمر التولية إلى شخص بعد إتمام الوقف أو ذكر التفويض في متن العقد 234

فيما لو جعل التولية في عقد الوقف لمعيّن لم يكن للواقف و لا لغيره تبديله و لا عزله 235

فيما لو جعل النظر إلى معيّن بعد تمام الوقف كان له تبديله و عزله 235

فيما لو شرط التولية لشخص لم يجب على ذلك الشخص القبول 235

جواز ترتيب التولية بين أشخاص متعدّدة و تشريكهم فيها و تفضيل بعضهم على بعض في النفع 235

حكم ما لو ذكر في كتاب الوقف أنّ التولية لشخص فأقرّ ذلك الشخص بالتولية لغيره 235

حكم ما لو وقف ما يحتاج إلى الإنفاق و عيّن الواقف الجهة أو أطلق 236

عمارة العقار الموقوف من حيث شرطه الواقف 237

حكم ما لو اندرس شرط الوقف فلم تعرف مقادير السهام و الاستحقاق أو جهل كيفيّة الترتيب بين أرباب الوقف 237

حكم ما لو اختلف أرباب الوقف في شرط الوقف و لا بيّنة 237

جواز إجارة الوقف للناظر فيه بحسب ما شرطه الواقف 238

هل للواقف أن يؤجّر إذا لم يكن قد جعل لنفسه النظر في الوقف ؟ 238

فيما إذا أجّر الموقوف عليه أو المتولّي فزادت الأجرة في المدّة أو ظهر طالب بالزيادة لم يؤثّر في العقد فسخا و لا خيار فسخ 239

حكم ما لو قتل العبد الموقوف و لم يتعلّق القصاص بالقاتل 239

ص: 333

حكم ما لو جني على العبد الموقوف بما يوجب القصاص 242

حكم ما لو جنى العبد الموقوف جناية توجب القصاص 243

تذنيب: فيما لو مات العبد الموقوف بطل الوقف 245

حكم الوقف فيما لو وقف شجرة فجفّت أو قلعتها الريح أو انكسرت 245

فيما إذا زمنت الدابّة صارت كجفاف الشجرة 246

فيما إذا خلقت حصر المسجد و بواريه و بليت فهل يجوز بيعها؟ 247

حكم جذع المسجد إذا انكسر 247

حكم ما إذا فضل من حصر المسجد و بواريه شيء و استغنى المسجد عنه 248

حكم ما إذا كان للمسجد نخل أو وقف عليه في عمارته و استغنى عن العمارة 248

هل يجوز بيع الوقف إذا خيف وقوع فتنة بين أربابه أو خرب و تعذّرت عمارته ؟ 249

عدم جواز تبديل المسجد و لا تحويله و لا بيعه بحال 254

فيما إذا جاز بيع الوقف في مورد فإنّه يباع و يصرف الثمن إلى جهة الوقف 254

حكم ما إذا لم يكف ثمن الفرس الحبيس للوقف لشراء فرس أخرى للغزو 256

حكم ما لو لم تتعطّل منفعة الوقف بالكلّيّة لكن قلّت و كان غيره أنفع منه 256

حكم ما إذا تعطّل المسجد في الموضع الخراب و لم يخف من أولي القرابة نقضه 256

البحث الرابع: في اللواحق

جواز الوقف على كلّ مصلحة ينتفع بها من يصحّ أن يملك تلك المنفعة 257

جواز وقف ضيعة على تكفين الأموات أو لشراء كفنهم أو حنوطهم و غير ذلك ممّا يتعلّق بتجهيزهم 257

جواز الوقف على من يصلّي إماما في المسجد الفلاني أو من يصلّي فيه مطلق الفرائض الخمس و 257

جواز وقف ضيعة على المؤن التي تقع في قرية كذا من جهة السلطان 257

جواز الوقف على عدد غير منحصر و إن انتشروا في البلاد المتباعدة 258

حكم ما لو قال: وقفت داري هذه على المساكين بعد موتي 259

فيما إذا قال: جعلت داري هذه خانقاه للغزاة لم تصر وقفا بذلك 259

ص: 334

حكم ما لو قال: تصدّقت بداري هذه صدقة محرّمة ليصرف من غلّتها كلّ شهر إلى فلان كذا 259

حكم ما إذا قال: جعلت هذه الدار للمسجد أو دفع دارا إلى قيّم المسجد و قال:

خذها للمسجد 260

حكم ما لو قال: إذا متّ فأعطوا من مالي ألف درهم للمسجد 260

حكم ما إذا قال: وقفت داري على زيد و على الفقراء 260

جواز وقف بقرة على رباط كذا ليسقي من لبنها من نزل فيه أو ينفق من نسلها عليه 260

حكم ما إذا اقتصر - في الفرض المزبور - على قوله: وقفتها عليه 261

حكم ما لو قال: وقفت على مسجد كذا 261

حكم ما لو وقف على مسجد أو رباط معيّن و لم يذكر المصرف إن خرب 261

فيما إذا وقف نخلا أو شجرة لم يدخل المغرس في الوقف 261

فيما لو وقف على عمارة المسجد لم يجز صرف الغلّة إلى النقش و التزويق 261

هل يجوز توفية أجرة القيّم من الغلّة ؟ 262

هل يشترى الدهن من تلك الغلّة ؟ 262

فيما لو وقف على مصلحة المسجد لم يجز النقش و التزويق 262

عدم صرف الموقوف على الحشيش إلى الحصير 262

حكم ما لو وقف على المسجد مطلقا 262

حكم ما لو وقف على النقش و التزويق 263

فيما إذا قال المتولّي للمسجد: أنفقت المال في كذا 263

فيما لو انهدم البناء أو انقلعت الأشجار جاز إجارة الأرض ممّن يزرعها أو يضرب فيها خيامه أو يبني و يغرس عليها من غلّتها 263

جواز إقراض الإمام المتولّي من بيت المال أو إذنه له في الاستقراض 263

حكم ما لو تلف الموقوف في يد الموقوف عليه أو في يد من يستحقّ إثبات اليد عليه من غير تعدّ 263

حكم ما لو انكسرت الآنية الموقوفة 263

ص: 335

فيما إذا خرب العقار الموقوف على المسجد و للمسجد هناك مال فاضل دخل 263

حكم ما لو حصل مال كثير من غلّة وقف المسجد 264

هل يجوز صرف الفاضل من وقف المسجد إلى عمارة مسجد آخر؟ 264

حكم قسمة الوقف بين أربابه 264

عدم جواز تغيير الوقف عن هيئته 266

حكم جعل دكّان القصّار للخبّاز و بالعكس 266

حكم ما لو هدم الدار أو البستان متعدّ 266

حكم ما لو وقف على قنطرة فانخرق الوادي و تعطّلت تلك القنطرة و احتيج إلى قنطرة أخرى 266

فيما إذا وقف على عمارة المسجد جاز أن يشترى منه سلّم لصعود السطح و مكانس و مساحي و... 266

فيما إذا وقف على دهن السراج للمسجد جاز وضعه في جميع الليل 266

حكم وقف الستور لستر جدران المسجد 267

جواز صرف الغلّة إلى الإمام و المؤذّن فيما لو وقف على المسجد مطلقا 267

جواز بناء منارة للمسجد 267

جواز بناء المنارة من الوقف الذي وقف على عمارة المسجد 267

حكم بناء سقاية المسجد 267

فيما إذا بني مسجد و صار مسجدا لم يجز رفعه من الأرض و جعل سقاية أو دكاكين تحته 267

فيما لو كان لمسجد منارة و هو غير حصين من الكلاب 267

حكم ما لو أريد حفر المسجد و جعل السقاية و الدكاكين تحته و البناء عليه 267

جواز جعل مرتفق في سطح المسجد يجري مع حائطه من غير مداخلة له فيه 268

عدم جواز غرس شجرة في المسجد 268

حكم قلع النخلة التي نبتت عذيا من اللّه تعالى 268

حكم ما لو جعل أرضا فيها نخلة مسجدا 268

ص: 336

حكم بيع الشجرة الموقوفة على المسجد لأجل عمارته 268

فيما لو قال: جعلت هذه الأرض مسجدا لم تدخل الشجرة 269

جواز جعل الأرض مسجدا و وقف الشجرة عليها 269

حكم أكل ثمر الشجرة النابتة في المسجد أو المقبرة 269

صحّة وقف المريض 269

عدم الفرق في وقف المريض بين كونه على الأجنبيّ أو على الوارث 269

حكم ما لو وقف و وهب و حابى و كان ذلك منجّزا أو وصيّة 270

حكم ما لو وقف داره على ابنه و بنته بالسويّة في مرض موته و هي تخرج من الثلث 271

حكم ما لو وقف داره على ابنه و زوجته نصفين و هي تخرج من الثلث فردّ الابن 271

تذنيب: في بطلان الوقف فيما لو وقف في مرض موته و عليه دين مستوعب 273

حكم الزكاة فيما إذا كان الوقف شجرا فأثمر أو أرضا فزرعت و كان الوقف على أقوام بأعيانهم فحصل لبعضهم من الثمرة أو الحبّ نصاب 273

حكم ما لو وقف على مصلحة فبطل رسمها 274

حكم ما لو وقف في وجوه البرّ و أطلق 274

فيما لو وقف على أعمامه و أخواله تساووا جميعا 274

فيما لو وقف على أقرب الناس إليه فهم الأبوان و الولد ثمّ الأجداد و الإخوة ثمّ الأعمام و الأخوال 274

فيما إذا وقف على أولاده الأصاغر كان قبضه و كذا قبض الجدّ للأب قبضا عنهم 275

فيما لو وقف على أولاده الأصاغر لم يكن له بعد ذلك إدخال غيرهم 275

اعتبار القبض في البطن الأوّل و سقوطه في باقي الطبقات 275

فيما إذا وقف على الفقراء أو الفقهاء فلا بدّ من نصب قيّم يقبض الوقف 275

فيما لو كان الوقف على مصلحة كفى إيقاع الوقف عن اشتراط القبول 275

فيما لو وقف مسجدا فخرب و خربت القرية أو المحلّة لم يعد إلى ملك الواقف 275

حكم ما إذا آجر البطن الأوّل الوقف مدّة ثمّ انقرضوا في أثنائها 275

ص: 337

عدم بطلان الإجارة - في الفرض المزبور - بموت المستأجر 276

فيما إذا وقف على الفقراء لم يجب تتبّع من غاب عن البلد 276

حكم ما لو أحبل الموقوف عليه الجارية الموقوفة عليه 276

حكم ما لو وطئ غير الموقوف عليه و هو حرّ الجارية الموقوفة بوطئ صحيح أو وطئها الحرّ بشبهة 276

حكم ما لو كان بيع الوقف أنفع من بقائه 277

ثبوت الوقف بالشاهد و اليمين 277

حكم دخول الواقف في الانتفاع إذا كان الوقف عامّا 277

فيما إذا وقف على أولاده و لم يفضّل بعضا على بعض تساوى الذكور و الإناث 279

حكم سكنى الواقف مع الموقوف عليه إذا وقف مسكنا 279

حكم أولاد الحيوان المحبوسة 280

عدم جواز وقف المسلم شيئا على عمارة البيع و الكنائس 280

بطلان وقف الكافر شيئا على بيوت عبادة لغير اللّه تعالى 281

حكم ما لو وقف ضيعة و قال: يكون الارتفاع منصرفا إلى عمارتها و حقّ السلطان و ما فضل يكون في معاني الزكوات 281

الفصل الثاني: في السّكنى و العمرى و الرّقبى و الحبيس

عدم صحّة أحباس أهل الجاهليّة 283

صحّة الحبس مع قصد التقرّب 284

جواز الحبس على رجل معيّن أو جماعة منتشرين كالفقراء 284

حكم ما إذا أطلق الحبس و لم يعيّن وقتا ثمّ مات الحابس 284

افتقار عقد السكنى إلى إيجاب و قبول و قبض 285

تفسير السّكنى و العمرى و الرّقبى و صيغها 285

حكم الرّقبى و العمرى 286

العمرى غير ناقلة للعين إلى المعمر 288

حكم الرّقبى حكم العمرى 293

ص: 338

صحّة العمرى في غير العقار من الحيوان و الثياب 294

فيما لو أعمره جارية لم يكن له وطؤها 294

حكم ما لو وقّت الهبة في غير العمرى و الرّقبى 295

فيما إذا قال: جعلت لك هذه الدار عمري أو حياتي لم تنتقل إلى المعمر 297

حكم ما إذا مات المالك أو الساكن قبل المالك في الفرض المزبور 297

حكم ما لو باع على صورة العمرى 298

عدم جواز تعليق العمرى على شرط أو صفة 298

حكم ما لو قال: إذا متّ فهي لك عمرك فإذا متّ عادت إلى ورثتي 298

فيما لو جعل اثنان كلّ واحد منهما داره للآخر عمره على أنّه إذا مات قبله عات إلى صاحب الدار فهي رقبى من الجانبين 299

صحّة العمرى فيما لو قال: داري لك عمرك فإذا متّ فهي لزيد 299

جواز السّكنى و لزومها بحسب ما شرط 299

فيما إذا أطلق السكنى و قال: سكنى هذه الدار لك... لزم العقد في مسمّى الإسكان 299

فيما إذا قيّد السكنى بمدّة مضبوطة لزم الإسكان تلك المدّة 299

فيما لو جعل له السكنى مدّة حياة الساكن و لعقبه و نسله، لزم الإسكان ما دام العقب موجودا 299

حكم ما لو جعل له السكنى مدّة حياة المالك و مات الساكن قبله 300

حكم ما لو جعل له السكنى مدّة حياة الساكن فمات المالك أوّلا 300

السكنى و العمرى و الرّقبى و الحبس من العقود اللازمة مع الإقباض 301

صحّة إعمار كلّ ما يصحّ وقفه 302

جواز إسكان من جرت العادة بالسكنى معه 302

جواز إسكان الدابّة إذا كان الموضع يحتمل ذلك 302

فيما إذا وقف الإنسان مسكنا فهل له أن يسكن فيه مع الموقوف عليه ؟ 303

ص: 339

فيما إذا جعل المالك لغيره السكنى مدّة حياة الساكن ثمّ مات المالك فهل لورثته إخراج الساكن من المسكن قبل وفاته ؟ 303

حكم ما إذا جعل الإنسان خدمة عبده أو أمته لغيره مدّة من الزمان ثمّ هو حرّ بعد ذلك 305

حكم ما إذا جعل داره سكنى لزيد أو عمرى أو رقبى و عيّن المدّة 307

فيما إذا أخرج شيئا من ماله في الصدقة و لا يجد السائل يكره أن يردّه إلى ملكه 308

فيما إذا تصدّق بشيء على غيره متقرّبا به إلى اللّه تعالى لا يجوز أن يرجع في صدقته 309

اشتراط التقرّب إلى اللّه تعالى في الصدقة و العتق 310

جواز الهبة و الصدقة بالمجهول 310

فيما إذا أبرأت المرأة ذمّة زوجها من مهرها في مرض الموت نفذ الإبراء من الثلث 311

فيما إذا وهب الرجل غيره جارية جاز له وطؤها قبل التعويض 311

فهرس الموضوعات 313

ص: 340

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.