تذكره الفقهاء المجلد 18

اشارة

سرشناسه : علامه حلي حسن بن يوسف ق 726 - 648

عنوان و نام پديدآور : تذكره الفقهاء/ تاليف العلامه الحلي الحسن بن يوسف بن المطهر؛ تحقيق موسسه آل البيت عليهم السلام لاحياآ التراث مشخصات نشر : قم موسسه آل البيت عليهم السلام لاحياآ التراث 1400ق = 1300.

مشخصات ظاهري : ج 22

فروست : (موسسه آل البيت عليهم السلام لاحياآ التراث 127؛ 129؛ 130134)

شابك : 964-5503-33-7 (دوره ؛ 964-5503-44-2 2900ريال (ج 4) ؛ 964-5503-46-9 (ج 6) ؛ 964-319-007-2 (ج 7) ؛ 964-319-224-5 8000ريال (ج 11)

يادداشت : عربي يادداشت : فهرست نويسي براساس جلد چهارم 1414ق = 1372

يادداشت : ج 1 (چاپ اول 1420ق = 1378)؛ 8000 ريال ج 1) :ISBN 964-319-197-4

يادداشت : ج 8 (چاپ اول 1417ق = 1376)؛ 6500 ريال ج )8ISBN 964-319-051-x

يادداشت : ج 9 (چاپ اول 1419ق = 1377)8000 ريال :(ج )9ISBN 964-319-008-0

يادداشت : ج 13 (چاپ اول 1423ق = 1381)9500 ريال :ISBN 964-319-389-6

يادداشت : كتابنامه مندرجات : (ج )7) ISBN 964-319-007-2 ج 12) 1422ق = 8500 :1380 ريال موضوع : فقه جعفري -- قرن ق 8

شناسه افزوده : موسسه آل البيت عليهم السلام لاحياآ التراث رده بندي كنگره : BP182/3 /ع8ت4 1300ي

رده بندي ديويي : 297/342

شماره كتابشناسي ملي : م 73-2721

ص: 1

اشارة

ص: 2

ص: 3

ص: 4

الجزء الثامن العشر

بسم اللّه الرحمن الرحيم

المقصد السابع: في الإجارة و فيه فصول:

الفصل الأوّل: الماهيّة

ماهية الاجاره

الإجارة عقد يقتضي تمليك المنفعة خاصّة بعوض معلوم لازم في حقيقتها.

استعمال لفظي الاجارة و الاكتراء في عقد ها

و يستعمل في هذا العقد لفظان:

أحدهما: الإجارة، و هي و إن اشتهرت في العقد فهي في اللغة اسم للأجرة، و هي كراء الأجير.

و نقل بعضهم أنّه يقال لها: أجارة أيضا بالضمّ(1).

و يقال: استأجرت دار فلان، و آجرني داره و مملوكه، يؤجرها إيجارا، فهو مؤجر، و ذاك مؤجر، و لا يقال: مؤاجر، و لا: آجر.

أمّا المؤاجر فهو من قولك: أجر الأجير مؤاجرة، كما يقال: نازعه و عامله.

و أمّا الآجر فهو فاعل قولك: أجره يأجره أجرا: إذا أعطاه أجره، أو قولك: أجره يأجره: إذا صار أجيرا له.

و قوله تعالى: عَلى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمانِيَ حِجَجٍ (2) فسّره بعضهم

ص: 5


1- كما في العزيز شرح الوجيز 79:6.
2- سورة القصص: 27.

بالمعنى الأوّل، فقال: تعطيني من تزويجي إيّاك رعي الغنم هذه المدّة(1) ، و بعضهم بالثاني، فقال: تصير أجيري(2).

و إذا استأجرت عاملا لعمل، فأنت أجير بالمعنى الأوّل؛ لأنّك تعطي الأجرة، و هو أجير بالمعنى الثاني؛ لأنّه يصير أجيرا لك.

و «أجره اللّه» لغة في «آجره» أي أعطاه أجره.

و الأجير فعيل بمعنى مفاعل، كالجليس و النديم.

اللفظة الثانية: الاكتراء، يقال: أكريت الدار، فهي مكراة، و يقال:

اكتريت و استكريت و تكاريت بمعنى، و رجل مكاري، و الكري على فعيل:

المكاري و المكتري أيضا.

و الكراء و إن اشتهر اسما للأجرة فهو في الأصل مصدر «كاريته».

إذا عرفت هذا، فالإجارة عقد يشتمل على إيجاب و قبول في عرف الشرع.

جواز عقد الاجاره

مسألة 510: هذا العقد جائز بالنصّ و الإجماع.

قال اللّه تعالى: فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ (3) فأوجب لهنّ الإجارة، فدلّ ذلك على جواز أخذ عوض المنافع.

و اختلف في أنّ الإجارة على الحضانة و اللبن تابع، أو على اللبن ؟

و قال تعالى:... يا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ * قالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هاتَيْنِ عَلى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمانِيَ حِجَجٍ (4).

ص: 6


1- كما في العزيز شرح الوجيز 79:6.
2- كما في العزيز شرح الوجيز 79:6.
3- سورة الطلاق: 6.
4- سورة القصص: 26 و 27.

و قال تعالى في قصّة الخضر و موسى عليهما السّلام: فَوَجَدا فِيها جِداراً يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقامَهُ قالَ لَوْ شِئْتَ لاَتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً (1).

و روى العامّة عن أبي هريرة أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال: (اعطوا الاجير اجرته قبل ان يجف عرقه)(2) و روى العامّة عن أبي هريرة أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال: «قال ربّكم: ثلاثة أنا خصمهم، و من كنت خصمه خصمته: رجل أعطاني عهدا ثمّ غدر، و رجل باع حرّا فأكل ثمنه، و رجل استأجر أجيرا فاستوفى عمله و لم يوفه أجره»(3).

و عن ابن عباس في قوله تعالى: لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ (4): أن يحجّ الرجل و يؤاجر نفسه(5).

و من طريق الخاصّة: ما رواه عليّ بن يقطين عن الكاظم عليه السّلام: عن الرجل يتكارى من الرجل البيت أو السفينة سنة أو أكثر من ذلك أو أقلّ، قال: «الكراء لازم إلى الوقت الذي تكارى إليه، و الخيار في أخذ الكراء إلى ربّها إن شاء أخذ و إن شاء ترك»(6).

و في الحسن عن هشام بن الحكم عن الصادق عليه السّلام في الحمّال0.

ص: 7


1- سورة الكهف: 77.
2- السنن الكبرى - للبيهقي - 120:6، الفردوس 354/106:1، مشكل الآثار 4: 142، حلية الأولياء 142:7، الحاوي الكبير 389:7، نهاية المطلب 66:8، البيان 247:7، المغني 18:6، الشرح الكبير 155:6.
3- صحيح البخاري 118:3، سنن ابن ماجة 2442/816:2، السنن الكبرى - للبيهقي - 14:6 و 121، مسند أحمد 8477/40:3 بتفاوت يسير.
4- سورة البقرة: 198.
5- كما في الخلاف 487:3، المسألة 1 من كتاب الإجارة.
6- الفقيه 697/159:3، التهذيب 209:7-920/210.

و الأجير، قال: «لا يجفّ عرقه حتى تعطيه أجرته»(1).

و عن شعيب قال: تكارينا للصادق عليه السّلام قوما يعملون له في بستان له و كان أجلهم إلى العصر، قال: فلمّا فرغوا قال: «يا شعيب(2) أعطهم أجورهم قبل أن يجفّ عرقهم»(3).

و عن ابن سنان عن أبي الحسن عليه السّلام، قال: سألته عن الإجارة، فقال:

«صالح لا بأس به إذا نصح قدر طاقته، فقد آجر موسى عليه السّلام نفسه [و اشترط](4) فقال: إن شئت ثمانا، و إن شئت عشرا، فأنزل اللّه تعالى فيه أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِنْدِكَ (5)»(6).

و لا ينافي ذلك رواية عمّار عن الصادق عليه السّلام، قال: قلت له: الرجل يتّجر فإن هو آجر نفسه أعطي ما يصيبه في تجارته، فقال: «لا يؤاجر نفسه، و لكن يسترزق اللّه عزّ و جلّ و يتّجر، فإنّه إذا آجر نفسه حظر على نفسه الرزق»(7) لأنّه للكراهة؛ حيث يمتنع به من التجارة و هي أبرك.

و الأخبار في ذلك كثيرة.

و أمّا الإجماع فلا خلاف بين علماء الأمصار في جميع الأعصار في جواز عقد الإجارة، إلاّ ما يحكى عن عبد الرحمن الأصمّ أنّه قال: لا يجوز؛3.

ص: 8


1- الكافي 289:5 (باب كراهة استعمال الأجير...) ح 2، التهذيب 929/211:7.
2- في المصدر: «يا معتب» بدل «يا شعيب».
3- الكافي 289:5 (باب كراهة استعمال الأجير...) ح 3، التهذيب 930/211:7.
4- ما بين المعقوفين أثبتناه من المصدر.
5- سورة القصص: 27.
6- الكافي 2/90:5، الفقيه 442/106:3، التهذيب 1003/353:6، الاستبصار 178/55:3 بتفاوت يسير.
7- الكافي 3/90:5، التهذيب 1002/353:6، الاستبصار 177/55:3.

لأنّ ذلك غرر، و النبيّ صلّى اللّه عليه و آله نهى عن الغرر، يعني أنّه يعقد على منافع مستقبلة لم تخلق(1).

و هذا غلط لا يمنع انعقاد الإجماع.

لما تقدّم من النصوص، و أيضا الحاجة داعية إليه، و الضرورة ماسّة له، فإنّه ليس لكلّ أحد دار يسكنها، و لا خادم يخدمه، و لا يلزم غيره أن يسكنه داره و لا يخدمه تبرّعا، و كذلك أصحاب الصنائع يعملون ذلك بأجرة، و لا يمكن أن يعمل ذلك و لا يجدون متطوّعا من الإجارة لذلك، بل ذلك ممّا جعله له طريقا للرزق، حتى أنّ أكثر المكاسب بالصنائع، فلو لا تسويغ هذا العقد لزم الحرج و تعطيل أمور الناس بأسرها، و هو مناف للحكمة.

و العلم به ضروريّ، و الغرر لا معنى له مع هذه الحاجة الشديدة، و العقد على المنافع لا يمكن بعد وجودها؛ لأنّها تتلف بمضيّ الساعات، فدعت الضرورة و الحاجة الشديدة إلى العقد عليها قبل وجودها.

و اشتقاق الإجارة من الأجر، و هي الثواب، تقول: آجرك اللّه، أي:

أثابك.6.

ص: 9


1- الحاوي الكبير 388:7، نهاية المطلب 65:8، بحر المذهب 265:9، حلية العلماء 382:5، البيان 246:7، العزيز شرح الوجيز 80:6، المغني و الشرح الكبير 6:6.

ص: 10

الفصل الثاني: في الأركان و هي أربع:

الركن الأوّل: المتعاقدان.

اشارة

يشترط في المؤجر و المستأجر شروط:

الأوّل: البلوغ،

فلا تنعقد إجارة الصبي إيجابا و لا قبولا، سواء كان مميّزا أو لا، و سواء أذن له الولي أو لا؛ إذ لا عبرة بعبارة الصبي.

الثاني: العقل،

فلا يصحّ عقد المجنون، سواء كان الجنون مطبقا أو أدوارا.

و لو كان يعتوره فآجر في حال إفاقته، صحّ؛ لوجود الشرط حينئذ.

الثالث: أن يكون مختارا،

فلا عبرة بعقد المكره عليه؛ لقوله تعالى:

إِلاّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ (1) و لا رضا للمكره على الفعل.

الرابع: أن يكون قاصدا،

فلو تلفّظ الساهي و النائم و الغافل و السكران و المغمى عليه و شارب المرقد، لم يعتبر بعقده.

الخامس: ارتفاع الحجر عن العاقد،

فلا تنعقد إجارة المحجور عليه للسفه و لا للفلس؛ لأنّهما ممنوعان من التصرّفات الماليّة.

السادس: أن يكون المؤجر مالكا للمنفعة التي وقعت الإجارة عليها،
اشارة

أو وكيلا له، أو وليّا عليه، فلو عقد الفضولي كان العقد موقوفا، إن أجازه

ص: 11


1- سورة النساء: 29.

مالك المنفعة أو من يلي أمره جاز، و إلاّ فلا.

مسألة 511: حكم اجارة العين المستاجر من غير الموجر
اشارة

و لا يشترط أن يكون المؤجر مالكا للعين التي تعلّقت المنفعة بها، بل أن يكون مالكا للمنفعة و إن كانت العين مملوكة للغير، فلو استأجر دارا أو دابّة أو غيرهما من الأعيان التي يصحّ استئجارها، جاز له أن يؤجرها من غيره، عند علمائنا أجمع - و به قال سعيد بن المسيّب و ابن سيرين و مجاهد و عكرمة و أبو سليمان بن عبد الرحمن و النخعي و الشافعي و أصحاب الرأي و أحمد في إحدى الروايتين(1) - لأنّه قد ملك المنفعة على حدّ ملك مالك العين لها، فجاز نقلها منه إلى غيره، كما جاز نقل مالك العين لها، و للأصل.

و لما رواه الحلبي - في الحسن - عن الصادق عليه السّلام قال: «لو أنّ رجلا استأجر دارا بعشرة دراهم و سكن بيتا منها و آجر بيتا منها بعشرة دراهم لم يكن به بأس، و لا يؤاجرها بأكثر ممّا استأجرها، إلاّ أن يحدث فيها شيئا»(2).

حكم إجارة العين المستأجرة من غير المؤجر أو منه قبل القبض

و الرواية الثانية عن أحمد: إنّه لا يجوز للمستأجر أن يؤجر العين المستأجرة و إن كانت مقبوضة؛ لأنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله نهى عن ربح ما لم يضمنه(3) ، و المنافع لم تدخل في ضمانه، و لأنّه عقد على ما لم يدخل في ضمانه، فلم يجز، كبيع المكيل و الموزون قبل قبضه(4).

ص: 12


1- المغني 61:6، الشرح الكبير 49:6، الحاوي الكبير 408:7، نهاية المطلب 83:8، البيان 306:7، العزيز شرح الوجيز 143:6 و 187، روضة الطالبين 4: 295 و 325، مختصر اختلاف العلماء 126:4-1823/127، المبسوط - للسرخسي - 130:15، المحيط البرهاني 429:7.
2- التهذيب 919/209:7.
3- شرح معاني الآثار 40:4.
4- المغني 61:6، الشرح الكبير 49:6.

و هو غلط؛ لأنّ قبض العين قام مقام قبض المنافع؛ بدليل أنّه يجوز التصرّف فيها، فجاز العقد عليها، كبيع الثمرة على الشجرة، فيبطل القياس بهذا الأصل.

مسألة 512: و كما تجوز إجارة العين المستأجرة بعد القبض
اشارة

مسألة 512: و كما تجوز إجارة العين المستأجرة بعد القبض، كذا تجوز إجارتها قبل القبض من غير المؤجر - و هو قول بعض الشافعيّة(1) - لأنّ قبض العين لا ينتقل به الضمان إليه، فإذا كان القبض لا يتعلّق به انتقال الضمان فلم يقف جواز التصرّف عليه، و لأصالة الجواز.

و المشهور من قول الشافعي: المنع - و به قال أبو حنيفة و أحمد في إحدى الروايتين - لأنّ المنافع مملوكة بعقد معاوضة، فاعتبر في جواز العقد عليها القبض، كالأعيان(2).

و الحكم في الأصل ممنوع، و بالفرق بما تقدّم.

و أمّا لو آجرها من المؤجر قبل القبض، فإنّه يجوز أيضا.

و من منع من إجارتها قبل القبض لغير المؤجر فله هنا و جهان:

أحدهما: المنع أيضا؛ لأنّه عقد عليها قبل قبضها، فلم يجز كالأجنبيّ.

و الثاني: الجواز؛ لأن القبض هنا غير متعذّر عليه، بخلاف الأجنبيّ(3).

و الأصل في بيع الطعام قبل قبضه لا يصحّ من غير بائعه رواية واحدة

ص: 13


1- نهاية المطلب 83:8، بحر المذهب 280:9، البيان 307:7، المغني 6: 61، الشرح الكبير 49:6.
2- نهاية المطلب 83:8، بحر المذهب 280:9، البيان 307:7، المغني 6: 61، الشرح الكبير 49:6-50.
3- بحر المذهب 280:9، البيان 307:7، المغني 61:6، الشرح الكبير 50:6.

عن أحمد، و هل يصحّ من بائعه ؟ على روايتين(1).

حكم إجارة العين المستأجرة بعد قبضها من المؤجر

و أمّا إجارتها بعد قبضها من المؤجر فإنّها جائزة - و به قال الشافعي و أحمد(2) - لأنّ الأصل الجواز، و لأنّ المنفعة قابلة للنقل، و المؤجر أهل لتملّكها كغيره، فجاز العقد معه كغيره، و لأنّ كلّ عقد جاز مع غير العاقد جاز مع العاقد، كالبيع.

و قال أبو حنيفة: لا يجوز، و إلاّ لزم تناقض الأحكام؛ لأنّ التسليم مستحقّ على المؤجر، فإذا آجرها منه صار التسليم حقّا له، فيصير مستحقّا لما يستحقّ عليه، و هو تناقض(3).

و هو غلط؛ لأنّ التسليم قد حصل، و الذي يستحقّه بعد ذلك تسليم آخر، ثمّ يبطل بالبيع؛ فإنّه يستحقّ عليه تسليم العين، فإذا اشتراها استحقّ تسليمها.

فإن قيل: التسليم هاهنا مستحقّ في جميع المدّة، بخلاف البيع.

قلنا: المستحقّ تسليم العين و قد حصل، و ليس عليه تسليم آخر، غير أنّ العين في ضمان المؤجر، فإذا تعذّرت المنافع بتلف الدار أو غصبها، رجع عليه؛ لأنّها تعذّرت بسبب كان في ضمانه.

مسألة 513: يجوز للمؤجر أن يؤجر ما استأجره بأزيد ممّا استأجره و بأقلّ و بالمساوي،
اشارة

مسألة 513: يجوز للمؤجر أن يؤجر ما استأجره بأزيد ممّا استأجره و بأقلّ و بالمساوي، سواء أحدث فيها حدثا من عمارة و شبهها أو لا، عند أكثر علمائنا - و به قال عطاء و الحسن البصري و الزهري و الشافعي و أبو ثور و ابن المنذر و أحمد في إحدى الروايتين(4) - لأنّه عقد يجوز برأس المال

ص: 14


1- المغني 61:6-62، الشرح الكبير 50:6.
2- بحر المذهب 280:9، البيان 306:7، المغني 62:6، الشرح الكبير 50:6.
3- بحر المذهب 280:9، البيان 306:7، المغني 62:6، الشرح الكبير 50:6.
4- الإشراف على مذاهب أهل العلم 115:2، المغني 62:6، الشرح الكبير 6: 51، الحاوي الكبير 408:7، المهذّب - للشيرازي - 410:1، نهاية المطلب 8: 121، بحر المذهب 281:9، حلية العلماء 401:5، التهذيب - للبغوي - 439:4، البيان 307:7، العزيز شرح الوجيز 187:6، روضة الطالبين 325:4، مختصر اختلاف العلماء 1823/127:4.

فجاز بزيادة، كالبيع، و لأنّه كلّ ما جاز إجارته بمثل ما استأجره به جاز بأكثر، كما لو أحدث عمارة.

لا يقال: الزيادة في مقابلة العمارة و ليست ربحا.

لأنّا نقول: العمارة لا يقابلها جزء من الأجرة.

و للأصل، و للآية(1).

و قال الشيخ رحمه اللّه: إن كان المستأجر قد أحدث فيها حدثا، جاز أن يؤجرها بأكثر ممّا استأجرها به، و إلاّ فلا(2) ، و به قال الشعبي و الثوري و أبو حنيفة و أحمد في الرواية الأخرى؛ لما روي عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنّه نهى عن ربح ما لم يضمن(3) ، و هذا لم يضمن المنفعة، فلا يجوز أن يربح فيها، و لأنّه يربح فيما لم يضمن فلم يجز، كما لو ربح في الطعام قبل قبضه، و يخالف ما إذا عمل فيها؛ لأنّ الربح في مقابلة العمل(4).

و لا حجّة في الخبر؛ فإنّ المنافع قد دخلت [في ضمانه](5) من وجه،ر.

ص: 15


1- سورة المائدة: 1.
2- الخلاف 494:3، المسألة 11.
3- راجع: الهامش (3) من ص 12.
4- الإشراف على مذاهب أهل العلم 115:2-116، المغني 62:6-63، الشرح الكبير 51:6، بدائع الصنائع 206:4، المبسوط - للسرخسي - 130:15، المحيط البرهاني 429:7-430، مختصر اختلاف العلماء 126:4 - 1823/127، الحاوي الكبير 408:7، نهاية المطلب 121:8، بحر المذهب 9: 281، حلية العلماء 401:5، التهذيب - للبغوي - 439:4، البيان 307:7، العزيز شرح الوجيز 187:6.
5- ما بين المعقوفين أثبتناه من المغني و الشرح الكبير.

ألا ترى أنّها لو تلفت من غير استيفائه كانت من ضمانه، على أنّا نخصّه، و القياس على بيع الطعام باطل؛ فإنّ البيع ممنوع منه بالكلّيّة، سواء ربح أو لا، و هنا يجوز في الجملة، على أنّا نمنع الحكم في الأصل، و تعليلهم بأنّ الربح في مقابلة عمله ملغى بما إذا كنس الدار و غسلها و نظّفها، فإنّ هذا ممّا يوفّر الأجرة في العادة، و لا يجوز عندكم الزيادة بسببه.

و عن أحمد رواية ثالثة: إنّه إن أذن له المالك في الزيادة جاز، و إلاّ لم يجز(1).

و كره ابن المسيّب و ابن سيرين و مجاهد و عكرمة الزيادة مطلقا؛ لدخولها في ربح ما لم يضمن(2).

و قال أبو حنيفة و أحمد في الرواية التي منع فيها الإيجار بأكثر ممّا استأجرها به: إنّه إن آجر بزيادة تصدّق بالزيادة(3).

و ليس بشيء؛ للقياس على ما إذا باع بأكثر ممّا اشتراه يطيب له الربح.

تذنيب: عدم جواز إجارة المسكن و لا الخان و لا الأجير بأكثر ممّا استأجره إلاّ

تذنيب: قال الشيخ رحمه اللّه: لا يجوز أن يؤجر المسكن و لا الخان و لا الأجير بأكثر ممّا استأجره، إلاّ أن يؤجر بغير جنس الأجرة، أو يحدث ما يقابل التفاوت، و كذا لو سكن بعض الملك، لم يجز أن يؤجر الباقي بزيادة عن الأجرة و الجنس واحد، و يجوز بأكثر(4) ؛ لرواية الحلبي عن

ص: 16


1- المغني 63:6، الشرح الكبير 51:6.
2- الإشراف على مذاهب أهل العلم 115:2، المغني 63:6، الشرح الكبير 6: 51.
3- بدائع الصنائع 206:4، مختصر اختلاف العلماء 126:4-1823/127، الإشراف على مذاهب أهل العلم 116:2، نهاية المطلب 121:8، بحر المذهب 281:9، العزيز شرح الوجيز 187:6، المغني 62:6، الشرح الكبير 51:6.
4- النهاية: 445.

الصادق عليه السّلام، و قد تقدّم(1).

آخر: لو استعار شيئا لم يجز أن يؤجره، و لو استعاره ليؤجره جاز، كما لو استعاره ليرهنه، و للشافعيّة و جهان(2).

مسألة 514: لو تقبّل عملا يعمله كخياطة ثوب أو بناء حائط و شبهه، جاز أن يقبّله غيره بأقلّ من ذلك،

مسألة 514: لو تقبّل عملا يعمله كخياطة ثوب أو بناء حائط و شبهه، جاز أن يقبّله غيره بأقلّ من ذلك، و يكون الفضل له حلالا، سواء عمل المتقبّل فيه شيئا أو لا، و سواء كان مال القبالتين من جنس واحد أو من جنسين؛ للأصل، و هو قياس مذهب أحمد؛ لأنّه إذا جاز أن يقبّله بمثل الأجر الأوّل أو دونه جاز بزيادة عليه، كالبيع و كإجارة العين(3).

و ما رواه أبو حمزة - في الصحيح - عن الباقر عليه السّلام، قال: سألته عن الرجل يتقبّل العمل فلا يعمل فيه و يدفعه إلى آخر يربح فيه، قال:

«لا بأس»(4).

و قال الشيخ رحمه اللّه: لا يجوز ذلك مع اتّحاد جنس المال فيهما، إلاّ أن يعمل فيه شيئا(5) - و هو رواية عن أحمد(6) أيضا - لما رواه علي الصائغ عن الصادق عليه السّلام، قال: قلت له: أتقبّل العمل ثمّ أقبّله من غلمان يعملون معي بالثلثين، فقال: «لا يصلح ذلك إلاّ أن تعالج معهم فيه» قلت: إنّي أذيبه لهم، قال: فقال: «ذلك عمل فلا بأس»(7).

ص: 17


1- في ص 12.
2- العزيز شرح الوجيز 188:6، روضة الطالبين 325:4.
3- المغني 63:6-64، الشرح الكبير 52:6.
4- التهذيب 923/210:7، و فيه: «لا» بدل «لا بأس».
5- النهاية: 446.
6- المغني 63:6، الشرح الكبير 51:6-52.
7- التهذيب 927/211:7.

و عن مجمع عن الصادق عليه السّلام، قال: قلت له: أتقبّل الثياب أخيطها ثمّ أعطيها الغلمان بالثلثين، فقال: «أ ليس تعمل فيها؟» قلت: أقطعها و أشتري لها الخيوط [قال: «لا بأس»(1)].

و هو محمول على الكراهة؛ جمعا بين الأدلّة.

الركن الثاني: الصيغة.

العبارة الصريحة عن الإيجاب و القبول في عقد الإجارة
اشارة

لا بدّ في كلّ عقد من إيجاب و قبول دالّين على الرضا الباطن.

و العبارة الصريحة عن الإيجاب: آجرتك هذه الدار - مثلا - أو أكريتك مدّة كذا بكذا، فيقول(2) المستأجر على الاتّصال: قبلت، أو استأجرت، أو استكريت.

و لا يكفي «ملّكتك» من غير إضافة إلى المنفعة، أمّا لو قال: ملّكتك سكنى هذه الدار بكذا سنة، صحّ.

و لو قال: أعرتك هذه الدار سنة بكذا، فالوجه: المنع.

و يحتمل الجواز؛ لتحقّق القصد إلى المنفعة.

مسألة 515: هل الإجارة نوع بيع ؟

مسألة 515: الإجارة عقد يتعلّق بنقل المنافع، و ليست بيعا عندنا.

و قال الشافعي و أحمد: الإجارة نوع من البيع؛ لأنّها تمليك من كلّ واحد منهما لصاحبه، فهي بيع للمنافع، و المنافع بمنزلة الأعيان؛ لأنّه يصحّ تمليكها في حال الحياة و بعد الموت، و تضمن باليد و الإتلاف، و يكون عوضها عينا و دينا، و إنّما اختصّت باسم، كما اختصّ بعض البيوع باسم،

ص: 18


1- الفقيه 699/159:3، التهذيب 926/211:7، و ما بين المعقوفين أثبتناه من المصدر.
2- في الطبعة الحجريّة: «ثمّ يقول» بدل «فيقول».

كالصرف و السّلم(1).

و هو غلط؛ لأنّ البيع مختصّ بنقل الأعيان.

إذا ثبت هذا، فلو قال في الإيجاب: بعتك منفعة هذه الدار شهرا بكذا، لم يصح عندنا؛ لما بيّنّا من اختصاص لفظة البيع بالأعيان.

و للشافعيّة و جهان:

أحدهما: الجواز؛ لأنّ الإجارة صنف من البيع.

و أظهرهما عندهم: المنع؛ لأنّ البيع موضوع لملك الأعيان، فلا يستعمل في المنافع، كما لا ينعقد البيع بلفظ الإجارة(2).

مسألة 516: هل المعقود عليه في الإجارة المنافع دون العين أو هي العين ليستوفى منها المنفعة ؟

مسألة 516: الأقوى: إنّ المعقود عليه في الإجارة المنافع دون العين.

نعم، العين متعلّقة للمنافع - و هو قول أبي حنيفة و مالك و أكثر الشافعيّة(3) - لأنّ المعقود عليه ما يستحقّ بالعقد و يجوز التصرّف فيه، و العين ليست كذلك، فإذن المعقود عليه المنفعة، و عليه ينطبق حدّ الإجارة الذي أطبق عليه الجمهور، و هو أنّ الإجارة عقد يقتضي تمليك المنفعة بعوض معلوم، و لأنّ الأجرة في مقابلة المنفعة، و لهذا تضمن المنفعة دون العين، و ما كان

ص: 19


1- مختصر المزني: 126، الحاوي الكبير 392:7، نهاية المطلب 81:8، بحر المذهب 265:9، التهذيب - للبغوي - 420:4، المغني و الشرح الكبير 7:6.
2- المهذّب - للشيرازي - 402:1، نهاية المطلب 68:8-69، بحر المذهب 9: 265، الوسيط 154:4، حلية العلماء 387:5، التهذيب - للبغوي - 426:4 - 428، البيان 254:7، العزيز شرح الوجيز 82:6، روضة الطالبين 248:4.
3- تحفة الفقهاء 347:2، بدائع الصنائع 174:4-175، الهداية - للمرغيناني - 231:3، المبسوط - للسرخسي - 74:15، روضة القضاة 2747/473:1، التلقين: 398، المعونة 1088:2، نهاية المطلب 67:8، بحر المذهب 9: 266، حلية العلماء 390:5، البيان 254:7، العزيز شرح الوجيز 81:6، المغني و الشرح الكبير 7:6.

العوض في مقابلته فهو المعقود عليه.

و تحقيقه: إنّ عين الثوب - مثلا - تتعلّق به أمور ثلاثة:

الأوّل: صلاحيّته لأن يلبس.

الثاني: الفائدة الحاصلة باللّبس لدفع الحرّ و البرد.

الثالث: نفس اللّبس المتوسّط بينهما، و اسم المنفعة يقع عليهما جميعا، و مورد العقد و المستحقّ إنّما هو الثالث.

و قال بعض الشافعيّة: المعقود عليه العين ليستوفى منها المنفعة؛ لأنّ المنافع معدومة، و مورد العقد يجب أن يكون موجودا، و لأنّ اللفظ يضاف إلى العين، فيقال: آجرتك هذه الدار(1).

و نمنع أن يكون المعقود عليه موجودا تحقيقا، فيكفي الوجود التقديري، و قولهم: «آجرتك هذه الدار» معناه منفعتها، و لهذا لو قال:

آجرتك منفعتها، جاز.

و التحقيق يقتضي أنّ الخلاف هنا لفظيّ؛ فإنّ الإجماع واقع على أنّ العين لا تملك بالإجارة، كما تملك في البيع، و القائل بأنّ متعلّق الإجارة العين يسلّم أنّ المعقود عليه العين لاستيفاء المنفعة، و على أنّ الحقّ لا ينقطع عن العين، و القائل بأنّ المعقود عليه المنفعة يسلّم ذلك، بل يقول: الحقّ متعلّق بالعين، له تسلّمها و إمساكها مدّة العقد لينتفع بها.

مسألة 517: لو أضاف الإجارة إلى المنافع

مسألة 517: لو أضاف الإجارة إلى المنافع فقال: آجرتك منافع هذه الدار، أو آجرتكها، فالأقوى: المنع؛ لأنّ لفظ الإجارة وضع مضافا إلى

ص: 20


1- نهاية المطلب 67:8، بحر المذهب 266:9، حلية العلماء 390:5، البيان 254:7، العزيز شرح الوجيز 81:6، المغني 7:6-8، الشرح الكبير 7:6.

العين، فلا يضاف إلى منافعها، و به قال الجويني من الشافعيّة(1).

و الأظهر عند الشافعيّة: الجواز، و يكون ذكر المنفعة ضربا من التأكيد، كما لو قال: بعتك عين هذه الدار و رقبتها، يصحّ البيع(2).

و الفرق ظاهر؛ لأنّ البيع يتناول عين الدار و رقبتها، بخلاف الإجارة التي لا تضاف إلى المنافع.

و لو كان العقد في الذمّة، فقال: ألزمت ذمّتك كذا، فقبل، جاز، و أغنى عن الإجارة و الإكراء، على إشكال أقربه: المنع.

و الشافعيّة ذهبوا إلى الأوّل(3).

الركن الثالث: الأجرة.

مسألة 518: تشترط في الأجرة الماليّة،

مسألة 518: تشترط في الأجرة الماليّة، فلا تنعقد الإجارة بعوض ليس بماليّ، كالخمر و الخنزير و شبههما، و الضابط: إنّ كلّ ما صلح أن يكون ثمنا في البيع صحّ أن يكون عوضا في عقد الإجارة؛ لأنّه عقد معاوضة، فأشبه البيع.

و أن يكون معلوما؛ لأنّه عوض في عقد معاوضة، فوجب أن يكون معلوما، كثمن المبيع، و لا نعلم فيه خلافا؛ لأنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال: «من استأجر أجيرا فليعلمه أجره»(4).

و العلم يحصل بالمشاهدة أو الوصف الرافع للجهالة، كما في عقد البيع.

ص: 21


1- العزيز شرح الوجيز 82:6، روضة الطالبين 248:4.
2- العزيز شرح الوجيز 82:6، روضة الطالبين 248:4.
3- العزيز شرح الوجيز 82:6، روضة الطالبين 248:4.
4- و السنن الكبرى - للبيهقي - 120:6.
مسألة 519: إذا كانت الأجرة من المكيل أو الموزون، وجب علم مقدارها بهما حالة العقد للمتعاقدين؛
اشارة

مسألة 519: إذا كانت الأجرة من المكيل أو الموزون، وجب علم مقدارها بهما حالة العقد للمتعاقدين؛ لأنّه بدونه غرر، و النبيّ صلّى اللّه عليه و آله نهى عن الغرر(1).

و ما رواه مسعدة بن صدقة عن الصادق عليه السّلام قال: «من كان يؤمن باللّه و اليوم الآخر فلا يستعملنّ أجيرا حتى يعلمه ما أجره»(2).

هل تكفي المشاهدة كصبرة من الطعام مشاهدة ؟

و هل تكفي المشاهدة، كصبرة من الطعام مشاهدة، أو قبضة من فضّة مشاهدة ؟ الأقوى عندنا: المنع؛ لما تقدّم من أنّه عقد معاوضة، فاشترط العلم بمقدار الثمن المتقدّر بأحد التقديرين، كالبيع، و لانتفاء الغرر معه، و ثبوته بدونه.

و للشافعيّة طريقان:

أحدهما: إنّ في ذلك قولين؛ كما إذا كان رأس مال السّلم جزافا؛ لأنّ الإجارة تنفسخ بتعذّر استيفاء المنفعة، كما ينفسخ السّلم بتعذّر المسلم فيه، و يحتاجان إلى الرجوع إلى العوض، فلو لم يكن معلوما وقع التشاجر، و لم يعلم أحدهما القدر المستحقّ، و ذلك غرر عظيم.

و الثاني: إنّه يجوز ذلك قولا واحدا، بخلاف السّلم؛ لأنّ المنفعة أجريت مجرى الأعيان؛ لأنّها متعلّقة بعين حاضرة، و السّلم يتعلّق بمعدوم و موجود، فافترقا(3).

ص: 22


1- أورده الشيخ الطوسي في الخلاف 319:3 و 330، المسألتان 13 و 5، و في صحيح مسلم 1513/1153:3، و سنن ابن ماجة 2194/739:2، و سنن أبي داود 3376/254:3، و سنن الترمذي 1230/532:3، و سنن الدارمي 251:2، و السنن الكبرى - للبيهقي - 338:5: «نهى عن بيع الغرر».
2- الكافي 4/289:5، التهذيب 211:7-931/212.
3- نهاية المطلب 82:8، بحر المذهب 267:9-268، البيان 286:7، العزيز شرح الوجيز 85:6.
مسألة 520: انقسام الإجارة إلى واردة على العين و إلى واردة على الذمّة

مسألة 520: الإجارة تنقسم إلى واردة على العين، كما لو استأجر دابّة بعينها ليركبها أو ليحمل عليها، أو شخصا بعينه ليخيط له ثوبا أو يبني له جدارا، و إلى واردة على الذمّة، كما لو استأجر دابّة موصوفة للركوب أو للحمل، أو قال: ألزمت ذمّتك خياطة ثوب أو بناء جدار، فقبل.

و لو قال: استأجرتك لكذا، أو لتفعل كذا، احتمل قويّا أن يكون إجارة واردة على العين؛ للإضافة إلى المخاطب، كما لو قال: استأجرت هذه الدابّة، و هو أظهر وجهي الشافعيّة.

و الثاني: أن يكون إجارة في الذمّة؛ لأنّ المقصود حصول العمل من جهة المخاطب، فكأنّه قال: استحققت عليك كذا، و إنّما يكون إجارة عين على هذا إذا زاد فقال: استأجرت عينك أو نفسك لكذا أو لتعمل بنفسك كذا، و إجارة العقارات لا تكون إلاّ من القسم الأوّل؛ لأنّها لا تثبت في الذمّة، ألا ترى أنّه لا يجوز السّلم في دار و لا أرض(1).

مسألة 521: فيما إذا عقد الإجارة على منفعة دار معيّنة إلى مدّة فهل يملك المستأجر المنافع المعقود عليها إلى المدّة بالعقد؟

مسألة 521: فيما إذا عقد الإجارة على منفعة دار معيّنة إلى مدّة فهل يملك المستأجر المنافع المعقود عليها إلى المدّة بالعقد؟ إذا عقد عقد الإجارة على منفعة دار معيّنة إلى مدّة، ملك المستأجر المنافع المعقود عليها إلى المدّة، و يكون حدوثها على ملكه، و به قال الشافعي و أحمد(2).

و قال أبو حنيفة: تحدث على ملك المؤجر، و لا يملكها المستأجر بالعقد؛ لأنّها معدومة، فلا تكون مملوكة، كالثمرة و الولد(3).

ص: 23


1- نهاية المطلب 74:8، العزيز شرح الوجيز 83:6، روضة الطالبين 248:4.
2- الأم 25:4-26، مختصر المزني: 126، الحاوي الكبير 395:7، نهاية المطلب 82:8، بحر المذهب 267:9، حلية العلماء 390:5، البيان 254:7، العزيز شرح الوجيز 83:6، روضة الطالبين 249:4، المغني 17:6، الشرح الكبير 60:6.
3- مختصر القدوري: 103، المحيط البرهاني 399:7، بحر المذهب 267:9،

و ليس بشيء؛ لأنّ الملك عبارة عن حكم يحصل به تصرّف مخصوص، و قد ثبت أنّ هذه المنفعة المستقبلة كان مالك العين يتصرّف فيها كتصرّفه في العين، فلمّا آجرها صار المستأجر مالكا للتصرّف فيها كما كان يملكه المؤجر، فثبت أنّها مملوكة لمالك العين ثمّ انتقلت إلى المستأجر، بخلاف الولد و الثمرة؛ فإنّ المستأجر لا يملك التصرّف فيها.

و قولهم: «إنّ المنافع معدومة» باطل؛ لأنّها مقدّرة الوجود، و لهذا جعلت مورد العقد، و العقد لا يرد إلاّ على موجود.

مسألة 522: الأجرة إن شرط تعجيلها في العقد كانت معجّلة،

مسألة 522: الأجرة إن شرط تعجيلها في العقد كانت معجّلة، و إن شرط تأجيلها إلى آخر المدّة أو نجوما معيّنة كانت على الشرط؛ لقوله عليه السّلام:

«المسلمون عند شروطهم»(1) و لا نعلم في ذلك خلافا.

و إن أطلق كانت معجّلة، و ملكها المؤجر بنفس العقد، و استحقّ استيفاءها إذا سلّم العين إلى المستأجر، عند علمائنا - و به قال الشافعي و أحمد(2) - لأنّ الأجرة عوض في عقد يتعجّل بالشرط، فوجب أن يتعجّل

ص: 24


1- صحيح البخاري 120:3، سنن الدار قطني 98/27:3 و 99، السنن الكبرى - للبيهقي - 249:7، المستدرك - للحاكم - 49:2 و 50، المصنّف - لابن أبي شيبة - 2064/568:6، المعجم الكبير - للطبراني - 4404/275:4.
2- الحاوي الكبير 395:7، المهذّب - للشيرازي - 406:1، نهاية المطلب 8: 81، بحر المذهب 267:9، حلية العلماء 391:5، التهذيب - للبغوي - 4: 430، البيان 278:7، العزيز شرح الوجيز 83:6، روضة الطالبين 249:4، المغني 18:6، الشرح الكبير 155:6، الإفصاح عن معاني الصحاح 32:2، تحفة الفقهاء 348:2، بدائع الصنائع 201:4، المبسوط - للسرخسي - 108:15، الهداية - للمرغيناني - 232:3، الإشراف على نكت مسائل الخلاف 2:

بمطلق العقد، كالثمن و الصداق، و لأنّ المستأجر يملك المنفعة في الحال، و ينفذ تصرّفه فيها، إلاّ أنّه لمّا استحال استيفاؤها دفعة استوفيت على التدريج؛ لضرورة الحال.

و قال أبو حنيفة و مالك: لا يملك المؤجر الأجرة عند الإطلاق بنفس العقد، كما لا يملك المستأجر المنفعة، فإنّها معدومة، و لكن يملكها شيئا فشيئا، كذلك الأجرة، إلاّ أنّ المطالبة كلّ لحظة ممّا يعسر، فلا يمكن الضبط باللحظات و الساعات، فضبط أبو حنيفة باليوم، و قال: كلّما مضى يوم طالبه بأجرته، و هو رواية عن مالك(1).

و قال في رواية: إنّه لا يستحقّ الأجرة حتى تنقضي المدّة بتمامها، و هو قول الثوري(2).

و لو شرط التعجيل، ملكها في الحال عندهما(3).

ص: 25


1- تحفة الفقهاء 348:2، بدائع الصنائع 201:4 و 202، مختصر القدوري: 103، الاختيار لتعليل المختار 84:2، المبسوط - للسرخسي - 108:15، المحيط البرهاني 399:7، الهداية - للمرغيناني - 232:3، الفقه النافع 3: 893/1126، بداية المجتهد 228:2، الإشراف على نكت مسائل الخلاف 2: 1143/653، عيون المجالس 1264/1799:4، التفريع 184:2، التلقين: 400، المعونة 1092:2، الحاوي الكبير 396:7، بحر المذهب 267:9، حلية العلماء 391:5، التهذيب - للبغوي - 430:4، البيان 287:7، العزيز شرح الوجيز 84:6، المغني 18:6، الشرح الكبير 155:6.
2- - 1143/653، بداية المجتهد 228:2، عيون المجالس 1264/1800:4، المعونة 2: 1092.
3- تحفة الفقهاء 348:2، بدائع الصنائع 202:4، مختصر القدوري: 103،

و قال أبو حنيفة أيضا: إن كانت معيّنة كالدار و الثوب و العبد، ملكها بالعقد، و في غيرها لا يستحقّ المؤجر الأجرة بالعقد، و لا بتسليم العين، و إنّما تجب يوما فيوما، فإذا انقضى اليوم طالبه بأجرته؛ لأنّه يشقّ ساعة ساعة(1).

و احتجّا بأنّ المستأجر ما ملك المنافع بالعقد؛ لأنّها معدومة، بل يملكها شيئا فشيئا، فلا يملك عليه الأجرة دفعة، و لو كان يملكها فلم يتسلّمها؛ لأنّه يتسلّمها شيئا فشيئا، فلا يجب عليه العوض مع تعذّر التسليم في العقد.

و لأنّ اللّه تعالى قال: فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ (2) أمر بإيتائهنّ بعد الإرضاع.

و قال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: «ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة:... رجل استأجر أجيرا فاستوفى منه و لم يوفه أجره»(3).

[و روي عنه صلّى اللّه عليه و آله أنّه قال: «أعطوا الأجير أجره] قبل أن يجفّ عرقه»(4).

و لأنّه عوض لم يملك معوّضه، فلا يجب تسليمه، كالعوض في العقد الفاسد(5).

ص: 26


1- راجع: الهامش (1) من ص 25.
2- سورة الطلاق: 6.
3- الاختيار لتعليل المختار 84:2، الفقه النافع 893/1126:3، المبسوط - للسرخسي - 15: 108، الهداية - للمرغيناني - 232:3، بداية المجتهد 228:2، التفريع 184:2، التلقين: 400، المعونة 1092:2، المغني 18:6، الشرح الكبير 155:6.
4- سنن ابن ماجة 2443/817:2، و راجع: الهامش (2) من ص 7.
5- راجع: الهامش (1) من ص 25.

و نمنع عدم الملك، بل قد ملك المستأجر المنافع.

و ينتقض قولهم بأنّها معدومة فلا تكون مملوكة: بما لو شرط التعجيل، فإنّ الشرط لا يجعل المعدوم موجودا، و المنافع إمّا موجودة أو ملحقة بالموجودات، و لهذا صحّ إيراد العقد عليها، و جاز أن تكون الأجرة دينا في الذمّة، و لو لا أنّها ملحقة بالموجودات لكان في معنى بيع الدّين بالدّين.

و أمّا عدم التسليم فقد تسلّم العين و جعل تسليم العين كتسليم المنافع في جواز تصرّفه فيها، فجرى مجرى قبضها في استحقاق العوض.

و المراد من الآية الأمر بالإيتاء عند الشروع في الإرضاع أو تسليم نفسها، كما قال تعالى: فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ (1) أي: إذا أردت القراءة، و لأنّ هذا تمسّك بدليل الخطاب، و هو غير حجّة عند أبي حنيفة(2) ، و كذا الحديث؛ فإنّ الأمر بالإيتاء في وقت لا يمنع وجوبه قبله.

و يعارض بقوله تعالى: فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ (3) و الصداق يجب قبل الاستمتاع.

و هو الجواب عن الحديث، و يدلّ عليه أنّه إنّما توعّد على ترك الإيفاء بعد الفراغ من العمل، و قد قلتم: يجب الأجر شيئا فشيئا.

و يحتمل أن يكون توعّده على ترك الإيفاء في الوقت الذي تتوجّه المطالبة به عادة.4.

ص: 27


1- سورة النحل: 98.
2- أصول السرخسي 260:1، اللّمع: 105، شرح اللّمع 428:1، المنخول: 209، البحر المحيط 15:4، التقريب و الإرشاد 232:3.
3- سورة النساء: 24.

على أنّ الآية و الخبر إنّما وردا في من استؤجر على عمل، فأمّا ما وقعت الإجارة فيه على مدّة فلا تعرّض لهما به.

إذا ثبت هذا، فالإجارة إذا وقعت على عمل، فإنّ الأجر يملك بالعقد أيضا، لكن لا يستحقّ تسليمه إلاّ عند تسليم العمل.

و قال بعض العامّة: من استؤجر لعمل معلوم استحقّ الأجر عند إيفاء العمل، و إن استؤجر في كلّ يوم بأجر معلوم فله أجر كلّ يوم عند تمامه(1).

و قال بعضهم: الأجر يملك بالعقد، و يستحقّ بالتسليم، و يستقرّ بمضيّ المدّة، و إنّما توقّف استحقاق تسليمه على العمل؛ لأنّه عوض، فلا يستحقّ تسليمه إلاّ مع تسليم المعوّض، كالصداق و الثمن في المبيع، و فارقت الإجارة على الأعيان؛ لأنّ تسليمها جرى مجرى تسليم منفعتها، و إذا كانت على منفعة في الذمّة لم يحصل تسليم المنفعة و لا ما يقوم مقامها، فتوقّف استحقاق تسليم الأجر على تسليم العمل(2).

و اعترض الشافعي على نفسه، فقال: إنّ إيجاب الأجرة بالعقد يفضي إلى أنّ المؤجر ينتفع بالأجرة، فإذا تلف المستأجر قبل انقضاء المدّة ردّها و قد انتفع بها.

و أجاب بالمعارضة بأنّه إذا انقطع المسلم فيه فإنّه يردّ الثمن و قد انتفع به، و أيضا إذا اشترى عينا غائبة و قبّض الثمن ثمّ تلفت قبل القبض، فإنّه يردّ الثمن و قد انتفع به(3).

و كذا يلزم لو شرط تعجيل الأجرة.4.

ص: 28


1- المغني 19:6، الشرح الكبير 156:6.
2- المغني 19:6-20، الشرح الكبير 156:6.
3- الأمّ 28:4.
مسألة 523: الأجرة في عقد الإجارة الوارد على العين

مسألة 523: الأجرة في عقد الإجارة الوارد على العين و إن كانت معجّلة بالشرط أو مع الإطلاق على ما اخترناه لا يجب تسليمها في مجلس عقد الإجارة، كما لايجب تسليم الثمن في البيع.

و إن كانت في الذمّة، فهي كالثمن في الذمّة في جواز الاستبدال، و في أنّه إذا شرط فيها التأجيل أو التنجيم كانت مؤجّلة أو منجّمة.

و إن شرط التعجيل، كانت معجّلة.

و إن أطلق ذكرها، تعجّلت أيضا، و ملكها المؤجر بنفس العقد، خلافا لأبي حنيفة و مالك، كما تقدّم(1).

مسألة 524: قد بيّنّا أنّه يجب أن تكون الأجرة معلومة بالمشاهدة أو الوصف،

مسألة 524: قد بيّنّا أنّه يجب أن تكون الأجرة معلومة بالمشاهدة أو فإن كانت متقدّرة بالكيل أو الوزن، وجب العلم بمقدارها بهما، فلو قال: اعمل كذا لأرضيك أو لأعطيك شيئا، و ما أشبهه، فسد العقد، و إذا عمل استحقّ أجرة المثل.

و لو استأجر رجلا لسلخ بهيمة مذكّاة بجلدها، لم يجز؛ لأنّه لا يعلم هل يخرج الجلد سليما أو لا، و هل هو ثخين أو رقيق؛ و لأنّه لا يجوز أن يكون ثمنا في البيع، فلا يجوز أن يكون عوضا في الإجارة، كسائر المجهولات، فإن استأجره بذلك فسلخها كانت الإجارة فاسدة، و للعامل أجرة المثل، و به قال الشافعي و أحمد(2).

و قال الشيخ رحمه اللّه: يجوز عندنا؛ لأنّه لا مانع من جوازه(3).

ص: 29


1- في ص 25.
2- نهاية المطلب 196:8، التهذيب - للبغوي - 429:4، العزيز شرح الوجيز 6: 87، روضة الطالبين 251:4، المغني 16:6، الشرح الكبير 25:6.
3- الخلاف 511:3، المسألة 44.

و المعتمد: الأوّل.

و لو استأجره لطرح ميتة بجلدها، فهو أبلغ في الفساد؛ لأنّ جلد الميتة نجس لا يجوز بيعه و لا المعاوضة به، و قد خرج بموته عن كونه ملكا، فإن فعل فسد العقد، و كان للناقل أجرة مثله.

مسألة 525: لو استأجر راعيا لرعي غنمه بثلث درّها و نسلها و صوفها و شعرها، أو بنصفه، أو بجميعه، لم يجز

مسألة 525: لو استأجر راعيا لرعي غنمه بثلث درّها و نسلها و صوفهاو شعرها، أو بنصفه، أو بجميعه، لم يجز؛ لأنّ الأجر غير معلوم، و لا يصحّ عوضا في البيع فلا يصحّ عوضا في الإجارة.

و كذا لو دفع إليه بقرة أو فرسا أو بهيمة على أن يعلفها و يحفظها و ما ولدت من ولد بينهما، لم يجز، و لا نعلم فيه خلافا؛ لأنّ العوض مجهول معدوم، و لا يعلم هل يوجد أو لا، و الأصل عدمه، و لأنّه لا يصلح ثمنا في البيع فلا يصلح عوضا في الإجارة، و به قال أحمد أيضا، لكنّه قال: إذا دفع الدابّة إلى من يعمل عليها بنصف ربحها جاز(1).

و هو غلط؛ للجهالة.

و فرّق بأنّه إنّما جاز أن يدفع الدابّة إلى عامل بنصف ربحها تشبيها بالمضاربة؛ لأنّها عين تنمى بالعمل، فجاز اشتراط جزء من النماء، كالمضاربة و المساقاة، و في المتنازع لا يمكن ذلك؛ لأنّ النماء الحاصل في الغنم لا يقف حصوله على عمله فيها، فلم يمكن إلحاقه بذلك(2).

و ليس بجيّد؛ لأنّ النماء إنّما يحصل بواسطة رعيه و حراسته.

و لو استأجره على رعيها مدّة معلومة ببعضها أو بجزء منها معلوم، صحّ عند أحمد؛ لأنّ العمل و المدّة و الأجرة معلومة فصحّ، كما لو جعل

ص: 30


1- المغني 17:6، الشرح الكبير 25:6-26.
2- المغني 17:6، الشرح الكبير 26:6.

الأجر دراهم معلومة، و يكون النماء الحاصل بينهما بحكم الملك (لأنّه ملك الجزء المجعول له منها في الحال)(1) فكان له نماؤه، كما لو اشتراه(2).

و سيأتي البحث فيه.

مسألة 526: كلّ ما جاز أن يكون ثمنا في البيع جاز أن يكون عوضا في الإجارة؛

مسألة 526: كلّ ما جاز أن يكون ثمنا في البيع جاز أن يكون عوضا في الإجارة؛ لما بينهما من التناسب حتى ظنّا واحدا، فعلى هذا يجوز أن يكون العوض عينا و منفعة، سواء ماثلت منفعة العين التي وقعت الإجارة عليها أو خالفتها، كما لو استأجر دارا و جعل العوض سكنى دار أخرى، أو استأجر دارا بخدمة عبد سنة؛ لأنّ المنفعتين المختلفتين و المتماثلتين منفعتان تجوز إجارتهما، فجاز أن يستأجر إحداهما بالأخرى، كمنفعة الدار و العبد، و قد قال اللّه تعالى في المختلفتين [إخبارا عن شعيب](3): إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هاتَيْنِ عَلى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمانِيَ حِجَجٍ (4) فجعل النكاح عوض الإجارة، و به قال الشافعي و أحمد(5).

و قال أبو حنيفة: لا يجوز، إلاّ أن يختلف جنس المنفعة، فتؤجر

ص: 31


1- بدل ما بين القوسين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «أشبه ملك الجزء المجعول له منها يملكه في الحال». و المثبت كما في المصدر.
2- المغنى 17:6، الشرح الكبير 26:6.
3- ما بين المعقوفين أثبتناه من المغني 16:6، و الشرح الكبير 23:6.
4- سورة القصص: 27.
5- الحاوي الكبير 392:7، المهذّب - للشيرازي - 406:1، بحر المذهب 9: 282، حلية العلماء 400:5، التهذيب - للبغوي - 492:4، البيان 283:7، العزيز شرح الوجيز 86:6، روضة الطالبين 251:4، المغني 15:6-16، الشرح الكبير 23:6، روضة القضاة 2777/477:1، بدائع الصنائع 194:4، المبسوط - للسرخسي - 139:15.

منفعة دار بمنفعة بهيمة أو غيرها، و لا يجوز أن يؤجرها بمنفعة دار أخرى؛ لأنّ الجنس الواحد يحرم فيه النّسء عنده، و هذه نسيئة في جنس، فيلزم الربا(1).

و منع الشافعيّة الحكم في الأصل(2).

و نحن نخصّص ذلك بالبيع، على أنّا نمنع النسيئة فيهما، بل كلّ منهما يملك في الحال جميع المنفعة في المدّة، لكن استيفاؤها متعذّر دفعة.

و يبطل ما قاله بما إذا اختلف جنس المنفعة، مع أنّ المنافع كلّها جنس واحد، على أنّ تقدير المدّة في الإجارة ليس بتأجيل، و إنّما هو تقدير المنفعة، و لو كانت تأجيلا لم يجز في جنسين مختلفين أيضا؛ لأنّه يكون بيع الدّين بالدّين.

و عندنا و عند الشافعيّة(3) لا ربا في المنافع أصلا، حتى لو آجره دارا بمنفعة دارين جاز(4) ، و كذا لو آجر حليّا ذهبا بذهب، و لا يشترط القبض في المجلس.

مسألة 527: لو استأجر بقدر معلوم من الحنطة أو الشعير، و ضبطه كما يضبط في السّلم،

مسألة 527: لو استأجر بقدر معلوم من الحنطة أو الشعير، و ضبطه كما يضبط في السّلم، جاز.

ص: 32


1- الاختيار لتعليل المختار 78:2، بدائع الصنائع 194:4، روضة القضاة 1: 2775/477 و 2776، المبسوط - للسرخسي - 139:15، مختصر اختلاف العلماء 1819/123:4، المغني 16:6، الشرح الكبير 23:6-24، الحاوي الكبير 7: 392، بحر المذهب 282:9، حلية العلماء 400:5، التهذيب - للبغوي - 4: 429، البيان 283:7، العزيز شرح الوجيز 86:6.
2- التهذيب - للبغوي - 429:4، العزيز شرح الوجيز 86:6، روضة الطالبين 251:4.
3- التهذيب - للبغوي - 429:4، العزيز شرح الوجيز 86:6، روضة الطالبين 251:4.
4- في «ص»: «يجوز».

و لا يجوز بأرطال من الخبز عندنا؛ لأنّه لا يجوز السّلم في الخبز؛ لعدم انضباطه.

و للشافعيّة قولان في جواز السّلم فيه، و هما جاريان هنا(1).

و لو آجر الدار بعمارتها، و الدابّة بعلفها، و الأرض بخراجها و مؤونتها، لم يجز؛ لعدم الضبط في ذلك كلّه.

أمّا لو آجره الدار بدراهم معلومة على أن يعمرها و لا يحسب ما أنفق من الدراهم، أو آجره بدراهم معلومة على أن يصرفها إلى العمارة، فالأقوى: الجواز.

و منع منه الشافعيّة؛ لأنّ [الأجرة الدراهم](2) و الصرف إلى العمارة، و العمل في الصرف مجهول و إن كانت الدراهم معلومة [ثمّ](3) إذا صرفها إلى العمارة رجع بها(4).

و لو أطلق العقد ثمّ أذن له في الصرف إلى العمارة، أو تبرّع به المستأجر، جاز.

فإن اختلفا في قدر ما أنفقه، فالقول قول المالك أو المستأجر؟ إشكال، و للشافعيّة قولان(5).

مسألة 528: لو استأجر أجيرا بطعامه و كسوته، فإن قدّرا ذلك و علماه

مسألة 528: لو استأجر أجيرا بطعامه و كسوته، فإن قدّرا ذلك و علماه

ص: 33


1- العزيز شرح الوجيز 409:4، و 84:6، روضة الطالبين 257:3-258، و 4: 249.
2- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «العمارة». و المثبت كما في المصدر.
3- ما بين المعقوفين أثبتناه من المصدر.
4- العزيز شرح الوجيز 84:6-85، روضة الطالبين 250:4.
5- العزيز شرح الوجيز 85:6، روضة الطالبين 250:4.

صحّ العقد، و إن لم يقدّراه بطل العقد، و لا فرق بين أن يكون ذلك في الظئر و غيرها - و به قال الشافعي و أبو يوسف و محمّد و أبو ثور و ابن المنذر(1) - لأنّ ذلك مجهول غير منضبط عند العقد، فلم يصح؛ لفوات الشرط، و هو العلم بالقدر، و لاشتماله على الغرر؛ لقبوله التفاوت و الزيادة و النقصان، و ذلك يفضي إلى التنازع، و يختلف كثيرا، و بالقياس على عوض المبيع و النكاح.

و قال مالك: يجوز - و به قال إسحاق - لما رواه العامّة عن أبي بكر و عمر و أبي موسى أنّهم استأجروا الأجراء بطعامهم و كسوتهم، و إذا جاز كان للعامل وسط النفقة و الكسوة(2).

و لا حجّة في فعل من ذكر.

و قال أبو حنيفة: لا يجوز ذلك إلاّ في الظئر خاصّة(3).لى

ص: 34


1- الإشراف على مذاهب أهل العلم 112:2، بحر المذهب 268:9 و 302، حلية العلماء 432:5، البيان 283:7، تحفة الفقهاء 361:2، بدائع الصنائع 4: 193، روضة القضاة 2815/480:1، الاختيار لتعليل المختار 90:2، الفقه النافع 1134:3، المبسوط - للسرخسي - 119:15، المحيط البرهاني 445:7، الهداية - للمرغيناني - 241:3، المغني 78:6، الشرح الكبير 15:6، الإفصاح عن معاني الصحاح 36:2، الإشراف على نكت مسائل الخلاف 1161/659:2، المعونة 1104:2.
2- الإشراف على نكت مسائل الخلاف 1161/659:2، المعونة 1103:2 - 1104، الإشراف على مذاهب أهل العلم 112:2، بحر المذهب 268:9 و 302، حلية العلماء 432:5، البيان 283:7، الإفصاح عن معاني الصحاح 36:2، المغني 77:6، الشرح الكبير 14:6.
3- تحفة الفقهاء 361:2، بدائع الصنائع 184:4 و 193، مختصر القدوري: 104، الهداية - للمرغيناني - 241:3، الاختيار لتعليل المختار 90:2، الفقه النافع 3: 1134، روضة القضاة 2814/480:1، المبسوط - للسرخسي - 119:15، المحيط البرهاني 445:7، الإفصاح عن معاني الصحاح 36:2، الإشراف على

و عن أحمد ثلاث روايات كالأقوال الثلاثة؛ لأنّ ذلك مجهول، و إنّما جاز في الظئر؛ لقوله تعالى: وَ عَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَ كِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ (1) أوجب لهنّ النفقة و الكسوة على الرضاع، و لم يفرّق بين المطلّقة و غيرها، بل في الآية قرينة تدلّ على طلاقها؛ لأنّ الزوجة تجب نفقتها و كسوتها بالزوجيّة و إن لم ترضع، و لأنّ اللّه تعالى قال: وَ عَلَى الْوارِثِ مِثْلُ ذلِكَ (2) و الوارث ليس بزوج، و لأنّ المنفعة في الحضانة و الرضاع غير معلومة، فجاز أن يكون عوضها كذلك(3).

و لا دلالة في الآية؛ لأنّ الواجب في الآية النفقة باعتبار الولادة على الأب، لا على وجه الإجارة، و ثبوت حقّ على الأب يتوجّه على وارثه.

سلّمنا أن يكون على سبيل الإجارة، لكن ليس في الآية دليل على عدم التقدير، و لا ينافيه، فجاز أن يكون مقدّرا؛ جمعا بين الأدلّة.

و احتجّ المجوّزون مطلقا بما روى العامّة عن عتبة قال: كنّا عند رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فقرأ طسم (4) حتى إذا بلغ قصّة موسى عليه السّلام قال:

«[إنّ](5) موسى أجّر نفسه ثماني سنين أو عشرا على عفّة فرجه و طعام بطنه»(6) و شرع من قبلنا شرع لنا ما لم يثبت نسخه.

و عن أبي هريرة قال: كنت أجيرا لابنة غزوان بطعام بطني

ص: 35


1- سورة البقرة: 233.
2- سورة البقرة: 233.
3- مذاهب أهل العلم 112:2، بحر المذهب 302:9، حلية العلماء 432:5، البيان 283:7، الإشراف على نكت مسائل الخلاف 1161/659:2، المعونة 1104:2، المغني 77:6، الشرح الكبير 14:6.
4- أي: سورة القصص.
5- ما بين المعقوفين أثبتناه من المصدر.
6- سنن ابن ماجة 2444/817:2.

(و عفّة فرجي)(1) [و عقبة رجلي](2) أحطب لهم إذا نزلوا و أحدو لهم إذا ركبوا(3).

و لأنّه عوض منفعة، فقام العرف فيه مقام التسمية، كنفقة الزوجة، و لأنّ للكسوة عرفا، و هي كسوة الزوجات، و للإطعام عرفا، و هو الإطعام في الكفّارات، فجاز إطلاقه كنقد البلد.

و نخصّ أبا حنيفة بأنّ ما كان عوضا في الرضاع جاز في الخدمة، كالأثمان(4).

و لا دلالة في قصّة موسى عليه السّلام؛ لأنّه شرط في النكاح الاستئجار، و لأنّ شرع موسى منسوخ، فلا عبرة به.

و حديث أبي هريرة لا اعتبار به؛ لأنّ فعله ليس بحجّة(5) ، و لا نسلّم أنّ ذلك وقع على الوجه المشروع، بل كان على سبيل بيع المعاطاة من غير عقد شرعيّ، و نمنع ثبوت العرف فيما ذكره(6).

مسألة 529: لا فرق بين أن يستأجره بالنفقة و الكسوة و يطلقها،

مسألة 529: لا فرق بين أن يستأجره بالنفقة و الكسوة و يطلقها، و بين أن يجعلهما جزءا من الأجرة، فلو استأجره بدراهم معيّنة و بنفقته و كسوته و أطلقهما، لم يصح عند المانعين، و جاز عند المجوّزين؛ لأنّ الجهالة لا ترتفع بانضمام المعلوم إلى المجهول.

ص: 36


1- ما بين القوسين لم يرد في المصدر.
2- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «غنيمة رحلي». و المثبت كما في المصدر، و العقبة - بالضمّ -: النوبة، أي: نوبة ركوبه. القاموس المحيط 106:1، النهاية - لابن الأثير - 268:3 «عقب».
3- سنن ابن ماجة 2445/817:2.
4- المغني 78:6-79، الشرح الكبير 15:6-16.
5- في «ر، ص»: «حجّة».
6- الظاهر: «ذكروه».

أمّا لو جعل مال الإجارة شيئا معيّنا و شرط له النفقة، فالأقوى:

الجواز، سواء أطلق أو عيّن.

أمّا مع التعيين: فظاهر؛ لانتفاء الجهالة فيه.

و أمّا مع الإطلاق: فلأنّه لم يجعله جزءا من مال الإجارة، بل شرطه على سبيل التبعيّة، فلا تضرّ الجهالة فيه، كشرط أساسات الحيطان و عروق الشجر في البيع.

مسألة 530: إذا استأجره بطعامه و كسوته و نفقته و غير ذلك، صحّ إجماعا،

مسألة 530: إذا استأجره بطعامه و كسوته و نفقته و غير ذلك، صح إجماعا، و وصفها كما يصف في السّلم.

و إن لم يشرط طعاما و لا كسوة، فنفقته و كسوته على نفسه، و كذلك الظئر.

قال ابن المنذر: و لا أعلم خلافا في ذلك(1).

و قد روى علماؤنا: إنّ من استأجر أجيرا لينفذه في حوائجه كانت نفقته على المستأجر، إلاّ أن يشترط على الأجير(2).

و الأقرب عندي ذلك مع الشرط لا بدونه، فإذا استأجره و شرط له طعاما معيّنا و كسوة معيّنة، صحّ؛ لأنّه معلوم، و يكون ذلك للأجير إن شاء أكله و إن شاء تركه لنفسه.

و لو استأجر دابّة بعلفها و لم يعيّن، لم يصح.

و كذا لو استأجرها بدراهم معيّنة و شرط علفها و لم يعيّن.

و لو عيّن، صحّ في البابين.

ص: 37


1- الإشراف على مذاهب أهل العلم 113:2، و عنه في المغني 79:6، و الشرح الكبير 16:6.
2- راجع: النهاية: 447.
مسألة 531: لو استأجره بطعامه و نفقته و عيّن قدرهما عندنا، أو أطلق عند من أجازه، أو شرطهما، أو وجبا له على الرواية

مسألة 531: لو استأجره بطعامه و نفقته و عيّن قدرهما عندنا، أو أطلق عند من أجازه، أو شرطهما، أو وجبا له على الرواية، فاستغنى الأجير عن طعام المستأجر بطعام نفسه أو بطعام غيره، أو عجز عن الأكل لمرض أو غيره، لم تسقط نفقته، و كان له المطالبة بها؛ لأنّها عوض، فلا تسقط بالغنى عنه، كالدراهم.

و قد روى سليمان بن سالم عن أبي الحسن عليه السّلام، قال: سألته عن رجل استأجر رجلا بنفقة و دراهم مسمّاة على أن يبعثه إلى أرض، فلمّا أن قدم أقبل رجل من أصحابه يدعوه إلى منزله الشهر و الشهرين، فيصيب عنده ما يغنيه عن نفقة المستأجر، فنظر الأجير إلى ما كان ينفق عليه في الشهر إذ هو لم يدعه، فكافأه به الذي يدعوه، فمن مال من تلك المكافأة ؟ من مال الأجير أو مال المستأجر؟ قال: «إن كان في مصلحة المستأجر فهو من ماله، و إلاّ فهو على الأجير» و عن رجل استأجر رجلا بنفقة مسمّاة و لم يفسّر شيئا على أن يبعثه إلى أرض، فما كان من مؤونة الأجير من غسل الثياب أو الحمّام فعلى من ؟ قال: «على المستأجر»(1).

مسألة 532: لو احتاج الأجير إلى دواء لمرضه، لم يلزم المستأجر ذلك

مسألة 532: لو احتاج الأجير إلى دواء لمرضه، لم يلزم المستأجرذلك؛ لأنّه لم يشرط له إلاّ طعام الأصحّاء، لكن يلزمه بقدر طعام الصحيح يشتري به الأجير ما يصلح له؛ لأنّ ما زاد على طعام الصحيح لم يقع العقد عليه، فلا يلزم به، كالزائد في القدر.

و إذا دفع إليه طعامه فأحبّ الأجير أن يستفضل بعضه لنفسه، نظر فإن كان المؤجر دفع إليه أكثر من الواجب ليأكل قدر حاجته و يفضل الباقي أو

ص: 38


1- الكافي 287:5-2/288، التهذيب 212:7-933/213.

كان في تركه لأكله ضرر بأن يضعف عن العمل، و يقلّ لبن الظئر، منع منه؛ لأنّه في الصورة الأولى لم يملّكه إيّاه، بل أباحه أكل قدر حاجته، و في الثانية على المؤجر ضرر بتفويت بعض ماله من منفعته، فمنع منه، كالجمّال إذا امتنع من علف الجمال.

و أمّا إن دفع إليه قدر الواجب من غير زيادة، أو دفع إليه أكثر و ملّكه إيّاه و لم يكن في تفضيله لبعضه ضرر بالمؤجر، جاز؛ لأنّه حقّ له، لا ضرر فيه على المؤجر، فأشبه الدراهم.

و لو قدّم إليه طعاما فنهب أو تلف قبل أكله، فإن كان على مائدة لا يخصّه فيها بطعامه فهو من ضمان المستأجر؛ لأنّه لم يسلّم إليه، فكان تلفه من ماله، و ان خصّه بذلك و سلّم إليه فهو من ضمان الأجير؛ لأنّه سلّمه عوضا على وجه التمليك، فخرج عن العهدة، كالبيع.

مسألة 533: قد بيّنّا أنّه يشترط العلم في العوض،

مسألة 533: قد بيّنّا أنّه يشترط العلم في العوض، فلو سلّم إليه ثوبا و قال: إن خطته اليوم فلك درهم، و إن خطته غدا فنصف درهم، فإن كان على سبيل الجعالة صحّ.

و إن كان على سبيل الإجارة، قال الشيخ رحمه اللّه: يصحّ العقد فيهما، فإن كان خاطه في اليوم الأوّل كان له درهم، و إن خاطه في الغد كان له نصف درهم(1) ، و به قال أبو يوسف و محمّد و أحمد في إحدى الروايتين؛ لأنّه سمّى لكلّ عمل عوضا معلوما، كما لو قال: كلّ دلو بتمرة(2).

ص: 39


1- الخلاف 509:3، المسألة 39.
2- مختصر القدوري: 103، فتاوى قاضيخان - بهامش الفتاوى الهنديّة - 333:2، بدائع الصنائع 186:4، الجامع الصغير: 443، المبسوط - للسرخسي - 15:

و استدلّ الشيخ بقوله عليه السّلام: «المؤمنون عند شروطهم»(1) و في أخبارنا ما يجري مجرى هذه المسألة بعينها منصوصة، و هي أنّ من استأجر دابّة على أن يوافي بها يوما معيّنا على أجرة معيّنة، فإن لم يواف ذلك اليوم كان أجرتها أقلّ من ذلك، و أنّ هذا جائز، و ما نحن فيه مثله بعينه(2).

و قال الشافعي: يبطل العقد فيهما، و تجب له أجرة المثل، سواء عمله في اليوم أو في غده - و به قال مالك و الثوري و إسحاق و أبو ثور و زفر و أحمد في الرواية الثانية - لأنّه عقد واحد، فإذا اختلف فيه العوض بالتقديم و التأخير كان فاسدا، كما لو قال: آجرتك هذا بدرهم نصفه نسيئة و نصفه نقدا، أو قال: بعتك هذا بدرهم نقدا و بدرهمين نسيئة(3).

و قال أبو حنيفة: الشرط الأوّل جائز، و الثاني فاسد، فإن خاطه في اليوم الأوّل فله درهم، و إن خاطه في الثاني فله أجرة مثله، لكن لا ينقص فيها عن نصف درهم و لا يزاد على درهم؛ لأنّهما جاريان مجرى العقدين؛

ص: 40


1- المصنّف - لابن أبي شيبة - 2064/568:6، و الهامش (3) منها، الجامع لأحكام القرآن 33:6، التهذيب 1503/371:3، الاستبصار 835/232:3.
2- 100، مختصر اختلاف العلماء 1777/95:4، الهداية - للمرغيناني - 246:3، بحر المذهب 308:9، حلية العلماء 438:5، البيان 358:7، المغني 98:6، الشرح الكبير 27:6، الإشراف على مذاهب أهل العلم 131:2، الإشراف على نكت مسائل الخلاف 1157/657:2.
3- الإشراف على مذاهب أهل العلم 131:2، بحر المذهب 308:9، حلية العلماء 437:5، التهذيب - للبغوي - 429:4، البيان 358:7، العزيز شرح الوجيز 6: 85، روضة الطالبين 250:4، المدوّنة الكبرى 408:4، الإشراف على نكت مسائل الخلاف 1157/657:2، الذخيرة 377:5، مختصر اختلاف العلماء 4: 95-1777/96، المبسوط - للسرخسي - 100:15، بدائع الصنائع 186:4، المغني 98:6، الشرح الكبير 26:6-27.

لأنّ خياطة الثاني غير الأوّل، و لو اقتصر على الأوّل كان جائزا، و فساد الثاني لا يفسده، كما لو قال: بعتك هذا العبد بمائة درهم، و هذا العبد بزقّ خمر، ففساد الثاني لا يفسد الأوّل، و إنّما فسد الثاني عنده؛ لأنّه موجب العقد الأوّل، لأنّ موجبه أن يجب في اليوم الثاني أجرة المثل(1).

و نمنع تعدّد العقد، بل هو عقد واحد، و المنفعة واحدة، و إنّما اختلف عوضها، كذا قاله الشافعيّة(2).

و نحن نمنع وحدة المنفعة؛ فإنّ خياطة اليوم مغايرة لخياطة غد.

مسألة 534: إذا استأجره لخياطة ثوب و قال: إن خطته روميّا - و هو الذي يكون بدرزين - فلك درهمان،

مسألة 534: إذا استأجره لخياطة ثوب و قال: إن خطته روميّا - و هو الذي يكون بدرزين - فلك درهمان، و إن خطته فارسيّا - و هو الذي يكون بدرز واحد - فلك درهم، قال الشيخ رحمه اللّه: تصحّ الإجارة(3).

و وافق أبو حنيفة أصحابه هنا في جواز الإجارة على كلا التقديرين.

و احتجّوا بأنّه عقد عقدين و خيّره فيهما، فصار كما لو قال: بعتك أحد هذين العبدين لا بعينه بخيار ثلاثة أيّام، و إنّما لم يحتج إلى الخيار في الإجارة؛ لأنّ المعقود عليه لا يملك بالعقد، و إنّما يملك بإيفاء العمل، و إذا عمله تعيّن، فلا يؤدّي إلى أن يملكه غير معيّن، كما لو قال: بعتك أحد

ص: 41


1- الجامع الصغير: 442-443، مختصر القدروي: 103، بدائع الصنائع 186:4، المبسوط - للسرخسي - 99:15-100، مختصر اختلاف العلماء 1777/95:4، فتاوى قاضيخان - بهامش الفتاوى الهنديّة - 333:2، الفقه النافع 896/1128:3، الهداية - للمرغيناني - 246:3، الإشراف على مذاهب أهل العلم 131:2، بحر المذهب 308:9، حلية العلماء 437:5-438، التهذيب - للبغوي - 429:4، البيان 358:7، العزيز شرح الوجيز 85:6، الإشراف على نكت مسائل الخلاف 1157/657:2، المغني 98:6، الشرح الكبير 27:6.
2- بحر المذهب 308:9، المغني 98:6، الشرح الكبير 26:6.
3- الخلاف 510:3، المسألة 40.

هذين العبدين بدرهم، أو: بعتك هذا الثوب بدرهم(1).

و الشيخ رحمه اللّه كأنّه عوّل في هذه المسألة على المسألة الأولى؛ فإنّ دليلهما واحد، و هو النظر إلى الرواية(2).

و قال الشافعي: العقد باطل، و تجب له أجرة المثل في أيّ الخياطتين كان(3).

مسألة 535: لو استأجره ليحمل له متاعا إلى موضع معيّن بأجرة معيّنة في وقت بعينه، فإن قصر عنه نقص من أجرته شيئا،

مسألة 535: لو استأجره ليحمل له متاعا إلى موضع معيّن بأجرة معيّنة في وقت بعينه، فإن قصر عنه نقص من أجرته شيئا، جاز.

و لو شرط سقوط جميع الأجرة إن لم يوصله فيه، لم يجز، و كان له أجرة المثل.

و يجيء على قول الشافعي البطلان فيهما، و وجوب أجرة المثل.

لنا: الأصل الجواز.

و ما روي من قوله عليه السّلام: «المؤمنون عند شروطهم»(4) و هذا شرط سائغ مرغوب فيه عند العقلاء لا يقتضي تجهيلا، فكان لازما.

ص: 42


1- الاختيار لتعليل المختار 87:2، بدائع الصنائع 185:4، فتاوى قاضيخان - بهامش الفتاوى الهنديّة - 333:2، الفقه النافع 896/1128:3، مختصر اختلاف العلماء 1777/95:4، مختصر القدوري: 103، الهداية - للمرغيناني - 246:3، المغني 99:6، الشرح الكبير 27:6.
2- راجع: الهامش (1) من ص 40.
3- حلية العلماء 439:5، العزيز شرح الوجيز 85:6، روضة الطالبين 250:4، مختصر اختلاف العلماء 95:4-1777/96، المغني 98:6 و 99، الشرح الكبير 26:6 و 27.
4- راجع: الهامش (1) من ص 40.

و لما رواه محمّد بن مسلم - في الصحيح - عن الباقر عليه السّلام، قال:

سمعته يقول: «كنت جالسا عند قاض من قضاة المدينة فأتاه رجلان، فقال أحدهما: إنّي تكاريت هذا يوافي بي السوق يوم كذا و كذا و إنّه لم يفعل، قال: فقال: ليس له كراء، قال: فدعوته فقلت له: يا عبد اللّه ليس لك أن تذهب بحقّه، و قلت للأجير: ليس لك أن تأخذ [كلّ] الذي عليه، اصطلحا فترادّا بينكما»(1).

و في الصحيح عن محمّد الحلبي قال: كنت قاعدا إلى قاض و عنده الباقر عليه السّلام جالس، فأتاه رجلان، فقال أحدهما: إنّي تكاريت إبل هذا الرجل لتحمل لي متاعا إلى بعض المعادن، و اشترطت عليه أن يدخلني المعدن يوم كذا و كذا، لأنّها سوق أتخوّف أن يفوتني، فإن احتبست عن ذلك حططت من الكراء لكلّ يوم احتبسه كذا و كذا، و إنّه حبسني عن ذلك الوقت كذا و كذا يوما، فقال القاضي: هذا شرط فاسد، وفّه كراه، فلمّا قام الرجل أقبل إليّ أبو جعفر عليه السّلام، فقال: «شرطه هذا جائز ما لم يحط بجميع كراه»(2).

إذا ثبت هذا، فالأقرب: تعميم الحكم فيه حتى لو شارطه على خياطة ثوب في هذا اليوم فإن أخّره حطّ من أجرته شيئا، جاز ما لم يحط الساقط بجميع الأجرة، و كذا غير هذه الصورة ممّا يناسبها.

مسألة 536: إذا تعاقدا الإجارة و شرطا تأجيل الأجرة، صحّ الشرط إجماعا،

مسألة 536: إذا تعاقدا الإجارة و شرطا تأجيل الأجرة، صحّ الشرط إجماعا، فإن حلّ الأجل و قد تغيّر النقد، فالاعتبار بنقد يوم العقد.

ص: 43


1- الكافي 4/290:5، التهذيب 214:7-941/215، و ما بين المعقوفين أثبتناه من المصدر.
2- الكافي 5/290:5، الفقيه 58/22:3، التهذيب 940/214:7.

و أمّا في الجعالة فالأقوى: الاعتبار بنقد يوم اللفظ.

و يحتمل وقت تمام العمل.

و للشافعيّة في الجعالة و جهان، أصحّهما عندهم: الأوّل(1).

و قال بعضهم بالثاني؛ لأنّ الاستحقاق يثبت بتمام العمل(2).

هذا إذا كانت الأجرة في الذمّة، و إن كانت معيّنة، ملك في الحال، كالمبيع، و اعتبرت فيها الشرائط المعتبرة في المبيع، حتى لو جعل الأجرة جلد شاة مذبوحة قبل السلخ لم يجز؛ للجهالة بحالها في الرقّة و الثخانة و سائر الصفات قبل السلخ.

مسألة 537: جواز كون الاجرة في الاجارة الواردة علي الذمة حالة و موجاة باجل معين

مسألة 537: الإجارة الواردة على الذمّة - بأن قال: استأجرت منك دابّة صفتها كذا لتحملني إلى موضع كذا - جاز أن تكون الأجرة فيه(3) حالّة و مؤجّلة بأجل معيّن، عند علمائنا - و هو أحد وجهي الشافعيّة(4) - للأصل، و لأنّها إجارة، فصحّ فيها تأجيل العوض، كما لو كانت واردة على الأعيان.

و الثاني للشافعيّة: المنع؛ لأنّ الإجارة هنا سلم في المعنى، و يجب التقابض كما يجب في السّلم(5).

و هو ممنوع.

و لو استأجر بلفظ السّلم بأن قال: أسلمت إليك هذا الدينار في دابّة تحملني إلى موضع كذا، فالأقوى: المنع؛ لأنّ الشارع وضع للعقود صيغا خاصّة، و الأصل عصمة الأموال.

ص: 44


1- العزيز شرح الوجيز 85:6، روضة الطالبين 250:4.
2- العزيز شرح الوجيز 85:6، روضة الطالبين 250:4.
3- الظاهر: «فيها».
4- نهاية المطلب 73:8، التهذيب - للبغوي - 431:4، العزيز شرح الوجيز 6: 86، روضة الطالبين 251:4.
5- نهاية المطلب 73:8، التهذيب - للبغوي - 431:4، العزيز شرح الوجيز 6: 86، روضة الطالبين 251:4.

و قال الشافعي: يصحّ، و حينئذ لا يجوز تأجيل الأجرة و لا الاستبدال عنها و لا الحوالة بها و لا عليها و لا الإبراء، بل يجب التسليم في المجلس، كرأس مال السّلم؛ لأنّه سلم في المنافع(1).

و نحن نقول: إن قصد السّلم بلفظه، لم يصح؛ لاختصاصه ببيع الأعيان، و إن قصد الإجارة بلفظ السّلم، لم ينعقد سلما و لا إجارة عندنا.

مسألة 538: قد بيّنّا أنّه لا يجوز استئجار السلاّخ بالجلد؛ للجهالة،

مسألة 538: قد بيّنّا أنّه لا يجوز استئجار السلاّخ بالجلد؛ للجهالة، فإنّه لا يعلم رقّة الجلد من ثخنه، و لا صحّته من عيبه.

و كذا لا يجوز أن يستأجر الطحّان لطحن الحنطة بالنخالة؛ للجهالة أيضا.

و لو استأجر الطحّان ليطحن الحنطة بثلث دقيقها أو بصاع منها، أو المرضعة بجزء من الرقيق الرضيع بعد الفطام، أو قاطف الثمار بجزء من الثمار بعد القطاف، أو النسّاج لينسج الثوب بنصفه، فسد عند الشافعيّة، و كان للأجير في هذه الصّور بأسرها أجرة مثل عمله.

و احتجّوا بأنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله نهى عن قفيز الطحّان(2) ، و فسّروه باستئجار الطحّان على طحن الحنطة بقفيز من دقيقها.

و لأنّ المجعول أجرة - و هو الجلد - متّصل بغيره، فهو كبيع نصف من سهم أو نصل، و في مسألة الرضيع و قطاف الثمار الأجرة معيّنة، و قد أجّلها بأجل مجهول، و الأعيان لا تؤجّل بالآجال المعلومة فكيف بالمجهولة! و لأنّ عمله لا يقع للمستأجر و في محلّ ملكه خاصّة، بل لنفسه

ص: 45


1- نهاية المطلب 73:8، التهذيب - للبغوي - 430:4، العزيز شرح الوجيز 6: 85-86، روضة الطالبين 250:4.
2- سنن الدارقطني 195/47:3.

و للمستأجر في ملكيهما، و الشرط في الإجارة وقوع العمل في خاصّ ملك المستأجر، و لأنّ الأجرة غير حاصلة في الحال على الهيئة المشروطة، و إنّما تحصل بعمل الأجير من بعد، فهي إذن غير مقدور عليها في الحال(1).

و لو استأجر المرضعة بجزء من الرقيق في الحال أو استأجر قاطف الثمرة بجزء منها على رؤوس الأشجار، قال بعض الشافعيّة بالمنع أيضا؛ لأنّ عمل الأجير ينبغي أن يقع في خاصّ ملك المستأجر.

و خرّجوا على هذا أنّه لو كان الرضيع ملكا لرجل و امرأة، فاستأجرها الرجل - و هي مرضع - لترضعه إمّا بجزء من الرقيق أو غيره، لم يجز؛ لأنّ عملها لا يقع في خاصّ ملك المستأجر.

و اعترض عليه: بأنّ القياس و الحالة هذه الجواز، و لا يضرّ وقوع العمل في المحلّ المشترك، كما أنّ أحد الشريكين لو ساقى صاحبه و شرط له زيادة من الثمار، يجوز و إن كان عمله يقع في المشترك(2).

قال بعض الشافعيّة: لو استأجر أحد الشريكين في الحنطة صاحبه ليطحنها، أو الدابّة ليتعهّدها بدراهم، جاز(3).

و لو قال: استأجرتك بربع هذه الحنطة أو بصاع منها لتطحن الباقي، جاز عند بعض الشافعيّة، ثمّ يتقاسمان قبل الطحن، فيأخذ الأجرة، و يطحن الباقي، و إن شاء طحن الكلّ، و الدقيق مشترك بينهما(4).2.

ص: 46


1- التهذيب - للبغوي - 429:4، العزيز شرح الوجيز 87:6-88، روضة الطالبين 251:4.
2- العزيز شرح الوجيز 88:6، روضة الطالبين 251:4.
3- العزيز شرح الوجيز 88:6، روضة الطالبين 252:4.
4- التهذيب - للبغوي - 429:4، العزيز شرح الوجيز 88:6، روضة الطالبين 4: 252.

الركن الرابع: المنفعة.

اشارة

و شروطها خمسة:

الشرط الأوّل: أن تكون متقوّمة ليصحّ بذل المال في مقابلتها،
اشارة

الأوّل: أن تكون متقوّمة ليصحّ بذل المال في مقابلتها، فإنّ ما لا قيمة له لا يجوز بذل المال في مقابلته؛ لأنّه يكون سفها، كما لا يجوز بيع ما لا قيمة له، فكما لا يجوز بيع حبّة واحدة من حنطة لعدم تقوّمها، كذا لا يجوز استئجار ورقة واحدة من الريحان للشمّ؛ لأنّها لا تقصد للشمّ، و لا يصحّ تقويمها، فأشبه الحبّة الواحدة من الحنطة لا يجوز بيعها.

و لو كثرت الأوراق في أغصان متعدّدة حتى قصدت بالشمّ، جاز استئجارها.

مسألة 539: كلّ ما يمكن الانتفاع به مع بقاء عينه منفعة محلّلة مقصودة يجوز استئجاره

مسألة 539: كلّ ما يمكن الانتفاع به مع بقاء عينه منفعة محلّلة مقصودة يجوز استئجاره، فيجوز استئجار الدراهم و الدنانير؛ لأنّه يجوز الانتفاع بها مع بقاء عينها بأن يتزيّن بها و يتجمّل بها و ينثرها في العرس ثمّ يجمعها و يزن بها و يتحلّى بها و يضرب على طبعها، و هو أحد وجهي الشافعيّة، و به قال أبو حنيفة و أحمد.

و الوجه الثاني للشافعيّة: المنع؛ لأنّ المنفعة بها إنّما تكون بالتقليب و التصرّف فيها، و لا منفعة فيها مع بقاء عينها، كالشمع، و لهذا لا يضمن الغاصب منفعتها(1).

ص: 47


1- الحاوي الكبير 391:7، المهذّب - للشيرازي - 401:1، نهاية المطلب 8: 70، بحر المذهب 309:9، الوسيط 157:4، حلية العلماء 385:5-386، التهذيب - للبغوي - 420:4-425، البيان 251:7، العزيز شرح الوجيز 6: 89، روضة الطالبين 252:4، المبسوط - للسرخسي - 31:16، المحيط البرهاني 489:7، المغني 144:6، الشرح الكبير 40:6.

و نمنع انحصار المنفعة فيما ذكره من التقليب و التصرّف، و فارقت الشمع؛ لأنّه لا يمكن الانتفاع به إلاّ بتلفه، و إن فرض له منفعة مع بقاء عينه صحّت إجارته.

إذا ثبت هذا، فإذا استأجر الدراهم و الدنانير، جاز أن يبيّن جهة الانتفاع بها؛ لأنّ لها جهتي انتفاع، إحداهما: الوزن بها و هو ينقصها، و الثانية: التجمّل بها و لا ينقصها، فذكر الجهة أولى.

فإن أهمل ذكر الجهة، فالأقوى: صحّة الإجارة، كاستئجار الدار مطلقا، فإنّه يتناول السكنى و وضع المتاع فيها، و لا يجب تعيين جهة المنفعة، بل للمستأجر الانتفاع بها فيهما معا، فكذا هنا.

و قالت الشافعيّة بناء على القول بجواز إجارتها: إنّه لا بدّ من تعيين الجهة؛ لما ذكرنا من تفاوت المنفعتين، فإن أطلق فسدت الإجارة(1).

و قال أبو حنيفة: إن عيّن جهة الانتفاع جازت الإجارة، و إن لم يبيّن جهة الانتفاع لم تصح، و فسدت الإجارة، و كانت قرضا، أمّا فساد الإجارة:

فلأنّ المنفعة متفاوتة، و أمّا كونها قرضا: فلأنّ الانتفاع بها إنّما يكون بإتلاف عينها، فإذا أطلق حمل على العرف فيها(2).

و هو غلط؛ لأنّ الإجارة تتضمّن إتلاف المنفعة دون العين، فلا يعبّر بها عن القرض، كإجارة غير الدراهم.

و بالجملة، فقد بيّنّا جواز إعارة الدراهم و الدنانير، و كلّ ما جاز إعارته جاز إجارته؛ لاشتراكهما في تملّك المنفعة، لكن أحدهما بعوض، و الآخر6.

ص: 48


1- حلية العلماء 386:5، العزيز شرح الوجيز 89:6.
2- حلية العلماء 386:5، العزيز شرح الوجيز 89:6، المغني 144:6، الشرح الكبير 40:6.

بغير عوض.

و الشافعيّة قالوا: الإعارة أولى بالجواز؛ لأنّها مكرمة لا معاوضة فيها(1).

و ما ذكروه من نقص العين بالوزن بها ضعيف؛ لأنّه يسير لا اعتبار به، و لا يلتفت الشرع إلى مثله.

تذنيب: لا يجوز استئجار الأطعمة لتزيين الحوانيت بها - و هو أظهر وجهي الشافعيّة(2) - لأنّ ذلك ليس منفعة مقصودة.

و الثاني لهم: الجواز، كالذهب و الفضّة(3).

مسألة 540: لا يجوز عقد الإجارة على النخل و الشجر لاستيفاء ثمرتها؛

مسألة 540: لا يجوز عقد الإجارة على النخل و الشجر لاستيفاءثمرتها لأنّ الأعيان لا تستباح بعقد الإجارة.

و لو استأجرها ليشدّ فيها حبلا يعلّق عليه الثياب أو يجفّفها عليه أو يبسطها أو ليربط الدوابّ بها أو ليستظلّ بظلّها، جاز؛ لأنّها لو كانت مقطوعة لجاز استئجارها لذلك، فكذلك إذا كانت ثابتة، و ذلك لأنّها في حالتي الثبات و الانقطاع متساوية، فما جاز في إحداهما يجوز في الأخرى، و لأنّها شجرة فجاز استئجارها لذلك، كالمقطوعة، و لأنّها منفعة مقصودة يمكن استيفاؤها مع بقاء العين، فجاز العقد عليها، كما لو كانت مقطوعة، و لأنّها عين يمكن استيفاء هذه المنفعة منها، فجاز استئجارها، كالحبال و الخشب و الشجر المقطوع.

و للشافعي قولان، أحدهما: هذا، و الثاني: المنع؛ لأنّها منفعة غير

ص: 49


1- العزيز شرح الوجيز 89:6.
2- نهاية المطلب 70:8، العزيز شرح الوجيز 89:6، روضة الطالبين 252:4.
3- نهاية المطلب 70:8، العزيز شرح الوجيز 89:6، روضة الطالبين 252:4.

مقصودة(1).

و لو استأجر حبلا ليعلّق عليه الثياب، جاز إجماعا؛ لأنّ منفعته مقصودة منه.

و هل يجوز استئجار الببغاء(2) للاستئناس ؟ للشافعيّة و جهان: من حيث إنّ فيها غرضا مقصودا، و من انتفائه(3).

و كذا الوجهان في كلّ ما يستأنس بلونه، كالطاوس، أو بصوته، كالعندليب(4)(5).

مسألة 541: يجوز الاستئجار للدلالة و السمسرة على الأقمشة و غيرها؛

مسألة 541: يجوز الاستئجار للدلالة و السمسرة على الأقمشة و غيرها؛ لأنّها منفعة مقصودة مباحة تدعو الضرورة إليها، فجاز المعاوضة عليها.

و هل يجوز استئجار البيّاع على كلمة البيع أو على كلمة تروّج بها السلعة و لا تعب فيها؟ الأقوى: المنع؛ لأنّه لا قيمة لذلك، و لا عوض لها في مجرى العادة، و هو قول الشافعيّة(6).

ص: 50


1- المهذّب - للشيرازي - 401:1-402، بحر المذهب 311:9، الوسيط 4: 157، حلية العلماء 385:5-386، التهذيب - للبغوي - 425:4، البيان 7: 251، العزيز شرح الوجيز 89:6، روضة الطالبين 252:4، المغني 145:6، الشرح الكبير 41:6.
2- الببغاء: طائر أخضر يسمّى بالدرّة، له قوّة على حكاية الأصوات و قبول التلقين. حياة الحيوان 159:1-160.
3- التهذيب - للبغوي - 425:4، العزيز شرح الوجيز 89:6، روضة الطالبين 4: 252.
4- العندليب: طائر يصوّت ألوانا. لسان العرب 631:1، و 479:11 «عندلب» و «عندل».
5- العزيز شرح الوجيز 89:6، روضة الطالبين 252:4.
6- الوسيط 157:4، الوجيز 230:1، العزيز شرح الوجيز 89:6، روضة الطالبين 252:4.

لكن قال بعضهم: إنّ ذلك في المبيع المستقرّ قيمته في البلد، كالخبز و اللحم، أمّا الثياب و العبيد و ما يختلف قدر الثمن فيه باختلاف المتعاقدين فيخصّ بيعها من البيّاع بمزيد منفعة و فائدة، فيجوز الاستئجار عليه(1).

و إذا لم يجز الاستئجار و لم يلحق البيّاع تعب، فلا شيء له.

و إن تعب بكثرة التردّد أو كثرة الكلام في تأليف أمر المعاملة، فله أجرة المثل، لا ما تواطأ عليه البيّاعون.

مسألة 542: لا يجوز استئجار الديك ليوقظه وقت الصلاة؛

مسألة 542: لا يجوز استئجار الديك ليوقظه وقت الصلاة؛ لأنّ ذلك يقف على فعل الديك، و لا يمكن استخراج ذلك منه بضرب و لا غيره، و قد يصيح و قد لا يصيح، و ربما صاح قبل الوقت أو بعده، و به قال أحمد(2).

و لا تجوز إجارة سباع البهائم و الطير التي لا تصلح للاصطياد بها.

و يجوز استئجار كلّ حيوان يمكن الانتفاع به من غير إتلاف، كالآدميّ الحرّ و العبد و كلّ بهيمة لها ظهر، مثل الإبل و البقر و الخيل و الحمير و ما أشبه ذلك.

فأمّا الغنم فإنّما ينتفع منها بالدرّ و النسل و الصوف و الشعر، و هذه أعيان لا يجوز تملّكها بعقد الإجارة.

و إن أمكن الانتفاع بها بوجه من الوجوه، كانت المنفعة غير مقصودة، فلا تجوز إجارتها.

و للشافعيّة و جهان(3) ، كما في إجارة الدراهم و الدنانير.

ص: 51


1- العزيز شرح الوجيز 89:6-90، روضة الطالبين 252:4-253.
2- المغني 155:6، الشرح الكبير 48:6.
3- بحر المذهب 311:9، و فيه وجه الجواز، المغني 146:6، الشرح الكبير 6: 64.
مسألة 543: لا يجوز استئجار ما لا منفعة فيه محلّلة مقصودة في نظر الشرع،

مسألة 543: لا يجوز استئجار ما لا منفعة فيه محلّلة مقصودة في نظرالشرع، فلا تصحّ إجارة كلب الهراش و لا الخنزير.

و أمّا ما يجوز اقتناؤه من الكلاب و يصحّ بيعه و له قيمة في نظر الشرع و له منفعة محلّلة مثل كلب الصيد و الماشية و الزرع و الحائط فإنّه يجوز استئجاره لهذه المنافع؛ لأنّه تجوز إعارته لهذه المنافع فجاز استئجاره، و لأنّه يصحّ بيعه عندنا، و كلّ ما يصحّ بيعه ممّا يبقى من الأعيان تصحّ إجارته.

و للشافعيّة وجهان:

أحدهما: الجواز؛ لهذا.

و الثاني: المنع؛ لأنّ اقتناءه ممنوع لا لحاجة، و ما جوّز للحاجة لا يجوز أخذ العوض عليه، و لأنّه لا قيمة لعينه، فكذا المنفعة(1).

و هو ممنوع، و كما جاز استئجار الفهد و البازي و الشبكة للصيد و الهرّة لدفع الفأرة، جاز هنا.

مسألة 544: قد بيّنّا أنّ الإجارة عقد وضع لنقل المنافع، دون الأعيان،

مسألة 544: قد بيّنّا أنّ الإجارة عقد وضع لنقل المنافع، دون الأعيان، لكن في بعض الأعيان قد يتناولها عقد الإجارة للضرورة و الحاجة، كاستئجار الحمّام المشتمل على استعمال الماء و إتلافه للضرورة، أمّا ما لا ضرورة إليه فلا يستفاد بعقد الإجارة، كما تقدّم من منع استئجار الكرم و النخل و الشجر لثمارها و الشاة لنتاجها و لبنها و صوفها؛ لأنّ الأعيان لا تملك

ص: 52


1- المهذّب - للشيرازي - 401:1، الوجيز 230:1، الوسيط 157:4، حلية العلماء 384:5-385، التهذيب - للبغوي - 425:4، البيان 249:7، العزيز شرح الوجيز 90:6، روضة الطالبين 253:4، المغني 152:6، الشرح الكبير 38:6.

بعقد الإجارة، و هذا في الحقيقة بيع أعيان معدومة مجهولة.

و يجوز أن يستأجر بركة أو أرضا ليحبس الماء فيها حتى يجتمع السمك فيأخذه، و لا يجوز أن يستأجر بركة ليأخذ منها السمك؛ لأنّه بمنزلة استئجار الأشجار لأخذ الثمار.

مسألة 545: أجمع أهل العلم على جواز استئجار الظئر - و هي المرضعة -

مسألة 545: أجمع أهل العلم على جواز استئجار الظئر - المرضعة - و هي لقوله تعالى: فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ (1) و استرضع النبيّ صلّى اللّه عليه و آله لولده إبراهيم(2).

و لأنّ الحاجة تشتدّ إلى ذلك، و تدعو الضرورة(3) إليه فوق دعائها إلى غيره، فإنّ الطفل إنّما يعيش عادة بالرضاع، و قد يتعذّر رضاعه من أمّه، فجاز العقد فيه كغيره من المنافع.

و يستحقّ بهذا الاستئجار منفعة و عين، فالمنفعة: وضع الصبي في حجرها، و تلقيمه الثدي، و عصره عند الحاجة، و العين: اللبن الذي يمتصّه الصبي.

و إنّما جوّزناه و أثبتنا به استحقاق اللبن؛ لما قلنا من الضرورة، و لو منعناه لاحتاج إلى شراء اللبن كلّ دفعة، و ذلك مشقّة عظيمة، ثمّ الشراء إنّما يصحّ بعد الحلب، و التربية لا تتمّ باللبن المحلوب، فمسّت الحاجة إلى تسويغ هذا العقد.

ثمّ الذي تناوله عقد الإجارة بالأصالة ما هو؟ الأقرب: إنّه فعل المرأة، و اللبن مستحقّ بالتبعيّة؛ لقوله تعالى: فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ

ص: 53


1- سورة الطلاق: 6.
2- صحيح مسلم 2315/1807:4، المغني 82:6، الشرح الكبير 18:6.
3- في الطبعة الحجريّة: «الحاجة» بدل «الضرورة».

أُجُورَهُنَّ (1) علّق الأجرة بفعل الإرضاع لا باللبن، و لأنّ الأجرة موضوعة لاستحقاق المنافع، فلو استحقّ بها العين بالأصالة خرجت عن موضوعها، فإذن اللبن مستحقّ بالتبعيّة؛ لضرورة تدعو إليه، كالبئر تستأجر ليستقى منها الماء، و الدار تستأجر و فيها بئر ماء يجوز الاستقاء منها، و هو أصحّ وجهي الشافعيّة.

و الثاني: الذي تناوله العقد بالأصالة اللبن و فعلها تابع؛ لأنّ اللبن مقصود لعينه، و فعلها مقصود لإيصال اللبن المقصود إلى الصبي(2).

مسألة 546: تعريف الحضانة
اشارة

مسألة 546: الحضانة حفظ الولد و تربيته و دهنه و كحله و غسل خرقه و تنظيفه و جعله في سريره و ربطه و ما يحتاج إليه.

إذا عرفت هذا، فيجوز للأب أن يستأجر المرأة للرضاع و الحضانة معا، و أن يستأجرها للحضانة دون الرضاع إجماعا؛ لأنّ ذلك منفعة محلّلة مقصودة، فجاز الاستئجار عليها.

و هل يجوز أن يستأجرها للرضاع خاصّة دون الحضانة ؟

و هل يجوز أن يستأجرها للرضاع خاصّة دون الحضانة ؟ الأقرب:

الجواز، كما يجوز الاستئجار للحضانة خاصّة، و هو أصحّ وجهي الشافعيّة، و الثاني: لا يجوز كما لا يجوز استئجار الشاة لإرضاع السخلة(3).

و هذا الخلاف بينهم فيما إذا قصر الإجارة على صرف اللبن إلى الصبي، و قطع عنه وضعه في الحجر و نحوه(4).

ص: 54


1- سورة الطلاق: 6.
2- نهاية المطلب 78:8، بحر المذهب 305:9، التهذيب - للبغوي - 445:4، البيان 274:7-275، العزيز شرح الوجيز 91:6، روضة الطالبين 253:4.
3- نهاية المطلب 77:8، الوجيز 231:1، الوسيط 158:4، العزيز شرح الوجيز 91:6، روضة الطالبين 253:4-254.
4- العزيز شرح الوجيز 91:6، روضة الطالبين 254:4.

و إذا أطلق العقد على الرضاع، فالأقرب: عدم دخول الحضانة تحته؛ لأنّهما منفعتان متغايرتان غير متلازمتين، فلا يلزم من الاستئجار على إحداهما الاستئجار على الأخرى، كما لو استأجر للحضانة و أطلق، لم يدخل الرضاع، كذا العكس، و هو أحد وجهي الشافعيّة، و به قال أبو ثور و ابن المنذر.

و الثاني: تدخل الحضانة فيما إذا استأجر للرضاع و لم ينف الحضانة - و به قال أصحاب الرأي أيضا - للعرف بأنّ المرضعة تحضن الصبي و تحوطه و تغسل خرقه، و الإطلاق ينصرف إلى العادة و العرف(1).

مسألة 547: يشترط في هذا العقد أمور أربعة:

مسألة 547: يشترط في هذا العقد أمور أربعة: الأوّل: أن تكون مدّة الرضاع معلومة؛ لأنّه لا يمكن تقدير هذا العمل إلاّ بضبط المدّة، فإنّ السقي و العمل فيها مختلف.

الثاني: معرفة الصبي بالمشاهدة؛ لأنّ الرضاع يختلف باختلاف الصبيان في الكبر و الصغر و النهمة و القناعة.

و قال بعض العامّة: تكفي معرفة الصبي بالصفة، كالراكب(2).

الثالث: معرفة موضع الرضاع؛ لاختلاف الأغراض باختلاف المواضع؛ فإنّ إرضاعه في بيته يشقّ على المرأة و يصعب، و إرضاعه في بيتها يسهل عليها و يخفّ، فلا يجوز الإطلاق.

الرابع: معرفة العوض و العلم بحقيقته و قدره؛ لأنّه عوض العقد، فلو

ص: 55


1- نهاية المطلب 77:8، بحر المذهب 305:9، الوسيط 173:4، التهذيب - للبغوي - 444:4-445، البيان 275:7، العزيز شرح الوجيز 123:6 - 124، روضة الطالبين 281:4، المغني 83:6، الشرح الكبير 18:6.
2- المغني 83:6، الشرح الكبير 19:6.

استأجرها بنفقتها و كسوتها و أطلق، فإشكال، و قد سبق(1) الخلاف فيه، و بيّنّا أنّ مقتضى الدليل: المنع، و به قال الشافعي و أبو يوسف و محمّد(2).

و قال أبو حنيفة: يجوز ذلك في الظئر خاصّة(3).

و قال مالك و أحمد: يجوز في كلّ أجير(4).

مسألة 548: تكره إجارة الفحل للضراب،

مسألة 548: تكره إجارة الفحل للضراب، و ليس محرّما عند علمائنا - و به قال الحسن البصري و ابن سيرين و الشافعي في أحد القولين(5) - لأنّه انتفاع مباح و الحاجة تدعو إليه، فجاز، كإجارة الظئر للرضاع، و البئر ليستقى منها الماء، و لأنّها منفعة تستباح بالإعارة، فتستباح بالإجارة، كسائر المنافع.

و ظاهر مذهب الشافعي: المنع - و به قال أبو ثور و أحمد و ابن المنذر و أصحاب الرأي - لأنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله نهى عن عسيب(6) الفحل(7).

و لأنّ المقصود الماء الذي يخلق منه الولد، فيكون عقد الإجارة

ص: 56


1- في ص 33-35، المسألة 528.
2- راجع: الهامش (1) من ص 34.
3- راجع: الهامش (3) من ص 34.
4- راجع: الهامش (2) من ص 34، و الهامش (3) من ص 35.
5- المهذّب - للشيرازي - 401:1، بحر المذهب 337:9، الوسيط 158:4، حلية العلماء 385:5، العزيز شرح الوجيز 101:4، روضة الطالبين 62:3، المغني 148:6، الشرح الكبير 44:6.
6- في المصادر: «عسب». و عسب فحله: أكراه، و عسب الفحل: ضرابه، و يقال: ماؤه. و العسيب: الكراء الذي يؤخذ على ضراب الفحل. الصحاح 181:1 «عسب».
7- صحيح البخاري 123:3، سنن ابن ماجة 2160/731:2، سنن أبي داود 3: 3429/267، سنن الترمذي 1273/572:3، سنن النسائي 310:7 و 311، مسند أحمد 1257/237:1، سنن الدارمي 273:2، السنن الكبرى - للبيهقي - 5: 339، المستدرك - للحاكم - 42:2.

لاستيفاء عين، فلم يجز، كإجارة الغنم لأخذ لبنها، بل هذا أولى بالتحريم؛ لأنّ هذا الماء محرّم لا قيمة له، فلم يجز أخذ العوض عليه، كالميتة و الدم، و هو مجهول، فأشبه اللبن في الضرع(1).

و النهي للكراهة، و القصد و إن كان هو الماء لكن سوّغنا ذلك للضرورة إليه و دعاء الحاجة، فإنّها ماسّة إلى استيلاد إناث الحيوانات، و لا يجب على مالك الفحل بذل فحله مجّانا، فلولا تسويغ بذل العوض لانتفت هذه المصلحة.

مسألة 549: ينبغي أن يوقع العقد على العمل و يقدّره بالمرّة أو المرّتين أو المرّات المعيّنة.

مسألة 549: ينبغي أن يوقع العقد على العمل و يقدّره بالمرّة اوالمرّتين أو المرّات المعيّنة. و قال بعض العامّة: يوقع العقد على المدّة(2).

و ليس بجيّد؛ لأنّ من أراد إطراق فرسه مرّة إذا قدّر بمدّة تزيد على الفعل لم يمكن استيعابها [به](3) و إن اقتصر على مقداره فربما لا يحصل الفعل فيه، و يتعذّر أيضا ضبط مقدار العمل، فيتعيّن التقدير بالفعل، إلاّ أن يكتري فحلا لإطراق ماشية كثيرة، كفحل يتركه في إبله، أو تيس في غنمه، فإنّ منفعة هذا تتقدّر بالزمان المعيّن، لا بعدد المرّات.

و أحمد و إن منع من هذه الإجارة، فإنّه قال: لو احتاج إنسان إلى ذلك

ص: 57


1- الإشراف على مذاهب أهل العلم 132:2، المهذّب - للشيرازي - 401:1، بحر المذهب 337:9، الوسيط 158:4، حلية العلماء 385:5، البيان 250:7، العزيز شرح الوجيز 101:4، و 92:6، روضة الطالبين 62:3، و 254:4، المغني 148:6، الشرح الكبير 44:6، المبسوط - للسرخسي - 83:15، مختصر اختلاف العلماء 1782/102:4، بدائع الصنائع 175:4.
2- المغني 148:6-149، الشرح الكبير 44:6.
3- ما بين المعقوفين يقتضيه السياق.

و لم يجد من يطرق له جاز له أن يبذل الكراء، و ليس للمطرق أخذه، قال عطاء(1): لا يأخذ عليه شيئا و لا بأس أن يعطيه إذا لم يجد من يطرق له؛ لأنّ ذلك بذل مال لتحصيل منفعة مباحة تدعو الحاجة إليها، فجاز(2) ، و هذا كلام متناقض.

و لا بأس بأن يأخذ صاحب الفحل هديّة أو كرامة على ذلك، و ليس مكروها إجماعا.

و قد احتجّ من منع من هذه الإجارة: بأنّ هذا الفعل أثر [لا](3) يتعلّق باختيار الحيوان، فقد لا ينزو، و بتقدير أن ينزو فربما لا ينزل، و إن أنزل فربما لا يحصل منه الولد، و هو المقصود(4).

و هو غلط؛ لأنّ من استأجر للخياطة فهي فعل اختياريّ، و الوجوب الشرعي لا يسلب القدرة و الاختيار، فجاز أن لا تقع الخياطة منه، و إذا خاط فربما لا يلبسها المالك، مع أنّ المقصود اللّبس، و لمّا كان ذلك باطلا فكذا ما قالوه، لكن المعتبر هو القدرة على تسليم المنفعة المعقود عليها، و أمّا وقوعه نافعا أو غير نافع و وسيلة إلى الغاية المقصودة فغير معتبر اتّفاقا.

مسألة 550: و هل يصحّ استئجار بئر الماء لأخذ الماء منها؟

مسألة 550: و هل يصحّ استئجار بئر الماء لأخذ الماء منها؟ الأولى:

المنع.

نعم، لو استأجر الدار و فيها بئر ماء، جاز له الاستقاء منها؛ للعادة،

ص: 58


1- في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «أخذ ما أعطاه» بدل «أخذه، قال عطاء». و الصحيح ما أثبتناه من المغني.
2- المغني 149:6، الشرح الكبير 45:6.
3- ما بين المعقوفين أثبتناه من المصدر.
4- العزيز شرح الوجيز 92:6.

و دخول الماء بالتبعيّة.

و لو استأجر قناة، فإن قصد موضع جريان الماء جاز، و كان الماء تابعا يجوز الانتفاع به، كما نقول في الرضاع: اللبن تابع.

و جوّز بعض الشافعيّة استئجار القناة للزراعة بمائها؛ للحاجة(1).

و القياس لا يدلّ عليه عندهم، إلاّ على قول من لا يرى الماء مملوكا، فتكون القناة كالشبكة، و الماء كالصيد(2).

و جوّزوا استئجار بئر الماء للاستقاء(3).

و قال بعضهم: إذا استأجر قرار القناة ليكون أحقّ بمائها، جاز(4).

و المشهور بينهم منعه(5).

الشرط الثاني للمنفعة: القدرة على تسليمها،
اشارة

الشرط الثاني للمنفعة: القدرة على تسليمها، فلا يجوز استئجار الآبق و لا المغصوب من غير الغاصب، كما لا يجوز بيعهما.

و كذا لا يجوز استئجار الأخرس للتعليم، و الأعمى لإبصار المتاع و حفظه بالنظر و استئجار عين.

و كذا لا يجوز استئجار من لا يحفظ القرآن لتعليمه، و من لا يعرف الصنعة لتعليمها.

فإن وسّع عليه وقتا يقدر فيه على التعلّم و التعليم، جاز؛ لحصول الشرط حينئذ، و هو أحد وجهي الشافعيّة.

و الثاني - و هو الأصحّ عندهم -: المنع؛ لأنّ المنفعة مستحقّة من

ص: 59


1- العزيز شرح الوجيز 92:6، روضة الطالبين 254:4.
2- العزيز شرح الوجيز 92:6.
3- العزيز شرح الوجيز 92:6، روضة الطالبين 254:4.
4- العزيز شرح الوجيز 92:6، روضة الطالبين 254:4.
5- العزيز شرح الوجيز 92:6، روضة الطالبين 254:4.

عينه، و العين لا تقبل شرط التأجيل و التأخير(1).

و هو ممنوع.

مسألة 551: قد بيّنّا أنّه لا يصحّ استئجار الآبق

مسألة 551: قد بيّنّا أنّه لا يصحّ استئجار الآبق؛ لأنّ تسليم المنفعة بتسليمه، و تسليمه متعذّر.

و لو كان المستأجر يتمكّن من تحصيله، احتمل قويّا: الجواز، و كذا لو ضمّ إليه غيره في الإجارة و استأجرهما، احتمل الجواز، كالبيع، و المنع؛ لتعذّر التسليم، و الحمل على البيع قياس لا نقول به.

و المغصوب لو آجره مالكه للغاصب، فالأولى: الجواز؛ لأنّه مسلّم في يده.

و كذا الأقوى: الجواز لو آجره من القادر على تخليصه.

و لو آجره أرضا للزراعة و كان لها ماء يشرب زرعها به إمّا من نهر أو قناة أو مطر أو ثلج يعتورها بالعادة، صحّ، و إلاّ فلا.

مسألة 552: الأراضي بالنسبة إلى القدرة على الماء على أقسام:

مسألة 552: الأراضي بالنسبة إلى القدرة على الماء على أقسام: منها: أرض لها ماء دائم من نهر أو عين أو بئر و نحوها.

و منها: أرض لا ماء لها، و لكن يكفيها المطر المعتاد و النداوة التي تصيبها من الثلوج المعتادة، كبعض أراضي الجبال، أو لا يكفيها ذلك، و لكنّها تسقى بماء الثلج و المطر في الجبل، و الغالب فيها الحصول.

و منها: أرض لا ماء لها، و لا تكفيها الأمطار المعتادة، و لا تسقى بماء غالب الحصول من الجبل، و لكن إن أصابها مطر عظيم أو سيل نادر أمكن

ص: 60


1- الوسيط 159:4، العزيز شرح الوجيز 92:6-93، روضة الطالبين 254:4 - 255.

أن تزرع، و إلاّ فلا.

و القسم الأوّل تجوز إجارته للزرع إجماعا؛ للقدرة على تسليم المنفعة فيه.

و أمّا الثاني، و هي التي لا ماء دائم لها، و تشرب من زيادة معتادة تأتي في وقت الحاجة، كأرض مصر التي تشرب من زيادة النيل، و الأرض التي تشرب من زيادة الفرات، كالكوفة، و أرض البصرة التي تشرب من المدّ و الجزر، و أرض دمشق التي تشرب من بردى(1) ، و ما تشرب من الأودية الجارية من ماء المطر.

و هذا القسم تصحّ إجارته قبل وجود الماء الذي تسقى به، و بعده؛ لأنّ الظاهر وجوده وقت الحاجة إليه بناء على جريان العادة، و التمكّن الظاهر كاف، فإنّ انقطاع ماء المطر و العين ممكن أيضا، لكن لمّا كان الظاهر فيه الحصول كفى لصحّة العقد، و هو أحد قولي الشافعيّة.

و الثاني: المنع؛ لأنّ السقي معجوز عنه في الحال، و الماء المتوقّع لا يعلم حصوله، و بتقدير حصوله لا يعلم هل يحصل في الوقت الذي يمكن الزراعة فيه أم لا(2) ، و هو اختيار القفّال من الشافعيّة(3).

و ليس بجيّد؛ لأنّ ظنّ القدرة على التسليم في وقته يكفي في صحّة العقد، كالسّلم في الفاكهة إلى أوانها.

و أمّا الثالث - و هو الذي(4) يكون مجيء الماء إليها نادرا، أو يحتاج إلى مطر شديد كثير يندر وجوده، أو يكون شربها من واد لا يجيء الماء».

ص: 61


1- بردى: نهر دمشق. معجم البلدان 378:1.
2- الوسيط 160:4، العزيز شرح الوجيز 93:6، روضة الطالبين 255:4.
3- الوسيط 160:4، العزيز شرح الوجيز 93:6، روضة الطالبين 255:4.
4- الظاهر: «و هي التي».

فيه، إلاّ نادرا، أو من زيادة نادرة من(1) نهر أو غيره - فهذه الأرض إن آجرها للزراعة بعد وجود ماء يسقيها، صحّ؛ لإمكان الانتفاع بها، فجاز إجارتها، كذات الماء الدائم.

و إن آجرها قبله للزرع، لم يجز؛ لتعذّر استيفاء المنفعة فيه، فتعذّر المعقود عليه في الظاهر، فلم تصح إجارتها، كالآبق و المغصوب.

و لو آجرها لا للزرع و لا للغرس، بل أطلق، و كان ممّا ينتفع بها في غيرهما، فإنّه يصحّ العقد.

مسألة 553: لو استأجر أرضا للزراعة من الأراضي التي على شطّ الفرات أو النيل أو غيرهما ممّا يعلو الماء عليها ثمّ ينحسر،

مسألة 553: لو استأجر أرضا للزراعة من الأراضي التي على شط الفرات أو النيل أو غيرهما ممّا يعلو الماء عليها ثمّ ينحسر، و يكفي ذلك لزراعتها للسنة، فإن كانت الإجارة للزراعة بعد ما علاها الماء و انحسر عنها صحّ.

و إن كان قبل أن يعلو الماء عليها، فإن لم يوثق به كالنيل لا ينضبط أمره لم تصح، و إن كان الغالب حصوله جاز.

و للشافعيّة(2) قولان(3).

و إن كانت الإجارة بعد ما علاها الماء و لم ينحسر، فإن كان لا يرجى انحساره لم تصح الإجارة، و كذا لو كان يتردّد فيه؛ لأنّ العجز يقين، و زواله مشكوك فيه.

و إن كان يرجى انحساره وقت الزراعة، صحّ العقد، و قد نصّ

ص: 62


1- في «د، ص»: «في» بدل «من».
2- في النّسخ الخطّيّة: «و للشافعي».
3- العزيز شرح الوجيز 94:6، روضة الطالبين 255:4.

الشافعي عليه(1).

و أشكل عليه من وجهين:

الأوّل: قال أصحابه: شرط الإجارة عنده التمكّن من الانتفاع عقيب العقد - و لهذا لا تصحّ إجارة الدار الشهر الآتي على مذهبه(2) - و الماء مانع من الانتفاع به عقيب العقد.

الثاني: رؤية الأرض ليست حاصلة وقت العقد؛ لأنّ الماء مانع منها، فيكون إجارة الغائب(3).

و أجيب عن الأوّل بوجهين:

الأوّل: قالوا: موضع نصّ الشافعي ما إذا كان الاستئجار لزراعة ما يمكن زراعته في الماء، كالأرز، فإن كان غير ذلك، لم يصح الاستئجار.

الثاني - و هو أصحّهما عندهم -: إنّه لا فرق بين مزروع و مزروع، و لكن الماء فيها من مصالح العمارة و الزراعة، فكان إبقاؤه فيها ضربا من العمارة.

و أيضا فإنّ صرف الماء بفتح موضع ينصبّ إليه أو حفر بئر ممكن في الحال، و حينئذ يكون متمكّنا من الاشتغال بالعمارة بهذه الواسطة، فأشبه ما إذا استأجر دارا مشحونة بأمتعة يمكن الاشتغال بنقلها في الحال، فإنّه يجوز(4).

و حكى بعضهم وجها في منع إجارة الدار المشحونة بالأمتعة، بخلاف6.

ص: 63


1- العزيز شرح الوجيز 94:6، روضة الطالبين 256:4.
2- البيان 262:7، العزيز شرح الوجيز 96:6، روضة الطالبين 257:4.
3- العزيز شرح الوجيز 94:6.
4- كما في العزيز شرح الوجيز 94:6.

بيعها(1).

و الأظهر عندهم: الأوّل.

و أمّا الثاني: فمنهم من قال: التصوير فيما إذا كان قد رأى الأرض قبل حصول الماء فيها [أو](2) كان الماء صافيا لا يمنع رؤية وجه الأرض، فإن لم يكن كذلك، فعلى قولي شراء الغائب عندهم.

و منهم من قطع بالصحّة.

أمّا عند حصول الرؤية: فظاهر.

و أمّا إذا لم تحصل: فلأنّه من مصلحة الزراعة من حيث إنّه يقوّي الأرض، و يقطع العروق المنتشرة فيها، فأشبه استتار الجوز و اللّوز بقشرهما(3).

و لا بأس به عندي.

مسألة 554: لو كانت الأرض على شطّ نهر،

مسألة 554: لو كانت الأرض على شطّ نهر، و الظاهر منها أنّها تغرق و تنهار في الماء، و لم ينحسر الماء عنها، لم يجز استئجارها؛ لانتفاء المنفعة فيها، و هو أبلغ من تعذّر التسليم.

و لو احتمل الغرق و لم يكن ظاهرا، جاز استئجارها؛ لأنّ الأصل و الغالب دوام السلامة، عملا بالاستصحاب، و هو أحد قولي الشافعيّة، و الثاني: إنّه مخرّج حالة الظهور على تقابل الأصل و الظاهر(4).

ص: 64


1- العزيز شرح الوجيز 94:6.
2- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «و». و المثبت كما في المصدر.
3- العزيز شرح الوجيز 94:6-95.
4- العزيز شرح الوجيز 95:6، روضة الطالبين 256:4.
مسألة 555: إذا عرفت أقسام الأراضي و أحكامها، فكلّ أرض لها ماء معلوم و استأجرها للزراعة مع شربها منه جاز.

مسألة 555: إذا عرفت أقسام الأراضي و أحكامها، فكلّ أرض لها ماءمعلوم و استأجرها للزراعة مع شربها منه جاز و إن استأجرها للزراعة دون شربها، فإن تيسّر سقيها من غير ذلك الشرب من ماء آخر، جاز أيضا.

و إن أطلق العقد، جاز، و دخل فيه الشرب، بخلاف ما إذا باعها، لا يدخل الشرب في إطلاقها؛ لأنّ المنفعة هنا لا تحصل دونه.

هذا إذا اطّردت العادة بالإجارة مع الشرب، فإن اضطربت فيها لزم التعيين.

و كلّ أرض منعنا استئجارها للزراعة فإن استأجرها لينزل فيها أو يسكنها أو يجمع فيها الحطب أو يربط فيها دوابّه، جاز.

و إن استأجرها مطلقا، نظر فإن قال: آجرتك هذه الأرض البيضاء و لا ماء لها، جاز؛ لأنّه يعرف بعدم الماء عنها أنّ الاستئجار لغير منفعة الزرع.

ثمّ إن حمل لها ماء من موضع آخر و زرعها، أو زرع على توقّع حصول ماء، لم يمنع منه، و ليس له البناء و لا الغراس؛ لأنّ تقدير المدّة يقتضي ظاهره التفريغ عند انقضائها، و الغراس و البناء للتأبيد، بخلاف ما لو استأجر للبناء و الغراس، فإنّ التصريح بهما صرف اللفظ عن ظاهره.

و إن لم يقل عند الإجارة: و لا ماء لها، فإن كانت الأرض بحيث يطمع في سوق الماء إليها [لم يصح العقد؛ لأنّ الغالب في مثلها الاستئجار للزراعة، فكأنّه ذكرها.

و إن كانت على قلّة جبل لا يطمع في سوق الماء إليها](1) فالأقرب:

ص: 65


1- ما بين المعقوفين أثبتناه من «العزيز شرح الوجيز» و «روضة الطالبين».

الجواز.

و للشافعيّة و جهان(1).

و إذا اعتبرنا نفي الماء، قام علم المتعاقدين مقام التصريح بنفيه.

و للشافعيّة و جهان، أشبههما عندهم: المنع؛ لأنّ العادة في مثلها الاستئجار للزراعة، فلا بدّ من الصرف باللفظ، ألا ترى أنّه لمّا كانت العادة في الثمار الإبقاء و أردنا خلافه اعتبرنا التصريح بشرط القطع(2).

مسألة 556: ما لا ينتفع به في الحال و يصير منتفعا به في المدّة، الأقوى:

مسألة 556: ما لا ينتفع به في الحال و يصير منتفعا به في المدّة، الأقوى: المنع من إجارته، كالجحش الذي لا يحمل و ما أشبهه من صغار الإبل و البقر إذا استأجرها مدّة يحصل النفع فيها و ليست حاصلة وقت العقد؛ لأنّ ابتداء مدّة الانتفاع مجهول، فيصير العقد واقعا على منفعة مجهولة، و قد بيّنّا أنّ من شرط صحّة الإجارة العلم بالمنفعة.

مسألة 557: لا يشترط في مدّة الإجارة أن تلي العقد،

مسألة 557: لا يشترط في مدّة الإجارة أن تلي العقد، بل لو آجره الدار أو الدابّة أو غيرهما سنة خمس و هما في سنة ثلاث، أو آجره شهر رجب و هما في المحرّم، صحّ عند علمائنا أجمع، سواء كانت الإجارة واردة على الأعيان - كإجارة الدار للسنة القابلة أو الشهر الآتي أو غدا، و كذا إذا قال: آجرتك سنة أوّلها من الغد أو من الشهر الآتي، أو آجرتك هذه الدابّة للركوب إلى موضع كذا على أن تخرج غدا - أو كانت الإجارة واردة على الذمّة، كما إذا قال: ألزمت ذمّتك حملي إلى موضع كذا على دابّة صفتها كذا غدا أو غرّة شهر كذا، و سواء كانت العين التي وردت الإجارة عليها غير مشغولة بعقد إجارة سابقة، أو مشغولة بعقد إجارة إمّا للمستأجر

ص: 66


1- العزيز شرح الوجيز 95:6، روضة الطالبين 256:4.
2- العزيز شرح الوجيز 95:6، روضة الطالبين 256:4.

الآن أو لغيره - و به قال أبو حنيفة و أحمد(1) - لأنّها مدّة يجوز العقد عليها مع غيرها، فجاز عليها مفردة، و لأنّ الشهرين يجوز العقد عليهما، فجاز العقد على كلّ واحد منهما، كالعينين، و لأنّه تصحّ إجارتها في الزمان المستقبل للمستأجر على أحد قولي الشافعي(2) ، فجاز على غيره؛ لعدم اعتبار خصوصيّات المستأجرين، و لأنّه تجوز الإجارة في المدّة المستقبلة فيما يرد على الذمّة، فكذا في الإجارة التي ترد على العين.

و قال الشافعي قولا عجيبا غريبا: إنّ الإجارة إن كانت واردة على العين و هي غير مشغولة بإجارة أخرى، وجب اتّصال مدّة الإجارة بالعقد، فلو قال: آجرتك هذه الدار شهرا أوّله غدا، لم تصح.

و إن كانت مشغولة بعقد إجارة ينتهي بعد العقد و لو بيوم واحد فعقد عليها عقدا ثانيا مبدأ مدّته انقضاء مدّة العقد الأوّل، فإن كان العقد الثاني للمستأجر الأوّل، فقولان عنده، أحدهما: الصحّة، و الثاني: البطلان، و إن كان لغير المستأجر الأوّل، بطل.

و إن كانت الإجارة واردة على الذمّة، صحّ فيها التأخير و التأجيل؛ لأنّ منافع الزمان المستقبل غير مقدور عليها في الحال، فأشبه إجارة العين المغصوبة، أمّا إذا نجز، كان التسليم في الزمان الحاضر مقدورا عليه، فينسحب حكمه على جميع المدّة المتواصلة؛ للحاجة و بالقياس على البيع،4.

ص: 67


1- بدائع الصنائع 232:4، المغني 9:6-10، الشرح الكبير 58:6-59، بحر المذهب 281:9، التهذيب - للبغوي - 432:4، البيان 262:7، العزيز شرح الوجيز 96:6.
2- الحاوي الكبير 409:7، المهذّب - للشيرازي - 407:1، بحر المذهب 9: 281، حلية العلماء 400:5-401، التهذيب - للبغوي - 432:4، البيان 7: 263، العزيز شرح الوجيز 96:6، روضة الطالبين 257:4.

فإنّه لو باع على أن يسلّم بعد شهر، كان باطلا، و القدرة على التسليم شرط عند وجوب التسليم، كالمسلم فيه لا يشترط وجوده و لا القدرة عليه حال العقد، بل حالة الحلول(1).

و الحكم في أصل القياس ممنوع.

و لو قال: آجرتك سنة فإذا انقضت فقد آجرتك سنة أخرى، فالعقد الثاني باطل؛ لأنّه علّق العقد على انقضاء السنة، و من شرط العقد التنجيز و إن كانت مدّة الانتفاع و التصرّف متأخّرة - و هو أصحّ وجهي الشافعيّة(2) - كما لو قال: إذا جاء رأس الشهر فقد آجرتك مدّة كذا.

و أمّا الإجارة الواردة على الذمّة فيحتمل فيها التأجيل و التأخير عند الشافعيّة، كما لو أسلم في شيء مؤجّلا، و إن أطلق كان حالاّ(3).

مسألة 558: إذا آجر داره سنة من زيد ثمّ آجرها من غيره السنة الثانية قبل انقضاء السنة الأولى،

مسألة 558: إذا آجر داره سنة من زيد ثمّ آجرها من غيره السنة الثانية قبل انقضاء السنة الأولى، جاز.

و قال الشافعي: لا يجوز(4).

و لو آجرها من زيد نفسه، جاز عندنا - و هو أحد قولي الشافعي(5) - لاتّصال المدّتين، كما لو آجر منه السنتين في عقد واحد.

و الثاني: المنع؛ لأنّه إجارة سنة قابلة، فلم تصح، كما لو آجر من غيره أو منه مدّة لا تتّصل بآخر المدّة الأولى، و لأنّ العقد الأوّل قد ينفسخ، فلا يتحقّق شرط العقد الثاني، و هو الاتّصال بالأوّل(6).

و هو غلط؛ لأنّا قد بيّنّا الجواز في الغير، ففي المستأجر أولى،

ص: 68


1- العزيز شرح الوجيز 96:6، روضة الطالبين 257:4.
2- العزيز شرح الوجيز 96:6، روضة الطالبين 257:4.
3- التهذيب - للبغوي - 432:4، العزيز شرح الوجيز 96:6، روضة الطالبين 257:4.
4- التهذيب - للبغوي - 432:4، العزيز شرح الوجيز 96:6، روضة الطالبين 257:4.
5- راجع: الهامش (2) من ص 67.
6- راجع: الهامش (2) من ص 67.

و الشرط رعاية الاتّصال ظاهرا، و ذلك لا يقدح فيه الانفساخ العارض.

و لو آجرها من زيد سنة و آجرها زيد من عمرو، ثمّ آجرها المالك من عمرو السنة الثانية قبل انقضاء الأولى، صحّ عندنا، خلافا للشافعي(1).

و لا يجوز أن يؤجرها من زيد عند بعض الشافعيّة(2).

و جوّزه القفّال، فقال: إنّه يجوز أن يؤجرها من زيد، و لا يؤجرها من عمرو؛ لأنّ زيدا هو الذي عاقده، فيضمّ إلى ما استحقّ بالعقد الأوّل السنة الثانية.

قال: و لو آجر داره سنة و باعها في المدّة و جوّزناه، لم يكن للمشتري أن يؤجرها السنة الثانية من المكتري؛ لأنّه لم تكن بينهما معاقدة. و تردّد في أنّ الوارث هل يتمكّن منه إذا مات [المكري](3) في المدّة؛ لأنّ الوارث نائبه ؟(4).

و الحقّ عندنا: الجواز.

مسألة 559: يجوز أن يؤجر داره و حانوته و غيرهما من الأعيان شهرا على أن ينتفع بها الأيّام دون الليالي؛

مسألة 559: يجوز أن يؤجر داره و حانوته و غيرهما من الأعيان شهرا على أن ينتفع بها الأيّام دون الليالي؛ لقوله عليه السّلام: «المؤمنون عند شروطهم»(5).

ص: 69


1- التهذيب - للبغوي - 432:4، العزيز شرح الوجيز 96:6-97، روضة الطالبين 257:4.
2- التهذيب - للبغوي - 432:4، العزيز شرح الوجيز 97:6، روضة الطالبين 4: 257.
3- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «المكتري». و المثبت كما في المصدر.
4- روضة الطالبين 257:4، و راجع: العزيز شرح الوجيز 97:6.
5- راجع: الهامش (1) من ص 40.

و لأنّ هذه منفعة محلّلة مقصودة، فجازت المعاوضة عليها، كالدائم ليلا و نهارا، و كما لو استأجر الدابّة و العبد، فإنّه يتناول الخدمة و العمل بمجرى العادة، و يبطل العمل وقت الراحة بالعادة، فكذا في المسكن.

و قال الشافعي: لا يجوز؛ لأنّ زمان الانتفاع لا يتّصل بعضه ببعض، فيكون إجارة للزمان المستقبل، و قد سلّم في الدابّة و العبد جواز ذلك؛ لأنّهما لا يطيقان العمل الدائم و يترفّهان(1) بالليل على العادة و إن أطلق الإجارة(2).

و هو ينقض ما ذكروه؛ لأنّ الاتّصال إذا كان شرطا وجب في الجميع، و إن لم يكن شرطا هنا لم يكن هناك.

مسألة 560: يجوز أن يؤجر دابّته إلى موضع ليركبها المالك زمانا ثمّ المكتري زمانا،

عندنا.

مسألة 560: يجوز أن يؤجر دابّته إلى موضع ليركبها المالك زمانا ثمّ المكتري زمانا، و قال الشافعي: لا يجوز؛ لتأخّر حقّ المكتري، و تعلّق الإجارة بالزمان المستقبل(3).

و هو فاسد؛ لما تقدّم.

و لو آجرها منه ليركب المكتري بعض الطريق و ينزل و يمشي في البعض، أو آجرها من اثنين ليركب هذا زمانا، و هذا مثله، جاز عندنا أيضا؛ للأصل.

و للشافعيّة ثلاثة أوجه:

ص: 70


1- في «ر» و المصدر: «يرفّهان».
2- العزيز شرح الوجيز 97:6، روضة الطالبين 257:4-258.
3- التهذيب - للبغوي - 463:4، العزيز شرح الوجيز 97:6، روضة الطالبين 4: 258.

أحدها: إنّ الإجارة فاسدة في الصورة الأولى، صحيحة في الثانية؛ لأنّه إذا أكرى من اثنين، اتّصل زمان الإجارة بعضه من بعض، و إذا أكرى من واحد، تفرّق، فيكون إجارة للزمان المستقبل.

و ثانيها: المنع في الصورتين؛ لأنّه إجارة إلى آجال متفرّقة و أزمنة متقطّعة.

و ثالثها - و به قال المزني -: إنّه تجوز الإجارة في الصورتين مضمونة في الذمّة، و لا تجوز على دابّة معيّنة.

و الفرق: إنّها إذا كانت في الذمّة، فإن آجر من واحد، فقد ملّكه نصف المنافع على الإشاعة، فيقاسم المالك، فإن آجرها من اثنين، ملّكهما الكلّ، فيتقاسمان، و أمّا إجارة العين فإنّها تتعلّق بأزمنة متقطّعة، فتكون إجارة للزمان المستقبل، فإنّ الذي يركب بعد الأوّل لا يتّصل انتفاعه بالعقد، و هذا يفسد عقد الإجارة.

و أصحّها - و هو نصّه في الأم(1) -: جواز الإجارة في الصورتين، سواء وردت على العين أو الذمّة، و يثبت الاستحقاق في الحال، ثمّ يقتسم المكتري و المكري أو المكتريان.

و التأخّر الواقع من ضرورة القسمة و التسليم لا يضرّ؛ لأنّهما اكتريا جميعا، فملكا منافع الركوب بينهما، ألا ترى أنّهما لو اكتريا البعير من واحد جميعا، صحّ، و يثبت أنّهما ملكا المنافع على وجه الإشاعة، إلاّ أنّهما لا يمكنهما أن يستوفيا جميعا، فيقدّم أحدهما على الآخر، و هذا لا يقدّم في العقد، ألا ترى أنّهما لو اشتريا طعاما من صبرة، فإنّ أحدهما يقبض قبل4.

ص: 71


1- راجع: الأم 35:4.

الآخر، و لا يكون ذلك تأخيرا في التسليم(1).

و هذه المسألة تعرف بكرى العقب، و هو جمع عقبة، و العقبة:

النوبة، و هما يتعاقبان على الراحلة: إذا ركب هذا تارة و هذا أخرى.

مسألة 561: إذا استأجرا عقبة، صحّ على ما قلناه.

ثمّ إن كان في الطريق عادة مضبوطة إمّا بالزمان بأن يركب يوما و ينزل يوما، أو بالمسافة بأن يركب فرسخا و يمشي فرسخا، حمل الإطلاق عليها.

و لو اتّفق المؤجر و المستأجر على العقبة بخلاف العادة و كان مضبوطا، صحّ العقد أيضا، و حمل على ما اتّفقا عليه دون العادة.

و لو عيّنا أن يركب ليلا و يمشي نهارا، جاز، و ليس لأحدهما أن يطلب الركوب ثلاثة أيّام و النزول ثلاثة أيّام، إلاّ برضا الآخر.

أمّا إذا طلبه الراكب: فلأنّ ذلك يضرّ بالبعير؛ لاتّصال الركوب عليه، و لأنّه إذا ركب بعد شدّة تعبه كان أثقل على البعير.

و أمّا إذا طلبه المؤجر: فلأنّ الراكب يتضرّر باتّصال المشي عليه و دوامه.

و لو اتّفقا عليه، جاز.

و إن لم تكن هناك عادة مضبوطة، فلا بدّ من البيان و التعيين في ابتداء العقد؛ لترتفع الجهالة و التشاجر.

و قال بعض العامّة: لو أطلق العقبة و هناك عرف و عادة، لا يصحّ العقد؛ لأنّ ذلك يختلف، و لا ضابط فيه، فيكون مجهولا(2).

و هو ممنوع؛ إذ التقدير الضبط عادة، و الحمل على العادة كالحمل

ص: 72


1- العزيز شرح الوجيز 97:6-98، روضة الطالبين 258:4.
2- المغني و الشرح الكبير 111:6.

على المشروط لفظا.

مسألة 562: إذا استأجر اثنان جملا يركبانه عقبة بأن ينزل أحدهما و يركب الآخر،

مسألة 562: إذا استأجر اثنان جملا يركبانه عقبة بأن ينزل أحدهما و يركب الآخر، صحّ، و يكون كراؤهما طول الطريق و الاستيفاء بينهما على ما يتّفقان عليه.

و إن تشاحّا قسّم بينهما، لكلّ واحد منهما فراسخ معلومة أو أزمنة معيّنة.

و إن كان لذلك عرف، رجع إليه.

و إن اختلفا في من يبدأ بالركوب، فالحاكم القرعة.

و يحتمل أن لا يصحّ كراؤهما إلاّ أن يتّفقا على ركوب معلوم لكلّ واحد منهما؛ لأنّه عقد على مجهول بالنسبة إلى كلّ واحد منهما، فلم يصح.

[و لو آجرهما الدابّة](1) و لم يتعرّض للتعاقب، قال بعض الشافعيّة: إن احتملت الدابّة ركوب شخصين اجتمعا على الركوب، و إلاّ تناوبا(2).

و لو قال: آجرتك نصف الدابّة إلى موضع كذا، أو آجرتك الدابّة لتركبها نصف الطريق، صحّ، و يقتسمان إمّا بالزمان أو بالمسافة، و هذه إجارة المشاع تصحّ، كما يصحّ بيع المشاع، و به قال الشافعي و مالك(3).

ص: 73


1- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «فلو استأجراها - استأجرها - للدابّة». و هو كما ترى، و ما أثبتناه هو الموافق لما في العزيز شرح الوجيز و روضة الطالبين.
2- العزيز شرح الوجيز 98:6، روضة الطالبين 258:4-259.
3- الإشراف على مذاهب أهل العلم 121:2، المهذّب - للشيرازي - 402:1، نهاية المطلب 98:8، و 121، بحر المذهب 282:9، حلية العلماء 387:5،

و قال أبو حنيفة و أحمد: لا تصحّ إجارة المشاع إلاّ من الشريك(1).

و في إجارة نصف الدابّة للشافعيّة وجه: إنّه لا يجوز؛ لأنّها غير قابلة للتقطّع، بخلاف إجارة نصف الدار، و بخلاف ما إذا آجر منهما ليركبا في محمل(2).

مسألة 563: يشترط معرفة الراكبين إمّا بالمشاهدة أو بالوصف الرافع للجهالة،

مسألة 563: يشترط معرفة الراكبين إمّا بالمشاهدة أو بالوصف الرافع للجهالة، و يصفهما بما يختلفان به من الطول و القصر، و الهزال و السمن، و الصحّة و المرض، و الصغر و الكبر، و الذكورة و الأنوثة.

و قال بعض العامّة: لا بدّ من معرفة الراكبين بالرؤية؛ لأنّه يختلف [بثقله و خفّته و سكونه و حركته](3) و لا ينضبط بالوصف، فيجب تعيينه(4).

ص: 74


1- تحفة الفقهاء 357:2، بدائع الصنائع 187:4، الفقه النافع 1133:3 - 1134، مختصر اختلاف العلماء 1821/124:4، المبسوط - للسرخسي - 15: 144، وسائل الأسلاف إلى مسائل الخلاف: 529، الهداية - للمرغيناني - 3: 240، المغني 152:6، الشرح الكبير 46:6، الإشراف على مذاهب أهل العلم 121:2، نهاية المطلب 121:8، بحر المذهب 282:9، حلية العلماء 5: 387، التهذيب - للبغوي - 426:4، البيان 256:7، العزيز شرح الوجيز 6: 98، بداية المجتهد 227:2، الإفصاح عن معاني الصحاح 34:2، المحلّى 8: 200-201.
2- العزيز شرح الوجيز 98:6، روضة الطالبين 259:4.
3- التهذيب - للبغوي - 426:4، البيان 256:7، العزيز شرح الوجيز 98:6، روضة الطالبين 259:4، بداية المجتهد 227:2، تحفة الفقهاء 357:2، بدائع الصنائع 187:4، المبسوط - للسرخسي - 145:15، مختصر اختلاف العلماء 1821/124:4، وسائل الأسلاف إلى مسائل الخلاف: 529، المغني 152:6، الشرح الكبير 46:6، الإفصاح عن معاني الصحاح 34:2، المحلّى 200:8.
4- المغني 112:6، الشرح الكبير 107:6.

و لا بأس به، و هو مذهب الشافعي(1).

و المحامل تجب رؤيتها أو وصفها، و يذكر وزنها؛ للاختلاف بالثقل و الخفّة.

و منع بعضهم من الاكتفاء بالوصف(2).

و ليس بجيّد؛ لأنّه عقد معاوضة مضاف إلى حيوان، فاكتفي فيه بالصفة، كالبيع، و كالركوب في الإجارة، و لأنّه لو لم يكتف فيه بالصفة لما جاز للراكب أن يقيم غيره مقامه؛ لأنّه إنّما يعلم كونه مثله لتساويهما في الصفات، فما لا تأتي عليه الصفات لا يعلم التساوي فيه، و لأنّ الوصف يكفي في البيع، فاكتفي به في الإجارة، كالرؤية.

مسألة 564: ما لا قدرة عليه شرعا جار مجرى ما لا قدرة عليه حسّا،

مسألة 564: ما لا قدرة عليه شرعا جار مجرى ما لا قدرة عليه حسّا، فكما لا يجوز العقد على ما لا يقدر عليه حسّا، كذا لا يجوز العقد على ما لا يقدر عليه شرعا، فلو استأجره لقلع سنّ صحيحة أو لقطع يد صحيحة، لم يصح العقد؛ لأنّه ممنوع من القلع و القطع هنا شرعا.

و كذا لا يجوز استئجار الحائض لكنس المسجد و فرشه و خدمته؛ لأنّ ذلك محرّم، فتعذّر تسليم المنافع شرعا.

و جوّزه بعض الشافعيّة و إن كان حراما، كما تصحّ الصلاة في الدار

ص: 75


1- الحاوي الكبير 411:7، المهذّب - للشيرازي - 404:1، بحر المذهب 9: 284، التهذيب - للبغوي - 457:4، البيان 267:7، العزيز شرح الوجيز 6: 116، روضة الطالبين 273:4-274، المغني 112:6، الشرح الكبير 107:6.
2- الحاوي الكبير 412:7، المهذّب - للشيرازي - 404:1، نهاية المطلب 8: 126، بحر المذهب 284:9، حلية العلماء 395:5، التهذيب - للبغوي - 4: 458، البيان 267:7، العزيز شرح الوجيز 117:6، روضة الطالبين 274:4، المغني 112:6، الشرح الكبير 107:6.

المغصوبة و إن كان شغل ملك الغير معصية(1).

و الحكم في الأصل ممنوع.

مسألة 565: لا يجوز الاستئجار لتعليم التوراة و الإنجيل؛ لأنّهما منسوخان

مسألة 565: لا يجوز الاستئجار لتعليم التوراة و الإنجيل؛ لأنّهمامنسوخان، و تعلّمهما حرام، فلا يقدر على تسليم المنفعة شرعا.

و كذا لا يجوز الاستئجار على تعليم كتب الضلال و السحر و الشعبذة و الكهانة و القيافة و كلّ صنعة محرّمة، كالغناء و تعليم الشطرنج و النرد و أصناف الملاهي و القمار، كما لا يصحّ العقد عليها في البيع.

و كذا لا يجوز على تعليم الفحش و السبّ لمن لا يجوز.

و بالجملة، كلّ فعل محرّم و منفعة محرّمة لا يجوز الاستئجار عليها، و إن عقد بطل العقد.

و كذا لا يجوز الاستئجار على ختان الصغير الذي لا يحتمل ألمه و يخشى تلفه، و كذا على قطع السّلع(2) التي لا يؤمن معها الموت.

مسألة 566: لو كانت السنّ وجعة، جاز قلعها بشرط صعوبة الألم و قول أهل المعرفة:

مسألة 566: لو كانت السنّ وجعة، جاز قلعها بشرط صعوبة الألم و قول أهل المعرفة إنّ قلعها مزيل له، و إلاّ فلا.

و لو كانت اليد متآكلة و كان قطعها نافعا و لا يخاف التلف معه، جاز قطعها؛ لما فيه من المنفعة.

و للشافعيّة قولان، أحدهما: المنع؛ لأنّ القطع إنّما ينفع إذا وضعت الحديدة على محلّ صحيح، و أنّه مهلك، كما أنّ الأكلة مهلكة(3).

ص: 76


1- الوسيط 164:4، العزيز شرح الوجيز 99:6.
2- السّلع جمع، واحدها: السلعة، و هي زيادة تحدث في الجسد كالغدّة، تتحرّك إذا حرّكت، و قد تكون من حمّصة إلى بطّيخة. الصحاح 1231:3 «سلع».
3- الوسيط 164:4، العزيز شرح الوجيز 100:6، روضة الطالبين 259:4.

و لا نزاع في الحقيقة؛ لأنّا إنّما نجوّزه في صورة الأمن من التلف.

و كلّ موضع لا يجوز فيه قلع السنّ و لا قطع اليد لا يجوز الاستئجار عليه، فإن استأجر عليه بطل العقد؛ لأنّه منهيّ عنه بعينه، فأشبه الاستئجار لقتل النفس المحترمة.

و كلّ موضع يجوز فيه القلع و القطع يجوز الاستئجار عليه؛ لأنّها منفعة محلّلة مقصودة، فجاز عقد الإجارة فيها، كغيرها من المنافع.

و للشافعيّة و جهان:

أحدهما: المنع؛ لأنّ الإجارة إنّما تجوز(1) في عمل موثوق به، و زوال العلّة محتمل، فيمتنع الوفاء بقضيّة الإجارة، و سبيل مثل هذا الغرض أن يحصل بالجعالة بأن يقول: اقلع سنّي هذه و لك كذا.

و أصحّهما عندهم: الصحّة - كما قلناه - إذ لا يشترط لصحّة الإجارة القطع بسلامتها عمّا يقطعها(2).

و رأى الجويني تخصيص الوجهين بالقلع؛ لأنّ احتمال فتور الوجع في الزمان الذي يفرض فيه القلع غير بعيد، أمّا زوال الأكلة في زمان القطع فإنّه غير محتمل.

و أجرى الخلاف في الاستئجار للفصد و الحجامة و بزغ الدابّة(3) ؛ لأنّ هذه إيلامات إنّما تباح بالحاجة، و قد تزول الحاجة(4).

و ما ذكروه في وجه المنع غلط؛ لأنّ المستأجر إنّما استأجر لقلع».

ص: 77


1- في الطبعة الحجريّة: «لا تجوز إلاّ» بدل «إنّما تجوز».
2- العزيز شرح الوجيز 100:6، روضة الطالبين 260:4.
3- بزّغ البيطار الحافر: إذا عمد إلى أشاعره بمبضع فوخزه به و خزا خفيّا لا يبلغ العصب فيكون دواء له. لسان العرب 418:8 «بزغ».
4- العزيز شرح الوجيز 100:6، روضة الطالبين 260:4.

الضرس و قطع اليد، و لم يستأجر لإزالة الألم، بل لو استأجر له بطل، و لا يلزم من الاستئجار على فعل يؤدّي إلى مصلحة حصول تلك المصلحة قطعا من الفعل الذي وقعت الإجارة عليه.

مسألة 567: لو تجدّد تعذّر تسليم المنفعة، بطل العقد من ذلك الوقت،

مسألة 567: لو تجدّد تعذّر تسليم المنفعة، الوقت، بطل العقد من ذلك فلو استأجر امرأة لكنس المسجد فحاضت و كانت الإجارة واقعة على العين و عيّنت المدّة، انفسخ العقد؛ لتعذّر الفعل منها حينئذ.

و إن وردت على الذمّة، لم تنفسخ؛ لإمكان أن تفوّضه المرأة إلى الغير، و أن تكنس بعد أن تطهر.

و لو استأجر لقلع السنّ الوجعة فارتفع الوجع و برئ، انفسخت الإجارة؛ لتعذّر القلع.

و لو لم يسكن الوجع و لكن امتنع المستأجر من قلعه، لم يجبر المستأجر عليه، لكن إذا سلّم الأجير نفسه و مضت مدّة يمكن فيها قلع الضرس على التمكين، وجب على المستأجر دفع الأجرة إلى الأجير؛ لأنّه قد ملك الأجرة بالعقد، و استقرّت بالتمكين طول المدّة.

و قال بعض الشافعيّة: لا يجب على المستأجر دفع الأجرة، و لا تستقرّ الأجرة حتى لو انقلعت تلك السنّ انفسخت الإجارة، و وجب ردّ الأجرة إن كان الأجير قد قبضها، كما لو مكّنت الزوجة في النكاح و لم يطأها الزوج، بخلاف ما لو حبس الدابّة مدّة إمكان السير حتى تستقرّ عليه الأجرة؛ لتلف المنافع تحت يده(1).

مسألة 568: يجوز الاستئجار للرضاع على ما تقدّم

مسألة 568: يجوز الاستئجار للرضاع على ما تقدّم(2) من أنّه منفعة

مسألة 568: يجوز الاستئجار للرضاع على ما تقدّم(2) من أنّه منفعة

ص: 78


1- العزيز شرح الوجيز 100:6، روضة الطالبين 260:4.
2- في ص 53 و 54، المسألتان 545 و 546.

محلّلة مقصودة.

و تقدّم(1) الخلاف في أنّ المعقود عليه هل هو اللبن و الخدمة تابعة له، أو أنّ المقصود بالعقد هو الخدمة بأن تحمل الصبي للرضاع، و تضع الثدي في فمه، و تحرّكه عند الحاجة إليه، كالصبغ في إجارة الصبّاغ و ماء البئر في الدار؟ و الأقرب: الثاني.

إذا عرفت هذا، فإذا كان للمرأة ولد من زوجها، لم يكن عليها أن ترضعه؛ لأنّ مؤونته على أبيه، فإن أرادت إرضاعه فإن كان ذلك ممّا يمنع شيئا من حقوق الزوج، لم يكن لها ذلك، إلاّ بإذن الزوج؛ لأنّ توفية المنافع المستحقّة عليها للزوج لازمة لها، فإذا كان الإرضاع يخلّ ببعضها كانت ممنوعة منه.

مسألة 569: يجوز للرجل أن يستأجر زوجته الحرّة لإرضاع ولده منها - و هو أصحّ وجهي الشافعيّة،

مسألة 569: يجوز للرجل أن يستأجر زوجته الحرّة لإرضاع ولده منها - و هو أصحّ وجهي الشافعيّة، و الصحيح من مذهب أحمد(2) - للأصل، و لقوله تعالى: فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ (3).

و لأنّ كلّ عقد يصحّ أن تعقد مع غير الزوج يصحّ أن تعقد معه، كالبيع، و لأنّ منافعها في الرضاع و الحضانة غير مستحقّة للزوج؛ لأنّه لا يملك إجبارها على حضانة ولدها و لا رضاعه، و لها أن تأخذ العوض عليه من غيره فجاز لها أن تأخذ منه، كثمر نخلها.

و قال الشافعي: لا يجوز للرجل أن يستأجر زوجته لإرضاع ولده منها

ص: 79


1- في ص 53-54.
2- نهاية المطلب 79:8-80، بحر المذهب 304:9، الوجيز 232:1، الوسيط 164:4، حلية العلماء 431:5، العزيز شرح الوجيز 101:6-102، روضة الطالبين 261:4، المغني 86:6، الشرح الكبير 42:6.
3- سورة الطلاق: 6.

- و هو رواية عن أحمد، و قول أصحاب الرأي - لأنّه استحقّ حبسها؛ لأنّها أخذت منه عوضا في مقابلة الاستمتاع، و عوضا في مقابلة التمكين و الحبس، فلا يلزمه عوض آخر، و لا يمتنع أن يصحّ مع غيره و لا يصحّ معه، كما يجوز أن يزوّج أمته من غيره فلا يتزوّجها مع ملكها(1).

و ليس بجيّد؛ لضعفه، و مع هذا ينتقض باستئجارها لسائر الأعمال، و يعارض لو استأجرها بعد البينونة، و كما لو استأجرها للطبخ و الكنس و نحوهما.

و قال أبو حنيفة: إنّه لا يجوز استئجارها للطبخ و ما أشبهه؛ لأنّه مستحقّ عليها في العادة(2).

و هو باطل عندنا.

قولهم: إنّها استحقّت عوض الحبس و الاستمتاع.

قلنا: هذا غير الحضانة، و استحقاق منفعة من جهة لا يمنع استحقاق منفعة سواها بعوض آخر، كما لو استأجرها أوّلا ثمّ تزوّجها.

و على هذا الخلاف استئجار الوالد ولده للخدمة.

و في عكسه للشافعيّة و جهان إذا كانت الإجارة على عينه، كالوجهين فيما إذا آجر المسلم نفسه من كافر(3).4.

ص: 80


1- نهاية المطلب 79:8-80، بحر المذهب 304:9، الوسيط 164:4، حلية العلماء 431:5، العزيز شرح الوجيز 101:6-102، روضة الطالبين 261:4، المغني 86:6، الشرح الكبير 42:6، بدائع الصنائع 192:4، المبسوط - للسرخسي - 127:15.
2- بدائع الصنائع 192:4، المبسوط - للسرخسي - 128:15، العزيز شرح الوجيز 102:6.
3- العزيز شرح الوجيز 102:6، روضة الطالبين 261:4.
مسألة 570: يجوز للرجل استئجار ابنته و أخته و أمّه لإرضاع ولده، و كذلك سائر أقاربه بلا خلاف.

و كذا يجوز للرجل أن يؤجر أمته و مدبّرته و أمّ ولده و المنذور عتقها و المأذون لها في التجارة، و إجبارهنّ على الإرضاع؛ لأنّه عقد على منفعة أمته المباحة، فكان جائزا، كما لو استأجرها للخدمة.

و ليس للأمة و لا للمدبّرة و لا لمن نذر عتقها إجارة نفسها؛ لأنّها مملوكة للغير، فلا يجوز لها التصرّف في منافعها المملوكة لغيرها إلاّ بإذنه.

و كذا المأذون لها في التجارة ليس لها أن تؤجر نفسها للإرضاع إلاّ بإذن مولاها، و له إجبارها على الرضاع؛ لأنّ ذلك ليس من جملة التجارة، فلا يدخل تحت الإذن فيها.

و إذا كانت ذات ولد، لم يجز إجارتها للإرضاع إلاّ أن يكون فيها فضل عن ريّه؛ لأنّ الحقّ لولدها، و ليس لمولاها إلاّ ما فضل عنه.

و لو كانت الأمّة مزوّجة، لم يكن لمولاها إجارتها للإرضاع إن كان يمنع شيئا من حقوق الزوج أو ينقص في الاستمتاع إلاّ بإذن الزوج؛ لأنّه يفوّت حقّ الزوج، لاشتغالها عنه بإرضاع الصبي و حضانته.

مسألة 571: يجوز للأجنبيّ استئجار زوجة الغير لإرضاع ولده،

مسألة 571: يجوز للأجنبيّ استئجار زوجة الغير لإرضاع ولده، و به قال الشافعي(1).

و كذا يجوز أن يستأجرها لغير الإرضاع إذا لم يحصل فيه تفويت حقّ الزوج و لا قصور استمتاع بها، بإذن الزوج و بغير إذنه؛ لأنّها حرّة مالكة لمنافعها التي لا تعلّق للزوج بها، فجاز لها صرفها إلى من شاءت بعوض

ص: 81


1- العزيز شرح الوجيز 101:6، روضة الطالبين 261:4.

و غيره، و لأنّ محلّ الإرضاع غير محلّ النكاح؛ إذ لا حقّ له في لبنها و خدمتها، و هو أحد وجهي الشافعيّة، و الثاني: إنّه لا يكون له أن يستأجرها للرضاع إلاّ بإذن الزوج؛ لأنّ أوقاتها مستغرقة بحقّ الزوج، فلا تقدر على توفية ما التزمته، فإن لم نصحّح العقد فلا بحث، و إن صحّحناه كان للزوج فسخه إن منع شيئا من حقوقه لئلاّ يختلّ حقّه(1).

مسألة 572: لو أجرت الحرّة نفسها للرضاع

مسألة 572: لو أجرت الحرّة نفسها للرضاع(2) و لا زوج لها ثمّ تزوّجت في المدّة، فالإجارة بحالها،

مسألة 572: لو أجرت الحرّة نفسها للرضاع(2) و لا زوج لها ثم تزوّجت في المدّة، فالإجارة بحالها، و ليس للزوج منعها من توفية ما التزمته؛ لسبق حقّ المستأجر، كما لو أجرت نفسها بإذنه، لكن يستمتع بها في أوقات فراغها.

و كذا لو أجر أمته للإرضاع ثمّ زوّجها بعد ذلك، صحّ النكاح، و لا ينفسخ عقد الإجارة، و للزوج الاستمتاع بها وقت فراغها من الرضاع.

و ليس لوليّ الطفل الذي استأجرها لإرضاعه منع الزوج من وطئها - و هو أحد وجهي الشافعيّة(3) - لأصالة عدم المنع.

و في الثاني: إنّ له منع الزوج من الوطئ - و به قال أبو حنيفة و مالك - لأنّ المرأة ربما تحبل من وطئ الزوج فينقطع اللبن أو يقلّ فيتضرّر الولد(4).

و ليس بجيّد؛ لأنّ الوطء مستحقّ، فلا يسقط لأمر مشكوك فيه، و الحبل أمر موهوم، فلا يمنع به الوطء المستحقّ بالعقد.

ص: 82


1- العزيز شرح الوجيز 101:6، روضة الطالبين 261:4.
2- في «د، ص»: «للإرضاع».
3- بحر المذهب 303:9، البيان 276:7، العزيز شرح الوجيز 101:6، روضة الطالبين 261:4، النوادر و الزيادات 56:7، الذخيرة 408:5، الإشراف على نكت مسائل الخلاف 1163/659:2، مختصر اختلاف العلماء 1798/110:4.
4- بحر المذهب 303:9، البيان 276:7، العزيز شرح الوجيز 101:6، روضة الطالبين 261:4، النوادر و الزيادات 56:7، الذخيرة 408:5، الإشراف على نكت مسائل الخلاف 1163/659:2، مختصر اختلاف العلماء 1798/110:4.

أمّا لو فرضنا أنّ الإصابة تضرّ بالولد، فإنّه يمنع الزوج من الإصابة، سواء كان بتوسّط الحبل أو لا إذا علم حصول الحبل.

مسألة 573: ليس للسيّد أن يؤجر مكاتبته للرضاع، سواء كانت الكتابة مطلقة أو مشروطة؛ لانقطاع تصرّف المولى في منافعها،

مسألة 573: ليس للسيّد أن يؤجر مكاتبته للرضاع، سواء كانت الكتابة مطلقة أو مشروطة؛ لانقطاع تصرّف المولى في منافعها، و لهذا لم يملك سيّدها تزويجها و لا وطأها و لا إجارتها في غير الرضاع، و لها أن تؤجر نفسها للرضاع و غيره و إن لم يأذن المولى؛ لأنّه اكتساب و هي مفوّضة فيه.

و كذا المعتق بعضها ليس للمولى(1) إجارتها للرضاع و لا لغيره.

و لا يجوز للمرضع أن تؤجر نفسها لإرضاع طفل غير الأوّل إلاّ بعد انقضاء مدّة الأوّل، فإن كان اللبن كثيرا يفي بالطفلين جاز لها ذلك.

و كذا حكم الجارية لو أجرها مولاها لإرضاع طفل، لم يكن له أن يؤجرها لإرضاع آخر إلاّ مع كثرة اللبن بحيث يفي للطفلين.

مسألة 574: كلّ موضع يمنع الزوج فيه من الوطئ لحقّ الرضاع تسقط فيه النفقة عنه في تلك المدّة،

مسألة 574: كلّ موضع يمنع الزوج فيه من الوطئ لحقّ الرضاع تسقط فيه النفقة عنه في تلك المدّة، و على المرضعة أن تأكل و تشرب ما يدرّ به لبنها و يصلح به، و للمستأجر مطالبتها بذلك؛ لأنّه من تمام التمكين من الرضاع، و في تركه إضرار بالصبي.

و لو لم ترضعه المؤجرة نفسها للرضاع، بل أسقته لبن الغنم أو أطعمته، لم يكن لها أجر؛ لأنّها لم توف المعقود عليه، فأشبه ما لو اكتراها لخياطة ثوب فلم تخطه.

و لو دفعته إلى خادمها فأرضعته، فكذلك، و به قال أحمد و أبو ثور(2).

ص: 83


1- في «ر»: «لمولاها» بدل «للمولى».
2- الإشراف على مذاهب أهل العلم 114:2، المغني 84:6-85، الشرح الكبير 20:6.

و قال أصحاب الرأي: لها أجرها؛ لأنّ رضاعه حصل بفعلها(1).

و ليس بجيّد؛ لأنّها لم ترضعه، فأشبه ما لو سقته لبن الغنم.

و لو اختلفا فقالت: أرضعته، و أنكر المستأجر، فالقول قولها؛ لأنّها مؤتمنة، على إشكال.

مسألة 575: إذا ماتت المرضعة، انفسخت الإجارة؛

مسألة 575: إذا ماتت المرضعة، انفسخت الإجارة؛ لأنّ المنفعة قد فاتت بهلاك محلّها، فأشبهت البهيمة المستأجرة إذا ماتت تنفسخ الإجارة، كذا هنا.

و قال بعض العامّة: لا تنفسخ، و يجب في مالها أجر من ترضعه تمام الوقت؛ لأنّه كالدّين(2).

و ليس بجيّد؛ لتعذّر استيفاء المنفعة من العين التي تعلّقت الإجارة بها.

و إن مات الطفل، انفسخت الإجارة؛ لأنّه يتعذّر استيفاء المعقود عليه؛ لأنّه لا يمكن إقامة غيره مقامه؛ لاختلاف الصبيان في الرضاع، و لأنّ العقد وقع على إيقاع الفعل و قد تعذّر ذلك، فأشبه ما إذا استأجر لخياطة ثوب فتلف الثوب، و هو أحد قولي الشافعي(3).

و الثاني: لا تبطل الإجارة؛ لأنّ الصبي يستوفى به، فلا تبطل الإجارة

ص: 84


1- بدائع الصنائع 209:4، المبسوط - للسرخسي - 127:15، الإشراف على مذاهب أهل العلم 114:2، بحر المذهب 304:9، المغني 85:6، الشرح الكبير 20:6.
2- المغني 87:6، الشرح الكبير 120:6-121.
3- الحاوي الكبير 424:7، المهذّب - للشيرازي - 413:1، نهاية المطلب 8: 203، بحر المذهب 305:9-306، الوسيط 199:4-200، حلية العلماء 5: 420، التهذيب - للبغوي - 445:4، البيان 317:7، العزيز شرح الوجيز 6: 173، روضة الطالبين 314:4، المغني 87:6، الشرح الكبير 120:6.

بموته، كموت الراكب(1).

و الفرق: إنّ اللبن قد يدرّ على أحد الولدين دون الآخر، فتتعذّر إقامة غيره مقامه.

و إن مات المستأجر، لم تبطل الإجارة عندنا - و به قال الشافعي(2) - لأنّ الإجارة لا تبطل بموت أحد المتواجرين على ما يأتي؛ لأنّ استيفاء المنفعة لم يتعذّر.

و كلّ موضع قلنا ببطلان الإجارة فيه هنا فإن كان عقيب العقد بلا فصل بطلت الإجارة من أصلها، و رجع المستأجر بالأجر كلّه، و إن كان في أثناء المدّة رجع بحصّة ما بقي.

تذنيب: قال أحمد بن حنبل: يستحبّ أن تعطى المرضعة عند الفطام عبدا؛ لأنّ حجّاج الأسلمي قال: قلت: يا رسول اللّه ما يذهب عنّي مذمّة الرضاع ؟ قال: «الغرّة: العبد أو الأمة»(3).

و المذمّة بكسر الذال من الذمام، و بفتحها يكون من الذمّ.

و خصّ الرقبة بالمجازاة لها؛ لأنّ فعلها في إرضاعه و حضانته يكون سبب حياته و حفظ رقبته، فاستحبّ جعل الجزاء رقبة، لتناسب الشكر و النعمة، و لذا جعل اللّه تعالى المرضعة أمّا في قوله: وَ أُمَّهاتُكُمُ اللاّتِي أَرْضَعْنَكُمْ (4) و قال عليه السّلام: «لا يجزي ولد والده إلاّ أن يجده مملوكا3.

ص: 85


1- نفس المصادر ما عدا المغني و الشرح الكبير.
2- بحر المذهب 305:9.
3- سنن أبي داود 2064/224:2، سنن الترمذي 1153/459:3، سنن النسائي 108:6.
4- سورة النساء: 23.

فيعتقه»(1) هذا مع يسار المسترضع(2).

و لم نقف لغيره على شيء في ذلك.

الشرط الثالث للمنفعة: يشترط في المنفعة أن تكون حاصلة للمستأجر، و إلاّ اجتمع العوضان في ملك واحد، و هو باطل؛
اشارة

الشرط الثالث للمنفعة: يشترط في المنفعة أن تكون حاصلة للمستأجر، و إلاّ اجتمع العوضان في ملك واحد، و هو باطل؛ فإنّ المعاوضة تقتضي التبادل في العوضين، فينتقل كلّ من العوضين إلى الآخر، فإذا قال:

استأجرت منك دابّتك لتركبها بعشرة دراهم، لم يصح، و إلاّ لزم أن تكون المنفعة و العشرة حاصلة للمؤجر.

و أكثر العناية في هذا الشرط أن [نذكر] حكم العبادات و القرب في الاستئجار، و هي نوعان:

أحدهما: القربة التي لا تدخلها النيابة، فلا يصحّ الاستئجار عليها؛ لأنّ الاستئجار إنابة بعوض، و غرض الشرع تعلّق بإيقاعها من مباشر خاصّ.

و أمّا ما تدخله النيابة(3) فيجوز الاستئجار عليه، كالحجّ و تفريق الزكاة.

و أمّا غسل الميّت فإنّه عند علمائنا يحرم أخذ الأجرة عليه.

و سوّغ الشافعيّة عقد الإجارة فيه(4).

و كذا تجهيز الميّت بالتكفين و الغسل و حفر القبر و حمل الجنازة و الدفن، فعندنا لا يجوز أخذ الأجرة على ذلك؛ لأنّه من فروض الكفاية.

ص: 86


1- صحيح مسلم 1510/1148:2، سنن ابن ماجة 3659/1207:2، سنن أبي داود 5137/235:4، سنن الترمذي 1906/315:4 بتفاوت يسير.
2- المغني 87:6-88، الشرح الكبير 20:6-21.
3- و هو النوع الثاني.
4- الوسيط 164:4، الوجيز 232:1، العزيز شرح الوجيز 102:6، روضة الطالبين 262:4.

و عندهم أنّ هذه المؤونات تختصّ بتركة الميّت، فإن لم تكن فحينئذ يجب على الناس القيام بها، فمثل هذا عندهم يجوز الاستئجار عليه؛ لأنّ الأجير غير مقصود بفعله حتى يقع عنه(1).

مسألة 576: و يكره أخذ الأجر على تعليم القرآن،

مسألة 576: و يكره أخذ الأجر على تعليم القرآن، و يجوز أخذ الهديّة فيه و الهبة عليه، لكن المحرّم إذا اشترط الأجر؛ لما رواه جرّاح المدائني عن الصادق عليه السّلام قال: «المعلّم لا يعلّم بالأجر، و يقبل الهديّة إذا أهدي إليه»(2).

و قد روى قتيبة الأعشى عن الصادق عليه السّلام، قال: قلت له: إنّي أقرئ القرآن فتهدى إليّ الهديّة فأقبلها؟ قال: «لا» قلت: إنّي(3) لم أشارطه، قال:

«أ رأيت لو لم تقرئه أكان يهدى لك ؟» قال: قلت: لا، قال: «فلا تقبله»(4).

قال الشيخ رحمه اللّه: هذا الخبر محمول على الكراهة، دون التحريم؛ لأنّ التنزّه عن مثل ذلك أولى و أفضل و إن لم يكن محظورا(5).

و جوّز الشافعي الأجر على ذلك، فإنّ كلّ أحد [لا](6) يختصّ بوجوب التعليم و إن كان نشر القرآن و إشاعته من فروض الكفايات(7).

و هذا إذا لم يتعيّن واحد لمباشرة هذه الأعمال، فإن تعيّن واحد لتجهيز الميّت أو لتعليم الفاتحة، فللشافعيّة و جهان:

ص: 87


1- العزيز شرح الوجيز 102:6-103، روضة الطالبين 262:4.
2- التهذيب 1047/365:6، الاستبصار 218/66:3.
3- في «ر» و التهذيبين: «إن» بدل «إنّي».
4- الفقيه 462/110:3، التهذيب 1048/365:6، الاستبصار 219/66:3.
5- التهذيب 365:6، ذيل ح 1048، الاستبصار 66:3، ذيل ح 219.
6- ما بين المعقوفين أثبتناه من المصدر.
7- العزيز شرح الوجيز 103:6، روضة الطالبين 262:4.

أحدهما: المنع - و هو الذي نذهب إليه - كفروض الأعيان ابتداء.

و أصحّهما عندهم: الجواز، كما أنّ المضطرّ يجب إطعامه، و يجوز تغريمه(1).

مسألة 577: الجهاد إن وجب على الأعيان بأن يدهم المسلمين - و العياذ باللّه - عدوّ لا يندفع إلاّ بعموم القيام في وجه العدوّ،

مسألة 577: الجهاد إن وجب على الأعيان بأن يدهم المسلمين - و العياذ باللّه - عدوّ لا يندفع إلاّ بعموم القيام في وجه العدوّ، فلا يجوز الاستئجار عليه؛ لأنّه الآن فرض عين، و المستأجر مكلّف بالجهاد و الذبّ عن الملّة، فيقع عنه.

نعم، يجوز له أن يستأجر الذمّي عليه.

و إن لم يجب على الأعيان، فإن كان الإمام قد عيّنه لم يجز الاستئجار عليه أيضا، و إن لم يعيّنه الإمام و كان فرضا على الكفاية جاز الاستئجار عليه؛ لأنّه لا يتعيّن على المباشر و لا على المستأجر.

مسألة 578: لا يجوز الاستئجار على الأذان و شبهه من شعائر الإسلام غير المفروضة؛

مسألة 578: لا يجوز الاستئجار على الأذان و شبهه من شعائر الإسلام غير المفروضة؛ لما روي عن أمير المؤمنين عليه السّلام أنّه أتاه رجل فقال: يا أمير المؤمنين و اللّه إنّي لأحبّك [للّه] فقال له: «و لكنّي أبغضك للّه» قال:

و لم ؟ قال: «لأنّك تبغي في الأذان، و تأخذ على تعليم القرآن أجرا، و سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقول: من أخذ على تعليم القرآن أجرا كان حظّه يوم القيامة»(2).

إذا عرفت هذا، فإنّ النهي في تعليم القرآن إنّما هو مع الشرط؛ لما رواه جرّاح المدائني قال: نهى الصادق عليه السّلام عن أجر القارئ الذي لا يقرأ إلاّ

ص: 88


1- العزيز شرح الوجيز 103:6، روضة الطالبين 262:4.
2- التهذيب 1099/376:6، و ما بين المعقوفين أثبتناه من المصدر.

بأجر مشروط(1).

و للشافعيّة في الأجر على الشعائر غير المفروضة كالأذان تفريعا على الأصحّ عندهم ثلاثة أوجه، فإن جوّزوه فثلاثة أوجه في أنّ المؤذّن علام يأخذ الأجرة ؟

أحدها: إنّه يأخذ على رعاية المواقيت.

و الثاني: على رفع الصوت.

و الثالث: على الحيّعلتين؛ فإنّهما ليستا من الأذكار.

و الأصحّ عندهم وجه رابع: إنّه يأخذ على جميع الأذان بجميع صفاته، و لا يبعد استحقاق الأجرة على ذكر اللّه تعالى، كما لا يبعد استحقاقها على تعليم القرآن و إن اشتمل على قراءة القرآن(2).

مسألة 579: لا يجوز أخذ الأجرة على إمامة الصلاة المفروضة،

مسألة 579: لا يجوز أخذ الأجرة على إمامة الصلاة المفروضة، و به قال الشافعي(3).

و الإمامة في النوافل عندنا باطلة، و عند الجمهور تصحّ.

و للشافعيّة في أخذ الأجرة على الإمامة في التراويح و سائر النوافل و جهان، الأصحّ عندهم: المنع؛ لأنّ الإمام مصلّ لنفسه، و مهما صلّى اقتدى به من يريد و إن لم ينو الإمامة، و إن توقّف على نيّته [شيء] فهو إحراز فضيلة الجماعة، و هذه فائدة تحصل له، دون المستأجر، و من جوّزه منهم ألحقه بالاستئجار للأذان ليتأدّى الشعار(4).

ص: 89


1- التهذيب 1097/376:6.
2- العزيز شرح الوجيز 103:6، روضة الطالبين 262:4-263.
3- الوسيط 165:4، العزيز شرح الوجيز 103:6، روضة الطالبين 263:4.
4- العزيز شرح الوجيز 103:6، روضة الطالبين 263:4، و ما بين المعقوفين أثبتناه من المصدر.
مسألة 580: لا يجوز أخذ الأجرة على القضاء بين الناس -

مسألة 580: لا يجوز أخذ الأجرة على القضاء بين الناس - و به قال الشافعي(1) - لأنّه من فروض الكفايات، و لأنّ أعمال القاضي غير مضبوطة، لكن يجوز له أخذ الرزق من بيت المال.

و أمّا تعليم العلوم الدينيّة فإن تعيّن لتعليمها، لم يجز له أخذ الأجرة عليه.

و أطلق الشافعيّة القول بمنع الاستئجار للتدريس(2).

و في إعادة الدرس لهم قولان.

قال الجويني: لو عيّن شخصا أو جماعة ليعلّمهم مسألة أو مسائل مضبوطة، فهو جائز، و الذي أطلقوه محمول على استئجار من تصدّى للتدريس من غير تعيين من يعلّمه و ما يعلّمه؛ لأنّه كالجهاد في أنّه إقامة مفروض على الكفاية ثابت على الشيوع، و كذلك نمنع استئجار مقرئ يقرئ على هذه الصورة.

قال: و يحتمل أن يجوز الاستئجار له، و يشبه بالأذان(3).

الشرط الرابع للمنفعة: أن تكون محلّلة.
اشارة

كلّ منفعة محرّمة لا يجوز عقد الإجارة فيها؛ لأنّها مطلوبة العدم في نظر الشرع، فلا يجوز عقد الإجارة على تحصيلها، و ذلك كالزنا و الزمر و أنواع الملاهي و تعلّمها و تعليمها و الغناء و النّوح بالباطل، فلا يجوز الاستئجار لفعل الغناء - و به قال مالك و الشافعي و أبو حنيفة و صاحباه و أبو ثور، و كره ذلك الشعبي و النخعي4 - لأنّه محرّم، فلا يجوز الاستئجار

ص: 90


1- العزيز شرح الوجيز 103:6، روضة الطالبين 263:4.
2- العزيز شرح الوجيز 104:6، روضة الطالبين 263:4.
3- العزيز شرح الوجيز 104:6، روضة الطالبين 263:4.

عليه، كإجارة أمة للزنا.

و لا يجوز استئجار كاتب ليكتب له غناء و نوحا بالباطل؛ لأنّه انتفاع بمحرّم.

و قال أبو حنيفة: يجوز(1).

و لا يجوز الاستئجار على كتابة شعر محرّم و لا بدعة و لا شيء محرّم كذلك.

مسألة 581: لا يجوز الاستئجار على حمل الخمر لمن يشربها و لا من يبيعها،

مسألة 581: لا يجوز الاستئجار على حمل الخمر لمن يشربها و لا من يبيعها، و لا على حمل خنزير و لا ميتة لمن يأكلها - و يجوز الاستئجار على نقل الميتة من الدار إلى المزبلة و الخمر للإراقة - و به قال الشافعي و أحمد و أبو يوسف و محمّد(2) ؛ لأنّ هذه منافع محرّمة، فلم يجز عقد الإجارة فيها.

و قال أبو حنيفة: يجوز؛ لأنّ العمل لا يتعيّن عليه، بدليل أنّه لو حمله مثله جاز، و لأنّه لو قصد إراقته أو طرح الميتة جاز(3).

ص: 91


1- بدائع الصنائع 189:4، فتاوى قاضيخان - بهامش الفتاوى الهنديّة - 324:2، المغني 149:6، الشرح الكبير 35:6.
2- الإشراف على مذاهب أهل العلم 131:2، بحر المذهب 310:9، حلية العلماء 383:5، البيان 248:7، العزيز شرح الوجيز 109:6، روضة الطالبين 4: 269، المغني 150:6، الشرح الكبير 36:6، بدائع الصنائع 190:4، المبسوط - للسرخسي - 38:16، روضة القضاة 2837/484:2.
3- بدائع الصنائع 190:4، المبسوط - للسرخسي - 38:16، روضة القضاة 2: 2836/484، الإشراف على مذاهب أهل العلم 131:2، بحر المذهب 310:9، حلية العلماء 383:5، البيان 248:7، العزيز شرح الوجيز 109:6، المغني 6: 150، الشرح الكبير 36:6.

و قال أحمد: من حمل خنزيرا لنصرانيّ أو خمرا أو ميتة أكره أكل كرائه، و لكن يقضى للحمّال بالكراء، و لو كان لمسلم فهو أشدّ(1).

قال بعض أصحابه: هذا محمول على أنّه استأجره ليريقها، فأمّا للشرب فمحظور لا يحلّ أخذ الأجرة عليه(2).

و استبعده باقي أصحابه؛ لقوله: «أكره أكل كرائه، و إذا كان لمسلم فهو أشدّ» و الصحيح تحريم ذلك؛ لأنّه استئجار لفعل محرّم، فلم يصح، كالزنا، و لأنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله لعن حاملها و المحمولة إليه(3)(4).

و نمنع جواز حمل مثله، و القياس على تسويغه مع قصد الإراقة باطل؛ لأنّ ذلك فعل محلّل.

و لا بأس باستئجار ناطور لحفظ كرم النصراني؛ لأنّه فعل مباح، و لا يتعيّن لاتّخاذه خمرا.

مسألة 582: لا تجوز إجارة المسكن ليحرز فيه خمرا لغير التخليل،

مسألة 582: لا تجوز إجارة المسكن ليحرز فيه خمرا لغير التخليل، و لا يؤجر دكّانا ليبيع فيه آلة محرّمة، و لا إجارة أجير ليحمل له مسكرا يشربه، فإن فعل لم تنعقد الإجارة.

و في جواز استئجار الحائط المزوّق للتنزّه قول بالجواز(5).

و لا تجوز إجارة الدار لمن يتّخذها كنيسة أو بيعة، أو يتّخذها لبيع الخمر، أو القمار، أو يجعلها بيت نار - و به قال الشافعي و أحمد و أبو يوسف

ص: 92


1- المغني 150:6، الشرح الكبير 36:6.
2- المغني 150:6، الشرح الكبير 36:6.
3- سنن ابن ماجة 3381/1122:2.
4- المغني 150:6، الشرح الكبير 36:6.
5- و هو للشافعي، كما في الخلاف - للطوسي - 501:3، المسألة 24.

و محمّد(1) - لأنّ هذه أفعال محرّمة، فلا يجوز الاستئجار عليها له، كما لو استأجر امرأة ليزني بها.

و قال أبو حنيفة: لا بأس بأن تواجر بيتك في السواد ممّن يتّخذه بيت نار أو كنيسة، أو يبيع فيه الخمر.

و اختلف أصحابه في تأويله:

فمنهم من قال: يجوز إذا شرط ذلك.

و منهم من قال: لا يجوز إذا شرط، و إنّما أراد أبو حنيفة إذا علم المؤجر أنّه يفعل ذلك و لكن لم يشترط(2).

و تعلّق من جوّز شرطه بأنّ هذا الفعل لا يلزمه بعقد الإجارة و إن شرطه، و إذا تسلّم العين و لم يفعل فيها شيئا من هذه الأشياء، وجبت عليه الأجرة، فذكرها و عدمها سواء.

و يبطل به على أصله ما إذا استأجر بيتا للصلاة، و يخالف إذا لم يشترطه؛ لأنّه لم يستأجر ذلك لفعل محظور، فكان كما لو استأجر امرأة للخدمة.

و لو استأجره ليحمل له خمرا من موضع إلى آخر، فإن كان للتخليل جاز؛ لأنّه سائغ، و إن كان للشرب أو للحفظ لأجله لم يصح عقد الإجارة - و به قال الشافعي و أبو يوسف و محمّد(3) - لأنّه استئجار لفعل محرّم،1.

ص: 93


1- بحر المذهب 310:9، حلية العلماء 382:5، البيان 249:7، مختصر اختلاف العلماء 1827/130:4، المغني 151:6، الشرح الكبير 35:6.
2- مختصر اختلاف العلماء 1827/130:4، روضة القضاة 2840/485:2، بحر المذهب 310:9، حلية العلماء 383:5، البيان 249:7، المغني 151:6، الشرح الكبير 35:6.
3- راجع: الهامش (2) من ص 91.

فلم يصح، كالزنا.

و قال أبو حنيفة: يجوز؛ لأنّ الفعل لم يتعيّن عليه، و لو حمل مثله خلاّ جاز(1).

مسألة 583: لو استأجر الذمّي دارا لمسلم، صحّ عقد الإجارة و إن علم المسلم أنّه يبيع فيها الخمر إذا لم يشترط ذلك،

مسألة 583: لو استأجر الذمّي دارا لمسلم، صحّ عقد الإجارة و إن علم المسلم أنّه يبيع فيها الخمر إذا لم يشترط ذلك، و ليس للمسلم منعه من بيع الخمر فيها مستترا؛ لأنّه سائغ عنده، و قد أمرنا بإجرائهم على أحكامهم، و به قال أصحاب الرأي(2).

و قال أحمد: لصاحب الدار منعه - و به قال الثوري - لأنّه محرّم، فجاز المنع منه(3).

و الملازمة ممنوعة؛ لأنّا قد أمرنا بإجرائهم على أحكامهم.

و كذا لو آجر المسلم بيته لمسلم (علم أنّه)(4) يعمل فيه خمرا أو نبيذا أو فقّاعا أو شيئا من الملاهي أو قمارا أو غير ذلك من المحرّمات إذا لم يشترط الإجارة لذلك، لكن يكون مكروها.

و يحتمل قويّا التحريم؛ لما فيه من المساعدة على المعصية، و قد قال اللّه تعالى: وَ لا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَ الْعُدْوانِ (5).

و لا يكره لو لم يعلم، و إن عمل ذلك منعه إن تمكّن من منعه، و ليس له فسخ العقد لو لم يتمكّن؛ لأنّ المستأجر ملك المنافع.

مسألة 584: يكره أن يؤجر نفسه لعمل الصنائع الدنيئة - كالحجامة -

مسألة 584: يكره أن يؤجر نفسه لعمل الصنائع الدنيئة - كالحجامة -

ص: 94


1- راجع: الهامش (3) من ص 91.
2- المغني 151:6، الشرح الكبير 36:6.
3- المغني 151:6، الشرح الكبير 36:6.
4- ما بين القوسين لم يرد في النّسخ الخطّيّة.
5- سورة المائدة: 2.

مع الشرط، و ليس محرّما؛ لأنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله استأجر أبا طيبة فحجمه(1).

و يكره أن يؤاجر نفسه لكسح الكنيف و أكل أجره.

روى العامّة عن ابن عباس أنّ رجلا حجّ ثمّ أتاه فقال: إنّي رجل أكنس فما ترى في مكسبي ؟ فقال: أيّ شيء تكنس ؟ قال: العذرة، قال:

و منه حججت و منه تزوّجت ؟ قال: نعم، قال: أنت خبيث و حجّك خبيث و ما تزوّجت خبيث(2).

و لأنّ فيه دناءة فكره، كالحجامة.

و أمّا الإجارة في الجملة فجائزة؛ لأنّ الحاجة داعية إليها، و لا تندفع بدون إباحة الإجارة، فوجب إباحتها، كالحجامة.

و كذا كلّ صنعة مكروهة.

و كلّ ذلك قد يجب على الكفاية عند حاجة الناس إليه.

الشرط الخامس للمنفعة: العلم.
مسألة 585: يشترط في الإجارة ما شرط في البيع،

مسألة 585: يشترط في الإجارة ما شرط في البيع، و هو العلم بأمور ثلاثة من العين و القدر و الصفة.

أمّا العين: فيشترط تعيينها، فكما لا يجوز أن يقول: بعتك أحد هذين العبدين. كذا لا يجوز أن يقول: آجرتك أحدهما، بل إمّا أن يلتزم العين في الذمّة، كما يلتزم بالسّلم، و إمّا أن يؤجر عينا معيّنة.

ص: 95


1- صحيح البخاري 103:3 و 266، و 161:7-162، صحيح مسلم 3: 1577/1204، سنن أبي داود 3424/266:3، سنن الترمذي 1278/576:3، المغني 150:6، الشرح الكبير 37:6.
2- المغني 150:6-151، الشرح الكبير 37:6.

ثمّ إن لم يكن لها إلاّ منفعة واحدة، فالإجارة محمولة عليها، و إن كان لها منافع، فلا بدّ من البيان.

و إن أطلق، احتمل التعميم، و هو الأقوى.

و أمّا الصفة: فقد بيّنّا أنّه تجوز إجارة العين الغائبة مع ذكر صفاتها المقصودة التي تتفاوت بسببها الأجرة.

و أمّا القدر - و هو المقصود بالذكر - فاعلم أنّ قدر المنفعة لا بدّ من علمه، و علمه شرط في صحّة العقد، سواء كانت الإجارة في الذمّة، أو كانت إجارة عين.

و الشافعيّة و إن جوّزوا في البيع الاكتفاء في علم القدر بالمشاهدة فإنّهم يوجبون هنا العلم بالقدر، و لم يكتفوا بالمشاهدة في الإجارة، و الفرق: إنّ المنافع لا حضور لها محقّق عند العقد، و إنّما هي متعلّقة بالاستقبال، و المشاهدة لا يطّلع فيها على الغرض، بل لا بدّ من التقدير(1).

مسألة 586: و لتقدير المنافع طريقان:

أحدهما: التقدير بالزمان، كما لو استأجر الدار للسكنى سنة، و العبد ليخدمه شهرا، و الثوب ليلبسه يوما.

و الثاني: التقدير بالعمل، كما لو استأجر الخيّاط ليخيط له ثيابا بعينها، أو الدابّة ليركبها إلى موضع بعينه، أو ليحملها شيئا معلوما إلى موضع بعينه.

و الضابط: إنّ كلّ منفعة يمكن تقديرها و علمها بنفسها من غير التقييد بالزمان - كالخياطة، و الركوب إلى موضع معيّن - يجوز ضبطها بنفسها،

ص: 96


1- العزيز شرح الوجيز 105:6، روضة الطالبين 263:4.

فيستأجر الخيّاط ليخيط له ثوبا معيّنا من غير تقييد بالزمان، أو الدابّة ليركبها إلى موضع معيّن من غير تقييد بالزمان.

و يجوز تقديرها بالزمان، كما لو استأجر الخيّاط لخياطة شهر، أو استأجر الدابّة ليركبها شهرا.

و كلّ منفعة لا يمكن تقديرها إلاّ بالزمان وجب في تقديرها و العلم به ذكر زمانها، كما في استئجار العقارات، فإنّ منافعها لا يمكن ضبطها إلاّ بالمدّة، و كالإرضاع، فإنّ تقدير اللبن لا يمكن، و لا سبيل (فيه إلاّ الضبط)(1) بالزمان.

مسألة 587: كلّ منفعة يمكن ضبطها بالعمل أو بالزمان كما قلنا في استئجار عين شخص أو دابّة،
اشارة

مسألة 587: كلّ منفعة يمكن ضبطها بالعمل أو بالزمان كما قلنا استئجار عين شخص أو دابّة، في بأن يقول: ليعمل له شهرا خياطة، أو يقول:

لتخيط هذا الثوب، أو لأركب الدابّة إلى موضع كذا، أو لأتردّد عليها في حوائجي اليوم، فإنّه يكفي لتعريف المقدار أيّهما كان.

و لو جمع بينهما، فقال: استأجرتك لتخيط هذا القميص اليوم، أو لأركب الدابّة إلى موضع كذا في يومين، لم يصح - و به قال أبو حنيفة و الشافعي في أصحّ الوجهين(2) - لما فيه من الغرر الحاصل بإضافة الزمان إلى العمل ممّا لا حاجة إليه، فإنّه يجوز انتهاء العمل قبل انقضاء الزمان

ص: 97


1- بدل ما بين القوسين في «ر»: «في ضبطه إلاّ».
2- بدائع الصنائع 185:4، روضة القضاة 475:1، ذيل الرقم 2753، المبسوط - للسرخسي - 44:16، مختصر اختلاف العلماء 1772/89:4، فتاوى قاضيخان - بهامش الفتاوى الهنديّة - 332:2، الحاوي الكبير 392:7، المهذّب - للشيرازي - 403:1، نهاية المطلب 75:8، بحر المذهب 307:9، الوسيط 166:4، حلية العلماء 392:5، التهذيب - للبغوي - 428:4، البيان 262:7، العزيز شرح الوجيز 105:6، روضة الطالبين 264:4، المغني 12:6، الشرح الكبير 6: 73.

المشروط، أو ينتهي الزمان قبل انتهاء العمل، فإن استعمله في بقيّة المدّة فقد زاد على ما وقع عليه العقد، و إن لم يعمل كان تاركا للعمل في بعض المدّة، و قد لا يفرغ من العمل في المدّة، فإن أتمّ عمل في غير المدّة، و إن لم يعمله لم يأت بما وقع عليه العقد، و هذا غرر أمكن التحرّز منه، و لم يوجد مثله في محلّ الوفاق، فلم يجز العقد معه.

و الوجه الثاني للشافعيّة(1): الجواز - و به قال أبو يوسف و محمّد و أحمد في رواية - لأنّ المدّة مذكورة للتعجيل، فلا تورث فساد العقد، و الإجارة معقودة على العمل، فعلى هذا إذا فرغ من العمل قبل انقضاء المدّة لم يلزمه العمل في باقي المدّة؛ لأنّه و فى بما عليه قبل مدّته، فلا يلزمه شيء آخر، كما لو قضى الدّين قبل أجله، و إن مضت المدّة قبل العمل فللمستأجر فسخ الإجارة؛ لأنّ الأجير لم يف له بشرطه، و إن رضي بالبقاء عليه لم يملك الأجير الفسخ؛ لأنّ الإخلال بالشرط منه، فلا يكون ذلك وسيلة إلى الفسخ، كما لو تعذّر أداء المسلم فيه في وقته، لم يملك المسلم [إليه] فسخ العقد [و يملكه المسلم] فإن اختار إمضاء العقد طالبه بالعمل لا غير، كالمسلم إذا صبر عند تعذّر المسلم فيه إلى حين وجوده، لم يكن له أكثر من المسلم فيه، و إن فسخ العقد قبل عمل شيء من العمل سقط الأجر، و إن كان بعد عمل شيء منه فله أجر مثله؛ لأنّ العقد قد انفسخ، فسقط المسمّى، و يرجع إلى أجرة المثل(2).ن.

ص: 98


1- في «د، ص»: «للشافعي».
2- نهاية المطلب 75:8، الوسيط 166:4، حلية العلماء 392:5، التهذيب - للبغوي - 428:4، البيان 262:7، العزيز شرح الوجيز 105:6، روضة الطالبين 264:4، بدائع الصنائع 185:4، فتاوى قاضيخان - بهامش الفتاوى الهنديّة - 332:2، المبسوط - للسرخسي - 44:16، مختصر اختلاف العلماء 4: 1772/89، الهداية - للمرغيناني - 242:3، المغني 12:6-13، الشرح الكبير 73:6-74، و ما بين المعقوفين أثبتناه من المصدرين الأخيرين.

و قد نقل عن أحمد في من اكترى دابّة إلى موضع على أن يدخله في ثلاث فدخله في ستّ، فقال: قد أضرّ به، فقيل: يرجع عليه بالقيمة ؟ قال: لا، يصالحه(1).

و هذا مأخوذ من رواية محمّد بن مسلم - الصحيحة - عن الباقر عليه السّلام، قال: سمعته يقول: «كنت جالسا عند قاض من قضاة المدينة فأتاه رجلان، فقال أحدهما: إنّي تكاريت هذا يوافي بي السوق يوم كذا و كذا، و إنّه لم يفعل، قال: فقال: ليس له كراء، قال: فدعوته فقلت له: يا عبد اللّه ليس لك أن تذهب بحقّه، و قلت للآخر: ليس لك أن تأخذ كلّ الذي عليه، اصطلحا فترادّا بينكما»(2).

و هذه الرواية تدلّ على تسويغ الجمع بين المدّة و العمل.

و على الوجه الثاني للشافعيّة - و هو الجواز - لهم وجهان:

أصحّهما: إنّه يستحقّ الأجرة بأسرعهما تماما، فإن تمّ العمل قبل تمام اليوم وجبت الأجرة، و إن انقضى النهار قبل تمام العمل فكذلك.

و الثاني: إنّ الاعتبار بالعمل المقصود، فإن تمّ قبل انقضاء اليوم وجبت الأجرة، و إن انقضى اليوم قبله وجب إتمامه(3).4.

ص: 99


1- المغني 12:6، الشرح الكبير 73:6.
2- تقدّم تخريجها في ص 43، الهامش (1).
3- نهاية المطلب 75:8، العزيز شرح الوجيز 105:6-106، روضة الطالبين 4: 264.

و قال بعض الشافعيّة: إن انقضى النهار أوّلا لم يلزمه خياطة الباقي، و إن تمّ العمل أوّلا فللمستأجر أن يأتي بمثل ذلك القميص ليخيط بقيّة النهار، فإن قال في الإجارة: على أنّك إن فرغت قبل إتمام اليوم لم تخط غيره، بطلت الإجارة؛ لأنّ زمان العمل يصير مجهولا(1).

انواع الاعيان المستاجره
اشارة

إذا عرفت هذا، فالمنافع متعلّقة بالأعيان و تابعة لها، و عدّ آحاد الأعيان التي تستأجر كالمتعذّر، لكن نذكر هنا ما تكثر البلوى به، و يكون أكثر دورانا في الإجارة، ليعرف الضابط في كلّ واحد منها، ثمّ يقاس عليها غيرها، و هي أنواع ثلاثة:

النوع الأوّل: الآدمي.
مسألة 588: الآدمي يصحّ أن يستأجر لعمل أو صناعة، كالخياطة

مسألة 588: الآدمي يصحّ أن يستأجر لعمل أو صناعة، كالخياطة و البناء و شبههما، حرّا كان أو عبدا، رجلا كان أو امرأة، صغيرا كان أو كبيرا.

و لا خلاف بين العلماء في جواز استئجار الآدمي، و قد آجر موسى عليه السّلام نفسه لرعاية الغنم(2) ، و استأجر النبيّ صلّى اللّه عليه و آله رجلا ليدلّه على الطريق(3).

و قال عليه السّلام: «أعطوا الأجير أجرته قبل أن يجفّ عرقه»(4).

و [ذكر النبيّ صلّى اللّه عليه و آله رجلا](5) استأجر أجراء كلّ أجير بعرق(6) من ذرّة(7).

ص: 100


1- العزيز شرح الوجيز 106:6، روضة الطالبين 264:4.
2- سورة القصص: 27 و 28.
3- صحيح البخاري 116:3، المغني 38:6، الشرح الكبير 66:6 و 72.
4- تقدّم تخريجه في ص 7، الهامش (2).
5- ما بين المعقوفين أثبتناه من المصدر.
6- العرق: الزبيل. الصحاح 1522:4 «عرق».
7- المغني 38:6.

و قال [صلّى اللّه عليه و آله]: «إنّما مثلكم و مثل أهل الكتاب كمثل رجل استأجر [أجراء](1) فقال: من يعمل لي من غدوة إلى نصف النهار على قيراط قيراط؟ فعملت اليهود، ثمّ قال: من يعمل لي من نصف النهار إلى العصر على قيراط قيراط؟ فعملت النصارى، ثمّ قال: من يعمل لي من العصر إلى غروب الشمس على قيراطين قيراطين ؟ فعملتم أنتم» فغضبت اليهود و النصارى، و قالوا: نحن أكثر عملا و أقلّ أجرا، فقال: هل ظلمت من أحدكم(2) شيئا؟» قالوا: لا، قال: «فإنّما هو فضلي أوتيه من أشاء» رواه العامّة(3).

و من طريق الخاصّة: ما رواه سليمان بن جعفر الجعفري قال: كنت مع الرضا عليه السّلام في بعض الحاجة، فأردت أن أنصرف إلى منزلي، قال: فقال لي: «انطلق معي فبتّ عندي الليلة» فانطلقت معه فدخل إلى داره مع المغيب، فنظر إلى غلمانه يعملون بالطين أواريّ(4) الدوابّ و غير ذلك و إذا معهم أسود ليس منهم، فقال: «ما هذا الرجل معكم ؟» فقالوا: يعاوننا و نعطيه شيئا، قال: «قاطعتموه على أجرته ؟» فقالوا: لا، هو يرضى منّا بما نعطيه، فأقبل عليهم يضربهم بالسوط و غضب غضبا شديدا، قلت: جعلت فداك، لم تدخل على نفسك ؟ فقال: «إنّي قد نهيتهم عن مثل هذا غير مرّة1.

ص: 101


1- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «أجيرا». و المثبت كما في المصدر.
2- في المغني: «هل ظلمتكم من أجركم» و في صحيح البخاري: «هل نقصتكم من حقّكم».
3- المغني 118:6، و في صحيح البخاري 117:3 بتفاوت يسير.
4- آريّ الدابّة: محبسها، و الجمع: أواريّ. تهذيب إصلاح المنطق 430:1، و 2: 161.

أن يعمل معهم أجير حتى يقاطعوه أجرته، و اعلم أنّه ما من أحد يعمل [لك](1) شيئا بغير مقاطعة ثمّ زدته لذلك الشيء ثلاثة أضعافه على أجرته إلاّ ظنّ أنّه قد نقصته أجرته، فإذا قاطعته ثمّ أعطيته أجرته حمدك على الوفاء، فإن زدته حبّة عرف ذلك و رأى أنّك قد زدته»(2).

و الأخبار في ذلك أكثر من أن تحصى.

و لأنّ الحاجة تشتدّ إلى منافع الإنسان، كالبناء و الخياطة و الحياكة و النجارة و الحدادة، و غير ذلك من الصنائع، و مثل هذه لا يسمح الإنسان ببذلها (من غير)(3) عوض؛ لأنّها تستغرق زمانه، و تمنعه عن مصالحه، فلا بدّ من المعاوضة عليها، و كما اقتضت الحكمة إبدال الأعيان بالأعراض في البيع، كذا اقتضت إبدال المنافع بها؛ لاشتراكهما في الحاجة الشديدة.

مسألة 589: و إجارة الآدمي على ضربين:

أحدهما: استئجاره مدّة بعينها لعمل بعينه، كإجارة موسى عليه السّلام نفسه ثمانى حجج.

و الثاني: استئجاره على عمل معيّن في الذمّة، كاستئجار رجل لبناء حائط أو خياطة قميص، و هو قسمان:

أحدهما: أن تقع الإجارة على عين، كالإجارة على رعاية غنمه.

و الثاني: أن تقع على عمل في الذمّة، كخياطة قميص.

فإن كانت الإجارة في الذمّة، قال: استأجرتك و ألزمت ذمّتك خياطة

ص: 102


1- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة - ما عدا «ر» - و الحجريّة: «معك» بدل «لك». و كلاهما ساقط في «ر». و المثبت كما في المصدر.
2- الكافي 288:5-1/289، التهذيب 932/212:7.
3- بدل ما بين القوسين في النّسخ الخطّيّة: «بغير».

هذا الثوب.

و لو أطلق و قال: ألزمت ذمّتك عمل الخياطة كذا يوما، فالأولى:

الجواز؛ للأصل.

و قال بعض الشافعيّة: لا يصحّ؛ لأنّه لم يعيّن عاملا يخيط و لا محلاّ للخياطة، فلا ترتفع الجهالة(1).

و ليس بجيّد؛ لأنّ الخياطة مدّة معلومة أمر معلوم، فصحّ العقد عليه، و لأنّه يصحّ أن يستأجر عينه للخياطة مدّة شهر، و أن يستأجر في الذمّة لخياطة ثوب، فجاز جمعهما؛ إذ الجهالة إن حصلت في المجموع حصلت في كلّ واحد.

و إذا استأجر عينه، قال: استأجرتك لتخيط هذا الثوب.

و لو قال: لتخيط لي يوما أو شهرا، جاز - و هو قول أكثر الشافعيّة(2) - للأصل.

مسألة 590: إذا استأجره لخياطة ثوب،

مسألة 590: إذا استأجره لخياطة ثوب، وجب أن يبيّن له الثوب إمّا بالمشاهدة أو الوصف الرافع للجهالة، و يبيّن العمل فيه من خياطته قباء أو قميصا أو سراويل، و الطول و العرض، و يبيّن نوع الخياطة أهي روميّة أو فارسيّة ؟ إلاّ أن تطّرد العادة بنوع، فيحمل المطلق عليه.

و لو دفع إلى خيّاط ثوبا و قال له: إن كان يكفيني قميصا فاقطعه، فقال الخيّاط: هو كاف، و قطعه فلم يكفه، فعليه أرش القطع.

و لو قال: انظر هذا الثوب هل يكفيني قميصا؟ فقال الخيّاط: نعم، فقال: اقطعه، فقطعه فلم يكفه، لم يلزمه شيء - و به قال الشافعي

ص: 103


1- العزيز شرح الوجيز 106:6، روضة الطالبين 264:4.
2- العزيز شرح الوجيز 106:6، روضة الطالبين 264:4.

و أصحاب الرأي(1) - لأنّه إنّما أذن له في الأولى بشرط كفايته، فإذا قطعه بدون شرطه كان ضامنا، و في المسألة الثانية أذن له في القطع و لم يشرطه بشيء، فلا يجب عليه ضمان، أقصى ما في الباب أنّه غشّه و كذب عليه، و ذلك لا يوجب الضمان، و لم يجب عليه الضمان في الأولى باعتبار غروره، بل باعتبار عدم الإذن في قطعه؛ لأنّ إذنه مقيّد بشرط كفايته، فلا يكون إذنا في غير ما وجد الشرط فيه، بخلاف الثانية.

و قال أبو ثور: لا ضمان عليه في المسألتين؛ لأنّه قد غرّه في الثانية، كما قد غرّه في الأولى، فتساويا في الضمان(2).

و الجواب: ما بيّنّا من أنّ العلّة في الأولى ليست الغرور، بل عدم الإذن.

مسألة 591: إذا استأجره لتعليم القرآن في موضع الجواز -

مسألة 591: إذا استأجره لتعليم القرآن في موضع الجواز - و هو عدم الشرط - فلا بدّ من تعيين السّور و الآيات التي يعلّمها، أو يقدّر بالمدّة، فيقول: لتعلّمني شهرا، و هو قول بعض الشافعيّة(3).

و منع بعضهم من الاكتفاء بذكره(4) ، و اشترط تعيين السّور و الآيات؛ لتفاوتها في الحفظ و التعليم سهولة و صعوبة(5). و هو جيّد.

ص: 104


1- الإشراف على مذاهب أهل العلم 123:2، الحاوي الكبير 439:7، المهذّب - للشيرازي - 416:1، بحر المذهب 335:9، التهذيب - للبغوي - 471:4، البيان 341:7، العزيز شرح الوجيز 161:6، روضة الطالبين 309:4، المغني 124:6، الشرح الكبير 150:6.
2- الإشراف على مذاهب أهل العلم 123:2، المغني 124:6، الشرح الكبير 6: 1150.
3- العزيز شرح الوجيز 106:6، روضة الطالبين 264:4-265.
4- الظاهر: «بذكرها» أي المدّة.
5- العزيز شرح الوجيز 106:6، روضة الطالبين 265:4.

و في وجه للشافعيّة: إنّه لا يجب تعيين السورة، و إذا ذكر عشر آيات كفى(1).

و ليس بجيّد؛ لما بيّنّاه من تفاوت الآيات بالطول و القصر و الصعوبة و السهولة.

و قال بعضهم: لا بدّ من تعيين السورة، لكن يكفي إطلاق عشر آيات منها(2).

فحصل لهم في اشتراط تعيين الآيات ثلاثة أوجه، يفرّق في الثالث بين أن يعيّن السورة فيتسامح بإطلاق الآيات منها، أو لا يعيّن.

و احتجّ(3) بما روي أنّه صلّى اللّه عليه و آله قال في قصّة التي عرضت نفسها عليه لبعض القوم: «إنّي أريد أن أزوّجك هذه إن رضيت» فقال: ما رضيت لي يا رسول اللّه فقد رضيت، فقال للرجل: «هل عندك شيء؟» قال: لا، قال:

«ما تحفظ من القرآن ؟» قال: سورة البقرة و التي تليها، قال: «قم فعلّمها عشرين آية و هي امرأتك»(4).

و لا حجّة فيه على مطلوبه؛ لأنّه عليه السّلام لم يذكره في معرض العقد؛ إذ لم يوجد هناك إيجاب و لا قبول، بل أرشده إلى أن يعقد عليها بإيجاب و قبول، و أن يسمّي في المهر عشرين آية يتخيّرها المتعاقدان.

مسألة 592: قد بيّنّا أنّه يكره الاستئجار على تعليم القرآن مع الشرط،

مسألة 592: قد بيّنّا أنّه يكره الاستئجار على تعليم القرآن مع الشرط، و به قال الزهري و إسحاق(5).

ص: 105


1- العزيز شرح الوجيز 106:6، روضة الطالبين 264:4.
2- المهذّب - للشيرازي - 405:1، و عنه في العزيز شرح الوجيز 106:6.
3- المهذّب - للشيرازي - 405:1، و عنه في العزيز شرح الوجيز 106:6.
4- سنن أبي داود 236:2-2111/237 و 2112، السنن الكبرى - للبيهقي -: 7: 242.
5- الإشراف على مذاهب أهل العلم 111:2، المغني 155:6، الشرح الكبير 74:6.

و قال عبد اللّه بن شقيق: هذه الرّغف(1) التي يأخذها المعلّمون من السحت(2).

و ممّن كره أجر المعلّم مع الشرط الحسن و ابن سيرين و طاوس و الشعبي و النخعي و أحمد(3).

و في رواية أخرى عنه: المنع، و به قال عطاء و الضحّاك بن قيس و أبو حنيفة و الزهري(4).

و عن أحمد رواية ثالثة: إنّه يجوز ذلك، قال: التعليم أحبّ إليّ من أن يتوكّل لهؤلاء السلاطين، و من أن يتوكّل لرجل من عامّة الناس في ضيعة، و من أن يستدين و يتّجر و لعلّه لا يقدر على الوفاء فيلقى اللّه تعالى بأمانات الناس، التعليم أحبّ إليّ(5).

و ممّن أجاز ذلك مالك و الشافعي(6).

و رخّص في أجور المعلّمين أبو قلابة و أبو ثور و ابن المنذر؛ لأنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله زوّج رجلا بما معه من القرآن(7) ، و إذا جاز أن يكون تعليم1،

ص: 106


1- الرّغف جمع الرغيف: الخبزة. لسان العرب 124:9 «رغف».
2- الإشراف على مذاهب أهل العلم 111:2، المغني 155:6، الشرح الكبير 74:6.
3- الإشراف على مذاهب أهل العلم 111:2، المغني 155:6، الشرح الكبير 74:6.
4- المغني 155:6، الشرح الكبير 74:6، الإشراف على مذاهب أهل العلم 2: 111، حلية العلماء 390:5، مختصر القدوري: 104، الاختيار لتعليل المختار 91:2، بدائع الصنائع 191:4، المبسوط - للسرخسي - 37:16، مختصر اختلاف العلماء 1780/99:4، الهداية - للمرغيناني - 240:3.
5- المغني 155:6-156، الشرح الكبير 74:6.
6- المدوّنة الكبرى 419:4، الإشراف على مذاهب أهل العلم 111:2، مختصر اختلاف العلماء 1780/99:4، المغني 156:6، الشرح الكبير 74:6.
7- سنن ابن ماجة 1889/608:1، السنن الكبرى - للنسائي - 5524/319:3-1،

القرآن عوضا في باب النكاح و قام مقام المهر، جاز أخذ الأجرة عليه في الإجارة.

و قد روى العامّة عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: «أحقّ ما أخذتم عليه أجرا كتاب اللّه»(1) و هو حديث صحيح عندهم(2).

و لأنّه يجوز أخذ الرزق عليه من بيت المال، فجاز أخذ الأجر عليه، كبناء المساجد و القناطر، و لأنّ الحاجة قد تدعو إلى ذلك، فإنّه يحتاج إلى الاستنابة في الحجّ من وجب عليه الحجّ و عجز عن فعله و لا يكاد يوجد متبرّع بذلك، فيحتاج إلى بذل الأجر فيه(3).

و احتجّ المانعون: بما رواه العامّة عن عبادة بن الصامت قال: علّمت ناسا من أهل الصفّة القرآن و الكتابة، فأهدى إليّ رجل منهم قوسا، فذكرت ذلك للنبيّ صلّى اللّه عليه و آله، فقال: «إن سرّك أن يقلّدك اللّه قوسا من نار فاقبلها».

و عن أبي بن كعب أنّه علّم رجلا سورة من القرآن فأهدى له خميصة(4) أو ثوبا، فذكر ذلك للنبيّ صلّى اللّه عليه و آله، فقال: «لو أنّك لبستها أو أخذتها ألبسك اللّه مكانها ثوبا من نار».

و لأنّ من شرط صحّة هذه الأفعال كونها قربة إلى اللّه، فلم يجز أخذ».

ص: 107


1- صحيح البخاري 121:3، و 171:7، السنن الكبرى - للبيهقي - 430:1، و 124:6، المغني 156:6، الشرح الكبير 75:6.
2- المغني 156:6، الشرح الكبير 75:6.
3- الإشراف على مذاهب أهل العلم 111:2-112، المغني 156:6، الشرح الكبير 74:6-75.
4- الخميصة: كساء أسود مربّع له علمان. الصحاح 1038:3 «خمص».

الأجر عليها، كما لو استأجر قوما يصلّون خلفه الجمعة(1).

فروع:

[الأوّل: لا بأس بأخذ الأجر على الرقية]

الأوّل: لا بأس بأخذ الأجر على الرقية - و به قال أحمد(2) - لأنّ أبا سعيد رقى رجلا بفاتحة الكتاب على جعل فبرأ، و أخذ أصحابه الجعل و أتوا به النبيّ صلّى اللّه عليه و آله فأخبروه و سألوه، فقال: «لعمري [لمن](3) أكل برقية باطل أكلت برقية حقّ، كلوا و اضربوا لي معكم بسهم»(4).

و لأنّ الرقية نوع من المداواة، و المأخوذ عليها جعل، و المداواة يباح أخذ الأجر عليها.

[الثاني: منع أحمد - في بعض الروايات - من جعل [تعليم] القرآن عوضا في البضع،]

الثاني: منع أحمد - في بعض الروايات - من جعل [تعليم](5) القرآن عوضا في البضع، و تأوّل الحديث الذي رووه عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله من قوله:

«زوّجتكها على ما معك من القرآن»(6)المغني 157:6-158، الشرح الكبير 76:6.(7) باحتمال أنّه زوّجه إيّاها بغير صداق إكراما له، كما زوّج أبا طلحة أمّ سليم على إسلامه(7).6.

ص: 108


1- المغني 156:6-157، الشرح الكبير 75:6-76، و فيهما الحديثان المذكوران نقلا عن الأثرم في سننه.
2- المغني 157:6، الشرح الكبير 76:6.
3- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «لئن». و المثبت كما في المغني و الشرح الكبير.
4- أورده ابنا قدامة في المغني 156:6، و الشرح الكبير 75:6، و نحوه في سنن ابن ماجة 2156/729:2، و سنن الترمذي 2063/398:4، و السنن الكبرى - للنسائي - 10866/254:6-1، و سنن الدارقطني 63:3-243/64، و المستدرك - للحاكم - 559:1، و مسند أحمد 10686/381:3.
5- ما بين المعقوفين أثبتناه من المصدر.
6- تقدّم تخريجه في ص 106، الهامش
7- .

و نقل عنه أيضا جوازه، و فرّق بين المهر و الأجر: إنّ المهر ليس بعوض محض، و إنّما وجب نحلة و وصلة، و لهذا جاز خلوّ العقد عن تسميته، و صحّ مع فساده، بخلاف الأجر في غيره(1).

[الثالث: قد بيّنّا أنّه لو أعطى المعلّم شيئا بغير شرط،]

الثالث: قد بيّنّا أنّه لو أعطى المعلّم شيئا بغير شرط، لم يكن به بأس، و هو أيضا ظاهر كلام أحمد(2).

و كرهه جماعة من العلماء(3).

مسألة 593: كلّ موضع يجوز فيه الاستئجار لتعليم القرآن الأولى وجوب تعيين قراءة أحد القرّاء السبعة،

مسألة 593: كلّ موضع يجوز فيه الاستئجار لتعليم القرآن الأولى وجوب تعيين قراءة أحد القرّاء السبعة، مثل أن يقول: على قراءة ابن كثير أو نافع أو غيرهما؛ لأنّه مختلف، فلا بدّ من تعيينه، و هو أحد وجهي الشافعيّة.

و أصحّهما عندهم: عدم الوجوب؛ لأنّ الأمر فيها قريب(4).

قال الجويني: كنت أودّ أن لا يصحّ الاستئجار للتعليم حتى يختبر حفظ المتعلّم، كما لا تصحّ إجارة الدابّة حتى يعرف حال الراكب(5).

لكن ظاهر كلام الشافعيّة، عدم الاشتراط، و الخبر(6) يدلّ عليه(7).

و إنّما يجوز الاستئجار لتعليم القرآن إذا كان من [يتعلّمه](8) مسلما أو كافرا يرجى إسلامه، فإن كان لا يرجى إسلامه لا يعلّم الكافر، كما لا يباع المصحف من الكافر، فلا يجوز الاستئجار له.

ص: 109


1- المغني 158:6، الشرح الكبير 76:6-77.
2- المغني 158:6، الشرح الكبير 77:6.
3- الإشراف على مذاهب أهل العلم 111:2، المغني 158:6، الشرح الكبير 6: 77.
4- البيان 280:7، العزيز شرح الوجيز 107:6، روضة الطالبين 265:4.
5- العزيز شرح الوجيز 107:6، روضة الطالبين 265:4.
6- راجع: الهامش (7) من ص 106.
7- العزيز شرح الوجيز 107:6، روضة الطالبين 265:4.
8- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «يعلمه». و الظاهر ما أثبتناه.

تذنيب: في إجارة المصحف لبعض العامّة و جهان:

أحدهما: المنع، كما لا يصحّ بيعه، و العلّة واحدة، و هي إجلال كلام اللّه تعالى عن المعاوضة.

و الثاني: الجواز - و هو مذهب الشافعي - لأنّه انتفاع مباح تجوز الإعارة من أجله، فجازت الإجارة فيه، كسائر الكتب(1).

مسألة 594: كلّ ما يجوز بيعه من الكتب تجوز إجارته

مسألة 594: كلّ ما يجوز بيعه من الكتب تجوز إجارته؛ لأنّه انتفاع مباح يحتاج إليه، و تجوز الإعارة له(2) فجاز فيه الإجارة، و به قال الشافعي و أحمد(3).

و قال أبو حنيفة: لا تجوز إجارة الكتب و لا إجارة المصحف؛ لأنّه ليس في ذلك أكثر من النظر إليه، و لا تجوز الإجارة لمثل ذلك، بدليل أنّه لا يجوز أن يستأجر سقفا لينظر إلى عمله و تصاويره، و لا شمعا ليتجمّل به(4).

و نمنع حكم الأصل، سلّمنا، لكن لا حاجة إلى النظر إلى السقف، فإنّه لا حاجة إليه، و لا جرت العادة بالإعارة من أجله، و في مسألتنا يحتاج

ص: 110


1- المغني 153:6، الشرح الكبير 39:6، حلية العلماء 384:5، العزيز شرح الوجيز 187:6، روضة الطالبين 325:4.
2- في الطبعة الحجريّة: «و تجوز إعارته» بدل «و تجوز الإعارة له».
3- حلية العلماء 384:5، البيان 252:7، العزيز شرح الوجيز 187:6، روضة الطالبين 325:4، الإفصاح عن معاني الصحاح 36:2، المغني 153:6، الشرح الكبير 39:6.
4- الاختيار لتعليل المختار 91:2-92، بدائع الصنائع 175:4، فتاوى قاضيخان - بهامش الفتاوى الهنديّة - 321:2، المبسوط - للسرخسي - 36:16، حلية العلماء 384:5، البيان 252:7، العزيز شرح الوجيز 187:6، الإفصاح عن معاني الصحاح 36:2، المغني 153:6، الشرح الكبير 39:6.

إلى القراءة في الكتب و التحفّظ منها و النسخ منها و السماع و المداومة و غير ذلك من الانتفاعات المقصودة المباحة المحتاج إليها.

مسألة 595: لو استأجره لتعليم سورة، صحّ على ما تقدّم

(1) مسألة 595: لو استأجره لتعليم سورة، صحّ على ما تقدّم.

و حدّه أن يستقلّ المستأجر بالتلاوة، و لا يكفي تتبّع نطقه.

و لو كان المستأجر على تعليمه يتعلّم الشيء بعد الشيء ثمّ ينساه، فالأقرب: الاعتبار بالعادة، فإن كان يسمّى في العادة تعليما لم يجب على المؤجر إعادة التعليم، و إن كان لا يسمّى وجب إعادة التعليم، و هو أحد وجوه الشافعيّة.

و الثاني: إن تعلّم آية ثمّ نسيها لم يجب تعليمها ثانيا، و إن تعلّم دون آية و نسي وجب، و هو قول بعض علمائنا(2) ، و لا بأس به.

و الثالث: إنّ الاعتبار بالسورة.

و الرابع: إن نسي في مجلس التعليم وجب إعادته، و إلاّ فلا(3).

إذا ثبت هذا، فيجوز أن يستأجر(4) الإنسان غيره لقراءة القرآن على رأس القبر مدّة، كما يجوز الاستئجار للآداب و تعليم القرآن، و قد سبق(5) أنّه يجب عود المنفعة إلى المستأجر، فإنّ ذلك شرط في صحّة الإجارة، و هنا يجب عود المنفعة إلى المستأجر أو ميّته، فعندنا أنّ ثواب ذلك يصل إلى الميّت إذا نوى الأجير ذلك، خلافا للشافعيّة، فإنّهم قالوا: المستأجر لا ينتفع بأن يقرأ للغير، و مشهور عندهم أنّ الميّت لا يلحقه ثواب القراءة

ص: 111


1- في ص 104، المسألة 591.
2- لم نتحقّقه.
3- العزيز شرح الوجيز 107:6، روضة الطالبين 266:4.
4- في الطبعة الحجريّة: «استئجار» بدل «أن يستأجر».
5- في ص 86، الشرط الثالث.

المجرّدة، فقالوا لمّا قرّروا جواز الاستئجار: لا بدّ من انتفاع الميّت بالقراءة، و فيه طريقان:

أحدهما: أن يعقّب القراءة بالدعاء للميّت، فإنّ الدعاء يلحقه، و الدعاء بعد القراءة أقرب إلى الإجابة و أكثر بركة.

و الثاني: إنّه إن نوى القارئ بقراءته أن يكون ثوابها للميّت لم يلحقه، لكن لو قرأ ثمّ جعل ما حصل من الأجر له فهذا دعاء بحصول ذلك الأجر للمّيت، فينتفع الميّت(1).

مسألة 596: قد بيّنّا جواز الاستئجار للإرضاع،

مسألة 596: قد بيّنّا جواز الاستئجار للإرضاع، و يجب فيه التقدير بالمدّة، كما تقدّم(2) ، و لا سبيل إلى ضبط مرّات الإرضاع، و لو ضبط(3) بالعدد لم يعلم قدر ما يصل إليه من اللبن و لا القدر الذي يستوفيه في كلّ مرّة، و قد تعرض له الأمراض و الأسباب الملهية، لكن الإشكال أيضا يرد في التقدير بالزمان.

مسألة 597: يجوز الاستئجار للحجّ و العمرة و الطواف و الرمي،

و بالجملة لكلّ عمل من أعمال الحجّ تدخله النيابة، و لصلاة الطواف، و قد تقدّم(4).

و لو استأجر للحجّ، لم تدخل العمرة المفردة، و بالعكس، أمّا لو استأجر لحجّ التمتّع، فإنّه تدخل فيه العمرة إن لم يكن قد اعتمر.

و لو استأجر لعمرة التمتّع، دخل الحجّ؛ لقوله عليه السّلام: «دخلت العمرة

ص: 112


1- العزيز شرح الوجيز 107:6-108، روضة الطالبين 266:4.
2- في ص 55، المسألة 547.
3- في «د»: «ضبطه».
4- في ج 7 - من هذا الكتاب - ص 75 و 135، المسألتان 55 و 102.

في الحجّ هكذا» و شبّك بين أصابعه(1).

و لو استأجر للطواف، لم تدخل صلاته، و بالعكس.

و إذا استأجر للحجّ، دخلت تحلّلاته فيه، و لا تدخل زيارة النبيّ صلّى اللّه عليه و آله في الحجّ.

و يجوز الاستئجار لزيارة الأئمّة عليهم السّلام و زيارة النبيّ صلّى اللّه عليه و آله في قبورهم، و إليه ينصرف إطلاق الزيارة، أمّا لو استأجره للزيارة من بعد، لم يجب الإشراف على الضريح المقدّس، و لا تدخل صلاة الزيارة فيها، بخلاف صلاة الطواف.

مسألة 598: الأقوى أنّه يجوز أن يؤجر المسلم نفسه للذمّي للخدمة؛

مسألة 598: الأقوى أنّه يجوز أن يؤجر المسلم نفسه للذمّي للخدمة؛ لأنّه يجوز استئجاره لعمل صنعة و غيرها ممّا ليس بالخدمة، فجاز في الخدمة، كالمسلم، و هو أحد قولي الشافعي.

و قال في الآخر: لا يجوز - و عن أحمد روايتان - لأنّه عقد يتضمّن حبس المسلم عند الكافر و إذلاله له و استخدامه، فلم يجز، كالبيع، و ذلك إنّ عقد الإجارة للخدمة يتعيّن فيه حبسه مدّة الإجارة و استخدامه، و البيع لا يتعيّن فيه ذلك، و إذا منع منه فلأن يمنع من الإجارة أولى(2).

و أمّا إن آجر نفسه منه في عمل معيّن في الذمّة - كخياطة ثوب و قصارته - جاز بلا خلاف، و لأنّه عقد معاوضة لا يتضمّن إذلال المسلم

ص: 113


1- صحيح مسلم 1218/888:2، سنن ابن ماجة 3074/1024:2، سنن أبي داود 1905/184:2، سنن الدارمي 46:2-47، السنن الكبرى - للبيهقي - 7:5، الكافي - للكليني - 245:4-4/246، التهذيب - للطوسي - 454:5 - 1588/455.
2- المهذّب - للشيرازي - 402:1، البيان 253:7، المغني 154:6، الشرح الكبير 47:6.

و لا استخدامه، فأشبه مبايعته.

و إن آجر نفسه منه لعمل غير الخدمة مدّة معلومة، جاز أيضا، و هو ظاهر كلام أحمد(1).

و عنه رواية أخرى: المنع؛ لأنّه عقد يتضمّن حبس المسلم، فأشبه البيع(2).

و الفرق بينه و بين البيع ظاهر؛ فإنّ في البيع إثبات الملك على المسلم، و ليست الإجارة كذلك.

مسألة 599: يجوز استئجار المسلم و غيره للخدمة،

مسألة 599: يجوز استئجار المسلم و غيره للخدمة، سواء كان الأجير حرّا أو عبدا، رجلا أو امرأة، بشرط ضبط ما وقعت الإجارة عليه إمّا بالعمل إن كان ممّا ينضبط به، أو بالزمان، كاليوم و الشهر و السنة، و إذا ضبط بالزمان بنى على العادة في الخدمة من أمثال الأجير لأمثال المستأجر - و بهذا قال أبو حنيفة و الشافعي و أحمد و أبو ثور(3) - لأنّه تجوز النيابة فيه، و لا يختصّ عامله بكونه من أهل القربة.

فإذا استأجره ليخدمه شهرا، انصرف الإطلاق إلى ما جرت العادة به من التردّد في الحوائج، و الشراء من السوق، و حمل ما يشتريه من المأكول و شبهه إليه، و المضيّ إلى القرايا و غير ذلك.

و إذا استأجره للعمل مدّة، كان زمان الطهارة و الصلاة المفروضة مستثنى، و لا ينقص من الأجرة شيء.

ص: 114


1- المغني 154:6، الشرح الكبير 48:6.
2- المغني 154:6، الشرح الكبير 48:6.
3- العزيز شرح الوجيز 189:6، روضة الطالبين 327:4، المغني 47:6-48، الشرح الكبير 10:6.

أمّا النوافل الراتبة: فالأقوى أنّها ليست مستثناة، خلافا للشافعيّة(1).

و ليس له أن يتطوّع بالركعتين إلاّ بإذن المستأجر.

و قال أحمد: يجوز ما لم يضرّ بصاحبه(2).

و قال أبو ثور و ابن المنذر: ليس له منعه منهما(3).

و لا فرق بين صلاة الجمعة و غيرها في الاستثناء - و به قال بعض الشافعيّة(4) - لأنّ الجمعة مفروضة، فأشبهت الفرائض اليوميّة في الاستثناء.

و لقول الصادق عليه السّلام: «من كان يؤمن باللّه و اليوم الآخر فلا يستعمل أجيرا حتى يعلمه ما أجره، و من استأجر أجيرا ثمّ حبسه عن الجمعة تبوّأ بإثمه(5) ، و إن هو لم يحبسه اشتركا في الأجر»(6).

و جوّز ابن سريج من الشافعيّة أنّه يجوز له ترك الجمعة بهذا السبب(7).

و هو غلط؛ لعموم الأمر بصلاة الجمعة(8) ، كغيرها من الفرائض.

و إذا استأجر الذمّي، كانت أيّام السبوت(9) مستثناة.

مسألة 600: قد بيّنّا أنّه يجوز استئجار المرأة للخدمة،

مسألة 600: قد بيّنّا أنّه يجوز استئجار المرأة للخدمة، سواء كانت

ص: 115


1- العزيز شرح الوجيز 190:6، روضة الطالبين 328:4.
2- المغني 48:6، الشرح الكبير 10:6.
3- الإشراف على مذاهب أهل العلم 129:2-130، المغني 48:6، الشرح الكبير 10:6.
4- العزيز شرح الوجيز 190:6، روضة الطالبين 328:4.
5- تبوّأ بإثمه: أي احتمله. لسان العرب 37:1 «بوأ».
6- الكافي 4/289:5، التهذيب 211:7-931/212.
7- العزيز شرح الوجيز 190:6، روضة الطالبين 328:4.
8- سورة الجمعة: 9.
9- السبوت جمع السبت.

حسناء أو قبيحة المنظر، و سواء كانت عجوزا أو شابّة، و سواء كانت أجنبيّة أو قريبة، و سواء كانت حرّة أو أمة، لكن لا يجوز النظر إليها إن كانت أجنبيّة، بل يصرف وجهه عن النظر، و لا يخل معها في بيت لئلاّ تغريه الشهوة، و لا ينظر إليها مجرّدة و لا إلى شعرها؛ لأنّ حكم النظر بعد الإجارة كحكمه قبلها.

و كلّ موضع يفرّق فيه بين الحرّة و الأمة قبل الإجارة يفرّق فيه بعدها، و ما لا فلا.

مسألة 601: يجوز الاستئجار لحفر الآبار و القنيّ

(1) مسألة 601: يجوز الاستئجار لحفر الآبار و القنيّ و الأنهار و السواقي، و لا نعلم فيه خلافا؛ لأنّها منفعة معلومة مقصودة محلّلة يجوز أن يتطوّع بها الرجل على غيره، فجازت المعاوضة عليه و أخذ الأجرة فيه، كالخياطة و الخدمة.

و لا بدّ من تقدير الفعل إمّا بالمدّة أو بالعمل المعيّن.

فإن قدّر بالزمان، قال: استأجرتك شهرا لتحفر لي بئرا أو ساقية أو شبهها، و لا يحتاج إلى معرفة القدر، و عليه أن يحفر ذلك [الشهر](2).

و الأقرب: إنّه لا بدّ من مشاهدة الأرض التي يحفر فيها؛ لأنّ الأغراض تختلف بذلك باعتبار اختلاف الأراضي في الصلابة و الرخاوة، فيحصل الاختلاف بالصعوبة و السهولة.

و قال بعض العامّة: لا يشترط؛ لعدم الاختلاف(3).

ص: 116


1- القنيّ: جمع قناة، و هي الآبار التي تحفر في الأرض متتابعة ليستخرج ماؤها و يسيح على وجه الأرض. النهاية في غريب الحديث و الأثر 117:4 «قنا».
2- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «النهر». و الصحيح ما أثبتناه.
3- المغني 40:6، الشرح الكبير 67:6.

و إن قدّره بالعمل، افتقر إلى مشاهدة الموضع؛ لاختلاف المواضع بالسهولة و الصلابة، و لا يمكن ضبط ذلك بالصفة.

و يجب أن يعرف قدر البئر دورها و عمقها، و طول النهر و عمقه و عرضه؛ لأنّ العمل يختلف بذلك.

و إذا حفر البئر أو النهر، وجب إخراج التراب منهما؛ لأنّه لا يمكنه الحفر إلاّ بذلك، فقد تضمّنه العقد.

و إن انهار شيء من جوانب البئر أو سقط فيه حجر أو دابّة أو ما أشبه ذلك، لم يكن على الحافر إزالته، و كان على صاحب البئر رفعه؛ لأنّه سقط فيها من ملكه، و لم يتضمّن عقد الإجارة إخراجه.

و إن انتهى إلى موضع صلب أو حجارة أو شجرة تمنع الحفر، لم يلزمه حفره؛ لأنّ ذلك مخالف لما شاهده من الأرض.

و إنّما اعتبرنا مشاهدة الأرض لأنّها تختلف، فإذا ظهر فيها ما يخالف المشاهدة كان له الخيار في الفسخ، فإذا فسخ كان له من الأجر بحصّة ما عمل، فيقسّط الأجر على ما بقي و ما عمل، فيقال: كم أجر ما عمل و كم أجر ما بقي ؟ فيقسّط المسمّى عليهما، و هو قول بعض الشافعيّة(1).

و قال بعضهم: ينظر إن كان المعول يعمل فيه وجب حفره، و هو أظهر الوجهين عندهم، و لو لم يعمل فيه المعول أو نبع الماء قبل أن ينتهي إلى القدر المشروط و تعذّر الحفر، انفسخ العقد في الباقي، و لا ينفسخ فيما4.

ص: 117


1- العزيز شرح الوجيز 108:6، روضة الطالبين 267:4.

مضى، و هو أصحّ وجهي الشافعيّة(1).

و لا يجوز تقسيطه على عدد الأذرع؛ لأنّ أعلى البئر يسهل نقل التراب منه، و أسفله يشقّ ذلك فيه.

و قد روى علماؤنا عن الصادق عليه السّلام رواية في سندها ضعف: إنّ الرفاعي سأله عن رجل قبّل رجلا يحفر له بئرا عشر قامات بعشرة دراهم، فحفر له قامة ثمّ عجز، قال: «يقسّم عشرة على خمسة و خمسين جزءا، فما أصاب واحدا فهو للقامة الأولى، و الاثنين للثانية، و الثلاثة للثالثة، و على هذا الحساب إلى عشرة»(2).

و لمّا كانت الرواية ضعيفة السند وجب العدول إلى التقسيط الذي تقدّم.

مسألة 602: قد بيّنّا أنّ الدفن واجب على الكفاية للميّت المسلم و من هو بحكمه،

مسألة 602: قد بيّنّا أنّ الدفن واجب على الكفاية للميّت المسلم و من هو بحكمه، فلا تجوز الإجارة عليه إلاّ على المستحبّ فيه من النزول إلى قدر القامة أو الترقوة من اللّحد أو الشقّ.

و قال الشافعي: إذا استأجر لحفر القبر، وجب مشاهدة الموضع، و أن يعيّن الطول و العرض و العمق، و لا يكفي الإطلاق(3) ، خلافا لأبي حنيفة(4) ، و إذا حفره و دفن الميّت لم يجب ردّ التراب بعد وضع الميّت فيه(5) ، خلافا

ص: 118


1- العزيز شرح الوجيز 108:6، روضة الطالبين 267:4.
2- الكافي 22/433:7، التهذيب 794/287:6، النهاية: 348-1/349.
3- العزيز شرح الوجيز 108:6، روضة الطالبين 267:4.
4- فتاوى قاضيخان - بهامش الفتاوى الهنديّة - 325:2، العزيز شرح الوجيز 6: 108.
5- البيان 278:7، العزيز شرح الوجيز 108:6، روضة الطالبين 267:4.

لأبي حنيفة أيضا(1).

و هذا يتأتّى على مذهبنا في من استأجر(2) لدفن الميّت غير المسلم.

مسألة 603: يجوز الاستئجار لضرب اللّبن

مسألة 603: يجوز الاستئجار لضرب اللّبن؛ لما قلناه من أنّه فائدة مقصودة معيّنة مباحة.

و يجوز التقدير فيها بالزمان و بالعمل.

فإن قدّره بالعمل، احتاج إلى ذكر عدده و ذكر قالبه، فإن كان القالب معروفا فذاك، و إلاّ بيّن طوله و عرضه و سمكه، كالمكيال إن كان معروفا لم يحتج إلى ذكر مقداره، و إلاّ احتيج.

و لا تكفي مشاهدة القالب في غير المعهود؛ لما فيه من الغرر، فإنّه يجوز تلف القالب، و لا يمكن رجوعهما إلى شيء آخر، فلم يصح، كما لو أسلم في طعام و شرط مكيالا بعينه.

و قال بعض الشافعيّة: إنّه تكفي مشاهدة القالب(3).

و ليس بشيء؛ لما بيّنّاه.

و يجب بيان الموضع الذي يضرب فيه؛ لتفاوت المواضع في التعب و الراحة، فقد يكون الماء بعيدا أو قريبا(4) ، و قد يحتاج إلى نقل التراب من خارج.

و إن قدّره بالزمان، لم يحتج إلى بيان ذلك.

و لا يجب عليه إقامتها حتى تجفّ، إلاّ أن يشترط ذلك، و به قال

ص: 119


1- البيان 278:7، العزيز شرح الوجيز 108:6.
2- في الطبعة الحجريّة: «يستأجر» بدل «استأجر».
3- البيان 279:7، العزيز شرح الوجيز 109:6، روضة الطالبين 268:4.
4- في الطبعة الحجريّة: «قريبا أو بعيدا».

الشافعي(1) ، خلافا لأبي حنيفة(2).

و يجوز الاستئجار لطبخ اللّبن، و يجرى فيه على العادة، فإذا طبخه لم يجب عليه إخراجه من الأتّون(3) ، إلاّ مع الشرط، و به قال الشافعي(4) ، خلافا لأبي حنيفة(5).

مسألة 604: يجوز الاستئجار للبناء؛

مسألة 604: يجوز الاستئجار للبناء؛ لأنّه عمل محلّل مقصود، و يقدّر إمّا بالزمان أو بالعمل، فإن قدّر بالعمل وجب معرفة موضعه؛ لأنّه يختلف بقرب الماء و بعده، و سهولة التراب و صعوبته.

و يجب ذكر الأبعاد الثلاثة: الطول و العرض و السّمك، و آلة البناء من لبن و طين، أو حجر و طين، أو جصّ و آجر، أو غير ذلك.

و لو استأجره لبناء ألف(6) في حائطه، أو استأجره يبني فيه يوما، فعمل ما استأجره عليه ثمّ سقط الحائط، لم يسقط من أجره شيء إذا لم يفرّط في بنائه، و إن فرّط أو بناه محلولا أو نحو ذلك فسقط، فعليه إعادته و غرامة ما تلف به.

و لو قال: ارفع لي في هذا الحائط عشرة أذرع، فرفع بعضه ثمّ سقط، فعليه إعادة ما وقع، و إتمام ما وقعت الإجارة عليه من الذرع.

ص: 120


1- العزيز شرح الوجيز 109:6، روضة الطالبين 268:4.
2- روضة القضاة 2915/495:2، مختصر القدوري: 103، تحفة الفقهاء 354:2، بدائع الصنائع 205:4، الاختيار لتعليل المختار 86:2، المبسوط - للسرخسي - 57:16، الهداية - للمرغيناني - 233:3، العزيز شرح الوجيز 109:6.
3- الأتّون: الموقد. لسان العرب 7:13 «أتن».
4- العزيز شرح الوجيز 109:6، روضة الطالبين 268:4.
5- العزيز شرح الوجيز 109:6.
6- في المغني 42:6، و الشرح الكبير 9:6: «ألف لبنة».

و كذا يجوز الاستئجار لتطيين السطوح و الحيطان و تجصيصها.

و يقدّر بالزمان، و لا يجوز على عمل معيّن؛ لأنّ الطين يختلف بالرقّة و الثخن، و أرض السطح تختلف، فبعضها عال و بعضها نازل، و كذا الحيطان، فلم يجز إلاّ على مدّة معيّنة.

مسألة 605: يجوز الاستئجار لكحل العين؛

لأنّه عمل سائغ و يمكن تسليمه، و فيه منفعة مقصودة.

و يقدّر بالزمان خاصّة؛ لأنّ العمل غير مضبوط، فإنّ قدر الدواء لا ينضبط، و يختلف بحسب الحاجة.

و لا يجوز التقدير بالبرء؛ لأنّ ذلك من اللّه تعالى، و هو غير معلوم الحصول، و لو علم فهو مجهول؛ لأنّ وقته غير منضبط و لا عمله، فإن برئت عينه قبل تمام المدّة انفسخ العقد في الباقي.

و إذا قدّر بالزمان، افتقر إلى بيان قدر ما يكحله في كلّ يوم إمّا مرّة أو مرّتين.

و قال بعض العامّة: يجوز التقدير بالبرء؛ لأنّ أبا سعيد حين رقى الرجل شارطه على البرء(1).

و التحقيق منعه.

نعم، يجوز ذلك على وجه الجعالة دون الإجارة؛ لأنّ الإجارة لا بدّ فيها من تعيين العمل إمّا بالمدّة المضبوطة، أو بضبط العمل نفسه إن كان ممّا يمكن ضبطه، و أمّا الجعالة فتجوز على المجهول، كردّ الآبق و الضالّ، و حديث أبي سعيد في الرواية إنّما كان على سبيل الجعالة دون الإجارة.

ص: 121


1- المغني 137:6، الشرح الكبير 81:6، و راجع: الهامش (4) من ص 108.

إذا عرفت هذا، فإنّ الاستئجار على الكحل لا يقتضي وجوب الكحل على الكحّال؛ لأنّ الأعيان لا تستحقّ بعقد الإجارة، و لأنّ الإجارة وقعت على الفعل، و ليس الكحل جزءا منه، و لا يندرج(1) تحت العقد.

فإن شرط الكحل على الكحّال، فالأقرب: الجواز؛ لأنّ العادة جارية به، و يشقّ على العليل تحصيله، و قد يعجز عنه بالكلّيّة، فجاز ذلك، كالصبغ في الصبّاغ، و اللبن في الرضاع، و الحبر و الأقلام من الورّاق، و هو أحد قولي الشافعي.

و الثاني لهم(2): إنّه لا يجوز هذا الشرط، فإن شرطه بطل العقد؛ لأنّ ذلك بيع للكحل و إجارة للعمل، فلا يجوز شرط أحدهما في الآخر، و لأنّ الأعيان لا تملك بعقد الإجارة، فلا يصحّ على العامل، كاللّبن و الآجر في الحائط(3).

و الفرق: إنّ العادة جارية بأنّ اللّبن و الآجر على المالك، لا على العامل، و لا يشقّ ذلك على المالك، بخلاف مسألتنا، مع أنّه ينتقض بالصبغ من الصبّاغ و اللبن في الرضاع.

و قال أصحاب مالك: يجوز أن يستأجره ليبني له حائطا و الآجر من عنده؛ لأنّه اشترط ما تتمّ به الصنعة التي عقد عليها، فإذا كان مباحا معروفا [جاز](4) كما لو استأجر ليصبغ ثوبا و الصبغ من عنده(5).2،

ص: 122


1- في «د، ص»: «فلا يندرج».
2- كذا قوله: «أحد قولي الشافعي، و الثاني لهم». و الظاهر: «أحد قولي الشافعي، و الثاني له» أو: «أحد قولي الشافعيّة، و الثاني لهم».
3- بحر المذهب 302:9، حلية العلماء 435:5-436، البيان 274:7، العزيز شرح الوجيز 125:6، روضة الطالبين 282:4-283.
4- ما بين المعقوفين أثبتناه من المغني و الشرح الكبير و حلية العلماء، و بمعناه في غيرها.
5- المدوّنة الكبرى 413:4، الإشراف على نكت مسائل الخلاف 1164/660:2،

و قالت الشافعيّة: لا يجوز؛ لأنّ الإجارة عقد على المنفعة، و شرط فيه عقدا على البيع، و ذلك في معنى بيعتين في بيعة، و لا يشبه الصبغ؛ لأنّه بيع العين، و العمل فيه تسليم للصبغ، لأنّه مقدّر بذلك، فافترقا(1).

و قال بعض الشافعيّة: في الصبغ و الحبر إذا شرطا على الصبّاغ و الورّاق وجه بالمنع(2).

و الحقّ: الجواز، و ليس ذلك بيعا للآجر و اللّبن، بل وقعا شرطا في عقد الإجارة، و لا فرق بينهما و بين الصبغ و الحبر.

و لو اشترى منه الكحل و استأجره للعمل في عقد واحد من غير شرط، جاز عندنا.

و عند الشافعيّة قولان؛ لأنّه بيع و إجارة(3).

مسألة 606: إذا استأجره لكحل عينه مدّة فكحلها المدّة المشترطة،

مسألة 606: إذا استأجره لكحل عينه مدّة فكحلها المدّة المشترطة، استحقّ الأجرة، سواء برئت عينه، أو لا، و به قالت عامّة الفقهاء(4).

و حكي عن مالك أنّه لا يستحقّ أجرا حتى تبرأ عينه، و لم يحك أصحابه ذلك عنه(5).

و هو غلط؛ لأنّ الأجير قد قام بما وظّف عليه، و أتى بفعل ما استؤجر له، فاستحقّ العوض و إن لم يحصل الغرض من ذلك الفعل، كما لو

ص: 123


1- بحر المذهب 302:9.
2- حلية العلماء 436:5، البيان 274:7.
3- بحر المذهب 302:9، حلية العلماء 436:5، البيان 274:7.
4- كما في المغني 138:6، و الشرح الكبير 82:6.
5- بحر المذهب 302:9، حلية العلماء 436:5، المغني 138:6، الشرح الكبير 82:6.

استأجره لبناء حائط أو خياطة ثوب يوما فلم يتمّه فيه.

و لو برئت عينه في أثناء المدّة، انفسخت الإجارة فيما بقي من المدّة؛ لتعذّر العمل.

فإن امتنع من الاكتحال مع بقاء المرض، استحقّ الكحّال الأجر بمضيّ المدّة، كما لو استأجره يوما للبناء و لم يستعمله فيه.

و لو شرط عليه البرء على سبيل الجعالة، لم يستحقّ شيئا حتى يحصل البرء، سواء وجد قريبا أو بعيدا.

و لو برأ بغير كحل أو تعذّر الكحل لموته أو غير ذلك من الموانع التي من جهة المستأجر، فله أجر مثله، كما لو عمل العامل في الجعالة ثمّ فسخ العقد.

و إن امتنع من جهة الكحّال أو غير الجاعل، فلا شيء له.

و قال بعض الشافعيّة: إذا استأجره للكحل و امتنع المريض من الاكتحال و مكّن الكحّال من نفسه و بذل العمل حتى انقضت المدّة المشترطة، لم يستقر للكحّال شيء، بخلاف ما إذا حبس الدابّة المدّة المستأجرة، فإنّه يستقرّ عليه الأجر؛ لأنّ المنافع تلفت تحت يده، بخلاف مسألتنا(1).

و ليس بجيّد.

تذنيب: إذا استأجره ليلقح نخله، كان الكشّ(2) على صاحب النخل، كما قلنا في الكحل، فإن شرطه على الأجير جاز عندنا، و منعت الشافعيّة منه(3).ه.

ص: 124


1- لم نعثر عليه في مظانّه.
2- الكشّ: ما يلقح به النخل. لسان العرب 342:6 «كشش».
3- لم نعثر عليه في مظانّه.
مسألة 607: يجوز أن يستأجر طبيبا ليداويه.

مسألة 607: يجوز أن يستأجر طبيبا ليداويه. و يتقدّر بالزمان لا بالعمل؛ لعدم انضباطه، و لاختلافه بالأحوال التي تعتور المريض.

و الكلام فيه كما تقدّم في الكحّال(1).

و الدواء على المريض هنا قولا واحدا.

فإن شرطه على الطبيب و كان معيّنا، جاز عندنا، خلافا لبعض العامّة، و فرّقوا بينه و بين الكحّال حيث جوّزوا اشتراط الكحل عليه؛ لأنّه إنّما جاز في الكحّال [على](2) خلاف الأصل؛ للحاجة إليه، و جرت العادة به، و لم يوجد ذلك المعنى في الطبيب، فيثبت الحكم فيه على وفق الأصل(3).

و هو باطل؛ لقوله عليه السّلام: «المؤمنون عند شروطهم»(4).

مسألة 608: يجوز الاستئجار على الرعي، و هو قول أهل العلم لا نعلم فيه خلافا بينهم،

مسألة 608: يجوز الاستئجار على الرعي، و هو قول أهل العلم لا نعلم فيه خلافا بينهم، و قد دلّ عليه قوله تعالى مخبرا عن شعيب حيث قال:

إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هاتَيْنِ عَلى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمانِيَ حِجَجٍ (5) و قد علم أنّ موسى عليه السّلام إنّما آجر نفسه لرعي الغنم، و لأنّه عمل مقصود للعقلاء، مباح تدعو الحاجة إليه، فجاز أخذ العوض عليه.

إذا عرفت هذا، فإنّ الرعي لا ينضبط بنفسه، و لا يمكن تقديره بالعمل، بل إنّما يتقدّر بالزمان؛ لأنّ العمل لا ينحصر، فإذا عيّن المدّة

ص: 125


1- في «ر» و الطبعة الحجريّة: «الكحل» بدل «الكحّال».
2- ما بين المعقوفين أثبتناه من المصدر.
3- المغني 139:6، الشرح الكبير 83:6.
4- تقدّم تخريجه في ص 40، الهامش (1).
5- سورة القصص: 27.

و استأجره لرعي سنة وجب تعيين الجنس الذي يرعاه من ماشية غنم أو بقر أو إبل أو غير ذلك؛ لأنّ الأغراض تختلف باختلاف العمل في السهولة و الصعوبة.

و يجب ذكر العدد أيضا، فيقول: مائة من الغنم(1) ، و يعيّنها إن وقعت الإجارة على ماشية معيّنة، و حينئذ تتعيّن، و تتعلّق الإجارة بأعيانها، كما لو استأجره لخياطة ثوب بعينه، و لا يجوز إبداله، و لو تلفت بطل العقد، و لم يكن للمالك أن يأتي بعوضها، فإن كان قد مضى بعض المدّة وجب عليه من الأجرة بنسبة الماضي.

و إن تلف بعضها، بطل عقد الإجارة فيه خاصّة، و له أجر ما بقي منها بالحصّة، و ليس للمالك الإبدال عن التالف و لا عن الباقي؛ لتعلّق العقد بعين خاصّة.

و لو ولدت سخالا، لم يكن عليه رعيها؛ لأنّها زيادة لم يتناولها العقد.

و قال بعض الشافعيّة: إنّه إذا عيّن الغنم جاز له إبدالها، سواء كانت باقية أو تالفة؛ لأنّ الشياه المعيّنة ليست نفس المعقود عليها، و إنّما تستوفى المنفعة بها، فأشبه ما لو استأجر ظهرا ليركبه جاز أن يركب غيره مكانه، و لو استأجر دارا ليسكنها جاز أن يسكنها مثله، و لو استأجر أرضا ليزرعها حنطة جاز أن يزرعها ما هو مثلها في الضرر أو أدون منها، و إنّما المعقود عليه منفعة الراعي، و لهذا تجب له الإجارة إذا سلّم نفسه و مضت المدّة و لم يستعمله المستأجر في الرعي، و يفارق الثوب في الخياطة؛ لأنّ الثياب».

ص: 126


1- في الطبعة الحجريّة: «غنم» بدل «الغنم».

في مظنّة الاختلاف في سهولة خياطتها و مشقّتها، بخلاف الرعي، فعلى هذا له إبدالها بمثلها، و إن تلف بعضها لم ينفسخ العقد فيه، و كان له إبداله(1).

و ليس بشيء؛ لاختلاف الأغراض باختلاف الأعيان، كما قدّمناه.

و أمّا إذا استأجره لرعي ماشية موصوفة في الذمّة، فلا بدّ من ذكر الجنس و النوع من الإبل و البقر و الغنم من ضأن أو معز و غير ذلك، و إن أطلق ذكر البقر لم يتناول الجواميس.

و لو أطلق ذكر الإبل، قال بعض العامّة: لا يتناول البخاتي؛ لأنّ إطلاق الاسم لا يتناولها عرفا(2).

و هو غلط.

و لو كان العقد في مكان يتناولها إطلاق الاسم، احتاج إلى ذكر نوع ما يرعاه منها، كالغنم؛ لأنّ كلّ نوع له أثر في إتعاب الراعي.

و يذكر الكبير و الصغير، فيقول: كبارا أو سخالا أو عجاجيل أو فصلانا، إلاّ أن يكون هناك قرينة أو عرف صارف إلى بعضها فيستغنى عن الذكر.

و لا بدّ من تعيين العدد، فإن أطلق و لم يعيّن عددا لم يصح العقد؛ للاختلاف في الغرض بالزيادة و النقيصة، و هذا ظاهر مذهب الشافعي(3).

و قال بعض أصحابه: إذا أطلق صحّ، و حمل على ما جرت العادة4.

ص: 127


1- راجع: البيان 273:7، و العبارة بتمامها وردت في المغني و الشرح الكبير 6: 142 من دون نسبتها إلى بعض الشافعيّة، و لعلّ الصحيح في المتن: «بعض العامّة».
2- المغني و الشرح الكبير 142:6.
3- المغني 142:6، الشرح الكبير 143:6، و راجع: المهذّب - للشيرازي - 1: 405، و حلية العلماء 396:5، و التهذيب - للبغوي - 434:4، و العزيز شرح الوجيز 109:6، و روضة الطالبين 268:4.

برعي الواحد، كالمائة من الغنم و نحوها(1).

و ليس بجيّد؛ لأنّ العادة تختلف و تتباين كثيرا، و العمل يختلف باختلافه.

و إذا عيّن العدد، لم يلزمه رعي ما زاد عليها لا من سخالها و لا من غيرها؛ لأنّه زيادة على المشترط، فلم يصح.

و قال بعض الشافعيّة: إن توالدت و كانت معيّنة، لم يلزمه رعي أولادها، و إن لم تكن معيّنة بل شرط عددا معيّنا فتوالدت، لزمه رعي الأولاد؛ لأنّ العادة جارية بأنّ الأولاد تتبع الأمّهات في الرعي(2).

و ليس بمعتمد.

مسألة 609: يجوز استئجار ناسخ ليكتب له شيئا معيّنا

مسألة 609: يجوز استئجار ناسخ ليكتب له شيئا معيّنا تباح كتابته من فقه أو حديث أو شعر مباح أو سجلّ أو عهدة أو غير ذلك؛ لأنّه عمل مقصود، و فيه غرض للعقلاء، و تشتدّ الحاجة إليه، فجاز عقد الإجارة عليه، و لا نعلم فيه خلافا.

و يتقدّر بالمدّة و العمل، فإن قدّره بالعمل، ذكر عدد الأوراق و قدرها و عدد السطور في كلّ صفحة و قدر الحاشية و دقّة القلم و غلظه.

ثمّ إن عرف المستأجر الخطّ بالمشاهدة، جاز، و إن أمكن ضبطه بالصفة ضبطه، و إلاّ فلا بدّ من المشاهدة؛ لأنّ الأجر يختلف باختلافه.

و يجوز تقدير الأجر بأجزاء الفرع، فيقول: لكلّ جزء درهم، و يجوز

ص: 128


1- بحر المذهب 301:9، المهذّب - للشيرازي - 405:1، حلية العلماء 396:5، العزيز شرح الوجيز 109:6، روضة الطالبين 268:4، المغني 142:6، الشرح الكبير 143:6.
2- العزيز شرح الوجيز 109:6، روضة الطالبين 268:4.

بأجزاء الأصل المنسوخ منه.

و لو قاطعه على نسخ الأصل بأجرة واحدة، جاز.

و لو أخطأ بالشيء اليسير الذي جرت العادة به، عفي عنه، و لا ينقص من الأجر شيء؛ لأنّ العادة جارية به، و لا يمكن التحرّز منه.

و لو أسرف في الغلط بحيث يخرج عن العادة، فهو عيب يردّ به.

و لا ينبغي أن يحادث غيره حال النسخ و لا التشاغل بما يشغل سرّه و يوجب غلطه، و لا لغيره محادثته و شغل سرّه، و كذلك الأعمال التي تفتقر إلى حضور القلب فيها.

و يجوز أن يستأجر من يكتب مصحفا في قول أكثر العلماء(1) ، و هو مرويّ عن [جابر بن زيد و مالك بن دينار](2) و به قال أبو حنيفة و الشافعي و أحمد و أبو ثور(3).

و قال ابن سيرين: لا بأس أن يستأجر الرجل شهرا ثمّ يستكتبه مصحفا(4).

و كره علقمة كتابة المصحف بالأجر؛ لأنّ ذلك من أفعال القربة، فكره الأجر عليه، كالصلاة(5).

و ليس بجيّد؛ لأنّه فعل مباح يجوز فيه نيابة الغير عن الغير، فجاز9.

ص: 129


1- كما في المغني 43:6، و الشرح الكبير 68:6.
2- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «جابر بن يزيد بن دينار». و ذلك سهو، و المثبت كما في المغني و الشرح الكبير.
3- المغني 43:6، الشرح الكبير 68:6-69، مختصر اختلاف العلماء 4: 1831/133، الإشراف على مذاهب أهل العلم 126:2، التهذيب - للبغوي - 434:4.
4- الإشراف على مذاهب أهل العلم 126:2، المغني 43:6، الشرح الكبير 6: 69.
5- الإشراف على مذاهب أهل العلم 126:2، المغني 43:6، الشرح الكبير 6: 69.

أخذ الأجر عليه، كالحديث.

و قد روى العامّة: في الحديث «أحقّ ما أخذتم عليه أجرا كتاب اللّه تعالى»(1).

و لا يجوز أن يؤخذ الأجر على كتبة التوراة و الإنجيل و كتب الضلال، إلاّ للنقض أو الحجّة عليهم.

و لا بأس بالأجرة على كتب السير و الأخبار الصادقة و الشعر الحقّ، دون الكاذبة.

و لا بأس بالأمثال و الحكايات و ما وضع على ألسن العجماوات.

و يستحبّ الاستئجار في كتب العلوم من الأحاديث و الفقه و تفسير الكتاب العزيز و غير ذلك من العلوم الدينيّة.

مسألة 610: يجوز الاستئجار في استيفاء الحدود و التعزير و القصاص في الأطراف،

مسألة 610: يجوز الاستئجار في استيفاء الحدود و التعزير و القصاص في الأطراف، و لا نعلم فيه خلافا.

و أمّا استيفاء القصاص في النفس فيجوز عند علمائنا الاستئجار فيه - و به قال مالك و الشافعي و أبو ثور و أحمد(2) - لأنّه حقّ يجوز التوكيل في استيفائه، لا يختصّ فاعله بكونه من أهل القربة، فجاز الاستئجار عليه، كالقصاص في الطرف.

و قال أبو حنيفة: لا يجوز الاستئجار على القصاص في النفس؛ لأنّ

ص: 130


1- تقدّم تخريجه في ص 107، الهامش (1).
2- الذخيرة 422:5، الإشراف على نكت مسائل الخلاف 1155/656:2، الإشراف على مذاهب أهل العلم 130:2، بحر المذهب 310:9، حلية العلماء 441:5، البيان 252:7، العزيز شرح الوجيز 109:6، روضة الطالبين 269:4، مختصر اختلاف العلماء 1776/94:4، الإفصاح عن معاني الصحاح 34:2، المغني 6: 45، الشرح الكبير 70:6.

عدد الضربات مجهول، و موضع الضرب متعذّر؛ لعدم تعيّنه، إذ يمكن أن يضرب ممّا يلي الرأس و ممّا يلي الكتف، و لا يجوز أن يضرب ممّا يلي الكتف، فلمّا تعذّر ذلك و كان مجهولا، لم يجز عقد الإجارة عليه(1).

و ليس بشيء؛ لأنّ مثل هذا الاختلاف لم يلتفت الشارع إليه، فإنّه يجوز الاستئجار للخياطة إجماعا، مع أنّ موضع الغرزات و عددها مجهول، و محلّه و إن لم يكن متعيّنا لكنّه متقارب، و لا يمنع ذلك صحّته، كموضع الخياطة من حاشية الثوب.

إذا ثبت هذا، فالأجرة تجب على المقتصّ منه - و به قال الشافعي و أبو ثور و أحمد(2) - لأنّه أجر يجب لإيفاء حقّ، فكان على الموفّي، كأجرة الكيّال و الوزّان.

و قال أبو حنيفة و مالك: يجب على المقتصّ له؛ لأنّ حقّ المقتصّ له معيّن، فليس على المقتصّ منه إلاّ التخلية و التمكين، كما لو اشترى ثمرة على نخلة أو أغصانها(3).6.

ص: 131


1- بدائع الصنائع 189:4، المبسوط - للسرخسي - 40:16، مختصر اختلاف العلماء 1776/94:4، الإفصاح عن معاني الصحاح 34:2، المغني 45:6، الشرح الكبير 70:6، الإشراف على مذاهب أهل العلم 130:2، بحر المذهب 310:9، حلية العلماء 441:5، البيان 252:7، العزيز شرح الوجيز 109:6، الإشراف على نكت مسائل الخلاف 1155/657:2، الذخيرة 422:5.
2- بحر المذهب 310:9، حلية العلماء 442:5، البيان 253:7، العزيز شرح الوجيز 268:10، روضة الطالبين 91:7، الإفصاح عن معاني الصحاح 34:2، المغني 45:6، مختصر اختلاف العلماء 1776/94:4، الإشراف على نكت مسائل الخلاف 1155/657:2.
3- مختصر اختلاف العلماء 1776/94:4، الإشراف على نكت مسائل الخلاف 2: 1155/657، بحر المذهب 310:9، حلية العلماء 442:5، البيان 253:7، العزيز شرح الوجيز 268:10، المغني 45:6.

و ليس بجيّد؛ لأنّ القطع مستحقّ عليه، بخلاف الثمرة، بدليل أنّه لو مكّنه من القطع فلم يقطع و قطعه آخر، لم يسقط حقّ صاحب القصاص، و لو كان التمكين تسليما لسقط حقّه كالثمرة، و يمكن الفرق.

مسألة 611: يجوز أن يستأجر لحصاد زرعه و لقط ثمرته،

مسألة 611: يجوز أن يستأجر لحصاد زرعه و لقط ثمرته، و لا نعلم فيه خلافا بين العلماء، و قد كان إبراهيم بن أدهم يؤجر نفسه لحصاد الزرع(1).

و يجوز أن يقدّر بالعمل و بالمدّة.

أمّا بالعمل: فبأن يستأجره على حصاد زرع معيّن مشاهد أو موصوف وصفا يرفع الجهالة.

و أمّا بالمدّة: بأن يستأجره للحصاد شهرا أو يوما.

و لا بدّ من تعيين جنس الزرع و نوعه و مكانه، فإنّه يتفاوت بالطول و القصر و الثخانة و عدمها، و يحصل بذلك تفاوت الغرض للتعب و الراحة.

و إذا استأجره لجذّ الثمار، وجب تعيين الأشجار من نخل و غيره، و لا بدّ فيه من المشاهدة؛ لاختلاف الثمرة، و يجوز أن يقدّر ذلك بالمدّة و العمل.

و إنّما يجب الحصاد و الجذاذ وقت العادة.

و يجوز الاستئجار لسقي زرعه و تنقيته و دياسه و نقله إلى بيدره المعيّن.

و كذا يجوز أن يستأجر رجلا ليحتطب له أو يحتشّ أو يصطاد؛ لأنّه عمل مباح تدخله النيابة، فأشبه حصاد الزرع.

و لو استأجر أجيرا على أن يحتطب له على حمارين كلّ يوم، فكان

ص: 132


1- المغني 44:6، الشرح الكبير 69:6.

الرجل ينقل عليهما و على حمار آخر لغيره و يأخذ منه الأجرة، جاز ذلك إذا لم يتضرّر الأوّل في عمله إمّا بالبطؤ عنه أو بالقلّة؛ لأنّه اكتراه لعمل، فوفّاه إيّاه على التمام، فلم يلزمه شيء، كما لو استأجره لعمل و كان يقرأ القرآن في عمله.

و إن تضرّر المستأجر، رجع عليه بقيمة ما فوّت عليه، و هو أحد وجهي بعض العامّة، و في الثاني: إنّه يرجع عليه بقيمة ما عمله لغيره؛ لأنّه صرف منافعه المعقود عليها إلى عمل غير المستأجر، فكان عليه قيمتها، كما لو عمل لنفسه(1).

و قال بعضهم: إنّه يرجع عليه بالأجر الذي أخذه من الآخر؛ لأنّ منافعه في هذه المدّة مملوكة لغيره، فما حصل في مقابلتها يكون للّذي استأجره(2).

مسألة 612: يجوز استئجار رجل يدلّه على الطريق،

مسألة 612: يجوز استئجار رجل يدلّه على الطريق، فإنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله استأجر عبد اللّه بن أريقط ليدلّه على طريق المدينة(3).

و كذا يجوز الاستئجار على البذرقة في القوافل؛ لأنّه عمل مقصود مباح يجوز التبرّع به، فجاز أخذ الأجرة عليه، و يقدّر بالمدّة و العمل معا.

و يجوز استئجار كيّال و وزّان و ناقد، و يقدّر إمّا بالعمل أو الزمان، و به قال مالك و الثوري و الشافعي و أحمد و أصحاب الرأي(4) ، و لا نعلم فيه خلافا.

و قد روى العامّة في حديث سويد بن قيس قال: أتانا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فاشترى من رجل سراويل و ثمّ رجل يزن بأجر، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: «زن

ص: 133


1- المغني 44:6، الشرح الكبير 69:6-70.
2- المغني 44:6، الشرح الكبير 70:6.
3- المغني 45:6، الشرح الكبير 66:6.
4- المدوّنة الكبرى 118:4، المغني 46:6، الشرح الكبير 66:6.

و أرجح»(1).

و يجوز استئجار رجل ليلازم غريما يستحقّ ملازمته.

و كذا يجوز الاستئجار على المحاكمة و إقامة البيّنات و إثبات الحجج و المنازعة و الحبس، و أخذ الجعل على الوكالة.

مسألة 613: يجوز أن يستأجر سمسارا يشتري له ثيابا و غيرها معيّنة،

مسألة 613: يجوز أن يستأجر سمسارا يشتري له ثيابا و غيرها معيّنة، و به قال ابن سيرين و عطاء و النخعي(2).

و كرهه الثوري و حمّاد(3).

و ليس بشيء؛ لأنّها منفعة مباحة تجوز النيابة فيها، فجاز الاستئجار عليها، كالبناء.

و يجوز على مدّة معلومة، مثل: أن يستأجره عشرة أيّام يشتري له فيها شيئا؛ لأنّ المدّة معلومة، و العمل معلوم، فأشبه الخيّاط و القصّار.

فإن عيّن العمل دون الزمان فجعل له من كلّ ألف درهم شيئا معلوما، صحّ أيضا.

و إن قال: كلّما اشتريت ثوبا فلك درهم، و كانت الثياب معلومة بصفة أو مقدّرة بثمن، جاز.

و إن لم يكن كذلك، فظاهر كلام أحمد: إنّه لا يجوز؛ لأنّ الثياب تختلف باختلاف أثمانها، و الأجر يختلف باختلافها، فإن اشترى فله أجر مثله - و هذا قول أبي ثور و ابن المنذر - لأنّه عمل عملا بعوض لم يسلم له،

ص: 134


1- سنن أبي داود 3336/245:3، سنن ابن ماجة 2220/748:2، السنن الكبرى - للنسائي - 6184/35:4-1، المستدرك - للحاكم - 192:4.
2- الإشراف على مذاهب أهل العلم 127:2، المغني 46:6، الشرح الكبير 6: 70.
3- الإشراف على مذاهب أهل العلم 127:2، المغني 46:6، الشرح الكبير 6: 70.

فكان له أجرة المثل، كسائر الإجارات الفاسدة(1).

و كذا يجوز أن يستأجر من يبيع ثيابا و غيرها معيّنة - و به قال الشافعي(2) - لأنّه عمل مباح تجوز النيابة فيه، و هو معلوم، فجاز الاستئجار عليه، كشراء الثياب، و لأنّه يجوز عقد الإجارة عليه مقدّرا بزمن، فجاز مقدّرا بالعمل، كالخياطة، و لأنّ الظاهر أنّه يظفر براغب.

و قال أبو حنيفة: لا يصحّ أن يوكّله في بيع شيء بعينه؛ لأنّ ذلك يتعذّر عليه، فأشبه ضراب الفحل و حمل الحجر الكبير(3).

و هو ممنوع؛ فإنّ الثياب لا تنفكّ عن راغب فيها، و لهذا صحّت المضاربة، و لا تكون إلاّ بالبيع و الشراء، بخلاف ما قاسوا عليه، فإنّه متعذّر.

و لو استأجره على شراء ثياب معيّنة، صحّ أيضا.

و قال بعض الشافعيّة: لا يصحّ؛ لأنّ ذلك لا يكون إلاّ من واحد، و قد لا يبيع، فيتعذّر تحصيل العمل بحكم الظاهر، و لأنّ رغبة مالكه في البيع غير معلومة و لا ظاهرة، بخلاف البيع(4).

و ليس بشيء؛ لعدم الفرق بينهما، مع أنّ التعذّر يوجب فسخ العقد، لا إبطاله من أصله، كما لو استأجر دابّة يحتمل أن تعطب قبل العمل.4.

ص: 135


1- المغني 46:6-47، الشرح الكبير 71:6.
2- بحر المذهب 306:9، حلية العلماء 427:5، البيان 253:7، العزيز شرح الوجيز 188:6، روضة الطالبين 326:4، المغني 47:6، الشرح الكبير 6: 71.
3- المغني 47:6، الشرح الكبير 71:6، بحر المذهب 306:9، حلية العلماء 427:5.
4- بحر المذهب 306:9، حلية العلماء 427:5، البيان 253:7، العزيز شرح الوجيز 188:6، روضة الطالبين 326:4.

و لو استأجره في البيع لرجل بعينه، فهو كما لو استأجره لشراء ثياب بعينها.

و الأصحّ: الصحّة؛ لأنّه ممكن، فإن حصل من ذلك شيء، استحقّ الأجر، و إلاّ بطلت الإجارة، كما لو لم يعيّن البائع و لا المشتري.

و بعض الشافعيّة منع من الاستئجار على الشراء للمعيّن، و جوّز الاستئجار على البيع للمعيّن؛ لما تقدّم من إمكان البيع في العادة؛ لأنّه [لا ينتفي](1) من يرغب فيه، و أمّا الشراء فلا يكون إلاّ من واحد، و قد يبيع و قد لا يبيع، فلا يمكن تحصيل العمل بحكم الظاهر(2).

و لو استأجره ليشتري له شيئا وصفه له و لم يعيّنه، جاز قولا واحدا؛ لأنّ الظاهر أنّه يمكنه شراؤه.

مسألة 614: إذا دفع رجل إلى دلاّل أو غيره ثوبا أو غيره

مسألة 614: إذا دفع رجل إلى دلاّل أو غيره ثوبا أو غيره و قال: بعه بكذا فما ازددت فهو لك، فإن كان جعالة صحّ، و إن كان إجارة لم يصح.

فإذا باعه، كان الثمن بأجمعه لصاحبه، و عليه أجرة مثل الدلاّل عن دلالته - و به قال النخعي و حمّاد و أبو حنيفة و الثوري و الشافعي و ابن المنذر(3) - لأنّه أجر مجهول غير معلوم القدر و لا الحصول، بل يجوز أن يوجد و أن لا يوجد.

و قال أحمد: يصحّ، و رواه عن ابن عباس، و به قال ابن سيرين و إسحاق؛ لما رواه عن ابن عباس أنّه لا يرى بأسا أن يعطي الرجل الرجل

ص: 136


1- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «لا يبقى». و هو تصحيف.
2- العزيز شرح الوجيز 188:6، روضة الطالبين 326:4.
3- الإشراف على مذاهب أهل العلم 128:2، المغني 81:6، الشرح الكبير 5: 258.

الثوب أو غير ذلك فيقول: بعه بكذا و كذا فما ازددت فهو لك، و لم يعرف له في عصره مخالف، و لأنّها عين تنمى بالعمل فيها، أشبه دفع المال مضاربة(1).

و قول ابن عباس نحن نقول بموجبه؛ لأنّا نجوّزه جعالة، و ليس فيه ذكر إجارة.

و على قول أحمد إن باعه بالقدر المسمّى من غير زيادة، لم يكن له شيء؛ لأنّه جعل له الزيادة، و لا زيادة هنا، فهي كالمضاربة إذا لم يربح، و إن باعه بنقص ممّا عيّنه، لم يصح؛ لأنّه وكيل مخالف، فإن تعذّر ردّه ضمن النقص(2).

و يحتمل عندي على هذا التقدير ضمان القيمة إن كانت العين من ذوات القيم، و إلاّ وجب المثل.

و عن أحمد أنّه يضمن النقصان مطلقا(3).

و إن باعه بنسيئة، لم يصح البيع؛ لأنّ إطلاق البيع يقتضي النقد؛ لما في النسيئة من ضرر التأخير و الخطر بالمال.

و كذا المضارب لا يبيع بالنسيئة.

و عن أحمد رواية: يجوز له البيع نسيئة؛ لأنّه يحصل لربّ المال نفع بما يحصل من الربح في مقابلة ضرره بالنسيئة، و هنا لا فائدة لربّ المال في الربح بحال، و لأنّ مقصود المضاربة تحصيل الربح، و هو في النسيئة أكثر، و هنا ليس بمقصود إلاّ المال، و لا حظّ للمالك في الربح بحال، فلا فائدة له5.

ص: 137


1- الإشراف على مذاهب أهل العلم 128:2، المغني 81:6، الشرح الكبير 5: 258.
2- المغني 81:6، الشرح الكبير 258:5.
3- المغني 81:6، الشرح الكبير 258:5.

فيه(1).

مسألة 615: لا يجوز أن يستأجره لحصاد الزرع بسدس ما يخرج منه،

مسألة 615: لا يجوز أن يستأجره لحصاد الزرع بسدس ما يخرج منه، و لا لجذّ الثمرة بمثل ذلك؛ لأنّ الأجرة هنا مجهولة، و مع ذلك فإنّ العمل لم يقع مباشرة للمالك، بل بعضه للعامل، فلا يستحقّ عليه أجرا على المالك.

و قال أحمد: يجوز ذلك، قال: و هو أحبّ إليّ من المقاطعة، و إنّما يجوز إذا شاهده؛ لأنّه مع المشاهدة يحصل علمه بالرؤية، و هي أعلى طرق العلم، و من علم شيئا علم جزءه المشاع، فيكون الأجر معلوما(2).

و ليس بجيّد.

و إنّما رجّحه على المقاطعة التي هي جائزة عنده؛ لأنّه ربما لم يخرج من الزرع مثل الذي قاطعه عليه، و هنا يكون أقلّ منه بالضرورة(3).

النوع الثاني: الأرض.
مسألة 616: يصحّ استئجار الأراضي بلا خلاف،

مسألة 616: يصحّ استئجار الأراضي بلا خلاف، و فيها أغراض، منها:

السكنى، فإذا استأجر دارا، وجب أن يعرف موضعها و كيفيّة أبنيتها و مرافقها؛ لاختلاف الأغراض في ذلك باختلافها.

و لا خلاف بين أهل العلم في إباحة إجارة العقار.

و قال ابن المنذر: أجمع كلّ من نحفظ عنه من أهل العلم على أنّ استئجار المنازل و الديار(4) جائز(5).

ص: 138


1- المغني 81:6-82.
2- المغني 82:6، الشرح الكبير 18:6.
3- المغني 82:6، الشرح الكبير 18:6.
4- في المصدر: «الدوابّ» بدل «الديار».
5- الإشراف على مذاهب أهل العلم 117:2، المغني 26:6.

و إنّما تصحّ إجارتها مدّة معيّنة؛ لأنّ منفعتها لا يمكن ضبطها إلاّ بالمدّة.

و إنّما تصحّ إجارتها مع مشاهدتها، فإنّها لا تصير معلومة إلاّ بذلك.

و لا يجوز الإطلاق فيها و لا الوصف، و به قال الشافعي(1).

و قال أبو ثور: إذا ضبط بالصفة، أجزأ(2).

و قال أصحاب الرأي: له خيار الرؤية، كقولهم في البيع(3).

و عندي لا بأس بذلك إن أمكن الضبط بالوصف، و إلاّ فلا.

و لا بدّ من مشاهدة البيوت التي تشتمل عليها الدار؛ لأنّ الغرض يختلف بصغرها و كبرها و علوّها و انخفاضها.

مسألة 617: يجوز استئجار الحمّام،

مسألة 617: يجوز استئجار الحمّام، و لا تكره أجرته، عند علمائنا أجمع، و هو قول عامّة أهل العلم(4).

خلافا لأحمد، فإنّه كرهه؛ لأنّ عورات الناس تبدو فيه، فتحصل الإجارة على فعل محظور(5).

و ليس بشيء؛ لأنّ ذلك يمكن التحرّز منه بالاستتار.

و روى حنان بن سدير [عن أبيه](6) قال: دخلت أنا و أبي و جدّي و عمّي حمّاما في المدينة، و إذا رجل في بيت المسلخ، فقال لنا: «ممّن القوم ؟» فقلنا: من أهل العراق، فقال: «و أيّ العراق ؟» قلنا: كوفيّون، فقال:

«مرحبا بكم يا أهل الكوفة و أهلا، أنتم الشعار دون الدثار» ثمّ قال: «ما

ص: 139


1- البيان 255:7، المغني 26:6.
2- الإشراف على مذاهب أهل العلم 121:2، المغني 26:6.
3- الإشراف على مذاهب أهل العلم 121:2، المغني 26:6، الشرح الكبير 45:6.
4- كما في المغني 27:6، و الشرح الكبير 46:6.
5- المغني 26:6، الشرح الكبير 46:6.
6- ما بين المعقوفين أثبتناه من المصدر.

يمنعكم من الإزار؟ فإنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال: عورة المؤمن على المؤمن حرام» قال: فبعث عمّي إلى كرباسة فشقّها بأربعة ثمّ أخذ كلّ واحد منّا واحدا ثمّ دخلنا فيها، فلمّا كنّا في البيت الحارّ صمد(1) لجدّي ثمّ قال:

«يا كهل ما يمنعك من الخضاب ؟» فقال له جدّي: أدركت من هو خير منّي و منك لا يختضب، فقال: «و من ذلك الذي هو خير منّي ؟» قال: أدركت عليّ بن أبي طالب عليه السّلام و لا يختضب، فنكس رأسه و تصابّ عرقا، و قال:

«صدقت و بررت» ثمّ قال: «يا كهل إن تخضب فإنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قد خضب و هو خير من عليّ، و إن تترك فلك بعليّ أسوة» قال: فلمّا خرجنا من الحمّام سألنا عن الرجل في المسلخ، فإذا هو عليّ بن الحسين عليهما السّلام و معه [ابنه](2) محمّد بن عليّ الباقر عليهما السّلام(3).

قال ابن المنذر: أجمع كلّ من نحفظ عنه [من أهل العلم] أنّ كراء الحمّام جائز إذا حدّده و ذكر جميع آلته شهورا مسمّاة - و هذا قول مالك و الشافعي و أبي ثور و أصحاب الرأي - لأنّ المؤجر إنّما يأخذ الأجر عوضا عن دخول الحمّام و الاغتسال بمائه، و أحوال الناس محمولة على السلامة، و إن وقع من بعضهم فعل ما لا يجوز لم يحرم الأجر المأخوذ منه، كما لو اكترى دارا ليسكنها فشرب فيها خمرا(4).

مسألة 618: لا بدّ في استئجار الحمّام من معرفة البيوت التي في داخل

مسألة 618: لا بدّ في استئجار الحمّام من معرفة البيوت التي في داخل

ص: 140


1- صمده: قصده. الصحاح 499:2 «صمد».
2- ما بين المعقوفين أثبتناه من المصدر.
3- الفقيه 252/66:1.
4- الإشراف على مذاهب أهل العلم 130:2، المغني 27:6، الشرح الكبير 6: 46.

الحمّام، و عددها حتى يعرف قدرها سعة وضيقا و قلّة و كثرة، و معرفة ماء الحمّام إمّا من قناة أو بئر، فإن كان من بئر احتاج إلى مشاهدتها ليعلم ضيقها وسعتها و غزارة مائها و قلّته و قدر عمقها و مؤونة استقاء الماء منها، و مشاهدة القدر التي يسخن فيها الماء ليعلم كبرها من صغرها، و مشاهدة الأتّون و هو موضع الوقود، و مشاهدة مبسط القماش(1) [و](2) الذي يجمع فيه للأتّون من السرجين و نحوه، و الموضع الذي يجمع فيه الزّبل و الوقود، و مطرح الرماد، و المستنقع الذي يجتمع فيه الماء الخارج من الحمّام، فمتى أخلّ بهذا أو ببعضه لم يصح عقد الإجارة؛ للجهالة بما يختلف الغرض به.

و على هذا قياس سائر المساكن.

و لا تفتقر مشاهدة الحمّام إلى مشاهدة الزّبل و الوقود و الأزر و الأسطال و الكأسات و الحبل و الدلو؛ لأنّ ذلك كلّه لا يدخل في اسم الحمّام، و لا يندرج في إجارته.

و تكفي مشاهدة قدر الحمّام إمّا من ظاهرها من الأتّون، و إمّا من باطنها من الحمّام.

و يحتمل قويّا وجوب مشاهدة الوجهين معا مع الإمكان، كما يشاهد وجهي الثوب.

مسألة 619: إذا استأجر دارا للسكنى، ملك المستأجر منافعها في الإسكان.

مسألة 619: إذا استأجر دارا للسكنى، ملك المستأجر الإسكان. منافعها في و لا يجب [ذكر](3) عدد السّكّان من الرجال و النساء و الصبيان، خلافا لبعض الشافعيّة، حيث أوجب ذكر عدد السّكّان من الرجال و النساء

ص: 141


1- قماش البيت: متاعه. الصحاح 1016:3 «قمش».
2- ما بين المعقوفين يقتضيه السياق.
3- ما بين المعقوفين يقتضيه السياق.

و الصبيان؛ لأنّه قد ملك السكنى، فله إسكان من شاء(1).

و لا يمنع من دخول زائر وضيف على القولين معا و إن بات فيها ليالي.

و لا تتقدّر هذه المنفعة و منفعة الحمّام إلاّ بالمدّة؛ لأنّها غير منضبطة.

و له أن يسكن هو و من شاء، أو يسكنها من شاء ممّن يساويه في الضرر أو ينحطّ عنه فيه.

و له أن يضع في الدار ما جرت عادة الساكن به من الرحل و الطعام، و يحرز فيها الثياب و غيرها ممّا لا يضرّ بها.

و لا يسكنها من يضرّ بها، كالقصّار و الحدّاد؛ لأنّ ذلك يضرّ بها.

و لا يجعل فيها الدوابّ؛ لأنّها تروث فيها و تفسدها، و لا يجعل فيها السرجين، و لا شيئا يضرّ بها.

و لا يضع فوق سقفها [شيئا](2) ثقيلا؛ لأنّه يكسر خشبه أو يضعفه، و لا يجعلها محرزا للطعام إلاّ لقوته و ما جرت عادته.

و بالجملة، لا يضع فيها شيئا يضرّ بها، إلاّ مع الشرط - و بهذا كلّه قال الشافعي و أصحاب الرأي(3) - و لا نعلم فيه خلافا؛ لأنّ له استيفاء المعقود عليه بنفسه و نائبه، [و](4) الذي يسكنه نائب عنه في استيفاء المعقود عليه، فجاز، كما لو وكّل وكيلا في قبض المبيع أو دين له، و لم يملك فعل ما يضرّ بها؛ لأنّه فوق المعقود عليه، فلم يكن له فعله، كما لو اشترى شيئا،ي.

ص: 142


1- العزيز شرح الوجيز 110:6، روضة الطالبين 269:4.
2- ما بين المعقوفين أثبتناه من المغني و الشرح الكبير.
3- المغني 58:6، الشرح الكبير 84:6.
4- ما بين المعقوفين أثبتناه من المغني.

لم يملك أخذ أكثر منه.

و قال بعض العامّة: يجوز أن يجعل الدار مخزنا للطعام؛ لأنّه يجوز له أن يجعلها مخزنا لغيره(1).

و ليس بجيّد؛ لأنّ ذلك يفضي إلى أن يفسد الفأر أرضها و حيطانها، و ذلك ضرر عظيم.

و كذا لا يجوز أن يجعلها محرزا للتمر، إلاّ برضا صاحب الدار.

مسألة 620: إذا استأجر دارا جاز إطلاق العقد، و لم يحتج إلى ذكر السكنى و لا صفتها -

مسألة 620: إذا استأجر دارا جاز إطلاق العقد، و لم يحتج إلى ذكرالسكنى و لا صفتها - و به قال الشافعي و أحمد و أصحاب الرأي(2) - لأنّ الدار لا تؤجر إلاّ للسكنى، فاستغني عن ذكره، كإطلاق الثمن في بلد معروف(3) نقده، و التفاوت في السكنى يسير، فلم يحتج إلى ضبط، كإطلاق الثمن في بلد فيه نقد معروف.

و قال أبو ثور: لا يجوز حتى يقول: أبيت تحتها أنا و عيالي؛ لأنّ السكنى تختلف، و لو اكتراها ليسكنها فتزوّج امرأة، لم يكن له أن يسكنها معه(4).

و هو غلط؛ فإنّ الضرر لا يكاد يختلف بكثرة من يسكنها و قلّته، و لا يمكن ضبط ذلك، فاكتفي فيه بالمعروف، كما في دخول الحمّام و شبهه.

و لو كان ما ذكره شرطا، لوجب أن يذكر عدد السّكّان، و أن لا يبيت عنده ضيف و لا زائر و لا غير من ذكره، و لكان ينبغي أن يعلم صفة الساكن،

ص: 143


1- المغني 59:6، الشرح الكبير 84:6.
2- نهاية المطلب 251:8-252، العزيز شرح الوجيز 114:6، روضة الطالبين 272:4، المغني 59:6، الشرح الكبير 9:6.
3- فيما عدا «ص» من النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «يعرف» بدل «معروف».
4- المغني 59:6، الشرح الكبير 9:6-10.

كما يعلم ذلك فيما إذا اكترى دابّة للركوب، و ليس كذلك إجماعا.

مسألة 621: إذا استأجر أرضا، صحّ بلا خلاف

مسألة 621: إذا استأجر أرضا، صحّ بلا خلاف، إلاّ ممّن شذّ، لكن لا بدّ من معرفتها إمّا بالمشاهدة أو الوصف الرافع للجهالة إن أمكن، و إلاّ تعيّنت الرؤية؛ لأنّ المنفعة تختلف باختلافها.

و لا يصحّ حتى يذكر ما يكترى له من زرع أو غرس أو بناء؛ لأنّ الأرض تصلح لهذا كلّه، و تأثيره في الأرض يختلف، و إذا كانت منافع هذه الجهات مختلفة و كذا ضررها اللاّحق بالأرض، وجب التعيين، كما لو آجر بهيمة لم يجز الإطلاق، و هو أظهر قولي الشافعي.

و الثاني: إنّه يصحّ الإطلاق، كما لو استأجر دارا أو بيتا لم يحتج إلى ذكر السكنى؛ لأنّ الدار و البيت لا يستأجران إلاّ للسكنى و وضع المتاع فيهما، و ليس ضررها مختلفا، فيجوز الإطلاق فيه(1).

و ربّما منع ذلك مانع؛ لأنّه كما تستأجر الدار للسكنى، كذا تستأجر لتتّخذ مسجدا و لعمل الحدّادين و القصّارين و لطرح الزبل فيها، و هو أكثر ضررا، ألا ترى أنّه إذا استأجر للسكنى لم يكن له شيء من هذه الانتفاعات، فإذن ما جعلوه مبطلا في إجارة الأرض مطلقا موجود في الدار.

لا يقال: الإجارة لا تكون إلاّ لاستيفاء منفعة، فإذا آجر الدار و أطلق نزّل على أدنى الجهات ضررا، و هي السكنى و وضع المتاع.

لأنّا نقول: فليكن في إجارة الأرض مثله حتّى ينزّل على أدنى الجهات ضررا، و هي الزراعة، و يصحّح العقد بها.

مسألة 622: لو قال: آجرتك هذه الأرض لتنتفع بها فيما شئت،

مسألة 622: لو قال: آجرتك هذه الأرض لتنتفع بها فيما شئت،

مسألة 622: لو قال: آجرتك هذه الأرض لتنتفع بها فيما شئت،

ص: 144


1- العزيز شرح الوجيز 114:6، روضة الطالبين 271:4.

فالأقرب: الجواز - و به قال بعض الشافعيّة(1) - و ينتفع بها ما شاء؛ لرضاه به.

و لهم وجه آخر: إنّه لا يصحّ، كما لو قال: بعتك من هؤلاء العبيد من شئت(2).

و بينهما فرق.

و لو قال: آجرتكها لتزرعها أو تغرسها أو تبني فيها، فإن قصد التخيير فكالأوّل، و إن قصد التفصيل لم يصح؛ لأنّه لم يعيّن أحدها، فأشبه ما لو قال: بعتك أحد هذين العبدين.

و لو قال: آجرتك للزراعة، و لم يذكر ما يزرع، أو للغراس، و لم يعيّن المغروس، أو للبناء، و لم يذكر جنسه، فوجهان، كما تقدّما، لكن الأظهر عند الشافعيّة: الجواز، و الثاني لهم: المنع، و به قال أبو حنيفة(3).

إذا عرفت هذا، فإن قلنا بالجواز - و هو الأقوى - كان له أن يزرع ما شاء؛ لإطلاق اللفظ.

و يحتمل التنزيل على أقلّ الدرجات.

و لو قال: آجرتكها لتزرع فيها ما شئت، أو قال: آجرتكها لتغرس فيها ما شئت، أو قال: آجرتكها لتبني بها ما شئت، صحّت الإجارة، و زرع ما شاء و غرس ما شاء و بنى ما شاء، و هو أظهر وجهي الشافعيّة(4) ، عكس الأولى.4.

ص: 145


1- نهاية المطلب 252:8، الوسيط 169:4، التهذيب - للبغوي - 486:4، العزيز شرح الوجيز 115:6، روضة الطالبين 273:4.
2- التهذيب - للبغوي 486:4، العزيز شرح الوجيز 115:6، روضة الطالبين 273:4.
3- نهاية المطلب 251:8، العزيز شرح الوجيز 115:6، روضة الطالبين 4: 273، الهداية - للمرغيناني - 243:3، بدائع الصنائع 183:4.
4- العزيز شرح الوجيز 115:6، روضة الطالبين 273:4.

و فيه وجه لهم: إنّها تبطل، كما لو قال: بعتك من هذه الأثواب ما شئت(1).

أمّا لو قال: آجرتكها لتزرع أو لتغرس، لم يصح على قصد التفصيل كما قلنا.

و لو قال: إن شئت فازرعها، و إن شئت فاغرسها، صحّ على ما قلناه - و هو أصحّ وجهي الشافعيّة(2) - و يتخيّر المستأجر، كما لو قال: لتنتفع كيف شئت.

و الثاني لهم: المنع، كما لو قال: بعتك بألف مكسّرة إن شئت، و صحيحة إن شئت(3).

مسألة 623: إذا قال: آجرتك هذه الأرض فازرعها و اغرسها، أو لتزرعها و تغرسها، أو لتزرعها ما شئت

مسألة 623: إذا قال: آجرتك هذه الأرض فازرعها و اغرسها، أولتزرعها و تغرسها، أو لتزرعها ما شئت و تغرسها ما شئت، و لم يبيّن القدر، فالأقوى: الصحّة - و هو منصوص الشافعي(4) - لأنّ العقد اقتضى إباحة هذين الشيئين، فصحّ، كما لو قال: لتزرعها ما شئت؛ لأنّ اختلاف الجنسين كاختلاف النوعين، و قوله: «لتزرعها ما شئت» إذن في نوعين و أنواع و قد صحّ، فكذا في الجنسين.

و له أن يغرسها كلّها إن شاء، و أن يزرعها بأسرها إن أراد، كما لو أذن له في أنواع الزرع كلّه كان له زرع جميعها نوعا واحدا و له زرعها من نوعين، كذلك هاهنا.

ص: 146


1- العزيز شرح الوجيز 115:6، روضة الطالبين 273:4.
2- نهاية المطلب 252:8، الوسيط 169:4، العزيز شرح الوجيز 115:6، روضة الطالبين 273:4.
3- نهاية المطلب 252:8، الوسيط 169:4، العزيز شرح الوجيز 115:6، روضة الطالبين 273:4.
4- مختصر المزني: 129، البيان 265:7، العزيز شرح الوجيز 115:6، روضة الطالبين 273:4، المغني 66:6، الشرح الكبير 87:6.

و قال بعض الشافعيّة: يصحّ، و يزرع نصفها و يغرس نصفها؛ لاقتضاء العطف ذلك(1).

و قال أكثرهم: لا يجوز؛ لأنّه لا يدري كم يزرع(2).

و على قول القائلين بالتنصيف له أن يزرع الجميع؛ لجواز العدول من الغرس إلى الزرع، و لا يجوز أن يغرس الكلّ.

لكن الأقوى عندهم: البطلان؛ لأنّه لم يبيّن كم يزرع و كم يغرس(3) ، بل لو قال: ازرع النصف و اغرس النصف، قال القفّال: لا يصحّ؛ لأنّه لم يبيّن المغروس و المزروع، فصار كما لو قال: بعتك أحد هذين العبدين بألف و الآخر بخمسمائة(4).

مسألة 624: إذا استأجر

مسألة 624: إذا استأجر(5) الأرض للزرع وحده، ففيه صور أربع:

مسألة 624: إذا استأجر(5) الأرض للزرع وحده، ففيه صور أربع

[الصورة الأولى: استأجرها(6) للزرع مطلقا،]

الصورة الأولى: استأجرها(6) للزرع مطلقا، أو قال: لتزرعها ما شئت، فإنّه يصحّ، و له زرع ما شاء، و به قال الشافعي(7).

و قال ابن سريج: لا يصحّ حتّى يبيّن الزرع؛ لأنّ ضرره مختلف، فلا يصحّ بدون البيان، كما لو لم يذكر ما يستأجر له من زرع أو غرس أو

ص: 147


1- نهاية المطلب 253:8، البيان 266:7، العزيز شرح الوجيز 115:6، روضة الطالبين 273:4، المغني 66:6، الشرح الكبير 87:6.
2- نهاية المطلب 253:8، البيان 265:7-266، العزيز شرح الوجيز 115:6، روضة الطالبين 273:4، المغني 66:6، الشرح الكبير 87:6.
3- نهاية المطلب 254:8، العزيز شرح الوجيز 115:6، روضة الطالبين 273:4.
4- نهاية المطلب 253:8، العزيز شرح الوجيز 115:6، روضة الطالبين 273:4.
5- الظاهر: «آجر».
6- الظاهر: «آجرها».
7- مختصر المزني: 129، الحاوي الكبير 466:7، نهاية المطلب 250:8، البيان 265:7، المغني 67:6، الشرح الكبير 87:6.

بناء(1).

و ليس بجيّد؛ لأنّه يجوز استئجارها لأكثر الزرع ضررا، و يباح له جميع الأنواع؛ لأنّها [دونه، فإذا](2) عمّم أو أطلق يتناول الأكثر، فكان له ما دونه، و يخالف الأجناس المختلفة، فإنّه لا يدخل بعضها في بعض.

لا يقال: لو اكترى دابّة للركوب لوجب تعيين الراكب، فكان يجب هنا تعيين المزروع.

لأنّا نقول: إنّ إجارة المركوب لأكثر الرّكّاب ضررا لا تجوز، بخلاف المزروع، و لأنّ للحيوان حرمة في نفسه، فلم يجز إطلاق ذلك فيه، بخلاف الأرض.

لا يقال: لو استأجر دارا للسكنى مطلقا، لم يجز له أن يسكنها من يضرّ بها، كالقصّار و الحدّاد، فلم جوّزتم أن يزرعها ما يضرّ بها؟

لأنّا نقول: السكنى لا تقتضي ضررا، فلذلك منع من إسكان من يضرّ بها؛ لأنّ العقد لم يقتضه، و الزرع يقتضي الضرر، و إذا أطلق كان راضيا بأكثره، فلهذا جاز، و ليس له أن يغرس في هذه الأرض و لا يبني؛ لأنّ ضرره أكثر من المعقود عليه.

[الصورة الثانية: إذا آجرها لزرع حنطة أو نوع بعينه غيرها،]

الصورة الثانية: إذا آجرها لزرع حنطة أو نوع بعينه غيرها، فله أن يزرع ما عيّنه و ما ضرره كضرره أو أدون، و لا يتعيّن ما عيّنه في قول عامّة أهل العلم، إلاّ داود و باقي الظاهريّة، فإنّهم قالوا: لا يجوز له زرع غير ما عيّنه، حتى لو وصف الحنطة بأنّها حمراء لم يجز أن يزرع البيضاء؛ لقوله6.

ص: 148


1- البيان 265:7، المغني 67:6، الشرح الكبير 87:6.
2- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «دونها». و ما أثبتناه من المغني 67:6، و الشرح الكبير 87:6.

تعالى: أَوْفُوا بِالْعُقُودِ (1) و لأنّه عيّنها بالعقد فلم يجز العدول عنه، كما لو عيّن المركوب أو عيّن الدراهم في الثمن(2).

قال ابن داود: دخل الشافعي فيما عابه على أبي حنيفة، فإنّ الدراهم لا تتعيّن بالعقد(3).

و هو قول الشيخ(4)(5) رحمه اللّه أيضا، و لا بأس به.

و ليس بجيّد؛ لأنّ المعقود عليه منفعة الأرض، دون القمح، و لهذا يستقرّ عليه العوض بمضيّ المدّة إذا تسلّم الأرض و إن لم يزرعها، و إنّما استوفاها بتلفها تحت يده، فكيف ما أتلفها يكون مستوفيا لما عقد عليه، فلا يتعيّن عليه ما سمّاه، و إنّما ذكر القمح ليتقدّر به المنفعة، فلم يتعيّن، كما لو استأجر دارا ليسكنها، كان له أن يسكنها غيره، و فارق المركوب و الدراهم في الثمن، فإنّهما معقود عليهما فتعيّنا، و المعقود عليه هنا منفعة مقدّرة و قد تعيّنت أيضا، و لم يتعيّن ما قدّرت به، كما لا يتعيّن المكيال و الميزان في المكيل و الموزون، و كما إذا ثبت له حقّ في ذمّة إنسان كان له أن يستوفيه بنفسه أو بمن ينوب عنه، كذلك هنا.

و أمّا الآية: فإذا استوفى المنفعة فقد و فى بالعقد.

و أمّا الدراهم فلا تشبه مسألتنا؛ لأنّ الدراهم معقود عليها، فتعيّنت4.

ص: 149


1- سورة المائدة: 1.
2- الخلاف - للشيخ الطوسي - 517:3-518، المسألة 4، الإشراف على نكت مسائل الخلاف 1140/651:2، عيون المجالس 1811:4-1276/1812، الحاوي الكبير 463:7، المغني 68:6، الشرح الكبير 88:6.
3- لم نتحقّقه في مظانّه.
4- في «د، ص»: «للشيخ».
5- المبسوط 262:3، الخلاف 517:3-518، المسألة 4.

بالعقد، و في مسألتنا المعقود عليه المنفعة دون المزروع، و لهذا لو لم يسمّه في العقد كان جائزا.

[الصورة الثالثة: لو آجره ليزرعها حنطة و ما ضرره كضررها أو دونه،]

الصورة الثالثة: لو آجره ليزرعها حنطة و ما ضرره كضررها أو دونه، فهي كالسابقة، إلاّ أنّه لا خلاف للظاهريّة فيها؛ لأنّه شرط ما اقتضاه الإطلاق، و بيّن ذلك بصريح نصّه، فزال الإشكال.

[الصورة الرابعة: إذا آجره ليزرعها حنطة على أن لا يزرع غيرها،]

الصورة الرابعة: إذا آجره ليزرعها حنطة على أن لا يزرع غيرها، صحّ الشرط عندنا، و لم يكن له أن يزرع غيرها؛ عملا بمقتضى الشرط، و قد قال عليه السّلام: «المؤمنون عند شروطهم»(1).

و لأنّ المستأجر يملك المنفعة من جهة المؤجر، فيملك بحسب التمليك، و سواء زرع المساوي في الضرر أو الأدون ضررا.

و قالت الشافعيّة [في أحد الوجهين](2): لا يصحّ هذا الشرط؛ لأنّه مخالف لمقتضى العقد، لأنّ العقد يقتضي استيفاء المنفعة كيفما اختاره، و ليس هذا الشرط من قضايا العقد و لا من مصالحه، و كلّ شرط يكون كذلك يكون فاسدا، و الإجارة تفسد بالشروط الفاسدة(3).

و نمنع مخالفة الشرط لمقتضى العقد؛ فإنّ جميع الشروط مخصّصة لإطلاق العقد الذي يدخله الشرط.

و الثاني: إنّه يصحّ العقد و الشرط معا؛ لأنّ المستأجر يملك المنفعة8.

ص: 150


1- تقدّم تخريجه في ص 40، الهامش (1).
2- ما بين المعقوفين يقتضيه السياق.
3- الحاوي الكبير 464:7، نهاية المطلب 245:8، حلية العلماء 411:5، التهذيب - للبغوي - 484:4، العزيز شرح الوجيز 135:6، روضة الطالبين 4: 288.

من جهة المؤجر، فيملك بحسب التمليك(1).

و على القول الذي اختاروه هل يفسد العقد؟ فيه لهم وجهان:

أحدهما: إنّه يفسد العقد؛ لأنّه شرط فيه شرطا فاسدا، فأشبه سائر الشروط.

و الثاني: إنّه لا يفسد العقد؛ لأنّ هذا شرط لا غرض فيه لأحد المتعاقدين، فلا يضرّ إسقاطه؛ لأنّ [ما ضرره مثله لا يختلف](2) في غرض المؤجر، فلم يؤثّر في العقد(3).

و هذا كما قاله الشافعي: إذا قال: أصدقتك ألفين على أن تعطي أباك ألفا، فالشرط فاسد لا يؤثّر في عقد الصداق؛ لأنّه لا غرض له في أن تعطي أباها ألفا، و لو قال: أصدقتك ألفين على أن تعطي أبي ألفا، فسد الشرط و الصداق؛ لأنّ له غرضا في ذلك(4).

مسألة 625: إذا استأجر الأرض على أن يزرعها حنطة مثلا، لم يجز له أن يزرعها ما هو أضرّ من الحنطة،

مسألة 625: إذا استأجر الأرض على أن يزرعها حنطة مثلا، لم يجز له أن يزرعها ما هو أضرّ من الحنطة، و يجوز أن يزرع المساوي ضررا و الأقلّ ضررا - خلافا للشيخ(5) رحمه اللّه - فيجوز أن يزرع الشعير؛ لأنّه أقلّ ضررا من الحنطة، و لا يجوز أن يزرع الأرز و الذّرّة؛ لأنّ كلّ واحد منهما أشدّ ضررا من الحنطة، فإنّ للذّرّة عروقا غليظة تنتشر في الأرض، و تستوفي قوّة

ص: 151


1- الحاوي الكبير 464:7، نهاية المطلب 245:8، حلية العلماء 411:5، التهذيب - للبغوي - 484:4، العزيز شرح الوجيز 135:6، روضة الطالبين 4: 288.
2- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «ما ضرره ضرر مثله». و المثبت كما في المغني 68:6-69، و الشرح الكبير 89:6.
3- الحاوي الكبير 464:7، نهاية المطلب 245:8، حلية العلماء 411:5، التهذيب - للبغوي - 484:4، العزيز شرح الوجيز 135:6، روضة الطالبين 4: 288.
4- لم نتحقّقه في مظانّه.
5- راجع: الهامش (5) من ص 149.

الأرض، و الأرز يحتاج إلى السقي الدائم، و أنّه يذهب بقوّة الأرض.

و قال البويطي من الشافعيّة: لا يجوز العدول إلى غير الزرع المعيّن(1) ، فمن أصحاب الشافعي من قال: إنّه قول للشافعي رواه(2) ، و منهم من قال: رأي رآه(3) و قد تقدّم(4) إبطاله.

هذا في تعيين الجنس أو النوع، و أمّا إذا عيّن الشخص فقال:

آجرتكها لتزرع هذه الحنطة المعيّنة، فإن لم يقل: و لا تزرع غيرها، فالأقوى: إنّه كما لو عيّن الجنس أو النوع يجوز التخطّي إلى المساوي و الأقلّ ضررا.

و إن قال: و لا تزرع غيرها، فالأقرب: جواز العقد، و لزوم الشرط؛ لقوله عليه السّلام: «المؤمنون عند شروطهم»(5).

و للشافعيّة قولان:

أحدهما: جواز العقد، دون الشرط، و لكن هذا فيما إذا لم يقل:

و لا تزرع غيرها.

و الثاني: بطلان العقد؛ لأنّ تلك الحنطة قد تتلف، فتتعذّر الزراعة(6).

و على هذا قياس سائر المنافع.

و إذا استأجر دابّة للركوب في طريق، لم يركبها في طريق أخشن، و يركبها في مثل تلك الطريق عند الشافعيّة(7).4.

ص: 152


1- العزيز شرح الوجيز 134:6، روضة الطالبين 288:4.
2- العزيز شرح الوجيز 134:6، روضة الطالبين 288:4.
3- العزيز شرح الوجيز 134:6، روضة الطالبين 288:4.
4- آنفا.
5- تقدّم تخريجه في ص 40، الهامش (1).
6- العزيز شرح الوجيز 134:6-135، روضة الطالبين 288:4.
7- المهذّب - للشيرازي - 409:1، العزيز شرح الوجيز 135:6، روضة الطالبين 288:4.

و كذا يركبها فيما هو أسهل عندهم(1).

و إذا استأجر لحمل الحديد، لم يحمل القطن، و بالعكس.

و إذا استأجر دكّانا لصنعة، فله أن يباشرها و ما دونها في الضرر أو يساويها، دون ما هو فوقها.

مسألة 626: إذا استأجرها

مسألة 626: إذا استأجرها(2) لزرع الحنطة، فإن أراد زرع ما هو أكثر ضررا، لم يجز له ذلك،

مسألة 626: إذا استأجرها(2) لزرع الحنطة، فإن أراد زرع ما هو أكثرضررا، لم يجز له ذلك، و للمؤجر منعه.

فإن تعدّى فزرع الذرّة أو الأرز اللّذين هما أضرّ من الحنطة و لم يتخاصما حتى انقضت المدّة و حصد الذرّة، تخيّر المالك بين أن يأخذ المسمّى و أرش النقصان الزائد على زراعة الحنطة بزراعة الذرّة، و بين أن يأخذ أجرة المثل لزراعة الذرّة، و به قال الشافعي(3).

قال المزني: و الأوّل أولى(4).

و اختلف أصحاب الشافعي على طريقين:

أحدهما: إنّ في المسألة قولين، و في كيفيّتها طريقان:

أظهرهما عندهم: إنّ أحد القولين وجوب أجرة المثل؛ لأنّه عدل عن المستحقّ إلى غيره، فأشبه ما إذا زرع أرضا أخرى، لأنّه استوفى غير ما عقد عليه، فوجبت عليه أجرته، فكان كما لو استأجر أرضا فزرع غيرها.

ص: 153


1- المهذّب - للشيرازي - 409:1، العزيز شرح الوجيز 135:6.
2- في «ر» و الطبعة الحجريّة: «استأجر».
3- الأم 17:4، مختصر المزني: 129، الحاوي الكبير 465:7، الوسيط 4: 180، حلية العلماء 412:5، التهذيب - للبغوي - 483:4، العزيز شرح الوجيز 135:6، روضة الطالبين 289:4.
4- مختصر المزني: 129، و عنه في الحاوي الكبير 465:7، و نهاية المطلب 8: 246، و الوسيط 181:4، و التهذيب - للبغوي - 483:4، و العزيز شرح الوجيز 135:6.

و الثاني: إنّه يستحقّ الأجرة المسمّاة و أجرة ما زاد على ما سمّاه؛ لأنّه استحقّ منفعة الأرض مقدّرة، فاستوفاها مع غيرها، فوجب عليه الأجرة المسمّاة و عوض الزيادة، كمن اشترى خمسة أقفزة من صبرة و استوفى أكثر من ثمنها، أو اكترى مركبا إلى موضع فجاوزه، و تفارق الأرض الأخرى؛ لأنّه استوفى غير المنفعة المعقود عليها، و في مسألتنا استوفى المنفعة المعقود عليها و زيادة.

الطريق الثاني: إنّ أحد القولين وجوب المسمّى و بدل نقصان الذرّة.

و الثاني: التخيير؛ لأنّ للمسألة شبها بزراعة الغاصب من حيث إنّه زرع ما لم يستحقّه، و موجبها أجرة المثل، و شبها بما إذا استأجر دابّة إلى موضع و جاوزه من حيث إنّه استوفى المستحقّ و زاد في الضرر، و موجبها المسمّى و بذل المثل لما زاد، فخيّرناه بينهما.

و أيضا فإنّ المكري استحقّ أجرة الذرّة، و المكتري استحقّ منفعة زراعة الحنطة و قد فاتت بمضيّ المدّة، فإمّا أن يأخذ المؤجر ما يستحقّ و يردّ ما أخذ، و إمّا أن يتقاصّا و يأخذ الزيادة(1).

و مثل هذا ما قاله الشافعي في قتل العمد: إنّ الوليّ مخيّر بين القصاص و الدية؛ لأنّ القتل أخذ شبها من أصلين، و هو أنّه قصد الإتلاف فاستحقّ العقوبة، و أنّه حصل الإتلاف، و ذلك موجب للدية(2).7.

ص: 154


1- نهاية المطلب 246:8-247، الحاوي الكبير 465:7، المهذّب - للشيرازي - 410:1، الوسيط 181:4، حلية العلماء 412:5، التهذيب - للبغوي - 4: 483-484، البيان 334:7، العزيز شرح الوجيز 135:6-136، روضة الطالبين 289:4.
2- الأمّ 10:6، المهذّب - للشيرازي - 198:2، التهذيب - للبغوي - 74:7، البيان 371:11، العزيز شرح الوجيز 290:10، روضة الطالبين 104:7.

و كذلك قال في نذر اللجاج: إنّه مخيّر بين الوفاء به و الكفّارة؛ لأنّه أخذ شبها من نذر البرّ و اليمين(1).

و ذكر الذاهبون إلى هذه الطريقة للقولين هكذا مأخذين:

أحدهما: قرّبوهما من القولين فيما إذا تصرّف الغاصب في الدراهم المغصوبة و ربح، فعلى أحدهما يأخذ المالك مثل دراهمه، و على الثاني يتخيّر بينه و بين أن يأخذ الحاصل بربحه.

و الثاني: قال بعضهم: قول الرجوع إلى أجرة المثل مبنيّ على أنّ البائع إذا أتلف المبيع قبل القبض ينفسخ العقد، و يقدّر كأنّ العقد لم يكن، و التخيير مبنيّ على أنّ البيع لا ينفسخ، بل يتخيّر المشتري بين أن يفسخ و يستردّ الثمن، و بين أن يجيز و يرجع على البائع بالقيمة(2).

و هذا البناء ليس بواضح عندهم؛ لأنّ المؤجر هو الذي يقع في رتبة البائع، و لم يوجد منه إتلاف، و إنّما المستأجر فوّت المنفعة المستحقّة على نفسه، فكان ذلك بإتلاف المشتري أشبه(3).

و الطريق الثاني في أصل المسألة: القطع بالتخيير، و هو أوفق لظاهر النصّ من الشافعي(4).

هذا إذا تخاصما بعد انقضاء المدّة و حصاد الذرّة، و أمّا إذا تخاصما في ابتداء قصد زراعة الذرّة، منعناه منها.

و إن تخاصما بعد الزراعة و قبل الحصاد، فللمالك قلعها، و إذا قلع فإن4.

ص: 155


1- الوسيط 211:7، التهذيب - للبغوي - 147:8-148، العزيز شرح الوجيز 249:12، روضة الطالبين 561:2.
2- العزيز شرح الوجيز 136:6.
3- العزيز شرح الوجيز 136:6.
4- راجع: الهامش (1) من ص 154.

تمكّن من زراعة الحنطة، زرعها، و إلاّ لم يزرع، و عليه الأجرة لجميع المدّة؛ لأنّه الذي فوّت نفسه مقصود العقد.

ثمّ إن لم تمض مدّة تتأثّر بها الأرض فذاك، و إن مضت فالمستحقّ أجرة المثل، أم قسطها من المسمّى و زيادة للنقصان، أم يتخيّر بينهما؟ فيه ما تقدّم من الطرق.

و هي جارية فيما إذا استأجر دارا ليسكنها، فأسكنها الحدّادين أو القصّارين، أو استأجر دابّة ليحمل عليها قطنا فحمل بقدره حديدا، أو استأجر غرفة ليطرح فيها مائة منّ من الحنطة فأبدلها بالحديد.

و كذا في كلّ صورة لا يتميّز فيها المستحقّ عمّا زاد.

و أمّا إن تميّز - كما إذا استأجر دابّة لحمل خمسين رطلا فحملها مائة رطل، أو استأجرها إلى موضع فتجاوزه إلى آخر - وجب المسمّى و أجرة المثل لما زاد.

و لو عدل من الجنس المشروط إلى غيره - كما إذا استأجر للزرع فغرس أو بنى - فالواجب أجرة المثل، و به قال أكثر الشافعيّة(1).

و منهم من طرد الخلاف فيه(2).

تنبيه: قولنا فيما إذا عيّن زرع الحنطة فزرع الذرّة: إنّ المالك يتخيّر بين أجرة مثل الذرّة، و بين المسمّى مع أرش نقص الأرض، يسبق إلى الفهم منه ما ينقص من قيمة الأرض، و قلنا تارة بدل ما ينقص من الأرض:

إنّه يأخذ المسمّى و أجرة المثل لما زاد، و المراد هنا هو الثاني، و قولنا:

«نقص الأرض» يحمل على الأجرة الزائدة، فيأخذ مع المسمّى بدل المنفعة4.

ص: 156


1- العزيز شرح الوجيز 137:6، روضة الطالبين 289:4.
2- العزيز شرح الوجيز 137:6، روضة الطالبين 289:4.

التي استوفاها فوق المستحقّ و بدل المنفعة الأجرة، فليحمل نقص الأرض على الضرر الذي لحقها بما استوفاه من المنفعة، و أرشه جزء من أجرة ما استوفاه، و هو تفاوت ما بينهما و بين أجرة المنفعة المستحقّة.

مثلا: أجرة مثلها للحنطة خمسون، و للذرّة سبعون، و المسمّى أربعون، يأخذ الأربعين و تفاوت ما بين الأجرتين، و هو عشرون.

و إنّما حملنا نقص الأرض على ما قلناه؛ لأنّ رقبة الأرض لا تكاد تنقص قيمتها بالزرع و إن استقرّ ضررها.

النوع الثالث: الدوابّ.
اشارة

منافع الدوابّ متعدّدة، كالركوب و الحمل و الاستعمال، فالأبحاث هنا ثلاثة:

البحث الأوّل: الركوب،

الأوّل: الركوب، فإذا استأجر دابّة للركوب، صحّ.

و قد أجمع أهل العلم كافّة على جواز استئجار الدوابّ للركوب إلى مكّة و إلى غيرها.

قال اللّه تعالى: وَ الْخَيْلَ وَ الْبِغالَ وَ الْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوها (1) و لم يفرّق بين المملوكة و المستأجرة.

و قد روي عن ابن عبّاس في قوله تعالى: لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ (2): أن يحجّ و يكتري(3).

و لأنّ الحاجة شديدة إلى السفر، و الضرورة داعية للناس إليه، و قد

ص: 157


1- سورة النحل: 8.
2- سورة البقرة: 198.
3- كما في المغني 102:6، و الشرح الكبير 106:6.

فرض اللّه تعالى عليهم الحجّ، و أخبر بأنّهم يأتون رِجالاً وَ عَلى كُلِّ ضامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ (1) و ليس لكلّ أحد بهيمة يركبها، و لا يتمكّن من معاناتها و القيام بما يحتاج إليه من الرعي و العلف و السقي و الشدّ عليها و الحلّ عنها، فدعت الضرورة إلى استئجارها، و لا نعلم فيه خلافا.

[مسألة 627: إذا استأجر دابّة للركوب، وجب معرفة الراكب؛]

مسألة 627: إذا استأجر دابّة للركوب، وجب معرفة الراكب؛ لأنّه أحد نوعي ما وقعت المعاوضة عليه، فتجب(2) معرفته، كالبيع، فيجب أن يعرف مؤجر الدابّة راكبها بالمشاهدة؛ لاختلاف الأغراض في الراكب؛ لأنّ بعضهم ثقيل، و بعضهم خفيف، و يختلفون أيضا بالضخامة و النحافة و كثرة الحركات و شدّتها و قلّتها و كثرة السكنات، و الوصف لا يضبط ذلك كلّه، و هو قول أكثر الشافعيّة(3).

و منهم من اكتفى بالأوصاف الرافعة للجهالة، فيصف الغائب بالطول و القصر و الضخامة و النحافة، و سرعة الحركة و بطئها، و خفّة الحركة و ثقلها، إلى غير ذلك، و يذكر وزنه تحقيقا(4).

و قال بعضهم: يذكر صفته في الضخامة و النحافة ليعرف وزنه تخمينا(5).

و الأصل في ذلك أن نقول: إن أمكن الوصف التامّ القائم مقام المشاهدة، كفى ذكره عنها، و إلاّ فلا.

و قال مالك: يجوز إطلاق الراكب؛ لأنّ أجسام الناس متقاربة في4.

ص: 158


1- سورة الحجّ: 27.
2- في «ص»: «فوجب». و في «ل»: «فوجبت».
3- البيان 267:7، العزيز شرح الوجيز 116:6، روضة الطالبين 273:4-274.
4- العزيز شرح الوجيز 116:6، روضة الطالبين 274:4.
5- العزيز شرح الوجيز 116:6، روضة الطالبين 274:4.

الغالب(1).

[مسألة 628: إن كان الراكب مجرّدا ليس معه ما يركب عليه، لم يحتج إلى ذكر ما يركب عليه،]

مسألة 628: إن كان الراكب مجرّدا ليس معه ما يركب عليه، لم يحتج إلى ذكر ما يركب عليه، لكن المؤجر يركبه على ما شاء.

و يجب في توطئتها ما جرت العادة به في مثلها، فإن كان المركوب فرسا وطّأه بالسرج و اللجام، و إن كان بغلا أو حمارا فبالأكاف و البرذعة، و إن كان بعيرا فبالحداجة و القتب و الزمام الذي يقاد به البعير و البرة التي في أنف البعير إن كانت العادة جارية بينهم بها، و نحو ذلك؛ لأنّ ذلك مقتضى العرف مع الإطلاق.

و إن عيّن غير ذلك، لزم، مثل: أن يشترط البرذعة على الفرس، و السرج على البغل أو الحمار.

و إن كان يركب على رحل له أو فوق زاملة(2) أو في محمل أو عمارية في الإبل أو في غير الإبل و أراد الركوب على سرج أو أكاف، وجب ذكره.

و يجب أن يعرف المؤجر هذه الآلات، فإن شاهدها كفى و إلاّ حمل على المعهود(3) المطّرد بينهم، فإن كانت سروجهم و محاملهم و ما في معناها على قدر و تقطيع لا يختلف كثيرا و لا يتفاحش التفاوت فيه كفى الإطلاق، و حمل على المعهود، و إن لم يكن لهم معهود مطّرد فلا بدّ من ذكر وزن السرج و الأكاف و الزاملة و وصفها، و هو قول بعض الشافعيّة(4).4.

ص: 159


1- بداية المجتهد 228:2، الذخيرة 430:5، المعونة 1099:2، الوجيز 1: 233، البيان 267:7، العزيز شرح الوجيز 116:6، المغني 103:6، الشرح الكبير 108:6.
2- الزاملة: العدل الذي فيه الزاد. المغرب 234:1 «زمل».
3- في «ر» و الطبعة الحجريّة: «المعروف» بدل «المعهود».
4- العزيز شرح الوجيز 117:6، روضة الطالبين 274:4.

و لم يشترط أكثرهم وزن السرج و الأكاف؛ لقلّة التفاوت بينهما(1).

و لهم في العمارية و المحمل ثلاثة أوجه:

أحدها: إنّه لا يصحّ العقد مع الإطلاق، و لا بدّ من مشاهدتهما؛ لأنّ الغرض يختلف بسعتهما وضيقهما، و ذلك ممّا لا يضبط بالوصف.

و الثاني: إنّه إن كانت المحامل بغداديّة خفافا كفى فيها الوصف؛ لمقاربة بعضها بعضا(2) ، و إن كانت خراسانيّة ثقالا فلا بدّ من مشاهدتها.

و الثالث: إنّه يكفي فيها الوصف و ذكر الوزن؛ لإفادتهما التخمين، كالمشاهدة(3).

و على هذا الثالث لو ذكر الوزن دون الصفة، أو الصفة دون الوزن، فوجهان، أظهرهما عندهم: إنّه لا يكفي؛ لبقاء الجهل مع سهولة إزالته(4).

و قال بعضهم: الزاملة تمتحن باليد ليعرف خفّتها و ثقلها، بخلاف الراكب، فإنّه لا يمتحن بعد المشاهدة(5).

و ينبغي أن يكون المحمل و العمارية في ذلك كالزاملة.

و لا بدّ في المحمل و نحوه من الوطاء، و هو الذي يفرش فيه ليجلس عليه، فينبغي أن يعرف بالرؤية أو الوصف.

و لا بدّ أيضا من معرفة الدثار فيه، و ذلك إمّا بالمشاهدة أو الوصف4.

ص: 160


1- العزيز شرح الوجيز 117:6، روضة الطالبين 274:4.
2- في الطبعة الحجريّة: «ببعض» بدل «بعضا».
3- المهذّب - للشيرازي - 404:1، حلية العلماء 395:5، العزيز شرح الوجيز 6: 117، روضة الطالبين 274:4.
4- العزيز شرح الوجيز 117:6.
5- البغوي في التهذيب 458:4، و عنه في العزيز شرح الوجيز 117:6، و روضة الطالبين 274:4.

الرافع للجهالة مع الوزن إن لم يكن معلوما.

و قال أبو حنيفة: إذا قال: في المحمل رجلان و ما يصلحهما من الوطاء و الدثر، جاز استحسانا؛ لأنّ ذلك يتقارب في العادة، فحمل على العادة(1).

[مسألة 629: إذا ركب في المحمل أو المحارة و غيرهما، فلا بدّ و أن يذكر هل يكون مغطّى أو مكشوفا؟]

مسألة 629: إذا ركب في المحمل أو المحارة و غيرهما، فلا بدّ و أن يذكر هل يكون مغطّى أو مكشوفا؟ فإن كان مغطّى، وجب ذكر الغطاء الذي يستظلّ به و يتوقّى به من المطر و الحرّ؛ لأنّه قد يكون و قد لا يكون، و مع كونه فقد يختلف ثقلا و خفّة، فلا بدّ من أن يشترط الغطاء، و إذا شرط فلا بدّ من تعيينه(2) ، و لا يكفي الإطلاق؛ للاختلاف، بل لا بدّ من معرفته بالمشاهدة أو الوصف الرافع للجهالة، و هو منصوص الشافعي(3).

و قال بعض أصحابه: يكفي الإطلاق؛ لأنّ التفاوت فيه قريب، فلا يختلف(4) اختلافا متباينا(5) ، و إذا أطلق غطّاه بجلد أو كساء أو لبد(6).

و الحقّ ما تقدّم من وجوب تعيينه.

نعم، لو كان هناك عرف مطّرد كفى الإطلاق، كما في المحمل و غيره، و إن لم يكن عرف وجب تعيينه؛ لأنّ من الناس من يختار في غطاء4.

ص: 161


1- الاختيار لتعليل المختار 89:2-90، بدائع الصنائع 183:4، المبسوط - للسرخسي - 18:16-19، الهداية - للمرغيناني - 252:3، الإشراف على مذاهب أهل العلم 110:2، المغني 103:6، الشرح الكبير 108:6.
2- في الطبعة الحجريّة: «فلا بدّ من أن يعيّنه».
3- العزيز شرح الوجيز 117:6، روضة الطالبين 274:4-275.
4- في «د، ص»: «و لا يختلف».
5- في «ر»: «بيّنا» بدل «متباينا».
6- العزيز شرح الوجيز 117:6، روضة الطالبين 274:4.

المحمل الواسع الثقيل الذي يشدّ على المحمل في الهواء، و منهم من يقنع بالضيّق الخفيف، فتجب معرفته.

و قد يكون للمحمل ظرف من لبود أو أدم، فهو كالغطاء.

[مسألة 630: إذا استأجر للركوب و لم يشرط المعاليق - كالقربة و السطيحة و السفرة و الإداوة و القدر و القمقمة و نحوها - ]

مسألة 630: إذا استأجر للركوب و لم يشرط المعاليق - كالقربة و السطيحة و السفرة و الإداوة و القدر و القمقمة و نحوها - لم يستحقّ حملها؛ لأنّ الناس فيه مختلفون، و قد لا يكون للراكب معاليق أصلا، و إذا لم يكن لها ضابط و عادة في حملها و عدمه لم ينصرف إطلاق الركوب إليه؛ لعدم الدلالة عليه بإحدى الدلالات الثلاث، و هو قول الشافعيّة(1).

و فيه وجه لهم: إنّه يقتضي استحقاق الحمل(2).

و ليس بجيّد(3).

إذا عرفت هذا، فإن شرط المعاليق أو كانت العادة تقتضيها، وجب معرفتها إمّا بالمشاهدة أو الوصف الرافع للجهالة، المتضمّن لذكر الوزن؛ لاختلافها في الثقل و الخفّة، و هو قول أكثر الشافعيّة(4).

فإن أطلق مع اشتراط حملها و لم يعيّن قدرها لا بالوزن(5) و لا بالوصف، بطل العقد.

قال الشافعي: القياس يقتضي أنّه فاسد، و من الناس من يقول: له بقدر ما يراه الناس وسطا(6).6.

ص: 162


1- العزيز شرح الوجيز 118:6، روضة الطالبين 275:4.
2- العزيز شرح الوجيز 118:6، روضة الطالبين 275:4.
3- في النّسخ الخطّيّة: «جيّدا».
4- البيان 268:7، العزيز شرح الوجيز 117:6-118.
5- في «د، ص»: «بالرؤية» بدل «بالوزن».
6- نهاية المطلب 141:8، البيان 268:7، العزيز شرح الوجيز 118:6.

و فيه للشافعيّة طريقان:

أشهرهما: إنّ في المسألة قولين:

أحدهما - و به قال أبو حنيفة و مالك -: إنّه يصحّ العقد، و يحمل المشروط على الوسط.

و أصحّهما عندهم: المنع؛ لاختلاف الناس فيها.

و ثانيهما: القطع بالقول الثاني(1).

و الحقّ ما قلناه من البطلان؛ لاختلاف الناس في المعاليق، فمنهم من يكثر الزاد و الحوائج، و منهم من يقنع باليسير، و لا عرف له يرجع إليه، فوجب التعيين.

هذا، مع خلوّ السفرة و الإداوة من الزاد و الماء.

[مسألة 631: إن كانت الإجارة في الركوب على عين الدابّة، وجب تعيينها إمّا بالمشاهدة أو الوصف]

مسألة 631: إن كانت الإجارة في الركوب على عين الدابّة، وجب تعيينها إمّا بالمشاهدة أو الوصف الرافع للجهالة؛ لأنّها أحد ما وقع عليه عقد الإجارة، فاشترط معرفته، كالبيع.

و للشافعيّة في اشتراط رؤيتها الخلاف الذي لهم في شراء الغائب(2).

و الحقّ اشتراطه؛ لأنّ الغرض يختلف بذلك.

و إنّما يحصل العلم بالرؤية، و هي كافية؛ لأنّها أعلا طرق العلم، إلاّ أن يكون ممّا يحتاج إلى معرفة صفة المشي فيه، كالهروال و غيره، فإمّا أن يجرّبه فيعلم ذلك برؤيته، و إمّا أن يصفه بالوصف، فإنّه إذا وجد بحيث ترتفع الجهالة اكتفى به.4.

ص: 163


1- نهاية المطلب 141:8، البيان 268:7، العزيز شرح الوجيز 118:6.
2- العزيز شرح الوجيز 118:6، روضة الطالبين 275:4.

و إذا وصف، فلا بدّ من ذكر الجنس إمّا الإبل أو الخيل أو البغال أو الحمير، و من ذكر النوع، فيقول في الإبل: بختيّ، أو عربيّ، و في الخيل:

عربيّ أو برذون، و في الحمير: مصريّ أو شاميّ.

و إن كان في النوع ما يختلف، وجب وصفه أيضا؛ فإنّ في الخيل القطوف(1) و غيره.

و لا بدّ من ذكر الذكورة و الأنوثة؛ لاختلاف الغرض بذلك - و به قال الشافعي(2) - فإنّ الأنثى أسهل، و الذكر أقوى.

و يحتمل عدم وجوب ذلك؛ لأنّ التفاوت بينهما يسير لا يمكن ضبطه، فلم يكن معتبرا في نظر الشرع.

و قال بعض العامّة: إذا كان الكراء إلى مكّة، لم يجب ذكر الجنس و لا النوع؛ لأنّ العادة جارية بأنّ الذي يحمل عليه إليها إنّما هو الجمال العراب دون البخاتي(3).

و إذا كانت الإجارة في الركوب في الذمّة غير مقيّدة بعين شخصيّة، فلا بدّ من ذكر الجنس و النوع و الوصف الذي تختلف العادة في السير و الركوب به.

[مسألة 632: إذا استأجر دابّة للركوب، فإن كان إلى مكّة أو إلى موضع لا يكون السير فيه إلى اختيار المتواجرين،]

مسألة 632: إذا استأجر دابّة للركوب، فإن كان إلى مكّة أو إلى موضع(4) لا يكون السير فيه إلى اختيار المتواجرين، فلا وجه لذكر تقدير».

ص: 164


1- القطوف من الدوابّ: البطيء. لسان العرب 286:9 «قطف».
2- نهاية المطلب 128:8، البيان 266:7، العزيز شرح الوجيز 118:6، روضة الطالبين 275:4، المغني 104:6.
3- المغني 104:6، الشرح الكبير 109:6.
4- في «ر»: «مكان» بدل «موضع».

السير فيه؛ لأنّ ذلك ليس إليهما و لا مقصورا عليهما(1).

و إن كان السير إلى اختيار المتواجرين، و طريقه منوط بهما، فليبيّنا قدر السير كلّ يوم، فإذا بيّناه حمل على المشروط، فإن زادا في يوم أو نقصا فلا جبران، بل يسيران بعده على الشرط.

و إذا أراد أحدهما المجاوزة عن المشروط أو النزول دونه لخوف أو خصب، لم يكن له ذلك إلاّ برضا صاحبه.

و يحتمل أن يجعل الخوف عذرا لمن يحتاط، و يؤمر الآخر بموافقته.

و إن لم يبيّنا قدر السير و أطلقا العقد، نظر إن كان في ذلك الطريق منازل مضبوطة، صحّ العقد، و حمل عليها؛ لأنّه معروف بالعرف.

و إن لم يكن فيه منازل أو كانت العادة مختلفة فيها، لم يصح العقد حتّى يبيّنا أو يقدّرا بالزمان.

و إذا اختلفا في قدر السير و المنازل مضبوطة، ردّا معا إلى العرف في ذلك.

و قال بعض الشافعيّة: إذا اكترى إلى مكّة لم يكن بدّ من ذكر المنازل؛ لأنّ السير فيه سير لا تطيقه الحمولة، فلا يمكن حمل الإطلاق عليه، و كذا لو كان الطريق مخوفا، لم يمكن تقدير السير فيه؛ لأنّه لا يتعلّق بالاختيار(2).

و قضيّة ذلك امتناع التقدير بالزمان أيضا، و حينئذ يتعذّر الاستئجار في الطريق الذي ليس له منازل مضبوطة إذا كان مخوفا.

[مسألة 633: إذا كان وقت السير مختلفا، فكان يقع تارة ليلا، و أخرى]

مسألة 633: إذا كان وقت السير مختلفا، فكان يقع تارة ليلا، و أخرى4.

ص: 165


1- كذا قوله: «و لا مقصورا عليهما» في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة، و بدله في المغني 104:6، و الشرح الكبير 109:6: «و لا مقدور عليه لهما».
2- العزيز شرح الوجيز 119:6، روضة الطالبين 276:4.

نهارا، وجب التقييد؛ لاختلاف الأغراض في ذلك.

و إن كان هناك عادة مضبوطة إمّا في النهار دائما أو(1) في الليل دائما، أو كان وقت الصيف يقع ليلا، و في الشتاء يقع نهارا، احتمل الإطلاق المعتاد(2) ، و لم يجب التقييد.

و إذا كان موضع النزول في المرحلة معهودا إمّا في داخل القرية أو الصحراء، حمل الإطلاق على المعهود، كما لو أطلقا الثمن في بلد فيه نقد معروف.

و إن لم يكن للطريق عرف في ذلك و أطلقا العقد، قال بعض العامّة:

لا يصحّ العقد، كما لو أطلقا الثمن في بلد لا عرف فيه لنقد(3).

و قال بعضهم: إنّ هذا ليس بشرط، و إلاّ لما صحّ العقد في الطريق المخوف دونه، و لأنّه لم تجر العادة بتقدير السير في الطريق(4).

و إذا كان للمقصد طريقان، فإن قضت العادة بسلوك أحدهما، حمل الإطلاق عليه، و إلاّ وجب التعيين.

و قد يختلف المعهود في فصلي الشتاء و الصيف و حالتي الأمن و الخوف، فكلّ عادة تراعى في وقتها.

و كلّ موضع فيه معهود إذا شرط خلافه، فالعمل على الشرط، لا على المعهود.

[مسألة 634: إذا اكترى ظهرا في طريق العادة فيه النزول]

مسألة 634: إذا اكترى ظهرا في طريق العادة فيه النزول و المشي عند6.

ص: 166


1- في الطبعة الحجريّة: «و إمّا» بدل «أو».
2- فيما عدا «ر» من النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «احتمل الإطلاق على المعتاد». و يحتمل أن تكون العبارة هكذا: «حمل الإطلاق على المعتاد».
3- المغني 105:6، الشرح الكبير 109:6.
4- المغني 105:6، الشرح الكبير 109:6.

اقتراب المنزل أو في أثنائه، فإن شرط الركوب في الطريق أجمع، لم يلزمه النزول؛ لأنّ العمل بالشرط مقدّم على العمل بالعادة، و إن شرط النزول وجب.

و كذا لو لم تكن العادة النزول لكن شرط في أثناء المسافة و كان معيّنا، لزم الشرط؛ لأنّه مقدّم.

و إن لم يشرط النزول و لا الركوب دائما، فإن كان الراكب امرأة أو ضعيفا، لم يلزمه النزول؛ لأنّ العادة لا تقضي به فيهما، و لأنّه استأجر جميع الطريق، فلا يلزمه تركه في بعضها، و لم تجر لهما عادة بالمشي، فلزمه حملها في جميع الطريق، كالقماش.

و إن كان جلدا قويّا، احتمل ذلك أيضا؛ لأنّه عقد على جميع الطريق، فلا يلزمه تركه في بعضها، كالضعيف، و أن يلزمه النزول؛ قضاء للعادة و العرف و المتعارف، كالمشروط.

البحث الثاني: في الحمل.

[مسألة 635: يجوز استئجار الدوابّ]

مسألة 635: يجوز استئجار الدوابّ: الإبل و غيرها للحمولة.

قال اللّه تعالى: وَ تَحْمِلُ أَثْقالَكُمْ إِلى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بالِغِيهِ إِلاّ بِشِقِّ الْأَنْفُسِ (1) و قال تعالى: وَ مِنَ الْأَنْعامِ حَمُولَةً وَ فَرْشاً (2).

و الحمولة - بالفتح -: الدابّة التي تحمل الأحمال، و هي الكبار، و الفرش: الصغار.

ص: 167


1- سورة النحل: 7.
2- سورة الأنعام: 142.

و قيل: الحمولة: الإبل، و الفرش: الغنم؛ لأنّها لا تحمل(1).

و الحمولة - بضمّ الحاء -: الشيء الذي يحمل.

فمن الأغراض المتعلّقة بالدوابّ الحمل عليها، فيجب أن يكون المحمول معلوما إمّا بالمشاهدة أو الوصف الرافع للجهالة، و ذلك لاختلاف الأغراض و الأجر باختلاف الأجناس و الأقدار.

و أمّا الدابّة التي يحمل عليها فلا تجب معرفتها، بخلاف الركوب؛ لأنّ الغرض حمل المتاع، دون الدابّة التي تحمله.

و أمّا دابّة الركوب فإنّ للراكب غرضا في المركوب من جماله و سهولته و صعوبته.

و أمّا الدابّة التي يحمل عليها فلا يطلب جمالها و لا سهولتها و صعوبتها؛ لما قلنا من أنّ الغرض تحصيل المتاع في الموضع المنقول إليه، فلا يختلف الغرض بحال الحامل.

نعم، لو كان المحمول زجاجا أو خزفا أو فاكهة تضرّه كثرة الحركة و ما أشبهها، فلا بدّ من معرفة حال الدابّة؛ لتفاوت الأغراض، فربّما كانت الدابّة صعبة المسير فيؤدّي إلى كسر بعض المتاع، فلا بدّ من معرفة حال الدابّة.

و كذا لو كان الطريق ممّا يعسر على بعضها دون بعض، فينبغي أن يذكر في الإجارة.

و غير مستبعد اشتراط معرفة حال الدابّة في الحمل، كالركوب؛ لأنّ2.

ص: 168


1- تفسير مقاتل 593:1، تفسير عبد الرّزاق الصنعاني 68:2، الرقم 863، جامع البيان - للطبري - 47:8، أحكام القرآن - للجصّاص - 16:3، تفسير الماوردي 179:2.

الأغراض تختلف في تعلّقها بكيفيّة سير الدابّة و سرعته و بطئه و قوّته و ضعفه و [تخلّفها](1) عن القافلة مع ضعفها.

هذا إذا كانت الإجارة على الذمّة، و أمّا إذا كانت الدابّة المستأجرة للحمل معيّنة، فلا بدّ من رؤيتها أو وصفها وصفا يرفع الجهالة.

[مسألة 636: قد بيّنّا أنّه يجب أن يكون جنس المحمول معيّنا معلوما،]

مسألة 636: قد بيّنّا أنّه يجب أن يكون جنس المحمول معيّنا معلوما، فإن كان حاضرا و رآه المؤجر كفى؛ لأنّ المشاهدة من أعلا طرق العلم، و لو كان في ظرف وجب أن يمتحنه باليد تخمينا لوزنه.

و إن لم يكن حاضرا، فلا بدّ من تقديره بالوزن أو الكيل إن كان مكيلا، و التقدير بالوزن في كلّ شيء أولى و أحصر، فإن لم يقدّره بهما، لم يجز؛ لأنّ ذلك يتفاوت تفاوتا كثيرا، و يختلّ الغرض.

و لا بدّ من وصفه، فيشترط في الوصف معرفة شيئين: القدر و الجنس؛ لأنّ الجنس يختلف تعب البهيمة باختلافه مع التساوي في القدر، فإنّ مائة القطن تضرّ بها من وجه، و هو أنّه ينتفخ على البهيمة فيدخل فيه الريح فيثقل، و مائة الحديد و إن انتفى عنها هذا الضرر لأنّها مكسّرة مجتمعة إلاّ أنّها تضرّ من وجه آخر، و هو أنّه يجتمع على موضع من البهيمة، و ربما عقرها، فإنّه يهدّ [مؤخّر](2) الدابّة، و القطن يعمّها، و يتثاقل إذا دخله الريح، فلا بدّ من بيانه.

[مسألة 637: لو أخلّ بالشيئين معا، فقال: آجرتكها لتحمل عليها]

مسألة 637: لو أخلّ بالشيئين معا، فقال: آجرتكها لتحمل عليهاما6.

ص: 169


1- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «تخلّفه». و ما أثبتناه يقتضيه السياق.
2- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «مأخذه من». و هو كما ترى، و المثبت كما في العزيز شرح الوجيز 120:6.

شئت، فالأقوى: البطلان؛ لأنّ ذلك لا يمكن الوفاء به، و يدخل فيه ما يقتل البهيمة.

و قال بعض الشافعيّة: يصحّ أن يستأجر دابّة للحمل مطلقا و يكون رضا منه بأضرّ الأجناس(1).

و لو قال: آجرتكها لتحمل عليها طاقتها، لم يجز أيضا؛ لأنّ ذلك لا ضابط له.

و لو أخلّ بالجنس و ذكر الوزن، فقال: آجرتكها لتحمل عليها مائة منّ ممّا شئت، فالوجه: البطلان، لما بيّنّا من اختلاف الضرر باختلاف الجنس.

و للشافعيّة و جهان، أصحّهما عندهم: الجواز، و يكون رضا منه بأضرّ الأجناس، و لا حاجة مع ذلك إلى بيان الجنس(2).

هذا إن قدّر بالوزن، و لو قدّر بالكيل، قال بعض الشافعيّة: لا يغني عن ذكر الجنس و إن قال: عشرة أقفزة ممّا شئت؛ لاختلاف الأجناس في الثقل مع الاستواء في الكيل، لكن يجوز أن يجعل ذلك رضا بأثقل الأجناس كما جعل رضا بأضرّ الأجناس(3).

و لو أخلّ بالوزن و الكيل، لم يكف ذكر الجنس و إن قال: ممّا شئت من المقدار أو طاقتها؛ لما تقدّم من كثرة التعب و قلّته، بخلاف ما إذا آجر الأرض ليزرع ما شاء؛ لأنّ الدابّة لا تطيق كلّ ما تحمل.

[مسألة 638: الظروف التي يحمل فيها إن دخلت في الوزن لم يحتج إلى ذكرها،]

مسألة 638: الظروف التي يحمل فيها إن دخلت في الوزن لم يحتج إلى ذكرها، و كذا حبال المتاع بأن يقول: استأجرتك لحمل مائة منّ من الحنطة بظرفها، و يصحّ العقد؛ لزوال الغرر بذكر الوزن.4.

ص: 170


1- العزيز شرح الوجيز 120:6، روضة الطالبين 277:4.
2- العزيز شرح الوجيز 120:6، روضة الطالبين 277:4.
3- العزيز شرح الوجيز 120:6، روضة الطالبين 277:4.

و من اعتبر من الشافعيّة ذكر الجنس مع ذكر الوزن وجب أن يعرف قدر الحنطة وحدها، و قدر الظرف وحده(1).

و إن لم تدخل في الوزن بأن قال: آجرتكها لتحمل عليها مائة منّ من الحنطة، أو قدّر بالكيل، فلا بدّ من معرفتها بالرؤية أو بالوصف، إلاّ أن تكون هناك غرائر(2) متماثلة معروفة اطّرد العرف باستعمالها و جرت العادة عليها، كغرائر الصوف و الشعر و نحوهما(3) [فيحمل](4) مطلق العقد عليها، و لم يجب ذكر جنسها في العقد؛ لقلّة التفاوت بينها جدّا، فتسميتها كاف عن ذكر الجنس و الوزن.

و لو قال: آجرتكها لتحمل مائة منّ، و اقتصر، أو قال: ممّا شئت، فالأقوى: إنّ الظرف من المائة، و هو أصحّ وجهي الشافعيّة، و الثاني: إنّ الظرف مغاير لها؛ لأنّ السابق إلى الفهم ذلك، فعلى هذا يكون الحكم كما لو قال: مائة منّ من الحنطة(5).

و هذا متفرّع على الاكتفاء بالتقدير و إهمال ذكر الجنس إمّا مطلقا أو إذا قال: مائة منّ ممّا شئت.

إذا عرفت هذا، فإنّه إذا أطلق أو قال: ممّا شئت، ملك حمل ما شاء من الأجناس، لكن لا يحمل حملا يضرّ بالحيوان، بل إذا أراد حمل الحديد أو الزئبق ينبغي أن يفرّقه على ظهر الحيوان، و لا يجتمع في موضع4.

ص: 171


1- العزيز شرح الوجيز 120:6.
2- الغرائر: الجوالق. لسان العرب 18:5 «غرر».
3- في الطبعة الحجريّة: «و غيرهما» بدل «و نحوهما».
4- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «حمل». و الظاهر ما أثبتناه.
5- نهاية المطلب 134:8-135، العزيز شرح الوجيز 120:6، روضة الطالبين 277:4.

واحد من ظهره، و لا يجعله في وعاء واحد، و لا في وعاء يتموّج فيه، فيكدّ(1) البهيمة و يتعبها.

تذنيب: الكلام في المعاليق و تقدير السير و زمانه من الليل أو النهار في الحمل على حدّ ما قلنا في الركوب.

[مسألة 639: في الصّبرة عشر صور.]

مسألة 639: في الصّبرة عشر صور. الأولى: إذا قال: استأجرتك لتحمل [لي](2) هذه الصبرة إلى موضع كذا بكذا، فإن علما قدرها صحّ إجماعا.

و إن جهلاه و شاهداها، صحّ أيضا؛ لأنّ الإجارة يتسامح فيها بمثل هذه الجهالة، بخلاف البيع.

و من جوّز من العامّة بيع الصبرة المجهولة المقدار جوّز الإجارة أيضا(3).

و لا نعلم خلافا بين الفقهاء في جواز هذه الإجارة مع المشاهدة و إن جهلا المقدار.

الثانية: أن يقول: استأجرتك لتحملها لي كلّ قفيز بدرهم، فالأقوى:

البطلان؛ لتطرّق الجهالة إلى العوض حيث لم يعلم بكم درهم استأجر؟ كما لو قال: آجرتك كلّ شهر بدرهم.

و قال الشافعي و أحمد: تصحّ هذه الإجارة، بخلاف «كلّ شهر بدرهم» لأنّ جملة الصبرة معلومة محصورة، بخلاف الأشهر(4).6.

ص: 172


1- كدّ البهيمة: أتعبها. لسان العرب 378:3 «كدد».
2- بدل ما بين المعقوفين في الطبعة الحجريّة: «على». و كلاهما لم ترد في النّسخ الخطّيّة، و الظاهر ما أثبتناه.
3- المغني 100:6، الشرح الكبير 33:6.
4- البيان 284:7، العزيز شرح الوجيز 121:6، روضة الطالبين 278:4، المغني 100:6، الشرح الكبير 33:6.

و قال أبو حنيفة: تصحّ في قفيز واحد، و تبطل فيما زاد(1).

و بني الخلاف هنا على الخلاف في البيع، و قد سبق(2).

الثالثة: أن يقول: استأجرتك لتحمل هذه الصبرة قفيز منها بدرهم، و ما زاد فبحسابه، لم يصح؛ لما تقدّم.

و قال الشافعي: يصحّ العقد، كما لو باع كذلك؛ لأنّ الصبرة معلومة بالمشاهدة، و الأجرة بالتقسيط(3).

و كذا كلّ لفظ يدلّ على إرادة حمل جميعها، كقوله: لتحمل قفيزا منها بدرهم و سائرها أو باقيها بحساب ذلك، فيجوز عنده(4).

الرابعة: لو قال: لتحمل قفيزا منها بدرهم و ما زاد فبحساب ذلك، يريد: مهما حملت من باقيها، فلا يصحّ عندنا و عند الشافعيّة(5) أيضا؛ لأنّ المعقود عليه بعضها، و هو مجهول(6).

و قال بعض العامّة: يصحّ؛ لأنّه في معنى: كلّ دلو بتمرة(7).

الخامسة: لو قال: لتحمل لي من هذه الصبرة كلّ قفيز بدرهم.

و هي كالرابعة سواء.

السادسة: لو قال: لتحمل منها قفيزا بدرهم على أن تحمل الباقي بحساب ذلك كلّ قفيز بدرهم، أو على أنّ ما زاد فبحسابه.4.

ص: 173


1- المغني 100:6، الشرح الكبير 33:6.
2- في ج 10، ص 77.
3- البيان 284:7، العزيز شرح الوجيز 121:6، روضة الطالبين 278:4، المغني 100:6، الشرح الكبير 33:6.
4- البيان 284:7، العزيز شرح الوجيز 121:6، روضة الطالبين 278:4، المغني 100:6، الشرح الكبير 33:6.
5- في «د»: «الشافعي».
6- البيان 284:7، المغني 101:6، الشرح الكبير 33:6.
7- المغني 101:6، الشرح الكبير 33:6-34.

و هو باطل عندنا؛ لما تقدّم.

و للشافعيّة و جهان، أشبههما: المنع، لأنّه شرط عقد في عقد، و الثاني: الجواز، و المعنى أنّ كلّ قفيز بدرهم(1).

السابعة: لو قال: لتحمل لي هذه الصبرة كلّ قفيز بدرهم و تنقل لي صبرة أخرى في البيت بحساب ذلك، لم يصحّ عندنا، سواء علما الصبرة التي في البيت، أم لا.

و قال بعض العامّة: إن كانا يعلمان الصبرة التي في البيت بالمشاهدة صحّ فيهما؛ لأنّهما كالصبرة الواحدة، و إن جهلها أحدهما صحّ في الأولى و بطل في الثانية؛ لأنّهما عقدان أحدهما على معلوم و الثاني على مجهول، فصحّ في المعلوم، و بطل في المجهول، كما لو قال: بعتك عبدي هذا بعشرة و عبدي الذي في البيت بعشرة(2).

الثامنة: لو قال: لتحمل لي هذه الصبرة و الصبرة التي في البيت بعشرة، فإن كانا يعلمان التي في البيت صحّ فيهما؛ لأنّ المشاهدة حاصلة فيهما معا.

و إن جهلاها أو أحدهما بطل العقد فيهما؛ لأنّه عقد واحد بعوض واحد على معلوم و مجهول، فلم يصحّ - و به قال القائلون بالصحّة في الصورة السابقة(3) - بخلاف السابقة.

و إن كانا يعلمان التي في البيت لكنّها مغصوبة، أو امتنع تصحيح العقد فيها؛ لمانع اختصّ بها، بطل العقد فيها خاصّة، و صحّ في الأولى.

و للشافعيّة في صحّة الأولى و جهان؛ بناء على تفريق الصفقة.6.

ص: 174


1- العزيز شرح الوجيز 121:6، روضة الطالبين 278:4.
2- المغني 101:6، الشرح الكبير 34:6.
3- المغني 101:6، الشرح الكبير 34:6.

نعم، إن كانت قفزانها معلومة أو قدر إحداهما من الأخرى معلوما، صحّ في الأولى خاصّة، و للمؤجر الخيار؛ لتفريق الصفقة عليه؛ لأنّ قسطها من الأجر معلوم، و إن لم يكن كذلك بطل فيها أيضا؛ لجهالة عوضها(1).

التاسعة: لو قال: لتحمل لي هذه الصبرة و هي عشرة أقفزة كلّ قفيز بدرهم، فإن زادت على ذلك فالزائد بحساب ذلك، لم يصحّ أيضا؛ للجهالة في قدر الأجرة.

و قال الشافعي: يصحّ في العشرة المعلومة، و لم يصح في الزيادة؛ لأنّها مشكوك فيها، و لا يجوز العقد على ما يشكّ فيه(2).

العاشرة: قال: لتحمل هذه المكائيل كلّ واحدة بدرهم، فإن قدم لي طعام فحملته فبحساب ذلك.

و هو باطل عندنا على ما تقدّم.

و قال الشافعي: يصحّ في المكائيل الموجودة، و ما يحمله بعد ذلك فقد وعده بأن تكون أجرته مثل ذلك، فلا يلزمه الوعد، و لا يؤثّر في العقد(3).

قالوا: و كلّ موضع قلنا: يصحّ في المسمّى و يبطل في الزيادة، فإذا حمل الزيادة، كان له فيها أجرة المثل.

و قال بعض الشافعيّة: لو قال: استأجرتك لتحمل عشرة أقفزة من هذه الصبرة كلّ قفيز بدرهم و ما زاد فبحسابه، و الزيادة منتفية، فإنّه لا يصحّ فيما زاد؛ لأنّه غير معلوم القدر و لا معلوم بالمشاهدة؛ لأنّ المشاهدة إذا استثنى منها مقدارا بطل حكمها، ألا ترى أنّه إذا قال: بعتك هذه الصبرة إلاّ7.

ص: 175


1- راجع: المغني 101:6-102، و الشرح الكبير 34:6.
2- البيان 285:7.
3- البيان 285:7.

مدّا منها، لم يجز إذا كان ذلك غير معلوم و قد أفرده بالعقد، فلم يجز(1).

البحث الثالث: في العمل.

[مسألة 640: يجوز استئجار الدوابّ للعمل إجماعا؛]

مسألة 640: يجوز استئجار الدوابّ للعمل إجماعا؛ لأنّها منفعة مباحة خلقت الدابّة لها، فجاز الاستئجار لها، كالركوب.

و تصحّ إجارة كلّ حيوان يمكن الانتفاع به من غير إتلاف، كالآدميّ الحرّ و العبد و كلّ بهيمة لها ظهر، كالإبل و البقر و الخيل و الحمير و ما أشبه ذلك.

و أمّا الغنم فإنّما ينتفع منها بالدرّ و النسل و الصوف و الشعر، و هذه أعيان لا يجوز تملّكها بعقد الإجارة.

و إن أمكن الانتفاع بها بوجه من الوجوه، كانت المنفعة غير مقصودة، ففي إجارتها حينئذ إشكال، أقربه: الجواز إن قصدت المنفعة اليسيرة، كإجارة الدراهم و الدنانير للمنفعة اليسيرة.

و لا فرق في الجواز بين أن يستأجر الدابّة لعمل تخلق له أو لما لا تخلق له إذا أمكن صدوره منه(2) ، فإذا استأجر البقر للحرث، جاز إجماعا؛ لأنّ البقر خلقت له، و لهذا روي عنه عليه السّلام من طريق العامّة: «بينما رجل يسوق بقرة أراد أن يركبها، فقالت: إنّي لم أخلق لهذا، إنّما خلقت للحرث»(3).

ص: 176


1- لم نعثر عليه في مظانّه.
2- الظاهر: «منها».
3- صحيح البخاري 212:4، صحيح مسلم 3388/1857:4، المغني 114:6، الشرح الكبير 63:6.

[مسألة 641: و لو استأجر حيوانا لعمل لم يخلق له و لم يمكن صدوره منه،]

مسألة 641: و لو استأجر حيوانا لعمل لم يخلق له و لم يمكن صدوره منه، لم يصحّ، كما لو استأجر الغنم للركوب أو للحرث؛ لتعذّر استيفاء المنفعة من تلك العين.

و لو كان العمل يصحّ صدوره منه، فإنّه يجوز و إن لم يكن مخلوقا له، كما لو استأجر بقرة للركوب أو الحمل عليها، أو استأجر الإبل و الحمير للحرث؛ لأنّها منفعة مقصودة أمكن استيفاؤها من الحيوان، و لم يرد الشرع بتحريمها، فجاز، كالذي خلقت له، و لأنّ مقتضى الملك جواز التصرّف و الانتفاع به في كلّ ما تصلح له العين المملوكة و يمكن تحصيله منها، و لا يمنع ذلك إلاّ بعارض راجح إمّا ورود نصّ بتحريمه، أو قيام دليل عقليّ و شبهه عليه، كرجحان مضرّته على منفعته، و ليس هنا واحد منها، و كثير من الناس من الأكراد و غيرهم يحملون على البقر و يركبونها، و في بعض البلدان يحرثون على الإبل و البغال و الحمير، فيكون معنى خلقها للحرث أنّ معظم الانتفاع بها فيه، و لا يمنع ذلك الانتفاع بها في شيء آخر، كما أنّ الخيل خلقت للركوب و الزينة، و يباح أكلها، و اللؤلؤ خلق حلية، و يجوز استعماله في الأدوية و غيرها.

[مسألة 642: إذا استأجر بقرا أو غيرها للحرث، وجب أن يعرف صاحب الدابّة الأرض،]

مسألة 642: إذا استأجر بقرا أو غيرها للحرث، وجب أن يعرف صاحب الدابّة الأرض، و تقدير العمل.

فأمّا الأرض فإنّما تعرف بالمشاهدة؛ لأنّها تختلف، فبعضها صلب متصعّب حرثه على البقر و مستعملها، و بعضها رخوة يسهل حرثها، و بعضها فيه حجارة يتعلّق فيها السكّة.

و مثل هذا الاختلاف إنّما يوقف عليه بالمشاهدة، دون الوصف؛ لأنّ

ص: 177

الصلابة تختلف بالشدّة و الضعف، و الحجارة تختلف بكثرة العدد و قلّته بحيث لا يمكن ضبطه بالوصف، فاحتيج إلى المشاهدة.

و أمّا تقدير العمل فإنّه يحصل بأمرين:

أحدهما: المدّة، كيوم أو يومين أو شهر أو شهرين، فيقول:

استأجرتك لتكرب(1) لي(2) هذه الأرض بالبقر الفلاني يوما أو شهرا.

و منع بعض الشافعيّة من تقدير العمل هنا بالمدّة(3) ، و ليس بشيء.

و الثاني: بالأرض، كهذه القطعة أو هذه البستان أو من هذا المكان إلى ذلك المكان، أو بالمساحة، كجريب أو جريبين، و كلّ ذلك جائز؛ لأنّ العلم يحصل به.

[مسألة 643: إذا قدّر الحرث بالمدّة، وجب معرفة الدابّة التي تستعمل في الحرث،]

مسألة 643: إذا قدّر الحرث بالمدّة، وجب معرفة الدابّة التي تستعمل في الحرث، سواء كانت من البقر أو من غيرها؛ لاختلاف الأغراض في ذلك باختلاف البقر في القوّة و الضعف.

و لا فرق بين أن تكون الإجارة في ذلك على عين أو في الذمّة.

و لو قدّر العمل بالأرض، لم يحتج إلى مشاهدة البقر التي تحرث، إلاّ أن تكون الإجارة وقعت على عين البقر.

و هل يفتقر إلى مشاهدة السكّة التي تحرث عليها؟ الأقرب: الاكتفاء بالعادة في ذلك؛ لقلّة التفاوت فيه.

و كذا في قدر نزول السكّة في الأرض يرجع فيه إلى العادة.4.

ص: 178


1- في الطبعة الحجريّة: «لتحرث» بدل «لتكرب». و كرب الأرض: قلبها للحرث و أثارها للزرع. لسان العرب 714:1-715 «كرب».
2- في «د، ص» زيادة: «في».
3- المهذّب - للشيرازي - 403:1، حلية العلماء 392:5، البيان 272:7، العزيز شرح الوجيز 122:6، روضة الطالبين 279:4.

[مسألة 644: يجوز أن يستأجر البقر منفردة ليتولّى ربّ الأرض الحرث بها.]

مسألة 644: يجوز أن يستأجر البقر منفردة ليتولّى ربّ الأرض الحرث بها. و يجوز أن يستأجرها مع صاحبها ليتولّى مالكها الحرث بها.

و يجوز استئجارها(1) بآلتها من الفدان(2) و النّير(3) و الحديدة، و استئجارها(4) بدون آلتها، و تكون الآلة(5) من عند مالك الأرض.

و لا بدّ من تعيين عدد مرّات الحرث، فيقول: سكّة واحدة أو سكّتين أو ما زاد بشرط الضبط.

و لو استأجر للحرث، لم يستعمل في غيره و إن كان أدون على إشكال، و بالعكس إذا استأجر لغير الحرث، لم يجز استعمالها فيه و إن كان أدون.

[مسألة 645: يجوز استئجار الدوابّ لدياس الزرع؛ لأنّ ذلك منفعة مباحة مقصودة،]

مسألة 645: يجوز استئجار الدوابّ لدياس الزرع؛ لأنّ ذلك منفعة مباحة مقصودة، فأشبهت الحرث.

و تجب معرفة قدر العمل إمّا بالمدّة بأن يستأجر لدياس شهر أو شهرين، أو بتعيين الزرع إمّا بالمشاهدة أو بالوصف الرافع للجهالة.

فإذا(6) قدّره بالمدّة، احتيج إلى معرفة الحيوان الذي يعمل عليه، ليعرف قوّته و ضعفه.».

ص: 179


1- في «ر» و الطبعة الحجريّة: «أن يستأجرها» بدل «استئجارها».
2- الفدان: الذي يجمع أداة الثورين في القران للحرث. لسان العرب 321:13 «فدن».
3- النّير: الخشبة التي تكون على عنق الثور بأداتها. لسان العرب 247:5 «نير».
4- في الطبعة الحجريّة: «و أن يستأجرها» بدل «و استئجارها».
5- في الطبعة الحجريّة: «آلتها» بدل «الآلة».
6- في «ر» و الطبعة الحجريّة: «و إذا».

و إن كان على عمل غير مقدّر بالمدّة، احتيج إلى معرفة جنس الحيوان؛ لأنّ الغرض يختلف به، فمنه ما روثه طاهر، و منه ما روثه نجس، و لا يحتاج إلى معرفة عين الحيوان.

و يجوز أن يستأجر الحيوان بآلته و بغير آلته، و مع صاحبه و منفردا عنه، كما قلناه في الحرث.

و تجب معرفة الزرع الذي يريد دياسه؛ لاختلاف أجناسه في الصعوبة و السهولة و السرعة و البطؤ، و كثرة العمل و قلّته.

[مسألة 646: يجوز استئجار الدوابّ لإدارة الدولاب أو الاستقاء من البئر بالدلو.]

مسألة 646: يجوز استئجار الدوابّ لإدارة الدولاب أو الاستقاء من البئر بالدلو. فإن كانت الإجارة على عين الدابّة وجب تعيينها؛ لاختلاف الأغراض بتفاوتها، كما في الركوب و الحمل، و إن كانت في الذمّة لم يجب بيان الدابّة و معرفة جنسها.

و على التقديرين فيجب على صاحب الدوابّ معرفة الدولاب و الدلو و موضع البئر و عمقها بالمشاهدة أو الوصف إن أمكن الضبط بالوصف.

و يجب تقدير المنفعة إمّا بالزمان، مثل أن يقول: لتستقي بهذا الدلو من هذه البئر اليوم، أو بالعمل بأن يقول: لتستقي خمسين دلوا من هذه البئر بهذا الدلو، أو لتدور البقر في الدولاب المعيّن خمسين دورة.

و هل يجوز التقدير بالأرض بأن يقول: لتسقي هذا البستان أو جريبا معيّنا؟ فيه إشكال ينشأ: من أنّ سقيه يختلف بحرارة الهواء و برودته و كيفيّة حال الأرض، فلا ينضبط ريّه، فلا يصحّ، و من قلّة التفاوت فيه.

[مسألة 647: يجوز استئجار البهيمة لإدارة الرحى؛ لأنّه عمل مقصود]

ص: 180

مسألة 647: يجوز استئجار البهيمة لإدارة الرحى؛ لأنّه عمل مقصود محلّل، فجازت المعاوضة عليه بعقد الإجارة، كغيره من المنافع.

و يفتقر إلى معرفة شيئين:

[الأوّل]: الحجر إمّا بالمشاهدة أو بالصفة إن أمكن الضبط بها؛ لأنّ الطحن يختلف فيه، و يكون ثقيلا و خفيفا، فيحتاج صاحب الدابّة إلى معرفته.

الثاني: تقدير العمل إمّا بالزمان، فيقول: على أن تطحن يوما أو يومين، أو بالطعام، فيقول: تطحن قفيزا أو قفيزين.

و يجب أن يذكر جنس المطحون من حنطة أو شعير أو ذرّة(1) أو عفص أو قشر رمّان أو غير ذلك؛ لأنّ هذه الأشياء تختلف في الطحن بالسرعة و البطؤ و السهولة و الصعوبة، فإنّ بعضها يسهل طحنه، و بعضها يصعب.

و لا بدّ من معرفة الدابّة إن قدّر العمل بالزمان.

[مسألة 648: يجوز أن يستأجر الدابّة للاستقاء عليها بالرواية أو القربة أو الجرار و ما أشبهها.]

مسألة 648: يجوز أن يستأجر الدابّة للاستقاء عليها بالرواية أو القربة أو الجرار و ما أشبهها. و لا بدّ من مشاهدة الدابّة؛ لتفاوتها في القوّة و الضعف، و الآلة التي يستقى بها من راوية أو قربة أو غيرها؛ لتفاوتها بالصّغر و الكبر و الثقل و الخفّة.

و يكفي الوصف الرافع للجهالة، و حينئذ تجب معرفة الوزن، و لا تجب مع المشاهدة.

و يجب تقدير العمل إمّا بالزمان كأن يستأجره لاستقاء النهار أو».

ص: 181


1- في النّسخ الخطّيّة: «دخن» بدل «ذرّة».

بعضه، و إمّا بعدد المرّات، و يجوز أن يقدّر بالآنية التي تملأ.

فإن قدّره بعدد المرّات، احتاج إلى معرفة الموضع الذي يستقي منه و الذي يذهب إليه و الطريق المسلوك بينهما؛ لاختلاف ذلك بالقرب و البعد و السهولة و الحزونة.

و إن قدّر بملء شيء معيّن، احتاج إلى معرفته و ما يستقى منه.

و يجوز استئجار الدابّة و آلتها و صاحبها، و استئجارها مع أحدهما و منفردة.

و إن استأجرها لبلّ تراب معروف(1) ، جاز؛ لأنّه معلوم بالعرف.

و كلّ موضع وقع العقد فيه على مدّة فلا بدّ من معرفة الظّهر الذي يعمل عليه؛ لأنّ الغرض يختلف باختلاف الدابّة في القوّة و الضعف، و إن وقع على عمل معيّن لم يحتج إلى معرفتها؛ لأنّه لا يختلف، مع احتمال الحاجة.».

ص: 182


1- في الطبعة الحجريّة: «معلوم» بدل «معروف».

الفصل الثالث: في موجبات الألفاظ و فيه مباحث:

الأوّل: ما يتعلّق بالآدمي.

مسألة 649: قد بيّنّا أنّه يجوز الاستئجار للحضانة وحدها،

مسألة 649: قد بيّنّا أنّه يجوز الاستئجار للحضانة وحدها، و للإرضاع وحده، و لهما معا، و أنّ الحضانة عبارة عن حفظ الطفل و تعهّده بغسله و غسل رأسه و ثيابه و خرقه و تطهيره من النجاسات و تدهينه و تكحيله و إضجاعه في المهد و ربطه و تحريكه في المهد لينام.

و إذا أطلق الاستئجار لأحدهما، فإن نفى الآخر لم يدخل في الاستئجار قطعا، و إن لم ينفه لم يدخل الآخر في الاستئجار عندنا؛ لأنّهما منفعتان متغايرتان غير متلازمتين، فلا تدخل إحداهما في العقد على الأخرى(1) ، و يجوز إفراد كلّ واحدة منهما بعقد إجارة، فأشبهتا سائر المنافع، و هو أصحّ وجوه الشافعيّة عندهم.

و الثاني: إنّ كلّ واحد منهما يستتبع الآخر؛ لأنّه لا تتولاّهما في العادة إلاّ المرأة الواحدة.

و الثالث: إنّ الاستئجار للإرضاع يستتبع الحضانة، و الحضانة لا تستتبع الإرضاع؛ لأنّ الإجارة تعقد للمنافع دون الأعيان، فلو لم يستتبع الإرضاع الحضانة لتجرّد اللبن مقصودا(2).

ص: 183


1- في «ر» و الطبعة الحجريّة: «في عقد الأخرى» بدل «في العقد على الأخرى».
2- نهاية المطلب 77:8، العزيز شرح الوجيز 124:6، روضة الطالبين 281:4.

و هو ممنوع؛ لأنّا قد بيّنّا أنّ المستحقّ بالاستئجار للإرضاع عين و منفعة.

مسألة 650: إذا استأجر لهما معا صريحا، أو استأجر للإرضاع

مسألة 650: إذا استأجر لهما معا صريحا، أو استأجر للإرضاع و قلنا:

إنّه يستتبع الحضانة و بالعكس فانقطع اللبن، فإن قلنا: إنّ المقصود بالذات و المعقود عليه اللبن؛ لأنّه أشدّ مقصودا و الحضانة تابعة، انفسخ العقد عند انقطاع اللبن.

و إن قلنا: المعقود عليه بالذات الحضانة و اللبن تابع؛ لأنّ الإجارة وضعت للمنافع، و الأعيان تابعة، لم يبطل العقد، لكن للمستأجر الخيار؛ لأنّ انقطاع اللبن عيب، كما لو استأجر طاحونة فانقطع الماء، أو أرضا للزراعة فانقطع ماؤها.

و إن قلنا: إنّ المعقود عليه كلاهما؛ لأنّهما مقصودان معا، انفسخ العقد في الإرضاع، و سقط قسطه من الأجرة.

و في الحضانة للشافعيّة قولا تفريق الصفقة(1).

و عندنا أنّه لا ينفسخ في الحضانة. نعم، يتخيّر؛ لتبعّض الصفقة.

و للشافعيّة هذه الأوجه الثلاثة، و لم يفرّقوا في حكاية الأوجه بين أن يصرّح بالجمع بينهما، و بين أن يذكر أحدهما، و يحكم باستتباعه للآخر(2).

و صار بعضهم إلى الفرق بين أن يصرّح بالجمع بينهما، و بين أن يذكر أحدهما، و يحكم باستتباعه للآخر، فيقال: إذا صرّح بالجمع بينهما [قطعنا بأنّهما](3) مقصودان في العقد، و إذا ذكر أحدهما، فهو المقصود، و الآخر

ص: 184


1- نهاية المطلب 79:8، العزيز شرح الوجيز 124:6، روضة الطالبين 282:4.
2- العزيز شرح الوجيز 124:6، روضة الطالبين 282:4.
3- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «قطعا فإنّهما». و المثبت كما في العزيز شرح الوجيز.

تابع(1).

و على المرضعة أن تأكل و تشرب ما يدرّ به اللبن، و للمكتري أن يكلّفها ذلك.

مسألة 651: إذا استأجر ورّاقا، احتمل الرجوع إلى العادة في أنّ الحبر على من هو؟

مسألة 651: إذا استأجر ورّاقا، احتمل الرجوع إلى العادة في أنّ الحبر على من هو؟ فإن قضت به على الورّاق وجب عليه، و إن قضت به على المستأجر وجب عليه، و إن اضطربت العادة وجب البيان، و إلاّ بطل العقد، و أنّه يجب على المستأجر؛ لأنّ الأعيان لا تستحقّ بالإجارة، و أفرد اللبن للضرورة على خلاف القياس، فإنّه لا يفرد بالبيع قبل الحلب؛ لبطلانه، و لا بعده؛ لعدم انتفاع الطفل به.

و هذان للشافعيّة(2).

و لهم وجه ثالث مبنيّ على الخلاف في أنّ اللبن هل يتبع الاستئجار للحضانة ؟(3).

فإن قلنا بوجوبه على الورّاق، فهو كاللبن لا يجب تقديره و إن صرّح باشتراطه عليه، كما لو صرّح بالإرضاع و الحضانة.

و إذا لم نوجب عليه، فلو أنّه شرط(4) عليه، فالأقرب: صحّة العقد.

و قالت الشافعيّة: يبطل العقد إن لم يكن معلوما(5).

و ليس بجيّد؛ لأنّه لا كثير تفاوت فيه.

ص: 185


1- العزيز شرح الوجيز 124:6، روضة الطالبين 282:4.
2- نهاية المطلب 81:8، العزيز شرح الوجيز 124:6، روضة الطالبين 282:4.
3- نهاية المطلب 80:8، العزيز شرح الوجيز 124:6، روضة الطالبين 282:4.
4- في «د، ص» و الطبعة الحجريّة: «اشترطه» بدل «شرط».
5- العزيز شرح الوجيز 125:6، روضة الطالبين 282:4.

و إن كان معلوما، فلهم فيه طريقان:

أحدهما: إنّه يصحّ العقد؛ لأنّ المقصود فعل الكتابة، و الحبر تابع، كاللبن.

و الثاني: إنّه شراء و استئجار، و ليس الحبر كاللبن؛ لإمكان إفراده بالشراء.

و على هذا فينظر إن قال: اشتريت منك هذا الحبر لتكتب به كذا، فهو كما لو اشترى الزرع بشرط أن يحصده البائع.

و لو قال: اشتريت منك هذا الحبر و استأجرتك لتكتب به كذا بعشرة، فهو كما لو قال: اشتريت الزرع و استأجرتك لتحصده بعشرة.

و لو قال: اشتريت الحبر بدرهم و استأجرتك لتكتب به بعشرة، فهو كما لو قال: اشتريت الزرع بعشرة و استأجرتك لتحصده بدرهم(1).

و الكلّ عندنا جائز.

مسألة 652: إذا استأجر الخيّاط و الصبّاغ و ملقّح النخل و الكحّال،

فالقول في الخيط و الصبغ و طلع النخل و الذّرور كما قلنا في الحبر.

و الأقرب: البناء على العادة، فإن اختلفت أو لم تكن عادة، فعلى المستأجر دون الصانع.

و فرّق الجويني بين الخيط و بين الحبر و الصبغ، فقطع بأنّ الخيط لا يجب على الخيّاط(2).

و قد سبق(3) البحث في ذلك كلّه.

ص: 186


1- العزيز شرح الوجيز 125:6، روضة الطالبين 282:4.
2- نهاية المطلب 81:8، العزيز شرح الوجيز 125:6، روضة الطالبين 283:4.
3- في ص 122-123، ضمن المسألة 605.

البحث الثاني: فيما تحتاج إليه الدار و الحمّام و شبهه و الأراضي.

مسألة 653: كلّ ما تحتاج إليه الدار من العمارة فهو على صاحب الدار،

مسألة 653: كلّ ما تحتاج إليه الدار من العمارة فهو على صاحب الدار، دون المستأجر، سواء احتاجت إلى مرمّة لا تحوج إلى عين جديدة، كإقامة جدار مائل و إصلاح منكسر و غلق يعسر فتحه، أو احتاج إلى عين جديدة، كبناء و جذع جديد و تطيين سطح، و الحاجة في هذين الضربين بخلل عرض في دوام الإجارة، أو احتاج إلى عمارة بخلل قارن العقد، كما إذا آجر دارا ليس لها باب أو ميزاب.

و كلّ هذه الأنواع على صاحب الدار، دون المستأجر، فإن بادر إلى الإصلاح فلا خيار للمستأجر، و إلاّ فله الخيار إذا انتقصت المنفعة، حتى لو وكف البيت(1) لترك الطين(2) تخيّر المستأجر، فإذا انقطع بطل الخيار، إلاّ إذا حدث بسببه نقص.

و إنّما يثبت الخيار في القسم الثالث إذا كان المستأجر جاهلا بالحال في ابتداء العقد، أمّا لو كان عالما به فلا خيار له.

مسألة 654: إذا حصل الخلل في الدار على أحد الأنحاء الثلاثة

مسألة 654: إذا حصل الخلل في الدار على أحد الأنحاء الثلاثة - و هي ما لا يحتاج إلى عين جديدة، و ما يحتاج إليها، و ما يحتاج إلى عمارة لخلل قارن العقد - ففي إجبار المالك على هذه العمارات الثلاثة إشكال، أقربه:

العدم؛ لأنّها ملك له، فلا يجبر على عمارته.

و يحتمل وجوبه؛ لأنّه قد قبض العوض عن المنفعة الكاملة، فيجب عليه إيصال المعوّض إليه، و إنّما يصل المعوّض إلى المستأجر بالعمارة،

ص: 187


1- و كف البيت: هطل و قطر. لسان العرب 363:9 «وكف».
2- الظاهر: «التطيين».

فتكون واجبة، و حينئذ يجبر المالك على العمارة في الجميع، فإن أخلّ و لم يمكن إلزامه بالعمارة تخيّر المستأجر في الفسخ.

و قال الجويني من الشافعيّة: يجبر على الأوّل، و لا يجبر على الثالث؛ لأنّه لم يلزمه من الابتداء، و في الثاني و جهان(1).

و قال بعضهم: يجبر على الثاني أيضا، توفيرا للمنفعة(2).

و أجري الوجهان فيما إذا غصبت الدار المستأجرة و قدر المالك على الانتزاع، هل يجبر عليه، و لا شكّ أنّه إذا كان العقد على شيء موصوف في الذمّة و لم ينتزع ما سلّمه يطالب بإقامة غيره مقامه(3).

و قال بعضهم: لا يجبر المالك في الأضرب كلّها(4).

و حكى الجويني تفريعا على ما ذكر من الطريقة وجهين في الدعامة الدافعة للانهدام إذا احتيج إليها أنّه يعدّ من الضرب الأوّل أو الثاني(5).

مسألة 655: يجب على المؤجر تسليم المفاتيح التي للدار و البيوت التي في ضمنها إلى المستأجر ليتمكّن من الانتفاع

مسألة 655: يجب على المؤجر تسليم المفاتيح التي للدار و البيوت التي في ضمنها إلى المستأجر ليتمكّن من الانتفاع، و إنّما يتمكّن من الانتفاع بتسليم المفاتيح، فوجب على المالك، بخلاف ما إذا كانت العادة فيه الإقفال، حيث لا يجب تسليم القفل؛ لأنّ الأصل عدم دخول المنقولات في العقد الوارد على العقار، و المفتاح جعل تابعا للغلق(6).

فإذا سلّمه، فهو أمانة في يد المستأجر حتى لو ضاع بغير تقصيره(7) ،

ص: 188


1- نهاية المطلب 188:8، العزيز شرح الوجيز 126:6، روضة الطالبين 283:4.
2- العزيز شرح الوجيز 126:6، روضة الطالبين 283:4.
3- العزيز شرح الوجيز 126:6، روضة الطالبين 283:4.
4- العزيز شرح الوجيز 126:6، روضة الطالبين 283:4.
5- نهاية المطلب 190:8، العزيز شرح الوجيز 127:6، روضة الطالبين 283:4 - 284.
6- الغلق: ما يغلق به الباب. لسان العرب 291:10 «غلق».
7- في «ر»: «تقصير».

لم يلزمه شيء، و على المالك إبداله.

و للشافعيّة في إبداله الخلاف المذكور في العمارات(1).

فإن لم يبدله، فللمستأجر الخيار، أشبه حيطان الدار و أبوابها.

مسألة 656: كلّ ما يتوقّف التمكّن من الانتفاع عليه فهو على المالك،

مسألة 656: كلّ ما يتوقّف التمكّن من الانتفاع عليه فهو على المالك، كعمارة الحيطان و السقوف و عمل الأبواب في الدار و الحمّام و النّزل(2) و مجرى الماء؛ لأنّ بذلك يتمكّن من الانتفاع، و ما كان لاستيفاء المنافع - كالحبل و الدلو و البكرة - فعلى المستأجر.

و أمّا التحسين و التزويق فلا يلزم واحدا منهما؛ لأنّ الانتفاع ممكن بدونه.

و يجب على المؤجر أن يسلّم الدار و بالوعتها فارغة، و كذا الحشّ، ليثبت التمكّن من الانتفاع، فإن كان مملوءا وجب على المالك تفريغه، فإن أهمل تخيّر المستأجر.

و كذا مستنقع الحمّام - و هو الموضع الذي تنصبّ إليه الغسالة، و يسمّى حيّة الحمّام - يجب تسليمه فارغا.

و أمّا تطهير الدار عن الكناسة و الأتّون عن الرماد في دوام الإجارة فعلى المستأجر؛ لأنّهما حصلا بفعله، فإن أراد أن يكمل له الانتفاع فليرفعهما.

و أمّا كنس الثلج عن السطح فإنّه من وظيفة المالك؛ لأنّه كعمارة الدار، فإن تركه على السطح و حدث به عيب فللمستأجر الخيار.

ص: 189


1- العزيز شرح الوجيز 127:6، روضة الطالبين 284:4.
2- النّزل - بضمّ الزاي و سكونها -: ما هيّئ للضيف إذا نزل عليه. لسان العرب 658:11 «نزل».

و هل يجبر عليه و يطالب به ؟ فيه ما تقدّم من الخلاف للشافعيّة(1).

و فيه لهم وجه: إنّه لا يجب عليه الكسح(2) ، و إن أوجبنا العمارة فإنّ إيجابها لتعود الدار إلى ما كانت، و ليس الكسح بهذه المثابة(3).

و أمّا الثلج في عرصة الدار: فإن خفّ و لم يمنع الانتفاع فهو ملحق بكنس الدار، و إن كثف فكذلك على الظاهر عند الشافعيّة(4).

و منهم من ألحقه بتنقية البالوعة - و فيها خلاف لهم - لأنّه يمنع التردّد في الدار(5).

و إذا امتلأت البالوعة و الحشّ و مستنقع الحمّام في دوام الإجارة، فإنّه على المستأجر؛ لأنّ الامتلاء حصل بفعله، فصار كنقل الكناسات.

فإن تعذّر الانتفاع، فلينقّ، و لا خيار له، و هو أحد قولي الشافعيّة، و لهم آخر: إنّ له الخيار(6).

و قال أبو حنيفة: إنّ التفريغ يجب على المالك حتّى يحصل التمكين من الانتفاع في بقيّة المدّة، فإن لم يفعل، فللمستأجر الخيار، و هو القول الثاني للشافعيّة، لكن الأظهر: الأوّل(7).5.

ص: 190


1- كما في نهاية المطلب 191:8، و العزيز شرح الوجيز 127:6، و روضة الطالبين 284:4.
2- الكسح: الكنس. لسان العرب 571:1 «كسح».
3- نهاية المطلب 191:8، العزيز شرح الوجيز 127:6، روضة الطالبين 284:4.
4- نهاية المطلب 190:8-191، العزيز شرح الوجيز 127:6، روضة الطالبين 284:4.
5- العزيز شرح الوجيز 128:6، روضة الطالبين 284:4.
6- العزيز شرح الوجيز 128:6، روضة الطالبين 285:4.
7- الفتاوى الولوالجيّة 373:3، العزيز شرح الوجيز 128:6، روضة الطالبين 4: 284-285.
مسألة 657: إذا انقضت مدّة الإجارة، لم يجب على المستأجر تنقية البالوعة و لا الحشّ،

مسألة 657: إذا انقضت مدّة الإجارة، لم يجب على المستأجر تنقية البالوعة و لا الحشّ، و يجب عليه التطهير من الكناسات، و مستنقع الحمّام لا يجب تفريغه كالحشّ.

و ذكر الجويني أنّ رماد الأتّون كالكناسة حتّى يجب نقله عند انقضاء المدّة - و قال بعض الشافعيّة: لا يجب، و يخالف القمامات(1) - فإنّ طرح الرماد من ضرورات استيفاء المنفعة(2).

و فسّروا الكناسة - التي يجب على المستأجر تطهير الدار عنها - بالقشور و ما يسقط من الطعام و نحوه، دون التراب الذي يجتمع بهبوب الرياح؛ لأنّه حصل لا بفعله(3).

لكن قد مرّ(4) في ثلج العرصة أنّه لا يجب على المالك نقله، بل هو كالكناسات، مع أنّه حصل لا بفعله.

تذنيب: الدار المستأجرة للسكنى لا يجوز طرح التراب و الرماد في أصل حيطانها، و لا ربط الدوابّ، بخلاف وضع الأمتعة.

و في جواز طرح ما يسرع إليه الفساد من الأطعمة للشافعيّة و جهان، أصحّهما: الجواز عندهم؛ لأنّه معتاد(5).

مسألة 658: إذا استأجر أرضا للزراعة و كان لها شرب معلوم، فإن شرط دخوله في الإجارة أو خروجه عنها اتّبع الشرط؛

مسألة 658: إذا استأجر أرضا للزراعة و كان لها شرب معلوم، فإن شرط دخوله في الإجارة أو خروجه عنها اتّبع الشرط؛ لعموم قوله عليه السّلام:

ص: 191


1- التهذيب - للبغوي - 456:4، العزيز شرح الوجيز 128:6.
2- نهاية المطلب 192:8، العزيز شرح الوجيز 128:6.
3- العزيز شرح الوجيز 128:6، روضة الطالبين 285:4.
4- في ص 190.
5- البيان 302:7، العزيز شرح الوجيز 128:6، روضة الطالبين 285:4.

«المؤمنون عند شروطهم»(1).

و إن لم يشترط أحدهما، فإن جرت العادة باتّباعه للأرض أو انفراده عنها حمل الإطلاق على العادة و اتّبعت.

و إن اضطربت فكانت الأرض تؤجر تارة بمفردها من دون الشرب، و تارة مع الشرب، فالأقرب: دخوله و اتّباعه للأرض في الإجارة - و به قال أبو حنيفة، و هو أحد أقوال الشافعي(2) - لأنّ الإجارة للزراعة كشرط الشرب.

و الثاني للشافعي: إنّه لا يجعل الشرب تابعا؛ اقتصارا على موجب اللّفظ، و إنّما يزاد عليه بعرف مطّرد.

و الثالث: إنّ العقد يبطل من أصله؛ لأنّ تعارض المعنيين يوجب جهالة المقصود(3).

مسألة 659: إذا استأجر أرضا لزراعة شيء معيّن فانقضت المدّة و لم يدرك الزرع،

مسألة 659: إذا استأجر أرضا لزراعة شيء معيّن فانقضت المدّة و لم يدرك الزرع، فإن كان عدم الإدراك لتقصير في الزراعة بأن يكون المستأجر قد أخّر الزرع حتّى ضاق الوقت، أو أبدل الزرع المعيّن بما هو أبطأ إدراكا، أو أكله الجراد فزرع ثانيا، فللمالك إجباره على قلعه؛ لأنّه متعدّ بالتأخير، و على الزارع تسوية الأرض، كالغاصب؛ لعدوانه، إلاّ في شيء

ص: 192


1- تقدّم تخريجه في ص 40، الهامش (1).
2- بدائع الصنائع 189:6، المبسوط - للسرخسي - 171:23، الفتاوى الولوالجيّة 189:5، الوجيز 235:1، الوسيط 177:4، العزيز شرح الوجيز 129:6، روضة الطالبين 285:4.
3- الوجيز 235:1، الوسيط 177:4، العزيز شرح الوجيز 129:6، روضة الطالبين 285:4.

واحد، و هو: إنّ الغاصب يؤمر بقلع زرعه قبل انقضاء المدّة، و أمّا هنا فلا يلزم القلع قبل انقضاء المدّة؛ لأنّ منفعة الأرض في الحال له.

و قال بعض العامّة: يتخيّر المالك بعد المدّة بين أخذ الزرع بالقيمة أو تركه بالأجرة لما زاد على المدّة؛ لأنّه أبقى زرعه في أرض غيره بعدوانه، و إن اختار المستأجر قطع زرعه في الحال و تفريغ الأرض، فله ذلك؛ لأنّه يزيل الضرر، و يسلّم الأرض على الوجه الذي اقتضاه العقد(1).

و للمالك منعه من زراعة ما هو أبطأ إدراكا في الابتداء على إشكال.

و هل له المنع من زراعة المعيّن إذا ضاق الوقت ؟ الأقرب: العدم؛ لأنّه استحقّ منفعة الأرض في تلك الجهة، و قد يقصد القصيل، و هو أحد وجهي الشافعيّة، و الثاني: إنّ له ذلك؛ لأنّه سبب لوجود زرعه في أرضه بغير حقّ، فملك منعه منه(2).

فإن زرع، لم يملك مطالبته بقلعه قبل المدّة؛ لأنّه في أرض يملك نفعها.

و إن كان تأخير الإدراك لا بتفريط من المستأجر، بل لتغيّر الأهوية أو لحرّ حصل أو برد تجدّد، فالوجه: إنّ على المالك الصبر إلى الإدراك بأجرة المثل؛ لأنّ الشرط قد خرج، فكان للمالك عوض إبقائه تحقيقا للشرط، و هو أحد وجوه الشافعيّة.

و الثاني: إنّه يجب على المالك الصبر إلى الإدراك مجّانا؛ لأنّه أذن في هذا النوع.4.

ص: 193


1- المغني 73:6، الشرح الكبير 161:6.
2- العزيز شرح الوجيز 130:6، روضة الطالبين 286:4.

و الثالث: إنّ له أن يقلع الزرع مجّانا؛ لأنّه لم يرض بشغل ملكه(1) فيما وراء المدّة، و التفريط هنا من المستأجر؛ لأنّه كان ينبغي له أن يستظهر بزيادة المدّة(2).

و هو ممنوع؛ لأنّ هذه المدّة جرت العادة بكمال الزرع فيها، و في زيادة المدّة تفويت زيادة الأجرة بغير فائدة، و تضييع زيادة متيقّنة لتحصيل شيء متوهّم على خلاف العادة هو التفريط، فلم يكن تركه تفريطا.

و من هذا الباب ما إذا أكل الجراد رؤوس الزرع فنبت ثانيا و تأخّر الإدراك لذلك.

و كذا التأخير بكثرة الأمطار أو بقلّة المياه التي تسقي الزرع، لا من جهة العامل.

مسألة 660: لو استأجر الأرض لزرع معيّن مدّة لا يدرك فيها - كما إذا استأجر لزرع الحنطة شهرين،

مسألة 660: لو استأجر الأرض لزرع معيّن مدّة لا يدرك فيها - كما إذا استأجر لزرع الحنطة شهرين، مثلا - فإن شرط القلع بعد مضيّ المدّة جاز، كأنّه لا يبغي إلاّ القصيل؛ لأنّه لا يفضي إلى الزيادة على مدّته.

ثمّ إن تراضيا على الإبقاء مجّانا أو بأجرة المثل فلا بأس.

و إن شرطا الإبقاء بعد المدّة، فسد العقد؛ لاشتماله على التناقض؛ فإنّ تقدير المدّة يقتضي النقل بعدها، و شرط التبقية يخالفه، و لأنّه لا تبقى لتقدير المدّة فائدة، و لأنّ مدّة التبقية مجهولة، و غاية الإدراك مجهولة.

و إذا فسد العقد، فللمالك منعه من الزراعة، لكن لو زرع لم يقلع زرعه مجّانا؛ للإذن، بل يؤخذ منه أجرة المثل لجميع المدّة.

ص: 194


1- في الطبعة الحجرية: «الأرض» بدل «ملكه».
2- العزيز شرح الوجيز 130:6، روضة الطالبين 286:4.

و إن أطلقا العقد و لم يتعرّضا لقلع و لا إبقاء، فالأقوى: صحّة العقد؛ لأنّ التأقيت [لحصر](1) المعقود عليه في منفعة تلك المدّة، و هو أصحّ قولي الشافعيّة.

و الثاني: البطلان؛ لأنّ العادة في الزرع الإبقاء، فهو كما لو شرطا الإبقاء(2).

و هو ممنوع، بل الانتفاع بالزرع في هذه المدّة ممكن، فصحّ العقد.

و يحتمل الصحّة إن أمكن أن ينتفع بالأرض في زرع ضرره كضرر الزرع المشروط أو دونه إن جوّزنا التخطّي مع شرط التعيين، مثل أن يزرع شعيرا يأخذه(3) قصيلا؛ لأنّ الانتفاع بها في بعض ما اقتضاه العقد ممكن.

و إن لم يكن كذلك، لم يصح؛ لأنّه اكترى للزرع ما لا ينتفع بالزرع [فيه] أشبه إجارة السبخة له.

فإن قلنا بالصحّة - كما ذهبنا إليه أوّلا - إن توافقا بعد المدّة على إبقائه مجّانا أو بأجرة، فذاك.

و إن أراد المالك إجباره على القلع، احتمل تمكّنه منه؛ لانقضاء المدّة التي تناولها العقد، و أن لا يتمكّن منه؛ لأنّ العادة في الزرع الإبقاء.

و على هذا فأظهر الوجهين: إنّ له أجرة المثل للزيادة؛ لأنّ المستأجر هنا مفرّط، حيث شرط مدّة قصيرة.

و الثاني: إنّه لا أجرة له؛ لأنّه إذا آجر مدّة لا يدرك فيها الزرع كان».

ص: 195


1- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «لحصول». و الصحيح ما أثبتناه.
2- العزيز شرح الوجيز 130:6-131.
3- في الطبعة الحجريّة: «يقطعه» بدل «يأخذه».

معيرا للزيادة على تلك المدّة، و التقصير منه، حيث آجر أرضه مدّة للزرع الذي لا يكمل فيها(1).

قال بعض الشافعيّة: إذا قلنا: إنّه ليس للمالك القلع بعد المدّة، لزم تصحيح العقد فيها إذا شرط الإبقاء بعد المدّة، و كأنّه صرّح بمقتضى الإطلاق(2).

و ليس بجيّد.

مسألة 661: لو استأجر للزراعة مطلقا و لم يعيّن المزروع، فقد تقدّم

مسألة 661: لو استأجر للزراعة مطلقا و لم يعيّن المزروع، فقد تقدّم(3) الخلاف في صحّته

مسألة 661: لو استأجر للزراعة مطلقا و لم يعيّن المزروع، فقد تقدّم الخلاف في صحّته و بطلانه، فإن قلنا بالصحّة - و هو أظهر وجهي الشافعيّة(4) - إذا عيّن المدّة فعليه أن يزرع ما يدرك في تلك المدّة، فإن زرعه و تأخّر الإدراك إمّا لتقصيره أو لغير تقصيره، فعلى ما تقدّم فيما إذا عيّن المزروع.

و لو أراد أن يزرع ما لا يدرك في تلك المدّة، فللمالك منعه على إشكال سبق(5) ، لكن لو زرع لم يقلع إلى انقضاء المدّة.

و يحتمل أن لا يمنع من زرعه، كما لا يقلع إذا زرع.

مسألة 662: يصحّ الاستئجار للغراس أو للبناء سنة و ما زاد أو نقص بلا خلاف نعلمه بين العلماء؛

مسألة 662: يصحّ الاستئجار للغراس أو للبناء سنة و ما زاد أو نقص بلا خلاف نعلمه بين العلماء؛ لأنّه استأجر لمنفعة مقصودة محلّلة معيّنة،

ص: 196


1- هذان الوجهان للشافعيّة، راجع: العزيز شرح الوجيز 131:6، و روضة الطالبين 286:4.
2- العزيز شرح الوجيز 131:6، روضة الطالبين 286:4.
3- في ص 145، ضمن المسألة 622.
4- نهاية المطلب 251:8، العزيز شرح الوجيز 131:6، روضة الطالبين 286:4 - 287.
5- في ص 193، ضمن المسألة 659.

فجاز كغيرها من المنافع.

فإذا استأجرها سنة، فلا يخلو إمّا أن يشترطا القلع بعد السنة، أو يشترطا التبقية، أو يسكتا عن شرط القلع و التبقية و يطلقا العقد.

فإن شرطا القلع، صحّ العقد؛ لأصالة الصحّة، و صحّ الشرط؛ لقوله عليه السّلام: «المؤمنون عند شروطهم»(1) فحينئذ يؤمر المستأجر بالقلع بعد المدّة، و ليس على المالك أرش النقصان؛ لأنّه شيء لزمه بموجب شرطه، و لا يجب على المستأجر أيضا تسوية الأرض و لا أرش نقصانها إن نقصت؛ لتراضيهما بالقلع و دخولهما على هذه الحال.

و إن اتّفقا على إبقائه بأجر أو غيره، جاز؛ لأنّ الحقّ لهما، و هو قابل للنقل بعوض و غيره، فجازا معا.

و إن شرطا التبقية بعد المدّة، احتمل قويّا البطلان؛ لجهالة المدّة، و الصحّة؛ لأنّ الإطلاق يقتضي الإبقاء على ما يأتي، فلا يضرّ شرطه.

و للشافعيّة قولان(2).

فإن قلنا بالبطلان، فعلى المستأجر أجرة المثل للمدّة، و فيما بعد المدّة الحكم على ما سنذكر فيما إذا أطلق العقد.

و إن أطلقا العقد و لم يشرطا القلع و لا الإبقاء، صحّ العقد.

و للشافعيّة طريقان:

أحدهما: إنّ المسألة على قولين، كما إذا أطلق الاستئجار لزراعة ما4.

ص: 197


1- تقدّم تخريجه في ص 40، الهامش (1).
2- العزيز شرح الوجيز 131:6، روضة الطالبين 287:4.

لا يدرك في المدّة.

و إيراد الجمهور الطريقة الثانية، و هي القطع بالصحّة(1) ، كما ذهبنا إليه؛ عملا بالأصل.

ثمّ ينظر بعد المدّة فإن أمكن القلع و الرفع من غير نقصان فعل، و إلاّ فإن اختار المستأجر القلع فله ذلك؛ لأنّه ملكه، و إذا قلع يكون قد أخذ ملكه، كما له أن يأخذ طعامه من الدار المستأجرة أو التي باعها.

و إذا قلع، فعليه تسوية الحفر و أرش نقص الأرض؛ لأنّه نقص دخل على ملك غيره بغير إذنه، و تصرّف في أرض الغير بالقلع بعد خروجها من يده و تصرّفه بغير إذن المالك، و هو أصحّ وجهي الشافعيّة، و الثاني: إنّه ليس له ذلك، كما إذا رغب المستعير في القلع عند رجوع المعير(2).

و على ما اخترناه لو قلع قبل انقضاء المدّة، فيلزمه التسوية؛ لأنّ المالك لم يأذن فيه قبل انقضاء المدّة، و لأنّه تصرّف في الأرض تصرّفا منقصا لها لم يقتضه عقد الإجارة، و هو أصحّ وجهي الشافعيّة، و الثاني:

لا يلزمه شيء؛ لبقاء الأرض في يده و تصرّفه(3).

و إن امتنع المستأجر من القلع، فهل للمؤجر أن يقلعه مجّانا؟ يحتمل ذلك - و به قال أبو حنيفة و مالك و المزني(4) - لأنّ تقدير المدّة في الإجارة يقتضي التفريغ عند انقضائها، كما لو استأجرها للزرع، و لأنّ مدّة استحقاق المنفعة قد انقضت.6.

ص: 198


1- العزيز شرح الوجيز 132:6.
2- العزيز شرح الوجيز 132:6، روضة الطالبين 287:4.
3- العزيز شرح الوجيز 132:6، روضة الطالبين 287:4.
4- العزيز شرح الوجيز 132:6، المغني 75:6، الشرح الكبير 159:6.

و يحتمل أن لا يقلعه مجّانا، و لا يجبر المستأجر على قلعه، إلاّ أن يضمن له المالك نقص غرسه فيجبر حينئذ - و هو قول الشافعي(1) - لأنّه بناء محترم لم يشترط قلعه، فأشبه العارية الموقّتة، فإنّ ظاهر مذهب الشافعي فيها أنّ بناء المستعير لا يقلع بعد المدّة(2).

و ربما فرّق بأنّ فائدة التأقيت في الإعارة طلب الأجرة بعد المدّة، و هنا الأجرة لازمة في المدّة، فلا فائدة إلاّ القلع.

و لقائل أن يقول: نمنع أنّ الفائدة في الإعارة طلب الأجرة بعد المدّة، و أنّ الفائدة هنا القلع؛ لجواز أن يكون الغرض في الصورتين المنع من إحداث الغرس و البناء بعد المدّة، و أن يكون الغرض هنا العدول إلى أجرة المثل بعد المدّة.

و أيضا قال عليه السّلام: «ليس لعرق ظالم حقّ»(3) مفهومه: إنّ ما ليس بظالم له حقّ، و هذا ليس بظالم.

و هو ممنوع:

أمّا أوّلا: فللمنع من دلالة المفهوم.

و أمّا ثانيا: فلأنّا لا نسلّم انتفاء الظلم، بل هو بعد المدّة ظالم بالإبقاء، و الإذن في وقت لا يستلزم الدوام، و إلاّ لكان في العارية كذلك، و لأنّه لو لم يكن ظالما لم يلزمه الأجرة؛ لأنّه يكون حينئذ مستحقّا للإبقاء.7.

ص: 199


1- العزيز شرح الوجيز 132:6، المغني 75:6، الشرح الكبير 159:6.
2- العزيز شرح الوجيز 132:6.
3- سنن أبي داود 3073/178:3، سنن الترمذي 1378/662:3، سنن الدار قطني 35:3-144/36، السنن الكبرى - للبيهقي - 99:6، المعجم الكبير - للطبراني - 13:17-4/14، مسند أحمد 446:6-32272/447.

إذا عرفت هذا، فإنّ المالك إذا اختار دفع قيمة البناء و الغرس إلى المستأجر و تملّكهما جاز إن وافقه المستأجر عليه، و إن امتنع لم يكن له ذلك.

و إن اختار المالك أن يقلع البناء و الغراس و يغرم نقصهما، كان له ذلك، سواء رضي الغارس و الباني، أو لا؛ لأنّ للمالك تفريغ ملكه من مال غيره إذا لم يكن مستحقّا للشغل، و لا شكّ أنّه بعد المدّة لا يستحقّ المستأجر شغل ملك المؤجر.

و إن اختار أن يقرّ البناء و الغراس و يأخذ من المستأجر أجرة المثل إن رضي المستأجر، فذاك، و إن امتنع لم يجبر عليه.

و قال الشافعي: يتخيّر المالك بين دفع قيمة البناء و الغرس فيملكهما، و بين مطالبته بالقلع من غير ضمان، و بين تركه فيكونان شريكين(1).

و هو خطأ؛ لأنّ الغرس ملك الغارس، و لم يدفع إليه عوضه، و لا رضي بزوال ملكه عنه، فلا يزول ملكه عنه، كغيره من المغروس.

و إن اتّفقا على بيع الغرس و البناء للمالك، جاز.

و إن باعهما صاحبهما لغير مالك الأرض، جاز، و يكون المشتري مع المالك كالغارس معه.

و قال بعض الشافعيّة: ليس له بيعهما لغير مالك الأرض؛ لأنّ ملكه متزلزل، لأنّ لصاحب الأرض تملّكه عليه بالقيمة من غير إذنه(2).

و هو ممنوع. سلّمنا، لكن ينتقض ما ذكره بالشفيع؛ فإنّ له تملّك6.

ص: 200


1- نسبه ابنا قدامة في المغني 76:6، و الشرح الكبير 160:6 إلى مالك.
2- المغني 76:6-77، الشرح الكبير 160:6.

الشقص، و يجوز بيعه لغيره.

إذا عرفت هذا، فإن قلنا: المالك ليس له القلع مجّانا، فالكلام في أنّ المالك يتخيّر بين أن يقلع و يغرم أرش النقصان مع نقصان الثمار إن كانت على الأشجار ثمار، أو يتملّك عليه بالقيمة، أو يبقي بأجرة يأخذها، أو لا يتخيّر إلاّ بين الأوّلتين من الخصال الثلاث ؟ بناه الشافعيّة على ما إذا رجع المعير عن العارية(1).

و إذا انتهى الأمر إلى القلع فمباشرة القلع و بذل مؤونته على المؤجر أو المستأجر؟ للشافعيّة وجهان:

أحدهما: إنّه على المؤجر؛ لأنّه الذي اختاره.

و أصحّهما: إنّه على المستأجر؛ لأنّه الذي شغل الأرض فليفرغها(2).

و إذا عيّن المؤجر خصلة و امتنع المستأجر، ففي إجباره ما ذكروه في إجبار المستعير، فإن أجبر كلّف تفريغ الأرض مجّانا، و إلاّ لم يكلّف، بل هو كما لو امتنع المؤجر من الاختيار(3).

و حينئذ يبيع الحاكم الأرض و ما فيها، أو يعرض عنهما؟ فيه خلاف بينهم(4).

و يخرّج من ذلك في التفريغ مجّانا وجهان:

أحدهما: يكلّف ليردّ الأرض كما أخذ.

و أقيسهما: المنع، و لا يبطل حقّه من العوض بامتناعه، كما أنّ من4.

ص: 201


1- العزيز شرح الوجيز 133:6، روضة الطالبين 287:4.
2- العزيز شرح الوجيز 133:6، روضة الطالبين 287:4.
3- العزيز شرح الوجيز 133:6، روضة الطالبين 287:4-288.
4- العزيز شرح الوجيز 133:6، روضة الطالبين 288:4.

منع المضطرّ طعامه يؤخذ منه قهرا، و يسلّم إليه العوض، و الإجارة الفاسدة للغراس و البناء كالصحيحة في تخيّر المالك و منع القلع مجّانا(1).

و قد عرفت الحقّ عندنا في ذلك.

البحث الثالث: فيما يتعلّق بالدوابّ.

مسألة 663: إذا استأجر دابّة للركوب،

مسألة 663: إذا استأجر دابّة للركوب، وجب على مالك الدابّة القيام بكلّ ما جرت العادة أن يوطأ به المركوب للراكب من الحداجة(2) للجمل، و القتب(3) و الحزام و الزمام(4) الذي يقاد به البعير و البرة(5) التي في أنف البعير إن كانت العادة جارية بينهم بها، و إن كان المركوب فرسا، كان عليه السرج و اللجام و الحزام، و إن كان بغلا أو حمارا، فالبرذعة(6) و الإكاف(7) و الحزام و الثفر(8) ، و ذلك لتعذّر الركوب من دونها، و لأنّ العرف قاض بذلك، فيحمل الإطلاق عليه.

و للشافعيّة في السرج ثلاثة أوجه:

أحدها: لزومه، كالإكاف.

ص: 202


1- العزيز شرح الوجيز 133:6.
2- الحدج: مركب من مراكب النساء. معجم مقاييس اللغة 36:2 «حدج».
3- القتب: رحل صغير على قدر السنام. الصحاح 198:1 «قتب».
4- الزمام: الخيط الذي يشدّ في البرة. الصحاح 1944:5 «زمم».
5- البرّة: حلقة من صفر تجعل في لحم أنف البعير. الصحاح 2280:6 «برا».
6- البرذعة: الحلس الذي يلقى تحت الرحل، و الحلس للبعير: كساء رقيق يكون تحت البرذعة. الصحاح 919:3 و 1184 «حلس، برذع».
7- الإكاف من المراكب: شبه الرحال و الأقتاب. لسان العرب 8:9 «أكف».
8- الثفر: السّير الذي في مؤخّر السرج. لسان العرب 105:4 «ثفر».

و ثانيها: المنع؛ لاضطراب العادة فيه.

و الثالث: اتّباع العادة فيه، فإن قضت بلزومه على المؤجر وجب قيامه به، و إلاّ فلا(1).

و قال بعض الشافعيّة: مؤجر الدابّة لا يلزمه إلاّ تسليمها عارية، و الآلات كلّها على المستأجر(2).

و قال قوم منهم: يجب على المؤجر ما عدا السرج و الإكاف و البرذعة، و فصّل في الثلاثة بين أن تكون الإجارة على عين الدابّة فهي على المستأجر، و يضمن لو ركب بغير سرج و إكاف، و إن كانت في الذمّة فهي على المؤجر؛ لأنّها للتمكين من الانتفاع(3).

و أمّا ما هو للتسهيل على الراكب - كالمحمل و المحارة(4) و المظلّة و الوطاء الذي يشدّ فوق الحداجة تحت المحمل، و الحبل الذي يشدّ به المحمل على الجمل، و الذي يشدّ به أحد المحملين إلى الآخر - فهو على المستأجر، و العرف مطّرد به.

و لبعض الشافعيّة في الذي يشدّ به أحدهما إلى الآخر و جهان(5).

و هو بعيد، مع القطع في نفس المحمل و سائر توابعه المذكورة بأنّها على المستأجر.4.

ص: 203


1- العزيز شرح الوجيز 138:6، روضة الطالبين 290:4.
2- العزيز شرح الوجيز 138:6، روضة الطالبين 290:4.
3- التهذيب - للبغوي - 460:4، العزيز شرح الوجيز 138:6، روضة الطالبين 4: 290.
4- المحارة: شبه الهودج، كما في القاموس المحيط 15:2 «حور».
5- المهذّب - للشيرازي - 407:1، التهذيب - للبغوي - 461:4، العزيز شرح الوجيز 138:6، روضة الطالبين 291:4.

و في شدّ أحد المحملين إلى الآخر للشافعيّة وجهان:

أحدهما: إنّه على المكتري كالشدّ على الجمل.

و الثاني: على المكري؛ لأنّه إصلاح ملكه(1).

و كلّ ذلك فيما إذا أطلقا، أمّا لو قال: آجرتك هذه الدابّة العارية بلا إكاف و لا حزام و لا غير ذلك، فإنّه لا يلزمه شيء من الآلات.

و لو شرط عليه ما لا يجب عليه - كالمحمل و المحارة و الكنيسة و غير ذلك - وجب عليه؛ عملا بالشرط.

مسألة 664: إذا استأجر الدابّة للحمل،

مسألة 664: إذا استأجر الدابّة للحمل، فالوعاء الذي ينقل فيه المحمول على المكتري إن وردت الإجارة على عين الدابّة، و على المكري إن كانت في الذمّة؛ لأنّها إذا وردت على العين فليس عليه إلاّ تسليم الدابّة بالإكاف و ما في معناه، و إذا كانت في الذمّة فقد التزم النقل، فعليه تهيئة أسبابه، و العادة تؤيّده.

و اذا استأجر للاستقاء، فالدلو و الحبل كالوعاء في الحمل، فيلزم المكري إن كانت الإجارة في الذمّة.

و قال بعض الشافعيّة: إنّه إن كان الرجل معروفا بالاستقاء بآلات نفسه، لزمه الإتيان بها(2).

و هذا يجب طرده في الوعاء.

و قال الجويني بالفرق في إجارة الذمّة بين أن يلتزم الغرض مطلقا و لا يتعرّض للدابّة، فتكون الآلات عليه، و بين أن يتعرّض لها بالوصف، فحينئذ يتبع العادة، فإن اضطربت العادة، احتمل الأمران؛ لأنّ التعرّض

ص: 204


1- نهاية المطلب 148:8، العزيز شرح الوجيز 138:6، روضة الطالبين 291:4.
2- نهاية المطلب 139:8، العزيز شرح الوجيز 139:6، روضة الطالبين 291:4.

للدابّة يشعر بالاعتماد على الإتيان بها(1).

و متى راعينا اتّباع العادة فاضطربت، فالأقوى: اشتراط التقييد في صحّة العقد.

و أمّا مؤونة الدليل و السائق و البذرقة و حفظ المتاع في المنزل فقال بعض الشافعيّة: إنّه كالوعاء(2).

و الأقرب: إنّه على المستأجر.

مسألة 665: لا بدّ من رؤية الطعام المحمول للأكل في الطريق،

مسألة 665: لا بدّ من رؤية الطعام المحمول للأكل في الطريق، كغيره من المحمولات، أو تقديره بالوزن؛ لاختلافه قلّة و كثرة، و ثقلا و خفّة، فتختلف الأغراض باعتبار اختلافه.

و قال بعض الشافعيّة: لا حاجة إلى تقديره، بل يردّ الأمر فيه إلى العادة(3).

و لا حاجة إلى تقدير ما يؤكل منه كلّ يوم؛ لصحّة العقد، و هو أحد وجهي الشافعيّة، و الوجه الثاني: إنّه لا بدّ من تقديره(4).

و إذا قدّره و حمله، فإن شرط أنّه يبدله كلّما انتقص، أو شرط عدم الإبدال، اتّبع الشرط، و إلاّ فإن تلف بعضه أو كلّه بسرقة أو سقوط أو أكل غير معتاد، و بالجملة بسبب غير الأكل المعتاد، فله الإبدال، كسائر المحمولات بلا خلاف.

و إن فني بالأكل المعتاد، احتمل ذلك أيضا؛ لأنّه استحقّ حمل مقدار معيّن، فملك إبدال ما نقص منه، كما لو انتقص بسرقة أو سقوط، و كغيره من المحمولات إذا باعها أو تلفت، و به قال أبو حنيفة و الشافعي في أصحّ

ص: 205


1- العزيز شرح الوجيز 139:6، روضة الطالبين 291:4.
2- العزيز شرح الوجيز 139:6، روضة الطالبين 291:4.
3- العزيز شرح الوجيز 139:6، روضة الطالبين 292:4.
4- العزيز شرح الوجيز 139:6، روضة الطالبين 292:4.

القولين، و اختاره المزني(1).

و يحتمل عدم الإبدال؛ لقضاء العرف بأنّ الزاد ينقص، فلا يبدل، و لم تجر العادة بأنّ الطعام يبدل لكلّ قدر يؤخذ، فحمل العقد عند الإطلاق على العرف، و صار كالمصرّح به.

و قال الشافعي: القياس أنّ له إبداله، و لو قيل: ليس له إبداله، كان مذهبا؛ لأنّ العادة أنّ الزاد لا يبقى جميع المسافة، و لذلك يقلّ أجره عن أجر المتاع(2).

و قال بعض الشافعيّة: إذا أطلق حمل الزاد و لم يشترط الإبدال و لا عدمه، فإن فني بعضه أو كلّه بسرقة أو تلف أو سقوط، فله الإبدال، و إن فني بالأكل، فإن فني الكلّ فكذلك.

و حكى الجويني وجها: إنّه لا يبدل، فإنّ المكتري إنّما يحمله ليؤكل؛ لأنّ المكتري يشتري في كلّ مرحلة قدر الحاجة(3).

و المشهور عندهم: الأوّل.

و إن فني بعضه، فقولان: الإبدال، و هو قول أبي حنيفة، كما تقدّم(4) ، و العدم.

و موضع القولين ما إذا كان يجد الطعام في المنازل المستقبلة بسعر5.

ص: 206


1- الاختيار لتعليل المختار 89:2، الهداية - للمرغيناني - 252:3، مختصر المزني: 127، الحاوي الكبير 420:7، المهذّب - للشيرازي - 409:1، بحر المذهب 295:9، حلية العلماء 410:5، التهذيب - للبغوي - 460:4، البيان 304:7، العزيز شرح الوجيز 140:6، روضة الطالبين 292:4.
2- مختصر المزني: 127، المغني 105:6-106، الشرح الكبير 110:6.
3- نهاية المطلب 142:8، و عنه في العزيز شرح الوجيز 139:6-140.
4- في ص 205.

المنزل الذي هو فيه، أمّا إذا لم يجده أو وجده بسعر أرفع، فله الإبدال لا محالة(1).

و على القول بأنّه لا حاجة إلى تقدير الزاد و حمل ما يعتاد لمثله لم يبدله حتّى يفنى الكلّ.

مسألة 666: إذا استأجر دابّة للركوب في الذمّة، وجب على المؤجر الخروج مع الدابّة ليسوقها و يتعهّدها و إعانة الراكب

مسألة 666: إذا استأجر دابّة للركوب في الذمّة، وجب على المؤجر الخروج مع الدابّة ليسوقها و يتعهّدها و إعانة الراكب في الركوب و النزول، فيراعي العادة بأن يبرك البعير للمرأة؛ لأنّه يصعب عليها الركوب مع قيام البعير، و يصعب عليها النزول أيضا حال قيامه، و يخاف عليها التكشّف، و كذا لو كان الرجل ضعيفا إمّا بمرض أو شيخوخة، أو كان مفرط السمن أو نضو الخلقة(2) ، فكلّ هؤلاء يبرك لهم البعير حالة الركوب و النزول، و يقرب البغل و الحمار من نشز ليسهل الركوب، و إن احتاج إلى أن يركبه فعل.

و إن كان المستأجر قويّا يتمكّن من الركوب و البعير قائم، لم يجب إبراك البعير(3) له؛ لأنّه متمكّن من استيفاء المعقود عليه بدون هذه الكلفة.

و لو كان قويّا حال العقد فضعف في أثنائه، أو كان ضعيفا حال العقد فقوي، فالاعتبار بحال الركوب؛ لأنّ العقد اقتضى ركوبه بحسب العادة.

و يقف الدابّة لينزل الراكب لقضاء حاجته(4) و طهارته و أداء الفريضة، و يجعل البعير واقفا حتّى يفعل ذلك؛ لأنّه لا يمكنه فعل شيء من هذا على

ص: 207


1- نهاية المطلب 143:8، العزيز شرح الوجيز 139:6-140، روضة الطالبين 292:4.
2- أي المهزول. لسان العرب 330:15 «نضا». و في «ر»: «قصير الخلقة».
3- في الطبعة الحجريّة: «إبراكه» بدل «إبراك البعير».
4- في الطبعة الحجريّة: «الحاجة» بدل «حاجته».

ظهر البعير.

و كلّ ما يمكنه فعله على ظهر البعير من الأكل و الشرب و صلاة النافلة و غيرها لم يلزمه أن يبركه له، و لا يقف عليه من أجله.

و إذا وقف في الفريضة، لم يجب على المستأجر المبالغة في التخفيف، و ليس له الإبطاء و التطويل، و له النزول في أوّل الوقت لينال فضله.

و إن ورد العقد على دابّة بعينها، وجب على المؤجر التخلية بينها و بين المستأجر، و لا يجب عليه أن يعينه في الركوب و لا في الحمل، و هو قول أكثر الشافعيّة(1).

و قال بعض الشافعيّة: يجب على المؤجر الإعانة على الركوب في إجارة العين، كما تجب في إجارة الذمّة(2).

و فرّق بعض الشافعيّة في إجارة الذمّة بين أن يقع العقد على التبليغ، فيقول: ألزمت ذمّتك تبليغي إلى موضع كذا، و يقع ذكر الدابّة تبعا، فتلزمه الإعانة، و بين أن يقع على الدابّة، فيقول: ألزمت ذمّتك منفعة دابّة صفتها كذا، فلا تجب عليه الإعانة(3).

و قال بعضهم: الإعانة تجب في الحمل، سواء كانت الإجارة في الذمّة أو على العين؛ لاطّراد العادة بالإعانة على الحطّ و الحمل و إن اضطربت في الركوب(4).

و اعلم أنّ رفع المحمل و حطّه كالحمل في رفعه و حطّه.3.

ص: 208


1- نهاية المطلب 146:8، التهذيب - للبغوي - 459:4، العزيز شرح الوجيز 6: 141، روضة الطالبين 293:4.
2- نهاية المطلب 147:8، العزيز شرح الوجيز 141:6، روضة الطالبين 4: 293.
3- نهاية المطلب 147:8، العزيز شرح الوجيز 141:6، روضة الطالبين 4: 293.
4- نهاية المطلب 147:8، العزيز شرح الوجيز 141:6، روضة الطالبين 4: 293.
مسألة 667: إذا اختلفا في كيفيّة الترحيل مع الإطلاق، حمل على الوسط،

مسألة 667: إذا اختلفا في كيفيّة الترحيل مع الإطلاق، حمل على الوسط، لا مكبوبا، و هو أن يجعل مقدّم المحمل أو الزاملة أوسع من المؤخّر - و قيل: هو أن يضيّق المقدّم و المؤخّر جميعا(1) - و لا مستلقيا، و هو عكس المكبوب إمّا بأن يكون مقدّم المحمل أو الزاملة أضيق من المؤخّر، أو بأن يكونا معا واسعين.

و على التفسيرين فالمكبوب أسهل على الدابّة، و المستلقي أسهل على الراكب، فإذا اختلفا فيهما حمل على الوسط المعتدل.

و إن عيّنا أحدهما في العقد، تعيّن.

و كذا إن اختلفا في كيفيّة الجلوس على الدابّة.

و ليس للمؤجر منع المستأجر من النوم على الدابّة في وقته المعتاد، و له منعه في غير ذلك الوقت؛ لأنّ النائم يثقل.

مسألة 668: قد يعتاد النزول و المشي عند الرواح، فإن شرطا أن ينزل الراكب أو أن لا ينزل،

مسألة 668: قد يعتاد النزول و المشي عند الرواح، فإن شرطا أن ينزل الراكب أو أن لا ينزل، اتّبع الشرط.

و إن أطلقا، لم يجب النزول على المرأة و المريض.

و الأقرب: إنّ الرجل القويّ كذلك، اعتبارا باللفظ، و هو أحد وجهي الشافعيّة.

و الثاني: إنّه ينزل؛ قضاء للعادة(2).

لكن ما قلناه أولى.

ص: 209


1- كما في البيان 296:7، و العزيز شرح الوجيز 141:6، و روضة الطالبين 4: 293.
2- بحر المذهب 290:9، البيان 303:7-304، العزيز شرح الوجيز 141:6، روضة الطالبين 294:4.

و كذا حكم النزول على العقبات الصعبة.

و إذا استأجر دابّة إلى بلد و العادة فيه النزول و المشي عند اقتراب المنزل، لم يجب على المرأة و الضعيف النزول [لأنّهما اكتريا](1) جميع الطريق، و لم تجر عادتهما بالمشي، فيلزمه [حملهما](2) في جميع الطريق، كالمتاع.

و كذا لو كان قويّا على الخلاف.

و إذا استأجر إلى بلد، فإذا بلغ عمرانها، فللمكري استرداد الدابّة، و لا يجب عليه تبليغ الراكب إلى داره، إلاّ أن يكون هناك عادة بأن يكون تحت الراكب ما يحتاج إلى حمله إلى منزله.

مسألة 669: لو استأجر دابّة ليركبها إلى مكة، لم يكن له الحجّ عليها، بل إذا وصل إلى عمران مكة نزل.

مسألة 669: لو استأجر دابّة ليركبها إلى مكة، لم يكن له الحجّ عليها، بل إذا وصل إلى عمران مكة نزل. و قال بعض الشافعيّة: إنّ له الحجّ عليها؛ لأنّ الاستئجار إلى مكّة عبارة عن الاستئجار للحجّ؛ لأنّه لا يستأجر إليها إلاّ للحجّ غالبا، فكان بمنزلة المستأجر للحجّ(3).

و لو استأجرها للحجّ عليها، ركبها من مكّة إلى منى ثمّ إلى عرفات ثمّ إلى المزدلفة ثمّ إلى منى ثمّ إلى مكّة للطواف؛ لأنّ ذلك من تمام الحجّ.

و هل يركبها من مكة عائدا إلى منى للرمي و الطواف ؟ فيه احتمال.

و للشافعيّة و جهان(4).

ص: 210


1- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «لأنّه اكترى... حمله». و المثبت يقتضيه السياق.
2- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «لأنّه اكترى... حمله». و المثبت يقتضيه السياق.
3- لم نعثر عليه في مظانّه.
4- المهذّب - للشيرازي - 409:1، بحر المذهب 320:9، حلية العلماء 410:5، التهذيب - للبغوي - 462:4، البيان 304:7، العزيز شرح الوجيز 142:6، روضة الطالبين 294:4.

و قال بعض العامّة: ليس له الركوب إلى منى؛ لأنّه بعد التحلّل من الحجّ(1).

و الوجه: إنّ له ذلك؛ لأنّه من تمام الحجّ و توابعه، و لذلك وجب على من وجب عليه، دون غيره، و دخل في قوله تعالى: وَ لِلّهِ عَلَى النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ (2).

مسألة 670: إذا استأجر دابّة بعينها فتلفت، انفسخت الإجارة.

مسألة 670: إذا استأجر دابّة بعينها فتلفت، انفسخت الإجارة. و إن وجد بها عيبا بأن تعثر في المشي أو كانت لا تبصر ليلا أو يكون بها عرج أو بطؤ سير تتخلّف به عن القافلة، فللمستأجر الخيار بين الفسخ و الصبر، و ليس له المطالبة بالبدل؛ لتعلّق العقد بالعين، و مجرّد خشونة المشي ليس بعيب.

و إن كانت الإجارة في الذمّة فسلّم المؤجر إليه دابّة فتلفت، لم ينفسخ العقد.

و إن وجد بها عيبا، لم يكن له الخيار في الفسخ، و يجب على المؤجر الإبدال، كما لو وجد بالمسلم فيه عيبا.

و اعلم أنّ الدابّة المسلّمة عن الإجارة في الذمّة و إن لم تكن متعيّنة بالعقد و لكنّها متعيّنة في الاستعمال بتسليم المؤجر إليه، فليس للمستأجر المطالبة بعوضها إذا كانت سليمة من العيب، و لا ينفسخ العقد بتلفها، كما تقدّم، إلاّ أنّه يثبت للمستأجر فيها حقّ و اختصاص حتّى أنّه يجوز له أن يؤجرها من غيره مساو له.

و لو أراد المؤجر إبدالها بدون إذن المستأجر، فالأقوى: إنّ له ذلك؛

ص: 211


1- كما في المغني 106:6، و الشرح الكبير 110:6.
2- سورة آل عمران: 97.

لأنّ عليه حقّ الركوب، فله التخيير في جهة الأداء، كالدّين.

و [للشافعيّة](1) وجهان:

أصحّهما عند أكثرهم: إنّه ليس للمؤجر ذلك؛ لتعلّق حقّ المستأجر بها.

و الثاني: الفرق بين أن يعتمد لفظ الدابّة بأن يقول: آجرتك دابّة من صفتها كذا و كذا، فلا يجوز له إبدال التي سلّمها، أو لا يعتمد بأن يقول:

التزمت أن أركبك على دابّة صفتها كذا، فيجوز الإبدال(2).

و يترتّب على الوجهين ما إذا أفلس المؤجر بعد تعيين دابّة عن إجارة الذمّة هل يتقدّم المستأجر بمنفعتها؟ الأصحّ عندهم(3) و عندنا: التقدّم.

و لو أراد المستأجر أن يعتاض عن حقّه في إجارة الذمّة، إن كان قبل أن يتسلّم الدابّة، لم يجز؛ لأنّه اعتياض عن المسلم فيه عندهم(4).

و فيه إشكال.

و إن كان بعد التسليم، جاز؛ لأنّ الاعتياض و الحال هذه واقع عن حقّ في عين.

و في هذا الكلام دلالة على أنّ القبض يفيد تعلّق حقّ المستأجر بالعين، فيمتنع الإبدال دون رضاه، لكن نحن لا نقول به.

مسألة 671: المنافع التي وقع تعلّق عقد الإجارة بها لا بدّ لها من مستوف،

مسألة 671: المنافع التي وقع تعلّق عقد الإجارة بها لا بدّ لها من مستوف، و هو المستأجر، و مستوفى منه، و هو الدابّة المعيّنة في العقد

ص: 212


1- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «للشافعي». و المثبت يقتضيه السياق.
2- نهاية المطلب 131:8، العزيز شرح الوجيز 142:6-143، روضة الطالبين 295:4.
3- نهاية المطلب 127:8، العزيز شرح الوجيز 143:6، روضة الطالبين 295:4.
4- نهاية المطلب 130:8، العزيز شرح الوجيز 143:6، روضة الطالبين 295:4.

و الدار المعيّنة أو الثوب المعيّن أو الأجير المعيّن و G شبهها، و مستوفى به، و هو الثوب المعيّن للخياطة، و الصبي المعيّن للرضاع و التعليم، و الأغنام المعيّنة للرعي و شبهها.

أمّا المستوفي فله تبديل نفسه بغيره إذا ساواه في الثقل و الضرر أو قصر عنه، كما يجوز له أن يؤجر ما استأجره من غيره.

فإذا استأجر دابّة للركوب، فله أن يركبها غيره مع المساواة في الطول و القصر و السمن و الهزال و من هو أخفّ منه.

و كذلك إذا استأجر الثوب للّبس، جاز له أن يلبسه من هو في مثل حاله.

و يسكن الدار مثله، دون القصّار و الحدّاد؛ لزيادة الضرر.

و إذا استأجر دابّة لحمل القطن، كان له حمل الصوف و الوبر مع المساواة في الوزن، و إذا استأجر لحمل الحديد، كان له حمل الرصاص و النحاس.

و إذا استأجر للحمل فأراد أن يركب من يساوي الحمل في الوزن أو ينقص عنه، فإن قال أهل المعرفة: إنّ الضرر لا يتفاوت، جاز، و إن قالوا:

إنّ الركوب أضرّ، لم يجز.

و كذا لو استأجر للركوب فأراد الحمل.

و للشافعيّة قولان، هذا أحدهما، و الثاني: المنع في الطرفين(1).

و قال أبو حنيفة: لا يجوز إبدال الراكب و اللابس، و جوّز في استئجار الدار للسكنى أن يسكنها غيره(2).6.

ص: 213


1- العزيز شرح الوجيز 143:6، روضة الطالبين 296:4.
2- الاختيار لتعليل المختار 79:2، المبسوط - للسرخسي - 130:15 و 165، العزيز شرح الوجيز 143:6.

و حكي عن المزني أنّه لا يجوز إبدال الراكب(1).

و أمّا المستوفى منه - فهو الدار و الدابّة المعيّنة و الأجير المعيّن - فلا يجوز إبداله، كما لا يجوز إبدال المبيع.

و لو استأجر ظهرا للحمولة معيّن الجنس فأراد حمله على غير ذلك الجنس، فإن كان الطالب لذلك المستأجر، لم يقبل منه؛ لأنّه لا يملك المطالبة بما لم يعقد عليه.

و إن طلبه المؤجر، فإن كان يفوّت غرض المستأجر - مثل أن يكون غرضه الإسراع في السير، أو أن لا ينقطع عن القافلة فيعيّن الخيل و البغال، أو أن يكون غرضه سكون الحمولة و ثقل السير و عدم السرعة فيعيّن الإبل - لم يجز العدول عنه؛ لأنّه يفوّت غرض المستأجر، فلم يجز له ذلك، كما في الركوب.

و إن لم يفوّت غرضا، جاز، كما يجوز لمن اكترى على حمل شيء حمل مثله و ما هو أقلّ ضررا منه.

و أمّا المستوفى به فهو كالثوب المعيّن للخياطة، و الصبي المعيّن للإرضاع و التعليم، و الأغنام المعيّنة للرعي.

و الأقوى فيه: جواز الإبدال؛ لأنّه ليس بمعقود عليه، و إنّما هو طريق الاستيفاء، فأشبه الراكب و المتاع المعيّن للحمل، و هو أصحّ قولي الشافعي، و الثاني: إنّه لا يجوز إبداله، كالمستوفى منه(2).

و هل ينفسخ العقد بتلف هذه الأشياء في المدّة ؟ الأقرب ذلك.

و يحتمل العدم.4.

ص: 214


1- العزيز شرح الوجيز 143:6.
2- العزيز شرح الوجيز 144:6، روضة الطالبين 296:4.

و للشافعيّة قولان(1).

و كذا القولان فيما إذا لم يلتقم الصبي المعيّن ثديها، فإن قلنا بالفسخ هناك فكذا هنا، و إلاّ أبدل(2).

مسألة 672: يجوز استئجار الثياب للّبس، و البسط و الزلالي للفرش،

مسألة 672: يجوز استئجار الثياب للّبس، و البسط و الزلالي للفرش، و اللّحف للالتحاف بها؛ لأنّها منافع مباحة مقصودة للعقلاء معلومة، فجاز استئجارها، كغيرها.

و تقدّر بالزمان، فإذا استأجر ثوبا مدّة ليلبسه، لم يجز له أن ينام فيه بالليل؛ للعادة.

و في وقت القيلولة احتمال، أقربه: إنّه لا يجب نزعه؛ لقضاء العادة بالقيلولة في الثياب، بخلاف البيتوتة.

نعم، لو كان المستأجر القميص الفوقاني، نزعه في القيلولة و في سائر أوقات الخلوة.

و هو أصحّ وجهي الشافعيّة، و الثاني: إنّه يلزمه نزع القميص التحتاني وقت القيلولة، كالمبيت؛ لأنّ الثوب ينتقص بالنوم(3).

و أمّا ثياب التجمّل فإنّما تلبس في الأوقات التي جرت العادة بالتجمّل فيها، كحالة الخروج إلى السوق و شبهه، و دخول الناس عليه.

هذا كلّه مع الإطلاق، و أمّا إذا اشترط شيئا، وجب اتّباعه، سواء شرط

ص: 215


1- الحاوي الكبير 424:7، حلية العلماء 420:5، التهذيب - للبغوي - 445:4 و 446، البيان 317:7، العزيز شرح الوجيز 144:6، روضة الطالبين 296:4.
2- التهذيب - للبغوي - 445:4، العزيز شرح الوجيز 144:6، روضة الطالبين 4: 296.
3- العزيز شرح الوجيز 144:6، روضة الطالبين 296:4.

ما يقتضيه الإطلاق، أو ما لا يقتضيه.

و إذا استأجر القميص للّبس، لم يجز له الاتّزار به؛ لأنّه أضرّ بالقميص من اللّبس.

و أمّا الارتداء به فإن كان أضرّ من اللّبس، لم يجز، و إلاّ جاز.

و للشافعيّة قولان:

أحدهما: الجواز؛ لأنّ ضرر الارتداء دون ضرر اللّبس.

و الثاني: المنع؛ لأنّه جنس آخر(1).

و إذا استأجر للارتداء، لم يجز الاتّزار؛ لأنّ ضرر الاتّزار أكثر، و بالعكس يجوز.

و لو استأجر للاتّزار، جاز التعميم؛ لأنّه أقلّ ضررا.

و لو استأجر للارتداء، جاز التعميم أيضا؛ لأنّه أدون ضررا.4.

ص: 216


1- العزيز شرح الوجيز 144:6، روضة الطالبين 297:4.

الفصل الرابع: في المدّة و الضمان و فيه بحثان:

البحث الأوّل: في المدّة.

مسألة 673: الإجارة إذا وقعت على مدّة، وجب أن تكون معيّنة مضبوطة محروسة من تطرّق الزيادة و النقصان

مسألة 673: الإجارة إذا وقعت على مدّة، وجب أن تكون معيّنة، مضبوطة محروسة من تطرّق الزيادة و النقصان فإن قدّرها بأجل مجهول - كإدراك الغلاّت و حصاد الزرع و دخول القوافل و طلوع الثريّا و أشباه ذلك - لم يجز، بل يجب ضبطها بالسنة و الشهر و اليوم بلا خلاف بين العلماء في ذلك؛ لأنّ المدّة هي الضابطة للمعقود عليه، المعرّفة له، فوجب أن تكون معلومة، كعدد المكيلات فيما بيع بالكيل.

و إذا أطلق السنة و الشهر، حمل على السنة العربيّة الهلاليّة و الشهر العربي؛ لأنّ ذلك هو المعهود في نظر الشرع، قال اللّه تعالى: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَواقِيتُ لِلنّاسِ وَ الْحَجِّ (1) فوجب أن يحمل مطلق العقد عليه، فإن شرط هلاليّة أو عربيّة، كان تأكيدا.

و إن قال: عدديّة أو سنة بالأيّام، كان له ثلاثمائة و ستّون يوما؛ لأنّ الشهر العددي ثلاثون يوما.

و إن استأجر سنة هلاليّة أوّل الهلال، عدّ اثني عشر شهرا بالأهلّة، سواء كان الشهر تامّا أو ناقصا؛ لأنّ الشهر الهلالي ما بين الهلالين ينقص

ص: 217


1- سورة البقرة: 189.

تارة و يزيد أخرى.

و إن كان في أثناء شهر، عدّ ما بقي من الشهر و عدّ بعده أحد عشر شهرا بالهلال(1) ، ثمّ كمّل الشهر الأوّل بالعدد ثلاثين يوما من آخر الشهور؛ لأنّه تعذّر إتمامه بالهلال، فتمّمناه بالعدد، و أمكن استيفاء ما عداه بالهلال، فوجب ذلك؛ لأنّه الأصل.

و يحتمل استيفاء الجميع بالعدد؛ لأنّها مدّة يستوفى بعضها بالعدد، فوجب استيفاء جميعها به، كما لو كانت المدّة شهرا واحدا، و لأنّ الشهر الأوّل ينبغي أن يكمل من الشهر الذي يليه، فيحصل ابتداء الشهر الثاني في أثنائه، و كذا كلّ شهر يأتي بعده.

و لأبي حنيفة و الشافعي قولان(2) ، و عن أحمد روايتان(3) كالاحتمالين.

و كذا لو كان العقد على ستّة أشهر أو سبعة أشهر، و بالجملة على ما دون السنة.

هذا ما يقتضيه الإطلاق، و إن شرطا السنة الروميّة أو الشمسيّة أو الفارسيّة أو القبطيّة و كانا يعلمان ذلك، جاز، و كان له ثلاثمائة و خمسة و ستّون يوما، فإنّ الشهور بالروميّة منها سبعة: أحد و ثلاثون، و أربعة:

ثلاثون، و شهر واحد: ثمانية و عشرون يوما. و شهور القبط كلّها ثلاثون، و زادوها خمسة أيّام لتساوي سنتهم السنة الروميّة.

و لو كان أحدهما يجهل ذلك، لم يجز؛ لأنّ المدّة مجهولة في حقّه.

مسألة 674: و لا تتقدّر مدّة الإجارة قلّة و لا كثرة

مسألة 674: و لا تتقدّر مدّة الإجارة قلّة و لا كثرة، فجاز أن يستأجر

ص: 218


1- في الطبعة الحجريّه: «بالأهلّة» بدل «بالهلال».
2- المغني 8:6-9، الشرح الكبير 60:6-61.
3- المغني 8:6-9، الشرح الكبير 60:6-61.

لحظة واحدة بشرط الضبط، و مائة ألف سنة.

و بالجملة، تجوز إجارة العين مدّة تبقى فيها و إن كثرت بشرط الضبط، و هو قول علمائنا أجمع - و به قال أبو حنيفة و مالك و أحمد(1) - للأصل.

و لما رواه عليّ بن يقطين - في الصحيح - قال: سألت أبا الحسن عليه السّلام عن الرجل يتكارى من الرجل البيت أو السفينة سنة أو أكثر من ذلك أو أقلّ، فقال: «الكراء لازم له إلى الوقت الذي تكارى إليه [و](2) الخيار في أخذ الكراء إلى ربّها إن شاء أخذ و إن شاء ترك»(3).

و اضطرب قول الشافعي في المدّة التي يجوز عقد الإجارة عليها:

فقال في موضع من كتاب الإجارات: يجوز إلى ثلاثين سنة.

و قال في موضع آخر منها: يجوز إلى سنة.

و قال في الدعاوي و البيّنات: يجوز ما شاء.

و قال في المساقاة: تجوز المساقاة سنتين، و عنده المساقاة و الإجارة سواء(4).1.

ص: 219


1- بدائع الصنائع 181:4، المبسوط - للسرخسي - 132:15، الهداية - للمرغيناني - 231:3، بداية المجتهد 226:2-227، المغني 11:6، الشرح الكبير 57:6، الإفصاح عن معاني الصحاح 33:2، العزيز شرح الوجيز 111:6.
2- ما بين المعقوفين أثبتناه من المصدر.
3- التهذيب 209:7-920/210.
4- الأم 23:4 و 241:6، البيان 221:7، و راجع: الحاوي الكبير 364:7 و 405، و المهذّب - للشيرازي - 398:1، و نهاية المطلب 110:8، و 111، و بحر المذهب 240:9 و 278-279، و حلية العلماء 369:5، و التهذيب - للبغوي - 433:4، و العزيز شرح الوجيز 66:6 و 110-111.

و اختلف أصحابه في مذهبه على طريقين:

أحدهما: إنّ في المسألة قولين:

أحدهما: إنّه لا يجوز أكثر من سنة واحدة؛ لأنّ الإجارة عقد على ما لم يخلق، فكأنّ القياس يقتضي أنّه لا يجوز، كما لا يجوز العقد على ثمرة لم تخلق، و إنّما جوّز للحاجة إليه، و الحاجة لا تدعو إلى أكثر من سنة؛ لأنّ السنة يكمل فيها الزرع، و لا يحتاج إلى الزيادة عليها، و لأنّ السنة مدّة تنظم فيها الفصول الأربعة، و يتكرّر فيها الزروع و الثمار، و المنافع تتكرّر بتكرّرها.

و الثاني: إنّه يجوز أن يؤاجر أكثر من سنة واحدة، كما يجوز الجمع في البيع بين أعيان كثيرة.

و يثبت حينئذ طريقان:

أحدهما: إنّ في المسألة قولين:

أحدهما: إنّه لا تجوز الزيادة على ثلاثين سنة؛ لأنّها نصف العمر، و الغالب ظهور التغيّر على الشيء بمضيّ هذه المدّة، فلا حاجة إلى تجويز الزيادة عليها.

و أصحّهما عندهم: إنّه لا تقدير، كما لا تقدير في جمع الأعيان المختلفة في البيع.

و الطريق الثاني: القطع بالقول الثاني، و حمل القول بالثلاثين على التمثيل؛ للكثرة، لا للتحديد، و إنّما أراد به إجارة سنين كثيرة، فإنّه قال:

«و لو كانت ثلاثين سنة».

و على هذا فهل من ضابط؟ اختلف أصحابه:

ص: 220

فمعظمهم [قالوا:] إنّه يجب أن تكون المدّة بحيث يبقى إليها ذلك الشيء غالبا، فلا يؤجر العبد أكثر من ثلاثين سنة، و الدابّة تؤجر إلى عشر سنين، و الثوب إلى سنتين أو سنة على ما يليق به، و الأرض إلى مائة و أكثر.

و قال بعضهم: يؤجر العبد إلى مائة و عشرين سنة من عمره.

و قال بعضهم: يستأجر الأرض ألف سنة.

و قال بعضهم: يصحّ و إن كانت المدّة بحيث لا تبقى إليها العين في الغالب؛ اعتمادا على أنّ الأصل الدوام و الاستمرار، فإن هلك لعارض، فهو كانهدام الدار و نحوه في المدّة.

فحصل من هذا الترتيب أربعة أقوال:

الأوّل: التقدير بسنة.

الثاني: التقدير بثلاثين سنة.

الثالث: التقدير بمدّة بقاء ذلك الشيء غالبا.

الرابع: منع الضبط و التقدير من كلّ وجه(1).

و كلّ هذه تخمينات لا وجه لها، مع أنّ القول بالسنة يبطل بقوله تعالى: إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هاتَيْنِ عَلى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِنْدِكَ (2) و شرع من قبلنا إذا ذكره اللّه تعالى و لم يتّصل به إنكار كان شرعا لنا، و لأنّه يجوز أن يزوّجه أمته و يملّكه منفعة بضعها إلى الموت، كذلك في الإجارة.

لا يقال: في النكاح لا يجوز تقدير المدّة، ففي الإجارة لا يجوز7.

ص: 221


1- العزيز شرح الوجيز 111:6.
2- سورة القصص: 27.

الإطلاق.

لأنّا نقول: إنّما اعتبرنا الإجارة بالنكاح في جواز العقد على المنفعة في الزمان الذي تبقى فيه العين و ان كانا يختلفان في التقدير لمعنى آخر، و هو أنّ الإجارة تتقسّط الأجرة فيها على المنفعة، فلا بدّ من تقدير المدّة، بخلاف النكاح، و لأنّا أجرينا المنفعة في جواز العقد مجرى الأعيان، ثمّ في الأعيان يجوز أن يجمع بين الأعيان الكثيرة، كذلك في المنفعة.

و ما ذكروه من الحاجة فليس بصحيح؛ لأنّ الثوب لا يحتاج إلى استئجاره للّبس سنة، و كذا الزرع لا يبقى في الأرض سنة، فبطل ما اعتبروه.

و بالجملة، فالتقدير بسنة أو سنتين أو ثلاثين أو غير ذلك تحكّم كلّه لا دليل عليه، و ليس ذلك بأولى(1) من التقدير بزيادة عليه أو نقصان منه.

مسألة 675: لا فرق في انتفاء التقدير بين الوقف و غيره،

مسألة 675: لا فرق في انتفاء التقدير بين الوقف و غيره، فحكم الوقف في أنّه يجوز أن يؤجر مهما شاء المؤجر حكم الطّلق ما لم يخالف تقدير الواقف، فإن كان الواقف قد قرّر أن يؤجر مدّة معيّنة، لم يجز التخطّي. و إن لم يكن قد قرّر مدّة معيّنة، كان حكمه حكم الطّلق، و هو قول الشافعي(2).

و قال بعض أصحابه: إلاّ أنّ الحكّام اصطلحوا على منع إجارته أكثر من ثلاث سنين لئلا يندرس الوقف، و هو غير مطّرد(3).

و حكي عن أبي حنيفة منع إجارة الوقف أكثر من ثلاث سنين في عقد

ص: 222


1- في «ر» و الطبعة الحجريّة: «أولى».
2- العزيز شرح الوجيز 111:6، روضة الطالبين 270:4.
3- العزيز شرح الوجيز 111:6، روضة الطالبين 270:4.

واحد(1).

و قال بعض الشافعيّة: إنّ المذهب منع إجارة الوقف أكثر من سنة إذا لم تمسّ الحاجة إليها لعمارة و غيرها(2).

مسألة 676: إذا آجر سنة، لم يحتج إلى أن يبيّن في العقد تقسيط الأجرة على شهورها،

مسألة 676: إذا آجر سنة، لم يحتج إلى أن يبيّن في العقد تقسيط الأجرة على شهورها، و إن كانت المدّة أكثر من سنة، فكذلك لا يجب تقسيطها، عند علمائنا أجمع - و هو أصحّ قولي الشافعيّة(3) - كما لو باع أعيانا تختلف قيمتها صفقة واحدة لا يجب تقدير حصّة كلّ عين منها، و كما لو آجر سنة لا يجب تقدير حصّة كلّ شهر.

و كذا الشهر لا يجب تقسيط أجرته على أيّامه.

و الثاني: إنّه يحتاج إلى أن يبيّن حصّة كلّ سنة من الأجرة؛ لأنّ عقد الإجارة معرّض للفسخ بتلف المعقود عليه، فإذا أطلق الأجرة لجميع المدّة ثمّ لحقها الفسخ بتلف العين أو غيره، تنازعا في قدر الواجب من الأجرة، و احتيج إلى تقسيط الأجرة على المدّة على حسب قيمة المنافع، و ذلك ممّا يشقّ و يتعذّر جدّا، فشرط في عقدها تقسيط الأجرة لكلّ سنة ليستغنى عن ذلك(4).

و يبطل بعدم وجوب التقسيط في السنة الواحدة، مع ورود ما ذكروه

ص: 223


1- فتاوى قاضيخان - بهامش الفتاوى الهنديّة - 311:2، الهداية - للمرغيناني - 3: 232، العزيز شرح الوجيز 112:6.
2- العزيز شرح الوجيز 112:6، روضة الطالبين 270:4.
3- الحاوي الكبير 406:7-407، المهذّب - للشيرازي - 398:1، نهاية المطلب 111:8، بحر المذهب 279:9، الوجيز 233:1، الوسيط 168:4، حلية العلماء 370:5، التهذيب - للبغوي - 433:4، البيان 222:7-223، العزيز شرح الوجيز 112:6، روضة الطالبين 270:4.
4- الحاوي الكبير 406:7-407، المهذّب - للشيرازي - 398:1، نهاية المطلب 111:8، بحر المذهب 279:9، الوجيز 233:1، الوسيط 168:4، حلية العلماء 370:5، التهذيب - للبغوي - 433:4، البيان 222:7-223، العزيز شرح الوجيز 112:6، روضة الطالبين 270:4.

فيه، و النزاع ينقطع بتوزيع الأجرة المسمّاة على قيمة منافع السنين، كالسنة.

و بنى بعض الشافعيّة القولين هنا على القولين فيما إذا أسلم في شيئين أو في شيء إلى أجلين، ففي قول يجوز؛ أخذا بظاهر السلامة، و في قول لا يجوز؛ لما عساه يقع من الجهالة بالأجرة(1).

و حكى بعض الشافعيّة طريقة قاطعة بأنّه لا يجب التقدير(2).

تذنيب: لو قسّط الأجرة على أجزاء المدّة تقسّطت، سواء كانت شهورا أو سنين أو أيّاما، و سواء تفاوتت الأجزاء في التقسيط أو اتّفقت، و سواء تساوت الأجزاء في الأجرة أو اختلفت، فإذا قالا: حصّة الشهر الأوّل من السنة كذا و حصّة الشهر الثاني منها كذا و حصّة الثالث كذا، فإذا تلفت العين المستأجرة في أثناء المدّة كانت أجرة ما مضى بحسب ما ذكر.

مسألة 677: لا بدّ من تقييد المدّة و تعيين ابتدائها و انتهائها،

مسألة 677: لا بدّ من تقييد المدّة و تعيين ابتدائها و انتهائها، فإذا قال:

آجرتك سنة أو شهرا، و قصد الإطلاق على معنى سنة من السنين أو شهر من الشهور، لم يكف تعيين القدر، بل لا بدّ من تعيين المبدأ، و يكفي حينئذ عن تعيين المنتهى، و بالعكس، بلا خلاف.

و إن لم يقصد ذلك، حمل على ما يتّصل بالعقد - و به قال مالك و أبو حنيفة و الشافعي في أظهر القولين، و أحمد في إحدى الروايتين(3) -

ص: 224


1- العزيز شرح الوجيز 112:6.
2- العزيز شرح الوجيز 112:6.
3- الإشراف على نكت مسائل الخلاف 662:2-1174/663، بداية المجتهد 2: 226، التلقين: 399، المعونة 1089:2، بدائع الصنائع 181:4، المبسوط - للسرخسي - 131:15، نهاية المطلب 112:8، الوسيط 168:4، التهذيب - للبغوي - 431:4، البيان 262:7، العزيز شرح الوجيز 112:6، روضة الطالبين 270:4، المغني 10:6، الشرح الكبير 59:6.

لقوله تعالى في قصّة شعيب عليه السّلام: عَلى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمانِيَ حِجَجٍ (1) و لم يذكر ابتداءها، و لأنّه المفهوم المتعارف، و لأنّه تقدير للمدّة ليس فيها قربة، فوجب أن يكون عقيب السبب الموجب، كمدّة السّلم [و الإيلاء](2).

و القول الثاني للشافعي: إنّه لا بدّ من تعيين المبدأ، و لا يكفي الإطلاق، بل يجب أن يقول: من الآن، أو من هذا الوقت، و لا يجوز الإطلاق و لا شرط التأخير عنده؛ لأنّ العقد هنا وقع على المدّة دون الذمّة، فصار حكم الشهور فيها حكم الأعيان، و إذا أطلق العين في الأعيان لم يجز كذا هنا، و كالنذر، فإنّه لو نذر صوم شهر لم يتعيّن عقيب العقد(3).

و نمنع مساواة الأعيان؛ لتساويها بالنسبة إلى العرف، و هنا العرف فيه ثابت، و هو انصراف الإطلاق إلى الاتّصال بالعقد، و فارق النذر؛ لأنّه قربة.

تذنيب: لو قال: آجرتك شهرا من السنة، لم يصح قولا واحدا؛ للإبهام، و اختلاف الأغراض، و لا يفهم من هذا الاتّصال بالعقد.

و كذا يبطل لو قال: آجرتك يوما من الشهر.

مسألة 678: لو قال: آجرتك هذه الدار كلّ شهر بدرهم، و أطلق،

مسألة 678: لو قال: آجرتك هذه الدار كلّ شهر بدرهم، و أطلق، أو قال: من الآن، بطل، لأنّه لم يبيّن لها مدّة - و هو أحد قولي الشافعي(4) - فإنّ

ص: 225


1- سورة القصص: 27.
2- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «و إلاّ فلا». و هو تصحيف.
3- نهاية المطلب 112:8، الوسيط 169:4، التهذيب - للبغوي - 431:4، البيان 262:7، العزيز شرح الوجيز 112:6، روضة الطالبين 270:4، المغني 10:6، الشرح الكبير 59:6.
4- الحاوي الكبير 407:7، المهذّب - للشيرازي - 403:1، نهاية المطلب 8: 113، بحر المذهب 268:9، الوسيط 169:4، حلية العلماء 392:5،

لفظة «كلّ» اسم للعدد، فإذا لم يقدّره كان مبهما، و إذا كانت مدّة الإجارة مجهولة بطل العقد، كما لو قال: آجرتك إلى قدوم الحاجّ.

و قال الشافعي في الإملاء: تصحّ في الشهر الأوّل خاصّة، و تبطل فيما بعده، و به قال أبو حنيفة و أصحابه، إلاّ أنّ أبا حنيفة و أصحابه قالوا: لكلّ واحد منهما عند انقضاء الشهر أن يفسخ، فإن لم يفعلا حتّى مضى يوم من الشهر الثاني، فليس لواحد منهما أن يفسخ؛ لأنّ الشهر الأوّل معلوم، و أجرته معلومة، فوجب أن تصحّ الإجارة فيه، كما لو أفرده، و إنّما قال أبو حنيفة: إذا لم يفسخا حتّى مضى من الشهر يوم لزمه؛ لأنّه قد اتّصل بالعقد الفاسد القبض(1).

و قد بيّنّا أنّ لفظة «كلّ» مبهمة، و ليس شيء ممّا تناوله معلوما(2) ، و ما قالوه في الشهر الأوّل مثله في الثاني، مع أنّهم منعوا من تناوله للثاني، فلم يصح ما قالوه.

و أمّا لزوم العقد في الشهر الثاني بالشروع فيه فلا وجه له؛ لأنّ عند أبي حنيفة لا يلزم العقد الفاسد في الأعيان بالقبض، و لا يضمن أيضاه.

ص: 226


1- الحاوي الكبير 407:7، المهذب - للشيرازي - 403:1، نهاية المطلب 8: 113، بحر المذهب 268:9، الوسيط 169:4، حلية العلماء 392:5، التهذيب - للبغوي - 432:4، البيان 263:7، العزيز شرح الوجيز 112:6، روضة الطالبين 270:4، المغني 22:6-23، الشرح الكبير 31:6-32، مختصر القدوري: 103، بدائع الصنائع 182:4، الاختيار لتعليل المختار 88:2 - 89، الهداية - للمرغيناني - 239:3.
2- في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «معلوم». و الظاهر ما أثبتناه.

بالمسمّى(1) ، و لم يحصل أيضا القبض.

و قال مالك: الإجارة جائزة صحيحة، و كلّما مضى شهر استحقّ، إلاّ أنّها لا تكون لازمة؛ لأنّ المنافع مقدّرة بتقدير الأجرة، فلا يحتاج إلى ذكر المدّة إلاّ في اللزوم(2).

و هو غلط؛ لأنّ الأجرة مقدّرة في كلّ شهر، و جملة الأشهر مجهولة، و الإجارة عقد لازم، و لا يجوز أن يقع غير لازم.

مسألة 679: لو قال: آجرتك كلّ شهر من هذه السنة بدرهم، لم يصح؛

مسألة 679: لو قال: آجرتك كلّ شهر من هذه السنة بدرهم، لم يصح؛ للجهالة في التقدير؛ إذ لم يعيّن مقدار الشهور، و هو قول أكثر الشافعيّة؛ لأنّه لم يضف الإجارة إلى جميع السنة(3).

و قال ابن سريج: إنّه يصحّ في شهر واحد، دون ما زاد(4).

قالوا: فلو قال: «بعتك كلّ صاع من هذه الصبرة بدرهم» إنّه لم يضف البيع إلى جميع الصبرة، بخلاف ما إذا قال: «بعتك هذه الصبرة كلّ صاع بدرهم» و كان ينبغي أن يفرّق بين أن يقول: «بعتك من هذه الصبرة كلّ صاع بدرهم» [و يصحّ العقد في الجميع، و بين أن يقول: «بعتك من هذه الصبرة كلّ صاع بدرهم»] فيحكم بالبطلان هنا، أو يصحّح في صاع واحد، كما

ص: 227


1- كما في بحر المذهب 268:9، و راجع الاختيار لتعليل المختار 33:2-34، و الهداية - للمرغيناني - 51:3.
2- بحر المذهب 268:9، حلية العلماء 393:5، البيان 263:7، المغني 6: 22، الشرح الكبير 31:6.
3- الوسيط 169:4، التهذيب - للبغوي - 432:4، العزيز شرح الوجيز 6: 112، روضة الطالبين 271:4.
4- الوسيط 169:4، التهذيب - للبغوي - 432:4، العزيز شرح الوجيز 6: 112، روضة الطالبين 271:4.

نقلناه عن ابن سريج، و كذلك ينبغي أن يفرّق في الإجارة(1).

و قد حكم بالتساوي بعض الشافعيّة بين قوله: «بعتك كلّ صاع من هذه الصبرة بدرهم» و بين أن يقول: «بعتك هذه الصبرة كلّ صاع بدرهم» و صحّح البيع في جميع الصبرة باللفظين(2).

و لو قال: آجرتك شهرا بدرهم و ما زاد فبحسابه، لم يصح أيضا؛ لعدم التعيين إن حمل على شهر غير معيّن، و إن حمل على الاتّصال باللفظ صحّ العقد في الشهر الواحد، و بطل في الزائد.

و لو قال: آجرتك شهرا من (شهور)(3) هذه السنة، و لم يكن قد بقي من السنة إلاّ شهر واحد، صحّ، و إن بقي أكثر من شهر واحد، لم يصح؛ للجهالة.

مسألة 680: لو جعل المنتهى ما يقع على اثنين، فالأقرب: حمل الإطلاق على الأقرب منهما،

مسألة 680: لو جعل المنتهى ما يقع على اثنين، فالأقرب: حمل الإطلاق على الأقرب منهما، فإذا قال: آجرتك إلى ربيع، حمل على ربيع الأوّل، و كذا إلى جمادى، حمل على جمادى الأولى.

و لو قال: إلى العيد، حمل على الأقرب منهما إلى العقد.

و يحتمل وجوب التعيين؛ لأنّه مشترك بين الجميع و صالح لهما، فلا بدّ من التعيين، فإذا قال: إلى العيد، افتقر إلى أن يعيّن الفطر أو الأضحى من هذه السنة أو سنة كذا.

و كذا لو علّق الحكم بشهر يقع اسمه على شهرين - كجمادى و ربيع -

ص: 228


1- العزيز شرح الوجيز 112:6-113، روضة الطالبين 271:4، و ما بين المعقوفين أثبتناه من المصدر.
2- نهاية المطلب 114:8، العزيز شرح الوجيز 113:6، روضة الطالبين 271:4.
3- ما بين القوسين لم يرد في النّسخ الخطّيّة.

يجب أن يذكر الأوّل أو الثاني من سنة كذا، و به قال بعض العامّة(1).

و لو قال: إلى الجمعة أو السبت أو غيرهما من الأيّام، فإن حملنا على الأقرب في الشهر، فكذا هنا يحمل على الجمعة الأدنى، و إلاّ وجب التعيين، فإن أهمل بطل.

و لو قال: إلى رجب و شعبان أو غيرهما من الأشهر المفردة، فإن حمل على الأقرب، فكذا هنا، و إلاّ وجب أن يعيّن من سنة كذا.

و لو علّقه بعيد من أعياد الكفّار - كفصح النصارى و عيد السعانين(2) - فإن علماه صحّ، و إلاّ فلا.

و إذا استأجر إلى ربيع الأوّل، حلّ الأجل بأوّل جزء منه، و لو استأجر ربيع الأوّل، حلّ بآخره، و كذا غيره من الشهور.

مسألة 681: لو استأجره إلى العشاء، فآخر المدّة غروب الشمس -

مسألة 681: لو استأجره إلى العشاء، فآخر المدّة غروب الشمس - و به قال الشافعي و أحمد(3) - لقوله تعالى: وَ مِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشاءِ (4) يعني العتمة.

و قال عليه السّلام: «لولا أن أشقّ على أمّتي لأخّرت العشاء إلى ثلث الليل»(5).

و إنّما تعلّق الحكم بغروب الشمس؛ لأنّ هذه الصلاة تسمّى العشاء

ص: 229


1- المغني 9:6، الشرح الكبير 57:6.
2- هو عيد للنصارى أيضا. المحكم و المحيط الأعظم 494:1 «سعن».
3- المغني 13:6، الشرح الكبير 61:6.
4- سورة النور: 58.
5- سنن ابن ماجة 691/226:1، مسند أحمد 16584/90:5، مسند أبي يعلى 447:11-6576/448، صحيح ابن حبّان - بترتيب ابن بلبان - 405:4 - 1538/406، المصنّف - لابن أبي شيبة - 331:1.

الآخرة، فدلّ على أنّ الأولى المغرب، و هو في العرف كذلك، فوجب أن يتعلّق الحكم به؛ لأنّ المدّة إذا جعلت لوقت إلى وقت تعلّقت بأوّله، كما لو جعلها إلى الليل.

و قال أبو حنيفة و أبو ثور: آخرها زوال الشمس؛ لأنّ العشاء آخر النهار، و آخره النصف الأخير من الزوال، و في خبر ذي اليدين عن أبي هريرة قال: صلّى بنا النبيّ صلّى اللّه عليه و آله إحدى صلاتي العشي، يعني الظهر و العصر(1)(2).

و نمنع أنّ آخر النهار النصف الأخير من الزوال، و خبر ذي اليدين كذب؛ لامتناع السهو على النبيّ صلّى اللّه عليه و آله، و لأنّ لفظ «العشي» غير لفظ العشاء، فلا يجوز الاحتجاج بأحدهما على الآخر حتّى يقوم دليل على اتّفاقهما في المعنى، و لو اتّفقا فيه لكن أهل العرف لا يعرفونه، فلا يتعلّق به حكم.

و كذا لو استأجر إلى العشي؛ لأنّ أهل العرف لا يعرفون غير ما ذكرناه.

و إن استأجرها إلى الليل، فهو إلى أوّله.

و كذا إن اكتراها إلى النهار، فهو إلى أوّله.

و قال بعض العامّة: يدخل الليل في الصورة الأولى، و النهار في الثانية، كما في مدّة الخيار(3).6.

ص: 230


1- صحيح مسلم 573/403:1، سنن ابن ماجة 1214/383:1، سنن أبي داود 1: 264-1008/265، سنن الدارمي 351:1، السنن الكبرى - للبيهقي - 353:2.
2- المبسوط - للسرخسي - 182:15، فتاوى قاضيخان - بهامش الفتاوى الهنديّة - 346:2، الإشراف على مذاهب أهل العلم 110:2، المغني 13:6، الشرح الكبير 61:6.
3- المغني 14:6، الشرح الكبير 61:6.

و الحكم في الأصل ممنوع.

و إن استأجر نهارا، فهو إلى غروب الشمس.

و إن استأجر ليلة، فهي إلى طلوع الفجر إجماعا؛ لأنّ اللّه تعالى قال في ليلة القدر: سَلامٌ هِيَ حَتّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ (1).

و لو استأجر يوما، دخل الليل و النهار.

مسألة 682: قد بيّنّا أنّه يجب ضبط المدّة بما لا يحتمل الزيادة و النقصان،

مسألة 682: قد بيّنّا أنّه يجب ضبط المدّة بما لا يحتمل الزيادة و النقصان، فلو استأجر دابّة لمدّة غزاته، لم يصح - و هو قول الأوزاعي و الشافعي و أحمد(2) - لجهالة المدّة و العمل، فلم يصح، كما لو استأجر لمدّة سفره، و لأنّ مدّة الغزاة قد تطول و قد تقصر، و الفعل يقلّ و يكثر، و نهاية السفر تبعد و تقرب، فلم يجز، فإن فعل فله أجرة المثل.

و رخّص فيها مالك(3) ، و ليس بجيّد.

البحث الثاني: في الضمان.

اشارة

و النظر في أمرين:

الأوّل: فيما إذا كانت العين التي تعلّقت الإجارة بها في يد المستأجر.

مسألة 683: إذا استأجر عقارا أو متاعا أو حيوانا أو إنسانا أو غيره للانتفاع به ثمّ قبض العين التي تعلّقت الإجارة بها،

مسألة 683: إذا استأجر عقارا أو متاعا أو حيوانا أو إنسانا أو غيره للانتفاع به ثمّ قبض العين التي تعلّقت الإجارة بها، كانت أمانة في يده غير مضمونة عليه، إلاّ مع التعدّي أو التفريط، و لا نعلم فيه خلافا؛ لأنّه قبض العين لاستيفاء منفعة يستحقّها منها، فكانت أمانة، كما لو قبض الموصى له

ص: 231


1- سورة القدر: 5.
2- المغني 96:6، الشرح الكبير 30:6.
3- المغني 96:6، الشرح الكبير 30:6.

بخدمته سنة، أو قبض الزوج امرأته الأمة، و لأنّه مستحقّ للمنفعة، و لا يمكن استيفاؤها إلاّ بإثبات اليد على العين، فكانت أمانة عنده، كالنخلة التي اشترى ثمرتها، بخلاف ما لو اشترى سمنا و قبضه في آنية، حيث تكون الآنية مضمونة في يده عند الشافعي في أصحّ الوجهين؛ لأنّه أخذها لمنفعة نفسه، و لا ضرورة في قبض السمن فيها(1).

و الأصحّ: إنّها ليس مضمونة أيضا.

و العارية عند جماعة من العامّة مضمونة مطلقا؛ لأنّه لا يستحقّ منفعتها(2).

و أمّا إذا تلفت العين المستأجرة في يد المستأجر بعد مضيّ المدّة، فكذلك أيضا؛ لأنّها أمانة بعد المدّة؛ إذ لا يجب على المستأجر ردّ العين إلى مالكها، بل الواجب عليه التخلية بينه و بينها، و التمكين له منها إذا طلب؛ لأنّها أمانة، فلا يجب ردّها قبل الطلب، كالوديعة، و هذا أصحّ وجهي الشافعيّة، و به قال أبو حنيفة(3).

و الأصل فيه أنّ الإجارة عقد لا يقتضي الضمان، فلا يقتضي ردّه و مؤونته، كالوديعة.

و الظاهر من كلام الشافعي - و به قال مالك - أنّه يجب على المستأجر الردّ و مؤونته و إن لم يطلب المالك؛ لأنّه غير مأذون في الإمساك بعد المدّة،2.

ص: 232


1- نهاية المطلب 156:8، العزيز شرح الوجيز 145:6.
2- راجع: ج 16 - من هذا الكتاب - ص 273، الهامش (4).
3- الوسيط 187:4، البيان 302:7، العزيز شرح الوجيز 145:6، روضة الطالبين 297:4، الهداية - للمرغيناني - 223:3، المبسوط - للسرخسي - 11: 137، المغني 131:6، الشرح الكبير 145:6، الإشراف على نكت مسائل الخلاف 1181/664:2.

و لأنّه أخذ لمنفعة نفسه، فأشبه المستعير(1).

و نحن نخالف في حكم الأصل.

و قال بعض الشافعيّة: لو شرط المؤجر عليه الردّ، لزمه ذلك قطعا(2).

و منعه بعضهم و قال: من لا يوجب الردّ عليه ينبغي أن لا يجوّز شرطه(3).

إذا عرفت هذا، فإن قلنا: لا يلزم الردّ، فلا ضمان عليه، و إن قلنا:

يلزم، ضمن ما تلف في يده، إلاّ أن يكون الإمساك لعذر فلا ضمان.

و على كلّ حال متى طلبها صاحبها وجب عليه تسليمها إليه، فإن امتنع من ردّها مع القدرة لغير عذر، صارت مضمونة - كالمغصوب - بلا خلاف.

مسألة 684: لو شرط المؤجر على المستأجر ضمان العين، لم يصح الشرط؛

مسألة 684: لو شرط المؤجر على المستأجر ضمان العين، لم يصح الشرط؛ لأنّه مناف لمقتضى العقد.

و إن وقع ذلك شرطا في الإجارة، فالأقوى عندي: بطلان الإجارة أيضا.

و بين العامّة خلاف في فساد العقود بفساد الشروط التي تضمّنتها(4).

و إنّما قلنا: إنّه لا يصحّ الشرط؛ لأنّ ما لا يجب ضمانه لا يصير بالشرط مضمونا، كما أنّ ما يجب ضمانه لا ينتفي ضمانه بشرط.

ص: 233


1- الوسيط 187:4، البيان 301:7، العزيز شرح الوجيز 145:6-146، روضة الطالبين 297:4، الإشراف على نكت مسائل الخلاف 664:2-1181/665، المغني 131:6، الشرح الكبير 145:6.
2- العزيز شرح الوجيز 146:6، روضة الطالبين 298:4.
3- العزيز شرح الوجيز 146:6، روضة الطالبين 298:4.
4- المغني 131:6، الشرح الكبير 145:6.

أمّا لو شرط عليه أن لا يسير بها ليلا أو وقت القائلة أو لا يتأخّر بها عن القافلة أو لا يجعل مسيره في آخر القافلة أو لا يسلك بها واديا أو طريقا معيّنا أو لا يركبه غيره أو لا يسكن الدار سواه أو لا يلبس الثوب غيره أو لا يؤجر العين أو لا يحملها أزيد من المشروط(1) أو لا يحملها إلاّ ما وقع العقد عليه ممّا يساويه أو يقصر ضرره أو يزيد أو لا يتعدّى المكان المعيّن، إلى غير ذلك من الشروط فخالف، ضمن إجماعا؛ لأنّه متعدّ، فيضمن ما تلف في يده، كما لو شرط أن لا يحمل عليها شيئا فحملها؛ لأنّ الحسن الصيقل سأل الصادق عليه السّلام: عن رجل اكترى دابّة إلى مكان معلوم فجاوزه، قال: «يحتسب له الأجر بقدر ما جاوز، و إن عطب الحمار فهو ضامن»(2).

و في الصحيح عن عليّ بن جعفر عن أخيه الكاظم عليه السّلام في رجل استأجر دابّة فأعطاها غيره فنفقت، فما عليه ؟ قال: «إن كان اشترط أن لا يركبها غيره فهو ضامن لها، و إن لم يسمّ فليس عليه شيء»(3).

مسألة 685: إذا كانت الإجارة فاسدة، لم يضمن المستأجر العين أيضا

مسألة 685: إذا كانت الإجارة فاسدة، لم يضمن المستأجر العين أيضاإذا تلفت بغير تفريط و لا عدوان؛ لأنّه عقد لا يقتضي صحيحه الضمان فلا يقتضيه فاسده، كالوكالة و المضاربة، و حكم كلّ عقد فاسد حكم صحيحه في وجوب الضمان و عدمه، فما وجب الضمان في صحيحه وجب في فاسده، و ما لم يجب في صحيحه لم يجب في فاسده، و لأنّ الأصل براءة الذمّة من الضمان؛ لأنّه قبض العين بإذن مالكها، فلم يجب عليه

ص: 234


1- في النّسخ الخطّيّة: «المشترط».
2- الكافي 1/289:5، التهذيب 937/213:7.
3- الكافي 7/291:5، التهذيب 942/215:7.

ضمانها.

مسألة 686: المنافع المتعلّقة بالعين بعد انقضاء مدّة الإجارة إذا استوفاها المستأجر ضمنها و ضمن العين أيضا،

مسألة 686: المنافع المتعلّقة بالعين بعد انقضاء مدّة الإجارة إذا استوفاها المستأجر ضمنها و ضمن العين أيضا، و إن لم يستوفها بل تلفت في يده، فإن قلنا: يلزمه الردّ، ضمنها، و إلاّ فلا.

و للشافعي و جهان(1).

و لو غصبت الدابّة المستأجرة مع دوابّ سائر الناس المرافقين له، فذهب بعضهم في الطلب، و لم يذهب المستأجر مع قدرته، إن قلنا:

لا يلزمه الردّ، فلا ضمان عليه، و إن قلنا: يلزم، فإن استردّ من ذهب من غير مشقّة و لا غرامة، فالوجه: إنّه لا ضمان عليه أيضا.

و قالت الشافعيّة: يضمن المستأجر المتخلّف، و إن لحقهم مشقّة أو غرامة، فلا يضمن(2)(3). و ليس بشيء(4).

و لو استأجر قدرا مدّة ليطبخ فيها ثمّ حملها بعد المدّة ليردّها فسقطت الدابّة فانكسرت القدر، فإن لم يفرّط فلا ضمان، و إن فرّط ضمن.

و قال بعض الشافعيّة: إن كان لا يستقلّ بحمله فلا ضمان، و إن كان يستقلّ فعليه الضمان، أمّا إذا ألزمناه مؤونة الردّ: فظاهر، و أمّا إذا لم نلزمه:

فلأنّ العادة أنّ القدر لا تردّ بالدابّة مع استقلال المستأجر أو استقلال حمّال بها(5).

ص: 235


1- العزيز شرح الوجيز 146:6، روضة الطالبين 298:4.
2- في الطبعة الحجريّة: «فلا ضمان عليه» بدل «فلا يضمن».
3- العزيز شرح الوجيز 146:6، روضة الطالبين 298:4.
4- الظاهر أنّ نهاية قول الشافعيّة قوله: «المتخلّف» و موضع قوله: «و ليس بشيء» بعده.
5- العزيز شرح الوجيز 146:6، روضة الطالبين 298:4.
مسألة 687: لو استأجر دابّة للحمل أو الركوب أو الاستعمال في الحرث و غيره فربطها المستأجر و لم ينتفع بها في المدّة،

مسألة 687: لو استأجر دابّة للحمل أو الركوب أو الاستعمال في الحرث و غيره فربطها المستأجر و لم ينتفع بها في المدّة، استقرّت الأجرة عليه.

و لا ضمان عليه لو ماتت الدابّة في الاصطبل.

و لو انهدم عليها فهلكت فإن فرّط ضمن، و إلاّ فلا.

و قالت الشافعيّة: إن كان المعهود في مثل ذلك الوقت أن تكون الدابّة تحت السقف - كجنح(1) الليل في الشتاء - فلا ضمان، و إن كان المعهود في ذلك الوقت لو خرج بها أن تكون في الطريق، وجب الضمان؛ لأنّ التلف - و الحالة هذه - جاء من ربطها(2).

مسألة 688: للمستأجر ضرب الدابّة بقدر العادة وقت الحاجة و تكبيحهاباللجام للاستصلاح و حثّها على السير

مسألة 688: للمستأجر ضرب الدابّة بقدر العادة وقت الحاجة و تكبيحها(3) باللجام للاستصلاح و حثّها على السيرلتلحق القافلة؛ لأنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله نخس بعير جابر و ضربه(4).

و كذا يجوز للرائض ضرب الدابّة للتأديب و ترتيب المشي و العدوّ و السير، و للمعلّم ضرب الصبيان للتأديب.

و كلّ هؤلاء إذا ضربوا ضمنوا ما وقع بجناية ضربهم، سواء فعلوا المأذون أو تجاوزوا فيه؛ لأنّ الإذن منوط بالسلامة - و به قال أبو حنيفة

ص: 236


1- جنوح الليل: إقباله. لسان العرب 428:2 «جنح».
2- العزيز شرح الوجيز 147:6، روضة الطالبين 299:4.
3- تكبيح الدابّة: جذبها إليه باللجام و ضرب فاها به كي تقف و لا تجري. لسان العرب 568:2 «كبح».
4- صحيح البخاري 6:7، صحيح مسلم 109/1221:2، و 112/1223، السنن الكبرى - للبيهقي - 337:5، و 254:7، مسند أبي يعلى 1850/377:3، مسند أحمد 14568/352:4، و 14608/357.

و الثوري(1) - كغير المستأجر، و به قال الشافعي أيضا في المعلّم يضرب الصبي خاصّة؛ لأنّه يمكنه تأديبه بغير الضرب(2).

و قال مالك و الشافعي و أحمد و إسحاق و أبو يوسف و أبو ثور و محمّد: لا ضمان إذا لم يتجاوز أحدهم المأذون؛ لأنّه تلف من فعل مستحقّ، فلم يضمن، كما لو تلف تحت الحمل، و لأنّ الضرب معنى تضمّنه عقد الإجارة، فإذا تلف منه لم يضمنه، كالركوب(3).

و الفرق ظاهر.

و لا خلاف في أنّه لو أسرف في التأديب و شبهه أو زاد على ما يحصل به الغرض أو ضرب من لا عقل له من الصبيان، فعليه الضمان.

تذنيب: يجب على المستأجر سقي الدابّة و علفها وقت الحاجة بمجرى العادة، فإن فرّط في ذلك ضمن، و يرجع على المالك، إلاّ أن2.

ص: 237


1- مختصر القدوري: 102، الهداية - للمرغيناني - 237:3، المبسوط - للسرخسي - 174:15، الإشراف على مذاهب أهل العلم 109:2، الحاوي الكبير 428:7، بحر المذهب 327:9، حلية العلماء 447:5، البيان 329:7، العزيز شرح الوجيز 154:6، المغني 133:6، الشرح الكبير 147:6، الإشراف على نكت مسائل الخلاف 1177/663:2، الإفصاح عن معاني الصحاح 37:2.
2- الحاوي الكبير 434:7، بحر المذهب 331:9، البيان 337:7، العزيز شرح الوجيز 149:6-150، روضة الطالبين 300:4، المغني 133:6، الشرح الكبير 147:6.
3- الإشراف على نكت مسائل الخلاف 1177/663:2، الإشراف على مذاهب أهل العلم 209:2، الحاوي الكبير 428:7، المهذّب - للشيرازي - 415:1، بحر المذهب 326:9، الوسيط 187:4، حلية العلماء 447:5، التهذيب - للبغوي - 467:4، البيان 329:7، العزيز شرح الوجيز 154:6، روضة الطالبين 4: 303، المغني 133:6، الشرح الكبير 147:6، المبسوط - للسرخسي - 15: 174، الهداية - للمرغيناني - 237:3، الإفصاح عن معاني الصحاح 37:2.

يشترط على المستأجر فلا يرجع.

النظر الثاني: فيما إذا كانت العين في يد الأجير.

مسألة 689: الأجير إمّا مشترك أو منفرد مختصّ.

مسألة 689: الأجير إمّا مشترك أو منفرد مختصّ. فالمشترك هو الذي يتقبّل العمل في ذمّته، كالخيّاط يتقبّل خياطة الثوب، و الحائك يتقبّل نساجة الغزل، و الصائغ يتقبّل صياغة الحليّ، و أشباه ذلك، فإذا التزم لواحد أمكنه أن يلتزم لغيره مثل ذلك العمل أو غيره، فكأنّه مشترك بين الناس.

و المنفرد المختصّ هو الذي آجر نفسه مدّة مقدّرة لعمل، فلا يمكنه أن يتقبّل مثل ذلك العمل و لا غيره لغيره في تلك المدّة.

و قيل: المشترك هو الذي شاركه في الرأي، فقال: اعمل في أيّ موضع شئت، و المنفرد هو الذي عيّن عليه العمل و موضعه(1).

إذا عرفت هذا، فالمال في يد الأجير - كالثوب إذا استؤجر لخياطته أو صبغه أو قصارته، و العبد إذا استؤجر لتعليمه أو إرضاعه، و الدابّة إذا استؤجر لرياضتها - إذا تلف في يد الأجير، فلا يخلو إمّا أن يكون الأجير منفردا باليد بأن يسلّم المالك الثوب إلى الخيّاط ليخيطه في ملك الخيّاط و صاحبه ليس معه، أو لا، فإن كان منفردا باليد فإمّا أن يكون مشتركا أو مختصّا.

فإن كان مشتركا، فإن تلفت العين في يده لا بسببه من غير تفريط و لا تعدّ، لم يضمن - و به قال عطاء و طاوس و زفر و أحمد و إسحاق(2) -

ص: 238


1- كما في العزيز شرح الوجيز 147:6، و روضة الطالبين 299:4.
2- المغني 118:6، الشرح الكبير 136:6، الاختيار لتعليل المختار 83:2، -

لأنّها عين مقبوضة بالإجارة، فلم تكن مضمونة، كالعين المستأجرة.

و لأنّ خالد بن الحجّاج سأل الصادق عليه السّلام: عن الملاّح أحمله الطعام ثمّ أقبضه منه فينقص، فقال: «إن كان مأمونا فلا تضمّنه»(1).

و عن أبي بصير قال: سألته عن قصّار دفعت إليه ثوبا فزعم أنّه سرق من بين متاعه، قال: «فعليه أن يقيم البيّنة أنّه سرق من بين متاعه، و ليس عليه شيء، و إن سرق (عليه متاعه)(2) فليس عليه شيء»(3).

و عن الحلبي عن الصادق عليه السّلام قال: «في الصائغ و القصّار ما يسرق منهم من شيء فلم يخرج منه على أمر بيّن أنّه قد سرق و كلّ قليل أو كثير فهو ضامن، و إن فعل فليس عليه شيء و إن لم يفعل و لم يقم البيّنة و زعم أنّه قد ذهب الذي ادّعي عليه فقد ضمنه، إلاّ أن يكون له على قوله البيّنة» و عن رجل استأجر أجيرا فأقعده على متاعه فسرق، قال: «هو مؤتمن»(4).

و للشافعيّة في الأجير المشترك طريقان:

أصحّهما عندهم: إنّ فيه قولين:

أحدهما: يضمن - و به قال مالك و ابن أبي ليلى و أحمد في رواية -

ص: 239


1- التهذيب 947/217:7.
2- - تحفة الفقهاء 352:2، بدائع الصنائع 210:4، وسائل الأسلاف إلى مسائل الخلاف: 531، مختصر اختلاف العلماء 1767/85:4، و 1811/119، الهداية - للمرغيناني - 244:3، الحاوي الكبير 426:7، بحر المذهب 321:9، حلية العلماء 446:5، البيان 335:7 - 336، العزيز شرح الوجيز 148:6، الإفصاح عن معاني الصحاح 37:2.
3- الكافي 4/242:5، التهذيب 953/218:7.
4- التهذيب 952/218:7.

لقوله عليه السّلام: «على اليد ما أخذت حتّى تردّ»(1).

و لأنّ الشافعي رواه بإسناده عن عليّ عليه السّلام أنّه كان يضمّن الأجراء و يقول: «لا يصلح الناس إلاّ هذا»(2) فضمّنه عليّ عليه السّلام صيانة لأموال الناس عن خيانة المحترفة.

و قد روي من طريق الخاصّة عن الصادق عليه السّلام قال: «قال أمير المؤمنين عليه السّلام: الأجير المشارك هو ضامن إلاّ من سبع أو غرق أو حرق أو لصّ مكابر»(3).

و عن السكوني عن الصادق عليه السّلام قال: «كان أمير المؤمنين عليه السّلام يضمّن الصبّاغ و القصّار و الصائغ احتياطا على أمتعة الناس، و كان لا يضمّن من الغرق و الحرق و الشيء الغالب»(4).

و لأنّه قبض العين لمنفعة نفسه من غير استحقاق، فضمنها، كالعارية.

و أصحّهما عندهم: إنّه لا يضمن، كما لا يضمن المستأجر، و ليس أخذه إيّاه لمحض غرضه، بل هو لغرضه و غرض المالك، فأشبه عامل القراض.

الطريق الثاني: القطع بعدم الضمان(5).9:

ص: 240


1- ورد نصّه في المبسوط - للسرخسي - 156:9، و تحفة الفقهاء 91:3.
2- الأم 96:7، و كما في السنن الكبرى - للبيهقي - 122:6، و المغني 119:6، و الشرح الكبير 134:6 و 136.
3- الكافي 7/244:5، التهذيب 216:7-945/217.
4- الكافي 5/242:5، التهذيب 956/219:7، الاستبصار 471/131:3.
5- الحاوي الكبير 426:7، المهذّب - للشيرازي - 415:1، بحر المذهب 9:

قال الربيع: إنّ مذهب الشافعي عدم الضمان، و أنّ الأجراء لا يضمنون، إلاّ أنّه كان لا يبوح به خوفا من أجراء السوء(1).

و قد روى الشيخ - في الصحيح - عن معاوية بن عمّار عن الصادق عليه السّلام، قال: سألته عن الصبّاغ و القصّار، فقال: «ليس يضمنان»(2).

قال الشيخ رحمه اللّه: الوجه في هذا الخبر أنّهما لا يضمنان إذا كانا مأمونين، فأمّا إذا اتّهمهما ضمنا(3).

و قال أبو يوسف و محمّد: إن تلف بأمر ظاهر - كالحريق و النهب - فلا ضمان، و إن تلف بغير ذلك ضمن(4).

و عليه دلّت رواية(5) أمير المؤمنين عليه السّلام.0.

ص: 241


1- الأم 97:7، بحر المذهب 321:9-322، التهذيب - للبغوي - 466:4، البيان 336:7، العزيز شرح الوجيز 148:6.
2- التهذيب 964/220:7، الاستبصار 477/132:3.
3- التهذيب 220:7، ذيل ح 964.
4- الاختيار لتعليل المختار 82:2، تحفة الفقهاء 352:2، بدائع الصنائع 4: 210، مختصر اختلاف العلماء 1767/85:4، الهداية - للمرغيناني - 244:3، الإشراف على مذاهب أهل العلم 124:2، بحر المذهب 322:9، حلية العلماء 447:5، البيان 336:7، العزيز شرح الوجيز 148:6، عيون المجالس 4: 1268/1803.
5- 321، الوسيط 188:4، حلية العلماء 446:5، التهذيب - للبغوي - 466:4، البيان 335:7-336، العزيز شرح الوجيز 147:6-148، روضة الطالبين 4: 299، بداية المجتهد 232:2، عيون المجالس 1802:4-1268/1803، المبسوط - للسرخسي - 81:15، مختصر اختلاف العلماء 85:4 و 1767/86، و 1811/119، الإفصاح عن معاني الصحاح 37:2، المغني 118:6، الشرح الكبير 135:6.

و قال أبو حنيفة: إن تلف بفعله ضمن و إن كان الفعل المأذون فيه، و إن تلف بغير ذلك لم يضمن؛ لأنّ العمل مضمون على الأجير، و لهذا لو تلفت العين قبل أن يسلّمها سقطت أجرته، و ما تولّد من المضمون يكون مضمونا، كالجراحة(1).

و اعترضه الشافعيّة: بأنّ التلف حصل من الفعل المأذون فيه، فلم يضمنه، كالأجير المنفرد(2).

و نقضوا ما ذكره بما إذا سلّم الدابّة إليه ليرعيها فماتت من ذلك، فإنّه سلّم ذلك(3).

و كذلك الأجير المنفرد فعله مضمون عليه، بخلاف ما ذكرناه؛ لأنّه متعدّ بالجراحة، بخلاف العمل.

قال المزني: لا ضمان على المشترك؛ لثلاثة أوجه:

الأوّل: إنّه(4) قطع بأن لا ضمان على الحجّام يأمره الرجل أن يحجمه أو يختن غلامه أو [يبيطر](5) دابّته.

الثاني: قال: ما علمت أنّ أحدا ضمّن الراعي المنفرد بالأجرة،ر.

ص: 242


1- الاختيار لتعليل المختار 82:2، تحفة الفقهاء 352:2، بدائع الصنائع 210:4 و 211، الهداية - للمرغيناني - 24:3، الحاوي الكبير 426:7، بحر المذهب 9: 322، حلية العلماء 447:5، التهذيب - للبغوي - 466:4، البيان 336:7، العزيز شرح الوجيز 148:6.
2- بحر المذهب 322:9.
3- راجع: المبسوط - للسرخسي - 161:15.
4- أي: الشافعي.
5- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «يمتطي»، و المثبت كما في المصدر.

و لا فرق عندي بينه في القياس و بين المشترك.

الثالث: قال: قد قال الشافعي: لو اكترى رجلا ليحفظ متاعه في دكّانه فلا ضمان(1).

و أجاب باقي الشافعيّة: بأنّ الحجامة إذا كانت لحرّ، لم يضمن؛ لأنّ الحرّ لا تثبت عليه يد، و لا يضمن ما تولّد من الجناية؛ لأنّه أذن له فيها، و إن كان ذلك بعبد حجمه أو ختنه، فإن كان في ملك صاحبه أو بحضرته فلا ضمان، و إن انفرد فعلى القولين.

و أمّا الراعي فإن أذن له أن يرعى في ملكه أو موضع عيّنه له من موات أو مستعار، فلا ضمان؛ لأنّ ذلك بمنزلة كونها في يده، و إن قال:

ارعها حيث شئت، فتلف منها شيء، فعلى القولين.

و أمّا حافظ متاعه في دكّانه فلا ضمان عليه؛ لأنّه في ملك صاحب المتاع(2).

و سيأتي ما عندنا في ذلك.

مسألة 690: الأجير المنفرد كالمشترك في أنّه لا يضمن ما تلف في يده بغير سببه من غير تفريط و لا تعدّ،

مسألة 690: الأجير المنفرد كالمشترك في أنّه لا يضمن ما تلف في يده بغير سببه من غير تفريط و لا تعدّ، بل هو أولى بنفي الضمان - و به قال الشافعي في أظهر قوليه، و هو أيضا مذهب مالك و أحمد و أصحاب الرأي(3) - لأنّه عمل غير مضمون، فلم يضمن ما تلف به، كالقصاص و قطع

ص: 243


1- مختصر المزني: 127، بحر المذهب 322:9-323، العزيز شرح الوجيز 6: 149.
2- الحاوي الكبير 427:7، بحر المذهب 323:9، العزيز شرح الوجيز 149:6.
3- الحاوي الكبير 426:7، المهذّب - للشيرازي - 415:1، بحر المذهب 322:9، الوسيط

يد السارق، و لأنّ الأجير الخاصّ منافعه مختصّة بالمستأجر في المدّة، فكانت يده كالوكيل مع الموكّل، و لأنّ الخاصّ نائب عن المالك في صرف منافعه إلى ما أمره به، فلم يضمن من غير تعدّ، كالمضارب.

و كلّ من قال بنفي الضمان في المشترك ففي المنفرد أولى.

و أمّا من أوجب الضمان هناك فأكثرهم طرّد الخلاف هنا؛ عملا بإسناده(1) عن عليّ عليه السّلام أنّه كان يضمّن الأجراء(2) ، و هو يندرج فيهم(3).

و قطع بعضهم بنفي الضمان(4).

و قال بعض الشافعيّة: إنّ الطريقين إذا فسّرنا المنفرد بالمعنى الأوّل، و هو الذي يقع العقد عليه في مدّة معلومة يستحقّ المستأجر نفعه في جميعها، كرجل استؤجر للخدمة أو العمل في البناء أو الخياطة أو الرعاية يوما أو شهرا، و إنّما سمّي خاصّا؛ لاختصاص المستأجر بنفعه في تلك المدّة، دون سائر الناس، و أمّا إن فسّرنا بالمعنى الثاني - و هو الذي عيّن عليه العمل و موضعه و لم يشاركه في رأيه - فليس إلاّ القطع بنفي الضمان(5).

فقد حصل للشافعيّة في ضمان الأجير ثلاثة طرق:

أحدها: إثبات قولين فيه.

و الثاني: القطع بأنّه لا يضمن.

ص: 244


1- أي: الشافعي.
2- راجع: الهامش (2) من ص 240.
3- - 189:4، حلية العلماء 448:5، التهذيب - للبغوي - 467:4، البيان 336:7، العزيز شرح الوجيز 148:6، روضة الطالبين 299:4، بداية المجتهد 232:2، المغني 121:6، الشرح الكبير 134:6، الاختيار لتعليل المختار 83:2، تحفة الفقهاء 352:2، المبسوط - للسرخسي - 80:15، مختصر القدوري: 102، الهداية - للمرغيناني - 246:3.
4- العزيز شرح الوجيز 148:6.
5- العزيز شرح الوجيز 148:6.

و الثالث: القطع بأنّ المنفرد لا يضمن، و تخصيص القولين بالمشترك(1).

مسألة 691: إذا لم يكن الأجير منفردا باليد - كما إذا قعد المستأجر عنده حتّى يعمل،

مسألة 691: إذا لم يكن الأجير منفردا باليد - كما إذا قعد المستأجر عنده حتّى يعمل، أو حمله إلى بيته ليعمل - فلا ضمان عليه؛ لأنّ المال غير مسلّم إليه في الحقيقة، و إنّما استعان المالك به في شغله، كما يستعين بالوكيل و التلميذ، و قطع بذلك جمهور الشافعيّة(2).

و طرّد بعضهم القولين فيه أيضا، و أثبتوا الخلاف فيه(3) ، كما تقدّم(4).

مسألة 692: إذا أفسد الصانع ضمن و إن كان حاذقا،

مسألة 692: إذا أفسد الصانع ضمن و إن كان حاذقا، كالقصّار يتخرّق الثوب من دقّه أو مدّه أو عصره أو بسطه، أو يحرق الثوب، و الحائك إذا أفسد حياكته، و الطبّاخ إذا أفسد في طبيخه، و الخبّاز إذا أفسد في خبزه، و الحجّام يجني في حجامته، أو الختّان يختن فيسبق موساه إلى الحشفة أو يتجاوز حدّ الختان، و كذا البيطار إذا حاف على الحافر، و الطبيب الماهر إذا قتل المريض بطبّه أو بوصف دواء عالجه به فتلف، و الفصّاد إذا تعدّى العرق المطلوب أو خرقه أو أجرى دما كثيرا أو لم يكن المفصود محتاجا إلى الفصد، و الحمّال إذا سقط حمله عن رأسه أو صدمه غيره فجنى عليه أو تلف الحمل من عثرته، و الجمّال إذا تلف شيء بقوده و سوقه أو انقطاع حبله الذي شدّ به حمله، و الملاّح إذا تلف شيء بجذفه(5) أو بما يعالج به

ص: 245


1- كما في العزيز شرح الوجيز 148:6.
2- التهذيب - للبغوي - 466:4، العزيز شرح الوجيز 149:6، روضة الطالبين 4: 299.
3- العزيز شرح الوجيز 149:6، روضة الطالبين 300:4.
4- في المسألة السابقة.
5- جذف لغة في جدف، و مجذاف السفينة لغة في مجدافها، و هي خشبة في رأسها -

السفينة و إن احتاط كلّ من هؤلاء فإنّه يضمن - و به قال عليّ عليه السّلام و عمر و عبد اللّه بن [عتبة](1) و شريح و الحسن و الحكم و مالك و أحمد و أصحاب الرأي [و أحد قولي الشافعي](2)(3) - لما رواه العامّة عن الصادق جعفر بن محمّد عن أبيه الباقر عن عليّ عليهم السّلام أنّه كان يضمّن الصبّاغ و الصوّاغ، و قال:

«لا يصلح الناس إلاّ بذلك»(4).

و روى الشافعي في مسنده عن أمير المؤمنين عليه السّلام أنّه كان يضمّن الأجراء، و يقول: «لا يصلح الناس إلاّ هذا»(5).

و من طريق الخاصّة: ما رواه يونس عن الرضا عليه السّلام أنّه سأله عن القصّار و الصائغ يضمّنون ؟ قال: «لا يصلح الناس إلاّ بعد أن يضمّنوا» و كان يونس يعمل به و يأخذه(6).

و عن السكوني عن الصادق عليه السّلام «أنّ أمير المؤمنين عليه السّلام رفع إليه رجل

ص: 246


1- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «عمر». و المثبت كما في الإشراف على مذاهب أهل العلم و المغني و الشرح الكبير.
2- ما بين المعقوفين يقتضيه السياق و كما في المصادر.
3- الإشراف على مذاهب أهل العلم 124:2، المغني 118:6، الشرح الكبير 6: 135، الحاوي الكبير 426:7، بحر المذهب 321:9، حلية العلماء 446:5، البيان 335:7، العزيز شرح الوجيز 147:6، روضة الطالبين 299:4، الإشراف على نكت مسائل الخلاف 1182/665:2، عيون المجالس 1802:4 - 1268/1803، التفريع 189:2، التلقين: 404، المعونة 1110:2، بداية المجتهد 232:2.
4- السنن الكبرى - للبيهقي - 122:6، المهذّب - للشيرازي - 415:1، المغني 6: 119، الشرح الكبير 136:6.
5- - لوح عريض يدفع بها السفينة. العين 86:6 «جدف»، لسان العرب 24:9 «جذف».
6- الكافي 10/243:5، التهذيب 958/219:7، الاستبصار 473/132:3.

استأجر رجلا ليصلح بابا فضرب المسمار فانصدع الباب، فضمّنه أمير المؤمنين عليه السّلام»(1).

و سأل أبو الصباح الصادق عليه السّلام: عن الثوب أدفعه إلى القصّار فيخرقه، قال: «أغرمه فإنّك إنّما دفعته إليه ليصلحه، و لم تدفع إليه ليفسده»(2).

و سأل أيضا أبو الصباح الصادق عليه السّلام: عن القصّار هل عليه ضمان ؟ فقال: «نعم، كلّ من يعطى الأجر ليصلح فيفسد فهو ضامن»(3).

و عن داود بن سرحان عن الصادق عليه السّلام: «في رجل حمل متاعا على رأسه فأصاب إنسانا فمات أو انكسر منه شيء فهو ضامن»(4).

و عن زيد بن عليّ عن آبائه عن عليّ عليه السّلام أنّه أتي بحمّال كانت عليه قارورة عظيمة فيها دهن فكسرها فضمّنها إيّاه، و كان يقول: «كلّ عامل مشترك إذا أفسد فهو ضامن» فسألته ما المشترك ؟ فقال: «الذي يعمل لي و لك و [لذا](5)»(6).

[و] روي أنّ عليّا عليه السّلام ضمّن ختّانا قطع حشفة غلام(7).

و كان عليه السّلام يقول: «من تطبّب أو تبيطر فليأخذ البراءة من صاحبه، و إلاّ0.

ص: 247


1- الكافي 9/243:5، التهذيب 219:7-959/220، الاستبصار 474/132:3.
2- التهذيب 960/220:7، الاستبصار 475/132:3، و في الكافي 7/242:5 عن إسماعيل بن أبي الصباح عن أبي عبد اللّه عليه السّلام.
3- التهذيب 963/220:7، الاستبصار 476/132:3.
4- الفقيه 719/163:3، التهذيب 973/222:7.
5- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «كذا». و المثبت كما في المصدر.
6- التهذيب 976/222:7.
7- التهذيب 928/234:10.

فهو ضامن»(1).

و عن السكوني عن الصادق عن الباقر عن عليّ عليهم السّلام، قال: «إذا استبرك البعير بحمله فقد ضمن صاحبه»(2).

و عن الحسن(3) بن صالح عن الصادق عليه السّلام قال: «إذا استقلّ البعير و الدابّة بحملهما فصاحبهما ضامن»(4).

و للشافعي قول آخر: إنّه لا يضمن إلاّ مع التعدّي(5).

و الاعتماد على النقل.

مسألة 693: كلّ موضع أوجبنا الضمان فيه على الأجير فالواجب أقصى القيم من حين التعدّي إلى حين التلف.

و للشافعيّة و جهان:

أحدهما: إنّه أعلى القيم من القبض إلى حين التلف.

و الثاني: القيمة يوم التلف(6).

و اعلم أنّ المزني احتجّ على نفي الضمان: بأنّه لا ضمان على الحجّام

ص: 248


1- الكافي 364:7 (باب ضمان الطبيب و البيطار) ح 1، التهذيب 925/234:10.
2- التهذيب 971/222:7.
3- في المصدر: «الحسين».
4- التهذيب 972/222:7.
5- الحاوي الكبير 426:7، بحر المذهب 321:9، حلية العلماء 446:5، البيان 336:7، العزيز شرح الوجيز 147:6-148، روضة الطالبين 299:4، المغني 118:6، الشرح الكبير 136:6.
6- الحاوي الكبير 426:7، المهذّب - للشيرازي - 415:1، بحر المذهب 9: 323، التهذيب - للبغوي - 467:4، العزيز شرح الوجيز 149:6، روضة الطالبين 300:4.

إذا حجم أو ختن، و لا على البيطار إذا نزع فأفضى إلى التلف، و بأنّ الراعي المنفرد لا ضمان عليه، و بأنّ من اكتراه ليحفظ متاعه في دكّانه لا ضمان عليه(1).

قال بعض الشافعيّة: المحجوم إمّا حرّ فلا تثبت اليد عليه، أو عبد فينظر في انفراده باليد و عدم الانفراد في كونه منفردا أو مشتركا، و الحكم في الأحوال كما سبق في غيره، فلا احتجاج، و كذا القول في الراعي، و أمّا الحافظ فالمال فيه في يد المالك؛ لكون الأجير في دكّانه(2).

و اعلم أنّ عدم الضمان إنّما هو في صورة لا يوجد من الأجير تعدّ فيها، فإن وجد وجب الضمان قطعا، مثل أن يسرف الأجير على الخبز في الإيقاد، أو يلصق الخبز قبل وقته، أو يتركه في التنّور طويلا فوق العادة حتّى يحترق، أو يضرب الأجير على التأديب و التعليم الصبيّ فيموت؛ لإمكان تأديب الصبي بغير الضرب.

و لو دفع إلى القصّار ثوبا و شرط عليه أن يعطيه إيّاه في وقت فأخّر، ضمن الثوب إذا ضاع، و كذا الخيّاط و النسّاج و غيرهم؛ لأنّهم فرّطوا بتأخيرهم عن الوقت المشترط.

و لما رواه الكاهلي - في الحسن - عن الصادق عليه السّلام أنّه سأله عن القصّار يسلّم إليه الثوب و اشترط عليه أن يعطي في وقت، قال: «إذا خالف وضاع الثوب بعد الوقت فهو ضامن»(3).2.

ص: 249


1- راجع: الهامش (1) من ص 243.
2- العزيز شرح الوجيز 149:6، روضة الطالبين 300:4.
3- الكافي 6/242:5، التهذيب 957/219:7، الاستبصار 131:3-472/132.
مسألة 694: لا فرق بين أن يكون عمل المشترك في ملك نفسه أو ملك المستأجر في الضمان و عدمه،

مسألة 694: لا فرق بين أن يكون عمل المشترك في ملك نفسه أو ملك المستأجر في الضمان و عدمه، فلو دفع إلى خبّاز دقيقا فخبزه في تنّوره و ملكه فاحترق، ضمن.

و كذا إذا دفع إلى القصّار الثوب أو إلى الخيّاط فقصره أو خاطه في ملكه وجنى عليه، فإنّه يضمن.

و كذا لو كان في ملك المستأجر، فلو دعا خبّازا فخبز له في داره، أو قصّارا أو خيّاطا ليخيط و يقصر عنده، كانوا ضامنين فيما يحصل بفعلهم.

و فرّق الشافعي و جماعة من العامّة بينهما، فقال: يضمن الصانع إن عمل في ملكه، و لا يضمن إن عمل في ملك المستأجر(1).

و لو كان صاحب المتاع مع الملاّح في السفينة، صار كالأجير الخاصّ لا يضمن الملاّح.

و كذا لو كان صاحب المتاع المحمول على الدابّة راكبا على الدابّة فوق حمله فعطب المتاع، فلا ضمان على المكاري؛ لأنّ يد صاحب المتاع لم تزل.

و كذا لو كان صاحب المتاع الجمّال معا راكبين على الحمل فتلف الحمل، لم يضمنه الجمّال؛ لأنّ صاحب المتاع لم يسلّمه إليه، و نحوه مذهب مالك(2).

قال أصحاب الشافعي: و كذا لو كان العمل في دكّان الأجير، و المستأجر حاضر، أو اكتراه ليعمل له شيئا و هو معه، لم يضمن؛ لأنّ يده

ص: 250


1- المغني 119:6-120، الشرح الكبير 136:6-137.
2- المغني 119:6-120، الشرح الكبير 137:6.

عليه، فلم يضمن من غير جناية(1).

و قال بعض العامّة: لا فرق بين كونه في ملك نفسه أو ملك مستأجره، أو كان صاحب العمل حاضرا عنده أو غائبا عنه، أو كونه مع الملاّح أو الجمّال، أو لا، و كلّ ما تلف بجناية الملاّح بجذفه أو بجناية المكاري بشدّة المتاع و نحوه، فهو مضمون عليه، سواء كان صاحب المتاع معه أو لم يكن؛ لأنّ وجوب الضمان عليه لجناية يده، فلا فرق بين حضور المالك و غيبته، كالعدوان، و جناية الملاّح و الجمّال إذا كان صاحب المتاع راكبا معه تعمّ المتاع و صاحبه، و تفريطه يعمّهما، فلم يسقط ذلك الضمان، كما لو رمى إنسانا متترّسا فكسر ترسه و قتله(2).

و هو المعتمد عندي.

و لو كان الحمّال يحمل المتاع على رأسه و صاحب المتاع معه فعثر فسقط فتلف، ضمن، و إن سرق لم يضمن؛ لأنّه في العثار تلف بجنايته، و السرقة ليست منه، و ربّ المال لم يحل بينه و بينه.

مسألة 695: إذا انكسرت السفينة بغير تعدّ من الملاّح و لا من جذفه و لا من فعله ألبتّة، لم يكن على الملاّح ضمان؛

مسألة 695: إذا انكسرت السفينة بغير تعدّ من الملاّح و لا من جذفه و لا من فعله ألبتّة، لم يكن على الملاّح ضمان؛ لعدم تفريطه، و استناد التلف إلى غير فعله.

و في رواية السكوني عن الصادق عليه السّلام قال: «كان أمير المؤمنين عليه السّلام يضمّن الصبّاغ و القصّار و الصائغ احتياطا على أمتعة الناس، و كان لا يضمّن

ص: 251


1- المهذّب - للشيرازي - 415:1، بحر المذهب 321:9، التهذيب - للبغوي - 466:4، البيان 335:7، العزيز شرح الوجيز 149:6، روضة الطالبين 4: 299، المغني 120:6، الشرح الكبير 137:6.
2- المغني 120:6، الشرح الكبير 137:6.

من الغرق و الحرق و الشيء الغالب، و إذا غرقت السفينة و ما فيها فأصابه الناس ممّا قذف به البحر على ساحله فهو لأهله، و هم أحقّ به، و ما غاص عليه الناس و تركه صاحبه فهو لهم»(1).

و هذا القيد بقوله عليه السّلام: «و تركه صاحبه» لا بدّ منه؛ لأنّه بالترك له صار كالمبيح له، فأشبه الجمل إذا تركه صاحبه من جهد في غير كلاء و لا ماء.

و عن الشعيري عن الصادق عليه السّلام نحوه(2).

مسألة 696: لو استأجر جملا فحمل عليه عبيدا صغارا أو كبارا فتلف بعضهم من سوق المؤجر أو قوده،

مسألة 696: لو استأجر جملا فحمل عليه عبيدا صغارا أو كبارا فتلف بعضهم من سوق المؤجر أو قوده، ضمن؛ لأنّ التلف هنا حصل بجنايته.

و قال بعض العامّة: لا يضمن المكاري فيما تلف من سوقه و قوده؛ إذ لا يضمن بني آدم من جهة الإجارة؛ لأنّه عقد على منفعة(3).

و هو خطأ؛ لأنّ الضمان هنا حصل من جهة الجناية، فوجب أن يعمّ بني آدم و غيرهم، كسائر الجنايات.

و ما ذكره ينتقض بجناية الطبيب و الختّان.

مسألة 697: إذا قلنا بالفرق بين الأجير الخاصّ و المشترك في الضمان

مسألة 697: إذا قلنا بالفرق بين الأجير الخاصّ و المشترك في الضمان و عدمه و أوجبنا الضمان على المشترك دون الخاصّ لو استأجر الأجير المشترك أجيرا خاصّا، كالخيّاط في دكّانه يستأجر أجيرا مدّة يستعمله فيها فتقبّل صاحب الدكّان خياطة ثوب و دفعه إلى أجيره المختصّ فخرقه أو أفسده، لم يضمنه الأجير الخاصّ، بناء على القول بالفرق، و ضمنه الخيّاط المشترك صاحب الدكّان؛ لأنّه أجير مشترك.

ص: 252


1- الكافي 5/242:5، التهذيب 956/219:7.
2- التهذيب 822/295:6.
3- المغني 121:6، الشرح الكبير 138:6.

مسأله 698: إذا اختلف الأجير و المستأجر في أمر الأجير هل تعدّى و جاوز المعتاد بعمله أم لا؟ فإن كان ممّا يعرفه أهل الخبرة، رجع إلى عدلين منهم و عمل بقولهما، فإن لم يجد من يراجعه أو لم يمكن معرفته بين أهل الخبرة، فالقول قول الأجير؛ لأصالة براءة ذمّته من الضمان.

و إذا تلف المال في يد الأجير بعد تعدّيه، فالواجب أقصى القيم من وقت(1) التعدّي إلى التلف إن لم نوجب الضمان على الأجير؛ لأنّه إنّما ضمن من حين العدوان، فما زاد من القيم قبله لم يكن مضمونا.

و إن قلنا بوجوب الضمان عليه و إن لم يتعدّ، وجب عليه أقصى القيم من يوم القبض إلى يوم(2) التلف.

هذا إن قلنا: إنّ الأجير يضمّن بأقصى القيمة(3) من يوم القبض إلى التلف مع عدم التعدّي، و أمّا إذا قلنا: إنّه لا يضمن الأجير إلاّ قيمة يوم التلف مع عدم التعدّي، فالواجب هنا أقصى القيم من يوم التعدّي إلى التلف.

مسألة 699: إذا أتلف الصانع الثوب، فصاحبه مخيّر بين تضمينه إيّاه غير معمول و لا أجر عليه،

مسألة 699: إذا أتلف الصانع الثوب، فصاحبه مخيّر بين تضمينه إيّاه غير معمول و لا أجر عليه، و بين تضمينه إيّاه معمولا و يدفع إليه أجره.

و لو وجب عليه ضمان المتاع المحمول، فصاحبه مخيّر بين تضمينه قيمته في الموضع الذي سلّمه إليه و لا أجر له، و بين تضمينه إيّاه في الموضع الذي أفسده و يعطيه الأجر إلى ذلك المكان.

ص: 253


1- في «ر»: «يوم» بدل «وقت».
2- كلمة «يوم» لم ترد في «ص».
3- الظاهر: «القيم».

و ذلك لأنّه إذا [أحبّ](1) تضمينه معمولا أو في المكان الذي أفسده فيه [فله ذلك](2) لأنّه ملكه في ذلك الموضع على تلك الصفة فملك المطالبة بعوضه حينئذ، و إن أحبّ تضمينه قبل ذلك، فلأنّ أجر العمل لا يكون قبل تسليمه إليه، و ما سلّمه فلا يلزمه.

مسألة 700: لو دفع ثوبا إلى قصّار ليقصره، أو إلى خيّاط ليخيطه، أو جلس بين يدي حلاّق ليحلق رأسه،

مسألة 700: لو دفع ثوبا إلى قصّار ليقصره، أو إلى خيّاط ليخيطه، أوجلس بين يدي حلاّق ليحلق رأسه، أو دلاّك ليدلكه ففعل، و بالجملة، كلّ من دفع إلى غيره سلعة ليعمل فيها عملا و لم يجر بينهما ذكر أجرة و لا نفيها، فإن كان ممّن عادته أن يستأجر لذلك العمل - كالغسّال و القصّار - فله أجرة مثل عمله، و إن لم يكن له عادة و كان العمل ممّا له أجرة، فله المطالبة؛ لأنّه أبصر بنيّته، و إن لم يكن ممّا له أجرة بالعادة، لم يلتفت إلى مدّعيها.

و للشافعيّة أوجه:

أصحّها - و يحكى عن نصّ الشافعي -: إنّه لا أجرة له؛ لأنّ المعمول له لم يلتزم عوضا، و عمله كما يجوز أن يكون مقابلا بعوض يجوز أن يكون مجّانا، و صار كما لو قال: أطعمني خبزك، فأطعمه، لا ضمان عليه.

و الثاني: إنّه يستحقّ الأجرة؛ لأنّه استهلك عمله، فلزمه ضمانه.

و الثالث: إنّه إن بدأ المعمول له فقال: افعل كذا، لزمه الأجرة، و إن بدأ العامل فقال: أعطني ثوبك لأقصره، فلا أجرة له؛ لأنّه اختار تفويت

ص: 254


1- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «وجب». و المثبت يقتضيه السياق.
2- ما بين المعقوفين يقتضيه السياق.

منافعه.

و الرابع: إن كان العامل معروفا بذلك العمل و أخذ الأجرة عليه، استحقّ الأجرة؛ للعادة، و إلاّ فلا(1).

و لو دخل سفينة بغير إذن صاحبها و سار إلى الساحل، فعليه الأجرة، و إن كان بإذن صاحبها و لم يجر ذكر الأجرة، فعلى الأوجه(2).

و إذا لم نوجب الأجرة، فالثوب أمانة في يد القصّار، و إن أوجبناها فوجوب الضمان على الخلاف في الأجير المشترك.

مسألة 701: قد بيّنّا أنّه يصحّ الاستئجار لدخول الحمّام.

مسألة 701: قد بيّنّا أنّه يصحّ الاستئجار لدخول الحمّام. و هل المدفوع إلى الحمّامي ثمن الماء و يتطوّع بحفظ الثياب و إعارة السطل ؟ فيه احتمال، و هو أحد وجهي الشافعيّة(3) ، فعلى هذا تكون الثياب غير مضمونة على الحمّامي، و السطل مضمون على الداخل عند من يقول بأنّ العارية مضمونة من العامّة(4) ، و أمّا عندنا فلا، أو أنّ المدفوع أجرة الحمّام و السطل و الإزار و حفظ الثياب، و أمّا الماء فإنّه غير مضبوط حتّى

ص: 255


1- الحاوي الكبير 442:7، المهذّب - للشيرازي - 417:1-418، نهاية المطلب 205:8، بحر المذهب 313:9، الوسيط 189:4-190، حلية العلماء 5: 455، التهذيب - للبغوي - 469:4-470، البيان 356:7، العزيز شرح الوجيز 150:6-151، روضة الطالبين 301:4.
2- الحاوي الكبير 442:7-443، التهذيب - للبغوي - 470:4، العزيز شرح الوجيز 151:6، روضة الطالبين 301:4.
3- الحاوي الكبير 427:7، المهذّب - للشيرازي - 416:1، بحر المذهب 9: 325، الوسيط 190:4، حلية العلماء 448:5، التهذيب - للبغوي - 468:4، البيان 341:7، العزيز شرح الوجيز 151:6، روضة الطالبين 301:4-302.
4- راجع: ج 16 - من هذا الكتاب - ص 273، الهامش (4).

يقابل بالعوض ؟ فيه احتمال أيضا، و هو أظهر وجهي الشافعيّة(1).

إذا عرفت هذا، فإنّ من دخل الحمّام تلزمه الأجرة و إن لم يجر لها ذكر بينهما؛ لأنّ الداخل مستوف منفعة الحمّام بسكونه، و حينئذ يكون السطل غير مضمون على الداخل؛ لأنّه مستأجر، و الحمّامي أجير مشترك في الثياب، فلا يضمن على الأصحّ، كسائر الأجراء.

و قد روى غياث بن إبراهيم عن الصادق عليه السّلام عن الباقر عليه السّلام «أنّ عليّا عليه السّلام أتي بصاحب حمّام وضعت عنده الثياب فضاعت، فلم يضمّنه، و قال: إنّما هو أمين»(2).

مسألة 702: إذا دفع الثوب إلى الخيّاط فخاطه، أو إلى القصّار فقصره، ثمّ تلف الثوب،

مسألة 702: إذا دفع الثوب إلى الخيّاط فخاطه، أو إلى القصّار فقصره، ثمّ تلف الثوب، فإن لم يكن الأجير منفردا باليد بل عمل في ملك المستأجر أو بمحضر منه، لم تسقط أجرته.

و إن كان منفردا باليد - كما لو قصر القصّار الثوب في منزله منفردا عن المالك - فإن قلنا: القصارة عين، سقطت أجرته، و عليه قيمة ثوب غير مقصور إن ضمّنّا الأجير أو وجد منه تعدّ، و إلاّ فلا شيء عليه، و إن قلنا:

القصارة أثر، لم تسقط الأجرة.

ثمّ إن ضمّنّا الأجير، فعليه قيمة ثوب مقصور، و إلاّ فلا شيء عليه.

و لو أتلف أجنبيّ الثوب بعد قصارته، فإن قلنا: القصارة أثر، فللأجير

ص: 256


1- الحاوي الكبير 427:7، المهذّب - للشيرازي - 416:1، بحر المذهب 9: 325، الوسيط 190:4، حلية العلماء 448:5، التهذيب - للبغوي - 468:4، البيان 341:7، العزيز شرح الوجيز 152:6، روضة الطالبين 302:4.
2- الكافي 242:5-8/243، التهذيب 218:7-954/219.

الأجرة، و على [الأجنبيّ](1) القيمة، و المستأجر على القول بتضمين الأجير يتخيّر بين مطالبة الأجير، و بين مطالبة الأجنبيّ، و يستقرّ الضمان على الأجنبيّ.

و إن قلنا: إنّها عين، جاء الخلاف - الذي للشافعيّة(2) - هنا فيما إذا أتلف أجنبيّ المبيع قبل القبض، فإن قلنا: ينفسخ العقد، فهو كما لو تلف، و إلاّ فللمستأجر الخيار في فسخ الإجارة و إجازتها.

فإن أجاز و لم نضمّن الأجير، فتستقرّ له الأجرة، و المستأجر يغرّم الأجنبيّ قيمة ثوب مقصور، و إن ضمّنّاه، فالمستأجر بالخيار إن شاء غرّم الأجنبيّ قيمة ثوب مقصور، و إن شاء غرّم الأجنبيّ قيمة القصارة، و الأجير قيمة ثوب غير مقصور [ثمّ الأجير يرجع على الأجنبيّ.

و إن فسخ الإجارة، فلا أجرة عليه، و يغرّم الأجنبيّ قيمة ثوب غير مقصور](3) و إن ضمّنّا الأجير، غرّم القيمة من شاء منهما، و القرار على الأجنبيّ، و يغرّم الأجنبيّ للأجير قيمة القصارة.

و لو أتلف الأجير الثوب بنفسه، فإن قلنا: القصارة أثر، فله الأجرة، و عليه قيمة ثوب مقصور.

و إن قلنا: عين، جاء الخلاف في أنّ إتلاف البائع كالآفة السماويّة، أو كإتلاف الأجنبيّ؟ فإن قلنا: كالآفة السماويّة، فالحكم ما سبق، و إن قلنا:ة.

ص: 257


1- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «الأجير». و المثبت هو الصحيح.
2- العزيز شرح الوجيز 152:6، روضة الطالبين 302:4.
3- ما بين المعقوفين أثبتناه من العزيز شرح الوجيز 153:6، و روضة الطالبين 4: 302 حيث يقتضيه سياق العبارة.

كإتلاف الأجنبيّ و أثبتنا للمستأجر الخيار، فإن فسخ الإجارة، سقطت الأجرة، و على الأجير قيمة ثوب غير مقصور، و إن أجازها، استقرّت، و عليه قيمة ثوب مقصور.

و صبغ الثوب بصبغ صاحب الثوب كالقصارة.

و إن استأجر ليصبغ بصبغ من عنده، قال بعض الشافعيّة: هو جمع بين البيع و الإجارة، ففيه الخلاف المشهور، و سواء صحّ أو لم يصح إذا هلك الثوب من عنده، سقطت قيمة الصبغ، و سقوط الأجرة على ما ذكرنا في القصارة(1).

مسألة 703: لو سلّم إلى خيّاط ثوبا ليخيطه فجحده ثمّ جاء به إلى المالك مخيطا،

مسألة 703: لو سلّم إلى خيّاط ثوبا ليخيطه فجحده ثمّ جاء به إلى المالك مخيطا، استحقّ الأجرة إن خاطه قبل الجحود.

و إن جحده أوّلا ثمّ خاطه، فللشافعيّة و جهان، أحدهما: إنّه لا يستحقّ شيئا - و به قال أبو حنيفة - لأنّه عمل لنفسه(2).

و خرّج بعض الشافعيّة الوجهين على القولين في الأجير في الحجّ إذا صرف الإحرام إلى نفسه هل يستحقّ الأجرة ؟(3).

و يقال: إنّ أبا حنيفة لمّا جلس أبو يوسف للإفتاء بين الناس و انفرد عنه و تصدّى للدرس و انعزل عن أبي حنيفة امتحنه بهذا الفرع و أمر السائل بتخطئته إن أطلق الجواب ب «لا» أو ب «نعم» فأطلق الجواب ب «نعم» فقال له السائل: أخطأت، فأطلق الجواب ب «لا» فقال له السائل: أخطأت(4).

ص: 258


1- العزيز شرح الوجيز 153:6، روضة الطالبين 303:4.
2- العزيز شرح الوجيز 153:6، روضة الطالبين 303:4.
3- العزيز شرح الوجيز 153:6.
4- تاريخ بغداد 349:13، العزيز شرح الوجيز 153:6.
مسألة 704: مستأجر العين أمين عليها - على ما تقدّم - لا يضمنها إلاّ بتعدّ أو تفريط،

مسألة 704: مستأجر العين أمين عليها - على ما تقدّم(1) - لا يضمنها إلاّ بتعدّ أو تفريط، فإن فرّط أو تعدّى، ضمن إجماعا.

فلو استأجر دابّة فضربها فوق العادة أو كبحها باللّجام بخلاف العادة فتلفت أو عابت، ضمن؛ لتعدّيه.

و عادة الضرب تختلف في حقّ الراكب و الرائض و الراعي، فكلّ واحد من هؤلاء يراعي عادة أمثاله، فإن تجاوزها ضمن، و يحتمل من الأجير للرياضة و الرعي ما لا يحتمل من المستأجر للركوب.

و أمّا الضرب المعتاد إذا أفضى إلى التلف فإنّه لا يوجب ضمانا - خلافا لأبي حنيفة(2) - و ذلك يخالف ضرب الزوج زوجته، فإنّه يكون مضمونا و إن كان سائغا؛ لأنّه يمكن تأديب الآدمي بغير الضرب، و كذا ضرب المعلّم الصبيّ.

و إذا نام في الثوب الذي استأجره بالليل أو نقل فيه التراب أو ألبسه عصّارا أو دبّاغا دون من هو في [مثل] حاله، أو أسكن الدار قصّارا أو حدّادا دون من هو في مثل حاله، ضمن؛ لأنّه متعدّ بذلك.

مسألة 705: لو استأجر دابّة للركوب فأركبها مساويه أو من هو دونه، فلا ضمان.

مسألة 705: لو استأجر دابّة للركوب فأركبها مساويه أو من هو دونه، فلا ضمان. و إن أركب من هو أثقل منه، فإن كان الثاني عالما ضمن، و للمالك

ص: 259


1- في ص 231، المسألة 683.
2- مختصر القدوري: 102، المبسوط - للسرخسي - 174:15، بدائع الصنائع 4: 213، الفقه النافع 886/1122:3، الاختيار لتعليل المختار 81:2، الهداية - للمرغيناني - 237:3، نهاية المطلب 163:8، بحر المذهب 327:9، البيان 329:7، العزيز شرح الوجيز 154:6.

الخيار في تضمين من شاء منهما، و يستقرّ الضمان على الثاني، و إن كان الثاني جاهلا ضمن الأوّل خاصّة.

و لو كان الثاني مساويا للأوّل أو أقلّ ثقلا منه فجاوز العادة في الضرب أو السير، ضمن الثاني خاصّة، دون الأوّل؛ لأنّ الأوّل لم يتعدّ، بل الثاني.

و لو استأجر لحمل مائة منّ من الحديد فحمل مائة منّ من القطن أو التبن أو بالعكس، ضمن، و كذا لو استأجر لحمل مائة منّ من الحنطة فحمل مائة منّ من الشعير أو بالعكس؛ لأنّ الشعير أخفّ وزنا من الحنطة، فمأخذه من ظهر الدابّة أكثر، و الحنطة أثقل، فيجتمع ثقلها على الموضع الواحد.

و لو استأجر لحمل عشرة أقفزة من الحنطة فحمل عشرة أقفزة من الشعير، لم يضمن؛ لأنّ المقدارين في الحجم سواء، و الشعير أخفّ، و بالعكس يضمن؛ لزيادة ثقل الحنطة.

و لو استأجر ليركب بسرج فركب بغير شيء، ضمن؛ لأنّه أضرّ بالدابّة، و كذا بالعكس؛ لأنّه حملها فوق المشروط.

و لو استأجر ليحمل عليها بالأكاف فحمل بالسرج، ضمن؛ لأنّه أشقّ على الدابّة، و بالعكس لا يضمن، إلاّ أن يكون أثقل.

و لو استأجر ليركب بالسرج فركب بالأكاف، ضمن، و بالعكس لا يضمن، إلاّ أن يكون أثقل، و على هذا القياس.

مسألة 706: إذا استأجر دابّة ليحمل عليها مقدارا معيّنا و كان المحمول أكثر،

مسألة 706: إذا استأجر دابّة ليحمل عليها مقدارا معيّنا و كان المحمول أكثر، فإن كانت الزيادة بقدر ما يقع من التفاوت بين الكيلين في ذلك المقدار، فلا عبرة بها، و لا توجب ضمانا.

ص: 260

و إن كانت أكثر، مثل أن يستأجر ليحمل له قفيزا فحمل قفيزا و مكّوكا(1) ، فإن كان المستأجر هو الذي كال الطعام و حمله بنفسه و تركه على ظهر الدابّة، ضمن الدابّة؛ لتعدّيه، و كان عليه أجرة المثل لما زاد، و هو المشهور بين الفقهاء(2).

و للشافعي قول آخر: إنّ المؤجر يأخذ أجرة المثل للكلّ(3).

و قول ثالث: إنّه يتخيّر بين المسمّى و ما دخل الدابّة من نقص، و بين أن يأخذ أجرة المثل(4).

و قول رابع: إنّه بالخيار بين المسمّى و أجرة المثل للزيادة، و بين أجرة المثل للكلّ(5).

و إن تلفت الدابّة بالحمل، فإن انفرد المستأجر باليد و لم يكن معها صاحبها، فعليه ضمانها باليد العادية؛ لأنّه صار بحمل الزيادة غاصبا، و إن كان معها صاحبها ضمن بالجناية.

و في القدر المضمون للشافعي قولان:

أحدهما: النصف؛ لأنّ التلف تولّد من جائز و غير جائز، فانقسم الضمان عليهما، كما لو جرح نفسه جراحات و جرحه غيره جراحة واحدة، فإنّه يجب نصف الدية على صاحب الجراحة الواحدة.

و الثاني: إنّ قيمة البهيمة توزّع على الأصل و الزيادة، فيضمن بقسط4.

ص: 261


1- المكّوك: مكيال معروف لأهل العراق. لسان العرب 491:10 «مكك».
2- كما في العزيز شرح الوجيز 155:6، و روضة الطالبين 304:4.
3- العزيز شرح الوجيز 155:6، روضة الطالبين 304:4.
4- العزيز شرح الوجيز 155:6، روضة الطالبين 304:4-305.
5- العزيز شرح الوجيز 155:6، روضة الطالبين 305:4.

الزيادة؛ لأنّ التوزيع على المحمول متيسّر، بخلاف الجراحات، فإنّ نكاياتها لا تنضبط، و لا معنى لرعاية مجرّد العدد(1).

قالوا: و هذا الخلاف مبنيّ على القولين فيما إذا كان الجلاّد قد زاد في الجلد واحدا على المائة هل يضمن نصف الدية أو جزءا من مائة و واحد من الدية ؟ و التوزيع عندهم أقرب(2).

و لهم قول ثالث: إنّه يضمن جميع القيمة - و هو المعتمد عندي - كما لو انفرد باليد(3).

و لما رواه الحلبي عن الصادق عليه السّلام: إنّه سأله عن رجل تكارى دابّة إلى مكان معلوم فنفقت الدابّة، فقال: «إن كان جاز الشرط فهو ضامن»(4) و لا فرق بين الزيادة في المسافة و الزيادة في الحمل.

و لأنّه يحمل الزيادة متعدّ في جميع الدابّة.

و لو هلكت البهيمة بسبب غير الحمل، ضمن عند انفراده باليد؛ لأنّه ضامن باليد، و لم يضمن عند عدم الانفراد؛ لأنّه ضامن بالجناية.

و إن كان المستأجر لم يحمل الطعام بنفسه و لكن بعد ما كال سلّمه إلى المؤجر حتّى حمله على البهيمة، فإن كان المؤجر جاهلا بالحال بأن لبس عليه المستأجر و قال له: إنّه قفيز واحد، و كذب، فإنّه كالأوّل من حيث إنّه7.

ص: 262


1- الحاوي الكبير 431:7، بحر المذهب 329:9، الوسيط 191:4، التهذيب - للبغوي - 453:4، البيان 332:7، العزيز شرح الوجيز 155:6، روضة الطالبين 305:4.
2- نفس المصادر ما عدا بحر المذهب و روضة الطالبين.
3- العزيز شرح الوجيز 155:6، روضة الطالبين 305:4.
4- الكافي 289:5-3/290، التهذيب 939/214:7.

قد دلّس على المؤجر حيث أخبره بكيلها على خلاف ما هو به، فلزمه(1) الضمان، كما لو أمر أجنبيّا بحملها.

و للشافعيّة طريقان:

أحدهما: إنّه على القولين في تعارض المباشرة و الغرور، إن اعتبرنا المباشرة فالحكم على ما سيأتي بعد، و إن اعتبرنا التغرير فكما لو حمله المستأجر بنفسه.

و ثانيهما: القطع بأنّه كما لو حمله بنفسه؛ لأنّ إعداد المحمول و شدّ الأعدال و تسليمها إليه بعد عقد الإجارة كالإلجاء إلى الحمل شرعا، فكان كشهادة شهود القصاص، و سواء ثبت الخلاف أو لا، فالظاهر وجوب الضمان(2).

و يحتمل سقوط الضمان عن المستأجر؛ لأنّ التفريط من المؤجر؛ حيث أخلد إلى المستأجر و صدّقه، فكان التفريط منه.

و لو كان المؤجر عالما بالزيادة، فإن لم يقل المستأجر شيئا لكن حمله المؤجر، فلا ضمان على المستأجر؛ لأنّ المؤجر حمله بغير إذنه.

و لا فرق بين أن يضعه المستأجر على الأرض فيحمله المؤجر على البهيمة، و بين أن يضعه على ظهر الدابّة و هي واقفة فيسيّرها المؤجر، على إشكال.

و إن قال المستأجر: احمل هذه الزيادة، فأجابه، فالأقرب: إنّ عليه الأجرة.4.

ص: 263


1- في «د، ص»: «فيلزمه».
2- العزيز شرح الوجيز 156:6، روضة الطالبين 305:4.

و قال بعض الشافعيّة: إنّ المستأجر مستعير للدابّة في الزيادة، فلا أجرة لها، و إذا تلفت الدابّة بالحمل، فعليه الضمان؛ لأنّ ضمان العارية لا يجب باليد، و إنّما يجب بالارتفاق و الانتفاع، فزيادة الارتفاق بالملك لا توجب سقوط الضمان(1).

و هو مبنيّ على أنّ العارية مضمونة، و نازعه جماعة منهم في الأجرة و الضمان معا(2).

مسألة 707: و لو كان المكتال للطعام هو صاحب الدابّة و حمل على البهيمة و سار،

مسألة 707: و لو كان المكتال للطعام هو صاحب الدابّة و حمل على البهيمة و سار، فلا أجرة له عن الزيادة، سواء تعمّد ذلك أو غلط، و سواء كان المستأجر عالما بالزيادة أو جاهلا و سكت مع علمه؛ لأنّه لم يأذن له في نقل الزيادة.

و لو تلفت البهيمة، فهي من ضمان صاحبها؛ لأنّها تلفت بعدوان صاحبها.

و للمستأجر مطالبة المؤجر بردّ الزيادة إلى الموضع المنقول منه، و ليس للمؤجر أن يردّها بدون إذن المستأجر.

و لو لم يعلم المستأجر حتّى عاد إلى البلد المنقول منه، فله أن يطالب المؤجر بردّها.

و أصحّ قولي الشافعي: إنّ له المطالبة ببدلها في الحال، كما لو أبق العبد المغصوب من يد الغاصب.

و الثاني: لا يطالب ببدل الزيادة؛ لأنّ عين ماله باقية، و ردّها مقدور عليه.

ص: 264


1- العزيز شرح الوجيز 156:6، روضة الطالبين 305:4.
2- العزيز شرح الوجيز 156:6، روضة الطالبين 305:4.

فعلى الأوّل لو غرم البدل ثمّ ردّها إلى ذلك البلد، استردّ البدل، و ردّ ماله إليه(1).

و لو اكتال المؤجر و تولّى المستأجر النقل و الحمل على البهيمة، فإن كان عالما بالزيادة، فهو كما لو كال بنفسه و حمل؛ لأنّه لمّا علم الزيادة كان من حقّه أن لا يحملها.

و إن كان جاهلا، فالأقوى: إنّه لا ضمان عليه و لا أجرة، كما لو قدّم الغاصب الطعام المغصوب إلى المالك ليأكله فأكله جاهلا، لم يبرأ عن الضمان، و هو أحد قولي الشافعيّة، و الثاني: إنّه لا يبرأ من الأجرة؛ لأنّه المباشر(2).

مسألة 708: و لو كان المكتال للطعام أجنبيّا و حمل على الدابّة بغير إذن و لم يعلم المؤجر و المستأجر،

مسألة 708: و لو كان المكتال للطعام أجنبيّا و حمل على الدابّة بغير إذن و لم يعلم المؤجر و المستأجر، فهو متعدّ عليهما، فعليه أجرة الزيادة للمؤجر، و عليه الردّ إلى الموضع المنقول منه إن طلبه مالكه، و تعلّق به ضمان الدابّة و الزيادة معا.

و لو تولّى الحمل بعد كيل الأجنبيّ أحد المتعاقدين، نظر إمّا أن يكون عالما أو جاهلا، فإن كان عالما فهو كما لو كان بنفسه، و إن كان جاهلا لم يتعلّق به حكم.

هذا كلّه فيما إذا اتّفقا على الزيادة و على أنّها للمستأجر، أمّا إذا اختلفا في أصل الزيادة أو في قدرها، فالقول قول المنكر.

و لو ادّعى المؤجر أنّ الزيادة له و الدابّة في يده، فالقول قوله.

ص: 265


1- العزيز شرح الوجيز 156:6، روضة الطالبين 305:4.
2- العزيز شرح الوجيز 157:6، روضة الطالبين 306:4.

و إن لم يدّعها واحد منهما، تركت في يد من هي في يده حتّى يظهر المستحقّ، و لا يلزم المستأجر أجرتها.

و اعلم أنّه لا فرق في الأقسام الثلاثة السابقة بين أن يكون أحدهما قد كاله و وضعه الآخر على ظهر الدابّة، أو كان الذي كاله و عبأه(1) وضعه على ظهرها.

و قال أصحاب الشافعي في أحد الوجهين: إذا كاله المستأجر و وضعه المؤجر على ظهر البهيمة، لا ضمان على المستأجر؛ لأنّ المؤجر فرّط في حمله(2).

و يعارضه ما تقدّم من [أنّ] التدليس من المستأجر حيث أخبره بكيلها كذبا.

و أمّا إذا كالها المستأجر و رفعها المؤجر على الدابّة عالما بكيلها، لم يضمن المستأجر الدابّة؛ لأنّه فعل ذلك من غير تدليس و لا تغرير.

و هل له أجر الزيادة ؟ يحتمل ذلك؛ لأنّهما اتّفقا على الحمل على سبيل الإجارة، فجرى مجرى المعاطاة في البيع و دخول الحمّام من غير تقدير أجرة، و العدم؛ لأنّ المستأجر لم يجعل له على ذلك أجرا.

مسألة 709: لو استأجر لحمل عشرة أقفزة فحمل ثمّ وجد المحمول أقلّ،

مسألة 709: لو استأجر لحمل عشرة أقفزة فحمل ثمّ وجد المحمول أقل فإن كان النقصان بقدر ما يقع من التفاوت بين الكيلين، فلا عبرة به، و إن كان أكثر من ذلك، فإن كان المتولّي للكيل المؤجر، حطّ من الأجرة بقسطه إن لم يعلم المستأجر، و إن علم فإن كانت الإجارة في الذمّة،

ص: 266


1- عبأ الأمر: هيّأه. لسان العرب 118:1 «عبأ».
2- المغني 95:6، الشرح الكبير 99:6.

فكذلك؛ لأنّه لم يف بالمشروط، و إن كانت إجارة عين، فهو كما لو كال المستأجر بنفسه و نقص، فلا يحطّ من الأجرة شيء عنه؛ لأنّ التمكين من استيفاء المنفعة قد حصل، و هو كاف في استقرار الأجرة.

مسألة 710: لو استأجر اثنان دابّة و ركباها فارتدفهما ثالث بغير إذنهما فهلكت الدابّة،

مسألة 710: لو استأجر اثنان دابّة و ركباها فارتدفهما ثالث بغير إذنهما فهلكت الدابّة، احتمل وجوب النصف على المرتدف؛ لأنّ تلف الدابّة حصل من شيئين أحدهما مباح و الآخر محظور، و وجوب القيمة على نسبة أوزانهم، فيجب على المرتدف بقدر وزنه، و وجوب الثلث؛ توزيعا على رؤوسهم، فإنّ الرجال لا يوزنون في العادة.

و هذه الاحتمالات الثلاثة للشافعي أقوال مثلها(1).

و يحتمل عندي وجوب الجميع على المرتدف؛ لأنّه المتعدّي المفرّط، فكانت الحوالة بالضمان عليه.

و كذا الحكم لو استأجر واحد دابّة فركبها [فارتدفه](2) واحد بغير إذنه فتلفت الدابّة، أو [ارتدفه](3) اثنان بغير إذنه.

و لو أذن الراكبان للرديف، فالجميع ضمناء.

و لو كان الرديف جاهلا بأنّ الدابّة للغير و توهّمها لهما، لم يكن عليه ضمان.

ص: 267


1- المهذّب - للشيرازي - 415:1، بحر المذهب 320:9، الوسيط 191:4، حلية العلماء 445:5، التهذيب - للبغوي - 453:4-454، البيان 331:7، العزيز شرح الوجيز 157:6، روضة الطالبين 306:4.
2- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «فارتدفها... ارتدفها». و الصحيح ما أثبتناه.
3- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «فارتدفها... ارتدفها». و الصحيح ما أثبتناه.

ص: 268

الفصل الخامس: في الطوارئ الموجبة للفسخ

اشارة

و أقسامها ثلاثة تنظمها أربعة مباحث:

البحث الأوّل: فيما تنقص

اشارة

البحث الأوّل: فيما تنقص(1) به المنفعة نقصا تتفاوت به الأجرة.

مسألة 711: إذا استأجر عينا فظهر فيها نقص تتفاوت به الأجرة،

مسألة 711: إذا استأجر عينا فظهر فيها نقص تتفاوت به الأجرة، سابق، فهو عيب يوجب للمستأجر خيار الفسخ، كما لو استأجر عبدا للخدمة فمرض، أو دابّة للركوب فعرجت، أو بئرا فغار ماؤها أو تغيّر بحيث يمنع الشرب منه، أو دارا فانهدم بعض بنائها أو انكسر بعض جذوعها أو أعوج بعض قوائمها، أو أرضا فغرقت(2) أو انقطع ماؤها، و لا نعلم في ذلك خلافا.

قال ابن المنذر: إذا استأجر دابّة فوجدها جموحا أو عضوضا أو نفورا أو بها عيب غير ذلك ممّا يفسد ركوبها، فللمستأجر الخيار إن شاء ردّها و فسخ الإجارة، و إن شاء أخذها - و به قال أبو ثور و أصحاب الرأي - لأنّه عيب في المعقود عليه، فأثبت الخيار، كالعيب في بيوع الأعيان(3).

و كذا لو تغيّر الظهر في المشي، أو ظهر العرج الذي يتأخّر به عن القافلة، أو كان الغلام ضعيف البصر أو مجنونا أو مجذوما أو أبرص، أو

ص: 269


1- في «ر» و الطبعة الحجريّة: «تنتقص».
2- في «د، ص»: «غرقت».
3- الإشراف على مذاهب أهل العلم 108:2-109، المغني 35:6، الشرح الكبير 112:6، البيان 315:7.

خيف سقوط الدار، و أشباه ذلك من النقائص التي تفوت بها المنفعة أو بعضها بلا خلاف.

مسألة 712: لو استأجر العين سليمة ثمّ تجدّد بها عيب تنقص به المنفعة بعد العقد،

مسألة 712: لو استأجر العين سليمة ثمّ تجدّد بها عيب تنقص به المنفعة بعد العقد، ثبت للمستأجر خيار الفسخ أيضا؛ لأنّ المنافع [لا يحصل قبضها](1) إلاّ شيئا فشيئا؛ لأنّ المنافع في الزمان المستقبل غير مقبوضة و إن كانت الدار مقبوضة، فيكون العيب قديما بالإضافة إليها، و قياس هذا أن لا يتسلّط على التصرّف في المنافع المستقبلة إلاّ أنّه سلّط عليه للحاجة، فإذا حدث العيب فقد وجد قبل قبض الباقي من المعقود عليه، فأثبت الفسخ فيما يبقى منها، فإن فسخ فالحكم فيه كما لو انفسخ العقد بتلف العين، و إن رضي بالعين معيبة و لم يفسخ لزمه جميع العوض؛ لأنّه رضي به ناقصا، فأشبه ما لو رضي بالمبيع معيبا.

و لو بادر المؤجر إلى الإصلاح في الحال و كان قابلا للإصلاح في الحال، سقط خيار المستأجر.

ثمّ العيب إن ظهر قبل أن يمضي من المدّة ما له أجرة، فإن فسخ فلا شيء عليه؛ لأنّه لم يستوف شيئا من المنافع، و إن شاء أجاز بجميع الأجرة.

و إن ظهر في أثناء المدّة، كان للمستأجر الخيار بين الفسخ في باقي المدّة دون ما مضى، و بين الرضا بجميع الأجرة.

فإن فسخ في باقي المدّة، فإن كانت المدّة متساوية في الأجرة فعليه

ص: 270


1- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «لا يحتمل قبضا». و هو تصحيف.

بقدر ما مضى، إن كان قد مضى النصف فعليه نصف الأجرة، و إن كان قد مضى الثلث فعليه الثلث، كما يقسّم الثمن على المبيع المتساوي الأجزاء.

و إن كان مختلفا - كدار أجرتها في الشتاء أكثر من أجرتها في الصيف، أو أرض أجرتها في الصيف أكثر من الشتاء، أو دار لها موسم كدور مكة - رجع في التقويم إلى أهل الخبرة، و يقسّط الأجر المسمّى على حسب قيمة المنفعة، كقسمة الثمن على الأعيان المختلفة في البيع.

و كذا لو كان الأجر على قطع مسافة، كبعير استأجره ليحمل له شيئا إلى مكان معيّن و كانت المسافة متساوية الأجزاء و الأجرة أو مختلفها.

و هو ظاهر مذهب الشافعي(1).

و قال بعض الشافعيّة: إذا استأجر دارا مدّة و سكنها بعضها ثمّ انهدمت الدار، انفسخ العقد في المستقبل، و هل ينفسخ في الماضي ؟ قولان، فإن قلنا: لا ينفسخ، فهل له الفسخ ؟ وجهان، فإن قلنا: ليس له ذلك، فعليه من المسمّى ما يقابل الماضي، و إن قلنا: له الفسخ، فعليه أجرة المثل للماضي(2).

إذا عرفت هذا، فلو امتنع الفسخ، قال بعض الشافعيّة: له أخذ الأرش، فينظر إلى أجرة مثله سليما و إلى أجرة مثله معيبا، و يعرف قدر التفاوت بينهما(3).

هذا كلّه في إجارة العين، و لو كانت الإجارة في الذمّة، لم ينفسخ العقد، و كان على المؤجر إبدال العين؛ لأنّ العقد لم يتعلّق بعينها، فأشبه3.

ص: 271


1- العزيز شرح الوجيز 162:6، روضة الطالبين 309:4.
2- العزيز شرح الوجيز 142:5، روضة الطالبين 90:3.
3- العزيز شرح الوجيز 162:6، روضة الطالبين 309:4.

المسلم فيه إذا سلّمه على غير صفته.

و إن عجز المؤجر عن إبدالها أو امتنع منه و لم يمكن إجباره عليه، فللمستأجر الفسخ أيضا؛ لتعذّر استيفاء [منفعتها](1) كما هي.

البحث الثاني: فوات المنفعة بالكلّيّة حسّا.

مسألة 713: إذا فاتت المنفعة بالكلّيّة حسّا، انفسخ العقد،

مسألة 713: إذا فاتت المنفعة بالكلّيّة حسّا، انفسخ العقد، و لا خيار للمستأجر، كما إذا(2) استأجر دابّة معيّنة للركوب فماتت، أو استأجر للخدمة أجيرا معيّنا فمات، فإن كان قبل القبض، انفسخ العقد بلا خلاف نعلمه؛ لأنّ المعقود عليه تلف قبل قبضه، فأشبه ما لو تلف المبيع قبل قبضه.

و كذا إن كان عقيب القبض بلا فصل قبل مضيّ مدّة لمثلها أجرة، فإنّ الإجارة تنفسخ أيضا، و تسقط الأجرة أيضا في قول عامّة الفقهاء إلاّ أبا ثور، فإنّه حكي عنه أنّه قال: يستقرّ الأجر؛ لأنّ المعقود عليه تلف بعد قبضه، فأشبه المبيع(3).

و هو غلط؛ لأنّ المعقود عليه المنافع، و قبضها باستيفائها أو التمكّن من استيفائها، و لم يحصل ذلك، فأشبه تلفها قبل القبض.

و إن كان التلف في خلال المدّة، انفسخ العقد في الباقي من المدّة،

ص: 272


1- بدل ما بين المعقوفين في الطبعة الحجريّة: «منفعة». و في النّسخ الخطّيّة: «منفعته». و المثبت هو الصحيح.
2- في «ر» و الطبعة الحجريّة: «لو» بدل «إذا».
3- الحاوي الكبير 398:7، المهذّب - للشيرازي - 412:1، بحر المذهب 9: 269، حلية العلماء 418:5، البيان 315:7، المغني 30:6، الشرح الكبير 6: 119.

دون ما مضى، و يكون للمؤجر من الأجرة بقدر ما استوفى المستأجر من المنفعة.

و للشافعيّة في الفسخ في الماضي طريقان:

أحدهما: إنّ فيه قولين.

و الثاني: القطع بعدم الفسخ؛ لأنّ الانفساخ طرأ بعد العقد، فلا يتأثّر به الآخر.

فإن قيل بالفسخ في الماضي، سقط المسمّى، و وجب أجرة المثل لما مضى.

و إن قيل بعدم الفسخ، فهل له خيار الفسخ ؟ وجهان:

أصحّهما عندهم: لا؛ لأنّ منافعه قد صارت مستوفاة مستهلكة.

و الثاني: نعم؛ لأنّ جميع المعقود عليه لم يسلم له.

فإن قلنا: له الفسخ و فسخ، فالرجوع إلى أجرة المثل.

و إن قلنا: لا فسخ له أو أجاز، وجب قسط ما مضى من المسمّى، و قد بيّنّا أنّ التوزيع إنّما هو على قيمة المنفعة، و هي أجرة المثل، لا على نفس الزمان، و أجرة المثل تختلف، فربما تزيد أجرة شهر على أجرة شهرين؛ لكثرة الرغبات في ذلك الشهر، فلو كانت مدّة الإجارة سنة و مضى نصفها لكن أجرة المثل فيها ضعف أجرة المثل في باقي السنة، وجب من المسمّى ثلثاه، و لو كان بالعكس، انعكس الحال، فوجب في النصف الأوّل ثلث المسمّى(1).

مسألة 714: لو أتلف المستأجر العين، فقتل العبد المستأجر للخدمة

مسألة 714: لو أتلف المستأجر العين، فقتل العبد المستأجر للخدمة

ص: 273


1- العزيز شرح الوجيز 164:6-165، روضة الطالبين 311:4.

أو الدابّة المستأجرة للركوب، احتمل أن يكون الحكم كما لو تلفت بآفة سماويّة، و لا يبقى فرق بين التلف من قبل اللّه تعالى و الأجنبيّ، و بين التلف من قبل المستأجر، فيبطل العقد في المتخلّف من المدّة، و يلزمه من الأجرة بنسبة الماضي، و يلزمه قيمة ما أتلف، و به قال أكثر الشافعيّة(1).

و يحتمل استقرار الأجرة المسمّاة بأجمعها عليه بالإتلاف، كما يستقرّ الثمن على المشتري بالإتلاف.

و يشكل بأنّ البيع ورد على العين، فإذا أتلفها، جعل قابضا، و الإجارة إنّما وردت على المنافع، و منافع الزمان المستقبل معدومة لا يتصوّر ورود الإتلاف عليها.

و نمنع عدم التصوّر؛ فإنّ إتلاف العين يستلزم إتلافها.

و على هذا لو عيّب المستأجر الدار أو جرح العبد، احتمل أن يكون بمنزلة ما لو تعيّب بآفة سماويّة في ثبوت الخيار، و العدم فلا خيار، بل هو أولى؛ لأنّ التعيّب تضمّن الرضا بالعيب، فسقط الخيار.

مسألة 715: لو انهدمت الدار المستأجرة للسكنى، أو انقطع ماء الأرض المستأجرة للزراعة،

مسألة 715: لو انهدمت الدار المستأجرة للسكنى، أو انقطع ماء الأرض المستأجرة للزراعة، فإن لم يبق لها نفع ألبتّة بوجه من الوجوه لا في السكنى و الزراعة و لا في غيرهما من جميع الأشياء، فهي كالتالفة؛ لانتفاء وجوه الانتفاعات عنها، و لا معنى للهالك سوى ذلك.

و إن بقي فيها(2) نفع في غير ما استأجرها له بأن يمكن الانتفاع بعرصة الدار أو الأرض بأن يحرز فيها حطبا أو ينصب خيمة أو يصطاد سمكا في

ص: 274


1- العزيز شرح الوجيز 165:6، روضة الطالبين 311:4.
2- في «ر»: «لها» بدل «فيها».

الأرض التي غرقت، فإنّ الإجارة لا تنفسخ، بل يتخيّر المستأجر بين الفسخ و الإمضاء.

و قال الشافعي في الدار بالانفساخ، و في الأرض التي انقطع ماؤها: إنّ له الفسخ(1).

و اختلف أصحابه في القولين.

فمنهم من نقل و خرّج و جعل المسألتين على قولين:

أحدهما: انفساخ الإجارة؛ لفوات المقصود، و هو السكنى في الدار، و الزراعة في الأرض، فكان كموت العبد.

و الثاني: المنع؛ لأنّ الأرض باقية، و الانتفاع ممكن من وجه آخر، و لكن يثبت الخيار به(2).

و منهم من قرّر القولين، و فرّق بأنّ الدار لم تبق دارا، و الأرض بقيت أرضا، و لإمكان الزراعة بالأمطار(3).

و أشار بعضهم إلى القطع بعدم الانفساخ، و حمل ما ذكره في الانهدام4.

ص: 275


1- المهذّب - للشيرازي - 412:1، الوسيط 198:4، حلية العلماء 419:5، التهذيب - للبغوي - 480:4، البيان 315:7، العزيز شرح الوجيز 170:6، روضة الطالبين 311:4.
2- المهذّب - للشيرازي - 412:1، الوسيط 198:4، حلية العلماء 419:5، التهذيب - للبغوي - 480:4-481، البيان 316:7، العزيز شرح الوجيز 6: 170، روضة الطالبين 312:4.
3- المهذّب - للشيرازي - 412:1، الوسيط 198:4، حلية العلماء 419:5، التهذيب - للبغوي - 481:4، البيان 316:7، العزيز شرح الوجيز 170:6، روضة الطالبين 312:4.

على ما إذا صارت الدار مزبلة غير منتفع بها بوجه ألبتّة(1).

[لكن](2) الأظهر بينهم في الانهدام الانفساخ، و في انقطاع الماء ثبوت الخيار(3).

و إنّما يثبت الخيار إذا امتنعت الزراعة، فأمّا إذا قال المؤجر: أنا أسوق الماء إليها من موضع آخر، سقط الخيار، كما لو بادر إلى إصلاح الدار، فإن قلنا بالانفساخ، فالحكم كما لو تلفت العين، كموت العبد، و إن قلنا بعدم الانفساخ، فله الفسخ في المدّة الباقية، و في الماضية الوجهان، فإن منعناه فعليه قسط ما مضى من المسمّى، و إن أجاز لزمه المسمّى بأسره(4).

و قيل: يحطّ للانهدام و انقطاع الماء ما يخصّه(5).

مسألة 716: لو استأجر عينا فتعذّر استيفاء المنفعة منها بفعل صدر عنها - مثل أن يأبق العبد

مسألة 716: لو استأجر عينا فتعذّر استيفاء المنفعة منها بفعل صدر عنها - مثل أن يأبق العبدأو تشرد الدابّة - لم تنفسخ الإجارة(6) ، لكن يثبت للمستأجر خيار الفسخ، فإن فسخ فلا كلام، و إن لم يفسخ انفسخت بمضيّ المدّة يوما فيوما، فإن(7) عادت العين في أثناء المدّة، استوفى ما بقي منها

ص: 276


1- التهذيب - للبغوي - 481:4، العزيز شرح الوجيز 170:6.
2- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «لأنّ». و المثبت كما في العزيز شرح الوجيز.
3- العزيز شرح الوجيز 170:6، روضة الطالبين 312:4.
4- التهذيب - للبغوي - 481:4، العزيز شرح الوجيز 170:6-171، روضة الطالبين 312:4.
5- كما في التهذيب - للبغوي - 481:4، و العزيز شرح الوجيز 171:6، و روضة الطالبين 312:4.
6- في الطبعة الحجريّة: «لم ينفسخ عقد الإجارة».
7- في «ر» و الطبعة الحجريّة: «و إن».

إن شاء، و له الفسخ؛ لتعذّر استيفاء الجميع الذي وقع عليه العقد، و إن انقضت المدّة انفسخت الإجارة؛ لفوات المعقود عليه.

و لو كانت الإجارة على موصوف في الذمّة - كخياطة ثوب أو بناء حائط أو حمل [شيء] إلى موضع معيّن - وجب على المؤجر الإبدال؛ لأنّ ذمّته مشغولة بهذه الأعمال(1) ، فإذا دفع عينا ليصدر عنها العمل الذي في ذمّته، لم ينحصر حقّ المستأجر في تلك العين، فكان(2) عليه القيام بالبدل، فإن هرب المؤجر لم يسقط الحقّ عنه؛ لأنّ ما في الذمّة لا يفوت بهربه، و يبيع الحاكم من ماله بقدر ما يستأجر عنه ذلك العمل، فإن لم يكن هناك مال ثبت للمستأجر الفسخ، فإن فسخ فلا كلام، و إن لم يفسخ و صبر إلى أن يقدر عليه فله مطالبته بالعمل.

و إذا كانت الإجارة متعلّقة بالعين ففسخ المستأجر، تعلّق الفسخ بالباقي خاصّة، دون الماضي.

و للشافعيّة في الماضي قولان(3).

و إن لم يفسخ و كان قد استأجر مدّة معلومة فانقضت، بني عند الشافعيّة على الخلاف فيما إذا أتلف أجنبيّ المبيع قبل القبض هل ينفسخ البيع أم لا؟ فإن قلنا: ينفسخ، فكذلك الإجارة، و يستردّ الأجرة، و إن قلنا:

لا ينفسخ، فكذلك الإجارة(4).

مسألة 717: لو استأجر عينا فغصبت تلك العين،

مسألة 717: لو استأجر عينا فغصبت تلك العين، فإن كان الغصب قبل

ص: 277


1- في «ر» و الطبعة الحجريّة: «المنافع» بدل «الأعمال».
2- في «ر» و الطبعة الحجريّة: «و كان».
3- العزيز شرح الوجيز 171:6، روضة الطالبين 312:4.
4- العزيز شرح الوجيز 171:6، روضة الطالبين 312:4.

القبض، تخيّر المستأجر بين الفسخ و الإمضاء.

فإن فسخ، بطلت الإجارة، و رجع بمال الإجارة؛ لأنّها معاوضة لم يحصل فيها تسليم المعوّض، فلا يجب تسليم العوض، كالثمن في البيع إذا غصب من يد البائع قبل إقباض المشتري إيّاه.

و إن لم يفسخ، كان له مطالبة الغاصب بما أتلفه عليه.

فإن انقضت مدّة الإجارة، تخيّر بين الفسخ و الرجوع بالمسمّى، و بين البقاء على العقد و مطالبة الغاصب بأجرة المثل؛ لأنّ المعقود عليه لم يفت مطلقا، بل إلى بدل، و هو القيمة.

و يتخرّج للحنابلة انفساخ العقد مطلقا على الرواية التي لهم في أنّ منافع الغصب لا تضمن، و هو قول أصحاب الرأي(1).

و إن كان بعد القبض و تمكين المؤجر المستأجر من العين، لم يكن للمستأجر الفسخ، و كان الغصب من المستأجر، دون المؤجر، و كذا لو منعه ظالم من الانتفاع بالعين.

و قال الشافعي و أحمد: يكون للمستأجر الخيار بين الفسخ و الإمضاء؛ لما فيه من تأخير حقّه.

فإن فسخ، فالحكم كما لو انفسخ العقد.

و هل ينفسخ في الماضي ؟ للشافعي قولان سبقا.

و إن لم يفسخ و كان قد استأجر مدّة معلومة فانقضت، يبنى على الخلاف فيما إذا أتلف أجنبيّ المبيع قبل القبض هل ينفسخ البيع، أم لا؟ إن6.

ص: 278


1- المغني 34:6، الشرح الكبير 126:6.

قلنا: ينفسخ، فكذلك الإجارة، و تستردّ الأجرة، و إن قلنا: لا ينفسخ، فكذلك الإجارة، و يتخيّر بين أن يفسخ و يستردّ الأجرة، و بين أن يجيز و يطالب الغاصب بأجرة المثل(1).

و الذي نصّ عليه الشافعي انفساخ الإجارة(2).

و على هذا فلو عادت العين إلى يده و قد بقي بعض المدّة، فللمستأجر الانتفاع به في الباقي، و تسقط حصّة المدّة الماضية، إلاّ إذا قلنا:

إنّ الانفساخ في بعض المدّة يوجب الانفساخ في الباقي، فليس له الانتفاع في بقيّة المدّة.

و لو كانت الإجارة في الذمّة، فعلى المؤجر الإبدال إن غصب المدفوع قبل القبض و تمكّن المستأجر منه، و إن كان بعد الدفع إلى المستأجر و إقباضه إيّاه، كان الغصب من مال المستأجر.

و عند العامّة يجب على المؤجر الابدال، سواء كان قبل القبض أو بعده، فإن امتنع استؤجر عليه(3).

و لو استأجر العين لعمل معلوم، فله أن يستعمله فيه، فإن غصب قبل القبض، بطل العقد عندنا، و إن كان بعده كان من مال المستأجر.

و إذا حصلت القدرة عليه قبل انقضاء المدّة، كان له أن يستعمله باقيها.4.

ص: 279


1- المهذّب - للشيرازي - 413:1، العزيز شرح الوجيز 171:6، روضة الطالبين 312:4، المغني 33:6، الشرح الكبير 126:6.
2- المهذّب - للشيرازي - 413:1، العزيز شرح الوجيز 171:6، روضة الطالبين 313:4.
3- العزيز شرح الوجيز 171:6، روضة الطالبين 312:4.

و لو بادر المؤجر إلى الانتزاع من الغاصب و لم تبطل منفعة المستأجر، سقط خياره.

و لو زادت العين في يد الغاصب و لم يكن فسخ مطلقا عند العامّة(1) و قبل القبض عندنا، استوفى ما بقي منها، و يكون فيما مضى من المدّة مخيّرا بين الرجوع على الغاصب، و بين الفسخ.

و لو كانت الإجارة على عمل - كخياطة ثوب أو حمل [شيء] إلى موضع معيّن - فغصب العبد الذي يخيط أو الجمل الذي يحمل عليه، فإن كان قبل القبض، تخيّر بين الفسخ و الرجوع على الغاصب، و إن كان بعد القبض، فالغصب من المستأجر خاصّة، و عليه كمال الأجرة للمالك، خلافا للعامّة؛ فإنّهم قالوا: لا ينفسخ العقد، و للمستأجر مطالبة الأجير بعوض المغصوب و إقامة من يعمل العمل؛ لأنّ العقد على ما في الذمّة كما لو وجد بالمسلم فيه عيبا فردّه، فإن تعذّر البدل، ثبت للمستأجر الخيار بين الفسخ و الصبر إلى أن يقدر على العين المغصوبة فيستوفيها منها(2).

مسألة 718: لو آجر عينا معيّنة - كعبد للخدمة أو فرس للركوب أو دار للسكنى - و سلّمها إلى المستأجر فغصبت،

مسألة 718: لو آجر عينا معيّنة - كعبد للخدمة أو فرس للركوب أو دار للسكنى - و سلّمها إلى المستأجر فغصبت، فالغصب من المستأجر عندنا، خلافا للعامّة(3).

فإن أقرّ المؤجر بتلك العين للغاصب أو لإنسان آخر، فالأقرب: نفوذ إقراره في الرقبة خاصّة، دون المنفعة.

و للشافعيّة قولان:

ص: 280


1- المغني 34:6، الشرح الكبير 126:6.
2- المغني 34:6، الشرح الكبير 126:6.
3- المغني 33:6، الشرح الكبير 126:6.

أحدهما: إنّه لا يقبل إقراره؛ لأنّه قول يناقض العقد السابق، فلا يلتفت إليه، كما لو أقرّ بما باعه لغير المشتري.

و الثاني: إنّه يقبل؛ لأنّه مالك في الظاهر غير متّهم في الإقرار، بخلاف إقرار البائع؛ لأنّه مصادف ملك الغير(1).

و التناقض ممنوع.

و قد يبني الشافعيّة الخلاف هنا على أنّ المؤجر هل له بيع العين المستأجرة، أم لا؟ فإن قلنا: نعم، صحّ إقراره، و إلاّ فهو على الخلاف في إقرار الراهن(2).

و إذا(3) قلنا: يقبل إقراره، لم يبطل حقّ المستأجر من المنفعة؛ لأنّه بالإجارة أثبت له الحقّ في المنفعة، فلا يمكّن من رفعه، كما أنّ البائع لا يتمكّن من رفع ما أثبته بالبيع، و هو أظهر وجوه الشافعيّة.

و الثاني: إنّ حقّ المستأجر من المنفعة يبطل تبعا للرقبة، كالعبد إذا أقرّ على نفسه بالقصاص يقبل، و يبطل حقّ السيّد تبعا(4).

و هو غلط؛ لأنّه إقرار في حقّ الغير فلا يقبل، و الأصل ممنوع على مذهبنا.

و الثالث: إن كان المال في يد المستأجر فلا تزال يده إلى انقضاء مدّة الإجارة، و إن كان في يد المقرّ له فلا ينزع من يده(5).6.

ص: 281


1- العزيز شرح الوجيز 171:6، روضة الطالبين 313:4.
2- الوسيط 201:4، العزيز شرح الوجيز 171:6، روضة الطالبين 313:4.
3- في «د، ص»: «فإذا». و في الطبعة الحجريّة: «فإن».
4- الوسيط 201:4، العزيز شرح الوجيز 171:6-172، روضة الطالبين 4: 313.
5- الوسيط 201:4-202، العزيز شرح الوجيز 172:6.

و المعتمد ما قلناه.

و على قولهم ببطلان حقّ المستأجر في المنفعة هل له تحليف [المكري](1) ؟ خلاف، كالخلاف بينهم في أنّ المرتهن هل يحلّف الراهن إذا أقرّ بالمرهون و قبلناه ؟(2).

و الأظهر بينهم في المسألة: إنّه يقبل إقراره في الرقبة، و لا يقبل في المنفعة(3) ، و هو الذي ذهبنا نحن إليه.

لكنّ الذي حكوه قولا للشافعي: إنّ الإقرار جائز، و الكراء باطل(4).

مسألة 719: إذا غصبت العين المستأجرة إمّا من المؤجر أو من المستأجر، كان للمؤجر مخاصمة الغاصب أو السارق لها

مسألة 719: إذا غصبت العين المستأجرة إمّا من المؤجر أو من المستأجر، كان للمؤجر مخاصمة الغاصب أو السارق لهابحقّ الملك إجماعا.

و للمستأجر أيضا مخاصمته؛ لأنّه يستحقّ المنفعة، فله مطالبته ليستوفي المنفعة، و هو أحد قولي الشافعيّة.

و الأظهر بينهم - و هو المحكيّ قولا للشافعي -: إنّه ليس للمستأجر المخاصمة؛ لأنّه ليس بمالك و لا نائب عن المالك، فأشبه المستودع و المستعير(5).

و هو غلط؛ لأنّ المستأجر يستحقّ على وجه الملكيّة حقّا في تلك العين وقعت عليه المعاوضة، فكان له المنازعة.

ص: 282


1- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «المكتري». و المثبت كما في المصدر.
2- العزيز شرح الوجيز 172:6، روضة الطالبين 313:4.
3- العزيز شرح الوجيز 172:6.
4- العزيز شرح الوجيز 172:6.
5- الوسيط 201:4، التهذيب - للبغوي - 454:4، العزيز شرح الوجيز 172:6، روضة الطالبين 313:4.

و الوجهان للشافعيّة جاريان في أنّ المرتهن هل يخاصم؛ لأنّ له حقّا في المرهون ؟(1).

و عندنا أنّ له ذلك، و الأصل فيه أنّ من ادّعى ملكا و قال: اشتريته من فلان و كان ملكا له إلى أن اشتريته، سمعت بيّنته على ذلك، فكما سمعت البيّنة على تملّك البائع لتوسّله بها إلى إثبات الملك لنفسه وجب أن يكون الحكم في المنفعة كذلك.

مسألة 720: إذا استأجره لعمل في عين معيّنة - كخياطة ثوب معيّن و نساجة غزل معيّن - فتلفت العين،

مسألة 720: إذا استأجره لعمل في عين معيّنة - كخياطة ثوب معيّن و نساجة غزل معيّن - فتلفت العين، انفسخ العقد عندنا؛ لأنّ متعلّق الإجارة قد تلف، فبطلت الإجارة، كما لو استأجر عبدا معيّنا للخدمة فيموت، أو ثوبا معيّنا للّبس فيسرق قبل القبض، و هو أحد قولي الشافعيّة.

و الثاني: إنّه لا ينفسخ العقد؛ لأنّ المعقود عليه العمل، فلا فرق بين أن يوقعه في ذلك المعيّن أو في مثله(2).

و هو ممنوع.

و قد قال بعضهم: لو استأجر دوابّ في الذمّة لحمل خمسة أعبد معيّنين فمات اثنان و حمل ثلاثة، أنّ له ثلاثة أخماس الكراء، و يسقط خمساه إذا تساوت أوزانهم(3).

و يوافق ذلك قول الشافعي: إذا نكحها على خياطة ثوب بعينه فهلك

ص: 283


1- العزيز شرح الوجيز 172:6، روضة الطالبين 313:4.
2- نهاية المطلب 200:8، الوسيط 199:4-200، التهذيب - للبغوي - 4: 446، العزيز شرح الوجيز 172:6، روضة الطالبين 313:4.
3- العزيز شرح الوجيز 172:6، روضة الطالبين 313:4.

قبل أن يخيطه، كان لها مهر المثل(1).

قال بعض الشافعيّة: موضع الخلاف فيما إذا لزم(2) ذمّته خياطة ثوب بعينه أو حمل عبد أو متاع بعينه، فإنّ العقد و إن كان في الذمّة فهو متعلّق بعين ذلك الثوب أو المتاع، أمّا إذا استأجر دابّة بعينها مدّة لركوب أو حمل متاع، فلا خلاف في جواز إبدال الراكب و المتاع، و في أنّ العقد لا ينفسخ بهلاكهما، و فرّق بأنّ العقد و الحالة هذه يتناول المدّة، ألا ترى أنّه لو سلّم الدابّة فلم يركب، تستقرّ الأجرة، و فيما إذا استأجره لخياطة الثوب المعيّن العقد يتناول العمل، و لهذا لو سلّم نفسه مدّة يمكن فيها الخياطة و لكن لم يخط، لم تستقر، هكذا ذكره بعضهم(3).

و فيه منع.

فإن حكمنا بعدم فسخ الإجارة، فإن جاء المستأجر بثوب مثله، فذاك، و إن لم يأت إمّا لعجز، أو امتنع عن قدرة حتّى مضت مدّة إمكان العمل فتستقرّ الأجرة أو لا تستقرّ؟ وجهان للشافعيّة، فإن قلنا: تستقرّ، فللمستأجر فسخ العقد؛ لأنّه ربما لا يجد ثوبا آخر، أو لا يريد قطعه(4).

و فيه وجه آخر: إنّه ليس له فسخ العقد، فيخرّج من هذا وجه أنّ المستأجر مخيّر إن شاء أبدل الثوب التالف، و إن شاء فسخ(5).4.

ص: 284


1- الأم 60:5، مختصر المزني: 179، الحاوي الكبير 417:9-418، الوسيط 200:4، التهذيب - للبغوي - 484:5، البيان 387:9، العزيز شرح الوجيز 6: 172، و 312:8، روضة الطالبين 313:4، و 626:5.
2- في «د»: «ألزم».
3- العزيز شرح الوجيز 172:6-173، روضة الطالبين 313:4-314.
4- العزيز شرح الوجيز 173:6، روضة الطالبين 314:4.
5- العزيز شرح الوجيز 173:6، روضة الطالبين 314:4.
مسألة 721: لو استأجره لتعليم صبيّ معيّن، أو استأجر المرأة لإرضاع صبيّ معيّن فمات الصبي المعيّن،

مسألة 721: لو استأجره لتعليم صبيّ معيّن، أو استأجر المرأة لإرضاع صبيّ معيّن فمات الصبي المعيّن، فالوجه: فسخ العقد؛ لما قلناه في الثوب المعيّن إذا تلف قبل خياطته.

و للشافعيّة الخلاف الذي سبق في الثوب و الصبي المعيّن للإرضاع إذا لم يكن ولد المرضعة، أمّا إذا كان ولدها فالخلاف بين الشافعيّة فيه مرتّب على الخلاف في الصبي الأجنبيّ، بل في ولدها الانفساخ أولى؛ لأنّ درور اللبن على الولد فوق دروره على الأجنبيّ؛ لزيادة الشفقة على الولد، فلا يمكن إقامة غيره مقامه(1).

إذا عرفت هذا، فلو استأجره لخياطة ثوب معيّن، أو لإرضاع صبيّ معيّن أو تعليمه ثمّ بدا للمستأجر في قطع الثوب المعين أو في إرضاع الطفل المعيّن أو تعليمه و هما باقيان، لم يجب على المستأجر الإتيان به؛ لأنّه قد يعرض له غرض في الامتناع و مصلحة فيه بأن يجد صانعا أجود أو معلّما أو مرضعة أجود، فلا يلزمه الدفع إلى الخيّاط و المعلّم و المرضعة، لكن إن سلّم الأجير نفسه و مضت مدّة يمكن العمل، استقرّت الأجرة على المستأجر، و به قال الشافعي بناء على قوله باستقرار الأجرة بتسليم الأجير نفسه و مضيّ مدّة العمل(2).

و ليس للأجير و لا للمستأجر الفسخ بحال.

البحث الثالث: فيما تفوت المنفعة فيه شرعا.

مسألة 722: إذا انتفت المنفعة شرعا، كان بمنزلة فواتها حسّا

مسألة 722: إذا انتفت المنفعة شرعا، كان بمنزلة فواتها حسّا في

ص: 285


1- العزيز شرح الوجيز 173:6، روضة الطالبين 314:4.
2- العزيز شرح الوجيز 173:6، روضة الطالبين 314:4.

اقتضاء الانفساخ؛ لأنّ المقتضي لانفساخها مع الفوات حسّا إنّما هو تعذّر الاستيفاء، و هذا المعنى ثابت فيما إذا فاتت شرعا.

فإذا استأجر لقلع سنّ وجعة أو قطع يد متآكلة أو لاستيفاء قصاص في نفس أو طرف، صحّت الإجارة، و هو أظهر وجهي الشافعيّة(1)في ص 76 و 130، المسألتان 566 و 610.(2) ، و قد سبق(2).

فلو زال الوجع عقيب العقد أو عفا المجنيّ عليه عن القصاص أو وليّه، انفسخت الإجارة؛ لأنّ قلع السنّ حينئذ ممنوع منه شرعا، و كذا استيفاء القصاص بعد الإسقاط لا يجوز شرعا، فبطلت الإجارة؛ لتعذّر استيفاء المنفعة شرعا.

و قد نازع بعض الشافعيّة فيه؛ لأنّ الإجارة هنا مضبوطة بالعمل، دون المدّة، و هو غير مأيوس منه؛ لاحتمال عود الوجع، فلم يكن زوال الوجع موجبا للفسخ(3).

و ليس بجيّد.

و قال بعضهم: لا تنفسخ الإجارة، بل يستعمل الأجير في قلع و تد أو مسمار، و يراعى تداني العملين(4).

و هو أشدّ غلطا من الأوّل.

و الحكم بانفساخ العقد إنّما هو على القول بأنّ المستوفى به لا يبدّل، فإن جوّزناه أمر بقلع سنّ وجعة لغيره.4.

ص: 286


1- العزيز شرح الوجيز 177:6، روضة الطالبين 318:4، و راجع: الهامش
2- من ص 77.
3- العزيز شرح الوجيز 177:6، روضة الطالبين 318:4.
4- العزيز شرح الوجيز 177:6، روضة الطالبين 318:4.

البحث الرابع: في الأعذار المتجدّدة.

مسألة 723: الإجارة عقد لازم من الطرفين ليس لواحد منهما فسخها إلاّ بالتقايل -

مسألة 723: الإجارة عقد لازم من الطرفين ليس لواحد منهما فسخها إلاّ بالتقايل - و به قال مالك و الشافعي و أحمد و أصحاب الرأي(1) - لعموم قوله تعالى: أَوْفُوا بِالْعُقُودِ (2) و لأنّ الإجارة عقد معاوضة، فكان لازما، كالبيع، و لأنّها عند أكثر العامّة نوع من البيع(3) ، و إنّما اختصّت باسم كما اختصّ الصّرف و السّلم باسم.

و سواء كان لعذر - كما لو استأجر دابّة ليسافر عليها فيمرض، أو دكّانا للبيع فيتلف قماشه، أو لعمل صنعة فتهلك آلتها، أو حمّاما فيتعذّر عليه الوقود، و أشباه ذلك - أو لم يكن - و به قال مالك و الشافعي و [أبو ثور](4) و أحمد(5) - لأنّه عقد لا يجوز فسخه مع استيفاء المنفعة المعقود عليها من

ص: 287


1- الإشراف على نكت مسائل الخلاف 1142/652:2، بداية المجتهد 229:2، الحاوي الكبير 392:2، المهذّب - للشيرازي - 407:1، نهاية المطلب 8: 120، بحر المذهب 265:9، حلية العلماء 405:5، التهذيب - للبغوي - 4: 447، البيان 292:7، المغني 24:6، الشرح الكبير 111:6.
2- سورة المائدة: 1.
3- المهذّب - للشيرازي - 407:1، نهاية المطلب 81:8، بحر المذهب 265:9، البيان 292:7، المغني 24:6، الشرح الكبير 111:6-112.
4- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «أبو يوسف». و المثبت كما في المغني و الشرح الكبير و بحر المذهب و حلية العلماء و بداية المجتهد و عيون المجالس، و لم نعثر على قول أبي يوسف في جميع المصادر المذكورة في الهامش التالي.
5- الإشراف على نكت مسائل الخلاف 1142/652:2، عيون المجالس 1797:4 - 1263/1798، بداية المجتهد 229:2، الحاوي الكبير 393:7، المهذّب - للشيرازي - 412:1، بحر المذهب 265:9، الوسيط 196:4، حلية العلماء -

غير عذر، فلم يجز لعذر في غير المعقود عليه، كالبيع، و لأنّه لو جاز فسخه لعذر المستأجر، جاز لعذر المؤجر؛ تسوية بين المتعاقدين، و دفعا للضرر عن كلّ واحد من المتعاقدين، و لا خلاف في أنّه لا يجوز ثمّ فلا يجوز هنا.

و قال أبو حنيفة و أصحابه: يجوز للمستأجر فسخها لعذر في نفسه، مثل أن يستأجر جملا ليحجّ عليه فيمرض و لا يتمكّن من الخروج، أو تضيع نفقته، أو يستأجر دكّانا للبزّ فيحترق متاعه، و ما أشبه ذلك؛ لأنّ هذا العقد يتعذّر معه استيفاء المنفعة [المعقود] عليها فملك به الفسخ، كما لو استأجر عبدا فأبق(1).

و الفرق: إنّ الإباق عذر في المعقود عليه.

إذا عرفت هذا، فالإجارة لا تفسخ بالأعذار، سواء كانت إجارة عين أو في الذمّة، خلافا لأبي حنيفة على ما تقدّم.ا.

ص: 288


1- مختصر القدوري: 105، تحفة الفقهاء 360:2-361، بدائع الصنائع 4: 197، المبسوط - للسرخسي - 2:16، الاختيار لتعليل المختار 94:2-95، الهداية - للمرغيناني - 250:3، الفقه النافع 907/1139:3، فتاوى قاضيخان - بهامش الفتاوى الهنديّة - 352:2 و 353، الإشراف على نكت مسائل الخلاف 2: 1142/652، عيون المجالس 1798:4-1263/1799، بداية المجتهد 2: 229، الحاوي الكبير 393:7، بحر المذهب 265:9، حلية العلماء 405:5 - 406، الوسيط 196:4، البيان 292:7-293، العزيز شرح الوجيز 163:6، الإفصاح عن معاني الصحاح 34:2، المغني 24:6-25، الشرح الكبير 6: 125، و ما بين المعقوفين أثبتناه منهما.

و سلّم أبو حنيفة أنّه لو ظهر للمؤجر عذر - كما لو مرض و عجز عن الخروج مع الدوابّ التي آجرها، أو آجر داره و أهله مسافرون فعادوا، أو لم يكن متأهّلا فتأهّل - أنّه لا يثبت الفسخ(1).

مسألة 724: لو استأجر أرضا للزراعة فزرعها فهلك الزرع بجائحة من سيل أو جراد أو شدّة حرّ أو برد أو كثرة مطر،

مسألة 724: لو استأجر أرضا للزراعة فزرعها فهلك الزرع بجائحة من سيل أو جراد أو شدّة حرّ أو برد أو كثرة مطر، لم يكن له الفسخ، و لا حطّ شيء من الأجرة؛ لأنّ الجائحة لحقت مال المستأجر، لا منفعة الأرض، فأشبه ما إذا استأجر دكّانا لبيع البزّ فاحترق المتاع لا تنفسخ الإجارة في الدكّان.

و لو فسدت الأرض بجائحة أبطلت قوّة الإنبات في مدّة الإجارة، انفسخت الإجارة؛ لفوات المنفعة بالكلّيّة، كما لو غرقت الأرض و بطلت منفعتها.

و يحتمل أن يقال: إمّا أن يستأجر الأرض للزراعة، أو يستأجرها مطلقا.

فإن استأجرها للزراعة فبطلت منفعة الزراعة خاصّة دون باقي المنافع، فإنّه يثبت للمستأجر الخيار بين الفسخ و الإمضاء بجميع الأجرة أو بعد حطّ الأرش - كما تقدّم(2) - إن سوّغنا له الانتفاع بغير الزرع.

ص: 289


1- مختصر القدوري: 105، تحفة الفقهاء 360:2-361، بدائع الصنائع 4: 199، المبسوط - للسرخسي - 4:16، الاختيار لتعليل المختار 95:2، الهداية - للمرغيناني - 251:3، فتاوى قاضيخان - بهامش الفتاوى الهنديّة - 353:2، الفقه النافع 907/1139:3، الحاوي الكبير 393:7، العزيز شرح الوجيز 6: 163.
2- في ص 274-275، المسألة 715.

و إن استأجرها مطلقا، كان له الخيار إن بقيت لها منفعة مقصودة؛ لتعيّبها و نقص منفعتها، و إن لم تبق لها منفعة ألبتّة بطلت الإجارة؛ إذ ما لا منفعة له لا تصحّ إجارته.

قال بعض الشافعيّة: إذا فسدت الأرض بجائحة أبطلت قوّة الإنبات في مدّة الإجارة، فإن كان فساد الأرض بعد فساد الزرع، فيه احتمالان:

الظاهر منهما: إنّه لا يستردّ شيئا؛ لأنّه لو بقيت صلاحيّة الأرض و قوّتها لم يكن للمستأجر فيها فائدة بعد فوات الزرع.

و الثاني: يستردّ؛ لأنّ بقاء الأرض على صفتها مطلوب، و إذا خرجت عن أن يكون منتفعا بها وجب أن يثبت الانفساخ.

و إن كان فساد الأرض قبل فساد الزرع، فأظهر الاحتمالين باتّفاق الشافعيّة: الاسترداد؛ لأنّ أوّل الزراعة غير مقصود، و لم يسلم الأخير(1).

و إذا أثبتنا له الخيار، فإن أجاز أجاز بجميع الأجرة، كما في البيع، و إن فسخ رجع إلى أجرة الباقي، و استقرّ ما استوفاه على الأصحّ عندهم، و يوزّع المسمّى على المدّتين باعتبار القيمة، لا باعتبار المدّة(2).

مسألة 725: الموت لا يبطل الإجارة،

مسألة 725: الموت لا يبطل الإجارة، سواء كان من المؤجر أو المستأجر أو منهما معا، عند بعض علمائنا(3) - و به قال الشافعي و مالك

ص: 290


1- الوسيط 197:4، العزيز شرح الوجيز 163:6-164، روضة الطالبين 4: 310.
2- الوسيط 197:4-198، العزيز شرح الوجيز 164:6 و 165، روضة الطالبين 311:4.
3- كأبي الصلاح الحلبي في الكافي في الفقه: 348، و ابن إدريس في السرائر 2: 449.

و أحمد و إسحاق و أبو ثور و البتّي و ابن المنذر(1) - لأنّ الإجارة عقد لازم يوجب ملك كلّ واحد من المتعاقدين ما انتقل إليه به، فلا يزول عنه بالموت منه أو من صاحبه أو منهما، كالبيع، و لأنّه عقد لازم، فلا ينفسخ بموت العاقد ما لم يختصّ الاستيفاء به، كالبيع، و [كما] إذا زوّج أمته ثمّ مات.

و قال الشيخ رحمه اللّه: تبطل الإجارة بموت أيّهما كان(2) ، و به قال الثوري و أصحاب الرأي و الليث؛ لأنّ استيفاء المنفعة يتعذّر بالموت، لأنّه استحقّ بالعقد أن يستوفيها على ملك المؤجر، فإذا مات زال ملكه عن العين، و انتقلت إلى ورثته، فالمنافع تحدث على ملك الوارث، و لا يستحقّ المستأجر استيفاءها على ملك الوارث؛ لأنّه ما عقد معه، و كذا إذا مات المستأجر، فإنّ الأجرة لا يمكن أن تجب في تركته؛ لأنّها تجب عليه في حال الحياة، فلا تؤخذ من تركته، و لا يجوز أن تجب على الورثة؛ لأنّهم لم يوجبوها على أنفسهم، فتعذّر إيجابها(3).ئع

ص: 291


1- الأم 30:4، مختصر المزني: 126، الإشراف على مذاهب أهل العلم 116:2، الحاوي الكبير 400:7، المهذّب - للشيرازي - 414:1، نهاية المطلب 8: 120، بحر المذهب 271:9، الوجيز 238:1-239، الوسيط 148:4، حلية العلماء 433:5، التهذيب - للبغوي - 449:4، البيان 322:7، العزيز شرح الوجيز 173:6-174، روضة الطالبين 314:4، الإشراف على نكت مسائل الخلاف 1144/653:2، بداية المجتهد 230:2، المعونة 1096:2، الإفصاح عن معاني الصحاح 35:2، المغني 48:6، الشرح الكبير 124:6، تحفة الفقهاء 361:2، مختصر اختلاف العلماء 1826/129:4.
2- النهاية: 441 و 444، الخلاف 491:3، المسألة 7.
3- المغني 48:6-49، الشرح الكبير 124:6، تحفة الفقهاء 361:2، بدائع

و هو ضعيف؛ لأنّ عندنا أنّ المستأجر قد ملك المنافع بالعقد، و تخلق في ملكه، و يلزمهم ما لو زوّج أمته ثمّ مات.

و ما ذكروه في المستأجر باطل أيضا؛ لأنّ الأجرة عندنا وجبت عليه بالعقد، و يبطل به ما إذا حفر بئرا ثمّ مات فوقع فيها إنسان أو غيره، فإنّه يجب ضمانه في ماله؛ لأنّ سبب ذلك كان [منه] في حال الحياة، كذلك الأجرة سبب وجوبها العقد، و كان منه في حال الحياة.

و الشيخ رحمه اللّه استدلّ على دعواه بالبطلان بموت أيّهما كان: بإجماع الفرقة و أخبارهم(1).

و لا شكّ في عدالته و قبول روايته مسندة فتقبل مرسلة.

و قال بعض علمائنا(2): تبطل بموت المؤجر خاصّة، دون المستأجر، و عكس آخرون(3).

إذا عرفت هذا، فإذا مات المستأجر، قام وارثه مقامه في استيفاء المنفعة، فإن كان المستأجر لم يؤدّ مال الإجارة كان دينا عليه يؤخذ من صلب تركته، و لو كان مؤجّلا حلّ بموته.).

ص: 292


1- الخلاف 492:3، المسألة 7.
2- لم نتحقّقه.
3- الصنائع 222:4، الهداية - للمرغيناني - 250:3، المبسوط - للسرخسي - 5:16، مختصر اختلاف العلماء 1826/129:4، الإشراف على مذاهب أهل العلم 116:2، الحاوي الكبير 401:7، بحر المذهب 272:9، حلية العلماء 433:5، التهذيب - للبغوي - 4: 449، البيان 322:7، العزيز شرح الوجيز 174:6، الإفصاح عن معاني الصحاح 35:2، الإشراف على نكت مسائل الخلاف 1144/653:2، بداية المجتهد 230:2، المعونة 2: 1096.

و إن مات المؤجر، تركت العين عند المستأجر إلى انتهاء مدّة الإجارة.

فإن كانت الإجارة واردة على الذمّة، فما التزمه دين عليه، فإن كان في التركة وفاء استؤجر منها لتوفيته، و إن لم يكن وفاء فالوارث بالخيار إن شاء وفّى و استحقّ الأجرة، و إن شاء أعرض، فللمستأجر فسخ الإجارة.

و القياس على موت الأجير باطل؛ لأنّ انفساخ الإجارة بموت الأجير كان من جهة أنّه مورد العقد، لا من جهة أنّه عاقد.

مسألة 726: تبطل الإجارة بموت المؤجر على الأقوى في موضعين:

مسألة 726: تبطل الإجارة بموت المؤجر على الأقوى في موضعين: الأوّل: لو أوصى مالك الدار أو العبد أو الدابّة بمنفعة الدار أو العبد أو الدابّة أو الثوب أو شبهه لزيد مدّة عمر الموصى له، فقبل الوصيّة ثمّ مات الموصي، فآجرها زيد الموصى له مدّة ثمّ مات زيد في أثناء تلك المدّة، فإنّ الإجارة تبطل؛ لانتهاء حقّه الذي هو مورد الإجارة؛ لأنّه منوط بحياته، فتبطل بموته.

الثاني: إذا وقف على شخص ثمّ على عقبه و نسله و هكذا، فآجر الشخص الموقوف عليه الوقف مدّة، فالأقوى: بطلان الإجارة؛ لأنّ المنافع بعد موته لغيره، و لا ولاية له عليه و لا نيابة عنه، فلا يمكنه التصرّف في حقّه، و قد بيّنّا أنّ هذه المدّة ليست للمؤجر، فيكون للبطن الثاني الخيار بين الإجارة في الباقي، و بين الفسخ فيه، و يرجع المستأجر على تركة الأوّل بما قابل المتخلّف.

و هو أصحّ وجهي الشافعيّة، و الثاني: إنّ الإجارة تبقى بحالها؛ لأنّها

ص: 293

لازمة، فلا تتأثّر بموت العاقد، كما لو آجر ملكه(1).

و بنوا الوجهين على أنّ البطن الثاني يتلقّى الاستحقاق من الأوّل أو من الواقف ؟ فإن قلنا بالأوّل، فالإجارة بحالها، كما لو آجر ملكه و مات في أثناء المدّة، و إن قلنا بالثاني، فلا(2).

و عبارة أكثر الشافعيّة: «الانفساخ و عدمه» فقالوا في أحد الوجهين:

تنفسخ الإجارة، و في الثاني: لا تنفسخ(3).

و لم يستحسنها الجويني و جماعة من الشافعيّة؛ لأنّ الانفساخ يشعر بسبق الانعقاد، و ردّوا الخلاف إلى أنّا هل نتبيّن البطلان؛ لأنّا تبيّنّا أنّه تصرّف فيما لم يملكه ؟(4).

و إذا حكمنا ببقاء الإجارة فحصّة المدّة الباقية من الأجرة تكون للبطن الثاني، فإن أتلفها الأوّل، فهي دين عليه في تركته.

و ليس هذا كما لو آجر ملكه و مات في المدّة حيث يكون جميع الأجرة تركة له يقضى [منها](5) ديونه و تنفذ وصاياه.

و الفرق: إنّ التصرّف هناك ورد على خالص حقّه، و الباقي له بعد الإجارة رقبة مسلوبة المنفعة في تلك المدّة فتنتقل إلى الوارث كذلك.

و إن قلنا: إنّها لا تبقى، فإنّها لا تبطل فيما مضى.

و للشافعيّة قولان، أحدهما: البطلان، و الخلاف هنا مبنيّ علىه.

ص: 294


1- نهاية المطلب 115:8، العزيز شرح الوجيز 178:6، روضة الطالبين 4: 318.
2- نهاية المطلب 115:8، العزيز شرح الوجيز 178:6، روضة الطالبين 4: 318.
3- العزيز شرح الوجيز 178:6، روضة الطالبين 318:4.
4- نهاية المطلب 116:8، العزيز شرح الوجيز 178:6، روضة الطالبين 318:4.
5- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «منه». و الظاهر ما أثبتناه.

الخلاف في تفريق الصفقة، فإن منعوا من التفريق كان للبطن الأوّل أجرة المثل على ما مضى(1).

مسألة 727: إجارة الوقف تفرض تارة من الموقوف عليه،

مسألة 727: إجارة الوقف تفرض تارة من الموقوف عليه، و أخرى من المتولّي للنظر إمّا من مشروط له الولاية لا غير، أو من حاكم، و بالجملة لا تكون الإجارة مستندة إلى الموقوف عليه من حيث هو موقوف عليه، و بيان الحالتين موكول إلى ما شرطه الواقف.

فإن آجر البطن الأوّل، كان حكمه ما تقدّم(2).

و أمّا إذا آجر المتولّي الناظر في الوقف، فإنّه يصحّ، و لا تبطل الإجارة بموته، و لا يؤثّر موته في الإجارة؛ لأنّه ناظر للجميع، و لا يختصّ تصرّفه ببعض الموقوف عليهم، و هو أظهر وجهي الشافعيّة(3).

و لهم وجه آخر: إنّ الإجارة تبطل أيضا، و هو كالخلاف فيما إذا آجر الولي الصبي فبلغ الصبي في المدّة بالاحتلام(4).

و لو شرط الواقف الولاية للموقوف عليه و جعله الناظر في الوقف فآجره مدّة ثمّ مات، لم تبطل إجارته على الأصحّ، لا من حيث هو موقوف عليه، بل من حيث إنّه قد آجر الناظر في الوقف و المتولّي عليه.

مسألة 728: قد بيّنّا أنّ الإجارة عقد لازم من الطرفين ليس لأحدهما فسخها إلاّ برضا صاحبه،

مسألة 728: قد بيّنّا أنّ الإجارة عقد لازم من الطرفين ليس لأحدهما فسخها إلاّ برضا صاحبه، و هو عقد يقتضي تمليك المؤجر الأجرة و المستأجر المنافع، فإذا فسخ المستأجر الإجارة قبل انقضاء مدّتها و ترك

ص: 295


1- العزيز شرح الوجيز 178:6، روضة الطالبين 318:4-319.
2- في ص 293-294.
3- العزيز شرح الوجيز 178:6، روضة الطالبين 319:4.
4- العزيز شرح الوجيز 178:6، روضة الطالبين 319:4.

الانتفاع اختيارا منه، لم تنفسخ الإجارة، و كان عليه مال الإجارة كملا، و لم يزل ملكه عن المنافع، كما لو اشترى شيئا و قبضه ثمّ تركه.

إذا ثبت هذا، فإن استأجر دابّة أو دارا أو غيرهما من الأعيان و قبضها و أمسكها حتّى مضت مدّة الإجارة غير متصرّف فيها، انتهت الإجارة، و استقرّت الأجرة عليه و إن لم ينتفع بالعين طول المدّة؛ لأنّ المؤجر مكّنه و أقبضه، و تلف المعقود عليه تحت يده، و هي حقّه، فاستقرّ عليه بدلها، كثمن المبيع إذا تلف المبيع في يد المشتري.

و ليس له الانتفاع بعد المدّة؛ لأنّ المنافع بعد المدّة حقّ لمالك العين، فإن انتفع بها بعد المدّة، لزمه أجرة المثل مع المسمّى.

و لو ضبطت المنفعة بالعمل دون المدّة، كما إذا استأجر دابّة ليركبها إلى بلد أو ليحمل عليها شيئا إلى موضع معلوم و قبضها و أمسكها عنده حتّى مضت مدّة يمكن فيها المسير إلى ذلك البلد، فكذلك، و يستقرّ عليه مال الإجارة؛ لأنّ المؤجر مكّنه من الانتفاع بأقصى المقدور عليه، فتستقرّ له الأجرة، كما لو كان الضبط بالمدّة، و لأنّ المنافع تلفت تحت يده باختياره، فاستقرّ الضمان عليه، كما لو تلفت العين في يد المشتري، و به قال الشافعي(1).

و قال أبو حنيفة: لا تستقرّ عليه الأجرة حتّى يستوفي المنفعة؛ لأنّه عقد على منفعة غير موقّتة بزمن، فلم يستقرّ بدلها قبل استيفائها، كالأجير المشترك(2).6.

ص: 296


1- البيان 290:7، العزيز شرح الوجيز 175:6، روضة الطالبين 316:4، المغني 20:6، الشرح الكبير 157:6.
2- المحيط البرهاني 564:7، الفتاوى الولوالجيّة 365:3، العزيز شرح الوجيز 6: 175، المغني 21:6، الشرح الكبير 157:6.

و لو بذل المؤجر تسليم العين فلم يأخذها المستأجر حتّى انقضت المدّة، استقرّ الأجر عليه؛ لأنّ المنافع تلفت باختياره في مدّة الإجارة، فاستقرّ عليه الأجر، كما [كانت](1) في يده.

و إن كانت الإجارة على عمل، فإذا مضت مدّة يمكن الاستيفاء فيها استقرّ عليه الأجر - و به قال الشافعي(2) - لأنّ المنافع تلفت باختياره.

و قال أبو حنيفة: لا أجرة عليه؛ لأنّه عقد على ما في الذمّة، فلم يستقرّ عوضه ببذل العين، كالمسلم فيه، و لأنّه عقد على منفعة غير موقّتة بزمن، فلم يستقرّ عوضها بالبذل، كالصداق إذا بذلت له تسليم نفسها و امتنع الزوج من أخذها(3).

و لو كان هذا في إجارة فاسدة إذا عرضها على المستأجر فلم يأخذها، لم يكن عليه أجرة؛ لأنّها لم تتلف تحت يده و لا في ملكه.

و إن قبضها و مضت المدّة أو مدّة يمكن استيفاء المنفعة فيها، احتمل أن لا يكون عليه شيء - و به قال أبو حنيفة(4) - لأنّه عقد فاسد على منافع لم يستوفها، فلم يلزمه عوضها، كالنكاح الفاسد، و أن يكون عليه أجرة المثل - و به قال الشافعي(5) - لأنّ المنافع تلفت تحت يده بعوض لم يسلم -

ص: 297


1- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «كان». و الظاهر ما أثبتناه.
2- الحاوي الكبير 439:7، نهاية المطلب 185:8، بحر المذهب 335:9، المغني 21:6، الشرح الكبير 158:6.
3- الحاوي الكبير 439:7، بحر المذهب 335:9، المغني 21:6، الشرح الكبير 158:6.
4- نهاية المطلب 258:8، التهذيب - للبغوي - 455:4، البيان 288:7، العزيز شرح الوجيز 176:6، المغني 21:6، الشرح الكبير 163:6.
5- المهذّب - للشيرازي - 406:1، نهاية المطلب 258:8، التهذيب - للبغوي -

له، فرجع إلى قيمتها، كما لو استوفاها.

و لو استوفى المنفعة في العقد الفاسد، فعليه أجرة المثل - و به قال مالك و الشافعي و أحمد(1) - لأنّ ما يضمن بالمسمّى في العقد الصحيح وجب ضمانه بجميع القيمة في الفاسد، كالأعيان.

و قال أبو حنيفة: يجب أقلّ الأمرين من المسمّى أو أجر المثل؛ بناء منه على أنّ المنافع لا قيمة لها، و لا تتقوّم إلاّ بالعقد، و ما زاد على المسمّى لم يجب بدله في العقد، فلم يضمنه(2).

و هو ممنوع، على أنّ العقد وقع على جميعها بالمسمّى، فوجب أن تكون مضمونة؛ لأنّ العقد اقتضى ضمانها.

مسألة 729: إذا استأجر دابّة ليركبها إلى بلد أو ليعمل عليها في شيء معلوم و قبضها و أمسكها عنده حتّى مضت مدّة يمكن فيها المسير إليه،

مسألة 729: إذا استأجر دابّة ليركبها إلى بلد أو ليعمل عليها في شيءمعلوم و قبضها و أمسكها عنده حتّى مضت مدّة يمكن فيها المسير إليه استقرّت عليه الأجرة، سواء ضبطت بالمدّة أو بالعمل(3) على ما(4) قلناه.

ص: 298


1- الإشراف على نكت مسائل الخلاف 1153/656:2، الذخيرة 462:5، المهذّب - للشيرازي - 406:1، نهاية المطلب 258:8، التهذيب - للبغوي - 4: 455، البيان 288:7، العزيز شرح الوجيز 176:6، روضة الطالبين 316:4، المغني 22:6، الشرح الكبير 163:6.
2- الاختيار لتعليل المختار 88:2، الهداية - للمرغيناني - 238:3، مختصر القدوري: 104، نهاية المطلب 258:8-259، التهذيب - للبغوي - 455:4، البيان 288:7، العزيز شرح الوجيز 176:6، المغني 22:6، الشرح الكبير 6: 163.
3- في «د، ص» و الطبعة الحجريّة: «العمل».
4- في الطبعة الحجريّة: «كما» بدل «على ما».

و لا فرق بين أن يكون تخلّف المستأجر لعذر أو لغير عذر حتّى لو تخلّف لخوف في الطريق أو لعدم وجدان الرفقة، استقرّت الأجرة عليه و إن كان معذورا من جهة أنّه لو خرج و الحال هذه كان متعدّيا ضامنا للدابّة.

و إنّما استقرّت الأجرة عليه؛ لتلف منافع المدّة عنده، على أنّه متمكّن من السفر عليها إلى بلد آخر و من استعمالها في البلد تلك المدّة، و ليس للمستأجر فسخ العقد بهذا السبب، و لا أن يلزم [المؤجر](1) استرداد الدابّة إلى أن يتيسّر الخروج.

هذا في إجارة العين، و لو كانت الإجارة في الذمّة و سلّم دابّة بالوصف المشروط فمضت المدّة عند المستأجر، استقرّت الأجرة أيضا - كما تقدّم - لتعيّن حقّه بالتسليم و حصول التمكين.

مسألة 730: لو آجر الحرّ نفسه إمّا مدّة معيّنة أو لعمل معلوم ثمّ سلّم نفسه إلى المستأجر المدّة بأسرها أو مدّة ذلك العمل فلم يستعمله المستأجر حتّى مضت المدّة أو مضت مدّة يمكن فيها ذلك العمل

مسألة 730: لو آجر الحرّ نفسه إمّا مدّة معيّنة أو لعمل معلوم ثمّ سلّم نفسه إلى المستأجر المدّة بأسرها أو مدّة ذلك العمل فلم يستعمله المستأجر حتّى مضت المدّة أو مضت مدّة يمكن فيها ذلك العمل، فالأقرب: استقرار الأجرة، و هو أظهر وجهي الشافعيّة(2).

و يجري الخلاف فيما إذا ألزم ذمّة الحرّ عملا فسلّم نفسه مدّة إمكان ذلك العمل و لم يستعمله، و سبب الخلاف أنّ الحرّ لا يدخل تحت اليد على ما قدّمناه(3).

ص: 299


1- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «المستأجر». و المثبت هو الصحيح.
2- نهاية المطلب 200:8، التهذيب - للبغوي - 455:4، العزيز شرح الوجيز 6: 176، روضة الطالبين 317:4.
3- التهذيب - للبغوي - 455:4، العزيز شرح الوجيز 176:6، روضة الطالبين 4: 317.

و أجرى بعض الشافعيّة الخلاف فيما إذا [التزم](1) الحرّ عملا في الذمّة و سلّم عبده ليستعمله فلم يستعمله(2).

و إذا قلنا بعدم الاستقرار، فللأجير أن يرفع الأمر إلى الحاكم ليجبره على الاستعمال.

مسألة 731: إذا استأجر عقارا أو حيوانا أو غير ذلك، ملك المنافع بالعقد،

مسألة 731: إذا استأجر عقارا أو حيوانا أو غير ذلك، ملك المنافع بالعقد، كما يملك المشتري المبيع بالبيع، و يزول ملك المؤجر عنها، كما يزول ملك البائع عن المبيع، فلا يجوز للمؤجر التصرّف فيها؛ لأنّها صارت مملوكة لغيره، كما لا يملك البائع التصرّف في المبيع، و يجب عليه بذل العين للمستأجر ليستوفي المنافع منها، فإن لم يسلّمها المالك و منع المستأجر عنها حتّى انقضت المدّة، انفسخت الإجارة؛ لفوات المعقود عليه، و العاقد قد أتلف المعقود عليه قبل تسليمه، فانفسخ العقد، كما لو باعه طعاما فأتلفه قبل تسليمه، و به قال الشافعي و أحمد(3).

و لو استوفى المؤجر المنافع بأسرها طول المدّة، فالأقرب: إنّ للمستأجر الخيار بين الفسخ؛ لتعذّر استيفاء المنفعة من قبل المؤجر، و بين إلزام المؤجر بأجرة المثل، كالأجنبيّ.

و للشافعيّة طريقان:

أحدهما: إنّه كما لو أتلف البائع المبيع قبل القبض.

و الثاني: القطع بالانفساخ؛ فرقا بأنّ الواجب هناك بالإتلاف القيمة،

ص: 300


1- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «ألزم» و المثبت كما في المصدر.
2- العزيز شرح الوجيز 176:6، روضة الطالبين 317:4.
3- العزيز شرح الوجيز 176:6، روضة الطالبين 317:4، المغني 28:6، الشرح الكبير 114:6.

و أنّها قابلة للبيع، فجاز أن يتعدّى حكم البيع إليها، و هنا ما تقدّر وجوبه أجرة المثل، و أنّها لا تقبل الإجارة، فلا يتعدّى حكم الإجارة إليها(1).

و لو أمسكها المؤجر بعض المدّة ثمّ سلّم، انفسخت الإجارة في المدّة التي تلفت منافعها، و يتخيّر في الفسخ في الباقي؛ لتعدّد الصفقة.

و للشافعي خلاف في الباقي، كالخلاف فيما إذا تلف بعض المبيع قبل القبض، فإن قلنا: لا تنفسخ، فللمستأجر الخيار، و لا يبدل زمان بزمان(2).

و لو لم تكن المدّة مقدّرة و استأجر دابّة للركوب إلى بلد ثمّ لم يسلّمها حتّى مضت مدّة يمكن فيها المضيّ إليه، ففيه للشافعيّة وجهان:

أحدهما: إنّ الإجارة تنفسخ؛ لأنّ المدّة و إن ذكرت فليست معيّنة، و إنّما المطلوب المنفعة فيها، فليكن الاعتبار بمضيّ زمان إمكان الانتفاع، و بأنّ [المكتري](3) لو حبسها هذه المدّة استقرّت عليه الأجرة، كما لو حبسها إلى آخر المدّة إذا كانت مذكورة في الإجارة، فإذا سوّينا بين نوعي الإجارة في حقّ المكتري، وجب أن نسوّي بينهما في حقّ المؤجر.

و أظهرهما عندهم: إنّها لا تنفسخ؛ لأنّ هذه الإجارة متعلّقة بالمنفعة، دون الزمان، و لم يتعذّر استيفاؤها، و يخالف حبس [المكتري](4) فإنّا لو لم نقرّر به الأجرة لضاعت المنفعة على المكتري(5).8.

ص: 301


1- العزيز شرح الوجيز 176:6، روضة الطالبين 317:4.
2- العزيز شرح الوجيز 176:6، روضة الطالبين 317:4.
3- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «المشتري». و هو تصحيف.
4- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «المشتري». و هو تصحيف.
5- الوسيط 202:4-203، العزيز شرح الوجيز 176:6-177، روضة الطالبين 317:4-318.

و قال بعض الشافعيّة: إنّ للمكتري الخيار؛ لتأخّر حقّه(1).

و منعه باقيهم، و قالوا: لا خيار للمكتري، كما لا خيار للمشتري لو امتنع البائع من تسليم المبيع مدّة ثمّ سلّمه(2).

و لو كانت الإجارة في الذمّة و لم يسلّم ما يستوفى المنفعة منه حتى مضت مدّة يمكن فيها تحصيل تلك المنفعة، فلا فسخ و لا انفساخ بحال؛ فإنّه دين تأخّر إيفاؤه.

مسألة 732: لو استأجر دارا ليسكنها سنة - مثلا - فسكنها شهرا ثمّ تركها و سكنها المالك بقيّة السنة أو آجرها لغيره،

مسألة 732: لو استأجر دارا ليسكنها سنة - مثلا - فسكنها شهرا ثم تركها و سكنها المالك بقيّة السنة أو آجرها لغيره، تخيّر المستأجر بين الفسخ في باقي المدّة، و إلزام المالك بأجرة المثل لو سكن.

و لو آجر، فله أيضا إلزامه بالأجرة الثانية.

و لو استأجر دارا سنة فسكنها شهرا و تركها شهرا و سكن المالك عشرة أشهر، لزم المستأجر أجرة شهرين، و تخيّر في عشرة الأشهر التي سكنها المالك بين فسخ العقد فيها فيرجع بالحصّة من المسمّى بعد التقسيط، و بين أن يرجع بأجرة المثل.

فلو اختار أجرة المثل و كان بقدر المسمّى في العقد، لم يجب على المستأجر شيء.

و إن فضل منه فضلة، وجب على المالك أداؤها إلى المستأجر.

مسألة 733: لو استأجر عقارا مدّة سنة فسكن بعضها ثمّ أخرجه المالك و معه من تمام السكني

مسألة 733: لو استأجر عقارا مدّة سنة فسكن بعضها ثمّ أخرجه المالك و معه من تمام السكني

ص: 302


1- الغزالي في الوسيط 203:4، و عنه في العزيز شرح الوجيز 177:6، و روضة الطالبين 318:4.
2- العزيز شرح الوجيز 177:6، روضة الطالبين 318:4.

المالك و منعه من تمام السكنى، وجب على المستأجر أجرة ما سكن بالحصّة؛ لأنّه استوفى ملك غيره على سبيل المعاوضة، فلزمه عوضه، كالمبيع إذا استوفى بعضه و منعه المالك عن باقيه، و كما لو تعذّر استيفاء الباقي لأمر غالب، و هو قول أكثر العلماء و المحصّلين(1).

و قال أحمد: إذا أخرجه المالك و منعه تمام السكنى، فلا شيء له من الأجر؛ لأنّه لم يسلّم إليه ما عقد الإجارة عليه، فلم يستحقّ شيئا، كما لو استأجره ليحمل له كتابا إلى موضع فحمل بعض الطريق، أو استأجره ليحفر له عشرين ذراعا فحفر له عشرة و امتنع من حفر الباقي(2).

و نمنع الملازمة الأولى؛ لأنّه سلّم البعض، فاستحقّ بقدره.

و نمنع الأصل في الموضعين.

و لو استأجر دابّة فامتنع مالكها من تسليمها بعض المدّة، وجب عليه دفع أجرة ما استعملها، خلافا لأحمد(3).

و كذا لو آجر نفسه أو عبده للخدمة مدّة و امتنع من إتمامها، أو آجر نفسه لبناء حائط في العقار و امتنع من تسليمه، استحقّ في ذلك كلّه بالنسبة.

و قال أحمد: لا يستحقّ شيئا ألبتّة(4).

و هو خطأ؛ لأنّه قد استوفى منافع العين على جهة المعاوضة، فلا بدّ من لزوم العوض.

و يلزم على قوله أنّه لو بقي من الأجل ساعة واحدة ثمّ أخرجه أن6.

ص: 303


1- المغني 28:6 و 29، الشرح الكبير 115:6.
2- المغني 28:6 و 29، الشرح الكبير 115:6.
3- المغني 29:6، الشرح الكبير 115:6.
4- المغني 29:6، الشرح الكبير 115:6.

لا يستحقّ المالك شيئا، و هو في غاية الظلم.

مسألة 734: لو استأجر دابّة فشردت أو أجيرا فهرب أو أخذ المؤجر العين و هرب بها أو منعه من استيفاء المنفعة منها،

لم تنفسخ الإجارة بمجرّد ذلك، لكن يثبت للمستأجر خيار الفسخ، فإن فسخ فلا بحث، و إن لم يفسخ انفسخت الإجارة بمضيّ المدّة يوما فيوما.

و إن عادت العين في أثناء المدّة، استوفى ما بقي منها.

و إن انقضت المدّة، انفسخت الإجارة؛ لفوات المعقود عليه.

و إن كان التفويت من المالك، تخيّر المستأجر بين الفسخ، و إلزامه بأجرة المثل.

و لو كانت الإجارة على عمل موصوف في الذمّة - كخياطة ثوب أو بناء حائط - استأجر الحاكم من ماله من يعمله، فإن تعذّر كان للمستأجر الفسخ، فإن فسخ فلا كلام، و إن لم يفسخ صبر إلى أن يقدر عليه، و يطالبه بالعمل.

و لو عمل الأجير بعض العمل ثمّ انهزم أو منع المؤجر المستأجر من الانتفاع في أثناء المدّة، كان له من الأجرة بنسبة ما مضى، خلافا لأحمد(1).

و لو شردت الدابّة أو تعذّر استيفاء المنفعة بغير فعل المؤجر، فله من الأجر بقدر ما استوفى بكلّ حال.

و لو مرض الأجير و تعذّر استيفاء العمل منه، بطلت الإجارة إن تعلّقت بالعين؛ لأنّ الإجارة وقعت على نفسه، لا على شيء في ذمّته، بل على عمل نفسه، و عمل غيره ليس بمعقود عليه، فأشبه ما لو اشترى شيئا معيّنا

ص: 304


1- المغني 30:6، الشرح الكبير 116:6.

و لم يدفعه و دفع غيره، و لا يلزم المستأجر قبول ذلك؛ لأنّ العوض في مقابلة تلك العين.

و إن كان على عمل في الذمّة، استؤجر من يقوم مقامه، فإن تعذّر، كان للمستأجر الفسخ.

مسأله 735: لو آجر جماله ليسافر المستأجر بها فهرب الجمّال، فإمّا أن يهرب بها، أو يتركها عند المستأجر.

فإن ذهب بها، فإن كانت الإجارة في الذمّة رفع أمره إلى الحاكم، فإذا ثبت عنده (حاله)(1) استأجر الحاكم عليه من ماله [جمالا و](2) من يقوم مقام الجمّال في الإنفاق على الجمال و الشدّ عليها و حفظها و فعل ما يلزم الجمّال فعله، فإن لم يجد له مالا، اقترض عليه إمّا من أحد أو من بيت المال أو من المستأجر، و استأجر عليه؛ لأنّه أمر ثبت في ذمّة الجمّال، و تعذّر استيفاؤه منه؛ لتعيينه، فكان على الحاكم المنصوب للمصالح الاستيفاء من أمواله إن كانت، و أن يقترض إن لم تكن؛ لأنّه من مصلحة المستأجر.

و لو اقترض الحاكم إمّا من المستأجر أو من غيره، كان ذلك دينا في ذمّة الجمّال يستوفى منه مع حضوره.

و هل للحاكم تفويض الأمر إلى المستأجر في الاكتراء ليكتري لنفسه عن الجمّال ؟ الأقرب: الجواز، كغيره من الناس.

و منع بعض الشافعيّة منه؛ لأنّه يكون وكيلا في حقّ نفسه، كماة.

ص: 305


1- بدل ما بين القوسين في الطبعة الحجريّة: «حالة المستأجر».
2- ما بين المعقوفين يقتضيه سياق العبارة.

لا يجوز أن يقبض من نفسه لنفسه(1).

و الحكم في الأصل ممنوع.

و إن تعذّر الاقتراض؛ لعدم المقرض و عدم المال في بيت المال، أو كان و احتيج إليه لأهمّ من ذلك، أو لم يجد المستأجر حاكما، أو وجد حاكما و تعذّر عليه إثبات ذلك عنده، كان للمستأجر فسخ العقد؛ لأنّه تعذّر عليه قبض المعقود عليه، فأشبه ما لو انقطع المسلم فيه عند محلّه، و إن شاء أقام على الإجارة، فإن اختار الفسخ فسخ عليه، و كانت الأجرة دينا له على الجمّال، و إن اختار المقام على العقد كان له، فإذا عاد الجمّال كان له مطالبته بظهر يركبه.

و إن كان العقد على مدّة انقضت في هربه، انفسخ العقد بذلك.

و إن كان العقد على بهيمة بعينها، لم يكن للحاكم أن يكتري له غيرها؛ لأنّ الحقّ تعلّق بعينها، إلاّ أنّه قد تعذّر عليه استيفاء المنفعة، فهو بالخيار إن شاء فسخ الإجارة، و تكون له الأجرة، فإن كانت في ماله، أخذها الحاكم و دفعها، و إن لم تكن موجودة، دفع إليه بدلها في ماله.

فإن لم يظهر له مال، فالأقرب: إنّ للحاكم الاقتراض عليه، و دفع مال القرض إلى المستأجر.

و منعه بعض الشافعيّة و قال: إن لم يظهر له مال، لم يقترض الحاكم عليه؛ لأنّ الحقّ في ذمّته، و إذا استدان عليه، كان الحقّ للمقترض في ذمّته،4.

ص: 306


1- الحاوي الكبير 422:7، البيان 298:7، العزيز شرح الوجيز 174:6، روضة الطالبين 315:4.

فلا فائدة في نقل الحقّ من واحد إلى واحد، و يفارق المنفعة؛ لأنّها من غير جنس المقترض، و قد تفوت بتأخيرها أيضا(1).

و ليس بجيّد؛ لأنّ المستأجر قد يحتاج إلى ماله و المقرض قد يستغني عنه، فاقتضت الحكمة الاقتراض عليه، دفعا لحاجة المستأجر.

و إن لم يفسخ المستأجر العقد، فإن كانت الإجارة متعلّقة بمدّة، انفسخ العقد بمضيّها، و إن كانت مقدّرة بالعمل، فإذا عاد الجمّال بجماله استوفاها.

و لو عاد بعد مضيّ بعض المدّة، انفسخ العقد فيما مضى، و يتخيّر المستأجر في الباقي.

و للشافعيّة في الباقي طريقان تقدّما(2).

و لو هرب الجمّال خاصّة و ترك الجمال عند المستأجر، فإنّ الجمال تحتاج إلى مؤونة و من يقوم بما تحتاج إليه من خدمتها، فيرفع المستأجر أمره إلى الحاكم، فإن وجد له مالا أنفق منه، و إن لم يجد له مالا غيرها استقرض من بيت المال أو من بعض الناس أو من المستأجر إن لم يكن فيها فضل عن الكراء، و إن كان فيها فضل، باعه و أنفقه عليها و على من يتعهّدها.

و إذا لم يجد من يقرضه سوى المستأجر، فإن قبضه منه و أنفقه عليها جاز، و إن أمره أن ينفقه بنفسه فكذلك يجوز عندنا.ي.

ص: 307


1- البيان 299:7.
2- فيما تقدّم في ص 277، ضمن المسألة 716 قولان في الماضي، لا الباقي.

و للشافعي قولان:

أحدهما كما قلناه؛ لأنّ إقامة أمين في ذلك تشقّ و تتعذّر؛ لأنّه يحتاج إلى الإنفاق في طريقه، فجوّز له ذلك، كما يجوز لمن كان له دين على من لا يصل إليه، فإنّه يجوز له أن يأخذ من ماله شيئا، و يتولّى بيعه لموضع الحاجة، كذا هنا.

و الثاني: لا يجوز؛ لأنّه إذا كان أمينا في ذلك، وجب قبول قوله في حقّ يجب له، و الأمين لا يقبل قوله فيما يستحقّه، و إنّما يقبل قوله في إسقاط غرم عنه(1).

و كذا إذا اقترض من غيره هل يجعله أمينا؟ عندنا يجوز، و عند الشافعي قولان(2).

و إذا قلنا: لا يردّ ذلك إليه فردّه إليه، قال أصحاب الشافعي: يكون متطوّعا، و لا يرجع به؛ لأنّه بمنزلة من ينفق بغير إذن الحاكم(3).

و إن قلنا: يجوز ذلك - و هو أظهر القولين - فأنفق و ادّعى نفقة، نظر فإن كان الحاكم قدّر له النفقة، قبل قوله فيما قدّر له(4) الحاكم، و لم يقبل قوله فيما زاد على ذلك.

و إن لم يقدّر الحاكم، فإن ادّعى نفقة المعروف فالقول قوله مع يمينه».

ص: 308


1- المهذّب - للشيرازي - 408:1، نهاية المطلب 152:8-153، بحر المذهب 296:9، حلية العلماء 408:5، التهذيب - للبغوي - 464:4-465، البيان 7: 300، العزيز شرح الوجيز 174:6-175، روضة الطالبين 315:4.
2- لم نتحقّقهما في مظانّهما.
3- بحر المذهب 296:9.
4- في «د، ص»: «قدّره» بدل «قدّر له».

إن أنكر ذلك الجمّال، و إن ادّعى زيادة النفقة على المعروف لم يرجع بها؛ لأنّه متطوّع بذلك.

و أمّا إن أنفق بغير إذن الحاكم، نظر فإن كان قد قدر على الحاكم، لم يرجع بما أنفق؛ لأنّه متبرّع.

و إن كان لم يقدر على الحاكم، فإن أنفق من غير شرط الرجوع و الإشهاد لم يرجع أيضا؛ لأنّا لا نعلم أنّه لم يتبرّع، و لا يقبل قوله في إيجاب الرجوع له على غيره.

و إن أشهد على الإنفاق بشرط الرجوع، رجع؛ لأنّه موضع ضرورة، فقام ذلك مقام الإذن له، و هو أحد وجهي الشافعيّة.

و الثاني: إنّه لا يرجع؛ لأنّه لم ينفق بإذن من له الإذن، فلا يرجع به(1).

و ليس بجيّد؛ لأدائه إلى إتلاف ماله و مال الغير.

و لو(2) نوى الرجوع و لم يشهد، فإن كان لتعذّر الشهود، فالوجه:

الرجوع؛ لأنّها حالة ضرورة.

و إن تمكّن من الإشهاد، احتمل الرجوع أيضا؛ لأنّ ترك الجمال مع العلم بأنّها لا بدّ لها من النفقة إذن في الإنفاق، و عدمه؛ لأنّه يثبت لنفسه حقّا على غيره.

و لو قدر على استئذان الحاكم و أنفق من غير استئذانه و أشهد في ذلك، ففي رجوعه وجهان.».

ص: 309


1- البيان 301:7.
2- في «ر» و الطبعة الحجريّة: «و إن» بدل «و لو».

إذا عرفت هذا، فإذا انقضت مدّة الإجارة و رجع الجمّال، طولب بما عليه، و سلّمت الجمال إليه، و إن لم يعد، كان للحاكم أن يبيع منها بقدر ما حصل على صاحبها من الدّين المقترض، و يدفع الدّين، فإن بقي منها شيء، كان ذلك إلى رأي الحاكم إن رأى أن يبيعه ليحفظ ثمنه على صاحبه - لأنّه متى أبقاها أكلت بعضها بعضا، لأنّه يحتاج إلى أن يبيع منها و ينفق على الباقي - فعل ذلك، و إن رأى تبقيتها ليعود صاحبها، فعل.

و إذا مات الجمّال، فحكمه حكم هربه، و لا تنفسخ الإجارة عندنا بالموت، و له أن يركبها، و لا يسرف في علفها و لا يقصّر، و يرجع بذلك في مال المتوفّى.

و إن لم يكن في يد المستأجر ما ينفق، لم يجز له أن يبيع منها شيئا؛ لأنّ البيع إنّما يجوز من المالك أو نائبه أو ممّن له ولاية عليه.

تذنيب: و على القول بالرجوع فيما أنفق بغير مراجعة الحاكم لتعذّره أو لتعذّر الإثبات عنده أو لغير ذلك فلو اختلفا، فالقول قول الجمّال؛ لأنّ إنفاق المستأجر لم يستند إلى ائتمان من جهة الحاكم.

و فيه احتمال؛ لأنّ الشارع سلّطه عليه.

و إذا انقضت مدّة الاجارة و لم يرجع الجمّال، باع الحاكم منها ما يقضى بثمنه ما اقترض، و يحفظ سائرها، و إن رأى بيعها لئلاّ تأكل نفسها، فعل.

مسألة 736: يجوز لوليّ الطفل إجارته و إجارة ما يرى من أمواله، سواء كان أبا أو جدّا للأب أو وصيّا أو قيّما من جهة الحاكم مع المصلحة له في ذلك

مسألة 736: يجوز لوليّ الطفل إجارته و إجارة ما يرى من أمواله، سواء كان أبا أو جدّا للأب أو وصيّا أو قيّما من جهة الحاكم مع المصلحة له في ذلك، لكن لا تجاوز مدّة بلوغه بالسنّ، فلو آجره مدّة يبلغ في أثنائها،

ص: 310

مثل أن كان له تسع سنين فيؤجره عشر سنين، بطل الزائد على مدّة البلوغ، و فيما لا يزيد يتخيّر المستأجر بين الفسخ لتبعّض الصفقة عليه، و بين الإمضاء بقدر نصيبه من مال الإجارة.

و للشافعيّة طريقان:

قال أكثرهم: تبطل فيما يزيد على مدّة البلوغ، و فيما لا يزيد قولا تفريق الصفقة.

و قطع بعضهم بالبطلان، كما إذا آجر الراهن الرهن مدّة يحلّ الدّين قبل انقضائها(1).

و يجوز أن يؤجره مدّة لا يبلغ فيها بالسنّ و إن احتمل أن يبلغ فيها بالاحتلام؛ لأنّ الأصل دوام الصغر.

فلو اتّفق الاحتلام في أثنائها، فللشافعيّة وجهان:

أظهرهما: إنّ الإجارة تبقى - و هو قول الشيخ رحمه اللّه في الخلاف(2) - لأنّه كان وليّا حين تصرّف، و قد بنى تصرّفه على المصلحة، فتلزم، كما لو زوّجه ثمّ بلغ، و لأنّ الإجارة عقد لازم عقده من له عقده بحقّ الولاية، فلم تبطل بالبلوغ، كما لو باع داره.

و الثاني: إنّ الاجارة تنفسخ في الزائد - و هو المعتمد عندنا، إلاّ أن يجيز الصبي بعد البلوغ فتلزم - لأنّا تبيّنّا أنّه قد زاد على مدّة ولايته، و قد تصرّف في منافع لا يملك التصرّف فيها، و لا ولاية له عليه فيها، فأشبه ما1.

ص: 311


1- بحر المذهب 273:9، حلية العلماء 425:5، البيان 328:7، العزيز شرح الوجيز 179:6، روضة الطالبين 319:4.
2- الخلاف 500:3، المسألة 21.

إذا عقد عليه بعد البلوغ(1).

و قال بعض الشافعيّة: ينظر فيما عقد عليه الأب من المدّة، فإن تحقّق أنّه يبلغ قبل انقضائها، مثل أن يكون له أربع عشرة سنة فيؤجره سنتين، فإنّه يبلغ بتمام خمس عشرة سنة، فلا يصحّ العقد في إحداهما، و هل يصحّ في الأخرى ؟ مبنيّ على تفريق الصفقة.

و إن كانت مدّة لا يتحقّق بلوغه فيها، فلا يلزم الصبي بعقد الولي؛ لأنّ ذلك يؤدّي إلى أن يعقد على منافعه طول عمره، و لا يشبه هذا النكاح، فإنّ النكاح لا يمكن تقدير مدّة فيه، و إنّما يعقد للأبد(2).

و قال أبو حنيفة: إذا بلغ الصبي، ثبت له الخيار؛ لأنّه عقد على منافعه في حال لا يملك التصرّف على نفسه، فإذا ملكه ثبت له الخيار، كالأمة إذا عتقت تحت عبد(3).

و قد اختلفت عبارة الشافعيّة، فتارة قالوا بالانفساخ، و تارة: «تبيّن البطلان»(4).

و على القول ببقاء الإجارة هل يثبت - عندهم - للصبي خيار الفسخ إذا بلغ ؟4.

ص: 312


1- الوسيط 204:4، التهذيب - للبغوي - 440:4، العزيز شرح الوجيز 179:6، روضة الطالبين 319:4.
2- حلية العلماء 425:5-426، البيان 328:7.
3- مختصر اختلاف العلماء 1795/109:4، بدائع الصنائع 178:4، المغني 6: 52، الشرح الكبير 54:6، بحر المذهب 273:9، حلية العلماء 426:5، العزيز شرح الوجيز 179:6.
4- نهاية المطلب 117:8، العزيز شرح الوجيز 179:6، روضة الطالبين 319:4.

أظهرهما: لا، كما لو زوّج ابنته ثمّ بلغت، لا خيار لها.

و الثاني: يثبت - و به قال أبو حنيفة - لأنّ التصرّف كان لمصلحته، و هو أعرف بمصلحته بعد البلوغ(1).

تذنيب: لو آجر الولي مال المجنون فأفاق في أثناء المدّة، فهو في معنى البلوغ بالاحتلام.

تذنيب آخر: لو مات الولي المؤجر للصبي و ماله أو عزل و انتقلت الولاية إلى غيره، لم يبطل عقده؛ لأنّه تصرّف، و هو من أهل التصرّف في محلّ ولايته، فلم يبطل تصرّفه بموته أو عزله، كما لو مات ناظر الوقف أو عزل أو مات الحاكم بعد تصرّفه فيما له النظر فيه.

و يفارق ما لو آجر الموقوف عليه الوقف مدّة ثمّ مات في أثنائها، فإنّه آجر ملك غيره بغير إذنه في مدّة لا ولاية له فيها، و هنا إنّما يثبت للوليّ الثاني الولاية في التصرّف فيما لم يتصرّف فيه الأوّل، و هذا العقد قد تصرّف فيه الأوّل فلم تثبت للثاني ولاية على ما تناوله.

مسألة 737: العقود الناقلة المتجدّدة لا تبطل عقد الإجارة السابق عليها،

مسألة 737: العقود الناقلة المتجدّدة لا تبطل عقد الإجارة السابق عليها، فلو آجر عبده مدّة ثمّ أعتقه في أثنائها، صحّ العتق و نفذ قولا واحدا لا نعلم فيه خلافا؛ لأنّ المغصوب و الآبق لو أعتقهما نفذ، فهذا أولى، و لأنّ الحيلولة لا تمنع العتق، كالعبد المغصوب.

و لا تبطل الإجارة عند علمائنا - و هو أصحّ قولي الشافعي(2) - لأنّ

ص: 313


1- التهذيب - للبغوي - 440:4، العزيز شرح الوجيز 179:6، روضة الطالبين 4: 320، و راجع: أيضا الهامش (3) من ص 312.
2- الحاوي الكبير 404:7، المهذّب - للشيرازي - 414:1، نهاية المطلب 8:

السيّد أزال ملكه عن المنافع مدّة الإجارة قبل العتق، فالإعتاق يتناول ما بقي ملكا له، و لأنّه آجر ملكه ثمّ طرأ ما يزيل الملك، فأشبه ما إذا آجر ثمّ مات.

و قال بعض الشافعيّة: إنّ الإجارة تنفسخ، كما إذا مات البطن الأوّل(1).

و الصحيح عندهم: عدم الفسخ(2).

إذا ثبت هذا، فإنّ العقد يلزم العبد، و لا خيار له بعد العتق في فسخه؛ لأنّ المؤجر تصرّف في ملكه الخالص لنفسه، فلا وجه للاعتراض عليه، و هو أصحّ وجهي الشافعيّة.

و الثاني: إنّ له الفسخ، كما إذا أعتقت الأمة تحت الزوج الرقيق(3).

و ليس بجيّد؛ لأنّ العقد وقع لازما، فلا يملك إبطاله بالعتق، بخلاف النكاح؛ لتضمّنه الاستمتاع التابع للشهوة.

إذا تقرّر هذا، فإنّ العبد لا يرجع على السيّد بأجرة باقي المدّة بعد العتق؛ لأنّ السيّد تصرّف في منافعه تصرّفا كان يملكه، فإذا طرأت الحرّيّة لم يملك الرجوع عليه، كما لو كانت أمة فتزوّجها و استقرّ مهرها بالدخول ثمّ أعتقها، فإنّ ما يستوفيه الزوج بعد العقد لا يرجع به على السيّد، و هذا قول الشافعي في الجديد، و هو أصحّ القولين عندهم.

و قال في القديم: إنّ العبد يرجع بأجرة المثل على سيّده عن مدّة

ص: 314


1- نهاية المطلب 118:8، بحر المذهب 274:9، الوجيز 239:1، الوسيط 4: 205، العزيز شرح الوجيز 180:6، روضة الطالبين 320:4.
2- 117 و 118، بحر المذهب 273:9، الوجيز 239:1، الوسيط 205:4، حلية العلماء 5: 424، العزيز شرح الوجيز 179:6، روضة الطالبين 320:4.
3- نهاية المطلب 118:8، الوجيز 239:1، الوسيط 205:4، العزيز شرح الوجيز 180:6، روضة الطالبين 320:4.

الحرّيّة؛ لأنّ المنافع تستوفى منه قهرا بسبب كان من جهة السيّد، فيرجع بها عليه، كما إذا أكرهه على عمل(1).

و الفرق: إنّ المكره متعدّ بالإكراه.

و على القول بالقديم فإنّ نفقة العبد في مدّة الحرّيّة على نفسه إذا لم تشترط على المستأجر؛ لأنّه مالك لمنفعته.

و على الثاني(2) فوجهان:

أحدهما: إنّها على السيّد؛ لإدامته الحبس عليه، و لأنّه كالباقي على ملكه من حيث إنّ منافعه له، و لأنّ نفقته ليست عليه؛ لعدم قدرته على منافعه؛ لأنّه مشغول بالإجارة، و لا على المستأجر؛ لأنّه لم يشرط عليه النفقة، و قد استحقّ منفعته بعوض [غير](3) نفقته فلم يبق إلاّ المعتق.

و أشبههما عندهم: إنّها في بيت المال - و هو الذي يقتضيه مذهبنا - لأنّ ملك السيّد قد زال عنه، و هو عاجز عن تعهّد نفسه(4).

مسألة 738: قد بيّنّا أنّ الإجارة تقع لازمة جميع المدّة و إن أعتق في اثناها لانه عقد لازم من جهة من ملك العقد

مسألة 738: قد بيّنّا أنّ الإجارة تقع لازمة جميع المدّة و إن أعتق في اثناها لانه عقد لازم من جهة من ملك العقد

ص: 315


1- المهذّب - للشيرازي - 414:1، نهاية المطلب 118:8-119، بحر المذهب 274:9، الوسيط 205:4، حلية العلماء 424:5، التهذيب - للبغوي - 4: 437، البيان 321:7-322، العزيز شرح الوجيز 180:6، روضة الطالبين 4: 320، المغني 53:6، الشرح الكبير 55:6.
2- أي: القول الجديد للشافعي.
3- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «عن». و المثبت هو الصحيح.
4- المهذّب - للشيرازي - 414:1، الوجيز 239:1، الوسيط 205:4، حلية العلماء 425:5، التهذيب - للبغوي - 437:4، البيان 322:7، العزيز شرح الوجيز 180:6، روضة الطالبين 320:4.

أثنائها - و هو أصحّ قولي الشافعيّة(1)بحر المذهب 274:9، المغني 53:6، الشرح الكبير 55:6.(2)العزيز شرح الوجيز 180:6، روضة الطالبين 320:4.(3) - لأنّه عقد لازم من جهة من ملك العقد، فوجب أن لا يثبت الخيار للمعقود عليه، كما لو زوّج ابنه أو ابنته ثمّ بلغا.

و قال أبو حنيفة: يثبت للعبد الخيار، كالأمة إذا أعتقت تحت زوج(2).

و الفرق: إنّ الأمة إنّما يثبت لها الخيار لأجل نقصه و كمالها.

و لو ظهر للعبد عيب بعد العتق و فسخ المستأجر الإجارة، فإن قلنا:

إنّ العبد إذا عتق يرجع على السيّد بأجرة المثل، فالمنافع هنا للعبد، و إن قلنا: إنّه لا يرجع، فهل المنافع هنا للعبد أو للسيّد؟ فيه احتمال، و للشافعيّة وجهان(3).

و لو آجر عبده و مات و أعتقه الوارث في المدّة، ففي انفساخ الإجارة ما سبق من الخلاف، لكن إذا قلنا بعدم الانفساخ، فلا خلاف هنا في أنّه لا يرجع على المعتق بشيء.

و لو آجر أمّ ولده و مات في المدّة، عتقت، و في بطلان الإجارة الخلاف المذكور فيما إذا آجر البطن الأوّل و مات.

و كذا الحكم في إجارة المعلّق عتقه بصفة، و إنّما تجوز إجارته مدّة لا يتحقّق وجود الصفة فيها، فإن تحقّق فهو كإجارة الصبي مدّة يتحقّق بلوغه فيها.

و كتابة العبد المؤجر جائزة.4.

ص: 316


1- راجع: الهامش
2- من ص 313، و الهامش
3- من ص 314.

و للشافعيّة قولان، أحدهما: المنع؛ لأنّه لا يمكنه التصرّف لنفسه(1).

و ليس بجيّد؛ لإمكان أن يأخذ من الصدقات أو يقترض ما يدفعه في مال الكتابة، أو يسقط المولى عنه مالها، أو يسقط المستأجر منافعه.

فعلى ما اخترناه من الجواز يجيء الخلاف في الخيار للعبد و في الرجوع على السيّد.

مسألة 739: إذا آجر عينا ثمّ باعها على المستأجر، صحّ البيع إجماعا؛

مسألة 739: إذا آجر عينا ثمّ باعها على المستأجر، صحّ البيع إجماعا؛ لأنّه عقد بيع صادف ملكا، فصحّ، كغيره، و لأنّ الملك في الرقبة خالص له، و عقد الإجارة إنّما ورد على المنفعة، فلا يمنع من بيع الرقبة، كما أنّ تزويج الأمة لا يمنع من بيعها، و لأنّ التسليم غير متعذّر.

لا يقال: أ لستم قلتم: إنّ المبيع قبل القبض لا يجوز بيعه من البائع و لا من غيره، فألاّ سوّيتم هاهنا بين المستأجر و غيره ؟

لأنّا نقول: هذا لا يلزمنا؛ لأنّا نقول بالتسوية بينهما على ما يأتي، و إنّما يرد على الشافعي؛ حيث فرّق في أحد القولين، و الفرق عنده: إنّ المانع من البيع أنّ العين لا تدخل في ضمان المشتري، و ذلك موجود في بيعها من البائع، و المانع من الإجارة الحيلولة، و ذلك غير موجود إذا كان المشتري هو المستأجر(2).

إذا ثبت هذا، فهل تبطل الإجارة، أم لا؟ الحقّ عندنا أنّها لا تبطل

ص: 317


1- العزيز شرح الوجيز 181:6، روضة الطالبين 321:4.
2- راجع: الحاوي الكبير 403:7، و المهذّب - للشيرازي - 414:1، و بحر المذهب 274:9 و 275، و حلية العلماء 427:5-428، و التهذيب - للبغوي - 438:4، و البيان 322:7-323، و العزيز شرح الوجيز 181:6 و 185، و روضة الطالبين 321:4 و 323، و المغني 53:6-54، و الشرح الكبير 129:6.

- و هو أصحّ وجهي الشافعيّة(1) - لأنّه ملك المنافع أوّلا بعقد الإجارة ملكا مستقرّا، فلا تبطل بما يطرأ من ملك الرقبة و إن كانت المنافع تتبعها لو لا الملك الأوّل، كما أنّه إذا ملك ثمرة غير موبّرة ثمّ اشترى الشجرة، لا يبطل ملك الثمرة و إن كانت تدخل في الشراء لو لم يملكها أوّلا، و لأنّه ملك المنفعة بعقد و ملك الرقبة مسلوبة المنفعة، فلم يتنافيا، كما يملك الثمرة بعقد ثمّ يملك الأصول، و كذا إذا آجر الموصى له بالمنفعة لمالك الرقبة، صحّ العقد، فدلّ على أنّ ملك المنفعة لا ينافي ملك الرقبة، و كذا لو استأجر المالك العين المستأجرة من مستأجرها، جاز.

و الثاني للشافعيّة: إنّ الإجارة تبطل فيما بقي من المدّة؛ لأنّ ملك الرقبة لمّا منع ابتداء الإجارة منع استدامتها، ألا ترى أنّ الملك لمّا منع ابتداء النكاح منع استدامته، فإنّه كما [لا يجوز أن يتزوّج](2) أمته، كذلك لو اشترى زوجته انفسخ النكاح.

و الأصل فيه: إنّه إذا ملك الرقبة حدثت المنافع على ملكه تابعة للرقبة، و إذا كانت المنافع مملوكة له لم يبق عقد الإجارة عليها، كما أنّه لو كان مالكا في الابتداء لم يصح منه الاستئجار(3).5:

ص: 318


1- الحاوي الكبير 403:7، المهذّب - للشيرازي - 414:1، بحر المذهب 9: 274، الوسيط 206:4، الوجيز 239:1، حلية العلماء 428:5، التهذيب - للبغوي - 438:4، البيان 323:7، العزيز شرح الوجيز 182:6، روضة الطالبين 321:4.
2- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «يجوز أن يزوّج» و المثبت كما في العزيز شرح الوجيز.
3- بحر المذهب 275:9، الوسيط 206:4، الوجيز 239:1، حلية العلماء 5:

و الفرق بين النكاح و المتنازع: إنّ ملك الرقبة في النكاح يغلب ملك المنفعة، ألا ترى أنّ سيّد الأمة إذا زوّجها لا يجب عليه تسليمها و إن قبض الصداق، و في الإجارة ملك المنفعة يغلب ملك الرقبة، فإنّ المؤجر إذا قبض الأجرة يجب عليه تسليم العين، و أيضا فإنّ المؤجر لم يكن مالكا للمنفعة حين باع، فلا تصير المنافع ملكا للمشتري بالشراء، و السيّد مالك لمنفعة بضع الأمة المزوّجة، ألا ترى أنّها لو وطئت بالشبهة يكون المهر له، لا للزوج، فإذا باع تبع منافع البضع المملوكة له رقبتها، و ملكها الزوج بالشراء، فانفسخ النكاح.

إذا ثبت هذا، فإن قلنا بانفساخ الإجارة، فهل يرجع المستأجر على المؤجر بأجرة باقي المدّة ؟ للشافعيّة قولان:

أحدهما: لا يرجع - قاله ابن الحدّاد - لأنّ الإجارة انفسخت بمعنى كان من جهته، فأشبه المرأة إذا ارتدّت، و لأنّ المنافع قائمة في يده، و لأنّه لو اشترى زوجته لا يسقط المهر.

و أصحّهما عندهم: إنّه يرجع؛ لأنّ الأجرة إنّما تستقرّ بسلامة المنفعة للمستأجر على موجب الإجارة، فإذا انفسخت الإجارة سقطت الأجرة، كسائر أسباب الانفساخ، و يخالف المهر؛ فإنّ استقراره لا يتوقّف على سلامة المنفعة للزوج، بدليل ما إذا ماتت، و المرتدّة أتلفت عليه المعقود عليه، مع أنّ ما قالوه يبطل بما إذا تقايلا، فإنّه يرجع بالأجرة(1).4.

ص: 319


1- بحر المذهب 275:9، حلية العلماء 429:5، البيان 324:7، العزيز شرح الوجيز 182:6، روضة الطالبين 321:4.

و لو فسخ المستأجر البيع بعيب، لم يكن له الإمساك بحكم الإجارة؛ لأنّها قد انفسخت بالشراء، و لم يرجع بالأجرة؛ لأنّ الإجارة انفسخت، و سقطت الأجرة، و الردّ بالعيب قطع للملك من حين الردّ.

و لو تلفت العين، لم يرجع على البائع بشيء؛ لأنّ الإجارة غير باقية عند التلف حتى تتأثّر به.

و على الوجه الآخر - و هو أنّ الإجارة لا تنفسخ بالشراء - ففي صورة فسخ البيع بالعيب له الإمساك بحكم الإجارة.

و من قال: تنفسخ و يرجع بالأجرة فيرجع بها.

و لو فسخ عقد الإجارة، رجع على البائع بأجرة بقيّة المدّة، و في صورة التلف تنفسخ الإجارة بالتلف، و حكمه ما تقدّم.

و لو آجرها من رجل و باعها من آخر و قلنا: يصحّ البيع ثمّ حدث بها عيب ففسخ المستأجر الإجارة، رجعت المنفعة إلى صاحب الرقبة - عند بعض الشافعيّة - لأنّ المنفعة تابعة للرقبة، و إنّما استحقّت بعقد الإجارة، فإذا زالت عادت إليه، كما نقول في الأمة المؤجرة إذا طلّقها الزوج(1).

و قال بعضهم: ترجع المنفعة إلى البائع؛ لأنّ المشتري ملك العين مسلوبة المنفعة تلك المدّة، فلا يرجع إليه ما لم يملكه، و لأنّ البائع يستحقّ عوضها على المستأجر، فإذا سقط العوض عاد المعوّض إليه(2).اء

ص: 320


1- نهاية المطلب 93:8، بحر المذهب 275:9، الوسيط 205:4-206، حلية العلماء 429:5، التهذيب - للبغوي - 439:4، البيان 325:7-326، العزيز شرح الوجيز 185:6، روضة الطالبين 324:4، المغني 56:6، الشرح الكبير 132:6.
2- نهاية المطلب 93:8، بحر المذهب 276:9، الوسيط 205:4-206، حلية العلماء
مسألة 740: لو باع المؤجر العين المستأجرة من غير المستأجر، صح ّ

مسألة 740: لو باع المؤجر العين المستأجرة من غير المستأجر، صح عند علمائنا - و به قال مالك و أحمد و الشافعي في أصحّ القولين(1) - و يملكها المشتري مسلوبة المنفعة تلك المدّة؛ لأنّ الإجارة إنّما ترد على المنفعة، فلا تمنع بيع الرقبة، كالتزويج، و لأنّ البيع إنّما وقع على غير المعقود عليه في الإجارة، فلم يغيّر حكم الإجارة، كبيع الأمة المزوّجة.

و لما رواه إبراهيم بن محمّد الهمداني قال: كتبت إلى أبي الحسن عليه السّلام:

سألته عن رجل استأجر ضيعة من رجل فباع المؤجر تلك الضيعة التي آجرها بحضرة المستأجر و لم ينكر المستأجر البيع و كان حاضرا له شاهدا عليه، فمات المشتري و [له](2) ورثة هل يخرج ذلك إلى الميراث(3) ، أم يبقى في يد المستأجر إلى أن تنقضي إجارته ؟ فكتب: «إلى أن تنقضي إجارته»(4).

و الثاني للشافعي: إنّ البيع باطل؛ لأنّ يد المستأجر حائلة تمنع التسليم إلى المشتري، فمنعت الصحّة، كبيع المرهون من غير المرتهن و بيع

ص: 321


1- الإشراف على نكت مسائل الخلاف 1178/663:2، الذخيرة 540:5، الحاوي الكبير 403:7، المهذّب - للشيرازي - 414:1، نهاية المطلب 92:8، بحر المذهب 275:9، الوسيط 205:4، حلية العلماء 427:5، التهذيب - للبغوي - 439:4، البيان 322:7-323، العزيز شرح الوجيز 185:6، روضة الطالبين 323:4، الإفصاح عن معاني الصحاح 33:2 و 34، المغني 53:6، الشرح الكبير 129:6.
2- 429:5، التهذيب - للبغوي - 439:4، البيان 325:7-326، العزيز شرح الوجيز 6: 185، روضة الطالبين 324:4، المغني 56:6، الشرح الكبير 132:6.
3- في المصدر: «هل يرجع ذلك الشيء في الميراث».
4- التهذيب 910/207:7.

المغصوب(1).

قال بعض الشافعيّة: و لا فرق بين أن يأذن المستأجر أو لم يأذن(2).

و الفرق بين المغصوب و المستأجر: إنّ الغصب يمنع التسليم، و يد المستأجر لا تمنع، فافترقا، و لئن منعت التسليم في الحال فلا تمنع في الوقت الذي يجب التسليم فيه، و هو عند انقضاء مدّة الإجارة، و تكفي القدرة على التسليم حينئذ، كالمسلم فيه.

و قال أبو حنيفة: إنّ البيع موقوف على إجازة المستأجر، فإن أجازه جاز، و بطلت الإجارة، و إن ردّ البيع بطل(3).

إذا ثبت هذا، فإنّ البيع يصحّ، و يملك المشتري المبيع مسلوب المنفعة إلى حين انقضاء الإجارة، و لا يستحقّ تسليم العين إلاّ حينئذ؛ لأنّ تسليم العين إنّما يراد لاستيفاء نفعها، و نفعها إنّما يستحقّه إذا انقضت الإجارة، فيصير هذا بمنزلة من اشترى عينا في مكان بعيد، فإنّه لا يستحقّ تسليمها إلاّ بعد مضيّ مدّة يمكن إحضارها فيها، و كالسّلم إلى وقت لا يستحقّ تسليم المسلم فيه إلاّ في وقته.2.

ص: 322


1- الحاوي الكبير 403:7، المهذّب - للشيرازي - 414:1، نهاية المطلب 8: 92، بحر المذهب 275:9، الوسيط 205:4، حلية العلماء 428:5، التهذيب - للبغوي - 438:4-439، البيان 322:7-323، العزيز شرح الوجيز 6: 185، روضة الطالبين 323:4، المغني 53:6-54، الشرح الكبير 129:6، الإفصاح عن معاني الصحاح 34:2.
2- العزيز شرح الوجيز 185:6، روضة الطالبين 323:4.
3- بدائع الصنائع 207:4، المبسوط - للسرخسي - 3:16، بحر المذهب 9: 275، البيان 323:7، العزيز شرح الوجيز 185:6، المغني 54:6، الشرح الكبير 130:6، الإفصاح عن معاني الصحاح 33:2.

و لا تنفسخ الإجارة على ما قلناه، كما لا ينفسخ النكاح ببيع الأمة المزوّجة، و تترك في يد المستأجر إلى انقضاء المدّة.

و لو كانت الإجارة في مدّة لا تتّصل أوقاتها، كما لو استأجر سنة الأيّام دون الليالي، استحقّ المشتري تسليم العين في المدّة التي ليس للمستأجر حقّ الإمساك فيها.

إذا عرفت هذا، فإنّ المشتري إن كان عالما بالحال لم يكن له خيار، فلا فسخ له، و لا أجرة لتلك المدّة.

و إن كان جاهلا بالإجارة، يثبت(1) له الخيار في فسخ البيع و إمضائه مجّانا؛ لأنّ الإجارة تمنعه من استيفاء منافعه، و المنافع هي المقصودة بالبيع، فأشبه العيب.

و لو كان جاهلا فأجاز، كان بحكم العالم.

مسألة 741: لو باع المؤجر العين في مدّة الإجارة و رضي المشتري ثمّ وجد المستأجر بالعين عيبا ففسخ

مسألة 741: لو باع المؤجر العين في مدّة الإجارة و رضي المشتري ثمّ وجد المستأجر بالعين عيبا ففسخ الإجارة بذلك العيب، أو عرض ما تنفسخ به الإجارة، فمنفعة بقيّة المدّة للمشتري عند بعض الشافعيّة؛ لأنّ عقد البيع يقتضي استحقاق المشتري للرقبة و المنفعة جميعا، إلاّ أنّ الإجارة السابقة كانت تمنع منه، فإذا انفسخت خلص المال له بحقّ الشراء، كما إذا اشترى جارية مزوّجة فطلّقها زوجها، تكون منفعة البضع للمشتري، و ليس للبائع الاستمتاع بها و لا تزويجها من الزوج المطلّق(2).

ص: 323


1- في «د، ص»: «ثبت».
2- راجع: الهامش (1) من ص 320.

و قال بعضهم: إنّها للبائع؛ لأنّه لم يملك المشتري منافع تلك المدّة(1)العزيز شرح الوجيز 185:6-186، روضة الطالبين 324:4.(2).

و بنى بعضهم الوجهين على أنّ الردّ بالعيب يرفع العقد من أصله، أو من حينه ؟ إن قلنا بالأوّل، فهي للمشتري، و كأنّ الإجارة لم تكن، و إن كان من حينه، فللبائع؛ لأنّه لم يوجد عند الردّ ما يوجب الحقّ للمشتري(2).

و لو تقايلا الإجارة، فإن جعلنا الإقالة عقدا، فهي للبائع، و إن جعلناها فسخا، فكذلك على أصحّ القولين؛ لأنّها ترفع الحقّ من حينها لا محالة.

و إذا حصل الانفساخ، رجع المستأجر بأجرة بقيّة المدّة على البائع.

و يحتمل(3) أن يقال: يرجع على المشتري.

و ليكن هذا مفرّعا على أنّ المنفعة تكون للمشتري؛ لأنّه رضي بالمبيع ناقص المنفعة، فإذا حصلت له المنفعة، جاز أن يؤخذ منه بدلها.

و الخلاف في بيع المستأجر يجري في هبته. و تجوز الوصيّة به.

مسألة 742: لو باع عينا و استثنى لنفسه منفعتها شهرا أو سنة، صحّ البيع

مسألة 742: لو باع عينا و استثنى لنفسه منفعتها شهرا أو سنة، صحّ البيع و الاستثناء عندنا.

و للشافعيّة فيه طريقان:

أحدهما: إنّه على القولين في بيع الدار المستأجرة؛ لأنّه إذا جاز أن لا تكون المنافع للمشتري مدّة، بل تكون للمستأجر، كذلك جاز أن تكون للبائع؛ لأنّ جابرا باع في بعض الأسفار بعيرا من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله على أن

ص: 324


1- راجع: الهامش
2- من ص 320.
3- في الطبعة الحجريّة: «و يمكن» بدل «و يحتمل».

يكون له ظهره إلى المدينة(1).

و الثاني: القطع بالمنع؛ لأنّ إطلاق البيع يقتضي دخول المنافع التي يملكها البائع في العقد، و الاستثناء يغيّر مقتضاه، فيمنع منه، و في بيع المستأجر المنافع ليست مملوكة للبائع، و أيضا فإنّ استثناء المنفعة اشتراط الامتناع من التسليم الذي هو مقتضى العقد، فلا يمكن أن يقدّر كون البائع نائبا عن المشتري في اليد و القبض، لكن يجوز أن تقام يد المستأجر مقام يد المشتري، و يقال: إنّه يمسك المال لنفسه بالإجارة، فللمالك تملّك الرقبة(2).

و الأظهر: المنع عندهم، سواء ظهر الخلاف أو لا(3).

و نمنع كون الاستثناء يغيّر مقتضى العقد؛ فإنّ مقتضى العقد: دخول المنافع مع الإطلاق، أمّا مع التقييد بشرط عدم الدخول فلا، و ذلك كاستثناء جزء من العين، فلو قال: بعتك هذه الدار إلاّ هذا البيت، صحّ البيع و الاستثناء إجماعا، فكذا لو استثنى المنفعة، بل هنا أولى؛ لأنّ إخراج العارض أقلّ مناقضة من إخراج الذاتيّ المقوّم، و كذا في اشتراط الامتناع من التسليم.

مسألة 743: لو باع العين المستأجرة من المستأجر، فقد قلنا: إنّه يصحّ البيع،

مسألة 743: لو باع العين المستأجرة من المستأجر، فقد قلنا: إنّه يصحّ البيع، و لا تبطل الإجارة على الأقوى، و لا يثبت للمشتري هنا خيار.

هذا إذا كان عالما بالحال، أمّا لو استأجر وكيله من غير علم منه ثمّ

ص: 325


1- صحيح البخاري 248:3، صحيح مسلم 113/1223:3، السنن الكبرى - للبيهقي - 337:5، مسند أحمد 271:4-14071/272، و 14487/336، و 14852/394.
2- العزيز شرح الوجيز 186:6، روضة الطالبين 324:4.
3- العزيز شرح الوجيز 186:6، روضة الطالبين 324:4.

اشترى هو أو بالعكس، أو عقد وكيلان له العقدين و لا شعور للمشتري منهما بالحال، فإنّ المشتري يثبت له الخيار بين الفسخ و الإمضاء، كالأجنبيّ لو اشترى.

و لو كان وكيل الشراء عالما بالحال، فهذا كما لو كان المشتري عالما لا خيار له.

و لو أوصى لزيد برقبة دار، و لعمرو بمنفعتها، فآجرها عمرو من زيد، صحّت الإجارة عندنا.

و للشافعيّة وجهان(1) ، كالخلاف فيما لو باع.

مسألة 744: لو آجر داره من وارثه ثمّ مات فورثه المستأجر، فالحكم فيه كما لو اشتراها في بطلان الإجارة أو بقائها

مسألة 744: لو آجر داره من وارثه ثمّ مات فورثه المستأجر، فالحكم فيه كما لو اشتراها في بطلان الإجارة أو بقائها - و للشافعيّة وجهان(2) - إلاّ أنّه لا فرق في الحكم بين فسخ الإجارة و بقائها.

و إذا قلنا بالفسخ، رجع بالأجرة من تركته قولا واحدا.

و فرّق ابن الحدّاد من الشافعيّة بين الوارث و المستأجر: بأنّ الوارث دخل في ملكه بغير اختياره، فلو استأجر إنسان من أبيه دارا ثمّ مات الأب و خلّف ابنين أحدهما: المستأجر، فإنّ الدار تكون بينهما نصفين، و المستأجر أحقّ بها؛ لأنّ النصف الذي لأخيه الإجارة باقية فيه، و النصف الذي ورثه يستحقّه إمّا بحكم الإجارة أو الميراث، و ما عليه من الأجرة بينهما نصفين، و إن كان أبوه قد قبض الأجرة، لم يرجع بشيء منه على

ص: 326


1- التهذيب - للبغوي - 440:4، العزيز شرح الوجيز 182:6-183، روضة الطالبين 322:4.
2- حلية العلماء 429:5، البيان 324:7، العزيز شرح الوجيز 184:6، روضة الطالبين 322:4.

أخيه، و لا بتركة أبيه، و يكون ما خلّفه أبوه بينهما نصفين؛ لأنّه لو رجع بشيء أفضى إلى أن يكون قد ورث النصف بمنفعته، و ورث أخوه نصفا مسلوب المنفعة، و اللّه تعالى قد سوّى بينهما في الميراث، و لأنّه لو رجع بنصف أجر النصف الذي انتقضت الإجارة فيه لوجب أن يرجع أخوه بنصف المنفعة التي انتقضت الإجارة فيها؛ إذ لا يمكن أن يجمع له بين المنفعة و أخذ عوضها من غيره(1).

مسألة 745: لو آجر المستأجر العين التي استأجرها من المالك للمالك، صحّت الإجارة

مسألة 745: لو آجر المستأجر العين التي استأجرها من المالك للمالك، صحّت الإجارة - و هو أصحّ وجهي الشافعيّة، و هو منصوص الشافعي عندهم(2) - كما يجوز أن يشتري شيئا ثمّ يبيعه من بائعه، و به قال ابن الحدّاد من الشافعيّة(3) ، و عدّ ذلك من مناقضاته؛ لأنّه حكم بانفساخ الإجارة إذا اشترى من المستأجر ما استأجره؛ لامتناع اجتماع الملك و الإجارة، و أنّه لازم هنا، و لا فرق بين أن يكتري ثمّ يملك، و بين أن يملك ثمّ يكتري.

لا يقال: الاستئجار السابق لم يمنع صحّة الشراء اللاحق، كذلك الملك السابق وجب أن لا يمنع صحّة الاستئجار اللاحق، لكن تنفسخ الإجارة إذا حصل الاجتماع، كما انفسخت هناك.

لأنّا نقول: إنّ ما ينفسخ إذا كان سابقا وجب أن لا يصحّ إذا طرأ على ما لا ينقطع، ألا ترى أنّ النكاح لمّا انفسخ إذا كان سابقا لم يصح إذا طرأ

ص: 327


1- بحر المذهب 276:9، حلية العلماء 430:5، العزيز شرح الوجيز 184:6، روضة الطالبين 322:4-323.
2- بحر المذهب 280:9، العزيز شرح الوجيز 183:6، روضة الطالبين 322:4.
3- العزيز شرح الوجيز 183:6.

على الملك(1).

و الوجه الثاني: المنع من صحّة الإجارة - و به قال ابن سريج من الشافعيّة - لاجتماع الإجارة و الملك، و أيضا فإنّ المؤجر مطالب بالتسليم مدّة الإجارة، فإذا اكترى ما أكرى كان مطالبا و مطالبا في عقد واحد، و ذلك لا يحتمل إلاّ في حقّ الأب و الجدّ في مال الصغير(2).

و قد بيّنّا إمكان اجتماع الإجارة و الملك، و نمنع وحدة العقد.

مسألة 746: لو آجر دارا من ابنه و مات الأب في المدّة و لا وارث له سوى الابن المستأجر،

مسألة 746: لو آجر دارا من ابنه و مات الأب في المدّة و لا وارث له سوى الابن المستأجر، و عليه ديون مستغرقة، فإن قلنا: إنّ الوارث لا يملك التركة إذا كان الدّين مستغرقا، بقيت الإجارة بحالها، و إن قلنا: يملك - و هو الأقوى عندي، و الظاهر من مذهب الشافعي(3) - لا تنفسخ الإجارة؛ لإمكان اجتماع الملك و الإجارة، و هو الظاهر من وجهي الشافعيّة(4).

و على قول ابن الحدّاد بالمنع من اجتماعهما تنفسخ الإجارة؛ لأنّ الملك طرأ على الإجارة، كما لو طرأ بطريق الشراء(5).

و إذا انفسخت الإجارة، قال ابن الحدّاد: الابن غريم يضارب بأجرة باقي المدّة مع الغرماء(6).

و هذا خلاف قوله في الشراء: إنّه لا يرجع(7).

فبعض الشافعيّة تكلّف له فرقين:

أحدهما: إنّ الانفساخ في صورة الشراء حصل باختيار المستأجر، و في الميراث لا صنع للمستأجر، فلا يسقط حقّه.

ص: 328


1- العزيز شرح الوجيز 183:6.
2- العزيز شرح الوجيز 183:6.
3- العزيز شرح الوجيز 183:6، روضة الطالبين 322:4.
4- العزيز شرح الوجيز 183:6، روضة الطالبين 322:4.
5- العزيز شرح الوجيز 183:6، روضة الطالبين 322:4.
6- العزيز شرح الوجيز 183:6، روضة الطالبين 322:4.
7- العزيز شرح الوجيز 183:6، روضة الطالبين 322:4.

و الثاني: إنّ الإجارة هناك و إن انفسخت فلا تخرج المنافع من يده، و هنا تخرج؛ لأنّ الدار تباع في الديون(1).

و هما ضعيفان.

أمّا الأوّل: فلأنّه لا فرق في سقوط الأجرة بين أن تفوت المنافع و يحصل الانفساخ بفعله أو لا بفعله، ألا ترى أنّ هدم المستأجر الدار كانهدامها.

و أمّا الثاني: فلأنّ بقاء المنافع هناك ليس من مقتضى الإجارة، بل لأنّها مملوكة بالبيع، و التملّك بغير جهة الإجارة لا يقتضي استقرار عوض الإجارة، و هذا كما لو تقايلا البيع ثمّ وهب البائع المبيع من المشتري، لا يستقرّ عليه الثمن.

و لو مات الأب المؤجر عن ابنين أحدهما المستأجر، فعلى أظهر وجهي الشافعيّة لا تنفسخ الإجارة في شيء من الدار، و يسكنها المستأجر إلى انقضاء المدّة، و رقبتها بينهما بالإرث(2).

و قال ابن الحدّاد: تنفسخ الإجارة في النصف الذي ملكه المستأجر، و له الرجوع بنصف أجرة ما انفسخ العقد فيه؛ لأنّ قضيّة الانفساخ في النصف الرجوع بنصف الأجرة، لكنّه خلّف ابنين و التركة في يدهما، و الدّين الذي يلحقهما يتوزّع، فيخصّ الراجع الربع، و يرجع بالربع على أخيه، فإن لم يترك الميّت شيئا سوى الدار، بيع من نصيب الأخ المرجوع عليه بقدر ما ثبت به الرجوع(3).3.

ص: 329


1- العزيز شرح الوجيز 183:6-184.
2- العزيز شرح الوجيز 184:6، روضة الطالبين 322:4.
3- العزيز شرح الوجيز 184:6، روضة الطالبين 322:4-323.

و هذا مستبعد عند الشافعيّة؛ لأنّ الابن المستأجر ورث نصيبه [بمنافعه، و أخوه ورث نصيبه](1) مسلوب المنفعة، ثمّ قد تكون أجرة مثل الدار في تلك المدّة مثلي ثمنها، فإذا رجع على الأخ بربع الأجرة، احتاج إلى بيع جميع نصيبه، فيكون أحدهما قد فاز بجميع نصيبه، و بيع نصيب الآخر وحده في دين الميّت(2).

و لو لم يخلّف سوى الابن المستأجر و لا دين عليه، فلا فائدة في الانفساخ و لا أثر له؛ لأنّ الكلّ له، سواء أخذ بالإرث، أو مدّة الإجارة بالإجارة، و بعدها بالإرث، و سواء أخذ بالدّين أو بالإرث.

مسألة 747: لو آجر البطن الأوّل الوقف من البطن الثاني و مات المؤجر في المدّة،

مسألة 747: لو آجر البطن الأوّل الوقف من البطن الثاني و مات المؤجر في المدّة، فإن قلنا: لو آجر من أجنبيّ ارتفعت الإجارة، فهنا أولى، و إلاّ فللشافعيّة وجهان من جهة أنّه طرأ الاستحقاق في دوام الإجارة، فأشبه ما إذا طرأ الملك(3).

قال الجويني: و هذه الصورة أولى بارتفاع الإجارة؛ لأنّ المالك يستحقّ المنفعة تبعا للرقبة، و الموقوف عليه يستحقّها مقصودا لا بالتبعيّة(4).

و هذا الترتيب مبنيّ على أنّ الموقوف عليه لا يملك الرقبة، أمّا إذا قلنا:

إنّه يملكها، أمكن أن يقال: هو كالمالك في استحقاق المنفعة تبعا للرقبة.

تذنيب: لو استأجر من المستأجر ثمّ آجره، صحّ، و كذا لو آجر المستأجر الثاني من المالك، و لا فسخ هنا؛ لدخول الثالث بينهما.

و لو باع المالك من المستأجر الثاني، صحّ البيع، و لم تبطل الإجارة.

و هذا الفرع لم نقف عليه لأحد.

ص: 330


1- ما بين المعقوفين أثبتناه من المصدر.
2- العزيز شرح الوجيز 184:6، روضة الطالبين 323:4.
3- العزيز شرح الوجيز 184:6، روضة الطالبين 323:4.
4- العزيز شرح الوجيز 184:6، روضة الطالبين 323:4.

الفصل السادس: في التنازع

مسألة 748: لو اختلفا في الإجارة و عدمها،

مسألة 748: لو اختلفا في الإجارة و عدمها، فالقول قول منكرها، سواء كان هو المؤجر أو المستأجر؛ قضيّة للأصل، و الأخبار الدالّة على تقديم قول المنكر.

فلو ادّعى المتشبّث الإيداع و ادّعى المالك الإجارة، قدّم قول المتشبّث في عدم الاستئجار، و قول المالك في عدم الإيداع، و يثبت الأقلّ من المدّعى و أجرة المثل، و لو كان ذلك قبل مضيّ شيء من المدّة، فلا شيء على المتشبّث.

و لو حصل التداعي في أثناء المدّة، بطلت دعوى الإجارة في الباقي، و يثبت في الماضي ما قلناه، هذا كلّه مع اليمين، و كذا لو ادّعى المالك الإجارة و ادّعى المتشبّث العارية.

و لو ادّعى المالك الإجارة و المتشبّث الغصب، حلف المتشبّث على عدم الإجارة، و لا يحلف المالك على عدم الغصب؛ لأنّ أجرة المثل للمنافع تجب له باعتراف المتشبّث على الغصب.

و لو انعكس الفرض، حلف المالك على عدم الإجارة، و المتشبّث على عدم الغصب، و يثبت الأكثر من مال الإجارة و أجرة المثل.

مسألة 749: لو اختلفا في قدر الأجرة،

مسألة 749: لو اختلفا في قدر الأجرة، فادّعى المالك أنّه آجره بدينار سنة، و قال المستأجر: بل بنصف دينار، قال علماؤنا: يقدّم قول

ص: 331

المستأجر؛ لأنّه منكر للزيادة، فكان القول قوله مع اليمين، و به قال أبو ثور(1).

و قال الشافعي: يتحالفان، و يبدأ بيمين المؤجر؛ لأنّه كالبائع، و الإجارة نوع من البيع، فإذا تحالفا قبل مضيّ شيء من المدّة، فسخ العقد، و رجع كلّ واحد منهما في ماله، و لو رضي أحدهما بما حلف عليه الآخر، أقرّ العقد(2).

و إن فسخا العقد بعد المدّة أو شيء منها، سقط المسمّى، و وجب أجرة المثل، كما لو اختلفا في المبيع بعد تلفه، و به قال أبو حنيفة إن لم يكن عمل العمل، و إن كان عمله، فالقول قول المستأجر فيما بينه و بين أجرة المثل(3).

و قال بعض العامّة: القول قول المالك؛ لقول النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: «إذا اختلف المتبايعان فالقول قول البائع»(4)(5).

و هذا يحتمل أن يريد به إذا اختلفا في المدّة، و أمّا إذا اختلفا في العوض، فالصحيح ما قلناه، على أنّ البيع ليس كالإجارة.

مسألة 750: لو اختلفا في المدّة،

مسألة 750: لو اختلفا في المدّة، فقال: آجرتك سنة بدينار، فقال:

بل سنتين بدينارين، فالقول قول المالك مع يمينه؛ لأنّه منكر للزيادة، فكان القول قوله فيما أنكره.

ص: 332


1- المغني 160:6، الشرح الكبير 152:6.
2- بحر المذهب 338:9، البيان 351:7، العزيز شرح الوجيز 161:6، روضة الطالبين 309:4، المغني 160:6، الشرح الكبير 152:6.
3- المغني 160:6، الشرح الكبير 152:6.
4- سنن الدار قطني 67/20:3، المعجم الكبير - للطبراني - 10365/215:10.
5- المغني 160:6، الشرح الكبير 153:6.

و إن قال: آجرتك سنة بدينار، فقال: بل سنتين بدينار، فهنا قد اختلفا في قدر العوض و المدّة جميعا، فيحتمل تقديم قول المالك، و التحالف؛ لأنّه لم يوجد الاتّفاق منهما على عوض.

و لو قال المالك: آجرتكها سنة بدينار، فقال الساكن: بل استأجرتني على حفظها بدينار، قدّم قول المالك؛ لأنّ الساكن قد استوفى منافع الدار، فيحلف المالك أنّه لم يستأجره، و يحلف الساكن أنّه لم يستأجر الدار، و تلزمه أجرة المثل.

مسألة 751: لو اختلفا في المعقود عليه،

مسألة 751: لو اختلفا في المعقود عليه، فقال: آجرتك الدار بكذا، فقال: بل آجرتني الحمّام بكذا، تحالفا، و سقط مال الإجارة، و إن كان المستأجر قد تصرّف فيما ادّعاه هو أو ادّعاه المالك، كان عليه أجرة المثل.

و كذا لو قال: آجرتك العبد، فقال: بل الجارية.

و لو قال: آجرتك هذا البيت بدينار، فقال: بل آجرتني البيت و باقي الدار بالدينار، احتمل تقديم قول المالك، و التحالف، أمّا لو لم يذكر العوض و لا تنازعا فيه بأن كان قد قبضه المالك و اتّفقا على براءة ذمّة المستأجر منه ثمّ ادّعى أنّه استأجر الدار بأسرها، فقال المالك: بل آجرتك هذا البيت منها خاصّة، فإنّه يقدّم قول المالك قطعا مع اليمين.

مسألة 752: لو اختلفا في ردّ العين المستأجرة إلى المؤجر

مسألة 752: لو اختلفا في ردّ العين المستأجرة إلى المؤجر فادّعاه المستأجر و أنكر المالك، قدّم قول المالك مع يمينه؛ لأصالة عدم الردّ.

و لو اختلفا في ردّ العين التي استؤجر الصانع لعمل صنعة فيها، فالقول قول المالك أيضا؛ لأصالة عدم الردّ.

و لو اختلفا في التعدّي في العين المستأجرة و عدمه، فالقول قول المستأجر مع يمينه؛ لأنّه مؤتمن عليها.

ص: 333

و لما رواه جعفر بن عثمان قال: حمل أبي متاعا إلى الشام مع جمّال فذكر أنّ حملا منه ضاع، فذكرت لأبي عبد اللّه عليه السّلام، فقال: «أتتّهمه ؟» قلت: لا، قال: «لا تضمّنه»(1).

و عن خالد بن الحجّاج(2) أنّه سأل الصادق عليه السّلام: عن الملاّح أحمله الطعام ثمّ أقبضه منه فينقص، فقال: «إن كان مأمونا فلا تضمّنه»(3).

و لأنّ الأصل عدم العدوان، و البراءة من الضمان.

و إن ادّعى أنّ العبد أبق من يده و أنّ الدابّة سرقت أو نفقت، و أنكر المؤجر، فالوجه: تقديم قول المستأجر؛ لأنّه أمين، و لا أجر عليه إذا حلف على التلف عقيب العقد؛ لأصالة عدم الانتفاع، و هو إحدى الروايتين عن أحمد.

و الثانية: إنّ القول قول المالك؛ لأصالة السلامة(4).

و المعتمد: الأوّل.

مسألة 753: لو استأجر عبدا مدّة ثمّ ادّعى أنّ العبد مرض في يده،

مسألة 753: لو استأجر عبدا مدّة ثمّ ادّعى أنّ العبد مرض في يده، نظر فإن جاء به صحيحا، فالقول قول المالك، سواء وافقه العبد أو خالفه، و إن جاء به مريضا، فالقول قول المستأجر - و به قال أبو حنيفة و أحمد(5) - لأنّه إذا جاء به صحيحا فقد ادّعى ما يخالف الأصل، و ليس معه دليل عليه، و إذا جاء به مريضا فقد وجد ما يخالف الأصل يقينا، فكان القول قوله في مدّة المرض؛ لأنّه أعلم بذلك؛ لكونه في يده.

ص: 334


1- الكافي 5/244:5، الفقيه 711/162:3، التهذيب 946/217:7.
2- في التهذيب: «الحجال» بدل «الحجّاج» و الظاهر أنّ ذلك تصحيف.
3- الكافي 2/243:5، التهذيب 947/217:7.
4- المغني 161:6، الشرح الكبير 154:6.
5- المغني 161:6، الشرح الكبير 154:6.

و كذا لو ادّعى إباقه و جاء به غير آبق.

و عن أحمد رواية أخرى: إنّه يقبل قوله في إباق العبد دون مرضه، و به قال الثوري و إسحاق(1).

و الوجه: التسوية بينهما؛ لأنّهما متساويان في تفويت المنفعة، فكانا سواء في دعوى ذلك.

و لو هلكت العين و اختلفا في هلاكها و وقته و مدّته، أو أبق العبد أو مرض و اختلفا في وقت ذلك و مدّته، قدّم قول المستأجر؛ لأنّ الأصل عدم العمل، و لأنّ ذلك حصل في يده و هو أعلم به.

مسألة 754: لو ادّعى الصائغ أو الملاّح أو المكاري هلاك المتاع و أنكر المالك،

مسألة 754: لو ادّعى الصائغ أو الملاّح أو المكاري هلاك المتاع و أنكر المالك، كلّفوا البيّنة؛ لأنّهم ادّعوا خلاف الأصل، فإن فقدت فعليهم الضمان.

و قال بعض علمائنا: يكون القول قولهم مع اليمين؛ لأنّهم أمناء(2) ، و هو أشهر الروايتين.

و قد روى الحلبي عن الصادق عليه السّلام قال: «في الصائغ و القصّار ما سرق منهم من شيء فلم يخرج منه على أمر بيّن أنّه قد سرق فكلّ قليل له أو كثير فهو ضامن، و إن فعل فليس عليه شيء، و إن لم يفعل و لم يقم البيّنة و زعم أنّه قد ذهب الذي ادّعى عليه فقد ضمنه إلاّ أن يكون له على قوله البيّنة»(3).

ص: 335


1- المغني 162:6، الشرح الكبير 154:6.
2- كما في شرائع الإسلام 189:2، و راجع: النهاية: 447، و المراسم: 196، و السرائر 468:2.
3- التهذيب 952/218:7.

و في حديث معاوية بن عمّار - الصحيح - عن الصادق عليه السّلام، قال:

سألته عن الصبّاغ و القصّار، قال: «ليس يضمنان»(1).

قال الشيخ رحمه اللّه: الوجه في هذا الخبر أنّهما لا يضمنان إذا كانا مأمونين، فأمّا إذا اتّهمهما ضمّنهما؛ جمعا بين الأحاديث(2).

إذا عرفت هذا، فلو ادّعى المالك التفريط و أنكروا، فالقول قولهم مع اليمين؛ لأصالة البراءة.

مسألة 755: إذا دفع إنسان إلى خيّاط ثوبا ليقطعه و يخيطه،

مسألة 755: إذا دفع إنسان إلى خيّاط ثوبا ليقطعه و يخيطه، فخاطه قباء، ثمّ اختلفا فقال الخيّاط: هكذا أمرتني، و قال المالك: بل أمرتك أن تقطعه قميصا، أو قال الخيّاط: أمرتني أن أقطعه قميص امرأة، و قال المالك: بل أمرتك أن تقطعه قميص رجل، [قال الشيخ](3) القول قول المالك مع يمينه؛ لأصالة عدم إذنه في قطع ما ادّعاه الخيّاط، فإذا لم يكن هناك بيّنة، فعليه اليمين.

ثمّ قال رحمه اللّه: و لو قلنا: إنّ القول قول الخيّاط؛ لأنّه غارم و ربّ الثوب مدّع عليه قطعا لم يأمره به ليلزمه(4) ضمان الثوب فيكون عليه البيّنة، فإذا فقدت فعلى الخيّاط اليمين، كان قويّا(5).

و هذا يدلّ على تردّده في هذه المسألة.

و المعتمد ما قاله أوّلا؛ لأنّ الخيّاط قد تصرّف في ثوب غيره و ادّعى

ص: 336


1- التهذيب 964/220:7، الاستبصار 477/132:3.
2- التهذيب 220:7، ذيل ح 964.
3- ما بين المعقوفين تقتضيه العبارة حيث إنّها منقولة عن الخلاف للطوسي، مضافا إلى قوله فيما يأتي: «ثمّ قال رحمه اللّه».
4- في «ر» و الخلاف: «فيلزمه».
5- الخلاف 506:3-507، المسألة 34.

الإذن، فالقول قول صاحبه؛ لأنّه المنكر هنا.

و اضطرب قول الشافعي هنا، فإنّه قال في اختلاف العراقيّين: كان ابن أبي ليلى يقول: القول قول الخيّاط، و كان أبو حنيفة يقول: القول قول ربّ الثوب، و هذا أصحّ القولين.

و نقل المزني هذين القولين إلى جامعيه: الكبير و الصغير، ثمّ قال المزني: قال الشافعي: كلا القولين مدخول؛ لأنّ الخيّاط يدّعي الأجرة و ينفي الغرم، و ربّ الثوب يدّعي الغرم و ينفي الأجرة، فلا أقبل قولهما، و أردّهما إلى أصل القياس على السّنّة، فيحلف كلّ واحد منهما لصاحبه، و أردّ الثوب على صاحبه، و لا أجرة للخيّاط و لا غرم عليه.

و قال الشافعي في الإملاء: إذا دفع إلى صبّاغ ثوبا فصبغه أسود، فقال ربّ الثوب: أمرتك بصبغه بالأحمر، و قال الصبّاغ: بل بالأسود، يتحالفان، و على الصبّاغ ما نقص.

و اختلف أصحابه في هذه المسألة على ثلاثة طرق:

أحدها: ما ذهب إليه ابن سريج و أبو إسحاق و غيرهما: إنّ في المسألة قولين:

أحدهما: القول قول الخيّاط - و به قال ابن أبي ليلى و مالك و أحمد - لأنّهما اتّفقا على القطع المطلق و الإذن فيه، و ملكه الخيّاط، فكان الظاهر أنّه فعل ما ملكه، و أنّه لا غرم عليه، و الظاهر أنّه لم يتعدّ المأذون، و لأنّ المالك يدّعي عليه الغرم و الأصل عدمه، و لا نزاع في المطلق، بل في إيجاده في خصوصيّة لم يثبت إذن المالك فيها، فيكون ضامنا.

و الثاني: إنّ القول قول ربّ الثوب - و به قال أبو حنيفة - لأنّهما اختلفا في صفة إذنه، و القول قول الآذن في أصل الإذن، فكذا في صفته، كما لو

ص: 337

دفع إليه عينا فقال صاحبها: أودعتكها، و قال المدفوع إليه: و هبتها لي، فالقول قول المالك.

الطريق الثاني: إنّ فيها ثلاثة أقوال: هذان، و الثالث: إنّهما يتحالفان؛ لأنّ كلّ واحد منهما مدّع و مدّعى عليه؛ لأنّ ربّ الثوب يدّعي عليه الغرم و ينفي الأجرة، و الخيّاط يدّعي عليه الأجرة و ينفي الغرم، فيتحالفان(1).

و ليس بجيّد؛ لأنّ الاختلاف وقع في الإذن، لا في الأجرة و الغرم، فكان القول قول منكر الإذن، و لأنّ الخيّاط يعترف بأنّه أحدث نقصا في الثوب و يدّعي أنّه مأذون فيه، و الأصل عدمه، و لأنّه يدّعي أنّه أتى بالعمل الذي استأجره عليه و المالك ينكره، فأشبه ما إذا استأجره لحمل متاع و قال الأجير: حملت، فأنكر المالك، فإنّ القول قول المالك.

و من قدّم قول الخيّاط فلا بدّ و أن يقول بالتحالف؛ لأنّه إذا حلف الخيّاط خرج من ضمان الثوب، فيحلف المالك لنفي الأجرة، و هذا هو التحالف.

و قال بعض الشافعيّة: إنّ الشافعي ليس له في المسألة إلاّ قول واحد،6.

ص: 338


1- الأم 39:4-40، مختصر المزني: 128، الحاوي الكبير 436:7-437، المهذّب - للشيرازي - 417:1، نهاية المطلب 178:8-179، بحر المذهب 9: 332-333، الوجيز 338:1، الوسيط 192:4-193، حلية العلماء 451:5 - 452، التهذيب - للبغوي - 471:4، البيان 351:7-352، العزيز شرح الوجيز 158:6-159، روضة الطالبين 307:4. و راجع أيضا: الاختيار لتعليل المختار 92:2-93، و بدائع الصنائع 219:4، و فتاوى قاضيخان - بهامش الفتاوى الهنديّة - 360:2، و المبسوط - للسرخسي - 96:15، و مختصر اختلاف العلماء 1779/98:4، و الهداية - للمرغيناني - 3: 249، و الإشراف على نكت مسائل الخلاف 1185/666:2، و عيون المجالس 4: 1805-1270/1806، و المغني 125:6، و الشرح الكبير 148:6.

و هو التحالف، و ما عداه فهو حكاية مذهب الغير(1).

و قال ابن سريج: إن جرى بينهما عقد فليس إلاّ التحالف، كسائر الاختلافات في كيفيّة المعاوضات، و إن لم يجر فالخيّاط لا يدّعي الأجرة، و إنّما النزاع في الأرش، ففيه قولان: مذهب أبي حنيفة و ابن أبي ليلى(2).

مسألة 756: إذا قلنا: يحلف الخيّاط ليخرج من ضمان الثوب، و يحلف المالك لنفي الأجرة -

مسألة 756: إذا قلنا: يحلف الخيّاط ليخرج من ضمان الثوب، و يحلف المالك لنفي الأجرة - كما هو مذهب الشيخ في بعض أقواله و مذهب ابن أبي ليلى - فإنّه يحلف باللّه: ما أذنت لي في قطعه قميصا و لقد أذنت لي في قطعه قباء، و إن صدّقنا المالك، فإنّه يكفي أن يحلف:

ما أذنت لك في قطعه قباء، و لا حاجة إلى التعرّض للقميص؛ لأنّ وجوب الغرم و سقوط الأجرة كلاهما يلزم من نفي الإذن في القباء، و به قال بعض الشافعيّة(3).

و على القول بالتحالف يجمع كلّ واحد منهما في يمينه بين النفي و الإثبات، كما في البيع.

و الكلام في البداءة بمن ؟ هو على ما سبق(4) في البيع، و المالك هنا في رتبة البائع.

مسألة 757: إذا صدّقنا الخيّاط و قدّمنا قوله

مسألة 757: إذا صدّقنا الخيّاط و قدّمنا قوله - كما هو مذهب الشيخ رحمه اللّه و ابن أبي ليلى - حلف الخيّاط على ما تقدّم، و لا أرش عليه.

ص: 339


1- الوسيط 193:4، التهذيب - للبغوي - 471:4، العزيز شرح الوجيز 159:6.
2- العزيز شرح الوجيز 159:6، روضة الطالبين 307:4.
3- البيان 352:7 و 353، العزيز شرح الوجيز 161:6، روضة الطالبين 308:4.
4- في ج 12، ص 96-98، المسألة 612.

و هل له الأجرة ؟ كلام الشيخ رحمه اللّه - الذي نقلناه عنه(1) - في الخلاف يشعر بعدم الاستحقاق؛ لأنّه في الأجرة مدّع، فيكون القول قول المنكر، و فائدة يمينه دفع الغرم عن نفسه، و لأنّه لو استحقّها استحقّها بيمينه، و لا يجب له ما يدّعيه بيمينه ابتداء؛ لأنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال: «لو يعطى الناس بدعواهم لادّعى قوم دماء قوم و أموالهم، و لكن اليمين على المدّعى عليه»(2).

و هذا أحد قولي الشافعي، و الثاني: إنّه تثبت الأجرة؛ لأنّه أثبت الإذن بيمينه، و أثبت بيمينه أنّه فعل ما أذن له فيه، فوجبت الأجرة بفعله(3).

فإن قلنا: تثبت له الأجرة، فالأقرب: إنّه لا يثبت له المسمّى؛ لأنّ المسمّى لا يجب بيمينه، و إنّما يثبت له أجرة المثل؛ لوجود فعله المأذون فيه بحكم المعاوضة، و هو قول بعض الشافعيّة، و هو الأظهر عندهم(4).

و قال بعضهم: تثبت الأجرة المسمّاة إتماما لتصديقه(5). -

ص: 340


1- في ص 336.
2- ورد نصّه في المغني 126:6، و الشرح الكبير 148:6 نقلا عن مسلم في صحيحه 1711/1336:3.
3- الحاوي الكبير 437:7، المهذّب - للشيرازي - 417:1، نهاية المطلب 8: 180، بحر المذهب 334:9، الوسيط 193:4، حلية العلماء 452:5، التهذيب - للبغوي - 471:4-472، البيان 352:7-353، العزيز شرح الوجيز 159:6، روضة الطالبين 307:4.
4- الحاوي الكبير 437:7، المهذّب - للشيرازي - 417:1، نهاية المطلب 8: 180، بحر المذهب 334:9، الوسيط 194:4، حلية العلماء 452:5، التهذيب - للبغوي - 472:4، البيان 353:7، العزيز شرح الوجيز 159:6، روضة الطالبين 307:4.
5- الحاوي الكبير 438:7، المهذّب - للشيرازي - 417:1، نهاية المطلب 8: 180، بحر المذهب 334:9، الوسيط 193:4، حلية العلماء 452:5، -

و إن قلنا: لا تثبت له الأجرة بيمينه، فله أن يدّعي الأجرة على المالك و يحلّفه، فإن نكل المالك، ففي تجديد اليمين عليه احتمالان:

أحدهما: التجديد؛ لأنّ إثبات المال بيمين المدّعي من غير نكول بعيد.

و الثاني: لا تجدّد، و كأنّ يمينه السابقة كانت موقوفة على النكول [لصيرورتها](1) حجّة ملزمة للأجرة.

مسألة 758: إذا صدّقنا المالك

مسألة 758: إذا صدّقنا المالك - كما هو مذهبنا و مذهب أبي حنيفة - و حلّفناه على أنّه ما أذن له في قطعه قباء، فلا أجرة عليه، و يجب على الخيّاط أرش النقصان، و هو المشهور بين الشافعيّة(2).

و الفرق بين الغرم و بين الأجرة الواجبة بيمين الخيّاط حيث وقع هناك الخلاف: إنّ الأجرة إنّما تجب له بثبوت الإذن في قطعه قباء، و ذلك يثبت بيمينه، و في مسألتنا يجب الغرم بالقطع، و إنّما يثبت باليمين عليه الإذن.

و حكى بعضهم فيه وجهين، كما في وجوب الأجرة، تفريعا على الثاني(3)(4).

ص: 341


1- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «يصيّرون بها». و هو تصحيف.
2- الحاوي الكبير 438:7، المهذّب - للشيرازي - 417:1، نهاية المطلب 8: 182، بحر المذهب 334:9، الوسيط 194:4، حلية العلماء 453:5، التهذيب - للبغوي - 472:4، البيان 353:7، العزيز شرح الوجيز 160:6، روضة الطالبين 307:4.
3- في العزيز شرح الوجيز بدل «الثاني»: «الأوّل»، و هو تصديق قول الخيّاط، الذي صار ثانيا في كلام الشيخ الطوسي، المتقدّم في ص 336.
4- العزيز شرح الوجيز 160:6، روضة الطالبين 307:4.

إذا ثبت هذا، فالأقرب: إنّ الخيّاط يغرم ما بين قيمته مقطوعا يصلح للقميص و مقطوعا قباء؛ لأنّ قطع القميص مأذون فيه - و هو أحد قولي الشافعي(1) - فعلى هذا لو لم يكن بينهما تفاوت، أو كان كونه مقطوعا قباء أكثر قيمة، فلا شيء على الخيّاط.

و القول الثاني: يجب عليه ما بين قيمته صحيحا و مقطوعا قباء؛ لأنّ الخيّاط تعدّى بابتداء القطع للقباء و إن كان يصلح للقميص، و لهذا تجب له أجرة ما يصلح منه للقميص، و لأنّ المالك أثبت بيمينه أنّه لم يأذن له في القطع(2).

و قال بعض الشافعيّة: القولان مبنيّان على أصلين:

أحدهما: القولان فيما إذا اكترى أرضا ليزرعها حنطة فزرعها ذرّة، ففي قول: عليه أجرة المثل، و يعرض عن عقد الإجارة، فعلى هذا يغرم هنا جميع النقص، و يعرض عن أصل الإذن.

و الثاني: يغرم تفاوت ما بين الزرعين، و هنا يغرم تفاوت ما بين القطعين، و الخلاف في أنّ الوكيل إذا باع بالغبن الفاحش يغرم جميع قدر8.

ص: 342


1- الحاوي الكبير 438:7، المهذّب - للشيرازي - 417:1، نهاية المطلب 8: 182، بحر المذهب 334:9، الوسيط 194:4، حلية العلماء 453:5، التهذيب - للبغوي - 472:4، البيان 353:7-354، العزيز شرح الوجيز 6: 160، روضة الطالبين 308:4.
2- الحاوي الكبير 438:7، المهذّب - للشيرازي - 417:1، نهاية المطلب 8: 182، بحر المذهب 334:9، الوسيط 194:4، حلية العلماء 453:5، التهذيب - للبغوي - 472:4، البيان 353:7-354، العزيز شرح الوجيز 6: 160، روضة الطالبين 307:4-308.

الغبن، أو يحطّ عنه ما يتغابن الناس به؛ لأنّه كالمأذون فيه(1).

و إذا قلنا: إنّه يغرم تفاوت ما بين القطعين، فهل يستحقّ الأجرة للقدر الذي يصلح للقميص من القطع ؟ فيه وجهان للشافعيّة، قال بعضهم: نعم، وضعّفه قوم؛ لأنّه لم يقطعه للقميص(2).

مسألة 759: إن قلنا: يتحالفان، فإن حلفا معا فلا أجرة للخيّاط.

مسألة 759: إن قلنا: يتحالفان، فإن حلفا معا فلا أجرة للخيّاط. و هل يضمن ما نقص بالقطع ؟ للشافعي قولان:

أحدهما: لا غرم عليه - حكاه المزني في الجامع الكبير - لأنّ كلّ واحد منهما أثبت بيمينه ما ادّعاه، فلم يثبت لأحدهما على الآخر شيء، و هو أصحّ القولين؛ لأنّه حلف على نفي العدوان، و لو لم يحلف لكان لا يلزمه إلاّ أرش النقص، فلا بدّ و أن يكون ليمينه فائدة.

و الثاني: يجب عليه الغرم - نصّ عليه في الإملاء - لأنّهما إذا تحالفا فكأنّهما لم يتعاقدا، و لو لم يتعاقدا و قطع لزمه الأرش، فكذلك هنا، و لأنّهما إذا تحالفا سقط الإذن و بقي القطع، فلزمه ضمانه، كما إذا اختلف المتبايعان و حلفا، فإنّه يرجع في العين إن كانت باقية، و قيمتها إن كانت تالفة(3).

و الأوّل أصحّ؛ لأنّا إذا أوجبنا الغرم لم نجعل ليمينه تأثيرا؛ لأنّ ربّ الثوب لو حلف و نكل الخيّاط سقطت الأجرة، و وجب الغرم، فلا يجب

ص: 343


1- العزيز شرح الوجيز 160:6.
2- البيان 354:7، العزيز شرح الوجيز 160:6، روضة الطالبين 308:4.
3- المهذّب - للشيرازي - 417:1، نهاية المطلب 183:8، الوسيط 195:4، حلية العلماء 453:5-454، البيان 354:7، العزيز شرح الوجيز 160:6 - 161، روضة الطالبين 308:4.

مثل ذلك مع يمينه.

و يفارق المبيع؛ لأنّ يمينه لم تقع على إسقاط القيمة، و هنا يقتضي إسقاط الغرم فافترقا.

و إذا قلنا: يجب الغرم، فكم يغرم ؟ على القولين السابقين:

أحدهما: ما بين قيمته مقطوعا يصلح للقميص و مقطوعا قباء.

و الثاني: ما بين قيمته صحيحا و مقطوعا قباء.

و عن أحمد رواية أخرى: إنّ صاحب الثوب إذا لم يكن ممّن يلبس الأقبية فالقول قوله، و على الصانع الغرم بما نقص بالقطع و ضمان ما أفسد، و لا أجرة له؛ لأنّ قرينة حال المالك تدلّ على صدقه فترجّح دعواه بها، كما لو اختلفا في حائط لأحدهما عليه عقد أو أزج رجّحنا دعواه، و برجّح أحد الزوجين في متاع البيت بما يصلح له، و لو اختلف صانعان في الآلات التي في دكّانهما، رجّحنا كلّ واحد منهما فيما يصلح له(1) ، و لا بأس به.

مسألة 760: كلّ موضع أوجبنا للخيّاط الأجرة وجب عليه تسليم الثوب مخيطا كما هو،

مسألة 760: كلّ موضع أوجبنا للخيّاط الأجرة وجب عليه تسليم الثوب مخيطا كما هو، سواء كانت الخيوط من الثوب أو من عند الخيّاط؛ لأنّها تابعة للثوب.

و إذا لم نوجب له الأجرة، فإن كان الثوب مخيطا بخيوط منه، لم يكن للخيّاط فتقه، و كان له أخذه مخيطا؛ لأنّه عمل في ملك غيره عملا مجرّدا عن عين مملوكة، فلم يكن له إزالته، كما لو نقل ملك غيره من موضع إلى موضع لم يكن له ردّه إلاّ بمطالبة صاحبه.

و إن كان قد خاطه بخيوط للخيّاط، كان له نزعها؛ لأنّه عين ماله،

ص: 344


1- المغني 126:6، الشرح الكبير 149:6.

كالصبغ.

و لو قال ربّ الثوب: أنا أشدّ في كلّ خيط خيطا حتى إذا سلّه دخل خيوط المالك في الدروز، و صار خيط ربّ الثوب مكان خيط الخيّاط، لم يجب على الخيّاط إجابته إلى ذلك؛ لأنّه انتفاع بملكه و تصرّف فيه، فلا يجوز إلاّ برضاه.

و لو أراد المالك دفع قيمة الخيوط إلى الخيّاط، لم يلزم الخيّاط إجابته إلى ذلك؛ لأنّها ملكه، و لا يتلف بأخذها ما له حرمة، فإن اتّفقا على تعويضه عنها جاز؛ لأنّ الحقّ لهما.

و كذا البحث لو اختلفا في الصبغ، فقال المالك: ما أمرتك بصبغه أسود، بل أحمر، و ادّعى الصبّاغ أنّه أمره بصبغه أسود.

و اعلم أنّ عند القائلين بالتحالف مع اختلاف المتبايعين في الثمن لو اختلف المتعاقدان في الأجرة أو في المدّة أو في قدر المنفعة - بأن قال المؤجر: آجرتك الدابّة إلى خمسة فراسخ، فقال: بل إلى عشرة - أو في قدر المستأجر - بأن قال: آجرتك هذا البيت من هذه الدار، فقال: بل جميع الدار - يوجب التحالف هنا كما في البيع، و إذا تحالفا فسخ العقد، و على المستأجر أجرة المثل لما استوفاه.

ص: 345

ص: 346

الفصل السابع: في اللواحق

مسألة 761: إجارة المشاع جائزة كإجارة المقسوم،

مسألة 761: إجارة المشاع جائزة كإجارة المقسوم، سواء آجره من شريكه أو من الأجنبي، عند علمائنا أجمع - و به قال مالك و الشافعي و أبو يوسف و محمّد(1) - للأصل، و لأنّ المشاع مملوك يجوز التصرّف فيه بالبيع و الهبة، و في منافعه بالوصيّة و العارية، فجاز بالإجارة، و لأنّه عقد في ملكه يجوز مع شريكه، فجاز مع غيره، كالبيع، و لأنّ كلّ منفعة جاز العقد عليها مع غيرها جاز العقد عليها منفردة، كمنفعة داره.

و عن أبي حنيفة و أحمد روايتان:

إحداهما - و هي المشهورة عنه -: إنّه لا يجوز للشريك أن يؤجر حصّته إلاّ من شريكه؛ لأنّ العقد وقع على ما لا يمكن استيفاؤه منه؛ لأنّ نصف المنفعة مشاعة لا يمكن استيفاؤها فلا تصحّ الإجارة، كما لو

ص: 347


1- الإشراف على نكت مسائل الخلاف 1151/655:2، بداية المجتهد 227:2، عيون المجالس 1271/1806:4، الإشراف على مذاهب أهل العلم 121:2، الحاوي الكبير 445:7، المهذّب - للشيرازي - 402:1، نهاية المطلب 121:8، بحر المذهب 282:9، حلية العلماء 387:5، البيان 256:7، العزيز شرح الوجيز 98:6، روضة الطالبين 259:4، مختصر اختلاف العلماء 4: 1821/124، مختصر القدوري: 104، المبسوط - للسرخسي - 145:15، روضة القضاة 2769/476:1، تحفة الفقهاء 357:2، الفقه النافع 1133:3 - 901/1134، بدائع الصنائع 187:4، فتاوى قاضيخان - بهامش الفتاوى الهنديّة - 331:2، الهداية - للمرغيناني - 240:3، المغني 152:6، الشرح الكبير 6: 46، الإفصاح عن معاني الصحاح 34:2.

استعار(1).

و الحكم في الأصل ممنوع عندنا، و نمنع أنّه لا يمكن استيفاؤها؛ فإنّه يمكن الانتفاع بذلك بأن تراضيا بالمهايأة، أو يؤجرها الحاكم عليهما، كالمالك.

و الثانية: روى الطحاوي عنه ما يدلّ على أنّه لا يجوز عنده مع الشريك أيضا؛ لما تقدّم(2).

و قد مضى إفساده.

مسألة 762: يجوز أن يستأجره ليعمل له العمل بنفسه مباشرة بغير الاستعانة بأحد،

مسألة 762: يجوز أن يستأجره ليعمل له العمل بنفسه مباشرة بغير الاستعانة بأحد، كما لو استأجره لخياطة ثوب بنفسه لا بغيره، أو لنسج غزل، صحّ، فلو قال: ألزمت نفسك نسج ثوب صفته كذا على أن تنسجه بنفسك، صحّ؛ للأصل.

و قالت الشافعيّة: لا يصحّ؛ لأنّ في هذا التعيين غررا؛ لأنّه ربما يموت، و لهذا لا يجوز تعيين ما يؤدّى منه المسلم فيه(3).

ص: 348


1- مختصر اختلاف العلماء 1821/124:4، مختصر القدوري: 104، المبسوط - للسرخسي - 145:15 و 146، روضة القضاة 2769/476:1، تحفة الفقهاء 2: 357، الفقه النافع 1133:3-901/1134، بدائع الصنائع 187:4، فتاوى قاضيخان - بهامش الفتاوى الهنديّة - 331:2، الهداية - للمرغيناني - 240:3، الإشراف على نكت مسائل الخلاف 1151/655:2، عيون المجالس 4: 1271/1806، بداية المجتهد 227:2، الإشراف على مذاهب أهل العلم 2: 121، الحاوي الكبير 445:7، نهاية المطلب 121:8، بحر المذهب 282:9، حلية العلماء 387:5، البيان 256:7، العزيز شرح الوجيز 98:6، المغني 6: 152، الشرح الكبير 46:6، الإفصاح عن معاني الصحاح 34:4.
2- مختصر اختلاف العلماء 1821/124:4.
3- العزيز شرح الوجيز 187:6، روضة الطالبين 324:4-325.

و ليس بجيّد؛ لأنّه تجوز الإجارة الواردة(1) على العين بالإجماع، و هذا هو تلك بعينها.

مسألة 763: تجوز إجارة الأرض عند عامّة أهل العلم.

مسألة 763: تجوز إجارة الأرض عند عامّة أهل العلم. و حكي عن الحسن و طاوس أنّهما قالا: لا تجوز(2) - و حكى ابن المنذر عنهما أنّ المزارعة جائزة(3) - لما روى رافع بن خديج أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله نهى عن كراء المزارع(4) ، و لأنّ الأرض أصل فلم تجز إجارتها، كالنخيل و الشجر و النقد.

و الصحيح: الجواز؛ للأصل، و لأنّها عين ينتفع بها منفعة مباحة معلومة مقصودة، فجازت الإجارة عليها، كغيرها من المنافع.

و لما رواه العامّة: إنّ حنظلة بن قيس سأل رافع بن خديج عن كراء الأرض، فقال: نهى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عن كراء الأرض، قال: فقلت: بالذهب و الفضّة ؟ فقال: إنّما نهى عنها ببعض ما يخرج منها، أمّا بالذهب و الفضّة فلا بأس(5).

و قال سعد بن أبي وقّاص: كنّا نكري الأرض بما على السواقي و ما سعد(6) بالماء منها، فنهانا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عن ذلك، و أمرنا أن نكريها

ص: 349


1- في النّسخ الخطّيّة: «الواقعة» بدل «الواردة».
2- الحاوي الكبير 454:7، حلية العلماء 379:5، الاستذكار 31240/251:21، البيان 256:7، الإشراف على نكت مسائل الخلاف 1139/650:2، عيون المجالس 1275/1811:4.
3- الإشراف على مذاهب أهل العلم 74:2، المغني 596:5، الشرح الكبير: 595.
4- صحيح مسلم 110/1180:3، الموطأ 1/711:2.
5- السنن الكبرى - للنسائي - 4629/99:3-41، المغني 596:5، الشرح الكبير 595:5-596.
6- أي: ما جاء من الماء سيحا لا يحتاج إلى دالية. النهاية - لابن الأثير - 367:2 «سعد».

بذهب أو فضّة(1) ، و هذا أخصّ من الخبر الذي رووه، فيكون العمل عليه.

و من طريق الخاصّة: ما رواه إسماعيل بن الفضل عن الصادق عليه السّلام، قال: «لا بأس أن تستأجر الأرض بدراهم»(2).

و قياسهم باطل؛ لأنّ النخل و الشجر منافعهما أعيان، و هي الثمار، بخلاف الأرض، و الذهب و الفضّة لا ينتفع بهما مع بقاء عينهما، بخلاف الأرض، على أنّا نجوّز إجارتهما.

مسألة 764: كلّ ما جاز أن يكون عوضا في البيع أو أجرة للدّور و غيرها من الأعيان يجوز استئجار الأرض به؛

مسألة 764: كلّ ما جاز أن يكون عوضا في البيع أو أجرة للدّور و غيرها من الأعيان يجوز استئجار الأرض به؛ للأصل، فيجوز استئجارها بالذهب و الفضّة إجماعا.

قال ابن المنذر: أجمع عوام أهل العلم على أنّ اكتراء الأرض وقتا معلوما جائز بالذهب و الفضّة، روينا هذا القول عن سعد و رافع بن خديج و ابن عمر و ابن عباس، و به قال سعيد بن المسيّب و عروة و القاسم و سالم و عبد اللّه بن الحارث و مالك و الليث و الشافعي و إسحاق و أبو ثور و أصحاب الرأي(3).

لما تضمّنه حديث رافع بن خديج قال: «أمّا بالذهب و الورق

ص: 350


1- سنن أبي داود 3391/258:3، المغني 596:5-597، الشرح الكبير 5: 596.
2- التهذيب 859/194:7.
3- الإشراف على مذاهب أهل العلم 73:2-74، المغني 596:5، الشرح الكبير 595:5، الإشراف على نكت مسائل الخلاف 1139/650:2، عيون المجالس 4: 1275/1811، التلقين: 412، المعونة 1139:2، الحاوي الكبير 454:7، نهاية المطلب 219:8، حلية العلماء 379:5، التهذيب - للبغوي - 480:4، البيان 256:7.

فلم ينهنا»(1) يعني النبيّ صلّى اللّه عليه و آله.

و في حديث أبي بصير عن الصادق عليه السّلام قال: «لا تؤاجر الأرض بالحنطة و لا بالشعير و لا بالتمر و لا بالأربعاء و لا بالنطاف، و لكن بالذهب و الفضّة، لأنّ الذهب و الفضّة مضمون، و هذا ليس بمضمون»(2).

إذا عرفت هذا، فقد قال مالك: إنّه لا تجوز إجارة الأرض بالطعام، سواء كانت ممّا ينبت منها أو لا ينبت، كالحنطة و القصيل، و لا بما ينبت في الأرض، كالقطن و غيره(3).

و قسّم أحمد الطعام أقساما ثلاثة:

أحدها: أن يؤجرها بمطعوم غير الخارج منها معلوم، فيجوز، و هو قول أكثر العلماء، منهم: سعيد بن جبير و عكرمة و النخعي و الشافعي و أبو ثور و أصحاب الرأي.

و منع منه مالك حتى منع إجارتها باللبن و العسل و اللحم - و هو رواية عن أحمد - لما رواه رافع بن خديج عن بعض عمومته قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: «من كانت له الأرض فلا يكريها بطعام مسمّى»(4).4.

ص: 351


1- المغني 596:5، الشرح الكبير 595:5.
2- الكافي 1/264:5، التهذيب 861/195:7، الاستبصار 457/128:3.
3- الإشراف على نكت مسائل الخلاف 1139/650:2، بداية المجتهد 221:2، التلقين: 412، الذخيرة 392:5، عيون المجالس 1810:4-1275/1811، المدوّنة الكبرى 543:4-544، المعونة 1139:2، مختصر اختلاف العلماء 4: 1815/120، الإشراف على مذاهب أهل العلم 74:2، الحاوي الكبير 454:7، نهاية المطلب 219:8، حلية العلماء 379:5، التهذيب - للبغوي - 480:4، البيان 256:7، المغني 597:5 و 598، الشرح الكبير 596:5 و 597.
4- سنن أبي داود 3395/260:3، سنن ابن ماجة 823:2-2465/824.

و يعارضه قول رافع: «فأمّا بشيء معلوم مضمون فلا بأس به»(1).

و لأنّه عوض معلوم مضمون لا يتّخذ وسيلة إلى الربا، فجازت إجارتها به، كالأثمان، و النهي للكراهة.

الثاني: إجارتها بطعام معلوم من جنس ما يزرع فيها، كإجارتها بقفزان حنطة أزرعها، و فيه روايتان عنه:

إحداهما: المنع - و هو قول مالك - لما تقدّم، و لأنّه ذريعة إلى المزارعة عليها بشيء معلوم من الخارج منها، لأنّه يجعل مكان قوله:

«زارعتك»: «آجرتك» فتصير مزارعة بلفظ الإجارة، و الذرائع معتبرة.

و الثانية: جواز ذلك - و به قال أبو حنيفة و الشافعي، و هو مذهبنا أيضا - لما تقدّم [و لأنّ](2) ما جازت إجارته بغير المطعوم جازت إجارته به، كالدّور.

الثالث: إجارتها بجزء مشاع ممّا يخرج منها، كنصف و ثلث و ربع، و هو جائز عند أحمد و أكثر أصحابه(3).

و الصحيح: البطلان - و به قال الشافعي و أبو حنيفة(4) - لأنّها إجارة بعوض مجهول، فلم تصح، كإجارتها بثلث ما يخرج من أرض أخرى، و لأنّها إجارة للعين ببعض نمائها، فلم تجز، كسائر الأعيان، و لأنّه لا نصّ4.

ص: 352


1- صحيح مسلم 116/1183:3.
2- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «بأنّ». و المثبت كما في المصدر.
3- المغني 597:5-598، الشرح الكبير 596:5-598.
4- المغني و الشرح الكبير 598:5، الحاوي الكبير 451:7، حلية العلماء 5: 378، البيان 241:7، الاختيار لتعليل المختار 106:3، الهداية - للمرغيناني - 53:4.

في جوازها، و لا يمكن قياسها على المنصوص.

إذا ثبت هذا، فالأرض تجوز إجارتها للزرع مطلقا بكلّ ما يصحّ تموّله من ذهب و فضّة و غلّة و غير ذلك من الأجناس، إلاّ بما يخرج منها، فإنّه باطل.

و تكره إجارتها بالحنطة و الشعير؛ لحديث أبي بصير عن الصادق عليه السّلام، و قد تقدّم(1).

و ربما صار بعض علمائنا(2) إلى تسويغ الإجارة بحصّة ممّا يخرج منها - كما ذهب إليه أحمد(3) - لرواية زرعة(4) ، قال: سألته عن الأرض يستأجرها الرجل بخمس ما خرج منها و بدون ذلك أو بأكثر ممّا خرج منها من الطعام و الخراج على العلج ؟ قال: «لا بأس»(5).

و الرواية ضعيفة السند؛ فإنّ زرعة لا يعوّل على روايته، و مع ذلك فهي مرسلة؛ لأنّه لم يسندها إلى إمام، و مع ذلك فهي محمولة على المزارعة؛ لما رواه الفضيل بن يسار عن الباقر عليه السّلام، قال: سألته عن إجارة الأرض بالطعام ؟ قال: «إن كان من طعامها فلا خير فيه»(6).

و اعلم أنّ مال الإجارة لا بدّ و أن يكون معلوما هنا كغيرها، فلو آجره الأرض بحنطة موجودة مشاهدة جزافا، لم يصح.

و للشافعيّة طريقان:7.

ص: 353


1- في ص 351.
2- كالقاضي ابن البرّاج في المهذّب 9:2.
3- راجع: الهامش (3) من ص 352.
4- في المصدر إضافة: «عن سماعة».
5- التهذيب 858/194:7.
6- الكافي 6/265:5، التهذيب 864/195:7.

أحدهما: القطع بالجواز.

و الثاني: إنّ فيها قولين، كالمسلم فيه إذا كان رأس ماله جزافا(1).

تنبيه: روى الحلبي - في الصحيح - عن الصادق عليه السّلام قال: «لا تستأجر الأرض بالحنطة ثمّ تزرعها حنطة»(2).

و الظاهر أنّ المراد بالنهي هنا النهي عن مال الإجارة ممّا يخرج منها، و لو حمل على إطلاقه أمكن؛ لأدائه إلى ذلك، فإنّه إذا زرعها من جنس ما يستأجرها به ربما أدّى منه، لكن ذلك لا بأس به، و النهي للكراهة.

مسألة 765: إذا استأجر دابّة في الكوفة - مثلا - ليركبها إلى البصرة بمائة درهم - مثلا - أو بعشرة دنانير،

مسألة 765: إذا استأجر دابّة في الكوفة - مثلا - ليركبها إلى البصرة بمائة درهم - مثلا - أو بعشرة دنانير، و أطلق، فالواجب نقد البلد الذي وقع العقد فيه - و به قال الشافعي(3) - قضاء للعرف فيه، و حملا له على نظائره في جميع العقود، فإنّه لو اشترى شيئا أو استأجر جمّالا فسافر به، حمل على نقد البلد، فكذا هنا.

و قال أبو حنيفة: إنّ الواجب نقد البلد المقصود(4).

و ليس بجيّد.

يبقى إشكال، و هو أنّه لو شرط التسليم في البلد المقصود، احتمل قول أبي حنيفة، مع أنّ الحقّ خلافه.

ص: 354


1- المهذّب - للشيرازي - 406:1، نهاية المطلب 82:8، بحر المذهب 267:9 - 268، الوجيز 230:1، الوسيط 155:4، حلية العلماء 379:5، التهذيب - للبغوي - 428:4-429، البيان 286:7، العزيز شرح الوجيز 85:6، روضة الطالبين 250:4.
2- الكافي 3/265:5، الفقيه 695/159:3، التهذيب 863/195:7.
3- العزيز شرح الوجيز 187:6، روضة الطالبين 325:4.
4- العزيز شرح الوجيز 187:6.

و لو كانت الإجارة فاسدة، فالاعتبار في أجرة المثل بموضع إتلاف المنفعة نقدا و وزنا.

مسألة 766: إذا استأجر دارا أو دولابا أو حمّاما و ما أشبه ذلك فتجدّد عيب في أثناء المدّة،

مسألة 766: إذا استأجر دارا أو دولابا أو حمّاما و ما أشبه ذلك فتجدّد عيب في أثناء المدّة، كانت العمارة لازمة للمالك، فإن قام بها و إلاّ تخيّر المستأجر بين الفسخ و الإمضاء، و كذا لو مضت مدّة أو افتقر في العمارة إلى مضيّ مدّة؛ لتبعّض الصفقة عليه.

و هل يجوز أن يشترط على المستأجر العمارة ؟ منع منه الشافعيّة، قالوا: و لا يجوز أن يؤجر حمّاما بشرط أن تكون مدّة تعطّلها بسبب العمارة و نحوها محسوبة من أجرته، و كذا لا يجوز لمتولّي المسجد أن يؤجر حانوته الخراب بشرط أن يعمره المستأجر بماله، و يكون ما أنفقه محسوبا من أجرته؛ لأنّ في الصورة الأولى يحصل منه تمكين من الانتفاع في بعض المدّة دون بعض، و لا يشترط أن تكون محسوبة على المكري، لا(1) بمعنى انحصار الإجارة في الباقي؛ لأنّ المدّة تصير مجهولة، و لا بمعنى استيفاء مثلها بعد المدّة؛ لأنّ نهاية المدّة تصير مجهولة، و في الصورة الثانية لا تجوز؛ لأنّه عند الإجارة غير منتفع به(2).

مسألة 767: قد بيّنّا أنّه يجوز أن يستأجره للمحاكمة و الخصومة و إثبات الحجج و إقامة البيّنات.

مسألة 767: قد بيّنّا أنّه يجوز أن يستأجره للمحاكمة و الخصومة و إثبات الحجج و إقامة البيّنات. و كذا يجوز أن يستأجره للخروج إلى بلد السلطان و التظلّم للمستأجر و عرض حاله في المظالم بشرط تعيين المدّة و الموضع الذي يخرج إليه،

ص: 355


1- في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «على المكتري و لا». و المثبت كما في العزيز شرح الوجيز.
2- العزيز شرح الوجيز 188:6، روضة الطالبين 325:4-326.

و يذكر حاله في المظالم، و يسعى في أمره عند من يحتاج إليه؛ لأنّ المدّة معلومة و إن كان في العمل جهالة.

فإن بدا للمستأجر، قال القفّال من الشافعيّة: فللمستأجر أن يستعمله فيما ضرره مثل ذلك(1). و فيه نظر.

مسألة 768: الأقرب: إنّه تجوز إجارة الأرض المزروعة مع المشاهدة أو الوصف الرافع للجهالة.

مسألة 768: الأقرب: إنّه تجوز إجارة الأرض المزروعة مع المشاهدة أو الوصف الرافع للجهالة. و قال الشافعي: لا تجوز إجارة الأرض حتى ترى لا حائل دونها من زرع و غيره، و هذا تصريح بأنّ إجارة الأرض المزروعة لا تصحّ؛ لأنّ ما فيها من الزرع يمنع رؤيتها، و لتأخّر التسليم و الانتفاع عن العقد، و مشابهته لإجارة الزمان المستقبل(2).

و الكلّ عندنا غير مانع مع إمكان المشاهدة.

و يقرب منه ما لو آجر دارا مملوءة بطعام و غيره، و كان التفريغ يستدعي مدّة، لكن هنا يتخيّر المستأجر مع الجهل بالحال إن كان التفريغ يحتاج إلى مضيّ مدّة لمثلها أجرة.

و قال بعض الشافعيّة: إن كان التفريغ لا يمكن إلاّ في مدّة لمثلها أجرة، لم تصح؛ لأنّه إجارة مدّة مستقبلة(3).

و قال بعضهم: إن كانت مدّة الإجارة تذهب في التفريغ، لم يصح العقد، و إن كان يبقى منها شيء، صحّ، و لزم قسطه من الأجرة إذا وجد فيه التسليم(4).

ص: 356


1- العزيز شرح الوجيز 188:6، روضة الطالبين 326:4.
2- العزيز شرح الوجيز 188:6، روضة الطالبين 326:4.
3- العزيز شرح الوجيز 188:6، روضة الطالبين 326:4.
4- العزيز شرح الوجيز 189:6، روضة الطالبين 326:4.

و خرّجوا على ذلك ما إذا استأجر دارا ببلدة أخرى، فإنّه لا يتأتّى التسليم إلاّ بقطع المسافة بين البلدين، و ما إذا باع قطعا من الجمد و كان ينماع بعضه إلى أن يوزن(1).

مسألة 769: قد بيّنّا أنّه يجوز الاستئجار للخدمة،

مسألة 769: قد بيّنّا أنّه يجوز الاستئجار للخدمة، فإن ذكر وقتها من الليل أو النهار و فصّل أنواعها فذاك، و إن أطلق حمل على المعتاد.

و نصّ الشافعي على المنع(2).

و الظاهر عند أصحابه الجواز، و يلزم ما جرت به العادة(3).

و فصّل بعضهم أنواعها فقال: يدخل في هذه الإجارة غسل الثوب و خياطته و الخبز و العجن و إيقاد النار في التنّور و علف الدابّة و حلب الحلوبة و خدمة الزوجة و الفرش في الدار و حمل الماء إلى الدار للشرب و إلى المتوضّئ للطهارة(4).

و قال بعضهم: إنّ علف الدابّة و حلب الحلوبة و خدمة الزوجة لا يلزم إلاّ بالتنصيص عليها(5).

و قال بعضهم: ينبغي أن يكون الحكم كذلك في خياطة الثوب و حمل الماء إلى الدار، و يجوز أن يختلف الحكم فيه بالعادة(6).

و قال بعضهم: ليس له إخراجه من البلدة إلاّ أن يشترط عليه مسافة معلومة من كلّ جانب، و أنّ عليه اللبث عنده إلى أن يفرغ من صلاة العشاء الآخرة(7).

و لو استأجره للقيام على ضيعة، قام عليها ليلا و نهارا على المعتاد.

ص: 357


1- العزيز شرح الوجيز 189:6، روضة الطالبين 326:4-327.
2- العزيز شرح الوجيز 189:6، روضة الطالبين 327:4.
3- العزيز شرح الوجيز 189:6، روضة الطالبين 327:4.
4- العزيز شرح الوجيز 189:6، روضة الطالبين 327:4.
5- العزيز شرح الوجيز 189:6، روضة الطالبين 327:4.
6- العزيز شرح الوجيز 189:6، روضة الطالبين 327:4.
7- العزيز شرح الوجيز 189:6، روضة الطالبين 327:4.

و لو استأجره للخبز و أطلق، فالأقوى: الجواز، و يتخيّر المستأجر بين الغليظ و الرقيق.

و قال بعض الشافعيّة: يجب أن يبيّن أنّه يخبز الأقراص أو غلاظ الأرغفة أو رقاقها، و أنّه يخبز في تنّور أو فرن(1).

و آلات الخبز على الأجير إن كانت الإجارة في الذمّة، و إلاّ فعلى المستأجر، و ليس على الأجير إلاّ تسليم نفسه.

و الأقوى: إنّ الحطب على المستأجر.

و قال بعض الشافعيّة: القول فيه كما في الحبر في حقّ الناسخ(2).

و لو أراد المستأجر أن يستبدل عن المنفعة شيئا آخر يقبضه، فالأقرب: الجواز؛ لأصالة صحّة الصلح.

و منع منه الشافعيّة إن كانت الإجارة في الذمّة، و إن كانت إجارة عين، قال بعضهم: هو كما لو [آجر](3) العين المستأجرة من المؤجر، و فيه وجهان، الأصحّ عندهم: الجواز إذا جرى ذلك بعد القبض(4).

مسألة 770: يصحّ ضمان العهدة للمستأجر،

مسألة 770: يصحّ ضمان العهدة للمستأجر، كما يصحّ ضمان العهدة في البيع، و يرجع على الضامن عند ظهور الاستحقاق، و هو أحد قولي الشافعيّة.

و الثاني: لا يصحّ ضمان العهدة في الإجارة(5).

ص: 358


1- العزيز شرح الوجيز 189:6، روضة الطالبين 328:4.
2- العزيز شرح الوجيز 189:6، روضة الطالبين 328:4.
3- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «استأجر». و المثبت - كما في المصدر - هو الصحيح.
4- التهذيب - للبغوي - 460:4، العزيز شرح الوجيز 189:6، روضة الطالبين 4: 332.
5- العزيز شرح الوجيز 190:6، روضة الطالبين 332:4-333.

و الوجه: خلافه.

إذا ثبت هذا، فإنّه يصحّ أن يضمن للمؤجر العين على التسليم؛ لأنّه واجب بالعقد، و على عهدة الدرك لو ظهرت العين مستحقّة لغير المؤجر، فيرجع المالك على الضامن، و إن رجع على المستأجر كان للمستأجر أن يرجع على الضامن.

و يصحّ أن يضمن المستأجر على مال الإجارة ليسلّمه، و على عهدته لو خرج مستحقّا، فإن رجع المستحقّ على المؤجر رجع المؤجر على الضامن.

مسألة 771: قد بيّنّا أنّه يجوز استئجار الدابّة للركوب و العمل و الحمل،

مسألة 771: قد بيّنّا أنّه يجوز استئجار الدابّة للركوب و العمل و الحمل، و لا بدّ من التقدير في الثلاثة إمّا بالزمان أو بالعمل على ما سبق(1).

و إن استأجر دابّة ليركبها فرسخين، صحّ العقد؛ لأنّ العمل هنا مقدّر.

و الأقرب: إنّه لا بدّ من تعيين الجهة المقصودة هل إلى الشرق أو الغرب؛ لاختلاف الأغراض بذلك، فإذا شرط في العقد جهة و أراد العدول إلى غيرها، فللمؤجر منعه؛ لأنّ المعيّن قد يختصّ بسهولة أو أمن، و بتقدير تساويهما أو ترجيح المعدول إليه قد يكون للمؤجر غرض فيه.

و لو فرض انتفاء الغرض، احتمل الجواز؛ لأنّه مساو للمنفعة، فجاز العدول إليه، كما لو استأجرها لزرع حنطة، جاز العدول إلى المساوي، و العدم؛ عملا بالشرط، و قد قال عليه السّلام: «المؤمنون على شروطهم»(2).

مسألة 772: إذا استأجر حمّالا ليحمل له وقرا

مسألة 772: إذا استأجر حمّالا ليحمل له وقرا(3) إلى داره،

مسألة 772: إذا استأجر حمّالا ليحمل له وقرا(3) إلى داره، ففي

ص: 359


1- في ص 96-97، المسألة 586.
2- الفردوس 6592/191:4.
3- الوقر - بالكسر -: الثّقل يحمل على ظهر أو على رأس، أو: الحمل الثقيل. لسان العرب 289:5 «وقر».

وجوب إدخاله على الأجير إشكال، سواء كانت ضيّقة الباب أو متّسعة؛ لأنّ الغاية لا يجب دخولها في المغيّى، و من حيث اقتضاء العرف لذلك.

و للشافعي قولان(1).

و لا يكلّف أن يصعد به الغرفة أو السطح.

و لو استأجر ظئرا لتعهّد الصبي، فالدهن على الأب ما لم يشترطه عليها.

و لو كان للبلد عرف أنّه عليها، حمل على العرف.

و للشافعيّة وجهان فيما إذا كان عرف(2).

و لو استأجر قصّارا لغسل ثياب معلومة و حملها إليه حمّال، فأجرته على من شرطت الأجرة عليه من القصّار و المالك.

فإن لم يجر شرط، فعلى من أمر الحمّال بالحمل.

و قالت الشافعيّة: على القصّار؛ لأنّه من تمام الغسل(3).

و لو استأجر من يقطع أشجارا بقرية، لم تجب عليه أجرة الذهاب و المجيء؛ لأنّهما ليسا من العمل.

مسألة 773: لو استأجر دابّة ليركبها و يحمل عليها أرطالا معيّنة فركبها و حمل عليها

مسألة 773: لو استأجر دابّة ليركبها و يحمل عليها أرطالا معيّنة فركبها و حمل عليها و أخذ في السير فأراد المؤجر أن يعلّق عليها مخلاة(4) أو سطيحة(5) أو سفرة إمّا من قدّام القتب أو من خلفه، أو أراد أن يردفه رديفا، كان للمستأجر منعه؛ لأنّه قد ملك منافعها، و ربما ضعفت في السير.

ص: 360


1- العزيز شرح الوجيز 190:6، روضة الطالبين 328:4.
2- العزيز شرح الوجيز 190:6، روضة الطالبين 328:4.
3- العزيز شرح الوجيز 190:6، روضة الطالبين 328:4.
4- المخلاة: ما يوضع فيه من الرطب من النبات أو الحشيش. لسان العرب 14: 242 «خلا».
5- السطيحة: المزادة التي من أديمين قوبل أحدهما بالآخر، و هي من أواني المياه. لسان العرب 484:2 «سطح».

و لو استأجر في الذمّة، كان له ذلك، و ليس للمستأجر ذلك على التقديرين.

و لو استأجر الدابّة ليحمل عليها طعاما من موضع معيّن إلى داره يوما إلى الليل فركبها في عوده فعطبت الدابّة، ضمن؛ لأنّه استأجرها للحمل، لا للركوب، و به قال أكثر الشافعيّة(1).

و قال بعضهم: لا يضمن؛ للعرف(2). و ليس بشيء.

مسألة 774: لو استأجر دابّة ليركبها إلى موضع معلوم فركبها إليه، لم يكن له ردّها إلى الموضع الذي سار منه،

مسألة 774: لو استأجر دابّة ليركبها إلى موضع معلوم فركبها إليه، لم يكن له ردّها إلى الموضع الذي سار منه، و لكن يسلّمها إلى وكيل المالك إن كان له وكيل هناك، و إن لم يكن سلّمها إلى الحاكم، فإن لم يكن هناك حاكم سلّمها إلى أمين، فإن لم يجد أمينا ردّها أو استصحبها إلى حيث يذهب، كالمستودع يسافر بالوديعة، و به قال أكثر الشافعيّة(3).

و قال بعضهم: إنّ له الردّ إلى الموضع الذي سار منه، إلاّ أن ينهاه صاحبها(4).

و ليس بجيّد؛ لأنّه تصرّف في مال الغير بغير إذنه.

و كلّ موضع يجوز له الردّ لم يكن له الركوب و لا الحمل عليها، بل يسوقها أو يقودها، إلاّ أن يحتاج إلى ركوبها في ردّها بأن تكون جموحا لا تنقاد إلاّ بالركوب.

و مثله لو استعار ليركب إليه.

ص: 361


1- العزيز شرح الوجيز 192:6، روضة الطالبين 331:4.
2- العزيز شرح الوجيز 192:6، روضة الطالبين 331:4.
3- التهذيب - للبغوي - 462:4، العزيز شرح الوجيز 191:6، روضة الطالبين 4: 329.
4- التهذيب - للبغوي - 462:4، العزيز شرح الوجيز 191:6، روضة الطالبين 4: 329.

و قال بعض الشافعيّة: له الركوب في الردّ؛ لأنّ الردّ لازم عليه، فالإذن يتناوله عرفا، و المستأجر لا ردّ عليه(1).

مسألة 775: لو استأجر دابّة للركوب أو الحمل إلى موضع فجاوزه، فقد تعدّى فيها من حين التجاوز،

اشارة

مسألة 775: لو استأجر دابّة للركوب أو الحمل إلى موضع فجاوزه، فقد تعدّى فيها من حين التجاوز، لا من حين نيّته على إشكال، فيجب عليه المسمّى في الأصل، و أجرة المثل في الزائد - و هو قول فقهاء المدينة السبعة، و به قال الحكم و ابن سيرين(2) و الشافعي(3) - لما تقدّم(4) من الروايات.

و قال الثوري و أبو حنيفة: لا أجرة عليه على الزائد؛ لأنّ المنافع عندهما لا تضمن في الغصب(5).

و قال مالك: إنّه إذا تجاوز بها إلى مسافة بعيدة يخيّر صاحبها بين

ص: 362


1- العزيز شرح الوجيز 191:6، روضة الطالبين 329:4.
2- كذا قوله: «و ابن سيرين» في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة، و لم يرد ذلك في المصادر المذكورة في الهامش التالي، و بدله في الإشراف على مذاهب أهل العلم و مختصر اختلاف العلماء و المغني و الشرح الكبير: «ابن شبرمة».
3- الأم 32:4، مختصر المزني: 126، الإشراف على مذاهب أهل العلم 107:2، الحاوي الكبير 404:7، المهذّب - للشيرازي - 410:1، نهاية المطلب 8: 102، بحر المذهب 276:9، حلية العلماء 434:5، التهذيب - للبغوي - 4: 452، البيان 329:7، العزيز شرح الوجيز 191:6، روضة الطالبين 329:4، مختصر اختلاف العلماء 1817/122:4، بداية المجتهد 231:2، المغني 88:6 - 89، الشرح الكبير 95:6-96.
4- في ص 262.
5- مختصر اختلاف العلماء 1809/117:4، و 1817/122، المغني 89:6، الشرح الكبير 96:6، الإشراف على نكت مسائل الخلاف 1150/655:2، بداية المجتهد 231:2، المعونة 1098:2، الإشراف على مذاهب أهل العلم 107:2، الحاوي الكبير 404:7، بحر المذهب 277:9، حلية العلماء 434:5، البيان 329:7.

أجرة المثل و بين المطالبة بقيمتها يوم التعدّي؛ لأنّه بإمساكها حابس لها عن أسواقها، فكان لصاحبها تضمينها إيّاه(1).

و ليس بجيّد؛ لأنّ العين باقية بحالها يمكن أخذها، فلم تجب قيمتها، كما لو كانت المسافة قريبة.

و ما ذكره تحكّم لا دليل عليه و لا نظير له، فلا يجوز المصير إليه.

إذا عرفت هذا، فإنّه يصير ضامنا من وقت المجاوزة، سواء تلفت في الزيادة أو بعد ردّها إلى المسافة، و سواء كان صاحبها مع المستأجر أو لا - و هذا ظاهر مذهب الفقهاء السبعة إذا تلفت حال التعدّي(2) - حتى لو ماتت لزمه أقصى القيم من حين التعدّي، و لا يبرأ عن الضمان بردّها إلى ذلك المكان.

و قال بعض الشافعيّة: إن كان صاحبها معها و تلفت بعد ما نزل و سلّمها إلى المالك ليمسكها أو يسقيها فتلفت، فلا ضمان عليه، و إن تلفت و هو راكب، فإن تلفت بالوقوع في بئر و نحوه، ضمن جميع القيمة، و إن لم يحدث سبب ظاهر، لزمه عند بعضهم جميع القيمة أيضا.

و الأصحّ عندهم: إنّه لا يلزمه الكلّ؛ لأنّ الظاهر حصول التلف بكثرة التعب و تعاقب السير، حتى لو أقام في المقصد قدر ما يزول فيه التعب ثمّ خرج من غير إذن المالك، ضمن الكلّ، و على هذا فالتلف حصل من حقّ و عدوان، فلزمه نصف الضمان، أو ما يقتضيه التوزيع على المسافتين ؟ فيه6.

ص: 363


1- الإشراف على نكت مسائل الخلاف 1150/655:2، بداية المجتهد 231:2، التلقين: 402، المعونة 1097:2-1098، المغني 89:6، الشرح الكبير 6: 96، بحر المذهب 277:9، حلية العلماء 435:5، البيان 329:7.
2- المغني 89:6-90، الشرح الكبير 100:6.

قولان، كما تقدّم فيما إذا حمل فوق المشروط(1).

و يحتمل أن لا يضمن الراكب شيئا إذا كانت في يد صاحبها و لم يكن حالة التلف راكبا عليها؛ لأنّها تلفت في يد صاحبها، فأشبه ما لو تلفت بعد مدّة التعدّي.

و موضع الخلاف في لزوم كمال القيمة إذا كان صاحبها مع راكبها أو تلفت في يد صاحبها، فأمّا إذا تلفت حال التعدّي و لم يكن صاحبها مع راكبها، فلا خلاف في ضمانها بكمال قيمتها؛ لأنّها تلفت في يد عادية، فوجب ضمانها، كالمغصوبة.

و كذا لو تلفت تحت الراكب أو تحت حمله و صاحبها معها؛ لأنّ اليد للراكب و صاحب الحمل، و لأنّ الراكب متعدّ بالزيادة، و سكوت صاحبها لا يسقط الضمان، كمن خرق ثياب غيره و هو ساكت.

و إن تلفت في يد صاحبها بعد نزول الراكب عنها، فينظر إن كان تلفها بسبب تعبها بالحمل و السير، فهو كما لو تلفت تحت الحمل و الراكب.

و إن تلفت بسبب آخر من افتراس سبع أو سقوط في وهدة و نحو ذلك، فلا ضمان فيها؛ لأنّها لم تتلف في يد عادية و لا بسبب عدوان.

و لا يسقط الضمان بردّها إلى المسافة، و به قال أبو حنيفة و أبو يوسف و الشافعي(2).7،

ص: 364


1- العزيز شرح الوجيز 191:6، روضة الطالبين 329:4-330.
2- مختصر اختلاف العلماء 117:4-1809/118، الإشراف على مذاهب أهل العلم 107:2، الحاوي الكبير 404:7، نهاية المطلب 102:8، بحر المذهب 9: 277، حلية العلماء 435:5، التهذيب - للبغوي - 452:4، البيان 330:7،

و قال محمّد: يسقط، كما لو تعدّى في الوديعة ثمّ ردّها(1).

و ليس بجيّد؛ لأنّها يد صارت ضامنة، فلا يزول الضمان عنها إلاّ بإذن جديد.

و الأصل ممنوع؛ فإنّ الوديعة لا يزول الضمان عنها إلاّ بالردّ إلى المالك أو (بإذن جديد)(2).

و لو استأجرها ليركب و يعود، لزمه لما زاد أجرة المثل.

خلافا للشافعيّة؛ لأنّه يستحقّ أن يقطع قدر تلك المسافة ذهابا و عودا، بناء على أنّه يجوز العدول إلى مثل الطريق المعيّن(3).

و هو ممنوع.

ثمّ إن قدّر في هذه الإجارة مدّة مقامه في المقصد فذاك، و إلاّ فإن لم يزد على مدّة المسافرين انتفع بها في العود، و إن زاد حسبت الزيادة عليه.

فروع:

أ - لو استأجر الدابّة إلى عشرة فراسخ فقطع نصف المسافة ثمّ رجع لأخذ شيء نسيه راكبا، انتهت الإجارة، و استقرّت الأجرة إن قلنا: إنّ


1- مختصر اختلاف العلماء 116:4-1809/117، بحر المذهب 277:9، حلية العلماء 435:5، البيان 330:7، المغني 91:6، الشرح الكبير 102:6.
2- العزيز شرح الوجيز 191:6، روضة الطالبين 329:4، المغني 91:6، الشرح الكبير 6: 102.
3- التهذيب - للبغوي - 452:4-453، العزيز شرح الوجيز 191:6، روضة الطالبين 330:4. ص: 365

الطريق لا يتعيّن.

ب - لو أخذ الدابّة و أمسكها(1) في البيت يوما ثمّ خرج، فإذا بقي بينه و بين المقصد يوم استقرّت الأجرة، و لم يكن له الركوب.

ج - لو ذهب في الطريق لاستقاء ماء أو شراء شيء يمنة و يسرة، كان محسوبا عليه من المدّة، و يترك الانتفاع إذا قرب من المقصد بقدره.

مسألة 776: لو دفع إلى قصّار ثوبا ليقصره بأجرة ثمّ جاء و استرجعه،

اشارة

مسألة 776: لو دفع إلى قصّار ثوبا ليقصره بأجرة ثمّ جاء و استرجعه، فقال: لم أقصره بعد فلا أردّه، فقال صاحبه: لا أريد أن تقصره فاردده عليّ، فلم يردّه فتلف الثوب عنده، قال بعض الشافعيّة: عليه الضمان(2) ، و أطلق.

و الوجه: أن نقول: إن استأجره للقصارة و لم تمض المدّة، لم يكن عليه ضمان؛ لأنّ المستأجر قد لزمه عقد الإجارة، فللأجير لزوم الثوب حتى يفعل فيه ما وقعت الإجارة عليه، و إن لم يكن هناك عقد إجارة أو قد مضت المدّة قبل قصارته، فالوجه: ما قاله.

و إن قصره و ردّه، فإن كانت القصارة بعد نهيه و قد مضت المدّة، أو لم يجر عقد شرعيّ، فلا أجرة له، و إلاّ كان له الأجرة.

و أطلق بعض الشافعيّة عدم استحقاق الأجرة(3). و ليس بجيّد.

و على هذا قياس الغزل عند النسّاج، و الثوب عند الخيّاط، و الخشب عند النجّار، و أشباه ذلك.

ص: 366


1- في «ر» و الطبعة الحجريّة: «فأمسكها».
2- العزيز شرح الوجيز 192:6، روضة الطالبين 330:4.
3- العزيز شرح الوجيز 192:6، روضة الطالبين 330:4.
فروع متبدّدة:

أ - لو استأجره ليكتب له صكّا على كاغذ فكتبه و أخطأ، فعليه أرش الكاغذ.

و كذا لو أمره أن يكتب بالعربيّة، فكتب بالفارسيّة، أو بالعكس.

ب - لو استأجر دابّة ليحمل شيئا من موضع إلى منزله فركبها في عوده فعطبت الدابّة، ضمن؛ لأنّه استأجرها للحمل، لا للركوب.

و قيل: لا يضمن؛ للعرف(1).

ج - لو تعمّد الأكّار ترك سقي الزرع و المعاملة صحيحة حتى فسد الزرع، ضمن؛ لأنّه في يده و عليه حفظه.

د - لو تعدّى المستأجر بالحمل على الدابّة فقرح ظهرها فهلكت منه، لزمه الضمان و إن كان الهلاك بعد الردّ إلى المالك.

ه - لو استأجره لخياطة ثوب فخاط بعضه و احترق الثوب، استحقّ الأجرة لما عمل بقسطه من المسمّى إن كان العمل في دار صاحب الثوب؛ لأنّه يكون قد سلّمه إليه.

و قال بعض الشافعيّة: إنّ العقد ينفسخ بتلف الثوب، فيستحقّ أجرة المثل لما عمل(2).

و لو استأجر لحمل حبّ إلى موضع معلوم فزلقت رجله في الطريق فانكسر الحبّ، لا يستحقّ شيئا من الأجرة.

و الفرق: إنّ الخياطة تظهر على الثوب، فوقع العمل مسلّما بظهور

ص: 367


1- كما في العزيز شرح الوجيز 192:6، و روضة الطالبين 331:4.
2- العزيز شرح الوجيز 192:6، روضة الطالبين 331:4.

أثره، و الحمل لا يظهر على الحبّ.

و - لو آجر أرضا إجارة صحيحة ثمّ غرقت الأرض بسيل أو بماء نبع منها، فإن لم يتوقّع انحساره مدّة الإجارة فهو كما لو انهدمت الدار، و إن توقّع فللمستأجر الخيار بين الفسخ و الإجارة، كما لو غصبت العين المستأجرة، فإن أجاز سقط عنه من الأجرة بقدر ما كان الماء مستويا عليها.

و إن غرق بعضها و قد مضى نصف المدّة، انفسخ العقد فيه، و لا ينفسخ في الباقي - و هو أظهر وجهي الشافعيّة(1) - لكن له الخيار فيه في بقيّة المدّة، فإن فسخ و كانت أجرة المدّة لا تتفاوت فعليه نصف المسمّى للمدّة الماضية، و إن أجاز فعليه ثلاثة أرباع المسمّى: النصف للمدّة الماضية، و الربع لما بقي.

ز - تعطيل الرحى؛ لانقطاع الماء، و الحمّام؛ لخلل في الأبنية، أو لانتقاص الماء في بئره كانهدام الدار.

و كذا إذا استأجر قناة فانقطع ماؤها، و لو انتقص ثبت الخيار، و لم ينفسخ العقد.

ح - مهما ثبت الخيار بسبب نقص تجدّد و أجاز ثمّ بدا له أن يفسخ، فإن كان ذلك السبب بحيث لا يرجى زواله كما إذا انقطع الماء و لم يتوقّع عوده، فليس له الفسخ؛ لأنّه عيب واحد و قد رضي به، و إن كان بحيث يرجى زواله، فله الفسخ ما لم يزل؛ لأنّه يقدّر كلّ ساعة زواله، فيتجدّد الضرر، و هذا كما إذا تركت(2) المطالبة بعد مضيّ مدّة الإيلاء أو الفسخ بعد ثبوت الإعسار إن قلنا به، لها العود إليه، و كذا لو اشترى عبدا فأبق قبلة.

ص: 368


1- العزيز شرح الوجيز 192:6، روضة الطالبين 331:4.
2- أي: الزوجة.

القبض و أجاز ثمّ أراد الفسخ، له ذلك ما لم يعد العبد.

ط - لو استأجر طاحونتين متقابلتين أو دولابين متقابلين فانتقص الماء و بقي ما يدور به واحد منهما، كان له الخيار في الفسخ، فإن لم يفسخ، قيل: يلزمه أجرة أكثرهما(1).

ي - بيع الحديقة التي ساقى عليها في المدّة يشبه بيع المستأجر.

و قال بعض الشافعيّة: إن باعها المالك قبل خروج جميع الثمرة، لم يصح؛ لأنّ للعامل حقّا في ثمارها، فكأنّه استثنى بعض الثمرة، و إن كان بعد خروج الثمرة، يصحّ البيع في الأشجار و نصيب المالك من الثمار، و لا حاجة إلى شرط القطع؛ لأنّها مبيعة مع الأصول، و يكون العامل مع المشتري كما كان مع البائع(2).

و إن باع نصيبه من الثمرة وحدها، لم يصح عند بعض الشافعيّة؛ للحاجة إلى شرط القطع، و تعذّره في الشائع(3).

مسألة 777: لو دفع إلى نسّاج غزلا و استأجره لنسج ثوب طوله عشرة أذرع في عرض ذراع،

مسألة 777: لو دفع إلى نسّاج غزلا و استأجره لنسج ثوب طوله عشرة أذرع في عرض ذراع، فحاكه أطول بذراع، لم يستحق شيئا من الأجرة على الزائد(4) ، و له المسمّى، و عليه أرش الثوب إن نقص بالزيادة، و أرش الغزل، و لا ينقص من المسمّى، كما لو استأجره لضرب مائة لبنة، فضرب له مائتين.

و قال بعض الشافعيّة: لا يستحقّ شيئا ألبتّة لا عن الأصل و لا عن

ص: 369


1- العزيز شرح الوجيز 193:6، روضة الطالبين 332:4.
2- العزيز شرح الوجيز 194:6، روضة الطالبين 242:4.
3- العزيز شرح الوجيز 194:6، روضة الطالبين 242:4.
4- في «د، ر، ص»: «من الأجر عن الزيادة».

الزيادة؛ لأنّه في آخر الطاقة الأولى من الغزل صار مخالفا لأمره، فإنّه إذا بلغ طولها عشرة، كان من حقّه أن يعطفها لتعود إلى الموضع الذي بدأ منه، فإذا لم يفعل وقع ذلك و ما بعده في غير الموضع المأمور(1). و هو حسن.

و إن جاء به تسعة أذرع، احتمل أن لا شيء له، و عليه ضمان نقص الغزل؛ لأنّه مخالف لما أمر، فأشبه ما لو استأجره على بناء حائط عرض ذراع، فبناه عرض نصف ذراع، و لمخالفته في الطاقة الأولى، و أن يكون له ما يخصّه من المسمّى، كمن استؤجر على ضرب مائة لبنة فضرب خمسين.

و قال بعض الشافعيّة: إن كان طول السدى عشرة، استحقّ الأجرة بقدره؛ لأنّه لو أراد أن ينسج عشرة لتمكّن منه، و لم تحصل منه مخالفة فيه، و إن كان طوله تسعة، لم يستحق شيئا؛ لمخالفته في الطاقة الأولى(2).

و لو جاء به زائدا في الطول و العرض معا، فلا أجرة له في الزيادة؛ لأنّه غير مأمور بها، و عليه ضمان ما نقص الغزل المنسوج فيهما.

و أمّا ما عدا الزائد فوجهان:

أحدهما: لا أجرة له؛ لأنّه مخالف لأمر المستأجر، فلم يستحق شيئا، كما لو استأجره على بناء حائط عرض ذراع، فبناه عرض ذراعين.

و الثاني: له المسمّى؛ لأنّه زاد على ما أمره به، فأشبه زيادة الطول.

و لو كان الغزل المدفوع إليه مسدّى و استأجره لحياكة عشرة أذرع في عرض ذراع و دفع إليه من اللحمة ما يحتاج إليه، فجاء به أطول من العرض المشروط، لم يستحق للزيادة شيئا، و إن جاء به أقصر في العرض المشروط، استحقّ بقدره من الأجرة.4.

ص: 370


1- العزيز شرح الوجيز 193:6، روضة الطالبين 332:4.
2- العزيز شرح الوجيز 193:6، روضة الطالبين 332:4.

و إن وافق في الطول و خالف في العرض، فإن كان أنقص نظر إن كان ذلك لمجاوزته القدر المشروط من الصفاقة، لم يستحق من الأجرة شيئا؛ لأنّه مفرّط، لمخالفته أمره، و إن راعى المشروط في صفة الثوب رقّة و صفاقة، فله الأجرة؛ لأنّ الخلل و الحال هذه من السدى.

و إن كان أزيد، فإن أخلّ بالصفاقة، لم يستحق شيئا، و إلاّ استحقّ الأجرة بتمامها؛ لأنّه زاده خيرا.

و إن جاء به زائدا في العرض خاصّة، فوجهان:

أحدهما: لا أجرة له؛ لأنّه مخالف لأمره.

و الثاني: له المسمّى؛ لأنّه زاد على ما أمر به، فأشبه ما لو زاد في الطول.

و يمكن الفرق بين الطول و العرض؛ فإنّه يمكن قطع الزائد في الطول، و يبقى الثوب على ما أراد، و لا يمكن ذلك في العرض.

و إن جاء به ناقصا في العرض خاصّة أو فيهما معا، فوجهان:

أحدهما: لا أجر له؛ للمخالفة، و عليه ضمان نقص الغزل.

و الثاني: له بحصّة المسمّى.

و يحتمل أنّه إن جاء به ناقصا في العرض فلا شيء له، بخلاف ما لو جاء به ناقصا في الطول.

و لو جاء به زائدا في أحدهما و ناقصا في الآخر، فلا أجر له في الزائد، و في الناقص على ما تقدّم من التفصيل فيه.

و قال محمّد بن الحسن في الموضعين: يتخيّر صاحب الثوب بين دفع الثوب إلى النسّاج و مطالبته بثمن غزله، و بين أن يأخذه و يدفع إليه

ص: 371

المسمّى في الزائد أو بحصّة المنسوج في الناقص؛ لأنّ غرضه لم يسلم له، لأنّه ينتفع بالطويل ما لا ينتفع بالقصير، و ينتفع بالقصير ما لا ينتفع بالطويل، فكأنّه أتلف عليه غزله(1).

و ليس بجيّد؛ لأنّه وجد عين ماله، فلم يكن له المطالبة بعوضه، كما لو جاء به زائدا في الطول وحده.

و لو أثّرت الزيادة أو النقيصة نقصا في الأصل، مثل أن يأمره بنسج عشرة أذرع ليكون الثوب صفيقا فنسجه خمسة عشر فيصير خفيفا، أو يأمره بنسج خمسة عشر ليكون خفيفا فنسجه عشرة فصار صفيقا، فلا أجرة له بحال، و عليه ضمان نقص الغزل؛ لأنّه لم يأت بشيء ممّا أمر به.

مسألة 778: لو استأجر فسطاطا إلى مكة و لم يقل متى أخرج،

مسألة 778: لو استأجر فسطاطا إلى مكة و لم يقل متى أخرج، بطلت الإجارة - و به قال أبو ثور و أحمد، و هو قياس قول الشافعي(2) - لأنّها مدّة غير معلومة الابتداء، فلم يجز، كما لو قال: آجرتك داري من حين يخرج الحاجّ إلى آخر السنة.

و قال أصحاب الرأي: يجوز؛ استحسانا، بخلاف القياس(3).

و هو اعتراف بمخالفة الدليل، و الاستحسان ليس بدليل و كذا القياس عندنا.

مسألة 779: إذا استأجر دابّة ليركبها في مسافة معلومة أو ليحمل عليها فأراد العدول بها إلى ناحية أخرى مثلها في القدر و أضرّمنها

مسألة 779: إذا استأجر دابّة ليركبها في مسافة معلومة أو ليحمل عليها فأراد العدول بها إلى ناحية أخرى مثلها في القدر و أضرّمنها، أو تخالف

ص: 372


1- بحر المذهب 313:9، حلية العلماء 442:5-443، البيان 339:7، المغني 123:6-124، الشرح الكبير 152:6.
2- الإشراف على مذاهب أهل العلم 129:2، المغني 14:6، الشرح الكبير 6: 62.
3- الإشراف على مذاهب أهل العلم 129:2، المغني 14:6، الشرح الكبير 6: 62.

الضرر بأن تكون إحداهما أخشن و الأخرى أخوف، لم يجز.

و إن كان مثلها في السهولة و الأمن أو التي يعدل إليها أقلّ ضررا، فالأقوى: المنع؛ لجواز أن يكون للمؤجر غرض في تعيين الجهة، كما لو آجر جماله إلى مكة ليحجّ معها.

و قال أصحاب الشافعي: يجوز العدول؛ لأنّ المسافة عيّنت لتستوفى بها المنفعة، و يعلم قدرها بها، فلم تختص، كما لا يختصّ الراكب بالركوب(1).

و نمنع انحصار الغرض فيما ذكر، فقد يكون للمؤجر غرض في التخصيص كما قلنا، و كما لو آجر إلى بغداد و أهله بها، لم يجز العدول إلى غيرها؛ لفوات غرضه، و لمخالفة الشرط، و قد قال عليه السّلام: «المؤمنون عند شروطهم»(2).

و لو آجر دوابّه جملة إلى بلد، لم يجز للمستأجر التفريق بينها بالسفر ببعضها إلى جهة و بعضها إلى أخرى؛ لأنّ تعيين المسافة لغرض في فواته ضرر، فلم يجز تفويته.

و لو استأجر جمّالا إلى مصر بأربعين فإن نزل دمشق فأجره ثلاثون فإن نزل الرقّة فأجره عشرون، فالأقرب: البطلان؛ لانتفاء التعيين.

و يحتمل الصحّة.

و الأصل فيه أن يقول: إن خطته اليوم فلك درهمان، و إن خطته غدا فدرهم.).

ص: 373


1- المهذّب - للشيرازي - 409:1، البيان 305:7، المغني 65:6، الشرح الكبير 94:6.
2- تقدّم تخريجه في ص 40، الهامش (1).

و كذا لو استأجر دابّة و قال المالك: إن رددتها اليوم فأجرتها درهم، و إن رددتها غدا فدرهمان.

و الظاهر من مذهب أحمد: الجواز(1).

مسألة 780: كلّ عين يمكن بقاؤها و الانتفاع بها انتفاعا محلّلا مقصودا متقوّما يجوز استئجارها،

مسألة 780: كلّ عين يمكن بقاؤها و الانتفاع بها انتفاعا محلّلا مقصودا متقوّما يجوز استئجارها، و ما لا بقاء له لا يجوز استئجاره، كالهرايس و الطبائخ.

و يجوز استئجار ما يبقى من الأطياب و الصندل و أقطاع الكافور و النّدّ(2) ليشمّه المريض و غيره مدّة ثمّ يردّه؛ لأنّها منفعة مباحة.

و كذا تجوز إجارة الحائط ليضع عليه خشبا معلوما مدّة معلومة، أو ليبني عليه شيئا معيّنا مدّة معيّنة، و به قال الشافعي و أحمد(3).

و قال أبو حنيفة: لا تجوز؛ لأنّ الحائط لا يمكن الانتفاع به إلاّ من هذا الوجه فلا تجوز، كما لا يجوز أن يستأجر أغصان الشجرة ليبسط عليها ثيابه(4).

و ليس بشيء؛ للأصل، و لأنّها منفعة مقصودة مقدور على تسليمها و استيفائها، فجاز عقد الإجارة عليها، كاستئجار السطح للنوم عليه.

و يبطل عليه بأنّه يجوز استئجار القميص للّبس، و لا يمكن الانتفاع به

ص: 374


1- المغني 99:6، الشرح الكبير 28:6.
2- النّدّ: ضرب من الطيب يدخّن به، و يقال للعنبر: النّدّ. لسان العرب 421:3 «ندد».
3- حلية العلماء 441:5، البيان 252:7، المبسوط - للسرخسي - 43:16، روضة القضاة 2835/484:2، المغني 146:6، الشرح الكبير 38:6.
4- المبسوط - للسرخسي - 43:16، روضة القضاة 2834/484:2، بدائع الصنائع 181:4، مختصر اختلاف العلماء 1830/132:4، حلية العلماء 441:5، البيان 252:7.

إلاّ في ذلك.

و الحكم في الأصل ممنوع، و لو سلّم فالمنفعة غير مقصودة، بخلاف مسألتنا.

و كذا يجوز استئجار دار يتّخذها مسجدا يصلّي فيه - و به قال الشافعي و مالك و أحمد(1) - لأنّها منفعة مباحة يمكن استيفاؤها من العين مع بقائها، فجاز استئجارها لها، كالسكنى.

و قال أبو حنيفة: لا يجوز؛ لأنّ فعل الصلاة لا يجوز استحقاقه بعقد الإجارة بحال، فلا تجوز الإجارة لذلك، كما إذا استأجر امرأة ليزني بها(2).

و الفرق: إنّ الصلاة لا تدخلها النيابة، فلا ينتفع بها المستأجر، بخلاف المسجد، و فعل الزنا محرّم، فافترقا.

و الأقرب: إنّه لا تثبت لها حرمة المسجد و إن كانت المدّة باقية.

و لا تجوز إجارة الدار لمن يتّخذها كنيسة أو بيعة أو يتّخذها لبيع الخمر و القمار - و به قال عامّة العلماء(3) - لأنّه فعل محرّم، فلم تجز الإجارة عليه، كما لا يجوز أن يؤجر عبده للفجور.6.

ص: 375


1- بحر المذهب 310:9، البيان 249:7، الإشراف على نكت مسائل الخلاف 2: 1172/662، المدوّنة الكبرى 423:4، الذخيرة 404:5، المغني 146:6، الشرح الكبير 42:6، مختصر اختلاف العلماء 1828/131:4، الإفصاح عن معاني الصحاح 39:2.
2- المبسوط - للسرخسي - 39:16، مختصر اختلاف العلماء 1828/131:4، بحر المذهب 310:9، البيان 249:7، الإشراف على نكت مسائل الخلاف 2: 1172/662، الإفصاح عن معاني الصحاح 39:2، المغني 146:6-147، الشرح الكبير 42:6.
3- بحر المذهب 310:9، البيان 249:7، حلية العلماء 382:5، مختصر اختلاف العلماء 1827/130:4، المغني 151:6، الشرح الكبير 35:6.

و قال أبو حنيفة: لا بأس أن تواجر بيتك في السواد ممّن يتّخذه بيت نار أو كنيسة أو يبيع فيه الخمر، فمن أصحابه من قال: يجوز إذا شرط ذلك، و منهم من قال: لا يجوز إذا شرط، و إنّما أراد أبو حنيفة إذا علم أنّ المؤجر يفعل ذلك إن كان في السواد(1).

و لو استأجر ذمّيّ من مسلم داره و أراد بيع الخمر فيها، فلصاحب الدار منعه إن تظاهر بذلك؛ لأنّه محرّم.

و قال أبو حنيفة: يجوز في السواد(2).

و هو غلط؛ لأنّه محرّم جاز المنع منه في المصر فجاز في السواد، كقتل النفس المحرّمة.

و كذا لا تجوز إجارة ما لا يقدر على تسليم منفعته، سواء جاز بيعه أو لا، مثل أن يغصب منفعته بأن يدّعي إنسان أنّ هذه الدار في إجارته عاما و يقهر صاحبها عليها، فإنّه لا تجوز إجارتها في هذا العام إلاّ من غاصبها أو ممّن يقدر على أخذها منه.

مسألة 781: قد بيّنّاأنّه تجوز إجارة المشاع،

مسألة 781: قد بيّنّا(3) أنّه تجوز إجارة المشاع، و ذكرنا الخلاف فيه.

و لو آجر الشريكان معا، جاز إجماعا؛ لأنّ المانع من إجارة الحصّة إنّما منع باعتبار تعذّر التسليم، و هذا المعنى منتف هنا، فيبقى على أصل الجواز.

ص: 376


1- بدائع الصنائع 176:4، المبسوط - للسرخسي - 134:15، و 38:16-39، بحر المذهب 310:9، حلية العلماء 383:5، مختصر اختلاف العلماء 4: 1827/130، المغني 151:6، الشرح الكبير 35:6.
2- المبسوط - للسرخسي - 134:15، و 39:16، مختصر اختلاف العلماء 4: 1827/131، بحر المذهب 310:9، المغني 151:6، الشرح الكبير 36:6.
3- في ص 347، المسألة 761.

و لو كانت الدار لواحد فآجر بعضها، جاز إجماعا؛ لأنّه يمكنه تسليمه.

فإن آجر نصفها الآخر للمستأجر الأوّل، صحّ؛ لأنّه يمكنه تسليمه إليه.

و إن آجره لغيره، صحّ عندنا.

و للمانعين وجهان بناء على المسألة التي قبلها؛ لأنّه لا يمكنه تسليم ما آجره إليه(1).

و ليس بجيّد، و قد سلف(2).

و لو آجر الدار لاثنين لكلّ واحد نصفها، صحّ عندنا و عند أكثر العامّة(3).

و منع الباقون؛ لأنّه لا يمكنه تسليم نصيب كلّ واحد منهما إليه إلاّ بتسليم نصيب الآخر، و لا ولاية له على مال الآخر(4).

و لو استأجر رجلا ليحمل له كتابا إلى موضع إلى صاحب له، فحمله فوجد صاحبه غائبا فردّه، استحقّ الأجرة لحمله في الذهاب و الردّ؛ لأنّه في الذهاب حمله بإذن صاحبه صريحا، و في الردّ تضمّنا؛ لأنّ تقدير كلامه:

و إن لم تجد صاحبه فردّه؛ إذ ليس سوى ردّه إلاّ تضييعه، و من المعلوم أنّه لا يرضى بتضييعه، فتعيّن ردّه.

و لو دفع إلى رجل ثوبا ليبيعه فباعه، استحقّ الأجرة، سواء كان منتصبا لذلك أو لا؛ لأنّ الفعل ممّا يستحقّ عليه العمل.

و قال أحمد: إن كان منتصبا لذلك، استحقّ الأجر، و إلاّ فلا(5).

و ليس بمعتمد.6.

ص: 377


1- المغني 153:6، الشرح الكبير 47:6.
2- في ص 348، ذيل المسألة 761.
3- المغني 152:6 و 153، الشرح الكبير 46:6 و 47.
4- المغني 153:6، الشرح الكبير 47:6.
5- المغني 162:6، الشرح الكبير 22:6.

مسألة 782: يجوز شرط الخيار في الإجارة، سواء كانت واردة على العين أو في الذمّة

مسألة 782: يجوز شرط الخيار في الإجارة، سواء كانت واردة على العين أو في الذمّة - و به قال أبو حنيفة و أحمد(1) - لعموم قوله تعالى:

أَوْفُوا بِالْعُقُودِ (2) و قوله عليه السّلام: «المؤمنون عند شروطهم»(3) و لأنّه عقد يلحقه الفسخ بالإقالة، فدخله شرط الخيار، كالبيع.

و قال الشافعي: إن كانت الإجارة معيّنة - مثل أن يستأجر منه دارا شهرا - لم يجز شرط الخيار فيها.

و هل يثبت خيار المجلس ؟ وجهان:

أحدهما: لا يثبت؛ لأنّ خيار الشرط لا يثبت إلاّ لأجل القبض، فلم يثبت خيار المجلس، كالنكاح.

و الثاني: يثبت؛ لأنّه عقد يقصد به المعاوضة المحضة، فيثبت فيه خيار المجلس، كالبيع، و يفارق خيار الشرط؛ لأنّ زمانه يطول، فتتلف فيه المنافع، و يفارق النكاح؛ لأنّه لا يحتاج فيه إلى ذلك؛ لأنّه لا يتكرّر، و يقصد به المعاوضة.

و إن كانت الإجارة في الذمّة، مثل أن يستأجر منه خياطة قميص أو حمل شيء، فاختلف أصحابه، فمنهم من قال: حكم ذلك مثل حكم الإجارة المعيّنة، و منهم من قال: يثبت الخياران معا في ذلك؛ لأنّه لا يؤدّي إثبات الخيار إلى إتلاف المنفعة في زمن الخيار(4).

ص: 378


1- حلية العلماء 405:5.
2- سورة المائدة: 1.
3- تقدّم تخريجه في ص 40، الهامش (1).
4- المهذّب - للشيرازي - 407:1، نهاية المطلب 32:5 و 34، حلية العلماء 5: 404-405، البيان 21:5-22.

و احتجّ المانعون: بأنّه عقد على منفعة، فلا يدخله شرط الخيار، كالنكاح، و يفارق البيع؛ لأنّ إثبات الخيار فيه لا يؤدّي إلى إتلاف بعض المبيع، و في الإجارة لو أثبتنا شرط الخيار له لم يجز له الانتفاع بالعين في مدّة الخيار، فإن حسبنا المدّة عليه، أضررنا به؛ لأنّه استأجر شهرا فمكّنّاه من أن ينتفع بسبعة و عشرين يوما، و إن لم نحسبها فقد فوّتنا على المؤجر منفعة شهر و ثلاثة أيّام، فلم يجز.

و نحن نمنع الأداء إلى التضرّر، و يجوز للمستأجر الانتفاع مدّة الخيار.

مسألة 783: لو استأجر دابّة معيّنة ليركبها إلى بلد بعينه فسلّمها إليه و أقامت في يده مدّة يمكنه فيها الركوب إلى ذلك

مسألة 783: لو استأجر دابّة معيّنة ليركبها إلى بلد بعينه فسلّمها إليه و أقامت في يده مدّة يمكنه فيها الركوب إلى ذلك البلد، وجبت عليه الأجرة - و به قال الشافعي و مالك(1) - لأنّ المستأجر قبض العين المستأجرة، و تمكّن من استيفاء المنفعة المعقودة عليها، فوجب أن تستقرّ عليه الأجرة، كما لو استأجرها شهرا للركوب فسلّمها إليه.

و قال أبو حنيفة: لا تستقرّ عليه الأجرة؛ لأنّه لم يسلّمها في مكان الركوب، و هو المسافة(2).

و ليس بجيّد؛ لأنّه لا يلزمه التسليم في الطريق و الخروج معه، و إنّما فعل ما عليه من التسليم.

مسألة 784: إذا كانت الإجارة في الذمّة،

مسألة 784: إذا كانت الإجارة في الذمّة، مثل أن يستأجر للركوب دابّة

ص: 379


1- الإشراف على مذاهب أهل العلم 110:2، الحاوي الكبير 439:7، نهاية المطلب 185:8، بحر المذهب 335:9، الوسيط 202:4، البيان 290:7، العزيز شرح الوجيز 175:6، روضة الطالبين 316:4، المغني 20:6.
2- الحاوي الكبير 439:7، بحر المذهب 335:9، العزيز شرح الوجيز 175:6، المغني 21:6.

و يصفها بالنوع و الجنس على ما مضى، فيجوز حالاّ و مؤجّلا؛ لأنّ محلّ ذلك الذمّة، و إن أطلق كان حالاّ.

و كذا إذا قال: تحصّل خياطة هذا الثوب.

و يجوز بلفظ الإجارة.

و هل يجوز بلفظ السّلم ؟ قالت الشافعيّة: نعم، مثل أن يقول:

أسلمت إليك في منفعة ظهر، و يصفه، أو يقول: استأجرت منك ظهرا، و يصفه و يذكر المسافة.

و إن ذكر بلفظ السّلم، لم يكن بدّ من قبض الأجرة في المجلس، كما يقبض رأس مال السّلم.

و إن كان بلفظ الإجارة، فوجهان:

أحدهما: لا يجب القبض؛ اعتبارا باللفظ.

و الثاني: يجب القبض؛ اعتبار بالمعنى.

و مثل هذين الوجهين في السّلم بلفظ البيع(1).

و هذا الفرع ساقط عندنا؛ لأنّا لا نجوّز الإجارة بلفظ السّلم.

و لو قال: استأجرتك لتحصّل لي خياطة خمسة أيّام، قال بعض الشافعيّة: لا يصحّ؛ لأنّ العمل مجهول؛ لأنّ الخيّاطين تختلف أعمالهم، و إنّما يصير معلوما بتعيين الخياطة أو بتقدير العمل، فأمّا المدّة فلا تزول بها الجهالة(2).

و هو ضعيف؛ لأنّ التفاوت في ذلك معفوّ عنه؛ لقلّته، و إلاّ لزم أن لا يصحّ الاستئجار بالمدّة، و هو خلاف الإجماع.9.

ص: 380


1- البيان 289:7-290.
2- بحر المذهب 294:9.

المقصد الثامن: في المزارعة و المساقاة و فيه فصلان:

الفصل الأوّل: في المزارعة و فيه مباحث:

البحث الأوّل: الماهيّة.

اشارة

المزارعة معاملة على الأرض بالزرع بحصّة من حاصلها.

و اختلفوا في أنّها هي المخابرة أو غيرها.

فقال بعضهم: إنّ المزارعة و المخابرة لفظان لمعنى واحد(1).

و المخابرة من الخبير، و هو الأكّار، قاله أبو عبيدة(2).

و يقال: إنّها مشتقّة من الخبارة، و هي الأرض الرخوة.

و على الأوّل يقال: خابرته مخابرة، و آكرته مؤاكرة، بمعنى واحد.

و قال آخرون: إنّهما معنيان مختلفان(3).

قال الشافعي بالفرق بينهما، فإنّه قال و ذكر سنّة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في نهيه عن المخابرة(4) على أن لا تجوز المزارعة على الثلث و لا على الربع(5).

ص: 381


1- حلية العلماء 378:5، البيان 241:7، العزيز شرح الوجيز 54:6، روضة الطالبين 242:4.
2- راجع: غريب الحديث - للهروي - 232:1.
3- حلية العلماء 378:5، البيان 241:7، العزيز شرح الوجيز 54:6، روضة الطالبين 242:4.
4- صحيح البخاري 151:3، صحيح مسلم 1536/1174:3، سنن الترمذي 3: 1290/585، سنن أبي داود 3407/262:3، سنن النسائي 37:7، السنن الكبرى - للبيهقي - 128:6، مسند أحمد 14462/332:4، و 21122/240:6.
5- الأم 12:4، مختصر المزني: 128.

قال أصحابه: المخابرة أن يكون من ربّ الأرض الأرض وحدها، و من الأكّار البذر و العمل، و المزارعة أن تكون الأرض و البذر من واحد، و العمل من الآخر(1).

و منهم من قال: هما عبارة عن عقد واحد(2).

و قيل: المخابرة معاملة أهل خيبر(3).

و روى العامّة في تفسيرها عن زيد بن ثابت قال: نهى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عن المخابرة، قلت: و ما المخابرة ؟ قال: «أن تأخذ الأرض بنصف أو ثلث أو ربع(4).

و المشهور: إنّهما واحد، يؤيّده قول صاحب الصحاح: و الخبير:

الأكّار، و منه المخابرة، و هي المزارعة(5).

و ظاهر قول الشافعي: إنّهما مختلفان، فالمخابرة هي المعاملة على الأرض ببعض ما يخرج منها [و البذر من العامل، و المزارعة هي هذه المعاملة و البذر من مالك الأرض، و قد يقال: المخابرة: اكتراء الأرض ببعض ما يخرج منها](6) و المزارعة اكتراء العامل ليزرع الأرض ببعض ما يخرج منها(7).3.

ص: 382


1- حلية العلماء 378:5، التهذيب - للبغوي - 476:4، البيان 241:7، العزيز شرح الوجيز 54:6، روضة الطالبين 242:4.
2- العزيز شرح الوجيز 54:6، روضة الطالبين 242:4-243.
3- كما في المغني 583:5، و الشرح الكبير 582:5، و نسبه ابن قتيبة في غريب الحديث 196:1 إلى ابن الأعرابي.
4- سنن أبي داود 3407/262:3.
5- الصحاح 641:2 «خبر».
6- ما بين المعقوفين أثبتناه من المصدر.
7- العزيز شرح الوجيز 54:6، روضة الطالبين 242:4-243.

و لا كثير فائدة في هذا النزاع.

مسألة 785: المزارعة بالمعنى الذي قلناه - و هي المعاملة على الأرض بحصّة ممّا يخرج منها بغير لفظ الإجارة -

مسألة 785: المزارعة بالمعنى الذي قلناه - و هي المعاملة على الأرض بحصّة ممّا يخرج منها بغير لفظ الإجارة جائزة عند علمائنا أجمع - و به قال عليّ عليه السّلام و سعد و ابن مسعود و عمر بن عبد العزيز و القاسم و عروة و عمّار بن ياسر و آل عليّ عليه السّلام و آل أبي بكر و ابن سيرين و سعيد بن المسيّب و طاوس و عبد الرحمن بن الأسود و موسى بن طلحة و الزهري و عبد الرحمن بن أبي ليلى و ابنه و أبو يوسف و محمّد، و هو مرويّ عن معاذ و الحسن و عبد الرحمن بن زيد(1) ، قال البخاري: قال أبو جعفر الباقر عليه السّلام:

«ما بالمدينة من أهل بيت إلاّ و يزرعون على الثلث أو الربع، و زارع عليّ عليه السّلام»(2) ، و قال البخاري: و عامل عمر الناس على إن جاء عمر بالبذر من عنده فله الشطر، و إن جاءوا بالبذر فلهم كذا(3) - لما رواه العامّة عن ابن عمر: إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عامل أهل خيبر على الشطر ممّا يخرج من زرع أو ثمر(4) ، و روى ذلك ابن عباس و جابر بن عبد اللّه(5).

ص: 383


1- الإشراف على مذاهب أهل العلم 72:2، شرح السّنّة - للبغوي - 189:5، الحاوي الكبير 451:7، حلية العلماء 378:5، الاستذكار 31056/209:21، صحيح البخاري 137:3، البيان 242:7، تحفة الفقهاء 264:3، المغني 5: 581-582، الشرح الكبير 582:5.
2- صحيح البخاري 137:3.
3- صحيح البخاري 137:3.
4- صحيح البخاري 137:3 و 138، صحيح مسلم 1551/1186:3، سنن ابن ماجة 2467/824:2، سنن أبي داود 3408/26:3، سنن الترمذي 3: 666-1383/667، السنن الكبرى - للبيهقي - 113:6 و 115، مسند أحمد 2: 4649/87، و 4718/96، و 4927/124، المغني 554:5 و 583، الشرح الكبير 554:5 و 582.
5- كما في المغني 554:5 و 583، و الشرح الكبير 554:5 و 582.

و قال أبو جعفر عليه السّلام: «عامل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أهل خيبر بالشطر ثمّ أبو بكر ثمّ عمر و عثمان و عليّ عليه السّلام و أهلوهم إلى اليوم يعطون الثلث و الربع»(1).

و هذا أمر مشهور صحيح، و عمل به رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله حتى مات، و خلفاؤه حتى ماتوا، و أهلوهم، و لم يبق بالمدينة أهل بيت إلاّ عمل به و عمل به أزواج رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله من بعده(2).

و من طريق الخاصّة: ما رواه محمّد الحلبي و عبيد اللّه الحلبي جميعا عن الصادق عليه السّلام - في الصحيح - أنّ أباه حدّثه: «إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أعطى خيبر بالنصف أرضها و نخلها، فلمّا أدركت الثمرة بعث عبد اللّه بن رواحة فقوّم عليهم قيمة، فقال: إمّا أن تأخذوه و تعطون نصف الثمرة، و إمّا أن أعطيكم نصف الثمرة و آخذه، فقال: بهذا قامت السماوات و الأرض»(3).

و في الصحيح عن يعقوب بن شعيب قال: سألت الصادق عليه السّلام عن المزارعة، فقال: «النفقة منك و الأرض لصاحبها، فما أخرج اللّه من شيء قسم على الشرط، و كذلك قبّل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله خيبر، أتوه فأعطاهم إيّاها على أن يعمروها على أنّ لهم نصف ما أخرجت، فلمّا بلغ التمر أمر عبد اللّه ابن رواحة فخرص عليهم النخل، فلمّا فرغ منه خيّرهم فقال: قد خرصنا هذا النخل بكذا صاعا فإن شئتم فخذوه و ردّوا علينا نصف ذلك، و إن شئتم أخذناه و أعطيناكم نصف ذلك، فقالت اليهود: بهذا قامت السماوات7.

ص: 384


1- كما في المغني 554:5 و 583، و الشرح الكبير 554:5 و 582.
2- كما في المغني 583:5، و الشرح الكبير 582:5، و راجع: صحيح البخاري 3: 137.
3- التهذيب 855/193:7.

و الأرض»(1).

و في الصحيح عن محمّد الحلبي و عبيد اللّه الحلبي عن الصادق عليه السّلام قال: «لا بأس بالمزارعة بالثلث و الربع و الخمس»(2).

و عن إسماعيل بن الفضل عن الصادق عليه السّلام قال: «لا بأس أن تستأجر الأرض بدراهم و تزارع الناس على الثلث و الربع و أقلّ و أكثر إذا كنت لا تأخذ الرجل إلاّ بما أخرجت أرضك»(3).

و الأخبار في ذلك أكثر من أن تحصى.

و لأنّ هذا أصل يثمر بالعمل، فجاز العقد عليه ببعض ما يخرج منه، كالمضاربة و المساقاة.

و إذا كانت الأرض بين النخيل، قال الشافعي: العقد فاسد(4).

و كرهه عكرمة و مجاهد و النخعي و أبو حنيفة(5).

و روي عن ابن عباس الأمران(6).

و جوّزها الشافعي في الأرض بين النخيل إذا كان بياض الأرض أقلّ، و إن كان أكثر فعلى وجهين(7).4.

ص: 385


1- التهذيب 193:7-856/194.
2- التهذيب 194:7-860/195.
3- التهذيب 859/194:7.
4- الحاوي الكبير 451:7، المهذّب - للشيرازي - 400:1، شرح السّنّة - للبغوي - 5: 189، البيان 241:7، العزيز شرح الوجيز 54:6-55، روضة الطالبين 243:4-244.
5- المغني و الشرح الكبير 582:5.
6- المغني و الشرح الكبير 582:5.
7- المهذّب - للشيرازي - 401:1، حلية العلماء 379:5 و 380، البيان 244:7 و 245، العزيز شرح الوجيز 56:6 و 57، روضة الطالبين 245:4.

و منع المزارعة في الأرض البيضاء(1) ؛ لما روى رافع بن خديج قال:

كنّا نخابر على عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، فذكر أنّ بعض عمومته أتاه فقال: نهى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عن أمر كان لنا نافعا، و طواعية رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أنفع، قلنا:

ما ذاك ؟ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: «من كانت له أرض فليزرعها، و لا يكريها بثلث و لا بربع و لا بطعام مسمّى»(2).

و عن ابن عمر قال: كنّا لا نرى بالمزارعة بأسا حتى سمعت رافع بن خديج يقول: نهى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عنها(3).

و قال جابر: نهى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عن المخابرة(4).

و عن جابر قال: كنّا نزرع بالثلث و الربع و النصف، فقال النبي صلّى اللّه عليه و آله:

«من كانت له أرض فليزرعها أو ليمنحها، فإن لم يفعل فليمسك أرضه»(5)

و عن زيد بن ثابت قال: نهى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عن المخابرة، قلت:

و ما المخابرة ؟ قال: «أن تأخذ الأرض بنصف أو ثلث أو ربع»(6).

و لا دلالة في حديث رافع؛ لما رواه عروة بن الزبير عن زيد بن ثابت6.

ص: 386


1- المهذّب - للشيرازي - 400:1، حلية العلماء 378:5، المغني و الشرح الكبير 582:5.
2- سنن أبي داود 259:3-3395/260، سنن النسائي 42:7، السنن الكبرى - للبيهقي - 131:6، المغني 582:5-583، الشرح الكبير 582:5.
3- صحيح مسلم 1179:3، ح 1547 و ذيله، سنن النسائي 48:7.
4- صحيح مسلم 93/1177:3، سنن أبي داود 3404/262:3، سنن النسائي 7: 37 و 38 و 48، السنن الكبرى - للبيهقي - 128:6.
5- صحيح البخاري 141:3، السنن الكبرى - للبيهقي - 130:6، مسند أحمد 4: 14399/321، المغني 583:5، الشرح الكبير 582:5.
6- سنن أبي داود 3407/262:3، السنن الكبرى - للبيهقي - 133:6.

أنّه قال: يغفر اللّه لرافع، أنا و اللّه أعلم بالحديث منه، إنّما أتاه رجلان من الأنصار و قد اقتتلا، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: «إن كان هذا شأنكم فلا تكروا المزارع»(1) فهذا خرج على وجه المشورة و الإرشاد، دون الإيجاب.

و لأنّ حديث رافع تضمّن النهي عن كراء الأرض بثلث أو ربع، و نحن نسلّم ذلك، فإنّه لا تجوز إجارة الأرض بثلث ما يخرج منها أو ربعه، و النزاع إنّما هو في المزارعة، و هي غير مندرجة في الحديث.

و الحديث الذي ذكر فيه لفظ المزارعة محمول على الإجارة؛ لأنّ القصّة واحدة رويت بألفاظ مختلفة، فيجب تفسير أحد اللفظين بما يوافق الآخر؛ لئلاّ تتنافى الأخبار.

و لأنّ أحاديث رافع مضطربة جدّا مختلفة اختلافا شديدا يوجب ترك العمل بها لو انفردت، فكيف تقدّم على مثل أحاديثنا!؟

قال أحمد بن حنبل: حديث رافع ألوان(2) ، و قال أيضا: حديث رافع ضروب(3).

قال ابن المنذر: قد جاءت الأخبار عن رافع بعلل تدلّ على أنّ النهي كان لذلك(4).

قال زيد بن ثابت: أنا أعلم بذلك منه، و إنّما سمع النبي صلّى اللّه عليه و آله رجلين قد اقتتلا، فقال: «إن كان هذا شأنكم فلا تكروا المزارع»(5).8.

ص: 387


1- سنن أبي داود 257:3-3390/258.
2- الإشراف على مذاهب أهل العلم 72:2، المغني 585:5، الشرح الكبير 584:5.
3- المغني 585:5.
4- الإشراف على مذاهب أهل العلم 71:2، و عنه في المغني 585:5، و الشرح الكبير 584:5.
5- سنن أبي داود 257:3-3390/258.

و روى البخاري عن عمرو بن دينار قال: قلت لطاوس: لو تركت المخابرة، فإنّهم زعموا أنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله نهى عنها، فقال: إنّ أعلمهم - يعني ابن عباس - أخبرني أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لم ينه عنه، و لكن قال: «لئن يمنح أحدكم أرضه خير من أن يأخذ عليها خراجا معلوما»(1).

و لأنّ أحاديث رافع منها ما يخالف الإجماع، و هو النهي عن كراء المزارعة على الإطلاق، و منها اضطرابه في المسند عنه، فتارة يحدّث عن بعض عمومته(2) ، و تارة عن سماعه(3) ، و تارة عن ظهير بن رافع(4) ، و مع هذا الاضطراب يجب اطّراحها، و استعمال الأخبار الواردة في شأن خيبر(5) ، فإنّها تجري مجرى المتواترة التي لا اختلاف فيها، و قد عمل بها الصحابة و غيرهم، فلا معنى لتركها اعتمادا على الأخبار الواهية.

و لو سلّم سلامته عن المطاعن و عدم قبوله للتأويل و قد تعذّر الجمع، فلا بدّ و أن يكون أحد الخبرين ناسخا للآخر، و يستحيل القول بنسخ حديث خيبر؛ لكونه معمولا به من جهة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، ثمّ من بعده إلى عصر التابعين، فأيّ وقت ثبت نسخه ؟

و حديث جابر(6) في النهي عن المخابرة محمول على ما حمل عليه خبر رافع، فإن تأوّله الشافعيّة بعود النهي إلى الأرض البيضاء و التجويز في6.

ص: 388


1- صحيح البخاري 138:3، و عنه في المغني 585:5، و الشرح الكبير 584:5.
2- راجع: الهامش (2) من ص 386.
3- كما في سنن أبي داود 259:3، ذيل ح 3394، و المغني 585:5، و الشرح الكبير 584:5.
4- كما في سنن أبي داود 259:3، ذيل ح 3394، و المغني 585:5، و الشرح الكبير 584:5.
5- راجع: الهامش (4 و 5) من ص 383، و الهامش (1) من ص 384.
6- تقدّم حديثه في ص 386.

قضيّة خيبر إلى الأرض المتخلّلة بين النخل، كان بعيدا؛ لعدم الدلالة عليه، بخلاف ما تأوّلناه، فإنّه لدليل.

و لأنّ ما ذكرناه أولى؛ لعمل الصحابة و التابعين و أهل البيت عليهم السّلام به، دون ما تأوّلوه.

و لأنّ ما ذكرناه مجمع عليه؛ لأنّ الباقر عليه السّلام روى ذلك عن أهل كلّ بيت بالمدينة و عن الصحابة و أهاليهم و فقهاء الصحابة(1)راجع: الهامش (2) من ص 386.(2) ، و استمرّ ذلك إلى الآن، و هذا ممّا لا يجوز خفاؤه، و لم ينكره أحد من الصحابة، فكان إجماعا، و الذي خالفه فقد بيّنّا فساده، و القياس يقتضيه، فإنّ العين تنمى بالعمل، فجازت المعاملة عليها ببعض نمائها، كالأثمان في المضاربة، و النخل في المساقاة، أو نقول: أرض فجازت المزارعة عليها، كالأرض بين النخل.

و لأنّ الحاجة داعية إلى المزارعة؛ لأنّ أصحاب الأراضي لا يقدرون على زرعها و العمل عليها، و الأكرة يحتاجون إلى الزرع و لا أرض لهم، فاقتضت حكمة الشرع جواز المزارعة، كما قلنا في المضاربة و المساقاة، بل الحاجة هنا آكد؛ فإنّ الحاجة إلى الزرع أكثر منها إلى غيره؛ لكون الأرض لا ينتفع منها إلاّ بالعمل عليها، بخلاف المال، مع أنّ حديثهم تضمّن الخطأ؛ لأنّ فيه أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله نهانا عن أمر كان لنا نافعا(2) ، و النبي صلّى اللّه عليه و آله لا ينهى عن المنافع، و إنّما ينهى عن المضارّ و المفاسد، فدلّ ذلك على غلط الراوي.6.

ص: 389


1- راجع: الهامش
2- من ص 383، و الهامش (1) من ص 384.

البحث الثاني: في الأركان.

اشارة

و هي أربعة:

الركن الأوّل: الصيغة،
اشارة

و هو كلّ لفظ يدلّ على تسليم الأرض للزراعة بحصّة مشاعة، مثل: زارعتك على هذه الأرض، أو: ازرع هذه الأرض، أو سلّمتها إليك، أو: قبّلتك بزراعتها، أو بالعمل فيها مدّة معلومة بحصّة من حاصلها معيّنة، أو: خذ هذه الأرض على هذه المعاملة، و ما أشبه ذلك، و لا تنحصر في لفظ معيّن، بل كلّ ما يؤدّي إلى هذا المعنى، فيقول: قبلت.

و يشترط القبول لفظا على الأقوى؛ لأنّه عقد لازم، فكان كالإجارة.

و يحتمل العدم، فلو أوجب و أخذ العامل الأرض و زرعها، احتمل اللزوم.

و لا تنعقد بلفظ الإجارة، فلو قال: آجرتك هذه الأرض مدّة معيّنة بثلث ما يخرج منها، لم يصح؛ للجهالة، و قد سبق(1) ، و يكون الزرع بأسره لصاحب البذر، فإن كان العامل، فله الحاصل، و عليه أجرة المثل للأرض؛ لأنّه تصرّف في مال الغير بعوض لم يسلم له، فكان ضمانه عليه، و إنّما يضمن بأجرة المثل، و إن كان البذر لصاحب الأرض، فعليه أجرة المثل للعامل و لدوابّه؛ حيث لم يسلّم إليه ما شرط له.

و لو قال: آجرتك نصف أرضي هذه بنصف بذرك و نصف منفعتك و نصف منفعة بقرك و آلتك، و أخرج العامل البذر كلّه، لم يصح؛ للجهالة؛ فإنّ المنفعة غير معلومة.

ص: 390


1- في ص 352، ضمن المسألة 764.

و قال بعض العامّة: لو أمكن علم المنفعة و ضبطها بما لا تختلف معه و معرفة البذر، جاز، و كان الزرع بينهما(1).

و ليس بجيّد.

و كذا لا يصحّ لو قال: آجرتك نصف أرضي بنصف منفعتك و منفعة بقرك و آلتك، و أخرجا البذر، و يكون الحاصل بينهما؛ لأنّ البذر منهما.

نعم، هنا لو أمكن الضبط، صحّ العقد.

مسألة 786: المزارعة إذا وقعت بشروطها كانت لازمة؛

مسألة 786: المزارعة إذا وقعت بشروطها كانت لازمة؛ لأصالة اللزوم بقوله تعالى: أَوْفُوا بِالْعُقُودِ (2) و بقوله عليه السّلام: «المؤمنون عند شروطهم»(3) و ذلك يقتضي اللزوم، و لا تبطل إلاّ بالتقايل، و لا تبطل بموت أحد المتعاقدين؛ لأصالة الدوام، و الاستصحاب.

ثمّ إن كان الميّت العامل قام وارثه مقامه في العمل، و إلاّ استأجر الحاكم عليه من ماله أو على الحصّة، و لو كان المالك، بقيت المعاملة بحالها، و على العامل القيام بتمام العمل.

الركن الثاني: المتعاقدان،

و لا بدّ أن يكونا من أهل التصرّف، فلا يصحّ عقد الصبي و لا المجنون و لا السفيه و لا المحجور عليه بالفلس، و هو ظاهر.

الركن الثالث: ما تقع عليه المعاملة،
اشارة

و هي كلّ أرض يمكن الانتفاع بها في الزرع، و ذلك بأن يكون لها ماء إمّا من نهر أو بئر أو عين أو مصنع و ما أشبه ذلك.

ص: 391


1- المغني 592:5، الشرح الكبير 590:5.
2- سورة المائدة: 1.
3- تقدّم تخريجه في ص 40، الهامش (1).

و تصحّ لو لم يكن لها شيء من ذلك لكن العادة سقي تلك الأرض بالأمطار التي يغلب وجودها في تلك الأرض و لو كان نادرا لكنّه يكفيها لكثرته و شدّته، فإنّه يجوز أيضا.

و لو كان المطر المعتاد لا يكفيها، أو يكون شربها من السيل إذا فاض به الوادي و هو نادر، أو يكون شربها من النهر إذا زاد زيادة نادرة، ففي جواز المزارعة عليها إشكال ينشأ: من عدم التمكّن من إيقاع ما وقع عليه العقد في الأمر الظاهر، و من إمكان الوقوع و لو نادرا، فإن انقطع الماء بحيث لا يمكن الزراعة وفات وقت الزرع، انفسخت المزارعة.

و لو زارع عليها أو آجرها للزراعة، و لا ماء لها مع علم الزارع، لم يتخيّر، و مع الجهالة فله الفسخ، أمّا لو استأجرها مطلقا و لم يشترط المزارعة، صحّ العقد، و لم يكن له الفسخ؛ لإمكان الانتفاع بها بغير الزرع بأن ينزل فيها و يضع رحله و يجمع فيها حطبا.

و لو قدر على ماء أو أراد أن يزرع و جاء الماء، كان له ذلك؛ لأنّ ذلك من جملة منافعها، إلاّ أنّه لا يبني و لا يغرس؛ لأنّ تقدير المدّة يقتضي تفريغ الأرض عند انقضائها، و البناء و الغراس يرادان للتأبيد، فلهذا لم يكن له، قاله الشافعي(1).

و ليس بشيء؛ لأنّه قد استأجرها و أطلق، فكان له وجوه الانتفاعات، و لا خلاف في أنّه لو استأجرها للغراس و البناء و قدّر المدّة، جاز مع أنّهما للتأبيد، فليجز مع الإطلاق.

مسألة 787: لو زارع على الأرض و لها ماء معتاد يعتورها وقت الحاجة

مسألة 787: لو زارع على الأرض و لها ماء معتاد يعتورها وقت الحاجة

ص: 392


1- البيان 258:7، العزيز شرح الوجيز 95:6، روضة الطالبين 256:4.

إليه، صحّ العقد، فإن تجدّد له انقطاع في أثناء المدّة، فللزارع الخيار؛ لعدم الانتفاع.

و كذا لو استأجرها للزراعة.

و إذا فسخ العامل لانقطاع الماء، فعليه أجرة ما سلف، و يرجع بما قابل المدّة المتخلّفة.

أمّا لو استأجرها مطلقا، فإنّه لا ينفسخ العقد؛ لإمكان الانتفاع في غير الزرع على ما تقدّم.

و لو فرض عدم النفع بالكلّيّة، فإنّ العقد ينفسخ؛ لفوات المعقود عليه، و هي المنفعة.

و لو كانت الأرض لا ماء لها يعتادها لا من نهر و لا من مطر و لا من غيرهما، لم تصح المزارعة عليها؛ لتعذّر الانتفاع بها، و لا استئجارها للزراعة.

و هل يجوز استئجارها مطلقا؟ الأقوى: الجواز؛ لأنّ الانتفاع لا ينحصر في الزرع.

و للشافعيّة وجهان:

أحدهما: إنّه لا تصحّ الإجارة؛ لأنّ إطلاق العقد يقتضي الزراعة، و لو شرط الزراعة كان فاسدا، فكذا إذا أطلق.

و الثاني: ينظر إن كانت الأرض لا ماء لها بحال و لا يمكن أن يجلب إليها، صحّ العقد؛ لأنّ علمه بذلك بمنزلة شرط أنّها بيضاء، و إن كان لها ماء بحال أو يمكن أن يجلب إليها، كان العقد فاسدا؛ لأنّ المكري يجوز أن يعتقد أنّ على المكتري تحصيل الماء، و أنّه يكريها للزراعة فتقتضي

ص: 393

الإجارة الزراعة، و ذلك متعذّر في الظاهر، فلم تصحّ(1).

مسألة 788: تجوز المزارعة على الأرض التي لها ماء من شطّ يزيد زيادة أو يحتاج إلى الدالية و شبهها.

و كذا تجوز إجارتها للزراعة قبل مجيء الماء و بعده.

و قال الشافعي: إن آجرها بعد مجيء الماء النادر، جاز؛ لأنّه قد أمكنت الزراعة، فأمّا إذا كانت الأرض تشرب بالزيادة المعتادة، جاز إجارتها و إن كانت الزيادة لم توجد، و كذا ما تشرب بالمدّ بالبصرة تجوز إجارتها وقت الجزر، و ما يشرب بالمطر المعتاد تجوز إجارته قبل مجيء المطر.

اعترض عليهم: بأنّ من مذهبهم أنّه متى لم يمكن استيفاء المنفعة عقيب العقد لم تصح الإجارة.

و أجابوا: بأنّه يمكن هنا أن يبتدئ عقيب العقد بعمارة الأرض للزراعة، فلو كان لا يمكنه عمارتها و زراعتها إلاّ أن يكون الماء حال العقد، لم تجز إجارتها حتى يكون الماء حال العقد.

و ليس بجيّد.

و جوّزوا استئجارها و الماء قائم عليها إذا كان ينحسر عنها لا محالة في وقت يمكن الزرع فيه، و هو معروف بالعادة المستمرّة فيها.

ثمّ اعترض: بأنّه كيف تجوز إجارتها و لا يمكن الانتفاع بها عقيب العقد و الماء أيضا مانع من رؤيتها!؟

و أجابوا: بأنّ كون الماء فيها لا يمنع من التسليم و التشاغل بعمارتها؛

ص: 394


1- البيان 258:7.

لأنّه يمكنه أن يشتغل بحسر الماء عنها ببئر يحفرها أو موضع يفتحه، و يجري ذلك مجرى من اشترى دارا أو استأجرها و فيها قماش يحتاج إلى تحويله، و يمكن ذلك في الحال، فإنّه يجوز - قال أبو إسحاق: و لأنّ الماء فيها من عمارتها(1) - و أمّا رؤيتها فإنّه إن كان قد رآها أوّلا أو كان الماء صافيا لا يمنع رؤيتها جاز(2).

و قال بعضهم: وجود الماء فيها لا يمنع الانتفاع وقت الزراعة، فلا يمنع ذلك صحّة الإجارة، و صحّحه الباقون؛ لأنّه ليس من شرط الإجارة حصول الانتفاع بالزراعة في جميع مدّتها؛ لأنّه يجوز أن يستأجر سنتين و الزرع يحصل في بعضهما(3).

و إنّما يعتبر إمكان التسليم عقيب العقد، فلو كان الماء كثيرا يمنع التسليم(4) لم يجز العقد.

تذنيب: لو كانت الأرض على صفة يمكن زراعتها إلاّ أنّه يخاف عليها الغرق، قد تغرق و قد لا تغرق، جازت إجارتها؛ لأنّ الظاهر عدم الغرق، و الأصل السلامة، كما تجوز إجارة الحيوان؛ لأنّ الأصل السلامة و إن جاز عليه التلف.

آخر: لو رضي المستأجر للزراعة باستئجار ما لا ينحسر الماء عنه، جاز؛ لأنّه رضي بالعيب.

هذا إذا كانت الأرض يمكنه مشاهدتها.».

ص: 395


1- البيان 260:7.
2- العزيز شرح الوجيز 94:6.
3- البيان 260:7.
4- في «ر، ل»: «يمنع من التسليم».

و لو كان الماء قليلا يمكن معه بعض الزراعة(1) جاز.

و لو كان الماء ينحسر عنها على التدريج، لم يصح؛ لجهالة وقت الانتفاع، و لو كان وقته معلوما بالعادة جاز.

الركن الرابع: الحصّة.
مسألة 789: يجب أن يكون النماء مشتركا بينهما، فلو شرطه أحدهما لنفسه خاصّة،

مسألة 789: يجب أن يكون النماء مشتركا بينهما، فلو شرطه أحدهما لنفسه خاصّة، لم يصح؛ لأنّ المنقول عن الرسول و أهل بيته عليهم السّلام إنّما ورد على الاشتراك في الحصّة(2) ، و الأمور الشرعيّة متلقّاة عن النبي صلّى اللّه عليه و آله، فلا يجوز التجاوز عنها.

و لا يشترط تساويهما فيه، بل يجوز أن يكون لأحدهما أكثر ممّا للآخر على حسب ما يتّفقان عليه؛ لأنّ الروايات دلّت على أنّ المعاملة بالثلث و الربع و غيرهما، و لا نعلم(3) في ذلك خلافا بين مجوّزي المزارعة.

مسألة 790: و لا بدّ و أن يكون النماء بأجمعه بينهما،

مسألة 790: و لا بدّ و أن يكون النماء بأجمعه بينهما، فلو شرط أحدهما زرعا بعينه و الآخر زرعا آخر بعينه، مثل أن يشترط المالك لنفسه زرع ناحية و يشترط العامل لنفسه زرع ناحية أخرى، أو يشترط أحدهما ما على الجداول و السواقي و الآخر ما عداه، لم يصح، أو شرط أحدهما الهرف و الآخر الأفل(4) ، أو شرط أحدهما زرع الحنطة و الآخر زرع الشعير، أو ما

ص: 396


1- في النّسخ الخطّيّة: «الزرع» بدل «الزراعة».
2- راجع: ص 383-385 ما ورد من الروايات الدالّة على ذلك.
3- في «ص، ل»: «و لا نعرف».
4- قال الشيخ الطوسي في المبسوط 253:3: الهرف: ما يدرك أوّلا، و الأوّل (الأفل): ما يتأخّر إدراكه.

أشبه ذلك، و لا خلاف فيه بين العلماء؛ لأنّ الخبر ورد بالنهي عنه(1) من غير معارض، و لأنّه ربما تلف ما شرطه أحدهما لنفسه أو لصاحبه، فينفرد الآخر بالغلّة وحده.

أمّا لو شرط أحدهما لنفسه النصف و ما يزرع على الجداول، أو شرط مع نصيبه نوعا من الزرع أو الأفل، ففيه عندي نظر، لكن المجوّزون للمزارعة من العامّة اتّفقوا على بطلانه(2).

مسألة 791: و لا بدّ و أن تكون الحصّة معلومة، فلو شرط لأحدهما جزءا أو نصيبا أو شيئا أو بعضا و لم يبيّن القدر،

مسألة 791: و لا بدّ و أن تكون الحصّة معلومة، فلو شرط لأحدهما جزءا أو نصيبا أو شيئا أو بعضا و لم يبيّن القدر، بطل بالإجماع؛ لما فيه من الغرر، و لا تحمل الألفاظ المجملة هنا على ما ورد في الوصيّة؛ لأنّ ذلك ورد في صورة معيّنة، فلا يجوز التجاوز عنها.

و لا بدّ و أن تكون الحصّة معلومة بالجزئيّة، فلو شرط أحدهما من الحاصل قفيزا معيّنا و الباقي للآخر، لم يصح.

و كذا لو شرط أحدهما قدرا من الحاصل و ما زاد عليه بينهما، لم يصح؛ لجواز أن لا تحصل الزيادة، فينفرد أحدهما بالفائدة، و هو مناف لموضوع المزارعة.

أمّا لو شرط أحدهما على الآخر شيئا يضمنه له من غير الحاصل مضافا إلى الحصّة، فالأقرب عندي: الجواز؛ عملا بالشرط.

و قال بعض علمائنا: يبطل(3).

ص: 397


1- صحيح البخاري 242:3، صحيح مسلم 116/1183:3.
2- المغني 593:5، الشرح الكبير 590:5.
3- كما في شرائع الإسلام 150:2.

و الوجه: الأوّل.

و كذا لا يصحّ لو شرطا إخراج البذر وسطا و يكون الباقي بينهما على إشكال؛ لأنّ ذلك يتضمّن اشتراط أحدهما شيئا معيّنا زائدا على حصّته، و قد بيّنّا بطلانه؛ لجواز أن لا يحصل سواه، فيؤدّي إلى أن ينفرد أحدهما بالفائدة. و فيه نظر؛ لأنّه بمنزلة الخراج.

و كذا لو شرط ربّ الأرض إخراج البذر من حصّة العامل، يبطل؛ لأنّه بمنزلة ما لو شرط على عامل المضاربة إخراج رأس المال من عنده.

و قد روى إبراهيم الكرخي عن الصادق عليه السّلام، قال: قلت له: أشارك العلج فيكون من عندي الأرضون و البذر و البقر و يكون على العلج القيام و السقي و العمل في الزرع حتى يصير حنطة و شعيرا و تكون القسمة فيأخذ السلطان حظّه و يبقى ما بقي على أنّ للعلج منه الثلث و لي الباقي، قال:

«لا بأس بذلك» قلت: فلي عليه أن يردّ عليّ ما أخرجت الأرض من البذر و يقسم الباقي، قال: «إنّما شاركته على أنّ البذر من عندك و عليه السقي و القيام»(1).

و كذا يجب تعيين الحصّة من كلّ نوع، فلو قال: ازرعها حنطة أو شعيرا ولي ثلث أحدهما و نصف الآخر و لم يعيّن، بطل، و إن عيّن صحّ.

و لو قال: إن زرعتها حنطة فلي الثلث، و إن زرعتها شعيرا فلي النصف، بطل؛ للجهالة.

و فيه لبعض العامّة وجه بالجواز، كالخياطة(2).5.

ص: 398


1- التهذيب 875/198:7.
2- المغني 561:5، الشرح الكبير 578:5.

و لو قال: ما زرعتها من شيء فلي نصفه، صحّ؛ لأنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله ساقى أهل خيبر بشطر ما يخرج منها من زرع أو ثمر(1).

مسألة 792: و لو شرط إخراج الخراج المضروب على الأرض

مسألة 792: و لو شرط إخراج الخراج المضروب على الأرض أوّلا و الباقي يكون بينهما، لم يكن به بأس؛ لأنّ الخراج كأنّه في مقابلة حصّة السلطان من الأرض، و للأصل.

و لما رواه يعقوب بن شعيب - في الصحيح - عن الصادق عليه السّلام، قال:

سألته عن الرجل تكون له الأرض من أرض الخراج فيدفعها إلى الرجل على أن يعمرها و يصلحها و يؤدّي خراجها و ما كان من فضل فهو بينهما، قال: «لا بأس»(2).

البحث الثالث: الشرط.

مسألة 793: يشترط في المزارعة تقدير المدّة و تعيينها بالأيّام و الشهور المضبوطة،

مسألة 793: يشترط في المزارعة تقدير المدّة و تعيينها بالأيّام و الشهور المضبوطة، فلا تجوز مع جهالة المدّة إجماعا؛ لما فيه من الغرر و أدائه إلى التنازع.

و لو اقتصرا على تعيين المزروع و لم يذكرا المدّة، فالأقوى: البطلان؛ لأنّ المزارعة عقد لازم، فهو كالإجارة، فلا بدّ فيه من تعيين المدّة، و أمد الزرع غير مضبوط، فقد يتقدّم و يتأخّر باختلاف الأهوية في البرودة و الحرارة.

و يحتمل الصحّة؛ لأنّ لكلّ زرع أمدا لا يتجاوزه، فيبنى على العادة،

ص: 399


1- تقدّم تخريجه في ص 383، الهامش (4).
2- الكافي 2/268:5، التهذيب 876/198:7.

كالقراض.

و الأوّل أقوى.

مسألة 794: إذا عيّنا المدّة بالأشهر و الأيّام فمضت المدّة و الزرع قائم لم يبلغ،

مسألة 794: إذا عيّنا المدّة بالأشهر و الأيّام فمضت المدّة و الزرع قائم لم يبلغ، كان للمالك إزالته، على إشكال أقربه: المنع؛ لأنّ للزرع أمدا معيّنا غير دائم الثبات و قد حصل في الأرض بحقّ، فلم يكن للمالك قلعه، كما لو استأجر الأرض للزرع مدّة و انقضت قبل إدراكه، مع أنّ الاحتمال أيضا هناك قائم.

و إذا قلنا بأنّ للمالك قلعه، فلا فرق بين أن يكون التأخّر بسبب الزارع، كالتفريط في تأخير الزرع و ترك التعهّد له، أو من قبل اللّه تعالى، كتأخير المياه و تغيّر الأهوية.

و لو اتّفقا على التبقية، جاز؛ لأنّ الحقّ لهما.

و لا فرق بين أن يتّفقا عليها بعوض و غير عوض، لكن إن شرط عوضا افتقر في لزومه إلى تعيين المدّة الزائدة.

مسألة 795: لو شرط للزرع مدّة معيّنة و شرطا في العقد تأخيره عن تلك المدّة إن بقي بعدها،

مسألة 795: لو شرط(1) للزرع مدّة معيّنة و شرطا(2) في العقد تأخيره عن تلك المدّة إن بقي بعدها، بطل الشرط و العقد على القول باشتراط تقدير المدّة بالأشهر المضبوطة.

و لو ترك العامل الزراعة حتى انقضت المدّة، لزمه أجرة المثل للمالك عن أرضه، كما أنّه لو كان قد استأجرها لزمه الأجرة.

هذا إذا كان المالك قد مكّنه فيها(3) و سلّمها إليه، أمّا لو منعه منها حتى

ص: 400


1- في «د، ر»: «شرطا».
2- في «ص»: «شرط».
3- في «ص»: «منها» بدل «فيها».

خرجت المدّة فإنّه لا يستحقّ عليه شيئا؛ لأنّ المنع من قبله.

و لو شرط الغرس، افتقر إلى تعيين المدّة أيضا.

و لو شرط الزرع و الغرس معا في الإجارة، افتقر إلى تعيين كلّ واحد منهما؛ لتفاوت ضرريهما.

و كذا لو شرطهما في المزارعة، و كذا لو استأجر لزرعين أو غرسين متفاوتي الضرر.

و لو استأجر أرضا مدّة معيّنة ليغرس فيها ما يبقى بعد المدّة غالبا، لم يجب على المالك إبقاؤه، و لا الأرش مع إزالته.

و قيل: يجب(1).

و فيه إشكال؛ لأنّ له إزالته لو غرس بعد المدّة، فكذا له الإزالة بعد انقضائها.

البحث الرابع: في الأحكام.

اشارة

قد بيّنّا صحّة المزارعة إذا وقعت على الوجوه المعتبرة شرعا،

فإن اختلّ بعض شرائطها فسدت، فكان النماء لصاحب البذر، فإن كان هو المالك للأرض، كان عليه أجرة المثل للعامل عن عمله و عوامله و آلاته طول المدّة؛ لأنّه دخل على عوض لم يسلم له، و إن كان هو العامل، فالزرع بأجمعه له، و عليه أجرة الأرض لمالكها، و إن كان لهما، فالزرع بينهما، و يرجع كلّ منهما على صاحبه بنصف ما يستحقّه من الأجرة، و إن كان لثالث، فالزرع بأجمعه له، و عليه أجرة المالك و العامل.

ص: 401


1- كما في شرائع الإسلام 152:2.

و قال الشافعي: المزارعة في نفسها باطلة، فإذا دخلا فيها و كمل الزرع، كان لصاحب البذر؛ لأنّه نماء ملكه، و عليه للآخر أجرة المثل.

فإن كان البذر لصاحب الأرض، فالزرع له، و عليه أجرة الأكّار و عوامله؛ لأنّه عمل ليكون ما شرطه له، فإذا لم يسلم له فله عوضه، كمن باع بيعا فاسدا و أتلفه المشتري، كان له قيمته؛ لأنّه بذله في مقابلة الثمن، فإذا لم يسلم له الثمن كان له قيمة المبيع، كذا هنا.

و إن كان للعامل، فالغلّة له، و عليه أجرة الأرض.

و إن كان لهما، فالزرع لهما على قدر البذرين، و لكلّ منهما أجرة المثل في نصف صاحبه، فيكون لصاحب الأرض أجرة نصف الأرض، و للعامل أجرة نصف عمله و عوامله.

ثمّ قال الشافعي: إذا أراد أن يشتركا في الزرع و الغلّة على الوجه الذي يشترطانه في المزارعة بطريق جائز، أعار صاحب الأرض للأكّار نصف أرضه، و يكون البذر بينهما، و يعمل الأكّار على الزرع متبرّعا، فتكون الغلّة بينهما، و لا يستحقّ ربّ الأرض على الأكّار أجرة نصف الأرض، و لا يستحقّ العامل أجرة نصف عمله؛ لأنّ كلّ واحد منهما تطوّع بما بذله.

و ذكر المزني وجها آخر فقال: يكون البذر بينهما، و يكري صاحب الأرض الأكّار نصف أرضه بألف، و يكتري منه عمله على نصيبه و عمل عوامله بألف، و [يتقاصّان](1) بذلك، و تكون الغلّة بينهما.

و قال أصحابه: يمكن أن يكون أسهل من هذا، و هو أن يكريه نصفر.

ص: 402


1- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «يتفقان». و الصحيح ما أثبتناه من المصدر.

أرضه بعمله و عمل عوامله على نصيبه.

و إن أراد أن يكون البذر بينهما على الثلث و الثلثين، آجره ثلثي الأرض بثلثي عمله.

و إن أراد أن يكون البذر من أحدهما، فإن كان من ربّ المال استأجر منه نصف عمله و عمل عوامله و آلته بنصف منفعة الأرض و نصف البذر، و إن كان البذر من الأكّار، استأجر منه بنصف عمله و عمل آلته و نصف البذر و نصف الأرض.

و تفتقر هذه الإجارة إلى تقدير المدّة و رؤية الأرض و عوامله و آلته(1).

و الكلّ عندنا جائز بشرط الضبط في ذلك كلّه.

مسألة 796: تجوز المزارعة إذا كان من صاحب الأرض البذر، و من العامل العمل عند كلّ من سوّغ المزارعة

مسألة 796: تجوز المزارعة إذا كان من صاحب الأرض البذر، و من العامل العمل عند كلّ من سوّغ المزارعة - و هو مذهب ابن سيرين، و منقول عن الشافعي و إسحاق و أحمد(2) - لأنّه عقد يشترك فيه العامل و ربّ المال في نمائه، فكان سائغا.

و لو كان البذر من العامل و العمل و العوامل أيضا، و من المالك الأرض خاصّة، جاز عندنا بلفظ المزارعة - و هو رواية عن أحمد(3) - لما رواه العامّة أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله دفع خيبر على هذا(4) ، و هو مرويّ عن عمر بن الخطّاب، و به قال أبو يوسف و طائفة من أهل الحديث(5).

ص: 403


1- العزيز شرح الوجيز 55:6-56، روضة الطالبين 244:4-245.
2- الإشراف على مذاهب أهل العلم 73:2، المغني 589:5، الشرح الكبير 587:5.
3- المغني 590:5، الشرح الكبير 587:5-588.
4- صحيح البخاري 138:3، صحيح مسلم 5/1187:3، سنن أبي داود 3: 3409/263.
5- الإشراف على مذاهب أهل العلم 73:2، المغني 590:5، الشرح الكبير 588:5.

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السّلام: «إنّ أباه الباقر عليه السّلام حدّثه أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أعطى خيبر بالنصف»(1)في الكافي: «عن سماعة» و في التهذيب: «عن زرعة عن سماعة».(2).

و في الصحيح عن يعقوب بن شعيب عن الصادق عليه السّلام، قال: سألته عن المزارعة، فقال: «النفقة منك و الأرض لصاحبها، فما أخرج اللّه من شيء قسّم على الشرط، و كذلك قبّل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله خيبر» الحديث(3).

و عن زرعة(3) قال: سألته عن مزارعة المسلم للمشرك فيكون [من] عند المسلم البذر و البقر، و تكون الأرض و الماء و الخراج و العمل على العلج، قال: «لا بأس به»(4).

و روي عن سعد(5) و ابن مسعود و ابن عمر أنّ البذر من العامل(6).

و بالجملة، فالأصل(7) في المزارعة قصّة خيبر، و أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله دفع إلى يهود خيبر نخل خيبر و أرضها على أن يعملوها من أموالهم، و أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله شرط شطر ثمرها(8) ، و في لفظ: «على أن يعملوها و يزرعوها و لهم شطر ما يخرج منها»(9) ، فجعل عملها من أموالهم و زرعها عليهم، و لم يذكر شيئا آخر، و ظاهر هذا أنّ البذر من أهل خيبر، و لم يذكر3.

ص: 404


1- تقدّم تخريجه في ص 384، الهامش
2- .
3- تقدّم تخريجه في ص 385، الهامش (1).
4- الكافي 4/268:5، التهذيب 858/194:7، و ما بين المعقوفين أثبتناه منهما.
5- في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «سعيد». و المثبت كما في المصدر، و هو: سعد ابن مالك.
6- الإشراف على مذاهب أهل العلم 73:2، المغني 590:5، الشرح الكبير 588:5.
7- في «ر» و الطبعة الحجريّة: «الأصل».
8- صحيح مسلم 5/1187:3.
9- صحيح البخاري 138:3.

النبي صلّى اللّه عليه و آله أنّ البذر على المسلمين، و لو كان شرطا لما أخلّ بذكره، و لو فعله النبي صلّى اللّه عليه و آله لنقل.

و عن عمر أنّه عامل الناس على إن جاء بالبذر من عنده [فله](1) الشطر، و إن جاؤا بالبذر [فلهم](2) كذا(3) ، و ظاهر هذا أنّه قد كان مشهورا غير منكر عند أحد، فكان إجماعا.

اعترض: بأنّ ذلك كبيعتين في بيعة.

و أجيب: باحتمال أنّ عمر خيّرهم بين الأمرين، فأيّهما اختاروا عقد معهم العقد، كما تقول في البيع: إن شئت بعتك بعشرة صحاح، و إن شئت بإحدى عشرة مكسّرة، فاختار أحدهما فعقد البيع معه عليه، و باحتمال الجواز، كما يجوز عند بعضهم: إن خطته روميّا فلك درهم، و إن خطته فارسيّا فدرهمان(4).

و منع بعض الحنابلة من ذلك، و أوجبوا أن يكون البذر من صاحب الأرض؛ لأنّه عقد يشترك فيه العامل و ربّ المال في نمائه، فوجب أن يكون رأس المال كلّه من أحدهما، كالمساقاة و المضاربة، و هذا القياس مخالف للنصّ الذي قلناه، و للإجماع الذي ذكرناه، ثمّ ينتقض بما إذا اشترك مالان [و بدن](5) صاحب أحدهما(6).9.

ص: 405


1- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «له... فله». و المثبت كما في المصدر.
2- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «له... فله». و المثبت كما في المصدر.
3- صحيح البخاري 137:3.
4- ورد الاعتراض و الجواب عنه في المغني 591:5، و الشرح الكبير 589:5.
5- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «و بذر». و الصحيح ما أثبتناه كما في المصدر.
6- المغني 589:5 و 591، الشرح الكبير 587:5 و 589.

إذا عرفت هذا، فيجوز أن يكون من أحدهما الأرض و العمل، و من الآخر البذر بلفظ المزارعة؛ نظرا إلى الإطلاق، و لو كان بلفظ الإجارة لم تصح؛ لجهالة العوض.

و يجوز أن يكون من أحدهما العمل خاصّة، و من الآخر الأرض و البذر و العوامل.

مسألة 797: و لو كان البذر بينهما نصفين و شرطا الزرع بينهما نصفين،

مسألة 797: و لو كان البذر بينهما نصفين و شرطا الزرع بينهما نصفين، تساويا فيه، و كان صحيحا عندنا، و لا خلاف في ذلك عند من قال بصحّة المزارعة أو فسادها؛ لأنّها إن كانت صحيحة فالزرع بينهما على ما شرطاه، و إن كانت فاسدة فلكلّ واحد منهما بقدر بذره، لكن مع القول بصحّتها لا يرجع أحدهما على صاحبه بشيء.

و من شرط إخراج البذر من صاحب الأرض فهي فاسدة، فعلى العامل نصف أجرة الأرض، و له على صاحب الأرض نصف أجر عمله، فيتقاصّان بقدر الأقلّ منهما، و يرجع أحدهما على صاحبه بالفضل.

و إن شرطا التفاضل في الزرع و قلنا بصحّته، فالزرع بينهما على ما شرطاه، و لا تراجع بينهما، و إن قلنا بفسادها، فالزرع بينهما على قدر بذرهما، و تراجعا كما ذكرناه.

و لو تفاضلا في البذر و شرطا التساوي في الزرع أو تساويا في البذر و شرطا التفاضل في الحصّة، جاز عندنا، كما تقدّم(1) في الشركة.

مسألة 798: إذا أطلق المالك المزارعة، زرع العامل ما شاء إن كان البذر منه،

مسألة 798: إذا أطلق المالك المزارعة، زرع العامل ما شاء إن كان البذر منه، أو زرع المالك ما شاء إن كان البذر منه.

ص: 406


1- في ج 16، ص 352-353، المسألة 172.

و يحتمل قويّا وجوب التعيين؛ لتفاوت ضرر الأرض باختلاف جنس المزروعات.

و لو عيّن جنسين كحنطة و شعير، فلا بدّ من تقدير كلّ واحد منهما إمّا بالكيل أو الوزن، و إمّا بتعيين الأرض، مثل: ازرع هذه القطعة حنطة، و هذه الأخرى شعيرا.

و لو عيّن الزرع، لم يجز التعدّي؛ لأنّه خلاف المشروط.

و لو زرع ما هو أضرّ من المشروط، كان لمالكها أجرة المثل إن شاء أو المسمّى مع الأرش، و لو كان أقلّ ضررا جاز، و لا شيء عليه، و للمالك الحصّة لا أزيد.

و للمزارع أن يشارك غيره في الزراعة، و أن يزارع عليها غيره، و لا يتوقّف على إذن المالك، لكن لو شرط المالك الزرع بنفسه لزم، و لم تجز المشاركة إلاّ بإذنه.

و خراج الأرض و مؤونتها على صاحبها، إلاّ أن يشترطه على المزارع.

و كلّ موضع حكم فيه ببطلان المزارعة يجب لصاحب الأرض أجرة المثل.

تذنيب: إذا أطلق المزارعة، وجب أن يعيّن البذر ممّن هو، فإنّه يجوز أن يكون من المالك أو من العامل أو منهما عندنا.

و من قال: إنّه على ربّ الأرض، انصرف الإطلاق إليه على مقتضى قوله.

مسألة 799: يجوز أن يشترط المالك على العامل مع الحصّة شيئا معيّنا من ذهب أو فضّة،

مسألة 799: يجوز أن يشترط المالك على العامل مع الحصّة شيئا معيّنا من ذهب أو فضّة، و بالعكس؛ عملا بالشرط.

و لو زارعه على أرض فيها شجر يسير، جاز أن يشترط العامل ثمرتها

ص: 407

عندنا، و به قال مالك، لكن شرط مالك أن يكون الشجر قدر الثلث أو أقلّ؛ لأنّه يسير فيدخل تبعا(1) ، و ليس بشيء.

و قال الشافعي و أحمد و ابن المنذر: لا يجوز ذلك؛ لأنّه اشترط الثمرة كلّها فلم يجز(2).

و نمنع عدم الجواز؛ لأنّه ليس مساقاة؛ لأنّ التقدير أنّ العقد عقد المزارعة.

مسألة 800: لو دفع رجل بذره إلى صاحب الأرض ليزرعه في أرضه و يكون ما يخرج بينهما

مسألة 800: لو دفع رجل بذره إلى صاحب الأرض ليزرعه في أرضه و يكون ما يخرج بينهما جاز عندنا؛ للأصل.

و لو دفعه إلى ثالث ليزرعه في أرض صاحب الأرض على أن يكون الحاصل بينهم، منعه العامّة؛ لأنّ البذر ليس من ربّ الأرض و لا من العامل(3) ، فعلى قولهم يكون الزرع لصاحب البذر، و عليه الأجرة لصاحب الأرض و العمل، و لا بأس به.

أمّا لو قال صاحب الأرض: أنا أزرع بذرك في أرضي و الحاصل بيننا، فإنّه يجوز كما تقدّم(4).

و لو كان الأرض و البذر و العمل من واحد، و من الآخر الماء، و شرطا أن يكون الحاصل بينهما، فعن أحمد روايتان.

إحداهما: المنع؛ لأنّ موضوع المزارعة أن تكون من أحدهما الأرض

ص: 408


1- الإشراف على مذاهب أهل العلم 76:2-77، المغني 589:5، الشرح الكبير 587:5.
2- الإشراف على مذاهب أهل العلم 77:2، المغني 589:5، الشرح الكبير 587:5.
3- المغني 594:5، الشرح الكبير 592:5.
4- في ص 406.

و من الآخر العمل، و ليس من صاحب الماء أرض و لا عمل و لا بذر، و لأنّ الماء لا يباع و لا يستأجر، فكيف تصحّ المزارعة به!؟

و الثانية: الجواز؛ لأنّ الماء أحد ما يحتاج إليه في الزرع، فجاز أن يكون من أحدهما، كالأرض و العمل(1).

مسألة 801: و لو اشترك ثلاثة على أن يكون من أحدهم الأرض، و من الآخر البذر، و من الآخر

مسألة 801: و لو اشترك ثلاثة على أن يكون من أحدهم الأرض، و من الآخر البذر، و من الآخر البقر و العمل على أنّ ما رزق اللّه تعالى بينهم فعملوا، احتمل الجواز؛ للأصل.

و منع مالك و الشافعي و أصحاب الرأي و أحمد من ذلك، لما رواه مجاهد في أربعة نفر اشتركوا في زرع على عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، فقال أحدهم: عليّ الفدان، و قال الآخر: قبلي الأرض، و قال الآخر: قبلي البذر، و قال الآخر: قبلي العمل، فجعل النبي صلّى اللّه عليه و آله الزرع لصاحب البذر و الأجرة لصاحب الأرض، و جعل لصاحب العمل كلّ يوم درهما، و لصاحب الفدان شيئا معلوما.

و لما سبق من أنّ موضوع المزارعة على أنّ البذر من ربّ الأرض أو من العامل، و ليس هو هنا من أحدهما، و ليست شركة؛ لأنّ الشركة تكون بالأثمان، و إن كانت بالعروض اعتبر كونها معلومة، و لم يوجد شيء من ذلك هنا، و ليست إجارة؛ لافتقار الإجارة إلى مدّة معلومة و عوض معلوم(2).

فعلى هذا يكون الزرع لصاحب البذر؛ لأنّه نماء ماله، و لصاحبيه عليه أجرة مثلهما؛ لأنّهما دخلا على أن يسلم لهما المسمّى، فإذا لم يسلم عاد

ص: 409


1- المغني 594:5، الشرح الكبير 592:5.
2- المغني 594:5-595، الشرح الكبير 593:5.

إلى بدله، و به قال الشافعي و أبو ثور(1).

و قال أصحاب الرأي: يتصدّق بالفضل(2).

و ليس بشيء؛ لأنّه نماء ماله، فلا تلزمه الصدقة به، كسائر ماله.

و لو كانت الأرض لثلاثة فاشتركوا على أن يزرعوها ببذرهم و دوابّهم على أنّ ما أخرج اللّه تعالى بينهم على قدر مالهم، فهو جائز، و بهذا قال مالك و الشافعي و أبو ثور و ابن المنذر(1) ، و لا نعلم فيه خلافا؛ لأنّ أحدهم لا يفضل صاحبه(2) بشيء.

مسألة 802: يجوز لصاحب الأرض أن يخرص على الزارع،

مسألة 802: يجوز لصاحب الأرض أن يخرص على الزارع، و يتخيّر الزارع في القبول و عدمه، فإن قبل كان استقرار ذلك مشروطا بالسلامة، فلو تلف الزرع بآفة سماويّة أو أرضيّة لم يكن عليه شيء؛ لما رواه محمّد بن عيسى عن بعض أصحابه قال: قلت لأبي الحسن عليه السّلام: إنّ لنا أكرة فنزارعهم فيقولون: قد حزرنا هذا الزرع بكذا و كذا فأعطوناه و نحن نضمّن لكم أن نعطيكم حصّته على هذا الحزر، قال: «و قد بلغ ؟» قلت: نعم، قال:

«لا بأس بهذا» قلت: فإنّه يجيء بعد ذلك و يقول لنا: إنّ الحزر لم يجئ كما حزرت و قد نقص، قال: «فإذا زاد يردّ عليكم ؟» قلت: لا، قال: «فلكم أن تأخذوه بتمام الحزر، كما أنّه إذا زاد كان له كذلك إذا نقص»(3).

مسألة 803: إذا زارع رجلا في أرضه فزرعها و سقط من الحبّ شيءفنبت في ملك صاحب الأرض عاما آخر

مسألة 803: إذا زارع رجلا في أرضه فزرعها و سقط من الحبّ شيء

ص: 410


1- الإشراف على مذاهب أهل العلم 75:2، المغني 595:5، الشرح الكبير 5: 594.
2- الظاهر: «صاحبيه».
3- الكافي 287:5 (باب حزر الزرع) ح 1، التهذيب 208:7-916/209.

فنبت في ملك صاحب الأرض عاما آخر، فهو لصاحب البذر عند علمائنا - و به قال الشافعي(1) - لأنّه عين ماله، فهو كما لو بذره قصدا.

و قال أحمد: يكون لصاحب الأرض؛ لأنّ صاحب الحبّ أسقط حقّه منه بحكم العرف، و زال ملكه عنه؛ لأنّ العادة ترك ذلك لمن يأخذه، و لهذا أبيح التقاطه و زرعه، و لا خلاف في إباحة التقاط ما رماه الحصاد من سنبل و حبّ و غيرهما، فجرى ذلك مجرى نبذه على سبيل الترك له، و صار كالشيء التافه يسقط منه، كالثمرة و اللقمة و النوى و نحوها، و لا شكّ في أنّه لو التقط إنسان النوى فغرسه، كان له دون من سقط منه، كذا هنا(2).

و ليس بجيّد؛ لأنّ الحقّ و الملك لا يزولان بالإعراض، بل به و باستيلاء الغير عليه، فإذا لم يحصل الثاني و نبت الحبّ حتى صار زرعا ينتفع به، لم يكن من جملة ما تمثّل به من الشيء التافه و النوى، و لهذا لو نبتت نواة سقطت من إنسان في أرض مباحة أو مملوكة له ثمّ صارت نخلة و لم يستول عليها غيره، فإنّ النخلة تكون ملك صاحب النواة قطعا.

مسألة 804: لو تنازعا في قدر المدّة،

مسألة 804: لو تنازعا في قدر المدّة، فالقول قول منكر الزيادة مع يمينه؛ عملا بالأصل، و تبعيّة النماء لمالك الأرض.

و لو اختلفا في قدر الحصّة، فالقول قول صاحب البذر.

و لو أقام كلّ منهما بيّنة، قدّمت بيّنة من يدّعي خلاف الظاهر، فحينئذ يكون القول قول من يدّعي الزيادة في المدّة و الحصّة.

و قال بعض علمائنا بالقرعة(3). و ليس بجيّد.

ص: 411


1- المغني 596:5، الشرح الكبير 594:5.
2- المغني 595:5-596، الشرح الكبير 594:5.
3- كما في شرائع الإسلام 152:2.

و لو اختلفا فقال العامل: أعرتني الأرض للزرع، و أنكر المالك و ادّعى الحصّة أو الأجرة و لا بيّنة، فالقول قول المالك مع يمينه في عدم الإعارة، و تثبت له أجرة المثل.

و قيل بالقرعة(1). و ليس بجيّد.

و للزارع تبقية الزرع إلى أوان أخذه؛ لأنّه مأذون فيه.

أمّا لو قال: غصبتنيها، حلف العامل على نفي الغصب، و كان للمالك الأجرة و المطالبة بإزالة الزرع و أرش الأرض إن عابت و طمّ الحفر.

مسألة 805: لا ينبغي أن يشترطا حصّة للبذر،

مسألة 805: لا ينبغي أن يشترطا حصّة للبذر، و حصّة للبقر، بل يشترطا الفائدة بينهما على قدر ما يتّفقان عليه من نصف أو ثلث أو غيرهما؛ لما رواه أبو الربيع الشامي أنّه سأل الصادق عليه السّلام عن رجل يزرع أرض رجل آخر فيشترط عليه ثلثا للبذر و ثلثا للبقر، فقال: «لا ينبغي أن يسمّي بذرا و لا بقرا، و لكن يقول لصاحب الأرض: أزرع في أرضك و لك منها كذا و كذا نصف أو ثلث أو ما كان من شرط، و لا يسمّي بذرا و لا بقرا، فإنّما يحرّم الكلام»(2).

و نحوه عن سليمان بن خالد عن الصادق عليه السّلام(3) ، و نحوه - في الصحيح - عن عبد اللّه بن سنان عن الصادق عليه السّلام(4).

و هل هذا النهي على سبيل التحريم أو الكراهة ؟ إشكال أقربه:

الثاني.

ص: 412


1- كما في شرائع الإسلام 153:2.
2- التهذيب 857/194:7.
3- الكافي 5/267:5، التهذيب 873/197:7.
4- الكافي 4/267:5، التهذيب 872/197:7.
مسألة 806: قد بيّنّا أنّه يكره إجارة الأرض بالحنطة أو الشعير.

مسألة 806: قد بيّنّا أنّه يكره إجارة الأرض بالحنطة أو الشعير. و لو كان منهما، حرم على الأقوى.

و قال أحمد: يجوز أن يؤجرها بجزء مشاع ممّا يخرج منها، كنصف و ثلث و ربع(1).

و عليه رواية من طرق علمائنا رواها زرعة [عن سماعة](2) قال:

سألته عن الأرض يستأجرها الرجل بخمس ما خرج منها أو بدون ذلك أو بأكثر ممّا خرج منها من الطعام و الخراج على العلج، قال: «لا بأس»(3).

و الراوي لها ضعيف، و هي مرسلة، و لو سلّمت حملت على المزارعة؛ لأنّ الباقر عليه السّلام سئل عن إجارة الأرض بالطعام، قال: «إن كان من طعامها فلا خير فيه»(4).

مسألة 807: يجوز أن يدفع الرجل أرضه إلى غيره على أن يؤدّي خراجها عنه،

مسألة 807: يجوز أن يدفع الرجل أرضه إلى غيره على أن يؤدّي خراجها عنه، و يكون له عليه شيء معيّن؛ للأصل، و لأنّه إجارة صحيحة.

و لما رواه داود بن سرحان - في الصحيح - عن الصادق عليه السّلام: في الرجل يكون له الأرض عليها خراج معلوم ربما زاد و ربما نقص فيدفعها إلى رجل على أن يكفيه خراجها و يعطيه مائتي درهم في السنة، قال:

«لا بأس»(5).

مسألة 808: يجوز للزارع أن يشارك غيره في الزرع الذي زرعه بأن يبيع بعض حصّته له بشيء معلوم من ذهب أو فضّة

مسألة 808: يجوز للزارع أن يشارك غيره في الزرع الذي زرعه بأن

ص: 413


1- المغني و الشرح الكبير 598:5.
2- ما بين المعقوفين أثبتناه من المصدر.
3- التهذيب 858/194:7.
4- الكافي 6/265:5، التهذيب 864/195:7، الاستبصار 460/128:3.
5- الكافي 5/265:5، التهذيب 868/196:7.

يبيع بعض حصّته له بشيء معلوم من ذهب أو فضّة؛ للأصل.

و لما رواه سماعة قال: سألته عن المزارعة، قلت: الرجل يبذر في الأرض مائة جريب أو أقلّ أو أكثر من الطعام أو غيره، فيأتيه رجل فيقول:

خذ منّي نصف ثمن هذا البذر الذي زرعته في الأرض و نصف نفقتك عليّ و أشركني فيه، قال: «لا بأس» قلت: فإن كان الذي يبذره فيه لم يشتره بثمن و إنّما هو شيء كان عنده ؟ قال: «فليقوّمه قيمة كما يباع يومئذ ثمّ ليأخذ نصف الثمن و نصف النفقة و يشاركه»(1).

إذا عرفت هذا، فإنّه يشترط فيه شرائط البيع من وجود الزرع و ظهوره بحيث يمكن تقويمه و شراؤه، و لا يجوز بيعه ما دام في بطن(2) الأرض لم يخرج منه شيء.

مسألة 809: قد بيّنّا أنّه يجوز أن يتقبّل الأرض ليعمرها،

مسألة 809: قد بيّنّا أنّه يجوز أن يتقبّل الأرض ليعمرها، و يؤدّي ما خرج عليها مدّة معيّنة؛ لما رواه الحلبي - في الحسن - عن الصادق عليه السّلام قال: «لا بأس بقبالة الأرض من أهلها عشر سنين و أقلّ من ذلك و أكثر فيعمرها و يؤدّي ما خرج عليها، و لا يدخل العلوج في شيء من القبالة لأنّه لا يحلّ»(3).

و روى أبو الربيع الشامي أنّه سأل الصادق عليه السّلام عن أرض يريد رجل أن يتقبّلها فأيّ وجوه القبالة أحلّ؟ قال: «يتقبّل الأرض من أربابها بشيء معلوم إلى سنين مسمّاة، فيعمر و يؤدّي الخراج، فإن كان فيها علوج

ص: 414


1- الكافي 4/268:5، التهذيب 198:7-877/199.
2- في «د، ص»: «باطن».
3- التهذيب 879/199:7، و في الكافي 3/269:5: «عشرين سنين».

فلا يدخل العلوج في قبالته فإنّ ذلك لا يحلّ»(1).

و قد روى أبو المغرا - في الحسن - عن الصادق عليه السّلام: في الرجل يستأجر الأرض ثمّ يؤاجرها بأكثر ممّا استأجرها، فقال: «لا بأس، إنّ هذا ليس كالحانوت و لا الأجير، إنّ فضل الأجير و الحانوت حرام»(2).

و قد روى الحلبي - في الصحيح - عن الصادق عليه السّلام، قال: قلت له:

أتقبّل الأرض بالثلث أو بالربع فأقبّلها بالنصف، قال: «لا بأس به» قلت:

فأتقبّلها بألف درهم و أقبّلها بألفين، قال: «لا يجوز» قلت: كيف جاز الأوّل و لم يجز الثاني ؟ قال: «لأنّ هذا مضمون و ذلك غير مضمون»(3).

و في الصحيح عن محمّد بن مسلم عن الباقر أو الصادق عليهما السّلام، قال:

سألته عن الرجل يستكري الأرض بمائة دينار فيكري نصفها بخمسة و تسعين دينارا و يعمر نصفها، قال: «لا بأس»(4).

مسألة 810: لو زرع أرض غيره بغير إذنه، كان الزرع لصاحبه، و عليه أجرة الأرض،

مسألة 810: لو زرع أرض غيره بغير إذنه، كان الزرع لصاحبه، و عليه أجرة الأرض و للمالك قلعه مطلقا، و إلزامه بالأرش؛ لما رواه عقبة بن خالد قال: سألت الصادق عليه السّلام: عن رجل أتى أرض رجل فزرعها بغير إذنه حتى إذا بلغ الزرع جاء صاحب الأرض فقال: زرعت بغير إذني فزرعك لي و عليّ ما أنفقت، أله ذلك أم لا؟ فقال: «للزارع زرعه، و لصاحب الأرض كرى أرضه»(5).

ص: 415


1- التهذيب 887/201:7.
2- الكافي 3/272:5، التهذيب 895/203:7، الاستبصار 464/129:3.
3- الكافي 6/272:5، التهذيب 897/204:7، الاستبصار 466/130:3.
4- التهذيب 902/205:7، الاستبصار 469/131:3.
5- الكافي 296:5-1/297، التهذيب 906/206:7.

و عن محمّد بن مسلم عن الباقر عليه السّلام: في رجل اكترى دارا و فيها بستان فزرع البستان و غرس نخلا أو شجرا أو فواكه و غير ذلك و لم يستأمر صاحب الدار في ذلك، فقال: «عليه الكرى، و يقوّم صاحب الدار الزرع و الغرس قيمة عدل فيعطيه للغارس إن كان استأمره في ذلك، و إن لم يكن استأمره في ذلك فعليه الكرى، و له الغرس و الزرع، و يقلعه و يذهب به حيث شاء»(1).

و روى عبد العزيز بن محمّد قال: سمعت الصادق عليه السّلام يقول: «من أخذ أرضا بغير حقّها أو بنى فيها - قال -: يرفع بناؤه، و يسلّم التربة إلى صاحبها، ليس لعرق ظالم حقّ» ثمّ قال: «قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: من أخذ أرضا بغير حقّها كلّف أن يحمل ترابها إلى المحشر»(2).

و سأل هارون بن حمزة الصادق عليه السّلام: عن الرجل يشتري النخل ليقطعه للجذوع فيغيب الرجل و يدع النخل كهيئته لم يقطع فيقدم الرجل و قد حمل النخل، فقال: «له الحمل يصنع به ما شاء إلاّ أن يكون صاحب النخل كان يسقيه و يقوم عليه»(3).

مسألة 811: تجوز إجارة رحى الماء إذا كان لها ماء دائم،

مسألة 811: تجوز إجارة رحى الماء إذا كان لها ماء دائم، كما تجوز إجارة الأرض للزراعة إذا كان لها ماء دائم، و لو كان ينقطع أحيانا جاز هنا، دون الزراعة إذا كان ينقطع وقت الزرع؛ لعدم الانتفاع هناك، بخلاف الرحى.

ص: 416


1- الفقيه 648/156:3، التهذيب 907/206:7.
2- التهذيب 206:7-909/207.
3- الكافي 3/297:5، التهذيب 908/206:7.

و قد روى إدريس بن عبد اللّه القمّي قال: قلت له: جعلت فداك، إجارة الرحى تعلمني كيف تصحّ إجارتها؟ فإنّ [الماء](1) عندنا ربما دام و ربما انقطع، قال: فقال لي: «اجعل جعل(2) الإجارة في الأشهر التي لا ينقطع الماء فيها و لو درهم»(3).

مسألة 812: لو تقبّل إنسان أرضا من غيره مدّة معيّنة،

مسألة 812: لو تقبّل إنسان أرضا من غيره مدّة معيّنة جاز للمالك بيع الأرض، و يلزم المشتري الصبر إلى انقضاء مدّة التقبّل، و له الفسخ إن لم يعلم بالحال؛ لما تقدّم(4) في الإجارة.

و لما رواه يونس قال: كتبت إلى الرضا عليه السّلام: أسأله عن رجل تقبّل من رجل أرضا أو غير ذلك سنين مسمّاة ثمّ إنّ المقبّل أراد بيع أرضه التي قبّلها قبل انقضاء السنين المسمّاة هل للمتقبّل أن يمنعه من البيع قبل انقضاء أجله الذي تقبّلها منه إليه ؟ و ما يلزم المتقبّل له ؟ قال: فكتب: «له أن يبيع إذا اشترط على المشتري أنّ للمتقبل من السنين ما له»(5).

مسألة 813: قد ذكرنا أنّ الخراج على صاحب الأرض دون المستأجر،

مسألة 813: قد ذكرنا أنّ الخراج على صاحب الأرض دون المستأجر، فلو زاد السلطان عليه شيئا، كان ذلك لازما لصاحب الأرض دون المستأجر، كالأصل؛ لما رواه سعيد الكندي قال: قلت للصادق عليه السّلام:

إنّي آجرت قوما أرضا فزاد السلطان عليهم، قال: «أعطهم فضل ما بينهما» قلت: أنا لم أظلمهم و لم أزد عليهم، قال: «إنّهم إنّما زادوا على أرضك»(6).

ص: 417


1- ما بين المعقوفين أثبتناه من المصدر.
2- في المصدر: «جلّ» بدل «جعل».
3- التهذيب 911/207:7.
4- في ص 321، المسألة 740.
5- الكافي 1/270:5، التهذيب 914/208:7.
6- التهذيب 915/208:7.

ص: 418

الفصل الثاني: في المساقاة

اشارة

و فيه مباحث:

البحث الأوّل: الماهيّة.

اشارة

المساقاة مفاعلة من السقي، و صورتها أن يعامل الإنسان غيره على نخلة أو شجرة ليتعهّدها بالسقي و التربية على أنّ مهما رزق اللّه تعالى من ثمرة تكون بينهما على ما يشترطانه.

و إنّما اشتقّ من لفظ السقي دون غيره من الأعمال؛ لأنّ السقي أنفعها و أكثرها مؤونة و تعبا خاصّة بالحجاز؛ لأنّ أهلها يستقون من الآبار، فسمّيت بذلك.

و هي في الشرع عبارة عن معاملة على أصول ثابتة بحصّة من ثمرها.

مسألة 814: هذه المعاملة جائزة عند علمائنا أجمع -

مسألة 814: هذه المعاملة جائزة عند علمائنا أجمع و به قال أكثر الصحابة و سعيد بن المسيّب و مالك و سالم و الثوري و الأوزاعي و أبو ثور و أبو يوسف و محمّد و إسحاق و أحمد بن حنبل و داود(1) - للإجماع و السّنّة.

أمّا الإجماع: فما رواه العامّة عن الباقر عليه السّلام أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عامل

ص: 419


1- المغني 556:5، الشرح الكبير 554:5، تحفة الفقهاء 264:3، بدائع الصنائع 185:6، مختصر القدوري: 144، الفقه النافع 1061/1303:3، روضة القضاة 2994/509:2 و 2995، الهداية - للمرغيناني - 59:4، مختصر اختلاف العلماء 1685/21:4، بداية المجتهد 244:2، الإشراف على نكت مسائل الخلاف 2: 1132/468، الاستذكار 209:21 و 31051/210 و 31056 و 31057، الإشراف على مذاهب أهل العلم 80:2، بحر المذهب 237:9، حلية العلماء 364:5، التهذيب - للبغوي - 403:4، البيان 217:7، العزيز شرح الوجيز 50:6.

أهل خيبر بالشطر ثمّ أبو بكر و عمر و عثمان و عليّ عليه السّلام ثمّ أهلوهم إلى اليوم يعطون الثلث و الربع(1) ، و هذا عمل به الخلفاء في مدّة خلافتهم، و لم ينكره منكر، فكان إجماعا.

و أمّا السّنّة: فما رواه العامّة عن عبد اللّه بن عمر قال: عامل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أهل خيبر بشطر ما يخرج منها من ثمر أو زرع(2)في الطبعة الحجريّة و التهذيب: «ما خرج».(3).

و من طريق الخاصّة: ما رواه الحلبي - في الصحيح - عن الصادق عليه السّلام:

«إنّ أباه الباقر عليه السّلام حدّثه أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أعطى خيبر بالنصف أرضها و نخلها»(4) الحديث.

و عن يعقوب بن شعيب - في الصحيح - عن الصادق عليه السّلام، قال:

سألته عن الرجل يعطي الرجل أرضه فيها الرمّان و النخل و الفاكهة، فيقول:

اسق هذا من الماء و اعمره و لك نصف ما أخرج(4) ، قال: «لا بأس»(5).

و لأنّ الحاجة قد تدعو إليه، و تشتدّ الضرورة إلى فعله، فكان جائزا.

و قال أبو حنيفة و زفر: لا تجوز هذه المعاملة بحال؛ لأنّها إجارة بثمرة لم تخلق، أو إجارة بثمرة مجهولة، أشبه إجارة نفسه بثمرة غير الشجر الذي يسقيه(6).قه

ص: 420


1- تقدّم تخريجه في ص 384، الهامش (1).
2- تقدّم تخريجه في ص 383، الهامش
3- .
4- تقدّم تخريجه في ص 384، الهامش (3).
5- الكافي 2/268:5، التهذيب 876/198:7.
6- تحفة الفقهاء 263:3، بدائع الصنائع 185:6، مختصر القدوري: 144، مختصر اختلاف العلماء 1685/21:4، روضة القضاة 2993/509:2، الفقه

و نمنع كونها إجارة، بل هي عقد معاملة على العمل في المال ببعض نمائه، فهو كالمضاربة.

ثمّ يبطل قياسهم بالمضاربة، فإنّه عمل في المال ببعض نمائه، و هو معدوم مجهول، و قد جازت بالإجماع، و هذا في معناه.

ثمّ قد جوّز الشارع العقد في الإجارة على المنافع المعدومة للحاجة [فلم لا يجوّز على الثمرة المعدومة للحاجة ؟](1) مع أنّ القياس إنّما يكون في إلحاق المسكوت عنه بالمنصوص عليه، أو المختلف فيه بالمجمع عليه عندهم(2) ، و أمّا في إبطال نصّ [و خرق](3) إجماع بقياس نصّ آخر فلا سبيل إليه.

مسألة 815: و المساقاة جائزة في كلّ شجر له أصل ثابت ينتفع بثمرته،

مسألة 815: و المساقاة جائزة في كلّ شجر له أصل ثابت ينتفع بثمرته، و عليه عمل السلف، و به قال أكثر الفقهاء و التابعين(4).

و قال داود: لا تجوز المساقاة إلاّ في النخل خاصّة؛ لأنّ الخبر إنّما

ص: 421


1- ما بين المعقوفين أثبتناه من المغني و الشرح الكبير 556:5.
2- المغني 556:5-557، الشرح الكبير 556:5.
3- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «و جرح». و المثبت كما في المغني 557:5، و الشرح الكبير 556:5.
4- المغني 556:5، الشرح الكبير 554:5.

ورد بها فيه(1).

و قال الشافعي: لا تجوز إلاّ في النخل و الكرم؛ لأنّ الزكاة تجب في [ثمرتهما](2) و أمّا باقي الشجر فقولان، أحدهما: لا تجوز فيه؛ لأنّ الزكاة لا تجب في نمائه، فأشبه ما لا ثمرة له(3).

و الحقّ خلافهما؛ لعموم الخبر الوارد في أنّه عليه السّلام عامل أهل خيبر بشطر ما يخرج منها من زرع أو [ثمر](4)(5) و هذا عامّ في كلّ ثمرة، و قلّ أن يخلو بلد ذو نخل و شجر عن شجر غير النخل و الكرم، و قد جاء في لفظ بعض الأخبار: إنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله عامل أهل خيبر بشطر ما يخرج من النخل و الشجر(6) ، و لأنّه شجر يثمر كلّ حول، فأشبه النخل و الكرم، و لأنّ الحاجة تدعو إلى المساقاة عليه، كالنخل، و وجوب الزكاة ليس هو العلّة المجوّزة للمساقاة، و لا أثر له فيها حتى ينتفي الجواز بانتفائه، و إنّما العلّة ما قلناه.8.

ص: 422


1- المغني 556:5، الشرح الكبير 554:5، الحاوي الكبير 363:7، بحر المذهب 238:9، حلية العلماء 365:5، البيان 218:7.
2- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «ثمرتها». و ما أثبتناه كما في المغني و الشرح الكبير.
3- الحاوي الكبير 363:7 و 364، المهذّب - للشيرازي - 397:1 و 398، نهاية المطلب 7:8، بحر المذهب 238:9-239، الوسيط 135:4، حلية العلماء 364:5-365، التهذيب - للبغوي - 402:4 و 403، البيان 217:7-219، العزيز شرح الوجيز 52:6، روضة الطالبين 227:4، الإفصاح عن معاني الصحاح 40:2، المغني 556:5، الشرح الكبير 554:5.
4- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «شجر». و المثبت كما في المصدر و يقتضيه السياق.
5- تقدّم تخريجه في ص 383، الهامش (4).
6- أورده الرافعي في العزيز شرح الوجيز 52:6، و ابنا قدامة في المغني 557:5، و الشرح الكبير 556:5، و انظر سنن الدارقطني 37:3-153/38.

البحث الثاني: في الصيغة.

اشارة

و لا بدّ في المساقاة من الصيغة الدالّة على الرضا؛ لأنّ ذلك من الأمور الخفيّة الباطنة، فلا بدّ من دلالة تكشف عنه و تظهره، و ليس ذلك إلاّ الألفاظ التي يعبّر بها عن المعاني الباطنة.

و لا يكفي التراضي و المعاطاة، كما قلنا: إنّه لا يكفي في البيع.

و بعض الشافعيّة الذين جوّزوا ذلك في البيع جوّزوه هنا(1).

و الحقّ أنّه لا بدّ من عقد يشتمل على إيجاب و قبول.

و أظهر صيغ الإيجاب: ساقيتك على هذه النخيل، أو: عقدت معك عقد المساقاة، أو: عاملتك، أو: سلّمت إليك، و ما شابهه، و بالجملة، كلّ لفظ يؤدّي هذا المعنى، كقوله: تعهّد نخلي بكذا، أو: اعمل فيه بكذا.

و هل اللفظ الصريح المساقاة و الباقي كنايات، أو الجميع صريح ؟ احتمال، فإن قلنا بالأوّل، جوّزنا مثل هذه العقود بالكنايات، و نظير ذلك أنّ صرائح الرجعة غير محصورة.

مسألة 816: و لا بدّ من القبول لفظا؛ لأنّ عقد المساقاة عقد لازم من الطرفين،

مسألة 816: و لا بدّ من القبول لفظا؛ لأنّ عقد المساقاة عقد لازم من الطرفين، فأشبهت الإجارة، و لا يجري فيها القول المذكور في القراض و الوكالة.

و لو تعاقدا بلفظ الإجارة - بأن قال العامل: آجرتك نفسي مدّة كذا للتعهّد بنخلك بالثلث من الثمرة أو النصف و شبهه، أو قال المالك:

استأجرتك لتعهّد نخلي بكذا من ثمارها - لم يصح؛ لأنّ المساقاة و الإجارة

ص: 423


1- العزيز شرح الوجيز 67:6، روضة الطالبين 233:4.

معنيان مختلفان لا يعبّر بأحدهما عن الآخر، كما أنّ البيع و الإجارة مختلفان، و لو قصد الإجارة بطل؛ لجهالة العوض.

و للشافعيّة قولان جاريان في الإجارة بلفظ المساقاة.

أحدهما: الصحّة؛ لما بين العقدين من المشابهة، و احتمال كلّ واحد من اللفظين معنى الآخر.

و أظهرهما عندهم: المنع؛ لأنّ لفظ الإجارة صريح في غير المساقاة، فإن أمكن تنفيذه في موضعه نفذ فيه، و إلاّ فهو إجارة فاسدة(1).

و الخلاف بينهم راجع إلى أنّ الاعتبار باللفظ أو المعنى ؟(2).

و لو قال المالك: استأجرتك لتعمل لي في هذا الحائط حتى تكمل ثمرته بنصف ثمرته، لم يصح؛ لما تقدّم(3).

و للشافعيّة و الحنابلة وجهان سبقا(4).

مسألة 817: لو قال: ساقيتك على هذه النخيل بكذا ليكون لك أجرة المثل،

مسألة 817: لو قال: ساقيتك على هذه النخيل بكذا ليكون لك أجرة المثل، لم يصح العقد.

أمّا بطلان كونه مساقاة: فلأنّ موضوعها أن تكون الثمرة بينهما مشاعة.

و أمّا بطلان كونها إجارة: فلجهالة العوض و إن كان ما عقد عليه هو الواجب عند الإطلاق.

و قال بعض الشافعيّة: يجوز؛ لسبق لفظ المساقاة، هذا إذا قصد بلفظ

ص: 424


1- العزيز شرح الوجيز 67:6، روضة الطالبين 233:4-234.
2- العزيز شرح الوجيز 67:6-68، روضة الطالبين 234:4.
3- آنفا.
4- آنفا، و راجع: المغني 564:5.

الإجارة المساقاة، و أمّا إذا قصد الإجارة نفسها، فينظر إن لم تخرج الثمرة لم تجز؛ لأنّ الشرط أن تكون الأجرة في الذمّة أو موجودة معلومة، و إن خرجت و بدا الصلاح فيها، جاز، سواء شرط ثمرة نخلة معيّنة أو جزءا شائعا، و إن لم يبد فيها الصلاح، فإن شرط له ثمرة نخلة بعينها جاز بشرط القطع، و كذا لو شرط كلّ الثمار له، و إن شرط جزءا شائعا لم يجز و إن شرط القطع؛ لما سبق في البيع(1).

و الحقّ عندنا ما قدّمناه.

و لو ساقاه على أنّ لك النصف أجرة عملك أو عوض عملك، فالأقرب: الجواز؛ لأنّ الذي شرط له هو عوض عمله.

مسألة 818: إذا عقد بلفظ المساقاة لم يحتج إلى تفصيل الأعمال التي يقتضيها عقد المساقاة،

مسألة 818: إذا عقد بلفظ المساقاة لم يحتج إلى تفصيل الأعمال التي يقتضيها عقد المساقاة، بل يحمل في كلّ ناحية على عرفها الغالب، و هو أصحّ وجهي الشافعيّة، و الثاني: إنّه يجب تفصيلها؛ لأنّ العرف يكاد يضطرب و لا ينضبط(2).

هذا إذا عرف المتعاقدان العرف المحمول عليه المتعاهد بين الناس عند الإطلاق، فإن جهلاه أو أحدهما وجب التفصيل لا محالة؛ لتنتفي الجهالة.

البحث الثالث: في شرائط الاستئجار.

اشارة

و هي ثلاثة:

الأوّل: أن يكون المساقى عليه شجرا ثابتا.

ص: 425


1- العزيز شرح الوجيز 68:6، روضة الطالبين 234:4.
2- العزيز شرح الوجيز 68:6، روضة الطالبين 234:4.

و نعني بالشجر ما له ساق، و هو مخصوص بذلك بالعرف اللساني، قال اللّه تعالى: وَ النَّجْمُ وَ الشَّجَرُ يَسْجُدانِ (1) قيل في التفسير:

اَلنَّجْمُ: ما لا ساق له من النبات وَ الشَّجَرُ ما له ساق(2).

فكلّ ما لا أصل له و لا يسمّى شجرا لا تصحّ المساقاة عليه، كالبطّيخ و القثّاء و قصب السكّر و الباذنجان و البقول التي لا تثبت في الأرض و لا تجزّ إلاّ مرّة، فلا تصحّ المساقاة عليه إجماعا.

و أمّا ما يثبت في الأرض و يجزّ مرّة بعد أخرى فكذلك إذا لم يسمّ شجرا؛ لأنّ المساقاة جوّزت رخصة على خلاف القياس، فلا يتعدّى إلى غير موردها، و هو أصحّ قولي الشافعيّة، و الثاني: إنّه تصحّ المساقاة عليه(3).

مسألة 819: و لا بدّ من أن تكون الأشجار ثابتة،

مسألة 819: و لا بدّ من أن تكون الأشجار ثابتة، فلا تصحّ المساقاة على وديّ - بكسر الدال و تشديد الياء، و هو الفسيل - قبل أن يغرس - و به قال الشافعي(4) - لأنّه قد لا يعلق و هذا غرر، فلا يجوز، و لأنّ المساقاة إنّما تكون على أصل ثابت، و لهذا فإنّ ما ليس له أصل ثابت لا تصحّ المساقاة عليه، كالزرع و البقول، فإذا دفع إليه الأرض و الفسيل قبل أن يزرع و ساقاه على أن يغرسه و يعمل عليه حتى يحمل و يكون للعامل جزء من الثمرة معلوم، لم يصح.

ص: 426


1- سورة الرحمن: 6.
2- جامع البيان 68:27، تفسير السمرقندي 304:3-305، النكت و العيون 5: 524، المحرّر الوجيز 321:15، التبيان 464:9، العزيز شرح الوجيز 53:6، الجامع لأحكام القرآن 153:17.
3- العزيز شرح الوجيز 53:6، روضة الطالبين 228:4.
4- الحاوي الكبير 386:7، نهاية المطلب 58:8، بحر المذهب 259:9، الوجيز 227:1، البيان 218:7، العزيز شرح الوجيز 60:6، روضة الطالبين 228:4.

و كذا لو دفع إليه الأرض و ساقاه على شجر يغرسه و يعمل فيه حتى يحمل و يكون له جزء معلوم من الثمرة، لم تصح أيضا؛ لأنّ الغراس ليس من أعمال المساقاة، فضمّه إليها كضمّ غير التجارة إلى عمل القراض.

و قال أحمد: تصحّ هذه المساقاة؛ لحديث خيبر في الزرع و النخل(1) ، لكن بشرط أن يكون الغرس من صاحب الأرض، كما يشترط هو في المزارعة أن يكون البذر من صاحب الأرض، فإن كان من العامل، فروايتان، إحداهما: البطلان(2).

مسألة 820: و لو ساقاه على وديّ مقلوع ليغرسه و يكون الشجر بينهما،

مسألة 820: و لو ساقاه على وديّ مقلوع ليغرسه و يكون الشجر بينهما فالعقد باطل - و به قال الشافعي(3) - لأنّ المساقاة موضوعة على أن تكون الشركة بين العامل و المالك في الثمرة و النماء لا غير، فإذا شرط العامل مشاركته في الأصول فقد شرط ما يخالف مقتضاها ففسدت.

و قال أحمد: تصحّ كالمزارعة إذا دفع المالك الأرض ليبذرها العامل إمّا من بذره أو من بذر المالك، و يكون النماء بينهما، و هذا نظيره(4).

و هو ممنوع؛ للفرق بين المزارعة و المساقاة.

و مع هذا فإنّ أحمد سلّم أنّه لو دفعها على أنّ الأرض و الشجر بينهما، فإنّ المعاملة تكون فاسدة - و هو قول باقي الفقهاء - لأنّه شرط اشتراكهما في الأصل ففسد، كما لو شرط في المزارعة كون الأرض و الزرع

ص: 427


1- راجع: الهامش (4) من ص 383.
2- المغني 580:5، الشرح الكبير 559:5.
3- العزيز شرح الوجيز 60:6، روضة الطالبين 228:4.
4- المغني 580:5، الشرح الكبير 560:5.

بينهما(1).

فظهر من هذا أنّه لو ساقاه على شجر يغرسه و يعمل فيه حتى يحمل و يكون للعامل جزء من الثمرة، صحّ عند أحمد قولا واحدا.

و إن شرط أن يكون له مع الحصّة من الثمرة حصّة من الشجرة، صحّ على أحد الوجهين.

و إن شرط أن يكون له مع الحصّة من الشجرة حصّة من الأرض لم يصح قولا واحدا(2).

و الكلّ عندنا باطل.

مسألة 821: قد عرفت من هذا أنّ المغارسة باطلة، و هي أن يدفع أرضا إلى رجل ليغرسها على أنّ الغرس بينهما،

مسألة 821: قد عرفت من هذا أنّ المغارسة باطلة، و هي أن يدفع أرضا إلى رجل ليغرسها على أنّ الغرس بينهما، أو أنّ الأرض و الغرس بينهما، فإن غرس العامل فإن كان الغرس من المالك، كان للعامل أجرة المثل مدّة عمله على المالك؛ لأنّه دخل في هذه المعاملة على أن تسلم له الحصّة، فلم يكن متبرّعا بعمله و لم يسلم له ما شرط، فيكون له أجرة المثل، و الغرس لصاحب الأرض.

و لو كان الغرس من العامل، كان لصاحب الأرض إزالته، و له الأجرة على العامل؛ لفوات ما حصل الإذن بسببه، و عليه أرش النقصان بالقلع.

و لو دفع القيمة ليكون الغرس له لم يجبر الغارس.

و كذا لو دفع الغارس الأجرة، لم يجبر صاحب الأرض على التبقية.

ص: 428


1- المغني 580:5-581، الشرح الكبير 560:5.
2- المغني 579:5 و 580-581، الشرح الكبير 559:5 و 560.

و قال بعض العامّة: يتخيّر المالك للأرض بين أن يكلّف الغارس قلعها و يضمن له أرش نقصها، و بين إقرارها في أرضه و يدفع إليه قيمتها، كالمشتري إذا غرس في الأرض التي اشتراها ثمّ جاء الشفيع فأخذها، و إن اختار العامل قلع ذلك فله، سواء بذل له مالك الأرض القيمة أو لا؛ لأنّه ملكه فلم يمنع من تحويله، و لو اتّفقا على إبقاء الغرس و دفع أجرة الأرض، جاز ذلك(1).

و قالت الشافعيّة: إذا عمل العامل في هذا العقد الفاسد، استحقّ أجرة المثل إن كانت الثمرة متوقّعة في تلك المدّة، و إلاّ فقولان(2).

و لهم وجه آخر، و هو صحّة المساقاة إذا كان الوديّ مقلوعا و ساقاه على أن يغرسه و يتعهّده إلى مدّة يحمل فيها، و تكون الثمرة بينهما، كما لو كان الوديّ مغروسا و ساقاه عليه؛ لأنّ الحاجة تدعو إليه في المساقاة(3).

و لهم أيضا وجه لكنّه بعيد، و هو صحّة المساقاة إذا شرط بعض الشجرة للعامل(4).

مسألة 822: إذا كان الوديّ مغروسا و ساقاه عليه، فإن قدّرا مدّة العقد بقدر لا يثمر فيها في العادة،

مسألة 822: إذا كان الوديّ مغروسا و ساقاه عليه، فإن قدّرا مدّة العقد بقدر لا يثمر فيها في العادة، لم تصح المساقاة؛ لخلوّها عن العوض، كالمساقاة على الأشجار التي لا تثمر فيها.

و إذا عمل العامل، فهل يستحقّ الأجرة ؟ للشافعيّة قولان يأتيان(5).

هذا إذا كان عالما بأنّها لا تثمر فيها، فإن كان جاهلا استحقّ الأجرة

ص: 429


1- المغني 580:5، الشرح الكبير 559:5-560.
2- العزيز شرح الوجيز 60:6، روضة الطالبين 228:4.
3- العزيز شرح الوجيز 60:6، روضة الطالبين 228:4.
4- العزيز شرح الوجيز 60:6، روضة الطالبين 228:4.
5- في المسألة التالية.

قطعا.

و لو حمل في المدّة اتّفاقا، لم يستحق ما جعل له، و كان له أجرة المثل أيضا؛ لأنّ العقد وقع فاسدا، فلم يستحق به ما شرط له.

و إن شرط مدّة يعلم أنّ الوديّ يحمل فيها بحكم العادة في ذلك، صحّ؛ لأنّ أكثر ما فيه أن يكون العمل كثيرا و النصيب قليلا، و ذلك جائز، كما لو شرط لنفسه جزءا من ألف جزء.

ثمّ ينظر فإن حمل أخذ نصيبه، و إن لم يحمل فلا شيء له؛ لأنّ العقد صحيح، فلا يستحقّ به شيئا إلاّ بحصول الثمرة.

و كذا لو ساقاه على نخل مثمر و لم يتّفق الحمل تلك السنة، لم يكن له شيء على صاحب النخل.

مسألة 823: و لو ساقاه على الوديّ المغروس إلى مدّة يعلم أنّه لا يحمل فيها في العادة،

مسألة 823: و لو ساقاه على الوديّ المغروس إلى مدّة يعلم أنّه لا يحمل فيها في العادة، كما لو غرس ثمّ ساقاه على أن يراعيه و يتعهّده سنة فمهما حصل من الثمرة كان بينهما، أو سنتين، لم تصح المساقاة إجماعا، فإذا عمل فيها فللشافعيّة في استحقاقه أجرة المثل قولان(1).

و الوجه عندي: الاستحقاق مع الجهل، لا مع العلم.

و لو ساقاه عليه و شرط مدّة يحتمل أن تكون له ثمرة و أن لا تكون، لم تصح المعاملة أيضا؛ لما فيها من الغرر، و أصالة العدم، فيخلو فعل العامل عن عوض.

و للشافعيّة وجهان:

ص: 430


1- المهذّب - للشيرازي - 398:1، نهاية المطلب 54:8، بحر المذهب 259:9، البيان 220:7-221، العزيز شرح الوجيز 60:6، روضة الطالبين 229:4.

أحدهما: إنّه تجوز المساقاة؛ لأنّ النخل يجوز أن يحمل و يجوز أن لا يحمل مع أنّ المساقاة جائزة فيه، فكذا الفسيل الذي يجوز أن يحمل في مدّة المساقاة و أن لا يحمل.

و الثاني: لا تجوز؛ لأنّه غرر، و لا يجوز العقد مع الغرر، كما لو شرط العامل لنفسه نخلة بعينها، فإنّه لا يجوز؛ لجواز أن لا تحمل تلك بعينها، بخلاف النخل؛ لأنّ الظاهر و الغالب فيه الحمل فانتفى الغرر.

فإذا قلنا: تصحّ المساقاة، فإن لم تحمل لم يجب للعامل شيء، و إن قلنا: المساقاة فاسدة، فإنّ للعامل أجرة المثل، سواء حملت أو لم تحمل؛ لأنّه لم يرض بغير عوض، فكان له العوض وجها واحدا(1).

و لو ساقاه مدّة يحمل فيها غالبا، صحّ العقد، كالعلم، و قد سبق(2).

و لا بأس بخلوّ أكثر سني المدّة عن الثمرة، مثل أن يساقيه عشر سنين و الثمرة لا تتوقّع إلاّ في العاشرة، و تكون السنين بمثابة الأشهر من السنة الواحدة.

ثمّ إن اتّفق أنّها لم تثمر لم يستحق العامل شيئا، كما لو قارضه فلم يربح.

مسألة 824: لو ساقاه على النخيل المثرة فلم تثمر، فإن قدّر بمدّة لا تحمل فيها غالبا،

مسألة 824: لو ساقاه على النخيل المثرة فلم تثمر، فإن قدّر بمدّة لا تحمل فيها غالبا، كشهر و شهرين في أوّل السنة، لم تصح، و كان الحكم فيه كما لو ساقاه على وديّ مغروس مدّة لا يحمل فيها غالبا.

ص: 431


1- المهذّب - للشيرازي - 398:1، بحر المذهب 260:9، العزيز شرح الوجيز 6: 61، روضة الطالبين 229:4.
2- في ص 430، ضمن المسألة 822.

و إن كانت المدّة يحتمل أن تثمر فيها و يحتمل أن لا تثمر، فالوجه:

البطلان؛ لما تقدّم.

و للشافعيّة وجهان.

أصحّهما: ما قلناه؛ لأنّه عقد على عوض غير موجود و لا غالب الوجود، فأشبه السّلم في معدوم إلى وقت يحتمل أن يوجد فيه و يحتمل أن لا يوجد.

و الثاني: تصحّ، و يكفي الاحتمال و رجاء الوجود، فعلى هذا إن أثمرت استحقّ، و إلاّ فلا شيء له، و على الأوّل يستحقّ أجرة المثل؛ لأنّه عمل طامعا(1).

تذنيب: لو دفع إليه وديّا ليغرسه في أرض الغارس على أن يكون الغراس للدافع و الثمار بينهما، بطل، و للعامل عليه أجرة عمله و أرضه.

و لو دفع إليه أرضه ليغرسها بوديّ نفسه على أن تكون الثمرة بينهما، فهو فاسد أيضا، و لصاحب الأرض أجرتها على العامل.

الشرط الثاني: أن تكون الأشجار ممّا يصحّ أن تكون مثمرة في العادة في تلك المدّة، و لا تكون الثمار موجودة بالفعل وقت العقد، و قد سلف كونها ممّا يصحّ أن تكون مثمرة في تلك المدّة، و أمّا عدم الثمار وقت العقد فإنّه لا تصحّ المساقاة على ثمرة قد وجدت و بدا صلاحها و استغنت عن السقي و لم يبق لعمل العامل فيها مستزاد، إجماعا؛ لأنّها و الحال هذه تكون قد ملكها ربّ البستان، و لم تحصل بالمساقاة زيادة الثمار، و الغرض بها تحصيل الثمار أو جودة إيناعها، فإذا لم يحصل7.

ص: 432


1- المهذّب - للشيرازي - 398:1، بحر المذهب 260:9، البيان 221:7.

الغرض خلا العقد عن الفائدة فيكون باطلا.

و أمّا إذا كانت الثمار قد ظهرت و لم يبد صلاحها، فإن بقي للعامل ما فيه مستزاد الثمرة كالتأبير و السقي و إصلاح الثمرة، جازت المساقاة تحصيلا لتلك الفائدة، و لأنّ العقد و الحال هذه أبعد عن الغرر، بل انتفى الغرر عنها؛ للوثوق بالثمار، و لأن المساقاة إذا جازت قبل ظهور الثمرة فبعد ظهورها أولى؛ لأنّها صارت موجودة معلومة، و هو قول الشافعي في الأم و إحدى الروايتين عن أحمد، و به قال مالك و أبو يوسف و محمّد و أبو ثور.

و قال الشافعي في البويطي: لا تجوز - و هو الرواية الثانية عن أحمد - لأنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله عامل أهل خيبر على الشطر ممّا يخرج من ثمر أو زرع(1) ، و لأنّ الثمرة إذا خرجت فقد حصل المقصود، فصار بمنزلة أن يقارضه على المال بعد ظهور الربح، و كان بمنزلة ما لو شرط المالك له شيئا من النخيل؛ لأنّ المالك قد ملكها و قد ظهرت، فأشبهت النخل، و لأنّ مقصود المساقاة أن تخرج الثمار بعمله(2).

و المعاملة التي وقعت من النبي صلّى اللّه عليه و آله لأهل خيبر لا تدلّ على المنع من غيرها؛ لأنّها واقعة لا عموم لها.

و نمنع حصول كمال المقصود؛ لأنّ التقدير حصول زيادة بعمل العامل، و به يخرج الجواب عن الباقي.

و أمّا إذا بدا صلاحها، فالأولى التفصيل أيضا، و هو أن يقال: إن بقي5.

ص: 433


1- تقدّم تخريجه في ص 383، الهامش (4).
2- المهذّب - للشيرازي - 398:1، الوجيز 227:1، الوسيط 138:4-139، حلية العلماء 366:5، العزيز شرح الوجيز 58:6، المغني و الشرح الكبير 558:5.

لعمل العامل نفع في استزادة الثمرة و جودة إيناعها، صحّت المساقاة عليها، و إلاّ فلا، كما لو لم يبق سوى الجذاذ.

و أطلق بعض العامّة المنع(1).

و ليس بجيّد.

و اعلم أنّ الشافعي قد اختلف قوله على الوجه الذي قدّمناه، و اختلف أصحابه على ثلاثة طرق في موضع القولين:

أظهرها: إنّ القولين فيما إذا لم يبد فيها الصلاح، فأمّا بعده فلا تجوز بلا خلاف؛ لأنّ تجويز المساقاة لتربية الثمار و تنميتها، و هي بعد الصلاح لا تتأثّر بالأعمال.

و الثاني: إجراء القولين فيما إذا بدا الصلاح و فيما إذا لم يبد ما لم يتناه نضجها، فإن تناهى و لم يبق إلاّ الجذاذ، لم يجز بلا خلاف.

[و] الثالث: إجراء القولين في جميع الأحوال(2).

و قد بيّنّا(3) أنّ الشافعي منع من المزارعة إذا كانت الأرض بيضاء.

و لو كان فيها نخيل و تخلّلت الأرض بينها، جاز عقد المزارعة عليها تبعا، فلو كان فيه زرع موجود، ففي جواز المزارعة وجهان له؛ بناء على هذين القولين(4).

الشرط الثالث: أن تكون الأشجار مرئيّة مشاهدة وقت العقد أو قبله4.

ص: 434


1- المغني و الشرح الكبير 558:5.
2- العزيز شرح الوجيز 58:6-59، روضة الطالبين 229:4.
3- في ص 386، ضمن المسألة 785.
4- العزيز شرح الوجيز 59:6، روضة الطالبين 229:4.

أو موصوفة بوصف يرفع الجهالة، فلو لم تكن الحديقة و الأشجار مشاهدة و لا موصوفة لم يصح العقد؛ لأنّ المساقاة عقد غرر من حيث إنّ العوض معدوم في الحال، و هما جاهلان بما يحصل و بقدره و صفاته، فلا يحتمل فيها غرر آخر، و هو عدم الرؤية، و لأنّها معاملة، فلا بدّ فيها من المشاهدة، كالبيع، و هو أحد طريقي الشافعيّة، و الثاني: إنّ فيها قولين كقولي بيع الغائب(1).

البحث الرابع: في الحصّة.

مسألة 825: يشترط في المساقاة اشتراك المالك و العامل في الثمرة،

مسألة 825: يشترط في المساقاة اشتراك المالك و العامل في الثمرة، فلو لم تكن للأشجار ثمار لم تصح المعاملة عليها، فلا تصحّ المساقاة على شجر لا يثمر، كالصفصاف و الغرب و شجر الدّلب، أو ما كان له ثمر غير مقصود، كالصنوبر - و به قال مالك و الشافعي و أحمد و أصحاب الرأي(2) - و لا نعلم فيه خلافا؛ لأنّه ليس بمنصوص و لا في معنى المنصوص، و لأنّ المساقاة لا بدّ فيها من نفع يحصل للعامل في مقابلة عمله، و ليس إلاّ الثمرة الحاصلة من الشجرة، أو جزء الشجرة كأغصانها، أو أجرة من خارجها، كالنقدين و شبههما، و الكلّ باطل.

أمّا الثمرة: فلانتفائها؛ إذ الفرض ذلك.

ص: 435


1- المهذّب - للشيرازي - 398:1، الوسيط 139:4، الوجيز 227:1، حلية العلماء 367:5، البيان 220:7، العزيز شرح الوجيز 59:6، روضة الطالبين 4: 228.
2- المغني 557:5، الشرح الكبير 556:5، العزيز شرح الوجيز 53:6، روضة الطالبين 227:4، روضة القضاة 3009/511:2.

و أمّا الجزء: فلا تصحّ المعاملة عليه.

و أمّا غيرهما من النقدين و الأعواض: فلا تصحّ المساقاة عليه؛ لأنّها تكون إجارة لا مساقاة.

مسألة 826: قد بيّنّا أنّه تصحّ المساقاة على كلّ شجر له ثمرة،

مسألة 826: قد بيّنّا أنّه تصحّ المساقاة على كلّ شجر له ثمرة، سواء كان نخلا أو كرما أو غيرهما، خلافا للشافعي في الجديد من القولين؛ حيث خصّص الجواز بالنخل و الكرم؛ لأنّه زكويّ، و غيرهما ليس بزكويّ، و لأنّ ثمار النخل و الكرم إنّما يحصل غالبا بالعمل، و سائر الأشجار تثمر من غير تعهّد و عمل عليها، و لأنّ الزكاة تجب في ثمرتهما، فجازت المساقاة فيهما سعيا في تثميرهما ليرتفق بهما المالك و العامل و المساكين جميعا، و لأنّ الخرص يتأتّى في ثمرتهما؛ لظهورهما و تدلّي عناقيدهما، و سائر الأشجار تنتشر ثمارها و تستتر بالأوراق، و إذا تعذّر الخرص تعذّر تضمين الثمار للعامل، و ربما لا يثق المالك بأمانته، فإذن تجويز المساقاة عليهما أهمّ(1).

و الكلّ ضعيف؛ فإنّ حاجة غير الكرم و النخل من الأشجار إلى التعهّد أقوى من حاجتهما، و الزكاة و إن لم تجب في غيرهما لكنّها مستحبّة، فكان السعي في تثميرها سعيا في نفع الفقراء، و لأنّه لا يلزم من عدم نفع الفقير(2) عدم الجواز؛ لأنّ المقتضي للجواز نفع البعض، لا الجميع، و الثمار في الأشجار لا تخفى كلّ الخفاء و لا بعضه بحيث لا يدرك قدرها بالتخمين و الحزر، و لو سلّم فلا يوجب ذلك المنع من المعاملة عليها.

مسألة 826: قد بيّنّا أنّه تصحّ المساقاة على كلّ شجر له ثمرة،

مسألة 826: قد بيّنّا أنّه تصحّ المساقاة على كلّ شجر له ثمرة،

ص: 436


1- تقدّم تخريجه في ص 422، الهامش (3).
2- في النّسخ الخطّيّة: «الغير» بدل «الفقير».

أمّا عندنا: فظاهر؛ لأنّه شجر له ثمر.

و أمّا عند الشافعي فإن سوّغ المساقاة على غير النخل [و الكرم](1) جاز قطعا، و ان منع، فوجهان فيه:

أحدهما: إنّه تجوز المساقاة عليه؛ تخريجا لظهور ثمرته.

و الثاني: المنع؛ لأنّه لا زكاة فيها(2).

و أمّا التوت الأنثى فتجوز المساقاة عليه عندنا؛ لأنّه مثمر.

و كذا عند الشافعي على القول الذي سوّغ فيه المساقاة على غير النخل و الكرم(3).

و أمّا التوت الذكر و ما أشبهه ممّا يقصد ورقه كالحنّاء و شبهه ففي جواز المساقاة عليه خلاف.

و الأقرب: جوازها؛ لأنّ الورق في معنى الثمرة؛ لكونه ممّا يتكرّر في كلّ عام، و يمكن أخذه و المساقاة عليه بجزء منه، فيثبت له مثل حكم غيره.

و كذا شجر الخلاف لأغصانها التي تقصد في كلّ سنة أو سنتين.

و الأقرب: الجواز في التوت بنوعيه و كلّ ما يقصد ورقه أو ورده، كالورد و النيلوفر و الياسمين و الآس و أشباه ذلك.

و كذا تجوز في فحول النخل؛ لأنّ لها طلعا يصلح كشّا للتلقيح،2.

ص: 437


1- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «الشجر». و المثبت هو الصحيح.
2- العزيز شرح الوجيز 52:6-53، روضة الطالبين 227:4.
3- راجع: الهامش (3) من ص 422.

فأشبه الثمرة.

و هل تجوز على الخوص و السعف ؟ الأقرب: المنع؛ لأنّها أجزاء من النخلة تتلف بذهابها(1).

مسألة 828: يشترط أن تكون الثمرة بين المالك و العامل،

مسألة 828: يشترط أن تكون الثمرة بين المالك و العامل، فلا يصحّ اشتراطها و لا اشتراط بعضها لثالث؛ لعدم المقتضي لاستحقاق الثالث.

و كذا لو شرطا أنّ جميع الثمرة للمالك أو العامل، فسدت المساقاة؛ لأنّ النصّ(2) ورد على التشريك بينهما في الفائدة، فالاختصاص يكون غير المعهود من المساقاة في نظر الشرع، فوجب أن لا يكون سائغا.

و يجب أن تكون حصّة كلّ واحد منهما معلومة؛ لما في الجهالة من الغرر المنهيّ عنه(3) ، فلو قال: ساقيتك على هذا النخل على أن يكون لك نصيب من الثمرة أو حظّ أو جزء أو شيء أو قليل أو كثير أو ما شئت أو ما شاء فلان أو كحصّة فلان و هما أو أحدهما لا يعلمانها، و الباقي لي، أو على أن يكون لي جزء أو نصيب أو حظّ أو غير ذلك، و الباقي لك، لم تصح إجماعا، و لا تحمل الأجزاء المجهولة على الوصيّة.

و يجب أن تكون معلومة بالجزئيّة، كالنصف أو الثلث أو الربع أو غير ذلك من الأجزاء المعلومة، دون التقدير، فلو قال: ساقيتك على أن يكون لك من الثمرة ألف رطل، ولي الباقي، أو بالعكس، لم تصح؛ لما قلنا في القراض من إمكان أن لا يحصل إلاّ ذلك القدر بعينه أو دونه، فيؤدّي إلى

ص: 438


1- في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «بذهابه». و الظاهر ما أثبتناه.
2- راجع: الهامش (4) من ص 383.
3- أورده الشيخ الطوسي في الخلاف 319:3، المسألة 13.

اختصاص أحدهما بالثمرة، و هو مناف لمقتضى المساقاة.

مسألة 829: لو شرط المالك الجميع لنفسه،

مسألة 829: لو شرط المالك الجميع لنفسه، فقد قلنا: إنّ العقد يبطل.

و هل يجب للعامل أجرة المثل ؟ الأقرب: عدم ذلك - و هو أصحّ قوليّ الشافعيّة(1) - لأنّه عمل مجّانا، و دخل في العقد على أنّه لا شيء له، و لا شكّ أنّ المتبرّع لا يستحقّ أجرا و لا حصّة، كما قلنا في القراض.

و الثاني لهم: إنّه يستحقّ أجرة المثل؛ لأنّ المساقاة تقتضي العوض، فلا يسقط بالرضا، كالوطئ في النكاح(2).

و لو شرط العامل الجميع لنفسه، لم يصح؛ لأنّه مناف لمقتضى المساقاة، كما تقدّم(3) ، و تكون الثمرة بأجمعها للمالك، و عليه أجرة المثل للعامل.

و قال بعض الشافعيّة: يصحّ؛ لغرض القيام بتعهّد الأشجار و تربيتها(4).

و ليس بجيّد؛ لأنّ ذلك يكون إجارة باطلة؛ لجهالة العوض، و ليس مساقاة؛ لأنّ موضوعها الشركة في الثمار(5).

و يجوز أن يشترط أحدهما الكلّ إلاّ شيئا يسيرا، حتى لو كان للعامل جزء من مائة ألف جزء من الثمرة و الباقي للمالك أو بالعكس، جاز إذا كان

ص: 439


1- التهذيب - للبغوي - 408:4، البيان 224:7، العزيز شرح الوجيز 59:6، روضة الطالبين 228:4.
2- التهذيب - للبغوي - 408:4، البيان 224:7، العزيز شرح الوجيز 59:6، روضة الطالبين 228:4.
3- في ص 438، المسألة 828.
4- العزيز شرح الوجيز 60:6، روضة الطالبين 228:4.
5- في النّسخ الخطّيّة: «النماء» بدل «الثمار».

لذلك الجزء قيمة، و لا نعلم فيه خلافا؛ لأنّه إنّما يثبت بالشرط، فكان بحسب ما شرطاه(1).

و لو تعدّدت الأجزاء لأحدهما، صحّ مع العلم، كما لو شرط أحدهما النصف و الثلث و العشر.

مسألة 830: لو ساقاه على مقادير معيّنة لكلّ منهما مقدارا معيّنا غير الجزئيّة و قصد الإشاعة،

مسألة 830: لو ساقاه على مقادير معيّنة لكلّ منهما مقدارا معيّنا غير الجزئيّة و قصد الإشاعة، جاز أيضا، كما لو شرط المالك مائة صاع و العامل مائة و قصد التنصيف في الثمرة، جاز؛ لأنّ الغرض (من ذلك)(2) جزئيّة النصف.

و كذا لو شرط المالك مائتي صاع لنفسه و مائة صاع للعامل أو بالعكس على القصد المقدّم، صحّ.

و لو قصد تعيين المقادير لا الإشاعة، بطل.

و كذا يبطل لو شرط أحدهما أصواعا معلومة و الباقي للآخر، أو شرطا أن يكون لأحدهما أصواع معيّنة و الباقي بينهما، لم يصح أيضا؛ لما تقدّم، و سواء قلّ الجزء المشترط أو كثر، حتى لو شرط أحدهما اختصاصه بأوقية و الباقي بينهما، لم تصح المساقاة.

مسألة 831: و الذي يجب تعيينه بالشرط حصّة العامل خاصّة؛

مسألة 831: و الذي يجب تعيينه بالشرط حصّة العامل خاصّة؛ إذ بحصول العلم بها يحصل العلم بحصّة المالك؛ لأنّ الثمرة تابعة للأصل بالأصالة، فلو قال: ساقيتك على أنّ لك النصف من الثمرة، و سكت مالك النخل عن حصّته، صحّ؛ لأنّ الباقي يكون له بالأصل.

ص: 440


1- في «ر»: «يشترطانه». و في الطبعة الحجريّة: «يشترطاه».
2- بدل ما بين القوسين في النّسخ الخطّيّة: «بذلك».

و لو قال المالك: ساقيتك على أنّ لي النصف من الثمرة، و سكت عن حصّة العامل، فالأقوى: البطلان؛ حيث لم تتعيّن حصّة العامل.

و يحتمل الصحّة؛ بناء على المفهوم، و قد سبق(1) في القراض.

و لو قال: ساقيتك على أنّ الثمرة بيننا، اقتضى التنصيف؛ لأنّه الأصل.

و لو ساقاه على أن يكون للعامل ثمرة نخلة بعينها(2) و الباقي بينهما نصفين، أو بالعكس، لم يصح؛ لأنّه قد يؤدّي إلى أن يكون الجميع لأحدهما بأن لا يسلم منها إلاّ تلك النخلة.

و كذا لو شرط قدرا معيّنا لأحدهما - كمائة رطل - و الباقي للآخر أو بينهما؛ لجواز أن لا يحصل إلاّ ذلك القدر.

و كذا ما روى العامّة: إنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله نهى عن المزارعة التي يجعل فيها لربّ الأرض مكانا معيّنا و للعامل مكانا معيّنا(3).

قال رافع: كنّا نكري الأرض على أنّ لنا هذه و [لهم](4) هذه فربما أخرجت هذه و لم تخرج هذه، فنهانا عن ذلك، فأمّا الذهب و الورق(5) فلم ينهنا(6).

إذا عرفت هذا، فإنّه يجوز أن يشترط أحدهما على الآخر مع الحصّة5.

ص: 441


1- في ج 17، ص 12، المسألة 195.
2- في الطبعة الحجريّة: «معيّنة» بدل «بعينها».
3- المغني 559:5، الشرح الكبير 561:5.
4- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «له». و المثبت كما في المصدر.
5- في صحيح مسلم: «و أمّا الورق» بدل «فأمّا الذهب و الورق».
6- صحيح مسلم 117/1183:3، المغني 559:5، الشرح الكبير 561:5.

التي له شيئا من عنده من ذهب أو فضّة أو غيرهما؛ للأصل.

تذنيب: لو اتّفقا على تعيين الجزء ثمّ اختلفا في أنّ الجزء المشروط لمن هو منهما، فهو للعامل؛ لأنّ الشرط مراد لأجله؛ لأنّ المالك يملك حصّته بالتبعيّة للأصل، لا بالشرط.

مسألة 832: إذا اشتمل البستان على أشجار مختلفة، كالزيتون

مسألة 832: إذا اشتمل البستان على أشجار مختلفة، كالزيتون و الرمّان و التين و الكرم، فساقاه المالك على أنّ للعامل سهما واحدا في الجميع، كنصف الثمرة أو ثلثها أو غير ذلك، صحّ إجماعا، سواء علما قدر كلّ واحد من الأجناس أو جهلاه أو علم أحدهما دون الآخر، و سواء تساوت الأجناس أو تفاوتت.

و لو فاوت المالك بينها بأن جعل له في الزيتون النصف و في الرمّان الثلث و في التين الربع و في الكرم السدس، فإن علما قدر كلّ جنس منها جاز، كما لو ساقاه على حديقتين أو حدائق على أنّ له النصف من هذه الحديقة و الثلث من هذه، و إن جهلا أو أحدهما قدر كلّ جنس منها، لم يصح؛ لما فيه من الغرر، فإنّ المشروط فيه أقلّ الجزءين قد يكون أكثر الجنسين، و معرفة كلّ جنس من الأشجار إنّما يكون بالنظر و التخمين.

و الفرق بين الثاني و الأوّل: إنّ قدر حقّه من ثمرة الحديقة في الأوّل معلوم بالجزئيّة، و إنّما المجهول الجنس و الصفة، و في الثاني القدر مجهول أيضا؛ لاحتمال اختلاف ثمرة الجنسين في القدر، و حينئذ يكون قدر ما له من ثمرة الكلّ مجهولا؛ لأنّ المستحقّ على أحد التقديرين نصف الأكثر و ثلث الأقلّ، و على الثاني ثلث الأكثر و نصف الأقلّ، و الأوّل أكثر من الثاني، و معلوم أنّ الجهل بقدر الحصّة مبطل.

ص: 442

و كذا لو لم يعيّن مع الاختلاف بأن قال له: لك من أحد الأجناس النصف و من الآخر الثلث، و لم يعيّن كلّ واحد منهما.

و كذا لو كان الجنس واحدا و النوع مختلفا، كالنخل إذا كان بعضه برنيّا، و بعضه بادرايا(1) ، و بعضه معقليّا، و فاوت بينها في الحصص؛ لما تقدّم، و به قال الشافعي(2).

و حكى الشيخ رحمه اللّه عن مالك أنّه قال: لا تصحّ حتى تكون الحصص سواء في الكلّ(3) ، و لا وجه له.

مسألة 833: و لو كان له بستانان فساقاه عليهما صفقة واحدة، صح ّ،

مسألة 833: و لو كان له بستانان فساقاه عليهما صفقة واحدة، صح سواء ساوى بينهما أو فاوت مع التعيين بأن يقول: ساقيتك على هذين البستانين على النصف من هذا و الثلث من ذاك؛ لأنّها صفقة واحدة جمعت عوضين، فصار كما لو قال: بعتك داري هاتين هذه بألف و هذه بمائة.

و لو قال: بالنصف من أحدهما و الثلث من الآخر، و لم يعيّن، لم يصح؛ لأنّه مجهول لا يدري الذي يستحقّ نصفه و لا الذي يستحقّ ثلثه.

و لو ساقاه على بستان واحد نصفه بالنصف و نصفه بالثلث، صحّ، سواء أطلق أو عيّن إن قصد الإشاعة.

و لو قصد التعيين، وجب تفسيره، فيقول: على هذا النصف

ص: 443


1- بادرايا: بليدة بقرب باكسيا بين البندنيجين و نواحي واسط، منها يكون التمر القسب اليابس الغاية في الجودة و اليبس. معجم البلدان 316:1-317.
2- مختصر المزني: 125، الحاوي الكبير 377:7، نهاية المطلب 36:8، بحر المذهب 253:9، الوجيز 227:1، الوسيط 141:4، التهذيب - للبغوي - 4: 409، البيان 225:7، العزيز شرح الوجيز 62:6، روضة الطالبين 229:4.
3- الخلاف 477:3، المسألة 5.

بالنصف، و على هذا النصف الآخر بالثلث، و لو أبهم بطل، كالبستانين سواء.

مسألة 834: لو كان البستان لاثنين و العامل واحدا،

مسألة 834: لو كان البستان لاثنين و العامل واحدا، فقالا: ساقيناك على أنّ لك النصف من حصّة فلان و النصف من حصّة فلان، صحّ، و كذا لو قالا: على أنّ لك النصف من ثمرة الجميع، سواء تساوى الشريكان في الحصص أو تفاوتا.

و لو قالا: على أنّ لك من حصّة فلان النصف و من حصّة فلان الثلث، جاز؛ لأنّ العقد مع الاثنين كالعقدين، و لا شكّ أنّه لو أفرد كلّ منهما العقد كان له أن يشرط ما اتّفقا عليه، كذا هنا، و كذا باقي العقود.

إذا عرفت هذا، فإنّما يجوز التفاضل بشرطين، أحدهما: أن يعيّن حصّة من كلّ واحد من الشريكين، و الثاني: أن يعلم قدر نصيب كلّ واحد منهما، و أمّا إذا جهله فلا يجوز؛ لأنّه لا يعلم كم نصيبه، فإنّه قد يكون نصيب من شرط القليل أكثر من نصيب الآخر فينتقص حظّه، و قد يكون أقلّ فيتوفّر حظّه.

و لو شرطا له نصيبا واحدا من مالهما، جاز و إن لم يعلم قدر ما لكلّ واحد منهما؛ لأنّه لا جهالة فيه، كما لو قالا: بعناك هذه الدار بألف و لم يعلم نصيب كلّ واحد منهما كم هو؛ لأنّه أيّ نصيب كان فقد علم عوضه و قد علم جملة المبيع فصحّ، كذا هنا، بخلاف الأوّل؛ فإنّه بمنزلة ما إذا باعه الشريكان دارا فقالا: بعناك الدار نصيب هذا بكذا و نصيب هذا بكذا، و لم يعلم قدر نصيب كلّ واحد من الثمنين كم هو، و لا جعل جملة الثمن في مقابلة جملة الدار.

ص: 444

تذنيب: لو كان المالك واحدا و العامل اثنين، صحّ، و يجوز أن يشترط لهما التساوي في النصيب و الاختلاف مع التعيين؛ لأنّه بمنزلة العقدين، و لا فرق بين أن يكون العقد واحدا أو اثنين.

مسألة 835: تجوز المعاملة في المساقاة على أكثر من سنة واحدة؛

مسألة 835: تجوز المعاملة في المساقاة على أكثر من سنة واحدة؛ للأصل.

و لما رواه الحلبي - في الحسن - عن الصادق عليه السّلام، قال: قال: «القبالة أن تأتي الأرض الخربة فتقبّلها من أهلها عشرين سنة أو أقلّ من ذلك أو أكثر تعمرها و تؤدّي ما خرج عليها» قال: «لا بأس»(1) و هو يعمّ المساقاة و المزارعة.

و في الصحيح عن يعقوب بن شعيب عن الصادق عليه السّلام، قال: سألته عن الرجل يعطي الرجل أرضه فيها الرمّان و النخل و الفاكهة، فيقول: اسق هذا من الماء و اعمره و لك نصف ما أخرج ؟ قال: «لا بأس» قال: و سألته عن الرجل يعطي الرجل الأرض فيقول: اعمرها و هي لك ثلاث سنين أو خمس سنين أو ما شاء اللّه ؟ قال: «لا بأس»(2).

و بالجملة، فالمدّة منوطة باختيارهما من غير حصر، بل لا بدّ من التعيين.

إذا عرفت هذا، فيجوز أن يساوي [بينها](3) في الحصص بأن يقول:

ساقيتك على هذا البستان ثلاث سنين - مثلا - أو أكثر على أنّ لك في ثمرة

ص: 445


1- الكافي 3/268:5، التهذيب 197:7-874/198.
2- الكافي 2/268:5، التهذيب 876/198:7.
3- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «بينهما». و المثبت هو الصحيح.

كلّ سنة النصف أو الثلث، و يجوز أن يفاوت بينها بشرط تعيين نصيب كلّ سنة، فيقول: على أنّ لك في السنة الأولى النصف، و في الثانية الثلث، و في الثالثة الربع، و في الرابعة الخمس، و هكذا، و أن يساوي بين سنتين، أو ثلاث، و يفاوت في الباقي.

و قال بعض الشافعيّة: لا يجوز؛ لأنّه عقد على سنين مختلفة، فجرى مجرى من أسلم في قفيز حنطة و قفيز شعير في عقد واحد(1).

و الحكم في الأصل ممنوع.

مسألة 836: لو كان البستان لاثنين بالسويّة فساقى أحدهما الآخر و شرط له زيادة على ما كان يستحقّه بالملك،

مسألة 836: لو كان البستان لاثنين بالسويّة فساقى أحدهما الآخر و شرط له زيادة على ما كان يستحقّه بالملك، مثل أن يشرط له الثلثين من ثمرة البستان، صحّ العقد، و كان قد شرط له من حصّته ثلثها و بقي له الثلثان، و هو سدس الأصل، فيكون العامل قد استفاد سدس الثمرة بأسرها في مقابلة العمل في نصيب شريكه.

و لو لم يشرط له زيادة، بل ساقاه على أن تكون الثمرة بينهما نصفين، أو على أن يكون للعامل أقلّ كالثلث مثلا، فسدت المساقاة؛ لأنّه لم يثبت له عوضا بالمساقاة؛ إذ النصف مستحقّ له بالملك، بل شرط عليه في الصورة الثانية أن يترك بعض ثمرته أيضا، فلم يشرط له في مقابلة عمله نصيبا، بل شرط في صورة الأقلّ أن يأخذ غير العامل من نصيب العامل ثلثه و يستعمله بغير عوض، فلا يصحّ.

و إذا عمل في الصورتين، فالأقرب: إنّه لا عوض له؛ لأنّه تبرّع

ص: 446


1- بحر المذهب 241:9، البيان 225:7-226.

بالعمل، و لم يشرط له في مقابلة عمله أجرة، فهو متطوّع، فلا يستحقّ عوضه، كما لو لم يعقد المساقاة و عمل، و به قال المزني من الشافعيّة(1).

و قال أبو العباس ابن سريج منهم: إنّه يستحقّ أجرة المثل؛ لأنّ لفظ المساقاة يقتضي إثبات العوض في مقابلة العمل فوجب له و إن لم يشرط، كما لو(2) قال: تزوّجتك(3) بلا مهر، أو بعتك بخمر أو خنزير، و كذا إذا قال: بعتك هذه السلعة بلا ثمن، فأخذها و تلفت في يده، وجب عليه قيمتها(4).

و الفرق: إنّ النكاح لا يستباح بالبذل، و العمل هنا يستباح بذلك، و لأنّ المهر في النكاح إن وجب بالعقد، لم يصح قياس هذا عليه؛ لأنّ النكاح صحيح و هذا فاسد، و لأنّ العقد هنا لا يوجب، و لو أوجب لا يوجب قبل العمل، و لا خلاف أنّ هذا لا يوجب قبل العمل شيئا، و إن أوجب بالإصابة لم يصح القياس عليها؛ لأنّ الإصابة لا تستباح بالإباحة و البذل، بخلاف العمل، و لأنّ الإصابة لو خلت عن العقد لأوجبت، و هذا بخلافه، و إن وجب بهما امتنع القياس؛ لهذه الوجوه، و أمّا البيع فقد شرط عوضا، و لأنّه قبض العين بحكم البيع، فكانت مضمونة عليه باليد، بخلاف مسألتنا، فأمّا إذا قال: بعتك بغير عوض، فيجب أن لا يسلّم، و لو سلّم فإنّه لا يملك بذلك، فإذا قبضه ضمنه باليد، و هنا لم يحصل العمل في يده،ي.

ص: 447


1- مختصر المزني: 125، الحاوي الكبير 380:7، نهاية المطلب 37:8، بحر المذهب 253:9، الوسيط 141:4، العزيز شرح الوجيز 62:6.
2- في «د، ص»: «إذا» بدل «لو».
3- في الطبعة الحجريّة: «زوّجتك».
4- نفس المصادر في الهامش (1) ما عدا مختصر المزني.

و إنّما تلف في يد صاحبه.

مسألة 837: لو ساقى أحد الشريكين صاحبه و شرط له جميع الثمرة،

مسألة 837: لو ساقى أحد الشريكين صاحبه و شرط له جميع الثمرة، فسد العقد على ما تقدّم(1) مثله.

و الأقرب: إنّه يستحقّ أجرة المثل؛ لأنّه شرط عوضا لم يسلم له.

و قال بعض الشافعيّة: لا يستحقّ شيئا؛ لأنّه لم يعمل له، إلاّ أنّه انصرف إليه(2).

و لو شرطا في عقد المساقاة أن يتعاونا في العمل، فسد العقد؛ لأنّه لا يجوز شرط العمل على ربّ النخل.

فإذا عملا جميعا في المشترك بينهما، فإن كان عملهما سواء، فالثمرة بينهما بالسويّة على قدر الملكين و قد تساويا في العمل فتقاصّا به.

و إن كان عمل أحدهما أكثر، فإن كان قد [شرط](3) له زيادة في مقابله استحقّ ما فضل له من أجرة المثل. و إن كان لم يشترط له شيئا في مقابلته ففي استحقاقه أجرة المثل قولان للشافعيّة(4).

و لو كان عمل من لم يشترط له الزيادة أكثر، ففي استحقاقه الأجرة خلاف لهم(5).

و لو تعاونا من غير شرط، لم يضرّ العقد.

مسألة 838: لا بدّ و أن يكون البستان الذي يقع عليه عقد المساقاة معيّنا في العقد،

مسألة 838: لا بدّ و أن يكون البستان الذي يقع عليه عقد المساقاة معيّنا في العقد، فلو كان له بستانان فساقاه على أحدهما من غير تعيين، لم تصح

ص: 448


1- في ص 438، المسألة 828.
2- الوسيط 141:4-142، العزيز شرح الوجيز 62:6، روضة الطالبين 230:4.
3- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «شرطا». و الظاهر ما أثبتناه.
4- العزيز شرح الوجيز 63:6، روضة الطالبين 230:4.
5- العزيز شرح الوجيز 63:6، روضة الطالبين 230:4.

المساقاة، فإن عمل فللعامل أجرة المثل.

و كذا يجب أن تكون الحصّة معيّنة على ما قدّمناه، فلو قال: ساقيتك على أنّك إن سقيت بالسماء أو بالسائح فلك الثلث، و إن سقيت بالناضح أو شبهه ممّا تلزمه مؤونة فلك النصف، لم يصح العقد؛ لأنّ العمل مجهول و النصيب مجهول، و لأنّه مثل قوله: بعتك كذا بدينار مؤجّل إلى كذا و بنصف دينار حالّ، فيكون بمنزلة بيعتين في بيعة واحدة، و كما لو قارضه على أنّه إن تصرّف و ربح في كذا فله النصف أو في كذا فله الثلث، و به قال الشافعي(1).

و يحتمل على مسألة الخيّاط - و هو: إن خطته روميّا فلك كذا، و إن خطته فارسيّا فلك كذا - أن تجوز هذه المساقاة، و به قال بعض العامّة(2).

و كذا لو قال: لك النصف إن كان عليك خسارة، و إن لم تكن فالثلث.

و منعه بعضهم مع تجويزه المسألة الأولى؛ لأنّ هذا شرطان في شرط(3) ، و لا فرق في التحقيق بينهما.

مسألة 839: عقد المساقاة قابل للشروط الصحيحة دون الفاسدة

مسألة 839: عقد المساقاة قابل للشروط الصحيحة دون الفاسدة، فإذا ساقاه على بستان على النصف و شرط عليه أن يساقيه في بستان آخر بالثلث أو على أن يساقيه سنة أخرى بالنصف أو على أن يساقيه العامل على

ص: 449


1- مختصر المزني: 125-126، الحاوي الكبير 384:7، المهذّب - للشيرازي - 399:1، نهاية المطلب 53:8، بحر المذهب 259:9، الوجيز 227:1، الوسيط 141:4، التهذيب - للبغوي - 409:4، البيان 227:7، العزيز شرح الوجيز 62:6، روضة الطالبين 230:4.
2- المغني 562:5، الشرح الكبير 578:5.
3- المغني 562:5، الشرح الكبير 579:5.

حديقة، صحّ عندنا؛ للأصل، و لأنّه شرط سائغ مقصود لا يفضي إلى جهالة في المعقود عليه، فكان لازما، كغيره من الشروط، و لقوله عليه السّلام: «المؤمنون عند شروطهم»(1) و لقوله تعالى: أَوْفُوا بِالْعُقُودِ (2) و إنّما عقدا على هذا الشرط.

و قال الشافعي: لا يصحّ؛ لأنّه قد شرط عقدا في عقد، فصار بمنزلة بيعتين في بيعة، كقوله: بعتك ثوبي على أن تبيعني ثوبك، و النبي صلّى اللّه عليه و آله نهى عن بيعتين في بيعة(3)(4).

و إنّما فسد لأمرين:

أحدهما: إنّه شرط في العقد أن يعقد معه آخر، و الانتفاع بذلك مجهول، فكأنّه شرط العوض في مقابلة معلوم و مجهول.

و الثاني: إنّ العقد الآخر لا يلزمه عقده بالشرط، فسقط الشرط، و إذا سقط وجب ردّ الجزء الذي تركه من العوض لأجله، و ذلك مجهول، فصار الكلّ مجهولا.

و نمنع المساواة للمنهيّ عنه، و نمنع تفسير البيعتين في البيعة بما ذكر، بل المراد البيع بثمنين متفاوتين بالنظر إلى الحلول و الأجل، أو قلّة4.

ص: 450


1- تقدّم تخريجه في ص 40، الهامش (1).
2- سورة المائدة: 1.
3- الموطّأ 72/663:2، سنن الترمذي 1231/533:3، سنن النسائي 296:7، مسند أحمد 6591/366:2، و 9301/170:3، و 9795/246، و 10157/297.
4- مختصر المزني: 125، الحاوي الكبير 376:7، نهاية المطلب 33:8-34، بحر المذهب 251:9، التهذيب - للبغوي - 409:4، البيان 224:7، العزيز شرح الوجيز 62:6، روضة الطالبين 230:4.

الأجل و كثرته، و عندنا يجوز شرط البيع في البيع.

و على قول الشافعي بالفساد هل تفسد المساقاة الثانية ؟ قال بعض أصحابه: إن عقدها على شرط العقد الأوّل لم تصح، و إلاّ فتصحّ(1).

و قد قلنا: إنّهما معا صحيحان.

مسألة 840: قد بيّنّا أنّه يجوز وحدة المالك و تعدّد العامل،

مسألة 840: قد بيّنّا أنّه يجوز وحدة المالك و تعدّد العامل، و بالعكس، و اتّحادهما معا، و تعدّدهما معا إمّا بأن يعامل كلّ واحد من المالكين كلّ واحد من العاملين، أو يعامل أحد المالكين كلّ واحد من العاملين و يعامل المالك الآخر أحدهما، أو يعامل أحد المالكين أحد العاملين و الآخر يعامل الآخر، فلو كان لبستان واحد ستّة ملاّك بالسويّة، فساقوا عليه واحدا على أنّ له من نصيب واحد النصف و من نصيب الثاني الربع و من الثالث الثّمن و من الرابع الثلثين و من الخامس الثلث و من السادس السدس، فطريقه أنّ مخرج النصف و الربع يدخلان في مخرج الثّمن، و مخرج الثلث و الثلثين يدخلان في مخرج السدس، فتبقى ستّة و ثمانية و بينهما موافقة بالنصف تضرب نصف أحدهما في جميع الآخر يكون أربعة و عشرين تضربه في عدد الشركاء - و هو ستّة - يبلغ مائة و أربعة و أربعين لكلّ منهم أربعة و عشرون، يأخذ العامل ممّن شرط له النصف اثني عشر، و من الثاني ستّة، و من الثالث ثلاثة، و من الرابع ستّة عشر، و من الخامس ثمانية، و من السادس أربعة فيجتمع له تسعة و أربعون، يبقى للملاّك على تفاوتهم فيه

ص: 451


1- الحاوي الكبير 376:7، نهاية المطلب 34:8، بحر المذهب 251:9، التهذيب - للبغوي - 409:4، العزيز شرح الوجيز 62:6، روضة الطالبين 4: 230.

خمسة و سبعون سهما.

البحث الخامس: في العمل.

مسألة 841: كلّ عمل تحتاج إليه الثمرة إمّا لزيادتها أو إصلاحها و يتكرّر كلّ سنة فإنّه يجب على العامل،

مسألة 841: كلّ عمل تحتاج إليه الثمرة إمّا لزيادتها أو إصلاحها و يتكرّر كلّ سنة فإنّه يجب على العامل، كسقي الشجر و النخل و ما يتبعه من إصلاح طريق الماء و الأجاجين التي يقف فيها الماء في أصول النخل و الشجر، و تنقية الآبار و الأنهار من الحمأة و نحوها، و استقاء الماء، و إدارة الدولاب، و فتح رأس الساقية و سدّها عند الفراغ من السقي على ما يقتضيه الحال.

و يحتمل في تنقية النهر شيئان:

أحدهما: أن تكون على المالك، كما أنّ عليه أصل الحفر و شقّ النهر.

و الثاني: إنّها على من شرطت عليه من المالك أو العامل، فإن لم يذكرها فسد العقد.

و للشافعيّة كهذين الوجهين(1).

و يجب على العامل أيضا حرث الأرض بالمساحي و شبهها تحت الشجر، و تقويتها بالزبل بحسب العادة، و عليه البقر التي تحرث و آلة الحرث؛ لأنّ الحرث لا يتمّ إلاّ بهما، و قطع الحشيش المضرّ بالنخل و الشجر، و الشوك و زبار الكرم و تقليمه، و قطع ما يحتاج إلى قطعه من القضبان اليابسة المضرّة بالشجر، و تصريف الجريد، و هو قطع ما يضرّ تركه، سواء كان يابسا أو غير يابس، و ردّها عن وجوه العناقيد، و تسوية

ص: 452


1- العزيز شرح الوجيز 68:6-69، روضة الطالبين 235:4.

العناقيد بينها لتصيبها الشمس و ليتيسّر قطعها عند الإدراك، و تعريش الكرم حيث تجري عادته، و وضع الحشيش فوق العناقيد صونا لها عن الشمس عند الحاجة، و تلقيح النخل و تعديله و لقط الثمرة بمجرى العادة إذا بدا صلاحها.

و إن كان ممّا يؤخذ بسرا قطعه إذا انتهى إلى حالة أخذه، و إن كان ممّا يؤخذ يابسا أخذه وقت يباسه، و ما يؤخذ تمرا أخذه إذا انتهت حالته إلى ذلك، و إذا جفّ جذّه.

و إن كان ممّا يشمّس بعد قطعه، فعليه إصلاح موضع التشميس.

و عليه الجذاذ و النقل إليه.

و عليه حفظه في نخله و بيدره - و هو أحد وجهي الشافعّة(1) - كما أنّ على العامل في المضاربة حفظ المال، فإن لم يحفظ بنفسه فعليه مؤونة من يحفظها.

و أقيسهما: إنّه على المالك و العامل جميعا بحسب اشتراكهما في الثمرة؛ لأنّ الذي يجب على العامل ما يتعلّق باستزادة الثمار و تنميتها(2).

و يجري الوجهان في حفظ الثمار عن الطيور و الزنابير بأن يجعل كلّ عنقود في غلاف و كلّ عذق في قوصرة، فيلزمه ذلك عند جريان العادة، و القوصرة و الغلاف على المالك(3).

و في جذاذ الثمرة للشافعيّة وجهان.

أصحّهما: الوجوب على العامل؛ لأنّ الإصلاح به يحصل.4.

ص: 453


1- العزيز شرح الوجيز 69:6، روضة الطالبين 235:4.
2- العزيز شرح الوجيز 69:6، روضة الطالبين 235:4.
3- العزيز شرح الوجيز 69:6، روضة الطالبين 235:4.

و الثاني: إنّه لا يجب على العامل؛ لوقوعه بعد كمال الثمار(1).

و كذا الوجهان في تجفيف الثمار(2).

و الظاهر وجوبه على العامل تبعا للعادة، فيجب عليه تنقية موضع التجفيف - و يسمّى البيدر و الجرين - و نقل الثمرة إليه و تقليبها في الشمس من وجه إلى وجه.

مسألة 842: و يجب على المالك القيام بكلّ ما لا يتكرّر كلّ سنة؛

مسألة 842: و يجب على المالك القيام بكلّ ما لا يتكرّر كلّ سنة؛ لأنّ إيجابه على العامل إجحاف به و إضرار له حيث يبقى أثره و فائدته بعد ارتفاع المساقاة، فيجب على المالك القيام بكلّ ما يقصد به حفظ الأصول، كحفر الآبار و الأنهار الجديدة و التي انهارت و بناء الحيطان و نصب الأبواب و إقامة الدولاب و عمارته و حفر بئره، أو الدالية و [ردم](3) الثلمة اليسيرة.

و للشافعيّة في [ردم](4) الثّلم اليسيرة التي تتّفق في الجدران و تنقية الأنهار و وضع العوسج و الشوك على رأس الجدار و الآلات التي يوفى بها العمل، كالفأس و المعول و المنجل و المسحاة و الثيران و الفدان في الزراعة و الثور الذي يدير الدولاب وجهان:

ص: 454


1- الحاوي الكبير 370:7-371، المهذّب - للشيرازي - 399:1، بحر المذهب 247:9، الوسيط 146:4، حلية العلماء 372:5، التهذيب - للبغوي - 4: 411، البيان 229:7، العزيز شرح الوجيز 69:6، روضة الطالبين 235:4 - 236.
2- العزيز شرح الوجيز 69:6، روضة الطالبين 236:4.
3- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «رم». و الظاهر ما أثبتناه و كما في العزيز شرح الوجيز و روضة الطالبين، لا حظ الهامش (1) من ص 455.
4- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «رم». و الظاهر ما أثبتناه و كما في العزيز شرح الوجيز و روضة الطالبين، لا حظ الهامش (1) من ص 455.

أحدهما: إنّها على المالك.

و الثاني: إنّها على من اشترطت عليه، فلا يجوز السكوت عنها(1).

و في الكش إشكال أقربه: إنّه على المالك؛ لأنّه ليس من العمل.

و في البقر التي تدير الدولاب للعامّة قولان:

أحدهما: إنّها على المالك؛ لأنّها ليست من العمل، فأشبهت ما يلقح به.

و الأولى: إنّها على العامل؛ لأنّها تراد للعمل، فأشبهت بقر الحرث، و لأنّ استقاء الماء إذا لم يحتج إلى بهيمة كان عليه، و إن احتاج إلى بهيمة فكغيره من الأعمال(2).

و قال بعض الشافعيّة: ما يتعلّق به صلاح الثمرة و الأصول معا ككسح النهر و الثور فهو على من شرط [عليه](3) منهما، و إن أهمل شرط ذلك على أحدهما بطلت المساقاة(4).

و أمّا تسميد الأرض بالزبل فإن احتاجت إليه، فشراء ذلك و أجرة نقله من المزابل على ربّ المال؛ لأنّه ليس من العمل، فجرى مجرى ما يلقح به، و تفريق ذلك في الأرض على العامل، كالتلقيح.

مسألة 843: إذا أطلقا عقد المساقاة و لم يبّينا ما على كلّ واحد منهما،

مسألة 843: إذا أطلقا عقد المساقاة و لم يبّينا ما على كلّ واحد منهما، فعلى كلّ واحد منهما ما ذكرنا أنّه عليه، و إن شرطا ذلك كان تأكيدا.

ص: 455


1- العزيز شرح الوجيز 70:6، روضة الطالبين 236:4.
2- المغني 565:5، الشرح الكبير 571:5-572.
3- ما بين المعقوفين أثبتناه من المصدر.
4- المغني 565:5-566، الشرح الكبير 572:5.

و إن شرطا على أحدهما شيئا ممّا يلزم الآخر، صحّ عندنا - و هو إحدى الروايتين عن أحمد(1) - لأنّه شرط لا يخلّ بمصلحة العقد، و لا مفسدة فيه، فصحّ، كتأجيل الثمرة في المبيع، و شرط الرهن و الضمين و الخيار فيه، لكن بشرط أن يكون ما يلزم كلّ واحد منهما من العمل معلوما لئلاّ يفضي إلى التنازع.

و شرط أحمد أن لا يكون على ربّ المال أكثر العمل؛ لأنّ العامل يستحقّ بعمله، فإذا لم يعمل أكثر العمل، كان وجوده كعدمه، فلا يستحقّ شيئا(2).

و الأقرب: سقوط اعتبار هذا الشرط، بل لو شرط الأكثر على المالك جاز.

نعم، لو لم يبق للعامل سوى الحفظ، فالأقرب: جواز العقد بلفظ الإجارة مع تعيين الوقت.

و قال الشافعي: إن شرط على ربّ المال شيئا ممّا يلزم العامل أو شرط على العامل شيئا ممّا يلزم المالك، بطلت المساقاة؛ لأنّه شرط ما يخالف مقتضى العقد فأفسده، كالمضاربة إذا شرط العمل فيها على ربّ المال(3).

و ليس بجيّد؛ لأنّه شرط ما لا يقتضيه إطلاق العقد، لا ما يقتضي العقد عدمه.5.

ص: 456


1- المغني 566:5، الشرح الكبير 572:5.
2- المغني 566:5، الشرح الكبير 572:5.
3- البيان 230:7، العزيز شرح الوجيز 70:6، روضة الطالبين 236:4، المغني 566:5، الشرح الكبير 572:5.

نعم، لو شرط العامل على المالك جميع العمل فسدت المساقاة، و لو شرط المالك على العامل ما يجب على المالك جاز، و لو فعله العامل بغير إذن المالك لم يستحق عليه شيئا، و لو أذن فيه ففعله استحقّ الأجرة.

مسألة 844: قد ذكرنا أنّ حصاد الزرع و جذاذ الثمرة و لقاطها على العامل،

مسألة 844: قد ذكرنا أنّ حصاد الزرع و جذاذ الثمرة و لقاطها على العامل، و هو المشهور، و به قال الشافعي و أحمد في إحدى الروايتين.

و في الأخرى: إنّ الجذاذ عليهما إذا لم يشرط على أحدهما؛ لأنّه يكون بعد تكامل الثمار و انقضاء المعاملة، فأشبه نقله إلى منزله، فإن شرط في العقد أنّه على المالك فهو عليه، و إن شرط أنّه على العامل فهو عليه، و إن أهمل فعلى كلّ واحد منهما بحصّته ما يصير إليه، و أجاز اشتراطه على العامل(1) ، و هو قول بعض الشافعيّة(2).

و قال محمّد بن الحسن: تفسد المساقاة بشرطه على العامل؛ لأنّه شرط ينافي مقتضى العقد(3).

و ما ذكروه ليس بجيّد، و ينتقض بالتشميس، و يفارق النقل إلى المنزل، فإنّه يكون بعد القسمة و زوال العقد، و النبي صلّى اللّه عليه و آله دفع خيبر إلى يهود على أن يعملوها من أموالهم(4).

و لو شرط المالك على العامل عملا ليس من جنس عمل المساقاة، صحّ إذا لم يناف العقد و لم يستلزم الجهالة.

و قال الشافعي: لا يجوز(5).

ص: 457


1- المغني 567:5، الشرح الكبير 572:5.
2- المغني 567:5.
3- المغني 567:5.
4- كما في المغني 567:5، و راجع: الهامش (4) من ص 383.
5- الحاوي الكبير 371:7، العزيز شرح الوجيز 64:6، روضة الطالبين 231:4.

و ليس بجيّد.

مسألة 845: لا يشترط تفرّد العامل باليد في البستان،

مسألة 845: لا يشترط تفرّد العامل باليد في البستان، فلو شرط كون البستان في يد المالك أو مشاركته للعامل في اليد، صحّ عندنا؛ للأصل.

و قال الشافعي: يشترط تفرّد العامل باليد في البستان ليتمكّن من العمل متى شاء، فلو شرط كون البستان في يد المالك أو مشاركته في اليد، لم يجز(1).

و لو سلّم المفتاح إليه و شرط المالك الدخول عليه، فلهم وجهان:

أصحّهما عندهم: إنّه لا يضرّ؛ لحصول الاستقلال، و التمكين من العمل.

و الثاني: لا يجوز؛ لأنّه إذا دخل كان البستان في يده و قد يتعوّق بحضوره عن العمل(2).

و ليس بشيء.

مسألة 846: قد بيّنّا أنّه يجوز أن يشترط العامل على المالك أكثر عمله له بشرطين،

مسألة 846: قد بيّنّا أنّه يجوز أن يشترط العامل على المالك أكثر عمله له بشرطين، أحدهما: أن يبقى شيء من العمل ليتولّى عمله في مقابلة الحصّة من الفائدة، و الثاني: أن يكون الشرط معلوما.

و كذا يجوز أن يشترط المالك على العامل شيئا ممّا يلزمه بالشرطين المذكورين، و بيّنّا الخلاف فيه، فلا يشترط تفرّد العامل بالعمل، خلافا للشافعيّة، فلو شرط أن يشاركه المالك في العمل بطل عندهم(3). و قد بيّنّا

ص: 458


1- نهاية المطلب 14:8، الوسيط 142:4، العزيز شرح الوجيز 64:6، روضة الطالبين 231:4.
2- الوسيط 142:4، العزيز شرح الوجيز 64:6، روضة الطالبين 231:4.
3- الحاوي الكبير 375:7، المهذّب - للشيرازي - 399:1، نهاية المطلب 8:

بطلانه.

قال المزني: ربما بطل؛ لأنّه إعانة مجهولة الغاية بأجرة مجهولة، فيصير عمل العامل مجهولا بذلك(1).

اعترض بأنّ عمل العامل مجهول و إن انفرد به.

أجيب: بأنّ عمله و إن كان مجهولا فإنّه نسبه إلى أصل معلوم، و هو النخل، فإذا شرط العمل معه و كان عمله على بعضها فصار مجهولا من كلّ وجه(2).

و هو ممنوع.

مسألة 847: لو شرط العامل أن يعمل معه غلام المالك،

مسألة 847: لو شرط العامل أن يعمل معه غلام المالك، جاز عندنا - و به قال مالك و الشافعي و محمّد بن الحسن و أحمد في إحدى الروايتين(3) - للأصل، و لقوله عليه السّلام: «المؤمنون عند شروطهم»(4) و هو شرط لا يخالف الكتاب و السّنّة، فكان جائزا، كغيره من الشروط السائغة، و لأنّ العبد مال لربّ النخل، فكأنّه ضمّ ماله إلى ماله، كما يجوز في القراض أن يدفع إلى العامل بهيمة يحمل عليها.

ص: 459


1- مختصر المزني: 125.
2- راجع: الحاوي الكبير 375:7، و بحر المذهب 251:9.
3- - 32، بحر المذهب 251:9، الوسيط 143:4، الوجيز 228:1، البيان 230:7، العزيز شرح الوجيز 64:6، روضة الطالبين 231:4.
4- تقدّم تخريجه في ص 40، الهامش (1).

و الرواية الثانية عن أحمد: المنع - و به قال بعض الشافعيّة - لأنّه بمنزلة ما لو شرط أن يعمل معه المالك، فإنّه لا يجوز، كذا عبده؛ لأنّ يد العبد كيد سيّده، و عمله كعمله، و لهذا لو وكّل المرتهن عبد الراهن في قبض الرهن من سيّده، لم يجز؛ لأنّ يده كيد سيّده(1).

و الفرق ظاهر؛ لأنّ عمل العبد يجوز أن يكون تابعا لعمل العامل، و لا يجوز أن يكون عمل ربّ المال تابعا لعمله، على أنّا نمنع الحكم في الأصل؛ فإنّا قد بيّنّا جواز أن يشترط على المالك أكثر العمل.

و اعلم أنّ الشافعي قد نصّ على الجواز(2)العزيز شرح الوجيز 64:6، روضة الطالبين 231:4.(3) ، و اختلف أصحابه على طريقين، أحدهما: إنّه على وجهين، أحدهما: الجواز، و الثاني: المنع، و قوله هذا محمول على ما إذا شرط العامل أن يعمل معه غلام المالك ما يجب على المالك من الأعمال، كشقّ الأنهار و تنقية الآبار و بناء الحيطان(3).

و ليس بجيّد؛ لأنّ ما على ربّ المال لا يحتاج إلى شرطه، و لا معنى لاشتراطه على غلمانه.

لا يقال: أ ليس لو سلّم عبده ليعمل معه و يكونا شريكين، لم يجز عند الشافعي ؟(4).

لأنّا نقول: الاشتراك بالعمل لا يجوز عنده، و هنا عمل الغلام يقع تبعا لعمل العامل، لا أنّه شريك في العمل، و يجوز في التابع ما لا يجوز في4.

ص: 460


1- المهذّب - للشيرازي - 399:1، نهاية المطلب 27:8، حلية العلماء 372:5، العزيز شرح الوجيز 64:6، روضة الطالبين 231:4، المغني 567:5، الشرح الكبير 572:5.
2- راجع: الهامش
3- من ص 459.
4- راجع: العزيز شرح الوجيز 64:6، و روضة الطالبين 231:4.

انفراده(1) ، كالمزارعة على الأرض بين النخيل تجوز عنده و إن لم تجز المزارعة عليها لو انفردت، كما تقدّم(2).

لا يقال: لا يجوز في القراض عنده أن يشترط العامل أن يعمل معه غلام المالك(3).

لأنّا نقول: الفرق: إنّ في المساقاة بعض الأعمال على المالك، و له باعتبار ذلك يد و مداخلة، فجاز أن يشترط فيه عمل غلامه، و في القراض لا عمل على المالك أصلا، فلا يجوز شرط عمل غلامه.

إذا عرفت هذا، فلا فرق عندنا في الجواز بين أن يكون العبد عاملا بالتبعيّة أو بالشركة في العمل.

و الشافعيّة قالوا: إنّما يجوز فيما إذا كان الشرط أن يعاونه و يكون تحت تدبيره، و أمّا إذا شرط أن يكون التدبير إلى الغلام و يعمل العامل برأيه أو أن يعملا ما اتّفق رأيهما عليه، لم يجز بلا خلاف بينهم(4).

إذا ثبت هذا، فلا بدّ من معرفة الغلام بالمشاهدة أو الوصف؛ لاختلاف الأعمال باختلاف الأشخاص.

و يجوز أن يشترط عمل الغلام معه فيما ساقى عليه سيّده و في غيره؛ للأصل.4.

ص: 461


1- في «د، ر»: «في الانفراد» و في «ص»: «مع الانفراد» بدل «في انفراده».
2- في ص 385-386.
3- راجع: الحاوي الكبير 311:7، و المهذّب - للشيرازي - 399:1، و الوسيط 4: 108، و التهذيب - للبغوي - 383:4، و البيان 171:7، و العزيز شرح الوجيز 6: 10، و روضة الطالبين 199:4.
4- العزيز شرح الوجيز 64:6، روضة الطالبين 231:4.

و قال الشافعي: لا يجوز(1).

مسألة 848: نفقة الغلام إن شرطت على العامل جاز

مسألة 848: نفقة الغلام إن شرطت على العامل جاز - و هو أظهر وجهي الشافعيّة، و به قال أحمد و محمّد بن الحسن(2) - لأنّ العمل في المساقاة على العامل، فلا يبعد أن يلتزم مؤونة من يعمل معه و يعاونه، و هو كاستئجار من يعمل معه.

و الثاني: إنّه لا يجوز؛ لما فيه من قطع نفقة الملك عن المالك(3) ، و لا استبعاد فيه مع الشرط.

إذا ثبت هذا، فإن شرطت النفقة على المالك، جاز إجماعا.

و إن أطلق العقد و لم يعيّن النفقة على من هي، فإنّها على المالك أيضا - و به قال الشافعي و أحمد(4) - لأنّه مملوك للمالك، فكانت نفقته عليه عند الإطلاق، كما لو آجره، و لأنّ النفقة عليه بحقّ الملك.

و قال مالك: إنّها على العامل، و لا ينبغي أن يشترطها على ربّ

ص: 462


1- بحر المذهب 248:9، البيان 231:7.
2- الحاوي الكبير 374:7، المهذّب - للشيرازي - 400:1، نهاية المطلب 8: 30، بحر المذهب 249:9، الوجيز 228:1، الوسيط 144:4، حلية العلماء 373:5، التهذيب - للبغوي - 412:4، البيان 231:7، العزيز شرح الوجيز 6: 64، روضة الطالبين 231:4.
3- الوجيز 228:1، الوسيط 144:4، العزيز شرح الوجيز 64:6، روضة الطالبين 231:4.
4- الحاوي الكبير 374:7، المهذّب - للشيرازي - 400:1، نهاية المطلب 8: 30، بحر المذهب 250:9، الوسيط 144:4، حلية العلماء 373:5، التهذيب - للبغوي - 412:4، البيان 231:7-232، العزيز شرح الوجيز 65:6، روضة الطالبين 232:4، المغني 567:5، الشرح الكبير 573:5.

المال؛ لأنّ العمل على العامل، فمؤونته عليه كمؤونة غلمانه(1).

إذا عرفت هذا، فإنّ النفقة إذا شرطت على العامل، فهل يجب تقديرها؟ قال الشافعي و أحمد: لا يشترط، بل يحمل على الوسط المعتاد؛ لأنّه يتسامح بمثل ذلك في المعاملات(2).

و للشافعيّة وجه: إنّه يشترط تقديرها - و به قال محمّد بن الحسن - لأنّه اشترط عليه ما لا يلزمه، فوجب أن يكون معلوما، كسائر الشروط(3).

و ليس بجيّد؛ لأنّه لو وجب تقديرها لوجب ذكر صفاتها، و التالي باطل، فكذا المقدّم.

و أوجب بعض الشافعيّة ذلك، و أنّه يبيّن ما يدفع إليه كلّ يوم من الخبز و الإدام(4).

و لو شرطا نفقة الغلام من الثمار، فالوجه: الجواز؛ عملا بالشرط.

و قال مالك: لا يجوز؛ لأنّ ما يبقى يكون مجهولا(5).2.

ص: 463


1- المدوّنة الكبرى 6:5، التفريع 201:2، الذخيرة 99:6، النوادر و الزيادات 303:7، نهاية المطلب 30:8، بحر المذهب 249:9، الوسيط 144:4، التهذيب - للبغوي - 412:4، العزيز شرح الوجيز 65:6، المغني 568:5، الشرح الكبير 573:5.
2- نهاية المطلب 30:8، بحر المذهب 249:9، التهذيب - للبغوي - 4: 412، البيان 231:7، العزيز شرح الوجيز 64:6-65، روضة الطالبين 4: 231، المغني 568:5، الشرح الكبير 573:5.
3- نهاية المطلب 30:8، بحر المذهب 249:9، التهذيب - للبغوي - 4: 412، البيان 231:7، العزيز شرح الوجيز 64:6-65، روضة الطالبين 4: 231، المغني 568:5، الشرح الكبير 573:5.
4- التهذيب - للبغوي - 412:4، العزيز شرح الوجيز 64:6-65، روضة الطالبين 231:4.
5- هذا القول و التعليل للبغوي في التهذيب 412:4، و عنه في العزيز شرح الوجيز 65:6، و روضة الطالبين 231:4-232.

و قال بعض الشافعيّة: يجوز؛ لأنّه قد يكون ذلك من صلاح المال(1).

و قد توسّط بعضهم فقال: إن شرطاها من جزء معلوم بأن تعاقدا بشرط أن يعمل الغلام على أن يكون ثلث الثمار للمالك و ثلثها للعامل و يصرف الثلث الثالث إلى نفقة الغلام، فهو جائز، و كان كالمشروط للمالك ثلثاها، و إن شرطاها في الثمار من غير تقدير جزء، لم يجز(2).

و المعتمد: الجواز؛ للأصل.

و لو أطلقا و لم يذكرا النفقة على أيّهما هي، فقد بيّنّا أنّها على المالك تبعا للملك.

و لبعض الشافعيّة احتمالان:

أحدهما: إنّها تكون من الثمرة.

و الثاني: إنّه يفسد العقد(3).

و لبعضهم وجه ثالث: إنّها تكون على العامل؛ لأنّ العمل عليه(4).

و ليس للعامل استعمال الغلام في عمل نفسه إذا فرغ من عمل البستان.

و لو شرط للعامل أن يعمل الغلام لخاصّ العامل، فالأقرب: الجواز؛ عملا بالشرط، و لأنّه إذا جاز أن يعمل في المشترك بين العامل و مولاه، جاز أن يختصّ بأحدهما.4.

ص: 464


1- العزيز شرح الوجيز 65:6، روضة الطالبين 232:4.
2- العزيز شرح الوجيز 65:6، روضة الطالبين 232:4.
3- العزيز شرح الوجيز 65:6، روضة الطالبين 232:4.
4- الحاوي الكبير 374:7، المهذّب - للشيرازي - 400:1، بحر المذهب 9: 250، حلية العلماء 373:5، البيان 231:7-232، العزيز شرح الوجيز 6: 65، روضة الطالبين 232:4.

و قال الشافعي: لا يجوز، و يبطل العقد(1).

و ليس بجيّد(2).

و لو كان للمالك غلمان برسم ذلك البستان يعملون فيه، لم يدخلوا في مطلق المساقاة؛ لأنّه ربما يريد تفريغهم لشغل آخر، و به قال الشافعي(3).

و قال مالك: إنّهم يدخلون فيه(4).

و ليس بمعتمد.

و لو شرط العامل على المالك أن يعمل معه غلام المالك، جاز؛ لما تقدّم(5).

و لا فرق بين أن يكون ذلك الغلام مرسوما لعمل هذا الحائط أو لعمل غيره من حوائط صاحبه؛ للأصل، و به قال الشافعي في قوله الذي يجوّز ذلك فيه(6).

و قال مالك: لا يجوز إلاّ الغلام الذي هو مرسوم لهذا الحائط فحسب(7).

مسألة 849: يجوز أن يشترط العامل على المالك استئجار العامل من يعمل معه في الثمرة؛

مسألة 849: يجوز أن يشترط العامل على المالك استئجار العامل من يعمل معه في الثمرة؛ عملا بأصالة الصحّة.

و قال الشافعي: يبطل العقد؛ لأنّ قضيّة المساقاة أن تكون الأعمال

ص: 465


1- البيان 231:7، العزيز شرح الوجيز 65:6، روضة الطالبين 232:4.
2- في النّسخ الخطّيّة: «بشيء» بدل «بجيّد».
3- التهذيب - للبغوي - 412:4، العزيز شرح الوجيز 65:6، روضة الطالبين 4: 232.
4- التهذيب - للبغوي - 413:4، العزيز شرح الوجيز 65:6.
5- في ص 459، المسألة 847.
6- عنه في الخلاف 479:3، المسألة 9.
7- عنه أيضا في الخلاف 479:3، المسألة 9.

و مؤونتها على العامل، و لأنّه لا يدري أنّ الحاصل للعامل كم هو؟ حتى لو شرط له ثلثي الثمرة ليصرف الثلث إلى الأجراء و يخلص الثلث له، فعن القفّال من الشافعيّة أنّه يصحّ، فإذا امتنع شرط الأجرة من الثمرة فأولى أن يمتنع شرط أدائها من سائر أموال المالك(1).

و الوجه عندي: الجواز؛ عملا بالأصل، و لأنّه يجوز لعامل المضاربة اشتراط أجرة ما يحتاج إليه من الحمّالين و نحوهم، فكذا عامل المساقاة؛ لعدم الفرق بينهما.

و قال بعض الشافعيّة: يجوز حتى أنّه لو شرط على المالك أن يستأجر بأجرة على العمل جاز و إن لم يبق للعامل إلاّ الدهقنة و التحذّق في الاستعمال، فإنّ المالك قد لا يهتدي إلى الدهقنة و استعمال الأجراء و لا يجد من يباشر الأعمال أو من لا يأتمنه فتدعوه الحاجة إلى أن يساقي من يعرف ذلك لينوب عنه في الاستعمال(2).

و هو الذي نصّ الشيخ رحمه اللّه عليه(3).

مسألة 850: المساقاة عقد لازم من الطرفين،

مسألة 850: المساقاة عقد لازم من الطرفين، ليس لأحد المتعاقدين فسخها إلاّ بالتقايل و التراضي منهما معا - و هو قول أكثر فقهاء العامّة(4) - لأنّه عقد معاوضة فكان لازما، كالإجارة.

ص: 466


1- بحر المذهب 259:9، التهذيب - للبغوي - 412:4، البيان 232:7، العزيز شرح الوجيز 65:6، روضة الطالبين 232:4.
2- العزيز شرح الوجيز 65:6-66.
3- راجع: المبسوط - للطوسي - 217:3.
4- الحاوي الكبير 360:7، بحر المذهب 239:9، نهاية المطلب 10:8، التهذيب - للبغوي - 413:4، البيان 228:7، روضة الطالبين 236:4، المغني 568:5، الشرح الكبير 564:5.

و لقوله تعالى: أَوْفُوا بِالْعُقُودِ (1) أوجب الإيفاء بكلّّ عقد، و مقتضاه اللزوم؛ إذ لا معنى له سوى ذلك.

و لأنّه لو كان جائزا جاز لربّ المال فسخه إذا أدركت الثمرة، فيسقط حقّ العامل فيتضرّر.

و قال أحمد في إحدى الروايتين: إنّه عقد جائز غير لازم، لكلّ واحد من المالك و العامل فسخه؛ لأنّ ابن عمر قال: إنّ اليهود سألوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أن يقرّهم بخيبر على أن يعملوها و يكون لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله شطر ما يخرج منها من ثمر أو زرع، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: «نقرّكم على ذلك ما شئنا»(2) و لو كان لازما لم يجز بغير تقدير المدّة، و لا أن يجعل الخيرة إليه في مدّة إقرارهم، و لأنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله لم ينقل عنه أنّه قدّر لهم ذلك بمدّة، و لو قدّر لنقل؛ لأنّ هذا ممّا يحتاج إليه، فلا يجوز الإخلال بنقله، و عمر أجلاهم من الأرض و أخرجهم من خيبر، و لو كانت لهم مدّة مقدّرة لم يجز إخراجهم منها، و لأنّه عقد على جزء من نماء المال، فكان جائزا، كالمضاربة، أو على المال بجزء من نمائه، فأشبه المضاربة(3).

و الرواية لا حجّة فيها؛ لأنّها حكاية حال المعاملة و المساومة، و لم يذكر ذلك في متن العقد؛ لأنّه لم ينقل فيه كيفيّة ما وقع العقد عليه، بل لم يذكر سوى السؤال.

و أمّا تقييد المدّة: فقد نقله أهل البيت عليهم السّلام.4.

ص: 467


1- سورة المائدة: 1.
2- صحيح مسلم 4/1187:3.
3- المغني 568:5 و 569، الشرح الكبير 563:5 و 564.

روى الحلبي - في الحسن - عن الصادق عليه السّلام: «القبالة أن تأتي الأرض الخربة فتقبّلها من أهلها عشرين سنة أو أقلّ من ذلك أو أكثر تعمرها و تؤدّي ما خرج عليها» قال: «لا بأس»(1).

و الفرق بين المساقاة و القراض: إنّ العمل في المساقاة يقع في أعيان تبقى بحالها، و في القراض لا تبقى الأعيان بعد العمل و التصرّف، فكان القراض شبيها بالوكالة، و المساقاة بالإجارة.

و أيضا لو كانت من العقود الجائزة لكان للمالك أن يفسخ بعد العمل و قبل ظهور الثمرة، و حينئذ فإمّا أن يقطع حقّ العامل عنها أو لا، و على التقدير الأوّل يضيع سعي العامل مع بقاء تأثيره في الثمار، و هو ضرر، و على التقدير الثاني لم ينتفع المالك بالفسخ، بل يتضرّر؛ لحاجته إلى القيام ببقيّة الأعمال، بخلاف القراض، فإنّ الربح ليس له وقت معلوم، و لا له تأثير بالأعمال السابقة، و لا يلزم من فسخه ما ذكرناه.

مسألة 851: و لا بدّ في عقد المساقاة من تقدير المدّة إمّا سنة أو أقلّ أو أكثر

مسألة 851: و لا بدّ في عقد المساقاة من تقدير المدّة إمّا سنة أو أقلّ أو أكثر، عند علمائنا أجمع - و به قال الشافعي(2) - لأنّها عقد لازم، فلا بدّ من ضبطه بالمدّة، كالإجارة و سائر العقود اللازمة، و لأنّها تقتضي العمل على العين مع بقائها، فوجب فيها تقدير المدّة، كالإجارة، و لأنّها إذا وقعت مطلقة لم يمكن حملها على إطلاقها مع لزومها؛ لأنّه يفضي إلى أنّ العامل

ص: 468


1- تقدّم تخريجه في ص 445، الهامش (1).
2- المهذّب - للشيرازي - 398:1، الحاوي الكبير 362:7، نهاية المطلب 10:8 و 11، بحر المذهب 240:9، الوجيز 226:1، حلية العلماء 368:5، التهذيب - للبغوي - 404:4، البيان 220:7، العزيز شرح الوجيز 51:6 و 66، روضة الطالبين 232:4، المغني 570:5، الشرح الكبير 565:5-566.

يستبدّ بالشجر كلّ مدّته، فيصير كالمالك، فيلزم تصوير من ليس بمالك في صور المالكين، و فيه إضرار بالمالكين، و لأنّ المساقاة مفتقرة إلى مدّة يقع فيها التعهّد و خروج الثمار، و لحصول الثمار غاية معلومة يسهل ضبطها، بخلاف القراض؛ لأنّ التأقيت يخلّ به؛ لأنّ الربح ليس له وقت معلوم، فربما لا يحصل في المدّة المقدّرة، و لأنّ عمل المساقاة مجهول، و إنّما ينضبط بالمدّة لا غير، فاشترط ذكر المدّة فيه ليتعيّن العمل و ينضبط.

و كلّ من قال بأنّ المساقاة عقد لازم أوجب تقدير المدّة، إلاّ أبا ثور؛ فإنّه قال: يصحّ من غير ذكر(1) مدّة، و يقع على سنة واحدة(2) ، و أجازه بعض الكوفيّين استحسانا(3).

مسألة 852: و يجب أن تكون المدّة مضبوطة لينتفي الغرر بجهالتها.

مسألة 852: و يجب أن تكون المدّة مضبوطة لينتفي الغرر بجهالتها. ثمّ إن قيّدت بالأشهر أو السنين العربيّة أو غير العربيّة إذا علماها جاز، و لو أطلقا حمل على العربيّة.

فإن قدّرت بإدراك الثمار، لم يجز على إشكال؛ لأنّ هذا التأقيت غير مضبوط؛ فإنّ الثمار قد تتقدّم و قد تتأخّر، فيجب أن تقيّد بما يضبطها، كالإجارة، و الآجال في العقود، و هو أحد وجهي الشافعيّة.

و الثاني: إنّه يجوز؛ لأنّه المقصود في هذا العقد، ألا ترى أنّه لو أقّت بالزمان، كان الشرط أن يعلم أو يظنّ فيه الإدراك، فإذا تعرّض للمقصود

ص: 469


1- في «ر» و الطبعة الحجريّة: «تقدير» بدل «ذكر».
2- الحاوي الكبير 362:7، حلية العلماء 368:5، المغني 570:5، الشرح الكبير 566:5.
3- المغني 570:5، الشرح الكبير 566:5.

كان أولى، و الأوّل هو الأشهر عندهم(1).

و على القول الثاني لو قال: ساقيتك سنة، و أطلق، فهل يحمل على سنة عربيّة، أو على سنة الإدراك ؟ للشافعيّة وجهان، أصحّهما: الثاني(2).

و على الأوّل - و هو الذي ذهبنا إليه - لو أقّت بالزمان فأدركت الثمرة و بعض المدّة باقية، وجب على العامل أن يعمل في تلك المدّة، و لا أجرة له، و إن انقضت المدّة و على الأشجار طلع أو بلح، فللعامل نصيبه منهما، و على المالك التعهّد إلى الإدراك، قاله الشافعيّة(3).

و الأولى أنّ عليه تعهّد نصيبه خاصّة.

و لو حدث الطلع بعد المدّة، فلا حقّ له.

مسألة 853: قد بيّنّا أنّ المساقاة من العقود اللازمة.

مسألة 853: قد بيّنّا أنّ المساقاة من العقود اللازمة. و قال بعض العامّة: إنّها من العقود الجائزة، و إذا فسخ أحدهما بعد ظهور الثمرة، فهي بينهما على ما شرطاه، و على العامل تمام العمل، كما يلزم المضارب بيع العروض إذا فسخت المضاربة بعد ظهور الربح، و إن فسخ العامل [قبل ذلك](4) فلا شيء له؛ لأنّه رضي بإسقاط حقّه، كعامل المضاربة إذا فسخ قبل ظهور الربح، و عامل الجعالة إذا فسخ قبل إتمام عمله، و إن فسخ ربّ المال قبل ظهور الثمرة، فعليه أجرة المثل للعامل؛ لأنّه منعه من إتمام عمله الذي يستحقّ به العوض، فأشبه ما لو فسخ الجاعل قبل إتمام عمل الجعالة، و فارق ربّ المال في المضاربة إذا فسخها

ص: 470


1- الوسيط 142:4، العزيز شرح الوجيز 66:6، روضة الطالبين 232:4.
2- الوسيط 142:4، العزيز شرح الوجيز 66:6، روضة الطالبين 232:4.
3- العزيز شرح الوجيز 66:6، روضة الطالبين 233:4.
4- ما بين المعقوفين أثبتناه من المصدر.

قبل ظهور الربح؛ لأنّ هذا يفضي إلى ظهور الثمرة غالبا، فلولا الفسخ لظهرت الثمرة فيملك نصيبه منها و قد قطع ذلك بفسخه، فأشبه فسخ الجعالة، بخلاف المضاربة؛ فإنّه لا يعلم إفضاؤها إلى الربح، و لأنّ الثمرة إذا ظهرت في الشجر كان العمل عليها في الابتداء من أسباب ظهورها، و الربح إذا ظهر في المضاربة قد لا يكون للعمل الأوّل فيه أثر أصلا(1).

و هذا كلّه ساقط عندنا؛ لأنّ عقد المساقاة لازم من الطرفين.

نعم، لو اتّفقا على الفسخ، جاء هذا البحث عندنا.

مسألة 854: يجوز تأقيت المساقاة بسنة أو

مسألة 854: يجوز تأقيت المساقاة بسنة أو(2) أكثر،

مسألة 854: يجوز تأقيت المساقاة بسنة أو(2) أكثر، و لا حصر للكثرة عندنا - و هو أحد أقوال الشافعي، كما تقدّم(3) في الإجارة - لما رويناه من الأحاديث، و للأصل، و لقوله تعالى: أَوْفُوا بِالْعُقُودِ (4) و قوله عليه السّلام:

«المؤمنون عند شروطهم»(5).

و الثاني للشافعي: إنّه لا يجوز التأقيت بأكثر من سنة واحدة، كقوله في الإجارة.

و الثالث له: لا يجوز أكثر من ثلاثين سنة، كالإجارة(6).

و كلّ ذلك عندنا تحكّم و توقيت من غير دليل من نصّ أو إجماع أو

ص: 471


1- المغني 568:5-570، الشرح الكبير 563:5 و 565.
2- في «د، ص»: «و» بدل «أو».
3- في ص 218 و ما بعدها، المسألة 674.
4- سورة المائدة: 1.
5- تقدّم تخريجه في ص 40، الهامش (1).
6- العزيز شرح الوجيز 66:6، روضة الطالبين 233:4، و راجع: الهامش (4) من ص 219.

قياس.

و قد تلخّص من قول الشافعي قولان، أحدهما: سنة لا أزيد، و الآخر: أكثر من ذلك، و في الأكثر وجهان، أحدهما: لا يزاد على ثلاثين سنة، و الثاني: قدر ما تبقى العين المستأجرة و لو كان مائة سنة، و المساقاة كالإجارة في ذلك اتّفاقا منهم(1)المغني 571:5، الشرح الكبير 566:5.(2).

و أمّا أقلّ المدّة فيتقدّر بمدّة تظهر الثمرة فيها؛ لأنّ المقصود أن يشتركا في الثمرة.

و هل يشترط تقدير مدّة تكمل فيها الثمرة ؟ قال بعض العامّة: نعم، فلو شرط أقلّ لم يجز(3).

فإن ساقاه على أقلّ ما شرطناه، فسدت المساقاة.

فإن عمل فيها و لم تظهر عندنا أو لم تكمل عند بعض العامّة(4) ، فله أجرة مثله.

و لهم وجه آخر: إنّه لا شيء له؛ لأنّه رضي بالعمل بغير عوض، فهو كالمتبرّع(4).

و ليس بجيّد؛ لأنّه لم يرض بالعمل مجّانا، بل بعوض، و هو جزء من الثمرة، و ذلك موجود، غير أنّه لا يمكن تسليمه إليه، فلمّا تعذّر دفع العوض الذي اتّفقا عليه كان له أجرة مثله، كما في الإجارة الفاسدة، بخلاف المتبرّع، فإنّه رضي بغير شيء.

و على قوله لو لم تظهر الثمرة فلا شيء له على أصحّ الوجهين5.

ص: 472


1- راجع: الهامش
2- من ص 219.
3- المغني 571:5، الشرح الكبير 566:5.
4- المغني 571:5، الشرح الكبير 566:5.

عندهم؛ لأنّه رضي بالعمل بغير عوض(1).

و الوجه: ما قلناه.

و لو ساقاه إلى مدّة تكمل فيها الثمرة غالبا فلم تحمل تلك السنة، فلا شيء للعامل؛ لأنّه عقد صحيح لم يظهر فيه النماء الذي اشترط جزؤه له، فأشبه المضاربة إذا لم يربح فيها، و إن ظهرت الثمرة و لم تكمل، فله نصيبه منها، و عليه إتمام العمل فيها، كما لو انفسخت قبل كمالها.

و لو ساقاه إلى مدّة يحتمل أن يكون للشجرة ثمرة و يحتمل أن لا يكون، لم تصح المساقاة.

و للشافعيّة وجهان:

أحدهما: تصحّ؛ لأنّ الشجرة يحتمل أن تحمل.

و الثاني: لا تصحّ، كالسّلم في مثل ذلك، و لأنّه غرر يمكن التحرّز عنه، فلم يجز العقد معه، كما لو شرط ثمرة نخلة بعينها، بخلاف ما إذا شرط مدّة يغلب على الظنّ الحمل فيها؛ لأنّ الغالب ظهور الحمل، و احتمال أن لا تحمل نادر لا يمكن التحرّز عنه(2).

إذا عرفت هذا، فكلّ موضع قلنا: العقد صحيح، فله حصّته من الثمرة، و إن لم تحمل فلا شيء له، و كلّ موضع قلنا فيه: إنّ العقد فاسد، كان العامل يستحقّ أجرة المثل، سواء حمل أو لم يحمل؛ لأنّه لم يرض5.

ص: 473


1- المغني 571:5، الشرح الكبير 566:5.
2- الحاوي الكبير 385:7-386، المهذّب - للشيرازي - 398:1، نهاية المطلب 57:8، بحر المذهب 260:9، الوسيط 140:4، حلية العلماء 369:5، التهذيب - للبغوي - 404:4، البيان 221:7، العزيز شرح الوجيز 61:6، روضة الطالبين 229:4، المغني 571:5-572، الشرح الكبير 567:5.

بغير عوض، و لم يسلم له العوض، فكان له العوض وجها واحدا.

مسألة 855: لو شرط تأقيت المساقاة بأكثر من سنة واحدة،

مسألة 855: لو شرط تأقيت المساقاة بأكثر من سنة واحدة، جاز - على ما قلناه - بشرط ضبط السنين، و هو قول كلّ من جوّز اشتراط أكثر من سنة، و لا يجب تفصيل حصّة كلّ سنة و بيانها، بل يكفي أن يقول:

ساقيتك مدّة عشر سنين على النصف؛ لاستحقاق النصف في كلّ سنة، و هو أحد قولي الشافعي، و الثاني: إنّه يجب كالإجارة؛ لأنّ الاختلاف في الثمار يكثر و في المنافع يقلّ(1).

و قطع بعض الشافعيّة بالثاني(2).

و لو فاوت بين الجزء المشروط في السنين، لم يضر، و هو أظهر وجهي الشافعيّة.

و لهم وجه آخر: المنع، كما لو أسلم في جنس إلى آجال(3).

و لو ساقاه سنين و شرط له ثمرة سنة بعينها و الأشجار بحيث تثمر كلّ سنة، لم تصح؛ لأنّها ربما لا تثمر تلك السنة، فلا يكون للعامل شيء، أو يحتمل أن لا تثمر إلاّ تلك السنة، فلا يكون للمالك شيء، بخلاف ما لو ساقاه على وديّ عشر سنين و الثمرة لا تتوقّع إلاّ في العاشرة لتكون هي بينهما؛ لأنّه شرط له سهما من جميع الثمرة و لو أنّه أثمر قبل سنة التوقّع

ص: 474


1- الحاوي الكبير 364:7، المهذّب - للشيرازي - 398:1، بحر المذهب 9: 241، حلية العلماء 370:5، التهذيب - للبغوي - 405:4، البيان 223:7، العزيز شرح الوجيز 66:6، روضة الطالبين 233:4.
2- المهذّب - للشيرازي - 398:1، بحر المذهب 341:9، حلية العلماء 370:5، البيان 223:7، العزيز شرح الوجيز 66:6، روضة الطالبين 233:4.
3- بحر المذهب 241:9، البيان 225:7-226، العزيز شرح الوجيز 66:6، روضة الطالبين 233:4.

لم يستحق العامل منها شيئا.

مسألة 856: عقد المساقاة لازم على ما قلناه،

مسألة 856: عقد المساقاة لازم على ما قلناه، و لا يثبت فيه خيار المجلس؛ لأنّ خيار المجلس عندنا مختصّ بالمتبايعين.

و لبعض العامّة وجهان: هذا أحدهما، و الآخر: إنّه يثبت؛ لأنّه عقد لازم يقصد به المال، أشبه البيع(1).

و لا يثبت فيه خيار الشرط عند بعض العامّة؛ لأنّها إن كانت جائزة استغنت عن الخيار، و إن كانت لازمة فوجهان، أحدهما: لا يثبت؛ لأنّها عقد لا يشترط فيه قبض العوض، فلا يثبت فيه خيار الشرط(2).

و الوجه: الجواز؛ لعموم قوله عليه السّلام: «المؤمنون عند شروطهم»(3).

فإذا فسخ صاحب الخيار، كان بمنزلة ما لو اتّفقا على الفسخ، و قد مضى حكمه(4) ، أو كما يقول من يذهب إلى أنّها من العقود الجائزة.

مسألة 857: لا يصحّ بيع الثمرة قبل ظهورها منفردة على ما قلناه في كتاب البيع

(5) مسألة 857: لا يصحّ بيع الثمرة قبل ظهورها منفردة على ما قلناه في كتاب البيع، فإن أريد ذلك توصّل إليه بعقد المساقاة و الإجارة، فيؤجر الأرض المتخلّلة بين النخل مدّة تلك الثمرة تقريبا بالثمن الذي يريد أن يدفعه ثمنا عن الثمرة ثمّ يساقيه على النخل و الشجر مدّة الثمرة إمّا سنة واحدة أو أكثر - على ما يتّفقان عليه - على أنّ مهما سهّله اللّه تعالى في ذلك

ص: 475


1- المهذّب - للشيرازي - 399:1، حلية العلماء 371:5، البيان 228:7، العزيز شرح الوجيز 174:4، روضة الطالبين 103:3، المجموع 178:9، المغني 5: 572.
2- المغني 572:5.
3- تقدّم تخريجه في ص 40، الهامش (1).
4- راجع: ص 470-471، ضمن المسألة 853.
5- راجع: ج 10، ص 345.

من النماء و الفائدة يكون لصاحب النخل جزء من ألف جزء أو من أزيد أو من أقلّ على ما يتراضيان عليه، و الباقي للعامل، و يشترط عليه سقية واحدة في وقت معيّن أو أزيد على ما يتّفقان عليه، فإن أخلّ العامل بالعمل أو بشيء منه، تخيّر المالك بين فسخ المساقاة و البقاء عليها، فإن فسخ كانت الثمرة له و الثمن؛ لأنّه أجرة الأرض.

هذا إذا لم يجعل المساقاة و الإجارة في عقد واحد و لا كانت الإجارة مشروطة بالمساقاة، فإن(1) كانت الحال كذلك و فسخ المالك المساقاة، كان للمستأجر فسخ الإجارة، و عليه من الأجرة بنسبة ما مضى من المدّة إلى حين الفسخ، و إلاّ فلا.

البحث السادس: في الأحكام.

مسألة 858: العامل يملك نصيبه في المساقاة بظهور الثمرة عند علمائنا،

مسألة 858: العامل يملك نصيبه في المساقاة بظهور الثمرة عند علمائنا، فلو تلفت كلّها إلاّ واحدة كانت بينهما.

و للشافعيّة فيه طريقان:

أحدهما: القطع بأنّه يملك بالظهور، كما قلناه - و به قال أحمد - لأنّ الشرط صحيح، فيثبت مقتضاه، كسائر الشروط الصحيحة، و مقتضاه كون الثمرة بينهما على كلّ حال، و لأنّه لو لم يملكها قبل القسمة لما وجبت القسمة و لا ملكها بها، كالأصول.

و الثاني: إنّ فيها قولين، أحدهما: هذا، و الثاني: إنّه لا يملك العامل شيئا من الثمرة إلاّ بعد القسمة، كالعامل في القراض لا يملك حصّته من

ص: 476


1- في الطبعة الحجريّة: «فإذا» بدل «فإن».

الربح بالظهور، بل بالقسمة(1).

و الأصل ممنوع، و الفرق قائم؛ فإنّ الربح في القراض وقاية لرأس المال، فلا يملك العامل شيئا حتى يسلم رأس المال لصاحبه، و الثمرة ليست وقاية للشجرة، و لهذا لو تلفت الأصول كلّها كانت الثمرة بينهما.

إذا تقرّر هذا، فإنّه إذا بلغ نصيب كلّ واحد منهما نصابا وجبت الزكاة عليهما، و إن بلغ نصيب أحدهما خاصّة دون الآخر فكلّ من بلغ نصيبه النصاب وجبت عليه الزكاة، و من لم يبلغ نصيبه الزكاة لم تجب عليه، و لو لم يبلغ نصيب أحدهما الزكاة لم يجب على واحد منهما شيء، سواء بلغ المجموع النصاب أو لا.

و للشافعي قولان:

أحدهما: إنّ الزكاة تجب على المالك خاصّة دون العامل.

و الثاني: إنّه على كلّ واحد منهما.

فإذا قلنا: على ربّ المال و بلغ خمسة أوسق، كان عليه الزكاة، و من أين يخرج ؟ له وجهان، أحدهما: من ماله وحده، و الثاني: من مالهما معا.

و إذا قلنا: تجب عليهما، نظر فإن كان نصيب كلّ واحد منهما نصابا، وجبت الزكاة، و ان لم يبلغ نصيب كلّ واحد منهما نصابا بل بلغ الحقّان نصابا، فهل تجب الزكاة ؟ على القولين له، إن قال: لا خلطة في غير الماشية فلا زكاة، و إن قال: تصحّ الخلطة في غير الماشية، وجبت الزكاة(2).ة.

ص: 477


1- المهذّب - للشيرازي - 400:1، حلية العلماء 373:5، البيان 232:7-233، العزيز شرح الوجيز 51:6، روضة الطالبين 237:4، المغني 576:5، الشرح الكبير 574:5.
2- حكاه عنه الشيخ الطوسي في الخلاف 481:3، المسألة 13 من كتاب المساقاة.
مسألة 859: قد بيّنّا أنّ المزارعة عقد صحيح

مسألة 859: قد بيّنّا أنّ المزارعة عقد صحيح، خلافا للشافعي؛ فإنّه منع إذا كانت الأرض بيضاء لا نخل فيها(1).

فإن كان فيها نخل أو شجر له ثمر، فلا تخلو الأرض من ثلاثة أقسام:

إمّا أن تكون قليلة بين تضاعيف النخل، أو قليلة منفردة عن النخل، أو كثيرة بين تضاعيف النخل.

فإن كانت قليلة بين تضاعيف النخل، جاز أن يساقيه على النخل و يزارعه على الأرض؛ لما رواه العامّة عن ابن عمر أنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله عامل أهل خيبر على النصف ممّا يخرج من ثمر وزرع(2)بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «آتي». و الصحيح ما أثبتناه من المصدر.(3).

و عن ابن عباس قال: افتتح رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله خيبر فاشترط أنّ له الأرض و كلّ صفراء و بيضاء، قال أهل خيبر: نحن أعلم بالأرض منكم فأعطناها و لكم نصف الثمرة و لنا نصف، فزعم أنّه أعطاهم على ذلك، فلمّا كان حين يصرم النخل بعث إليهم عبد اللّه بن رواحة فحزر عليهم النخل فقال: [في ذه](4) كذا و كذا، قالوا: أكثرت علينا يا ابن رواحة، فقال: فأنا [ألي](4) جذاذ النخل و أعطيكم نصف الذي قلت، [قالوا:](5) هذا هو الحقّ،

ص: 478


1- راجع: الهامش (1) من ص 386.
2- تقدّم تخريجه في ص 383، الهامش
3- .
4- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «لي». و الصحيح ما أثبتناه من المصدر.
5- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «قال». و المثبت كما في المصدر.

و به تقوم السماء و الأرض، قد رضينا أن نأخذه بالذي قلت(1).

و قال [أبو](2) الزبير: سمعت جابرا يقول: خرصها ابن رواحة أربعين ألف وسق، و زعم أنّ اليهود لمّا خيّرهم ابن رواحة أخذوا الثمرة و عليهم [عشرون](3) ألف وسق(4).

و من طريق الخاصّة: ما رواه حمّاد بن عثمان و(5) عبيد اللّه الحلبي - في الصحيح - عن الصادق عليه السّلام أنّ أباه حدّثه «أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أعطى خيبر بالنصف أرضها و نخلها، فلمّا أدركت الثمرة بعث عبد اللّه بن رواحة فقوّم عليهم قيمة، فقال: إمّا أن تأخذوه و تعطون نصف الثمرة، و إمّا أن أعطيكم نصف الثمرة و آخذه، فقالوا(6): بهذا قامت السماوات و الأرض»(7).

و لأنّ هذا إذا كان في تضاعيف النخل شرب مشرب النخل، و لأنّ الحاجة تمسّ إليه؛ لعسر الإفراد، فيكون على صاحب المساقاة ضرر؛ إذ تثبت يد أخرى على ما بين ذلك من الأرض، فجازت المزارعة عليه لموضع الحاجة.

ثمّ اعترض عليهم: بأنّه قد كان يمكنه أن يؤاجره الأرض فتزول هذه7.

ص: 479


1- سنن أبي داود 3410/263:3-3412.
2- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «ابن». و المثبت كما في المصدر.
3- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «عشرين». و المثبت كما في المصدر.
4- سنن أبي داود 3415/264:3.
5- في المصدر: «عن» بدل «و».
6- في المصدر و كذا في النّسخ الخطّيّة - ما عدا «ر» - و الحجريّة: «فقال».
7- التهذيب 855/193:7.

الحاجة.

و أجاب أصحابه بجوابين:

أحدهما: إنّ الإجارة فيه غرر؛ لأنّه قد لا تحصل منه فائدة، و تجب عليه الأجرة.

و هذا ليس بشيء؛ لأنّه يلزم عليه الأرض المنفردة؛ لأنّ هذا المعنى موجود فيها و مع هذا لا تجوز المزارعة عليها.

و الثاني: إنّ ذلك إنّما جاز تبعا للنخل، و قد يجوز تبعا ما لا يجوز غير تبع، كما يجوز بيع الثمرة قبل بدوّ الصلاح(1) مع الأصل مطلقا، و لا يجوز إذا أفردها.

ثمّ اعترض على هذا: بأنّه لو كانت تبعا لدخلت في لفظ المساقاة على النخل، كالغراس و البناء يدخل في بيع الأرض.

قلنا: لا يلزم فيما جوّز فيه الغرر لأجل البيع أن يدخل في لفظه، كالثمرة مع الأصول، و لأنّ لفظ المزارعة غير لفظ المساقاة، و لهذا لم يدخل في الإطلاق.

و أيضا إذا دعت الحاجة إلى أن يعقد على البياض مع النخل فلا يحصل ذلك بعقد الإجارة؛ لأنّه إن عقد الإجارة مع المساقاة لم يجز؛ لأنّهما عقدان، و لا يجوز أن يشرط عقد في عقد، و إن أفرد(2) أحدهما لم يحصل الغرض؛ لأنّه قد يمتنع أحدهما عن الآخر، فجوّز عليهما عقد».

ص: 480


1- في «ر»: «صلاحها» بدل «الصلاح».
2- في «ر» و الطبعة الحجريّة: «شرط» بدل «أفرد».

واحد(1).

و هذا كلّه عندنا لا ضرورة إليه؛ لأنّا نجوّز عقد المزارعة و عقد المساقاة، سواء اتّحد العقد أو تعدّد.

و على قولنا و قول الشافعيّة إذا قال: ساقيتك على النخل و زارعتك على الأرض بالنصف، جاز، و إن قال: عاملتك على النخل و الأرض على النصف، جاز؛ لأنّ لفظ المعاملة يشملهما(2).

و يجوز أن يقول: ساقيتك على النصف و زارعتك على الثلث، كما يجوز أن يقول: ساقيتك على النخل على أن يكون لك النصف من النوع الفلاني و الثلث من النوع الفلاني.

فأمّا إذا قال: ساقيتك على النخل و الأرض بالنصف، لم يصح في الأرض؛ لأنّ المساقاة لا تتناولها، و صحّ في النخل.

فإن أفرد بعد ذلك الأرض بالمزارعة، صحّ عندنا.

و للشافعيّة وجهان:

أحدهما: المنع؛ لأنّ المزارعة عنده إنّما تصحّ تبعا للنخل، فإذا أفردها لم تجز، كالثمرة إذا باعها قبل بدوّ الصلاح.

و الثاني: إنّه يجوز؛ لأنّه إنّما جوّزت المزارعة لحاجته إليها، لكونها في تضاعيف النخل، و هذه الحاجة قائمة(3).4.

ص: 481


1- لم نعثر عليه فيما بأيدينا من المصادر.
2- البيان 244:7.
3- الحاوي الكبير 366:7، المهذّب - للشيرازي - 401:1، بحر المذهب 9: 243، حلية العلماء 379:5-380، التهذيب - للبغوي - 406:4، البيان 7: 245، العزيز شرح الوجيز 56:6، روضة الطالبين 245:4.

إذا ثبت هذا، فكلّ موضع جوّزت المزارعة عليه فإنّه يجب أن يكون البذر من ربّ المال، و يكون من العامل العمل عند الشافعي(1) حتى يكون منه العمل في النخل و الأرض، فيكون العقد على العمل خاصّة.

و نحن عندنا أنّه يجوز أن يكون البذر من العامل.

و أمّا إذا كانت الأرض منفردة عن النخل و يمكن إفراد النخل بالسقي فإنّه لا تجوز المزارعة عليها عند الشافعي، سواء كانت الأرض قليلة أو كثيرة؛ لأنّه لا حاجة إليه(2).

و عندنا تجوز المزارعة أيضا.

و أمّا إذا كان البياض الذي بين النخل كثيرا و كان النخل قليلا، جازت المزارعة عندنا مع المساقاة و بدونها.

و للشافعي في المزارعة على البياض مع المساقاة على النخل وجهان:

أحدهما: لا تجوز؛ لأنّ النخيل إذا كان قليلا و الأرض كثيرة لا يمكن أن يجعل الكثير تبعا للقليل، و إنّما يتبع القليل الكثير.

و الثاني: تجوز؛ لأنّه إنّما جازت المزارعة على القليل من الأرض لموضع الحاجة و كونه يشرب بسقي النخل، و ذلك موجود في الكثير فوجب أن تجوز، و إن قلنا: لا تجوز، فإنّه يؤجر الأرض و يساقي على5.

ص: 482


1- التهذيب - للبغوي - 476:4، البيان 241:7، العزيز شرح الوجيز 54:6، روضة الطالبين 242:4.
2- الحاوي الكبير 365:7-366، نهاية المطلب 19:8، بحر المذهب 243:9، التهذيب - للبغوي - 405:4، العزيز شرح الوجيز 56:6، روضة الطالبين 4: 245.

النخل(1).

مسألة 860: شرط الشافعي في جواز المزارعة و المساقاة هنا اتّحاد العامل،

مسألة 860: شرط الشافعي في جواز المزارعة و المساقاة هنا اتّحاد العامل، فلا يجوز أن يساقي واحدا و يزارع آخر؛ لأنّ غرض الاستقلال لا يحصل، و تعذّر إفراد النخيل بالسقي و إفراد البياض بالعمارة؛ لانتفاع النخيل بسقيه و تقليبه، فإن أمكن الإفراد لم تجز المزارعة على البياض(2).

و كلاهما غير شرط عندنا.

ثمّ اختلفت الشافعيّة في اعتبار أمور أخر.

الأوّل: اتّحاد الصفقة، فلفظ المعاملة يشمل المساقاة و المزارعة كما قلنا، فإذا قال: عاملتك على هذه النخيل و البياض بينها بالنصف، صحّ، و لا يغني لفظ المساقاة عن المزارعة، و لا لفظ المزارعة عن المساقاة، بل يساقي على النخيل و يزارع على الأرض.

فإن قدّم المساقاة و أتى بهما على الاتّصال، فالصفقة واحدة، و تحقّق الشرط.

و إن فصل، ففي وجه: تصحّ المزارعة؛ لحصولهما لشخص واحد.

و الأصحّ عندهم: المنع؛ لأنّها تبع، و لا يجوز إفرادها، كما لو زارع مع غير عامل المساقاة.

ص: 483


1- الحاوي الكبير 366:7، المهذّب - للشيرازي - 401:1، نهاية المطلب 19:8 - 20، بحر المذهب 243:9، الوسيط 138:4، حلية العلماء 380:5، التهذيب - للبغوي - 405:4، البيان 245:7، العزيز شرح الوجيز 57:6، روضة الطالبين 245:4.
2- الوسيط 137:4، الوجيز 227:1، العزيز شرح الوجيز 56:6، روضة الطالبين 245:4.

و إن قدّم المزارعة، فسدت عندهم؛ لأنّ التابع لا يتقدّم على المتبوع، كما لو باع بشرط الرهن لا يجوز تقديم لفظ الرهن على البيع.

و فيه وجه آخر لهم: إنّها تنعقد موقوفة إن ساقاه بعدها على النخل ظهر صحّتها، و إلاّ فلا(1).

و كلّ هذا عندنا لا عبرة به؛ لجواز المزارعة مطلقا.

الثاني: لو شرط للعامل من الثمر الثلث و من الزرع الربع، صحّ عندنا.

و أمّا الشافعيّة فأحد الوجهين عندهم: إنّه لا يجوز، و يشترط تساوي الجزء المشروط؛ لأنّ التفضيل يبطل التبعيّة، ألا ترى أنّه لو باع شجرة عليها ثمرة لم يبد صلاحها و قال: بعتك الشجرة [بعشرة](2) و الثمرة بدينار، لم يجز إلاّ بشرط القطع(3).

و أصحّهما عندهم: الجواز، و هذا مذهبنا؛ لأنّ المزارعة تجوز أصلا، و عندهم و إن جازت تبعا للمساقاة فكلّ منهما عقد برأسه(4).

الثالث: لو كثر البياض المتخلّل، فوجهان و إن عسر الإفراد:

أحدهما: المنع؛ لأنّ الأكثر لا يتبع الأقلّ.

و أصحّهما: الجواز؛ لأنّ الحاجة لا تختلف(5).3.

ص: 484


1- العزيز شرح الوجيز 56:6-57، روضة الطالبين 245:4.
2- ما بين المعقوفين أثبتناه من العزيز شرح الوجيز.
3- الحاوي الكبير 366:7، المهذّب - للشيرازي - 401:1، نهاية المطلب 8: 18، بحر المذهب 243:9، الوسيط 138:4، حلية العلماء 380:5، التهذيب - للبغوي - 406:4، البيان 244:7، العزيز شرح الوجيز 57:6، روضة الطالبين 245:4.
4- الحاوي الكبير 366:7، المهذّب - للشيرازي - 401:1، نهاية المطلب 8: 18، بحر المذهب 243:9، الوسيط 138:4، حلية العلماء 380:5، التهذيب - للبغوي - 406:4، البيان 244:7، العزيز شرح الوجيز 57:6، روضة الطالبين 245:4.
5- راجع: الهامش (1) من ص 483.

ثمّ النظر في الكثرة إلى زيادة الثمار و الانتفاع، أو إلى ساحة البياض و ساحة مغارس الأشجار؟ تردّد الشافعيّة فيه(1).

الرابع: لو شرطا(2) كون البذر من العامل، جاز عندنا، و عندهم وجهان:

أحدهما: الجواز، و كانت المخابرة تبعا للمساقاة، كالمزارعة.

و لم يجز في أصحّهما عندهم؛ لأنّ الخبر ورد في المزارعة، و هي أشبه بالمساقاة؛ لأنّه لا يتوظّف فيها على العامل إلاّ العمل(3).

و إن شرطا أن يكون البذر من المالك و الثور من العامل، أو بالعكس، فيه وجهان، و الأصحّ عندهم: الجواز إذا كان البذر مشروطا على المالك؛ لأنّه الأصل، و كأنّه اكترى الأرض و ثوره.

قالوا: فإن حكمنا بالجواز فيما إذا شرط الثور على المالك و البذر على العامل، فينظر إن شرطا الحبّ و التبن بينهما جاز، و كذا لو شرطا الحبّ بينهما و التبن لأحدهما؛ لاشتراكهما في المقصود(4).

و إن شرطا التبن لصاحب الثور - و هو المالك - و الحبّ للآخر، لم يجز عندهم(5) ، و لا بأس به عندنا.

قالوا: المالك هو الأصل، فلا يحرم المقصود(6).

قلنا: يجوز للعامل اشتراط الأكثر، و هو ينقض قولكم.4.

ص: 485


1- العزيز شرح الوجيز 57:6، روضة الطالبين 245:4.
2- في «ر» و الطبعة الحجريّة: «شرط».
3- العزيز شرح الوجيز 57:6، روضة الطالبين 245:4.
4- العزيز شرح الوجيز 57:6، روضة الطالبين 246:4.
5- العزيز شرح الوجيز 57:6، روضة الطالبين 246:4.
6- العزيز شرح الوجيز 57:6، روضة الطالبين 246:4.

و إن شرطا التبن لصاحب البذر و هو العامل، فوجهان(1).

و عندنا يجوز.

و قيل: لا يجوز شرط الحبّ لأحدهما و التبن للآخر أصلا؛ لأنّه شركة مع الانقسام، فأشبه ما إذا ساقاه على الكرم و الأشجار و شرطا ثمار الكرم لأحدهما و ثمار الأشجار للآخر(2).

و الحقّ عندنا: الجواز، و الفرق ظاهر؛ لتعدّد الشجر و الكرم، فجاز أن لا يحمل أحدهما، أمّا التبن و الحبّ فهما من أصل واحد.

مسألة 861: قد بيّنّا بطلان المغارسة،

مسألة 861: قد بيّنّا بطلان المغارسة، و أطلق الشافعيّة القول في المخابرة بوجوب أجرة المثل للأرض(3).

و قال بعضهم: لو دفع أرضا إلى رجل ليغرس أو يبني أو يزرع [فيها](4) من عنده على أن يكون بينهما على النصف، فالحاصل للعامل.

و فيما يلزمه من أجرة الأرض وجهان:

أحدهما: إنّ الواجب نصف الأجرة؛ لأنّ نصف الغراس كان يغرسه لربّ الأرض بإذنه، فكأنّه رضي ببطلان نصف منفعته من الأرض.

و أصحّهما: وجوب الجميع؛ لأنّه لم يرض ببطلان المنفعة إلاّ إذا حصل له نصف الغراس، فإذا لم يحصل و انصرف كلّ المنفعة إلى العامل استحقّ كلّ الأجرة(5).

ص: 486


1- العزيز شرح الوجيز 57:6، روضة الطالبين 246:4.
2- العزيز شرح الوجيز 57:6، روضة الطالبين 246:4.
3- العزيز شرح الوجيز 57:6، روضة الطالبين 246:4.
4- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «فيه». و المثبت هو الصحيح.
5- العزيز شرح الوجيز 58:6، روضة الطالبين 246:4.

و هذا الأخير هو الأصحّ عندنا.

ثمّ العامل يكلّف نقل البناء و الغراس إن لم تنقص قيمتها، و إن نقصت لم تقلع مجّانا؛ للإذن، و الزرع يبقى إلى الحصاد.

و لو زرع عامل المساقاة البياض بين النخل من غير عقد و لا إذن، قلع زرعه مجّانا - و به قال الشافعي(1) - لقوله عليه السّلام: «ليس لعرق ظالم حقّ»(2)العزيز شرح الوجيز 58:6.(3).

و قال مالك: إن كان دون ثلث البستان، كان باقيا(3).

و قد بيّنّا أنّه تجوز المساقاة على كلّ شجر له ثمر.

و للشافعيّة قولان تقدّما(4) ، أحدهما: إنّه لا تجوز إلاّ على النخل و الكرم خاصّة(5).

و هل تجوز المساقاة على غيرهما تبعا لهما كالمزارعة ؟ وجهان عندهم(6).

مسألة 862: لو استأجره المالك ليعمل على النخل بجزء من الثمرة،

مسألة 862: لو استأجره المالك ليعمل على النخل بجزء من الثمرة، فإن كانت لم تخلق بعد لم يجز؛ لأنّ عوض الإجارة يشترط فيه ما يشترط في عوض البيع، فلا يجوز على المعدوم و لا المجهول، بخلاف المساقاة، فإنّها جوّزت للحاجة، و العوض مختصّ بالعمل عليها، و لو جاز أن يكون عوضا في الإجارة لجاز أن يكون عوضا في العمل على غيرها.

و إن كانت الثمرة موجودة، فإن كان قبل بدوّ الصلاح جاز أن يكون

ص: 487


1- العزيز شرح الوجيز 58:6، روضة الطالبين 246:4.
2- تقدّم تخريجه في ص 199، الهامش
3- .
4- في ص 422، المسألة 815.
5- راجع: الهامش (3) من ص 422.
6- العزيز شرح الوجيز 58:6، روضة الطالبين 246:4.

جميعها عوضا بشرط القطع، و لا يجوز مطلقا، و لا بشرط التبقية عند بعض علمائنا(1) ، و هم المانعون من بيع الثمرة قبل بدوّ الصلاح بشرط التبقية منفردة، و هو قول الشافعي(2) أيضا.

و نحن لمّا سوّغنا البيع سوّغنا الإجارة.

و إن كان العوض بعضها، جاز.

و منع منه الشافعيّة؛ لأنّ الشركة تمنع من شرط القلع فيه(3).

و هو ممنوع، مع منع الأصل أيضا.

و إن كان بعد بدوّ الصلاح، جاز أن يكون عوضا من غير شرط القلع، كما يجوز بيعها.

و كذا يجوز أن يكون بعضها عوضا إذا أطلق، فإن شرط القطع جاز عندنا.

و منع منه الشافعيّة؛ لأنّ الإشاعة تمنعه(4) ، و هو ممنوع.

مسألة 863: إذا هرب العامل قبل تمام العمل، لم تنفسخ المساقاة؛

مسألة 863: إذا هرب العامل قبل تمام العمل، لم تنفسخ المساقاة؛ لأنّه لا يملك فسخها بقوله، فلا تنفسخ بهربه.

ثمّ إن تبرّع المالك بالعمل أو بمؤونته، بقي استحقاق العامل بحاله، و إلاّ رفع الأمر إلى الحاكم و يثبت عنده المساقاة لينفذ الحاكم في طلبه، فإن وجده أجبره على العمل، و إن لم يجده و وجد له مالا اكترى منه من يعمل في النخل؛ لأنّ العمل مستحقّ عليه، و ان لم يجد له مالا أنفق على النخل من بيت المال قرضا عليه، فإن لم يكن في بيت المال، أو كان هناك ما هو

ص: 488


1- المبسوط - للطوسي - 209:3.
2- العزيز شرح الوجيز 68:6، روضة الطالبين 234:4.
3- العزيز شرح الوجيز 68:6، روضة الطالبين 234:4.
4- العزيز شرح الوجيز 68:6، روضة الطالبين 234:4.

أهمّ منه، استقرض عليه الحاكم، فإن لم يجد من يقرض طلب ذلك من ربّ النخل، فإن أقرضه استقرض منه عليه، و أنفق(1) عليها، و إن لم يقرضه و وجد من يستأجره للعمل بأجرة مؤجّلة إلى وقت تدرك فيه الثمرة، فعل، و إن لم يجد، نظر فإن لم يكن ظهرت الثمرة فللمالك فسخ المساقاة.

و قال بعض الشافعيّة: لا يفسخ، لكن يطلب الحاكم من يساقي عن العامل فيه فربما فضل للعامل فيه فضلة(2).

و ليس بصحيح؛ لأنّ المساقاة إنّما تكون بين صاحب الأصول و العامل، فأمّا بين عامل و عامل آخر فلا، و لأنّه قد تعذّر استيفاء المعقود عليه، فأشبه ما إذا أبق العبد قبل القبض.

و إن كانت الثمرة ظاهرة، فإن كان قد بدا صلاحها عند من اشترطه أو لم يبد عندنا، باع من نصيب العامل ما يحتاج إليه لأجرة ما بقي من العمل، و استأجر من يعمل ذلك، و إن احتاج إلى بيع نصيب العامل بأسره، باعه.

و إن لم يبد صلاحها، فعند من اشترط بدوّ الصلاح لا يمكن بيع نصيب العامل من غير الشريك؛ لأنّ البيع فيها لا يجوز إلاّ بشرط القطع، و لا يمكن ذلك مع الإشاعة، فإن رضي ربّ المال ببيع الكلّ باعه، و حفظ نصيب المساقي الحاكم عليه.

و إن اشترى ربّ النخل نصيب العامل أو بعضه، فإن احتيج إلى بيع البعض، فللشافعيّة وجهان؛ لأنّه صاحب الأصول، فإن امتنع عن الشراء،4.

ص: 489


1- في «ر، ص» و الطبعة الحجريّة: «ينفق» بدل «أنفق».
2- الحاوي الكبير 381:7-382، البيان 235:7، العزيز شرح الوجيز 72:6، روضة الطالبين 238:4.

قلنا: لا حكم لك عندنا فانصرف(1).

هذا إذا رفعه إلى الحاكم، و أمّا إذا لم يرفعه إلى الحاكم لكن أنفق عليه من ماله، فإن كان قادرا على الحاكم فقد تطوّع بما فعل، و لا يرجع به.

و إن لم يكن حاكم، فإن لم يشهد على الإنفاق أو أشهد و لم يشترط الرجوع، لم يرجع به.

و إن أشهد على الإنفاق و شرط الرجوع به، فأصحّ وجهي الشافعيّة: إنّه يرجع؛ لأنّه مضطرّ إلى ذلك، فصار كما لو رفعه إلى الحاكم و فعله الحاكم(2).

و لو تعذّر الإشهاد، نوى الرجوع و رجع.

و الأقرب: قبول قوله مع اليمين؛ لأنّ الأصل أنّ الإنسان لا يتبرّع بعمل يحصل فيه غرامة عن الغير.

و كذا التفصيل لو عمل المالك بنفسه في نصيب العامل.

و للشافعيّة في الرجوع مع تعذّر الإشهاد وجهان(3).

و لهم وجه آخر: إنّه يرجع مطلقا، سواء تعذّر الإشهاد أو الحاكم أو أمكنا(4).

و لو أشهد، فأصحّ الوجهين عندهم: إنّه يرجع للضرورة، كما قلنا، و الثاني: إنّه لا يرجع، و إلاّ صار حاكما لنفسه على غيره(5).

قال بعض الشافعيّة: الوجهان في الرجوع إذا لم يمكنه الإشهاد قريبان من الوجهين فيما إذا أشهد للعجز عن الحاكم للعذر و الضرورة(6).

لكن الذي رجّحه جمهورهم أنّه إذا لم يشهد لم يرجع من غير فرق4.

ص: 490


1- البيان 235:7-236، العزيز شرح الوجيز 72:6، روضة الطالبين 238:4.
2- البيان 236:7، العزيز شرح الوجيز 71:6، روضة الطالبين 237:4.
3- العزيز شرح الوجيز 71:6، روضة الطالبين 237:4.
4- العزيز شرح الوجيز 71:6، روضة الطالبين 237:4.
5- العزيز شرح الوجيز 71:6، روضة الطالبين 237:4.
6- العزيز شرح الوجيز 71:6، روضة الطالبين 237:4.

بين الإمكان و عدم الإمكان؛ لأنّ عدم إمكان الشهود نادر لا يعتدّ به(1).

و إذا أشهد فينبغي أن يشهد على العمل و الاستئجار و بذل الأجرة بشرط الرجوع، فأمّا الإشهاد على العمل و الاستئجار من غير التعرّض للرجوع فإنّه كترك الإشهاد عند بعض الشافعيّة(2).

مسألة 864: يجوز أن يولّي الحاكم المالك الإنفاق عن العامل فيما يحتاج الاستئجار إليه من السقي و الرفق و جميع ما وجب على العامل،

مسألة 864: يجوز أن يولّي الحاكم المالك الإنفاق عن العامل فيما يحتاج الاستئجار إليه من السقي و الرفق و جميع ما وجب على العامل، و أن يأمره بالإنفاق ليرجع، كما يجوز أن يولّي غيره، و هو أحد وجهي الشافعيّة.

و الثاني لهم: المنع؛ لأنّه متّهم في حقّ نفسه، بل يسلّم المالك المال الذي ينفقه عن العامل إلى الحاكم ليأمر غيره بالإنفاق(3).

و ليس بشيء؛ لأنّ التهمة قد توجد في الغير، كما توجد في المالك، و مناط الجواز في الإذن للأجنبيّ و المالك الثقة بالمأذون له فيه.

و لو استأجره الحاكم لباقي العمل، صحّ عندنا - و هو أحد وجهي الشافعيّة(4) - كما يجوز استئجار الغير، و الثاني: لا يجوز؛ بناء على ما لو آجره داره ثمّ اكتراها من المكتري(5).

مسألة 865: إذا هرب العامل قبل ظهور الثمرة و فسخ المالك لتعذّر الاستئجار عن العامل،

مسألة 865: إذا هرب العامل قبل ظهور الثمرة و فسخ المالك لتعذّر الاستئجار عن العامل، كان للعامل أجرة مثل ما عمل، و لا توزّع الثمار على أجرة مثل جميع العمل، فإنّ الثمار ليست معلومة عند العقد حتى يقتضي العقد التوزيع فيها.

ص: 491


1- العزيز شرح الوجيز 71:6، روضة الطالبين 237:4.
2- العزيز شرح الوجيز 71:6، روضة الطالبين 237:4.
3- العزيز شرح الوجيز 72:6، روضة الطالبين 237:4.
4- العزيز شرح الوجيز 72:6، روضة الطالبين 237:4-238.
5- العزيز شرح الوجيز 72:6، روضة الطالبين 237:4-238.

و لو جاء أجنبيّ و قال للمالك: لا تفسخ لأعمل بالنيابة عن العامل، قال بعض الشافعيّة: لم يلزم المالك الإجابة؛ لأنّه قد لا يأتمنه و لا يرضى بدخوله ملكه. نعم، لو عمل نيابة عن العامل من غير شعور المالك حتى حصلت الثمار سلّم للعامل نصيبه منها و كان الأجنبيّ متبرّعا عليه(1).

و الوجه: إنّه ليس للمالك الفسخ مع وجود المتبرّع؛ لأنّه بمنزلة ما لو وجد للعامل مال يستأجر منه في العمل، أو وجد من يقرض، حتى لا يجوز للمالك الفسخ هنا كما لا يجوز له هناك.

تذنيب: لو عجز العامل عن العمل لمرض و شبهه من حبس و غيره، فهو كما لو هرب، و الحكم فيهما واحد.

مسألة 866: الموت لا يبطل المساقاة

مسألة 866: الموت لا يبطل المساقاة، سواء كان الميّت المالك أو العامل أو هما معا؛ لأنّها عقد لازم كالإجارة و البيع.

فإن مات المالك، قام العامل بالعمل المشروط عليه و استمرّ على شغله، و يقاسم الورثة فيأخذ نصيبه من الثمرة.

فإن مات العامل، فلا يخلو إمّا أن تكون المساقاة واردة على عين العامل أو في الذمّة.

فإن كانت واردة على العين، انفسخت بموته، كما تنفسخ الإجارة بموت الأجير المعيّن.

و إن كانت في الذمّة، لم تنفسخ، كما لا تنفسخ الإجارة؛ لأصالة البقاء، و للاستصحاب، و هو أصحّ وجهي الشافعيّة.

و لهم وجه آخر: إنّها تنفسخ؛ لأنّ المالك ربما لا يرضى بيد غيره

ص: 492


1- العزيز شرح الوجيز 72:6، روضة الطالبين 238:4.

و تصرّفه(1).

و الحقّ ما قلناه.

فإذا ثبت ما قلناه من أنّها لا تنفسخ، فإنّ لوارثه أن يقوم مقام العامل في العمل مكانه، و ليس للمالك منعه منه و لا إجباره عليه لو امتنع الوارث من العمل - و هو أصحّ وجهي الشافعيّة(2) - لأصالة البراءة.

و قال بعضهم - و هو محكيّ عن مالك -: إنّه يجبر؛ لأنّ الوارث يقوم مقام مورّثه(3).

و هو خطأ؛ لأنّ الوارث لا يلزمه حقّ لزم المورّث إلاّ ما كان يمكنه دفعه من ماله، و هذا العمل ليس بمال المورّث، فلا يجب على الوارث، كما لا يؤدّي الحقوق عنه من مال نفسه، و لأنّ منافع الوارث خالص حقّه، و إنّما يجبر على توفية ما على المورّث من تركته.

فإن خلّف العامل تركة، تمّم الوارث العمل بأن يستأجر منها من يعمل، و إلاّ فلا.

فإن أتمّ العمل بنفسه أو استأجر من مال نفسه من يتمّ العمل، وجب على المالك تمكينه إذا كان أمينا عارفا بأعمال المساقاة، و يسلّم له المشروط.

و لو امتنع الوارث من الاستئجار من التركة و من العمل بنفسه، استأجر الحاكم.4.

ص: 493


1- العزيز شرح الوجيز 73:6، روضة الطالبين 239:4.
2- بحر المذهب 257:9، البيان 237:7، العزيز شرح الوجيز 73:6، روضة الطالبين 239:4.
3- بحر المذهب 257:9، البيان 237:7، العزيز شرح الوجيز 73:6، روضة الطالبين 239:4.

فإن لم يخلّف تركة، لم يستقرض الحاكم على الميّت، بخلاف الحيّ إذا هرب؛ لأنّه لا ذمّة للميّت.

و مهما لم يتمّ العمل فالقول في ثبوت الفسخ و في الشركة و فصل الأمر إذا خرجت الثمار كما في الهرب، و النظر في ذلك إلى الحاكم كما كان هناك.

تذنيب: منع بعض الشافعيّة من المساقاة الواردة على العين؛ لأنّ فيه تضييقا(1).

و ليس بشيء؛ لأنّه يجيء في الإجارة مثله مع جوازها.

مسألة 867: لو لم تثمر الأشجار أصلا أو تلفت الثمار كلّها بجائحة أو غصب،

مسألة 867: لو لم تثمر الأشجار أصلا أو تلفت الثمار كلّها بجائحة أو غصب، وجب على العامل إتمام العمل و إن تضرّر به، كما أنّ عامل القراض يكلّف إنضاض المال و إن ظهر الخسران و لم يصل إليه شيء سوى التعب.

و فيه إشكال؛ للفرق، فإنّ المباشر للبيع و الشراء في القراض العامل، فكان عليه إنضاض المال، بخلاف العامل في المساقاة.

و يحتمل انفساخ العقد لو تلفت الثمار بأسرها.

و لو فرض ارتدادها بعد تمام العمل و تكامل الثمار، وجب الإتمام قطعا.

و لو هلك بعض الثمرة، وجب على العامل إتمام العمل و أخذ النصيب من الموجود على قدره.

ص: 494


1- الوسيط 148:4، العزيز شرح الوجيز 73:6، روضة الطالبين 239:4، و فيها تردّد في ذلك.

و قال بعض الشافعيّة: يتخيّر العامل بين أن يفسخ العقد و لا شيء له، و بين أن يجيز و يتمّ العمل و يأخذ نصيبه ممّا بقي(1).

و الوجه: الأوّل.

مسألة 868: العامل أمين، و القول قوله فيما يدّعيه من هلاك و ما يدّعى عليه من خيانة؛

مسألة 868: العامل أمين، و القول قوله فيما يدّعيه من هلاك و ما يدّعى عليه من خيانة؛ لأنّ ربّ المال ائتمنه بدفع ماله إليه، فهو كالمضارب، فإن اتّهمه حلف العامل؛ لأصالة البراءة.

فإن ادّعى المالك عليه خيانة أو سرقة في الثمار أو السعف و الأغصان، أو أتلف أو فرّط بتلف، لم تسمع دعواه حتى يحرّرها، فإذا حرّرها و بيّن قدر ما خان فيه و أنكر العامل، وجب على مالك النخيل البيّنة، فإن لم تكن له بيّنة، فالقول قول العامل مع يمينه، فإن حلف سقطت الدعوى.

و إن ثبتت عليه السرقة بالبيّنة أو باعترافه أو بيمين المالك مع نكوله أو ردّ اليمين عليه، لم تزل يده عنه، بل يضمّ المالك إليه من يحفظ عليه حصّة المالك، و لا ترفع يد العامل عن حصّته من الربح، و للمالك رفع يده(2) عن حصّة المالك - و به قال أصحاب مالك(3) - لأنّ فسقه لا يمنع استيفاء المنافع المقصودة منه، و إذا لم يتعذّر ذلك لم يجب فسخ المساقاة، كما لو فسق بغير السرقة.

و قال المزني: يستأجر عليه من يعمل معه(4).

ص: 495


1- العزيز شرح الوجيز 74:6، روضة الطالبين 239:4.
2- أي: يد العامل.
3- الإشراف على نكت مسائل الخلاف 1135/649:2، المغني و الشرح الكبير 5: 574، بحر المذهب 256:9.
4- الحاوي الكبير 382:7، بحر المذهب 256:9، البيان 233:7، العزيز شرح الوجيز 74:6.

و قال في موضع آخر: يضمّ إليه أمين يشرف عليه، و به قال مالك(1).

و اختلفت الشافعيّة، فبعضهم جعلهما قولين، و الأكثرون نزّلوهما على حالين: إن أمكن حفظه بضمّ مشرف إليه قنع به، و إن لم يمكن أزيلت يده بالكلّيّة، و استؤجر عليه من يعمل عنه، و لا يكون ذلك على سبيل الفسخ للمساقاة، بل يقال: إذا لم يمكن حفظها من خيانتك أقم غيرك يعمل بذلك، و ارفع يدك عنها؛ لأنّ الأمانة قد تعذّرت في حقّه، فلا يلزم ربّ المال أن يأتمنه عليها(2).

و ليس بمعتمد.

إذا عرفت هذا، فعلى قولنا: «إنّ المالك يرفع يد العامل عن حصّة المالك، و يقيم غيره في حصّته» فإنّ أجرة المقام عوضا على المالك، و كذا لو ضمّ المالك إليه أمينا يحفظ نصيبه كان أجرته على المالك خاصّة، و على قول الشافعيّة: «يرفع يده و الاستئجار عليه من يعمل عنه» تكون الأجرة من مال العامل؛ لأنّ العمل مستحقّ عليه.

و أمّا أجرة المشرف عليه المضموم إليه إن قلنا: إنّه لا ترفع يده، بل يضمّ الحاكم إليه أمينا، فالمشهور عندهم: إنّها على العامل أيضا، كأجرة الأجير عندهم(3).

و قال بعضهم: إنّ ذلك مبنيّ على أنّ مؤونة الحفظ على العامل، فإنّ0.

ص: 496


1- الحاوي الكبير 382:7، نهاية المطلب 45:8، بحر المذهب 256:9، البيان 233:7، العزيز شرح الوجيز 74:6.
2- نهاية المطلب 45:8، بحر المذهب 256:9، التهذيب - للبغوي - 414:4، البيان 233:7-234، العزيز شرح الوجيز 74:6، روضة الطالبين 239:4.
3- العزيز شرح الوجيز 74:6، روضة الطالبين 239:4-240.

المقصود من ضمّ المشرف إليه الحفظ، أمّا إذا قلنا: إنّ الحفظ عليهما، فكذلك أجرة المشرف(1).

و ليس بجيّد.

و قال بعضهم: إنّ أجرة المشرف على العامل إن ثبتت خيانته بإقرار أو بيّنة، و إلاّ فعلى المالك(2) ، فسوّى بين البيّنة و الإقرار.

و يشكل على قولهم بأنّ العامل يجب أن يستقلّ باليد؛ لأنّه إذا لم تثبت خيانته كيف يكون على المالك أجرة ضمّ المشرف إليه!؟ فإنّه ينبغي على أصولهم أن لا يتمكّن المالك من ضمّ المشرف إليه؛ لأنّه يبطل استقلال يد العامل.

مسألة 869: إذا سلّم إلى العامل نخلا مساقاة يعمل فيه فجاء رجل فادّعاه و أقام البيّنة أنّه له،

مسألة 869: إذا سلّم إلى العامل نخلا مساقاة يعمل فيه فجاء رجل فادّعاه و أقام البيّنة أنّه له، فإن كانت الثمرة باقية بحالها أخذها المالك مع النخل؛ لأنّها نماء ملكه، و لا حقّ فيها للعامل؛ لبطلان المساقاة، و لا يستحقّ في الثمرة شيئا، و لا أجرة له على صاحب النخل؛ لأنّه عمل فيه بغير إذنه، و له الأجرة على الغاصب الذي عامله؛ لأنّه استعمله فيها، كما إذا غصب نقرة و استأجر رجلا فضربها [دراهم](3) كانت المضروبة للمغصوب منه، و الأجرة على الغاصب.

لا يقال: لم لا تسقط أجرته كما قلتم لو سرقت الثمرة أو هلكت ؟

لأنّا نقول: إذا كان العقد صحيحا فالذي استحقّه جزء من الثمرة، فإذا هلك فلا شيء له، و أمّا في المتنازع فالذي استحقّ الأجرة فإنّه لا يملك من

ص: 497


1- العزيز شرح الوجيز 74:6، روضة الطالبين 240:4.
2- الوسيط 148:4، العزيز شرح الوجيز 75:6، روضة الطالبين 240:4.
3- ما بين المعقوفين أثبتناه من العزيز شرح الوجيز 75:6.

الثمرة شيئا، و لا تسقط الأجرة بذهاب الثمرة، مع أنّ الثمرة لم تهلك هنا، و إنّما عادت إلى صاحبها.

إذا عرفت هذا، فإن كانت الثمرة بحالها أخذها المالك، و إن جفّفاها و نقصت القيمة بالتجفيف استحقّ الأرش أيضا، و يرجع العامل على الغاصب بالأجرة كما قلناه، و هو قول أكثر الشافعيّة(1).

و قال بعضهم: ليس للعامل أن يرجع على الغاصب بشيء ألبتّة، و لا أجرة له؛ تخريجا على قولي الغرور؛ لأنّه هو الذي أتلف منفعة نفسه، و تشبيها لفوات الثمار بالاستحقاق بفواتها في المساقاة الصحيحة بجائحة(2).

و قد بيّنّا بطلانه.

و إن كانا قد اقتسما الثمار و استهلكاها و لزمهما الضمان، تخيّر المالك بين الرجوع على من شاء منهما، فإن رجع على الغاصب كان له أن يرجع بالكلّ؛ لأنّه ضامن لجميع الثمرة حيث كان ضامنا للأصول بالتعدّي، فإذا رجع عليه بالجميع رجع الغاصب على العامل بنصف الثمرة التي استهلكت؛ لأنّه أخذه عوضا في معاوضة، فأشبه الشراء من الغاصب و قد تلف في يده فاستقرّ الضمان عليه.

و قال بعض الشافعيّة: لا يرجع على العامل، و بنى المسألة على ما إذا أطعم الغاصب المالك الطعام المغصوب منه، فجعل القرار على الغاصب في نصيب العامل أيضا(3).

لكن المشهور الأوّل، و للعامل أجرة المثل على الغاصب.4.

ص: 498


1- العزيز شرح الوجيز 75:6، روضة الطالبين 240:4.
2- الوسيط 148:4، العزيز شرح الوجيز 75:6، روضة الطالبين 240:4.
3- العزيز شرح الوجيز 75:6، روضة الطالبين 240:4.

و على هذا الوجه للشافعيّة ينبغي أن تسقط أجرته؛ لحصول العوض له.

و إن رجع المالك على الغاصب بالنصف الذي هو قدر نصيبه و رجع على العامل بالنصف قدر نصيبه، جاز، و رجع العامل على الغاصب بأجرة مثله لا غير.

و إن رجع على العامل، رجع عليه بنصيبه الذي استهلكه إجماعا، و يرجع العامل على الغاصب بالأجرة.

و هل للمالك الرجوع على العامل بالجميع ؟ الأقرب ذلك؛ لأنّ يده قد ثبتت على الكلّ قاصدة بغير حقّ، فكان عليه الضمان - و هو أظهر قولي الشافعيّة(1) - كما يطالب عامل القراض إذا خرج مال القراض مستحقّا، و كما يطالب المودع من الغاصب.

و الثاني: إنّه لا يطالب بنصيب الغاصب؛ لأنّ العامل لا تثبت يده على الثمرة بالعمل، و إنّما هو مراع لها و حافظ و نائب عن الغاصب، فلا يضمن إلاّ ما حصل في يده(2).

فعلى هذا لو تلفت الثمرة بأسرها بغير فعله قبل القسمة أو غصبت، لم يضمن؛ لأنّ يده لم تثبت عليه مقصودة، بخلاف المودع، بل يد [العامل](3) مستدامة حكما، و هو نائب في الحفظ و العمل، كأجير يعمل في حديقة.

و على الأوّل لو تلفت جميع الثمرة بغير فعله، كان ضامنا.

إذا ثبت هذا، فإن قلنا: يضمن النصف - و هو قول بعض علمائنا(4) -3.

ص: 499


1- العزيز شرح الوجيز 75:6، روضة الطالبين 240:4.
2- العزيز شرح الوجيز 75:6، روضة الطالبين 240:4.
3- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «العاقد». و الظاهر ما أثبتناه.
4- المبسوط - للطوسي - 217:3.

رجع المستحقّ على الغاصب بالنصف، و رجع العامل عليه بأجرة مثله، دون ما غرمه؛ لأنّه غرم ما أتلف، و إن قلنا: يرجع عليه بالكلّ، فرجع، كان للعامل أن يرجع على الغاصب بنصف الثمرة التي أتلفها و بأجرة مثله.

هذا إذا كان العامل جاهلا، و إن كان عالما لم يكن له الرجوع إلاّ بما أخذه الغاصب منه، و ضمنه للمالك.

و لو تلف شيء من أصول الأشجار، ففيه الوجهان.

و إذا قلنا بأنّ العامل مطالب بنصيب الغاصب، فإذا غرمه ففي رجوعه على الغاصب الخلاف المذكور في رجوع المودع، و الظاهر أنّه يرجع.

مسألة 870: إذا أثمرت النخيل في يد العامل و اختلفا في الجزء المشروط للعامل،

مسألة 870: إذا أثمرت النخيل في يد العامل و اختلفا في الجزء المشروط للعامل، فقال المالك: شرطت لك الثلث، و قال العامل: بل شرطت لي النصف، فالقول قول المالك مع يمينه و عدم البيّنة، عند علمائنا - و به قال أحمد(1) - لأنّ الثمرة للمالك، لأنّها نماء أصله، و إنّما تثبت للعامل بالشرط، فإذا ادّعى شرطا فعليه البيّنة، فإذا عدمها فعلى المالك اليمين.

و قال الشافعي: يتحالفان؛ لأنّهما اختلفا في القدر الذي شرطاه، فوجب أن يتحالفا، كالمتبايعين قبل القبض، و المساقاة قبل العمل(2).

و الأصل ممنوع عندنا، بل القول قول المالك مطلقا، و أمّا البيع فقد

ص: 500


1- المغني 575:5، الشرح الكبير 561:5، العزيز شرح الوجيز 76:6.
2- مختصر المزني: 126، الحاوي الكبير 386:7، المهذّب - للشيرازي - 400:1، نهاية المطلب 59:8، بحر المذهب 260:9، التهذيب - للبغوي - 416:4، البيان 239:7، العزيز شرح الوجيز 176:6، روضة الطالبين 240:4، الإشراف على نكت مسائل الخلاف 1137/649:2، عيون المجالس 1795:4-1261/1796، بداية المجتهد 250:2، المغني 575:5، الشرح الكبير 561:5.

بيّنّا الحكم فيه في بابه(1).

و قال مالك: إذا اختلفا بعد العمل، فالقول قول العامل إذا أتى بما يثبته؛ لأنّ العامل أقوى سببا بتسليم الحائط و العمل فيه كما قاله في المتبايعين إذا اختلفا بعد القبض كان القول قول المشتري(2).

و الأصل ممنوع.

إذا ثبت هذا، فالقول قول المالك عندنا، سواء كان قبل ظهور الثمرة أو بعدها.

و كذلك إذا اختلفا فيما تناولته المساقاة من النخيل، فالقول قول المالك مع يمينه عندنا.

و قالت الشافعيّة: يتحالفان(3).

و ليس بجيّد.

فإن نكل أحدهما، حلف الآخر، و ثبت ما قاله.

و لو أقام أحدهما بيّنة، حكم بها إجماعا.

و لو أقاما بيّنتين، حكم عندنا ببيّنة العامل؛ لأنّه المدّعي.

و قالت الشافعيّة: تتعارضان، و فيها قولان:

أحدهما: تسقطان، فتكون كأنّه لم تكن لواحد منهما بيّنة.5.

ص: 501


1- راجع: ج 12 - من هذا الكتاب - ص 83، المسألة 600.
2- الإشراف على نكت مسائل الخلاف 1137/649:2، و 952/573، عيون المجالس 1795:4-1261/1796، بداية المجتهد 250:2 و 192، البيان 239:7، و 5: 330، العزيز شرح الوجيز 76:6، و 376:4، المغني 575:5، و 288:4، الشرح الكبير 561:5، و 118:4.
3- المغني 575:5، الشرح الكبير 561:5.

و الثاني: تستعملان، و في الاستعمال ثلاثة أقوال:

أحدها: يقسّم بينهما.

و الثاني: يوقف الأمر حتى يصطلحا.

و الثالث: يقرع، و لا يوقف هنا و لا يقسّم؛ لأنّ العقد لا تدخله القسمة، لأنّه لا يتبعّض، فلم يبق إلاّ القرعة، فمن خرجت قرعته قدّمنا بيّنته(1).

مسألة 871: قد بيّنّا أنّ القول قول المالك مع اليمين و عدم البيّنة،

مسألة 871: قد بيّنّا أنّ القول قول المالك مع اليمين و عدم البيّنة، و عند الشافعيّة يتحالفان و يتفاسخان(2) ، فإن كان قبل العمل فلا شيء للعامل؛ لأنّ العقد قد بطل و لم يعمل العامل شيئا، و إن كان بعده فللعامل أجرة مثل عمله.

و قد بيّنّا أنّهما إذا أقاما بيّنتين حكم ببيّنة العامل، و عند الشافعيّة تتعارضان و يقرع، و لا تتأتّى القسمة عندهم؛ لأنّ العقد لا يقبل القسمة و الخلاف فيه(3).

و قال بعضهم: يقسّم في القدر المختلف فيه(4).

و لو ساقاه الشريكان في البستان ثمّ قال العامل: شرطتما لي نصف الثمار، فصدّقه أحدهما، و قال الآخر: بل شرطنا الثلث، فنصيب المصدّق

ص: 502


1- الحاوي الكبير 386:7، نهاية المطلب 59:8، بحر المذهب 261:9، التهذيب - للبغوي - 416:4، البيان 239:7، العزيز شرح الوجيز 76:6، روضة الطالبين 240:4.
2- راجع: الهامش (2) من ص 500.
3- راجع: الهامش (1).
4- بحر المذهب 261:9، التهذيب - للبغوي - 416:4، البيان 239:7، العزيز شرح الوجيز 76:6، روضة الطالبين 240:4.

مقسوم بينه و بين العامل، و في نصيب المكذّب الحكم بالتحالف عند الشافعيّة(1) ، و عندنا القول قول المالك، و عند مالك: القول قول العامل(2).

و لو شهد المصدّق للمكذّب أو للعامل، لم تقبل شهادته؛ لأنّه شريك لهما، و لا تقبل شهادة الشريك لشريكه.

و قالت الشافعيّة: تقبل شهادته؛ لأنّه لا يجرّ به نفعا، و لا يدفع ضررا(3).

و لو اختلفا في ردّ شيء من المال أو هلاكه، فالأقرب: تقديم قول المالك في الأوّل و العامل في الثاني.

مسألة 872: تجوز قسمة الثمار على الأشجار عندنا بالخرص و التراضي،

فإذا بدا صلاح الثمرة، فإن رضي المالك بأمانة العامل أبقاها في يده إلى وقت الإدراك فيقتسمان حينئذ - و به قال الشافعيّة إن جوّزوا قسمة الثمرة على الشجرة(4) - أو يبيع أحدهما نصيبه من الثاني، أو يبيعان من ثالث.

و إن لم يثق به و أراد تضمينه التمر أو الزبيب، جاز؛ لأنّ الخرص عندنا جائز؛ لما رواه محمّد بن مسلم عن الباقر أو الصادق عليهما السّلام، قال:

سألته عن الرجل يمضي ما خرص عليه في النخل ؟ قال: «نعم» قلت:

ص: 503


1- مختصر المزني: 126، الحاوي الكبير 387:7، نهاية المطلب 60:8، التهذيب - للبغوي - 416:4، البيان 240:7، العزيز شرح الوجيز 76:6، روضة الطالبين 240:4-241.
2- راجع: الهامش (2) من ص 501.
3- نهاية المطلب 60:8، التهذيب - للبغوي - 416:4، العزيز شرح الوجيز 6: 76، روضة الطالبين 241:4.
4- العزيز شرح الوجيز 76:6، روضة الطالبين 241:4.

أ رأيت إن كان أفضل ممّا خرص عليه الخارص أيجزئه ذلك ؟ قال: «نعم»(1).

و الشافعيّة بنوه على أنّ الخرص هل هو عبرة أو تضمين ؟ إن جعلناه تضمينا، فالأصحّ جوازه، كما في الزكاة، و قد روي عن النبي صلّى اللّه عليه و آله أنّه خرص على أهل خيبر(2)(3).

و قال بعضهم: لا يجوز؛ لأنّه بيع الرطب بالتمر مع تأخير أحد العوضين، و يخالف الزكاة؛ لأنّها مبنيّة على المسامحة، و كذا قضيّة خيبر؛ لأنّه يتسامح في معاملة الكفّار بما لا يتسامح في غيرها(4).

و يجري الخلاف فيما لو أراد العامل تضمين المالك بالخرص(5).

إذا عرفت هذا، فإنّه يشترط في الخرص السلامة من الآفات السماويّة و الأرضيّة.

مسألة 873: إذا انقطع ماء البستان و أمكن ردّه، وجب على المالك ردّه

مسألة 873: إذا انقطع ماء البستان و أمكن ردّه، وجب على المالك ردّه و السعي فيه - و هو أحد وجهي الشافعيّة(6) - لأنّ العامل لا يتمكّن من العمل إلاّ به، فكان بمنزلة من استأجر أجيرا لقصارة ثوب بعينه يكلّف تسليمه إليه.

و الثاني لهم: لا يكلّف كما لا يجبر أحد الشريكين على العمارة، و كما لا يجبر المؤجر على عمارة الدار المستأجرة(7).

و ليس بجيّد.

ص: 504


1- التهذيب 905/205:7.
2- سنن أبي داود 3410/263:3، السنن الكبرى - للبيهقي - 115:6، الطبقات الكبرى - لابن سعد - 526:3.
3- العزيز شرح الوجيز 76:6-77، روضة الطالبين 241:4.
4- العزيز شرح الوجيز 77:6، روضة الطالبين 241:4.
5- العزيز شرح الوجيز 77:6، روضة الطالبين 241:4.
6- العزيز شرح الوجيز 77:6، روضة الطالبين 241:4.
7- العزيز شرح الوجيز 77:6، روضة الطالبين 241:4.

و على ما اخترناه لو لم يسع المالك في ردّه، لزمه للعامل أجرة عمله.

و لو لم يمكن ردّ الماء، فهو (بمنزلة ما)(1) لو تلفت الثمار بالجائحة.

تذنيب: كلّ ما يسقط من أجزاء النخل من السعف و الليف يختصّ بها المالك، و ما يتبع الثمرة فهو بينهما، كالشماريخ على إشكال.

مسألة 874: إذا دفع بهيمة إلى غيره ليعمل عليها و مهما رزق اللّه تعالى فهو بينهما،

مسألة 874: إذا دفع بهيمة إلى غيره ليعمل عليها و مهما رزق اللّه تعالى فهو بينهما، فالعقد فاسد؛ لأنّ البهيمة يمكن إجارتها، فلا حاجة إلى عقد آخر عليها يتضمّن الغرر.

و لو قال: تعهّد هذه الأغنام على أن يكون درّها و نسلها بيننا، فكذلك؛ لأنّ النماء لا يحصل بعمله.

و لو قال: اعلف هذه من عندك و لك النصف من درّها، ففعل، وجب بدل العلف على مالك الشياه، و جميع الدرّ لصاحب الشياه، و القدر المشروط من الدرّ لصاحب العلف مضمون في يده؛ لحصوله بحكم بيع فاسد، و الشاة غير مضمونة؛ لأنّها غير مقابلة بالعوض.

و لو قال: خذ هذه الشاة و اعلفها لتسمن و لك نصفها، ففعل، فالقدر المشروط منها لصاحب العلف مضمون عليه، دون الباقي.

مسألة 875: لا يجوز للعامل أن يعامل غيره في البستان الذي عومل

مسألة 875: لا يجوز للعامل أن يعامل غيره في البستان الذي عومل عليه - و به قال أبو يوسف و أبو ثور و أحمد(2) - لأنّه عامل في المال بجزء

ص: 505


1- بدل ما بين القوسين في «ر»: «كما».
2- الإشراف على مذاهب أهل العلم 84:2-85، المغني 578:5، الشرح الكبير 577:5.

من نمائه، فلم يجز أن يعامل غيره فيه، كالمضارب، و لأنّه إنّما أذن له خاصّة و استأمنه دون غيره، فلم يجز أن يعامل غيره، كالوكيل.

و قال مالك: يجوز إن جاء برجل أمين(1).

و قال بعض الشافعيّة: إن كانت المساقاة في الذمّة، فللعامل أن يعامل غيره لينوب عنه، ثمّ إن شرط له من الثمار مثل ما شرط المالك له أو دونه فذاك، و إن شرط له أكثر من ذلك فعلى الخلاف في تفريق الصفقة، إن جوّزناه وجب للزيادة أجرة المثل، و إن لم نجوّزه فللجميع.

و إن كانت المساقاة على عينه، لم يكن له أن يستنيب و يعامل غيره، فلو فعل انفسخت المساقاة بتركه العمل، و كانت الثمار كلّها للمالك، و لا شيء للعامل الأوّل، و أمّا العامل الثاني فإن كان عالما بفساد العقد فلا شيء له، و إلاّ استحقّ أجرة المثل(2).

و المعتمد ما قلناه.

مسألة 876: تصحّ المساقاة على ما يشرب من النخل بعلا أو عذيا،

مسألة 876: تصحّ المساقاة على ما يشرب من النخل بعلا أو عذيا، كما تجوز فيما يحتاج إلى سقي - و به قال مالك(3) ، و لا نعرف فيه مخالفا عند من يجوّز المساقاة - لأنّ الحاجة تدعو إلى المعاملة في ذلك كدعائها إلى المعاملة فيما يحتاج إلى السقي، فكان جائزا كغيره؛ لوجود العلّة فيهما معا.

و لو عجز العامل عن العمل لضعفه، ضمّ إليه غيره، و لا ينتزع من

ص: 506


1- المدوّنة الكبرى 8:5، الإشراف على مذاهب أهل العلم 84:2، المغني 5: 578، الشرح الكبير 577:5.
2- العزيز شرح الوجيز 77:6-78، روضة الطالبين 242:4.
3- الذخيرة 118:6، المغني 564:5، الشرح الكبير 563:5.

يده؛ لأنّ العمل مستحقّ عليه، و لا ضرر في بقاء يده عليه.

و لو عجز بالكلّيّة أقيم مقامه من يعمل.

و الأجرة في الموضعين على العامل؛ لأنّ عليه توفية العمل، و هذا من توفيته.

مسألة 877: يكره أن يشرط أحدهما لنفسه مع الحصّة شيئا من ذهب أو فضّة

مسألة 877: يكره أن يشرط أحدهما لنفسه مع الحصّة شيئا من ذهب أو فضّة، فإن شرط ذلك وجب الوفاء به مع سلامة الثمرة، فلو تلفت بآفة من اللّه تعالى لم يلزم الشرط.

و منع العامّة جواز ذلك، و أبطلوا المساقاة؛ لأنّه ربما لم يحدث من النماء ما يساوي تلك الدراهم فيتضرّر ربّ المال، و لهذا منعوا من اشتراط أقفزة معلومة في المزارعة(1).

و لو شرط له دراهم مفردة عن الجزء، لم يجز عندهم(2).

و لو جعل له ثمرة سنة غير السنة [التي ساقاه فيها أو ثمر شجر غير الشجر الذي ساقاه عليه، أو شرط عليه عملا في غير الشجر الذي ساقاه عليه أو عملا في غير السنة](3) فسد العقد، سواء جعل ذلك كلّ حقّه أو بعضه، أو جميع العمل أو بعضه؛ لأنّه يخالف موضوع المساقاة؛ إذ موضوعها أن يعمل في شجر بجزء مشاع من ثمرته في ذلك الوقت الذي يستحقّ عليه فيه العمل.

و لو ساقاه سنتين و شرط له الحصّة في كلّ واحدة منهما، جاز، سواء

ص: 507


1- المغني 577:5-578، الشرح الكبير 576:5.
2- المغني 578:5.
3- ما بين المعقوفين أثبتناه من المغني 578:5، و الشرح الكبير 576:5.

اتّفقت السنتان أو اختلفت.

و لو شرط له نماء إحدى السنتين و للآخر الأخرى، لم يجز؛ لإمكان انفراد كلّ واحد منهما بجميع الحاصل بأن تحمل سنة و تحيل أخرى، أمّا لو كانت مدّة كلّ واحد منهما تبعد الحيلولة فيها، فالأقوى: الجواز(1) ، كما لو ساقاه عشر سنين، للمالك كلّ ثمرة الستّ الأولى، و للعامل كلّ ثمرة الأربع الأخيرة، فالأقرب: الجواز؛ لأنّ حيلولة النخل في كلّ واحدة من المدّتين بأسرها لا تقع بالعادة.

و لو كان النخل يسيرا في أرض كثيرة فزارعه على تلك الأرض و شرط العامل ثمرة النخلات اليسيرة له، جاز عندنا، و به قال مالك(2).

و قال الشافعي و أحمد و ابن المنذر: لا يجوز؛ لأنّه اشترط الثمرة بأجمعها فلم يجز(3).

و ليس بجيّد؛ لأنّا فرضنا العقد مزارعة لا مساقاة.

و شرط مالك أن يكون النخل بقدر الثلث أو أقلّ(4).

و ليس بمعتمد، بل يجوز عندنا و إن كثر النخل.

و كذا لو ساقاه على النخل و شرط له الانتفاع بالأرض بأجمعها، جاز عندنا.

و لو آجره بياض الأرض و ساقاه على النخل الذي فيها في عقد7.

ص: 508


1- في النّسخ الخطّيّة: «فالأقرب: الجواز». و الظاهر زيادتها، حيث يكرّرها المؤلّف فيما سيأتي.
2- الإشراف على مذاهب أهل العلم 77:2، المغني 589:5، الشرح الكبير 5: 587.
3- الإشراف على مذاهب أهل العلم 77:2، المغني 589:5، الشرح الكبير 5: 587.
4- الإشراف على مذاهب أهل العلم 77:2، المغني 589:5، الشرح الكبير 5: 587.

واحد، جاز عندنا؛ لأنّهما عقدان يجوز إفراد كلّ واحد منهما عن صاحبه، فجاز الجمع بينهما، كالبيع و الإجارة.

و منع منه بعض العامّة؛ بناء على الوجه الذي منعوا فيه من الجمع بين البيع و الإجارة في عقد واحد(1).

و اعلم أنّه لا فرق عندنا في الجواز بين أن يفعل حيلة و توصّلا إلى شراء الثمرة قبل وجودها أو قبل بدوّ صلاحها أو لا.

و منع أحمد إذا كان حيلة، سواء جمع بين العقدين أو عقد أحدهما بعد الآخر؛ لأنّ الحيل كلّها باطلة(2).

تذنيب: الخراج على النخل الذي في الأرض الخراجيّة على المالك دون العامل؛ لأنّه يجب على الأصول، سواء أثمرت أو لم تثمر، و لو شرطه المالك على العامل(3) أو عليهما معا، جاز.».

ص: 509


1- المغني 589:5، الشرح الكبير 587:5.
2- المغني 589:5، الشرح الكبير 587:5.
3- في «د، ص»: «عليه» بدل «على العامل».

ص: 510

فهرس الموضوعات

المقصد السابع: في الإجارة الفصل الأوّل: الماهيّة

ماهية الإجارة 5

استعمال لفظي الإجارة و الاكتراء في عقدهما 5

جواز عقد الإجارة 6

الفصل الثاني: في الأركان الركن الأوّل: المتعاقدان

شرائط المؤجر و المستأجر 11

1 و 2: البلوغ و العقل 11

3 و 4: كون المؤجر أو المستأجر مختارا و قاصدا 11

5: ارتفاع الحجر عن العاقد 11

6: كون المؤجر مالكا للمنفعة التي وقعت الإجارة عليها أو وكيلا له أو وليّا عليه 11

حكم إجارة العين المستأجرة من غير المؤجر 12

حكم إجارة العين المستأجرة من غير المؤجر أو منه قبل القبض 13

حكم إجارة العين المستأجرة بعد قبضها من المؤجر 14

ص: 511

حكم إجارة المؤجر ما استأجره بأزيد ممّا استأجره و بأقلّ و بالمساوي 14

تذنيب: عدم جواز إجارة المسكن و لا الخان و لا الأجير بأكثر ممّا استأجره إلاّ في موارد خاصّة 16

تذنيب آخر: حكم إجارة ما لو استعار شيئا ليؤجره 17

فيما لو تقبّل عملا يعمله جاز أن يقبّله غيره بأقلّ من ذلك 17

الركن الثاني: الصيغة

العبارة الصريحة عن الإيجاب و القبول في عقد الإجارة 18

هل الإجارة نوع بيع ؟ 18

هل المعقود عليه في الإجارة المنافع دون العين أو هي العين ليستوفى منها المنفعة ؟ 19

حكم ما لو أضاف الإجارة إلى المنافع بأن قال: آجرتك منافع هذه الدار 20

الركن الثالث: الأجرة

اشتراط ماليّة الأجرة و معلوميّتها 21

فيما إذا كانت الأجرة من المكيل أو الموزون وجب علم مقدارها بهما 22

هل تكفي المشاهدة كصبرة من الطعام مشاهدة ؟ 22

انقسام الإجارة إلى واردة على العين و إلى واردة على الذمّة 23

فيما إذا عقد الإجارة على منفعة دار معيّنة إلى مدّة فهل يملك المستأجر المنافع المعقود عليها إلى المدّة بالعقد؟ 23

فيما إذا أطلقت الأجرة في عقد الإجارة فهل تكون معجّلة و يملكها المؤجر بنفس العقد؟ 24

عدم وجوب تسليم الأجرة في مجلس عقد الإجارة إذا كان واردا على العين 29

جواز الاستبدال للأجرة و شرط التأجيل و التنجيم فيما إذا كان عقد الإجارة واردا على الذمّة 29

ص: 512

حكم ما لو استأجر رجلا لسلخ بهيمة مذكّاة بجلدها 29

فساد الإجارة فيما لو استأجر رجلا لطرح ميتة بجلدها 30

فيما لو استأجر راعيا لرعي غنمه بثلث درّها و نسلها و صوفها... لم يجز 30

فيما لو دفع إليه بقرة أو فرسا أو بهيمة على أن يعلفها و يحفظها و ما ولدت من ولد بينهما لم يجز 30

كلّ ما جاز كونه ثمنا في البيع جاز كونه عوضا في الإجارة 31

جواز الاستئجار بقدر معلوم من الحنطة أو الشعير مضبوط 32

عدم جواز الاستئجار بأرطال من الخبز 33

فيما لو آجر الدار بعمارتها و الدابّة بعلفها و الأرض بخراجها و مؤونتها لم يجز 33

حكم ما لو آجره الدار بدراهم معلومة على أن يعمرها أو يصرفها إلى العمارة 33

حكم ما لو استأجر أجيرا بطعامه و كسوته 33

عدم الفرق في استئجار الأجير بالنفقة و الكسوة و يطلقها أو يجعلهما جزءا من الأجرة 36

فيما إذا استأجر أجيرا و لم يشرط طعاما و لا كسوة فنفقته و كسوته على نفسه 37

عدم صحّة الإجارة فيما لو استأجر دابّة بعلفها أو بدراهم معيّنة و شرط علفها و لم يعيّن 37

فيما لو استأجر أجيرا بطعامه و نفقته فاستغنى الأجير عن طعام المستأجر أو عجز عن الأكل لم تسقط نفقته 38

فيما لو احتاج الأجير إلى دواء لمرضه لم يلزم المستأجر ذلك 38

حكم ما إذا أحبّ الأجير أن يستفضل بعض طعامه لنفسه 38

حكم ما لو قدّم المستأجر إلى الأجير طعاما فنهب أو تلف قبل أكله 39

حكم ما لو سلّم إليه ثوبا و قال: إن خطته اليوم فلك درهم و إن خطته غدا فنصف درهم 39

حكم الإجارة فيما إذا استأجره لخياطة ثوب و قال: إن خطته روميّا فلك درهمان و إن خطته فارسيّا فلك درهم 41

ص: 513

فيما لو استأجره ليحمل له متاعا إلى موضع معيّن بأجرة معيّنة في وقت بعينه فإن قصر عنه نقص من أجرته شيئا جاز 42

فيما إذا تعاقدا الإجارة و شرطا تأجيل الأجرة و قد تغيّر النقد وقت حلول الأجل فالاعتبار بنقد يوم العقد 43

جواز كون الأجرة في الإجارة الواردة على الذمّة حالّة و مؤجّلة بأجل معيّن 44

حكم ما لو استأجر بلفظ السّلم 44

عدم جواز استئجار السلاّخ بالجلد و الطحّان لطحن الحنطة بالنخالة 45

حكم ما لو استأجر الطحّان ليطحن الحنطة بثلث دقيقها أو بصاع منها أو المرضعة بجزء من الرقيق الرضيع بعد الفطام و 45

الركن الرابع: المنفعة

شروط المنفعة 47

1: كون المنفعة متقوّمة 47

جواز استئجار كلّ ما يمكن الانتفاع به مع بقاء عينه منفعة محلّلة مقصودة 47

عدم جواز استئجار الأطعمة لتزيين الحوانيت بها 49

عدم جواز عقد الإجارة على النخل و الشجر لاستيفاء ثمرتها 49

حكم استئجار الأشجار لشدّ الحبل فيها لتعليق الثياب عليه أو تجفيفها عليه أو لربط الدوابّ فيها أو الوقوف في ظلّها 49

جواز استئجار الحبل ليعلّق عليه الثياب 50

حكم استئجار الببغاء للاستئناس أو كلّ ما يستأنس بلونه 50

جواز الاسئجار للدلالة و السمسرة على الأقمشة و غيرها 50

هل يجوز استئجار البيّاع على كلمة البيع أو على كلمة تروّج بها السلعة و لا تعب فيها؟ 50

عدم جواز استئجار الديك للإيقاظ وقت الصلاة 51

عدم جواز إجارة سباع البهائم و الطير التي لا تصلح للاصطياد بها 51

ص: 514

جواز استئجار كلّ حيوان يمكن الانتفاع به من غير إتلاف 51

عدم جواز استئجار ما لا منفعة فيه محلّلة مقصودة في نظر الشرع 52

حكم استئجار كلب الصيد و الماشية و الزرع و الحائط 52

شمول عقد الإجارة لبعض الأعيان كالحمّام 52

جواز استئجار بركة أو أرض لحبس الماء فيها حتّى يجتمع السمك فيأخذه 53

جواز استئجار الظئر: المرضعة 53

ما يستحقّ باستئجار الظئر منفعة و عين 53

فيما يتناوله عقد الإجارة في استئجار الظئر 53

تعريف الحضانة 54

جواز استئجار المرأة للرضاع و الحضانة معا و للحضانة دون الرضاع 54

حكم استئجار المرأة للرضاع خاصّة دون الحضانة 54

فيما إذا أطلق العقد على الرضاع فهل تدخل الحضانة تحته ؟ 55

فيما يشترط في عقد إجارة الظئر 55

حكم إجارة الفحل للضراب 56

فيما ينبغي أن يوقع عليه عقد إجارة الفحل للضراب 57

هل يصحّ استئجار بئر الماء لأخذ الماء منها؟ 58

2: القدرة على تسليمها 59

عدم جواز استئجار الآبق و لا المغصوب من غير الغاصب 59

عدم جواز استئجار الأخرس للتعليم و الأعمى لإبصار المتاع 59

عدم جواز استئجار من لا يحفظ القرآن لتعليمه و من لا يعرف الصنعة لتعليمها 59

حكم ما لو وسّع عليه وقتا يقدر فيه على التعلّم و التعليم 59

حكم استئجار الآبق فيما لو تمكّن المستأجر من تحصيله 60

جواز إجارة المغصوب للغاصب أو القادر على تخليصه 60

أقسام الأراضي بالنسبة إلى القدرة على الماء و أحكام إجارتها 60

ص: 515

حكم استئجار أرض للزراعة بعد ما علاها الماء و انحسر عنها أو قبل أن يعلو الماء عليها أو بعد ما علاها الماء و لم ينحسر 62

حكم ما إذا كان يرجى انحسار الماء وقت الزراعة 62

حكم استئجار الأرض التي كانت على شطّ نهر و الظاهر منها أنّها تغرق و تنهار في الماء 64

جواز استئجار الأرض التي لها ماء معلوم للزراعة مع شربها منه أو دونه أو إطلاق العقد 65

حكم ما إذا استأجر أرضا يمنع استئجارها للزراعة 65

حكم إجارة ما لا ينتفع به في الحال و يصير منتفعا به في المدّة 66

هل يجب اتّصال مدّة الإجارة بالعقد؟ 66

حكم ما إذا آجر داره سنة من زيد ثمّ آجرها منه أو من غيره السنة الثانية قبل انقضاء السنة الأولى 68

حكم ما إذا آجر داره من زيد سنة و آجرها زيد من عمرو ثمّ آجرها المالك من زيد أو من عمرو السنة الثانية قبل انقضاء الأولى 69

حكم إجارة الدار أو الحانوت أو غيرهما شهرا على أن ينتفع بها الأيّام دون الليالي 69

حكم إجارة الدابّة إلى موضع ليركبها المالك زمانا ثمّ المكتري زمانا 70

حكم ما لو آجر دابّته من المكتري ليركب بعض الطريق و يمشي في البعض أو آجرها من اثنين ليركب هذا زمانا و هذا مثله 70

حكم ما إذا استأجرا عقبة و كان في الطريق عادة مضبوطة أو لم تكن 72

حكم ما إذا استأجر اثنان جملا يركبانه عقبة و تشاحّا 73

حكم ما إذا اختلفا في من يبدأ بالركوب 73

حكم ما لو آجرهما الدابّة و لم يتعرّض للتعاقب 73

حكم إجارة المشاع 73

ص: 516

فيما يشترط في معرفة الراكبين 74

هل يكتفى بالوصف في معرفة المحامل ؟ 75

عدم صحّة عقد الاستئجار لقلع سنّ صحيحة أو قطع يد صحيحة 75

حكم استئجار الحائض لكنس المسجد و فرشه و خدمته 75

عدم جواز الاستئجار لتعليم التوراة و الإنجيل و كتب الضلال و السحر و الشعبذة 76

عدم جواز الاستئجار على تعليم الفحش و السبّ لمن لا يجوز 76

عدم جواز الاستئجار على ختان الصغير و قطع السّلع التي لا يؤمن معها الموت 76

جواز قلع السنّ الوجعة بشرط صعوبة الألم و قول أهل المعرفة: إنّ قلعها مزيل له 76

حكم قطع اليد المتآكلة إذا كان قطعها نافعا و لا يخاف التلف معه 76

جواز الاستئجار على قلع السنّ و قطع اليد في موضع الجواز، و عدمه في موضع المنع 77

بطلان عقد الإجارة من حين تجدّد تعذّر تسليم المنفعة 78

عدم انفساخ الإجارة فيما لو استأجر امرأة لكنس المسجد و كانت الإجارة واردة على الذمّة 78

انفساخ الإجارة فيما لو استأجر لقلع السنّ الوجعة فارتفع الوجع و برئ 78

فيما إذا سلّم الأجير نفسه و مضت مدّة يمكن فيها قلع الضرس و امتنع المستأجر من قلعه يجب دفع الأجرة إلى الأجير 78

في الإشارة إلى جواز الاستئجار للرضاع و أنّ المعقود عليه هل هو اللبن أو الخدمة ؟ 78

هل يجوز للرجل استئجار زوجته الحرّة لإرضاع ولده منها؟ 79

جواز استئجار الرجل ابنته و أخته و أمّه و سائر أقاربه لإرضاع ولده 81

جواز استئجار الأجنبيّ زوجة الغير لإرضاع ولده و غير الإرضاع 81

حكم ما لو أجرت الحرّة نفسها للإرضاع و لا زوج لها ثمّ تزوّجت في المدّة 82

حكم ما لو أجر أمته للإرضاع ثمّ زوّجها بعد ذلك 82

ص: 517

هل لوليّ الطفل الذي استأجر تلك الأمة لإرضاعه منع الزوج من وطئها؟ 82

ليس للسيّد إجارة مكاتبته و المعتق بعضها للرضاع و غيره 83

عدم جواز إجارة المرضع نفسها لإرضاع طفل غير الأوّل 83

عدم جواز إجارة السيّد جاريته لإرضاع طفل آخر غير الأوّل إلاّ مع كثرة اللبن 83

فيما لو لم ترضع الطفل المؤجرة نفسها للرضاع لم يكن لها أجر 83

فيما لو دفعت المؤجرة نفسها للرضاع الطفل إلى خادمها لترضعه فهل لها أجر؟ 83

فيما إذا ماتت المرضعة أو مات الطفل فهل تنفسخ الإجارة ؟ 84

عدم بطلان الإجارة فيما لو ما المستأجر للرضاع 85

تذنيب: فيما قاله أحمد بن حنبل من استحباب إعطاء المرضعة عند الفطام عبدا 85

3: اشتراط كون المنفعة حاصلة للمستأجر 86

عدم صحّة الاستئجار على القربة التي لا تدخلها النيابة 86

جواز الاستئجار على ما تدخله النيابة 86

كراهة أخذ الأجر على تعليم القرآن و جواز أخذ الهديّة فيه و الهبة عليه 87

عدم جواز الاستئجار على الجهاد إن وجب على الأعيان 88

عدم جواز الاستئجار على الأذان و شبهه من شعائر الإسلام 88

عدم جواز أخذ الأجرة على إمامة الصلاة المفروضة 89

عدم جواز أخذ الأجرة على القضاء بين الناس 90

4: كون المنفعة محلّلة 90

عدم جواز عقد الإجارة على منفعة محرّمة 90

عدم جواز استئجار كاتب ليكتب له غناء و نوحا بالباطل 91

عدم جواز الاستئجار على كتابة شعر محرّم أو بدعة و 91

عدم جواز الاستئجار على حمل الخمر لمن يشربها أو يبيعها أو حمل خنزير و لا ميتة لمن يأكلها 91

جواز الاستئجار على نقل الميتة من الدار إلى المزبلة و الخمر للإراقة 91

ص: 518

جواز استئجار ناطور لحفظ كرم النصراني 92

عدم جواز إجارة المسكن لحرز الخمر فيه لغير التخليل أو الدكّان لبيع آلة محرّمة فيه 92

حكم استئجار الحائط المزوّق للتنزّه 92

حكم إجارة الدار لمن يتّخذها كنيسة أو بيعة أو يبيع فيها الخمر 92

حكم ما لو استأجره ليحمل له خمرا من موضع إلى آخر 93

حكم ما لو استأجر الذمّي دارا لمسلم يعلم أنّه يبيع فيها الخمر 94

حكم ما لو آجر المسلم بيته لمسلم يعلم أنّه يعمل فيه خمرا أو نبيذا أو فقّاعا 94

كراهة إجارة الإنسان نفسه لعمل الصنائع الدنيئة 94

5: العلم بالمنفعة 95

اشتراط العلم بالعين و القدر و الصفة في الإجارة 95

تقدير المنافع بالزمان و بالعمل 96

إمكان ضبط المنفعة بالعمل أو بالزمان 97

حكم ضبط المنفعة بالعمل و الزمان كليهما 97

أنواع الأعيان المستأجرة

1 - الآدمي

جواز استئجار الآدمي لعمل أو صناعة 100

أقسام إجارة الآدمي و أحكامها 102

فيما يجب تبيينه للأجير إذا استأجره لخياطة ثوب 103

فيما إذا قال: انظر هذا الثوب هل يكفيني قميصا فقال الخيّاط: نعم فقال:

اقطعه فقطعه فلم يكفه فهل يلزمه الضمان ؟ 103

اعتبار تعيين السّور و الآيات التي يراد تعلّمها أو تقديرها بالمدّة في الاستئجار لتعليم القرآن 104

ص: 519

حكم أجور المعلّمين 105

فروع:

1 - إباحة أخذ الأجر على الرقية 108

2 - حكم جعل تعليم القرآن عوضا في البضع 108

3 - حكم إعطاء المعلّم شيئا بغير شرط 109

هل يجب تعيين قراءة أحد القرّاء السبعة في الاستئجار لتعليم القرآن ؟ 109

جواز الاستئجار لتعليم القرآن فيما إذا كان المتعلّم مسلما أو كافرا يرجى إسلامه 109

تذنيب: في حكم إجارة المصحف 110

حكم إجارة الكتب التي يجوز بيعها 110

اعتبار استقلال المستأجر بالتلاوة في الاستئجار لتعليم سورة 111

حكم ما لو كان المستأجر على تعليم القرآن يتعلّم الشيء بعد الشيء ثمّ ينساه 111

جواز استئجار الإنسان غيره لقراءة القرآن على رأس القبر مدّة 111

وجوب تقدير المدّة في الاستئجار للرضاع و لا سبيل إلى ضبط مرّات الإرضاع 112

جواز الاستئجار لكلّ عمل من أعمال الحجّ تدخله النيابة 112

فيما لو استأجر للحجّ لم تدخل العمرة المفردة و بالعكس 112

فيما لو استأجر لعمرة التمتّع دخل الحجّ 112

فيما لو استأجر للطواف لم تدخل صلاته و بالعكس 113

فيما إذا استأجر للحجّ دخلت تحلّلاته فيه و لا تدخل زيارة النبي صلّى اللّه عليه و آله في الحجّ 113

جواز الاستئجار لزيارة الأئمّة عليهم السّلام و زيارة النبي صلّى اللّه عليه و آله في قبورهم 113

حكم إجارة المسلم نفسه للذمّي للخدمة 113

جواز إجارة المسلم نفسه من الذمّي في عمل معيّن في الذمّة 113

حكم ما لو آجر المسلم نفسه من الذمّي لعمل غير الخدمة مدّة معلومة 114

جواز استئجار المسلم و غيره للخدمة 114

ص: 520

جواز استئجار المرأة للخدمة 115

جواز الاستئجار لحفر الآبار و القنيّ و الأنهار و السواقي 116

فيما يتعلّق بالاستئجار لحفر القبر للميّت 118

جواز الاستئجار لضرب اللّبن و التقدير فيه بالزمان و بالعمل 119

جواز الاستئجار لطبخ اللّبن 120

جواز الاستئجار للبناء و التقدير فيه بالزمان و بالعمل 120

جواز الاستئجار لتطيين السطوح و الحيطان و تجصيصها 121

جواز الاستئجار لكحل العين 121

حكم شرط الكحل على الكحّال 122

فيما إذا استأجره لكحل عينه مدّة فكحلها المدّة المشترطة و لم تبرأ عينه فهل يستحقّ الأجرة ؟ 123

حكم ما لو برئت عينه في أثناء المدّة 124

فيما إذا امتنع المستأجر من الاكتحال مع بقاء المرض 124

حكم ما لو شرط عليه البرء على سبيل الجعالة 124

حكم ما لو برأ بغير كحل أو تعذّر الكحل أو امتنع من جهة الكحّال أو غير الجاعل 124

تذنيب: فيما إذا استأجره ليلقح نخله 124

جواز استئجار الطبيب للتداوي 125

حكم ما لو شرط الدواء على الطبيب و كان معيّنا 125

جواز الاستئجار على الرعي 125

جواز استئجار ناسخ لكتابة شيء معيّن تباح كتابته 128

حكم كتابة المصحف بالأجر 129

عدم جواز أخذ الأجر على كتبة التوراة و الإنجيل و كتب الضلال إلاّ للنقض أو الحجّة عليهم 130

جواز الاستئجار في استيفاء الحدود و التعزير و القصاص في الأطراف 130

ص: 521

حكم الاستئجار على القصاص في النفس 130

جواز الاستئجار لحصاد الزرع و لقط الثمرة 132

جواز الاستئجار لسقي الزرع و تنقيته و دياسه و نقله إلى بيدره المعيّن 132

جواز استئجار شخص للاحتطاب أو الاحتشاش أو الاصطياد 132

حكم ما لو استأجر أجيرا على أن يحتطب له على حمارين كلّ يوم فكان ينقل عليهما و على حمار آخر لغيره و يأخذ منه الأجرة 132

جواز استئجار رجل ليدلّه على الطريق 133

جواز الاستئجار على البذرقة في القوافل 133

جواز استئجار كيّال و وزّان و ناقد 133

جواز استئجار رجل ليلازم غريما 134

جواز الاستئجار على المحاكمة و إقامة البيّنات و إثبات الحجج و المنازعة و 134

حكم استئجار سمسار يشتري ثيابا و غيرها معيّنة 134

حكم استئجار من يبيع أو يشتري ثيابا و غيرها معيّنة 135

حكم الاستئجار على الشراء للمعيّن 136

جواز استئجار من يشتري له شيئا وصفه له و لم يعيّنه 136

حكم ما إذا دفع رجل إلى دلاّل أو غيره ثوبا أو غيره و قال: بعه بكذا فما ازددت فهو لك 136

2 - الأرض

صحّة استئجار الأراضي 138

صحّة إجارة الأرض مدّة معيّنة مع مشاهدتها 139

هل يجوز الإطلاق أو الوصف في إجارة الأرض ؟ 139

حكم استئجار الحمّام 139

فيما يعتبر في استئجار الحمّام 140

ص: 522

فيما إذا استأجر دارا للسكنى ملك المستأجر منافعها في الإسكان 141

هل يجب ذكر عدد السّكّان من الرجال و النساء و الصبيان ؟ 141

تقدير منفعة الإسكان و منفعة الحمّام بالمدّة 142

للمستأجر أن يسكن هو و من شاء أو يسكنها من شاء 142

للمستأجر وضع ما جرت عادة الساكن به في الدار 142

ليس للمستأجر إسكان الدار من يضرّ بها أو جعل الدوابّ فيها 142

هل يجوز للمستأجر وضع شيء في الدار يضرّبها؟ 142

هل يجوز إطلاق العقد فيما إذا استأجر دارا من دون ذكر السكنى و صفتها؟ 143

هل يصحّ استئجار الأرض مطلقا من غير مشاهدتها أو وصفها بما يرفع الجهالة ؟ 144

هل تصحّ الإجارة فيما إذا قال: آجرتك هذه الدار لتنتفع بها فيما شئت ؟ 144

حكم ما لو قال: آجرتك للزراعة أو للغراس أو للبناء و لم يذكر ما يزرع أو ما يغرس أو جنس البناء 145

حكم ما لو قال: آجرتكها لتزرع فيها ما شئت، أو آجرتكها لتغرس فيها ما شئت، أو لتبني بها ما شئت 145

حكم ما لو قال: إن شئت فازرعها و إن شئت فاغرسها 146

حكم ما إذا قال: آجرتك هذه الأرض فازرعها و اغرسها و لم يبيّن القدر 146

صور ما إذا استأجر الأرض للزرع وحده و أحكامها 147

فيما إذا استأجر الأرض على أن يزرعها حنطة مثلا فهل يجوز له أن يزرعها ما هو أضرّ من الحنطة ؟ 151

حكم ما إذا قال: آجرتكها لتزرع هذه الحنطة المعيّنة، و لم يقل: و لا تزرع غيرها أو قال ذلك 152

حكم ما إذا استأجر الأرض لزرع الحنطة و تعدّى بزرع ما هو أضرّ من الحنطة 153

3 - الدوابّ

البحث الأوّل: الركوب

صحّة استئجار الدابّة للركوب 157

ص: 523

وجوب معرفة الراكب 158

وجوب ما جرت العادة به في توطئة الدابّة المستأجرة 159

وجوب معرفة المؤجر للآلات التي يحتاجها الراكب في ركوبه 159

فيما إذا ركب في المحمل أو المحارة و غيرهما فهل يجب ذكر كونه مغطّى أو مكشوفا؟ 161

فيما إذا استأجر للركوب و لم يشرط المعاليق فهل يستحقّ حملها؟ 162

وجوب تعيين الدابّة فيما إذا كانت الإجارة في الركوب على عينها 163

وجوب ذكر الذكورة و الأنوثة للدابّة المستأجرة 164

وجوب ذكر الجنس و النوع و الوصف فيما إذا كانت الإجارة في الركوب في الذمّة 164

فيما إذا كان السير إلى مكة أو إلى موضع لا يكون السير فيه إلى اختيار المتواجرين لا وجه لذكر تقدير السير فيه 164

وجوب تبيين قدر السير كلّ يوم فيما إذا كان السير إلى اختيار المتواجرين 165

حكم ما إذا لم يبيّنا قدر السير و أطلقا أو اختلفا في قدر السير و المنازل مضبوطة 165

وجوب تقييد وقت السير إذا كان يقع تارة ليلا و أخرى نهارا 165

حكم شرط الركوب في طريق العادة فيه النزول و المشي عند اقتراب المنزل أو في أثنائه أو لم تكن العادة ذلك 167

البحث الثاني: في الحمل

جواز استئجار الدوابّ للحمولة 167

وجوب كون المحمول معلوما 168

حكم معرفة الدابّة التي يحمل عليها 168

فيما إذا لم يكن جنس المحمول حاضرا فلا بدّ من تقديره بالكيل أو الوزن و وصفه 169

بطلان الإجارة فيما لو قال: آجرتكها لتحمل عليها ما شئت 169

ص: 524

بطلان الإجارة فيما لو قال: آجرتكها لتحمل عليها طاقتها 170

حكم ما لو أخلّ بالجنس و ذكر الوزن 170

عدم كفاية ذكر الجنس فيما لو أخلّ بالوزن و الكيل 170

عدم الحاجة إلى ذكر الظروف التي يحمل فيها إن دخلت في الوزن و كذا حبال المتاع 170

فيما لو قال: آجرتكها لتحمل مائة منّ، و اقتصر فهل الظرف من المائة ؟ 171

تذنيب: الكلام في المعاليق و تقدير السير و زمانه في الحمل على حدّ ما في الركوب 172

صور الصبرة و أحكامها

1 - حكم الإجارة فيما لو قال: استأجرتك لتحمل لي هذه الصبرة إلى موضع كذا بكذا و جهلاه و شاهداها 172

2 - حكم الإجارة فيما إذا قال: استأجرتك لتحمل لي هذه الصبرة كلّ قفيز بدرهم 172

3 - حكم الإجارة فيما إذا قال: استأجرتك لتحمل هذه الصبرة قفيز منها بدرهم و ما زاد فبحسابه 173

4 - حكم الإجارة فيما لو قال: لتحمل قفيزا منها بدرهم و ما زاد فبحساب ذلك 173

5 - حكم الإجارة فيما لو قال: لتحمل لي من هذه الصبرة كلّ قفيز بدرهم 173

6 - حكم الإجارة فيما لو قال: لتحمل منها قفيزا بدرهم على أن تحمل الباقي بحساب ذلك كلّ قفيز بدرهم أو على أنّ ما زاد فبحسابه 173

7 - حكم الإجارة فيما لو قال: لتحمل لي هذه الصبرة كلّ قفيز بدرهم و تنقل لي صبرة أخرى في البيت بحساب ذلك 174

8 - حكم الإجارة فيما لو قال: لتحمل لي هذه الصبرة و الصبرة التي في البيت بعشرة 174

ص: 525

9 - حكم الإجارة فيما لو قال: لتحمل لي هذه الصبرة و هي عشرة أقفزة كلّ قفيز بدرهم 175

10 - حكم الإجارة فيما لو قال: لتحمل هذه المكائيل كلّ واحدة بدرهم 175

البحث الثالث: في العمل

جواز استئجار الدوابّ للعمل 176

صحّة إجارة كلّ حيوان يمكن الانتفاع به من غير إتلاف 176

حكم إجارة الغنم 176

بطلان الإجارة فيما لو استأجر حيوانا لعمل لم يخلق له و لم يمكن صدوره منه 177

فيما إذا استأجر بقرا أو غيرها للحرث وجب معرفة صاحب الدابّة الأرض و تقدير العمل 177

وجوب معرفة الدابّة المستعملة في الحرث إذا قدّر بالمدّة 178

عدم الحاجة إلى مشاهدة البقر التي تحرث فيما لو قدّر العمل بالأرض 178

جواز استئجار البقر منفردة و مع صاحبها 179

جواز استئجار البقرة بآلتها و بدونها 179

وجوب تعيين عدد مرّات الحرث 179

جواز استئجار الدوابّ لدياس الزرع 179

وجوب معرفة قدر العمل إمّا بالمدّة أو بتعيين الزرع 179

جواز استئجار الحيوان بآلته و بغير آلته و مع صاحبه و منفردا عنه 180

جواز استئجار الدوابّ لإدارة الدولاب أو الاستقاء من البئر بالدلو 180

جواز استئجار البهيمة لإدارة الرحى 180

وجوب معرفة حجر الرحى و تقدير العمل بالزمان أو بالطعام 181

وجوب ذكر جنس المطحون و معرفة الدابّة إن قدّر العمل بالزمان 181

جواز استئجار الدابّة للاستقاء عليها 181

ص: 526

وجوب مشاهدة الدابّة أو وصفها و تقدير العمل 181

الفصل الثالث: في موجبات الألفاظ البحث الأوّل: ما يتعلّق بالآدمي

حكم ما إذا أطلق الاستئجار للحضانة و الإرضاع 183

حكم ما إذا استأجر المرأة للحضانة و الإرضاع معا أو للإرضاع فانقطع اللبن 184

فيما إذا استأجر ورّاقا فالحبر على من هو؟ 185

فيما إذا استأجر الخيّاط و الصبّاغ و ملقّح النخل و الكحّال فعلى من الخيط و الصبغ و طلع النخل و الذرور؟ 186

البحث الثاني: فيما تحتاج إليه الدار و الحمّام و شبهه و الأراضي

كلّ ما تحتاج إليه الدار من العمارة فهو على صاحب الدار 187

بيان الأنواع لعمارة الدار و هل يجبر المالك على العمارة لتلك الأنواع إذا حصلت مقارنة لعقد الإيجار؟ 187

وجوب تسليم مفاتيح الدار و البيوت التي فيها إلى المستأجر 188

كلّ ما يتوقّف التمكّن من الانتفاع عليه فهو على المالك 189

وجوب تسليم الدار و بالوعتها و كذا الحشّ فارغة 189

وجوب تسليم مستنقع الحمّام فارغا 189

تطهير الدار عن الكناسة و الأتّون عن الرماد على المستأجر 189

كنس الثلج عن السطح من وظيفة المالك 189

هل الثلج في عرصة الدار ملحق بكنس الدار أو بتنقية البالوعة ؟ 190

فيما إذا امتلأت البالوعة و الحشّ و مستنقع الحمّام فهل يجب التفريغ على المالك أو على المستأجر؟ 190

عدم وجوب تنقية البالوعة و الحشّ و تفريغ مستنقع الحمّام على المستأجر عند انقضاء مدّة الإجارة 191

ص: 527

وجوب التطهير من الكناسات على المستأجر عند انقضاء مدّة الإجارة 191

تذنيب: عدم جواز طرح التراب و الرماد في أصل حيطان الدار المستأجرة للسكنى و كذا ربط الدوابّ فيها 191

حكم ما إذا استأجر أرضا للزراعة و كان لها شرب معلوم 191

حكم ما إذا استأجر أرضا لزراعة شيء معيّن فانقضت المدّة و لم يدرك الزرع 192

حكم ما إذا استأجر الأرض لزرع معيّن مدّة لا يدرك فيها و شرط القلع بعد مضيّ المدّة أو الإبقاء بعدها 194

حكم ما لو استأجر الأرض للزراعة و لم يعيّن المزروع 196

البحث الثالث: فيما يتعلّق بالدوابّ

وجوب القيام على المالك للدابّة المستأجرة للركوب بكلّ ما جرت العادة أن يوطأ به المركوب للراكب 202

فيما إذا استأجر الدابّة للحمل فالوعاء للمحمول على المكتري إن وردت الإجارة على عين الدابّة و على المكري إن كانت في الذمّة 204

فيما إذا استأجر الدابّة للاستقاء فالدلو و الحبل كالوعاء في الحمل 204

وجوب رؤية الطعام المحمول للأكل في الطريق أو تقديره بالوزن 205

وجوب الخروج مع الدابّة المستأجرة للركوب في الذمّة على المؤجر 207

حكم ما إذا اختلف المؤجر و المستأجر في كيفيّة الترحيل مع الإطلاق 209

حكم ما إذا شرط المؤجر و المستأجر أن ينزل الراكب أو أن لا ينزل أو أطلقا 209

فيما إذا استأجر دابّة إلى بلد و العادة فيه النزول و المشي عند اقتراب المنزل لم يجب على المرأة و الضعيف النزول 210

فيما إذا استأجر إلى بلد فإذا بلغ عمرانها فللمكري استرداد الدابّة 210

فيما إذا استأجر دابّة ليركبها إلى مكة لم يكن له الحجّ عليها 210

فيما لو استأجر الدابّة للحجّ عليها فهل له أن يركبها من مكة عائدا إلى منى للرمي و الطواف ؟ 210

ص: 528

انفساخ الإجارة بتلف الدابّة المستأجرة بعينها 211

حكم ما إذا وجد بالدابّة المستأجرة بعينها عيبا 211

عدم انفساخ عقد الإجارة بتلف الدابّة المستأجرة في الذمّة 211

حكم ما إذا وجد بالدابّة المستأجرة في الذمّة عيبا 211

في أنّ المنافع المتعلّقة لعقد الإجارة لا بدّ لها من مستوف و مستوفى منه و مستوفى به 212

في أنّ للمستوفي للمنفعة تبديل نفسه بغيره إذا ساواه في الثقل و الضرر أو قصر عنه 213

حكم ما إذا استأجر دابّة للحمل فأراد أن يركب من يساوي الحمل في الوزن أو استأجر للركوب فأراد الحمل 213

عدم جواز إبدال المستوفى منه 214

حكم ما لو استأجر ظهرا للحمولة معيّن الجنس فأراد حمله على غير ذلك الجنس 214

هل يجوز إبدال المستوفى به ؟ 214

هل ينفسخ عقد الإجارة بتلف المستوفى به ؟ 214

جواز استئجار الثياب للّبس و البسط و الزلالي للفرش و اللّحف للالتحاف بها 215

عدم جواز النوم بالليل في الثوب المستأجر مدّة للّبس 215

عدم جواز الاتّزار بالقميص المستأجر للّبس و حكم الارتداء به 216

عدم جواز الاتزّار بالمستأجر للارتداء 216

الفصل الرابع: في المدّة و الضمان البحث الأوّل: في المدّة

عدم جواز تقدير الإجارة بأجل مجهول 217

حمل إطلاق السنة و الشهر في الإجارة على السنة العربيّة الهلاليّة و الشهر العربي 217

ص: 529

حكم ما إذا قال: عدديّة أو سنة بالأيّام 217

فيما يتعلّق بما إذا استأجر سنة هلاليّة أوّل الهلال أو في أثناء شهر 217

حكم ما إذا شرطا السنة الروميّة أو الشمسيّة أو الفارسيّة أو القبطيّة 218

جواز إجارة العين مدّة تبقى فيها 218

عدم تقدير المدّة في إجارة الوقف 222

فيما إذا آجر سنة أو أكثر منها فهل يجب تقسيط الأجرة على شهورها؟ 223

تذنيب: فيما لو قسّط الأجرة على أجزاء المدّة تقسّطت 224

وجوب تقييد المدّة و ابتدائها و انتهائها 224

تذنيب: في بطلان الإجارة فيما لو قال: آجرتك شهرا من السنة أو يوما من الشهر 225

حكم ما إذا قال: آجرتك هذه الدار كلّ شهر بدرهم و أطلق 225

حكم ما إذا قال: آجرتك كلّ شهر من هذه السنة بدرهم 227

بطلان الإجارة فيما إذا قال: آجرتك شهرا بدرهم و ما زاد فبحسابه 228

صحّة الإجارة فيما لو قال: آجرتك شهرا من شهور هذه السنة و لم يكن قد بقي منها إلاّ شهر واحد 228

حكم ما لو جعل المنتهى ما يقع على اثنين كربيع و جمادى 228

حكم ما لو قال: إلى العيد 228

حكم ما لو علّق الحكم بشهر يقع اسمه على شهرين كجمادى و ربيع 228

حكم ما لو قال: إلى الجمعة أو السبت أو غيرهما من الأيّام 229

حكم ما لو قال: إلى رجب و شعبان أو غيرهما من الأشهر المفردة 229

حكم ما لو علّقه بعيد من أعياد الكفّار 229

فيما إذا استأجر إلى ربيع الأوّل حلّ الأجل بأوّل جزء منه 229

فيما إذا استأجر ربيع الأوّل حلّ الأجل بآخره 229

فيما إذا استأجره إلى العشاء فهل آخر المدّة غروب الشمس أو زوالها؟ 229

ص: 530

فيما إذا استأجر إلى العشي كان آخر المدّة غروب الشمس 230

فيما إذا استأجر إلى الليل أو إلى النهار فهل هو إلى أوّل الليل أو النهار؟ 230

فيما إذا استأجرها نهارا فهو إلى غروب الشمس و إن استأجرها ليلا فهو إلى طلوع الفجر 231

فيما لو استأجر يوما دخل الليل و النهار 231

حكم ما لو استأجر دابّة لمدّة غزاته حيث لم تضبط المدّة 231

البحث الثاني: في الضمان النظر الأوّل: فيما إذا كانت العين المتعلّقة للإجارة في يد المستأجر

العين المستأجرة أمانة غير مضمونة إلاّ مع التعدّي 231

عدم صحّة شرط المؤجر على المستأجر ضمان العين 233

هل تبطل الإجارة فيما لو شرط المؤجر على المستأجر ضمان العين ؟ 233

ضمان العين فيما لو شرط المؤجر على المستأجر أن لا يسير بالدابّة ليلا أو وقت القائلة أو غير ذلك 234

عدم ضمان المستأجر العين إذا تلفت بغير تفريط و لا عدوان فيما إذا كانت الإجارة فاسدة 234

حكم استيفاء المنافع المتعلّقة بالعين بعد انقضاء مدّة الإجارة أو تلفها في يد المستأجر من غير استيفاء 235

حكم ما لو غصبت الدابّة المستأجرة مع دوابّ سائر الناس و لم يذهب المستأجر في طلبها مع قدرته على ذلك 235

حكم ما لو استأجر قدرا مدّة ثمّ حملها بعد المدّة ليردّها فسقطت الدابّة فانكسرت القدر 235

فيما لو استأجر دابّة للحمل أو الركوب أو غير ذلك فربطها المستأجر و لم ينتفع بها في المدّة استقرّت الأجرة عليه 236

ص: 531

حكم ما لو انهدم الاصطبل على الدابّة المستأجرة فهلكت 236

للمستأجر ضرب الدابّة بقدر العادة وقت الحاجة و تكبيحها باللجام للاستصلاح و حثّها على السير 236

جواز ضرب الرائض الدابّة و المعلّم الصبيان للتأديب 236

حكم ما يقع بجناية الضرب من حيث الضمان و عدمه 236

تذنيب: وجوب سقي الدابّة و علفها وقت الحاجة و الضمان بالتفريط فيهما 237

النظر الثاني: فيما إذا كانت العين في يد الأجير

تعريف الأجير المشترك و المنفرد المختصّ 238

حكم ما إذا تلفت العين المستأجرة في يد الأجير المشترك لا بسببه من غير تفريط و لا تعدّ 238

حكم ما إذا تلفت العين في يد الأجير المنفرد من غير تفريط و لا تعدّ 243

حكم ما إذا لم يكن الأجير منفردا باليد و تلفت العين 245

ضمان الأجير: الصانع و غيره لما أفسده 245

ضمان الأجير لأقصى القيم من حين التعدّي إلى حين التلف 248

ضمان القصّار للثوب إذا شرط عليه المستأجر أن يعطيه إيّاه في وقت فأخّر 249

عدم الفرق في الضمان و عدمه بين كون عمل الأجير المشترك في ملك نفسه أو ملك المستأجر 250

عدم ضمان الملاّح فيما إذا انكسرت السفينة بغير تعدّ منه و لا من جذفه و لا من فعله 251

فيما لو استأجر جملا فحمل عليه عبيدا فتلف بعضهم من سوق المؤجر أو قوده فهل يضمن ؟ 252

حكم ما إذا اختلف الأجير و المستأجر في أمر الأجير هل تعدّى و جاوز المعتاد بعمله أم لا؟ 253

ص: 532

فيما إذا أتلف الصانع الثوب فصاحبه مخيّر بين تضمينه إيّاه غير معمول و معمولا 253

فيما لو وجب على الصانع ضمان المتاع المحمول فصاحبه مخيّر بين تضمينه قيمته في الموضع الذي سلّمه إليه و بين تضمينه إيّاه في الموضع الذي أفسده 253

حكم ما لو دفع إلى غيره سلعة ليعمل فيها عملا و لم يجر بينهما ذكر أجرة و لا نفيها 254

صحّة الاستئجار لدخول الحمّام 255

هل المدفوع إلى الحمّامي ثمن الماء؟ 255

حكم ما إذا دفع الثوب إلى الخيّاط فخاطه أو إلى القصّار فقصره ثمّ تلف الثوب 256

حكم ما لو سلّم إلى خيّاط ثوبا ليخيطه فجحده ثمّ جاء به مخيطا أو جحده أوّلا ثمّ خاطه 258

مستأجر العين أمين عليها لا يضمنها إلاّ بتعدّ أو تفريط 259

حكم ما لو نام في الثوب الذي استأجره بالليل أو نقل فيه التراب أو ألبسه عصّارا أو دبّاغا دون من هو في مثل حاله و 259

حكم ما لو استأجر دابّة و أركب من هو أثقل منه 259

حكم ما لو كان الثاني في الفرض المزبور مساويا للأوّل أو أقلّ ثقلا منه فجاوز العادة في الضرب أو السير 260

حكم ما لو استأجر لحمل مائة منّ من الحديد فحمل مائة منّ من القطن أو التبن أو بالعكس 260

حكم ما لو استأجر لحمل مائة منّ من الحديد فحمل مائة منّ من القطن أو التبن أو بالعكس 260

حكم ما لو استأجر لحمل مائة منّ من الحنطة فحمل مائة منّ من الشعير أو بالعكس 260

حكم ما لو استأجر لحمل عشرة أقفزة من الحنطة فحمل عشرة أقفزة من الشعير 260

حكم ما لو استأجر ليركب بالسرج فركب بغير شيء أو بالأكاف أو ليحمل عليها بالأكاف فحمل بالسرج 260

حكم ما إذا استأجر دابّة ليحمل عليها مقدارا معيّنا و كان المحمول أكثر 260

ص: 533

بيان القدر المضمون في الفرض المزبور 261

حكم ما لو كان المكتال للطعام هو صاحب الدابّة و حمل على البهيمة و سار 264

حكم ما لو كان المكتال للطعام أجنبيّا و حمل على الدابّة و لم يعلم المؤجر و المستأجر 265

حكم ما لو استأجر لحمل عشرة أقفزة فحمل ثمّ وجد المحمول أقلّ 266

حكم ما لو استأجر اثنان دابّة و ركباها فارتدفهما ثالث بغير إذنهما فهلكت الدابّة 267

الفصل الرابع: في الطوارئ الموجبة للفسخ البحث الأوّل: فيما تنقص به المنفعة نقصا تتفاوت به الأجرة

حكم ما إذا استأجر عينا فظهر فيها نقص سابق تتفاوت به الأجرة 269

حكم ما لو استأجر العين سليمة ثمّ تجدّد بها عيب تنقص به المنفعة بعد العقد 270

البحث الثاني: فوات المنفعة بالكلّيّة حسّا

حكم فوات المنفعة بالكلّيّة حسّا أو في خلال المدّة 272

حكم ما لو أتلف المستأجر العين 273

حكم ما لو انهدمت الدار المستأجرة للسكنى أو انقطع ماء الأرض المستأجرة للزراعة 274

حكم ما لو استأجر عينا فتعذّر استيفاء المنفعة منها بفعل صدر عنها 276

حكم ما لو استأجر عينا فغصبت تلك العين 277

حكم ما لو آجر عينا معيّنة و سلّمها إلى المستأجر فغصبت 280

فيما إذا غصبت العين المستأجرة كان للمؤجر و كذا للمستأجر مخاصمة الغاصب 282

حكم ما إذا استأجره لعمل في عين معيّنة فتلفت العين 283

حكم ما لو استأجره لتعليم صبيّ معيّن أو استأجر المرأة لإرضاع صبيّ معيّن فمات الصبيّ المعيّن 285

ص: 534

حكم ما لو استأجره لخياطة ثوب معيّن أو لإرضاع صبيّ معيّن ثمّ بدا للمستأجر في قطع الثوب المعيّن أو في إرضاع الطفل المعيّن و هما باقيان 285

البحث الثالث: فيما تفوت المنفعة فيه شرعا

فوات المنفعة شرعا بمنزلة فواتها حسّا 285

البحث الرابع: في الأعذار المتجدّدة

هل الإجارة عقد لازم من الطرفين ؟ 287

عدم فسخ الإجارة بالأعذار 288

حكم ما لو استأجر أرضا للزراعة فزرعها فهلك الزرع بجائحة 289

حكم ما لو فسدت الأرض بجائحة أبطلت قوّة الإنبات في مدّة الإجارة 289

حكم ما لو استأجر أرضا للزراعة فبطلت منفعة الزراعة خاصّة دون باقي المنافع 289

هل الموت يبطل الإجارة ؟ 290

بطلان الإجارة بموت المؤجر في موضعين 293

صحّة إجارة الوقف من ناحية المتولّي و عدم بطلانها بموته 295

حكم ما إذا استأجر دابّة أو دارا و قبضها و أمسكها حتّى مضت مدّة الإجارة غير متصرّف فيها 296

حكم ما إذا استأجر دابّة ليركبها إلى بلد و قبضها و أمسكها عنده حتى مضت مدّة يمكن المسير فيها إلى ذلك البلد 296

حكم ما لو بذل المؤجر تسليم العين فلم يأخذها المستأجر حتّى انقضت المدّة 297

حكم ما إذا كانت الإجارة على عمل و مضت مدّة يمكن الاستيفاء فيها 297

حكم ما إذا كانت الصورة المزبورة في إجارة فاسدة 297

حكم ما إذا قبض المستأجر العين و مضت المدّة أو مدّة يمكن استيفاء المنفعة فيها 297

فيما إذا استوفى المنفعة في العقد الفاسد فهل عليه أجرة المثل أو أقلّ الأمرين منها و من المسمّى ؟ 298

ص: 535

عدم الفرق في تخلّف المستأجر من تسلّم العين بين كونه لعذر أو لغير عذر 299

فيما إذا آجر الحرّ نفسه مدّة ثمّ سلّم نفسه إلى المستأجر المدّة فلم يستعمله المستأجر حتّى مضت المدّة استقرّت الأجرة عليه 299

فيما إذا استأجر عقارا أو حيوانا ملك المنافع بالعقد و لا يجوز للمؤجر التصرّف فيها 300

حكم ما لو استوفى المؤجر المنافع بأسرها طول مدّة الإجارة 300

حكم ما لو أمسكها المؤجر بعض المدّة ثمّ سلّم 301

حكم ما لو لم تكن المدّة في الإجارة مقدّرة و استأجر دابّة للركوب إلى بلد ثمّ لم يسلّمها حتّى مضت مدّة يمكن فيها المضيّ إليه 301

حكم ما لو كانت الإجارة في الذمّة و لم يسلّم ما يستوفى المنفعة منه حتّى مضت مدّة يمكن فيها تحصيل تلك المنفعة 302

حكم ما لو استأجر دارا ليسكنها سنة فسكنها شهرا ثمّ تركها و سكنها المالك بقيّة السنة أو آجرها لغيره 302

حكم ما لو استأجر دارا سنة فسكنها شهرا و تركها شهرا و سكن المالك عشرة أشهر 302

حكم ما لو استأجر عقارا مدّة سنة فسكن بعضها ثمّ أخرجه المالك و منعه من تمام السكنى 302

حكم ما لو استأجر دابّة فامتنع مالكها من تسليمها بعض المدّة 303

حكم ما لو آجر نفسه أو عبده للخدمة مدّة و امتنع من إتمامها 303

حكم ما لو استأجر دابّة فشردت أو أجيرا فهرب أو أخذ المؤجر العين و هرب بها أو منعه من استيفاء المنفعة منها 304

حكم ما لو عمل الأجير بعض العمل ثمّ انهزم أو منع المؤجر المستأجر من الانتفاع في أثناء المدّة 304

حكم ما لو شردت الدابّة أو تعذّر استيفاء المنفعة بغير فعل المؤجر 304

حكم ما لو مرض الأجير و تعذّر استيفاء العمل منه 304

ص: 536

حكم ما لو آجر جماله ليسافر المستأجر بها فهرب الجمّال 305

حكم إجارة الوليّ للطفل إيّاه و إجارة ما يرى من أمواله 310

تذنيب: حكم إجارة الوليّ مال المجنون و إفاقته في أثناء مدّة الإجارة 313

تذنيب آخر: حكم ما لو مات الولي المؤجر للصبي و ماله أو عزل و انتقلت الولاية إلى غيره 313

عدم بطلان عقد الإجارة بالعقود الناقلة المتجدّدة 313

فيما إذا أعتق المؤجر عبده المؤجر فهل تقع الإجارة لازمة ؟ 315

فيما لو ظهر للعبد عيب بعد العتق و فسخ المستأجر الإجارة 316

فيما لو آجر عبده و مات و أعتقه الوارث في المدّة 316

حكم ما لو آجر أمّ ولده و مات في المدّة 316

حكم كتابة العبد المؤجر 316

صحّة بيع العين المؤجرة على مستأجرها و حكم الإجارة 317

حكم بيع المؤجر العين المستأجرة من غير المستأجر 321

فيما إذا باع المؤجر العين في مدّة الإجارة و رضي المشتري ثمّ وجد المستأجر بالعين عيبا ففسخ الإجارة بذلك العيب 323

حكم ما لو باع عينا و استثنى لنفسه منفعتها شهرا أو سنة 324

حكم ما لو استأجر وكيل المؤجر من غير علم منه ببيع المؤجر العين ثمّ اشترى هو أو بالعكس 325

حكم ما لو أوصى لزيد برقبة دار و لعمرو بمنفعتها فآجرها عمرو من زيد 326

حكم ما لو آجر داره من وارثه ثمّ مات فورثه المستأجر 326

حكم ما لو آجر المستأجر للمالك العين التي استأجرها منه 327

حكم ما لو آجر دارا من ابنه و مات الأب في المدّة و لا وارث له سوى الابن المستأجر و عليه ديون مستغرقة 328

حكم ما لو آجر البطن الأوّل الوقف من البطن الثاني و مات المؤجر في المدّة 330

تذنيب: حكم ما لو استأجر من المستأجر ثمّ آجره 330

ص: 537

حكم ما لو آجر المستأجر الثاني من المالك 330

حكم ما لو باع المالك من المستأجر الثاني 330

الفصل السادس: في التنازع

حكم ما لو اختلفا في الإجارة أو في قدر الأجرة 331

حكم ما لو اختلفا في مدّة الإجارة 332

حكم ما لو اختلفا في ردّ العين المستأجرة إلى المؤجر 333

حكم ما لو اختلفا في المعقود عليه 333

حكم ما لو اختلفا في ردّ العين التي استؤجر الصانع لعمل صنعة فيها 333

حكم ما لو اختلفا في التعدّي في العين المستأجرة و عدمه 333

حكم ما لو استأجر عبدا مدّة ثمّ ادّعى أنّ العبد مرض في يده 334

حكم ما لو ادّعى المستأجر إباق العبد و جاء به غير آبق 335

حكم ما لو هلكت العين و اختلفا في هلاكها و وقته و مدّته أو أبق العبد أو مرض و اختلفا في وقت ذلك و مدّته 335

حكم ما لو ادّعى الصائغ أو الملاّح أو المكاري هلاك المتاع و أنكر المالك 335

حكم ما لو دفع إنسان إلى خيّاط ثوبا ليقطعه و يخيطه فخاطه قباء ثمّ قال الخيّاط:

هكذا أمرتني و قال المالك: بل أمرتك أن تقطعه قميصا 336

كيفيّة حلف الخيّاط لخروجه من ضمان الثوب 339

فيما إذا حلف الخيّاط فهل له الأجرة ؟ 339

فيما إذا صدّق المالك و حلف على أنّه ما أذن له في قطعه قباء فلا أجرة عليه و وجب على الخيّاط أرش النقصان 341

فيما إذا تحالف المالك و الخيّاط معا فلا أجرة على الخيّاط و هل يضمن ما نقص بالقطع ؟ 343

فيما إذا وجب للخيّاط الأجرة وجب عليه تسليم الثوب مخيطا 344

ص: 538

فيما إذا لم تجب الأجرة للخيّاط و كان الثوب مخيطا بخيوط من المالك لم يكن للخيّاط فتقه 344

الفصل السابع: في اللواحق

حكم إجارة المشاع 347

حكم استئجار الأجير ليعمل للمستأجر العمل بنفسه مباشرة بغير الاستعانة بأحد 348

حكم إجارة الأرض 349

جواز استئجار الأرض بكلّ ما جاز كونه عوضا في البيع أو أجرة للدّور و غيرها 350

حكم إجارة الأرض بالطعام 351

جواز إجارة الأرض للزرع مطلقا بكلّ ما يصحّ تموّله 353

كراهة إجارة الأرض بالحنطة و الشعير 353

حكم إجارة الأرض بحصّة ممّا يخرج منها 353

حكم إجارة الأرض بحنطة موجودة مشاهدة جزافا 353

تنبيه: في بيان المراد من النهي الوارد في قول الصادق عليه السّلام: «لا تستأجر الأرض...» 354

فيما إذا استأجر دابّة في الكوفة ليركبها إلى البصرة بمائة درهم و أطلق فهل الواجب نقد البلد الذي وقع العقد فيه أو البلد المقصود؟ 354

فيما إذا استأجر دارا أو دولابا أو حمّاما فتجدّد عيب في أثناء المدّة تلزم عمارتها للمالك 355

حكم اشتراط العمارة على المستأجر 355

جواز استئجار أجير للخروج إلى بلد السلطان و التظلّم للمستأجر و عرض حاله في المظالم 355

حكم إجارة الأرض المزروعة مع المشاهدة أو الوصف الرافع للجهالة 356

حكم الاستئجار للخدمة من دون ذكر وقتها 357

ص: 539

حكم ما لو استأجره للخبز و أطلق 358

حكم ضمان العهدة للمستأجر 358

جواز استئجار الدابّة للركوب و العمل و الحمل مع التقدير بالزمان أو بالعمل 359

صحّة استئجار الدابّة لركوبها فرسخين 359

وجوب تعيين الجهة المقصودة في سيره على الدابّة المستأجرة للركوب 359

فيما إذا استأجر حمّالا ليحمل له وقرا إلى داره فهل يجب إدخاله على الأجير؟ 359

فيما لو استأجر ظئرا لتعهّد الصبي فهل الدهن عليها أو على الأب ؟ 360

فيما لو استأجر قصّارا لغسل ثياب معلومة و حملها إليه حمّال فعلى من تكون أجرة الحمّال ؟ 360

فيما لو استأجر من يقطع أشجارا بقرية لم تجب عليه أجرة الذهاب و المجيء 360

حكم ما لو استأجر دابّة ليركبها و يحمل عليها أرطالا معيّنة و أراد المؤجر أن يعلّق عليها مخلاة أو سطيحة أو أراد أن يردفه رديفا 360

فيما لو استأجر الدابّة ليحمل عليها طعاما من موضع معيّن إلى داره فركبها في عوده فعطبت الدابّة فهل يضمن أم لا؟ 361

فيما لو استأجر دابّة ليركبها إلى موضع معلوم فركبها إليه فهل له ردّها إلى الموضع الذي سار منه ؟ 361

حكم ما لو استأجر دابّة للركوب أو الحمل إلى موضع معيّن فجاوزه 362

فروع:

1 - انتهاء الإجارة و استقرار الأجرة فيما لو استأجر الدابّة إلى عشرة فراسخ فقطع نصف المسافة ثمّ رجع لأخذ شيء نسيه راكبا 365

2 - حكم ما لو أخذ الدابّة و أمسكها في البيت يوما ثمّ خرج 366

3 - فيما لو ذهب في الطريق لاستقاء ماء أو شراء شيء يمنة و يسرة كان محسوبا عليه من المدّة 366

ص: 540

حكم ما لو دفع إلى قصّار ثوبا ليقصره ثمّ جاء و استرجعه فقال: لم أقصره بعد فلا أردّه ثمّ تلف الثوب عنده 366

فروع متبدّدة:

1 - حكم ما لو استأجره ليكتب له صكّا على كاغذ فكتبه و أخطأ أو أمره بأن يكتب بالعربيّة فكتب بالفارسيّة أو بالعكس 367

2 - حكم ما لو استأجر دابّة ليحمل شيئا من موضع إلى منزله فركبها في عوده فعطبت الدابّة 367

3 - حكم ما لو تعمّد الأكّار ترك سقي الزرع و المعاملة صحيحة حتّى فسد الزرع 367

4 - حكم ما لو تعدّى المستأجر بالحمل على الدابّة فقرح ظهرها فهلكت منه 367

5 - حكم ما لو استأجره لخياطة ثوب فخاط بعضه و احترق الثوب 367

فيما إذا استأجر لحمل حبّ إلى موضع معلوم فزلقت رجله في الطريق فانكسر الحبّ 367

6 - حكم ما لو آجر أرضا إجارة صحيحة ثمّ غرقت الأرض بسيل أو بماء نبع منها 368

7 - تعطيل الرحى و الحمّام و انقطاع ماء القناة المستأجرة كانهدام الدار 368

8 - حكم ما إذا ثبت الخيار بسبب نقص تجدّد و أجاز ثمّ بدا له أن يفسخ 368

9 - حكم ما لو استأجر طاحونتين متقابلتين أو دولابين كذلك فانتقص الماء و بقي ما يدور به واحد منهما 369

10 - حكم بيع الحديقة التي ساقى عليها في المدّة 369

حكم ما لو دفع إلى نسّاج غزلا و استأجره لنسج ثوب طوله عشرة أذرع في عرض ذراع فحاكه أطول بذراع 369

حكم ما لو حاكه في الفرض المزبور تسعة أذرع أو زائدا في الطول و العرض 370

ص: 541

حكم ما لو كان الغزل المدفوع إلى النسّاج مسدّى و استأجره لحياكة عشرة أذرع في عرض ذراع فجاء به أطول من العرض المشروط 370

حكم ما لو وافق في الطول و خالف في العرض 371

حكم ما لو جاء به زائدا في العرض خاصّة أو ناقصا فيه كذلك أو فيهما معا 371

حكم ما لو جاء به زائدا في أحدهما و ناقصا في الآخر 371

حكم ما لو أثّرت الزيادة أو النقيصة نقصا في الأصل 372

حكم ما لو استأجر فسطاطا إلى مكة و لم يقل متى أخرج 372

حكم ما إذا استأجر دابّة ليركبها في مسافة معلومة فأراد العدول بها إلى ناحية أخرى مثلها في القدر و أضرّ منها أو تخالف الضرر 372

حكم ما لو كانت الناحية الأخرى مثلها في السهولة أو المعدول إليها أقلّ ضررا 373

فيما لو آجر دوابّه جملة إلى بلد لم يجز للمستأجر التفريق بينها بالسفر ببعضها إلى جهة و بعضها إلى أخرى 373

حكم ما لو استأجر جمّالا إلى مصر بأربعين فإن نزل دمشق فأجره ثلاثون فإن نزل الرقّة فأجره عشرون 373

حكم ما لو استأجر دابّة و قال المالك: إن رددتها اليوم فأجرتها درهم و إن رددتها غدا فدرهمان 374

جواز استئجار كلّ عين يمكن بقاؤها و الانتفاع بها انتفاعا محلّلا 374

جواز استئجار ما يبقى من الأطياب و الصندل و أقطاع الكافور و الندّ ليشمّه المريض و غيره ثمّ يردّه 374

حكم إجارة الحائط لوضع خشب معلوم عليه أو بناء شيء معيّن عليه مدّة معلومة 374

حكم استئجار دار يتّخذها مسجدا يصلّي فيه 375

حكم إجارة الدار لمن يتّخذها كنيسة أو بيعة أو يتّخذها لبيع الخمر و القمار 375

حكم ما لو استأجر ذمّيّ من مسلم داره و أراد بيع الخمر فيها 376

عدم جواز إجارة ما لا يقدر على تسليم منفعته 376

ص: 542

جواز إجارة الشريكين في المشاع 376

جواز إجارة بعض الدار إن كانت لواحد 377

حكم ما إذا آجر نصف الدار الآخر لغير المستأجر الأوّل 377

حكم ما لو آجر الدار لاثنين لكلّ واحد نصفها 377

حكم ما لو استأجر رجلا ليحمل له كتابا إلى موضع إلى صاحب له فحمله فوجد صاحبه غائبا فردّه 377

فيما لو دفع إلى رجل ثوبا ليبيعه فباعه فهل يستحقّ الأجر؟ 377

حكم شرط الخيار في الإجارة 378

حكم ما لو استأجر دابّة ليركبها إلى بلد فسلّمها المؤجر إليه و أقامت في يده مدّة يمكنه فيها الركوب إلى ذلك البلد 379

جواز الإجارة في الذمّة حالاّ و مؤجّلا و بلفظ الإجارة 380

هل يجوز الإجارة بلفظ السّلم ؟ 380

المقصد الثامن: في المزارعة و المساقاة الفصل الأوّل: في المزارعة البحث الأوّل: الماهيّة

تعريف المزارعة 381

هل المزارعة هي المخابرة أو غيرها؟ 381

جواز المزارعة بمعنى المعاملة على الأرض بحصّة ممّا يخرج منها بغير لفظ الإجارة 383

حكم المزارعة في الأرض بين النخيل 385

البحث الثاني: في الأركان الركن الأوّل: الصيغة

بيان صيغة المزارعة 390

ص: 543

هل يشترط القبول لفظا؟ 390

عدم انعقاد المزارعة بلفظ الإجارة 390

حكم ما لو قال: آجرتك نصف أرضي هذه بنصف بذرك و نصف منفعتك و نصف منفعة بقرك و آلتك و أخرج العامل البذر كلّه 390

لزوم المزارعة إذا وقعت بشروطها 391

الركن الثاني: المتعاقدان

اشتراط أهليّة التصرّف في المتعاقدين 391

عدم صحّة عقد الصبي و المجنون و السفيه و المحجور عليه بالفلس 391

الركن الثالث: ما تقع عليه المعاملة

مورد المعاملة كلّ أرض يمكن الانتفاع بها في الزرع 391

حكم ما لو زارع على الأرض و لها ماء معتاد و تجدّد له انقطاع في أثناء المدّة 392

فيما لو كانت الأرض لا ماء لها يعتادها لم تصح المزارعة عليها 393

هل يجوز استئجار الأرض التي لا ماء لها يعتادها مطلقا؟ 393

جواز المزارعة على الأرض التي لها ماء من شطّ يزيد زيادة أو يحتاج إلى الدالية و شبهها 394

حكم إجارة الأرض المزبورة للزراعة قبل مجيء الماء و بعده 394

تذنيب: جواز إجارة الأرض التي تكون على صفة يمكن زراعتها إلاّ أنّه يخاف عليها الغرق 395

تذنيب آخر: فيما لو رضي المستأجر للزراعة باستئجار ما لا ينحسر الماء عنه جاز 395

الركن الرابع: الحصّة

وجوب كون النماء مشتركا بين المتعاقدين 396

ص: 544

عدم اشتراط تساويهما في النماء 396

وجوب كون النماء بأجمعه بينهما 396

وجوب كون الحصّة معلومة بالجزئيّة 397

حكم ما لو شرط أحدهما على الآخر شيئا يضمنه له من غير الحاصل مضافا إلى الحصّة 397

حكم ما لو شرطا إخراج البذر وسطا و يكون الباقي بينهما 398

بطلان المزارعة فيما لو شرط ربّ الأرض إخراج البذر من حصّة العامل 398

وجوب تعيين الحصّة من كلّ نوع 398

حكم ما لو قال: إن زرعتها حنطة فلي الثلث و إن زرعتها شعيرا فلي النصف 398

صحّة المزارعة فيما لو قال: ما زرعتها من شيء فلي نصفه 399

صحّة شرط إخراج الخراج المضروب على الأرض أوّلا و الباقي يكون بينهما 399

البحث الثالث: الشرط

اشتراط تقدير المدّة في المزارعة 399

حكم ما لو اقتصرا على تعيين المزروع و لم يذكرا المدّة 399

حكم ما إذا عيّنا المدّة فمضت و الزرع قائم لم يبلغ 400

حكم ما لو شرطا للزرع مدّة معيّنة و شرطا في العقد تأخيره عن تلك المدّة إن بقي بعدها 400

فيما يتعلّق بشرط الغرس أو هو مع الغرس في الإجارة أو المزارعة 401

حكم ما لو استأجر أرضا مدّة معيّنة ليغرس فيها ما يبقى بعد المدّة غالبا 401

البحث الرابع: في الأحكام

فيما يتعلّق بالنماء إذا فسدت المزارعة باختلال بعض شرائطها 401

حكم المزارعة إذا كان البذر من صاحب الأرض و العمل من العامل 403

جواز كون العمل و الأرض من أحدهما و من الآخر البذر بلفظ المزارعة 406

ص: 545

جواز كون العمل خاصّة من أحدهما و الأرض و البذر و العوامل من الآخر 406

حكم ما لو كان البذر بينهما نصفين و شرطا الزرع بينهما نصفين 406

حكم ما لو شرط إخراج البذر من صاحب الأرض 406

حكم ما لو شرطا التفاضل في الزرع 406

حكم ما لو تفاضلا في البذر و شرطا التساوي في الزرع أو تساويا في البذر و شرطا التفاضل في الحصّة 406

حكم ما إذا أطلق المالك المزارعة 406

فيما لو عيّن جنسين فلا بدّ من تقدير كلّ واحد منهما 407

فيما لو عيّن الزرع لم يجز التعدّي 407

حكم ما لو زرع ما هو أضرّ من المشروط أو أقلّ ضررا 407

في أنّ للمزارع أن يشارك غيره في الزراعة و أن يزارع عليها غيره 407

تذنيب: فيما إذا أطلق المزارعة وجب أن يعيّن البذر ممّن هو 407

جواز اشتراط المالك على العامل مع الحصّة شيئا معيّنا و بالعكس 407

فيما لو زارعه على أرض فيها شجر يسير فهل يجوز أن يشترط العامل ثمرتها؟ 407

حكم ما لو دفع رجل بذره إلى صاحب الأرض ليزرعه في أرضه و يكون ما يخرج بينهما 408

حكم ما لو دفعه إلى ثالث ليزرعه في أرض صاحب الأرض على أن يكون الحاصل بينهم 408

حكم ما لو كان الأرض و البذر و العمل من واحد و من الآخر الماء و شرطا كون الحاصل بينهما 408

حكم ما لو اشترك ثلاثة على أن يكون من أحدهم الأرض و من الآخر البذر و من الآخر البقر و العمل على أنّ الحاصل بينهم 409

حكم ما لو كانت الأرض لثلاثة فاشتركوا على أن يزرعوها ببذرهم و دوابّهم على أنّ الحاصل بينهم على قدر مالهم 410

جواز الخرص لصاحب الأرض على الزارع و تخيّره في القبول و عدمه 410

ص: 546

فيما إذا زارع رجلا في أرضه فزرعها و سقط من الحبّ شيء فنبت في ملك صاحب الأرض عاما آخر فهل هو لصاحب البذر أم لصاحب الأرض ؟ 410

حكم ما لو تنازعا في قدر المدّة أو في قدر الحصّة 411

حكم ما لو اختلفا فقال العامل: أعرتني الأرض للزرع و أنكر المالك و ادّعى الحصّة أو الأجرة و لا بيّنة 412

في أنّه لا ينبغي أن يشترطا حصّة للبذر و حصّة للبقر 412

حكم إجارة الأرض بالحنطة و الشعير 413

جواز دفع الرجل أرضه إلى غيره على أن يؤدّي خراجها عنه و يكون له عليه شيء معيّن 413

جواز مشاركة الزارع غيره في الزرع الذي زرعه 413

جواز تقبّل الأرض ليعمرها و يؤدّي ما خرج عليها مدّة معيّنة 414

فيما لو زرع أرض غيره بغير إذنه كان الزرع لصاحبه و عليه أجرة الأرض و للمالك قلعه مطلقا و إلزامه بالأرش 415

جواز إجارة رحى الماء إذا كان لها ماء دائم 416

فيما لو تقبّل إنسان أرضا من غيره مدّة معيّنة جاز للمالك بيع الأرض 417

فيما إذا زاد السلطان على صاحب الأرض شيئا غير الخراج كان لازما لصاحب الأرض دون المستأجر 417

الفصل الثاني: في المساقاة البحث الأوّل: الماهيّة

تعريف المساقاة و صورتها 419

جواز المساقاة شرعا 419

جواز المساقاة في كلّ شجر له أصل ثابت ينتفع بثمرته 421

البحث الثاني: في الصيغة

هل يكفي التراضي و المعاطاة في المساقاة ؟ 423

ص: 547

بيان صيغ الإيجاب 423

وجوب القبول لفظا 423

حكم ما لو تعاقدا بلفظ الإجارة 423

حكم ما لو قال: ساقيتك على هذه النخيل بكذا ليكون لك أجرة المثل 424

حكم ما لو ساقاه على أنّ له النصف أجرة عمله أو عوض عمله 425

فيما إذا عقد بلفظ المساقاة فهل يحتاج إلى تفصيل الأعمال التي يقتضيها عقد المساقاة ؟ 425

البحث الثالث: في شرائط الاستئجار

الشرط الأوّل: كون المساقى عليه شجرا ثابتا 425

عدم صحّة المساقاة على وديّ قبل أن يغرس 426

حكم ما لو دفع إليه الأرض و ساقاه على شجر يغرسه و يعمل فيه حتّى يحمل و يكون له جزء معلوم من الثمرة 427

حكم ما لو ساقاه على وديّ مقلوع ليغرسه و يكون الشجر بينهما 427

بطلان المغارسة فيما إذا دفع أرضا إلى رجل على أنّ الغرس أو هو مع الأرض بينهما 428

حكم ما لو غرس العامل في الفرض المزبور 428

حكم ما إذا كان الوديّ مغروسا و ساقاه عليه و قدّرا مدّة العقد بقدر لا يثمر فيها في العادة 429

حكم ما لو حمل الوديّ في المدّة اتّفاقا 430

صحّة المساقاة على الوديّ المغروس بشرط مدّة يعلم أنّ الوديّ يحمل فيها بحكم العادة 430

حكم ما لو ساقاه على الوديّ المغروس إلى مدّة يعلم أنّه لا يحمل فيها في العادة 430

ص: 548

حكم ما لو ساقاه على الوديّ المغروس و شرط مدّة يحتمل أن تكون له ثمرة و أن لا تكون 430

حكم ما لو ساقاه على النخيل المثمرة فلم تثمر 431

تذنيب: في بطلان المغارسة لو دفع إليه وديّا ليغرسه في أرض الغارس على أن يكون الغراس للدافع و الثمار بينهما 432

حكم ما لو دفع إليه أرضه ليغرسها بوديّ نفسه على أن تكون الثمرة بينهما 432

الشرط الثاني: كون الأشجار مثمرة في العادة في تلك المدّة و عدم كونها مثمرة بالفعل وقت العقد 432

حكم المساقاة على الأشجار التي ظهرت ثمارها و لم يبد صلاحها أو بدا صلاحها 433

الشرط الثالث: كون الأشجار مرئيّة مشاهدة وقت العقد أو قبله أو موصوفة بوصف يرفع الجهالة 434

البحث الرابع: في الحصّة

اشتراط اشتراك المالك و العامل في الثمرة 435

فيما قاله الشافعي من تخصيصه جواز المساقاة بالنخل و الكرم 436

جواز المساقاة على شجر المقل 436

حكم المساقاة على التوت الأنثى و الذكر و شجر الخلاف 437

جواز المساقاة في كلّ ما يقصد ورقه أو ورده و كذا في فحول النخل 437

هل تجوز المساقاة على الخوص و السعف ؟ 438

عدم صحّة اشتراط الثمرة أو بعضها لثالث غير المالك و العامل 438

بطلان المساقاة فيما لو شرطا كون جميع الثمرة للمالك أو العامل 438

وجوب كون حصّة كلّ واحد من المالك و العامل معلومة بالجزئيّة 438

هل يجب للعامل أجرة المثل فيما لو شرط المالك جميع الثمرة لنفسه ؟ 439

حكم ما لو شرط العامل جميع الثمرة لنفسه 439

ص: 549

جواز اشتراط أحدهما الكلّ إلاّ شيئا يسيرا 439

جواز المساقاة فيما لو ساقاه على مقادير معيّنة لكلّ منهما مقدارا معيّنا غير الجزئيّة و قصد الإشاعة 440

بطلان المساقاة فيما لو قصد في الفرض المزبور تعيين المقادير لا الإشاعة 440

بطلان المساقاة فيما لو شرط أحدهما أصواعا معلومة و الباقي للآخر أو بينهما 440

الواجب تعيينه بالشرط حصّة العامل خاصّة 440

حكم ما لو قال المالك: ساقيتك على أنّ لي النصف من الثمرة و سكت عن حصّة العامل 441

فيما لو قال: ساقيتك على أنّ الثمرة بيننا اقتضى التنصيف 441

بطلان المساقاة فيما لو ساقاه على أن يكون للعامل ثمرة نخلة بعينها و الباقي بينهما نصفين أو بالعكس 441

بطلان المساقاة فيما لو شرط قدرا معيّنا لأحدهما و الباقي للآخر أو بينهما 441

جواز اشتراط أحدهما على الآخر مع الحصّة التي له شيئا من عنده 441

تذنيب: فيما لو اتّفقا على تعيين الجزء ثمّ اختلفا في أنّ الجزء المشروط لمن هو منهما 442

صحّة المساقاة فيما إذا اشتمل البستان على أشجار مختلفة و ساقاه المالك على أنّ للعامل سهما واحدا في الجميع 442

حكم ما لو فاوت المالك بين الأشجار في الصورة المزبورة 442

حكم ما لو لم يعيّن المالك مع الاختلاف في الفرض المزبور 443

حكم ما لو كان الجنس واحدا و النوع مختلفا و فاوت المالك بينها في الحصص 443

صحّة المساقاة فيما لو كان للمالك بستانان فساقاه عليهما صفقة واحدة 443

صحّة المساقاة فيما لو ساقاه على بستان واحد نصفه بالنصف و نصفه بالثلث 443

صحّة المساقاة فيما لو كان البستان لاثنين و العامل واحدا فقالا: ساقيناك على أنّ لك النصف من حصّة فلان و النصف من حصّة فلان 444

ص: 550

صحّة المساقاة فيما لو قالا في الفرض المزبور: على أنّ لك النصف من ثمرة الجميع 444

صحّة المساقاة فيما لو قالا: على أنّ لك من حصّة فلان النصف و من حصّة فلان الثلث 444

اشتراط جواز التفاضل بتعيين حصّة كلّ واحد من الشريكين و العلم بقدر نصيب كلّ واحد منهما 444

تذنيب: في صحّة المساقاة لو كان المالك واحدا و العامل اثنين 445

جواز المعاملة في المساقاة على أكثر من سنة واحدة 445

جواز التساوي بين السنين في الحصص و التفاوت بينها بشرط تعيين نصيب كلّ سنة 445

حكم ما لو كان البستان لاثنين بالسويّة فساقى أحدهما الآخر و شرط له زيادة على ما كان يستحقّه بالملك 446

حكم ما لو ساقاه في الفرض المزبور على كون الثمرة بينهما نصفين أو كون الأقلّ للعامل 446

حكم ما لو ساقى أحد الشريكين صاحبه و شرط له جميع الثمرة 448

حكم ما لو شرطا في عقد المساقاة أن يتعاونا في العمل 448

حكم ما لو كان له بستانان فساقاه على أحدهما من غير تعيين 448

حكم ما لو قال: ساقيتك على أنّك إن سقيت بالسماء أو بالسائح فلك الثلث و إن سقيت بالناضح أو شبهه فلك النصف 449

حكم ما لو قال: لك النصف إن كان عليك خسارة و إن لم تكن فالثلث 449

حكم ما لو ساقاه على بستان على النصف و شرط عليه أن يساقيه في بستان آخر بالثلث 449

جواز وحدة المالك و تعدّد العامل و بالعكس و اتّحادهما معا و تعدّدهما معا في المساقاة 451

ص: 551

البحث الخامس: في العمل

كلّ عمل تحتاج إليه الثمرة و يتكرّر كلّ سنة فإنّه يجب على العامل 452

وجوب القيام بكلّ ما لا يتكرّر كلّ سنة على المالك 454

حكم ما إذا أطلقا عقد المساقاة و لم يبيّنا ما على كلّ واحد منهما 455

حكم ما إذا شرطا على أحدهما شيئا ممّا يلزم الآخر 456

هل حصاد الزرع و جذاذ الثمرة و لقاطها على العامل أو عليه و على المالك ؟ 457

حكم ما لو شرط المالك على العامل عملا ليس من جنس المساقاة 457

هل يشترط تفرّد العامل باليد في البستان ؟ 458

جواز اشتراط العامل على المالك أكثر عمله له بشرطين 458

حكم اشتراط المالك على العامل شيئا ممّا يلزمه بالشرطين 458

حكم ما لو شرط العامل أن يعمل معه غلام المالك 459

هل يجوز شرط نفقة الغلام على العامل ؟ 462

حكم ما إذا أطلق العقد و لم يعيّن النفقة على من هي 462

فيما إذا شرطت النفقة على العامل فهل يجب تقديرها؟ 463

حكم ما لو شرطا نفقة الغلام من الثمار 463

حكم ما لو شرط للعامل أن يعمل الغلام لخاصّ العامل 464

فيما لو كان للمالك غلمان برسم ذلك البستان يعملون فيه فهل يدخلون في مطلق المساقاة ؟ 465

هل يعتبر أن يكون ذلك الغلام مرسوما لعمل هذا الحائط المساقى عليه ؟ 465

هل يجوز أن يشترط العامل على المالك استئجار العامل من يعمل معه في الثمرة ؟ 465

هل المساقاة عقد لازم أو جائز؟ 466

هل يجب في عقد المساقاة تقدير المدّة ؟ 468

ص: 552

حكم ضبط مدّة المساقاة بإدراك الثمار 469

فيما يتعلّق بأنّ المساقاة من العقود الجائزة 470

هل يجوز تأقيت المساقاة بسنة أو أكثر؟ 471

بيان أقلّ المدّة في المساقاة 472

هل يشترط تقدير مدّة تكمل فيها الثمرة ؟ 472

حكم ما إذا عمل العامل في الثمرة و لم تظهر أو لم تكمل 472

حكم ما لو ساقاه إلى مدّة تكمل فيها الثمرة غالبا فلم تحمل تلك السنة 473

حكم ما لو ساقاه إلى مدّة يحتمل أن تكون للشجرة ثمرة و يحتمل أن لا تكون 473

فيما لو شرط تأقيت المساقاة بأكثر من سنة فهل يجب تفصيل حصّة كلّ سنة ؟ 474

حكم ما لو فاوت بين الجزء المشروط في السنين 474

حكم ما لو ساقاه سنين و شرط له ثمرة سنة بعينها و الأشجار بحيث تثمر كلّ سنة 474

هل يثبت في عقد المساقاة خيار المجلس و كذا خيار الشرط؟ 475

كيفيّة التوصّل إلى بيع الثمرة قبل ظهورها منفردة 475

البحث السادس: في الأحكام

متى يملك العامل نصيبه في المساقاة ؟ 476

هل تجب الزكاة على كلّ من المالك و العامل إذا بلغ نصيبهما نصابا؟ 477

أقسام الأرض البيضاء التي فيها نخل أو شجر له ثمر و أحكام المزارعة و المساقاة عليها 478

فيما شرطه الشافعي و الشافعيّة في جواز المزارعة و المساقاة في الفرض المزبور 483

فيما يتعلّق ببطلان المغارسة 486

حكم ما لو زرع عامل المساقاة البياض بين النخل من غير عقد و لا إذن 487

حكم ما لو استأجره المالك ليعمل على النخل بجزء من الثمرة 487

ص: 553

عدم انفساخ المساقاة بهروب العامل قبل تمام العمل 488

حكم تولية الحاكم المالك الإنفاق عن العامل فيما يحتاج الاستئجار إليه 491

حكم ما لو استأجره الحاكم لباقي العمل 491

حكم ما إذا هرب العامل قبل ظهور الثمرة و فسخ المالك لتعذّر الاستئجار عن العامل 491

حكم ما لو جاء أجنبيّ و قال للمالك: لا تفسخ لأعمل بالنيابة عن العامل 492

تذنيب: فيما لو عجز العامل عن العمل 492

هل الموت يبطل المساقاة ؟ 492

تذنيب: في منع بعض الشافعيّة من المساقاة الواردة على العين 494

حكم ما لو لم تثمر الأشجار أصلا أو تلفت الثمار كلّها أو بعضها 494

العامل أمين و القول قوله فيما يدّعيه من هلاك و ما يدّعى عليه من خيانة 495

حكم ما إذا سلّم إلى العامل نخلا مساقاة يعمل فيه فجاء رجل فادّعاه و أقام البيّنة أنّه له 497

حكم ما إذا أثمرت النخيل في يد العامل و اختلفا في الجزء المشروط للعامل 500

حكم ما إذا اختلفا فيما تناولته المساقاة من النخيل 501

فيما إذا كان القول قول المالك مع اليمين في الفرض المزبور و كان قبل العمل أو بعده 502

حكم ما لو ساقاه الشريكان في البستان ثمّ قال العامل: شرطتما لي نصف الثمار فصدّقه أحدهما و قال الآخر: بل شرطنا الثلث 502

حكم ما لو شهد المصدّق للمكذّب أو للعامل 503

حكم ما لو اختلفا في ردّ شيء من المال أو هلاكه 503

حكم قسمة الثمار على الأشجار بالخرص و التراضي 503

حكم ما إذا انقطع ماء البستان و أمكن ردّه 504

تذنيب: في أنّ كلّ ما يسقط من أجزاء النخل فهو للمالك و ما يتبع الثمرة فهو بين المالك و العامل 505

ص: 554

حكم ما إذا دفع بهيمة إلى غيره ليعمل عليها و مهما رزق اللّه فهو بينهما 505

حكم ما لو قال: تعهّد هذه الأغنام على أن يكون درّها و نسلها بيننا 505

حكم ما لو قال: اعلف هذه من عندك و لك النصف من درّها ففعل 505

حكم ما لو قال: خذ هذه الشاة و اعلفها لتسمن و لك نصفها ففعل 505

هل يجوز للعامل أن يعامل غيره في البستان الذي عومل عليه ؟ 505

صحّة المساقاة على ما يشرب من النخل بعلا أو عذيا 506

حكم ما لو عجز العامل عن العمل لضعفه 506

حكم ما لو عجز العامل عن العمل بالكلّيّة 507

هل يجوز أن يشرط أحدهما لنفسه مع الحصّة شيئا من ذهب أو فضّة ؟ 507

حكم ما لو جعل له ثمرة سنة غير السنة التي ساقاه فيها أو ثمر شجر غير الشجر الذي ساقاه عليه 507

حكم ما لو ساقاه سنتين و شرط له الحصّة في كلّ واحدة منهما 507

حكم ما لو شرط له نماء إحدى السنتين و للآخر الأخرى 508

حكم ما لو كان النخل يسيرا في أرض كثيرة فزارعه على تلك الأرض و شرط العامل ثمرة النخلات اليسيرة له 508

حكم ما لو ساقاه على النخل و شرط له الانتفاع بالأرض بأجمعها 508

حكم ما لو آجره بياض الأرض و ساقاه على النخل الذي فيها في عقد واحد 508

تذنيب: في أنّ الخراج على النخل الذي في الأرض الخراجيّة على المالك دون العامل 509

فهرس الموضوعات 511

ص: 555

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.