تذكره الفقهاء المجلد 15

اشارة

سرشناسه : علامه حلي حسن بن يوسف ق 726 - 648

عنوان و نام پديدآور : تذكره الفقهاء/ تاليف العلامه الحلي الحسن بن يوسف بن المطهر؛ تحقيق موسسه آل البيت عليهم السلام لاحياآ التراث مشخصات نشر : قم موسسه آل البيت عليهم السلام لاحياآ التراث 1400ق = 1300.

مشخصات ظاهري : ج 22

فروست : (موسسه آل البيت عليهم السلام لاحياآ التراث 127؛ 129؛ 130134)

شابك : 964-5503-33-7 (دوره ؛ 964-5503-44-2 2900ريال (ج 4) ؛ 964-5503-46-9 (ج 6) ؛ 964-319-007-2 (ج 7) ؛ 964-319-224-5 8000ريال (ج 11)

يادداشت : عربي يادداشت : فهرست نويسي براساس جلد چهارم 1414ق = 1372

يادداشت : ج 1 (چاپ اول 1420ق = 1378)؛ 8000 ريال ج 1) :ISBN 964-319-197-4

يادداشت : ج 8 (چاپ اول 1417ق = 1376)؛ 6500 ريال ج )8ISBN 964-319-051-x

يادداشت : ج 9 (چاپ اول 1419ق = 1377)8000 ريال :(ج )9ISBN 964-319-008-0

يادداشت : ج 13 (چاپ اول 1423ق = 1381)9500 ريال :ISBN 964-319-389-6

يادداشت : كتابنامه مندرجات : (ج )7) ISBN 964-319-007-2 ج 12) 1422ق = 8500 :1380 ريال موضوع : فقه جعفري -- قرن ق 8

شناسه افزوده : موسسه آل البيت عليهم السلام لاحياآ التراث رده بندي كنگره : BP182/3 /ع8ت4 1300ي

رده بندي ديويي : 297/342

شماره كتابشناسي ملي : م 73-2721

ص: 1

اشارة

ص: 2

ص: 3

ص: 4

الجزء الخامس عشر

تتمة كتاب الديون

المقصد السادس: في الوكالة

اشارة

و فيه فصول:

الفصل الأوّل: في حقيقتها و مشروعيّتها

الوكالة: عقد شُرِّع للاستنابة في التصرّف، و هي جائزة بالكتاب و السنّة و الإجماع.

أمّا الكتاب: فقوله تعالى:«إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَ الْمَساكِينِ وَ الْعامِلِينَ عَلَيْها»(1) فجوّز العمل [عليها](2) و ذلك بحكم النيابة عن المستحقّين.

و قوله تعالى:«فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّها أَزْكى طَعاماً فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ»(3) و هذه وكالة.

و قوله تعالى:«اِذْهَبُوا بِقَمِيصِي هذا فَأَلْقُوهُ عَلى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيراً»(4) و هذه وكالة.

ص: 5


1- التوبة: 60.
2- إضافة يقتضيها السياق.
3- الكهف: 19.
4- يوسف: 93.

و أمّا السنّة: فما روى العامّة عن جابر بن عبد اللّه قال: أردت الخروج إلى خيبر فأتيت النبي صلى الله عليه و آله و قلت له: إنّي أردتُ الخروج إلى خيبر، فقال:

«إذا لقيتَ وكيلي فخُذْ منه خمسة عشر وسقاً، فإن ابتغى منك آيةً فضَعْ يدك على ترقوته»(1).

و روي أنّه صلى الله عليه و آله وكّل عمرو بن أُميّة الضمري في قبول نكاح أُمّ حبيبة بنت أبي سفيان(2) ، و وكّل أبا رافع في نكاح ميمونة(3).

و روى عروة بن الجعد البارقي قال: عُرض للنبيّ صلى الله عليه و آله جَلَبٌ(4) فأعطاني ديناراً، فقال: «يا عروة ائت الجَلَب فاشتر لنا شاةً» قال: فأتيتُ الجَلَبَ فساوَمْتُ صاحبَه فاشتريتُ شاتين بدينار فجئتُ أسوقهما، أو:

أقودهما، فلقيني رجل بالطريق فساومني، فبعتُ منه شاةً بدينار و أتيت النبيّ صلى الله عليه و آله بالدينار و الشاة، فقلت: يا رسول اللّه هذا ديناركم و هذه شاتكم، قال: «و صنعتَ كيف ؟» قال: فحدّثته الحديث، فقال: «اللَّهمّ بارك في صفقة يمينه»(5).5.

ص: 6


1- سنن أبي داوُد 3632/314:3، سنن البيهقي 80:6.
2- المحبّر: 76 و 88، تاريخ مدينة دمشق 421:45، و 138:69 و 145، الطبقات الكبرى 258:1-259، و 99:8، المستدرك - للحاكم - 22:4، دلائل النبوّة - للبيهقي - 461:3، سنن البيهقي 139:7، المغني و الشرح الكبير 201:5.
3- السيرة النبويّة - لابن هشام - 14:4، تاريخ الطبري 25:3، المحبّر: 91-92، الطبقات الكبرى 122:2، و 132:8-134، الثقات - لابن حبّان - 26:2، العلل - للدارقطني - 14:7، سنن الترمذي 841/200:3، المغني و الشرح الكبير 201:5، التمهيد 152:3.
4- الجَلَب: ما جُلب من خيلٍ و إبلٍ و متاعٍ. لسان العرب 268:1 «جلب».
5- تاريخ مدينة دمشق 299:50، سنن الدارقطني 30/10:3، مسند أحمد 18873/507:5، و 18877/508، المغني و الشرح الكبير 201:5.

و روي أنّه وكّل حكيم بن حزام في شراء شاة(1).

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السلام: «مَنْ وكّل رجلاً على إمضاء أمر من الأُمور فالوكالة ثابتة أبداً حتى يُعْلمه بالخروج منها كما أعلمه بالدخول فيها»(2) و غير ذلك من الأحاديث.

و قد أجمعت الأُمّة في جميع الأعصار و الأمصار على جواز الوكالة في الجملة.

و لأنّ اشتداد الحاجة الداعية إلى التوكيل ظاهرٌ، فإنّه لا يمكن كلّ أحدٍ مباشرة جميع ما يحتاج إليه من الأفعال، فدعت الضرورة إلى الاستنابة، فكانت مشروعةً.

و لا بدّ في الوكالة من عقدٍ مشتملٍ على إيجابٍ و قبولٍ، و من موكّلٍ يصدر عنه الإيجاب، و من وكيلٍ يصدر عنه القبول، و من أمرٍ تقع الوكالة فيه. فأركان الوكالة أربعة نحن نذكرها في فصلٍ ثمّ نعقّب بأحكام الوكالة في فصلٍ آخَر إن شاء اللّه تعالى.6.

ص: 7


1- سنن أبي داوُد 3386/256:3، سنن الترمذي 1257/558:3.
2- الفقيه 166/47:3، التهذيب 502/213:6.

ص: 8

الفصل الثاني: في أركان الوكالة

اشارة

و فيه أربعة مباحث:

البحث الأوّل: في الصيغة.
اشارة

الوكالة عقد يتعلّق به حقّ كلّ واحدٍ من المتعاقدين، فافتقر إلى الإيجاب و القبول، كالبيع.

و الأصل فيه عصمةُ مال المسلم، و منعُ غيره من التصرّف فيه إلّا بإذنه، فلا بدّ من جهة الموكّل من لفظٍ دالٍّ على الرضا بتصرّف الغير له، و هو كلّ لفظٍ دالٍّ على الإذن، مثل أن يقول: وكّلتك في كذا، أو فوّضته إليك، و أنَبْتُك فيه، و ما أشبهه.

و لو قال: وكِّلني في كذا، فقال: نعم، أو أشار بما يدلّ على التصديق، كفى في الإيجاب.

و لو قال: بِعْ و أعتق، و نحوهما، حصل الإذن، و هذا لا يكاد يُسمّى إيجاباً، بل هو أمر و إذْنٌ، و إنّما الإيجاب قوله: وكّلتك، أو: استنبتك، أو:

فوّضت إليك، و ما أشبهه.

و قوله: «أذنتُ لك في فعله» ليس صريحاً في الإيجاب، بل إذْنٌ في الفعل.

و قد وكّل النبيّ صلى الله عليه و آله عروة بن الجعد البارقي في شراء شاة بلفظ الشراء(1).

ص: 9


1- راجع الهامش (5) من ص 6.

و قال تعالى مُخبراً عن أهل الكهف:«فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّها أَزْكى طَعاماً فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ»(1) .

و لأنّه لفظ دلّ على الإذن، فجرى مجرى قوله: وكّلتك.

مسألة 645: لا بدّ من القبول إمّا لفظاً - و هو كلّ ما يدلّ على الرضا بالفعل - أو فعلاً.

و يجوز القبول بقوله: «قبلت» و ما أشبهه من الألفاظ الدالّة عليه، و بكلّ فعلٍ دلّ على القبول، نحو أن يأمره بالبيع فيبيع، أو بالشراء فيشتري؛ لأنّ الذين وكّلهم النبيّ صلى الله عليه و آله لم ينقل عنهم سوى امتثال أمره، و لأنّه إذنٌ في التصرّف، فجاز القبول فيه بالفعل، كأكل الطعام.

و القبول يُطلق على معنيين:

أحدهما: الرضا و الرغبة فيما فوّضه إليه. و نقيضه الردّ.

و الثاني: اللفظ الدالّ عليه على النحو المعتبر في البيع و سائر المعاملات.

و يعتبر في الوكالة القبولُ بالمعنى الأوّل حتى لو ردّ و قال: لا أقبل، أو: لا أفعل، بطلت الوكالة. و لو ندم و أراد أن يفعل أو يرجع [لا ينفع](2) بل لا بُدَّ من استئناف إذنٍ جديد مع علم الموكّل؛ لأنّ الوكالة جائزة من الطرفين ترتفع في الالتزام بالفسخ، فلأن تُرتدّ في الابتداء بالردّ كان أولى.

و أمّا بالمعنى الثاني - و هو القبول اللفظي - فالوجه عندنا: أنّه لا يشترط؛ لأنّه إباحة و رفع حجر، فأشبه إباحة الطعام لا يفتقر إلى القبول اللفظي، و هو أحد وجهي الشافعيّة.

ص: 10


1- الكهف: 19.
2- ما بين المعقوفين يقتضيه السياق.

و الثاني: الاشتراط؛ لأنّه إثبات حقّ التسليط و التصرّف للوكيل، فليقبل لفظاً، كما في سائر المملّكات(1).

و لهم طريقٌ آخَر: إنّ الوجهين فيما إذا أتى بصيغة عقدٍ بأن قال:

وكّلتك، أو: استنبتك، أو: فوّضت إليك، و أمّا في صِيَغ الأمر - نحو: بِعْ، أو: اشتر - فلا يشترط القبول لفظاً جزماً، بل يكفي الامتثال على المعتاد، كما في إباحة الطعام(2).

و قال بعض الشافعيّة: إنّ قوله: «أذنت لك في كذا» بمثابة قوله: «بِعْ و اعتق» لا بمثابة قوله: «وكّلتك» و إن كان «أذنت» على صِيَغ العقود(3).

إذا ثبت هذا، فإنّ الوكيل إن شاء قَبِل بلفظه، و إن شاء تصرّف، و كان ذلك قبولاً منه؛ لأنّ الوكالة أمر له، فيصير بالتصرّف محصّلاً للأمر، بخلاف سائر العقود من البيع و الإجارة و الهبة و الوصيّة، فإنّها تتضمّن التمليك، فافتقرت إلى القبول بالقول، و التوكيل جارٍ مجرى الوديعة و العارية لا يفتقر إلى القبول بالقول؛ لأنّ ذلك أمر و إباحة.

مسألة 646: و يجوز عندنا القبول على الفور و التراخي،

نحو أن يبلغه أنّ رجلاً وكّله في بيع شيء منذ سنة فيبيعه، أو يقول: قبلت، أو يأمره بفعل شيء فيفعله بعد مدّة طويلة؛ لأنّ قبول وكلاء النبيّ صلى الله عليه و آله لوكالته كان بفعلهم، و كان متراخياً عن توكيله إيّاهم، و لأنّه أذن في التصرّف، و الإذن قائم ما لم يرجع عنه، فأشبه الإباحة، و لأنّ الوكالة عقد يحتمل فيه

ص: 11


1- بحر المذهب 156:8، الوسيط 283:3، العزيز شرح الوجيز 219:5، روضة الطالبين 534:3، منهاج الطالبين: 135.
2- الوسيط 283:3، الوجيز 189:1، العزيز شرح الوجيز 220:5، روضة الطالبين 534:3، منهاج الطالبين: 135.
3- العزيز شرح الوجيز 220:5.

ضروب من الجهالة، و يصحّ في الموجود و المفقود، فيحتمل فيه تأخير القبول، كالوصيّة، و هو الظاهر من مذهب الشافعي(1).

و قال القاضي أبو حامد من أصحابه: إنّه يجب أن يكون على الفور، كالبيع(2).

و قال بعضهم: يكتفى بوقوعه في المجلس(3).

هذا في القبول اللفظي، فأمّا بالمعنى الأوّل الفعلي فلا يجب التعجيل - عندنا و عنده(4) - بحال.

و إن [لم نشرط](5) القبول فلو وكّله و الوكيل لا يشعر به، ففي ثبوت وكالته إشكال.

و للشافعيّة وجهان يقربان من القولين في أنّ العزل هل ينفذ قبل بلوغ خبره إلى الوكيل ؟ و الوكالة أولى أن لا تثبت؛ لأنّها تسليط على التصرّف(6).

فإن لم نثبتها، فهل نحكم بنفوذها حالة بلوغ الخبر كالعزل، أم لا؟ للشافعيّة وجهان(7).3.

ص: 12


1- الحاوي الكبير 499:6، المهذّب - للشيرازي - 357:1، التنبيه: 108، بحر المذهب 156:8، حلية العلماء 116:5، البيان 362:6، العزيز شرح الوجيز 220:5، روضة الطالبين 534:3، المغني 209:5، الشرح الكبير 202:5.
2- الحاوي الكبير 499:6، المهذّب - للشيرازي - 357:1، بحر المذهب 156:8، حلية العلماء 116:5، البيان 362:6، العزيز شرح الوجيز 220:5.
3- البيان 363:6، العزيز شرح الوجيز 220:5.
4- العزيز شرح الوجيز 220:5، روضة الطالبين 534:3.
5- بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «شرط». و الصحيح ما أثبتناه. (6 و 7) العزيز شرح الوجيز 220:5، روضة الطالبين 534:3.

قال بعضهم: إن لم نحكم به، فقد شرطنا اقتران علمه بالوكالة(1).

و الأظهر: ثبوت الوكالة و إن لم يعلم.

فعلى هذا لو تصرّف الوكيل و هو غير عالمٍ بالتوكيل ثمّ ظهر الحال، خرج على الخلاف فيما إذا باع مال أبيه على ظنّ أنّه حيّ و كان ميّتاً.

مسألة 647: إذا شرطنا القبول، لم يكتف بالكتابة و الرسالة، كما لو كتب بالبيع.

و إن لم نشترط القبول، كفت الكتابة و الرسالة، و كان مأذوناً في التصرّف. و هو الأقرب عندي.

و إذا شرطنا القبول، لم يكف الاستدعاء بأن يقول: وكِّلني، فيقول:

وكّلتك، بل يشترط القبول، فيقول بعد ذلك: قبلت.

و للشافعيّة قولان، كما في البيع، بل الوكالة أحوج إلى الاشتراط؛ لأنّها ضعيفة(2).

و قيل: يجوز؛ لأنّ الوكالة يحتمل فيها ما لا يحتمل في البيع، فكانت أولى بعدم الاشتراط(3). و لا بأس به.

مسألة 648: لا يصحّ عقد الوكالة معلّقاً بشرطٍ أو وصفٍ،
اشارة

فإن عُلّقت عليهما، بطلت - مثل أن يقول: إن قدم زيد، أو: إذا جاء رأس الشهر فقد وكّلتك - عند علمائنا - و هو أظهر مذهب الشافعي(4) - لأنّه عقد يملك به

ص: 13


1- العزيز شرح الوجيز 220:5.
2- العزيز شرح الوجيز 220:5-221، روضة الطالبين 534:3-535.
3- العزيز شرح الوجيز 221:5، روضة الطالبين 535:3.
4- المهذّب - للشيرازي - 357:1، بحر المذهب 186:8، حلية العلماء 118:5، التهذيب - للبغوي - 212:4، البيان 366:6، العزيز شرح الوجيز 221:5، روضة الطالبين 535:3، المغني 210:5، الشرح الكبير 203:5.

التصرّف حال الحياة لم يبن على التغليب و السراية، فلم يجز تعليقه بشرطٍ، كالبيع. و لأنّ الشركة و المضاربة و سائر العقود لا تقبل التعليق، فكذا الوكالة.

و قال بعض الشافعيّة و أبو حنيفة و أحمد: يصحّ تعليقها على الشرط؛ لأنّ النبيّ صلى الله عليه و آله قال في جيش مُؤتة: «أميركم جعفر، فإن قُتل فزيد بن حارثة، فإن قُتل فعبد اللّه بن رواحة»(1) ، و التأمير في معنى التوكيل.

و لأنّه لو قال: أنت وكيلي في بيع عبدي إذا قدم الحاج، أو: وكّلتك في شراء كذا في وقت كذا، صحّ إجماعاً، و محلّ النزاع في معناه(2).

و الفرق ظاهرٌ بين تنجيز العقد و تعليق التصرّف، و بين تعليق العقد.

إذا ثبت هذا، فلا خلاف في جواز تنجيز الوكالة و تعليق العقد، مثل أن يقول: وكّلتُك في بيع العبد و لا تبعه إلّا بعد شهر، فهذا صحيح، و ليس للوكيل أن يخالف.

و اعلم أنّ بعض الشافعيّة خرّج الخلاف بينهم في وجوب التنجيز و صحّة التعليق على أنّ الوكالة هل تفتقر إلى القبول ؟ إن قلنا: لا تفتقر جاز التعليق، و إلّا لم يجز؛ لأنّ فرض القبول في الحال، و الوكالة لم تثبت بَعْدُ، و تأخيرها إلى أن يحصل الشرط مع الفصل الطويل خارج عن قاعدة3.

ص: 14


1- صحيح البخاري 182:5، سنن البيهقي 154:8، مسند أحمد 2314/424:1، تاريخ اليعقوبي 65:2، تاريخ الطبري 36:3، تاريخ الإسلام - للذهبي - (المغازي): 480، السيرة النبويّة - لابن هشام - 15:4، السيرة النبويّة - لابن كثير - 455:2، المغازي - للواقدي - 576:2، المنتظم 318:3، و فيها بتقديم «زيد ابن حارثة» على «جعفر».
2- المهذّب - للشيرازي - 357:1، بحر المذهب 186:8، حلية العلماء 118:5-119، البيان 366:6، العزيز شرح الوجيز 221:5، روضة الطالبين 535:3، فتاوى قاضيخان - بهامش الفتاوى الهنديّة - 8:3، روضة القُضاة 3623/643:2، المغني 210:5، الشرح الكبير 202:5-203.

التخاطب(1).

تذنيب:

يصحّ توقيت الوكالة، فيقول: وكّلتك إلى شهرٍ، مثلاً، فليس للوكيل بعد مضيّ الشهر التصرّف.

مسألة 649: قد بيّنّا بطلان الوكالة المعلّقة على الشرط، و هو أظهر قولَي الشافعيّة

(2) .

فلو تصرّف الوكيل بعد حصول الشرط، فالأقرب: صحّة التصرّف؛ لأنّ الإذن حاصل لم يزل بفساد العقد، و صار كما لو شرط في الوكالة عوضاً مجهولاً، فقال: بِعْ كذا على أنّ لك العُشْر من ثمنه، تفسد الوكالة، و لكن إن باع يصحّ، و هو أحد وجهي الشافعيّة.

و الثاني: لا يصحّ؛ لفساد العقد، و لا اعتبار بالإذن الضمني في عقدٍ فاسد، أ لا ترى أنّه لو باع بيعاً فاسداً و سلّم إليه المبيع، لا يجوز للمشتري التصرّف فيه و إن تضمّن البيعُ و التسليمُ الإذنَ في التصرّف و التسليط عليه(3).

و ليس بجيّد؛ لأنّ الإذن في تصرّف المشتري باعتبار انتقال الثمن إليه و الملك إلى المشتري، و شيءٌ منهما ليس بحاصل، و إنّما أذن له في التصرّف لنفسه ليسلم له الثمن، و هنا إنّما أذن له في التصرّف عن الآذن لا لنفسه.

قال بعض الشافعيّة: أصل المسألة ما إذا كان عنده رهن بدَيْنٍ مؤجَّل، فأذن المرتهن في بيعه على أن يعجّل حقّه من الثمن، و فيه

ص: 15


1- العزيز شرح الوجيز 221:5.
2- راجع الهامش (4) من ص 13.
3- البيان 367:6، العزيز شرح الوجيز 221:5، روضة الطالبين 535:3.

اختلاف سبق.

و هذا البناء يقتضي ترجيح الوجه الثاني؛ لأنّ ظاهر المذهب للشافعيّة هناك فساد الإذن و التصرّف.

فإن قلنا بالصحّة - و هي الذي اخترناه نحن - [فأثر](1) بطلان الوكالة أنّه يسقط الجُعْل المسمّى إن كان قد سمّى له جُعْلاً، و يرجع إلى أُجرة المثل، و هذا كما أنّ الشرط الفاسد في النكاح يفسد الصداق، و يوجب مهر المثل و إن لم يؤثّر في النكاح(2).

مسألة 650: لو قال: وكّلتك بكذا و مهما عزلتك فأنت وكيلي، صحّت الوكالة المنجّزة،

و بطل التعليق، فله عزله، فإذا عزله لم يصر وكيلاً بذلك العقد، بل بتجدّد عقدٍ آخَر.

و للشافعيّة في صحّة الوكالة المنجّزة وجهان:

أصحّهما: صحّة الوكالة في الحال.

و الثاني: البطلان؛ لاشتمالها على الشرط الفاسد، و هو إلزام العقد الجائز(3).

فعلى قولنا و على الأصحّ من قولَي الشافعيّة أو كان قوله: «مهما عزلتك» مفصولاً عن الوكالة، فإذا عزله نُظر إن لم يشعر به الوكيل و اعتبرنا شعوره في نفوذ العزل، فهو على وكالته. و إن لم نعتبره أو كان شاعراً به، لم يَعُدْ وكيلاً بعد العزل عندنا.

ص: 16


1- بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة: «تأثير». و في الطبعة الحجريّة صُحّح ب «فتأثير». و المثبت كما في المصدر.
2- العزيز شرح الوجيز 221:5-222.
3- العزيز شرح الوجيز 222:5، روضة الطالبين 535:3.

و للشافعيّة وجهان مبنيّان على أنّ الوكالة هل تقبل التعليق؛ لأنّه علّق التوكيل ثانياً بالعزل ؟

أظهرهما: المنع.

و الثاني - و به قال أبو حنيفة - أنّه يعود وكيلاً.

فعلى هذا يُنظر في اللفظة الموصولة بالعزل، فإن قال: «إذا عزلتك» أو «مهما» أو «متى» لم يقتض ذلك عود الوكالة إلّا مرّة واحدة.

و إن قال: «كلّما عزلتك» اقتضى التكرار و العود مرّة بعد أُخرى؛ لأنّ «كلّما» تقتضي التكرار، دون غيرها.

فلو أراد أن لا يعود وكيلاً، فسبيله أن يوكّل غيره بعزله، فينعزل؛ لأنّ المعلّق عليه عزل نفسه.

فإن كان قد قال: «إن عزلتك» أو: «عزلك أحدٌ من قِبَلي» فالطريق أن يقول: «كلّما عُدْتَ وكيلي فأنت معزول» فإذا عزله ينعزل(1) ؛ لتقاوم التوكيل و العزل، و اعتضاد العزل بالأصل، و هو الحجر في حقّ الغير، و عصمة مال المسلم عن تصرّف الغير(2).

قال الجويني: و فيه نظر على بُعْدٍ متلقّى من استصحاب الوكالة(3).

و هذا كلّه عندنا باطل؛ لأنّ الوكالة عندنا لا تقبل التعليق.

مسألة 651: كما أنّ الوكالة لا تقبل التعليق، فالعزل هل يقبل التعليق ؟ الأقرب ذلك؛

لأنّه لا يشترط فيه القبول، و اشتراطه في الوكالة مختلف فيه.

ص: 17


1- في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «لم ينعزل». و الصحيح ما أثبتناه كما في المصدر.
2- العزيز شرح الوجيز 222:5-223، روضة الطالبين 536:3.
3- العزيز شرح الوجيز 223:5.

و الخلاف للشافعيّة في أنّ الوكالة هل تقبل التعليق أم لا؟ جارٍ في العزل هل يقبل التعليق أم لا؟ و لكن بالترتيب، و العزل(1) أولى بقبوله؛ لما تقدّم من عدم اشتراط القبول فيه. و تصحيح إرادة الوكالة و العزل جميعاً مبنيّ على قبولهما التعليق(2).

قال الجويني: إذا أنفذنا العزل و قلنا: تعود الوكالة، فلا شكّ أنّ العزل ينفذ في وقتٍ و إن لطف، ثمّ تترتّب عليه الوكالة(3).

فلو صادف تصرّف الوكيل ذلك الوقت اللطيف هل ينفذ؟ فيه وجهان للشافعيّة(4).

و إنّما كان يتّضح هذا الفرض و التصوير أن لو وقع بينهما ترتّب [زمانيّ](2) حتى يتصوّر(3) وقوع التصرّف بينهما، لكنّ الترتّب في مثل هذا لا يكون إلّا عقليّاً.

مسألة 652: تجوز الوكالة بجُعْلٍ و غير جُعْلٍ؛

لأنّ النبيّ صلى الله عليه و آله وكَّل أُنَيْساً(4) في إقامة الحدود(5) ، و عروةَ في شراء شاة(6) من غير جُعْلٍ، و كان يبعث عُمّاله ليقبضوا الصدقات، و يجعل لهم عمالةً، و لهذا قال له [ابنا

ص: 18


1- في النسخ الخطّيّة و الحجرية: «فالعزل» بدل «و العزل» و الظاهر ما أثبتناه كما في المصدر. (2-4) العزيز شرح الوجيز 223:5، روضة الطالبين 536:3.
2- إضافة يقتضيها السياق.
3- في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «تصوّر». و الظاهر أنّ الصحيح ما أثبتناه.
4- في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «أنساً». و الصحيح ما أثبتناه من المصادر.
5- صحيح البخاري 134:3 و 241 و 250، و 208:8، صحيح مسلم 1324:3-1697/1325 و 1698، سنن البيهقي 213:8 و 219 و 222.
6- تقدّم تخريجه في ص 6، الهامش (5).

عمّه](1): لو بعثتنا على هذه الصدقات فنؤدّي إليك ما يؤدّي الناس، و نصيب ما يصيبه الناس(2).

البحث الثاني: في الموكّل.
مسألة 653: يشترط في الموكّل أن يملك مباشرة ذلك التصرّف،

و يتمكّن من المباشرة لما يُوكّل فيه إمّا بحقّ الملك لنفسه أو بحقّ الولاية عن غيره، فلا يصحّ للصبي و لا المجنون و لا النائم و لا المغمى عليه و لا الساهي و لا الغافل أن يوكّلوا، سواء كان الصبي مميّزاً أو لا، و سواء كانت الوكالة في المعروف أو لا.

و على الرواية(3) المقتضية لجواز تصرّف المميّز أو مَنْ بلغ خمسة أشبار في المعروف و وصيّته بالمعروف ينبغي القول بجواز توكيله.

و كذا لو وكّل مَنْ يعتوره الجنون حالَ جنونه.

و لو وكّل حالَ إفاقته، صحّت الوكالة، لكن إذا(4) طرأ الجنون بطلت الوكالة.

مسألة 654: كلّ مَنْ صحّ تصرّفه في شيء تدخله النيابة صحّ أن يوكّل فيه،

سواء كان رجلاً أو امرأةً، حُرّاً أو عبداً، مسلماً أو كافراً، فإنّ

ص: 19


1- بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «أتباعه». و الصحيح ما أثبتناه حسب ما يقتضيه سياق النصوص في المصادر.
2- صحيح مسلم 752:2-1072/753، سنن البيهقي 31:7، التمهيد - لابن عبد البرّ - 359:24.
3- الكافي 28:7 (باب وصيّة الغلام و الجارية...) ح 1، الفقيه 502/145:4، التهذيب 898/248:8، و 922/233:10، الاستبصار 1085/287:4.
4- في «ج، ر»: «لو» بدل «إذا».

المكاتَب يتصرّف في بيعه و شرائه بنفسه، فصحّ أن يوكّل فيه.

و أمّا المرأة فعندنا يصحّ أن توكّل في النكاح، خلافاً للشافعيّة(1).

و كذا يصحّ عندنا توكيل الفاسق في تزويج ابنته - خلافاً للشافعيّة في أحد القولين(2) - لأنّ الفاسق عندنا له ولاية النكاح.

و لا يصحّ توكيل السكران كسائر تصرّفاته، عندنا.

مسألة 655: شرطنا في الموكّل أن يكون متمكّناً من المباشرة

إمّا بحقّ الملك أو الولاية ليدخل فيه توكيل الأب أو الجدّ له في النكاح و المال. و يخرج عنه توكيل الوكيل، فإنّه ليس بمالكٍ و لا وليّ، و إنّما يتصرّف بالإذن.

نعم، لو مكّنه الموكّل من التوكيل لفظاً أو دلّت عليه قرينة، نفذ.

و العبد المأذون ليس له أن يوكّل فيما أذن له مولاه فيه؛ لأنّه إنّما يتصرّف بالإذن.

و كذا العامل في المضاربة إنّما يتصرّف عن الإذن لا بحقّ الملك و لا الولاية.

و في توكيل الأخ و العمّ و مَنْ لا يجبر في النكاح للشافعيّة وجهان يعودان في النكاح؛ لأنّه من حيث إنّه لا يعزل كالوليّ، و من حيث إنّه لا يستقلّ كالوكيل(3).

ص: 20


1- الحاوي الكبير 508:6، المهذّب - للشيرازي - 356:1، الوسيط 281:3، الوجيز 189:1، التهذيب - للبغوي - 211:4، العزيز شرح الوجيز 215:5، روضة الطالبين 532:3، منهاج الطالبين: 134، المغني 337:7.
2- الحاوي الكبير 506:6، المهذّب - للشيرازي - 356:1، و 37:2، بحر المذهب 152:8، الوسيط 281:3، حلية العلماء 116:5، التهذيب - للبغوي - 211:4، البيان 360:6، العزيز شرح الوجيز 215:5، روضة الطالبين 532:3.
3- المهذّب - للشيرازي - 356:1، البيان 360:6، الوسيط 281:3، حلية العلماء 344:6، العزيز شرح الوجيز 215:5، روضة الطالبين 530:3.

و عندنا لا ولاية له، و لا مدخل له في النكاح البتّة، فلا يصحّ له أن يوكّل فيه.

و للمحجور عليه بالفلس أو السفه أو الرقّ أن يوكّلوا فيما لهم الاستقلال [به](1) من التصرّفات، فيصحّ من العبد أن يوكّل فيما يملكه دون إذن سيّده، كالطلاق و الخُلْع.

و كذا المحجور عليه لسفهٍ لا يوكّل إلّا فيما لَه فعله، كالطلاق و الخُلْع و طلب القصاص.

و المفلس له التوكيل في الطلاق و الخُلْع و طلب القصاص و التصرّف في نفسه، فإنّه يملك ذلك، و أمّا ماله فلا يملك التصرّف فيه.

و أمّا ما لا يستقلّ أحدهم بالتصرّف فيه فيجوز مع إذن الوليّ و المولى.

و مَنْ جوّز التوكيل بطلاق(2) امرأة سينكحها و بيع(3) عبد سيملكه فقياسه تجويز توكيل المحجور عليه بما سيأذن له فيه الوليّ(4).

و كلّ هذا عندنا باطل.

و مَنْ مَنَع من بيع الأعمى و شرائه من العامّة جوّز له أن يوكّل فيه؛ للضرورة.

و إذا نفذ توكيل الوكيل، فمنصوبه وكيل الموكّل أم وكيل الوكيل ؟ فيه خلاف سيأتي إن شاء اللّه تعالى.

فإذا جعلناه وكيلاً للوكيل، لم يكن من شرط التوكيل كون الموكّل1.

ص: 21


1- ما بين المعقوفين يقتضيه السياق.
2- في «ج، ر»: «في طلاق».
3- الظاهر: «أو بيع».
4- العزيز شرح الوجيز 215:5، روضة الطالبين 530:3-531.

مالكاً للتصرّف بحقّ الملك أو الولاية.

مسألة 656: الوكالة جائزة في كلّ ما يصحّ دخول النيابة فيه

من البيع و الشراء و المحاكمة و مطالبة الحقوق ممّن هي عليه و إثباتها، عند علمائنا كافّة مع حضور الموكّل و غيبته و صحّته و مرضه - و به قال ابن أبي ليلى و مالك و أحمد و الشافعي و أبو يوسف و محمّد(1) - لأنّ الخصومة تصحّ فيها النيابة، فكان له الاستنابة فيها من غير رضا خصمه لدفع المال الذي عليه إذا كان غائباً أو مريضاً. و لأنّ الخصومة حقّ تجوز النيابة فيه، فكان لصاحبه الاستنابة بغير رضا خصمه، كحالة غيبته أو مرضه.

و لأنّ الصحابة أجمعوا عليه، فإنّ العامّة رووا أنّ عليّاً عليه السلام وكّل عقيلاً و قال: «ما قضي له فلي، و ما قضي عليه فعلَيَّ»(2) ، و وكّل [عبد اللّه](3) بن جعفر أيضاً و قال: «إنّ للخصومة قحماً، و إنّ الشيطان ليحضرها، و إنّي أكره أن أحضرها»(4). و القحم: المهالك. و اشتهر ذلك بين الصحابة، و لم ينكره أحد، فكان إجماعاً.

ص: 22


1- الإشراف على نكت مسائل الخلاف 1031/607:2، بداية المجتهد 301:2، التلقين 445:2-446، الذخيرة 6:8 و 8، الكافي في فقه أهل المدينة: 394، المعونة 1237:2، المغني 204:5، الشرح الكبير 206:5-207، التنبيه: 108، المهذّب - للشيرازي - 355:1، بحر المذهب 149:8 و 153، الوسيط 278:3، الوجيز 188:1، البيان 355:6، العزيز شرح الوجيز 209:5، التهذيب - للبغوي - 210:4، روضة الطالبين 526:3، الاختيار لتعليل المختار 253:2، تحفة الفقهاء 228:3، بدائع الصنائع 22:6، فتاوى قاضيخان - بهامش الفتاوى الهنديّة - 7:3، الهداية - للمرغيناني - 136:3، مختصر اختلاف العلماء 1741/67:4.
2- المهذّب - للشيرازي - 355:1، المغني 205:5، الشرح الكبير 207:5، سنن البيهقي 81:6.
3- بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «عبد الرحمن». و الصحيح ما أثبتناه كما في المصادر.
4- نفس المصادر في الهامش (2).

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السلام: «مَنْ وكّل رجلاً على إمضاء أمر من الأُمور فالوكالة ثابتة أبداً حتى يُعلمه بالخروج منها كما أعلمه بالدخول فيها»(1)تحفة الفقهاء 228:3، بدائع الصنائع 22:6، الاختيار لتعليل المختار 253:2، الهداية - للمرغيناني - 136:3-137، فتاوى قاضيخان - بهامش الفتاوى الهنديّة - 7:3، مختصر اختلاف العلماء 1741/67:4، بحر المذهب 153:8، الوسيط 278:3، البيان 355:6، الذخيرة 8:8، المعونة 1237:2، الإشراف على نكت مسائل الخلاف 1031/607:2، المغني 204:5، الشرح الكبير 207:5.(2) و هو من ألفاظ العموم.

و قال أبو حنيفة: للخصم أن يمتنع من مخاصمة الوكيل و محاكمته إذا كان الموكّل حاضراً؛ لأنّ حضوره مجلسَ الحكم و مخاصمته حقٌّ لخصمه عليه، فلم يكن له نقله إلى غيره بغير رضا خصمه، كالدَّيْن يكون عليه(2).

و الفرق: إنّ الحوالة إسقاط الحقّ عن ذمّته، فلا يملكه، و هنا الوكالة نيابة عنه، فهو بمنزلة توكيله في تسليم الحقّ الذي عليه. و لأنّ الحاجة قد تدعو إلى التوكيل، فإنّه قد لا يُحسن الخصومة، أو [يترفّع](3) عنها، فإنّه يكره للإنسان أن يباشر الخصومة بنفسه، بل ينبغي لذوي المروءات و أهل المناصب الجليلة التوكيل في محاكماتهم إذا احتاجوا إليها.

مسألة 657: و لا فرق في ذلك بين الطلاق و غيره عند أكثر علمائنا

(4) .

و للشيخ رحمه الله قولٌ: إنّه إذا وكّل الإنسان غيره في أن يطلّق عنه امرأته و كان غائباً، جاز طلاق الوكيل، و إن كان شاهداً لم يجز طلاق الوكيل(5).

ص: 23


1- تقدّم تخريجه في ص 7، الهامش
2- .
3- بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «يرتفع». و الظاهر أنّ الصحيح ما أثبتناه.
4- منهم: ابن إدريس في السرائر 83:2، و المحقّق الحلّي في شرائع الإسلام 197:2، و يحيى بن سعيد في الجامع للشرائع: 319.
5- النهاية: 319.

و لا وجه له، و المعتمد: جواز طلاق الوكيل في حضرة الموكّل و غيبته.

و للفاسق أن يوكّل غيره في إيجاب العقد على ابنته و في قبول النكاح عن ابنه.

و للشافعيّة فيهما وجهان(1).

و بعض العامّة فرّق بين القبول عن ابنه و الإيجاب عن ابنه و الإيجاب عن ابنته، فجوّز الأوّل، و مَنَع الثاني(2).

و ليس للكافر ولاية التزويج لابنته المسلمة، فليس له أن يوكّل فيه؛ لقوله تعالى:«وَ لَنْ يَجْعَلَ اللّهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً»(3) .

و كذا ليس للمُحْرم أن يوكّل في شراء الصيد و لا في عقد النكاح إيجاباً و قبولاً.

مسألة 658: التوكيل على أقسام ثلاثة:

الأوّل: أن يأذن الموكّل لوكيله في التوكيل، فيجوز له أن يوكّل إجماعاً؛ لأنّه عقد أذن له فيه، فكان له فعله، كالتصرّف المأذون فيه.

الثاني: أن ينهاه عن التوكيل، فليس له أن يوكّل إجماعاً؛ لأنّ ما نهاه عنه غير داخل في إذنه، فلم يجز له فعله، كما لو لم يوكّله.

الثالث: أطلق(4) الوكالة. و أقسامه ثلاثة:

أحدها: أن يكون العمل ممّا يترفّع(5) الوكيل عن مثله، كالأعمال الدنيئة في حقّ أشراف الناس المترفّعين(6) عن فعل مثلها في العادة، كما

ص: 24


1- بحر المذهب 152:8، البيان 360:6 و 361.
2- لم نعثر عليه فيما بين أيدينا من المصادر.
3- النساء: 141.
4- في «ج»: «إطلاق». (5 و 6) في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «يرتفع... المرتفعين». و الظاهر أنّ الصحيح ما أثبتناه.

لو وكّله في البيع و الشراء، و الوكيل ممّن لا يبتذل بالتصرّف في الأسواق، أو يعجز عن عمله؛ لكونه لا يُحسنه، فله التوكيل فيه؛ لأنّ تفويض مثل هذا التصرّف إلى مثل هذا الشخص لا يقصد منه إلّا الاستنابة، و هو قول علمائنا أجمع و أكثر الشافعيّة(1).

و لهم وجهٌ آخَر: إنّه لا يوكّل؛ لقصور اللفظ(2).

و ليس بجيّد؛ لأنّ [العمل] إذا كان ممّا لا يعمله [الوكيل] عادةً(1) انصرف الإذن إلى ما جرت العادة من الاستنابة فيه.

الثاني: أن يكون العمل ممّا لا يترفّع(2) الوكيل عن مثله، بل له عادة بمباشرته إلّا أنّه عملٌ كثير منتشر لا يقدر الوكيل على فعل جميعه فيباشره بنفسه، و لا يمكنه الإتيان بالكلّ؛ لكثرتها، فعندنا يجوز له التوكيل، و لا نعلم فيه مخالفاً.

و له أن يوكّل فيما يزيد على قدر الإمكان قطعاً، و في قدر الإمكان إشكال أقربه ذلك أيضاً؛ لأنّ الوكالة اقتضت جواز التوكيل فيه، فجازت في جميعه، كما لو أذن له في التوكيل فيه بلفظٍ.

و للشافعيّة ثلاثة طرق:

أصحّها عندهم: إنّه يوكّل فيما يزيد على قدر الإمكان.

و في قدر الإمكان وجهان:

أحدهما: يوكّل فيه أيضاً؛ لأنّه ملك التوكيل في البعض، فيوكّل في الكلّ، كما لو أذن صريحاً.ه.

ص: 25


1- في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «لأنّ الوكيل إذا كان ممّا لا يعمله عادةً». و الصحيح ما أثبتناه.
2- في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «لا يرتفع». و الظاهر أنّ الصحيح ما أثبتناه.

و أصحّهما عندهم: أنّه لا يوكّل في القدر المقدور عليه؛ لأنّه لا ضرورة إليه، بل يوكّل في الزائد خاصّةً؛ لأنّ التوكيل إنّما جاز لأجل الحاجة، فاختصّ بما دعت إليه الحاجة، بخلاف وجود إذنه فيه؛ لأنّه مطلق.

و الثاني: إنّه لا يوكّل في قدر الإمكان، و فيما يزيد عليه وجهان.

و الثالث: إطلاق الوجهين في الكلّ(1).

قال الجويني: و الخلاف على اختلاف الطرق نظراً إلى اللفظ أو(2) القرينة، و في القرينة تردّد في التعميم و التخصيص(3).

الثالث: ما عدا هذين القسمين، و هو ما أمكنه فعله بنفسه و لا يترفّع عنه، فقد قلنا: إنّه لا يجوز له أن يوكّل فيه إلّا بإذن الموكّل؛ لأنّه لم يأذن له في التوكيل و لا تضمّنه إذنه، فلم يجز، كما لو نهاه. و لأنّ التوكيل استئمان، فإذا استأمنه(4) فيما يمكنه النهوض به، لم يكن له أن يولّيه مَنْ لم يأتمنه عليه، كالوديعة، و بهذا قال أبو حنيفة و أبو يوسف و الشافعي و أحمد في إحدى الروايتين.

و قال في الأُخرى: يجوز له أن يوكّل - و به قال ابن أبي ليلى إذا مرض أو غاب - لأنّ الوكيل له أن يتصرّف بنفسه، فملكه نيابةً للموكّل(5).

[و] الأوّل أولى. و لا يشبه الوكيل المالك، فإنّ المالك يتصرّف في5.

ص: 26


1- المهذّب - للشيرازي - 358:1، حلية العلماء 120:5، العزيز شرح الوجيز 236:5، روضة الطالبين 544:3.
2- في «ث، خ»: «و» بدل «أو».
3- العزيز شرح الوجيز 236:5.
4- في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «استئمار... استأمره». و الظاهر أنّ الصحيح ما أثبتناه.
5- الفقه النافع 995/1240:3، بحر المذهب 166:8، البيان 368:6، المغني 216:5، الشرح الكبير 210:5.

ملكه كيف شاء، بخلاف الوكيل.

لا يقال: للوصي أن يوكّل و إن كان الموصي لم يأذن له في التوكيل.

لأنّا نقول: إنّ الوصي يتصرّف بولايةٍ؛ لأنّه يتصرّف فيما لم ينص له على التصرّف فيه، و الوكيل لا يتصرّف إلّا فيما نصّ له عليه، كذلك التوكيل. و لأنّ الوصي لا يملك أن يوصي إلى غيره، كذا أيضاً الوكيل ينبغي أن لا يملك أن يوكّل غيره، أمّا إذا أذن له الموكّل في التوكيل، فإنّه يجوز له أن يوكّل؛ لأنّ التوكيل عقد أُذن له فيه، فكان كما لو أُذن له في البيع.

مسألة 659: إذا وكّله بتصرّفٍ و قال له: افعل ما شئت، لم يقتض ذلك الإذنَ في التوكيل؛

لأنّ التوكيل يقتضي تصرّفاً يتولّاه بنفسه، و قوله:

«اصنع ما شئت» لا يقتضي التوكيل، بل يرجع إلى ما يقتضيه التوكيل من تصرّفه بنفسه، و هذا أصحّ قولَي الشافعيّة.

و في الثاني: إنّه له التوكيل - و به قال أحمد، و اختاره الشيخ رحمه الله في الخلاف(1) - لأنّه أطلق الإذن بلفظٍ يقتضي العموم في جميع ما شاء، فيدخل في عمومه التوكيل(2).

و هو ممنوع.

مسألة 660: كلّ وكيلٍ جاز له التوكيل فليس له أن يوكّل إلّا أميناً؛

لأنّه لا نظر للموكّل في توكيل مَنْ ليس بأمين، فيفيد جواز التوكيل فيما فيه الحظّ و النظر، كما أنّ الإذن في البيع يفيد البيع بثمن المثل، إلّا أن يعيّن له الموكّل مَنْ يوكّله، فيجوز، سواء كان أميناً أو لم يكن؛ اقتصاراً على مَنْ نصّ عليه

ص: 27


1- الخلاف 343:3، المسألة 8.
2- المهذّب - للشيرازي - 358:1، حلية العلماء 119:5-120، البيان 368:6، العزيز شرح الوجيز 237:5، المغني 215:5، الشرح الكبير 209:5.

المالك، و لأنّ المالك قطع نظره بتعيينه.

و لو وكّل أميناً فصار خائناً، فعليه عزله؛ لأنّ تركه يتصرّف في المال مع خيانته تضييعٌ و تفريطٌ على المالك، و الوكالة تقتضي استئمان أمين، و هذا ليس بأمين، فوجب عزله.

و للشافعيّة وجهان في أنّه هل له عزله ؟(1).

مسألة 661: إذا أذن له أن يوكّل، فأقسامه ثلاثة:
الأوّل: أن يقول له: وكِّل عن نفسك، فَفَعَل، كان الثاني وكيلاً للوكيل ينعزل بعزل الأوّل إيّاه؛

لأنّه نائبه، و هو أحد قولَي الشافعيّة.

و الثاني: لا ينعزل؛ لأنّ التوكيل فيما يتعلّق بحقّ الموكّل حقٌّ للموكّل، و إنّما حصّله بالإذن، فلا يرفعه إلّا بالإذن(2).

و يجري هذا الخلاف في انعزاله بموت الأوّل و جنونه(3).

و الأصحّ: الانعزال.

و لو عزل الموكّل الأوّلَ، انعزل. و في انعزال الثاني بانعزاله هذا الخلاف بين الشافعيّة(2).

و لو عزل الأوّل الثاني، فالأقرب الانعزال؛ لأنّه وكيله - و هو أصحّ وجهي الشافعيّة - كما ينعزل بموته و جنونه.

و الثاني: لا ينعزل؛ لأنّه ليس بوكيلٍ من جهته(3).

ص: 28


1- الحاوي الكبير 518:6-519، المهذّب - للشيرازي - 358:1، بحر المذهب 168:8، الوسيط 292:3، حلية العلماء 119:5، التهذيب - للبغوي - 215:4، البيان 367:6-368، العزيز شرح الوجيز 237:5، روضة الطالبين 545:3. (2 و 3) بحر المذهب 167:8، العزيز شرح الوجيز 236:5، روضة الطالبين 545:3.
2- العزيز شرح الوجيز 236:5، روضة الطالبين 545:3.
3- بحر المذهب 167:8، العزيز شرح الوجيز 236:5، روضة الطالبين 545:3.

و الأصل في ذلك أنّ الثاني وكيل الوكيل كما [لو](1) صرّح [به](2) في التوكيل، أو وكيل الموكّل، و معنى كلامه: أقم غيرك مقام نفسك ؟

و الأصحّ أنّه وكيل الوكيل، لكن إذا كان وكيل الوكيل، كان فرعُ الفرع فرعَ أصل الأصل، فينعزل بعزله.

الثاني: لو قال: وكِّل عنّي، فوكَّل عن الموكّل، فالثاني وكيلٌ للموكّل،

كما أنّ الأوّل وكيل الموكّل، و ليس لأحدهما عزل الآخَر، و لا ينعزل أحدهما بموت الآخَر و لا جنونه، و إنّما ينعزل أحدهما بعزل الموكّل، فأيّهما عزل انعزل.

الثالث: لو قال: وكّلتُك بكذا و أذنتُ لك في توكيل مَنْ شئتَ، أو:

في أن توكّل وكيلاً،

أو: في أن توكّل فلاناً، و لم يقل: عنّي، و لا عن نفسك، بل أطلق، فللشافعيّة وجهان:

أحدهما: إنّه كالصورة الأُولى - و هو أن يكون وكيلاً عن الوكيل - لأنّ المقصود من الإذن في التوكيل تسهيل الأمر على الوكيل.

و أصحّهما عندهم: إنّه كالصورة الثانية يكون وكيلاً عن الموكّل؛ لأنّ التوكيل تصرّف يتولّاه بإذن الموكّل، فيقع عنه(3).

و إذا جوّزنا للوكيل أن يوكّل في صورة سكوت الموكّل عنه، فينبغي أن يوكّل عن موكّله.

و لو وكّله عن نفسه، فللشافعيّة وجهان؛ لأنّ القرينة المجوّزة للتوكيل

كالإذن في مطلق التوكيل(4).

مسألة 662: يجوز للوصي أن يوكّل و إن لم يفوّض الموصي إليه

ص: 29


1- ما بين المعقوفين يقتضيه السياق.
2- ما بين المعقوفين يقتضيه السياق.
3- العزيز شرح الوجيز 237:5، روضة الطالبين 545:3.
4- العزيز شرح الوجيز 237:5، روضة الطالبين 545:3.

ذلك بالنصوصيّة؛ لأنّه يتصرّف بالولاية، كالأب و الجدّ، لكن لو منعه الموصي من التوكيل، وجب أن يتولّى بنفسه، و ليس له أن يوكّل حينئذٍ؛ لقوله تعالى:«فَمَنْ بَدَّلَهُ»(1) الآية.

و يجوز للحاكم أن يوكّل عن السفهاء و المجانين و الصبيان مَنْ يتولّى الحكومة عنهم، و يستوفي حقوقهم، و يبيع عنهم و يشتري لهم، و لا نعلم فيه خلافاً.

البحث الثالث: في الوكيل.
مسألة 663: كما يشترط في الموكّل التمكّن من مباشرة التصرّف للموكّل فيه بنفسه، يشترط في الوكيل التمكّن من مباشرته بنفسه،

و ذلك بأن يكون صحيحَ العبارة فيه، فلا يصحّ للصبي و لا للمجنون أن يكونا وكيلين في التصرّفات، سواء كان الصبي مميّزاً، أو لا، و سواء بلغ عشر سنين أو خمسة أشبار، أو لا، و سواء كان في المعروف، أو لا.

و على الرواية(2) المسوّغة تصرّفاتِ الصبي إذا بلغ عشر سنين في المعروف و الوصيّة يحتمل جواز وكالته فيما يملكه من ذلك.

لكنّ المعتمد الأوّل.

و لو جُنّ الوكيل أو الموكّل أو أُغمي على أحدهما، بطلت الوكالة؛ لخروجه حينئذٍ عن التكليف، و سقوط اعتبار تصرّفه و عبارته في شيء البتّة. و قد استثني في الصبي الإذن في الدخول إلى دار الغير و الملك في إيصال الهديّة.

و في اعتبار عبارته في هاتين الصورتين للشافعيّة وجهان، فإن جاز

ص: 30


1- البقرة: 181.
2- تقدّم تخريجها في ص 19، الهامش (3).

فهو وكيل من جهة الآذن و المُهْدي(1).

و إذا(2) قلنا: إنّ تجويزهما على سبيل التوكيل، فلو أنّه وكّل غيره فيه، فقياس الشافعيّة أنّه على الخلاف في أنّ الوكيل هل يوكّل ؟ فإن جاز، لزم أن يكون الصبي أهلاً للتوكيل أيضاً(3).

و قال أبو حنيفة و أحمد: يجوز أن يكون الصبيّ وكيلاً في البيع و الشراء و غير ذلك من أنواع التصرّفات إذا كان يعقل ما يقول، و لا يحتاج إلى إذن وليّه؛ لأنّه يعقل ما يقول، فجاز توكيله، كالبالغ(4).

و هو غلط؛ لأنّه غير مكلّف، فلا يصحّ تصرّفه، كالمجنون.

و الفرق بينه و بين البالغ ظاهرٌ؛ فإنّ البالغ مكلّف، بخلافه.

إذا عرفت هذا، فيستحبّ أن يكون الوكيل تامَّ البصيرة فيما وكّل فيه، عارفاً باللغة التي يحاور بها.

مسألة 664: يجوز للمرأة أن تتوكّل في عقد النكاح إيجاباً و قبولاً عندنا؛

لأنّ عبارتها في النكاح معتبرة، بخلاف المُحْرم، فإنّه لا يجوز أن يتوكّل فيه إيجاباً و لا قبولاً، و به قال أبو حنيفة(5).

و قال الشافعي: لا يجوز للمرأة أن تكون وكيلةً في النكاح إيجاباً و لا قبولاً، كالمُحْرم؛ لأنّهما مسلوبا العبارة في النكاح، فلا يتوكّلان فيه كما لا يوكّلان(6).

ص: 31


1- العزيز شرح الوجيز 217:5، روضة الطالبين 532:3.
2- في «ث»: «فإن». و في «خ» و الطبعة الحجريّة: «فإذا» بدل «و إذا».
3- العزيز شرح الوجيز 217:5، روضة الطالبين 532:3.
4- مختصر اختلاف العلماء 1744/70:4، بدائع الصنائع 20:6، حلية العلماء 129:5-130، العزيز شرح الوجيز 217:5، المغني 203:5، الشرح الكبير 204:5.
5- الوجيز 189:1، العزيز شرح الوجيز 217:5.
6- المهذّب - للشيرازي - 356:1، بحر المذهب 152:8، الوجيز 189:1، حلية العلماء 323:6، البيان 360:6، العزيز شرح الوجيز 217:5، روضة الطالبين 532:3، منهاج الطالبين: 206.

و نحن نمنع ذلك في النكاح على ما يأتي.

و يجوز توكيل المطلّقة الرجعيّة في رجعة نفسها و توكيل امرأةٍ أُخرى، خلافاً للشافعيّة؛ لأنّ الفرج - عندهم - لا يستباح بقول النساء، و منعوا من توكيل المرأة في الاختيار للنكاح إذا أسلم الكافر على أكثر من أربع نسوة(1).

و كلّ هذا عندنا جائز.

و كذا يجوز توكيل المرأة في الاختيار للفراق لما زاد على أربع.

و للشافعيّة وجهان، أحدهما: المنع؛ لأنّه يتضمّن اختيار الأربع للنكاح(2).

مسألة 665: يجوز تعدّد الوكيل في الشيء الواحد، و وحدته،

و لا نعلم فيه خلافاً، فإذا وكّل اثنين في تصرّفٍ بأن جَعَل لكلّ واحدٍ منهما الانفراد بالتصرّف، فله ذلك؛ لأنّه مأذون له فيه. و إن منعه من الانفراد، لم يكن له التفرّد. و إن أطلق، فكذلك لا ينفرد أحدهما؛ لأنّه لم يأذن له في ذلك، و إنّما يتصرّف فيما أذن له فيه موكّلُه، و به قال الشافعي و أحمد و أصحاب الرأي(1).

مسألة 666: يجوز أن يتوكّل العبد في الشراء لنفسه أو لغيره.

و للشافعيّة وجهان(2).

ص: 32


1- المهذّب - للشيرازي - 358:1، التهذيب - للبغوي - 215:4، البيان 369:6، العزيز شرح الوجيز 245:5، روضة الطالبين 551:3، المغني 214:5، الشرح الكبير 220:5، تحفة الفقهاء 231:3، بدائع الصنائع 32:6، الهداية - للمرغيناني - 148:3، الاختيار لتعليل المختار 263:2.
2- الوسيط 287:3، حلية العلماء 129:5، البيان 376:6، العزيز شرح الوجيز 374:4، و 217:5، روضة الطالبين 230:3 و 532، المغني 240:5، الشرح الكبير 211:5-212.

و في توكّله في قبول النكاح بغير إذن السيّد وجهان:

أحدهما: المنع، كما لا يقبل لنفسه بغير إذن السيّد.

و أصحّهما عندهم: الجواز(1).

و الحقّ ذلك إن لم يمنع شيئاً من حقوق السيّد، و إنّما لم يجز قبوله لنفسه؛ لما يتعلّق به من المهر و مُؤن النكاح.

و كذا يصحّ أن يتوكّل في طرف الإيجاب لصحّة عبارته، و هو أحد وجهي الشافعيّة.

و الثاني: المنع؛ لأنّه لا يزوّج ابنته فأولى أن لا يزوّج بنت غيره(2).

و الفرق: إنّه إنّما لم يَلِ أمر ابنته؛ لأنّه لا يتفرّغ للبحث و النظر، و هنا قد تمّ البحث و النظر من جهة الموكّل.

و يوكّل المحجور عليه بالسفه في [طرفي](3) النكاح، كتوكيل العبد، و توكيل الفاسق في إيجاب النكاح إذا سلبنا الولاية بالفسق، و نحن لا نسلبه الولاية.

و لا خلاف في جواز قبوله بالوكالة.

و المحجور عليه بالفلس يتوكّل فيما لا يلزم ذمّته عُهْدة، و كذا فيماه.

ص: 33


1- المهذّب - للشيرازي - 356:1، بحر المذهب 152:8، الوسيط 282:3، حلية العلماء 115:5، التهذيب - للبغوي - 211:4، البيان 361:6، العزيز شرح الوجيز 217:5، روضة الطالبين 532:3.
2- بحر المذهب 152:8، العزيز شرح الوجيز 217:5-218، روضة الطالبين 532:3.
3- بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «طريق». و الصحيح ما أثبتناه.

يلزم على أصحّ وجهي الشافعيّة، كما يصحّ شراؤه على الصحيح(1).

و يجوز توكّل المرأة في طلاق زوجة الغير - و هو أصحّ وجهي الشافعيّة(2) - كما يجوز أن يفوّض الزوج طلاق زوجته إليها، و يوكّلها في طلاق نفسها.

مسألة 667: كلّ مَنْ لا يملك التصرّف في شيء لنفسه لا يصحّ أن يتوكّل فيه،

كالكافر في تزويج مسلمةٍ، و المُحْرم في شراء صيدٍ، و الطفل و المجنون في الحقوق كلّها.

و للمكاتَب أن يتوكّل بجُعْلٍ؛ لأنّه من اكتسابه للمال و إن لم يأذن له مولاه؛ لأنّه ليس له منعه من الاكتساب بأنواع وجوهه.

و أمّا بغير جُعْلٍ فإن لم يمنع شيئاً من حقوق السيّد، فالأقرب:

الجواز، كما قلناه في العبد، و إلّا افتقر إلى إذن السيّد؛ لأنّ منافعه كأعيان ماله، و ليس له بذل عين ماله بغير عوضٍ، فكذا منافعه.

و ليس للعبد المأذون له في التجارة التوكّل في شيء يمنع بعض حقوق سيّده بغير إذنه؛ لأنّ الإذن في التجارة لا يتناول التوكّل.

مسألة 668: مدار الوكالة بالنسبة إلى الإسلام و الكفر على ثمان مسائل

تبطل فيها وكالة الذمّيّ على المسلم، و هي صورتان: أن يتوكّل الذمّيّ للمسلم على المسلم، أو للكافر على المسلم، عند علمائنا أجمع؛ لقوله تعالى:«وَ لَنْ يَجْعَلَ اللّهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً»(3) .

ص: 34


1- البيان 361:6، العزيز شرح الوجيز 218:5، روضة الطالبين 533:3.
2- بحر المذهب 152:8، البيان 362:6، العزيز شرح الوجيز 218:5، روضة الطالبين 533:3.
3- النساء: 141.

و يكره أن يتوكّل المسلم للذمّي، عند علمائنا أجمع. و لم يذكر ذلك أحد من العامّة، بل أطلقوا القول بأنّ المسلم إذا وكّل ذمّيّاً أو مستأمناً أو مرتدّاً أو حربيّاً، صحّ التوكيل فيما يصحّ تصرّف الكافر فيه؛ لأنّ العدالة غير مشروطة فيه، فكذلك الدين، كالبيع(1).

و لأنّ كلّ ما صحّ أن يتصرّف فيه لنفسه و دخلته النيابة و لم يشترط فيه العدالة، لم يعتبر فيه الدين، كما لو كان الوكيل فاسقاً، فإنّه يجوز.

فإن وكّل الكافر مسلماً، جاز، و كان أولى.

و إن وكّل المسلم مرتدّاً، جاز؛ لأنّ ردّته لا تؤثّر في تصرّفه، و إنّما تؤثّر في ماله.

مسألة 669: لو وكّل المسلم مسلماً ثمّ ارتدّ الوكيل، لم تبطل وكالته،

سواء لحق بدار الحرب أو لا؛ لأنّه يصحّ تصرّفه لنفسه، فلم تبطل وكالته، كما لو لم يلحق بدار الحرب. و لأنّ الردّة لا تمنع ابتداء وكالته، فلم تمنع استدامتها، كسائر الكفر.

و قال أبو حنيفة: إن لحق بدار الحرب، بطلت وكالته؛ لأنّه صار منهم(2).

و لا دلالة فيه؛ لجواز أن يكون الوكيل حربيّاً.

و لو ارتدّ الموكّل، لم تبطل الوكالة فيما له التصرّف فيه، و تبطل فيما ليس للمرتدّ التصرّف فيه.

و للشافعي أقوال ثلاثة، إن قلنا: يزول ملكه أو قلنا: لا يزول و لكن

ص: 35


1- المغني 245:2، الشرح الكبير 215:2.
2- تحفة الفقهاء 236:3، بدائع الصنائع 38:6، الهداية - للمرغيناني - 154:3، الاختيار لتعليل المختار 264:2، فتاوى قاضيخان - بهامش الفتاوى الهنديّة - 11:3، الفقه النافع 996/1241:3.

لا يصحّ تصرّفه، لم تصح وكالته فيه. و إن قلنا ببقاء ملكه و تصرّفه فيه نافذ، صحّ أن يوكّل فيه، و إن قلنا: إنّه موقوف، فالوكالة موقوفة(1).

و لو وكّل المرتدّ مسلماً في التصرّفات الماليّة، يبنى على انقطاع ملكه و بقائه، إن قطعناه لم تصح، و إن أبقيناه صحّ. و إن قلنا: إنّه موقوف فكذلك التوكيل.

فلو وكّله مرتدّاً أو ارتدّ الوكيل، لم يقدح في الوكالة؛ لأنّ التردّد في تصرّفه لنفسه، لا لغيره.

و قال بعض الشافعيّة: إنّه يبنى على أنّه [هل](2) يصير محجوراً عليه ؟ إن قلنا: نعم، انعزل عن الوكالة، و إلّا فلا(3).

البحث الرابع: فيما فيه التوكيل.
و النظر في شرائطه، و هي ثلاثة:
اشارة

الأوّل: أن يكون مملوكاً للموكِّل.

الثاني: أن يكون قابلاً للنيابة.

الثالث: أن يكون ما به التوكيل معلوماً و لو إجمالاً.

النظر الأوّل: أن يكون مملوكاً للموكّل.

يشترط فيما تتعلّق الوكالة به أن يكون مملوكاً للموكِّل، فلو وكَّل غيره بطلاق زوجةٍ سينكحها [أو بيع عبد](4) سيملكه، أو إعتاق رقيق سيشتريه،

ص: 36


1- البيان 409:6-410، العزيز شرح الوجيز 218:5، روضة الطالبين 533:3.
2- إضافة من «العزيز شرح الوجيز».
3- العزيز شرح الوجيز 218:5، روضة الطالبين 533:3.
4- بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «أو عبداً». و الصحيح ما أثبتناه.

أو قضاء دَيْنٍ يستدينه، أو تزويج امرأة إذا انقضت عدّتها أو طلّقها زوجها، و ما أشبه ذلك، لم يصح؛ لأنّ الموكّل لا يتمكّن من مباشرة ذلك بنفسه، فلا تنتظم إنابة غيره فيه، و هو أصحّ وجهي الشافعيّة.

و الثاني: إنّه صحيح، و يكتفى بحصول الملك عند التصرّف، فإنّه المقصود من التوكيل(1).

و قال بعض الشافعيّة: الخلاف عائد إلى أنّ الاعتبار بحال التوكيل أم بحال التصرّف ؟(2).

و لو وكّله في شراء عبدٍ و عتْقِه، أو في تزويج امرأة و طلاقها، أو في استدانة دَيْنٍ و قضائه، صحّ ذلك كلّه؛ لأنّ ذلك مملوك للموكِّل.

النظر الثاني: في قبول متعلّق الوكالة النيابة.
مسألة 670: الضابط فيما تصحّ فيه النيابة و ما لا تصحّ أن نقول: كلّ ما تعلّق غرض الشارع بإيقاعه من المكلّف مباشرةً، لم تصح فيه الوكالة،

و أمّا ما لا يتعلّق غرض الشارع بحصوله من مكلّفٍ معيّن، بل غرضه حصوله مطلقاً، فإنّه تصحّ فيه الوكالة.

و ذلك؛ لأنّ التوكيل تفويض و إنابة، فلا يصحّ فيما لا تدخله النيابة، كالطهارة مع القدرة لا يصحّ التوكيل فيها؛ لأنّ غرض الشارع تعلَّق بإيقاعها من المكلّف بها مباشرةً، و هي عبادة محضة لا تتعلّق بالمال. و لأنّ محلّها متعيّن، فلا ينوب غيره منابه.

نعم، عند الضرورة تجوز الاستنابة في غَسْل الأعضاء، و الاستنابة في

ص: 37


1- العزيز شرح الوجيز 205:5، روضة الطالبين 522:3.
2- العزيز شرح الوجيز 205:5.

صبّ الماء على أعضائه؛ لأنّ إيصال الماء إلى أعضائه واجب عليه، فيجوز أن يستنيب فيه.

و تجوز الاستنابة في إزالة النجاسة عن بدنه و ثوبه مع القدرة، لا في النيّة، حتى لو غسله ساهياً أو مجنوناً مع نيّة العاجز، صحّ. و لو غسله ناوياً مع غفلة العاجز، بطل.

و كذا الصلاة الواجبة لا تصحّ فيها النيابة ما دام حيّاً، فإذا مات، جازت الاستنابة فيها، كالحجّ، عند علمائنا.

و كذا الاستنابة في ركعتي الطواف إجماعاً، و في فعل الصلاة المنذورة عند أحمد في إحدى الروايتين(1).

و مَنَع الجمهور من الاستنابة في الصلاة إلّا صلاة ركعتي الطواف(2).

و أمّا الصوم فلا يصحّ دخول النيابة فيه ما دام حيّاً، فإذا مات صحّ أن يصوم عنه غيره بعوضٍ و مجّاناً.

و للشافعي قولان فيما لو مات فصام عنه وليُّه(3).

و الاعتكاف لا تدخله النيابة بحال، و به قال الشافعي(4). و عن أحمد6.

ص: 38


1- المغني 207:5، الشرح الكبير 208:5.
2- الحاوي الكبير 497:6، بحر المذهب 150:8، التهذيب - للبغوي - 182:3، البيان 353:6، العزيز شرح الوجيز 206:5، روضة الطالبين 523:3.
3- الحاوي الكبير 497:6، التنبيه: 67، المهذّب - للشيرازي - 194:1، بحر المذهب 150:8، حلية العلماء 208:3، التهذيب - للبغوي - 180:3-181، و 210:4، الوسيط 551:2، الوجيز 105:1، البيان 353:6، العزيز شرح الوجيز 237:3، و 206:5، روضة الطالبين 246:2، و 523:3، منهاج الطالبين: 77، المجموع 368:6.
4- بحر المذهب 150:8، التهذيب - للبغوي - 181:3، البيان 353:6، العزيز شرح الوجيز 237:3، روضة الطالبين 246:2، المجموع 372:6.

روايتان(1).

و أمّا الزكاة فتجوز النيابة في أدائها، فيؤدّيها عنه غيره.

و كذا كلّ ما يتعلّق(2) بالمال من الصدقات الواجبة و المندوبة و الخُمْس، فإنّه يجوز التوكيل في قبض ذلك كلّه و تفريقه.

و يجوز للمُخرج التوكيل في إخراجها و تفريقها و دفعها إلى مستحقّها، و يستنيب الفقراء و الإمام أيضاً في تسلّمها(3) من أربابها؛ لأنّ النبيّ صلى الله عليه و آله بعث عُمّاله لقبض الصدقات و تفريقها، و قال لمعاذ حين بعثه إلى اليمن:

«أعلمهم أنّ عليهم صدقةً تؤخذ من أغنيائهم فتُردّ في فقرائهم فإن هُمْ أطاعوك بذلك فإيّاك و كرائم أموالهم، و اتّق دعوة المظلوم، فإنّه ليس بينها و بين اللّه حجاب»(4).

و أمّا الحجّ فتجوز النيابة فيه إذا يئس المحجوج عنه من الحجّ بنفسه بزمانةٍ، عند الشيخ(5) رحمه الله و عند الشافعي و أكثر العامّة(6) ، أو بموتٍ إجماعاً.

و كذا العمرة و كثير من أفعال الحجّ، كطواف النساء و الرمي.

و كذا تجوز النيابة في ذبح الضحايا و الهدايا؛ لأنّ النبيّ صلى الله عليه و آله أناب فيه.3.

ص: 39


1- المغني 207:5.
2- في النسخ الخطّيّة: «تعلّق».
3- في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «تسليمها». و المثبت هو الصحيح.
4- صحيح البخاري 158:2-159، سنن ابن ماجة 1782/568:1، سنن أبي داوُد 1584/105:2، سنن الترمذي 625/21:3، المغني 206:5-207.
5- الخلاف 248:2، المسألة 6.
6- الحاوي الكبير 8:4، و 497:6، بحر المذهب 150:8، الوسيط 590:2، حلية العلماء 244:3-245، التهذيب - للبغوي - 249:3، البيان 353:6، العزيز شرح الوجيز 300:3، روضة الطالبين 287:2-288، المجموع 94:7 و 100، المغني 181:3، الشرح الكبير 183:3.

و نحر عن عليّ عليه السلام - و هو غائب - و عنه صلى الله عليه و آله مائة ناقة ثلثيها(1) عنه صلى الله عليه و آله و ثلثها عن عليّ عليه السلام(2).

و تجوز النيابة في الجهاد؛ لأنّ الغرض حراسة المسلمين، و حفظ عمود الدين، و ليس الغرض متعلّقاً بمباشرة معيّن، إلّا أن يعيّنه الإمام للخروج بنفسه إمّا لشدّة بلائه في الحرب، أو لجودة شوره و وفور عقله و ربط جأشه(3) و قوّة بأسه، أو لغير ذلك من الحِكَم و المصالح، فحينئذٍ لا تجوز الاستنابة فيه.

مسألة 671: يصحّ التوكيل في البيع إيجاباً و قبولاً، و في جميع أنواعه

- كالسَّلَم و الصرف و التولية و غيرها - و في جميع أحكامه و توابعه من الفسخ بالخيار و الأخذ بالشفعة و إسقاطهما، فإنّه قد يترفّع عن التردّد في الأسواق، و قد لا يُحْسن التجارة، و قد لا يتفرّغ لها، و قد يكون مأموراً بالتخدير، كالمرأة، فأجاز الشارع التوكيل فيه؛ دفعاً للحاجة، و تحصيلاً لمصلحة الآدمي المخلوق لعبادة اللّه تعالى، كما قال عزّ من قائل:«وَ ما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَ الْإِنْسَ إِلاّ لِيَعْبُدُونِ»(4) .

و يجوز التوكيل في الحوالة و الضمان و الكفالة و عقد الرهن و الشركة و الوكالة و الصلح؛ لأنّه إمّا بيع عند الشافعي(5) ، أو عقد مستقلّ برأسه.

ص: 40


1- في «ث، ج، خ» و الطبعة الحجريّة: «ثلثاها».
2- الفقيه 665/153:2، الكامل في التاريخ 302:2، صحيح مسلم 886:3-1218/892، سنن البيهقي 134:5، الاستذكار 95:13-18188/96، التمهيد 111:2.
3- جأش القلب هو رُواعه إذا اضطرب عند الفزع، يقال: فلان رابط الجأش، أي يربط نفسَه عن الفرار، لشجاعته. الصحاح 997:3 «جأش».
4- الذاريات: 56.
5- الحاوي الكبير 367:6، التنبيه: 103، المهذّب - للشيرازي - 340:1، الوسيط 49:4، الوجيز 177:1، التهذيب - للبغوي - 141:4-143، العزيز شرح الوجيز 85:5، روضة الطالبين 428:3، منهاج الطالبين: 125.

و التفليس لا يتصوّر فيه الوكالة.

و أمّا الحجر فيصحّ أن يوكّل الحاكم مَنْ ينوب عنه فيه، و يوكّل الغرماء مَنْ يطلبه من الحاكم. و أمّا المحجور عليه فلا يتصوّر فيه أن يستنيب مَنْ يحكم عليه بالحجر عليه.

و كذا تصحّ الوكالة في القراض في عقده و فعله بأن يستنيب العامل إن أذن له المالك، و إلّا فلا.

و في الإقرار خلاف يأتي(1).

و يصحّ التوكيل في الهبة و العارية - لأنّها هبة المنافع - في عقدها و فعلها، إلّا في مثل إعارة الثوبِ ليلبسه، و الدابّةِ ليركبها بنفسه، و شبه ذلك.

و الغصب لا يتصوّر فيه التوكيل، فإذا وكّل رجل رجلاً في غصبٍ، كان الغاصبُ الوكيلَ، دون الموكّل؛ لأنّ فعل ذلك حرام، فلا تصحّ النيابة فيه.

و تصحّ النيابة في المطالبة بالشفعة و أخذها.

و كذا تصحّ في المساقاة و المزارعة و الإجارة و الوديعة و الجعالة و الفعل المتعلّق بالجعالة، و الحوالة و القرض عقداً و تسليماً و أخذاً، و الوقف و الحبس و العمرى و الرقبى، و الوصيّة إيجاباً و قبولاً، و فعل متعلّقها.

و لبعض الشافعيّة قولٌ في منعها؛ لأنّها قربة(2).

و القربة لا تنافي النيابة، كالحجّ و صلاة الطواف.3.

ص: 41


1- في ص 49، المسألة 678.
2- العزيز شرح الوجيز 207:5، روضة الطالبين 524:3.

و تصحّ النيابة في الصدقة - كالزكاة و شبهها - و الإبراء و قبض الأموال، مضمونةً كانت أو غير مضمونة، و في قبض الديون و إقباضها؛ لأنّ ذلك كلّه في معنى البيع في الحاجة إلى التوكيل فيها، فيثبت فيها حكمه.

و لا نعلم في شيء من ذلك خلافاً، إلّا ما قلناه.

و كذا تصحّ النيابة في العطايا و قسمة الفيء و الغنيمة و الصدقة.

مسألة 672: يصحّ التوكيل في عقد النكاح إيجاباً و قبولاً؛

لأنّ النبيّ صلى الله عليه و آله وكّل عمرو بن أُميّة الضمري و أبا رافع في النكاح له(1).

و لأنّ الحاجة قد تدعو إلى ذلك، فإنّه ربما احتاج إلى التزويج من مكانٍ بعيد لا يمكنه السفر إليه، فإنّ النبيّ صلى الله عليه و آله تزوّج أُمّ حبيبة و هي يومئذٍ بأرض الحبشة(2).

و يجوز التوكيل في الطلاق، حاضراً كان الموكّل أو غائباً على ما قدّمناه، و في الخلع، و في الرجعة - و هو أصحّ وجهي الشافعيّة(3) - كابتداء النكاح، فإنّ كلّ واحدٍ منهما استباحة فرجٍ محرَّم.

و الثاني: المنع، كما لو أسلم الكافر على أكثر من أربع نسوة و وكّل بالاختيار، و كذا لو طلّق إحدى امرأتيه، أو أعتق أحد عبديه، و وكّل بالتعيين(4).

ص: 42


1- راجع المصادر في الهامش (2 و 3) من ص 6.
2- الكامل في التاريخ 308:2، تاريخ الطبري 165:3، تاريخ مدينة دمشق 135:69، دلائل النبوّة - للبيهقي - 460:3، سنن النسائي 119:6، المعجم الكبير - للطبراني - 402/219:23، مسند أحمد 26862/579:7.
3- بحر المذهب 151:8، البيان 354:6-355، العزيز شرح الوجيز 207:5، روضة الطالبين 524:3.
4- بحر المذهب 151:8، البيان 354:6، العزيز شرح الوجيز 207:5، روضة الطالبين 524:3.

و نمنع الملازمة و ثبوت الحكم في الأصل.

و كذا يصحّ التوكيل في تعيين المهر و قبضه، و لا تصحّ الوكالة في القَسْم؛ لأنّه يتعلّق ببدن الزوج و يتضمّن استمتاعاً.

مسألة 673: كما يصحّ التوكيل في العقود، كذا يصحّ في فسخها

و التوكيل في الإقالة منها و سائر الفسوخ.

و ما هو على الفور قد يكون التأخير بالتوكيل تقصيراً.

و يصحّ التوكيل في خيار الرؤية.

و للشافعيّة خلاف فيه(1).

و يجوز التوكيل في الإعتاقِ و التدبيرِ.

و للشافعيّة فيه وجهان يبنى على أنّه وصيّة أو تعليق عتقٍ بصفةٍ؟ فإن قلنا بالثاني منعناه(2).

و الكتابةِ.

و لا يتصوّر في الاستيلاد؛ لأنّه متعلّق بالوطي، و الوطء مختصّ بالفاعل.

و لا تصحّ الوكالة في الإيلاء؛ لأنّه يمين. و كذا اللعان لا يصحّ التوكيل فيه أيضاً؛ لأنّه يمين كالإيلاء، أو شهادة على خلافٍ، و كلاهما لا تدخلهما النيابة، و كذا القسامة.

و لا تصحّ في الظهار؛ لأنّه منكر و زور و بهتان، فلا تدخله النيابة.

و للشافعيّة وجهان مبنيّان على أنّ المغلَّب فيه معنى اليمين أو

ص: 43


1- العزيز شرح الوجيز 52:4، و 207:5، روضة الطالبين 43:3، و 524.
2- العزيز شرح الوجيز 207:5، روضة الطالبين 523:3.

الطلاق ؟ و معظمهم مَنَع من التوكيل فيه(1).

و أمّا العدّة فلا تدخلها النيابة؛ لأنّها تجب لاستبراء رحمها.

و الرضاع لا تدخله النيابة؛ لأنّه متعلّق بالمُرضع و المرتضع؛ لأنّه يختصّ بإنبات لحم المرتضع و انتشار عظمه بلبن المُرضع.

و النفقة يصحّ التوكيل في دفعها و قبضها.

و لا تصحّ النيابة في الأيمان؛ لأنّها عبادة. و لأنّ الحكم في الأيمان يتعلّق بتعظيم اسم اللّه، فامتنعت النيابة فيها، كالعبادات.

و كذا النذور و العهود لا تدخلها النيابة.

و أمّا الشهادات فلا يصحّ التوكيل فيها؛ لأنّا علّقنا الحكم بخصوص لفظ الشهادة حتى لم يقم غيرها مقامها، فكيف يحتمل السكوت عنها بالتوكيل!؟ و لأنّ الشهادة تتعلّق بعين الشاهد؛ لكونها خبراً عمّا سمعه أو رآه، و لا يتحقّق هذا المعنى في نائبه.

فإن استناب فيها، كان النائب شاهداً على شهادته؛ لكونه يؤدّي ما سمعه من شاهد الأصل، و ليس ذلك بتوكيل، فحينئذٍ تصحّ الاستنابة في الشهادة على وجه الشهادة.

و كذا تصحّ النيابة في القضاء و الحكم.

مسألة 674: في صحّة التوكيل في المباحات - كالاصطياد و الاحتطاب و الاحتشاش و إحياء الموات و إجارة الماء و شبهه - إشكال

ينشأ: من أنّه أحد أسباب الملك، فكان كالشراء. و لأنّه عمل مقصود يصحّ أخذ الأُجرة عليه، فجاز فيه النيابة كغيره من الأعمال، فحينئذٍ يحصل الملك للموكّل إذا قصده

ص: 44


1- بحر المذهب 150:8 و 151، البيان 354:6، العزيز شرح الوجيز 206:5، روضة الطالبين 523:3.

الوكيل - و هو أصحّ وجهي الشافعيّة، و به قال أحمد(1) - لأنّه تملّك مالٍ بسببٍ لا يتعيّن عليه، فجاز التوكيل فيه، كالشراء و الاتّهاب.

و الثاني للشافعيّة: لا يصحّ كالاغتنام؛ لأنّ الملك يحصل فيها بالحيازة و قد وُجدت من الوكيل، فيكون الملك له(2).

فعلى هذا إن جوّزنا التوكيل فيه، جوّزنا الإجارة عليه، فإذا استأجره ليحتطب أو يستقي المال أو يحيي الأرض، جاز، و كان ذلك للمستأجر.

و إن قلنا بالمنع هناك، منعناه هنا، فيقع الفعل للأجير.

و الجويني رأى جواز الاستئجار عليه مجزوماً به، فقاس عليه وجه تجويز التوكيل(3).

مسألة 675: يجوز التوكيل في قبض الجزية و إقباضها و المطالبة بها، و في عقد الذمّة.

و في تجويز توكيل الذمّي المسلمَ [فيه](4) خلافٌ بين الشافعيّة(5).

و أمّا العقوبات - كالقتل و الجنايات و الزنا و القذف و السرقة و الغصب و أشباه ذلك - فلا مدخل للتوكيل فيها، بل أحكامها تثبت في حقّ متعاطيها و مرتكبها؛ لأنّ كلّ شخصٍ بعينه مقصود بالامتناع منها، فإذا لم يفعل(6)

ص: 45


1- المهذّب - للشيرازي - 355:1، بحر المذهب 150:8، التهذيب - للبغوي - 210:4، البيان 355:6، العزيز شرح الوجيز 208:5، روضة الطالبين 524:3، المغني 204:5، الشرح الكبير 205:5.
2- المهذّب - للشيرازي - 355:1، بحر المذهب 150:8، التهذيب - للبغوي - 210:4، البيان 355:6، العزيز شرح الوجيز 208:5، روضة الطالبين 524:3.
3- العزيز شرح الوجيز 208:5، روضة الطالبين 525:3.
4- بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «منه». و الظاهر ما أثبتناه، أي: توكيله في القبض.
5- العزيز شرح الوجيز 207:5، و 527:11، روضة الطالبين 524:3، و 504:7.
6- أي: لم يمتنع.

أُجري حكمها عليه.

و أمّا حدود اللّه تعالى - كحدّ الزنا و السرقة - فيجوز التوكيل فيها لاستيفائها؛ لأنّ النبيّ صلى الله عليه و آله أمر برجم ماعِز، فرُجم(1).

و قال صلى الله عليه و آله: «اغْدُ يا أُنَيْس إلى امرأة هذا فإذا اعترفَتْ فارْجُمْها» فغدا أُنَيْس عليها فاعترفت فأمر بها فرُجمت(2).

و وكّل أمير المؤمنين عليه السلام عبد اللّه بن جعفر في إقامة حدّ الشرب على الوليد بن عقبة، فأقامه(3).

و لأنّ الحاجة تدعو إلى ذلك، فإنّ الإمام لا يمكنه تولّي ذلك بنفسه، فيجوز التوكيل في استيفائها للإمام.

و للسيّد أن يوكّل في استيفاء الحدّ من مملوكه.

و يجوز التوكيل في إثبات حدود اللّه تعالى - و به قال بعض العامّة(4) - لأنّ النبيّ صلى الله عليه و آله وكّل أُنَيْساً في إثبات الحدّ و استيفائه جميعاً، فإنّه قال: «فإذا اعترفَتْ فارْجُمْها»(5) و هذا يدلّ على أنّه لم يكن قد ثبت و قد وكّله في إثباته.

و لأنّ الحاكم إذا استناب نائباً في عملٍ، فإنّه يدخل في تلك النيابة).

ص: 46


1- صحيح مسلم 23/1323:3، سنن ابن ماجة 2554/854:2، سنن الترمذي 1428/36:4، سنن الدارقطني 91:3-39/92، و 121-132/122 و 133، سنن البيهقي 214:8، سنن الدارمي 178:2.
2- صحيح البخاري 134:3، صحيح مسلم 1324:3-1697/1325، سنن ابن ماجة 2549/852:2، سنن أبي داوُد 4445/153:4، سنن الترمذي 39:4-1433/40، سنن النسائي 241:8-242، سنن البيهقي 213:8، سنن الدارمي 177:2، مسند أحمد 16590/91:5، و 16594/92.
3- صحيح مسلم 1693/1320:3، الكامل في التأريخ 106:3-107، المغني 206:5.
4- المغني 206:5، الشرح الكبير 207:5-208.
5- تقدّم تخريجه في الهامش (2).

الحدودُ و إثباتُها، فإذا دخلت في التوكيل بالعموم فبالتخصيص أولى.

و قال الشافعي: لا يجوز التوكيل في إثباتها؛ لأنّها تُدرأ بالشبهات، و قد أُمر بإدرائها بالشبهة، و التوكيل توصّلٌ إلى إثباتها(1).

و هو غير منافٍ لقولنا؛ فإنّ للوكيل أن يدرأها بالشبهات.

و أمّا عقوبات الآدميّين فيجوز التوكيل في استيفائها في حضور المستحقّ إجماعاً.

و أمّا في غيبته فإنّه يجوز ذلك أيضاً عندنا؛ للأصل.

و للشافعي فيه ثلاثة طُرق أشهرها: أنّه على قولين:

أحدهما: المنع؛ لأنّه لا نتيقّن بقاء الاستحقاق عند الغيبة؛ لاحتمال العفو، و لأنّه ربما يرقّ قلبه حالة حضوره فيعفو، فليشترط الحضور.

و أصحّهما: الجواز - كما قلناه - لأنّه حقّ يستوفى بالنيابة في الحضور، فكذا في الغيبة، كسائر الحقوق. و احتمال العفو كاحتمال رجوع الشهود فيما إذا ثبت بالبيّنة، فإنّه لا يمنع الاستيفاء في [غيبته](2).

الثاني: القطع بالجواز، و حمل المنع على الاحتياط.

الثالث: القطع بالمنع؛ لعظم خطر الدم(3). و بهذا الأخير قال أبو حنيفة(4).6.

ص: 47


1- التنبيه: 108، المهذّب - للشيرازي - 356:1، الوسيط 278:3، التهذيب - للبغوي - 210:4، العزيز شرح الوجيز 209:5، روضة الطالبين 526:3، المغني 206:5، الشرح الكبير 207:5-208.
2- بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «غيبتهم». و الظاهر أنّ الصحيح ما أثبتناه كما في «العزيز شرح الوجيز».
3- بحر المذهب 165:8، حلية العلماء 113:5-114، البيان 357:6-358، العزيز شرح الوجيز 209:5-210، روضة الطالبين 526:3.
4- تحفة الفقهاء 228:3، بدائع الصنائع 21:6، الهداية - للمرغيناني - 136:3، الاختيار لتعليل المختار 252:2، حلية العلماء 114:5، المغني 207:5-208، الشرح الكبير 208:5، بحر المذهب 165:8، البيان 357:6.
مسألة 676: و يجوز التوكيل في إثبات حدّ القذف و القصاص عند الحاكم و إقامة البيّنة عليه،

عند عامّة الفقهاء؛ لأنّه حقٌّ لآدميّ، فجاز التوكيل في إثباته، كسائر الحقوق.

و قال أبو يوسف: لا يصحّ التوكيل فيه؛ لأنّه يثبت الحدّ بما قام مقام العفو، و الحدّ لا يثبت بذلك، كما لا يثبت بالشهادة على الشهادة، و لا بكتاب القاضي إلى القاضي و لا برجل و امرأتين، كذا هنا(1).

و نمنعه في الشهادة على الشهادة و كتاب القاضي إلى القاضي، على أنّ الحدّ لا يثبت بالتوكيل، و إنّما يثبت بالبيّنة، فلم يصح ما قاله.

مسألة 677: يجوز لكلّ واحدٍ من المدّعي و المدّعى عليه التوكيل بالخصومة،

رضي صاحبه أو لم يرض، و ليس لصاحبه الامتناع من خصومة الوكيل.

و قال أبو حنيفة: له الامتناع، إلّا أن يريد الموكّل سفراً أو يكون مريضاً أو تكون مخدّرةً(2).

و قال مالك: له ذلك، إلّا أن يكون سفيهاً خبيثَ اللسان، فيعذر

ص: 48


1- تحفة الفقهاء 228:3، بدائع الصنائع 21:6، الهداية - للمرغيناني - 136:3، الاختيار لتعليل المختار 253:2، فتاوى قاضيخان - بهامش الفتاوى الهنديّة - 11:3، الحاوي الكبير 516:6، بحر المذهب 165:8، حلية العلماء 113:5، البيان 356:6.
2- تحفة الفقهاء 228:3، بدائع الصنائع 22:6، الهداية - للمرغيناني - 136:3، الاختيار لتعليل المختار 253:2 و 254، مختصر اختلاف العلماء 1741/67:4، فتاوى قاضيخان - بهامش الفتاوى الهنديّة - 7:3، الإشراف على نكت مسائل الخلاف 1030/607:2، عيون المجالس 1186/1684:4، بحر المذهب 153:8، التهذيب - للبغوي - 212:4، البيان 355:6-356، العزيز شرح الوجيز 209:5.

الموكّل في التوكيل(1).

و الحقّ ما قلناه؛ لأنّه توكيلٌ في خالص حقّه، فيُمكّن منه، كالتوكيل باستيفاء الدَّيْن من غير رضا مَنْ عليه.

و لا فرق في التوكيل في الخصومة بين أن يكون المطلوب مالاً أو عقوبةً للآدميّين، كالقصاص و حدّ القذف.

و كذا حدود اللّه تعالى عندنا، خلافاً للشافعي(2).

مسألة 678: في التوكيل بالإقرار إشكال.

و صورته أن يقول: وكّلتُك لتقرَّ عنّي لفلان.

قال الشيخ رحمه الله: إنّه جائز(3). و هو أحد قولَي الشافعيّة؛ لأنّه قول يلزم به الحقّ، فأشبه الشراء و سائر التصرّفات(4) ، و به قال أبو حنيفة(5) أيضاً.

و معظم الشافعيّة على المنع؛ لأنّ الإقرار إخبار عن حقٍّ عليه، و لا يلزم الغير إلّا على وجه الشهادة، و هذا كما لو قال: رضيت بما يشهد به عَلَيَّ فلان، فإنّه لا يلزمه، كذلك هنا. و لأنّه إخبار، فلا يقبل التوكيل كالشهادة، و إنّما يليق التوكيل بالإنشاءات(6).

ص: 49


1- بحر المذهب 153:8، العزيز شرح الوجيز 209:5، مختصر اختلاف العلماء 1741/67:4.
2- بحر المذهب 165:8، البيان 356:6، العزيز شرح الوجيز 209:5، روضة الطالبين 526:3.
3- الخلاف 344:3، المسألة 5 من كتاب الوكالة.
4- بحر المذهب 150:8 و 162، الوجيز 188:1، الوسيط 277:3، حلية العلماء 114:5، التهذيب - للبغوي - 209:4، البيان 358:6، العزيز شرح الوجيز 208:5، روضة الطالبين 525:3، المغني 205:5، الشرح الكبير 207:5.
5- تحفة الفقهاء 229:3، بدائع الصنائع 22:6، الهداية - للمرغيناني - 150:3، مختصر اختلاف العلماء 1742/69:4، الاختيار لتعليل المختار 267:2، الإشراف على نكت مسائل الخلاف 1033/608:2، العزيز شرح الوجيز 208:5.
6- المهذّب - للشيرازي - 356:1، بحر المذهب 150:8 و 162، الوسيط 277:3، حلية العلماء 114:5، التهذيب - للبغوي - 209:4، البيان 358:6، العزيز شرح الوجيز 208:5، روضة الطالبين 525:3، المغني 205:5، الشرح الكبير 207:5.

فعلى هذا هل يُجعل مُقرّاً بنفس التوكيل ؟ فيه للشافعيّة وجهان:

أحدهما: نعم، تخريجاً، و اختاره الجويني؛ لأنّ توكيله دليل ثبوت الحقّ عليه؛ لأنّ قوله: «أقرّ عنّي بكذا» يتضمّن وجوبه عليه.

و أظهرهما: أنّه لا يُجعل مُقرّاً، كما أنّ التوكيل بالإبراء لا يجعل إبراءً، و كالتوكيل في البيع، فإنّه لا يكون بيعاً، و رضاه بالشهادة عليه لا يكون إقراراً بالحقّ(1).

و عندي في ذلك تردّد، فإن قلنا بصحّة التوكيل في الإقرار، ينبغي أن يبيّن للوكيل جنس المُقرّ به و قدره، فلو قال: أقرّ عنّي بشيء لفلان، طُولب الموكّل بالتفسير.

و لو اقتصر على قوله: أقرّ عنّي لفلان، فللشافعيّة وجهان:

أحدهما: أنّه كما لو قال: أقرّ عنّي له بشيء.

و أصحّهما: أنّه لا يلزمه شيء بحال؛ لجواز أن يريد الإقرار بعلمٍ أو شجاعة، لا بالمال(2).

مسألة 679: لا يصحّ التوكيل بالالتقاط،

فإذا أمره بالالتقاط فالتقط، كان الملتقط أحقَّ به من الآمر.

و الميراث لا تصحّ النيابة فيه، إلّا في قبض الموروث و قسمته.

ص: 50


1- المهذّب - للشيرازي - 356:1، الوسيط 277:3، التهذيب - للبغوي - 209:4، البيان 358:6، العزيز شرح الوجيز 208:5، روضة الطالبين 525:3.
2- بحر المذهب 162:8، التهذيب - للبغوي - 209:4-210، البيان 359:6، العزيز شرح الوجيز 209:5، روضة الطالبين 526:3.

و تصحّ النيابة في دفع الديات إلى مستحقّها.

و الجنايات لا تصحّ النيابة فيها؛ لأنّها ظلم، فتتعلّق بفاعلها.

و أمّا قتال أهل البغي فيجوز أن يستنيب فيه.

و الأشربة لا تصحّ النيابة فيها، و يجب الحدّ على الشارب؛ لأنّه فَعَل المحرَّم.

و أمّا الجهاد فقد مَنَع الشافعي من دخول النيابة فيه بحال، بل كلّ مَنْ حضر الصفّ توجّه الفرض عليه(1).

و هو بهذا المعنى صحيح، و كذا ما قلناه أوّلاً من صحّة النيابة في الجهاد على معنى أنّ للرجل أن يُخرج غيره بأُجرة أو غيرها في الجهاد.

و أمّا الذبح فيصحّ التوكيل فيه.

و كذا يصحّ في السبق و الرمي؛ لأنّه إمّا إجارة أو جعالة، و كلاهما تدخله النيابة.

و يصحّ التوكيل في الدعوى؛ لأنّ ذلك مطالبة بحقّ غيره، فهو كاستيفاء المال.

و يجوز التوكيل في مطالبة الحقوق و إثباتها و المحاكمة فيها، حاضراً كان الموكّل أو غائباً، صحيحاً أو مريضاً.

النظر الثالث: في العلم.
مسألة 680: لا يشترط في متعلّق الوكالة - و هو ما وُكّل فيه - أن يكون معلوماً من كلّ وجهٍ،

فإنّ الوكالة إنّما جُوّزت لعموم الحاجة، و ذلك

ص: 51


1- بحر المذهب 151:8، التهذيب - للبغوي - 210:4، العزيز شرح الوجيز 206:5، روضة الطالبين 523:3.

يقتضي المسامحة فيها، و لذلك جوّز بعضهم تعليقها بالإغرار(1).

و لم يشترط القبول اللفظي فيها، و لا الفوريّة في القبول، لكن يجب أن يكون معلوماً مبيَّناً من بعض الوجوه حتى لا يعظم الغرر.

و لا فرق في ذلك بين الوكالة العامّة و الخاصّة.

فأمّا الوكالة العامّة: فبأن يقول: وكّلتُك في كلّ قليل و كثير.

فإن لم يُضف إلى نفسه، فالأقوى: البطلان؛ لأنّه لفظ مبهم في الغاية.

و لو ذكر الإضافة إلى نفسه فقال: وكّلتُك في كلّ أمر هو إلَيَّ، أو: في كلّ أُموري، أو: في كلّ ما يتعلّق بي، أو: في جميع حقوقي، أو: بكلّ قليل و كثير من أُموري، أو: فوّضت إليك جميع الأشياء التي تتعلّق بي، أو: أنت وكيلي مطلقاً فتصرَّف في مالي كيف شئت، أو فصَّل الأُمور المتعلّقة به التي تجري فيها النيابة، فقال: وكّلتُك ببيع أملاكي و تطليق زوجاتي و إعتاق عبيدي، أو لم يفصّل على ما تقدّم، أو قال: وكّلتُك بكلّ أمر هو إلَيَّ ممّا يناب فيه، و لم يفصّل أجناس التصرّفات، أو قال: أقمتك مقام نفسي في كلّ شيء، أو: وكّلتُك في كلّ تصرّفٍ يجوز لي، أو: في كلّ ما لي التصرّف فيه، فالوجه عندي: الصحّة في الجميع - و به قال ابن أبي ليلى(2) - و يملك كلّ ما تناوله لفظه؛ لأنّه لفظ عامّ فيصحّ فيما تناوله، كما لو قال: بِعْ مالي كلّه.

و لأنّه لو فصّل و ذكر جميع الجزئيّات المندرجة تحت اللفظ العامّ،9.

ص: 52


1- العزيز شرح الوجيز 211:5.
2- بحر المذهب 192:8، البيان 363:6، المغني 211:5، الشرح الكبير 241:5، حلية العلماء 116:5، المبسوط - للسرخسي - 70:19.

صحّ التوكيل، سواء ضمّها بعضها إلى بعضٍ، أو لا، فيكون الإجمال صحيحاً.

و قال الشيخ رحمه الله: لا تصحّ الوكالة العامّة(1). و هو قول جميع العامّة - إلّا ابن أبي ليلى - لما فيه من الغرر العظيم و الخطر الكبير؛ لأنّه تدخل فيه هبة ماله و تطليق نسائه و إعتاق رقيقه، و أن يزوّجه نساء كثيرة، و يلزمه المهور الكثيرة و الأثمان العظيمة، فيعظم الضرر(2).

و الجواب: إنّا نضبط جواز تصرّف الوكيل بالمصلحة، فكلّ ما لا مصلحة للموكّل فيه لم ينفذ تصرّف الوكيل [فيه](3) كما لو وكّله في بيع شيء و أطلق، فإنّه لا يبيع إلّا نقداً بثمن المثل من نقد البلد، كذا في الوكالة العامّة.

و كذا يصحّ لو قال له: اشتر لي ما شئت - خلافاً لبعض العامّة(4) ، و عن أحمد رواية أنّه يجوز(5) - عملاً بالأصل، و لأنّ الشريك و المضارب وكيلان في شراء ما شاء. و حينئذٍ ليس له أن يشتري إلّا بثمن المثل و أدون، و لا يشتري ما يعجز الموكّل عن ثمنه، و لا ما لا مصلحة للموكّل فيه.

و لو قال: بِعْ مالي كلّه و اقبض ديوني كلّها، صحّ التوكيل؛ لأنّه قد يعرف ماله و ديونه.

و لو قال: بِعْ ما شئت من مالي و اقبض ما شئت من ديوني، صحّ التوكيل؛ لأنّه إذا جاز التوكيل في الجميع، ففي البعض أولى.5.

ص: 53


1- الخلاف 350:3، المسألة 14 من كتاب الوكالة.
2- راجع المصادر في الهامش (2) من ص 52.
3- ما بين المعقوفين يقتضيه السياق. (4 و 5) المغني 212:5، الشرح الكبير 242:5.

و وافقتنا العامّة في جواز: وكّلتُك في بيع أموالي و استيفاء ديوني، أو:

استرداد ودائعي، أو: إعتاق عبيدي(1).

و التفاوت ليس بطائلٍ.

و أمّا الوكالة الخاصّة: فهي المقصورة على نوعٍ من الأنواع، كبيع عبدٍ أو شراء جاريةٍ أو محاكمة خصمٍ أو استيفاء دَيْنٍ منه، و ما أشبه ذلك، و لا خلاف في جوازها.

مسألة 681: إذا وكّله في بيع أمواله، صحّ،

و لا يشترط كون أمواله معلومةً حينئذٍ، بل يبيعها الوكيل و يبيع ما يعلم انتسابها إليه.

و للشافعيّة فيه وجهان، هذا أصحّهما(2).

و لو قال: وكّلتُك في قبض جميع ديوني على الناس، جاز مجملاً و إن لم يعرف مَنْ عليه الدَّيْن، و أنّه واحد أو أشخاص كثيرة، و أيّ جنسٍ ذلك الدَّيْن.

أمّا لو قال: وكّلتُك في بيع شيء من مالي، أو: في بيع طائفةٍ منه أو قطعة منه، أو في قبض شيء من ديوني، و لم يعيّن، فالأقوى: البطلان؛ لجهالته من الجملة، و لا بدّ من أن يكون الموكّل فيه ممّا يسهل استعلامه.

أمّا لو قال: بِعْ ما شئت من أموالي، أو: اقبض ما شئت من ديوني، فإنّه يجوز.

و كذا لو قال: بِعْ مَنْ رأيت من عبيدي.

و قال بعض الشافعيّة: لا يجوز حتى يعيّن(3). و ليس شيئاً.

ص: 54


1- بحر المذهب 193:8، البيان 363:6، العزيز شرح الوجيز 211:5، روضة الطالبين 527:3.
2- العزيز شرح الوجيز 212:5، روضة الطالبين 527:3.
3- العزيز شرح الوجيز 213:5، روضة الطالبين 528:3.
مسألة 682: لو قال له: بِعْ ما شئت من مالي، جاز، خلافاً لبعض الشافعيّة

(1) .

و لو قال: بِعْ ما شئت من عبيدي، جاز عندنا و عندهم(2).

و فرّقوا: بأنّ الثاني محصور الجنس، بخلاف الأوّل(3).

و ليس بجيّد؛ لأنّ ما جاز التوكيل في جميعه جاز في بعضه، كعبيده.

و لو قال: اقبض دَيْني كلّه و ما يتجدّد من ديوني في المستقبل، صحّ على إشكالٍ في المتجدّد.

و لو قال له: اشتر لي شيئاً أو حيواناً أو رقيقاً أو عبداً أو ثوباً، و لم يعيّن الجنس، فالأقوى عندي: الجواز، و يكون الخيار في الشراء إلى الوكيل، و يكون ذلك كالقراض حيث أمره صاحب المال بشراء شيء.

و قال أصحاب الشافعي: لا يصحّ مع الإطلاق حتى يبيّن أنّ الرقيق عبد أو أمة، و يبيّن النوع أيضاً من أنّه تركيّ أو هنديّ أو غيره؛ لأنّ الحاجة قد تقلّ إلى شراء عبدٍ مطلق على أيّ نوعٍ و وصفٍ كان، و في الإبهام ضرر عظيم، فلا يحتمل، و إنّما تمسّ الحاجة في الأكثر و تدعو إلى غلامٍ من جنسٍ معيّن، هذا مذهب أكثرهم(2).

و ذكر بعضهم وجهاً: أنّه يصحّ التوكيل بشراء عبدٍ مطلق(3).

ص: 55


1- العزيز شرح الوجيز 212:5-213، روضة الطالبين 528:3، المغني 212:5، الشرح الكبير 242:5. (2 و 3) المغني 212:5، الشرح الكبير 242:5.
2- الحاوي الكبير 499:6، بحر المذهب 191:8، البيان 364:6، العزيز شرح الوجيز 213:5، روضة الطالبين 528:3، المغني 213:5، الشرح الكبير 243:5.
3- الحاوي الكبير 499:6، بحر المذهب 191:8، العزيز شرح الوجيز 213:5، روضة الطالبين 529:3.
مسألة 683: إذا وكّله في شراء عبدٍ و أطلق، فقد بيّنّا جوازه.

و عند الشافعيّة لا بدّ من تعيين جنسه(1)العزيز شرح الوجيز 213:5، روضة الطالبين 529:3.(2).

و هل يفتقر مع تعيين النوع إلى تعيين الثمن ؟ الأقرب عندي: عدمه - و هو أصحّ وجهي الشافعيّة، و به قال أبو حنيفة و ابن سريج(3) - لأنّه إذا ذكر نوعاً فقد أذن له في أعلاه ثمناً، فيقلّ الغرر. و لأنّ ضبط الثمن ممّا يعسر معه التحصيل؛ لأنّه قد لا يوجد به، و لأنّ تعلّق الغرض بعبدٍ من ذلك النوع نفيساً كان أو خسيساً ليس ببعيدٍ.

و الثاني للشافعيّة: لا بدّ من تقدير الثمن، أو بيان غايته بأن يقول:

مائة، أو من مائة إلى ألف؛ لكثرة التفاوت فيه، و يجوز أن يذكر له أكثر الثمن أو أقلّه، و إذا كان التفاوت في الجنس الواحد كثيراً، لم يتمّ التوكيل إلّا بالتعيين(4).

و هو ممنوع.

و لا يشترط استقصاء الأوصاف التي تُضبط في السَّلَم و لا ما يقرب منها إجماعاً.

نعم، إذا اختلفت الأصناف الداخلة تحت النوع الواحد اختلافاً ظاهراً، قال بعض الشافعيّة: لا بدّ من التعرّض له(4).

ص: 56


1- راجع الهامش
2- من ص 55.
3- بحر المذهب 191:8، التهذيب - للبغوي - 212:4، البيان 364:6، العزيز شرح الوجيز 213:5، روضة الطالبين 529:3، تحفة الفقهاء 233:3، بدائع الصنائع 24:6، المغني 213:5.
4- بحر المذهب 191:8، التهذيب - للبغوي - 212:4، البيان 364:6، العزيز شرح الوجيز 213:5، روضة الطالبين 529:3، المغني 213:5.

و ليس شيئاً.

و هل يكفي ذكر الثمن عن ذكر النوع فيقول له مثلاً: اشتر لي عبداً بمائة، و إن لم يقل: تركيّاً أو هنديّاً؟ الوجه عندنا: جوازه، و به قال بعض الشافعيّة(1).

و قال بعضهم بعدم الاكتفاء(2).

و لو قال: اشتر لي عبداً كما تشاء، جاز أيضاً عندنا - و به قال بعض الشافعيّة(3) - لأنّه صرّح بالتفويض التامّ، بخلاف ما لو اقتصر على قوله:

اشتر لي عبداً، فإنّه لم يأت فيه ببيانٍ معتاد و لا تفويضٍ تامّ.

و الأكثرون منهم لم يكتفوا بذلك، و فرّقوا بينه و بين أن يقول في القراض: اشتر مَنْ شئت من العبيد؛ لأنّ المقصود هناك الربح بنظر العامل و تصرّفه، فليس(4) التفويض إليه(5).

و في التوكيل بشراء الدار يجب عندهم التعرّض للمحلّة و السكّة، و في الحانوت للسوق(6).

و كلّ هذا عندنا غير لازمٍ.

مسألة 684: إذا وكّله في الإبراء من الحقّ الذي له على زيدٍ، صحّ.

فإن عرف الموكّل مبلغ الدَّيْن كفى، و لم يجب إعلام الوكيل قدر الدَّيْن و جنسه، و به قال بعض الشافعيّة(7).

ص: 57


1- الوجيز 189:1، العزيز شرح الوجيز 213:5.
2- الوجيز 189:1، العزيز شرح الوجيز 213:5، التهذيب - للبغوي - 212:4.
3- العزيز شرح الوجيز 214:5، روضة الطالبين 529:3.
4- في «العزيز شرح الوجيز»: «فيليق» بدل «فليس».
5- العزيز شرح الوجيز 214:5، روضة الطالبين 529:3.
6- التهذيب - للبغوي - 212:4، العزيز شرح الوجيز 214:5، روضة الطالبين 529:3.
7- العزيز شرح الوجيز 214:5، روضة الطالبين 529:3.

و قال بعضهم: لا بدّ من أن يبيّن للوكيل قدر الدَّيْن و جنسه(1).

و المعتمد: الأوّل؛ لأصالة صحّة الوكالة.

أمّا لو قال: بِعْ عبدي بما باع به فلان فرسه، اشتُرط في صحّة البيع عِلْمُ الوكيل؛ لأنّ العهدة تتعلّق به، فلا بدّ أن يكون على بصيرةٍ من الأمر، و لا عهدة في الإبراء.

و لو كان الموكّل جاهلاً بما باع به فلان فرسه، لم يضر.

و اشترط بعضهم العلم بما يقع الإبراء منه(2).

و أصل الخلاف: إنّ الإبراء هل هو محض إسقاط، أو تمليك ؟ إن قلنا: إسقاط، صحّ مع جَهْل مَنْ عليه الحقّ بمبلغ الحقّ. و إن قلنا: تمليك، فلا بدّ من علمه، كما أنّه لا بدّ من علم المتّهب بما يوهب منه(3).

و لو قال: وكّلتُك في أن تُبرئه من الدَّيْن الذي لي عليه، و لم يعلم الموكّل قدره و لا الوكيل، صحّ أيضاً عندنا.

و لو وكّله في الإبراء من شيء، و أطلق، لم يكن للوكيل التعيين، بل يُبرئه من شيء مبهم، و يُحمل على أقلّ ما يتموّل؛ لأنّه المتيقّن بالإسقاط، و الزائد عليه ثابت في الذمّة، فلا يزول عنها إلّا بمزيل.

و لو قال: وكّلتُك في أن تُبرئه ممّا شئت، أو ممّا شاء، فالوجه:

الصحّة، و يرجع في القدر إلى مشيئته أو مشيئة الغريم.

و لو وكّله بأن قال: ابرئ فلاناً عن دَيْني، اقتضى ذلك أن يُبرئه من3.

ص: 58


1- الحاوي الكبير 515:6، التهذيب - للبغوي - 211:4، العزيز شرح الوجيز 214:5، روضة الطالبين 529:3. (2 و 3) العزيز شرح الوجيز 214:5، روضة الطالبين 529:3.

الجميع. و لو قال: عن شيء منه، أبرأه عن أقلّ ما يتموّل.

و لو قال: أبرأه عمّا شئت، لم يجز الاستيعاب، مع احتماله.

مسألة 685: إذا وكّله في الإبراء من الحقّ الذي له عليه
اشارة

مسألة 685: إذا وكّله في الإبراء من الحقّ الذي له عليه(1) ، فأبرأه الوكيل، صحّ،

و برئت ذمّته.

و لو كان له على رجل حقٌّ، فوكّل صاحب الحقّ مَنْ عليه الحقّ في إبراء نفسه، صحّ؛ لأنّه وكّله في إسقاط حقٍّ عن نفسه، فوجب أن يصحّ، كما لو وكّل العبدَ في إعتاق نفسه و المرأةَ في طلاقها، و هو المشهور عند الشافعيّة(2).

و قال بعضهم: لا يصحّ؛ لأنّه لا يملك إسقاط الحقّ عن نفسه بنفسه، كما لو كان في يده عين مضمونة عليه، فإنّه لا يصحّ أن يوكّله في إسقاط الضمان عن نفسه(3).

و هو ضعيف؛ لأنّه يخالف إسقاط الحقّ عن الذمّة؛ لأنّ ذلك لا يسقط إلّا بالقبض، و لا يكون قابضاً من نفسه، و هنا يكفي مجرّد الإسقاط، على أنّا نمنع الحكم في الأصل.

إذا ثبت هذا، فإذا وكّل المضمونُ له المضمونَ عنه في إبراء الضامن، جاز، فإذا أبرأه، برئ الضامن و المضمون عنه عندنا.

و عند العامّة لا يبرأ المضمون عنه(4).

و إن وكّل الضامنَ في إبراء المضمون عنه فأبرأه، لم يبرأ الضامن عندنا؛ لأنّ الدَّيْن انتقل من ذمّة المضمون عنه، و لا تصحّ هذه الوكالة، كما لو وكّله في إبراء مَنْ لا حقّ له عليه.

ص: 59


1- كذا، و الظاهر: «على زيد» بدل «عليه».
2- الحاوي الكبير 516:6، بحر المذهب 163:8، الوسيط 287:3، العزيز شرح الوجيز 227:5، روضة الطالبين 538:3-539.
3- الحاوي الكبير 515:6 بحر المذهب 163:8.
4- المغني 241:5، الشرح الكبير 212:5.

و عند العامّة يبرأ الضامن؛ لأنّه فرع على المضمون عنه(1).

و هنا للشافعيّة وجهٌ واحد: أنّه لا يبرأ بإبراء نفسه، و إنّما يبرأ ببراءة المضمون عنه(2).

تذنيب:

لو وكّله في إبراء غرمائه و كان الوكيل منهم، لم يكن له أن يُبرئ نفسه، كما لو وكّله في حبس غرمائه أو مخاصمتهم.

و لعلّ بينهما فرقاً.

و لو وكّله في تفرقة شيء على الفقراء و هو منهم، لم يكن له أن يصرف إلى نفسه من ذلك شيئاً عند الشافعيّة؛ لأنّه مخاطب في أن يخاطب غيره، فلا يكون داخلاً في خطاب غيره.

فإن صرّح له أن يُبرئ نفسه، فالوجهان(3).

و المعتمد: الجواز في ذلك كلّه.

مسألة 686: إذا وكّله في الخصومة و أطلق بأن قال: وكّلتُك لمخاصمة خصمائي، فإنّه يصحّ،

و يصير وكيلاً في جميع الخصومات؛ عملاً بالعموم، و هو أصحّ قولَي الشافعيّة.

و الثاني: لا يصحّ، بل يجب تعيين مَنْ يخاصم معه؛ لاختلاف العقوبة.

و هذا الاختلاف قريب من الخلاف الذي سبق فيما إذا وكّله ببيع أمواله و هي غير معلومة(4).

ص: 60


1- المغني 241:5، الشرح الكبير 212:5.
2- الحاوي الكبير 445:6 و 515، المهذّب - للشيرازي - 348:1، العزيز شرح الوجيز 172:5، روضة الطالبين 496:3.
3- البيان 375:6، العزيز شرح الوجيز 260:5، روضة الطالبين 564:3.
4- الوسيط 280:3، العزيز شرح الوجيز 215:5، روضة الطالبين 530:3.

الفصل الثالث: في أحكام الوكالة

اشارة

و فيه مطالب:

المطلب الأوّل: في صحّة ما وافق من التصرّفات، و بطلان ما خالف.
اشارة

و تُعرف الموافقة باللفظ تارةً، و بالقرينة أُخرى.

و فيه مباحث:

البحث الأوّل: المباينة و المخالفة.
مسألة 687: يجب على الوكيل اعتماد ما عيّن الموكّل له و قرّره معه،
اشارة

و لا يجوز له المخالفة في شيء ممّا رسمه له، فيصحّ تصرّف الوكيل فيما وافق الموكّل، و يبطل فيما خالفه مع صحّة الوكالة.

و الموافقة و المخالفة قد تُعرفان بالنظر إلى اللفظ تارةً، و بالقرائن التي تنضمّ إليه أُخرى، فإنّ القرينة قد تقوى، فيترك لها إطلاق اللفظ، فإنّه إذا أمره في الصيف بشراء الجمد، لا يشتريه في الشتاء.

و قد يتعادل اللفظ و القرينة، و ينشأ من تعادلهما خلاف في المسألة، و هذا كما لو أطلق البيع و قال: قد وكّلتُك في بيعه، و لم يعيّن ثمناً و لا نقداً و لا حلولاً، فباع بغير نقد البلد من العروض و النقود، أو بغبنٍ فاحش، أو مؤجَّلاً، فإذا فَعَل ذلك، لم يصح، و كان مخالفاً؛ لأنّ العرف اقتضى انصراف إطلاق اللفظ إلى المعتاد المتظاهر بين الناس من البيع بالنقد، و من نقد البلد الذي يقع فيه البيع، و بثمن المثل، و الحالّ، فلا يملك الوكيل غير ذلك، عند علمائنا أجمع، و به قال الشافعي و أحمد في إحدى الروايتين و مالك؛ قياساً على الوصي، فإنّه لا يبيع إلّا بثمن المثل من نقد البلد حالاًّ.

ص: 61

و لأنّه وكيل في عقد البيع، فتصرّفه بالغبن لا يلزم الموكّل، كالوكيل بالشراء إذا اشترى بغبنٍ فاحش، و لأنّه إذا باع و أطلق، كان الثمن حالاًّ، فإذا وكّل بالبيع و أطلق، حُمل على الثمن الحالّ(1).

و قال أبو حنيفة: إذا وكّله في البيع و أطلق، جاز له أن يبيع بأيّ ثمن كان، قليلاً كان أو كثيراً، حالاًّ و مؤجَّلاً من أيّ نقدٍ شاء؛ لأنّ المبيع ملكه، فإذا أمر ببيعه مطلقاً، حُمل على العموم في كلّ بيعٍ(2).

و هو ينتقض بالشراء، فإنّه إذا أطلق له الشراء، انصرف الإطلاق إلى الشراء بثمن المثل عنده(3).

و قال أبو يوسف و محمّد: إذا أطلق له البيع، لم يجز إلّا بثمن المثل من نقد البلد، و يجوز حالاًّ و مؤجَّلاً؛ لأنّ البيع يقع بالحالّ و المؤجَّل في العادة، فانصرف الأمر إليه(4).6.

ص: 62


1- بحر المذهب 182:8، الوسيط 285:3، حلية العلماء 133:5، التهذيب - للبغوي - 216:4، البيان 381:6، العزيز شرح الوجيز 223:5-224، روضة الطالبين 537:3، المغني 255:5، الشرح الكبير 226:5، بداية المجتهد 303:2، التلقين: 446، المعونة 1239:2.
2- تحفة الفقهاء 234:3، بدائع الصنائع 27:6، الهداية - للمرغيناني - 145:3-146، فتاوى قاضيخان - بهامش الفتاوى الهنديّة - 23:3، الفقه النافع 998/1242:3، الاختيار لتعليل المختار 260:2، بداية المجتهد 303:2، المعونة 1239:2، بحر المذهب 182:8، حلية العلماء 134:5، التهذيب - للبغوي - 217:4، البيان 381:6، العزيز شرح الوجيز 224:5، المغني 255:5، الشرح الكبير 226:5.
3- الهداية - للمرغيناني - 146:3، الفقه النافع 998/1242:3، الاختيار لتعليل المختار 261:2، المغني 255:5، الشرح الكبير 226:5، بحر المذهب 182:8.
4- تحفة الفقهاء 234:3، بدائع الصنائع 27:6، فتاوى قاضيخان - بهامش الفتاوى الهنديّة - 23:3، الهداية - للمرغيناني - 145:3، الفقه النافع 998/1242:3، الاختيار لتعليل المختار 260:2، بحر المذهب 182:8، حلية العلماء 134:5، البيان 381:6، المغني 255:5، الشرح الكبير 225:5-226.

و هو ممنوع؛ فإنّ الثمن إنّما يكون حالاًّ في غالب العادة، فانصرف الإطلاق إليه، كثمن المثل. و أمّا إذا قيّد الموكّل الأمر فأمره بأن يبيعه بنقدٍ بعينه، فإنّه لا يجوز له مخالفته، إلّا أن يأذن له في بيعه بنقدٍ فيبيعه بأكثر.

و قال أحمد في الرواية الأُخرى: إذا باع بأقلّ من ثمن المثل بما لا يتغابن الناس به، صحّ، و لا يصحّ الشراء بأكثر من ثمن المثل، و يضمن الوكيل في صورة البيع النقصَ؛ لأنّ مَنْ صحّ بيعه بثمن المثل صحّ بدونه، كالمريض(1).

فعلى هذه الرواية يكون البيع صحيحاً، و على الوكيل ضمان النقص.

و في قدره وجهان:

أحدهما: ما بين ثمن المثل و ما باعه به.

و الثاني: ما بين ما يتغابن الناس به و ما لا يتغابن الناس به.

و الوجه: الأوّل؛ لأنّه لم يأذن للوكيل في هذا البيع، فأشبه بيع الأجنبيّ.

و أمّا إذا باع بما يتغابن الناس بمثله، فإنّه يجوز و يعفى عنه و لا ضمان عليه إذا لم يكن الموكّل قدّر له الثمن؛ لأنّ ما يتغابن الناس به يُعدّ من ثمن المثل، و لا يمكن التحرّز عنه.

فروع:
أ - إذا باع على الوجه الممنوع منه بأن يبيع بأقلّ من ثمن المثل أو بالعروض أو نسيئةً، كان حكمه حكم الفضوليّ

يكون بيعه موقوفاً إن أجازه الموكّل، صحّ البيع و لزم، و إلّا بطل، و لا يقع باطلاً من أصله، و هو أحد قولَي الشافعيّة.

ص: 63


1- المغني 255:5-256، الشرح الكبير 226:5.

و المشهور عندهم: الأوّل(1).

ب - لو كان في البلد نقدان و أحدهما أغلب، فعليه أن يبيع به،

فإن استويا في المعاملة، باع بما هو أنفع للموكّل، فإن استويا تخيّر.

و قال بعض الشافعيّة: إذا استويا في المعاملة، وجب أن لا يصحّ التوكيل ما لم يبيّن، كما لو باع بدراهم و في البلد نقدان متساويان، لا يصحّ حتى يقيّد بأحدهما(2).

و المشهور عندهم(1) ما اخترناه أوّلاً.

ج - لو باع الوكيل على أحد الوجوه المذكورة، لم يصر ضامناً للمال

ما لم يسلّم إلى المشتري، فإن سلّم ضمن.

د - بيع ما يساوي عشرةً بتسعةٍ محتملٌ في الغالب ما يتغابن الناس بمثله،

فيصحّ فعله من الوكيل. و بيعه بثمانيةٍ غير محتملٍ، و هو قول بعض الشافعيّة(2).

و قال بعضهم: يختلف القدر المحتمل باختلاف أجناس الأموال من الثياب و العبيد و العقارات و غيرها(3).

ه - كما لا يجوز أن ينقص الوكيل عن ثمن المثل، لا يجوز أن يقتصر عليه

و هناك طالبٌ بالزيادة، بل يجب عليه بيعه على باذل الزيادة مع تساوي الغريمين؛ لأنّه منصوب لمصلحة الموكّل، و ليس من مصلحته بيعه

ص: 64


1- بحر المذهب 183:8، البيان 382:6، العزيز شرح الوجيز 224:5، روضة الطالبين 537:3.
2- التهذيب - للبغوي - 217:4، العزيز شرح الوجيز 224:5، روضة الطالبين 537:3.
3- العزيز شرح الوجيز 224:5، روضة الطالبين 537:3.

بالأقلّ مع وجود الأكثر.

و - لو باع بثمن المثل و وجد مَنْ يزيد عليه، فإن كان بعد انقضاء الخيار، فلا كلام.

و إن كان في زمن الخيار و لو في المجلس، فالأقرب: إنّ على الوكيل الفسخَ؛ لاقتضاء مصلحة الموكّل ذلك، و التزام البيع منافٍ لها، فلا يملكه الوكيل.

و قال بعض العامّة: إنّه لا يلزمه فسخ العقد؛ لأنّ الزيادة ممنوع منها منهيّ عنها، فلا يلزمه الرجوع إليها، و لأنّ المزايد قد لا يثبت على الزيادة، و لا يلزم الفسخ بالشكّ(1).

و هو غلط؛ لأنّها زيادة في الثمن أمكن تحصيلها، فأشبه ما لو جاء به قبل البيع، و النهي يتوجّه إلى الذي زاد، لا إلى الوكيل، فأشبه مَنْ جاءته الزيادة قبل البيع بعد الاتّفاق عليه.

مسألة 688: لو قال الموكّل للوكيل: بِعْه بكَمْ شئت، جاز البيع بالغبن،

و لا يجوز بالنسيئة و لا بغير نقد البلد؛ لأنّه فوّض إليه تعيين القدر بلفظ «كَمْ» لأنّها كناية عن العدد، و يبقى في النقد و النسيئة على إطلاق الإذن، فلا يتناول إلّا الحالّ بنقد البلد؛ لأنّ تعميمه في أحد الثلاثة لا يقتضي تعميمه في الباقيين.

و لو قال: بِعْه بما شئت، فله البيع بغير نقد البلد، و لا يجوز بالغبن و لا النسيئة.

و لو قال: بِعْه كيف شئت، فله البيع بالنسيئة، و لا يجوز بالغبن و لا بغير نقد البلد، و به قال بعض الشافعيّة(2).

ص: 65


1- المغني 256:5، الشرح الكبير 226:5.
2- التهذيب - للبغوي - 217:4، العزيز شرح الوجيز 224:5-225، روضة الطالبين 538:3.

و قال بعضهم: يجوز الجميع(1). و لا بأس به عندي.

و لو قال: بِعْه بما عزّ و هان، فهو كما لو قال: بِعْه بكَمْ شئت، قاله بعض الشافعيّة(2).

و قال آخَرون: له البيع بالعرض و الغبن، و لا يجوز بيعه بالنسيئة(3).

و هو المعتمد.

مسألة 689: للحاكم بيع المرهون و مال المفلَّس بنقد البلد.

و لو لم يكن دَيْن المستحقّين من ذلك الجنس أو على تلك الصفة، صرفه إلى مثل حقوقهم.

و قد يحتاج الحاكم في ذلك إلى توسيط عقدٍ آخَر و معاملةٍ أُخرى، كما لو كان نقد البلد المكسَّرَ و حقُّهم الصحيحَ، فلا يمكن تحصيل الصحيح بالمكسَّر إلّا ببذل زيادةٍ و إنّه ربا، فيحتاج إلى شراء سلعةٍ بالمكسّرة ثمّ يشتري الصحيحة بتلك السلعة.

و لو رأى الحاكم المصلحة في البيع بمثل حقوقهم في الابتداء، جاز، و قد سبق(2).

و المرتهن عند امتناع الراهن عن أداء الحقّ يرفع أمره إلى الحاكم، فإن تعذّر عليه و افتقر إلى بيّنةٍ و لم تكن له، قام مقام الحاكم في توسيط المعاملة بالأُخرى و في بيعه بجنس الدَّيْن و على صفته، و به قال بعض الشافعيّة(3).

ص: 66


1- التهذيب - للبغوي - 217:4، العزيز شرح الوجيز 225:5، روضة الطالبين 538:3. (2 و 3) العزيز شرح الوجيز 225:5، روضة الطالبين 538:3.
2- في ج 14، ص 50، ضمن المسألة 297.
3- العزيز شرح الوجيز 225:5.

و مَنَع بعضُهم من تسلّط المرتهن على بيع المرهون بمجرّد امتناع الراهن عن أداء ما عليه(1).

و إذا أُلحق المرتهن بالحاكم فيما ذكرنا، أشبه أن يلحق وكيل الراهن ببيع المرهون و قضاء الدَّيْن منه بالمرتهن، بل أولى؛ لأنّ نيابة المرتهن حينئذٍ قهريّة، و [الموكّل](2) قد رضي بتصرّفه، و نصبه لهذا الغرض.

مسألة 690: الوكيل بالبيع المطلق يبيع من ابنه الكبير و أبيه و سائر أُصوله و فروعه

- و هو أصحّ وجهي الشافعيّة(3) - لأنّه باع بثمن المثل الذي لو باع به من أجنبيّ لصحّ، فأشبه ما لو باع من صديقه، و لأنّه يجوز للعمّ أن يزوِّج موليتَه من ابنه إذا أطلقت الإذن، و لم يُجعل تعيين الزوج شرطاً، فكذا هنا، و لأنّ القابل غير العاقد، فصحّ البيع، كالأجنبيّ.

و الثاني للشافعيّة: أنّه لا يجوز - و به قال أبو حنيفة، و يعتبر أبو حنيفة قبولَ الشهادة له(4) - لأنّ التهمة تلحقه في حقّ أبيه و ابنه الكبير بالميل إليهما، كما تلحقه في حقّ نفسه، و لهذا لا تُقبل شهادته لهما، كما لا تُقبل شهادته لنفسه، و من الجائز أن يكون هناك راغب بأكثر من الثمن(5).

ص: 67


1- العزيز شرح الوجيز 225:5.
2- بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «الوكيل». و الصحيح ما أثبتناه.
3- بحر المذهب 179:8، حلية العلماء 127:5، التهذيب - للبغوي - 219:4، البيان 375:6، العزيز شرح الوجيز 225:5، روضة الطالبين 538:3.
4- بدائع الصنائع 28:6، الهداية - للمرغيناني - 145:3، فتاوى قاضيخان - بهامش الفتاوى الهنديّة - 22:3، الفقه النافع 997/1242:3، الاختيار لتعليل المختار 262:2، بحر المذهب 178:8، حلية العلماء 127:5، التهذيب - للبغوي - 219:4، العزيز شرح الوجيز 225:5.
5- بحر المذهب 178:8-179، حلية العلماء 127:5، التهذيب - للبغوي - 219:4، البيان 375:6، العزيز شرح الوجيز 225:5-226، روضة الطالبين 538:3.

و أُجري الوجهان للشافعيّة في البيع من الزوج و الزوجة، فإذا قلنا:

لا تُقبل شهادة أحدهما للآخَر، فكالأب و الابن، و إلّا فلا(1).

و هذا عندنا باطل؛ لأنّا نجوّز الشهادةَ لهم و البيعَ أيضاً؛ إذ الضابط ثمن المثل، فإذا بذله [أيّ](2) مَنْ كان، جاز البيع.

و لو باع من مكاتَبه، صحّ أيضاً.

و للشافعيّة وجهان: الجواز؛ لأنّ المكاتَب يملك دونه. و المنع؛ للتهمة، لأنّه يتعلّق حقّه بكسبه(3).

و كذا يصحّ البيع من جميع أقاربه، كأخيه و عمّه و غيرهما.

و الوجهان للشافعيّة في الفروع و الأُصول المستقلّين(4).

أمّا لو باع من ابنه الصغير، فإنّه جائز عندنا أيضاً.

و مَنَع منه الشافعيّة؛ لأنّه يستقصي لطفله(5) في الاسترخاص، و غرض الموكّل الاستقصاء في البيع بالأكثر، و هُما غرضان متضادّان، فلا يتأتّى من الواحد القيام بهما(6).3.

ص: 68


1- التهذيب - للبغوي - 219:4، العزيز شرح الوجيز 226:5، روضة الطالبين 538:3.
2- ما بين المعقوفين يقتضيه السياق.
3- بحر المذهب 179:8، التهذيب - للبغوي - 219:4، البيان 375:6، العزيز شرح الوجيز 226:5، روضة الطالبين 538:3، المغني 238:5، الشرح الكبير 222:5-223.
4- العزيز شرح الوجيز 226:5، روضة الطالبين 538:3، المغني 238:5، الشرح الكبير 223:5.
5- في النسخ الخطّيّة: «لابنه» بدل «لطفله».
6- بحر المذهب 178:8، التهذيب - للبغوي - 219:4، البيان 375:6، العزيز شرح الوجيز 226:5، روضة الطالبين 538:3.

و عن أحمد روايتان. و للشافعيّة وجهان(1).

مسألة 691: إذا وكّله في بيع شيء، فإن جوّز له أن يشتريه هو، جاز أن يبيعه على نفسه، و يقبل عن نفسه.
اشارة

و إن مَنَعه من ذلك، لم يجز له أن يشتريه لنفسه إجماعاً.

و إن أطلق، مَنَع الشيخ من ذلك؛ لأنّه قال: جميع مَنْ يبيع مال غيره - و هُمْ ستّة أنفس: الأب و الجدّ و وصيّهما و الحاكم و أمين الحاكم و الوكيل - لا يصحّ لأحدٍ منهم أن يبيع المال الذي في يده من نفسه إلّا لاثنين: الأب و الجدّ، و لا يصحّ لغيرهما، و به قال مالك و الشافعي(2).

و قال الأوزاعي: يجوز ذلك للجميع. و هو منقول عن مالك(3) أيضاً.

و قال زفر: لا يجوز لأحدٍ منهم أن يبيع من نفسه شيئاً(4).

و قال أبو حنيفة: يجوز للأب و الجدّ و الوصي ذلك، إلّا أنّه اعتبر في الوصي أن يشتريه بزيادة ظاهرة، مثل أن يشتري ما يساوي عشرةً بخمسة عشر، فإن اشتراه بزيادة درهمٍ، لم يمض البيع استحساناً(5).

ص: 69


1- المغني 238:5، الشرح الكبير 224:5، الوجيز 190:1، العزيز شرح الوجيز 225:5.
2- الإشراف على مذاهب أهل العلم 456:2-1846/457، الحاوي الكبير 536:6، بحر المذهب 178:8، حلية العلماء 127:5، الوجيز 190:1، البيان 374:6، العزيز شرح الوجيز 226:5، روضة الطالبين 538:3، بداية المجتهد 303:2، المغني 237:5، الشرح الكبير 221:5.
3- الحاوي الكبير 536:6، بحر المذهب 178:8، حلية العلماء 128:5، البيان 374:6، بداية المجتهد 303:2، المغني 237:5، الشرح الكبير 221:5.
4- الحاوي الكبير 536:6، بحر المذهب 178:8، حلية العلماء 128:5، البيان 374:6.
5- الحاوي الكبير 536:6، بحر المذهب 178:8، حلية العلماء 128:5، البيان 374:6، المغني 237:5، الشرح الكبير 222:5.

ثمّ استدلّ رحمه الله على مذهبه: بإجماع الفرقة و أخبارهم أنّه يجوز للأب أن يقوّم جارية ابنه الصغير على نفسه، ثمّ يستبيح وطأها بعد ذلك.

و أيضاً روي أنّ رجلاً وصّى إلى رجلٍ في بيع فرس، فاشتراه الوصي لنفسه، فاستفتى عبد اللّه بن مسعود، فقال: ليس له(1) ، و لم يُعرف له مخالف(2).

إذا عرفت هذا، فقد اختلفت الشافعيّة في صحّة بيع الوكيل من نفسه، و الوصي يبيع مال الطفل من نفسه.

فالمشهور عندهم: المنع - و هو إحدى الروايتين عن أحمد - لأنّه يستقصي لنفسه في الاسترخاص، و غرض البائع الاستقصاء في البيع بالأكثر، و هُما غرضان متضادّان، فلا يتأتّى من الواحد القيام بهما.

و أيضاً فإنّ التوكيل بالبيع مطلقاً يشعر بالبيع من الغير، و الألفاظ المطلقة تُحمل على [المفهوم](3) منها في العرف الغالب.

و لأنّه تلحقه التهمة، بخلاف الأب و الجدّ، فإنّ شفقتهما الطبيعيّة على الولد تمنعهما من التسامح معه، فانتفت التهمة عنهما؛ لشفقتهما عليه(4).

و نقل عن الاصطخري من الشافعيّة أنّ للوكيل أن يبيع من نفسه؛ لحصول الثمن الذي لو باع من غيره لحصل(5).3.

ص: 70


1- الإشراف على مذاهب أهل العلم 1847/457:2، الحاوي الكبير 537:6، المغني 238:5، الشرح الكبير 222:5.
2- الخلاف 346:3-347، المسألة 9 من كتاب الوكالة.
3- بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «العموم». و الصحيح ما أثبتناه.
4- الحاوي الكبير 537:6، المهذّب - للشيرازي - 359:1، بحر المذهب 178:8، حلية العلماء 127:5، الوجيز 190:1، الوسيط 285:3، التهذيب - للبغوي - 219:4، العزيز شرح الوجيز 226:5، روضة الطالبين 538:3، المغني 237:5-238، الشرح الكبير 221:5-222.
5- بحر المذهب 178:8، العزيز شرح الوجيز 226:5، روضة الطالبين 538:3.

و احتجّ أبو حنيفة على جوازه للأب و الجدّ و الوصي إذا اشترى بأكثر من ثمن المثل [بأنّه](1) إذا اشترى الوصي بأكثر من ثمن المثل، فقد قرب مال اليتيم بالتي هي أحسن(2) ، فوجب أن يجوز(3).

و احتجّ مَنْ جوّز مطلقاً: بأنّ الوصي و الوكيل نائب عن الأب، فإذا جاز ذلك للأب، جاز للنائب عنه(4).

و ينتقض قول أبي حنيفة: بأنّ الوصي يلي بتوليته، فأشبه الوكيل.

و احتجّ زفر: بأنّ حقوق العقد تتعلّق بالعاقد، فلا يصحّ أن يتعلّق به حكمان متضادّان، و يشبه في ذلك الوصي و الوكيل(5).

و اعلم أنّ المشهور أنّ للأب و الجدّ أن يتولّيا طرفي العقد؛ لأنّ كلّ واحدٍ منهما يلي بنفسه، فجاز أن يتولّى طرفي العقد، كالجدّ يزوّج ابن ابنه ببنت ابنه الآخَر.

و لا نسلّم ما ذكره من تعلّق حقوق العقد بالعاقد لغيره.

و أمّا غيرهما فالمشهور: المنع.

و عندي في ذلك تردّد.

فروع:
أ إذا منعنا من شراء الوكيل لنفسه، لم يجز أيضاً أن يشتري لولده

ص: 71


1- بدل ما بين المعقوفين فيما عدا «ر» من النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «لأنّه». و كلاهما ساقط في «ر». و الظاهر ما أثبتناه.
2- إشارة إلى الآية 34 من سورة الإسراء.
3- المغني 237:5، الشرح الكبير 222:5.
4- راجع: الحاوي الكبير 536:6-537.
5- راجع: الحاوي الكبير 537:6.

الصغير و لا لمن يلي عليه بوصيّةٍ؛ لأنّه يكون بيعاً من نفسه، و به قال الشافعي(1).

و عندي فيه نظر أقربه: الجواز في ذلك كلّه.

و أمّا عبده المأذون له في التجارة فحكمه حكم بيعه من نفسه.

ب - إذا أذن لوكيله أن يبيع من نفسه، جاز عندنا على ما تقدّم.

و للشافعيّة وجهان(2).

قال ابن سريج: يجوز، كما لو أذن له في البيع من أبيه و ابنه، و كما لو قال لزوجته: طلّقي نفسكِ على ألف، ففَعَلت، يصحّ، و تكون نائبةً من جهته، قابلةً من جهة نفسها.

و لأنّ التهمة قد انتفت عنه بذلك، فجاز(3).

و هذا على قول مَن اعتبر التهمة.

و حكى أبو حامد من الشافعيّة في نكاح بنت العمّ من نفسه وجهين أيضاً(2).

و قال الأكثرون: لا يجوز؛ لما تقدّم من تضادّ الغرضين، و أيضاً فإنّ وقوع الإيجاب و القبول من شخصٍ واحد بعيد عن التخاطب و وَضْع الكلام، و تجويزه في حقّ الأب و الجدّ خلاف القياس، و لأنّه لا يكون موجباً قابلاً فيما يتولّاه بالإذن، كما لا يجوز أن يزوّج بنت عمّه من نفسه بإذنها(5).

و نحن نمنع الحكم في الأصل.

ج - لو وكّل أباه بالبيع، فهو كالأجنبيّ

إن جوّزنا في حقّ الأجنبيّ أن

ص: 72


1- بحر المذهب 178:8، البيان 375:6، العزيز شرح الوجيز 226:5، روضة الطالبين 538:3. (2 و 3 و 5) الحاوي الكبير 538:6، بحر المذهب 179:8، البيان 375:6، العزيز شرح الوجيز 226:5، روضة الطالبين 538:3.
2- بحر المذهب 179:8، حلية العلماء 128:5.

يشتري لنفسه جاز هنا، و إن منعناه ثَمَّ منعناه هنا.

و قال بعض الشافعيّة المانعين في حقّ الأجنبيّ: يجوز هنا؛ لأنّ الأب يبيع مال ولده من نفسه بالولاية، فكذلك بالوكالة(1).

و فيه بُعْدٌ.

د - لو صرّح له بالإذن في بيعه من ابنه الصغير، قطع بعض الشافعيّة بالجواز

- كما اخترناه نحن - لأنّه رضي بالنظر إلى الطفل و بترك الاستقصاء، و تولّي الطرفين في حقّ الولد معهود على الجملة، بخلاف ما لو باع من نفسه. و لأنّ التهمة قد انتفت، و القابل غير الموجب(2).

و قال بعضهم: لا يجوز، كما لو أذن في بيعه من نفسه(3).

و يجري الوجهان للشافعيّة فيما لو وكّله بالهبة و أذن له أن يهب من نفسه، أو بتزويج ابنته و أذن له في تزويجها من نفسه.

و النكاح أولى بالمنع عندهم(2) ؛ لأنّهم رووا أنّه «لا نكاح إلّا بأربعة:

خاطبٍ و وليٍّ و شاهدَيْن»(3).

ه - لو وكّل مستحقّ الدَّيْن المديونَ باستيفائه من نفسه،

أو وكّل مستحقّ القصاص الجانيَ باستيفائه من نفسه إمّا في النفس أو الطرف، أو وكّل الإمام السارقَ ليقطع يده، جاز.

و للشافعيّة الوجهان(6).

أمّا لو وكّله الإمام في جلد نفسه، فالأقرب: المنع؛ لأنّه متّهم بترك

ص: 73


1- الحاوي الكبير 537:6، بحر المذهب 179:8، العزيز شرح الوجيز 226:5، روضة الطالبين 538:3. (2 و 3 و 6) العزيز شرح الوجيز 226:5، روضة الطالبين 538:3.
2- البيان 375:6، العزيز شرح الوجيز 226:5، روضة الطالبين 538:3.
3- العزيز شرح الوجيز 226:5، و انظر: المصنّف - لعبد الرزّاق - 10481/197:6، و سنن الدارقطني 224:3-19/225.

الإيلام، بخلاف القطع؛ إذ لا مدخل للتهمة فيه.

و ظاهر مذهب الشافعيّة: المنع في الجميع(1).

مسألة 692: لو وكّله المتداعيان أن يخاصم من الجانبين، فيدّعي عن أحدهما و يُنكر عن الآخَر، الأقرب: الجواز؛

لأنّه يتمكّن من إقامة البيّنة للمدّعي ثمّ من إقامة البيّنة الدافعة للمدّعى عليه، و عدالته و أمانته تمنعه(2) من الميل عن أحد الجانبين، و هو أضعف وجهي الشافعيّة.

و أصحّهما عندهم: المنع؛ لما فيه من اختلال غرض كلّ واحدٍ منهما، فإنّه يحتاج إلى التعديل من جانبٍ و إلى الجرح من جانبٍ، و على هذا [فإليه](3) الخيرة يخاصم لأيّهما شاء(4).

و لا منافاة لما بيّنّاه من اقتضاء عدالته و أمانته عدمَ الميل بغير الحقّ، و هو مكلّف باعتماد الصحيح، حتى لو طلب الموكّل منه الخروجَ عنه، لم يجز له موافقته عليه.

و لو توكّل رجل في طرفَي النكاح أو البيع، جاز عندنا.

و عند الشافعيّة وجهان(5).

و منهم: مَنْ قطع بالمنع(6).

و لو وكّل مَنْ عليه الدَّيْن بإبراء نفسه، جاز عندنا.

ص: 74


1- العزيز شرح الوجيز 227:5، روضة الطالبين 538:3.
2- الظاهر: «تمنعانه».
3- بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «ما إليه». و المثبت - كما في العزيز شرح الوجيز - هو الصحيح.
4- بحر المذهب 181:8، حلية العلماء 129:5، البيان 376:6، العزيز شرح الوجيز 227:5، روضة الطالبين 538:3، المغني 239:5، الشرح الكبير 224:5. (5 و 6) بحر المذهب 181:8، العزيز شرح الوجيز 227:5، روضة الطالبين 538:3.

و للشافعيّة طريقان:

أحدهما: التخريج على الوجهين.

و الثاني: القطع بالجواز.

و هُما مبنيّان على أنّه(1) هل يحتاج إلى القبول ؟ إن قلنا: نعم، جرى الوجهان. و إن قلنا: لا، قطعنا بالجواز، كما لو وكّل مَنْ عليه القصاص بالعفو، و العبد بإعتاق نفسه(2).

و الوكيل بالشراء بمنزلة الوكيل بالبيع في أنّه لا يشتري من نفسه و لا مال(3) ابنه الصغير على الخلاف السابق(4) ، و في تخريج شرائه من ابنه البالغ على الوجهين في سائر الصور.

مسألة 693: كلّ ما جاز التوكيل فيه جاز استيفاؤه في حضرة الموكّل و غيبته،

عند علمائنا - و به قال مالك و أحمد في إحدى الروايتين(5) - لأنّ ما جاز استيفاؤه في حضرة الموكّل جاز في غيبته، كالحدود و سائر الحقوق.

و قال أبو حنيفة و بعض الشافعيّة: لا يجوز استيفاء القصاص و حدّ القذف في غيبة الموكّل - و هو الرواية الأُخرى عن أحمد - لاحتمال أن يعفو(6).

ص: 75


1- أي: الإبراء.
2- حلية العلماء 130:5، العزيز شرح الوجيز 227:5، روضة الطالبين 538:3-539.
3- أي: «من مال».
4- في ص 68.
5- بحر المذهب 165:8، المغني 207:5، الشرح الكبير 208:5.
6- تحفة الفقهاء 228:3، بدائع الصنائع 21:6، الهداية - للمرغيناني - 136:3، الاختيار لتعليل المختار 252:2، فتاوى قاضيخان - بهامش الفتاوى الهنديّة - 11:3، الحاوي الكبير 517:6، بحر المذهب 165:8، حلية العلماء 114:5، التهذيب - للبغوي - 210:4، البيان 357:6-358، العزيز شرح الوجيز 210:5، روضة الطالبين 526:3.

و هو بعيد، و الظاهر أنّه لو عفا، لأعلم الوكيل، و الأصل عدمه، و قد كان قُضاة رسول اللّه صلى الله عليه و آله يحكمون في البلاد و يقيمون الحدود التي تُدرأ بالشبهات، مع احتمال النسخ.

و كذا لا يحتاط في استيفاء الحدود بإحضار الشهود مع احتمال رجوعهم عن الشهادة أو تغيّر اجتهاد الحاكم.

مسألة 694: إذا وكّل عبده في إعتاق نفسه أو امرأته في طلاق نفسها، صحّ.

و لو وكّل العبد في إعتاق عبيده أو المرأة في طلاق نسائه، لم يدخل العبد و لا المرأة في ذلك - على إشكالٍ - لأنّ ذلك ينصرف بإطلاقه إلى التصرّف في غيره.

و يحتمل أن يملكا ذلك؛ عملاً بعموم اللفظ، كما يجوز للوكيل في البيع البيعُ من نفسه على ما اخترناه.

و كذا لو وكّل غريمه في إبراء غرمائه، بخلاف ما إذا وكّله في حبسهم أو في خصومتهم، لم يملك حبس نفسه و لا خصومتها؛ عملاً بالظاهر.

و لو وكّل رجلاً في تزويج امرأة و لم يعيّن، فالأقرب: أنّ له أن يزوّجه ابنته، و به قال أبو يوسف و محمّد(1).

و لو أذنت له في تزويجها، فالأقرب: أنّه ليس له أن يزوّجها من نفسه، بل لولده و والده.

ص: 76


1- المبسوط - للسرخسي - 118:19، فتاوى قاضيخان - بهامش الفتاوى الهنديّة - 47:3، المغني 239:5، الشرح الكبير 223:5.

و فيه لبعض العامّة وجهان(1).

و لو وكّله في شراء عبدٍ، جاز أن يشتري نفسه له من مولاه.

و الحكم في الحاكم و أمينه و الوصي كالحكم في الوكيل في بيع أحد هؤلاء لوكيله أو لولده الصغير أو طفل يلي عليه أو لوكيله أو لعبده المأذون.

و قد سبق(2) الخلاف في ذلك كلّه.

مسألة 695: لو وكّل عبداً بشراء نفسه من سيّده، أو يشتري منه عبداً آخَر، ففَعَل، صحّ عندنا

- و به قال أبو حنيفة و أحمد و بعض الشافعيّة(3) - لأنّه يجوز أن يشتري عبداً من غير مولاه، فجاز أن يشتريه من مولاه، كالأجنبيّ، و إذا جاز أن يشتري غيره من مولاه، جاز أن يشتري نفسه، كالمرأة لمّا جاز توكيلها في طلاق غيرها، جاز توكيلها في طلاق نفسها.

و لأنّه قابل للنقل و قابل للاستنابة فيه، فلا مانع مع وجود المقتضي.

و قال بعض الشافعيّة: لا يجوز؛ لأنّ يد العبد كيد سيّده، فأشبه ما لو وكّله في الشراء من نفسه، و لهذا يُحكم للإنسان بما في يد عبده(4).

و هو باطل؛ لأنّ أكثر ما يقدّر فيه جَعْل توكيل العبد كتوكيل سيّده، و قد ذكرنا صحّة ذلك، فإنّ السيّد يصحّ توكيله في الشراء و البيع من نفسه،

ص: 77


1- المغني 239:5، الشرح الكبير 223:5.
2- في ص 69 و ما بعدها، المسألة 691.
3- بدائع الصنائع 77:4، الهداية - للمرغيناني - 145:3، الاختيار لتعليل المختار 258:2، المغني 240:5، الشرح الكبير 211:5-212، الحاوي الكبير 536:6، المهذّب - للشيرازي - 359:1، التنبيه: 109، الوسيط 287:3، التهذيب - للبغوي - 221:4، البيان 376:6، العزيز شرح الوجيز 259:5، روضة الطالبين 563:3.
4- الحاوي الكبير 536:6، المهذّب - للشيرازي - 359:1، التنبيه: 109، الوسيط 287:3، التهذيب - للبغوي - 221:4، البيان 376:6، العزيز شرح الوجيز 259:5، روضة الطالبين 563:3، المغني 240:5، الشرح الكبير 212:5.

فهنا أولى.

فعلى هذا لو قال العبد: اشتريت نفسي لزيدٍ، و صدّقه سيّده و زيدٌ، صحّ، و لزم الثمن.

و لو قال السيّد: ما اشتريت نفسك إلّا لنفسك، فإن جوّزناه، عُتق العبد بقوله و إقراره على نفسه، و يلزم العبد الثمن لسيّده؛ لأنّ زيداً لا يلزمه الثمن؛ لعدم حصول العبد له، و كون سيّده لا يدّعيه عليه، فلزم العبد؛ لأنّ الظاهر ممّن يباشر العقد أنّه له.

و إن صدّقه السيّد و كذّبه زيدٌ، نُظر في تكذيبه، فإن كذّبه في الوكالة، حلف و برئ، و للسيّد فسخ البيع و استرجاع عبده؛ لتعذّر ثمنه. و إن صدّقه في الوكالة و كذّبه في أنّك ما اشتريت نفسك لي، فالقول قول العبد؛ لأنّ الوكيل يُقبل قوله في التصرّف المأذون فيه.

مسألة 696: لو وكّله في إخراج صدقته على المساكين و هو منهم، أو أوصى إليه بتفريق ثلثه عليهم،

أو دفع إليه مالاً و أمره بتفريقه على مَنْ يريد أو يدفعه إلى مَنْ شاء، ففي جواز الأخذ منه روايتان تقدّمتا(1).

و قال أحمد: لا يجوز؛ لأنّه أمره بتنفيذه(2).

و أصحابنا قالوا: إذا أخذ شيئاً، فلا يفضّل نفسه، بل يأخذ مثل ما يعطي غيره.

و هل هذا على سبيل(3) الوجوب، أو الاستحباب ؟ نظر.

و هل له الاختصاص إذا سوّغ له تخصيص واحدٍ به ؟ إشكال.

ص: 78


1- في ج 5، ص 360، المسألة 272.
2- المغني 241:5.
3- في «ج، ر»: «وجه» بدل «سبيل».

و له أن يعطي ولده و أباه و امرأته و مَنْ تلزمه نفقته مع الاستحقاق.

و عن أحمد روايتان(1).

مسألة 697: إذا وكّله في البيع مؤجَّلاً، فإن قدّر الأجل صحّ التوكيل،

و إن أطلق فالأقرب: الجواز، و يرجع في ذلك إلى مصلحة الموكّل، و المتعارف إن كان فيه عرف.

و للشافعيّة وجهان:

أحدهما: أنّه لا يصحّ التوكيل مع الإطلاق؛ لاختلاف الأغراض بتفاوت الآجال طولاً و قصراً.

و أصحّهما عندهم: الصحّة.

و على ما ذا يُحمل ؟ فيه ثلاث أوجُه:

أحدها: أنّه ينظر إلى المتعارف في مثله، فإن لم يكن فيه عرفٌ راعى الوكيلُ الأنفعَ للموكّل.

و الثاني: له التأجيل إلى أيّة مدّة شاء؛ عملاً بإطلاق اللفظ.

و الثالث: يؤجّل إلى سنة و لا يزيد عليها؛ لأنّ الديون المؤجَّلة تتقدّر بها، كالجزية و الدية(2).

البحث الثاني: فيما يملك الوكيل بالبيع.
مسألة 698: إذا وكّله في البيع مطلقاً، لم يملك الوكيل قبض الثمن،

ص: 79


1- المغني 241:5.
2- المهذّب - للشيرازي - 361:1، بحر المذهب 183:8، الوسيط 287:3-288، حلية العلماء 136:5، البيان 386:6، العزيز شرح الوجيز 227:5-228، روضة الطالبين 539:3.

إلّا إذا دلّت القرينة عليه، كما لو أمره بالبيع في سوقٍ بعيدٍ من بلدٍ آخَر يضيع الثمن بترك قبضه، أو لا يتمكّن الموكّل من قبض الثمن، أو يقول له: بِعْه على مَنْ كان من الغرباء و لا تصاحبه، ففي مثل ذلك يكون مأذوناً له في القبض، فإن دفع السلعة إلى المشتري و لم يقبض، كان ضامناً؛ لأنّ ظاهر حال الموكّل أنّه إنّما أمره بالبيع لتحصيل ثمنه، و لا يرضى بتضييعه، و لهذا يُعدّ مَنْ فَعَل ذلك مضيّعاً مفرّطاً.

و إن لم تدلّ القرينة عليه، فإن دلّت على المنع، لم يجز له القبض إجماعاً.

و إن لم تكن هناك قرينة تدلّ على أحدهما، لم يملك القبض أيضاً؛ لأنّ الوكالة بالبيع مغايرة للوكالة بالقبض، و أحدهما غير الآخَر، و غير دالٍّ عليه بإحدى الدلالات الثلاث، فيكون القبض غيرَ مأذونٍ فيه، و الموكّل إنّما أذن بالبيع، و قَبْضُ الثمن أمرٌ وراء البيع، و ليس كلّ مَنْ يرتضي للبيع يرتضي لقبض الثمن، فقد لا يأتمنه عليه.

و أصحّهما عند الشافعيّة(1): أنّه يملكه؛ لأنّه من توابع البيع و مقتضياته، فالإذن في البيع إذْنٌ فيه و إن لم يصرّح به(2).

مسألة 699: إذا وكّله في البيع، فقد قلنا: إنّه لا يملك قبض الثمن، لكن يملك تسليم المبيع إلى المشتري

إن كان في يده - و هو قول أكثر الشافعيّة(3) - لأنّ البيع يقتضي إزالة الملك، فيجب التسليم. و لأنّ تسليم المبيع إلى المشتري من تمامه و حقوقه.

ص: 80


1- كذا في النسخ الخطّيّة و الحجريّة. و الظاهر هكذا: «و هو أحد وجهي الشافعيّة، و أصحّهما عندهم». (2 و 3) الوسيط 288:3، العزيز شرح الوجيز 228:5، روضة الطالبين 539:3.

و قال بعضهم: فيه وجهان هُما الوجهان في أنّه هل يملك قبض الثمن ؟ فإنّهما جاريان في أنّه هل يملك تسليم المبيع(1) ؟.

و اتّفقوا على أنّ الوكيل بعقد الصرف يملك القبض و الإقباض؛ لأنّه شرط صحّة العقد، و كذا في السَّلَم يقبض وكيل المُسْلَم إليه رأس المال، و وكيل المُسْلم يقبضه إيّاه لا محالة عندهم(2).

و عندي في ذلك كلّه نظر، و الوجه: أنّه لا يملك القبض بحالٍ.

مسألة 700: إذا وكّله في البيع، لم يملك قبض الثمن على ما تقدّم

(3) ، و يملك تسليم المبيع إلى المشتري، لكن لا يسلّم قبل أن يقبض الموكّل أو مَنْ يرتضيه الثمنَ، فإن سلّمه قبل قبض الثمن، كان ضامناً.

و قال بعض العامّة: إن قلنا: لا(4) يملك قبض الثمن لو تعذّر قبضه من المشتري، لم يكن ضامناً، و إن قلنا: يملك قبض الثمن، لم يملك تسليم المبيع قبل قبضه، فإن سلّم قبل قبضه كان ضامناً(5).

و التقدير الأوّل يقتضي جواز أن يسلّم المبيع قبل إيفاء الثمن، و هو ضعيف.

أمّا لو أذن له في البيع بثمن مؤجَّل، فهنا يسلّم المبيع؛ إذ لا يثبت للبائع هنا حقّ حبس المبيع على الثمن عند تأجيل الثمن.

و يجيء للشافعيّة قول: إنّه لا يجوز له التسليم، لا لغرض الحبس، لكن لأنّه لم يفوّض إليه(6).

ص: 81


1- العزيز شرح الوجيز 228:5-229، روضة الطالبين 539:3.
2- العزيز شرح الوجيز 229:5، روضة الطالبين 540:3.
3- في ص 79، المسألة 698.
4- في الطبعة الحجريّة: «لم» بدل «لا».
5- المغني 219:5، الشرح الكبير 239:5.
6- العزيز شرح الوجيز 229:5، روضة الطالبين 540:3.

ثمّ إذا حلّ الأجل، لم يملك الوكيل قبض الثمن إلّا بإذنٍ مستأنف.

مسألة 701: الوكيل في البيع يملك تسليم المبيع بعد الإيفاء على ما قلناه نحن،

و لا يملك قبض الثمن على ما اخترناه، و لا يملك إبراء المشتري من الثمن، عند علمائنا أجمع - و به قال الشافعي و أحمد(1) - لأنّ إبراء الموكّل يصحّ، فلا يصحّ إبراء وكيله بغير إذنه. و لأنّ الإبراء ليس من البيع و لا من تتمّته، و هو مغاير للبيع و غير لازمٍ له، فلا يكون التوكيل في البيع توكيلاً فيه. و لأنّ فيه إضراراً بالبائع، و الوكيل منصوب لمصلحته، لا لفعل ما يتضرّر به. و لأنّه مغاير للبيع حقيقةً، و غير مستلزمٍ له و لا لازم، فكان كالإبراء من غير الثمن.

و قال أبو حنيفة: الوكيل في البيع إذا أبرأ المشتري من الثمن، برئ، و ضمنه الوكيل؛ لأنّ حقوق البيع تتعلّق بالوكيل، فلمّا مَلَك المطالبة مَلَك الإسقاط(2).

و هو باطل؛ فإنّه إنّما يتعلّق بالوكيل من الحقوق ما نصّ عليه الموكّل أو تضمّنه نصّه.

و يبطل ما قاله بأمين الحاكم و الوصي و الأب، فإنّه يملك المطالبة بثمن المبيع، و لا يملك الإبراء.

ص: 82


1- المهذّب - للشيرازي - 358:1، بحر المذهب 214:8، الوسيط 289:3، الإقناع في الفقه الشافعي: 112، حلية العلماء 124:5، البيان 371:6، المغني 219:5، الشرح الكبير 239:5.
2- تحفة الفقهاء 235:3-236، بدائع الصنائع 28:6، المبسوط - للسرخسي - 33:19 و 35، فتاوى قاضيخان - بهامش الفتاوى الهنديّة - 21:3، الهداية - للمرغيناني - 138:3، الاختيار لتعليل المختار 255:2، بحر المذهب 214:8، الوسيط 289:3، البيان 371:6، المغني 219:5، الشرح الكبير 239:5.
مسألة 702: إذا وكّله في البيع فباعه بثمنٍ حالٍّ

و قلنا: له قبض الثمن أو جعل له الموكّل(1) ذلك، فلا يسلّم المبيع حتى يقبض الثمن، كما لو أذن فيهما.

و لكلٍّ من الوكيل و الموكّل مطالبة المشتري بالثمن على كلّ حال - و به قال الشافعي(2) - لأنّ الموكّل يصحّ قبضه لهذا الدَّيْن، فجاز له المطالبة به، كسائر ديونه التي وكّل فيها.

و قال أبو حنيفة: ليس للموكّل المطالبة بالثمن؛ لأنّ حقوق العقد تتعلّق بالوكيل، دون الموكّل، و لهذا يتعلّق مجلس الصرف و الخيار به، دون موكّله(3).

و الفرق ظاهر؛ لأنّ مجلس العقد من شروط العقد و هو العاقد، فيتعلّق به، و أمّا الثمن فهو حقّ الموكّل و مالٌ من أمواله، فكان له المطالبة به.

مسألة 703: إذا وكّله في البيع و مَنَعه من قبض الثمن، لم يكن للوكيل القبضُ إجماعاً.

و لو مَنَعه من تسليم المبيع، فكذلك.

و قال بعض الشافعيّة: هذا الشرط فاسد؛ فإنّ التسليم مستحقّ

ص: 83


1- في «ج، ر»: «الموكّل له» بدل «له الموكّل».
2- بحر المذهب 214:8، البيان 372:6، العزيز شرح الوجيز 229:5، روضة الطالبين 540:3، المغني 263:5-264، الشرح الكبير 238:5.
3- تحفة الفقهاء 235:3، بدائع الصنائع 33:6، المبسوط - للسرخسي - 33:19 و 35، الهداية - للمرغيناني - 137:3-138، الاختيار لتعليل المختار 254:2-255، بحر المذهب 214:8، البيان 372:6، العزيز شرح الوجيز 229:5، المغني 264:5، الشرح الكبير 238:5.

بالعقد(1).

ثمّ اختلف هؤلاء فقال بعضهم: إنّ الوكالة تفسد بهذا الشرط حتى أنّه يسقط الجُعْل المسمّى فيه، و يرجع إلى أُجرة المثل؛ لأنّ استحقاقه مربوط بالبيع، و الامتناع من التسليم، فكان الجُعْل مقابلاً بشيءٍ صحيح و شيءٍ فاسد، فليفسد المسمّى.

و قيل: المسألة مبنيّة على أنّ في صورة الإطلاق هل للوكيل التسليم، أم لا؟ إن قلنا: لا، فعند المنع أولى. و إن قلنا: نعم، فكذلك؛ لأنّه من توابع البيع و تمام العقد، كالقبض، لا لأنّ تسليمه مستحقّ بالعقد، فإنّ المستحقّ هو التسليم لا تسليمه، و الممنوع منه تسليمه.

نعم، لو قال: امنع المبيع، فهذا الشرط فاسد؛ لأنّه لا يجوز منع المالك عن ملكه حيث يستحقّ إثبات اليد عليه، و فرقٌ بين أن يقول:

لا تسلّمه إليه، و بين أن يقول: أمسكه و امنعه منه(2).

و أمّا الوكيل بالشراء فإن لم يسلّم الموكّل إليه الثمنَ و اشترى في الذمّة، فسيأتي الكلام في [أنّ](1) المطالبة على مَنْ تتوجّه ؟ و إن سلّمه إليه و اشترى بعينه أو في الذمّة، فالقول في أنّه هل يسلّمه ؟ و هل يقبض المبيع بمجرّد التوكيل بالشراء؟ كالقول في أنّ وكيل البائع هل يسلّم المبيع و يقبض الثمن بمجرّد التوكيل بالبيع ؟.

و جزم بعض الشافعيّة هنا بتسليم الثمن و قبض المبيع؛ لأنّ العرف يقتضي ذلك. و لأنّ الملك في الثمن لا يتعيّن إلّا بالقبض، فيستدعي إذناً جديداً، و أمّا المبيع فإنّه متعيّن للملك(2).3.

ص: 84


1- ما بين المعقوفين يقتضيه السياق.
2- الوسيط 288:3، التهذيب - للبغوي - 214:4، العزيز شرح الوجيز 230:5، روضة الطالبين 541:3.

و مَنْ طرد الخلاف مَنَع العرف الفارق بين الطرفين. و لو كان المعنى الثاني معتبراً، لوجب أن يجزم بقبض وكيل البائع الثمن إذا كان معيّناً، و لم يفرّقوا بين أن يبيع بثمنٍ معيّن أو في الذمّة، بل ذكروا الوجهين و أطلقوا فيهما(1).

مسألة 704: إذا دفع المشتري الثمن إلى الموكّل أو إلى الوكيل المأذون له أو إلى المطلق إذا جوّزنا له قبض الثمن، فالوكيل يسلّم المبيع،

سواء أذن له الموكّل أو لا، أو مَنَعه؛ لأنّ المشتري إذا دفع الثمن، صار قبض المبيع مستحقّاً، و للمشتري الانفراد بأخذه، فإن أخذه المشتري فذاك، و إن سلّمه الوكيل فالأمر محمول على أخذ المشتري، و لا حكم للتسليم.

مسألة 705: قد بيّنّا أنّه ليس للوكيل أن يسلّم المبيع إلى المشتري قبل أن يستوفي الموكّل الثمن أو الوكيل

إن أذن له أو لغيره، فلو سلّمه إلى المشتري قبل ذلك، غرّمه الموكّل قيمته إن كانت القيمة و الثمن متساويين.

و لو كان الثمن أكثر، لم يكن عليه إلّا القيمة؛ لأنّه لم يقبض الثمن، فلا يكون مضموناً عليه، و إنّما يضمن ما فرّط فيه، و هو العين حيث سلّمها قبل الإيفاء.

و لو كانت القيمة أكثر بأن باعه بغبنٍ محتمل يتغابن الناس بمثله، فالأقوى أنّه يغرم جميع القيمة حيث فرّط فيها، كما لو لم يبع بل أتلفها، و هو أصحّ وجهي الشافعيّة. و الثاني: أنّه يغرم القيمة، و يحطّ قدر الغبن؛ لصحّة البيع بذلك الثمن(2).

ص: 85


1- العزيز شرح الوجيز 230:5.
2- التهذيب - للبغوي - 217:4-218، العزيز شرح الوجيز 231:5، روضة الطالبين 541:3.

و لو باع بغبْنٍ فاحش بإذن الموكّل، احتُمل الوجهان.

أمّا الأوّل: فظاهر.

و أمّا الثاني: فقياسه أن لا يغرم إلّا قدر الثمن؛ لصحّة البيع به بالإذن.

فإن قبض الوكيل الثمن بعد ما غرم، دفعه إلى الموكّل، و استردّ ما غرمه.

البحث الثالث: فيما يملك الوكيل بالشراء.
مسألة 706: الوكيل بالشراء إذا اشترى ما وُكّل فيه، مَلَك تسليم ثمنه؛

لأنّه من تتمّته و حقوقه، فهو كتسليم المبيع في الحكم، و الحكم في قبض المبيع كالحكم في قبض الثمن في البيع، الوجه عندنا أنّه لا يملكه كما قلنا في البيع: لا يملك الوكيل فيه قبض الثمن. فإذا اشترى الوكيل بثمنٍ معيّن، فإن كان في يده، طالَبه البائع به، و إلّا فلا.

فإن اشترى عبداً و نقد ثمنه، فخرج العبد مستحقّاً، لم يملك مخاصمة البائع في الثمن.

و لو اشترى شيئاً و قبضه و أخّر دفع الثمن إلى البائع لغير عذرٍ فهلك في يده، ضمن. و إن كان لعذرٍ - مثل أن مضى لينقده فهلك، أو نحو ذلك - فلا ضمان عليه؛ لأنّه في الصورة الأُولى مفرّط، دون الثانية.

مسألة 707: إذا وكّله في الشراء فإمّا أن تكون العين شخصيّةً

مسألة 707: إذا وكّله في الشراء فإمّا أن تكون العين شخصيّةً(1) أو كلّيّةً.

فإن كانت كلّيّةً - مثل أن يقول: وكّلتُك في شراء عبدٍ هنديّ أو تركيّ، أو يطلق على الأصحّ كما قلنا - اقتضى ذلك شراء السليم دون المعيب، عند

ص: 86


1- يأتي حكمها في ص 92، المسألة 711.

علمائنا أجمع - و به قال الشافعي و أحمد(1) - لأنّ الإطلاق في الشراء يقتضي السلامة، كما أنّ الإطلاق في البيع يقتضي سلامة المبيع، حتى أنّ للمشتري الردَّ لو خرج معيباً.

و قال أبو حنيفة: يجوز أن يشتري العمياء و المقعدة و المقطوعة اليدين و الرِّجْلين؛ لعموم أمره، كالمضارب(2).

و هو خطأ بما تقدّم. و لأنّه إذا أسلم في شيء موصوف استحقّ السليم منه.

و الفرق واقع بين الوكيل و المضارب حيث جوّزنا له أن يشتري الصحيح و المعيب؛ لأنّ صاحب المال أمره أن يشتري ذلك للتجارة و طلب الربح، و ذلك قد يحصل بالمعيب كما يحصل بالسليم، فلهذا كان له شراؤهما، بخلاف الوكيل؛ فإنّه يقتضي السلامة؛ لجواز أن يريد المالك القنية و الانتفاع، و العيب قد يمنع بعض المقصود من ذلك، و إنّما يقتنى و يدّخر السليم دون المعيب.

و قد ناقض أبو حنيفة نفسَه في أصله؛ فإنّه قال في قوله تعالى:

«فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ» (3) : لا تجوز العمياء و لا المقطوعة اليدين و الرِّجْلين(4).5.

ص: 87


1- الحاوي الكبير 556:6، المهذّب - للشيرازي - 359:1، بحر المذهب 208:8، حلية العلماء 130:5، التهذيب - للبغوي - 223:4، البيان 377:6، العزيز شرح الوجيز 231:5، روضة الطالبين 542:3، المغني 260:5، الشرح الكبير 233:5.
2- تحفة الفقهاء 233:3، بدائع الصنائع 29:6، مختصر اختلاف العلماء 1755/76:4، المبسوط - للسرخسي - 39:19، فتاوى قاضيخان - بهامش الفتاوى الهنديّة - 32:3، الإشراف على مذاهب أهل العلم 1871/464:2، بحر المذهب 208:8، حلية العلماء 130:5، البيان 377:6، العزيز شرح الوجيز 232:5، المغني 262:5، الشرح الكبير 234:5.
3- النساء: 92.
4- بدائع الصنائع 108:5، الهداية - للمرغيناني - 19:2، المبسوط - للسرخسي - 2:7، الاختيار لتعليل المختار 234:3، المغني 262:5، الشرح الكبير 235:5.
مسألة 708: لو اشترى الوكيل المعيبَ جاهلاً بعيبه، صحّ البيع؛

لأنّه إنّما يلزمه الشراء الصحيح في الظاهر، و ليس مكلَّفاً بالسلامة في الباطن؛ لأنّ ذلك لا يمكن الوقوف عليه، فلا يجوز تكليفه به، و يعجز عن التحرّز عن شراء معيبٍ لا يظهر عيبه.

و يقع البيع للموكّل - و هو قول أكثر الشافعيّة(1) - كما لو اشتراه بنفسه جاهلاً بعيبه.

و قال الجويني: لا يقع عن الموكّل؛ لأنّ الغبن يمنع الوقوع عن الموكّل مع سلامة المبيع و إن لم يعرف الوكيل فعند العيب أولى(2).

و يفارق مجرّد الغبن؛ لأنّه لا يُثبت الخيار عندهم(3)، فلو صحّ البيع و لزم الموكّل للزم، و لحقه الضرر، و العيب يُثبت الخيار، فالحكم بوقوعه عنه لا يورّطه في الضرر.

و حيث يقع عن الموكّل و كان الوكيل جاهلاً بالعيب، فللموكّل الردّ إذا اطّلع عليه؛ لأنّه المالك.

و هل يملك الوكيل الردّ بالعيب ؟

أمّا عندنا: فلا؛ لأنّه إنّما وكّله في الشراء، و هو مغاير للردّ، فلا يملكه، و هو قول بعض الشافعيّة(4).

و قال أكثرهم: إنّه يملك الردّ، و ينفرد الوكيل بالفسخ؛ لأنّ الموكّل

ص: 88


1- الوجيز 191:1، الوسيط 289:3، البيان 377:6، العزيز شرح الوجيز 232:5، روضة الطالبين 542:3. (2-4) العزيز شرح الوجيز 232:5.

أقامه مقام نفسه في هذا العقد و لواحقه. و لأنّه لو لم يكن له الردّ و افتقر إلى استئذان الموكّل، فربما لا يرضى الموكّل، فيتعذّر الردّ حينئذٍ؛ لكونه على الفور، و يبقى المبيع في عهدة الوكيل، و فيه ضرر عظيم(1).

و نمنع إقامة الموكّل له مقامه في جميع الأشياء، بل إنّما أقامه مقام نفسه في العقد، و هو مضادٌّ للفسخ.

و نمنع كون الخيار على الفور.

سلّمنا، لكن بالنسبة إلى المالك، فإذا علم بالعيب، اختار حينئذٍ على الفور إمّا الفسخ أو الإمضاء، كما لو اشترى شيئاً فغاب و لم يعلم بعيبه إلّا بعد مدّةٍ ثمّ ظهر على العيب.

و لأنّا لو لم نُثبت الردَّ له، لكان كسائر الأجانب عن العقد، فلا أثر لتأخيره. و لأنّ مَنْ له الردّ قد يعذر في التأخير لأسبابٍ داعية إليه، فهلّا كانت مشاورة الوكيل(2) عذراً؟!

و أيضاً فإنّه و إن تعذّر منه الردّ فلا يتعذّر نفس الردّ؛ إذ الموكّل يردّ إذا كان قد سمّاه في العقد أو نواه، على أنّ في كون المبيع للوكيل و في تعذّر الردّ منه بتقدير كونه له خلافاً سيأتي.

مسألة 709: لو كان الوكيل في الشراء وكيلاً في ردّ المعيب، فاشترى معيباً جاهلاً بعيبه، كان له الردّ،

و للموكّل أيضاً الردّ؛ لأنّ الملك له.

و إن حضر الموكّل قبل ردّ الوكيل و رضي بالعيب، لم يكن للوكيل ردّه؛ لأنّ الحقّ له، بخلاف عامل المضاربة إذا اشترى المعيب جاهلاً بعيبه، فإنّ له الردَّ و إن رضي ربّ المال بالعيب؛ لأنّ له حقّاً في العين، و لا يسقط حقّه برضا غيره.

ص: 89


1- البيان 377:6، العزيز شرح الوجيز 232:5.
2- أي: مشاورة الوكيل للموكّل.

و إن لم يحضر الموكّل و أراد الوكيل الردَّ، فقال البائع: توقّف حتى يحضر الموكّل فربما يرضى بالمعيب، لم يلزمه ذلك؛ لأنّه لا يأمن فوات الردّ بهرب البائع و فوات الثمن بتلفه.

فإن أخّره بناءً على هذا القول فلم يرض به الموكّل، لم يسقط الردّ و إن قلنا بأنّ الردّ على الفور؛ لأنّه أخّره بإذن البائع.

و إن قال البائع: موكّلك قد علم بالعيب فرضيه، لم يُقبل قوله إلّا ببيّنةٍ، فإن لم تكن له بيّنة، لم يستحلف الوكيل إلّا أن يدّعي علمه، فيحلف على نفيه عند الشافعي(1).

و قال أبو حنيفة: لا يستحلف؛ لأنّه لو حلف كان نائباً في اليمين(2).

و فيه إشكال من حيث إنّه لا نيابة هنا، و إنّما يحلف على نفي علمه، و هذا لا ينوب فيه عن أحد.

و إن أقرّ بذلك، لزمه - عندنا - في حقّ نفسه، دون موكّله، فيمينه في حقّه دونه.

و قال ابن أبي ليلى: إنّه لا يردّ حتى يحضر الموكّل و يحلف(3).

فإن ردّ الوكيل فحضر الموكّل و رضي بأخذه معيباً، افتقر إلى عقدٍ جديد؛ لخروجه عن ملكه بالردّ، فلا يعود إلّا بالعقد.

و لو قال الموكّل: قد كان بلغني العيب و رضيت به، فصدّقه البائع، أو5.

ص: 90


1- المهذّب - للشيرازي - 359:1، بحر المذهب 209:8، حلية العلماء 132:5، التهذيب - للبغوي - 223:4، البيان 378:6، العزيز شرح الوجيز 234:5، روضة الطالبين 543:3، المغني 261:5، الشرح الكبير 234:5.
2- الأُم 105:7، بحر المذهب 209:8، حلية العلماء 133:5، المغني 261:5، الشرح الكبير 234:5.
3- الأُم 105:7، بحر المذهب 209:8، حلية العلماء 133:5.

قامت به بيّنة، بطل الردّ، و علمنا أنّه لم يقع موقعه، و كان للموكّل استرجاعه، و على البائع ردّه عليه؛ لأنّ رضاه به عزل للوكيل عن الردّ؛ لأنّه لو علم لم يكن له الردّ، إلّا أن نقول: إنّ الوكيل لا ينعزل حتى يعلم العزل.

و إن رضي الوكيل بالعيب أو أمسكه إمساكاً ينقطع به الردّ فحضر الموكّل فأراد الردّ، فله ذلك إن صدّقه البائع على أنّ الشراء له، أو قامت به بيّنة.

و إن كذّبه و لم تكن له بيّنة فحلف البائع أنّه لا يعلم أنّ الشراء له، فليس له الردّ؛ لأنّ الظاهر أنّ مَن اشترى شيئاً فهو له، و يلزمه، و عليه غرامة الثمن، و بهذا قال الشافعي(1).

و قال أبو حنيفة: للوكيل شراء المعيب؛ عملاً بالإطلاق(2).

مسألة 710: لو اشترى الوكيل المعيبَ مع علمه بالعيب، فإن كان بإذن الموكّل، فلا ردّ هنا لا للوكيل و لا للموكّل إجماعاً،

كما لو باشر الموكّل العقد مع علمه بالعيب.

و إن لم يأذن له، فهل للوكيل الردّ إن كان الموكّل قد جعل إليه ذلك، أو قلنا: إنّه يملكه ؟ يحتمل عدمه؛ لإقدامه على شراء المعيب عالماً بعيبه، فلا يكون له الردّ، و به قال الشافعي(3).

و يحتمل أن يكون له الردّ؛ لأنّه نائب عن الموكّل، و للموكّل الردّ؛ لجهله، فكذا للوكيل.

أمّا الموكّل فهل له الردّ؟ للشافعيّة وجهان:

ص: 91


1- المغني 262:5، الشرح الكبير 234:5.
2- راجع المصادر في الهامش (2) من ص 87.
3- العزيز شرح الوجيز 232:5، روضة الطالبين 542:3.

أحدهما: المنع؛ لأنّه نزّل الوكيل منزلة نفسه في العقد و لواحقه، فيكون اطّلاعه على العيب كاطّلاع الموكّل، كما أنّ رؤيته كرؤيته في إخراج العقد عن أن يكون على قولَي شراء الغائب.

و أصحّهما عندهم: أنّ له الردَّ - و هو المعتمد - لأنّ اطّلاعه و رضاه بعد العقد لا يُسقط حقَّ الردّ للموكّل، فكذا اطّلاعه في الابتداء(1).

و على هذا فينتقل الملك إلى الوكيل، أو ينفسخ العقد من أصله ؟ للشافعيّة وجهان(2).

و القائل بالانتقال إلى الوكيل كأنّه يقول بانعقاد العقد موقوفاً إلى أن يتبيّن الحال، و إلّا فيستحيل ارتداد الملك من الموكّل إلى الوكيل.

و هذه الاختلافات متفرّعة على وقوع العقد للموكّل مع علم الوكيل بالعيب، و مذهب الشافعيّة [خلافه](2)(4).

و الوجه: أن نقول: إنّه يقع عن الموكّل إن نسبه إليه أو نواه و صدّقه على ذلك، لكن لا وقوعاً لازماً، بل بمنزلة عقد الفضولي؛ لأنّ الإطلاق إذا كان يقتضي شراء السليم فإذا اشترى المعيب يكون قد اشترى ما لم يوكّل فيه، فيكون فضوليّاً، و لا يقع العقد عن الوكيل؛ لأنّ المالك لو رضي بالمعيب و أجاز عقد وكيله، كان الملك له، فدلّ على أنّه يقع عن الموكّل، لكن للموكّل الفسخ حيث لم يأذن له فيه.

مسألة 711: إذا كانت العين شخصيّةً بأن وكّله في شراء عبدٍ بعينه أو سلعةٍ بعينها،
اشارة

فاشتراها ثمّ ظهر أنّها معيبة، فإن كان الوكيل جاهلاً بالعيب،

ص: 92


1- العزيز شرح الوجيز 232:5-233، روضة الطالبين 542:3. (2 و 4) العزيز شرح الوجيز 233:5، روضة الطالبين 542:3.
2- ما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.

لم يكن له الردُّ بالاستقلال؛ لأنّه لم يكن له الردُّ مع الإطلاق فمع التعيين أولى، و لأنّ المالك قطع نظره بالتعيين، و ربما رضيه على جميع صفاته، و ربما كان قد اطّلع على عيبه.

و للشافعيّة وجهان:

هذا أحدهما؛ لأنّه ربما يتعلّق غرضه بعينه فينتظر مشاورته.

و الثاني - و هو الأصحّ عندهم -: إنّ له الردَّ؛ لأنّ الظاهر أنّ الموكّل طلب السليم لا المعيب(1).

فروع:
أ - لا استبعاد عندي في أنّه إذا أطلق بأن قال له: اشتر عبداً هنديّاً، فاشترى معيباً جاهلاً بعيبه: أنّه يملك الردّ؛

لأنّه اشترى ما لم يؤذن له فيه.

لكن الأقرب: المنع؛ لأنّا قد بيّنّا أنّ الشراء وقع عن الموكّل، فلا ينتقل خيار الردّ إلى الوكيل.

ب - لم تذكر الشافعيّة فيما إذا وكّله في ابتياع عينٍ شخصيّة و ظهر عيبها أنّه متى يقع عن الموكّل ؟ و متى لا يقع ؟

و القياس عندهم يقتضي أنّه كما سبق في الحالة الأُولى.

نعم، لو كان المبيع معيباً يساوي ما اشتراه به و هو عالم به، فإيقاعه عن الموكّل هنا أولى؛ لجواز تعلّق الغرض بعينه(2).

ج - لو وكّله في الشراء مطلقاً و عيّن له عيناً شخصيّة فوجدها الوكيل معيبةً قبل أن يعقد الشراء،

فهل للوكيل شراؤها؟ يحتمل ذلك و العدمُ.

ص: 93


1- العزيز شرح الوجيز 233:5، روضة الطالبين 542:3.
2- العزيز شرح الوجيز 233:5، روضة الطالبين 542:3.

قال بعض العامّة: فيه وجهان مبنيّان على ما إذا علم عيبه بعد شرائه، إن قلنا: يملك ردّه، فليس له شراؤه؛ لأنّ العيب إذا جاز به الردّ بعد العقد فلأن يمنع الشراء أولى. و إن قلنا: لا يملك الردّ هناك، فله الشراء هنا؛ لأنّ تعيين الموكّل قطع نظره و اجتهاده في جواز الردّ [فكذلك](1) في الشراء(2).

و الوجه عندي: أنّه يجوز له شراؤه، فإن كان الموكّل قد علم بسبق العيب، فلا ردّ. و إن لم يكن قد علم، كان له الردّ، و لا يضرّه علم الوكيل؛ لأنّ الحقّ للموكّل لا للوكيل، سواء قلنا: إنّه يملك الردّ لو علم بعد البيع، أو لا.

و نمنع الملازمة بين جواز الردّ بعد العقد و منع الشراء؛ فإنّه يجوز أن يملك الردّ و الشراء معاً.

مسألة 712: جميع ما ذكرنا في الحالتين - أعني في كلّيّة العين أو شخصيّتها - مفروض فيما إذا اشترى الوكيل بمالٍ في الذمّة،

أمّا إذا اشترى بعين مال الموكّل، فحيث قلنا هناك: لا يقع عن الموكّل، فهنا لا يصحّ أصلاً، و حيث قلنا: يقع، فكذلك هنا.

و هل للوكيل الردّ؟ أمّا عندنا: فلا، و هو أصحّ وجهي الشافعيّة.

و الثاني: نعم(3).

و يمكن أن يكون الوجهان عندهم مبنيّين على المعنيين السابقين، فإن علّلنا انفراد الوكيل بالردّ بأنّه أقامه مقام نفسه في العقد و لواحقه، فنعم. و إن علّلنا بأنّه لو أخّر ربما لزمه العقد و صار المبيع كَلّاً عليه، فلا؛ لأنّ المشترى

ص: 94


1- ما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.
2- المغني 262:5-263، الشرح الكبير 235:5.
3- العزيز شرح الوجيز 233:5، روضة الطالبين 542:3.

بملك [الغير](1) لا يقع له بحال(2).

مسألة 713: إذا ثبت الردّ للوكيل في صورة الشراء في الذمّة لو اطّلع الموكّل على العيب قبل اطّلاع الوكيل أو بعده و رضيه، سقط عن الوكيل،

بخلاف عامل القراض؛ فإنّه يبقى له الردّ و إن رضي المالك لحظّه في الربح، و لا يسقط خيار الموكّل بتأخير الوكيل و تقصيره، فإذا أخّر أو صرّح بالتزام العقد، فله الردّ؛ لأنّ أصل الحقّ باقٍ بحاله، على إشكالٍ من حيث إنّه نائب، فكأنّه بالتزام العقد أو التأخير عزل نفسه عن العقد.

و الأظهر عند الشافعيّة: المنع(3).

و إذا قلنا بأنّه ليس له العود إلى الردّ أو أثبتنا له العود و لم يعد، فإذا اطّلع الموكّل عليه و أراد الردّ، فله ذلك إن سمّاه الوكيل في الشراء، أو نواه و صدّقه البائع عليه. و إن كذّبه، ردّه على الوكيل، و لزمه البيع؛ لأنّه اشترى في الذمّة ما لم يأذن فيه الموكّل، فينصرف إليه، و هو أحد قولَي الشافعيّة.

و الثاني: أنّ المبيع يكون للموكّل، و الردّ قد فات؛ لتفريط الوكيل، فيضمن للموكّل(4).

و الذي يضمنه قدر نقصان قيمته من الثمن، فلو كانت القيمة تسعين و الثمن مائةً، رجع بعشرة، و لو تساويا فلا رجوع، و هو قول بعض الشافعيّة(5).

و قال الأكثر منهم: يرجع بأرش العيب من الثمن؛ لفوات الردّ بغير تقصيره، فكان له الأرش، كما لو تعذّر الردّ بعيبٍ حادث، إلّا أنّ هناك

ص: 95


1- بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «العين». و الصحيح ما أثبتناه من المصدر.
2- العزيز شرح الوجيز 233:5.
3- العزيز شرح الوجيز 233:5، روضة الطالبين 542:3-543. (4 و 5) العزيز شرح الوجيز 234:5، روضة الطالبين 543:3.

يؤخذ الأرش من البائع؛ لتلبيسه، وهنا من الوكيل؛ لتقصيره(1).

و لو التمس البائع من الوكيل تأخير الردّ حتى يحضر الموكّل، فقد قلنا: إنّه لا تجب عليه الإجابة؛ لأنّ الردّ حقٌّ ثبت له، فلا يكلّف تأخيره.

فإن أخّر كما التمسه البائع، فحضر الموكّل و لم يرض به، قال بعض الشافعيّة: المبيع للوكيل، و لا ردّ؛ لتأخيره مع الإمكان(2).

و قال بعضهم: له الردّ؛ لأنّه لم يرض بالعيب(3).

و لو ادّعى البائع رضا الموكّل بالعيب فأنكر الوكيلُ العلمَ، ففي إحلافه خلاف سبق(1).

فإن قلنا بالحلف فعرضت اليمين على الوكيل، فإن حلف ردّه، ثمّ إن حضر الموكّل و صدّق البائع، فله استرداد المبيع من البائع؛ لموافقته إيّاه على الرضا قبل الردّ، و به قال بعض الشافعيّة(5).

و قال بعضهم: لا يستردّ، و ينفذ فسخ الوكيل(6).

و إن نكل، حلف البائع، و سقط ردّ الوكيل، فإذا حضر الموكّل فإن صدّق البائع، فذاك. و إن كذّبه، قال بعض الشافعيّة: لزم العقد الوكيل، و لا ردّ؛ لإبطال الحقّ بالنكول(2).

مسألة 714: هذا كلّه في طرف الشراء، أمّا الوكيل بالبيع إذا باع فوجد المشتري عيباً، ردّه عليه إن لم يعلمه وكيلاً،
اشارة

ثمّ هو يردّ على الموكّل. و إن علمه وكيلاً، ردّه على الموكّل خاصّةً.

و قال بعض الشافعيّة: إن شاء ردّه على الوكيل، و إن شاء ردّه على

ص: 96


1- في ص 90، ضمن المسألة 709. (5 و 6) العزيز شرح الوجيز 235:5، روضة الطالبين 543:3.
2- العزيز شرح الوجيز 235:5، روضة الطالبين 544:3.

الموكّل، فإذا ردّه على الوكيل ردّه على الموكّل(1).

و هو ممنوع؛ لبراءة ذمّة الوكيل من العهدة.

و هل للوكيل حطّ بعض الثمن للعيب ؟ للشافعيّة قولان(2).

و يحتمل أنّه ليس له ذلك؛ لأنّه مأمور بالبيع، و أن يكون له؛ لأنّ الأمر بالبيع إنّما يتناول ثمن مثل السلعة، و ثمن مثل سلعته ما قبضه ثمناً بعد إسقاط الأرش.

و لو زعم الموكّل حدوث العيب في يد المشتري، و صدّق الوكيل المشتري، ردّ المشتري على الوكيل، و لم يردّ الوكيل على الموكّل عند الشافعيّة(3).

و الوجه: إنّه مع عدم البيّنة يحلّف المشتري البائعَ على عدم السبق، و يستقرّ البيع للمشتري مجّاناً.

هذا إن علم المشتري بالوكالة. و إن لم يعلم، ردّ على الوكيل.

تذنيب: هل لعامل القراض أن يشتري مَنْ ينعتق على المالك ؟

سيأتي.

فإن قلنا: له ذلك فلو اشترى أباه فظهر معيباً، فللوكيل ردّه إن جعلنا للوكيل الردَّ أو كان وكيلاً فيه؛ لأنّه لا يعتق على الموكّل قبل الرضا بالعيب.

البحث الرابع: في تخصيصات الموكّل.
مسألة 715: يجب على الوكيل تتبّع تخصيصات الموكّل،
اشارة

و لا يجوز له العدول عنها و لا التجاوز بها، إلّا في صورة السُّوق على ما يأتي(4) ، بل

ص: 97


1- العزيز شرح الوجيز 235:5، روضة الطالبين 544:3.
2- العزيز شرح الوجيز 235:5، روضة الطالبين 544:3.
3- العزيز شرح الوجيز 235:5، روضة الطالبين 544:3.
4- في ص 98.

يجب النظر إلى تقييدات الموكّل في الوكالة.

و يشترط على الوكيل رعاية المفهوم منها بحسب العرف، فإذا عيّن الموكّل بالبيع شخصاً فقال: بِعْ على زيدٍ، لم يجز له بيعه من غيره؛ لاختلاف الأغراض في أعيان المشترين، فقد يرغب إلى شخصٍ دون غيره إمّا لسهولة معاملته، و إمّا لخلوّ ماله عن الشبهات، فقد يكون أقرب إلى الحِلّ و أبعد عن الشبهة، و إمّا لإرادة تخصيصه بذلك المبيع إمّا لإفادته إيّاه شيئاً، أو لإمكان استرداده منه، فإن باع الوكيل من غير مَنْ عيّن له الموكّل، كان موقوفاً، فإن أجازه الموكّل صحّ البيع، و إلّا فلا.

تذنيب: لو قال: بِعْه من زيدٍ بمائة، لم يجز بيعه على غيره بأزيد

إلّا أن يجيز.

مسألة 716: لو عيّن له زماناً، لم يجز له التخطّي و لا العدول عنه،

فإذا قال: بِعْه اليوم، أو يوم كذا، لم يجز له التقديم و لا التأخير؛ لأنّه ربما يحتاج إلى البيع في ذلك الوقت، دون ما قبله و ما بعده، فإن قدّم أو أخّر، وقف على الإجازة.

و لو عيّن له مكاناً من سُوقٍ و نحوه، فإن كان له في ذلك المكان غرضٌ صحيح بأن كان الراغبون فيه أكثر و النقد فيه أجود و المتعاملون فيه أسمح، لم يجز له البيع في غيره.

و إن لم يكن له غرض، فالأقرب: جواز بيعه في غيره؛ لأنّ التعيين في مثل ذلك يقع اتّفاقاً من غير باعثٍ إليه، و إنّما الغرض و المقصود تحصيل الثمن، فإذا حصل في غيره، جاز، و هو أحد وجهي الشافعيّة.

و الثاني: لا يجوز التعدّي؛ لجواز أن يكون له فيه غرض صحيح

ص: 98

لا يطّلع عليه(1).

و هو غير محلّ النزاع؛ لأنّا نفرض الكلام فيما لو انتفى الغرض بالكلّيّة، أمّا لو جوّزنا حصول غرضٍ صحيح، فإنّه لا يجوز له التعدّي.

و لو نهاه صريحاً عن البيع في غير السُّوق الذي عيّنه، لم يجز له التعدّي إلى المنهيّ عنه إجماعاً.

و لو قال: بِعْه في بلد كذا، احتُمل أن يكون كقوله: بِعْه في السُّوق الفلاني، حتى لو باعه في بلدٍ آخَر، جاء فيه التفصيل: إن كان له غرض صحيح في التخصيص، لم يجز التعدّي، و إلّا جاز، لكن يضمن هنا الوكيل بالنقل إلى غير المعيّن، و كذا الثمن يكون مضموناً في يده، بل لو أطلق التوكيل في بلدٍ، يبيعه في ذلك البلد، فلو نقله صار ضامناً.

مسألة 717: الموكّل إذا أذن للوكيل في البيع، فإمّا أن يُطلق، أو يُقيّد.
اشارة

فإن أطلق، فقد بيّنّا أنّه يُحمل على البيع بثمن المثل بنقد البلد حالاًّ.

و إن قيّد فقال: بِعْه بمائة درهمٍ، لم يجز له البيع بأقلّ، فإن باع بالأقلّ، كان موقوفاً؛ لأنّه غير مأذون فيه، و يكون الوكيل هنا فضوليّاً، إن أجاز المالك البيعَ صحّ، و إلّا فلا، و كان للموكّل فسخ البيع.

و قول الشيخ رحمه الله: «إذا تعدّى الوكيل شيئاً ممّا رسمه الموكّل، كان ضامناً لما تعدّى فيه»(2) لا ينافي ما قلناه.

و لو باعه بأكثر من مائة درهمٍ، فإن كانت الكثرة من غير الجنس

ص: 99


1- الوسيط 293:3-294، التهذيب - للبغوي - 218:4، البيان 373:6، العزيز شرح الوجيز 238:5، روضة الطالبين 546:3.
2- النهاية: 319.

- مثل: أن يبيعه بمائة درهمٍ و ثوبٍ - جاز عند علمائنا، سواء كانت الزيادة قليلةً أو كثيرةً، و سواء كانت الزيادة من الأثمان أو لا؛ لأنّها زيادة تنفعه و لا تضرّه.

و قال أصحاب الشافعي: لا يصحّ بيعه بمائةٍ و ثوبٍ - في أحد الوجهين - لأنّه من غير جنس الأثمان(1).

و كونه من غير جنس الأثمان لا ينافي كونها زيادةً. و لأنّ الإذنَ في بيعه بمائة إذنٌ في بيعه بزيادة عليها عرفاً، فإنّ مَنْ رضي بمائة لا يكره الزيادة عليها بثوبٍ ينفعه.

و لو باعه بمائة دينار، أو بمائة ثوب، أو بمائة دينار و عشرين درهماً، أو بمهما كان غير ما عيّن له، لم يجز؛ لأنّ المأتيّ به غير المأمور بتحصيله، و لا هو مشتمل على تحصيل ما أُمر بتحصيله، و الوكيل متصرّف بالإذن، فإذا عدل عن المأذون فيه، كان فضوليّاً.

و يحتمل عندي قويّاً: جواز بيعه بأكثر من المائة و لو من غير الجنس، إلّا أن يكون له غرض صحيح في التخصيص بالدراهم خصوصاً إذا جعل مكان الدراهم دنانير أو مكان بعضها؛ لأنّه مأذون فيه عرفاً، فإنّ مَنْ رضي بدرهمٍ رضي مكانه بدينارٍ، فجرى مجرى ما إذا باعه بمائة درهمٍ و دينارٍ، بخلاف ما لو باعه بمائة ثوبٍ؛ لأنّه من غير الجنس.

و يحتمل عندي مع الزيادة الجواز.

و لو باعه بالأزيد و لو قلّ - مثل أن يبيعه بمائة درهمٍ و درهمٍ - صحّ؛ لأنّ المقصود من التقدير أن لا ينقص منها في العرف.5.

ص: 100


1- المهذّب - للشيرازي - 362:1، بحر المذهب 195:8، البيان 391:6، العزيز شرح الوجيز 243:5، روضة الطالبين 550:3، المغني 256:5، الشرح الكبير 227:5.

و قال بعض الشافعيّة: إذا أمره ببيعه بمائة درهم، لم يجز أن يبيعه بالأزيد(1) ، سواء كان من الجنس أو لا، و سواء نهاه عن الزيادة أو لم ينهه؛ لأنّه لم يرض بعهدة ما فوق المائة. و لأنّ البيع بالمائتين غير البيع بالمائة، و لهذا لو قال: بعت بمائة درهمٍ، لم يصح القبول بمائتين، كما لا يصحّ القبول بمائتي دينار.

و الأولى الصحّة. و التغاير مسلّم، لكنّ الإذنَ في أحدهما إذنٌ في الآخَر بطريق الأولى، بخلاف القبول؛ لأنّ من شرطه المطابقةَ، فعلى هذا البيعُ بعرضٍ يساوي مائة دينارٍ كالبيع بمائة دينارٍ.

فروع:
أ - لو أمره ببيعه بمائة و نهاه عن البيع بالأزيد، لم يكن له البيع بالأزيد قطعاً؛

لاحتمال تعلّق غرضه بذلك، فلا يجوز التخطّي.

ب - لو أمره ببيعه بمائة و هناك مَنْ يرغب بالزيادة على المائة، جاز له بيعه بالمائة امتثالاً لأمره.

و يحتمل المنع؛ لأنّه منصوب لمصلحة الموكّل، و ترك الزيادة مضرّة به.

و للشافعيّة وجهان:

أحدهما: الجواز؛ لموافقته صريح إذنه.

و الثاني: المنع، كما لو أطلق الوكالة فباع بثمن المثل و هناك مَنْ يرغب بالزيادة(2).

ج - لا فرق بين أن يكون المشتري قد عيّنه الموكّل أو لا إذا لم يقصد إرفاقه.

ص: 101


1- العزيز شرح الوجيز 239:5، روضة الطالبين 547:3.
2- العزيز شرح الوجيز 239:5، روضة الطالبين 547:3.

فلو قال: بِعْه من زيدٍ بمائةٍ و قصد إرفاق زيدٍ، لم يبع بأكثر، فإن باع كان فضوليّاً.

و إن لم يقصد إرفاقه، بل قصد سهولة معاملته أو خلوص ماله عن الشبهة أو بُعْده عنها، جاز أن يبيع بأكثر من المائة، كما لو أطلق.

و لو جهل الأمر، لم يبعه إلّا بالمائة، مع احتمال الأزيد.

د - لو قال: بِعْ بكذا ، و لا تبعه

د - لو قال: بِعْ بكذا(1) ، و لا تبعه(2) بأكثر من مائة، لم يبِعْ بالأكثر،

و يبيع(3) بها و بأقلّ؛ لاحتمال أمره الشيئين، و شموله لهما.

نعم، لا يبيع بأقلّ من ثمن المثل.

و لو كانت المائة أقلّ من ثمن المثل، باع بها لا بالأقلّ.

ه - لو قال: بِعْه بمائةٍ و لا تبعه بمائةٍ و خمسين، لم يبِعْ بأقلّ من مائةٍ و لا بمائةٍ و خمسين؛

للنهي. و له بيعه بأزيد من مائةٍ و أقلّ من مائةٍ و خمسين، و له بيعه أيضاً بأزيد من مائةٍ و خمسين.

و للشافعيّة في بيعه بأزيد من مائةٍ و خمسين وجهان، أصحّهما عندهم: المنع؛ لأنّه نهاه عن زيادة خمسين فما فوقها أولى(4).

و - البحث في طرف المشتري كالبحث في طرف البائع،

فلو قال له:

اشتر كذا بمائة، فله أن يشتري بما دونها، إلّا مع النهي، فلا يصحّ؛ لأنّه خالفه، و صريح قوله مقدَّم على دلالة العرف. و كذا لو قصد الإرفاق للبائع، و ليس له أن يشتري بأزيد من مائة.

ص: 102


1- فيما عدا «ر» من النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «كذا».
2- في «خ»: «لا تبع».
3- في «ج، ر» و الطبعة الحجريّة: «بِيع».
4- بحر المذهب 195:8، العزيز شرح الوجيز 239:5، روضة الطالبين 547:3.

و لو قال: اشتر بمائة، و لا تشتر بخمسين، جاز له أن يشتري بما بين مائة و خمسين، و لا يشتري بخمسين؛ لأنّ إذنه في الشراء بمائة دلّ عرفاً على الشراء بما دونها، خرج منه المحصور بصريح النهي [و] بقي فيما فوقها على مقتضى الإذن.

و فيما دونها للشافعيّة وجهان(1).

و الوجه عندي: الجواز؛ لأنّه لم يخالف صريح نهيه، فأشبه ما إذا زاد على الخمسين.

مسألة 718: لو وكّله في بيع عبدٍ بمائة فباع نصفه بها، أو وكّله مطلقاً فباع نصفه بثمن الكلّ، جاز؛

لأنّه مأذون فيه من جهة العرف، فإنّ مَنْ رضي بمائة ثمناً للكلّ رضي بها ثمناً للنصف، و لأنّه حصّل له المائة و أبقى له زيادة تنفعه و لا تضرّه، فكان بمنزلة ما لو باعه بمائةٍ و ثوبٍ أو عبد أو نصف عبدٍ.

إذا ثبت هذا، فله بيع النصف الآخَر؛ لأنّه مأذون له في بيعه، فأشبه ما لو باع العبد كلّه بمثلَي ثمنه.

و يحتمل المنع؛ لأنّه قد حصل للموكّل غرضه من الثمن ببيع نصفه، فربما لا يؤثّر بيع باقيه؛ للغنى عن باقيه بما حصل له من ثمن نصفه.

و كذا لو وكّله في بيع عبدين بمائة، فباع أحدهما بالمائة، صحّ.

و هل له بيع الآخَر؟ فيه الاحتمالان السابقان.

و لو وكّله في بيع عبدٍ بمائة، فباع نصفه بأقلّ منها، لم يجز؛ لأنّه غير المأذون فيه.

ص: 103


1- بحر المذهب 194:8، البيان 392:6، العزيز شرح الوجيز 239:5، روضة الطالبين 547:3.

و إن وكّله مطلقاً، فباع بعضه بأقلّ من ثمن الكلّ، لم يجز، و به قال الشافعي و أحمد و أبو يوسف و محمّد(1).

و قال أبو حنيفة: يجوز، كما إذا أطلق الوكالة؛ بناءً على أصله في أنّ للوكيل المطلق البيعَ(2).

و هو غلط؛ لما فيه من الضرر على الموكّل ببيع بعضه، و لم يوجد الإذن فيه نطقاً و لا عرفاً، فلم يجز، كما لو وكّله في شراء عبدٍ، فاشترى نصفه.

و لو قال: اشتره بمائة دينارٍ، فاشتراه بمائة درهمٍ، فالحكم فيه كالحكم فيما لو قال: بِعْه بمائة درهمٍ، فباعه بمائة دينارٍ.

و الأقرب: الجواز.

و لو قال: اشتر نصفه بمائة، فاشتراه كلّه أو أكثر من نصفه بالمائة، صحّ؛ لأنّه مأذون فيه عرفاً.

و لو قال: اشتر نصفه بمائة و لا تشتر جميعه، فاشترى أكثر من النصف و أقلّ من الكلّ بمائة، صحّ على ما تقدّم في البيع؛ لأنّ دلالة العرف قاضية بالإذن في شراء كلّ ما زاد على النصف، خرج الجميع بصريح نهيه، فيبقى ما عداه على مقتضى الإذن.

مسألة 719: لو وكّله في شراء عبدٍ موصوفٍ بمائة، فاشتراه على الصفة بدونها، جاز؛

لأنّه مأذون فيه عرفاً، فلو خالف في الصفة أو اشتراه

ص: 104


1- المهذّب - للشيرازي - 362:1، بحر المذهب 195:8، الوسيط 299:3، المغني 257:5، الشرح الكبير 228:5، تحفة الفقهاء 234:3، بدائع الصنائع 27:6، الهداية - للمرغيناني - 146:3، الاختيار لتعليل المختار 261:2.
2- تحفة الفقهاء 234:3، بدائع الصنائع 27:6، الهداية - للمرغيناني - 146:3، الاختيار لتعليل المختار 261:2، بحر المذهب 195:8، المغني 257:5، الشرح الكبير 228:5.

بأكثر منها، لم يلزم الموكّل.

و لو قال: اشتر لي عبداً بمائة، فاشترى عبداً يساوي مائةً بدونها، جاز؛ لأنّه لو اشتراه بمائةٍ جاز، فإن اشتراه بدونها فقد زاده خيراً، فيجوز.

و إن كان لا يساوي مائةً، لم يجز و إن كان يساوي أكثر ممّا اشتراه به؛ لأنّه خالف أمره، و لم يحصل غرضه.

مسألة 720: لو قال له: بِعْه إلى أجل، و بيّن قدره، فامتثل، صحّ.
اشارة

و إن باع حالاًّ، فإن باع بما يساويه حالاًّ، لم يصح؛ لأنّه يكون ناقصاً عمّا أمره به، فإنّ ما يشترى به الشيء نقداً أقلّ ممّا يشترى به نسيئةً.

و إن باعه بما يساويه نسيئةً إلى ذلك الأجل الذي عيّنه، فإن لم يكن هناك للموكّل غرض في النسيئة بأن يكون في وقتٍ لا يؤمن فيه من النهب أو السرقة، أو كان لحفظه مئونة في الحال، صحّ البيع؛ لأنّه زاده خيراً و قد أحسن إليه، و قال تعالى:«ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ»(1) و هو أصحّ وجهي الشافعيّة.

و في الثاني: المنع؛ لأنّه ربما كان يحتاج إلى الثمن في ذلك الوقت، أو يخاف من التعجيل خروجه في النفقة(2).

و هو غلط؛ لأنّا فرضنا انتفاء الأغراض بأسرها؛ إذ الكلام فيه.

و إن كان هناك غرض صحيح ممّا ذكرناه أو غيره، لم يصح البيع؛ لأنّه قد خالف ما أمره، فيكون فضوليّاً فيه، إن أجازه صحّ، و إلّا فلا.

فروع:
أ - لا فرق فيما ذكرناه بين ثمن المثل عند الإطلاق،

و بين ما يقدّره

ص: 105


1- التوبة: 91.
2- بحر المذهب 184:8، البيان 387:6، العزيز شرح الوجيز 240:5، روضة الطالبين 548:3.

من الثمن بأن قال: بِعْ بمائةٍ نسيئةً، فباع بمائةٍ نقداً.

ب - لو قال: بِعْه بكذا إلى شهرين، فباعه به إلى شهرٍ،

ففيه ما قدّمناه في النسيئة و الحالّ.

ج - لو قال: اشتر حالاًّ، فاشتراه مؤجَّلاً،

فإن اشتراه بما يرغب به فيه(1) إلى ذلك الأجل، لم يصح الشراء للموكّل؛ لأنّ الثمن يكون أكثر، فيكون فضوليّاً في هذا الشراء.

و إن اشتراه بما يرغب به فيه حالاًّ إلى ذلك الأجل، فللشافعيّة وجهان، كما في طرف البيع(2).

و الحقّ أن نقول: إن كان له غرض بأن يخاف هلاك المال و بقاء الدَّيْن عليه أو غير ذلك من الأغراض، لم يصح، و إلّا جاز.

و قال بعض الشافعيّة: هذا إذا قلنا: إنّ مستحقّ الدَّيْن المؤجَّل إذا عجّل حقّه، يلزمه القبول، أمّا إذا قلنا: لا يلزمه القبول، لا يصحّ الشراء هنا للموكّل بحال(3).

و خرّجوا عليه أنّ الوكيل بالشراء مطلقاً لو اشترى نسيئةً بثمن مثله نقداً، جاز؛ لأنّه زاده خيراً، و الموكّل بسبيلٍ من تفريغ ذمّته بالتعجيل(4).

د - إذا وكّله في البيع نسيئةً، و لم يعيّن الأجل، صحّ عندنا،

و حُمل الإطلاق على المتعارف بين الناس. و لو عيّن له، لم تجز الزيادة. و في النقصان قولان.

مسألة 721: لو وكّله في الشراء بخيار أو في البيع به، فاشتراه منجّزاً أو باعه منجّزاً، كان فضوليّاً؛

لأنّه خالف ما أُمر به، فإن أمضاه الموكّل

ص: 106


1- في «ث، ر»: «بما يرغب فيه». و في «ج» و الطبعة الحجريّة: «بما يرغب فيه به». (2-4) العزيز شرح الوجيز 240:5، روضة الطالبين 548:3.

صحّ، و إلّا فلا.

و لو أمره بالشراء بخيارٍ له، فجَعَله للآخَر أو في البيع، لم يلزم، و كان فضوليّاً؛ لأنّه خالف أمره، و ربما كان له غرض في ذلك صحيح.

أمّا لو قال: اجعل الخيار للآخَر، فجَعَله له، أو قال: اجعل الخيار للجميع، فجَعَله للموكّل خاصّةً، احتُمل الصحّة؛ لأنّه زاده خيراً، و هو الأقوى. و المنع؛ للمخالفة.

مسألة 722: لو سلّم إلى وكيله ديناراً ليشتري له شاةً موصوفة، فاشترى الوكيل بالدينار شاتين كلّ واحدةٍ بتلك الصفة تساوي ديناراً، صحّ

الشراء، و حصل الملك للموكّل فيهما؛ لأنّه إذا أذن له في شراء شاة بدينارٍ فإذا اشترى شاتين كلّ واحدةٍ منهما تساوي ديناراً بدينار، فقد زاده خيراً مع تحصيل ما طلبه الموكّل، فأشبه ما إذا أمره ببيع شاة بدينار، فباعها بدينارين، أو بشراء شاة تساوي ديناراً بدينار، فاشتراها بنصفه، و هو أصحّ وجهي الشافعيّة.

و الثاني: إنّ الشاتين معاً لا تقعان للموكّل؛ لأنّه لم يأذن له إلّا في شراء واحدة، و لكن يُنظر إن اشتراهما في الذمّة، فللموكّل واحدة بنصف الدينار، و الأُخرى للوكيل، و يردّ على الموكّل نصف دينارٍ، و للموكّل أن ينتزع الثانية منه، و يقرّر العقد فيهما؛ لأنّه عقد العقد فيهما له. و إن اشتراهما بعين الدينار، فكأنّه اشترى واحدةً بإذنه، و أُخرى بغير إذنه، فيبنى على أنّ العقود هل تتوقّف على الإجازة ؟

إن قلنا: لا تتوقّف، بطل العقد في واحدة، و في الثانية قولا تفريق الصفقة.

و إن قلنا: تتوقّف، فإن شاء الموكّل أخذهما بالدينار، و إن شاء اقتصر

ص: 107

على واحدةٍ، و ردّ الأُخرى على المالك(1).

و استشكله بعض الشافعيّة و مَنَعه؛ لأنّ تعيين واحدة للموكّل أو بطلان العقد فيها ليس بأولى من تعيين الأُخرى، و التخيير شبيه بما إذا باع شاةً من شاتين على أن يتخيّر المشتري، و هو باطل(2).

و نقل الجويني فيما إذا اشترى في الذمّة قولاً ثالثاً: إنّ الشراء لا يصحّ للموكّل في واحدةٍ منهما، بل تقعان للوكيل(3).

و لو كانت كلّ واحدةٍ من الشاتين تساوي أقلّ من دينارٍ، لم يلزم الشراء، و كان فضوليّاً و إن كان مجموعهما تساوي أكثر من الدينار؛ لأنّه لم يمتثل ما أمره به.

و لو كانت إحداهما تساوي ديناراً و الأُخرى تساوي أقلّ من دينارٍ، صحّ الشراء؛ لأنّه امتثل و زاد خيراً.

و اعلم أنّ الشافعي ذكر في كتاب الإجارات هذه المسألة، و قال: إذا أعطاه ديناراً و قال: اشتر به شاةً، فاشترى به شاتين، ففيها قولان:

أحدهما: ينتقل ملك الشاتين معاً إلى الموكّل.

و الثاني: ينتقل ملك إحداهما إلى الموكّل، و ملك الأُخرى إلى الوكيل، و يكون الموكّل فيها بالخيار إن شاء أقرّها على ملك وكيله، و إن شاء انتزعها(2).

قال القاضي أبو الطيّب من أصحابه: لا وجه لهذا القول، إلّا أن يكون4.

ص: 108


1- المهذّب - للشيرازي - 362:1، بحر المذهب 197:8، حلية العلماء 143:5، التهذيب - للبغوي - 222:4، البيان 395:6-396، العزيز شرح الوجيز 241:5، روضة الطالبين 549:3. (2 و 3) العزيز شرح الوجيز 241:5، روضة الطالبين 549:3.
2- الأُم 32:4.

على قولٍ محكيٍّ عن الشافعي في المبيع الموقوف(1).

و ذكر أبو حامد أنّه إذا اشترى ذلك في الذمّة، وقع للموكّل في أحد القولين و [تقع](2) إحداهما للوكيل في القول الآخَر، و للموكّل أخذها(3) منه.

قال أبو العباس بن سريج: إنّ ذلك جارٍ مجرى الأخذ بالشفعة؛ لتعلّقه بملكه، و مشاركته له في العقد(4).

فأمّا إذا اشتراهما بعين مال الموكّل، ففي أحد القولين يقع الكلّ للموكّل. و على القول الآخَر لا يصحّ العقد في الشاتين(5) ؛ لأنّه لا يصحّ أن يقع الملك للوكيل و الثمن عين ملك الموكّل(6).

و الأوّل عندهم أشبه؛ لأنّ المسألة إذا دفع إليه ديناراً و قال: اشتر به شاة.

و القول الصحيح عند الشافعيّة أنّ الشاتين تقعان للموكّل(7). و هو مذهبنا أيضاً نصّ عليه الشيخ في الخلاف(8).

و قال أبو حنيفة: تقع للموكّل إحدى الشاتين بنصف دينار، و تقع الأُخرى للوكيل، و يرجع الموكّل عليه بنصف دينار؛ لأنّ الموكّل لم يرض إلّا بأن تلزمه عهدة شاة واحدة، فلا تلزمه شاتان(9).0.

ص: 109


1- بحر المذهب 197:8، حلية العلماء 144:5.
2- بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «وقع». و الأنسب ما أثبتناه. و في المصدر بدلها: «يقع».
3- في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «أخذه». و الصحيح ما أثبتناه.
4- بحر المذهب 197:8، حلية العلماء 144:5.
5- في المصدر: بطلان العقد في إحدى الشاتين.
6- بحر المذهب 198:8، البيان 397:6.
7- تقدّم تخريجه في ص 108، الهامش (1).
8- الخلاف 353:3، المسألة 22 من كتاب الوكالة.
9- بحر المذهب 197:8، حلية العلماء 143:5، المغني 259:5، الشرح الكبير 231:5، و انظر: المبسوط - للسرخسي - 65:19، و الهداية - للمرغيناني - 141:3، و بدائع الصنائع 30:6، و الاختيار لتعليل المختار 259:2-260.

و احتجّ الشيخ رحمه الله بحديث عروة البارقي، فإنّ النبيّ صلى الله عليه و آله أعطى عروة ابن الجعد البارقي ديناراً و قال له: «اشتر لنا به شاة» قال: فأتيت الجلب فاشتريت به شاتين بدينار، فجئت أسوقهما - أو أقودهما - فلقيني رجل بالطريق فساومني، فبعت منه شاةً بدينار، و أتيت النبيّ صلى الله عليه و آله بالدينار و بالشاة، فقلت: يا رسول اللّه هذا ديناركم و هذه شاتكم، فقال: «و صنعت كيف ؟» فحدّثته، فقال: «اللّهمّ بارك له في صفقة يمينه»(1).

و لأنّه فَعَل المأذون فيه و زيادة من جنسه تنفع و لا تضرّ، فوقع ذلك كلّه له، كما لو قال: بِعْه بدينار، فباعه بدينارين.

و ما ذكره أبو حنيفة يبطل بالبيع.

مسألة 723: قد بيّنّا أنّه يصحّ شراء الشاتين للموكّل؛

استدلالاً بحديث عروة البارقي، فإذا باع الوكيل إحدى الشاتين من غير إذن الموكّل، فالوجه عندي: إنّ بيعه يقع موقوفاً على إجازة الموكّل إن أجازه نفذ، و إلّا بطل.

و للشافعيّة قولان:

أحدهما: المنع - كما قلناه - لأنّه لم يأذن له في البيع، فأشبه ما إذا اشترى شاةً بدينارٍ ثمّ باعها بدينارين. و لأنّه باع مال موكّله بغير أمره فلم يجز، كما لو باع الشاتين معاً.

و الثاني: إنّه يصحّ؛ لأنّه إذا جاء بالشاة، فقد حصل مقصود الموكّل، فلا فرق فيما زاد بين أن يكون ذهباً أو غيره، هذا إذا كانت الباقية تساوي ديناراً(2).

ص: 110


1- تقدّم تخريجه في ص 6، الهامش (5).
2- البيان 396:6، العزيز شرح الوجيز 242:5، روضة الطالبين 549:3.

و بالصحّة قال أحمد؛ لحديث(1) عروة البارقي(2).

و عندنا أنّ بيع الفضولي يقع موقوفاً، و لا يلزم من إجازة بيع النبيّ صلى الله عليه و آله له ملكه لذلك، فجاز أن يجيز عقد الفضولي. و أيضاً جاز أن يكون عروة وكيلاً عامّاً في البيع و الشراء.

و عند الشافعي يُخرَّج على هذا ما إذا اشترى [الشاة بدينار و باعها](3) بدينارين، و يقال: هذا الخلاف هو بعينه القولان في بيع الفضولي، فعلى الجديد يلغو، و على القديم ينعقد موقوفاً على إجازة الموكّل(4).

لكن فعل النبيّ صلى الله عليه و آله من تقرير البارقي على الشراء و البيع يعطي صحّة وقوع العقد، و لا يكون باطلاً في أصله.

و احتجّ أبو حنيفة(5) للشافعي على أحد قوليه - من وقوع إحدى الشاتين للوكيل - بأنّ الشاتين لو وقعتا للنبيّ صلى الله عليه و آله لما باع إحداهما قبل مراجعته؛ إذ الإنسان لا يبيع مال الغير، كيف! و قد سلّم و تصرّف الفضولي، فإن حكم بانعقاده، فلا كلام في أنّه ليس له التسليم قبل مراجعة المالك و إجازته، فلمّا باع إحداهما دلّ على أنّها دخلت في ملكه(6).

و هذا ليس بشيءٍ؛ لأنّ عروة لمّا عرف أنّ الاحتياج إلى الشاة للأُضحية لا إلى أزيد، حصّل المطلوب و باع فضوليّاً و سلّم المبيع و قبض5.

ص: 111


1- في «ث، خ» و الطبعة الحجريّة: «لرواية» بدل «لحديث».
2- المغني 260:5، الشرح الكبير 232:5.
3- بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «الشاتين بدينار و باعهما». و ما أثبتناه من المصدر.
4- العزيز شرح الوجيز 242:5، روضة الطالبين 549:3.
5- كذا قوله: «أبو حنيفة». و الظاهر أنّها إمّا تصحيف كنيةٍ أُخرى، أو زائدة.
6- العزيز شرح الوجيز 242:5.

الثمن كذلك، و يكون موقوفاً على الإجازة، فلمّا رضي النبيّ صلى الله عليه و آله بالبيع و ما فَعَله البارقي، لزم.

و لو سلّمنا أنّ إحداهما دخلت في ملكه، لكنّها لا تتعيّن ما لم يختر الموكّل واحدةً منهما، أو يجري بينهما اصطلاح في ذلك، و إذا لم تكن التي ملكها متعيّنةً، فكيف يبيع واحدةً على التعيين!؟.

و القائلون بالصحّة احتجّ مَنْ ذهب منهم إلى صحّة بيع إحدى الشاتين: بالحديث، و مَنْ مَنَع حَمَل القضيّة(1) على أنّ عروة كان وكيلاً مطلقاً من جهة النبيّ صلى الله عليه و آله في بيع أمواله، فيبيع إذا رأى المصلحة فيه(2).

لكن في هذا التأويل بحث؛ لأنّه إن كان قد وكّله في بيع أمواله، لم يدخل فيه ما يملكه من بَعْدُ.

و إن قيل: وكّله في بيع أمواله و ما سيملكه، وقع في الخلاف المذكور في التوكيل ببيع ما سيملكه، إلّا أن يقال: ذلك الخلاف فيما إذا خصّص بيع ما سيملكه بالتوكيل، أمّا إذا جَعَله تابعاً لأمواله الموجودة في الحال، فيجوز، و هذا كما أنّه لو قال: وَقَفْتُ على مَنْ سيولد من أولادي، لا يجوز.

و لو قال: على أولادي و مَنْ سيولد، جاز.

و لو قال له: بِعْ عبدي بمائة درهم، فباعه بمائة و عبد أو ثوب يساوي مائة درهم، قال ابن سريج: إنّه على قولين بالترتيب على مسألة الشاتين، و أولى بالمنع؛ لأنّه عدل عن الجنس الذي أمره بالبيع به، إن منع منه فليمنع في القدر الذي يقابل غير الجنس - و هو النصف - أو في5.

ص: 112


1- في النسخ الخطّيّة: «القصّة» بدل «القضيّة».
2- البيان 396:6، العزيز شرح الوجيز 242:5.

الجميع؛ كي لا تتفرّق الصفقة ؟ فيه قولان(1).

إن قلنا: في ذلك القدر خاصّةً، قال بعضهم: إنّه لا خيار للبائع؛ لأنّه إذا رضي ببيع الجميع بالمائة كان راضياً ببيع النصف بها، و أمّا المشتري إن لم يعلم كونه وكيلاً بالبيع بالدراهم فله الخيار. و إن علم فوجهان؛ لشروعه في العقد مع العلم بأنّ بعض المعقود لا يسلم له(2).

مسألة 724: لو دفع إليه ألفاً و قال: اشتر بها بعينها شيئاً، فاشترى شيئاً في الذمّة لينقد ما سلّمه إليه في ثمنه، لم يلزمه

(3) ، و كان الوكيل فضوليّاً، إن رضي المالك بالبيع جاز، و إلّا فلا - و به قال الشافعي(4) - لأنّه أمره بعقدٍ ينفسخ لو تلف ما سلّمه إليه، و الوكيل أتى بعقدٍ لا ينفسخ لو تلف ما سلّمه إليه، و يلزم أن يؤدّي ألفاً أُخرى، و قد لا يريد لزوم ألفٍ أُخرى.

و لو قال: اشتر في الذمّة و سلِّم هذا في ثمنه، فاشترى بعينه، لم يلزم أيضاً، و كان الوكيل فضوليّاً؛ لأنّه ربما يريد حصول ذلك المبيع له، سواء سلّم ما سلّمه إليه أو تلف، و هو أصحّ قولَي الشافعيّة.

و في الثاني: أنّه يلزم الوكيل؛ لأنّه زاد خيراً حيث عقد على وجهٍ لو تلف ما سلّمه إليه لم يلزمه شيء آخَر(5).

ص: 113


1- العزيز شرح الوجيز 243:5.
2- العزيز شرح الوجيز 243:5، روضة الطالبين 550:3.
3- فيما عدا «ث» من النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «لم يلزم».
4- المهذّب - للشيرازي - 360:1، التنبيه: 109، الوجيز 192:1، الوسيط 298:3، العزيز شرح الوجيز 247:5، روضة الطالبين 553:3.
5- المهذّب - للشيرازي - 360:1، التنبيه: 109، الوجيز 192:1، الوسيط 298:3، حلية العلماء 134:5، العزيز شرح الوجيز 247:5، روضة الطالبين 553:3.

و لو سلّم إليه ألفاً و قال: اشتر كذا بألف، و لم يقل: بعينه، و لا قال:

في الذمّة، بل قال: اصرف هذا في الثمن، فالأقرب: إنّ الوكيل يتخيّر بين أن يشتري بعينها أو في الذمّة؛ لأنّه على التقديرين يكون آتياً بالمأمور به، و يجوز أن يكون غرضه من تسليمه إليه مجرّد انصرافه إلى ثمن ذلك الشيء، و هو أصحّ وجهي الشافعيّة.

و الثاني: إنّه يشتري بالعين، فإن اشترى في الذمّة لم يصح، و يكون بمنزلة ما لو قال: اشتر بعينه؛ لأنّ قرينة التسليم تشعر به(1).

و هو ممنوع.

مسألة 725: إذا وكّله في بيع عينٍ أو شرائها، لم يملك العقد على بعضه؛

لأنّ التوكيل إنّما وقع بالجميع، و هو مغاير للأجزاء. و لأنّ في التبعيض إضراراً بالموكّل، و لم يأذن له فيه، فإن فَعَله(2) كان فضوليّاً.

أمّا لو أذن له في بيع عبيدٍ أو شرائهم، مَلَك العقد جملةً و فرادى؛ لأنّ الإذن تناول العقد عليهم جملةً، و العرف في بيعه و شرائه العقد على واحدٍ واحدٍ، و لا ضرر في جمعهم و لا إفرادهم. و لو كان أحدهما أنفع، وجب المصير إليه؛ لأنّ الوكيل منصوب للمصلحة.

و لو نصّ على الجمع، فقال: اشتر لي عبيداً صفقةً واحدة، أو: بِعْهم كذلك، أو على التفريق، فقال: اشتر لي عبيداً واحداً واحداً، أو: بِعْهم كذلك، وجب الامتثال، فإن خالف كان فضوليّاً؛ لأنّ تنصيصه على أحدهما

ص: 114


1- المهذّب - للشيرازي - 360:1، بحر المذهب 197:8، الوسيط 299:3، حلية العلماء 134:5-135، البيان 383:6، العزيز شرح الوجيز 247:5، روضة الطالبين 553:3.
2- في «ث، ج»: «فَعَل».

بعينه يدلّ على ثبوت غرضٍ له فيه، فلا تجوز مخالفته، و لم يتناول إذنه سوى ما عيّنه.

و إن قال: اشتر لي عبدين صفقةً، فاشترى عبدين لاثنين مشتركين بينهما من وكيلهما أو من أحدهما و أجاز الآخَر، جاز.

و إن كان لكلّ واحدٍ منهما عبد منفرد فاشتراهما من المالكين [بأن](1) أوجبا له البيع فيهما و قَبِل ذلك منهما بلفظٍ واحد، صحّ.

و قال الشافعي: لا يصحّ؛ لأنّ عقد الواحد مع الاثنين عقدان(2).

و ليس بجيّدٍ؛ لأنّ القبول من المشتري، و هو متّحد، و الغرض لا يختلف.

و لو اشتراهما من وكيلهما و عيّن ثمن كلّ واحدٍ منهما، مثل أن يقول:

بعتك هذين العبدين هذا بمائة و هذا بمائتين، فقال: قبلت، صحّ.

و لبعض العامّة وجهان(3).

و لو لم يعيّن ثمن كلّ واحدٍ منهما، صحّ عندنا - خلافاً لبعض العامّة(4) - و يقسّط الثمن على قدر القيمتين.

مسألة 726: إذا أمره بشراء سلعةٍ، لم يكن له أن يشتري غيرها،

فلو أمره بشراء جاريةٍ معيّنة أو عبدٍ معيّن، فاشترى غير ما عيّن له، فإن كان قد سمّاه أو نواه و صدّقه البائع وقف العقد على الإجازة، و كان الوكيل فضوليّاً؛ لأنّه اشترى له شيئاً لم يأذن له فيه، فلا يلزمه، و لا يقع عن الوكيل، سواء

ص: 115


1- بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «فإن». و الظاهر ما أثبتناه.
2- الحاوي الكبير 549:6، بحر المذهب 196:8، التهذيب - للبغوي - 222:4، البيان 381:6، العزيز شرح الوجيز 257:5، روضة الطالبين 561:3، المغني 253:5، الشرح الكبير 230:5. (3 و 4) المغني 253:5، الشرح الكبير 230:5.

اشتراه بعين مال الموكّل أو في ذمّته.

و إن أطلق العقد و لم يضفه إلى الموكّل و لا نواه، فإن اشترى بالعين، احتمل الوقوف على الإجازة، فإن أجازه(1) المالك صحّ، و إلّا بطل؛ لحديث(2)المغني 249:5، الشرح الكبير 258:5-259.(3) عروة البارقي، فإنّه باع مال النبيّ صلى الله عليه و آله، و الشراء بالعين كبيع مال الغير، و أقرّه النبيّ صلى الله عليه و آله و دعا له. و لأنّه تصرّفٌ له مجيزٌ، فصحّ، و وقف على الإجازة كالوصيّة بالزائد على الثلث، و هو إحدى الروايتين عن أحمد.

و في الأُخرى: يبطل - و به قال الشافعي - لأنّه عقد على مال مَنْ لم يأذن له في العقد، فلم يصح، كما لو باع مال الصبي ثمّ بلغ فأجاز، و قد نهى رسول اللّه صلى الله عليه و آله حكيم بن حزام عن بيع ما ليس عنده، فقال: «لا تبع ما ليس عندك»(4) يعني ما لا تملك(5).

و إن اشترى في الذمّة ثمّ نقد ثمنه، وقع البيع للوكيل؛ لأنّه تصرّفٌ صدر من بالغٍ عاقلٍ غير محجورٍ عليه، فصحّ، و وقع للوكيل حيث لم ينو الموكّلَ و لا سمّاه و لا اشترى ما أذن له فيه.

و قال بعض الشافعيّة: إذا اشترى بمالٍ في ذمّته للموكّل، فالشراء صحيح؛ لأنّه إنّما اشترى بثمنٍ في ذمّته، و ليس ذلك ملكاً لغيره، و يقع البيع للوكيل(5).9.

ص: 116


1- في النسخ الخطّيّة: «أجاز».
2- تقدّم تخريجه في ص 6، الهامش
3- .
4- سنن ابن ماجة 2187/737:2، سنن أبي داوُد 3503/283:3، سنن الترمذي 1232/534:3، سنن النسائي 289:7، سنن البيهقي 267:5 و 317 و 339، مسند أحمد 14887/403:4 و 14888، المصنّف - لابن أبي شيبة - 540/129:6، المصنّف - لعبد الرزّاق - 14212/38:8، المعجم الكبير - للطبراني - 217:3-3097/218-3099، و 3102 و 3103.
5- المغني 249:5-250، الشرح الكبير 258:5.

و قال بعضهم: لا يصحّ للموكّل و لا للوكيل؛ لأنّه عقده على أنّه للموكّل، فلم يقع عن الوكيل، و الموكّل لم يأذن له فيه، فلم يقع عنه(1).

و عن أحمد روايتان:

إحداهما: إنّ الشراء للوكيل؛ لأنّه اشترى في ذمّته بغير إذنه، فكان الشراء له، كما لو لم ينو غيره.

و الثانية: إنّه يقف على إجازة الموكّل - كما قلناه نحن - فإن أجازه، صحّ؛ لأنّه اشترى له و قد أجازه فلزمه، كما لو اشترى بإذنه. و إن لم يُجزه، قال: يلزم الوكيل؛ لأنّه لا يجوز أن يلزم الموكّل؛ لأنّه لم يأذن في شرائه، و لزم الوكيل؛ لأنّ الشراء صدر منه، و لم يثبت لغيره، فيثبت في حقّه، كما لو اشتراه لنفسه(2).

و ليس بحقٍّ؛ لأنّه اشترى لغيره، فإذا لم يرض الغير، بطل العقد.

و هذا الحكم في كلّ مَن اشترى شيئاً في ذمّته لغيره بغير إذنه، سواء كان وكيلاً للّذي قصد الشراء له، أو لم يكن وكيلاً.

مسألة 727: إذا قال له: بِعْ هذا العبد، فباع عبداً آخَر، فهو فضوليّ في بيع الآخَر؛

لأنّه غير مأذونٍ له فيه، فكان كالأجنبيّ بالنسبة إليه، فإن أمضى المالك البيعَ، صحّ، و إلّا بطل؛ لأنّ المالك لم يرض بإزالة ملكه عنه.

و قال الشافعي في أحد القولين: إنّه باطل(1).

و أمّا الشراء: فإن وقع بعين مال الموكّل، فهو كالبيع. و إن كان في الذمّة، فإن لم يسمّ الموكّلَ و لا نواه، فهو واقع عن الوكيل؛ لجريان

ص: 117


1- العزيز شرح الوجيز 248:5، روضة الطالبين 553:3.

الخطاب معه، و إنّما ينصرف إلى الموكّل بشرط أن ينويه أو يوافق إذنه.

و قال الشافعي: إذا نواه، لم يعتبر بالنيّة، و وقع الشراء للوكيل، لأنّه لم يوافق أمره، فلغت النيّة(1).

و ليس بجيّد.

قال: و لو سمّاه، فوجهان:

أحدهما: إنّه يبطل العقد رأساً؛ لأنّه صرّح بإضافته إلى الموكّل، و امتنع إيقاعه عنه، فيلغو(2). و هو الذي اخترناه.

و الأظهر عندهم: إنّه يقع عن الوكيل، و تلغو تسمية الموكّل؛ لأنّ تسمية الموكّل غير معتبرة في الشراء(3) ، فإذا سمّاه و لم يمكن صرف العقد إليه، صار كأنّه لم يسمّه(4).

و نحن نمنع وقوعه عن الوكيل؛ لأنّه لم يشتر لنفسه.

هذا كلّه فيما إذا قال البائع: بعت منك، فقال المشتري: اشتريته لفلان، يعني موكّله، فأمّا إذا قال البائع: بعت من فلان، و قال المشتري:

اشتريته لفلان، فظاهر مذهب الشافعيّة بطلان العقد؛ لأنّه لم تجر بينهما مخاطبة، و يخالف النكاح حيث يصحّ من الزوج و وكيل الزوج على هذه الصفة، بل لا يجوز إلّا ذلك، و للبيع أحكام تتعلّق بمجلس العقد، كالخيار و غيره، و تلك الأحكام إنّما يمكن الاعتبار فيها بالمتعاقدين، فاعتبر جريان المخاطبة بينهما، و النكاح سفارة محضة(5).

و نحن لا فرق عندنا بين أن يوجب و يخاطب الوكيل أو يوجب3.

ص: 118


1- العزيز شرح الوجيز 248:5.
2- العزيز شرح الوجيز 248:5، روضة الطالبين 553:3-554.
3- في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «الشرع» بدل «الشراء». و المثبت كما في المصدر. (4 و 5) العزيز شرح الوجيز 248:5، روضة الطالبين 554:3.

للموكّل في البطلان.

مسألة 728: وكيل المتّهب بالقبول يجب أن يسمّي موكّله،

و إلّا وقع عنه؛ لجريان الخطاب معه، و لا ينصرف بالنيّة إلى الموكّل؛ لأنّ الواهب قد يقصده بالتبرّع بعينه، و ما كلّ أحد تسمح النفس بالتبرّع عليه، بخلاف المشتري، فإنّ المقصود فيه حصول العوض، هكذا قاله بعض الشافعيّة(1) ، و لا استبعاد في هذا القول.

البحث الخامس: في التوكيل بالخصومة.
مسألة 729: الوكيل بالخصومة إمّا أن يتوكّل عن المدّعي أو عن المدّعى عليه.

فإن كان وكيلاً عن المدّعي، مَلَك الدعوى و إقامة البيّنة و تعديلها و التحليف و طلب الحكم على الغريم و القضاء عليه. و بالجملة، كلّ ما يقع وسيلةً إلى الإثبات.

و أمّا الوكيل عن المدّعى عليه فيملك الإنكار و الطعن في(2) الشهود و إقامة بيّنة الجرح و مطالبة الحاكم بسماعها و تبيينها و الحكم بها. و بالجملة، عليه السعي في الدفع ما أمكن.

و لو ادّعى المنكر في أثناء حكومة وكيله الإقباضَ أو الإبراءَ، انقلب مدّعياً، و مَلَك وكيله الدعوى بذلك و إقامة البيّنة(3) و طلب الحكم بها من الحاكم، و مَلَك وكيل المدّعي الإنكار لذلك و الطعن في بيّنة المشهود عليه.

ص: 119


1- العزيز شرح الوجيز 248:5، روضة الطالبين 554:3.
2- في «ر» و الطبعة الحجريّة: «على» بدل «في».
3- في «ث، خ» و الطبعة الحجريّة زيادة: «عليه».
مسألة 730: لا يُقبل إقرار الوكيل، فلو أقرّ وكيل المدّعي بالقبض،
اشارة

أو الإبراء، أو قبول الحوالة، أو المصالحة على مال، أو بأنّ الحقّ مؤجَّل، أو أنّ البيّنة فسقة، أو قد زوّروا، أو قد أقرّ وكيل المدّعى عليه بالحقّ المدّعى، لم يُقبل، سواء أقرّ في مجلس الحكم أو غيره، عند علمائنا أجمع - و به قال الشافعي و مالك و ابن أبي ليلى و زفر و أحمد(1) - لأنّ الإقرار معنى يقطع الخصومة و ينافيها، فلا يملكه الوكيل فيها، كالإبراء. و لأنّه غير وكيلٍ في الإقرار، فلا يكون نائباً عنه، و إخبار الغير عن حقّ الغير إن كان شهادةً سُمعت، و إلّا فلا، و الإقرار إخبار.

و قال أبو حنيفة و محمّد: يُقبل إقراره إذا كان في مجلس الحكم فيما عدا الحدود و القصاص(2).

و قال أبو يوسف: يُقبل إقراره في مجلس الحكم و غيره؛ لأنّ الإقرار

ص: 120


1- الأُم 232:3، مختصر المزني: 110، الحاوي الكبير 513:6، المهذّب - للشيرازي - 358:1، بحر المذهب 163:8، الوسيط 297:3، الوجيز 192:1، حلية العلماء 121:5، التهذيب - للبغوي - 214:4، الإشراف على مذاهب أهل العلم 1839/453:2، البيان 370:6، العزيز شرح الوجيز 243:5-244، روضة الطالبين 551:3، تحفة الفقهاء 229:3، بدائع الصنائع 24:6، المبسوط - للسرخسي - 4:19، مختصر اختلاف العلماء 1742/69:4، النتف 599:2، الهداية - للمرغيناني - 151:3، الاختيار لتعليل المختار 267:2، المغني 218:5، الشرح الكبير 243:5.
2- تحفة الفقهاء 229:3، بدائع الصنائع 24:6، مختصر اختلاف العلماء 1742/69:4، النتف 599:2، الهداية - للمرغيناني - 150:3، الاختيار لتعليل المختار 267:2، الحاوي الكبير 513:6، بحر المذهب 163:8، الوسيط 297:3، حلية العلماء 121:5، التهذيب - للبغوي - 214:4، الإشراف على مذاهب أهل العلم 1839/453:2، البيان 370:6، العزيز شرح الوجيز 244:5، المغني 218:5، الشرح الكبير 243:5.

أحد جوابي الدعوى، فصحّ من الوكيل في الخصومة، كالإنكار(1).

و الفرق: أنّ الإنكار لا يقطع الخصومة، و لا يسقط حقّ الموكّل منها، بخلاف الإقرار، أ لا ترى أنّه يصحّ منه الإنكار في الحدود و القصاص، و لا يصحّ منه الإقرار، فنحن نقيس على أبي حنيفة على الحدود و القصاص و دعوى النكاح و الطلاق و العفو عن القصاص، فإنّه سلّم أنّه لا يملك الوكيل الإقرار في ذلك كلّه(2) ، فنقيس المتنازع عليه. و لأنّ الوكيل لا يصالح و لا يبرئ، فكذلك الإقرار. و كذا يُنقض عليه بما إذا أقرّ في غير مجلس الحكم لا يلزمه، فكذا في مجلس الحكم. و لأنّ الوكيل لا يملك الإنكار على وجهٍ يمنع الموكّل من الإقرار، فلو مَلَك الإقرار، لامتنع على الموكّل الإنكار، فافترقا.

فروع:
أ - لو وكّله في الإقرار، ففيه خلاف،

و اختار الشيخ جوازه(3).

و لا استبعاد فيه. و يلزم الموكّل ما أقرّ به، فإن كان معلوماً، لزمه ذلك. و إن كان مجهولاً، رجع في تفسيره إلى الموكّل دون الوكيل.

ب - لو أقرّ وكيل المدّعي بالقبض أو الإبراء، لم يلزم إقراره الموكّل على ما قلناه،

لكن ينعزل الوكيل عن الوكالة. و كذا وكيل المدّعى عليه لو أقرّ بالحقّ في ذمّة موكّله، لم يسمع في حقّه، لكن تبطل وكالته بالإنكار؛

ص: 121


1- تحفة الفقهاء 229:3، بدائع الصنائع 24:6، مختصر اختلاف العلماء 1742/69:4، النتف 598:2، الهداية - للمرغيناني - 150:3، الاختيار لتعليل المختار 267:2، الحاوي الكبير 513:6، بحر المذهب 163:8، حلية العلماء 121:5، الإشراف على مذاهب أهل العلم 1839/454:2، البيان 370:6، المغني 218:5، الشرح الكبير 243:5.
2- التهذيب - للبغوي - 214:4، البيان 415:6، العزيز شرح الوجيز 244:5.
3- الخلاف 344:3، المسألة 5 من كتاب الوكالة.

لأنّه بعد الإقرار ظالم في الخصومة بزعمه.

و للشافعيّة وجهان في بطلان وكالته(1).

ج - هل يشترط في التوكيل بالخصومة بيان ما فيه الخصومة من دم أو مال،

أو عين أو دَيْن، أو أرش جناية أو بدل مال ؟ الأقرب عندي: عدم الاشتراط، بل يصحّ التعميم.

و للشافعيّة وجهان(2).

أمّا لو وكّله في خصومةٍ معيّنة و أبهم، لم يصحّ.

د - الأقرب: عدم اشتراط تعيين مَنْ يخاصم معه.

و للشافعيّة وجهان(3).

ه - الأقرب: إنّ الوكيل بالخصومة من جهة المدّعى عليه لا يُقبل منه تعديل بيّنة المدّعي

(2) ؛ لأنّه كالإقرار في كونه قاطعاً للخصومة، و ليس للوكيل قطع الخصومة بالاختيار، و هو قول بعض الشافعيّة(3).

و قال بعضهم: إنّ تعديله وحده لا ينزّل منزلة إقرار الموكّل بعدالتهم، لكن ردّه مطلقاً بعيد؛ لأنّ التعديل غير مستفادٍ من الوكالة، إلّا أن يوجّه بأنّه بالتعديل مقصّرٌ في الوكالة و تاركٌ حقَّ النصح(4).

مسألة 731: لو وكّله في استيفاء حقٍّ له على غيره، فجحده مَنْ عليه الحقّ و أمكن ثبوته عليه، لم يكن للوكيل مخاصمته و لا محاكمته،

و لا يثبت الحقّ عليه؛ لأنّ الإذن إنّما انصرف إلى الاستيفاء، و هذه طُرقٌ إليه مغايرة

ص: 122


1- العزيز شرح الوجيز 244:5، روضة الطالبين 551:3. (2 و 3) العزيز شرح الوجيز 244:5، روضة الطالبين 550:3.
2- في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «من جهة المدّعي لا يقبل... بيّنة المدّعى عليه». و المثبت هو الموافق لما في المصدر من الهامش التالي.
3- العزيز شرح الوجيز 244:5، روضة الطالبين 551:3.
4- الوسيط 298:3، العزيز شرح الوجيز 244:5.

له، فلا يملكها، و قد يرتضى للقبض مَنْ لا يرتضى للخصومة - و هو أصحّ وجهي الشافعيّة، و به قال أبو يوسف و محمّد، و رواه الحسن عن أبي حنيفة(1) - لأنّ الأمين قد لا يُحسن الخصومة، فلا يرتضيه الموكّل في القبض لها.

و الثاني: نعم؛ لأنّه لا يتمكّن من الاستيفاء عند إنكار مَنْ عليه إلّا بالإثبات، فليُمكَّن ممّا يتوسّل به إلى الاستيفاء(2) ، و به قال أبو حنيفة(3).

إذا عرفت هذا، فلا فرق بين أن يكون الموكّل باستيفائه(4) عيناً أو دَيْناً، فإذا وكّله في قبض عينٍ فجحدها مَنْ هي في يده، لم يكن وكيلاً في التثبيت أيضاً، و هو أحد قولَي الشافعيّة(5).

و قال أبو حنيفة: إن كان دَيْناً مَلَك الإثبات، و إن كان عيناً لم يملكه؛ لأنّه وكيل في النقل، فلا يملك الإثبات، كالوكيل في نقل الزوجة(6).ة.

ص: 123


1- المهذّب - للشيرازي - 358:1، بحر المذهب 164:8، حلية العلماء 122:5، البيان 370:6-371، العزيز شرح الوجيز 230:5، روضة الطالبين 541:3، المغني 219:5، الشرح الكبير 244:5، تحفة الفقهاء 229:3، بدائع الصنائع 25:6، المبسوط - للسرخسي - 21:19 و 68، الهداية - للمرغيناني - 150:3، الاختيار لتعليل المختار 265:2.
2- بحر المذهب 164:8، المهذّب - للشيرازي - 358:1، حلية العلماء 122:5، البيان 370:6، العزيز شرح الوجيز 230:5، روضة الطالبين 541:3، المغني 219:5، الشرح الكبير 244:5.
3- بحر المذهب 164:8، البيان 370:6، حلية العلماء 122:5.
4- في «ث، ر»: «بالاستيفاء». و في «ج، خ»: «بالاستيفاء به».
5- نفس المصادر في الهامش (2).
6- تحفة الفقهاء 229:3، بدائع الصنائع 25:6، المبسوط - للسرخسي - 21:19 و 68، الهداية - للمرغيناني - 150:3، الاختيار لتعليل المختار 265:2، العزيز شرح الوجيز 230:5، و في المغني 219:5، و الشرح الكبير 244:5 نسبة ذلك إلى بعض أصحاب أبي حنيفة.

و الحقّ ما قلناه؛ فإنّ القبض في العين كالقبض في الدَّيْن، فإذا جاز له الخصومة في الدَّيْن، جاز له في العين، بخلاف الزوجة؛ لأنّ ذلك ليس بقبضٍ.

مسألة 732: إذا وكّله في تثبيت حقّه على خصمه، لم يكن للوكيل القبضُ
اشارة

- و به قال أحمد(1) - لأنّ القبض لم يتناوله الإذن نطقاً و لا عرفاً؛ إذ ليس كلّ مَنْ يُرتضى للخصومة يُرتضى للقبض، فإنّه قد يكون خائناً.

و للشافعيّة في استيفائه بعد الإثبات طريقان:

أحدهما: إنّ فيه وجهين أيضاً، كالوجهين في أنّ الوكيل بالبيع هل يملك قبض الثمن؛ لأنّه من توابع الإثبات و مقاصده، كقبض الثمن بالإضافة إلى البيع ؟

و أظهرهما: القطع بالمنع؛ لأنّ الاستيفاء يقع بعد الإثبات، فليس ذلك نفس المأذون فيه و لا واسطته، بخلاف العكس [و](2) بخلاف مسألة قبض الثمن؛ لأنّه إذا وكّله بالبيع، أقامه مقام نفسه فيه، و أنّه عقد يتضمّن(3) عُهَداً(4) منها: تسليم المبيع و قبض الثمن، فجاز أن يُمكّن من قضاياه، و أمّا الإثبات فليس فيه ما يتضمّن التزاماً(5).

قال بعض الشافعيّة: الخلاف في الصورة الثانية في الأموال، أمّا القصاص و الحدّ فلا يستوفيهما بحال(6).

ص: 124


1- المغني 218:5، الشرح الكبير 243:5.
2- ما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.
3- في «ث، خ»: «متضمّن».
4- «عُهَد» جمعٌ، واحدته: «عهدة» بمعنى الشرط.
5- العزيز شرح الوجيز 230:5-231.
6- العزيز شرح الوجيز 231:5.

و قال بعضهم: إنّه على الوجهين(1).

و إذا جمعت بين الأمرين: الاستيفاء و الإثبات و قلت: الوكيل بأحدهما هل يملك الثاني ؟ حصل - عند الشافعيّة - في الجواب ثلاثة أوجُه، لكنّ الظاهر عندهم أنّه لا يفيد واحد منهما الثاني(2).

فروع:
أ - الوكيل بالخصومة لا يملك الصلح و لا الإبراء منه،

و لا نعلم فيه خلافاً؛ لأنّ الإذن في الخصومة لا يقتضي شيئاً من ذلك.

ب - قال بعض العامّة: لو كان الموكّل عالماً بجَحْد مَنْ عليه الحقّ، أو مَطْله، كان التوكيل في القبض توكيلاً في الخصومة و التثبيت؛

لعلمه بوقوف القبض عليه(1).

و ليس بشيءٍ؛ لاحتمال أن يرجع الغريم إلى الحقّ، أو يستنيب الموكّل غير وكيل القبض وكيلاً في التثبيت بعد المطالبة و تصريح الجحود.

ج - قد عرفت أنّ الوكيل بالبيع لا يُسلّم المبيعَ قبل أن يقبض الموكّلُ

(2) أو وكيلُه الثمنَ، فإن سلّمه قبله، غرم للموكّل قيمته إن كانت القيمة و الثمن سواءً، أو كان الثمن أكثر. و إن كانت القيمة أكثر بأن باعه بغبنٍ محتمل، غرّمه جميع القيمة.

و يحتمل أن يحطّ قدر الغبن؛ لصحّة البيع بذلك الثمن.

و للشافعيّة وجهان كهذين، أصحّهما عندهم: الأوّل(3).

ص: 125


1- المغني 219:5، الشرح الكبير 244:5.
2- في الطبعة الحجريّة: «المالك» بدل «الموكّل».
3- العزيز شرح الوجيز 231:5، روضة الطالبين 541:3.

و لو باع بغبنٍ فاحشٍ بإذن الموكّل، فقياس الوجه الثاني عندهم: إنّ المالك لا يغرّمه إلّا قدر الثمن، ثمّ لو قبض الوكيل الثمنَ بعد ما غرم، دَفَعه إلى الموكّل، و استردّ الثمن(1).

د - تُقبل شهادة الوكيل مع الشرائط على موكّله مطلقاً،

و تُقبل لموكّله في غير ما هو وكيلٌ فيه، كما لو وكّله في بيع دارٍ فشهد له بعبدٍ.

و لو شهد فيما هو وكيلٌ فيه، فإن كان ذلك قبل العزل، لم تُقبل؛ لأنّه متّهم حيث يجرّ إلى نفسه نفعاً، و هو ثبوت ولاية التصرّف لنفسه.

و إن كان بعد العزل، فإن كان قد خاصم الغريم فيه حالَ وكالته، لم تُقبل أيضاً؛ لأنّه متّهم أيضاً حيث يريد تمشية قوله و إظهار الصدق فيما ادّعاه أوّلاً.

و إن لم يخاصم، سُمعت شهادته عندنا - و به قال أبو حنيفة و الشافعي في أصحّ الوجهين(2) - لأنّه ما انتصب خصماً، و لا يُثبت لنفسه حقّاً، فكان كالأجنبيّ، فأشبه ما لو شهد قبل التوكيل.

و في الثاني للشافعي: لا تُقبل أيضاً، كما لو شهد قبل العزل(3).

و الفرق ظاهر، و هو أنّه قبل العزل يثبت لنفسه محلّ ولاية التصرّف.

و قال الجويني: هذه هي الطريقة المشهورة عند الشافعيّة، و قياس المراوزة أن ينعكس، فيقال: إن لم يخاصم، تُقبل شهادته. و إن كان قد خاصم، فوجهان. و رأى أنّ هذا التفصيل فيما إذا جرى الأمر على التواصل، فأمّا إذا طال الفصل، فالوجه: القطع بقبول الشهادة، مع احتمالٍ فيه(2).

ص: 126


1- العزيز شرح الوجيز 231:5. (2 و 3) بحر المذهب 215:8، البيان 283:13-284، العزيز شرح الوجيز 244:5، روضة الطالبين 551:3.
2- العزيز شرح الوجيز 244:5-245، روضة الطالبين 551:3.
مسألة 733: لو وكّل رجلين بالخصومة و لم يصرّح باستقلال كلّ واحدٍ منهما، لم يستقلّ بها أحدهما،

بل يتشاوران و يتباصران(1) ، و يعضد كلّ واحدٍ منهما صاحبَه، و يُعينه على ما فُوّض إليهما، كما لو وكّل رجلين ببيعٍ أو طلاقٍ أو غيرهما، أو أوصى إلى اثنين، لم يكن لأحدهما الانفراد، و هو أصحّ وجهي(2) الشافعي.

و الثاني: إنّ لكلّ واحدٍ منهما الاستقلال؛ لعسر الاجتماع على الخصومة(3).

و كذا لو وكّل رجلين بحفظ متاعٍ، حفظاه معاً في حرزٍ لهما؛ لأنّ قوله: «افعلا كذا» يقتضي اجتماعهما على فعله، و هو ممّا يمكن، فتعلّق بهما، بخلاف قوله: «بعتكما» حيث كان منقسماً بينهما؛ لأنّه لا يمكن كون الملك لهما على الاجتماع، فانقسم بينهما، و هو أصحّ وجهي الشافعيّة.

و الثاني لهم: إنّه ينفرد به كلّ واحدٍ منهما، فإن قَبِل التقسيم قُسّم ليحفظ كلّ واحدٍ منهما بعضَه(4).

و الحقّ ما قدّمناه؛ لأنّ الأصل عصمة مال المسلم، و منع الغير من التصرّف فيه إلّا بإذنه، فإذا أذن اتّبع حدّ إذنه.

مسألة 734: إذا وكّل اثنين في التصرّف فغاب أحدهما، لم يكن للآخَر أن يتصرّف، و لا للحاكم ضمّ أمينٍ إليه ليتصرّفا؛

لأنّ الموكّل رشيد جائز التصرّف لا ولاية للحاكم عليه، فلا يقيم الحاكم وكيلاً له بغير أمره،

ص: 127


1- في «ث»: «يتناصران».
2- في «ث، خ»: «قولَي» بدل «وجهي».
3- العزيز شرح الوجيز 245:5، روضة الطالبين 551:3.
4- المهذّب - للشيرازي - 358:1، حلية العلماء 120:5، التهذيب - للبغوي - 216:4، العزيز شرح الوجيز 245:5، روضة الطالبين 551:3.

بخلاف ما لو مات أحد الوصيّين حيث قال بعضهم بأنّ الحاكم يضيف إلى الوصي أميناً ليتصرّفا؛ لكون الحاكم له النظر في حقّ الميّت و اليتيم، و لهذا لو لم يوص إلى أحدٍ أقام الحاكم أميناً في النظر لليتيم(1).

فإن حضر أحد الوكيلين و الآخَر غائب و ادّعى الوكالة لهما و أقام البيّنة، سمعها الحاكم، و حَكَم بثبوت الوكالة لهما، و لم يملك الحاضر التصرّف وحده، فإذا حضر الآخَر تصرّفا معاً، و لا يحتاج إلى إعادة البيّنة؛ لأنّ الحاكم سمعها لهما مرّةً.

لا يقال: هذا حكم للغائب.

لأنّا نقول: الأصل الحكم للحاضر، و أمّا الغائب فدخل ضمناً، كما أنّه يحكم للوقف الذي ثبت لمن يخلق بَعْدُ لأجل مَنْ يستحقّه في الحال، فكذا هنا.

و لو جحد الغائب الوكالة أو عزل نفسه، لم يكن للآخَر أن يتصرّف، و لا نعلم فيه خلافاً. و جميع التصرّفات في هذا سواء.

و قال أبو حنيفة: إذا وكّلهما في خصومةٍ، فلكلّ واحدٍ منهما الانفراد بها(2).

و ليس بجيّدٍ؛ لأنّه لم يرض بتصرّف أحدهما، فأشبه البيع و الشراء.

مسألة 735: إذا وكّل الرجل وكيلاً بحضرة الحاكم في خصوماته و استيفاء حقوقه، صحّت الوكالة،

فإذا قدّم الوكيل خصماً لموكّله بعد ذلك إلى الحاكم، حَكَم الحاكم بعلمه عندنا - و هو أحد قولَي الشافعيّة(3) - فيسمع

ص: 128


1- المغني 214:5، الشرح الكبير 220:5.
2- بدائع الصنائع 32:6، الهداية - للمرغيناني - 148:3، الاختيار لتعليل المختار 263:2، الفقه النافع 994/1240:3، المغني 214:5، الشرح الكبير 221:5.
3- مختصر المزني: 302، الأحكام السلطانيّة - للماوردي -: 70، الحاوي الكبير 321:16، الإقناع في الفقه الشافعي: 196، التنبيه: 255، المهذّب - للشيرازي - 304:2، الوسيط 308:7، الوجيز 241:2، حلية العلماء 142:8، التهذيب - للبغوي - 192:8، العزيز شرح الوجيز 486:12، أدب القضاء - لابن أبي الدم -: 94 و 105، روضة الطالبين 141:8، منهاج الطالبين: 339.

الحاكم دعواه على خصم موكّله.

و عند القائلين بأنّ الحاكم لا يحكم بعلمه لا يسمع دعواه حتى يشهد بوكالته شاهدان(1).

و إن كان قد وكّله في غير حضور الحاكم و حضر عند الحاكم و ادّعى وكالة موكِّله و أحضر شاهدين يشهدان له بالوكالة، سمع الحاكم الشهادة بذلك، و به قال مالك و الشافعي(2).

و لو أحضر خصماً و ادّعى عليه الحقَّ لموكّله قبل ثبوت الوكالة، لم يسمع الحاكم دعواه.

و قال أبو حنيفة: لا تُسمع الشهادة على الوكالة، إلّا أن يقدّم خصماً من خصماء الموكّل فيدّعي عليه حقّاً لموكّله، فإذا أجاب المدّعى عليه حينئذٍ يسمع الحاكم البيّنةَ(3).

فحصل الخلاف بيننا و بين أبي حنيفة في فصلين:

أحدهما: إنّ عندنا يسمع الحاكم البيّنةَ من غير خصمٍ، و عنده لا يسمع.

و الثاني: إنّ عندنا لا تُسمع دعواه لموكّله قبل ثبوت وكالته، و عنده5.

ص: 129


1- راجع: المغني و الشرح الكبير 269:5.
2- المغني و الشرح الكبير 270:5، الذخيرة 15:8، الإشراف على نكت مسائل الخلاف 1031/607:2، بحر المذهب 154:8، حلية العلماء 122:5، العزيز شرح الوجيز 245:5، روضة الطالبين 551:3-552.
3- المغني و الشرح الكبير 270:5، بحر المذهب 154:8، العزيز شرح الوجيز 245:5.

تُسمع.

و أبو حنيفة بنى ذلك على أصله، و أنّ القضاء على الغائب لا يجوز، و أنّ سماع البيّنة بالوكالة من غير خصمٍ قضاءٌ على الغائب، و أنّ الوكالة من الحاضر لا تلزم الخصم، فما لم يُجب عن دعوى الوكيل لم يكن رضاً بالوكالة(1).

و الشافعي وافقنا على ما قلناه؛ لأنّه إثبات وكالةٍ، فلم يفتقر إلى حضور الموكّل عليه، كما إذا كان الموكّل [عليه](2) جماعةً فأُحضر واحد منهم، فإنّ الباقين لا يفتقر إلى حضورهم، كذلك هنا الواحد.

و إنّما لم يسمع الحاكم الدعوى قبل ثبوت الوكالة؛ لأنّ الدعوى لا تُسمع إلّا من خصمٍ إمّا عن نفسه أو عن موكّله، و هذا لا يخاصم عن نفسه، و لا يثبت أنّه وكيل لمن يدّعي له، فلا تُسمع دعواه، كما لو ادّعى لمن لم يدّع وكالته.

مسألة 736: إذا ادّعى أنّه وكيل فلان في خصومة فلان، فإن كان المقصود بالخصومة حاضراً و صدّقه، ثبتت الوكالة،

و له مخاصمته على إشكالٍ. و إن كذّبه، أقام البيّنة على الوكالة، فلا يحتاج إلى أن يدّعي حقّاً لموكّله على الخصم، عند علمائنا، و به قال الشافعي(3).

و قال أبو حنيفة: لا تُسمع البيّنة على الوكالة حتى يدّعي عليه حقّاً لموكّله فينكر(4).

ص: 130


1- المغني و الشرح الكبير 270:5.
2- ما بين المعقوفين أثبتناه لأجل السياق.
3- العزيز شرح الوجيز 245:5، روضة الطالبين 551:3.
4- فتاوى قاضيخان - بهامش الفتاوى الهنديّة - 9:3-10، حلية العلماء 122:5، العزيز شرح الوجيز 245:5.

و إن كان غائباً و أقام البيّنةَ على الوكالة، سمعها و أثبتها، و لا يعتبر حضور المقصود بالخصومة في إثبات الوكالة، خلافاً لأبي حنيفة حيث قال:

لا تُسمع البيّنة إلّا في وجه الخصم، بناءً على امتناع القضاء على الغائب(1).

و قد تقدّم(2).

و قال بعض الشافعيّة: لا بدّ و أن ينصب القاضي مسخراً(3) ينوب عن الغائب، ليقيم المدّعي البيّنةَ في وجهه(4). و هو مخالف لباقي الشافعيّة.

ثمّ قال: و قد اصطلح القُضاة على أنّ مَنْ وكّل في مجلس القضاء وكيلاً بالخصومة، يختصّ [التوكيل](5) بالخصومة في ذلك المجلس(6).

قال الجويني: و الذي يعرفه أصحاب الشافعي أنّه يخاصم في ذلك المجلس و بعده، و لا نعرف للقُضاة العرف الذي ادّعاه(7).

مسألة 737: لو وكّل رجلاً عند القاضي بالخصومة عنه و طلب حقوقه، فللوكيل أن يخاصم عنه ما دام حاضراً اعتماداً على العيان.

فإن غاب و أراد الوكيل الخصومة عنه بناءً على اسمٍ و نسبٍ يذكره و لم يكن معروفاً عند الحاكم، فلا بدّ من إقامة البيّنة على أنّ فلان بن فلان وكّله، أو على أنّ الذي وكّله عند الحاكم هو فلان بن فلان.

ص: 131


1- الإشراف على مذاهب أهل العلم 1841/455:2، مختصر اختلاف العلماء 1741/68:4، العزيز شرح الوجيز 245:5، روضة الطالبين 552:3.
2- في ص 129 و 130.
3- السخرة: ما تسخّرت من دابّة أو خادم بلا أجر و لا ثمن. لسان العرب 353:4 «سخر».
4- العزيز شرح الوجيز 245:5، روضة الطالبين 552:3.
5- بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «الوكيل». و المثبت من المصدر. (6 و 7) العزيز شرح الوجيز 245:5، روضة الطالبين 552:3.

و بالجملة، لا بدّ و أن يعرف الموكّل شاهدان يعرفهما القاضي و يوثّقهما إمّا بمعرفته بعدالتهما أو بحضور اثنين يزكّيانهما أو أكثر.

و قال بعض الشافعيّة: إنّ القُضاة عادتهم التساهل في هذه البيّنة بالعدالة الظاهرة، و ترك البحث و الاستزكاء، تسهيلاً على الغرماء(1).

و هو خطأ عندنا.

و قال بعضهم أيضاً: يمكن أن يكتفي بمعرِّفٍ واحد إذا كان موثوقاً به، كما في تعريف المرأة في تحمّل الشهادة عليها يحصل بمعرِّفٍ واحد؛ لأنّه إخبار و ليس بشهادة(2).

و هو خطأ عندنا أيضاً، بل لا بدّ في التعريف من عَدْلين.

مسألة 738: إذا وكّله في شراءٍ فاسد أو عقدٍ باطل، مثل أن يقول:

اشتر لي شيئاً إلى مقدم الحاج،

أو مجيء الغلّة، أو: بِعْ كذلك، لم يملك هذا العقد؛ لأنّ اللّه تعالى لم يأذن في الفاسد، و لأنّ الموكّل لا يملكه فالوكيل أولى.

و لا يملك الصحيح عندنا - و به قال الشافعي و أحمد(1) - لأنّه أذن له في عقدٍ فاسد، فإذا عَقَد صحيحاً، يكون فضوليّاً قد فَعَل غير المأذون فيه.

و لأنّه أذن له في عقدٍ فاسد، فإذا عَقَد صحيحاً، لم يلزم، كما لو أذن له في شراء خمر أو خنزير. و لأنّه أذن له في محرَّمٍ، فيكون الإذن محرّماً، فلا يملك الحلال بهذا الإذن، كما لو أذن له في شراء خمر أو خنزير

ص: 132


1- التنبيه: 109، المهذّب - للشيرازي - 359:1، بحر المذهب 186:8، حلية العلماء 124:5، البيان 374:6، العزيز شرح الوجيز 247:5، روضة الطالبين 553:3، المغني 252:5، الشرح الكبير 240:5.

لم يملك شراء الخَلّ و الغنم.

و قال أبو حنيفة: يملك بذلك الشراءَ الصحيح؛ لأنّ الشراء الفاسد يملك عقده، فإذا عقد له عقداً صحيحاً فقد مَلَكه بما هو أولى(1).

و هو ممنوع، على أنّ البيع الصحيح يملك به، و الفاسد لا يملك بالعقد فيه، و إنّما يملك بالقبض ملكاً غير لازمٍ.

مسألة 739: لو وكّله بالصلح عن الدم على خمرٍ ففَعَل، حصل العفو،

كما لو فَعَله الموكّل بنفسه؛ لأنّ الصلح على الخمر و إن كان فاسداً فيما يتعلّق بالعوض و لكنّه صحيح فيما يتعلّق بالقصاص، فيصحّ التوكيل فيما لو فَعَله الموكّل بنفسه لصحّ، لا أنّا نصحّح التوكيل في العقد الفاسد.

و لو وكّله بالصلح عن القصاص على خمرٍ فصالح على خنزير، فهو لغو، و يبقى القصاص مستحقّاً على ما كان عليه قبل الصلح؛ لأنّه مستبدّ بما فَعَل غير موافقٍ أمرَ الموكّل، و هو أظهر وجهي الشافعيّة.

و الثاني: إنّه كما لو عفا على خمر؛ لأنّ الوكالة بالصلح تامّة، و الخمر لا تثبت و إن ذكرت، و إنّما تثبت الدية، فلا فرق فيما يصحّ و يثبت بين أن يذكر الخمر أو الخنزير. و على هذا لو صالح على ما يصلح عوضاً كالعبد و الثوب، أو على الدية نفسها، يجوز(2).

و لا خلاف بينهم في أنّه لو جرى هذا الاختلاف بين الموجب و القابل في الصلح، يلغو؛ لعدم انتظام الخطاب و الجواب(3).

ص: 133


1- المبسوط - للسرخسي - 56:19، الاختيار لتعليل المختار 262:2، بحر المذهب 186:8، حلية العلماء 125:5، البيان 374:6، العزيز شرح الوجيز 247:5، المغني 252:5، الشرح الكبير 240:5. (2 و 3) العزيز شرح الوجيز 246:5، روضة الطالبين 553:3.

و لو وكّله بأن يخالع زوجته على خمر، فخالَع على خمر أو خنزير، فعند الشافعيّة أنّه على ما تقدّم في الصلح عن الدم(1).

المطلب الثاني: في حكم العهدة.
مقدّمة: قد بيّنّا أنّه يجوز التوكيل بجُعْلٍ و بغير جُعْلٍ،

فإذا وكّله على البيع أو الشراء أو غير ذلك و جَعَل له جُعْلاً، كان للوكيل المطالبة بجُعْله قبل أن يتسلّم الموكّل الثمن أو المثمن؛ لأنّ الأُجرة مستحقّة بالبيع أو الشراء، و ليس التسليم شرطاً في ذلك.

و كذا لو وكّله في حجٍّ أو غيره، استحقّ الأُجرة بنفس العمل.

و إنّما تقف الأُجرة على تسليم المنفعة التي يمكن تسليمها دفعةً واحدة، كالحياكة و الخياطة(2) و الصياغة(3) و أشباه ذلك، فإذا استأجره على نساجة ثوبٍ أو خياطته أو قصارته فإذا سلّمه إلى المستأجر معمولاً، فله الأجر.

و لو كان العمل في دار المستأجر فكلّما عمل شيئاً، وقع مقبوضاً، فيستحقّ الخيّاط الجُعْل إذا فرغ من الخياطة.

أمّا في مسألتنا فقد استحقّ الأُجرة بالبيع، فلا يقف ذلك على تسليم الثمن.

أمّا لو قال: وكّلتك في بيع مالي فإذا سلّمتَ الثمن إلَيَّ فلك كذا و كذا، فإنّه يقف استحقاقه على التسليم؛ لأنّه شرطه في الاستحقاق، بخلاف الأوّل.

ص: 134


1- العزيز شرح الوجيز 246:5، روضة الطالبين 553:3.
2- في «ج، ر»: «كالخياطة و الحياكة».
3- في «ث، ر»: «الصباغة».
مسألة 740: الوكيل أمين و يده يد أمانةٍ لا يضمن ما يتلف في يده،

إلّا بتفريطٍ منه أو تعدٍّ فيه، فإن تلف ما قبضه من الديون أو الأثمان أو الأعيان من الموكّل أو غرمائه، فلا ضمان عليه، سواء كان وكيلاً بجُعْلٍ أو بغير جُعْلٍ. فإن تعدّى فيه - كما لو ركب الدابّة، أو لبس الثوب، أو فرّط في حفظه - ضمن إجماعاً.

و كذا باقي الأمانات، كالوديعة و شبهها.

و بالجملة، الأيدي على ثلاثة أقسام:

يد أمانة، كالوكيل و المستودع و الشريك و عامل المضاربة و الوصي و الحاكم و أمين الحاكم و المرتهن و المستعير على وجهٍ يأتي.

و يد ضامنة، كالغاصب و المستعير على وجهٍ و المساوم و المشتري شراءً فاسداً و السارق.

و يد مختلف فيها، و هو يد الأجير المشترك، كالقصّار و الصائغ و الحائك و الصبّاغ و ما أشبه ذلك.

و فيها للشافعيّة قولان(1).

و عندنا أنّها يد أمانة.

إذا عرفت هذا، فكلّ يد أمانة لا ضمان على صاحبها إلّا بتعدٍّ أو تفريطٍ؛ لأنّه لو كُلّف الضمان لامتنع الناس من الدخول في الأمانات مع الحاجة إليها، فيلحقهم الضرر، فاقتضت الحكمة زوال الضمان عنهم.

ص: 135


1- الحاوي الكبير 501:6، المهذّب - للشيرازي - 415:1، بحر المذهب 152:8، الوجيز 237:1، الوسيط 188:4، حلية العلماء 446:5، التهذيب - للبغوي - 466:4، البيان 411:6، العزيز شرح الوجيز 147:6-148، روضة الطالبين 299:4، المغني 118:6، الشرح الكبير 135:6-136.
مسألة 741: إذا تعدّى الوكيل أو فرَّط - مثل أن يلبس الثوب الذي دفعه الموكّل إليه ليبيعه،
اشارة

أو ركب الدابّة - ضمن إجماعاً، سواء تلفت العين بذلك التصرّف أو بغيره. و لا تبطل وكالته بمجرّد التعدّي، فله بيع الثوب بعد لُبْسه، و الدابّةِ بعد ركوبها - و هو أصحّ وجهي الشافعيّة(1) - لأنّ الوكالة تضمّنت شيئين: الأمانة و الإذن في التصرّف، فإذا تعدّى، زالت الأمانة و بقي الإذن بحاله. و لأنّ الوكالة أمانةٌ و إذنٌ في التصرّف، و الأمانة حكمٌ يترتّب عليه، فلا يلزم من ارتفاع هذا الحكم بطلان أصل العقد، كما أنّ الرهن لمّا كان المقصود منه التوثيق و من حكمه الأمانة، لا يلزم من ارتفاع حكم الأمانة فيه بطلان أصل الرهن، بخلاف الوديعة؛ فإنّها أمانة محضة، فلا يبقى مع التعدّي.

و الثاني: إنّه تبطل الوكالة؛ لأنّها أمانة، فترتفع بالتعدّي، كالوديعة(2).

و قد بيّنّا بطلانه.

فعلى ما اخترناه من صحّة تصرّفه إذا باع و سلَّم العين إلى المشتري، زال الضمان عنه إجماعاً؛ لاستقرار ملك المشتري عليه، و زوال ملك الموكّل عنه، و قد أخرجه من يده بإذن المالك.

فروع:
أ - هل يخرج من الضمان بمجرّد البيع قبل التسليم ؟ الأقرب: عدم الخروج؛

لأنّه ربما يبطل العقد بتلفه قبل قبض المشتري، فيكون التلف على ملك الموكّل، و هو أصحّ وجهي الشافعيّة.

ص: 136


1- المهذّب - للشيرازي - 364:1، بحر المذهب 176:8، الوسيط 305:3، حلية العلماء 153:5-154، البيان 412:6، العزيز شرح الوجيز 249:5، روضة الطالبين 554:3-555، المغني 244:5، الشرح الكبير 214:5.
2- المهذّب - للشيرازي - 364:1، بحر المذهب 176:8، الوسيط 305:3، حلية العلماء 153:5-154، البيان 412:6، العزيز شرح الوجيز 249:5، روضة الطالبين 554:3-555، المغني 244:5، الشرح الكبير 214:5.

و الثاني: إنّه يخرج من ضمان عهدته؛ لزوال ملك الموكّل عنه بالبيع، و دخوله في ملك المشتري و ضمانه(1).

و نحن فيه من المتردّدين.

ب - إذا

ب - إذا(2) باع ما فرّط فيه و قبض الثمن، كان الثمن أمانةً في يده غير مضمونٍ عليه

و إن كان أصله مضموناً؛ لأنّه لم يتعدّ فيه، و قد قبضه بإذن الموكّل، فيخرج عن العهدة.

ج - لو دفع إليه مالاً و وكّله في شراء شيء به، فتعدّى في الثمن، صار ضامناً له،

فإذا اشترى به و سلّم، زال الضمان.

و هل يزول بمجرّد الشراء به ؟ وجهان تقدّما(3).

و إذا قبض المبيع، كان أمانةً في يده.

د - لو تعدّى في العين ثمّ باعها و سلّمها، زال الضمان على ما تقدّم

(4) ، فإذا ردّها المشتري عليه بعيبٍ، عاد الضمان.

مسألة 742: لو دفع إلى وكيله دراهم ليشتري بها طعاماً - مثلاً - فتصرّف فيها على أن تكون قرضاً عليه، صار ضامناً؛

لتعدّيه بالتصرّف، و ليس له أن يشتري للموكّل بدراهم من نفسه و لا في الذمّة، فإن فَعَل و نسب الشراء إلى الموكّل أو نواه، كان فضوليّاً فيه إن أجاز الموكّل صحّ، و إلّا بطل. و إن لم ينوه و لا سمّاه، وقع عنه.

و لو عادت الدراهم التي أنفقها إلى يده فأراد أن يشتري بها للموكّل

ص: 137


1- بحر المذهب 176:8، البيان 412:6، العزيز شرح الوجيز 249:5، روضة الطالبين 555:3.
2- في «ث، ج»: «لو» بدل «إذا».
3- في الفرع «أ».
4- في ص 136، ذيل المسألة 741.

ما أمره، كان له ذلك؛ لأنّ الوكالة لا تبطل بالتعدّي.

و للشافعيّة قولان:

أحدهما كما قلناه.

و الثاني: إنّ الوكيل ينعزل بتعدّيه، فليس له الشراء حينئذٍ، فإذا اشترى شيئاً، لم يكن مضموناً عليه؛ لأنّه لم يتعدّ فيه. و لو ردّ ما اشتراه بعيبٍ و استردّ الثمن، عاد مضموناً عليه(1).

مسألة 743: إذا قبض الوكيل ثمن المبيع فهو أمانة في يده،

و لا يلزمه تسليمه إليه قبل طلبه، و لا يضمنه بتأخيره؛ لأنّه رضي بكونه في يده حيث وكّله في القبض، و لم يرجع عن ذلك، فإن طلبه الموكّل فأخّر ردّه، فإن كان لعذرٍ لم يضمن، و يجب عليه مع أوّل وقت الإمكان و إن لم يجدّد الطلب، فإن أخّر ضمن. و إن كان تأخيره لا لعذرٍ(2) ، كان ضامناً كالمودع، و لا نعلم فيه خلافاً.

مسألة 744: إذا وكّله في الشراء، فإن اشترى ما أمره به على الوجه الذي أمره به، وقع الملك للموكّل،

و انتقل من البائع إلى الموكّل، و لا ينتقل إلى الوكيل بحالٍ عند علمائنا أجمع - و به قال الشافعي في أصحّ قولَيْه، و أحمد(3) - لأنّ الوكيل قَبِل عقداً لغيره، فوجب أن ينتقل الملك إلى ذلك الغير دونه، كالأب و الوصي.

و قال أبو حنيفة: إنّه يقع للوكيل أوّلاً ثمّ ينتقل إلى الموكّل؛ لأنّ

ص: 138


1- العزيز شرح الوجيز 249:5-250، روضة الطالبين 555:3.
2- في «ج، ر»: «لغير عذر» بدل «لا لعذر».
3- بحر المذهب 211:8-212، حلية العلماء 145:5، التهذيب - للبغوي - 216:4، البيان 397:6، العزيز شرح الوجيز 250:5، روضة الطالبين 555:3، بداية المجتهد 303:2، المغني 263:5، الشرح الكبير 237:5.

حقوق العقد تتعلّق بالوكيل؛ بدليل أنّه لو اشتراه بأكثر من ثمنه دخل في ملكه، و لم ينتقل إلى الموكّل(1). و لأنّ الخطاب إنّما جرى مع الوكيل و أحكام العقد تتعلّق به(2).

و نمنع تعلّق حقوق العقد بالوكيل، و الخطاب وقع له على سبيل النيابة للغير.

و ينتقض ما ذكره بشراء الأب للطفل ابتداءً.

ثمّ نقول: لو ثبت الملك للوكيل لكان إذا وكّله في شراء أب الوكيل فاشتراه، وجب أن يعتق عليه؛ لدخوله في ملكه، و ليس كذلك، بل يملكه الموكّل.

و ألزمتُ بعضَ الحنفيّة بذلك، فأجاب بأنّه في الزمن الأوّل يقع للوكيل، و في الزمن الثاني ينتقل إلى الموكّل، فألزمتُه بأنّه بِمَ يرجّح الانتقال في الزمن الثاني إلى الموكّل دون العتق ؟

مسألة 745: إذا وكّل المسلم ذمّيّاً في شراء خمر أو خنزير، فاشتراه له، لم يصح الشراء

عند علمائنا أجمع - و به قال الشافعي و أحمد(3) - لأنّ كلّ ما لا يجوز للمسلم العقد عليه بنفسه لا يجوز أن يوكّل فيه الذمّي، كالعقد على المجوسيّة، و بهذا خالف سائر الأموال.

ص: 139


1- في الطبعة الحجريّة: «إلى ملك الموكّل».
2- بدائع الصنائع 33:6، الهداية - للمرغيناني - 137:3-138، الاختيار لتعليل المختار 254:2، روضة القضاة 3631/645:2 و 3632، بحر المذهب 212:8، حلية العلماء 145:5، البيان 397:6، العزيز شرح الوجيز 250:5، المغني 263:5، الشرح الكبير 237:5.
3- بحر المذهب 201:8، حلية العلماء 146:5، البيان 362:6، المغنى 263:5، الشرح الكبير 237:5.

و قال أبو حنيفة: يصحّ و يقع للمسلم؛ لأنّ الخمر مالٌ للذمّي، لأنّ أهل الذمّة يتموّلونها و يتبايعونها، فصحّ توكيلهم فيها، كسائر أموالهم(1).

و هو باطل؛ فإنّ المسلم لا يصحّ أن يملك الخمر، سواء باشر شراءها بنفسه أو بوكيله، و أيّ سببٍ اقتضى تجويز التمليك إذا اشتراها الذمّيّ؟

و إذا باع الوكيل بثمنٍ معيّن، مَلَك الموكّل الثمنَ دون الوكيل؛ لأنّه بمنزلة المبيع.

و لو كان الثمن في الذمّة، فالملك للموكّل أيضاً، لكن له و للوكيل معاً المطالبة به.

و قال أبو حنيفة: ليس للموكّل المطالبة(2) ، و قد سبق(3).

و أمّا ثمن ما اشتراه إذا كان في الذمّة فإنّه يثبت في ذمّة الموكّل أصلاً.

و إذا علم البائع أنّ الملك للموكّل، لم يكن له مطالبة الوكيل، بل إنّما يطالب الموكّل خاصّةً عندنا.

و قال بعض العامّة: إنّ الثمن يثبت في ذمّة الوكيل تبعاً، و للبائع مطالبة مَنْ شاء منهما، فإن أبرأ الوكيل لم يبرأ الموكّل، و إن أبرأ الموكّل برئ الوكيل أيضاً(4).

و إن دفع الثمن إلى البائع فوجد به عيباً فردّه على الوكيل، كان أمانةً في يده، و هو من ضمان الموكّل.

و لو وكّل رجل غيره حتى يستسلف له ألفاً في كُرّ طعامٍ، ففَعَل، مَلَك5.

ص: 140


1- المبسوط - للسرخسي - 138:13، بحر المذهب 201:8، حلية العلماء 146:5، البيان 362:6، المغني 263:5، الشرح الكبير 237:5.
2- المغني 263:5-264، الشرح الكبير 237:5-238.
3- في ص 138-139، المسألة 744.
4- المغني 264:5، الشرح الكبير 238:5.

الموكّل الثمنَ، و عليه عهدة الطعام، دون الوكيل.

و قال بعض العامّة: يكون الوكيل ضامناً عن موكّله(1).

و ليس بشيء.

مسألة 746: إذا وكّله في عقدٍ كبيعٍ أو شراء، تعلّق أحكام العقد - من رؤية المبيع أو المشترى - بالوكيل دون الموكّل،

حتى تعتبر رؤية الوكيل للمبيع، دون الموكّل، و يلزم العقد بمفارقة الوكيل مجلس العقد، و لا يلزم بمفارقة الموكّل إن كان حاضراً فيه، و تسليم رأس المال في السَّلَم و التقابض حيث يشترط التقابض يعتبران قبل مفارقة الوكيل، و الفسخ بخيار المجلس و الرؤية يثبت للوكيل.

و الأقرب: أنّه يثبت للموكّل.

و قال بعض الشافعيّة: يثبت للوكيل دون الموكّل حتى لو أراد الموكّل الإجازة، كان للوكيل أن يفسخ(2).

و ليس بجيّدٍ.

و فرّقوا بينه و بين خيار العيب حيث قالوا: لا ردّ للوكيل إذا رضي الموكّل(3).

مسألة 747: إذا اشترى الوكيل بثمنٍ معيّن، فإن كان في يده، طالَبه البائع به،

و إلّا طالَب الموكّل؛ لأنّ الملك يقع له.

و إن اشترى في الذمّة، فإن كان الموكّل قد سلّم إليه ما يصرفه إلى الثمن، طالَبه البائع أيضاً.

ص: 141


1- المغني 264:5، الشرح الكبير 238:5.
2- العزيز شرح الوجيز 250:5، روضة الطالبين 555:3.
3- العزيز شرح الوجيز 250:5.

و إن لم يسلّم، فإن أنكر البائع كونه وكيلاً، أو قال: لا أدري هل هو وكيل أم لا، و لا بيّنة، طالَبه.

و إن اعترف بوكالته، فالمطالَب بالثمن الموكّلُ لا غير؛ لوقوع الملك له، و الوكيل سفيرٌ بينهما و مُعبّرٌ(1) للموكّل، فلا يغرم شيئاً، و هو أحد وجوه الشافعيّة.

و الثاني: أنّ البائع مع تصديق الوكالة يطالب الوكيل لا غير؛ لأنّ أحكام العقد تتعلّق به، و الالتزام وُجد منه.

و الثالث: أنّه يطالب مَنْ شاء منهما؛ نظراً إلى المعنيين(2).

و المعتمد: الأوّل.

مسألة 748: قد بيّنّا أنّ المطالبة مع علم البائع بالوكالة إنّما تتوجّه إلى الموكّل.

و قال بعض الشافعيّة: المطالبة للوكيل خاصّةً(3).

فعلى قوله هل للوكيل مطالبة الموكّل قبل أن يغرم ؟ فيه للشافعيّة وجهان؛ لأنّ بعضهم قال: يثبت الثمن للبائع على الوكيل، و للوكيل مثله على الموكّل، بناءً على أنّ الوكيل يثبت الملك له ثمّ ينتقل إلى الموكّل، فعلى هذا للوكيل مطالبته بما ثبت له و إن لم يؤدّ ما عليه.

و قال آخَرون: يُنزّل الوكيل منزلة المحال عليه الذي لا دَيْن عليه، و على هذا ففي رجوعه قبل الغرم وجهان، كالمحال عليه.

و الأصحّ عندهم: المنع.

ص: 142


1- فيما عدا «ج» من النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «معين» بدل «معبّر». و عبّرت عنه: تكلّمت عنه. المحيط في اللغة 35:2 «عبر». (2 و 3) العزيز شرح الوجيز 250:5، روضة الطالبين 556:3.

فإذا غرم الوكيل للبائع، فقياس تنزيله منزلة المحال عليه الذي لا دَيْن عليه الخلافُ المذكور في الحوالة.

و المذهب عندهم: القطع بالرجوع، و إلّا لخرج المبيع [عن](1) أن يكون مملوكاً للموكّل بالعوض، و في ذلك تغيير لوضع العقد(2).

و هذا ساقط عندنا؛ لأنّ البائع يطالب الموكّل خاصّةً.

مسألة 749: على قول القائلين بمطالبة البائع مَنْ شاء من الوكيل أو الموكّل فالوكيل كالضامن،

و الموكّل كالمضمون عنه، فيرجع الوكيل إذا غرم.

و القول في اعتبار شرط الرجوع و في أنّه [هل](3) يطالبه بتخليصه قبل الغرم ؟ كما سبق في الضمان(4).

و قد فرّع ابن سريج على الخلاف في المسألة، فقال: لو سلّم دراهم إلى الوكيل ليصرفها إلى الثمن الملتزم في الذمّة، ففَعَل ثمّ ردّها البائع بعيبٍ، فإن قلنا بأنّ البائع يطالب الموكّل أو يطالب مَنْ شاء، فعلى الوكيل ردّ تلك الدراهم بأعيانها إلى الموكّل، و ليس له إمساكها أو إبدالها.

و إن قلنا: يطالب الوكيل، فله ذلك؛ لأنّ ما دفعه الموكّل إليه على هذا الوجه كأنّه أقرضه منه ليبرئ به ذمّته، فإذا عاد إليه فهو ملكه، و للمقترض إمساك ما استقرضه و ردّ مثله(5).

و اعلم أنّه لا خلاف في أنّ للوكيل أن يرجع على الموكّل في الجملة،

ص: 143


1- ما بين المعقوفين يقتضيه السياق، و كما في «العزيز شرح الوجيز».
2- العزيز شرح الوجيز 251:5، روضة الطالبين 556:3.
3- ما بين المعقوفين يقتضيه السياق.
4- راجع: ج 14، ص 348-349، المسألة 528.
5- العزيز شرح الوجيز 251:5، روضة الطالبين 556:3.

و إنّما الكلام في أنّه متى يرجع ؟ و بأيّ شيء يرجع ؟ و إذا كان كذلك، توجّه أن يكون تسليم الدراهم دفعاً لمئونة التراجع، لا إقراضاً.

مسألة 750: الوكيل بالبيع إذا قبض الثمن إمّا بإذنٍ صريح أو بالإذن في البيع

على رأي جماعةٍ من العامّة(1) و تلف المقبوض في يده ثمّ خرج المبيع مستحقّاً و المشتري معترف بالوكالة، فحقّ رجوعه على الموكّل عندنا؛ لأنّ الوكيل واسطة بينهما.

و قال بعض الشافعيّة: حقّ الرجوع بالثمن يكون على الوكيل؛ لأنّه الذي تولّى القبض، و حصل التلف في يده(2).

و قال بعضهم كما قلناه من أنّه يرجع على الموكّل؛ لأنّ الوكيل سفير، و يده يد موكّله(3).

و قال بعضهم: يرجع على مَنْ شاء(4)، كما تقدّم(1).

فإن قلنا: حقّ الرجوع على الموكّل، فإذا غرم لم يرجع على الوكيل؛ لأنّه أمينه، فلا يضمن.

و قال بعض الشافعيّة: إذا قلنا: إنّ حقّ الرجوع على الموكّل إذا رجع على الموكّل، رجع الموكّل على الوكيل؛ لأنّ التلف في يده.

و هو مسلّم، لكن لا يجب عليه الضمان، كما لو تلف في يد الموكّل؛ لأنّ يد الوكيل في الحقيقة هي يد الموكّل.

و إن جعلنا حقّ الرجوع على الوكيل فغرم، لم يرجع على الموكّل.

و إذا قلنا: يرجع على مَنْ شاء منهما، فثلاثة أوجُهٍ:

أشهرها عندهم: أنّه إن غرم الموكّل لم يرجع على الوكيل، و إن غرم

ص: 144


1- في المسألة السابقة.

الوكيل رجع على الموكّل؛ لأنّ الموكّل قد غرّ الوكيل، و المغرور يرجع على الغارّ، دون العكس.

و الثاني: إنّ واحداً منهما لا يرجع على الآخَر، أمّا الموكّل: فلأنّه غارّ. و أمّا الوكيل: فلحصول التلف في يده.

و الثالث: إنّ الموكّل يرجع على الوكيل، دون العكس؛ لحصول التلف في يد الوكيل.

و الذي يفتى به عندهم من هذه الاختلافات أنّ المشتري يغرم مَنْ شاء منهما و القرار على الموكّل(1).

و أمّا عندنا فمع تصديق الوكالة يرجع على الموكّل خاصّةً، سواء تلف بتفريطٍ من الوكيل أو لا، إلّا أنّه إذا فرّط الوكيل، كان له أن يرجع عليه، و لا يرجع هو على الموكّل؛ لأنّ التلف حصل بتفريطه، فكان ضامناً. و إن رجع على الموكّل، رجع الموكّل على الوكيل.

و إنّما كان له أن يرجع على الموكّل؛ لأنّه سلّط الوكيل على القبض منه.

و إن كان التلف بغير تفريطٍ من الوكيل، لم يضمن، و لا يرجع المشتري عليه بالثمن.

و إن كان جاهلاً بالوكالة، كان له أن يرجع على الوكيل؛ لأنّه القابض.

و لو قامت بيّنة الوكالة، سقط رجوعه عليه، و كان له الرجوع على الموكّل خاصّةً.

و لو اعترف الموكّل بالوكالة، لم يسقط رجوعه على الوكيل؛ لإمكان تواطئهما على إسقاط حقّ المشتري من مطالبة الوكيل، لكن له الرجوع على مَنْ شاء منهما.7.

ص: 145


1- العزيز شرح الوجيز 251:5-252، روضة الطالبين 556:3-557.
مسألة 751: إذا وكّله في شراء عينٍ فاشتراها و قبض الوكيل العينَ و تلفت في يده بغير تفريطٍ

ثمّ ظهر أنّه كان المبيع مستحقّاً لغير البائع، فللمستحقّ مطالبة البائع بقيمة المبيع إن لم يكن مثليّاً، أو كان و تعذَّر المثل، و بالمثل إن كان مثليّاً؛ لأنّه غاصب، و من يده خرج المال.

و للشافعيّة ثلاثة أوجُهٍ:

أحدها: هذا.

و الثاني: يطالب الوكيل.

و الثالث: يطالب مَنْ شاء(1) ، كما سبق في المسألة السابقة.

قال الجويني: الأقيس في المسألتين أنّه لا رجوع له إلّا على الوكيل؛ لحصول التلف عنده. و لأنّه إذا ظهر الاستحقاق، بانَ فساد العقد، و صار الوكيل قابضاً ملكَ الغير بغير حقٍّ. و يجري الخلاف في القرار في هذه الصورة أيضاً(2).

و أمّا نحن فهنا نقول: للمستحقّ مطالبة الوكيل؛ لأنّه قبض ماله.

فإن تلفت بغير تفريطٍ، رجع على الموكّل بما غرمه؛ لأنّه أمينه لا ضمان عليه. و إن رجع على الموكّل، لم يرجع على الوكيل، بل استقرّ الرجوع على الموكّل.

و إن تلفت بتفريطٍ، استقرّ الضمان عليه، فإن رجع عليه لم يرجع هو على موكّله؛ لأنّه ضامن. و إن رجع على الموكّل، رجع الموكّل على الوكيل؛ لأنّه فرّط بالإتلاف.

مسألة 752: إذا وكّله في البيع و أطلق، انصرف إلى البيع بثمن المثل.

ص: 146


1- العزيز شرح الوجيز 252:5، روضة الطالبين 557:3.
2- العزيز شرح الوجيز 252:5، روضة الطالبين 557:3.

و هل يختصّ بالبيع بالعين، أو يشمل بالعين و البيع بثمنٍ في الذمّة ؟ إشكال.

فإن قلنا بالشمول أو أذن فيه فباع بثمنٍ في الذمّة و استوفاه و دَفَعه إلى الموكّل فخرج الثمن مستحقّاً أو معيباً و ردّه، فللموكّل أن يطالب المشتري بالثمن، و له أن يغرّم الوكيل؛ لأنّه صار مسلّماً للمبيع قبل أخذ عوضه.

و فيما يغرم ؟

يحتمل قيمة العين؛ لأنّه فوّت عليه العين.

و الثاني(1): الثمن؛ لأنّ حقّه انتقل من العين إلى الثمن.

فإن قلنا بالأوّل فإن أخذ منه القيمة، طالَب الوكيلُ المشتري بالثمن، فإذا أخذه، دَفَعه [إلى](2) الموكّل، و استردّ القيمة.

مسألة 753: لو

مسألة 753: لو(3) دفع إليه دراهم ليشتري له بعينها عبداً،

فاشترى العبد بالعين(4) و تلفت في يده قبل التسليم، انفسخ البيع، و لا شيء على الوكيل. و لو تلفت قبل الشراء، ارتفعت الوكالة.

و لو قال: اشتر في الذمّة و اصرفها إلى الثمن الملتزم، فتلفت في يد الوكيل بعد الشراء، لم ينفسخ العقد، و كان للبائع مطالبة الموكّل بعوض الثمن التالف إن علم الوكالة، و إلّا طالَب الوكيل، و يرجع الوكيل على الموكّل.

و لا ينقلب الشراء إلى الوكيل عندنا، و لا يلزمه الثمن، و هو أحد

ص: 147


1- أي: الاحتمال الثاني.
2- ما بين المعقوفين يقتضيه السياق.
3- في «ث، ر، خ»: «إذا» بدل «لو».
4- أي: بعين الدراهم.

أقوال الشافعيّة.

و الثاني: إنّ البيع(1) ينقلب إلى الوكيل، و يلزمه الثمن.

و الثالث: أن يعرض الحال على الموكّل، فإن رغب فيه و أتى بمثل تلك الدراهم، فالشراء له، و إلّا وقع للوكيل، و عليه الثمن(2).

و الحقّ ما قدّمناه.

و لو تلفت قبل الشراء، لم ينعزل الوكيل.

و إن اشترى للموكّل، وقع للموكّل، و هو أحد وجهي الشافعيّة.

و الثاني: يقع للوكيل(3).

مسألة 754: لو اشترى الوكيل شراءً فاسداً و قبض المبيع و تلف إمّا في يده أو بعد تسليمه إلى الموكّل، فللمالك مطالبته بالضمان.

و هل يرجع هو على الموكّل ؟ إن كان قد أذن له في الشراء الفاسد، أو علم به و قبضه، كان له مطالبة الموكّل، و إلّا فالأقرب: أنّه لا يطالبه به؛ لأنّه إنّما وكّله في عقدٍ صحيح، فإذا عقد فاسداً فقد فَعَل غير المأمور به، فكان الضمان عليه؛ لأنّ الموكّل لم يأمره بهذا القبض، بل هو قَبَض لنفسه عن الموكّل، و الموكّل لم يأذن فيه، فلا يقع عنه.

و لو أرسل رسولاً ليستقرض له شيئاً، فاستقرض، فهو كوكيل المشتري، و في مطالبته ما في مطالبة وكيل المشتري بالثمن.

و الظاهر عند الشافعيّة أنّه يطالب، ثمّ إذا غرم رجع على الموكّل(4).

ص: 148


1- كذا، و الظاهر: «الشراء» بدل «البيع».
2- العزيز شرح الوجيز 252:5-253، روضة الطالبين 557:3.
3- العزيز شرح الوجيز 253:5، روضة الطالبين 557:3.
4- العزيز شرح الوجيز 253:5، روضة الطالبين 558:3.
المطلب الثالث: في نسبة الوكالة إلى الجواز.
مسألة 755: العقود على أربعة أضرب:
الأوّل: عقدٌ لازمٌ من الطرفين لا ينفسخ بفسخ أحد المتعاقدين،

و هو البيع و الإجارة و الصلح و الخلع و النكاح، و هو أظهر وجهي الشافعيّة(1).

و فيه وجهٌ آخَر: إنّ النكاح غير لازمٍ من جهة الزوج(2).

و القائل الأوّل منهم قال: إنّ الزوج لا يملك فسخه، و إنّما يملك قطعه و إزالة ملكه، كما يملك المشتري عتق العبد المشترى و إزالة ملكه عنه، و لا يمنع ذلك لزومه في حقّه(3).

و أمّا الخلع فإنّ الرجل و المرأة معاً ليس لهما فسخه، بل إذا رجعت المرأة في البذل، كان له الرجوع في النكاح.

الثاني: عقدٌ جائزٌ من الطرفين،

و هي الوكالة و الشركة و المضاربة و الجعالة، فلكلٍّ(1) منهما فسخ العقد في هذه.

الثالث: عقدٌ لازمٌ من أحد الطرفين جائزٌ من الآخَر،

كالرهن؛ فإنّه لازمٌ من جهة الراهن جائزٌ من جهة المرتهن.

و الكتابة عند الشيخ جائزة من جهة العبد؛ لأنّ له أن يعجّز نفسه، و لازمة من جهة المولى(2).

ص: 149


1- في الطبعة الحجريّة: «فلكلّ واحدٍ».
2- الخلاف 18:3، المسألة 21 من كتاب البيوع، المبسوط - للطوسي - 73:6 و 82.
الرابع: المختلف فيه،

و هو السبق و الرمي، إن قلنا: إنّه إجارة، كان لازماً. و إن قلنا: إنّه جعالة، كان جائزاً.

و لا نعلم خلافاً من أحدٍ من العلماء في أنّ الوكالة عقد جائز من الطرفين؛ لأنّه عقد على تصرّفٍ مستقبل ليس من شرطه تقدير عملٍ و لا زمان، فكان جائزاً، كالجعالة. فإن فسخها الوكيل انفسخت، و بطل تصرّفه بعد الفسخ، و إن فسخها الموكّل فكذلك.

و الأصل في ذلك أنّ [في](1) الوكالة قد يبدو للموكّل في الأمر الذي أناب فيه و في نيابة ذلك الشخص، و قد لا يتفرّغ له الوكيل، فالإلزام مضرٌّ بهما جميعاً.

و لا خلاف في أنّ العزل مبطل للوكالة.

مسألة 756: قد بيّنّا أنّ الوكالة جائزة من الطرفين،

و تبطل بعزل الموكّل في حضرته و غيبته إمّا لفظاً بلفظ العزل، كقوله: عزلتك عن الوكالة، أو بلفظٍ يؤدّي معناه، مثل: فسخت الوكالة، أو: أبطلتها، أو:

نقضتها، أو: صرفتك عنها، أو: أزلتك عنها، أو: رفعت الوكالة، أو:

أخرجته عن الوكالة، فينعزل، و يبطل تصرّفه بعد ذلك، سواء ابتدأ بالتوكيل أو وكّل بمسألة الخصم، كما إذا سألت المرأة زوجَها أن يوكّل بالطلاق أو الخلع، أو المرتهنُ الراهنَ أن يوكّل ببيع الرهن، أو الخصمُ الخصمَ أن يوكّل في الخصومة، ففَعَل المسئول، عند علمائنا أجمع - و به قال الشافعي(2) - لأنّ الوكالة استنابة تابعة لاختيار الموكّل، فله العزل متى شاء، كغيرها من الوكالات.

ص: 150


1- ما بين المعقوفين أثبتناه لأجل السياق.
2- بحر المذهب 157:8، التهذيب - للبغوي - 214:4، العزيز شرح الوجيز 253:5-254، روضة الطالبين 558:3.

و قال أبو حنيفة: إذا كان التوكيل بمسألة الخصم، لم ينعزل(1).

و إمّا معنىً، بأن يفعل متعلّق الوكالة.

مسألة 757: إذا عزل الموكّل الوكيلَ في غيبته، قال الشيخ رحمه الله:
اشارة

لأصحابنا روايتان:

إحداهما: إنّه ينعزل في الحال و إن لم يعلم الوكيل بالعزل، و كلّ تصرّفٍ للوكيل بعد ذلك يكون باطلاً.

و الثانية: إنّه لا ينعزل حتى يعلم الوكيل ذلك، و كلّ تصرّفٍ له يكون واقعاً موقعه إلى أن يعلم.

ثمّ استدلّ على صحّة الثاني: بأنّ النهي لا يتعلّق به حكم في حقّ المنهي إلّا بعد حصول العلم به، و لهذا لمّا بلغ أهل قبا أنّ القبلة قد حُوّلت إلى الكعبة و هُمْ في الصلاة داروا و بنوا على صلاتهم، و لم يؤمروا بالإعادة.

قال: و هذا القول أقوى(2).

و قال في النهاية: و مَنْ وكّل وكيلاً و أشهد على وكالته ثمّ أراد عزله، فليشهد على عزله علانيةً بمحضرٍ من الوكيل، أو يُعلمه ذلك، كما أشهد على وكالته، فإذا أعلمه عَزْلَه أو أشهد على عزله إذا لم يمكنه إعلامه، فقد انعزل الوكيل عن وكالته، فكلّ أمر ينفذه بعد ذلك كان باطلاً، و لا يلزم الموكِّل منه قليل و لا كثير. و إن عزله و لم يُشهد على عزله أو لم يُعلمه ذلك مع إمكان ذلك، لم ينعزل الوكيل، و كلّ أمرٍ ينفذه بعد ذلك يكون ماضياً

ص: 151


1- بدائع الصنائع 38:6، الهداية - للمرغيناني - 153:3، النتف 603:2، بحر المذهب 157:8، التهذيب - للبغوي - 214:4، العزيز شرح الوجيز 254:5.
2- الخلاف 342:3-343، المسألة 3 من كتاب الوكالة.

على موكّله إلى أن يعلم بعزله(1).

و قال أبو حنيفة: الوكيل إذا عزل نفسه، لم ينعزل إلّا بحضرة الموكّل.

و أمّا الموكِّل إذا عزله فإنّه لا ينعزل قبل علمه، فإن بلغه العزل من رجلٍ ثقةٍ أو امرأةٍ، انعزل. و إن بلغه من فاسقٍ، لم ينعزل؛ لأنّ الوكيل يتصرّف بإذن الموكّل و أمره، فلا يصحّ أن يردّ أمره بغير حضوره، كالمودع. و كذلك الأمر الشرعي لا يثبت وقوعه في حقّ المأمور قبل علمه، كالفسخ في حقّ المأمورين قبل علمهم، و كذا القاضي لا ينعزل ما لم يبلغه الخبر، و لأنّ تنفيذ العزل قبل بلوغ الخبر إليه يُسقط الثقة بتصرّفه(2).

و للشافعي قولان:

أحدهما: إنّه لا ينعزل بالعزل.

و أصحّهما: الانعزال؛ لأنّه رَفْع عقدٍ لا يحتاج فيه إلى الرضا، فلا يحتاج إلى العلم، كالطلاق، و لأنّه لو جنّ الموكّل أو مات انعزل الوكيل و إن لم يبلغه الخبر(3).

و كذا لو وكّله ببيع عبدٍ أو إعتاقه ثمّ باعه أو أعتقه الموكّل، نفذ تصرّفه، و انعزل الوكيل و إن لم يشعر بالحال ضِمناً، و إذا لم يعتبر بلوغ7.

ص: 152


1- النهاية: 318.
2- الهداية - للمرغيناني - 153:3، بدائع الصنائع 37:6، النتف 602:2، بحر المذهب 157:8، حلية العلماء 154:5 و 156، البيان 408:6، العزيز شرح الوجيز 254:5، المغني 243:5، الشرح الكبير 218:5، الإشراف على نكت مسائل الخلاف 1032/608:2، عيون المجالس 1686:4-1188/1687 و 1189.
3- المهذّب - للشيرازي - 364:1، بحر المذهب 156:8 و 157، الوجيز 193:1، الوسيط 305:3، حلية العلماء 154:5، التهذيب - للبغوي - 213:4، البيان 408:6، العزيز شرح الوجيز 254:5، روضة الطالبين 558:3، منهاج الطالبين: 137.

الخبر في العزل الضمني، ففي صريح العزل أولى. و لأنّه رَفْعُ عقدٍ، فلا يفتقر إلى حضور مَنْ لا يفتقر إلى رضاه، كالنكاح.

و إن علّلتَ بعزل الموكّل، قلتُ: فِلمَ يفتقر إلى علم مَنْ لا يفتقر إلى حضوره ؟

و أمّا الوديعة: فمن الشافعيّة مَنْ يقول: لا تنفسخ إلّا بالردّ؛ لأنّ الأمانة باقية ما لم تُردّ أو يُتعدّى، فإذَنْ لم يقف على العلم.

و منهم مَنْ يقول: إنّها تنفسخ إذا علم أنّ الوديعة ليس فيها إلّا الاستئمان و الاستحفاظ، و إنّما يلزمه الردّ إذا علم، و ليس كذلك في مسألتنا؛ فإنّ فيه تصرّفاً بالرجوع ليمنع صحّة التصرّف، فلهذا أراد الرجوع من غير علم الوكيل. و أمّا النسخ: ففيه لهم وجهان، على أنّهما يفترقان؛ لأنّ أمر الشريعة يتضمّن تركه المعصية، فلا يجوز أن يكون عاصياً من غير علمه، و هنا يتضمّن إبطال التصرّف، و هذا لا يمنع منه عدم العلم.

و أيضاً لا فرق بين النسخ و ما نحن فيه؛ لأنّ حكم النسخ إمّا إيجاب امتثال الأمر الثاني، و إمّا إخراج الأوّل عن الاعتداد به، فما يرجع إلى الإيجاب و الإلزام لا يثبت قبل العلم؛ لاستحالة التكليف بغير المعلوم، و هذا النوع لا يثبت في الوكالة أصلاً و رأساً؛ لأنّ أمر الموكّل غير واجب الامتثال.

و أمّا النوع الثاني فهو ثابت هناك أيضاً قبل العلم حتى يلزمه القضاء، و لا تبرأ ذمّته بالأوّل(1).

و أمّا انعزال القاضي: فمنهم مَنْ طرّد الخلاف فيه. و على التسليم - و هو الظاهر من مذهبهم - فالفرق: تعلّق المصالح الكلّيّة بعمله(2).5.

ص: 153


1- راجع: بحر المذهب 157:8، و العزيز شرح الوجيز 254:5.
2- العزيز شرح الوجيز 254:5.

و عن أحمد روايتان(1) ، كقولَي الشافعي، و كذا عن أصحاب مالك قولان(2).

و الشيخ رحمه الله استدلّ على عدم العزل قبل العلم: بما رواه جابر بن يزيد و معاوية بن وهب عن الصادق عليه السلام قال: «مَنْ وكّل رجلاً على إمضاء أمر من الأُمور فالوكالة ثابتة أبداً حتى يُعلمه بالخروج منها كما أعلمه بالدخول فيها»(3).

و في طريقها عمرو بن شمر، و هو ضعيف.

و في الصحيح عن هشام بن سالم عن الصادق عليه السلام: عن رجلٍ وكّل آخَر على وكالة في إمضاء أمرٍ من الأُمور و أَشهد له بذلك شاهدين، فقام الوكيل فخرج لإمضاء الأمر، فقال: اشهدوا أنّي قد عزلت فلاناً عن الوكالة، فقال: «إن كان الوكيل قد أمضى الأمر الذي وُكّل عليه قبل أن يعزل عن الوكالة فإنّ الأمر واقع ماضٍ على ما أمضاه الوكيل، كره الموكّل أم رضي» قلت: فإنّ الوكيل أمضى الأمر قبل أن يعلم العزل أو يبلغه أنّه قد عُزل عن الوكالة فالأمر ماضٍ على ما أمضاه ؟ قال: «نعم» قلت له: فإن بلغه العزل قبل أن يمضي الأمر ثمّ ذهب حتى أمضاه لم يكن ذلك بشيء؟ قال: «نعم، إنّ الوكيل إذا وُكّل ثمّ قام عن المجلس فأمره ماضٍ أبداً، و الوكالة ثابتة حتى يبلغه العزل عن الوكالة بثقة أو يشافهه بالعزل عن الوكالة»(4).

و عن العلاء بن سيابة عن الصادق عليه السلام في حديثٍ: «إنّ عليّاً عليه السلام أتته امرأة مستعدية على أخيها، فقالت: يا أمير المؤمنين وكّلتُ أخي هذا6.

ص: 154


1- العزيز شرح الوجيز 254:5.
2- العزيز شرح الوجيز 254:5.
3- التهذيب 502/213:6.
4- التهذيب 503/213:6.

بأن يزوّجني رجلاً فأشهدت له ثمّ عزلته من ساعته تلك، فذهب و زوّجني ولي بيّنة إنّي قد عزلته قبل أن يزوّجني، فأقامت البيّنة، و قال الأخ:

يا أمير المؤمنين إنّها وكّلتْني و لم تُعلِمْني بأنّها عزلتْني عن الوكالة حتى زوّجتها كما أمرَتْني، فقال لها: ما تقولين ؟ فقالت: قد أعلمتُه يا أمير المؤمنين، فقال لها: لكِ بيّنة بذلك ؟ فقالت: هؤلاء شهودي يشهدون بأنّي قد عزلتُه، فقال أمير المؤمنين عليه السلام: كيف تشهدون ؟ قالوا: نشهد أنّها قالت: اشهدوا أنّي قد عزلتُ أخي فلاناً عن الوكالة بتزويجي فلاناً، و أنّي مالكة لأمري من قبل أن يزوّجني فلاناً، فقال: أ شهدَتْكم على ذلك بعلمٍ منه و محضر؟ قالوا: لا، قال: أ فتشهدون أنّها أعلَمَتْه العزل كما أعلَمَتْه الوكالة ؟ قالوا: لا، قال: أرى الوكالة ثابتة و النكاح واقع، أين الزوج ؟ فجاء فقال خُذْ بيدها بارك اللّه لك فيها، فقالت: يا أمير المؤمنين احلفه أنّي لم أُعلِمْه العزل و أنّه لم يعلم بعزلي إيّاه قبل النكاح، قال: و تحلف ؟ قال:

نعم يا أمير المؤمنين، فحلف و أثبت وكالته و أجاز النكاح»(1).

و هذه الرواية تدلّ على أنّه لا عبرة بالشهادة و قول العزل إن لم يعلم الوكيل، و لا بأس به عندي.

تذنيب: إذا قلنا بعدم العزل قبل بلوغ الخبر إليه، فالمعتبر إخبار مَنْ يُقبل قوله من شهود العدالة،

دون الصبي و الفاسق. فإذا قلنا بالانعزال، فينبغي أن يشهد الموكّل على العزل؛ لأنّ قوله بعد تصرّف الوكيل: «كنتُ قد عزلتُه» غير مقبولٍ.

مسألة 758: إذا قال الوكيل: عزلتُ نفسي، أو: أخرجتُها عن الوكالة، أو: رددت الوكالة، انعزل.

و قال بعض الشافعيّة: إن كانت صيغة الموكّل «بِع» و «اعتق» و نحوهما

ص: 155


1- التهذيب 214:6-506/215.

من صِيَغ الأمر، لم ينعزل بردّ الوكالة و عَزْله نفسَه؛ لأنّ ذلك إذن و إباحة، فأشبه ما إذا أباح الطعام لغيره، لا يرتدّ بردّ المباح له(1).

و لا يُشترط في انعزال الوكيل بعزله نفسَه حضورُ الموكّل، و به قال الشافعي(2).

و قال أبو حنيفة: يُشترط حضور الموكّل، فإن عزل نفسه بغير حضور الموكّل، لم ينعزل(3). و قد سبق(4).

إذا عرفت هذا، فإن عزل نفسه ثمّ تصرّف، كان فضوليّاً، سواء كان الموكّل حاضراً أو غائباً.

و يحتمل مع الغيبة الصحّة؛ عملاً بالإذن العامّ الذي تضمّنته الوكالة.

و كذا مع الحضور و عدم الرضا بعزله.

مسألة 759: متى خرج الوكيل أو الموكّل عن أهليّة التصرّف بموتٍ أو جنونٍ أو إغماءٍ، بطلت الوكالة،

سواء كان العارض للوكيل أو للموكّل.

و في الجنون إذا كان ممّا يطرأ و يزول على قُربٍ لبعض الشافعيّة تردّد.

و موضع التردّد ما إذا كان امتداده بحيث لا تعطل المهمّات و يحوج إلى نصب قُوّامٍ، فيلتحق حينئذٍ بالإغماء في وجهٍ(5).

ص: 156


1- العزيز شرح الوجيز 254:5، روضة الطالبين 558:3.
2- حلية العلماء 155:5، العزيز شرح الوجيز 254:5-255، روضة الطالبين 558:3، عيون المجالس 1686:4-1188/1687.
3- عيون المجالس 1188/1687:4، حلية العلماء 156:5، العزيز شرح الوجيز 255:5، المغني 243:5، الشرح الكبير 218:5.
4- في ص 152.
5- العزيز شرح الوجيز 255:5، روضة الطالبين 558:3-559.

و في الإغماء لهم وجهان:

أظهرهما عندهم: إنّه كالجنون في اقتضاء الانعزال.

و الثاني - و هو الأظهر عند الجويني -: إنّه لا يقتضي الانعزال؛ لأنّ المغمى عليه لا يلتحق بمن يُولّى عليه، و المعتبر في الانعزال التحاق الوكيل أو الموكّل بمن يولّى عليه(1).

مسألة 760: و المحجور عليه لسفهٍ أو فلسٍ في كلّ تصرّفٍ لا ينفذ من السفيه و المفلس كالمجنون؛

لأنّه لا يملك التصرّف، فلا يملكه غيره من جهته.

و لا فرق في ذلك بين أن يحجر عليه قبل التوكيل أو بعده، فإن سبقت الوكالة الحجر، بطلت. و كذا إن كان الحجر سابقاً، لم تقع صحيحةً.

و لو وكّل أحدهما فيما لَه التصرّف فيه، صحّ؛ لأنّه مكلَّف، و لم يخرج عن أهليّة التصرّف فيه.

و لو تجدّد الرقّ بأن كان حربيّاً فاستُرقّ، بطلت وكالته السابقة إن كان هو الموكّل، فلو كان هو الوكيلَ، كان بمنزلة توكيل عبد الغير يشترط رضا المولى إن منعت الوكالة شيئاً من حقوقه.

و لو حُجر على الوكيل لفلسٍ، لم تبطل الوكالة، سواء تعلّقت بأعيان الأموال أو لا؛ لأنّه بفقره لم يخرج عن أهليّة التصرّف.

و لو حُجر على الموكّل و كانت الوكالة في أعيان ماله، بطلت؛ لانقطاع تصرّفه في أعيان أمواله. و إن كانت في الخصومة أو الشراء في الذمّة أو الطلاق أو الخلع أو القصاص، فالوكالة بحالها؛ لأنّ الموكّل أهلٌ لذلك

ص: 157


1- العزيز شرح الوجيز 255:5، روضة الطالبين 559:3.

مباشرةً، فله أن يستنيب فيه ابتداءً؛ للأصل السالم عن المعارض، و لا تنقطع الاستدامة.

مسألة 761: لو فسق الوكيل، لم ينعزل عن الوكالة إجماعاً؛

لأنّه من أهل التصرّف، إلّا أن تكون الوكالة [فيما ينافيه](1) الفسق، كالإيجاب في عقد النكاح عند العامّة، فإنّه ينعزل عندهم بمجرّد فسقه أو فسق موكّله؛ لخروجه عن أهليّة التصرّف فيه عندهم(2).

و عندنا لا يخرج بالفسق أيضاً؛ إذ لا تُشترط العدالة في وليّ النكاح.

و أمّا في القبول: فلو فسق الموكّل فيه، لم ينعزل وكيله بفسقه؛ لأنّه لا ينافي جواز قبوله.

و هل ينعزل الوكيل بفسق نفسه ؟ فيه للعامّة وجهان(3).

و لو كان وكيلاً فيما تُشترط فيه الأمانة - كوكيل وليّ اليتيم و وليّ الوقف على المساكين و نحوه - انعزل بفسقه و فسق موكّله؛ لخروجهما بذلك عن أهليّة التصرّف.

و إن كان وكيلاً لوكيل مَنْ يتصرّف في مال نفسه، انعزل بفسقه؛ لأنّه ليس للوكيل أن يوكّل فاسقاً. و لا ينعزل بفسق موكّله؛ لأنّه وكيل لربّ المال، و لا ينافيه الفسق.

و لا تبطل الوكالة بالنوم و السكر؛ لأنّ [هذين عذران يمكن زوالهما بسهولة و سرعة، و لا تثبت عليه ولاية، و لا يخرج بهما](2) عن أهليّة

ص: 158


1- بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّية و الحجريّة: «ممّا تنافي». و الظاهر أنّ الصحيح ما أثبتناه. (2 و 3) المغني 244:5، الشرح الكبير 213:5.
2- بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «هذه أعذار... زوالها... لا يخرج بها». و المثبت هو الصحيح.

التصرّف، إلّا أن [يحصل](1) الفسق بالسكر، فتبطل فيما شُرط فيه العدالة.

مسألة 762: إذا فَعَل الموكّل متعلَّقَ الوكالة، أو تلف المتعلَّق، بطلت الوكالة،

كما لو وكّل غيره في بيع عبدٍ ثمّ باعه الموكّل، أو مات العبد، بطلت الوكالة؛ إذ لا متعلَّق لها حينئذٍ، و قد ذهب محلّها.

هذا إذا باعه الموكّل بيعاً صحيحاً، و لو باعه بيعاً فاسداً، احتُمل البطلان أيضاً؛ إذ شروعه في البيع رغبة عن الوكالة.

و قال ابن المنذر: لا تبطل الوكالة؛ لبقاء ملكه في العبد(2).

و لو دفع إليه ديناراً و وكّله في الشراء بعينه، فهلك أو ضاع أو استقرضه الوكيل و تصرّف فيه، بطلت الوكالة أيضاً.

و لو وكّله في الشراء مطلقاً و نقد الدينار عن الثمن، بطلت أيضاً إذا تلف ذلك الدينار؛ لأنّه إنّما وكّله في الشراء، و معناه أن ينقد ثمن ذلك المبيع إمّا قبل الشراء أو بعده، و قد تعذّر ذلك بتلفه. و لأنّه لو صحّ شراؤه للزم الموكّل ثمن لم يلزمه و لا رضي بلزومه.

و إذا استقرضه الوكيل ثمّ عزل ديناراً عوضه و اشترى به، فهو كالشراء له من غير إذنٍ؛ لأنّ الوكالة بطلت، و الدينار الذي عزله عوضاً لا يصير للموكّل حتى يقبضه، فإذا اشترى للموكّل، وقف على إجازته، فإن أجازه صحّ، و لزم الثمن، و إلّا لزم الوكيل، إلّا أن يُسمّيه في العقد.

ص: 159


1- بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «يجعل». و الصحيح ما أثبتناه.
2- الإشراف على مذاهب أهل العلم 1900/473:2، المغني 248:5، الشرح الكبير 219:5.

و قال بعض العامّة: إذا اشترى بعين ماله لغيره شيئاً، فالشراء باطل؛ لأنّه لا يصحّ أن يشتري الإنسان بعين ماله ما يملكه غيره بذلك العقد(1).

و قال أصحاب الشافعي: إذا اشترى لغيره بمال نفسه، صحّ الشراء للوكيل، سواء اشتراه بعين المال أو في الذمّة(2).

و الوجه: المنع؛ لأنّه اشترى له ما لم يأذن له في شرائه، فأشبه ما لو اشتراه في الذمّة.

مسألة 763: لو وكّله في بيع عبدٍ أو جاريةٍ ثمّ أعتقه قبل البيع، بطلت الوكالة؛

لأنّ ذلك هلاك للماليّة، فأشبه هلاك العين.

و لو آجره الموكّل، فالوجه: بطلان الوكالة أيضاً - و به قال بعض الشافعيّة(1) - لأنّ الإجارة إن منعت البيع، لم يبق الوكيل مالكاً للتصرّف، و لا الموكّل أيضاً. و إن لم تمنعه، فهي علامة الندم؛ لأنّ مَنْ يريد البيع لا يؤاجر؛ لقلّة الرغبات فيه بسبب الإجارة.

و كذا تزويج الجارية.

و يحتمل [عدم](2) بطلان الوكالة.

و لو كاتبه أو دبّره، انفسخت الوكالة؛ لأنّه يعطي رجوعه عن إذن إخراجه عن ملكه. و لأنّ الكتابة تقطع تصرّف المولى فيه، فلم يُبق محلّاً للبيع.

و في طحن الحنطة الموكّل ببيعها للشافعيّة وجهان:

أحدهما: الانعزال؛ لبطلان اسم الحنطة، و إشعاره بالإمساك.

ص: 160


1- العزيز شرح الوجيز 255:5، روضة الطالبين 559:3.
2- ما بين المعقوفين يقتضيه السياق.

و الثاني: العدم؛ عملاً بالاستصحاب، و بقاء العين صالحةً للنقل(1).

هذا إذا عيّن و قال له: «بِعْ هذه الحنطة» و لو أطلق فقال له: «بِعْ حنطةً» ثمّ طحن غلّته، لم تبطل وكالته.

و لو عرض السلعة الموكّل(2) ببيعها على البيع، لم يكن عزلاً لوكيله(3) عن بيعها؛ لجواز طلب التساعد في الأغراض(4).

و كذا لو وكّل وكيلاً آخَر، لم ينعزل الأوّل؛ لجواز طلب المساعدة و الاعتضاد.

مسألة 764: إذا وكّل السيّد عبدَه في بيعٍ أو شراءٍ أو غيرهما من التصرّفات ثمّ أعتقه أو باعه،

فإن قلنا: إنّ توكيله لعبده توكيلٌ حقيقيٌّ، لم ينعزل بالبيع و لا بالعتق، و بقي الإذن بحاله؛ عملاً بالاستصحاب. و لأنّه بعد العتق صار أكمل حالاً ممّا كان عليه أوّلاً.

و إن قلنا: إنّه ليس بتوكيلٍ حقيقيٍّ و لكنّه استخدام و أمر، ارتفع الإذن؛ لزوال الملك، لأنّه إنّما استخدمه و أمره بحقّ الملك و قد زال بالبيع و العتق.

و إذا باعه، فقد صار إلى ملك مَنْ لم يكن في توكيله، و ثبوت ملك غيره فيه يمنع ابتداء توكيله بغير إذنه، فيقطع استدامته.

و على تقدير ارتفاع الوكالة بالعتق أو البيع لو قال العبد: عزلت نفسي، فهو لغو.

ص: 161


1- العزيز شرح الوجيز 255:5، روضة الطالبين 559:3.
2- في الطبعة الحجريّة: «المأمور» بدل «الموكّل».
3- في «ر، ث، خ»: «للوكيل».
4- في «خ» و الطبعة الحجريّة: «الاعراض».

و فصَّل بعض الفقهاء فقال: إن كانت الصيغة: «وكّلتُك بكذا» بقي الإذن. و إن أمره به، ارتفع الإذن بالعتق و البيع. و إذا حكمنا ببقاء الإذن في صورة البيع، فعليه استئذان المشتري؛ لأنّ منافعه صارت مستحقّةً له(1).

و الكتابة كالبيع و الإعتاق في جريان الوجهين.

مسألة 765: لو وكّل عبد غيره في بيع شيءٍ أو شرائه أو غير ذلك من التصرّفات، افتقر إلى إذن المالك.

فلو وكّله بإذنه ثمّ باع المالك عبده، ففي ارتفاع الوكالة أيضاً وجهان: أحدهما: الارتفاع؛ لبطلان إذنه بزوال ملكه.

و [ثانيهما] عدمه؛ لأنّ سيّد العبد أذن له في بيع ماله.

و كذا لو أعتق سيّدُ العبدِ عبدَه، لم تبطل الوكالة(2) هنا قطعاً؛ لأنّ توكيل عبد الغير توكيلٌ حقيقيٌّ ليس استخداماً و لا أمراً.

و هكذا إن باعه، لكن يعتبر رضا المشتري.

و على الموكّل أن يستأذن المشتري، سواء كان الوكيل عبده أو عبد الغير؛ لأنّ منافعه صارت مستحقّةً له، فإن رضي ببقاء الوكالة بقيت، و إلّا بطلت.

و لو لم يستأذن - في الصورتين - المشتري، نفذ تصرّفه؛ لدوام الإذن و إن ترك واجباً.

قال الجويني: و فيه احتمال(3).

مسألة 766: لو وكّل زوجته في بيعٍ أو شراءٍ أو غيرهما من التصرّفات، صحّ التوكيل.

فإن طلّقها، لم تبطل الوكالة؛ لأنّ زوال النكاح

ص: 162


1- العزيز شرح الوجيز 255:5.
2- في النسخ الخطّيّة: «وكالته».
3- العزيز شرح الوجيز 256:5، روضة الطالبين 559:3.

لا يمنع ابتداء الوكالة فلا يقطع استدامتها.

و لو وكّل رجلاً في نقل امرأته أو بيع عبده أو قبض داره من فلان، فقامت البيّنة بطلاق الزوجة و عتق العبد و انتقال الدار عن الموكّل، بطلت الوكالة؛ لأنّه زال تصرّف الموكّل فزالت وكالته.

مسألة 767: لو وكّله في قبض دَيْنه من رجلٍ فمات، نُظر في لفظ الموكّل،

فإن قال: «اقبض حقّي من فلان» بطلت الوكالة، و لم يكن له القبض من وارثه؛ لأنّه لم يؤمر بذلك، و إنّما وكّله في قبضٍ مبدؤه من المديون و قد مات.

و إن قال: «اقبض حقّي الذي على فلان» أو «الذي في قِبَل فلان» فله مطالبة وارثه، و القبض منه؛ لأنّ قبضه من الوارث قبضٌ للحقّ الذي على مورّثه، و إذا قبض من الوارث لم يكن قبضاً من فلان.

لا يقال: لو قال له: «اقبض حقّي من زيدٍ» فوكّل زيد إنساناً في الدفع إليه، كان له القبض منه، فكذا ينبغي أن يقبض من الوارث؛ لأنّ الوارث نائب الموروث، كما أنّ الوكيل نائب الموكّل.

لأنّا نقول: الوكيل إذا دفع عنه بإذنه، جرى مجرى تسليمه؛ لأنّه أقامه مقام نفسه، و ليس كذلك هنا؛ فإنّ الحقّ انتقل إلى الورثة، فاستحقّت المطالبة عليهم لا بطريق النيابة عن الموروث، و لهذا لو حلف: لا يفعل شيئاً، حنث بفعل وكيله، و لا يحنث بفعل وارثه.

مسألة 768: إذا وقعت الوكالة مطلقةً غير مؤقّتة، مَلَك الوكيل التصرّفَ أبداً

ما لم يفسخ الوكالة بقوله: فسخت الوكالة، أو: أبطلتها، أو: نقضتها، أو: عزلتك، أو: صرفتك عنها، أو: أزلتك عنها، أو نهاه عن فعل ما أمره به و وكّله فيه، و ما أشبه ذلك من ألفاظ العزل أو المؤدّية معناه، أو يعزل

ص: 163

الوكيل نفسه، أو يوجد من أحدهما ما يقتضي فسخ الوكالة.

فإذا وكّله في طلاق زوجته ثمّ وطئها، احتُمل بطلان الوكالة؛ لدلالة وطئه لها على رغبته فيها و اختيار إمساكها.

و كذلك لو وطئها بعد طلاقها رجعيّاً، كان ذلك ارتجاعاً لها، فإذا اقتضى الوطء رجعتها بعد طلاقها فلأن يقتضي استبقاءها على زوجيّتها و منع طلاقها أولى.

و إن باشرها دون الفرج أو قبَّلها أو فَعَل بها ما يحرم على غير الزوج، فهل تنفسخ الوكالة في الطلاق ؟ إشكال ينشأ: من حصول الرجعة به، و عدمه.

مسألة 769: لو جحد الموكّل الوكالةَ، ففي كونه عزلاً للوكيل إشكال
اشارة

ينشأ: من استصحاب الحال و عدم التصريح بالعزل، و من حكمه بارتفاع الوكالة و بطلانها من أصلها.

و لو جحد الوكيل الوكالةَ و أنكرها، ففي كونه ردّاً للوكالة إشكال، أقربه: أن نقول: إن كان هذا الإنكار لنسيانٍ أو لغرضٍ في الإخفاء، لم يكن ردّاً. و إن تعمّد و لا غرض له في الإخفاء، فالأقرب: أنّه ردٌّ.

تنبيه: كون الوكالة جائزةً حكمٌ سارٍ في الوكالة بجُعْل و غير جُعْل.

و قال بعض الشافعيّة: إذا شُرط فيها جُعْلٌ معلوم و اجتمعت شرائط الإجارة و عقد العقد بصيغة الإجارة، فهو لازم. و إن عقد بلفظ الوكالة، أمكن تخريجه على أنّ الاعتبار بصِيَغ العقود أو بمعانيها؟(1).

و نحن لا ننازع في كون الإجارة لازمةً.

ص: 164


1- العزيز شرح الوجيز 256:5، روضة الطالبين 560:3.
مسألة 770: لو وكّله في البيع و أمره بشرط الخيار فشرطه ثمّ ردّه المشتري بالخيار،

أو البائع، أو ظهر فيه عيب فردّه المشتري به، أو ظهر في الثمن المعيّن عيب فردّه البائع، انفسخ البيع، و لم يكن للوكيل بيعه ثانياً، عند علمائنا - و به قال الشافعي(1) - لأنّ الوكيل فَعَل متعلَّق الوكالة، فارتفعت وكالته. و لأنّه لو بقي وكيلاً فإمّا أن يكون في البيع الأوّل، و هو محال؛ لاستحالة تحصيل الحاصل، أو في البيع ثانياً، و وكالته لم تتعلّق إلّا ببيعٍ واحد.

و قال أبو حنيفة: لا ترتفع وكالته، و يكون له البيع ثانياً(2).

و ليس بجيّدٍ.

مسألة 771: إذا وكّله في بيع نصيبه من دارٍ، أو في قسمته مع شركائه، أو في أخذه بالشفعة، فأنكر الخصم ملكيّة الموكّل، لم يملك التثبيت

على ما قدّمناه في نظائره، و هو أحد وجهي الشافعيّة. و في الثاني:

يملك(3).

و قال أبو حنيفة: إذا وكّله في القسمة أو طلب الشفعة، كان وكيلاً في تثبيت ذلك؛ لأنّه لا يتوصّل إلى ذلك إلّا بإثبات الملك فيه(4).

و الحقّ ما قلناه؛ لأنّه قد يرتضى للإثبات مَنْ لا يرتضى للمطالبة، و بالعكس.

ص: 165


1- العزيز شرح الوجيز 256:5، روضة الطالبين 560:3.
2- العزيز شرح الوجيز 256:5.
3- الحاوي الكبير 501:6، بحر المذهب 201:8، البيان 371:6، العزيز شرح الوجيز 256:5، روضة الطالبين 560:3، المغني 220:5.
4- بدائع الصنائع 25:6، بحر المذهب 201:8، المغني 220:5.

و قال بعض الشافعيّة: لا يملك التثبيت قولاً واحداً(1).

مسألة 772: لو قال له: بِعْ كذا، و اشترط الخيارَ لي أو للمشتري، أو لنا معاً،

أو اشتر كذا، و اشترِط الخيارَ كذلك، لم يملك البيع المنجّز.

و لو أمره بالبيع و أطلق، لم يكن للوكيل شرط الخيار للمشتري.

و كذا لو وكّله بالشراء، لم يكن له شرط الخيار للبائع.

و الأقرب: أنّهما يملكان شرطَ الخيار لأنفسهما و لموكّليهما.

و للشافعيّة وجهان، أحدهما: المنع؛ لأنّ إطلاق العقد يقتضي عقداً بلا شرط(2).

و الوجه: ما تقدّم؛ لأنّه زاده خيراً.

مسألة 773: التوكيل في شراء العين أو بيعها لا يقتضي الإذن في شراء بعضها و لا بيعه؛

للتضرّر بالتبعيض.

و لو فرض فيه غبطة - كما لو أمره بشراء عبدٍ بألف فاشترى نصفه بأربعمائة ثمّ نصفه الآخَر كذلك - كان فضوليّاً إن سمّاه في العقد أو نواه، و إلّا وقع عنه.

و لا ينقلب الملك إلى الوكيل بعد انصراف العقد الأوّل عنه.

و فيه وجهٌ ضعيف للشافعيّة(3).

و لو قال له: اشتره بهذا الثوب، فاشتراه بنصفه، صحّ؛ لأنّه إذا رضي بزوال كلّ الثوب في مقابلته، فهو بزوال بعضه أشدّ رضاً.

و لو قال: بِعْ هؤلاء العبيد، أو: اشتر لي خمسة أعْبُدٍ، و وصَفَهم له،

ص: 166


1- بحر المذهب 201:8، البيان 371:6.
2- حلية العلماء 137:5، العزيز شرح الوجيز 256:5-257.
3- العزيز شرح الوجيز 257:5، روضة الطالبين 560:3.

فله الجمع و التفريق؛ لعدم التضرّر.

و لو قال: اشترهم صفقةً واحدة، لم يفرّق، فإن فرَّق لم يصحّ للموكّل عند الشافعيّة(1).

و عندنا يكون فضوليّاً.

و لو اشترى خمسةً من مالكَيْن - [لأحدهما](2) ثلاثة، و [للآخَر](3)اثنان - دفعةً واحدة، و صحّحنا مثل هذا العقد، ففي وقوع شرائهم عن الموكّل للشافعيّة وجهان:

أحدهما - و به قال ابن سريج -: إنّه يقع؛ حَمْلاً لكلامه على الأمر [بتملّكهم](2) دفعةً واحدة.

و أظهرهما: المنع؛ لأنّه إذا تعدّد البائع لم تكن الصفقة واحدةً(3).

و المعتمد عندنا: الأوّل؛ لصدق الوحدة باعتبارٍ.

و لو قال: بِعْ هؤلاء الأعْبُد الثلاثة بألفٍ، لم يبِعْ واحداً منهم بدون الألف؛ لجواز أن لا يشترى الباقيان بالباقي من الألف.

و لو باعه بألفٍ، صحّ.

و هل له بيع الآخَرَيْن ؟ للشافعيّة وجهان، أصحّهما: نعم(4) ، و به نقول؛ عملاً بالإذن السابق.3.

ص: 167


1- العزيز شرح الوجيز 257:5، روضة الطالبين 561:3. (2 و 3) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «أحدهما... الآخرَ». و الصحيح ما أثبتناه.
2- بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «بتمليكم». و المثبت هو الصحيح.
3- العزيز شرح الوجيز 257:5، روضة الطالبين 561:3.
4- بحر المذهب 185:8، البيان 391:6، العزيز شرح الوجيز 257:5، روضة الطالبين 561:3.

و لو قال: بِعْ من عبيدي مَنْ شئت، أبقى بعضَهم و لو واحداً.

و كذا لو قال: ما شئت، فكذلك.

مسألة 774: إذا وكّله في البيع نسيئةً، فباع كذلك، لم يملك التقاضي،

و لم يلزمه أيضاً لو طلبه المالك منه بعد حلول الأجل، و لكن عليه بيان المعامل حتى لا يكون مضيّعاً لحقّه.

و كذا لو قال: ادفع هذا الثوب إلى صانعٍ، فقال: دفعتُه، طالَبه المالك ببيانه، و كان عليه البيان، فإن امتنع كان متعدّياً.

فلو تلف في يد الصانع(1) ثمّ بيّنه، كان عليه الضمان عند بعض الشافعيّة(2).

و عندي فيه نظر.

و قال أكثر الشافعيّة: لا يلزمه البيان(3).

و ليس بشيءٍ.

و لو قال لغيره: بِعْ عبدك من فلان بألفٍ أدفعُه إليك، فباعه منه، فالأقوى: إنّ البائع يستحقّ الألف على الآمر دون المشتري، فإذا غرم الآمر رجع على المشتري مع الإذن و مطلقاً على إشكالٍ.

و لو قال: اشتر عبدَ فلانٍ لي بثوبك هذا أو بدراهمك، ففَعَل، فالأقرب: البطلان؛ إذ لا يملك الإنسان شيئاً و الثمن على غيره.

و قالت الشافعيّة: يحصل الملك للآمر، و يرجع المأمور عليه بالقيمة أو المثل(2).

ص: 168


1- كذا قوله: «ادفع هذا الثوب إلى صانعٍ... في يد الصانع» في جميع النسخ الخطّيّة و الحجريّة. و في «العزيز شرح الوجيز» و «روضة الطالبين»: «ادفع هذا الذهب إلى صائغٍ... في يد الصائغ». (2 و 3) العزيز شرح الوجيز 257:5، روضة الطالبين 561:3.
2- العزيز شرح الوجيز 258:5، روضة الطالبين 562:3.

و فيه لهم وجهٌ آخَر: أنّه إذا لم يَجْر شرط الرجوع، لا يرجع. و إذا(1) قبض وكيل المشتري المبيع و غرم الثمن من ماله، لم يكن له حبس المبيع ليغرم الموكّل له(2).

و فيه وجه للشافعيّة: إنّ له الحبسَ - و به قال أبو حنيفة - بناءً على أنّ الملك يحصل للوكيل ثمّ ينتقل إلى الموكّل(3).

مسألة 775: لو وكّله في استيفاء دَيْنه من زيدٍ، فجاء إلى زيد للمطالبة،

فقال زيد للوكيل: خُذْ هذه الدراهم و اقض بها دَيْن فلانٍ، يعني موكّله، فأخذها، صار وكيلَ زيدٍ في قضاء دَيْنه، حتى يجوز لزيدٍ استردادها ما دامت في يد الوكيل(4) ، و لو تلفت عنده، بقي الدَّيْن بحاله.

و لو قال: خُذْها عن الدَّيْن الذي تطالبني به لفلان، فأخذ، كان قابضاً للموكّل، و برئت ذمّة زيدٍ، و ليس له الاسترداد.

و لو قال: خُذْها قضاءً عن دَيْن فلان، احتُمل الوجهان معاً.

فلو تنازع الموكّل و زيدٌ، فالقول قول زيدٍ مع يمينه.

مسألة 776: لو دفع إليه شيئاً و قال: تصدّق به على الفقراء، فتصدّق و نوى نفسَه، لغت نيّته،

و كانت الصدقة للآمر.

و عندي فيه نظر.

و لو وكّل عبداً ليشتري له نفسَه أو مالاً آخَر من سيّده، جاز عندنا - و هو أظهر وجهي الشافعيّة(5) - كما يجوز توكيله في الشراء من غير سيّده.

ص: 169


1- في الطبعة الحجريّة: «فإذا».
2- العزيز شرح الوجيز 258:5، روضة الطالبين 562:3.
3- العزيز شرح الوجيز 258:5، روضة الطالبين 563:3.
4- في الطبعة الحجريّة: «يده» بدل «يد الوكيل».
5- المهذّب - للشيرازي - 359:1، حلية العلماء 129:5، البيان 376:6، العزيز شرح الوجيز 259:5، روضة الطالبين 563:3، المغني 240:5.

و الثاني: لا يجوز؛ لأنّ يدَه يدُ السيّد، فأشبه ما لو وكّل إنساناً ليشتري له من نفسه(1).

و هو ممنوع.

فعلى ما اخترناه يجب أن يصرّح بذكر الموكّل، فيقول: اشتريت نفسي منك لموكّلي فلان.

و لو لم يضف بل قال: اشتريت نفسي منك و نوى الإضافة إلى الموكّل، صحّ، و وقع للموكّل.

و قال بعض الشافعيّة: إذا لم يضف، لم يقع له؛ لأنّ قوله: «اشتريت نفسي» صريح في اقتضاء العتق، فلا يندفع بمجرّد النيّة(2).

و هو ممنوع.

و لو قال العبد لرجلٍ: اشتر لي نفسي من سيّدي، ففَعَل، جاز، و به قال بعض الشافعيّة(3).

و هل يشترط التصريح بالإضافة إلى العبد؟ الأقرب: العدم، بل تكفي النيّة.

و قال بعض الشافعيّة: يشترط التصريح بالإضافة إلى العبد، فلو أطلق وقع الشراء للوكيل؛ إذ البائع قد لا يرضى بعقدٍ يتضمّن الإعتاق قبل توفية الثمن(4).3.

ص: 170


1- المهذّب - للشيرازي - 359:1، حلية العلماء 129:5، البيان 376:6، العزيز شرح الوجيز 259:5، روضة الطالبين 563:3، المغني 240:5. (2-4) العزيز شرح الوجيز 259:5، روضة الطالبين 563:3.

و الرضا بالمشتري غير شرط في البيع.

مسألة 777: لو قال لغيره: أسلم لي في كذا و أدِّ رأسَ المال من مالك ثمّ ارجع علَيَّ، جاز،

كما إذا قال: اشتر هذه السلعة بيني و بينك و أدِّ الثمن عنّي - و به قال ابن سريج من الشافعيّة(1) - و يكون رأس المال قرضاً على الآمر.

و قال بعض الشافعيّة: لا يصحّ؛ لأنّ الإقراض لا يتمّ إلّا بالإقباض، و لم يوجد من المستقرض قبضٌ(2).

فإذا أبرأ وكيل المُسْلِم المُسْلَم إليه، لم يلزم إبراؤه الموكّل.

لكن، المُسْلَم إليه لو قال: لا أعرفك وكيلاً، و إنّما التزمت لك شيئاً فأبرأتني عنه، نفذ في الظاهر، و تعطّل بفعله حقّ المسلم.

و في وجوب الضمان عليه قولا الغرم بالحيلولة للشافعيّة.

و الأظهر عندهم: وجوبه، لكن لا يغرم مثلَ المُسْلَم فيه و لا قيمته لئلّا يكون اعتياضاً عن المُسْلَم [فيه] و إنّما يغرم له رأس المال(3).

قال الجويني: و هو حسن(4).

و قال بعضهم: إنّه يغرم للموكّل مِثْلَ المُسْلَم [فيه](5).

و لو قال: اشتر لي طعاماً بكذا، قال الشافعي: يُحمل على الحنطة؛ اعتباراً بعُرْفهم(6).

و الوجه عندي: اعتبار العرف عند كلّ قومٍ.

و على قول الشافعي لو كان بطبرستان، لم يجز التوكيل؛ لأنّه لا عُرْف فيه لهذا اللفظ عندهم، فيكون [التوكيل](1) في مجهولٍ(2).

ص: 171


1- ما بين المعقوفين أضفناه من «العزيز شرح الوجيز».
2- العزيز شرح الوجيز 259:5، روضة الطالبين 564:3.

و لو وكّله في شراء ما ينطلق عليه الاسم بالاشتراك، وجب التعيين في الوكالة، و إلّا بطلت.

و يجيء على قول مَنْ يحمل المشترك على كلا المعنيين الجواز، و حمله على المعنيين معاً.

و لو قال له: وكّلتُك في إبراء غرمائي، لم يملك إبراء نفسه.

فإن كان قد قال: فإن شئت تبرئ نفسك فافعل، جاز.

و للشافعي خلافٌ تقدّم(1) في أنّه هل يجوز توكيل المديون بإبراء نفسه ؟

و لو قال: فرِّق ثلثي على الفقراء، و إن شئت أن تضعه في نفسك فافعل، جاز.

و عند الشافعي يبنى على الخلاف فيما إذا أذن للوكيل في البيع من نفسه(2).

و لو قال له: اشتر لي بدَيْني عليك طعاماً، صحّ، خلافاً لبعض العامّة(3).

و لو قال: استسلف لي ألفاً من مالك في كُرّ طعامٍ، لم يصحّ؛ لأنّه لا يجوز أن يشتري الإنسان بماله ما يملكه غيره.

و إن قال: اشتر لي في ذمّتك، أو قال: اسلف ألفاً في كُرّ طعامٍ و اقبض الثمن عنّي من مالك أو من الدَّيْن الذي عليك، صحّ؛ لأنّه إذا اشترى في الذمّة، حصل الشراء للموكّل، و الثمن عليه، فإذا قضاه من الدَّيْن5.

ص: 172


1- في ص 59، المسألة 685.
2- بحر المذهب 180:8، العزيز شرح الوجيز 260:5، روضة الطالبين 564:3.
3- المغني 251:5، الشرح الكبير 259:5.

الذي عليه فقد دفع الدَّيْن من ماله بأمر صاحب الدَّيْن بدفعه إليه. و إن قضاه من ماله غير الدَّيْن الذي عليه صار قرضاً عليه.

** *

ص: 173

ص: 174

الفصل الرابع: في التنازع

اشارة

و فيه مباحث:

البحث الأوّل: في النزاع في أصل الوكالة وصفتها.
مسألة 778: إذا اختلفا في أصل الوكالة، فادّعى الوكيل أنّه وكّله في كذا، و أنكر الموكّل،

فإن كان هناك بيّنة، حُكم بها، و إلّا فالقول قول الموكّل - لأنّه المنكر - مع يمينه؛ لأصالة عدم التوكيل، و لم يثبت أنّه أمينه ليقبل قوله عليه.

و لو اتّفقا على أصل العقد و اختلفا في بعض الكيفيّات أو المقادير - كما إذا قال: وكّلتني ببيع كلّه، أو ببيعه نسيئةً، أو بشرائه بعشرين، و قال الموكّل: بل ببيع بعضه، أو ببيعه نقداً، أو بشرائه بعشرة - فالقول قول الموكّل؛ لأنّ الأصل عدم الإذن فيما يدّعيه الوكيل.

و لأنّ الإذن صادر عن الموكّل، و هو أعرف بحال الإذن و مقاصده الصادرة عنه.

و لأنّه لمّا كان القولُ قولَه في أصل العقد وجب أن يكون في الصفة كذلك، كما لو اختلف الزوجان في عدد الطلاق، كان القولُ قولَ الزوج فيه؛ لأنّهما لو اختلفا في أصله، كان القولُ فيه قولَه.

و الأصل في ذلك كلّه أنّ الوكيل يدّعي خلاف الأصل، فيكون القولُ قولَ الموكّل مع اليمين، و على مَنْ يدّعي خلافَه البيّنةُ.

و فرقٌ بين هذا و بين ما إذا اختلف الخيّاط و مالك الثوب، فقال

ص: 175

الخيّاط: أمرتني بقطع الثوب قباءً، فقطعتُه كذلك كما أمرتَني، و قال المالك: بل أمرتُك أن تقطعه قميصاً، كان القولُ قولَ الخيّاط، مع أنّهما لو اختلفا في أصل الإذن، كان القولُ قولَ المالك: بأنّ المالك هناك يريد إلزام الخيّاط الأرشَ، و الأصل عدمه، و هاهنا الموكّل لا يلزم الوكيل غرامة، و إن لزمه الثمن فإنّما لزمه بحكم إطلاق البيع.

مسألة 779: لو وكّله في شراء جاريةٍ، فاشتراها الوكيل بعشرين،

و زعم الوكيل أنّ الموكّل أذن له فيه، و قال الموكّل: ما أذنتُ إلّا في الشراء بعشرة، فالقول قول الموكّل؛ لما تقدّم.

فإذا حلف فإن كان الشراء بعين مال الموكّل فإن ذكر في العقد أنّ المال لفلان أو أنّ الشراء له، كان باطلاً؛ لأنّ المال في يده لم يتعلّق به حقّ الغير قبل الشراء فيُقبل إقراره فيه، و حينئذٍ يكون العقد واقعاً بمال الغير، و قد ثبت بيمين صاحب المال أنّه لم يأذن في الشراء الذي باشره الوكيل، فيلغو العقد.

و إن لم يذكره في العقد، و قال بعد الشراء: إنّني اشتريت له، فإن صدّقه البائع فالعقد باطل أيضاً، و إذا بطل الشراء فالجارية باقية على ملك البائع، و عليه ردّ ما أخذ.

و إن كذّبه البائع و قال: إنّما اشتريتَ لنفسك و المال لك، و لا بيّنة، حلف على نفي العلم بالوكالة، و حُكم بصحّة الشراء للوكيل في الظاهر، و سلّم الثمن المعيّن إلى البائع، و غرم الوكيل مثلَه للموكّل.

و إن كان الشراء في الذمّة، فإن نوى الموكِّلَ و لم يسمّه، كانت الجارية للوكيل، و الشراء له ظاهراً؛ لأنّ المتصرّف لغيره في الذمّة يلزمه التصرّف إذا لم يقع لذلك الغير.

ص: 176

و إن سمّاه فإن صدّقه البائع، بطل الشراء؛ لاتّفاقهما على كونه للغير؛ لأنّ البائع أوجبه للموكّل، فإذا لم يلزمه لم يصح، كما إذا تزوّج امرأةً لغيره بغير إذنه، و هو أحد وجهي الشافعيّة.

و الثاني: إنّه يلزمه، كما لو أطلق، بخلاف النكاح؛ لأنّ ذكر الزوج شرط فيه، بخلاف البيع، و ثبوت كونه بغير إذنه بيمينه(1).

و إن كذّبه البائع و قال: أنت مبطل في تسميته فيلزم الشراء الوكيل، و يكون كما لو اقتصر على النيّة، أو يبطل الشراء من أصله ؟ للشافعيّة وجهان. و الأظهر عندهم: صحّته و وقوعه للوكيل(2).

و حيث صحّحنا الشراء و جعلنا الجارية للوكيل ظاهراً و زعمه أنّها للموكّل، فيأمره الحاكم بالرفق للمأمور، فيقول له: إن كنتُ أمرتُك أن تشتريها بعشرين فقد بعتُكها بعشرين، و يقول الآخَر: قبلتُ، ليحلّ له الفرج.

و الضابط: إنّ الوكيل إن كان كاذباً فيما ادّعاه، فإنّ العين المبيعة له في الباطن و الظاهر؛ لأنّ البيع وقع له، و إن كان صادقاً فهي له في الظاهر، دون الباطن.

و اختلف الشافعيّة في ذلك:

منهم مَنْ قال: إنّ هذا الشرط لا يكون في كلام الموكّل، و إنّما يكون في كلام الحاكم، و ينبغي أن يقول الموكّل: بعتكها بعشرين، ليقع البيع، فإنّ البيع لا يقبل التعليق بالشرط، و لهذا لو قال: إن كان قدم فلان فقد بعتك،3.

ص: 177


1- الحاوي الكبير 545:6 و 547، المغني 250:5، الشرح الكبير 259:5.
2- العزيز شرح الوجيز 261:5، روضة الطالبين 565:3.

لم يصح، كذا هنا(1).

و قال بعضهم: يجوز أن يقول ذلك الموكّل و يصحّ؛ لأنّه شرطٌ يقتضيه الإيجاب، فلا يمنع صحّته؛ لأنّه لا يصحّ الإيجاب إلّا أن يكون الوكيل صادقاً فيما قال، و قد وقع البيع للموكّل، كما إذا قال: «إن كان مالي الغائب سالماً فهذه زكاته، و إن لم يكن سالماً فهي نافلة» يصحّ؛ لأنّ ذلك مقتضى الإطلاق و إن كانت الزكاة لا تتعلّق بشرطٍ(2).

قال بعض الشافعيّة: القول الأوّل خطأ؛ لأنّ هذا الموكّل إذا أطلق قوله: «بعتك» يكون ذلك إقراراً منه بالملك و تكذيباً لنفسه فيما ادّعاه فلا يؤمر به، و أمّا الشرط المذكور فلا يضرّ؛ لأنّه أمر واقع يعلمان وقوعه، مثل أن يتّفقا على أنّ هذا الشيء ملك أحدهما، فيقول: إن كان ملكي فقد بعتك، فيصحّ. و كذا كلّ شرطٍ علما وجوده لا يؤدّي إلى وقوف البيع، بخلاف ما ذكره(1).

إذا ثبت هذا، فإن أوجب الموكّل البيع للوكيل إمّا مطلقاً أو مشروطاً، فقد مَلَك الوكيل المبيعَ ظاهراً و باطناً، و إن امتنع لم نجبره على ذلك؛ لأنّه قد ثبت بيمينه براءته منه، و لأنّ البيع لا يُجبر عليه، إلّا أنّ هذا المبيع في يد هذا الوكيل فما يصنع به ؟ الأقوى عندي: إنّه يكون في يده للموكّل، و له عليه ما لزمه من الثمن، فيكون له بيعه و استيفاء ذلك منه؛ لتعذّر وصول حقّه إليه إلّا بذلك، و هو أحد وجوه الشافعيّة.

و الثاني: إنّه يكون للوكيل ظاهراً و باطناً؛ لأنّا إذا فسخنا العقد في حقّ3.

ص: 178


1- راجع: العزيز شرح الوجيز 262:5، و روضة الطالبين 566:3.

الموكّل عاد إلى الوكيل، كالمتبايعين إذا تحالفا فسخنا العقد بينهما، و عاد الملك إلى البائع.

و الثالث: إنّه لا يبيعه الوكيل بنفسه، و لكن يواطئ رجلاً يدّعيه رهناً عليه فيقرّ به فيبيعه الحاكم عليه(1).

و الثاني ليس بشيء؛ لأنّه بفسخ البيع عن الموكّل لا يرجع إلى الوكيل، و إنّما يرجع إلى البائع، بخلاف ما ذكره من المتبايعين؛ لأنّه هناك يرجع إلى البائع بملكه السابق.

و أمّا الثالث فيشتمل على المشقّة المنفيّة بالأصل، و على الأمر بالكذب، فلهذا جوّزنا له بيعه بنفسه، كالمديون المماطل مع قدرته إذا ظفر صاحب الدَّيْن له بشيء يخالف جنس دَيْنه.

إذا عرفت هذا، فسواء أطلق البيع أو علّق لا يجعل ذلك إقراراً بما قاله الوكيل و تكذيباً لنفسه.

إذا عرفت هذا، فإذا امتنع الموكّل من البيع مطلقاً و مشروطاً فإن كان الوكيل كاذباً، لم يحلّ له وطؤها و لا التصرّف فيها بالبيع و غيره إن كان الشراء بعين مال الموكّل؛ لأنّ الجارية حينئذٍ تكون للبائع. و إن كان الشراء في الذمّة، ثبت الحلّ؛ لوقوع الشراء للوكيل؛ ضرورة كونه مخالفاً للموكّل.

و عندي أنّه لا يبطل إن سمّاه أو نواه.

و قال بعض الشافعيّة: إذا كان كاذباً و الشراء بعين مال الموكّل، فللوكيل بيعها إمّا بنفسه أو بالحاكم؛ لأنّ البائع حينئذٍ يكون آخذاً لمال الموكّل بغير استحقاقٍ، و قد غرم الوكيل للموكّل، فله أن يقول للبائع: ردّ3.

ص: 179


1- العزيز شرح الوجيز 262:5، روضة الطالبين 566:3.

مال الموكّل، أو اغرمه إن كان تالفاً، لكنّه قد تعذّر ذلك بسبب اليمين فيأخذ حقّه من الجارية التي هي ماله.

و إن كان الموكّل صادقاً، ففيه الوجوه الثلاثة السابقة:

أحدها: إنّها تكون للوكيل ظاهراً و باطناً حتى يحلّ له الوطء و كلّ تصرّفٍ - و به قال أبو حنيفة - بناءً على أنّ الملك يثبت للوكيل أوّلاً ثمّ ينتقل منه إلى الموكّل، فإذا تعذّر نقله منه، بقي على ملكه.

و منهم مَنْ خصّ هذا الوجه بما إذا كان الشراء في الذمّة و لم يطّرده في الحالتين، و إليه مال الجويني(1).

و ثانيها: إنّه إن ترك الوكيل مخاصمة الموكّل، فالجارية له ظاهراً و باطناً، و كأنّه كذّب نفسه، و إلّا فلا.

و ثالثها - و هو الأصحّ -: إنّه لا يملكها باطناً، بل هي للموكّل، و للوكيل الثمن عليه، فهو كمن له على رجلٍ دَيْنٌ لا يؤدّيه فظفر بغير جنس حقّه من ماله، فيجيء خلافٌ للشافعيّة في أنّه هل له بيعه و أخذ الحقّ من ثمنه ؟ و الأصحّ عندهم: إنّ له ذلك(2)، كما اخترناه نحن.

ثمّ يباشر البيع أو يرفع الأمر إلى القاضي ؟ فيه لهم وجهان، أصحّهما هنا: إنّ له بيعها بنفسه؛ لأنّ القاضي لا يجيبه إلى البيع، و لأنّ المظفور بماله في سائر الصور يدّعي المال لنفسه فيسلّط غيره عليه، و قد يستبعد، و هنا الموكّل لا يدّعي المال لنفسه(1).

و إذا قلنا: إنّه ليس له أن يأخذ الحقّ من ثمنها فتوقف في يده حتى3.

ص: 180


1- العزيز شرح الوجيز 262:5-263، روضة الطالبين 566:3.

يظهر مالكها، أو يأخذها القاضي فيحفظها؟ فيه للشافعيّة وجهان(1).

مسألة 780: لو اشترى الوكيل جاريةً لموكّله، فأنكر الموكّل الإذن في شرائها

و قال: ما وكّلتُك في شراء هذه، بل الجارية الأُخرى، فالقول قول الموكّل على ما تقدّم، فإذا حلف بقيت الجارية المشتراة في يد الوكيل، و الحكم على ما تقدّم في المسألة الأُولى، فيرفق الحاكم و يتلطّف، كما تقدّم.

مسألة 781: لو باع الوكيل نسيئةً و ادّعى إذن المالك فيه، فإن صدّقه المالك صحّ البيع.

و إن كذّبه و قال: ما أذنتُ لك في بيعه نسيئةً، بل في بيعه نقداً، أو قلتُ لك: بِعْه، و لم أذكر شيئاً [فالقول قول المالك](2) لأنّ الإطلاق ينصرف إلى النقد.

ثمّ إن صدّقه الوكيل و المشتري جميعاً، حكمنا بفساد البيع. فإن كانت السلعة قائمةً رجع بها، و كان له أن يطالب أيّهما شاء، و إلّا رجع بالقيمة على مَنْ شاء منهما.

و إن كذّباه، فالقول قول المالك مع يمينه على القطع و عدم البيّنة.

فإن أنكر المشتري الوكالةَ و قال: إنّ البائع باع ملكه، فالموكّل حينئذٍ يحتاج إلى إقامة البيّنة، فإن لم تكن هناك بيّنة، قُدّم قول المشتري مع يمينه على نفي العلم بالوكالة؛ لأنّها يمين على نفي فعل الغير.

ص: 181


1- العزيز شرح الوجيز 263:5، روضة الطالبين 566:3-567.
2- ما بين المعقوفين أضفناه لأجل السياق.

فإن حلف، قُرّر المبيع في يده، و يكون للمالك الرجوعُ على الوكيل إن كذّبه في عدم إذنه في النسيئة بعد حلف الموكّل له بالقيمة.

و إن نكل المشتري عن اليمين على نفي علم الوكالة، حلف الموكّل على ثبوتها، فإذا حلف حُكم ببطلان البيع. و إن لم يحلف و نكل، فهو كما لو حلف المشتري، و نكول الموكّل عن يمين الردّ في خصومة المشتري لا يمنعه من الحلف على الوكيل، فإذا حلف عليه فله أن يغرم الوكيل قيمة المبيع أو مثله إن كان مثليّاً.

و الوكيل لا يطالب المشتري بشيء حتى يحلّ الأجل مؤاخذةً له بموجب تصرّفه.

فإذا حلّ، نُظر إن رجع عن قوله الأوّل و صدّقه(1) الموكّل، فلا يأخذ من المشتري إلّا أقلّ الأمرين من الثمن أو القيمة؛ لأنّه إن كان الثمن أقلَّ، فهو موجب عقده و تصرّفه، فلا يُقبل رجوعه فيما يلزمه من زيادة على العين(2) ، و إن كانت القيمة أقلَّ فهي التي غرمها، فلا يرجع إلّا بما غرم؛ لأنّه قد اعترف أخيراً بفساد العقد.

و إن لم يرجع و أصرّ على قوله الأوّل، فيطالبه بالثمن بتمامه، فإن كان مِثْلَ القيمة أو أقلَّ فذلك، و إن كان أكثر فالزيادة في يده للموكّل بزعمه، و الموكّل ينكرها، فيحفظها أو يلزمه دفعها إلى القاضي ؟ فيه للشافعيّة خلاف(3).

اعترض بعض الفقهاء بأنّ الموكّل إذا أنكر التوكيل بالنسيئة، كان ذلك عزلاً للوكيل على رأي، فكيف يملك الوكيل بعده استيفاء الثمن!؟

و أُجيب: بأنّه إنّما يستوفي الثمن لأنّ الموكّل ظلمه بتغريمه في3.

ص: 182


1- في النسخ الخطّيّة: «صدّق».
2- في «ج»: «الغير. نسخة بدل».
3- العزيز شرح الوجيز 264:5، روضة الطالبين 567:3.

زعمه، و ظفر بجنس حقّه من مال مَنْ ظلمه، و إن كان من غير الجنس فيأخذه أيضاً(1).

و لا يخرج على القولين في الظفر بغير جنس الحقّ في غير هذه الصورة؛ لأنّ المالك يدّعيه لنفسه، و يمنع الغير عنه، و الموكّل لا يدّعي الثمن هنا، فأولى مصرفٍ يُفرض له التسليم إلى الوكيل الغارم.

مسألة 782: هذا كلّه إذا لم يعترف المشتري بالوكالة، فإن اعترف بها فإن صدّق الموكّل، فالبيع باطل،

و عليه ردّ المبيع إن كان باقياً. و إن تلف، فالموكّل بالخيار إن شاء غرّم الوكيل؛ لأنّه تعدّى ما أمره الموكّل، و إن شاء غرّم المشتري؛ لتفرّع يده على يدٍ مضمونة، و لأنّه أتلف السلعة على الموكّل بشرائه من غير إذن مالكها، و قرار الضمان على المشتري؛ لحصول الهلاك في يده.

فإن رجع الموكّل عليه، لم يرجع على الوكيل؛ لحصول التلف في يده، بل يرجع عليه بالثمن الذي سلّمه إليه؛ لخروج المبيع مستحقّاً.

و إن صدّق الوكيل، قُدّم قول الموكّل مع يمينه، فإن حلف أخذ العين، و إن نكل حلف المشتري و بقيت له.

و إن رجع على الوكيل، لم يكن للوكيل أن يرجع في الحال؛ لأنّه يُقرّ أنّه ظلمه بالرجوع عليه، و إنّما يستحقّ عليه الثمن المؤجَّل.

فإذا حلّ الأجل، كان للوكيل أن يرجع عليه بأقلّ الأمرين من القيمة و الثمن؛ لأنّ القيمة إن كانت أقلَّ، فصاحب السلعة يقول: إنّه لا يستحقّ ذلك و لا يغرم إلّا القيمة. و إن كان الثمن المسمّى أقلَّ، رجع به؛ لأنّه

ص: 183


1- المعترض و المجيب هو الإمام الجويني كما في العزيز شرح الوجيز 264:5.

معترف بأنّ صاحب السلعة ظلمه بأخذ القيمة، و أنّ الذي يستحقّه الثمن، فلا يرجع بأكثر منه.

و إن كذّبه أحدهما دون الآخَر، رجع على المصدِّق، و حلف على المكذِّب، و يرجع حسب ما ذكرناه في تكذيبهما.

البحث الثاني: في المأذون.
مسألة 783: إذا وكّله في بيعٍ أو هبةٍ أو صلحٍ أو طلاقٍ أو عتقٍ أو إبراءٍ أو غير ذلك،

ثمّ اختلف الوكيل و الموكّل، فادّعى الوكيل أنّه تصرّف كما أذن له، و أنكر الموكّل و قال: لم تتصرّف البتّة بَعْدُ، فإن جرى هذا النزاع بعد عزل الوكيل، لم يُقبل قوله إلّا ببيّنةٍ؛ لأنّ الأصل العدم، و بقاء الحال كما كان، و الوكيل غير مالكٍ للتصرّف حينئذٍ.

و إن جرى قبل العزل، فالأقرب أنّه كذلك، و أنّ القول قول الموكّل؛ لأنّ الأصل العدم، و لأنّ الوكيل يقرّ عليه بزوال الملك عن السلعة، فوجب أن لا يُقبل، بخلاف ما إذا ادّعى الردّ أو التلف، فإنّه يبغي [دفع](1) الضمان عن نفسه، لا [إلزام](2) الموكّل شيئاً، و هو أحد قولَي الشافعي.

و الثاني: إنّ القول قول الوكيل؛ لأنّه ائتمنه، فعليه تصديقه، و لأنّه مالك لإنشاء التصرّف، و مَنْ مَلَك الإنشاء قُبِل إقراره، كالوليّ المُجبَر إذا أقرّ بنكاح مولّيته(3).

ص: 184


1- بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «رفع». و الصحيح ما أثبتناه.
2- بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «التزام». و المثبت هو الصحيح.
3- الحاوي الكبير 521:6-522، المهذّب - للشيرازي - 364:1، بحر المذهب 169:8، البيان 415:6، العزيز شرح الوجيز 264:5-265، روضة الطالبين 568:3، المغني 222:5، الشرح الكبير 248:5.

و بهذا القول قال أبو حنيفة إلّا في النكاح إذا اختلف فيه الوكيل و الموكّل، فإنّ القول قول الموكّل(1).

و اختلف أصحاب الشافعي فيما هو الأصحّ من القولين و ما كيفيّتهما؟

أمّا [الأوّل](2): فكلام أكثر الشافعيّة ترجيح قول تصديق الموكّل حتى أنّ بعضهم لم يورد غيره.

و قال بعضهم: الأصحّ تصديق الوكيل من جهة القياس.

و أمّا [الثاني](3): فإنّ قول تصديق الموكّل منقول عن الشافعي في مواضع.

و اختلف الناقلون في القول الآخَر:

فقال بعضهم: إنّه منصوص الشافعي.

و قال آخَرون: إنّه مخرَّج خرَّجه ابن سريج و غيره.

و في المسألة وجهٌ ثالث للشافعيّة، و هو: إنّ ما يستقلّ به الوكيل - كالطلاق و الإعتاق و الإبراء - يُقبل فيه قوله مع يمينه، و ما لا يستقلّ - كالبيع - لا بدّ فيه من البيّنة(2).

مسألة 784: لو صدّق الموكّل الوكيلَ في البيع و نحوه، و لكن قال:

كنتُ عزلتُك قبل التصرّف.

و قال الوكيل: بل كان العزل بعد التصرّف، فهو

ص: 185


1- بحر المذهب 169:8، البيان 415:6، العزيز شرح الوجيز 265:5، المغني 222:5، الشرح الكبير 248:5. (2 و 3) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «الثاني... الأوّل». و المثبت كما في «العزيز شرح الوجيز».
2- العزيز شرح الوجيز 265:5، روضة الطالبين 568:3.

كما لو قال الزوج: راجعتكِ قبل انقضاء العدّة، و قالت: انقضت عدّتي قبل أن تراجعني.

و حينئذٍ يحتمل تقديم قول الوكيل؛ لأصالة صحّة تصرّفه، و تقديم قول الموكّل؛ لأصالة عدم سبق العقد.

و التحقيق أنّ كلّ واحدٍ منهما يدّعي التقديم، و الأصل عدمه، فلا أولويّة من هذه الحيثيّة، فتبقى أصالة بقاء الملك على صاحبه خاليةً عن المعارض.

و لو قال الموكّل: قد باع الوكيل، و قال الوكيل: لم أبِعْ، فإن صدّق المشتري الموكّل، حُكم بانتقال الملك إليه، و إلّا فالقول قوله؛ لأصالة عدم البيع.

مسألة 785: إذا ادّعى الوكيل تلفَ المال الذي في يده للموكّل أو تلفَ الثمن الذي قبضه عن متاعه في يده،

و أنكر المالك، قُدّم قول الوكيل مع يمينه و عدم البيّنة؛ لأنّه أمينه، فكان كالمودع. و لأنّه قد تتعذّر إقامة البيّنة عليه، فلا يكلَّف ذلك.

و لا فرق بين أن يدّعي التلف بسببٍ ظاهر، كالحرق و النهب، أو بسببٍ خفيّ، كالسرقة و التلف.

و كذا كلّ مَنْ في يده شيء لغيره على سبيل الأمانة، كالأب و الوصي و الحاكم و أمينه و الودعي و الشريك و المضارب و المرتهن و المستأجر و الأجير المشترك؛ لأنّه لو لا ذلك لامتنع الناس من الدخول في الأمانات(1) مع الحاجة إليها.

ص: 186


1- في «ج، ر»: «الأمانة».

و قال بعض العامّة: إذا ادّعى التلف بأمرٍ ظاهر - كالحرق و النهب - كان عليه إقامة البيّنة على وجود هذا الأمر في تلك الناحية، ثمّ يكون القولُ قولَه في تلفها بذلك - و به قال الشافعي أيضاً - لأنّ وجود الأمر الظاهر ممّا لا يخفى، و لا تتعذّر إقامة البيّنة عليه(1).

مسألة 786: إذا اختلفا في الردّ فادّعاه الوكيل و أنكره الموكّل،

فإن كان وكيلاً بغير جُعْلٍ، احتُمل تقديم قول الوكيل؛ لأنّه قبض المال لنفع مالكه، فكان القولُ قولَه مع اليمين، كالودعي.

و يحتمل العدم؛ لأصالة عدم الردّ. و الحكم في الأصل ممنوع.

و إن كان وكيلاً بجُعْلٍ، فالوجه: أنّه لا يُقبل قوله؛ لأنّه قبض المال لنفع نفسه، فلم يُقبلْ قوله في الردّ، كالمستعير، و هو أحد قولَي العامّة.

و الثاني: إنّ القولَ قولُ الوكيل؛ لأنّه وكيل، فكان القولُ قولَه، كالوكيل بغير جُعْلٍ؛ لاشتراكهما في الأمانة(2).

و سواء اختلفا في ردّ العين أو ردّ ثمنها.

و جملة الأُمناء على ضربين:

أحدهما: مَنْ قبض المال لنفع مالكه لا غير، كالمودع و الوكيل بغير جُعْلٍ، فيُقبل قولهم في الردّ عند بعض الفقهاء من علمائنا و غيرهم(3) ؛ لأنّه لو لم يُقبل قولهم لامتنع الناس من قبول الأمانات، فيلحق الناسَ الضررُ.

و الثاني: مَنْ ينتفع بقبض الأمانة، كالوكيل بجُعْلٍ و المضارب و الأجير

ص: 187


1- المغني 221:5، الشرح الكبير 248:5، البيان 419:6.
2- البيان 419:6، المغني 223:5، الشرح الكبير 249:5.
3- المبسوط - للطوسي - 372:2، و 141:4، المغني 223:5، الشرح الكبير 249:5، العزيز شرح الوجيز 265:5، روضة الطالبين 568:3.

المشترك و المستأجر و المرتهن.

و الوجه: إنّه لا يُقبل.

مسألة 787: لو أنكر الوكيلُ قبضَ المال ثمّ ثبت ذلك ببيّنةٍ أو اعترافٍ، فادّعى الردَّ أو التلفَ، لم يُقبل قوله؛

لثبوت خيانته بجحوده.

فإن أقام بيّنةً بما ادّعاه من الردّ أو التلف، لم تُقبل بيّنته.

و للعامّة وجهان:

أحدهما: لا تُقبل - كما قلناه - لأنّه كذّبها بجحده؛ فإنّ قوله: «ما قبضت» يتضمّن أنّه لم يردّ شيئاً.

و الثاني: تُقبل؛ لأنّه يدّعي الردّ و التلف قبل وجود خيانته(1).

و إن كان صورة جحوده: أنّك لا تستحقّ علَيَّ شيئاً، أو: ما لك عندي شيء، يُسمع قوله مع يمينه؛ لأنّ جوابه لا يكذّب ذلك، لأنّه إذا كان قد تلف أو ردّ، فليس له عنده شيء، فلا تنافي بين القولين، إلّا أن يدّعي أنّه ردّ أو تلف بعد قوله: «ما لك عندي شيء» فلا يُسمع قوله؛ لثبوت كذبه و خيانته.

هذا كلّه فيما إذا ادّعى الأمين الردَّ على مَن ائتمنه، أمّا إذا ادّعى الردّ على غيره فلا.

و لو ادّعى القيّمُ الردَّ على اليتيم الذي كان يقوم بأمره، فكذلك.

و لو ادّعى الوكيلُ الردَّ على رسول المالك لاسترداد ما عنده، فلا خلاف في أنّ الرسول إذا أنكر القبضَ كان القولُ قولَه مع يمينه.

و أمّا الموكّل فإنّه لا يلزمه تصديق الوكيل؛ لأنّه يدّعي الردّ على مَنْ

ص: 188


1- المغني 223:5-224، الشرح الكبير 250:5.

لم يأتمنه فليُقم البيّنةَ، و هو قول أكثر الشافعيّة(1).

و في وجهٍ: عليه تصديقه؛ لأنّه معترف، و يد رسوله يده، فكأنّه يدّعي الردَّ عليه(2).

مسألة 788: إذا وكّل وكيلاً باستيفاء دَيْنٍ له على إنسان، فقال له: قد استوفيتُه، و أنكر الموكّل، نُظر

إن قال: استوفيتُه و هو قائم في يدي فخُذْه، فعليه أخذه، و لا معنى لهذا الاختلاف.

و إن قال: استوفيتُه و تلف في يدي، فالقول قوله(1) مع يمينه على نفي العلم باستيفاء الوكيل؛ لأصالة بقاء الحقّ، فلا يُقبل قول الوكيل و المديون إلّا ببيّنةٍ؛ لأنّ قولهما على خلاف الأصل.

و هو الظاهر من مذهب الشافعي(4).

و جَعَله بعض الشافعيّة على الخلاف المذكور فيما إذا اختلفا في البيع و نحوه(5).

و على ما اخترناه إذا حلف الموكّل، أخذ حقّه ممّن كان عليه، و لا رجوع له على الوكيل؛ لاعترافه بأنّه مظلوم.

مسألة 789: لو وكّله في البيع و قبض الثمن، أو بالبيع مطلقاً

و قلنا: إنّ الوكيل يملك بالوكالة في البيع قبضَ الثمن، و اتّفقا على البيع و اختلفا في قبض الثمن، فقال الوكيل: قبضتُه و تلف في يدي، و أنكر الموكّل، أو قال الوكيل: قبضتُه و دفعتُه إليك، و أنكر الموكّل القبضَ، فالأقوى: عدم قبول قول الوكيل في ذلك.

ص: 189


1- أي: قول الموكّل. (4 و 5) العزيز شرح الوجيز 266:5، روضة الطالبين 568:3.

و للشافعيّة في ذلك طريقان:

أحدهما: إنّه على الخلاف المذكور في البيع و سائر التصرّفات.

و أظهرهما عندهم: إنّ هذا الاختلاف إن كان قبل تسليم المبيع، فالقول قول الموكّل، كما في المسألة السابقة.

و إن كان بعد تسليمه، فوجهان:

أحدهما: إنّ الجواب كذلك؛ لأنّ الأصل بقاء حقّه.

و أصحّهما: إنّ القولَ قولُ الوكيل؛ لأنّ الموكّل ينسبه إلى الخيانة بالتسليم قبل قبض الثمن، و يلزمه الضمان، و الوكيل ينكره، فأشبه ما إذا قال الموكّل: طالبتُك بردّ المال الذي دفعتُه إليك، أو بثمن المبيع الذي قبضتَه فامتنعتَ مقصّراً إلى أن تلف، و قال الوكيل: لم تطالبني بذلك، أو لم أكن مقصّراً، فإنّ القولَ قولُه.

و هذا التفصيل فيما إذا أذن في البيع مطلقاً أو حالاًّ، فإن أذن في التسليم قبل قبض الثمن، أو أذن في البيع بثمنٍ مؤجَّل، و في القبض بعد الأجل، فهنا لا يكون خائناً بالتسليم قبل القبض، فالاختلاف كالاختلاف قبل التسليم(1).

مسألة 790: إذا صدّقنا الوكيلَ فحلف، فالأقوى: براءة ذمّة المشتري؛

لأنّا قَبِلنا قول الوكيل في قبض الثمن فكيف نوجبه ؟ و هو أحد وجهي الشافعيّة.

و الثاني: لا تبرأ ذمّة المشتري؛ لأصالة عدم الأداء، و إنّما قَبِلنا من الوكيل في حقّه؛ لائتمانه إيّاه(2).

ص: 190


1- العزيز شرح الوجيز 266:5-267، روضة الطالبين 569:3.
2- العزيز شرح الوجيز 267:5، روضة الطالبين 569:3.

و لا بأس به.

فعلى الأوّل إذا حلف الوكيل و قلنا ببراءة ذمّة المشتري ثمّ وجد المشتري بالمبيع عيباً.

فإن ردّه على الموكّل و غرمه الثمن، لم يكن له الرجوعُ على الوكيل؛ لاعترافه بأنّ الوكيل لم يأخذ شيئاً.

و إن ردّه على الوكيل و غرمه، لم يرجع على الموكّل، و القول قوله مع يمينه في أنّه لم يأخذ منه شيئاً، و لا يلزم من تصديقنا الوكيلَ في الدفع عن نفسه بيمينه أن نثبت بها حقّاً على غيره.

و لو خرج المبيع مستحقّاً، يرجع المشتري بالثمن على الوكيل؛ لأنّه دفعه إليه، و لا رجوع له على الموكّل؛ لما مرّ.

و لو اتّفقا على قبض الوكيل الثمنَ، و قال الوكيل: دفعتُه إليك، و قال الموكّل: بل هو باقٍ عندك، فهو كما لو اختلفا في ردّ المال المسلَّم إليه.

و الظاهر أنّ القول قول الوكيل.

و لو قال الموكّل: قبضتَ الثمن فادفعه إلَيَّ، و قال الوكيل: لم أقبضْه بَعْدُ، فالقول قول الوكيل، و ليس للموكّل طلب الثمن من المشتري؛ لاعترافه بأنّ وكيله قد قبض.

نعم، لو سلّم الوكيل المبيعَ حيث لا يجوز التسليم قبل قبض الثمن، فهو متعدٍّ بفعله، فللموكّل أن يغرمه قيمة المبيع.

البحث الثالث: في الوكالة بالقضاء.
مسألة 791: إذا دفع إليه مالاً و وكّله في قضاء دَيْنه، ثمّ قال الوكيل:

دفعتُه إلى ربِّ الدَّيْن،

فأنكر ربُّ الدَّيْن، فالقول قوله مع يمينه؛ لأنّه

ص: 191

لم يأتمن الوكيل حتى يلزمه تصديقه، و الأصل عدم الدفع، فإذا حلف طالَب الموكّل بحقّه، و ليس له مطالبة الوكيل.

و لا يُقبل قول الوكيل على الموكّل، بل لا بدّ من البيّنة؛ لأنّه أمره بالدفع إلى مَنْ لم يأتمنه، فكان من حقّه الإشهادُ عليه، فإذا لم يفعل، كان مفرّطاً غارماً، و هو أصحّ قولَي الشافعي.

و الثاني: إنّه يُقبل - و به قال أبو حنيفة - لأنّ الموكّل قد ائتمنه، فأشبه ما إذا ادّعى الردَّ عليه(1).

فعلى الأوّل إن ترك الإشهاد على الدفع، فإن دفع بحضرة الموكّل، فلا رجوع للموكّل عليه - و هو أصحّ وجهي الشافعيّة(2) - و إن دفع في غيبته، فله الرجوع.

و لا فرق بين أن يصدّقه الموكّل على الدفع، أو لا يصدّقه.

و عن بعض الشافعيّة وجهٌ: إنّه لا يرجع عند التصديق(1).

و على الثاني يحلف الوكيل، و تنقطع مطالبة المالك عنه، و لا يغنيه تصديق المدفوع إليه عن اليمين.

و على قولنا لو اختلفا، فقال الوكيل: دفعتُه بحضرتك، فأنكر الموكّل، فالقول قول الموكّل مع يمينه.

و إن كان قد أشهد عليه و لكن مات الشهود أو عرض لهم جنون أو فسق أو غيبة، فلا رجوع.

و إن كان قد أشهد شاهداً واحداً أو مستورين فبانا فاسقين، فالأقرب:

عدم الرجوع.3.

ص: 192


1- العزيز شرح الوجيز 268:5، روضة الطالبين 570:3.

و للشافعيّة قولان(1).

و لكن ذلك على ما تقدّم في رجوع الضامن على الأصيل.

و لو أمره بإيداع ماله، ففي لزوم الإشهاد إشكال يأتي إن شاء اللّه تعالى.

مسألة 792: لو ادّعى قيّم اليتيم أو الوصي دَفْعَ المال إليه عند البلوغ، لم يُقبل قوله

إلّا بالبيّنة؛ لأصالة عدم الدفع، و هو لم يأتمنه حتى يكلّف تصديقه.

و لقوله تعالى:«فَإِذا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ»(2) أمر بالإشهاد، و لو كان قوله مقبولاً، لما أمر به؛ لقوله تعالى:«فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمانَتَهُ»(3) و لم يأمره بالإشهاد.

و لأنّ الصبي لم يأتمنه عليه، فلم يُقبل قوله عليه، كما إذا ادّعى المودَع أو الوكيل التسليمَ إلى غير المستودع و الموكّل، لم يُقبل قولهما عليه، كما يُقبل على المودِع و الموكّل.

و هو أظهر مذهب الشافعي(4).

و له آخَر: إنّه يُقبل قوله مع اليمين؛ لأنّه أمين. و لأنّه يُقبل قوله في النفقة عليه، و الإشهاد للإرشاد إلى التورّع عن اليمين(5).

ص: 193


1- العزيز شرح الوجيز 268:5، روضة الطالبين 570:3.
2- النساء: 6.
3- البقرة: 283.
4- بحر المذهب 169:8، التهذيب - للبغوي - 226:4-227، العزيز شرح الوجيز 268:5، روضة الطالبين 570:3.
5- بحر المذهب 169:8، التهذيب - للبغوي - 227:4، العزيز شرح الوجيز 268:5.

و الأوّل أقوى.

و الفرق: إنّ النفقة تتعذّر عليه إقامة البيّنة عليها، بخلاف الدفع.

إذا عرفت هذا، فكلّ مَن ادّعى الردَّ على مَنْ لم يأتمنه، لم يُقبل قوله عليه، مثل أن يدّعي الأب و الجدّ ردَّ المال إلى الصبي، أو يدّعي المودع الردَّ على ورثة المستودع، أو يدّعي الملتقط الردَّ على مالك اللقطة أو ورثته، أو مَنْ أطارت الريح ثوباً إلى داره فادّعى ردَّه، لم يُقبل قوله.

و كذا الشريك و المضارب إذا ادّعيا الردَّ على ورثة شريكه.

مسألة 793: كلّ مَنْ عليه حقٌّ أو في يده مالٌ لغيره يجب عليه ردّه إلى مالكه عند الطلب.

فلو قال مَنْ في يده المال أو عليه: لا أدفع المال إليه إلّا بالإشهاد، فالأقرب: إنّ له ذلك، سواء كان ممّا يُقبل قوله فيه، كالوديعة و شبهها، أو لم يكن، كالدَّيْن و الغصب و شبههما، و سواء كان على مَنْ في يده المالُ بيّنةٌ بالمال أو لا بيّنة عليه، احترازاً من لزوم اليمين، و للإنسان غرض في التحرّز من الإقدام على اليمين و إن كان صادقاً؛ لقوله تعالى:«وَ لا تَجْعَلُوا اللّهَ عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ»(1) و عادة الأُمناء التحرّز من الأيمان.

و للشافعيّة تفصيلٌ هنا و اختلاف.

قال أكثرهم: ننظر في ذلك، فإن كان الذي عنده المال أميناً لصاحب الحقّ إذا ادّعى الردَّ قُبل قوله، كالوكيل و الودعيّ، كان عليه تسليم ما في يده من غير إشهادٍ، فإن أخّر الدفع لأجل الإشهاد، ضمن؛ لأنّه لا ضرر عليه في التسليم، لأنّ قوله مقبول في الردّ، فلا حاجة به إلى البيّنة.

ص: 194


1- البقرة: 224.

و إن كان لا يُقبل قوله في الردّ، كالمرتهن و الشريك و المضارب و الوكيل بجُعْلٍ - في أحد الوجهين - و المستعير، نُظر فإن كان الحقّ لا بيّنة لصاحبه به، وجب عليه الدفع من غير إشهادٍ؛ لأنّه إن ادّعاه عليه بعد ردّه، أمكنه الجواب بأنّك لا تستحقّ علَيَّ شيئاً، و يكون القولُ قولَه مع يمينه.

و إن كان لصاحبه به بيّنةٌ، لم يجب عليه الردّ إلّا بعد الإشهاد؛ لأنّه لا يأمن أن يطالبه به بعد الردّ و تقوم به عليه البيّنة، و لا يُقبل قوله في الردّ، فيلزمه غرمه(1).

و للشافعيّة وجهٌ آخَر، و هو: إنّه إن كان التوقّف إلى الإشهاد يورث تأخيراً أو تعويقاً في التسليم، لم يكن له الامتناع، و إلّا فله ذلك(2).

و لا فرق بين المديون و الغاصب في هذا الباب.

و لو قال الموكّل للوكيل: إنّني طلبته منك فمنعتَني فأنت ضامن؛ لأنّه كان يمكنك الردّ، فأنكر الوكيل و لا بيّنة، قُدّم قوله مع اليمين.

فإذا حلف، كان على أمانته.

و هل يجب الردّ حينئذٍ؟ الأقرب ذلك.

و إن نكل، حلف الموكّل باللّه بأنّه لقد طالَبه فمنَعَه من غير عذرٍ، و صار الوكيل ضامناً، فإن كان المال قد تلف في يده، وجب عليه ضمانه.

مسألة 794: إذا كان لرجلٍ على زيدٍ دَيْنٌ، أو كان له في يده عينٌ،

فجاء شخص إلى زيدٍ و قال: إنّ الرجل وكّلني في استيفاء دَيْنه منك، أو في أخذ العين التي في يدك له، فإن قامت للوكيل بيّنةٌ بذلك ثبتت وكالته، و استحقّ المطالبة.

ص: 195


1- بحر المذهب 170:8، البيان 420:6.
2- بحر المذهب 170:8، العزيز شرح الوجيز 269:5، روضة الطالبين 570:3.

و إن لم تكن بيّنةٌ، فإن صدّقه الغريم في دعوى الوكالة، فإن كانت الدعوى عيناً، لم يؤمر بالتسليم إليه؛ لجواز كذبهما معاً، و لصاحب العين تكذيبهما معاً، لكن لو دفع لم يمنع منه أيضاً؛ لأنّه إذا علم أنّه وكيله، جاز له الدفع إليه.

و إن كان(1) دَيْناً، احتُمل وجوب الدفع إليه؛ لاعترافه بأنّه مستحقٌّ للمطالبة.

و الفرق(2) بين الدَّيْن و العين ظاهر، فإنّ المدفوع في الدَّيْن ليس عين مال الموكّل، و أمّا العين فإنّها عين مال الغير، و لم يثبت عند الحاكم أنّه وكيل، فلم يكن له أمره بالدفع.

قال(3) بعض الشافعيّة: إن كان هناك بيّنة تثبت الوكالة، و إن لم تكن فإنّه لا يجب على مَنْ عليه الدَّيْن تسليمه إليه، سواء صدّقه أو كذّبه، فإذا كذّبه لم يكن له إحلافه.

ثمّ قال: و الذي يجيء على أصلنا أنّه لا تُسمع دعواه عليه؛ لأنّ عندنا أنّ الوكيل في الخصومة لا يصحّ أن يدّعي قبل ثبوت وكالته(4).

و قال أبو حنيفة: إذا صدّقه، وجب عليه تسليم الدَّيْن.

و له في تسليم العين روايتان، أشهرهما: إنّه لا يجب عليه تسليمها.

و إن كذّبه، كان له إحلافه.

و عنده لا تُسمع بيّنة الوكيل إلّا بعد الدعوى.8.

ص: 196


1- تذكير الفعل باعتبار الحقّ.
2- في النسخ الخطّيّة: «و فرق».
3- في «ث، ر، خ»: «و قال».
4- بحر المذهب 204:8.

و احتجّ بأنّه أقرّ بحقّ الاستيفاء، فكان له مطالبته، كما لو كان الحقّ عيناً، و كما لو أقرّ بأنّ هذا وصيٌّ لصغيرٍ(1).

مسألة 795: إذا دفع المديون الدَّيْنَ أو المستودع الوديعةَ إلى مدّعي الوكالة بعد أن صدّقه عليها،

فإذا حضر المستحقّ و أنكر الوكالة، فالقول قوله مع يمينه.

فإن كان الحقّ عيناً أخذها إن كانت باقيةً. و إن تلفت فله إلزام مَنْ شاء منهما، و لا رجوع للغارم منهما على الآخَر؛ لأنّه مظلوم بزعمه، و المظلوم لا يؤاخذ إلّا ظالمه.

هذا إذا تلف من غير تفريطٍ منهما، فأمّا إذا تلف بتفريطٍ من القابض، فيُنظر إن غرّم المستحقّ القابضَ فلا رجوع، و إن غرّم الدافعَ فله الرجوع؛ لأنّ القابض وكيل عنده، و الوكيل يضمن بالتفريط، و المستحقّ ظلمه بأخذ القيمة منه، و ما لَه في ذمّة القابض فيستوفيه بحقّه.

مسألة 796: إذا كان الحقّ دَيْناً و كذّب الموكّلُ الوكيلَ في الوكالة بعد أن قبض الوكيل، كان للموكّل مطالبةُ الدافع بحقّه.

و إذا غرمه فإن كان المدفوع باقياً، فله استرداده و إن صار ذلك للمستحقّ في زعمه؛ لأنّه ظلمه بتغريمه، و ذلك مالٌ له ظَفَر به، فكان له أخذه قصاصاً.

و إن كان تالفاً فإن فرّط فيه، غرمه، و إلّا فلا.

و هل للمستحقّ مطالبة القابض ؟ يُنظر إن تلف المدفوع عنده،

ص: 197


1- بدائع الصنائع 26:6، الحاوي الكبير 552:6، بحر المذهب 205:8، حلية العلماء 122:5 و 151، التهذيب - للبغوي - 230:4، البيان 401:6، العزيز شرح الوجيز 271:5، المغني 234:5، الشرح الكبير 261:5.

لم يكن له المطالبة؛ لأنّ المال للدافع بزعمه، و ضمانه له.

و إن كان باقياً، احتُمل ذلك أيضاً؛ لأنّ الآخذ فضوليٌّ بزعمه، و المأخوذ ليس حقّاً له، و إنّما هو مال المديون، فلا تعلّق للمستحقّ به، و هو قول أكثر الشافعيّة(1).

و قال بعضهم: إنّ له المطالبة بتسليمه إليه؛ لأنّه إنّما دفعه إليه ليدفعه إلى المستحقّ، و كأنّه انتصب وكيلاً في الدفع من جهته(2)(3).

و لا بأس به.

و إن قلنا به فإذا أخذه المستحقّ، برئ الدافع عن الدَّيْن.

و هل يلزم مَنْ عنده الحقّ دفعه إليه بعد التصديق، أم له الامتناع إلى قيام البيّنة على الوكالة ؟ الأقرب: الأوّل.

و نصّ الشافعي: إنّه لا يلزمه الدفع إلّا بعد البيّنة(4).

و نصّ فيما إذا أقرّ بدَيْنٍ أو عينٍ من تركة إنسانٍ و بأنّه مات و وارثه فلان: إنّه يلزمه الدفع إليه، و لا يكلّف البيّنة(5).

و لأصحابه في ذلك طريقان:

أحدهما: إنّ المسألتين على قولين:

في قولٍ: يلزمه الدفع إلى الوكيل و الوارث؛ لأنّه اعترف باستحقاقه الأخذَ، فلا يجوز له منع الحقّ عن المستحقّ.

و في قولٍ: لا يلزمه الدفع إلى واحدٍ منهما إلّا بالبيّنة.3.

ص: 198


1- العزيز شرح الوجيز 270:5، روضة الطالبين 571:3.
2- في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «حقه» بدل «جهته». و المثبت من «العزيز شرح الوجيز».
3- العزيز شرح الوجيز 269:5-270، روضة الطالبين 571:3. (4 و 5) العزيز شرح الوجيز 270:5، روضة الطالبين 571:3.

أمّا في الصورة الأُولى: فلاحتمال إنكار الموكّل الوكالة. و أمّا في الثانية: فلاحتمال استناد إقراره بالموت إلى ظنٍّ خطأً.

و أصحّهما عندهم: تقرير الحقّ للوارث، و عدم اليأس عن إنكار الموكّل للوكالة و بقاء الحقّ له(1).

مسألة 797: لو ادّعى الوكالة فكذّبه المديون أو مَنْ عنده الوديعة أو المال، لم يكلّف المديون و الودعيّ الدفع إليه؛

لتجرّد دعواه عن البيّنة، و عدم اعتضادها بالتصديق.

فإن دفع ثمّ حضر الموكّل و أنكر الوكالة، فالقول قوله مع اليمين.

فإذا حلف على نفي الوكالة و غرم الدافع، كان له أن يرجع على القابض، دَيْناً كان أو عيناً؛ لأنّه لم يصرّح بتصديقه، و إنّما دفع بناءً على الظاهر من قوله، فإذا تبيّن خلافه غرم ما غرم.

و لو أنكر الوكالة أو الحقّ و كان الوكيل مأذوناً(2) في إقامة البيّنة، أو قلنا: إنّ الوكيل بالقبض مطلقاً يملك إقامة البيّنة، فله أن يقيم البيّنة و يأخذ.

فإن لم تكن بيّنة، فهل له التحليف ؟ يبنى الأمر فيه على أنّه إذا صدّقه هل يلزمه الدفع إليه ؟ إن قلنا: نعم، فله تحليفه، فلعلّه يصدق إذا عُرضت اليمين عليه.

و إن قلنا: لا، فيبنى على أنّ النكول و ردّ اليمين كإقامة البيّنة من المدّعي أو الإقرار من المدّعى عليه ؟ إن قلنا بالأوّل فله تحليفه طمعاً في أن ينكل، فيحلف الوكيل. و إن قلنا بالثاني فلا.

مسألة 798: لو جاء رجل إلى المديون

و قال: قد أحالني عليك

ص: 199


1- العزيز شرح الوجيز 270:5، روضة الطالبين 571:3.
2- في الطبعة الحجريّة زيادة: «له».

صاحبُ الدَّيْن بكذا، فصدّقه و قلنا: إذا صدّق مدّعي الوكالة فلا يلزمه الدفع إليه، فالأقرب: إنّه يلزمه الدفع إليه؛ لأنّه يقول: الحقّ لك و أنّه لا حقّ لغيرك علَيَّ، فصار كالوارث، و هو أحد قولَي الشافعيّة.

و الثاني: لا يلزمه الدفع إليه؛ لأنّه دَفْعٌ غير مبرئ، فلا يأمن أن يجحد المحيل الحوالةَ فيحلف، و يستحقّ الرجوع عليه، كما قلنا في الوكالة قد ينكر الموكّل الوكالةَ.

و يفارق الميراث؛ لأنّه آمن من ذلك، لأنّه إذا لم يكن وارث غيره فقد أمن الغرامة.

و يبنى على الوجهين أنّه لو كذّبه و لم تكن بيّنة هل له تحليفه ؟ إن ألزمناه الدفع إليه فله تحليفه، و إلّا فكما سبق(1).

مسألة 799: لو قال: مات زيد و له عندي كذا و هذا وصيّه، فهو كما لو قال:

هذا وارثه.

و لو قال: مات و قد أوصى به لهذا الرجل، فهو كما لو أقرّ بالحوالة.

و إذا أوجبنا الدفع إلى الوارث و الوصي أو لم نوجب فدفع ثمّ بانَ أنّ المالك حيّ و غرم الدافع، فله الرجوع على المدفوع إليه، بخلاف صورة الوكالة؛ لأنّه صدّقه على الوكالة، و إنكار صاحب الحقّ لا يرفع تصديقه، فصدق الوكيل لاحتمال أنّه وكّل ثمّ جحد، و هنا بخلافه، و الحوالة في ذلك كالوكالة.

مسألة 800: إذا ادّعى على إنسان أنّه دفع إليه متاعاً ليبيعه و يقبض ثمنه و طالَبه بردّه،

أو قال: بعتَه و قبضتَ ثمنه فسلِّمه إلَيَّ، فأنكر المدّعى عليه، فأقام المدّعي بيّنةً على أنّه ما أدّاه، فادّعى المدّعى عليه أنّه كان قد تلف أو ردّه، فيُنظر في صيغة جحوده.

ص: 200


1- المهذّب - للشيرازي - 363:1، بحر المذهب 206:8، البيان 406:6-407، العزيز شرح الوجيز 270:5-271، روضة الطالبين 571:3.

فإن قال: «ما لك عندي شيء» أو «لا يلزمني تسليم شيء إليك» قُبِل قوله في الردّ و التلف؛ لأنّه إذا كان قد تلف أو ردّه، كان صادقاً في إنكاره، و لم يكن بين كلاميه تناقضٌ. و إن أقام عليه بيّنةً سُمعت بيّنته.

و إن كانت صيغة جحوده: «أنّك ما وكّلتني» أو «ما دفعتَ إلَيَّ شيئاً» أو «ما قبضت الثمن» نُظر إن ادّعى التلفَ أو الردَّ قبل أن يجحد، لم يُصدَّقْ؛ لأنّه مناقض للقول الأوّل، و لزمه الضمان.

و إن أقام بيّنةً على ما ادّعاه، فوجهان للشافعيّة:

أوّلهما عندهم: إنّها تُسمع؛ لأنّه لو صدّقه المدّعي لسقط الضمان عنه، فكذلك إذا قامت الحجّة عليه. و أيضاً فلما يأتي في الوديعة.

و الثاني - و هو الأظهر عند الجويني -: أنّها لا تُسمع؛ لأنّه بجحوده الأوّل كذّب هذه البيّنةَ، و لأنّه لا تُسمع دعواه، و كلّ بيّنةٍ تقام فإنّ قيامها يستدعي دعوى مَنْ يقيمها، فإذا فسدت الدعوى استقلّت البيّنة، و هي غير مسموعةٍ من غير دعوى.

لكن عدم سماع الدعوى ليس متّفقاً عليه، و مَنْ يسمع البيّنة يسمع الدعوى لا محالة، فإذَنْ الخلاف في سماع البيّنة يجري في سماع الدعوى، بل يجوز أن تكون الدعوى مسموعةً جزماً، مع الخلاف في سماع البيّنة؛ إذ الدعوى قد تُسمع بمجرّد تحليف الخصم(1).

و إن ادّعى الردَّ بعد الجحود، لم يُصدَّقْ؛ لصيرورته خائناً.

لكن لو أقام بيّنةً، فالمشهور عند الشافعيّة في هذا الباب أنّها تُسمع؛ لأنّ غايته أن يكون كالغاصب في ابتداء الأمر، و معلومٌ أنّه لو أقام بيّنةً على3.

ص: 201


1- العزيز شرح الوجيز 271:5-272، روضة الطالبين 572:3.

الردّ تُسمع(1).

و رأى الجويني أن يكون سماع بيّنته على الوجهين السابقين؛ لتناقض دعوى الردّ و الجحود(2).

و إن ادّعى التلف بعد الجحود، صُدّق بيمينه لتنقطع عنه المطالبة بردّ العين، و لكن يلزمه الضمان؛ لخيانته، كما لو ادّعى الغاصب التلفَ.

مسألة 801: قد بيّنّا أنّه يجب على الوكيل رعاية تنصيص الموكّل و اتّباع أمره و العدول عن مخالفته،

فإذا قال له: بِعْ هذا ثمّ هذا، وجب عليه الامتثال في الترتيب.

و لو جَعَل للوكيل بالبيع جُعْلاً فباع، استحقّه؛ لأنّه فَعَل ما أمره به و إن تلف الثمن في يده؛ لأنّ استحقاقه بالعمل و قد عمل.

فإذا ادّعى خيانةً عليه، لم تُسمع حتى يبيّن القدر الذي خان به بأن يقول: بعتَ بعشرةٍ و ما دفعتَ إلَيَّ إلّا خمسةً.

و إذا وكّل بقبض دَيْنٍ أو استرداد وديعةٍ، فقال المديون و المودع:

دفعتُ، و صدّقه الموكّل و أنكر الوكيل، غرم الدافع بترك الإشهاد - و هو أحد وجهي الشافعيّة(3). - كما لو ترك الوكيل بقضاء الدَّيْن الإشهادَ.

و إذا قال شخص: أنا وكيل في بيعٍ أو نكاحٍ، و صدّقه مَنْ يعامله، صحّ العقد. فلو قال الوكيل بعد العقد: لم أكن مأذوناً فيه، لم يلتفت إلى قوله، و لم يُحكم ببطلان العقد، و كذا لو صدّقه المشتري بحقّ مَنْ توكّل عنه، إلّا أن يقيم المشتري بيّنةً على إقراره بأنّه لم يكن مأذوناً من جهته في ذلك التصرّف.

ص: 202


1- العزيز شرح الوجيز 272:5، روضة الطالبين 572:3.
2- العزيز شرح الوجيز 272:5، روضة الطالبين 572:3.
3- العزيز شرح الوجيز 272:5، روضة الطالبين 572:3.

الفصل الخامس: في اللواحق

مسألة 802: إذا ولّى الإمام رجلاً القضاء في ناحيةٍ، فإن أذن له في الاستنابة، جاز له ذلك.

و إن لم يأذن له، نُظر فإن كان المتولّي يمكنه النظر بنفسه، لم يجز له الاستنابة.

و إن كان العمل كثيراً لا يمكنه النظر فيه بنفسه، جازت له الاستنابة؛ عملاً بقرينة الحال و ظاهر الأمر.

و إذا جازت له، فهل تجوز في جميع العمل، أو فيما يتعذّر عليه أن يتولّاه ؟ الأقوى: الأوّل.

و للشافعيّة فيه وجهان(1).

و الحكم في ذلك كما تقدّم(2) في الوكالة.

مسألة 803: إذا ادّعى الوكيل الردَّ إلى الموكّل، فالأقوى أنّه يفتقر إلى البيّنة.

و قسّم الشافعيّة الأُمناءَ في ذلك على ثلاثة أضرُبٍ:

منهم مَنْ يُقبل قوله في الردّ مع يمينه، و هُم المودعون و الوكلاء بغير جُعْلٍ.

و منهم مَنْ لا يُقبل قوله في الردّ إلّا ببيّنةٍ، و هُم المرتهن و المستأجر.

ص: 203


1- الحاوي الكبير 331:16، المهذّب - للشيرازي - 293:2، حلية العلماء 120:8، التهذيب - للبغوي - 195:8، البيان 21:13، العزيز شرح الوجيز 433:12، روضة الطالبين 102:8.
2- في ص 25 و ما بعدها.

و منهم: مَن اختُلف فيه على وجهين، و هُم الوكلاء بجُعْلٍ و الشريك و المضارب و الأجير المشترك إذا قلنا: إنّه أمين.

أحدهما: إنّه لا يُقبل قولهم في الردّ؛ لأنّهم قبضوا لمنفعة أنفسهم، فصاروا كالمرتهن و المستأجر و المستعير.

و الثاني: إنّه لا منفعة لهم في العين المقبوضة؛ لأنّ الوكيل ينتفع بالجُعْل دون العين التي قبضها. و كذلك الشريك و المضارب [و الأجير](1) ينتفعون بالربح و عوض عملهم، بخلاف المرتهن، فإنّه يتوثّق بالعين.

و كذلك المستأجر؛ فإنّه يستوفي منفعتها، فافترقا(2).

مسألة 804: لو ادّعى الوكيل بيعَ العين التي أذن الموكّل له في بيعها، فقال الموكّل: لم تبعها،

أو يدّعي قبض الثمن من المشتري، فيصدّقه في الإذن و ينكر قبضه إيّاه، فللشافعي قولان:

أحدهما: يُقبل إقرار الوكيل في ذلك، و به قال أبو حنيفة.

إلّا أنّ أبا حنيفة ناقَضَ في مسألةٍ، و هي: إذا قال لوكيله: زوّجني من امرأة، فأقرّ الوكيل أنّه تزوّجها له و ادّعت ذلك المرأةُ، و أنكر الموكّل العقد، لم يُقبل قول الوكيل. قال: لأنّه يمكنه إقامة البيّنة على النكاح، لأنّه لا يعقد حتى تحضر البيّنة.

و الثاني للشافعي: إنّه لا يُقبل إقراره على موكّله؛ لأنّ الوكيل يُقرّ بحقٍّ لغيره على موكّله، فلم ينتقل إليه(3) ، كما لو أقرّ بدَيْنٍ عليه أو إبراءٍ من

ص: 204


1- ما بين المعقوفين أضفناه لأجل السياق.
2- راجع: المهذّب - للشيرازي - 365:1.
3- كذا قوله: «فلم ينتقل إليه» في النسخ الخطّيّة و الحجريّة، و بدلها في المغني و الشرح الكبير: «فلم يقبل».

حقٍّ(1).

و هذا يلزم عليه إقرار أب البكر.

فأمّا أبو حنيفة فلا يصحّ ما فرّق به؛ لأنّ النكاح عنده ينعقد بفاسقين و لا يثبت بهما(2) ، و قد تموت الشهود و تتعذّر البيّنة.

مسألة 805: إذا وكّله في البيع و قبض الثمن فقبضه، كان أمانةً في يده قبل أن يطالبه الموكّل،

فإذا لم يسلّمه إليه لم يضمنه بتأخيره عنده، و إن طالَبه وجب عليه ردّه على حسب إمكانه.

فإن أخّر لعذرٍ - مثل أن يكون في الحمّام، أو يأكل الطعام، أو يصلّي، أو ما أشبه ذلك - لم يصر مفرّطاً؛ لأنّه لا يلزمه في ردّ الأمانة ما يضرّ به. فإن تلفت الوديعة قبل زوال عذره أو بعد زوال عذره حالَ اشتغاله بردّها، فلا ضمان؛ لما بيّنّاه.

و إن أخّر بغير عذرٍ، ضمن سواء تلفت قبل مضيّ زمان إمكان الردّ، أو لم يمض؛ لأنّه خرج من الأمانة بمنعه الدفع من غير عذرٍ.

و لو طالَبه الموكّل بالدفع فوعده به ثمّ ادّعى أنّه كان قد تلف قبل مطالبته، أو قال: كنتُ رددتُه قبل مطالبته، لم يُقبل قوله؛ لأنّه مكذّب لنفسه، و ضامن في الظاهر بدفعه.

فإن أقام البيّنةَ، احتُمل سماعها؛ لأنّ الموكّل لو صدّقه على ما ادّعاه،

ص: 205


1- المهذّب - للشيرازي - 364:1، بحر المذهب 169:8، حلية العلماء 157:5-158، البيان 415:6، المغني 222:5 و 225، الشرح الكبير 248:5 و 256.
2- تحفة الفقهاء 133:2، بدائع الصنائع 255:2، و 270:6-271، الهداية - للمرغيناني - 190:1، و 117:3-118، الاختيار لتعليل المختار 224:2-225، و 119:3، روضة القضاة 940/213:1، بحر المذهب 169:8، عيون المجالس 743/1049:3.

سقط عنه الضمان، فإذا أقام البيّنةَ على ذلك قُبل. و عدمُه؛ لأنّه يكذّب بيّنته، فإنّه كان وَعَده بدفعه إليه، و إذا كذّب بيّنته لم تُسمع له.

و يفارق ما إذا صدّقه، فإنّه إذا صدّقه فقد أقرّ ببراءته، فلم يستحقّ مطالبته.

و إن ادّعى أنّه تلف بعد ما دفعه عن تسليمه، أو أنّه ردّه إليه لم يُقبل قوله؛ لأنّه صار بالدفع ضامناً، و لا يُقبل قوله في الردّ؛ لأنّه خرج من الأمانة، فيحتاج إلى بيّنةٍ بذلك.

و للشافعيّة وجهان(1) كالاحتمالين.

فإن كان قد تلف قبل أن مَنَعَه و لم يعلم، فلا ضمان عليه.

و للشافعيّة وجهٌ آخَر: إنّه يضمن؛ لأنّه لمّا منعه تبيّنّا أنّه كان ممسكاً على نفسه(2).

و ليس بشيء.

مسألة 806: لو دفع إلى وكيله عيناً و أمره بإيداعها عند زيدٍ، فأودعها، و أنكر زيد، فالقول قوله مع اليمين،

فإذا حلف برئ.

و أمّا الوكيل فإن كان قد سلّمها بحضرة الموكّل لم يضمن، و إن كان بغيبته ففي الضمان إشكال.

و للشافعيّة وجهان:

أحدهما: يضمن كما في الدَّيْن؛ لأنّ الوديعة لا تثبت إلّا بالبيّنة.

و الثاني: لا يضمن؛ لأنّ الودعي إذا ثبتت عليه البيّنة بالإيداع، كان القولُ قولَه في التلف و الردّ، فلم تُفد البيّنة شيئاً، بخلاف الدَّيْن؛ لأنّ

ص: 206


1- حلية العلماء 162:5.
2- حلية العلماء 164:5.

القضاء لا يثبت إلّا بها(1).

و إن صدّقه المُودَع و ادّعى التلف و حلف، لم يضمنها.

و أمّا الوكيل فإن سلّم بحضرة الموكّل، لم يضمن. و إن سلّم في غيبته، فالوجهان.

فأمّا إذا قال الوكيل: دُفع(2) بحضرتك، و قال الموكّل: لم تدفع بحضرتي، أو قال: لم تدفعها إلى المودَع، و قال: دفعتُها على الوجه الذي تقول، لا يضمن إذا دفع بغير إشهادٍ.

قال بعض الشافعيّة: القول قول الوكيل مع اليمين، كما إذا ادّعى الردَّ إليه و أنكره، و لا يشبه هذا [ما](3) إذا أقرّ بأنّه باع أو قبض و أنكر الموكّل، فإنّه لا يُقبل قوله في أحد القولين؛ لأنّه يُثبت حقّاً على موكّله لغيره، و هنا يُسقط عن نفسه الضمانَ بما ذكره، فكان القولُ قولَه مع يمينه فيه(4).

مسألة 807: إذا دفع إلى وكيله دراهم ليشتري له بها شيئاً، فاستقرضها الوكيل و أخرجها، بطلت الوكالة؛
اشارة

لأنّه إن كان أمره بأن يشتري له بعين تلك الدراهم، فقد تعذّر بتلفها، كما لو مات العبد الموكَّل ببيعه. و إن كان قد وكّله في الشراء مطلقاً و نقد الدراهم في الثمن، بطلت أيضاً؛ لأنّه إنّما أمره بالشراء على أن ينقد ذلك الثمن، فإذا تعذّر نقد ذلك لم يكن له أن يشتري.

و قال أبو حنيفة: لا تفسد الوكالة، و لا يتعيّن الشراء بتلك الدراهم،

ص: 207


1- الوسيط 311:3، المغني 233:5، الشرح الكبير 245:5-246.
2- كذا قوله: «دُفع». و الظاهر: «دفعتُ».
3- ما بين المعقوفين أثبتناه لأجل السياق.
4- الحاوي الكبير 528:6، الوجيز 193:1، الوسيط 210:3، العزيز شرح الوجيز 265:5، روضة الطالبين 568:3.

و يجوز أن يشتري من مال نفسه، و يأخذ الدراهم(1).

و هو غير صحيح؛ لأنّه وكّله في الشراء بتلك الدراهم، فإذا تلفت سقط الإذن، كما قلناه في العبد.

فإن اشترى للموكّل بمثل تلك الدراهم من مال نفسه، فإذا(2) أضاف العقد إليه لم يصح، و إلّا وقع الشراء له لا للموكّل؛ لأنّه اشترى لغيره شيئاً بعين مال نفسه؛ لأنّه لا يصحّ أن يقبض للموكّل من نفسه بدل المال الذي أتلفه.

و الثاني(3): إنّه اشترى له بغير المال الذي عيّنه.

و إن اشترى له في الذمّة، وقع أيضاً للوكيل؛ لأنّه على غير الصفة التي أذن له فيها.

و يجب على الوكيل ردّ مثل الدراهم التي قبضها من الموكّل.

تذنيب: إذا دفع إليه دراهم ليشتري بها سلعة و لم ينص على الشراء بالعين،

بل ينقدها عن الثمن الذي يشتري به، فاشترى في الذمّة على أنّه ينقد تلك الدراهم كما أمره الموكّل، صحّ الشراء. فإن استقرض بعد ذلك الدراهمَ و أخرجها، وجب عليه دفع عوضها في الثمن، و لم يخرج المبيع عن ملك الموكّل بالتفريط اللاحق.

مسألة 808: إذا وكّله في شراء عبدٍ بدراهم في الذمّة ثمّ دفع إليه دراهم لينقدها في الثمن،

ففرّط فيها بأن ترك حفظها، ضمنها، فإذا اشترى العبدَ صحّ الشراء قولاً واحداً؛ لأنّه لم يتعدّ فيما تناوله العقد، فإذا نقد تلك

ص: 208


1- فتاوى قاضيخان - بهامش الفتاوى الهنديّة - 17:3، الحاوي الكبير 533:6، حلية العلماء 138:5.
2- في «ج»: «فإن» بدل «فإذا».
3- كذا قوله: «و الثاني». و لم يسبق ذِكْر الأوّل.

الدراهم بعينها برئ من ضمانها.

و لا فرق في ذلك بين مَنْ قال: إنّ الوكيل بالتعدّي يخرج من الأمانة - و في صحّة بيعه وجهان عنده - و بين مَنْ قال: إنّه يصحّ بيعه مع التعدّي.

لا يقال: لِمَ لا يبطل بيعه عند القائل بعدم صحّة بيع الوكيل إذا تعدّى ؟

لأنّا نقول: إنّما يخرج من الأمانة فيما تعدّى فيه، فإنّه لو استودع شيئين ففرّط في أحدهما، لم يضمن الآخَر، و لم يخرج من حكم الأمانة جملةً، كذا هنا.

مسألة 809: لو وكّله في تزويج امرأةٍ فزوّجه غيرها، بطل العقد

عند العامة(1) ، أو كان فضوليّاً عندنا؛ لأنّ من شرط صحّة النكاح ذكر الزوج، فإذا كان بغير أمره لم يقع له و لا للوكيل؛ لأنّ المقصود من النكاح أعيان الزوجين، بخلاف البيع، و لهذا يجوز أن يشتري من غير تسمية المشتري، فافترقا.

و إذا عيّن الموكّل للوكيل الزوجةَ، صحّ إجماعاً.

و لو وكّله في أن يزوّجه بمن شاء، فالأقرب: الجواز، و هو قول بعض الشافعيّة(2).

و قال بعضهم: لا يجوز؛ لأنّ الأغراض تختلف، فلا يجوز حتى يصف(3). و اختار الزهري(4)(5) هذا الوجه.

ص: 209


1- الحاوي الكبير 547:6، المغني 250:5، الشرح الكبير 259:5.
2- حلية العلماء 118:5، البيان 365:6، روضة الطالبين 528:3.
3- حلية العلماء 118:5، البيان 365:6.
4- كذا قوله: «الزهري» في جميع النسخ الخطّيّة و الحجريّة، و بدلها في المصدر: «الزبيري».
5- حلية العلماء 118:5.

و المعتمد: الأوّل.

فعلى هذا هل له أن يزوّجه ابنته ؟ الأقرب: الجواز، و به قال أبو يوسف و محمّد(1).

و قال بعض العامّة: لا يجوز له ذلك(2).

و لو أذنت المرأة له في تزويجها، لم يكن له أن يزوّجها من نفسه؛ لأنّ القرينة اقتضت التزويج بالغير.

و قد روى الحلبي عن الصادق عليه السلام قال في المرأة ولّت أمرها رجلاً، فقالت: زوّجني فلاناً، فقال: لا زوّجتكِ حتى تُشهدي أنّ أمركِ بيدي، فأشهدت له، فقال عند التزويج للّذي يخطبها: يا فلان عليك كذا و كذا، فقال: نعم، فقال هو للقوم: أشهدوا أنّ ذلك لها عندي و قد زوّجتها من نفسي، فقالت المرأة: ما كنت أتزوّجك و لا كرامة و ما أمري إلّا بيدي و ما ولّيتك أمري إلّا حياءً، قال: «تنزع منه، و يوجع رأسه»(3).

و يحتمل مع إطلاق الإذن صحّة أن يزوّجها من نفسه.

و كذا له أن يزوّجها من ولده و والده.

و لبعض العامّة وجهان(4).

مسألة 810: إذا وكّله في شراء عبدٍ فاشتراه، ثمّ اختلف الوكيل و الموكّل،

فقال الوكيل: اشتريته بألف، و قال الموكّل: بخمسمائة، فالقول فيه كما قلنا فيما إذا اختلف الوكيل و الموكّل في تصرّفه؛ لأنّ ذلك إثباتٌ

ص: 210


1- المبسوط - للسرخسي - 118:19، فتاوى قاضيخان - بهامش الفتاوى الهنديّة - 47:3، المغني 239:5، الشرح الكبير 223:5.
2- المغني 239:5، الشرح الكبير 223:5.
3- الفقيه 171/50:3، التهذيب 508/216:6.
4- المغني 239:5، الشرح الكبير 223:5.

لحقّ البائع على الموكّل.

و قال أبو حنيفة: إن كان الشراء في الذمّة، فالقول قول الموكّل، فإن كان اشترى ذلك بمال الموكّل، فالقول قول الوكيل.

و فرّق بينهما بأنّ الشراء إذا كان في الذمّة، فالموكّل هو الغارم؛ لأنّه يطالبه بالثمن. و إذا اشتراه بما في يده للموكّل، فإنّ الغارم الوكيل؛ لأنّه يطالبه بردّ ما زاد على خمسمائة، فالقول في الأُصول قول الغارم(1).

و قد بيّنّا أنّ إقرار الوكيل لا يصحّ على موكّله.

و ما ذكره من الفرق ليس بصحيحٍ؛ لأنّ في الموضعين يثبت بذلك الغرم على الموكّل؛ لأنّه إمّا أن يطالبه به، أو يؤدّي من ماله الذي في يد الوكيل، و الحقّ يثبت بقول الوكيل عليه في الموضعين.

مسألة 811: إذا دفع إلى الوكيل ألفاً ليشتري بها سلعةً،

فاشترى بالعين، ثمّ ظهر فيها عيب، فردّها البائع على الوكيل، كانت أمانةً في يده لموكّله.

و إن كان [اشتراها](2) بألفٍ في الذمّة، فإن بانَ العيب في الألف التي دفعها و قبضها الوكيل، فهي أيضاً على الأمانة، و يبدلها من الموكّل إن امتنع البائع من قبضها.

و إن بانَ العيب بعد أن قبضها البائع فردّها على الوكيل فتلفت عنده، لم يضمنها عندنا.

ص: 211


1- الهداية - للمرغيناني - 144:3، حلية العلماء 151:5، المغني 222:5-223، الشرح الكبير 249:5.
2- بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «اشتراه». و ما أثبتناه يقتضيه السياق.

و للشافعيّة قولان مبنيّان على ما ذكروه في الثمن.

إن قلنا: إنّ الثمن يثبت في ذمّة الموكّل، كان الوكيل وسيطاً في الدفع، و كان ذلك في يده أمانةً.

و إن قلنا: يثبت في ذمّة الوكيل دون الموكّل، و على الموكّل أن يسقط ذلك عن ذمّته، فإذا دفع إليه ألفاً ليقضيها عن نفسه، كانت أمانةً ما لم يدفعها إلى البائع، فإذا دفعها و قضى بها دَيْنه، وجب مثلها عليه للموكّل، و له الرجوع على الموكّل بألفٍ تقاصّاً، و صارت مضمونةً عليه، فإذا عادت إليه بردّ البائع، كانت مضمونةً عليه للموكّل ألف معيبة، و عليه للبائع ألف سليمة، فإذا قضاها رجع على الموكّل بألف سليمة(1).

مسألة 812: إذا دفع إليه ألفاً ليُسلمها في كُرّ طعامٍ، تناول المتعارف عند الموكّل.

و يحتمل عند الوكيل.

و قال بعض الشافعيّة: ينصرف إلى الحنطة خاصّةً؛ لانطلاقه إليه عرفاً(2).

و هو غير سديدٍ؛ لاختلاف العرف فيه.

و لو كان لرجلٍ في ذمّة آخَر ألف، فقال: أسلفها في طعامٍ، فأسلفها فيه، صحّ، و إذا أسلمها برئ من الدَّيْن. و إذا قبض الطعام كان أمانةً في يد الوكيل إن تلف فلا ضمان عليه.

قال أبو العباس من الشافعيّة: و إن لم يكن عليه شيء، فقال له:

أسلف من مالك ألفاً في كُرٍّ من طعامٍ و يكون لك ألف قرضاً علَيَّ، ففَعَل،

ص: 212


1- بحر المذهب 211:8، البيان 384:6-385.
2- بحر المذهب 193:8، البيان 393:6، العزيز شرح الوجيز 259:5، روضة الطالبين 564:3.

صحّ(1).

و قال بعضهم: هاتان المسألتان سهو من أبي العباس؛ لأنّه لا يجوز أن يُسلم ماله في طعامٍ لغيره، و مذهب الشافعي أنّه لا يجوز أن يكون العوض لواحدٍ و يقع المعوَّض لغيره(2).

و تأوّلوا المسألتين بأن يقول: إن أسلمت ألفاً في كُرٍّ من طعامٍ، و لا يعيّنه بالدَّيْن، ثمّ يأذن له أن يُسلم الدَّيْن عنه، و يبرأ. هذا في المسألة الأُولى، و في الثانية: أسلم ألفاً في ذمّتي في كُرٍّ من طعامٍ، فإذا فَعَل هذا، قال: اقض عنّي الألف لأدفع إليك عوضها(3).

قال بعض الشافعيّة: إنّ الذي أراد أبو العباس أن يسلم هكذا، و لا يحتاج إلى ما شرطه من تأخّر الإذن(4).

و يجوز أن يأذن له قبل أن يعقد بدفع الثمن من عنده أو بدفع الدَّيْن الذي عليه؛ لأنّ التصرّف من الوكيل يجوز تعليقه بالشرط.

و كذا لو قال له: اشتر به عبداً، سواء عيّنه أو لم يعيّنه، و به قال الشافعي و أبو يوسف و محمّد(3).

و قال أبو حنيفة: إن عيّن العبد، جاز. و إن لم يعيّنه، لم يجز؛ لأنّه إذا [لم](4) يعيّن، فقد وكّل في قبض الدَّيْن من ذمّة البائع، و هو مجهول(5).5.

ص: 213


1- بحر المذهب 199:8، البيان 394:6، العزيز شرح الوجيز 259:5، روضة الطالبين 563:3.
2- بحر المذهب 199:8، البيان 395:6، روضة الطالبين 563:3-564. (3 و 4) البيان 395:6.
3- البيان 395:6، حلية العلماء 147:5.
4- ما بين المعقوفين أضفناه لأجل السياق.
5- البيان 395:6، حلية العلماء 147:5.

و لنا: إنّه دفع بإذنه، فأشبه ما إذا عيّن. و قول أبي حنيفة باطل؛ لأنّ المدفوع له ليس بوكيلٍ له، و لا يتعيّن بالشراء منه، و يبطل عليه به إذا قال:

أطعم عنّي عشرة مساكين، فإنّهم غير معيّنين، و يصحّ عنه.

مسألة 813: إذا دفع إليه ألفاً ليشتري بها سلعةً أو يسلف بها في طعامٍ،

فاشترى السلعة و استسلف و لم يُسمّ الموكّلَ في العقد، ثمّ اختلفا، فقال الوكيل: إنّما اشتريت لنفسي، و قال الموكّل: بل لي، فالقول قول الوكيل مع يمينه، فإذا حلف حُكم له بذلك في الظاهر، و كان للموكّل الرجوع عليه بالألف.

و قال أصحاب أبي حنيفة: يكون السَّلَم للموكّل ؟ لأنّه دفع دراهمه(1).

و اختلفوا إذا [تصادقا](2) أنّه لم يَنْو لا لَه و لا للموكّل.

فقال أبو يوسف: يكون بحكم الدراهم(3).

و قال محمّد: يكون للوكيل(4).

أمّا الأوّل: فلأنّهما إذا اختلفا، رجّح قول الموكّل؛ لأنّه دفع دراهمه، فكان الظاهر معه.

و إذا أطلق قال أيضاً: يرجّح بالدراهم(5).

و دليلنا: إذا نوى ذلك عن نفسه و صدّقه عليه، وقع لنفسه، فإذا أطلق

ص: 214


1- حلية العلماء 148:5.
2- بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «تصادقوا». و الصحيح ما أثبتناه. (3-5) بحر المذهب 200:8، حلية العلماء 148:5.

و اختلفا كان القولُ قولَه، كما لو لم ينقد دراهم.

و ما ذكروه فليس بصحيحٍ؛ لأنّ إذن الدراهم بعد حصول العقد، فلا يؤثّر فيه.

مسألة 814: إذا كان وليّاً عن امرأةٍ في التزويج بأن يكون أباً أو جدّاً له،

كان له أن يوكّل؛ لأنّه وليٌّ بالأصالة ولايةَ الإجبار.

أمّا غيرهما - كالوكيل - هل له أن يوكّل ؟ الوجه عندنا: لا، إلّا مع الإذن - و لأصحاب [الشافعي](1) فيه وجهان(2) ، و عن أحمد روايتان(3) - لأنّه لا يملك التزويج إلّا بإذنها، فلا يملك التوكيل فيه إلّا بإذنها.

احتجّ أحمد بأنّ ولايته من غير جهتها، فلم يعتبر إذنها في توكيله، كالأب(4).

و أمّا الحاكم فيملك تفويض عقود الأنكحة إلى غيره بغير إذن المولّى عليه.

مسألة 815: لو أنكر الموكّل الوكالةَ بعد عقد النكاح على المرأة، فالقول قول الموكّل مع يمينه،

فإذا حلف برئ من الصداق، و بطلت الزوجيّة بينهما، و كان على الوكيل أن يدفع إليها نصف المهر؛ لأنّه أتلف عليها البُضْع.

ثمّ إن كان الوكيل صادقاً، وجب على الموكّل طلاقها؛ لئلّا يحصل الزنا بنكاحها مع الغير.

و لما رواه عمر بن حنظلة عن الصادق عليه السلام في رجلٍ قال لآخَر:

ص: 215


1- بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «الشافعيّة». و الصحيح ما أثبتناه.
2- البيان 360:6، الوسيط 79:5، الوجيز 7:2، حلية العلماء 344:6-345، التهذيب - للبغوي - 285:5، العزيز شرح الوجيز 567:7، روضة الطالبين 418:5-419، المغني 217:5، و 352:7، الشرح الكبير 211:5، و 439:7. (3 و 4) المغني 217:5، الشرح الكبير 211:5.

اخطب لي فلانة فما فعلتَ من شيء ممّا قاولتَ من صداقٍ أو ضمنتَ من شيء أو شرطتَ فذلك رضاً لي و هو لازم لي، و لم يُشهدْ على ذلك، فذهب فخطب و بذل عنه الصداق و غير ذلك ممّا طالبوه و سألوه، فلمّا رجع إليه أنكر ذلك كلّه، قال: «يغرم لها نصف الصداق عنه، و ذلك أنّه هو الذي ضيّع حقّها، فلمّا أن لم يُشهدْ لها عليه بذلك الذي قال، حلّ لها أن تتزوّج، و لا تحلّ للأوّل فيما بينه و بين اللّه، إلّا أن يطلّقها، لأنّ اللّه تعالى يقول:

«فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ» (1) فإن لم يفعل فإنّه مأثوم فيما بينه و بين اللّه تعالى، و كان الحكم الظاهر حُكْمَ الإسلام قد أباح [اللّه تعالى](2) لها أن تتزوّج»(3).

مسألة 816: للأب أن يقبض صداق ابنته الصغيرة تحت حجره؛

لأنّه الوليّ عليها، فكان له طلب حقّها أين كان.

و لو كانت كبيرةً فوكّلته بالقبض، كان له ذلك أيضاً.

و إن لم توكّله، لم تكن له المطالبة؛ لزوال ولايته عنها بالبلوغ و الرشد.

فإن أقبضه الزوج، كان لها مطالبة الزوج بحقّها، و يرجع الزوج على الأب بما قبضه منه؛ لأنّ ذمّته لم تبرأ بدفع حقّها إلى غيرها و غير وكيلها، و لم يقع القبض موقعه، فكان للزوج الرجوعُ به.

و لو مات الأب، كان له الرجوعُ به في تركته إن خلّف مالاً. و لو مات معسراً، ضاع ماله؛ لما رواه ابن أبي عمير عن غير واحدٍ من أصحابنا عن

ص: 216


1- البقرة: 229.
2- ما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.
3- الفقيه 169/49:3، التهذيب 213:6-504/214 بتفاوت يسير.

الصادق عليه السلام في رجلٍ قبض صداق ابنته من زوجها ثمّ مات هل لها أن تطالب زوجها بصداقها، أو قبضُ أبيها قبضُها؟ فقال عليه السلام: «إن كانت وكّلته بقبض صداقها من زوجها فليس لها أن تطالبه، و إن لم تكن وكّلته فلها ذلك، و يرجع الزوج على ورثة أبيها بذلك، إلّا أن تكون حينئذٍ صبيّةً في حجره، فيجوز لأبيها أن يقبض عنها، و متى طلّقها قبل الدخول بها فلأبيها أن يعفو عن بعض الصداق و يأخذ بعضاً، و ليس له أن يدع كلّه، و ذلك قول اللّه عزّ و جلّ:«إِلاّ أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ»(1) يعني الأب و الذي توكّله المرأة و تولّيه أمرها من أخ أو قرابة أو غيرهما»(2).

مسألة 817: لو زوّجها الوليّ أو الوكيل و كانت قد دلّست نفسها

و أخفت عيبها الذي يجب ردّ النكاح به، فإذا ردّها الزوج، كان له الرجوعُ عليها بالمهر، و لا يغرم الوكيل شيئاً إذا لم يعلم حالها؛ لعدم التفريط منه، و استناد الغشّ إليها خاصّةً.

و لما رواه الحلبي - في الصحيح - عن الصادق عليه السلام أنّه قال في رجل ولّته امرأة أمرها إمّا ذات قرابة أو جارة له لا يعلم دخيلة أمرها، فوجدها قد دلّست عيباً هو بها، قال: «يؤخذ المهر منها، و لا يكون على الذي زوّجها شيء»(3).

مسألة 818: لو قال رجل لآخَر: وكّلتَني أن أتزوّج لك فلانة بصداق كذا، ففَعَلتُ، و ادّعت المرأة ذلك، فأنكر الموكّل، فالقول قوله.

فإن أقام الوكيل أو المرأة البيّنةَ، و إلّا حلف المدّعى عليه عقد النكاح.

ص: 217


1- البقرة: 237.
2- الفقيه 50:3-172/51، التهذيب 215:6-507/216.
3- الكافي 10/407:5، الفقيه 171/50:3، التهذيب 508/216:6.

و قال أحمد بن حنبل: لا يستحلف؛ لأنّ الوكيل يدّعي حقّاً لغيره(1).

هذا إن ادّعى الوكيل، و إن ادّعته المرأة، استحلف؛ لأنّها تدّعي الصداق في ذمّته.

و نحن لمّا أوجبنا نصف المهر على الوكيل، كان له إحلاف الموكّل.

و قال أحمد: لا يلزم الوكيل شيء؛ لأنّ دعوى المرأة على الموكّل، و حقوق العقد لا تتعلّق بالوكيل(2).

و عنه رواية أُخرى: إنّه يلزمه نصف الصداق - كما قلناه - لأنّ الوكيل في الشراء ضامن [للثمن و](2) للبائع مطالبته به، كذا هنا(4).

أمّا لو ضمن الوكيل المهر، فلها الرجوع عليه بنصفه؛ لأنّه ضمنه للموكّل، و هو مُقرٌّ بأنّه في ذمّته.

و قال أبو حنيفة و أبو يوسف و الشافعي: لا يلزم الوكيل شيء(5).

و قال محمّد بن الحسن: يلزم الوكيل جميع الصداق؛ لأنّ الفرقة لم تقع بإنكاره، فيكون ثابتاً في الباطن، فيجب جميع الصداق(6).

و احتجّ أحمد بأنّه يملك الطلاق، فإذا أنكر فقد أقرّ بتحريمها عليه، فصار بمنزلة إيقاعه لما تحرم به(3).

إذا ثبت هذا، فإنّ المرأة تتزوّج و إن لم يطلّق الموكّل؛ لأنّه لم يثبت عقده.5.

ص: 218


1- المغني 224:5، الشرح الكبير 254:5-255. (2 و 4) المغني 224:5، الشرح الكبير 255:5.
2- ما بين المعقوفين أضفناه من المصدر. (5 و 6) المغني 224:5، الشرح الكبير 255:5.
3- المغني 224:5-225، الشرح الكبير 255:5.

و قال أحمد: لا تتزوّج حتى يطلّق، لعلّه يكون كاذباً في إنكاره(1).

قال أصحابه: ظاهر هذا تحريم نكاحها قبل طلاقها؛ لأنّها معترفة بأنّها زوجة له، فيؤخذ بإقرارها، و إنكاره ليس بطلاقٍ(2).

و هل يلزم الموكّل طلاقها؟ الأقوى: الإلزام؛ لإزالة الاحتمال، و إزالة الضرر عنها بما لا ضرر عليه فيه، فأشبه النكاح الفاسد.

و يحتمل عدم اللزوم؛ لأنّه لم يثبت في حقّه نكاح، و لو ثبت لم يكلَّف الطلاق.

مسألة 819: لو ادّعى أنّ فلاناً الغائب وكّله في تزويج امرأةٍ فزوّجها منه ثمّ مات الغائب،

فإن صدّقه الورثة على التوكيل أو قامت له البيّنة به، ورثت المرأة نصيبها من تركته. و إن لم تصدّقه الورثة و لا قامت البيّنة، لم يكن لها ميراث، و لها إحلاف الوارث إن ادّعت علمه بالتوكيل، فإن حلف فلا ميراث، و إلّا حلفت و أخذت.

و لو أقرّ الموكّل بالتوكيل في التزويج و أنكر أن يكون تزوّج له، فهنا الاختلاف في تصرّف الوكيل، و قد سبق(3).

فقيل: القول قول الموكّل مع اليمين، و به قال أبو حنيفة(4) ، و هو المعتمد؛ لأنّه مدّعٍ لما لا تتعذّر إقامة البيّنة عليه خصوصاً عند العامّة؛ حيث إنّ البيّنة شرط في العقد عندهم(5) ، فأشبه ما لو أنكر الموكّل الوكالة من

ص: 219


1- المغني 225:5، الشرح الكبير 255:5.
2- المغني 225:5، الشرح الكبير 255:5-256.
3- في ص 184، المسألة 783.
4- المغني 225:5، الشرح الكبير 256:5.
5- التهذيب - للبغوي - 229:4، و 257:5، المغني 225:5 و 339:7، الشرح الكبير 256:5، و 457:7، بداية المجتهد 17:2، الحاوي الكبير 57:9، المهذّب - للشيرازي - 41:2، الوسيط 53:5، الوجيز 4:2، العزيز شرح الوجيز 515:7، روضة الطالبين 391:5.

أصلها.

و قال بعض العامّة: القول قول الوكيل، فيثبت التزويج هنا؛ لأنّهما اختلفا في فعل الوكيل ما أُمر به، فكان القولُ قولَه، كما لو وكّله في بيع ثوبٍ فادّعى أنّه باعه(1).

و لو غاب رجل فجاء آخَر إلى امرأته فذكر أنّ زوجها طلّقها و أبانها و وكّله في تجديد نكاحها بألف، فأذنت في نكاحها، فعقد عليها و ضمن الوكيل الألف، ثمّ جاء الزوج و أنكر ذلك كلّه، فالقول قوله، و النكاح الأوّل بحاله.

ثمّ المرأة إن صدّقت الوكيل، لزمه الألف، إلّا أن يطلّقها زوجها قبل الدخول - و به قال مالك و زفر(2) - لأنّ الوكيل قد أقرّ بأنّ الحقّ في ذمّة المضمون عنه، و أنّه ضامن عنه، فلزمه ما أقرّ به، كما لو ادّعى على رجل أنّه ضمن له ألفاً له على أجنبيّ، فأقرّ الضامن بالضمان و صحّته و ثبوت الحقّ في ذمّة المضمون [عنه] و أنكر المضمون عنه، و كما لو ادّعى شفعةً على إنسانٍ في شقصٍ اشتراه، فأقرّ البائع بالبيع و أنكر المشتري، فإنّ الشفيع يستحقّ الشفعة.

و قال أبو حنيفة و الشافعي: لا يلزم الضامن شيء؛ لأنّه فرع المضمون عنه، و المضمون عنه لا يلزمه شيء فكذا فرعه(3).

و لو لم تدّع المرأة صحّة ما ذكره الوكيل، لم يكن عليه شيء.5.

ص: 220


1- المغني 225:5، الشرح الكبير 257:5. (2 و 3) المغني 226:5، الشرح الكبير 257:5.

و يحتمل أنّ مَنْ أسقط عنه الضمان أسقطه في هذه الصورة، و مَنْ أوجب أوجبه في الصورة الأُخرى.

مسألة 820: قد بيّنّا أنّه إذا اختلف الوكيل و الموكّل - فقال الموكّل:

أذنتُ لك في البيع نقداً

أو في الشراء بخمسةٍ، و قال الوكيل: بل أذنتَ لي في البيع نسيئةً و في الشراء بعشرة - أنّ القولَ قولُ الموكّل مع يمينه؛ لأصالة عدم الإذن، و به قال الشافعي و ابن المنذر و أصحاب الرأي(1).

و قال أحمد: القول قول الوكيل؛ لأنّه أمينه في التصرّف، فكان القولُ قولَه في صفته، كالخيّاط إذا قال: أذنتَ لي في تفصيله قباءً، فقال: بل قميصاً(2).

و كذا إذا قال: وكّلتُك في البيع بألفين، فقال: بل بألف.

و قال مالك: إن أُدركت السلعة فالقول قول الموكّل، و إن فاتت فالقول قول الوكيل؛ لأنّها إذا فاتت لزم الوكيل الضمان، و الأصل عدمه، بخلاف ما إذا كانت موجودةً(3).

و الأوّل أصحّ؛ لأنّه اختلاف في التوكيل الذي يدّعيه الوكيل، و الأصل عدمه، فالقول قول مَنْ ينفيه، كما لو لم يُقرّ الموكّل بتوكيله في غيره.

و لأنّهما اختلفا في صفة قول الموكّل، فكان القولُ قولَه في صفة كلامه.

و لو قال الوكيل: اشتريتُ لك هذه الجارية بإذنك، فقال الموكّل:

ص: 221


1- مختصر المزني: 111، الحاوي الكبير 544:6-545، المهذّب - للشيرازي - 364:1، الوسيط 307:3، حلية العلماء 158:5، التهذيب - للبغوي - 231:4، العزيز شرح الوجيز 261:5، روضة الطالبين 565:3، المغني 226:5، الشرح الكبير 250:5-251، و انظر: الإقناع - لابن المنذر -: 552.
2- الكافي في فقه الإمام أحمد 145:2، المغني 226:5، الشرح الكبير 251:5.
3- المغني 227:5، الشرح الكبير 251:5.

ما أذنتُ لك إلّا في شراء غيرها، أو قال: اشتريتُها لك بألفين، فقال:

ما أذنتُ لك إلّا في شرائها بألف، فالقول قول الموكّل مع اليمين، فإذا حلف برئ من الشراء.

ثمّ إن كان الشراء بعين مال الموكّل، بطل البيع، و تُردّ الجارية على البائع. و إن كان في الذمّة و سمّاه أو نواه و صدّقه البائع، فكذلك، و إلّا وقع للوكيل.

و لو كذّبه البائع في أنّ الشراء لغيره أو بمال غيره بغير إذنه، حلف البائع على عدم العلم؛ لأنّ الأصل أنّ ما في يد الإنسان له، و كان على الوكيل غرامةُ الثمن للموكّل، و دَفْعُ الثمن إلى البائع، و تبقى الجارية له(1) ، و لا تحلّ له؛ لأنّه إن كان صادقاً فهي للموكّل، و إن كان كاذباً فللبائع، فإذا أراد استحلالها اشتراها ممّن هي له في الباطن، فإن امتنع من بيعه إيّاها، رفع الأمر إلى الحاكم ليثبت له الدَّيْن ظاهراً و باطناً، و يصير له ما ثبت في ذمّته قصاصاً بالذي أخذ منه الآخَر ظلماً، فإن امتنع الآخَر من البيع، لم يُجبر على البيع؛ لأنّه عقد مراضاة.

و إن قال له: إن كانت الجارية لي فقد بعتُكها، أو قال الموكّل: إن كنتُ أذنتُ لك في الشراء فقد بعتُكها، صحّ توصّلاً إلى الخلاص.

و للشافعيّة وجهان(2).

و كلّ موضعٍ كانت للموكّل في الباطن، فإن امتنع من بيعها للوكيل،3.

ص: 222


1- الظاهر: «في يده» بدل «له».
2- الحاوي الكبير 545:6، المهذّب - للشيرازي - 365:1، الوسيط 308:3، حلية العلماء 159:5، التهذيب - للبغوي - 232:4، العزيز شرح الوجيز 262:5، روضة الطالبين 566:3.

فقد حصلت في يد الوكيل، و هي للموكّل، و في ذمّته للوكيل ثمنها، فيأذن الحاكم في بيعها و توفية حقّه من ثمنها، فإن كانت للموكّل فقد باعها الحاكم في إيفاء دَيْنٍ امتنع المديون من إيفائه. و إن كانت للوكيل، فقد أذن في بيعها.

مسألة 821: إذا بعث المالك إلى المديون رسولاً ليقبض دَيْنه الذي له عليه،

و كان الدَّيْن دراهم مثلاً، فبعث معه ديناراً فضاع الدينار من الرسول، فهو من مال الباعث؛ لأنّه إنّما أمره بقبض دَيْنه و هو دراهم. فإذا دفع إليه ذهباً، يكون قد صارفه من غير أمره، و قد دفع المديون إلى الرسول غير ما أمر به المرسل، و الصَّرف شرطه رضا المتصارفين، فصار الرسول وكيلاً للباعث في تأديته إلى صاحب الدَّيْن و مصارفته به، فإذا تلف في يد وكيله كان من ضمانه.

و لو كان الرسول قد أخبر المديونَ بأنّ المالك قد أذن له في قبض الدينار عوضاً عن الدراهم، كان من ضمان الرسول؛ لأنّه غرّه، و أخذ الدينار على أنّه وكيل.

و لو قبض الدراهم فضاعت، كانت من ضمان صاحبها؛ لأنّها تلفت في يد وكيله. و لو قبض أزيد ممّا أمره بقبضه ثمّ تلف الجميع، فالضمان في الأصل على صاحب الدراهم، و في الزائد على الباعث، حيث دفع إلى مَنْ لم يؤمر بالدفع إليه، و يرجع الباعث على الرسول؛ لأنّه غرّه، و حصل التلف في يده، فاستقرّ الضمان عليه للموكّل، و للموكّل أن يضمن الوكيل؛ لأنّه تعدّى بقبض ما لم يؤمر بقبضه، فإذا ضمنه لم يرجع على أحدٍ؛ لأنّ التلف حصل في يده، فاستقرّ الضمان عليه.

مسألة 822: لو وكّله في قبض دَيْنه و غاب، فأخذ الوكيل به رهناً

ص: 223

فتلف الرهن في يد الوكيل، فقد أساء الوكيل بقبض الرهن و أخذه حيث لم يأمره المالك، و لا ضمان عليه في الرهن؛ لأنّه رهن فاسد، و القبض في العقد الفاسد كالقبض في الصحيح، فكلّ قبضٍ صحيح كان مضموناً فالفاسد فيه يكون مضموناً، و ما لا يكون صحيحه مضموناً لا يكون فاسده مضموناً، و الرهن الفاسد كالصحيح في عدم الضمان بقبضه.

و لو دفع إليه دراهم ليشتري بها سلعةً فخلطها مع دراهمه فضاعا معاً، ضمن. و إن ضاع أحدهما، فكذلك؛ لأنّه فرّط بالمزج.

و قال بعض العامّة: إن ضاعا معاً، فلا شيء عليه. و إن ضاع أحدهما أيّهما ضاع، غرمه(1).

و هذا كلام غير محصّل، و كيف جعل ضياع مال الاثنين شرطاً في زوال الضمان عنه!؟1.

ص: 224


1- المغني 231:5، الشرح الكبير 260:5-261.

الفصل السادس: فيما به تثبت الوكالة

مسألة 823: تثبت الوكالة بإقرار الموكّل على نفسه بأنّه وكّله، و بشهادة عَدْلين ذكرين،

و لا تثبت بشهادة رجلٍ و امرأتين، و لا بشهادة رجلٍ و يمين، عند علمائنا أجمع، سواء كانت الوكالة بمالٍ أو لا - و به قال الشافعي(1) - لأنّ الوكالة إثبات للتصرّف، فلا تثبت إلّا بشاهدَيْن، كالوصيّة.

و قال أحمد في إحدى الروايتين: إنّه تُقبل في الوكالة بالمال شهادة رجلٍ و امرأتين و شهادة رجلٍ و يمين(2).

و هو غلط؛ لأنّها شهادة بولايةٍ، فلا تُقبل إلّا برجلين.

و يفارق ما إذا ادّعى أنّه أوصى له بكذا، فإنّه يُقبل فيه شاهد و امرأتان، و شاهد و يمين؛ لأنّ المقصود فيه إثبات المال، دون التصرّف.

مسألة 824: يشترط بقاء شهادة الشاهدَيْن على الوكالة،

فلو شهد أحدهما أنّه وكّله ثمّ شهد الآخَر أنّه وكّله ثمّ عزله، لم تثبت الوكالة بهذه الشهادة؛ لأنّ أحدهما لم يُثبت وكالته في الحال.

و لو شهدا له بالوكالة مطلقاً ثمّ عاد أحدهما قبل الحكم بها، فقال: قد

ص: 225


1- الأُم 48:7، الحاوي الكبير 8:17، المهذّب - للشيرازي - 334:2، بحر المذهب 215:8، و 133:12، الوجيز 252:2، الوسيط 365:7-366، حلية العلماء 276:8، التهذيب - للبغوي - 218:8، البيان 403:6، و 306:13، العزيز شرح الوجيز 48:13، روضة الطالبين 226:8، المغني 265:5، الشرح الكبير 264:5.
2- المغني 265:5، الشرح الكبير 264:5.

عزله بعد التوكيل، لم يحكم بالشهادة؛ لأنّه رجوع عن الشهادة قبل الحكم، فلا يصحّ للحاكم الحكم بما رجع عنه.

و قال بعض الشافعيّة: إنّه [لا](1) يُقبل؛ لأنّه رجوع عن الشهادة، فأشبه ما إذا كان بعد الحكم(2).

و هو غلط؛ لأنّه إذا رجع بعد الحكم، فقد نفذ الحكم بالشهادة. و إذا كان قبل الحكم، لا يمكن الحكم بشهادةٍ مرجوعٍ عنها.

فأمّا إذا حكم بذلك ثمّ قالا أو أحدهما: إنّه عزله بعد ما وكّله، فإن كان ذلك رجوعاً عن الشهادة لم يُقبل.

و كذا لو شهد الشاهدان بالوكالة ثمّ شهد ثالث غيرهما بالعزل، لم يثبت العزل بشهادة واحدٍ؛ لأنّ العزل إنّما يثبت بما يثبت به التوكيل.

و لو شهد الشاهدان بالوكالة ثمّ شهدا معاً بالعزل، تمّت الشهادة في العزل كتمامها في التوكيل.

مسألة 825: من شرط قبول الشهادة اتّفاق الشاهدَيْن على الفعل الواحد،

فلو شهد أحدهما أنّه وكّله يوم الجمعة، و شهد الآخَر أنّه وكّله يوم السبت، لم تتمّ(3) البيّنة؛ لأنّ التوكيل يوم الجمعة غير التوكيل يوم السبت، فلم تكمل شهادتهما على فعلٍ واحد.

و لو شهد أحدهما أنّه أقرّ بتوكيله يوم الجمعة، و شهد الآخَر أنّه أقرّ به يوم السبت، تثبت الشهادة؛ لأنّ الإقرارين إخبار عن عقدٍ واحد، و يشقّ جمع الشهود على إقرارٍ واحد ليقرّ عندهم في حالةٍ واحدة، فجُوّز له الإقرار

ص: 226


1- ما بين المعقوفين أضفناه لأجل السياق و كما هو في حلية العلماء.
2- بحر المذهب 215:8، حلية العلماء 149:5، البيان 403:6.
3- في «ث، خ، ر»: «لم تثبت».

عند كلّ واحدٍ وحده رخصةً للمُقرّ.

و كذا لو شهد أحدهما أنّه أقرّ عنده بالوكالة بالعربيّة، و شهد الآخَر أنّه أقرّ بها بالعجميّة، تثبت الوكالة.

و لو شهد أحدهما أنّه وكّله بالعربيّة، و شهد الآخَر أنّه وكّله بالعجميّة، لم تثبت؛ لأنّ الإنشاء هنا متعدّد لم يشهد بأحدهما شاهدان(1).

و كذا لو شهد أحدهما أنّه قال: وكّلتُك، و شهد الآخَر أنّه قال: أذنتُ لك في التصرّف، أو قال: جعلتُك وكيلاً، أو شهد أنّه قال: جعلتُك جريّاً، أي وكيلاً(2) ، لم تتمّ الشهادة؛ لاختلاف اللفظ.

و لو شهد أحدهما أنّه وكّله و شهد الآخَر أنّه أذن له في التصرّف، تمّت الشهادة؛ لأنّهما لم يحكيا لفظ الموكّل، و إنّما عبّرا عنه بلفظهما، و اختلاف لفظهما لا يؤثّر إذا اتّفق معناه.

و لو قال أحدهما: أشهد أنّه أقرّ عندي أنّه وكيله، و شهد الآخَر أنّه وكّله، لم تثبت الوكالة؛ لأنّ الإقرار غير الإنشاء، و كلّ واحدٍ لم تكمل شهادته.

و لو قال أحدهما: أشهد أنّه أقرّ عندي أنّه وكيله، و قال الآخَر: أشهد أنّه أقرّ أنّه جريُّه، أو أنّه أوصى إليه بالتصرّف في حياته، تثبت الوكالة بذلك؛ لأنّهما أخبرا بلفظهما.

و لو شهدا على الإنشاء لكن شهد أحدهما أنّه وكّله في بيع عبده، و شهد الآخَر أنّه وكّله و زيداً، أو أشهد أنّه وكّله في بيعه و قال: لا تبعه حتى تستأمرني أو تستأمر فلاناً، لم تتم الشهادة؛ لأنّ الأوّل أثبت استقلاله بالبيع من».

ص: 227


1- في «ث، خ»: «الشاهدان».
2- لسان العرب 142:14 «جرا».

غير شرطٍ، و الثاني ينفي ذلك، فاختلفت الشهادة.

أمّا لو شهد أحدهما أنّه وكّله في بيع عبده و شهد الآخَر أنّه وكّله في بيع عبده و جاريته، حُكم بالوكالة في العبد؛ لاتّفاقهما عليه، و زيادة الثاني لا تقدح في تصرّفه في الأوّل و لا تضرّ.

و هكذا لو شهد أحدهما أنّه وكّله في بيعه لزيدٍ و شهد الآخَر أنّه وكّله في بيعه لزيدٍ و إن شاء لعمرو، على إشكالٍ.

مسألة 826: لا تثبت الوكالة و العزل بشهادة واحدٍ و لا بخبره،

عند علمائنا أجمع - و به قال الشافعي و أحمد(1) - لأنّه حقٌّ ماليّ، فلا يثبت بخبر الواحد و لا بشهادته، كالبيع.

و قال أبو حنيفة: تثبت الوكالة بخبر الواحد و إن لم يكن ثقةً، و يجوز التصرّف للمُخبر بذلك إذا غلب على ظنّه صدق المُخبر بشرط الضمان إن أنكر الموكّل. و يثبت العزل بخبر الواحد إذا كان رسولاً؛ لأنّ اعتبار شاهدَيْن عَدْلين في هذا مشِقٌّ، فسقط اعتباره [و](2) لأنّه أذن في التصرّف و منع منه، فلم يعتبر في هذا شرط الشهادة، كاستخدام غلامه و إسلام عبده(3).

و هو غلط؛ لأنّ العقد لا يثبت بشاهدٍ واحد، بخلاف الاستخدام و إسلام العبد؛ لأنّه ليس بعقدٍ.

و لو شهد اثنان أنّ فلاناً الغائب وكّل فلاناً الحاضر، فقال الوكيل:

ما علمتُ هذا و أنا أتصرّف عنه، ثبتت الوكالة؛ لأنّ معنى ذلك أنّي لم أعلم إلى الآن، و قبول الوكالة يجوز متراخياً، و ليس من شرط التوكيل حضور

ص: 228


1- المغني 267:5، الشرح الكبير 266:5، و راجع الهامش (1) من ص 225.
2- ما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.
3- المغني 267:5، الشرح الكبير 266:5.

الوكيل و لا علمه، و لا يضرّ جهله به.

و لو قال: ما أعلم صدق الشاهدَيْن، لم تثبت وكالته؛ لقدحه في شهادتهما، على إشكالٍ أقربه ذلك إن طعن في الشهود، و إلّا فلا؛ لأنّ الاعتبار بالسماع عند الحاكم، و جهله بالعدالة مع علم الحاكم بها إمّا بنفسه أو بالتزكية لا يضرّ في ثبوت حقّه.

مسألة 827: يصحّ سماع البيّنة بالوكالة على الغائب،

و هو أن يدّعي أنّ فلاناً الغائب وكّلني في كذا، عند علمائنا أجمع - و به قال الشافعي(1) - لأنّه لا يعتبر رضاه في سماع البيّنة، فلا يعتبر حضوره كغيره.

و قال أبو حنيفة: لا يصحّ(2).

و إذا قال له مَنْ عليه الحقّ: إنّك لا تستحقّ مطالبتي، أو لستَ بوكيلٍ، لم تُسمع دعواه؛ لأنّ ذلك طعن في الشهادة. و لو طلب منه الحلف على استحقاق المطالبة، لم يُسمع كذلك.

و لو قال: قد عزلك الموكّل فاحلف أنّه ما عزلك، لم يستحلف؛ لأنّ الدعوى على الموكّل، و اليمين لا تدخلها النيابة.

و يحتمل الحلف؛ لأنّه يدّعي عليه استحقاق المطالبة، فيحلف على نفي العلم.

و لو قال له: أنت تعلم أنّ موكّلك قد عزلك، سُمعت دعواه.

و إن طلب اليمين من الوكيل، حلف أنّه لا يعلم أنّ موكّله عزله؛ لأنّ

ص: 229


1- العزيز شرح الوجيز 245:5، روضة الطالبين 552:3، المغني و الشرح الكبير 267:5، روضة القُضاة 752/190:1، و 3709/655:2.
2- روضة القُضاة 749/190:1، و 3707/655:2، العزيز شرح الوجيز 245:5، روضة الطالبين 552:3، المغني و الشرح الكبير 267:5.

الدعوى عليه.

و إن أقام الخصم بيّنةً بالعزل، سُمعت، و انعزل الوكيل.

مسألة 828: تُقبل شهادة الوكيل على موكّله و له فيما ليس بوكيلٍ فيه،

و لا تُقبل لموكّله فيما هو وكيل فيه؛ لأنّه يُثبت لنفسه حقّاً.

و لو شهد بما كان وكيلاً فيه بعد عزله، فإن لم يكن قد خاصم قُبلت، و إلّا فلا، و به قال أبو حنيفة(1).

و قال أبو يوسف و محمّد و أحمد بن حنبل: لا تُقبل شهادته، سواء خاصم أو لا؛ لأنّه بعقد الوكالة صار خصماً فيه، فلم تُقبل شهادته فيه، كما لو خاصم فيه، بخلاف ما إذا لم يكن وكيلاً، فإنّه لم يكن خصماً فيه(2).

و هو خطأ؛ لأنّ الوكيل بعد عزله كالأجنبيّ، بل ربما كان متّهماً في حقّ موكّله.

مسألة 829: لو كانت الأمة بين اثنين فشهدا لزيدٍ أنّ زوجها وكّله في طلاقها، لم تُسمع شهادتهما؛

لأنّهما يجرّان إلى أنفسهما نفعاً، و هو زوال حقّ الزوج من البُضْع الذي هو ملكهما.

و لو شهدا بعزل الوكيل في الطلاق، لم تُقبل شهادتهما؛ لأنّهما يجرّان إلى أنفسهما نفعاً، و هو إبقاء النفقة على الزوج.

و تُقبل شهادة ولدي الرجل له بالوكالة و شهادة أبويه، خلافاً للعامّة(3).

ص: 230


1- المحيط البرهاني 440:8، حلية العلماء 149:5، العزيز شرح الوجيز 244:5، المغني و الشرح الكبير 268:5.
2- المحيط البرهاني 440:8، حلية العلماء 149:5، المغني و الشرح الكبير 268:5.
3- بحر المذهب 217:8، البيان 404:6، المغني و الشرح الكبير 268:5.

و تُقبل شهادة ابني الموكّل و أبويه بالوكالة، و به قال بعض الشافعيّة(1).

أمّا عندنا: فلأنّه تُقبل شهادة الولد لوالده، و بالعكس.

و أمّا عنده: فلأنّ هذا حقٌّ على الموكّل يستحقّ به الوكيل المطالبة، فقُبلت فيه شهادة قرابة الموكّل، كالإقرار(2).

و نحن متى فُرضت الشهادة على الأب منعنا قبولها.

و قال أحمد بن حنبل: لا تُقبل؛ لأنّها شهادة يثبت فيها حقٌّ لأبيه أو ابنه، فلم تُقبل - كشهادة(1) ابني الوكيل و أبويه - لأنّهما يُثبتان لأبيهما نائباً متصرّفاً له، و فارق الشهادة عليه بالإقرار؛ فإنّها شهادة عليه متمحّضة(2).

و الأقرب: إنّه إن كانت الشهادة على الأب، لم تُسمع. و إن كانت له أو على الولد أو للولد، سُمعت.

و لو ادّعى الوكيل الوكالةَ، فأنكرها الموكّل، فشهد عليه ابناه، لم تثبت عندنا؛ لأنّه لا تُقبل شهادة الولد على والده، خلافاً للعامّة(5).

و لو شهد عليه أبواه، قُبلت عندنا و عندهم(6).

و إن ادّعى الموكّل أنّه تصرّف بوكالته، و أنكر الوكيل، فشهد عليه ابناه، لم تُقبل. فإن شهد أبواه سُمعت.5.

ص: 231


1- في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «شهادة». و المثبت كما في المصدر.
2- المغني و الشرح الكبير 268:5-269. (5 و 6) بحر المذهب 217:8، البيان 404:6، المغني و الشرح الكبير 269:5.

و إن ادّعى وكيل لموكّله الغائب حقّاً و طالَب به، فادّعى الخصم أنّ الموكّل عزله و شهد له بذلك ابنا الموكّل، لم تُقبل إن كانت شهادة عليه.

و قال الجمهور: تُسمع، و يثبت العزل؛ لأنّهما يشهدان على أبيهما(1).

و إن لم يدّع الخصم عزله، لم تُسمع شهادتهما؛ لأنّهما يشهدان لمن لا يدّعيها.

فإن قبض الوكيل فادّعى [الموكّل](2) أنّه كان قد عزل الوكيل و أنّ حقّه باقٍ في ذمّة الغريم، و شهد له ابناه، قُبلت؛ لأنّهما يثبتان حقّاً لأبيهما، خلافاً للعامّة(3).

و لو ادّعى مكاتَبٌ الوكالةَ فشهد له سيّده، لم تُقبل.

و لو شهد له ابنا سيّده أو أبواه، قُبلت عندنا، خلافاً للعامّة(4).

و لو أُعتق العبد و أعاد السيّد الشهادةَ، احتُمل عدمُ القبول؛ لأنّها رُدّت للتهمة. و القبولُ؛ لأنّها رُدّت للملك، لا للتهمة و قد زال المانع.

و للشافعيّة قولان(5).

مسألة 830: لو حضر رجل و ادّعى على غائبٍ مالاً في وجه وكيله، فأنكره،

فأقام بيّنةً بما ادّعاه، حلّفه الحاكم، و حكم له بالمال، فإذا حضر الموكّل و جحد الوكالةَ، أو ادّعى أنّه كان قد عزله، لم يؤثّر ذلك في الحكم؛ لأنّ القضاء على الغائب لا يفتقر إلى حضور وكيله.

و لو قال له: بِعْ هذا الثوب بعشرة، فما زاد عليها فهو لك، فمال الجعالة هنا مجهول، فيبطل المسمّى، و يثبت له أُجرة المثل، و لا يلزم

ص: 232


1- المغني و الشرح الكبير 269:5.
2- ما بين المعقوفين أضفناه لأجل السياق.
3- المغني و الشرح الكبير 269:5.
4- بحر المذهب 217:8، المغني و الشرح الكبير 269:5.
5- بحر المذهب 217:8، البيان 297:13-298، حلية العلماء 150:5.

ما عيّنه له، و به قال الشافعي(1).

و قال أحمد: يصحّ، و يكون للمأمور الزائدُ؛ لأنّ ابن عباس كان لا يرى بذلك بأساً. و لأنّه يتصرّف في ماله بإذنه، فصحّ شرط الربح له، كالمضارب و العامل في المساقاة(2).

و الفرق: تعذّر تعيين الأُجرة في المضارب و المساقي، بخلاف الدلالة.

مسألة 831: لو ادّعى الوكالة على الغائب و أقام شاهدَيْن و ثبتت عند الحاكم و ثبت الحقّ لموكّله،

فادّعى مَنْ عليه الحقّ أنّ الموكّل أبرأه من الحقّ أو قضاه و لم يدّع علم الوكيل بذلك، لم تُسمع منه هذه الدعوى؛ لأنّ سماع هذه الدعوى يؤدّي إلى إبطال الوكالة في استيفاء حقّ الغائب، لأنّه متى ادّعى ذلك مَنْ عليه الحقُّ و سُمعت منه، وقفت المطالبة بالحقّ إلى حضور الموكّل و يمينه، فتقف بذلك الحقوقُ، فيقال له: ادفع الحقّ الذي عليك، و تقف دعواك إلى حضور الموكّل و يمينه.

و إن ادّعى علم الوكيل بذلك، سُمعت دعواه، و سأله عن ذلك، فإن صدّقه بطلت وكالته، و سقطت مطالبته. و إن أنكر، حلف على ذلك، و به قال الشافعي و زفر(3).

و قال أبو حنيفة و صاحباه: لا يحلف؛ لأنّ هذه اليمين متوجّهة على الموكّل، فلا ينوب فيها الوكيل(4).

و ليس بصحيح؛ لأنّه ليس بنائبٍ عن الموكّل؛ لأنّ إقراره بذلك

ص: 233


1- المغني 270:5.
2- المغني 270:5.
3- حلية العلماء 151:5.
4- حلية العلماء 151:5.

لا يثبت به حقٌّ على الموكّل عندنا، فلا تسقط(1) بيمينه الدعوى.

و يدلّ على قولنا أنّه لو أقرّ الوكيل بذلك، سقطت مطالبته، فإذا أنكر توجّهت عليه اليمين، كصاحب الحقّ.

***».

ص: 234


1- في النسخ الخطّيّة: «و لا تسقط».

المقصد السابع: في الإقرار

اشارة

و فيه فصول:

الفصل الأوّل: في ماهيّته و مشروعيّته

نريد أن نبحث في هذا الفصل عن جميع ما يتعلّق بالإقرار، و لا شكّ في أنّه متعلّق بمُقِرٍّ و مُقَرٍّ له و مُقَرٍّ به، و صيغةٍ تترتّب عليها المؤاخذة. و هذه الأربعة هي أركان الإقرار.

ثمّ المُقَرّ به قد يكون مالاً، و قد يكون غيره، و على التقديرين فالمستعمل فيه قد يكون مفصّلاً، و قد يكون مجملاً، و على كلّ تقديرٍ فقد يُعقَّب الإقرار بما ينافيه(1) و قد لا يُعقَّب.

و إذا لم يكن المُقَرّ به مالاً، فقد يكون عقوبةً من قصاصٍ أو حدٍّ، و قد يكون نسباً و غيره. ثمّ قد يحصل بحيث يكون من لواحق ذلك، فالفصول خمسة.

الإقرار: الإثبات، من قولك: قرّ الشيء يقرّ و أقررته و قرّرته إذا أفدته القرار، و لم يُسمّ ما يشرع فيه إقراراً من حيث إنّه افتتاح إثباتٍ، و لكن لأنّه إخبار عن ثبوتٍ و وجوبٍ سابق.

و هو إخبار عن حقٍّ سابق.

ص: 235


1- في الطبعة الحجريّة: «يرفعه» بدل «ينافيه».

و هو معتبر بالكتاب و السنّة و الإجماع.

أمّا الكتاب: فقوله تعالى:«وَ إِذْ أَخَذَ اللّهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ» إلى قوله:

«أَ أَقْرَرْتُمْ وَ أَخَذْتُمْ عَلى ذلِكُمْ إِصْرِي قالُوا أَقْرَرْنا» (1) الآية.

و قوله تعالى:«وَ آخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ» (2).

و قوله تعالى:«أَ لَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى» (3).

و قوله تعالى:«كُونُوا قَوّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَداءَ لِلّهِ وَ لَوْ عَلى أَنْفُسِكُمْ» (4).

قال المفسّرون: شهادة المرء على نفسه إقراره(5).

و الآيات في ذلك كثيرة في القرآن العزيز.

و أمّا السنّة: فما روي عن النبيّ صلى الله عليه و آله أنّه أقرّ ماعز عنده بالزنا، فرجمه رسول اللّه صلى الله عليه و آله(6).

و كذلك الغامديّة، و قال: «اغْدُ يا أُنيس على امرأة هذا، فإن اعترفت فارجمها»(7) و الاعتراف هو الإقرار.

و قال صلى الله عليه و آله: «قُولوا الحقّ و لو على أنفسكم»(8).

و أمّا الإجماع: فقد أجمعت الأُمّة كافّةً على صحّة الإقرار.5.

ص: 236


1- آل عمران: 81.
2- التوبة: 102.
3- الأعراف: 172.
4- النساء: 135.
5- جامع البيان (تفسير الطبري) 206:5، الكشّاف 570:1، أحكام القرآن - للجصّاص - 284:2، النكت و العيون 535:1.
6- تقدّم تخريجه في ص 46، الهامش (1).
7- تقدّم تخريجه في ص 46، الهامش (2).
8- أورده الغزالي في الوسيط 317:3، و الرافعي في العزيز شرح الوجيز 273:5.

و لأنّ الإقرار إخبار على وجهٍ ينفي عنه التهمة و الريبة؛ لأنّ العاقل لا يكذب على نفسه فيما يضرّ بها، و لهذا كان آكد من الشهادة؛ لأنّ المدّعى عليه إذا اعترف لم تُسمع عليه الشهادة، و إنّما الشهادة يحتاج إليها إذا أنكر.

و لو كذّب المدّعي بيّنته، لم تُسمع. و إن كذب المُقرّ ثمّ صدّقه، سُمع.

** *

ص: 237

ص: 238

الفصل الثاني: في أركانه

اشارة

و هي أربعة؛ لأنّ الإقرار إنّما يتمّ بالصيغة و المُقرّ و المُقَرّ له و المقَرّ به، فهنا مباحث:

البحث الأوّل: في الصيغة.
مسألة 832: الصيغة هي اللفظ الدالّ على الإخبار بحقٍّ واجب،

كقوله:

له علَيَّ، أو: عندي، أو: في ذمّتي.

و يشترط فيها التنجيز و الجزم بالحكم.

فإذا قال: عَلَيَّ لفلان كذا، فهو صيغة إقرارٍ.

و كذا: «لفلان علَيَّ، أو: في ذمّتي» إقرار بالدَّيْن ظاهراً.

و قوله: «عندي، أو: معي» إقرار بالعين.

و لو قال له: قِبَلي ألف، فهو دَيْن.

و يحتمل أن يصلح للدَّيْن و العين معاً.

و لو علّق إقراره على الشرط، لم يصح، و كان لاغياً.

مسألة 833: إذا قال لغيره: لي عليك ألف، فقال في الجواب: زِنْ، أو خُذْ، لم يكن إقراراً؛

لأنّه لم توجد منه صيغة التزامٍ، و قد يذكر مثل ذلك مَنْ يستهزئ و يبالغ في الجحود.

و كذا لو قال: استوف، أو: اتّزن، فكذلك.

ص: 239

و قال بعض الشافعيّة: إنّ قوله: «اتّزن» إقرار؛ لأنّه يستعمل في العادة فيما يستوفيه الإنسان لنفسه، بخلاف قوله: «زِنْ» و به قال أبو حنيفة(1).

و لو قال: زِنْه، أو: خُذْه، فليس بإقرارٍ أيضاً؛ للاحتمال المذكور، و هو ظاهر مذهب الشافعي(2).

و قال بعض العامّة: يكون إقراراً؛ لأنّ الكناية تعود إلى ما تقدّم في الدعوى(3).

و لو قال: شدّه في هميانك، أو: اجعله في كيسك، أو: اختم عليه، فهو كقوله: زِنْه، أو: خُذْه.

مسألة 834: يصحّ الإقرار بالعربيّة و العجميّة معاً من العربيّ و العجميّ معاً بالإجماع؛

لأنّ كلّ واحدةٍ منهما لغة كالأُخرى يُعبَّر بها عمّا في الضمير، و تدلّ على المعاني الذهنيّة بسبب العلاقة الراسخة بينهما بحسب المواضعة، فإذا كان اللفظ موضوعاً لشيءٍ دلّ عليه.

فإن أقرّ عربيّ بالعجميّة، أو عجميّ بالعربيّة، فإن عرف أنّه عالم بما أقرّ به، لزمه.

و إن قال: ما عرفتُ(2) معناه، فإن صدّقه المُقرّ له على ذلك، سقط الإقرار. و إن كذّبه، فالقول قول المُقرّ مع يمينه؛ لأنّ الظاهر من حال

ص: 240


1- العزيز شرح الوجيز 297:5، روضة الطالبين 21:4. (2 و 3) حلية العلماء 335:8، التهذيب - للبغوي - 258:4، الوجيز 197:1، العزيز شرح الوجيز 297:5، روضة الطالبين 21:4.
2- في الطبعة الحجريّة: «علمت» بدل «عرفت».

العجميّ أن لا يعرف العربيّة، و كذا العربيّ لا يعرف العجميّة ظاهراً.

مسألة 835: لو قال المدّعي: لي عليك ألف، فقال في الجواب:

نعم،

أو: بلى، أو: أجل، أو: صدقتَ، كان إقراراً؛ لأنّ هذه الألفاظ موضوعة للتصديق في عرف اللغة.

قال اللّه تعالى: «هل وَجَدْتُمْ ما وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قالُوا نَعَمْ»(1) .

و لو قال: لعمري، قيل: يكون إقراراً؛ لأنّه يستعمل فيه(2).

و الأقرب: أنّه ليس كذلك؛ لاختلاف العرف فيه.

و لو قال: أنا مُقرٌّ به، أو: بما تدّعيه، أو: بما ادّعيتَ، أو: بدعواك، أو: لستُ منكراً له، فهو إقرار.

و لو قال: أنا مُقرٌّ، و لم يقل: به، أو قال: لستُ منكراً، أو: أنا أُقرّ، لم يكن إقراراً؛ لجواز أن يريد الإقرار ببطلان دعواه، أو بأن اللّه تعالى واحد.

و هذا يدلّ على أنّ الحكم بأنّ قوله: «أنا مُقرّ به» إقرار فيما إذا خاطبه و قال: «أنا مُقرٌّ لك به» و إلّا فيجوز [أن يريد](3) الإقرار به لغيره.

و لو قال: أنا أُقرّ لك به، لم يكن إقراراً؛ لجواز إرادة الوعد، و لأنّه ليس صريحاً في الإخبار؛ لجواز إرادة الإنشاء و الوعد بالإقرار في ثاني الحال، و هو أحد وجهي الشافعيّة.

و الثاني: إنّه إقرار؛ لأنّ قرينة الخصومة و توجّه الطلب تشعر

ص: 241


1- الأعراف: 44.
2- المغني 348:5، بحر المذهب 291:8، التهذيب - للبغوي - 258:4، البيان 398:13، العزيز شرح الوجيز 297:5، روضة الطالبين 21:4.
3- ما بين المعقوفين أضفناه من «العزيز شرح الوجيز».

بالتنجيز(1).

و الأوّل أصحّ.

و لو قال: لا أُنكر ما تدّعيه، كان إقراراً غير محمولٍ على الوعد عند بعض الشافعيّة؛ لأنّ العموم إلى النفي أسرع منه إلى الإثبات، و لهذا كانت النكرة في معرض النفي تعمّ، و في الإثبات لا تعمّ(2).

و هو مشكل، و الأقرب: إنّه كالإثبات.

و لو سُلّم الفرق، لكنّه لا ينفي الاحتمال، و قاعدة الإقرار الأخذ بالقطع و البتّ و الحكم بالمتيقّن؛ لأصالة براءة الذمّة.

و قال الجويني من الشافعيّة: بتقدير حمله على الوعد فالقياس أنّ الوعد بالإقرار إقرارٌ، كما أنّا نقول: التوكيل بالإقرار إقرار(1).

و هو غلط، و الحكم في الأصل ممنوع.

و لو قال في الجواب: لا أُنكر أن يكون مُحقّاً، لم يكن مُقرّاً بما يدّعيه؛ لجواز أن يريد في شيءٍ آخَر، و لو قال: فيما يدّعيه، فهو إقرار.

و لو قال: لا أُقرّ به و لا أُنكره، فهو كما لو سكت، فيُجعل منكراً و يطالب بالجواب.

و قيل: تُعرض عليه اليمين(2).

و لو قال: أبرأتني عنه، أو قبضتَه، فهو إقرار، و عليه بيّنة القضاء أو الإبراء.4.

ص: 242


1- الوسيط 328:3، العزيز شرح الوجيز 298:5.
2- التهذيب - للبغوي - 257:4، العزيز شرح الوجيز 298:5، روضة الطالبين 21:4.

و قال بعض الشافعيّة: إنّ قوله: «أبرأتني عنه» ليس بإقرارٍ؛ لقوله تعالى:«فَبَرَّأَهُ اللّهُ مِمّا قالُوا» (1) [و](2) تبرئته عن عيب الأُدْرَة(3) لا تقتضي إثباته له(4).

و لو قال: أقررت بأنّك أبرأتني، أو: استوفيت منّي، لم يكن إقراراً.

و لو قال في الجواب: لعلّ، أو: عسى، أو: أظنّ، أو: أحسب، أو: أقدر، أو: أتوهّم، لم يكن مُقرّاً.

مسألة 836: اللفظ قد يكون صريحاً في التصديق و تنضمّ إليه قرائن تصرفه عن موضوعه إلى الاستهزاء و التكذيب،

و من جملتها: الأداء، و الإبراء، و تحريك اللسان(5) الدالّ على شدّة التعجّب و الإنكار، فعلى هذا يُحمل قوله: «صدقت» و ما في معناه على هذه الحالة، فلا يكون إقراراً.

فإن وُجدت القرائن الدالّة على الإقرار، حُكم به، و إن وُجدت القرائن الدالّة على غيره، حُكم بعدم الإقرار.

و لو قال: لي عليك ألف، فقال في الجواب: لك علَيَّ ألف، على سبيل الاستهزاء، لم يكن إقراراً.

و حكى أبو سعيد المتولّي من الشافعيّة أنّ فيه وجهين(6).

مسألة 837: لو قال: أ ليس لي عليك ألف ؟ فقال: بلى، كان مُقرّاً،

و لزمه الألف؛ لأنّه تصديق للإيجاب المناقض للنفي؛ لقوله تعالى:«أَ لَسْتُ

ص: 243


1- الأحزاب: 69.
2- ما بين المعقوفين أضفناه من «العزيز شرح الوجيز».
3- الأُدْرَة: انتفاخ الخصية. لسان العرب 15:4 «أدر».
4- العزيز شرح الوجيز 298:5، روضة الطالبين 21:4.
5- كذا قوله: «اللسان». و الظاهر: «الرأس» بدل «اللسان».
6- العزيز شرح الوجيز 298:5، روضة الطالبين 22:4.

بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى» (1) .

و لو قال: نعم، فاحتمالان:

أحدهما: إنّه لا يكون مُقرّاً.

و الفرق: إنّ «نعم» في جواب الاستفهام [تصديق لما دخل عليه الاستفهام](2) ، و «بلى» تكذيب له من حيث إنّ أصل «بلى» «بل» زِيدت [عليها](3) «الياء» و هي للردّ و الاستدراك، و إذا كان كذلك فقوله: «بلى» ردّ لقوله: ليس لي عليك ألف، فإنّه الذي دخل عليه حرف الاستفهام، و نفيٌ له، و نفي النفي إثبات، فكأنّه قال: لك علَيَّ ألف، و قوله: «نعم» تصديق له، فكأنّه قال: ليس [لك علَيَّ](4).

هذا تلخيص ما نُقل عن الكسائي و جماعة من فضلاء اللغة(5) ، و على وفقه ورد القرآن العزيز.

قال اللّه تعالى:«أَ لَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى» (6).

قيل: لو قالوا: «نعم» لكفروا(7).

و قال تعالى:«أَمْ يَحْسَبُونَ أَنّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَ نَجْواهُمْ بَلى» (8).0.

ص: 244


1- الأعراف: 172.
2- ما بين المعقوفين أثبتناه لأجل السياق.
3- بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «عليه». و الظاهر ما أثبتناه.
4- بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «لي عليك». و الظاهر ما أثبتناه.
5- كما في العزيز شرح الوجيز 298:5.
6- الأعراف: 172.
7- مغني اللبيب 154:1.
8- الزخرف: 80.

و قال تعالى:«أَ يَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظامَهُ * بَلى» (1).

و قال تعالى في «نعم»:«فَهَلْ وَجَدْتُمْ ما وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قالُوا نَعَمْ» (2) و قال:«أَ إِنَّ لَنا لَأَجْراً إِنْ كُنّا نَحْنُ الْغالِبِينَ * قالَ نَعَمْ» (3).

و الثاني: إنّه يكون مُقرّاً؛ لأنّ كلّ واحدٍ من «نعم» و «بلى» يقام مقام الآخَر في العرف.

و الاحتمالان وجهان أيضاً للشافعيّة(4).

و قال الآخَرون: إنّ الأقارير تُحمل على مفهوم أصل العرف، لا على دقائق العربيّة(5).

و لو قال: هل لي عليك ألف ؟ فقال: نعم، فهو إقرار.

مسألة 838: إذا قال لغيره: اشتر منّي عبدي هذا، أو: أعطني عبدي هذا، فقال: نعم، فهو إقرار له بملكيّة العبد.

و كذا لو قال: اعتق عبدي هذا، فقال: نعم.

و يحتمل عدمه، و به قال بعض الشافعيّة(6).

و لو قال: بِعْني هذا العبد، فهو إقرار بعدم ملكيّة القائل له.

و هل هو إقرار للمخاطب بالملكيّة ؟ إشكال؛ لاحتمال أن يكون وكيلاً.

و لو قال: اشتر منّي هذا العبد، فقال: نعم، فهو إقرار بأنّ المخاطب

ص: 245


1- القيامة: 3 و 4.
2- الأعراف: 44.
3- الشعراء: 41 و 42.
4- العزيز شرح الوجيز 298:5، روضة الطالبين 22:4. (5 و 6) العزيز شرح الوجيز 299:5، روضة الطالبين 22:4.

مالك للبيع، و ليس إقراراً بأنّه مالك للمبيع.

و لو ادّعى عليه عبداً في يده، فقال: اشتريته من وكيلك فلان، فهو إقرار له، و يحلف المدّعى عليه على أنّه ما وكّل فلاناً بالبيع.

مسألة 839: لو قال: له علَيَّ ألف في علمي، أو: فيما أعلم أو أشهد، فهو إقرار؛

لأنّ ما في علمه لا يحتمل إلّا الوجوب.

و لو قال: كان له علَيَّ ألف، و سكت، أو: كانت هذه الدار له في السنة الماضية، فالأقرب: إنّه يلزمه الألف و تسليم الدار إليه - و به قال أبو حنيفة و الشافعي في أحد قوليه(1) - لأنّه أقرّ بالوجوب، و لم يذكر ما يرفعه، فيبقى على ما كان عليه، و لهذا لو تنازعا داراً فأقرّ أحدهما للآخَر أنّها كانت ملكه، حُكم بها له، إلّا أنّه هنا إن عاد فادّعى القضاء أو الإبراء، سُمعت دعواه؛ لأنّه لا تنافي بين إقراره و بين ما يدّعيه. و للعمل بالاستصحاب.

و الثاني للشافعيّة: إنّه ليس بإقرارٍ في الحال بشيء؛ لأصالة براءة الذمّة. و لأنّه لم يذكر أنّ عليه شيئاً في الحال، إنّما أخبر بذلك في زمنٍ ماضٍ، فلا يثبت في الحال. و كذا لو شهدت البيّنة به، لم يثبت(2).

مسألة 840: لو قال: هذه داري أسكنت فيها فلاناً ثمّ أخرجتُه منها، لم يكن إقراراً بالملكيّة قطعاً.

و هل يكون إقراراً باليد؟ قال بعض الشافعيّة: نعم؛ لأنّه اعترف

ص: 246


1- المغني 286:5، الشرح الكبير 300:5-301، حلية العلماء 336:8، العزيز شرح الوجيز 299:5، روضة الطالبين 22:4-23.
2- حلية العلماء 337:8، العزيز شرح الوجيز 299:5، روضة الطالبين 22:4-23، المغني 286:5، الشرح الكبير 301:5.

بثبوتها من قَبْلُ و ادّعى زوالها(1).

و قال بعضهم: إنّه ليس بإقرارٍ؛ لأنّه لم يعترف بيد فلان إلّا من جهته(2). و هو الأقوى عندي.

و لو قال: ملّكتُ هذه الدار من زيدٍ، فهو إقرار بالملك لزيدٍ، على إشكالٍ، و ادّعى انتقالها منه إليه، فإن لم يصدّقه زيد دُفعت إليه. و إن صدّقه، أُقرّت في يده.

و لو قال: اقض الألف التي لي عليك، فقال: نعم، فهو إقرار.

و لو قال في الجواب: أُعطي غداً، أو: ابعث مَنْ يأخذه، أو أمهلني يوماً، أو أمهلني حتى أضرب الدراهم، أو أفتح باب الصندوق، أو أقعد حتى تأخذ، أو لا أجد اليوم، أو لا تدم التقاضي، أو قال: ما أكثر ما تتقاضى و اللّه لأقضينّك، قال أبو حنيفة: يكون مُقرّاً في جميع هذه الصور(1).

و عندي فيه تردّد، و اضطربت الشافعيّة فيه(2).

و كذا لو قال: اسرج دابّة فلان هذه، فقال: نعم، أو قال: أخبرني زيد أنّ لي عليك كذا، فقال: نعم، أو قال: متى تقضي حقّي ؟ فقال: غداً.

[و لو](3) قال له قائل: غصبتَ ثوبي، فقال: ما غصبتُ من أحدٍ قبلكه.

ص: 247


1- المبسوط - للسرخسي - 15:18-16، بدائع الصنائع 208:7، الهداية - للمرغيناني - 181:3-182، روضة القضاة 5022/736:2، الاختيار لتعليل المختار 207:2، فتاوى قاضيخان - بهامش الفتاوى الهنديّة - 124:3، التهذيب - للبغوي - 258:4، البيان 400:13، العزيز شرح الوجيز 299:5، روضة الطالبين 23:4.
2- التهذيب - للبغوي - 258:4، البيان 400:13، العزيز شرح الوجيز 299:5، روضة الطالبين 23:4.
3- بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «أو». و الصحيح ما أثبتناه.

و لا بعدك، لم يكن مُقرّاً؛ لأنّ نفي الغصب من غيره لا يقتضي ثبوت الغصب فيه.

و كذا لو قال: ما علَيَّ لزيدٍ أكثر من مائة درهم؛ لأنّ نفي الزائد على المائة لا يوجب إثبات المائة.

و يحتمل أن يكون إقراراً بالمائة. و هو أيضاً وجه للشافعيّة(1).

مسألة 841: قد بيّنّا أنّ من شرط صحّة الصيغة بالإقرار التنجيز،

فلو علّق إقراره على شرطٍ أو صفةٍ، بطل، كقوله: إن جاء زيد فله علَيَّ كذا، أو إذا جاء رأس الشهر فله كذا.

و لا فرق بين أن يكون الشرط معلومَ الوقوع أو مجهولَه.

و لو قال المعسر: لفلان علَيَّ ألف إن رزقني اللّه تعالى مالاً، لم يكن إقراراً؛ للتعليق، و به قال بعض الشافعيّة(2).

و قال بعضهم: إنّه إقرار، و صيغة الشرط لبيان وقت الأداء(3).

و المعتمد: أن يستفسره، فإن فسّر بالتأجيل صحّ. و إن فسّره بالتعليق بطل.

و كذا في قوله: «إذا جاء رأس الشهر فله علَيَّ كذا» إن قصد بيان وقت الأداء لزم. و إن قصد التعليق بطل.

مسألة 842: لو ادّعى عليه ألفاً و قال: إنّ فلاناً يشهد لي بها،

فقال المدّعى عليه: إن شهد بها علَيَّ فلان فهو صادق، وجب الألف عليه في الحال، سواء شهد فلان أو لا.

ص: 248


1- العزيز شرح الوجيز 300:5، روضة الطالبين 23:4.
2- البيان 403:13، العزيز شرح الوجيز 300:5، روضة الطالبين 23:4-24.
3- البيان 402:13، العزيز شرح الوجيز 300:5، روضة الطالبين 24:4.

و لو قال فلان: لا أشهد، أو: أنّ المدّعي كاذب، أو: أنا أشهد ببراءة المُقرّ، كان عليه الأداء في الحال؛ لأنّه حكم بصدقه على تقدير الشهادة.

و إنّما تتمّ هذه الملازمة و يصدق هذا الحكم لو كان الحقّ ثابتاً في ذمّته؛ لأنّه لو لم يكن ثابتاً لم يصدق هذا الحكم لو شهد، فتكون الملازمة كاذبةً، لكنّا إنّما نحكم بصدقها كغيره من الإقرارات.

و هو أصحّ وجهي الشافعيّة. و الثاني: إنّه لا يكون إقراراً؛ لما فيه من التعليق(1).

و الأقرب: إنّه إن ادّعى عدم علمه بما قال و أنّ المُقرّ له لا يستحقّ في ذمّته شيئاً و أنّه توهّم أنّ فلاناً لا يشهد عليه، فإن كان ممّن يخفى عنه ذلك قُبِل قوله، و حُمل على التعليق، و كان كلامه لاغياً، و إلّا ثبت.

و لو شهد عليه شاهد بألفٍ، فقال: هو صادق، أو عَدْل، لم يكن مُقرّاً.

و لو قال: إنّه صادق فيما شهد به، أو عَدْل فيما قال، كان مُقرّاً.

و لو قال: إن شهدا علَيَّ صدّقتُهما، لم يكن مُقرّاً؛ لأنّ غير الصادق قد يصدق.

و لو قال: إن شهد علَيَّ فلان فهو حقٌّ أو صحيح، فكقوله: صادق.

و لو قال: له علَيَّ ألف إن شهد بها فلان، لم يكن إقراراً، لأنّه معلّق على شرطٍ.

مسألة 843: لو علّق إقراره بمشيئة اللّه تعالى، بطل،

فلو قال: لك علَيَّ ألف إن شاء اللّه، لم يكن إقراراً - و هو قول الشافعيّة(2) - لأنّه علّق

ص: 249


1- حلية العلماء 336:8، العزيز شرح الوجيز 300:5، روضة الطالبين 24:4.
2- التنبيه: 275، المهذّب - للشيرازي - 347:2، الوسيط 348:3، الوجيز 200:1، التهذيب - للبغوي - 258:4، العزيز شرح الوجيز 335:5، روضة الطالبين 48:4، المغني 349:5، الشرح الكبير 295:5.

إقراره على شرطٍ، فلم يصح، كما لو علّقه على مشيئة زيدٍ. و لأنّ المعلّق على مشيئة اللّه تعالى لا سبيل إلى معرفته.

و قال أحمد بن حنبل: إنّه يكون إقراراً؛ لأنّه وصل إقراره بما يرفعه بأجمعه، و لا يصرفه إلى غير الإقرار، فلزمه ما أقرّ به، و بطل صلته به، كما لو قال: له علَيَّ ألف إلّا ألفاً. و لأنّه عقّب الإقرار بما لا يفيد حكماً آخَر و لا يقتضي رفع الحكم، فأشبه ما لو قال: له علَيَّ ألف في مشيئة اللّه تعالى(1).

و هو ممنوع؛ لأنّه محض تعليقٍ على شرطٍ، فأشبه التعليق بدخول الدار و مشيئة زيدٍ.

و لو قال: له علَيَّ ألف إلّا أن يشاء اللّه تعالى، صحّ الإقرار؛ لأنّه علّق رفع الإقرار على أمرٍ لا يعلم، فلا يرتفع.

و لو قال: لك علَيَّ ألف إن شئت، أو إن شاء زيد، لم يصح، و به قال أحمد(2) أيضاً.

و قال بعض أصحابه: يصحّ؛ لأنّه عقّب بما يرفع الإقرار، فأشبه استثناء الكلّ(3).

و هو غلط؛ لأنّه علّقه على شرطٍ يمكن علمه فلم يصح، كما لو قال:

له علَيَّ ألف إن شهد به فلان، و ذلك لأنّ الإقرار إخبار بحقٍّ سابق، فلا يتعلّق على شرطٍ مستقبل.5.

ص: 250


1- المغني 349:5، الشرح الكبير 295:5-296. (2 و 3) المغني 349:5، الشرح الكبير 296:5.

و لو قال: له علَيَّ ألف إن شاء اللّه، و قصد التبرّك بالمشيئة و الصلة و التفويض إلى اللّه تعالى، فهو إقرار، كقوله تعالى:«لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللّهُ» (1) و قد علم اللّه تعالى أنّهم سيدخلونه.

مسألة 844: لو قال: له علَيَّ ألف إن شاء زيد، أمكن جَعْل مشيئة زيدٍ شرطاً يتوقّف الأمر على وجودها؛

لأنّ مشيئته متجدّدة، و أمّا مشيئة اللّه تعالى فإنّها غير متجدّدةٍ، و الماضي لا يمكن رفعه، فتعيّن حمل الأمر في مشيئة زيدٍ على المستقبل، فيكون وعداً لا إقراراً.

و لو قال: بعتك إن شاء اللّه، أو زوّجتك إن شاء اللّه، لم يقع البيع و لا النكاح.

و قال أبو حنيفة: يقع النكاح و البيع، و به قال أحمد(2).

و لو قال: بعتك بألف إن شئتَ، فقال: قد شئتُ و قبلتُ، لم يصح، على إشكالٍ؛ لأنّ هذا الشرط من موجَب العقد و مقتضاه، فإنّ الإيجاب إذا وُجد من البائع كان القبول إلى مشيئة المشتري و اختياره.

و الحقُّ: البطلان من حيث التعليق؛ إذ لا نعلم حاله عند العقد هل يشاء أم لا، فأشبه ما لو قال: إن شاء زيد.

و لو قال: له علَيَّ ألف إن قدم فلان، لم يلزمه؛ لأنّه لم يُقرّ به في الحال، و ما لا يلزمه في الحال لا يصير واجباً عند وجود الشرط.

البحث الثاني: في المُقرّ.
مسألة 845: يشترط في المُقرّ البلوغ،

فأقارير الصبي لاغية، سواء كان

ص: 251


1- الفتح: 27.
2- المغني 350:5، الشرح الكبير 296:5.

مميّزاً أو لا، و سواء أذن له الوليّ أو لا، عند علمائنا - و به قال الشافعي(1) - لقول النبيّ صلى الله عليه و آله: «رُفع القلم عن ثلاثة: عن الصبي حتى يبلغ، و عن المجنون حتى يفيق، و عن النائم حتى ينتبه»(2).

و قال أبو حنيفة: إذا كان الصبيّ مميّزاً، صحّ الإذن في البيع و الشراء، و يصحّ إقراره فيه(3).

و قال أحمد: اليتيم إذا أُذن له في التجارة و هو يعقل البيع و الشراء، فبيعه و شراؤه جائز. و إن أقرّ أنّه قبض شيئاً من ماله، جاز بقدر ما أذن له فيه وليُّه(4). و ليس بشيء.

و قول أبي حنيفة: «إذا كان مأذوناً من جهة الوليّ صحّ إقراره؛ قياساً على تصرّفاته»(5) باطل بالحديث(6) ، و أصله ممنوع.

و لنا و للشافعيّة قولٌ في صحّة تدبيره و وصيّته(7) ، فعلى هذا القولر.

ص: 252


1- الأُم 217:6، مختصر المزني: 112، الحاوي الكبير 4:7، المهذّب - للشيرازي - 344:2، بحر المذهب 221:8، الوسيط 317:3، الوجيز 194:1-195، حلية العلماء 325:8، التهذيب - للبغوي - 236:4، البيان 391:13، العزيز شرح الوجيز 275:5، روضة الطالبين 4:4، منهاج الطالبين: 139، المغني و الشرح الكبير 272:5، روضة القُضاة 4052/715:2.
2- سنن البيهقي 317:10، المغني 271:5، الشرح الكبير 272:5.
3- الهداية - للمرغيناني - 180:3، روضة القُضاة 4051/715:2، الحاوي الكبير 4:7، بحر المذهب 221:8، حلية العلماء 325:8، البيان 391:13، المغني و الشرح الكبير 272:5.
4- المغني و الشرح الكبير 272:5.
5- روضة القُضاة 4053/715:2، العزيز شرح الوجيز 275:5.
6- أي: حديث رفع القلم.
7- الحاوي الكبير 5:7، و 189:8، و 137:18، المهذّب - للشيرازي - 457:1، و 8:2، بحر المذهب 120:14، الوجيز 269:1، و 282:2، الوسيط 403:4، و 497:7، حلية العلماء 69:6، و 181، التهذيب - للبغوي - 99:5، البيان 137:8 و 353، العزيز شرح الوجيز 16:4، و 275:5، و 6:7، و 415:13، روضة الطالبين 10:3، و 4:4، و 93:5، و 449:8، المغني 334:12، الشرح الكبير 308:12، و ذلك أيضاً قول الشيخ الطوسي في الخلاف 419:6، المسألة 21 من كتاب المدبّر.

عندنا و عند الشافعي يصحّ إقراره بهما(1).

و الحقّ ما تقدّم؛ لأنّ إقراره لا يصحّ بغير ذلك و بغير ما أذن له فيه، فكذا بهما و بالبيع و الشراء، كالمجنون.

و لو ادّعى أنّه قد بلغ بالاحتلام، أو ادّعت الجارية البلوغَ بالحيض، قُبِل إن كان ذلك في وقت الإمكان، و إلّا فلا.

و لو فُرض ذلك في خصومةٍ، لم يحلفا؛ لأنّه لا يُعرف ذلك إلّا من جهتهما، فأشبه ما إذا علّق نذر العتق بمشيئة الغير، فقال: شئت، يُصدّق بغير يمينٍ. و لأنّهما إن صُدّقا فلا تحليف، و إن كُذّبا فكيف يحلفان و اعتقاد المكذّب أنّهما صغيران ؟ و لأنّه لو حلّفناه لأراد في تحليفه تغرير الصبي، و الصبي لا يحلف، فإذَنْ لو حُلّف لما حلف.

و لو بلغ مبلغاً تيقّن بلوغه فيه، لم يحلف أيضاً على أنّه كان بالغاً حينئذٍ؛ لأنّا إذا حكمنا بموجب قوله فقد أنهينا الخصومة نهايتها، فلا عود إلى التحليف.

و لو جاء واحد من الغُزاة يطلب سهم المقاتلة و ذكر أنّه احتلم، دُفع إليه سهمه؛ لأنّا لا نشترط البلوغ في استحقاق سهم الغنيمة.4.

ص: 253


1- العزيز 275:5، روضة الطالبين 4:4.

و عند المشترطين يحلف و يأخذ السهم(1).

فإن لم يحلف، فللشافعيّة وجهان:

قال بعضهم: يعطى؛ لأنّ الظاهر استحقاقه بحضور الوقعة(2).

و قال بعضهم: لا يعطى؛ لعدم العلم بالبلوغ، و قوله متّهم(3).

و لو ادّعى البلوغ بالسنّ، طُولب بالبيّنة؛ لإمكانها.

و لو كان غريباً أو خاملَ الذِّكْر، التُحق بدعوى الاحتلام.

و قال بعض الشافعيّة: يُطالَب بالبيّنة(1) ؛ لإمكانه(2) في جنس المدّعي، أو يُنظر إلى الإنبات؛ لتعذّر معرفة التأريخ، كما في صبيان الكفّار(6).

و الأظهر عند الشافعيّة: الثاني؛ لأنّه إذا أمكن إقامة البيّنة، كُلّف إقامتها، و لم يُنظر إلى حال المدّعي و عجزه(7).

و الوجه: إنّ دعوى الصبي البلوغَ بالاحتلام ليس إقراراً؛ لأنّ المفهوم من الإقرار الإخبارُ عن ثبوت حقٍّ عليه للغير، و نفس البلوغ ليس كذلك، و لهذا يُطالَب مدّعي البلوغ بالسنّ بالبيّنة، و اختلفوا في تحليف مدّعي البلوغ بالاحتلام، و المُقرّ لا يكلَّف البيّنة و لا اليمين.4.

ص: 254


1- المطالبة بالبيّنة هي الاحتمال الثاني من الاحتمالات الثلاث لبعض الشافعيّة، و الأوّل منها هو الالتحاق بدعوى الاحتلام، و الثالث منها: النظر إلى الإنبات. راجع العزيز شرح الوجيز 276:5.
2- كذا قوله: «لإمكانه». و الظاهر: «لإمكانها». (6 و 7) العزيز شرح الوجيز 276:5، روضة الطالبين 5:4.

نعم، لو قال: أنا بالغ، فقد اعترف بثبوت الحقوق المنوطة بالبلوغ، فحقّ هذا الوجه أن يكون متضمّناً للإقرار، لا أنّه نفسه إقرار. و بتقدير كونه إقراراً فليس ذلك بإقرار الصبي(1) ؛ لأنّه إذا قال: أنا بالغ، يُحكم ببلوغه سابقاً على قوله، فلا يكون إقرارُه إقرارَ الصبي.

مسألة 846: يشترط في المُقرّ العقل،

فلا يُقبل إقرار المجنون؛ لأنّه مسلوب القول في الإنشاء و الإقرار بغير استثناء.

و لا فرق بين أن يكون الجنون مطبقاً أو يأخذه أدواراً، إلّا أنّ الذي يأخذه أدواراً إن أقرّ في حال إفاقته، صحّ؛ لأنّه حينئذٍ عاقل.

و لا بدّ من كماليّة العقل في الإقرار، فالسكران الذي لا يحصّل أو لا يكون كاملَ العقل حالة سكره لا يُقبل إقراره، عند علمائنا أجمع، و كذا بيعه و جميع تصرّفاته؛ لعدم الوثوق بما يقول، و عدم العلم بصحّته، و لا تنتفى عنه التهمة فيما يُخبر به، فلم يوجد معنى الإقرار الموجب لقبول قوله.

و للشافعي فيه اضطراب(2).

قال بعض أصحابه: يصحّ إقرار السكران، و لا يصحّ بيعه(3).

و قال بعضهم: بيع السكران يحتمل وجهين: الجواز، و عدمه(4).

و قال بعضهم بالجواز؛ لأنّ أفعاله تجري مجرى أفعال الصاحي(5).

قال الشافعي: لو شرب رجل خمراً أو نبيذاً فسكر فأقرّ في حال

ص: 255


1- في «ر»: «إقراراً للصبي» بدل «بإقرار الصبي».
2- العزيز شرح الوجيز 276:5، روضة الطالبين 5:4.
3- بحر المذهب 223:8، الوجيز 57:2، التهذيب - للبغوي - 73:6، العزيز شرح الوجيز 565:8، روضة الطالبين 59:6.
4- بحر المذهب 223:8، المجموع 155:9.
5- بحر المذهب 223:8، المجموع 155:9، روضة الطالبين 9:3.

سكره، لزمه ما أقرّ به(1).

و روى المزني في ظهار السكران ما إذا صحّ كان بمنزلة المجنون في إقراره(2).

و مَنْ أُكره فأُوجر خمراً حتى ذهب عقله ثمّ أقرّ، لم ينفذ إقراره و عند الشافعي(3) أيضاً؛ لأنّه معذور.

و لا فرق عندنا بين أن يسكر قاصداً أو غيره، خلافاً للشافعي(4).

مسألة 847: لا بدّ من القصد في الإقرار،

فلا عبرة بإقرار الغافل و الساهي و النائم؛ لقوله صلى الله عليه و آله: «رُفع القلم عن ثلاثة: عن الصبي حتى يبلغ، و عن المجنون حتى يفيق، و عن النائم حتى ينتبه»(5).

و كذا المغمى عليه لا ينفذ إقراره؛ لزوال رشده و تحصيله، و كذا المبرسم، و لا نعلم فيه خلافاً؛ لدخول المبرسم و المغمى عليه في معنى المجنون و النائم. و لأنّه قولٌ من غائب العقل، فلا يثبت له حكم، كالبيع و الطلاق.

مسألة 848: يشترط في المُقرّ الاختيار،

فلا يقع إقرار المُكره على الإقرار، عند علمائنا أجمع - و به قال الشافعي و أحمد(6) - لقول النبيّ صلى الله عليه و آله:

ص: 256


1- الأُمّ 235:3، بحر المذهب 223:8، البيان 392:13.
2- مختصر المزني: 202، الحاوي الكبير 419:10، بحر المذهب 223:8، العزيز شرح الوجيز 564:8.
3- الأُمّ 235:3، بحر المذهب 221:8، البيان 392:13، المغني 272:5-273، الشرح الكبير 273:5.
4- راجع: الحاوي الكبير 419:10، و التهذيب - للبغوي - 72:6، و العزيز شرح الوجيز 564:8، و روضة الطالبين 59:6.
5- تقدّم تخريجه في ص 252، الهامش (2).
6- الحاوي الكبير 5:7، المهذّب - للشيرازي - 344:2، بحر المذهب 222:8 و 223، البيان 391:13، العزيز شرح الوجيز 283:5، روضة الطالبين 9:4، منهاج الطالبين: 139، المغني 272:5-273، الشرح الكبير 273:5.

«رُفع عن أُمّتي الخطأ و النسيان و ما استُكرهوا عليه»(1).

و لأنّه قول أُكره عليه بغير حقٍّ، فلم يصح، كالبيع.

و لو أقرّ بغير ما أُكره عليه - مثل أن يُكره على الإقرار لرجلٍ فيقرّ لغيره، أو يُكره على أنّه يُقرّ بنوعٍ من المال فيُقرّ بغيره، أو يُكره على الإقرار بطلاق امرأةٍ فيُقرّ بطلاق أُخرى، أو يُكره على الإقرار بعتق عبدٍ فيُقرّ بعتق غيره - صحّ؛ لأنّه أقرّ بما لم يُكره عليه، فصحّ، كما لو أقرّ به ابتداءً.

و لو أُكره على الإقرار بمائةٍ فأقرّ بمائتين، فالأقرب: نفوذه. و لو أُكره على الإقرار بمائةٍ فأقرّ بخمسين، لم يُنفذ.

و لو أُكره على أداء مالٍ، فباع شيئاً من ماله ليؤدّي ذلك، صحّ بيعه؛ لأنّه لم يُكره على البيع.

و لو ادّعى المُقرّ الإكراهَ على الإقرار، لم يُقبل قوله، إلّا بالبيّنة، سواء أقرّ عند سلطانٍ أو عند غيره؛ لأصالة عدم الإكراه، إلّا أن يكون هناك دلالة على الإكراه، كالقيد و الحبس و التوكيل به، فيكون القولُ قولَه مع يمينه؛ لدلالة هذه الحال على الإكراه، على إشكالٍ.

و لو ادّعى أنّه كان زائلَ العقل حالة إقراره، لم يُقبل قوله إلّا بالبيّنة؛ لأصالة السلامة حتى يُعلم غيرها.

و لو لم يُعلم له حالة جنونٍ البتّة، لم يلتفت إليه. و لو عُلم، فالقول قوله مع اليمين.

و لو شهد الشهود بإقراره، لم تفتقر صحّة الشهادة إلى أن يقولوا: أقرّر.

ص: 257


1- كنز العمّال 10307/233:4 نقلاً عن الطبراني في المعجم الكبير.

طوعاً في صحّة عقله و بدنه؛ لأنّ الظاهر سلامة الحال و صحّة الشهادة.

مسألة 849: لا يُقبل إقرار المحجور عليه للسفه بالمال،

و يصحّ في الحدّ و القصاص؛ لانتفاء التهمة فيه.

و إذا فُكّ الحجر عنه، لم يلزمه المال الذي أقرّ به في الحجر؛ لأنّ عدم قبول إقراره صيانة لماله لموضع التهمة فيه، فلو ألزمناه بعد فكّ الحجر بطل معنى الحجر.

و لو أقرّ بالسرقة، لزمه القطع، دون المال.

و للشافعي في المال قولان: اللزوم؛ لئلّا يتبعّض إقراره. و العدم؛ لعدم قبول قوله في المال(1).

و التبعيض غير ضائرٍ، كما لو شهد رجل و امرأتان، ثبت المال، دون القطع.

و أمّا في الباطن: فإن كان الذي أقرّ به حقّاً تعلّق به حال الحجر برضا صاحبه كالقرض، لم يلزمه أيضاً؛ لأنّ الحجر مَنَع من معاملته، فصار كالصبي. و إن لزمه بغير اختيار صاحبه كالإتلاف، لزمه أداء ذلك المال في الباطن، و لهذا لو قامت البيّنة عليه حال الحجر، لزمه.

و يُقبل إقرار المحجور بالفلس في النكاح، دون السفيه المحجور؛ اعتباراً للإقرار بالإنشاء.

و قال الجويني: إقرار السفيهة بأنّها منكوحة فلانٍ كإقرار الرشيدة؛ إذ لا أثر للسفه في النكاح من جانب المرأة.

ص: 258


1- الحاوي الكبير 43:7، المهذّب - للشيرازي - 345:2، بحر المذهب 222:8، حلية العلماء 326:8، التهذيب - للبغوي - 140:4، الوجيز 195:1، الوسيط 319:3، البيان 219:6، العزيز شرح الوجيز 277:5، روضة الطالبين 6:4.

قال: و فيه احتمال من جهة ضعف قولها و خبل عقلها؛ لأنّها غير تامّة الرشد و لا كاملة العقل، فأشبهت المجنون(1).

أمّا المحجور عليه للفلس: فالأقرب نفوذ إقراره في حقّه خاصّةً، و قد سبق البحث فيه.

و يُقبل إقرار المفلس قبل الحجر عليه، سواء أقرّ بعينٍ أو دَيْنٍ.

مسألة 850: يشترط في صحّة الإقرار الحُرّيّة،

فلا يُقبل إقرار العبد بالعقوبة و لا بالمال، عند علمائنا أجمع، سواء كانت العقوبة توجب القتل أو لا - و وافقنا أحمد و المزني على أنّه لا يُقبل إقراره بعقوبةٍ توجب القتل، دون غيرها من العقوبات(2) - لأنّه لا يملك نفسه و لا التصرّف في نفسه، و هو مال غيره، فإقراره على نفسه إقرار على مولاه، و هو غيره، و إقرار الشخص على غيره غير مسموعٍ.

و قال الشافعي: يُقبل إقراره فيما يوجب الحدّ و القصاص في النفس و الطرف؛ لأنّ عليّاً عليه السلام قطع عبداً بإقراره. و لأنّه لو قامت به البيّنة قُبِل، فالإقرار أولى(3).

و نمنع استناد القطع إلى الإقرار، فجاز أن يكون اقترن بتصديق المولى. و الفرق بين الإقرار و البيّنة ظاهر.

و لو صدّقه المولى على العقوبة، نفذ الحكم فيه، كالبيّنة.

ص: 259


1- العزيز شرح الوجيز 277:5، روضة الطالبين 5:4.
2- المغني 273:5-274، الشرح الكبير 279:5-280، العزيز شرح الوجيز 277:5، روضة الطالبين 6:4.
3- الحاوي الكبير 41:7، المهذّب - للشيرازي - 344:2، الوجيز 195:1، الوسيط 318:3، حلية العلماء 326:8، التهذيب - للبغوي - 236:4، العزيز شرح الوجيز 277:5، روضة الطالبين 5:4-6.

و لو أقرّ المولى عليه و لم يُقر هو، لم يُسمع؛ لأنّه غيره و إقرار الشخص على غيره غير مسموعٍ. و لأنّ المولى لا يملك من العبد إلّا المال.

و قال بعض العامّة: يصحّ إقرار المولى عليه بما يوجب القصاص، و يجب المال دون القصاص؛ لأنّ المال تعلّق برقبته، و هي مال السيّد، فصحّ إقراره به كجناية الخطأ(1).

و لو أقرّ بما يوجب القتل، لم يُقبل عندنا.

و قال أحمد: لا يُقبل أيضاً، و يُتبع به بعد العتق - و به قال زفر و المزني و داوُد [و] ابن جرير الطبري - لأنّه يسقط حقّ سيّده بإقراره. و لأنّه متّهم في أن يُقرّ لرجلٍ ليعفو عنه و يستحقّ أخذه فيتخلّص بذلك من سيّده(2).

و قال أبو حنيفة و مالك و الشافعي: يصحّ إقراره بما يوجب القتل أيضاً؛ لأنّه أحد نوعي القصاص، فصحّ إقراره به، كما دون النفس(3).

و ينبغي على هذا القول أن لا يصحّ عفو وليّ الجناية على مالٍ إلّا باختيار سيّده؛ لئلّا يلزم إيجاب المال على سيّده بإقرار غيره.

و هذا كلّه عندنا باطل، و لا شيء ممّا يوجب القصاص في النفس أو5.

ص: 260


1- المغني 273:5، الشرح الكبير 279:5-280.
2- المغني 273:5-274، الشرح الكبير 280:5، الحاوي الكبير 41:7، الوسيط 318:3، العزيز شرح الوجيز 277:5، روضة الطالبين 6:4.
3- الاختيار لتعليل المختار 149:2، المبسوط - للسرخسي - 148:18، الهداية - للمرغيناني - 180:3، الحاوي الكبير 41:7، المهذّب - للشيرازي - 344:2، الوسيط 318:3، حلية العلماء 326:8، التهذيب - للبغوي - 236:4، العزيز شرح الوجيز 277:5، روضة الطالبين 6:4، المغني 274:5، الشرح الكبير 280:5.

الطرف أو الحدّ أو المال بثابتٍ على العبد بإقراره على نفسه و لا بإقرار مولاه عليه.

و لا يُقبل إقرار العبد بجناية الخطأ و لا شبيه العمد و لا بجناية عمدٍ موجَبها المال، كالجائفة و الهاشمة و المأمومة؛ لأنّه إيجاب حقٍّ في رقبته، و ذلك يتعلّق بالمولى، و يُقبل إقرار المولى عليه؛ لأنّه إيجاب حقٍّ في ماله.

و لو أقرّ بسرقةٍ توجب المال، لم يُقبل إقراره، و يُقبل إقرار المولى عليه.

و إن أوجبت القطع في المال فأقرّ بها العبد، لم يُقبل منه.

و عند العامّة يُقبل في القطع، و لم يجب المال، سواء كان ما أقرّ بسرقته باقياً أو تالفاً، في يد العبد أو في يد السيّد، و يُتبع بذلك بعد العتق(1).

و للشافعي في وجوب المال في هذه الصورة وجهان(2).

و يحتمل أن لا يجب القطع عند العامّة؛ لأنّه شبهة، فيُدرأ بها القطع، لكونه حدّاً يدرأ بالشبهات - و به قال أبو حنيفة - و ذلك لأنّ العين التي يُقرّ بسرقتها لم يثبت حكم السرقة فيها، فلا يثبت حكم القطع بها(3).

مسألة 851: لو أقرّ العبد برقّيّته لغير مَنْ هو في يده، لم يُقبل إقراره بالرقّ؛

لأنّ إقراره بالرقّ إقرار بالملك، و العبد لا يُقبل إقراره في المال بحال. و لأنّا لو قَبِلنا إقراره لضرّرنا بسيّده؛ لأنّه إذا شاء أقرّ بنفسه لغير سيّده

ص: 261


1- المغني 274:5، الشرح الكبير 281:5.
2- الحاوي الكبير 43:7، المهذّب - للشيرازي - 345:2، الوسيط 219:3، الوجيز 195:1، حلية العلماء 326:8، العزيز شرح الوجيز 277:5، روضة الطالبين 6:4، المغني 274:5، الشرح الكبير 281:5.
3- المغني 274:5، الشرح الكبير 281:5.

فأبطل ملك سيّده.

و لو أقرّ به السيّد لرجلٍ و أقرّ هو بنفسه لآخَر، فهو للّذي أقرّ له السيّد؛ لأنّه في يد السيّد، لا في يد نفسه. و لأنّ السيّد لو أقرّ به منفرداً قُبِل، و لو أقرّ العبد منفرداً لم يُقبل، فإذا لم يُقبل إقرار العبد منفرداً فكيف يُقبل في معارضة السيّد!؟ و لو قُبِل إقرار العبد لما قُبِل إقرار السيّد، كالحدّ و جناية العمد عندهم(1).

مسألة 852: المكاتَب المشروط كالقِنّ عندنا لا يُقبل إقراره؛

لأنّه إقرار في حقّ الغير.

و عند العامّة إنّ حكمه حكم الحُرّ في صحّة إقراره(2). و لا بأس به.

و لو أقرّ بجناية خطأ أو عمد توجب المال، فكالإقرار بالمال يُتبع به بعد العتق.

و عند العامّة يُقبل إقراره(3).

فإن عجز عن الكتابة، بِيع في الجناية إن لم يفده سيّده.

و قال أبو حنيفة: يستسعى في الكتابة، فإن عجز بطل إقراره بها، سواء قضي بها أو لم يقض(4).

و عن الشافعي(5) كقولنا.

و عنه قولٌ آخَر: إنّه مراعى إن أدّى لزمه، و إن عجز بطل(6).

و أمّا المطلق: فإذا تحرّر بعضه، كان حكمُ نصيب الحُرّيّة حكمَ الأحرار، و حكمُ نصيب الرقّيّة حكمَ العبيد.

ص: 262


1- المغني 275:5، الشرح الكبير 281:5. (2 و 3) المغني 275:5. (4-6) مختصر اختلاف العلماء 1916/216:4، المغني 275:5.
مسألة 853: قد بيّنّا أنّ العبد إذا أقرّ بالسرقة أو غيرها، لم يلتفت إليه،

خلافاً للعامّة(1).

فإن صدّقه المولى، نفذ إقراره.

ثمّ المال إن كان باقياً، يُسلَّم إلى المالك، سواء كان في يد العبد أو في يد المولى. و لو كان تالفاً، تُبع به بعد العتق.

و لو لم يصدّقه المولى، فللشافعيّة قولان:

أحدهما: إنّه يُقبل إقراره، و يتعلّق الضمان برقبته مع تلف العين؛ لأنّ إقراره لمّا تضمّن عقوبةً، انقطعت التهمة عنه.

و أصحّهما عندهم: إنّه لا يُقبل، كما لو أقرّ بمال، و يتعلّق الضمان بذمّته، إلّا أن يصدّقه السيّد(2).

و إن كان المُقرّ به باقياً، فإن كان في يد السيّد، لم ينتزع من يده إلّا بتصديقه، كما لو قال حُرٌّ: سرقتُه و دفعتُه إليه. و إن كان في يد العبد، لم ينتزع منه، و لم يُقبل قوله بسرقته.

و للشافعيّة طريقان:

أحدهما عن ابن سريج: إنّ في انتزاعه قولين، إن قلنا: لا ينتزع، ثبت بدله في ذمّته، و به قال أبو حنيفة و مالك. و أبو حنيفة لا يوجب القطع أيضاً و الحال هذه.

و من الشافعيّة مَنْ قَطَع بنفي القبول في المال، كما لو كان في يد السيّد؛ لأنّ يده يد السيّد، بخلاف ما لو كان تالفاً؛ لأنّ غاية ما في الباب فوات رقبته على السيّد؛ إذ يتبع في الضمان، و الأعيان التي تفوت عليه لو

ص: 263


1- المغني 273:5، الشرح الكبير 281:5.
2- العزيز شرح الوجيز 277:5-278، روضة الطالبين 6:4.

قَبِلنا إقراره فيها لا تنضبط، فيعظم ضرر السيّد.

و منهم مَنْ عَكَس و قال: إن كان المال باقياً في يد العبد، قُبِل إقراره؛ بناءً على ظاهر اليد. و إن كان تالفاً، لم يُقبل؛ لأنّ الضمان حينئذٍ يتعلّق بالرقبة، و هي محكوم بها للسيّد(1).

فتلخّص من أقوال الشافعيّة أربعة أقوال:

أ: يُقبل مطلقاً.

ب: لا يُقبل مطلقاً.

ج: يُقبل إذا كان المال باقياً.

د: يُقبل إذا كان المال تالفاً.

و لو أقرّ ثمّ رجع عن الإقرار بسرقةٍ، لم يجب القطع.

مسألة 854: لو أقرّ العبد بما يوجب القصاص على نفسه، لم يُقبل.

و عند العامّة يُقبل(2).

فلو أقرّ فعفا المستحقّ على مالٍ أو عفا مطلقاً و قلنا: إنّه يوجب المال، فوجهان:

أصحّهما عند الشافعيّة: إنّه يتعلّق برقبته و إن كذّبه السيّد؛ لأنّه إنّما أقرّ بالعقوبة، و المال توجّه بالعفو، و لا يُنظر إلى احتمال أنّه واطأ المستحقّ على أن يقرّ و يعفو المستحقّ لتفوت الرقبة على السيّد؛ لضعف هذه التهمة، إذ المستحقّ ربما يموت أو لا يفي، فيكون المُقرّ مخاطراً بنفسه.

ص: 264


1- العزيز شرح الوجيز 278:5، روضة الطالبين 6:4.
2- المغني 274:5، الشرح الكبير 280:5، الحاوي الكبير 41:7، المهذّب - للشيرازي - 344:2، الوجيز 195:1، الوسيط 318:3، حلية العلماء 326:8، التهذيب - للبغوي - 236:4، العزيز شرح الوجيز 277:5، روضة الطالبين 6:4.

و الثاني: إنّه كذلك إن قلنا: إنّ موجَب العمد القصاصُ، أمّا إذا قلنا:

موجَبه أحدُ الأمرين، ففي ثبوت المال عندهم قولان؛ بناءً على الخلاف في ثبوت المال إذا أقرّ بالسرقة الموجبة للقطع(1).

مسألة 855: إذا أقرّ العبد بدَيْن خيانةٍ من جهة غصبٍ أو سرقةٍ لا توجب القطع

أو إتلافٍ و صدّقه السيّد، تعلّق بذمّته يُتبع به بعد العتق؛ لأنّ ما يفعله العبد لا يلزم السيّد منه شيء.

و قال الشافعي: يتعلّق برقبته، كما لو قامت عليه بيّنة، فيباع فيه، إلّا أن يختار السيّد الفداء(2).

و إذا بِيع فيه و بقي شيء من الدَّيْن، فهل يُتبع به بعد العتق ؟ قولان للشافعيّة(1).

و إن كذّبه السيّد، لم يتعلّق برقبته عندنا و عنده(4) ، بل يتعلّق بذمّته، و يُتبع به بعد العتق.

و لا يُخرَّج عندهم على الخلاف فيما إذا بِيع في الدَّيْن و بقي شيء؛ لأنّه إذا ثبت التعلّق بالرقبة فكأنّ الحقّ انحصر فيها و تعيّنت محلّاً للأداء(5).

و قال بعضهم: إنّ القياسيّين خرّجوه على ذلك الخلاف، و قالوا:

الفاضل عن قدر القيمة غير متعلّقٍ بالرقبة، كما أنّ أصل الحقّ غير متعلّقٍ بها هنا(6).

مسألة 856: لو أقرّ العبد بدَيْن معاملةٍ، نُظر إن لم يكن مأذوناً له في التجارة، لم يُقبل إقراره على السيّد،

و يتعلّق المُقرّ به بذمّته يُتبع به إذا

ص: 265


1- العزيز شرح الوجيز 278:5-279، روضة الطالبين 6:4. (4-6) العزيز شرح الوجيز 279:5، روضة الطالبين 7:4.

أُعتق، سواء صدّقه السيّد أو كذّبه.

و إن كان مأذوناً له في التجارة، ففي قبوله إشكال.

و قال الشافعي: يُقبل و يؤدّي من كسبه و ما في يده، إلّا إذا كان ممّا لا يتعلّق بالتجارة، كالقرض(1).

و لو أطلق المأذون الإقرارَ بالدَّيْن و لم يبيّن جهته، احتُمل عندهم أن يُنزَّل على دَيْن المعاملة(2).

و الأظهر: إنّه يُنزَّل على دَيْن الإتلاف.

و لا فرق في دَيْن الإتلاف بين المأذون و غيره.

و لو حجر عليه مولاه فأقرّ بعد الحجر بدَيْن معاملةٍ أسنده إلى حال الإذن، فللشافعيّة وجهان مبنيّان على القولين فيما لو أقرّ المفلس بدَيْنٍ لزمه قبل الحجر، هل يُقبل في مزاحمة الغرماء؟

و الأظهر عندهم هنا: المنع؛ لعجزه عن الإنشاء في الحال، و يمكن التهمة(3).

قال الجويني: وجوب القطع على العبد في مسألة الإقرار بالسرقة إذا لم نقبله في المال مُخرَّج على الخلاف فيما إذا أقرّ الحُرّ بسرقة مال زيدٍ، هل يُقطع قبل مراجعة زيد؟ لارتباط كلّ واحدٍ منهما بالآخَر(1).

مسألة 857: مَنْ نصفه حُرٌّ و نصفه رقيقٌ إذا أقرّ بدَيْن جنايةٍ، لم يُقبل في حقّ السيّد،

إلّا أن يصدّقه، و يُقبل في نصفه، و عليه قضاؤه ممّا في يده.

و إن أقرّ بدَيْن معاملةٍ، قضى نصفه - نصيب الحُرّيّة - ممّا في يده،

ص: 266


1- العزيز شرح الوجيز 279:5.

و تعلّق نصيب الرقّيّة بذمّته.

و قال الشافعيّة: إن صحّحنا تصرّفه، قَبِلنا إقراره عليه، و قضيناه ممّا في يده. و إذا لم نصحّحه، فإقراره كإقرار العبد(1).

و إقرار السيّد على عبده بما يوجب عقوبةً مردود، و بدَيْن الجناية مقبول، إلّا أنّه إذا بِيع فيه و بقي شيء، لم يُتبع به بعد العتق، إلّا أن يصدّقه.

و أمّا إقراره بدَيْن المعاملة فلا يُقبل على العبد؛ لأنّه لا ينفذ إقرار رجلٍ على آخَر.

مسألة 858: المريض مرضَ الموت يُقبل إقراره بالنكاح و بموجبات العقوبات.

و لو أقرّ بدَيْنٍ أو عينٍ لأجنبيٍّ، فالأقوى عندي من أقوال علمائنا: إنّه ينفذ من الأصل إن لم يكن متّهماً في إقراره. و إن كان متّهماً، نفذ من الثلث؛ لأنّه مع انتفاء التهمة يريد إبراء ذمّته، فلا يمكن التوصّل إليه إلّا بالإقرار عن ثبوته في ذمّته، فلو لم يُقبل منه بقيت ذمّته مشغولةً، و بقي المُقرّ له ممنوعاً عن حقّه، و كلاهما مفسدة، فاقتضت الحكمة قبول قوله.

أمّا مع التهمة فإنّ الظاهر أنّه لم يقصد الإخبار بالحقّ، بل قَصَد منعَ الوارث عن جميع حقّه أو بعضه و التبرّعَ به للغير، فأُجري مجرى الوصيّة.

و يؤيّده ما رواه العلاء بيّاع السابري عن الصادق عليه السلام، قال: سألته عن امرأة استودعت رجلاً مالاً فلمّا حضرها الموت قالت له: إنّ المال الذي دفعتُه إليك لفلانة، و ماتت المرأة، فأتى أولياؤها الرجل و قالوا له: إنّه كان لصاحبتنا مال لا نراه إلّا عندك، فاحلف لنا ما قِبَلك شيء، أ فيحلف لهم ؟

ص: 267


1- العزيز شرح الوجيز 279:5، روضة الطالبين 7:4.

فقال: «إن كانت مأمونةً عنده فليحلف، و إن كانت متّهمةً فلا يحلف، و يضع الأمر على ما كان، فإنّما لها من مالها ثلثه»(1).

و قال الشافعي: يصحّ إقراره للأجنبيّ(2) ، و أطلق، و هو إحدى الروايات عن أحمد(3).

و عنه رواية أُخرى: إنّه لا يُقبل؛ لأنّه إقرار في مرض الموت، فأشبه الإقرار لوارثٍ(4).

و عنه ثالثة: إنّه يُقبل في الثلث، و لا يُقبل في الزائد؛ لأنّه ممنوع من عطيّة ذلك للأجنبيّ، كما هو ممنوع من عطيّة الوارث عندهم، فلم يصحّ إقراره بما لا يملك عطيّته، بخلاف الثلث فما دون(3).

و الحقّ ما قلناه من أنّه إذا لم يكن متّهماً، صحّ إقراره، كالصحيح، بل هنا أولى؛ لأنّ حال المريض أقرب إلى الاحتياط لنفسه و إبراء ذمّته و تحرّي الصدق، فكان أولى بالقبول، أمّا الإقرار للوارث فإنّه متّهم فيه.

مسألة 859: لو أقرّ لأجنبيٍّ في مرضه و عليه دَيْنٌ ثابت بالبيّنة أو بالإقرار في الصحّة و هناك سعة في المال لهما، نفذ إقراره من الأصل

مع نفي التهمة، و مطلقاً عند العامّة(4).

و لو ضاق المال عنهما، فهو بينهما بالحصص - و به قال مالك

ص: 268


1- الكافي 3/42:7، الفقيه 595/170:4، التهذيب 661/160:9، الاستبصار 431/112:4 بتفاوت يسير.
2- المهذّب - للشيرازي - 345:2، العزيز شرح الوجيز 280:5، روضة الطالبين 8:4. (3 و 4) المغني 342:5، الشرح الكبير 274:5.
3- المغني 342:5-343، الشرح الكبير 274:5.
4- المغني 343:5، الشرح الكبير 275:5.

و الشافعي و أبو عبيد و أبو ثور(1). قال أبو عبيد: إنّه قول [أكثر] أهل المدينة(2) - لأنّهما حقّان تساويا في وجوب القضاء من أصل المال لم يختص أحدهما برهنٍ فاستويا، كما لو ثبتا ببيّنةٍ.

و قال النخعي: إنّه يُقدَّم الدَّيْن الثابت بالبيّنة - و به قال الثوري و أصحاب الرأي، و عن أحمد روايتان كالمذهبين - لأنّه أقرّ بعد تعلّق الحقّ بتركته، فوجب أن لا يشارك المُقرّ له مَنْ ثبت دَيْنه ببيّنةٍ، كغريم المفلس الذي أقرّ له بعد الحجر عليه(3).

و إنّما قلنا: إنّه تعلّق الحقّ بتركته؛ لأنّ الشارع مَنَعه من التصرّف في أكثر من الثلث، و لهذا لم تُنفذ هباته و تبرّعاته من الأصل، فلم يشارك مَنْ أقرّ له قبل الحجر و مَنْ ثبت دَيْنه ببيّنةٍ الذي أقرّ له المريض في مرضه.

و لو أقرّ لهما جميعاً في المرض، فإنّهما يتساويان، و لا يُقدَّم السابق منهما.

مسألة 860: لو أقرّ المريض لوارثه بمالٍ،

فالأقوى عندي اعتبار

ص: 269


1- الإشراف على نكت مسائل الخلاف 617:2-1050/618، عيون المجالس 1194/1696:4، الذخيرة 260:9، الحاوي الكبير 28:7، المهذّب - للشيرازي - 345:2، حلية العلماء 329:8، العزيز شرح الوجيز 281:5، روضة الطالبين 8:4، الهداية - للمرغيناني - 189:3، مختصر اختلاف العلماء 1905/210:4، المغني 343:5، الشرح الكبير 275:5.
2- المغني 343:5، الشرح الكبير 275:5، و ما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.
3- المغني 343:5، الشرح الكبير 275:5، تحفة الفقهاء 202:3، الهداية - للمرغيناني - 189:3، الاختيار لتعليل المختار 218:2، المبسوط - للسرخسي - 26:18، الحاوي الكبير 28:7، حلية العلماء 329:8، الذخيرة 260:9، الإشراف على نكت مسائل الخلاف 1050/618:2، عيون المجالس 1194/1696:4.

العدالة.

فإن كان عَدْلاً غير متّهمٍ في إقراره، نفذ من الأصل، كالأجنبيّ.

و إن لم يكن مأموناً و كان متّهماً في إقراره، نفذ من الثلث؛ لما تقدّم في الأجنبيّ.

و لما رواه منصور بن حازم عن الصادق عليه السلام أنّه سأله عن رجل أوصى لبعض ورثته أنّ له عليه دَيْناً، فقال: «إن كان الميّت مريضاً فأعطه الذي أوصاه(1) له»(2).

و قال بعض علمائنا: إنّ إقرار المريض من الثلث مطلقاً(3).

و بعضهم قال: إنّه من الثلث في حقّ الوارث مطلقاً؛ لأنّ الوراثة موجبة للتهمة(4).

و لما رواه هشام [بن سالم عن إسماعيل بن جابر قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام](5) عن رجل أقرّ لوارثٍ له - و هو مريض - بدَيْنٍ عليه، قال:

«يجوز إذا كان الذي أقرّ به دون الثلث»(6).

و قال بعضهم: إنّ إقرار المريض مطلقاً من الأصل(7). و لم يعتبر التهمة.3.

ص: 270


1- في المصادر: «أوصى» بدل «أوصاه».
2- الكافي 41:7-1/42، الفقيه 594/170:4، التهذيب 656/159:9، الاستبصار 426/111:4.
3- المختصر النافع: 168.
4- المقنع: 165.
5- ما بين المعقوفين أضفناه من المصادر.
6- الكافي 4/42:7، الفقيه 592/170:4، التهذيب 659/160:9، الاستبصار 429/112:4.
7- السرائر 506:2، و 217:3.

قال ابن المنذر من العامّة: أجمع كلّ مَنْ نحفظ عنه من أهل العلم على أنّ إقرار المريض في مرضه لغير الوارث جائز(1).

و للشافعيّة في الإقرار للوارث طريقان:

أحدهما: إنّه على قولين:

أحدهما: إنّه لا يُقبل - و به قال شريح و أبو هاشم و ابن أُذينة و النخعي و الثوري و يحيى الأنصاري و أبو حنيفة و أصحابه و أحمد بن حنبل - لأنّه موضع التهمة بقصد حرمان بعض الورثة، فأشبه الوصيّة للوارث. و لأنّه إيصال لماله إلى وارثه بقوله في مرض موته، فلم يصح بغير رضا بقيّة ورثته، كهبته. و لأنّه محجور عليه في حقّه، فلم يصح إقراره له، كالصبي.

و أصحّهما: القبول - كما ذهبنا إليه، و به قال الحسن البصري و عمر ابن عبد العزيز، و من الفقهاء أبو ثور و أبو عبيد - كما لو أقرّ لأجنبيٍّ، و كما لو أقرّ في حال الصحّة، و الظاهر أنّه لا يُقرّ إلّا عن حقيقةٍ، و لا يقصد حرماناً، فإنّه انتهى إلى حالةٍ يصدق فيها الكاذب و يتوب الفاجر.

الطريق الثاني: القطع بالقبول، و حَمْلُ قول الشافعي: «فمَنْ أجاز الإقرار لوارثٍ أجازه، و مَنْ أبى ردّه» [على](2) حكاية مذهب الغير(3).5.

ص: 271


1- الإجماع - لابن المنذر -: 344/38، المغني 342:5، الشرح الكبير 274:5.
2- ما بين المعقوفين أضفناه من «العزيز شرح الوجيز».
3- الحاوي الكبير 30:7، المهذّب - للشيرازي - 345:2، بحر المذهب 249:8، الوجيز 195:1، الوسيط 320:3، حلية العلماء 330:8، التهذيب - للبغوي - 262:4، البيان 393:13-394، العزيز شرح الوجيز 280:5-281، روضة الطالبين 8:4، المبسوط - للسرخسي - 31:18، تحفة الفقهاء 202:3، الاختيار لتعليل المختار 219:2، الهداية - للمرغيناني - 190:3، مختصر اختلاف العلماء 1906/210:4، المغني 344:5، الشرح الكبير 275:5-276، الإشراف على نكت مسائل الخلاف 1051/618:2، عيون المجالس 1697:4 و 1194/1698 و 1195.

و قال مالك: إن كان المُقرّ متّهماً، بطل الإقرار. و إن لم يكن متّهماً، صحّ و نفذ، و يجتهد الحاكم فيه(1).

مسألة 861: الأصل في إخبار المسلم الصدقُ، فلا يُحمل على غيره إلّا لموجبٍ.

فإذا أقرّ المريض لوارثٍ أو لغيره و اعتبرنا التهمة، كان الأصل عدمها؛ لأصالة ثقة المسلم و عدالته.

فإن ادّعاها(2) الوارث و قال المُقرّ له: إنّه غير متّهم، فالقول قول المُقرّ له مع اليمين؛ لالتزامه بالظاهر، فلا يُقبل قول الوارث إلّا بالبيّنة.

و إن اعتبرنا التهمة في الوارث خاصّةً و جعلنا الوراثة موجبةً للتهمة و أمضينا إقراره من الثلث كالوصيّة، فالاعتبار في كونه وارثاً بحال الموت أم بحال الإقرار؟ الأقوى: الثاني - و به قال مالك و الشافعي في القديم، و هو قول عثمان البتّي(3) - لأنّ التهمة حينئذٍ تعرض.

و قال أبو حنيفة و الشافعي في الجديد: إنّ الاعتبار بحال الموت، كما في الوصيّة، و هذا لأنّ المانع من القبول كونه وارثاً، و الوراثة تتعلّق بحالة

ص: 272


1- الإشراف على نكت مسائل الخلاف 1051/618:2، عيون المجالس 1696:4-1194/1698 و 1195، بحر المذهب 249:8، حلية العلماء 331:8، العزيز شرح الوجيز 281:5، روضة الطالبين 8:4، مختصر اختلاف العلماء 1905/210:4، المغني 344:5، الشرح الكبير 276:5.
2- في النسخ الخطّيّة و الحجريّة بدل «ادّعاها»: «ادّعاه». و الظاهر ما أثبتناه.
3- الوسيط 320:3، التهذيب - للبغوي - 262:4، العزيز شرح الوجيز 281:5، روضة الطالبين 8:4، المغني 345:5، الشرح الكبير 278:5، الخلاف - للشيخ الطوسي - 369:3، المسألة 14 من كتاب الإقرار.

الموت(1).

و ليس بمعتمدٍ.

فعلى ما اخترناه لو أقرّ لزوجته ثمّ طلّقها أو لأخيه ثمّ ولد له ولد، صحّ الإقرار.

و لو أقرّ لأجنبيّةٍ ثمّ نكحها أو لأخيه و له ابن فمات، لم يصح من الأصل، و على الآخَر بالعكس فيهما.

و لو أقرّ في المرض أنّه كان قد وهب من وارثه و أقبض في الصحّة، فالأقوى أنّه لا ينفذ من الأصل.

و للشافعيّة طريقان:

أحدهما: القطع بالمنع؛ لذكره ما هو عاجز عن إنشائه في الحال.

و الثاني: إنّه على القولين في الإقرار للوارث [و] رجّح بعضهم القبولَ؛ لأنّه قد يكون صادقاً فيه، فليكن له طريق إلى إيصال الحقّ إلى المستحقّ(2).

و لو أقرّ لمتّهمٍ و غير متّهمٍ، نفذ في حقّ غير المتّهم من الأصل، و في المتّهم من الثلث.

و عند الشافعيّة لو أقرّ لوارثه و أجنبيٍّ معاً، هل يصحّ في حصّة الأجنبيّ إذا لم يُقبل للوارث ؟ قولان، و الظاهر عندهم: الصحّة(3).

مسألة 862: لو أقرّ في صحّته أو مرضه بدَيْنٍ ثمّ مات فأقرّ وارثه عليه

ص: 273


1- الحاوي الكبير 31:7، بحر المذهب 250:8، الوسيط 320:3، التهذيب - للبغوي - 262:4، البيان 394:13، العزيز شرح الوجيز 281:5، روضة الطالبين 8:4، المغني 345:5، الشرح الكبير 278:5.
2- الوسيط 321:3، العزيز شرح الوجيز 281:5، روضة الطالبين 8:4.
3- العزيز شرح الوجيز 281:5، روضة الطالبين 8:4.

بدَيْنٍ لآخَر و قصرت التركة عنهما، احتُمل تساويهما و أنّهما يتضاربان في التركة، كما لو ثبت الدَّيْنان بالبيّنة، و كما لو أقرّ بهما في حياته، فإنّ الوارث خليفته، فإقراره كإقراره.

و يحتمل أنّه يقدَّم ما أقرّ به المورّث؛ لأنّه تعلّق بالتركة، فليس للوارث صَرف التركة عنه. و في الثاني قوّة.

و للشافعيّة وجهان(1) كهذين.

و الوجهان جاريان فيما لو أقرّ الوارث بدَيْنٍ عليه ثمّ أقرّ لآخَر بدَيْنٍ عليه(2).

و هُما مبنيّان على أنّ المحجور عليه بالفلس إذا أقرّ بدَيْنٍ أسنده إلى ما قبل الحجر هل يُقبل إقراره في زحمة الغرماء؟ للشافعي فيه قولان، فالتركة كمال المحجور عليه من حيث إنّ الورثة ممنوعون عن التصرّف فيها(3).

و لو ثبت عليه دَيْنٌ في حياته بالبيّنة ثمّ مات فأقرّ وارثه عليه بدَيْنٍ، جرى الخلاف أيضاً، كما تقدّم.

مسألة 863: لو ثبت عليه دَيْنٌ في حياته أو بعد موته بأن تردّت بهيمة في بئرٍ كان قد احتفرها في محلّ عدوان،

زاحم صاحبُ البهيمة ربَّ الدَّيْن القديم؛ لأنّ وجود السبب كوجود المسبّب.

و للشافعي قولان تقدّما فيما إذا جنى المفلس بعد الحجر عليه(4).

و لو مات و خلّف ألف درهم فجاء مُدّعٍ و ادّعى أنّه أوصى بثلث ماله، فصدّقه الوارث ثمّ جاء آخَر و ادّعى عليه ألف درهم دَيْناً، فصدّقه الوارث،

ص: 274


1- الوسيط 321:3-322، العزيز شرح الوجيز 282:5، روضة الطالبين 8:4.
2- الوسيط 322:3، العزيز شرح الوجيز 282:5، روضة الطالبين 8:4-9.
3- العزيز شرح الوجيز 282:5.
4- الوسيط 322:3، العزيز شرح الوجيز 282:5، روضة الطالبين 9:4، و راجع ج 14 - من هذا الكتاب - ص 29-30، المسألة 276.

احتُمل صَرفُ الثلث إلى الوصيّة؛ لتقدّمها، و تقدُّمُ الدَّيْن، لأنّه في وضع الشرع مقدَّم على الوصيّة.

و للشافعيّة قولان مخرَّجان على قولهم: إنّ إقرار الوارث و الموروث سواء(1).

و لو صدّق الوارث مدّعي الدَّيْن أوّلاً، فالأقوى صَرف المال إليه.

و لو صدّق المدّعيَيْن دفعةً، قسّم الألف بينهما أرباعاً؛ لأنّا نحتاج إلى ألف للدَّيْن و إلى ثلث ألف للوصيّة، فيزاحم على الألف الألف و ثلث الألف، فيخصّ الوصيّة ثلث عائل، فيكون ربعاً، و هو قول أكثر الشافعيّة(2).

و قال بعضهم: تبطل الوصيّة، و يُقدّم الدَّيْن كما لو ثبتا بالبيّنة(3).

و هو الأقوى، سواء قدّمنا عند الترتيب الأوّلَ منهما أو سوّينا بينهما.

مسألة 864: لو أقرّ المريض بعين ماله لإنسان ثمّ أقرّ بدَيْنٍ لآخَر مستغرق أو غير مستغرقٍ، سُلّمت العين للمُقرّ له،

و لا شيء للثاني؛ لأنّ المُقرّ مات و لا شيء له.

و لو أقرّ بالدَّيْن أوّلاً ثمّ أقرّ بعين ماله، احتُمل مساواة هذه للأُولى - و هو أصحّ وجهي الشافعيّة(4) - لأنّ الإقرار بالدَّيْن لا يتضمّن حَجْراً في العين، و لهذا تنفذ تصرّفاته فيه.

و يحتمل تزاحمهما - و هو الثاني للشافعيّة، و به قال أبو حنيفة(5) - لأنّ لأحد الإقرارين قوّةَ السبق، و للآخَر قوّة الإضافة إلى العين، فاستويا.

ص: 275


1- العزيز شرح الوجيز 283:5، روضة الطالبين 9:4. (2 و 3) الوسيط 322:3، العزيز شرح الوجيز 283:5، روضة الطالبين 9:4. (4 و 5) الوجيز 195:1، الوسيط 321:3، العزيز شرح الوجيز 283:5، روضة الطالبين 9:4.
البحث الثالث: في المُقرّ له.
اشارة

و له شروط ثلاثة: أهليّته للاستحقاق، و أن لا يكذّب المُقرّ له، و التعيين، فهنا مطلبان:

المطلب الأوّل: أهليّة المُقرّ له للاستحقاق للحقّ المُقرّ به،
اشارة

و إلّا كان الكلام لغواً لا عبرة به، فلو قال: لهذا الحمار أو الحائط أو لدابّة فلان علَيَّ ألف، بطل إقراره.

و لو قال: لفلان علَيَّ بسببها ألف، صحّ، و حُمل على أنّه جنى عليها أو استعملها أو اكتراها.

و قال بعض الشافعيّة: لا يصحّ؛ لأنّ الغالب لزوم المال بالمعاملة، و لا تتصوّر المعاملة معها(1).

و لو قال: لعبد فلان علَيَّ أو عندي ألف، صحّ، و كان الإقرار لسيّده، بخلاف الدابّة؛ لأنّ المعاملة معها لا تُتصوّر، و تُتصوّر مع العبد، و الإضافة إليه كالإضافة في الهبة و سائر الإنشاءات.

و لو قال: علَيَّ ألف بسبب الدابّة، و لم يقل: لمالكها، فالأقرب: إنّه لا يلزمه لمالكها شيء؛ لجواز أن يلزمه بسببها ما ليس لمالكها بأن ينفرها على راكبٍ أجنبيّ فيسقط، أو يركبها و يجني بيديها على أجنبيٍّ.

نعم، إنّه يُسأل و يُحكم بموجب بيانه، فإن امتنع من البيان و ادّعى المالك قصده، حلف له، و إلّا فلا.

مسألة 865: الحمل يصحّ أن يملك، و لهذا يُعزل له في الميراث

ص: 276


1- العزيز شرح الوجيز 284:5، روضة الطالبين 11:4.

نصيبٌ، و تصحّ الوصيّة به و له.

فإذا قال: لحمل فلانة علَيَّ ألف، أو عندي له ألف، فأقسام أحواله ثلاثة:

فإن أسنده إلى جهةٍ صحيحة بأن يقول: ورثه من أبيه، أو أوصى به فلان له، صحّ(1) إقراره.

ثمّ إن انفصل الحمل ميّتاً، فلا حقّ له، و يكون لورثة مَنْ قال: إنّه ورثه منه، أو للموصي، أو لورثته إن أسنده إلى الوصيّة.

و إن انفصل حيّاً لدون ستّة أشهر من يوم الإقرار، استحقّ؛ لأنّا تبيّنّا وجوده يومئذٍ.

و إن انفصل لأكثر من مدّة الحمل - و هي سنة على روايةٍ(2) ، و عشرة على أُخرى(3) ، و تسعة على ثالثةٍ(4) عندنا، و عند الشافعي أربع سنين(5) - فلا شيء له؛ لتيقّن عدمه حينئذٍ.

و إن انفصل لستّة أشهر فما زاد إلى السنة أو العشرة الأشهر أو التسعة عندنا أو إلى أربع سنين عند الشافعي، فإن كانت فراشاً فالأقرب: صحّة الإقرار؛ عملاً بأصالة الصحّة.

و يحتمل البطلان؛ لاحتمال تجدّد العلوق بعد الإقرار، و الأصل عدم الاستحقاق، و عدم المُقرّ له عند الإقرار.

و الثاني قول الشافعيّة(6).4.

ص: 277


1- في النسخ الخطّيّة: «فيصحّ».
2- الكافي 3/101:6، الفقيه 1600/330:3.
3- لم نعثر عليها في المصادر الحديثيّة، و نسبها إلى الرواية أيضاً ابن حمزة في الوسيلة: 318.
4- الكافي 3/52:6، التهذيب 396/115:8، و 166-578/167.
5- الأُم 222:5، الحاوي الكبير 205:11، المهذّب - للشيرازي - 143:2، البيان 376:10، العزيز شرح الوجيز 451:9، روضة الطالبين 354:6.
6- التهذيب - للبغوي - 260:4، العزيز شرح الوجيز 285:5، روضة الطالبين 11:4.

و إن لم تكن مستفرشةً، فللشافعي قولان:

أحدهما: إنّه لا يستحقّ؛ لأنّا لا نتيقّن وجوده عند الإقرار.

و أظهرهما عندهم: الاستحقاق - و هو المعتمد - إذ لا سبب في الظاهر يتجدّد به العلوق، فالظاهر وجوده وقت الإقرار، و لهذا يُحكم بثبوت نسبه ممّن كانت فراشاً له(1).

فإن ولدت المرأة ذكراً، فهو له.

و كذا لو ولدت ذكرين فصاعداً، فلهم بالسويّة.

و إن ولدت أُنثى، فلها.

و إن ولدتهما معاً، فهو بينهما بالسويّة إن [أسنده](2) إلى الوصيّة، و إلّا فهو بينهما أثلاثاً إن أسنده إلى الإرث.

و لو اقتضى جهة الوراثة التسويةَ بأن يكونا ولدي الأُمّ، كان ثلثه بينهما بالسويّة.

و لو أطلق الإرث حكمنا بما يجب به عند سؤالنا إيّاه عن الجهة.

مسألة 866: لو أسند الإقرار إلى جهةٍ فاسدة بأن يسند الاستحقاق إلى القرض منه أو البيع عليه، فالوجه عندي: الصحّة

- و هو أظهر قولَي الشافعيّة(3) - لأنّه عقّبه بما هو غير معقولٍ و لا منتظم، فأشبه ما إذا قال:

لفلان علَيَّ ألف لا تلزمني.

و الثاني للشافعيّة: البطلان(4).

ص: 278


1- التهذيب - للبغوي - 260:4، العزيز شرح الوجيز 285:5، روضة الطالبين 11:4.
2- بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «أسند». و الظاهر ما أثبتناه. (3 و 4) بحر المذهب 254:8، البيان 396:13، العزيز شرح الوجيز 286:5، روضة الطالبين 12:4.

و لهم طريقٌ آخَر: إنّ المطلق إن كان فاسداً، فهنا أولى بالبطلان. و إن قلنا: المطلق صحيح، كانت المسألة على قولين(1).

و لو أطلق الإقرار، فالأقوى عندي الصحّة أيضاً؛ عملاً بمقتضى إقراره، و حملاً للأقارير على الصحّة و الجهة الممكنة في حقّه و إن كانت نادرةً، و هو أصحّ قولَي الشافعي، و به قال أبو حنيفة و محمّد(2).

و الثاني للشافعي: البطلان - و به قال أبو يوسف - لأنّ المال في الغالب إنّما يثبت بمعاملةٍ أو جنايةٍ، و لا مساغ للمعاملة معه و لا للجناية عليه(3).

مسألة 867: لو انفصل الحمل ميّتاً و قلنا بصحّة الإقرار حالة ما إذا نسب الإقرار إلى المستحيل أو أطلق، لم يكن له حقٌّ؛

لأنّه إن كان عن وصيّةٍ، فقد ظهر بطلانها؛ لأنّه لا تصحّ الوصيّة إلّا بعد أن ينفصل حيّاً. و إن كان ميراثاً، فلا يثبت له إذا انفصل ميّتاً.

و يُسأل المُقرّ عن جهة إقراره من الإرث أو الوصيّة و يُحكم بموجبها.

قال بعض الشافعيّة: ليس لهذا السؤال و البحث طالبٌ معيّن، و كان

ص: 279


1- الحاوي الكبير 34:7، الوسيط 323:3، العزيز شرح الوجيز 286:5، روضة الطالبين 12:4.
2- الحاوي الكبير 34:7، المهذّب - للشيرازي - 345:2-346، بحر المذهب 253:8-254، الوجيز 195:1-196، الوسيط 323:3، حلية العلماء 332:8، التهذيب - للبغوي - 261:4، البيان 396:13، العزيز شرح الوجيز 286:5، روضة الطالبين 12:4، مختصر اختلاف العلماء 219:4-1922/220، الاختيار لتعليل المختار 210:2، المبسوط - للسرخسي - 197:17، الهداية - للمرغيناني - 183:3، المغني 276:5، الشرح الكبير 292:5.
3- الاختيار لتعليل المختار 210:2، المبسوط - للسرخسي - 197:17، الهداية - للمرغيناني - 183:3، مختصر اختلاف العلماء 1922/219:4، الحاوي الكبير 34:7، المهذّب - للشيرازي - 345:2-346، بحر المذهب 253:8، الوجيز 195:1، الوسيط 323:3، حلية العلماء 332:8، التهذيب - للبغوي - 260:4، البيان 396:13، العزيز شرح الوجيز 286:5، روضة الطالبين 12:4.

القاضي يسأل [حسبةً](1) ليصل الحقّ إلى مستحقّه، فإن مات قبل البيان، كان كما لو أقرّ لإنسانٍ فردّه(2).

و قال بعضهم: يطالب ورثته ليفسّر(3).

و إن انفصل حيّاً للمدّة التي قدّرنا من قَبْلُ - و هي أقلّ من ستّة أشهر - فالكلّ له، ذكراً كان أو أُنثى.

و إن انفصل لأقصى مدّة الحمل، فإن كان لها زوج يطؤها أو مولى، لم يصح الإقرار؛ لأنّا لا نعلم وجوده حين الوصيّة؛ لجواز أن يحدث بعدها.

و عندي فيه نظر؛ لأنّ الإقرار و غيره يُحمل على الصحّة ما أمكن.

و إن لم يكن لها زوج و لا مولى، صحّت الوصيّة؛ لأنّا نحكم بوجوده حال الوصيّة، فصحّت له.

و إن ولدت ولداً بعد آخَر، فإن كان بينهما أقلّ من ستّة أشهر، فالمال لهما؛ لأنّهما حملٌ واحد. و إن كان بينهما ستّة أشهر فصاعداً، فهو للحمل الأوّل، دون الثاني.

و إن ولدت ذكراً و أُنثى، فهو لهما بالسويّة؛ لأنّ ظاهر الإقرار يقتضي التسوية، و من المحتمل أن تكون الجهة الوصيّةَ.

و متى انفصل حيّ و ميّت، جُعل الميّتَ كأن لم يكن، و يُنظر في الحيّ على ما ذكرنا.

مسألة 868: لو أقرّ بحمل جاريةٍ أو حمل دابّةٍ لإنسانٍ، صحّ الإقرار،

و فيه ما تقدّم من التفصيل فيما إذا أقرّ للحمل، و يُنظر كم بين انفصاله و بين

ص: 280


1- بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «حبسه». و المثبت - كما في المصدر - هو الصحيح.
2- العزيز شرح الوجيز 286:5، روضة الطالبين 12:4.
3- العزيز شرح الوجيز 286:5، روضة الطالبين 12:4-13.

يوم الإقرار من المدّة على ما سبق، و يرجع في حمل البهيمة إلى أهل الخبرة.

و إن أطلق أو أسند إلى جهةٍ فاسدة، خرج على ما تقدّم من الخلاف.

و لو أقرّ لرجلٍ بالحمل، و بالأُم لآخَر، صحّ الإقرار.

و للشافعيّة خلاف.

قالوا: إن جوّزنا الإقرار بالحمل، صحّ الأمران، و إلّا فلا(1).

قال بعضهم: هُما جميعاً للأخير؛ بناءً على أنّ الإقرار بالحامل إقرار بالحمل(2).

مسألة 869: لو أقرّ لمسجدٍ أو مشهدٍ أو مقبرةٍ أو رباطٍ أو مدرسةٍ و نحوها من القناطر و غيرها،

فإن أسنده إلى جهةٍ صحيحة، كغلّة وقف عليه أو نذر لمصالحه، صحّ.

و إن أطلق، فكذلك.

و للشافعيّة وجهان تخريجاً من القولين في مسألة الحمل(1).

و على قياسه ما إذا أضاف إلى جهةٍ فاسدة(2).

و الأقوى عندي اللزوم، و لا يلتفت إلى الإضافة الفاسدة على ما تقدّم.

المطلب الثاني: في اشتراط عدم التكذيب.
مسألة 870: يشترط في الإقرار و الحكم بصحّته عدم تكذيب المُقرّ له للمُقرّ و عدم إنكاره لما أقرّ له به.

نعم، لا يشترط قبوله لفظاً على رسم الإيجاب و القبول في الإنشاءات.

ص: 281


1- المهذّب - للشيرازي - 346:2، بحر المذهب 225:8، الوجيز 196:1، التهذيب - للبغوي - 261:4، البيان 397:13، العزيز شرح الوجيز 287:5، روضة الطالبين 14:4.
2- العزيز شرح الوجيز 287:5، روضة الطالبين 14:4.

فإذا أقرّ لزيدٍ بألفٍ فكذّبه زيد، لم يدفع إليه، و لا شيء عليه في ذمّته.

و لو أقرّ بعينٍ له، فأنكر زيد أنّها له، لم تُدفع العين إلى المُقرّ له.

ثمّ للقاضي الخيار إن شاء انتزعه(1) من يده و سلّمه إلى أمينه ليحفظه لمالكه إذا ظهر سلّمه إليه، و إن شاء أبقاه في يد المُقرّ كما كان؛ لأنّ يده أولى الناس بحفظه.

و بالجملة، فالحاكم هو المتولّي لحفظ ما يضيع، و هذا في حكم مالٍ ضائعٍ، فيحتاط لمالكه، فإذا رأى استحفاظ صاحب اليد، فهو كما لو استحفظ عَدْلاً آخَر.

و قال بعض الشافعيّة: فيه وجهان:

أظهرهما: تركه في يد المُقرّ.

و الثاني: يحفظه القاضي(2).

و قال قوم منهم: إنّه يُجبر المُقرّ له على القبول و القبض(3).

و هو بعيد عن الصواب.

و قال بعضهم: موضع الخلاف ما إذا قال صاحب اليد للقاضي: في يدي مال لا أعرف مالكه، فالوجه: القطع بأنّ القاضي يتولّى حفظه(4).

و أبعد بعضهم فقال: لا يجوز انتزاعه هنا أيضاً(5).

مسألة 871: لو رجع المُقرّ له عن الإنكار و صدّق المُقرّ في إقراره،

ص: 282


1- تذكير الضمير هنا و فيما يأتي باعتبار المُقرّ به، أو المال.
2- الوسيط 324:3، الوجيز 196:1، البيان 395:13، العزيز شرح الوجيز 288:5، روضة الطالبين 14:4. (3-5) العزيز شرح الوجيز 288:5، روضة الطالبين 14:4.

فالأقرب: إنّ له الأخذ؛ عملاً بإقرار المُقرّ، السالم عن الإنكار، لزوال حكمه بالتصديق الطارئ فتعارضا، و بقي الإقرار سالماً عن المعارض، و به قال بعض الشافعيّة(1).

و قال آخَرون: هذا تفريع على الخلاف السابق، إن قلنا: يُترك في يد المُقرّ، فهذا حكمٌ منّا بإبطال ذلك الإقرار، فلا يصرف إلى المُقرّ له إلّا بإقرارٍ جديد. و إن قلنا: ينتزعه الحاكم و يحفظه، فكذلك لا يُسلّم إليه، بل لو أراد إقامة البيّنة على أنّه ملكه، لم تُسمع. و إنّما يُسلّم له إذا فرّعنا على الوجه البعيد من أنّ المُقرّ له يُجبر على أخذه، و الظاهر من قول الشافعيّة أنّه لا يُسلّم إليه(2).

مسألة 872: لو أقرّ لزيدٍ فأنكر زيدٌ ثمّ رجع المُقرّ حال إنكار زيدٍ،

فقال: غلطت، أو تعمّدت الكذب و المال ليس لزيدٍ، لم يلتفت إلى رجوعه إن قلنا: ينتزعه الحاكم.

و إن قلنا: يُترك في يده، احتُمل أنّه لا يُقبل إنكاره أيضاً؛ بناءً على أنّه لو عاد المُقرّ له إلى التصديق قُبِل منه، فإذا كان ذلك متوقَّعاً، لم يلتفت إلى رجوعه.

و احتُمل القبول؛ بناءً على أنّ الترك في يده إبطال للإقرار.

و للشافعيّة وجهان أظهرهما: الثاني(3).

مسألة 873: لو أقرّ لزيدٍ بعبدٍ فأنكر زيد ملكيّته، فالحكم كما لو أقرّ بغيره من ثوبٍ و شبهه؛

لأنّه محكوم له بالرقّ، فلا يرفع إلّا بيقينٍ.

ص: 283


1- العزيز شرح الوجيز 288:5، روضة الطالبين 14:4.
2- العزيز شرح الوجيز 288:5-289، روضة الطالبين 14:4-15.
3- العزيز شرح الوجيز 289:5، روضة الطالبين 15:4.

و للشافعيّة وجهان:

أحدهما: إنّه يُحكم بعتقه - و هو قول الشيخ(1) رحمه الله - لأنّ صاحب اليد لا يدّعيه، و المُقرّ له ينفيه، فيصير العبد في يد نفسه، و يُعتق، و هذا كما إذا أقرّ اللقيط بعد البلوغ بأنّه مملوك زيدٍ فأنكر زيد، يُحكم له بالحُرّيّة، كذا هنا.

و الثاني: المنع - كما قلناه - و يبقى على الرقّيّة المجهولة المالك، بخلاف صورة اللقيط؛ فإنّه محكوم بحُرّيّته بالدار، فإذا أقرّ و نفاه المُقرّ له، بقي على أصل الحُرّيّة، فإذاً لا فرق بين العبد و غيره من أعيان الأموال(2).

و لو أقرّ العبد بأنّه ملكٌ لفلان غير مَنْ أقرّ له مولاه به، كان لغواً، و بقي على الرقّيّة المجهولة المالك.

و لو كان المُقرّ به قصاصاً أو حدَّ قذفٍ فكذّبه المُقرّ له، سقط الإقرار.

و كذا لو أقرّ بسرقةٍ توجب القطع، و أنكر ربٌّ المال السرقةَ، سقط القطع.

و في المال ما تقدّم(3).

و لو أقرّت المرأة بنكاحٍ فأنكر الزوج، سقط حكم الإقرار في حقّه.

مسألة 874: لو كان في يده عبدان، فقال: أحد هذين العبدين لزيدٍ، طُولب بالتعيين،

فإن عيّن واحداً منهما، فقال زيد: ليس هذا عبدي، بل الآخَر، فهو مكذّب للمُقرّ في المعيَّن، و حكمه ما تقدّم، و مُدّعٍ في العبد الآخَر، فإن أقام البيّنة به حُكم له، و إلّا حلف المُقرّ، و سقطت دعواه فيه.

و لو ادّعى على آخَر ألفاً من ثمن مبيعٍ، فقال المدّعى عليه: قد

ص: 284


1- المبسوط - للطوسي - 23:3.
2- بحر المذهب 267:8، العزيز شرح الوجيز 289:5، روضة الطالبين 15:4.
3- في المسألة 870.

أقبضتُك، فأقام البائع على المشتري بيّنةً بعد بيّنته بأنّه ما أقبضه الثمن بَعْدُ، سُمعت، و أُلزم المشتري الثمن؛ لأنّه و إن قامت البيّنة على إقراره بالقبض فقد قامت على أنّ صاحبه كذّبه، فيبطل حكم الإقرار، و يبقى الثمن على المشتري.

مسألة 875: قد ذكرنا أنّ من شرط صحّة الإقرار تعيينَ المُقرّ له،

فلو قال: لإنسانٍ عندي كذا، أو لواحدٍ من بني آدم، أو لواحدٍ من خلق اللّه تعالى، أو لواحدٍ من أهل البلد، احتُمل البطلان؛ لعدم التعيين، فلا يطالب به.

و للشافعيّة وجهان مبنيّان على أنّه إذا أقرّ لمعيَّن بشيء فكذّبه المُقرّ له، هل يخرج من يده ؟ إن قلنا: نعم؛ لأنّه مال ضائع، فكذا هنا، و يصحّ الإقرار، و يكون معتبراً، و يخرجه الحاكم من يده و يحفظه من صاحبه. و إن قلنا: لا، لم يصح هذا الإقرار(1).

و الأقرب عندي القبول، و صحّة هذا الإقرار، ثمّ للحاكم انتزاعه من يده و إبقاؤه في يده.

فعلى قولنا بالصحّة لو جاء واحد و قال: أنا الذي أردتَني ولي عليك ألف، فالقول قول المُقرّ مع يمينه في نفي الإرادة و نفي الألف.

و مَنْ أبطل هذا الإقرار فرّق بينه و بين قوله: غصبت هذا من أحد هذين الرجلين، أو هؤلاء الثلاثة، حيث يعتبر؛ لأنّه إذا قال: هو لأحد هذين، فله مُدّعٍ و طالب، فلا يبقى في يده مع قيام الطالب و اعترافه بأنّه ليس له، و أمّا إذا قال: لواحدٍ من بني آدم، فلا طالب له، و يبقى في يده(2).

ص: 285


1- العزيز شرح الوجيز 290:5، روضة الطالبين 15:4.
2- العزيز شرح الوجيز 290:5.

و الوجه: ما قلناه من عدم اشتراط تعيينه.

و القائلون به لا يشترطون التعيين من كلّ وجهٍ، بل أن يكون معيّناً ضرب تعيينٍ تتوقّع منه الدعوى و الطلب(1).

البحث الرابع: في المُقرّ به.
مسألة 876: يشترط في المُقرّ به أن يكون مستحقّاً

إمّا بأن يكون مالاً مملوكاً، أو بأن يكون حقّاً تصحّ المطالبة به، كشفعةٍ و حدِّ قذفٍ و قصاصٍ و غير ذلك من الحقوق الشرعيّة، كاستطراقٍ في دربٍ، و إجراء ماءٍ في نهرٍ، و إجراء ماء ميزابٍ إلى ملكٍ، و حقّ طرح خشبٍ على حائطٍ، أو بأن يكون نسباً.

و لو أقرّ بما لا يصحّ تملّكه مطلقاً - كالأبوال و العذرات و جميع الفضلات - لم يصح، و كان الإقرار لاغياً لا يجب به شيء.

و لو أقرّ بما يتموّله أهل الذمّة - كالخمر و الخنزير - للمُسلم، لم يصح، و يصحّ للذمّي؛ لأنّ المُسلم يضمنه بقيمته عند مستحلّيه لو أتلفه عليهم و كانوا مستترين به.

مسألة 877: يشترط في القضاء و الحكم بالإقرار بالملكيّة لمن أُقرّ له كون المُقرّ به تحت يد المُقرّ و تصرّفه،

فلو أقرّ بما ليس في يده بل في يد الغير - كعبدٍ في يد زيدٍ أقرّ به لغيره - لم يُحكم بثبوت الملكيّة في العبد للمُقرّ له بمجرّد الإقرار، بل يكون ذلك دعوىً أو شهادةً.

و لا يلغو الإقرار من كلّ وجهٍ، بل لو حصل المُقرّ به في يده بملكيّةٍ ظاهرة ساعةً من الزمان، أُمر بتسليمه إلى المُقرّ له.

ص: 286


1- العزيز شرح الوجيز 290:5.

فلو قال: العبد الذي في يد زيدٍ مرهون عند عمرو بكذا، ثمّ ملك العبد ظاهراً، أُمر ببيعه في دَيْن عمرو.

و لو أقرّ بحُرّيّة عبدٍ في يد زيدٍ، لم يُقبل منه، أو شهد [بها](1) فردّت شهادته، لم يُحكم بحُرّيّته في الحال.

فإذا أقدم على شرائه من زيدٍ صحّ؛ تنزيلاً للعقد على قول مَنْ صدّقه الشرع، و هو البائع صاحب اليد، بخلاف ما إذا قال: فلانة أُختي من الرضاع، ثمّ أراد أن ينكحها، لم يُمكّن منه؛ لأنّ في الشراء يحصل غرض استنقاذه من أسر الرقّ، و هذا الغرض لا يوجد في النكاح؛ للاستمتاع بفرجٍ اعترف بأنّه حرام عليه.

ثمّ إذا اشترى العبد، حُكم بُحرّيّته، و أُمر برفع يده عنه؛ عملاً بإقراره.

مسألة 878: إذا كان صورة إقراره: إنّ عبد زيدٍ حُرّ الأصل، أو أنّه أُعتق قبل أن أشتريه،

فإذا اشتراه فهو فداء من جهته إجماعاً.

فإذا مات العبد و قد اكتسب مالاً و لا وارث له من الأنساب، فالمال للإمام، و ليس للمشتري أن يأخذ منه شيئاً؛ لأنّه بتقدير صدقه لا يكون المال للبائع حتى يأخذ منه عوض ما دفعه إليه من الثمن.

و لو مات العبد قبل أن يقبضه المشتري، لم يكن للبائع أن يطالبه بالثمن؛ لأنّه لا حُرّيّة في زعمه، و المبيع قد تلف قبل قبضه، فبطل البيع.

مسألة 879: لو كانت صيغة الإقرار: إنّك أعتقته و الآن أنت تسترقّه ظلماً، ثمّ عقد البيع معه، فالوجه: إنّه بيع من جهة البائع؛

لأنّه ملكه، و هو يدّعي ملكيّته، و اليد تشهد له، فلا يلتفت إلى إقرار الغير عليه، فكان بمنزلة

ص: 287


1- بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «به». و الظاهر ما أثبتناه.

ما لو باعه على غيره، و يكون افتداءً من جهة المُقرّ؛ لاعترافه بالحُرّيّة، و أنّ هذا العقد ليس بصحيحٍ، حيث لم يصادف محلّاً قابلاً له، و هو أحد وجوه الشافعيّة.

و الثاني: إنّه بيع من الجانبين.

و الثالث: إنّه افتداء من الجانبين(1).

و هذا الثالث خطأ؛ لأنّه كيف يقال: إنّه استنقاذ في طرف البائع!؟ و كيف يأخذ المال لينقذ مَنْ يسترقّه و يعرفه حُرّاً فيفتديه به!؟ بل لو قيل فيه المعنيان معاً و الخلاف في أنّ الأغلب منهما ما ذا؟ كان محتملاً على ضعفٍ.

و أكثر الشافعيّة على أنّه بيع من جهة البائع، و أمّا من جهة المشتري فوجهان:

أحدهما: إنّه شراء، كما في جانب البائع.

و الثاني: إنّه افتداء؛ لاعترافه بحُرّيّته و امتناع شراء الحُرّ(2).

مسألة 880: إذا ثبت أنّه بيع من طرف البائع و افتداء من طرف المشتري، لا يبطل خيار المجلس في طرف البائع،

بل يثبت له الخيار ما داما في المجلس. و كذا يثبت له خيار الشرط لو شرط و إن طال زمانه، و هو أحد قولَي الشافعيّة؛ بناءً على ظاهر مذهبهم من أنّه بيع من جانبه(3).

و لو كان البيع بثمنٍ معيّنٍ فخرج معيباً و ردّه البائع، كان له أن يستردّ العبد، بخلاف ما لو باع عبداً و أعتقه المشتري ثمّ خرج الثمن المعيّن معيباً و رُدّ، فإنّه لا يستردّ العبد، بل يعدل إلى القيمة؛ لاتّفاقهما على العتق هناك.

و أمّا المشتري فلا يثبت له خيار المجلس و لا خيار الحيوان؛ لأنّه

ص: 288


1- العزيز شرح الوجيز 293:5، روضة الطالبين 18:4.
2- العزيز شرح الوجيز 293:5، روضة الطالبين 18:4.
3- العزيز شرح الوجيز 293:5، روضة الطالبين 18:4.

ليس شراء في طرفه، بل هو فداء.

و مَنْ قال من الشافعيّة: إنّه شراء في طرفه، أثبت له الخيار(1).

و على الوجهين فلا ردّ له لو خرج العبد معيباً؛ لاعترافه بحُرّيّته، لكن يأخذ الأرش إن جعلناه شراءً، و إلّا فلا أرش له.

و بهذا الثاني نقول.

و قال الجويني: إذا لم يثبت خيار المجلس للمشتري، ففي ثبوته للبائع وجهان؛ لأنّ هذا الخيار لا يكاد يتبعّض(2).

و ليس بمعتمدٍ.

و قال بعض الشافعيّة: لا يثبت للبائع خيار أيضاً، كما لو باع عبده من نفسه، أو باع عبده على مَنْ يعتق عليه(3).

و قال بعضهم بثبوت الخيار للبائع في هاتين الصورتين أيضاً(4).

و ليس بجيّدٍ.

مسألة 881: إذا حكمنا بالعتق في هذا العبد، لم يكن للمشتري ولاؤه؛

لاعترافه بأنّه لم يعتقه، و لا للبائع؛ لأنّه يزعم أنّه لم يعتقه، فيكون موقوفاً.

و لو مات العبد و قد اكتسب مالاً، فإن كان له وارث بالنسب، فهو له، و إلّا فيُنظر إن صدّق البائع المشتري، ردّ الثمن.

و إن كذّبه و أصرّ على كلامه الأوّل، قال بعض(5) فقهائنا: للمشتري أن

ص: 289


1- العزيز شرح الوجيز 293:5، روضة الطالبين 18:4.
2- العزيز شرح الوجيز 294:5، روضة الطالبين 19:4.
3- الوجيز 196:1.
4- العزيز شرح الوجيز 294:5، روضة الطالبين 19:4.
5- المحقّق في شرائع الإسلام 155:3.

يأخذ منه قدر ما دفعه ثمناً إلى البائع؛ لأنّ المشتري إن كان كاذباً فجميع كسبه له؛ لأنّه مملوكه، و إن كان صادقاً فالكسب للبائع إرثاً بالولاء، و هو قد ظلمه بأخذ الثمن و تعذّر استرداده، فإذا ظفر بماله كان له أن يأخذ منه حقّه، و هو قول المزني(1).

و ظاهر مذهب الشافعي أنّه يوقف المال بأسره، كما كان الولاء موقوفاً(2).

و اضطرب أصحابه.

فقال بعضهم: قول المزني خطأ؛ لأنّ المشتري لو أخذ شيئاً فإمّا أن يأخذ بجهة أنّه كسب مملوكه، و قد بانَ أنّه حُرٌّ بإقراره، أو بجهة الظفر بمال ظالمه، و هو ممتنع؛ لأنّه إنّما بذله فداءً تقرّباً إلى اللّه تعالى باستنقاذ حُرٍّ، فيكون سبيلُه سبيل الصدقات، و الصدقات لا يرجع فيها، و لأنّه لا يدري أنّه يأخذ بجهة الملك، أو بجهة الظفر بمال ظالمه، فيمنع من الأخذ إلى ظهور جهته(3).

و أكثر الشافعيّة على ما قال المزني(4).

و قال جماعة منهم: إنّ الشافعي ذكر ما قاله المزني أيضاً، و إنّما حَكَم بوقف الزائد على الثمن وقف الولاء، و أمّا المستحقّ بكلّ حالٍ فلا معنى للوقف فيه، و يجوز الرجوع في المبذول فيه على جهة الفدية و الدية، كما

ص: 290


1- العزيز شرح الوجيز 294:5، روضة الطالبين 19:4.
2- العزيز شرح الوجيز 294:5، روضة الطالبين 19:4.
3- العزيز شرح الوجيز 294:5، روضة الطالبين 19:4.
4- العزيز شرح الوجيز 294:5، روضة الطالبين 19:4.

لو فدى أسيراً في يد المشركين ثمّ استولى المسلمون على بلادهم و وجد الباذل عين ماله، أخذه. و اختلاف الجهة لا يمنع الأخذ بعد الاتّفاق على أصل الاستحقاق، كما لو قال: لي عليك ألف ضمنته، فقال: ما ضمنت شيئاً و لكن لك علَيَّ ألف عن قيمة متلفٍ(1).

و الأصحّ: الثبوت، و قطع النظر عن الجهة.

مسألة 882: لو استأجر العبد الذي أقرّ بحُرّيّته بدلاً عن الشراء، صحّ العقد بالنسبة إلى المؤجر،

و كان له المطالبة بالأُجرة، و لا يحلّ للمستأجر استخدامه و الانتفاع به، فإن استخدمه وجب عليه دفع أُجرة المثل إليه، و لم يكتف بما دفعه إلى المؤجر.

و لو أقرّ بحُرّيّة جارية الغير ثمّ قَبِل نكاحها منه، لم يحل له وطؤها إلّا برضاها بما عقد عليه مولاها، و للمولى مطالبته بالمهر، و عليه مهرٌ آخَر لها إن أجازت نكاحه.

و لو قال لزيدٍ: العبد الذي في يدك غصبتَه من فلان، و أنكر زيد، فالقول قوله.

فإن اشتراه، فالأقرب: صحّة العقد، كما لو أقرّ بحُرّيّته ثمّ اشتراه.

و يحتمل البطلان؛ لأنّه مكذّب لإقراره، و إنّما صحّحناه في طرف الحُرّيّة؛ لأنّ الشراء هناك افتداء له من العبوديّة و [إنقاذ](2) من الرقّ، و هذا غير آتٍ هنا.

و للشافعيّة وجهان(3) كهذين.

و لو أقرّ بعبدٍ في يده لزيدٍ، و قال العبد: بل أنا ملك عمرو، سُلّم إلى زيدٍ دون عمرو، و لم يعتبر قول العبد؛ لأنّه في يد مَنْ يسترقّه، لا في يد نفسه، فلو أعتقه زيد لم يكن لعمرو أخذه.

ص: 291


1- العزيز شرح الوجيز 294:5-295، روضة الطالبين 19:4.
2- بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «الإنقاذ». و الظاهر ما أثبتناه.
3- العزيز شرح الوجيز 296:5، روضة الطالبين 20:4.

و لو مات العبد عن مالٍ، لم يكن لعمرو التصرّفُ فيه؛ لما فيه من إبطال الولاء على المعتق، و استحقاق الكسب فرع الرقّ، و لم يثبت له.

مسألة 883: لا يشترط في الإقرار أن يكون المُقرّ به ملكاً للمُقرّ حين يُقرّ،

بل الشرط في الإقرار بالأعيان أن لا تكون مملوكةً للمُقرّ حين إقراره؛ لأنّ الإقرار لا يزيل الملك عن صاحبه، و إنّما هو إخبار عن كونه مملوكاً للمُقرّ له، و الخبر حكاية عن المخبر به، و الحكاية متأخّرة، و ذو الحكاية متقدّم، فلا بدّ و أن يكون الملك للمُقرّ له في نظر المُقرّ و عنده حتى تقع المطابقة بين إقراره و ما هو في نفس الأمر عنده.

فلو قال: داري هذه أو ثوبي الذي أملكه لفلان، بطل الإقرار؛ لما فيه من التناقض، و المفهوم منه الوعد بالهبة.

و لا يحتمل أن يقال: إنّه أضاف إلى نفسه؛ لما بينهما من الملابسة، و قد يضاف الشيء إلى غيره بأدنى ملابسةٍ، كما في قوله:

إذا كوكب الخرقاء.....(1)

و قول الرجل لأحد حاملي الخشبة: خُذ طرفك.

و لا ريب في أنّ هذه الدار في يده، أو قد كانت ملكه، أو أنّها تُعرف بأنّها ملكه عند الغير، فيُحكم بصريح إقراره للغير؛ لأنّ الاحتمال و لو كان نادراً ينفي لزوم الإقرار، عملاً بالاستصحاب.

و لو قال: مسكني هذا لفلان، كان إقراراً؛ لأنّه أضاف إلى نفسه السكنى، و قد يسكن ملك غيره.

ص: 292


1- البيت لشاعر مجهول، و تمامه هكذا: إذا كوكب الخرقاء لاح بسُحرةٍسهيلٌ أذاعت غزلها في الغرائب راجع: لسان العرب 639:1 «غرب».

و لو قال: هذه الدار التي في يدي، أو تُنسب إلَيَّ، أو تُعرف بي، أو التي كانت ملكي، كان إقراراً لازماً.

و لو شهدت البيّنة على أنّ فلاناً أقرّ بأنّ له دار كذا، و كانت ملكه إلى أن أقرّ، كانت الشهادة باطلةً.

و لو قال المُقرّ: هذه الدار لفلان و كانت ملكي إلى وقت الإقرار، نفذ إقراره، و الذي قاله بعده مناقض لأوّله، فيلغو، كما لو قال: هذه الدار لفلان، و ليست له.

و لو قالت البيّنة: نشهد أنّه باع هذه الدار أو وقفها، و كانت ملكه إلى حين البيع أو الوقف، سُمعت الشهادة، بل كانت مؤكّدةً للبيع و الوقف.

مسألة 884: حكم الديون حكم الأعيان في ذلك،

فلو كان له دَيْنٌ على زيدٍ في الظاهر من قرضٍ أو أُجرةٍ أو ثمن مبيعٍ، فقال: دَيْني الذي على زيد لعمرو، فهو باطل.

و لو لم يُضف، بل قال: الدَّيْن الذي على زيد لعمرو، و اسمي في الكتاب عاريّة و معونة و إرفاق، صحّ؛ لإمكان أن يكون وكيلاً عنه في الإقراض و الإجارة و البيع، ثمّ عمرو يدّعي المال على زيدٍ لنفسه، فإن أنكر زيد، تخيّر عمرو بين أن يُقيم البيّنة على دَيْن المُقرّ على زيدٍ ثمّ على إقراره له بما على زيدٍ، و بين أن يُقيم البيّنة أوّلاً على الإقرار ثمّ على الدَّيْن.

و استثنى بعض الشافعيّة ثلاثة ديون منع من الإقرار بها: أحدها:

الصداق في ذمّة الزوج و لا تقرّ المرأة به. و الثاني: بدل الخُلْع في ذمّة المرأة و لا يُقرّ الزوج به. و الثالث: أرش الجناية و لا يُقرّ به المجنيّ عليه؛ لأنّ الصداق لا يكون إلّا للمرأة، و بدل الخُلْع لا يكون إلّا للزوج، و أرش الجناية لا يكون إلّا للمجنيّ عليه.

ص: 293

نعم، لو كانت الجناية على عبدٍ أو مال آخَر، جاز أن يُقرّ به للغير؛ لاحتمال كونه له يوم الجناية(1).

و هذا خطأ فاحش؛ فإنّ هذه الديون و إن امتنع ثبوتها للغير ابتداءً و [تقديراً بوكالةٍ](2) فلا امتناع من انتقالها من مُلّاكها إلى الغير إمّا بالحوالة أو بالبيع، فيصحّ الإقرار بها عند احتمال جريان ناقلٍ.

نعم، لو أقرّ بها عقيب ثبوتها بلا فصلٍ بحيث لا يحتمل جريان [ناقلٍ](3) لم يصح.

لكن سائر الديون كلّها كذلك، بل الأعيان أيضاً كذلك، حتى لو أعتق عبده ثمّ أقرّ له السيّد أو غيره عقيب العتق بلا فصلٍ بدَيْنٍ أو عينٍ، لم يصح؛ لأنّ أهليّة التملّك لم تثبت له إلّا في الحال، و لم يَجْر بينهما ما يوجب المال.

و لو فُرض ذلك - كما لو نذر الصدقة على عبده بعد عتقه بشيءٍ - جاز له الإقرار به.

و الضابط: إمكان التملّك، فمتى فُرض، صحّ الإقرار، و إلّا فلا.

قال بعض الشافعيّة: إن أسند الإقرار بالديون الثلاثة إلى جهة حوالةٍ أو بيعٍ، فذاك، و إلّا فعلى قولين؛ بناءً على ما لو أقرّ للحمل بمالٍ و أطلق(4).4.

ص: 294


1- العزيز شرح الوجيز 291:5-292، روضة الطالبين 17:4.
2- بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «تقدير الوكالة». و الظاهر ما أثبتناه.
3- ما بين المعقوفين أضفناه لأجل السياق.
4- العزيز شرح الوجيز 292:5، روضة الطالبين 18:4.

الفصل الثالث: في الأقارير المجهولة

اشارة

و فيه مباحث:

البحث الأوّل: الإقرار بالشيء المطلق.
مسألة 885: لا يشترط كون المُقرّ به معلوماً، بل يصحّ الإقرار بالمجهول؛

لأنّ الإقرار إخبار عن حقٍّ سابق، و الخبر قد يقع عن الشيء على جهة الإجمال، كما قد يقع عنه على جهة التفصيل، و ربما كان في ذمّة الإنسان شيء لا يعلم قدره، فلا بدّ له من الإخبار عنه ليتواطأ هو و صاحبه على الصلح بما يتّفقان عليه، فدعت الحاجة و اقتضت الحكمة إلى سماع الإقرار بالمجمل، كما يسمع بالمفصّل، بخلاف الإنشاءات التي لا تحتمل الجهالة و الإجمال في أغلبها؛ احتياطاً لابتداء الثبوت، و تحرّزاً عن الغرر، و بخلاف الدعوى؛ فإنّها لا تُسمع إلّا محرّرة لكون الدعوى له و الإقرار عليه، فيلزم مع الجهالة، دون ما له.

و لأنّ المدّعي إذا لم يُحرّر دعواه، انتفى داعيه، مع أنّ له داعياً إلى تحريرها، و أمّا المُقرّ فلا داعي له إلى التحرير، و لا يؤمن رجوعه مع إقراره، فيضيع حقّ المُقرّ له، فألزمناه إيّاه مع الجهالة.

و لا فرق في الأقارير المجملة بين أن يقع ابتداءً أو في جواب دعوى معلومة، كما لو ادّعى عليه ألف درهم، فقال: لك علَيَّ شيء.

و الألفاظ التي يقع فيها الإجمال لا تنحصر، فلنقتصر على أكثرها دوراناً بين الناس و أظهرها في الألسنة و لنبدأ بأعمّها، و هو: «الشيء» ثمّ نعقّبه بما يتلوه من مشهورات الألفاظ إن شاء اللّه تعالى.

ص: 295

مسألة 886: إذا قال: علَيَّ شيء، طُولب بالبيان و التفسير،

فإن امتنع، فالأقرب: إنّه يُحبس حتى يبيّن؛ لأنّ البيان واجب عليه، فإذا امتنع منه حُبس عليه كما يُحبس على الامتناع من أداء الحقّ، و هو أحد وجوه الشافعيّة.

و الثاني لهم: إنّه لا يُحبس، بل يُنظر إن وقع الإقرار المبهم في جواب دعوى و امتنع من التفسير، جُعل ذلك إنكاراً منه، و تُعرض اليمين عليه، فإن أصرّ جُعل ناكلاً عن اليمين، و حلف المدّعي، و إن أقرّ ابتداءً قلنا للمُقرّ له: ادّع عليه حقّك، فإذا ادّعى فأقرّ بما ادّعاه أو أنكر، أجرينا عليه حكمه، و إن قال: لا أدري، جعلناه منكراً، فإن أصرّ جعلناه ناكلاً؛ لأنّه إذا أمكن تحصيل الغرض من غير حبسٍ لا يُحبس.

و الثالث: إنّه إن أقرّ بغصبٍ و امتنع من بيان المغصوب حُبس، و إن أقرّ بدَيْنٍ مبهم فالحكم كما ذكرناه في الوجه الثاني(1).

و قال بعض الشافعيّة: إذا قال: علَيَّ شيء، و امتنع من التفسير، لم يُحبس. و إن قال: علَيَّ ثوب أو فضّة أو طعام، و لم يبيّن، حُبس؛ بناءً على ما لو فسّر الشيء بالخمر أو الخنزير قُبِل، فحينئذٍ لا يتوجّه بذلك مطالبة و لا حبس(2).

مسألة 887: إذا أقرّ بالشيء و طُولب بالبيان، فإن فسّره بما يتموّل، قُبِل، سواء كان قليلاً أو كثيراً.

و إن فسّره بما لا يتموّل، فإن كان من جنس ما يتموّل - كحبّةٍ من الحنطة أو الشعير أو السمسم، و قمع باذنجانة - فالأقوى: القبول - و هو

ص: 296


1- العزيز شرح الوجيز 303:5، روضة الطالبين 27:4.
2- العزيز شرح الوجيز 303:5-304، روضة الطالبين 27:4.

أصحّ وجهي الشافعيّة(1) - لأنّه شيء يحرم أخذه، و على مَنْ أخذه ردّه.

و الثاني لهم: إنّه لا يُقبل منه هذا التفسير؛ لأنّه لا قيمة له، فلا يصحّ التزامه بكلمة «علَيَّ» و لهذا لا تصحّ الدعوى به(2).

و نمنع عدم سماع الدعوى به.

و التمرة الواحدة و الزبيبة الواحدة حيث لا قيمة لها من هذا القبيل، و هي أولى بالقبول ممّا لو فسّره بحبّة حنطةٍ.

و إن لم يكن من جنس ما يتموّل، فإمّا أن يجوز اقتناؤه لمنفعةٍ، أو لا.

فالأوّل كالكلب المعلَّم و السرجين.

و في التفسير بهما إشكال، أقربه: القبول؛ لأنّهما أشياء يثبت فيها الحقّ و الاختصاص، و يحرم أخذها، و يجب ردّها، و هو أصحّ وجهي الشافعيّة.

و الثاني: لا يُقبل؛ لأنّها ليست بمالٍ، و ظاهر الإقرار للمال(1).

و لو فسّر بجلد الميتة، لم يُقبل عندنا؛ لأنّه لا يطهر بالدباغ.

و للشافعيّة وجهان؛ لقبوله(2) الدباغ(3).

و من هذا القسم: الخمر المحترمة، و الكلب القابل للتعليم.

و كلب الماشية و الزرع و الحائط مُلحَق بالمعلَّم.4.

ص: 297


1- بحر المذهب 227:8، الوسيط 330:3، البيان 409:13، العزيز شرح الوجيز 301:5، روضة الطالبين 26:4.
2- في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «لقبولها». و الصحيح ما أثبتناه.
3- بحر المذهب 227:8، البيان 409:13، العزيز شرح الوجيز 302:5، روضة الطالبين 26:4.

و الثاني: كالخمر التي(1) لا حرمة لها، و الخنزير، و جلد الكلب، و الكلب الذي لا منفعة فيه، و هذا لا يُقبل تفسيره به عندنا.

و للشافعيّة وجهان، هذا أصحّهما، و الثاني: أنّه يُقبل(2).

و الصحيح ما قلناه؛ لأنّه ليس فيه حقّ و اختصاص، و لا يلزم ردّه، و قوله: «علَيَّ» يقتضي ثبوت حقٍّ للمُقرّ له.

مسألة 888: لو قال: له علَيَّ شيء، و فسّره بالوديعة، قُبِل؛

لوجوب ردّها عليه عند الطلب، و قد يتعدّى فيها فتكون مضمونةً عليه.

و نقل الجويني وجهاً للشافعيّة: إنّه لا يُقبل؛ لأنّها في يده، لا عليه(3).

و هو غلط بما تقدّم.

و لو فسّره بحقّ الشفعة، أو حدّ قذفٍ، قُبِل. أمّا لو فسّره بالعيادة أو ردّ السلام أو جواب الكتاب، لم يُقبل؛ لبُعْده عن الفهم في معرض الإقرار؛ إذ لا مطالبة بهما، و الإقرار في العادة بما يطلبه المُقرّ له و يدّعيه، و لأنّهما يسقطان؛ لفواتهما، و لا يثبتان(4) في الذمّة، و الإقرار يدلّ على ثبوت الحقّ في الذمّة.

و كذا لو فسّره بتسميت عطسةٍ.

و يحتمل القبول إذا أراد أنّ حقّاً علَيَّ ردّ السلام إذا سلّم و تسميته إذا

ص: 298


1- في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «الذي». و المثبت يقتضيه السياق.
2- بحر المذهب 227:8، البيان 409:13، العزيز شرح الوجيز 302:5، روضة الطالبين 26:4.
3- العزيز شرح الوجيز 302:5.
4- كذا قوله: «بهما... لأنّهما يسقطان؛ لفواتهما، و لا يثبتان» بتثنية الضمير و الفعل في النسخ الخطّيّة و الحجريّة، و الظاهر هكذا: «بها.... لأنّها تسقط؛ لفواتها، و لا تثبت».

عطس؛ لما روي في الخبر: «للمسلم على المسلم ثلاثون حقّاً: يردّ سلامه، و يُسمّت عطسته، و يُجيب دعوته...»(1).

أمّا لو قال: له علَيَّ حقٌّ، فإنّه يُقبل التفسير بالعيادة و ردّ السلام.

و قال بعض الشافعيّة: لا فرق بين أن يقول: له علَيَّ شيء، أو حقٌّ، كيف! و الحقّ أخصّ من الشيء، فيبعد أن يُقبل تفسير الأخصّ بما لا يُقبل به تفسير الأعمّ(2).

مسألة 889: لو قال: غصبته شيئاً، طُولب بالتفسير و البيان،

فإن فسّر بما يُقبل به التفسير في الصورة السابقة، قُبِل هنا بطريق الأولى إذا احتمله اللفظ ليخرج الوديعة و حقّ الشفعة؛ إذ لا يحتملهما لفظ الغصب.

و لو فسّره بالخمر و الخنزير و غيرهما ممّا لا يُعدّ مالاً، قُبِل هنا؛ لأنّ الغصب لا يقتضي إلّا الأخذ قهراً، و ليس في لفظه ما يشعر بالتزامٍ و ثبوت حقٍّ، بخلاف قوله: «علَيَّ» و به قال الشافعي(3).

و يحتمل قبوله إن كان المُقرّ له ذمّيّاً، و إن كان مسلماً فإشكال.

و ما ليس بمالٍ يقع اسم الغصب عليه.

و لو قال: غصبته شيئاً، ثمّ قال: أردت نفسه فحبستُه ساعةً، لم يُقبل؛ لأنّه جعل له مفعولين، الثاني منهما: «شيئاً» فتجب مغايرته للأوّل.

أمّا لو قال: غصبتُه، ثمّ قال: أردت نفسه، قُبِل.

و قيل: لا يُقبل؛ لأنّ الغصب لا يثبت عليه(4).

ص: 299


1- أورده ابنا قدامة في المغني 315:5، و الشرح الكبير 338:5.
2- العزيز شرح الوجيز 302:5.
3- الوجيز 197:1، الوسيط 332:3، التهذيب - للبغوي - 238:4، العزيز شرح الوجيز 302:5، روضة الطالبين 26:4.
4- المغني 315:5، الشرح الكبير 338:5.

و كذا لو قال: غبنته؛ لأنّه قد يغصب و يغبن في غير المال.

قال الشافعي: إذا قال الرجل للرجل: غصبت منك شيئاً، ثمّ قال:

أردت به كلباً، أُجبر على دفعه إليه. و كذا إن قال: جلد ميتة. فإن قال:

خمراً أو خنزيراً، لم أُجبره على دفعه إليه، و قتلتُ الخنزيرَ و أرقتُ الخمرَ(1).

و حكي عن أبي حنيفة أنّه قال: لو قال: لفلان علَيَّ شيء أو كذا، لم يُقبل تفسيره بغير المكيل و الموزون؛ لأنّ غير ذلك لا يثبت في الذمّة بنفسه(2).

و هو خطأ؛ لأنّ غير المكيل و الموزون متموَّل يدخل تحت العقود، فجاز أن يُفسَّر به الشيء، كالمكيل و الموزون.

و تعليله باطل؛ لأنّه يثبت في الذمّة، و لا اعتبار بسبب ثبوته في الإخبار عنه و الإقرار به.

مسألة 890: لو قال: له عندي شيء، قُبِل تفسيره بالخمر و الخنزير على إشكالٍ

- و هو المشهور من مذهب الشافعيّة(3) - لأنّه شيء ممّا عنده.

و يحتمل عدم القبول - و هو قول الجويني(4) - لأنّ لفظة «له» تُشعر بثبوت ملكٍ أو حقٍّ.

و يمكن منعه؛ لتسويغ قول القائل: لفلان عندي خمر أو خنزير.

إذا عرفت هذا، فلو شهد بالمجهول، احتُمل السماع، كما إذا كان له

ص: 300


1- الأُم 241:3، الوسيط 332:3.
2- حلية العلماء 339:8، المغني 315:5، الشرح الكبير 339:5.
3- الوسيط 330:3، حلية العلماء 338:8، التهذيب - للبغوي - 238:4، العزيز شرح الوجيز 302:5، روضة الطالبين 26:4.
4- العزيز شرح الوجيز 303:5، روضة الطالبين 26:4.

عليه مائة فأقرّ صاحب الدَّيْن أنّه قبض منه شيئاً من الحقّ و قامت بذلك بيّنة، فإنّها تُسمع، و يُقبل قول صاحب الدَّيْن في قدره مع اليمين، فإن لم يحلف حتى مات، قام وارثه مقامه، و هو أحد قولَي الشافعيّة.

و الثاني: إنّ البيّنة إن شهدت بالإقرار بالمجهول، جاز. و إن شهدت بالمجهول، فلا؛ لأنّ البيّنة سُمّيت بيّنةً؛ لأنّها تبيّن ما تشهد به و تكشف عنه، بخلاف الإقرار؛ لأنّه ليس ببيّنةٍ(1)(2).

و على هذا فالأقوى أنّ الدعوى كالإقرار، فإذا ادّعى أنّه أقرّ له بقبض شيءٍ، أو بأنّ له عليه شيئاً، سُمعت دعواه، و إلّا فلا.

مسألة 891: إذا أقرّ بالمجهول و فسّره بتفسيرٍ صحيح و صدّقه المُقرّ له، فلا بحث.

و إن كذّبه المُقرّ له، فليبيّن جنس الحقّ و قدره، و يدّعيه، و يكون القولُ قولَ المُقرّ في [نفيه](3).

ثمّ لا يخلو التنازع إمّا أن يكون في القدر أو في الجنس.

فإن كان في القدر(4) ، مثل: أن يفسّر إقراره بمائة درهم، فيقول المُقرّ له: بل عليه مائتان، فإن صدّقه على إرادة المائة، فهي ثابتة باتّفاقهما، و يحلف المُقرّ على نفي الزيادة.

و إن قال: أراد به المائتين، حلف المُقرّ على أنّه ما أراد مائتين، و أنّه ليس عليه إلّا مائة، و يجمع بينهما في يمينٍ واحدة، و به قال بعض الشافعيّة(5).

ص: 301


1- في «ث، ج»: «بيّنةً».
2- راجع: حلية العلماء 338:8، و التهذيب - للبغوي - 238:4.
3- بدل ما بين المعقوفين في ظاهر الطبعة الحجريّة و بعض النسخ الخطّيّة و صريح بعضها الآخَر: «نفسه». و المثبت هو الصحيح.
4- يأتي حكم التنازع في الجنس في المسألة التالية.
5- العزيز شرح الوجيز 304:5، روضة الطالبين 27:4.

و قال بعضهم: لا بدّ من يمينين(1).

و المشهور: الأوّل.

فإن نكل المُقرّ، حلف المُقرّ له على استحقاق المائتين.

و لا يحلف على الإرادة؛ لعدم إمكان الاطّلاع عليها، بخلاف ما إذا مات المُقرّ و فسّر الوارث و ادّعى المُقرّ له زيادةً، فإنّ الوارث يحلف على [نفي](2) إرادة المورّث؛ لأنّه قد يطّلع من حاله مورّثه على ما لا يطّلع عليه غيره.

و كذا لو أوصى له بمجمل، فبيّنه الوارث، و زعم الموصى له أنّه أكثر، حلف الوارث على نفي العلم باستحقاق الزيادة، و لا يتعرّض للإرادة.

و الفرق أنّ الإقرار إخبار عن سابقٍ و قد يفرض فيه الاطّلاع، و الوصيّة إنشاء أمرٍ [على](3) الجهالة، و بيانه - إذا مات الموصي - إلى الوارث.

مسألة 892: لو كان التنازع في الجنس، مثل: أن يقول: له علَيَّ شيء،

ثمّ يفسّره بعبدٍ أو درهمٍ أو بمائة درهم، فيقول المُقرّ له: بل لي عليك جارية أو دينار أو مائة دينار، فيُنظر إن صدّقه المُقرّ له في الإرادة و قال: هو ثابت لي عليه ولي عليه مع ذلك كذا، ثبت المتّفق عليه، و كان القولُ قولَ المُقرّ في نفي غيره.

و إن صدّقه في الإرادة و قال: ليس لي عليه ما فسّره به، إنّما لي عليه كذا، بطل حكم الإقرار بردّه، و كان مدّعياً في غيره.

ص: 302


1- العزيز شرح الوجيز 304:5، روضة الطالبين 27:4.
2- ما بين المعقوفين أضفناه لأجل السياق.
3- بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «عن». و المثبت هو الصحيح.

و إن كذّبه في دعوى الإرادة و قال: إنّما أراد ما ادّعيتُه، حلف المُقرّ على نفي الإرادة و نفي ما يدّعيه. ثمّ إنّ المُقرّ له إن كذّبه في استحقاق المُقرّ به، بطل الإقرار فيه، و إلّا ثبت.

و لو اقتصر المُقرّ له على دعوى الإرادة و قال: ما أردتَ بكلامك ما فسّرتَه به و إنّما أردتَ كذا إمّا من جنس المُقرّ به أو من غيره، لم يُسمع منه ذلك؛ لأنّ الإقرار و الإرادة لا يُثبتان له حقّاً، بل الإقرار إخبار عن حقٍّ سابق، فعليه أن يدّعي الحقّ بنفسه.

و للشافعيّة وجهٌ آخَر ضعيف عندهم: أنّه تُقبل دعوى الإرادة المجرّدة(1).

و هو كالخلاف في أنّ مَن ادّعى على غيره أنّه أقرّ له بألف هل تُسمع منه دعوى الإقرار، أم عليه [دعوى](2) نفس الألف ؟

و اعلم أنّ مَنْ لا يسمع دعوى الإرادة لا يريد عدم الالتفات إليها أصلاً، و إنّما المراد أنّها وحدها غير مسموعة، فأمّا إذا ضمّ إليها دعوى الاستحقاق، فيحلف المُقرّ على نفيهما على الأظهر.

و للشافعيّة في البيع وجهان: إنّه إذا ادّعى المشتري عيباً قديماً بالمبيع، و قال البائع: بعتُه و أقبضتُه سليماً، يلزمه أن يحلف كذلك، أو يكفيه الاقتصار على أنّه لا يستحقّ الردّ؟ فيجيء لهم هنا وجه: أنّه يكفيه نفي اللزوم، و لا يحتاج إلى التعرّض للإرادة(3).5.

ص: 303


1- العزيز شرح الوجيز 304:5، روضة الطالبين 28:4.
2- ما بين المعقوفين أضفناه لأجل السياق.
3- العزيز شرح الوجيز 305:5.
مسألة 893: إذا أقرّ بالمبهم ثمّ مات قبل التفسير، طُولب الوارث به؛

لأنّه المستحقّ للتركة، فإن فسّر قُبِل منه بمهما كان، فإن ادّعى المُقرّ له خلافه قُدّم قول الوارث مع اليمين، فإن نكل حلف المُقرّ له، و أخذ ما حلف عليه.

و إن امتنع الوارث من البيان، احتُمل أن يوقف أقلّ ما يتموّل، و هو أحد قولَي الشافعيّة(1) ، و أن يوقف الكلّ - و هو الأظهر - لأنّ الجميع و إن لم يدخل في التفسير فهو مرتهن بالدَّيْن.

و لو قال الوارث: لا أدري ما أراد و لا أعلم لك شيئاً، حلف - إن طلب المُقرّ له - على نفي العلم، ثمّ سلّم إلى المدّعي أقلّ ما يتموّل، و لا يُسلّم إليه ما يدّعيه مع اليمين؛ إذ لا يمين على المدّعي إلّا بالردّ.

البحث الثاني: في الإقرار بالمال.
مسألة 894: إذا قال: له علَيَّ مال، قُبِل تفسيره بأقلّ ما يتموّل،

و لا يُقبل تفسيره بما ليس بمالٍ إجماعاً، كالكلب و الخنزير و جلد الميتة.

و يُقبل بالتمرة الواحدة حيث يكثر؛ لأنّه مال قليل و إن لم يتموّل في ذلك الموضع، و كلّ متموَّلٍ مالٌ، و لا ينعكس.

و كذا لو فسّره بالحبّة من الحنطة و الشعير.

إذا عرفت هذا، فإنّه يُقبل - فيما إذا قال: له علَيَّ مال - التفسير بالقليل و الكثير، عند علمائنا أجمع - و به قال الشافعي و أحمد(2) - لصدق اسم المال

ص: 304


1- العزيز شرح الوجيز 305:5، روضة الطالبين 28:4.
2- الحاوي الكبير 13:7، التنبيه: 175، المهذّب - للشيرازي - 348:2، بحر المذهب 231:8، الوجيز 197:1، الوسيط 332:3، حلية العلماء 339:8، البيان 411:13، العزيز شرح الوجيز 305:5، روضة الطالبين 28:4، منهاج الطالبين: 140، الإشراف على نكت مسائل الخلاف 1043/612:2، عيون المجالس 1701:4-1198/1702، المعونة 1245:2، المغني: 315، الشرح الكبير 340:5.

عليه، و الأصل عدم الزائد.

و قال أبو حنيفة: لا يُقبل تفسيره بغير المال الزكوي؛ لقول اللّه تعالى:

«خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً» (1) و قوله تعالى:«وَ فِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ» (2)(3).

و الآية عامّة دخلها التخصيص بالسنّة المتواترة، فلا يخرج اللفظ عن حقيقته.

و قوله:«وَ فِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ» ليس المراد الزكاة؛ لأنّها نزلت بمكة قبل فرض الزكاة، فلا حجّة له فيها.

ثمّ ينتقض بقوله تعالى:«أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوالِكُمْ» (4) و التزويج جائز بأيّ نوعٍ كان من المال قليله و كثيره و لو بدرهمٍ.

و عن مالك ثلاثة أوجُهٍ.

أحدها: كما قلناه.

و الثاني: لا يُقبل إلّا أقلّ نصابٍ من نُصُب الزكاة من نوع أموالهم.

[و] الثالث: ما يُستباح به البُضْع و القطع في السرقة؛ لقوله تعالى:

«أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوالِكُمْ مُحْصِنِينَ» (5) (4) .5.

ص: 305


1- التوبة: 103.
2- الذاريات: 19.
3- حلية العلماء 339:8، البيان 412:13، المغني 315:5، الشرح الكبير 340:5. (4 و 5) النساء: 24.
4- الإشراف على نكت مسائل الخلاف 1043/612:2، الذخيرة 288:9-289، عيون المجالس 1701:4-1198/1703، المعونة 1245:2، جامع الأُمّهات: 401، بحر المذهب 231:8، حلية العلماء 339:8-340، البيان 412:13، المغني 315:5-316، الشرح الكبير 340:5.

و يبطل بوقوع اسم المال على القليل و الكثير، و البُضْع - عندنا و عند الشافعي(1) - يُستباح بالقليل و الكثير.

و هل يُقبل تفسيره بالمستولدة ؟ الأقرب: ذلك؛ لأنّها مال يجوز بيعها بعد موت ولدها، و يُنتفع بها و تُستأجر و إن كانت لا تُباع، و هو أظهر وجهي الشافعيّة(2).

و لو فسّره بوقفٍ عليه، قُبِل.

و خرّج بعض الشافعيّة ذلك على الخلاف في أنّ الملك في الوقف هل هو للموقوف عليه أم لا؟(3).

مسألة 895: لو قال: له علَيَّ مالٌ عظيم أو جليل أو نفيس أو خطير أو غير تافه أو مال و أيّ مال، قُبِل تفسيره بأقلّ ما يتموَّل أيضاً،

كما لو قال:

«مال» لم يزد عليه؛ لأنّه يحتمل أن يريد به عظم خطره بكفر مستحلّه و وزر غاصبه و الخائن فيه؛ لأنّ أصل ما يبنى عليه الإقرار الأخذ بالمتيقّن و الترك لغيره، و لا يعتبر الغلبة.

و اختلف أصحاب أبي حنيفة:

فمنهم مَنْ قال: لا يُقبل أقلّ من عشرة دراهم - و ذكر أنّه مذهب

ص: 306


1- الحاوي الكبير 396:9-397، المهذّب - للشيرازي - 56:2، الوسيط 215:5، حلية العلماء 444:6، التهذيب - للبغوي - 478:5، العزيز شرح الوجيز 232:8-233، روضة الطالبين 575:5، بداية المجتهد 18:2، الإشراف على نكت مسائل الخلاف 1291/714:2، المغني و الشرح الكبير 5:8. (2 و 3) العزيز شرح الوجيز 305:5، روضة الطالبين 28:4.

أبي حنيفة - لأنّه يُقطع به السارق، و يكون صداقاً عنده(1).

و قال أبو يوسف و محمّد: لا يُقبل أقلّ من مائتي درهم - قال الرازي:

هذا مذهب أبي حنيفة - لأنّه الذي تجب فيه الزكاة(2).

و قال أبو عبد اللّه الجرجاني: نصّ أبو حنيفة على ذلك، و قال: إذا أقرّ بأموال عظيمة، يلزمه ستمائة درهم(3).

و اختلف أصحاب مالك:

فمنهم مَنْ يقول: يُقبل ما يُقبل في المال.

و منهم مَنْ قال: يزيد على ذلك أقلّ زيادة.

و منهم مَنْ قال: قدر الدية.

و منهم مَنْ قال: ثلاثة دراهم نصاب القطع؛ لأنّ الدانق و الحبّة لا يُسمّى عظيماً، فلا يصحّ التفسير به، كما لو قال: مال جزيل(4).2.

ص: 307


1- تحفة الفقهاء 198:3، بدائع الصنائع 220:7، المبسوط - للسرخسي - 98:18، الفقه النافع 274/525:2، و 545/813، الهداية - للمرغيناني - 180:3-181، الإفصاح عن معاني الصحاح 13:2، بحر المذهب 231:8، حلية العلماء 340:8-341، التهذيب - للبغوي - 238:4، البيان 412:13، العزيز شرح الوجيز 306:5، المغني 316:5، الشرح الكبير 339:5.
2- تحفة الفقهاء 197:3-198، بدائع الصنائع 220:7، المبسوط - للسرخسي - 98:18، الهداية - للمرغيناني - 180:3، مختصر اختلاف العلماء 1924/220:4، فتاوى قاضيخان - بهامش الفتاوى الهنديّة - 136:3، الإفصاح عن معاني الصحاح 13:2، الحاوي الكبير 13:7، بحر المذهب 231:8، الوسيط 333:3، حلية العلماء 341:8، التهذيب - للبغوي - 238:4، البيان 412:13، العزيز شرح الوجيز 316:5، الشرح الكبير 339:5.
3- حكاه عنه الشيخ الطوسي في الخلاف 360:3، ضمن المسألة 1 من كتاب الإقرار، و انظر بدائع الصنائع 220:7، و فتاوى قاضيخان - بهامش الفتاوى الهنديّة - 136:3، و بحر المذهب 232:8.
4- الإشراف على نكت مسائل الخلاف 1044/613:2، جامع الأُمّهات: 401، الذخيرة 289:9، المعونة 1246:2، حلية العلماء 341:8، المغني 316:5، الشرح الكبير 339:5، الإفصاح عن معاني الصحاح 13:2.

و هو غلط؛ لأنّا نجري الجزيل مجرى العظيم.

و الأصل في ذلك أنّه ليس في العظيم حدٌّ في الشرع و لا في اللغة و لا في العرف، و الناس يختلفون في ذلك، فبعضهم يستعظم القليل، و بعضهم لا يستعظم الكثير، فلم يثبت في ذلك حدٌّ يرجع إليه، و لا في اللغة و لا في العرف قانون يُعوَّل عليه، فيرجع إلى تفسيره و بيانه؛ لأنّه أعرف بمراده.

مسألة 896: لو قال: له علَيَّ مالٌ كثير، قال الشيخ رحمه الله: إنّه يلزمه ثمانون؛

بناءً على الرواية التي تضمّنت أنّ الوصيّة بالمال الكثير وصيّة بثمانين(1) ، و لم يعرف هذا التفسيرَ أحدٌ من الفقهاء(2).

و قد عرفتَ قولهم في العظيم، و كذا في الكثير عندهم.

و قال الليث بن سعد: يلزمه اثنان و سبعون درهماً؛ لأنّ اللّه تعالى قال:«لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ فِي مَواطِنَ كَثِيرَةٍ» (3) و كانت غزواته صلى الله عليه و آله و سراياه اثنين و سبعين(4).

و هو غلط؛ لأنّ ذلك ليس بحدٍّ لأقلّ الكثير، و إنّما وصف ذلك بالكثرة، و لا يمنع ذلك وقوع الاسم على ما دون ذلك، و قد قال اللّه تعالى:

«كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً» (5) و ليس المراد ما ذكره، و كذا قوله

ص: 308


1- راجع الكافي 463:7-21/464، و معاني الأخبار: 218 (باب معنى الكثير من المال) ح 1، و التهذيب 1147/309:8.
2- الخلاف 359:3، المسألة 1 من كتاب الإقرار.
3- التوبة: 25.
4- الحاوي الكبير 13:7 و 14، بحر المذهب 231:8، حلية العلماء 341:8، المغني 316:5، الشرح الكبير 339:5.
5- البقرة: 249.

تعالى:«اُذْكُرُوا اللّهَ ذِكْراً كَثِيراً» (1) و لم ينصرف إلى ذلك، و لهذا أمثال كثيرة في القرآن، و أصحابنا التجئوا في ذلك إلى الرواية(2) ، و كانت المواطن عندهم ثمانين موطناً.

إذا عرفت هذا، فنقول: تُقصر الرواية على ما وردت عليه، و يبقى الباقي على الإجمال.

مسألة 897: وافقنا أبو حنيفة

مسألة 897: وافقنا أبو حنيفة(3) في الجليل و النفيس و الخطير على قبول التفسير بأقلّ ما يتموّل.

و قال بعض الشافعيّة: إنّه يجب أن يزيد تفسير المال العظيم على تفسير مطلق المال؛ ليكون لوصفه بالعظيم فائدة(4).

و اكتفى بعضهم بالعظم من حيث الجرم و الجثّة(5).

و لو قال: له علَيَّ مال عظيم جدّاً، أو: عظيم عظيم، فكقوله: له علَيَّ مالٌ، و يُقبل تفسيره بما قلّ و كثر.

و كذا لو قال: وافر، أو: خطير.

و لو قال: له علَيَّ مالٌ قليل أو خسيس أو تافه أو يسير، فهو كما لو قال: مال، و تُحمل هذه الصفات على استحقاق الناس إيّاه، و على أنّه فانٍ زائل، فكثيره بهذه الاعتبار قليل، و قليله بالاعتبار الأوّل كثير، و قد يستعظم

ص: 309


1- الأحزاب: 41.
2- راجع الهامش (1) من ص 308.
3- العزيز شرح الوجيز 305:5-306.
4- العزيز شرح الوجيز 306:5، روضة الطالبين 29:4.
5- العزيز شرح الوجيز 306:5.

الفقير ما يستحقره الغني.

مسألة 898: لو قال: لزيدٍ علَيَّ أكثر من مال فلان، قُبِل تفسيره بأقلّ ما يتموّل و إن كثر مال فلان؛

لأنّه يحتمل أن يريد به أنّه دَيْنٌ لا يتطرّق إليه الهلاك، و ذلك عين معرَّض للهلاك، أو يريد أنّ مال زيد علَيَّ حلال، و مال فلان حرام، و القليل من الحلال أكثر بركةً من الكثير من الحرام، و كما أنّ القدر مبهم في هذا الإقرار، فكذلك الجنس و النوع مبهمان.

و لو قال: له علَيَّ أكثر من مال فلان عدداً، فالإبهام في الجنس و النوع.

و لو قال: له علَيَّ من الذهب أكثر ممّا لفلان، فالإبهام في القدر و النوع. و لو قال: من صحاح الذهب، فالإبهام في القدر وحده.

و لو قال: له علَيَّ أكثر من مال فلان، و فسّره بأكثر منه عدداً أو قدراً، لزمه أكثر منه، و يرجع إليه في تفسير الزيادة و لو حبّة أو أقلّ.

و لو قال: ما علمتُ أنّ مال فلانٍ كذا، أو ما علمتُ لفلانٍ أكثر من كذا، و قامت البيّنة بأكثر منه، لم يلزمه أكثر ممّا اعترف به؛ لأنّ المال يخفى كثيراً عن الغير، و لا يعرف أحد قدره في الأكثر، و قد يكون ظاهراً و باطناً، فيملك ما لا يعرفه المُقرّ، فكان المرجع إلى ما اعتقده المُقرّ مع يمينه إذا ادّعي عليه أكثر منه. و إن فسّره بأقلّ من ماله مع علمه بماله، لم يُقبل.

مسألة 899: لو قال: لي عليك ألف دينار، فقال: لك علَيَّ أكثر من ذلك، لم يلزمه أكثر من الألف،

بل و لا الألف؛ لأنّ لفظة «أكثر» مبهمة؛ لاحتمالها الأكثريّة في القدر أو العدد، فيحتمل أنّه أراد أكثر منه فلوساً أو حَبّ حنطة أو حَبّ شعير أو دخن، فيرجع في ذلك إلى تفسيره.

و استبعده بعض العامّة؛ لأنّ «أكثر» إنّما تُستعمل حقيقةً في العدد أو في القدر، فيُصرف إلى جنس ما أُضيف «أكثر» إليه، لا يُفهم في الإطلاق غير

ص: 310

ذلك، قال اللّه تعالى:«كانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ» (1) و قال تعالى:«أَكْثَرُ مِنْكَ مالاً» (2)«وَ قالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوالاً وَ أَوْلاداً» (3) مع أنّه إذا قال: له علَيَّ دراهم، لزمه ثلاثة أقلّ الجمع وازنة صحيحة حالّة، مع احتمال إرادة الأدون و الأردأ و المؤجَّل، و لا يُقبل تفسيره بهذه؛ حملاً للّفظ على ظاهره، و احتمال «أكثر» هنا أبعد(4).

و التحقيق أنّ «أكثر» إن قُرن ب «من» لم تجب مشاركته في الجنس، و إلّا وجب؛ لأنّ «أفعل» بعض لما يضاف إليه.

مسألة 900: لو قال: لزيدٍ علَيَّ مال أكثر ممّا تشهد به الشهود على فلان، قُبِل تفسيره بأقلّ ما يُتموّل أيضاً؛

لاحتمال أنّه يعتقد أنّهم شهدوا زوراً، و يريد أنّ القليل من الحلال أكثر بركةً.

و لو قال: أكثر ممّا قضى [به] القاضي على فلان، فهو كما لو قال:

أكثر ممّا شهد به الشهود؛ لأنّ قضاء القاضي قد يكون مستنداً إلى شهادة الزور و إلى شهادة الفُسّاق، و يجوز أن يغلط أو يعصي، فيقضي بغير الحقّ، و الحكم الظاهر لا يغيّر ما عند اللّه.

و هذا أظهر وجهي الشافعيّة. و الثاني: إنّه يلزمه القدر الذي قضى به القاضي؛ لأنّ قضاء القاضي محمول على الحقّ و الصدق(5).

و ليس جيّداً.

ص: 311


1- غافر: 82.
2- الكهف: 34.
3- سبأ: 35.
4- المغني 317:5-318، الشرح الكبير 348:5.
5- العزيز شرح الوجيز 307:5، روضة الطالبين 30:4.
مسألة 901: لو قال: لفلانٍ علَيَّ أكثر ممّا في يد زيدٍ، قُبِل تفسيره بأقلّ ما يُتموّل،

كما لو قال: أكثر من مال فلان.

و لو قال: له علَيَّ أكثر ممّا في يد فلان من الدراهم، لا يلزمه التفسير بجنس الدرهم، لكن يلزمه ذلك العدد من أيّ جنسٍ شاء و زيادة بأقلّ ما يُتموّل، و به قال بعض الشافعيّة(1).

و اعتُرض بأنّه يخالف قياس ما سبق؛ لوجهين:

الأوّل: التزام ذلك العدد.

و الثاني: التزام زيادةٍ عليه(2).

و التأويل الذي تقدّم للأكثريّة ينفيهما جميعاً.

و لو قال: له علَيَّ من الدراهم أكثر ممّا في يد فلان من الدراهم، و كان في يد فلان ثلاثة دراهم، قال بعض الشافعيّة: يلزمه ثلاثة دراهم و زيادة أقلّ ما يُتموّل(3).

و قال بعضهم: لا يلزمه زيادة؛ حملاً للأكثر على ما سبق(4).

و الأقرب عندي: إنّه يُقبل لو فسّر بما دون الثلاثة أيضاً.

و لو كان في يده عشرة دراهم و قال المُقرّ: لم أعلم و ظننتُ أنّه ثلاثة، قُبِل قوله مع يمينه.

البحث الثالث: في الإقرار بكناية العدد.
مسألة 902: لو قال: لفلان علَيَّ كذا، فهو مبهم بمنزلة قوله: له علَيَّ شيء، فيُقبل تفسيره بما يُقبل به تفسير الشيء.

ص: 312


1- التهذيب - للبغوي - 239:4، العزيز شرح الوجيز 307:5، روضة الطالبين 30:4. (2-4) العزيز شرح الوجيز 307:5، روضة الطالبين 30:4.

و لو قال: له علَيَّ كذا كذا، فهو كما لو قال: كذا، و التكرار للتأكيد لا للتجديد، فكأنّه قال: له علَيَّ شيء شيء.

و لو قال: له علَيَّ كذا و كذا، فعليه التفسير بشيئين مختلفين أو متّفقين يُقبل كلّ واحدٍ منهما في تفسير «كذا» من غير عطفٍ.

و كذا لو قال: علَيَّ شيء، أو قال: شيء و شيء.

و لو عقّبه بالدرهم مثلاً، فقال: له علَيَّ كذا درهم، فلا يخلو إمّا أن ينصب الدرهم أو يرفعه أو يجرّه أو يقف عليه.

فإن نصبه فقال: له علَيَّ كذا درهماً، لزمه درهم واحد، و كان الدرهم منصوباً على التمييز؛ لأنّه تفسير لما أبهمه.

و قال بعض الكوفيّين: إنّه منصوب على القطع، فكأنّه قطع ما ابتدأ به و أقرّ بدرهمٍ(1).

و به قال الشافعي(2).

و قال أبو حنيفة: يلزمه عشرون درهماً؛ لأنّه أقلّ اسم عددٍ مفرد ينتصب الدرهم المفسّر عقيبه(3).

و هو جيّد إن كان المُقرّ عارفاً بالعربيّة. و الأقرب: الأوّل؛ لأنّه المتيقّن.4.

ص: 313


1- المغني 319:5، الشرح الكبير 342:5.
2- الحاوي الكبير 26:6، التهذيب - للبغوي - 243:4، البيان 422:13-423، العزيز شرح الوجيز 308:5، المغني 319:5، الشرح الكبير 342:5، عيون المجالس 1205/1711:4.
3- روضة القضاة 721:2، ذيل الرقم 4072، الاختيار لتعليل المختار 205:2، الوسيط 334:3، العزيز شرح الوجيز 308:5، عيون المجالس 1205/1711:4.

و إن رفعه فقال: كذا درهمٌ، لزمه درهم واحد إجماعاً، و تقديره:

شيء هو درهم، فجعل الدرهم بدلاً من «كذا».

و إن جرّه، لزمه بعض درهمٍ، و صار تقديره: له علَيَّ جزء درهمٍ، أو بعض درهمٍ، و يرجع في تفسير قدره إليه، و يكون «كذا» كنايةً عن ذلك الجزء.

و قال بعض أصحاب أبي حنيفة: إنّه يلزمه مائة درهم؛ لأنّه أقلّ عددٍ يضاف اسم العدد إليه(1) و يجرّ به(2).

و ما ذكرناه أولى؛ لأنّه المتيقّن، و لا يُنظر إلى الإعراب في تفسير الألفاظ المبهمة، و لا تُوازن المبهمات المبيّنات.

و لا فرق بين أن يقول: علَيَّ كذا درهم صحيح، أو لم يقل لفظة «صحيح».

و بعضهم فرّق بأنّه إذا قال: له علَيَّ كذا درهم صحيح، بالجرّ، لم يجز حمله على بعض درهمٍ، فتتعيّن المائة(3).

و الحقّ أنّه يلزمه درهم واحد.

و قال بعض الشافعيّة: إذا جرّ، لزمه درهم واحد إذا لم يقل:

«صحيح»(4).

و لو وقف، لزمه بعض درهمٍ، كما في حالة الجرّ؛ لأنّه المتيقّن، لأنّه يجوز أن يسقط حركة الجرّ للوقف.5.

ص: 314


1- كذا قوله: «لأنّه أقلّ عددٍ يضاف اسم العدد إليه». و فيه اضطراب.
2- الاختيار لتعليل المختار 206:2، العزيز شرح الوجيز 308:5.
3- راجع العزيز شرح الوجيز 308:5، و روضة الطالبين 30:4-31.
4- الحاوي الكبير 26:7، حلية العلماء 350:8، العزيز شرح الوجيز 308:5، روضة الطالبين 31:4، المغني 319:5، الشرح الكبير 342:5.

و قال بعض الشافعيّة: يلزمه درهم(1).

مسألة 903: لو قال: له علَيَّ كذا كذا، فهو بمنزلة مَنْ لم يكرّر، يلزمه درهم واحد.

ثمّ التقدير أن نقول: إمّا أن ينصب الدرهم أو يرفعه أو يجرّه أو يقف.

فإن نصب، لزمه درهم لا غير، و لا يقتضي التكرير الزيادة، كأنّه قال:

له شيء شيء.

و قال أبو حنيفة: يلزمه أحد [عشر](2) درهماً؛ لأنّه أقلّ عددٍ مركّبٍ ينتصب بعده المميّز إن كان عالماً بالعربيّة(3).

و الأجود ما قلناه؛ تنزيلاً للإقرارات على المتيقّن، لا على المظنون؛ حيث أُخرجت أصالة براءة الذمّة عن أصلها.

و لو رفع، لزمه درهم واحد أيضاً. و تقديره: كذا كذا هو درهم.

و لا خلاف فيه.

و لو جرّ، لزمه بعض درهمٍ؛ لاحتمال أن يكون قد أضاف جزءاً إلى جزءٍ ثمّ أضاف الجزء الآخر إلى الدرهم، فيصير كأنّه قال: له بعضُ بعضِ

ص: 315


1- بحر المذهب 246:8، البيان 423:13، حلية العلماء 350:8، العزيز شرح الوجيز 308:5، روضة الطالبين 31:4.
2- بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «و عشرون». و المثبت كما في المصادر هو الصحيح.
3- الاختيار لتعليل المختار 205:2، بدائع الصنائع 222:7، فتاوى قاضيخان - بهامش الفتاوى الهنديّة - 136:3، الفقه النافع 972/1218:3، المبسوط - للسرخسي - 98:18، مختصر اختلاف العلماء 1925/221:4، الهداية - للمرغيناني - 181:3، الوسيط 334:3-335، التهذيب - للبغوي - 244:4، العزيز شرح الوجيز 309:5.

درهمٍ، و يُقبل تفسيره.

و كذا لو وقف.

و قال بعض الشافعيّة: يلزمه في الجرّ و الوقف و النصب و الرفع درهم واحد(1).

و الوجه ما قلناه.

و لو قال: كذا كذا كذا درهم، لزمه بعض درهمٍ أيضاً؛ لاحتمال أنّه أراد ثُلث سُبع عُشر درهمٍ.

مسألة 904: لو كرّر «كذا» مع العطف، فقال: له علَيَّ كذا و كذا،

فإن رفع الدرهم، لزمه درهم واحد؛ لأنّه ذكر شيئين ثمّ أبدل منهما درهماً، فكأنّه قال: هُما درهم، و هو أحد قولَي الشافعيّة. و الثاني: إنّه يلزمه درهم و زيادة(2).

و لو نصب، فالأقرب: إنّه يلزمه درهم واحد؛ لأنّ «كذا» يحتمل أن يكون أقلّ من درهمٍ، فإذا عطف عليه مثله ثمّ فسّرهما بدرهمٍ واحد، جاز.

و قال الشافعي: يلزمه درهمان؛ لأنّ «كذا» يقع على درهمٍ، يعني لمّا وصل الجملتين بالدرهم كان كلّ واحدٍ من المعطوف و المعطوف عليه واقعاً على درهمٍ، فكأنّه كناية عنه(3).

قال المزني: و قال في موضعٍ آخَر: إذا قال: كذا و كذا درهماً، قيل:

أعطه درهماً أو أكثر من قِبَل أنّ «كذا» يقع على أقلّ من درهمٍ، و قوله:

ص: 316


1- التهذيب - للبغوي - 243:4.
2- العزيز شرح الوجيز 310:5، روضة الطالبين 31:4.
3- الأُم 223:6، مختصر المزني: 112، الحاوي الكبير 27:7، المهذّب - للشيرازي - 350:2، بحر المذهب 246:8-247، الوسيط 334:3، التهذيب - للبغوي - 244:4، مختصر اختلاف العلماء 1925/221:4.

«أو أكثر» أي: إذا فسّره بأكثر من درهمٍ، لزمه، و إلّا فالدرهم يقين. و يُروى في بعض النسخ: «و أكثر». هذا ما نقله المزني(1).

و اختلف أصحاب الشافعي في المسألة على طريقين:

أشهرهما: إنّه على قولين:

أصحّهما: إنّه يلزمه درهمان؛ لأنّه أقرّ بجملتين مبهمتين، و عقّبهما بالدرهم، فالظاهر كونه تفسيراً لهما، كما لو قال: له علَيَّ عشرون درهماً، فإنّ الدرهم تفسير للعشرين.

و الثاني - و هو اختيار المزني -: إنّه لا يلزمه إلّا درهم واحد؛ لجواز أن يريد به تفسير اللفظين معاً بالدرهم، و حينئذٍ يكون المراد من كلّ واحدٍ نصف درهمٍ(2).

و زاد بعضهم قولاً ثالثاً، و هو: إنّه يلزمه درهم و شيء، أمّا الدرهم:

فلتفسير الجملة الثانية، و أمّا الشيء: فللأُولى الباقية على إبهامها. و هو موافق لرواية مَنْ روى «أعطه درهماً و أكثر»(3).

و الطريق الثاني: القطع بأنّه يلزمه درهمان.

و اختلفوا في نقل المزني و التصرّف فيه من وجوه:

أ - حمل ما نقله عن موضعٍ آخَر على ما إذا قال: «كذا و كذا درهم»4.

ص: 317


1- مختصر المزني: 112، الأُم 223:6، الحاوي الكبير 27:7 و 28، التهذيب - للبغوي - 244:4، البيان 423:13-424، العزيز شرح الوجيز 309:5، مختصر اختلاف العلماء 1925/221:4.
2- الحاوي الكبير 27:7-28، الوجيز 198:1، الوسيط 334:3، حلية العلماء 348:8، التهذيب - للبغوي - 244:4، العزيز شرح الوجيز 309:5.
3- التهذيب - للبغوي - 244:4، العزيز شرح الوجيز 309:5، روضة الطالبين 31:4.

بالرفع، كأنّه يقول: و كذا الذي أبهمته درهم.

ب - إنّه حيث قال: «درهمان» أراد ما إذا أطلق اللفظ، و حيث قال:

«درهم» أراد ما إذا نواه، فصرف اللفظ عن ظاهره بالنيّة.

ج - إنّه حيث قال: «درهم» أراد ما إذا قال: «كذا و كذا درهماً» فشكّ أنّ الذي يلزمه شيئان أو شيء واحد.

د - إنّه حيث قال: «يلزمه درهم» صوّر فيما إذا قال: «كذا كذا درهماً»(1).

و قال أبو حنيفة: يلزمه أحد و عشرون درهماً؛ لأنّه أقلّ مفرد ميّز عددين أحدهما معطوف على الآخَر(2).

و حكي عن أبي يوسف أنّه إذا قال: «كذا و كذا، أو: كذا و كذا درهماً»(3) لزمه أحد عشر درهماً(4).

و لو جرّ الدرهم، لزمه درهم عند بعض الشافعيّة(5).

و الحقّ أنّه يلزمه بعض الدرهم، و التقدير أنّه يلزمه شيء و بعض درهمٍ، و كلاهما بعض درهمٍ.

و لو قال: كذا و كذا و كذا درهماً، فإن قلنا: إن كرّر مرّتين لزمه4.

ص: 318


1- الحاوي الكبير 28:7، البيان 424:13، العزيز شرح الوجيز 309:5.
2- بدائع الصنائع 222:7، الاختيار لتعليل المختار 205:2، فتاوى قاضيخان - بهامش الفتاوى الهنديّة - 136:3، المبسوط - للسرخسي - 98:18، الهداية - للمرغيناني - 181:3، مختصر اختلاف العلماء 1925/221:4، الوسيط 334:3-335، التهذيب - للبغوي - 244:4، العزيز شرح الوجيز 309:5.
3- «درهماً» لم ترد في النسخ الخطّيّة.
4- بحر المذهب 248:8، حلية العلماء 350:8، المغني 320:5، الشرح الكبير 344:5.
5- التهذيب - للبغوي - 243:4.

درهمان، فهنا يلزمه ثلاثة. و إن قلنا: يلزمه درهم، فكذا هنا.

مسألة 905: لو قال: له علَيَّ ألف و درهم، أو ألف و دراهم، أو ألف و ثوب، أو ألف و عبد،

فقد عطف معيّن الجنس على مبهمه، فله تفسير الألف بغير جنس المعطوف بأيّ شيء أراد، عندنا - و به قال الشافعي و مالك(1) - إذ لا منافاة بين عطف بعض الأجناس على ما يغايرها، بل هو الواجب، فبأيّ شيء فسّره قُبِل، حتّى لو فسّره بحبّات الحنطة قُبِل.

و لو فسّره بألف كلب، فوجهان على ما سلف(2).

و قال أبو حنيفة: إن عطف على العدد المبهم موزوناً أو مكيلاً، كان تفسيراً له. و إن كان مذروعاً أو معدوداً، و بالجملة يكون [متقوّماً](3) لم يكن تفسيراً - كالثوب و العبد - لأنّ «علَيَّ» للإيجاب في الذمّة، فإذا عطف عليه ما يثبت في الذمّة بنفسه، كان تفسيراً له، كقوله: مائة و خمسون درهماً، و قوله: خمسة و عشرون درهماً، فإنّ الدرهم تفسير العشرين، و العشرون تفسير الخمسة(4).

ص: 319


1- الأُم 223:6، مختصر المزني: 112، الحاوي الكبير 18:7، المهذّب - للشيرازي - 350:2، بحر المذهب 235:8، الوجيز 198:1، الوسيط 335:3، حلية العلماء 350:8-351، التهذيب - للبغوي - 240:4، البيان 425:13، العزيز شرح الوجيز 310:5، روضة الطالبين 32:4، منهاج الطالبين: 141، الإشراف على نكت مسائل الخلاف 1046/615:2، الذخيرة 278:9، عيون المجالس 1706:4-1201/1707، المعونة 1250:2، المبسوط - للسرخسي - 99:18، الهداية - للمرغيناني - 182:3، الإفصاح عن معاني الصحاح 13:2.
2- في ص 297، المسألة 887.
3- بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «مفهوماً» و ذلك تصحيف.
4- تحفة الفقهاء 199:3، بدائع الصنائع 222:7، الاختيار لتعليل المختار 206:2، المبسوط - للسرخسي - 99:18، الهداية - للمرغيناني - 182:3، الإفصاح عن معاني الصحاح 13:2، فتاوى قاضيخان - بهامش الفتاوى الهنديّة - 137:3، بحر المذهب 235:8، الوسيط 335:3، حلية العلماء 351:8، التهذيب - للبغوي - 240:4، البيان 425:13، العزيز شرح الوجيز 310:5، الإشراف على نكت مسائل الخلاف 1046/615:2، الذخيرة 277:9، عيون المجالس 1201/1707:4، المعونة 1250:2، المغني 307:5، الشرح الكبير 344:5-345.

و ما قدّمناه أصحّ؛ لأنّه مفسّر معطوف على مبهمٍ، فلم يكن تفسيراً، كقوله: مائة و ثوب. و ما ذكره أبو حنيفة منتقض بالثوب، فإنّه يثبت في الذمّة بنفسه، لأنّه يقول: إذا أتلف عبداً أو ثوباً، وجب مثله في ذمّته(1) ، و لهذا يجوز أن يصطلحا على أكثر من قيمته. و ما ذكروه(2) من مائة و خمسين فإنّ الدرهم المنصوب على التمييز يميّز الجملتين جميعاً، و يكون لفظه بحكم ما يليه مبهماً، مع أنّ جماعةً من الشافعيّة لا يسلّمون ذلك(3).

و قد اختلف أصحاب مالك(4) ، فمنهم مَنْ وافقنا، و منهم مَنْ قال:

يفسّر بالمعطوف بكلّ حال.

إذا عرفت هذا، فلا فرق بين أن يقول: علَيَّ ألف و درهم، أو: درهم و ألف، أو: ألف و درهمان في أنّ الألف مبهمة.

مسألة 906: لو قال: له علَيَّ خمسة عشر درهماً، فالكلّ دراهم؛

لأنّه لا عطف، و إنّما هُما اسمان جُعلا واحداً، فالمذكور تفسير له، فلو باعه

ص: 320


1- المغني و الشرح الكبير 385:4.
2- كذا، و الظاهر: «ذكره».
3- المهذّب - للشيرازي - 350:2، حلية العلماء 351:8، التهذيب - للبغوي - 240:4، البيان 425:13، العزيز شرح الوجيز 311:5، روضة الطالبين 32:4.
4- كذا قوله: «مالك» في النسخ الخطّيّة و الحجريّة، و في العزيز شرح الوجيز 310:5: «أحمد». و الاختلاف المذكور موجود في المغني 306:5، و الشرح الكبير 345:5-346.

بخمسة عشر درهماً، صحّ البيع إجماعاً.

و لو قال: ألف و ثلاثة دراهم، فالكلّ دراهم أيضاً؛ قضاءً للعرف فيه.

و لو قال: خمسة و عشرون درهماً، أو: مائة و خمسة و عشرون درهماً، أو: ألف و مائة و خمسة و عشرون درهماً، فالكلّ دراهم؛ لأنّ عرف اللغة و الاستعمال إذا أُريد الإخبار بالدراهم كلّها أتى بهذه العبارة، و لأنّ لفظ الدرهم لا يجب به شيء زائد، بل هو تفسير، و ليس تفسيراً للبعض؛ لاحتياج الكلّ إلى التفسير، فيكون تفسيراً للكلّ.

و قال بعض الشافعيّة: في «خمسة و عشرين» الخمسةُ مجملة، و العشرون مفسَّرة بالدرهم؛ لمكان العطف(1) ، فلو باعه بخمسة و عشرين درهماً، لم يصح على هذا القول.

و كذا الخلاف في مائة و خمسة و عشرين درهماً، و قوله: ألف و مائة و خمسة و عشرون درهماً، أو: خمسون و ألف درهم، أو: مائة و ألف درهم، فقال أبو علي بن خيران من الشافعيّة و أبو سعيد الاصطخري:

لا يكون تفسيراً إلّا لما يليه من الجملتين، و ما قبل ذلك يُرجع إلى تفسيره(2).

و قال أكثر الشافعيّة: إنّه يكون تفسيراً للجملتين، و يكون الدرهم المفسّر عائداً إلى الجملتين؛ لأنّ إحدى الجملتين تفسير للأُخرى(3).

و لو قال: ثمانية دراهم و ألف، فإنّه لا يكون تفسيراً للألف.4.

ص: 321


1- بحر المذهب 235:8، حلية العلماء 351:8، التهذيب - للبغوي - 240:4، البيان 426:13، العزيز شرح الوجيز 311:5، روضة الطالبين 32:4.
2- الوسيط 335:3-336، البيان 425:13، العزيز شرح الوجيز 311:5، روضة الطالبين 32:4.
3- الوجيز 198:1، الوسيط 335:3، البيان 426:13، العزيز شرح الوجيز 311:5، روضة الطالبين 32:4.

و لو قال: ألف و ثلاثة أثواب، فالجميع أثواب.

و كذا: مائة و أربعة دنانير، فالجميع دنانير.

و لو قال: مائة و نصف درهم، فالأقرب: إنّ المائة دراهم.

و لو قال: درهم و نصف، فالنصف يرجع إلى الدرهم، و كذا: عشرة دراهم و نصف، و هو أحد وجهي الشافعيّة. و الثاني: إنّ النصف مبهم؛ لأنّه معطوف على ما تقدّم مفسّراً، فلا يتأثّر به(1).

و أكثرهم قال: الجميع دراهم؛ لجريان العادة به حتى لو قال: له علَيَّ درهم و نصف درهمٍ، عُدّ مُطوّلاً تطويلاً زائداً على قدر الحاجة(2).

أمّا لو قال: له علَيَّ نصف و درهم، فالنصف مبهم.

و لو قال: مائة و قفيز حنطة، فالمائة مبهمة، بخلاف قوله: مائة و ثلاثة دراهم؛ لأنّ الدراهم تصلح تفسيراً للكلّ، و الحنطة لا تصلح تفسيراً للمائة؛ لأنّه لا يصحّ أن يقال: مائة حنطة.

و لو قال: له علَيَّ ألف درهمٌ(3) ، فسّر الألف بما لا تنقص قيمته عن درهمٍ، كأنّه قال: الألف ممّا قيمة الألف منه درهم.

البحث الرابع: في الإقرار بالدرهم.
اشارة

و فيه مطلبان:

المطلب الأوّل: في المفرد.
مسألة 907: الدرهم الإسلامي المعتبر في نُصُب الزكوات

و مقادير

ص: 322


1- الوجيز 198:1، الوسيط 336:3، العزيز شرح الوجيز 311:5، روضة الطالبين 32:4.
2- الوسيط 336:3، التهذيب - للبغوي - 240:4، العزيز شرح الوجيز 311:5، روضة الطالبين 32:4.
3- في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «إلّا درهم». و المثبت هو الصحيح بدون «إلّا».

الديات و غيرها وزنة ستّة دوانيق، وزن عشرة دراهم منها سبعة مثاقيل، و الدانق: ثماني حبّات و خُمْسا حبّةٍ، فيكون الدرهم الواحد خمسين حبّةً و خُمْسي حبّةٍ.

و المراد من الحبّة حبّةُ الشعير لا من كباره و لا من صغاره، بل المتوسّط بينهما التي لم تقشر، بل قُطع من طرفها ما دقّ و طال.

و الدينار: اثنتان و سبعون حبّة منها، هكذا قال أبو عبيد القاسم بن سلّام(1).

و المشهور عند علمائنا: إنّ الدانق ثمان حبّات، و به قال ابن سريج(2) من الشافعيّة، فعلى هذا يكون الدرهم ثمانيةً و أربعين حبّةً.

إذا عرفت هذا، فإذا قال: له علَيَّ درهم، و أطلق، حُمل على المتعارف عند القائل في المعاملة، فإن وافق المشروع فذاك، و إلّا كان حمله على المتعارف أولى من حمله على العرف الشرعي.

فلو قال: له علَيَّ ألف درهم، ثمّ قال: هي ناقصة - كدراهم «طبريّة الشام» الواحد منها أربعة دوانيق، أو كدراهم خوارزم، وزن الخوارزميّة أربعة دوانيق و نصف، أو كدراهمنا - اليوم - السلطانيّة، الواحد منها نصف مثقالٍ - فإن كان الإقرار في عرف المُقرّ أو بلد الإقرار و دراهمه تامّة و كان قد ذكره متّصلاً، فالأقوى: القبول، كالاستثناء، فكأنّه استثنى من كلّ درهمٍ دانقين، و هو أصحّ قولَي الشافعيّة.

و قال ابن خيران: إنّها على قولين؛ بناءً على أنّ الإقرار هلم.

ص: 323


1- عنه في العزيز شرح الوجيز 311:5، و روضة الطالبين 32:4.
2- المنسوب اليه في العزيز شرح الوجيز 311:5، و روضة الطالبين 32:4 هو المحكيّ عن أبي عبيد القاسم بن سلّام.

يتبعّض ؟(1).

و الثاني: المنع؛ لأنّ اللفظ صريح فيه، و ليس كلّ لفظٍ يتضمّن نقصاناً يصلح للاستثناء، و لهذا لو قال: له علَيَّ ألف بل خمسمائة، يلزمه الألف، و لأنّ قوله: «ألف درهم» يقتضي الوازنة، كما لو باع و لم يعيّن، فإذا قال:

نقص، فقد رجع عن إقراره؛ لأنّ الوازنة غير النقص، و ليس النقص من جملتها(2).

و هو خطأ؛ لأنّ الدراهم يعبَّر بها عن الوازنة و عن الناقصة، و إنّما حُملت على الوازنة؛ لأنّ عرف الإسلام قائم فيها، لأنّها دراهم الإسلام، فإذا فسّرها بالناقصة فلم يرجع عن إقراره، و إنّما صرفه عن ظاهره إلى مستعملٍ، فافترقا.

و إن ذكره منفصلاً، لم يُقبل؛ لأنّه كالاستثناء، و لا يصحّ الاستثناء المنفصل، و عليه وزن الدراهم المتعارفة عند المُقرّ و بلد الإقرار، و إن لم يكن هناك عُرْفٌ حُمل على وزن دراهم الإسلام، إلّا أن يصدّقه المُقرّ له؛ لأنّ لفظ الدرهم صريح في المقدار المعلوم، و عرف البلد [مؤيّد له](1).

و اختار بعض الشافعيّة القبولَ؛ لأنّ اللفظ محتمل له(2).

و الأصل براءة الذمّة.

و إن كان الإقرار في بلدٍ دراهمه ناقصة، فإن ذكره متّصلاً، قُبِل؛ لأنّ اللفظ و العرف يصدّقانه فيه.4.

ص: 324


1- بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «هو بدله». و ذلك تصحيف، و المثبت هو الصحيح.
2- العزيز شرح الوجيز 312:5، روضة الطالبين 33:4.

و إن ذكره منفصلاً، احتُمل قويّاً القبول؛ حملاً لكلامه على نقد البلد، لأنّ للعرف أثراً بيّناً في تقييد الألفاظ، حتى أنّه لو طرأ على اللغة أو الشرع كان الحمل عليه متعيّناً، و صار كما في المعاملات، و هو أظهر وجهي الشافعيّة.

و الثاني: لا يُقبل، و يُحمل مطلق إقراره على وزن الإسلام، كما أنّ نُصُب الزكاة لا تختلف باختلاف البلدان(1).

و الفرق ظاهر.

و كذا الخلاف فيما إذا أقرّ في بلدٍ وزنُ دراهمه أكثر من وزن دراهم الإسلام، احتُمل حمل إقراره على دراهم البلد و على دراهم الإسلام.

فإن قلنا بالأوّل فلو قال: «عنيت دراهم الإسلام» منفصلاً، لم يُقبل.

و لو قال متّصلاً، فالأقرب: القبول.

و للشافعيّة وجهان، هذا أصحّهما(2).

مسألة 908: و لا فرق بين أن يُقرّ بمائة درهم و يسكت ثمّ يقول:

ناقصة، أو صغار و هي دَيْن،

أو يقول: هي وديعة، أو غصب، و به قال الشافعي(1).

و قال أبو حنيفة: في الغصب و الوديعة يُقبل؛ لأنّه أقرّ بفعلٍ في عينٍ، و ذلك لا يقتضي سلامتها، فأشبه ما لو أقرّ بغصب عبدٍ ثمّ جاء به معيباً(2).

و هو ممنوع؛ لأنّ إطلاق الاسم يقتضي الوازنة الجياد، فلم يُقبل

ص: 325


1- الحاوي الكبير 61:7-62، المهذّب - للشيرازي - 351:2، البيان 416:13.
2- تحفة الفقهاء 201:3، المبسوط - للسرخسي - 13:18، حلية العلماء 342:8، البيان 416:13، المغني 292:5، الشرح الكبير 314:5.

تفسيره بما يخالف ذلك، كالدَّيْن، بخلاف العبد، فإنّ العيب لا يمنع إطلاق اسم العبد عليه.

و لو أقرّ بدراهم و أطلق في بلدٍ أوزانهم ناقصة أو مغشوشة، أو بدنانير في بلدٍ دنانيرهم مغشوشة، فالأقرب: الحمل على عرف ذلك البلد و دنانيره؛ لأنّ مطلق كلامهم يُحمل على عرف بلدهم، كما في البيع و الأثمان.

مسألة 909: الدرهم عند الإطلاق إنّما يُستعمل في النقرة، فلو أقرّ بدراهم و فسّرها بالفلوس، لم يُقبل.

و لو فسّر بالدراهم المغشوشة، فهو كالتفسير بالناقصة؛ لأنّ وزنها لا يبلغ وزن الدراهم، فيجيء فيه التفصيل الذي تقدّم في الناقصة.

فإن سكت بعد إقراره بالدراهم سكوتاً يمكنه الكلام فيه [أو](1) أخذ في كلامٍ غير ما كان فيه، استقرّ عليه الخالصة، فإن عاد و قال: زيوفاً، لم يقبل.

و لو وصل الكلام أو سكت للتنفّس أو لعروض سعالٍ و شبهه ثمّ وصفها بالرداءة، فالأقرب: القبول؛ لأنّ الإنسان قد يكون في ذمّته دراهم رديئة و يحتاج إلى الإقرار بها حذر الموت، فلو لم يُسمع منه ذلك لأدّى إلى كتمان الحقّ و عدم التخلّص و براءة الذمّة، و هو ضرر عظيم، و لأنّه كما قبل الاستثناء، فالقبول هنا أولى؛ لأنّ في الاستثناء نقضاً للأوّل، بخلاف الوصف بالغشّ.

و لو قال: له علَيَّ دراهم صغار، و ليس للناس دراهم صغار و هي

ص: 326


1- بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «و». و المثبت يقتضيه السياق.

الناقصة، قُبِل أيضاً تفسيره، خلافاً لبعض الشافعيّة(1).

و لو فسّر بجنس رديء من الفضّة قُبِل، كما لو قال: علَيَّ ثوب، ثمّ فسّر بجنس رديء أو بما لا يعتاد أهل البلد لُبْسه، بخلاف ما لو فسّر بالناقصة؛ لأنّه يرفع شيئاً ممّا أقرّ به، و هنا بخلافه.

مسألة 910: إذا أقرّ بدرهمٍ، انصرف الإطلاق إلى سكّة البلد الذي أقرّ بها فيه، فإن فسّرها به قُبِل.

و إن فسّرها بسكّة غير سكّة البلد أجود منها، قُبِل؛ لأنّه يُقرّ على نفسه بما هو أغلظ.

و كذا إن كانت مثلها؛ لأنّه لا يُتّهم في ذلك.

و إن كانت أدنى من سكّة البلد لكنّها متساوية في الوزن، احتُمل أن لا يُقبل؛ لأنّ إطلاقها يقتضي دراهم البلد و نقده، فلا يُقبل منه دونها، كما لا يُقبل في البيع، و لأنّها ناقصة القيمة، فلم يُقبل تفسيره بها، كالناقصة وزناً.

و يحتمل القبول - و هو الأقوى عندي، و به قال الشافعي(2) - لأنّه يحتمل ما فسّره به، بخلاف الناقصة؛ لأنّ إطلاق الشرع الدراهم لا يتناولها، بخلاف هذه، و لأنّه يرفع شيئاً ممّا أقرّ به، بخلاف هذه، و لهذا يتعلّق به مقدار النصاب في الزكاة و غيره، بخلاف الثمن، فإنّه إيجاب في الحال،

ص: 327


1- المهذّب - للشيرازي - 348:2، البيان 415:13، العزيز شرح الوجيز 313:5، روضة الطالبين 33:4، المغني 292:5، الشرح الكبير 316:5.
2- الحاوي الكبير 54:7، حلية العلماء 343:8، البيان 416:13، العزيز شرح الوجيز 312:5، روضة الطالبين 33:4، المغني 294:5، الشرح الكبير 314:5-315.

و هذا إخبار عن حقٍّ سابق، و لأنّ البيع إنشاء معاملة، و الغالب أنّ المعاملة في كلّ بلدةٍ تقع فيما يروج فيها و يتعامل الناس بها، و الإقرار إخبار عن حقٍّ سابق ربما يثبت بمعاملةٍ في تلك البلدة و ربما يثبت بغيرها، فوجب الرجوع إلى إرادته، و لأنّه لا بدّ من صيانة البيع عن الجهالة، و الحمل على ما يروج في البلد أصلح طريقٍ تنتفي به الجهالة، و الإقرار لا تجب صيانته عن الجهالة.

و قال المزني: لا يُقبل تفسيره بغير سكّة البلد(1).

مسألة 911: لو قال: له علَيَّ دُرَيْهم، أو دُرَيْهمات، أو درهم صغير، أو دراهم صغار،

فالوجه: قبول تفسيره بما أراد بما يطلق عليه هذا الاسم.

و اضطرب قول الشافعيّة:

فالذي رواه الجويني: إنّه كما لو قال: درهم، أو دراهم، فيعود في التفسير بالنقص التفصيلُ السابق، و ليس التقييد بالصغير كالتقييد بالنقصان؛ لأنّ لفظ الدرهم صريح في الوزن، و الوصف بالصغر يجوز أن يكون من حيث الشكل، و يجوز أن يكون بالإضافة إلى الدراهم البغليّة(2).

و قال بعض الشافعيّة بذلك في قوله: «دُرَيْهم» و قال في قوله: «درهم صغير»: إن كان بطبريّة يلزمه نقد البلد، و إن كان ببلدٍ وزنه وزن مكّة فعليه وزن مكّة، و كذلك إن كان بغزنة.

و في هذا القول اضطراب؛ لأنّه إمّا أن يعتبر اللفظ أو عرف البلد، إن اعتبرنا اللفظ فيجب الوزن بطبريّة، و إن اعتبرنا عرف البلد فيجب نقد البلد

ص: 328


1- الحاوي الكبير 54:7، حلية العلماء 343:8، البيان 416:13، العزيز شرح الوجيز 313:5، روضة الطالبين 33:4.
2- العزيز شرح الوجيز 313:5، روضة الطالبين 33:4.

بغزنة(1).

و قال بعضهم: إذا قال: دُرَيْهم، أو درهم صغير، لزمه درهم من الدراهم الطبريّة؛ لأنّها أصغر من دراهم الإسلام، و هي أصغر من البغليّة، فهي أصغر الصغيرين، فيؤخذ باليقين. و لم يفرّق بين بلدةٍ و بلدةٍ، و لأنّا لا نفرّق بين أن يقول: مال، و بين أن يقول: مال صغير، فكذلك في الدراهم(2).

مسألة 912: لو قال: له علَيَّ درهم كبير، لزمه درهم من دراهم الإسلام؛ لأنّه كبير في العرف.

و لو كان هناك ما هو أكثر وزناً منه، فالأقرب: المساواة.

فلو فسّره بالأقلّ من دراهم الإسلام، احتُمل القبول؛ لاحتمال إرادة الكبير لا في الوزن، بل بالحلال.

و لو قال: له دُرَيْهم، فهو كما لو قال: درهم؛ لأنّ التصغير قد يكون لصغرٍ في ذاته أو لقلّة قدره عنده، و قد يكون لمحبّته.

المطلب الثاني: في المتعدّد.
مسألة 913: إذا قال: له علَيَّ دراهم، و لم يفسّر العدد، لزمه ثلاثة؛

لأنها أقلّ الجمع، و لا يُقبل تفسيره بأقلّ منها - و هو الظاهر من مذهب الشافعيّة(1) - لأنّ العرب وضعت صيغة آحاد و تثنية و جمع، فقالوا: رجل

ص: 329


1- الحاوي الكبير 16:7، المهذّب - للشيرازي - 349:2، الوسيط 336:3، الوجيز 198:1، حلية العلماء 346:8، التهذيب - للبغوي - 238:4، البيان 421:13، العزيز شرح الوجيز 313:5، روضة الطالبين 34:4.

و رجلان و رجال.

و يحتمل عندي القبول لو فسّره باثنين؛ لأنّ الاثنين قد يُعبَّر عنهما بلفظ الجمع، كما في قوله تعالى:«فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ» (1) و المراد أخوان، و قال عليه السلام: «الاثنان فما فوقهما جماعة»(2) و لأنّ حقيقة الجمع موجودة في الاثنين.

و لو سُلّم أنّه مجاز، فلا تستحيل إرادته، فإذا فسّر به قُبِل؛ لأنّه أعرف بقصده، و الألفاظ لا تدلّ على المعاني بذواتها، بل باعتبار قصد المتكلّم.

و به قال بعض الشافعيّة(3).

و لو قال: له علَيَّ أقلّ أعداد الدراهم، لزمه اثنان؛ لأنّ العدد هو المعدود، و كلّ معدودٍ متعدّد، فيخرج عنه الواحد، و لأنّ الاثنين مبدأ العدد و أوّل مراتبه، بخلاف الواحد.

مسألة 914: لو قال: له علَيَّ دراهم عظيمة، أو جليلة، أو جزيلة، أو وافرة، كان له ثلاثة،

و كان كقوله: ثلاثة - و به قال الشافعي(4) - لأنّ الكثرة لا حدّ لها شرعاً و لا لغةً و لا عرفاً، و تختلف بالأوصاف و أحوال الناس، فالثلاثة أكثر من الاثنين و أقلّ ممّا فوقها، فيحتمل أنّ المُقرّ أراد كثيرة بالنسبة

ص: 330


1- النساء: 11.
2- عيون أخبار الرضا عليه السلام 61:2 (الباب 31) ح 248، سنن الدارقطني 1/280:1، المستدرك - للحاكم - 334:4، شرح معاني الآثار 308:1، تاريخ بغداد 415:8.
3- الحاوي الكبير 16:7، حلية العلماء 347:8، البيان 421:13.
4- الحاوي الكبير 17:7، حلية العلماء 347:8، التهذيب - للبغوي - 238:4، البيان 421:13، العزيز شرح الوجيز 313:5، روضة الطالبين 34:4، المغني 299:5، الشرح الكبير 341:5، مختصر اختلاف العلماء 1924/220:4.

إلى ما دونها، و لأنّ الناس يختلفون، فمنهم مَنْ يستعظم القليل، و منهم مَنْ يستقلّ الكثير، فجاز أن يريد كثيرة في وهمه و ظنّه، و تكون الثلاثة عنده كثيرةً.

و قال أبو حنيفة: لا يُقبل تفسيره في الكثرة بدون العشرة؛ لأنّها أقلّ جمع الكثرة(1).

و قال أبو يوسف و محمّد: لا يُقبل أقلّ من مائتين؛ لأنّ بها يحصل الغنى و تجب الزكاة(2).

و الحمل على يقين الأقلّ و براءة الذمّة أولى.

و لو قال: علَيَّ دراهم كثيرة، احتُمل لزوم ثمانين على الرواية(3).

و الوجه: ما قلناه في العظيمة.

و لو قال: دنانير كثيرة، فعلى الرواية يلزمه ثمانون، و على قول أبي حنيفة يلزمه عشرة(4) ، و على قول أبي يوسف و محمّد يلزمه عشرون(5).8.

ص: 331


1- تحفة الفقهاء 197:3، بدائع الصنائع 220:7، الهداية - للمرغيناني - 180:3-181، المبسوط - للسرخسي - 98:18، الاختيار لتعليل المختار 205:2، مختصر اختلاف العلماء 1924/220:4، الحاوي الكبير 17:7، حلية العلماء 347:8، البيان 421:13، العزيز شرح الوجيز 306:5، المغني 299:5، الشرح الكبير 341:5.
2- تحفة الفقهاء 197:3، بدائع الصنائع 220:7، الاختيار لتعليل المختار 205:2، الهداية - للمرغيناني - 181:3، المبسوط - للسرخسي - 98:18، مختصر اختلاف العلماء 1924/220:4، حلية العلماء 347:8، البيان 421:13، المغني 299:5، الشرح الكبير 341:5.
3- الكافي 463:7-21/464، معاني الأخبار: 1/218، التهذيب 1147/309:8. (4 و 5) الاختيار لتعليل المختار 205:2، الهداية - للمرغيناني - 181:3، المبسوط - للسرخسي - 98:18، حلية العلماء 347:8.

و لو قال: حنطة عظيمة، أو كثيرة، فعلى قول أبي حنيفة يرجع إلى بيانه فيما يُسمّى كثيراً في العادة(1) ، و على قولهما يلزمه خمسة أوسق(2).

و لو قال: له علَيَّ مائة درهم عدداً، فالأقرب: قبول قوله في إرادة الناقصة.

و قال بعض الشافعيّة: يلزمه مائة درهم - بوزن الإسلام - صحاح، و لا يشترط أن يكون لكلّ واحدٍ ستّة دوانيق، و كذا في البيع، و مَنَع من قبول مائة بالعدد ناقصة بالوزن، إلّا أن يكون نقد البلد عدديّةً ناقصة، و ظاهر مذهب الشافعيّة حينئذٍ القبول(1).

و لو قال: علَيَّ مائة عدد من الدراهم، فهُنا يعتبر العدد دون الوزن إجماعاً.

مسألة 915: إذا قال: له علَيَّ ألف درهم زُيَّف، جمع زائف، و هي التي لم تَجْر،

فإن فسّر و قال: أردتُ به أنّها كلّها نحاس أو رصاص، لم يُقبل، سواء فَصَله عن إقراره أو وصله به؛ لأنّ النحاس و الرصاص لا يُسمّى دراهم، فكأنّه وَصَل إقراره بما رفعه، فصار كاستثناء الكلّ.

و إن فسّر ذلك بما لفظه نحاس أو رصاص، قال بعض الشافعيّة:

الذي يقتضيه المذهب أنّه إن وصل ذلك بإقراره أو فصله قُبِل منه؛ لأنّ الشافعي قال: «و لو قال: هي من سكّة كذا، صُدّق مع يمينه، كانت أدنى

ص: 332


1- التهذيب - للبغوي - 246:4، العزيز شرح الوجيز 313:5-314، روضة الطالبين 34:4.

الدراهم أو وسطها»(1) - قال بعض الشافعيّة: أدنى الدراهم هي المغشوشة(2) - و قول الشافعي: «ثمّ قال: هي نقص أو زيف لم يُصدَّق»(3) يريد إذا قال:

زيف(1) جميعها رصاص أو نحاس(5).

و قال بعضهم: حكم الزيف كالنقص إذا وَصَلها بإقراره قُبِل، و إن فَصَلها لم يُقبل(2).

و هو ظاهر كلامه في المسألة؛ لأنّه جمع بين النقص و الزيف و لم يفصل.

و القول الأوّل غير لازمٍ؛ لأنّ قوله: «أدنى الدراهم» إنّما عاد إلى السكّة؛ لأنّه قال: «و لو قال: هي من سكّة كذا» لأنّ المغشوشة خارجة عن ضرب الإسلام كالنقص.

فعلى ما ذكرناه في النقص إذا كان البلد يتعامل فيه بالدراهم المغشوشة، ينبغي إذا أطلق أن لا يلزمه منها إلّا كما قلنا في النقص.

و لو قال: غصبت(3) ألف درهم، أو: له عندي ألف درهم وديعة، ثمّ قال: هي نقص أو زيف، مفصولاً، لم يُقبل - و هو مذهب الشافعي(4) - كما لو قال: له علَيَّ ألف درهم.5.

ص: 333


1- في «ج، ر»: «زيوف».
2- البيان 416:13.
3- الظاهر: «غصبته».
4- الحاوي الكبير 53:7، المهذّب - للشيرازي - 348:2، بحر المذهب 275:8، حلية العلماء 342:8، البيان 416:13، العزيز شرح الوجيز 312:5، روضة الطالبين 32:4، المغني 292:5، الشرح الكبير 314:5.

و قال أبو حنيفة: يُقبل في الغصب و الوديعة؛ لأنّ ذلك إيقاع فعلٍ في العين، و ذلك لا يقتضي سلامتها، كما لو أقرّ بغصبِ عبدٍ فجاء به معيباً(1).

و هو غلط؛ لأنّ الاسم يقتضي الوازنة غير الزيوف، فلم يُقبل منه ما يخالف الاسم، كما لو قال: له علَيَّ ألف.

و ما علّل به باطل؛ لأنّ الغصب و إن كان إيقاع فعلٍ في عينٍ فإنّ ذلك يوجب وقوعه فيما سمّاه، دون ما لا ينصرف إليه إطلاق الاسم. و يفارق العيب؛ لأنّ العيب لا يمنع إطلاق الاسم فيه.

مسألة 916: إذا قال: له علَيَّ ما بين واحدٍ و عشرة، لزمه ثمانية؛

لأنّ ذلك ما بينهما.

و لو قال: ما بين واحدٍ إلى عشرة، فكالأُولى.

و لم يفرّق أكثر الشافعيّة بينهما(2).

و الوجه: القطع في الأُولى بالثمانية، و في الثانية احتمال.

و لو قال: له علَيَّ من درهمٍ إلى عشرة، احتُمل لزوم عشرة - و به قال محمّد بن الحسن الشيباني(3) - و يدخل الطرفان فيها، كما يقال: من فلان إلى فلان لا يرضى أحد بكذا، و قد سبق(4) في المرافق؛ لأنّ الحدّ إذا كان

ص: 334


1- تحفة الفقهاء 201:3، المبسوط - للسرخسي - 13:18، بحر المذهب 275:8، حلية العلماء 342:8، البيان 416:13، المغني 292:5، الشرح الكبير 314:5.
2- البيان 421:13، العزيز شرح الوجيز 315:5، روضة الطالبين 34:4.
3- الاختيار لتعليل المختار 209:2، بدائع الصنائع 220:7-221، المبسوط - للسرخسي - 96:18، الهداية - للمرغيناني - 183:3، الحاوي الكبير 59:7، بحر المذهب 281:8، حلية العلماء 348:8، التهذيب - للبغوي - 239:4، البيان 421:13.
4- في ج 1، ص 157-158، المسألة 44.

من جنس المحدود دخل فيه.

و قد حكى ابن القاص عن الشافعي أنّه إذا قال: له علَيَّ ما بين الدرهم إلى العشرة، لزمه تسعة(1).

فعلى هذا يكون قولُه مثلَ قول محمّد بن الحسن؛ لأنّه أدخل الحدّ في الإقرار، و لو قال: قرأتُ القرآن من أوّله إلى آخره، دخل الطرفان، أو:

أكلتُ الطعام من أوّله إلى آخره، دخل الطرفان، فكذا هنا.

و هو أحد وجوه الشافعيّة(2).

و يحتمل وجوب تسعة - و به قال أبو حنيفة و أحمد و بعض الشافعيّة(3) - لأنّ الأوّل ابتداء الغاية، و العاشر هو الحدّ، فدخل الابتداء فيه، و لم يدخل الحدّ، و لأنّ الملتزم زائد على الواحد، و الواحد مبدأ العدد و الالتزام، فيبعد إخراجه عمّا يلتزم، و لأنّ «من» لابتداء الغاية، و أوّل الغاية منها، و «إلى» لانتهائها، فلا يدخل فيها؛ لقوله تعالى:«ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ» (4).7.

ص: 335


1- حلية العلماء 348:8.
2- الحاوي الكبير 59:7، الوسيط 337:3، الوجيز 198:1، التهذيب - للبغوي - 239:4، البيان 421:13، العزيز شرح الوجيز 341:5، روضة الطالبين 34:4.
3- الاختيار لتعليل المختار 209:2، بدائع الصنائع 220:7، الهداية - للمرغيناني - 183:3، المبسوط - للسرخسي - 96:18، الحاوي الكبير 95:7، المهذّب - للشيرازي - 349:2، بحر المذهب 281:8، حلية العلماء 348:8، الوجيز 198:1، الوسيط 337:3، التهذيب - للبغوي - 339:4، البيان 421:13، العزيز شرح الوجيز 314:5، روضة الطالبين 34:4، المغني 299:5، الشرح الكبير 349:5.
4- البقرة: 187.

و يحتمل وجوب ثمانية - و به قال زفر(1) - لأنّ الأوّل و العاشر حدّان لا يدخلان في المحدود، كما لو قال: بعتك من هذا الجدار إلى هذا الجدار، لا يدخل الجداران في المبيع.

و المعتمد: الأوّل.

و جماعة من الشافعيّة رجّحوا الثاني؛ لأنّه لو قال: لفلان من هذه النخلة إلى هذه النخلة، تدخل النخلة الأُولى في الإقرار، دون الأخيرة(2).

و ما ينبغي أن يكون الحكم في هذه الصورة كما ذكر، بل هو كما لو قال: بعتك من هذا الجدار إلى هذا الجدار.

و لو قال: له علَيَّ ما بين درهمٍ إلى عشرة، فقد قلنا: إنّه يلزمه ثمانية؛ لأنّ «ما» بمعنى «الذي» كأنّه قال: له العدد الذي يقع بين الواحد إلى العشرة، و هو صريح في إخراج الطرفين.

و عن الشافعي أنّه يلزمه تسعة؛ لأنّ الحدّ إذا كان من جنس المحدود يدخل فيه، فيضمّ الدرهم العاشر إلى الثمانية(3).

و حكي عن القفّال أنّه يلزمه عشرة(4).

فحصل للشافعيّة في هذه المسألة ثلاثة أوجُه، كما في قوله: له علَيَّ من درهمٍ إلى عشرة.4.

ص: 336


1- الاختيار لتعليل المختار 209:2، بدائع الصنائع 221:7، المبسوط - للسرخسي - 96:18، الهداية - للمرغيناني - 183:3، الحاوي الكبير 58:7، بحر المذهب 281:8، التهذيب - للبغوي - 239:4.
2- الوجيز 198:1، العزيز شرح الوجيز 314:5، روضة الطالبين 34:4.
3- بحر المذهب 281:8، حلية العلماء 348:8، العزيز شرح الوجيز 314:5، روضة الطالبين 34:4.
4- بحر المذهب 281:8، العزيز شرح الوجيز 314:5، روضة الطالبين 34:4.

و لو قال: أردتُ بقولي: «من واحدٍ إلى عشرة» مجموع الأعداد كلّها، لزمه خمسة و خمسون درهماً.

و طريقه: أن يزيد أوّل العدد - و هو الواحد - على العشرة، فيصير أحد عشر، ثمّ يضربها في نصف العشرة، فما بلغ فهو الجواب.

مسألة 917: لو قال: له علَيَّ درهم في عشرة، احتُمل أن تكون العشرة ظرفاً،

و أن تكون مضروباً فيها، فإن أراد الأوّل لزمه درهم، كأنّه قال: له درهم في عشرة لي، و إن أراد الضرب و الحساب لزمه عشرة.

و لو أراد ب «في» «مع» لزمه أحد عشر درهماً؛ لأنّ «في» قد ترد بمعنى «مع» يقال: جاء الأمير في جيشه، أي مع جيشه. و يرجع في ذلك إليه، و يُقبل قوله بغير يمين؛ لأنّ لفظه محتمل لذلك كلّه، و هو أعرف بمراده، فإن أطلق سُئل، فإن تعذّر لزمه واحد؛ لأنّه المتيقّن، و الأصل براءة الذمّة.

و عند الشافعيّة أنّه لو قال: أنتِ طالق واحدة في اثنتين - في قولٍ لهم - أنّه يُحمل على الحساب و إن أطلق؛ لأنّه أظهر في الاستعمال، و ذلك القول عائد هنا(1).

و لو قال: له علَيَّ درهمان في عشرة، و قال: أردتُ الحساب، لزمه عشرون.

و إن قال: أردتُ درهمين مع عشرة، و لم يكن يعرف الحساب، قُبِل منه، و لزمه اثنا عشر؛ لأنّ كثيراً من العامّة يريدون بهذا اللفظ هذا المعنى.

و قال بعض العامّة: لو كان عارفاً بالحساب، لم يُقبل منه؛ لأنّ الظاهر من الحساب استعمال ألفاظه لمعانيها في اصطلاحهم(2).

ص: 337


1- العزيز شرح الوجيز 315:5، روضة الطالبين 35:4.
2- المغني 300:5.

و الوجه: القبول منه؛ لاحتمال أن يستعمل مصطلحات العامّة.

و إن قال: أردتُ درهمين في عشرة لي، لزمه درهمان؛ لاحتمال ما يقول.

و لو قال: درهمان في دينار، لم يحتمل الحساب و سُئل عن المراد، فإن قال: أردت العطف، أو معنى «مع» لزمه الدرهمان و الدينار.

و إن قال: أسلمتهما في دينارٍ فصدّقه المُقرّ له، بطل إقراره؛ لأنّ سَلَم أحد النقدين في الآخَر باطل، و إن كذّبه فالقول قول المُقرّ له؛ لأنّ المُقرّ وصل إقراره بما يُسقطه، فلزمه ما أقرّ به، و بطل قوله: «في دينار».

و كذا لو قال: له درهمان في ثوبٍ، و فسّره بالسَّلَم، أو قال: في ثوبٍ اشتريته منه إلى سنة، فصدّقه، بطل إقراره؛ لأنّه إن كان بعد التفرّق بطل السَّلَم، و سقط الثمن، و إن كان قبل التفرّق فالمُقرّ بالخيار بين الفسخ و الإمضاء، و لو كذّبه المُقرّ له فالقول قوله مع يمينه، و له الدرهمان.

البحث الخامس: في الإقرار بالظرف و المظروف.
مسألة 918: الإقرار بأحد شيئين لا يستلزم الإقرار بالآخَر،

و الظرف و المظروف شيئان متغايران، فلا يلزم من الإقرار بأحدهما الإقرار بالآخَر؛ لأنّ الأصل البناء على اليقين، فلا يلزم من الإقرار بالظرف الإقرار بالمظروف، و لا بالعكس.

فلو قال: له عندي ثوب في منديلٍ، أو: تمر في جرابٍ، أو: لبن في كوزٍ، أو: طعام في سفينةٍ، أو: دراهم في كيسٍ، لم يدخل الظرف في الأقارير؛ لاحتمال أن يريد: في جرابٍ لي، أو: في منديلٍ لي، و إذا احتُمل ذلك لم يلزمه من إقراره المحتمل، و لا تناقض لو ضمّ هذه اللفظة إلى

ص: 338

الإقرار، و لو كان اللفظ المطلق يدلّ على الإضافة إلى المُقرّ له، لزم التناقض مع التصريح بالإضافة إلى المُقرّ.

و كذا لو قال: غصبتُه زيتاً في جرّةٍ، أو: ثوباً في منديلٍ، لم يكن مُقرّاً إلّا بغصب الزيت و الثوب خاصّةً، دون الجرّة و المنديل.

و به قال الشافعي و مالك(1).

و قال أبو حنيفة: إذا قال: غصبتُ منه ثوباً في منديلٍ، كان غاصباً لهما؛ لأنّ المنديل يكون ظرفاً للثوب، فالظاهر أنّه ظرف له في حال الغصب، فصار كأنّه غصبه ثوباً و منديلاً(2).

و هو خطأ؛ لاحتمال أن يكون المنديل للمُقرّ بأن يقول: غصبتُ ثوباً في منديلٍ لي، و لو قال ذلك لم يكن غاصباً للمنديل، و مع الإطلاق يكون محتملاً له، فلم يكن مُقرّاً بغصبه، كما لو قال: له عندي ثوب في منديلٍ، و كما لو قال: غصبتُه دابّةً في اصطبلها.

مسألة 919: لو قال: له عندي غمد فيه سيف، أو: جرّة فيها زيت،

ص: 339


1- الأُم 240:3، و 223:6، مختصر المزني: 112، الحاوي الكبير 25:7، المهذّب - للشيرازي - 351:2، بحر المذهب 244:8، الوسيط 337:3-338، الوجيز 198:1، حلية العلماء 355:8، التهذيب - للبغوي - 253:4، البيان 430:13، العزيز شرح الوجيز 315:5-316، روضة الطالبين 35:4، الإشراف على نكت مسائل الخلاف 1049/617:2، الذخيرة 279:9، المعونة 1252:2، المغني 300:5-301، الشرح الكبير 352:5.
2- الاختيار لتعليل المختار 208:2، بدائع الصنائع 221:7، الهداية - للمرغيناني - 182:3، الحاوي الكبير 25:7، بحر المذهب 244:8، الوسيط 338:3، حلية العلماء 355:8، التهذيب - للبغوي - 254:4، البيان 431:13، العزيز شرح الوجيز 316:5 و 317، المغني 301:5، الشرح الكبير 352:5-353، الإشراف على نكت مسائل الخلاف 1049/617:2، الذخيرة 279:9.

أو: جراب فيه تمر، فهو إقرار بالظرف خاصّةً، دون المظروف؛ للتغاير الذي قلناه، و عدم الاستلزام بين الإقرار بالشيء و الإقرار بغيره، و لصدق الإضافة إلى المُقرّ في المظروف.

و لو قال: غصبتُه فرساً في اصطبلٍ، فهو إقرار بالفرس خاصّةً.

و لو قال غصبتُه دابّةً عليها سرج، أو زمام، أو: بغلاً عليه برذعة، فهو إقرار بالدابّة و البغل خاصّةً، دون السرج و الزمام و البرذعة.

أمّا لو قال: غصبتُه عبداً على رأسه عمامة، أو: في وسطه منطقة، أو:

في رِجْله خُفٌّ، فهو إقرار بها مع العبد؛ لأنّ للعبد يداً على ملبوسه، و ما في يد العبد فهو في يد سيّده، فإذا أقرّ بالعبد للغير، كان ما في يده لذلك الغير، بخلاف المنسوب إلى الفرس، فإنّه لا يد لها على ما هو عليها، و لهذا لو جاء بعبدٍ و عليه عمامة و قال: هذا العبد لزيدٍ، كانت العمامة له أيضاً.

و لو جاء بدابّةٍ و عليها سرج و قال: هذه الدابّة لزيدٍ، لم يكن السرج له.

قال بعض الشافعيّة: هذا يقتضي فرقاً لا من جهة الإقرار، و تكون العمامة غير داخلةٍ في الإقرار، و إنّما تثبت من جهة العبد(1).

و عامّة أصحاب الشافعي على أنّه لا فرق بينهما(2).

و لو قال: له عندي دابّة مسروجة، أو: دار مفروشة، لم يكن مُقرّاً بالسرج و الفرش، بخلاف ما لو قال: بسرجها و بفرشها، فإنّه يلزمه السرج و الفرش؛ لأنّ الباء تُعلّق الثاني على الأوّل.

و كذا لو قال: له عندي سفينة بطعامها، كان إقراراً بالطعام.

و لو قال: سفينة فيها طعام، أو: طعام في سفينةٍ، لم يكن مُقرّاً

ص: 340


1- بحر المذهب 245:8، الوسيط 338:3، التهذيب - للبغوي - 254:4، البيان 432:13، العزيز شرح الوجيز 316:5، روضة الطالبين 35:4.
2- بحر المذهب 245:8، الوسيط 338:3، التهذيب - للبغوي - 254:4، البيان 432:13، العزيز شرح الوجيز 316:5، روضة الطالبين 35:4.

بالطعام في الأُولى و لا بالسفينة في الثانية.

و لو قال: له عندي ثوب مطرز، كان إقراراً بالطراز؛ لأنّ الطراز جزء من الثوب.

و قال بعضهم: إن رُكّب عليه بعد النسج، فوجهان(1).

مسألة 920: لو قال: له علَيَّ فَصٌّ في خاتمٍ، فهو إقرار بالفَصّ خاصّةً، دون الخاتم.

و لو قال: خاتم فيه فَصٌّ، فالأقوى أنّه لا يكون مُقرّاً بالفَصّ - و هو أصحّ وجهي الشافعيّة(2) - لجواز أن يريد: فيه فَصٌّ لي، فصار(2) كالصورة السابقة.

و الثاني: إنّه يكون مُقرّاً بالفَصّ؛ لأنّ الفَصّ من الخاتم حتى لو باعه دخل فيه، بخلاف تلك الصورة(4).

و اعلم أنّ بعض العامّة ذكر وجهين في جميع الصُّوَر السابقة - مثل قوله: له عندي درهم في ثوبٍ، أو: زيت في جرّةٍ، أو: سكّين في قرابٍ، أو: فَصٌّ في خاتمٍ، أو: غصبتُ منه ثوباً في منديلٍ، أو: زيتاً في زقٍّ.

و بالجملة، كلّ مظروف مع ظرفه، و بالعكس - أحدهما: دخول الظرف في المظروف و بالعكس. و الثاني: عدم الدخول(3).

و لو اقتصر على قوله: عندي خاتم، ثمّ قال بعد ذلك: ما أردتُ

ص: 341


1- الحاوي الكبير 25:7-26، المهذّب - للشيرازي - 351:2، بحر المذهب 245:8، الوسيط 338:3، حلية العلماء 356:8، التهذيب - للبغوي - 255:4، البيان 432:13، العزيز شرح الوجيز 316:5، روضة الطالبين 35:4. (2 و 4) العزيز شرح الوجيز 316:5، روضة الطالبين 35:4.
2- فيما عدا «ج» من النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «فهو» بدل «فصار».
3- المغني 300:5-301، الشرح الكبير 352:5.

الفَصّ، فالأقوى عندي: القبول، و لا يدخل الفَصّ في الإقرار.

و أصحّ وجهي الشافعيّة: إنّه لا يُقبل تفسيره، فيدخل(1) الفَصُّ في الإقرار؛ لأنّ الفَصّ مندرج تحت اسم الخاتم، فتفسيره رجوع عن بعض المُقرّ به(2).

و لو قال: له حَمْلٌ في بطن جاريةٍ، لم يكن مُقرّاً بالجارية.

و كذا لو قال: نعل في حافر دابّةٍ، أو: عروة على قمقمةٍ.

و لو قال: جارية في بطنها حَمْلٌ، و دابّة في حافرها نعل، و قمقمة عليها عروة، فالأقوى: عدم الدخول.

و للشافعيّة وجهان، كما في قوله: خاتم فيه فَصٌّ(3).

و يترتّب الوجهان عند الشافعيّة في صورة الحمل على الوجهين فيما إذا قال: هذه الجارية لفلان، و كانت حاملاً، هل يتناول الإقرار بالحمل ؟ فيه وجهان لهم:

أحدهما: نعم، كما في البيع.

و أظهرهما: لا، و له أن يقول: لم أُرد الحمل، بخلاف البيع؛ لأنّ الإقرار إخبار عن حقٍّ سابق، و ربما كانت الجارية له، دون الحمل بأن كان الحمل موصًى به، أو كان حُرّاً(4).

و سلّم القفّال أنّه لو قال: هذه الجارية لفلان إلّا حملها، يجوز،4.

ص: 342


1- في «ج، ر»: «و يدخل».
2- الوسيط 338:3-339، الوجيز 198:1، العزيز شرح الوجيز 316:5، روضة الطالبين 35:4.
3- التهذيب - للبغوي - 254:4، العزيز شرح الوجيز 317:5، روضة الطالبين 36:4.
4- العزيز شرح الوجيز 317:5، روضة الطالبين 36:4.

بخلاف البيع(1).

فإن قلنا: الإقرار بالجارية يتناول الحمل، ففيه وجهان كما في الصورة السابقة، و إلّا فنقطع بأنّه لا يكون مُقرّاً بالحمل إذا قال: جارية في بطنها حمل(2).

و عندنا أنّ الحمل لا يدخل في الإقرار و لا في البيع.

مسألة 921: لو قال: له ثمرة على شجرةٍ، كان إقراراً بالثمرة خاصّةً، و لم يكن مُقرّاً بالشجرة.

و لو قال: شجرة عليها ثمرة، فليرتّب على أنّ الثمرة هل تدخل في مطلق الإقرار بالشجرة ؟

عند الشافعيّة هي لا تدخل بعد التأبير، كما في البيع(3).

و في فتاوى القفّال أنّها تدخل(4).

و هو بعيد.

و أمّا قبل التأبير فوجهان، أظهرهما: إنّها لا تدخل أيضاً؛ لأنّ الاسم لا يتناولها، و البيع ينزّل على المعتاد(5).

و المعتمد عندنا: إنّها لا تدخل الشجرة و لا الثمرة لو أقرّ بإحداهما.

و ضبط القفّال فقال: كلّ ما يدخل تحت المبيع المطلق يدخل تحت الأقارير، و ما لا فلا، إلّا الثمار المؤبَّرة(6).

و قال آخَرون: ما لا يتبع في المبيع و لا يتناوله الاسم فهو غير داخلٍ، و ما يتبع و يتناول فهو داخل، و ما يتبع و لا يتناوله الاسم ففيه وجهان(7).

مسألة 922: لو قال: له علَيَّ ألف في هذا الكيس، لزمه،

سواء كان

ص: 343


1- العزيز شرح الوجيز 317:5.
2- العزيز شرح الوجيز 317:5.
3- العزيز شرح الوجيز 317:5، روضة الطالبين 36:4.
4- العزيز شرح الوجيز 317:5، روضة الطالبين 36:4.
5- العزيز شرح الوجيز 317:5، روضة الطالبين 36:4.
6- العزيز شرح الوجيز 317:5، روضة الطالبين 36:4.
7- العزيز شرح الوجيز 317:5، روضة الطالبين 36:4.

فيه شيء أو لم يكن؛ لأنّ قوله: «علَيَّ» يقتضي اللزوم، و لا يكون مُقرّاً بالكيس.

و إن كان فيه دون الألف، فالأقوى: إنّه يلزمه الإتمام، كما لو لم يكن فيه شيء يلزمه الألف، و هو أحد قولَي الشافعيّة. و الثاني: إنّه لا يلزمه إلّا ذاك القدر؛ لحصر المُقرّ به فيه(1).

و لو قال: [له] علَيَّ الألف الذي في هذا الكيس، فإن كان فيه دون الألف لم يلزمه إلّا ذلك القدر؛ لجمعه بين التعريف و الإضافة إلى الكيس.

و قال بعض الشافعيّة: يلزمه الإتمام(2).

و هو مبنيّ على أنّ الإشارة إذا عارضت اللفظ أيّهما يُقدَّم ؟

و الأقوى عندي هنا لزوم الإتمام.

و لو لم يكن في الكيس شيء، فللشافعيّة قولان مبنيّان على ما إذا حلف ليشربنّ ماء هذا الكوز، و لا ماء فيه، هل تنعقد يمينه و يحنث، أم لا؟(3).

و الوجه عندي: لزوم الألف، و عدم انعقاد اليمين حيث لا متعلّق لها.

مسألة 923: لو قال: له في هذا العبد ألف درهم، فهو مجمل يحتاج إلى الاستفسار،

فاذا طولب بالبيان فإن قال: أردتُ أنّه جنى عليه أو على عبده جناية أرشها ألف، قُبِل و تعلّقت الألف برقبته.

ص: 344


1- الوسيط 339:3، الوجيز 198:1، التهذيب - للبغوي - 253:4، العزيز شرح الوجيز 318:5، روضة الطالبين 36:4.
2- الوسيط 339:3-340، التهذيب - للبغوي - 253:4، العزيز شرح الوجيز 318:5، روضة الطالبين 36:4.
3- الوسيط 340:3، الوجيز 198:1، التهذيب - للبغوي - 253:4، العزيز شرح الوجيز 318:5، روضة الطالبين 36:4.

و إن قال: أردتُ أنّه رهن عنده بألف علَيَّ، فالأقوى: القبول؛ لأنّ الدَّيْن و إن كان محلّه الذمّة فله تعلُّقٌ ظاهر بالمرهون، فصار كالتفسير بأرش الجناية، و هو أظهر وجهي الشافعيّة.

و الثاني: إنّه لا يُقبل؛ لأنّ الألف تقتضي كون العبد محلّاً للألف، و محلّ الدَّيْن الذمّة، لا المرهون، و إنّما المرهون وثيقة له، و على هذا فإذا نازعه المُقرّ له أخذناه بالألف الذي ذكره في التفسير، و طالبناه للإقرار المجمل بتفسيرٍ صالح(1).

و المعتمد: الأوّل.

و إن قال: أردتُ أنّه وزن في ثمنه عنّي ألفاً، كان ذلك قرضاً عليه.

و إن قال: نقد في ثمنه لنفسه ألفاً، قيل له: كم ثمنه ؟ و هل وزنت شيئاً، أم لا؟ فإن قال: الثمن ألف و لم أزن فيه شيئاً، قال الشافعي: كان العبد كلّه للمُقرّ له(2).

و إن قال: وزنت أنا شيئاً أيضاً في ثمنه، سئل عن كيفيّة الشراء هل كان دفعةً أو لا؟ فإن قال: كان دفعةً واحدة، سئل عن قدر ذلك، فإن قال:

وزنت ألفاً أيضاً، فالعبد بينهما بالسويّة، و إن قال: وزنت ألفين، فثلثا العبد له، و الثلث للمُقرّ له، و على هذا القياس.

و القول قوله في ذلك مع يمينه، سواء كانت القيمة أقلّ من ذلك أو أكثر، فقد يكون غابناً، و قد يكون مغبوناً، فلا يُنظر إلى قيمة العبد.

خلافاً لمالك؛ فإنّه قال: لو كان العبد يساوي ألفين و قد زعم أنّه وزن4.

ص: 345


1- بحر المذهب 262:8، الوسيط 340:3، الوجيز 199:1، البيان 435:13، العزيز شرح الوجيز 318:5، روضة الطالبين 36:4-37.
2- العزيز شرح الوجيز 318:5، روضة الطالبين 37:4.

ألفين و وزن المُقرّ له ألفاً، يكون العبد بينهما بالسويّة، و لا يُقبل قوله: إنّي وزنت ألفين في ثلثيه. و قد يُعبّر عن مذهبه بأنّ للمُقرّ له من العبد ما يساوي ألفاً(1).

و الشافعي(2) وافقنا على ما قلناه.

و إن قال: اشتريناه بإيجابين و قبولين، و وزن هو في شراء عُشْره - مثلاً - ألفاً، و أنا اشتريت تسعة أعشاره بألف، قُبِل - لأنّه محتمل - مع يمينه، سواء وافق قيمته أو لم يوافق، و سواء كان الألف أقلّ ثمناً ممّا عيّنه له من الحصّة أو أكثر، و سواء كان ما عيّنه لنفسه أزيد أو أقلّ.

و إن قال: أردتُ به أنّه أوصى له بألف من ثمنه، قُبِل و بِيع و دُفع إليه ألف من ثمنه.

و إن أراد أن يعطيه ألفاً من غير ثمن العبد، لم يكن له ذلك إلّا برضا المُقرّ له؛ لأنّه استحقّ ألفاً من ثمنه، فوجب البيع في حقّه، إلّا أن يرضى بتركه.

و إن فسّره بأنّه دفع إليه ليشتري له العبد ففعل، فإن صدّقه المُقرّ له فالعبد له، و إن كذّبه فقد ردّ إقراره بالعبد، و عليه ردّ الألف الذي أخذه.

و إن قال: أردتُ أنّه أقرضني ألفاً فصرفتُه إلى ثمنه، قُبِل، و لزمه الألف.4.

ص: 346


1- الوسيط 340:3، التهذيب - للبغوي - 250:4، العزيز شرح الوجيز 319:5.
2- الوسيط 340:3، التهذيب - للبغوي - 250:4، العزيز شرح الوجيز 319:5، روضة الطالبين 37:4.

و الخلاف للشافعيّة فيما إذا فسّره بالرهن آتٍ هنا(1).

و لو قال: له من هذا العبد ألف درهم، فهو كما لو قال: له في هذا العبد.

و لو قال: من ثمن هذا العبد، فكذلك عند بعض الشافعيّة(2).

و لو قال: له علَيَّ درهم في دينار، فهو كما لو قال: ألف في هذا العبد.

و إن أراد ب «في» «مع» لزمه الدرهم و الدينار معاً على إشكالٍ.

مسألة 924: لو قال: له في ميراث أبي ألف، فهو إقرار على أبيه بدَيْنٍ.

و كذا لو قال: له من ميراث أبي.

و لو قال: له في ميراثي من أبي، أو: من ميراثي من أبي ألف، رجع إليه في التفسير؛ لأنّه يحتمل أنّه يريد هبةً منه غير لازمة، فهو بالخيار بين أن يسلّمها أو لا يسلّمها، إلّا أن يريد إقراراً.

و الفرق: إنّه في الصورة الثانية أضاف الميراث إلى نفسه، و ما يكون له لا يصير لغيره بالإقرار، فكان كما لو قال: داري أو مالي لفلان، و في الأُولى لم يُضف الميراث إلى نفسه، فكان مُقرّاً بتعلّق الألف بالتركة، و اقتضى قوله وجوبها له في الميراث، و مع الإضافة اليه لا يُحمل ذلك على الوجوب؛ لأنّه أضاف الميراث إلى نفسه ثمّ جعل له جزءاً، فكان ذلك هبةً؛ لأنّه جعل له جزءاً من ماله، و ذلك كما يقول: لفلان في هذه الدار نصفها، فإنّه يكون إقراراً بالنصف، و إن قال: له من داري نصفها، كان ذلك

ص: 347


1- العزيز شرح الوجيز 319:5، روضة الطالبين 37:4.
2- العزيز شرح الوجيز 319:5، روضة الطالبين 37:4.

هبةً منه، لا إقراراً.

و مَنَع بعضُ الشافعيّة التناقضَ بين إضافة الميراث إلى نفسه و بين تعلّق دَيْن الغير به، فإنّ تركة كلّ مديونٍ مملوكة لورثته على الصحيح و الدَّيْن متعلّق بها(1).

و قال أكثرهم: إنّ الفرق أنّه إذا قال: في ميراث أبي، فقد أثبت حقّ المُقرّ له في التركة، و ذلك لا يحتمل إلّا شيئاً واجباً، فإنّ التبرّعات التي لا تلزم ترتفع بالموت، و لا تتعلّق بالتركة. و إذا قال: في ميراثي من أبي، فقد أضاف التركة إلى نفسه، ثمّ جعل للمُقرّ له شيئاً فيها و أضافه إليه، و ذلك قد يكون بطريقٍ لازم، و قد يكون على سبيل التبرّع، فاذا فسّر بالتبرّع قُبِل، و اعتبر فيه شرطه(2).

و قال بعض الشافعيّة: لا فرق بين الصورتين(1).

و المشهور: الفرق(2).

و مثله لو قال: له في هذه الدار نصفها، فهو إقرار.

و لو قال: في داري نصفها، فهو وعد بهبةٍ(3).

و اشتهر عن الشافعي أنّه لو قال: له في مالي ألف درهم، كان إقراراً.

و لو قال: من مالي، كان وعداً بهبةٍ، لا إقراراً(4).

و البحث هنا في موضعين:4.

ص: 348


1- العزيز شرح الوجيز 319:5، روضة الطالبين 38:4.
2- العزيز شرح الوجيز 319:5-320، روضة الطالبين 38:4.
3- في «ث»: «هبة».
4- بحر المذهب 264:8، حلية العلماء 362:8، العزيز شرح الوجيز 320:5، روضة الطالبين 38:4.

أحدهما: إنّ هذا القول في قوله: «في مالي» يخالف ما قال قبل ذلك في قوله: «في ميراثي» و «في داري».

و الثاني: لِمَ فرّق بين «في» و «من»؟

أمّا الأوّل: فللشافعيّة فيه طريقان فيما إذا قال: له في مالي ألف درهم.

منهم مَنْ قال: فيه قولان:

أحدهما: إنّه وعد هبة؛ لإضافة المال إلى نفسه.

و الثاني: إنّه إقرار؛ لأنّ قوله: «له» يقتضي الملك، و بوعد الهبة لا يحصل الملك(1).

و منهم مَنْ قطع بأنّه وعد هبة، و حمل ما روي في القول الأخير على خطأ الناسخ، و ربما أوّله على ما إذا أتى بصيغة الالتزام، فقال: علَيَّ في مالي ألف درهم، فإنّه يكون إقراراً(2).

و إذا أثبتنا الخلاف، فعن بعض الشافعيّة أنّه يطّرد فيما إذا قال: في داري نصفها، و امتنع من طرده فيما إذا قال: في ميراثي من أبي(3).

و قال آخَرون: إنّه يلزم تخريجه بطريق الأولى؛ لأنّ قوله: «في ميراثي من أبي» أولى بأن يجعل إقراراً من قوله: «في مالي، أو: في داري» لأنّ التركة مملوكة للورثة مع تعلّق الدَّيْن بها، فيحسن إضافة الميراث إلى نفسه مع الإقرار بالدَّيْن، بخلاف المال و الدار(4).

و أمّا الثاني فمن الشافعيّة مَنْ قال: لا فرق، و لم يثبت هذا النصّ، و(1)».

ص: 349


1- في المصدر: «أو» بدل «و».

أوّله(1).

و منهم مَنْ فرّق بأنّ «في» تقتضي كون مال المُقرّ ظرفاً لمال المُقرّ له، و قوله: «من مالي» يقتضي الفصل و التبعيض، و هو ظاهر في الوعد بأنّه يقطع شيئاً من ماله له، و إذا فرّقنا بينهما لزم مثله في الميراث و الدار لا محالة(2).

و الظاهر عندهم عدم الفرق، و أنّ الحكم في قوله: «في مالي» كما قلنا أوّلاً في «ميراثي»(3).

و استبعد الجويني تخريجَ الخلاف فيما إذا قال: له في داري نصفها؛ لأنّه إذا أضاف الكلّ إلى نفسه، لم ينتظم منه الإقرار ببعضه، كما لا ينتظم منه الإقرار بكلّه بأن يقول: داري لفلان، و خصَّص طريقةَ الخلاف بما إذا لم يكن المُقرّ به جزءاً من مسمّى ما أضافه إلى نفسه، كقوله: في مالي ألف درهم، أو: في داري ألف درهم(4).

هذا كلّه إذا لم يذكر كلمة الالتزام(1) ، فأمّا إذا أدخلها بأن يقول: علَيَّ ألف درهم في هذا المال، أو: في مالي، أو: في ميراثي، أو: في ميراثي من أبي، أو: في داري، أو: في عبدي، أو: في هذا العبد، فهو إقرار بكلّ حال. و الذي تقدّم من التفصيل مفروض فيما إذا اقتصر على قوله: «في هذا».

ص: 350


1- في النسخ الخطّيّة: «التزام».

العبد» و لم يقل: «علَيَّ».

و لو قال: له في ميراثي من أبي، أو: في مالي ألف بحقٍّ لزمني، أو بحقٍّ ثابت، أو: بأمرٍ صحيح، و ما أشبهه، أو قال: له في مالي بحقٍّ، أو في داري نصفها بحقٍّ، أو: له داري هذه بحقٍّ، لزم ذلك، و كان كما لو قال:

«علَيَّ» فيكون(1) إقراراً بكلّ حالٍ؛ لأنّه قد اعترف أنّ المُقرّ له يستحقّ ذلك، فلزمه.

و اعلم أنّ قضيّة قولنا: إنّ قوله: «علَيَّ في هذا المال، أو: في هذا العبد ألف درهم» إقرار له بالألف: أن يلزمه الألف و إن لم يبلغ ذلك المال ألفاً.

و ربما يخطر الخلاف المذكور فيما إذا قال: «لفلان علَيَّ ألف في هذا الكيس» و كان فيه دون الألف، إلّا أنّ ظرفيّة العبد للدراهم ليس كظرفيّة الكيس لها، فيمكن أن يختلفا في الحكم.

لكن لو قال: في هذا العبد ألف، من غير كلمة «علَيَّ» و فسّره بأنّه أوصى له بألف من ثمنه، فلم يبلغ ثمنه ألفاً، فلا ينبغي أن يجب عليه تتمّة الألف بحالٍ.

و اعلم أنّ بعض العامّة قال: لو قال: له في مالي هذا، أو: من مالي ألف، و فسّره بدَيْنٍ أو وديعة أو وصيّة فيه، قُبِل؛ لأنّه أقرّ بألف، فقُبِل، كما لو قال: في مالي. و يجوز أن يضيف إليه مالاً بعضه لغيره، و يجوز أن يضيف غير ماله(2) إليه؛ لاختصاصٍ له، أو يدٍ له عليه أو ولاية، كما قال تعالى:«وَ لا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللّهُ لَكُمْ قِياماً» (3) و قال تعالى:«لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ» (4) و قال تعالى:«وَ قَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ» (5) فلا يبطل إقراره مع احتمال صحّته.3.

ص: 351


1- في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «يكون». و الظاهر ما أثبتناه.
2- في المصدر: «مال غيره» بدل «غير ماله».
3- النساء: 5.
4- الطلاق: 1.
5- الأحزاب: 33.

و لو قال: أردتُ هبةً، قُبِل منه؛ لأنّه محتمل، و إن امتنع من تقبيضها لم يُجبر عليه؛ لأنّ الهبة فيها(1) لا تلزم قبل القبض(2).

و كذا لو قال: لفلان في داري هذه نصفها، أو: من داري نصفها(3).

و عن أحمد روايتان:

ففي إحداهما: في مَنْ قال: نصف عبدي هذا لفلان، لم يجز له إلّا أن يقول: وهبته، و إن قال: نصف مالي هذا لفلان، لا أعرفه.

و الثانية: إذا قال: فرسي هذه(4) لفلان، فإقراره جائز(5).

و قد بيّنّا أنّ الشافعي قال تارة: إذا قال: له في مالي ألف درهم، كان إقراراً، و لو قال: من مالي، كان هبةً(6).

و اختلف أصحابه:

فقال بعضهم: إنّه سهو.

و فرّق بعضهم بين «في ميراثي» و «في داري» لأنّ «في مالي» تقتضي أن يكون ماله ظرفاً، فيكون قد امتزجت ألف للمُقرّ له بماله، و إذا قال: «من مالي» لم يحتمل ذلك، و يفارق الدار؛ لأنّ قوله: «في داري نصفها» بمنزلة قوله: «من داري» لأنّها لا تُسمّى بعد إخراج النصف داراً، و يُسمّى ما بقي).

ص: 352


1- كلمة «فيها» لم ترد في «ث، خ، ر».
2- المغني 312:5، الشرح الكبير 322:5.
3- في «ج» بدل «نصفها»: «بعضها».
4- في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «في شيء هذا» يدل «فرسي هذه». و ذلك تصحيف، و المثبت من المصدر.
5- المغني 312:5، الشرح الكبير 322:5.
6- تقدّم تخريجه في ص 348، الهامش (6).

بعد الألف مالاً(1).

و بعد هذا كلّه فالقول الذي سوّغ الإقرار بقوله: «في مالي، أو: في داري، أو: من مالي، أو: من داري، أو: ملكي هذا لفلان» لا بأس به عندي، و قد سلف.

مسألة 925: لو قال: له في هذا العبد شركة، صحّ إقراره،

و له التفسير بما شاء من قليلٍ فيه و كثير، و بأيّ قدر شاء.

و قال أبو يوسف: يكون إقراراً بنصفه؛ لقوله تعالى:«فَهُمْ شُرَكاءُ فِي الثُّلُثِ» (2) و اقتضى ذلك التسويةَ بينهم كذا هنا(3).

و هو غلط؛ لأنّ أيّ جزءٍ كان له منه فله فيه شركة، فكان له تفسيره بما شاء، كالنصف، و ليس إطلاق لفظ الشركة على ما دون النصف مجازاً، و لا يخالف الظاهر، و التسوية في الآية ثبتت لدليلٍ.

و كذا الحكم إذا قال: هذا العبد شركة بيننا.

البحث السادس: في تكرير المُقرّ به مع عدم العطف و معه، و بالإضراب مع عدم السلب و معه.
مسألة 926: لو قال: له علَيَّ درهمٌ درهمٌ درهمٌ، لم يلزمه إلّا درهمٌ واحد؛ لاحتمال إرادة التأكيد بالتكرير.

ص: 353


1- راجع الهامش (4) من ص 349، و الهامش (2) من ص 350.
2- النساء: 12.
3- روضة القضاة 5092/748:2، بحر المذهب 263:8، البيان 436:13، المغني 312:5، الشرح الكبير 347:5.

و كذا لو كرّره مائة مرّة فما زاد.

و لو قال: له علَيَّ درهم و درهم، أو: ثمّ درهم، لزمه درهمان؛ لأنّ العطف يقتضي المغايرة بين المعطوف و المعطوف عليه، و لا يصحّ عطف الشيء على نفسه.

و لو قال: له علَيَّ درهم و درهم و درهم، لزمه بالأوّل و الثاني درهمان.

و أمّا الثالث فإن أراد به العطف و المغايرة، لزمه ثلاثة؛ لأنّه أراد به درهماً آخَر.

و إن قال: أردتُ به تكرير الثاني و تأكيده، قُبِل، و لزمه درهمان لا غير، و يُصدَّق باليمين.

و لو قال: أردتُ به تكرير الأوّل، لم يُقبل، و يلزمه ثلاثة؛ لأنّ التكرار إنّما يؤكّد به إذا لم يتخلّل بينهما فاصل. و هو أظهر وجهي الشافعيّة.

و الثاني: أنّه يُقبل(1).

و كذا الحكم عندهم فيما إذا قال: أنتِ طالق و طالق و طالق، فإن أطلق ففي الطلاق قولان يُنظر في أحدهما إلى صورة اللفظ، و في الثاني إلى احتمال التكرار و جريان العادة به. و في الإقرار طريقان(2).

و قال ابن خيران من الشافعيّة: إنّه على قولين في الطلاق(3).4.

ص: 354


1- العزيز شرح الوجيز 322:5، روضة الطالبين 39:4.
2- الحاوي الكبير 55:7، المهذّب - للشيرازي - 349:2، حلية العلماء 345:8، البيان 418:13، العزيز شرح الوجيز 322:5.
3- الحاوي الكبير 55:7، المهذّب - للشيرازي - 349:2، بحر المذهب 277:8، حلية العلماء 345:8، البيان 418:13، العزيز شرح الوجيز 322:5، روضة الطالبين 39:4.

و قطع الأكثرون منهم بأنّه يلزمه ثلاثة، و فرّقوا بأنّ دخول التأكيد في الطلاق أكثر منه في الإقرار؛ لأنّه يقصد به التخويف و التهديد، و لأنّه يؤكّد بالمصدر، فيقال: هي طالق طلاقاً، و الإقرار بخلافه، و على هذا لو كرّر عشر مرّات أو أكثر، لزمه من الدراهم بعدد ما كرّر، و لأنّ الواو للعطف، و العطف يقتضي المغايرة، فوجب أن يكون الثالث غير الثاني، كما كان الثاني غير الأوّل، و الإقرار لا يقتضي تأكيداً، فوجب حمله على العدد(1).

و الحقّ: الأوّل، و أنّه يُحمل على التأكيد لو قصده، و هو أخبر بلفظه، و لا شكّ أنّ اللفظ محتمل للتأكيد و الإقرار، فلا يثبت في ذمّته بالتجويز و الاحتمال.

و كذا لو قال: له علَيَّ درهم ثمّ درهم ثمّ درهم، فهو كما لو قال:

درهم و درهم و درهم.

و لو قال: درهم و درهم ثمّ درهم، لزمه ثلاثة قطعاً؛ لتغاير لفظتي «ثمّ» و الواو، فلا تصلح للتأكيد اللفظي.

مسألة 927: لو قال: له علَيَّ درهم مع درهم، أو: معه درهم، أو: فوق درهم، أو: فوقه درهم، أو: تحت درهم، أو: تحته درهم،

فالأقرب: إنّه يلزمه درهم واحد؛ لاحتمال أن يكون المراد «مع درهمٍ لي» أو «فوق درهمٍ لي» و أيضاً فقد يريد فوقيّة الجودة و تحتيّة الرداءة، و به قال

ص: 355


1- المهذّب - للشيرازي - 349:2، بحر المذهب 276:8-277، حلية العلماء 345:8، البيان 418:13، العزيز شرح الوجيز 322:5، روضة الطالبين 39:4.

أكثر الشافعيّة(1).

و لهم مذهبان آخَران:

أحدهما: إنّه يلزمه درهمان.

و اختلف هؤلاء، منهم مَنْ ناسبٌ [إلى](2) قول الشافعي.

و منهم مَنْ قال: إنّه مُخرَّج.

فقيل: من الطلاق، فإنّه لو قال: أنتِ طالق مع طلقة أو فوق طلقة، وقعت طلقتان.

و قيل: مُخرَّج ممّا لو قال: له علَيَّ درهم قبل درهم، فإنّه يلزمه درهمان على ما يأتي.

و فرّقوا بينه و بين الطلاق؛ لأنّ لفظه الصريح موقع، فإذا أنشأه عمل عليه، و الإقرار إخبارٌ عن سابقٍ، فإذا كان فيه احتمال رُوجع حتى يتبيّن المراد(3).

الثاني: قال بعض الشافعيّة: إن قال: درهم معه درهم، أو: فوقه درهم، لزمه اثنان؛ لرجوع الكناية إلى الأوّل الذي لزمه(4).

و لو قال: درهم عليه درهم، أو: على درهمٍ، فهو كما لو قال: فوقه درهم، أو: فوق درهمٍ.

و لو قال: علَيَّ درهم قبل درهمٍ، أو: قبله درهم، أو: بعده درهم، روى المزني عن الشافعي أنّه يلزمه درهمان، بخلاف الصورة4.

ص: 356


1- العزيز شرح الوجيز 322:5، روضة الطالبين 39:4.
2- ما بين المعقوفين يقتضيه السياق.
3- العزيز شرح الوجيز 322:5.
4- العزيز شرح الوجيز 323:5، روضة الطالبين 39:4.

السابقة. و الفرق: إنّ الفوقيّة و التحتيّة ترجعان إلى المكان فيتّصف بهما نفس الدرهم، و القبليّة و البعديّة ترجعان إلى الزمان، و لا يتّصف بهما نفس الدرهم، فلا بدّ من أن يرجع إليه التقدّم و التأخّر، و ليس ذلك إلّا الوجوب عليه(1).

و فيه قولٌ آخَر للشافعيّة: إنّه لا يلزمه إلّا درهم؛ لأنّ القبليّة و البعديّة كما يكونان بالزمان يكونان بالرتبة و غيرها. ثمّ هَبْ أنّهما زمانيّان فإنّ نفس الدرهم لا يتّصف بهما، لكن يجوز رجوعهما إلى غير الواجب(2) بأن يريد:

درهم مضروب قبل درهمٍ، و ما أشبهه. سلّمنا أنّهما راجعان إلى الواجب(3)، لكن يجوز أن يريد: لزيدٍ درهم قبل وجوب درهمٍ لعمرو(2).

و فيه نظر؛ إذ لو سُمع مثل هذه الاحتمالات لسُمع في مثل «له عندي درهم و درهم» مع اتّفاقهم على لزوم درهمين.

و في المسألة وجهٌ آخَر أنّه إن قال: «قبله أو بعده درهم» لزمه درهمان، و إن قال: «قبل درهم أو بعد درهم» لم يلزمه إلّا درهم؛ لاحتمال أن يريد «قبل لزوم درهمٍ، أو: بعد درهمٍ كان لازماً»(3).

و قال أصحاب الرأي: إذا قال: فوق درهم، لزمه درهمان، و إذا قال:

تحت درهمٍ، لزمه واحد؛ لأنّ «فوق» تقتضي في الظاهر الزيادة، و قوله:4.

ص: 357


1- مختصر المزني: 113، بحر المذهب 278:8-279، حلية العلماء 345:8، العزيز شرح الوجيز 323:5، روضة الطالبين 39:4. (2 و 3) في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «الوجوب» بدل «الواجب». و المثبت من «العزيز شرح الوجيز».
2- حلية العلماء 245:8، العزيز شرح الوجيز 323:5، روضة الطالبين 39:4.
3- العزيز شرح الوجيز 323:5، روضة الطالبين 39:4.

«تحت» يقتضي [أنّ] ذلك درهم(1).

و كذا البحث لو قال: له علَيَّ درهم مع دينار، لزمه الدرهم لا غير عندنا، و به قال الشافعي(2).

و لو قال: له علَيَّ دينار قبله قفيز حنطة، كان عليه دينار لا غير، و لم يكن عليه القفيز، و هذا قولٌ آخَر للشافعيّة(3).

و اختلفوا، فمنهم مَنْ قال: في المسائل كلّها يلزمه درهمان؛ لأنّ قوله:

«فوق» و «تحت» و «قبله» و «معه» يجري مجرى العطف؛ لأنّ ذلك يقبل ضمّ درهمٍ آخَر إليه.

و منهم مَنْ قال: يلزمه درهم واحد.

و منهم مَنْ قال: إذا قال: «فوق» أو «تحت» أو «مع» لزمه واحد، و إذا قال:

«قبل» و «بعد» لزمه درهمان. و فرّقوا بأنّ «قبل» و «بعد» لا يحتمل إلّا التاريخ، فصار أحد الدرهمين مضموماً إلى الآخَر في الإقرار، و «فوق» و «تحت» تُحمل على الجودة و الرداءة، و «مع» تُحمل [على](4) «مع درهمٍ لي»(5).

و أمّا أحمد فإنّه ذهب إلى أنّه يلزمه درهمان في جميع الصُّور(6).

مسألة 928: إذا قال: له علَيَّ، أو: عندي درهم فدرهم،

إن أراد

ص: 358


1- مختصر اختلاف العلماء 1914/215:4، بحر المذهب 278:8، حلية العلماء 346:8، البيان 418:13، العزيز شرح الوجيز 323:5، المغني 298:5، الشرح الكبير 350:5.
2- مختصر المزني: 113، الحاوي الكبير 56:7.
3- الأُم 221:6، بحر المذهب 279:8.
4- ما بين المعقوفين يقتضيه السياق.
5- بحر المذهب 279:8، حلية العلماء 346:8، البيان 419:13.
6- العزيز شرح الوجيز 323:5، و انظر المغني 298:5، و الشرح الكبير 349:5.

العطف لزمه درهمان، و إن لم يرد العطف لم يلزمه إلّا درهم واحد، و به قال الشافعي(1) ، مع أنّه نصّ على أنّه إذا قال: أنتِ طالق فطالق، أنّه تقع طلقتان(2).

و نقل ابن خيران الجواب من كلّ واحدةٍ منهما إلى الأُخرى، و جَعَلهما على قولين للشافعي:

أحدهما: إنّه يلزمه درهمان، و تقع طلقتان؛ لأنّ الفاء حرف عطفٍ كالواو، و «ثمّ».

و الثاني: إنّه لا يلزمه إلّا واحد، و لا تقع إلّا طلقة؛ لأنّ الفاء قد تُستعمل لغير العطف، فيؤخذ باليقين(3).

و ذهب الأكثر إلى تقرير النصّين، و فرّقوا بوجهين:

أحدهما: إنّه يحتمل في الإقرار أن يريد: فدرهم لازم، أو: فدرهم أجود منه، و مثل هذا لا ينقدح في الطلاق.

و الثاني: إنّ الطلاق إنشاء، و الإقرار إخبار، و الإنشاء أقوى و أسرع نفوذاً، و لهذا لو أقرّ اليوم بدرهمٍ و غداً بدرهمٍ، لا يلزمه إلّا درهم، و لو تلفّظ اليوم بالطلاق ثمّ تلفّظ به غداً، وقعت طلقتان(4).4.

ص: 359


1- الحاوي الكبير 55:7، بحر المذهب 277:8، البيان 417:13، العزيز شرح الوجيز 323:5، روضة الطالبين 39:4-40.
2- الحاوي الكبير 55:7، بحر المذهب 277:8، البيان 417:13، العزيز شرح الوجيز 323:5، روضة الطالبين 40:4.
3- بحر المذهب 277:8، البيان 417:13-418، العزيز شرح الوجيز 323:5، روضة الطالبين 40:4.
4- بحر المذهب 277:8، البيان 418:13، العزيز شرح الوجيز 324:5، روضة الطالبين 40:4.

و قال أصحاب الرأي و أحمد: إنّه يلزمه درهمان؛ لأنّ الفاء من حروف العطف، كالواو(1).

و التحقيق عندي أنّه إن أراد العطف لزمه اثنان؛ لأنّ المعطوف يغاير المعطوف عليه، و إن لم يرد العطف لم يلزمه الاثنان قطعاً، حيث لم يقصد التعدّد، و لا وجه للاختلاف، و إن أطلق حُمل على ما يفسّره.

و ينبغي أن يكون موضع الخلاف الإطلاقَ؛ لأنّه يحتمل كلّ واحدٍ منهما، لكنّ الحقيقة العطف أو لا؟ إن قلنا: العطف، لزمه المتعدّد، و إلّا فلا.

و نقل عن الشافعي أنّه يلزمه درهمان؛ لأنّه إذا قال: له علَيَّ درهم و درهم، لزمه درهمان(2).

و لا يمتنع فيه مثل التقديرات المذكورة في الفاء.

و لو قال: له علَيَّ درهم فقفيز حنطة، فما الذي يلزمه ؟

قيل: درهم لا غير؛ لاحتمال إرادة قفيز حنطة خير منه(3).

و قيل: الدرهم و القفيز(4).

و لو قال: بعتك بدرهم فدرهم، يكون بائعاً بدرهمين؛ لأنّه إنشاء.

مسألة 929: لو قال: له علَيَّ درهم بل درهم، لم يلزمه إلّا درهم واحد؛
اشارة

لجواز أن يقصد الاستدراك لزيادة، فتذكّر أنّه لا حاجة إليه و لا زيادة عليه، فلم يستدرك فيعيد الأوّل.

ص: 360


1- المبسوط - للسرخسي - 8:18، المغني 296:5، الشرح الكبير 350:5، حلية العلماء 345:8، العزيز شرح الوجيز 324:5.
2- العزيز شرح الوجيز 324:5.
3- الحاوي الكبير 58:5، التهذيب - للبغوي - 250:4، العزيز شرح الوجيز 324:5، روضة الطالبين 40:4.
4- الحاوي الكبير 58:5، التهذيب - للبغوي - 250:4، العزيز شرح الوجيز 324:5، روضة الطالبين 40:4.

و لو قال: له درهم لا بل درهم، أو: لا درهم(1) ، فكذلك.

و لو قال: له علَيَّ درهم لا بل درهمان، أو: قفيز حنطة لا بل قفيزان، لم يلزمه إلّا درهمان، و إلّا قفيزان؛ لأنّ «بل» للاستدراك؛ و لا يمكن أن يكون المقصود هاهنا نفي المذكور أوّلاً؛ لاشتمال الدرهمين و القفيزين على الدرهم و على القفيز، فلم يبق المقصود إلّا الاقتصار على الواحد و إثبات الزيادة عليه.

و قال زفر و داوُد: يلزمه ثلاثة أقفزة و ثلاثة دراهم؛ لأنّه أقرّ بقفيز ثمّ نفاه ثمّ أثبت قفيزين، و مَنْ أقرّ بشيء ثمّ نفاه لم يُقبل رجوعه، فلزمه القفيز الذي نفاه و القفيزان اللّذان أقرّ بهما أيضاً، كما لو قال: قفيز حنطة لا بل قفيزا شعير(2).

و الحقّ أنّه يلزمه القفيزان؛ لأنّ قوله: «لا بل قفيزان» ليس نفياً للقفيز، بل نفياً للاقتصار على واحدٍ و إثبات الزيادة عليه، و هذا بمنزلة ما إذا قال: له قفيز لا بل أكثر، فإنّه يلزمه أكثر من قفيز، و لا يطالب بأكثر من قفيزين، و لا يجوز أن يكون نفياً؛ لأنّ القفيزين اللّذين أقرّ بهما يشتملان على القفيز.

و يخالف هذا [ما] إذا قال: له علَيَّ قفيزا حنطة لا بل قفيزا شعير؛ لأنّه نفى الإقرار الأوّل حيث لم يدخل في الإقرار الثاني، و في صورة النزاع دخل الأوّل في الثاني، فافترقا.

و قد أورد بعض الشافعيّة إشكالاً، و هو: ما إذا قال: أنتِ طالق طلقة5.

ص: 361


1- كذا قوله: «أو: لا درهم». و الظاهر: «أو: لكن درهم».
2- بحر المذهب 279:8، حلية العلماء 346:8، البيان 419:13، المغني 297:5، الشرح الكبير 351:5.

بل طلقتين، فإنّه يقع الثلاث(1).

تنبيه: هذا الخلاف إنّما هو مفروض فيما إذا أرسل المُقرّ به و لم يعيّنه،

أمّا لو قال: له عندي هذا القفيز بل هذا القفيز، أو: بل هذان القفيزان، أو:

هذا الدرهم بل هذان الدرهمان، فإنّه يلزمه الثلاث قطعاً؛ لأنّ القفيز المعيّن لا يدخل في القفيزين المعيّنين.

و كذا لو اختلف جنس الأوّل و الثاني، لزماه معاً مع الإرسال أيضاً، كما لو قال: له علَيَّ درهم بل دينار، أو: بل ديناران، أو: قفيز حنطة بل قفيز شعير، أو: قفيزا شعير؛ لعدم دخول الأوّل في الثاني، فهو راجع عن الأوّل مثبت للثاني، و الرجوع غير مقبولٍ، فالذي أقرّ به ثانياً يلزمه.

و لو دخل الأوّل في الثاني، لزمه الزائد، فلو قال: له علَيَّ هذا القفيز بل هذا القفيز و هذا الآخَر، فإنّه يلزمه القفيزان معاً؛ لأنّه ضمّ المُقرّ به أوّلاً إلى المُقرّ به ثانياً و أقرّ بهما معاً، فلزماه معاً، و لا يلزمه هنا ثلاثة قطعاً.

فروع:
أ - لو قال: له درهمان بل درهم، أو: له علَيَّ عشرة لا بل تسعة، لزمه الدرهمان و العشرة لا الأقلّ؛

لأنّ الرجوع عن الأكثر لا يُقبل إلّا في الاستثناء، و يدخل الأقلّ فيه، و يخالف ما إذا قال: له علَيَّ درهم لا بل درهمان؛ لأنّه أضرب عن الاقتصار، و أدخله في إقراره الثاني، و يخالف ما إذا قال: درهم لا بل قفيز، فإنّه يلزمه الجميع؛ لأنّ أحدهما لا يدخل في الآخَر، و هنا التسعة داخلة في العشرة، و يخالف الاستثناء؛ لأنّه ليس بإضرابٍ، بل «عشرة إلّا درهماً» عبارة عن تسعة، فافترقا.

ص: 362


1- العزيز شرح الوجيز 324:5.
ب - لو قال: له علَيَّ درهم بل درهمان بل ثلاثة، لزمه ثلاثة لا غير.

و لو قال: له دينار بل ديناران بل قفيز بل قفيزان، لزمه ديناران و قفيزان.

ج - لو قال: له علَيَّ دينار و ديناران بل قفيز و قفيزان، لزمه ثلاثة دنانير و ثلاثة أقفزة.

و على هذا القياس.

البحث السابع: في تغاير الزمان.
مسألة 930: إذا قال في يوم السبت: لزيدٍ علَيَّ ألف، ثمّ أقرّ له يوم الأحد بألف، لم يلزمه إلّا ألف واحد.

و الأصل فيه أنّ تكرير الإقرار تكرير للإخبار، و لا يلزم من تكرير الخبر تكرير المُخبَر عنه، فقد يُخبر عن الشيء الواحد أشخاص متعدّدة بإخبارات متعدّدة أو مُخبر واحد بإخبارات كثيرة، و لهذا يحتمل فيه الإبهام، و لو كان إنشاءً لما احتُمل، فتعدّد الخبر لا يقتضي تعدّد المُخبَر عنه فيجمع، إلّا إذا عرض ما يمنع الجمع و التنزيل على واحدٍ فحينئذٍ يُحكم بالمغايرة، أمّا مع عدم المانع من الجمع فإنّه يجمع، و يكون الخبران عبارتين عن مُخبرٍ واحد؛ لأصالة البراءة. و أمّا لو اعترف بأنّ الإقرار الثاني عبارة عن شيء مغاير لما أقرّ به أوّلاً، فإنّه يُحكم بالتعدّد.

و بهذا قال مالك و الشافعي و أبو يوسف و محمّد و أحمد؛ لأنّ الإقرار إخبار على ما بيّنّاه، فإذا أقرّ ثمّ أقرّ بذلك، احتُمل أن يكون الثاني هو الأوّل و أن يكون غيره، فكان المرجع إليه، و لا يلزمه بالشكّ(1).

ص: 363


1- الإشراف على نكت مسائل الخلاف 1054/619:2، عيون المجالس 1208/1714:4، الحاوي الكبير 59:7، المهذّب - للشيرازي - 349:2، بحر المذهب 282:8، الوجيز 199:1-200، الوسيط 343:3، حلية العلماء 344:8، التهذيب - للبغوي - 248:4، البيان 416:13-417، العزيز شرح الوجيز 325:5، روضة الطالبين 40:4، المبسوط - للسرخسي - 9:18-10، مختصر اختلاف العلماء 1912/413:4، المغني 295:5.

و قال أبو حنيفة: يلزمه درهمان(1).

و اختلف أصحابه، منهم مَنْ قال: لا فرق بين المجلس الواحد و المجلسين. و منهم مَنْ فرّق بين المجلسين و المجلس الواحد(2) ، إلّا أنّهم لا يختلفون أنّه إذا قال: «درهم درهم» موصولاً أنّه يكون درهماً واحداً(3).

و كذلك إذا سمع شاهدان إقراره بألف ثمّ رفع إلى الحاكم فأقرّ بألفٍ، فقال المدّعي: لي بيّنة بإقراره بألف و هي أُخرى، و قال المُقرّ: هي واحدة، لم تُسمع البيّنة.

و كذلك إذا أقرّ بما في كتابٍ عند جماعة فهو إقرار؛ لأنّه إذا أقرّ ثمّ أقرّ و لم يعرّف الأوّل بالألف و اللام فالظاهر أنّه إقرارٌ آخَر، فلزمه ذلك.

و هذا يبطل بما إذا وصل كلامه، و بما إذا أقرّ به عند الحاكم، و لأنّ التعريف إنّما يكون عند مَنْ له عهد به و قد يقرّ عند مَنْ لم يسمع الأوّل، و قد يترك التعريف، و لا يمنع ذلك صحّة كلامه، فلم يكن تركه التعريفَ يوجب عليه مالاً آخَر.

و اعلم أنّه لا فرق عندنا بين أن يكون الإقراران في مجلسٍ واحد أو مجلسين فما زاد، و سواء كتب به صكّاً و أشهد عليه شهوداً، أو على3.

ص: 364


1- كان الأولى التمثيل بالألفين، أو التمثيل بالدرهم في عنوان المسألة.
2- المبسوط - للسرخسي - 9:18، مختصر اختلاف العلماء 1912/213:4، فتاوى قاضيخان - بهامش الفتاوى الهنديّة - 139:3 و 140، الحاوي الكبير 59:7، بحر المذهب 282:8، حلية العلماء 344:8، التهذيب - للبغوي - 248:4، البيان 417:13، العزيز شرح الوجيز 325:5، المغني 295:5، الإشراف على نكت مسائل الخلاف 1054/620:2، عيون المجالس 1208/1715:4.
3- فتاوى قاضيخان - بهامش الفتاوى الهنديّة - 135:3.

التعاقب بأن كتب صكّاً بألف و أشهد عليه ثمّ كتب صكّاً آخَر بألف و أشهد عليه، خلافاً لأبي حنيفة فيما إذا كتب صكّين و أشهد عليهما، أو فيما إذا أقرّ في مجلسين(1).

و من أصحابه مَنْ لا يفرّق بين المجلس و المجلسين(2).

مسألة 931: لو أقرّ بإقرارين مختلفين بالعدد في مجلسٍ واحد أو في مجلسين، دخل الأقلّ في الأكثر،

سواء تقدّم الأقلّ أو تأخّر، فلو أقرّ في أحد اليومين بألف و في الآخَر بخمسمائة، لزمه الألف خاصّةً، و دخل الإقرار بالخمسمائة تحت الإقرار بالألف عندنا و عند الشافعي(1).

و لو أقرّ مرّةً بالعربيّة و أُخرى بالعجميّة، لم يلزمه إلّا واحد، و لا اعتبار باختلاف اللغات و العبارات، فقد يعبّر عن الشيء الواحد و يخبر عن المُخبَر الواحد بإخبارات متعدّدة و ألفاظ مختلفة، و المخبر عنه واحد في نفسه غير متعدّدٍ.

مسألة 932: لو لم يمكن الجمع بين الإقرارين في عينٍ واحدة و مُخبَر عنه واحد، تعدّد الحقّ و تغاير،

كما لو أضاف إلى شيئين مختلفين، فقال يوم السبت: له علَيَّ ألف من ثمن عبدٍ، ثمّ قال يوم الأحد: له علَيَّ ألف من ثمن جاريةٍ، أو وصف كلّ واحدٍ من المُقرّ به بوصفٍ مخالفٍ مضادٍّ للوصف الآخَر، كما إذا قال يوم السبت: له علَيَّ ألف من صحاح الدراهم، و قال يوم الأحد: له علَيَّ ألف درهم من مكسّر الدراهم، لزمه الألفان في الصورتين معاً؛ لتغاير ثمن العبد و ثمن الجارية، و صحيح الدراهم و مكسّرها.

ص: 365


1- التهذيب - للبغوي - 248:4، العزيز شرح الوجيز 325:5، روضة الطالبين 40:4.

و كذا يتعدّد لو قال: قبضتُ منه يوم السبت ألف درهم، ثمّ قال:

قبضتُ منه يوم الأحد ألف درهم، لزمه الألفان؛ لتغاير القبضين، و يلزم منه تغاير المقبوضين؛ إذ لا يمكن تعدّد القبض في الشيء الواحد، إلّا مع الدفع إلى المُقرّ له، و لكن ذلك دعوى غير مسموعة إلّا بالبيّنة.

و لو قال: طلّقتُها يوم السبت طلقة، ثمّ قال: طلّقتُها يوم الأحد طلقة، حُكم عليه بوقوع طلقتين.

و لو قال يوم السبت: طلّقتُها طلقة، و قال يوم الأحد: طلّقتُها طلقة، لم يلزمه إلّا طلقة.

و كذا لو قال: يوم السبت طلّقتُها طلقة، ثمّ قال: و يوم الأحد تطليقتين، لم يلزمه إلّا طلقتان.

أمّا لو وصف الدراهم بصفةٍ في أحد الإقرارين و أطلق في الآخَر، أو أضاف أحد الإقرارين إلى سببٍ و أطلق في الآخَر، نُزّل المطلق على المضاف، و لم يجب التعدّد؛ لإمكان الجمع، و الأصل براءة الذمّة.

و كذا لو قامت البيّنة على إقرارين بتأريخين، يُجمع بينهما؛ لأنّ تكرير الإشهاد و تكرير الصكّ لا تأثير له، لأنّ الحجّة على الإقرارين لا تفيد إلّا ثبوت الإقرارين، و قد تقدّم(1) أنّ تعدّد الإقرار لا يوجب تعدّد المُقرّ به.

مسألة 933: لو شهد شاهد على أنّه أقرّ يوم السبت بألفٍ أو بغصب ثوبٍ،

و شهد شاهدٌ آخَر على أنّه أقرّ يوم الأحد بألفٍ أو بغصب ذلك الثوب، ثبت الألف و الغصب بتلفيق الشهادتين؛ لأنّ الإقرار لا يوجب حقّاً بنفسه، و إنّما هو إخبار عن شيء سابق، فيُنظر إلى المُخبَر عنه و إلى اتّفاقهما

ص: 366


1- في ص 363، المسألة 930.

على الإخبار عنه.

و كذا لو شهد أحدهما على إقراره بألفٍ بالعربيّة، و الآخَر على إقراره بالفارسيّة.

و لو شهد أحدهما على الإدانة و الآخَر على الإقرار بها، لم يثبت الدَّيْن، سواء اتّفق الزمان أو اختلف. و كذا لو شهد أحدهما أنّه وكّل أو طلّق يوم السبت، و شهد الآخَر أنّه وكّل أو طلّق يوم الأحد، أو شهد أحدهما على أنّه وكّل أو طلّق يوم السبت، و الآخَر على أنّه أقرّ بالوكالة أو بالطلاق يوم السبت أو الأحد، لم يثبت بشهادتهما شيء؛ لأنّهما لم يتّفقا على شيء واحد، و ليس هو إخباراً حتى يُنظر إلى المقصود المُخبَر عنه.

و اعلم: أنّ بعض الشافعيّة لم يفرّق بين الإقرارين و الإنشاءين، فكما لا يُقبل إذا شهد أحدهما على إنشاء الطلاق أو الوكالة يوم السبت و شهد الآخَر على إنشائهما يوم الأحد، كذا لا يُقبل لو شهد أحدهما على أنّه أقرّ يوم السبت و شهد الآخَر على أنّه أقرّ يوم الأحد؛ لأنّ الشاهدَيْن لم يشهدا على شيء واحد، بل شهد هذا على إقرارٍ، و ذلك على إقرارٍ آخَر، و المقصود من اشتراط العدد في الشهادة زيادة التوثّق و الاستظهار، فإذا شهد كلّ واحدٍ على شيء لم يحصل هذا المقصود، فاتّجه(1) أن لا يُحكم بقولهما(2).

و بعض الشافعيّة أجرى الإنشاءات مجرى الإقرارات، فكما تُقبل شهادة أحدهما بالإقرار يوم السبت مع شهادة الآخَر بالإقرار يوم الأحد، تُقبل لو شهد أحدهما بإنشاء الطلاق - مثلاً - يوم السبت، و الآخَر بإنشائه4.

ص: 367


1- في الطبعة الحجريّة: «فالمتّجه».
2- انظر: الوسيط 344:3، و العزيز شرح الوجيز 326:5، و روضة الطالبين 41:4.

يوم الأحد(1).

و كلاهما غلط.

أمّا الأوّل: فلأنّ أحد الشاهدَيْن إذا شهد بالإقرار يوم السبت فقد شهد بثبوت حقٍّ في ذمّته، و إذا شهد الآخَر بالإقرار يوم الأحد فقد شهد بثبوت حقٍّ في ذمّته، فحصل الاتّفاق بينهما على شيء واحد، و الاجتماع لا يفيد زيادةً في هذا المشترك، و صار كما لو أطلقا الشهادة بالإقرار من غير تعيين الزمان، و لا يتأتّى هذا في الإنشاء؛ لأنّ مَنْ طلّق اليوم ثمّ طلّق غداً و المرأة رجعيّة فزعم أنّه أراد طلقة واحدة، لم يُقبل منه، خصوصاً عند مَنْ لا يشترط الرجعة، كالعامّة بأسرهم، فكيف يُجمع بين شهادة شاهدٍ على طلاق اليوم و شهادة آخَر على طلاق غدٍ!؟ و كذا باقي الإنشاءات و الأفعال، كالقتل و الغصب و غيرهما.

على أنّه لا تخلو هذه الشهادة في كثير من المواضع من التضادّ و التنافي؛ فإنّ شهادة قتل يوم السبت تنافي شهادة قتل يوم الأحد، بخلاف الإقرارين.

و أمّا الثاني: فلما مرّ من التغاير بين الإنشاءين.

و لو شهد أحدهما على أنّه قذفه يوم السبت، أو بالعربيّة، و الآخَر أنّه قذفه يوم الأحد، أو بالفارسيّة، لم يثبت بشهادتهما شيء.

و لو شهد أحدهما على إقراره بأنّه قذفه يوم السبت، أو بالعربيّة قذفه، و الثاني على إقراره بأنّه قذفه يوم الأحد، أو بالعجميّة قذفه، فلا يلفّق بين الشهادتين أيضاً؛ لأنّ المُقرّ به شيئان مختلفان.

مسألة 934: لو شهد أحدهما عليه بألفٍ من ثمن مبيعٍ،

و شهد الآخَر بألفٍ من قرضٍ، أو شهد أحدهما بألفٍ استقرضه يوم السبت، و الآخَر

ص: 368


1- انظر: الوسيط 344:3، و العزيز شرح الوجيز 326:5، و روضة الطالبين 41:4.

بألفٍ استقرضه يوم الأحد، لم يثبت بشهادتهما شيء، إلّا أنّ للمدّعي أن يعيّن أحدهما، و يستأنف الدعوى عليه، و يحلف مع الذي شهد به، و له أن يدّعيهما و يحلف مع كلّ واحدٍ من الشاهدَيْن.

و إن كانت الشهادتان على الإقرار بأن شهد أحدهما على أنّه أقرّ بألفٍ من ثمن مبيعٍ، و شهد الثاني على إقراره بألفٍ من قرضٍ، فالأقرب: إنّه لا تثبت الألف بهذه الشهادة، و هو أظهر وجهي الشافعيّة(1).

و بنوا الوجهين هنا على الوجهين فيما إذا ادّعى عليه ألفاً من ثمن مبيعٍ، فقال المدّعى عليه: لك علَيَّ ألف و لكن عن قرضٍ، فهل يحلّ للمدّعي أخذ الألف؛ لاتّفاقهما عليه، أو يحرم؛ لاختلافهما في الجهة ؟ إن قلنا(2): اختلاف الجهة يمنع الأخذ، لم تثبت الألف، و إلّا ثبتت(3).

و لو ادّعى ألفاً فشهد أحد الشاهدَيْن على أنّه ضمن ألفاً، و الثاني على أنّه ضمن خمسمائة، ففي ثبوت خمسمائة إشكال. و للشافعي قولان(4).

و هو أحد أقسام الإنشاءات، و قد سلف(5) البحث فيها.

و لو شهد أحد شاهدي المدّعى عليه أنّ المدّعي استوفى الدَّيْن، و الثاني على أنّه أبرأه، فلا تلفيق على الأقوى، و له أن يحلف مع أيّهما شاء.

و لو شهد الثاني على أنّه برئ إليه منه، احتُمل التلفيق؛ لأنّ إضافة البراءة إلى المديون عبارة عن إيفائه، و هو أحد وجهي الشافعيّة(6).4.

ص: 369


1- التهذيب - للبغوي - 344:8، العزيز شرح الوجيز 327:5، روضة الطالبين 42:4.
2- في الطبعة الحجريّة زيادة: «إنّ».
3- التهذيب - للبغوي - 344:8، العزيز شرح الوجيز 327:5.
4- العزيز شرح الوجيز 327:5، روضة الطالبين 42:4.
5- في الطبعة الحجريّة: «سبق» بدل «سلف».
6- العزيز شرح الوجيز 327:5، روضة الطالبين 42:4.
مسألة 935: لو ادّعى على رجلٍ ألفين، و شهد له شاهد بألفين، و شهد له آخَر بألف،

ثبتت الألف بشهادتهما؛ لاتّفاقهما عليها، و له أن يحلف مع الذي شهد بألفين، و يأخذهما معاً.

و كذا لو كانت الشهادتان على الإقرار.

هذا إذا لم يختلفا في الشهادة، أمّا لو اختلفا بأن أضاف كلٌّ منهما ما شهد به إلى سببٍ غير الآخَر، مثل: أن يقول أحدهما: من ثمن عبدٍ، و يقول الآخَر: من ثمن جاريةٍ، فإنّه لا تلفيق و لا اتّفاق، و لا تقوم البيّنة بأحدهما؛ لأنّهما مختلفان، و يحلف مع كلّ واحدٍ منهما، و يستحقّ ما شهد به.

و كذا لو اختلفا في صفتها، فقال أحدهما: من ضَرْب كذا، و الآخَر:

من ضرب آخَر، أو قال أحدهما: حالّة، و قال الآخَر: مؤجّلة، أو شهد أحدهما أنّه أقرّ عنده أنّها لزمته في شعبان، و شهد الآخَر أنّه أقرّ أنّها لزمته في شهر رمضان.

و أمّا إذا أضاف الشاهدان الشهادة إلى سببٍ واحد، فقال كلّ واحدٍ منهما: من ثمن عبدٍ، أو أطلقا و لم يضيفا إلى سببٍ، أو أطلق أحدهما و أضاف الآخَر، فإنّ في هذه المسائل الثلاثة تقوم البيّنة بألفٍ واحدة، و يحلف للأُخرى، و به قال الشافعي و مالك(1).

و قال أصحاب الرأي: لا يثبت شيء من ذلك؛ لأنّ الشهادتين اختلفتا

ص: 370


1- الحاوي الكبير 77:7، المهذّب - للشيرازي - 339:2، حلية العلماء 365:8-366، التهذيب - للبغوي - 343:8، العزيز شرح الوجيز 327:5، روضة الطالبين 42:4.

لفظاً و معنى، كما لو أضافا ذلك إلى سببين مختلفين(1).

و هو غلط؛ لأنّهما مالان من نوعٍ واحد غير مضافين إلى سببين مختلفين، فإذا شهد بهما اثنان ثبت الأقلّ منهما، كما لو شهد أحدهما بألفٍ و الآخَر بألفٍ و خمسمائة، فإنّ أبا حنيفة سلّم أنّه إذا شهد أحدهما بألفٍ و الآخَر بألفٍ و خمسمائة تثبت الألف(2).

و لو شهد أحدهما بعشرين و الآخَر بثلاثين، ثبتت العشرون بشهادتهما، كالألف و الألفين على إشكالٍ.

و يحتمل عدم الثبوت؛ لأنّ لفظ «الثلاثين» لا يشتمل على لفظ «العشرين» و لفظ «الألفين» يشتمل على لفظ(3) الألف، فربما سمع أحد الشاهدين الألف و غفل عن آخره.

و للشافعيّة وجهان(4).

مسألة 936: لو ادّعى ألفاً، فشهد له شاهد بألفٍ و آخَر بألفين، فالثاني قد شهد بالزيادة قبل أن يستشهد،

فيكون متبرّعاً تبطل شهادته بالزيادة خاصّةً.

ص: 371


1- الحاوي الكبير 77:7، حلية العلماء 366:8، التهذيب - للبغوي - 343:8، المغني 157:12، فتاوى قاضيخان - بهامش الفتاوى الهنديّة - 376:2، الفقه النافع 931/1170:3، الهداية - للمرغيناني - 126:3.
2- الهداية - للمرغيناني - 127:3، فتاوى قاضيخان - بهامش الفتاوى الهنديّة - 376:2، الفقه النافع 931/1170:3، التهذيب - للبغوي - 343:8، العزيز شرح الوجيز 327:5.
3- كلمة «لفظ» لم ترد في الطبعة الحجريّة.
4- التهذيب - للبغوي - 343:8، العزيز شرح الوجيز 327:5-328، روضة الطالبين 42:4.

و يحتمل بطلانها في الجميع؛ لأنّه متبرّع بهذه الشهادة، و هي شهادة واحدة و قد رُدّت، بخلاف ما لو قال: أشهد له بألفٍ و ألفٍ أُخرى، فإنّه تُردّ شهادته بالألف الأُخرى خاصّةً.

و على التقديرين لا يصير مجروحاً بهذه الزيادة، و هو أحد وجهي الشافعيّة. و الثاني: إنّه يصير مجروحاً. و إذا لم يصر مجروحاً عندهم، فالشهادة بالزيادة مردودة.

و في المدّعى قولان:

أحدهما: إنّها تُردّ؛ لأنّ الشهادة لا تتبعّض، فإذا رُدّت في البعض رُدّت مطلقاً.

و قال بعضهم: لا تُردّ، و تثبت الألف خاصّةً، و التبعيض مخصوص بما إذا اشتملت الشهادة على ما يقتضي الردّ، كما إذا شهد لنفسه و لغيره، و أمّا إذا زاد على المدّعى، فقوله في الزيادة ليس بشهادة، بل هو كما لو أتى بلفظ الشهادة في غير مجلس الحكم. و على تقدير قولهم بالجرح فإنّ المدّعي يحلف مع شاهد الألف و يأخذها(1).

و قال الجويني: إنّه على هذا الوجه إنّما يصير مجروحاً في الزيادة، فأمّا الألف المدّعاة فلا جرح في الشهادة عليه، لكن إذا رُدّت الشهادة في الزائد كانت الشهادة في المدّعى على قولَي التبعيض، فإن لم نبعّضها فلو أعاد الشهادة بالألف، قُبلت؛ لموافقتها الدعوى [و هل](2) يحتاج إلى إعادة».

ص: 372


1- التهذيب - للبغوي - 343:8، العزيز شرح الوجيز 328:5، روضة الطالبين 42:4.
2- بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «فهل». و الظاهر ما أثبتناه كما في «العزيز شرح الوجيز».

الدعوى ؟ قال: فيه وجهان، أظهرهما: المنع(1).

البحث الثامن: في لواحق هذا الفصل.
مسألة 937: المُقرّ به المجهول قد يمكن استعلامه من غير رجوعٍ إلى تفسير المُقرّ بأن يحيله على معرّفٍ. و فيه قسمان:

أحدهما: لو قال: له علَيَّ من الدراهم بقدر وزن هذه الصنجة، أو بالعدد المكتوب في كتاب كذا، أو بقدر ما باع به فلان عبده، أو بقدر ما في يدي من الدراهم، و ما أشبه ذلك، رجع إلى ما أحال عليه.

و الثاني: أن يذكر ما يمكن استخراجه بالحساب، و هو قسمان:

أ - ما اشتمل على العطف، مثل أن يقول: لزيدٍ علَيَّ مائة درهم و نصف ما لعمرو علَيَّ، و لعمرو علَيَّ مائة و نصف ما لزيدٍ، فطريق معرفته بالجبر و المقابلة أن تفرض ما لزيدٍ شيئاً، فتقول: لزيدٍ شيء و لعمرو مائة و نصف شيء؛ لأنّه نصف ما لزيدٍ، فلزيدٍ حينئذٍ مائة و خمسون و ربع شيء تعدل شيئاً، يسقط من الشيء ربع شيء مقابلة الربع، تبقى مائة و خمسون تعدل ثلاثة أرباع شيء، فالربع خمسون، و الشيء مائتان، فلزيدٍ عليه مائتان، و كذا لعمرو عليه مائتان.

و لو قال: لزيدٍ علَيَّ مائة و ثلث ما لعمرو، و لعمرو علَيَّ مائة و ثلث ما لزيدٍ، فلكلٍّ منهما عليه مائة و خمسون؛ لأنّ لزيدٍ شيئاً، و لعمرو مائة و ثلث شيء، فلزيدٍ مائة و ثلث مائةٍ و تُسْع شيء تعدل شيئاً، يسقط تُسْع شيء بمثله، تبقى مائة و ثلث مائة تعدل ثمانية أتساع شيء، فالشيء مائة

ص: 373


1- العزيز شرح الوجيز 328:5، روضة الطالبين 42:4.

و خمسون.

و لو قال: لزيدٍ علَيَّ مالٌ و نصف ما لعمرو، و لعمرو علَيَّ مالٌ و نصف ما لزيدٍ، فلكلٍّ من زيدٍ و عمروٍ عليه أربعة؛ لأنّ لزيدٍ شيئاً، و لعمرو مالٌ و نصف شيء، فلزيدٍ مالٌ و نصف مالٍ و ربع شيء يعدل شيئاً، يسقط ربع شيء بربع شيء، يبقى مالٌ و نصف مالٍ يعدل ثلاثة أرباع شيء، فالشيء مالان، و لكلّ مالٍ نصفٌ.

مسألة 938: لو قال: لزيدٍ علَيَّ عشرة و نصف ما لعمرو، و لعمرو علَيَّ عشرة و ثلث ما لزيدٍ، نفرض ما لزيدٍ شيئاً،

فلعمرو عشرة و ثلث شيء، فلزيدٍ خمسة عشر و سدس شيء تعدل شيئاً، يسقط السدس بمثله، تبقى خمسة عشر تعدل خمسة أسداس شيء، فالشيء ثمانية عشر هي ما لزيدٍ و لعمرو ستّة عشر.

و لو قال: لزيد ستّة و نصف ما لعمرو، و لعمرو اثنا عشر و نصف ما لزيدٍ، فلزيدٍ ستّة عشر، و لعمرو عشرون؛ لأنّا نفرض ما لزيد شيئاً، فلعمرو اثنا عشر و نصف شيء، و لزيدٍ اثنا عشر و ربع شيء يعدل شيئاً، يسقط ربع شيء بمثله، يبقى اثنا عشر يعدل ثلاثة أرباع شيء، فالشيء ستّة عشر، و لعمرو اثنا عشر و ثمانية هي نصف ما لزيدٍ، فلعمرو عشرون.

و لو قال: لزيدٍ ستّة و نصف ما لعمرو، و لعمرو اثنا عشر و ثلث ما لزيدٍ، فلزيدٍ أربعة عشر و خُمْسان، و لعمرو ستّة عشر و أربعة أخماس؛ لأنّا نفرض ما لزيدٍ شيئاً، فلعمرو اثنا عشر و ثلث شيء، فلزيدٍ اثنا عشر و سدس شيء يعدل شيئاً، يسقط سدس شيء من الشيء، يبقى اثنا عشر يعدل خمسة أسداس شيء، فالشيء أربعة عشر و خُمْسان، و لعمرو اثنا عشر و ثلث أربعة عشر و خُمْسان، و هو أربعة و أربعة أخماس، فيكمل لعمرو

ص: 374

ستّة عشر و أربعة أخماس.

ب: ما اشتمل على الاستثناء.

مسألة 939: إذا قال: لزيدٍ علَيَّ ستّة إلّا نصف ما لبكرٍ، و لبكرٍ ستّة إلّا نصف ما لزيدٍ، نفرض ما لزيدٍ شيئاً،

فلبكر ستّة إلّا نصف شيء، فلزيدٍ ستّة إلّا ثلاثة تعدل ثلاثة أرباع شيء؛ لأنّك تسقط الربع في مقابلة الربع المستثنى، فإذا جبرتَ و قابلْتَ، صارت ستّةً تعدل ثلاثةً و ثلاثة أرباع شيء، فإذا أسقطتَ ثلاثة بمثلها، بقي ثلاثة تعدل ثلاثة أرباع شيء، فالشيء أربعة، فلكلٍّ منهما أربعة.

و لو قال: لزيدٍ عشرة إلّا نصف ما لبكرٍ، و لبكرٍ عشرة إلّا ثلث ما لزيدٍ، فلزيدٍ شيء و لبكر عشرة إلّا ثلث شيء، فلزيدٍ عشرة إلّا خمسة تعدل خمسةَ أسداس شيء، فإذا جبرتَ و قابلْتَ، صارت عشرةً تعدل خمسةً و خمسة أسداس شيء، فإذا أسقطتَ خمسةً بمثلها، بقي خمسة تعدل خمسةَ أسداس شيء، فالشيء يعدل ستّةً، فهي لزيدٍ، و لبكرٍ ثمانية.

و لو قال: لزيدٍ عشرة إلّا ثلث ما لبكرٍ، و لبكرٍ خمسة عشر إلّا نصف ما لزيدٍ، فلزيدٍ شيء، و لبكرٍ خمسة عشر إلّا نصف شيء، فلزيدٍ عشرة و سدس شيء إلّا خمسة تعدل شيئاً، يسقط السدس بمثله، تبقى خمسة تعدل خمسة أسداس شيء، فالشيء يعدل ستّةً لزيدٍ، و لبكرٍ اثنا عشر.

و اعلم: أنّ الأقسام الممكنة في العطف منفرداً أو الاستثناء منفرداً ثمانية.

أمّا في العطف فأربعة:

أ: أن يتّفق المال فيهما و العطف فيهما.

ب: أن يتّفق المال فيهما و يختلف العطف فيهما.

ج: أن يختلف المال فيهما و يتّفق العطف فيهما.

ص: 375

د: أن يختلف المال فيهما و العطف فيهما.

و أمّا في الاستثناء فأربعة أيضاً:

أ: أن يتّفق المال فيهما و الاستثناء فيهما.

ب: أن يتّفق المال فيهما و يختلف الاستثناء فيهما.

ج: أن يختلف المال فيهما و يتّفق الاستثناء.

د: أن يختلف المال فيهما و الاستثناء فيهما.

و اعلم: أنّه قد يكون في أحدهما الاستثناء و في الآخَر العطف، كما إذا قال: لزيدٍ علَيَّ ألف و نصف ما لبكرٍ، و لبكرٍ علَيَّ ألف إلّا نصف ما لزيدٍ، فلزيدٍ ألف و مائتان، و لبكرٍ أربعمائة؛ لأنّا نجعل ما لزيدٍ شيئاً فلبكرٍ ألف إلّا نصف شيء، فلزيدٍ ألف و خمسمائة إلّا ربع شيء تعدل شيئاً كاملاً، فألف و خمسمائة كملاً تعدل شيئاً و ربع شيء، فالشيء ألف و مائتان هي لزيدٍ، و لبكرٍ ألف إلّا نصف ما لزيدٍ، و نصفه ستّمائة تبقى له أربعمائة.

و اعلم: أنّه إذا اجتمع العطف في أحدهما و الاستثناء في الآخَر، فقد يتّفق المال و قد يختلف، و مع الاتّفاق قد يتّفق العطف و الاستثناء و قد يختلف، و كذا مع الاختلاف. و على كلّ تقدير فقد يقع الاستثناء في الأوّل و العطف في الثاني، و بالعكس. فعليك باستخراج ذلك كلّه، فإنّه سهل بعد ما أعطيناك من القانون.

و اعلم: أنّه قد يزيد الإقرار على اثنين. و حكمه كما تقدّم.

فلو قال: لزيدٍ علَيَّ ستّون مثقالاً و نصف ما لعمروٍ - و التقدير على سبيل التسهيل أنّ المثقال يساوي ثلاثةً و عشرين درهماً، كما في زماننا - ثمّ قال: و لعمرو عندي ستّون و ثلث ما لبكرٍ، و لبكرٍ ستّون و ربع ما لزيدٍ، فلزيدٍ شيء، و لبكرٍ ستّون و ربع شيء، و لعمرو ثمانون مثقالاً و ثلث ربع

ص: 376

شيء، فلزيدٍ مائة و سدس ربع شيء تعدل شيئاً، يسقط سدس ربع شيء بسدس ربع شيء، تبقى مائة تعدل ثلاثة أرباع شيء و خمسة أسداس ربع شيء، فالشيء أربعة و عشرون، فمائة مثقال تعدل ثلاثة و عشرين جزءاً من أربعة و عشرين، فإذا بسطْتَ مائة مثقال على ثلاثة و عشرين جزءاً، كان نصيب الجزء أربعة مثاقيل و ثمانية دراهم.

مسألة 940: إذا قال: لزيدٍ علَيَّ ألف درهم إلّا نصف ما لبكرٍ، و لبكرٍ علَيَّ ألف إلّا ثلث ما لزيدٍ، فلمعرفة ذلك طُرق:

أ: أن نجعل لزيدٍ شيئاً و نقول: لبكرٍ ألف إلّا ثلث شيء، فنأخذ نصفه - و هو خمسمائة إلّا سدس شيء - و نسقطه من الألف، تبقى خمسمائة و سدس شيء، و ذلك يعدل شيئاً المفروض لزيدٍ؛ لأنّه جعل له ألفاً إلّا نصف ما لبكرٍ، فيسقط سدس شيء بسدس شيء، تبقى خمسة أسداس شيء في مقابلة خمسمائة، فيكون الشيء التامّ ستّمائة، و هو ما لزيدٍ، فإذا أخذتَ ثلثها مائتين و أسقطتَه من الألف، تبقى ثمانمائة، و هو ما أقرّ به لبكرٍ.

ب: أن نجعل لزيدٍ ثلاثة أشياء؛ لاستثنائه الثلث منه، و نسقط ثلثها من الألف المضاف إلى الاثنين، فيكون لهما ألف ناقص شيء، ثمّ نأخذ نصفه و هو خمسمائة ناقصة بنصف شيء، و تزيد على ما فرضناه لزيدٍ و هو ثلاثة أشياء، يكون خمسمائة و شيئين و نصف شيء، و ذلك يعدل ألف درهم، تسقط خمسمائة بخمسمائة، تبقى خمسمائة في مقابلة شيئين و نصف شيء، فيكون الشيء مائتين، و قد كان لزيدٍ ثلاثة أشياء، فهي إذَنْ ستّمائة.

ج: أن نقول: استثنى من أحد الإقرارين النصفَ و من الآخَر الثلثَ، فنضرب مخرج أحدهما في مخرج الآخَر يكون ستّةً، ثمّ ننظر في الجزء

ص: 377

المستثنى من الإقرارين، و كلاهما واحد، فنضرب واحداً في واحدٍ يكون واحداً ننقصه من الستّة تبقى خمسة، فنحفظها و نسمّيها المقسوم عليه، ثمّ نضرب ما يبقى من مخرج كلّ واحدٍ من الجزءين - بعد إسقاطه - في مخرج الثاني، و ذلك بأن نضرب ما يبقى من مخرج النصف بعد النصف - و هو واحد - في مخرج الثلث - و هو ثلاثة - تحصل ثلاثة نضربها في الألف المذكورة في الإقرار يكون ثلاثة آلاف نقسّمها على العدد المقسوم عليه - و هو خمسة - يخرج نصيب الواحد ستّمائة، فهي ما لزيدٍ، و نضرب ما يبقى من مخرج الثلث بعد الثلث - و هو اثنان - في مخرج النصف - و هو اثنان - يكون أربعةً نضربها في الألف يكون أربعة آلاف نقسّمها على الخمسة، يخرج من القسمة ثمانمائة، و هي ما لبكرٍ.

و لو قال: لزيد علَيَّ عشرة إلّا ثلثي ما لعمرو، و لعمرو عشرة إلّا ثلاثة أرباع ما لزيدٍ، نضرب المخرج في المخرج يحصل اثنا عشر، ثمّ نضرب أحد الجزءين في الثاني، و هو اثنان في ثلاثة، يكون ستّةً نسقطها من اثني عشر تبقى ستّة، ثمّ نضرب الباقي من مخرج الثلث بعد إخراج الثلثين - و هو واحد - في أربعة، يكون أربعةً نضربها في العشرة المذكورة في الإقرار يكون أربعين نقسّمها على الستّة يكون ستّةً و ثُلثين، و ذلك ما أقرّ به لزيدٍ. ثمّ نضرب واحداً و هو الباقي من مخرج الربع بعد إخراج الأرباع الثلاثة، يكون ثلاثةً نضربها في العشرة يكون ثلاثين نقسّمها على الستّة يكون خمسةً، و هي ما أقرّ به لعمرو.

و الطريقان الأوّلان يجريان في أمثال هذه الصُّور بأسرها.

و أمّا الطريق الثالث فإنّه لا يطّرد فيما إذا اختلف المبلغ المذكور في الإقرارين.

ص: 378

و إذا تكثّرت الإقرارات، احتاج إلى تطويلٍ ليس هذا موضعه، كما لو قال: لزيدٍ عشرة إلّا نصف ما لعمرو، و لعمرو عشرة إلّا ثلث ما لبكرٍ، و لبكرٍ عشرة إلّا ربع ما لزيدٍ.

و لو قال: لزيدٍ علَيَّ عشرة إلّا نصف ما لعمرو، و لعمرو ستّة إلّا ربع ما لزيدٍ، يكون مُقرّاً لزيدٍ بثمانية، و لعمرو بأربعة.

و لو قال: لزيدٍ علَيَّ عشرة إلّا نصف ما لعمرو، و لعمرو عشرة إلّا ربع ما لزيدٍ، يكون مُقرّاً لزيدٍ بخمسة و خمسة أسباع، و لعمرو بثمانية و أربع أسباع.

و قد يتصوّر صدور كلّ إقرارٍ من شخصٍ بأن يدّعي مالاً على زيدٍ و على عمرو، فيقول زيد: لك علَيَّ عشرة إلّا نصف ما لك على عمرو، و يقول عمرو: لك علَيَّ عشرة إلّا ثلث ما لك على زيدٍ. و طريق الحساب ما تقدّم.

مسألة 941: لو أقرّ لزيدٍ بجميع ما في يده أو بجميع ما ينسب إليه أو يعرف به، صحّ الإقرار،

فلو تنازع المُقرّ و المُقرّ له في شيء هل كان في يد المُقرّ وقت الإقرار أو لا؟ فالقول قول المُقرّ، و على المُقرّ له البيّنة؛ لأصالة الاستصحاب، و قضاء اليد بالملكيّة، و عدم سبق النسبة على الإقرار.

و لو قال: ليس لي ممّا في يدي سوى ألف، صحّ الإقرار، و عُمل بمقتضاه.

و لو قال: لا حقّ لي في شيء ممّا في يد فلان، ثمّ ادّعى شيئاً منه و قال: لم أعلم كونه في يده يوم الإقرار، صُدّق بيمينه.

و لو قال: لزيدٍ علَيَّ درهم أو دينار، لزمه أحدهما، و طُولب بالتعيين.

ص: 379

و قال بعض الشافعيّة: لا يلزمه شيء(1).

و هو خطأ.

و لو قال: علَيَّ ألف أو على زيد أو على عمرو، لم يلزمه شيء.

و كذا لو قال على سبيل الإقرار: أنتِ طالق أوّلاً. و إن ذكره في معرض الإنشاء طُلّقت، كما لو قال: أنتِ طالق طلاقاً لا يقع عليك.

و لو كان في يده عبد و جارية، فقال: أحد هذين لزيدٍ(2) ، صحّ الإقرار، و طُولب بالتعيين، فإن قال: له العبد، نظرتَ في(3) المُقرّ له، فإن صدّقه سلّم العبد إليه. و إن قال: لي الجارية دون العبد، كان القولُ قولَ المُقرّ مع يمينه في الجارية، و أمّا العبد فقد ردّ إقراره، و فيه وجهان:

أحدهما: يقرّ في يده.

و الثاني: ينزعه الحاكم، فيكون في يده.

مسألة 942: لو قال: غصبتُ هذا العبد من أحد هذين، صحّ هذا الإقرار

- و به قال الشافعي(4) - لأنّ الإقرار بالمجهول يصحّ، كذا يصحّ الإقرار لمجهولٍ.

ثمّ يُطالب بالبيان، فإن قال: لا أعرف عينه، فإن صدّقاه على ذلك انتُزع العبد من يده، و كانا خصمين فيه. و إن كذّباه و ادّعى كلّ واحدٍ منهما أنّه يعلم أنّه غصبه منه، كان القولُ قولَه مع يمينه؛ لأنّه أعلم بما يعلمه، فإذا حلف انتُزع منه، و كانا خصمين فيه. و إن نكل حلف المدّعي، و كان بمنزلة

ص: 380


1- العزيز شرح الوجيز 328:5، روضة الطالبين 43:4.
2- في الطبعة الحجريّة: «لفلان» بدل «لزيد».
3- الظاهر: «إلى» بدل «في».
4- الأُم 243:3، الحاوي الكبير 40:7، بحر المذهب 259:8، البيان 442:13، العزيز شرح الوجيز 342:5، روضة الطالبين 52:4.

الإقرار له.

إذا ثبت هذا، فإذا كانا خصمين فيه فليس لأحدهما عليه يد. فإن أقام أحدهما البيّنةَ، حُكم له به. و إن أقام كلّ واحدٍ منهما بيّنةً، تعارضت البيّنتان. و إن لم يكن لكلّ واحدٍ منهما بيّنةٌ، حلف كلّ واحدٍ منهما و قسّم، أو وقف حتى يصطلحا. و إن حلف أحدهما و نكل الآخَر، حُكم به للحالف.

هذا إذا لم يبيّن، فأمّا إذا بيّن فقال: هو لهذا، فإنّه يكون له، و لا يغرم للآخَر قولاً واحداً؛ لأنّه لم يقرّ به للآخَر، بخلاف قوله: هذا لزيدٍ لا بل لعمرو.

فإن قال الآخَر: احلفوه أنّه ليس لي، فإن قلنا: إنّه لو عاد و أقرّ(1) للآخَر لم يغرم له، لم نحلفه؛ لأنّه إذا نكل لم يلزمه شيء. و إن قلنا: يغرم، عرضنا عليه اليمين، فإن حلف سقطت الدعوى، و إن نكل حلف المدّعي و غرم.

مسألة 943: لو كان معه عشرة أعْبُد، فقال: هؤلاء العبيد لفلان إلّا واحداً، صحّ الاستثناء؛

لأنّ الإقرار بالمجهول صحيح، و كذا الاستثناء؛ لأنّ مقتضاه تجهيل المُقرّ به، و هو غير قادحٍ في الإقرار.

ثمّ يُطالَب بالبيان، فإن عيّن الاستثناء في واحدٍ، صحّ تعيينه، و كان القولُ قولَه، فإن عيّن الواحد الذي استثناه كان الباقي للمُقرّ له.

و لو عيّن ما للمُقرّ له جاز، و كان الواحد الفاضل له.

فإن خالفه المُقرّ له و قال: ليس هذا الذي استثنيتَه، كان القولُ قولَ المُقرّ مع يمينه؛ لأنّ ذلك البيان لإقراره، و هو أعلم بما أقرّ به و استثناه.

فإن هلك منها تسعة و بقي واحد، فالوجه: إنّه يُقبل لو عيّن الاستثناء

ص: 381


1- في الطبعة الحجريّة: «فأقرّ».

في الباقي - و هو أصحّ وجهي الشافعيّة(1) - لأنّ التفسير يعتبر وقت الإقرار، و تفسيره لا يرفع جميع (ما أقرّ به)(2) و إنّما تعذّر تسليم المُقرّ به إليهم لا لمعنى يرجع إلى التفسير، و جرى ذلك مجرى ما لو قال: هؤلاء العبيد لفلان إلّا غانماً، ثمّ مات الكلّ إلّا غانماً، كان غانم للمُقرّ، و لم يُبطل ذلك إقراره، كذا هنا.

و الثاني لهم: لا يُقبل منه أن يدّعي أنّه له؛ لأنّ تفسيره بذلك يؤدّي إلى أن لا يجعل للمُقرّ له شيئاً(3).

مسألة 944: إذا أقرّ بمالٍ لزيدٍ، لزمه، و كان مؤاخذاً بإقراره

- و هو المشهور من مذهب الشافعي(4) - عملاً بمقتضى الإقرار.

و قال بعض الشافعيّة: إنّه لا يلزمه حتّى يُسأل المُقرّ عن سبب اللزوم؛ لأنّ الأصل براءة الذمّة، و الإقرار ليس موجباً في نفسه، و أسباب الوجوب مختلف فيها بين العلماء، فربما توهّم ما ليس بموجبٍ موجباً، و هذا كما أنّ الجرح المطلق لا يُقبل، و كما لو أقرّ بأنّ فلاناً وارثه، لا يُقبل حتى يبيّن جهة الوراثة(5).

و لو قال: علَيَّ ألف درهم و إلّا لفلان علَيَّ ألف دينار، لزمه(4) [و](5)

ص: 382


1- التنبيه: 276، المهذّب - للشيرازي - 350:2، بحر المذهب 256:8، الوجيز 201:1، الوسيط 355:3، حلية العلماء 354:8، التهذيب - للبغوي - 243:4، البيان 430:13، العزيز شرح الوجيز 347:5، روضة الطالبين 56:4.
2- بدل ما بين القوسين في الطبعة الحجريّة: «المُقرّ به».
3- نفس المصادر في الهامش (1) ما عدا التهذيب. (4 و 5) العزيز شرح الوجيز 329:5، روضة الطالبين 43:4.
4- في روضة الطالبين 43:4 هكذا: «لزمه ألف درهم».
5- ما بين المعقوفين أضفناه للسياق.

هذا(1) للتأكيد.

و لو قال: وهبتُ منك كذا و خرجتُ منه إليك، لم يكن مُقرّاً بالقبض؛ لجواز أن يريد بالخروج منه الهبة.

و قال القفّال: إنّه يكون مُقرّاً بالقبض؛ لأنّه نسب إلى نفسه ما يشعر بالإقباض بعد العقد المفروغ عنه(2).

و لو قال: وهبتُه، ثمّ قال: لم أقبضه، سُمع منه ذلك، و كان دعوى ترك الإقباض مسموعةً؛ لأنّ الهبة لا تستلزم الإقباض، لكن لا تلزم إلّا به.

و كذا الرهن و الوقف و كلّ ما يشترط فيه القبض.

و لو قال: وهبتُه و ملّكته، ثمّ ادّعى نفي الإقباض، لم تُسمع منه؛ لأنّ الهبة إنّما تُملك بالقبض، إلّا أن يعتقد مذهب مالك، فتُسمع منه هذه الدعوى؛ لأنّه يعتقد الملكيّة بالهبة المجرّدة عن الإقباض(3).

مسألة 945: لو أقرّ الأب بعين ماله لولده، لم يكن له الرجوعُ في إقراره،

فإن رجع لم يُقبل منه؛ لأنّ الأصل بقاء الملك للمُقرّ له، و به قال بعض الشافعيّة(4).

و قال بعضهم: له الرجوع؛ لأنّه يمكن أن يكون مستند إقراره ما يمنع الرجوع، و يمكن أن يكون مستنده ما لا يمنع، كالهبة، فيثبت له الرجوع؛

ص: 383


1- أي الكلام الأخير.
2- العزيز شرح الوجيز 329:5، روضة الطالبين 43:4.
3- الإشراف على نكت مسائل الخلاف 1198/673:2، بداية المجتهد 329:2، التفريع 312:2، التلقين: 550، المعونة 1607:3، الإفصاح عن معاني الصحاح 49:2، بحر المذهب 295:8، البيان 97:8، العزيز شرح الوجيز 319:6، المغني 274:6، الشرح الكبير 276:6.
4- العزيز شرح الوجيز 329:5، روضة الطالبين 43:4.

تنزيلاً للإقرار على أضعف المِلْكين و أدنى السببين، كما يُنزّل على أقلّ المقدارين(1).

و قال آخَرون: إن أقرّ بانتقال الملك منه إلى الابن، فإنّه يثبت له الرجوع. و إن أقرّ بالملك المطلق، لم يكن له الرجوع(2).

و لو أقرّ في وثيقةٍ بأنّه لا دعوى له على فلان و لا طلبة بوجهٍ من الوجوه و لا سببٍ من الأسباب، ثمّ قال: إنّما أردت في عمامته أو في قميصه، لا في داره و بستانه، قال بعض الشافعيّة: إنّه يُقبل بمقتضى القياس؛ لأنّ غايته تخصيص عمومٍ(3). و هو محتمل.

و يشكل بما إذا قال: كلّ هذه الدراهم لزيدٍ، ثمّ قال: لم أُرِدْ هذا الدرهم منها.4.

ص: 384


1- العزيز شرح الوجيز 329:5، روضة الطالبين 43:4.
2- العزيز شرح الوجيز 329:5، روضة الطالبين 43:4-44.
3- العزيز شرح الوجيز 329:5، روضة الطالبين 44:4.

الفصل الرابع: في تعقيب الإقرار بما يرفعه

اشارة

و فيه بحثان:

البحث الأوّل: في الاستثناء.
مسألة 946: الاستثناء جائز في الإقرار و غيره

- و الأصل فيه قوله تعالى:«فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ * إِلاّ إِبْلِيسَ» (1) و قوله تعالى:

«فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلاّ خَمْسِينَ عاماً» (2) و هو كثير في القرآن و السنّة و لسان العرب - بشرط اتّصاله بالمستثنى منه و عدم استغراقه له، فإن سكت بعد الإقرار طويلاً أو شرع في كلامٍ أجنبيّ عمّا هو بصدده ثمّ استثنى، لم يصح.

و الرواية عن ابن عباس(3) متأوّلة، و كذا قوله عليه السلام: «إن شاء اللّه»(4).

و لو كان الاستثناء مستغرقاً بطل، فلو قال: له علَيَّ عشرة إلّا عشرة، كان الاستثناء لغواً، و تثبت العشرة؛ لبطلان الاستثناء في لغة العرب، و عدم انتظامه بين أرباب اللسان.

ص: 385


1- الحجر: 30 و 31، «ص»: 73 و 74.
2- العنكبوت: 14.
3- و هي تجويزه تأخير الاستثناء، راجع: المعتمد 242:1، و إحكام الفصول: 183، و المستصفى 165:2، و المنخول: 157، و المحصول في علم الأُصول 407:1، و الإحكام في أُصول الأحكام 495:2، و التحصيل من المحصول 373:1-374.
4- سنن أبي داوُد 3286/231:3، سنن البيهقي 47:10 و 48.

و الأصل فيه أنّه رجوع و إبطال لما أقرّ به أوّلاً بالكلّيّة، فكان باطلاً.

و قواعد الاستثناء خمس:

الأوّل: حكم الاستثناء و المستثنى منه متناقضان، فالاستثناء من النفي إثبات، و بالعكس.

الثاني: الاستثناء المتكرّر مع حرف العطف يعود إلى المستثنى منه.

و لو خلا عن حرف العطف، فإن زاد الثاني على الأوّل أو ساواه عادا معاً إلى المستثنى منه، كما في العطف، و إن نقص عنه كان الاستثناء الثاني عائداً إلى الاستثناء الأوّل، و الاستثناء الأوّل إلى المستثنى منه، و تناقضا.

الثالث: إذا ورد الاستثناء عقيب جُملٍ متعدّدة معطوف بعضها على البعض، فالأقوى: عود الاستثناء إلى الجملة الأخيرة إلّا مع القرينة.

الرابع: الاستثناء من الجنس جائز إجماعاً، و من غيره جائز على الأقوى.

الخامس: الاستثناء المستوعب و الزائد باطل إجماعاً، و أمّا الأقلّ فإنّه جائز، سواء زاد المستثنى على الباقي أو ساواه أو نقص عنه.

و قال ابن درستويه و أحمد بن حنبل: لا يجوز أن يستثنى إلّا الأقلّ من الباقي؛ لأنّه لم يوجد في كلام العرب إلّا ذلك، و اللغة توقيف، و لأنّ الاستثناء في الأصل استدراك لما غفل المتكلّم عنه، و لا يتأتّى ذلك إلّا في القليل، أمّا المساوي و الأزيد فتبعد الغفلة عنه و النسيان له(1).2.

ص: 386


1- المغني 302:5-303، الشرح الكبير 303:5، الحاوي الكبير 21:7، بحر المذهب 237:8، حلية العلماء 352:8، البيان 426:13، العزيز شرح الوجيز 343:5، الاستغناء في أحكام الاستثناء: 536، إحكام الفصول: 187، الإحكام في أُصول الأحكام 502:2.

و هو يبطل بقوله تعالى:«إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ إِلاّ مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغاوِينَ» (1) و هو يقتضي كون الغاوين أقلَّ على ما ذهبوا إليه.

و قال في موضعٍ آخَر:«لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلاّ عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ» (2) و ذلك يقتضي كون المخلصين أقلَّ، و هو تناقض.

و قال الشاعر:

أدّوا التي نقصت تسعين من مائةثمّ اطلبوا حكماً بالحقّ مقوالا(3)

و هذا استثناء للتسعين من المائة، أو هو في معنى الاستثناء.

مسألة 947: لا خلاف في أنّ الاستثناء من الإثبات نفي؛

لأنّ الاستثناء مشتقّ من الثني، و هو الصرف، و الصرف إنّما يكون من الإثبات إلى النفي، و بالعكس، و لأنّ الاستثناء في الحقيقة إخراج بعض ما تناوله اللفظ عن الحكم الثابت للمستثنى منه على وجهٍ لولاه لدخل فيه، و لا ريب أنَّ الحكم بالإثبات مخالف للأصل، و هو العدم في جميع الأشياء، فإذا أخرج بعض الجملة من الحكم الإثباتي، بقي على أصالة العدم، فكان نفياً.

و أمّا الاستثناء من النفي فهو إثبات عند المحقّقين؛ لأنّه إخراج من النفي، و لا خروج عن النقيضين، فيكون مثبتاً، و لأنّه لو لا ذلك لم يكن قولنا: «لا إله إلّا اللّه» توحيداً، و لما كان كافياً في الإسلام، و لا خلاف في الاكتفاء به؛ فإنّ النبيّ صلى الله عليه و آله كان إذا جاءه الأعرابي و تكلّم بهذه اللفظة و بالشهادة بالرسالة له عليه السلام حكم بتمام إسلامه، و لو لم يكن الاستثناء من

ص: 387


1- الحجر: 42.
2- الحجر: 39 و 40.
3- لم نهتد لقائله، و ورد البيت بتفاوت يسير في الاستغناء في أحكام الاستثناء: 538، و العُدّة في أُصول الفقه 671:2، و الحاوي الكبير 21:7، و المغني 302:5، و الشرح الكبير 303:5، و المبسوط - للطوسي - 8:3.

النفي إثباتاً لم يكن ذلك إثباتاً للّه تعالى.

و قال أبو حنيفة: الاستثناء من النفي ليس بإثباتٍ؛ لثبوت الواسطة بين الحكم بالثبوت و الحكم بالنفي، و هو نفي الحكم(1).

و ليس بصحيح؛ لما تقدّم.

مسألة 948: إذا قال: له علَيَّ عشرة إلّا تسعة، فقد بيّنّا أنّ الاستثناء يناقض المستثنى منه، و المناقض للثبوت عدم.

و لو قال: له علَيَّ عشرة إلّا واحداً، لزمه تسعة، و هو قول أكثر العامّة(2).

و قال مالك منهم: لا يصحّ استثناء الآحاد من العشرات و لا المئين من الأُلوف، و إنّما يصحّ استثناء الآحاد و العشرات من المئين و الأُلوف(3).

و نُقل عنه أيضاً أنّه لا يصحّ الاستثناء في الإقرار أصلاً(4).

و كلاهما باطل؛ لأنّه مخالف لمصطلح الفصحاء و لما ورد به الكتاب العزيز و السنّة المتواترة و استعمال أهل اللغة.

مسألة 949: لو قال: له علَيَّ عشرة إلّا تسعة إلّا ثمانية، فهو إقرار بتسعة،

و المعنى: إلّا تسعة لا تلزم إلّا ثمانية تلزم، فتلزم الثمانية و الواحد الباقي من العشرة، فإذا استثنى تسعةً من العشرة فقد نفى التسعة من العشرة المثبتة، فيبقى المثبت واحداً، فإذا استثنى من التسعة المسقَطة ثمانيةً، بقي الساقط واحداً لا غير، و على هذا.

و الطريق فيه و في نظائره أن يُجمع كلّ ما هو إثبات و كلّ ما هو نفي،

ص: 388


1- المحصول في علم الأُصول 411:1، الاستغناء في أحكام الاستثناء: 549، الإحكام في أُصول الأحكام 512:2، التحصيل من المحصول 377:1.
2- المهذّب - للشيرازي - 350:2، البيان 426:13، الشرح الكبير 305:5. (3 و 4) العزيز شرح الوجيز 343:5.

فيسقط المنفيّ من المثبت، فيكون الباقي هو الواجب، فالعشرة في الصورة المذكورة مثبتة و كذا الثمانية تجمعهما و تُسقط التسعةَ المنفيّة من المجموع، تبقى تسعة.

و لو قال: عشرة إلّا تسعة إلّا ثمانية إلّا سبعة، و هكذا إلى الواحد، فعليه خمسة؛ لأنّ الأعداد المثبتة ثلاثون، و المنفيّة خمسة و عشرون.

و طريق تمييز المثبتة من المنفيّة أن يُنظر إلى العدد المذكور أوّلاً، فإن كان زوجاً فالأوتار منفيّة و الأزواج مثبتة، و إن كان وتراً فبالعكس، و ذلك بشرط أن تكون الأعداد المذكورة على التوالي الطبيعي، أو يتلو كلّ شفعٍ منها وتراً، و بالعكس.

مسألة 950: لو قال: ليس لفلان علَيَّ شيء إلّا خمسة، لزمه خمسة.

و لو قال: ليس علَيَّ عشرة إلّا خمسة، لم يلزمه شيء عند الأكثر؛ لأنّ «عشرة إلّا خمسة» عبارة عن خمسة، فكأنّه قال: ليس له علَيَّ خمسة(1).

و للشافعيّة وجهٌ آخَر: إنّه يلزمه خمسة؛ بناءً على أنّ الاستثناء من النفي إثبات(2).

و التحقيق أن نقول: إنّ هذا القول صالح للأمرين؛ لأنّه إن قصد بالنفي سلبَ المركّب - و هو: عشرة إلّا خمسة - لم يلزمه شيء، و إن قصد سلبَ العشرة لا غير ثمّ قصد بالأنقص ذلك السلب في الخمسة، لزمه خمسة، فحينئذٍ يرجع إليه في البيان، و يُقبل تفسيره مع اليمين.

ص: 389


1- التهذيب - للبغوي - 241:4، العزيز شرح الوجيز 344:5، روضة الطالبين 54:4.
2- العزيز شرح الوجيز 344:5، روضة الطالبين 54:4.
مسألة 951: لو كرّر الاستثناء من غير عطفٍ و كان الثاني مستغرقاً، صحّ الأوّل، و بطل الثاني،

فلو(1) قال: له علَيَّ عشرة إلّا خمسة إلّا عشرة، بطل، و لزمه خمسة؛ عملاً بالاستثناء الأوّل لا غير.

و لو قال: له علَيَّ عشرة إلّا خمسة إلّا خمسة، بطل الاستثناء الثاني أيضاً؛ إذ لا يمكن عوده إلى المستثنى منه الأوّل، و إلّا لم يبق شيء؛ لخروج خمسةٍ بالاستثناء الأوّل و خمسةٍ بالثاني، و لا إلى الاستثناء السابق عليه؛ لأنّه مستوعب له، فوجب الحكم ببطلان الاستثناء الثاني، فيبقى(2) اللازم في ذمّته خمسة.

و لو كان الاستثناء الأوّل مستغرقاً، كما لو قال: له علَيَّ عشرة إلّا عشرة إلّا أربعة، فالأقرب: إنّه يلزمه أربعة، و يصحّ الاستثناءان معاً؛ لأنّ الكلام إنّما يتمّ بآخره، و آخره يُخرج الأوّلَ عن كونه مستغرقاً، و يصير كأنّه استثنى من أوّل الكلام ستّةً؛ لأنّ «عشرة إلّا أربعة» في تقدير «ستّة» فيصير قوله: «له علَيَّ عشرة إلّا عشرة إلّا أربعة» في تقدير «له علَيَّ عشرة إلّا ستّة» و هو أحد وجوه الشافعيّة(3).

و الثاني: إنّه يلزمه عشرة، و يبطل الاستثناء الأوّل؛ لاستغراقه، و الثاني؛ لبطلان المستثنى منه(4).

ص: 390


1- في «ث، خ» و الطبعة الحجريّة: «فإذا» بدل «فلو».
2- في «ج، ر»: «فيكون» بدل «فيبقى».
3- الحاوي الكبير 22:7، بحر المذهب 241:8، التهذيب - للبغوي - 241:4-242، العزيز شرح الوجيز 344:5، روضة الطالبين 54:4.
4- الحاوي الكبير 22:7، بحر المذهب 241:8، التهذيب - للبغوي - 241:4، العزيز شرح الوجيز 344:5، روضة الطالبين 54:4.

و هو غلط؛ إذ لا يمكن العدول إلى الهذريّة في الكلام مع إمكان الحمل على الصواب.

و الثالث لهم: إنّه يلزمه ستّة؛ لأنّ الاستثناء الأوّل باطل؛ لاستغراقه، فيكون وجوده كعدمه، و رجع الاستثناء إلى أوّل الكلام(1).

و لو قال: له علَيَّ عشرة إلّا عشرة إلّا خمسة، فعلى الوجه الثاني يلزمه عشرة، و على الآخَرين خمسة.

و لو قال: له علَيَّ عشرة إلّا ثلاثة إلّا ثلاثة، لزمه أربعة؛ لأنّ الأصل التأسيس لا التأكيد، و لا يمكن عود الثاني إلى الأوّل؛ لأنّه مستوعب، و لا إبطال أحدهما؛ إذ الأصل الإفادة، فيرجعان إلى المستثنى منه.

مسألة 952: إذا كرّر الاستثناء مع العطف، رجعا جميعاً إلى المستثنى منه، فإن استوعبا معاً بطل الثاني.

فلو قال: له علَيَّ عشرة إلّا خمسة و إلّا أربعة، لزمه واحد.

و كذا لو قال: له علَيَّ عشرة إلّا خمسة و أربعة، لزمه واحد، و كانا جميعاً مستثنيين من العشرة.

و لا فرق بين أن يكون الاستثناء الثاني أكثرَ من الأوّل أو أقلَّ أو مساوياً.

فإذا قال: له علَيَّ عشرة إلّا أربعة و إلّا أربعة، لزمه اثنان.

و لو قال: له علَيَّ عشرة إلّا أربعة و إلّا خمسة، لزمه واحد.

و لو قال: له علَيَّ عشرة إلّا سبعة و إلّا ثلاثة، لزمه العشرة؛ لأنّ الواو

ص: 391


1- الحاوي الكبير 22:7، بحر المذهب 241:8، التهذيب - للبغوي - 241:4-242، العزيز شرح الوجيز 344:5، روضة الطالبين 54:4.

تجمعهما و توجب الاستغراق، هذا عند بعض الشافعيّة(1).

و عند بعضهم ما اخترناه أوّلاً من بطلان الثاني خاصّةً؛ لأنّ الأوّل صحّ استثناؤه، و الثاني مثل العدد الباقي، فهو المستغرق(2).

و الأصحّ عندهم: الثاني؛ لأنّه إذا قال: له عندي عشرة إلّا سبعة، فقد بقي مُقرّاً بثلاثة، فإذا قال: و إلّا ثلاثة، أو قال: له علَيَّ عشرة إلّا سبعة و ثلاثة، كانت الثلاثة هي المستغرقة، فوقعت باطلةً(3).

و فرّق بعضهم بين قوله: عشرة إلّا سبعة و ثلاثة، و بين قوله: عشرة إلّا سبعة و إلّا ثلاثة، فقَطَع في الصورة الثانية بالبطلان؛ لأنّهما استثناءان مستقلّان(4).

مسألة 953: إذا كان في الاستثناء أو المستثنى منه عددان عطف أحدهما على الآخَر، ففي الجمع بينهما وجهان

- كما في الصورة السابقة - أصحّهما: عدم الجمع - و هو الأصحّ عند الشافعيّة، و نصّ عليه الشافعي(1) - لأنّ الواو العاطفة و إن اقتضت الجمع لكنّها لا تُخرج الكلام عن كونه ذا جملتين من جهة اللفظ، و الاستثناء يدور على اللفظ، مثلاً: لو قال: له علَيَّ درهمان و درهم إلّا درهماً، إن لم نجمع يلزمه ثلاثة؛ لأنّه استثنى درهماً من درهمٍ، و إن جمعنا لزمه درهمان، و كان الاستثناء من ثلاثة.

و لو قال: له علَيَّ ثلاثة إلّا درهمين و درهماً، إن لم نجمع لزمه درهم، و صحّ استثناء الدرهمين، و إن جمعنا لزمه ثلاثة، و كان الاستثناء مستغرقاً.

و لو قال: له ثلاثة إلّا درهماً و درهمين، فإن لم نجمع لزمه درهمان،

ص: 392


1- التهذيب - للبغوي - 242:4، العزيز شرح الوجيز 345:5، روضة الطالبين 54:4.

و إن جمعنا فثلاثة.

و لو قال: له درهم فدرهم و درهم إلّا درهماً و درهماً و درهماً، لزمه ثلاثة على الوجهين؛ لأنّا إن جمعنا، جمعنا في الطرفين: الاستثناء و المستثنى منه، و إن لم نجمع كان مستثنياً درهماً من درهمٍ.

مسألة 954: لو قال: له علَيَّ عشرة إلّا خمسة أو ستّة، قال بعض الشافعيّة: يلزمه أربعة؛

لأنّ الدرهم الزائد مشكوك فيه، فصار كما لو قال:

علَيَّ خمسة أو ستّة، لم يلزمه إلّا خمسة(1).

و الوجه: إنّه يلزمه خمسة؛ لأنّه حَكَم بإثبات العشرة في ذمّته، و استثنى خمسةً، و استثناء الدرهم الزائد مشكوك فيه، فيبقى الأصل على الثبوت.

و لو قال: له علَيَّ درهم غير دانق، فإن نصب «غيراً» كان استثناءً للدانق من الدرهم، و لزمه خمسة دوانيق، و إن لم ينصبه كان عليه درهم تامّ؛ لأنّ معناه: علَيَّ درهم لا دانق.

و حَكَم أكثر الشافعيّة بأنّه استثناء، سواء نصب أو رفع؛ لأنّ السابقَ إلى الفهم الاستثناء، فيُحمل عليه و إن أخطأ في الإعراب(2).

مسألة 955: الاستثناء حقيقة في الجنس، مجاز في غيره؛

لتبادر الأوّل إلى الفهم، دون الثاني، و لأنّ الاستثناء إخراج، و إنّما يتحقّق في الجنس، و في غيره يحتاج إلى تقديرٍ، و مع هذا إذا استثنى من غير الجنس، سُمع منه و قُبِل، و كان عليه ما بعد الاستثناء.

فإذا قال: له علَيَّ ألف درهم إلّا ثوباً، أو: إلّا عبداً، صحّ عند علمائنا

ص: 393


1- العزيز شرح الوجيز 345:5، روضة الطالبين 55:4.
2- العزيز شرح الوجيز 345:5، روضة الطالبين 55:4.

- و به قال الشافعي و مالك(1) - لوروده في القرآن العزيز:

قال اللّه تعالى:«فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ * إِلاّ إِبْلِيسَ» (2) استثناه من الملائكة، و لم يكن منهم؛ لقوله تعالى:«إِلاّ إِبْلِيسَ كانَ مِنَ الْجِنِّ» (3).

و قال تعالى:«لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً إِلاّ سَلاماً» (4) و «لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلاّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً» (5) و أمثال ذلك كثيرة.

و قال النابغة:

وقفت فيها أُصيلالاً أُسائلها أعيت جواباً و ما بالرَّبْع من أحد

إلّا الأواريّ لَأْياً ما أُبيّنها و النؤْي كالحوض بالمظلومة الجَلَد(6)

و قال الشاعر:

و بلدة ليس بها أنيسإلّا اليعافير و إلّا العيس(7)

و اليعافير: ذكور الظباء، و العيس: الجِمال. و الأواريّ: المعالف.2.

ص: 394


1- الحاوي الكبير 19:7، المهذّب - للشيرازي - 350:2، بحر المذهب 238:8، الوجيز 201:1، الوسيط 354:3، حلية العلماء 352:8، التهذيب - للبغوي - 242:4، البيان 428:13، العزيز شرح الوجيز 345:5، روضة الطالبين 55:4، الإشراف على نكت مسائل الخلاف 1048/616:2، التلقين: 448-449، الذخيرة 297:9-298، عيون المجالس 1203/1709:4، المعونة 1252:2، تحفة الفقهاء 199:3، بدائع الصنائع 210:7، الهداية - للمرغيناني - 184:3، المبسوط - للسرخسي - 87:18، المغني 277:5، الشرح الكبير 310:5.
2- الحجر: 30 و 31، «ص»: 73 و 74.
3- الكهف: 50.
4- مريم: 62.
5- النساء: 29.
6- ديوان النابغة الذبياني: 14-15.
7- ورد البيت في تهذيب اللغة 426:15، و الكتاب - لسيبويه - 322:2.

و قال أبو حنيفة: إن استثنى مكيلاً أو موزوناً جاز، و إن استثنى عبداً أو ثوباً من مكيلٍ أو موزونٍ لم يجز.

و بالجملة، لا يصحّ عنده الاستثناء من غير الجنس، إلّا في المكيل و الموزون و المعدود، فيستثنى بعضها من بعضٍ مع اختلاف الجنس(1).

و قال محمّد بن الحسن و زفر: لا يجوز الاستثناء من غير الجنس - مطلقاً - بحال - و به قال أحمد بن حنبل - لأنّ الاستثناء إخراج بعض ما تناوله اللفظ، و لم يتناول اللفظ إلّا جنسه، فلم يصح استثناؤه منه(2).

و المرجع في ذلك إلى اللغة، دون ما ذكروه.

و نمنع أنّ الاستثناء مطلقاً ما حدّوه، فقد قيل: معنى الاستثناء أن ينبئ خبراً بعد خبرٍ(3) ، و ذلك حاصل في غير الجنس.5.

ص: 395


1- تحفة الفقهاء 199:3، بدائع الصنائع 210:7، الهداية - للمرغيناني - 184:3، الاختيار لتعليل المختار 212:2، المبسوط - للسرخسي - 87:18، مختصر اختلاف العلماء 1913/214:4، الحاوي الكبير 19:7، بحر المذهب 237:8، الوسيط 354:3، حلية العلماء 353:8، التهذيب - للبغوي - 242:4، البيان 428:13، العزيز شرح الوجيز 345:5، الإشراف على نكت مسائل الخلاف 1048/616:2، عيون المجالس 1709:4-1203/1710، المعونة 1252:2، المغني 277:5، الشرح الكبير 310:5.
2- تحفة الفقهاء 199:3، بدائع الصنائع 210:7، الاختيار لتعليل المختار 212:2، المبسوط - للسرخسي - 87:18، الهداية - للمرغيناني - 184:3، مختصر اختلاف العلماء 1913/215:4، المغني 277:5، الشرح الكبير 310:5، الحاوي الكبير 19:7، بحر المذهب 237:8، حلية العلماء 353:8، التهذيب - للبغوي - 242:4، البيان 428:13، العزيز شرح الوجيز 346:5، الإشراف على نكت مسائل الخلاف 1048/616:2، عيون المجالس 1048/1710:4، المعونة 1252:2-1253.
3- انظر: التبصرة في أُصول الفقه: 165، و اللمع في أُصول الفقه: 95.
مسألة 956: إذا ثبت صحّة الاستثناء من غير الجنس كما إذا قال: له علَيَّ ألف درهم إلّا ثوباً،

أو: إلّا عبداً، و شبهه، وجب عليه أن يبيّن قيمة الثوب و العبد بما لا يستغرق، فإن فسّره بالمستغرق بطل التفسير، كما لو قال: له علَيَّ ألف درهم إلّا ثوباً و قيمته ألف درهم؛ لأنّه رجوع و نقض لما اعترف به أوّلاً.

و هل يبطل الاستثناء؟ إشكال ينشأ من أنّه بيّن ما أراد باللفظ، فكأنّه تلفّظ به، و لا ريب في أنّه لو قال: له علَيَّ ألف إلّا ألفاً، بطل الاستثناء، و كذا لو قال: له علَيَّ ألف إلّا ثوباً قيمته ألف، فكذا إذا استثنى الثوب ثمّ فسّره بالمستوعب، فيبطل الاستثناء، و يلزمه الألف، و من أنّه استثناء صحيح من جهة اللفظ، و إنّما الخلل فيما فسّر به اللفظ، فيقال له: هذا التفسير غير صحيحٍ، و يُطالب بتفسيرٍ صحيحٍ.

و للشافعيّة وجهان(1) كهذين، و الأوّل أصحّ عند الجويني(2).

مسألة 957: إذا قال: له علَيَّ ألف إلّا درهماً، فقد استثنى المعيّن من المبهم.

فإن قلنا بأنّ الاستثناء من غير الجنس باطل، اقتضى كون الألف دراهمَ؛ لصحّة الإقرار و الاستثناء، و إنّما يصحّان لو كانت الألف دراهمَ.

و إن قلنا بالجواز سواء كان الاستثناء من غير الجنس حقيقةً أو مجازاً، طُولب بتفسير الألف؛ لأنّ المجاز قد يراد خصوصاً في هذا الموضع، فإنّ التعيين يقتضي إثبات شيء في الذمّة بالإجمال، فإن فسّر الألف بما يساوي الدرهم أو يقلّ عنه، بطل التفسير؛ لاشتماله على الاستثناء المستوعب،

ص: 396


1- بحر المذهب 238:8، العزيز شرح الوجيز 346:5، روضة الطالبين 55:4.
2- الوسيط 355:3، الوجيز 201:1، العزيز شرح الوجيز 346:5.

و يقال له: الاستثناء قد صحّ بحكم الإطلاق، ففسّر ذلك بما يبقى بعد الدرهم منه شيء.

و يحتمل إلزامه بما فسّر به الألف، فيبطل الاستثناء؛ لأنّه إذا بيّن المُقرّ به، كان الاستثناء رافعاً لجميعه، فيبطل.

و لو استثنى المجهول من المعلوم، صحّ، و طُولب بالبيان، كما إذا قال: له علَيَّ عشرة دراهم إلّا شيئاً، فيُطالَب بتفسير الشيء، و يُقبل تفسيره بمهما كان إذا قلّ عن العشرة، فإن استوعب أو زاد بطل التفسير. و في الاستثناء الوجهان.

و لو استثنى المجهول من المجهول، صحّ الإقرار و الاستثناء، و طُولب بالتفسير فيهما على وجهٍ لا يستوعب، فإن استوعب فالوجهان، كما لو قال: له علَيَّ ألف إلّا شيئاً، طُولب بتفسير الألف و الشيء، فيبيّن جنس الألف أوّلاً ثمّ يفسّر الشيء بما لا يستغرق الألف من الجنس الذي بيّنه.

و لو قال: له علَيَّ شيء إلّا درهماً، فقد استثنى المعلوم من المجهول، فيفسّر الشيء بما يزيد على الدرهم و إن قلّ، كما تقدّم في قوله: علَيَّ ألف إلّا درهماً، و لا يلزم من استثناء الدرهم أن تكون الألف دراهمَ.

قال بعض الشافعيّة: مهما بطل التفسير في هذه الصورة ففي بطلان الاستثناء وجهان(1).

و يشكل في استثناء المعلوم من المجهول.

مسألة 958: لو اتّفق اللفظ في المستثنى منه و الاستثناء، كما لو قال: له علَيَّ شيء إلّا شيئاً، أو: له علَيَّ مالٌ إلّا مالاً، فالأقوى: صحّة الإقرار

ص: 397


1- العزيز شرح الوجيز 346:5، روضة الطالبين 56:4.

و الاستثناء؛ لوقوعه على القليل و الكثير، فلا يمتنع حمل الثاني على أقلّ ما يتموّل، و حمل المستثنى منه على الزائد على أقلّ ما يتموّل، و هو أحد وجهي الشافعيّة.

و الثاني: إنّه يبطل الاستثناء، كما لو قال: له علَيَّ عشرة إلّا عشرة(1).

و لا معنى لهذا التردّد؛ فإنّ فيه غفلةً؛ لأنّا إذا ألغينا استثناءه اكتفينا بأقلّ ما يتموّل، و إن صحّحناه ألزمناه [أيضاً أقلّ ما يتموّل، فيتّفق](2) الجوابان.

قيل: يمكن أن يقال: حاصل الجواب لا يختلف، لكنّ التردّد غير خالٍ عن فائدةٍ، فإنّا إذا أبطلنا الاستثناء لم نطالبه إلّا بتفسير اللفظ الأوّل، و إن لم نبطله طالبناه بتفسيرهما. و له آثار في الامتناع من التفسير، و كون التفسير الثاني غير صالحٍ للاستثناء من الأوّل، و ما أشبه ذلك(3).

مسألة 959: قد بيّنّا أنّه إذا فسّر المجهول بالمستوعب، بطل التفسير.

مثلاً: إذا قال: له علَيَّ ألف درهم إلّا ثوباً، أو: ألف إلّا درهماً، ثمّ فسّر الثوب بما يزيد قيمته على ألف درهم أو يساويه، فإنّ التفسير يبطل.

و هل يُطالب بتفسيرٍ آخَر ممكن يبقى معه شيء من الألف، أو لا؟ مبنيّ على بطلان الاستثناء ببطلان التفسير، إن قلنا: يبطل، لزمه الألف، و لم يُطالَب بتفسيرٍ آخَر، و إن قلنا: لا يبطل الاستثناء، طُولب بتفسيرٍ يُسمع، فإذا قال: له علَيَّ ألف درهم إلّا ثوباً، صحّ الاستثناء على ما تقدّم؛ لأنّه يحتمل أن يكون أتلف عليه ثوباً، فتكون قيمته مستثناةً من الألف.

ص: 398


1- العزيز شرح الوجيز 346:5، روضة الطالبين 56:4.
2- بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «إبقاء ما يتموّل فسبق». و ذلك تصحيف، و المثبت من «العزيز شرح الوجيز» و «روضة الطالبين».
3- العزيز شرح الوجيز 346:5، روضة الطالبين 56:4.
مسألة 960: إذا قال: له علَيَّ درهم و درهم إلّا درهماً،

قال بعض(1) علمائنا: إن قلنا: إنّ الاستثناء المتعقّب للجُمل يعود إلى الجميع، صحّ، و لزمه درهم واحد؛ لأنّ الواو تقتضي الجمع، لأنّها للعطف، فتجمع بين المتفرّقين، كما تجمع واو الجمع في الأسماء المتفرّقة، فيصير كأنّه قال: له علَيَّ درهمان إلّا درهماً، و به قال بعض الشافعيّة(2).

و الحقّ: بطلان الاستثناء، سواء قلنا بعود الاستثناء المتعقّب إلى الجُمل السابقة أو إلى الأخيرة؛ لأنّ الاستثناء إخراج، و إنّما احتمل مع اشتماله على التناقض في الجمع؛ لجواز إرادة الأكثر، فإذا قال: جاء المسلمون إلّا زيداً، كان لفظ المسلمين صالحاً لما عدا زيدٍ، كما صلح لذلك، فجاز الاستثناء، و يكون(3) بالاستثناء قد بيّن مراده.

أمّا إذا جاء بلفظٍ يدلّ بالنصوصيّة على كلّ فردٍ فردٍ، فإنّه لا يصحّ الاستثناء، كما لو قال: جاء زيد المسلم و عمرو المسلم و خالد المسلم إلّا زيداً؛ لاشتماله على التناقض الصريح، بخلاف ما لو قال: جاء المسلمون إلّا زيداً، كذا هنا إذا قال: له درهم و درهم إلّا درهماً، فقد أخرج أحدهما بعد أن نصّ على ثبوته، و هو تناقضٌ صريح.

مسألة 961: قد بيّنّا أنّه يجوز الاستثناء من الاستثناء، فإذا قال: له علَيَّ عشرة إلّا ثلاثة إلّا اثنين، لزمه تسعة.

و الأصل في جواز الاستثناء من الاستثناء قوله تعالى:«قالُوا إِنّا أُرْسِلْنا إِلى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ * إِلاّ آلَ لُوطٍ إِنّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلاَّ

ص: 399


1- الشيخ الطوسي في المبسوط 10:3.
2- التنبيه: 276.
3- في الطبعة الحجريّة: «فيكون» بدل «و يكون».

اِمْرَأَتَهُ» (1) .

و مَنَع بعضُ أهل العربيّة من ذلك و أنكره، قال: لأنّ العامل في الاستثناء الفعلُ الأوّل بتقوية حرف الاستثناء، و العامل الواحد لا يعمل في معمولين. و نقول في الآية: إنّ الاستثناء الثاني من قوله عزّ و جلّ:

«أَجْمَعِينَ» (2) .

و نمنع من امتناع تعدّد المعمول مع وحدة العامل هنا؛ لأنّ الاستثناء مُقوٍّ للفعل، و بعضهم قال: العامل «إلّا» خاصّةً(3) ، فلا يرد عليه ذلك.

مسألة 962: يصحّ الاستثناء من الأعيان، كما يصحّ من الكلّيّات،
اشارة

فإذا قال: لزيدٍ هذه الدار إلّا هذا البيت، أو: له هذا القميص إلّا كُمّه، أو: هذه الدراهم إلّا هذا الواحد منها، أو: هذا القطيع إلّا هذه الشاة، أو: هذا الخاتم إلّا هذا الفصّ، و ما أشبه ذلك، صحّ الاستثناء، و هو قول أكثر الشافعيّة(4).

و لهم وجهٌ آخَر: إنّه لا يصحّ؛ لأنّ الاستثناء المعتاد هو الاستثناء من الأعداد المطلقة، فأمّا المعيّنة فالاستثناء منها غير معهود، و لأنّه إذا أقرّ بالعين كان ناصّاً على ثبوت الملك فيها، فيكون الاستثناء بعده رجوعاً(5).

و قد ذكر بعض الشافعيّة أنّه إذا قال: أربعكنّ طوالق إلّا فلانة، لم يصح هذا الاستثناء، كما لو قال: هؤلاء الأعْبُد الأربعة لفلان إلّا هذا

ص: 400


1- الحجر: 58-60.
2- كما في بحر المذهب 240:8، و راجع: الاستغناء في أحكام الاستثناء: 572-573.
3- راجع: الاستغناء في أحكام الاستثناء: 572.
4- التنبيه: 276، المهذّب - للشيرازي - 251:2، بحر المذهب 242:8، الوسيط 355:3، الوجيز 201:1، البيان 431:13، العزيز شرح الوجيز 347:5، روضة الطالبين 56:4.
5- الوسيط 355:3، العزيز شرح الوجيز 347:5، روضة الطالبين 56:4.

الواحد، لم يصح؛ لعدم الاعتياد بالاستثناء في الأعيان(1).

و الحقّ: الجواز، و صحّة الاستثناء في الإقرار بالأعْبُد الأربعة، فلو قال: هؤلاء العبيد لفلان إلّا واحداً، فالمستثنى منه معيّن، و المستثنى غير معيّنٍ، و هو صحيح عندنا و عند أكثر الشافعيّة(2) ، و يُرجع إليه في التعيين.

فإن ماتوا إلّا واحداً، فقال: هو الذي أردتُه بالاستثناء، قُبِل منه مع اليمين - و هو أحد وجهي الشافعيّة(3) - لاحتماله.

و الثاني: لا يُقبل؛ للتهمة، و ندرة هذا الاتّفاق(4).

و لو قال: غصبتهم إلّا واحداً، فماتوا إلّا واحداً، فقال: هو المستثنى، قُبِل إجماعاً؛ لأنّ أثر الإقرار يبقى في الضمان. و كذا لو قُتلوا في الصورة الأُولى إلّا واحداً؛ لأنّ حقّه يثبت في القيمة.

و لو قال: هذه الدار لفلان و هذا البيت منها لي، أو: له هذا الخاتم و فصّه لي، قُبِل؛ لأنّه إخراج بعض ما يتناوله اللفظ، فكان كالاستثناء.

تنبيه: لو قال: له ثلاثة و درهمان إلّا درهمين، صحّ،

و حُمل على الاستثناء من الجملة الأُولى؛ لامتناع رجوعه إلى الثانية؛ لأنّها مستوعبة، أو على رجوعه إلى مجموعهما(3).

و لو قال: له درهمان و درهمان إلّا درهمين، فالأقرب: الصحّة،

ص: 401


1- العزيز شرح الوجيز 347:5.
2- بحر المذهب 256:8، الوسيط 355:3، البيان 430:13، العزيز شرح الوجيز 347:5، روضة الطالبين 56:4. (3 و 4) التنبيه: 276، المهذّب - للشيرازي - 350:2، بحر المذهب 256:8، الوجيز 201:1، حلية العلماء 354:8، البيان 430:13، العزيز شرح الوجيز 347:5، روضة الطالبين 56:4، منهاج الطالبين: 142، الشرح الكبير 305:5.
3- في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «مجموعها». و الظاهر أنّ الصحيح ما أثبتناه.

و يكون عائداً إلى مجموع الجملتين؛ لأنّ الاستثناء إنّما يرجع إلى الجملة الأخيرة لو لم توجد قرينة الرجوع إلى الجميع.

آخَر: لو قال: له علَيَّ عشرة إلّا درهم، بالرفع، لزمه العشرة،

و تكون «إلّا» هنا قائمةً مقام «غير» و تكون وصفاً.

و لو قال: ما له عندي عشرة إلّا درهم، فهو إقرار بدرهم.

و لو نصب، لم يكن مُقرّاً بشيء.

نكتة: أدوات الاستثناء حكمها حكم «إلّا»

فإذا قال: له عندي عشرة سوى درهم، أو: ليس درهماً، أو: خلا، أو: عدا، أو: ما خلا، أو: ما عدا، أو: لا يكون، أو: غير درهم، بالنصب، فهو إقرار بتسعة.

و لو(1) رفع في الأخير، فهو وصف إن كان عارفاً، و إلّا لزمه تسعة.

البحث الثاني: فيما عدا الاستثناء.
اشارة

و فيه مطالب:

المطلب الأوّل: فيما يقتضي رفع المُقرّ به.
مسألة 963: إذا قال: لفلان علَيَّ ألف من ثمن خمر، أو خنزير، أو كلب، فإن فصل بين الإقرار

- و هو قوله: علَيَّ ألف - و بين الرافع - و هو قوله: من ثمن خمر، أو خنزير - بسكوتٍ أو كلامٍ آخَر، لم يُسمع منه، و لزمه الألف إجماعاً؛ لأنّ وصفه بذلك رجوع عن الإقرار.

و إن كان موصولاً بحيث لم(2) يقع بين الإقرار و رافعه سكوتٌ و لا كلامٌ، لم يُقبل أيضاً، و لزمه الألف؛ لما فيه من الرجوع و التناقض، و هو

ص: 402


1- في «ج، ر»: «فلو».
2- في «ر» و الطبعة الحجريّة: «لا».

أحد قولَي الشافعيّة؛ لأنّه وصل بإقراره ما يرفعه، فلم يُقبل، كما لو قال:

علَيَّ ألف لا تلزمني، أو فصل قوله: «من ثمن خمرٍ» عن الإقرار، و به قال أبو حنيفة(1).

و الثاني للشافعيّة: إنّه يُقبل - و به قال المزني - و لا يلزمه شيء؛ لأنّ الجميع كلامٌ واحد، و الكلام يُعتبر بآخره و لا يُبعّض، و لأنّ الإقرار إخبار عمّا جرى، و هذه المعاملات على فسادها جارية بين الناس، فعلى هذا للمُقرّ له تحليف المُقرّ أنّه كان من ثمن خمر أو خنزير(2).

و ليس بجيّدٍ؛ لأنّا نمنع وحدة الكلام.

سلّمنا، لكن إنّما يتمّ بآخره لو لم يناقض أوّله، أمّا إذا تناقضا فإنّه يُحكم بما عليه، لا له.

و على ما اخترناه لو قال المُقرّ: كان ذلك من ثمن خمر و ظننته لازماً لي، فله تحليف المُقرّ له على نفيه.

مسألة 964: إذا وصل إقراره بما ينتظم لفظه عادةً لكنّه يبطل حكمه شرعاً،

كما إذا أضاف المُقرّ به إلى بيعٍ فاسد، كالبيع بأجلٍ مجهول أو خيارٍ مجهول، أو قال: تكفّلت ببدن فلان بشرط الخيار، و قلنا: ثبوت الخيار في الكفالة يقتضي بطلانها، أو قال: ضمنت لفلان كذا بشرط الخيار، و أبطلناه به، و ما أشبه ذلك، فالوجه: بطلان الإضافة، و صحّة الإقرار و الحكم به،

ص: 403


1- الاختيار لتعليل المختار 216:2، الإفصاح عن معاني الصحاح 17:2، بدائع الصنائع 216:7، الفقه النافع 981/1224:3، المبسوط - للسرخسي - 22:18 و 62، الهداية - للمرغيناني - 186:3.
2- الحاوي الكبير 80:7، المهذّب - للشيرازي - 352:2، الوجيز 200:1، الوسيط 348:3، حلية العلماء 359:8-360، التهذيب - للبغوي - 246:4، العزيز شرح الوجيز 332:5-333، روضة الطالبين 46:4.

فإذا قال: له علَيَّ ألف درهم من ثمن مبيعٍ مجهول، أو بأجلٍ مجهول، أو بخيارٍ مجهول، لم يُقبل منه، و لزمه الألف في الحال.

و للشافعي قولان(1).

و لأصحابه مأخذان في هذا الخلاف:

أحدهما: بناؤه على القولين في تبعيض الشهادة إذا شهد لشريكه و لأجنبيٍّ.

و قيل: إنّه غير مشابهٍ للمتنازَع؛ لأنّ الشهادة للأجنبيّ و الشهادة للشريك أمران لا تعلّق لأحدهما بالآخَر، و إنّما قرن الشاهد بينهما لفظاً، و الخلاف فيها شبه الخلاف في تفريق الصفقة، و أمّا هاهنا فالمذكور أوّلاً مسند إلى المذكور آخِراً، و أنّه فاسد في نفسه مُفسدٌ للأوّل، و لهذا لو قدّم ذكر الخمر فقال: لفلانٍ من ثمن الخمر علَيَّ ألف، لم يلزمه شيء بحال، و في الشهادة لا فرق بين أن يقدّم ذكر الشريك أو الأجنبيّ.

ثمّ هَبْ أنّهما متقاربان، لكن ليس بناء الخلاف في الإقرار على الخلاف في الشهادة بأولى من العكس.

و الثاني: إنّه يجوز بناء هذا الخلاف على الخلاف في حدّ المدّعي و المدّعى عليه، إن قلنا: المدّعي مَنْ لو سكت تُرك، فهاهنا لو سكت عن قوله: «من ثمن خمرٍ» لتُرك، فهو بإضافته إلى الخمر مُدّعٍ، فلا يُقبل قوله، و يحلف المُقرّ له. و إن قلنا: المدّعي مَنْ يدّعي أمراً باطناً، قُبِل قول المُقرّ؛ لأنّ الظاهر معه، و هو براءة الذمّة، و المُقرّ له هو الذي يدّعي أمراً باطناً،4.

ص: 404


1- الوسيط 348:3، حلية العلماء 359:8-360، العزيز شرح الوجيز 333:5، روضة الطالبين 46:4.

و هو زوال أصل البراءة(1).

و قيل: لو صحّ هذا البناء، لما افترق الحال بين أن يضيفه إلى الخمر موصولاً أو مفصولاً، و لوجب أن يخرج التعقيب بالاستثناء على هذا الخلاف(2).

قال الجويني بعد ذكر القولين: كنتُ أودّ لو فُصّل بين أن يكون المُقرّ جاهلاً بأنّ ثمن الخمر لا يلزم، و بين أن يكون عالماً، فيعذر الجاهل دون العالم، لكن لم يصر إليه أحد من الشافعيّة(1).

إذا ثبت هذا، فلو أقرّ بالكفالة بشرط الخيار و أنكر المكفول له شرط الخيار، قُدّم قول المُقرّ له عندنا، و به قال أبو حنيفة(2).

و للشافعي قولان(3) تقدّما(4).

و كذا يجري القولان في كلّ مَنْ وصل إقراره بما يرفعه، لا من الوجه الذي أثبته، مثل أن يقول: له علَيَّ ألف من ثمن خمرٍ أو خنزيرٍ أو مبيعٍ هلك قبل قبضه، أو يقول: قبّضتها؛ لأنّه وصل إقراره بما يرفعه، فلم يُقبل منه، كما لو قال: له علَيَّ ألف إلّا ألفاً.

مسألة 965: إذا قال: له علَيَّ ألف من ثمن عبدٍ لم أقبضه إذا سلّمه

ص: 405


1- العزيز شرح الوجيز 334:5، روضة الطالبين 46:4.
2- بحر المذهب 300:8، حلية العلماء 359:8-360، المغني 287:5، الشرح الكبير 298:5.
3- المهذّب - للشيرازي - 352:2، بحر المذهب 300:8، الوسيط 348:3، حلية العلماء 359:8-360، التهذيب - للبغوي - 247:4، العزيز شرح الوجيز 333:5، روضة الطالبين 46:4، المغني 287:5، الشرح الكبير 298:5.
4- آنفاً.

سلّمتُ الألف، قال الشيخ(1) رحمه الله: إن وصل الكلام، كان القولُ قولَه مع اليمين و إن أنكر المُقرّ له و قال: بل هي دَيْن، أو قال: قبضتَه.

و للشافعيّة طريقان:

أحدهما: قبول قوله: «من ثمن عبدٍ لم أقبضه» على القولين السابقين، ففي قولٍ يُقبل و لا يُطالب بالألف إلّا بعد تسليم العبد. و في قولٍ يؤخذ بأوّل الإقرار، و لا يُحكم بثبوت الألف ثمناً.

و الأصحّ عندهم: القطع بالقبول و ثبوته ثمناً، و يفارق صُور القولين؛ فإنّ المذكور فيها أخيراً يرفع المُقرّ به، و هنا بخلافه(2).

و اعلم أنّ الشيخ رحمه الله قسّم هذه المسألة على ثلاثة أنحاء(3):

أ: أن يقول: له علَيَّ ألف من ثمن مبيعٍ لم أقبضه، متّصلاً بعض الكلام ببعضٍ، و هذا يُقبل قوله، و هو أحد قولَي الشافعي، و قد تقدّم(4) ، و يكون القولُ قولَ المُقرّ مع يمينه.

و لا فرق بين أن يعيّن المبيع بأن يقول: له علَيَّ ألف من ثمن هذا العبد و لم أقبضه، أو لم يعيّنه، و به قال أبو يوسف و محمّد(5).

و قال أبو حنيفة: إن عيّن المبيع قُبل منه، سواء وصل بإقراره أو فصل، و إن أطلق لم يُقبل منه؛ لأنّه إذا أطلق فقد وصل إقراره بما يبطله؛3.

ص: 406


1- راجع المبسوط - للطوسي - 34:3.
2- العزيز شرح الوجيز 334:5، روضة الطالبين 47:4، البيان 438:13، حلية العلماء 359:8، المغني 321:5.
3- راجع المبسوط - للطوسي - 33:3-34.
4- آنفاً.
5- حلية العلماء 359:8، البيان 438:13.

لأنّه مبيع مجهول، و المجهول لا يلزم فيه الثمن، كما لو قال: من ثمن خمرٍ أو خنزير(1).

و احتجّ الآخَرون: بأنّه أقرّ بحقٍّ عليه في مقابلة حقٍّ له لا ينفكّ أحدهما عن الآخَر، فإذا لم يثبت ما له لم يثبت ما عليه، كما لو عيّن المبيع(2).

و قول أبي حنيفة ليس بصحيحٍ؛ لأنّ إطلاق الإقرار لا يوجب كونه مطلقاً في البيع.

و أمّا إذا قال: من ثمن خنزيرٍ، ففيه قولان.

و إن سلّمنا، فإنّ بيع الخنزير لا يصحّ بكلّ حال، و هذا المبيع يجوز أن يكون معلوماً حال العقد.

و الوجه عندي: عدم القبول مطلقاً.

ب: أن يقول: له عندي ألف، ثمّ يسكت، ثمّ قال بعد ذلك: من ثمن مبيعٍ لم أقبضه، فإنّه لا يُقبل قوله، و يُقدّم قول المُقرّ له مع يمينه، فإذا حلف على أنّه ليس على ما ذكر، استحقّ الألف؛ لأنّه فسّر إقراره بما يُسقط وجوب تسليمه منفصلاً عنه، فلم يُقبل، كما لو قال: قبّضتُها، و به قال الشافعي(3).

ج: إذا قال: لفلانٍ علَيَّ ألف من ثمن مبيعٍ، ثمّ سكت، ثمّ قال بعد3.

ص: 407


1- بحر المذهب 297:8، حلية العلماء 359:8، البيان 438:13، العزيز شرح الوجيز 334:5.
2- بحر المذهب 297:8، البيان 438:13.
3- بحر المذهب 297:8، البيان 437:13.

ذلك: لم أقبضه، قُبل قوله عنده(1) رحمه الله - و به قال الشافعي(2) - فإن خالفه المُقرّ له، كان القولُ قولَ المُقرّ مع يمينه؛ لأنّ إقراره تعلّق بالمبيع، و الأصل عدم القبض، فقُبل قوله فيه.

و الأقوى عندي: عدم القبول.

مسألة 966: لو قال: له علَيَّ ألف لا تلزمني، أو: علَيَّ ألف، أو لا، لزمه؛
اشارة

لأنّ هذا الكلام غير منتظمٍ، فلا يبطل به الإقرار.

و يحتمل القبول بأن يكون عليه ثمن مبيعٍ غير لازمٍ، أو من هبةٍ له الرجوعُ فيها.

و لو قال: له علَيَّ ألف قضيتُه، لزمته الألف، و لم تُقبل دعواه في الإقباض.

و للشافعيّة فيه طريقان:

أحدهما: القطع بلزوم الألف؛ لقرب اللفظ من عدم الانتظام، فإنّ ما قضاه لا يكون عليه - و هو الذي اخترناه نحن - بخلاف قوله: من ثمن خمرٍ؛ لأنّه ربما يظنّ لزومه.

و الطريق الثاني: إنّه على القولين؛ لأنّ مثله يطلق في العرف، و التقدير: كان له علَيَّ ألف فقضيتُه(3).

و كذا يجري الطريقان فيما إذا قال: لفلانٍ علَيَّ ألف أبرأني عنه(4).

ص: 408


1- المبسوط - للطوسي - 34:3.
2- بحر المذهب 297:8، البيان 437:13.
3- العزيز شرح الوجيز 334:5، روضة الطالبين 47:4.
4- العزيز شرح الوجيز 335:5.

و لو ادّعى عليه ألفاً فقال: قد قضيتُه، فالمشهور: أنّه إقرار.

و جَعَله بعض الشافعيّة بمنزلة ما لو قال: علَيَّ ألف قضيتُه(1).

تذنيب

تذنيب(2): لو قال: كان له علَيَّ ألف، فالأقرب: اللزوم،

و يحتاج في البراءة إلى البيّنة.

و قيل: لا يُسمع هذا كما لا تُسمع الشهادة به(3).

و الإقرار بالإقرار إقرار.

مسألة 967: لو قال: لفلان علَيَّ ألف إن شاء اللّه، احتُمل بطلان الإقرار؛

لأنّه تعلّق على المشيئة، و تعليق الإقرار باطل؛ لأنّه إخبار عن حقٍّ سابق و لم يجزم به، و علّق إقراره على مشيئة اللّه تعالى، و هي خفيّة عنّا، و لأنّ الإقرار إخبار عن حقٍّ سابق، فيكون المخبر عنه واقعاً، و الواقع لا يعلّق على متجدّدٍ و لا على غيره.

و قيل: إنّه(4) بمنزلة قوله: له علَيَّ ألف من ثمن خمرٍ؛ لأنّه لو اقتصر على أوّل الكلام لكان إقراراً جازماً(5).

و الأقرب: الأوّل؛ لأنّ تعليق السابق لا ينتظم، فلا يُقبل تعليقه، و يلزمه ما أقرّ به، و به قال أحمد، و هو أصحّ قولَي الشافعيّة(6).

ص: 409


1- العزيز شرح الوجيز 335:5.
2- في «ج، خ»: «تنبيه» بدل «تذنيب».
3- راجع: بحر المذهب 293:8.
4- في «ج، ر»: «هو» بدل «إنّه».
5- العزيز شرح الوجيز 335:5.
6- المغني 349:5، الشرح الكبير 295:5، بحر المذهب 264:8-265، البيان 401:13، العزيز شرح الوجيز 335:5، روضة الطالبين 48:4.

و لو قال: علَيَّ ألف إن شئتَ، أو: إن شاء فلان، احتُمل بطلان الإقرار؛ لتعلّقه على الشرط.

و قال الجويني: إنّه مُخرَّج على القولين؛ لأنّه نفى بآخر كلامه مقتضى أوّله، بخلاف قوله: إن شاء اللّه، فإنّه يجري في الكلام للتردّد تارةً و للتبرّك أُخرى، بخلاف التعليق بمشيئة غيره(1).

و وجّه بعضُ الشافعيّة البطلانَ في قوله: «إن شاء اللّه، أو: إن شاء زيد»:

بأنّ مثل هذا الكلام قد يطلق للالتزام في المستقبل، و لهذا يقال: لك علَيَّ كذا إن رددتَ عبدي الآبق، أو: جملي الشارد، و يكون ذلك التزاماً في المستقبل(2).

و كذا لو قال: لك علَيَّ ألف إن جاء زيد، أو: قدم الحاج. و كذا لو قال: لك علَيَّ ألف إن شهد لك بذلك شاهدان؛ لأنّ ذلك كلّه معلّق بشرطٍ.

و كذا لو قال: إن شهد شاهدان بألف فهي علَيَّ، لم يكن إقراراً.

و لو قال: إن شهد شاهدان فهُما صادقان، كان إقراراً، و قد سلف(1).

و لو قال: لك علَيَّ ألف إن قبلتَ إقراري، لم يكن إقراراً؛ لتعلّقه على الشرط، بخلاف ما لو قال: هذا لك بألف إن قبلتَ، فإنّه يكون إيجاباً.

و الفرق: إنّ الإيجاب يقع متعلّقاً بالقبول حتى إذا لم يقبل جواباً بطل الإيجاب، فيصحّ تعليقه، فأمّا الإقرار فلا يتعلّق بالقبول؛ لأنّه إقرار(2) عن حقٍّ سابق.

لا يقال: أ ليس المُقرّ له إذا لم يقبل الإقرار بطل ؟».

ص: 410


1- في ص 248-249، المسألة 842.
2- كذا قوله: «إقرار» في النسخ الخطّيّة و الحجريّة، و الظاهر: «إخبار» بدل «إقرار».

لأنّا نقول: إنّما يبطل إذا كذّبه أو ردّه، فأمّا إذا سكت فالإقرار صحيح غير مفتقرٍ إلى القبول، بل لو كذّب الإقرار أو ردّه لم يكن باطلاً في نفسه، بل لا يتعلّق به حكم ظاهراً.

هذا إن جوّزنا تعليق الإيجاب بمثل هذا الشرط، كما هو مذهب بعض الشافعيّة(1).

مسألة 968: لو قال: له علَيَّ ألف إذا جاء رأس الشهر، أو: إذا قدم فلان، قال بعض الناس: إنّه لا يكون إقراراً؛

لأنّ الشرط لا أثر له في إيجاب المال، و الواقع لا يعلَّق بشرطٍ(2).

و قال الجويني: إنّه على القولين؛ لأنّ صدر الكلام صيغة التزامٍ، و التعليق يرفع حكمها(3).

و الوجه عندي: إنّه يرجع إلى استفساره، فإن قصد تعليق الإقرار بالشرط بطل إقراره، و إن قصد التأجيل صحّ إقراره؛ لاحتمال الصيغة لهذين، و يُسمع كلامه مع اليمين لو أنكر المُقرّ له.

هذا إذا قدّم الإقرار و أخّر التعليق، و لو عكس فقال: إذا جاء رأس الشهر، أو: إن جاء [فلان](4) فعلَيَّ ألف، لم يلزمه شيء؛ لأنّه لم تُوجد صيغة التزامٍ جازمة.

نعم، لو قال: أردتُ به التأجيل برأس الشهر، قُبل.

ص: 411


1- العزيز شرح الوجيز 14:4، روضة الطالبين 8:3، المجموع 170:9.
2- التهذيب - للبغوي - 259:4، العزيز شرح الوجيز 335:5، روضة الطالبين 48:4.
3- العزيز شرح الوجيز 335:5، روضة الطالبين 48:4.
4- بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «رأس الشهر». و الظاهر ما أثبتناه.

و قال بعض الشافعيّة: مطلقه يُحمل على التأجيل برأس الشهر(1).

و اعلم: أنّ المشهور بين الشافعيّة أنّه إذا قال: له علَيَّ ألف إذا جاء رأس الشهر، إنّه يكون إقراراً، و لو قدّم الشرط فقال: إذا جاء رأس الشهر فله علَيَّ ألف، لم يكن إقراراً.

و الفرق: إنّه إذا قال: له علَيَّ ألف، فقد أقرّ بالألف، فإذا قال: إذا جاء رأس الشهر، احتُمل أن يكون أراد محلّها و وجوب تسليمها، و إذا احتُمل ذلك لم يبطل الإقرار، فأمّا إذا قال: إذا جاء رأس الشهر، فبدأ بالشرط، فإنّه لم يُقرّ بالحقّ، و إنّما علّقه بالشرط، فلم يكن إقراراً(2).

و الحقّ أنّه لا فرق بين تقدّم الشرط و تأخّره؛ لأنّ الشرط و إن تأخّر لفظاً فإنّه مقدَّم معنىً و له صدر الكلام.

و اعترض بعض الشافعيّة على قول الفارق بين قوله: «له علَيَّ ألف من ثمن خمر» و بين قوله: «له علَيّ ألف إن جاء رأس الشهر» بأنّ كلّ واحدٍ منهما قد عقّب إقراره بما يرفعه، فلِمَ كان التعقيب الأوّل باطلاً و الثاني صحيحاً؟.

و أُجيب: بأنّه يمكن أن يقال: دخول الشرط على الجملة يُصيّر الجملة جزءاً من الجملة الشرطيّة، و الجملة إذا صارت جزءاً من جملةٍ أُخرى تغيّر معناها، و قوله: «من ثمن خمر» لا يغيّر معنى صدر الكلام، و إنّما هو بيان جهته، فلا يلزم من أن لا يبعّض الإقرار عند التعليق - بل يلغى؛ تحرّزاً من اتّخاذ جزء الجملة جملةً برأسها - أن لا يبعّض في3.

ص: 412


1- العزيز شرح الوجيز 335:5، روضة الطالبين 48:4.
2- بحر المذهب 265:8، البيان 403:13.

الصورة الأُخرى(1).

مسألة 969: لو قال: له علَيَّ ألف مؤجَّل إلى سنةٍ، فإن ذكر الأجل مفصولاً بكلامٍ غريب أو سكوت، لم يُقبل التأجيل، و يثبت الدَّيْن في الحال.
اشارة

و إن ذكره موصولاً بغير فصلٍ بسكوتٍ و لا كلامٍ البتّة، فالأقرب عندي: قبول قوله، كما لو قال: له علَيَّ ألف طبريّة أو موصليّة، فإنّه يُقبل تفسيره و إن اشتمل على عيبٍ في المُقرّ به، كذا هنا، و لأنّه ربما يكون الحقّ في ذمّته مؤجَّلاً و لا شاهد له بالتأجيل، فلو مُنع من الإخبار به و لم يُصدَّق به، تعذّر عليه الإقرار بالحقّ و عدم تخليص ذمّته بالإشهاد، فوجب أن يُسمع كلامه توصّلاً إلى تحصيل هذه المصلحة.

و للشافعيّة طريقان كالطريقين فيما إذا قال: له علَيَّ ألف من ثمن عبدٍ لم أقبضه، أو: علَيَّ ألف قضيتُها.

و الظاهر عندهم: القبول - و به قال أحمد بن حنبل - لأنّ هذا لا يُسقط الإقرار، و إنّما وصفه بصفةٍ دون صفةٍ.

و لهم قولٌ آخَر: إنّه لا يُقبل؛ لأنّه وصل إقراره بما يسقط عنه المطالبة به، فأشبه ما إذا قال: قضيتُها(2).

و قد تقدّم الفرق.

و قال أبو حنيفة: إنّه يكون مدّعياً للأجل، فالقول فيه قول المُقرّ له مع

ص: 413


1- العزيز شرح الوجيز 335:5-336.
2- الوسيط 349:3-350، حلية العلماء 360:8، العزيز شرح الوجيز 336:5، روضة الطالبين 48:4، الشرح الكبير 315:5.

يمينه؛ لأنّه أقرّ لغيره بحقٍّ و ادّعى فيه حقّاً لنفسه، فلم يُقبل، كما لو قال:

هذه الدار لزيدٍ ولي سكناها سنة(1). و عليه أكثر علمائنا(2).

و فيه نظر؛ لأنّ الدَّيْن المؤجَّل أحد نوعي الدَّيْن، فوجب أن يثبت بالإقرار كالحالّ، بخلاف ما قالوه؛ لأنّه هناك أقرّ له بالملك و ادّعى عليه عقداً مستأنفاً، و في صورة النزاع أقرَّ بدَيْنٍ على صفةٍ، فقُبل منه، كما لو قال: من نقدٍ رديء.

و هذا الخلاف إنّما هو فيما إذا كان الدَّيْن المُقرّ به مطلقاً أو مستنداً إلى سببٍ، و هو بحيث يتعجّل و يتأجّل، أمّا إذا أسنده إلى جهةٍ لا تقبل التأجيل، كما إذا قال: له علَيَّ ألف أقرضنيها مؤجَّلةً، لغا ذكر الأجل إجماعاً.

و إن أسنده إلى جهةٍ يلازمها التأجيل، كالدية على العاقلة، فإن ذكر ذلك في صدر إقراره بأن قال: قَتَل عمّي فلاناً خطأً و لزمني من دية ذلك القتل كذا مؤجَّلاً إلى سنةٍ انتهاؤها كذا، فهو مقبول لا محالة.

و لو قال: علَيَّ كذا من جهة تحمّل العقل مؤجَّلاً إلى وقت كذا، فللشافعيّة طريقان:

أحدهما: القطع بالقبول؛ لأنّه كذلك يثبت.

و الثاني: إنّه على القولين.

و الثاني عندهم أظهر؛ لأنّ أوّل كلامه ملزم لو اقتصر عليه، و هو في الإسناد إلى تلك الجهة مُدّعٍ، كما في التأجيل(3).5.

ص: 414


1- بدائع الصنائع 217:7، الاختيار لتعليل المختار 208:2، حلية العلماء 360:8، العزيز شرح الوجيز 336:5، الشرح الكبير 315:5.
2- منهم: الطوسي في الخلاف 377:3، المسألة 28، و الحلّي في السرائر 513:2.
3- العزيز شرح الوجيز 336:5.
تذنيبان:
أ: لو قال: بعتك أمس كذا فلم تقبل، فقال: بل قبلتُ، قُدّم قول مدّعي القبول، على إشكالٍ.

و للشافعيّة قولا تبعيض الإقرار، إن بعّضوه فهو مصدَّق بيمينه في قوله: قبلتُ(1).

و كذا الحكم فيما إذا قال لعبده: أعتقتك على ألف فلم تقبل، أو قال لامرأته: خلعتك على ألف فلم تقبلي، و قال العبد: قبلتُ. و قالت المرأة:

قبلتُ.

ب: لو قال: إنّي أُقرّ الآن بما ليس علَيَّ لفلان علَيَّ ألف،

أو قال:

ما طلّقت امرأتي و لكنّي أُقرّ بطلاقها فأقول: طلّقتُها، فالأقرب: عدم نفوذ إقراره، و الحكم ببطلانه.

و للشافعيّة قولان:

أحدهما: كما قلناه.

و الثاني: إنّه كما لو قال: علَيَّ ألف لا تلزمني(2).

المطلب الثاني: في تعقيب الإقرار بالإيداع.
مسألة 970: إذا قال: لفلان علَيَّ ألف درهم وديعة، و لم يفصل بين كلامه، فالأولى القبول،

و به قال الشافعي(3).

ص: 415


1- العزيز شرح الوجيز 336:5، روضة الطالبين 48:4-49.
2- العزيز شرح الوجيز 336:5-337، روضة الطالبين 49:4.
3- بحر المذهب 260:8 و 282، البيان 433:13، العزيز شرح الوجيز 338:5، روضة الطالبين 50:4، المغني 309:5، الشرح الكبير 318:5.

فإن أنكر المُقرّ له، كان القولُ قولَ المُقرّ مع يمينه؛ لأنّه أقرّ بما يمكن، و لا تناقض في قولَيْه، فكان مسموعاً منه.

و قال أبو حنيفة و أحمد: القول قول المُقرّ له، و يكون للمُقرّ له أن يطالبه(1) بالألف التي أقرّ؛ لأنّ «علَيَّ» للإيجاب، و ذلك يقتضي كونها في ذمّته، و لهذا لو قال: ما على فلان علَيَّ، كان ضامناً، و الوديعة ليست واجبةً عليه، فلم يُقبل تفسيره بها(2).

و نحن نمنع من عدم وجوب الوديعة، فإنّه يجب عليه ردّها و حفظها، و ذلك واجب عليه، فإذا قال: «علَيَّ» و فسّر بها، احتمل قوله ذلك فقُبِل منه؛ لأنّه يجوز أن يريد بكلمة «علَيَّ» الإخبار عن هذا الواجب، و يحتمل أنّه تعدّى فيها حتى صارت مضمونةً عليه، فلذلك قال: «علَيَّ» و قد تُستعمل «علَيَّ» بمعنى «عندي» كقوله تعالى:«وَ لَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ» (3) و حروف الصفات يقوم بعضها مقام بعضٍ، فيجوز أن تُستعمل «علَيَّ» بمعنى «عندي».

و قال أبو إسحاق من الشافعيّة: إنّ المسألة على قولين عند الشافعي، كما لو قال: له علَيَّ ألف قضيتُه(4).

مسألة 971: لو فصل بين كلاميه، فقال: له علَيَّ ألف، ثمّ سكت ثمّ جاء بألف بعد إقراره

و قال: أردتُ هذا و هو وديعة عندي، و قال المُقرّ له:

هو وديعة ولي عليك ألف آخَر دَيْن و هو الذي أردتَه بإقرارك، فالأقوى

ص: 416


1- في النسخ الخطّيّة: «المطالبة» بدل «أن يطالبه».
2- بحر المذهب 260:8، البيان 433:13، العزيز شرح الوجيز 337:5، المغني 309:5، الشرح الكبير 318:5 و 319.
3- الشعراء: 14.
4- العزيز شرح الوجيز 338:5، روضة الطالبين 50:4.

عندي: إنّ القول قول المُقرّ مع يمينه - و هو أصحّ قولَي الشافعي(1) - لما تقدّم من أنّ الوديعة يجب حفظها و التخلية بينها و بين المالك، فلعلّه أراد بكلمة «علَيَّ» الإخبار عن هذا الواجب، أو أنّه تعدّى فيها فصارت مضمونةً عليه، فلذلك قال: «علَيَّ» أو أراد: عندي، على ما تقدّم.

و الثاني له: إنّ القول قول المُقرّ له - و به قال أبو حنيفة و أحمد - فما أتى به وديعة، و عليه ألف آخَر؛ لأنّ كلمة «علَيَّ» تقتضي الثبوت في الذمّة(2).

و حكى الجويني طريقةً قاطعة بالقول الأوّل(3).

لكنّ المشهور إثبات القولين، و ترجيح الأوّل(4).

و لو كان قد قال: له علَيَّ ألف في ذمّتي، أو: له ألف علَيَّ دَيْناً، و فسّر كما تقدّم، فإن لم نقبل تفسيره في السابق، فهنا عدم القبول أولى.

و إن قبلنا هناك، فللشافعيّة وجهان:

أحدهما: يُقبل؛ لجواز أن يريد: له ألف في ذمّتي إن تلفت الوديعة؛ لأنّي تعدّيتُ فيها.

و أصحّهما عندهم: إنّه لا يُقبل، و القول قول المُقرّ له مع يمينه؛ لأنّ العين لا تثبت في الذمّة، و كذا الوديعة لا تثبت في الذمّة. و يفارق ما إذا قال: له علَيَّ ألف، ثمّ فسّرها بالوديعة؛ لأنّه لم يصرّح بالمحلّ، و احتُمل أن

ص: 417


1- الحاوي الكبير 44:7، المهذّب - للشيرازي - 351:2، بحر المذهب 260:8، حلية العلماء 356:8، التهذيب - للبغوي - 251:4، البيان 433:13، العزيز شرح الوجيز 337:5، روضة الطالبين 49:4، المغني 310:5، الشرح الكبير 320:5.
2- الحاوي الكبير 44:7، المهذّب - للشيرازي - 351:2، بحر المذهب 260:8، حلية العلماء 356:8، التهذيب - للبغوي - 251:4، البيان 433:13، العزيز شرح الوجيز 337:5، روضة الطالبين 49:4، المغني 310:5، الشرح الكبير 320:5.
3- العزيز شرح الوجيز 337:5.
4- العزيز شرح الوجيز 337:5.

يكون المراد وجوب الحفظ و الردّ، و هنا صرّح بالذمّة(1).

إذا عرفت هذا، فإذا قبلنا منه التفسير بالوديعة فيما إذا قال: له علَيَّ ألف، ثمّ جاء بألف و قال: هو وديعة عندي، فإنّه لا يُقبل قوله في سقوط الضمان لو ادّعى التلف؛ لأنّ الألف مضمون عليه و ليس بأمانةٍ؛ لأنّ قوله:

«علَيَّ» يتضمّن الإلزام.

فلو ادّعى تلف الألف التي زعم [أنّها](2) وديعة، لم يسقط الضمان عنه، و لو ادّعى ردّه لم يُصدَّق؛ لأنّه ضامن، و إنّما يُصدَّق المؤتمن.

فخلص من هذا أنّه لا يُصدّق في دعوى تلفه بعد الإقرار أو ردّه.

و أُشكل عليه: بأنّ كلمة «علَيَّ» كما يجوز أن يريد بها صيرورتها مضمونةً عليه؛ لتعدّيه، يجوز أن يريد بها وجوب الحفظ و التخلية، و يجوز أن يريد بها: عندي، كما سبق. و هذان المعنيان لا ينافيان الأمانة، مع أنّ النقل عن الشافعي أنّه إن ادّعى أنّه تلف أو ردّه قبل الإقرار، لم يُصدَّق؛ لأنّ التالف و المردود لا يكون عليه بمعنى من المعاني، و إن ادّعى أنّه تلف بعد الإقرار صُدّق(3).

مسألة 972: لو قال: له عندي ألف درهم وديعة دَيْناً، أو: ألف درهم مضاربة دَيْناً،

فالذي يحتمل ذلك أن تكون الوديعة مضمونةً عليه بأن تعدّى

ص: 418


1- الحاوي الكبير 44:7، المهذّب - للشيرازي - 351:2، بحر المذهب 260:8-261، حلية العلماء 357:8، البيان 433:13-434، العزيز شرح الوجيز 337:5، روضة الطالبين 49:4.
2- بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «أنّه». و الظاهر ما أثبتناه.
3- العزيز شرح الوجيز 337:5-338، روضة الطالبين 49:4.

فيها، و كذا مال المضاربة، فإن فسّر بذلك قُبِل منه، و إن قال: أردتُ أنّه شرط علَيَّ ضمانها لم يُقبل؛ لأنّها لا تكون دَيْناً بذلك.

فإن قال: عندي ألف وديعة شرط علَيَّ ضمانها، كانت وديعةً، و لم تكن مضمونةً بالشرط؛ لأنّ ما أصله الأمانة لا يصير بالشرط مضموناً، و كذا ما أصله الضمان لا يصير بالشرط أمانةً، أ لا ترى أنّه لو دفع مالاً على وجه المساومة و شرط أن يكون أمانةً، لم يصر بذلك أمانةً.

و لو قال: لفلان علَيَّ ألف درهم في ذمّتي، فجاءه بألف فقال: الألف التي أقررتُ بها كانت وديعةً و تلفت و هذه بدلها، قُبِل ذلك؛ لأنّه يجوز أن يكون بتعدٍّ منه أو تفريطٍ، فيكون بدلها في ذمّته.

و لو جاء بألف فقال: الألف التي أقررتُ بها هذه و هي وديعة لك، فللشافعيّة وجهان على ما تقدّم(1).

و لو قال: لك علَيَّ ألف، ثمّ قال: كانت وديعةً و كانت تلفت قبل إقراري و كنت أظنّ أنّها باقية، لم يُقبل منه؛ لأنّه كذّب بهذا إقراره، فلم يُقبل منه.

فإن قال: ما أقررتُ به كان وديعةً و تلفت بعد إقراري، قُبِل منه.

و لو قال: له علَيَّ ألف درهم وديعة، و فسّر إقراره بوديعةٍ موجودة، قُبِل.

و كذا إذا قال: أقررتُ بوديعةٍ و قد هلكت بعد إقراري، فالقول قوله مع اليمين.

و إن قال: كانت هالكةً حين أقررتُ، لم يُقبل منه؛ لأنّ الوديعة الهالكة لا تكون عليه، فيكون قد أكذب إقراره، إلّا أن تكون هلكت بتعدٍّ أو تفريطٍ، فيكون إقراره صحيحاً.7.

ص: 419


1- في ص 417.

و أمّا إذا وصل إقراره فقال: علَيَّ، أو: عندي ألف وديعة هلكت، فللشافعيّة قولان(1) ، كما في قوله: علَيَّ ألف قضيتُها.

و لو فصل فقال: له علَيَّ ألف، و سكت، ثمّ قال مفصولاً: وديعة هلكت، لم يُقبل قولاً واحداً؛ لأنّه فسّر إقراره بما يرفعه منفصلاً.

مسألة 973: لو قال: لفلان علَيَّ ألف وديعة، قُبِل على ما تقدّم من الخلاف.

فعلى القبول لو جاء بألف و قال: هذا هو، قنع به.

و إن لم يأت بشيء و ادّعى التلف أو الردّ، ففي القبول للشافعيّة وجهان مبنيّان على تأويل كلمة «علَيَّ» إن حملناها على وجوب الحفظ قُبِل، و هو الأصحّ عندهم. و إن حملناها على صيرورته مضموناً عليه فلا(2).

و لو قال: معي، أو: عندي ألف، فهو محتمل للأمانة، فيُصدَّق في قوله: إنّه كان وديعةً، و في دعوى التلف و الردّ.

و لو قال: له عندي ألف درهم مضاربة دَيْناً، أو وديعة دَيْناً، فهو مضمون عليه، و لا يُقبل قوله في دعوى الردّ و التلف على ما تقدّم.

هذا إذا فسّر منفصلاً، و إن فسّره متّصلاً، ففيه للشافعيّة قولا تبعيض الإقرار(3).

مسألة 974: يجوز عندنا إعارة الدراهم و الدنانير؛

لأنّه قد يمكن الانتفاع بها و ردّ عينها إن كان يتجمّل بها.

ص: 420


1- الحاوي الكبير 62:7.
2- العزيز شرح الوجيز 338:5، روضة الطالبين 50:4.
3- التهذيب - للبغوي - 252:4، العزيز شرح الوجيز 338:5، روضة الطالبين 50:4.

و للشافعي قولان:

أحدهما: هذا.

و الثاني: المنع؛ لأنّه لا ينتفع بها مع بقاء عينها انتفاعاً مقصوداً(1).

و قد وافقنا على أنّها مضمونة(2).

أمّا عندنا: فلأنّ العارية و إن لم تكن مضمونةً لكن لنا نظر في ضمان عارية الدراهم و الدنانير، و كان الأصل فيه أنّ الانتفاع التامّ بها إنّما يكون بإتلافها، فلهذا وقعت العارية فيه مضمونةً.

و أمّا عند الشافعي: فلأنّ العارية مطلقاً مضمونة(3).

فعلى كلا التقديرين - أعني تقدير صحّة العارية فيها و فسادها - تكون مضمونةً؛ لأنّ حكم الضمان يستوي فيه الصحيح و الفاسد من العقود، فإذا كان صحيح العقد يقتضي الضمان، كان فاسده كذلك، و إن لم يقتضِ فلا.

إذا عرفت هذا، فإذا أقرّ بألف عارية، كان الألف مضمونةً عليه.

مسألة 975: لو قال: دفع إلَيَّ ألفاً، ثمّ فسّره بوديعةٍ، و زعم تلفها في يده، صُدّق بيمينه؛

لأنّ الدفع لا يستلزم الثبوت في الذمّة، فقُبل تفسيره بالوديعة و بالتلف.

ص: 421


1- بحر المذهب 266:8، الوسيط 367:3-368، الوجيز 203:1، التهذيب - للبغوي - 280:4، البيان 434:13، و 451:6، العزيز شرح الوجيز 371:5، روضة الطالبين 72:4.
2- بحر المذهب 266:8، الوسيط 351:3 و 368، الوجيز 203:1، التهذيب - للبغوي - 252:4 و 280، البيان 434:13، و 454:6، العزيز شرح الوجيز 338:5 و 371، روضة الطالبين 50:4 و 72.
3- نفس المصادر.

و لو قال: أخذتُ منه ألفاً وديعة، فكذلك - و به قال الشافعي(1) - إذ لا فرق بين الدفع و الأخذ.

و قال أبو حنيفة: إذا قال: أخذتُ منه ألفاً، ثمّ فسّره بوديعةٍ، و قال المأخوذ منه: بل غصبتَه، فالقول قول المُقرّ له؛ لأنّ الأخذ منه قد لا يكون برضاه، و الدفع قد يكون برضاه(2). و به قال بعض الشافعيّة(3).

و لو ذكره على الاتّصال فقال: أخذتُ من فلان ألفاً وديعة، لم يُقبل عند أبي حنيفة(4).

و على قول بعض الشافعيّة يجيء(5) فيه الوجهان في تبعيض الإقرار(6).

و لو قال: أودعني ألفاً فلم أقبضها، أو: أقرضني، أو: أعطاني فلم أقبض، قُبِل قوله مع الاتّصال، و لم يُقبَل مع الانفصال، على إشكالٍ.

و كذا إذا قال: نقدني ألفاً فلم أقبضها، و بهذا قال الشافعي(7).

و قال أبو يوسف: لا يُصدَّق؛ لأنّ «نقدني» يُفهم منه القبض، و لهذا يقولون: بِعْ بالنقد، و يريدون: بالقبض(8).

و هو غلط؛ لأنّه أضاف ذلك إلى المُقرّ له، فصار بمنزلة قوله: أعطاني3.

ص: 422


1- التهذيب - للبغوي - 252:4، العزيز شرح الوجيز 338:5، روضة الطالبين 50:4.
2- بدائع الصنائع 217:7، التهذيب - للبغوي - 252:4، العزيز شرح الوجيز 338:5.
3- التهذيب - للبغوي - 252:4، العزيز شرح الوجيز 338:5، روضة الطالبين 50:4.
4- التهذيب - للبغوي - 252:4، العزيز شرح الوجيز 338:5.
5- في «ج، ر» و الطبعة الحجريّة: «يجري» بدل «يجيء».
6- التهذيب - للبغوي - 252:4، العزيز شرح الوجيز 338:5، روضة الطالبين 50:4.
7- البيان 440:13، المغني 311:5، الشرح الكبير 321:5.
8- المبسوط - للسرخسي - 24:18، بدائع الصنائع 217:7، البيان 440:13.

و أقرضني.

المطلب الثالث: في تعقيب الإقرار بالعارية و الهبة بعدم القبض أو بعدم الفهم.
مسألة 976: إذا قال: لك هذه الدار عارية، فهو إقرار بالإعارة،

و له(1) الرجوع فيها متى شاء، و به قال جماعة من الشافعيّة(2).

و قال بعضهم: قوله: «هي لك» إقرار بالملك لو اقتصر [عليه](3) فذِكْرُ العارية بعده ينافيه، فيكون على القولين في تبعيض الإقرار(4).

و ردّه قومٌ بأنّ الإضافة باللام تقتضي الاختصاص بالملك أو غيره، فإذا تُجرَّد و أمكن الحمل على الملك، يُحمل عليه؛ لأنّه أظهر وجوه الاختصاص. و إن وصل بها ذِكْر وجهٍ آخَر من الاختصاص، أو لم يمكن الحمل على الملك، كقولنا: «الجلّ للفرس» حُمل عليه(5).

و لو قال: «هذه الدار لك هبة عاريةٍ» بإضافة الهبة إلى العارية، أو:

«هبة سكنى» فهو كما لو قال: «لك عارية» بغير فرقٍ.

و إذا ثبت أنّها عارية، كان له الرجوع في العارية فيرجع(6) في المستقبل، فأمّا ما استوفاه من المنفعة فلا.

ص: 423


1- في «ر» و الطبعة الحجريّة: «فله» بدل «و له».
2- الوسيط 351:3، البيان 431:13، العزيز شرح الوجيز 339:5، روضة الطالبين 50:4.
3- ما بين المعقوفين أضفناه من «العزيز شرح الوجيز».
4- الوسيط 351:3-352، العزيز شرح الوجيز 339:5، روضة الطالبين 50:4.
5- العزيز شرح الوجيز 339:5.
6- في الطبعة الحجريّة: «فيقبل» بدل «فيرجع».

فإن قيل: قوله: «هذه الدار لك» إقرار بها، فإذا قال: «هبة سكنى» كان رجوعاً عن إقراره بالدار.

قلنا: إنّ قوله: «هذه الدار لك» يكون إقراراً بها إذا سكت، فإذا قال له: «لك سكناها» كان إقراراً بالسكنى. و لأنّ سكنى الدار منافعها، و المنافع منها، فكأنّه استثنى أكثر الجملة، و هو جائز.

مسألة 977: الإقرار بالهبة لا يتضمّن الإقرار بالقبض؛

لتغايرهما، و عدم التلازم بينهما، و كون القبض شرطاً في لزوم الهبة لا يوجب كونه شرطاً(1) في تحقّق حقيقتها، و كيف لا! و الهبة متقدّمة على القبض، و لا يجوز اشتراط المتأخّر في المتقدّم، و إلّا دارَ؛ لتقدّم الشرط على المشروط.

و هذا هو المشهور أيضاً عند الشافعيّة(2).

و قال بعضهم: إذا أقرّ بالهبة ثمّ قال: ما كنتُ أقبضتُه فلي الرجوع، و قال الموهوب له: كنتُ قبضتُها، فالقول قول الواهب؛ لأصالة عدم القبض، و الإقرار بالهبة لا يتضمّن القبض(3).

و من الشافعيّة مَنْ قال: إنّ الشافعي قال: إذا كانت العين في يد الموهوب له، كان القولُ قولَ الموهوب له.

و هذا قاله على القول الذي يقول: إنّه إذا وهب له شيئاً في يده لا يحتاج إلى الإذن في القبض، و إذا مضى زمان يمكن فيه القبض صار مقبوضاً(4).

ص: 424


1- في الطبعة الحجريّة: «اشتراطه» بدل «كونه شرطاً».
2- العزيز شرح الوجيز 339:5، روضة الطالبين 50:4.
3- بحر المذهب 294:8، التهذيب - للبغوي - 257:4.
4- بحر المذهب 294:8-295.

و لو قال: وهبتُه و خرجتُ منه إليه، فقد تقدّم(1) أنّ الظاهر أنّه ليس إقراراً بالقبض أيضاً.

و كذا لو قال: وهبتُ منه و مَلَكها، أو ملّكتُه، لم يكن إقراراً بالقبض إن اعتقد رأي مالك(2) ، و إلّا كان إقراراً به.

مسألة 978: لو أقرّ بالهبة و القبض معاً، فقال: وهبتُه و أقبضتُ، أو:

سلّمتُه منه، أو: حازه(3) منّي، لزمه الإقرار،

و حُكم عليه بمقتضاه، فإن عاد و أنكر القبض، لم يُلتفت إلى إنكاره؛ لاشتماله على تكذيب نفسه، سواء ذكر لإقراره تأويلاً - بأن يقول: كان وكيلي أخبرني بأنّه أقبضه فأقررتُ به و لم يكن قد قبّض - أو لم يذكر.

و لو قال: إنّي أقررتُ بالقبض؛ لقضاء العادة بالإقرار بالشيء قبل تحقّقه فأحلفوه على أنّه قبضه(4) ، كان له إحلافه، و به قال الشافعي(5).

و قال أبو إسحاق: إن لم يكذّب نفسه، أُحلف له، بأن يقول: كان وكيلي أخبرني بأنّه كان قبّضه فأقررتُ به(6).

و الشافعي لم يفرّق بين الحالين؛ لأنّ العادة جرت أن يشهد قبل أن يقبض ليقبض بعد ذلك المقبوض منه.

و كذا قبض الثمن و الرهن و الوقف.

و كذا لو أقرّ أنّه اقترض منه ألفاً و قبضها، ثمّ قال: ما كنتُ قبضتُ

ص: 425


1- في ص 382، ضمن المسألة 944.
2- و هو لزوم الهبة بالإيجاب و القبول، راجع: الهامش (3) من ص 382.
3- في الطبعة الحجريّة: «أخذه» بدل «حازه».
4- في «ج»: «على أنّي قبّضتُه». و كذا في «ث، ر» بدون «على».
5- مختصر المزني: 114، بحر المذهب 294:8، البيان 101:8.
6- بحر المذهب 294:8.

و إنّما أقررتُ على رسم الشهادة لأقبض، كان على المُقرّ له اليمين؛ لأنّ ذلك محتمل بحكم العادة.

و لو شهدت البيّنة بالقبض، ثمّ قال: احلفوه أنّي أقبضتُه، لم تُسمع دعواه؛ لأنّه طعن في البيّنة.

هذا إذا شهدت البيّنة بمشاهدة القبض، و لو شهدت بالإقرار به، فهو كما تقدّم.

مسألة 979: لو أقرّ ببيعٍ أو هبةٍ و قبْضٍ، ثمّ قال: كان ذلك فاسداً و أقررتُ لظنّي الصحّة، لم يُصدَّق،

لكن له تحليف المُقرّ له، فإن نكل حلف المُقرّ، و حُكم ببطلان البيع و الهبة.

و لو أقرّ بإتلاف مالٍ على إنسانٍ و أشهد عليه، ثمّ قال: كنتُ عازماً على الإتلاف فقدّمتُ الإشهاد على الإتلاف، لم يُقبل منه بحال، بخلاف ما لو أشهد على نفسه بدَيْنٍ، ثمّ قال: كنتُ عازماً على أن أستقرض منه فقدّمتُ الإشهادَ على الاستقراض؛ لأنّ هذا معتاد، و ذلك غير معتاد.

و الوجه عندي: تساوي الصورتين؛ لأنّه في الأُولى ادّعى دعوىً لو صدّقه المُقرّ له برئ، فكان له إحلافه؛ لانتفاعه بالنكول.

مسألة 980: يصحّ الإقرار بالعربيّة و غيرها من اللغات؛

لأنّه إخبار، فلا ينحصر طريقه في لغةٍ دون أُخرى؛ لدلالة كلّ واحدٍ من اللغات على المعنى المراد، فيصحّ إقرار كلّ أهل لغةٍ بلغتهم و غير لغتهم إذا عرفوها صحيحةً.

فلو أقرّ أعجميّ بالعربيّة أو بالعكس، ثمّ قال: لم أفهم معناه لكن لُقّنتُ فتلقّنت، صُدّق باليمين إن كان ممّن يجوز عليه ذلك و ممّن يخفى عليه.

ص: 426

و كذا البحث في جميع العقود و الإيقاعات.

و لو أقرّ ثمّ قال: كنتُ يوم الإقرار صغيراً، و هو محتمل، صُدّق بيمينه؛ إذ الأصل عدم الكبر.

و كذا لو قال: كنتُ مجنوناً يوم الإقرار، و قد عهد له جنون؛ لأصالة البراءة، و الاستصحاب.

و لو قال: كنتُ مُكرَهاً، و هناك أمارة الإكراه من حبسٍ أو وكيل(1) ، فكذلك. و إن لم تكن هناك أمارة، لم يُقبل قوله.

و الأمارة إنّما تثبت بإقرار المُقرّ له أو بالبيّنة. و إنّما تؤثّر إذا كان الإقرار لمن ظهر منه الحبس و التوكيل، أمّا لو كان في حبس غيره أو وكيل غيره، لم يقدح ذلك في الإقرار للمُقرّ له.

و لو شهد الشهود على إقراره و تعرّضوا لبلوغه و صحّة عقله و اختياره، فادّعى المُقرّ خلافَه، لم يُقبل؛ لما فيه من تكذيب الشهود.

أمّا لو ادّعى الإكراه و أقام به البيّنة و شهدت بيّنة المُقرّ له بالاختيار، قُدّمت بيّنة المُقرّ؛ لأنّها تشهد بأمرٍ زائد ربما خفي عن بيّنة المُقرّ له.

مسألة 981: إذا شهد الشهود بإقرار رجلٍ، سُمعت شهادتهم،

و لم تفتقر صحّة الشهادة إلى أن يقولوا: «في صحّةٍ من عقله طائعاً غير مُكره حالة بلوغه و حُرّيّته و رشده» بل يُعوّل على الاكتفاء بأنّ الظاهر وقوع الشهادة على الإقرار الصحيح.

فإن قالوا ذلك، كان تأكيداً؛ لأنّ الظاهر سلامة العقل، و عدم الإكراه؛ لأنّه هو الأصل، و الظاهر أيضاً من حال الشهود صحّة الشهادة، فإنّهم

ص: 427


1- الظاهر: «توكيل» بدل «وكيل».

لا يشهدون على زائل العقل و لا مُكره.

فإن ادّعى المشهود عليه أنّه كان حين الإقرار زائلَ العقل، فإن صدّقه المشهود له بطلت الشهادة، و إن كذّبه حلف المشهود له؛ لأنّ الشهود ربما خفي عليهم باطن حاله؛ لأنّهم يتحمّلون الشهادة على الظاهر، فلمّا أمكن صدق المدّعي حلف المشهود له.

و لو كان المُقرّ مجهولَ الحُرّيّة، لم يشترط تعرّض الشهود في شهادتهم إلى ذكر الحُرّيّة، و بني على أصالة الحُرّيّة، و هو الظاهر من مذهب الشافعيّة(1).

و لهم قولٌ آخَر: يشترط التعرّض للحُرّيّة، و خرّجوا منه اشتراط التعرّض لسائر الشروط(2).

لكنّ المشهور عندهم: الأوّل(3).

و كلّ ما يُكتب في الوثائق - من أنّه أقرّ طوعاً في صحّةٍ من عقله و جواز أمره - ضربٌ من الاحتياط.

و قد بيّنّا أنّ بيّنة الإكراه تُقدَّم على بيّنة الاختيار لو تعارضتا.

و لا تُقبل الشهادة على الإكراه مطلقاً، بل لا بدّ من التفصيل.

المطلب الرابع: في تعقيب الإقرار لواحدٍ بالإقرار لغيره.
مسألة 982: لو قال: غصبتُ هذه الدار من زيدٍ و هي ملك عمرو، سُلّمت إلى زيدٍ؛

لاعترافه له باليد، و الظاهر كونه مُحقّاً فيها؛ لأنّ قوله:

«غصبتُها من زيدٍ» يقتضي أنّها كانت في يده بحقٍّ. و قوله: «و ملكها لعمرو»

ص: 428


1- العزيز شرح الوجيز 340:5، روضة الطالبين 25:4.
2- العزيز شرح الوجيز 340:5، روضة الطالبين 25:4.
3- العزيز شرح الوجيز 340:5، روضة الطالبين 25:4.

لا ينافي ذلك؛ لأنّه يجوز أن يكون في يده بإجارةٍ أو وصيّةٍ، فإذا سلّمها إلى زيدٍ و ادّعاها عمرو، كانت الخصومة بين زيدٍ و عمرو، و لم تُقبل شهادة المُقرّ؛ لأنّه غاصب، فلا تُقبل شهادته لعمرو.

إذا ثبت هذا، فهل يغرم المُقرّ لعمرو؟ للشافعيّة طريقان:

أحدهما: إنّه على القولين [فيما](1) إذا قال: غصبتُها من زيدٍ لا بل من عمرو.

و أصحّهما عندهم: القطع بأنّه لا يغرم؛ لأنّ الإقرارين هناك متنافيان، و الإقرار الأوّل مانع من الحكم بالثاني، و هنا لا منافاة؛ لجواز أن يكون الملك لعمرو و قد يكون في يد زيدٍ بإجارةٍ أو رهنٍ أو وصيّةٍ بالمنافع، فيكون الأخذ منه غصباً منه(2).

و نقل بعض الشافعيّة عن الشافعي قولاً واحداً، و هو عدم الغرم، بخلاف ما إذا قال: هذه الدار لزيدٍ لا بل لعمرو، حيث يغرم؛ لأنّه أقرّ للثاني بما أقرّ به للأوّل، و يعارض إقراره، و في صورة النزاع لا منافاة بين إقراريه(3) ، و ليس الثاني رجوعاً عن الأوّل، فلم يلزمه ضمان به، و يكون القولُ قولَ زيدٍ؛ لأنّ له يداً فيها(4).

و لو أخّر ذكر الغصب فقال: هذه الدار ملكها لعمرو و غصبتُها من زيدٍ، فللشافعيّة طريقان:

منهم مَنْ قال: لا فرق بين أن يقدّم الغصب و بين أن يؤخّره؛ لأنّهما5.

ص: 429


1- بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «كما». و الظاهر ما أثبتناه.
2- العزيز شرح الوجيز 342:5، روضة الطالبين 52:4.
3- في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «إقراره». و المثبت هو الصحيح.
4- راجع: الوسيط 352:3-353، و البيان 441:13، و المغني 289:5.

لا يتنافيان، فتُسلّم إلى زيدٍ، و لا يغرم لعمرو.

و منهم مَنْ قال: إذا أقرّ بالملك لعمرو، لم يُقبل إقراره باليد لزيدٍ، و وجب تسليمه إلى عمرو.

و في الغرم لزيدٍ القولان(1).

قيل: إذا غرّمنا المُقرّ - في الصورة السابقة - للثاني فإنّما نغرّمه القيمة؛ لأنّه أقرّ له بالملك، و هنا جعلناه مُقرّاً باليد دون الملك، فلا وجه لتغريمه القيمة، بل القياس أن يسأل عن يده أ كانت بإجارةٍ أو رهنٍ أو غيرهما؟ فإن أسندها إلى الإجارة، غرم قيمة المنفعة. و إن أسندها إلى الرهن، غرم قيمة المرهون ليتوثّق به زيد، و كأنّه أتلف المرهون. ثمّ إن وفّى الدَّيْن من موضعٍ آخَر، فتردّ القيمة عليه(2).

مسألة 983: لو قال: هذه الدار غصبتُها من زيدٍ لا بل من عمرو، أو قال: غصبتُ هذه الدار من زيدٍ و غصبها زيد من عمرو،

أو قال: هذه الدار لزيدٍ لا بل لعمرو، فإنّه تُسلّم الدار إلى زيدٍ المُقر له أوّلاً في المسائل الثلاث.

و هل يغرم المُقرّ القيمةَ لعمرو؟ الأقرب: الغرم - و هو أصحّ قولَي الشافعيّة، و به قال أحمد بن حنبل(1) - لأنّه حالَ بين عمرو و بين داره بإقراره الأوّل لزيدٍ، و الحيلولة سبب الضمان كالإتلاف، فإنّه لو غصب عبداً فأبق في يده ضمنه.

ص: 430


1- الحاوي الكبير 39:7، المهذّب - للشيرازي - 352:2، بحر المذهب 257:8، الوسيط 352:3-353، الوجيز 201:1، حلية العلماء 360:8، التهذيب - للبغوي - 255:4، البيان 440:13، العزيز شرح الوجيز 340:5-341، روضة الطالبين 51:4، المغني 288:5، الشرح الكبير 330:5 و 332.

و كذا لو شهد اثنان على شخصٍ بأنّه أعتق عبده ثمّ رجعا عن الشهادة بعد الحكم بالعتق، فإنّهما يغرمان القيمة لمولاه؛ لأنّهما حالا بينه و بين عبده بشهادتهما، كذا هنا.

و الثاني: إنّه لا يغرم؛ لأنّه أقرّ للثاني بما عليه، و إنّما منع الحكم من قبوله، و ذلك لا يوجب الضمان عليه، و لأنّ الإقرار للثاني صادف ملك الغير، فلا يلزمه شيء، كما لو أقرّ لعمرو بالدار التي هي في يد زيدٍ(1).

و قطع بعض الشافعيّة في الصورة الثالثة - و هي ما إذا قال: هذه الدار لزيدٍ لا بل لعمرو - بعدم الغرم؛ لأنّه لم يُقرّ بجنايةٍ في مال الغير، بخلاف الصورتين الأُوليين، فإنّه أقرّ فيهما بالغصب، فضمن لذلك(2).

و قال أبو حنيفة: إذا قال: غصبتُ هذه الدار من فلان لا بل من فلان، غرم للثاني. و لو قال: هذه لفلان لا بل لفلان، لا يغرم للثاني، و تُدفع إلى الأوّل. و فرّق بأنّ الغصب سبب الضمان، فإذا أقرّ به لزمه، فأمّا إقراره فليس بسببٍ للضمان(3).

و قد اختلفت الشافعيّة في موضع القولين حيث ثبتا(4) ، فقال بعضهم:

إنّهما مخصوصان بما إذا انتزعها الحاكم من يد المُقرّ و سلّمها إلى زيدٍ، فأمّا».

ص: 431


1- الحاوي الكبير 39:7، المهذّب - للشيرازي - 352:2، بحر المذهب 257:8، الوسيط 353:3، حلية العلماء 360:8، التهذيب - للبغوي - 255:4، البيان 440:13، العزيز شرح الوجيز 340:5-341، روضة الطالبين 51:4، المغني 288:5، الشرح الكبير 332:5.
2- البيان 440:13، العزيز شرح الوجيز 341:5، روضة الطالبين 51:4.
3- بحر المذهب 258:8، حلية العلماء 361:8، العزيز شرح الوجيز 341:5، المغني 288:5.
4- في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «بينا». و الظاهر ما أثبتناه من «العزيز شرح الوجيز».

إذا سلّمها المُقرّ بنفسه إليه غرم لعمرو، بلا خلافٍ بينهم(1).

و قال آخَرون منهم بجريان الخلاف؛ لأنّ سبب انتزاع الحاكم أيضاً إقراره، فتسليم الحاكم بمنزلة تسليمه بنفسه(2).

مسألة 984: إذا باع عيناً و أقبضها المشتري و استوفى الثمن، ثمّ قال:

قد كنتُ بعتُه من فلان أو غصبتُه، لم يُقبل قوله على المشتري.

و هل يغرم القيمة للمُقرّ له ؟ للشافعيّة طريقان:

أحدهما: إنّه على القولين.

و أصحّهما عندهم: القطع بالغرم؛ لتفويته عليه بتصرّفه و تسليمه، و لأنّه استوفى عوضه، و للعوض مدخل في الضمان، أ لا ترى أنّه لو غرّ بحُرّيّة أمة، فنكحها و أحبلها ثمّ أجهضت بجناية جانٍ، يغرم المغرور الجنينَ لمالك الجارية(3) ؛ لأنّه يأخذ الغرّة أو دية الجنين، و لو سقط ميّتاً من غير جنايةٍ لا يغرم(4).

و يبنى على هذا الخلاف أنّ مدّعي العين المبيعة هل له دعوى القيمة على البائع مع بقاء العين في يد المشتري ؟ إن قلنا: لو أقرّ يغرم القيمة، فله دعواها، و إلّا فلا.

و لو كانت في يد إنسانٍ عينٌ فانتزعها منه مُدّعٍ بيمينه [بعد نكول](5)

ص: 432


1- الحاوي الكبير 39:7، حلية العلماء 361:8، البيان 440:13-441، العزيز شرح الوجيز 341:5، روضة الطالبين 51:4.
2- الحاوي الكبير 39:7، حلية العلماء 361:8، البيان 441:13، العزيز شرح الوجيز 341:5، روضة الطالبين 51:4.
3- في النسخ الخطّيّة: «الأمة» بدل «الجارية».
4- بحر المذهب 258:8، حلية العلماء 361:8، البيان 441:13، العزيز شرح الوجيز 341:5، روضة الطالبين 51:4.
5- بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «فقد يكون». و ذلك تصحيف.

صاحب اليد ثمّ جاء آخَر يدّعيها، هل له طلب القيمة من الأوّل ؟ إن قلنا:

النكول و ردّ اليمين كالبيّنة، فلا، كما لو كان الانتزاع بالبيّنة. و إن جعلناها كالإقرار، ففي سماع دعوى الثاني عليه القيمةَ الخلافُ.

مسألة 985: لو قال: غصبتُ هذه العين من أحدكما، صحّ الإقرار على ما تقدّم

(1) ، فيُطالَب بالتعيين، فإن عيّن أحدهما سُلّمت إليه.

و هل للثاني تحليفه ؟ يبنى على أنّه لو أقرّ للثاني هل يغرم له القيمة ؟ إن قلنا: لا، فلا، و إن قلنا: نعم، فنعم؛ لأنّه ربما يُقرّ له إذا عُرضت اليمين عليه، فيغرم. فعلى هذا إن(2) نكل رُدّت اليمين على الثاني، فإذا حلف فليس له إلّا القيمة.

و منهم مَنْ قال: إن قلنا: إنّ النكولَ و ردَّ اليمين كالإقرار من المدّعى عليه، فالجواب كذلك، أمّا إذا قلنا: إنّه كالبيّنة، فتُنتزع الدار من الأوّل ثمّ تُسلّم إلى الثاني، و لا غرم عليه للأوّل، و على هذا فله التحليف(3).

و إن قلنا: لا يغرم القيمة لو أقرّ للثاني طمعاً في أن ينكل، فيحلف المدّعي و يأخذ العين.

و إن قال المُقرّ: لا أدري من أيّكما غصبتُ، و أصرّ عليه، فإن صدّقاه فالعين موقوفة بينهما حتى يتبيّن المالك أو يصطلحا.

و كذا لو كذّباه و حلف لهما على نفي العلم.

ص: 433


1- في ص 379، المسألة 942.
2- في النسخ الخطّيّة: «لو» بدل «إن».
3- العزيز شرح الوجيز 342:5-343، روضة الطالبين 52:4-53.

ص: 434

الفصل الخامس: في الإقرار بالنسب

اشارة

و فيه قسمان:

القسم الأوّل: الإقرار بالولد
اشارة

القسم الأوّل(1): الإقرار بالولد.

مسألة 986: يشترط في المُقرّ بالنسب مطلقاً أن يكون بالصفات المعتبرة في المُقرّين،
اشارة

كما سبق(2) ، فإذا أقرّ بمَنْ يلحق النسب بنفسه و هو الولد، اشترط فيه أُمور:

الأوّل: أن لا يكذّبه الحسّ بأن يكون ما يدّعيه ممكناً،

فلو كان في سنٍّ لا يتصوّر أن يكون ولداً للمُقرّ بأن يكون أكبر منه في السنّ أو مساوياً له أو أصغر بقدر ما لا يولد لمثله، فلا اعتبار بإقراره.

و لو قدمت امرأة من بلد كفرٍ و معها صبي فادّعاه رجل من المسلمين، فإن احتُمل أنّه خرج إليها و أنّها قدمت قبل ذلك، لحقه، و إن لم يُحتمل ذلك لم يلحقه.

الثاني: أن لا يكذّبه الشرع بأن يكون المستلحَق معروفَ النسب من غيره؛

لأنّ النسب الثابت من شخصٍ لا ينتقل إلى غيره.

و لا فرق بين أن يصدّقه المستلحَق أو يكذّبه.

و لو نفى نسب ولده باللعان، فاستلحقه آخَر، ففي صحّة استلحاقه إشكال ينشأ: من أنّه أقرّ بنسبٍ لا منازع له فيه فيلحق به، و من أنّ فيه شبهةً للمُلاعِن.

ص: 435


1- يأتي القسم الثاني في ص 453.
2- في ص 251 و ما بعدها.
الثالث: أن يصدّقه المُقرّ له إن كان من أهل التصديق بأن يكون بالغاً عاقلاً،

فلو ادّعى بنوّة بالغٍ رشيدٍ فكذّبه لم يثبت النسب، إلّا أن يقيم عليه بيّنةً، فإن لم تكن بيّنةٌ حلف المنكر، فإن حلف سقطت دعواه، و إن نكل حلف المدّعي و يثبت نسبه.

و كذا لو قال رجل لآخَر: أنت أبي، فالقول قول المنكر مع يمينه.

فإن استلحق صغيراً، ثبت نسبه حتى يرث منه الصغير لو مات، و يرث المُقرّ لو مات الصغير. و لا اعتبار بتصديقه و تكذيبه حالة الصغر.

و لو استلحق صغيراً فلمّا بلغ كذّبه، فالأقرب: إنّه لا اعتبار بالتكذيب، و لا يندفع النسب؛ لأنّ النسب ممّا يحتاط له، فإذا حُكم بثبوته لم يتأثّر بالإنكار، كما لو ثبت بالبيّنة، و هو أظهر قولَي الشافعيّة.

و الثاني: إنّه يندفع النسب، و يبطل إقراره؛ لأنّا إنّما حكمنا به حين لم يكن إنكار، فإذا تحقّق الإنكار لم يثبت(1).

و المعتمد: الأوّل.

و على ما اخترناه لو أراد المُقرّ به تحليفه ينبغي أن لا يُمكَّن منه؛ لأنّه لو رجع لم يُقبل، فلا معنى لتحليفه.

أمّا لو استلحق مجنوناً فأفاق و أنكر، فالأقرب: أنّه كالصغير.

و للشافعيّة وجهان كالوجهين في الصغير(2).

الرابع: أن لا ينازعه في الدعوى غيره.
مسألة 987: لو استلحق صبيّاً بعد موته و ادّعى بنوّته

و كان الصبي

ص: 436


1- الوجيز 202:1، الوسيط 357:3، التهذيب - للبغوي - 267:4، العزيز شرح الوجيز 353:5، روضة الطالبين 61:4.
2- التهذيب - للبغوي - 267:4، العزيز شرح الوجيز 353:5، روضة الطالبين 61:4.

مجهولَ النسب، لحق به، و ثبت نسبه، سواء كان ذا مال أو لا، و لا يُنظر إلى التهمة بطلب المال، بل يُورَّث؛ لأنّ أمر النسب مبنيّ على التغليب، و لهذا يثبت بمجرّد الإمكان، حتى أنّه لو قتله ثمّ استلحقه فإنّه يُقبل استلحاقه، و يُحكم بسقوط القصاص، و به قال الشافعي(1).

و قال أبو حنيفة: لا يلحقه، و لا يثبت نسبه به؛ لثبوت التهمة في حقّه(2).

و هو غلط؛ لأنّه لو كان حيّاً موسراً و المُقرّ فقيرٌ مُدْقعٌ(3) فإنّه يثبت نسبه بإقراره و إن كان متّهماً؛ لأنّه يتصرّف في ماله و ينفق منه على نفسه، كذا هنا.

و لو كان الميّت كبيراً فادّعى شخص أنّه ولده و كان الميّت مجهولَ النسب، فإشكال ينشأ: من أنّ شرط لحوق البالغ تصديقُه و لا تصديق هنا، و لأنّ تأخير الاستلحاق إلى الموت يوشك أن يكون خوفاً من إنكاره، و من أنّ التصديق إنّما يعتبر مع إمكانه، و هو ممتنع في طرف الميّت، كالصغير و المجنون، و لهذا يثبت نسبهما من غير تصديقٍ من جهتهما؛ لتعذّره، كذا هنا.

و للشافعيّة وجهان كهذين، و الثاني عندهم أظهر؛ لأنّا نمنع كون».

ص: 437


1- الحاوي الكبير 97:7، المهذّب - للشيرازي - 352:2، بحر المذهب 311:8، الوسيط 356:3، حلية العلماء 366:8، التهذيب - للبغوي - 267:4، البيان 448:13، العزيز شرح الوجيز 353:5، روضة الطالبين 61:4.
2- الحاوي الكبير 97:7، بحر المذهب 311:8، الوسيط 356:3، حلية العلماء 367:8، البيان 448:13، العزيز شرح الوجيز 353:5.
3- الدقعاء: عامّة التراب. و قيل: التراب الدقيق على وجه الأرض. و المُدقَع: الفقير الذي قد لصق بالتراب من الفقر. لسان العرب 89:8 «دقع».

التصديق شرطاً على الإطلاق، بل هو شرط إذا كان المستلحَق أهلاً للتصديق، و التهمة غير معتبرة هنا؛ فإنّ النسب لا يُلتفت فيه إلى التهمة على ما تقدّم في الفقير إذا استلحق صبيّاً موسراً(1).

و يجري الوجهان فيما إذا استلحق مجنوناً طرأ جنونه بعد ما بلغ عاقلاً(2).

مسألة 988: يشترط في الاستلحاق أن لا ينازع المُقرّ بالبنوّة آخَر،

فلو ازدحم اثنان فصاعداً على الاستلحاق، نُظر فإن كان المستلحَق بالغاً رشيداً ثبت(3) نسبه ممّن صدّقه، و إن كان صبيّاً لم يلحق بواحدٍ منهما، إلّا بالبيّنة أو القرعة.

و هل حكم المرأة في إقرارها بالولد حكم الرجل ؟ نظر. و كذا النظر لو أقرّ العبد.

و لو أقرّ رجل ببنوّة ولدٍ بينه و بين أُمّه مسافة لا يمكن الوصول في مثل عمر الولد إليها، لم يقبل.

و لو دخلت من أرض الروم أو غيرها من بلاد الكفر امرأة و معها صغير فأقرّ به رجل، أُلحق به مع الإمكان و عدم المنازع على ما قدّمناه بأن يمكن أنّه قد دخل دارهم أو دخلت هي إلى دار الإسلام، و إلّا فلا.

قالت الشافعيّة: و إن أمكن أن ينفذ إليها الماء و تستدخله في فرجها، لحق النسب، و لا اعتبار بقول الأطبّاء: إنّ الماء إذا برد لم يخلق منه الولد؛

ص: 438


1- المهذّب - للشيرازي - 352:2، بحر المذهب 311:8، الوسيط 356:3، الوجيز 202:1، حلية العلماء 366:8، التهذيب - للبغوي - 267:4، البيان 448:13، العزيز شرح الوجيز 353:5، روضة الطالبين 62:4.
2- العزيز شرح الوجيز 353:5، روضة الطالبين 62:4.
3- في الطبعة الحجريّة: «يثبت».

لأنّ ذلك مظنون، و البيض يبرد ثمّ يخلق منه الفرخ، فإذا كان النسب ممكناً ألحقناه به و إن كان خلاف الظنّ و الظاهر(1).

قالوا: و لا يجري هذا مجرى ما يقوله أبو حنيفة في [تزوّج](2) المشرقيّ بالمغربيّة(3) ؛ لأنّه لا يعتبر إمكان قطع المسافة، و ذلك خلاف القطع و اليقين دون الظاهر.

و لو استلحق صغيراً مجهولَ النسب، فكذّبته أُمّه و قالت: إنّه ليس لك بل لغيرك، فالأقرب: عدم الالتفات إلى تكذيب الأُمّ، و ثبوت النسب من جهته.

مسألة 989: لو أقرّ ببنوّة عبد الغير أو ببنوّة معتَقه، لم يلحق به إن كان صغيراً؛

محافظةً على حقّ الولاء للسيّد، بل يفتقر إلى البيّنة.

و إن كان بالغاً فصدّقه، فالأقرب: إنّه كذلك.

و لو استلحق عبداً في يده، نُظر فإن لم يوجد الإمكان بأن كان أكبر منه سنّاً، لم يلتفت إلى قوله، و إقراره باطل.

و إن أمكن إلحاقه به فإن كان مجهولَ النسب، لحقه إن كان صغيراً، و حُكم بعتقه.

و كذا إن كان بالغاً و صدّقه، و إن كذّبه لم يثبت النسب.

و الأقرب: عتقه؛ عملاً بإقراره بالنسب المتضمّن للعتق.

و يحتمل عدمه؛ لعدم ثبوت النسب الذي هو الأصل للعتق، و إذا لم يثبت الأصل لم يثبت التبع.

ص: 439


1- الحاوي الكبير 105:7، بحر المذهب 320:8.
2- ما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.
3- الحاوي الكبير 104:7، المغني 55:9، الشرح الكبير 65:9.

و لو كان العبد مشهورَ النسب بالغير، لم يثبت نسبه. و في العتق احتمال.

مسألة 990: إذا أقرّ بالولد و حصلت الشرائط، ثبت النسب بينه و بين الولد،

و كذا بين الولد و بين كلّ مَنْ يثبت بينه و بين الولد المشهور(1) ، و به قال الشافعي(2).

و حكي عن مالك: إنّه إن شاع بين الناس أنّه استلحق مَنْ ليس ولداً له، لم يلحقه و إن اجتمعت الشرائط التي تقدّمت(3).

و اعلم: أنّ انتفاء التكذيب في البالغ غير كافٍ في الالتحاق، بل المعتبر تصديقه، فلو أقرّ ببنوّة البالغ فسكت البالغ لم يثبت النسب، و لم يكن كافياً في الالتحاق، بل يعتبر أن يصدّقه.

و لو استلحق بالغاً عاقلاً فصدّقه الولد، ثبت النسب على ما قلناه.

فإن رجعا، فالأقرب: إنّه لا يسقط النسب؛ لأنّه يثبت بتصادقهما، و النسب المحكوم بثبوته لا يرتفع بالمواطأة و الاتّفاق على رفعه، كما لو ثبت بالفراش.

و يحتمل رفع النسب؛ لأنّه ثبت لا بالفراش، بل بمجرّد الإقرار، فإذا رجعا عنه وجب أن يبقى الأمر على ما كان عليه قبل الإقرار، كما لو أقرّ بمالٍ و رجع و صدّقه المُقرّ له.

و للشافعيّة وجهان(4) كالاحتمالين.

ص: 440


1- أي: المشهور النسب.
2- بحر المذهب 308:8، الوجيز 201:1، البيان 446:13، العزيز شرح الوجيز 352:5-353، روضة الطالبين 61:4.
3- العزيز شرح الوجيز 354:5.
4- المهذّب - للشيرازي - 352:2، حلية العلماء 367:8، التهذيب - للبغوي - 267:4، العزيز شرح الوجيز 354:5، روضة الطالبين 62:4.
مسألة 991: إذا كان له جارية ذات ولد فقال: هذا ولدي من هذه الجارية، ثبت نسبه مع الإمكان.

و هل تكون الجارية أُمَّ ولدٍ؟ فيه إشكال ينشأ: من إمكان استيلادها بالنكاح ثمّ ملكها بعد ذلك، فلا تكون أُمَّ ولدٍ، أو أنّه استولدها بشبهةٍ أو بإباحة المولى، فلا تكون أيضاً أُمَّ ولدٍ، و من أنّ الظاهر أنّه استولدها في الملك؛ لأنّه حاصل محقّق، و النكاح غير معلومٍ، و الأصل فيه العدم، و كذا الأصل عدم الشبهة و عدم الإباحة.

و للشافعي قولان(1) كهذين.

و للمسألة خروج ظاهر عند الشافعيّة على قولَي تقابل الأصل و الظاهر.

و ما الأظهر من الخلاف في المسألة ؟

قال جماعة منهم: إنّ الثاني أظهر، و هو ظاهر نصّ الشافعي في المختصر.

لكنّ الأوّل أقرب إلى القياس، و أشبه بقاعدة الإقرار، و هي البناء على المتيقّن(2)(3).

و لو قال: إنّه ولدي منها ولدَتْه في ملكي، فهي أُمّ ولدٍ؛ لتصريحه بالولادة في الملك.

و للشافعيّة فيه طريقان:

ص: 441


1- العزيز شرح الوجيز 355:5، روضة الطالبين 63:4.
2- في «العزيز شرح الوجيز» و نسخة بدل في هامش «ج»: «اليقين».
3- العزيز شرح الوجيز 355:5، روضة الطالبين 63:4.

أحدهما: القطع بثبوت أُمّيّة الولد؛ لتصريحه بالولادة في الملك.

و أصحّهما عندهم: إنّه على القولين؛ لاحتمال أن يحبلها قبل الملك بالنكاح ثمّ يشتريها فتلد في الملك(1). و لا بأس به عندي.

و لو قال: إنّه ولدي استولدتها به في ملكي، أو عَلِقَتْ في ملكي، فهي أُمّ ولدٍ قطعاً، و انقطع الاحتمال.

و كذا لو قال: هذا ولدي منها و هي في ملكي منذ عشر سنين، و كان الولد ابنَ سنةٍ.

هذا كلّه مفروض فيما إذا لم تكن الأمة مزوّجةً و لا فراشاً عند الشافعي(2) ، أمّا إذا كانت مزوّجةً لم ينسب الولد إلى السيّد، و لم يعتد باستلحاقه؛ للحوقه بالزوج.

و إن كانت فراشاً له، فإن أقرّ بوطئها فالولد يلحقه بحكم الفراش لا بالإقرار عند الشافعي(3)، فلا يعتبر فيه إلّا الإمكان.

و لا فرق في الإقرار بالاستيلاد بين أن يكون في الصحّة أو في المرض؛ لأنّ إنشاءه نافذ في الحالين.

مسألة 992: لو كان له جاريتان لكلّ واحدةٍ منهما ولد، فقال: ولد إحداهما ولدي، فللأمتين أحوال:

أ - أن لا تكون واحدة منهما مزوّجةً و لا فراشاً للسيّد، فيؤمر بالتفسير و التعيين، كما لو أقرّ بطلاق إحدى امرأتيه، فإذا عيّن أحدهما ثبت نسبه، و كان حُرّاً و ورثه.

ثمّ إن صرّح بأنّه استولد أمةً في النكاح، لم تصر أُمَّ ولدٍ.

ص: 442


1- العزيز شرح الوجيز 355:5. (2 و 3) العزيز شرح الوجيز 355:5، روضة الطالبين 63:4.

و إن أضافه إلى وطئ شبهةٍ، فكذلك على الأقوى.

و للشيخ رحمه الله فيه قول(1).

و للشافعيّة قولان(2).

و لو قال: استولدتها بالزنا، مفصولاً عن الاستلحاق، لم يُقبل، و لحق به النسب؛ عملاً بأوّل كلامه.

و في حُرّيّته إشكال، الأقرب: ذلك.

و في أُمّيّة الولد للشافعيّة قولان، كما إذا أطلق الاستلحاق(3).

و إن وصله باللفظ، قال بعض الشافعيّة: لا يثبت النسب و لا أُمّيّة الولد(4).

و ينبغي أن يخرّج ذلك عندهم على [قولَي](5) تبعيض الإقرار(6).

و قد سبق(7) البحث في مثله.

إذا ثبت هذا، فإنّ الولد الآخَر يكون رقّاً.

و كذا لو كانا من أمةٍ واحدة.

و لو ادّعت الأمة الأُخرى أنّ ولدها هو الذي استلحقه، و أنّها التي استولدها، فالقول قول السيّد مع يمينه؛ لتمسّكه بالأصل، و كذا لو بلغ الولد3.

ص: 443


1- المبسوط - للطوسي - 46:3.
2- الحاوي الكبير 33:7، بحر المذهب 253:8 و 321، العزيز شرح الوجيز 356:5، روضة الطالبين 63:4.
3- العزيز شرح الوجيز 356:5، روضة الطالبين 63:4.
4- التهذيب - للبغوي - 275:4، العزيز شرح الوجيز 356:5، روضة الطالبين 63:4.
5- بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «قول». و ما أثبتناه كما في المصدر.
6- العزيز شرح الوجيز 356:5، روضة الطالبين 63:4.
7- في ص 402، المسألة 963.

و ادّعى، فإن نكل السيّد حلف المدّعي، و قُضي بمقتضى يمينه.

و لو مات السيّد قبل التعيين قام ورثته مقامه في التعيين عند الشافعيّة(1).

و الأقرب عندي: القرعة.

فإن عيّن الورثة، كان حكمُ تعيينهم حكمَ تعيين المولى في النسب و الحُرّيّة و الإرث عندهم(2).

و تكون أُمّ المعيّن مستولدةً إن ذكر السيّد ما يقتضي الاستيلاد، و إلّا سُئلوا، و حكم بيانهم حكم بيان المورّث، فإن قالوا: لا نعلم أنّه استولدها، فعلى الخلاف فيما إذا أطلق المستلحق استلحاقه.

و لو لم يكن وارثٌ أو قال الورثة: لا نعلم، حُكم بالقرعة قطعاً عندنا؛ لأنّه أمر مشتبه.

و قالت الشافعيّة: يُعرض الولدان على القافة، فأيّهما ألحقوه به لحق، و الحكم في النسب و الحُرّيّة و الإرث كتعيين المُورّث أو الوارث عندهم، و في الاستيلاد كما لو أطلق الاستلحاق(3).

قالت الشافعيّة: و يجوز ظهور الحال للقائف مع موت المستلحق بأن كان قد رآه، أو بأن يراه قبل الدفن، أو بأن يرى عصبته فيجد الشبه، فإن5.

ص: 444


1- بحر المذهب 321:8، الوسيط 357:3، حلية العلماء 376:8، التهذيب - للبغوي - 275:4-276، البيان 461:13، العزيز شرح الوجيز 356:5، روضة الطالبين 63:4.
2- بحر المذهب 321:8، البيان 461:13، العزيز شرح الوجيز 356:5، روضة الطالبين 63:4.
3- بحر المذهب 321:8، حلية العلماء 376:8، التهذيب - للبغوي - 276:4، البيان 461:13، العزيز شرح الوجيز 356:5.

عجزنا عن الاستفادة من القائف؛ لعدمه، أو لإلحاقه الولدين به أو نفيهما [عنه] أو أشكل الأمر عليه، أقرعنا بينهما لنعرف الحُرّ منهما(1).

فأمّا عندنا فإنّه يُحكم بالقرعة من رأس، و لا يُنتظر بلوغ الولدين - عندنا و عندهم(2) - حتى ينتسبا، بخلاف ما لو تنازع اثنان في ولدٍ و لا قائف هناك؛ لأنّ الاشتباه هاهنا في أنّ الولد أيّهما، فلو اعتبر الانتساب ربما ينسب كلّ واحدٍ منهما إليه، فلا يرتفع الإشكال.

و لا يُحكم عندهم لمن خرجت قرعته بالنسب و الميراث؛ لأنّ القرعة عندهم على خلاف القياس، و إنّما ورد الخبر(3) - عندهم - بها في العتق، فلا تُعمل في النسب و الميراث(4).

و عندنا أنّها تجري في كلّ أمرٍ مشكل بالنصّ عن الأئمّة عليهم السلام(5).

و مع القرعة عندهم هل يوقف نصيب ابنٍ بين مَنْ خرجت له القرعة و بين الآخَر؟ للشافعيّة وجهان، و الأظهر عندهم: إنّه يوقف(6).

و أمّا الاستيلاد فهو على التفصيل السابق.

و عندنا القرعة تنفذ في النسب و توابعه من الميراث و غيره.4.

ص: 445


1- بحر المذهب 321:8-322، التهذيب - للبغوي - 276:4، العزيز شرح الوجيز 356:5، روضة الطالبين 64:4.
2- التهذيب - للبغوي - 276:4، العزيز شرح الوجيز 356:5، روضة الطالبين 64:4.
3- أي خبر القرعة، راجع صحيح مسلم 1668/1288:3، و سنن ابن ماجة 2345/786:2، و سنن أبي داوُد 3958/28:4 و 3961، و سنن الترمذي 1364/645:3، و سنن البيهقي 285:10-286.
4- بحر المذهب 322:8، التهذيب - للبغوي - 276:4، البيان 461:13، العزيز شرح الوجيز 356:5، روضة الطالبين 64:4.
5- الفقيه 174/52:3، التهذيب 593/240:6، النهاية - للطوسي -: 346.
6- بحر المذهب 322:8، العزيز شرح الوجيز 357:5، روضة الطالبين 64:4.

و أمّا الاستيلاد فإن لم يوجد من السيّد ما يقتضيه، لم يثبت.

و إن وُجد، فهل تحصل أُمّيّة الولد في أُمّ ذلك الولد بخروج القرعة ؟ ذكر الجويني للشافعيّة وجهين.

ثمّ قال: المذهب أنّها لا تحصل؛ لأنّها تبع النسب، فإذا لم نجعله ولداً لم نجعلها أُمَّ ولدٍ.

و الذي أورده الأكثر أنّها تحصل؛ لأنّ المقصود العتق، و القرعة عاملة فيه، فكما تفيد حُرّيّته تفيد حُرّيّتها(1).

و هو الذي نذهب نحن إليه.

و هل يفتقر في إخراج الأُمّيّة لإحداهما إلى قرعةٍ أُخرى، أم تثبت بحكم القرعة الأُولى ؟ الأقوى عندي: الثاني - و هو قول أكثر الشافعيّة(2) - إذ لا يؤمن خروج القرعة على غير التي خرجت لولدها.

مسألة 993: كلّ موضعٍ يثبت الاستيلاد فيه فالولد حُرّ الأصل لا ولاء عليه، و كلّ موضعٍ لا يثبت فعليه الولاء،

إلّا إذا نسبه إلى وطئ شبهة و قلنا:

إنّها لا تصير أُمَّ ولدٍ له إذا مَلَكها بعد ذلك.

و إذا لم يثبت الاستيلاد و مات السيّد، ورث الولد أُمّه و عُتقت عليه، و هذا إذا تعيّن لا بالقرعة.

و إن كان معه وارثٌ آخَر، عُتق نصيبه عليه و لم يَسْرِ.

هذا كلّه حكم الحالة الأُولى في الأمتين، و [هي](3) أن لا تكونا مزوّجتين.

ص: 446


1- العزيز شرح الوجيز 357:5، روضة الطالبين 64:4.
2- العزيز شرح الوجيز 357:5.
3- بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «هو». و الصحيح ما أثبتناه.

ب: أن تكون الأمتان مزوّجتين، فإنّه لا يُقبل قول السيّد، و ولد كلّ أمةٍ ملحق بزوجها و إن كانتا فراشاً للسيّد، فإن كان قد أقرّ بوطئهما، لحقه الولدان بحكم الفراش.

ج: لو كانت إحداهما مزوّجةً، لم يتعيّن إقراره في الأُخرى، بل يُطالَب بالتعيين، فإن عيّن في ولد المزوّجة لم يُقبل، و إن عيّن في ولد الأُخرى قُبِل، و ثبت(1) نسبه.

و إن كانت إحداهما فراشاً له، لم يتعيّن إقراره في ولدها، بل يؤمر بالتعيين، فإن عيّن في ولد الأُخرى لحقه بالإقرار، و الولد الآخَر ملحق به بالفراش.

مسألة 994: لو كان له جارية لها ثلاثة أولاد، فقال: أحد هؤلاء الثلاثة ولدي،

و لم تكن الأمة مزوّجةً و لا فراشاً للسيّد قبل ولادتهم، عندهم(2) - فإنّها لو كانت مزوّجةً كان الولد للزوج و لم يلتفت إلى إقراره، و إن كانت موطوءةً للمولى ثبت الولد بالفراش، لا بالإقرار، عندهم(3) - فحينئذٍ يطالَب بالتعيين، فمَنْ عيّنه منهم فهو نسيب حُرّ وارث. و القول في الاستيلاد على التفصيل الذي مرَّ.

ثمّ إن عيّن الأصغر منهم، ثبت نسبه، و كان الأكبران رقيقين، و لكلّ واحدٍ منهما أن يدّعي أنّه الولد، و القول قول المنكر مع يمينه.

و إن عيّن الوسط، فالأكبر رقيق.

و أمّا الأصغر فمبنيّ على استيلاد الأمة، فإذا لم نجعلها مستولدةً فهو

ص: 447


1- في الطبعة الحجريّة: «يثبت».
2- بحر المذهب 323:8، العزيز شرح الوجيز 357:5، روضة الطالبين 64:4.
3- العزيز شرح الوجيز 355:5، روضة الطالبين 63:4.

رقيق كالأُمّ.

و إن جعلناها مستولدةً فيُنظر إن لم يدّع الاستبراء بعد الأوسط فقد صارت فراشاً له بالأوسط، فيلحقه الأصغر و يرثه.

و إن ادّعى الاستبراء، فيبنى على أنّ نسب ملك اليمين هل ينتفي بدعوى الاستبراء؟ و سيأتي الخلاف فيه في اللعان.

فإن قلنا: لا ينتفي، فهو كما لو لم يدّع الاستبراء. و إن قلنا: ينتفي، فلا يلحقه الأصغر.

و في حكمه للشافعيّة وجهان:

أظهرهما: إنّه كالأُمّ يُعتق بوفاة السيّد؛ لأنّه ولد أُمّ الولد، و أُمّ الولد إذا ولدت من زوج أو زنا عُتق ولدها بعتقها.

و الثاني: إنّه يكون قِنّاً؛ لأنّ ولد أُمّ الولد قد يكون كذلك، كما لو أحبل الراهن الجاريةَ المرهونة و قلنا: إنّها لا تصير أُمَّ ولدٍ له فبِيعت في الحقّ فولدت أولاداً ثمّ مَلَكها و أولادها، فإنّا نحكم بأنّها أُمّ ولدٍ له على الصحيح عندهم، و الأولاد أرقّاء لا يأخذون حكمها.

و أيضاً فإنّه إذا أحبل جاريةً بالشبهة ثمّ أتت بأولادٍ من زوج أو زنا ثمّ مَلَكها و أولادها، تكون أُمَّ ولدٍ على قولٍ، و الأولاد لا يأخذون حكمها، فإذا أمكن ذلك لم يلزم من ثبوت الاستيلاد أن يأخذ الولد حكمها بالشكّ و الاحتمال(1).

و لصاحب الوجه الأوّل أن يقول: الأولاد في الصورتين المذكورتين وُلدوا قبل الحكم بالاستيلاد، و الأصغر وُلد بعد الحكم بالاستيلاد.4.

ص: 448


1- العزيز شرح الوجيز 358:5، روضة الطالبين 65:4.

على أنّ بعض الشافعيّة حكى في صورة الرهن وجهاً: أنّ الأولاد يأخذون حكمها، و لا يبعد - عندهم - أن يجيء مثله في صورة الإحبال بالشبهة(1).

و قد ذكر بعضهم وجهاً آخَر فيما إذا لم يدّع الاستبراء: إنّه لا يثبت نسبه، و يكون حكمه حكمَ الأُمّ يُعتق بموت السيّد؛ لأنّ الاستبراء حصل بالأوسط(2).

و إن عيّن الأكبر، فالقول في حكم الأوسط و الأصغر كما ذكرناه في الأصغر إذا عيّن الأوسط.

و لو مات السيّد قبل التعيين، عيّن وارثه.

و يحتمل القرعة عندنا.

فإن لم يعيّن الوارث أو لم يكن، عُرضوا على القائف، عند الشافعي - و هو غلط عندنا - فإن تعذّر معرفة القائف، فالقرعة(3).

و نحن نقول بالقرعة ابتداءً لمعرفة الحُرّيّة و ثبوت الاستيلاد على ما سلف(4).

و اعترض المزني: بأنّ الأصغر حُرٌّ بكلّ حال عند موت السيّد؛ لأنّه إمّا أن يكون هو المُقرّ به، أو يكون ولدَ أُمّ الولد، و ولد أُمّ الولد يُعتق بموت السيّد - عندهم - و إذا كان حُرّاً بكلّ حال، وجب أن لا يدخل في القرعة(5).4.

ص: 449


1- العزيز شرح الوجيز 358:5، روضة الطالبين 65:4.
2- العزيز شرح الوجيز 358:5.
3- بحر المذهب 324:8-325، العزيز شرح الوجيز 358:5، روضة الطالبين 65:4.
4- في ص 444.
5- مختصر المزني: 115، الوسيط 359:3، العزيز شرح الوجيز 358:5، روضة الطالبين 65:4.

لكن عندنا لا يتحرّر ولد أُمّ الولد بموت السيّد.

قالوا: و إنّما لم يدخل في القرعة؛ لأنّه ربما تخرج القرعة على غيره، فيلزم إرقاقه(1).

و اختلف أصحاب الشافعي في الجواب عنه.

فقال بعضهم: إنّه حُرٌّ، و لا يدخل في القرعة ليرقّ إن خرجت لغيره، بل ليرقّ غيره إن خرجت عليه، و يقتصر العتق عليه(2).

و مَنَع آخَرون حُرّيّته [بناءً](1) على أنّها(2) و إن كانت أُمَّ ولدٍ فولد أُمّ الولد يجوز أن يكون رقيقاً(5). و هذا مذهبنا.

لكنّ الأظهر عندهم الأوّل(6).

و هو عين الوجه الأوّل المذكور فيما إذا عيّن الأوسط و ادّعى الاستبراء بعده و قلنا: إنّه ينتفي به النسب.

ثمّ إذا أقرعنا بينهم و خرجت القرعة لواحدٍ منهم فهو حُرٌّ.

و المشهور: إنّ النسب و الميراث لا يثبتان عندهم(7)، كما في المسألة الأُولى.

و حكي عن المزني أنّ الأصغر نسيب بكلّ حال؛ لأنّه بين أن يكون

هو المراد بالاستلحاق، و بين أن يكون ولد أمته التي صارت فراشاً له بولادة مَنْ قبله(8).

ثمّ جرى أصحاب الشافعي على دأبهم في الطعن على اعتراضاته4.

ص: 450


1- ما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.
2- في «ر» بدل «على أنّها»: «لأنّها». (5-8) العزيز شرح الوجيز 359:5، روضة الطالبين 65:4.

متبادرين.

و قال بعض الشافعيّة: لكنّ الحقّ المطابق لما تقدّم أن يُفرَّق بين ما إذا كان السيّد قد ادّعى الاستبراء قبل ولادة الأصغر، و بين ما إذا لم يدّعه، و يساعد(1) في هذه الحالة، و إذا ثبت النسب ثبتت الحُرّيّة لا محالة(2).

و حيث لا نحكم بثبوت النسب فهل يوقف الميراث ؟ فيه للشافعيّة وجهان:

أحدهما: نعم؛ لأنّا نتيقّن أنّ أحدهما ابنه و إن لم تُفد القرعة تعيينَه عندهم، فأشبه ما إذا طلّق إحدى امرأتيه و مات قبل البيان، حيث يوقف نصيب امرأةٍ.

و الثاني: لا؛ لأنّه إشكال وقع اليأس عن زواله، فأشبه ما إذا غرق المتوارثان و لم يعلم هل ماتا معاً أو على التعاقب، لا توريث و لا وقف.

و هذا أصحّ عند أكثر الشافعيّة(3).

و اختار المزني الوقفَ.

ثمّ اختلفت الرواية عنه في كيفيّته، ففي بعضها: إنّه إذا كان له ابن معروف النسب يُدفع إليه ربع الميراث، و يُدفع ربعه إلى الأصغر، و يوقف النصف. و في أُخرى: إنّه يُدفع نصف الميراث إلى معروف النسب، و يوقف النصف للمجهول(2).

و الرواية الأُولى مبنيّة على ما ذهب إليه المزني من أنّ الأصغر نسيب5.

ص: 451


1- أي يساعد المزني. (2 و 3) بحر المذهب 325:8-326، العزيز شرح الوجيز 359:5، روضة الطالبين 65:4.
2- بحر المذهب 326:8 و 327، حلية العلماء 379:8، العزيز شرح الوجيز 359:5.

بكلّ حال(1) ، فهو و المعروف ابنان يقيناً، فيُدفع النصف إليهما، و يوقف النصف بينهما و بين الأكبرين، فيجوز أن يكونا ابنين أيضاً، و يجوز أن يكون واحد منهما ابناً، و يجوز أن يكون الأوسطَ، دون الأكبر.

و الرواية الثانية اختيار منه للشافعي جواباً على أنّه لا يثبت نسب واحدٍ منهم على التعيين، لكن نعلم أنّ فيهم ابناً، فيوقف النصف له، و يُدفع النصف إلى الابن المعروف(2).

إذا عرفت هذا، فاعلم أنّ أبا حنيفة قال: إذا مات المُقرّ قبل البيان لم يُقرع، و يكون الأصغر حُرّاً كلّه، و يُعتق من الأوسط ثلثاه؛ لأنّه حُرٌّ في حالتين - و هُما: إذا عيّنه أو عيّن الأكبر - رقيق في حالةٍ واحدة - و هي: إذا عيّن الأصغر - و من الأكبر ثلثه؛ لأنّه حُرٌّ في حالةٍ واحدة - و هي: إذا عيّن فيه - رقيق في حالتين، و هُما: إذا عيّن الأوسط أو الأصغر.

قال: و يُعتق من الأُمّ ثلثاها؛ لأنّه قد عُتق ثلثا ولدها(3).

مسألة 995: إذا أقرّ ببنوّة صغيرٍ، لم يكن ذلك اعترافاً بزوجيّة الأُمّ،

سواء كانت أُمّه مشهورةً بالحُرّيّة أو بالزنا، أو غير مشهورةٍ بأحدهما؛ لأنّ الزوجيّة و النسب أمران متغايران غير متلازمين، فلا يدلّ أحدهما على الآخَر بالمطابقة و لا بالتضمّن و لا بالالتزام.

و خالف فيه أبو حنيفة، فقال: إن كانت أُمّه مشهورةً بالحُرّيّة كان الإقرار بالولد إقراراً بزوجيّة أُمّه، و إن لم تكن مشهورةً فلا(4).

ص: 452


1- راجع الهامش (8) من ص 450.
2- العزيز شرح الوجيز 359:5.
3- التهذيب - للبغوي - 277:4، العزيز شرح الوجيز 360:5.
4- مختصر اختلاف العلماء 1902/208:4، بحر المذهب 318:8، المغني 335:5-336، الشرح الكبير 286:5.

و لو عيّن أحد الولدين في الاستلحاق ثمّ اشتبه و مات، أو لم يعيّن و كانا من جاريةٍ له، استُخرج بالقرعة، و كان الآخَر رقّاً له، و يثبت الاستيلاد لأُمّ مَنْ أخرجته القرعة على ما تقدّم.

و لو كان للجاريتين زوجان، بطل إقراره.

و لو كان لإحداهما زوجٌ، انصرف الإقرار إلى ولد الأُخرى.

القسم الثاني: الإقرار بغير الولد من الأنساب.
اشارة

القسم الثاني(1): الإقرار بغير الولد من الأنساب.

مسألة 996: إذا أقرّ مَنْ يلحق النسب بغيره، مثل أن يقول: أخي، كان معناه أنّه ابن أبي أو ابن أُمّي.

و لو أقرّ بعمومة غيره، كان النسب ملحقاً بالجدّ، فكأنّه قال: ابن جدّي.

و يثبت النسب بهذا الإلحاق بالشرائط السابقة و بشروط أُخَر زائدة عليها:

أ: أن يصدّقه المُقرّ به أو تقوم البيّنة على دعواه و إن كان ولدَ ولدٍ.

ب: أن يكون الملحق به ميّتاً، فما دام حيّاً لم يكن لغيره الإلحاق به و إن كان مجنوناً.

ج: أن لا يكون الملحق به قد نفى المُقرّ به، أمّا إذا نفاه ثمّ استلحقه وارثه بعد موته، فإشكال ينشأ: من أنّه لو استلحقه المورّث بعد ما نفاه باللعان و غيره، لحق به و إن لم يرثه عندنا، و من سبق الحكم ببطلان هذا النسب، ففي إلحاقه به بعد الموت إلحاق عارٍ بنسبه، و شرط الوارث أن يفعل ما فيه حظّ المورّث، لا ما يتضرّر به.

و للشافعيّة فيه وجهان كهذين، لكنّ الأوّل عندهم أشبه(2) ، و هو

ص: 453


1- مرّ القسم الأوّل في ص 435.
2- العزيز شرح الوجيز 361:5، روضة الطالبين 66:4.

الأقوى عندي.

د: صدور الإقرار من الورثة الحائزين للتركة، فلو أقرّ الأجنبيّ لم يثبت به النسب.

و لو مات مسلم عن ابنٍ كافر أو قاتل أو رقيق، لم يُقبل إقراره عليه بالنسب، كما لا يُقبل إقراره عليه بالمال.

و لو كان له ابنان: مسلم و كافر، لم تعتبر موافقة الكافر.

و لو كان الميّت كافراً، كفى استلحاق الكافر عند العامّة(1).

و لا فرق في ثبوت النسب بين أن يكون المُقرّ به كافراً أو مسلماً.

مسألة 997: لو مات و خلّف ولداً فأقرّ ذلك الولد بابنٍ آخَر للميّت، ثبت نسبه.

و لو خلّف ابنين أو جماعة أولاد ذكور أو إناث أو ذكور و إناث، لم يكن بُدٌّ من اتّفاقهم جميعاً.

و كذا تعتبر موافقة الزوج و الزوجة؛ لأنّهما من الورثة، و هو قول أكثر الشافعيّة(2).

و فيه وجهٌ آخَر لهم: إنّه لا تعتبر موافقتهما له؛ لأنّ الزوجيّة تنقطع بالموت، و لأنّ المُقرّ به النسب، و لا شركة لهما فيه(3).

و يجري مثل هذا الخلاف في العتق(2).

ص: 454


1- العزيز شرح الوجيز 361:5، روضة الطالبين 66:4. (2 و 3) بحر المذهب 311:8، الوجيز 202:1، حلية العلماء 372:8، التهذيب - للبغوي - 268:4، العزيز شرح الوجيز 361:5، روضة الطالبين 66:4.
2- الوجيز 202:1، العزيز شرح الوجيز 361:5، روضة الطالبين 66:4.

و لو مات و خلّف بنتاً لا غير، ورثت الجميع عندنا.

فلو أقرّت بولدٍ آخَر ذكر أو أُنثى، ثبت النسب عندنا.

و فصّل الشافعيّة فقالوا: إن كانت حائزةً بأن كانت معتقةً ثبت النسب بإقرارها، و إن لم تكن حائزةً و وافقها الإمام فوجهان جاريان فيما إذا مات مَنْ لا وارث له، فألحق الإمام به مجهولاً(1).

و الخلاف مبنيّ عندهم على أنّ الإمام له حكم الوارث أو لا؟

قال بعض الشافعيّة: إنّه يثبت النسب بموافقة الإمام.

ثمّ هذا الكلام فيما إذا ذكر الإمام ذلك لا على وجه الحكم، أمّا إذا ذكره على وجه الحكم فإن قلنا: إنّه يقضي بعلم نفسه، ثبت النسب، و إلّا فلا(2).

و لا فرق عندهم بين أن تكون حيازة المُلحِق تركة المُلحَق به بواسطةٍ أو بغيرها بأن كان قد مات أبوه قبل جدّه و الوارث ابن الابن فلا واسطة(3).

مسألة 998: لو خلّف ابنين بالغين فأقرّ أحدهما بأخٍ ثالث، لم يستقل بالإقرار،

و لم يثبت النسب إن لم يوافقه الآخَر، و كان للثالث مشاركة المُقرّ في الميراث دون الآخَر.

و إنّما لم يثبت نسبه؛ لأنّ المنكر يُقدَّم قوله مع عدم البيّنة، فلا يثبت النسب بالنسبة إليه و لا بالنسبة إلى المُقرّ أيضاً؛ لأنّ النسب لا يتبعّض، بل يشارك بالنسبة إلى حصّة المُقرّ، فيأخذ ثلث ما في يده، و هو فضل ما في يد المُقرّ عن ميراثه.

و لا فرق بين أن يُقرّ أحدهما بأب أو أخ.

ص: 455


1- الوجيز 202:1-203، البيان 452:13، العزيز شرح الوجيز 361:5، روضة الطالبين 66:4-67. (2 و 3) العزيز شرح الوجيز 361:5، روضة الطالبين 67:4.

و نقل الجويني وجهاً آخَر: إنّه ينفرد، و يُحكم بثبوت النسب في الحال؛ لأنّ أمر النسب خطير، فالظاهر من حال كامل الحال من الورثة أنّه يعتني به و لا يجازف فيه(1).

و لو كان أحد الولدين صغيراً و أقرّ البالغ، فعلى ما اخترناه من عدم ثبوت النسب بقول الواحد - و هو قول أكثر الشافعيّة(2) - ينتظر بلوغ الصبي، فإذا بلغ و وافق البالغ ثبت النسب حينئذٍ.

و إن مات قبل البلوغ، فإن لم يكن الميّت قد خلّف سوى المُقرّ ثبت النسب، و لا يحتاج إلى تجديد الإقرار، و إن خلّف ورثةً سواه اعتبر موافقتهم.

فإن كان أحد الوارثين مجنوناً، فهو كما لو كان أحدهما صبيّاً.

مسألة 999: لو خلّف وارثين بالغين رشيدين فأقرّ أحدهما بوارثٍ ثالث و أنكر الآخَر،

قال الشافعي: الذي أحفظه من قول المدنيّين في مَنْ خلّف ابنين فأقرّ أحدهما بأخٍ: إنّ نسبه لا يلحق، و لا يأخذ شيئاً؛ لأنّه أقرّ له بمعنى إذا ثبت وَرِث و وَرَّث، فإذا لم يثبت بذلك عليه حقٌّ، لم يثبت له.

قال: و هذا أصحّ ما قيل عندنا(3).

و قد عرفت أنّ الذي نصير نحن إليه ثبوت الميراث بالنسبة إلى المُقرّ، فيأخذ ما فضل عن نصيبه ممّا في يده خاصّةً.

و أمّا عدم النسب فإجماعٌ؛ لأنّ النسب لا يتبعّض، فلا يمكن إثباته

ص: 456


1- العزيز شرح الوجيز 361:5-362.
2- الحاوي الكبير 98:7-99، بحر المذهب 313:8، العزيز شرح الوجيز 361:5، روضة الطالبين 67:4.
3- مختصر المزني: 114.

في حقّ المُقرّ دون المنكر، و لا يمكن إثباته في حقّهما؛ لأنّ شهادة الواحد لا يثبت بها نسب.

إذا عرفت هذا، فإنّ المُقرّ له يشارك المُقرّ في الميراث بالنسبة، فلو كان الميّت قد خلّف ابنين فأقرّ أحدهما بثالثٍ و أنكر الآخَر، فالتركة في قول المنكر نصفان بينه و بين المُقرّ، و في قول المُقرّ أثلاث و في يده النصف، فيدفع منه السدس الذي فضل في يده إلى الثالث، و يكون للمُقرّ الثلث، و للمنكر النصف، و للثالث السدس، عند علمائنا أجمع - و به قال مالك و ابن أبي ليلى(1) - لأنّه أقرّ بمالٍ تعلّق(2) بسببٍ لم يحكم ببطلانه، فوجب أن يلزمه المال، كما لو أقرّ ببيع شقصٍ له و أنكر المشتري و حلف، فإنّ الشفعة تثبت فيه. و كذا لو أقرّ بدَيْنٍ على أبيه و أنكره الآخَر.

و قال أبو حنيفة و أحمد(3): يأخذ الثالث نصف ما في يد المُقرّ(4).7.

ص: 457


1- الإشراف على نكت مسائل الخلاف 620:2-1058/621، عيون المجالس 1698:4-1196/1700، بداية المجتهد 356:2، المعونة 1256:2، الحاوي الكبير 87:7، بحر المذهب 309:8، حلية العلماء 368:8، البيان 450:13، العزيز شرح الوجيز 364:5، بدائع الصنائع 230:7، المغني 326:5، و 145:7، الشرح الكبير 204:7.
2- في «ج»: «يتعلّق». و في الطبعة الحجريّة: «متعلّق».
3- في المغني و الشرح الكبير و كذا العزيز شرح الوجيز نُسب إلى أحمد القول المنقول عن مالك... آنفاً، لاحظ الهامش التالي.
4- المبسوط - للسرخسي - 72:30، تحفة الفقهاء 203:3، بدائع الصنائع 230:7، الحاوي الكبير 87:7، بحر المذهب 309:8، حلية العلماء 368:8، البيان 450:13، العزيز شرح الوجيز 364:5، الإشراف على نكت مسائل الخلاف 1058/621:2، عيون المجالس 1196/1700:4، بداية المجتهد 356:2، المعونة 1256:2-1257، المغني 326:5، و 145:7، الشرح الكبير 205:7.

و قال الشافعي: ليس للمُقرّ له شيء من الميراث لا من حصّة المُقرّ و لا من أصل التركة - و به قال ابن سيرين - لأنّه أقرّ بنسبٍ لم يثبت، فوجب أن لا يثبت له ميراث، كما لو أقرّ بنسب معروف النسب(1).

و الملازمة ممنوعة، و الفرق ظاهر بين مشهور النسب و غيره.

مسألة 1000: لو أقرّ أحد الولدين الرشيدين بثالثٍ و أنكر الآخَر ثمّ مات المنكر و لم يخلّف إلّا أخاه المُقرّ، فالأقرب: إنّه يثبت النسب و الميراث

- و به قال الشافعيّة في أظهر الوجهين(2) - لأنّ جميع الميراث قد صار له.

و الثاني لهم: المنع؛ لأنّ إقرار الفرع مسبوق بإنكار الأصل(3).

و يجري هذا الخلاف فيما إذا خلّف المنكر غير المُقرّ وارثاً فأقرّ ذلك الوارث(4).

و الوجهان عند بعض الشافعيّة مبنيّان على الوجهين في استلحاق مَنْ

ص: 458


1- الأُمّ 225:6، مختصر المزني: 114، الحاوي الكبير 87:7، المهذّب - للشيرازي - 353:2، بحر المذهب 309:8، الوسيط 361:3، الوجيز 203:1، حلية العلماء 367:8، التهذيب - للبغوي - 274:4، العزيز شرح الوجيز 363:5، روضة الطالبين 68:4، بداية المجتهد 356:2، الإشراف على نكت مسائل الخلاف 1058/621:2، عيون المجالس 1196/1700:4، المغني 325:5، و 145:7، الشرح الكبير 205:7.
2- الحاوي الكبير 99:7، بحر المذهب 314:8، الوسيط 362:3، حلية العلماء 370:8-371، البيان 454:13، العزيز شرح الوجيز 362:5، روضة الطالبين 67:4.
3- الحاوي الكبير 99:7، بحر المذهب 314:8، الوسيط 362:3، حلية العلماء 371:8، البيان 454:13، العزيز شرح الوجيز 362:5، روضة الطالبين 67:4.
4- الوسيط 362:3، التهذيب - للبغوي - 271:4-272، العزيز شرح الوجيز 362:5، روضة الطالبين 67:4.

نفاه المورّث(1).

و لو أقرّ أحد الابنين و سكت الآخَر ثمّ مات الساكت و خلّف ابناً و أقرّ الابن، ثبت النسب قطعاً عندنا، و هو ظاهر.

و كذا عند الشافعي؛ لأنّ إقراره غير مسبوقٍ بتكذيب الأصل(2).

مسألة 1001: إذا مات و خلّف ابناً بالغاً رشيداً لا ولد له مشهور سواه، فأقرّ الابن بأُخوّة مجهول النسب

و أنكر المجهول نسب المعروف المُقرّ له، لم يلتفت إلى إنكاره، و لم يتأثّر بقوله نسب المشهور، و هو قول أكثر الشافعيّة(3).

و فيه وجهٌ آخَر لهم: إنّ المُقرّ يحتاج إلى البيّنة على نسبه؛ لأنّه قد اعترف بنسب المجهول و قد أنكر المجهول نسب المُقرّ، فالمجهول ثبت نسبه بإقرار المنفرد بالميراث.

لكنّ الأوّل أصحّ عندهم(4).

و في ثبوت نسب المجهول عند الشافعيّة وجهان:

المنع؛ لأنّ المُقرّ ليس بوارثٍ بزعمه.

و الثاني - و هو الأصحّ عندهم و عندنا - أنّه يثبت؛ لأنّا قد حكمنا بأنّه وارث حائز للتركة(5).

و لو أقرّ بأُخوّة مجهولٍ ثمّ إنّهما معاً أقرّا بثالثٍ و أنكر الثالث نسب الثاني، ففي سقوط نسب الثاني للشافعيّة وجهان، أصحّهما عندهم:

ص: 459


1- العزيز شرح الوجيز 362:5.
2- الوجيز 203:1، العزيز شرح الوجيز 362:5، روضة الطالبين 67:4.
3- التهذيب - للبغوي - 272:4، العزيز شرح الوجيز 362:5، روضة الطالبين 67:4.
4- العزيز شرح الوجيز 362:5، روضة الطالبين 67:4.
5- التهذيب - للبغوي - 272:4، العزيز شرح الوجيز 362:5، روضة الطالبين 67:4.

السقوط؛ لأنّه ثبت نسب الثالث، فاعتبر موافقته لثبوت نسب الثاني(1).

و لو أقرّ بأُخوّة مجهولَيْن و صدّق كلّ واحدٍ منهما الآخَر، ثبت نسبهما.

فإن كذّب كلّ واحدٍ منهما الآخَر، فللشافعيّة وجهان، أصحّهما عندهم: ثبوت النسبين؛ لوجود الإقرار ممّن يحوز التركة(2).

و إن صدّق أحدهما الآخَر و كذّبه الآخَر، ثبت نسب المصدِّق، دون المكذِّب.

هذا إذا لم يكن المجهولان توأمين، فإن كانا توأمين فلا أثر لتكذيب أحدهما الآخَر، فإذا أقرّ الوارث بأحدهما ثبت نسب كليهما.

مسألة 1002: لو أقرّ بنسب مَنْ يحجب المُقر - كما إذا مات عن أخٍ أو عمٍّ فأقرّ بابنٍ للميّت - فللشافعيّة وجهان:

أحدهما: إنّه لا يثبت نسبه، و إلّا لزم الدور؛ لأنّه لو ثبت لورث، و لو ورث لحجب المُقرّ، و لو حجب لخرج عن أهليّة الإقرار، فإذا بطل الإقرار بطل النسب.

و أصحّهما عندهم - و هو مذهبنا -: إنّه يثبت النسب؛ لأنّ ثبوت النسب بمجرّده لا يرفع الإقرار، و إنّما يلزم ذلك من التوريث(3) ، و سيأتي

ص: 460


1- المهذّب - للشيرازي - 353:2، بحر المذهب 315:8، حلية العلماء 371:8، التهذيب - للبغوي - 272:4، البيان 455:13، العزيز شرح الوجيز 362:5، روضة الطالبين 67:4.
2- بحر المذهب 315:8، التهذيب - للبغوي - 272:4، العزيز شرح الوجيز 362:5، روضة الطالبين 67:4-68.
3- هذا الوجه الأصحّ قد سقط من الطبع في «العزيز شرح الوجيز» و هو موجود في «فتح العزيز» المطبوع بهامش «المجموع» 201:11.

البحث فيه. ثمّ التوريث قد ينتفي لأسباب و توابع، فلا يبعد أن يكون هذا منها(1).

و عندنا أنّ المُقرّ به يرث، و سيأتي.

مسألة 1003: المُقرّ به لا يخلو إمّا أن يحجب المُقرّ عن الميراث، أو لا يحجب، أو يحجب بعض الورثة المُقرّين دون بعضٍ.

فإن لم يحجب المُقرّ، اشتركا في التركة على فريضة اللّه تعالى.

و لو أقرّ أحد الابنين المستغرقين بأخٍ و أنكر الآخَر، فالذي ذهبنا إليه أنّ المُقرّ به يرث السدس يأخذه من نصيب المُقرّ.

و ظاهر مذهب الشافعي - و هو منصوصة - أنّه لا يرث؛ لأنّ الإرث فرع النسب، و أنّه غير ثابتٍ كما سبق، و إذا لم يثبت الأصل لم يثبت الفرع(2).

و عن بعض الشافعيّة: إنّ المُقرّ به يرث، فيشارك المُقرّ فيما في يده.

و هو منسوب إلى ابن سريج، و به قال أبو حنيفة و مالك و أحمد(3). و قد تقدّم(4) بيانه.

ص: 461


1- الوسيط 363:3-364، الوجيز 203:1، حلية العلماء 372:8، العزيز شرح الوجيز 362:5-363، روضة الطالبين 68:4.
2- المهذّب - للشيرازي - 353:2، الحاوي الكبير 87:7، بحر المذهب 309:8، الوسيط 361:3، البيان 449:13، العزيز شرح الوجيز 363:5، روضة الطالبين 68:4، الإشراف على نكت مسائل الخلاف 1058/621:2.
3- العزيز شرح الوجيز 363:5، روضة الطالبين 68:4، الحاوي الكبير 87:7، بحر المذهب 309:8، الوسيط 361:3، حلية العلماء 368:8، البيان 449:13، بدائع الصنائع 230:7، المبسوط - للسرخسي - 72:30، الإشراف على نكت مسائل الخلاف 620:2-1058/621، بداية المجتهد 356:2، المعونة 1256:2-1257، المغني 325:5، و 145:7، الشرح الكبير 204:7-205.
4- في ص 457، ضمن المسألة 999.
مسألة 1004: لو خلّف الميّت ابنين فقال أحدهما: فلانة بنت أبينا، و أنكر الآخَر، حرم على المُقرّ نكاحها و إن كان ذلك فرع النسب الذي لم يثبت.

و لو قال أحدهما: إنّ العبد الذي في التركة ابن أبينا، لم يثبت النسب؛ لعدم الاتّفاق.

لكنّ الأقرب: إنّه يُعتق؛ لإقراره بأنّه حُرٌّ، فيثبت عتق نصيبه، و لا يسري؛ لأنّه لم يباشر العتق، فلا يُقوَّم عليه.

و للشافعيّة في الحكم بعتقه وجهان(1).

و لو قال أحد شريكي العقار لثالثٍ: بعتُ منك نصيبي، فأنكر، لا يثبت الشراء.

و في ثبوت الشفعة للشريك خلاف.

و لو قال: لزيدٍ على عمرو كذا و أنا به ضامن، فأنكر عمرو، ففي مطالبة المُقرّ بالضمان خلاف.

و الأصحّ عند الشافعيّة: المطالبة(2).

و لو اعترف الزوج بالخلع و أنكرت المرأة، ثبتت البينونة و إن لم يثبت المال الذي هو الأصل.

فعلى ظاهر مذهب الشافعيّة هذه الأحكام في ظاهر الحكم، فأمّا في الباطن فهل على المُقرّ إذا كان صادقاً أن يشركه فيما في يده ؟ فيه وجهان:

أحدهما: لا، كما في الظاهر.

ص: 462


1- العزيز شرح الوجيز 363:5، روضة الطالبين 68:4.
2- العزيز شرح الوجيز 363:5، روضة الطالبين 68:4.

و الثاني: نعم - و هو الصحيح عندهم - لأنّه عالم باستحقاقه، فيحرم عليه منع حقّه منه(1).

و على هذا فبما يشركه ؟ فيه وجهان:

أحدهما: بنصف ما في يده؛ لأنّ قضيّة ميراث البنين التسويةُ، فلا يسلم لأحدهم شيء إلّا و يسلم للآخَر مثله، و الثالث بزعمهما غصبهما بعض حقّهما، و به قال أبو حنيفة.

و أصحّهما عندهم: ما ذهبنا نحن إليه، و هو قول مالك و أحمد: بثلث ما في يده؛ لأنّ حقّ الثالث بزعم المُقرّ شائع فيما في يده و ما في يد صاحبه، فله الثلث من هذا و الثلث من ذاك(2).

و يقال: الوجهان مبنيّان على القولين فيما إذا أقرّ أحد الابنين بدَيْنٍ على أبيه و أنكر الآخَر، هل على المُقرّ توفية جميع الدَّيْن ممّا في يده، أم لا يلزمه إلّا القسط؟ فإن قلنا بالثاني - و هو مذهبنا - لم يلزمه إلّا الثلث؛ لجَعْلنا الحقَّ الثابت بالإقرار شائعاً في التركة.

و لكلّ واحدٍ من الوجهين عبارة تجري مجرى الضابط لأخوات هذه الصورة.

فالعبارة على وجه النصف أنّا ننظر في أصل المسألة على قول المنكر و نصرف إليه نصيبه منها، ثمّ نقسّم الباقي بين المُقرّ و المُقرّ به، فإن انكسر صحّحناه بالضرب.

و أصل المسألة في الصورة التي نحن فيها اثنان على قول المنكر،7.

ص: 463


1- الحاوي الكبير 91:7، البيان 449:13-450، العزيز شرح الوجيز 363:5، روضة الطالبين 68:4.
2- الحاوي الكبير 92:7، البيان 450:13، العزيز شرح الوجيز 364:5، روضة الطالبين 68:4، و راجع بقيّة المصادر في الهامش (1 و 4) من ص 457.

ندفع إليه واحداً منهما، يبقى واحد لا ينقسم على اثنين، فنضرب اثنين في أصل المسألة، يكون أربعةً: سهمان منها للمنكر، و لكلّ واحدٍ من الآخَرين سهم.

و على الوجه الذي حكمنا فيه بالثلث نأخذ أصل المسألة على قول المنكر، و أصلها على قول المُقرّ، و نضرب أحدهما في الآخَر، و نقسّم الحاصل باعتبار مسألة الإنكار، فندفع نصيب المنكر منه إليه، ثمّ باعتبار مسألة الإقرار، فندفع نصيب المُقرّ منه إليه، و ندفع الباقي إلى المُقرّ به.

و مسألة الإنكار فيما نحن فيه من اثنين، و مسألة الإقرار من ثلاثة، فنضرب أحدهما في الآخَر يكون ستّةً: ثلاثة منها للمنكر، و سهمان للمُقرّ، و سهم للمُقرّ له.

و لو كانت المسألة بحالها و أقرّ أحد الابنين بآخَرين(1) ، فعلى الوجه الأوّل المسألة على قول المنكر من اثنين، ندفع نصيبه إليه، يبقى واحد لا ينقسم على ثلاثة، نضرب ثلاثة في اثنين، يكون ستّةً: ثلاثة منها للمنكر، و لكلّ واحدٍ من الباقين سهم.

و على الوجه الثاني أصلها على قول المنكر من اثنين، و على قول المُقرّ من أربعة، نضرب أحدهما في الآخَر يكون ثمانيةً: أربعة منها للمنكر، و اثنان للمُقرّ، و لكلّ واحدٍ من المُقرّ بهما سهم(2).

و قال بعضهم: نصرف بالتوسّط بين الوجهين، و هو أن ننظر فيما حصل في يد المُقرّ أحصل بقسمةٍ أجبره المنكر عليها، أم بقسمةٍ هو مختار فيها؟5.

ص: 464


1- في «ج»: «بأخوين» بدل «بآخَرين».
2- العزيز شرح الوجيز 364:5.

أمّا على تقدير الإجبار: فالجواب ما ذكرنا في الوجه الثاني.

و أمّا على تقدير الاختيار: فننظر إن كان عالماً عند القسمة بأنّ معهما ثالثاً مستحقّاً، فالجواب ما ذكرناه في الوجه الأوّل؛ لأنّه متعدٍّ بتسليم نصف حصّة الثالث إليه، فيغرم ما حصل في يد صاحبه، كما يغرم الحاصل في يده.

و إن لم يكن عالماً حينئذٍ ثمّ علم، فوجهان، وُجّه أحدهما: بأنّه لا تقصير(1) منه، و الثاني: بأنّه لا فرق بين العلم و الجهل فيما يرجع إلى الغرم(2).

مسألة 1005: لو كان المُقرّ به ممّن يحجب المُقرّين عن الميراث أو بعضهم،

كما لو كان الوارث في الظاهر أخاً أو ابنَ عمّ أو معتقاً فأقرّ بابنٍ للميّت، حاز المالَ الابنُ بأجمعه، و لا شيء للمُقرّ.

و أمّا الشافعي فقال: إن لم يثبت نسبه فذاك، و إن ثبت ففي الميراث وجهان:

أحدهما: المنع، و هو الأظهر عندهم.

و الثاني: إنّه يرث - و به قال ابن سريج - و(3) يحجب المُقر(4) ، كما اخترناه نحن.

ص: 465


1- في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «لا يقتص» بدل «لا تقصير». و المثبت كما في المصدر.
2- العزيز شرح الوجيز 364:5-365.
3- في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «أو» بدل «و». و المثبت هو الصحيح.
4- المهذّب - للشيرازي - 353:2، بحر المذهب 316:8، حلية العلماء 372:8، البيان 456:13، العزيز شرح الوجيز 365:5، روضة الطالبين 68:4، المغني 330:5.

و منعوا لزوم بطلان الإقرار من حرمانه، و قالوا: المعتبر كونه وارثاً لو لا إقراره، و ذلك لا ينافي خروجه عن الوارثيّة بالإقرار، كما أنّ المعتبر كونه حائزاً للتركة لو لا إقراره، و ذلك لا ينافي خروجه عن كونه حائزاً بالإقرار، فلا جرم لو أقرّ الابن الحائز للتركة في الظاهر بأُخوّة غيره قُبِل و تشاركا في الإرث، كذا هنا(1).

و لو خلّف بنتاً هي معتقة فأقرّت بأخٍ، ورثا عندنا جميعَ المال.

و للشافعيّة في ميراثه وجهان - تفريعاً على الوجه الأوّل في المسألة السابقة -:

أحدهما: يثبت و يكون المال بينهما أثلاثاً؛ لأنّ توريثه لا يحجبها.

و الثاني: لا؛ لأنّه يحجبها عن عصوبة الولاء، فصار كما لو خلّف بنتاً و معتقاً فأقرّا بابنٍ للميّت، لا يثبت الميراث؛ لحجبه المعتق(2).

و قد عرفت مذهبنا في ذلك.

و لو ادّعى مجهولٌ على أخ الميّت أنّه ابن الميّت فأنكر الأخ و نكل عن اليمين فحلف المدّعي اليمينَ المردودة، ثبت نسبه.

ثمّ إن جعلنا النكولَ و ردَّ اليمين كالبيّنة ورث و حجب الأخ، و إن جعلناهما كالإقرار ففيه الخلاف المذكور فيما إذا أقرّ الأخ به.

و لو مات عن بنتٍ و أُختٍ فأقرّتا بابنٍ للميّت، فعندنا لا اعتبار بإقرار الأُخت؛ إذ لا يثبت في حقّها؛ حيث إنّها لا ترث عندنا، و لا في حقّ البنت، لكنّ المعتبر إقرار البنت، فتُقسّم التركة أثلاثاً: للبنت الثلث، و للابن الثلثان.

ص: 466


1- العزيز شرح الوجيز 365:5، روضة الطالبين 68:4.
2- العزيز شرح الوجيز 365:5، روضة الطالبين 68:4.

أمّا العامّة فإنّهم حيث ورّثوا الأُخت هنا اعتبروا إقرارها.

ثمّ اختلف قول الشافعيّة.

فقال بعضهم: نصيب الأُخت يُسلّم إليها على الوجه الأظهر عندهم؛ لأنّه لو ورث الابن لحجبها.

و على الثاني يأخذ ما في يدها كلّه(1).

و كذا الحكم فيما لو خلّف زوجةً و أخاً فأقرّا بابنٍ، فعندنا للزوجة الثُّمن، و الباقي للابن.

و عند الشافعيّة للزوجة الربع على الوجه الأظهر عندهم، و هذا الابن لا ينقص حقّها، كما لا يسقط الأخ(2).

مسألة 1006: لو خلّف ابناً واحداً فأقرّ بآخَر، لم يثبت نسب الآخَر،

إلّا إذا صدّقه أو أقام البيّنة، و مع البيّنة يُحكم بالنسب مطلقاً، و مع التصديق يتوارثان بينهما، و لا يتعدّى التوارث إلى غيرهما.

و لو كان للمُقرّ به ورثة مشهورون، لم يُقبل إقراره في النسب و إن تصادقا، و كان له الميراث.

و لو أقرّ أحد الابنين ببنتٍ و أنكر الآخَر، دفع المُقرّ خُمْس ما في يده.

و لو أقرّا معاً، ثبت لها خُمْس الجميع.

و لو تناكر الابنان اللّذان أقرّ بهما الوارث دفعةً، لم يلتفت إلى تناكرهما، لكن لا يثبت النسب، و يأخذان الميراث.

مسألة 1007: لا يشترط في المُقرّ أن يكون جميعَ الورثة، عندنا،

بل لو أقرّ بعضهم دون بعضٍ لزم المُقرّ حكم إقراره في نصيبه، دون نصيب

ص: 467


1- العزيز شرح الوجيز 365:5، روضة الطالبين 69:4.
2- العزيز شرح الوجيز 365:5، روضة الطالبين 69:4.

الباقي، فلا يشترط إقرار جميع الورثة.

و لا يشترط عندنا عدد الشهادة، بل لو أقرّ واحد لزمه الحكم في نصيبه.

و قال الشافعي: يشترط إقرار جميع الورثة(1).

و قال أبو حنيفة: لا يشترط الجميع، بل عدد الشهادة شرط، فإذا لم يكن إلّا ابنٌ واحد لم يثبت النسب بإقراره(2).

فإذا خلّف بنين عدّة فأقرّ اثنان منهم، فإن كانا عَدْلين أُجيزت شهادتهما على باقي الورثة، و ثبت النسب و الميراث، و إن لم يكونا عَدْلين أخذ المُقرّ به من نصيبهما بالنسبة خاصّةً، و به قال مالك(3).

مسألة 1008: إقرار الورثة بزوجٍ أو زوجةٍ للميّت مقبولٌ، و يشارك المُقرّ به.

و لو أقرّ بعضهم، ثبت نصيبه عندنا خاصّةً بالنسبة إليه، دون باقي الورثة.

و للشافعي قولان في أنّه هل يُقبل إقرار جميع الورثة بالزوج أو

ص: 468


1- مختصر المزني: 114، الحاوي الكبير 92:7، بحر المذهب 308:8-309، حلية العلماء 372:8، التهذيب - للبغوي - 268:4، البيان 450:13، العزيز شرح الوجيز 361:5، روضة الطالبين 66:4، المغني 326:5-327، و 146:7، الشرح الكبير 201:7.
2- بدائع الصنائع 230:7، الحاوي الكبير 92:7، بحر المذهب 308:8، حلية العلماء 372:8، التهذيب - للبغوي - 268:4، البيان 450:13، العزيز شرح الوجيز 365:5-366، المغني 327:5، الشرح الكبير 289:5، و 201:7.
3- الحاوي الكبير 92:7، بحر المذهب 308:8، حلية العلماء 372:8، العزيز شرح الوجيز 366:5، المغني 327:5، و 146:7، الشرح الكبير 289:5، و 201:7.

الزوجة ؟ ففي الجديد - كما قلناه -: إنّه يُقبل. و في القديم قولٌ: إنّه لا يُقبل. فإن قبلنا فلو أقرّ أحد الابنين المستغرقين و أنكر الآخَر، فالتوريث على ما ذكرناه فيما إذا أقرّ أحدهما بأخٍ و أنكر الآخَر(1).

و لو قال ابن الميّت: فلان أخي، ثمّ فسّره بالأُخوّة من الرضاع أو في الدين، فالأقوى عندي: القبول؛ لاحتماله، و هو أعلم بمراده من لفظه.

و قال بعض الشافعيّة: لا يُقبل هذا التفسير؛ لأنّه خلاف الظاهر، و لهذا لو فسّر بأُخوّة الإسلام لم يُقبل(2).

و هو ممنوع.

و لو أقرّ على أبيه بالولاء، فقال: إنّه معتق فلان، ثبت الولاء عليه.

و شرط الشافعيّة أن يكون المُقرّ مستغرقاً، كالنسب(3).

و نحن لا نشترط ذلك.

مسألة 1009: قد بيّنّا أنّ المُقرّ به إذا كان بالغاً رشيداً افتقر المُقرّ إلى تصديقه، سواء كان المُقرّ به ولداً أو غيره.

و للشيخ رحمه الله قول: إنّ الولد الكبير لا يعتبر تصديقه، بل لو كذّب المُقرّ في إقراره ثبت نسبه، كالصغير(4).

و ليس بمعتمدٍ.

و لو أقرّ الأخوان بابنٍ للميّت و كانا عَدْلين، ثبت نسبه، و حاز الميراث، و لا دَوْر عندنا.

ص: 469


1- العزيز شرح الوجيز 366:5-367، روضة الطالبين 69:4.
2- بحر المذهب 318:8-319، العزيز شرح الوجيز 367:5، روضة الطالبين 69:4.
3- العزيز شرح الوجيز 367:5، روضة الطالبين 69:4.
4- المبسوط - للطوسي - 41:3.

و لو كانا فاسقين، أخذ الميراث، و لم يثبت النسب، و إنّما يثبت النسب بشهادة رجلين عَدْلين، و لا يُقبل فيه شاهد و امرأتان، و لا شهادة فاسقين و إن كانا وارثين.

و إذا أقرّ الولد بآخَر فأقرّا بثالثٍ، ثبت نسب الثالث إن كانا عَدْلين.

و لو أنكر الثالث الثاني، لم يثبت نسب الثاني، و أخذ السدسَ، و الثالثُ النصفَ، و الأوّل الثلثَ. فإن مات الثالث عن ابنٍ مُقرّ، دفع السدس إلى الثاني أيضاً.

و لو كان الأوّلان معلومَي النسب، لم يُلتفت إلى إنكاره لأحدهما، و كانت التركة أثلاثاً.

و لو أنكر الأوّل و كان معلومَ النسب، لم يُلتفت إلى إنكاره، و إلّا فله النصف، و للأوّل السدس إن صدّقه الثاني.

و لو أقرّ الوارث بمَنْ هو أولى منه، كان المال للمُقرّ له، فلو أقرّ العمّ بأخٍ سلَّم إليه التركة، فإن أقرّ الأخ بولدٍ سُلّمت التركة إلى الولد.

و لو كان المُقرّ العمَّ بعد إقراره بالأخ، فإن صدّقه الأخ فالمال للولد، و إن كذّبه فالتركة للأخ، و يغرم العمّ التركة للولد إن نفى وارثاً غيره، و إلّا ففيه إشكال.

مسألة 1010: لو أقرّ الأخ بولدٍ للميّت، فالمال للولد.

فإن أقرّ بآخَر فإن صدّقه الأوّل فالتركة بينهما، و إن كذّبه فالتركة للأوّل، و يغرم النصف للثاني.

و إن أنكر الثاني الأوّلَ فإن أقرّ بثالثٍ و كان الأوّل قد كذّب الثاني، فإن صدّقه الأوّل فللثالث نصف التركة، و إن كذّبه الأوّل في الثالث أيضاً غرم المُقرّ للثالث الثلثَ.

ص: 470

و لو أقرّ الأخ بولدٍ ثمّ أقرّ بآخَر أيضاً، فصدّقه الأوّل و أنكر الثاني الأوّلَ، فالتركة للثاني و لا غرم.

و لو أقرّت الزوجة أو الزوج لولد الميّت و هناك إخوة مشهورون، فإن صدّقهما الإخوة فللزوج أو الزوجة نصيبهما الأدنى، و الباقي للولد، و لا شيء للإخوة.

و كذا كلّ وارثٍ في الظاهر إذا أقرّ بمن هو أولى منه، دفع ما في يده إلى المُقرّ له، و إن أقرّ بمساوٍ فبالنسبة.

و إن كذّبهما الإخوة، فلهم النصف مع الزوج، و ثلاثة الأرباع مع الزوجة، و للزوج النصف يدفع نصفه إلى الولد، و للمرأة الربع تدفع نصفه إلى الولد.

مسألة 1011: لو أقرّ الأخ بولدين دفعةً فصدّقه كلّ واحدٍ عن نفسه خاصّةً، لم يثبت النسب،

و يثبت الميراث، فيأخذ كلّ واحدٍ النصفَ، و لو تناكرا بينهما لم يلتفت إلى تناكرهما.

و لو خلّف الميّت أخوين فأقرّ أحدهما بولدٍ و كذّبه الآخَر، أخذ الولد نصيبَ المُقرّ خاصّةً، فإن أقرّ المنكر بآخَر دفع إليه ما في يده.

و لو أقرّ بزوجٍ لذات الولد أعطاه ربع ما في يده، و لو لم يكن ولد أعطاه النصفَ.

فإن أقرّ بزوجٍ آخَر لم يُقبل، فإن كذّب إقراره الأوّل غرم للثاني ما دفع إلى الأوّل.

و هل يثبت الغرم بمجرّد الإقرار أو بالتكذيب ؟ الظاهر من كلام الأصحاب: الثاني.

و لو أقرّ بزوجةٍ لذي الولد أعطاها ثُمن ما في يده، و لو لم يكن ولد

ص: 471

أعطاها الربعَ.

فإن أقرّ بأُخرى فإن صدّقته الأُولى اقتسمتا، و إلّا غرم لها نصف ما أخذت الأُولى من حصّته.

و لو أقرّ بثالثةٍ أعطاها الثلث، فإن أقرّ برابعةٍ أعطاها الربع، فإن أقرّ بخامسةٍ لم يلتفت إليه على إشكالٍ.

فإن أنكر إحدى الأربع غرم لها ربع الثُّمْن أو ربع الربع.

و لو كان إقراره بالأربع دفعةً واحدة، ثبت نصيب الزوجيّة لهنّ، و لا غرم، سواء تصادقن أو لا.

مسألة 1012: لو أقرّ الأخ من الأب بأخٍ من الأُمّ، أعطاه السدس.

فإن أقرّ الأخ من الأُمّ بأخوين منها و صدّقه الأوّل، سلّم الأخ من الأُمّ إليهما ثلث السدس بينهما بالسويّة، و يبقى معه الثلثان، و سلّم إليهما الأخ من الأب سدساً آخَر.

و يحتمل أن يسلّم الأخ من الأُمّ الثلثين، و يرجع كلٌّ منهم على الأخ من الأب بثلث السدس.

و لو كذّبه فعلى الأوّل يكون للأوّل ثلثا السدس، و لهما الثلث، و على الثاني السدس بينهم أثلاثاً.

و لو أقرّ الولد بالزوجة أعطاها الثُّمْن، فإن أقرّ بأُخرى أعطاها نصف الثُّمْن إذا كذّبته الأُولى، فإن أقرّ بثالثةٍ فاعترفت الأُوليان بها و اعترفت الثانية بالأُولى، استعاد من الأُولى نصف الثُّمْن، و من الثانية سُدسَه، فيصير معه ثلثا الثُّمن يسلّم إلى الثالثة منه ثلثاً و يبقى له ثلثٌ آخَر.

ص: 472

و لو كان أحد المذكورين عبداً أو كافراً فأقرّ الحُرّ المسلم بآخَر فأُعتق العبد أو أسلم الكافر قبل القسمة، شارك، و إلّا فلا.

و لو كذّب بعد زوال المانع أو قبله الثاني، فلا شيء له، إلّا أن يرجع إلى التصديق.

و لو كان أحدهما غيرَ مكلّفٍ فأقرّ المكلّف بآخَر، عزل لغير المكلّف النصف، فإن اعترف بعد زوال المانع، دفع الفاضل عن نصيبه، و إن كذّب ملك المعزول.

و لو مات قبل الكمال و قد تخلّف السدس خاصّةً، فإن كان قد أفرزه الحاكم للإيقاف فهو للمُقرّ له، و إلّا فثلثاه.

مسألة 1013: لو أقرّ أحد الولدين بابنٍ فأنكر الثاني ثمّ مات المنكر عن ابنٍ مصدَّق، فالأقرب: ثبوت نسب العمّ.

و يحتمل العدم، لكن يأخذ من تركة الميّت ما فضل عن نصيبه.

و لو أقرّ الولد بزوجةٍ و للميّت أُخرى، فإن صدّقته الأُخرى فالثُّمن بينهما، و إلّا فللأُخرى، و لا غرم على إشكالٍ.

و لو أقرّ الأخ من الأُمّ بأخٍ إمّا من الأب أو من الأُمّ أو منهما، فكذّبه الأخ من الأب، فللمُقرّ حصّته كملاً.

و كذا لو أقرّ بأخوين من الأب أو منهما.

و لو كانا من الأُمّ فإنّه يدفع إليهما ثلث السدس؛ لاعترافه بأنّهما شريكان في الثلث، لكلٍّ منهما تُسْعٌ و في يده تُسْع و نصف تُسْعٍ، فيفضل في يده نصف تُسْعٍ.

و لو أقرّ الأخوان من الأُمّ بأخٍ منها، دفعنا إليه ثلث ما في يدهما،

ص: 473

سواء صدّقهما الأخ من الأب أو كذّبهما.

و لو أقرّ به أحدهما خاصّةً، دفع إليه ثلث ما في يده.

و لا اعتبار بتصديق الأخ من الأب أو تكذيبه، لكن لو صدّق و كان عَدْلاً كان شاهداً، فإن كان المُقرّ عَدْلاً ثبت النسب، و إلّا فلا.

** *

ص: 474

الفصل السادس: في اللواحق

مسألة 1014: لو كانت جارية في يد إنسانٍ فجاء غيره و قال له: بعتك هذه الجارية بكذا و سلّمتُها إليك فأدِّ الثمن،

و قال المتشبّث: بل زوّجتنيها على صداق كذا و هو علَيَّ، فإن جرى هذا التنازع و صاحب اليد لم يولدها، حلف كلّ واحدٍ منهما على نفي ما يدّعيه الآخَر؛ لأنّ كلّ واحدٍ منهما مُدّعٍ و قد اتّفقا معاً على إباحة الوطء، فإن حلفا سقط دعوى الثمن و النكاح، و لا مهر، سواء دخل بها صاحب اليد أو لم يدخل؛ لأنّه و إن أقرّ بالمهر لمن كان مالكاً(1) فهو منكر له، و تعود الجارية إلى المالك.

و في جهة رجوعها احتمال بين أنّها تعود إليه، كما يعود المبيع إلى البائع لإفلاس المشتري بالثمن، و بين أنّها تعود بجهة أنّها لصاحب اليد بزعمه، و هو يستحقّ الثمن عليه، و قد ظفر بغير جنس حقّه من ماله.

و للشافعيّة وجهان(2) كهذين.

فعلى هذا الثاني يبيعها و يستوفي ثمنها، فإن فضل شيء فهو لصاحب اليد، و لا يحلّ له وطؤها.

و على الأوّل يحلّ له وطؤها و التصرّف فيها، و لا بدّ من التلفّظ بالفسخ.

ص: 475


1- فيما عدا «ج» من النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «مالكها».
2- العزيز شرح الوجيز 347:5-348، روضة الطالبين 57:4.

و إن حلف أحدهما دون الآخَر، فإن حلف مدّعي الثمن على نفي التزويج و نكل صاحب اليد عن اليمين على نفي الشراء، حلف المدّعي اليمينَ المردودة على الشراء، و وجب الثمن.

و إن حلف صاحب اليد على نفي الشراء و نكل الآخَر عن اليمين على نفي التزويج، حلف صاحب اليد اليمينَ المردودة على النكاح، و حُكم له بالنكاح و بأنّ رقبتها للآخَر.

ثمّ لو ارتفع النكاح بطلاقٍ أو غيره، حلّت للسيّد في الظاهر، و كذا في الباطن إن كان كاذباً.

و عن بعض الشافعيّة: إنّه إذا نكل أحدهما عن اليمين المعروضة عليه، اكتفي من الثاني بيمينٍ واحدة يجمع فيها بين النفي و الإثبات(1).

و المشهور عند الشافعيّة: الأوّل(2).

مسألة 1015: لو جرى هذا التنازع و صاحب اليد قد أولدها، فالولد حُرٌّ،

و الجارية أُمّ ولدٍ له باعتراف المالك القديم و هو يدّعي الثمن، فيحلف صاحب اليد على نفيه، فإن حلف على نفي الشراء سقط عنه الثمن المدّعى.

و هل يرجع المالك عليه بشيء؟ فيه احتمال أن يرجع بأقلّ الأمرين من الثمن أو المهر؛ لأنّه يدّعي الثمن و صاحب اليد يُقرّ له بالمهر، فالأقلّ منهما [متّفق](1) عليه، و أن لا يرجع عليه بشيء؛ لأنّ صاحب اليد أسقط الثمن عن نفسه بيمينه، و المهر الذي يُقرّ به لا يدّعيه الآخَر، فلا يتمكّن من المطالبة به.

ص: 476


1- بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «متيقّن». و المثبت هو الصحيح.

و للشافعيّة(1) كهذين الاحتمالين.

و هل لصاحب اليد تحليف المالك على نفي الزوجيّة بعد ما حلف على نفي الشراء؟ فيه للشافعيّة وجهان:

أحدهما: لا؛ لأنّه لو ادّعى ملكها و تزويجها بعد اعترافه أنّها أُمّ ولدٍ للآخَر لا يُقبل منه فكيف يحلف على ما لو أقرّ به لم يُقبل!؟

و الثاني: نعم، طمعاً في أن ينكل فيحلف فيثبت له النكاح(2).

و لو نكل صاحب اليد عن اليمين على نفي الشراء، حلف المالك القديم اليمينَ المردودة، و استحقّ الثمن.

و على كلّ حال فالجارية مقرّرة في يد صاحب اليد و أنّها أُمّ ولده أو زوجته، و له وطؤها في الباطن، و في الحلّ ظاهراً وجهان للشافعيّة:

أظهرهما عندهم: الحلّ.

و وجه المنع: إنّه لا يدري أنّه أ يطأ زوجته أو أمته ؟ و إذا اختلفت الجهة وجب الاحتياط للبُضْع، كما قال الشافعي [فيما](3) إذا اشترى زوجته بشرط الخيار: إنّه لا يطأها في زمن الخيار؛ لأنّه لا يدري أ يطأ زوجته أو أمته ؟(4).

و اعتذر الجويني عن قول الشافعي هذا، و قال: ليس المنع من الوطء في هذه الصورة لاختلاف الجهة، بل لأنّ الملك في زمن الخيار للمشتري على قولٍ، و إذا ثبت الملك انفسخ النكاح، و الملك الثابت ضعيف لا يفيد4.

ص: 477


1- العزيز شرح الوجيز 348:5، روضة الطالبين 57:4.
2- العزيز شرح الوجيز 348:5، روضة الطالبين 58:4.
3- بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «إنّه» و المثبت من «العزيز شرح الوجيز».
4- العزيز شرح الوجيز 348:5-349، روضة الطالبين 58:4.

حلّ الوطء(1).

و نفقتها على صاحب اليد إن جوّزنا له الوطء، و إلّا فللشافعي قولان:

أحدهما: إنّها على المالك القديم؛ لأنّها كانت عليه، فلا يُقبل قوله في سقوطها و إن قُبِل فيما عليه، و هو زوال الملك و ثبوت الاستيلاد.

و أصحّهما عندهم: إنّها في كسب الجارية، و لا يُكلّف بها المالك القديم، كما لا يُكلّف نفقة الولد و إن كانت حُرّيّته مستفادةً من قوله أيضاً، فعلى هذا لو لم يكن لها كسبٌ كانت من محاويج المسلمين(2).

و لو ماتت الجارية قبل موت المستولد، ماتت قِنّةً، و للمالك القديم أخذ الثمن ممّا تركته من كسبها؛ لأنّ المستولد يقول: إنّها بأسرها له، و هو يقول: إنّها للمستولد و له عليه الثمن، فيأخذ حقّه منها، و الفاضل موقوف لا يدّعيه أحد.

و إن ماتت بعد موت المستولد، ماتت حُرّةً، و مالُها لوارثها النسيب، فإن لم يكن فهو موقوف؛ لأنّ الولاء لا يدّعيه واحد منهما، و ليس للمالك القديم أخذ الثمن من تركتها؛ لأنّ الثمن بزعمه على المستولد، و هي قد عُتقت بموته، فلا يؤدّى دَيْنه ممّا جمعَتْه بعد الحُرّيّة.

هذا كلّه فيما إذا أصرّا على كلاميهما، أمّا إذا رجع المالك القديم و صدّق صاحبَ اليد، لم يُقبل في حُرّيّة الولد و ثبوت الاستيلاد، فيكون اكتسابها له ما دام المستولد حيّاً، فإذا مات عُتقت، و كان اكتسابها لها.

و لو رجع المستولد و صدّق المالكَ القديم، لزم الثمن، و كان ولاؤها4.

ص: 478


1- العزيز شرح الوجيز 349:5.
2- العزيز شرح الوجيز 349:5، روضة الطالبين 58:4.

له.

مسألة 1016: إذا أقرّ الورثة بأسرهم بدَيْنٍ على الميّت أو بشيء من ماله للغير، كان مقبولاً؛

لأنّه كإقرار الميّت، و ذلك لأنّ الإقرار هنا في الحقيقة على أنفسهم؛ لانتقال التركة إليهم.

و لو أقرّ بعض الورثة عليه بدَيْنٍ و أنكر البعض، فإن أقرّ اثنان و كانا عَدْلين ثبت الدَّيْن على الميّت بشهادتهما.

و إن لم يكونا عَدْلين، نفذ إقرار المُقرّ في حقّ نفسه خاصّةً، و يؤخذ منه من الدَّيْن الذي أقرّ به بنسبة نصيبه من التركة، فإذا كانت التركة مائةً و نصيب المُقرّ خمسين فأقرّ الوارث بخمسين للأجنبيّ و كذّبه الآخَر الذي نصيبه أيضاً خمسون، أُخذ من نصيب المُقرّ خمسة و عشرون، و هو القدر الذي يصيبه من الدَّيْن؛ لأنّا نبسط جميع الدَّيْن على جميع التركة، و قد أصاب المُقرّ من التركة نصفها، فعليه نصف الدَّيْن - و به قال الشافعي في الجديد(1) - لأنّ الوارث لا يُقرّ بالدَّيْن على نفسه، و إنّما يُقرّ على الميّت بحكم الخلافة عنه، فلا ينفذ إقراره إلّا بقدر الخلافة، و لأنّ أحد الشريكين في العبد إذا أقرّ بجنايةٍ لم يلزمه إلّا بقدر حصّته، فكذا هنا.

و في قديم الشافعي: إنّ على المُقرّ توفيةَ جميع الدَّيْن من نصيبه من التركة، فإن كان وافياً، و إلّا صُرف جميع نصيبه في الدَّيْن - و به قال أبو حنيفة - لأنّ الدَّيْن مقدَّم على الميراث، فإذا أقرّ بدَيْنٍ على الميّت، لم يحل أخذ شيء من التركة ما بقي شيء من الدَّيْن - و به قال ابن سريج من الشافعيّة - لأنّ المُقرّ في نصيبه لا يقصر عن الأجنبيّ في جملة التركة،

ص: 479


1- الحاوي الكبير 103:7، المهذّب - للشيرازي - 355:2، بحر المذهب 329:8، حلية العلماء 380:8، البيان 445:13، العزيز شرح الوجيز 349:5، روضة الطالبين 58:4، مختصر اختلاف العلماء 1903/208:4.

و لو أقرّ أجنبيٌّ بدَيْنٍ في التركة يستغرقها، لزمه إقراره حتى لو وقعت التركة في يده يوماً من الدهر أُمر بصَرفها إلى ذلك الدَّيْن(1).

و هو غلط؛ لأنّ المُقرّ إنّما يمضى إقراره في حقّ نفسه، و الذي يصيبه من التركة نصفها، فكأنّه يقول: إنّه يستحقّ كذا من نصيبي و نصيب أخي، فينفذ في قدر نصيبه، و يكون ما عيّنه في نصيب أخيه لاغياً، بخلاف إقرار الأجنبيّ؛ لأنّ الأجنبيّ أقرّ باستحقاق الغير لهذه التركة، فإذا أخذ منها شيئاً وجب دفعه إلى المُقرّ له، بخلاف المتنازع؛ فإنّه أقرّ فيه بجزءٍ شائعٍ، فلزمه الدفع بالنسبة.

و اعلم: أنّ الخلاف هنا محمول على أنّ إقراره يُثبت جميع الدَّيْن على الميّت تبعاً لثبوته على المُقرّ، أم لا يُثبت إلّا حصّته ؟

و فائدته: التقدّم على الوصيّة، فعلى قولٍ: يتقدّم جميع الدَّيْن المُقرّ به على الوصايا. و على قولٍ: حصّته.

و المشهور: الأوّل عند الشافعيّة(2).

و على الجديد لو مات المنكر و وارثه المُقرّ، فهل يلزمه جميع المُقرّ به الآن ؟ فيه للشافعيّة وجهان، أصحّهما عندهم: نعم؛ لحصول جميع التركة في يده(3).

مسألة 1017: لو شهد بعض الورثة على المورّث بدَيْنٍ فإن كان عَدْلاً و كانا اثنين ثبت الدَّيْن، و لزم جميع الورثة أداؤه.

و إن لم يكونا عَدْلين مضى الإقرار في قدر نصيبهما بالنسبة من الدَّيْن

ص: 480


1- الحاوي الكبير 103:7؛ المهذّب - للشيرازي - 355:2، بحر المذهب 329:8، حلية العلماء 380:8، البيان 445:13، العزيز شرح الوجيز 349:5-350، روضة الطالبين 58:4، مختصر اختلاف العلماء 1903/208:4.
2- العزيز شرح الوجيز 350:5.
3- العزيز شرح الوجيز 350:5، روضة الطالبين 58:4.

عندنا.

و قالت الشافعيّة: إن قلنا: لا يلزمه بالإقرار إلّا حصّته، يُقبل. و إن قلنا:

يلزمه الجميع، لم يُقبل و إن كانا عَدْلين؛ لأنّه متّهم بإسقاط بعض الدَّيْن عن نفسه(1).

لكن لمّا لم نقل بهذا المذهب لم يلزمنا ذلك، كما اختاروه في الوجه الأوّل.

قالوا: و لا فرق بين أن تكون الشهادة بعد الإقرار أو قبله؛ لأنّه متّهم بالعدول عن طريق الإقرار إلى طريق الشهادة، و عليه إظهار ما على مورّثه بأحد الطريقين(2).

و عند أبي حنيفة إن شهد قبل الإقرار قُبِل، و إن شهد بعده لم يُقبل(1).

و لو كان في يد رجلين كيس فيه ألف دينار، فقال أحدهما لثالثٍ:

لك نصف ما في الكيس، فالأقرب: حمل إقراره على الإشاعة، و أنّ النصف المُقرّ به من جميع ما في الكيس، فإن وافقه شريكه دفعا النصف كملاً إلى المُقرّ له، و إن كذّبه في إقراره وجب على المُقرّ دفع نصف نصيبه، و هو الربع، و بطل في الربع الآخَر، و هو أحد قولَي الشافعيّة.

و الثاني: حمل إقراره على النصف الذي في يده بأجمعه، بناءً على القولين السابقين لهم، و بناءً على الخلاف فيما إذا أقرّ أحد الشريكين في العبد المشترك بالسويّة لآخَر بنصفه أنّه يُحمل على نصيبه أم يوزّع النصف المُقرّ به على النصفين ؟(4).

مسألة 1018: لو خلّف الميّت ابنين لا غير، فأقرّ أحدهما بأنّ أباه أوصى لزيدٍ بعشرة، فهو بمنزلة ما لو أقرّ عليه بدَيْنٍ،

يلزمه من الوصيّة

ص: 481


1- العزيز شرح الوجيز 350:5.

نصفها بالنسبة إلى ما في يده.

و على القديم للشافعي: تتعلّق كلّ العشرة بثلث نصيبه. و على الجديد: يتعلّق نصف العشرة بثلث نصيبه - و هو الذي اخترناه - و به قال أبو حنيفة(1) ، بخلاف ما قال في الإقرار بالدَّيْن(2).

و لو أقرّ أحدهما بأنّه أوصى بربع ماله، و أنكر الآخَر، فعلى المُقرّ أن يدفع ربع ما في يده إلى الموصى له.

و لو أقرّ بأنّه أوصى بعينٍ من أعيان أمواله، فإن لم يقتسما التركة فنصيب المُقرّ من تلك العين يصرف إلى الموصى له، و الباقي للمنكر.

و إن اقتسماها نُظر، فإن كانت تلك العين في يد المُقرّ فعليه دفعها إلى الموصى له، و الباقي للمنكر، و إن كانت في يد المنكر فللموصى له أخذ نصف القيمة من المُقرّ؛ لأنّه فوّته عليه بالقسمة.

و لو شهد المُقرّ للموصى له، قُبلت شهادته، و يغرم المشهود عليه نصف قيمة العين، كما لو خرج بعض أعيان التركة مستحقّاً.

مسألة 1019: لو قال لعبده: أعتقتك على ألف، و طالَب بالألف، فأنكر العبد و حلف، سقطت دعوى المال،

و يُحكم بعتق العبد؛ لإقراره، و كذا لو قال له: بعت منك نفسك بألف، و جوّزناه، و هو الصحيح من مذهب الشافعي(3).

و لو قال لوالد عبده: بعت منك ولدك بكذا، فأنكر و حلف، لم يجب الألف، و عُتق العبد باعتراف المولى و إقراره بصيرورته حُرّاً؛ لأنّه أقرّ بدخول العبد في ملك أبيه.

ص: 482


1- العزيز شرح الوجيز 350:5.
2- العزيز شرح الوجيز 350:5، روضة الطالبين 59:4.
3- العزيز شرح الوجيز 351:5، روضة الطالبين 59:4.

و لو قال: لفلانٍ عندي خاتم، ثمّ جاء بخاتم و قال: هذا هو الذي أقررتُ به، فالأقرب: وجوب التسليم عليه إلى المُقرّ له، و لو كذّبه المُقرّ له لم يجب، إلّا إذا طلبه بعد التكذيب و صدّقه.

و قد اختلف قول الشافعي هنا.

فقال في موضعٍ: يُقبل منه، و يجب عليه تسليمه للمُقرّ له.

و قال في موضعٍ آخَر: لا يلزمه التسليم.

قال أصحابه: الأوّل محمول على ما إذا صدّقه المُقرّ له، و الثاني على ما إذا قال: الذي أقررت به غيره و ليس هذا لي، فلا يسلّم ما جاء به إليه، و القول قول المُقرّ في نفي غيره(1).

مسألة 1020: قد بيّنّا أنّه إذا كان له جارية لها ولد، فقال: إنّ هذا ولدي من هذه الجارية، فإنّه يُطالَب بالبيان،

فإذا قال: استولدتها في ملكي، كان حُرَّ الأصل لا ولاء عليه، و كانت أُمُّه أُمَّ ولدٍ له تعتق بموته من نصيب ولدها عندنا، و من رأس مال الميّت عند العامّة.

قالوا: و يُقدّم ذلك على حقوق الغرماء؛ لأنّ الاستيلاد آكد من حقوقهم، فإذا أقرّ به قُدّم، أ لا ترى أنّه بعد الإقرار لا سبيل إلى إبطاله، بخلاف الديون(2).

و عندنا ليس كذلك، و سيأتي.

و إن قال: استولدتها في ملك الغير بشبهةٍ، فالولد حُرّ الأصل.

و هل تصير أُمُّه أُمَّ ولدٍ له ؟ قولان للشافعيّة سبقا(3).

ص: 483


1- العزيز شرح الوجيز 351:5، روضة الطالبين 59:4.
2- الحاوي الكبير 32:7، بحر المذهب 251:8.
3- في ص 443، ضمن المسألة 992.

و إن قال: استولدتها في ملك غيري بنكاحٍ، فإنّ الولد يكون حُرّاً بملكه إيّاه، و يثبت له عليه الولاء عند العامّة(1) ، و عندنا لا ولاء له عليه و لا لغيره، و لا تصير أُمَّ ولدٍ.

و إن لم يبيّن حتى مات، فالولد حُرٌّ، و لا يثبت عليه الولاء بالشكّ.

و اختلفت الشافعيّة في الجارية:

فمنهم مَنْ قال: لا يثبت لها حكم الاستيلاد بالشكّ، و تُباع في ديون الغرماء.

و منهم مَنْ قال: يثبت لها حكم الاستيلاد؛ لأنّ الولادة موجودة و ملكه عليها موجود، فالظاهر حصولها في الملك(2).

و الأقوى عندي: الأوّل.

مسألة 1021: قد بيّنّا أنّه إذا أقرّ للحمل، صحّ الإقرار على ما تقدّم من التفصيل فيه.

فإن ولدت واحداً، فالمال له.

و إن ولدت اثنين فإن كانا ذكرين أو أُنثيين، فالمال بينهما بالسويّة.

و إن كانا ذكراً و أُنثى فإن كان المال عن وصيّةٍ، كان بينهما بالسويّة.

و إن كان عن ميراثٍ، فللذكر ضِعْف الأُنثى، إلّا أن يكونا إخوةً من الأُمّ، فإنّه يستوي فيه الذكر و الأُنثى.

و إن أطلق المُقرّ، سئل عن ذلك، و رجع إلى بيانه.

و قال بعض الشافعيّة: إنّه إذا كان مطلقاً، كانا فيه سواءً(3).

ص: 484


1- الحاوي الكبير 32:7، بحر المذهب 252:8.
2- الحاوي الكبير 33:7، بحر المذهب 253:8.
3- الحاوي الكبير 35:7، بحر المذهب 254:8.

إذا ثبت هذا، فإنّ وليّ الصبي يُطالب المُقرّ بالمال و يقبضه له، و به قال الشافعي(1).

و اعترض المزني عليه: بأنّه خلاف قوله في الوكالة: «إذا أقرّ رجل بأنّ فلاناً الغائب وكّله في قبض دَيْنه و صدّقه مَنْ عليه الدَّيْن [أنّه](2) لا يلزمه دفعه إليه» و هذه المسألة تنافيها(3).

و أُجيب: بالفرق بين أن يُقرّ بأنّ هذا المال لزيدٍ و هذا وارثه، و بين الوكالة؛ لأنّ في الوكالة لا يتضمّن إقراره براءته، و هنا يتضمّن براءته؛ لأنّه يقول: ليس لهذا المال مستحقّ إلّا هذا الوارث الذي هو الصبي، فلزمه بإقراره دفع المال إليه أو إلى مَنْ ينوب عنه(4).8.

ص: 485


1- بحر المذهب 254:8.
2- بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «لأنّه». و المثبت هو الصحيح.
3- مختصر المزني: 112، الحاوي الكبير 36:7، بحر المذهب 254:8-255.
4- راجع الحاوي الكبير 36:7، و بحر المذهب 255:8.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.