تذكره الفقهاء المجلد 13

اشارة

سرشناسه : علامه حلي حسن بن يوسف ق 726 - 648

عنوان و نام پديدآور : تذكره الفقهاء/ تاليف العلامه الحلي الحسن بن يوسف بن المطهر؛ تحقيق موسسه آل البيت عليهم السلام لاحياآ التراث مشخصات نشر : قم موسسه آل البيت عليهم السلام لاحياآ التراث 1400ق = 1300.

مشخصات ظاهري : ج 22

فروست : (موسسه آل البيت عليهم السلام لاحياآ التراث 127؛ 129؛ 130134)

شابك : 964-5503-33-7 (دوره ؛ 964-5503-44-2 2900ريال (ج 4) ؛ 964-5503-46-9 (ج 6) ؛ 964-319-007-2 (ج 7) ؛ 964-319-224-5 8000ريال (ج 11)

يادداشت : عربي يادداشت : فهرست نويسي براساس جلد چهارم 1414ق = 1372

يادداشت : ج 1 (چاپ اول 1420ق = 1378)؛ 8000 ريال ج 1) :ISBN 964-319-197-4

يادداشت : ج 8 (چاپ اول 1417ق = 1376)؛ 6500 ريال ج )8ISBN 964-319-051-x

يادداشت : ج 9 (چاپ اول 1419ق = 1377)8000 ريال :(ج )9ISBN 964-319-008-0

يادداشت : ج 13 (چاپ اول 1423ق = 1381)9500 ريال :ISBN 964-319-389-6

يادداشت : كتابنامه مندرجات : (ج )7) ISBN 964-319-007-2 ج 12) 1422ق = 8500 :1380 ريال موضوع : فقه جعفري -- قرن ق 8

شناسه افزوده : موسسه آل البيت عليهم السلام لاحياآ التراث رده بندي كنگره : BP182/3 /ع8ت4 1300ي

رده بندي ديويي : 297/342

شماره كتابشناسي ملي : م 73-2721

ص: 1

اشارة

ص: 2

ص: 3

ص: 4

الجزء الثالث عشر

كتاب الديون و توابعها

اشارة

و فيه مقاصد:

المقصد الأوّل: في مطلق الدّين

الفصل الأول

مسألة 1: تكره الاستدانة كراهةً شديدة مع عدم الحاجة.

قال أمير المؤمنين (عليه السّلام): «إيّاكم و الدَّيْن فإنّه مذلّة بالنهار و مهمّة(1) بالليل، و قضاء في الدنيا و قضاء في الآخرة»(2).

و قال الصادق (عليه السّلام): «نعوذ باللّه من غلبة الدَّيْن و غلبة الرجال و بوار الأيِّم(3)»(4).

ص: 5


1- في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «و مذلّة» بدل «و مهمّة» و ما أثبتناه من المصدر. و همّه الأمر همّاً و مهمّةً: حزنه، كأهمّه فاهتمّ. القاموس المحيط 192:4.
2- الكافي 11/95:5، الفقيه 468/111:3، علل الشرائع 527 (الباب 312) الحديث 2.
3- أي: كسادها، من بارت السوق إذا كسدت، و الأيّم: التي لا زوج لها و هي مع ذلك لا يرغب فيها أحد. النهاية لابن الأثير 161:1 «بور».
4- التهذيب 377/183:6.

و قال معاوية بن وهب للصادق (عليه السّلام): إنّه ذُكر لنا أنّ رجلاً من الأنصار مات و عليه ديناران فلم يصلّ النبيّ (صلّى اللّه عليه و آله) عليه و قال: «صلّوا على صاحبكم» حتى ضمنهما بعض قرابته، فقال الصادق (عليه السّلام): «ذلك الحقّ» ثمّ قال: «إنّ رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) إنّما فعل ذلك ليتّعظوا، و ليردّ بعضهم على بعض، و لئلاّ يستخفّوا بالدين، و قد مات رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) عليه دَيْنٌ، و مات الحسن (عليه السّلام) و عليه دَيْنٌ، و قتل الحسين (عليه السّلام) و عليه دَيْنٌ»(1).

و قال الباقر (عليه السّلام): «كلّ ذنب يكفّره القتل في سبيل اللّه عزّ و جلّ إلّا الدَّيْن لا كفّارة له إلّا أداؤه أو يقضي صاحبه أو يعفو الذي له الحقّ»(2).

مسألة 2: و تخفّ الكراهة مع الحاجة، فإن اشتدّت، زالت.

و لو خاف التلف و لا وجه له إلّا الاستدانة، وجبت.

قال الرضا (عليه السّلام): «مَنْ طلب هذا الرزق من حلّه ليعود به على عياله و نفسه كان كالمجاهد في سبيل اللّه عزّ و جلّ، فإن غلب عليه فليستدن على اللّه عزّ و جلّ و على رسوله ما يقوت به عياله، فإن مات و لم يقضه، كان على الإمام قضاؤه، فإن لم يقضه، كان عليه وزره، إنّ اللّه تعالى يقول إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَ الْمَساكِينِ وَ الْعامِلِينَ عَلَيْها وَ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَ فِي الرِّقابِ وَ الْغارِمِينَ (3) فهو فقير مسكين مغرم»(4).

مسألة 3: و يكره له الانقطاع عن طلب الرزق و منع صاحب الديْن دَيْنه.

ص: 6


1- الكافي 2/93:5، التهذيب 378/184183:6.
2- الكافي 6/94:5، الخصال: 42/12، علل الشرائع: 528 (الباب 312) الحديث 4، التهذيب: 380/184.
3- التوبة: 60.
4- الكافي 3/93:5، التهذيب 381/184:6.

قال أبو تمامة(1) للجواد (عليه السّلام): إنّي أُريد أن ألزم مكة و المدينة و عليَّ دَيْنٌ فما تقول ؟ فقال: «ارجع إلى مؤدّى دَيْنك، و انظر أن تلقى اللّه عزّ و جلّ و ليس عليك دَيْنٌ، إنّ المؤمن لا يخون»(2).

مسألة 4: و لو احتاج إلى الديْن و كان له مَنْ يقوم مقامه في الأداء بعد موته، جاز له الاستدانة من غير كراهية.

و كذا إذا كان له وفاء، جاز له الاستدانة.

و لو لم يكن و تمكّن من سؤال الناس، كان أولى من الاستدانة.

قال سلمة: سألت الصادق (عليه السّلام): الرجل منّا يكون عنده الشيء يتبلّغ به و عليه دَيْنٌ، أ يطعمه عياله حتى يأتي اللّه عزّ و جلّ أمره فيقضي دَيْنه، أو يستقرض على ظهره في خبث الزمان و شدّة المكاسب، أو يقبل الصدقة ؟ قال: «يقضي ممّا عنده دَيْنه، و لا يأكل أموال الناس إلّا و عنده ما يؤدّي إليهم حقوقهم، إنّ اللّه تعالى يقول لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلاّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ (3) و لا يستقرض على ظهره إلّا و عنده وفاء، و لو طاف على أبواب الناس يردّوه(4) باللقمة و اللقمتين و التمرة و التمرتين إلّا أن يكون له وليّ يقضي من بعده، ليس منّا مَنْ يموت إلّا جعل اللّه عزّ و جلّ له وليّاً يقوم في عدته و دَينه فيقضي عِدته و دَيْنه»(5).

ص: 7


1- في الفقيه: «أبو ثمامة» بالثاء المثلّثة.
2- الكافي 9/94:5، الفقيه 472/112111:3، التهذيب 382/185184:6.
3- النساء: 29.
4- في المصدر: «فردّوه». و في «س»: «يردّونه».
5- التهذيب 383/185:6، الكافي 2/9695:5، و فيه عن سماعة، و بتفاوت في بعض الألفاظ فيهما.
مسألة 5: و يجب على المستدين نيّة القضاء؛ لأنّه واجب.

قال الصادق (عليه السّلام) «مَنْ كان عليه دَيْنٌ ينوي قضاءه كان معه من اللّه عزّ و جلّ حافظان يعينانه على الأداء عن أمامه(1) ، فإن قصرت(2) نيّته عن الأداء قصّرا عنه من المعونة بقدر ما نقّص من نيّته»(3).

إذا ثبت هذا، فإذا قضي الدَّيْن عن الميّت برئت ذمّته.

قال الوليد بن صبيح: جاء رجل إلى الصادق (عليه السّلام) يدّعي على المعلّى بن خنيس دَيْناً عليه و قال: ذهب بحقّي، فقال له الصادق (عليه السّلام): «ذهب بحقّك الذي قتله» ثمّ قال للوليد: «قُمْ إلى الرجل فاقضه حقّه فإنّي أُريد أن تبرد عليه جلدته(4) و إن كان بارداً»(5).

مسألة 6: و يكره النزول على المديون؛ لما فيه من الإضرار به، فإن فعل، فلا يزيد على ثلاثة أيّام؛

لأنّ الصادق (عليه السّلام) كره أن ينزل الرجل على الرجل و له عليه دَيْنٌ و إن كان وزنها(6) له ثلاثة أيّام(7).

و سأل سماعةُ الصادق (عليه السّلام) عن الرجل ينزل على الرجل و له عليه دَيْنٌ أ يأكل من طعامه ؟ قال: «نعم، يأكل من طعامه ثلاثة أيّام ثمّ لا يأكل بعد ذلك شيئاً»(8).

ص: 8


1- في المصادر: «أمانته» بدل «أمامه».
2- في «س» و التهذيب: «قصر».
3- الكافي 1/95:5، الفقيه 473/112:3، التهذيب 384/185:6.
4- في المصدر: «جلده».
5- الكافي 8/94:5، التهذيب 386/186:6 بتفاوت يسير.
6- في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «بديها» بدل «وزنها» و في الكافي «صرّها». و ما أثبتناه من التهذيب.
7- التهذيب 393/188:6، الكافي 102:5 (باب النزول على الغريم) الحديث 1.
8- الكافي 102:5 (باب النزول على الغريم) الحديث 2، الفقيه 491/115:3، التهذيب 463/204:6.

و في الصحيح عن الحلبي عن الصادق (عليه السّلام) أنّه كره للرجل أن ينزل غلى غريمه، قال: «لا يأكل من طعامه و لا يشرب من شرابه و لا يعلف(1) من علفه»(2).

مسألة 7: و لا ينبغي للرجل أن يحبس الدَّيْن عن صاحبه مخافة الفقر؛

لقول الباقر (عليه السّلام): «مَنْ حبس حقّ امرئ مسلم و هو يقدر أن يعطيه إيّاه مخافة إن خرج ذلك الحقّ من يديه أن يفتقر كان اللّه أقدر على أن يفقره منه أن يغني نفسه بحبس ذلك الحقّ»(3).

و ينبغي للمديون السعي في قضاء الدَّيْن، و أن يترك الإسراف في النفقة، و أن يقنع بالقصد، و لا يجب عليه أن يضيّق على نفسه، بل يكون بين ذلك قواماً.

و يستحبّ لصاحب الدَّيْن الإرفاق بالمديون، و ترك الاستقصاء في مطالبته و محاسبته؛ لما رواه حمّاد بن عثمان قال: دخل على الصادق (عليه السّلام) رجل من أصحابه فشكا إليه رجلاً من أصحابه، فلم يلبث أن جاء المشكو، فقال له أبو عبد اللّه (عليه السّلام): «ما لأخيك فلان يشكوك ؟» فقال له: يشكوني أن استقضيت حقّي، قال: فجلس مغضباً ثمّ قال: «كأنّك إذا استقضيت حقّك لم تسئ، أ رأيتك ما حكاه اللّه تعالى فقال يَخافُونَ سُوءَ الْحِسابِ (4) إنّما خافوا أن يجوز اللّه عليهم ؟ لا و اللّه ما خافوا إلاّ الاستقضاء، فسمّاه اللّه تعالى سوء الحساب، فمن استقضى فقد أساء»(5).

ص: 9


1- كذا، في المصدر: «و لا يعتلف».
2- التهذيب 465/204:6.
3- التهذيب 399/189:6.
4- الرعد: 21.
5- التهذيب 425/194:6.

و يستحبّ لصاحب الدَّيْن إبراء المديون إذا مات معسراً.

قال إبراهيم(1) بن عبد الحميد للصادق (عليه السّلام): إنّ لعبد الرحمن بن سيابة دَيْناً على رجل قد مات و كلّمناه على أن يحلّله فأبى، قال: «ويحه أما يعلم أنّ له بكلّ درهم عشرةً إذا حلّله، فإن لم يحلّله فإنّما له بدل درهم درهم(2)»(3).

و ينبغي لصاحب الدَّيْن احتساب ما يهديه إليه المديون ممّا لم تجر عادته بهديّة مثله له من الدَّيْن؛ لأنّ رجلاً أتى عليّاً (عليه السّلام)، قال: إنّ لي علي رجل دَيْناً فأهدى إليَّ، قال: قال: «احسبه من دَيْنك»(4).

مسألة 8: لو التجأ المديون إلى الحرم، لم تجز مطالبته فيه،

بل يُضيّق عليه في المطعم و المشرب إلى أن يخرج و يُطالب حينئذٍ، و كذا إن وجب عليه حدّ فالتجأ إليه؛ لقوله تعالى وَ مَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً (5).

و لأنّ سماعة بن مهران سأل الصادق (عليه السّلام): عن رجل لي عليه مال فغاب عنّي زماناً فرأيته يطوف حول الكعبة فأتقضاه ؟ قال: قال: «لا تسلّم عليه(6) و لا تروّعه حتى يخرج من الحرم»(7).

ص: 10


1- في النسخ الخطّيّة و الحجريّة بدل إبراهيم «أبو تميم» و هي تصحيف. و ما أثبتناه كما في المصدر.
2- في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «بدرهم» بدل «درهم» و ما أثبتناه كما في المصدر.
3- التهذيب 427/195:6.
4- الكافي 103:5 (باب هديّة الغريم) الحديث 1، التهذيب 404/19:6، الإستبصار 23/9:3.
5- آل عمران: 97.
6- في «ي»: «لا، و لا تسلّم عليه» و في الكافي بدون حرف الواو.
7- الكافي 241:4 (باب في مَنْ رأى غريمه في الحرم) الحديث 1، التهذيب 423/194:6.

أمّا لو استدان فيه، فالوجه: جواز المطالبة فيه، كالحدود.

و لو غاب المديون، قضى عنه وكيله إن كان له وكيل، و إلّا قضاه الحاكم؛ لما رواه محمّد بن مسلم عن الباقر (عليه السّلام) قال: «الغائب يقضى عنه إذا قامت البيّنة عليه، و يُباع ماله و يقضى عنه و هو غائب، و يكون الغائب على حجّته إذا قدم، و لا يدفع المال إلى الذي أقام البيّنة إلّا بكفلاء إذا لم يكن مليّاً»(1).6.

ص: 11


1- الكافي 102:5 (باب إذا التوى الذي..) الحديث 2، التهذيب 413/191:6.

الفصل الثاني: في القضاء

مسألة 9: يجب على المديون المبادرة إلى قضاء الدَّيْن،

و لا يحلّ تأخيره مع حلوله و تمكّنه من الأداء و مطالبة صاحب الدَّيْن، فإن أخّر و الحال هذه، كان عاصياً، و وجب على الحاكم حبسه؛ لأنّ الصادق (عليه السّلام) قال: «كان أمير المؤمنين (عليه السّلام) يحبس الرجل إذا التوى على غرمائه، ثمّ يأمر فيقسّم ماله بينهم بالحصص، فإن أبى باعه فقسّمه بينهم، يعني ماله»(1).

إذا ثبت هذا، فلو أصرّ على الالتواء، كان فاسقاً لا تُقبل شهادته، و لا تصحّ صلاته في أوّل الوقت، بل إذا تضيّق، و لا يصحّ منه فعل شيء من الواجبات الموسّعة المنافية للقضاء في أوّل أوقاتها، و كذا غير الديون من الحقوق الواجبة كالزكاة و الخمس و إن لم يطالب بها الحاكم؛ لأنّ أربابها في العادة مطالبون.

مسألة 10: لو مات المديون و لم يتمكّن من القضاء و لم يخلّف شيئاً البتّة،

لم يكن معاقباً إذا لم ينفقه في المعصية و كان في عزمه القضاء. و لو أنفقه في المعصية أو لم يكن في عزمه القضاء، كان مأثوماً.

قال عبد الغفّار الجازي: سألت الصادق (عليه السّلام): عن رجل مات و عليه دَيْنٌ، قال: «إن كان على بدنه أنفقه من غير فساد، لم يؤاخذه اللّه عزّ و جلّ إذا علم من نيّته الأداء إلّا مَنْ كان لا يريد أن يؤدّي عن أمانته فهو بمنزلة السارق، و كذلك الزكاة أيضاً، و كذلك مَن استحلّ أن يذهب بمهور

ص: 12


1- الكافي 102:5 (باب إذا التوى الذي..) الحديث 1، التهذيب 412/191:6، الاستبصار 15/7:3.

النساء»(1).

مسألة 11: إذا طُولب المديون بالدَّين الحالّ أو المؤجّل بعد حلوله و كان متمكّناً من القضاء، وجب عليه،

و يجب عليه دفع جميع ما يملكه، عدا دار السكنى و عبد الخدمة و فرس لا ركوب و قوت يوم و ليلة له و لعياله.

و لا يجوز بيع دار السكنى عند علمائنا أجمع خلافاً للعامّة - (2) لأنّ في ذلك إضراراً بالمديون؛ إذ لا بدّ له من مسكن، فإنّ الإنسان مدنيّ بالطبع لا يمكنه أن يعيش بغير مسكن، فأشبه النفقة التي تُقدم على الدَّيْن.

و قال زرارة للصادق (عليه السّلام): إنّ لي على رجل ديناً قد أراد أن يبيع داره فيعطيني، قال: فقال أبو عبد اللّه الصادق (عليه السّلام): «أُعيذك باللّه أن تخرجه من ظلّ رأسه، أعيذك باللّه أن تخرجه من ظلّ رأسه»(3).

و روى إبراهيم بن هاشم أنّ محمّد بن أبي عمير كان رجلاً بزّازاً فذهب ماله و افتقر، و كان له على رجل عشرة ألف(4) درهم فباع داراً له كان يسكنها بعشرة ألف(5) درهم، و حمل المال إلى بابه، فخرج إليه محمّد بن أبي عمير فقال: ما هذا؟ قال: هذا مالك الذي لك عليّ، قال: ورثته ؟ قال: لا، قال: وُهب لك ؟ قال: لا، قال: فهل هو ثمن ضيعة بعتها؟ قال: لا، قال: فما هو؟ قال: بعت داري التي أسكنها لأقضي دَيْني، فقال محمّد بن

ص: 13


1- التهذيب 411/191:6.
2- مختصر المزني: 104، الحاوي الكبير 328:6، التهذيب للبغوي 106:4، العزيز شرح الوجيز 22:5، روضة الطالبين 380:3، المغني 537:4، الشرح الكبير 536:4.
3- التهذيب 390/187:6، الاستبصار 13/6:3.
4- في المصدر: «آلاف».
5- في المصدر: «آلاف».

أبي عمير: حدّثني ذريح المحاربي عن الصادق (عليه السّلام) أنّه قال: «لا يخرج الرجل من مسقط رأسه بالدَّيْن» ارفعها فلا حاجة لي فيها، و اللّه إنّي لمحتاج في وقتي هذا إلى درهمٍ واحد، و ما يدخل ملكي منها درهم واحد(1).

و في وجهٍ لبعض الشافعية(2) مثل ما قلناه.

ثمّ اعترض العامّة على أنفسهم بأنّ مَنْ وجبت عليه الكفّارة لا يباع عليه مسكنه و خادمه، فما الفرق ؟ و أجابوا بأنّ حقوق اللّه تعالى وجبت على سبيل المساهلة و الرفق، و حقوق الآدميّين على سبيل المشاحّة. و لأنّ الكفّارة لها بدل ينتقل إليه، و الدَّيْن بخلافه. و لأنّ حقوق اللّه تعالى لم تجب على سبيل المعاوضة، و حقوق الآدميّين وجبت(3) على سبيل المعاوضة، فكانت آكد، و لهذا لو وجب حقّ اللّه تعالى على سبيل العوض مثل أن يتلف شيئاً من الزكاة، فإنّه يباع فيه مسكنه، و لهذا يباع مسكنه في نفقة الزوجة دون نفقة الأقارب(4).

و هو ممنوع، و لهذا جوّزنا له أخذ الزكاة مع المسكن و الخادم، فكان في حكم الفقير.

مسألة 12: و لو كانت دار غلّة، جاز بيعها في الدَّين كغيرها من أمواله؛

إذ لا سكنى فيها.

و قال مسعدة بن صدق: سمعت الصادق (عليه السّلام) و سُئل عن رجل عليه دَيْنٌ و له نصيب في دار و هي تغلّ غلّة فربما بلغت غلّتها قوته و ربّما لم تبلغ

ص: 14


1- الفقيه 501/118117:3، التهذيب 441/198:6.
2- الحاوي الكبير 328:6، العزيز شرح الوجيز 22:5، روضة الطالبين 380:3.
3- في «ي»: «تجب» بدل «وجبت».
4- راجع: الحاوي الكبير 328:6، و التهذيب للبغوي 106:4، و العزيز شرح الوجيز 22:5.

حتى يستدين، فإن هو باع الدار و قضى دَيْنه بقي لا دار له، فقال: «إن كان في داره ما يقضي به دَيْنه و يفضل منها ما يكفيه و عياله فليبع الدار، و إلّا فلا»(1).

مسألة 13: و كذا لا يباع خادمه إذا كان من أهل الإخدام؛

للحاجة إليه خلافاً للعامّة لما قلناه في الدار.

و لما رواه الحلبي في الحسين عن الصادق (عليه السّلام)(2) قال: «لا تباع الدار و لا الجارية في الدَّيْن، و ذلك أنّه لا بدّ للرجل من ظلٍّ يسكنه و خادم يخدمه»(3).

و فيه وجهٌ للشافعيّة: أنّه لا يباع إذا كان لائقاً به(4) ، كما اخترناه.

و في وجهٍ آخر: أنّه يباع هو و المسكن(5).

كما قلناه.

و ثالثٍ: أنّه يباع الخادم دون المسكن(6).

و كذا لا يباع عليه فرس الركوب.

و لو كان له خادمان، بيع أحدهما؛ لاندفاع الضرورة بالآخر.

و كذا لو كان سكناه فضلة يستغني عنها، وجب بيع تلك الفضلة؛

ص: 15


1- التهذيب 440/198:6، الإستبصار 16/7:3.
2- مختصر المزني: 104، الحاوي الكبير 328:6، التهذيب للبغوي 106:4، العزيز شرح الوجيز 22:5، روضة الطالبين 380:3.
3- الكافي 3/96:5، التهذيب 387/186:6، الاستبصار 12/6:3.
4- العزيز شرح الوجيز 22:5، روضة الطالبين 380:3.
5- مختصر المزني: 104، الحاوي الكبير 328:6، التهذيب للبغوي 106:4، العزيز شرح الوجيز 22:5، روضة الطالبين 380:3، منهاج الطالبين: 121.
6- العزيز شرح الوجيز 22:5، روضة الطالبين 380:3.

لعدم الضرورة إليها، و لحديث مسعدة، و قد سبق(1).

و لا يكلَّف بيع داره و شراء أدون إذا كانت داره بقدر كفايته. و كذا لا يكلّف بيع خادمه و شراء أدون، و لا بيع فرسه و شراء أدون، للأصل، و عموم النهي عن بيع هذه الأشياء.

قال ابن بابويه: كان شيخنا محمّد بن الحسن يروي أنّه إذا كانت الدار واسعةً يكتفي صاحبها ببعضها، فعليه أن يسكن منها ما يحتاج إليه، و يقضي ببعضها دَيْنه، و كذا إن كفته دار بدون ثمنها، باعها و اشترى من ثمنها داراً يسكنها، و يقضي بباقي الثمن دَيْنه(2).

نعم لو كانت دار السكنى و عبد الخدمة أو فرس الركوب أو ثوبه الذي يلبسه رهناً، جاز بيعه، كما أنّه لو باشر بيع هذه الأشياء باختياره، جاز قبض ثمنه كذا هنا.

مسألة 14: إذا غاب صاحب الدَّيْن، وجب على المديون نيّة القضاء إذا وجده،

و أن يعزل دَيْنه عند وفاته أو يوصي به ليوصل إلى مالكه إن وجد أو إلى وارثه.

و لو جهله، اجتهد في طلبه، فإن أيس منه، قيل: يتصدّق به عنه(3).

و إذا علم اللّه تعالى منه نيّة الأداء، لم يكن عليه إثم؛ لما رواه زرارة قال: سألت الباقر (عليه السّلام) [عن(4)] الرجل يكون عليه الدَّيْن لا يقدر على صاحبه و لا على وليّ له و لا يدري بأي أرض هو، قال: «لا جناح عليه بعد

ص: 16


1- في ص 6، صدر المسألة 12.
2- الفقيه 502/118:3.
3- قال به الشيخ الطوسي في النهاية: 307.
4- ما بين المعقوفين من المصدر.

أن يعلم اللّه تعالى منه أنّ نيّته الأداء»(1).

و سئل الصادق (عليه السّلام) عن رجل كان له على رجل حقٌّ ففُقد(2) و لا يدري أ حيّ هو أم ميّت و لا يعرف له وارث و لا نسيب(3) و لا بلد، قال: «اطلبه» قال: إنّ ذلك قد طال فأُصدّق به ؟ قال: «اطلبه»(4).

و هذه الرواية صحيحة السند، و هي تدلّ من حيث المفهوم على منع الصدقة، و وجوب الطلب دائماً.

و لو كفل الوليّ حال موت المديون المال، سقط ذمّة المديون مع رضا الغرماء؛ لرواية إسحاق بن عمّار عن الصادق (عليه السّلام) في الرجل يكون عليه دَين فحضره(5) الموت فيقول وليّه: عليّ دَيْنك، قال: «يبرئه ذلك و إن لم يوفه وليّه من بعده» و قال: «أرجو أن لا يأثم، و إنّما إثمه على الذي يحبسه»(6).

و في الصحيح عن الصادق (عليه السّلام) في الرجل يموت و عليه دَيْنٌ فيضمنه ضامن للغرماء، فقال: «إذا رضي به الغرماء فقد برئت ذمّة الميّت»(7).

مسألة 15: لا تحلّ مطالبة المعسر و لا حبسه و لا ملازمته،

عند علمائنا أجمع و به قال الشافعي و مالك - (8) لقوله تعالى

ص: 17


1- التهذيب 395/188:6.
2- في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «فقد». و ما أثبتناه من المصدر.
3- في المصدر: «نسب».
4- التهذيب 396/188:6.
5- في «س» و الطبعة الحجريّة: «فيحضره».
6- التهذيب 397/188:6.
7- الكافي 99:5 (باب أنّه إذا مات الرجل حلّ دَيْنه) الحديث 2، الفقيه 497/116:3، التهذيب 392/187:6.
8- الحاوي الكبير 332:6، حلية العلماء 483:4، التهذيب للبغوي 116:4، العزيز شرح الوجيز 26:5، روضة الطالبين 372:3، المغني 543:4، الشرح الكبير 500:4، المعونة 1183:2، الذخيرة 159:8، التلقين 429:2.

وَ إِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ (1) .

و لقول الباقر (عليه السّلام): «إنّ علياً (عليه السّلام) كان يحبس في الدَّين، فإذا تبيّن له إفلاس و حاجة خلّى سبيله حتى يستفيد مالاً»(2).

و لأنّ مَنْ ليس له مطالبته ليس له ملازمته، كما لو كان دَيْنه مؤجّلاً.

و قال أبو حنيفة: إذا ثبت إعساره و خلّاه الحاكم، كان للغرماء ملازمته، إلّا أنّهم لا يمنعونه من الاكتساب، فإذا رجع إلى بيته فإن أذن لهم في الدخول دخلوا معه، و إن لم يأذن لهم، منعوه من الدخول؛ لقول النبي (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم): «لصاحب الحقّ اليد و اللسان»(3) و يريد باليد الملازمة(4).

و هو محمول على الموسر؛ لما تقدّم.

إذا تقرّر هذا، فإن طُولب المعسر و خاف الحبس أو الإلزام إن اعترف، جاز له الإنكار للدَّيْن و الحلف على انتفائه، و يجب عليه التورية، و نيّة القضاء مع المكنة.

مسألة 16: و لو استدانت الزوجة النفقة الواجبة، وجب على الزوج دفع عوضه؛ لأنّه في الحقيقة دَيْنٌ عليه.

و لما رواه الباقر (عليه السّلام) قال: «قال عليّ (عليه السّلام) المرأة تستدين على زوجها

ص: 18


1- البقرة: 280.
2- التهذيب 834/299:6، الاستبصار 156/47:3.
3- الكامل لابن عدي 2281:6.
4- بدائع الصنائع 173:7، الهداية للمرغيناني 286:3، المعونة 1183:2، الذخيرة 159:8، حلية العلماء 483:4، التهذيب للبغوي 116:4، العزيز شرح الوجيز 26:5، المغني 543:4، الشرح الكبير 500:4.

و هو غائب، فقال: يقضي عنها ما استدانت بالمعروف»(1).

مسألة 17: لا تصحّ المضاربة بالدَّيْن إلّا بعد قبضه؛

لعدم تعيّنه قبل القبض.

و لما رواه الباقر عن أمير المؤمنين (عليهما السّلام) في رجل يكون له مال على رجل يتقاضاه فلا يكون عنده ما يقضيه فيقول له: هو عندك مضاربة، فقال: «لا يصلح حتى يقبضه منه»(2).

إذا ثبت هذا، فلو فعل فالربح بأجمعه للمديون إن كان هو العامل، و إلّا فللمالك، و عليه الأُجرة.

مسألة 18: لا يجوز بيع الدَّيْن بالدَّين؛

لما روي عن الصادق (عليه السّلام) قال: «قال رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم): لا يباع الدّيْن بالدَّيْن»(3).

و يجوز بيعه بغير الدَّيْن على مَنْ هو عليه و على غيره من الناس بأكثر ممّا عليه و بأقلّ و بمساوٍ إلّا في الربوي، فتشترط المساواة؛ لأنّ نهيه (عليه السّلام) عن بيعه بالدَّيْن يدلّ من حيث المفهوم على تسويغه بغيره مطلقاً.

و كذا يجوز بيعه نقداً، و يكره نسيئةً. قاله الشيخ(4) (رحمه اللّه).

فاندفع المديون إلى المشتري، و إلّا كان له الرجوع على البائع بالدرك؛ لوجوب التسليم عليه.

قال الشيخ (رحمه اللّه): لو باع الدَّيْن بأقلّ ممّا له على المديون، لم يلزم المديون أكثر ممّا وزن المشتري من المال(5) ؛ لما رواه أبو حمزة عن

ص: 19


1- التهذيب 426/195194:6.
2- الكافي 4/240:5، الفقيه 634/144:3، التهذيب 428/195:6.
3- الكافي 100:5 (باب بيع الدين بالدين) الحديث 1، التهذيب 400/189:6.
4- النهاية: 310.
5- النهاية: 311.

الباقر (عليه السّلام) أنّه سئل عن رجل كان له على رجل دَيْنٌ فجاءه رجل فاشترى منه بعرض ثمّ انطلق إلى الذي عليه الدَّيْن فقال له: أعطني ما لفلان عليك فإنّي قد اشتريته منه، فكيف يكون القضاء في ذلك ؟ فقال الباقر (عليه السّلام): «يردّ عليه الرجل الذي عليه الدَّيْن ما له الذي اشتراه به [من(1)] الرجل الذي عليه(2) الدَّيْن»(3).

و هو مع ضعف سنده غير صريح فيما ادّعاه الشيخ؛ لجواز أن يكون المدفوع مساوياً.

و أيضاً يُحتمل أن يكون ربويّاً، و يكون قد اشتراه بأقلّ، فيبطل الشراء، و يكون الدفع جائزاً بالإذن المطلق المندرج تحت البيع.

إذا ثبت هذا، فالواجب على المديون دفع جميع ما عليه إلى المشتري مع صحّة البيع.

مسألة 19: أوّل ما يبدأ به من التركة بالكفن من صلب المال،

فإن فضل شيء، صُرف في الدَّيْن من الأصل أيضاً، فإن فضل شيء أو لم يكن دَيْنٌ، صُرف في الوصيّة من الثلث إن لم يجز الورثة، فإن أجازت، نفذت من الأصل. ثمّ من بعد الوصيّة الميراث؛ لقوله تعالى مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها أَوْ دَيْنٍ (4) جعل الميراث مترتّباً عليهما.

و روى السكوني عن الصادق عن الباقر (عليهما السّلام)، قال: «قال رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم): أوّل ما يبدأ به من المال الكفن ثمّ الدَّيْن ثمّ الوصيّة

ص: 20


1- ما بين المعقوفين من المصدر.
2- في التهذيب: «الذي له عليه». و في الكافي: «الذي له الدين».
3- التهذيب 401/189:6، الكافي 100:5 (باب بيع الدين بالدين) الحديث 2، و فيه السائل هو أبو حمزة.
4- النساء: 11.

ثمّ الميراث»(1).

إذا ثبت هذا، فإن تبرّع إنسان بكفنه، كان ما تركه في الدَّيْن مع قصور التركة؛ لما رواه زرارة في الصحيح قال: سألتُ الصادق (عليه السّلام): عن رجل مات و عليه دَيْنٌ بقدر كفنه، قال: «يكفّن بما ترك إلّا أن يتّجر عليه إنسان فيكفّنه، و يقضى بما ترك دَيْنه»(2).

مسألة 20: يجوز اقتضاء الدَّيْن و الجزية من الذميّ إذا باع خمراً أو خنزيراً على مثله من ذلك الثمن؛

لأنّه مباح عندهم و قد أُمرنا أن نُقرّهم على أحكامهم.

و لما رواه داود بن سرحان في الصحيح عن الصادق (عليه السّلام)، قال: سألته عن رجل كانت له على رجل دراهم فباع بها(3) خنازير أو خمراً و هو ينظر، فقضاه، قال: «لا بأس، أمّا للمقضي فحلال، و أمّا للبائع فحرام»(4).

إذا قبت هذا، فلو كان البائع مسلماً، لم يحلّ أخذ الثمن، لبطلان البيع حينئذٍ، سواء كان المشتري مسلماً أو كافراً، و سواء وكّل المسلم الكافرَ في مباشرة البيع أو الشراء و على كلّ حال.

مسألة 21: لا تصحّ قمسة الدَّيْن؛ لعدم تعيّنه، فلو اقتسم الشريكان ما في الذمم، لم تصحّ القسمة،

و كان الحاصل لهما، و التالف منهما؛ لما رواه الباقر عن عليّ (عليهما السّلام) في رجلين بينهما مال، منه بأيديهما، و منه غائب عنهما اقتسما الذي في أيديهما، و احتال كل منهما بنصيبه، فاقتضى

ص: 21


1- التهذيب 398/189188:6.
2- التهذيب 391/187:6.
3- كلمة «بها» لم ترد في المصدر.
4- التهذيب 429/195:6.

أحدهما و لم يقتض الآخر، قال: «ما اقتضى أحدهما فهو بينهما، و ما يذهب بينهما(1)»(2).

إذا ثبت هذا، فإن احتال كلٌّ منهما بحصّته على مديون من المديونين بإذن شريكه و فعَلَ الآخر مع المديون الآخرَ ذلك، صحّ، و لم يكن ذلك قسمةً، على أنّ في ذلك عندي إشكالاً أيضاً؛ لأنّ الحوالة ها ليست بمال مسستحقٍّ على المحيل.

مسألة 22: أرزاق السلطان لا يصحّ بيعها إلّا بعد قبضها، و كذا السهم من الزكاة و الخمس؛

لعدم تعيّنها.

و هل يجوز بيع الدَّيْن قبل حلوله ؟ الوجه عندي: الجواز، و لا يجب على المديون دفعه إلّا في الأجل.

و يجوز بيعه بعد حلوله على منْ هو عليه و على غيره بحاضر أو مضمون حالٍّ، لا بمؤجّل.

و لو قيل بجوازه كالمضمون، أو بمنعه(3) بالمضمون، كان وجهاً.

و لو سقط المديون أجل الدَّيْن عليه، لم يسقط، و ليس لصاحبه المطالبة في الحال. و يجوز دفعه قبل الأجل مع إسقاط بعضه؛ لأنّه يكون إبراءً، و بغير إسقاط إن رضي صاحبه، و لا يجوز تأخيره بزيادة فيه؛ لأنّه يكن رباً.

مسألة 23: لا يجب دفع المؤجَّل قبل أجله، سواء كان دَيْناً أو ثمناً أو قرضاً أو غيرهما،

فإن تبرّع مَنْ عليه، لم يجب على منْ له الأخذ، سواء

ص: 22


1- في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «بماله» بدل «بينهما». و ما أثبتناه من المصدر.
2- التهذيب 430/195:6.
3- في الطبعة الحجريّة: «بمضمون» بدل «بمنعه».

كان على مَنْ عليه ضرر في التأخير أو لا، و سواء كان على مَنْ له ضرر بالتأخير أو لا، فإذا حلّ، وجب على صاحبه قبضه إذا دفعه مَنْ عليه، فإن امتنع، دفعه إلى الحاكم، و يكون(1) من ضمان صاحبه، و للحاكم إلزامه بالقبض أو الإبراء.

و كذا البائع سلَماً يدفع إلى الحاكم مع الحلول، و هو من ضمان المشتري.

و كذا كلّ مَنْ عليه حقٌّ حالّ أو مؤجَّل فامتنع صاحبه من أخذه.

و لو تعذّر الحاكم و امتنع صاحبه من أخذه، فالأقرب: أنّ هلاكه من صاحب الدَّيْن لا من المديون؛ لأنّه حقّ تعيّن للمالك بتعيين المديون و امتنع من أخذه، فكان التفريط منه.».

ص: 23


1- في الطبعة الحجريّة: «فيكون».

الفصل الثالث: في القرض

اشارة

و فيه مباحث:

الأوّل: القرض مستحبّ مندوب إليه مرغّب فيه إجماعاً؛
اشارة

لما فيه من الإعانة على البرّ، و كشف كربة المسلم.

روى العامّة أنّ النبي (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم) قال: «مَنْ كشف عن مسلم كربةً من كرب الدنيا كشف اللّه عنه كربةً من كرب يوم القيامة، و اللّه في عون العبد ما كان العبد في حاجة أخيه»(1).

و من طريق الخاصّة: ما رواه ابن بابويه قال: قال الصادق (عليه السّلام) في قول اللّه عزّ و جلّ لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْواهُمْ إِلاّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النّاسِ (2) قال: «يعني بالمعروف القرض»(3).

و قال الباقر (عليه السّلام): «من أقرض قرضاً إلى ميسرة كان ماله في زكاة، و كان هو في صلاة من الملائكة عليه حتى يقبضه»(4).

و قال الشيخ (رحمه اللّه): روي أنّه أفضل من الصدقة بمثله في الثواب(5).

و عن عبد اللّه بن سنان عن الصادق (عليه السّلام) قال: «قال النبي (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم): ألف درهم أقرضها مرّتين أحبّ إليّ من أن أتصدّق بها مرّة، و كما لا يحلّ

ص: 24


1- المهذّب للشيرازي 309:1، المغني 383:4، و فيهما: «.. ما دام العبد في عون أخيه».
2- النساء: 114.
3- الفقيه 492/116:3.
4- الفقيه 494/116:3.
5- النهاية: 311 312.

لغريمك أن يمطلك و هو موسر فكذلك لا يحلّ لك أن تستعسره(1) إذا علمت أنّه معسر»(2).

مسألة 24: أداء القرض في الصفة كالقرض، فإن دفع من غير جنسه، لم يلزم القبول؛

لأنّه اعتياض، و ذلك غير واجب.

فإن اتّفقا عليه، جاز؛ للأصل.

و لما رواه علي بن محمّد قال: كتبت إليه: رجل له رجل تمر أو حنطة أو شعير أو قطن فلمّا تقاضاه قال: خُذْ بقيمة ما لَك عندي دراهم، أ يجوز له ذلك أم لا؟ فكتب: «يجوز ذلك عن تراضٍ منهما إن شاء اللّه»(3).

إذا ثبت هذا، فإذا دفع إليه على سبيل القضاء، حسب بسعر يوم الدفع، لا يوم المحاسبة؛ لأنّ محمّد بن الحسن الصفّار كتب إليه في رجل كان له على رجل مال فلمّا حلّ عليه المال أعطاه به طعاماً أو قطناً أو زعفراناً و لم يقطعه على السعر، فلمّا كان بعد شهرين أو ثلاثة ارتفع الطعام و الزعفران و القطن أو نقص بأيّ السعرين يحسبه لصاحب الدَّيْن، بسعر يومه الذي أعطاه و حلّ ماله عليه، أو السعر الثاني بعد شهرين، أو ثلاثة يوم حاسبه ؟ فوقّع «ليس له إلّا على حسب سعر وقت ما دفع إليه الطعام إن شاء اللّه»(4).

إذا عرفت هذا، فإن دفع لا على وجه القضاء، فإن كان المدفوع

ص: 25


1- في المصدر: «تعسره».
2- التهذيب 418/193192:6.
3- التهذيب 469/205:6.
4- التهذيب 432/196:6.

مثليّا، كان له المطالبة به فإن تعذّر فبالقيمة يوم المطالبة. و إن لم يكن مثليّا، كان له المطالبة بقيمته يوم الدفع؛ لأنّه يكون قد دفعه على وجه الإقراض.

مسألة 25: و لو دفع أجود من غير شرط، وجب قبوله؛

لأنّه زاده خيراً، و لم يكن به بأس.

روى أبو الربيع قال: سُئل الصادق (عليه السّلام): عن رجل أقرض رجلاً دراهم فردّ عليه أجود منها بطيبة نفسه و قد علم المستقرض إ أنّه إنّما أقرضه ليعطيه أجود منها، قال: «لا بأس إذا طابت نفس المستقرض»(1).

و في الحسن عن الحلبي عن الصادق (عليه السّلام) قال: «إذا أقرضت الدراهم ثمّ أتاك بخير منها فلا بأس إن لم يكن بينكما شرط»(2).

و كذا إذا أخذ الدراهم المكسّرة فدفع إليه دراهم طازجيّة بالطاء غير المعجمة و الزاي المعجمة و الجيم، و هي الدراهم الجيّدة من غير شرط، كان جائزاً؛ لما تقدّم.

و لما رواه يعقوب بن شعيب في الصحيح قال: سألت الصادق (عليه السّلام): عن الرجل يقرض الرجل الدراهم الغلّة(3) فيأخذ منه الدراهم الطازجيّة طيبة بها نفسه، قال: «لا بأس» و ذكر ذلك عن علي (عليه السّلام)(4).

مسألة 26: و لو دفع إليه أزيد، فإن شرط ذلك، كان حراماً إجماعاً؛

ص: 26


1- الكافي 253:5 (باب الرجل يقرض الدراهم..) الحديث 2، التهذيب 447/200:6.
2- الكافي 3/254:5، التهذيب 449/201:6.
3- الدرهم الغلّة: المغشوش. مجمع البحرين 436:5 «علل».
4- الكافي 3/254:5، التهذيب 450/201:6.

لما روى(1) الجمهور عن النبيّ (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم) أنّه قال: «كلّ قرض يجرّ منفعةً فهو حرام»(2).

و إن دفع الأزيد في المقدار من غير شرط عن طيبة نفس منه بالتبرّع، كان حلالاً إجماعاً، و لم يكره، بل كان أفضل للمقرض.

و الأصل فيه ما روى العامّة أنّ النبيّ (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم) اقترض من رجل بَكْراً(3) ، فقدمت عليه إبلُ الصدقة، فأمر أبا رافع يقضي الرجل بَكْره، فرجع أبو رافع فقال: لم أجد فيها إلّا جملاً خياراً(4) رباعيا(5) ، فقال: «أعطه إيّاه، إنّ خير الناس أحسنهم قضاءً»(6).

و من طريق الخاصّة: ما رواه الحلبي في الحسن عن الصادق (عليه السّلام) عن الرجل يستقرض الدراهم البيض عدداً ثمّ يعطي سوداً وزناً و قد عرف أنّها أثقل ممّا أخذ و تطيب نفسه أن يجعل له فضلها، فقال: «لا بأس به إذا لم يكن فيه شرط، و لو وهبها كلّها له صلح»(7).

و في الصحيح عن يعقوب بن شعيب قال: سألتُ الصادق (عليه السّلام): عن الرجل يكون عليه جُلّة(8) من بُسْر فيأخذ جُلّةً من رطب و هو أقلّ منها،».

ص: 27


1- في «ي»: «رواه».
2- سنن البيهقي 350:5، العزيز شرح الوجيز 433:4 نحوه.
3- البكر: الفتيّ من الإبل. النهاية لابن الأثير 149:1 «بكر».
4- يقال: جمل خيار. أي: مختار. النهاية لابن الأثير 91:2 «خير».
5- يقال للذكر من الإبل إذا طلعت رَباعيته: رَباع. و ذلك إذا دخل في السنة السابعة. النهاية لابن الأثير 188:2 «ربع».
6- صحيح مسلم 1600/1224:3.
7- الكافي 1/253:5، الفقيه 815/180:3، التهذيب 448/201200:6، بتفاوت يسير.
8- الجُلّة: وعاء التمر. الصحاح 1658:4 «جلل».

قال: «لا بأس» قلت: فيكون(1) عليه جُلّة من بُسْر فيأخذ جُلّة من تمر و هي أكثر منها، قال: «لا بأس إذا كان معروفاً بينكما»(2).

مسألة 27: و لا فرق في تسويغ أخذ الأكثر و الأجود و الأدون و الأردأ مع عدم الشرط

بين أن يكون ذلك عادةً بينهما أو لا يكون و هو قول أكثر الشافعيّة - (3) لما تقدّم.

و قال بعضهم: إذا كان ذلك على عادة بينهما، كان حراماً، و تجري العادة بينهما كالشرط(4).

و هو غلط، و إذا كان القضاء أكثر مندوباً إليه، فلا يكون ذلك مانعاً من القرض، و لا تقوم العادة مقام الشرط.

مسألة 28: و كذا لو اقترض منه شيئاً و رهن عليه رهناً و أباحه في الانتفاع بذلك لا رهن،

كان جائزاً إذا لم يكن عن شرط؛ لما رواه محمّد بن مسلم في الحسن قال: سألت الصادق (عليه السّلام): عن الرجل يستقرض من الرجل قرضاً و يعطيه الرهن إمّا خادماً و إمّا آنيةً و إمّا ثياباً، فيحتاج إلى شيء من منفعته فيستأذنه فيأذن له، قال: «إذا طابت نفسه فلا باس» قلت: إنّ مَنْ عندنا يروون أنّ كلّ قرض يجرّ منفعةً فهو فاسد، قال: «أو ليس خير القرض ما جرّ المنفعة»(5).

ص: 28


1- في «س، ي» بدل «فيكون»: «فكيف». و في الطبعة الحجريّة: «كيف». و ما أثبتناه من المصدر.
2- الكافي 7/254:5، التهذيب 451/201:6.
3- المهذّب للشيرازي 311:1، حلية العلماء 400399:4، العزيز شرح الوجيز 433:4، روضة الطالبين 276:3.
4- المهذّب للشيرازي 311:1، حلية العلماء 400399:4، العزيز شرح الوجيز 433:4، روضة الطالبين 276:3.
5- الكافي 255:5 (باب القرض يجرّ المنفعة) الحديث 1، الفقيه 819/181:3، التهذيب 452/202201:6.

و عن محمّد بن عبدة قال: سألت الصادق (عليه السّلام): عن القرض يجرّ المنفعة، قال: «خير القرض الذي يجرّ المنفعة»(1).

إذا عرفت هذا، فلا تنافي بين هذه الأخبار؛ لأنّا نحمل ما يقتضي التحريم على ما إذا كان عن شرط، و الإباحةَ على ما إذا لم يكن عنه؛ جمعاً بين الأدلة، و لما تقدّم.

و لقول الباقر (عليه السّلام): «مَنْ أقرض رجلاً ورقاً فلا يشترط إلا مثلها، و إن جُوزي أجود منها فليقبل، و لا يأخذ أحد منكم ركوب دابّة أو عارية متاع يشترطه من أجل قرض ورقه»(2).

مسألة 29: و لا فرق بين أن يكون مال القرض ربويّاً أو غير ربويّ في تحريم الزيادة مع الشرط،

و عدمه مع غيره؛ لما تقدّم من أنّه قرض جرّ منفعةً بشرط، فكان حراماً، و هو قول جماعة من الشافعية(3).

و قال بعضهم: إنّ ما لا يجري فيه الربا تجوز فيه الزيادة، كما يجوز أن يبيع حيواناً بحيوانين(4).

و الفرق: أنّ ما فيه الربا يجوز أن يبيع بعضه ببعض و إن كان أحدهما أكثر صفةً، كبيع جيّد الجوهر برديئه، و الصحيح بالمكسَّر و إن كان ذلك لا يجوز في القرض.

مسألة 30: مال القرض إن كان مثليّا، وجب رد مثله إجماعاً.

فإن تعذّر المثل، وجب ردّ قيمته عند المطالبة. و إن لم يكن مثليّا، فإن كان ممّا

ص: 29


1- الكافي 2/255:5، التهذيب 453/202:6، الاستبصار 22/9:3.
2- التهذيب 457/203:6.
3- المهذّب للشيرازي 311:1، العزيز شرح الوجيز 433:4، روضة الطالبين 275:3.
4- حلية العلماء 400:4، العزيز شرح الوجيز 433:4، روضة الطالبين 275:3.

ينضبط(1) بالوصف و هو ما يصحّ السلف فيه، كالحيوان و الثياب فالأقرب: أنّه يضمنه بمثله من حيث الصورة؛ لأنّ النبيّ (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم) استقرض «بَكْراً» و ردّ «بازلاً»(2). و البكْر: الفتي من الإبل. و البازل: الذي تمّ له ثمان سنين. و روى أنّه (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم) استقرض «بَكْراً» فأمر بردّ مثله(3). و هو قول أكثر الشافعية(4).

و قال بعضهم: إنّه يُعتبر في القرض بقيمته؛ لأنّه لا مثل له، فإذا ضمنه ضمنه بقيمته، كالإتلاف(5).

و الفرق: أنّ القيمة أحضر فأمر به، و ليس كذلك القرض، فإنّ طريقه الرفق، فسُومح فيه، و لهذا يجوز فيه النسيئة و إن كان ربويّاً، و لا يجوز ذلك في البيع و لا في إيجاب القيمة في الإتلاف.

و أمّا ما لا يُضبط بالوصف كالجواهر و القسيّ و ما لا يجوز السلف فيه تثبت فيه قيمته، و هو أحد قولي الشافعيّة، و الثاني: أنّه لا يجوز قرض مثل هذا؛ لأنّه لا مثل له(6).

فإن قلنا: إنّ ما لا مثل له يُضمن بالقيمة، و كذا ما لا يُضبط بالوصف، فالاعتبار بالقيمة يوم القبض؛ لأنّه وقت تملّك المقترض، و هو أحد قولي الشافعيّة، و في الآخَر: أنّه يملك بالتصرّف، فيعتبر قمية(7) يوم القبض أيضاً».

ص: 30


1- في «س، ي»: «يضبط».
2- نقله الغزّالي في الوسيط 457:3، و الوجيز 158:1، و الرافعي في العزيز شرح الوجيز 429:4.
3- صحيح مسلم 1600/1224:3.
4- العزيز شرح الوجيز 429:4، روضة الطالبين 278:3.
5- العزيز شرح الوجيز 429:4، روضة الطالبين 278:3.
6- العزيز شرح الوجيز 432:4، روضة الطالبين 274:3.
7- في الطبعة الحجريّة: «قيمته».

على أحد الوجهين، و على الثاني: بالأكثر من يوم القبض إلى يوم التصرّف(1).

و قال بعض الشافعيّة: بالأكثر من يوم القبض إلى يوم التلف(2).

فإن اختلفا في القيمة، قدّم قول المستقرض مع يمينه؛ لأنّه غارم.ه.

ص: 31


1- العزيز شرح الوجيز 429:4، روضة الطالبين 379278:3.
2- لم نعثر عليه في مظانّه.
البحث الثاني: في أركان القرض
اشارة

أركان القرض ثلاثة:

الأوّل: الصيغة الصادرة من جائز التصرّف.
اشارة

يعتبر فيه أهليّة التبرع لأنّ القرض تبرّع، و لهذا لا يُقرض الوليّ مالَ الطفل، إلّا لضرورة.

و كذلك لا يجوز شرط الأجل، لأنّ المتبرّع ينبغي أن يكون بالخيار في تبرّعه، و إنّما يلزم الأجل في المعاوضات.

و الإيجاب لا بدّ منه، و هو أن يقول: أقرضتك، أو أسلفتك، أو خُذْ هذا بمثله، أو خُذْه و اصرفه فيما شئت و ردَّ مثله، أو ملّكتك على أن تردّ بدله.

و لو اقتصر على قوله: ملّكتك، و لم يسبق وعد القرض، كان هبةً.

فإن اختلفا في ذكر البدل، قدّم قول المقترض؛ لأصالة عدم الذكر.

أمّا لو اتّفقا على عدم الذكر و اختلفا في القصد، قُدّم قول صاحب المال؛ لأنّه أعرف بلفظه، و الأصل عصمة ماله، و عدم التبرّع، و وجوب الردّ على الآخذ بقوله (عليه السّلام): «على اليد ما أخذت حتى تؤدّي»(1).

و يُحتمل تقديم دعوى الهبة؛ قضيّةً للظاهر من أنّ التمليك من غير عوض هبة.

ص: 32


1- سنن ابن ماجة 2400/802:2، سنن أبي داوُد 3561/296:3، سنن الترمذي 1266/566:3، سن البيهقي 95:6، المستدرك للحاكم 47:2، مسند أحمد 19643/6410:5، المصنّف لابن أبي شيبة 604/146:6.

و أمّا القبول فالأقرب أنّه شرط أيضاً؛ لأنّ الأصل عصمة مال الغير، و افتقار النقل فيما فيه الإيجاب إلى القبول، كالبيع و الهبة و سائر التمليكات(1) ، و هو أصحّ وجهي الشافعيّة، و الثاني: أنّه لا يشترط؛ لأنّ القرض إباحة إتلاف على سبيل الضمان، فلا يستدعي القبول(2).

و لا بدّ من صدوره من أهله كالإيجاب، إلّا أنّ القبول قد يكون قولاً، و قد يكون فعلاً.

مسألة 31: لا يلزم اشتراط الأجل في الدَّيْن الحال، فلو أجلّ الحالّ لم يتأجّل،

و كان له المطالبة في الحال، سواء كان الدَّيْن ثمناً أو قرضاً أو إجارةً أو غير ذلك و به قال الشافعي - (3) لأنّ التأجيل زيادة بعد العقد، فلا يلحق به، كما لا يلحق به في حقّ الشفيع. و لأنّه حطّ بعد استقرار العقد، فلا يلحق به، كحطّ الكلّ. و لأنّ الأصل عدم اللزوم؛ إذ قوله: قد أجّلت، ليس بعقدٍ ناقل، فيبقى على حكم الأصل.

و قال أبو حنيفة: إن كان ثمناً، يثبت(4) فيه التأجيل و الزيادة و النقصان، و يلحق بالعقد، إلّا أن يحط الكلّ، فلا يلحق بالعقد، و يكون إبراءً. و كذا في الأُجرة و الصداق و عوض الخلع، فأمّا القرض و بدل المتلف فلا يثبت فيه(5).

و قال مالك: يثبت الأجل في الجميع؛ لقوله (عليه السّلام): «المؤمنون عند

ص: 33


1- في «س، ي» و الطبعة الحجريّة: «التملكات». و الظاهر ما أثبتناه.
2- الوسيط 452:3، الوجيز 158:1، العزيز شرح الوجيز 430:4، روضة الطالبين 273:3.
3- حلية العلماء 402:4، المغني 384:4، الشرح الكبير 387:4.
4- في «ي»: «ثبت».
5- المغني 384:4، الشرح الكبير 387:4، حلية العلماء 402:4.

شروطهم».

و لأنّ المتعاقدين يملكان التصرّف في هذا العقد بالإقالة و الإمضاء، فملكا فيه الزيادة و النقصان، كما لو كانا في زمن الخيار أو المجلس(1).

و لا دلالة في الخبر؛ إذ لا يدلّ على الوجوب، فيُحمل على الاستحباب بالأصل.

و لا يشبه هذا الإقالةَ؛ لأنّ هذا لا يجوز أن يكون فسخاً للأوّل و ابتداء عقد؛ لأنّه لم يوجد منه لفظ الفسخ و لا التمليك.

و أمّا زمان الخيار فكذلك أيضاً؛ لأنّ الملك قد انتقل إلى المشتري عندنا، فلا تثبت الزيادة.

و عند الشيخ أنّ العقد لم يستقرّ، فيجوز فيه ما لا يجوز بعد استقراره، كما يجوز فيه قبض رأس مال السَّلم و عوض الصرف.

و على مذهب مالك أنّ هذا الحقّ يثبت حالّا، و التأجيل تطوّع من جهته و وَعْدٌ، فلا يلزم الوفاء به، كما لو أعاره داره سنةً، كان له الرجوع.

قال مالك: يثبت الأجل في القرض ابتداءً و انتهاءً، أمّا ابتداءً فبأن يُقرضه مؤجّلاً، و أمّا انتهاءً فبأن يُقرضه حالّا ثمّ يؤجّله(2).

الركن الثاني: المال.
مسألة 32: الأموال إمّا من ذوات الأمثال أو من ذوات القيم.

و الأوّل(3) يجوز إقراضه إجماعاً.

ص: 34


1- الذخيرة 295:5، الوسيط 451:3، المغني 384:4، الشرح الكبير 387:4، حلية العلماء 402:4.
2- العزيز شرح الوجيز 431:4.
3- في الطبعة الحجريّة: «فالأوّل».

و أمّا الثاني فإن كان ممّا يجوز السَّلَم فيه، جاز إقراضه أيضاً. و إن لم يكن ممّا يجوز السَّلَم فيه، فقولان تقدّما(1).

و هل يجوز إقراض الجواري ؟ أمّا عندنا فنعم و هو أحد قولي الشافعي - (2) للأصل. و لأنّه يجوز إقراض العبيد فكذا الجواري. و لأنّه يجوز السلف فيها فجاز قرضها، كالعبيد، و به قال المزني و داوُد(3).

و أظهرهما عندهم: المنع؛ لنهي السلف عن إقراض الولائد. و لأنّه لا يستبيح الوطؤ بالقرض؛ لأنّه ملك ضعيف لا يمنعه من ردّها على المقرض، و لا يمنع المقرض من أداها منه، و مثل ذلك لا يستباح به الوطؤ، كما لا يستبيح المشتري الوطء في مدّة خيار البائع. و لأنّه يمكنه(4) ردّها بعد الوطي، فيكون في معنى الإعارة للوطي، و ذلك غير جائز، و إذا ثبت أنّه لا يحلّ وطؤها، لم يصحّ القرض؛ لأنّ أحداً لا يفرّق بينهما. و لأنّ الملك إذا لم يستبح منه الوطؤ لم يصح؛ لانّه من المنافع المقصودة به، بخلاف ما إذا كانت محرّمةً عليه فاشتراها؛ لأنّ الوطء محرّم من جهة الشرع، و هنا التمليك لا يستباح به، فهو بمنزلة العقد الفاسد، و في هذا انفصال عن السَّلم و العبد، و لا يلزم المكاتب إذا اشترى أمةً(5).4.

ص: 35


1- في ص 16، المسألة 30.
2- المهذّب للشيرازي 310:1، الوسيط 452:3، الوجيز 158:1، حلية العلماء 396:4، التهذيب للبغوي 546:3، العزيز شرح الوجيز 431:4، روضة الطالبين 274:3.
3- المهذّب للشيرازي 310:1، حلية العلماء 396:4، العزيز شرح الوجيز 431:4، المحلى 82:8، المغني و الشرح الكبير 385:4.
4- في الطبعة الحجرية: «لا يمكنه» بزيادة «لا». و هو غلط.
5- الوسيط 452:3، العزيز شرح الوجيز 431:4، روضة الطالبين 274:3، المغني 386:4، الشرح الكبير 386385:4.

و نهي السلف ليس حجّةً. و نمنع عدم استباحة الوطي، و الردّ من المقترض لا يوجب ضعف ملكه. و نمنع عدم منع المقرض من استراد العين؛ لأنّ القرض عندنا يُملك بالقبض. و إمكان الإعادة بعد الوطي لا يوجب مماثلتها للإعارة.

قال بعض الشافعيّة: القولان مبنيّان على الخلاف في أنّ القرض بمَ يُملك ؟ و في كيفيّة البناء طريقان: قال قائلون: إن قلنا: يُملك بالقبض، جاز إقراضها، و إلّا فلا؛ لما في إثبات اليد من غير مالكٍ من خوف الوقوع في الوطي.

و قال بعضهم: إنّا إن قلنا: يُملك بالقبض، لم يجز إقراضها أيضاً؛ لأنّه إذا ملكها فربّما يطؤها ثمّ يستردّها المقرض، فيكون ذلك في صورة إعارة الجواري للوطي. و إن قلنا: لا يُملك بالقبض فيجوز؛ لأنّه إذا لم يملكها لم يطأها(1).

تذنيب: الخلاف المذكور إنّما هو في الجارية التي يحلّ للمستقرض وطؤها، أمّا المحرّمة بنسبٍ أو رضاعٍ أو مصاهرة فلا خلاف في جواز إقراضها منه.

إذا ثبت هذا، فإذا اقترض مَنْ ينعتق عليه، انعتق بالقبض، لأنّه حالة الملك.

مسألة 33: يجوز قرض الحيوان، عند علمائنا

و به قال الشافعي(2) للأصل. و لأنّ النبيّ (صلّى اللّه عليه و آله) اقترض «بَكْراً» و ردّ «بازلاً»(3). و لأنّه يثبت في

ص: 36


1- العزيز شرح الوجيز 431:4.
2- التهذيب للبغوي 546:3، العزيز شرح الوجيز 431:4، روضة الطالبين 274:3، مختصر اختلاف العلماء 1083/14:3، المغني و الشرح الكبير 385:4.
3- تقدّم تخريجه في ص 16، الهامش (3).

الذمّة بعقد السَّلَم، فجاز أن يثبت في الذمّة بعقد القرض، كالمكيل و الموزون.

و قال أبو حنيفة: لا يجوز القرض إلّا فيما له مثل من الأموال، كالمكيل و الموزون؛ لأنّ ما لا مثل له لا يجوز قرضه، كالجواهر و الإماء(1).

و يُمنع حكم الأصل على ما تقدّم.

و لأنّ عند أبي حنيفة لو أتلف ثوباً، ثبت في ذمّة المُتْلِف مثله و لهذا جوّز الصلح عنه على أكثر من قيمة المُتْلَف(2).

و لو سلّمنا الحكم في الجواهر، فلأنّه لا يثبت في الذمّة سَلَماً، بخلاف المتنازع.

و لو سلّمنا المنع في الأمة، فلاحن القرض ملكٌ ضعيف، فلا يباح به الوطؤ، فلا يصحّ الملك. على أنّ الحقّ عندنا منع الحكم في الأصل.

مسألة 34: يجوز إقراض الخبز، عند علمائنا
اشارة

و هو أحد قولي الشافعي، و به قال أبو يوسف و محمد و أحمد بن حنبل(3) للحاجة العامّة إليه، و إطباق الناس عليه.

و لأنّ الصباح بن سيابة سأله الصادقَ (عليه السّلام): إنّا نستقرض الخبز من الجيران فنردّ أصغر أو أكبر، فقال (عليه السّلام): «نحن نستقرض الستّين و السبعين عدداً فتكون فيه الصغيرة و الكبيرة فلا بأس»(4).

ص: 37


1- حلية العلماء 397:4، المغني و الشرح الكبير 385:4.
2- المغني و الشرح الكبير 385:4.
3- حلية العلماء 401:4، العزيز شرح الوجيز 432:4، روضة الطالبين 274:3، المبسوط للسرخسي 31:14، الهداية للمرغيناني 66:3، المغني و الشرح الكبير 389:4.
4- الفقيه 493/116:3.

و قال أبو حنيفة: لا يجوز و هو القول الآخَر للشافعي لأنّه ليس من ذوات الأمثال(1).

و نمنع حصر القرض في المثلي على ما تقدّم.

تذنيب: يجوز ردّ مثله عدداً أو وزناً

و به قال محمد بن الحسن(2) للحديث السابق. و لقضاء العادة به.

و قال أبو يوسف: يردّ وزناً(3). و هو أحد قولي الشافعي(4). و لا بأس به.

و للشافعي قولٌ آخر: إنّه يجب ردّ القيمة(5).

و الأصل في الخلاف أنّهم إن قالوا: يجب في المتقوّمات المثلُ من حيث الصورة، وجب الردّ وزناً.

و إن قالوا: تجب القيمة، وجب هنا القيمة(6).

فإن شرط ردّ المثل، فللشافعّية على تقدير وجوب القيمة وجها في جواز الشرط و عدمه(7).

ص: 38


1- المبسوط للسرخسي 401:14، بدائع الصنائع 395:7، الهداية للمرغيناني 66:3، حلية العلماء 401:4، التهذيب للبغوي 546:3، العزيز شرح الوجيز 432:4، روضة الطالبين 274:3، المغني و الشرح الكبير 389:4.
2- المبسوط للسرخسي 31:14، بدائع الصنائع 395:7، الهداية للمرغيناني 66:3.
3- المبسوط للسرخسي 31:14، الهداية للمرغيناني 66:3، حلية العلماء 401:4.
4- راجع الهامش (12 و 13).
5- المهذّب للشيرازي 311:1، حلية العلماء 401:4.
6- العزيز شرح الوجيز 432:4، روضة الطالبين 275:3.
7- العزيز شرح الوجيز 432:4، روضة الطالبين 275:3.
مسألة 35: يجب في المال أن يكون معلوم القدر ليمكن قضاؤه.

و يجوز إقراض المكيل وزناً و الموزون كيلاً كما في السلف، و هو قول أكثر الشافعيّة(1).

و قال القفّال: لا يجوز إقراض المكيل بالوزن، بخلاف السَّلَم، فإنّه لا يسوّى بين رأس المال و المُسْلَم فيه. و زاد فقال: لو أتلف مائة منٍّ من الحنطة، ضمنها بالكيل. و لو باع شقصاً. مشفوعاً بمائة منٍّ من الحنطة، يُنظر كم هي بالكيل، فيأخذه الشفيع بمثلها كيلاً(2).

و الأصحّ في الكلّ الجواز.

الركن الثالث: الشرط.
اشارة

يشترط في القرض أن لا يجرّ المنفعة بالقرض؛ لأنّ النبيّ (صلّى اللّه عليه و آله) نهى عنه(3) ، فلا يجوز أن يقرضه بشرط أن يردّ الصحيح عن المكسّر، و لا الجيّد عن الردئ، و لا زيادة في الربوي، و كذا في غيره عندنا.

و للشافعي وجهان، أحدهما: الجواز؛ لأنّ عبد اللّه بن عمرو بن العاص قال: أمرني رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) أن أجهّز جيشاً فنفدت الإبل، فأمرني أن آخذ بعيراً ببعيرين إلى أجل(4)(5).

و هو محمول على السَّلَم، و لهذا قال: «إلى أجل» و القرض لا يتأجّل.

ص: 39


1- التهذيب للبغوي 546:3، العزيز شرح الوجيز 432:4، روضة الطالبين 275:3.
2- العزيز شرح الوجيز 432:4، و انظر: التهذيب للبغوي 546:3، و روضة الطالبين 275:3.
3- الوسيط 453:3، العزيز شرح الوجيز 433:4.
4- سنن البيهقي 287:5.
5- العزيز شرح الوجيز 433:4، روضة الطالبين 275:3.

و لو قيل بالجواز، كان وجهاً، و يُحمل النهي على الربوي، فإن شرط ذلك في القرض، فسد، و لم يفد جواز التصرف للمقترض.

مسألة 36: يجوز أن يقرضه شيئاً بشرط أن يقضيه في بلدٍ آخَر، عند علمائنا -

و هو وجهٌ عند بعض الشافعية(1) لعدم الزيادة، و جرّه النفعَ، لأنّه قد يكون أضرّ.

و لما رواه يعقوب بن شعيب في الصحيح عن الصادق (عليه السّلام) في الرجل يسلف الرجل الورق على أن ينقدها إيّاه بأرضٍ أُخرى و يشترط، قال: «لا بأس»(2).

و في الصحيح عن أبي الصباح عن الصادق (عليه السّلام) في الرجل(3) يبعث بماله إلى أرض، فقال الذي يريد أن يبعث به معه: أقرضنيه و أنا أُفيك إذا قدمت الأرض، قال: «لا بأس بهذا»(4).

و مَنَع أكثر الشافعيّة منه، لما فيه من دفع خطر الطريق، و لو شرط، كان القرض فاسداً(5).

و لو ردّه أزيد أو في بلدٍ آخَر أو أجود من غير شرط، جاز إجماعاً؛ لقوله (صلّى اللّه عليه و آله): «خياركم أحسنكم قضاءً»(6) رواه العامّة.

ص: 40


1- العزيز شرح الوجيز 433:4، روضة الطالبين 276275:3.
2- الكافي 255:5 (باب الرجل يعطي الدراهم..) الحديث 1، التهذيب 459/203:6.
3- في النسخ الخطّيّة و الحجريّة زيادة: «يسلف الرجل الورق على أن ينقدها». و الظاهر أنّها من زيادة النسّاخ علماً بأنّها لم ترد في المصدر.
4- الكافي 256:5 (باب الرجل يعطي الدراهم..) الحديث 3، التهذيب 458/203:6.
5- العزيز شرح الوجيز 433:4، روضة الطالبين 275:3.
6- صحيح البخاري 153:3، سنن البيهقي 352:5، و 21:6، مسند أحمد 9814/249:3.

و من طريق الخاصّة: ما رواه ابن بابويه عن النبيّ (صلّى اللّه عليه و آله): «ليس من غريم ينطلق من عنده(1) غريمة راضياً إلّا صلّت عليه دوابّ الأرض و نون البحور، و ليس من غريم ينطلق صاحبه غضبان و هو مليٌّ إلّا كتب اللّه عزّ و جلّ بكلّ يوم يحبسه أو ليلة ظلماً»(2).

مسألة 37: لو أقرضه بشرط أن يردّ عليه أردأ أو ردّ المكسَّر عن الصحيح، لغا الشرط.

و في فساد العقد للشافعيّة وجهان:

أحدهما: نعم؛ لأنّه على خلاف قضيّة العقد كشرط الزيادة.

و أصحّهما عندهم: لا؛ لأنّ المنهيّ عنه جرّ المقرض المنفعة إلى نفسه، و هنا لا نفع للمقرض في الشرط، بل للمقترض النفع، فكأنّه زاد في المسامحة و وعده وَعْداً حسناً(3).

و قال بعض الشافعيّة: يصحّ الشرط(4).

و الأقوى عندي صحّته لا لزومه، كما لو شرط التأجيل.

و لو شرط تأخير القضاء و ضرب له أجلاً، نُظر إن لم يكن للمقرض فيه غرض، فهو كشرط ردّ المكسَّر عن الصحيح. و إن كان له فيه غرض بأن كان زمان نهب و المقترض مليّ، فهو كالتأجيل لغرض(5) ، أو كشرط ردّ الصحيح عن المكسّر؟ فيه وجهان، أظهرهما عندهم: الثاني(6).

ص: 41


1- في النسخ الخطّيّة و الحجريّة «عند». و ما أثبتناه من المصدر.
2- الفقيه 480/113:3.
3- العزيز شرح الوجيز 433:4، روضة الطالبين 276:3.
4- العزيز شرح الوجيز 433:4، روضة الطالبين 276:3.
5- كذا، و الظاهر: «لغير غرض» كما في «العزيز شرح الوجيز» و في «روضة الطالبين»: «كالتأجيل لا لغرض».
6- العزيز شرح الوجيز 434433:4، روضة الطالبين 276:3.
مسألة 38: يجوز أن يقرضه بشرط الرهن أو الكفيل أ بشرط الإشهاد أو الإقرار به عند الحاكم؛

لأنّ ذلك من التوثيق و إحكام الحجّة، فليست منافع ماليّة.

و لو شرط رهناً بدَيْنٍ آخَر، فالأقرب عندي: الجواز؛ لقوله (عليه السّلام): «المؤمنون عند شروطهم»(1).

و قالت الشافعيّة: إنّه كشرط زيادة الصفة(2). و هو ممنوع.

مسألة 39: القرض عقد قابل للشروط السائغة،

فلو أقرضه شيئاً بشرط أن يقرضه مالاً آخَر، صحّ، و لم يلزمه ما شرط، بل هو وَعْدٌ وَعَده.

و كذا لو وهب منه ثوباً بشرط أن يهب منه غيره.

و كذا لو أقرضه بشرط أن يقترض منه أو يبيعه بثمن المثل أو بدونه أو يسلفه أو يستسلف منه، و لكن لا يلزم ذلك.

أمّا إذا باع بشرط قرض أو هبة أو بيعٍ آخَر، فإنّه يجوز عندنا البيع و الشرط، و قد تقدّم(3).

و قالت الشافعيّة: يفسد البيع؛ لأنّهما(4) جَعَلا رِفْقَ القرض أو الهبة أو البيع مع العشرة المذكورة مثلاً ثمناً، و الشرط لغو، فيسقط بسقوطه بعض الثمن، و يصير الباقي مجهولاً(5).

و في وجهٍ للشافعيّة: أنّ الإقراض بشرط الإقراض كالبيع بشرط

ص: 42


1- التهذيب 1503/371:7، الاستبصار 835/232:3، الجامع لأحكام القرآن 33:6.
2- العزيز شرح الوجيز 434:4، روضة الطالبين 276:3.
3- في ج 10 ص 250، المسألة 118.
4- أي البائع و المشتري.
5- العزيز شرح الوجيز 434:4.

الإقراض(1).

و لو شرط الأجل، لغا الشرط، و لم يفسد القرض.

البحث الثالث: في حكم القرض.
مسألة 40: لا خلاف في أنّ المستقرض يملك القرض، و في الموجب للملك خلاف.

فعندنا أنّه يملك(2) بالقبض و هو أصحّ قولي الشافعيّة(3) لأنّه قبض لا يجب عليه يتعلّق به جواز التصرف، فوجب أن يتعلّق به الملك، كالقبض في الهبة.

و لأنّه إذا قبضه، ملك التصرّف فيه من جميع الوجوه، و لو لم يملكه لما ملك التصرّف فيه. و لأنّ الملك في الهبة يحصل بالقبض ففي القرض أولى؛ لأنّ للعوض مدخلاً فيه.

و الثاني: أنّه يملك بالتصرّف؛ لأنّه ليس تبرّعاً محضاً؛ إذ يجب فيه البدل، و ليس على حقائق المعاوضات، فوجب أن يملكه بعد استقرار بدله. و لأنّ العين ما دامت باقية في يده كان للمالك أن يرجع فيها، و للمقترض أن يردّها، و هو يدلّ على أنّه لم يملكها، و أنّها كالعارية في يده(4).

ص: 43


1- العزيز شرح الوجيز 434:4.
2- في «س، ي»: «يملكه».
3- المهذّب للشيرازي 310:1، التهذيب للبغوي 545:3، حلية العلماء 393:4، الوسيط 455:3، الوجيز 159:1، العزيز شرح الوجيز 435:4، روضة الطالبين 277:3.
4- المهذّب للشيرازي 310:1، التهذيب للبغوي 545:3، حلية العلماء 393:4، الوسيط 456:3، الوجيز 159:1، العزيز شرح الوجيز 435:4، روضة الطالبين 277:3.

و نمنع وقف التملّك على استقرار بدله.

سلّمنا، لكنّه يستقرّ بالقبض.

و نمنع أنّ للمالك الرجوع في العين.

و أمّا دفع المقترض للعين فكدفعه للبدل، فكما لا يقال: إنّ لا يخرج عن ملكه لجواز دفعه، كذا مال القرض.

مسألة 41: عندنا أنّ المستقرض يملك بالقبض،

فليس للمقرض أن يرجع فيه مع بقائه في يد المستقرض بحاله و هو أحد وجهي الشافعيّة(1) صيانةً لملكه، و له أن يؤدّي حقّه من موضعٍ آخَر؛ لانتقال الواجب إلى البدل من المثل أو القيمة.

و أظهر وجهي الشافعيّة: أنّ للمقرض الرجوع في العين مع وجودها و إن ملك المستقرض بالقبض؛ لأنّه يتمكّن من تغريمه بدل حقّه عند الفوات فلأن يتمكّن من مطالبته بعينه كان أولى، و لا يبعد أن يرجع فيما ملكه غيره، كما يرجع الواهب في الهبة(2).

و الحقّ الأوّل، و إنّما تمكّن من تغريمه بدل حقّه؛ لانتقال الواجب في الذمّة بالقبض إليه، ما يملك البائع الثمن بعقد البيع، و ليس له الرجوع في العين.

و الفرق بينه و بين الهبة أنّ الواهب ليس له الرجوع على المتّهب بعوض الهبة، بخلاف القرض.

مسألة 42: يجب على المستقرض دفع مال القرض الحالّ عند المطالبة،

ص: 44


1- العزيز شرح الوجيز 453:4، روضة الطالبين 277:3.
2- العزيز شرح الوجيز 453:4، روضة الطالبين 277:3.

و به قال الشافعي(1).

و قال مالك: ليس للمقرض الرجوع فيما أقرضه حتى يقضي المستقرض وطره منه، أو يمضي زمان يسع لذلك(2).

و لو ردّ المستقرض العين التي اقترضها، وجب على المُقرض القبول لا محالة.

مسألة 43: قد بيّنّا أنّ المستقرض يملك بالقبض بعد العقد،

و هو أحد قولي الشافعي.

و القول الآخَر: إنّه يملك بالتصرّف على معنى أنّه إذا تصرّف تبيّن لنا ثبوت الملك قبله، و هذا يدلّ على أنّ الملك لم يحصل بالتصرّف، بل بسببٍ آخَر قبله.

ثمّ في ذلك التصرّف وجوه:

أظهرها: أنّ كلّ تصرّف يزيل الملك.

و الثاني: كلّ تصرف يتعلّق بالرقبة.

[و] الثالث: كلّ تصرّف يستدعي الملك.

فعلى الوجوه يكفي البيع و الهبة و الإعتاق و الإتلاف، و لا يكفي الرهن و التزويج و الإجارة و طحن الطعام و خبز الطحين و ذبح الشاة على الوجه الأوّل، و يكفي ما سوى الإجارة عيل الثاني، و ما سوى الرهن على الثالث؛ لأنّه يجوز أن يستعير الرهن فيرهنه، كما سيأتي(3).

و قال بعضهم ضابطاً في ذلك، و هو: أنّ التصرّف الذي يملك به

ص: 45


1- العزيز شرح الوجيز 435:4.
2- العزيز شرح الوجيز 435:4.
3- العزيز شرح الوجيز 436435:4، روضة الطالبين 277:3.

القرض هو الذي يقطع رجوع الواهب و البائع عند إفلاس المشتري(1).

و إذا فرّعنا على الوجه الأوّل، فهل يكفي البيع بشرط الخيار؟ إن قلنا: إنّه لا يزيل الملك، فلا. و إن قلنا: إنّه يزيله، فوجهان؛ لأنّه لا يزيل بصفة اللزوم(2).

تذنيب: إذا كان المال حيواناً، ملكه المقترض بالإقباض، فإذا قبضه كانت نفقته على المقترض، و هو أحد قولي الشافعي، و الآخَر: نفقته على المالك؛ لأنّ الملك إنّما يحصل بالتصرّف، فإذا تصرّف المقترض كانت النفقة عليه من تلك الحال(3).

تذنيبٌ آخَر: لو استقرض مَنْ ينعتق عليه، انعتق بالقبض عندنا.

و مَنْ قال: إنّ الملك بالتصرّف ينعتق بالتصرّف.

مسألة 44: إذا اقترض نصف دينار مكسوراً فأعطاه المقترض ديناراً صحيحاً

عن قرضه نصف دينار و الباقي يكون وديعةً عنده و تراضيا، جاز؛ لأنّه زاده خيراً. و إنّما شرطنا المراضاة؛ لأنّ الشركة عيب، و الكسر عيب، فافتقر إلى المراضاة، فإنّ المقرض كان له ذلك؛ لأنّ هذا و إن كان خيراً من حقّه إلّا أنّ فيه نقصان الشركة و التزام الوديعة.

فإن رضي و اتّفقا على كسره، لم يجز؛ لأنّ ذلك قسمة إضرار، إلّا مع الحاجة و عدم الراغب في شرائه بمكسورين.

و إذا اتّفقا على أن يكون نصفه قضاءً و نصفه قرضاً أو ثمناً أو قضاءً لنصف آخَر مكسور، وجب القول؛ لأنّه زاده خيراً، جاز(4) ؛ للأصل.

ص: 46


1- العزيز شرح الوجيز 436:4، روضة الطالبين 277:3.
2- العزيز شرح الوجيز 436:4، روضة الطالبين 277:3.
3- التهذيب للبغوي 545:3، العزيز شرح الوجيز 436:4، روضة الطالبين 277:3.
4- كذا في النسخ الخطّيّة و الحجريّة.
مسألة 45: قد بيّنّا أنّ الدَّيْن الحالّ لا يتأجّل بالتأجيل،

إلّا أن يجعل التأجيل شرطاً في عقدٍ لازم، كالبيع و شبهه، مثل: أن يقول: بعتك كذا بشرط أن تصبر عليَّ بالدَّيْن الحالّ كذا، أو اشترى على هذا الشرط، فإنّه يبقى لازماً؛ لقوله (عليه السّلام): «المؤمنون عند شروطهم»(1).

و إذا دفع المقترض أو المديون المال قبل الأجل، لم يجب على صاحبه قبضه، سواء كان عليه في ذلك ضرر أولا.

و لو مات المديون و كان الدَّيْن مؤجّلاً، حلّ الأجل بموته، و سيأتي إن شاء اللّه تعالى.

مسألة 46: إذا ردّ المقترض العينَ في المثلي، وجب القبول؛

لأنّها(2) أقرب إلى الحقّ من المثل(3) ، سواء رخصت أولا.

أمّا غير المثلي فإذا(4) دفعه بعينه، هل يجب على المالك القبول ؟ يحتمل ذلك؛ لأنّ الانتقال إلى القيمة إنّما كان لتعذّر العين و قد وُجدت، فلزمه القبول مع الدفع.

و لا يجب على المقترض الدفع، بل له دفع القيمة و إن كانت العين موجودةً؛ لأنّه قد ملكها بالقبض، و انتقل إلى ذمّته قيمة العين لا نفسها. و على هذا يحتمل أن لا يجب على المالك قبول العين لو دفعها المقترض بحالها إليه؛ لأنّ حقّه القيمة.

و للمالك مطالبة المقترض بالجميع مع الحلول و إمكان الأداء و إن

ص: 47


1- التهذيب 1503/371:7، الاستبصار 835/232:3، الجامع لأحكام القرآن 33:6.
2- في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «لأنّه».
3- في الطبعة الحجرية: «و المثل» بدل «من المثل».
4- في الطبعة الحجريّة: «إذا».

أقرضه تفاريق.

و لو أقرضه جملةً فدفع إليه تفاريق، وجب القبول.

مسألة 47: لو اقترض جاريةً، جاز له وطؤها مع القبض؛ لأنّه قد ملكها.

فإذا وطئها، جاز له ردّها على مالكها مجّاناً؛ إذ لا عوض عليه في وطئه حيث صادف ملكاً.

و لو حملت، صارت أمّ ولد، و لم يجز دفعها، بل يجب دفع قيمتها.

فإن دفعها جاهلاً بحملها ثمّ ظهر الحمل، استردّها.

و هل يرجع بمنافعها؟ إشكال.

و يدفع قيمتها يوم القرض؛ لأنّه الواجب عليه، لا يوم الاسترداد؛ لظهور فساد الدفع.

مسألة 48: قد بيّنّا أنّه لا يجوز إقراض المجهول؛

لتعذّر الردّ، فلو أقرضه دراهم أو دنانير غير معلومة الوزن أو قبّة من طعام غير معلومة الكيل و لا الوزن أو قدرها بمكيال معيّن أو صنجة معيّنة غير معروفين عند الناس، لم يصح.

فإن تلفت العين، تصالحا؛ إذ ثبت له في ذمّة المقترض مال و لا يعلم أحدهما قدره، و يتعذّر إبراء الذمّة إلّا بالصلح، فيكون الصلح متعيّناً.

و لو ادّعى المالك العلم، لم يُقبل منه إلّا بالبيّنة.

و لو ادّعى الغريم العلم، قُبل قوله مع اليمين؛ لأنّه غارم.

مسألة 49: قد ذكرنا أنّه يجوز أن يقرضه في بلدٍ و يشترط ردّه في غيره.

و لو لم يشترط شيئاً، اقتضى الإطلاق أداء المثل في بلد القرض. فإن شرط القضاء في بلدٍ آخَر، جاز، سواء كان في حملة مئونة أم لا.

ص: 48

و لو طالبه المقرض من غير شرط في غير البلد أو فيه مع شرط غيره، وجب الدفع.

و لو دفع في غير بلد الإطلاق أو الشرط، وجب القبول على إشكال.

مسألة 50: لو اشترى منه سلعة بدراهم اقترضا المشتري من البائع فخرجت الدراهم زيوفاً،
اشارة

فإن كان الشراء بالعين و كان البائع عالماً بالعيب، صحن البيع، و كان على المقترض ردّ مثل الزيوف.

و لو كان الشراء في الذّمة، كان للبائع مطالبته بالثمن سليماً، و للمشتري احتساب ما دفعه ثمناً عن القرض.

و لو لم يكن البائع عالماً بعيب الدراهم و كان الشراء بالعين، كان له فسخ البيع.

تذنيب: لو قال المقرض: إذا متُّ فأنت في حلٍّ، كان وصيّةً تمضى من الثلث.

أمّا لو قال: إن متَّ فأنت في حلٍّ، كان إبراءً باطلاً؛ لأنّه علّقه على شرط.

مسألة 51: لو اقترض ذمّيٌّ من مثله خمراً أسلم أحدهما، سقط القرض؛

إذ لا يجب على المسلم أداء الخمر، و لا قيمة؛ لأنّه من ذوات الأمثال، و لا يجوز للمسلم المطالبة به. أمّا لو أقرض الذمّيُّ ذمّيّاً خنزيراً ثمّ أسلم أحدهما، كان لصاحبه المطالبةُ بالقيمة؛ لأنّ الخنزير من ذوات القِيَم، لا من ذوات الأمثال، فالذمّيّ لمّا اقترض الخنزير وجب عليه بالقبض قيمته، و الخمر يجب عليه وقت القبض مثله.

مسألة 52: لو اقترض دراهم ثمّ أسقطها السلطان و جاء بدراهم
اشارة

ص: 49

غيرها، لم يكن عليه إلّا الدراهم الأُولى؛ لأنّها من ذوات الأمثال، فكانت مضمونةً بالمثل. فإن تعذّر المثل، كان عليه قيمتها وقت التعذّر.

و يحتمل وقت القرض من غير الجنس، لا من الدراهم الثانية، حذراً من التفاضل في الجنس المتّحد.

و المعتمد: الأوّل.

قال الشيخ (رحمه اللّه): و مَنْ أقرض غيره دراهم ثمّ سقطت تلك الدراهم و جاءت غيرها، لم يكن [له(1)] عليه إلّا الدراهم التي أقرضها إيّاه، أو سعرها بقيمة الوقت الذي أقرضها فيه(2).

و قد روى يونس في الصحيح قال: كتبت إلى أبي الحسن الرضا (عليه السّلام) أنّه كان لي على رجل دراهم و إنّ السلطان أسقط تلك الدراهم و جاءت دراهم أعلى(3) من تلك الدراهم الاُولى و لهم(4) اليوم و ضيعة، فأيّ شيء لي عليه ؟ الاُولى التي أسقطها السلطان، أو الدراهم التي أجازها السلطان ؟ فكتب: «الدراهم الاُولى»(5).

و في الصحيح عن صفوان قال: سأله معاوية بن سعيد عن رجل استقرض دراهم من رجل و سقطت تلك الدراهم أو تغيّرت و لا يباع بها شيء، أ لصاحب الدراهم الدراهمُ الأُولى أو الجائزة التي تجوز بين الناس ؟ت.

ص: 50


1- ما بين المعقوفين من المصدر.
2- النهاية: 384.
3- في الطبعة الحجريّة و الاستبصار: «أغلى».
4- في الاستبصار: «و لها» بدل «و لهم».
5- التهذيب 507/117:7، الإستبصار 343/99:3، و في الفقيه 503/118:3 بتفاوت.

قال: قال: «لصاحب الدراهمِ الدراهمُ الاُولى»(1).

قال الصدوق (رحمه اللّه) عقيب رواية يونس: كان شيخنا محمد بن الحسن (رضى اللّه عنه) يروي حديثاً في أنّ له الدراهم التي تجوز بين الناس.

قال: و الحديثان متّفقان غير مختلفين، فمتى كان له على رجل دراهم بنقدٍ معروف فليس له الّا ذلك النقد، و متى كان له على رجل دراهم بوزنٍ معلوم بغير نقدٍ معروف فإنّما له الدراهم التي تجوز بين الناس(2).

فروع:

أ لو جعل السلطان قيمتها أقلّ، كان الحكم فيه كما في إسقاطها.

ب لو كان رأس مال المضاربة دراهم معيّنة ثمّ أسقط السلطان تلك الدراهم، احتمل أن يكون رأس المال تلك الدراهم بعينها التي أسقطها السلطان؛ لأنّها المدفوعة مضاربةً.

و يحتمل جبر النقص بالربح؛ لأنّه من الخسران.

ج لو تبايعا و النقد في البلد تلك الدراهم ثمّ سقطت، لم يكن للبائع إلّا النقد الأوّل الجاري بين الناس وقت العقد.

و لن تعاملا بعد النقص و العلم، في بلد السلطان أو غيره.

و إن كان قبل العلم، فالوجه: ثبوت الخيار للبائع، سواء تبايعا في بلد السلطان أو غيره؛ لأنّه عيب حدث بعد العقد و قبل الإقباض.

الفصل الرابع في مداينة العبد معاملاته.

اشارة

ص: 51


1- التهذيب 508/117:7، الاستبصار 344/10099:3.
2- الفقيه 504/118:3.

و فيه مباحث:

الأوّل: في غير المأذون.
اشارة

العبد إمّا أن يأذن له مولاه في الاستدانة أو لا، و الثاني إمّا أن يكون مأذوناً له في التجارة أو لا، فالأقسام ثلاثة قدّم منها البحث عن غير المأذون له في التجارة و لا في الاستدانة.

و هذا إن استدان شيئاً، لم يلزم مولاه منه شيء، بل يتبعه المدين إذا اعتق رجع عليه بما لَه عليه إن كان ذا مال. و إن ما تعبداً، سقط الدَّيْن بلا خلاف.

و لو كان المال الذي استدانه بغير إذن مولاه موجوداً، استُعيد به، فإن تلف، تبع به بعد العتق.

و لا فرق بين أن يكون صاحب المال عالماً بعبوديّة أو جاهلاً.

و كذا إن اشترى في ذمّته بغير إذن مولاه.

و هل يصّح عقد الشراء أو القرض ؟ الأولى المنع؛ لأنّه محجور عليه. و لأنّه سيأتي(1) أنّ العبد لا يملك شيئاً، و به قال بعض الشافعيّة؛ لأنّه عقد معاوضة، فلا يصّح من العبد بغير إذن سيّده، كالنكاح(2).

و قال بعضهم: يصحّ؛ لأنّ العبد رشيد و إنّما لا يملك شيئاً، فإذا تصرّف في ذمّته على وجه لا يستضرّ به السيّد، كالحُرّ المعسر، بخلاف

ص: 52


1- في ص ؟، المسألة 57.
2- المهذّب للشيرازي 396:1، حلية العلماء 358:5، الوجيز 152:1، العزيز شرح الوجيز 373:4، روضة الطالبين 229:3.

النكاح؛ لأنّ فيه إضراراً بالمولى، لأنّ النفقة تتعلّق بكسبه، و كذا المهر(1).

مسألة 53: لو اقترض بغير إذنٍ،

فإن قلنا بالجواز، فللبائع و المقرض الرجوع فيه إذا كان في يد العبد؛ لأنّه قد تحقّق إعساره، فكان للبائع الرجوعُ، و به قال الشافعي(2).

و فيه إشكال من حيث إنّ المقرض و البائع عالمان بإعساره، فلم يكن لهما الرجوع في العين، كما لو باع المُعْسرَ مع علمه بإعساره و حجر الحاكم عيلة.

و إن كان قد تلف في يده، فقد استقرّ الثمن و عوض القرض عليه في ذمّته يتبع به بعد العتق و اليسار.

و لو كان سيّده قد أخذه منه، فقد ملكه؛ إذ كلّ ما يملكه العبد لمولاه، و لم يكن للبائع و لا للمقرض الرجوع فيه؛ لأنّ السيّد أخذ ذلك بحقٍّ؛ إذ له أخذه منه، فيسقط حقّ البائع و المقرض، كما يسقط حقّ البائع ببيع المبيع، و يكون للبائع و المقرض العودُ في ذمّة العبد يتبعه به إذا أُعتق و أيسر.

و إن قلنا بالمنع و إنّ البيع و القرض فاسدان، فإنّ البائع و المقرض يرجعان في العين إن كانت موجودةً، سواء كانت في يد العبد أو يد السيّد؛ لبقاء ملك البائع و المقرض فيهما.

و إن كانت قد تلفت في يد العبد، كان عليه القيمة يتبع بها بعد العتق و اليسار إن كانت من ذوات القِيَم. و إن كانت من ذوات الأمثال، وجب عليه مثله.

و إن كان قد تلف في يد السيّد، كان على السيّد المثلُ أو القيمة إن

ص: 53


1- المهذّب للشيرازي 396:1، حلية العلماء 358:5، الوجيز 152:1، العزيز شرح الوجيز 373:4، روضة الطالبين 229:3.
2- المهذّب للشيرازي 397:1، العزيز شرح الوجيز 373:4، روضة الطالبين 229:3.

شاء رجع به على السيّد في الحال، و إن شاء طالَب به العبد مع عتقه و يساره.

إذا عرفت هذا، فالأقرب عندي أنّه لا يصحّ شراؤه في ذمّته و لا قرضه؛ لاستحالة أن يثبت الملك له، فإنّه ليس أهلاً للتملّك على ما يأتي(1) ، و لا للمولى؛ لأنّ إن ملك بغير عوض، فهو تجارة بالباطل؛ إذ المالك إنّما دفع العين ليسلم له العوض، فإذا لم يكن هناك عوض، يكون تسلّطاً على ملك الغير بغير إذنه.

و إن ملك السيّد بعوضٍ، فإمّا في ذمّته، و هو باطل؛ لأنّ السيّد ما رضي به، أو في ذمّة العبد، و هو باطل؛ لامتناع حصول الشيء لمن ليس عليه عوض، بل على غيره.

و كلا القولين للشافعيّة؛ بناءً على القولين في أنّ المفلس المحجور عليه إذا اشترى شيئاً هل يصحّ؟ و وجه الشبه: كماليّة كلّ واحد منهما في عقله و عبارته، و إنّما حجر عليه لحقّ الغير.

هذا أحد الطريقين لهم، و الطريق الآخَر: القطع بالفساد، بخلاف المفلس؛ لأنّه أهل للتملّك(2).

مسألة 54: إن قلنا: الشراء صحيح، فالملك للسيّد.

فإن(3) علم البائع عبوديّتَه، لم يطالبه بشيء و لا للسيّد، بل يصبر حتى يعتق العبد، فإن لم يعتق أو كان معسراً، ضاع الثمن.

ص: 54


1- في ص ؟، المسألة 57.
2- العزيز شرح الوجيز 373:4.
3- في الطبعة الحجريّة: «و إن».

و إن لم يعلم بالعبوديّة، تخيّر بين الصبر إلى العتق و بين الفسخ و يرجع إلى عين ماله، و هو قول بعض الشافعيّة(1).

و قال بعضهم، الملك للعبد، و السيّد بالخيار بين أن يُقرّه عليه و بين أن ينتزعه من يده، و للبائع الرجوع إلى عين المبيع ما دام في يد العبد؛ لتعذّر تحصيل الثمن، كما لو أفلس المشتري بالثمن، فإن تلف في(2) يده، فليس له إلّا الصبر إلى أن يعتق(3).

و إن انتزع السيّد، فهل للبائع الرجوعُ؟ قال أكثر الشافعيّة: إنّه لا يرجع، كما لو زال يد المشتري عمّا اشتراه ثمّ أفلس بالثمن(4).

و قال بعضهم: يرجع، بناءً على أنّ الملك [يحصل(5)] للسيّد ابتداءً لا بالانتزاع(6).

و إن أفسدنا شراءه، فللمالك استرداد العين مع بقائها، سواء كانت في يد السيّد أو العبد.

فإن تلفت في يد العبد من غير أن يقبضها السيّد، تعلّق الضمان برقبته. و إن تلفت في يد السيّد، طالبَه بالضمان، و إن شاء طالَب العبد بعد العتق.

و لو رآه السيّد و لم يأخذه، لم يضمن بذلك، سواء كان البائع و المقرض عالمَيْن بالعبوديّة أو جاهلَيْن، و سواء رضي السيّد بما فَعَله العبد أو لا إذا لم يكن قد أذن له أوّلاً.3.

ص: 55


1- العزيز شرح الوجيز 373:4، روضة الطالبين 229:3.
2- في الطبعة الحجريّة: «ما في».
3- العزيز شرح الوجيز 373:4، روضة الطالبين 229:3.
4- العزيز شرح الوجيز 374373:4، روضة الطالبين 229:3.
5- ما بين المعقوفين من «العزيز شرح الوجيز».
6- العزيز شرح الوجيز 374:4، روضة الطالبين 229:3.

و لو أدّى العبد الثمن من مال السيّد، كان للسيّد استرداده؛ لوقوعه فاسداً.

مسألة 55: ليس للعبد أن ينكح بدون إذن سيّده، سواء اضطرّ إليه أو لا،

و إلّا لكان له الوطؤ متى شاء، و ذلك يورث ضعف البنية، و يتضرّر به السيّد.

و كذا حكم كلّ تصرّفٍ يتعلّق برقبة العبد.

أمّا الهبة منه و الوصيّة له فإنّه هبة للسيّد و وصيّة له؛ إذ لا يصحّ أن يملك العبد شيئاً، فإن قَبِل المولى أو العبد بإذنه، ملك المولى، و إلّا فلا.

و لا يصحّ قبول العبد من دون إذن السيّد؛ لعدم رضاه بثبوت الملك، و به قال بعض الشافعيّة(1).

و قال آخرون منهم: يصحّ قبول العبد من دون إذن مولاه؛ لأنّه اكتساب لا يستعقب عوضاً، فأشبه الاصطياد بغير إذنه. و لأنّ العبد لو خالع زوجته، صحّ، و ثبت العوض، و دخل في ملك السيّد قهراً، كذا هنا(2).

مسألة 56: لو ضمن بغير إذن السيّد، فالأقرب: الجواز؛

لأنّه تصرّف في الذمّة لا في العين.

ثمّ إن علم المضمون له بالعبوديّة قبل الضمان، و لم يكن له الرجوع، و إلّا رجع، لإعساره، و سيأتي تمامه إن شاء اللّه تعالى.

و بالجملة، فغير المأذون له في الاستدانة أو التجارة ممنوع من التصرّف في نفسه و ما في يده ببيعٍ و إجارة و استدانة و غير ذلك من جميع العقود، إلّا بإذن مولاه، إلّا الطلاق، فإنّ له إيقاعه و إن كره المولى.

ص: 56


1- الوسيط 203:3، العزيز شرح الوجيز 373:4، روضة الطالبين 229:3.
2- الوسيط 203:3، العزيز شرح الوجيز 373:4، روضة الطالبين 229:3.
مسألة 57: المشهور بين علمائنا أنّ العبد لا يملك شيئاً،

سواء ملّكه مولاه شيئاً أو لا و به قال أو حنيفة و الثوري و إسحاق و أحمد في إحدى الروايتين و الشافعي في الجديد من القولين(1) لقوله تعالى ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ (2) و قوله تعالى هَلْ لَكُمْ مِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ شُرَكاءَ فِي ما رَزَقْناكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَواءٌ (3) نفي عنه القدرة مطلقاً، و نفى أن يشارك العبد مولاه في شيء البتّة، فكأنّه تعالى قال: إذا لم يشارك عبد أحد مولاه في ملكه فيساويه، فكذلك لا يشاركني في ملكي أحد فيساويني فيه، فثبت أنّ العبد لا يملك شيئاً. و لأنّه مملوك فلا يملك شيئاً، كالدابّة.

و قال بعض(4) علمائنا: إنّه يملك فاضل الضريبة و أرش الجناية و ما يملّكه مولاه و به قال مالك و الشافعي في القديم، و أحمد في إحدى الروايتين، و داوُد و أهل الظاهر(5) لقوله تعالى وَ أَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ وَ الصّالِحِينَ مِنْ عِبادِكُمْ وَ إِمائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَراءَ يُغْنِهِمُ اللّهُ مِنْ فَضْلِهِ (1) فبيّن تعالى أنّه يغنيهم بعد فقر، فلو(2) لم يملكوا لم يتصوّر فيه الغنى.

ص: 57


1- أحكام القرآن للجصّاص 187:3، المهذّب للشيرازي 397:1، التهذيب للبغوي 467:3، حلية العلماء 360:5، الوسيط 204:3، الوجيز 152:1، العزيز شرح الوجيز 374:4، روضة الطالبين 230:3.
2- النحل: 75.
3- الروم: 28.
4- انظر: النهاية: 543.
5- الذخيرة 308:5، المعونة 1069:2، المقدّمات الممهّدات 340:2، المهذّب للشيرازي 397:1، التهذيب للبغوي 467:3، حلية العلماء 360:5، الوسيط 204:3، الوجيز 152:1، العزيز شرح الوجيز 374:4، روضة الطالبين 230:3، أحكام القرآن للجصّاص 187:3، المغني 277:4، و حكى قول داوُد الشيخ الطوسي في الخلاف 121:3، المسألة 207.

و قال بعض(1) علمائنا: إنّه يملك فاضل الضريبة و أرش الجناية و ما يملّكه مولاه و به قال مالك و الشافعي في القديم، و أحمد في إحدى الروايتين، و داوُد و أهل الظاهر(2) لقوله تعالى وَ أَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ وَ الصّالِحِينَ مِنْ عِبادِكُمْ وَ إِمائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَراءَ يُغْنِهِمُ اللّهُ مِنْ فَضْلِهِ (3) فبيّن تعالى أنّه يغنيهم بعد فقر، فلو(4) لم يملكوا لم يتصوّر فيه الغنى.

و لما رواه العامّة عن النبيّ (صلّى اللّه عليه و آله) قال: «مَنْ باع عبداً و له مالٌ فمالُه للعبد إلّا أن يستثنيه السيّد»(5).

و من طريق الخاصّة: ما رواه زرارة عن الصادق (عليه السّلام) في الرجل يشتري المملوك و له مالٌ لمَنْ مالُه ؟ فقال: «إن كان علم البائع أنّ له مالاً فهو للمشتري، و إن لم يكن علم فهو للبائع»(4).

و لأنّه آدميّ، فأشبه الحرّ، و الغنى يكون بعد العتق، كما يكون في الحُرّ بعد التجارة.

و خبر العامّة غير ثابت عندهم، و عارضوه بما رووه عنه (عليه السّلام) أنّه قال: «مَنْ باع عبداً و له مالٌ فمالُه للبائع إلّا أن يشترطه المبتاع»(5).

و قد رواه الخاصّة في الصحيح عن محمد بن مسلم عن الباقر أو الصادق (عليهما السّلام) قال: سألته عن رجل باع مملوكاً فوجد له مالاً، فقال: «المال للبائع إنّما باع نفسه إلّا أن يكون شرط عليه أنّ ما كان من مال أو متاع فهو له»(6) و لو ملكه العبد لم يكن للبائع، فلمّا جَعَله للبائع دلّ على أنّ العبد لم7.

ص: 58


1- الكافي 213:5 (باب المملوك يباع..) ح 1، التهذيب 307/71:7.
2- سنن أبي داوُد 3433/268:3 و 3435، سنن النسائي 297:7، مسند أحمد 4538/73:2.
3- النور: 32.
4- في الطبعة الحجريّة: «و لو».
5- المغني 277:4، و فيه «مَنْ باع عبداً و له مال» بدون الذيل، و في سنن الدارقطني 31/134133:4: «مَنْ أعتق عبداً..».
6- الكافي 213:5 (باب المملوك يباع..) ح 2، التهذيب 306/71:7.

يملك، و ثبت بذلك أنّ الإضافة مجاز.

و يفارق الحُرّ؛ لأنّه غير مملوك.

و ملك النكاح؛ لأنّه موضع حاجة و ضرورة؛ لأنّه لا يستباح في غير ملك. و لأنّه لمّا ملكه لم يملك السيّد إزالة يده عنه، بخلاف المال.

و الفائدة في القولين تظهر في الزكاة، فإن قلنا: يملك، فلا زكاة؛ لضعف ملكه، إذ لمولاه انتزاعه منه متى شاء. و إن قلنا: لا يملك، وجبت الزكاة على المولى.

و إذا ملّكه جاريةً و قلنا: يملك، استباح وطأها، و إلّا فلا.

و يكفّر بالمال إن قلنا: يملك، و إلّا بالصوم.

البحث الثاني: في المأذون له في الاستدانة.
مسألة 58: يجوز للسيّد أن يأذن لعبده في الاستدانة و التجارة و سائر التصرّفات إجماعاً.

و لأنّه صحيح العبارة، و إنّما مُنع من التصرّف لحقّ السيّد، فإذا أمره، زال المانع.

إذا ثبت هذا، فإذا أذن له في الاستدانة، فإن استدان للمولى بإذنه، كان الضمان على المولى؛ لأنّه المستدين في الحقيقة، و المملوك نائبه.

و إن استدان لنفسه بإذن المولى، فإن استبقاه مملوكاً أو باعه، فالضمان على المولى أيضاً؛ لأنّه بإذنه دفع المالك ماله إليه.

و لما رواه أبو بصير عن الباقر (عليه السّلام)، قال: قلت له: الرجل يأذن لمملوكه في التجارة فيصير عليه دَيْن، قال: «إن كان أذن له أن يستدين فالدَّيْن على مولاه، و إن لم يكن أذن له أن يستدين فلا شيء على المولى،

ص: 59

و يستسعى العبد في الدَّيْن»(1).

مسألة 59: لو أعتقه مولاه و قد أذن له في الاستدانة فاستدان،

فالأقرب إلزام العبد بما استدانه؛ لأنّه أخرجه في مصلحته، فكان عليه أداؤه، بخلاف ما لو باعه مولاه أو استبقاه؛ لأنّ التفريط من المولى بإذنه، و عدم تمكن صاحب المال من أخذه.

و لما رواه عثمان بن عيسى عن ظريف الأكفاني قال: كان أذن لغلامٍ له في الشراء و البيع فأفلس و لزمه دَيْنٌ فأُخذ بذلك الدَّيْن الذي عليه، و ليس يساوي ثمنه ما عليه من الدَّيْن، قال: فقال الصادق (عليه السّلام): «إن بعته لزمك، و إن أعتقته لم يلزمك» فعتقه و لم يلزمه شيء(2).

و يحتمل إلزام المولى؛ لأنّه أذن له في الاستدانة، فكأنّه قد أذن له في إتلاف مال الغير، و لا شيء للعبد حالة الإذن، فتضمّن ذلك الالتزام بما يسدينه، و هذا هو المشهور.

مسألة 60: لو استدان العبد بإذن المولى ثمّ مات المولى و عليه ديون و قصرت التركة عن الديون،

قُسّمت التركة على دَيْن المولى و دَيْن العبد بالنسبة؛ لأنّهما معاً يستحقّان في ذمّة المولى.

و لما رواه زرارة، قالت: سألتُ الباقرَ (عليه السّلام): عن رجل مات و ترك عليه دَيْناً و ترك عبداً له مال في التجارة و ولداً و في يد العبد مال و متاع و عليه دَيْنٌ استدانه العبد في حياة سيّده في تجارة، فإنّ الورثة و غرماء الميّت اختصموا فيما في يد العبد من المال و المتاع و في رقبة العبد، فقال

ص: 60


1- الكافي 3/303:5، التهذيب 445/200:6، الإستبصار 31/1211:3.
2- الكافي 1/303:5، التهذيب 443/199:6، الاستبصار 29/11:3.

«أرى أن ليس للورثة سبيل على رقبة العبد، و لا على ما في يده من المتاع و المال إلّا أن يضمنوا(1) دَيْن الغرماء جمعياً، فيكون العبد و ما في يديه للورثة، فإن أبوا كان العبد و ما في يديه للغرماء، يقوّم العبد و ما في يديه من المال ثمّ يقسّم ذلك بينهم بالحصص، فإن عجز قيمة العبد و ما في يديه عن أموال الغرماء رجعوا على الورثة فيما بقي لهم إن كان الميّت ترك شيئاً» قال: «فإن فضل من قيمة العبد و ما كان في يديه عن دَيْن الغرماء ردّه على الورثة»(2).

مسألة 61: لو أذن المولى لعبده في الشراء للعبد، صحّ.

و الأقرب أنّه لا يملكه العبد، فحينئذٍ يملكه المولى؛ لاستحالة ملكٍ لا مالك له، و لكن للعبد استباحة التصرّف و الوطي لو كان أمةً لا من حيث الملك، بل لاستلزامه الإذن.

إذا عرفت هذا، فليس الإذن في الاستدانة للمملوك إذناً لمملوك المأذون؛ لاختصاصه بالمأذون، فلا يتعدّى إلى غيره بالأصل.

و لا بدّ في إذن الاستدانة من التصريح، فلا يكفي السكوت لو رآه يستدين، و لا ترك الإنكار.

أمّا أمر صاحبَ المال بالإدانة لعبده، فالأقرب أنّه إذن للعبد، فيستبيح العبد التصرّفَ، و يتعلّق الضمان بالمولى، بل هو أبلغ من الإذن للعبد فيه.

ص: 61


1- في النسخ الخطّيّة و الحجريّة بدل «يضمنوا»: «يظهر» و الصحيح ما أثبتناه من المصدر.
2- الكافي 2/303:5، التهذيب 444/200199:6، الإستبصار 30/11:3.
البحث الثالث: في المأذون له في التجارة.
اشارة

و النظر فيه يتعلّق بأُمور ثلاثة:

الأوّل: فيما يجوز له من التصرّفات.
مسألة 62: إذا أذن السيّد لعبده في التجارة، اقتصر على ما حدّه له،

و لا يجوز له التعدّي إلى غيره، سواء كان في جنس ما يشتريه و يبيعه أو في القدر أو في السفر إلى موضعٍ. و إن عمّم له، جاز، و لم يختصّ الإذن بشيء من الأنواع دون شيء.

و يستفيد المأذون له في التجارة بالإذن كلّ ما يندرج تحت اسم التجارة أو كان من لوازمها و توابعها، كنشر الثوب و طيّه، و حمل المتاع إلى المنزل و السوق، و الردّ بالعيب، و المخاصمة في العهدة و نحوها، فلا يستفيد به غير ذلك، فليس له النكاح؛ لأنّ الإذن تعلّق بالتجارة، و هي لا تتناول النكاح، فيبقى على أصالة المنع، و كما أنّ المأذون له في النكاح ليس له أن يتّجر، كذا بالعكس؛ لأنّ كلّ واحد منهما لا يندرج تحت اسم الآخَر.

مسألة 63: ليس للمأذون في التجارة أن يؤاجر نفسه، لأنّه لا يملك التصرّف في رقبة فكذا في منفعة،

و هو قول أكثر الشافعيّة(1).

و قال بعضهم: إنّه يملك ذلك(2). و به قال أبو حنيفة(3).

ص: 62


1- التهذيب للبغوي 555:3، حلية العلماء 359:5، الوسيط 196:3، الوجيز 151:1، العزيز شرح الوجيز 366:4، روضة الطالبين 223:3، منهاج الطالبين: 109، الهداية للمرغيناني 4:4، المغني 200:5.
2- العزيز شرح الوجيز 366:4، روضة الطالبين 223:3.
3- تحفة الفقهاء 288:3، بدائع الصنائع 195:7، المبسوط للسرخسي 6:25، الهداية للمرغيناني 4:4، الاختيار لتعليل المختار 159:2، التهذيب للبغوي 555:3، حلية العلماء 359:5، العزيز شرح الوجيز 366:4.

و هل له إجارة أموال التجارة، كالعبيد و الدوابّ؟ الأقرب: اتّباع العادة في ذلك.

و للشافعيّة وجهان:

أحدهما: المنع، كما أنّه لا يؤاجر نفسه.

و الثاني: الجواز؛ لاعتياد التّجار ذلك. و لأنّ المنفعة من فوائد المال، فيملك العقد عليها كالصوف و اللبن. و لأنّ ذلك أنفع للمالك، فيكون محسناً به، فلا سبيل عليه؛ لقوله تعالى ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ (1)(2).

مسألة 64: لو أذن له السيّد في التجارة في نوع من المال، لم يصر مأذوناً في سائر الأنواع

و كذا لو أذن له في التجارة شهراً أو سنةً، لم يكن مأذوناً بعد تلك المدّة، عند علمائنا و به قال الشافعي - (3) اقتصاراً بالإذن على مورده؛ لعدم تناوله غير ذلك النوع.

و قال أبو حنيفة: إنّ الإذن في نوع يقتضي الإذن في غيره، و كذا الإذن في التجارة مدّةً يقتضي تعميم الأقارب؛ لأنّ في الإذن في نوعٍ أو مدّة غروراً للناس؛ لأنّهم يحسبونه مأذوناً له في كلّ نوع، و الغرور من المغرور صدر حيث بنى الأمر على التخمين و لم يفحص في البحث عن حاله، كما

ص: 63


1- التوبة: 91، المغني 200:5.
2- المهذّب للشيرازي 397:1، التهذيب للبغوي 555:3، الوسيط 197196:3، العزيز شرح الوجيز 366:4، روضة الطالبين 224223:3.
3- التهذيب للبغوي 556:3، العزيز شرح الوجيز 366:4، روضة الطالبين 224:3.

أنّه لو لم يأذن لعبده في التجارة فعامل العبد فتوهّم الغير الإذنَ، لم يلزم المولى حكمٌ، كذا هنا(1).

و اعلم أنّ أبا حنيفة سلّم أنّه لو دفع المولى إليه ألفاً ليشتري به شيئاً، لا يصير مأذوناً له في التجارة(2).

و لو دفع إلى ألفاً و قال: اتّجر فيه فله أن يشتري بعين ما دفع إليه و بقدره في الذّمة لا يزيد عليه.

و لو قال: اجعله رأس مالك و تصرّفْ و اتّجر فيه، فله أن يشتري بأكثر من القدر المدفوع إليه.

مسألة 65: لو أذن لعبده في التجارة و كان للمأذون عبد، لم يكن لعبد المأذون التجارة،

و لا للمأذون أن يأذن له إلّا بإذن مولاه؛ لأنّ المولى إنّما اعتمد على نظر المأذون، فلم يكن له أن يتجاوزه بالاستنابة، كالتوكيل، و به قال الشافعي(3).

و قال أبو حنيفة: إنّ للمأذون أن يأذن لعبده في التجارة(4). و ليس بمعتمد.

و لو أذن له السيّد في ذلك ففَعَل، جاز، ثمّ ينعزل مأذون المأذون بعزل السيّد له أو للمأذون، سواء انتزعه من يد المأذون أو لا، و به قال الشافعي(5).

ص: 64


1- تحفة الفقهاء 286:3، المبسوط للسرخسي 5:25 و 9 و 17، التهذيب للبغوي 556:3، العزيز شرح الوجيز 366:4.
2- تحفة الفقهاء 286285:3، العزيز شرح الوجيز 366:4.
3- الوسيط 196:3، العزيز شرح الوجيز 366:4، روضة الطالبين 224:3.
4- العزيز شرح الوجيز 366:4.
5- العزيز شرح الوجيز 366:4، روضة الطالبين 224:3.

و قال أبو حنيفة: إذا لم ينتزعه، لم ينعزل(1).

و هل للمأذون أن يوكّل غيره في آحاد التصرّفات ؟ الأولى المنع؛ لأنّ السيّد لم يرض بتصرّف غيره.

و للشافعيّة وجهان، هذا أحدهما. و الثاني: أنّ له ذلك؛ لأنّها تصدر عن نظره، و إنّما الممتنع أن يقيم غيره مقام نفسه(2).

و المعتمد: الأوّل.

مسألة 66: ليس للمأذون التصدّق، إلّا مع علم انتفاء كراهية المولى، و لا ينفق على نفسه من مال التجارة؛

لأنّه ملك لسيّده.

و عند أبي حنيفة له ذلك(3).

و الشافعي(4) وافقنا على ما قلناه.

و لا يتّخذ الدعوة للمجهزين(5).

و لا يعامل سيّده بيعاً و شراءً؛ لأنّ تصرّفه لسيّده، بخلاف المكاتب يتصرّف لا لسيّده، و به قال الشافعي(6).

ص: 65


1- العزيز شرح الوجيز: 366:4.
2- العزيز شرح الوجيز 367366:4، روضة الطالبين 224:3.
3- تحفة الفقهاء 288:3، بدائع الصنائع 197:7، الاختيار لتعليل المختار 160:2، الهداية للمرغيناني 5:4، الوجيز 151:1، العزيز شرح الوجيز 367:4، التهذيب للبغوي 556:3.
4- الوسيط 196:3، الوجيز 151:1، العزيز شرح الوجيز 367:4، التهذيب للبغوي 556:3، روضة الطالبين 224:3.
5- قال المطرزي في المغرب 101:1: و المجاز عند العامّة: الغليّ من التّجار. و كأنّه أُريد المجهز، و هو الذي يبعث التّجار بالجهاز، و هو فاخر المتاع، أو يسافر به، فحُرّف إلى المجاهز.
6- الوجيز 151:1، العزيز شرح الوجيز 367:4، التهذيب للبغوي 556:3، روضة الطالبين 224:3.

و قال أبو حنيفة: له أن يعامل سيّده(1).

و ربما قيّد بعض الشافعيّة ذلك بما إذا ركبته الديون(2).

مسألة 67: لو احتطب المأذون له في التجارة أو اصطاد أو قَبِل الوصيّة أو أخذ من معدن أو مباح، لم ينضمّ إلى مال التجارة،

فليس له التصرّف فيه إلّا بإذن مولاه؛ لأنّه مال اكتسبه بغير التجارة، فيكون للسيّد، و السيّد لم يأذن له في التصرّف فيه و لا سلّمه إليه ليكون رأس المال، و به قال بعض الشافعيّة(3).

و قال بعضهم: له ذلك؛ لأنّه من جملة أكسابه(4)(5).

و هو غير دالّ على الغرض؛ إذ الكسب لا ينافي المنع.

مسألة 68: و في انعزال المأذون بالإباق نظر، أقربه ذلك، قضاءً للعادة،

فإنّ خروجه عن طاعة مولاه يؤذن بكراهة المولى لتصرّفه حيث خروج عن الأمانة، و به قال أبو حنيفة(6).

و يحتمل أن لا ينعزل بالإباق، بل له التصرّف في البلد الذي خرج إليه، إلّا إذا خصّ السيّد الإذن بهذا البلد؛ لأنّ الإباق عصيان، فلا يوجب

ص: 66


1- الوجيز 151:1، العزيز شرح الوجيز 367:4.
2- العزيز شرح الوجيز 367:4.
3- الوسيط 196:3، الوجيز 151:1، العزيز شرح الوجيز 367:4، التهذيب للبغوي 555:3، روضة الطالبين 225224:3.
4- في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «اكتسابه». و ما أثبتناه من المصادر.
5- التهذيب للبغوي 555، العزيز شرح الوجيز 367:4، روضة الطالبين 224:3.
6- الاختيار لتعليل المختار 162:2، الهداية للمرغيناني 7:4، الوجيز 152:1، العزيز شرح الوجيز 367:4، حلية العلماء 362361:5، التهذيب للبغوي 556:3، المغني 200:5.

الحجر، كما لو عصى السيّد من وجهٍ آخَر.

و الفرق ظاهر؛ فإنّ قهر المولى على نفسه بالإباق يقتضي قهره على ما بيده، فلا يناسب الإذن له في التصرّف فيه.

و لو أذن لجاريته في التجارة ثمّ استولدها، ففيه هذا الخلاف. و لا خلاف في أنّ له أن يأذن لمستولدته في التجارة(1).

و عندنا لو أذن لجاريته في التجارة ثمّ استولدها، لم يبطل الإذن.

مسألة 69: لو شاهد عبده يبيع و يشتري فسكت عنه و لم ينكر عليه و لم يظهر منه أثر الاختيار،

لم يصر مأذوناً له في التجارة و به قال الشافعي - (2) كما لو رآه ينكح فسكت، لم يكن مأذوناً له في النكاح، كذا هنا.

و قال أبو حنيفة: إنّه يكون مأذوناً له في التجارة بمجرّد السكوت(3).

مسألة 70: لو ركبت المأذونَ الديونُ، لم يزل ملك سيّده عمّا في يده،

فلو تصرّف فيه المولى ببيع أو هبة أو إعتاق بإذن المأذون و الغرماء، جاز، فيكون الدَّيْن في ذمّة العبد.

فإن أذن العبد دون الغرماء، لم يجز عند الشافعي(4).

ص: 67


1- العزيز شرح الوجيز 367:4، روضة الطالبين 225:3.
2- الوجيز 152:1، العزيز شرح الوجيز 367:4، حلية العلماء 357:5، التهذيب للبغوي 556:3، روضة الطالبين 225:3، تحفة الفقهاء 286:3، بدائع الصنائع 192:7، الهداية للمرغيناني 3:4، المبسوط للسرخسي 11:25، المغني 200:5.
3- تحفة الفقهاء 286:3، بدائع الصنائع 192:7، المبسوط للسرخسي 11:25، الهداية للمرغيناني 3:4، الاختيار لتعليل المختار 158:2، حلية العلماء 358:5، التهذيب للبغوي 556:3، الوجيز 152:1، العزيز شرح الوجيز 367:4.
4- العزيز شرح الوجيز 368:4، روضة الطالبين 225:3.

و إن أذن الغرماء دون العبد، فللشافعيّة وجهان(1).

و قال أبو حنيفة: إذا ركبته الديون، يزول ملك السيّد عمّا في يده، و لا يدخل في ملك الغرماء(2).

و هو يستلزم المحال، و هو وجود ملكٍ لا مالك له.

و الأقرب: أنّ ما في يده لمولاه، و يصحّ تصرّفه فيه بجميع أنواع التصرّفات، و لا اعتراض للمولى و لا الغرماء.

مسألة 71: لو أقرّ العبد المأذون بديون المعاملة، ففي قبوله إشكال

ينشأ من أنّه يملك ذلك فيملك الإقرار به، و من أنّه إقرار في حقّ المولى.

و المعتمد: الثاني.

و قالت الشافعيّة: إنّه يُقبل، و لا فرق بين أن يُقرّ بها لأجنبيّ أو لولده أو لأبيه(3).

و قال أبو حنيفة: لا يُقبل إقراره لهما(4).

أمّا أقرّ بغير دَيْن المعاملة فإنّه غير نافذ، و كذا لو أقرّ المأذون؛ لأنّه إقرار في حقّ المولى.

مسألة 72: إذا أقرّ العبد بجناية توجب القصاص أو الدية، أو أقرّ بحدٍّ أو تعزير، لم يُقبل إقراره في حقّ مولاه

بمعنى أنّه لا يقتصّ منه ما دام مملوكاً، و لا يطالب بالمال و لا بالحدّ و لا بالتعزير، سواء كان مأذوناً له في

ص: 68


1- العزيز شرح الوجيز 368:4، روضة الطالبين 225:3.
2- الهداية للمرغيناني 8:4، الاختيار لتعليل المختار 163:2، الوجيز 152:1، العزيز شرح الوجيز 368:4.
3- الوجيز 152:1، العزيز شرح الوجيز 368:4، روضة الطالبين 225:3.
4- المبسوط للسرخسي 80:25، الوجيز 152:1، العزيز شرح الوجيز 368:4.

التجارة و الاستدانة أو لا و به قال زفر و المزني و داوُد الظاهري و ابن جرير الطبري(1) لأنّه إقرار في حقّ المولى. و لأنّه يسقط حقّ السيّد به، فأشبه إقراره بالخطإ.

و قال أبو حنيفة و الشافعي و مالك: يُقبل إقراره بما يوجب القصاص، و يكون للمقرّ له استيفاؤه؛ لأنّ ما لا يُقبل فيه إقرار السيّد على العبد يُقبل إقرار العبد فيه كالطلاق، بخلاف جناية الخطإ؛ لأنّ العبد تلحقه التهمة في ذلك، و لهذا يُقبل إقرار السيّد بها، و في مسألتنا لا تلحقه التهمة؛ لأنّه يتلف بذلك نفسه، و لهذا يُقبل إقرار المرأة بالقتل و إن تضمّن إبطال حقّ الزوج، و لا يُقبل بما يحرمها عليه مع سلامتها(2).

و نمنع عموميّة أنّ ما لا يُقبل فيه إقرار السيّد يُقبل فيه إقرار العبد. و التمسّك بالإطلاق تمسّكٌ بأمرٍ جزئيّ لا يدلّ على الحكم الكلّي.

و قال أحمد: يُقبل إقراره فيما دون النفس، و لا يُقبل في النفس؛ لما روي عن أمير المؤمنين عليّ (عليه السّلام) أنّه قطع عبداً بإقراره(3).5.

ص: 69


1- المغني 323:4، و 274273:5، الشرح الكبير 280:5، الكافي في فقه الإمام أحمد 299:4، الهداية للمرغيناني 169:4، الحاوي الكبير 372:5، التهذيب للبغوي 560:3، حلية العلماء 361:5، العزيز شرح الوجيز 277:5، روضة الطالبين 6:4.
2- المغني 274:5، الشرح الكبير 280:5، الهداية للمرغيناني 169:4، المبسوط للسرخسي 100:9، الاُم 217:6، المهذّب للشيرازي 344:2، الحاوي الكبير 372:5، التهذيب للبغوي 560:3، حلية العلماء 361:5، و 326:8، العزيز شرح الوجيز 277:5، روضة الطالبين 6:4، الكافي في فقه أهل المدينة: 582، التفريع 231:2.
3- المغني 323:4، و 274273:5، الشرح الكبير 280279:5، الكافي في فقه الإمام أحمد 299:4، حلية العلماء 361:5، العزيز شرح الوجيز 277:5.

و نحن نمنع ذلك، و إنّما قطعه بالبيّنة.

إذا ثبت هذا، فإن أُعتق نفذ إقراره، و طُولب بمقتضاه.

و إن أقرّ بجناية الخطأ، فعندنا لا يُقبل إقراره في حقّ مولاه على ما تقدّم.

و قال الشافعي(1) هنا بقولنا.

و يتعلّق الإقرار بذمّته يتبع به إذا أُعتق و أيسر، بخلاف المحجور عليه للسفه إذا أقرّ بالجناية، فإنّه لا يلزم لا حال الحجر و لا بعد فكّه، لأنّا أبطلنا إقراره لسفهه فلا نلزمه إيّاه؛ لأنّ ذلك تضييع لماله الذي حفظناه بالحجر، و العبد رشيد، و إنّما رددنا إقراره لحقّ سيّده، فإذا زال حقّه و ملك المال، ألزمناه حقّ إقراره.

مسألة 73: لو أقرّ العبد بسرقة سواء كان مأذوناً أو لا، لم ينفذ إقراره في حقّ مولاه؛
اشارة

لأنّه إقرار على الغير، فإن أُعتق، الزم بمقتضاه، سواء كانت السرقة ممّا توجب القطع أو لا، كالسرقة من غير حرز أو لما دون النصاب و يكون المقرّ به في ذمّته تالفاً أو باقياً؛ لأنّه متّهم في إقراره.

و قال الشافعي: إن كانت السرقة لا توجب القطع، لم يُقبل في حقّ المولى، و يتبع العبد بها بعد العتق. و إن أوجبت القطع، صحن إقراره في وجوب القطع عليه، كما يصّح فيما يوجب القصاص(2).

و أمّا المسروق فإن كان تالفاً، فهل يصّح إقراره و يتعلّق برقبته، أو

ص: 70


1- المهذّب للشيرازي 345:2.
2- المهذّب للشيرازي 345:2، التهذيب للبغوي 560:3، العزيز شرح الوجيز 277:5، روضة الطالبين 6:4.

يكون في ذمّته ؟ للشافعيّة قولان(1):

أحدهما: أنّه يصحّ، و يتعلّق برقبته؛ لأنّ إقراره متضمّن للعقوبة، فلا تهمة فيه، كما لو أقرّ بجناية العمد، فإنّه يصحّ، و إن كان الوليّ إذا عفا وجب المال في رقبته.

و الثاني: لا يجب في رقبته، و إنّما يتعلّق بذمّته؛ لأنّه إقرار بالمال، فأشبه ما لا يجب به القطع. و يفارق الإقرار بالقصاص؛ لإقراره بالعقوبة، و إنّما يصير مالاً بعفو الولي و اختياره، و هنا يُقر(2) بالمال. أ لا ترى أنّه إذا أقام المسروق منه شاهداً و امرأتين، ثبت المال دون القطع، و لو شهد بقتل العمد شاهد و امرأتان، لم تثبت العقوبة و لا الدية، فإن رجع عن إقراره، سقط القطع، و يتعلّق المسروق بذمّته قولاً واحداً؛ لأنّ التهمة تلحقه الآن.

و إن كانت العين المسروقة قائمةً، فإن كانت في يد السيّد و أنكر السيّد، قُدّم قوله مع اليمين، و أوجب إقرار العبد القطع، و لا يجب به ردّ العين، و إنّما يثبت بدلها في ذمّته، كالحُرّ إذا أقرّ بسرقة عين في يد مَنْ يدّعيها لنفسه، فإنّه يُقطع و لا يردّ و يغرمها.

و إن كانت في يد العبد، اختلفوا في ذلك على طريقين:

قال ابن سريج في ردّ ذلك قولين، كما لو كانت العين تالفةً(3).

و قال غيره: لا تردّ العين قولاً واحداً؛ لأنّ يده كيد سيّده، و لو كانت في يد سيّده لم تردّ. و لأنّ هذا يؤدّي إلى أن يُقبل إقراره في أكثر من قيمته،5.

ص: 71


1- المهذّب للشيرازي 345:2، التهذيب للبغوي 560:3، حلية العلماء 327326:8، الوجيز 195:1، العزيز شرح الوجيز 278277:5، روضة الطالبين 6:4.
2- في «س، ي»: «أقرّ».
3- الحاوي الكبير 373:5، العزيز شرح الوجيز 278:5.

و هو أن تكون العين أكثر منه قيمةً(1).

و هذا كلّه عندنا بالطل، و إنّ إقراره لا ينفذ لا في المال و لا في القطع.

إذا ثبت هذا، فإنّ الشافعيّة قالوا: إنّه يُقطع، و لا تردّ العين، و به قال مالك و أحمد.

و قال أبو حنيفة: لا يقطع و لا تردّ العين و هو مذهبنا لأنّ العين يحكم بأنّها للسيّد، و لا يجوز أن يقطع في ملك سيّده(2).

و قال محمد: يقطع و تردّ العين؛ لأنّه إنّما أقرّ بسرقة العين، فإذا أوجبنا القطع فيها وجب ردّها(3).

و احتجّ الشافعي بأنّه أقرّ بسرقة عينٍ هي ملكٌ لغيره في الظاهر، فوجب أن يُقبل إقراره في القطع دون العين، كما لو أقرّ الحُرّ بسرقة مال في يد غيره(4).

و نمنع أنّها ملك الغير، بل هي ملك السيّد.

تذنيب: لو صدّق المولى العبد في إقراره بما يوجب القصاص أو الحدّ، قُبِل،

و استوفي من العبد ما يقتضيه إقراره.

مسألة 74: مَنْ عامَل المأذونَ و هو لا يعرف رقّه، صحّ تصرّفه، و لا يشترط علمه بحاله.

و لو عرف رقّه، لم يجز له معاملته، إلّا أن يعرف إذن السيّد.

و لا يكفي قول العبد: أنا مأذون؛ لأنّ الأصل عدم الإذن، فأشبه ما إذا

ص: 72


1- الحاوي الكبير 373:5، العزيز شرح الوجيز 278:5، روضة الطالبين 6:4.
2- الحاوي الكبير 373:5، العزيز شرح الوجيز 278:5، المغني 324:4، الكافي في فقه أهل المدينة: 582.
3- انظر: الحاوي الكبير 374:5.
4- المغني 324:4.

زعم الراهن إذن المرتهن في بيع المرهون. و لأنّه مدّعٍ لنفسه، فلا تُقبل دعواه إلّا ببيّنة، و به قال الشافعي(1).

و قال أبو حنيفة: يكفي قول العبد، كما يكفي قول الوكيل(2).

قالت الشافعيّة: بينهما فرق؛ لأنّ في الوكيل لا حاجة إلى دعوى الوكالة، بل يجوز معاملته بناءً على ظاهر الحال و إن لم يدّع شيئاً، و هنا بخلافه(3).

و إنّما يُعرف كونه مأذوناً إمّا بسماع الإذن من السيّد أو ببيّنة تقوم عليه.

و لو شاع في الناس كونه مأذوناً، فوجهان، أصحّهما عندهم: يكتفى به(4) أيضاً؛ لأنّ إقامة البيّنة لكلّ معاملٍ ممّا يعسر(5).

و الوجه عندي: عدم الاكتفاء، و العسر يندفع بإثبات ذلك عند الحاكم.

و لو عرف كونه مأذوناً ثمّ قال العبد: حجر عليَّ السيّد، لم يعامل.

فإن قال السيّد: لم أحجر عليه، فوجهان للشافعيّة.

أصحّهما عندهم: أنّه لا يعامل أيضاً، لأنّه (العاقد)، و العقد باطل بزعمه.

و الثاني: أنّه يجوز معاملته و هو مذهبنا، و به قال أبو حنيفة اعتماداً3.

ص: 73


1- الوسيط 197:3، العزيز شرح الوجيز 368:4، روضة الطالبين 226:3.
2- الوسيط 197:3، العزيز شرح الوجيز 368:4.
3- العزيز شرح الوجيز 368:4.
4- في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «فيه» بدل «به». و الصحيح ما أثبتناه.
5- الوسيط 197:3، الوجيز 152:1، العزيز شرح الوجيز 368:4، روضة الطالبين 226:3، منهاج الطالبين 109:3.

على قول السيّد(1).

مسألة 75: لو عامل المأذونَ مَنْ عرف رقَّه و لم يعرف إذنه ثمّ بانَ كونه مأذوناً، صحّت المعاملة؛

لظهور الإذن المقتضي لصحّتها، و ليس العلم به شرطاً في الصحّة، بل في العلم بها.

و قالت الشافعيّة: إنّه يلحق بما إذا باع مال أبيه على ظنّ أنّه حيّ فبان ميّتاً(2).

و يقرب منه قولان للشافعيّة فيما إذا كذب مدّعي الوكالة ثمّ عاملة ثمّ ظهر صدق دعوى الوكيل في الوكالة(3).

و كلّ هذا عندنا يقع صحيحاً؛ لما قلناه من أنّ العلم شرط في العلم.

و لو عرف كونه مأذوناً فعامَلَه ثمّ امتنع من التسليم إلى أن يقع الإشهاد على الإذن، فله ذلك، خوفاً من خطر إنكار السيّد، كما لو صدق مدّعي الوكالة بقبض الحقّ ثمّ امتنع من التسليم حتى يشهد الموكّل على الوكالة.

و هل يجوز معاملة مَنْ لا يعرف رقّه و حُرّيّته ؟ الأقرب ذلك؛ لأنّ الأصل الحُرّيّة و عدم الحجر، و هو أحد قولي الشافعيّة. و الثاني: المنع؛ لأنّ الأصل بقاء الحجر الثابت عليه بالصغر(4).

مسألة 76: إذا أطلق له الإذن في الشراء، انصرف إلى النقد،

فإن أذن له في النسيئة، جاز، فيثبت الثمن في ذمّة المولى، و ليس له الاستدانة إلّا مع ضرورة التجارة المأذون له فيها، فيلزم الدَّيْن المولى؛ لأنّ الإذن في الشيء يستلزم الإذن فيما لا يتمّ ذلك الشيء إلّا به.

ص: 74


1- العزيز شرح الوجيز 368:4، روضة الطالبين 226:3.
2- العزيز شرح الوجيز 368:4، روضة الطالبين 226:3.
3- العزيز شرح الوجيز 369:4، روضة الطالبين 226:3.
4- العزيز شرح الوجيز 369:4، روضة الطالبين 226:3.

أمّا لو استدان لغير مصلحة التجارة، فإنّه لا يلزم المولى، بل يتبع به بعد العتق، فإن أُعتق أُخذ منه، و إلّا ضاع.

و لا يستسعى على رأي؛ لأنّ في ذلك إضراراً بالمولى، فكان المؤدّي المولى.

النظر الثاني: في العهدة.
مسألة 77: إذا باع المأذون سلعةً و قبض الثمن فظهرت السلعة مستحقّةً و قد تلف الثمن في يد العبد،

فللمشتري الرجوع ببدله على السيّد؛ لأنّ العقد له و العبد نائب عنه و عبارته مستعارة، فكأنّه البائع و القابض للثمن، و هو أحد قولي الشافعيّة. و في الثاني: يرجع المشتري على العبد ببدله؛ لأنّه المباشر للعقد(1).

و لم قولان آخَران:

أحدهما: أنّه لا يرجع على العبد و لا السيّد؛ لأنّ السيّد بالإذن قد أعطاه استقلالاً، فشرط من معاملة قصر الطمع عن يده و ذمّته(2).

و الثاني: أنّه إن كان في يد العبد وفاء، فلا يطالَب السيّد؛ لحصول غرض المشتري، و إلّا طُولب السيّد(3).

و قال ابن سريج: إن كان السيّد قد دفع إليه عين ماله و قال: بِعها و خُذْ ثمنها و اتّجر فيه، أو قال: اشتر هذه السلعة و بِعْها و اتّجر في ثمنها، ففَعَل ثمّ

ص: 75


1- الوسيط 199:3، العزيز شرح الوجيز 369:4، روضة الطالبين 227226:3.
2- كذا، في العزيز شرح الوجيز: «فشرط من يعامله قصر الطمع على يده و ذمّته».
3- الوسيط 199:3، العزيز شرح الوجيز 369:4، روضة الطالبين 227:3.

ظهر الاستحقاق و طالَبه المشتري بالثمن، فله أن يطالب السيّد بقضاء الدَّيْن عنه؛ لأنّه أوقعه في هذه الغرامة. و إن اشترى باختياره سلعةً و باعها ثمّ ظهر الاستحقاق، فلا(1).

مسألة 78: المأذون له في التجارة إذا اشترى شيئاً للتجارة، طُولب السيّد بالثمن؛

لأنّه نائب عنه و وكيل له.

و للشافعيّة الأوجُه الثلاثة(2) السابقة في المسألة السابقة.

و الوجه الأوّل و الثاني جاريان في عامل القراض مع ربّ المال؛ لتنزيل ربّ المال العهدة على المال المعيّن(3).

و لو دفع شخص إلى وكيله مالاً و قال: اشتر لي عبداً و أدِّ هذا في ثمنه، فاشترى الوكيل، ففي مطالبة الموكّل بالثمن عند الشافعيّة طريقان:

أحدهما: أنّه يطالَب، و لا حكم لهذا التعيين مع الوكيل؛ لأنّ الوكيل سفير محض، و المأذون مملوكه يلزمه الامتثال و التزام(4) ما يلزمه السيّد ذمّته.

و أحسنهما عندهم: طرد القولين فيه(5).

و الوجه: أن نقول: إن كان الموكّل قد عيّن المدفوع في الثمنيّة في العقد فاشترى الوكيل به، لم يطالَب الموكّل. و إن لم يدفعه، بطل الشراء إن سمّى الموكّل؛ لمخالفته أمره، و إن لم يسمّه، وقع الشراء له، و كان عليه الثمن، فلا يطالَب الموكّل. و إن لم يكن قد عيّن المدفوع في الثمنيّة في

ص: 76


1- العزيز شرح الوجيز 369:4، روضة الطالبين 227:3.
2- العزيز شرح الوجيز 369:4، روضة الطالبين 227:3.
3- العزيز شرح الوجيز 369:4، روضة الطالبين 227:3.
4- في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «إلزام». و الصحيح ما أثبتناه من «العزيز شرح الوجيز».
5- العزيز شرح الوجيز 370:4، روضة الطالبين 227:3.

العقد، كان للبائع مطالبة الموكّل.

مسألة 79: إذا توجّهت المطالبة على العبد، لم تسقط، و لا تندفع عنه بعتقه،

لكن في رجوعه بالمغروم بعد العتق للشافعيّة وجهان:

أحدهما: يرجع؛ لانقطاع استحقاق السيّد بالعتق.

و أظهرهما عندهم: لا يرجع؛ لأنّ المؤدّي بعد العتق كالمستحقّ بالتصرّف السابق على الرقّ، و هذا كالخلاف في السيّد إذا أعتق العبد الذي آجره في أثناء مدّة الإجارة هل يرجع بأجرة مثله للمدّة الواقعة بعد العتق ؟(1)

مسألة 80: لو سلّم إلى عبده ألفاً للتجارة فاشترى بالعين شيئاً ثمّ تلف الألف في يده، انفسخ العقد،

كما لو تلف المبيع قبل القبض.

و إن اشترى في الذمّة على عزم صرف الألف في الثمن، فالأقرب: أنّه لا يجب على السيّد دفع البدل؛ لأنّه أذن بالمعاملة بما دفعه، و هو ينصرف إلى الشراء بالعين، لكنّ السيّد إن دفع ألفاً آخَر، أمضى العقد، و إلّا فللبائع فسخ العقد، و هو أحد أقوال الشافعيّة.

و الثاني: أنّه ينفسخ بالعقد، كما لو اشترى بالعين، لأنّ المولى حصر إذنه في التصرّف في ذلك الألف و قد فات محلّ الإذن، فبطل البيع.

و الثالث: أنّه يجب على السيّد ألفٌ آخَر؛ لأنّ العقد وقع له، و الثمن غير متعيّن، فعليه الوفاء بإتمامه(2).

و لا بأس به إن كان السيّد قد أطلق له ذلك، بل هو المتعيّن حينئذٍ، و إلّا فالوجه ما قلناه.

ص: 77


1- الوسيط 200:3، العزيز شرح الوجيز 370:4، روضة الطالبين 227:3.
2- العزيز شرح الوجيز 370:4، روضة الطالبين 227:3.

و للشافعيّة وجهٌ رابع، و هو: أن يكون الثمن في كسب العبد(1).

و كذا لو دفع إلى عامل القراض ألفاً للقراض، فاشترى العامل بمالٍ في الذمّة و تلف الألف عنده، هل يجب على ربّ المال ألفٌ آخَر، أو ينقلب العقد إلى العامل ؟ إن قلنا بالأوّل، فعلى السيّد ألفٌ آخَر. و إن قلنا بالثاني، انفسخ العقد.

و إذا قلنا على السيّد ألفٌ آخَر، فهل للعبد أن يتصرّف فيه بالإذن السابق، أم لا بدّ من إذنٍ جديد؟ فيه وجهان كالوجهين في أنّه إذا أخرج ألفاً آخَر في صورة القراض، فرأس المال ألفٌ أو ألفان ؟ إن قلنا: ألفٌ، فلا بدّ من إذنٍ جديد. و إن قلنا: ألفان، كفى الإذن السابق.

و الألف الجديد إنّما يطالب به البائع دون العبد، و لا شكّ أنّ العبد لا يمدّ يده إلى ألف من مال السيّد و أنّه لا يتصرّف فيما قبضه البائع، و إنّما تظهر فائدة الخلاف فيما إذا ارتفع العقد بسببٍ من الأسباب و رجع الألف.

مسألة 81: إذا اتّجر المأذون و حصل عليه ديون و في يده مال و كان الذي استدانه في مصلحة التجارة، قُضيت ديونه ممّا في يده،

و إن شاء المولى دفع من عنده. و إن لم يكن بقي في يده شيء، فإنّ الديون تكون(2) في ذمّته يُتبع بها إذا أُعتق و أيسر إن صرفها في غير مصلحة التجارة.

و الشافعيّة أطلقوا و قالوا: لا يتعلّق برقبته و به قال مالك لأنّه دَيْنٌ ثبت على العبد برضا مَنْ له الدَّيْن، فوجب أن لا يتعلّق برقبته، كما لو استقرض بغير إذن سيّده(3).

ص: 78


1- العزيز شرح الوجيز 370:4، روضة الطالبين 227:3.
2- في «ي»: «تبقي» بدل «تكون».
3- المهذّب للشيرازي 397:1، حلية العلماء 362:5، الوسيط 202:3، الوجيز 152:1، العزيز شرح الوجيز 371:4، روضة الطالبين 228227:3، المدوّنة الكبرى 256245:5، المغني 322:4.

و قال أبو حنيفة: يُباع العبد فيه إذا طالَبه الغرماء ببيعه؛ لأنّه دَيْنٌ تعلّق بالعبد بإذن سيّده، فوجب أن يباع فيه، كما لو رهنه(1).

و فرقٌ بينهما؛ لأنّ الدَّيْن ثبت فيه باختيار السيّد، و في صورة النزاع إنّما أذن له في التجارة، و لم يأذن له في تأخير الثمن في ذمّته.

و يخالف أيضاً النفقة في النكاح حيث تعلّقت بكسبه؛ لأنّ إذن السيّد في النكاح يتضمّنها، و هُنا لا يتضمّن إذنه، و إنّما أذن له في التجارة و طلب الفائدة، دون المداينة و الخسران.

و قال أحمد بن حنبل: يتعلّق بذمّة السيّد، لأنّه أذن له في التجارة، فقد غرّ الناس بمعاملة، و أذن له فيها، فصار ضامناً(2).

و ليس بصحيح؛ لأنّ السيّد لم يضمن عن عبده، و لا في ذلك غرر، و إنّما أذن له في التجارة، و هذا لا يتضمّن تعديله و لا إثبات وفائه، و يبطل بمن باع رجلاً معسراً و عامَلَه، فإنّه قد غرّ الناس و لا يضمن.

النظر الثالث: في قضاء ديونه.
مسألة 82: ديون معاملات المأذون تؤخذ ممّا في يده من مال التجارة،

سواء فيه الأرباح الحاصلة بتجاراته و رأس المال.

و لو أدّاه السيّد، جاز.

و هل تؤدّى من كسبه بغير طريق التجارة، كالاصطياد و الاحتطاب ؟ مقتضى مذهبنا ذلك؛ لأنّ جميع ذلك ملك السيّد.

و الشافعيّة وجهان

ص: 79


1- تحفة الفقهاء 290:3، المغني 322:4، حلية العلماء 362:5، الوجيز 152:1، الوسيط 202:3.
2- المغني 322:4، حلية العلماء 362:5.

هذا أحدهما، كما يتعلّق به المهر و مُؤن النكاح، إلّا أنّ الشافعيّة قالوا: ما فضل من ذلك يكون في ذمّته إلى أن يعتق.

و الثاني: لا، كسائر أموال السيّد(1).

و على الأوّل هل يتعلّق بما كسبه بعد الحجر؟ وجهان للشافعيّة، أصحّهما عندهم: أنّها(2) لا تتعلّق برقبته، كما لو استقرض بغير إذن السيّد.

و خالف فيه أبو حنيفة.

و أمّا أنّها لا تتعلّق بذمّة السيّد: فلأنّ ما لزم بمعاوضة معقودة(3) بإذنه وجب أن تكون متعلّقةً بكسب العبد، كالنفقة في النكاح(4).

مسألة 83: لو أذن المولى لجاريته في التجارة فَعَلاها ديونٌ، لم تتعلّق الديون بأولادها،

سواء وُلدوا قبل الإذن في التجارة أو بعدها، و به قال الشافعي(5).

و قال أبو حنيفة: إن وُلدوا بعد الإذن في التجارة، تعلّق الدَّيْن بهم، و إلّا فلا(6).

و لو أتلف السيّد ما في يد المأذون من أموال التجارة، فعليه ما أتلف بقدر الدَّيْن.

و لو أنّه قتل المأذون و ليس في يده مال، لم يلزمه قضاء الديون، إلّا

ص: 80


1- التهذيب للبغوي 557:3، العزيز شرح الوجيز 371:4، روضة الطالبين 228:3.
2- أي الديون.
3- في العزيز شرح الوجيز: «مقصودة» بدل «معقودة».
4- العزيز شرح الوجيز 371:4، روضة الطالبين 228:3.
5- العزيز شرح الوجيز 371:4، روضة الطالبين 228:3.
6- العزيز شرح الوجيز 371:4.

أن تكون في مصلحة التجارة.

و لو تصرّف فيما في يد المأذون ببيعٍ أو هبة أو إعتاق و لا دَيْن على العبد، كان تصرّفه ماضياً.

و في وجهٍ للشافعيّة: يشترط أن يتقدّم(1) عليه حَجْراً(2).

و إن كان عليه دَيْنٌ(3).

مسألة 84: إذا باع المأذونَ أو أعتقه، صار محجوراً عليه،

و هو أصحّ وجهي الشافعيّة(4).

و في قضاء ديونه ممّا يكسبه في يد المشتري الخلافُ المذكور فيما يكسبه بعد الحجر عليه.

و أكثر المسائل الخلافيّة في المأذون يبنى على أنّه يتصرّف لنفسه أو لسيّده ؟ فعند أبي حنيفة أنّه يتصرّف لنفسه(5). و عندنا و عند الشافعي(6) لسيّده، فلذلك نقول: ليس له أن يبيع نسيئةً و لا بدون ثمن المثل، و لا يسافر بمال التجارة إلّا بإذن السيّد، و لا يتمكّن من عزل نفسه، بخلاف الوكيل.

و لو أذن لعبده في التجارة مطلقاً و لم يعيّن مالاً، قال بعض الشافعيّة

ص: 81


1- كذا، و في المصدر: «يقدّم».
2- العزيز شرح الوجيز 372:4، روضة الطالبين 228:3.
3- كذا في النسخ الخطّيّة و الحجريّة؛ حيث إنّ الشرط بلا جزاء، و قد ورد الجزاء في العزيز شرح الوجيز 372:4، و روضة الطالبين 228:3 هكذا: «فقد سبق حكم تصرّفه» و قد تقدّم حكم تصرّفه في هذا الكتاب ص 39، المسألة 70، فراجع.
4- العزيز شرح الوجيز 372:4، روضة الطالبين 228:3.
5- العزيز شرح الوجيز 372:4.
6- العزيز شرح الوجيز 372:4.

لا يصحّ هذا الإذن(1).

و قال بعضهم: يصحّ، و له التصرّف في أنواع الأموال(2).

مسألة 85: لو أذن السيّد لعبده في أنّه يضمن عن إنسان مالاً، فضمنه، تعلّق المال بذمّة العبد؛

لأنّه ثبت برضا مَنْ له الحقّ، و هو أحد وجهي الشافعيّة. و الثاني: يتعلّق بكسبه، و يكون بمنزلة المهر و النفقة؛ لأنّه أذن في سببه(3).

مسألة 86: قد بيّنّا أنّه لا يُقبل إقرار العبد سواء كان مأذوناً له أو لا -

بقصاصٍ و لا حدٍّ و لا في مالٍ في حقّ سيّده.

و قال الشافعي: يُقبل في الجناية و الحدّ(4).

و عندنا أخ صدّقه السيّد الأقرب: القبول.

فإذا ثبت القبول مطلقاً أو بتصديق السيّد، فوليّ الجناية مخيّر بين القصاص و العفو مطلقاً.

و عند الشافعي على مال(5).

و نحن إنّما نثبت له العفو على المال مع رضا الجاني.

قال بعض الشافعيّة: على القول بأنّ الجناية توجب أحد الأمرين إذا

ص: 82


1- العزيز شرح الوجيز 372:4، روضة الطالبين 228:3.
2- العزيز شرح الوجيز 372:4، روضة الطالبين 228:3.
3- العزيز شرح الوجيز 148147:5، روضة الطالبين 476:3.
4- الاُم 217:6، المهذّب للشيرازي 344:2، التهذيب للبغوي 560:3، الحاوي الكبير 372:5، حلية العلماء 361:5، و 326:8، و 326:8، العزيز شرح الوجيز 277:5، روضة الطالبين 6:4.
5- التهذيب للبغوي 560:3، العزيز شرح الوجيز 278:5، روضة الطالبين 6:4.

اختار الملك، كان فيه وجهان بناءً على القولين في المسروق.

لا يقال: لا يثبت العفو على مال؛ لأنّه يوجب التهمة، لإمكان أن يواطئ العبد مَنْ يقرّ له بالعمد ليعفو عنه.

لأنّا نقول: إنّه أقرّ بالعمد الموجب للقصاص، و ذلك لا تهمة فيه؛ لأنّه لا يأمن استيفاءه منه، و العاقل لا يغرّر بنفسه(1).

و ليس بجيّد؛ لأنّ المواطاة تنفي ذلك.

إذا ثبت هذا، فإنّ قيمته إذا كانت أقلّ من أرش الجناية، لم يكن للوليّ إلّا ذلك؛ لأنّ الجاني هو العبد، فلا يجب على غيره شيء. و إن كانت قيمة العبد أكثر، كان الفضل للسيّد؛ إذ ليس لصاحب الجناية أكثر من حقّه.

و إن أراد السيّد أن يفديه، ففيه قولان لعلمائنا، و للشافعي(2) أيضاً كالقولين:

أحدهما: بأقلّ الأمرين من قيمته أو أرش جنايته؛ لأنّ أرش الجناية إن كان أكثر، فلا يتعلّق بغير العبد الجاني، و إنّما تجب قيمته؛ إذ لا شيء له أزيد منها. و إن كان الأرش أقلّ لم يجب بالجناية إلّا هو.

و الثاني: أنّه يفديه بأرش الجناية بالغاً ما بلغ؛ لأنّه يجوز أن يشتري بأكثر من قيمته بأن يرغب فيه راغب أو يزيد فيه زائد.

مسألة 87: قد عرفت أنّه إذا أقرّ العبد سواء كان مأذوناً له في التجارة أو لا بدَيْن، لم يُقبل؛

ص: 83


1- التهذيب 560:3 و 561، العزيز شرح الوجيز 278:5، روضة الطالبين 6:4.
2- المهذّب للشيرازي 215:2، التهذيب للبغوي 174:7، حلية العلماء 601:7، الوسيط 378:6، العزيز شرح الوجيز 498:10، روضة الطالبين 212:7.

لأنّه في الحقيقة إقرار في حقّ السيّد، سواء كان قد تلف المال في يده أو لا.

و للشافعي(1) فيما إذا تلف في يده وجهان(2).

و قال ابن سريج: إذا كان المال في يده، فقولان(3).

و منهم مَنْ قال: يُقبل قولاً واحداً(4).

و الحقّ قلنا.

نعم، يُقبل إقراره بكلّ ذلك في ذمّته يتبع به بعد العتق.

تمّ الجزء الثامن(5) من كتاب تذكرة الفقهاء بعون اللّه تعالى و يتلوه في الجزء التاسع(6) بتوفيق اللّه تعالى: المقصد الثاني في الرهن، و فيه فصول على يد مصنّفه العبد الفقير إلى اللّه تعالى حسن بن يوسف بن علي بن المطهّر الحلّي، غفر اللّه تعالى له و لوالديه و لكافّة المؤمنين، ببلدة السلطانيّة في سادس جمادى الأُولى سنة أربع عشرة و سبعمائة.

و الحمد للّه وحده، و صلّى اللّه على سيّد المرسلين محمّد النبيّ و آله الطاهرين(7).ن.

ص: 84


1- كذا، و الظاهر: «للشافعيّة».
2- العزيز شرح الوجيز 278277:5، روضة الطالبين 6:4.
3- العزيز شرح الوجيز 278:5.
4- العزيز شرح الوجيز 278:5، روضة الطالبين 6:4.
5- حسب تجزئة المصنّف (قدّس سرّه).
6- حسب تجزئة المصنّف (قدّس سرّه).
7- ورد في آخر نسخة «س»: و كان الفراغ منه على يد كاتبه العبد الفقير إلى اللّه الغني زين العابدين بن محي الدّين بن علي بن كرامة، حامداً مصلّياً مسلّماً، نهار الجمعة ثاني عشر شهر رمضان المعظّم خُتم بالخير و الكرام، سنة اثنين و سبعين و تسعمائة، و الحمد للّه وحده، و صلّى اللّه على محمّد و آله الطاهرين، و الحمد للّه ربّ العالمين.

بسم اللّه الرحمن الرحيم

المقصد الثاني: في الرهن

اشارة

و فيه مقدّمة و فصول

أما المقدّمة:

اشارة

ففيها بحثان:

الأوّل: في ماهيّته:

الرهن عقد شُرّع للاستيثاق على الدّيْن.

و في اللغة: وُضع للثبوت و الدوام. يقال: رهن الشيء: إذا ثبت. و النعمة الراهنة هي الثابتة الدائمة.

و قيل: جَعْل الشيء محبوساً(1) ، أي شيء كان بأيّ سبب كان.

قال اللّه تعالى كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ (2) أي: محبوسة بوبال ما كسبت من المعاصي.

و يقال: رهنت الشيء فهو مرهون. و لا يقال «أرهنت» إلّا في الشواذ من اللغة. يقال: رهن فهو مرهون و ارتهنته فهو مرهن. و يقال: أرهن في الشيء: إذا عدل فيه. و أرهن ابنه: إذا جعله رهينةً و خاطر به.

و جمع الرهن رهون و رهان.

ص: 85


1- الصحاح 2128:5 «رهن»، لسان العرب 189:3 «رهن»، المغني و الشرح الكبير 397:4.
2- المدّثّر: 38.

و أمّا الرُّهن فقال الفرّاء: إنّه جمع الجمع(1).

قال الزجّاج: يحتمل أن يكون جمع رهن، كما يقال: سَقف و سُقُف(2).

الثاني: الرهن سائغ بالنصّ و الإجماع.

قال اللّه تعالى فَرِهانٌ مَقْبُوضَةٌ (3).

و روى العامّة عن النبيّ (صلّى اللّه عليه و آله) قال: «لا يغلق المرتهن الرهن من صاحبه الذي رهنه، له غُنْمه و عليه غُرمه»(4).

و عن الصادق (عليه السّلام) عن أبيه الباقر (عليه السّلام): «أنّ النبيّ (صلّى اللّه عليه و آله) رهن درعه عند أبي الشحم اليهودي»(5).

و عن عائشة: أنّ النبيّ (صلّى اللّه عليه و آله) رهن درعه عند يهوديّ و أخذ منه شعيراً لأهله(6).

و يقال: إنّ النبيّ (صلّى اللّه عليه و آله) عدل عن الرهن عند المسلمين إلى اليهوديّ خوفاً من أن يحابوه أو يُبرؤه من القرض(7).

و من طريق الخاصّة: ما رواه أبو حمزة قال: سألته عن الرهن و الكفيل

ص: 86


1- حكاه عنه الزجّاج في معاني القرآن 367:1، و ابن قدامة في المغني 397:4، و انظر معاني القرآن للفرّاء 188:1.
2- حكاه عنه ابن قدامة في المغني 397:4، و انظر: معاني القرآن للزجّاج 367:1.
3- البقرة: 283.
4- سنن البيهقي 39:6، الحاوي الكبير 3:6.
5- سنن البيهقي 37:6، الحاوي الكبير 4:6.
6- سنن البيهقي 36:6.
7- سنن البيهقي 36:6.

في بيع النسيئة، قال: «لا بأس به»(1).

و عن معاوية بن عمّار قال: سألتُ الصادقَ (عليه السّلام): عن الرجل يسلم في الحيوان و الطعام و يرتهن الرجل، قال: «لا بأس، تستوثق من مالك»(2).

و الأخبار في ذلك كثيرة لا تُحصى.

و قد أجمعت الأُمّة كافّةً على جواز الرهن في الجملة، و ليس واجباً إجماعاً.

و قوله تعالى وَ إِنْ كُنْتُمْ عَلى سَفَرٍ وَ لَمْ تَجِدُوا كاتِباً فَرِهانٌ مَقْبُوضَةٌ (3) المراد منه الإرشاد دون الأمر الموجب.

و هو عقدٌ لازمٌ من طرف الراهن، جائزٌ من جهة المرتهن إجماعاً، فليس للراهن فسخ الرهن، و يجوز للمرتهن فسخه.3.

ص: 87


1- الكافي 233:5 (باب الرهن) ح 1، التهذيب 744/168:7، و الحديث عن الإمام الباقر (عليه السّلام).
2- الكافي 3/233:5، التهذيب 746/168:7.
3- البقرة 283.

ص: 88

الفصل الأوّل: في الأركان

اشارة

و هي أربعة تشتمل عليها أربعة مباحث:

البحث الأوّل: في الصيغة
اشارة

الرهن كالبيع في افتقاره إلى صيغة تدلّ عليه. و الأصل فيه أنّ المعاملات لا بدّ فيها من التراضي بين المتعاملين، و الرضا من الأُمور الباطنة الخفيّة عنّا، و لا يمكن التوصّل إلى معرفته إلّا بالصِّيغ الدالّة عليه.

و الخلاف في الاكتفاء فيه بالمعاطاة و الاستيجاب و الإيجاب عليه المذكورة في البيع بجملته آتٍ هاهنا.

و اعلم أنّ الرهن إمّا أن يكون مبتدأً متبرّعاً به، و هو الذي لا يقع شرطاً في عقدٍ، بل يقول الراهن: رهنت هذا الشيء عندك على الدّين الذي عليّ، فيقول المرتهن: قبلت. و إمّا أن يقع شرطاً في عقدٍ، كبيع أو إجارة أو نكاح أو غير ذلك، فيقول: بعتك هذا الشيء بشرط أن ترهنني عبدك، فيقول: اشتريت و رهنت، أو زوّجتك نفسي على مهرٍ قدره كذا بشرط أن ترهنني دابّتك(1) على المهر، فيقول الزوج. قبلت و رهنت.

فالقسم الأوّل لا بدّ فيه من الإيجاب و القبول عند من اشترطهما، و لم يكتف بالمعاطاة.

و أمّا القسم الثاني: فقد اختلفوا فيه.

ص: 89


1- في «ج»: «دارك» بدل «دابّتك».

فقال بعض الشافعيّة: إذ قال البائع: بعتك كذا بشرط أن ترهنني كذا، فقال المشتري: اشتريت و رهنت، لا بدّ و أن يقول البائع بعد ذلك: قبلت الرهن. و كذا إذا قالت المرأة: زوّجتك نفسي بكذا بشرط أن ترهنني كذا، فقال الزوج: قبلت النكاح و رهنتك كذا، فلا بدّ و أن يقول المرأة بعد ذلك: قبلت الرهن؛ لأنّه لم يوجد في الرهن سوى مجرّد الإيجاب، و هو بمفرده غير كافٍ في إتمام العقد(1).

و قال آخرون: إنّ وجود الشرط من البائع و الزوجة يقوم مقام القبول؛ لدلالته عليه. و كذا الاستيجاب يقوم مقام القبول(2).

مسألة 88: قد بيّنّا أنّه لا بدّ في الرهن من إيجاب و قبول،

فالإيجاب كقوله: رهنتك، أو: هذا وثيقة عندك على كذا، أو: هو رهن عنك، و ما أدّى هذا المعنى من الألفاظ. و القبول كقوله: قبلت، أو: رضيت، و ما أدّى معناه.

و لا بدّ من الإتيان فيهما بلفظ الماضي، فلو قال: أرهنك كذا، أو: أنا أقبل، لم يعتدّ به.

و كذا لا يقوم الاستيجاب مقام القبول؛ لعدم دلالته على الجزم بالرضا.

و هل يشترط في الصيغة اللفظ العربي ؟ الأقرب العدم.

و لا تكفي الإشارة و لا الكتابة إلّا مع العجز عن النطق، فتكفي الإشارة الدالّة عليه. و كذا الكتابة مع الإشارة، و لا تكفي الكتابة المجرّدة عن الإشارة الدالّة على الرضا.

ص: 90


1- العزيز شرح الوجيز 463:4، روضة الطالبين 300:3.
2- العزيز شرح الوجيز 463:4، روضة الطالبين 300:3.
مسألة 89: الرهن عقد قابل للشروط الصحيحة التي لا تقضي إلى جهالة في بيان إن شُرط فيه،

عند علمائنا أجمع؛ لقوله (عليه السّلام): «المؤمنون(1) عند شروطهم»(2).

و لقوله تعالى أَوْفُوا بِالْعُقُودِ (3) و معنى الإيفاء(4) العمل بمقتضاه، فإذا كان مشروطاً، دخل تحت هذا الأمر.

و قالت الشافعيّة: إن شرط في الرهن شرطاً، فإمّا أن يكون من مقتضى عقد الرهن، أو لا يكون من مقتضاه.

فإن كان الأوّل مثل أن يشرط كون الرهن في يد المرتهن أو عَدْلٍ، أو يبيعه عند محلّ الدّيْن، أو يشرط منافعه للراهن، أو على يباع الرهن في ديْنك عند الحاجة، أو يتقدّم به عند تزاحم الغرماء، أو لا أبيعه إلّا بإذنك، فإنّ مثل هذه الشروط كلّها لا يضر التعرّض بها لا في رهن التبرع و لا في رهن المشروط في العقد، و إنّما هو تصريح بمقتضى العقد و تأكيد لمقتضاه.

و إن كان الثاني فإمّا أن يتعلّق بمصلحة العقد، كالإشهاد، أو لا يتعلّق به غرض، كقوله: بشرط أن لا يأكل إلّا اللحم، أو ما عداهما(5).

ص: 91


1- في «ج»: «المسلمون» بدل «المؤمنون» و كذا في صحيح البخاري 120:3، و سنن الدارقطني 98/27:3 و 99، و سنن البيهقي 249:7، و المستدرك للحاكم 49:2 و 50، و المصنّف لأبي أبي شيبة 2064/568:6، و المعجم الكبير للطبراني 4404/275:4.
2- التهذيب 1503/371:7، الاستبصار 835/232:3، الجامع لأحكام القرآن 33:6.
3- المائدة: 1.
4- الضمير راجع إلى العقد. و كلمة «به» لم ترد في الطبعة الحجريّة.
5- العزيز شرح الوجيز 463:4، روضة الطالبين 301:3.

و الأوّلان، فيهما قولان، كما لو شرطا في البيع، و قد سبق(1) فيه حكمهما.

و الثالث و هو أن يشترط ما عداهما فإمّا أن ينفع المرتهن و يضرّ الراهن، أو بالعكس.

فالنوع الأوّل كما إذا رهن داره بشرط أن يرهن غيرها، أو بشرط أن لا ينفكّ الرهن بعد أداء الدّيْن شهراً، أو أن تكون منافع المرهون أو زوائده للمرتهن، أو أن لا يسلّمه إليه، أو أن لا يبيعه عند محلّ الحقّ، أو أن لا يبيعه إلّا بما يرضى به، فهنا يبطل الشرط عند الشافعي(2).

ثمّ إن كان الرهن رهن تبرّع، فللشافعي قولان:

أصحّهما عنده: أنّ الرهن فاسد أيضاً؛ لما فيه من تغيير قضيّة العقد.

و الثاني: و به قال أبو حنيفة -: أنّ الرهن لا يفسد بفساد الشرط؛ لأنّ الرهن تبرّع من الراهن، و هذا الشرط فيه تبرّع آخر، واحد التبرّعين لا يبطل ببطلان الثاني، كما لو أقرضه الصحاح و شرط ردّ المكسور، يلغو الشرط و يصحّ القرض(3).

و إن كان الرهن مشروطاً في بيع نُظر، فإن لم يجرّ الشرط جهالة الثمن كما إذا شرط في البيع رهناً على أن يبقى محبوساً عنده بعد أداء الثمن شهراً ففي فساد الرهن القولان السابقان(4) في رهن التبرّع.

فإن فسد، ففي فساد البيع قولان في أنّ الرهن و سائر العقود المستقلّةً.

ص: 92


1- في ج 10 ص 246 ضمن «القسم الرابع: النهي عن بيع و شرط» و من 274، الفرع «كد» من المسألة 124.
2- العزيز شرح الوجيز 463:4، روضة الطالبين 301:3.
3- العزيز شرح الوجيز 463:4، روضة الطالبين 301:3.
4- آنفاً.

إذا شُرطت في البيع على نعت الفساد هل تُفسد البيع ؟ قولان تقدّما(1). فإن قلنا بصحّة البيع، فللبائع الخيار، صحّ الرهن أو فسد؛ لأنّه إن صحّ، لم يسلم له الشرط. و إن لم يصح، لم يسلم له أصل الرهن.

و إن(2) جرّ الشرط جهالة الثمن كما إذا شرط في البيع رهناً و شرط أن تكون منافعه و زوائده للمرتهن فالبيع باطل؛ لأنّ المشروط استحقاقه يصير جزءاً من الثمن، و هو مجهول، و إذا بطل البيع، بطل الرهن و الشرط لا محالة.

هذا ما اتّفق عليه جماهيرهم(3) ، و وراءه كلامان آخران:

أحدهما: نقل المزني في المسألة أنّ للبائع الخيار في فسخ البيع و إثباته، و توهّم أنّه ذهب إلى تصحيح العقد إذا حذف منه الشرط الفاسد. و اعترض عليه بأنّه خلاف أصله في أنّ الفاسد لا خيار فيه. و أصحابه خطّاؤه في قيله و توهّمه(4).

و الثاني: أنّ القاضي ابن كج حكى طريقةً اخرى أنّ في فساد الرهن قولين. و إن فسد، ففي فساد البيع قولان، كما سبق(5).

و كلامٌ ثالث استحسنه بعضهم، و هو: أنّ الحكم بالبطلان فيما إذا أطلق فقال: بعتك هذا العبد بألف لترهن به دارك و تكون منفعتها لي، فأمّا إذا قيّد و قال: تكون منفعتها لي سنةً أو شهراً، فهذا جمع بين البيع و الإجارةً.

ص: 93


1- في ج 10 ص 249، ضمن المسألة 117.
2- في النسخة الخطّية «ج» و الطبعة الحجريّة: «فإن». و الظاهر ما أثبتناه.
3- العزيز شرح الوجيز 464:4.
4- العزيز شرح الوجيز 464:4.
5- العزيز شرح الوجيز 464:4، و قد سبق آنفاً.

في صفقة واحدة(1) ، و قد سبق حكمه في البيع.

و النوع الثاني، و هو أن يكون الشرط ممّا ينفع الراهن و يضرّ المرتهن، كما لو قال: رهنتك بشرط أن لا تبيعه عند المحلّ أو: لا تبيعه بعد المحلّ إلّا إذا مضى شهر، أو: إلّا بما أرضى، أو: بأكثر من ثمن المثل، فهو فاسد عندهم، مفسد للرهن(2).

و قال بعضهم: يجيء في إفساده الرهنَ القولان المذكوران في النوع الأوّل(3).

و استغربه بعضهم(4).

و الفرق على ظاهر مذهبهم أنّ ما ينفع المرتهن(5) يزيد في الوثيقة، و يؤكّد ما وضع العقد له، و ما يضرّ يخلّ به.

فإن كان الرهن مشروطاً في بيع، عاد القولان في فساده بفساد الرهن المشروط، فإن لم يفسد، فللبائع الخيار(6).

و اعلم أنّ بعض الشافعيّة قسّم فقال: إن شرط ما هو من مقتضى عقد الرهن مثل كون الرهن في يد المرتهن أو في يد عَدْلٍ، صحّ الشرط.

و إن شرط ما ينافي مقتضى العقد مثل أن يشرط أن لا يسلّمه إليه، أو: أن لا يبيعه عند محلّ الدَّيْن، أو كون المنافع للمرتهن فسد الشرط، لمنافاته مقتضى عقد الرهن.4.

ص: 94


1- العزيز شرح الوجيز 464:4.
2- العزيز شرح الوجيز 464:4، روضة الطلابين 302301:3.
3- العزيز شرح الوجيز 464:4، روضة الطالبين 302:3.
4- العزيز شرح الوجيز 464:4، روضة الطالبين 302:3.
5- في «ج» و الطبعة الحجريّة: «الراهن» بدل «المرتهن». و الصحيح ما أثبتناه كما في المصدر.
6- العزيز شرح الوجيز 464:4.

و هل يفسد الرهن ؟ يُنظر فإن كان(1) نقصاناً من حقّ المرتهن، بطل عقد الرهن قولاً واحداً. و إن كان زيادةً في حقّ المرتهن، فقولان:

أحدهما: يفسد؛ لأنّ هذا شرط فاسد فأفسده، كما لو كان نقصاناً من حقّ المرتهن.

و الثاني: لا يفسد؛ لأنّ الرهن قد تمّ، و إنّما شرط له زيادة لا يقتضيها، فسقطت الزيادة، و بقي عقد الرهن. و يفارق إذا كان نقصاناً من حقّ المرتهن؛ لأنّ الرهن لم يتمّ.

فإن قلنا: العقد فاسد، ففي فساد البيع إذا شرط فيه قولان:

أحدهما: يفسد و به قال أبو حنيفة لأنّ الشرط الفاسد إذا اقترن بالعقد أفسده؛ لأنّ سقوطه يقتضي ردّ جزء من الثمن تُرك لأجله، و ذلك مجهول.

و الثاني: لا يفسد البيع؛ لأنّ الرهن ينعقد منفرداً عن البيع، فلم يفسد بفساده، كالصداق مع النكاح(2).

إذا ثبت هذا، فإنّ أبا حنيفة قال: لا يفسد الرهن بالشروط الفاسدة؛ لأنّه عقد يفتقر إلى القبض، فلا يبطل بالشرط الفاسد، كالهبة، فإنّ العمري يشترط فيها رجوع الموهوب إليه و لا تفسد(3).

و احتجّت الشافعيّة على الفساد بأنّ هذا شرط فاسد قارن عقد الرهن، فوجب أن يفسده، كما لو قال: رهنتك على أن يكون يوماً في يدك و يوماً4.

ص: 95


1- أي الشرط.
2- المهذّب للشيرازي 317:1، و كما في المجموع التكملة الثانية 217216:13.
3- لم نعثر عليه في مظانّه من المصادر المتوفّرة لدينا، و انظر: المغني 465:4، و الشرح الكبير 457:4.

في يدي. و منعوا الهبة. و العمري تُقبل إذا قال: أعمرتك حياة فلان، فأمّا إذا قال: حياتك، ففيه قولان. و إن سُلّم فالفرق أنّه لم يشرط زوال ملكه، و إنّما شرط عودها إليه بعد موته، و ذلك شرط على ورثته، فلم يؤثّر، بخلاف مسألتنا فإنّه شرط على العاقد معه ما ينافي العقد ففسد(1).

و الأقرب عندي: جواز اشتراط كلّ مباح في عقد الرهن إذا لم يناف مقتضاه، فأمّا إذا نافاه، لم يصح، مثل أن يشترط في الرهن عدم بيع الرهن مطلقاً، فإنّه ينافي التوثيق على الدَّيْن.

و لو شرط الانتفاع بالرهن أو عود منافعه إليه أو أن لا يبيعه المرتهن إلّا بحضور الراهن أو إلّا بعد شهر من حلول الدَّيْن، أو شرط أن يرهن غير الرهن، أو أن يشترط أن لا يسلّمه إلى المرتهن، أو أن لا يبيعه إلّا بما يرضى الراهن، أو حتى يبلغ كذا، أو بعد محلّ الحقّ بشهر، و نحو ذلك، فإنّ ذلك كلّه جائز؛ لأنّها شروط سائغة، فيجب الوقوف عندها؛ لقوله (عليه السّلام): «المؤمنون عند شروطهم»(2).

و لا فرق في الرهن بين أن يكون تبرّعاً أو شرطاً في بيع و شبهه.

و لو شرط على المرتهن أن يرقنه عند غيره، بطل؛ لأنّه منافٍ لمقتضى الرهن. و إذا بطل الشرط بطل المشروط؛ لأنّ الرضا بالعقد إنّما وقع على ذلك الشرط، فإذا [قلنا(3)]: لم يصح، لم يصحّ العقد؛ لأنّه بدون الشرط غير مرضيّ به.ة.

ص: 96


1- لم نعثر عليه فيما بين أيدينا من المصادر.
2- التهذيب 1503/371:7، الاستبصار 835/232:3، الجامع لأحكام القرآن 33:6.
3- ما بين المعقوفين نسخة بدل هامش الطبعة الحجريّة.
مسألة 90: زوائد المرهون المتجدّدة بعد الرهن المتّصلة تدخل في الرهن،

كالسمن و تعلّم الصنعة و غيرها، إجماعاً.

و أمّا المنفصلة فإنّها لا تدخل على ما يأتي عند الإطلاق، لكن لو شرط دخولها مثل أن يرهن الشجرة بشرط أن تحدث الثمرة مرهونةً، أو الشاة بشرط أن يحدث النتاج مرهوناً، فإنّه يصحّ الشرط، و يصير النماء المتجدّد مرهوناً، كالأصل؛ عملاً بالشرط، و هو قول الشافعي في القديم و الرهن اللطيف، فإنّه قال: يصحّ الشرط، و يتعدّى الرهن إلى الزوائد؛ لأنّ الرهن عند الإطلاق إنّما لا يسري إلى الزوائد؛ لضعفه، فإذا قوي بالشرط سرى. و لأنّه بتملّك الثمرة و لا النتاج، و إنّما هو وثيقة، فيكون رهناً، كالأصل؛ لأنّه منه، فأشبه السمن.

و قال في الأُمّ: لا يصحّ و هو الأصحّ عندهم لأنّ الزوائد حال العقد معدومة غير مملوكة، فيكون قد رهنه قبل ملكه. و لأنّها مجهولة، فلا يصحّ أيضاً رهنه(1).

فعلى القول بالصحّة و هو مذهبنا يصحّ الرهن و البيع. و إن قلنا: لا يصحّ، فهل يصحّ الرهن ؟ قولان مبنيّان على أصلين:

أحدهما: أنّ الزيادة في حقّ المرتهن إذا فسدت هل تُفسد الرهن ؟ قولان.

و الثاني: أنّ الرهن إذا فسد في بعضه، هل يفسد في الباقي ؟ قولان على أحد الطريقين في تفريق الصفقة.

فإن قلنا: لا يصحّ الرهن، فهل يفسد البيع ؟ قولان.

ص: 97


1- الاُمّ 195194:3، الحاوي الكبير 251250:6، الوسيط 480:3، العزيز شرح الوجيز 465:4، روضة الطالبين 302:3.

فحصل في ذلك أربعة أقاويل، أحدها: يصحّ الرهن و الشرط و البيع. و الثاني: يفسد الشرط و الرهن و البيع. و الثالث: يفسد الشرط و الرهن و البيع. و الثالث: يفسد الشرط و الرهن، و يصحّ البيع. و الرابع: يفسد الشرط، و يصحّ الرهن و البيع و هو الذي اختاره الشافعي و يثبت له الخيار في البيع؛ لأنّه لم يسلم له ما شُرط(1).

قال المزني: يجب أن لا يبطل البيع لبطلان الرهن؛ لأنّ الشافعي قال: و لو تبايعا على أن يرهنه هذا العصير فرهنه إيّاه فإذا هو من ساعته خمر، فله الخيار؛ لأنّه لم يتمّ له الرهن(2).

و خطّأه أصحابه؛ لأنّ الرهن صحيح، و إنّما فسد بعد ذلك، و هنا فاسد من أصله، فإذا قارن العقد أوجب الفساد(3).

تذنيب: هل يصحّ اشتراط كون اكتسابات العبد مرهونةً؟ نظر، أقربه: المنع؛ لأنّها ليست من أجزاء الأصل، فهي معدومة على الإطلاق، و هو أحد وجهي الشافعيّة(4).

و على القول بالفساد هل يفسد الرهن ؟ قولان مخرَّجان للشافعي:

أحدهما: القولان في فساد الرهن بفساد الشرط الذي ينفع المرتهن.

و ثانيهما: أنّه جمع في هذا الرهن بين معلومٍ و مجهولٍ، فيجيء فيه خلاف تفريق الصفقة(5).

و لو رهن و شرط كون المنافع مرهونةً، فالشرط باطل، و لا يجري فيه3.

ص: 98


1- الحاوي الكبير 251:6، العزيز شرح الوجيز 465:4، روضة الطالبين 302:3.
2- مختصر المزني: 100.
3- الحاوي الكبير 252:6.
4- العزيز شرح الوجيز 465:4، روضة الطالبين 202:3.
5- العزيز شرح الوجيز 465:4، روضة الطالبين 202:3.

القولان للشافعي، المذكوران في الزوائد.

تذنيبٌ آخر: لو افترض بشرط أن يرهن به شيئاً و تكون منافعه مملوكةً للمقرض، فالقرض فاسد؛ لأنّه جرّ منفعة، و إذا بطل بطل الرهن.

و إن شرط كون المنافع مرهونةً أيضاً، فإن سوّغنا مثل هذا الشرط في الرهن، صحّ الشرط و الرهن؛ لأنّه لم يجرّ القرض نفعاً.

و عند الشافعيّة يفسد الشرط، و يصحّ القرض، و في الرهن القولان(1).

مسألة 91: لو كان له على زيد ألف بلا رهن،

فقال زيد المديون: زِدْني ألفاً، أي: أقرضني ألفاً على أن أدفع إليك رهناً سمّاه بالألفين، فدفع إليه، فسد القرض؛ لأنّه شرط فيه منفعة، و هو الاستيثاق على الألف الأُولى، و قد نهى النبيّ (صلّى اللّه عليه و آله) عن قرضٍ جرَّ منفعة(2).

لا يقال: أ ليس لو شرط أن يعطيه بما يقرضه رهناً جاز و إن كان قد شرط الاستيثاق ؟ لأنّا نقول: الشرط: هنا تأكيد لما اقتضاه القرض، فإنّه يقتضي ردّ مثله، فإذا شرطه عليه جاز، فلم يجرّ القرض نفعاً؛ لأنّ وجوب الردّ ثابت في أصل القرض لا من حيث شرط الرهن، أمّا هنا فإنّه شرط الاستيثاق في هذا القرض لدَيْنه الأوّل، فقد شرط استيثاقاً بغير موجب القرض، فلم يجز.

و به قال الشافعي(3).

و إذا فسد الفرض، لم يملكه المقترض، و لا يثبت في ذمّته بدله، و إذا

ص: 99


1- العزيز شرح الوجيز 465:4، روضة الطالبين 202:3.
2- أورده الغزّالي في الوسيط 453:3، و الرافعي في العزيز شرح الوجيز 433:4.
3- مختصر المزني: 100، الحاوي الكبير 246:6.

لم يثبت في ذمّته شيء لم يصحّ الرهن؛ لأنّه رهن بالدَّيْن و لم يثبت، و لا يصحّ بالألف الأُولى؛ لأنّه شرط في القرض.

أمّا لو قال: بِعْني عبداً بألف على أن أُعطيك بها و بالألف التي لك عليَّ رهناً، فباعه على هذا الشرط، صحّ البيع و الرهن عندنا؛ لأنّه شرط سائغ في عقد بيع، فكان لازماً؛ للآية(1) ، و الخبر(2).

و قال الشافعي: يفسد البيع و الرهن؛ لأنّه شرط في البيع رهناً على دَيْنٍ آخَر، فصار بمنزلة بيعين في بيعة، و هو أن يقول: بِعْنى دارك على أن أبيعك داري، و ذلك فاسد، فكذا هنا(3).

و الحكم في الأصل ممنوع عندنا، و قد تقدّم(4).

مسألة 92: لو قال: أقرضتك هذه الألف بشرط أن ترهن به و بالألف التي لي عليك كذا، أو بذلك الألف وحده، فسد القرض

على ما تقدّم(5).

و لو قال المستقرض(6): أقرضني ألفاً على أن أرهن به و بالألف القديم أو بذلك الألف كذا، تردّد الجويني فيه بناءً على أنّ القبول من المستقرض غير معتبر، و الأصحّ اعتباره، و التسوية بين أن يصدر الشرط من المقرض و يقبله المستقرض، و بين عكسه(7).

ص: 100


1- المائدة: 1.
2- التهذيب 1503/271:7، الاستبصار 835/232:3 الجامع لأحكام القرآن 33:6.
3- مختصر المزني: 100، الحاوي الكبير 247:6.
4- في ج 10، ص 250، المسألة 118.
5- في صدر المسألة 91.
6- في الطبعة الحجريّة: «المقترض».
7- العزيز شرح الوجيز 465:4.

و كذا لو باع بشرط أن يرهن بالثمن و الدَّيْن القديم عند الشافعي(1).

و يجوز عندنا على ما تقدّم(2).

فلو رهن المستقرض أو المشتري كما شرط، فإمّا أن يعلم فساد ما شرط، أو يظنّ صحّته، فإن علم الفساد فإن رهن بالألف القديم، صحّ. و إن رهن بهما، لم يصحّ بالألف الذي فسد قرضه؛ لأنّه لم يملكه، و إنّما هو مضمون في يده للمقرض، و الأعيان لا يرهن عليها.

و في صحّته بالألف القديم للشافعيّة قولا تفريق الصفقة، فإن صحّ، لم يوزّع، بل كان الكلّ مرهوناً بالألف القديم؛ لأنّ وضع الرهن على توثيق كلّ بعضٍ من أبعاض الدَّيْن بجميع المرهون(3).

و لو تلف الألف الذي فسد القرض فيه في يده، صار دَيْناً في ذمّته، و صحّ الرهن بالألفين حينئذٍ.

و أمّا عند ظنّ الصحّة فإذا رهن بالألف القديم، قال بعض الشافعيّة: لا يصحّ الرهن، كما لو أدّى ألفاً على ظنّ أنّ عليه ألفاً ثمّ تبيّن خلافه، فإنّ له الاسترداد، و ظهر بطلان الأداء(4).

و قال بعضهم: يصحّ، بخلاف المقيس عليه؛ لأنّ أداء الدَّيْن يستدعي سَبْقَ ثبوته، و صحّة الرهن لا تستدي سَبْقَ الشرط(5).

و لو رهن بالألفين و قلنا بتفريق الصفقة فصحّته بالألف القديم على هذا الخلاف.

و كذا لو باع بشرط بيعٍ آخَر، فإنّه يصحّ البيع و الشرط عندنا، و لا3.

ص: 101


1- العزيز شرح الوجيز 465:4.
2- في ذيل المسألة السابقة (91).
3- الوسيط 480:3، العزيز شرح الوجيز 466:4، روضة الطالبين 303:3.
4- الوسيط 480:3، العزيز شرح الوجيز 466:4، روضة الطالبين 303:3.
5- الوسيط 480:3، العزيز شرح الوجيز 466:4، روضة الطالبين 303:3.

يصحّ عندهم(1). فلو أنشأ البيع الثاني ظانّاً صحّة الشرط، فقولان(2).

و كذا لو باع مال أبيه على ظنّ الحياة فبان ميّتاً.

و لو شرط عليه رهناً في بيع فاسد بظنّ لزوم الوفاء به فرهن، فله الرجوع.

مسألة 93: لو رهن أرضاً و فيها أشجار أو أبنية،

فالوجه: عدم دخول الأشجار و الأبنية في الرهن؛ لأنّها ليست جزءاً من المسمّى و لا نفسه، فلا تندرج تحته على ما تقدّم(3) في البيع و إن قال: بحقوقها. و تدخل لو قال: بجميع ما اشتملت عليه حدودها.

و للشافعي قولان، هذا أحدهما. و الثاني: الدخول(4) ، و قد سبق(5) في البيع.

و لو رهن شجرة، لم يدخل المغرس تحت اسم الشجرة؛ لما تقدّم.

و للشافعية خلافٌ مرتَّب على الخلاف في البيع، و الرهن أولى بالمنع؛ لضعفه(6).

و في معناه دخول الأُسّ تحت الجدار.

و لا تدخل الثمرة المؤبَّرة تحت رهن الشجرة بحال.

و في غير المؤبَّرة الحقُّ عندنا ذلك و إن دخلت في البيع؛ اقتصاراً على

ص: 102


1- العزيز شرح الوجيز 466:4، روضة الطالبين 303:3.
2- العزيز شرح الوجيز 466:4، روضة الطالبين 303:3.
3- في ج 1، ص 570 (الطبعة الحجريّة).
4- الحاوي الكبير 230:6، التهذيب للبغوي 46:4، الوجيز 162:1، العزيز شرح الوجيز 467:4، روضة الطالبين 303:3.
5- في ج 1، ص 570 (الطبعة الحجريّة)؟.
6- الوسيط 481:3، الوجيز 162:1، العزيز شرح الوجيز 467:4، روضة الطالبين 303:3.

النصّ فيه، و لا يتعدّى إلى غيره.

و للشافعي قولان، هذا أصحّهما؛ لأنّ الثمار الحادثة بعد استقرار العقد لا يثبت فيها حكم الرهن، فالموجودة عند العقد أولى، و بهذا يفارق البيع.

و الثاني: الدخول، كالبيع(1) ، و به قال أبو حنيفة، فإنّه قال: تدخل الثمار في الرهن بكلّ حال، بناءً على أنّ رهن الشجرة دون الثمرة لا يصحّ(2).

و نفى بعضُ الشافعيّة الخلافَ هنا، و قَطَع بعدم الدخول(3).

و لا يدخل البناء(4) بين الأشجار تحت رهن الأشجار إن كانت بحيث يمكن إفراده بالانتفاع.

و إن لم ينتفع به إلّا بتبعيّة الأشجار، فكذلك، و هو أشهر طريقي الشافعيّة(5).

و قال بعضهم: إنّه(6) على الوجهين في المغارس(7).

و تدخل في رهن الأشجار الأغصانُ و الأوارقُ، و به قال الشافعي(8).3.

ص: 103


1- المهذّب للشيرازي 318:1، التهذيب للبغوي 45:4، الحاوي الكبير 121:6، حلية العلماء 435:4، الوسيط 481:3، الوجيز 162:1، العزيز شرح الوجيز 467:4، روضة الطالبين 303:3.
2- الفروق للكرابيسي 287:2، بدائع الصنائع 141:6، الهداية للمرغيناني 133:4، حلية العلماء 436:4، العزيز شرح الوجيز 467:4، المغني 472:4.
3- العزيز شرح الوجيز 467:4، روضة الطالبين 303:3.
4- الظاهر: «البياض» بدل «البناء».
5- العزيز شرح الوجيز 467:4، روضة الطالبين 303:3.
6- في الطبعة الحجريّة و «ج»: «إنّها». و الظاهر ما أثبتناه.
7- العزيز شرح الوجيز 467:4، روضة الطالبين 303:3.
8- المهذّب للشيرازي 318:1، حلية العلماء 436:4، العزيز شرح الوجيز 467:4، روضة الطالبين 303:3.

أمّا التي تفصل غالباً كأغصان الخلاف و ورق الآس و الفرصاد ففيها(1) قولان له، كالقولين في الثمار التي لم تؤثَّر(2).

مسألة 94: لا يدخل الجنين تحت رهن الاُمّ الحامل

و هو أحد قولي الشافعي(3) لعدم شمول الاسم له، و كما في البيع عندنا.

و الجنين عند الشافعي أولى بالاندراج، كالثمرة غير المؤبّرة تحت الشجرة؛ لأنّ الحمل لا يقبل التصرّف على الانفراد(4) ، فبالحريّ أن يكون تبعاً(5).

و أمّا اللبن في الضرع: ففي دخوله إشكال.

و للشافعيّة طريقان، أحدهما: القطع بأنّه لا يدخل. و المشهور: أنّه على الخلاف. ثمّ هو عند بعضهم في مرتبة الجنين، و عند آخَرين في مرتبة الثمار؛ لتيقّن وجوده، و سواء أثبت الخلاف أم لا، فالظاهر أنّه لا يدخل في الرهن(6).

و الأقرب: دخول الصوف على ظَهْر الحيوان؛ لأنّه كالجزء من الحيوان، فدخل تحت رهنه.

ص: 104


1- في الطبعة الحجريّة و «ج»: «فيها». و الظاهر ما أثبتناه.
2- المهذّب للشيرازي 318:1، حلية العلماء 436:4، العزيز شرح الوجيز 467:4، روضة الطالبين 303:3.
3- الوسيط 482:3، الوجيز 162:1، العزيز شرح الوجيز 467:4، روضة الطالبين 303:3.
4- في الطبعة الحجريّة و «ج»: «الإفراد». و الصحيح ما أثبتناه.
5- العزيز شرح الوجيز 467:4.
6- العزيز شرح الوجيز 467:4، و انظر: المهذّب للشيرازي 318:1، و التهذيب للبغوي 45:4، و الحاوي الكبير 121:6، و حلية العلماء 437:4، و الوسيط 482:3، و روضة الطالبين 303:3.

و للشافعيّة طريقان:

أحدهما: القطع بدخوله، كالأجزاء و الأعضاء.

و أظهرهما: أنّه على قولين:

أحدهما: الدخول، كالأغصان و الأوراق في رهن الشجرة(1).

و أصحّهما: المنع، كما في الثمار؛ لأنّ العادة فيه الجَزّ(2).

و نقل بعضهم بدل القولين وجهين، و زاد وجهاً آخَر ثالثاً هو: الفرق بين القصير الذي لا يعتاد جزّه، و بين المنتهى إلى حدّ الجَزّ(3).

مسألة 95: لو رهن ما كان في يده و كان معلوما

لو كان في يده الحقُّ(4) أو خريطة(5) فقال: رهنتك هذا الحُقّ بما فيه، أو الخريطة [بما فيها(6)] و ما فيهما(7) معلوم، صحّ الرهن إجماعاً في الظرف و المظروف.

و إن كان ما فيهما مجهولاً، لم يصحّ الرهن قطعاً في المظروف خاصّةً؛ للجهالة، على إشكال، و به قال الشافعي(8).

و هل يصحّ الرهن في الظرف ؟ أمّا عندنا فنعم. و أمّا عند الشافعي

ص: 105


1- في «ج»: «الشجر».
2- العزيز شرح الوجيز 468:4، المهذّب للشيرازي 318:1، التهذيب للبغوي 4645:4، حلية العلماء 437:4، روضة الطلابين 304303:3.
3- العزيز شرح الوجيز 468:4، و انظر: روضة الطالبين 304:3.
4- الحُقّ: وعاء منحوت من الخشب أو العاج أو غير ذلك ممّا يصلح أن يُنحت منه. لسان العرب 56:10 «حقق».
5- الخريطة: وعاء من أَدَم و غيره. الصحاح 1123:3 «خرط».
6- ما بين المعقوفين أضفناه لأجل السياق.
7- في «ج» و الطبعة الحجرية: «فيها» بدل «فيهما». و الصحيح ما أثبتناه.
8- العزيز شرح الوجيز 468:4، روضة الطالبين 304:3.

ففيه قولان تفريق الصفقة(1).

و لو قال: رهنتك هذا الحُقّ دون ما فيه، صحّ الرهن فيه قطعاً.

و لو قال: رهنتك هذا الحُقّ، و أطلق، صحّ الرهن فيه خاصّةً دون ما فيه.

و أمّا الخريطة فإذا قال: رهنتك هذه الخريطة بما فيها، لم يصح مع الجهالة فيما فيها؛ للجهل به، و يصحّ فيها خاصّةً، و هو أحد قولي الشافعي. و الثاني: لا يصحّ.

و مبنى الخلاف تفريق الصفقة(2).

و لو قال: رهنتكها دون ما فيها، صحّ الرهن فيها خاصّةً كالحُقّ.

و قال الشافعي: لا يصحّ فيها أيضاً؛ لأنّ الظاهر أنّها لا تُقصد، و إنّما يُقصد ما فيها، بخلاف الحُق(3).

قال أصحابه: و لو كانت الخريطة ممّا تُقصد لكثرة قيمتها، كانت كالحُقّ. و لو كان الحُقّ لا قيمة له مقصودة، لم يصح رهنه، كالخريطة إذا لم تكن لها قيمة مقصودة(4).

و لو قال: رهنتك هذا الظرف دون ما فيه، صحّ رهنه و إن كانت قيمته قليلةً؛ لأنّه إذا أفرده فقد وجّه الرهن نحوه، و جَعَله المقصود.

و إن رهن الظرف و لم يتعرّض لما فيه نفياً و إثباتاً، فإن كان بحيث يقصد بالرهن وحده، فهو المرهون لا غير.

و إن كان لا يُقصد منفرداً لكنّه متموّل، فالمرهون الظرف وحده؛ لأصالة عدم رهن غيره.3.

ص: 106


1- العزيز شرح الوجيز 468:4، روضة الطالبين 304:3.
2- العزيز شرح الوجيز 468:4، روضة الطالبين 304:3.
3- العزيز شرح الوجيز 468:4، روضة الطالبين 304:3.
4- العزيز شرح الوجيز 468:4، روضة الطالبين 304:3.

و للشافعيّة وجهان، أحدهما: هذا. و الثاني: أنّه يكون رهناً مع المظروف(1).

و لو لم يكن متموّلاً، فللشافعيّة وجهان، أحدهما: توجّه الرهن إلى المظروف. و الثاني: أنّه يلغى(2).3.

ص: 107


1- العزيز شرح الوجيز 468:4، روضة الطالبين 304:3.
2- العزيز شرح الوجيز 468:4، روضة الطالبين 304:3.
البحث الثاني: في العاقد.
مسألة 96: يُشترط في المتعاقدين التكليفُ و الاختيار و القصد و انتفاء الحَجْر عنه بسفه أو فلس،

فلا يصحّ رهن الصبي و لا المجنون المطبق و لا مَنْ يعتوره حالة الجنون إيجاباً و قبولاً، و لا المكره و لا الغافل و لا الساهي و لا النائم و لا المغمى عليه و لا السكران و لا العابث و لا الهازل، سواء في ذلك كلّه الإيجابُ و القبول.

و لا بدّ أن يكون الراهنُ غيرَ محجور عليه بالسفه أو الفلس؛ لأنّهما ممنوعان من التصرّف في أموالهما، و لا اعتبار باختيارهما، مع أنّ عقد الرهن و التسليم لا يكون واجباً، و إنّما يكون إلى اختيار الراهن، فإذا لم يكن له اختيار، لم يصح منه. و لأنّ الرهن تبرّعٌ فإن صدر من أهل التبرّع، فلا كلام، و إلّا فلا بدّ من قائم يقوم مقام المالك.

و يُشترط وقوعه على وفق المصلحة و الاحتياط، فإذا رهن الوليّ مال الصبي و المجنون و السفيه أو ارتهن لهم، فلا بدّ من اعتبار مصلحتهم و الاحتياط، و ذلك مثل أن يشتري للطفل ما يساوي مائتين بمائة نسيئةً و يرهن به ما يساوي مائة من مال الطفل، فإنّ ذلك جائز؛ لأنّه إن لم يعرض تلف، ففيه غبطة ظاهرة. و إن تلف الرهن، كان في المشتري ما يجبره.

و لو لم يرض البائع إلّا برهن يزيد قيمته على المائة، فإن كان الرهن ممّا لا يخشى تلفه في العادة كالعقار، جاز رهنه؛ لما فيه من تحصيل الغبطة و المنفعة للصبي، الخالية عن توهّم التلف.

ص: 108

و ظاهر مذهب الشافعي المنع من هذه المعاملة(1).

و لو كان الرهن ممّا يخشى تلفه، فالأقوى: الجواز في موضعٍ يجوز إيداعه.

و مَنَع الشافعي من ذلك؛ لأنّ الرهن يمنع من التصرّف و ربما يتلف فيتضرّر به الطفل(2).

و لو كان الزمان زمان نَهب أو وقع حريق و خاف الوليّ على مال الطفل، فله أن يشتري عقاراً و يرهن بالثمن شيئاً من ماله إذا لم يتهيّأ أداؤه في الحال و لم يبع صاحب العقار عقارَه إلّا بشرط الرهن؛ لأنّه يجوز في مثل هذه الحالة إيداع المال ممّن لا يمتد النهب إلى ما في يده، فهذا الرهن أولى.

و لو استقرض له شيئاً و الحال هذه، لم يجز؛ لأنّه يخاف التلف على ما يستقرضه خوفه على ما يرهنه.

و لو لم يجد الوليّ مَنْ يأخذ المال وديعةً و وجد مَنْ يأخذه رهناً و كان المرهون أكثر قيمةً من مال القرض، جاز له الرهن.

مسألة 97: يجوز للوليّ أن يستقرض للطفل لحاجته إلى النفقة و الكسوة أو لتوفية ما لزمه

أو لصلاح ضياعه و مرمّتها و عمارة أبنيته أو إخراج ما يحتاج ارتفاع الغلّات فيه أو لحلول ما لَه من الدَّيْن المؤجَّل، أو(3) النفاق متاعه الكاسد، فإن لم يرتقب شيئاً من ذلك، فبيع ما [تعذّر(4)]

ص: 109


1- العزيز شرح الوجيز 469:4، روضة الطالبين 305:3.
2- العزيز شرح الوجيز 469:4، روضة الطالبين 305:3.
3- في «ج» و الطبعة الحجريّة: «و» بدل «أو». و الظاهر ما أثبتناه.
4- بدل ما بين المعقوفين في «ج» و الطبعة الحجريّة: «يقدر». و الظاهر ما أثبتناه.

رهنه أولى من الاستقراض، فإن تعذّر البيع، استقرض، و رهن من مال الطفل بحسب المصلحة، و هو قول أكثر الشافعيّة(1).

و قال بعضهم: لا يجوز للوليّ رهن ماله بحال من الأحوال(2).

و كذا يجوز أن يرتهن للطفل بأن يتعذّر على الوليّ استيفاء دَيْن الصبي، فيرتهن به إلى وقت الاستيفاء.

و لو كان له دَيْنٌ مؤجَّل إمّا بأن ورثة كذلك أو بأن باع الوليّ مالَه نسيئةً بالغبطة، فيجوز له حينئذٍ الارتهان للصبي.

و لو كان المشتري موسراً، لم يكتف الوليّ به، بل لا بدّ من الارتهان بالثمن. و لو لم يحصل أو حسن الظنّ بيساره و أمانته، أمكن البيع نسيئةً بغير رهن، كما يجوز إبضاع مال الطفل.

و إذا ارتهن على الثمن، جاز أن يرتهن على جميعه، و هو الأظهر من مذهب الشافعيّة(3).

و لهم وجهٌ آخَر: أنّه لا بدّ أن يستوفي ما يساوي المبيع نقداً، و إنّما يرتهن و يؤجّل بالنسبة إلى الفاضل(4).

و المعتمد: الأوّل.

مسألة 98: يجوز للوليّ إقراض مال الطفل مع المصلحة بأن يخاف تلفه بنَهب أو حريق.

و كذا يبيعه و يرتهن بالقرض أو ثمن المبيع للطفل

ص: 110


1- العزيز شرح الوجيز 469:4، روضة الطالبين 305:3.
2- روضة الطالبين 305:3.
3- العزيز شرح الوجيز 470:4، روضة الطالبين 305:3.
4- العزيز شرح الوجيز 470:4، روضة الطالبين 306:3.

شيئاً حفظاً لمالِه من النهب و الحريق، و هو قول أكثر الشافعيّة(1).

و لهم قولٌ آخَر: إنّ الأولى أن لا يرتهن للطفل إذا كان المرهون ممّا يخاف تلفه؛ لأنّه قد يتلف و يرفع الأمر إلى حاكمٍ يرى سقوط الدَّيْن بتلف الرهن(2).

و الوجه: الأوّل.

و حيث يجوز للوليّ الرهن فالشرط أن يرهن من أمين يجوز الإيداع منه. و لا فرق بين الأولياء في ذلك، سواء الأبُ و الجدُّ للأب و الوصيّ و الحاكم و أمينه.

و حيث يجوز الرهن و الارتهان فللأب و الجدّ أن يعاملا نفسيهما و يتولّيا طرفي العقد؛ للوثوق بشفقتهما.

و هل لغيرهما ذلك ؟ مَنَع منه الشافعيّة(3). و ليس بقويّ.

مسألة 99: يجوز للمكاتب أن يرهن و يرتهن مع المصلحة و الغبطة؛ لانقطاع تصرّف المولى عنه،

و لكن يشترط النظر و المصلحة، كما في الطفل، و هو قول بعض الشافعيّة.

و قال بعضهم: لا يجوز له الرهن استقلالاً، و مع إذن السيّد قولان بناءً على أنّ الرهن تبرّع(4).

و للشافعيّة وجهٌ آخَر: أنّه لا يجوز له الاستقلال بالبيع نسيئةً بحال(5) ، و هو المشهور عندنا.

و مع إذن السيّد يجوز عندنا.

ص: 111


1- العزيز شرح الوجيز 470:4، روضة الطالبين 306:3.
2- العزيز شرح الوجيز 470:4، روضة الطالبين 306:3.
3- العزيز شرح الوجيز 470:4، روضة الطالبين 306:3.
4- العزيز شرح الوجيز 470:4، روضة الطالبين 306:3.
5- العزيز شرح الوجيز 471470:4، روضة الطالبين 306:3.

و للشافعي مع الإذن قولان(1).

أمّا المأذون فإن دفع إليه السيّد مالاً ليتّجر فيه، فهو كالمكاتب إلّا في وجهين:

أحدهما: أنّ رهنه أولى بالمنع من رهن المكاتب؛ لأنّ الرهن ليس من عقود التجارات.

و شبّهه الجويني بإجارة الرقاب(2). و في نفوذها منه خلاف بين الشافعيّة(3).

و الثاني: أنّ له البيع نسيئةً بإذن السيّد إجماعاً؛ لأنّه مال السيّد، فيكون تصرّفُ المأذون فيه بإذن المولى في الحقيقة تصرّدَ المولى في ماله.

و لو قال له مولاه: اتّجر بجاهك، و لم يدفع إليه مالاً، فله البيع و الشراء في الذمّة حالّا و مؤجّلاً، و كذا الرهن و الارتهان؛ لانتفاء الضرر فيه على المولى، فإن فضل في يده مال، كان للمولى، و يكون حكمه حكم ما لو دفع إليه المولى مالاً.

مسألة 100: يشترط في الراهن أن يكون مالكاً للرهن أو في حكم المالك بأن يكون مأذوناً له في الرهن؛

لأنّه تصرّف في مال الغير، فلا يجوز إلّا بإذن المالك إمّا من جهة المالك، كالمستعير للرهن، أو من جهة الشرع، كوليّ الطفل، فإنّ له أن يرهن على ما تقدّم(4).

إذا عرفت هذا، فإذا استعار عبداً من غيره ليرهنه على دَيْنه الذي عليه فرَهَنه، صحّ.

ص: 112


1- العزيز شرح الوجيز 471:4، روضة الطالبين 306:3.
2- العزيز شرح الوجيز 471:4.
3- العزيز شرح الوجيز 471:4.
4- في ص 64، المسألة 97.

قال ابن المنذر: أجمع كلّ مَنْ تحفظ عنه من أهل العلم على أنّ الرجل إذا استعار من الرجل شيئاً ليرهنه على دنانير معيّنة عند رجل إلى وقتٍ معلوم ففَعَل أنّ ذلك جائز(1).

و هذا يقتضي تعيين المرتهن و قدر الدَّيْن و جنسه و مدّة الرهن؛ لاختلاف العقود بذلك.

و هل يكون سبيلُ هذا العقد سبيلَ العاريّة أو الضمان ؟ الحقّ عندنا الأوّل و هو أحد قولي الشافعي(2) لأنّه قبض مال غيره لمنفعة نفسه منفرداً بها فكان عاريةً، كما لو استعاره للخدمة. و لأنّ الضمان يثبت في الذمّة، و هنا يثبت في رقبة العبد.

و أصحّهما: أنّ سبيله سبيل الضمان، و معناه أنّ سيّد العبد ضمّن دَيْن الغير في رقبة ماله، كما لو أذن لعبده في ضمان دَيْن غيره، يصحّ، و تكون ذمّته فارغةً، و كما ملك أن يلزم ذمّته دَيْن الغير وجب أن يملك إلزامه عين ماله؛ لأنّ كل واحد منهما محلّ حقّه و تصرّفه(3).

و لأنّ منفعة العبد لسيّده، و العارية ما أفادت المنفعة، و إنّما حصلت المنفعة للراهن لكونه وثيقةً عنه، فهو بمنزلة الضمان في ذمّته.

لأنّ الحق المتعلّق بالذمّة ينبغي أن يتعلّق مثله بالرقبة، كالملك.

ثمّ أجابوا عن الأوّل بأنّ المقبوض للخدمة منفعة للمستعير، بخلاف مسألتنا(4).ه.

ص: 113


1- المغني 412:4.
2- العزيز شرح الوجيز 453:4، روضة الطالبين 293:3.
3- العزيز شرح الوجيز 453:4، روضة الطالبين 293:3.
4- لم نعثر عليه في مظانّه.

و ليس بجيّد؛ لأنّ الضمان عقد مستقلّ بنفسه يتضمّن التعهّدَ بدَيْن الغير، و انتقالَه من ذمّة المضمون عنه إلى ذمّة الضامن، و لم يوجد هنا، فلم يكن ضماناً.

و قال بعض الشافعيّة: إنّ هذا فيما يدور بين الراهن و المرتهن رهنٌ محض، و فيما بين المعبر و المستعير عارية، و فيما بين المعير و المرتهن حكم الضمان أغلب، فيرجع فيه ما دام في يد الراهن، و لا يرجع بعد القبض على الأصحّ عندهم؛ لأنّه ضمن له الدَّيْن في عين ملكه، و يقدر على إجبار الراهن على فكّه بأداء الدَّيْن؛ لأنّه معير(1) في حقّه إن كان الدَّيْن حالّا، و في المؤجَّل قولان(2).

إذا عرفت هذا، فإنّ العارية هنا تكون مضمونةً على المستعير إجماعاً.

أمّا عند العامّة: فضاهرٌ حيث قالوا بأنّ العارية مطلقاً مضمونة(3).

و أمّا عندنا: فلأنّ المالك لم يدفعه ليملكه المستعير، بل لينتفع به و يردّه على مالكه، فإذا عرّضه للإتلاف بالرهن، كان ضامناً له، كالملتقط إذا نوى التملّك في اللقطة، فإنّه يكون ضامناً، كذا هنا.

و اعلم أنّ هذا الرهن صحيح، و هو قول أكثر الشافعيّة(4).

و قال ابن سريج: إذا قلنا: إنّ ذلك عارية، لم يصح رهنه؛ لأنّ العارية لا تكون لازمةً، و الرهن لازم، فعلى هذا يشترط في الرهن كون المرهون:3

ص: 114


1- في «ج» و الطبعة الحجريّة: «معتبر» بدل «معير». و الصحيح ما أثتبناه من المصدر.
2- الوجيز 161160:1.
3- الوجيز 204:1، العزيز شرح الوجيز 376:5، روضة الطالبين 76:4، المغني 354:5، الشرح الكبير 365:5.
4- العزيز شرح الوجيز 454:4، روضة الطالبين 1.293:3

ملكاً للراهن(1).

و أبطله باقي الشافعيّة بأنّ العارية غير لازمة من جهة المستعير، فإنّ لصاحب العبد أن يطالب الراهن بافتكاكه قبل أن يحلّ الدَّيْن و إن كان قد أذن في رهنه بدَيْن مؤجَّل. و لأنّ العارية قد تكون لازمةً بأن يعيره جذعاً يبني عليه، و كما لو استعار أرضاً للدفن فدفن ميّته، و أشباههما(2).

و لو قال المديون: أرهن عبدك بدَيْني من فلان، فهو كما لو قبضه فرَهَنه.

مسألة 101: إذا أذن له في رهن عبده على الدَّيْن الذي عليه لثالثٍ،

كان هذا التصرّف سائغاً، بخلاف ما لو باع مال الغير لنفسه؛ لأنّ البيع معاوضة، فلا يملك الثمن مَنْ لا يملك المثمن، و الرهن استيثاق، و الاستيثاق يحصل بما لا يملك، كما يحصل بالكفالة و الإشهاد.

إذا ثبت هذا، فإنّ لمالك العبد الرجوعَ في الإذن قبل الرهن إجماعاً؛ لأنّ العارية قد بيّنّا أنّها غير لازمة، و لم يحصل الضمان بَعْدُ، فعلى قول العارية ظاهر، و على قول الضمان: فلأنّه بَعْدُ لم يلزم.

و هل له الرجوع بعد عقد الرهن قبل الإقباض ؟ إن قلنا: إنّ القبض ليس شرطاً في صحّة الرهن، لم يكن له الرجوع؛ لأنّ الرهن قد لزم بنفس العقد. و إن قلنا: إنّه شرط، صحّ الرجوع؛ لأنّ المستعير مخيّر في فسخ الرهن قبل القبض، فإذا لم يلزم في حقّه و هو المديون، فأولى أن لا يلزم في حقّ غيره، و به قالت الشافعيّة(3).

و أمّا بعد القبض فليس للمالك الرجوعُ في إذن الرهن، و به قال

ص: 115


1- العزيز شرح الوجيز 454:4، روضة الطالبين 1.293:3
2- العزيز شرح الوجيز 454:4، روضة الطالبين 1.293:3
3- العزيز شرح الوجيز 454:4، روضة الطالبين 1.293:3

الشافعي على قول الضمان، و أمّا على قول العارية فوجهان:

أحدهما: أنّ له أن يرجع جرياً على مقتضى العارية.

و الأظهر: أنّه لا يرجع، و إلّا لم يكن لهذا الرهن معنى، و لا يحصل به توثّق(1).

و قال بعضهم: إنّه إذا كان الدَّيْن مؤجَّلاً، ففي جواز الرجوع قبل حلول الأجل وجهان؛ لمنافاته(2) الإذن بمدّة، كما لو أعار للغراس مدّه(3).

و إذا حكمنا بالرجوع فرجع و كان الرهن مشروطاً في بيع فللمرتهن فسخ البيع إذا كان جاهلاً بالحال.

مسألة 102: إذا أذن له في رهن عبده، فرهنه المديون،

فإن كان الدَّيْن حالّا، كان لصاحب العبد مطالبة الراهن و إجباره على افتكاكه مع قدرة المديون منه؛ لأنّه عندنا عارية، و العارية غير لازمة، بل للمالك الرجوع فيها متى شاء.

و أمّا على أحد قولي الشافعيّة من أنّه ضمان(4): فكذلك أيضاً؛ لاستخلاص ملكه المشغول بوثيقة الرهن، و لا يُخرَّج على الخلاف بين الشافعيّة في أنّ الضامن هل يملك إجبار الأصيل على الأداء لتبرئة ذمّته تشبيهاً للشغل الذي أثبته بأداء الدَّيْن ؟(5).

و إن كان مؤجَّلاً و أذن له في الرهن عليه، فليس لصاحب العبد إجباره على الفكّ قبل الحلول على القول بأنّه ضمان، كمن ضمن دَيْناً مؤجَّلاً لا

ص: 116


1- العزيز شرح الوجيز 454:4، روضة الطالبين 293:3.
2- كذا في الطبعة الحجريّة، و في «العزيز شرح الوجيز» و «ج»: «لما فيه من» بدل «لمنافاته» و كذا في «ج» من دون «من».
3- العزيز شرح الوجيز 454:4، روضة الطالبين 293:3.
4- العزيز شرح الوجيز 454:4.
5- العزيز شرح الوجيز 454:4.

يطالب الأصيل بتعجيله لإبراء ذمّته.

و إن قلنا: إنّه عارية، كان له مطالبته بفكاكه؛ لأنّ العارية لا تلزم.

ثمّ إذا حلّ الأجل و أمهل المرتهن الراهنَ، فللمالك أن يقول: إمّا أن تردّ العبد إليَّ، أو تطالبه بالدَّيْن ليؤدّيه، فينفكّ الرهن، كما إذا ضمن دَيْناً مؤجَّلاً و مات الأصيل، فللضامن أن يقول: إمّا أن تطالب بحقّك من التركة، أو تبرئني.

مسألة 103: إذا أذن المالك في الرهن ثمّ حلّ الدَّيْن أو كان حالّا في أصله،

فإن كان الراه معسراً، جاز للمرتهن بيع الرهن، و استيفاء الدَّيْن منه إن كان وكيلاً في البيع، و إلّا باعه الحاكم إذا ثبت عنده الرهن، سواء رضي المالك بذلك أو لا؛ لأنّ الإذن في الرهن إذنٌ في لوازمه التي من جملتها بيعه عند الإعسار.

و لو كان الراهن موسراً مُماطلاً، فالأقرب: أنّ للمرتهن البيعَ أيضاً، و لا يكلَّف الصبر على مطالبة المماطل و لا حبسه و إن جاز له ذلك.

و لو لم يكن مماطلاً و كان حاضراً يمكن استيفاء الدَّيْن منه، لم يجز البيع.

و إن كان غائباً و لا مال له في بلد المرتهن، فالأقوى جواز البيع أيضاً.

و أمّا الشافعيّة فقالوا: إن قلنا: إنّه ضمان، فلا يباع في حقّ المرتهن إن قدر الراهن على أداء الدَّيْن، إلّا بإذنٍ مجدَّد، و إن كان معسراً، فيباع و إن كره المالك. و إن قلنا: إنّه عارية، فلا يباع إلّا بإذنٍ مجدَّد، سواء كان الراهن موسراً أو معسراً(1).

ص: 117


1- العزيز شرح الوجيز 455:4، روضة الطالبين 294:3.

و قياس قول مَنْ قال منهم بلزوم الرهن على قول العارية أنّه يجوز بيعه عند الإعسار من غير مراجعة كما على قول الضمان(1).

قال بعضهم: الرهن و إن صدر من المالك فإنّه لا يسلَّط على البيع إلّا بإذنٍ جديد، فإن رجع و لم يأذن، فحينئذٍ يُباع عليه، فإذَنْ المراجعةُ لا بدّ منها(2).

ثمّ إذا لم يأذن في البيع، فقياس مذهبهم أن يقال: إن قلنا: إنّه عارية، فيعود الوجهان في أنّه هل يُمكَّن من الرجوع ؟ و إن قلنا: إنّه ضمان و لم يؤدّ الدَّيْن الراهن، فلا يُمكَّن من الإباء، و يُباع عليه، معسراً كان الراهن أو موسراً، كما لو ضمن في ذمّته، يُطالَب، موسراً كان الأصيل أو معسراً(3).

مسألة 104: إذا أعسر الراهن المستعير للرهن و تعذّر الاستيفاء منه فبِيع الرهن في الدَّيْن و قُضي به الدَّيْن،

فإن فضل من الثمن شيء، فهو لمالك العبد؛ لأنّه ثمن ملكه. و إن أعوز شيء، لم يلزم صاحب العبد شيء؛ لأنّ المعير ليس بضامنٍ للدَّيْن.

و أمّا عند الشافعيّة فكذلك أيضاً، سواء قلنا: إنّ الإذن في الرهن عارية أو ضمان؛ لأنّه إنّما ضمن في تلك العين المأذون في دفعها خاصّةً، و إذا حصر الضمان في عينٍ لم يتعدّ إلى غيرها(4).

إذا عرفت هذا، فإن كانت قيمة العبد بقدر الدَّيْن و لم يوجد باذل لأكثر منها، بِيع و صُرف في الدَّيْن. و إن كانت القيمة أكثر من الدَّيْن، فإن وُجد راغب في شراء شقص من العبد بقدر الدَّيْن و تساوت قيمة الشقص

ص: 118


1- العزيز شرح الوجيز 455:4.
2- العزيز شرح الوجيز 455:4، روضة الطالبين 294:3.
3- العزيز شرح الوجيز 455:4، روضة الطالبين 294:3.
4- لم نعثر عليه فيما بين أيدينا من المصادر.

منفرداً و قيمته منضمّاً أو وُجد باذل لذلك، بِيع الشقص و قُضي منه الدَّيْن، و كان الباقي لمالك العبد.

و لم لم يرض المالك بالتشقيص بِيع الجميع.

و لو كانت قيمة الشقص منضمّاً أكثر من قيمته منفرداً و لم يوجد باذل للزيادة مع الانفراد، بِيع الجميع لئلّا يتضرّر المالك، فإن طلبه المالك، أُجيب إليه.

مسألة 105: إذا بِيع العبد المأذون في رهنه في الدَّيْن و قُضي به الدَّيْن،

نُظر فإن بِيع بقدر قيمته، رجع المالك بذلك على الراهن على مذهبنا و مذهب الشافعيّة(1) ، سواء قالوا بأنّه عارية أو مضمون؛ لأنّ المالك إن كان ضامناً، فقد قضى عنه الدَّيْن. و إن كان عاريةً، فهو قيمتها، و هي مضمونة عليه.

و إن بِيع بأقلّ من ثمن المثل إلّا أنّه بما يتغابن الناس بمثله، فالبيع صحيح، و يرجع المالك بتمام القيمة، و هو قول الشافعي على تقدير قول العارية، و أمّا على قوله بالضمان فلا يرجع إلّا بما بِيع؛ لأنّه لم يقض من الدَّيْن إلّا ذلك القدر(2).

و إن بِيع بأكثر من ثمن المثل، رجع بذلك أيضاً؛ لأنّه ثمن ماله، و هو قول الشافعي على تقدير القول بالضمان، و أمّا على قوله بالعارية فقولان:

أحدهما: أنّه لا يرجع إلّا بالقيمة خاصَّةً؛ لأنّ العارية تضمن بالقيمة مع التلف، و البيع بمنزلة الإتلاف، فيكون الواجب للمالك هو القيمة لا غير، كسائر العواري التالفة إذا وجب ضمانها، و هو قول أكثر أصحابه.

ص: 119


1- العزيز شرح الوجيز 455:4، روضة الطالبين 294:3.
2- العزيز شرح الوجيز 455:4، روضة الطالبين 294:3.

و الثاني: أنّه يرجع بجميع ما بِيع به(1) كما اخترناه لأنّ بيع العبد واجب عليه، و ثمنه له، و لهذا لو أسقط المرتهن حقّه عن الراهن، رجع ثمن العبد إلى صاحبه، فإذا قضي به دَيْن الراهن، رجع به عليه، و إنّما يضمن القيمة إذا كان الثمن دونها.

مسألة 106: لو تلف العبد المستعار للرهن في يد المرتهن، فإن كان بتفريطه، ضمن القيمة للمالك،

و إن كان بغير تفريطه، فلا ضمان عليه؛ لأنّ المرتهن أمسكه على أنّه رهن لا عارية، و المرتهن أمين للراهن لا يضمن ما يتلف في يده من الرهن على ما يأتي. و يضمن الراهن للمالك قيمته أو ما بِيع به إن كان أكثر؛ لأنّه عندنا عارية مضمونة، و هو أحد قولي الشافعي(2) على تقدير أنّه عارية، و على القول الآخَر: إنّه ضمانٌ لا شيء على الراهن عنده، بل تلف من مالكه؛ لأنّه لم يقبض عنه شيئاً، و الضامن إنّما يرجع بما أدّى، و لم يسقط الحقّ عن ذمّة الراهن.

و قال أبو حنيفة: إنّه يرجع عليه بما سقط بذاك من حقّ المرتهن؛ لأنّ مذهبه أنّ الرهن مضمون على المرتهن بدَيْنه(3) ، فكأنّه قضى عنه ذلك.

و إن تلف العبد في يد الراهن، ضمن، سواء فرّط فيه أو لا؛ لما قلنا من أنّه عارية مضمونة، و هو أحد قولي الشافعيّة. و الثاني: أنّه يبنى على القولين، كما لو تلف في يد المرتهن(4).

مسألة 107: لو جنى في يد المرتهن أو في يد الراهن

فبِيع في

ص: 120


1- العزيز شرح الوجيز 455:4، روضة الطالبين 294:3.
2- العزيز شرح الوجيز 456:4، روضة الطالبين 294:3.
3- المبسوط للسرخسي 6564:21، الهداية للمرغيناني 128:4.
4- العزيز شرح الوجيز 456:4، روضة الطالبين 294:3.

الجناية، كان على الراهن ضمانه؛ لما بيّنّا أنّه عارية مضمونة، و هو أحد قولي الشافعي بناءً على القول بأنّه عارية(1).

قال الجويني: هذا إذا قلنا: العارية تضمن ضمان المغصوب، و إلّا فلا شيء عليه(2).

و على القول الثاني: إنّه ضمان، فلا شيء عليه في هذه الصورة(3).

و قال بعض الشافعيّة: قول الضمان أرجح(4).

إذا عرفت هذا، فإنّ المالك يرجع بالأكثر من قيمة العبد و من الثمن الذي بِيع به في الجناية؛ لأنّه على كلا التقديرين ثمن ملكه، فيكون له.

مسألة 108: إذا أذن في الرهن فإن سوّغ له الرهن كيف شاء،

جاز للراهن أن يرهن على أيّ مقدار شاء و عند أيّ مرتهن شاء و كيف شاء من حلول أو تأجيل إلى أيّ أجل شاء؛ لأنّ تعميم هذا النوع من التصرّف يجري مجرى التنصيص على كلّ واحد من الجزئيّات، و لا ريب أنّه لو نصّ على أيّ جزئيّ كان، صحّ، فكذا مع ما يقوم مقامه.

و إن خصّص البعض و عمّم الباقي، تخصّص ما خصّصه، و لا يجوز له التجاوز، إلّا مع الغبطة للمالك، و ساغ التصرّف في الباقي كيف شاء.

فلو أذن له في الرهن على مائة عند مَنْ شاء و كيف شاء، لم يجز له التجاوز في القدر إلّا في الأقلّ، و جاز التعميم في الباقي.

و لو أذن له في الرهن عند مَنْ شاء على أيّ قدر شاء إلى سنة، تخيّر في القدر قلّةً و كثرةً و في الغرماء، و لم يجز له التجاوز عن السنة إلّا ما دون؛ لاشتماله على الغبطة للراهن.

ص: 121


1- العزيز شرح الوجيز 456:4، روضة الطالبين 294:3.
2- العزيز شرح الوجيز 456:4، روضة الطالبين 294:3.
3- العزيز شرح الوجيز 456:4.
4- العزيز شرح الوجيز 456:4.

و لو عيّن المرتهن، تعيّن، و لم يجز التجاوز مطلقاً.

و لو أطلق الإذن و لم يقيّده بتعميمٍ و لا تخصيص، احتُمل الجواز؛ للإطلاق، و انتفاء التخصيص؛ لعدم الأولويّة بالبعض دون البعض، و به قال أبو حنيفة(1).

و المنعُ؛ لما فيه من التغرير بالمالك، لاحتمال أن يرهنه على أضعاف قيمته و إلى مدّة تزيد على عمره، و لا غرر أعظم من ذلك. و هو الأقوى، فحينئذٍ يجب بيان جنس الدَّيْن و قدره و صفته في الحلول و التأجيل و غيرهما و هو قول الشافعي على القول بأنّه ضمان(2) لاختلاف أغراض الضامن بذلك.

و نقل بعض الشافعيّة عن القديم للشافعي أنّه يجوز السكوت عن ذكر الحلول و التأجيل(3).

و هل يجب بيان مَنْ يرهن عنده ؟ الأصحّ عندهم: الوجوب(4).

و لهم وجهٌ آخَر: أنّه لا يجب(5).

و على القولين إذا عيّن شيئاً من ذلك لم تجُزْ مخالفته. نعم، لو عيّن قدراً، جاز أن يرهن بما دونه(6).

تذنيب: لو عيّن له القدر فزاد عليه، احتُمل بطلانُ الزائد خاصَّةً، و يبقى رهناً على المأذون فيه لا غير. و بطلانُ الجميع؛ للمخالفة، كما لو باع الوكيل بالغبن الفاحش، لا نقول: (يصحّ البيع)(7) في القدر الذي يساويه.

ص: 122


1- بدائع الصنائع 136:6، المغني 413:4.
2- العزيز شرح الوجيز 456:4، روضة الطالبين 295294:3.
3- العزيز شرح الوجيز 456:4، روضة الطالبين 295:3.
4- العزيز شرح الوجيز 456:4، روضة الطالبين 295:3.
5- العزيز شرح الوجيز 456:4، روضة الطالبين 295:3.
6- العزيز شرح الوجيز 456:4، روضة الطالبين 295:3.
7- بدل ما بين القوسين في «ج» و الطبعة الحجريّة: «يصحّ من المبيع». و الظاهر ما أثبتناه.

الثمن.

و للشافعي قولان كالاحتمالين، لكنّهم قالوا على تقدير البطلان في الزيادة لا غير: يبقي في المأذون قولا تفريق الصفقة(1).

تذنيبٌ آخَر: لو قال المستعير: أعرني لأرهنه بألف أو من فلان، فأعاره، فالوجه: التخصيص بما خصّصه المستعير في السؤال، كما لو خصّصه المعير بنفسه، و هو أظهر وجهي الشافعيّة(2) تنزيلاً للإسعاف على الالتماس.

مسألة 109: إذا طالَب صاحبُ العبد الراهنَ بفكّه، فلم يفكّه ففكّه صاحبه،
اشارة

فإن كان بغير إذنه، لم يرجع على الراهن، و كان متبرّعاً متطوّعاً في قضاء دَيْن الراهن، فليس له مطالبته، كما لو تبرّع إنسان بقضاء دَيْن غير من غير مسألة.

و إن قضاه بإذن الراهن، رجع عليه و إن لم يشترط الرجوع؛ لأنّه قد تعلّق برقبة عبده.

فإن اختلف الراهن و سيّد العبد في الإذن، فادّعاه السيّد و أنكره الراهن، فالقول قول الراهن مع اليمين و عدم البيّنة؛ لأصالة براءة ذمّته، و عدم الإذن في الفكّ من المرتهن. فإن أقام سيّدُ العبد البيّنة أنّ المرتهن أذن له، كان له الرجوع. فإن شهد له المرتهن بالإذن من الراهن، قُبلت شهادته؛ لأنّه لا يجرّ إلى نفسه بشهادته نفعاً، و لا يدفع بها ضرراً، فانتفت التهمة.

تذنيب: لو رهن إنسان عبده على دَيْن غيره متبرّعاً من غير إذن

ص: 123


1- العزيز شرح الوجيز 456:4، روضة الطالبين 295:3.
2- العزيز شرح الوجيز 456:4، روضة الطالبين 295:3.

المديون، صحّ الرهن، كما يصحّ الضمان متبرّعاً و الأداء كذلك.

ثمّ إن بِيع العبد في الدَّيْن، صحّ البيع، و ليس لمالكه الرجوعُ على المديون بشيء؛ لأنّه متبرّع.

مسألة 110: لو استعار عبداً من رجل فرهنه عند رجل بمائة و طالَبه بفكاكه، فدفع الراهن إلى المرتهن خمسين،

قالت الشافعيّة: لم ينفكّ شيء من الرهن حتى يقبضه جميع الدَّيْن(1).

و هو جيّد إن شرط المرتهن أن يكون العبد رهناً على جميع الدَّيْن و على كلّ جزء منه.

فحينئذٍ لو استعاره من رجلين فرهنه عنده فقضاه نصف الدَّيْن عن أحد النصيبين، صحّ، و خلص النصيب الذي أدّى الدَّيْن عنه.

و للشافعي قولان قالهما في الرهن الصغير:

أحدهما: أنّه بمنزلة الصفقة الواحدة؛ لأنّ الراهن واحد، و الحقّ واحد.

و الثاني: أن يكون بمنزلة الصفقتين؛ لأنّ الاعتبار بالمالك دون العاقد.

فإذا قلنا: إنّه بمنزلة الصفقة الواحدة، لم ينفكّ منه شيء. و إذا قلنا: إنّه بمنزلة الصفقتين، انفكّ نصف العبد(2).

و يُنظر في المرتهن، فإن كان قد علم أنّه لسيّدين، فلا خيار له؛ لأنّه علم أنّه عقدين، لأنّه استفاده بإذنهما.

و إن لم يكن يعلم، فإن لم يكن على بيع، فلا خيار.

ص: 124


1- العزيز شرح الوجيز 523:4، روضة الطالبين 347:3.
2- العزيز شرح الوجيز 523:4، روضة الطالبين 347:3.

و إن كان مشروطاً في بيع، قال ابن سريج منهم: فيه وجهان:

أحدهما: لا خيار له؛ لأنّه حصل له رهن جميع العبد، و إنّما انفكّ بعد الكسر.

[و] الثاني: له الخيار؛ لأنّه دخل فيه على أن يكون رهناً واحداً، فلا ينفكّ منه شيء إلّا بقضاء جميع الدَّيْن، فإذا بانَ بخلافه، ثبت له الخيار(1).

فلو رهن هذا العبد عند رجلين فقضى أحدهما، انفكّ نصيب كلّ واحد منهما. و إن دفع نصف أحدهما، انفكّ نصف ما عنده، و هو نصف نصيب أحدهما على أحد القولين.

البحث الثالث: المحلّ.
اشارة

و شروطه أربعة: أن يكون عيناً مملوكة(2) ، يصحّ تقبيضه للمرتهن، و يمكن بيعه.

الشرط الأوّل: أن يكون عيناً، فلا يصحّ رهن المنافع، كما لو رهنه إجارة الدار سنة على الدَّيْن الذي له عليه؛ لأنّ الدَّيْن إن كان مؤجَّلاً، فالمنافع تتلف إلى حلول الأجل، فلا تحصل فائدة الرهن، و إن كان حالّا، فبقدر ما يتأخّر قضاء الدَّيْن يتلف جزء من المرهون، فلا يحصل الاستيثاق. و لأنّ المنافع لا يصحّ إقباضها إلّا بإتلافها، و الرهن عند جماعةٍ من شرطه الإقباضُ.

لا يقال: يحصل الإقباض بقبض العين كما قلتم ذلك في الإجارة.

لأنّا نقول: إنّما جعلنا ذلك قبضاً في الإجارة؛ لأنّ الحاجة في المنافع

ص: 125


1- العزيز شرح الوجيز 523:4، روضة الطالبين 347:3.
2- اعتبر المصنّف (قدّس سرّه) الشرط الأوّل و الثاني بالعينيّة و المملوكيّة.

داعية، و لا حاجة إلى رهن المنافع. و لأنّ قبض العين ليس بقبضٍ تامّ في الإجارة، فلا ينتقل به الضمان.

و إن رهن اجرة داره سنة، لم يصحّ؛ لأنّ الأُجرة مجهولة. و لأنّها ليست مملوكةً، و إنّما تُملك بعقد الإجارة و لم يوجد.

و رهن المدبَّر إبطالٌ للتدبير على الأقوى؛ لأنّ التدبير وصيّة، و كما تبطل الوصيّة برهن الموصى به، فكذا المدبَّر يبطل برهنه.

و لو شرط رهن الخدمة فيه، بطل الشرط و الرهن؛ لأنّ الخدمة ليست عيناً يصحّ تعلّق الرهن بها.

مسألة 111: لا يصحّ رهن الدَّيْن إن شرطنا في الرهن القبضَ؛ لأنّه لا يمكن قبضه، لعدم تعيّنه حالة الرهن.

و للشافعيّة في جواز رهنه وجهان:

أحدهما: الجواز؛ تنزيلاً لما في الذمم منزلة الأعيان، أ لا ترى أنّه يجوز شراء(1) ما في الذمّة و بيعه سَلَماً.

و أصحّهما عندهم: المنع؛ لأنّ الدَّيْن غير مقدور على تسليمه(2).

و منهم مَنْ رتَّب هذا الخلاف على الخلاف في بيع الدَّيْن، و الرهن أولى بالمنع؛ لأنّه لا يلزم إلّا بالقبض، و القبض لا يصادف ما تناوله العقد و لا مستحقّاً [بالعقد، و القبض في البيع يصادف مستحقاً(3)] بالعقد؛ لأنّ البيع سبب الاستحقاق(4).

ص: 126


1- في «ج» و الطبعة الحجريّة: «شرط» بدل «شراء». و الصحيح ما أثبتناه من «العزيز شرط الوجيز».
2- حلية العلماء 424:4، العزيز شرح الوجيز 438:4، روضة الطالبين 282:3.
3- ما بين المعقوفين من المصدر.
4- العزيز شرح الوجيز 438:4.
مسألة 112: لا يشترط في صحّة الرهن كونه مفرزاً، بل يصحّ رهن المشاع،

كما يصحّ رهن المقسوم، سواء رهن من شريكه أو من غير شريكه، و سواء كان ذلك ممّا يقبل القسمة أو لا يقبلها، و سواء كان الباقي للراهن أو لغيره، مثل أن يرهن نصف داره أو نصف عبده أو حصّته من الدار المشتركة بينه و بين غيره، عند علمائنا أجمع و به قال مالك و الشافعي و الأوزاعي و ابن أبي ليلى و عثمان البتّي و عبيد اللّه بن الحسن العنبري و سوار القاضي و أبو ثور و داوُد و أحمد(1) لعموم قوله تعالى فَرِهانٌ مَقْبُوضَةٌ (2) و للأصل. و لأنّها عين يجوز بيعها في محلّ الحقّ، فجاز رهنها، كالمنفرد.

و قال أبو حنيفة: لا يجوز رهن المشاع من غير إذن الشريك. و لو طرأت الإشاعة على الرهن بأن يبيع بعضه، ففيه وجهان. و في رهنه من الشريك روايتان؛ لأنّه يستحقّ زوائده عنده لمعنىً(3) قارنَ الرهنَ فلم يصح رهنه، كالمغصوب(4). و يُمنع وجوب زوال اليد، و يُنتقض بالقائل (5)

ص: 127


1- المغني 407:4، الشرح الكبير 405:4، المحلّى 88:8، بداية المجتهد 273:2، مختصر المزني: 93، الحاوي الكبير 14:6، التهذيب للبغوي 15:4، حلية العلماء 421:4، الوسيط 462:3، العزيز شرح الوجيز 438:4، روضة الطالبين 282:3، مختصر اختلاف العلماء 2003/288:4.
2- البقرة: 283.
3- في «ج» و الطبعة الحجريّة: «بمعنى» و الظاهر ما أثبتناه.
4- المبسوط للسرخسي 69:21، الهداية للمرغيناني 132:4، مختصر اختلاف العلماء 2003/287:4، أحكام القرآن للجصّاص 524:1، بداية المجتهد 273:2، التهذيب للبغوي 15:4، حلية العلماء 422:4، الوسيط 462:3، العزيز شرح الوجيز 438:4، المغني 407:4، الشرح الكبير 405:4.
5- أي: رهن القائل و..

و المرتدّ و المغصوب [و] رهن ملك غيره(1) بغير إذنه و لا ولايته، بخلاف المتنازع.

مسألة 113: لو رهن نصيبه من بيتٍ معيّن من الدار المشتركة بإذن الشريك صحّ.

و لو لم يأذن الشريك، فكذلك عندنا و هو أصحّ وجهي الشافعيّة(2) لأنّه يصحّ بيعه بدون إذن الشريك، فصحّ رهنه.

و الثاني: لا يجوز؛ لأنّه ربما تتّفق القسمة و يقع هذا البيت في نصيب صاحبه، فيكون قد رهن ملك غيره، بخلاف البيع، فإنّه إذا باع، زال ملكه عن البيت، و استحالت المقاسمة معه(3).

و بعض القائلين بالثاني قال: إنّ الحكم في البيع مثله(4).

و على القول بالوجه الأوّل لو اتّفقت القسمة كما قرّر، فهو كتلف المرهون أو يغرم قيمته: فيه احتمالان أوجههما: الثاني إضافةً للغوات إليه، و كيف يُنزّل منزلة الآفة السماويّة و قد حصل له في قطرٍ آخر من الدار مثل ما كان له في ذلك البيت!؟(5) و قال بعضهم بقولٍ متوسّط بين القولين، و هو أنّه إن كان مختاراً في القسمة، غرم القيمة. و إن كان مُجبراً، فهو كالفوات(6).

تذنيب: القبض في رهن المشارع بتسليم الكلّ، فإذا حصل القبض، جرت المهايأة بين المرتهن و الشريك جريانها بين الشريكين، و لا بأس

ص: 128


1- في «ج» و الطبعة الحجريّة: «رهن في ملك غيره» و الصحيح ما أثبتناه.
2- التهذيب للبغوي 18:4، الوسيط 462:3، العزيز شرح الوجيز 439438:4، روضة الطالبين 272:3.
3- التهذيب للبغوي 18:4، الوسيط 462:3، العزيز شرح الوجيز 439438:4، روضة الطالبين 272:3.
4- العزيز شرح الوجيز 439:4.
5- العزيز شرح الوجيز 439:4، روضة الطالبين 282:3.
6- العزيز شرح الوجيز 439:4، روضة الطالبين 282:3.

بتبعيض اليد بحكم الشيوع، كما لا بأس به لاستيفاء الراهن المنافعَ.

الشرط الثاني: أن تكون العين مملوكةً؛ لأنّ مقصود الرهن استيفاء الحقّ من ثمن المرهون عند الحاجة، و إنّما يتحقّق الثمن فيما يصحّ بيعه، و غير المملوك لا يصحّ بيعه، فلا يصحّ رهنه.

و لا يصحّ رهن ما لا يصحّ تملّكه مطلقاً، كالحُرّ و كالحشرات و ما لا منفعة فيه، كفضلات الإنسان و أشباهها ممّا لا يُعدّ ملكاً؛ إذ لا استيثاق فيه، و سواء فرض له منفعة محرّمة لم يعتبرها الشارع كالآلات اللهو و القمار، التي لا قيمة لها بعد إزالة الوصف المحرّم عنها، أو لم تكن كالحشرات.

و لو كان لها قيمة بعد الكسر، فالوجه: المنع من رهنها ما دامت صحيحة، كما لا يصحّ بيعها إلّا بعد كسرها.

و كذا لا يصحّ رهن ما لا يصحّ تملّكه للمسلم إن كان الراهن أو المرتهن مسلماً، كالخمر و شبهه. و لو كانا ذمّيّين جاز الرهن. و لو أسلما أو أحدهما قبل فكّه، بطل الرهن.

و لو رهن الذمّيُّ خمراً عند مسلمٍ، لم يصح و إن وضعها على يد ذمّيٍّ على خلاف.

مسألة 114: لو رهن ملك غيره بغير إذنه، وقف على الإجازة،

فإن أجازه المالك، صحّ، و إلا بطل.

و لو رهن المملوك له و لغيره، صحّ الرهن في حصّته المملوكة خاصّةً، و كان موقوفاً على الإجازة في حصّة الآخر، سواء كان الرهن واحداً مشاعاً بينهما، أو رهن ملكين صفقةً أحدهما و الآخر لصاحبه.

مسألة 115: لا يصحّ رهن أرض الخراج، و هي الأرض التي صالح الإمامُ أهل بلدٍ على أن يكون ملكاً للمسلمين،

و ضرب عليهم الخراج، فإنّ

ص: 129

ذلك اجرة و به قال الشافعي - (1) لأنّ الرهن لا يختصّ بها، بل حكمها راجع إلى جميع المسلمين بالسويّة، فلا يجوز بيع ذلك و لو رهنه.

و أرض العراق و هو سواد الكوفة، فهو من تخوم الموصل إلى عبّاد ان طولاً، و من القادسيّة إلى حلوان عرضاً، فهي من الأرض المفتوحة عنوةً فعندنا أنّ المحياة منها وقت الفتح للمسلمين قاطبة و لا وقفها و لا رهنها. و مواتها وقت الفتح للإمام خاصّةً.

و قال الشافعي: إنّ عُمر فتحها عنوةً، و قسّم الأراضي بين الغانمين، ثمّ رأى أنّهم يشتغلون بها عن الجهاد فاستنزلهم عنها، و ردّها إلى أهلها، و ضرب عليهم الخراج(2).

و قال بعض الشافعيّة: إنّه وقفها على المسلمين، و جعل الخراجَ اجرةً تُؤخذ في كلّ سنة(3).

و قال ابن سريج منهم: إنّ الخراج ثمن الأرض يؤخذ منه كلّ سنة جزء(4).7.

ص: 130


1- الحاوي الكبير 77:6، التهذيب للبغوي 31:4، العزيز شرح الوجيز 442:4، روضة الطالبين 284:3، مختصر اختلاف العلماء 1645/495:3، المغني 416:4، الشرح الكبير 415:4.
2- الحاوي الكبير 77:6، الوجيز 194193:2، العزيز شرح الوجيز 449:11، روضة الطالبين 415:4.
3- الحاوي الكبير 77:6، و 260:14، حلية العلماء 727:7، التهذيب للبغوي 489:7، الوسيط 463:3، الوجيز 159:1، العزيز شرح الوجيز 450:11، روضة الطالبين 470:7.
4- الحاوي الكبير 77:6، و 26126:14، حلية العلماء 726:7، التهذيب للبغوي 489:7، الوسيط 463:3، الوجيز 160159:1، العزيز شرح الوجيز 450:11، روضة الطالبين 470:7.

و ظاهر مذهب الشافعي: الأوّل، و هو مذهب أحمد(1).

و ابن سريج يقول: لم يُرد الشافعي بقوله أرضَ العراق؛ لأنّ الناس يتبايعونها من لدن عمر إلى الآن، و لم ينكر ذلك منكر(2).

و قال أبو حنيفةً: إنّ عمر أقرّ أهلها عليها، و ضرب الخراج(3).

فعلى قول ابن سريج من الشافعيّة يجوز بيعها و رهنها(4) ، و على قول بعضهم إنّه لا يصحّ بيعها و لا رهنها(5).

و إن كان فيها بناء و غرس، فإن كان البناء معمولاً من ترابها، فحكمه حكمها. و إن كان من غيرها، جاز رهنه و رهن الغراس.

و إن أفرد الغراس بالرهن، صحّ.

و إن رهنه مع الأرض، لم يصح رهن الأرض، فأمّا البناء و الغراس فمبنيّ على القولين في تفريق الصفقة، فإن قلنا: تُفرّق، صحّ فيه. و إذا قلنا: لا تُفرّق؛ لأنّ الصفقة جمعت حلالاً و حراماً، فسد في الجميع.

و إن قلنا: لأنّ ذلك يؤدّي إلى جهالة العوض في الجائز منه، صحّ الرهن هنا فيما يجوز؛ لأنّه لا عوض فيه.

و إذا صحّ الرهن في البناء و الغراس، فلا خراج على المرتهن، و إنّما هو على الراهن، فإنّ الخراج مضروب على الأرض.

و لو كان الغراس أيضاً، كان على الراهن دون المرتهن؛ لأنّ الخراج7.

ص: 131


1- انظر: المغني 577:2.
2- انظر: الحاوي الكبير 261:14، و التهذيب للبغوي 489:7، و العزيز شرح الوجيز 450:11.
3- الهداية للمرغيناني 141:2، و 156 157.
4- كما في الحاوي الكبير 77:6، و التهذيب للبغوي 489:7، و العزيز شرح الوجيز 451:11، و روضة الطالبين 470:7.
5- كما في الحاوي الكبير 77:6، و التهذيب للبغوي 489:7، و العزيز شرح الوجيز 451:11، و روضة الطالبين 470:7.

تابع للملك، و هو للراهن خاصّةً، و لا شيء على المرتهن و لا على المستأجر.

فإن أدّاه المرتهن على الراهن بغير أمره، لم يرجع عليه به؛ لأنّه متبرّع به متطوّع بقضاء الدَّين.

و قال بعضهم(1): يرجع به لأنّ نفع ذلك عاد إلى المقضي عنه.

و هو يبطل بالهبة.

و إن قضاء بإذنه، فإن شرط له الرجوع، وجب له الرجوع. و إن لم يشترط له الرجوع، بل أطلق الأمر، فللشافعيّة وجهان:

أحدهما: يرجع؛ لأنّ أمره بذلك يقتضي الرجوع عليه، كما إذا أمره بشراء شيء له، فإنّ الثمن يجب عليه.

و الثاني: لا يرجع، لأنّه إذا لم يشترط العوض له، كان متطوّعاً، كما لو ملّكه شيئاً و لم يشترط العوض، فإنّه يكون هبةً، و لا يستحقّ عليه شيئاً(2).

و الأصل في الوجهين قولا الشافعي و اختلافهما؛ فإنّه قال: إلّا أن يكون دَفَعه بأمره(3). و هذا يعطي الاكتفاء بالأمر في الضمان و الرجوع.

و قال تارةً: لو دفع إلى قصّار ثوباً فقصره، فلا اجرة له عليه؛ لأنّه لم يشرطها له(4). فجَعَل علّةَ الاستحقاق الاشتراطَ.

مسألة 116: يجوز رهن العصير؛ لأنّه عين يصحّ تملّكها،

و يجوز

ص: 132


1- و هو مالك، قاله فيما إذا أدّاه مكرهاً أو مختاراً و كان صديقاً للراهن، راجع: الحاوي الكبير 79:6.
2- الحاوي الكبير 79:6، العزيز شرح الوجيز 442:4، روضة الطالبين 285:3.
3- الاُم 151:3، مختصر المزني: 95.
4- انظر: المهذّب للشيرازي 418417:1.

بيعها إجماعاً، فيصحّ رهنها. و خوف تغيّرها لا يمنع من صحّة الرهن، كما يجوز رهن المريض.

فإن استحال حلواً أو حامضاً، فالراهن بحاله.

و إن صار خمراً بعد الإقباض فيد يد المرتهن، خرج عن كونه رهناً؛ لبطلان الملك فيه، و خرج عن كونه مملوكاً. و لا خيار للمرتهن إن كان الرهن مشروطاً في بيع؛ لحدوث العيب في يده، و هو قول جمهور الشافعيّة(1).

فإذا عاد خلّاً، عاد الرهن، كما يعود الملك.

و قال بعضهم: لا يعود الرهن إلّا بعقدٍ جديد(2).

و قال بعضهم: لا يخرج عن كونه رهناً، و لا نقول بأنّها مرهونة، بل يتوقّف فإن عاد خلّاً، بانَ أنّ الرهن لم يبطل، و إن بقي على الخمريّة، ظهر بطلان الرهن(3).

و قال أبو حنيفة و أصحابه: إنّه لا يزول ملك الراهن عنه، فهو رهن بحاله؛ لأنّ له قيمةً في حال كونه عصيراً، و يجوز أن يصير له قيمة في الثاني، فلا يزول ملكه عنه، كما لو ارتدّ العبد(4).

و ليس بجيّد، لأنّ كونه خمراً يمنع صحّة التصرّف و الضمان على المرتهن، فبطل فيه الملك، كموت الشاهد. و يفارق المرتدّ؛ لأنّه يصحّ فيه التصرّف.1.

ص: 133


1- العزيز شرح الوجيز 479:4، روضة الطالبين 312:3.
2- الحاوي الكبير 110:6، العزيز شرح الوجيز 480:4.
3- العزيز شرح الوجيز 479:4، روضة الطالبين 312:3.
4- حلية العلماء 455:4، المغني 84:1، الشرح الكبير 97:1.

إذا عرفت هذا، فقولنا: إنّ الرهن يبطل، لا نريد به اضمحلال أثره بالكلّيّة، و إلّا لم يعد الرهن، بل المراد ارتفاع حكمه ما دامت الخمرية ثابتة.

و لو رهن شاة فماتت في يد المرتهن، بطل ملكها، و خرجت من الرهن.

فإن عاد الراهن فدبغ جلدها، لم يصح تملّكه عندنا؛ لبقاء نجاسته بعد الدبغ.

و عند العامّة يطهر بالدباغ(1) ، فعلى قولهم يعود ملك الراهن إليها.

و للشافعيّة في عود الرهن في الجد بعد الدبغ وجهان:

أحدهما: أنّه يعود الرهن لأنّ الملك الأوّل عاد، فتبعه الرهن، كما إذا انقلب الخمر خلّاً.

و أظهرهما عند أكثر الشافعيّة: لا يعود؛ لأنّ ماليّته مخلوقة(2) بالصنعة و المعالجة، فالراهن مَلَك الجلد بالدباغ، و ذلك أثر استحدثه، و ليس العائد ذلك الملك و هو قول أبي إسحاق بخلاف الخمر إذا تخلّلت؛ لأنّها عادت بنفسها(3).

و اعتُرض بشاة ماتت لرجلٍ فغصبها غاصبٌ و دبغ جلدها هل يملكه3.

ص: 134


1- الحاوي الكبير 59:1، المهذّب للشيرازي 17:1، التهذيب للبغوي 173:1، حلية العلماء 110:1، العزيز شرح الوجيز 81:1، المجموع 217:1، روضة الطالبين 151:1، المغني 84:1، الشرح الكبير 97:1.
2- كذا في «ج» و الطبعة الحجريّة. و في «العزيز شرح الوجيز»: «مجلوبة» بدل «مخلوقة».
3- الحاوي الكبير 111:6، المهذّب للشيرازي 323:1، التهذيب للبغوي 44:4، حلية العلماء 456:4، العزيز شحر الوجيز 480:4، روضة الطالبين 312:3.

الغاصب أم لا؟ قال أبو إسحاق: الأقوى: أنّ الغاصب يملك بما استحدثه من الدباغ.

و الفرق أنّ الغاصب يده بغير حقّ، فكان فعله لا حكم له، و يد المالك يدٌ بحقِّ(1).

فنُقض عليه برجل حجَّر أرضاً مواتاً فجاء ثانٍ أحياها، فإنّ الثاني يملكها و إن كانت يد الأوّل بحقٍّ، فلو كان الدبغ سبباً لملكٍ مستحدث، لملكها به و إن كانت يده بغير حقِّ.

فقال: يد المحجِّر لم تُسند إلى ملكٍ سابق فلهذا كان أحقّ بالملك.

و هذا هو الحجّة عليه؛ لأنّ يد الراهن إذا كانت مستندةً إلى ملكٍ سابق، فإذا عاد الملك ثبت أنّه للمالك السابق.

إذا عرفت هذا، فقال أصحاب أبي حنيفة: لا يزول ملك الراهن و حقّ المرتهن عن الجلد بالموت، كما قالوا في الخمر(2).

و لو انقلب العصير المرهون خمراً قبل القبض، ففي بطلان الرهن البطلان الكلّي وجهان للشافعيّة:

أحدهما؛ نعم؛ لاختلال المحلّ في حال ضعف الرهن و جوازه، و يثبت للمرتهن الخيار في البيع الذي شرط فيه ارتهانه.

و الثاني: لا، كما لو تخمّر بعد القبض(3).

و قضيّة إيراد أكثرهم ترجيح هذا الوجه؛ لأنّهم قرّبوا هذا الخلاف من3.

ص: 135


1- لم نعثر عليه في مظانّه. و في الحاوي الكبير 111:6 عن أبي إسحاق المروزي أنّه يكون ملكاً لربّه الأوّل دون الدابغ، فلاحِظْ.
2- حلية العلماء 456:4.
3- العزيز شرح الوجيز 48:4، روضة الطالبين 313312:3.

الخلاف في صورة عروض الجنون، أو بنوه عليه، فقالوا: إن ألحقناه الرهن بالوكالة، بطل بعروض الجنون و انقلابه خمراً قبل القبض. و إن ألحقناه بالبيع الجائز، لم يبطل(1).

قال بعضهم: و على الوجهين لو كان الرهن مشروطاً في بيعٍ، ثبت للمرتهن الخيار؛ لأنّ الخلّ أنقض من العصير، و لا يصحّ الإقباض حالة الشدّة.

و لو فعل و عاد خلّاً، فعلى الوجه الثاني لا بدّ من استئناف قبضٍ. و على الأوّل لا بدّ من استئناف عقدٍ(2).

ثم القبض فيه على ما ذكرنا فيما إذا رهن من الإنسان ما في يده.

و لو انقلب المبيع خمراً قبل القبض، فالكلام في انقطاع البيع و عودة إذا عاد خلّاً على ما ذكرنا في انقلاب العصير المرهون خمراً بعد القبض.

مسألة 117: الخمر قسمان:
خمرٌ محترمة،

و هي التي اتّخذ عصيرها ليصير خَلّاً و إنّما كانت محترمةً لأنّ اتّخاذ الخلِّ جائز إجماعاً، و العصير لا ينقلب إلى الحموضة إلّا بتوسّط الشدّة، فلو لم تُحترم و أُريقت في تلك الحال لتعذَّر اتّخاذ الخَلّ.

و الثاني: خمرٌ غير محترمة،

و هي التي اتّخذ عصيرها لغرض الخمريّة.

فالأُولى لا تجب إراقتها. و هل تجب إراقة الثانية ؟ فيه قولان للشافعيّة(3).

ص: 136


1- العزيز شرح الوجيز 480:4، روضة الطالبين 313:3.
2- العزيز شرح الوجيز 480:4، روضة الطالبين 313:3.
3- لم نعثر على ما نُسب إليهم، و لهم وجهان في طهارتها فيما إذا لم يرقها فتخلّلت. انظر: العزيز شرح الوجيز 482:4، و روضة الطالبين 314:3.

فإن تلفت، فلا كلام، و لا خيار للمرتهن؛ لأنّ ذلك حصل في يده.

و إن استحال خلّاً، عاد ملكه لصاحبه مرهوناً، لأنّه يعود مملوكاً بحكم الملك الأوّل، فيعود حكم الرهن؛ لأنّه زال بزوال الملك، فعاد بعوده.

فإن قيل: أ ليس أنّ العقد إذا بطل لا يصحّ حتى يُبتدأ، و الرهن بطل فيه حين صار خمراً؟ فالجواب: أنّ العقد إذا وقع فاسداً، لم يصح حتى يوجد صحيحاً، و ليس كذلك هنا؛ لأنّ العقد وقع صحيحاً، و حدث بالمعقود معنى أخرجه من حكم العقد، فإذا زال ذلك، عاد حقّ العقد، كما أنّ زوجة الكافر إذا أسلمت، حرم وطؤها عليه، و خرجت بذلك من حكم العقد، فإذا أسلم الزوج قبل انقضاء العدّة، عاد حكم العقد. و كذلك إذا ارتدّ أحد الزوجين.

مسألة 118: إذا كان في يده عصير فصار خمراً فأراقه فجمعه جامعٌ فصار في يده خلّاً،

فالأقرب: أنّه يكون ملكاً للثاني؛ لخروجه عن ملك الأوّل بصيرورته خمراً، و لا يصحّ للمسلم تملّكه ابتداءً و لا استدامةً، و خروجه عن أولويّة اليد بإراقته، فانتفى تعلّقه عنه بالكلّيّة؛ لأنّه أسقط حقّه منها و أزال يده عنها، فيكون ملكاً للثاني؛ لاستيلاء يده عليه، و هذا أحد وجهي الشافعيّة.

و الثاني: أنّه يعود ملكاً للأوّل؛ لأنّه مملوك بالمعنى الأوّل، و هو الأظهر عندهم؛ لأنّ الجامع للخمر ممنوع من ذلك، محرّم عليه، و يده لا تثبت عليها، فلا يصحّ تملّكه بذلك(1).

ص: 137


1- حلية العلماء 457:4.

و قوله الأوّل: «أسقط حقّه» ليس بصحيح؛ لأنّه فَعَل الإراقة التي أمره الشرع بها، و لو كان كذلك، لوجب أن تكون مباحةً كالصيود لا يختصّ بملكها الجامعُ، بل يكون أحقّ بها؛ لحصولها في يده.

مع منعه من الجمع على تقدير إرادة التخليل، و إنّما يُمنع على تقدير إرادة استعماله خمراً.

و نمنع كون يده لا تثبت عليها على تقدير إرادة التخليل.

و لا نعني بإسقاط حقّه إلّا إراقتها و عدم إمساكها، و الجامع لا يملكها بالجمع، بل يكون أحقَّ باليد، فإذا صار خلّاً في يده، فقد تجدّد له الملك بالاستيلاء على المباح، كالاصطياد.

مسألة 119: يجوز تخليل الخمر بطرح شيء فيها، و تحلّ، كما تحلّ لو استحالت من نفسها،
اشارة

عند علمائنا و به قال أبو حنيفة و مالك في إحدى الروايتين(1) لما رواه العامّة عن النبيّ (صلّى اللّه عليه و آله) أنّه قال: «يحلّ الدباغ الجلد كما يحلّ التخليل الخمر»(2).

و لأنّها خمر استحالت إلى حموضة الخلّ، فصارت حلالاً، كما لو استحالت بنفسها. و لأنّها خرجت عن كونها حراماً، و زوال وصف الخمريّة عنها، فيزول التحريم المستند إلى الخمريّة، لأنّ زوال العلّة يوجب زوال المعلول.

ص: 138


1- تحفة الفقهاء 329:3، بدائع الصنائع 114113:5، المبسوط للسرخسي 22:24، الاختيار لتعليل المختار 159:4، الاستذكار 36518/314131:24، و 36525/315، التفريع 411:1، الحاوي الكبير 112:6، حلية العلماء 316:1، العزيز شرح الوجيز 481:4، المجموع 576:2، المحلّى 517:7، المغني 338:10.
2- سنن الدارقطني 6/266:4، الحاوي الكبير 112:6.

و قال الشافعي: إن استحالت الخمر بنفسها، حلّت. و إن طُرح فيها شيء إمّا عصير أو خَلّ أو خبز حارّ أو غير ذلك من الأعيان فصارت خلّاً، لم تحلّ، و لا يجوز إمساكها للتخليل و به قال أحمد و إسحاق و مالك في الرواية الثانية لما رواه أنس أنّ أبا طلحة سأل رسولَ اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) عن أيتام ورثوا خمراً، فقال له: «اهرقها» فقال: أ نخلّلها؟ فقال: «لا»(1) و إذا ثبت أنّه محظور، لم يكن سبباً في الإباحة، كقتل الصيد في الحرم.

و لأنّه مائع لا يطهر بالكثرة، فلم يطهر بالصنعة، كاللبن النجس. و لأنّ ما يقع فيه ينجس، فلا يمكن طهارة الخمر دونه، و المطروح فيه لا يحصل فيه الاستحالة، فهو باقٍ على نجاسته(2).

و السؤال وقع عن قضيّة خاصّة، فجاز أن لا تتخلّل تلك الخمرة. و لا يلزم من تحريم السبب لو سُلّم تحريمه هنا تحريم المسبَّب، فإنّ مَن اصطاد بآلة محرّمة فَعَل محظوراً و كان الصيد حلالاً به. و كذا لو طلّق في الحيض عندهم فَعَل سبباً محرّماً، و حصلت به البينونة. و نظائره كثيرة لا تحصى. و قتل الصيد في الحرم بمنزلة خلق الصيد. و الخمريّة المقتضية للتنجيس قد زالت، فيزول معلولها، و هو لا تنجيس، بخلاف لا مقيس عليه. و استحالة الخمر مطهّرة له. و المطروح فيه كالآنية.

فروع:

أ - إذا كانت الخمر في ظرفٍ فَنَقلها من الظلّ إلى الشمس أو من

ص: 139


1- سنن أبي داوُد 3675/326:3، مسند أحمد 11779/566:3، بتفاوت يسير.
2- المهذّب للشيرازي 55:1، المجموع 574:2 و 576 و 578 579، الحاوي الكبير 112:6، حلية العلماء 316:1، العزيز شرح الوجيز 482481:4، روضة الطالبين 314:3، المغني 338:10، الكافي في فقه أهل المدينة: 190، التفريع 411:1، الاستذكار 36516/313:24 و 36517، و 36528/315.

الشمس إلى الظلّ فتخلّلت، طهرت عندنا.

و للشافعيّة وجهان، هذا أحدهما؛ لأنّها لم يخالطها ما يمنعها الطهارة، بخلاف المطروح فيها.

الثاني: أنّها لا تحلّ؛ لأنّ ذلك فعْلٌ محظور(1).

و هو ممنوع، و ينتقض بما إذا أمسكها حتى تخلّلت، فإنّ إمساكها لا يجوز، و إذا تخلّلت في يده حلّت.

ب - لو طرح فيها شيئاً نجساً غير الخمر فانقلبت خلّاً أو عالجها الذمّي أو لمسها حال الخمريّة فانقلبت خلّاً، لم تطهر بالانقلاب؛ لأنّ نجاسة المطروح لم تكن بسبب الخمر و لا بسبب ملاقاته إيّاها، بل بنجاسةٍ لا تطهر بالانقلاب، فلا يطهر ما طُرح فيه بالانقلاب. و لا فرق بين أن تكون نجاسته ذاتيّةً أو عرضيّة.

و ربما خطر لبعض مَنْ(2) لا مزيد تحصيلٍ له الطهارةُ؛ لأنّ النجاسة الواحدة، و حالة الخمريّة العينُ نجسة، فإذا لاقتها نجاسة أُخرى، لم يزد أثر التنجيس فيها، فإذا انقلب خلّاً، طهرت مطلقاً.

و هو غلط؛ لأنّ النجاسات متفاوتة في قبول التطهير و عدمه و في سبب التطهير.

ج - حكى الجويني عن بعض الشافعيّة جوازَ تخليل المحترمة؛ لأنّها غير مستحقّة للإراقة(3).4.

ص: 140


1- الحاوي الكبير 115:6، التهذيب للبغوي 188:1، حلية العلماء 316:1، العزيز شرح الوجيز 483:4، روضة الطالبين 315:3.
2- لم نتحقّقه.
3- العزيز شرح الوجيز 482:4.

لكنّ المشهور عندهم عدم الفرق بين المحترمة و غيرها في تحريم التخليل(1).

د - لا فرق بين الطرح بالقصد و بين أن يتّفق من غير قصد كطرح الريح في إباحته و طهارته مع الانقلاب.

للشافعيّة قولان:

أحدهما: لا فرق بينهما في التحريم، و عدم الطهارة.

و الثاني: الفرق(2).

و الخلاف مبنيّ على أنّ المعنى تحريم التخليل أو نجاسته المطروح فيه. و الأظهر عندهم: أنّه لا فرق(3).

هذا إذا كان المطرح في حالة التخمير، أمّا إذا طرح في العصير بصلاً أو ملحاً و استعجل به الحموضة بعد الاشتداد، فللشافعيّة وجهان:

أحدهما: أنّه إذا تخلّل، كان طاهراً؛ لأنّ ما لاقاه إنّما لاقاه قبل التخمير، فيطهر بطهارته كأجزاء الدَّنِّ.

الثاني: لا؛ لأنّ المطروح فيه ينجس عند التخمير و تستمرّ نجاسته، بخلاف أجزاء الدّنِّ؛ للضرورة(4).

ه لو طرح العصير على الخلّ و كان العصير غالباً ينغمر الخلّ فيه عند الاشتداد، طهر إذا انقلب خلّاً؛ لزوال المقتضي للنجاسة، و هو أحد وجهي الشافعيّة. و الثاني: أنّه لا يطهر(5).2.

ص: 141


1- العزيز شرح الوجيز 482:4.
2- العزيز شرح الوجيز 482:4، روضة الطالبين 314:3.
3- العزيز شرح الوجيز 482:4
4- العزيز شرح الوجيز 482:4، روضة الطالبين 314:3.
5- العزيز شرح الوجيز 482:4، روضة الطالبين 314:3، المجموع 577:2.

و لو كان الغالب الخلّ و كان يمنع العصير من الاشتداد، فلا بأس به، و به قال الشافعيّة(1).

مسألة 120: قد بيّنّا أنّه يجوز إمساك الخمر المحترمة إلى أن تصير خلّاً،

و هو قول الشافعيّة(2). و التي لا تُحترم تجب إراقتها، لكن لو لم يرقها حتى تخلّلت، طهرت عندنا أيضاً و هو قول أكثر الشافعيّة(3) لأنّ النجاسة و التحريم إنّما ثبتا للشدّة و قد زالت.

و عن الجويني عن بعض الخلافيّين أنّه لا يجوز إمساك الخمر المحترمة، بل يُضرب عن العصير إلى أن يصير خلّاً، فإن اتّفقت منّا اطّلاعة و هو خمر، أرقناه(4).

و قال بعضهم: لو أمسك غير المحترمة حتى تخلّلت، لم تحل و لم تطهر؛ لأنّ إمساكها حرام، فلا يستفاد به نعمة، فإذا عادت الطهارة بالتخلّل، تطهر أجزاء الظرف أيضاً؛ للضرورة(5).

و قال بعضهم: إن كان الظرف بحيث لا يشرب شيئاً من الخمر كالقوارير طهر، و إن كان مما يشرب، لم يطهر(6).

و كما يطهر الملاقي بعد التخلّل يطهر ما فوقه الذي أصابته الخمر في حال الغليان.

و اعلم أنّ بعض الشافعيّة تردّد في بيع الخمر المحترمة بناءً على

ص: 142


1- العزيز شرح الوجيز 482:4، روضة الطالبين 314:3، المجموع 577:2.
2- العزيز شرح الوجيز 482:4، روضة الطالبين 314:3، المجموع 577:2.
3- العزيز شرح الوجيز 482:4، روضة الطالبين 314:3، المجموع 577:2.
4- العزيز شرح الوجيز 482:4، روضة الطالبين 315314:3، المجموع 577:2.
5- العزيز شرح الوجيز 482:4، روضة الطالبين 315314:3، المجموع 577:2.
6- العزيز شرح الوجيز 482:4، روضة الطالبين 315:3، المجموع 577:2.

التردّد في طهارتها مع الانقلاب(1).

و الحقّ عندنا: التحريم.

و العناقيد التي استحالت أجزاءٌ من حبّاتها خمراً يجوز بيعها، و لا يقصد(2) بيع الحبّات التي استحالت.

و للشافعيّة وجهان في جواز بيعها، أعني بيع الحبّات التي استحالت اعتماداً على طهارة ظاهرها في الحال، و توقّع فائدتها في المآل(3).

و طردوا الوجهين في البيضة المستحيل باطنها دماً(4).

و الحقّ عندنا المنع.

مسألة 121: لو رهنه عصيراً فصار خمراً قبل الإقبال، بطل الرهن على ما بيّنّا،

و كان للمرتهن الخيار في البيع الذي شرط فيه ارتهانه.

و إن صار خمراً بعد القبض، خرج من الرهن، و لا خيار للمرتهن.

فإن اختلفا فقال المرتهن: قبضتُه و هو خمر، و قال الراهن: بل قبضتَه و هو عصير، و إنّما صار خمراً في يدك فالأقوى تقديم قول المرتهن و به قال الشيخ(5) ، و أبو حنيفة، و هو أحد قولي الشافعي(6) لأنّ مَن في يده مالٌ لغيره فالقول قوله في صفته، كالغاصب و المستعير و غيرهما. و لأنّ المرتهن ينكر أن يكون قد قبض رهناً، و القول قوله مع عدم الرهن(7).

ص: 143


1- العزيز شرح الوجيز 483:4، روضة الطالبين 315:3.
2- في «ج»: «و لا يجوز» بدل «لا يقصد».
3- العزيز شرح الوجيز 483:4، روضة الطالبين 315:3، المجموع 578:2.
4- العزيز شرح الوجيز 483:4، روضة الطالبين 315:3، المجموع 578:2.
5- المبسوط للطوسي 214:2، الخلاف 240:3، المسألة 35.
6- مختصر المزني: 96، الحاوي الكبير 116:6، المهذّب للشيرازي 324:1، حلية العلماء 467:4، العزيز شرح الوجيز 542:4، روضة الطالبين 360:3.
7- مختصر المزني: 96، الحاوي الكبير 116:6، المهذّب للشيرازي 324:1، حلية العلماء 467:4، العزيز شرح الوجيز 542:4، روضة الطالبين 360:3.

و قول الثاني للشافعي: إنّ القول قول الراهن؛ لأنّهما اتّفقا على العقد و التسليم و اختلفا في صفة المقبوض، فكان القول قول الذي سلّم، كالبائع و المشترى إذا اختلفا في العيب و يمكن حدوثه عند كلّ واحدٍ منهما، فإنّ القول قول البائع.

فإمّا الغاصب و المستعير فإنّ القول قولهما فيما يغرمان؛ لأنّ القول قول الغارم، لأنّه مدّعى عليه، و هنا المرتهن يثبت لنفسه خياراً في العقد بذلك، فهو بمنزلة المشتري.

أمّا لو اختلفا في العقد فقال المرتهن: رهنتنيه خمراً و قبضتُه خمراً، و قال الراهن: بل رهنتكه عصيراً و قبضته عصيراً، قال بعض الشافعيّة: القول قول المرتهن في هذه قولاً واحداً؛ لأنّه ينكر العقد.

و قال آخرون منهم: فيها القولان؛ لأنّه معترف بحصول عقدٍ و قبض، و إنّما يدّعي صفةً في المعقود عليه، و الأصل عدمها(1).

و لو صار العصير خمراً في يد الراهن قبل القبض، بطل الرهن، فإن عاد خَلّاً، لم يعد، و يخالف إذا كان بعد القبض، لأنّ الرهن قد لزم و قد صار تابعاً للملك.

فأمّا إذا اشترى عصيراً فصار خمراً في يد البائع و عاد خلّاً، فسد العقد، و لم يعد ملك المشتري لعوده خلّاً.

و الفرق بينه و بين الرهن أنّ الرهن عاد تبعاً لملك الراهن، و هاهنا يعود ملك البائع؛ لعدم العقد، و لا يصحّ أن يتبعه ملك المشتري.

مسألة 122: لو جنى العبد المرهون قبل القبض

و تعلَّق الأرشُ برقبته

ص: 144


1- المهذّب للشيرازي 324:1، حلية العلماء 467:4، العزيز شرح الوجيز 542:4، روضة الطالبين 360:3.

و قلنا: رهن الجاني ابتداءً فاسد، ففي بطلان الرهن للشافعيّة وجهان؛ إلحاقاً للجناية بتخمير العصير بجامع عروض الحالة المانعة من ابتداء الرهن قبل استحكام العقد، و هذه الصورة أولى بأن لا يبطل الرهن فيها؛ لدوام الملك في الجاني، بخلاف الخمر(1).

و لو أبق العبد المرهون قبل القبض، قال الجويني: يلزم على سياق ما سبق تخريج وجهين فيه؛ لانتهاء المرهون إلى حالة يمتنع ابتداء الرهن فيها(2).

الشرط الثالث: أن يكون المرهون ممّا يمكن إثبات يد المرتهن عليه، فلو رهن عبداً مسلماً عند كافر أو رهن مصحفاً عنده، فالأقرب: المنع؛ لما فيه من تعظيم شأن الإسلام و الكتاب العزيز، و من نفي السبيل على المؤمن، فإنّ إثبات يد المرتهن سبيلٌ عليه.

و للشافعيّة طريقان:

أحدهما: أنّه على القولين في بيعه منه إن صحّحنا البيع، صحّ الرهن، و يوضع على يد مسلم؛ لأنّ إزالة الرهن لا يمكن إلّا بفسخه.

و الثاني: القطع بجوازه؛ لأنّه لا ملك للكافر فيه و لا انتفاع، و إنّما هو مجرّد استيثاق، بخلاف البيع؛ لأنّ في التملّك نوع إذلال، و هذا إنّما هو استيثاق به، و إنّما الذلّ بكونه تحت يده، فإذا أخرجناه من يده، جاز(3).

و رهن السلاح من الحربي يترتّب على بيعه منه.3.

ص: 145


1- المهذّب للشيرازي 316:1، العزيز شرح الوجيز 481:4، روضة الطالبين 313:3.
2- العزيز شرح الوجيز 481:4، روضة الطالبين 313:3.
3- المهذّب للشيرازي 316:1، حلية العلماء 428427:4، العزيز شرح الوجيز 440:4، روضة الطالبين 283:3.

و في رهن كتب أحاديث رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) و الفقه الخلافُ بين الشافعيّة(1) ، المتقدّم.

و يجوز أن يرهن عند الكافر ما سوى ذلك؛ لأنّ النبيّ (صلّى اللّه عليه و آله) رهن درعه عند أبي الشحم اليهودي(2).

و هل يصحّ رهن المصحف عند المسلم ؟ إن قلنا بجواز بيعه، صحّ، و إلّا فلا.

و عن أحمد روايتان، إحداهما: الصحّة، و به قال مالك و الشافعي و أبو ثور و أصحاب الرأي(3).

مسألة 123: يجوز رهن الجواري و العبيد؛ لأنّهم أموال يستوثق بهم الدَّيْن، فجاز رهنهم كغيرهم.

و لا فرق بين الجارية الحسناء و غيرها، و سواء كانت الجارية الحسناء مَحْرماً للمرتهن أو غير مَحْرم، و سواء كان المرتهن عَدْلاً أو فاسقاً على كراهية فيه.

و لا فرق بين أن تكون الجارية صغيرةً لا تشتهي بَعْدُ، أو كبيرةً تشتهي؛ للأصل، و العمومات.

و قال بعض الشافعيّة روايةً: إنّه لا يجوز رهن الجارية الحسناء إلّا أن تكون مَحْرماً للمرتهن(4).

و المذهب المشهور عندهم: الجواز مطلقاً(5).

ص: 146


1- المهذّب للشيرازي 316:1، حلية العلماء 427:4.
2- سنن البيهقي 37:6.
3- المغني 412:4، الشرح الكبير 413412:4.
4- العزيز شرح الوجيز 440:4.
5- العزيز شرح الوجيز 440:4، روضة الطالبين 283:3.

ثم إن كانت صغيرةً لا تشتهي بَعْدُ، فهي كالعبد يجوز رهنها و إن كانت كبيرةً تشتهي، فإن رهنت من مَحْرم أو امرأة، جاز. و إن رهنت من رجلٍ بالغ أو أجنبيّ، فإن كان ثقةً و عنده زوجته أو جاريته أو نسوة يؤمن معهنّ من المقاربة لها، جاز أيضاً، و إلّا وُضعت عند مَحْرمٍ لها أو امرأة ثقة أو عدْل بالصفة المذكورة في المرتهن.

و لو شرط وضعها عند غير مَنْ ذكرنا، فهو شرط فاسد عندهم؛ لما فيه من الخلوة بالأجنبيّة، و خوف الفتنة(1).

و ألحق الجويني بالصغيرة [الخسيسة(2)] مع دمامة(3) الصورة(4).

و الفرق بيّنٌ بينهما عند الباقين(5).

و لو كان المرهون خنثى، فهو كما لو كان جاريةً إلّا أنّه لا يوضع عند المرأة.

الشرط الرابع: أن يكون المرهون ممّا يصحّ بيعه عند حلول الدّين؛ لأنّ الغاية التي وضعها الشارع في الرهن استيفاء الحقّ من ثمن المرهون عند الحاجة، فلا بدّ و أن يكون قابلاً للبيع ليصرف ثمنه في دَيْن المرتهن، فكلّ ما لا يصحّ بيعه لا يجوز رهنه، فلا يجوز رهن الحُرّ و أُمّ الولد3.

ص: 147


1- العزيز شرح الوجيز 440:4، روضة الطالبين 284:3.
2- بدل ما بين المعقوفين في الطبعة الحجرية: «الصغيرة الجثّة». و في «ج»: «الحسنة». و في «روضة الطالبين»: كما أثبتناه. و في «العزيز شرح الوجيز»: «الحسنة الخسيسة». و في الطبعة الحجريّة منه فتح العزيز 6:10 -: «الحسنة» فقط. و الظاهر ما أثبتناه. و في العين للخليل 135:4 «خس» و امرأة مستخسّة، أي: قبيحة الوجه محقورة، اشتُقّت من الخسيس، أي القليل.
3- الدمامة: القِصَر و القبح. لسان العرب 208:12 «دمم».
4- العزيز شرح الوجيز 440:4، روضة الطالبين 284:3.
5- العزيز شرح الوجيز 440:4، روضة الطالبين 284:3.

و المكاتَب و الوقف و غير ذلك ممّا يمتنع شرعاً بيعه.

مسألة 124: لعلمائنا قولان في جواز التفرقة بين الاُمّ و ولدها الصغير بالبيع و شبهه،

فَمَنعه البعض و كرهه آخرون، و قد تقدّم(1) القولان.

الشافعيّة و إن حرّموا التفريق ففي إفساد البيع عندهم قولان(2).

إذا عرفت هذا، فإنّه يجوز عندنا و عندهم(3) رهن الجارية دون الولد الصغير؛ لأنّ الرهن لا يزيل الملك، فيحصل بذلك تفرقة بينهما، و إنّما هي ملك للراهن له الانتفاع بها و تسليم ولدها إليه. و لأنّ الجارية المرهونة لو ولدت في يد المرتهن، كان ولدها غير مرهون و هي مرهونة، فكذا في الابتداء.

قال الشافعي: إنّ ذلك ليس تفرقةً بين الاُمّ و ولدها(4).

و اختلف في معناه.

فقال بعضهم: إنّ الرهن لا يوجب تفرقةً؛ لأنّ الملك فيهما باقٍ للراهن و المنافع له، فيمكن أن يأمرها بتعهّد الولد و حضانته، و إذا كان كذلك، وجب تصحيح الرهن، ثمّ ما يتّفق من بيعٍ و تفريقٍ فهو من ضرورة إلجاء الراهن إليه.

و قال بعضهم: معناه أنّه لا تفرقة في الحال، و إنّما التفرقة تقع عند

ص: 148


1- في ج 10، ص 331 335، المسألة 150 و الفرع «ه» منها.
2- المهذّب للشيرازي 275:1، المجموع 360:9 و 361، الوجيز 139:1 و 160، الوسيط 61:3، العزيز شرح الوجيز 133:4 و 443، الحاوي الكبير 119:6، و 245244:14، روضة الطالبين 83:3 و 285.
3- مختصر المزني: 96، الحاوي الكبير 118:6، المهذّب للشيرازي 1 316، الوجيز 160:1، العزيز شرح الوجيز 443:4، روضة الطالبين 3 285.
4- العزيز شرح الوجيز 443:4، روضة الطالبين 285:3.

البيع، و حينئذٍ يحترز منها بأن يبيعهما معاً.

و القائل الأوّل لا يبالي بأفراد أحدهما بالبيع إذا وقعت الحاجة إلى البيع. و الأصحّ عندهم: الثاني(1).

إذا ثبت هذا، فإذا حلّ الحقّ و أراد بيع الجارية، فإن كان قد تمّ للولد سبع سنين فما زاد، جاز بيعها دونه إجماعاً؛ لأنّ بلوغ هذا السنّ يجوز معه التفريق.

و إن كان له أقلّ من ذلك، فالأقرب: بيعهما معاً و هو أحد قولي الشافعيّة - (2) لأنّ الجمع بينهما في العقد ممكن، بخلاف ما إذا ولدت من الراهن، فإنّها تباع منفردةً عن الولد؛ لأنّ الولد حُرٌّ لا يمكن بيعه. فإذا بِيعا معاً بِيعا صفقةً واحدة لئلّا يقع التفريق؛ للنهي عنه، و يتعلّق حقّ المرتهن من الثمن بقدر قيمة الجارية، فيقال: كم قيمة هذه الجارية ذات الولد دون ولدها؟ فيقال: مائة، و يقال: كم قيمة الولد؟ فيقال: خمسون، فتكون حصّة الجارية ثلثي الثمن المسمّى في العقد.

قال بعض الشافعيّة: ينبغي أن نُقدّم على كيفيّة توزيع الثمن مسألةً هي أنّه إذا رهن أرضاً بيضاء ثمّ نبت فيها نخل، فلها حالتان:

إحداهما: أن يرهن الأرض ثمّ يدفن فيها النوى أو يحمل السيل أو الطير النوى إليها فتنبت، فهي للراهن، و لا يُجبر في الحال على قلعها؛ لإمكان أن يؤدّي الدَّيْن من موضعٍ آخَر، فإذا دعت الحاجة إلى بيع الأرض، نظر فإن قام ثمن الأرض لو بِيعت وحدها بالدَّيْن، بِيعت وحدها و لم0.

ص: 149


1- العزيز شرح الوجيز 443:4، و انظر: روضة الطالبين 285:3.
2- انظر: حلية العلماء 123122:4، المغني 460:10، و الشرح الكبير 409:10.

يقلع النخل، و كذا لو لم يف به، إلّا أنّ قيمة الأرض و فيها الأشجار كقيمتها بيضاء.

و إن لم يف به و نقصت قيمتها بالأشجار، فللمرتهن قلعها لتباع الأرض بيضاء، إلّا أن يأذن الراهن في بيعها مع الأرض، فيُباعان و يُوزّع الثمن عليهما.

هذا إذا لم يكن الراهن محجوراً عليه بالإفلاس، فإن كان كذلك، فلا قلع بحالٍ؛ لتعلّق حقّ الغرماء بها، بل يُباعان و يُوزّع الثمن عليهما، فما يقابل الأرض يختصّ به المرتهن، و ما يقابل الأشجار يُقسّم بين الغرماء. فإن انتقصت قيمة الأرض بسبب الأشجار، حُسب النقصان على الغرماء؛ لأنّ حقّ المرتهن في أرضٍ فارغة، و إنّما مُنع من القلع لرعاية جانبهم، فلا يهمل جانبه بالكلّيّة.

الحالة الثانية: أن تكون النوى مدفونةً في الأرض يوم الرهن ثمّ نبتت، فإن كان المرتهن جاهلاً بالحال، فله الخيار في فسخ البيع الذي شُرط فيه هذا الرهن، فإنّ استحقاق بقاء الأشجار في الأرض عيب فيها يوجب الخيار، فإن فسخ فلا بحث، و إن لم يفسخ، فهو بمنزلة العالم، فلا خيار له.

و إذا بِيعت الأرض مع النخل، وُزّع الثمن عليهما.

و المعتبر في الحالة الأُولى قيمة أرضٍ فارغة، و في الثانية قيمة أرضٍ مشغولة لأنّها كانت كذلك يوم الرهن.

و في كيفيّة اعتبار قيمة الأشجار وجهان نقلهما الجويني في الحالتين:

أظهرهما: أنّ الأرض تُقوّم وحدها، فإذا قيل: قيمتها مائة، قُوّمت مع الأشجار، فإذا قيل: مائة و عشرون، فالزيادة بسبب الأشجار عشرون هي

ص: 150

سدس المائة و العشرين، فيراعى في ثمنها نسبة الأسداس.

و الثاني: أنّه كما قُوّمت الأرض وحدها تُقوّم الأشجار وحدها ثانياً، فإذا قيل: قيمتها خمسون، عرفنا أنّ النسبة بالأثلاث.

و في المثال المذكور لإيضاح الوجهين تكون قيمة الأرض ناقصةً بسبب الاجتماع؛ لأنّا فرضنا قيمتها وحدها مائةً، و قيمة الأشجار وحدها ثابتةً خمسون(1) ، و قيمة المجموع مائة و عشرون.

إذا عرفت هذا، فلنعد إلى مسألة الأُمّ و الولد، فإذا بِيعا معاً و أردنا التوزيع، قال الجويني: فيه طريقان:

أحدهما: أنّ التوزيع عليهما كالتوزيع على الأرض و الأشجار، فتُعتبر فيه قيمة الأُمّ وحدها. و في الولد الوجهان.

و الثاني: أنّ الأُمّ لا تُقوَّم وحدها، بل تُقوَّم مع الولد خاصّةً؛ لأنّها رهنت و هي ذات ولد، و الأرض بالأشجار(2) و كذا أورده أكثر الشافعيّة.

أمّا لو رهنها حائلاً ثمّ حملت بالولد بعد الرهن و التسليم من نكاح أو زنا و بِيعا معاً، فللمرتهن قيمة جارية لا ولد لها، فتُقوَّم خاليةً من ولد، و يُقوَّم الولد، و ينظر حصّتها من الثمن، فيكون للراهن.

و الفرق بين المسألتين أنّ في الأُولى رضي بكونها أُمّ ولد فقُوّمت أُمّ ولد، و في الثانية لم يرض بكونها أُمّ ولد.

فإن قيل: هذا الولد حدث في يد المرتهن، و إذا كان ذلك حادثاً فير.

ص: 151


1- في «ج»: «ثمانية و خمسون». و في الطبعة الحجرية بدون الواو، بدل «ثابتةً خمسون». و الصحيح ما أثبتناه كما في المصدر.
2- في الطبعة الحجريّة «بالأشجار» بدل «بلا أشجار». و كلاهما ساقط في «ج». و الصحيح ما أثبتناه كما في المصدر.

يده، كان بمنزلة ما رضي به، كما لو حدث فيه نقص و عيب.

قلنا: إنّ ذلك لا يجري مجرى النقص الحادث لتلف جزء من الرهن؛ لأنّ التالف مضمون عليه بسقوط حقّ الوثيقة، و في مسألتنا الرهن بحاله، و هذه الزيادة للراهن يقتضي وجوده نقصان قيمة الأُمّ لبيعه معها، فإذا لم يرض به لم يلزمه حكمه.

مسألة 125: إذا رهن شيئاً رطباً يسرع إليه الفساد، نُظر

فإن كان يمكن استصلاحه و تجفيفه كالرطب و العنب، صحّ رهنه، و يجب على الراهن تجفيفه و استصلاحه؛ لأنّ ذلك من مئونة حفظه و تبقيته، فكانت عليه، كنفقة الحيوان المرهون.

فإن كان ممّا لا يمكن استصلاحه كالثمرة التي لا تجفّف و البقول و الطبائخ و الريحان و ما أشبه ذلك، نُظر فإن كان الدَّيْن حالّا أو يحلّ قبل فساده، صحّ رهنه؛ لأنّ المقصود منه يمكن حصوله.

ثمّ إن بِيع في الدَّيْن أو قُضي الدَّيْن من موضعٍ آخَر، فذاك، و إلّا بِيع و جُعل الثمن رهناً لئلّا يضيع، و لا تفوت الوثيقة.

فلو تركه المرتهن حتى فسد، ضمن إن أمكن رَفْعُ أمره إلى الحاكم و لم يفعل.

و لو تعذّر الحاكم، فإن نهاه الراهن عن البيع، لم يضمن، و إلّا احتمل الضمان.

و قال بعض الشافعيّة: إن كان الراهن أذن له في بيعه، ضمن، و إلّا لم يضمن.

ص: 152

و إن كان الرهن على دَيْنٍ مؤجَّلاً، فأحواله ثلاثة:

أ: أن يعلم حلول الأجل قبل فساده، فهو بحكم الرهن على الدَّيْن الحالّ.

ب: أن يعلم عكسه، فإن شرط في الرهن بيعه عند الإشراف على الفساد و جَعْل ثمنه رهناً، صحّ، و لزم الوفاء بالشرط.

و إن شرط أن لا يُباع بحال قبل حلول الأجل، فهو فاسد و يُفسد الرهن؛ لمناقضته مقصود الاستيثاق.

و إن أطلق العقد و لم يشترط البيع و لا عدمه، فالأقرب: الجواز، و يُجبر على بيعه؛ لأنّ العرف يقتضي ذلك؛ لأنّ المالك للشيء لا يعرضه للتلف و الهلاك، بل يبيعه، فيحمل مطلق العقد عليه، كما على الاستصلاح، و هو أحد قولي الشافعيّة.

و القول الثاني: إنّه لا يصحّ؛ لأنّ الإجبار على البيع إجبار على إزالة ملكه و بيع الرهن قبل حلول الأجل، و ذلك لا يقتضيه عقد الرهن، فلم يجب و إذا ثبت أنّ البيع لا يُجبر عليه، فالمرهون لا يمكن(1) استيفاء الحقّ منه، فلم يصح عقد الرهن، كما لو رهن عبداً علّق عتقه بشرطٍ يُوجد قبل المحلّ(2).

و ليس بجيّد؛ لأنّ في ترك بيعه إضراراً ما بالمالك و المرتهن معاً، و في بيعه إحسان إليهما؛ لاشتماله على مصلحتهما، فوجب البيع حفظاً للحقّين.3.

ص: 153


1- في الطبعة الحجريّة و «ج»: «لا يملك» بدل «لا يمكن». و ما أثبتناه من «العزيز شرح الوجيز».
2- التهذيب للبغوي 48:4، العزيز شرح الوجيز 446:4، روضة الطالبين 288287:3.

و ما اخترناه أوّلاً هو الصحيح و به قال أبو حنيفة و أحمد - (1) كما لو شرط، فإنّ الظاهر أنّه لا يقصد فساد ماله، فصار كالمأذون فيه.

ج: أن لا يُعلم واحد من الأمرين و كانا محتملين، ففي جواز الرهن المطلق قولان مرتَّبان على القولين في القسم الثاني. و الصحّة هنا أظهر.

تذنيب: لو رهن ما لا يسرع إليه الفساد فطرأ ما عرّضه للفساد قبل حلول الأجل، كما لو ابتلّت الحنطة و تعذّر التجفيف، لم ينفسخ الرهن بحالٍ و إن منع الصحّةَ في الابتداء على قولٍ للشافعيّة(2) ، كما أنّ إباق العبد يمنع صحّة العقد، و إذا طرأ لم يوجب الانفساخ.

و لو طرأ ذلك قبل قبض الرهن، ففي الانفساخ للشافعيّة وجهان(3) ، كما في عروض الجنون و الموت. و إذا لم ينفسخ يُباع و يُجعل الثمن رهناً مكانه.

مسألة 126: المرتدّ إمّا أن يكون عن فطرة أو لا عن فطرة، و الأوّل يجب قتله في الحال،

و لا تُقبل توبته، عند علمائنا. و الثاني تُقبل توبته، و لا يجب قتله في الحال إلّا بعد الامتناع من التوبة عند الاستتابة.

إذا عرفت هذا، فلو ارتدّ العبد، فالأقرب: أنّ الردّة إن كانت عن فطرةٍ، لم يصح رهنه؛ لأنّه في كلّ آن يجب إعدامه شرعاً، و يتعيّن إتلافه، فانتفت غاية الرهن فيه، و هي التوثيق. و إن لم يكن عن فطرة، صحّ رهنه؛ لأنّ الردّة لا تزيل الملك.

و العامّة أطلقوا و قالوا: يصحّ رهن المرتدّ، كما يصحّ بيعه(4) ؛ لبقاء

ص: 154


1- العزيز شرح الوجيز 446:4.
2- العزيز شرح الوجيز 446:4.
3- العزيز شرح الوجيز 446:4، روضة الطالبين 288:3.
4- الحاوي الكبير 81:6، التهذيب للبغوي 32:4، الوجيز 160:1، العزيز شرح الوجيز 446:4، الوسيط 466:3، روضة الطالبين 288:3.

الملك مع الردّة، و إنّما يعرضه للإتلاف، فهو بمنزلة المريض المدنف.

و إذا ثبت هذا، فإذا رهنه فإن كان المرتهن عالماً بالردّة، لم يكن له ردّه، و لا يثبت له خيار في البيع الذي شرط رهنه فيه.

ثمّ يُنظر فإن عاد إلى الإسلام و تاب، فقد زال العيب. و إن قُتل بالردّة في يد المرتهن، لم يثبت للمرتهن خيار فسخ البيع المشروط رهنه فيه؛ لأنّ القتل حصل في يده بسبب الردّة و قد رضي بها، فهو بمنزلة أن يرهنه مريضاً فيُعلمه بمرضه ثمّ يموت منه في يده.

لا يقال: الفرق ظاهر؛ فإنّ المريض تلف بتزايد المرض في يد المرتهن.

لأنّا نقول: و المرتدّ قُتل بإقامته على الردّة في يد المرتهن، و لأنّه و إن قُتل بما كان في يد البائع إلّا أنّه لا يصحّ الرضا به، و هذا مذهب الشافعي(1).

و قيل: إنّه كالمستحقّ(2) ، فعلى هذا يثبت الخيار في البيع.

فأمّا إذا لم يعلم المرتهن حال الرهن بردّته ثمّ علم بعد ذلك قبل أن يُقتل، فله الخيار في البيع المشروط رهنه فيه، فإن قُتل قبل القبض، فله فسخ البيع، و إن قُتل بعده، كان الحكم فيه كما لو رهنه و هو عالم بردّته.

و أمّا إن قُتل قبل أن يعلم بردّته، قال أبو إسحاق من الشافعيّة: إنّه بمنزلة المستحقّ، و يثبت الخيار للمرتهن(3).

و قال آخرون: إنّه بمنزلة العيب، و لا يثبت للمشتري الخيار في الرهن(4).6.

ص: 155


1- الاُمّ 151:3.
2- انظر: الحاوي الكبير 82:6.
3- انظر: الحاوي الكبير 83:6.
4- انظر: الحاوي الكبير 83:6.

و الشافعي قال هنا: إنّه بمنزلة المستحقّ(1) ، فجَعَله مع العلم بمنزلة العيب، و مع عدم العلم بمنزلة الاستحقاق؛ لأنّه هلك بسببٍ كان موجوداً حال العقد و لم يرض به، و لا يلزم المريض؛ لأنّه تلف بسببٍ حادث.

قال أصحابه: إن قلنا بقوله و قول أبي إسحاق، ثبت للمرتهن الخيارُ في البيع. و إن قلنا بقول الآخَرين، فلا يثبت له الخيار و لا المطالبة بالأرش إن يكون رهناً.

و يفارق البيع حيث قلنا على هذا الوجه: إنّه يرجح بأرش العيب؛ لأنّ الرهن لا يلزم إلّا فيما حصل فيه القبض، بخلاف البيع، فما لم يسلمه إليه من صفات الرهن لا يمكنه المطالبة به، و لا يثبت له الخيار لفقده؛ لأنّه قد تلف الرهن في يده و تعذّر عليه ردّه، و الرهن مضمون على المرتهن بحقّ الوثيقة(2).

و قال الشافعي في الأُمّ: و لو أنّه(3) دلّس فيه بعيب و قبضه فمات في يده موتاً قبل أن يختار فسخ البيع، لم يكن له خيار الفسخ لما فات من الرهن(4).

مسألة 127: يصحّ رهن العبد الجاني، سواء كانت الجناية عمداً أو خطأً.

و الشافعيّة رتّبوا حكم رهنه على بيعه، فإن قالوا بأنّه لا يصحّ بيعه، فرهنه أولى. و إن صحّ، ففي رهنه قولان. و فرّقوا بينهما بأنّ الجناية العارضة في دوام الرهن تقتضي تقديم حقّ المجنيّ عليه، فإذا وُجدت أوّلاً، منعت

ص: 156


1- الاُم 151:3.
2- لم نعثر على نصّه فيما بين أيدينا من المصادر.
3- في الطبعة الحجريّة: «و به قال الشافعي في الأُم. و لأنّه». و في «ج»: «و به قال الشافعي في الأُم. و لو أنّه». و الظاهر ما أثبتناه.
4- الأُم 151:3.

من ثبوت حقّ المرتهن(1).

و للشافعيّة ثلاث طرق:

أحدها: إن كان القتل خطأً، لم يصح قولاً واحداً. و إن كان عمداً، فعلى القولين.

و الثاني: أنّه إن كان عامداً، صحّ قولاً واحداً. و إن كان خطأً، فعلى قولين.

و الثالث: أنّه على قولين، عمداً كان أو خطأً. و قد مضى توجيه ذلك في البيع. فإذا قلنا: إنّه يصحّ الرهن، فالحكم فيه كما ذكرنا في المرتدّ سواء(2).

إذا عرفت هذا، فإن لم يصحّ الرهن ففداه السيّد أو أسقط المجنيّ عليه حقَّه، فلا بدّ من استئناف رهن.

و إن صحّحناه، قال بعضهم: إنّه يكون مختاراً للفداء، كما سبق في البيع(3).

و قال بعضهم: لا يلزمه الفداء، بخلاف ما في البيع و العتق؛ لأنّ محل الجناية باقٍ هنا، و الجناية لا تنافي الرهن، أ لا ترى أنّه لو جنى و هو مرهون تتعلّق الجناية به، و لا يبطل الرهن(4).

و إن صحّحنا الرهن و الواجب القصاص و منعناه و الواجب المال فرهن و الواجب القصاص ثمّ عفا المستحقّ على مال، فيبطل الرهن من أصله أو4.

ص: 157


1- الوسيط 466:3، العزيز شرح الوجيز 447:4، روضة الطالبين 289:3.
2- المهذّب للشيرازي 294:1 و 316.
3- العزيز شرح الوجيز 447:4.
4- العزيز شرح الوجيز 447:4.

هو كجناية تصدر من المرهون حتى يبقى الرهن لو لم يُبَع في الجناية ؟ فيه للشافعيّة وجهان(1).

و إذا قيل به(2) ، فلو كان قد حفر بئراً في محلّ عدوان فتردّى فيها بعد ما رهن إنسان، ففي تبيّن الفساد وجهان. الفرق أنّه في الصورة الأُولى رهن و هو جانٍ، و هنا بخلافه(3).

تذنيب: لو رهن عبداً سارقاً أو زانياً، صحّ الرهن، و يكون ذلك بمنزلة العيب على ما بيّنّاه.

و إن كان قد قتل في قطع الطريق، فإن كان قبل قدرة الإمام عليه، صحّ على أحد القولين؛ لأنّه تصحّ منه التوبة. و إن كان بعد القدرة، لم يصح؛ لأنّ قتله متحتّم.

تذنيبٌ آخَر(4): قد بيّنّا أنّ للشافعيّة ثلاث طرق في رهن الجاني، و أنّ منهم مَنْ يقول في ذلك قولان، فإذا قلنا فيها قولان، فرّعنا عليه إذا قلنا: يصحّ الرهن، كانت الجناية مقدّمةً عليه، فإن بِيع فيها جميعه، بطل الرهن. و إن بِيع بعضه، و بقي الباقي رهناً.

لا يقال: إذا صحّحتم الرهن فألا ألزمتموه الفداء كما إذا أعتقه و صحّحتم عتقه.

لأنّا نقول: الفرق بينهما أنّا إذا صحّحنا أبطلنا محلّ الجناية، فضمن المبطل بالأرش، و في مسألتنا محلّ الجناية باقٍ، و الجناية لا تنافي الرهن، و لهذا إذا جنى بعد ما رهن، تعلّقت به الجناية، و لم يبطل الرهن.».

ص: 158


1- و 2) العزيز شرح الوجيز 448:4، روضة الطالبين 290:3.
2- الضمير في «به» راجع إلى الوجه الأوّل، و هو بطلان الرهن من أصله.
3- الضمير في «به» راجع إلى الوجه الأوّل، و هو بطلان الرهن من أصله.
4- كلمة «تذنيب» لم ترد في «ج».

و أمّا إذا قلنا: لا يصحّ الرهن، فإن فداه السيّد أو برئ من الجناية، لم يصر رهناً حتى يبدأ رهنه.

قال الشافعي: و لا فرق بين أن يكون الأرش درهماً و العبد يساوي أُلوفاً أو غير ذلك(1).

و إنّما كان كذلك لأنّ اليسير يتعلّق بجميعه كتعلّق الكثير، أ لا ترى أنّه لو رهنه عبداً بدرهم يسوي أُلوفاً، لم يجز رهنه بشيءٍ آخَر عند غيره قولاً واحداً، و كذا الجنابة أيضاً.

مسألة 128: يصحّ رهن المدبَّر عند علمائنا؛ لأنّ التدبير عندنا وصيّة و للموصي الرجوع في وصيّته،

و كذا المدبَّر له الرجوع في تدبيره، و إذا صحّ الرهن، بطل التدبير؛ لأنّ ذلك رجوع فيه.

و الشافعيّة اختلفوا في هذه المسألة على ثلاث طرق:

منهم مَنْ قال: إنّما يكون الرهن مفسوخاً على القول الذي يقول: إنّ التدبير [تعليق(2)] عتقٍ بصفة لا يصحّ الرجوع فيه، فأمّا إذا قلنا: إنّه وصيّة، صحّ الرهن، و كان رجوعاً عن التدبير، كما إذا أوصى به لزيد ثمّ رهنه، فإنّه يكون رجوعاً عن الوصيّة، و يصحّ الرهن.

و منهم مَنْ قال: يكون الرهن مفسوخاً على القولين؛ لأنّ السيّد قد يموت فجأةً، فيبطل مقصود الرهن، و لا يعلم وقت موته حتى يُباع قبله.

و لأنّ الشافعي قال في الأُمّ: «و لو دبّره ثمّ رهنه، كان الرهن مفسوخاً، و لو قال: رجعت عن التدبير ثمّ رهنه، ففيها قولان»(3). و هذا نص في أنّه

ص: 159


1- روضة الطالبين 289:3.
2- ما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.
3- الاُمّ 158:3.

قبل أن يرجع فيه لا يصحّ الرهن قولاً واحداً.

قال هذا القائل: و إنّما كان كذلك لأنّ الرهن ليس بصريح في الرجوع عن التدبير، فلم يكن رجوعاً، و يفارق سائر الوصايا حيث كان الرهن رجوعاً عنها؛ لأنّ التدبير و إن قلنا: إنّه وصيّة فإنّه آكد و أقوى منها؛ لأنّه عتق يتنجّز بالموت، و قد يكون بعض الوصايا آكد من بعض، فيقدّم بعضها على بعض.

و منهم مَنْ قال: يصحّ الرهن، و يكون التدبير بحاله؛ لأنّ الشافعي قال: ما جاز بيعه جاز رهنه(1) ، و المدبَّر يجوز بيعه. و لأنّ التدبير لا ينافي الوثيقة؛ لأنّه لا يمنع من البيع عند محلّ الحقّ.

قال: و قول الشافعي: «يكون الرهن مفسوخاً» أراد به إذا امتنع الراهن من بيعه و الرجوع في التدبير، فإنّه يحكم بانفساخ الرهن.

و بيان ذلك: أنّ على هذه الطريقة يكون رهناً براً، فإن قضاه الراهن من غيره، كان العبد مدبَّراً. و إن باعه في الدَّيْن، بطل التدبير.

و إن امتنع من بيعه و من الرجوع في التدبير، فإن كان له مالٌ غيره، قضي الدَّيْن منه، و أُجبر عليه.

و إن لم يكن له مالٌ، قال أبو إسحاق من الشافعيّة: فيه وجهان:

أحدهما: يُباع عليه، و ينفسخ التدبير.

و الثاني: يُحكم بفساد الرهن(2).

و هذا الوجه الذي تأوّل به صاحب هذه الطريقة كلامَ الشافعي و هو4.

ص: 160


1- الأُمّ 149:3، مختصر المزني: 93، الحاوي الكبير 11:6.
2- العزيز شرح الوجيز 448:4.

قوله: «و كان الرهن مفسوخاً» و حَمَله عليه ليس(1) بصحيح؛ لأنّه إذا صحّح رهنه، لم يجز أن يحكم بفساده بامتناع الراهن عن بيعه، بل يجب بيعه بحكم الرهن و لزومه.

و الطريقة الأوّلة أصحّ في القياس؛ لأنّ في كون التدبير وصيّةً أو تعليقَ عتقٍ بصفة قولين معروفين، و قضيّة كونه وصيّةً صحّة الرهن.

و الثانية ظاهر كلامه؛ لأنّ كلامه في الأُمّ كالصريح في القطع بالمنع؛ لأنّه قال: «و لو دبّره ثمّ رهنه، كان الرهن مفسوخاً، و لو قال: رجعت عن التدبير، ثمّ رهنه فقولان»(2) فخصّ القولين بما بعد الرجوع.

و الثالثة مخالفة لقوله و للقياس(3).

و المزني اختار أنّ الرهن يصحّ، و يبطل التدبير كما ذهبنا نحن إليه لأنّ التدبير عنده وصيّة كما قلناه و قد ثبت أنّه لو أوصى بعبده ثمّ رهنه، بطلت الوصيّة، و أنّ الشافعي قال: «لو دبَّر عبده ثمّ قال له: إن أعطيت ورثتي كذا بعد موتي فأنت حُرٌّ، كان رجوعاً في التدبير».

قال: و لأنّ الشافعي قال: «لو دبَّر عبده ثمّ وهبه هبة بتاتٍ، بطل التدبير، أقبضه في التدبير أو لم يقضه» و الرهن كالهبة قبل القبض(4) و الجواب: أنّ الذين قالوا: إنّه يصحّ الرهن على القول الذي يقول: إنّه وصيّة لا يلزمهم ذلك، و يحملون كلام الشافعي الذي حكاه في العتق على أنّه على هذا القول قاله.8.

ص: 161


1- في الطبعة الحجريّة و «ج»: «و ليس..». و الصحيح ما أثبتناه.
2- الأُم 158:3.
3- العزيز شرح الوجيز 449:4.
4- مختصر المزني: 96، الحاوي الكبير 106:6، و انظر أيضاً: الأُمّ 18:8.

و مَنْ قال: لا يصحّ الرهن على القولين فقد ذكرنا فرقة بين التدبير و سائر الوصايا.

فأمّا ما حكاه من مسألة الهبة فمن أصحابنا مَنْ يقول: إذا قلنا: التدبير وصيّة، صحّت الهبة، و كان رجوعاً عن التدبير. و إذا قلنا: إنّه [تعليق](1) عتق بصفة، لم يكن ذلك مبطلاً للتدبير. و منهم مَنْ قال: يكون مبطلاً للتدبير على القولين؛ لأنّ الهبة تنقل الملك إذا انضمّ إليها القبض، فكانت أقوى من الرهن؛ لأنّه لا يفضي عنده إلى إزالة الملك، فافترقا(2).

و اعلم أنّ عامّة الشافعيّة مالوا إلى ترجيح بطلان الرهن؛ لأنّ العتق مستحقّ بالتدبير، فلا يقوى الرهن على دفعه. و الجويني اختار الصحّة، أمّا على قول إنّه وصيّة: فظاهر. و أمّا على قوله إنّه تعليق عتقٍ بصفة: فلأنّه مع ذلك محسوب من الثلث، بخلاف العتق المعلّق(3) النازل في حياة المعلِّق، و الدَّيْن محسوب من رأس المال، و لو مات يخلّف إلّا هذا العبد و الدَّيْن مستغرق و لا رهن، لصرفناه إلى الدَّيْن، و لم نبال باندفاع العتق، فلا معنى لمنعه من الرهن لغرض العتق(4).

مسألة 129: لو رهن عبده ثمّ دبَّره، قال الشيخ (رحمه اللّه): يبطل التدبير؛

لأنّه ليس له التصرّف فيه(5).

و الوجه: أن يقال: يقع موقوفاً، فإن أجاز المرتهن، صحّ التدبير، و يكون حكمه أنّه لو مات المالك قبل الرجوع في التدبير، عُتق من الثلث.

ص: 162


1- ما بين المعقوفين أضفناه لأجل السياق.
2- راجع: الحاوي الكبير 107106:6.
3- في الطبعة الحجريّة و «ج»: «المطلق» بدل «المعلّق». و ما أثبتناه من المصدر.
4- العزيز شرح الوجيز 449:4.
5- الخلاف 339:3، المسألة 33.

و لو قصر الثلث أو لم يكن سواه، بيع إمّا كلّه، أو ما يقوم بباقي الدَّيْن، أو جميعه، و يبطل التدبير، كما لو لم يكن رهناً.

و لو لم يجز المرتهن، احتُمل بطلان التدبير، و عدمُه؛ لأنّه تصرّف في الرهن و قد مُنع المتراهنان من التصرّف في الرهن، و كون هذا التصرّف غير مضرّ بالمرتهن، فإنّ للمرتهن أن يبيعه في الدَّيْن، و حينئذٍ يبطل التدبير. و لو لم يبعه و طلب الدَّيْن من باقي التركة، كان له ذلك، فإن وفت التركة بالدَّيْن، قضي منها، و عُتق المدبَّر من الثلث، و لا يُجبر المرتهن على ذلك.

و هذا كله إذا كان الرهن قد اقترن به الإقباض أو لم يقترن به و قلنا: إنّ الرهن يلزم من عدم الإقباض، و أمّا إن شرطنا في لزومه الإقباض فدبَّره قبل الإقباض، بطل الرهن؛ لأنّه جائز، و إذا تصرّف تصرّفاً يخالفه، بطل.

و يُحتمل الصحّة.

و قال الشافعي في الأُمّ: لو رهنه و لم يقبضه ثمّ دبَّره أو باعه أو أصدقه أو وهبه، بطل الرهن(1).

قال الربيع من أصحابه: و فيه قولٌ آخَر: إنّ التدبير يصحّ، و الرهن بحاله(2).

و قال باقي الشافعيّة: إنّ قول الربيع من نفسه، و ليس فيها إلّا قولاً واحداً(3).

و أمّا إن كان بعد الإقباض، قال الشافعي في الأُمّ: يكون التدبير موقوفاً(4) ، يريد به أنّ التدبير يصحّ؛ لأنّ الرهن لا ينافيه.4.

ص: 163


1- الاُمّ 139:3، و انظر: حلية العلماء 413:4، و التهذيب للبغوي 15:4.
2- الاُمّ 139:3، حلية العلماء 414:4، التهذيب للبغوي 15:4.
3- حلية العلماء 414:4، التهذيب للبغوي 15:4.
4- الاُمّ 158:3، و انظر: حلية العلماء 420:4.

ثمّ يُنظر فإن انفكّ من الدَّيْن قبل موت سيّده، فهو مدبَّر.

و إن حلّ الحقّ فإن قضاه الراهن من غيره، كان مدبَّراً. و إن باعه في الدَّيْن، بطل التدبير. امتنع من بيعه و من الرجوع إلى التدبير فإن كان له مال، قضي منه، و إلّا بِيع عليه.

و إن مات قبل حلول الحقّ، فقد حلّ الحقّ بالموت، و وجب العتق من الثلث.

ثمّ يُنظر فإن خلّف تركةً تفي بالدَّيْن منها، و عُتق المدبَّر من الثلث. و إن لم يكن غيره، فإن كان الدَّيْن يستغرق قيمته، بِيع فيه. و إن كان له بقدر بعضه، بِيع بقدر الدَّيْن، و كان عتق الباقي وصيّةً يقف على إجازة الورثة فإن لم يجيزوا، عُتق ثلث الباقي.

و قال بعض الشافعيّة: عندي أنّ تدبير المرهون يبنى على القولين في عتقه؛ لأنّ التدبير سبب من أسباب العتق(1).

و استبعده بعضهم؛ لأنّ نصّ الشافعي بخلافه. و لأنّ العتق يُبطل حقّ المرتهن من غير الرهن؛ لأنّه يمنع من بيعه، و التدبير لا يمنع البيع، فلا يبطل حقّ المرتهن، فاختلفا(2).

و اعلم أنّ بين القول ببطلان الرهن لو وقع التدبير قبل الإقباض؛ للتنافي بينهما، و بين صحّته لو كان بعد الإقباض؛ لعدم التنافي بينهما لا يخلو من مناقضةٍ ما. و باقي كلام الشافعي موافق لمذهبنا.

مسألة 130: لا يصحّ تعليق العتق بالوصف عند علمائنا أجمع

على ما يأتي إن شاء اللّه تعالى، فلو قال لعبده: إن دخلت الدار فأنت حُرٌّ، لم يصح

ص: 164


1- لم نعثر عليه فيما بين أيدينا من المصادر.
2- لم نعثر عليه فيما بين أيدينا من المصادر.

عندنا، خلافاً للعامّة، فإنّهم قالوا بصحّته(1).

فعلى قولنا لو علّق العتق على الصفة ثمّ رهنه، صحّ الرهن عندنا، سواء وُجدت الصفة أو لم توجد؛ لبطلان العتق.

و قالت الشافعيّة: رهن المعلّق عتقُه بصفةٍ تصوُّه(2) على وجوه:

أحدهما: أن يرهن بدَيْنٍ حالّ أو مؤجَّل يتيقّن حلوله قبل وجود الصفة، مثل أن يقول: إذا جاء رأس الشهر فأنت حُرٌّ، ثمّ يرهنه بحقٍّ حالّ، أو يحلّ قبل ذلك، فإنّ الرهن صحيح قولاً واحداً؛ لأنّ بيعه ممكن عند محلّ الحقّ، و يُباع في الدَّيْن.

فإن لم يتّفق بيعه حتى وُجدت الصفة، فيبنى على القولين في أنّ [أمر(3)] الاعتبار في العتق المعلّق بحالة التعليق أو بحالة وجود الصفة ؟ فإن قلنا بالأوّل، عُتق، و للمرتهن فسخ البيع المشروط فيه الرهن إن كان جاهلاً. و إن قلنا بالثاني، فهو كإعتاق المرهون، و سيأتي.

و الثاني: أن يرهن بدَيْن مؤجَّل يتيقّن وجود الصفة قبل حلوله، مثل أن يعلّق عتقه بشهر و محلّ الدَّيْن بعد ذلك، فإنّ الرهن فاسد قولاً واحداً.

و من الشافعيّة مَنْ خرّج منه قولاً آخَر من قول الشافعي في الثمرة و الطعام إذا رهنه إلى محلٍّ يفسد قبله.

و قال غيره: هذا ليس بصحيح؛ لأنّ الطعام؛ لأنّ الطعام الرطب الظاهر من جهة الراهن بيعه إذا خشي تلفه، و جعل ثمنه رهناً، و هنا له غرض في».

ص: 165


1- المغني 293:12، الشرح الكبير 271:12.
2- بدل «تصوّره» في الطبعة الحجريّة: «يصدر». و في «ج»: «تصوّر». و ما أثبتناه من «العزيز شرح الوجيز».
3- ما بين المعقوفين من «العزيز شرح الوجيز».

حصول العتق، فافترقا.

و قال بعض الشافعيّة: فيه طريقان، أحدهما: أنّه على القولين في رهن ما يتسارع إليه الفساد، فعلى قولٍ يُباع إذا قرب أوان وجود الصفة، و يُجعل ثمنه رهناً.

قال الجويني: هذا إنّما ينتظم إذا قلنا بنفوذ العتق المعلّق قبل الرهن عند وجود الصفة حالة الرهن، أمّا إذا لم نقل بذلك، فلا يخاف تسارع الفساد إليه و فوات الوثيقة، فيوجّه الخلاف بشيءٍ آخر، و هو: أنّ الرهن هل يصلح دافعاً(1) للعتق المستحقّ بالتعليق ؟ فتارة: نقول: نعم كالبيع، و أُخرى نقول: لا؛ لضعفه.

و الطريق الثاني و هو المشهور -: القطع بالمنع؛ لفوات مقصود الرهن قبل المحلّ، و ليس ذلك كرهن ما يتسارع إليه الفساد؛ لأنّ الظاهر من حال صاحب الطعام الرضا بالبيع عند خوف الفساد لئلّا يضيع، فالظاهر من حال المعلّق أيضاً العتق(2) ، و قد تقدّم.

و الثالث: أن يجوز تقدّم الصفة على حلول الدَّيْن و بالعكس، و لا يتيقّن أحد الأمرين، مثل أن يقول: إذا قام زيد فأنت حُرٌّ، أو: إذا دخلت الدار، أو كلّمت فلاناً.

قال أبو علي من الشافعيّة: لا يجوز قولاً واحداً؛ لأنّه عقد الرهن على غرر.

و قال أبو حامد: في ذلك قولان.

قال القاضي أبو الطيّب: إنّ القول الآخر مخرَّج من صحّة رهن المدبَّر».

ص: 166


1- في الطبعة الحجريّة و «ج»: «رافعاً». و الظاهر ما أثبتناه من «العزيز شرح الوجيز».
2- كذا، و في «العزيز شرح الوجيز»: «و الظاهر من حال المعلّق إمضاء العتق».

إذا قلنا: إنّ التدبير [تعليق(1)] عتق بصفة.

قال: و ليس بصحيح؛ لأنّ المدبَّر يُعتق بموت السيّد، و الظاهر بقاء الحياة، كما صحّ رهن الحيوان و إن جاز أن يموت، و هنا ليس لوجود الصفة قبل المحلّ أو بعده ظاهرٌ، فهو غرر لا حاجة إليه(2).

و قال أبو حنيفة: إنّ الرهن صحيح؛ لأنّ ما جاز بيعه رهنه إذا كان محرزاً، كسائر الأعيان. و لأنّ الأصل استمرار الرقّ(3).

مسألة 131: قد عرفت أنّ مذهبنا بطلان العتق المعلَّق على الوصف،

أمّا لو نذر عتقه، فإنّه يصحّ إجماعاً، سواء علّقه على وقت أو وصف، مثل أن يقول: للّه علَيَّ أن أُعتق عبدي هذا إن جاء، أو: إذا دخل الشهر، أو أطلقه، مثل أن يقول: للّه علَيَّ أن أُعتق هذا العبد، أو قيّده(4) بالتعجيل، مثل أن يقول: للّه علَيَّ أن أُعتق هذا العبد الآن.

و على كلّ واحدٍ من هذه التقادير الثلاثة فإنّ ملكه لا يخرج عنه بهذا النذر، بل بنفس الإعتاق. فحينئذٍ نقول: إن أطلق النذر، تعلّق بذمّته مقتضاه، و وجب عليه العتق.

و هل يجب في الحال ؟ الأقرب: المنع، بل الأقرب: أن يكون وقته العمر، كالواجبات الموسّعة.

و إن قلنا: إنّ الأمر للفور، وجب عتقه معجّلاً، فيكون حكمه حكم المعلَّق بالتعجيل.

ص: 167


1- ما بين المعقوفين من «العزيز شرح الوجيز».
2- العزيز شرح الوجيز 450449:4، روضة الطالبين 291:3.
3- المغني 409:4، الشرح الكبير 402:4، العزيز شرح الوجيز 430:4.
4- في الطبعة الحجرية و «ج»: «قيّد». و الظاهر ما أثبتناه.

و حكم القول الأقوى حكم النذر المعلّق بالأجل أو الوصف، إلّا في شيء واحد، هو أنّ [في(1)] المطلق يتعلّق وجوب العتق بذمّة الناذر في الحال الوجوبَ الموسَّع، و في المقيّد لا يجب.

فلو مات العبد في النذر المطلق أو المقيّد بالتعجيل قبل عتقه، فإن كان الناذر قد تمكّن من عتقه بعد النذر، وجب عليه الكفّارة لخلف النذر، و إن لم يتمكّن، لم يجب عليه شيء.

و لو مات(2) في النذر المقيّد قبل حصول الوصف أو الوقت، لم يجب عليه شيء، سواء قلنا: إنّه يجزئه عتقه قبل الوقت أو لا؛ لأنّ الوجوب يُقيّد بوقتٍ أو وصفٍ و لم يحصل القيد.

و لو قتله مولاه قبل عتقه، فالأقرب: وجوب الكفّارة في الأقسام الثلاثة.

أمّا في المطلق و المعجّل: فظاهر.

و أمّا في المقيّد بالأجل: فلأنّه فوّت محلّ العتق، فكانت مخالفة النذر بسببه اختياراً.

و إذ قد تمهّدت هذه المسائل، فنقول: إن كان النذر مطلقاً أو مقيّداً بالتعجيل، لم يجز له رهنه؛ لوجوب تعلّق حقّ العتق به، و وجوب إخراجه عن ملكه، فينافي جواز رهنه الذي يقتضي وجوب إبقائه في دَيْن المرتهن محفوظاً عليه حتى يستوفي منه أو من غيره.

و إن كان مقيّداً بالوقت أو الوصف، فالأقرب: جواز رهنه.

و هل يُباع لو حلّ الدَّيْن قبل الوصف ؟ الأولى: المنع؛ لأنّه و إن».

ص: 168


1- ما بين المعقوفين أثبتناه لأجل السياق.
2- في «ج»: «و لو مات العبد».

لم يخرج عن ملكه بالنذر إلّا أنّه تعلّق به حقٌّ للّه تعالى، و بيعه مبطل لذلك الحقّ.

مسألة 132: لا يصحّ رهن المكاتَب، عند علمائنا،

سواء كانت الكتابة مشروطةً أو مطلقةً؛ لأنّها عقد لازم لا يمكن استيفاء الدَّيْن منه، لأنّه لا يصحّ بيعه، و به قال الشافعي و ابن المنذر؛ لأنّ استدامة القبض في الرهن شرط و لا يمكن ذلك في المكاتب(1).

و قال مالك: يصحّ رهنه؛ لأنّه يجوز بيعه و إيفاء الدَّيْن منه، فعلى هذا يكون ما يؤدّيه في نجوم كتابته رهناً معه، فإن عجز، ثبت الرهن فيه و في مال الكتابة، و إن عُتق، كان ما أدّاه من نجومه رهناً بمنزلة ما لو تكسّب العبد القنّ ثمّ مات(2).

و الحقّ ما قلناه.

نعم، لو كانت الكتابة مشروطةً و عجز، فإنّه يصحّ رهنه؛ لأنّ للمالك حينئذٍ فسخَ الكتابة، و قد يكون الرهن فسخاً لها، و الأقرب ذلك.

مسألة 133: إذا رهن الثمرة على الشجرة منضمّةً مع أُصولها، صحّ عندنا،
اشارة

سواء كان يمكن تجفيفها أو لا، و سواء بدا صلاحها أو لا، و سواء كان الدَّيْن حالّا أو مؤجَّلاً؛ لأنّ الثمرة يصحّ بيعها مطلقاً على ما تقدّم(3) في باب البيع فصحّ رهنها كذلك، خصوصاً و قد انضمّت إلى أُصولها.

و كذا لو رهنها منفردةً عن أُصولها؛ لما تقدّم.

ص: 169


1- التهذيب للبغوي 22:4، العزيز شرح الوجيز 441:4، روضة الطالبين 284:3، مختصر اختلاف العلماء 2012/295:4، المغني 409:4، الشرح الكبير 401400:4.
2- المغني 409:4، الشرح الكبير 401:4.
3- في ج 10، ص 359 360، المسألة 167.

و قالت الشافعيّة: إن رهنها منضمةً مع الأُصول، فإن كانت الثمرة ممّا يمكن تجفيفها، صحّ الرهن، سواء بدا صلاحها أو لا، و سواء كان الدَّيْنُ حالّا أو مؤجَّلاً.

و إن(1) كانت ممّا لا يمكن تجفيفها و قلنا بالمنع من صحّة رهن ما يتسارع إليه الفساد، فطريقان:

أشبههما عندهم: أنّه لا يصحّ في الثمار، و في الأشجار قولا تفريق الصفقة.

و الثاني: يصحّ فيهما(2) قولاً واحداً، و تكون الثمار تابعةً للأشجار.

و إن رهنها منفردةً عن الأُصول، فإن كانت(3) ممّا لا يمكن تجفيفها، فهو كرهن ما يتسارع إليه الفساد على وجه الأرض إن كان الدَّيْن(4) حالّا، أو كانت لا تفسد إلى حلوله، صحّ الرهن.

و إن أمكن تجفيفها، فإمّا أن يرهن قبل بدوّ الصلاح أو بعده.

فإن رهنها قبل بدوّ الصلاح، فإن رهنها بدَيْنٍ حالّ و شرط قطعها و بيعها، أو بيعها بشرط القطع، جاز. و إن أطلق، فقولان:

أحدهما: لا يجوز، كما لا يجوز بيعها مطلقاً.

و أصحّهما: الجواز؛ لأنّ حقّ المرتهن لا يبطل باجتياحها، و حقّ المشتري يبطل. و أيضاً فإنّ الحلول قرينة يتنزّل منزلة شرط القطع. و لأنّ استحقاق البيع يوجب قطعها، فأشبه شرط القطع.ه.

ص: 170


1- في الطبعة الحجريّة و «ج»: «فإن» «و إن». و الظاهر ما أثبتناه.
2- في الطبعة الحجريّة و «ج»: «فيها» بدل «فيهما». و ما أثبتناه من المصدر.
3- في الطبعة الحجريّة و «ج»: «كان». و الصحيح ما أثبتناه.
4- في الطبعة الحجريّة و «ج»: «الرهن» بدل «الدين». و الظاهر ما أثبتناه.

و إن كان الدَّيْنُ مؤجَّلاً، فإن كان يحلّ مع بلوغ الثمار أوان إدراكها أو بعده، جاز، كما لو كان حالّا. و إن كان يحلّ قبل بلوغها وقت الإدراك، فإن شرط قطعها عند المحلّ، كان بمنزلة البقول، و قد أطلق الشافعيّة جواز ذلك.

و للشافعيّة طريقان: منهم مَنْ طرد القولين. و وجه المنع: الشبه(1) بما إذا باع بشرط القطع بعد مدّة. و منهم مَنْ قطع بالجواز.

و إن كان مطلقاً، ففيه ثلاثة أقوال:

أحدها: أنّه لا يصحّ، كما لا يصحّ البيع. و لأنّ العادة في الثمار الإبقاء إلى الإدراك، فأشبه ما لو رهن على أن لا يبيعه عند المحلّ إلّا بعد أيّام.

و الثاني: أنّه يصحّ؛ لأنّ البيع إنّما لم يصحّ لما فيه من الغرر، و ليس في الرهن غرر، و لا يتلف إن تلف من مال صاحبه. و لأنّ مقتضى الرهن البيع عند المحلّ، فكأنّه شرط بيعه عند المحلّ.

و الثالث نقله المزني -: أنّه إن شرط القطع حال المحلّ، صحّ. و إن أطلق، لم يصح؛ لأنّ إطلاقه يقتضي بقاءه إلى حال الجذاذ، و ذلك يقتضي تأخير الدَّيْن عن محلّه، فلا يحتاج إلى الشرط.

و ما تقدّم للقول الآخَر من انتفاء الغرر فليس بصحيح.

و لأنّ وثيقة المرتهن تبطل بذلك، و يلزم عليه الرهن المجهول، فإنّه لا يصحّ و إن لم يكن فيه إلّا جهالة الوثيقة و قد جرت مجرى جهالة الملك.

قال أبو إسحاق: و الصحيح أنّه بمنزلة البيع، و قد نصّ عليه الشافعي في كتاب التفليس.».

ص: 171


1- في «العزيز شرح الوجيز»: «التشبيه».

و إن رهنها بعد بدوّ الصلاح، جاز بشرط القطع و مطلقاً إن رهنها بدَيْنٍ حالّ أو مؤجَّل في معناه. و إن رهنها بمؤجَّل يحلّ قبل بلوغها أوان إدراكها، فعلى ما تقدّم في القسم الأوّل(1).

فروع:

أ إذا رهن الثمار على الأشجار و صحّ الرهن، كانت مئونة السقي و الجذاذ و التجفيف على الراهن دون المرتهن. و إن لم يكن له شيء، باع الحاكم جزءاً منها و أنفقه عليها.

و لو توافق الراهن و المرتهن على ترك السقي، جاز، بخلاف علف الحيوان.

و قال بعض الشافعيّة: يُجبر عليه، كما يُجبر على علف الحيوان(2).

ب لو أراد الراهن أو المرتهن قطع الثمرة قبل أوان الجذاذ، فلآخَر منعه، و بعد [أوان(3)] الجذاذ ليس له ذلك، بل يُباع في الدَّيْن إن حلّ، و إلّا أمسكه رهناً.

ج الشجرة التي تثمر في السنة مرّتين يجوز رهن ثمرتها الحاصلة بالدَّيْن الحالّ و المؤجل الذي يحلّ قبل خروج الثمرة الثانية أو قبل اختلاطها بالأُولى.

فإن شرط أن لا تُقطع عند خروج الثانية، لم يصح؛ لأنّه لا يتميّز عند محلّ الحقّ ممّا ليس برهن.

ص: 172


1- العزيز شرح الوجيز 451450:4، روضة الطالبين 292291:3، و انظر: الحاوي الكبير 235234:6، و حلية العلماء 436:4.
2- العزيز شرح الوجيز 452:4، روضة الطالبين 292:3.
3- ما بين المعقوفين من «العزيز شرح الوجيز». و بدلها في «روضة الطالبين»: «وقت».

و إن شرط قطعها، صحّ.

و إن أطلق، فللشافعيّة قولان:

فإن صحّحنا أو(1) رهن بشرط القطع ثمّ لم يتّفق القطع حتى حصل الاختلاط، ففي بطلان الرهن قولان كالقولين في البيع إذا عرضت هذه الحالة قبل القبض؛ لأنّ المرتهن إنّما يتوثّق بعد القبض، فهو و المرهون عنده كالبائع و المبيع محبوس عنده، فإن قلنا: يبطل الرهن، فكذلك، و إن قلنا: لا يبطل، فلو اتّفق قبل القبض، بطل(2).

و للشافعيّة فيه وجهٌ آخَر(3) مضى نظيره فيما إذا تخمّر العصير قبل القبض.

و إذا لم يبطل فلو رضي الراهن بأن يكون الكلّ رهناً أو توافقاً على أن يكون النصف من الجملة مثلاً رهناً، فذاك.

و إن تنازعا في قدر المرهون، فالقول قول الراهن مع يمينه، كما لو اختلطت الحنطة المرهونة بحنطة اخرى للراهن.

و قال المزني: القول قول المرتهن مع يمينه؛ لأنّ اليد له، كما لو تنازعا في ملك(4).

و أجاب باقي الشافعيّة بأنّ اليد تدلّ على الملك دون الرهن، كما لو3.

ص: 173


1- في الطبعة الحجريّة و «ج»: «أنّه» بدل «أو». و الصحيح ما أثبتناه، كما في المصدر أيضاً.
2- العزيز شرح الوجيز 452:4، روضة الطالبين 292:3.
3- العزيز 452:4، روضة الطالبين 292:3.
4- التهذيب للبغوي 50:4، العزيز شرح الوجيز 452:4، روضة الطالبين 292:3.

قال مَنْ في يده المال: رهنتنيه، و أنكر المالك، كان القول قوله(1).

و قال بعضهم في مسألة الحنطة: إنّ طرد الخلاف محتمل؛ لتعذّر الفرق(2).

د لو رهن زرعاً بعد اشتداد الحَبّ أو قبله، صحّ عندنا؛ لأنّه مال مقوِّم ينتفع به فصحّ رهنه، كما صحّ بيعه.

و قالت الشافعيّة: إذا رهن الزرع بعد اشتداد الحَبّ، نُظر إن كان تُرى حَبّاته في السنبلة، صحّ، و إلّا فقولان، كما في البيع. و الأصحّ عندهم: المنع(3).

و لو رهنه و هو بَقْلٌ، فهو كما لو رهن الثمرة قبل بدوّ الصلاح.

و قال بعضهم: إذا كان الدَّين مؤجَّلاً، لم يجز قولاً واحداً و إن صرّح بشرط القطع عند المحلّ؛ لأنّ الزرع لا يجوز بيعه إذا تسنبل عندهم، و قد يتّفق الحلول في تلك الحال. و لأنّ زيادة الزرع بالطول، فهي كثمرة تحدث و تختلط بالمرهون، و زيادة الثمرة بكبر الحَبّة، فهي كالسمن(4).

البحث الرابع: في الحقّ المرهون به
مسألة 134: يشترط في المرهون به أُمور ثلاثة:

أن يكون دَيْناً ثابتاً في الذمّة حالة الرهن لازماً، فلا يصحّ الرهن على الأعيان التي ليست مضمونةً، كالوديعة و العارية غير المضمونة و المستأجرة و غير ذلك من الأمانات؛ لأنّها

ص: 174


1- التهذيب للبغوي 50:4، العزيز شرح الوجيز 452:4.
2- العزيز شرح الوجيز 452:4.
3- التهذيب للبغوي 4049:4، العزيز شرح الوجيز 452:4، روضة الطالبين 292:3.
4- العزيز شرح الوجيز 452:4، روضة الطالبين 292:3.

ليست ثابتةً في الذمّة عيناً و لا قيمةً.

أمّا الأعيان المضمونة في يد الغير إمّا بحكم العقد كالمبيع أو بحكم ضمان اليد كالمغصوب و المستعار المضمون و المأخوذ على جهة السوم و كلّ أمانة فرّط فيها و بقيت بعينها فالأقوى جواز الرهن عليها، و به قال مالك(1).

و قال أبو حنيفة: كلّ عين كانت مضمونةً بنفسها جاز أخذ الرهن بها، يريد ما يُضمن بمثله أو قيمته؛ لأنّ المبيع يجوز أخذ الرهن به؛ لأنّه مضمون بفساد العقد(2).

و يجوز أخذ الرهن بالمهر و عوض الخلع؛ لأنّه يُضمن بمثله أو قيمته، و كذلك الصلح عن دم العمد؛ لأنّه يمكن استيفاء القيمة من الرهن، فصحّ أخذ الرهن به.

و مَنَع الشافعي من أخذ الرهن على الأعيان المضمونة، كالغصب و الثمن المعيّن و الأُجرة المعيّنة؛ لأنّ العين قبل هلاكها في يده لا تثبت في الذمّة، فلا يصحّ أخذ الرهن بذلك كالمبيع. و لأنّه إن رهنه على قيمتها إذا تلفت، فهو رهن على ما ليس بواجب، و لا يُعلم إفضاؤه إلى الوجوب، و إن أخذ على عينها، لم يصح؛ لأنّه لا يمكن استيفاء عينها من الرهن. و لأنّ غرض الرهن بيع المرهون و استيفاء الحقّ من ثمنه عند الحاجة، و يستحيل استيفاء تلك الأعيان من ثمن المرهون(3).3.

ص: 175


1- العزيز شرح الوجيز 457:4 -
2- تحفة الفقهاء 4140:3، حلية العلماء 409:4، العزيز شرح الوجيز 458:4، المغني و الشرح الكبير 381:4.
3- حلية العلماء 408:4، العزيز شرح الوجيز 458457:4، روضة الطالبين 296:3.

و ليس بجيّد؛ لأنّ الاستيفاء إنّما يكون مع الحاجة، مع وجود العين و التمكّن من أخذها لا حاجة إلى البيع، و عند عدمها أو تعذّر أخذها على مالكها تجب القيمة، و لهذا يجوز للمالك أخذ ما يجده من مال الغاصب إذا تعذّر عليه استعادة عينه، سواء ساوت العين أو خالفتها.

و نقل الجويني للشافعيّة وجهاً: أنّه يجوز أخذ الرهن بها، بناءً على تجويز ضمان الأعيان المضمونة(1).

و فرّق باقيهم بناءً على الظاهر من مذهبهم: أنّ الضمان التزام في الذمّة، فلو لم تتلف العين المضمونة، لم يجرّ الالتزام ضرراً، و في الرهن دوام الحجر في المرهون يجرّ ضرراً ظاهراً(2)

مسألة 135: و شرطنا كون المرهون به ثابتاً في الذمّة حال عقد الرهن،

فإنّ الذي لم يثبت بَعْدُ لا يجوز الرهن به مثل أن يرهنه بما يستقرضه منه أو بثمن ما يشتريه منه عند علمائنا أجمع و به قال الشافعي و أحمد(3) لأنّه(4) وثيقة على حقّ، فلا يجوز قبل ثبوت الحقّ من غير حاجة، كالشهادة.

و قال أبو حنيفة و مالك: يجوز عقده قبل الحقّ، و إذا دفع إليه ثوباً و قال: رهنتك هذا على عشرة دراهم تقرضنيها غداً، و سلم إليه الثوب ثمّ أقرضه الدراهم، لزم الرهن(5). و حكاه القاضي ابن كج من الشافعيّة عن

ص: 176


1- العزيز شرح الوجيز 458:4، روضة الطالبين 296:3.
2- العزيز شرح الوجيز 458:4، روضة الطالبين 296:3.
3- التهذيب للبغوي 5:4، الوسيط 475:3، العزيز شرح الوجيز 458:4، روضة الطالبين 296:3، المغني و الشرح الكبير 399:4.
4- في الطبعة الحجريّة و «ج»: «لأنّها». و الصحيح ما أثبتناه.
5- التهذيب للبغوي 5:4، العزيز شرح الوجيز 458:4، المغني و الشرح الكبير 399:4.

بعض أصحابه أيضاً إذا عيّن ما يستقرضه(1).

و منهم مَنْ قال: لو تراهنا بالثمن ثمّ لم يفترقا حتى تبايعا، صحّ الرهن؛ إلحاقاً للحاصل في المجلس بالمقترن بالإيجاب و القبول(1).

و على ظاهر مذهب الشافعيّة لو ارتهن قبل ثبوت الحقّ و قبضه، كان مأخوذاً على جهة سوم الرهن، فإذا استقرض أو اشترى، لم يصر رهناً إلّا بعقدٍ جديد(2).

و فيه وجهٌ لهم: أنّه يصير رهناً(3).

و احتجّ أبو حنيفة بأنّ ذلك وثيقة، فجاز أن يكون عقدها موقوفاً على حقٍّ يحدث في المستقبل، كضمان الدرك(4).

و الفرق على تقدير تسليم جوازه؛ فإنّه عندنا باطل، و للشافعي قولان(5) أنّه جاز للحاجة إليه، و الاحتياط في المال(6) ، بخلاف مسألتنا.

مسألة 136: يصحّ عقد الرهن بعد ثبوت الحقّ في الذمّة و تقرّره إجماعاً؛
اشارة

لأنّه دَيْنٌ ثابت، و تدعو الحاجة إلى أخذ الوثيقة، فجاز أخذها، كالضمان.

و لقوله تعالى فَرِهانٌ مَقْبُوضَةٌ (7) جعله بدلاً عن الكتابة، فيكون في محلّها، و محلّها بعد وجوب الحقّ؛ لقوله تعالى إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ (8) فجَعَله جزاءً للمداينة مذكوراً بعدها بفاء التعقيب.

ص: 177


1- العزيز شرح الوجيز 458:4، روضة الطالبين 296:3.
2- التهذيب للبغوي 5:4، العزيز شرح الوجيز 458:4، روضة الطالبين 296:3.
3- التهذيب للبغوي 5:4، العزيز شرح الوجيز 458:4، روضة الطالبين 296:3.
4- المغني و الشرح الكبير 399:4.
5- العزيز شرح الوجيز 458:4، روضة الطالبين 296:3.
6- في «ج»: «و الاحتياط للمال».
7- البقرة: 283.
8- العزيز شرح الوجيز 458:4، روضة الطالبين 296:3.

و لقوله تعالى فَرِهانٌ مَقْبُوضَةٌ (8) جعله بدلاً عن الكتابة، فيكون في محلّها، و محلّها بعد وجوب الحقّ؛ لقوله تعالى إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ (1) فجَعَله جزاءً للمداينة مذكوراً بعدها بفاء التعقيب.

أمّا لو قارنه و امتزج الرهن بسبب ثبوت الدَّيْن مثل أن يقول: بعتك هذا العبد بألف و ارتهنت هذا الثوب به فقال المشتري: اشتريت و رهنت، أو قال: أقرضتك هذه الدراهم و ارتهنت بها دارك فالأقرب: الجواز و به قال مالك و الشافعي و أحمد و أصحاب الرأي(2) لأنّ الحاجة تدعو إليه، فإنّه لو لم ينعقد مع ثبوت الحقّ و شرطه فيه، لم يتمكّن من إلزام المشتري عقده، و كان الخيار إلى المشتري، و الظاهر أنّه لا يبذله، فتفوت الوثيقة بالحقّ.

و لأنّ شرط الرهن في البيع و القرض جائز لحاجة الوثيقة، فكذا مزجه بهما، بل هو أولى؛ لأنّ الوثيقة ها هنا آكد، فإنّ الشرط قد لا يفي به.

و للشافعية وجهٌ آخَر: أنّه فاسد؛ لأنّ أحد شقّي الرهن متقدّم على ثبوت الدَّيْن، و لو قال لعبده: كاتبتك على ألف و بعت منك هذا الثوب بكذا، فقال: قبلت الكتابة و البيع، لا يصحّ البيع(3).

و فرّقوا بوجهين:

أحدهما: أنّ العبد لا يصير أهلاً للمعاملة مع مولاه حتى تتمّ الكتابة.

و الثاني: أنّ الرهن من مصالح البيع، و البيع ليس من مصالح4.

ص: 178


1- البقرة: 282.
2- المغني و الشرح الكبير 399:4، التهذيب للبغوي 5:4، الوجيز 161:1، العزيز شرح الوجيز 458:4، منهاج الطالبين: 115، روضة الطالبين 297296:3.
3- العزيز شرح الوجيز 458:4.

الكتابة(1).

و لا استبعاد في سبق أحد شقّي الرهن على ثبوت الدَّيْن، و إنّما الممنوع منه سبق الرهن عليه. و يُمنع بطلان البيع المقترن بالكتابة.

فروع:

أ لو قال البائع: ارتهنت و بعت، و قال المشتري: اشتريت و رهنت، لم يقع عند الشافعيّة؛ لتقدّم أحد شقّي الرهن على شقّي البيع(2).

و كذا لو قال: ارتهنت و بعت، و قال المشتري: رهنت و اشتريت؛ لتقدّم شقّي الرهن على أحد شقّي البيع(3).

ب شرط الشافعيّة في الصحّة تقدُّمَ خطاب البيع على خطاب الرهن، و تقدُّمَ جواب البيع على جواب الرهن.

و بالجملة، الشرط أن يقع أحد شقّي الرهن بعد أحد شقّي البيع، و الآخَر بعد شقّي البيع(4).

ج - لو قال: بعْني عبدك بكذا و رهنت به هذا الثوب، فقال البائع: بعثت و ارتهنت، كان مبنيّاً على مسألة الاستيجاب و الإيجاب.

د - لو قال البائع: بعتك بكذا على أن ترهنني دارك به، فقال المشتري: اشتريت و رهنت، فالأقرب: الصحّة إن انضمّ قول البائع: «ارتهنت» أو «قبلت» لأنّ الذي وجد منه شرط إيجاب الرهن لا استيجابه،

ص: 179


1- العزيز شرح الوجيز 458:4.
2- التهذيب للبغوي 5:4، العزيز شرح الوجيز 459:4، روضة الطالبين 297:3.
3- التهذيب للبغوي 5:4، العزيز شرح الوجيز 459:4، روضة الطالبين 297:3.
4- العزيز شرح الوجيز 459:4، روضة الطالبين 297:3.

كما لو قال: أفعل كذا لتبيعني، لا يكون مستوجباً للبيع، و هو أحد وجهي الشافعيّة.

و في الآخَر: يتمّ العقد و إن لم ينضمّ قول البائع(1).

و الوجه: الأوّل.

مسألة 137: يشترط مع ثبوت الدَّيْن لزومه فعلاً حالة الرهن أو قوّةً قريبة من الفعل،

كالثمن في مدّة الخيار، لقرب حاله من اللزوم، و كما لو شرط الرهن في البيع، فإنّ الثمن غير ثابت بَعْدُ، و يصحّ الشرط.

و لا فرق في صحّة الرهن بالدَّيْن اللازم بين أن يكون الدَّيْن مسبوقاً بحالة الجواز أو لم يكن، و لا بين أن يكون مستقرّاً، كالقرض، و أرش الجناية، و ثمن المبيع المقبوض، أو غير مستقرّ، كالثمن قبل قبض المبيع، و الأُجرة قبل استيفاء المنفعة، و الصداق قبل الدخول.

أمّا ما ليس بلازم و لا مصير له إلى اللزوم بحال كنجوم الكتابة عند الشيخ(2) (رحمه اللّه) و عند الشافعي(3) فلا يصحّ الرهن به؛ لأنّ الرهن للتوثيق، و المكاتَب بسيل من إسقاط النجوم متى شاء، و لا معنى لتوثيقها. و لأنّه لا يمكن استيفاء الدَّيْن من الرهن، لأنّه لو عجز صار الرهن للسيّد، لأنّه من جملة مال المكاتب.

و قال أبو حنيفة: يصحّ الرهن بها(4). و هو الوجه عندي.

ص: 180


1- التهذيب للبغوي 6:4، الوجيز 161:1، العزيز شرح الوجيز 459:4، روضة الطالبين 297:3.
2- المبسوط للطوسي 73:6 و 82، الخلاف 293:6، المسألة 17.
3- الأُمّ 45:8 و 50، الوجيز 161:1 و 289:2، العزيز شرح الوجيز 459:4، و 513:13، حلية العلماء 201:6، روضة الطالبين 297:3، و 505:8.
4- حلية العلماء 408407:4، العزيز شرح الوجيز 459:4.

و يُمنع من إثبات السبيل المكاتَب، بل نقول: عقد الكتابة أوجب عليه المال، فليس له إسقاطه باختياره، بل بالعجز، لا التعجيز من العبد، بل من المولى.

و نمنع عدم التمكّن من استيفائه الدَّيْن من الرهن؛ فإنّ المملوك إذا عجز و لم يعجّزه مولاه، أمكن استيفاء الدَّيْن من الرهن. و إن عجّزه، كان الإبراء، فسقط الدَّيْن، و بطل الرهن.

و لو جعلنا الخيار مانعاً من نقل الملك في الثمن إلى البائع، فالظاهر منع الرهن عليه؛ لوقوعه قبل ثبوت الدَّيْن، و لا شكّ في أنّه يُباع الرهن في الثمن ما لم تمض مدّة الخيار.

و ما كان الأصل في وضعه الجواز كالجُعْل في الجعالة فإن كان قبل الشروع في العمل، لم يصح الرهن عليه؛ لأنّه لم يجب، و لا يُعلم إفضاؤه إلى الوجوب و اللزوم.

و أمّا بعد الشروع في العمل و قبل إتمامه فالأقوى جوازه؛ لانتهاء الأمر فيه إلى اللزوم، فصار كالثمن في مدّة الخيار، و هو أحد وجهي الشافعيّة. و الثاني و هو الأصحّ عندهم -: المنع؛ لأنّ الموجب للجُعْل هو العمل، و به يتمّ الوجوب، فكأنّه لا ثبوت له قبل العمل(1).

أمّا بعد تمام العمل فإنّه يصحّ إجماعاً؛ لأنّه لازمٌ حينئذٍ.

و كذا لا يجوز الرهن على الدية من العاقلة قبل الحول؛ لأنّها لم تجب بَعْدُ، و لا يُعلم إفضاؤها إلى الوجوب، فإنّهم لو جُنّوا أو افتقروا أو ماتوا، لم تجب عليهم، فلا يصحّ أخذ الرهن بها. فأمّا بعد الحلول(2) فيجوز؛ل.

ص: 181


1- أي بعد حلول الحول.
2- أي بعد حلول الحول.

لاستقرارها.

و يحتمل جوازه قبل الحول؛ لأصالة بقاء الحياة و اليسار و العقل.

و المسابقة إن جعلناها عقداً لازماً كالإجارة، صحّ الرهن على العوض قبل العمل، و إلّا فلا؛ لأنّه لا يُعلم إفضاؤها إلى الوجوب؛ لأنّ الوجوب إنّما يثبت بسبق غير المخرج و هو غير معلوم و لا مظنون.

قال بعض العامّة: إن قلنا: إنّها إجارة، جاز أخذ الرهن بعوضها. و إن قلنا: جعالة، فلا(1).

و قال بعضهم: إن لم يكن فيها محلّل، فهي جعالة. و إن كان فيها محلّل، فعلى وجهين(2).

و هذا كلّه بعيد؛ لأنّ الجُعْل ليس هو في مقابلة العمل بدليل أنّه لا يستحقّه إذا كان مسبوقاً و قد عمل العمل، و إنّما هو عوض عن السبق، و لا تُعلم القدرة عليه. و لأنّه لا فائدة للجاعل فيه و لا هو مراد له، و إذا لم تكن إجازةً مع عدم المحلّل فمع وجوده أولى؛ لأنّ مستحقّ الجُعْل هو السابق، و هو غير معيّن، و لا يجوز استئجار رجلٍ غير معيّن.

مسألة 138: لا يجوز أخذ الرهن بعوضٍ غير ثابتٍ في الذمّة، كالثمن المعيّن و الأُجرة المعيّنة في الإجارة،

و المعقود عليه في الإجارة إذا كان منافع معيّنة، مثل إجارة الدار و العبد المعيّن و الجمل المعيّن مدّة معلومة أو لحمل شيء معيّن إلى مكانٍ معلوم؛ لأنّه حقٌّ تعلَّق بالعين لا بالذمّة، و لا يمكن استيفاؤه من الرهن؛ لأنّ منفعة العين لا يمكن استيفاؤها من غيرها، و تبطل الإجارة بتلف العين.

ص: 182


1- المغني و الشرح الكبير 380:4.
2- المغني و الشرح الكبير 380:4.

و لو وقعت الإجارة على منفعةٍ في الذمّة كخياطة ثوب، و بناء جدارٍ جاز أخذ الرهن به؛ لأنّه ثابت في الذمّة، و يمكن استيفاؤه من الرهن بأن يستأجر عنه(1) مَنْ يعمل، فجاز أخذ الرهن به، كالدَّيْن، و يباع عند الحاجة و تحصل المنفعة من ثمنه.

إذا عرفت هذا، فكلّ ما جاز أخذ الرهن به جاز أخذ الضمين به، و ما لم يجز الرهن به لم يجز أخذ الضمين به، إلّا ثلاثة أشياء: عهدة البيع يصحّ ضمانها و لا يصحّ الرهن بها، و الكتابة لا يصحّ الرهن بها على إشكالٍ سبق(2) ، و الأقرب: صحّة الضمان فيها، و ما لم يجب لا يصحّ أخذ الرهن به، و يصحّ ضمانه؛ لأنّ الرهن بهذه الأشياء يُبطل الإرفاق، فإنّه إذا باع عبده بألف و دفع رهناً يساوي ألفاً، فكأنّه ما قبض الثمن و لا ارتفق به. و المكاتَب إذا دفع ما يساوي كتابته، فما ارتفق بالأجل؛ لأنّه كان يمكنه بيع الرهن و إمضاء الكتابة و يستريح من تعطيل منافع عبده، بخلاف الضمان. و لأنّ ضرر الرهن يعمّ؛ لأنّه يدوم بقاؤه عند المشتري، فيمنع البائع التصرّف فيه، و الضمان بخلافه.

و لا يجوز الرهن من المالك على الزكاة قبل الحلول، و لا رهن العاقلة على الدية قبله؛ لفوات الشرط، و يجوز بعده.

مسألة 139: لا يشترط في الدَّيْن المرهون به أن لا يكون به رهن،

بل يجوز أن يرهن بالدَّيْن الواحد رهناً بعد رهن، ثمّ هو كما لو رهنهما معاً.

و لو كان الشيء مرهوناً بعشرة و أقرضه عشرةً أُخر على أن يكون

ص: 183


1- كذا، و الظاهر: «يستأجر من ثمنه..».
2- في ص 112، المسألة 137.

مرهوناً بها أيضاً، صحّ و به قال مالك و الشافعي في القديم(1) كما تجوز الزيادة في الرهن بدَيْنٍ واحد.

و الجديد: أنّه لا يجوز و به قال أبو حنيفة كما لا يجوز رهنه عند غير المرتهن(2) ، و إن وفى بالدينين جميعاً، فإن أراد توثيقهما فليفسخا و ليستأنفا رهناً بالعشرين، بخلاف الزيادة في الرهن بدَيْنٍ واحد؛ لأنّ الدّيْن يشغل الرهن و لا ينعكس، فالزيادة في الرهن شغل فارغ، و الزيادة في الدَّيْن شغل مشغول(3).

و يُمنع حكم الأصل؛ فإنّه لا استبعاد في صحّة الرهن عند غير المرتهن، و يكون موقوفاً على إجازة المرتهن، فإن أجاز المرتهن الأوّلَ، صحّ الثاني.

و الأقرب: أنّه لا يبطل الرهن الأوّل، بل يتقدّم الثاني، فإن فضل بعد دَيْن الثاني شيء، اختصّ بالأوّل، فإن كان قد بقي من العين شيء، اختص الأوّل به. و إن بِيع الجميع و فضل من الثمن فضلة، اختصّ الأوّل بها؛ لأنّه كقيمة المتلف من الرهن يختصّ المرتهن بها دون غيره من الدُّيّان.

سلّمنا، لكنّ الفرق ظاهر؛ فإنّ الدينين إذا كانا لواحدٍ، لم يحصل من التنازع ما إذا تعدّد.

و لو جنى العبد المرهون ففداه المرتهن بإذن الراهن على أن يكون العبد مرهوناً بالفداء و الدَّيْن الأوّل، صحّ عندنا، و به قال الشافعي(4).3.

ص: 184


1- التهذيب للبغوي 33:4، الوجيز 161:1، العزيز شرح الوجيز 461:4، روضة الطالبين 299:3.
2- في الطبعة الحجريّة و «ج»: «المرهون» بدل «المرتهن». و الصحيح ما أثبتناه.
3- التهذيب للبغوي 33:4، الوجيز 161:1، العزيز شرح الوجيز 461:4، روضة الطالبين 299:3.
4- العزيز شرح الوجيز 461:4، روضة الطالبين 299:3.

و لأصحابه طريقان:

أظهرهما عندهم: القطع بالجواز؛ لأنّه من مصالح الرهن من حيث [إنّه(1)] يتضمّن استبقاءه.

و الثاني: أنّه(2) على القولين(3).

و لو اعترف الراهن بأنّه رهن على عشرين ثمّ ادّعى أنّه رهن أوّلاً بعشرة ثمّ رهن بعشرة أُخرى و نازعه(4) المرتهن، فلا فائدة لهذا الاختلاف عندنا و عند قديم الشافعي.

و في الجديد: يقدّم قول المرتهن مع اليمين؛ لأنّ اعتراف الراهن يقوّي جانبه ظاهراً(5).

و لو قال المرتهن في جوابه: فسخنا الرهن الأوّل و استأنفنا بالعشرين، قدّم قول المرتهن أيضاً؛ لاعتضاد جانبه بقول صاحبه، و هو أحد وجهي الشافعيّة.

و الثاني: قول الراهن؛ لأنّ الأصل عدم الفسخ(6).

و فرّعوا عليه أنّه لو شهد شاهدان أنّه رهن بألف ثمّ رهن بألفين، لم يحكم بأنّه رهن بألفين. ما لم يصرّح الشهود بأنّ الثاني كان بعد فسخ الأوّل(7).3.

ص: 185


1- ما بين المعقوفين أضفناه لأجل السياق.
2- في الطبعة الحجريّة و «ج»: «أنّهما». و الظاهر ما أثبتناه.
3- العزيز شرح الوجيز 461:4، روضة الطالبين 299:3.
4- في الطبعة الحجريّة و «ج»: «و باعه». و هي غلط.
5- العزيز شرح الوجيز 462:4، روضة الطالبين 299:3.
6- التهذيب للبغوي 33:4، العزيز شرح الوجيز 462:4، روضة الطالبين 299:3.
7- التهذيب للبغوي 33:4، العزيز شرح الوجيز 462:4، روضة الطالبين 299:3.

الفصل الثاني: في القبض

مسألة 140: اختلف علماؤنا في القبض هل هو شرط في لزوم الرهن أو لا؟

على قولين:

أحدهما: أنّه شرط و هو أحد قولي الشيخ(1) (رحمه اللّه)، و قول المفيد(2) (رحمه اللّه) فلو رهن و لم يقبض، كان الرهن صحيحاً غير لازم، بل للراهن الامتناع عن الإقباض، و التصرّف فيه بالبيع و غيره؛ لعدم لزومه و به قال أبو حنيفة و الشافعي و أحمد في رواية.

و في الثانية: أنّه شرط في المكيل و(3) الموزون(4) لقوله تعالى فَرِهانٌ مَقْبُوضَةٌ (5) وَصَفَها بكونها مقبوضةً.

و لقول الباقر(6) (عليه السّلام): «لا رهن إلّا مقبوضاً»(7).

و لأنّه عقد إرفاق يفتقر إلى القبول، فافتقر إلى القبض كالقرض. و لأنّه رهن لم يقبض، فلا يلزم إقباضه، كما لو مات الراهن.

ص: 186


1- النهاية: 431.
2- المقنعة: 622.
3- في «ج»: «أو» بدل «و».
4- تحفة الفقهاء 38:3، بدائع الصنائع 137:6، الهداية للمرغيناني 126:4، الاختيار لتعليل المختار 97:2، المهذّب للشيرازي 312:1، الوجيز 162:1، العزيز شرح الوجيز 472471:4، الحاوي الكبير 7:6، روضة الطالبين 307:3، المغني 399:4، الشرح الكبير 420:4.
5- البقرة: 283.
6- في الطبعة الحجريّة و «ج»: «الصادق» بدل «الباقر». و ما أثبتناه هو الموافق لما في المصدر و لما في مختلف الشيعة 418:5، ضمن المسألة 37 (الفصل الثالث: في الرهن).
7- التهذيب 779/176:7.

و الثاني: أنّه ليس بشرط، بل يلزم الرهن بمجرّد العقد و هو القول الثاني للشيخ(1) (رحمه اللّه) و قول ابن إدريس(2) ، و به قال مالك و أحمد في الرواية الأُخرى(3) لقوله تعالى أَوْفُوا بِالْعُقُودِ (4) و لأنّه عقد يلزم بالقبض فلزم قبله(5) ، كالبيع.

و لا حجّة في وصف الرهن بالقبض؛ لأنّ القصد بالآية كمال الإرشاد، و لهذا أمر تعالى بالكتابة(6) ، و ليس شرطاً مع الأمر، فكيف يكون الوصف شرطاً مع انتفاء الأمر!؟ على أنّ نفس الرهن ليس شرطاً في الدَّيْن.

و الحديث ضعيف السند.

و الفرق مع القرض ظاهر؛ فإنّه مجرّد إرفاقٍ، بخلاف الرهن؛ فإنّه لا ينفكّ عن معارضةٍ ما.

مسألة 141: القبض هنا كالقبض في البيع و غيره،

و هو إمّا التخلية مطلقاً على رأي، أو النقل و التحويل فيما يُنقل و يُحوّل، و الكيل و الوزن فيما يُكال و يوزن، و التخلية فيما لا يمكن فيه شيء من ذلك.

و قال بعض الشافعيّة: لو جوّزنا التخلية في المنقول في البيع،

ص: 187


1- الخلاف 223:3، المسألة 5.
2- السرائر 417:2.
3- بداية المجتهد 274:2، التلقين 416:2، الذخيرة 100:8، المعونة 1153:2، المغني 400399:4، الشرح الكبير 420:4، الحاوي الكبير 7:6، حلية العلماء 410:4، التهذيب للبغوي 6:4، الوسيط 485:3، العزيز شرح الوجيز 472:4.
4- المائدة: 1.
5- في «ج» و الطبعة الحجريّة: «فيه» بدل «قبله». و الظاهر أنّ الصحيح ما أثبتناه.
6- البقرة: 282.

لم تكف هنا؛ لأنّ القبض(1) مستحقّ في البيع، و هنا بخلافه(2).

و يشترط في القبض صدوره من جائز التصرّف، و هو الحُرّ المكلّف الرشيد غير المحجور عليه لسفهٍ أو فلْسٍ. و يعتبر ذلك حال رهنه و إقباضه؛ لأنّ العقد و التسليم ليس بواجب، و إنّما هو إلى اختيار الراهن فإذا لم يكن له اختيار صحيح، لم يصح. و لأنّه نوع تصرّفٍ في المال، فلا يصحّ من المحجور عليه من غير إذن، كالبيع.

و تجري النيابة في القبض كما تجري في العقد، و يقوم قبض الوكيل مقام قبضه في لزوم الرهن و سائر أحكامه.

و هل يجوز أن يستنيب المرتهن الراهنَ في القبض ؟ مَنَع منه الشافعي؛ لأنّ الواحد لا يتولّى طرفي القبض(3).

و ليس جيّداً، كالجدّ و الأب.

و حكم عبده و مدبَّره و أُمّ ولده حكمه؛ لأنّ يدهم وجهان للشافعي:

أحدهما: الجواز؛ لانفراده باليد و التصرّف.

و أصحّهما: المنع، فإنّه عبده القنّ، و هو متمكّن من الحجر عليه(4).

مسألة 142: لو أودع مالاً عند إنسان أو أعاره منه أو كان مستاماً أو كان وكيلاً ثمّ رهنه منه،

فإن لم نشترط القبض، فلا بحث، و يلزم الرهن بمجرّد العقد. و إن شرطناه، فالأقرب: أنّه يلزم الرهن بمجرّد العقد أيضاً؛ لأنّه

ص: 188


1- في «ج» و الطبعة الحجريّة: «الرهن» بدل «القبض» و ذلك لا معنى له، و ما أثبتناه من المصدر.
2- الوسيط 486:3، العزيز شرح الوجيز 472:4، روضة الطالبين 308:3.
3- الحاوي الكبير 10:6، الوسيط 486:3، الوجيز 162:1، العزيز شرح الوجيز 472:4، حلية العلماء 413:4، روضة الطالبين 307:3.
4- الوجيز 162:1، العزيز شرح الوجيز 472:4، روضة الطالبين 307:3.

مقبوض للمرتهن، فيندرج تحت الآية(1) ، و به قال أحمد؛ فإنّ اليد ثابتة و القبض حاصل، و إنّما تغيّر الحكم لا غير، و يمكن تغيّر الحكم مع استدامة القبض؛ كما لو طُولب بالوديعة فجحدها، تغيّر الحكم، و صارت مضمونة(2) عليه من غير أمرٍ زائد. و لو عاد الجاحد فأقرّ بها و قال لصاحبها: خُذْ وديعتك، فقال: دَعْها عندك وديعةً كما كانت و لا ضمان عليك فيها، لتغيَّر الحكم من غير حدوث أمرٍ زائد(3).

و قال الشافعي: لا يصير رهناً حتى تمضي مدّة يتأتّى قبضه فيها، فإن كان منقولاً، فبمضيّ مدّة يمكن نقله فيها. و إن كان مكيلاً، فبمضيّ مدّة يمكن كيله فيها. و إن كان غير منقول، فبمضيّ مدّة التخلية. و إن كان غائباً عن المرتهن، لم يصر مقبوضاً حتى يوافيه هو أو وكيله ثمّ تمضي مدّة يمكن قبضه فيها؛ لأنّ العقد يفتقر إلى القبض، و القبض إنّما يحصل بفعله أو إمكانه(4).

و اعلم أنّ الشافعي قال في الجديد: لا بُدّ من إذنٍ جديد في القبض(5).

و لو وهبه منه، فظاهر قوله أنّه يحصل القبض من غير إذنٍ جديد.

و لأصحابه طرق ثلاثة.

أظهرها: أنّ فيه قولين:

أحدهما: أنّه لا حاجة في واحد من العقدين إلى الإذن في القبض،3.

ص: 189


1- البقرة: 283.
2- في «ج» و الطبعة الحجريّة: «و صار مضموناً». و الصحيح ما أثبتناه.
3- المغني 404:4، الشرح الكبير 427426:4.
4- المغني 404:4، الشرح الكبير 427426:4.
5- الوسيط 487:3، العزيز شرح الوجيز 473:4، روضة الطالبين 308:3.

بل إنشاؤهما مع الذي في يده المال يتضمّن الإذن في القبض.

و أصحّهما عندهم: أنّه لا بُدّ منه؛ لأنّ اليد الثابتة كانت من غير جهة الرهن، و لم يجر تعرّض للقبض بحكم الرهن.

و الثاني: تقرير القولين.

و الفرق: أنّ الهبة عقد تمليك، و مقصوده الانتفاع، و الانتفاع لا يتمّ إلّا بالقبض، و الرهن توثيق، و أنّه حاصل دون القبض، و لهذا لو شرط في الرهن كونه في يد ثالثٍ، جاز. و لو شرط مثله في الهبة، فسد، و كانت الهبة ممّن المال في يده رضا بالقبض.

و الثالث: القطع باعتبار الإذن الجديد فيهما، فيتناول قوله في الهبة، و سواء شرط إذن جديد في القبض أو لم يشترط، فلا يلزم العقد ما لم يمض زمان [يتأتّى(1)] فيه صورة القبض، لكن إذا شرط الإذن، فهذا الزمان معتبر من وقت الإذن، فإن لم يشترط، فهو معتبر من وقت العقد.

و له قولٌ آخَر: لا حاجة إلى مضيّ هذا الزمان، و يلزم العقد بنفسه.

و الأقوى عندهم: الأوّل؛ لأنّا نجعل دوام اليد كابتداء القبض، فلا أقلّ من زمان يتصوّر فيه ابتداء القبض. و لو كان غائباً، اعتبر زمان يمكن المصير فيه إليه و نقله.

و هل يشترط مع ذلك نفس المصير إليه و مشاهدته ؟ له وجهان:

أحدهما: نعم، ليتيقّن حصوله و يثق به.

و أصحّهما عندهم: لا، و يكتفى بأنّ الأصل بقاؤه.

و اختلفوا في محل القولين، منهم مَنْ جَعَله احتياطاً. و منهم مَنْ حملهر.

ص: 190


1- ما بين المعقوفين من المصدر.

على ما إذا كان المرهون ممّا يتردّد في بقائه في يده بأن كان حيواناً غير مأمون الآفات، أمّا إذا تيقّنه، فلا حاجة إليه.

و على اشتراط الحضور و المشاهدة فهل يشترط النقل ؟ وجهان:

أحدهما: نعم؛ لأنّ قبض المنقول به يحصل.

و الثاني: لا يشترط؛ لأنّ النقل إنّما يعتبر ليخرج من يد المالك، و هو خارج هنا.

و إذا شرط الحضور أو النقل معه، فهل يجوز أن يوكّل ؟ فيه وجهان:

أصحّهما عندهم: الجواز، كما في ابتداء القبض.

و المنع؛ لأنّ ابتداء القبض و هو النقل وُجد من المودع، فليصدر تتمّته منه(1).

و لو ذهب إلى موضع المرهون فوجده قد خرج من يده، فإن أذن له في القبض بعد العقد، فله أخذه حيث وجده. و إن لم يأذن، لم يأخذه حتى يقبضه الراهن، سواء شرطنا الإذن الجديد أو لم نشرطه.

و لو رهن الأب مال الطفل من نفسه أو ماله من الطفل، ففي اشتراط مضيّ زمان يمكن فيه القبض وجهان، فإن شرطناه فهو، كما لو رهن الوديعة من المودع، فيعود الاختلاف المذكور، و قصد الأب قبضاً و إقباضاً(2) نازل منزلة الإذن الجديد.

أمّا لو باع المالك الوديعةَ، أو العاريّةَ ممّن في يده، فهل يعتبر زمان إمكان القبض لجواز التصرّف و انتقال الضمان ؟ الأقرب عندنا: المنع و هوه.

ص: 191


1- العزيز شرح الوجيز 474473:4، روضة الطالبين 309308:3.
2- في الطبعة الحجريّة و «ج»: «وافياً» بدل «و إقباضاً». و الصحيح ما أثبتناه.

أحد وجهي الشافعي(1) لأنّه مقبوض حقيقةً، و لأنّ البيع يفيد الملك، و لا معنى مع اجتماع الملك و اليد لاعتبار شيء آخَر.

و الثاني: نعم(2).

و هل يحتاج إلى الإذن في القبض ؟ إن كان الثمن حالّا و لم يوفّه، لم يحصل القبض، إلّا إذا أذن البائع فيه. فإن وفّاه أو كان مؤجَّلاً؟ قال بعضهم: إنّه كالرهن(3).

و المشهور: أنّه لا يحتاج إليه(4).

و الفرق: أنّ البيع يوجب القبض، فدوام اليد يقع عن القبض المستحقّ، و لا استحقاق في الرهن.

مسألة 143: لو رهن المالك ماله المغصوب في يد الغاصب، صحّ الرهن ؟

و على قولنا بعدم اشتراط القبض يصير رهناً بمجرّد العقد.

و على القول باشتراطه لا بُدّ من مضيّ زمانٍ يمكن فيه تجديد القبض مع إذنٍ في القبض كما تقدّم جديدٍ، و هو أحد قولي الشافعي(5).

و الثاني: القطع في الغصب بافتقاره إلى إذنٍ جديد؛ لأنّ يده غير صادرة عن إذن المالك أصلاً(6).

إذا عرفت هذا، فإذا رهن الغصب أو المستعار المشروط فيه الضمان

ص: 192


1- العزيز شرح الوجيز 474:4، روضة الطالبين 309:3.
2- العزيز شرح الوجيز 474:4، روضة الطالبين 309:3.
3- العزيز شرح الوجيز 475:4، روضة الطالبين 309:3.
4- العزيز شرح الوجيز 475:4، روضة الطالبين 309:3.
5- العزيز شرح الوجيز 475:4، روضة الطالبين 310309:3.
6- العزيز شرح الوجيز 475:4، روضة الطالبين 310309:3.

أو المستام أو المبيع فاسداً، صحّ الرهن إجماعاً.

و هل يزول الضمان بالرهن ؟ قال الشيخ(1): لا يزول، و يثبت فيه حكم الرهن، و الحكم الذي كان ثابتاً فيه يبقى(2) بحاله و به قال الشافعي و مالك و أبو ثور(3) لقوله (عليه السّلام): «على اليد ما أخذت حتى تؤدّي»(4).

و لأنّ الدوام أقوى من الابتداء، و دوام الرهن لا يمنع ابتداء الضمان، فإنّ المرتهن إذا تعدّى في المرهون، يصير ضامناً، و يبقى الرهن بحاله، فلأن لا يرفع ابتداء الرهن دوام الضمان كان أولى. و لأنّه لا تنافي بين الرهن و ثبوت الضمان، كما لو تعدّى في الرهن، فإنّه يصير مضموناً ضمانَ الغصب، و هو رهن كما كان، فكذلك ابتداؤه؛ لأنّه أحد حالتي الرهن.

و قال أبو حنيفة و أحمد: يزول الضمان و هو منقول عن مالك أيضاً لأنّه مأذون له في إمساكه رهناً(5) ، لم يتجدّد منه فيه عدوان، فلم يضمنه، كما لو قبضه منه ثمّ أقبضه إيّاه أو أبرأه من ضمانه(6).

و منعوا عدم التنافي؛ فإنّ يد الغاصب عادية يجب عليه إزالتها، و يد8.

ص: 193


1- الخلاف 228:3، المسألة 17.
2- في «ج» و الطبعة الحجريّة: «فيبقى». و الصحيح ما أثبتناه.
3- الحاوي الكبير 39:6، التهذيب للبغوي 20:4، الوسيط 488:3، الوجيز 163:1، العزيز شرح الوجيز 475:4، روضة الطالبين 310309:3، بداية المجتهد 273:2، الذخيرة 114:8، المغني 405:4، الشرح الكبير 427:4، و حكاه عنهم أيضاً الشيخ الطوسي في الخلاف 228:3، المسألة 17.
4- سنن أبي داوُد 3561/296:3، سنن الترمذي 1266/566:3، مسند أحمد 19620/638:5.
5- في «ج» و الطبعة الحجريّة: «و هنا» بدل «رهناً». و الصحيح ما أثبتناه.
6- المغني 405:4، الشرح الكبير 428427:5، الحاوي الكبير 40:6، التهذيب للبغوي 20:4، الوسيط 488:3، العزيز شرح الوجيز 475:4، الذخيرة 114:8.

المرتهن محقّة جَعَلها الشرع له، و يد المرتهن أمانة، و يدلُّ الغاصب و المستام(1) و نحوهما(2) يد ضامنة، و هُما متنافيان.

و لأنّ السبب المقتضى للضمان زال، فزال الضمان لزواله، كما لو ردّه إلى مالكه، و ذلك لأنّ سببَ الضمان الغصبُ أو العاريةُ و نحوهما، و هذا لم يبق غاصباً و لا مستاماً(3) ، و لا يبقى الحكم مع زوال سببه و حدوث سبب يخالفه حكمه، و أمّا إذا تعدّى في الرهن، فإنّه يضمن؛ لعدوانه، لا لكونه غاصباً و لا مستاماً(4) ، و هنا قد زال سبب الضمان و لم يحدث ما يوجبه، فلم يثبت(5).

و يُمنع استلزام إذن الإمساك رهناً لعدم الضمان، فإنّ المرتهن إذا تعدّى و المودع و غيرهما من الأُمناء مأذون لهم في الإمساك مع ثبوت الضمان.

و الفرق بين إقباضه بعد استعارته و استمرار القبض ظاهر؛ فإنّ اليد في الأوّل قد زالت حقيقةً، فلا موجب للضمان، و غاية ثبوت الضمان الدفع إلى المالك و قد حصل، فلا يثبت الضمان بعد الغاية له، و الإبراء بمنزلته؛ لأنّه إسقاط، فلا ثبوت للساقط بعده؛ لانتفاء سببٍ جديد.

سلّمنا أنّ الغصب قد زال لكن نمنع زوال الضمان، و لا نسلّم زوال المقتضى للضمان؛ فإنّ اليد باقية، و الاستصحاب يقتضي استمرار الضمان.

إذا عرفت هذا، فلو أراد المرتهن البراءة عن الضمان، فليردّه إلى4.

ص: 194


1- في المصدر: «و المستعير» بدل «و المستام».
2- في «ج» و الطبعة الحجريّة: «و نحوها». و الصحيح ما أثبتناه كما في المصدر.
3- في المصدر: «مستعيراً» بدل «مستاماً».
4- في المصدر: «مستعيراً» بدل «مستاماً».
5- المغني 405:4، الشرح الكبير 428:4.

الراهن ثمّ له الاسترداد بحكم الرهن.

و لو امتنع الراهن من قبضه و من الإبراء من ضمانه، قال بعض الشافعيّة: له أن يجبره عليه(1).

و ليس بجيّد؛ إذ لا يجب على صاحب الحقّ ترك حقّه، و قد ثبت للراهن ضمانٌ على المرتهن، فكيف يجب عليه إسقاطه عنه!؟.

و لو أودع الغاصبَ المالَ المغصوب، فالأقوى هنا سقوط الضمان و هو أصحّ وجهي الشافعيّة(2) لأنّ مقصودَ الإيداع الاستئمانُ، و الضمان و الأمانة لا يجتمعان، و لهذا لو تعدّى المودع في الوديعة، ارتفعت الوديعة، بخلاف الرهن؛ لأنّ الغرض منه التوثيق، إلّا أنّ الأمانة من مقتضاه، و هو مع الضمان قد يجتمعان.

و الثاني: أنّه لا يبرأ، كما في الرهن(3).

و لو آجر العينَ المغصوبة، فالأولى أنّ الإجارة لا تفيد البراءة؛ لأنّه ليس الغرض منها الائتمان، بخلاف الوديعة.

و للشافعيّة وجهان(4).

و لو وكّله في بيع العبد المغصوب أو إعتاقه، فالأقرب: بقاء الضمان؛ لأنّه أولى من الإجارة به، لأنّ في الإجارة تسليطاً على القبض و الإمساك، بخلاف التوكيل.3.

ص: 195


1- العزيز شرح الوجيز 476:4، روضة الطالبين 310:3.
2- الحاوي الكبير 41:6، العزيز شرح الوجيز 476:4، روضة الطالبين 310:3.
3- الحاوي الكبير 41:6، العزيز شرح الوجيز 476:4، روضة الطالبين 310:3.
4- الحاوي الكبير 42:6، الوسيط 489:3، العزيز شرح الوجيز 476:4، روضة الطالبين 310:3.

و للشافعيّة وجهان(1).

و في معنى الإجارة و التوكيل ما إذا قارضه على المال المغصوب، أو كانت جارية فتزوّجها منه.

و لو صرّح المالك بإبراء الغاصب عن ضمان الغصب و المال باقٍ في يده، احتُمل عدم البراءة؛ لأنّ الغصب سبب وجود القيمة عند التلف، و الإبراء لم يصادف حقّا ثابتاً و إن صادف سببه، و هذا يؤكّد ما تقدّم من انتفاء البراءة مع عقود الأمانات؛ لأنّها أدون من التصريح بالإبراء، فإذا لم تحصل البراءة به، فتلك العقود أولى.

و يُحتمل قويّاً فيما عدا الغصب من المستام و المبيع فاسداً أو العارية المضمونة عدم الضمان؛ لأنّها أخفّ من ضمان الغصب، لاستناد اليد فيها إلى رضا المالك.

مسألة 144: استدامة القبض ليست شرطاً في لزوم الرهن و صحّته،

عند علمائنا أجمع.

أمّا على قول مَنْ لا يشترط القبض في الابتداء: فظاهر؛ لأنّه إذا لم يكن شرطاً في الابتداء فأولى أن لا يكون في الاستدامة، لأنّ كلّ شرطٍ يُعتبر في الاستدامة يُعتبر في الابتداء، و قد يُعتبر في الابتداء ما لا يُعتبر في الاستدامة.

و أمّا على قول مَنْ جعل القبض شرطاً في الابتداء: فإنّه لا يجعله شرطاً في الاستدامة.

أمّا العامّة فالقائل منهم بعدم اشتراط القبض فظاهر عندهم أيضاً.

ص: 196


1- الوسيط 489:3، العزيز شرح الوجيز 476:4، روضة الطالبين 310:3.

و أمّا مَنْ قال: إنّه شرط، فقد اختلفوا.

فقال الشافعي: إنّه ليس شرطاً؛ لأنّه عقد يُعتبر القبض في ابتدائه، فلا تُشترط استدامته، كالهبة(1).

و قال أبو حنيفة و مالك و أحمد: استدامة القبض شرط؛ لقوله تعالى فَرِهانٌ مَقْبُوضَةٌ (2).

و لأنّها إحدى حالتي الرهن، فكان القبض فيها شرطاً، كالابتداء(3).

و لا دليل في الآية على ما تقدّم. و الأصل ممنوع، مع أنّ النصّ على خلافه، قال (عليه السّلام): «الرهن محلوب و مركوب»(4) و ليس ذلك للمرتهن إجماعاً، فبقي أن يكون للراهن، و هو يدلّ على عدم اشتراط استدامة القبض.

مسألة 145: لو تصرّف الراهن في الرهن قبل الإقباض بهبة أو بيع أو عتق أو جعله صداقاً أو رهنة ثانياً أو جعله مالَ إجارة،

فعلى ما قلناه من لزوم الرهن بمجرّد العقد تكون التصرّفات موقوفةً على إجارة المرتهن، فإن أجازها، صحّت، و بطلت وثيقته إلّا في الرهن على إشكال سبق. و إن فسخها المرتهن، بطلت.

و على القول بالاشتراط يكون ذلك رجوعاً عن الرهن، فبطل الرهن؛ لأنّه أخرجه عن إمكان استيفاء الدَّيْن عن ثمنه أو فعل ما يدلّ على قصد

ص: 197


1- حلية العلماء 422:4، المغني 402:4، الشرح الكبير 421:4، بداية المجتهد 274:2.
2- البقرة: 283.
3- المغني 402:4، الشرح الكبير 421420:4، حلية العلماء 422:4، بداية المجتهد 274:2.
4- المستدرك للحاكم 2 ك 58، سنن البيهقي 38:6.

ذلك، و سواء أقبض البيع و الهبة و الرهن الثاني، أو لم يقبضه.

و كتابه العبد و وطؤ الجارية مع الإحبال كالبيع.

أمّا الوطؤ من غير إحبال أو التزويج فليس رجوعاً؛ إذ لا تعلّق له بمورد الرهن، فإنّ رهن المزوّجة ابتداءً جائز، و به قال الشافعي(1).

و أمّا الإجازة فإن قلنا: إنّ رهن المكري و بيعه جائز، فهي كالتزويج، و إلّا فهي رجوع.

و قال بعضهم: إنّها ليست برجوع بحال(2).

و أمّا لو دبّر العبد المرهون، فيحتمل أن يقال: إنّه رجوع؛ للتنافي بين مقصود التدبير و مقصود الرهن، و إشعاره بالرجوع.

مسألة 146: لو مات المرتهن قبل القبض، لم يبطل الرهن، و هو ظاهر عند مَنْ لم يعتبر القبض.

و أمّا من اعتبره فقد اختلفوا.

فقال بعضهم ببطلانه؛ لأنّه عقد جائز، و العقود الجائزة ترتفع بموت المتعاقدين، كالوكالة، و هو أحد قولي(3) الشافعي.

و في الآخَر: لا يبطل الرهن، و يقوم وارثه مقامه في القبض و هو أصحّ قولَي(4) الشافعي لأنّ مصيره إلى اللزوم، فلا يتأثّر بموته، كالبيع في زمن الخيار، و الدَّيْن باقٍ كما كان، و إنّما انتقل الاستحقاق فيه إلى الورثة، و هُمْ محتاجون إلى الوثيقة حاجة مورّثهم، و به قال أحمد؛ و لأنّ المرتهن لو مات كان الدَّيْن باقياً على تأجيله، فكان الرهن بحاله(5).

ص: 198


1- العزيز شرح الوجيز 477:4، روضة الطالبين 311:3.
2- العزيز شرح الوجيز 477:4، روضة الطالبين 311:3.
3- في الطبعة الحجريّة: «أقوال» بدل «قولي».
4- في الطبعة الحجريّة: «أقوال» بدل «قولي».
5- العزيز شرح الوجيز 478:4، روضة الطالبين 311:3، حلية العلماء 415:4، المغني 400:4، الشرح الكبير 419:4.

و لو مات الراهن قبل الإقباض، لم يبطل الرهن عند مَنْ لم يشترط القبض.

و أمّا من اشترطه فقد اختلفوا، فللشافعي قولان:

أحدهما(1): أنّه يبطل؛ لأنّه من العقود الجائزة، كما تقدّم(2).

و الثاني: أنّه لا يبطل بموت المرتهن، و يبطل بموت الراهن. و لأصحابه طُرق:

أحدها: أنّ في موتهما قولين نقلاً و تخريجاً:

أحدهما: أنّه يبطل بموت كلّ واحد منهما؛ لأنّه عقد جائز، و العقود الجائزة ترتفع بموت المتعاقدين.

و ثانيهما: لا يبطل؛ لأنّ مصيره إلى اللزوم.

و الثاني تقرير القولين، و فرّقوا بأنّ المرهون بعد موت الراهن ملك الورثة و متعلّق حقّ الغرماء إن كان له غريمٌ آخَر، و في استيفاء الرهن(3) إضرار بهم، و في صورة موت المرتهن يبقى الدَّيْن كما كان، و إنّما ينقل الاستحقاق فيه إلى الورثة، و هُم يحتاجون إلى الوثيقة مورّثهم.

و الثالث: القطع بعدم البطلان، سواي مات الراهن أو المرتهن.

و إذا أثبتنا الرهن، قام ورثة الراهن مقامه في الإقباض، و ورثة المرتهن مقامه في القبض(4).3.

ص: 199


1- في «ج» و الطبعة الحجريّة: «فللشافعي أقوال أحدها». و ما أثبتناه يقتضيه السياق.
2- آنفاً.
3- في «ج» و الطبعة الحجريّة: «الراهن» بدل «الرهن». و الصحيح ما أثبتناه كما في «العزيز شرح الوجيز».
4- المهذّب للشيرازي 314:1، حلية العلماء 415:4، العزيز شرح الوجيز 478:4، روضة الطالبين 311:3.

ثمّ اختلف أصحابه في موضع القولين.

فقال بعضهم: موضعهما رهن التبرّع، فأمّا الرهن المشروط في البيع فإنّه لا يبطل بالموت قطعاً؛ لتأكّده بالشرط، و اقترانه بالبيع اللازم، فلا يبعد أن يكتسب منه صفة اللزوم.

و قال بعضهم: بل القولان جاريان في النوعين(1).

مسألة 147: لو جُنّ أحد المتعاقدين أو أُغمي عليه قبل القبض،

فإن لم نجعل القبض شرطاً، فالرهن لازم بمجرّد العقد. و إن جعلناه شرطاً، لم يبطل الرهن؛ لأنّه عقد يؤول إلى اللزوم، فلم يبطل بجنون أحد المتعاقدين، كالبيع الذي فيه الخيار، و يقوم وليّ المجنون مقامه.

فإن كان المجنون الراهنَ و كان الحظّ في التقبيض بأن يكون شرطاً في بيع يتضرّر بفسخه أو غير ذلك من المصالح، أقبضه. و إن كان الحظّ في تركه، لم يجز له تقبيضه.

و إن كان المجنون المرتهنَ، قال بعض العامّة: قبضه وليّه(2) إن اختار الراهن، و إن امتنع، لم يُجبر، فإذا مات، قام وارثه مقامه في القبض(3).

و قالت الشافعيّة: إنّه مرتَّب على الموت، فإن قلنا: لا يؤثّر الموت، فالجنون أولى. و إن قلنا: يؤثّر(4) ، ففي الجنون وجهان(5).

فإن قلنا: لا يبطل الرهن، فإن جُنّ المرتهن، قبض الرهن مَنْ نصبه

ص: 200


1- العزيز شرح الوجيز 478:4، روضة الطالبين 311:3.
2- في الطبعة الحجريّة و «ج»: «إليه» بدل «وليّه». و ذلك خطأ، و الصحيح ما أثبتناه كما في المصدر.
3- المغني 400:4، الشرح الكبير 418:4.
4- في الطبعة الحجريّة و «ج»: «مؤثّر». و الأنسب ما أثبتناه.
5- العزيز شرح الوجيز 479:4، روضة الطالبين 312:3.

الحاكم قيّماً في ماله، فإن لم يقبض الراهن و كان الرهن مشروطاً في بيع، فعل ما فيه الحظّ من الفسخ و الإجازة.

و إن جُنّ الراهن فإن كان الرهن مشروطاً في بيع و خاف القيّم فسخ البيع لو لم يسلّمه و الحظّ في الإمضاء، سلّمه. و إن لم يخف أو كان الحظّ في الفسخ، لم يسلّمه.

و كذا لو كان الرهن رهن تبرّع.

و ينبغي أن يُحمل على ما إذا لم تكن ضرورة و لا غبطة؛ لأنّه يجوز أن يرهن مال المجنون ابتداءً فالاستدامة أولى.

و لو حُجر على الراهن بفلسٍ قبل التسليم، لم يكن له تسليمه؛ لما فيه من تخصيص المرتهن بثمنه، و ليس له تخصيص بعض غرمائه.

و إن حُجر عليه لسفهٍ، فحكمه حكم ما لو زال عقله بجنون.

و إن أُغمي عليه، لم يكن للمرتهن قبض الرهن، و ليس لأحدٍ تقبيضه؛ لأنّ المغمى عليه لا ولاية لأحد عليه.

فإن أُغمي على المرتهن، لم يكن لأحدٍ أن يقوم مقامه في قبض الرهن أيضاً.

و إن خرس و كانت له كتابة مفهومة أو إشارة مفهومة، فكالصحيح إن أذن في القبض، جاز، و إلّا فلا. و إن لم تكن له إشارة مفهومة و لا كتابة، لم يجز القبض.

و إن كان أحد هؤلاء قد أذن في القبض أوّلاً، لم يعتدّ به؛ لأنّ إذنهم يبطل بما عرض لهم.

مسألة 148: ليس للمرتهن قبض الرهن إلّا بإذن الراهن؛ لأنّه لا يلزمه تقبيضه،

فاعتُبر إذنه في قبضه، كالواهب.

ص: 201

أمّا في الرهن المتبرّع به: فظاهر.

و أمّا فيما وقع شرطاً في عقدٍ لازم كالبيع و شبهه: فكذلك لا يجب عليه الإقباض، سواء شرط الإقباض في العقد أو لم يشرط، بل يتخيّر المرتهن في إجازة العقد المشروط به، و فسخه، و ليس له إلزام الراهن بالإقباض، فإن تعدّى المرتهن فقبضه بغير إذنٍ، لم يثبت حكمه، و كان بمنزلة مَنْ لم يقبض.

و لو صدر من الراهن ما يدلّ على الإذن في القبض، كان بمنزلة الإذن، و قام مقامه، مثل أن يرسل العبد إلى مرتهنه، و ردّ ما أخذه من المرتهن إلى يده، و نحو ذلك؛ لأنّه دليل على الإذن، فاكتفي به، كما لو دعا غيره إلى طعام و قدّمه بين يديه، فإنّ ذلك يجري مجرى الإذن في تناوله، كذا هنا.

مسألة 149: لو رهن عصيراً و أقبضه فانقلب في يد المرتهن خمراً،

لم نقل: إنّها مرهونة.

و اختلفت عبارة الشافعيّة.

فقال بعضهم: يُتوقّف إن عاد خَلّاً، بانَ أنّ الرهن لم يبطل، و إلّا ظهر بطلانه(1).

و قال أكثرهم: يبطل الرهن؛ لخروج الرهن عن كونه مالاً، و لا خيار للمرتهن إن كان الرهن مشروطاً في بيعٍ؛ لحدوثه في يده(2).

ثمّ إن عاد خَلّاً، يعود الرهن، كما يعود الملك و هو أحد قولي الشافعي(3) لأنّه لا يراد ببطلان الرهن اضمحلال أثره بالكلّيّة، بل ارتفاع

ص: 202


1- 3) العزيز شرح الوجيز 479:4، روضة الطالبين 312:3.
2- العزيز شرح الوجيز 479:4، روضة الطالبين 312:3.
3- العزيز شرح الوجيز 479:4، روضة الطالبين 312:3.

حكمه ما دامت الخمريّة.

و الثاني: أنّه لا يعود الرهن إلّا بعقدٍ جديد، و به قال أبو حنيفة(1).

و الوجه: الأوّل؛ لأنّ الرهن تابع للملك، و الملك قد عاد إلى الراهن.

و لو رهن شاة فماتت في يد المرتهن فدبغ جلدها، لم يطهر، و لم يدخل في ملك الراهن و لا المرتهن عندنا.

و للشافعي وجهان:

أحدهما: عون الرهن، كانقلاب الخمر خَلّاً.

و أظهرهما عندهم: عدم العود؛ لأنّ ماليّته مستندة إلى الصنعة و المعالجة، و ليس العائد ذلك الملك(2).

و لو انقلب العصير المرهون خمراً قبل القبض، ففي بطلان الرهن البطلان الكلّي للشافعي وجهان:

أحدهما: نعم؛ لاختلال المحلّ في حال ضعف الرهن و جوازه.

و الثاني: لا، كما لو تخمّر بعد القبض.

و على الوجهين لو كان الرهن شرطاً في بيعٍ، ثبت للمرتهن الخيار؛ لأنّ الخَلّ أنقص من العصير، و لا يصحّ الإقباض في حال الشدّة.

فإن فَعَل و عاد(3) خَلّاً، فعلى الوجه الثاني لا بدّ من استئناف قبضٍ، و على الأوّل لا بدّ من استئناف عقدٍ(4).

و لو انقلب المبيع خمراً قبل القبض، فالكلام في انقطاع البيع و عوده3.

ص: 203


1- الحاوي الكبير 110:6، العزيز شرح الوجيز 480:4.
2- الحاوي الكبير 111:6، التهذيب للبغوي 44:4، حلية العلماء 456:4، العزيز شرح الوجيز 480:4، روضة الطالبين 312:3.
3- في الطبعة الحجريّة: «فعاد» بدل «و عاد».
4- العزيز شرح الوجيز 480:4، روضة الطالبين 313312:3.

إذا عاد خَلّاً كما تقدّم في انقلاب العصير المرهون خمراً بعد القبض.

مسألة 150: لو جنى العبد المرهون قبل القبض و تعلّق الأرش برقبته و قلنا: رهن الجاني ابتداءً فاسد،

ففي بطلان الرهن للشافعيّة وجهان، إلحاقاً للجناية يتخمّر(1) العصير بجامع عروض الحالة المانعة من ابتداء الرهن قبل استحكام العقد. و هذه الصورة أولى بأن لا يبطل الرهن فيها؛ لدوام الملك في الجاني، بخلاف الخمر(2).

و لو أبق العبد المرهون قبل القبض، فللشافعيّة وجهان؛ لانتهاء المرهون إلى حالة تمنع ابتداءً الرهن فيها(3).

مسألة 151: الخمر قسمان:
خمر محترمة،

و هي التي اتّخذ عصيرها ليصير خَلّاً، و إنّما هي محترمة؛ لأنّ اتّخاذ الخَلّ جائز إجماعاً، و لا ينقلب العصير إلى الحموضة إلّا بتوسّط الشدّة، فلو لم تُحترم و أُريقت في تلك الحالة لتعذّر اتّخاذ الخَلّ.

و الثاني: خمر غير محترمة،

و هي التي اتّخذ عصيرها لغرض الخمريّة.

إذا عرفت هذا، فإنّ تخليل الخمر بالأجسام الطاهرة جائز، كطرح العصير أو الخَلّ أو الخبز أو غيرها و به قال أبو حنيفة(4) لأنّ المقتضي للتخليل و هو زوال الخمريّة موجود، و المانع هو طرح شيء فيها -

ص: 204


1- في «ج» و «العزيز شرح الوجيز»: «بتخمير».
2- العزيز شرح الوجيز 481:4، روضة الطالبين 313:3.
3- العزيز شرح الوجيز 481:4، روضة الطالبين 313:3.
4- المبسوط للسرخسي 22:24، تحفة الفقهاء 329:3، بدائع الصنائع 114113:5، الهداية للمرغيناني 113:4، الاختيار لتعليل المختار 159:4، الحاوي الكبير 112:6، المغني 338:10، الشرح الكبير 340:10، العزيز شرح الوجيز 481:4.

لا يصلح للمانعيّة، و إلّا لما طهرت البتّة؛ لأنّ الآنية تنجس بملاقاتها، فلو انفعلت الخمر بنجاستها(1) لم تطهر، و هو باطل بالإجماع.

و قال الشافعي: إنّ تخليل الخمر بطرح العصير أو الخَلّ أو الخبز الحارّ أو غيرها حرام، و الخَلّ الحاصل نجس و به قال أحمد، و عن مالك روايتان كالمذهبين لأنّ أنساً قال: سُئل رسول الله (صلّى اللّه عليه و آله) أ تتخذ الخمر خَلّاً؟ قال: «لا»(2)(3).

و هو بعد التسليم لا يدلّ على المطلوب؛ لإمكان إرادة الكراهة، أو أن يُستعمل الخمر عوض الخَلّ.

و جوّز بعضُ الشافعيّة تخليلَ المحترمة؛ لأنّها غير مستحقّة للإراقة(4).

ثمّ اختلفوا في الفرق بين الطرح بالقصد و بغير قصدٍ، كطرح الريح، بناءً على أنّ المعنى تحريم التخليل أو نجاسة المطروح فيه ؟(5).

و لو طرح في العصير بصلاً أو ملحاً و استعجل به الحموضة بعد الاشتداد، فلهُمْ وجهان:

أحدهما: إذا تخلّل، كان طاهراً؛ لأنّ الملاقي إنّما لاقاه قبل التخمير، فطهر بطهارته، كأجزاء الدِّنّ.

و الثاني: لا؛ لأنّ المطروح فيه ينجس عند التخمير و تستمرّ نجاسته،3.

ص: 205


1- في الطبعة الحجريّة: «بنجاسته». و في «ج»: «بنجاسة». و الظاهر ما أثبتناه.
2- صحيح مسلم 1983/1573:3، سنن الدارقطني 3/265:4.
3- العزيز شرح الوجيز 481:4، روضة الطالبين 314:3، المغني 338:10، الشرح الكبير 340:10، التفريع 411410:1، الكافي في فقه أهل المدينة: 190.
4- العزيز شرح الوجيز 481:4، روضة الطالبين 313:3.
5- العزيز شرح الوجيز 482:4، روضة الطالبين 314:3.

بخلاف أجزاء الدِّنّ، للضرورة(1) و لو طرح العصير على الخَلّ و كان العصير غالباً ينغمر الخمر فيه عند الاشتداد، فهل يطهر إذا انقلب خَلّاً؟ فيه هذا الوجهان(2).

و لو كان الغالب الخَلّ و كان يمنع العصير من الاشتداد، فلا بأس.

و أمّا [إمساك(3)] الخمر المحترمة إلى أن تصير خَلّاً جائز، و التي لا تُحترم تجب إراقتها، لكن لو لم يرقها حتى تخلّلت، فهي طاهرات(4) أيضاً؛ لأنّ النجاسة و التحريم إنّما ثبتا للشدّة و قد زالت.

و قال بعض الشافعيّة: لا يجوز إمساك الخمر المحترمة، بل يضرب عن العصير إلى أن يصير خَلّاً، فإن اتّفقت منّا اطّلاعة و هو خمر، أرقناه(5).

و قال بعضهم: لو أمسك التي لا تُحترم حتى تخلّلت، لم تحلّ و لم تطهر؛ لأنّ إمساكها حرام، فلا يستفاد به نعمة(6).

و متى عادت الطهارة بالتخليل، طهرت أجزاء الظرف.

و قال بعض الشافعيّة: إن كان الظرف لا يتشرّب شيئاً من الخمر كالقوارير، طهر، و إن كان ممّا يتشرّب، لم يطهر(7).

و يطهر أيضاً ما فوقه الذي أصابته الخمر في حالة الغليان.

و لو كان ينقلها من الظلّ إلى الشمس أو بفتح رأسها ليصيبها الهواء استعجالاً للحموضة، فوجهان:

أحدهما: لا تطهر، كما لو طرح فيها شيئاً.3.

ص: 206


1- العزيز شرح الوجيز 482:4، روضة الطالبين 314:3.
2- العزيز شرح الوجيز 482:4، روضة الطالبين 314:3.
3- ما بين المعقوفين يقتضيه السياق.
4- في «ج» و الطبعة الحجريّة: «طاهر». و الصحيح ما أثبتناه.
5- العزيز شرح الوجيز 482:4، روضة الطالبين 314:3.
6- العزيز شرح الوجيز 482:4، روضة الطالبين 314:3.
7- العزيز شرح الوجيز 482:4، روضة الطالبين 315:3.

و أصحّهما: الطهارة عندهم؛ لزوال الشدّة(1).

و تردّد بعضُ الشافعيّة في بيع الخمر المحترمة؛ بناءً على تردّدهم في طهارتها(2).3.

ص: 207


1- الحاوي الكبير 115:6، الوسيط 493:3، العزيز شرح الوجيز 483:4، روضة الطالبين 315:3.
2- العزيز شرح الوجيز 483:4، روضة الطالبين 315:3.

الفصل الثالث: في منع المتراهنين من التصرّفات

مسألة 152: الرهن وثيقة لدَيْن المرتهن إمّا في عينه أو بدله،

و لا تحصل الوثيقة إلّا بالحجر على الراهن و قطع سلطنةٍ كان له ليتحرّك إلى الأداء، و بتجديد سلطنةٍ للمرتهن لم تكن، ليتوصّل بها إلى الاستيفاء.

و هذه الوثيقة ليست دائمةً، بل لها غاية تنتهي عندها على ما يأتي.

إذا ثبت هذا، فالرهن يمنع الراهن لا المرتهن من التصرّفات على ما يأتي تفصيله في نظرين:

الأوّل: في منع الراهن
اشارة

و يُمنع الراهن من كلّ تصرّف يزيل الملك إلى الغير، كالبيع و الهبة و نحوهما، و إلّا فاتت الوثيقة.

و يُمنع أيضاً ممّا يزاحم المرتهن في مقصود الرهن، و هو الرهن من غيره، و من كلّ تصرّف ينقص المرهون و يقلّل الرغبة فيه، كالتزويج و به قال الشافعي و مالك(1) لأنّ الرغبة في الجارية الخليّة فوق الرغبة في المزوّجة، فالتزويج يوجب نقص ثمنها، و يشغل بعض منافعها، فإنّه يعطّل منافع بُضعها، و يمنع مشتريها من وطئها، و يُعرّضها بوطئها للحمل، و يُمكّن زوجها من الاستمتاع بها ليلاً، و يمنعها عن الخدمة بتربية ولدها،

ص: 208


1- حلية العلماء 440:4، الوجيز 164:1، العزيز شرح الوجيز 484:4، روضة الطالبين 316:3، المغني و الشرح الكبير 435:4.

فتقلّ الرغبة فيها.

و قال الشيخ (رحمه اللّه): إذا زوّج الراهن عبده المرهون أو جاريته المرهونة، كان تزويجه صحيحاً و به قال أبو حنيفة لعموم قوله تعالى وَ أَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ وَ الصّالِحِينَ مِنْ عِبادِكُمْ وَ إِمائِكُمْ (1)(2).

و لأنّ محلّ النكاح غير محلّ الرهن، و لهذا صحّ رهن الأمة المزوّجة(3).

و العامّ مخصوص بما دلّ [على(4)] منع الراهن و المرتهن من التصرّف في الرهن.

و يُمنع تغاير المحلّين؛ فإنّ البيع يتناول جملتها، و لهذا يستبيح المشتري نكاحها، و إنّما صحّ رهن المزوّجة؛ لبقاء معظم المنفعة فيها، و بقائها محلّاً للبيع، كما يصحّ رهن المستأجرة.

إذا عرفت هذا، فقال أبو حنيفة: يصحّ الرهن، و للمرتهن منع الزوج من وطئها، و مهرها رهنٌ معها(5).

و لا بأس بقوله في المنع من الوطي على تقدير صحّة العقد.

مسألة 153: قال الشيخ (رحمه اللّه): لا يجوز للراهن أن يكري داره المرهونة أو يُسكنها غيره،

إلّا بإذن المرتهن، فإن أكراها و حصلت أُجرتها، كان له.

و قال الشافعي: له أن يؤجرها و يُسكنها غيره.

ص: 209


1- النور: 32.
2- الخلاف 253:3، المسألة 60.
3- المبسوط للسرخسي 12:22، حلية العلماء 440:4، العزيز شرح الوجيز 484:4، المغني و الشرح الكبير 435:4.
4- ما بين المعقوفين يقتضيه السياق.
5- المبسوط للسرخسي 12:22، المغني و الشرح الكبير 435:4.

و هل له أن يسكنها بنفسه ؟ لهم فيه وجهان(1).

و فصَّل أصحابه، فقالوا: إن كان الدَّيْن حالّا أو كان مؤجَّلاً لكنّه يحلّ قبل انقضاء مدّة الإجارة، ففي روايةٍ بناء صحّة الإجارة على القولين في جواز بيع المستأجر، إن جوّزناه، صحّت الإجارة، و إلّا فلا، و المشهور: بطلانها قطعاً.

أمّا إذا لم نجوّز بيع المستأجر: فظاهر.

و أمّا إذا جوّزناه: فلأنّ الإجارة تبقى و إن صحّ البيع، و ذلك ممّا يقلّل الرغبة(2).

و قال بعضهم: يبطل قدر الأجل، و في الزائد عليه قولا تفريق الصفقة(3).

و إن كان الأجل يحلّ مع انقضاء مدّة الإجارة أو بعدها، صحّت الإجارة.

ثمّ لو اتّفق حلول الدَّيْن قبل انقضائها بموت الراهن، فوجهان:

أحدهما: أنّه تنفسخ الإجارة رعايةً لحقّ المرتهن، فإنّه أسبق، و يُضارب المستأجر بالأُجرة المدفوعة مع الغرماء.

و الثاني: أنّ المرتهن يصبر إلى انقضاء مدّة الإجارة، كما يصبر الغرماء إلى انقضاء العدّة لتستوفي المعتدّة حقّ السكنى؛ جمعاً بين الحقّين، و على هذا يُضارِب المرتهن بدَيْنه مع الغرماء في الحال.

و إذا انقضت المدّة و بِيع المرهون، قضي باقي دَيْنه، فإن فضل منه3.

ص: 210


1- الخلاف 252:3، المسألة 59، و انظر: حلية العلماء 439:4، و المغني 473472:4، و الشرح الكبير 431:4.
2- العزيز شرح الوجيز 484:4، روضة الطالبين 316:3.
3- العزيز شرح الوجيز 484:4، روضة الطالبين 316:3.

شيء، فهو للغرماء(1).

هذا كلّه فيما إذا آجر المرهون من غير المرتهن، أمّا إذا آجره منه، فيجوز(2) ، و لا يبطل الرهن؛ لأنّ الحقّ لا يعدوهما، و قد اتّفقا على ذلك، فجاز، كما اتّفقا على إيجاز الغير.

و كذا لو كان مستأجراً [من(3)] المرتهن ثمّ ارتهنه، و به قال الشافعي(4) ، و لا نعلم فيه خلافاً.

فلو كانت الإجارة قبل تسليم الرهن ثمّ سلّمه عنهما جميعاً، جاز. و لو سلّم عن الرهن، وقع عنهما جميعاً؛ لأنّ القبض في الإجارة مستحقّ. و لو سلّم عن الإجارة، لم يحصل قبض الرهن.

و قال أبو حنيفة: الرهن و الإجارة لا يجتمعان، و المتأخّر منهما يرفع المتقدّم و يُبطله(5).

و الشافعي جوّز ذلك؛ لأنّ الإعارة من المرتهن لا تُبطل الرهن، فكذا الإجارة(6).

و اعلم أنّ للشافعي قولين:

الجديد: أنّ السبيع من الراهن، و غيرَه من التصرّفات باطلة.3.

ص: 211


1- العزيز شرح الوجيز 485484:4، روضة الطالبين 316:3.
2- في «ج» و الطبعة الحجريّة: «يجوز». و الظاهر ما أثبتناه.
3- بدل ما بين المعقوفين في الطبعة الحجريّة: «مع». و في «ج»: «على». و الظاهر أنّ الصحيح ما أثبتناه.
4- العزيز شرح الوجيز 485:4، روضة الطالبين 316:3.
5- المبسوط للسرخسي 164:21، تحفة الفقهاء 42:3، بدائع الصنائع 146:6، التهذيب للبغوي 18:4، العزيز شرح الوجيز 485:4.
6- التهذيب للبغوي 18:4، العزيز شرح الوجيز 485:4، روضة الطالبين 316:3.

و القديم: يجوز وقف العقود بكون هذه التصرّفات موقوفةً على الانفكاك و عدمه(1).

مسألة 154: لا يصحّ من الراهن إعتاق العبد المرهون؛

لأنّه إتلاف للوثيقة، و إبطال لحقّ المرتهن منها.

و للشافعي في القديم -: الجزم بعدم النفوذ إن كان الراهن معسراً. و إن كان موسراً، فقولان. و في الجديد: الجزم بنفوذه إن كان موسراً. و إن كان معسراً، فقولان. فيحصل له أقوال ثلاثة.

أ: أنّه لا ينفذ بحال و هو الذي ذهبنا إليه لأنّ الرهن عقد لازم حجر به الراهن على نفسه، فلا يتمكّن من إبطاله مع بقاء الدَّيْن.

ب: أنّه ينفذ؛ لأنّه إعتاقٌ صادفَ الملك، فأشبه إعتاق المستأجر و الزوجة، و به قال أبو حنيفة و أحمد، إلّا أنّ أبا حنيفة يقول: يستسعى العبد في قيمته إن كان الراهن معسراً.

ج و هو الأصحّ عندهم، و به قال مالك -: أنّه إن كان موسراً، نفذ، و إلّا فلا، تشبيهاً لسريان العتق إلى حقّ المرتهن بسريانه من نصيب أحد الشريكين إلى الآخَر، و المعنى فيه أنّ [حقّ(2)] الوثيقة لا يتعطّل، و لا يتأخّر إذا كان موسراً(3).

فإن قلنا: إنّه لا ينفذ، فالرهن بحاله، فلو انفكّ بإبراءٍ أو بغيره، فللشافعي قولان

ص: 212


1- العزيز شرح الوجيز 485:4، روضة الطالبين 316:3.
2- أضفناه من المصادر عدا «روضة الطالبين» و «حلية العلماء».
3- حلية العلماء 443:4، العزيز شرح الوجيز 486485:4، روضة الطالبين 317:3، المغني 433432:4، الشرح الكبير 434433:4.

أظهرهما عندهم: أنّه لا يُحكم بنفوذه أيضاً؛ لأنّه لا يملك إعتاقه، فأشبه ما إذا أعتق المحجور عليه للسفه ثمّ زال الحجر.

و الثاني: يُحكم؛ لأنّ المانع من النفوذ في الحال حقّ المرتهن و قد زال.

و الخلاف فيه كالخلاف فيما إذا أعتق المحجور عليه بالفلس عبداً ثمّ انفكّ الحجر عنه و لم يتّفق بيع ذلك العبد، هل يُعتق ؟ و إن بِيع في الدَّيْن ثمّ ملكه و لو يوماً ما، لم يُحكم بالعتق.

و منهم مَنْ طرد الخلاف المذكور في الصورة الأُولى(1).

و عن مالك أنّه يُحكم بنفوذ العتق في الصورتين(2).

و إن قلنا: ينفذ العتق مطلقاً، فعلى الراهن قيمته باعتبار يوم الإعتاق.

ثمّ إن كان موسراً، أُخذت منه في الحال، و جُعلت رهناً مكانه. و إن كان معسراً، انظر إلى اليسار، فإذا أيسر، أُخذت منه، و جُعلت رهناً إن لم يحلّ الحقُّ بَعْدُ(3) ، و إن حلّ، طُولب به، و لا معنى للرهن(4).

و يحتمل أن يقال: كما أنّ ابتداء الرهن قد يكون بالحالّ و قد يكون بالمؤجَّل، فكذا قد تقتضي المصلحة أخذ القيمة رهناً و إن حلّ الحقّ إلى يتيسّر استيفاؤه.

و بتقدير صحّة التفصيل الذي ذكروه وجب أن يجري مثله في القيمة التي تؤخذ من الموسر.3.

ص: 213


1- العزيز شرح الوجيز 486:4، روضة الطالبين 317:3.
2- كما في العزيز شرح الوجيز 486:4.
3- في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «بعده». و الصحيح ما أثبتناه.
4- ورد التفصيل المذكور في العزيز شرح الوجيز 486:4، و روضة الطالبين 317:3.

و مهما بذله القيمة على قصد الغرم، صارت رهناً، و لا حاجة إلى عقدٍ مستأنف، و الاعتبار(1) بقصد المؤدّي.

و إذا كان المعتق موسراً، فعلى القول الثاني أو الثالث في وقت نفوذ العتق عندهم طريقان:

أحدهما: أنّه على الأقوال في وقت نفوذ العتق في نصيب الشريك إذا أعتق الشريك نصيبه، ففي قولٍ يتعجّل. و في قولٍ يتأخّر إلى أن يغرم القيمة.

و في قولٍ يتوقّف، فإذا غرم، تبيّنّا صحّة العتق.

و أظهرهما: القطع بنفوذه في الحال، و الفرق أنّ يسري إلى ملك الغير، و لا بدّ من تقدير انتقاله إلى المعتق، فجاز أن نقول: إنّما ينتقل إذا استقرّ ملك [الشريك(2)] و يده على العوض، و إعتاق الراهن يصادف ملكه(3).

أمّا لو علّق الراهن عتق المرهون، فعندنا: أنّه يبطل؛ لأنّه لا يصحّ تعليق العتق على شرط.

و أمّا مَنْ جوّزه كالشافعي فقال: يُنظر إن علّق عتق المرهون بفكاك الرهن نفذ عند الانفكاك؛ لأنّ مجرّد التعليق لا يضرّ المرتهن، و حين ينزل العتق لا يبقى له حقّ.

و إن علّق بصفة أُخرى، فإن وُجدت قبل فكاك الرهن، ففيه الأقوال3.

ص: 214


1- في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «و لا اعتبار» بدل «و الاعتبار». و الصحيح ما أثبتناه.
2- بدل ما بين المعقوفين في «ج» و الطبعة الحجريّة: «المشتري». و ما أثبتناه من «العزيز شرح الوجيز».
3- العزيز شرح الوجيز 487486:4، روضة الطالبين 318317:3.

المذكورة في التنجيز. و إن(1) وُجدت بعده، فوجهان:

أصحّهما عدهم: النفوذ؛ لأنّه لا يبطل حقّ المرتهن.

و الثاني: عدمه إبطالاً للتعليق مطلقاً، كالتنجيز في قولٍ(2).

و الخلاف هنا يُشبه خلافَهم فيما لو قال العبد لزوجته: إن فعلتِ كذا فأنتِ طالق ثلاثاً، ثمّ عُتق ثمّ فعلته، هل تقع الطلقة الثالثة ؟ لكنّ الخلاف جارٍ و إن علّق بالعتق، فقال: إن عُتقت فأنتِ طالق ثلاثاً. و لا خلاف في تعليق العتق بالفكاك أنّه ينفذ عند الفكاك(3).

فرّقوا بأنّ الطلقة الثالثة ليست مملوكةً للعبد، و محلّ العتق مملوك للراهن، و إنّما منع لحقّ المرتهن(4).

و فيه نظر؛ فإنّ العتق غير مملوك للراهن، كما أنّ الطلقة الثالثة غير مملوكة للعبد، و محلّ الطلاق مملوك للعبد كما أنّ محلّ العتق مملوك للراهن، فلا فرق.

و لو رهن نصف عبده ثمّ أعتق نصفه، فإن أضاف العتق إلى النصف المرهون، ففيه الخلاف. و إن أضافه إلى الطلق أو أطلق، عُتق الطلق.

و هل يسرى إلى المرهون ؟ إن جوّزنا عتق المرهون، فنعم، و إلّا فوجهان عند الشافعيّة(5).

و الذي يقتضيه مذهبنا أنّه يسري و هو أصحّ وجهي الشافعيّة - (6) لأنّ أقصى ما في الباب تنزيل المرهون منزلة ملك الغير، و هو يسري إليه،3.

ص: 215


1- في «ج» و الطبعة الحجريّة: «فإن». و الظاهر ما أثبتناه من المصدر.
2- العزيز شرح الوجيز 487:4، روضة الطالبين 318:3.
3- العزيز شرح الوجيز 487:4.
4- العزيز شرح الوجيز 487:4.
5- العزيز شرح الوجيز 487:4، روضة الطالبين 318:3.
6- العزيز شرح الوجيز 487:4، روضة الطالبين 318:3.

فحينئذٍ هل يفرّق بين الموسر و المعسر؟ قولان للشافعيّة، أحدهما: نعم. و الثاني: لا؛ لأنّه ملكه(1).

و لو وقف المرهون، لم يصح عندنا؛ لما فيه من إفساد حقّ الغير.

و للشافعيّة طريقان:

أحدهما: أنّه كالعتق؛ لما فيه من القربة و التعليق الذي لا يقبل النقض.

و أظهرهما عندهم: القطع بالمنع، بخلاف العتق، فإنّه أقوى بالسراية و غيرها(2).

و لهم طريقة ثالثة: إن قلنا: الوقف لا يحتاج إلى القبول، فهو كالعتق. و إن قلنا: يحتاج إليه، فيقطع بالمنع(3).

مسألة 155: ليس للراهن وطؤ أمته المرهونة إلّا بإذن المرتهن،

سواء كانت بكراً و ثيّباً، و سواء كانت من أهل الإحبال أو لا؛ لأنّ الوطء ربما أحبلها فتنقص قيمتها، و ربما ماتت في الولادة.

و قال الشافعي: إن كانت الجارية بكراً، لم يكن للراهن وطؤها بحال؛ لأنّ الافتضاض ينقض قيمتها.

و إن كانت ثيّباً، فكذلك [إن كانت(4)] في سنّ مَنْ تحبل؛ لأنّها ربما حبلت فتفوت الوثيقة أو تتعرّض للهلاك في الطلق و نقصان الولادة، و ليس له أن يقول: أطأُ فأعزل؛ لأنّ الماء قد يسبق.

و إن كانت في سنّ مَنْ لا تحبل لصغرٍ أو يأسٍ، فوجهان

ص: 216


1- العزيز شرح الوجيز 487:4، روضة الطالبين 318:3.
2- العزيز شرح الوجيز 488:4، روضة الطالبين 318:3.
3- العزيز شرح الوجيز 488:4، روضة الطالبين 318:3.
4- ما بين المعقوفين من «العزيز شرح الوجيز».

أحدهما: له أن يطأها، كسائر الانتفاعات التي لا تضرّ بالمرتهن.

و قال الأكثر: يُمنع من وطئها أيضاً احتياطاً لحسم الباب؛ إذ العلوق ليس له وقت معلوم، و هذا كما أنّ العدّة تجب على الصغيرة و الكبيرة و الآيسة و إن كان القصد الأصلي استبراء الرحم(1).

و يجري الوجهان فيما إذا كانت حاملاً من الزنا؛ لأنّه لا يخاف من وطئها الحبلُ.

نعم، غشيان مثل هذه المرأة مكروه على الإطلاق(2).

قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على أنّ للمرتهن منع الراهن من وطي أمته المرهونة، و لأنّ سائر مَنْ يحرم وطؤها لا فرق بين الآئسة و الصغيرة و نحوهما، كالمعتدّة و المستبرأة و الأجنبيّة(3).

مسألة 156: لو خالف الراهن ما قلناه و وطئ، لم يكن زانياً؛ لأنّه وطئ في ملك، فلا حدّ عليه؛

لأنّ التحريم عارض، كما عرض في المُحْرمة و الصائمة، و لا مهر عليه؛ لأنّ المرتهن لا حقّ له في منفعتها، و وطؤها لا ينقض قيمتها، فأشبه ما لو استخدمها، بخلاف ما لو وطئ المكاتبة حيث يغرم المهر؛ لأنّ المكاتبة قد استقلّت و اضطرب الملك فيها أو زال، و لهذا لو وطئها أجنبيّ، كان المهر لها، و لو وطئ المرهونة أجنبيّ، كان المهر للوليّ.

و لو تلف جزء منها أو بُضْعها مثل أن افتضّ البكر أو أفضاها، فعليه قيمة ما أتلف، فإن شاء جَعَله رهناً معها، و إن شاء جَعَله قضاءً من الحقّ إن

ص: 217


1- العزيز شرح الوجيز 488:4، روضة الطالبين 319318:3.
2- العزيز شرح الوجيز 488:4، روضة الطالبين 319:3.
3- المغني و الشرح الكبير 436:4.

لم يكن حلّ إذا رضي المرتهن، و إن كان حلّ، جَعَله قضاءً إن كان من جنس الحقّ لا غير، فإنّه لا فائدة في جَعْله رهناً. و لا فرق بين الكبيرة و الصغيرة فيما ذكرناه، و لا نعلم في هذا خلافاً.

فإن أولدها، فالولد حُرٌّ لاحِقٌ به، و لا قيمة عليه؛ لأنّ المرتهن لا حقّ له في ولد المرهونة بحال.

و هل تصير أُمّ ولد للراهن ؟ مذهبنا: أنّها تصير أُمَّ ولدٍ له، و لا يبطل الرهن. ثمّ إن كان الواطئ موسراً، لزمه قيمة الرهن من غيرها؛ لحرمة ولدها يكون رهناً مكانها، و إن كان معسراً، كان الدَّيْن باقياً، و جاز بيعها فيه.

و للشافعي أقوال ثلاثة:

أحدهما: أنّها تصير أُمّ ولد، و تعتق، سواء كان الراهن موسراً أو معسراً، و لكنّه يجب على الموسر قيمتها تكون رهناً مكانها؛ لأنّ الاستيلاد أولى بالنفوذ من الإعتاق؛ لأنّه فعل، و الأفعال أقوى و أشدّ نفوذاً، و لهذا ينفذ استيلاد المجنون و المحجور عليه، و لا ينفذ إعتاقهما، و ينفذ استيلاد المريض من رأس المال و إعتاقه من الثلث.

الثاني: القطع بعدم نفوذ الاستيلاد، و لا تخرج من الرهن، و تباع في دَيْن المرتهن، سواء كان موسراً أو معسراً.

و الثالث: الفرق بين الموسر و المعسر، فإن كان موسراً، صارت أُمَّ ولدٍ له، و إن أعتقها، عُتقت، و وجب عليه قيمتها تكون رهناً مكانها. و إن كان معسراً، لم تخرج من الرهن، و بِيعت في حقّ المرتهن.

فقد حصل ثلاثة طرق: أظهرها عندهم: طرد الخلاف في الاستيلاد،

ص: 218

كما في الإعتاق. و الثاني: القطع بنفوذ الاستيلاد. و الثالث: القطع بعدمه(1).

و قال أبو حنيفة: تصير أُمَّ ولدٍ، و تُعتق، سواء كان موسراً أو معسراً، فإن كان موسراً، لزمته قيمتها تكون رهناً مكانها. و إن كان معسراً، استسعت الجارية في قيمتها إن كانت دون الحقّ، و يرجع بها على الراهن(2).

و عندنا أنّ أُمّ الولد لا تخرج بالاستيلاد عن الرقّيّة، بل يجوز بيعها في مواضع تأتي.

نعم، إن كان موسراً، مُنع من بيعها لأجل ولدها ما دام حيّاً، فإن مات، جاز بيعها مطلقاً، و إن مات مولاها قبله، عُتقت من نصيب ولدها، و قضي الدَّيْن من التركة.

و إن كان معسراً و لا تركة، بِيعت في الرهن.

قالت الشافعيّة: إن قلنا: ينفذ الاستيلاد، فعليه القيمة، و الحكم كما مرّ في العتق. و إن قلنا: لا ينفذ، فالرهن بحاله. فلو حلّ الحقّ و هي حامل بَعْدُ، لم يجز بيعها؛ لأنّها حامل بحُرٍّ(3).

و فيه وجهٌ آخَر(4).

و إذا ولدت، فلا تُباع حتى تسقي ولدها اللِّبَأ، و إذا سقته و لم تجد مرضع، فلا تباع حتى توجد خوفاً من أن يسافر بها المشتري فيهلك الولد. و لو وجدت مرضع، بِيعت، و لا يبالي بالتفريق بين الاُمّ و ولدها؛ للضرورة، فإنّ الولد حُرٌّ، و بيعه ممتنع.3.

ص: 219


1- العزيز شرح الوجيز 489:4، روضة الطالبين 319:3.
2- المبسوط للسرخسي 21 137 138.
3- العزيز شرح الوجيز 489:4، روضة الطالبين 319:3.
4- العزيز شرح الوجيز 489:4، روضة الطالبين 319:3.

ثمّ إن كان الدَّيْن يستغرق قيمتها، بِيعت بأجمعها، و إلّا بِيع منها بقدر الدَّيْن و إن أفضى التشقيص إلى نقص رعاية لحقّ الاستيلاد، بخلاف ما لو كان قيمة العبد مائةً و هو مرهون بخمسين و كان لا يشترى نصفه إلّا بأربعين و يشترى الجميع بمائة، فإنّه يُباع الجميع دفعاً لتضرّر المالك. و إن لم يوجد مَنْ يشتري البعض، بِيع الكلّ للضرورة.

و إذا بِيع شيء منها بقدر الدَّيْن منها بقدر الدَّيْن، انفكّ الرهن عن الباقي، و استقرّ الاستيلاد، و تكون النفقة على المشتري و المستولد بقدر النصيبين، و الكسب بينهما كذلك.

و مهما عادت إلى ملكه بعد ما بِيعت في الدَّيْن، فهل يُحكم بنفوذ الاستيلاد؟ [فيه(1)] طريقان:

أظهرهما: أنّه على قولين، كما لو استولد جارية الغير بالشبهة ثمّ ملكها، قيل: لا يُحكم به. و قيل: يُحكم، و هو الأظهر عندهم و إن كان الأظهر في هذه الصورة في الإعتاق عدم نفوذ العتق.

و الفرق: أنّ الإعتاق قولٌ يقضي العتق في الحال، فإذا ردّ، لغا بالكلّيّة، و الاستيلاد فعلٌ لا يمكن ردّه، و إنّما منع حكمه في الحال لحقّ الغير، فإذا زال حقّ الغير، عُمل عليه.

و الطريق الثاني: القطع بنفوذ الاستيلاد؛ لوقوعه في الملك، بخلاف استيلاد جارية الغير بالشبهة(2).

و لو انفكّ الرهن عنها و لم تبع، لم يصح بيعها بعد الاستيلاد.

و منهم مَنْ خرّجه على الخلاف المذكور فيما إذا بِيعت و عادت؛ لأنّ4.

ص: 220


1- ما بين المعقوفين يقتضيه السياق.
2- العزيز شرح الوجيز 490489:4.

الملك هنا هو الملك الذي تصرّف فيه(1).

و ليس للراهن أن يهب هذه الجارية للمرتهن، و إنّما تباع في الحقّ للضرورة.

مسألة 157: لو ماتت الجارية التي أولدها الراهن بالولادة،

فإن كان الوطؤ بإذن المرتهن، فلا شيء، و إلّا وجب عليه القيمة تكون رهناً.

أمّا عند الشافعي فإذا لم يأذن المرتهن و قلنا: الاستيلاد غير نافذ كما اختاره الشافعي في بعض أقواله فعليه قيمتها تكون رهناً مكانها؛ لأنّه سبّب إلى إتلافها بالإحبال، و الضمان كما يجب بالمباشرة يجب بالتسبيب، كحفر البئر و نحوه(2).

و قال بعض الشافعيّة: لا تجب عليه القيمة؛ لأنّ إضافة الهلاك إلى الوطي بعيدة، و إحالته على علل و عوارض تقتضي شدّة الطلق أقرب(3).

و لو أولد أمة بالشبهة و ماتت بالولادة، وجب عليه الضمان عندنا.

و أمّا عند الشافعية ففي وجوب القيمة هنا الخلاف(4).

و لو كانت حُرّةً، ففي وجوب الدية وجهان:

أقيسها عندهم: الوجوب؛ لأنّ طريق وجوب الضمان لا يختلف بالرقّ و الحُرّيّة.

و أشهرهما: المنع؛ لأنّ الوطء سبب ضعيف(5).

و إنّما أوجبنا الضمان في الأمة؛ لأنّ الوطء استيلاء عليها، و العلوق من آثاره، فأدمنا به اليد و الاستيلاء، كما لو نفّر المُحْرم صيداً فبقي نفاره إلى

ص: 221


1- العزيز شرح الوجيز 490:4.
2- العزيز شرح الوجيز 490:4.
3- العزيز شرح الوجيز 490:4.
4- العزيز شرح الوجيز 490:4، روضة الطالبين 320:3.
5- العزيز شرح الوجيز 491:4، روضة الطالبين 320:3.

التغيّر و التلف، الحُرّة لا تدخل تحت اليد بالاستيلاء.

لو أولد امرأة بالزنا و هي مكرَهة و ماتت بالولادة، فإنّه يجب عليه الضمان، سواء كانت حُرّةً أو أمةً، و هو أحد قولي الشافعي.

و أصحّهما عندهم: المنع؛ لأنّ الولادة في الزنا لا تضاف إلى وطئه، لأنّ الشرع قطع نسب الولد عنه(1).

و ليس بجيّد؛ لأنّ التكوّن من نطفته، و السبب في التلف صادر عنه، و هو أمر حقيقيّ لا يتغيّر بتغيّر الشرائع.

و لا خلاف في عدم وجوب الضمان عند موت الزوجة من الولادة؛ لأنّ الهلاك مستند إلى سبب مستحقّ شرعاً.

و كلّ موضع أوجبنا الضمان في الحُرّة فهي(2) الدية المضروبة على العاقلة.

و كلّ موضع وجبت فيه القيمة فالاعتبار بأيّة قيمة ؟ فيه ثلاثة أوجه للشافعيّة:

أحدها: بأقصى القِيَم من يوم الإحبال إلى الموت تنزيلاً له منزلة الاستيلاد و الغصب.

و ثانيها: بقيمة يوم الموت؛ لأنّ التلف حينئذٍ متحقّق.

و أصحّها عندهم: بقيمة يوم الإحبال؛ لأنّه سبب التلف، فصار كما لو جرح عبداً قيمته مائة و بقي [مثخناً(3)] حتى مات و قيمته عشرة، فإنّ».

ص: 222


1- العزيز شرح الوجيز 491:4، روضة الطالبين 320:3.
2- في «ج»: «فهو».
3- بدل ما بين المعقوفين في «ج» و الطبعة الحجريّة: «ضمنا» و ذلك تصحيف. و ما أثبتناه كما في العزيز شرح الوجيز».

الواجب مائة(1).

و لو لم تمت الجارية و نقصت قيمتها بالولادة، فعليه الأرش ليكون رهناً معها، و له أن يصرف القيمة أو الأرش إلى قضاء الحقّ، و لا يرهن.

مسألة 158: كلّ تصرّف لا يضرّ بالمرتهن يجوز للراهن فعله،

عند الشافعي و مالك في روايةٍ عنه(2) ، لأبي حنيفة(3) و للشيخ رحمه اللّه.

قال الشيخ: و أمّا استخدام العبد المرهون ركوب الدابّة المرهونة و زراعة الأرض المرهونة و سكنى الدار المرهونة، فإنّ ذلك كلّه غير جائز عندنا، و يجوز عند المخالفين(4).

و عن أحمد روايتان(5).

و يمكن الاحتجاج للأوّل بقوله عليه السلام: «الظهر يُركب إذا كان مرهوناً، و على الذي يركب نفقته»(6).

و يُروى أنّه قال: «الرهن محلوب و مركوب»(7).

ص: 223


1- العزيز شرح الوجيز 491:4، روضة الطالبين 320:3.
2- مختصر المزني: 98، الحاوي الكبير 206:6، المهذّب للشيرازي 318:1، حلية العلماء 438:4، الوسيط 500499:3، العزيز شرح الوجيز 491:4، روضة الطالبين 320:3، المغني 473472:4، الشرح الكبير 431:4.
3- تحفة الفقهاء 42:3، بدائع الصنائع 146:6، الحاوي الكبير 207:6، حلية العلماء 438:4، العزيز شرح الوجيز 491:4، المغني 472:4، الشرح الكبير 431:4.
4- المبسوط للطوسي 206:2.
5- المغني 472:4، الشرح الكبير 431:4، حلية العلماء 438:4، العزيز شرح الوجيز 491:4.
6- سنن ابن ماجه 2440/816:2، سنن الترمذي 1254/555:3.
7- سنن البيهقي 38:6، المستدرك للحاكم 38:2، الكامل لابن عدي 2504:7.

و من طريق الخاصّة: رواية السكوني عن الصادق عن أبيه الباقر عن آبائه عن عليّ عليهم السلام، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: الظهر يُركب إذا كان مرهوناً، و على الذي يركبه نفقته، و الدرّ يشرب إذا كان مرهوناً، و على الذي يشرب نفقته»(1).

و لأنّ في التعطيل ضرراً منفيّاً بالأصل، و بقوله عليه السلام: «لا ضرر و لا ضرار»(2).

فعلى هذا القول يجوز سكنى الدار و ركوب الدابّة و استكساب العبد و لُبس الثوب إذا لم ينتقص باللُّبْس.

و يجوز إنزاء الفحل على الإناث، إلّا أن يؤثّر نقصاً.

و الأُنثى يجوز الإنزاء عليها إن كان محلّ الدَّيْن قبل ظهور الحمل أو تلد قبل حلول الدَّيْن.

و إن كان يحلّ بعد ظهور الحمل و قبل الولادة، فإن قلنا: الحمل لا يُعرف، جاز أيضاً؛ لأنّها تُباع مع الحمل. و إن قلنا: يُعرف و هو الصحيح عندهم(3) لم يجز؛ لأنّه لا يمكن بيعها دون الحمل، و الحمل غير مرهون.

مسألة 159: لا يجوز للراهن أن يبني في الأرض المرهونة

و لا أن يغرس و به قال الشافعي و أبو حنيفة(4) لأنّه تنقص قيمة الأرض.

ص: 224


1- الفقيه 886/195:3، التهذيب 775/176175:7.
2- سنن ابن ماجة 2340/784:2 و 2341، سنن البيهقي 70:6، سنن الدارقطني 83/227:4، و 85/228، مسند أحمد 22272/447:6.
3- العزيز شرح الوجيز 492:4، روضة الطالبين 321320:3.
4- المهذّب للشيرازي 318:1، العزيز شرح الوجيز 492:4، روضة الطالبين 221:3، المبسوط للسرخسي 163:21.

و للشافعيّة وجه: أنّه يجوز إن كان الدَّيْن مؤجّلاً(1).

و أمّا الزرع فإن نقصت به قيمة الأرض لاستيفاء قوّتها، لم يجز.

و إن لم تنقص فإن(2) كان بحيث يُحصد قبل حلول الأجل، لم يُمنع منه عند الشافعي(3) ، ثمّ إن تأخّر الإدراك لعارضٍ، تُرك إلى الإدراك.

و إن كان بحيث لا يُحصد [إلّا(4)] بعد الحلول أو كان الدَّيْن حالّا، مُنع منه؛ لنقصان الرغبة في الأرض المزروعة.

و قيل: لا يُمنع منه، لكن يُجبر على القلع عند الحلول إن لم يف بيعها مزروعةً دون الزرع بالدَّيْن(5).

و لو خالف ما ذكرناه فغرس أو زرع حيث مُنع، فلا يقلع قبل حلول الأجل، فلعلّه يقتضي الدَّيْن من غيره.

و للشافعيّة وجهٌ آخَر: أنّه يُقلع(6).

فأمّا بعد حلول الدَّيْن و مساس الحاجة إلى البيع يُقلع إن كان قيمة الأرض لا تفي بدَيْنه و تزداد قيمتها بالقلع.

و لو صار الراهن محجوراً بالإفلاس، ففي القلع للشافعيّة وجهان، بخلاف ما لو نبت النخيل من نوى حَمَله السيلُ، فإنّه لا يُقلع3.

ص: 225


1- العزيز شرح الوجيز 492:4، روضة الطالبين 321:3.
2- في «ج» و الطبعة الحجريّة: «أن» بدل «فإن» و الظاهر ما أثبتناه.
3- في «ج» و الطبعة الحجريّة: «أن» بدل «فإن» و الظاهر ما أثبتناه.
4- ما بين المعقوفين أضفناه لأجل السياق.
5- العزيز شرح الوجيز 492:4، روضة الطالبين 321:3.
6- العزيز شرح الوجيز 492:4، روضة الطالبين 321:3.

جزماً(1).

مسألة 160: إن قلنا: القبض شرط في الرهن أو لم نقل، فإنّه ليس للراهن السفر بالرهن،

سواء طال سفره أو قصر؛ لما فيه من التعرّض للإتلاف، و لعِظَم الحيلولة بين المرتهن و الرهن، كما يُمنع زوج الأمة عن السفر بها، و له أن يسافر بالحُرّة.

و ما لا منفعة فيه مع بقاء عينه كالنقود و الحبوب فلا تزال يد المرتهن عنه بعد استحقاقه لليد؛ لأنّ اليد هي الركن الأعظم في التوثّق فيه.

و ما لَه منفعة إن أمكن تحصيل الغرض منه مع بقائه في يد المرتهن، وجب المصير إليه؛ جمعاً بين الحقّين.

و إن لم يمكن و اشتدّت الحاجة إلى إزالة يده، جاز.

فالعبد المحترف إذا تيسّر استكسابه في يد المرتهن، لم يخرج من يده إن أراد الراهن الاستكساب.

فإن أراد الاستخدام أو الركوب أو شيئاً من الانتفاعات التي يحوج استيفاؤها إلى إخراجها من يده، لم يخرج و هو قول الشافعي في القديم(2) و لا يرهن وثيقة.

و المشهور عندهم: أنّه يخرج(3).

ثمّ يُنظر إن استوفى تلك المنافع بإعارة من عَدْل أو إجارة بالشرط السابق، فله ذلك.

ص: 226


1- العزيز شرح الوجيز 492:4، روضة الطالبين 321:3.
2- العزيز شرح الوجيز 492:4، روضة الطالبين 321:3.
3- العزيز شرح الوجيز 492:4، روضة الطالبين 321:3.

و إن أراد استيفاءها بنفسه، قال الشافعي في الأُمّ: له ذلك(1).

و مَنَع منه في القديم(2).

فحَمَل بعضهم الأوّل على الثقة، و الثاني على غيره(3).

و قال آخَرون: فيه قولان مطلقان، و وجّهوا الثاني بما يخاف من جحوده و خيانته لو سلّم إليه، و الأوّلَ بأنّ ما لَه استيفاؤه بغيره له استيفاؤه بنفسه، و هو أظهر عندهم(4).

ثمّ إن وثق المرتهن بالتسليم، فذلك، و إلّا أشهد عليه شاهدين أنّه يأخذه للانتفاع.

فإن كان مشهورَ العدالة موثوقاً به عند الناس، فوجهان أشبههما: أنّه يكتفى بظهور حاله، و لا يكلّف الإشهاد في كلّ أخذ؛ لما فيه من المشقّة.

ثمّ إن إخراج المرهون من يد المرتهن لمنفعة يدوم استيفاؤها، فذاك. و إن كان لمنفعة تستوفي في بعض الأوقات كالاستخدام أو الركوب، استوفى نهاراً، و ردّ إلى المرتهن ليلاً.

تذنيب: لو باع عبداً و لم يقبض الثمن، كان له حبس العبد في يده إلى أن يستوفي الثمن، فلا يزال يده بسبب الانتفاع؛ لأنّ ملك المشتري غير مستقرّ قبل القبض، و ملك الراهن مستقرّ.3.

ص: 227


1- كما في المهذّب للشيرازي 318:1، و العزيز شرح الوجيز 493:4، و روضة الطالبين 322312:3، و انظر: الاُم 163:3.
2- المهذّب للشيرازي 318:1، العزيز شرح الوجيز 493:4، روضة الطالبين 322:3.
3- العزيز شرح الوجيز 493:4، روضة الطالبين 322:3.
4- المهذّب للشيرازي 318:1، العزيز شرح الوجيز 493:4، روضة الطالبين 322:3.

و هل يستكسب في يده للمشتري أم تُعطّل منافعه ؟ الأولى الأوّل.

و للشافعيّة قولان(1).

مسألة 161: كلّ تصرّف مُنع منه الراهن لحقّ المرتهن إذا اقترن بإذن المرتهن، نفذ،

فلو أذن له في الوطي، حلّ له الوطؤ.

ثمّ إن وطئ و لم يُحبل، فالرهن بحاله. و إن أحبل، فكذلك عندنا.

و أمّا عند الشافعيّة فإنّه كالعتق و البيع بالإذن يبطل معه الرهن، و ينفذ التصرّف(2).

و يجوز أن يرجع المرتهن عن الإذن قبل تصرّف الراهن، كما يجوز للمالك أن يرجع قبل تصرّف الوكيل. و إذا رجع، فالتصرّف بعده كما لو لم يكن إذنٌ.

و لو أذن في الهبة و الإقباض و رجع قبل الإقباض، صحّ، و امتنع الإقباض؛ لأنّ تمام الهبة بالإقباض.

و لو أذن في البيع فباع الراهن بشرط الخيار فرجع المرتهن، لم يصح رجوعه و هو أصحّ وجهي الشافعيّة(3) لأنّ مبنى البيع على اللزوم، و الخيار داخل [و(4)] إنّما يظهر أثره في حقّ مَنْ له الخيار، و الهبة الركن الأقوى فيها الإقباض.

و الثاني: يصحّ رجوعه؛ لأنّ العقد لم يلزم بَعْدُ، كالهبة قبل

ص: 228


1- العزيز شرح الوجيز 494:5، روضة الطالبين 322:3.
2- المهذّب للشيرازي 320:1، العزيز شرح الوجيز 494:5، روضة الطالبين 323:3.
3- العزيز شرح الوجيز 494:4، روضة الطالبين 323:3.
4- ما بين المعقوفين يقتضيه السياق.

الإقباض(1).

و لو رجع المرتهن و لم يعلم به الراهن فتصرّف، ففي نفوذه وجهان مبنيّان على أنّ الوكيل هل ينعزل بالعزل قبل بلوغ الخبر؟ الأصحّ: الانعزال، و هو أصحّ وجهية الشافعيّة(2).

و لو باع بإذنه، انفسخ الرهن، و لا تجب عليه قيمته مكانه.

و لو أذن المرتهن للراهن في ضرب الرهن فضربه فمات، لم تجب عليه قيمته؛ لأنّه أتلفه بإذنه. و إن ضربه بغير إذنه فمات، لزمته قيمته، بخلاف ما إذا ضرب الزوج امرأته أو الإمام إنساناً تعزيراً؛ لأنّ المأذون فيه هناك ليس مطلق الضرب، بل هو ضرب التأديب، و هنا أيضاً لو قال: أدّبه، فضربه حتى هلك، ضمن.

مسألة 162: لو أحبل الراهن أو باع أو أعتق و ادّعى إذن المرتهن فأنكر، قدّم قول المرتهن مع يمينه؛

لأصالة عدم الإذن و بقاء الرهن، فإن حلف، فهو كما لو تصرّف بغير إذنه. و إن نكل فحلف الراهن، فهو كما لو تصرّف بإذنه. و إن نكل، قال الشيخ (رحمه اللّه): لا يُردّ اليمين على الجارية؛ لعدم دليلٍ عليه(3).

و للشافعيّة في ردّ اليمين على الجارية و العبد طريقان: أحدهما: فيه قولان، كما لو نكل الوارث عن يمين الردّ هل يحلف الغرماء؟ و أشبههما: القطع بالردّ؛ لأنّ الغرماء يُثبتون الحقّ للميّت أوّلاً، و الجارية و العبد يُثبتان لأنفسهما(4).

ص: 229


1- العزيز شرح الوجيز 494:4، روضة الطالبين 323:3.
2- العزيز شرح الوجيز 494:4، روضة الطالبين 323:3.
3- المبسوط للطوسي 207:2.
4- العزيز شرح الوجيز 495494:4، روضة الطالبين 323:3.

و لو وقع هذا الخلاف بين الراهن و ورثة المرتهن، حلفوا على نفي العلم. و لو جرى بين المرتهن و ورثة الراهن، حلفوا يمين الردّ على القطع، فيحلف ورثة المرتهن أنّه لا يعلم أنّ مورّثه أذن للراهن، لأنّه ينفي فعل الغير، فيحلف على نفي العلم، و يحلف ورثة الراهن على القطع؛ لأنّه يحلف على إثبات الإذن، و الحلف على إثبات فعل الغير حلف على القطع. و أمّا الراهن و المرتهن فإنّهما يحلفان على القطع.

و هل يثبت إذن المرتهن برجل و امرأتين ؟ للشافعيّة وجهان، و القياس عندهم: المنع، كالوكالة و الوصاية(1).

مسألة 163: إذا حصل عند الجارية المرهونة ولد، فادّعى الراهن أنّه وطئها بالإذن،

فأتت بهذا الولد منّي و هي أُمّ ولدٍ، فقال المرتهن: بل هو من زوج أو من زنا، قدّم قول الراهن إذا سلّم المرتهن أربعة أشياء: الإذن في الوطي، و الوطء، و أنّها ولدت، و مضيّ مدّة إمكان الولد منه، و هي ستّة أشهر من حين الوطي إلى حين الولادة، و كانت الجارية أُمَّ ولد الراهن، و الولد حُرٌّ لاحِقٌ بأبيه الراهن، ثابت النسب منه، و لا يمين على الراهن هنا؛ لأنّ المرتهن قد أقرّ بما يوجب إلحاق الولد بالراهن، و كونها أُمَّ ولده؛ لأنّه أقرّ بوطئها، و أنّها ولدت لستّة أشهر من ذلك الوطي، و مع هذا لا يصدق على أنّ الولد من غيره، و إذا أقرّ الراهن بأنّ الولد منه، لم يُقبل رجوعه فكيف يحلف عليه! و لو منع المرتهن الإذن، فقد بيّنّا أنّ القول قوله.

و لو سلّمه و منع الوطء، قال الشيخ: الأصحّ أنّ القول قول المرتهن

ص: 230


1- العزيز شرح الوجيز 495:4، روضة الطالبين 323:3.

مع يمينه أنّه لم يطأها(1). و هو قول بعض الشافعيّة(2).

و قال آخَرون: الأصحّ أنّ القول قول الراهن؛ لأنّه أخبر عمّا يقدر على إنشائه(3).

و لو سلّم الإذن و الوطء و أنكر الولادة و قال: ما ولدته و لكن التقطته أو استعارته، فالقول قوله، و على الراهن البيّنة على الولادة.

و لو سلّم الولادة أيضاً و أنكر مضيّ مدّة الإمكان بأن قال: ولدته من وقت الوطي لما دون ستّة أشهر فالقول قوله أيضاً مع يمينه.

و لو لم يتعرّض المرتهن لهذه الأمور بالمنع أو التسليم و اقتصر على إنكار الاستيلاد، فالقول قوله مع اليمين، و على الراهن إثبات هذه الوسائط.

و لو حلف في هذه المسائل، كان الولد حُرّاً، و كان نسبه لاحقاً بالراهن؛ لإقراره بذلك، و حقّ المرتهن لا يتعلّق به.

و أمّا الجارية فلا تصير أُمَّ ولدٍ في حقّ المرتهن، و تُباع في دَيْنه، فإذا رجعت إلى الراهن، كانت أُمَّ ولدٍ، فلا يجوز له بيعها و هبتها مع وجود ولدها.

و كذا لو قال الراهن: أعتقتها بإذنك، و قال المرتهن: لم آذن لك فيه، و حلف و بِيعت في دَيْنه ثمّ ملكها الراهن، عُتقت عليه. لأنّه أقرّ بأنّها حُرّة بإيقاع العتق.

مسألة 164: إذا أعتق أو وهب بإذن المرتهن، بطل حقّه من الرهن،

سواء كان الدَّيْن حالّا أو مؤجَّلاً، و ليس عليه أن يجعل قيمته رهناً مكانه.

و لو باع بإذنه و الدَّيْن مؤجَّل، فكذلك، خلافاً لأبي حنيفة حيث قال

ص: 231


1- المبسوط للطوسي 207:2.
2- العزيز شرح الوجيز 495:4، روضة الطالبين 324:3.
3- العزيز شرح الوجيز 495:4، روضة الطالبين 324:3.

يلزمه أن يرهن ثمنه مكانه أو يقضي الدَّيْن(1).

و قال الشافعي: لا يلزمه، قياساً على العتق و الهبة(2).

و لو كان الدَّيْن حالّا، قال الشافعي: قضى حقّه من ثمنه، و حُمل إذنه المطلق على البيع في عرضه لمجيء وقته(3).

و الشيخ أطلق و قال: لو باع بإذنه، انفسخ الرهن، و لا يجب عليه جَعْل قيمته مكانه.

ثمّ قال (رحمه اللّه): لو أذن له بالبيع مطلقاً بعد محلّ الحقّ فباع، صحّ البيع، و كان ثمنه رهناً مكانه حتى يقضى منه أو من غيره؛ لأنّ عقد الرهن يقتضي بيع الرهن عند محلّه عند امتناع مَنْ عليه الدَّيْن من بدله(4).

و لو أذن في البيع بشرط أن يجعل الثمن رهناً مكانه، صحّ البيع و الشرط عندنا؛ لقوله (عليه السّلام): «المؤمنون عند شروطهم»(5) و لا فرق بين أن يكون الدَّيْن حالّا أو مؤجَّلاً، و على الراهن الوفاء بالشرط و به قال المزني و أبو حنيفة، و هو أحد قولي الشافعي و أصحاب أحمد(6) لأنّ الرهن قد ينتقل من العين إلى البدل شرعاً، كما لو أتلف المرهون، فجاز أن ينتقل إليه شرطاً.

و الثاني و هو الأصحّ عند بعضهم -: أنّها فاسدة الشرط: فلأنّ الثمن3.

ص: 232


1- العزيز شرح الوجيز 495:4.
2- العزيز شرح الوجيز 495:4، روضة الطالبين 324:3.
3- العزيز شرح الوجيز 495:4.
4- المبسوط للطوسي 209:2 و 210.
5- التهذيب 1503/371:7، الاستبصار 835/232:3، الجامع لأحكام القرآن 33:6.
6- التهذيب للبغوي 30:4، حلية العلماء 446:4، العزيز شرح الوجيز 495:4، روضة الطالبين 324:3.

مجهول عند الإذن، فأشبه ما إذا أذن بشرط أن يرهن به مالاً آخَر مجهولاً، و إذا بطل الشرط بطل الإذن، فإنّه وقف الإذن على حصول الوثيقة في البدل و إذا بطل الإذن، بطل البيع(1). و تُمنع الجهالة.

و لو أذن في الإعتاق بشرط أن يجعل القيمة رهناً، أو في الوطي بهذا الشرط إن أحبل، ففيه القولان(2).

و لو أذن في البيع بشرط أن يعجّل حقّه من ثمنه و هو مؤجَّل، صحّ عندنا؛ لأنّه شرط سائغ تدعو الحاجة إليه، و به قال أبو حنيفة و المزني و أصحاب أحمد، إلّا أنّهم قالوا: يصحّ البيع و الإذن، و يجعل الثمن رهناً مكانه؛ لأنّ فساد الشرط لا يوجب فساد الإذن في البيع، فإنّه لو و كلّ وكيلاً يبيع عبده على أنّه له عُشْر ثمنه، صحّ الإذن و البيع مع أنّ الشرط فاسد؛ لكون الأُجرة مجهولةً، و يرجع الوكيل إلى أُجرة المثل(3).

و قال الشافعي: يفسد الإذن و البيع بفساد الشرط.

ثمّ فرّق بأنّ الموكّل لم يجعل لنفسه في مقابلة الإذن شيئاً، و إنّما شرط للوكيل جُعْلاً مجهولاً، فاقتصر الفساد عليه، و هنا المرتهن شرط لنفسه شيئاً في مقابلة إذنه، و هو تعجيل الحقّ، فإذا فسد، [فسد(4)] ما يقابله(5).3.

ص: 233


1- حلية العلماء 446:4، العزيز شرح الوجيز 496495:4، روضة الطالبين 324:3.
2- العزيز شرح الوجيز 496:4، روضة الطالبين 324:3.
3- حلية العلماء 447:4، العزيز شرح الوجيز 496:4، روضة الطالبين 324:3.
4- ما بين المعقوفين من «العزيز شرح الوجيز».
5- حلية العلماء 447:4، العزيز شرح الوجيز 496:4، روضة الطالبين 324:3.

و خرّج أبو إسحاق من الشافعيّة قولاً(1) آخَر كما في المسألة السابقة، و هي: ما إذا باع الراهن بإذن المرتهن في البيع بشرط أن يجعل الثمن رهناً، فإنّ فيها قولين، كذا هنا.

و قدح جماعة من هذا التخريج، قالوا: لأنّ الشرط صحيح في المسألة الأُولى على قولٍ، فصحّ الإذن المقابل له، هنا الشرط فاسد قولاً واحداً، فلا يمكن تصحيح ما يقابله(2).

و عند ما الشروط هنا صحيحة لازمة.

مسألة 165: لو اختلفا، فقال المرتهن: أذنتُ في البيع بشرط أن ترهن الثمن،

و قال الراهن: بل أذنتَ مطلقاً، فالقول قول المرتهن، كما لو اختلفا في أصل الإذن.

ثمّ إن كان الاختلاف قبل البيع، فليس له البيع، قاله الشافعيّة(3).

و الأقوى أنّ له البيع إذا جعل الثمن رهناً.

و إن كان بعد البيع و حلف المرتهن، فعلى قولنا يصحّ الإذن، فيكون على [الراهن(4)] رهن الثمن، و هو أحد قولي الشافعي(5).

و على الآخر و هو بطلان الإذن -: إن صدّق المشتري المرتهن، فالبيع مردود، و هو مرهون كما كان: و إن كذّبه، نُظر إن أنكر أصل الرهن، حلف، و على الراهن أن يرهن قيمته. و إن أقرّ بكونه مرهوناً و ادّعى مثل ما

ص: 234


1- حلية العلماء 447:4، العزيز شرح الوجيز 496:4، روضة الطالبين 324:3.
2- العزيز شرح الوجيز 496:4، و انظر: حلية العلماء 447:4.
3- التهذيب للبغوي 31:4، العزيز شرح الوجيز 4 496، روضة الطالبين 324:3.
4- بدل ما بين المعقوفين في «ج» و الطبعة الحجريّة: «المرتهن». و الصحيح ما أثبتاه.
5- العزيز شرح الوجيز 496:4، روضة الطالبين 324:3.

ادّعاه الراهن، فعليه ردّ المبيع، و يمين المرتهن حجّة عليه. و لو أقام المرتهن بيّنةً على أنّه كان مرهوناً، فهو كما لو أقرّ المشتري به(1).

مسألة 166: المديون إذا خلّف تركةً، فالأقوى انتقالها بالإرث إلى ورثته،

إذ لا يصحّ نقلها إلى الغرماء إجماعاً، و لهذا لو أبرأوا الميّت، سقط حقّهم منها، و للوارث القضاء من غيرها، و لا بقاؤها على ملك الميّت؛ لعدم صلاحيّته، و لا إلى اللّه تعالى، و إلّا لصُرفت إلى المساكين، فإنّهم مصبّ أمواله تعالى، و لا إلى غير مالكٍ، فتعيّن انتقالها إلى الورثة.

نعم، إنّ للديون تعلّقاً بها؛ لأنّه تعالى إنّما جعل لهم التصرّف بعد الدَّيْن و الوصيّة(2).

و في كيفيّة التعلّق احتمال أنّه كتعلّق الأرش برقبة الجاني؛ لأنّ كلّ واحدٍ منهما يثبت شرعاً من غير اختيار المالك، و أنّه كتعلّق الدَّيْن بالمرهون؛ لأنّ الشارع إنّما أثبت هذا التعلّق نظراً للميّت لتبرأ ذمّته، فاللائق به أن لا يسلّط الوارث عليه.

و للشافعي قولان كالاحتمالين، و الثاني عندهم أظهر(3).

فلو أعتق الوارث أو باع و هو معسر، لم يصح، سواء جعلناه كالعبد الجاني أو كالمرهون.

و في الإعتاق للشافعيّة خلاف(4).

و إن كان موسراً، نفذا في أحد وجهي الشافعي بناءً على أنّ التعلّق كتعلّق الأرش، و لم ينفذا في وجهٍ بناءً على أنّ التعلّق كتعلّق الدَّيْن

ص: 235


1- العزيز شرح الوجيز 496:4، روضة الطالبين 324:3.
2- النساء: 11 و 12.
3- العزيز شرح الوجيز 497:4، روضة الطالبين 325:3.
4- العزيز شرح الوجيز 497:4، روضة الطالبين 325:3.

بالرهن(1).

و لهم وجهٌ ثالث، و هو: أنّهما موقوفان إن قضى الوارث الدَّيْن، تبيّنّا النفوذ، و إلّا فلا.

و لا فرق بين أن يكون الدَّيْن مستغرقاً للتركة أو يكون أقلّ منها على أظهر الوجهين، كما هو قياس الدين و الرهون(2).

و الثاني: أنّه إن كان الدَّيْن أقلّ، نفذ تصرّف الوارث إلى أن لا يبقى إلّا قدر الدَّيْن؛ إذ في إثبات الحجر في مالٍ كثير بشيء يسير جدّاً بُعْدٌ(3).

و إذا حكمنا ببطلان تصرّف الوارث، فلو لم يكن في التركة دَيْنٌ ظاهراً فتصرّف ثمّ ظهر دَيْنٌ بأن كان قد باع شيئاً و أكل ثمنه فرُدّ بالعيب و لزم ردّ الثمن، أو تردّى متردٍّ في بئر كان قد احتفرها عدواناً، فوجهان:

أحدهما: أنّه يتبيّن فساد التصرّف إلحاقاً لما ظهر من الدَّيْن بالدَّيْن المقارن، لتقدّم سببه.

و الثاني: أنّه لا يتبيّن؛ لأنّه كان مسوغاً لهم ظاهراً(4).

فعلى هذا إن أدّى الوارث الدَّيْن، فذاك، و إلّا فوجهان:

أظهرهما: أنّه يفسخ ذلك التصرّف ليصل المستحقّ إلى حقّه.

و الثاني: لا يفسخ، و لكن يطالب الوارث بالدَّيْن، و يُجعل كالضامن(5).

و على كلّ حال فللوارث أن يمسك عين التركة و يؤدّي الدَّيْن من خالص ماله.

نعم، لو كان الدَّيْن أكثر من التركة، فقال الوارث: آخذها بقيمتها،3.

ص: 236


1- العزيز شرح الوجيز 497:4، روضة الطالبين 325:3.
2- العزيز شرح الوجيز 497:4، روضة الطالبين 325:3.
3- العزيز شرح الوجيز 497:4، روضة الطالبين 325:3.
4- العزيز شرح الوجيز 497:4، روضة الطالبين 325:3.
5- العزيز شرح الوجيز 498497:4، روضة الطالبين 325:3.

و التمس الغرماء بيعها على توقّع زيادة راغب، فالأقوى: إجابة الوارث؛ لأنّ الظاهر أنّها لا تشترى بأكثر من القيمة، و هو أحد وجهي الشافعيّة.

و الثاني: إجابة الغرماء.

و بنوا الوجهين على أنّ السيّد يفدي العبد الجاني بأرش الجناية أو بأقلّ الأمرين من قيمته أو أرش الجناية(1) ؟.

و في تعلّق حقوق الغرماء بزوائد التركة كالكسب و النتاج خلاف، و الوجه: المنع.

و للشافعيّة وجهان متفرّعان على ما مرّ من أنّ الدَّيْن هل يمنع الميراث ؟ إن مَنَعه، ثبت التعلّق، و إلّا فلا(2).4.

ص: 237


1- العزيز شرح الوجيز 498:4، روضة الطالبين 326325:3.
2- العزيز شرح الوجيز 498:4.
النظر الثاني: في منع المرتهن.
مسألة 167: الرهن وثيقة لدَيْن المرتهن،

فإن جعلنا القبض شرطاً و كان لازماً، استحقّ المرتهن إدامة اليد، و لا تزال يده إلّا للانتفاع على خلافٍ سبق(1) ، ثمّ يُردّ إليه ليلاً، و إن كان العبد ممّن يعمل بالليل كالحارس، رُدّ إليه نهاراً.

و لو شرطا في الابتداء وضعه على يد ثالثٍ، صحّ و لزم؛ لأنّه ربما لا يثق أحدهما بالآخَر، و يثقان به.

و لو شرطا وضعه عند اثنين، جاز أيضاً.

ثمّ إن شرطا أنّ لكلٍّ منهما التفرّد بالحفظ أو الاجتماع على الحفظ في حرزٍ، اتّبع الشرط.

و إن أطلقا، لم يكن لأحدهما التفرّد بالحفظ، كما لو أوصى إلى اثنين أو وكّلهما بشيء لا يستقلّ أحدهما و هو أصحّ وجهي الشافعيّة فحينئذٍ يجعلانه في حرزٍ لهما.

و الثاني: يجوز الانفراد لئلّا يشقّ عليهما، فحينئذٍ إن اتّفقا على كونه عند أحدهما، جاز. و إن تنازعا و الرهن ممّا ينقسم، قسّم، و حفظ كلّ واحد نصفَه. و إن كان ممّا لا ينقسم، تناوبا في حفظه بالزمان(2).

و لو قسّماه بالتراضي و قلنا بالثاني ثمّ أراد أحدهما أن يردّ ما في يده على صاحبه، احتمل المنع؛ لاندفاع المشقّة بما جرى.

ص: 238


1- في ص 142، ضمن المسألة 160.
2- العزيز شرح الوجيز 499498:4، روضة الطالبين 326:3.
مسألة 168: ليس للمرتهن التصرّف في الرهن بشيء من التصرّفات الفعليّة و القوليّة؛

إذ ليس له إلّا حقّ الاستيثاق، فليس له البيع إلّا بإذن الراهن؛ لقول الصادق (عليه السّلام) في رجل رهن رهناً إلى غير وقت ثمّ غاب هل له وقت يباع فيه رهنه ؟ قال: «لا، حتى يجيء»(1).

و كذا غير البيع من التصرّفات القوليّة كالهبة و الرهن و غيرهما، و كذا التصرّفات الفعليّة يُمنع جميعها إجماعاً.

فلو وطئ الجارية المرهونة فإن كان بغير إذن الراهن، كان بمنزلة وطئ غير المرهونة، إن ظنّها زوجته أو أمته، فلا حدّ، و عليه المهر، و الولد حُرٌّ لاحِقٌ به، و عليه قيمته للراهن يوم سقط حيّاً. و إن لم يظنّ ذلك و لم يدّع جَهْلاً، فهو زانٍ، و لا يكون عقد الرهن شبهةً فيه، بل يلزمه الحدّ، كما لو وطئ المستأجر الجارية المستأجرة.

و يجب المهر إن كانت مُكرَهةً إجماعاً.

و إن كانت مطاوعةً، فلعلمائنا قولان:

إحداهما: أنّه لا يجب و هو أصحّ قولي الشافعي(2) لأنّ النبيّ (صلّى اللّه عليه و آله) نهى عن مهر البغي(3).

و الثاني: الوجوب؛ لأنّه بُضْعٌ مستحقّ لغير الموطوءة، فلا يسقط برضاها. و لأنّه تصرّف في مال الغير، فيجب عليه أرش نقصه. و يجب

ص: 239


1- الكافي 5/234:5، الفقيه 897/197:3، التهذيب 749/169:7.
2- الحاوي الكبير 62:6، التهذيب للبغوي 28:4، حلية العلماء 479478:4، العزيز شرح الوجيز 511:4، روضة الطالبين 338:3، المغني 443:4، الشرح الكبير 489:4.
3- صحيح البخاري 110:3، سنن أبي داود 3481/279:3، سنن النسائي 309:7.

عليها الحدّ.

و لو كانت جاهلةً، وجب المهر أيضاً و إن كان الواطئ عالماً، و يُحدّ هو دونها.

و لو أحبلها، كان الولد رقيقاً لمولاها؛ لأنّ نسبه لا يثبت من المرتهن، لأنّه زانٍ، و يتبع الاُمّ.

و لو ادّعى الواطي الجهالةَ فإن كانت محتملةً بأن يكون قريب العهد بالإسلام، أو نشأ في بلدٍ بعيدٍ عنه يجوز خفاء ذلك عليه، أو نشأ في بلد الكفر قُبلت دعواه.

ثمّ إن أكرهها أو كانت نائمةً، وجب المهر.

و إن طاوعته و لم تدّع الجهالة أو ادّعت و هي ممّن لا تُقبل دعواها، ففي وجوب المهر قولان سبقا(1).

و إن كانت ممّن تُقبل منها دعوى الجهالة، وجب المهر، و سقط عنها الحدّ.

و إذا ادّعى الرجل الجهالة في موضعٍ تُسمع منه، قُبل قوله لدفع الحدّ إجماعاً.

و هل يُقبل لثبوت النسب و حُرّيّة الولد و وجوب المهر؟ الأصحّ ذلك؛ لأنّ الشبهة كما تدرأ الحدَّ تثبت النسبَ و الحُرّيّة، و إذا سقط(2) ، وجب المهر.

و لو كان الوطؤ بإذن الراهن فإن كان على صيغةٍ يُباح بها البُضْع، فلا حدّ و لا مهر. و يلحق به الولد. و في قيمته قولان.ّ.

ص: 240


1- آنفاً.
2- أي سقط الحدّ.

و إن لم يكن على صيغةٍ يُباح بها البُضْع فإمّا أن يدّعي الجهالة بتحريم الوطي أو لا يدّعيها، فإن لم يدّع، فهو زنا، و الحكم كما تقدّم.

و للشافعيّة وجهٌ: أنّه لا يُحدّ؛ لأنّ بعضهم قال بجواز وطئ الجارية بإذن مالكها. و هو مذهب عطاء بن أبي رباح(1) من التابعين.

و إن ادّعاها، قُبل منه، و سقط الحدّ، و لحق به النسب، و كان الولد حُرّاً إجماعاً، و لا تلزمه قيمته.

و قيل: تلزمه قيمته(2).

و كذا القولان في المهر.

و الشيخ (رحمه اللّه) رجّح في المبسوط عدمَ وجوبهما عليه(3).

و قال بعض الشافعيّة: إن كانت مطاوعةً، لم يلزمه المهر؛ لانضمام إذن المستحقّ إلى طواعيتها.

و إن كانت مكرهةً، فقولان:

أحدهما: عدم الوجوب؛ لأنّ المستحقّ(4) قد أذن، فأشبه ما لو زنت الحُرّة.

و أصحّهما عندهم و به قال أبو حنيفة -: يجب؛ لأنّ وجوب المهر حيث لا يجب الحدّ حقّ الشرع، فلا يؤثّر فيه الإذن، كما أنّ المفوّضة تستحقّ المهر بالدخول مع تفويضها(5).

و أمّا الولد ففي وجوب قيمته لهم طريقان4.

ص: 241


1- التهذيب للبغوي 29:4، العزيز شرح الوجيز 511:4.
2- كما في المبسوط للطوسي 209:2.
3- المبسوط للطوسي 209:2.
4- أي: مستحقّ الرهن.
5- العزيز شرح الوجيز 512:4.

أحدهما: أنّه على القولين في المهر.

و الثاني و هو الأصحّ عندهم -: الوجوب جزماً.

و الفرق أنّ الإذن في الوطي رضا بإتلاف المنفعة جزماً، و ليس رضاً بالإحبال جزماً. و لأنّ الإذن لا أثر له في حُرّيّة الولد، و إنّما الموجب لها ظنّ الواطئ فحسب(1).

و أمّا الجارية فقال الشيخ (رحمه اللّه): لا تخرج من الرهن في الحال، و إذا بِيعت في الرهن ثمّ ملكها المرتهن، فإنّها أُمّ ولده(2).

و فيه نظر.

و قال الشافعي: لا تصير الجارية أُمّ ولدٍ للمرتهن بحال، فإن ملكها يوماً من الدهر فقولان(3).

و لو ادّعى المرتهن بعد الوطي أنّ الراهن كان قد باعها منه أو وهبها(4) و أقبضها، و أنكر الراهن، فالقول قوله مع يمينه، فإن حلف، فهي و الولد رقيقان له. ثمّ لو ملكها يوماً من الدهر، فهي أُمّ ولدٍ له على قول(5) ، و الولد حُرٌّ؛ لإقراره السابق، كما لو أقرّ بحُرّيّة عبد الغير ثمّ اشتراه، فإن نكل الراهن و حلف المرتهن، فالولد حُرٌّ و هي أُمّ ولدٍ له.

مسألة 169: ليس للمرتهن بيع الرهن، فإن حلّ الدَّيْن و طالَب المرتهنُ، كان على الراهن إيفاء الحقّ،

فإن قضاه من غيره، انفكّ الرهن،

ص: 242


1- العزيز شرح الوجيز 512:4.
2- المبسوط للطوسي 209:2.
3- التهذيب للبغوي 29:4، العزيز شرح الوجيز 512:4، روضة الطالبين 339:3.
4- في الطبعة الحجريّة و «ج»: «رهنها» بدل «وهبها». و الصحيح ما أثبتناه.
5- العزيز شرح الوجيز 512:4.

و إلّا طُولب ببيعه، فإن امتنع فإن كان وكيلاً في البيع، باع بالوكالة، و إلّا باعه بإذن الراهن، فإن تعذّر، أذن له الحاكم في البيع أو ولاّه غيره، أو أجبر الراهن على القضاء أو البيع بنفسه أو بوكيله.

و يُقدَّم المرتهن في الثمن على سائر الغرماء، سواء كان الراهن حيّاً أو ميّتاً، و سواء كان موسراً أو معسراً، و سواء خلّف وفاءً لباقي الدُّيّان أو لا، و سواء كان الرهن داراً يسكنها الراهن أو لا.

و الرواية التي رواها ابن فضّال عن إبراهيم بن عثمان عن الصادق (عليه السّلام)، قال: قلت له: رجل لي عليه دراهم و كانت داره رهناً فأردت أن أبيعها، فقال: «أُعيذك باللّه أن تخرجه من ظلّ رأسه»(1) محمولة على الكراهية، مع أنّا نمنع السند؛ فإنّ ابن فضّال ضعيف.

و إنّما يبيعه(2) الراهن أو وكيله بإذن المرتهن، فلو لم يأذن و أراد الراهن بيعه، قال له الحاكم: ائذن في بيعه و خُذْ حقّك من ثمنه، أو أبرئه.

و لو طلب(3) المرتهن بيعه و امتنع الراهن و لم يقض الدَّيْن، أجبره الحاكم على قضائه أو البيع، إمّا بنفسه أو بوكيله، فإن أصرّ، باعه الحاكم، و به قال الشافعي(4).

و قال أبو حنيفة: لا يبيعه، و لكن يُحبس الراهن حتى يبيع(5).4.

ص: 243


1- الكافي 21/237:5، التهذيب 754/170:7.
2- في «ج»: «يبيع».
3- في «ج»: «طالب».
4- التهذيب للبغوي 63:4، العزيز شرح الوجيز 500:4، روضة الطالبين 328:3، المغني 488:4.
5- تحفة الفقهاء 43:3، بدائع الصنائع 148:6، التهذيب للبغوي 63:4، العزيز شرح الوجيز 500:4، المغني 488:4.

و لو كان الراهن غائباً، أثبت المرتهن الرهن عند الحاكم حتى يبيعه. فإن لم تكن له بيّنة أو لم يكن في البلد حاكم، فله بيعه بنفسه، كما أنّ مَنْ ظفر بغير جنس حقّه من مال المديون و هو جامد و لا بيّنة له، يبيعه، و يأخذ حقّه من ثمنه.

مسألة 170: لو أذن الراهن للمرتهن في بيع الرهن بنفسه، صحّ الإذن.

فإن باع بالإذن، صحّ البيع، سواء كان الراهن حاضراً وقت البيع أو غائباً.

و للشافعي وجهان إذا باع في الغيبة:

أحدهما: كما قلناه من الصحّة و به قال مالك و أبو حنيفة و أحمد كما لو أذن له في بيع مالٍ آخر.

و أصحّهما عندهم: المنع؛ لأنّه يبيعه لغرض نفسه، فيكون متّهماً في الاستعجال و ترك النظر(1).

و إن باعه بحضوره، صحّ؛ لانقطاع التهمة، و هو ظاهر قول الشافعي حيث قال: و لو شرط للمرتهن إذا حلّ الحقّ أن يبيعه، لم يجز أن يبيع بنفسه إلّا بأن يحضر ربّ الرهن(2).

و فيه وجه: أنّه لا يصحّ أيضاً؛ لأنّه توكيل فيما يتعلّق بحقّه، فعلى هذا لا يصحّ توكيله ببيعه أصلاً.

و يتفرّع عليه أنّه لو شرط ذلك في ابتداء الرهن، فإن كان الرهن مشروطاً في بيع، فالبيع باطل: و إن كان رهْنَ تبرّعٍ، فعلى القولين في

ص: 244


1- التهذيب للبغوي 63:4، العزيز شرح الوجيز 500:4، روضة الطالبين 328:3.
2- العزيز شرح الوجيز 500:4، روضة الطالبين 328:3.

الشروط الفاسدة النافعة للمرتهن أنّها هل تُبطل الرهن(1) ؟.

و لو أذن الوارث لغرماء الميّت في بيع التركة، فهو كإذن الراهن للمرتهن. و كذا إذن السيّد للمجنيّ(2) عليه في بيع العبد الجاني.

و الحقّ عندنا صحّة البيع في الغيبة و الحضور، و صحّة التوكيل، عملاً بمقتضى العقود.

مسألة 171: لو قال الراهن للمرتهن: بِع المرهون لي و استوف الثمن ثمّ استوفه لنفسك، صحّ البيع و الاستيفاء للراهن،

ثمّ لا يحصل الاستيفاء لنفسه بمجرّد إدامة اليد و الإمساك؛ لأنّ قوله: «ثمّ استوف لنفسك» مشعر بإحداث فعلٍ، فلا بُدّ إذَنْ من وزنٍ جديد أو كيلٍ جديد.

و لو كانت الصيغة: «ثم أمسكه لنفسك» فلا بُدّ من إحداث فعلٍ أيضاً عند بعض الشافعيّة(3).

قال بعضهم: يكفي مجرّد الإمساك(4).

و الأوّل أظهر عندهم(5).

ثمّ إذا استوفاه لنفسه، فيه وجهان؛ لاتّحاد القابض و المقبض، فإن صحّحناه، و هو الأقوى عندي برئت ذمّة الراهن عن الدَّيْن، و المستوفى من ضمانه. و إن أفسدناه و هو الأصحّ عندهم(6) لم يبرأ، و لكن يدخل المستوفى في ضمانه أيضاً؛ لأنّ القبض الفاسد كالصحيح في اقتضاء الضمان.

ص: 245


1- العزيز شرح الوجيز 501:4، روضة الطالبين 328:3.
2- في «ج» و الطبعة الحجريّة: «المجنيّ». و الصحيح ما أثبتناه.
3- العزيز شرح الوجيز 527:4، روضة الطالبين 329:3.
4- العزيز شرح الوجيز 527:4، روضة الطالبين 329:3.
5- العزيز شرح الوجيز 527:4، روضة الطالبين 328:3.
6- العزيز شرح الوجيز 527:4، روضة الطالبين 328:3.

و لو قال: بِعْه لي و استوف الثمن لنفسك، صحّ البيع، و لم يصح استيفاء الثمن عند الشافعي؛ لأنّه ما لم يصح قبضٌ للراهن لا يتصوّر منه القبض لنفسه، و هنا كما قبضه يصير مضموناً عليه(1).

و الوجه: الصحّة؛ لأنّ قوله: «استوف الثمن لنفسك» يتضمّن التوكيل.

و لو قال: بِعْه لنفسك، فللشافعي قولان:

أصحّهما: أنّ هذا الأذان باطل، و لا يُمكّن من البيع؛ لأنّه لا يتصوّر أن يبيع الإنسان مال غيره لنفسه.

و الثاني: أنّه يصحّ، اكتفاءً بقوله: «بِعْه» و إلغاءً لقوله: «لنفسك» و أيضاً فإنّ السابق إلى الفهم منه الأمر بالبيع لغرضه، و هو التوصّل(2) به إلى قضاء الدَّيْن(3).

و لو أطلق و قال: بِعْه، و لم يقل: «لي» و لا «لنفسك» فللشافعيّة وجهان:

أصحّهما: صحّة الإذن و البيع و وقوعه للراهن، كما لو قال لأجنبيّ: بِعْه.

و الثاني: المنع؛ لأنّ البيع مستحقّ للمرتهن بعد حلول الحقّ، و الكلام مفروض فيه، و إذا كان كذلك يُقيّد الإذن به، و صار كأنّه قال: بِعْه لنفسك. و لأنّه متّهم في ترك النظر استعجالاً للوصول إلى الدَّيْن.

و على التعليلين لو كان الدَّيْن مؤجَّلاً فقال: بِعْه، صحّ الإذن؛ لعدم الاستحقاق و التهمة، فإن قال: بِعْه و استوف حقّك من ثمنه، جاءت3.

ص: 246


1- العزيز شرح الوجيز 527:4، روضة الطالبين 329:3.
2- في «ج» و الطبعة الحجريّة: «التوسّل». و الظاهر أنّ الصحيح ما أثبتناه.
3- العزيز شرح الوجيز 527:4، روضة الطالبين 329:3.

التهمة(1).

و هذا عندنا ليس بشيء.

و لو قدّر له الثمن، لم يصح عندهم على التعليل الأوّل، و صحّ على الثاني. و كذا لو كان الراهن حاضراً عند البيع(2).3.

ص: 247


1- العزيز شرح الوجيز 527:4، روضة الطالبين 329:3.
2- العزيز شرح الوجيز 528527:4، روضة الطالبين 329:3.

الفصل الرابع: في حكم الرهن في الضمان

مسألة 172: الرهن في يد المرتهن أمانة لا يسقط بتلفه شيء من الدَّيْن،

و لا يلزمه ضمانه، إلّا إذا تعدّى فيه، عند علمائنا أجمع و به قال عليّ (عليه السّلام) و عطاء و الزهري و الأوزاعي و الشافعي و أبو ثور و أحمد و ابن المنذر(1) لما رواه العامّة عن النبيّ (صلّى اللّه عليه و آله) أنّه قال: «لا يغلق الرهن، الرهن من صاحبه الذي رهنه، له غُنْمه و عليه غُرْمه»(2).

و المراد بالغُنْم الاستفادة و النماء و الزيادة، و الغُرْم: النقصان و التلف. و معنى «من صاحبه» أنّه من ضمان صاحبه. و معنى «لا يغلق» أي لا يملكه المرتهن بالارتهان.

و من طريق الخاصّة: قول الصادق (عليه السّلام) و قد سأله عبيد بن زرارة: رجل رهن سوارين فهلك أحدهما، قال: «يرجع عليه فيما بقي»(3).

و عن الحلبي في الرجل يرهن عند الرجل رهناً فيصيبه شيء أو يضيع(4) قال: «يرجع بما لَه عليه»(5).

ص: 248


1- المغني 478:4، الشرح الكبير 444:4، مختصر المزني: 101، الحاوي الكبير 254:6، الوجيز 166:1، العزيز شرح الوجيز 508:4، الوسيط 509:3، حلية العلماء 458:4، التهذيب للبغوي 53:4، بداية المجتهد 276:2.
2- المغني 479:4، الشرح الكبير 445:4.
3- التهذيب 758/170:7، الاستبصار 422/118:3.
4- في الكافي: «ضاع».
5- الكافي 11/235:5، التهذيب 757/170:7، الاستبصار 421/118:3.

و لأنّه وثيقة بالدَّيْن فلا يضمن، كالزيادة على قدر الدَّيْن، و كالكفيل و الشاهد. و لأنّه مقبوض بعقدٍ واحد بعضه أمانة فكان جميعه أمانةً، كالوديعة. و لأنّ الرهن شرّع و ثقةً للدَّين، فهلاك محلّه لا يُسقط(1) ، كموت الكفيل.

و روى عن شريح و النخعي و الحسن البصري أنّ الرهن يُضمن بجميع الدَّيْن و إن كان أكثر من قيمته؛ لأنّه روي عن النبيّ (صلّى اللّه عليه و آله) أنّه قال: «الراهن بما فيه»(2)(3).

و هو محمول على التعدّي.

و قال مالك: إن كان تلفه بأمرٍ ظاهر كالموت و الحريق فمن ضمان الراهن. و إن ادّعى تلفه بأمرٍ خفيّ، لم يُقبل قوله، و ضمن(4).

و يبطل بأنّ ما لا يضمن به العقار لا يضمن به الذهب.

و نقل عنه أيضاً أن ما يظهر هلاكه كالحيوان و العقار و الأشجار أمانة، و ما يخفى هلاكه كالنقود و العروض مضمون بالدَّيْن؛ لأنّه متّهم فيه(5).

و قال الثوري و أصحاب الرأي: يضمنه المرتهن بأقلّ الأمرين من4.

ص: 249


1- أي: لا يُسقط الدَّيْن. و لعلّها: «لا يُسقطه».
2- المراسيل لأبي داوُد -: 4/135، سنن الدارقطني 124/32:3، سنن البيهقي 40:6.
3- المغني 479478:4، الشرح الكبير 445444:4، حلية العلماء 459:4، المبسوط للسرخسي 65:21، بدائع الصنائع 160:6، النتف 608:2، أحكام القرآن للجصّاص 527:1.
4- الحاوي الكبير 255:6، المغني 479:4، الشرح الكبير 445:4.
5- الكافي في فقه أهل المدينة: 412 413، حلية العلماء 459:4، العزيز شرح الوجيز 508:4.

قيمته أو قدر الدَّيْن، فإن كانت قيمته أقلَّ، سقط بتلفه من الدَّيْن قدر قيمته، و إلّا سقط الدَّيْن فلا يضمن الزيادة. و رووه عن عمر بن الخطّاب؛ لما رواه عطاء أنّ رجلاً رهن فرساً فنفق عند المرتهن، فجاء إلى النبيّ (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم) فأخبره بذلك، فقال: «ذهب حقّك». و لأنّها عين مقبوضة للاستيفاء، فيضمنها مَنْ قبضها كالمبيع إذا حُبس لاستيفاء ثمنه(1).

و حديث عطاء مرسل. قال الدارقطني: يرويه إسماعيل بن أُميّة، و كان كذّاباً(2).

و قيل: يرويه مصعب بن ثابت، و كان ضعيفاً(3).

و يُحتمل أنّه أراد: ذهب حقّك من الوثيقة، بدليل أنّه لم يسأل عن قدر الدَّيْن و قيمة الفرس.

إذا عرفت هذا، فلو شرط الرهن أن يكون مضموناً على المرتهن، لم يصحّ الشرط، و كان فاسداً، و يصحّ الرهن.

و لو فرّط المرتهن في الحفظ أو تعدّى فيه، كان ضامناً له.

مسألة 173: إذا برئ الراهن عن الديْن بأداءٍ أو إبراءٍ أو حوالةٍ،

كان الرهن أمانةً أيضاً في يد المرتهن، و لا يصير مضموناً عليه، إلّا إذا طلبه الراهن و امتنع من الردّ بعد المطالبة.

و قال بعض الشافعيّة: يكون المرتهن إذا طلبه الراهن و امتنع من الردّ بعد المطالبة.

ص: 250


1- المغني 479:4، الشرح الكبير 445:4، المبسوط للسرخسي 6564:21، بدائع الصنائع 160:6، حلية العلماء 458:4، العزيز 508:4.
2- حكاه عنه ابنا قدامة في المغني 479:4، و الشرح الكبير 445:4، و انظر: سنن الدارقطني 32:3، ذيل الحديث 124.
3- كما في المغني 479:4، و الشرح الكبير 445:4.

و قال بعض الشافعيّة: يكون المرتهن بعد الإبراء كمن [طيّرت(1)] الريح ثوباً إلى داره حتى يعلم المرتهن به أو يردّه؛ لأنّه لم يرض بيده إلّا على سبيل الوثيقة(2).

و بالجملة، فالرهن بعد القضاء أو الإبراء أو شبهة أمانة في يد المرتهن، عند علمائنا، و به قال الشافعي و أحمد(3).

و قال أبو حنيفة: إذا قضاه، كان مضموناً. و إذا أبرأه أو وهبه، لم يكن مضموناً استحساناً(4).

و هو تناقض؛ فإنّ القبض المضمون منه لم يزل و لم يبرأ منه.

و عندنا أنّه كان أمانةً، و بقي على ما كان عليه، و ليس عليه ردّه؛ لأنّه أمسكه بإذن مالكه، و لا يختصّ بنفعه، فهو كالوديعة، بخلاف العارية المضمونة، فإنّه يختصّ بنفعها، و بخلاف ما لو أطارت الريح إلى داره ثوباً، لزمه ردّه إلى مالكه؛ لأنّ مالكه لم يأذن في إمساكه.

و لو سأل مالكه في هذه الحال دَفعه إليه، لزم مَنْ هو في يده من المرتهن أو العدل دَفْعه مع الإمكان، فإن لم يفعل، صار ضامناً، كالمودع إذا امتنع من ردّ الوديعة عند طلبها.

و لو كان امتناعه لعذرٍ مثل أن يكون بينه و بينه طريق مخوف أو باب مغلق لا يمكنه فتحه، أو خاف فوت صلاة واجبة، أو كان به مرض أو4.

ص: 251


1- في «ج» و الطبعة الحجريّة: «طيّر».
2- العزيز شرح الوجيز 508:4، روضة الطالبين 335:3.
3- حلية العلماء 459:4، العزيز شرح الوجيز 508:4، روضة الطالبين 335:3، المغني 479:4، الشرح الكبير 445:4.
4- بدائع الصنائع 155:6، حلية العلماء 459:4، المغني 479:4، الشرح الكبير 446445:4.

جوع شديد و شبهه فأخّر التسليم لذلك فتلف، فلا ضمان عليه؛ لأنّه لا تفريط منه، فأشبه المودع.

مسألة 174: إذا فسد الرهن و قبضه المرتهن، لم يكن عليه ضمان؛

لأنّه قبضه بحكم أنّه رهن، و كلّ عقدٍ كان صحيحه غيرَ مضمون ففاسده كذلك، و كلّ عقدٍ كان صحيحه مضموناً ففاسده مثله.

أمّا الأوّل: فلأنّ الصحيح إذا أوجب الضمان فالفاسد أولى باقتضائه.

و أمّا الثاني: فلأنّ مَنْ أثبت اليد عليه أثبته عن إذن المالك، و لم يلتزم بالعقد ضماناً، و لا يكاد يوجد التسليم و التسلّم إلّا من معتقدي الصحّة.

إذا عرفت هذا، فإن أعار المرهون من المرتهن لينتفع به، ضمنه عند الشافعي؛ لأنّ العارية مضمونة عنده(1) ، و لا يضمنه عندنا و لا عند أبي حنيفة(2) ؛ لأنّ العارية غير مضمونة.

فإذا كان الرهن أرضاً و أذن الراهن له في الغراس بعد شهر، فهي بعد الشهر عارية، و قبله أمانة.

فإن غرس قبل الشهر، قلع؛ لأنّه مُتعدٍّ فيه و ظالمٌ، و قال (عليه السّلام): «ليس لعِرْقِ ظالمٍ حقٌّ»(3).

و لو غرس بعده، فقد غرسه بإذن الراهن؛ لأنّه ملّكه إيّاه بعد انقضاء الشهر، فكان مأذوناً له في التصرّف.

و إن كان البيع فاسداً فإن أراد المرتهن قلعه و نقله، كان له؛ لأنّه عين

ص: 252


1- العزيز شرح الوجيز 508:4، روضة الطالبين 336:3.
2- بدائع الصنائع 156:6، العزيز شرح الوجيز 508:4.
3- صحيح البخاري 140:3، سنن أبي داوُد 3073/178:3، سنن الترمذي 1378/662:3، مسند أحمد 22272/447:6.

ماله. و إن امتنع من قلعه، تخيّر الراهن بين أن يُقرّه في أرضه، فتكون الأرض للراهن و الغرس للمرتهن، و بين أن يُعطيه ثمن الغراس، فيكون الجميع للراهن، و بين أن يطالبه بقلعه على أن يضمن له ما نقص [من(1)] الغراس بالقلع، قاله الشيخ(2) (رحمه اللّه).

و هو جيّد، إلّا في قوله: «إنّ له أن يُعطيه ثمن الغراس» فإنّ الأقوى عندي افتقاره إلى رضا المالك.

و البناء كالغرس.

مسألة 175: الشروط المقترنة بعقد الرهن ضربان: صحيحة و فاسدة.
فالصحيحة

ما كان من مقتضى عقد الرهن، مثل أن يشترط كونه على يد المرتهن أو على يد عَدْلٍ عيّنه أو عدلين أو أكثر، أو أن يبيعه العدل عند حلول الحقّ، أو يشترط منافعه للراهن، فهذه الشروط لا تؤثّر في العقد؛ لأنّها تأكيد لما اقتضاه، و لا نعلم في صحّة هذه الشروط خلافاً.

و لو شرط أن يبيعه المرتهن، صحّ الشرط و الرهن و به قال أبو حنيفة و مالك و أحمد(3) لأنّ ما جاز توكيل غير المرتهن فيه جاز توكيل المرتهن، كبيع عينٍ اخرى.

و قال الشافعي: لا يصحّ؛ لأنّه توكيل فيما يتنافى فيه الغرضان، فلم يصحّ، كما لو وكّله في بيعه من نفسه.

و بيان التنافي أنّ الراهن يريد الصبر على المبيع و الاحتياط في توفير

ص: 253


1- ما بين المعقوفين من المبسوط للطوسي.
2- المبسوط للطوسي 244:2.
3- حلية العلماء 432:4، العزيز شرح الوجيز 500:4، المغني 464:4، الشرح الكبير 456:4.

الثمن، و المرتهن يريد تعجيل الحقّ و إنجاز البيع(1).

و لا يضرّ اختلاف الغرضين إذا كان غرض المرتهن مستحقّاً له، و هو استيفاء الثمن عند حلول الحقّ و إنجاز البيع على(2) أنّ الراهن إذا وكّله مع العلم بغرضه، فقد سمح له بذلك، و الحقّ له، فلا يمنع من السماحة، كما لو وكّل فاسقاً في بيع ماله و قَبْض ثمنه.

و نمنع عدم جواز توكيله في بيع شيء من نفسه و إن سلّمنا فلأنّ الشخص الواحد يكون بائعاً مشترياً موجباً قابلاً قابضاً من نفسه، بخلاف صورة النزاع.

و لو رهن أمته و شرط كونها عند امرأة أو ذي مَحْرمٍ لها أو كونها في يد المرتهن أو أجنبيّ على وجه لا يفضي إلى الخلوة بها مثل أن تكون لهما زوجات أو سراري، أو محارم معها جاز؛ لأنّه لا يفضي إلى محرَّم.

و إن لم يكن كذلك، فسد الشرط؛ لإفضائه إلى الخلوة المحرَّمة، و لا يؤمن عليها. و لا يفسد الرهن؛ لأنّه لا يعود إلى نقص و لا ضرر في حقّ المتعاقدين، و يكون حكمه كما لو رهنها من غير شرط، يصحّ الرهن، و جعلها الحاكم على يد مَنْ يجوز أن تكون عنده.

و إن كان الرهن عبداً فشرط موضعه أو لم يشرط، جاز.

و لو كان مرتهن العبد امرأةً لا زوج لها فشرطت كونه عندها على وجه يفضي إلى خلوته بها، لم يجز الشرط، و صحّ الرهن.».

ص: 254


1- المغني 464:4، الشرح الكبير 456:4، حلية العلماء 432:4، العزيز شرح الوجيز 500:4، روضة الطالبين 328:3.
2- في «ج»: «و على».
و أمّا الشروط الفاسدة

فهي(1) ما ينافي مقتضى عقد الرهن، مثل أن يشترط أن لا يسلّمه إليه على إشكال، أو لا يبيعه عند محلّ الحقّ، أو لا يبيعه إلّا بما يرضى به الراهن أو بما يرضى به رجلٌ آخَر، أو تكون المنافع للمرتهن، أو لا يستوفى الدَّيْن من ثمنه، فإنّها شروط نافت مقتضى العقد ففسدت.

و كذا إن شرط الخيار للراهن على إشكال، أو أن لا يكون العقد لازماً في [حقّه(2)] أو توقيت الرهن، أو يكون رهناً يوماً، و يوماً لا يكون رهناً، أو يكون مضموناً على المرتهن أو على العدل.

و هل يفسد الرهن به ؟ قال الشيخ (رحمه اللّه): لا يفسد به الرهن؛ لأصالة صحّة العقد(3).

و قال الشافعي: إن اقتضى الشرط نقصاناً من حقّ المرتهن، بطل عقد الرهن قولاً واحداً، و إن كان زيادةً في حقّ المرتهن، فقولان:

أحدهما: يفسد؛ لأنّ هذا شرط فاسد فأفسد، كما لو كان نقصاناً من حقّ المرتهن(4).

و هو الوجه عندي في كلّ شرطٍ فاسدٍ اقترن بعقدٍ، فإنّه يفسده؛ لأنّ العاقد إنّما بذل ملكه بهذا الشرط، فإذا لم يسلم له لم يصحّ العقد؛ لعدم الرضا به بدونه.

و الثاني: لا يفسده؛ لأنّ الرهن قد تمّ، و إنّما شرط له زيادة لا

ص: 255


1- في «ج» و الطبعة الحجريّة: «فهو» بدل «فهي» و الظاهر ما أثبتناه.
2- بدل ما بين المعقوفين في «ج» و الطبعة الحجريّة: «صفة». و هي غلط. و الصحيح ما أُثبت.
3- الخلاف 253:3، المسألة 61.
4- المهذّب للشيرازي 317:1، المغني 465:4، الشرح الكبير 457:4.

يقتضيها، فسقطت الزيادة، و بقي عقد الرهن، بخلاف ما إذا كان نقصاناً من حقّ المرتهن؛ لأنّ الرهن لم يتمّ(1).

فإن قلنا: إنّ العقد فاسد، فهل يفسد به البيع إذا شُرط فيه ؟ للشافعي قولان:

أحدهما: يفسد و به قال أبو حنيفة، و هو الأقوى عندي لأنّ الشرط الفاسد إذا اقترن بالعقد أفسده، لأنّ سقوطه يقتضي ردّ جزء من الثمن ترك لأجله، و ذلك مجهول.

و الثاني: لا يفسد البيع؛ لأنّ الرهن يقع منفرداً عن البيع، فلا يفسد بفساده، كالصداق مع النكاح(2).

و قال أبو حنيفة: لا يفسد الرهن بالشروط الفاسدة؛ لأنّه عقد يفتقر إلى القبض، فلا يبطل بالشرط الفاسد، كالهبة؛ فإنّ العُمْرى يشترط فيها رجوع الموهوب إليه، و لا يفسدها(3)(4).

مسألة 176: لو رهن و شرط المرتهن أنّه متى حلّ الحقّ و لم يوفه الراهن فالرهن له بالدَّيْن،

أو: فهو مبيع له بالدَّيْن، فهو شرط فاسد بلا خلافٍ، لقوله (عليه السّلام): «لا يغلق الرهن»(5).

ص: 256


1- المهذّب للشيرازي 317:1، المغني 465:4، الشرح الكبير 457:4.
2- المهذّب للشيرازي 317:1، العزيز شرح الوجيز 464:4، روضة الطالبين 301:3، المغني 464:4 ن و تقدّم التفصيل المزبور أيضاً في ص 96 97، ضمن المسألة 89.
3- في «ج» و الطبعة الحجريّة: «و لا يفسده». و الظاهر ما أثبتناه.
4- راجع المغني 465:4، الشرح الكبير 457:4، و تقدّم القول المزبور أيضاً في ص 97، ضمن المسألة 89.
5- سنن ابن ماجة 2441/816:2، سنن البيهقي 44:6، شرح معاني الآثار 101100:4 الكامل لابن عدي 2499:7.

قال أحمد: معناه: لا يدفع رهناً إلى رجل(1) و يقول: إن جئتك بالدراهم إلى كذا و كذا، و إلّا فالرهن لك(2).

و لأنّه علّق البيع على شرط، فإنّه جَعَله مبيعاً بشرط أن لا يوفيه الحقّ في محلّه، و البيع المعلّق بشرطٍ لا يصحّ، و إذا شرط هذا الشرط، فسد الرهن؛ لما تقدّم في سائر الشروط الفاسدة.

و قال بعض العامّة: لا يفسد الرهن؛ لقوله (عليه السّلام): «لا يغلق الرهن»(3) فنفى غلقه دون أصله، فدلّ على صحّته. و لأنّ الراهن قد رضي برهنه مع هذا الشرط، فمع بطلانه أولى أن يرضى به(4).

و لو قال: رهنتك هذا على أن تزيدني في الأجل، بطل، لأنّ الأجل لا يثبت في الدَّيْن إلّا أن يكون مشروطاً في عقدٍ وجب [به(5)] فإذا لم يثبت الأجل لم يصّح الرهن؛ لأنّه جعله في مقابلته.

مسألة 177: قد بيّنّا أنّه إذا شرط في عقد الرهن أنّه إذا حلّ الأجل فهو مبيع،

أو على أن يكون مبيعاً منه بعد شهر، فالرهن و البيع باطلان.

أمّا الرهن: فلكونه مؤقّتاً.

و أمّا البيع: فلكونه مشروطاً، و يكون المال أمانةً في يده قبل دخول وقت البيع، و بعده يكون مضموناً؛ لأنّ البيع عقد ضمان.

و قال بعض الشافعيّة: إنّما يصير مضموناً إذا أمسكه عن جهة البيع،

ص: 257


1- في «ج» و الطبعة الحجريّة: «أجل» بدل «رجل». و ما أثبتناه هو الموافق لما في المصدر، و كما نسخة بدل في هامش الطبعة الحجريّة.
2- المغني 466:4، الشرح الكبير 458457:4.
3- تقدّم تخريجه في ص 160، الهامش (6).
4- المغني 466:4، الشرح الكبير 458:4.
5- ما بين المعقوفين يقتضيه السياق.

أمّا إذا أمسكه على موجَب الدَّيْن فلا(1).

و المشهور عندهم: الأوّل(2).

فلو غرس أو بنى قبل دخول وقت البيع، قلع مجّاناً. و كذا لو غرس بعده و هو عالم بفساد البيع.

و إن كان جاهلاً، لم يقلع مجّاناً؛ لوقوعه بإذن المالك، و جهله بعدم الجواز، فيكون الحكم كما لو غرس المستعير و رجع المعير.

مسألة 178: لو ادّعى المرتهن تلف الرهن في يده، قُبل قوله مع اليمين

و به قال الشافعي(3) لأنّه قد يتعذّر عليه إقامة البيّنة. و لأنّه أمين.

و قال مالك: إن خفي هلاكه، لم يُقبل(4).

و لو ادّعى ردّه إلى الراهن، فالقول قول الراهن مع يمينه، و لا يُقبل قول المرتهن إلّا ببيّنة؛ لأنّه منكر، فعليه اليمين، و به قال بعض الشافعيّة؛ لأنّه أخذه لمنفعة نفسه، فأشبه المستعير، بخلاف دعوى التلف؛ لأنّه لا يتعلّق بالاختيار، فلا تُساعد فيه البيّنة(5).

قالوا: و كذا الحكم في المستأجر إذا ادّعى الردّ(6).

و يُقبل قول المودع و الوكيل بغير جُعْل من اليمين؛ لأنّهما أخذا المال لتحقّق غرض المالك و قد ائتمنهما.

و أمّا الوكيل بجُعْلٍ و المضارب و الأجير المشترك إذا لم نضمّنه، للشافعيّة.

ص: 258


1- العزيز شرح الوجيز 509:4، روضة الطالبين 336:3.
2- العزيز شرح الوجيز 509:4، روضة الطالبين 336:3.
3- العزيز شرح الوجيز 509:4، روضة الطالبين 337:3، المغني 479:4، الشرح الكبير 445:4.
4- العزيز شرح الوجيز 509:4.
5- العزيز شرح الوجيز 509:4، روضة الطالبين 337:3.
6- العزيز شرح الوجيز 509:4، روضة الطالبين 337:3.

فيهم وجهان:

أحدهما: أنّهم مطالَبون بالبيّنة؛ لأنّهم أخذوا لغرض أنفسهم في الأُجرة و الربح.

و أصحّهما عندهم: أنّه يُقبل قولهم مع اليمين؛ لأنّهم أخذوا العين لمنفعة المالك، و انتفاعهم بالعمل [في العين(1)] لا بالعين، بخلاف المرتهن و المستأجر(2).

و الأولى عندي: الأوّل و قال بعضهم: كلّ أمينٍ مصدَّقٌ في دعوى الردّ، كالمودع، و لا عبرة لمنفعته في الأخذ، كما لا عبرة [بها(3)] في وجوب الضمان عند التلف، بخلاف المستعير و المستام(4).

مسألة 179: لو رهن الغاصب العينَ من إنسان فتلف في يد المرتهن،
اشارة

فللمالك تضمين الغاصب، و به قال الشافعي(5).

و هل له أن يطالب المرتهن ؟ الحقّ عندنا: نعم؛ لأنّ يده متفرّعة على يد الغاصب، و المالك لم يأتمنه، و قال (عليه السّلام):

«على اليد ما أخذت حتى تؤدّي»(6) و هو أصحّ وجهي الشافعيّة.

ص: 259


1- بدل ما بين المعقوفين في «ج»: «بالغير» كما هو الظاهر في الطبعة الحجريّة. و ذلك تصحيف، و ما أثبتناه هو الموافق لما في المصدر.
2- العزيز شرح الوجيز 509:4، روضة الطالبين 337:3.
3- ما بين المعقوفين من «العزيز شرح الوجيز».
4- العزيز شرح الوجيز 509:4، روضة الطالبين 337:3.
5- العزيز شرح الوجيز 510:4، روضة الطالبين 337:3.
6- سنن ابن ماجة 2400/802:2، سنن أبي داوُد 3561/296:3، سنن الترمذي 1266/566:3، المستدرك للحاكم 47:2.

و الثاني: المنع؛ لأنّ يده يد أمانة(1). و هو ممنوع.

و على ما اخترناه لو رجع المالك على الغاصب، كان للغاصب الرجوع على المرتهن مع علمه. و إن رجع على المرتهن، كان له الرجوع على الغاصب مع جهله؛ لأنّه غرّة، و عدمه مع علمه؛ لأنّه تلف في يده مع عدوانه.

و للشافعيّة وجهان:

أحدهما: أنّ الضمان يستقرّ على المرتهن؛ لحصول التلف عنده، و نزول التلف منزلة الإتلاف في المغصوبات.

و أظهرهما عندهم: أنّه يرجع؛ لتغرير إيّاه، و عدم التعدّي منه(2).

و كذا البحث في المستأجر من الغاصب و المستودع منه و المضارب و الذي دفع المغصوب إليه و وكّله ببيعه.

و كلّ ذلك فيما إذا جهلوا كونه مغصوباً، فإن علموا، فهُمْ غاصبون أيضاً.

و المستعير منه مع التضمين و مطلقاً عند الشافعي(3) و المستام يطالَبان، و يستقرّ عليهما الضمان؛ لأنّ يد كلّ واحدٍ منهما يد ضمان.

فروع:

أ - لو رهن بشرط أن يكون مضموناً على المرتهن، فسد الرهن و الشرط؛ لما بيّنّا من فساد العقد بفساد الشرط، ثمّ لا يكون مضموناً عليه.

ص: 260


1- 3) العزيز شرح الوجيز 510:4، روضة الطالبين 337:3.
2- العزيز شرح الوجيز 510:4، روضة الطالبين 337:3.
3- العزيز شرح الوجيز 510:4، روضة الطالبين 337:3.

ب لو قال: خُذْ هذا الكيس و استوف حقّك منه، فهو أمانة في يده قبل أن يستوفي حقّه منه، فإذا استوفاه منه، كان مضموناً عليه. و لو فضل منه فضلة، فالأقرب: أنّها أمانة.

و لو قال: و فيه دراهم خُذْه(1) بدراهمك، و كانت الدراهم التي فيه مجهولةَ القدر، أو كانت أكثر من دراهمه، لم يملكه، و دخل في ضمانه بحكم الشراء الفاسد. و إن كانت معلومةً و بقدر حقّه، ملَكه.

ج لو قال: خُذْ هذا العبد بحقّك، و لم يكن سَلَماً فقَبِل، ملَكه. و إن لم يقبل و أخذه، دخل في ضمانه بحكم الشراء الفاسد.

مسألة 180: إذا احتاج الرهن إلى مئونة يبقى بها الرهن كنفقة العبد و كسوته و علف الدابّة كانت على الراهن؛

لما رواه العامّة عن النبيّ (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم) قال: «الرهن من راهنه، له غُنْمه، و عليه غُرْمه»(2).

قوله (عليه السّلام): «من راهنه» أي: من ضمان راهنه.

و من طريق الخاصّة: قول رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم): «الظهر يُركب إذا كان مرهوناً، و على الذي يركبه نفقته، و الدَّرُّ يُشرب إذا كان مرهوناً، و على الذي يشرب نفقته»(3).

و قد قلنا: إنّ المرتهن ممنوع من التصرّف، و إنّ المنافع للراهن، فتكون نفقته عليه.

و في معناه سقي الأشجار و مئونة الجذاذ و تجفيف الأثمار و أُجرة

ص: 261


1- في «ج» و الطبعة الحجريّة: «خذ». و الظاهر ما أثبتناه.
2- نصّه في المغني 468:4، و نحوه في سنن الدارقطني 123/33:3، و سنن البيهقي 39:6، و التهذيب لابن عبد البر 426:6، و 430.
3- الفقيه 886/195:3، التهذيب 775/17617:7.

الإصطبل و البيت الذي يُحفظ فيه المتاع المرهون إذا لم يتبرّع به المرتهن أو العدل خلافاً لأبي حنيفة في اجرة الإصطبل و البيت(1) و أُجرة مَنْ يردّ العبد من الإباق، و ما أشبه ذلك.

إذا عرفت هذا، فهل يُجبر الراهن على أداء هذه المئونة حتى يقوم بها من خالص ماله ؟ للشافعيّة وجهان:

أحدهما: أنّه يُجبر لتبقى وثيقة المرتهن.

و الثاني: أنّه لا يُجبر عند الامتناع، بل يبيع القاضي جزءاً من المرهون بحسب الحاجة، فلو كانت تستوعب الرهن قبل الأجل، فعلى الثاني يلحق بما يفسد قبل الأجل، فيباع و يُجعل ثمنه رهنا(2).

قيل عليه: هذا إمّا أن يلحق بمالا يتسارع إليه الفساد ثمّ عرض ما أفسده، أو بما يتسارع إليه الفساد. و الأوّل باطل؛ لأنّ العارض هناك اتّفاقي غير متوقّع، و الحاجة إلى المئونة معلومة متحقّقة. و إن كان الثاني، لزم إثبات الخلاف المذكور في رهن ما يتسارع إليه الفساد في رهن كلّ ما يحتاج إلى نفقة أو مكان يحفظ فيه(3).

و على الأوّل و هو الأصحّ عندهم لو لم يكن للراهن شيء أو لم يكن حاضراً، باع الحاكم جزءاً من المرهون، و اكترى به بيتاً يحفظ فيه الرهن(4).

و أمّا المئونة الزائدة فيمكن أن يقال: حكمها حكم ما لو هرب3.

ص: 262


1- تحفة الفقهاء 44:3، بدائع الصنائع 151:6، العزيز شرح الوجيز 507:4، المغني 474:4، الشرح الكبير 441:4.
2- العزيز شرح الوجيز 506505:4، روضة الطالبين 332:3.
3- العزيز شرح الوجيز 506:4.
4- العزيز شرح الوجيز 506:4، روضة الطالبين 332:3.

الجمّال و ترك الجِمال المستأجرة أو عجز عن الإنفاق عليها.

مسألة 181: يجوز للراهن أن يفعل بالمرهون ما فيه مصلحته،

و ليس للمرتهن منعه منه، كفصد العبد و حجامته و المعالجة بالأدوية و المراهم، لكن لا يُجبر عليها، بخلاف النفقة، و هو أحد وجهي الشافعيّة(1).

ثمّ إن كانت المداواة ممّا يرجى نفعه و لا يُخاف غائلته، جاز: و إن كان ممّا يخاف، فالأقوى عدم المنع أيضاً منه، و يكتفى بأنّ الغالب منه السلامة.

و للشافعيّة وجهان، و يجريان في قطع اليد المتآكلة إذا كان في قطعها و تركها خطر، فإن كان الخطر في الترك دون القطع، فله القطع، و ليس له قطع سِلْعَة(2) و لا إصبع لا خطر في تركها إذا خِيف منه ضرر. و إن كان الغالب فيه السلامة، ففيه الخلاف(3).

و له أن يختن العبد و الأمة في وقت اعتدال الهواء إن كان يندمل قبل حلول الأجل؛ لأنّه أمر لا بدّ منه، الغالب فيه السلامة. و إن لم يندمل و كان فيه نقص، لم يجز. و كذا لو كان به عارض يخاف معه من الختان.

و للراهن تأبير النخل المرهونة.

و لو ازدحمت و قال أهل الخبرة: تحويلها أنفع؛ جاز تحويلها.

و كذا لو رأوا قطع البعض لصلاح الأكثر.

و ما يُقطع منها أو يجفّ فهو مرهون، بخلاف ما يحدث من السعف و يجفّ، فإنّ الراهن مختصّ به، و ينزّل منزلة النماء.

ص: 263


1- العزيز شرح الوجيز 506:4، روضة الطالبين 333:3.
2- السِّلْعة: الضواة، و هي زيادة تحدث في الجسد مثل الغُدّة. لسان العرب
3- العزيز شرح الوجيز 506:4، روضة الطالبين 333:3.

و لا يمنع من رعي الماشية في وقت الأمن، و تأوي ليلاً إلى يد المرتهن أو العدل.

و لو أراد الراهن أن يبعد لطلب الرعي و بالقرب ما يكفيها، فللمرتهن المنع، و إلّا فلا.

و تؤوى إلى يد عَدْلٍ يتّفقان عليه أو ينصبه الحاكم.

و لو أراد المرتهن ذلك و ليس بالقرب ما يكفي، لم يُمنع.

و كذا لو أراد نقل المتاع من بيتٍ ليس بحرزٍ إلى حرزٍ.

و لو نَبا(1) بهما المكان و أرادا الانتقال، فإن كان إلى أرضٍ واحدة، فلا إشكال، و إلّا جُعلت الماشية مع الراهن، و يحتاط ليلاً، كما تقدّم.».

ص: 264


1- نبا به منزله و فراشه: لم يوافقه. و نبَتْ بي تلك الأرض: لم أجد بها قراراً. لسان العرب 302:15 «نبا».

الفصل الخامس: في وضع الرهن على يد العَدْل

مسألة 182: يجوز أن يشترط المتراهنان وضع الرهن على يد أحدهما أو ثالثٍ غيرهما،

سواء تعدّد أو اتّحد؛ عملاً بقوله (عليه السّلام): «المؤمنون عند شروطهم»(1).

إذا عرفت هذا، فإنّ ذلك العَدْل يكون وكيلاً للمرتهن نائباً عنه في القبض، فمتى قبضه صحّ قبضه و به قال علماؤنا، و جماعة الفقهاء، منهم: عطاء و عمرو بن دينار و مالك و الثوري و ابن المبارك و الشافعي و إسحاق و أبو ثور و أحمد و أصحاب الرأي(2) لأنّه قبض في عقدٍ، فجاز فيه التوكيل، كسائر القبوض.

و قال الحكم و الحارث العكلي و قتادة و داوُد و ابن أبي ليلى: لا يكون مقبوضاً بذلك؛ لأنّ القبض من تمام العقد يتعلّق بأحد المتعاقدين، كالإيجاب و القبول(3).

و الفرق بينه و بين القبول: أنّ الإيجاب إذا كان لشخصٍ كان القبول منه؛ لأنّه مخاطَب. و لو كلّ في الإيجاب و القبول قبل أن يوجب له، صحّ.

و ما ذكروه ينتقض بالقبض في البيع فيما يعتبر القبض فيه.

إذا عرفت هذا، فإنّه يجوز أن يجعلا الرهن على يد مَنْ يجوز

ص: 265


1- التهذيب 1503/371:7، الاستبصار 835/232:3، الجامع لأحكام القرآن 33:6.
2- المغني 419418:4، الشرح الكبير 448:4.
3- المغني 419418:4، الشرح الكبير 448:4.

توكيله، و هو جائز التصرّف، سواء مسلماً أو كافراً، عَدْلاً أو فاسقاً، ذكراً كان أو أُنثى.

و لا يجوز أن يكون صبيّاً؛ لأنّه غير جائز التصرّف مطلقاً، فإن فعلا ذلك، كان قبضه و عدم قبضه واحداً.

و لا يجوز أن يكون عبداً بغير إذن سيّده؛ لأنّ منافع العبد لسيّده، و لا يجوز تضييعها في الحفظ بغير إذنه، فإن أذن مولاه، جاز.

و أمّا المكاتب فإن كان بجُعْلٍ، جاز؛ لأنّه مكتسب، و هو سائغ له بغير إذن السيّد. و إن كان بغير جُعْلٍ، لم يجز؛ لأنّه التبرّع بمنافعه.

مسألة 183: لو شرط جَعْل الرهن على يد عَدْلٍ و شرطا له أن يبيعه عند حلول الحقّ، صحّ؛

لأنّ ذلك [يكون] توكيلاً(1) في البيع منجّزاً، و إنّما الشرط في التصرّف. و صحّ بيعه، و به قال أبو حنيفة و مالك و الشافعي و أحمد(2).

و إن عزل الراهن العَدْلَ عن البيع، قال الشيخ (رحمه اللّه): لا ينعزل، لا تنفسخ وكالته، و كان له بيع الرهن(3) و به قال أبو حنيفة و مالك(4) لأنّ وكالته صارت من حقوق الرهن، فلم يكن للراهن إسقاطها(5) ، كسائر

ص: 266


1- في «ج» و الطبعة الحجرية: «و لأنّ ذلك توكيلاً». و الظاهر أنّ الصحيح ما أثبتناه.
2- الهداية للمرغيناني 142:4، الوسيط 506:3، العزيز شرح الوجيز 501:4، روضة الطالبين 329:3، المغني 423:4، الشرح الكبير 454:4.
3- الخلاف 243:3، المسألة 41، المبسوط للطوسي 217:2.
4- المبسوط للسرخسي 8079:21، بدائع الصنائع 151:6، الهداية للمرغيناني 142:4، حلية العلماء 432:4 العزيز شرح الوجيز 501:4، المغني 423:4، الشرح الكبير 454:4.
5- في «ج» و الطبعة الحجريّة: «إسقاطه». و الظاهر ما أثبتناه.

حقوقه.

و قال الشافعي و أحمد: يصحّ العزل، و لا يملك البيع؛ لأنّ الوكالة عقد جائز، فلم يلزم العاقد المقام عليها، كسائر الوكالات.

قالوا: و كونه من حقوق الرهن لا يمنع بقاءه على جوازه، كما أنّ الرهن إذا شُرط في البيع لا يصير لازماً قبل القبض، فإن عزله عن البيع، فعلى صحّة العزل يكون للمرتهن فسخ البيع الذي جعل الرهن ثمنه، كما امتنع الراهن من تسليم الرهن المشروط في البيع(1).

هذا إذا كانت الوكالة شرطاً في عقد الرهن، و لو شرطاها بعده، انفسخت بعزل الموكّل و الوكيل إجماعاً.

و أمّا إن عزله المرتهن، فلا ينعزل، قاله الشيخ(2) و به قال أحمد و الشافعي في أحد قوليه(3) ؛ لأنّ العدل وكيل الراهن، إذ المرهون ملكه، و لو انفرد بتوكيله صحّ، فلم ينعزل بعزل غيره.

و الثاني: له عزله(4) ، على معنى أنّ لكلّ واحدٍ منهما منعه من البيع؛ لأنّ المرتهن له أن يمنعه من البيع، لأنّ البيع إنّما يستحقّ بمطالبته، فإذا لم يطالب بالبيع و منعه منه، لم يجز، فأمّا أن يكون ذلك فسخاً فلا.

مسألة 184: إذا وضعا الرهن عند عدل و شرطا أن يبيعه عند المحلّ، جاز.

قال الشيخ (رحمه اللّه): و ليس للعدل أن يبيعه حتى يستأذن المرتهن بإذنٍ

ص: 267


1- حلية العلماء 432:4، العزيز شرح الوجيز 501:4، روضة الطالبين 329:3، المغني 423:4، الشرح الكبير 455454:4.
2- الخلاف 243:3، المسألة 42، المبسوط للطوسي 217:2.
3- المغني 423:4، الشرح الكبير 455:4، حلية العلماء 432:4، العزيز شرح الوجيز 501:4، روضة الطالبين 329:3.
4- المغني 423:4، الشرح الكبير 455:4، حلية العلماء 432:4، العزيز شرح الوجيز 501:4، روضة الطالبين 329:3.

مجدَّد(1) و هو أحد قولي الشافعي، و به قال أحمد(2) لأنّ البيع لحقه، فإذا لم يطالب به، لم يجز بيعه، بل يراجع ليعرف أنّه مطالِبٌ أو مهمل أو مبرئ.

و الثاني: أنّه لا يراجع؛ لأنّ غرضه توفية الحقّ(3).

و أمّا الراهن فقال الشيخ (عليه السّلام): لا يشترط تجديد إذنه و لا مراجعته ثانياً عند البيع(4) و هو أحد قولي الشافعي(5) لأنّ الأصل دوام الإذن الأوّل.

و الثاني: أنّه يشترط تجديد إذنه؛ لأنّه قد يكون له غرض في استبقاء المرهون و يريد قضاء الحقّ من غيره و إبقاء الرهن لنفسه(6).

و لو مات الراهن أو المرتهن، بطلت الوكالة.

و إذا قلنا: إنّ الوكيل لا ينعزل بعزل المرتهن، فلو عاد إلى الإذن، جاز البيع، و لم يشترط تجديد توكيل من الراهن.

قال بعض الشافعيّة: مساق هذا أنّه لو عزله الراهن ثمّ عاد و وكّل، افتقر إلى إذن جديد للمرتهن، و يلزم عليه أن يقال: لا يعتدّ بإذن المرتهن قبل توكيل الراهن(7).

و لو وضعا الرهن على يد عَدْلٍ فمات، فإنّ اتّفق الراهن و المرتهن3.

ص: 268


1- الخلاف 244:3، المسألة 43، المبسوط 217:2.
2- حلية العلماء 432:4، العزيز شرح الوجيز 501:4، روضة الطالبين 329:3، المغني 424423:4، الشرح الكبير 455:4.
3- العزيز شرح الوجيز 501:4، روضة الطالبين 329:3.
4- الخلاف 244:3، المسألة 43، المبسوط للطوسي 218217:2.
5- حلية العلماء 432:4، العزيز شرح الوجيز 501:4، روضة الطالبين 329:3.
6- حلية العلماء 432:4، العزيز شرح الوجيز 501:4، روضة الطالبين 329:3.
7- الوسيط 506:3، العزيز شرح الوجيز 502:4، روضة الطالبين 330:3.

على كونه في يد عَدْلٍ يرتضيه.

و لو كان الرهن في يد المرتهن فمات، فالرهن بحاله، فإن رضي الراهن أن يكون في يده ورثة المرتهن، كان في أيديهم إن اختاروا. و إن أبى ذلك، لم يُجبر على تركه في أيديهم؛ لأنّه لم يرض إلّا بأمانة المرتهن دون ورثته، و يضعه الحاكم عند مَنْ يراه.

مسألة 185: يد العَدْل يد أمانةٍ متطوّع بحفظه، فلو اتّفقا على نقله من يده، كان لهما؛ لأنّ الحقّ لهما.

و إن اختلفا فيه فطالَب أحدهما بالنقل و امتنع الآخر، لم ينقل؛ لأنّهما قد رضيا بأمانته و رضيا بنيابته عنهما في حفظه، فلا يجوز لأحدهما أن ينفرد و إخراجه من يده.

و لو أراد العَدْل ردَّ الرهن فإن كانا حاضرَيْن، كان له ذلك، و عليهما قبوله منه؛ لأنّه أمين متطوّع بحفظه، فلا يلزمه المقام على ذلك، فإذا قبضاه فقد بريء العدْل من حفظه. و إن امتنعا من أخذه، رفع أمرهما إلى الحاكم ليُجبرهما على [تسلّمه(1)] فإن امتنعا أو استترا، نصب الحاكم أميناً يقبضه منه لهما؛ لأنّ للحاكم ولايةً على الممتنع من حقٍّ عليه.

و لو ردّه العَدْل على الحاكم قبل أن يردّه عليهما و قبل امتناعهما من قبضه، لم يكن له ذلك، و كان ضامناً، و كان الحاكم ضامناً أيضاً؛ لأنّ الحاكم لا ولاية له على غير الممتنع.

و ليس للعَدْل أن يدفع الرهن إلى غير المتراهنين مع حضورهما و إمكان الإيصال إليهما، و كذا لو دفعه العَدْل إلى ثقةٍ أمينٍ مع وجودهما، فإنّه يضمن، و يضمن القابض أيضاً؛ لأنّه لا يجوز له أن يُخرجه من يده إلى

ص: 269


1- بدل ما بين المعقوفين في «ج» و الطبعة الحجريّة: «تسليمه». و الظاهر ما أثبتناه.

غير المتراهنين، و ليس للعَدْل القابض قبضه، فضمنه؛ لأنّه قبضه بغير حقٍّ، فلزمه الضمان.

و لو دفعه إلى أحد المتراهنين، فإنّهما يضمنان أيضاً؛ لأنّه وكيل لهما في حفظه، فلم يجز له تسليمه إلى أحدهما دون صاحبه، فإذا سلّمه، ضمن، و ضمن القابض؛ لأنّه قبض ما لا يجوز له قبضه.

و لو امتنعا من القبض و ليس هناك حاكم فتركه عند ثقةٍ، جاز و لا ضمان.

و لو امتنع أحدهما فدفعه إلى الآخَر، ضمن.

و الفرق بينهما أنّ العَدْل يمسكه لهما، فإذا دفعه إلى أحدهما، كان ماسكاً لنفسه، فلم يجز.

و لو كانا غائبين فإن كان للعَدْل عذرٌ في الامتناع من بقائه في يده كسفرٍ عزم عليه، أو مرضٍ خاف منه، أو غير ذلك دفعه إلى الحاكم، و قبضه الحاكم عنهما، أو نصب عَدْلاً يقبضه لهما. و إن لم يجد حاكماً، جاز له أن يودعه عند ثقةٍ، و لا ضمان على أحدهما.

فإن أودعه عند ثقةٍ مع وجود الحاكم، فالأقرب: الضمان؛ لأنّ الولاية في مال الغائب إلى الحاكم.

و للشافعيّة وجهان(1).

و إن لم يكن له عذرٌ، قال الشيخ (رحمه اللّه): لم يجز له تسليمه إلى الحاكم(2). و هو جيّد.2.

ص: 270


1- المهذب للشيرازي 367:1، العزيز شرح الوجيز 499:4 و 294:7، روضة الطالبين 326:3، و 29:5.
2- الخلاف 247:3، المسألة 49، المبسوط للطوسي 221:2.

و فصّل الشافعي فقال: إن كانت غيبتهما طويلةً و هو السفر الذي يقصر فيه الصلاة فإنّ الحاكم يقبضه عنهما، و لا يلجئه إلى حفظه، و إن لم يجد حاكماً، أودعه عند ثقة أو أمين: و إن كانت المسافة قصيرةً، فهو كما لو كانا حاضرَين(1).

و إن كان أحدهما غائباً و الآخَر حاضراً، لم يجز تسليمه إلى الحاضر، و كان كما لو كانا غائبين.

و ليس له قسمته و إعطاء الحاضر نصفه، بخلاف ما لو أودع اثنان وديعةً عند ثالثٍ و غاب أحدهما الآخَر فطالَب، فإنّ الحاكم يقسّمها بينه و بين الغائب؛ لأنّ المودعين ما لكان ظاهراً؛ لثبوت يدهما معاً عليها، فقسّمها الحاكم، و هنا الملك لأحدهما و للآخَر حقّ الوثيقة، و ذلك لا يمكن قسمته، فاختلفا.

مسألة 186: لو جعلا الرهن على يد عَدْلين، جاز إجماعاً، و لهما إمساكه،

و لا يجوز لأحدها الانفراد بحفظه. فإن سلّمه أحدها إلى الآخَر، ضمن النصف؛ لأنّه القدر الذي تعدّى فيه. و لأنّ الراهن لم يرض بأمانة أحدهما، و إنّما رضي بأمانتهما جميعاً، فلا يجوز لأحدها أن ينفرد بحفظه.

و يحتمل عندي أن يكون عليهما معاً ضمان الكلّ.

و ليس لهما أن يقتسما الرهن و إن كان ممّا يمكن قسمته من غير ضرر، مثل الطعام و الزيت، و هذا أحد وجهي الشافعيّة.

و في الآخَر: يجوز أن يدفعه أحدهما إلى الآخَر؛ لأنّ اجتماعهما على حفظه ممّا يشقّ عليهما و يتعذّر، فحمل الأمر على أنّ لكلّ واحدٍ منهما

ص: 271


1- راجع: المغني 422:4، و الشرح الكبير 450:4.

الحفظ(1).

و هو ممنوع؛ لإمكان جَعْله في محرز لهما لكلّ واحدٍ منهما عليه قُفْلٌ.

و قال أبو حنيفة: إن كان ممّا لا ينقسم، جاز لكلّ واحدٍ منهما إمساك جميعه. و إن كان ممّا يمكن قسمته، لم يجز، بل يقتسمانه(2).

و قال أبو يوسف و محمّد: يجوز أن يضعاه في يد أحدهما بكلّ حال(3).

احتجّ أبو حنيفة بأنّه إذا كان ممّا ينقسم فقَبْضُ أحد النصفين لا يكون شرطاً في الآخر، لأنّه ممّا لا يستحقّ عليه بدل، كما لو وهب لرجل عينين فقَبِل إحداهما، بخلاف البيع، فإذا ثبت لأحدهما إمساك نصفه، لم يُسلّم إلى غيره.

و على القول الثاني للشافعيّة و هو جواز دفع أحدهما إلى الآخر لو كان ممّا ينقسم فقسّماه بينهما، جاز، و انفرد كلّ واحدٍ منهما بحفظ ما في يده، فإن أراد أحدهما أن يردّ ما في يده إلى الآخَر، فوجهان:

أحدهما: يجوز؛ لأنّه كان يجوز لكلٍّ منهما أن ينفرد بحفظ جميعه.

و الثاني: لا يجوز؛ لأنّه لمّا اقتسماه بينهما صار في يد كلّ واحدٍ ما ينفرد(4) بحفظه، فلم يكن له ردّه إلى غيره. و لأنّ قبل القسمة جاز ذلك؛ه.

ص: 272


1- المهذّب للشيرازي 317:1، حلية العلماء 430429:4، المغني 420419:4، الشرح الكبير 449:4.
2- المبسوط للسرخسي 79:21، حلية العلماء 430:4، المغني 420:4، الشرح الكبير 449:4.
3- المبسوط للسرخسي 79:21، حلية العلماء 430:4، المغني 420:4، الشرح الكبير 449:4.
4- في الطبعة الحجريّة و «ج»: «صار ما في يد كلّ واحدٍ ينفرد». و الظاهر ما أثبتناه.

لحصول المشقّة، و بعد القسمة زالت المشقّة(1).

مسألة 187: لو جني على الرهن في يد العَدْل، وجبت قيمته على الجاني، و كانت رهناً.

و للعَدْل حفظها؛ لأنّها بدل الرهن، و له إمساك الرهن و حفظه، و القيمة قائمة مقامه. و بطلت وكالته في بيع العين بتلفها، فلا تتعلّق الوكالة بالقيمة، بل تبطل؛ لأنّ الوكالة كانت في العين دون قيمتها، و بطلت الوكالة؛ لأنّها لم تصر من حقوق الرهن، و إنّما هي باقية على جوازها، و لهذا للراهن الرجوعُ، بخلاف إمساك العَدْل الرهنَ.

و لو كان الرهن في يد العَدْل فقبضه المرتهن، وجب عليه ردّه إليه؛ لأنّ الراهن لم يرض بتسليمه إليه، فإذا ردّه إلى العَدْل، زال عنه الضمان.

و لو كان الرهن في يد المرتهن فتعدّى فيه ثمّ أزال التعدّي أو سافر به ثمّ ردّه، لم يزل عنه الضمان؛ لأنّ استئمانه بطل بذلك، فلم يعتد بفعله، و لا تعود الأمانة إلّا بأن يرجع إلى صاحبه ثمّ يردّه إليه أو إلى وكيله أو يبرئه من ضمانه.

و لو غصب المرتهن الرهنَ من يد العَدْل، ضمنه، فإن ردّه إليه، زال الضمان؛ لأنّه قد ردّه إلى وكيله.

و لو افترض ذمّيّ من مسلم مالاً و رهن عنده خمراً و جعله على يد ذمّيّ، لم يصح الرهن، فإذا حلّ الحقّ و باعها الذمّي العَدْل و جاء بالثمن، قال الشيخ (رحمه اللّه): جاز له أخذه، و لا يُجبر عليه(2).

و للشافعي في إجبار المسلم قبض الثمن وجهان: أحدهما: لا يُجبر؛

ص: 273


1- المهذّب للشيرازي 317:1، حلية العلماء 430:4، العزيز شرح الوجيز 499:4، روضة الطالبين 326:3.
2- الخلاف 248:3، المسألة 52، المبسوط للطوسي 223:2.

لأنّه قد تعيّن ثمن الخمر، و ذلك غير مملوك. و الثاني: يُجبر؛ لأنّ أهل الذمّة إذا تقابضوا في العقود الفاسدة جرى مجرى الصحيحة، فيقال: إمّا أن تقبض، و إمّا أن تبرئ(1).

و إن جعلها على يد مسلم فباعها عند محلّ الحقّ أو باعها الذمّيّ من مسلمٍ، لم يُجبر المرتهن على قبول الثمن؛ لأنّ البيع فاسد لا يُقرّان عليه، و لا حكم له.

مسألة 188: إذا أذن الراهن و المرتهن للعَدْل في بيع الرهن،

فإن عيّنا له قدراً أو جنساً، لم يجز له أن يعدل عمّا ذكراه إلى أقلّ؛ لأنّ الحقّ لهما لا شيء للعَدْل فيه.

فإن أطلقا البيع، جاز له البيع بثمن المثل حالّا بنقد البلد، و به قال الشافعي(2) ، خلافاً لأبي حنيفة؛ فإنّه جوّز أن يبيعه و لو بدرهمٍ واحد؛ لإطلاق الأوّل(3).

ليس جيّداً؛ لأنّ الإطلاق محمول على المعتاد المتعارف بين الناس، و هو هنا مقيّد بما قلناه.

فإن باعه العَدْل بدون ثمن المثل، فإن كان بقدر ما يتغابن به الناس، فالأقوى: الجواز؛ لأنّه مندرج تحت المتعارف. و إن كان بأزيد ممّا يتغابن به الناس، لم يصح، مثل أن يكون الرهن يساوي مائة درهم و يتغابن الناس يه بخمسة دراهم، فباعه العَدْل بثمانين، بطل، و رجع الراهن في العين إن كانت باقية، و إن كانت تالفةً، كان له الرجوع على أيّهما شاء.

فإن رجع على المشتري، رجع بقيمتها، و لا يردّ المشتري على

ص: 274


1- حلية العلماء 460:4.
2- المغني 426:4، الشرح الكبير 452:4.
3- المغني 426:4، الشرح الكبير 452:4.

العَدْل. و إن رجع على العَدْل، رجع بجميع القيمة؛ لأنّه أخرج العين من يده على وجهٍ يجز له، فضمن جميع قيمتها، صار كما لو أتلفها، فإنّه يرجع عليه بجميع القيمة، و هو أصحّ قولي الشافعي.

و الثاني: أنّه يرجع عليه نقص من ثمن مثلها الذي يتغابن به الناس، فيرجع بالباقي على المشتري؛ لأنّ ذلك هو القدر الذي فرّط فيه، فإنّه لو باعها بما يتغابن الناس بمثله، نفذ بيعه، و يلزم عليه المشتري؛ لأنّه لو اشتراه بما يتغابن الناس عليه(1) لم يرجع عليه بشيء، و مع هذا يجب عليه جميع القيمة(2).

و كذا لو أوجبنا تعميم العطاء في الزكاة و أعطى بعض الأصناف الزكاةَ و حرّم بعضاً، فكم يضمن ؟ للشافعيّة وجهان:

أحدهما: القدر الذي لو أعطاهم في الابتداء جاز؛ لأنّ التفضيل جائز.

و الثاني: يضمن بقدر ما يخصّهم إذا سوّى بين العدد(3). و كذا لو قالوا(4) في الأُضحية(5).

فأمّا إذا باعه بثمن مثله أو بما يتغابن الناس بمثله، صحّ البيع.2.

ص: 275


1- كذا، و الظاهر: «بمثله» بدل «عليه».
2- العزيز شرح الوجيز 503:4، روضة الطالبين 331:3.
3- المهذّب للشيرازي 180:1، المجموع 218:6، الوجيز 295:1، العزيز شرح الوجيز 408:7، روضة الطالبين 192191:2.
4- كذا، و الظاهر: «و كذا قالوا».
5- المهذّب للشيرازي 247:1، المجموع 416:8، الحاوي الكبير 118:15، حلية العلماء 376:3، الوجيز 214:2، العزيز شرح الوجيز 109:12، روضة الطالبين 419:2.

و إن باعه العَدْل بغير نقد البلد أو باعه بثمن مؤجّل، لم يصحّ البيع، و يجب ردّ العين، فإن كانت باقيةً، استرجعها، و إن كانت تالفةً، رجع بقيمتها على مَنْ شاء منهما، فإن رجع على العدل، رجع العدل على المشتري؛ لأنّ التلف كان في يده، و إن رجع على المشتري، لم يرجع على العدل.

مسألة 189: إذا باع العَدْل بثمن المثل أو بما يتغابن به الناس، صحّ البيع؛

لأنّ ما يتغابن به الناس لا يمكن الاحتراز عنه، و هو يقع لأهل الخبرة و البصيرة، و المرجع في ذلك إليهم.

فإن جاء بعد البيع مَنْ زاد في ثمنه، فإن كان بعد لزوم البيع و انقطاع الخيار بينهما، لم يعتد بهذه الزيادة؛ لأنّه لا يجوز له قبولها، و لا يملك فسخ البيع في هذه الحال.

و إن كان ذلك من زمن الخير مثل أن يكون قبل التفرّق عن المجلس أو في زمن خيار الشرط، فإنّه يجوز له قبول الزيادة، و فسخ العقد، فإن لم يقبل الزيادة، لم ينفسخ العقد، قاله الشيخ(1) (رحمه اللّه)؛ لأنّ العقد قد صحّ، و هذه الزيادة مظنونة، فلا ينفسخ بها العقد، و هو أحد قولي الشافعي.

و قال في الآخر: إنّه ينفسخ؛ لأنّه مأمور بالاحتياط، و حالة الخيار بمنزلة حال العقد، و لو دفع إليه زيادة في حالة العقد و باع بالنقصان لم يصح بيعه و إن كان قد باع بثمن المثل، فكذا هنا(2).

فلو بدا للراغب فإن كان قبل التمكّن من البيع منه، فالبيع الأوّل بحاله. و إن كان بعده، فقد ارتفع ذلك البيع، فلا بدّ من بيعٍ جديد.

ص: 276


1- الخلاف 245:3، المسألة 45.
2- العزيز شرح الوجيز 503:4، روضة الطالبين 332331:3.

و قال بعض الشافعيّة: إذا بدا له، كان البيع بحاله، كما لو بذل الابن الطاعة لأبيه في الحجّ و جعلناه مستطيعاً به ثمّ رجع عن الطاعة قبل أن يحجّ أهل بلده، عرفنا عدم الوجوب(1).

و لو لم يفسح العَدْل البيعَ الأوّل و باع من الراغب، ففي كونه فسخاً لذلك البيع ثمّ في صحّته خلاف تقدّم.

و لهم خلاف في أنّ الوكيل بالبيع لو باع ثمّ فسخ البيع هل يتمكّن من البيع مرّة أُخرى ؟(2).

مسألة 190: إذا باع العَدْل الرهنَ بإذنهما، فالثمن يكون أمانةً في يده لا ضمان عليه فيه إجماعاً،

و يكون من ضمان الراهن إلى أن يتسلّمه المرتهن، فإن تلف في يده من غير تفريطٍ، لم يسقط من دَيْن المرتهن شيء و به قال الشافعي و أحمد(3) لأنّ العَدْل وكيل الراهن في البيع، و الثمن ملكه، و هو أمين له في قبضه، فإذا تلف، كان من ضمانه، كسائر الأُمناء.

و قال أبو حنيفة و مالك: يكون من ضمان المرتهن(4).

أمّا أبو حنفية فبناه على أصله من أنّ الرهن مضمون على المرتهن و الثمن بدله، فيكون مضموناً.

و ليس بجيّد؛ لما عرفت من أنّ الرهن أمانة.

و أمّا مالك فإنّه يقول: البيع حقّ للمرتهن، و هو تابع لحقّه، و الثمن

ص: 277


1- العزيز شرح الوجيز 503:4، روضة الطالبين 332:3.
2- العزيز شرح الوجيز 503:4، روضة الطالبين 332:3.
3- حلية العلماء 461:4، العزيز شرح الوجيز 502:4، روضة الطالبين 330:3، المغني 427:4، الشرح الكبير 452:4.
4- حلية العلماء 461:4، العزيز شرح الوجيز 502:4، المغني 427:4، الشرح الكبير 452:4.

يكون للمرتهن، و يبرأ الراهن ببيع الرهن.

و قوله: «الثمن يكون للمرتهن» ليس بصحيح؛ لأنّه بدل الرهن، و إنّما تعلّق حقّ المرتهن باستيفاء الثمن منه؛ لما روي عن النبيّ (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم) أنّه قال: «الرهن من راهنه»(1)التهذيب للبغوي 65:4، العزيز شرح الوجيز 502:4، روضة الطالبين 330:3.(2) بمعنى من ضمان راهنه، و هذه عادة العرب في حذف المضاف.

و لو باع العَدْل و تلف الثمن في يده من غير تفريطٍ ثمّ خرج الرهن مستحقّاً، فإن كان العَدْل قد أعلم المشتري أنّه وكيل الراهن، فإنّ العهدة على الراهن، و كذا كلّ وكيلٍ باع مالَ غيره و به قال الشافعي و أحمد(3) لأنّه نائبه في عقدٍ عن غيره، فلم يلزمه الضمان، كأمين الحاكم و سائر الوكلاء.

و لا يكون العَدْل طريقاً للضمان في أصحّ وجهي الشافعيّة؛ لأنّه نائب الحاكم، و الحاكم لا يطالب فكذا نائبه.

و الثاني: يكون طريقاً، كالوكيل و الوصي(3).

و قال أبو حنيفة: العهدة على الوكيل، و يرجع على الراهن. و بنى ذلك على أنّ حقوق العهدة تتعلّق عنده بالوكيل(4).

و هو ممنوع على ما يأتي في الوكالة.

و قال مالك: لا عهدة على العَدْل، و لكن يرجع المشتري على المرتهن، و يعود دَيْنه في ذمّة الراهن كما كان؛ لأنّ البيع وقع للمرتهن4.

ص: 278


1- تقدّم تخريجه في ص 163، الهامش
2- .
3- المغني 427:4، الشرح الكبير 452:4.
4- بدائع الصنائع 149:6، حلية العلماء 461:4، المغني 427:4، الشرح الكبير 452:4.

بمطالبته و استحقاقه، و كانت العهدة عليه، كالموكّل(1).

و قد بيّنّا أنّه نائب عن الراهن وكيلٌ له دون المرتهن.

و لو خرج مستحقّاً بعد ما دفع الثمن إلى المرتهن، فإنّ للمشتري أن يرجع على الراهن(2) ، و به قال الشافعي(3).

و قال أبو حنيفة: يرجع على العَدْل و يرجع العَدْل على المرتهن أو على الراهن أيّهما شاء(4).

و إن كان المشتري ردّه عليه بعيبٍ، لم يكن له الرجوعُ على المرتهن؛ لأنّه قبضه بحقٍّ، و إنّما يرجع على الراهن.

و إن كان العَدْل حين باعه لم يُعلم المشتري أنّه وكيل، كان للمشتري الرجوعُ عليه، و يرجع هو على الراهن إن أقرّ بذلك أو قامت به بيّنة، و إن أنكر ذلك، كان القولُ قولَ العَدْل مع يمينه، فإن نكل عن اليمين، حلف المشتري، و يرجع عليه، و لم يرجع هو على الراهن؛ لأنّه مُقرٌّ بأنّه ظلمه.

مسألة 191: لو باع العَدْل و قبض الثمن ثمّ ادّعى تلفه في يده من غير تفريطٍ،

فالقول قوله مع اليمين، و لا يكلَّف إقامة البيّنة على ذلك؛ لأنّه أمين، و يتعذّر عليه إقامة البيّنة على ذلك، فإن كلّفناه البيّنة، شقّ عليه، فربما أدّى إلى أن لا يدخل الناس في الأمانات، و في ذلك ضرر كثير.

و يكون تالفاً من ضمان الراهن.

و قال أبو حنيفة(5): يكون من ضمان المرتهن؛ لأنّه مرهمون، و الرهن

ص: 279


1- حلية العلماء 462:4.
2- في المغني و الشرح الكبير: «المرتهن» بدل «الرهن».
3- المغني 428:4، الشرح الكبير 452:4.
4- بدائع الصنائع 149:6، المغني 428:4، الشرح الكبير 452:4.
5- راجع الهامش (5) من ص 174.

عنده مضمون.

و لو قال العَدْل: دفعت الثمن إلى المرتهن، و أنكر المرتهن ذلك، كان عليه إقامة البيّنة، فإن لم تكن هناك بيّنة، فالقول قول المرتهن مع يمينه، كغيره من الدعاوي، و به قال الشافعي(1).

و قال أبو حنيفة: القول قول العَدْل مع يمينه(2).

و إذ حلف المرتهن، أخذ حقّه من الراهن، و يرجع الراهن على العَدْل و إن كان قد أذن له في التسليم.

نعم، لو أذن أوّلاً و صدّقه في التسليم، احتُمل التضمين أيضاً؛ لتقصيره بترك الإشهاد. و عدمه؛ لاعتراف الراهن بأنّه امتثل ما أُمر به، و المرتهن ظالم فيما يأخذه.

و للشافعيّة وجهان، و كذا الوجهان فيما إذا أطلق الإذن في التسليم(3).

فأمّا إذا شرط عليه الإشهاد فتركه، ضمن قطعاً.

و إذا قلنا: إنّه يضمن بترك الإشهاد فلو قال: أشهدت و مات شهودي، و صدّقه الراهن، فلا ضمان. و إن كذّبه، فوجهان يأتيان في باب الضمان إن شاء اللّه تعالى.

احتجّ أبو حنيفة: بأنّه بمنزلة التلف في يده؛ لأنّ العَدْل أمين يُقبل قوله في إسقاط الضمان عن نفسه، و لا يُقبل في إيجاب الضمان على غيره.

و هو ممنوع؛ لأنّ وكيل للراهن في دفع الدَّيْن إلى المرتهن، و إنّما هو وكيل المرتهن في حفظ الرهن، فلم يُقبل قوله فيما ليس بوكيلٍ فيه من4.

ص: 280


1- التهذيب للبغوي 66:4، العزيز شرح الوجيز 502:4، روضة الطالبين 330:3.
2- العزيز شرح الوجيز 502:4.
3- العزيز شرح الوجيز 502:4.

جهته، كما لو وكّل رجلاً في قضاء دَيْنه فادّعى أنّه سلّمه إلى صاحب الدَّيْن و أنكر ذلك.

و يُمنع أنّه كالتلف؛ لأنّ قوله إذا لم يُقبل على المرتهن، وجب أن يسقط قوله، و لا يكون بمنزلة الإتلاف؛ لأنّه لم يدّع التلف.

إذا عرفت هذا، فإذا حلف المرتهن، كان له الرجوع إمّا على الراهن و إمّا على العَدْل.

فإن رجع على العَدْل، رجع بأقلّ الأمرين من دَيْنه أو قيمة الرهن. و إذا رجع عليه، لم يرجع على الراهن بذلك؛ لأنّه يقول: إنّ المرتهن ظالم له بما يرجع به عليه، فلم يرجع على غيره.

و إن رجع على الراهن، كان للراهن الرجوعُ على العَدْل؛ لأنّ العدل فرّط في الدفع؛ لأنّه وكّله في دفع يُبرئه من المرتهن، و قد دفع دفعاً لا يبرئه، إلّا أن يكون الدفع بحضرة الراهن أو أشهد شاهدين فغابا أو ماتا.

مسألة 192: قد بيّنّا أنّه ليس للعَدْل أن يبيع مع الإطلاق إلّا نقداً بثمن المثل من نقد البلد،

فإن باع نسيئةً فإن أجاز له ذلك، صحّ، و إلّا بطل.

و للشافعيّة وجهٌ: أنّه لو باع نسيئةً، صحّ و لم يعتبروا به(1).

فسلّم إلى المشتري، صار ضامناً.

ثمّ إن كان باقياً، استردّ، و يجوز للعَدْل بيعه بالإذن السابق و إن صار مضموناً عليه، فإذا باعه و أخذ الثمن، لم يكن الثمن مضموناً عليه؛ لأنّه لم يتعدّ فيه.

و إن هلك في يده فإن كان قد باع بغير نقد البلد أو نسيئةً، فالراهن

ص: 281


1- العزيز شرح الوجيز 502:4.

بالخيار في تضمين مَنْ شاء من العَدْل و المشتري كمال القيمة.

و إن باع بدون ثمن المثل، فأصحّ قولي الشافعيّة: أنّ الحكم كذلك؛ لأنّه أخرجه من يده على وجهٍ غير مسوغ.

و الثاني: أنّه إن عزم العَدْل، حطّ النقصان الذي كان محتملاً في الابتداء(1).

و يحتمل الجميع. و إن غرم المشتري، لزمه الجميع.

مسألة 193: لو اختلف المتراهنان، فقال له

مسألة 193: لو اختلف المتراهنان، فقال له(2) أحدهما: بِعْ بدينار.

و قال الآخر: بِعْ بدراهم، لم يبع بواحدٍ منهما؛ لاختلافهما في الإذن، و لكلٍّ منهما حقٌّ في بيعه، فللمرتهن حقّ الوثيقة في الثمن و استيفاء حقّه منه، و للبائع ملك الثمن، فإذا اختلفا، رفع ذلك إلى الحاكم، فيأذن له أن يبيعه بنقد البلد، سواء كان من جنس حقّ المرتهن أو لم يكن، سواء وافق ذلك قول أحدهما أو خالفه؛ لأنّ الحطّ في البيع يكون بنقد البلد.

لو كان النقدان جميعاً نقد البلد، باعه بأعلامها. و إن كانا متساويين في ذلك، باع بأوفرهما حظّا. فإن استويا في ذلك، باع بما هو من جنس الحقّ منهما. فإن كان الحقّ من غير جنسهما، باع بما هو أسهل صرفاً إلى جنس الآخر و أقرب إليه. فإن استويا في ذلك، عيّن له الحاكم أحدهما فباع به و صرف نقد البلد إليه.

و قال بعض الشافعيّة: إنّه إذا قال الراهن: بِعْه بدراهم، و قال المرتهن: بدنانير، و كانت الدراهم بقدر حقّ المرتهن، باعه بالدراهم؛ لأنّه لا غرض

ص: 282


1- العزيز شرح الوجيز 502:4، روضة الطالبين 331:3.
2- أي: للعَدْل.

له في الدنانير(1).

مسألة 194: لو مات الراهن موضوع على يد عَدْلٍ، بطلت وكالته؛

لأنّه وكيل للراهن، و الوكيل ينعزل بموت الموكّل.

ثمّ الدّيْن إن كان مؤجَّلاً، حلّ؛ لأنّ الأجل يسقط مَنْ عليه الدَّيْن.

و يجب على ورثة الراهن دفع الدَّيْن، فإن دفعوه من غير الرهن، و إلّا لزمهم بيع الرهن و تسليم الدَّيْن إلى المرتهن؛ لأنّهم نائبون(2) مناب الراهن، فإن امتنعوا، رفع المرتهن ذلك إلى الحاكم، فينصب أميناً يبيع الرهن و يسلّم الثمن إلى المرتهن أو قدر دَيْنه منه؛ لأنّ الحاكم ينوب مناب مَن امتنع من الحقّ عليه في دفعه.

فإذا باع العَدْل و هلك الثمن [في(3)] يده بغير تفريطٍ منه استحقّ الرهن من يد المشتري، فإنّ الحاكم يأمر المشتري بتسليمه إلى مَنْ قامت البيّنة له به إذا استحلفه؛ لأنّه حكم على الميّت، و لا ضمان على العَدْل؛ لأنّه أمين.

لا يقال: لِمَ لا يرجع المشتري عليه؛ لأنّه قبض منه الثمن بغير حقٍّ؟.

لأنّا نقول: إنّه سلّمه إليه على أنّه أمين في قبضه [و(4)] تسليمه إلى المرتهن، فلم يجب بذلك عليه ضمان.

و أمّا المرتهن فقد بانَ له أنّ عقد الرهن كان فاسداً، فإن كان مشروطاً في بيعٍ، ثبت له الخيار فيه، و إلّا سقط حقّه. و أمّا المشتري فإنّه يرجع

ص: 283


1- لم نعثر عليه فيما بين أيدينا من المصادر.
2- في «ج» و الطبعة الحجريّة: «نائبين». و هي غلط.
3- بدل ما بين المعقوفين في «ج» و الطبعة الحجريّة: «من» بدل في «في». و الصحيح ما أثبتناه.
4- زيادة يقتضيها السياق.

بالثمن في تركه الراهن.

و كذا الحكم في المفلَّس إذا حجر عليه الحاكم و نصب عَدْلاً فباع شيئاً من ماله و تلف في يده الثمن ثمّ بانت العين مستحقّةً.

و للشافعي قولان في أنّه هل يقدّم على المرتهن و سائر الغرماء؟ أحدهما: أنّه يكون أُسوة الغرماء.

و اختلفت الشافعيّة على طريقين:

منهم مَنْ قال: في المسألة قولان:

أحدهما: يقدّم حقّ المشتري؛ لأنّه لم يضرّ بثبوته في ذمّة المفلَّس و لا الراهن. و لأنّه إذا لم يقدّم حقّه امتنع الناس من شراء مال المفلَّس، و يؤدّي إلى الإضرار.

و الثاني: يكون أُسوةً للغرماء؛ لتساويهم في ثبوت حقّهم في الذمّة، فاستووا في قسمة ماله بينهم.

و ما قالوه من عدم الإضرار يبطل بحقّ المجنيّ عليه. و ما ذكروه من الإضرار قيل: نادر، و لا يمنع من ابتياعه، كما لا يمنع الأخذ من الشفعة من شراء ما فيه الشفعة.

و منهم مَنْ قال: ليست على قولين، بل هي على اختلاف حالين: الموضع الذي قال: إنّه المشتري إذا كان للمفلَّس مال موجود، و الموضع الذي قال: يكون أُسوة الغرماء إذا لم يكن له غير الذي بِيع، ففكّ عنه الحجر ثمّ استفاد مالاً فحجر عليه بسؤال الغرماء، فإنّهم يستوون فيه(1).

مسألة 195: لو تغيّرت حل العَدْل بفسقٍ أو ضعْفٍ و عجْزٍ

يمنعه من

ص: 284


1- المهذّب للشيرازي 329:1.

حفظ الرهن، فأيّهما طلب إخراجه عن يده أخرجه الحاكم من يده؛ لأنّه خرج من أهل الأمانة فيه.

و كذا إذا ظهر بينه و بين أحدهما عداوة فطلب نقله من يده، أُجيب له.

ثمّ إن اتّفقا على عَدْل يضعانه على يده، وُضع؛ لأنّ الحقّ لهما. و إن اختلف، عيّن الحاكم عَدْلاً يضعه على يده.

و إن اختلفا في تغيّر حاله، بحث عنه الحاكم، فإن ثبت قول أحدهما، عمل عليه، فإن كانت حاله تعيّرت، نقله عنه، و إلّا أقرّه في يده. و لم يكن لأحدهما إخراجه إلّا بإذن الآخَر؛ لأنّهما رضيا به في الابتداء.

و كذا لو كان الرهن في يد المرتهن فادّعى الراهن تغيّر حاله، بحث عنه الحاكم و عمل بما ثبت عنده.

فإن مات(1) ، لم يكن لورثته إمساكه إلّا بتراضيهما. و كذا لو مات المرتهن.ل.

ص: 285


1- أي: مات العَدْل.

الفصل السادس: في زوائد و بدله

مسألة 196: الرهن إمّا أن لا يحتاج إلى مئونة،

كالدار و المتاع و نحوه، فهذا ليس للمرتهن الانتفاع به بغير إذن الراهن بحال، بلا خلافٍ؛ لأنّ الرهن ملك الراهن(1) فكذا منافعه، فليس لغيره أخذها بغير إذنه.

فإن أذن الراهن للمرتهن في الانتفاع بغير عوض و كان دَيْن الرهن من قرض، فإن شرط ذلك في القرض، حرم. و إن لم يشرط(2) ، فالأقرب: الجواز، خلافاً لأحمد(3).

و إن كان الرهن بثمن مبيع أو اجرة دار أو دَيْن غير القرض فأذن له الراهن في الانتفاع؛ جاز و به قال أحمد و الحسن و ابن سيرين و إسحاق(4) للأصل.

و لو كان الانتفاع بعوضٍ، مثل أن يستأجر المرتهن الدار من الراهن بأُجرة مثلها من غير محاباة، جاز في القرض و غيره؛ لأنّ الانتفاع ليس بالقرض، بل بالإجارة.

و إن حاباه في ذلك، فحكمه حكم الانتفاع بغير عوضٍ لا يجوز في القرض مع الشرط، و يجوز في غيره.

و إذا استأجرها المرتهن أو استعارها، لم تخرج عن الرهن و هو

ص: 286


1- في الطبعة الحجريّة: «للراهن».
2- في الطبعة الحجريّة: «لم يشترط».
3- المغني 468467:4، الشرح الكبير 478:4.
4- المغني 468467:4، الشرح الكبير 478:4.

إحدى الروايتين عن أحمد(1) لأنّ القبض مستدام، و لا منافاة بين العقدين.

و في الرواية الثانية: تخرج عن كونها رهناً، فمتى انقضت الإجارة أو العارية، عاد الرهن بحاله(2).

و إذا استعار المرتهن الرهن، صار مضموناً عليه في موضعٍ تُضن فيه العارية عندنا، و عند الشافعي و أحمد مطلقاً بناءً على أنّ العارية مضمونة مطلقاً(3).

و قال أبو حنيفة: لا ضمان عليه(4).

و إن شرط في الرهن أن ينتفع به المرتهن، جاز مطلقاً.

و قال أحمد: يفسد الشرط؛ لأنّه ينافي مقتضى الرهن(5).

و هو ممنوع.

و عن أحمد رواية: أنّه يجوز في البيع(6).

قال أصحابه: معناه أن يقول: بعتك هذا الثوب بدينار بشرط أن ترهنني عبدك يخدمني شهراً، فيكون بيعاً و إجارةً، و هو صحيح. و إن أطلق، فالشرط باطل لجهالته ثمنه(7).

و قال مالك: لا بأس أن يشترط في البيع منفعة الراهن إلى أجل في4.

ص: 287


1- المغني 467:4، الشرح الكبير 476:4.
2- المغني 467:4، الشرح الكبير 476:4.
3- حلية العلماء 189:5، تحفة الفقهاء 177:3، المغني 468:4، الشرح الكبير 476:4.
4- تحفة الفقهاء 177:3، حلية العلماء 192:5، المغني 468:4، الشرح الكبير 476:4.
5- المغني 468:4، الشرح الكبير 457:4.
6- المغني 468:4، الشرح الكبير 457:4.
7- المغني 468:4، الشرح الكبير 457:4.

الدُّور و الأرضين. و كرهه في الحيوان و الثياب و القرض(1).

و إمّا أن يحتاج إلى مئونة، فحكم المرتهن في الانتفاع به بعوضٍ أو بغير عوضٍ بإذن الراهن كالقسم الأوّل.

و إن أذن له في الإنفاق و الانتفاع بقدره، جاز؛ لأنّه نوع معاوضة.

و أمّا مع عدم الإذن فإن كان الرهن محلوباً أو مركوباً، قال إسحاق و أحمد: للمرتهن أن ينفق عليه و يركب بقدر نفقته، و سواء أنفق مع تعذّر النفقة من الراهن لغيبته أو امتناعه من الإنفاق، أو مع القدرة على أخذ النفقة من الراهن و استئذانه(2).

و عن أحمد رواية: لا يحتسب له بما أنفق و هو متطوّع بها، و لا ينفع من الرهن بشيء و به قال أبو حنيفة و مالك و الشافعي لقوله (عليه السّلام): «الرهن من راهنه، له غُنْمه و عليه غُرْمه»(3).

و لأنّه ملك غيره لم يأذن له في الانتفاع به و لا الإنفاق عليه، فلم يكن له ذلك، كغير الرهن(4).

و احتجّ أحمد بقوله (عليه السّلام): «الرهن يركب بنفقته إذا كان مرهوناً، و لبن الدرّ يشرب بنفقته إذا كان مرهوناً، و على الذي يركب و يشرب النفقة»(5) فجعل منفعته بنفقته(6).4.

ص: 288


1- الكافي في فقه أهل المدينة: 414، المغني 468:4، الشرح الكبير 457:4.
2- المغني 468:4، الشرح الكبير 474:4.
3- راجع الهامش (3) من ص 163.
4- المغني 468:4، الشرح الكبير 474:4.
5- صحيح البخاري 187:3، سنن الترمذي 1254/555:3، سنن الدارقطني 134/34:3، سنن البيهقي 38:6.
6- المغني 469468:4، الشرح الكبير 474:4.

و لا يصحّ ذلك في طرف الراهن؛ لأنّ إنفاقه و انتفاعه لا بطريق المعاوضة لأحدهما بالآخر. و لأنّ نفقة الحيوان واجبة، و للمرتهن فيه حقّ و قد أمكنه استيفاء حقّه من نماء الرهن و النيابة عن المالك فيما وجب عليه استيفاء ذلك من منافعه، فجاز ذلك، كما يجوز للمرأة أخذ مئونتها من مال زوجها عند امتناعه بغير إذنه و النيابة عنه في الإنفاق عليها، و النماء للراهن، إلّا أنّ للمرتهن ولاية صرفها إلى نفقته؛ لثبوت يده عليه و ولايته.

هذا إن أنفق محتسباً بالرجوع، و أمّا إن أنفق متبرّعاً بغير نيّة الرجوع، فإنّه لا ينتفع به قولاً واحداً و الوجه: رفع الحال إلى الحاكم، فإن تعذّر، أشهد بالإنفاق، و قاصّ بالنماء.

و أمّا إن كان الرهن حيواناً غير محلوب و لا موكب كالعبد و الجارية، فإنّه لا يجوز للمرتهن استخدامه بنفقته؛ لأنّه مال الغير، فليس له التصرّف فيه إلّا بإذنه، و هو إحدى الروايتين عن أحمد.

و في الرواية الأُخرى: له الانتفاع باستخدام العبد بنفقته، و به قال أبو ثور(1).

و ليس بشيء.

و أمّا إن كان غير حيوانٍ كدار استهدمت فعمرها المرتهن، لم يرجع بشيء، و ليس له الانتفاع بها بقدر نفقته، فإنّ عمارتها غير واجبة على الراهن، فليس لغيره أن ينوب عنه فيما لا يلزمه، فإن فَعَل، كان متبرّعاً، بخلاف الحيوان، فإنّ نفقته واجبة على صاحبه.

ثمّ إن كان ذلك بإذن المالك، رجع عليه؛ لأنّه نابه في الإنفاق بإذنه4.

ص: 289


1- المغني 469:4، الشرح الكبير 477:4.

فكانت النفقة على المالك، كما لو وكّله في ذلك.

و إن كان بغير إذنه، فهل يرجع عليه ؟ عن أحمد روايتان بناءً على ما إذا قضى دَيْنه بغير إذنه؛ لأنّه ناب عنه فيما يلزمه(1).

و قال أبو الخطّاب: إن قدر على استئذانه فلم يستأذنه، فهو متبرع لا يرجع بشيء. و إن عجز عن استئذانه، فعلى روايتين عنه.

و كذلك الحكم فيما إذا مات العبد المرهون و كفّنه.

و الأوّل أقيس عندهم؛ إذ لا يعتبر في قضاء الدَّيْن العجزُ عن استئذان الغريم(2).

فإن انتفع المرتهن بالرهن باستخدامٍ أو ركوبٍ أو استرضاعٍ أو استغلالٍ أو سكنى أو غيره، حسب من دَيْنه بقدر ذلك.

مسألة 197: زوائد الرهن إمّا متّصلة كسمن العبد و كِبَر الشجرة،

و تتبع الأصل إجماعاً في دخولها تحت الرهن، و إمّا منفصلة كالثمرة و الولد و اللبن البيض و الصوف، فإنّها لا تدخل في الرهن، سواء كانت سابقةً أو متجدّدةً بعد الرهن، إلّا مع الشرط و به قال الشافعي و أحمد في رواية، و أبو ثور و ابن المنذر(3) لقوله (عليه السّلام): «الرهن من راهنه له غُنْمه و عليه غُرْمه»(4) و النماء غُنْمٌ، فيكون للراهن.

و من طريق الخاصّة: رواية إسحاق عمّار الصحيحة عن الكاظم

ص: 290


1- المغني 470:4، الشرح الكبير 477:4.
2- المغني 470:4، الشرح الكبير 478477:4.
3- المهذّب للشيرازي 317:1، حلية العلماء 434:4، التهذيب للبغوي 77:4، العزيز شرح الوجيز 514:4، روضة الطالبين 314:3، المغني 471:4، الشرح الكبير 440:4، المبسوط للسرخسي 75:21.
4- راجع الهامش (3) من ص 163.

(عليه السّلام)، قلت: فإن رهن داراً لها غلّة لمن الغلّة ؟ قال: «لصاحب الدار»(1).

و لأنّه حقّ تعلّق بالأصل يستوفى من ثمنه، فلا يسري إلى غيره، كحقّ الجناية. و لأنّها عين من أعيان ملك الراهن لم يقعد عليها عقد رهن، فلم تكن رهناً، كسائر ماله.

و قال الشعبي و النخعي و أحمد: يدخل النماء المتّصل و المنفصل في رهن الأصل إذا تجدّد المنفصل بعد الرهن، و أمّا المتّصل فيدخل مطلقاً؛ لأنّه حكم ثبت في العين بعقد الملك، فيدخل فيه النماء و المنافع كالملك بالبيع و غيره(2).

و هو ممنوع.

و قال الثوري و أصحاب الرأي: في النماء يتبع، و في الكسب لا يتبع؛ لأنّ الكسب لا يتبع في حكم الكتابة و الاستيلاد و التدبير، فلا يتبع في الرهن، كأعيان مال الراهن(3).

و قال مالك: الولد يتبع في الرهن خاصّةً دون سائر النماء؛ لأنّ الولد يتبع الأصل في الحقوق الثابتة، كولد أُمّ الولد(4).

و قال الشافعي: لو رهنه ماشيةً مخاضاً، فالنتاج خارج من الرهن(5).4.

ص: 291


1- الكافي 12/235:5، التهذيب 767/173:7.
2- المغني 471470:4، الشرح الكبير 440:4.
3- المغني 471:4، الشرح الكبير 440:4، المبسوط للسرخسي 75:21، حلية العلماء 435434:4، العزيز شرح الوجيز 514:4.
4- المدوّنة الكبرى 304:5، الكافي في فقه أهل المدينة: 412، حلية العلماء 435:4، العزيز شرح الوجيز 515:4، المغني 471:4، الشرح الكبير 440:4.
5- الاُم 163:3، المهذّب للشيرازي 318:1، المغني 471:4، الشرح الكبير 440:4.

و خالفه أبو ثور و ابن المنذر(1).

و كما أنّ هذه الزوائد غير مرهونة، فكذا مهر الجارية إذا وُطئت بالشبهة [بل أولى(2)]؛ لأنّه غير حاصل من نفس المرهون، و به قال الشافعي(3).

و عند أبي حنيفة أنّه مرهون أيضاً(4).

و لا خلاف في أنّ كسب المرهون ليس بمرهون، هذا في الزوائد الحادثة بعد الرهن.

مسألة 198: لو رهن حاملاً و مست الحاجة إلى البيع و هي حامل بيع، فتُباع كذلك في الدَّين،

و به قال الشافعي.

قال: لأنّا إن قلنا: إنّ الحمل يُعلم، فكأنّه رهنهما، إلّا فقد رهنها، و الحمل محض(5) صفة(6).

و نحن نقول: إنّ الرهن لا يتعدّى إلى الحمل ما لم يشترطه(7) في العقد، سواء كان ظاهراً أو لا.

و لو ولدت قبل البيع، لم يكن رهناً، كما تقدّم(8).

و للشافعي قولان مبنيّان على أنّ الحمل هل يُعلم ؟ إن قلنا: لا، فهو

ص: 292


1- المغني 471:4، الشرح الكبير 440:4.
2- بدل ما بين المعقوفين في «ج» و الطبعة الحجريّة: «وبلاولى». و هي تصحيف.
3- التهذيب للبغوي 77:4، العزيز شرح الوجيز 515:4، روضة الطالبين 341:3.
4- العزيز شرح الوجيز 515:4.
5- في «ج» و الطبعة الحجريّة: «محقق» بدل «محض». و ما أثبتناه من المصدر.
6- العزيز شرح الوجيز 515:4، روضة الطالبين 341:3.
7- في «ج»: «ما لم يشرط».
8- في ص 150، ضمن المسألة 124.

كالحادث بعد العقد. و إن قلنا: نعم، فهو رهن يُباع مع الاُمّ، كما لو رهن شيئين(1).

و زاد بعض الشافعيّة فقال: إن قلنا: نعم، ففي كونه مرهوناً قولان؛ لضعف الرهن عن الاستتباع(2).

فإن قلنا: الولد لا يكون مرهوناً كما اخترناه، و هو أحد قوليه فلو صرّح في العقد و قال: رهنتها مع حملها، صحّ عندنا.

و تردّد أصحاب الشافعي فيه، و الظاهر عندهم أنّه لا يكون مرهوناً أيضاً؛ إذ لو جاز ذلك لجاز إفراده بالرهن(3).

و لو حملت بعد الرهن و بقيت حاملاً عند الحاجة إلى البيع، فإن قلنا: الحمل لا يُعلم، بِيعت، و هو كزيادة متّصلة. و إن قلنا: يُعلم، لم يكن الولد مرهوناً، و تعذّر بيعها؛ لأنّ استثناء الحمل لا يمكن، و لا سبيل إلى بيعها حاملاً و توزيعِ الثمن على الاُمّ و الحمل؛ لأنّ الحمل لا تُعرف قيمته.

و لو رهن نخلة فأطلعت بعد الرهن، لم يدخل الطلع في الرهن عندنا، إلّا مع الشرط.

و للشافعيّة طريقان:

أحدهما: أنّ بيعها مع الطلع على قولين، كما في الحمل.

و الثاني: القطع بأنّ الطلع غير مرهون؛ لأنّه يمكن إفراده بالعقد فلا يجعل تبعاً، فإذا قلنا: إنّه غير مرهون، تُباع النخل و يستثنى الطلع، بخلاف3.

ص: 293


1- التهذيب للبغوي 78:4، العزيز شرح الوجيز 515:4، روضة الطالبين 314:4.
2- العزيز شرح الوجيز 515:4، روضة الطالبين 341:3.
3- العزيز شرح الوجيز 515:4، روضة الطالبين 341:3.

الجارية الحامل(1).

و لو كانت مطلعةً وقت الرهن، ففي دخول الطلع عندهم قولان، فإن أدخلناه فجاء وقت البيع و هو طَلْع بَعْدُ، بِيع مع النخل.

و إن أُبّرت، فطريقان:

أحدهما: أنّ الحكم كما إذا ولدت الحامل.

و الثاني: القطع ببيعه مع النخيل؛ لأنّه معلوم مشاهَدٌ وقت الرهن(2).

إذا عرفت هذا، فمتى تعتبر الزيادة ؟ أمّا عندنا فلا فائدة لهذا البحث؛ لأنّها لا تدخل في الرهن مطلقاً، إلّا مع الشرط.

و أمّا عند الشافعي ففي اعتبارها وجهان:

أحدهما: أنّها تعتبر حالة العقد في مقارنة الولد و حدوثه بعده.

و الثاني: أنّ الاعتبار بحالة القبض؛ لأنّ الرهن به يتمّ(3).

مسألة 199: لو جنى على المرهون فوجب الأرش، كان الأرش رهناً، كالأصل،

و ليس من الزوائد؛ لأنّه جزء من المرهون.

و كذا لو اقتضّ البكر، كان الأرش رهناً؛ لأنّه عوض جزء الرهن.

و لو أفضاها، وجب عليه قيمتها؛ لأنّه أتلف بُضْعها، فتكون القيمة رهناً، كالأصل.

و لو ضرب الجارية المرهونة ضاربٌ فألقت جنيناً [ميّتاً(4)] فعليه عُشْر

ص: 294


1- العزيز شرح الوجيز 515:4، روضة الطالبين 341:3.
2- العزيز شرح الوجيز 515:4، روضة الطالبين 341:3.
3- العزيز شرح الوجيز 516:4، روضة الطالبين 342314:3.
4- ما بين المعقوفين يقتضيه السياق.

الاُمّ، و لا يكون مرهوناً عندنا و عند الشافعي(1) ؛ لأنّه بدل الولد.

فإن دخلها نَقْصٌ، لم يجب بسببه شيء آخر، لكن قدر أرش النقصان من العُشْر يكون رهناً.

و إن ألقته حيّاً فمات، فعلى الجاني قيمة الجنين حيّاً و أرش نقص الاُمّ إن انتقصت و هو أصحّ قولي الشافعي(2) و حينئذٍ تكون قيمة الجنين لصاحبه غير داخل في الرهن، و أمّا أرش النقص فإنّه يكون داخلاً في الرهن.

و الثاني للشافعي: أنّه يجب أكثر الأمرين من أرش النقص أو قيمة الجنين، فإن كان الأرش أكثر، فالمأخوذ رهنٌ كلّه. و إن كانت القيمة أكثر، فقدر الأرش من المأخوذ رهن(3).

و لو ضرب دابّة رهناً فألقت جنيناً ميّتاً، فليس على الضارب سوى أرش النقصان(4) إن نقصت، و يكون رهناً.

مسألة 200: بدل الرهن رهنٌ، فإذا جنى جانٍ على العبد المرهون،

قال الشيخ (رحمه اللّه): الخصم فيه هو السيّد دون المرتهن؛ لأنّ السيّد هو المالك لرقبته، و الأرش الواجب بالجناية ملكه، و ليس للمرتهن إلّا حقّ الوثيقة، فإن أحبّ المرتهن أن يحضر خصومته، كان له، فإذا قضى للراهن بالأرش، تعلّق به حقّ الوثيقة للمرتهن(5). و به قال الشافعي و غيره(6).

ص: 295


1- العزيز شرح الوجيز 516:4، روضة الطالبين 342:3.
2- العزيز شرح الوجيز 516:4، روضة الطالبين 342:3.
3- العزيز شرح الوجيز 516:4، روضة الطالبين 342:3.
4- في الطبعة الحجريّة: «النقص».
5- المبسوط للطوسي 229:2.
6- المهذّب للشيرازي 322:1، التهذيب للبغوي 41:4، حلية العلماء 452:4، العزيز شرح الوجيز 513:4، روضة الطالبين 340:3، المغني 455:4، الشرح الكبير 485:4.

و كذا إذا جنى على العبد المستأجَر أو المودَع، فإنّ الخصم هو المالك.

فإن ترك المطالبة أو أخّرها أو كان غائباً أو له عذر يمنعه من المطالبة، فللمرتهن المطالبة بها؛ لأنّ حقّه متعلّق بموجبها، فكان له الطلب به، كما لو كان الجاني سيّده.

فإن أقرّ الجاني، ثبتت الجناية. و إن أنكر و كان لسيّد العبد بيّنه، أقامها. و إن لم تكن له بيّنة، كان القول قولَ المدّعى عليه الجناية مع يمينه، فإن حلف، برئ. و إن نكل، رددنا اليمين على المرتهن، فإن حلف، ثبتت الجناية.

و إن نكل، فهل يحلف المرتهن ؟ قولان للشافعي كما في يمين الغريم إذا نكل الوارث(1).

و سواء كانت الجناية عمداً أو خطأً؛ لأنّ العمد و إن أوجب القصاص فقد يعفو السيّد، و يتعلّق حقّ المرتهن بالدية.

إذا عرفت هذا، فإن كانت الجناية عمداً، كان للسيّد أن يقتصّ، لأنّه حقٌّ له، و إنّما ثبت ليستوفي، و ليس للمرتهن مطالبته بالعفو.

فإن اقتصّ، سقط حقّ المرتهن من الرهن و ليس له مطالبة الراهن ببدلٍ عنه و به قال الشافعي(2) لأنّه لم يجب بالجناية مال و لا استحقّ4.

ص: 296


1- المهذّب للشيرازي 322:1، التهذيب للبغوي 41:4، حلية العلماء 452:4، العزيز شرح الوجيز 513:4، روضة الطالبين 340:3.
2- المغني 456:4، الشرح الكبير 486485:4.

[بحال(1)] و ليس على الراهن أن يسعى للمرتهن في اكتساب مالٍ.

و قال أحمد و إسحاق: على السيّد أن يجعل القيمة مكانه رهناً؛ لأنّه أتلف مالاً استحقّ بسبب إتلاف الرهن، فغرم قيمته، كما لو كانت الجناية موجبةً للمال(2).

و ليس بجيّد؛ لأنّ الواجب في قتل العمد عندنا القصاص، و إنّما يثبت المال لو تصالحا عليه.

ثمّ قالوا: إنّما يؤخذ من السيّد أقلّ القيمتين، فيجعل رهناً؛ لأنّ حقّ المرتهن إنّما يتعلّق بالمال، و الواجب من المال هو أقلّ القيمتين؛ لأنّ الرهن إن كان أقلّ، لم يجب أكثر من قيمته، و إن كان الجاني أقلّ، لم يجب أكثر من قيمته(3).

فإذا اقتصّ المولى من الجاني، كان العبد المجنيّ عليه مرهوناً عند المرتهن.

و إن عفا الوليّ على مالٍ، كان المال ملكاً للسيّد و رهناً مع العبد عند المرتهن؛ لأنّ الأرش عوض ما تلف من أجزاء العبد.

و إن عفا على غير مالٍ أو عفا مطلقاً، صحّ العفو، و لم يكن للمرتهن مطالبة الراهن بشيء و هو أحد قولي الشافعي(4) لأنّا قد بيّنّا أنّ الواجب في العمد هو القصاص لا غير، و ليس للمرتهن مطالبة الراهن بالعفو على مال؛ لأنّ اختيار المال ضرب من الكسب و لا يُجبر الراهن عليه بحقّ4.

ص: 297


1- بدل ما بين المعقوفين في «ج» و الطبعة الحجريّة: «بمال». و الظاهر ما أثبتناه.
2- المغني 456:4، الشرح الكبير 486485:4.
3- المغني 456:4، الشرح الكبير 486:4.
4- راجع: التهذيب للبغوي 41:4، و العزيز شرح الوجيز 514:4.

المرتهن.

و الثاني للشافعي: أنّ الواجب في العمد أحد الأمرين: إمّا القصاص أو المال، فإذا عفا على غير مالٍ أو مطلقاً لم يصحّ العفو، و يثبت المال؛ لأنّ إسقاطه القصاص يتعيّن به وجوب المال، فإذا أسقطه أسقط ما تعلّق به حقّ المرتهن، و يثبت المال، و يكون رهناً(1).

مسألة 201: بدل الرهن قد بيّنّا أنّه يكون رهناً، كالأصل،

فيجعل في يد مَنْ كان الأصل في يده من المرتهن أو العَدْل.

و إلى أن يؤخذ هل يقال بأنّه مرهون ؟ قال بعض الشافعيّة: لا يكون مرهوناً؛ لأنّه دَيْنٌ، و الديون لا تكون مرهونةً، فإذا تعيّن، صار مرهوناً، و الحالة المتخلّلة كتخمّر العصير و تخلّله بعده(2).

و قال آخَرون: هو مرهون كما كان، و المسلَّم أنّه لا يرهن الدَّيْن ابتداءً(3).

و قد بيّنّا أنّ الخصومة تتعلّق بالمالك و الجاني، فلو [قعد(4)] المالك عن الخصومة، فالأقرب أنّ المرتهن يُخاصم.

و كذا المستأجر إذا ادّعى العين و قال لمن هي في يده: إنّها ملك فلان آجرها منّي، و إنّما لا يدّعي المستأجر القيمة؛ لأنّ حقّه لا يتعلّق بها.

و هذا أقيس قولَي الشافعي، و أصحّهما عندهم: أنّ المرتهن لا يخاصم(5).

ص: 298


1- راجع: التهذيب للبغوي 41:4، و العزيز شرح الوجيز 514:4.
2- العزيز شرح الوجيز 513:4، روضة الطالبين 339:3.
3- العزيز شرح الوجيز 513:4، روضة الطالبين 339:3.
4- بدل ما بين المعقوفين في «ج» و الطبعة الحجريّة: «لا بعد». و الصحيح ما أثبتناه.
5- التهذيب للبغوي 41:4، العزيز شرح الوجيز 513:4، روضة الطالبين 340:3.

ثمّ الجاني إن أقرّ بالجناية أو أقام الراهن البيّنةَ أو حلف بعد نكول المدّعى عليه، ثبتت الجناية.

فإن نكل الراهن، ففي إحلاف المرتهن للشافعي قولان، كما إذا نكل المفلس هل يحلف الغرماء؟(1).

و لو لم يقتصّ الراهن في الحال و لا عفا، ففي إجباره على أحدهما للشافعيّة طريقان:

أحدهما: يُجبر ليكون المرتهن على بيّنة من أمره.

و الثاني: إن قلنا: إنّ موجَب العمد أحد الأمرين، اجبر. و إن قلنا: موجَبه القود، لم يُجبر؛ لأنّه يملك إسقاطه، فتأخيره أولى بأن يملكه(2).

و إن كانت الجناية خطأً أو عفا و وجب المال فعفا عن المال، لم يصح عفوه لحقّ المرتهن.

و فيه قول: إنّ العفو موقوف، و يؤخذ المال في الحال لحقّ المرتهن، فإن انفكّ الرهن، يردّ إلى الجاني، و بانَ صحّة العفو، و إلّا بانَ بطلانه(3).

و لو أراد الراهن أن يصالح عن الأرش الواجب على جنسٍ آخر، لم يجز إلّا بإذن المرتهن، و إذا أذن، صحّ، و كان المأخوذ مرهوناً.

و لو أبرأ المرتهن الجانيَ، لم يصح؛ لأنّه ليس بمالك.

و الأقرب: سقوط حقّه عن الوثيقة بهذا الإبراء و هو أحد وجهيّ3.

ص: 299


1- المهذّب للشيرازي 322:1، العزيز شرح الوجيز 513:4، روضة الطالبين 340:3.
2- المهذّب للشيرازي 322:1، التهذيب للبغوي 41:4، حلية العلماء 433452:4، العزيز شرح الوجيز 514:4، روضة الطالبين 340:3.
3- العزيز شرح الوجيز 514:4، روضة الطالبين 340:3.

الشافعيّة(1) و يخلص المأخوذ للراهن، كما لو صرّح بإسقاط حقّ الوثيقة.

و أصحّهما: لا؛ لأنّه لم يصح إبراؤه، فلا يصحّ ما تضمّنه الإبراء، كما لو وهب المرهون من إنسان، لا يصحّ، و لا يبطل الرهن(2).3.

ص: 300


1- المهذّب للشيرازي 322:1، حلية العلماء 453:4 العزيز شرح الوجيز 514:4، روضة الطالبين 341:3.
2- المهذّب للشيرازي 322:1، حلية العلماء 453:4 العزيز شرح الوجيز 514:4، روضة الطالبين 341:3.

الفصل السابع: في فكّ الرهن

مسألة 202: الرهن ينفكّ بأسباب ثلاثة:
الأوّل: الفسخ منهما أو من المرتهن وحده،

فإنّ الرهن جائز من جهته، فإذا قال المرتهن: فسخت الرهن، أو: أبطلته، أو: أقلته منه، و ما أشبه ذلك، جاز، و ينفكّ الرهن.

و الثاني: تلف المرهون.
و الثالث: براءة ذمّة الراهن عن الدَّين بتمامه إمّا بالقضاء، أو الإبراء، أو الحوالة، أو الإقالة المسقطة للثمن المرهون به أو المسلم فيه المرهون به.

و إذا تلف الرهن بآفة سماويّة، بطل الرهن.

و لو جنى العبد المرهون، لم يبطل الرهن بمجرّد الجناية، و لكن يُنظر إن تعلّقت الجناية بأجنبيّ، قدّم حقّ المجنيّ عليه؛ لأنّ حقّه متعيّن في الرقبة، و حقّ المرتهن متعلّق بذمّة الراهن و بالرقبة أيضاً، لكن تعلّقه بالرهن أضعف من تعلّق المجنيّ عليه. و لأنّ له بدلاً، و لا بدل للمجنيّ عليه. و لأنّ حقّ المجنيّ عليه يتقدّم على حق المالك، فأولى أن يتقدّم على حقّ المسترهن.

ثمّ الجناية إن أوجبت القصاص في النفس و اقتصّ المجنيّ عليه، بطل الرهن.

و إن أوجبت قصاصاً في الطرف، اقتصّ منه، و بقي رهناً على حاله.

و إن أوجبت المال أو عفا على مالٍ، بِيع العبد في الجناية، و بطل الرهن أيضاً حتى لو عاد إلى ملك الراهن، لم يكن رهناً إلّا بعقدٍ جديد.

ص: 301

و لو كان الواجب دون قيمة العبد، بِيع منه بقدر الواجب، و بقي الباقي رهناً. فإن تعذّر بيع البعض أو انتقص بالتشقيص، بِيع الكلّ، و الفاضل من الثمن عن الأرش يكون رهناً.

و لو عفا المجنيّ عليه عن المال أو فداه الراهن، بقي العبد رهناً كما كان، و كذا لو فداه المرتهن، و لا يرجع به على الراهن إن تبرّع بالفداء، و إن فداه بإذنه و شرط الرجوع، رجع، و إن لم يشترط الرجوع، فللشافعيّة وجهان يجريان في أداء دَيْن الغير بإذنه مطلقاً، و ظاهر قول الشافعي: الرجوع(1).

و قال أبو حنيفة: ضمان جناية المرهون على المرتهن؛ بناءً على أنّ المرهون مضمون عليه، فإن فداه المرتهن، بقي رهناً، و لا رجوع بالفداء، و إن فداه السيّد أو بِيع في الجناية، سقط دَيْن المرتهن إن كان بقدر الفداء أو دونه(2).

واصلة باطل بما تقدّم.

و هذا كلّه إذا جنى العبد بغير إذن السيّد، أمّا لو أمره السيّد بالجناية، فإن لم يكن مميّزاً أو كان أعجميّاً يعتقد وجوب طاعة السيّد في جميع أوامره، فالجاني هو السيّد، و عليه القصاص أو الضمان.

و هل يتعلّق المال برقبته ؟ الأظهر عند الشافعيّة: المنع و هو الأقوى عندي فإن قلنا: يتعلّق فبِيع في الجناية، فعلى السيّد أن يرهن قيمته4.

ص: 302


1- العزيز شرح الوجيز 517:4، روضة الطالبين 342:3، المغني 447446:4، الشرح الكبير 480:4.
2- العزيز شرح الوجيز 517:4، المغني 447446:4، الشرح الكبير 481480:4.

مكانه(1).

و على ما اخترناه من عدم التعلّق إن كان السيّد موسراً أُخذت منه الدية. و إن كان معسراً، في ذمّته، و لا يباع العبد، بل يبقى رهناً بحاله.

و إذ جنى مثل هذا العبد، فقال السيّد: أنا أمرتُه بذلك، لم يُقبل قوله في حقّ المجنيّ عليه، بل يُباع العبد فيها، و على السيّد القيمة لإقراره.

و إن كان العبد مميّزاً يعرف تحريم ذلك كلّه عليه بالغاً كان أو غير بالغ، فهو كما لو لم يأذن له السيّد، إلّا أنّه يأثم السيّد بما فَعَل، لأمره به، و حينئذٍ تتعلّق الجناية برقبته.

و إن أكرهه السيّد، فالقصاص عندنا على العبد، لكن يُحبس المُكرِه إلى أن يموت.

و عند الشافعيّة يجب القصاص على المُكِره، و في المُكرَه قولان(2).

مسألة 203: لو جنى العبد المرهون على السيّد، فإن كانت عمداً فإن كانت على ما دون النفس، فللسيّد القصاص عليه؛

لأنّ السيّد لا يملك الجناية على عبده، فيثبت عليه بجنايته. و لأنّه يجب للزجر و الانتقام، و العبد أحقّ بالزجر عن سيّده، بخلاف القطع في السرقة، لأنّ القطع يجب بسرقة مالٍ لا شبهة له فيه من حرزه، و العبد له شبهة في مال سيّده، و هو غير محرز عنه في العادة.

فإن أراد المولى استيفاء القصاص، كان له ذلك.

و إن أراد العفو على مالٍ، قال الشيخ (رحمه اللّه): لا يصحّ؛ لأنّه لا يجوز أن يثبت له على عبده استحقاق مال ابتداءً، و لهذا لو كانت الجناية خطأ، كانت

ص: 303


1- العزيز شرح الوجيز 517:4، روضة الطالبين 342:3.
2- العزيز شرح الوجيز 139:10، روضة الطالبين 16:7.

هدراً على هذا؛ لأنّ العبد مالٌ للسيّد، فلا يجوز أن يثبت له مالٌ في ماله(1). و هو ظاهر مذهب الشافعي(2).

و قال بعض أصحابه: يثبت له المال؛ لأنّ كلّ مَن استحقّ القصاص استحقّ العفو على مالٍ، و للسيّد غرضٌ في ذلك بأنّه ينفكّ من الرهن(3).

و الوجه: الأوّل، فيبقى الرهن كما كان.

و إن كانت الجناية على نفس سيّده عمداً، كان للورثة القصاصُ، فإن اقتصّ الوارث، بطل الرهن.

و هل لهم العفو على مالٍ؟ قال الشيخ (رحمه اللّه): ليس لهم ذلك؛ لأنّ هذا العبد ملك الورثة، و لا يثبت للمولى على عبده مالٌ. و لأنّ المورّث لم يكن له ذلك، فكذلك الوارث(4). و هو أحد قولي الشافعي(5).

و الثاني: أنّه تثبت لهم الدية؛ لأنّ الجناية حصلت في ملك غيرهم، فكان لهم العفو على مال؛ كما لو جنى على أجنبيّ(6).

قال بعض الشافعيّة: هذا مبنيّ على القولين في وقت وجوب الدية:

أحدهما: تجب في آخر جزء من أجزاء حياة المقتول ثمّ تنتقل إلى4.

ص: 304


1- المبسوط للطوسي 224:2.
2- المهذّب للشيرازي 321:1، الحاوي الكبير 154153:6، حلية العلماء 448:4، العزيز شرح الوجيز 518:4، روضة الطالبين 343:3.
3- المهذّب للشيرازي 321:1، حلية العلماء 448:4، العزيز شرح الوجيز 518:4، روضة الطالبين 343:3.
4- المبسوط للطوسي 224:2.
5- المهذّب للشيرازي 321:1، حلية العلماء 449:4، العزيز شرح الوجيز 518:4، روضة الطالبين 343:3، المغني 448:4، الشرح الكبير 481:4.
6- المهذّب للشيرازي 321:1، حلية العلماء 449:4، العزيز شرح الوجيز 518:4، روضة الطالبين 343:3، المغني 448:4، الشرح الكبير 481:4.

ورثته، و لهذا تُقضى منها(1) ديونه و تُنفذ وصاياه، فعلى هذا لا يمكن العفو على المال؛ لأنّها(2) تجب على لسيّده.

و الثاني: تجب في ملك الورثة؛ لأنّها بدل نفسه، فلا تجب في غيره، فعلى هذا تثبت للورثة؛ لأنّها تثبت لغير مولاه بالجناية(3).

و قال بعض الشافعيّة: هذا ليس بصحيح؛ لأنّها إذا وجبت بعد موت السيّد، فقد وجبت لهم على ملكهم؛ لأنّ العبد انتقل إليهم بموته(4).

و كذا لو كان القتل خطأ على القولين(5).

و الصحيح: أنّه لا يثبت.

مسألة 204: لو جنى العبد المرهون على مَنْ يرثه السيّد كأبيه و ابنه و أخيه و غيرهم،

فإن كانت على الطرف عمداً، كان على المجنيّ عليه القصاص في الطرف، و يبقى الباقي رهناً كما كان، و له العفو على مالٍ.

و لو كانت الجناية خطأً، ثبت المال.

فإن مات المجنيّ عليه قبل الاستيفاء و ورثه السيّد، قال الشيخ (رحمه اللّه): كان للسيّد ما لمورّثه من القصاص أو المال، و له بيعه فيه، كما لو كان للمورّث؛ لأنّ الاستدامة أقوى من الابتداء، فجاز أن يثبت له على ملكه المال في الاستدامة دون الابتداء(6). و هو أحد وجهي الشافعيّة(7).

ص: 305


1- في «ج» و الطبعة الحجريّة: «منه.. لأنّه». و الظاهر ما أثبتناه.
2- في «ج» و الطبعة الحجريّة: «منه.. لأنّه». و الظاهر ما أثبتناه.
3- حلية العلماء 449:4، العزيز شرح الوجيز 518:4.
4- العزيز شرح الوجيز 518:4.
5- المهذّب للشيرازي 321:1، العزيز شرح الوجيز 518:4، روضة الطالبين 343:3.
6- المبسوط للطوسي 225:3.
7- العزيز شرح الوجيز 518:4، روضة الطالبين 343:3.

و الثاني: أنّه كما انتقل إليه سقط، و لا يجوز أن يثبت له على عبده استدامة الدَّيْن، كما لا يجوز له ابتداؤه(1).

و شبّهوا الوجهين بالوجهين فيما إذا ثبت له دَيْنٌ على عبد غيره ثمّ ملكه، يسقط(2) أو يبقى حتى يتبعه به بعد العتق(3).

و استبعد الجويني هذا التشبيه، و قال: كيف يكون الاستحقاق الطارئ على الملك بمثابة الملك الطارئ على الاستحقاق!؟ ثمّ أجاب بأنّ الدَّيْن إذا ثبت لغيره، فنَقله إليه بالإرث إدامة لما كان، كما أنّ بقاء الدَّيْن الذي كان له على عبد الغير بعد ما ملكه إدامة لما كان(4).

و لو كانت الجناية على نفس مُورّثه و كانت عمداً، فللسيّد القصاص.

و إن عفا على مالٍ أو كانت الجناية خطأً، بُني ذلك على أنّ الدية تثبت للوارث ابتداءً أو يتلقّاها الوارث من القتيل ؟ إن قلنا بالأوّل، لم يثبت. و إن قلنا بالثاني، فعلى الوجهين فيما إذا جنى على طرفه و انتقل إليه بالإرث.

مسألة 205: لو جنى عبده المرهون على عبدٍ له آخَر، فإن لم يكن المجنيّ عليه مرهوناً،

كان للسيّد القصاص، إلّا أن يكون المقتول ابنَ القاتل، و يكون له حقّ القصاص مقدَّماً على حقّ المرتهن؛ لما تقدّم.

و إن أراد العفو على مالٍ، لم يكن له ذلك، كما لو جنى على نفس السيّد، خلافاً لبعض الشافعيّة، فإنّه قال: يثبت له المال؛ لأنّ كلّ مَن

ص: 306


1- العزيز شرح الوجيز 518:4، روضة الطالبين 343:3.
2- في «ج» و الطبعة الحجريّة: «سقط». و الظاهر ما أثبتناه.
3- العزيز شرح الوجيز 519528:4.
4- العزيز شرح الوجيز 519:4.

استحقّ القصاص استحقّ العفو على مالٍ، و للسيّد غرض في ذلك، فإنّه ينفكّ من الرهن(1).

و سواء كان المقتول قِنّاً أو مدبَّراً أو أُمَّ ولدٍ للسيّد.

و إن كان المجنيّ عليه مرهوناً، فإن كان مرهوناً عند غير مرتهن الجاني، كان للسيّد أيضاً القصاصُ؛ لأنّ حقّ القصاص مقدَّم على حقّ المرتهن، فإنّ الجناية الموجبة للمال مقدَّمة على حق الرهن، فالقصاص أولى، و إنّما لم يقدَّم حقّ الجناية إذا كانت خطأً، و كانت للسيّد؛ لأنّه لا يثبت له على عبده مالٌ، و القصاص يثبت له؛ و يبطل الرهنان معاً.

و إن عفا على مالٍ أو كانت الجناية خطأً، ثبت المال لحقّ المرتهن؛ لأنّ السيّد لو جنى على عبده المرهون، وجب عليه أرش الجناية لحقّ المرتهن، فبأن يثبت على عبده أولى، فيتعلّق المال حينئذٍ برقبة العبد لحقّ مرتهن المقتول.

و إن عفا بغير مالٍ، فإن قلنا: موجَب(2) العمد أحدُ الأمرين، وجب المال، و لم يصح عفوه عنه إلّا برضا المرتهن.

و إن قلنا: موجَبه القود، فإن قلنا: مطلق العفو لا يوجب المال، لم يثبت شيء.

و إن قلنا: يوجبه، فللشافعيّة وجهان، أصحّهما: أنّه لا يثبت أيضاً و هو مذهبنا لأنّ القتل غير موجب على هذا التقدير، فعفوه المطلق أو على مالٍ نوعُ اكتسابٍ للمرتهن(3).3.

ص: 307


1- راجع الهامش (5) من ص 191.
2- في «ج» و الطبعة الحجريّة: «يوجب». و الصحيح ما أثبتناه.
3- العزيز شرح الوجيز 519:4، روضة الطالبين 344:3.

و إن عفا مطلقاً، فإن قلنا: مطلق العفو يوجب المال، يثبت المال، كما لو عفا على مالٍ.

و إن قلنا: لا يوجبه، صحّ العفو، و بطل رهن مرتهن القتيل، و بقي القاتل رهناً كما كان.

و الحكم في عفو المفلِّس المحجور عليه كالحكم في عفو الراهن، و الراهن محجور عليه في المرهون، كما أنّ المفلَّس محجور عليه في جميع أمواله.

و مهما وجب المال يُنظر إن كان الواجب أكثر من قيمة القاتل أو مثلها، قال الشيخ (رحمه اللّه): يُباع؛ لأنّه ربما رغب فيه راغبٌ أو زاد مزايدٌ، فيفضل من قيمته شيء يكون رهناً عند مرتهنه(1) ، و هو أحد وجهي الشافعيّة(2).

و الثاني: أنّه يُنقل إلى يد مرتهن المجنيّ عليه رهناً، و ينفكّ من يد مرتهنه؛ لأنّه لا فائدة في بيعه(3).

و الأوّل أقوى؛ لأنّ حقّه في ماليّة العبد، لا في العين.

و إن كان(4) أقلَّ، فعلى الأوّل يُنقل من القاتل بقدر الواجب إلى مرتهن القتيل. و على الثاني: يُباع منه قدر الواجب، و يبقى الباقي رهناً. فإن تعذّر بيع البعض أو نقص بالتشقيص، بِيع الكلّ، و جعل الزائد على الواجب عند مرتهن القاتل.ه.

ص: 308


1- المبسوط للطوسي 226:2.
2- العزيز شرح الوجيز 520:4، روضة الطالبين 344:3.
3- العزيز شرح الوجيز 520:4، روضة الطالبين 344:3.
4- في «ج» و الطبعة الحجريّة: «كانت» بدل «كان». و الصحيح ما أثبتناه.

و هذان الوجهان إنّما يظهران فيما إذا طلب الراهن النقلَ، و طلب مرتهن القتيل البيع، ففي وجهٍ: يُجاب هذا، و في وجهٍ: يُجاب ذاك. أمّا إذا طلب الراهن البيعَ و مرتهن المقتول النقلَ، يُجاب الراهن؛ لأنّه لا حقّ لصاحبه في عينه.

و لو اتّفق الراهن و المرتهنان على أحد الفعلين، تعيّن لا محالة.

و لو اتّفق الراهن و مرتهن القتيل على النقل، قال الجويني: ليس لمرتهن القاتل المناقشة فيه و طلب البيع(1). و قضيّة التوجيه الثاني: أنّ له ذلك.

و لو كان مرهوناً عند مرتهن القاتل أيضاً، فإن كان العبدان مرهونين بدَيْنٍ واحد، فقد انتقصت الوثيقة، و لا مستدرك، كما لو مات أحدهما.

و إن كانا مرهونين بدَيْنين، نُظر في الدَّينين، فإن اختلفا في الحلول و التأجيل، فله أن يتوثّق لدَيْن القتيل بالقاتل؛ لأنّه إن كان الحالُّ دَيْنَ المقتول، فقد يريد استيفاءه من ثمنه في الحال. و إن كان الحالُّ دَيْنَ القاتل، فقد يريد الوثيقة للمؤجَّل، و يطالب الراهن بالحالّ في الحال.

و كذا الحكم لو كانا مؤجَّلين و أحد الأجلين أطول.

و إن اتّفقا حلولاً و تأجيلاً، فإن اتّفقا قدراً، فإن اختلف العبدان في القيمة و كانت قيمة المقتول أكثر، لم تنقل الوثيقة. و إن كانت قيمة القاتل أكثر، نقل منه قدر قيمة المقتول إلى دَيْن القتيل، و بقي الباقي رهناً بما كان. و إن تساويا في القيمة، بقي القاتل مرهوناً بما كان، و لا فائدة في النقل.3.

ص: 309


1- العزيز شرح الوجيز 520:4، روضة الطالبين 344:3.

و إن اختلف الدَّيْنان قدراً، فإن تساوت قيمة العبدين أو كان القتيل أكثرهما قيمةً، فإن(1) كان المرهون بأكثر الدَّيْنين القتيلَ، فله توثيقه بالقاتل. و إن كان المرهون بأقلّهما القتيلَ، فلا فائدة في نقل الوثيقة.

[و إن كان القتيل أقلّهما قيمةً، فإن كان مرهوناً بأقلّ الدَّيْنين، فلا فائدة في نقل الوثيقة(2)] و إن كان مرهوناً بأكثرهما، نُقل من القاتل قدر قيمة القتيل إلى الدَّيْن الآخَر.

و حيث قلنا بنقل التوثيق فيباع و يقام ثمنه مقام القتيل أو يقام عينه مقامه ؟ فيه الوجهان السابقان.

و لو اختلف الدَّيْنان في الجنس، فهو كالاختلاف في القدر أو في الحلول و التأجيل.

و أمّا إن اختلف الدَّيْنان بالاستقرار و عدمه، كما لو كان أحدهما عوضاً ممّا يتوقّع ردّه بالعيب، أو صداقاً قبل الدخول، فإن كان القاتل مرهوناً بالمستقرّ، فلا فائدة لنقل الوثيقة. و إن كان مرهوناً بالآخَر، فالأقرب: جواز النقل، خلافاً للشافعيّة(3).

و لو تساوى الدَّيْنان في الأوصاف و حُكم بعدم النقل، أو قال المرتهن: إنّي لا آمنه و قد جنى فبِيعوه وضَعوا ثمنه مكانه، الأقرب: أنّه يُجاب.

و للشافعيّة وجهان(4).3.

ص: 310


1- في «ج» و الطبعة الحجريّة: «و إن». و الظاهر ما أثبتناه.
2- ما بين المعقوفين أضفناه من العزيز شرح الوجيز 521520:4، روضة الطالبين 345:3.
3- العزيز شرح الوجيز 521:4، روضة الطالبين 345:3.
4- العزيز شرح الوجيز 521:4، روضة الطالبين 346:3.

تذنيب: لو كانت الجناية على مكاتب السيّد، ثبت للمكاتب القصاص و العفو. فإنّ عجّز نفسه، ثبت للسيّد القصاص و العفو على مالٍ؛ لأنّه انتقل إليه من المكاتب. و إن قتل مكاتبه، ثبت للسيّد القصاص و العفو على مالٍ؛ لأنّه انتقل إليه من المكاتب. لأنّه بمنزلة الوارث، لأنّ الحقّ انتقل إليه من المكاتب. و بالجملة، إذا انتقل الحقّ من المكاتب إلى السيّد بموته أو عجزه، فهو كما لو انتقل من المورّث.

تذنيبٌ آخَر: لو قتل العبد المرهون سيّدَه و له ابنان، كان لهما القصاص.

و هل لهما العفو على مالٍ؟ للشافعي قولان.

فإن عفا أحدهما، سقط القصاص عندهم؛ لأنّه متى سقط القصاص من أحد الوارثين سقط مطلقاً عندهم.

و عندنا أنّه لا يسقط.

فعلى قولهم هل يثبت للآخَر نصيبه من الدية ؟ على القولين.

و أمّا العافي فإن شرط المال، فعلى القولين. و إن أطلق فإن قلنا: يوجب القتل العمد القصاصَ خاصّة، فلا شيء له.

و إن قلنا: الواجب أحد الأمرين: إمّا القصاص أو الدية، فهل تثبت الدية ؟ على القولين(1).

مسألة 206: قد بيّنّا أنّ من أسباب فكّ الرهن براءة ذمّة الراهن

عن

ص: 311


1- الاُم 176:3، و 13:6، المهذّب للشيرازي 321:1، الحاوي الكبير 85:6، و 155، و 95:12 و 104 و 106، العزيز شرح الوجيز 518:4، و 290289:10، روضة الطالبين 343:3، المغني 335:9، و 464 465، و 474، الشرح الكبير 415:9.

جميع الدَّيْن إمّا بالقضاء أو بالإبراء أو الحوالة أو الإقامة المسقطة للثمن المرهون به أو المسلّم فيه مرهون به.

و لو اعتاض عن الدَّيْن عيناً، ارتفع الرهن أيضاً؛ لتحوّل الحقّ من الذمّة إلى العين، و براءة الذّمة من الدَّيْن.

فإن تلفت العين قبل التسليم، بطل الاعتياض، و عاد الرهن بحاله، كما عاد الدَّيْن. و فيه إشكال.

و لو برئ الراهن من بعض الدَّيْن بإبراءٍ أو قضاءٍ أو غير ذلك من الأسباب، لم ينفك شيء من الرهن؛ قضيّةً للاستيثاق. قال الشيخ (رحمه اللّه): لأنّه مرهون بجميع الحقّ و بكلّ جزء من أجزائه و وثيقة به و بكلّ جزء منه، كالشهادة، و كما أنّ حقّ الحبس يبقى ما يبقي شيء من الثمن، و لا يعتق شيء من المكاتب ما بقي من المال شيء.

مسألة 207: و لو رهن عبدين، لزم الرهن عندنا و إن لم يقبض المرتهن على ما تقدّم.

و مَنْ شَرَط القبض كالشافعي لو رهن عبدين و سلم أحدهما، كان المسلَّم رهناً بجميع الدَّيْن عنده(1) ، خلافاً لأبي حنيفة(2).

و سلم أبو حنيفة أنّه لو سلّمهما ثمّ تلف أحدهما، كان الباقي رهناً بجميع الدَّيْن(3) ، فقاس الشافعي عليه.

و لأنّ العقد كان صحيحاً فيهما، و إنّما طرأ انفساخ العقد في أحدهما،

ص: 312


1- الاُم 142:3، الوسيط 517:3، العزيز شرح الوجيز 522:4، روضة الطالبين 346:3.
2- العزيز شرح الوجيز 522:4.
3- العزيز شرح الوجيز 522:4.

فلم يؤثّر في الآخر، كما لو اشترى شيئين ثمّ ردّ أحدهما بعيب أو خيار أو إقالة، و الراهن مخيّر بين إقباض الباقي و منعه.

و لو كان التلف بعد قبض الآخَر، فقد لزم الرهن فيه. فإن كان الرهن مشروطاً في بيعٍ، ثبت للبائع الخيار؛ لتعذّر الرهن بكماله، فإن رضي، لم يكن له المطالبة ببدل التالف؛ لأنّ الرهن لم يلزم فيه، و يكون المقبوض رهناً بجميع الثمن.

و لو تلف أحدهما بعد القبض، فلا خيار للبائع؛ لأنّ الرهن لو تلف كلّه لم يكن له خيار، فإذا تلف بعضه كان أولى.

ثمّ إن كان تلفه بعد قبض الآخَر، فقد لزم الرهن فيه. و إن كان قبل قبض الآخَر، فالراهن مخيَّر بين إقباضه و تركه، فإن امتنع من قبضه، ثبت للبائع الخيار، كما لو لم يتلف الآخَر.

و لو رهنه داراً فانهدمت قبل قبضها، لم ينفسخ عقد الرهن؛ لأنّ ماليّتها لم تذهب بالكلّيّة، فإنّ عرصتها و أنقاضها باقية، و يثبت للمرتهن الخيار إن كان الرهن مشروطاً في بيعٍ؛ لأنّها تعيّبت و نقصت قيمتها، و تكون العرصة و الأنقاض رهناً بجميع الدَّيْن؛ لأنّ العقد ورد على مجموع الدار المشتملة على العرصة و الأنقاض من الأخشاب و الأحجار و نحوها، و ما دخل في العقد استقرّ بالقبض.

تذنيب: إنّما يعرض انفكاك الرهن في بعض المرهون دون بعضٍ بأحد أُمور ستّة:

أحدهما: تعدّد العقد، كما إذا رهن أحد نصفي العبد بعشرة في صفقة و نصفه الآخر في صفقة أُخرى، فإنّه إذا قضي دَيْن أحد النصفين، خرج ذلك النصف عن الرهن، و بقي الآخَر رهناً بدَيْنه المختصّ به.

ص: 313

و ثانيها: أن يتعدّد مستحقّ الدَّيْن.

و ثالثها: أن يتعدّد مَنْ عليه الدَّيْن.

و رابعها: أن يقضي أحد الوكيلين.

و خامسها: إذا فكّ المستعير نصيب أحد المالكين.

و سادسها: أن يقضي أحد الوارثين ما يخصّه من الدَّيْن.

و نحن نبيّن هذه الجملة.

مسألة 208: الفرض الأوّل ظاهر، و أمّا الثاني فإذا تعدّد مستحقّ الدَّيْن،

كما لو كان لرجلين على رجلٍ دَيْنان، فرهن منهما بدَيْنهما عليه عيناً صفقةً واحدة ثمّ برئت ذمته عن دَيْن أحدهما بأداءٍ أو إبراءٍ، انفكّ من الرهن بقسط دَيْنه؛ لأنّ نصف العبد رهن عند أحدهما، و نصفه الآخَر عند الآخَر كلّ واحدٍ منهما بدَيْنه، فإذا وفى أحدهما، خرجت حصّته من الرهن، لأنّ عبد الواحد مع الاثنين بمنزلة عبدين، فكأنّه رهن عند كلّ واحدٍ منهما النصف منفرداً.

فإن أراد مقاسمة المرتهن و أخْذَ نصيب مَنْ وفاه و كان الرهن ممّا لا تنقصه القسمة كالمكيل و الموزون، لزم ذلك. و إن كان ممّا تنقصه القسمة، لم تجب قسمته؛ لما فيه من تضرّر المرتهن بالقسمة، فيقرّ في يد المرتهن يكون نصفه رهناً و نصفه وديعةً، و بهذا قال الشافعي(1) ، و اختاره الشيخ(2) (رحمه اللّه).

و قال أبو حنيفة: لا ينفكّ شيء حتى يؤدّي دَيْنهما جميعاً، سواء كانا شريكين فيه أو لا، و جميعها رهن عند كلّ واحدٍ منهما؛ لأنّ الرهن أُضيف

ص: 314


1- العزيز شرح الوجيز 522:4، روضة الطالبين 346:3.
2- المبسوط للطوسي 240:2.

إلى كلّ العين في صفقة واحدة، و لا شيوع في المحلّ باعتبار تعدّد المستحقّ، و موجَبه صيرورته محبوساً بدَيْن كلّ واحدٍ منهما، فكان استحقاق الحبس لهما استحقاقاً واحداً من غير انقسامٍ بينهما، بخلاف الهبة من اثنين عند أبي حنيفة فإنّ هناك لا بدّ من انقسام الحكم و هو الملك بينهما؛ إذ يستحيل إثباته لكلٍّ منهما على الكمال في محلٍّ واحد، فدخل فيه الشيوع ضرورةً، بخلاف مسألتنا؛ إذ لا حاجة إلى هذا، لأنّ العين الواحدة يجوز أن تكون محبوسةً لحقّ كلّ واحدٍ منهما على الكمال، إذ لا تضايق في استحقاق الحبس.

أ لا ترى أنّ الرهن الواحد لا ينقسم على أجزاء الدَّيْن، بل يكون محبوساً كلُّه بكلِّه و بكلّ جزء منه، فكذا هنا تكون العين محبوسةً بحقّها و بحقّ كلّ واحدٍ منهما، فلا يدخل فيه الشيوع.

فإذا قضى الراهن دَيْن أحدهما، فالكلّ رهنٌ عند الآخَر؛ لأنّ جميع العين رهنٌ عند كلّ واحدٍ منهما من غير تفرّقٍ، و على هذا حبس المبيع إذا اشترى رجلان من رجل فأدّى أحدهما حصّته، لم يكن له أن يقبض شيئاً، و كان لبائع أن يحبس الجميع حتى يستوفي ما على الآخَر(1).

و الوجهُ: الأوّل.

و للشافعيّة وجهٌ غريب عندهم: أنّه إذا اتّحد جهة الدَّيْنين كما لو أتلف عليهما مالاً أو ابتاع منهما، لم ينفك شيء بالبراءة عن دَيْن أحدهما، و إنّما ينفكّ إذا اختلفت الجهتان(2).

مسألة 209: لو تعدّد مَنْ عليه الدَّيْن،

كما لو استدان شخصان من

ص: 315


1- الاختيار لتعليل المختار 106:2، و 7271:3، العزيز شرح الوجيز 522:4.
2- العزيز شرح الوجيز 522:4، روضة الطالبين 346:3.

رجل شيئاً و رهنا عنده بدَيْنه عليهما شيئاً، صحّ الرهن؛ لأنّ رهن المشاع جائز عندنا و عند الشافعي(1) ، خلافاً لأبي حنيفة(2).

فإذا أدّى أحدهما نصيبه أو أبرأه المستحقّ، انفكّ نصيبه من الرهن، و ليس له أن يطالب المرتهن بالقسمة، بل المطالبة بالقسمة إلى الشريك المالك.

فإن قاسمه المرتهن بإذن الراهن الآخَر، صحّت القسمة. و إن قاسمه بغير إذنه، لم تصحّ القسمة، سواء كان ممّا يمكن قسمته بغير رضا الشريك الآخَر و بغير حضوره كالمكيل و الموزون، أو لم يمكن قسمته إلّا بحضور الشريك الآخَر، كالعقار و الأراضي و الحيوان خلافاً لبعض العامّة(3) و هذا كمذهب الشافعي(4).

و قال أبو حنيفة: لا ينفكّ حتى يبرءا عن حقّه جميعاً، و الرهن رهن بكلّ الدَّيْن، و للمرتهن أن يمسكه حتى يستوفي جميع الدَّيْن؛ لأنّ قبض المرتهن حصل في الكلّ من غير شيوع، و تفرّق أملاكها لا يوجب شيوعاً3.

ص: 316


1- الحاوي الكبير 14:6، حلية العلماء 421:4، التهذيب للبغوي 15:4، الوسيط 462:3، الوجيز 159:1، العزيز شرح الوجيز 438:4، روضة الطالبين 282:3، بداية المجتهد 273:2، المغني 407:4، الشرح الكبير 405:4، المبسوط للسرخسي 69:21، الهداية للمرغيناني 132:4، أحكام القرآن للجصّاص 524:1، مختصر اختلاف العلماء 2003/288:4.
2- المبسوط للسرخسي 69:21، الهداية للمرغيناني 132:4، أحكام القرآن للجصّاص 524:1، مختصر اختلاف العلماء 2003/287:4، بداية المجتهد 273:2، الحاوي الكبير 15:6، و 218، حلية العلماء 422:4، التهذيب للبغوي 15:4، الوسيط 462:3، الوجيز 159:1، العزيز شرح الوجيز 438:4، المغني 407:4، الشرح الكبير 405:4.
3- العزيز شرح الوجيز 526:4، روضة الطالبين 349:3.
4- العزيز شرح الوجيز 525:4، روضة الطالبين 348:3.

في الرهن، فإنّه يجوز أن يكون ملك الغير مرهوناً بدَيْن الغير، كما لو استعار فرهن. و جوّز أبو حنيفة هذا الرهن و إن لم يجوّز رهن المشاع(1)التهذيب للبغوي 53:4، حلية العلماء 458:4، الوجيز 166:1، العزيز شرح الوجيز 508:4، روضة الطالبين 334:3.(2).

تذنيب: لو رهن ثلاثةٌ عبداً عند رجل بدَيْنٍ له على كلّ واحدٍ منهم، صحّ، و كان الحكم من الخلاف كما تقدّم. فإن مات العبد، كان من ضمان المرتهن عند أبي حنيفة(3) ، خلافاً لنا و للشافعي(3).

فعلى قول أبي حنيفة يذهب من دَيْن كلّ واحدٍ منهم بالحصّة من العبد، و تراجعوا فيما بينهم حتى لو كان له على رجل ألف و خمسمائة و على آخَر ألف و على آخَر خمسمائة فرهنوه عبداً قيمته ألفان بينهم أثلاثاً فهلك، صار مستوفياً من كلّ واحدٍ ثلثي ما عليه؛ لأنّ المرهون عنده مضمون بأقل من قيمته و من الدَّيْن(4) ، و الرهن هنا أقلّ، فيصير مستوفياً من الدَّيْن بقدر قيمة العبد، و هي ألفان، و هي ثلثا ثلاثة آلاف هي الدَّيْن عليهم، فيصير مستوفياً من الأكثر ألف درهم، و من الأوسط ستّمائة و ستّة و ستّين و ثلثين، و من الأقلّ ثلاثمائة و ثلاثة و ثلاثين و ثلث، و يبقى على كلّ واحد ثلث دَيْنه.4.

ص: 317


1- الهداية للمرغيناني 140:4، الاختيار لتعليل المختار 106:2، العزيز شرح الوجيز 522:4، و أيضاً راجع المصادر في الهامش
2- .
3- الهداية للمرغيناني 127:4، الاختيار لتعليل المختار 99:2، حلية العلماء 458:4، التهذيب للبغوي 53:4، الوجيز 166:1، العزيز شرح الوجيز 508:4.
4- الهداية للمرغيناني 128:4، الاختيار لتعليل المختار 98:2، الحاوي الكبير 255:6، التهذيب للبغوي 53:4، حلية العلماء 458:4، العزيز شرح الوجيز 508:4.

ثمّ الذي عليه الأكثر يضمن لكلٍّ من صاحبَيْه ثلاثمائة و ثلاثة و ثلاثين و ثلثاً؛ لأنّه صار قاضياً من دَيْنه ألفاً ثلثه من نصيبه، و ذلك ثلاثمائة و ثلاثة و ثلاثون و ثلث، و ثلثه من نصيب الأوسط، و ثلثه من نصيب الأقلّ، فيضمن لهما مقدار ما قضي من دَيْنه من نصيبهما.

و الأوسط يضمن لكلٍّ من صاحبَيْه مائتين و عشرين درهماً و تُسْعي درهم؛ لأنّه صار قاضياً من دَيْنه ستّمائة و ستّين و ثلثين ثلثها من نصيبه، و ذلك مائتان و اثنان و عشرون و تُسْعان، و ثلثها من نصيب الأكثر، و ثلثها من نصيب الأقلّ، فيضمن لهما مقدار ما قضي من دَيْنه من نصيبهما.

و الذي عليه الأقلّ صار قاضياً من دَيْنه ثلاثمائة و ثلاثين و ثلثاً، ثلثه من نصيبه، و ذلك مائة و أحد عشر و تُسْع ثلثه من نصيب الأوسط، و ثلثه من نصيب الأكثر، فيضمن لصاحبَيْه ما قضي من نصيبهما.

ثمّ تقع المقاصّة بينهم تقاصّوا أو لم يتقاصّوا لاتّحاد الجنس، فمَنْ عليه الأقلّ استوجب على الكثير ثلاثمائة و ثلاثين و ثلثاً، و هو قد استوجب عليه مائة و أحد عشر و تُسْع، فتقع المقاصّة بهذا القدر، و يرجع الأقلّ عليه بما بقي، و هو مائتان و اثنان و عشرون و تُسْعان.

و كذا مَنْ عليه الأقلّ استوجب على مَنْ عليه الأوسط مائتين و اثنين و عشرين و تُسْعين، و قد استوجب الرجوع على الأكثر بثلاثمائة و ثلاثة و ثلاثين و ثُلْث، و هو استوجب الرجوع عليه بمائتين و اثنين و عشرين و تُسْعين، فتقع المقاصّة بهذا القدر، و يرجع عليه بالفضل، و هو مائة و أحد عشر و تُسْع.

مسألة 210: لو وكّل رجلان رجلاً ليرهن عبدهما من زيد بدَيْنه عليهما،

فرهن ثمّ قضى أحد الموكّلين ما عليه، قال بعض الشافعيّة: يخرج

ص: 318

على قولين. و الصحيح عندهم: الجزم بأنّه ينفكّ نصيبه، و لا نظر إلى اتّحاد الوكيل و تعدّده(1).

قال الجويني: لأنّ مدار الباب على اتّحاد الدَّيْن و تعدّده، و مهما تعدّد أو المستحقّ عليه فقد تعدّد الدَّيْن(2).

و يخالف ما نحن فيه البيع و الشراء حيث ذكروا خلافاً في أنّ الاعتبار في تعدّد الصفقة و اتّحادها بالمتبايعين أو الوكيل ؟ لأنّ الرهن ليس عقدَ ضمانٍ حتى يُنظر فيه إلى المباشر(3).

مسألة 211: لو كان لاثنين عبدٌ فاستعاره واحد ليرهنه فرهنه ثمّ أدّى نصف الدَّيْن و قصد به الشيوع من غير تخصيصٍ لحصّته، لم ينفكّ من الرهن شيء.

و إن قصد أداءه عن نصيب أحدهما بعينه لينفكّ نصيبه، فقولان للشافعي:

أحدهما: لا ينفكّ، كما لو استعاره من واحد.

و الثاني: ينفكّ، كما لو رهن رجلان من رجلٍ ثمّ أدّى أحدهما نصيبه، و المعنى فيه النظر إلى تعدّد المالك، و قطع النظر عن العاقد. و هو أظهر القولين عندهم(4).

و لو كان لشخصين عبدان متماثلا القيمة فاستعارهما آخَر للرهن فرهنهما ثمّ قضى نصف الدَّيْن ليخرج أحدهما عن الرهن، فللشافعيّة

ص: 319


1- العزيز شرح الوجيز 523522:4، روضة الطالبين 346:3.
2- العزيز شرح الوجيز 523:4، روضة الطالبين 347346:3.
3- العزيز شرح الوجيز 523:4، روضة الطالبين 347:3.
4- العزيز شرح الوجيز 523:4، روضة الطالبين 347:3.

قولان:

قيل: يخرج؛ لانضمام(1) تعدّد المحلّ إلى تعدّد المالك.

و الأصحّ: طرد القولين(2).

و إذا قلنا بالانفكاك فلو كان الرهن مشروطاً في بيع، فهل للمرتهن الخيار إذا كان جاهلاً بأنّه لمالكَيْن ؟ فيه رأيان نسبهما الأكثرون إلى بعض الشافعيّة(3).

و قيل: بل للشافعي قولان، أصحّهما: أنّ له الخيار؛ لأنّ مقتضى الرهن المطلق لا ينفكّ شيء منه الّا بعد أداء جميع الدَّيْن و لم يحصل ذلك(4).

و قيل فيه(5) قولٌ ثالث للشافعي، و هو: أنّ المرتهن إن كان عالماً بأنّ العبد لمالكَيْن، فللراهن فكّ نصفه بأداء نصف الدَّيْن: و إن كان جاهلاً، لم يكن للراهن فكّه إلّا بأداء الكل(6).

قال الجويني: ليس لهذا وجهٌ؛ فإنّ عدم الانفكاك لاتّحاد الدَّيْن و العاقدين، و هذا لا يختلف بالعلم و الجهل، و إنّما أثر الجهل الخيار(7).

و لو استعار من رجلين و رهن من رجلين، كان نصيب كلّ واحدٍ من4.

ص: 320


1- في «ج» و الطبعة الحجريّة: «انضمام». و الصحيح ما أثبتناه من «العزيز شرح الوجيز».
2- العزيز شرح الوجيز 523:4، روضة الطالبين 347:3.
3- العزيز شرح الوجيز 523:4، روضة الطالبين 347:3.
4- العزيز شرح الوجيز 523:4.
5- في الطبعة الحجريّة: «و فيه».
6- العزيز شرح الوجيز 523:4.
7- العزيز شرح الوجيز 523:4.

المالكَيْن مرهوناً من الرجلين، فلو أراد فكّ نصيب أحدهما بقضاء نصف دَيْن كلّ واحدٍ منهما، فعلى القولين: و لو أراد فكّ نصف العبد بقضاء دَيْن أحدهما، فله ذلك بلا خلافٍ.

و لو استعار اثنان من واحدٍ و رهنا من واحدٍ ثمّ قضى أحدهما ما عليه، انفكّ النصف؛ لتعدّد العاقد.

و لو استعار ليرهن من واحدٍ فرهن من اثنين أو بالعكس، و لا يجوز.

أمّا في الصورة الأُولى: فلأنّه لم يأذن.

و أمّا بالعكس: فلأنّه إذا رهن من اثنين، ينفكّ بعض الرهن بأداء دَيْن أحدهما، و إذا رهن من واحدٍ، لا ينفكّ شيء إلّا بأداء الجميع.

مسألة 212: لو رهن عبداً بمائة ثمّ مات عن ولدين، فقضى أحدهما حصّته من الدَّين،

هل ينفكّ نصيبه من الرهن ؟ للشافعي قولان:

أحدهما: ينفكّ، كما لو رهن في الابتداء اثنان.

و أصحّهما و به قطع جماعة -: أنّه لا ينفكّ؛ لأنّ الرهن في الابتداء صدر من واحدٍ، و أنّه أثبت وثيقة، و قضيّتها حبس كلّ المرهون إلى أداء كلّ الدَّيْن، فوجب إدامتها(1).

و لو مات مَنْ عليه الدَّيْن و تعلّق الدَّيْن بتركته فقضى بعض الورثة نصيبه من الدَّيْن، لم يبعد أن يخرج انفكاك نصيبه من الرهن على قولين بناءً على أنّ أحد الورثة لو أقرّ بالدَّيْن و أنكر الباقون، هل على المُقرّ أداء جميع الدَّيْن من حصّته من التركة ؟.

و على هذا البناء فالأصحّ عندهم الانفكاك؛ لأنّ القول الجديد

ص: 321


1- العزيز شرح الوجيز 524:4، و انظر روضة الطالبين 348:3.

للشافعي أنّه لا يلزم أداء جميع الدَّيْن ممّا في يده من التركة(1). و هو مذهبنا أيضاً.

و لأنّ تعلّق الدَّيْن بالتركة إذا مات الراهن إن كان كتعلّق الدَّيْن، فهو كما لو تعدّد الراهن. و إن كان كتعلّق الأرش بالجاني، فهو كما لو جنى العبد المشترك فأدّى أحد الشريكين نصيبه، ينقطع التعلّق عنه.

مسألة 213: إذا رهن عيناً عند رجلين، فنصفها رهنٌ عند كلّ واحدٍ منهما بدَيْنه،

فإذا قبض أحدهما، خرجت حصّته من الرهن؛ لأنّ عقد الواحد مع اثنين بمنزلة عقدين، فكأنّه رهن عند كلّ واحدٍ منهما النصف منفرداً.

و لو رهن اثنان عبداً لهما عند اثنين بألف، فهنا أربعة عقود، و يصير كلّ ربع من العبد رهناً بمائتين و خمسين، فمتى قضاها مَنْ هي عليه انفكّ من الرهن ذلك القدر.

و إذا انفكّ نصيب أحد الشريكين بأداء أو إبراءٍ و أراد الذي انفكّ نصيبه القسمة و كان الرهن من المكيلات و الموزونات، قال الشيخ (رحمه اللّه): لم يكن له ذلك(2).

و قال الشافعي: له ذلك(3).

و الوجه: الأوّل.

و إن كان ممّا لا ينقسم بالأجزاء، كعبدين مشتركين متساويي القيمة، لا يُجاب مَنْ أدّى نصيبه من الدَّين لو سأل التفرّدَ بعبدٍ و حَصْرَ الرهن في

ص: 322


1- العزيز شرح الوجيز 524:4، روضة الطالبين 348:3.
2- المبسوط للطوسي 240:2.
3- العزيز شرح الوجيز 525:4، روضة الطالبين 348:3.

عبدٍ.

و لو كان الرهن أرضاً مختلفة الأجزاء كالدار، و طلب مَن انفكّ نصيبه القسمةَ، كان على الشريك إجابته.

و في المرتهن إشكال؛ لما في القسمة من التشقيص و قلّة الرغبات.

و للشافعيّة وجهان(1).

و إذا جوّزنا القسمة في موضعٍ فسبيل الطالب لها أن يراجع الشريك، فإن ساعده فذاك، و إن امتنع رفع الأمر إلى القاضي ليقسّم.

و لو قاسم المرتهن و هو مأذون من جهة المالك أو الحاكم عند امتناع المالك، جاز، و إلّا فلا.

و إذا منعنا القسمة لو رضي المرتهن، قال أكثر الشافعيّة يصحّ(2).

و قال بعضهم: لا يصحّ و إن رضي؛ لأنّ رضاه إنّما يؤثّر في فكّ الرهن، فأمّا في بيع الرهن بما ليس برهنٍ ليصير رهناً فلا(3).

و هذا إشكال قويّ؛ لأنّه يجعلون القسمة بيعاً(4).

و اعلم أنّ القسمة في الحقيقة إنّما تجري مع الشريك؛ لأنّه المالك.

و لو أراد الراهنان القسمةَ قبل فكّ شيء من المرهون، فعلى التفصيل السابق إلى مختلف الأجزاء و متّفقها.

و لو رهن واحد من اثنين و قضى نصيب أحدهما ثمّ أراد ليمتاز ما بقي4.

ص: 323


1- العزيز شرح الوجيز 525:4، روضة الطالبين 349348:3.
2- العزيز شرح الوجيز 526:5، روضة الطالبين 349:3.
3- العزيز شرح الوجيز 526:5، روضة الطالبين 349:3.
4- الاُم 24:3، مختصر المزني: 77، الحاوي الكبير 126:5، التهذيب للبغوي 345:3، العزيز شرح الوجيز 28:4، روضة الطالبين 51:3، المغني 148147:4.

فيه الرهن، فالأقوى: اشتراط رضا المرتهن الآخَر.

مسألة 214: إذا سقط حقّ المرتهن بإبراءٍ أو قضاء، كان الرهن عنده أمانةً؛

لأنّه كان عنده أمانةً و وثيقةً، فإذا سقطت الوثيقة، بقي أمانةً.

و لا يلزم ردّه حتى يطالبه به؛ لأنّه بمنزلة الوديعة، بخلاف ما إذا أطارت الريح ثوباً إلى دار إنسان، أو دخلت شاة إلى دار إنسان، فإنّه يلزمه ردّه عليه(1) أو إعلامه به؛ لأنّه لم يرض بكونه في يده.

و ينبغي أن يكون المرتهن إذا أبرأ الراهنَ من الدَّيْن و لم يعلم الراهن أن يُعلمه بالإبراء، أو يردّ الرهن عليه؛ لأنّه لم يتركه عنده إلّا على سبيل الوثيقة، بخلاف ما إذا علم؛ لأنّه قد رضي بتركه في يده.

و قال أبو حنيفة: إذا قضاه، كان مضموناً، و إذا أبرأه أو وهبه لم ثمّ تلف الرهن في يده، لم يضمنه استحساناً؛ لأنّ البراءة أو(2) الهبة لا تقتضي الضمان(3).

و هو تناقض منه؛ لأنّ القبض المضمون عنده لم يزل و لم يُبرأ منه.

إذا عرفت هذا؛ فلو سأل مالكه في هذه الحال دَفْعَه إليه، لزم مَنْ هو في يده من المرتهن أو العَدْل دَفْعه إليه إذا أمكنه، فإن لم يفعل، صار ضامناً، كالمودع إذا امتنع من ردّ الوديعة بعد طلبها.

و إن كان امتناعه لعذرٍ مثل أن يكون بينه و بين الراهن طريقٌ مخوف، أو بابٌ مغلق لا يمكنه فتحه، أو خاف فوت جمعة أو وقت

ص: 324


1- أي: على مالكه.
2- في «ج» و الطبعة الحجريّة: «و» بدل «أو». و ما أثبتناه يقتضيه السياق.
3- بدائع الصنائع 155:6، حلية العلماء 459:4، المغني 479:4، الشرح الكبير 446445:4.

فريضة، أو كان به مرض أو جوع شديد و ما أشبه ذلك فأخّر التسليم لذلك فتلف، فلا ضمان عليه؛ لأنّه غير مفرّط بامتناعه. فإن زال العذر، وجبت المبادرة، و لا حاجة إلى تجديد طلبٍ.

و لو رهن عند اثنين فوفى أحدهما، و بقي نصيب الآخَر رهناً عنده، و يُقرّ الرهن بأسره في يده نصفه رهن و نصفه وديعة.

ص: 325

الفصل الثامن: في التنازع الواقع بين المتراهنين

مسألة 215: لو اختلفا في أصل العقد،

فقال ربّ الدَّيْن: رهنتني كذا، و أنكر المالك، كان القولُ قولَ الراهن مع يمينه؛ لأنّ الأصل عدم الرهن، سواء كان الشيء المدّعى رهناً في يد الراهن أو يد المرتهن، فإن أقام المرتهن البيّنةَ، تثبت دعواه، و إلّا فلا.

و لو اتّفقا على العقد و اختلفا في وصفٍ يُبطله فادّعاه أحدهما فأنكره الآخَر، فالقول قول منكره، سواء كان الراهنَ أو المرتهنَ؛ لأنّ الأصل صحّة العقد.

و لو اختلفا في عين الرهن، فقال: رهنتني عبدك هذا، فقال: بل العبد الآخر أو الجارية أو الثوب، خرج ما ادّعاه الراهن من الرهن؛ لاعتراف المرتهن بأنّه ليس رهناً، ثمّ يحلف الراهن على نفي ما ادّعاه المرتهن، و خرجا عن الرهن معاً.

و لو اختلفا في قدر الدَّيْن المرهون به، فقال الراهن: رهنت على ألف، و قال المرتهن: بل على ألفين، فالقول قول الراهن مع يمينه، سواء اتّفقا على أنّ الدَّيْن ألفان و ادّعى الراهن أنّ الرهن على أحدهما و ادّعى المرتهن أنّه عليهما معاً، أو اختلفا في قدر الدَّيْن و به قال النخعي و الثوري و الشافعي و البتّي و أبو ثور و أحمد و أصحاب الرأي(1) لأنّ الراهن منكر للزيادة التي يدّعيها المرتهن، فالقول قوله؛ لقول النبيّ (صلّى اللّه عليه و آله): «لو أُعطي الناس بدعواهم لادّعى قوم دماء رجال و أموالهم، و لكنّ اليمين على

ص: 326


1- المغني 482:4، الشرح الكبير 466:4.

المدّعى عليه». رواه العامّة(1).

و من طريق الخاصّة: رواية محمّد بن مسلم الصحيحة عن الباقر (عليه السّلام): في الرجل يرهن عند صاحبه رهناً لا بيّنة بينهما فيه، ادّعى الذي عنده الرهن أنّه بألف درهم، فقال صاحب الرهن: إنّه بمائة، قال: «البيّنة على الذي عنده الرهن أنّه بألف درهم، فإن لم يكن له بيّنة فعلى الراهن اليمين»(2).

و لأنّ الأصل عدم الرهن و عدم الزيادة التي يدّعيها، فالقول قول النافي، كما لو اختلفا في أصل الدَّيْن.

و حكي عن الحسن و قتادة أنّ القولَ قولُ المرتهن ما لم يجاوز ثمن الرهن أو قيمته، و نحوه قال مالك؛ لأنّ الظاهر أنّ الرهن بقدر الحق(3).

و قد روى الشيخ نحو هذا القول عن عليّ (عليه السّلام) في رهن اختلف فيه الراهن و المرتهن، فقال الراهن: هو بكذا و كذا، و قال المرتهن: هو بأكثر، قال عليّ (عليه السّلام): «يصدّق المرتهن حتى يحيط بالثمن لأنّه أمينه»(4).

و ما ذكروه من الظاهر ممنوع، فإنّ العادة تقضي رهن الشيء بأقلّ من قيمته و بأكثر و بالمساوي، فلا ضابط لها فيه.

و الرواية عن عليّ (عليه السّلام) ضعيفة السند.

إذا ثبت هذا، فلو اتّفقا على أنّ الدَّيْن ألفان، و قال الراهن: إنّما رهنتك بأحد الألفين، و قال المرتهن: بل بهما، فالقول قول الراهن كما3.

ص: 327


1- صحيح مسلم 1711/1336:3، و عنه في المغني 482:4، و الشرح الكبير 466:4، و فيها: «لو يُعطى..».
2- الكافي 2/237:5، التهذيب 769/174:7، الاستبصار 432/121:3.
3- المغني 482:4، الشرح الكبير 466:4.
4- التهذيب 774/175:7، الاستبصار 435/122:3.

تقدّم مع يمينه؛ لأنّه ينكر تعلّق حقّ المرتهن في أحد الألفين برهنه، و القول قول المنكر.

و لو اتّفقا على أنّه رهن بأحد الألفين لكن قال الراهن: هو رهن بالمؤجَّل، و قال المرتهن: بل بالحالّ، فالقول قول الراهن مع يمينه؛ لأنّه منكر. و لأنّ القول قوله في أصل الدَّيْن فكذا في صفته.

و لو كان هناك بيّنة، حُكم بها في جميع هذه المسائل.

و كذا لو قال الراهن: إنّه رهن على الحالّ، و قال المرتهن: إنّه على المؤجَّل، يُقدَّم قول الراهن مع يمينه.

مسألة 216: لو اختلفا في قدر المرهون،

فقال الراهن: رهنتك هذا العبد فقال المرتهن: بل هو و العبد الآخَر، قُدّم قول الراهن إجماعاً؛ لأنّه منكر.

و كذا لو رهن أرضاً فيها شجر، ثمّ قال الراهن: رهنت الأرض دون الشجر، و قال المرتهن: بل رهنتها بما فيها، قُدّم قول الراهن؛ لما تقدّم.

و لو قال الراهن: رهنتك الأشجار خاصّةً، فقال المرتهن: بل رهنتها مع الأرض، فالقول قول الراهن.

و لو قال المرتهن: رهنت هذه الأشجار مع الأرض يوم رهن الأرض، و قال الراهن: إنّ هذه الأشجار أو بعضها لم تكن يوم رهن الأرض، و إنّما أحدثتها بعده، فإن كان شاهد الحال يصدّقه، و لا يتصوّر وجودها يوم الرهن، فالمرتهن كاذب، و يقدّم قول الراهن بغير يمينٍ. و إن كان لا يتصور حدوثها، فالراهن كاذب.

ثمّ إن ادّعى في منازعتها أنّه رهن الأرض بما فيها وافقه الراهن، كانت الأشجار مرهونةً، كما يقوله المرتهن، و لا حاجة إلى الإحلاف.

و إن زعم رهن الأرض وحدها أو رهن ما سوى الأشجار المختلف

ص: 328

فيها أو اقتصر على نفي الوجود، لم يلزم من كذبه في إنكار الوجود كونها رهناً، فيطالب بجواب دعوى الراهن.

فإن استمرّ على إنكار الوجود و اقتصر عليه المعلوم كذبه فيه، جُعل ناكلاً، و رُدّت اليمين على المرتهن، فإن رجع إلى الاعتراف بالوجود و أنكر رهنها قبل إنكاره، فإن حلف خرجت عن الرهن و قُبلت يمينه؛ لأنّه لا يلزم من كذبه في نفي الوجود كذبه في نفي الرهن.

و لو كان الأشجار بحيث يحتمل وجودها يوم رهن الأرض و تجدّدها بعده، قُدّم قول الراهن؛ لأصالة عدم الرهن، فإذا حلف فهي كالشجرة الحادثة بعد الرهن في القلع و سائر الأحكام، و يكفي إنكار الوجود يوم الرهن؛ لأنّه يضمن إنكار ما يدّعيه المرتهن، و هو رهنها مع الأرض.

و للشافعيّة قولٌ: إنّه لا بدّ من إنكار الرهن صريحاً(1).

و لا فرق بين أن يكون الاختلاف في رهن تبرّعٍ أو في رهنٍ مشروطٍ في بيع.

و الشافعيّة فرّقوا و قالوا في الثاني: يتحالفان، كما في سائر كيفيّات البيع(2).

و هو ممنوع عندنا.

مسألة 217: لو ادّعى إنسان على اثنين أنّهما رهنا عبدهما المشترك بينهما عنده بمائة و أقبضاه،

فإن أنكر الرهن أو الرهن الدَّيْن جميعاً، قُدّم قولهما مع اليمين.

و لو صدّقه أحدهما خاصّة، فنصيب المصدّق رهن بخمسين، و القول في نصيب المكذّب قوله مع يمينه.

ص: 329


1- العزيز شرح الوجيز 529:4، روضة الطالبين 350:3.
2- العزيز شرح الوجيز 529:4، روضة الطالبين 350:3.

فإن شهد المصدّق للمدّعي على شريكه المكذّب، قُبلت شهادته؛ لانتفاء شبهة جلب نفع أو دفع ضرر؛ لجهالته، مع عدالته و انتفاء عداوته.

و إن(1) شهد معه آخَر كذلك، ثبت حقّه، و إلّا حلف المدّعى معه، و يثبت الحقّ و رهن الجميع.

و لو أنكر كلّ واحدٍ منهما رهن نصيبه و شهد على صاحبه الآخَر برهن نصيبه و أنّه أقبضه. قُبلت شهادتهما، و حلف لكلٍّ منهما يميناً، و قضي له برهن الجميع، و إن حلف لأحدهما، ثبت رهن نصيبه، و هو أحد قولي الشافعي.

و الثاني: لا تُقبل شهادة واحدٍ منهما؛ لأنّ المدّعى يزعم أنّ كلّ واحدٍ منهما كاذب ظالم بجحوده، فإذا نسب المدّعى شاهده إلى الفسق، مُنع من قبول شهادته له(2).

لكن أكثر الشافعيّة على الأوّل؛ لأنّهما ربما نسيا أو اشتبه عليهما و لحقهما شبهة فيما يدّعيه.

و بالجملة، إنكار الدعوة لا يثبت فسق المدّعى عليه. و لأنّ الكذبة الواحدة لا توجب الفسق، و لهذا لو تخاصم اثنان في شيء ثمّ شهدا لغيرهما في قضيّة، سُمعت شهادتهما و إن كان أحدهما كاذباً في ذلك التخاصم، و لو ثبت الفسق بذلك، لم يجز قبول شهادتهما جميعاً مع تحقّق الجرح في أحدهما، فعلى هذا إذا حلف مع كلّ واحدٍ منهما أو أقام شاهداً آخَر، ثبت رهن الجميع(3).

و قال بعض الشافعيّة: الذي شهد أوّلاً تُقبل شهادته، دون الذي شهد3.

ص: 330


1- في «ج»: «فإن».
2- العزيز شرح الوجيز 530529:4، روضة الطالبين 350:3.
3- العزيز شرح الوجيز 530:4، روضة الطالبين 350:3.

أخيراً؛ لأنّه انتهض خصماً منقماً(1).

و الضابط أن تقول: متى حصلت تهمة في شهادة أحدهما، لم تٌقبل شهادته، و إلّا قُبلت.

مسألة 218: لو ادّعى اثنان على رجل أنّه رهن عبده عندهما

و قال كلّ واحدٍ منهما: إنّه رهنه عندي دون صاحبي و أقبضنيه دون صاحبي.

فإن كذّبهما جميعاً، فالقول قوله مع اليمين، و يحلف لكلّ واحدٍ منهما يميناً.

و إن كذّب أحدهما و صدّق الآخَر، قضي بالرهن للمصدّق و سلم إليه، و يحلف للآخر، و هو أحد قولي الشافعي. و أصحّهما عنده: أنّه لا يحلف.

و هذان مبنيّان على أنّه لو أقرّ بمالٍ لزيد ثمّ أقرّ به لعمرو، هل يغرم قيمته لعمرو؟ فيه قولان.

و كذا لو قال: رهنته من زيد و أقبضته، ثمّ قال: لا، بل رهنته من عمرو و أقبضته، هل يغرم قيمته للثاني ليكون رهناً عنده ؟ إن قلنا: يغرم، فله تحليفه، فربما يُقرّ فتُؤخذ القيمة.

و إن قلنا: لا يغرم، بني على أنّ النكول و ردّ اليمين هل هو بمثابة الإقرار أو البيّنة ؟ إن قلنا بالأوّل، لم يحلف؛ لأنّ غايته أن ينكل فيحلف، و ذلك ممّا لا يفيد شيئاً، كما لو أقرّ.

و إن قلنا بالثاني، حلّفه، فإن نكل فحلف اليمين المردودة، ففيما يستفيد به وجهان:

أحدهما: يقضى له بالرهن، و ينتزع من الأوّل؛ وفاءً لجَعْله كالبيّنة. و أصحّهما: أنّه يأخذ القيمة من المالك لتكون رهناً عنده، و لا ينتزع المرهون من الأوّل؛ لأنّا و إن جعلناه كالبيّنة فإنّما يفعل ذلك بالإضافة إلى المتداعيين و لا نجعله حجّةً على غيرهما(2) و إن صدَّقهما جميعاً، فإن لم يدّعيا السبق أو ادّعاه كلّ واحدٍ منهما و قال المدّعى عليه: لا أعرف السابق منكما، فصدّقاه، قيل: يقسم الرهن بينهما، كما لو تنازعا ملكاً في يد ثالثٍ و اعترف صاحب اليد لهما بالملك. و أصحّهما عندهم: أنّه يُحكم ببطلان العقد، كما لو زوّج وليّان و لم يعرف السابق منهما. و إن ادّعى كلّ واحدٍ منهما السبقَ و علم الراهن بصدقه و نفى علمه بالسبق، فالقول قوله مع يمينه، فإن نكل، رُدّت اليمين عليهما، فإن حلف أحدهما دون الآخَر، قضي له. و إن حلفا أو نكلا، تعذّر معرفة السابق، و عاد الوجهان. و إن صدّق أحدهما في السبق و كذّب الآخَرَ، قضي للمصدَّق. و هل يحلف للمكذّب ؟ فيه القولان(3) و حيث قلنا: يقضي للمصدَّق فذاك إذا لم يكن العبد في يد المكذّب، فإن كان، فقولان للشافعيّة: أحدهما: أنّ يده ترجَّح على تصديق المرتهن الآخَر، و يقضى له

ص: 331


1- العزيز شرح الوجيز 530:4، روضة الطالبين 351:3.
2- العزيز شرح الوجيز 531:4، روضة الطالبين 352351:3.
3- العزيز شرح الوجيز 532531:4، روضة الطالبين 352:3.

بالرهن. و أصحّهما: أنّ المصدَّق يُقدَّم؛ لأنّ اليد لا دلالة لها على الرهن، و لهذا لا تجوز الشهادة بها على الرهن(1) و لو كان العبد في أيديهما معاً، فالمصدَّق مقدَّم في النصف الذي هو في يده، و في النصف الآخَر القولان(2) و الاعتبار في جميع ما ذكرناه بسبق العقد لا بسبق القبض حتى لو صدّق هذا في سبق العقد و هذا في سبق القبض، فالمقدَّم الأوّل، خلافاً للشافعي، فإنّ الاعتبار عنده بسبق القبض (3)

مسألة 219: لو ادّعى رجلان على ثالثٍ برهن عبده عندهما بمائة و أنّه أقبضهما إيّاه،

فإن صدّقهما، حُكم برهنه عندهما. و إن كذّبهما، فالقول قوله مع اليمين و عدم البيّنة. و إن صدّق أحدهما خاصّةً، فنصف العبد مرهون عند المصدَّق بخمسين، و يحلف للآخر. فإن شهد المصدَّق على المكذّب، فللشافعيّة ثلاثة أقوال: أحدها: أنّه لا تُقبل مطلقاً. و الثاني: أنّه تُقبل مطلقاً. و الثالث: أنّ فيه وجهين بناءً على أنّ الشريكين إن ادّعيا حقّاً أو ملكاً بابتياع أو غيره فصدّق المدّعى عليه أحدهما دون الآخَر، هل يختصّ المصدَّق بالنصف المسلَّم أو يشاركه الآخَر؟ فيه وجهان: إن قلنا بالاختصاص، قُبلت شهادته للشريك، و إلّا فلا؛ لأنّه يدفع

ص: 332


1- العزيز شرح الوجيز 532:4، روضة الطالبين 352:3.
2- العزيز شرح الوجيز 532:4، روضة الطالبين 352:3.
3- العزيز شرح الوجيز 532:4، روضة الطالبين 352:3.

بشهادته زحمة الشريك عن نفسه. و قيل: إن لم ينكر إلّا الرهن، قُبلت شهادته للشريك، و إن أنكر الدَّيْن و الرهن، فحينئذٍ يُفرّق بين أن يدّعيا الإرث أو غيره(1) و يمكن أن يقال: كما أنّ استحقاق الدَّيْن يثبت بالإرث تارةً و بغيره اخرى، فكذلك استحقاق الرهن، فليَجْر التفصيل و إن لم ينكر إلّا الرهن. و لو ادّعى زيد و عمرو على ابني ثالثٍ أنّهما رهنا عبدهما المشترك منهما بمائة، فصدّقا أحد المدّعيين، ثبت ما ادّعاه، فكان له على كلّ واحدٍ منهما ربع المائة و نصف نصيب كلّ واحدٍ منهما مرهوناً به. و إن صدّق أحد الابنين زيداً و الآخَر عمراً، ثبت الرهن في نصف العبد لكلّ واحدٍ من المدّعيين في ربعه [بربع](2) المائة؛ لأنّ كلّ واحدٍ منهما يدّعي على الابنين نصف العبد، و لم يصدّقه إلّا أحدهما. ثمّ إن شهد أحد الابنين على الآخَر، قُبلت شهادته. و لو شهد أحد المدّعيين للآخَر، فعلى ما تقدّم في الصورة الثانية، و في فهمها تعسّف. قال ابن سريج: ما انتهيت إليها إلّا احتجت إلى الفكرة حتى أثبتها على حاشية الكتاب (3)

مسألة 220: لو أرسل مع رجل سلعةً إلى غيره ليستقرض منه

للمُرسِل

ص: 333


1- العزيز شرح الوجيز 530:4، روضة الطالبين 351:3، و راجع: التهذيب للبغوي 72:4.
2- زيادة يقتضيها السياق.
3- العزيز شرح الوجيز 531:4.

و يرهن به السلعة، ففعل، ثمّ اختلف المُرسَل إليه و المُرسِل، فقال المرسَل إليه: إنّ الرسول استقرض مائة و رهن السلعة بإذنك، و قال المُرسِل: لم آذن إلّا في خمسين، فالرسول إن صدّق المُرسِلَ فالمُرسَل إليه مدّعٍ عليهما، أمّا على المُرسِل فبالإذن، و أمّا على الرسول فبالأخذ، و القول قولهما في نفي ما يدّعيه. و قال بعض الشافعية: ليس بين المتراهنين نزاع(1) و ليس بجيّد؛ لأنّ الراهن لو أقرّ بالإذن في الزيادة و قبضها، لزمه حكم إقراره، فكان للمرتهن إحلافه. و إن صدّق المُرسَلَ إليه، فالقول في نفي الزيادة قول المُرسِل، و لا يرجع المُرسَل إليه على الرسول بالزيادة إن صدّقه في الدفع إلى المُرسِل؛ لأنّه مظلوم بقوله، و إن لم يصدّقه، رجع عليه. و فيه نظر؛ لأنّ الرسول وكيل المُرسِل، و بقبضه يحصل الملك للموكّل حتى يغرم له إن تعدّى فيه، و يسلّمه إليه إن كان باقياً، و إذا كان كذلك فرجوع المُرسَل إليه إن كان بناءً على توجّه العهدة على الوكيل، فليرجع و إن صدّقه في دفع المال إلى المُرسِل، كما يطالب البائع الوكيلَ بالشراء بالثمن و إن صدّقه في تسليم المبيع إلى الموكّل. و إن كان الرجوع لأنّ للمُقرض أن يرجع في عين القرض ما دام باقياً عندهم(2) فهذا ليس بتغريم و رجوع مطلق، و إنما يستردّ عين المدفوع، فيحتاج إلى إثبات كونه في يده، و لا يكفي فيه عدم التصديق بالدفع إلى المُرسِل. و إن كان غير ذلك، فلم يرجع إذا لم يصدّقه و لم يوجد منه تعدٍّ4.

ص: 334


1- راجع: المهذّب للشيرازي 324:1.
2- العزيز شرح الوجيز 532:4.

عليه و لا على حقّه.

مسألة 221: لو اختلف المتراهنان في قبض الرهن،

فادّعاه المرتهن و أنكره الراهن، فإن كان في يد الراهن وقت النزاع، فالقول قوله مع يمينه، كما في أصل الرهن؛ لأنّه منكر، و الأصل معه. و إن كان في يد المرتهن و قال: أقبضنيه عن الرهن، و أنكر الراهن، فإن قال: غصبتها منّي و آجرتها لغيرك و حصلت(1) في يدك، فالقول قول الراهن مع يمينه؛ لأنّ الأصل عدم القبض و عدم الإذن فيه و عدم الرضا به، بخلاف العين المبيعة و المستأجرة إذا حصلت في يد المشتري و المستأجر حيث حكمنا بتمام العقد؛ لأنّ القبض لا يتعلّق به لزوم العقد فيهما، و إنّما يتعلّق به انتقال الضمان و استقراره، و ذلك حاصل بالقبض كيف حصل، و هنا القبض يتعلّق به لزوم العقد؛ لأنّه غير لازم إلّا به عند بعضهم(2) ، فلا يلزمه إلّا بقبضٍ يرضاه، و لهذا لو آجره ثمّ رهنه، صحّت الإجارة و الرهن؛ لأنّهما لا يتنافيان، فإذا أقبضه عن الإجارة، لم يكن له قبضه عن الرهن إلّا بإذنه، فإذا أذن فيه و مضى زمان يمكن فيه القبض، صار مقبوضاً عن الرهن أيضاً. و لو رهنه و سلّمه إليه ثمّ آجره و مضى زمان يمكن قبضه فيه، صار مقبوضاً؛ لأنّ القبض في الإجارة لازم، فلم يُعتبر إذنه فيه. و إن ادّعى قبضه عن جهةٍ اخرى مأذون فيها سوى الرهن بأن قال

ص: 335


1- تأنيث الفعل و كذا تأنيث الضمير في «غصبتها» و «آجرتها» باعتبار عين الرهن.
2- التنبيه: 100، الحاوي الكبير 7:6، حلية العلماء 410:4، التهذيب للبغوي 6:4، العزيز شرح الوجيز 471:4، روضة الطالبين 307:3، المغني 399:4، الشرح الكبير 420:4.

أودعتكه [أو أعرت](1) أو اكتريته(2) أو اكريته من فلان فأكراه منك، فوجهان: أحدهما: أنّ القول قول المرتهن؛ لأنّهما اتّفقا على قبضٍ مأذون فيه، و أراد الراهن أن يصرفه إلى جهةٍ اخرى، و الظاهر خلافه؛ لتقدّم العقد المحوج إلى القبض. و أصحّهما عندهم: أنّ القول قول الراهن؛ لأنّ الأصل عدم اللزوم و عدم إذنه في القبض عن الرهن(3) و لهم وجهٌ بعيد فيما إذا قال: «غصبته» أيضاً، أنّ القول قول المرتهن؛ لدلالة اليد على الاستحقاق، كما يستدلّ بها على الملك(4) و يجري مثل هذا التفصيل فيما إذا اختلف المتبايعان في القبض حيث كان للبائع حقّ الحبس، إلّا أنّ الأظهر هنا الحكم بحصول القبض إذا كان المبيع عند المشتري و ادّعى البائع أنّه أعاره أو أودعه؛ لتقوّي اليد بالملك. و هذا يتفرّع على أنّ حقّ الحبس لا يبطل بالإيداع و الإعارة عند المشتري، و فيه وجهان(5) و لو سلّم الراهن أنّه أذن له في قبضه عن جهة الرهن و ادّعى الرجوع3.

ص: 336


1- بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «و اعترف». و الصحيح ما أثبتناه.
2- في «ث، ج، ر»: «اكتريت».
3- الوسيط 525:3، الوجيز 168:1، العزيز شرح الوجيز 533:4، روضة الطالبين 353:3.
4- الوسيط 525:3، الوجيز 168:1، العزيز شرح الوجيز 533:4.
5- العزيز شرح الوجيز 533:4، روضة الطالبين 353:3.

قبل القبض و أنكر المرتهن الرجوع، فالقول قول المرتهن؛ لأنّ الأصل عدم الرجوع. و لو قال الراهن: لم تقبضه بعدُ، و قال المرتهن: قبضته، فإن كان الرهن في يد الراهن، فالقول قوله مع يمينه، و إن كان في يد المرتهن، فالقول قوله مع يمينه؛ لأنّ اليد قرينة دالّة على صدقه.

مسألة 222: يُقبل إقرار الراهن بالقبض،

و يلزمه حكمه بشرط الإمكان، و لا يُقبل لو ادّعى المحال، كما لو قال: رهنته داري اليوم بالحجاز و هُما في العراق و أقبضتها إيّاه، لم يلتفت إليه. و لو أنكر الإقباض، فالقول قوله مع اليمين. فإن أقام المرتهن شاهدين على إقراره، حُكم بالبيّنة في محلّ الإمكان. فإن قال: أشهدت على رسم القبالة و لم أقبضه بَعْدُ، كان له إحلاف المرتهن على أنّه أقبضه. و كذا لو ذكر لإقراره تأويلاً يمكن حمله عليه، كما لو قال: كنت أقبضته بالقول و ظننت أنّه يكفي في القبض، أو وصل إليَّ كتابٌ عن وكيلي ذكر فيه أنّه أقبضه و ظهر أنّ الكتاب مزوَّر، فله الإحلاف أيضاً. و إن لم يذكر تأويلاً، فالأقرب أنّه يُمكَّن من إحلافه و هو ظاهر قول الشافعي(1) لأنّ الغالب في الوثائق وقوع الشهادة قبل تحقيق ما فيها، فأيّ حاجة إلى تلفّظه بذلك. و له قولٌ آخَر: إنّه لا يلتفت إليه، و لا يُمكَّن من إحلافه؛ لمناقضته لكلامه الأوّل، فلا يُقبل إنكاره بعد اعترافه(2). و لو شهد الشاهدان على نفس الإقباض و فعله، فليس له الإحلاف

ص: 337


1- العزيز شرح الوجيز 534:4، روضة الطالبين 354:3.
2- العزيز شرح الوجيز 534:4، روضة الطالبين 354:3.

بحال. و كذا لو شهدا على إقراره بالإقباض فقال: ما أقررت، لم يلتفت إليه؛ لأنّه تكذيب للشهود. هذا إذا قامت الحجّة على إقراره، أمّا لو أقرّ في مجلس القضاء بالإقباض [بعد](1) توجّه الدعوى عليه، ففي مساواته للإقرار في غيره نظر: من حيث إنّه لا يكاد يقرّ عند القاضي إلّا عن تحقيقٍ، سواء ذكر له تأويلاً أو لا، و لا يُمكّن من إحلافه، و هو قول بعض الشافعيّة(2) و قال بعضهم: يُمكّن؛ لشمول الإمكان(3)(4) و لو باعه شيئاً بثمن عليه و شرط على المشتري رهناً على الثمن، فادّعى المشتري أنّه رهنه و أقبضه و أنّ الرهن تلف، فلا خيار له في البيع. و إن أقام شاهدين على إقراره بالقبض فأراد المرتهن تحليفه، كان له ذلك. و كذا لو أقام بيّنةً على اقرار زيد بدَيْنٍ، فقال زيد: ما قبضت و إنّما أقررت و أشهدت لتقرضني فلم تقرضني فحلّفوه على ذلك، كان له ذلك. و لو شهدت البيّنة بمشاهدة القبض، لم يكن له الإحلاف. و نظائره كثيرة. و إذا أقرّ الراهن بالإقباض ثمّ ادّعى تأويلاً لإقراره فنفاه المرتهن، كان للراهن إحلافه على نفي ذلك التأويل.3.

ص: 338


1- بدل ما بين المعقوفين في «ج» و الطبعة الحجريّة: «فقد». و الصحيح ما أثبتناه.
2- العزيز شرح الوجيز 534:4، روضة الطالبين 354:3.
3- في العزيز شرح الوجيز: «الإنكار» بدل «الإمكان».
4- العزيز شرح الوجيز 534:4، روضة الطالبين 354:3.

و لو لم يتعرّض لنفي التأويل و اقتصر على قوله: قبضت، قنع منه بالحلف عليه.

مسألة 223: إذا أقرّ رجل بالجناية على العبد المرهون،

فإن صدّقه المتراهنان، فالأرش رهن عند المرتهن؛ لأنّه عوض الرهن. و إن كذّباه، فلا شيء لهما. و إن صدّقه الراهن و كذّبه المرتهن، كان للراهن أخذ الأرش، و لا حقّ للمرتهن فيه. و إن صدّقه المرتهن و كذّبه الراهن، كان للمرتهن المطالبة بالأرش، و يكون مرهوناً عنده؛ لأنّ حقّه متعلّق به حيث هو عوض الجزء الفائت من الرهن، و لا يؤثّر في سقوطه إنكار الراهن. فإن أخذ المرتهن الأرشَ فإن اتّفق قضاء الدَّيْن من غيره أو سقوطه عن الراهن بإبراءٍ و شبهه، رجع الأرش إلى الجاني المُقرّ، و لا شيء للراهن فيه؛ لإنكار استحقاقه، و هو أصحّ وجهي الشافعيّة. و الثاني: يُجعل في بيت المال؛ لأنّه مال ضائع لا يدّعيه أحد؛ إذ المرتهن انقطعت علقته، و الراهن يُنكر استحقاقه، و المُقرّ يعترف بوجوب أدائه عليه(1) و لا بأس بهذا القول.

مسألة 224: إذا جنى العبد المرهون على إنسانٍ، تعلّقت الجناية به،

و كان حقّ المجنيّ عليه مقدَّماً على حقّ المرتهن؛ لأنّه مقدَّم على حقّ المالك، فعلى حقّ الرهن أولى.

ص: 339


1- العزيز شرح الوجيز 535:4، روضة الطالبين 355:3.

و لو جنى على مال الغير، تعلّقت الجناية برقبته يتبع به بعد عتقه عندنا. و قال أحمد: يتعلّق بالعبد أيضاً، و يقدَّم على حقّ المرتهن، كالجناية على النفس(1) و ليس بشيء. إذا عرفت هذا، فلو أقرّ المرتهن بأنّ العبد المرهون عنده جنى و ساعده العبد، أو لا(2) ، لم يُقبل من المرتهن في حقّ الراهن، بل يقدَّم قول الراهن مع يمينه؛ لأنّه المالك، و ضرر الجناية يعود إليه. فإذا بِيع في [دَيْن](3) المرتهن، لم يلزمه تسليم الثمن إليه بإقراره السابق؛ لأنّ العبد إذا كان جانياً، لم يصح بيعه للمرتهن؛ لتعلّق حقّ المجنيّ عليه [به](4) و إذا لم يصح بيعه، كان الثمن باقياً على ملك المشتري. و إن لم يكن جانياً، فلا حقّ فيه لغير المرتهن، و قد أقرّ بعدم استحقاقه له. و لو أقرّ الراهن بالجناية و أنكر المرتهن، فالقول قوله مع اليمين؛ لأصالة عدم الجناية، و استصحاب الرهن. فإذا بِيع في الدَّيْن، فلا شيء للمُقرّ له على الراهن؛ لأنّ الراهن لا يغرم جناية الرهن، و لم يُتلف برهنه شيئاً للمُقرّ له؛ لأنّ الرهن سابق على الجناية، بخلاف ما لو أقرّ بجناية أُمّ الولد حيث يغرم للمُقرّ له و إن كان الاستيلاد سابقاً على الجناية؛ لأنّ السيّد يغرم جناية أُمّ الولد.ق.

ص: 340


1- المغني 444:4، الشرح الكبير 478:4.
2- أي: أو لم يساعده.
3- بدل ما بين المعقوفين في «ج، ر» و الطبعة الحجريّة: «يد». و هي ساقطة في «ث». و الظاهر ما أثبتناه.
4- ما بين المعقوفين أضفناه لأجل السياق.

و قال بعض الشافعيّة: يُقبل إقرار الراهن، و يُباع العبد في الجناية، و يغرم الراهن للمرتهن(1) و ليس بشيء. هذا إذا تنازعا في جنايته بعد لزوم الرهن، فإن تنازعا فيها قبل لزوم الرهن، فإن أقرّ الراهن بأنّه كان قد أتلف مالاً عندهم(2) أو جنى على نفسٍ جنايةً توجب المال، فإن لم يعيّن المجنيّ عليه أو عيّنه لكن كذّبه و لم يدّع ذلك، فالرهن مستمرّ بحاله. و إن عيّنه و ادّعاه المجنيّ عليه، فإن صدّقه المرتهن، بِيع في الجناية، و ثبت للمرتهن الخيارُ في البيع المشروط فيه الرهن؛ لعدم سلامته له. و إن كذّبه المرتهن، لم يُقبل إقراره و هو أصحّ قولي الشافعي، و به قال أبو حنيفة(3) لما فيه من إبطال حقّ المرتهن، و التهمة فيه ظاهرة؛ لجواز أن يكون الراهن و المُقرّ له قد تواطئا على ذلك بحيث يرتفع الرهن. و القول الثاني للشافعي: أنّه يُقبل؛ لأنّ الراهن مالك فيما أقرّ به، فلا تهمة في إقراره(4). و هو ممنوع. و كذا القولان لو أقرّ العبد بسرقة و قبلناه في القطع، هل يُقبل في المال ؟ و كذا لو قال الراهن: كنت غصبته، أو اشتريته شراءً فاسداً، أو بعته قبل أن رهنته أو وهبته و أقبضته.3.

ص: 341


1- العزيز شرح الوجيز 536:4، روضة الطالبين 355:3.
2- العزيز شرح الوجيز 536:4، روضة الطالبين 355:3.
3- العزيز شرح الوجيز 536:4، روضة الطالبين 355:3.
4- العزيز شرح الوجيز 536:4، روضة الطالبين 355:3.

و كذا لو قال: كنت أعتقته(1). قال بعض الشافعيّة: و لا حاجة في هذه صورة العتق إلى تصديق العبد دعواه، بخلاف سائر الصور(2). و في الإقرار بالعتق قولٌ ثالث: إنّه إن كان موسراً، نفذ، و إلّا فلا، تنزيلاً للإقرار بالإعتاق منزلة الإعتاق(3). و نقل بعض الشافعيّة الأقوال الثلاثة للشافعي في جميع الصور(4). فإن قلنا: لا يُقبل إقرار الراهن، فالقول في بقاء الرهن قول المرتهن مع يمينه يحلف على نفي العلم بالجناية. و إذا حلف و استمرّ، فهل يغرم الراهن للمجنّي عليه ؟ الوجه عندنا: أنّه لا يغرم؛ لأنّه أقرّ في رقبة العبد بما لم يُقبل إقراره، فكأنّه لم يقرّ، و هو أحد قولي الشافعي. و الثاني و هو الأصحّ عندهم: أنّه يغرم، كما لو قتله؛ لأنّه حال بينه و بين حقّه(5). و كذا القولان فيما إذا أقرّ بدارٍ لزيد ثمّ أقر لعمرو، هل يغرم لعمرو؟ الوجه: ذلك؛ لأنّه بالإقرار الأوّل حالَ بين مَن اعترف باستحقاقه ثانياً و بين حقّه. فإن قلنا: يغرم، طُولب في الحال إن كان موسراً. و إن كان معسراً فإذا أيسر. و فيما يغرم للمجنيّ عليه ؟ طريقان للشافعيّة. قال بعضهم: أصحّ القولين أنّه يغرم الأقلّ من قيمته و أرش الجناية.3.

ص: 342


1- العزيز شرح الوجيز 536:4، روضة الطالبين 355:3.
2- العزيز شرح الوجيز 536:4، روضة الطالبين 355:3.
3- العزيز شرح الوجيز 536:4، روضة الطالبين 355:3.
4- العزيز شرح الوجيز 536:4، روضة الطالبين 355:3.
5- العزيز شرح الوجيز 536:4، روضة الطالبين 355:3.

و ثانيهما: أنّه يغرم الأرش بالغاً ما بلغ. و قال أكثرهم: يغرم الأقلّ بلا خلافٍ، كما أنّ أُمّ الولد لا تفتدى إلّا بالأقلّ إذا جنت؛ لامتناع البيع، بخلاف العبد القِنّ(1). و إن قلنا: لا يغرم الراهن [فإن](2) بِيع في الدَّيْن، فلا شيء عليه، لكن لو ملكه يوماً، فعليه تسليمه في الجناية. و كذا لو انفكّ الرهن عنه. هذا إذا حلف المرتهن، فإن نكل فعلى مَنْ تُردّ اليمين ؟ فيه قولان للشافعيّة: أحدهما: على الراهن؛ لأنّه المالك للعبد، و الخصومة تجري بينه و بين المرتهن. و أصحّهما عندهم: على المجنيّ عليه؛ لأنّ الحقّ فيما أقرّ له، و الراهن لا يدّعي لنفسه شيئاً(3). و هذا الخلاف عند بعضهم مبنيّ على أنّه لو حلف المرتهن، هل يغرم الراهن للمجنيّ عليه ؟ إن قلنا: نعم، تُردّ على المجنيّ عليه؛ لأنّ الراهن لا يستفيد باليمين المردودة شيئاً، و المجنيّ عليه يستفيد بها إثبات دعواه، و سواء قلنا: تُردّ اليمين على الراهن أو المجنيّ عليه، فإذا حلف المردود عليه، بِيع العبد في الجناية، و لا خيار للمرتهن في فسخ البيع إن كان الرهن مشروطاً في بيعٍ؛ لأنّ إقرار الراهن إذا لم يُقبل لا يفوت عليه شيء، و إنّما يلزم الفوات من النكول(4).4.

ص: 343


1- العزيز شرح الوجيز 537:4، روضة الطالبين 356:3.
2- بدل ما بين المعقوفين في «ج» و الطبعة الحجريّة: «إن». و الظاهر ما أثبتناه.
3- العزيز شرح الوجيز 537:4، روضة الطالبين 356:3.
4- العزيز شرح الوجيز 537:4.

ثمّ إن كان الأرش يستغرق قيمة العبد، بِيع كلّه، و إلّا بِيع منه بقدر الأرش. و هل يكون الباقي رهناً؟ فيه وجهان: أصحّهما عندهم: لا؛ لأنّ اليمين المردودة كالبيّنة، أو كإقرار المرتهن بأنّه كان جانياً في الابتداء، فلا يصحّ الرهن في شيء منه(1) و إذا رددنا على الراهن فنكل، فهل تُردّ الآن على المجنيّ عليه ؟ قولان: أحدهما: نعم؛ لأنّ الحقّ له، فلا ينبغي أن يبطل بنكول غيره. و أشبههما: لا؛ لأنّ اليمين لا تُردّ مرّةً بعد مرّة، فحينئذٍ [نكول الراهن كحلف(2)] المرتهن في تقرير الرهن(3). و هل يغرم الراهن للمُقرّ له ؟ فيه القولان(4). و إن رددنا على المجنيّ عليه فنكل، سقطت دعواه، و انتهت الخصومة، عند بعضهم(5). و ردّ آخَرون على الراهن. و إذا لم يردّ، لم يغرم الراهن قولاً واحداً، و يحال بالحيلولة على نكوله(6). هذا إذا قلنا: إنّ الراهن لا يُقبل إقراره، أمّا إذا قلنا: إنّه يُقبل، فهل يحلف أم يُقبل قوله من غير يمين ؟ قولان: أحدهما: لا يحلف؛ لأنّ اليمين للزجر و التخويف ليرجع عن قوله إن3.

ص: 344


1- العزيز شرح الوجيز 537:4، روضة الطالبين 356:3.
2- بدل ما بين المعقوفين في «ج» و الطبعة الحجريّة: «الراهن يحلف». و الصحيح ما أثبتناه من المصدر.
3- العزيز شرح الوجيز 537:4، روضة الطالبين 356:3.
4- العزيز شرح الوجيز 537:4، روضة الطالبين 356:3.
5- العزيز شرح الوجيز 537:4، روضة الطالبين 356:3.
6- العزيز شرح الوجيز 537:4، روضة الطالبين 356:3.

كان كاذباً، و هنا لا سبيل إلى الرجوع. و أصحّهما عندهم: أنّه يحلف لحقّ المرتهن، و على هذا فيحلف على البتّ؛ لأنّه حلفٌ على الإثبات(1). و سواء قلنا بالتحليف أو عدمه، فيُباع العبد في الجناية إمّا كلّه أو بعضه على ما مرّ، و للمرتهن الخيار في فسخ البيع الذي شرط فيه هذا الرهن، و إن نكل، حلف المرتهن؛ لأنّا إنّما حلّفنا الراهن لحقّه، فالردّ يكون عليه. و [ما(2)] فائدة حلفه ؟ فيه قولان: أحدهما: أنّ فائدته تقرير الرهن في العبد على ما هو قياس الخصومات. و الثاني: أنّ فائدته أن يغرم الراهن قيمته لتكون رهناً مكانه، و يُباع العبد في الجناية بإقرار الراهن. فإن قلنا بالأوّل، فهل يغرم الراهن للمُقرّ له؛ لأنّه بنكوله حالَ بينه و بين حقّه ؟ قولان سبقا. و إن قلنا بالثاني، فهل للمرتهن الخيار في فسخ البيع الذي شرط فيه هذا الرهن ؟ فيه وجهان يُنظر في أحدهما إلى حصول الوثيقة. و الثاني [إلى(3)] أنّ عين المشروط لم يسلم(4). و إن نكل المرتهن، بِيع العبد في الجناية، و لا خيار في البيع، و لا غرم على الراهن.3.

ص: 345


1- العزيز شرح الوجيز 538537:4، روضة الطالبين 356:3.
2- ما بين المعقوفين أضفناه من «العزيز شرح الوجيز».
3- ما بين المعقوفين أضفناه من «العزيز شرح الوجيز».
4- العزيز شرح الوجيز 538:4، روضة الطالبين 357356:3.

و لو أقرّ بالعتق و قلنا: إنّه لا يُقبل إقراره، قال الشافعي: إنّه يُجعل ذلك كإنشاء الإعتاق حتى تعود فيه الأقوال؛ لأنّ مَنْ ملك إنشاء أمرٍ قُبل إقراره به(1). و قيل: فيه وجهان و إن حكمنا بنفوذ الإنشاء؛ لأنّه ممنوع من الإنشاء شرعاً و إن نفذناه إذا فعل، كما أنّ إقرار السفيه بالطلاق مقبول كإنشائه(2)(3). و لو أقرّ بإتلاف مالٍ، ففي قبوله وجهان؛ لأنّه ممنوع من الإتلاف شرعاً(4). قالوا: و جميع ما ذكرناه في مسألة الإقرار بالجناية مبنيّ على أنّ رهن الجاني لا يجوز، أمّا إذا جوّزناه، فعن بعض الشافعيّة أنّه يُقبل إقراره لا محالة حتى يغرم للمجنيّ عليه و يستمرّ الرهن(5). و قال آخَرون: يطّرد فيه القولان(6). و وجه عدم القبول: أنّه يحلّ بلزوم الرهن؛ لأنّ المجنيّ عليه يبيع المرهون لو عجز عن أخذ الغرامة من الراهن(7). و لو أقرّ بجنايةٍ توجب القصاص، لم يُقبل إقراره على العبد. و لو قال: ثمّ عفي على مالٍ، فهو كما لو أقرّ بما يوجب المال.

مسألة 225: إذا وطئ جاريته و لم يظهر بها حَمْلٌ، جاز رهنها و إن احتمل أنّها حملت؛

لأنّ الأصل عدم الإحبال، فلا يمتنع من التصرّف لذلك

ص: 346


1- العزيز شرح الوجيز 538:4، روضة الطالبين 357:3.
2- في «ج» و الطبعة الحجريّة: «بإنشائه». و الصحيح ما أثبتناه كما في «العزيز شرح الوجيز».
3- العزيز شرح الوجيز 538:4، روضة الطالبين 357:3.
4- العزيز شرح الوجيز 538:4.
5- العزيز شرح الوجيز 538:4، روضة الطالبين 357:3.
6- العزيز شرح الوجيز 538:4، روضة الطالبين 357:3.
7- العزيز شرح الوجيز 538:4، روضة الطالبين 357:3.

الاحتمال. فإن ظهر بها حَمْلٌ فإن كان لدون ستّة أشهر من حين الوطء، لم يلحق به الولد، و كان مملوكاً، و الرهن بحاله. و كذا لو كان لأكثر من مدّة الحمل، و هو سنة نادراً عندنا، و أربع سنين عند الشافعي(1). و إن كان لستّة أشهر فأكثر إلى سنة عندنا و إلى أربع سنين عند الشافعي(2) ، لحق به الحمل، و صارت أُمَّ ولدٍ، و كان الولد حُرّاً لاحقاً به. و هل يثبت ذلك في حقّ المرتهن ؟ يُنظر فإن كان إقراره بالوطء قبل الرهن أو بعده قبل القبض، إن جعلنا القبض شرطاً، ثبت في حقّ المرتهن، و خرجت من الرهن؛ لأنّه أقرّ في حالةٍ ثبت، و لم يثبت حقّ المرتهن في الرهن، و خرجت من الرهن. و كذا لو كان إقراره بعد لزوم الرهن و صدّقه المرتهن أو قامت عليه بيّنة، فتكون أُمَّ له، ولدٍ و يبطل الرهن. و للمرتهن فسخ البيع الذي شرط فيه رهنها. و قال بعض الشافعيّة: لا خيار له؛ لأنّه قبضها مع الرضا بالوطء، فهو بمنزلة العيب(3). و قال بعضهم: إن كان قد أقرّ بالوطء قبل العقد، فلا خيار له. و إن كان بعد [العقد(4)] فله الخيار(5).4.

ص: 347


1- العزيز شرح الوجيز 539:4، روضة الطالبين 357:3.
2- العزيز شرح الوجيز 539:4، روضة الطالبين 357:3.
3- حلية العلماء 463:4.
4- بدل ما بين المعقوفين في «ج» و الطبعة الحجريّة: «القبض» و الظاهر ما أثبتناه كما في المصدر.
5- حلية العلماء 463:4.

و قال بعضهم: يثبت له الخيار بكلّ حال؛ لأنّ الوطء لا يمنع صحّة عقد الرهن، و لا يثبت الخيار للبائع، و إذا شرط ارتهانها و أقرّ السيّد بالوطء، لم يثبت له بذلك الخيارُ، فلم يكن قبضها رضاً بالحمل الذي يؤول إليه الوطء، و لأنّا إذا جعلنا الظاهر عدمه، فلا نجعل رضاه بالوطء رضاً به، فلم يسقط حقّه بذلك(1). فأمّا إذا أقرّ بالوطء بعد ما قبضها المرتهن و كذّبه المرتهن، فللشافعي قولان: أحدهما: يُقبل إقراره لثبوت الاستيلاد؛ لأنّه أقرّ في ملكه بما لا تهمة عليه، لأنّه يستضرّ بذلك، فيخرج من الرهن، و بقي الدَّيْن في ذمّته، فلزم إقراره. و الثاني: لا يُقبل؛ لأنّه أقرّ بما فسخ به عقداً على غيره، فلم يُقبل، كما لو باع جاريةً ثمّ أقرّ بعتقها قبل البيع(2). و كذا القولان فيما إذا رهن عبداً و أقبضه ثمّ أقرّ بأنّه جنى على إنسان، أو أعتقه. و على كلّ حال فالولد حُرٌّ ثابت النسب عند الإمكان. و لو لم يصادف ولداً في الحال و زعم الراهن أنّها ولدت منه قبل الرهن، ففيه الخلاف.

مسألة 226: لو أقرّ بجناية يقصر أرشها عن قيمة العبد و مبلغ الدَّيْن، قُبل في مقدار الأرش على الخلاف السابق،

و لا يُقبل فيما زاد على ذلك؛ لظهور التهمة فيه.

ص: 348


1- حلية العلماء 463:4.
2- حلية العلماء 463:4، المغني 439:4.

و قيل بطرد الخلاف(1). و لو باع عبداً ثمّ أقرّ بأنّه كان قد غصبه أو باعه أو أنّه اشتراه شراءً فاسداً، لم يعتد بقوله؛ لأنّه إقرار في ملك الغير، فيكون مردوداً ظاهراً، بخلاف إقرار الراهن، فإنّه إقرار في ملكه. و قال بعض الشافعيّة: يجري فيه الخلاف المذكور(2). و الحقُّ: الأوّل، فيكون القولُ قولَ المشتري. فإن نكل، فالردّ على المدّعي أو على المُقرّ البائع ؟ فيه قولان(3). و لو آجر عبداً ثمّ أقرّ بأنّه كان قد باعه أو آجره أو أعتقه، لم يُقبل. و فيه الخلاف المذكور للشافعيّة في الرهن؛ لبقاء الملك(4). و لو كاتبه ثمّ أقرّ بما لا تصحّ معه الكتابة، جرى فيه الخلاف السابق(5). و الوجه: عدم القبول؛ لأنّ المكاتب بمنزلة مَنْ زال الملك عنه.

مسألة 227: لو أذن المرتهن في بيع الرهن و باع الراهن و رجع المرتهن

[عن(6)] الإذن ثمّ اختلفا، فقال المرتهن: رجعتُ قبل أن بعتَ فيبطل بيعك و يبقى المال رهناً كما كان. و قال الراهن: بل كان رجوعك بعد البيع، قال الشيخ رحمه اللّه: يقدَّم قولُ المرتهن؛ لأنّ الراهن يدّعي بيعاً و الأصل عدمه، و المرتهن يدّعي رجوعاً و الأصل عدمه، فتعارض الأصلان، و لم يمكن العمل بهما و لا بأحدهما؛ لعدم الأولويّة، فسقطا، و الأصل بقاء

ص: 349


1- العزيز شرح الوجيز 539:4.
2- العزيز شرح الوجيز 540:4، روضة الطالبين 358:3.
3- العزيز شرح الوجيز 540:4، روضة الطالبين 358:3.
4- العزيز شرح الوجيز 540:4، روضة الطالبين 358:3.
5- العزيز شرح الوجيز 540:4، روضة الطالبين 358:3.
6- بدل ما بين المعقوفين في «ج» و الطبعة الحجريّة: «على». و الصحيح ما أثبتناه.

الوثيقة حتى يُعلم زوالها(1). و هو أحد قولي الشافعي. و الثاني: أنّ القول قول الراهن؛ لتقوّي جانبه بالإذن الذي سلّمه المرتهن(2). و قال بعضهم: إن قال الراهن أوّلاً: تصرّفتُ بإذنك، ثمّ قال المرتهن: كنت رجعت قبله، فالقول قول الراهن مع يمينه. و إن قال المرتهن أوّلاً: رجعتُ عمّا أذنتُ، فقال الراهن: كنت تصرّفتُ قبل رجوعك، فالقول قول المرتهن مع يمينه؛ لأنّ الراهن حينما أخبر لم يكن قادراً على الإنشاء(3). و لو أنكر الراهن أصلَ الرجوع، فالقول قوله مع اليمين؛ لأنّ الأصل عدم الرجوع.

مسألة 228: لو كان على إنسان لآخَر ألفان: ألف بِرَهْنٍ، و ألف بغير رهن،

فسلّم المديون إليه ألفاً ثمّ اختلفا، فقال الراهن: دفعت إليك و تلفّظت لك أنّها على الألف التي بالرهن، و قال المدفوع إليه: بل دفعتها عن الألف الأخرى، فالقول قول الدافع؛ لأنّه أعلم بما دفعه، و لأنّه يقول: إنّ الدَّيْن الباقي بلا رهن، و القول قوله في أصله فكذلك في صفته. و إن اتّفقا على أنّه لم يتلفّظ بشيء و قال الدافع: نويتها عن الألف التي بالرهن، و قال المرتهن: بل أردت بذلك الألفَ الأخرى، فالقول قول الدافع أيضاً؛ لما تقدّم، و لأنّه أعلم بنيّته.

ص: 350


1- المبسوط للطوسي 210209:2.
2- العزيز شرح الوجيز 540:4، روضة الطالبين 358:3.
3- التهذيب للبغوي 28:4، و عنه في العزيز شرح الوجيز 540:4، و روضة الطالبين 358:3.

و كذا البحث لو كان [بأحدهما(1)] كفيلٌ، أو كان أحدهما حالّاً أو ثمنَ مبيعٍ محبوس، فقال: سلّمته عنه، و أنكر صاحبه. و الاعتبار في أداء الدَّيْن بقصد المؤدّي حتى لو ظنّ المستحقّ أنّه يودعه عنده و قصد المديون أداء الدَّيْن، برئت ذمّته، و صار المؤدّى ملكاً للمستحقّ. إذا عرفت هذا، فإن كان عليه دَيْنان فأدّى عن أحدهما بعينه، وقع عنه. فإن أدّى عنهما، قُسّط على الدَّيْنين. و إن لم يقصد في الحال شيئاً، احتمل توزيعه على الدَّيْنين؛ لعدم الأولويّة، و مراجعتُه حتى يصرفه الآن إلى أيّهما شاء، كما لو كان له مالان: حاضر و غائب، و دفع زكاةً إلى المستحقّين و لم يعيّن بالنيّة أحدهما، صرفها إلى ما شاء منهما. و كلا الاحتمالين للشافعيّة قولان مثلهما(2). و تردّد بعضهم في الاحتمال الأوّل هل يوزّع على قدر الدَّيْنين أو على المستحقّين بالسويّة ؟(3). و لهذه المسألة نظائر: منها: لو تبايع كافران درهماً بدرهمين و سلّم مشتري الدرهم أحدَ الدرهمين ثمّ أسلما، إن قصد تسليمه عن الفضل، فعليه الأصل. و إن قصد تسليمَه عن الأصل، فلا شيء عليه. و إن قصد تسليمه عنهما، وزّع عليهما،3.

ص: 351


1- بدل ما بين المعقوفين في «ج» و الطبعة الحجريّة: «أحدهما». و الصحيح ما أثبتناه.
2- العزيز شرح الوجيز 541:4، روضة الطالبين 359:3.
3- العزيز شرح الوجيز 541:4، روضة الطالبين 359:3.

و سقط ما بقي من الفضل. و إن لم يقصد شيئاً، فالوجهان. و منها: لو كان لزيدٍ عليه مائة و لعمرو مائة ثمّ وكّلا وكيلاً بالاستيفاء فدفع المديون لزيدٍ أو لعمرو، انصرف إلى مَنْ قصده. و إن أطلق، فالوجهان. و منها: لو قال: خُذْه و ادفعه إلى فلان أو إليهما، فهذا توكيل منه بالأداء، و له التعيين ما لم يصل إلى المستحقّ. و لو لم يعيّن فدفعه الوكيل إلى وكيليهما، فالوجهان. و منها: لو كان عليه مائتان لواحدٍ فأبرأه المالك عن مائة، فإن قصدهما أو واحدةً منهما بعينها، انصرف إلى ما قصده. و إن أطلق فالوجهان. فإن اختلفا فقال المبرئ: أبرأت عن الدَّيْن الخالي عن الرهن و الكفيل، فقال المديون: بل عن الآخَر، فالقول قول المالك مع يمينه؛ لأنّه أعرف بنيّته.

مسألة 229: لو باعه شيئاً و شرط في العقد رَهْنَ شيء بعينه،

فرهنه ثمّ وجد المرتهن فيه عيباً و ادّعى قِدَمه، و أنكر الراهن ليسقط خيار المرتهن في البيع، فالقول قول مَنْ ينكر القِدَم. و لو رهنه عصيراً ثمّ اختلفا بعد القبض، فقال المرتهن: قبضتُه و قد تخمّر فلي الخيار في البيع المشروط فيه الرهن، و قال الراهن: بل صار عندك خمراً، فالقول قول الراهن مع يمينه؛ لأصالة بقاء البيع، و المرتهن يطلب بدعواه التدرّج إلى الفسخ، و هو أصحّ قولي الشافعي.

ص: 352

و الثاني: أنّ القول قول المرتهن مع يمينه و به قال أبو حنيفة لأنّ الأصل عدم القبض الصحيح(1). و لو زعم المرتهن أنّه كان خمراً يوم العقد و كان الشرط شرطَ رَهْنٍ فاسد، فمن الشافعيّة مَنْ طرد القولين. و منهم مَنْ قطع بأنّ القول قول المرتهن. و مأخذ الطريقين أنّ فساد الرهن هل يوجب فساد البيع ؟ إن قلنا: لا، عاد القولان. و إن قلنا: نعم، فالقول قول المرتهن؛ لأنّه ينكر أصل البيع، و الأصل عدمه(2). و خرّج قومٌ القولين على أنّ المدّعي مَنْ يدّعي أمراً خفيّاً، و المدّعى عليه مَنْ يدّعي أمراً جليّاً، أو المدّعي مَنْ لو سكت تُرك، و المدّعى عليه مَنْ لو سكت لم يُترك. فإن قلنا بالأوّل، فالمدّعي الراهن؛ لأنّه يزعم جريان القبض الصحيح، و الأصل عدمه، فيكون القول قولَ المرتهن. و إن قلنا بالثاني، فالمدّعي هو المرتهن؛ لأنّه لو سكت لتُرك و الراهن لا يُترك لو سكت، فيكون القولُ قولَ الراهن(3). و لو سلّم الراهن العبدَ المشروط رهنُه في البيع ملفوفاً في ثوبٍ ثمّ وُجد ميّتاً، فقال الراهن: مات عندك، و قال المرتهن: بل كان ميّتاً، فالأقوى4.

ص: 353


1- العزيز شرح الوجيز 542:4، روضة الطالبين 360:3.
2- العزيز شرح الوجيز 542:4، روضة الطالبين 360:3.
3- العزيز شرح الوجيز 544542:4.

تقديم قول المرتهن؛ لأصالة عدم الإقباض. و للشافعيّة فيه القولان السابقان(1). و لو اشترى لبناً و أتى بظرفٍ فصبّه البائع فيه فوُجدت فيه فأرة ميّتة، فقال البائع: إنّها كانت في ظرفك، و قال المشتري: بل دفعته و فيه الفأرة، فالقولان(2). و لو زعم المشتري أنّها كانت فيه يومَ البيع، فهو اختلاف في أنّ العقد جرى صحيحاً أو فاسداً، فالقول قول مدّعي الصحّة.3.

ص: 354


1- العزيز شرح الوجيز 544:4، روضة الطالبين 360:3.
2- العزيز شرح الوجيز 544:4، روضة الطالبين 360:3.

الفصل التاسع: في اللواحق

مسألة 230: الرهن شرعاً: جَعْل المال وثيقةً على الدَّيْن ليستوفى منه إذا تعذّر استيفاؤه من المديون،

و ليس واجباً إجماعاً. و هو جائز في السفر و الحضر عند عامّة أهل العلم. و حكي عن مجاهد و داوُد أنّهما قالا: لا يجوز إلّا في السفر؛ لقوله تعالى «وَ إِنْ كُنْتُمْ عَلى سَفَرٍ وَ لَمْ تَجِدُوا كاتِباً فَرِهانٌ مَقْبُوضَةٌ» (1) فشرط السفر(2). و ليس بشيء؛ لأنّ النبي صلى اللّه عليه و آله رهن درعه عند يهوديّ و كان بالمدينة(3). و لأنّ هذه وثيقة تجوز في السفر، فجازت في الحضر، كالضمان و الشهادة. و شرط السفر في الآية بناءً على الأغلب، فإنّ عدم الكاتب في العادة لا يكون إلّا في السفر؛ لقوله تعالى

ص: 355


1- البقرة: 283.
2- الحاوي الكبير 54:6، حلية العلماء 407:4، المحلّى 87:8، المغني و الشرح الكبير 398:4.
3- صحيح البخاري 74:3، سنن ابن ماجة 2437/815:2، سنن البيهقي 36:6.

«وَ إِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا» (1) و شرط السفر لأنّ العدم يكون في الغالب فيه، أ لا ترى أنّه شرط عدم الكاتب و يجوز الرهن و إن كان الكاتب غيرَ معدومٍ.

مسألة 231: قد بيّنّا
اشارة

مسألة 231: قد بيّنّا(2) أنّ الرهن يتمّ عند أكثر علمائنا بنفس العقد و إن لم يحصل القبض.

و قال بعضهم: لا بُدَّ من القبض. و للعامّة قولان كهذين. فلو رهن ثمّ جُنّ، لم يبطل الرهن عند الشافعي(3). و قال بعض الشافعيّة: يبطل؛ لأنّ الرهن قبل القبض عقد جائز غير لازمٍ، فيبطل بزوال التكليف، كالوكالة و الشركة(4). و أجابوا عنه: بأنّه و إن لم يكن لازماً إلّا أنّه يؤول إلى اللزوم، فهو كعقد البيع المشروط فيه الخيار، بخلاف الوكالة و الشركة، فإنّهما لا يؤولان إلى اللزوم. و لأنّ تلك العقود تبطل بموت كلّ واحدٍ منهما، و هنا لا يبطل الرهن، فافترقا(5).

تذنيب: لو كان بين شريكين دار فرهن أحدهما نصيبه من بيتٍ بعينه،

فالأقرب: الصحّة؛ لأنّه يصحّ بيعه، و هو أحد وجهي الشافعيّة.

ص: 356


1- النساء: 43، المائدة: 6.
2- راجع ص 189 190، المسألة 140.
3- الحاوي الكبير 8:6، حلية العلماء 416:4، الوجيز 163:1، العزيز شرح الوجيز 479:4، روضة الطالبين 312:3.
4- الحاوي الكبير 98:6، حلية العلماء 416:4، العزيز شرح الوجيز 479:4، روضة الطالبين 312:3.
5- الحاوي الكبير 9:6.

و الثاني: لا يصحّ؛ لأنّه قد يقاسم شريكه، فيقع هذا البيت في حصّة شريكه و هو مرهون، فلا يجوز(1).

تذنيب آخَر: لو كان له غرماء غير المرتهن و حجر عليه الحاكم لأجل الغرماء،

لم يجز تسليم الرهن إلى مَنْ رهنه عنده قبل الحجر؛ لأنّه ليس له أن يرهن ابتداءً في هذه الحالة كذلك تسليم الرهن؛ لحقّ الغرماء و تعلّقه بماله.

مسألة 232: يجب على الوليّ الاحتياط في مال الطفل و المجنون،

فلو ارتهن في بيعٍ مع المصلحة، جاز، و فيه ثلاث مسائل: أ: لو كان له مال يساوي مائةً نقداً فيبيعه بمائة نسيئةً و يأخذ رهناً، فإنّ هذا بيعٌ فاسد إلّا أن يخاف النهب لأنّ بيعه بذلك نقداً أحظّ. ب: أن يكون ماله يساوي مائةً نقداً، فيبيعه بمائة و عشرين، مائة نقداً، و عشرين نسيئةً، و يأخذ بها رهناً، فإنّه يجوز؛ لأنّ له بيعه بمائة نقداً، و قد زاده خيراً، و كان أولى بالجواز. ج: أن يساوي مائةً نقداً، فيبيعه بمائة و عشرين مؤجَّلةً و يأخذ بالجميع رهناً، فإنّه يجوز مع المصلحة. و للشافعيّة قولان، منهم مَنْ مَنَع؛ لما فيه من التغرير بمال الطفل، و بيع النقد أحوط(2). و ليس بجيّد؛ لأنّه مأمور بالتجارة و طلب الربح، و هذا طريقه، فكان جائزاً. و أمّا قرض ماله فلا يجوز إلّا بشرطين

ص: 357


1- المهذّب للشيرازي 315:1، حلية العلماء 423:4.
2- روضة الطالبين 306:3، المغني 431:4.

أحدهما: أن يخاف عليه النهب أو الغرق و شبهه. و الثاني: أن يكون المقترض ثقةً مليّاً ليأمن جحوده. فإن رأى من المصلحة قبض الرهن، قَبَضه. و إن رأى من المصلحة تركه، لم يقبضه؛ لأنّه إذا خاف عليه التلف فربما رفعه إلى حاكمٍ يرى سقوط الدَّيْن بالتلف.

مسألة 233: قد بيّنّا أنّه ليس للراهن وطؤ الجارية المرهونة؛

لجواز أن تحمل فتتلف أو تنقص قيمتها بالحمل، بخلاف الاستخدام و سكنى العقار؛ لانتفاء الضرر. و لو كانت صغيرةً لا تحبل أو آيسةً، احتُمل الجواز و به قال بعض الشافعيّة؛ لانتفاء الضرر(1) لما رواه الحلبي في الحسن قال: سألتُ الصادقَ عليه السلام عن رجل رهن جاريته عند قومٍ أ يحلّ له أن يطأها؟ قال: «إنّ الذين ارتهنوا يحولون(2) بينه و بينها» قلت: أ رأيت إن قدر عليها خالياً؟ قال: «نعم، لا أرى هذا عليه حراماً»(3). و في الصحيح عن محمّد بن مسلم عن الباقر عليه السلام في رجل رهن جاريته قوماً أ له أن يطأها؟ فقال: «إنّ الذين ارتهنوا يحولون(4) بينه و بينها» فقلت: أ رأيت إن قدر على ذلك خالياً؟ قال: «نعم، لا أرى بذلك بأساً»(5). و الشيخ رحمه اللّه مَنَع من ذلك(6).

ص: 358


1- الوجيز 164:1، الوسيط 498497:3، العزيز شرح الوجيز 488:4، روضة الطالبين 319:3، المغني و الشرح الكبير 436:4.
2- في «ج» و الطبعة الحجريّة: «يحيلون». و ما أثبتناه من المصدر.
3- الكافي 15/236235:5، التهذيب 752/169:7.
4- في «ج» و الطبعة الحجريّة: «يحيلون». و ما أثبتناه من المصدر.
5- الكافي 20/237:5، التهذيب 753/170169:7.
6- النهاية: 433، المبسوط للطوسي 206:2، الخلاف 231:3، المسألة 20.
مسألة 234: شرط الحنفيّة في تمام عقد الرهن القبضَ التامّ،

و هو أن يكون مقسوماً مفرغاً متميّزاً(1). و احتُرز بالمقسوم عن رهن المشاع، فإنّه لا يصحّ عندهم(2). و قد بيّنّا بطلان قولهم. و احترزوا بالمفرغ عن [رهن] دارٍ فيها متاع للراهن(3) ، و بالمتميّز عن رهن متّصلٍ بغيره اتّصالَ خلقةٍ، كما لو رهن الثمر على رأس الشجر دون الشجر، فإنّه لا يجوز عندهم(4). و كذا لا يجوز رهن الزرع في الأرض، دونها، و لا رهن النخل في الأرض، دونها(5). و كذا لا يجوز رهن الأرض، دون النخل أو دون الزرع، أو النخل دون الثمر، و لا رهن الدار دون البناء(6). و في روايةٍ عن أبي حنيفة: جواز رهن الأرض دون الأشجار،

ص: 359


1- تحفة الفقهاء 38:3، بدائع الصنائع 138:6 و 140 و 142، الهداية للمرغيناني 126:4، الاختيار لتعليل المختار 98:2، النتف 894:2.
2- تحفة الفقهاء 38:3، بدائع الصنائع 138:6، المبسوط للسرخسي 69:21، الهداية للمرغيناني 132:4، الاختيار لتعليل المختار 98:2، أحكام القرآن للجصّاص 524:1، مختصر اختلاف العلماء 2003/287:4، حلية العلماء 422:4، المغني 407:4، الشرح الكبير 405:4، بداية المجتهد 273:2.
3- تحفة الفقهاء 39:3، بدائع الصنائع 140:6، حلية العلماء 431:4.
4- تحفة الفقهاء 38:3، بدائع الصنائع 140:6، المبسوط للسرخسي 73:21، الهداية للمرغيناني 132:4.
5- تحفة الفقهاء 38:3، بدائع الصنائع 140:6، المبسوط للسرخسي 73:21، الهداية للمرغيناني 132:4.
6- تحفة الفقهاء 38:3، بدائع الصنائع 140:6، المبسوط للسرخسي 73:21، الهداية للمرغيناني 133132:4.

و لا يصحّ دون البناء؛ لأنّه التابع(1). و قد بيّنّا فساد الجميع. و لو رهن ثوباً قيمته عشرة بعشرة فهلك عند المرتهن، سقط دَيْنه عند الحنفيّة(2). و لو كانت قيمته خمسةً، رجع المرتهن على الراهن بخمسة اخرى. و لو كانت قيمته خمسة عشر، فالفضل أمانة، عند أبي حنيفة(3). و قال زفر: يرجع الراهن على المرتهن بخمسة؛ لأنّ الرهن عنده مضمون بالقيمة. و لأنّ الزيادة على الرهن مرهونة؛ لكونها محبوسةً، فتكون مضمونةً، كقدر الدَّيْن. و لقول عليّ عليه السلام: «يترادّان الفضل»(4)(5).

مسألة 235: لو طالَب المرتهن الراهنَ بالدَّيْن،

لم يكن للراهن أن يقول: أحضر المرهون و أنا أُؤدّي دَيْنك من مالي، بل لا يلزمه الإحضار بعد الأداء أيضاً، و إنّما عليه التمكين، كالمودع. و الإحضار و ما يحتاج إليه من مئونةٍ على ربّ المال. و لو احتاج إلى بيعه في الدَّيْن، لم يكن عليه الإحضار أيضاً، بل يتكلّف الراهن مئونته، و يحضره القاضي [ليبيعه(6)] و به قال الشافعي(7).

ص: 360


1- المبسوط للسرخسي 73:21، الهداية للمرغيناني 133132:4.
2- المبسوط للسرخسي 64:21، بدائع الصنائع 160:6.
3- المبسوط للسرخسي 64:21، بدائع الصنائع 160:6، الهداية للمرغيناني 128:4.
4- سنن البيهقي 43:6.
5- الهداية للمرغيناني 128:4.
6- بدل ما بين المعقوفين في «ج» و الطبعة الحجريّة: «بقبضه». و الصحيح ما أثبتناه.
7- العزيز شرح الوجيز 544:4، روضة الطالبين 361:3.

و قال أبو حنيفة: إذا طالب المرتهنُ الراهنَ بالدَّيْن، أُمر المرتهن بإحضار الرهن؛ لأنّ قبض الرهن قبضُ استيفاءٍ، فلو أُمر بقضاء الدَّيْن قبل إحضار الرهن، ربما يهلك الدَّيْن بعد ذلك، فيصير مستوفياً لدَيْنه مرّتين بناءً على مذهبه من الضمان، فإذا أحضره، أُمر الراهن بتسليم دَيْنه أوّلاً؛ لتعيّن حقّه كما تعيّن حقّ الراهن، تحقيقاً للتسوية، كما في تسليم المبيع و الثمن يحضر المبيع ثمّ يسلّم الثمن أوّلاً. و كذا إن طالَبه بالدَّيْن في غير بلد الرهن و لا حمل له و لا مئونة، لأنّ الأماكن كلّها كمكان العقد فيما لا حمل له و لا مئونة، أ لا ترى أنّه لا يشترط فيه بيان مكان الإيفاء في السَّلَم بالإجماع، فيؤمر بإحضاره. و إن كان لحمله مئونة، يأخذ دَيْنه، و لا يكلّف المرتهن بإحضار الرهن؛ لأنّ المرتهن عاجز عن الإحضار، و التسليم غير واجبٍ عليه في بلدٍ لم يَجْر فيه العقد. و لأنّ الواجب عليه التسليم بمعنى التخلية، لا النقل من مكانٍ إلى مكانٍ؛ لأنّ العين أمانة(1).

مسألة 236: لو باع الراهن الرهنَ بغير إذن المرتهن، فإن فسخه المرتهن، بطل.

و إن أمضاه، نفذ. و إن لم يحصل منه إذنٌ و لا فسخ؛ لعدم اطّلاعه عليه، كان البيع موقوفاً على الإجازة، و لا يقع باطلاً في أصله، و به قال أبو حنيفة(2). و قال أبو يوسف: ينفذ البيع كالإعتاق؛ لأنّه تصرّف في خالص ملكه(3).

ص: 361


1- الهداية للمرغيناني 129127:4.
2- الهداية للمرغيناني 145:4.
3- لم نعثر عليه في مظانّه.

و ليس بجيّد؛ لأنّ حقّ المرتهن تعلّق به، فيقف على إجازته. قال أبو حنيفة: فإن أجاز المرتهن البيعَ، نفذ؛ لأنّ المانع من النفوذ حقّه، و حقّه قد زال بالإجازة. و إن لم يجز البيع و فسخه، انفسخ في روايةٍ عن محمّد حتى [لو افتكّ الراهن الرهنَ(1)] لا سبيل للمشتري عليه؛ لأنّه يملك الإجازة فيملك الفسخ كالمالك؛ لأنّ حقّه يضاهي الملك(2). و أشار في الجامع الكبير إلى أنّه لا ينفسخ؛ لأنّ التوقّف مع المقتضي للنفاذ إنّما كان لصيانة حقّه، و حقّه يُصان بانعقاد هذا العقد موقوفاً، و إذا بقي موقوفاً فإن شاء المشتري صبر حتى يفكّ الراهنُ الرهنَ فيسلّم له المبيع؛ لأنّ المانع على شرف الزوال، و إن شاء رفع الأمر إلى القاضي ليفسخ القاضي العقد بحكم العجز عن التسليم، و ولاية الفسخ إلى القاضي، و صار كما إذا أبق العبد المشترى قبل القبض، فإنّ المشتري بالخيار إن شاء صبر حتى يرجع الآبق، و إن شاء رفع الأمر إلى القاضي ليفسخ العقد بحكم العجز عن التسليم(3).

مسألة 237: إذا باع الراهن الرهنَ من رجلٍ ثمّ باعه بيعاً ثانياً من غيره قبل أن يُجيز المرتهن،

فالثاني أيضاً موقوف على إجازته؛ لأنّ الأوّل موقوف، و الموقوف لا يمنع توقّف الثاني، فجاز البيع الأوّل إن أجازه، و جاز البيع الثاني إن أجازه، و به قال أبو حنيفة(4). فإن باع الراهن ثمّ آجر أو رهن أو وهب من غيره و أجاز المرتهن

ص: 362


1- ما بين المعقوفين من المصدر.
2- الهداية للمرغيناني 145:4.
3- أورده المرغيناني في الهداية 145:4، و الموصلي في الاختيار لتعليل المختار 103:2.
4- الهداية للمرغيناني 145:4.

الإجارة أو الرهن أو الهبة، نفذت، و لم ينفذ البيع السابق عندنا. و قال أبو حنيفة: ينفذ البيع السابق؛ لأنّ تصرّف الراهن في الرهن إذا كان يُبطل حقّ المرتهن، لا ينفذ إلّا بإجازة المرتهن، فإذا أجاز المرتهن تصرّفه، يُنظر فيه، فإن كان تصرّفاً يصلح حقّاً للمرتهن، ينفذ بإجازة المرتهن التصرّف الذي لحقه الإجازة. و إن كان تصرّفاً لا يصلح حقّاً للمرتهن، فبالإجازة يبطل حقّ المرتهن، و النفاذ يكون من جهة الراهن، فينفذ السابق من تصرّفات الراهن. و إن كان المرتهن أجاز اللاحق، فنقول حينئذٍ: المرتهن ذو حظّ من البيع الثاني؛ لأنّه يتحوّل حقّه إلى الثمن بناءً على مذهبه من أنّ إجازة المرتهن البيعَ تُفيد تعلّقَ الرهن بالثمن، فيصير الثمن رهناً عنده، و يكون المرتهن أحقَّ بثمنه من الغرماء لو مات الراهن، فصحّ تعيينه، لتعلّق حقّ الفائدة به، و لا حقّ للمرتهن في هذه العقود؛ إذ لا بدل في الهبة و الرهن. و أمّا الإجارة فبدلها في مقابلة المنفعة، و حقّه في ماليّة العين لا في المنفعة، فكانت إجازته إسقاطاً لحقّه، فزال المانع من النفاذ، فنفذ البيع السابق، كما لو باع المستأجر من اثنين فأجاز المستأجر الثاني، نفذ الأوّل؛ لأنّه لاحقّ له في الثمن، فكانت الإجازة إسقاطاً(1). و هذا الضابط الذي ذكره ممنوع.

مسألة 238: لو استعار الراهن الرهنَ من المرتهن، خرج من ضمان المرتهن عند أبي حنيفة؛

لأنّ الضمان باعتبار قبضه و قد زال. فإن هلك في يد الراهن، هلك بغير شيء؛ لفوات القبض الموجب للضمان، و للمرتهن

ص: 363


1- الهداية للمرغيناني 146145:4.

أن يستردّه إلى يده؛ لأنّ عقد الرهن باقٍ إلّا في حكم الضمان في الحال، فإذا استردّه، عاد مضموناً عليه عنده؛ لأنّه عاد القبض بحكم الرهن، فيعود بصفته(1) ، و هو الضمان. و كذا لو أعاره أحدهما أجنبيّاً بإذن الآخَر، خرج عن أن يكون مضموناً، و بقي مرهوناً؛ لما تقدّم. و لكلٍّ منهما أن يردّه رهناً كما كان؛ لأنّ لكلٍّ منهما حقّاً محتوماً فيه، بخلاف ما إذا آجره و لو مات الراهن قبل الردّ إلى المرتهن، يكون اسوةَ الغرماء لأنّ الإجارة تصرّف لازم أوجبت حقّاً لازماً للغير في الرهن، فيبطل به حكم الرهن، و لم يتعلّق بالعارية حقٌّ لازم، فافترقا. و لو استعار المرتهن الرهنَ من الراهن ليعمل به فهلك قبل أخذه في العمل، هلك على ضمان الرهن؛ لبقاء يد المرتهن، فبقي ضمانه. و كذا إن هلك بعد الفراغ من العمل؛ لأنّ يد العارية ارتفعت و ظهر الضمان. و إن هلك في حالة العمل، هلك بغير ضمان؛ لأنّ يد العارية غير ضامنة. و كذا إذا أذن الراهن للمرتهن بالاستعمال(2).

مسألة 239: لو استعار شيئاً ليرهنه فتلف قبل رهنه أو بعد ما افتكّه، فالأقرب: عدم الضمان

و به قال أبو حنيفة(3) لأنّ حفظ العين في الحال بإذن المالك، و بالهلاك قبل الرهن أو بعد الفكّ لم يصر قاضياً شيئاً من

ص: 364


1- في «ج» و الطبعة الحجريّة: «بصيغته». و هي غلط.
2- الهداية للمرغيناني 149148:4.
3- الهداية للمرغيناني 150:4، بدائع الصنائع 136:6.

دَيْنه، و الضمان إنّما يتعلّق باعتبار استيفاء الدَّيْن منه و لم يستوف. هذا على قول أبي حنيفة: إنّ المرتهن ضامن للرهن مطلقاً(1) ، أمّا عندنا فإنه غير مضمون عليه، لكن على الراهن. و هل يثبت الضمان عليه بنفس القبض بالعارية للرهن أو بالرهن ؟ إشكال أقربه: الثاني. فإن اختلف الراهن و المعير بعد التلف، فادّعى المالك تلفه في يد المرتهن، و قال المستعير: هلك قبل رهنه أو بعد فكّه، فالقول قول الراهن مع يمينه؛ لأنّ الضمان إنّما يجب على المستعير بإيفاء الدَّيْن منه أو بإمساكه رهناً و هو يُنكرهما.

مسألة 240: قد بيّنّا

مسألة 240: قد بيّنّا(2) الخلافَ في القبض هل هو شرط أو لا؟

و الخلافَ في ماهيّة القبض، فقيل: إنّه التخلية مطلقاً، و إنّما يتحقّق القبض بأن يحضر المرتهن فيقبض، أو يوكّل في قبضه، فيصحّ قبض الوكيل. ثمّ الرهن إن كان خفيفاً يمكن تناوله باليد، فالقبض فيه أن يتناوله بيده، و إن كان ثقيلاً كالعبد و الدابّة فالقبض فيه النقل من مكان إلى آخَر. و إن كان طعاماً فارتهن مكيالاً من طعامٍ بعينه، فقَبْضُه أن يكتاله. و إن ارتهن صُبرة على أنّ كيلها كذا، فقَبْضُها أيضاً أن يكتاله. و إن ارتهنها جزافاً، فقَبْضُها النقل من مكان إلى مكان. و إذا كان ممّا لا يُنقل و لا يُحوّل من أرضٍ و دارٍ و عليها باب مغلق، فقَبْضُها أن يخلّي صاحبه بينه و بينها و يفتح بابها، أو يدفع إليه مفتاحها. و إن

ص: 365


1- بدائع الصنائع 154:6، الهداية للمرغيناني 127:4، الاختيار لتعليل المختار 99:2.
2- في ص 189 و 190، المسألتان 140 و 141، و كذا في ج 10 ص 101.

لم يكن عليها باب، فقَبْضُه التخلية بينه و بينها من غير حائل. و إن كان الرهن مشاعاً فإن كان ممّا لا يُنقل، خُلّي بينه و بينه، سواء حضر شريكه أو لم يحضر. و إن كان ممّا يُنقل و يُحوّل كالشقص من الجوهر و السيف و غيرهما لم يجز تسليمه إلى مرتهنه إلّا بحضرة شريكه؛ لأنّه يريد نقل نصيبه و نصيب شريكه إلى يده. فإذا حضر و سلّمه إليه، فإن رضيا أن يكون الجميع على يد المرتهن، جاز. و إن رضيا أن يكون الجميع في يد الشريك، جاز، و ناب عنه في القبض. و إن رضيا أن يكون على يدَي عَدْلٍ، جاز. و إن تشاحّا و اختلفا، انتزعه الحاكم من يدهما، و وضعه على يد عَدْلٍ إن لم تكن لمنفعته قيمة. و إن كانت لمنفعته قيمة و أمكن إجارته و كان الانتفاع به لا ينقصه، فإنّه يكرى. و لو سلّمه الراهن للمرتهن فقبضه، حصل القبض؛ لأنّ الرهن حصل في يده مع التعدّي في غيره، فأشبه ما لو سلّم الرهن و غيره. و لو كان في يد المرتهن بالعارية السابقة، كفى ذلك في القبض. و هل يفتقر إلى مضيّ زمان يتحقّق فيه القبض لو لم يكن في يده ؟ الأقرب: المنع. و ليس للمستعير بعد عقد الرهن الانتفاعُ به؛ لأنّ الرهن مانع من التصرّف، فليس له الانتفاع به كما كان ينتفع به قبل الرهن، قاله الشيخ(1) رحمه اللّه.2.

ص: 366


1- المبسوط للطوسي 205204:2.

و قال الشافعي: له الانتفاع كما كان(1). و لو رهنه ثوباً فاشتبه عليه بغيره فسلّم إليه أحدهما، لم يثبت القبض؛ لعدم العلم بأنّه أقبضه الرهن، فإن ثبت أنّه الرهن تبيّنّا صحّة القبض. و لو سلّم إليه الثوبين معاً، صحّ القبض؛ لأنّه قد قبض الرهن قطعاً. و لو رهنه داراً فخلّى بينه و بينها و هُما فيها ثمّ خرج الراهن، صحّ القبض في النصف. و قال الشافعي: يصحّ القبض في الجميع؛ لأنّ التخلية تصحّ بقوله مع التمكين منها و عدم المانع، فأشبه ما لو كانا خارجين عنها(2). و قال أبو حنيفة: لا يصحّ حتى يخلّي بينه و بينها بعد خروجه منها؛ لأنّه ما كان في الدار(3) فيده عليها، فلم تحصل التخلية(4). و اعتُرض بأنّ خروج المرتهن منها لا يزيل يده عنها، و دخوله إلى دار غيره لا يُثبت يده عليها. و لأنّه بخروجه عنها محقّق لقوله، فلا معنى لإعادة التخلية(5).

مسألة 241: قد بيّنّا أنّه يصحّ رهن العبد الجاني؛ لبقاء الملك فيه،

لكن يقدَّم حقّ الجناية على حقّ الرهن؛ لأنّه متقدّم عليه لو تأخّر فمع التقدّم أولى. ثمّ إن اقتصّ منه في النفس، بطل الرهن. و إن اقتصّ في الطرف، بقي الباقي رهناً بحاله.

ص: 367


1- روضة الطالبين 310:3، و انظر الحاوي الكبير 42:6.
2- المغني 404:4، الشرح الكبير 426:4.
3- أي: لأنّه ما دام كائناً فيها.
4- بدائع الصنائع 140:6، المغني 404:4، الشرح الكبير 426:4.
5- المغني 404:4، الشرح الكبير 426:4.

و إن كانت الجناية خطأً، فإن كان الأرش أقلَّ من قيمته، كان الفاضل منه رهناً. و إن ساواها أو زاد، فإن سلّمه المالك إلى المجنيّ عليه في الجناية، بطل الرهن. و إن فداه، سقط الأرش عن رقبته، و بقي العبد رهناً. و إن بِيع في الجناية، فسخ الرهن. ثمّ إن استوعبت الجناية قيمته، بطل الرهن، و إلّا بِيع بقدرها، و كان الباقي رهناً. و الشيخ رحمه اللّه أبطل رهن الجاني عمداً و خطأً [لأنّها(1)] إن كانت عمداً، فقد وجب عليه القصاص. و إن كانت خطأً فلسيّده أن يسلّمه إلى مَنْ جُني عليه، فإنّها تتعلّق برقبة العبد، و السيّد بالخيار بين أن يسلّمه ليُباع في الجناية و بين أن يفديه و [أيّهما(2)] فعل فالرهن على البطلان؛ لأنّه وقع باطلاً في الأصل، فلا يصحّ حتى يستأنف(3). و الوجه: ما قلناه. و لو كانت الجناية أقلَّ من قيمته و لم يمكن بيع بعضه، بِيع كلُّه و اعطي المجنيّ عليه حقّه، و كان الباقي رهناً مكانه. و لو فداه غير السيّد أو أبرأه المجنيّ عليه، بقي رهناً كما كان.

مسألة 242: قد بيّنّا أنّه يصحّ رهن المدبَّر، و يبطل التدبير؛

لأنّه وصيّة، فكان الرهن رجوعاً فيه، كما لو أوصى به لزيدٍ ثمّ رهنه، فإنّه يكون رجوعاً عن الوصيّة، و يصحّ الرهن. قال الشيخ رحمه اللّه: و إن قلنا: إنّ الرهن صحيح و التدبير بحاله، كان

ص: 368


1- ما بين المعقوفين من المصدر.
2- بدل ما بين المعقوفين في «ج» و الطبعة الحجريّة: «و أيّما». و المثبت من المصدر.
3- المبسوط للطوسي 212:2.

قويّاً؛ لعدم دليلٍ على إبطاله(1). قال: فعلى هذا إذا حلّ الأجل في الدَّيْن و قضاه المديون من غير الرهن، كان جائزاً. و إن باعه، كان له ذلك. و إن امتنع من قضاء(2) الدَّيْن، نظر الحاكم فإن كان له مالٌ غيره، قضى دَيْنه منه، و زال الرهن من العبد، و كان مدبَّراً بحاله. و إن لم يكن له مالٌ غيره، باعه الحاكم في الدَّيْن، و زال الرهن و التدبير معاً(3).

مسألة 243: إذا رهن جارية ذات ولدٍ صغير، صحّ.

فإن علم المرتهن، لم يكن له الردّ و لا فسخ البيع المشروط فيه الرهن المذكور. و لو لم يعلم أنّ لها ولداً صغيراً دون سبع سنين ثمّ علم، كان له ردّها، و له فسخ البيع المشروط رهنها إن حرّمنا التفرقة؛ لأنّ ذلك نقص في الرهن، فإنّ بيعها منفردةً أكثر لثمنها، و هو غير جائز هنا؛ لتحريم التفرقة في البيع. فإن اختار إمضاء الرهن و رضي بالنقص، فهو بمنزلة العالم يبطل خياره في فسخ البيع. و لو رهن أرضاً بيضاء، لم يكن له غرسها. فإن نبت فيها نخل بغرسه أو بحمل السيل إليها نوىً فنبت، لم يدخل في الرهن، و ليس للمرتهن قلعه.

ص: 369


1- المبسوط للطوسي 213:2.
2- في الطبعة الحجريّة: «أداء» بدل «قضاء».
3- المبسوط للطوسي 213:2.

فإن حلّ الدَّيْن و لم يقض إلّا منها فإن وفى ثمنها بالدَّيْن، بِيعت من غير نخل، و يُترك النخل على ملك الراهن. و لو لم يف إلّا أنّ الغرس الذي فيها لم يُنقّص ثمنها، بِيعت الأرض للمرتهن، و لم يجب بيع الأشجار معها. و لو نقّص، تخيّر الراهن بين بيعهما جميعاً و بين قلع الشجر و تسليم الأرض سليمةً من الحُفَر لتُباع للمرتهن إذا لم يكن مفلَّساً، فإن فلّس، لم يجز قلعه، بل يُباعان، و يُدفع إلى المرتهن ما قابَل أرضاً بيضاء، و الباقي خارج عنه.

مسألة 244: لو رهن عبدين و سلّم أحدهما إلى المرتهن فمات في يده و امتنع من تسليم الآخَر،

قال الشيخ: لم يكن للمرتهن الخيار في فسخ البيع؛ لأنّ الخيار في فسخ البيع إنّما يثبت إذا ردّ الرهن و لا يمكنه ردّ ما قبضه؛ لفواته. و كذلك إذا قبض أحدهما و حدث به عيب في يده و امتنع الراهن من تسليم الآخَر إليه، لم يكن له الخيار في فسخ البيع؛ لأنّه لا يجوز له ردّ المعيب للعيب الحادث في يده(1). و الوجه: أن نقول: إن جعلنا القبض شرطاً في الرهن أو شرطاه، تخيّر المرتهن في البيع حيث لم يف الراهن بما شرطه.

مسألة 245: إذا اشترى شيئاً بثمن على أن يكون المبيع رهناً،

قال الشيخ رحمه اللّه: لا يصحّ البيع و به قال الشافعي(2) لأنّ شرطه أن يكون رهناً لا يصحّ، لأنّه شرط أن يرهن ما لا يملك، فإنّ المبيع لا يملكه المشتري قبل تمام العقد، و إذا بطل الرهن بطل البيع؛ لأنّ البيع يقتضي إيفاء الثمن

ص: 370


1- المبسوط للطوسي 234:2.
2- العزيز شرح الوجيز 108:4، المغني و الشرح الكبير 463:4.

من غير المبيع، و الرهن يقتضي إيفاء الثمن من ثمن المبيع، و ذلك متناقض. و لأنّ الرهن يقتضي أن يكون أمانةً في يد البائع، و البيع يقتضي أن يكون المبيع مضموناً عليه، و ذلك متناقض(1). و أمّا إذا شرط البائع أن يسلّم المبيع إلى المشتري ثمّ يردّه إلى يده رهناً بالثمن، فإنّ الرهن و البيع فاسدان، كالأُولى. لا يقال: أ ليس يصحّ شرط الرهن في العقد و إن كان الثمن لم يملكه البائع ؟ لأنّا نقول: إنّما جوّزنا ذلك لموضع الحاجة إلى شرطه ليصير حقّاً للبائع، بخلاف مسألتنا. و أمّا البيع فلا يصحّ أيضاً عند الشافعيّة؛ لأنّ هذا استثناء منفعة المبيع، و ذلك لا يجوز عندهم. و لأنّ البيع يقتضي إيفاء الثمن من غير المبيع، و الرهن يقتضي إيفاء الدَّيْن منه. و لأنّ البيع يقتضي تسليم المبيع أوّلاً، و الرهن يقتضي تسليم الدَّيْن أوّلاً، و البيع يقتضي أيضاً أن يكون إمساك البائع مضموناً، و الرهن يقتضي أن يكون إمساك المرتهن أمانةً، و ذلك يوجب تناقض [أحكامهما(2)(3)].

مسألة 246: إذا رهن شيئاً عند آخَر فأيّهما مات قام وارثه مقامه في حقّ الرهن.

فإن كان الميّت هو المرتهن، ورث وارثه حقّ الوثيقة؛ لأنّ ذلك ممّا

ص: 371


1- المبسوط للطوسي 235:2.
2- بدل ما بين المعقوفين في «ج» و الطبعة الحجريّة: «أحكامها». و الصحيح ما أثبتناه.
3- العزيز شرح الوجيز 109:4.

يورّث، إلّا أنّ للراهن أن يمتنع من كونه في يده؛ لأنّه قد رضي بأمانة المرتهن و لم يرض بأمانة وارثه، فله مطالبته بنقله إلى يد عَدْلٍ. و إن كان الميّت هو الراهن، قام وارثه مقامه في الرهن، فيكون مستحقّاً عليه كما كان مستحقّاً على الراهن، إلّا أنّ الدَّيْن الذي كان مؤجَّلاً في حقّ الراهن يصير حالّاً في حقّ وارثه؛ لأنّ الأجل لا يورّث، و يسقط بموت مَنْ عليه الدَّيْن. و جملة ذلك أنّ وارث المرتهن يقوم مقام المرتهن إلّا في القبض، و وارث الراهن يقوم مقام الراهن إلّا في الأجل في الدَّيْن.

مسألة 247: لو أراد الراهن أو المرتهن أن يقطع شيئاً من الثمرة قبل محلّ الحقّ،

فإن كان بعد إدراكها و بلوغها أوانَ أخذها و كان في قطعه مصلحة و في تركها مضرّة، أُجبر الممتنع على القطع؛ لأنّ فيه صلاحاً لهما جميعاً. و إن كان قبل إدراكها، فإن كان للتخفيف عن الأصول أو لازدحام بعضها على بعض و كان في قطع بعضها مصلحة للثمرة، فإنّه إذا قطع منها كان أقوى لثمرتها و أزكى لها، فإذا كان كذلك قُطع منها و أُجبر الممتنع. و إن كان لا مصلحة في قطعها، فإنّه يُمنع من قطعها، و لا يُجبر الممتنع عليه. فإن اتّفقا جميعاً على قطعها أو قطع بعضها، كان لهما؛ لأنّ الحقّ لهما، فإذا رضيا بذلك، لم يُمنعا. و ما يلزم القطع من المئونة فعلى الراهن، فإن لم يكن حاضراً، أخذ الحاكم من ماله و أنفق عليه. و لو لم يكن مالٌ، أخذ من الثمرة بقدر الأجرة. فإن قال المرتهن: أنا أنفق عليه على أنّي أرجع بها في مال الراهن،

ص: 372

أذن له الحاكم في ذلك. فإن قال: أنفق في ذلك على أن تكون الثمرة رهناً بها مع الدَّيْن الذي عنده، جاز أيضاً. قال الشيخ رحمه اللّه: و من الناس مَنْ مَنَع منه، و هو الأحوط(1). فإن استأجر المرتهن من ماله بغير إذن الحاكم، فإن كان الحاكم مقدوراً عليه، لم يرجع على الراهن؛ لأنّه متطوّع به. و إن لم يكن مقدوراً عليه، فإن أشهد عليه عَدْلين أنّه يستأجر ليرجع بالأُجرة عليه، فيه قولان. فإن لم يشهد، لم يكن له الرجوعُ.

مسألة 248: يجب على المرتهن إذا قبض الرهن أن يحفظه، كما يحفظ الوديعة؛

لأنّه أمانة في يده لغيره، فلا يجوز له التفريط فيها. و لا يجوز له أن يسلّمه إلى غيره و إن كان زوجةً أو ولداً أو مَنْ هو في عياله. و قال أبو حنيفة: له أن يحفظه بنفسه و ولده و زوجته و خادمه الذي في عياله. و لو حفظ بغير مَنْ في عياله أو أودعه، ضمن(2). و ليس بجيّد. و لو رهنه خاتماً فجَعَله في خنصره، فإن كان واسعاً، ضمنه؛ لسقوطه غالباً، و إلّا فلا. و قال أبو حنيفة: يضمنه مطلقاً؛ لأنّه مأذون في الحفظ دون الاستعمال، و هذا لُبْسٌ و استعمال، فصار ضامناً، سواء في ذلك اليمنى و اليسرى، لأنّ الناس يختلفون فيه تجمّلاً(3). و نحن نقول: إن قصد التجمّل و الاستعمال، ضمن، و إلّا فلا.

ص: 373


1- المبسوط للطوسي 243:2.
2- بدائع الصنائع 148:6، الهداية للمرغيناني 130:4.
3- بدائع الصنائع 148:6، الهداية للمرغيناني 130:4.

و لو جعله في بقيّة الأصابع، كان رهناً بما فيه عند أبي حنيفة و هو مذهبنا لأنّه لا يُلبس كذلك عادةً، فكان من باب الحفظ، دون الاستعمال(1). قال: و لو رهنه سيفين فتقلّدهما، ضمن؛ لأنّ العادة قد جرت بتقليد سيفين في الحرب. و لو كانت ثلاثةً فتقلّدها، لم يضمن؛ لعدم جريان العادة بلُبْس الثلاثة(2). قال: و لو لبس خاتماً فوق خاتم، فإن كان ممّن يتجمّل بلُبْس خاتمين، ضمن، و إن كان لا يتجمّل بذلك، فهو حافظ لا لابس(3). و الضابط ما قلناه من أنّه إن قصد الاستعمال، ضمن، و إلّا فلا.

مسألة 249: قد بيّنّا أنّ اجرة البيت الذي يحفظ فيه الرهن على الراهن،

و به قال الشافعي(4). و قال أبو حنيفة: إنّه على المرتهن، و كذا اجرة الحافظ. و أمّا اجرة الراعي و نفقة الرهن فإنّها على الراهن عنده. و الأصل أنّ ما يرجع إلى البقاء يكون على الراهن، سواء كان في الرهن فضل أو لا؛ لبقاء العين على ملكه و منافعها مملوكة له، فيكون إبقاؤها عليه، لأنّه مئونة ملكه، كما في الوديعة، و ذلك مثل النفقة في مأكله و مشربه و اجرة الراعي، لأنّه يحتاج إليه لعلف الحيوان، فهو كالطعام و الشراب. و من هذا الجنس كسوة الرقيق و اجرة ظئر ولد الرهن و سقي البستان و تلقيح النخل و جذاذه و القيام بمصالحه.

ص: 374


1- بدائع الصنائع 148:6، الهداية للمرغيناني 130:4.
2- بدائع الصنائع 148:6، الهداية للمرغيناني 130:4.
3- بدائع الصنائع 148:6، الهداية للمرغيناني 130:4.
4- حلية العلماء 442:4، العزيز شرح الوجيز 505:4، روضة الطالبين 332:3، المغني 474:4، الشرح الكبير 441:4.

و أمّا ما يرجع إلى حفظه فهو على المرتهن، كاُجرة الحافظ؛ لأنّ الحفظ واجب عليه، و الإمساك حقٌّ له، فيكون بدله عليه. و كذا اجرة البيت الذي يحفظ فيه الرهن؛ لأنّ الحفظ على المرتهن، و لا يتأتّى الحفظ إلّا في منزله، فمئونة ذلك تكون على المرتهن، و هذا لأنّه في الحفظ عاملٌ لنفسه، لأنّه يقصد به إضجار الراهن. و قال أبو يوسف: كري المأوى على الراهن؛ لأنّه بمنزلة النفقة، لكونه سعياً في تبقيته(1). و ما يلزمه لردّ العين فهو على المرتهن، و ذلك كجُعْل الآبق، لأنّ يد الاستيفاء كانت ثابتةً على المحلّ، و يحتاج إلى إعادة يد الاستيفاء ليردّه على المالك، فكانت من مُؤن الردّ، فيكون عليه. هذا إذا تساوت قيمة الدَّيْن و الرهن، فإن كانت قيمة الرهن أكثر، فعلى المرتهن بقدر المضمون؛ لأنّ الرهن عنده(2) مضمون، و على الراهن بقدر الأمانة؛ [لأنّه(3)] في قدر الأمانة بمنزلة المودَع، بخلاف اجرة البيت، فإنّه يجب الكلّ على المرتهن و إن كان في قيمة الرهن فضلٌ؛ لأنّ ذلك إنّما لزمه بسبب الحبس، و حقّ الحبس في الكلّ ثابت له، و أمّا الجُعْل فإنّما لزمه لأجل الضمان، فيتقدّر بقدر المضمون. و أمّا مداواة القروح و الجروح و معالجة الأمراض من الجناية تنقسم بقدر الأمانة و الضمان؛ لأنّها للإصلاح، و بالإصلاح ينتفع المرتهن في المضمون و الراهن في الأمانة. و الخراج على الراهن خاصّةً و هو جيّده.

ص: 375


1- بدائع الصنائع 151:6، الهداية للمرغيناني 131:4.
2- راجع الهامش (1) من ص 373، ضمن المسألة 239.
3- بدل ما بين المعقوفين في «ج» و الطبعة الحجريّة: «لأنّ». و الصحيح ما أثبتناه.

عندنا لأنّه من مؤن الملك، فيكون عليه، كالنفقة. و العُشْر فيما يُخرج و يأخذه الإمام؛ لأنّ العُشْر متعلّق بالعين، فيكون مقدَّماً على حقّ المرتهن، و لا يبطل الرهن في الباقي، بخلاف ما إذا استحقّ بعض الرهن شائعاً؛ لأنّ تعلّق العُشْر بالخارج لا يخرجه عن ملكه، و لهذا يجوز بيعه و الأداء من محلٍّ آخَر، بخلاف الاستحقاق(1).

مسألة 250: قد بيّنّا

مسألة 250: قد بيّنّا(2) اختلاف الناس في أنّ القبض شرط في صحّة الرهن أو لزومه

او ليس شرطاً فيهما، فالحنفيّة جعلوه شرطاً في اللزوم، و كذا الشافعيّة و بعض علمائنا، خلافاً للباقي من علمائنا و لمالك حيث جعلوه لازماً بمجرّد الإيجاب و القبول. إذا عرفت هذا، فالقبض هنا كالقبض في البيع، فقبض الدار بالتخلية بينه و بينها و يفتح له بابها، أو يسلّم إليه مفتاحها. و لو خلّى بينه و بينها و فيها قماش للراهن، صحّ التسليم عندنا و عند الشافعي(3) ، خلافاً لأبي حنيفة(4). و كذا نقول: لو رهنه دابّةً عليها حَمْلٌ للراهن و سلّم الجميع إليه، صحّ القبض عندنا و عند الشافعي(5) ، خلافاً لأبي حنيفة(6). و لو رهنه الحملَ خاصّةً دون الدابّة أو رهنهما معاً و سلّمهما معاً، صحّ

ص: 376


1- بدائع الصنائع 152151:6، الهداية للمرغيناني 131130:4.
2- في ص 189 و 190، المسألة 140.
3- حلية العلماء 431:4.
4- الهداية للمرغيناني 133:4، بدائع الصنائع 140:6، حلية العلماء 431:4.
5- لم نعثر عليه في مظانّه.
6- الهداية للمرغيناني 133:4، بدائع الصنائع 140:6.

القبض عندنا و عند أبي حنيفة(1). أمّا إذا رهنهما معاً و سلّمهما: فظاهر. و أمّا إذا رهن الحمل: فلأنّ الحمل ليس مشغولاً بالدابّة و لا هو تابع [لها(2)] فصار كما لو رهن متاعاً في دار. و ليس بجيّد؛ لأنّ كلّ ما كان قبضاً في البيع كان قبضاً في الرهن، كالحمل، و قد قال: إذا رهنه سرج دابّةٍ و لجامها و سلّمها بذلك، لم يصح القبض فيه؛ لأنّه تابع للدابّة(3). و هذا ينقض ما ذكرناه في الحمل. و قوله: «إنّه تابع» يبطل به إذا باع الدابّة، فإنّ السرج لا يدخل فيه، و على أنّ الدابّة في يده فكذلك ما يتبعها. قال: و لو رهن دابّةً عليها سرج أو لجام، دخل ذلك في الرهن من غير ذِكْرٍ(4). و ليس بمعتمد.

مسألة 251: قد بيّنّا أنّه لا يصحّ الرهن إلّا على دَيْنٍ ثابتٍ في الذمّة،

و لا يصحّ الرهن على الأمانات، كالوديعة و العارية و مال القراض و مال الشركة و شبهها من الأمانات، و به قال أبو حنيفة. و علّل بأنّ موجب الرهن ثبوت يد الاستيفاء من الرهن، فكان قبض الرهن مضموناً، فلا بدّ من ضمان ثابت ليقع القبض مضموناً و يتحقّق استيفاء الدَّيْن منه(5).

ص: 377


1- الهداية للمرغيناني 133:4، بدائع الصنائع 140:6.
2- بدل ما بين المعقوفين في «ج» و الطبعة الحجريّة: «له». و الصحيح ما أثبتناه.
3- الهداية للمرغيناني 133:4، بدائع الصنائع 140:6.
4- الهداية للمرغيناني 133:4، بدائع الصنائع 140:6.
5- الهداية للمرغيناني 133:4.

و لا يصحّ الرهن عنده بالأعيان المضمونة بغيرها كالمبيع في يد البائع؛ لأنّ المبيع ليس بمضمون، فإنّه لو هلك لم يضمن البائع شيئاً، و لكن يسقط الثمن، و هو حقّ البائع، فلا يصحّ الرهن به، فلو هلك لهلك بغير شيء؛ لأنّه لا اعتبار للباطل، فبقي قبضاً بإذنه. و يصحّ على الأعيان المضمونة بنفسها، و هو أن يكون مضموناً بالمثل عند الهلاك إن كان مثليّاً، أو بالقيمة إن لم يكن مثليّاً، كالمغصوب و المهر و بدل الخلع و الصلح عن دم العمد؛ لأنّ الضمان مقدّر(1) ، فإنّه إن كان قائماً، وجب تسليمه، و إن كان هالكاً، تجب قيمته. و لو كان رهناً بما هو مضمون، فيصحّ(2). قال: و الرهن بالدرك باطل، و تصحّ الكفالة بالدرك. و الفرق: أنّ الرهن مشروع للاستيفاء، و لا استيفاء قبل الوجوب؛ لأنّ الواجب هو الذي يستوفى، و ضمان الدرك هو ضمان الثمن عند استحقاق المبيع، فلا يجب قبل الاستحقاق، فلا يصحّ مضافاً إلى حال وجود الدَّيْن؛ لأنّ الاستيفاء معاوضة، فلا يحتمل الإضافة؛ لأنّ إضافة التمليك(3) إلى زمانٍ في المستقبل لا تجوز، و الكفالة مشروعة لالتزام المطالبة، لا لالتزام أصل الدَّيْن، و التزام الأفعال يصحّ(4) مضافاً إلى زمان الاستقبال، كالتزام الصدقات و الصيامات بالنذر. و تفسير الرهن بالدرك كأن يبيع رجل سلعة و قبض ثمنها و سلّمها و خاف المشتري الاستحقاق فأخذ بالثمن من البائع رهناً قبل الدرك، فإنّهر.

ص: 378


1- كذا، و الظاهر: «متقرّر» بدل «مقدّر» كما في المصدر.
2- الهداية للمرغيناني 133:4.
3- في «ج» و الطبعة الحجريّة: «التملّك». و ما أثبتناه من المصدر.
4- في «ج» و الطبعة الحجريّة: «لا يصحّ». و ما أثبتناه من المصدر.

باطل عنده حتى لا يملك حبس الرهن، حلّ الدرك أو لم يحلّ. و إذا هلك الرهن عنده، كان أمانةً، حلّ الدرك أو لم يحلّ؛ لأنّه لا عقد حيث وقع باطلاً، بخلاف الرهن بالدَّيْن الموعود بأن يقول: رهنتك هذا لتقرضني، فقبض الرهن و هلك في يد المرتهن قبل أن يقرضه ألفاً، فإنّه يهلك مضموناً على المرتهن حتى يجب على المرتهن تسليم الألف إلى الراهن بعد الهلاك؛ لأنّ الموعود جُعل كالموجود باعتبار الحاجة، فكان الرهن حاصلاً بعد القرض حكماً؛ إذ الظاهر أنّ الخلف لا يجري في الوعد، فكان مفضياً إلى الوجود غالباً، بخلاف الرهن بالدرك؛ لأنّ الدرك لا يكون موجوداً غالباً؛ إذ الظاهر أنّ المسلم يبيع مال نفسه(1). و هذا من أغرب الأشياء، فإنّ الدرك إنّما يثبت إذا سبق السبب على الرهن، فيكون مستحقّاً في الذمّة، و الوعد بالقرض لا يُثبت في الذمّة شيئاً، فكيف يصحّ الرهن على الثاني دون الأوّل!؟

مسألة 252: قد بيّنّا أنّ الرهن أمانة في يد المرتهن لا يسقط من الدَّيْن شيء بتلفه من غير تفريطٍ،

خلافاً لأبي حنيفة حيث قال: يسقط من الدَّيْن بقدر ما تلف، و نقص السعر لا يوجب سقوط شيء من الدَّيْن عنده حتى لو رهن عبداً قيمته ألف فنقص سعره حتى صار يساوي مائةً، لم يسقط شيء من الدَّيْن عند أبي حنيفة(2). و قال زفر: تسقط تسعمائة من الدَّيْن؛ لنقصان الماليّة بتغيّر السعر، كما لو انتقصت الماليّة بتغيّرٍ في البدن، و هذا لأنّ الضمان الثابت بالرهن

ص: 379


1- الهداية للمرغيناني 134:4، المبسوط للسرخسي 73:21.
2- المبسوط للسرخسي 64:21 و 105، الهداية للمرغيناني 128:4 و 151.

باعتبار الماليّة دون العين، فإنّه ضمان الاستيفاء، و الماليّة تنتقص بنقصان السعر، كما تنتقص بنقصان [العين(1)(2)]. احتجّ أبو حنيفة بأنّ نقصان السعر عبارة عن فتور رغبات الناس فيه، و هذا غير معتبر في شيء من العقود، و لهذا لا يثبت الخيار للمشتري بنقصان السعر، و لا يُسقط شيئاً من الثمن. و لو انتقص سعر المغصوب، لا يضمن الغاصب شيئاً، بخلاف نقصان البدن؛ لأنّ يد الراهن يد الاستيفاء، و بفوات جزء منه يفوت الاستيفاء، فإذا لم يسقط شيء من الدَّيْن بنقصان السعر بقي مرهوناً بكلّ الدَّيْن. و لو قتله حُرٌّ، غرم قيمته مائة؛ لأنّ المتلف تُعتبر قيمته يوم الإتلاف؛ لأنّ الجابر بقدر الفائت، فيقبض المرتهن قضاءً بمثلها من الدَّيْن، لأنّه ظفر بجنس حقّه، و لا يرجع على الراهن بشيء من تسعمائة؛ لأنّ الفضل على المائة تلف في ضمان المرتهن، فصار هالكاً بالدَّيْن؛ لأنّ يد المرتهن يد استيفاء، و بالهلاك يتقرّر الاستيفاء، و قد كانت قيمته في الابتداء ألفاً، فيصير مستوفياً للكلّ من الابتداء، و صار كما لو هلك الرهن، فإنّه يسقط كلّ الدَّيْن. و لو باعه بمائة هي قيمته المتنازلة، أو قال له: بِعْه بما شئت، فباعه بمائة و إن كانت قيمته ألفاً، صحّ عند أبي حنيفة و صاحبَيْه، فيصير المرتهن وكيلَ الراهن لما باعه بإذنه، و صار كأنّ الراهن استردّه و باعه بنفسه، فلو كان4.

ص: 380


1- بدل ما بين المعقوفين في «ج» و الطبعة الحجريّة: «العيب» و الصحيح ما اثبت.
2- الهداية للمرغيناني 151:4.

كذلك، يبطل الرهن، و يبقى الدَّيْن إلّا بقدر ما استوفى، كذا هنا(1). و هذا كلّه عندنا ساقط؛ لما عرفت من أنّ الرهن أمانة. و لو قتل العبد المرهون قتيلاً خطأً، فلا ضمان على المرتهن عندنا. و قال أبو حنيفة: يضمن؛ لأنّ العبد في ضمانه، و يقال للمرتهن: أفد العبد من الجناية، و ليس للمرتهن أن يدفع العبد؛ لأنّ الدفع تمليك، و هو لا يملك التمليك، فإذا فداه، ظهر المحلّ، و بقي الدَّيْن على حاله، و لا يرجع على الراهن بشيء من الفداء عنده؛ لأنّ الجناية حصلت في ضمانه، فكان عليه إصلاحها. و إن أبى المرتهن أن يفدي، قيل للراهن: ادفع العبد أو أفده بالدية؛ لأنّ ملك الرقبة للراهن، و إنّما بذل المرتهن الفداء لقيام حقّه. فإن أبى عن الفداء، طُولب الراهن بحكم الجناية، و من حكمها التخيير بين الدفع و الفداء، فإن اختار الدفع، سقط الدَيْن؛ لأنّ العبد استُحقّ لمعنى في ضمان المرتهن، فصار كالهلاك. و كذا إن فدى، لأنّه استخلص لنفسه بالفداء، و كان الفداء على المرتهن، فصار العبد كالحاصل له بعوضٍ كأنّه اشتراه من وليّ الجناية(2).

مسألة 253: تجوز الزيادة في الرهن بأن يرهن ثوباً قيمته عشرة بعشرة

ثمّ زاد الراهن ثوباً آخَر ليكون مرهوناً مع الأوّل بعشرة، و أنّ الثوبين يكونان رهناً بكلّ الدَّيْن. و كذا تجوز الزيادة في الدَّيْن بأن يرهن عبداً بألف ثمّ يقترض ألفاً

ص: 381


1- الهداية للمرغيناني 152151:4.
2- تحفة الفقهاء 45:3، بدائع الصنائع 166164:6، الهداية للمرغيناني 153152:4، الاختيار لتعليل المختار 102:2.

اخرى و يجعل العبد رهناً بهما، و به قال أبو يوسف(1). و قال أبو حنيفة و محمّد: تجوز الزيادة في الرهن دون الدَّيْن(2). و مَنَع الشافعي و زفر من الزيادة فيهما(3). و الأصل معنا. ثمّ إذا صحّت الزيادة في الرهن، يقسّم الدَّيْن على قيمة الأوّل عند أبي حنيفة(4) يوم القبض، و على قيمة الزيادة يوم قُبضت؛ لأن حكم الرهن في الزيادة إنّما يثبت بقبض المرتهن، فتعتبر قيمتها حين يثبت حكم الرهن فيها، كما يعتبر ذلك في قيمة الأصل حتى لو كانت قيمة الأصل يوم قبضه ألفاً، و قيمة الزيادة يوم قُبضت خمسمائة، و الدَّيْن ألف، يُقسّم الدَّيْن أثلاثاً: في الزيادة ثلث الدَّيْن، و في الأصل ثلثا الدَّيْن. و الولد لا يستتبع الزيادة حال بقاء أصله؛ لأنّ الولد تبع، فلا يستتبع غيره حتى يُقسَّم الدَّيْن أوّلاً على الأمّ و الزيادة، ثمّ ما أصاب الأمّ يقسّم بينها و بين ولدها و على قدر قيمتها. فإن حصلت الزيادة بعد هلاك الأمّ، تكون رهناً تبعاً للولد؛ لأنّ الولد صار أصلاً حتى يُقسّم الدَّيْن أوّلاً على الأمّ و الولد، ثمّ ما أصاب الولد يُقسّم بينه و بين الزيادة بشرط بقاء الولد إلى وقت انفكاك الرهن. فلو رهن أمةً قيمتها ألف فولدت ولداً قيمته ألف و زاد عبداً قيمته ألف، قُسّم الدَّيْن أوّلاً على الأمّ و الولد نصفين، سقط عنده بهلاكها نصف الدَّيْن، و بقي في الولد نصف الدَّيْن، و تبعه العبد، و قُسّم ما فيه عليهما4.

ص: 382


1- تحفة الفقهاء 46:3، بدائع الصنائع 139:6، الهداية للمرغيناني 156:4، الاختيار لتعليل المختار 102:2.
2- تحفة الفقهاء 46:3، بدائع الصنائع 139:6، الهداية للمرغيناني 156:4، الاختيار لتعليل المختار 102:2.
3- تحفة الفقهاء 46:3، بدائع الصنائع 139:6، الهداية للمرغيناني 156:4، الاختيار لتعليل المختار 102:2.
4- الهداية للمرغيناني 156:4.

نصفين بشرط بقاء الولد إلى وقت الفكّ حتى لو هلك الولد قبل فكّه، ظهر أنّه لم يكن في الولد شيء من الدَّيْن، و أنّ الأُمّ هلكت و كلّ الدَّيْن، و أنّ الزيادة لم تصحّ حتى لو هلك العبد أيضاً قبل هلاك الولد أو بعد هلاكه، فذلك أمانة. و لو لم يهلك الولد و زادت قيمته ألفاً فصارت قيمته يوم الفكّ ألفين، فالدَّيْن يُقسّم أوّلاً على الأُمّ و الولد أثلاثاً: ثُلثه في الأُمّ و قد سقط بهلاكها، و ثُلثاه في الولد، ثمّ يُقسّم ذلك بينه و بين الزيادة أثلاثاً: ثُلثاه في الولد، و ثُلثه في الزيادة. و لو نقصت قيمته فصارت خمسمائة، يُقسّم بين الأُمّ و الولد أثلاثاً: ثلثاه في الأُمّ و قد سقط، و ثلثه في الولد، ثمّ ما أصاب الولد يُقسّم بينه و بين الزيادة: ثُلثه في الولد، و ثُلثاه في الزيادة.

مسألة 254: لو رهن أمةً قيمتها ألف بألف ثمّ قضى الراهن نصف دَيْن المرتهن ثمّ زاد عبداً قيمته ألف،

فالزيادة تكون رهناً تبعاً لنصف الأمة؛ لأنّ نصفها فارغ من الدَّيْن، فيكون محبوساً بالدَّيْن غير مشغول بالدَّيْن، و النصف الآخَر مشغول بالدَّيْن غير محبوسٍ به، فالزيادة تبع للنصف المشغول، لا للنصف الفارغ، فيُقسّم الدَّيْن الذي في النصف المشغول عليه و على الزيادة أثلاثاً: ثُلثه في النصف المشغول، و ثلثاه في الزيادة(1). و هذا عندنا باطل؛ لأنّ الرهن عندنا مشغول بالدَّيْن و بكلّ جزء منه. قال أبو حنيفة: فلو هلكت الأمة هلكت بثلثي الدَّيْن؛ لأنّ النصف

ص: 383


1- ورد الفرع المزبور في بدائع الصنائع 159158:6.

الفارغ مضمون بالدَّيْن و إن لم يبق مشغولاً بالدَّيْن، أ لا ترى أنّه محبوس به، فيهلك ذلك النصف بنصف الدَّيْن المؤدّى حتى يجب على المرتهن ردّ ذلك النصف الذي اخذ؛ لأنّه بيّن أنّ الاستيفاء وقع مكرّراً؛ لما مرّ من أنّه يصير مستوفياً عند الهلاك بالقبض السابق، ثمّ يهلك النصف بما فيه، و هو ثلث النصف، فلهذا قلنا بأنّها تهلك بثلثي الدَّيْن؛ إذ نصف الدَّيْن مع ثلث النصف يكون ثلثي الدَّيْن(1). و لو زاد أمةً قيمتها خمسمائة فولدت الزيادة ولداً ثمّ ولدت الجارية ولداً، يُقسّم الدَّيْن أوّلاً بين نصف الجارية و بين الزيادة، فما أصاب الزيادة يُقسّم بينها و بين ولدها على قدر قيمتها، و ما أصاب نصف الجارية يُقسّم بينها و بين ولدها. و لو وجد المرتهن نصف المقبوض رضاضاً أو سيوفاً، تكون الزيادة رهناً تبعاً للأمة يُقسّم الدَّيْن بينهما نصفين؛ لأنّ الاستيفاء لم يصح، لأنّهما ليسا من جنس الدراهم فصحّ الاستيفاء. و لو رهن أمتين قيمة كلّ واحدٍ ألف فولدت إحداهما ولداً قيمته ألف فماتت الأُمّ و بقي الولد، يُقسّم الدَّيْن بين الأمتين نصفين ثمّ ما في الأُمّ يُقسّم بينها و بين ولدها نصفين، فسقط بهلاك الأُمّ ربع الدَّيْن، و بقي في الولد ربعه، و في الأمة الحيّة نصفه. و هذا مبنيّ على اصول ممنوعة.

مسألة 255: لو رهن عبداً يساوي ألفاً بألف ثمّ أعطاه عبداً آخَر يساوي ألفاً مكان الأوّل،

خرج الأوّل عن الرهن بالتقايل.

ص: 384


1- بدائع الصنائع 159:6.

و قال أبو حنيفة: يكون الأوّل رهناً حتى يردّه على الراهن، و المرتهن في الآخَر أمين حتى يجعله مكان الأوّل؛ لأنّ الضمان في الأوّل متعلّق بالقبض و الدَّيْن، فيبقى ما بقي القبض و الدَّيْن، و إذا لم يوجد الردّ، بقي الأوّل رهناً في يده، و من ضرورة بقائه أنّه لا يثبت الثاني؛ لأنّ الراهن لم يرض بجَعْلهما رهناً، و إنّما رضي بأحدهما، فإذا لم يخرج الأوّل من ضمان الرهن، لم يتعلّق بالثاني ضمان، فإذا ردّ الأوّل، انتقض الرهن فيه، و قام الثاني مقام الأوّل. ثمّ قيل: ما لم يقبض الثاني قبضاً مستأنفاً لم يصر مضموناً، لأنّ القبض الأوّل لم يوجب الضمان؛ لأنّ يد المرتهن عليه يد أمانة (و يد الراهن يد(1) استيفاء و ضمان، فلا ينوب الأدنى عن الأعلى كمَنْ له على آخَر جياد فاستوفى زيوفاً ظنّها جياداً ثمّ علم بالزيافة و طالَبه بالجياد و أخذها، فالجياد أمانة في يده ما لم يردّ الزيوف و يجدّد القبض. و قيل: لا يشترط تجديد القبض؛ لأنّ يد الأمانة تنوب عن يد المرتهن، لأنّ الرهن تبرّع كالهبة، و قبض الأمانة ينوب عن قبض الهبة. و لأنّ عين [الرهن(2)] أمانة، و القبض يرد على العين، فينوب قبض الأمانة عن قبض العين(3).

مسألة 256: تصرّفات الراهن في الرهن ببيعٍ أو هبةٍ أو إجارةٍ لا تقع باطلةً من أصلها،

بل لو أجازها المرتهن، لزمت، فتقع صحيحةً. و لو

ص: 385


1- بدل ما بين القوسين في «ج» و الطبعة الحجريّة: «و يد الراهن يد أمانة و يد المرتهن يد». و ما أثبتناه هو الموافق لما في المصدر.
2- بدل ما بين المعقوفين في «ج» و الطبعة الحجريّة: «الهبة». و المثبت من المصدر.
3- الهداية للمرغيناني 157:4.

فسخها المرتهن، بطلت. و لو لم يعلم حتى قضى الراهن الدَّيْنَ أو(1) أبرأه المرتهن، احتُمل بقاؤها، فتكون لازمةً للراهن. و لو رهن الراهن رهن عند آخَر، فإن قلنا بالبطلان، فلا بحث، و إلّا بقي موقوفاً على إجازة المرتهن الأوّل، فإن أجازه، احتُمل بطلانُ رهنه، فيكون رهناً بالدَّيْن الثاني، و بقاءُ صحّته، فلو بِيع، قُدّم دَيْن الثاني، فإن فضل شيء فإن قلنا ببطلان الأوّل، كان جميع الغرماء اسوةً فيه، و إلّا اختصّ به المرتهن الأوّل.

مسألة 257: إذا أبرأ المرتهنُ الراهنَ عن الدَّيْن أو وهبه له ثمّ هلك الرهن في يد المرتهن و لم يحدث منعاً بعد الإبراء،

هلك بغير شيء، و لا ضمان على المرتهن عندنا، و به قال أبو حنيفة استحساناً(2). و قال زفر: يضمن قيمته للراهن و هو القياس عندهم لأنّ القبض وقع مضموناً، فيبقى الضمان ما بقي القبض(3). و نحن نمنع الضمان. و لو ارتهنت امرأة رهناً بصداقها ثمّ أبرأته منه أو و هبته له أو ارتدّت قبل الدخول أو اختلعت منه على صداقها ثمّ هلك الرهن في يدها، هلك بغيرشيء، و لم يضمن شيئاً؛ لسقوط الصداق، فصار كالإبراء عن الدَّيْن. و لو استوفى المرتهن الدَّيْنَ بإيفاء الراهن أو بإيفاء متطوّعٍ ثمّ هلك

ص: 386


1- في «ج» و الطبعة الحجريّة: «و» بدل «أو». و الصحيح ما أثبتناه.
2- الهداية للمرغيناني 157:4، بدائع الصنائع 155:6، المبسوط للسرخسي 9089:21، فتاوى قاضيخان بهامش الفتاوى الهنديّة 597:3.
3- الهداية للمرغيناني 157:4، بدائع الصنائع 155:6، المبسوط للسرخسي 90:21.

الرهن في يده، يهلك بالدَّيْن، و يجب عليه ردّ ما استوفى إلى مَن استوفى منه، و هو مَنْ عليه الدَّيْن أو المتطوّع عنده(1) بخلاف الإبراء. و الفرق: أنّ الإبراء يُسقط الدَّيْن؛ لوجود المسقط، و بالاستيفاء لا يسقط الدَّيْن، بل يتقرّر، لكنّه يتعذّر المطالبة؛ لخلوّها عن الفائدة، لأنّه يعقبه مطالبة مثله، فإذا هلك، يتقرّر الاستيفاء الأوّل، فتبيّن أنّه استوفى مرّتين، فينتقض الاستيفاء الثاني. و كذا إذا أحال الراهن المرتهنَ بالدَّيْن على غيره ثمّ هلك الرهن، بطلت الحوالة عنده(2) ، و يهلك بالدَّيْن؛ لأنّ بالحوالة لا يسقط الدَّيْن عنده(3) ، و لكن ذمّة المحال عليه تقوم مقام ذمّة المحيل، و لهذا يعود إلى ذمّة المحيل إذا مات المحال عليه مفلساً. و كذا لو تصادقا على أن لا دَيْن ثمّ هلك الرهن، يهلك بالدَّيْن؛ لأنّ الرهن عنده مضمون بالدَّيْن أو بجهته عند توهّم الموجود، كما في الدَّيْن الموجود و قد بقيت الجهة؛ لأنّه يحتمل أن يتصادقا على قيام الدَّيْن بعد أن تصادقا على أن لا دَيْن، بخلاف الإبراء؛ لأنّه مسقط(4). و لو دفع مهر غيره تطوّعاً فطُلّقت المرأة قبل الوطىء، رجع المتطوّع بنصف ما أدّى، عنده(5). و كذا لو اشترى عبداً و تطوّع رجل بأداء ثمنه ثمّ ردّ العبد بعيبٍ، رجع1.

ص: 387


1- المبسوط للسرخسي 90:21، الهداية للمرغيناني 157:4.
2- المبسوط للسرخسي 91:21، الهداية للمرغيناني 157:4.
3- المبسوط للسرخسي 91:21.
4- الهداية للمرغيناني 157:4.
5- المبسوط للسرخسي 95:21.

المتطوّع بما أدّى، عنده(1). و قال زفر: يرجع الزوج و المشتري بذلك على القابض؛ لأنّ المتطوّع قضى عنهما، فصار كقضائهما بأمرهما(2). و لو رهن شيئاً عند اثنين، فقال أحدهما: ارتهنته أنا و صاحبي بمائة و أقام البيّنة، و أنكر المرتهن الآخَر و الرهن في يدهما، و أنكر الراهن الرهنَ، يقضى للمدّعي برهن نصفه، و يوضع على يده أو يد عدْلٍ، فإذا قضى الراهن نصيب المدّعي، أخذ الرهن، و به قال محمّد بن الحسن(3). و قال أبو يوسف و هو مرويّ عن أبي حنيفة: لا يقضى بالرهن لواحدٍ منهما، و يردّ الرهن على الراهن؛ لأنّه لو صحّ في النصف لكان مشاعاً، و رهن المشاع عنده باطل(4). و قد مرّ البحث فيه(5).2.

ص: 388


1- المبسوط للسرخسي 95:21، فتاوى قاضيخان بهامش الفتاوى الهنديّة 597:3.
2- المبسوط للسرخسي 95:21.
3- المبسوط للسرخسي 132131:21.
4- المبسوط للسرخسي 131:21 و 161، فتاوى قاضيخان بهامش الفتاوى الهنديّة 601:3، و راجع أيضاً الهامش (4) من ص 129.
5- في ص 129، المسألة 112.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.