تذكره الفقهاء المجلد 12

اشارة

سرشناسه : علامه حلي حسن بن يوسف ق 726 - 648

عنوان و نام پديدآور : تذكره الفقهاء/ تاليف العلامه الحلي الحسن بن يوسف بن المطهر؛ تحقيق موسسه آل البيت عليهم السلام لاحياآ التراث مشخصات نشر : قم موسسه آل البيت عليهم السلام لاحياآ التراث 1400ق = 1300.

مشخصات ظاهري : ج 22

فروست : (موسسه آل البيت عليهم السلام لاحياآ التراث 127؛ 129؛ 130134)

شابك : 964-5503-33-7 (دوره ؛ 964-5503-44-2 2900ريال (ج 4) ؛ 964-5503-46-9 (ج 6) ؛ 964-319-007-2 (ج 7) ؛ 964-319-224-5 8000ريال (ج 11)

يادداشت : عربي يادداشت : فهرست نويسي براساس جلد چهارم 1414ق = 1372

يادداشت : ج 1 (چاپ اول 1420ق = 1378)؛ 8000 ريال ج 1) :ISBN 964-319-197-4

يادداشت : ج 8 (چاپ اول 1417ق = 1376)؛ 6500 ريال ج )8ISBN 964-319-051-x

يادداشت : ج 9 (چاپ اول 1419ق = 1377)8000 ريال :(ج )9ISBN 964-319-008-0

يادداشت : ج 13 (چاپ اول 1423ق = 1381)9500 ريال :ISBN 964-319-389-6

يادداشت : كتابنامه مندرجات : (ج )7) ISBN 964-319-007-2 ج 12) 1422ق = 8500 :1380 ريال موضوع : فقه جعفري -- قرن ق 8

شناسه افزوده : موسسه آل البيت عليهم السلام لاحياآ التراث رده بندي كنگره : BP182/3 /ع8ت4 1300ي

رده بندي ديويي : 297/342

شماره كتابشناسي ملي : م 73-2721

ص: 1

اشارة

ص: 2

ص: 3

ص: 4

الجزء الثاني عشر

تتمة القاعدة الثانية في العقود

تتمة كتاب البيع

المقصد الخامس: في تفريق الصفقة

مسألة 550: إذا جمع بين الشيئين،

فإمّا أن يجمع بينهما في عقد واحد أو في عقدين، فالأوّل إمّا أن يقع التفريق في الابتداء أو في الانتهاء.

و الأوّل إن جمع بين شيئين يمتنع الجمع بينهما من حيث هو جمع، فالعقد باطل قطعا في الجميع، كما لو جمع بين أختين في النكاح.

و إن لم يكن كذلك، فإمّا أن يجمع بين شيئين كلّ واحد قابل لما أورده عليه من العقد، أو لا يكون كذلك، فالأوّل كما لو جمع بين عينين في البيع، صحّ العقد عليهما.

ثمّ إن كانا من جنسين - كعبد و ثوب - أو من جنس واحد لكن قيمتهما مختلفة - كعبدين - يوزّع الثمن عليهما باعتبار القيمة.

و إن كانا من جنس واحد و اتّفقت قيمتهما - كقفيزي حنطة(1) واحدة - يوزّع عليهما باعتبار الأجزاء.

و إن كان الثاني، فإمّا أن لا يكون واحد منهما قابلا لذلك العقد - كما لو باع خمرا و ميتة - فهو باطل قطعا، و إمّا أن يكون أحدهما قابلا.

ص: 5


1- في الطبعة الحجريّة: «كقفيزين من حنطة».

فالذي هو غير قابل ضربان:

أحدهما: أن يكون متقوّما، كما لو باع عبده و عبد غيره صفقة واحدة، صحّ البيع، و وقف البيع في عبد غيره، فإن أجازه الغير، و إلاّ بطل.

و الثاني: أن لا يكون متقوّما، فإمّا أن يتأتّى تقدير التقويم فيه من غير فرض تغيير في الخلقة، كما لو باع عبدا و حرّا، فإنّ الحرّ غير متقوّم، لكن يمكن تقدير القيمة فيه بفرض العبوديّة من غير تغيّر في الخلقة، و يصحّ البيع في العبد. و إمّا أن لا يتأتّى تقدير التقويم فيه من غير فرض تغيّر في الخلقة، كما لو باع خلاّ و خمرا، أو مذكّاة و ميتة، أو شاة و خنزيرا، فإنّه يصحّ البيع في الخلّ و المذكّاة و الشاة.

إذا عرفت هذا، فنقول: إذا باع عبده و عبد غيره صفقة واحدة، صحّ البيع في عبده، و لا يقع البيع باطلا فيه، و يقف العقد في عبد الغير، فإن أجاز البيع فيه، لزم. و إن فسخ، بطل، و يتخيّر المشتري حينئذ بين فسخ البيع في الجميع و بين أخذ عبده بقسطه من الثمن، ذهب إليه علماؤنا - و هو أحد قولي الشافعي، و به قال مالك و أبو حنيفة(1) - لأنّ كلّ واحد منهما لو انفرد بالعقد، ثبت له حكمه، فإذا جمع بينهما، وجب أن يثبت لكلّ منهما حكم الانفراد، لأنّ العلّة لهذا الحكم هو الماهيّة، و هي باقية حالة الجمع، فثبت مقتضاها، كما لو باع شقصا مشفوعا و عبدا، ثبتت الشفعة في الشقص دون العبد، كما لو انفرد.

و لأنّ الصفقة اشتملت على صحيح و فاسد، فانعقد التصحيح(2) في».

ص: 6


1- المهذّب - للشيرازي - 276:1، المجموع 381:9، التهذيب - للبغوي - 3: 495، حلية العلماء 138:4-140، العزيز شرح الوجيز 139:4 و 141، روضة الطالبين 88:3، المغني 315:4، الشرح الكبير 43:4.
2- كذا في «س، ي» و الطبعة الحجريّة. و في نسخة من الكتاب - المحقّقة المطبوعة سنة 1375 ه في النجف الأشرف -: «الصحيح».

الصحيح و قصر الفاسد على الفاسد، كما إذا شهد عدل و فاسق، لا يقضى بردّ الشهادتين و لا بقبولهما، بل تلك مقبولة و هذه مردودة. و لو أخبر بصدق و كذب في خبر واحد، لا يقضى بصدقهما و لا بكذبهما.

و لما رواه محمد بن الحسن الصفّار عن العسكري عليه السّلام: كتب إليه في رجل كانت له قطاع أرضين فحضره الخروج إلى مكّة، و القرية(1) على مراحل من منزله و لم يكن له من المقام ما يأتي بحدود أرضه، و عرّف حدود القرية الأربعة فقال للشهود: اشهدوا أنّي قد بعت من فلان - يعني المشتري - جميع القرية التي حدّ منها و الثاني و الثالث و الرابع، و إنّما له في هذه القرية قطاع أرضين فهل يصلح للمشتري ذلك و إنّما له بعض القرية و قد أقرّ له بكلّها؟ فوقّع عليه السّلام «لا يجوز بيع ما ليس يملك، و قد وجب الشراء من البائع على ما يملك»(2).

و القول الثاني للشافعي: أنّه يبطل البيع في الجميع(3).

و عن أحمد روايتان(4).

و اختلفت الشافعيّة في التعليل:

فقال بعضهم: لأنّ اللفظة واحدة لا يتأتّى تبعيضها، فإمّا أن يغلب9.

ص: 7


1- في «س، ي» و الطبعة الحجريّة: «و المدينة» بدل «و القرية». و ما أثبتناه من المصادر.
2- التهذيب 150:7-151، 667، و في الكافي 402:7، 4، و الفقيه 153:3، 674 بتفاوت يسير.
3- المهذّب - للشيرازي - 276:1، المجموع 381:9، التهذيب - للبغوي - 3: 495-496، حلية العلماء 138:4-140، العزيز شرح الوجيز 140:4، روضة الطالبين 88:3-89، المغني 315:4، الشرح الكبير 43:4.
4- المغني 315:4، الشرح الكبير 43:4، العزيز شرح الوجيز 141:4، المجموع 388:9.

حكم الحرام على الحلال أو بالعكس، و الأوّل أولى، لأنّ تصحيح العقد في الحرام ممتنع، و إبطاله في الحلال غير ممتنع. و لو باع درهما بدرهمين أو تزوّج بأختين، حكم بالفساد، تغليبا للحرمة على الحلّ.

و قال بعضهم: إنّ الثمن المسمّى يتوزّع عليهما باعتبار القيمة و لا يدرى حصّة كلّ واحد منهما عند العقد، فيكون الثمن مجهولا، و صار كما لو قال: بعتك عبدي هذا بما يقابله من الألف إذا وزّع عليه و على عبد فلان، فإنّه لا يصحّ(1).

و نقلوا عن الشافعي قوليه في أنّ العلّة هذه أم تلك ؟(2).

و الجواب: الفرق بين الدرهمين و الأختين و بين صورة النزاع ظاهر، لأنّ أحد الدرهمين و إحدى الأختين ليست أولى بالفساد من الأخرى، فلهذا أفسدنا العقد فيهما، و هنا بخلافه، لأنّ الفساد تعيّن في إحدى الصورتين بعينها دون الأخرى. و العوض ليس مجهولا، لأنّه جعل الجميع في مقابلة الجميع، فسقوط بعضه لا يجعله مجهولا، كأرش العيب.

مسألة 551: لا فرق عندنا بين أن يكون المضموم إلى ما يصحّ بيعه ما لا يصحّ بيعه بنصّ أو إجماع،

كما في العبد و الحرّ، أو ما ثبت التحريم فيه بغيرهما، كما لو اشترى أمة و أمّ ولد، و به قال الشافعي(3) ، لكن عندنا يصحّ البيع فيما يصحّ فيه البيع، و يتخيّر المشتري بعد العلم، فيبطل في الباقي.

ص: 8


1- العزيز شرح الوجيز 140:4، المهذّب - للشيرازي - 276:1، التهذيب - للبغوي - 496:3، حلية العلماء 140:4، روضة الطالبين 89:3.
2- العزيز شرح الوجيز 140:4.
3- العزيز شرح الوجيز 139:4 و 140، روضة الطالبين 89:3، المجموع 9: 381.

و للشافعي القولان السابقان(1).

و قال أبو حنيفة: إن كان الفساد في أحدهما ثبت بنصّ أو إجماع كالحرّ و العبد، فسد في الكلّ. و إن كان قد ثبت بغير ذلك، فسد فيما لا يجوز، و صحّ فيما يجوز، كالأمة و أمّ الولد. و إذا باع ماله و مال غيره، صحّ في ماله، و وقف في مال غيره على الإجازة(2).

و قال فيمن باع مذكّى و [ما](3) ترك عليه التسمية عمدا: إنّه لا يصحّ في الكلّ(4). و خالفه أبو يوسف و محمد(5).

و قالوا(6) فيمن باع عبدا بخمسمائة نقدا، و خمسمائة إلى العطاء، أو دينا على غيره: فسد في الكلّ، لأنّ الفساد في الثمن، و الثمن كلّ جزء منه يقابل جميع المبيع(7). و هو ممنوع.

قال أبو حنيفة: إذا باع عبده و مكاتبه، فقد دخلا في العقد. و كذا الأمة و أمّ الولد، لأنّ بيع أمّ الولد تلحقه الإجازة، و هو أن يحكم حاكم بصحّة بيعه، فإذا دخلا فيه ثمّ فسد في أحدهما، لعدم الإجازة، لم يفسد في الآخر، كما لو باع عبدين فتلف أحدهما، لم ينفسخ العقد في الآخر. و أمّا4.

ص: 9


1- في ص 6 و 7.
2- الهداية - للمرغيناني - 50:3، مختصر اختلاف العلماء 167:3، 1247، حلية العلماء 142:4، العزيز شرح الوجيز 141:4، المجموع 388:9.
3- بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «من». و الصحيح ما أثبتناه.
4- الهداية - للمرغيناني - 50:3، الاختيار لتعليل المختار 35:2، حلية العلماء 4: 143، المجموع 388:9.
5- الهداية - للمرغيناني - 50:3، الاختيار لتعليل المختار 35:2، حلية العلماء 4: 143.
6- كذا، و في المصدر: «قال» بدل «قالوا».
7- حلية العلماء 143:4.

إذا باع حرّا و عبدا، فسد فيهما، لأنّ الفساد في نفس العقد، و قبول أحدهما شرط في قبول الآخر، ألا ترى أنّه لا يجوز أن يقبل في أحدهما، فإذا فسد في أحدهما، فسد في الآخر(1).

و هو ممنوع، لأنّه لا يدخل في العقد، و حكم الحاكم إذا وجد حكم بصحّة العقد من حين وجد، و قبل ذلك هو فاسد. و لا يقف العقد عند الشافعي على الإجازة، و القبول لا يصحّ في بعض المعقود عليه، لإمكانه في الجميع، و هنا لا يصحّ الإيجاب إلاّ في أحدهما، و لهذا صحّ القبول فيه خاصّة، و يبطل [بما](2) إذا باع المذكّى و ما لم يسمّ عليه.

مسألة 552: لو باع عبدا و حرّا، صحّ البيع في العبد خاصّة بقسطه من الثمن،

و ذلك بأن يفرض الحرّ عبدا و ينظر قيمتهما ثمّ يبسط المسمّى عليهما، و يبطل ما قابل الحرّ، و يتخيّر المشتري مع الجهل.

و للشافعيّة في صحّة البيع في العبد طريقان:

أحدهما: القطع بالفساد - و به قال أبو حنيفة، كما تقدّم(3) - لأنّ المضموم إلى العبد ليس من جملة المبيعات. و لأنّ الحاجة تدعو إلى التوزيع، و التوزيع هنا يحوج إلى تقدير شيء في الموزّع عليه، و هو غير موجود فيه.

و أصحّهما عندهم: طرد القولين(4).

قال الجويني: و لو قلنا في صحّة البيع قولان مرتّبان على ما إذا باع عبدا مملوكا و آخر مغصوبا، لأفاد ما ذكرنا من نقل الطريقين(5).

ص: 10


1- انظر: الهداية - للمرغيناني - 50:3، و الاختيار لتعليل المختار 35:2 و 40.
2- بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «به». و الظاهر ما أثبتناه.
3- في ص 9.
4- العزيز شرح الوجيز 140:4، روضة الطالبين 89:3، المجموع 381:9.
5- العزيز شرح الوجيز 140:4.
مسألة 553: لو كان المشتري جاهلا بأنّ المضموم ملك الغير

أو حرّ أو مكاتب(1) أو أمّ ولد ثمّ ظهر له، فقد قلنا: إنّ البيع يصحّ فيما هو ملكه، و يبطل في الآخر إن لم يجز المالك، و يكون للمشتري الخيار بين الفسخ و الإمضاء فيما يصحّ بيعه بقسطه من الثمن، لأنّه لم يسلم له المعقود عليه، فكان له الفسخ. و لو كان عالما، صحّ البيع أيضا و لا خيار له.

و قطع الشافعي بالبطلان فيما إذا كان عالما، كما لو قال: بعتك عبدي بما يخصّه من الألف إذا وزّع عليه و على عبد فلان، و ليس كذلك لو كان المضموم إلى العبد مكاتبا أو أمّ ولد، لأنّ المكاتب و أمّ الولد يتقوّمان بالإتلاف، بخلاف الحرّ المضموم إلى العبد(2).

و ليس بعيدا عندي من الصواب البطلان فيما إذا علم المشتري حرّيّة الآخر أو كونه ممّا لا ينتقل إليه بالبيع، كالمكاتب و أمّ الولد، و الصحّة فيما إذا كان المضموم ملك الغير.

مسألة 554: لو باع خلاّ و خمرا، أو مذكّاة و ميتة، أو شاة و خنزيرا، صحّ البيع

فيما يصحّ بيعه، و بطل في الآخر، و يقوّم الخمر عند مستحلّيه و كذا الخنزير، و بسط(3) الثمن عليهما.

و للشافعي في صحّة البيع في الخلّ و المذكّاة و الشاة خلاف مرتّب على الخلاف في العبد و الحرّ. و الفساد هنا أولى، لأنّ تقدير القيمة غير ممكن هنا إلاّ بفرض تغيّر الخلقة، و حينئذ لا يكون المقوّم هو المذكور في العقد(4).

ص: 11


1- في «س، ي» و الطبعة الحجريّة «أو حرّا أو مكاتبا» و الصحيح ما أثبتناه بالرفع في الكلمتين.
2- العزيز شرح الوجيز 140:4، روضة الطالبين 89:3، المجموع 381:9.
3- في الطبعة الحجريّة: «و قسط» بدل «و بسط».
4- العزيز شرح الوجيز 140:4-141، روضة الطالبين 89:3، المجموع 9: 381-382.

و لو رهن عبده و عبد غيره من إنسان أو وهبهما منه أو رهن عبدا و حرّا أو وهبهما، هل يصحّ الرهن و الهبة في المملوك ؟.

أمّا عندنا: فنعم.

و أمّا عند الشافعي: فيترتّب ذلك على البيع إن صحّحنا ثمّ، فكذلك هنا، و إلاّ فقولان مبنيّان على العلّتين إن قلنا بامتناع تجزئة العقد الواحد فإذا تطرّق الفساد إليه، وجب أن لا ينقسم إذا لم يبن على الغلبة و السريان، كالعتق و الطلاق، فلا يصحّ. و إن علّلنا بجهالة العوض، صحّ، إذ لا عوض هنا حتى يفرض الجهل فيه(1).

و كذا لو تزوّج مسلمة و مجوسيّة أو أخته و أجنبيّة، لأنّ جهالة العوض لا تمنع صحّة النكاح.

مسألة 555: إذا وقع تفريق الصفقة في الانتهاء، فهو على قسمين:

الأوّل: أن لا يكون اختياريّا، كما لو اشترى عبدين صفقة ثمّ مات أحدهما قبل القبض فيهما معا.

الثاني: أن يكون التفريق اختياريّا، كما لو اشترى عبدين صفقة ثمّ وجد بأحدهما عيبا.

أمّا الأوّل: فإنّ العقد ينفسخ في التالف قطعا، و لا ينفسخ في الباقي إلاّ أن يختار المشتري فسخه.

و للشافعي طريقان:

أحدهما: أنّه على القولين فيما لو جمع بين مملوك و غير مملوك تسوية بين الفساد المقرون بالعقد و بين الطارئ قبل القبض.

ص: 12


1- العزيز شرح الوجيز 141:4، روضة الطالبين 89:3، المجموع 382:9 - 383.

و أظهرهما: عدم الانفساخ في الثاني، لأنّ الانفساخ طرأ بعد العقد، فلا تأثير به للآخر، كما لو نكح أجنبيّتين دفعة واحدة ثمّ ارتفع نكاح إحداهما بردّة أو رضاع، لا يرتفع نكاح الأخرى. و لأنّ علّة الفساد إمّا الجمع بين الحلال و الحرام، و إمّا جهالة الثمن، و لم يوجد الجمع بين الحلال و الحرام، و الثمن كلّه ثابت في الابتداء و السقوط طار، فلا يؤثّر في الانفساخ، كما لو خرج المبيع معيبا و تعذّر الردّ لبعض الأسباب و الثمن غير مقبوض، يسقط بعضه على سبيل الأرش و لا يلزم فيه(1) فساد العقد.

و الطريقان جاريان فيما إذا تفرّقا في السّلم و بعض رأس المال غير مقبوض، أو في الصرف و بعض العوض غير مقبوض و انفسخ العقد في غير المقبوض، هل ينفسخ في الباقي ؟(2).

هذا إذا تلف أحدهما في يد البائع قبل أن يقبضهما، فأمّا إذا قبض أحدهما و تلف الآخر في يد البائع، فالحكم عندنا كما تقدّم، للمشتري الخيار بين الفسخ في الجميع و أخذ الباقي بحصّته من الثمن. و عند الشافعي يترتّب الخلاف في انفساخ العقد في المقبوض على الصورة السابقة، و هذه أولى بعدم الانفساخ، لتأكّد(3) العقد في المقبوض بانتقال الضمان فيه إلى المشتري.

هذا إذا كان المقبوض باقيا في يد المشتري، فإن تلف في يده ثمّ تلف الآخر في يد البائع، فالقول بالانفساخ أضعف، لتلف المقبوض على ضمانه(4).3.

ص: 13


1- كذا، و في «العزيز شرح الوجيز»: «منه» بدل «فيه».
2- العزيز شرح الوجيز 141:4-142، روضة الطالبين 89:3-90.
3- في «س، ي» و الطبعة الحجريّة: «لتأكيد» و الظاهر ما أثبتناه من «العزيز شرح الوجيز» و «روضة الطالبين».
4- العزيز شرح الوجيز 142:4، روضة الطالبين 90:3.

و إذا قلنا بعدم الانفساخ، فهل له الفسخ ؟ فيه للشافعيّة وجهان، أحدهما: نعم، و تردّ قيمته. و الثاني: لا، و عليه حصّته من الثمن(1).

و لو استأجر دارا مدّة و سكنها بعض المدّة ثمّ انهدمت الدار، انفسخ العقد في المستقبل.

و هل ينفسخ في الماضي ؟ يخرّج على الخلاف في المقبوض التالف في يد المشتري، فإن قلنا: لا ينفسخ، فهل له الفسخ ؟ فيه الوجهان. و إن قلنا: ليس له ذلك، فعليه من المسمّى ما يقابل الماضي. و إن قلنا: له الفسخ، فعليه أجرة المثل للماضي.

و لو تلف بعض المسلم فيه عند المحلّ و الباقي مقبوض أو غير مقبوض و قلنا: لو انقطع الكلّ، انفسخ العقد، انفسخ في المنقطع، و في الباقي الخلاف المذكور فيما إذا تلف أحد الشيئين قبل قبضهما. و إذا قلنا:

لا ينفسخ، فله الفسخ، فإن أجاز، فعليه حصّته من رأس المال لا غير. و إن قلنا: إذا انقطع الكلّ، لم ينفسخ العقد، فالمسلم بالخيار إن شاء فسخ العقد في الكلّ، و إن شاء أجازه في الكلّ.

و هل ينفسخ في القدر المنقطع، و الإجازة في الباقي ؟ للشافعيّة(2) قولان مبنيّان على الخلاف الذي سيأتي.

و أمّا الثاني، و هو أن يكون اختياريّا، كما لو اشترى عبدين صفقة واحدة ثمّ وجد بأحدهما عيبا، فهل له إفراده بالردّ؟ ذهب علماؤنا إلى المنع.

و للشافعيّة قولان، أحدهما: هذا، و المشهور: أنّه على قولين، و بنوهما على جواز تفريق الصفقة، فإن جوّزناه يجوز الإفراد، و إلاّ فلا.3.

ص: 14


1- العزيز شرح الوجيز 142:4، روضة الطالبين 90:3.
2- العزيز شرح الوجيز 142:4، روضة الطالبين 90:3.

و قياس هذا البناء أن يكون قول التجويز أظهر، لكن صرّح كثير من الصائرين إلى جواز التفريق بأنّ منع الإفراد أصحّ، لأنّ الصفقة وقعت مجتمعة، و لا ضرورة إلى تفريقها، فلا تفرّق(1). و هو ما اخترناه نحن.

و القولان مفروضان في العبدين و في كلّ شيئين لا تصل منفعة أحدهما بالآخر، فأمّا في زوجي الخفّ و مصراعي الباب و نحوهما فلا سبيل إلى أفراد المعيب بالردّ قبل القبض، و يجوز بعده.

و الحقّ: المنع من الإفراد مطلقا.

و ارتكب بعض الشافعيّة طرد القولين فيه(2).

و لا فرق على القولين بين أن يتّفق ذلك بعد القبض أو قبله.

و قال أبو حنيفة: لا يجوز إفراد المعيب بالردّ قبل القبض، و يجوز بعده إلاّ أن تتّصل منفعة أحدهما بالآخر(3).

فإن لم نجوّز الإفراد، فلو قال: رددت المعيب، هل يكون هذا(4) ردّا لهما؟ لبعض الشافعيّة وجهان، أصحّهما: لا(5). و هو أجود.

و لو رضي البائع بإفراده، جاز في أصحّ الوجهين عندهم. فإن جوّزنا الأفراد فإذا ردّه، استردّ قسطه من الثمن، و لا يستردّ الجميع، و إلاّ لخلا بعض المبيع عن المقابل. و على هذا القول لو أراد ردّ السليم و المعيب معا، فله ذلك أيضا(6).3.

ص: 15


1- العزيز شرح الوجيز 142:4-143، روضة الطالبين 90:3-91.
2- العزيز شرح الوجيز 143:4، روضة الطالبين 90:3.
3- العزيز شرح الوجيز 143:4.
4- في «س، ي» و الطبعة الحجريّة: «هنا» بدل «هذا». و الصحيح ما أثبتناه.
5- العزيز شرح الوجيز 143:4، روضة الطالبين 91:3.
6- العزيز شرح الوجيز 143:4، روضة الطالبين 91:3.

و فيه للشافعيّة وجه ضعيف(1).

و لو وجد العيب بالعبدين معا و أراد إفراد أحدهما بالردّ، لم يكن له ذلك عندنا.

و يجري القولان للشافعيّة(2) هنا.

و لو تلف أحد العبدين أو باعه و وجد بالباقي عيبا، ففي إفراده قولان للشافعيّة مرتّبان، و هذه الصورة أولى بالجواز، لتعذّر ردّهما جميعا. فإن قلنا: يجوز الإفراد، ردّ الباقي و استردّ من الثمن حصّته. و سبيل التوزيع تقدير العبدين سليمين و تقويمهما و بسط الثمن المسمّى على القيمتين(3).

و لو اختلفا في قيمة التالف، فادّعى المشتري ما يقتضي زيادة للواجب على ما اعترف به البائع، فقولان للشافعيّة:

أصحّهما: تقديم قول البائع مع يمينه، لأنّه ملك جميع الثمن بالبيع، فلا رجوع عليه إلاّ بما اعترف به.

و الثاني: أنّ القول قول المشتري، لأنّه تلف في يده، فأشبه الغاصب مع المالك إذا اختلفا في القيمة، كان القول قول الغاصب الذي حصل الهلاك في يده.

و إن قلنا: لا يجوز الإفراد، فقولان:

أحدهما: أنّه يضمّ قيمة التالف إلى الباقي و يردّهما و يفسخ العقد، لأنّ النبيّ عليه السّلام أمر في المصرّاة بردّ الشاة و بدل اللبن الهالك(4) ، فعلى هذا1.

ص: 16


1- العزيز شرح الوجيز 143:4، روضة الطالبين 91:3.
2- العزيز شرح الوجيز 143:4، روضة الطالبين 91:3.
3- العزيز شرح الوجيز 143:4-144، روضة الطالبين 91:3.
4- صحيح مسلم 1158:3، 1524، سنن أبي داود 270:3، 3443، سنن الترمذي 553:3، 1251.

لو اختلفا في قيمة التالف، فالقول قول المشتري مع يمينه، لأنّه حصل التلف في يده و هو الغارم(1).

و لهم في القيمة وجه آخر: أنّ القول قول البائع، لأنّ المشتري يريد إزالة ملكه عن الثمن المملوك له(2).

و أصحّهما: أنّه لا فسخ له، و لكنّه يرجع بأرش العيب، لأنّ الهلاك أعظم من العيب(3).

و لو حدث عنده عيب و لم يتمكّن(4) من الردّ، فعلى هذا لو اختلفا في قيمة التالف، عاد القولان السابقان، لأنّه في الصورتين يردّ بعض الثمن، إلاّ أنّ(5) على ذلك القول يردّ حصّة الباقي، و على هذا القول يردّ أرش العيب(6).

و النظر في قيمة التالف إلى يوم العقد أو يوم القبض ؟ فيه مثل الخلاف الذي سيأتي في اعتبار القيمة لمعرفة أرش العيب القديم(7).

مسألة 556: لو باع شيئا يتوزّع الثمن على أجزائه بعضه له، و بعضه لغيره،

كما لو باع عبدا له نصفه، أو صاع حنطة له نصفه و الباقي لغيره صفقة واحدة، صحّ فيما يملكه، و يتخيّر المشتري مع فسخ المالك الآخر البيع في قدر حصّته، و يبطل في الآخر مع الفسخ.

ص: 17


1- العزيز شرح الوجيز 144:4، روضة الطالبين 91:3.
2- العزيز شرح الوجيز 144:4.
3- العزيز شرح الوجيز 144:4، روضة الطالبين 91:3.
4- في «س» و الطبعة الحجريّة: «لم يتمكّن» بدون الواو.
5- الظاهر: «أنّه» بدل «أنّ».
6- في «س» و الطبعة الحجريّة: «المعيب» بدل «العيب».
7- العزيز شرح الوجيز 144:4، روضة الطالبين 91:3.

و الشافعي رتّب ذلك على ما لو باع عبدين أحدهما له و الآخر لغيره، إن صحّحنا فيما يملكه، فكذا هنا، و إلاّ فقولان، إن علّلنا بالجمع بين الحلال و الحرام، لم يصح. و إن علّلنا بجهالة الثمن، صحّ، لأنّ حصّة المملوك هنا معلومة(1).

و لو باع جميع الثمرة و فيها عشر الصدقة، ففي صحّة البيع في قدر الزكاة إشكال ينشأ من أنّه بالخيار بين إخراج العين و إخراج القيمة، فإذا باعه، كان قد اختار القيمة. و من أنّه باع مال غيره، و الضمان يثبت بعد التضمين.

و للشافعيّة قولان، فإن قلنا: لا يصحّ، فالترتيب في الباقي(2) كما ذكرنا فيما لو باع عبدا له نصفه، لأنّ توزيع الثمن على ما له بيعه و ما ليس له معلوم على التفصيل(3).

أمّا لو باع أربعين شاة و فيها قدر الزكاة، فالأقرب: أنّه كالأوّل.

و قال الشافعي: إن فرّعنا على امتناع البيع في قدر الزكاة، فالترتيب في الباقي كما مرّ فيما لو باع عبده و عبد غيره(4).

و ممّا يتفرّع على التعليلين: لو باع زيد عبده و عمرو عبده صفقة بثمن واحد، فإنّه يصحّ عندنا، و يوزّع الثمن على القيمتين.

و للشافعيّة في صحّة العقد قولان(5).

و كذا لو باع من رجلين عبدين له هذا من أحدهما و هذا من الآخر3.

ص: 18


1- العزيز شرح الوجيز 145:4، روضة الطالبين 92:3، المجموع 382:9.
2- في «س، ي» و الطبعة الحجريّة: «الباب» بدل «الباقي». و ما أثبتناه من المصادر.
3- العزيز شرح الوجيز 145:4، روضة الطالبين 92:3، المجموع 382:9.
4- العزيز شرح الوجيز 145:4، روضة الطالبين 92:3، المجموع 382:9.
5- العزيز شرح الوجيز 145:4، روضة الطالبين 92:3.

بثمن واحد إن علّلنا بالجمع بين الحلال و الحرام، صحّ. و إن علّلنا بجهالة العوض، لم يصح، لأنّ حصّة كلّ واحد منهما مجهولة.

مسألة 557: لو باع عبده و عبد غيره و سمّى لكلّ منهما ثمنا،

فقال:

بعتك هذا بمائة و هذا بخمسين، فقال المشتري: قبلت، صحّ عندنا، و كان له ما سمّاه في مقابلة عبده.

و الشافعي بناه على العلّتين، فإن علّل باجتماع الحلال و الحرام، فسد العقد. و إن علّل بجهالة الثمن، صحّ في عبده(1).

و للمشتري هنا الخيار أيضا لو فسخ مالك الآخر البيع فيه، لتبعّض الصفقة عليه.

مسألة 558: إذا باع ماله و مال غيره صفقة واحدة، صحّ البيع في ماله،

فإن كان المشتري جاهلا بالحال، فله الخيار، لأنّه دخل في العقد على أن يسلم له العبدان و لم يسلم، فإن اختار الإمضاء، لزمه قسطه من الثمن، و سقط عنه ما انفسخ البيع فيه عند علمائنا - و هو أصحّ قولي الشافعي(2) - لأنّ الثمن يتقسّط(3) على العينين على قدر قيمتهما، فكان له أخذه بما استحقّه من الثمن، و لا يلزمه أخذه بأكثر من ذلك، فإنّ الثمن وقع في مقابلتهما جميعا، فلا يلزم في مقابلة أحدهما إلاّ قسطه.

و الثاني: أنّه يلزمه جميع الثمن - و به قال أبو حنيفة(4) - لأنّه لغا ذكر

ص: 19


1- العزيز شرح الوجيز 145:4، روضة الطالبين 92:3.
2- التهذيب - للبغوي - 496:3، العزيز شرح الوجيز 146:4، روضة الطالبين 3: 93، المجموع 383:9.
3- في الطبعة الحجريّة: «يقسّط».
4- الظاهر أنّ موضع قوله: «و به قال أبو حنيفة» بعد قوله قبل أسطر: «و هو أصحّ قولي الشافعي» لأنّه في بعض المصادر في الهامش التالي كالتهذيب و العزيز - و كذا في الهداية - للمرغيناني - 51:3، و الاختيار لتعليل المختار 40:2، نسب القول الأصحّ للشافعي إلى أبي حنيفة، لا الثاني.

المضموم إلى ماله، فيقع جميع الثمن في مقابلة ما صحّ العقد فيه(1). و لأنّ الإجازة ببعضه تودّي إلى جهالة العوض. و لأنّه لو تلف جزء من المبيع في يد البائع و صار معيبا، كان بالخيار بين الإجازة بجميع الثمن أو الردّ، كذا هنا.

و فسخ(2) البيع فيه لا يوجب كون الكلام فيه لغوا، بل يسقط من الثمن ما قابله. و يمنع الجهالة. و يمنع الإجازة بالجميع في المعيب. سلّمنا، لكنّ العقد لا يقع متقسّطا على الأجزاء.

و اختلفت الشافعيّة، فقال بعضهم: موضع القولين أن يكون المبيع ممّا يتقسّط الثمن على قيمته، فإن كان ممّا يتقسّط على أجزائه، فالواجب قسط المملوك من الثمن قولا واحدا. و الفرق: أنّ التقسيط هنا لا يورث جهالة الثمن عند العقد، بخلاف ما يتقسّط على القيمة.

و منهم من طرد القولين، و هو الأظهر، لأنّ الشافعي ذكر قولين فيما لو باع الثمرة بعد وجوب العشر فيها و أفسدنا البيع في قدر الزكاة دون غيره أنّ الواجب جميع الثمن أو حصّته ؟ فإن قلنا: الواجب جميع الثمن، فلا خيار للبائع إذا ظفر بما ابتغاه(3). و إن قلنا: الواجب القسط، فوجهان:».

ص: 20


1- التهذيب - للبغوي - 496:3، العزيز شرح الوجيز 146:4، روضة الطالبين 3: 93، المجموع 383:9.
2- قوله: «و فسخ» إلى آخره، كلام المصنّف قدّس سرّه في الجواب عن استدلال الشافعي على قوله الثاني.
3- في الطبعة الحجريّة: «بما ابتعناه» و في «س»: «ابتاعه». و كلاهما تصحيف، و الصحيح ما أثبتناه من «ي» و كما في «العزيز شرح الوجيز».

أحدهما: أنّ له الخيار إذا لم يسلم له جميع الثمن.

و أصحّهما عندهم: أنّه لا خيار له، لأنّ التفريط منه حيث باع ما لا يملكه و طمع في ثمنه(1).

و إن كان المشتري عالما بالحال، فلا خيار له، كما لو اشترى معيبا يعلم بعيبه(2).

و كم يلزمه من الثمن ؟ الوجه عندي أنّه يلزمه القسط كالجاهل، لأنّه قابل جميع الثمن بجملة المبيع، و هو يقتضي توزيع الأجزاء على الأجزاء، و هو أحد وجهي الشافعيّة(3).

و قطع جماعة منهم بوجوب الجميع، لأنّه التزم بالثمن عالما بأنّ بعض المذكور لا يقبل العقد(4).

و لو باع عبدا و حرّا، أو خلاّ و خمرا، أو شاة و خنزيرا، أو مذكّاة و ميتة، [و](5) صحّ العقد فيما يقبله، و كان المشتري جاهلا بالحال فأجاز أو(6) عالما، قسّط الثمن، و لزمه بالنسبة. و التقسيط بأن ينظر إلى قيمة هذه المحرّمات عند مستحلّيها، و هو قول الشافعيّة(7).

و لهم في قدر ما يلزمه من الثمن طريقان:9.

ص: 21


1- العزيز شرح الوجيز 146:4-147، روضة الطالبين 93:3، المجموع 9: 383.
2- في «س، ي»: «عيبه».
3- العزيز شرح الوجيز 147:4، روضة الطالبين 93:3، المجموع 383:9.
4- العزيز شرح الوجيز 147:4، روضة الطالبين 93:3، المجموع 383:9.
5- ما بين المعقوفين أضفناه لاستقامة العبارة.
6- في «س، ي» و الطبعة الحجريّة: «و» بدل «أو» و الصحيح ما أثبتناه.
7- العزيز شرح الوجيز 147:4، روضة الطالبين 93:3، المجموع 383:9.

أحدهما: القطع بوجوب الجميع، لأنّ ما لا قيمة له لا يمكن التوزيع على قيمته.

و أصحّهما: طرد القولين.

فإن قلنا: الواجب قسط من الثمن، فكيف تعتبر هذه الأشياء؟ وجهان:

أحدهما: كما قلناه من النظر إلى القيمة عند مستحلّيه.

و الثاني: أنّه يقدّر الخمر خلاّ، و يوزّع عليهما باعتبار الأجزاء، و تقدّر الميتة مذكّاة، و الخنزير شاة، و يوزّع عليهما باعتبار القيمة(1).

و قال بعضهم: يقدّر الخمر عصيرا، و الخنزير بقرة(2).

و لو نكح مسلمة و مجوسيّة في عقد واحد و صحّحنا العقد في المسلمة، لم يلزمه جميع المسمّى للمسلمة إجماعا، لأنّا إذا أثبتنا الجميع في البيع - كما قاله الشافعي(3) - أثبتنا الخيار أيضا، و هنا لا خيار، فإيجاب الجميع إجحاف.

و قال بعض الشافعيّة: يلزم لها جميع المسمّى، لكن له الخيار في ردّ المسمّى، و الرجوع إلى مهر المثل(4).

و هذا لا يدفع الضرر، لأنّ مهر المثل قد يساوي المسمّى أو يزيد عليه.

إذا ثبت هذا، فما الذي يلزمه ؟ الأقوى عندي أنّه القسط من المسمّى إذا وزّع على مهر مثل المسلمة و مهر مثل المجوسيّة، و هو أحد قولي الشافعي. و أظهرهما: أنّه يلزمه مهر المثل(5).

و لو اشترى عبدين و تلف قبل القبض أحدهما، انفسخ العقد فيه،9.

ص: 22


1- العزيز شرح الوجيز 147:4، روضة الطالبين 93:3، المجموع 383:9.
2- العزيز شرح الوجيز 147:4، روضة الطالبين 93:3، المجموع 383:9.
3- انظر: العزيز شرح الوجيز 147:4.
4- العزيز شرح الوجيز 147:4، روضة الطالبين 93:3، المجموع 384:9.
5- العزيز شرح الوجيز 147:4، روضة الطالبين 93:3، المجموع 384:9.

و يثبت له الخيار في الباقي، فإن أجاز، فالواجب قسطه من الثمن، لأنّ الثمن وجب في مقابلتهما في الابتداء، فلا ينصرف إلى أحدهما في الدوام.

و قال بعض الشافعيّة بطرد القولين(1).

و لو باع شيئا من مال الربا بجنسه ثمّ خرج بعض أحد العوضين مستحقّا و صحّحنا العقد في الباقي و أجاز، فالواجب حصّته إجماعا، لأنّ الفضل بينهما حرام.

و لو باع معلوما و مجهولا، لم يصحّ البيع في المجهول، و أمّا في المعلوم فيصحّ، لعدم المانع.

و عند الشافعي يبنى على ما لو كانا معلومين و أحدهما لغيره، إن قلنا:

لا يصحّ في ماله، لم يصح هنا في المعلوم. و إن قلنا: يصحّ، فقولان مبنيّان على أنّه كم يلزمه في الثمن ؟ فإن قلنا: الجميع - كما هو قول بعض الشافعيّة - صحّ، و لزم(2) هنا جميع الثمن. و إن قلنا: حصّته من الثمن - كما اخترناه، و ذهب إليه بعض الشافعيّة - لم يصح، لتعذّر التوزيع(3).

و حكى بعضهم قولا أنّه يصحّ، و له الخيار، فإن أجاز، لزمه جميع الثمن(4). و ليس شيئا.

مسألة 559: لو كان الثمن يتوزّع على الأجزاء كقفيزي حنطة أحدهما له و الآخر لغيره

و باعهما من شخص، فإنّه يصحّ في المملوك دون غيره، و هو قول الشافعي(5).

و كذا إذا رهن ما يجوز رهنه و ما لا يجوز.

ص: 23


1- العزيز شرح الوجيز 148:4، روضة الطالبين 94:3.
2- في المصادر: «لزمه».
3- العزيز شرح الوجيز 148:4، روضة الطالبين 94:3، المجموع 384:9.
4- العزيز شرح الوجيز 148:4، روضة الطالبين 94:3، المجموع 384:9.
5- العزيز شرح الوجيز 145:4، روضة الطالبين 92:3، المجموع 382:9.

و إذا وهب ما يجوز هبته و ما لا يجوز، أو تزوّج أخته و أجنبيّة، أو مسلمة و مجوسيّة، صحّ فيما يجوز قولا واحدا عندنا و عند الشافعي(1) ، لأنّ الرهن و الهبة لا عوض لهما، و النكاح لا يفسد بفساد العوض.

و يتخيّر المشتري إذا صحّ البيع في المملوك كما قلناه. و إذا أجاز بجميع الثمن، فلا خيار للبائع قطعا.

و إن أخذه بقسطه، ففي خيار البائع للشافعي وجهان:

أحدهما: له الخيار، لتبعّض الثمن عليه.

و الثاني: لا خيار له، لأنّ التبعّض(2) من فعله حيث باع ما يجوز و ما لا يجوز(3).

و هنا مسائل دوريّة لا بدّ من التعرّض لها:

مسألة 560: لو باع مريض قفيز حنطة يساوي عشرين بقفيز حنطة يساوي عشرة،

و مات و لا مال سواه، جاز البيع في ثلثي قفيز بثلثي قفيز، و بطل في الثلث، و هو أحد قولي الشافعي. و الثاني: أنّه يبطل البيع(4).

و الأصل فيه أنّ محاباة مرض الموت - كالهبة و سائر التبرّعات - في اعتبار الثلث، فإن زادت عليه و لم يجز الورثة ما زاد - كما لو باع عبدا يساوي ثلاثين بعشرة و لا شيء له سواه - ردّ البيع في بعض العبد، و في الباقي للشافعيّة طريقان:

أحدهما: القطع بصحّة البيع فيه، لأنّه نفذ في الكلّ ظاهرا، و الردّ في

ص: 24


1- العزيز شرح الوجيز 141:4، روضة الطالبين 89:3، المجموع 382:9.
2- في «س، ي»: «التبعيض».
3- العزيز شرح الوجيز 146:4، روضة الطالبين 93:3، المجموع 383:9.
4- العزيز شرح الوجيز 148:4، روضة الطالبين 95:3.

البعض تدارك حادث، لأنّ المحاباة في المرض وصيّة، و الوصيّة تقبل من الغرر ما لا يقبله غيرها.

و أظهرهما عند أكثر الشافعيّة: أنّه على قولي تفريق الصفقة.

و إذا قلنا: يصحّ البيع في الباقي، ففي كيفيّته قولان:

أحدهما: أنّ البيع يصحّ في القدر الذي يحتمله الثلث، و القدر الذي يوازي الثمن بجميع الثمن، و يبطل في الباقي، لأنّه اجتمع للمشتري معاوضة و محاباة، فوجب أن يجمع بينهما، فعلى هذا يصحّ العقد في ثلثي العبد بالعشرة، و يبقى مع الورثة ثلث العبد و قيمته عشرة، و الثمن و هو عشرة، و ذلك مثلا المحاباة و هي عشرة.

و هذا اختيار الشيخ(1) رحمه اللّه و جماعة من الشافعيّة و غيرهم، و لا دور على هذا القول.

و الثاني: أنّه إذا ارتدّ البيع في بعض المبيع، وجب أن يرتدّ إلى المشتري ما قابله من الثمن(2).

و هو الذي نختاره نحن، فحينئذ يلزم الدور، لأنّ ما ينفذ فيه البيع يخرج من التركة، و ما يقابله من الثمن يدخل فيها، و ما ينفذ فيه البيع يزيد بزيادة التركة و ينقص بنقصانها، فيزيد بحسب زيادة التركة، و تزيد التركة بحسب زيادة المقابل الداخل، و يزيد المقابل بحسب زيادة المبيع، و هذا دور.

و يتوصّل إلى معرفة المقصود بطرق:0.

ص: 25


1- أنظر: المبسوط - للطوسي - 64:4.
2- العزيز شرح الوجيز 149:4، روضة الطالبين 94:3، المجموع 389:9 - 390.

منها: أن ينظر إلى ثلث المال و ينسبه إلى قدر المحاباة و يجيز البيع في المبيع بمثل نسبة الثلث من المحاباة، فنقول: ثلث المال عشرة، و المحاباة عشرون، و العشرة نصفها، فيصحّ البيع في نصف العبد، و قيمته خمسة عشر بنصف الثمن، و هو خمسة، كأنّه اشترى سدسه بخمسة، و ثلثه وصيّة له، يبقى مع الورثة نصف العبد، و هو خمسة عشر، و الثمن خمسة يبلغ عشرين، و هو مثلا المحاباة.

و منها: طريقة الجبر، فنقول: صحّ البيع في شيء من العبد و قابله من الثمن مثل ثلث ذلك الشيء، لأنّ الثمن مثل ثلث العبد، و بقي في يد الورثة عبد إلاّ شيئا، لكن بعض النقصان انجبر بثلث الشيء العائد، فالباقي عندهم عبد إلاّ ثلثي شيء، فثلثا شيء قدر المحاباة، و عبد إلاّ ثلثي شيء مثلاه، و إذا كان عبد إلاّ ثلثي شيء مثلي ثلثي شيء، كان عديلا لشيء و ثلث شيء، فإذا جبرنا العبد بثلثي شيء و زدنا على عديله مثل ذلك، كان العبد عديلا لشيئين، فعرفنا أنّ الشيء الذي نفذ فيه البيع نصف العبد.

إذا عرفت هذا، فإن قلنا بقول الشيخ، بطل البيع في صورة الربويّين بلا خلاف، لأنّ مقتضاه صحّة البيع في قدر الثلث و هو ستّة و ثلثان، و في القدر الذي يقابل من قفيزه قفيز الصحيح(1) ، و هو نصفه، فتكون خمسة أسداس قفيز في مقابلة قفيز، و ذلك ربا.

و على ما اخترناه نحن يصحّ البيع في ثلثي قفيز المريض بثلثي قفيز الصحيح، و يبطل في الباقي.

و قطع بعض الشافعيّة بهذا القول - الذي اخترناه في الربوي - لئلاّأ.

ص: 26


1- في «س» و الطبعة الحجريّة: «قفيزا بصحيح». و ذلك خطأ.

يبطل غرض الميّت في الوصيّة(1).

فعلى طريقة النسبة ثلث مال المريض ستّة و ثلثان، و المحاباة عشرة، و ستّة و ثلثان ثلثا عشرة فينفذ البيع في ثلثي القفيز.

و على طريقة الجبر نفذ البيع في شيء و قابله من الثمن مثل نصفه، فإنّ قفيز الصحيح نصف قفيز المريض، و بقي في يد الورثة قفيز إلاّ شيء، لكن حصل لهم نصف شيء، فالباقي عندهم قفيز إلاّ نصف شيء هو المحاباة، و ما في يدهم - و هو قفيز ناقص بنصف شيء - مثلاه، و إذا كان قفيز ناقص بنصف شيء مثلي(2) نصف شيء، كان عديلا للشيء الكامل، فإذا جبرنا و قابلنا، صار قفيز كامل عديل شيء و نصف شيء، فعرف أنّ الشيء ثلثا قفيز.

إذا عرفت هذا، فنقول: لا خيار هنا للورثة، لأنّا لو أثبتنا لهم الخيار، لأبطلنا المحاباة أصلا و رأسا بفسخ البيع، و لا سبيل إليه، لأنّ الشرع سلّطه على ثلث ماله.

و لو كانت المسألة بحالها لكن قفيز المريض يساوي ثلاثين و قلنا بتقسيط الثمن، صحّ البيع في نصف قفيز بنصف القفيز.

و لو كان قفيز المريض يساوي أربعين، صحّ البيع في أربعة أتساع القفيز بأربعة أتساع القفيز.

و لو كان المريض قد أكل القفيز الذي أخذ، استوت المسائل كلّها، فيجوز بيع ثلث قفيز بثلث قفيز.

و لو أتلف المريض المحابي القفيز الذي أخذه ثمّ مات و فرّعنا علىه.

ص: 27


1- العزيز شرح الوجيز 150:4، روضة الطالبين 95:3.
2- في «س، ي» و الطبعة الحجريّة: «مثل» و الصحيح ما أثبتناه.

الدور، صحّ البيع في ثلثه بثلث قفيز صاحبه، سواء كانت قيمة قفيز المريض عشرين أو ثلاثين أو أكثر، لأنّ ما أتلفه قد نقص من ماله. أمّا ما صحّ فيه البيع فهو ملكه و قد أتلفه. و أمّا ما بطل فيه البيع فعليه ضمانه، فينتقص قدر الغرم من ماله، و متى كثرت القيمة كان المصروف إلى الغرم أقلّ و المحاباة أكثر، و متى قلّت كان المصروف إلى الغرم أكثر و المحاباة أقلّ.

مثاله: إذا كانت قيمة قفيز المريض عشرين، و قيمة قفيز الصحيح عشرة، و قد أتلفه المريض، فعلى طريقة النسبة مال المريض عشرون و قد أتلف عشرة يحطّها من ماله، فيبقى عشرة كأنّها كلّ ماله، و المحاباة عشرة، فثلث ماله هو ثلث المحاباة، فيصحّ البيع في ثلث القفيز على القياس الذي مرّ.

و على طريقة الجبر صحّ البيع في شيء من قفيز المريض، و رجع إليه مثل نصفه، فعند ورثته عشرون إلاّ نصف شيء، لكن قد أتلف عشرة، فالباقي في أيديهم عشرة إلاّ نصف شيء، و ذلك مثلا نصف شيء، فيكون مثل شيء، فإذا جبرنا و قابلنا، كانت عشرة مثل شيء و نصف شيء، فالعشرة نصف القفيز، فيكون القفيز الكامل مثل ثلاثة أشياء، فالشيء ثلث القفيز.

و امتحانه أن نقول: ثلث قفيز المريض ستّة و ثلثان، و ثلث قفيز الصحيح في مقابلة ثلاثة و ثلث، فتكون المحاباة بثلاثة و ثلث، و قد بقي في يد الورثة ثلثا قفيز، و هو ثلاثة عشر و ثلث يؤدّى منه قيمة ثلثي قفيز الصحيح، و هي ستّة و ثلثان، و يبقى في أيديهم ستّة و ثلثان، و هي مثلا المحاباة.

ص: 28

و لو كان قفيز المريض يساوى ثلاثين و باقي المسألة بحالها، فعلى طريقة النسبة نقول: مال المريض ثلاثون و قد أتلف عشرة يحطّها من ماله يبقى عشرون كأنّه كلّ ماله، و المحاباة عشرون، فثلث ماله هو ثلث المحاباة، فصحّ البيع في ثلث القفيز.

و بالجبر نقول: صحّ البيع في شيء من قفيز المريض، و رجع إليه مثل ثلثه، فالباقي ثلاثون إلاّ ثلثي شيء، لكنّه أتلف عشرة، و الباقي عشرون إلاّ ثلثي شيء، و ذلك مثلا ثلثي شيء، فيكون مثل شيء و ثلث شيء، فإذا جبرنا و قابلنا، كان عشرون مثل شيئين، فعرفنا أن الشيء عشرة، و هي ثلث الثلاثين.

و امتحانه أن نقول: ثلث قفيز المريض عشرة، و ثلث قفيز الصحيح في مقابله ثلاثة و ثلث، فالمحاباة ستّة و ثلثان، و قد بقي في يدي الورثة ثلثا قفيز، و هو عشرون يؤدّى منه قيمة ثلثي قفيز الصحيح، و هي ستّة و ثلثان يبقى في أيديهم ثلاثة عشر و ثلث، و هي مثلا المحاباة.

هذا إذا أتلف صاحب القفيز الجيّد ما أخذه، أمّا إذا أتلف صاحب القفيز الرديء ما أخذه و لا مال له سوى قفيزه، ففي الصورة الأولى - و هي ما إذا كانت قيمة قفيزه عشرين و قيمة قفيز الآخر عشرة - يصحّ البيع في الحال في نصف القفيز الجيّد و قيمته عشرة، و يحصل للورثة في مقابله نصف القفيز الرديء و قيمته خمسة تبقى المحاباة بخمسة، و لهم نصفه الآخر غرامة لما أتلف عليهم، فيحصل لهم عشرة و هي مثلا المحاباة، و الباقي في ذمّة متلف القفيز الجيّد، و لا تجوز المحاباة في شيء إلاّ بعد أن يحصل للورثة مثلاه.

و في الصورة الثانية - و هي ما إذا كانت قيمة قفيزه ثلاثين - قال بعض

ص: 29

الشافعيّة: يصحّ البيع في نصف الجيّد، و هو خمسة عشر، و المحاباة ثلثه، و هو خمسة، و قد حصل للورثة القفيز الرديء و قيمته عشرة، و هي ضعف المحاباة، فيبقى في ذمّة المشتري خمسة عشر كلّما حصل منها شيء جازت المحاباة في مثل ثلثه(1).

و غلّطه بعضهم، لأنّا إذا صحّحنا البيع في نصف الجيّد، فإنّما نصحّحه بنصف الرديء، و هو خمسة، فتكون المحاباة بعشرة لا بخمسة، و إذا كانت المحاباة بعشرة، فالواجب أن يكون في يد الورثة عشرون، و ليس في أيديهم إلاّ عشرة. فالصواب أن يقال: يصحّ البيع في ربع القفيز الجيّد، و هو سبعة و نصف بربع الرديء، و هو درهمان و نصف، فتكون المحاباة بخمسة و في يد الورثة ضعفها عشرة(2).

مسألة 561: كما تعتبر محاباة المريض في البيع من الثلث،

كذا تعتبر محاباته في الإقالة من الثلث، سواء قدّرت الإقالة فسخا كما هو مذهبنا، أو بيعا جديدا كما هو مذهب الشافعي(3).

إذا ثبت هذا، فنقول: إذا باع مريض قفيز حنطة يساوي عشرين من مريض بقفيز حنطة يساوي عشرة ثمّ تقايلا و ماتا في المرض و القفيزان بحالهما و لا مال لهما سواهما و لم تجز الورثة ما زاد من محاباتهما على الثلث، فإن منعنا من تفريق الصفقة - كما هو مذهب الشافعي(4) - و قلنا بالتصحيح بجميع الثمن، فلا بيع و لا إقالة.

ص: 30


1- العزيز شرح الوجيز 152:4.
2- العزيز شرح الوجيز 152:4.
3- الوسيط 492:3-493، العزيز شرح الوجيز 281:4-282، المجموع 9: 269.
4- العزيز شرح الوجيز 153:4.

و إن قلنا بالتصحيح بالقسط، فيدور كلّ واحد - ممّا نفذ فيه البيع و الإقالة - على الآخر، لأنّ البيع لا ينفذ إلاّ في الثلث، و بالإقالة يزيد ماله فيزيد ما نفذ فيه البيع، و إذا زاد ذلك، زاد مال الثاني، فيزيد ما نفذ فيه الإقالة.

فالطريق أن نقول: صحّ البيع في شيء من القفيز الجيّد، و رجع إليه من الثمن نصف ذلك، فبقي في يده عشرون إلاّ نصف شيء، و في يد الآخر عشرة و نصف شيء، ثمّ إذا تقايلا، فالإقالة فيهما(1) تصحّ في ثلث مال المقيل فيأخذ ثلث عشرة و [ثلث](2) نصف شيء و هو ثلاثة و ثلث و سدس شيء، فيضمّه إلى مال الأوّل، و هو عشرون إلاّ نصف شيء يصير ثلاثة و عشرين و ثلثا إلاّ ثلث شيء، و هذا يجب أن يكون مثلي المحاباة أوّلا، و هو نصف شيء، فيكون ذلك كلّه مثل شيء، فإذا جبرنا و قابلنا، كان ثلاثة و عشرون و ثلث مثل شيء و ثلث شيء يبسط الشيء و الثلث أثلاثا يكون أربعة و الشيء ثلاثة أرباعه.

فإذا أردنا أن نعرف كم الشيء من ثلاثة و عشرين و ثلث، فسبيله أن نصحّح السهام بأن نجعل كلّ عشرة ثلاثة، لأنّ الزائد على العشرين ثلاثة و ثلث، و هو ثلث العشرة، فإذا جعلنا كلّ عشرة ثلاثة أسهم، صار عشرون و ثلاثة و ثلث سبعة أسهم، فتزيد قسمتها على الأربعة، و السبعة لا تنقسم على الأربعة، فتضرب سبعة في أربعة يكون ثمانية و عشرين، فالشيء ثلاثة أرباعها، و هي أحد و عشرون. فإذا عرفنا ذلك، رجعنا إلى الأصل و قلنا:

العشرون التي كانت قيمة القفيز صارت أربعة و عشرين، لأنّا ضربنا كلّ ثلاثةق.

ص: 31


1- كذا، و الظاهر: «إنّما» بدل «فيهما».
2- أضفناها لأجل السياق.

- و هي سهام العشرة - في أربعة، فصارت اثني عشر، فتكون العشرون أربعة و عشرين و قد صحّ البيع في أحد و عشرين، و ذلك سبعة أثمان أربعة و عشرين.

و إذا عرفنا ذلك و أردنا التصحيح من غير كسر، جعلنا القفيز الجيّد ستّة عشر، و القفيز الرديء ثمانية، و قلنا: صحّ البيع في سبعة أثمان الجيّد - و هي أربعة عشر - بسبعة أثمان الرديء، و هي سبعة، فتكون المحاباة سبعة، و يبقى في يد بائع الجيّد [تسعة](1): سهمان بقيا عنده، و سبعة أخذها عوضا، و يحصل في يد الآخر خمسة عشر، لأنّه أخذ أربعة عشر و كان قد بقي في يده سهم، فلمّا تقايلا نفذت الإقالة في عشرة - و هي خمسة أثمان القفيز الجيّد - بخمسة أثمان القفيز الرديء و هي خمسة، فقد أعطى عشرة و أخذ خمسة، فالمحاباة بخمسة. و الحاصل من ذلك كلّه: المستقرّ في يد الأوّل أربعة عشر مثلا محاباته سبعة، و في يد الثاني عشرة مثلا محاباته خمسة.

و لو كانت المسألة بحالها و القفيز الجيّد يساوي ثلاثين، فنقول: صحّ البيع في شيء منه، و رجع إليه من الثمن مثل ثلث ذلك الشيء، فبقي في يده ثلاثون إلاّ ثلثي شيء، و في يد الآخر عشرة و ثلثا شيء، فإذا تقايلا، أخذنا ثلث عشرة و ثلثي شيء، و ذلك ثلاثة دراهم و ثلث و تسعا شيء يضمّ إلى مال الأوّل، فيصير ثلاثة و ثلاثين و ثلثا إلاّ أربعة أتساع شيء، و هو مثلا المحاباة، و هي ثلثا شيء، فيكون مثل شيء و ثلث شيء، فإذا جبرنا و قابلنا، صار ثلاثة و ثلاثون و ثلث مثل شيء و سبعة أتساع شيء، فعلمنا أنّق.

ص: 32


1- بدل ما بين المعقوفين في «س، ي» و الطبعة الحجريّة: «منه». و الظاهر ما أثبتناه بقرينة السياق.

ثلاثة و ثلاثين و ثلثا يجب أن تقسّم على شيء و سبعة أتساع شيء، فيبسط هذا المبلغ أتساعا يكون ستّة عشر الشيء منه تسعة، و العدد المذكور لا ينقسم على ستّة عشر، فنصحّح السهام بأن نجعل كلّ عشرة ثلاثة، لأنّ الزائد على الثلاثين ثلاثة و ثلث، و ذلك ثلث العشرة، فإذا فعلنا ذلك، صارت ثلاثة و ثلاثون و ثلث عشرة أسهم يحتاج إلى قسمتهما على ستّة عشر، و عشرة لا تنقسم على ستّة عشر، لكن بينهما توافق بالنصف، فنضرب جميع أحدهما في نصف الآخر يكون ثمانين، فنرجع إلى الأصل و نقول:

الثلاثون التي كانت قيمة القفيز صارت اثنين و سبعين، و الشيء كان تسعة من ستّة عشر صار مضروبا في نصف العشرة، و هو خمسة صارت خمسة و أربعين، و ذلك خمسة أثمان اثنين و سبعين، فعرفنا صحّة البيع في خمسة أثمان القفيز الجيّد.

فإن أردنا التصحيح على الاختصار من غير كسر، جعل القفيز الجيّد أربعة و عشرين ليكون للقفيز الرديء - الذي هو ثلثه - ثمن صحيح، فنقول:

صحّ البيع في خمسة أثمان الجيّد - و هي خمسة عشر - بخمسة أثمان الرديء، و هي خمسة، فتكون المحاباة بعشرة، و يبقى في يد بائع الجيّد أربعة عشر: تسعة بقيت عنده، و خمسة أخذها عوضا، و يحصل في يد الآخر ثمانية عشر، لأنّه أخذ خمسة عشر، و كان قد بقي عنده ثلاثة، فلمّا تقايلا نفذت الإقالة في تسعة، و هي ثلاثة أثمان الجيّد بثلاثة أثمان الرديء، و هي ثلاثة، فقد أعطى تسعة و أخذ ثلاثة تكون المحاباة بستّة، و يستقرّ في يد الأوّل عشرون: تسعة أخذها بحكم الإقالة، و أحد عشر هي التي بقيت عنده من أربعة عشر بعد ردّ الثلاثة، و ذلك مثلا محاباته عشرة، و في يد الثاني اثنا عشر: ثلاثة أخذها بحكم الإقالة، و تسعة بقيت عنده من ثمانية

ص: 33

عشر بعد ردّ التسعة، و ذلك مثلا محاباته.

و هنا طريقة سهلة المأخذ مبنيّة على أصول ظاهرة:

منها: أنّ القفيز الجيّد في هذه المسائل يعتبر بالأثمان، فيقدّر ثمانية أسهم، و ينسب الرديّ إليه باعتبار الأثمان.

و منها: أنّ محاباة صاحب الجيّد لا تبلغ أربعة أثمان أبدا و لا تنقص عن ثلاثة أثمان أبدا، بل تكون بينهما، فإذا أردت أن تعرف قدرها، فانسب القفيز الرديء إلى الجيّد، و خذ مثل تلك النسبة من الثمن الرابع.

و إذا أردت أن تعرف ما يصحّ البيع فيه من القفيز، فانسب الرديء إلى المحاباة في الأصل و زد مثل تلك النسبة على التبرّع، فالمبلغ هو الذي يصحّ فيه البيع.

و إذا أردت أن تعرف ما يصحّ فيه تبرّع المقيل، فانظر إلى تبرّع بائع الجيّد و اضربه في ثلاثة أبدا و قابل الحاصل من الضرب بالقفيز الجيّد، فما زاد على القفيز فهو تبرّعه.

فإن أردت أن تعرف ما صحّت فيه الإقالة، فزد على تبرّعه بمثل نسبة زيادتك على تبرّع صاحبه، فالمبلغ هو الذي صحّت الإقالة فيه.

مثاله في الصورة الأولى: نقول: القفيز الجيّد ثمانية و الرديء أربعة، فالرديء نصف الجيّد، فالتبرّع في ثلاثة أثمان و نصف ثمن، و إذا نسبنا الرديء إلى أصل المحاباة، وجدناه مثله، لأنّ المحاباة عشرة من عشرين، فنزيد على المتبرّع مثله يبلغ سبعة أثمان، فهو الذي صحّ البيع فيه.

فإذا أردنا أن نعرف تبرّع المقيل، ضربنا تبرّع الأوّل في ثلاثة يكون عشرة و نصفا، و زيادة هذا المبلغ على الثمانية اثنان و نصف، فعرفنا أنّ تبرّعه في ثمنين و نصف.

ص: 34

فإذا أردنا أن نعرف ما تصحّ فيه الإقالة، زدنا على الثمنين و النصف مثله يكون خمسة أثمان.

و لا يخفى تخريج الصورة الأخرى و نحوها على هذه الطريقة.

مسألة 562: إذا جمع في صفقة واحدة بين شيئين،

فإمّا أن يكون في عقد واحد، و قد تقدّم(1) حكمه. و إمّا أن يكون في عقدين مختلفي الحكم، كما إذا جمع في صفقة واحدة بين إجارة و سلم، أو نكاح و بيع، أو إجارة و بيع.

و هو عندنا جائز، للأصل، و قوله تعالى أَوْفُوا بِالْعُقُودِ (2).

و لأنّهما عقدان يصحّان منفردين، فجاز جمعهما في عقد واحد، كما لو تماثلا، و يقسّط المسمّى على اجرة المثل و ثمن المثل، أو مهر المثل و ثمن المثل، و هو أصحّ قولي الشافعي(3).

و في الآخر: أنّ العقدين معا يبطلان، لأنّهما مختلفا الحكم، فإنّ الإجارة و السّلم يختلفان(4) في أسباب الفسخ و الانفساخ. و كذا النكاح و البيع، و الإجارة و البيع يختلفان في الحكم أيضا، فإنّ التأقيت يشترط في الإجارة و يبطل البيع، و كمال القبض في الإجارة لا يتحقّق إلاّ بانقضاء المدّة، لأنّه قبل ذلك معرض للانفساخ، بخلاف البيع، و إذا اختلفت الأحكام، فربما يعرض ما يوجب فسخ أحدهما، فيحتاج إلى التوزيع، و تلزم الجهالة(5).

ص: 35


1- في ص 5، المسألة 550.
2- المائدة: 1.
3- العزيز شرح الوجيز 156:4، روضة الطالبين 96:3.
4- في «ي» و الطبعة الحجريّة: مختلفان.
5- نفس المصدر في الهامش (3).

و هو غلط، فإنّ اختلاف الحكم لا أثر له، كما لو باع شقص دار و ثوبا، فإنّهما اختلفا في حكم الشفعة و احتجنا إلى التوزيع فيه(1).

و صورة الإجارة و السّلم أن يقول: آجرتك هذه الدار سنة، و بعتك العبد سلما بكذا. و الإجارة و البيع: أن يقول: بعتك هذا الثوب و آجرتك داري سنة بكذا. و النكاح و البيع: بعتك هذه الجارية و زوّجتك ابنتي بكذا.

و على قولي الشافعي ما إذا جمع بين [بيع](2) عين و سلم، أو بيع صرف و غيره بأن باع دينارا و ثوبا بدراهم، لاختلاف الحكم، فإنّ قبض رأس المال شرط في السّلم، و التقابض شرط في الصرف، و لا يشترط ذلك في سائر البيوع(3).

و لو قال: زوّجتك ابنتي و بعتك عبدها بكذا، فهو جمع بين بيع و نكاح، و لا خلاف في صحّة النكاح، أمّا البيع و المسمّى في النكاح فإنّهما عندنا صحيحان أيضا.

و للشافعي القولان: إن صحّ، وزّع المسمّى على قيمة المبيع و مهر مثل المرأة، و إلاّ وجب في النكاح مهر المثل عنده(4).

و لو جمع بين بيع و كتابة بأن قال لعبده: كاتبتك على نجمين، و بعتك عبدي بألف، صحّا عندنا.

و أمّا الشافعي: فإن حكم بالبطلان في صورة النكاح، فهنا أولى، و إلاّ فالبيع باطل، إذ ليس للسيّد البيع منه قبل أداء النجوم. و في الكتابة3.

ص: 36


1- كذا، و الظاهر: «بسببه» بدل «فيه».
2- إضافة من المصدر.
3- العزيز شرح الوجيز 156:4.
4- العزيز شرح الوجيز 157:4، روضة الطالبين 97:3.

قولان(1).

و قال بعض الشافعيّة: هذا لا يعدّ من صور تفريق الصفقة، لأنّا في قول نبطل العقدين جميعا، و في قول نصحّحهما جميعا، فلا تفريق(2).

مسألة 563: إنّما يثبت الخلاف لو اتّحدت الصفقة،

أمّا إذا تعدّدت، فلا، بل يصحّ الصحيح، و يبطل الباطل، فلو باع ماله في صفقة و مال غيره في أخرى، صحّت الأولى إجماعا، و يتعدّد العقد إذا عيّن لكلّ شيء ثمنا مفصّلا، فيقول: بعتك هذا بكذا، و هذا بكذا، فيقول المشتري: قبلت ذلك على التفصيل.

و لو جمع المشتري بينهما في القبول، فقال: قبلت فيهما، فكذلك - و به قال الشافعي(3) - لأنّ القبول ترتّب على الإيجاب، فإذا وقع مفرّقا، فكذا القبول.

و قال بعض الشافعيّة: إن لم نجوّز تفريق الصفقة، لم يجز الجمع في القبول(4).

و لو تعدّد البائع، تعدّدت الصفقة أيضا و إن اتّحد المشتري و المعقود عليه، كما لو باع اثنان عبدا من رجل صفقة واحدة، و به قال الشافعي(5).

و هل تتعدّد الصفقة بتعدّد المشتري خاصّة، كما لو اشترى اثنان عبدا من رجل ؟ المشهور عند علمائنا: عدم التعدّد، فليس لهما الافتراق في الردّ بالعيب و عدمه، لأنّ المشتري بأن على الإيجاب السابق، فالنظر إلى من صدر منه الإيجاب، و هو أحد قولي الشافعي. و أصحّهما عنده: التعدّد، كما

ص: 37


1- العزيز شرح الوجيز 157:4، روضة الطالبين 97:3.
2- العزيز شرح الوجيز 157:4.
3- العزيز شرح الوجيز 157:4، روضة الطالبين 98:3، المجموع 385:9.
4- العزيز شرح الوجيز 157:4، روضة الطالبين 98:3، المجموع 385:9.
5- العزيز شرح الوجيز 157:4، روضة الطالبين 98:3، المجموع 385:9.

في طرف البائع(1).

مسألة 564: من فوائد التعدّد و الاتّحاد:

أنّا إذا حكمنا بالتعدّد فوفّى أحد المشتريين نصيبه من الثمن، وجب على البائع تسليم قسطه من المبيع، كما يسلّم المشاع. و إن حكمنا بالاتّحاد، لم يجب تسليم شيء إلى أحدهما و إن وفّى جميع ما عليه حتى يوفي الآخر، لثبوت حقّ الحبس للبائع، كما لو اتّحد المشتري و وفّى بعض الثمن، لا يسلّم إليه قسطه من المبيع.

و فيه وجه للشافعيّة: أنّه يسلّم إليه قسطه إذا كان المبيع ممّا يقبل القسمة(2).

و منها: أنّا إذا قلنا بالتعدّد، فلو خاطب واحد رجلين، فقال: بعت منكما هذا العبد بألف، فقبل أحدهما نصفه بخمسمائة، ففي صحّته للشافعيّة وجهان: الصحّة، لأنّه في حكم صفقتين. و أصحّهما: البطلان، لأنّ الإيجاب وقع عليهما، و أنّه يقتضي جوابهما جميعا(3).

و يجري الوجهان فيما لو قال مالكا عبد لرجل: بعنا منك هذا العبد بألف، فقبل نصيب أحدهما بعينه بخمسمائة(4).

و لو باع رجلان عبدا مشتركا بينهما من إنسان، هل لأحدهما أن ينفرد بأخذ شيء من الثمن ؟ وجهان للشافعيّة، أحدهما: لا. و الثاني: نعم(5).

و الأوّل مذهبنا مع اتّحاد الصفقة.

مسألة 565: هل الاعتبار في الوحدة و التعدّد بالعاقد الوكيل أو المعقود له الموكّل،

كما لو وكّل رجلان رجلا بالبيع أو بالشراء و قلنا: إنّ الصفقة

ص: 38


1- العزيز شرح الوجيز 157:4، روضة الطالبين 98:3، المجموع 385:9.
2- العزيز شرح الوجيز 157:4، روضة الطالبين 98:3، المجموع 385:9.
3- العزيز شرح الوجيز 157:4، روضة الطالبين 98:3، المجموع 385:9.
4- العزيز شرح الوجيز 157:4، روضة الطالبين 98:3، المجموع 385:9.
5- العزيز شرح الوجيز 158:4.

تتعدّد بتعدّد المشتري، أو وكّل رجل رجلين بالبيع أو الشراء؟ فيه للشافعيّة وجوه:

أحدها: أنّ الاعتبار بالعاقد، لأنّ أحكام العقد تتعلّق به، و لهذا يعتبر رؤيته دون رؤية الموكّل، و خيار المجلس يتعلّق به دون الموكّل.

و الثاني: أنّ الاعتبار بالمعقود له، لأنّ الملك يثبت له.

و الثالث: أنّ الاعتبار في طرف البيع بالمعقود له، و في طرف الشراء بالعاقد.

و الفرق: أنّ العقد يتمّ في جانب الشراء بالمباشر دون المعقود له، و في جانب البيع لا يتمّ بالمباشر حتى لو أنكر المعقود له الإذن، بطل البيع.

و هذا الفرق إنّما يتمّ فيما إذا كان الشراء بثمن في الذمّة، أمّا إذا وكّله في الشراء بمعيّن، فهو كالوكيل بالبيع.

و الرابع: أنّ الاعتبار في جانب الشراء بالموكّل، و في البيع بهما جميعا، فأيّهما تعدّد تعدّد العقد، لأنّ العقد يتعدّد بتعدّد الموكّل في حقّ الشفيع، و لا يتعدّد بتعدّد الوكيل حتى لو اشترى الواحد شقصا لاثنين، كان للشفيع أن يأخذ حصّة أحدهما، و بالعكس لو اشترى وكيلان شقصا لواحد، لم يجز للشفيع أخذ بعضه، و في جانب البيع حكم تعدّد الوكيل و الموكّل واحد حتى لو باع وكيل رجلين شقصا من رجل، ليس للشفيع أخذ بعضه، و إذا ثبت ما ذكرناه في حكم الشفعة، فكذا في سائر الأحكام(1).

و يتفرّع على هذه الوجوه فروع:

أ - لو اشترى شيئا بوكالة رجلين، فخرج معيبا، و قلنا: الاعتبار6.

ص: 39


1- العزيز شرح الوجيز 158:4-159، روضة الطالبين 98:3-99، المجموع 385:9-386.

بالعاقد، فليس لأحد الموكّلين ردّ نصيبه خاصّة، كما لو اشترى و مات عن ابنين و خرج معيبا، لم يكن لأحدهما ردّ نصيبه خاصّة.

و هل لأحد الموكّلين و الابنين أخذ الأرش ؟ أمّا عندنا: فنعم.

و أمّا عند الشافعي: فكذلك إن وقع اليأس عن ردّ الآخر بأن رضي به. و إن لم يقع، فكذلك على أصحّ الوجهين(1).

ب - لو وكّلا واحدا ببيع عبد لهما، أو وكّل أحد الشريكين صاحبه، فباع الكلّ ثمّ ظهر عيب، فعلى الأوّل لا يجوز للمشتري ردّ نصيب أحدهما. و على الوجوه الباقية يجوز.

و لو وكّل رجل اثنين ببيع عبده، فباعاه من رجل، فعلى الأوّل يجوز للمشتري ردّ نصيب أحدهما. و على الوجوه الباقية لا يجوز.

و لو وكّلا رجلا بشراء عبد أو وكّل رجل رجلا بشراء عبد له و لنفسه، ففعل و ظهر العيب، فعلى الأوّل و الثالث ليس لأحد الموكّلين إفراد نصيبه بالردّ. و على الثاني و الرابع يجوز.

و قال القفّال: إنّه إن علم البائع أنّه يشتري لاثنين، فلأحدهما ردّ نصيبه، لرضا البائع بالتبعيض. و إن جهله البائع، فلا(2). و لا بأس به عندي.

ج - لو وكّل اثنان رجلا ببيع عبد، و رجلان رجلا بشرائه، فتبايع الوكيلان و خرج معيبا، فعلى الأوّل لا يجوز التفريق. و على الوجوه الباقية يجوز.

و لو وكّل رجل رجلين ببيع عبد و رجل رجلين بشرائه، و تبايع الوكلاء، فعلى الأوّل يجوز التفريق، و لا يجوز على الوجوه الباقية.9.

ص: 40


1- العزيز شرح الوجيز 159:4، روضة الطالبين 99:3، المجموع 386:9.
2- العزيز شرح الوجيز 159:4، روضة الطالبين 99:3، المجموع 386:9.

المقصد السادس: فيما يندرج في المبيع

اشارة

و ضابطه الاقتصار على ما يتناوله اللفظ لغة و عرفا.

و الألفاظ التي تمسّ الحاجة إليها ستّة تشتمل عليها مباحث ستّة:

الأوّل: الأرض.
مسألة 566: إذا قال: بعتك هذه الأرض أو العرصة أو الساحة أو البقعة،

تناول اللفظ ما دلّ عليه حقيقة، و هو نفس الأرض، فلو كان فيها ما هو متّصل بها كالأشجار و الأبنية، أو منفصل كالأمتعة و شبهها، لم يدخل.

و لا خلاف في الثاني إلاّ فيما يستثنى من المفتاح و شبهه، و إنّما اختلفوا في الأوّل.

فإذا قال: بعتك هذه الأرض دون ما فيها من البناء و الشجر، لم يدخلا إجماعا.

و إن قال: بعتكها بما فيها أو بما اشتملت عليه حدودها، دخلا قطعا.

و إن أطلق، لم تدخل عندنا، لخروجها عن مسمّى الأرض.

و قال الشافعي هنا: إنّه يدخل في البيع. و قال في الرهن: إذا قال:

رهنتك هذه الأرض، و لم يقل: بحقوقها، لم يدخل الشجر و البناء في الرهن(1).

ص: 41


1- المهذّب - للشيرازي - 285:1، التهذيب - للبغوي - 375:3، الوسيط 169:3، الحاوي الكبير 176:5، حلية العلماء 196:4-197، العزيز شرح الوجيز 328:4، روضة الطالبين 194:3، المغني 215:4، الشرح الكبير 203:4.

و اختلف أصحابه على طرق ثلاثة:

أحدها: أنّ البناء و الغراس لا يدخل في بيع الأرض إذا كان مطلقا، و كذلك في الرهن، و الذي قال هنا أراد به إذا قال: بحقوقها، لأنّ الأرض اسم لا يتناول البناء و الشجر، و هما ينفردان عنها في البيع، فلم يدخلا في البيع باسم الأرض.

الثاني: أنّ جوابه مختلف، و لا فرق بين البيع و الرهن، فتكون المسألتان على قولين، أحدهما: لا يدخل فيهما البناء و الشجر. و الثاني:

يدخلان، لأنّهما للدوام و الثبات في الأرض، فأشبهت أجزاء الأرض، و لهذا يلحق بها في الأخذ بالشفعة.

الثالث: الفرق بين البيع و الرهن، فإنّ البيع يزيل الملك، فهو أقوى من الرهن الذي لا يزيله. و يفيد البيع ملك ما يحدث في الأرض من الشجر، بخلاف الرهن، فليستتبع البيع البناء و الشجر، و لهذا كان النماء الحادث في الأصل المبيع للمشتري، و لم يكن النماء الحادث في الأصل المرهون مرهونا. و هذا الثالث عندهم أوضح الطرق(1).

لا يقال: لو باع النخل، لم تدخل فيه الثمرة و إن كانت متّصلة.

لأنّا نقول: الثمرة لا تراد للبقاء، فليست من حقوقها، بخلاف البناء و الشجر.3.

ص: 42


1- المهذّب - للشيرازي - 285:1، التهذيب - للبغوي - 375:3، الوسيط 3: 169، حلية العلماء 197:4، الحاوي الكبير 177:5، العزيز شرح الوجيز 4: 328-329، روضة الطالبين 194:3-195، المغني 215:4، الشرح الكبير 4: 203.

و الوجه ما قلناه أوّلا.

مسألة 567: لو قال: بعتك هذه الأرض بحقوقها، ففي دخول البناء و الشجر إشكال

عندي أقربه: عدم الدخول، لأنّ ذلك ليس من حقوق الأرض، بل حقوقها الممرّ و مجرى الماء و أشباه ذلك.

و قال الشيخ رحمه اللّه: يدخل(1). و به قال الشافعي(2).

و حكى الجويني في وجه أنّه لا يدخل(3) ، كما قلناه.

و قد روى محمد بن الحسن الصفّار عن العسكري عليه السّلام في رجل اشترى من رجل أرضا بحدودها الأربعة فيها زرع و نخل و غيرهما من الشجر، و لم يذكر النخل و لا الزرع و لا الشجر في كتابه، و ذكر فيه أنّه قد اشتراها بجميع حقوقها الداخلة فيها و الخارجة عنها أ تدخل النخل و الأشجار و الزرع في حقوق الأرض أم لا؟ فوقّع عليه السّلام «إذا ابتاع الأرض بحدودها و ما أغلق عليه بابها فله جميع ما فيها»(4).

و هذا الخبر صحيح لا ريب فيه، إنّما المشكل صورة النزاع، فإنّه فرق بين أن يبيع الأرض بحقوقها و هو المتنازع، و بين أن يبيعها بما أغلق(5) عليه بابها الذي هو الجواب، فإنّ الشجر و البناء و الزرع و البذر و أصل البقل تدخل في الصورة الثانية.

و كذا لو قال: بعتك الأرض بما فيها أو ما اشتملت عليه حدودها.

مسألة 568: الزرع قسمان:

ص: 43


1- المبسوط - للطوسي - 105:2، الخلاف 82:3، المسألة 132.
2- المهذّب - للشيرازي - 285:1، التهذيب - للبغوي - 375:3، العزيز شرح الوجيز 328:4، روضة الطالبين 194:3.
3- العزيز شرح الوجيز 328:4.
4- التهذيب 138:7، 613.
5- في الطبعة الحجريّة: «يغلق».

أ - ما لا تتعدّد فائدته و ثمرته، بل توجد(1) مرّة واحدة، كالحنطة و الشعير و الدخن و غيرها. و هذا لا يدخل في الأرض لو قال: بعتك هذه الأرض، لأنّه ليس للدوام و الثبات، فكان كالأمتعة في الدار.

و كذا لا يدخل في الأرض الجزر الثابت و لا الفجل و لا السلق و لا الثوم، كالحنطة و الشعير، و به قال الشافعي(2).

أمّا لو قال: بعتك هذه الأرض بحقوقها، فإنّ هذا القسم من الزرع لا يدخل عندنا، لأنّ الثابت المستمرّ - كالبناء و الغرس - لا يدخل، فغيره أولى بعدم الدخول، و به قال الشافعي(3).

ب - ما تتعدّد فائدته و توجد(4) ثمرته مرّة بعد أخرى في سنتين و أكثر، كالقطن و الباذنجان و النرجس و البنفسج، و لا تدخل في الأرض أصولها عندنا و إن قال: بحقوقها.

و للشافعي قولان كالأشجار(5).

و أمّا الظاهر من ثمارها عند العقد فهو للبائع.

و في النرجس و البنفسج وجه للشافعيّة: أنّهما من قبيل الزرع لا يدخلان(6).

و أمّا ما يجزّ مرارا كالقتّ و القصب و الهندباء و الكرّاث و النعناع و الكرفس و الطرخون فلا تدخل في الأرض عندنا و إن قال: بحقوقها، لا ما ظهر منها و لا أصولها.3.

ص: 44


1- الظاهر: «تؤخذ» بدل «توجد».
2- الحاوي الكبير 185:5، التهذيب - للبغوي - 376:3، العزيز شرح الوجيز 4: 329، روضة الطالبين 195:3.
3- العزيز شرح الوجيز 329:4، روضة الطالبين 196:3.
4- الظاهر: «تؤخذ» بدل «توجد».
5- العزيز شرح الوجيز 330:4، روضة الطالبين 196:3.
6- العزيز شرح الوجيز 330:4، روضة الطالبين 196:3.

و قال الشافعي: لا تدخل الجزّة الظاهرة عند البيع، بل هي للبائع، و في دخول الأصول الخلاف(1).

و عند بعضهم أنّها تدخل قطعا في بيع الأرض، لأنّها كامنة فيها بمنزلة أجزائها(2).

و بالجملة، كلّ زرع لا يدخل في البيع لا يدخل و إن قال: بعت الأرض بحقوقها عند الشافعي(3).

مسألة 569: إذا باع الأرض و فيها زرع، كان البيع صحيحا،

عملا بالأصل، كما لو باع دارا مشغولة بأمتعة البائع، و به قال الشافعي(4).

و قال أبو إسحاق من الشافعيّة: إنّ للشافعي فيها قولين، كما لو باع العين المستأجرة، فإنّ فيها قولين باعتبار استثناء المنفعة، و المعتدّة إذا استحقّت السكنى في الدار، لم يجز بيعها عندهم قولا واحدا(5).

و أنكر باقي أصحاب الشافعي عليه، و فرّقوا بينهما، لأنّ بقاء الزرع في الأرض لا يحول بين يدي المشتري و بين الأرض، و إنّما للبائع ترك الزرع و الدخول للحاجة إلى ذلك، بخلاف المستأجر و المعتدّة، فإنّ يدهما حائلة، و فرق بينهما، و لهذا لو زوّج أمته و باعها، يصحّ البيع قولا واحدا، لأنّ يد الزوج ليست حائلة، و إنّما ينتفع ببعض منافعها.

قالوا: و لو كان الأمر على ما قاله أبو إسحاق، لكان البيع هنا باطلا قولا واحدا، لأنّ مدّة إكمال الزرع مجهولة(6).

ص: 45


1- العزيز شرح الوجيز 330:4، روضة الطالبين 196:3.
2- العزيز شرح الوجيز 330:4، روضة الطالبين 196:3.
3- العزيز شرح الوجيز 329:4، روضة الطالبين 196:3.
4- الوجيز 148:1، العزيز شرح الوجيز 329:4، روضة الطالبين 195:3.
5- لم نعثر عليه فيما بين أيدينا من المصادر.
6- لم نعثر عليه فيما بين أيدينا من المصادر.
مسألة 570: إذا ثبت أنّ البيع صحيح، و أنّ الزرع للبائع،

فإنّ له تبقيته إلى أوان الحصاد بغير اجرة عليه في المدّة - و به قال الشافعي(1) - لأنّ تبقية الزرع مستثناة من بيعه، فكأنّه باع العين دون المنفعة.

و قال أبو حنيفة: ليس له ذلك، لأنّه بالبيع ملك المشتري المنافع(2).

و هو ممنوع.

إذا ثبت هذا، فإنّه إذا حضر وقت الحصاد، أمر بالقطع و تفريغ الأرض، و عليه تسويتها و قلع العروق التي يضرّ بقاؤها بالأرض، كعروق الذرّة، كما لو كان في الدار دابّة لا يتّسع لها الباب، فإنّها تنقض، و على البائع ضمانه.

و لو قطع البائع الزرع قبل أوان حصاده، لم يكن له الانتفاع بالأرض، و كانت المنفعة للمشتري، لأنّه إنّما استحقّ تبقية هذا الزرع قضاء للعادة بالتبقية، و لئلاّ يتضرّر بقطعه، و هذه الضرورة قد زالت، فإذا أزاله، لم يكن له الانتفاع بمكانه، كما لو باع دارا فيها قماش له، فإنّ عليه نقله بمجرى العادة، فإن جمع الحمّالين و نقله في ساعة واحدة، لم يكن له حبس الدار إلى أن يمضي زمان العادة في النقل و التفريغ، كذا هنا.

و إذا ترك الزرع حتى استحصد، وجب عليه نقله بحسب الإمكان، فإن أراد تبقيته، لأنّه أنفع له، لم يترك، فإذا حصده، فإن بقي له أصول لا تضرّ بالأرض، لم يكن عليه نقلها، و إلاّ وجب.

مسألة 571: إذا كان المشتري جاهلا بالزرع

بأن تقدّمت رؤيته للأرض قبل البيع و قبل الزرع، ثمّ باعها بعده، كان له الخيار في فسخ البيع، لنقص

ص: 46


1- حلية العلماء 207:4، العزيز شرح الوجيز 330:4، روضة الطالبين 196:3.
2- حلية العلماء 207:4، العزيز شرح الوجيز 330:4.

المبيع عادة، و عدم تمكّنه من الانتفاع به عقيب العقد و هو مقتضاه. و إن شاء أجاز البيع مجّانا بغير أرش و لا اجرة.

و إن كان عالما، لزمه البيع، و سقط خياره، كعالم العيب قبل البيع.

و إذا خلّى البائع بينه و بين الأرض المشغولة بزرعه، كان إقباضا له.

و هل يدخل في ضمان المشتري بذلك ؟ الأقرب: ذلك و إن تعذّر انتفاعه بها، لشغل الزرع المتقدّم - و هو أظهر قولي الشافعيّة(1) - لحصول التسليم في الرقبة، و هي المبيعة.

و الثاني: لا يدخل في ضمان المشتري، لأنّها مشغولة بملك البائع، كما ذكرنا فيما إذا كانت الدار مشحونة بأمتعة البائع(2).

و المعتمد: الأوّل، و الفرق أنّ التفريغ في الأمتعة متأتّ في الحال، على أن الجويني أورد فيها وجها(3) أيضا.

مسألة 572: إذا كان في الأرض أصول لما يجزّ مرّة بعد اخرى،

فقد قلنا: إنّها لا تدخل في بيع الأرض.

و قال الشافعي: تدخل. فعلى قوله يشترط المشتري على البائع قطع الجزّة الظاهرة، لأنّها تزيد، و يشتبه المبيع بغيره(4).

و كذا عندنا لو شرط دخول أصولها في العقد.

و لا فرق بين أن يكون ما ظهر بالغا أوان الجزّ أو لا يكون.

قال بعض الشافعيّة: إلاّ القصب، فإنّه لا يكلّف قطعه إلاّ أن يكون ما ظهر قدرا ينتفع به. و لو كان في الأرض أشجار خلاف تقطع من وجه

ص: 47


1- العزيز شرح الوجيز 329:4، روضة الطالبين 195:3.
2- العزيز شرح الوجيز 329:4، روضة الطالبين 195:3.
3- العزيز شرح الوجيز 329:4.
4- العزيز شرح الوجيز 330:4، روضة الطالبين 196:3.

الأرض، فهي كالقصب(1).

مسألة 573: لو كان في الأرض بذر كامن لم يظهر،

لم يدخل في بيع الأرض و إن قال: بحقوقها، على ما تقدّم.

و قال الشافعيّ هنا بالتفصيل الذي ذكره في الزرع، فالبذر(2) الذي لا ثبات لنباته و يؤخذ(3) دفعة واحدة لا يدخل في بيع الأرض المبيعة، و يبقى إلى أوان الحصاد، و للمشتري الخيار مع جهله، فإن تركه البائع له، سقطه خياره، و عليه القبول، قاله الشافعي(4).

و عندي فيه إشكال.

و لو قال البائع: أنا آخذه و أفرغ الأرض، فلا خيار للمشتري أيضا إن قصر الزمان، و إلاّ فله الخيار.

و أمّا البذر الذي يدوم(5) نباته، كنوى النخل و الجوز و اللوز و بذر الكرّاث و نحوه من البقول فإنّ حكمها في الدخول تحت بيع الأرض حكم الأشجار، لأنّ هذه الأصول تركت في الأرض للتبقية، فهي كأصول الشجر إذا غرست(6).

و الحقّ ما قلناه نحن من عدم الدخول في القسمين، عملا بالأصل،

ص: 48


1- العزيز شرح الوجيز 330:4، روضة الطالبين 196:3.
2- في «س» و الطبعة الحجريّة: «فالقدر» بدل «فالبذر». و الكلمتان ساقطتان في «ي» و الظاهر ما أثبتناه لأجل السياق و كما هو في المصدر أيضا.
3- في «س، ي» و الطبعة الحجريّة: «يوجد» بدل «يؤخذ». و الظاهر ما أثبتناه و كما هو في المصدر أيضا.
4- العزيز شرح الوجيز 330:4، روضة الطالبين 196:3-197.
5- في «س، ي» و الطبعة الحجريّة: «تقدّم» بدل «يدوم». و الصحيح ما أثبتناه كما هو في المصدر أيضا.
6- العزيز شرح الوجيز 330:4، روضة الطالبين 197:3.

و استصحاب ملك البائع.

مسألة 574: إذا باع أرضا و فيها حجارة، فإمّا أن تكون مخلوقة فيها أو لا.

فإن كانت مخلوقة، دخلت في بيع الأرض مع الإطلاق، لأنّها من جملة الأرض.

ثمّ إن كانت مضرّة بالغراس و تمنع عروقه من النفوذ، فإن كان المشتري عالما بذلك، فلا خيار له. و إن لم يكن عالما، ثبت له الخيار، لأنّ ذلك عيب، و به قال الشافعي(1).

و فيه وجه(2) آخر له: أنّه ليس بعيب، و إنّما هو فوات فضيلة(3).

و إن لم تضرّ بالأرض و لا بالشجر بأن تكون بعيدة من وجه الأرض لا تصل إليها عروق الشجر، فلا خيار للمشتري، لأنّ ذلك ليس بعيب.

و أمّا إن لم تكن مخلوقة في الأرض، فإمّا أن تكون مبنيّة فيها مدرجة في البناء، فإنّها أيضا تدخل في الأرض إن قلنا بدخول البناء، أو اشترط دخوله. و إمّا أن تكون مودعة فيها مدفونة للنقل [فإنّها] لم تدخل في البيع - و به قال الشافعي(4) - لأنّها بمنزلة الكنوز و الأقمشة في الدار و قد تركت في الأرض للنقل و التحويل.

و إذا كانت للبائع عند الإطلاق، فإمّا أن يكون المشتري عالما بالحال من كونها في الأرض و ضررها، أو جاهلا.

فإن كان عالما، فلا خيار له في فسخ العقد و إن تضرّر بقلع البائع،

ص: 49


1- العزيز شرح الوجيز 331:4، روضة الطالبين 197:3.
2- في الطبعة الحجريّة: «و في وجه».
3- العزيز شرح الوجيز 331:4، روضة الطالبين 197:3.
4- العزيز شرح الوجيز 331:4، روضة الطالبين 197:3.

و له إجبار البائع على القلع و النقل تفريغا لملكه، لأنّه لا عرف في تبقيتها، بخلاف الزرع، فإنّ له أمدا ينتظر.

و لا أجرة للمشتري في مدّة القلع و النقل و إن طالت، كما لو اشترى دارا فيها أقمشة و هو عالم بها، لا اجرة له في مدّة النقل و التفريغ.

و على البائع - إذا نقل - تسوية الأرض، لأنّ الحفر حصل بنقل ملكه من غير تعدّ من صاحب الأرض، فكان عليه تسويتها.

و إن كان جاهلا بالحجارة أو علمها و جهل ضررها، فالأحوال أربعة:

أ - أن لا يكون في ترك الحجارة و لا في قلعها ضرر، فإن لم يحوج النقل و تسوية الأرض إلى مدّة لمثلها اجرة و لم تنقص الأرض بها، فللبائع النقل، لأنّها ملكه، و عليه تسوية الأرض، و لا خيار للمشتري إن كان الزمان يسيرا. و إن كان كثيرا يضرّ بمنفعة الأرض، فله الخيار، فإن فسخ، فلا كلام. و إن أجاز، فهل له الأجرة ؟ وجهان.

و له إجبار البائع على النقل.

و حكى الجويني وجها أنّه لا يجبر، و الخيرة للبائع(1). و المذهب عندهم الأوّل(2).

ب - أن لا يكون في قلعها ضرر و يكون في تركها ضرر، فيؤمر البائع بالنقل، و لا خيار للمشتري، كما لو اشترى دارا فلحق سقفها خلل يسير يمكن تداركه في الحال، أو كانت البالوعة مفسدة، فقال البائع: أنا أصلحه و أنقيها، لا خيار للمشتري.

ج - أن يكون الترك و القلع معا مضرّين، فيتخيّر المشتري، سواء3.

ص: 50


1- العزيز شرح الوجيز 331:4، روضة الطالبين 197:3.
2- العزيز شرح الوجيز 331:4، روضة الطالبين 197:3.

جهل أصل الأحجار أو يكون قلعها مضرّا. و لا يسقط خياره بأن يترك البائع الأحجار، لما في بقائها من الضرر.

و لو قال البائع للمشتري: لا تفسخ و أنا أغرم لك اجرة المثل مدّة النقل، لم يسقط خياره أيضا، كما لو قال البائع: لا تفسخ بالعيب لأغرم لك أرشه، و هو أصحّ وجهي الشافعيّة. و الثاني: السقوط(1). و ليس بجيّد.

ثمّ إن اختار المشتري البيع، فعلى البائع النقل و تسوية الأرض، سواء كان النقل قبل القبض أو بعده.

و هل تجب اجرة المثل لمدّة النقل إن كان النقل قبل القبض ؟ قال الشافعي: يبنى على أنّ جناية البائع قبل القبض كآفة سماويّة أو كجناية الأجنبيّ؟ إن قلنا بالأوّل، لم تجب، لأنّ المبيع قبل القبض مضمون بالثمن، فلا يضمن البائع إلاّ ما يتقسّط عليه الثمن. و إن قلنا بالثاني، فهو كما لو نقل بعد القبض(2).

و إن كان النقل بعد القبض، فوجهان للشافعيّة: عدم الوجوب، لأنّ إجازته رضا بتلف المنفعة في مدّة النقل. و أصحّهما عند أكثرهم: أنّها تجب، لأنّ البيع قد استقرّ و المنافع مضمونة على المتلف، كضمان أجزائه على المتلف و إن كان البائع، و كما لو جنى على المبيع بعد القبض، عليه ضمانه.

و الحاصل أنّ في وجوب الأجرة ثلاثة أوجه، ثالثها - و هو الأظهر عندهم -: الفرق بين أن يكون(3) النقل قبل القبض، فلا تجب، أو بعده».

ص: 51


1- العزيز شرح الوجيز 331:4، روضة الطالبين 198:3.
2- التهذيب - للبغوي - 378:3، العزيز شرح الوجيز 332:4، روضة الطالبين 3: 198.
3- في الطبعة الحجريّة: «بين كون».

فتجب(1).

و يجري مثل هذا الخلاف في وجوب الأرش لو بقي في الأرض بعد التسوية نقصان و عيب(2).

د - أن يكون في قلعها ضرر و لا يكون في تركها ضرر، فللمشتري الخيار، فإن أجاز، ففي الأجرة و الأرش ما مرّ. و لا يسقط خياره بأن يقول:

أقلع و أغرم الأجرة أو أرش النقص. و لو رضي بترك الأحجار في الأرض، سقط خيار المشتري إبقاء للعقد.

ثمّ ينظر في الترك، فإن اقتصر البائع على قوله: تركتها للمشتري، كان ذلك إعراضا لا تمليكا - و هو أظهر وجهي الشافعيّة(3) - فتكون باقية على ملك البائع، و الترك أفاد قطع الخصومة.

فإن أراد الرجوع، فله ذلك - و به قال أكثر الشافعيّة(4) - و يعود خيار المشتري.

و قال الجويني: لا رجوع له، و يلزمه الوفاء بالترك(5).

و الثاني للشافعيّة: أنّه تمليك ليكون سقوط الخيار في مقابلة ملك حاصل(6).

و لو قال: وهبتها منك و حصلت شرائط الهبة، حصل الملك. و منهم من طرّد الخلاف، لأنّه لا يقصد حقيقة الهبة، إنّما قصد دفع الفسخ.

و إن لم تجمع شرائط الهبة، بطلت.

و للشافعيّة في صحّتها للضرورة وجهان، إن صحّحناها، ففي إفادة3.

ص: 52


1- العزيز شرح الوجيز 332:4، روضة الطالبين 198:3.
2- العزيز شرح الوجيز 332:4، روضة الطالبين 198:3.
3- العزيز شرح الوجيز 332:4، روضة الطالبين 198:3.
4- العزيز شرح الوجيز 332:4، روضة الطالبين 198:3.
5- العزيز شرح الوجيز 332:4، روضة الطالبين 198:3-199.
6- العزيز شرح الوجيز 332:4، روضة الطالبين 198:3.

الملك ما ذكرنا في لفظ الترك(1).

هذا كلّه إذا كانت الأرض بيضاء، أمّا إذا كان فيها غرس، نظر إن كانت حاصلة يوم البيع و اشتراها مع الأرض، فنقصان الأشجار و تعيّبها بالأحجار كعيب(2) الأرض في إثبات الخيار و سائر الأحكام.

و إن أحدثها المشتري بعد الشراء، فإن كان قد أحدثها عالما بالأحجار، فللبائع قلعها، و ليس عليه ضمان نقصان الغراس.

و إن أحدثها جاهلا، فله الأرش عندنا، لأنّه عيب تعقّبه تصرّف المشتري، فسقط ردّه.

و للشافعيّة في ثبوت الخيار للمشتري وجهان: الثبوت، لأنّ الضرر ناش من إيداعه الأحجار في الأرض. و الأصحّ عندهم: عدمه، لرجوع الضرر إلى غير المبيع(3).

فإن كانت الأرض تنقص بالأحجار أيضا، نظر فإن لم يورث الغرس و قلع الغروس نقصانا في الأرض، فله القلع و الفسخ عند الشافعي(4) لا عندنا.

و إن أورث الغرس أو القلع نقصانا، فلا خيار في الفسخ، إذ لا يجوز له ردّ المبيع ناقصا، و لكن يأخذ الأرش.

و إذا قلع البائع الأحجار فانتقص الغراس، فعليه أرش النقص بلا خلاف.

و لو كان فوق الأحجار زرع إمّا للبائع أو للمشتري، ترك إلى أوان3.

ص: 53


1- العزيز شرح الوجيز 332:4، روضة الطالبين 199:3.
2- كذا، و الظاهر: «كتعيّب».
3- العزيز شرح الوجيز 332:4، روضة الطالبين 199:3.
4- العزيز شرح الوجيز 332:4، روضة الطالبين 199:3.

الحصاد، لأنّ له غاية منتظرة، بخلاف الغراس، و هو قول بعض الشافعيّة(1).

و قال بعضهم: لا فرق بينه و بين الغراس(2).

تذنيب: إنّما وجب على البائع و الغاصب تسوية الحفر إذا حفر في الأرض المغصوبة، و لم يوجبوا على هادم الجدار أن يعيده، بل أوجبوا الأرش، لأنّ [طمّ](3) الحفر لا يتفاوت، و هيئات البناء تختلف و تتفاوت، فيشبه(4) [طمّ](5) الحفر بذوات الأمثال، و الهدم بذوات القيم حتى لو رفع لبنة أو اثنتين(6) من رأس الجدار و أمكن الردّ من غير اختلاف في الهيئة، لزمه الردّ إلى تلك الهيئة.

البحث الثاني: في البستان.

إذا قال: بعتك هذا الباغ أو البستان، دخل فيه الأرض و الأشجار و الحائط الدائر عليه، لأنّ لفظ «البستان» يدلّ على مجموع هذه الأشياء بالمطابقة، لتبادر الذهن إليه.

و لو كان فيه بناء - كبيت أو دار - ففي دخوله في البستان ما مرّ في لفظة «الأرض» فعندنا لا يدخل. و عند الشافعي قولان(7).

ص: 54


1- التهذيب - للبغوي - 379:3، العزيز شرح الوجيز 333:4، روضة الطالبين 199:3.
2- العزيز شرح الوجيز 333:4، روضة الطالبين 199:3.
3- ما بين المعقوفين أضفناه لأجل السياق.
4- في «س، ي»: «فشبه».
5- ما بين المعقوفين أضفناه لأجل السياق.
6- في «س، ي» و الطبعة الحجريّة: «حتى لو وقع لبنة أو اثنتان». و ما أثبتناه يقتضيه السياق.
7- الحاوي الكبير 179:5، الوجيز 148:1، العزيز شرح الوجيز 334:4، الوسيط 173:3، روضة الطالبين 200:3.

و هل يدخل العريش الذي توضع عليه القضبان ؟ الظاهر عند الجويني(1) دخوله.

و الأقرب عندي: عدم الدخول.

قالت الشافعيّة: لفظ «الكرم» كلفظ «البستان»(2).

و ليس جيّدا، فإنّ العادة و العرف و الاستعمال تقتضي عدم دخول الحائط في مسمّى الكرم، و دخوله في البستان.

و لو قال: هذه الدار بستان، دخلت الأبنية و الأشجار معا.

و لو قال: هذا الحائط بستان، أو هذه المحوطة، دخل الحائط المحيط و ما فيه من الأشجار، و أمّا البناء ففيه(3) ما سبق، كذا قال بعض الشافعيّة(4).

و لا يظهر فرق بين الأبنية و الأشجار في المحوطة، فإمّا أن يدخلا معا أو يخرجا معا.

و يدخل المجاز و الشرب في لفظ «البستان» و «الباغ» و إن لم يقل:

«بحقوقه» على إشكال.

البحث الثالث: في القرية.

إذا قال: بعتك هذه القرية أو الدسكرة، دخل في المبيع الأبنية

ص: 55


1- العزيز شرح الوجيز 334:4، روضة الطالبين 200:3.
2- الوسيط 173:3، العزيز شرح الوجيز 334:4، روضة الطالبين 200:3.
3- في «س، ي» و الطبعة الحجريّة: «و أمّا الشافعيّة» بدل «و أمّا البناء ففيه». و الصحيح ما أثبتناه.
4- التهذيب - للبغوي - 376:3، العزيز شرح الوجيز 334:4، روضة الطالبين 3: 200.

و الساحات الداخلة في السور و سور المحيط بها، لأنّ القرية اسم لذلك، لأنّها مأخوذة من الجمع.

و لا تدخل المزارع فيها - و به قال الشافعي(1) - لأنّه لو حلف أن لا يدخل القرية، لم يحنث بدخول المزارع.

و لو قال: بعتكها بحقوقها، لم تدخل أيضا، لأنّها ليست من حقوق القرية، فلا بدّ من النصّ على المزارع، و به قال أكثر الشافعيّة(2).

و قال بعضهم: إنّها تدخل(3). و بعضهم قال: إن قال: بحقوقها، دخلت، و إلاّ فلا(4).

و كلاهما ضعيف.

أمّا الأشجار التي في وسط القرية فإنّها على الخلاف السابق فيما لو باع أرضا و فيها شجر.

و الأولى عندي عدم دخولها في القرية.

و قال بعض الشافعيّة: إنّها تدخل في لفظ القرية، و لا تدخل في لفظ الأرض(5).

و قال الشافعي: إذا قال: بحقوقها، دخلت الأشجار قولا واحدا(6).3.

ص: 56


1- الحاوي الكبير 179:5، الوسيط 174:3، التهذيب - للبغوي - 376:3، العزيز شرح الوجيز 335:4، روضة الطالبين 200:3، منهاج الطالبين: 106.
2- التهذيب - للبغوي - 376:3، العزيز شرح الوجيز 335:4، روضة الطالبين 3: 200.
3- العزيز شرح الوجيز 335:4، روضة الطالبين 200:3.
4- فتح العزيز بهامش المجموع 31:9، روضة الطالبين 200:3، و في العزيز شرح الوجيز 335:4 قد سقط بعض القول فلاحظ.
5- العزيز شرح الوجيز 334:4.
6- أنظر: العزيز شرح الوجيز 334:4، و روضة الطالبين 200:3.

و تدخل فيها البيوت و حيطانها و السقوف و الطرق المسلوكة فيها.

و لو وجدت قرينة تدلّ على إرادة المزارع، دخلت، و إلاّ فلا، كما لو ساومه على القرية و مزارعها و اتّفقا على ثمن معيّن ثمّ اشترى القرية بذلك الثمن، فإنّ المزارع تدخل هنا، للقرينة الدالّة على الدخول.

و كذا لو بذل ثمنا لا يصلح إلاّ للجميع، دخلت، عملا بشاهد الحال.

البحث الرابع: الدار.
مسألة 575: إذا قال: بعتك هذه الدار، دخل في المبيع الأرض

و الأبنية على تنوّعها حتى الحمّام المعدود من مرافقها، لتناول اسم الدار لذلك كلّه.

و عن الشافعي أنّ الحمّام لا يدخل(1).

و حمله أصحابه على حمّامات الحجاز، و هي بيوت من خشب تنقل(2).

و لو كان في وسطها أشجار، لم تدخل عندنا.

و قال الشافعي: إن قال: بحقوقها، دخلت قطعا. و إن أطلق، فعلى الطرق المذكورة في لفظ الأرض(3).

و نقل الجويني في دخولها ثلاثة أوجه، ثالثها: الفرق بين أن تكثر بحيث يجوز تسمية الدار بستانا، فلا تدخل في لفظ الدار، و بين أن لا تكون كذلك فتدخل(4).

ص: 57


1- العزيز شرح الوجيز 335:4، روضة الطالبين 200:3.
2- العزيز شرح الوجيز 335:4، روضة الطالبين 200:3.
3- العزيز شرح الوجيز 335:4 و 328، روضة الطالبين 200:3 و 194.
4- العزيز شرح الوجيز 335:4، روضة الطالبين 200:3-201.
مسألة 576: الآلات التي في الدار على أقسام ثلاثة:

أ - المنقولات، كالدلو و البكرة و الرشا و المجارف(1) و السّرر و الرفوف الموضوعة على الأوتاد من غير تسمّر و السلالم التي لم تسمّر و لم تطيّن و الأقفال و الكنوز و الدفائن.

و هذه لا تدخل في البيع، و به قال الشافعي(2).

و أمّا المفاتيح للأغلاق المثبتة فالأقرب: دخولها - و هو أصحّ وجهي الشافعيّة(3) - لأنّها من توابع المغلاق المثبت.

و الآخر: لا تدخل كسائر المنقولات(4).

و كذا الأقرب في ألواح الدكاكين الموضوعة في أبوابها الدخول، لأنّها أبواب لها، فأشبه الباب المثبت.

و يحتمل عدم الدخول، لأنّها تنقل و تحوّل، فكانت كالفرش.

و للشافعيّة وجهان(5).

ب - ما أثبت في الدار تتمّة لها ليدوم فيها و يبقى، كالسقوف

ص: 58


1- في الطبعة الحجريّة: «المخارق». و في «س، ي»: «المخارف». و الظاهر ما أثبتناه.
2- المهذّب - للشيرازي - 285:1، الحاوي الكبير 179:5، التهذيب - للبغوي - 379:3 و 380، العزيز شرح الوجيز 335:4، روضة الطالبين 201:3.
3- المهذّب - للشيرازي - 285:1، التهذيب - للبغوي - 380:3، العزيز شرح الوجيز 335:4، روضة الطالبين 201:3.
4- المهذّب - للشيرازي - 285:1، التهذيب - للبغوي - 380:3، العزيز شرح الوجيز 335:4، روضة الطالبين 201:3.
5- الحاوي الكبير 180:5، التهذيب - للبغوي - 380:3، العزيز شرح الوجيز 4: 335، روضة الطالبين 201:3.

و الأبواب المنصوبة و ما عليها من التعاليق(1) و الحلق و السلاسل و الضباب(2).

و هذه تدخل في البيع، لأنّها معدودة من أجزاء الدار.

ج - ما أثبت على غير هذا الوجه، كالرفوف و الدنان و الإجّانات المثبتة و السلالم المسمّرة و الأوتاد المثبتة في الأرض و الجدران و التحتاني من حجري الرحى و خشب القصّار و معجن الخبّاز.

و الأقرب: عدم الدخول، لأنّها ليست من أجزاء الدار، و إنّما أثبتت لسهولة الارتفاق بها كيلا تتزعزع و تتحرّك عند الاستعمال.

و للشافعي في الفوقاني من حجري الرحى وجهان إن أدخلنا التحتاني، و الأصحّ: الدخول عندهم(3).

و قطع الجويني بدخول الحجرين في بيع الطاحونة، و بدخول الإجّانات المثبتة إذا باع باسم المدبغة(4).

مسألة 577: في دخول مسيل الماء في بيع الأرض و شربها من القناة و النهر المملوكين إشكال

أقربه: عدم الدخول، إلاّ أن يشترطها و يقول:

«بحقوقها».

و عن بعض الشافعيّة أنّه لا يكفي ذكر الحقوق(5).

ص: 59


1- الظاهر: «المغاليق» بدل «التعاليق».
2- في «س، ي»: «الضبّات». و في الطبعة الحجريّة: «و الضباط». و هو غلط، و الظاهر ما أثبتناه. و الضبّة: حديدة عريضة يضبّب بها الباب و الخشب. و الجمع: ضباب. لسان العرب 541:1 «ضبب».
3- المهذّب - للشيرازي - 285:1، حلية العلماء 179:4-180، التهذيب - للبغوي - 380:3، العزيز شرح الوجيز 335:4، روضة الطالبين 201:3.
4- العزيز شرح الوجيز 336:4، روضة الطالبين 201:3.
5- فتح العزيز بهامش المجموع 34:9، و في العزيز شرح الوجيز 336:4 قد سقط حرف «لا» في قوله: «لا يكفي»، روضة الطالبين 202:3.

و لا تدخل الحجارة المدفونة و لا الآجر المدفون، لأنّه مودع فيها، إلاّ أن تكون الحجارة و الآجر مثبتين فيها.

مسألة 578: إذا كان في الدار بئر الماء، دخلت في المبيع،

لأنّها من أجزاء الدار، و به قال الشافعي(1).

و أمّا الماء الحاصل في البئر فالأقرب دخوله.

و للشافعي وجهان:

أحدهما: أنّه مملوك لصاحب الدار، لأنّه نماء ملكه، فكان داخلا في ملكه كلبن الشاة، و به قال ابن أبي هريرة.

و الثاني: أنّه غير مملوك، لأنّه يجري تحت الأرض و يجيء إلى ملكه، فهو بمنزلة الماء يجري من النهر إلى ملكه لا يملكه بذلك. و لأنّه لو كان ملكا لصاحب الدار، لم يجز للمستأجر إتلافه، لأنّ الإجارة لا تستحقّ إتلاف الأعيان، فعلى هذا لو دخل داخل فاستقى ماء بغير إذن صاحب الدار، ملك الماء و إن كان متعدّيا بالدخول(2).

و إذا باع الماء الذي في البئر، لم يصحّ البيع على الوجهين عند الشافعي(3) ، لأنّه في أحد الوجهين لا يملك الماء، فلا يصحّ. و في الآخر:

يكون الماء مجهولا فيها، و لا يمكن تسليمه، لأنّه إلى أن يسلّمه يختلط به غيره، فإذا باع الدار، لم يدخل الماء في البيع المطلق على الوجهين.

ص: 60


1- التهذيب - للبغوي - 380:3، العزيز شرح الوجيز 336:4، روضة الطالبين 3: 202.
2- المهذّب - للشيرازي - 285:1، حلية العلماء 198:4، التهذيب - للبغوي - 3: 380، العزيز شرح الوجيز 336:4، و 239:6-240، روضة الطالبين 202:3، و 373:4، المغني 217:4، الشرح الكبير 203:4.
3- أنظر: العزيز شرح الوجيز 242:6، و روضة الطالبين 375:4.

و أمّا عندنا فإنّه يجوز بيعه منضمّا إلى الدار، و الجهالة لا تضرّ، لأنّها تابعة، كأساسات الحيطان.

و إن شرط دخول الماء في البيع، صحّ عندنا و عنده على قوله: إنّ الماء مملوك(1).

و أمّا العيون المستنبطة فإنّها مملوكة.

و هل يملك الذي فيها؟ أمّا عندنا: فنعم. و أمّا عند الشافعي:

فوجهان(2).

و لا يمكن بيع الماء الذي فيها منفردا، للجهالة. و يجوز بيع العين و جزء منها.

و أمّا المياه التي في الأنهار - كالفرات و دجلة و ما دونها من المياه في الجبال و العيون - فليست مملوكة، و من أخذ منها شيئا و حازه(3) ملكه، و جاز له بيعه.

و إذا جرى من هذه المياه شيء إلى ملك إنسان، لم يملكه بذلك، كما لو توحّل ظبي في أرضه أو نزل ثلج إلى ساحته.

و كذا إذا حفر نهرا فجرى الماء إليه من هذه الأنهار، لم يملكه بذلك، فيجوز لغيره الشرب منه.

أمّا لو حفر النهر و قصد بذلك إجراء الماء و كان النهر مملوكا له، فالأولى أنّه يملكه، لأنّه قد حازه(4) حيث أجراه في نهره، فكان كما لو أخذ في آنيته.ه.

ص: 61


1- العزيز شرح الوجيز 336:4، روضة الطالبين 202:3.
2- انظر: العزيز شرح الوجيز 240:6، و روضة الطالبين 373:4، و المغني 4: 217، و الشرح الكبير 203:4.
3- في الطبعة الحجريّة و «س، ي»: «أحازه». و الصحيح ما أثبتناه.
4- في الطبعة الحجريّة و «س، ي»: «أحازه». و الصحيح ما أثبتناه.
مسألة 579: لو كان في الأرض أو الدار معدن ظاهر

- كالنفط و الملح و الغاز و الكبريت - فهو كالماء هل يملكه صاحب الأرض ؟ للشافعيّة وجهان(1).

و عندنا أنّه مملوك له إذا كان في ملكه.

و إن كان باطنا كالذهب و الفضّة و غيرهما من الجامدات، فهي مملوكة تتبع الأرض في الملك و في البيع، لأنّها جزء منها - و به قال الشافعي(2) - إلاّ أنّه لا يجوز بيع معدن الذهب بالذهب.

و لو بيع بالفضّة، جاز عندنا، و عنده قولان(3) سبقا في الجمع بين البيع و الصرف.

مسألة 580: لو باع دارا في طريق غير نافذ، دخل حريمها في البيع و طريقها.

و في دخول الأشجار فيه ما سبق. و إن كانت في طريق نافذ، لم يدخل الحريم و الأشجار في البيع، بل لا حريم لمثل هذه الدار، قاله الشافعي(4).

مسألة 581: لو باع دارا، دخل فيها الأعلى و الأسفل،

لأنّ اسم الدار يشملهما، إلاّ أن تشهد العادة باستقلال الأعلى بالسكنى، فلا يدخل. و كذا الخان.

ص: 62


1- المهذّب - للشيرازي - 285:1، حلية العلماء 199:4، التهذيب - للبغوي - 3: 380، العزيز شرح الوجيز 336:4، روضة الطالبين 202:3.
2- المهذّب - للشيرازي - 285:1، التهذيب - للبغوي - 380:3، العزيز شرح الوجيز 336:4، روضة الطالبين 202:3.
3- العزيز شرح الوجيز 336:4، روضة الطالبين 202:3.
4- التهذيب - للبغوي - 380:3-381، العزيز شرح الوجيز 337:4، روضة الطالبين 202:3-203.
البحث الخامس: العبد.
مسألة 582: إذا باع عبده أو أمته، لم يتناول العقد مال العبد

إن كان له مال و قلنا: إنّه يملك بالتمليك، اقتصارا على ما يتناوله اللفظ و إبقاء لغيره على أصله.

و لو شرط البائع المال لنفسه، فلا بحث في أنّه له، لأنّ ملك العبد ناقص، و للمولى انتزاعه منه دائما.

و إن باعه مع المال، فإن قلنا: إنّه لا يملك ما ملّكه مولاه، اعتبر فيه شرائط البيع، فلو كان مجهولا، لم يصح. و كذا لو كان دينا و الثمن دين، أو كان ذهبا و الثمن منه.

و لو كان ذهبا و الثمن فضّة أو بالعكس، جاز عندنا.

و للشافعي قولان(1).

و إن قلنا: إنّه يملك، انتقل المال إلى المشتري مع العبد، و لا تضرّ الجهالة عند الشافعي(2) ، لأنّ المال هنا تابع و جهالة التابع محتملة كجهالة الأساسات و الحمل و اللبن و حقوق الدار، بخلاف الأصل، فإنّه لا يحتمل الجهالة.

و قال بعض الشافعيّة: إنّ المال ليس بمبيع لا أصلا و لا تبعا و لكن شرطه للمبتاع تبقية له على العبد كما كان، فللمشتري انتزاعه، كما كان للبائع الانتزاع، فلو كان المال ربويّا و الثمن من جنسه، فلا بأس. و على الأوّل لا يجوز ذلك، و لا يحتمل الربا في التابع كما في الأصل(3).

ص: 63


1- العزيز شرح الوجيز 337:4، روضة الطالبين 203:3.
2- العزيز شرح الوجيز 337:4، روضة الطالبين 203:3.
3- العزيز شرح الوجيز 337:4، روضة الطالبين 203:3.

و التحقيق أن نقول: إن باعه العبد و ماله بحيث كان المال جزءا من المبيع، شرط فيه ما شرط في المبيع. و إن باعه العبد و شرط له المال، كان المال للمشتري، و اشترط فيه شرائط البيع.

مسألة 583: الأقرب: عدم دخول الثياب التي للعبد في بيعه،

اقتصارا على ما تناوله حقيقة اللفظ، كالسرج لا يدخل في بيع الدابّة، و هو أحد وجهي الشافعيّة. و في الثاني: تدخل، و فيه وجهان:

أحدهما: أنّ ما عليه من الثياب يدخل اعتبارا بالعرف، و به قال أبو حنيفة(1).

و لا بأس بهذا القول عندي، و هو الذي اخترناه في كتاب القواعد(2).

و الثاني: يدخل ساتر العورة دون غيره(3).

و لا وجه له، لأنّ العرف يقضي بالثاني و اللغة بالأوّل، فهذا لا اعتبار به.

و لو جرّده من الثياب و باعه، لم تدخل قطعا.

و كذا البحث في عذار الدابّة و مفقودها.

و يدخل نعلها، لأنّه متّصل بها، فصار كالجزء منها.

مسألة 584: و لا يدخل حمل الجارية و لا الدابّة في بيعهما إلاّ مع الشرط،

و لا ثمرة شيء من الأشجار إلاّ النخل إذا لم يؤبّر. و لو شرط خلاف ذلك، جاز. و قد تقدّم(4) البحث في هذا كلّه.

ص: 64


1- الحاوي الكبير 181:5، التهذيب - للبغوي - 468:3، العزيز شرح الوجيز 337:4-338، روضة الطالبين 203:3.
2- قواعد الأحكام 85:2.
3- الحاوي الكبير 181:5، التهذيب - للبغوي - 468:3، العزيز شرح الوجيز 337:4-338، روضة الطالبين 203:3.
4- في ج 10 ص 275 و 315-316 و 384، المسائل 125 و 140 و 183.
البحث السادس: الشجر.
مسألة 585: إذا باع شجرة، دخل أغصانها في البيع،

لأنّها معدودة من أجزائها.

أمّا الغصن اليابس فالأقرب: دخوله، و لهذا يحنث لو حلف لا يمسّ جزءا منها، فلمسه. و القطع لا يخرجه عن الجزئيّة، و الدخول في مسمّى الشجرة كالصوف على الغنم.

و للشافعيّة وجهان، هذا أحدهما. و الثاني: أنّه لا يدخل، لأنّ العادة فيه القطع، كما في الثمار(1).

و لو كانت الشجرة يابسة، دخلت أغصانها اليابسة قطعا.

و تدخل العروق أيضا في مسمّى الشجرة، لأنّها جزء منها. و كذا الأوراق، لأنّها جزء من الشجرة.

و في أوراق التوت، الخارجة(2) في زمن الربيع نظر ينشأ: من أنّها كثمار سائر الأشجار، فلا تدخل. و من أنّها جزء من الشجرة(3) فتدخل، كما في غير الربيع. و هو الأقوى عندي.

و للشافعيّة وجهان(4).

و كذا شجر النبق يدخل فيه ورقه.

ص: 65


1- التهذيب - للبغوي - 370:3، العزيز شرح الوجيز 338:4، روضة الطالبين 3: 204.
2- في «س، ي» و الطبعة الحجريّة: «و في ورق التوت الخارج». و ما أثبتناه يقتضيه السياق.
3- في الطبعة الحجريّة: «الشجر».
4- راجع المصادر في الهامش 1.

و للشافعيّة طريقان، هذا(1) أحدهما، كأوراق سائر الأشجار. و الثاني:

عدم الدخول، لأنّها تلتقط ليغسل بها الرأس(2).

مسألة 586: لو باع شجرة يابسة نابتة،

فعلى المشتري تفريغ الأرض منها. و لو(3) شرط إبقاءها، فإن عيّن المدّة، صحّ. و إن أبهم، بطل، إذ لا حدّ لها ينتهي إليه.

و أطلق الشافعي البطلان لو شرط الإبقاء، كما لو اشترى الثمرة بعد التأبير، و شرط عدم القطع عند الجذاذ(4). و الفرق ظاهر.

و لو باعها بشرط القطع أو القلع، جاز.

و تدخل العروق في البيع عند شرط القلع، و لا تدخل عند شرط القطع، بل تقطع عن وجه الأرض.

و هل له الحفر إلى أن يصل إلى منبت العروق ؟ إشكال.

مسألة 587: لو باع شجرة رطبة بشرط الإبقاء أو بشرط القلع،

اتّبع الشرط، فإن أطلق، فالأقرب أنّه يجب الإبقاء، تبعا للعادة، كما لو اشترى ما يستحقّ إبقاءه.

و لا يدخل المغرس في البيع عندنا، لأنّ اسم الشجرة لا يتناوله، و هو أحد قولي الشافعي. و في الثاني: أنّه يدخل - و به قال أبو حنيفة - لأنّه يستحقّ منفعة المغرس لا إلى غاية، و ذلك لا يكون إلاّ على سبيل الملك، و لا وجه لتملّكه إلاّ دخوله في البيع(5).

ص: 66


1- في الطبعة الحجريّة: «و هذا».
2- العزيز شرح الوجيز 338:4، روضة الطالبين 204:3.
3- في «س، ي»: «فلو».
4- العزيز شرح الوجيز 339:4، روضة الطالبين 204:3.
5- العزيز شرح الوجيز 339:4، روضة الطالبين 204:3، منهاج الطالبين: 106.

و المقدّمتان ممنوعتان، لأنّ الغاية انتهاء حياة الشجرة و قد يستحقّ غير المالك المنفعة لا إلى غاية، كما لو أعار جداره ليضع غيره الجذع عليه.

فعلى الأوّل - الذي اخترناه - لو انقلعت الشجرة أو قلعها المالك، لم يكن له أن يغرس بدلها، و ليس له أن يبيع المغرس، و على الثاني له أن يغرس بدلها و يبيع المغرس.

و كذا لو باع بستانا و استثنى منه البائع نخلة.

و لو اشترى النخلة أو الشجرة بحقوقها، لم يدخل المغرس، بل الإبقاء، و ليس له الإبقاء في المغرس ميّته إلاّ أن يستخلف عوضا من فراخها المشترطة.

مسألة 588: لو باع شجرة أو نخلة و لها فراخ،

لم تدخل الفراخ في النخلة و الشجرة، لأنّها خارجة عن المسمّى، فلا يتناولها العقد إلاّ مع الشرط.

و لو تجدّدت الفراخ بعد البيع، فهي لمشتري النخلة. و لا يستحقّ المشتري إبقاءها في الأرض إلاّ مع الشرط، فإن لم يشرط، كان له قلعها عن أرضه عند صلاحية الأخذ لا قبله، كما في الزرع، و يرجع في ذلك إلى العادة.

و لو اشترى النخلة بحقوقها، لم تدخل الفراخ.

و لو استثنى شجرة أو نخلة من البستان الذي باعه، أو اشترى نخلة أو شجرة من جملة البستان الذي للبائع، كان له الممرّ إليها و المخرج منها و مدّ(1) جرائدها من الأرض.

ص: 67


1- في «س»: «مدى» بدل «مدّ».

و لو انقلعت، لم يكن له غرس اخرى، سواء كان مشتريا للنخلة أو بائعا لها، إلاّ أن يستثني الأرض.

مسألة 589: لو باع النخل و عليه ثمرة ظاهرة،

فإن كانت مؤبّرة، فهي للبائع إجماعا، إلاّ أن يشترطها المشتري، فتكون له، عملا بمفهوم قوله عليه السّلام: «المؤمنون عند شروطهم»(1).

و إن لم تكن مؤبّرة، فهي للمشتري، إلاّ أن يشترطها البائع، فتكون له.

و مع الإطلاق للمشتري عندنا - و به قال الشافعي و مالك و أحمد بن حنبل(2) - لما رواه العامّة أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال: «من باع نخلا بعد أن تؤبّر فثمرتها للبائع إلاّ أن يشترط المبتاع»(3).

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السّلام: «من باع نخلا قد لقح فالثمرة للبائع إلاّ أن يشترطها(4) المبتاع، قضى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بذلك»(5).

و عن الصادق عليه السّلام قال: «قال أمير المؤمنين عليه السّلام: من باع نخلا قد أبّره فثمره للذي باع إلاّ أن يشترط المبتاع» ثمّ قال: «إنّ عليّا عليه السّلام قال:

ص: 68


1- التهذيب 371:7، 1503، الاستبصار 232:3، 835، الجامع لأحكام القرآن 6: 33.
2- الوسيط 177:3، حلية العلماء 201:4، التهذيب - للبغوي - 367:3، العزيز شرح الوجيز 340:4، روضة الطالبين 205:3، المنتقى - للباجي - 215:4، التفريع 146:2، الذخيرة 157:5، مختصر اختلاف العلماء 95:3، 1173، المغني و الشرح الكبير 206:4.
3- سنن البيهقي 297:5، معرفة السنن و الآثار 68:8، 11147.
4- في المصدر: «يشترط».
5- الكافي 177:5، 12، التهذيب 87:7، 369.

قضى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بذلك»(1).

و هو يدلّ على أنّ النخل إذا لم تؤبّر، تكون الثمرة للمشتري، لأنّه عليه السّلام جعل الإبار حدّا لملك البائع، و هو يدلّ على أنّه جعل ما قبله حدّا لملك المشتري. و لأنّها قبل التأبير كالجزء من النخلة لا يعلم حالها من صحّة الثمرة و فسادها.

و قال ابن أبي ليلى: إنّها للمشتري بكلّ حال، لأنّها متّصلة بالأصل اتّصال الخلقة، فكانت تابعة له، كالأغصان(2).

و نمنع المساواة، فإنّ الغصن يطلب بقاؤه، بخلاف الثمرة، و هو جزء من النخلة داخل في اسمها، بخلاف الثمرة. و لأنّه نماء كامن لظهوره غاية، فلم يتبع أصله بعد ظهوره، كالحمل.

و قال أبو حنيفة: تكون للبائع أبّرت أولا، لأنّه نماء جذاذ انتهى إليه الحدّ، فلم يتبع أصله، كالزرع(3).

و يبطل بأنّه نماء كامن لظهوره غاية، فكان تابعا لأصله قبل ظهوره، كالحمل عنده(4) ، و الزرع ليس من نماء الأرض و لا متّصلا بها، بل هو مودع فيها.

مسألة 590: النخل إمّا فحول أو إناث،

و أكثر المقصود من طلع

ص: 69


1- التهذيب 87:7، 370.
2- مختصر اختلاف العلماء 95:3، 1173، حلية العلماء 201:4، شرح السنّة - للبغوي - 77:5، المغني و الشرح الكبير 206:4.
3- مختصر اختلاف العلماء 95:3-96، 1173، الوسيط 178:3، حلية العلماء 201:4، شرح السنّة - للبغوي - 77:5، العزيز شرح الوجيز 340:4، المغني و الشرح الكبير 206:4.
4- الاستذكار 14:19، 27911 و 27912.

الفحول استصلاح ثمرة الإناث به.

و الذي يبدأ(1) أوّلا منها أكمة صغيرة ثمّ تكبر و تطول حتى تصير كآذان الحمار، فإذا كبرت تشقّقت فتظهر العناقيد في أوساطها فيذرّ فيها طلع الفحول ليكون الحاصل من رطبها أجود، فالتشقيق و ذرّ طلع الفحول فيها هو التأبير و التلقيح.

و لا فرق بين أن يؤبّرها الملقّح أو يؤبّرها اللواقح، فإذا كانت الفحول في ناحية الصبا فهبّ الصبا وقت التأبير فأبّرت الإناث برائحة طلع الفحول و كذا إذا تأبّرت من نفسها، الحكم في الجميع واحد، لظهور المقصود.

إذا ثبت هذا، فالتأبير إنّما يعتبر في إناث النخل لا فحولها، فلو باع فحولا بعد تشقيق طلعها، لم يندرج في البيع إجماعا. و كذا إن لم يتشقّق عندنا - و هو أضعف وجهي الشافعيّة(2) - عملا بالأصل، و عدم تناول اسم النخلة له، السالم عن معارضة نصّ التأبير، لأنّا قد بيّنّا أنّ جزءه ذرّ طلع الفحل فيه، و إنّما يتحقّق ذلك في الإناث. و لأنّ طلع الفحل يؤكل على هيئته، و يطلب لتلقيح الإناث به، و ليس له غاية منتظرة بعد ذلك، فكان ظهوره كظهور ثمرة لا قشر لها، بخلاف طلع الإناث.

و الثاني: الاندراج، كما في طلع الإناث(3). و ليس معتمدا.

مسألة 591: لو أبّر بعض النخلة، كان جميع طلعها للبائع،

و لا يشترط لبقاء الثمرة على ملكه تأبير جميع طلعها، لما فيه من العسر، و عدم

ص: 70


1- كذا، و الظاهر: «يبدو» بدل «يبدأ».
2- المهذّب - للشيرازي - 286:1، حلية العلماء 202:4، العزيز شرح الوجيز 340:4، روضة الطالبين 205:3.
3- المهذّب - للشيرازي - 286:1، حلية العلماء 202:4، العزيز شرح الوجيز 340:4، روضة الطالبين 205:3.

الضبط، و لأنّه يصدق عليه أنّه قد باع نخلا قد أبّر، فيدخل تحت نصّ أنّه للبائع، و كان غير المؤبّر تابعا للمؤبّر، و هو أولى من العكس، كما أنّ باطن الصبرة تبع لظاهرها في الرؤية. و لأنّ الباطن صائر إلى الظهور، بخلاف العكس.

و لو باع نخلات أبّر بعض نخلها و بعضه غير مؤبّر، فالوجه عندي: أنّ النخلة المؤبّرة ثمرتها للبائع، و غير المؤبّرة للمشتري، سواء كانت النخلات من نوع واحد أو من أنواع مختلفة، و سواء كانت في بستان واحد أو بساتين.

و قال الشافعي: إن كانت في بستان واحد و اتّحد النوع و باعها صفقة واحدة، فالحكم كما في النخلة الواحدة إذا أبّر بعض ثمرها دون بعض.

و إن أفرد ما لم يؤبّر طلعة، فوجهان:

أحدهما: أنّه يبقى للبائع أيضا، لدخول وقت التأبير، و الاكتفاء به عن نفس التأبير.

و أصحّهما عندهم: أنّه يكون للمشتري، لأنّه ليس في المبيع شيء مؤبّر حتى يجعل غير المؤبّر تبعا له، فيبقى تبعا للأصل.

و إن اختلف النوع، فوجهان:

أحدهما - و به قال ابن خيران -: أنّ غير المؤبّر يكون للمشتري، و المؤبّر للبائع، لأنّ لاختلاف النوع تأثيرا بيّنا في اختلاف [الأيدي](1) وقت التأبير.

و أصحّهما: أنّ الكلّ يبقى للبائع كما لو اتّحد النوع، دفعا لضرر».

ص: 71


1- ما بين المعقوفين من «العزيز شرح الوجيز».

اختلاف الأيدي و سوء المشاركة.

و إن كانت في بساتين، فحيث قلنا في البستان الواحد: إنّ كلّ واحد من المؤبّر و غير المؤبّر يفرد بحكمه، فهنا أولى. و حيث قلنا بأنّ غير المؤبّر يتبع المؤبّر، فهنا وجهان، أصحّهما: أنّ كلّ بستان يفرد بحكمه.

و الفرق أنّ لاختلاف البقاع تأثيرا في وقت التأبير، و أيضا فإنّه يلزم في البستان الواحد ضرر اختلاف الأيدي و سوء المشاركة. و لأنّ للخطّة الواحدة من التأثير في الجميع(1) ما ليس في الخطّتين، فإنّ خطّة المسجد تجمع بين المأموم و الإمام و إن اختلف البناء و تباعدت المسافة بينهما.

و لا فرق بين أن يكون البستانان متلاصقين أو متباعدين(2).

فروع:

أ - لو باع نخلة و بقيت الثمرة له ثمّ خرج طلع آخر من تلك النخلة أو من نخلة أخرى حيث يقتضي الحال اشتراكهما في الحكم - كما هو عند الشافعي - احتمل أن يكون الطلع الجديد للبائع أيضا، لأنّه من ثمرة العام، و لأنّه يصدق على تلك النخلة أنّها مؤبّرة. و أن يكون للمشتري، لأنّه نماء ملكه بعد البيع.

و للشافعيّة وجهان(3) كهذين.

ب - لو جمع في صفقة واحدة بين فحول النخل و إناثها، كان كما لو جمع بين نوعين من الإناث، عند الشافعيّة(4).

و الوجه: أنّ طلع الفحول للبائع، و طلع الإناث للمشتري إن لم يكن3.

ص: 72


1- في العزيز شرح الوجيز: «الجمع».
2- العزيز شرح الوجيز 342:4-343، روضة الطالبين 207:3.
3- العزيز شرح الوجيز 343:4، روضة الطالبين 208:3.
4- العزيز شرح الوجيز 343:4، روضة الطالبين 208:3.

مؤبّرا.

ج - لو تشقّق الطلع من قبل نفسه، فقد بيّنّا أنّه كما لو أبّره.

و للشافعيّة قولان، هذا أحدهما.

و قال بعضهم: لا يندرج تحت البيع و إن لم يؤبّر(1).

مسألة 592: غير النخل من الأشجار لا تدخل ثمارها في البيع

- للأصل - إذا كانت قد خرجت، سواء بدا صلاحها أو لا، و سواء كانت بارزة أو مستترة في كمام، و سواء تشقّق الكمام عنها أو لا. و كذا ورد ما يقصد ورده، سواء تفتّح أو لا، عند علمائنا. و كذا القطن و غيره.

و بالجملة، كلّ ما عدا النخل فإنّ ثمرته باقية على ملك البائع إذا كانت قد وجدت عند العقد، عملا بالأصل السالم عن معارضة النصّ، لتخصيصه بالنخل.

و قالت الشافعيّة: ما عدا النخل أقسام:

أوّلها: ما يقصد منه الورق، كشجر التوت. و قد سبق حكمه.

و شجر الحنّاء و نحوه يجوز أن يلحق بالتوت. و يجوز أن يقال: إذا ظهر [ورقه، فهي](2) للبائع بلا خلاف، لأنّه لا ثمر له سوى الورق، و للتوت ثمرة مأكولة.

و ثانيها: ما يقصد منها الورد، و هو ضربان:

أحدهما: ما يخرج في كمام ثمّ يتفتّح كالورد الأحمر، فإذا بيع أصله بعد خروجه و تفتّحه، فهو للبائع، كطلع النخل المؤبّر. فإن بيع بعد خروجه و قبل تفتّحه، فهو للمشتري، كالطلع قبل التأبير.

ص: 73


1- العزيز شرح الوجيز 343:4.
2- ما بين المعقوفين أضفناه من «العزيز شرح الوجيز» و «روضة الطالبين».

و قال بعضهم: إنّه يكون للبائع أيضا.

و الثاني: ما يخرج ورده ظاهرا، كالياسمين، فإن خرج ورده، فهو للبائع، و إلاّ فللمشتري.

و ثالثها: ما يقصد منه الثمرة، و هو ضربان:

أحدهما: ما تخرج ثمرته بارزة بلا قشر و لا كمام، كالتين، فهو كالياسمين، و الحق العنب بالتين و إن كان لكلّ حبّة منه قشر لطيف و يتشقّق و يخرج منها نور لطيف، لأنّ مثل ذلك موجود في ثمرة النخل بعد التأبير، و لا عبرة به.

و الثاني: ما [لا](1) يكون كذلك، و هو ضربان:

أحدهما: ما تخرج ثمرته في نور ثمّ يتناثر النّور فتبرز الثمرة بغير حائل، كالتفّاح و المشمش و الكمّثرى و أشباهها، فإن باع الأصل قبل انعقاد الثمرة، فإنها تنعقد على ملك المشتري و إن كان النّور قد خرج. و إن باعه بعد الانعقاد و تناثر النّور، فهي للبائع.

و إن باع بعد الانعقاد و قبل تناثر النّور، فوجهان:

أحدهما: أنّها للمشتري تنزيلا للاستتار بالنّور منزلة استتار ثمر الشجر بالكمام.

و الثاني: أنّها للبائع، تنزيلا لها منزلة استتارها بعد التأبير بالقشر الأبيض. و هو أرجح عند الكرخي.

و الثاني: ما يبقى له حائل على الثمرة المقصودة، و هو قسمان:

أحدهما: ما له قشر واحد، كالرمّان، فإذا بيع أصله و قد ظهر الرمّان».

ص: 74


1- ما بين المعقوفين من «العزيز شرح الوجيز».

بقشره، فهو للبائع، و لا اعتبار بقشره، لأنّ إبقاءه من مصلحته، و الذي لم يظهر يكون للمشتري.

و الثاني ما له قشران، كالجوز و اللوز و الفستق و الرانج(1) ، فإن باعها قبل خروجها، فإنّها تخرج على ملك المشتري. و إن باعها بعد الخروج، تبقى على ملك البائع، و لا يعتبر في ذلك تشقّق القشر الأعلى على أصحّ الوجهين. و الثاني: يعتبر.

و اعلم أنّ أشجار الضربين الأخيرين منها: ما تخرج ثمرته في قشره من غير نور، كالجوز و الفستق. و منها: ما تخرج في نور ثمّ يتناثر النّور عنه، كالرمّان و اللوز، و ما ذكرنا من الحكم فيما إذا بيع الأصل بعد تناثر النّور عنه، فإن بيع قبله، عاد الكلام السابق(2).

مسألة 593: القطن ضربان:

أحدهما: له ساق يبقى سنين، و يثمر كلّ سنة، و هو قطن الحجاز و الشام و البصرة.

و الثاني: ما لا يبقى أكثر من سنة واحدة.

[و في كليهما](3) لا يدخل الجوزق(4) الظاهر في بيع الأصل، سواء

ص: 75


1- الرانج: النارجيل، و هو جوز الهند. لسان العرب 284:2 «رنج». و في «س، ي» و الطبعة الحجريّة: «النارنج». و هو غلط. و الصحيح ما أثبتناه كما في المصدر أيضا.
2- العزيز شرح الوجيز 340:4-342، روضة الطالبين 205:3-207.
3- بدل ما بين المعقوفين في «س، ي» و الطبعة الحجريّة: «و كلاهما». و الظاهر ما أثبتناه.
4- في «س، ي» و الطبعة الحجريّة: «الجوز» و كذا في المواضع الآتية في هذه المسألة، و لم نعثر في اللغة على كلمة «الجوز» بهذا المعنى. و الصحيح ما أثبتناه.

تفتّح أو لا.

و قال الشافعي: القسم الأوّل كالنخل إن بيع الأصل قبل خروج الجوزق أو بعده قبل تشقّقه، فالحاصل للمشتري. و إن بيع بعد التشقّق، فهو للبائع. و الثاني كالزرع، فإن باعه قبل خروج الجوزق أو بعده قبل تكامل القطن، فلا بدّ من شرط القطع. ثمّ إن لم يتّفق القطع حتى خرج الجوزق، فهو للمشتري، لحدوثه من عين ملكه(1).

و قال بعضهم: إن باعه بعد تكامل القطن، فإن تشقّق الجوزق، صحّ البيع مطلقا، و دخل القطن في البيع، بخلاف الثمرة المؤبّرة، لا تدخل في بيع الشجرة، لأنّ الشجرة مقصودة لثمار سائر الأعوام، و لا مقصود هنا سوى الثمرة الموجودة. و إن لم يتشقّق، لم يجز البيع في أصحّ الوجهين، لأنّ المقصود مستور بما ليس من صلاحه، بخلاف الجوز و اللوز في القشر الأسفل(2).

مسألة 594: إذا باع الثمرة و لم يشترط القطع،

استحقّ المشتري الإبقاء إلى القطاف بمجرى العادة، فإن جرى عرف قوم بقطع الثمار، فالأقرب:

إلحاق العرف الخاصّ بالعامّ، و ذلك كما يوجد في البلاد الشديدة البرد كروم لا تنتهي ثمارها إلى الحلاوة و اعتاد أهلها قطع الحصرم.

إذا عرفت هذا، فالثمار يختلف زمان أخذها، فما يؤخذ في العادة بسرا يؤخذ إذا تناهت حلاوته، و ما يؤخذ رطبا إذا تناهى ترطيبه، و ليس له إلزامه بقطعه منصّفا، و ما يؤخذ تمرا إذا انتهى نشافه.

و كذا يرجع إلى العادة في ثمرة غير النخل من سائر الأشجار.

ص: 76


1- العزيز شرح الوجيز 342:4، روضة الطالبين 207:3.
2- العزيز شرح الوجيز 342:4، روضة الطالبين 207:3.

تذنيب: لو خيف على الأصل الضرر لو بقيت الثمرة، لم يجب القطع و إن كان الضرر كثيرا على إشكال.

مسألة 595: لو انتقل النخل بغير عقد البيع، لم يثبت هذا الحكم فيه،

بل الثمرة الظاهرة للناقل إذا وجدت قبل النقل، سواء كانت مؤبّرة أو غير مؤبّرة، عند علمائنا.

و لا فرق بين أن يكون العقد الناقل عقد معاوضة، كالنكاح و الإجارة و الصلح، أو غير عقد معاوضة، كما لو أصدقها نخلا فأثمر ثمّ طلّقها و قد ظهر طلع غير مؤبّر، فإنّه يرجع بنصف النخل دون الثمرة، للأصل المانع من نقل الملك عن صاحبه إلاّ بسبب شرعيّ، السالم عن معارضة البيع.

و قال الشافعي: إنّ عقود المعاوضات تتبع البيع، فلو أصدقها نخلا بعد الطلع و قبل التأبير أو جعله مال إجارة أو عوض صلح، دخلت الثمرة في العقد أيضا، قياسا على البيع(1).

و ليس بشيء، لأنّا نعارضه بقياس ما قبل التأبير على ما بعده.

و لو ملكها بغير عقد معاوضة، كما إذا أصدقها نخلا ثمّ طلّقها بعد الطلع و قبل التأبير، فإنّه يرجع بنصف النخل خاصّة دون الثمرة، لأنّ الزيادة المتّصلة لا تتبع في الطلاق فالثمرة أولى.

و لو باع نخلا فأثمر عند المشتري ثمّ أفلس بالثمن، رجع البائع بالنخل، و لم تتبعه الثمرة عندنا، لانتفاء موجبه، و هو عقد البيع.

و للشافعي قولان:

أحدهما: أنّها تتبع، لأنّ ملكه زال عن الأصل، فوجب أن تتبعه

ص: 77


1- نقله السبكي أيضا في تكملة المجموع 345:11.

الثمرة، كما لو زال بالبيع.

و الثاني: لا تتبعه، لأنّه رجع إليه بغير عقد معاوضة، فلم يتبعه الطلع، كما لو طلّق امرأته(1)(2).

و كذا لو وهب نخلة فيها طلع غير مؤبّر، لم يتبع الطلع الأصل، و كان باقيا على ملك الواهب، سواء كان بمعاوضة أو لا.

و للشافعي القولان(3) السابقان.

و لو رجع في الهبة بعد الطلع قبل التأبير، لم يدخل الطلع في الرجوع.

و للشافعي القولان(4).

و لو رهن نخلا قد أطلع قبل أن يؤبّر، لم يدخل في الرهن، اقتصارا على ما يتناوله اللفظ. و لأنّ الرهن لا يزيل الملك، فلا يستتبع الثمرة.

و هو جديد الشافعي. و قال في القديم: يدخل(5).

مسألة 596: لو كانت الثمرة مؤبّرة، فهي للبائع،

فإن تجدّدت أخرى في تلك النخلة، فهي له أيضا، و إن كان في غيرها، فللمشتري، فإن لم تتميّزا، فهما شريكان، فإن لم يعلما قدر ما لكلّ منهما، اصطلحا، و لا فسخ، لإمكان التسليم.

و كذا لو اشترى طعاما فامتزج بطعام البائع قبل القبض، و له الفسخ.

و لو باع أرضا و فيها زرع أو بذر، فهو للبائع، فإن شرطه المشتري

ص: 78


1- نقله السبكي أيضا في تكملة المجموع 345:11.
2- وردت العبارة في «س، ي» و الطبعة الحجريّة هكذا: «و لو باع نخلا فأثمرت.. و لم تتبعها الثمرة.. أنّه يتبع.. فوجب أن تتبعها الثمرة.. و الثاني: لا تتبعها..» و الصحيح ما أثبتناه.
3- كما في تكملة المجموع 345:11.
4- كما في تكملة المجموع 345:11.
5- كما في تكملة المجموع 345:11.

لنفسه، صحّ، و لا تضرّ الجهالة، لأنّه بائع.

و للبائع التبقية إلى حين الحصاد مجّانا. فإن قلعه ليزرع غيره، لم يكن له ذلك، سواء قصرت مدّة الثاني عن الأوّل أو لا.

و لو كان للزرع أصل ثابت يجزّ مرّة بعد اخرى، فعلى البائع تفريغ الأرض منه بعد الجزّة الأولى. و يحتمل الصبر حتى يستقلع.

و لا تدخل المعادن في البيع إلاّ مع الشرط.

و لو(1) لم يعلم بها البائع و قلنا بالدخول مع الإطلاق، تخيّر بين الفسخ و الإمضاء في الجميع.

و يدخل في الأرض البئر و العين و ماؤهما على ما قلناه.».

ص: 79


1- في الطبعة الحجريّة: «فلو».

ص: 80

المقصد السابع: في التحالف

اشارة

و مطالبه ثلاثة:

الأوّل: في سببه.
مسألة 597: إنّما يقع التحالف إذا اختلفا

و اشتمل كلام كلّ من المتبايعين على دعوى ينفيها صاحبه و لا بيّنة هناك، و ذلك مثل أن يدّعي أنّه باع عليه هذا العبد بألف، فيقول المشتري: ما بعتني العبد، بل بعتني هذه الجارية بألف، فكلّ واحد منهما مدّع لما ينكره الآخر، و كلّ منهما منكر لما يدّعيه الآخر، و المنكر يتوجّه(1) عليه اليمين، فيحلف كلّ منهما بيمينه(2) على نفي ما ادّعاه الآخر، فيحلف المشتري أنّه ما باعه هذا العبد، و يحلف البائع أنّه لم يبعه هذه الجارية، و يحكم ببطلان العقدين معا.

و لا فرق بين أن يكون الثمن معيّنا أو في الذمّة.

و قال الشافعي: إن كان الثمن معيّنا، تحالفا، كما لو اختلفا في جنس الثمن. و إن كان في الذمّة، فوجهان، أحدهما: أنّهما يتحالفان أيضا، كما لو كان معيّنا. و الثاني: أنّه لا تحالف، لأنّ المبيع مختلف فيه، و الثمن ليس بمعيّن حتى يربط به العقد(3).

مسألة 598: و لو قال الزوج: أصدقتك أباك،

فقالت: بل أمّي، حلف

ص: 81


1- في الطبعة الحجريّة: «لمّا يتوجّه».
2- في «س، ي»: «يمينه».
3- العزيز شرح الوجيز 376:4، روضة الطالبين 231:3.

كلّ واحد منهما(1) على نفي ما يدّعيه صاحبه، و لم يجمع أحدهما في اليمين بين النفي و الإثبات، و لا يتعلّق بيمينهما فسخ و لا انفساخ، بل يثبت مهر المثل.

و للشافعي قولان:

أحدهما: التحالف، فيجمع كلّ منهما في يمينه بين النفي و الإثبات.

و الآخر: لا تحالف، بل يحلف كلّ منهما على نفي ما يدّعيه الآخر، و لا يجمع بين النفي و الإثبات في يمينه، و لا يتعلّق بيمينهما فسخ و لا انفساخ(2).

مسألة 599: لو أقام مدّعي بيع العبد البيّنة على دعواه،

و أقام مشتري الجارية البيّنة على دعواه، فإن أمكن الجمع بينهما بأن يكون الثمن مطلقا غير معيّن و الزمان متعدّد، حكم بهما معا، و يثبت(3) العقدان، و لا يمين هنا.

و إن لم يمكن إمّا بأن يكون الثمن واحدا معيّنا، أو اتّحد الزمان بحيث لا يمكن الجمع بين العقدين، تعارضتا، و سيأتي حكم تعارض البيّنتين.

و قال الشافعي: إذا أقام كلّ منهما بيّنة على ما ذكره، سلّمت الجارية للمشتري، و أمّا العبد فقد أقرّ البائع ببيعه، و قامت البيّنة عليه، فإن كان في يد المشتري، أقرّ عنده. و إن كان في يد البائع، فوجهان:

ص: 82


1- في «س»: «حلف كلّ منهما».
2- العزيز شرح الوجيز 376:4.
3- في «س، ي»: «ثبت».

أحدهما: أنّه يسلّم إلى المشتري، و يجبر على قبوله.

و الثاني: لا يجبر، لأنّه ينكر ملكه فيه، فعلى هذا يقبضه الحاكم، و ينفق عليه من كسبه. و إن لم يكن له كسب و رأى الحظّ في بيعه و حفظ ثمنه، فعل(1).

مسألة 600: لو اختلفا في قدر الثمن خاصّة،

فقال البائع: بعتك هذا بمائة، فيقول المشتري: بخمسين، فإن كان لأحدهما بيّنة، قضي بها.

و إن أقام كلّ واحد منهما بيّنة على ما يقوله، سمعنا بيّنة من لا يكون القول قوله مع اليمين و عدم البيّنة.

و عند الشافعي تسمع البيّنتان معا من حيث إنّ كلّ واحد منهما مدّع.

و حينئذ قولان: إمّا التساقط، فكأنّه لا بيّنة، و إمّا التوقّف إلى ظهور الحال(2).

فإن لم يكن لواحد منهما بيّنة، قال أكثر علمائنا(3): إن كانت السلعة قائمة، فالقول قول البائع مع يمينه. و إن كانت تالفة، فالقول قول المشتري مع يمينه، لأنّ المشتري مع قيام السلعة يكون مدّعيا لتملّكها و انتقالها إليه بما ادّعاه من العوض، و البائع ينكره، و أمّا بعد التلف فالبائع يدّعي على المشتري مالا في ذمّته، و المشتري ينكره، فيقدّم قوله.

و لما روي عن الصادق عليه السّلام أنّه قال في الرجل يبيع الشيء فيقول المشتري: هو بكذا و كذا بأقلّ ممّا قال البائع، قال: «القول قول البائع مع

ص: 83


1- العزيز شرح الوجيز 376:4، روضة الطالبين 231:3.
2- العزيز شرح الوجيز 375:4-376، روضة الطالبين 230:3-231.
3- منهم: الشيخ الطوسي في الخلاف 147:3، المسألة 236، و المبسوط 2: 146، و النهاية و نكتها 142:2-144، و القاضي ابن البرّاج في جواهر الفقه: 57، المسألة 209.

يمينه إذا كان الشيء قائما بعينه»(1) و هو يدلّ بالمفهوم على أنّه إذا لم يكن قائما بعينه، يكون القول قول المشتري.

و قال بعض(2) علمائنا - و لا بأس به -: القول قول البائع إن كانت السلعة في يده، و قول المشتري إن كانت السلعة في يده.

و قال الشافعي: يتحالفان، سواء كانت السلعة قائمة أو تالفة - و به قال محمّد بن الحسن و أحمد في إحدى الروايتين - لما روى ابن مسعود أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال: «إذا اختلف المتبايعان فالقول قول البائع، و المبتاع بالخيار»(3) و معنى ذلك أنّ القول قوله مع يمينه، و المبتاع بالخيار إن شاء أخذ بما قال، و إن شاء حلف، و إنّما ذكر البائع، لأنّه يبدأ بيمينه.

و لأنّهما اختلفا في العقد القائم بينهما، و ليس معهما بيّنة، فتحالفا، كما لو كانت السلعة قائمة. و لأنّ البائع مدّع زيادة الثمن، و مدّعى عليه في تملّك السلعة بالأقلّ، و المشتري بالعكس، فكلّ منهما مدّع منكر(4).

و نمنع دلالة الخبر على المطلوب و العموم، إذ ليس كلّ اختلاف يقع من المتبايعين يكون هذا حكمه، فلم قلتم: إنّ صورة النزاع منه ؟ و لم قلتم: إنّ المبتاع يتخيّر بين الأخذ بقوله و الحلف ؟ و لم لا يجوز أن يكون الخيار له في أن يحلفه أو يعفو عنه ؟ و لا نسلّم اختلافهما في العقد،4.

ص: 84


1- الكافي 174:5 (باب إذا اختلف البائع و المشتري) الحديث 1، الفقيه 171:3، 765، التهذيب 230:7، 1001.
2- كابن الجنيد و أبي الصلاح الحلبي و ابن إدريس، انظر: السرائر 282:2-283.
3- سنن الترمذي 570:3، 1270، العزيز شرح الوجيز 375:4.
4- التهذيب - للبغوي - 503:3، العزيز شرح الوجيز 376:4، روضة الطالبين 231:3، مختصر اختلاف العلماء 126:3، 1203، المبسوط - للسرخسي - 30:13، بداية المجتهد 192:2، المغني 288:4، الشرح الكبير 118:4.

بل في الثمن.

و نمنع ثبوت حكم الأصل، فإنّا قد بيّنّا أنّ مع قيام السلعة يكون القول قول البائع مع يمينه من غير تحالف.

و قال أبو حنيفة و أبو يوسف: إن كانت السلعة قائمة بحالها، تحالفا.

و إن كانت تالفة، لم يتحالفا - و هو الرواية الأخرى عن أحمد - لأنّ القياس يقتضي أن يكون القول قول المشتري، لاتّفاقهما على عقد صحيح، ثمّ البائع يدّعي زيادة ينكرها المشتري، فيقدّم قوله مع اليمين، إلاّ أنّا تركناه في حال قيام السلعة، لما روى ابن مسعود عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال: «إذا اختلف المتبايعان و السلعة قائمة و لا بيّنة لأحدهما تحالفا»(1) و بقي الباقي على حكم القياس، و هو أنّهما قد اتّفقا على انتقال الملك إلى المشتري و اختلفا فيما يجب عليه، فالبائع يدّعي زيادة ينكرها المشتري(2).

أجاب الشافعيّة بمنع اقتضاء القياس تقديم قول المشتري، لأنّ كلّ واحد منهما مدّع و مدّعى عليه، لأنّ البائع يدّعي العقد بألفين، و المشتري يدّعي العقد بألف، و هنا عقدان مختلفان، و الخبر لم يذكر فيه التحالف و لا في شيء من الأخبار. و على أنّ التحالف إذا ثبت مع قيام السلعة، يمكن معرفة ثمنها في العرف، و يتعذّر ذلك إذا تلفت، و كان البيّنة مقدّما على الدليل(3).4.

ص: 85


1- أورده ابنا قدامة في المغني 288:4، و الشرح الكبير 118:4.
2- المبسوط - للسرخسي - 29:13 و 30، مختصر اختلاف العلماء 126:3، 1203، التهذيب - للبغوي - 504:3، حلية العلماء 329:4، العزيز شرح الوجيز 376:4، بداية المجتهد 192:2، المغني 289:4-290، الشرح الكبير 119:4-120.
3- انظر: العزيز شرح الوجيز 376:4.

و عن مالك ثلاث روايات: إحداها كقول الشافعي. و الثانية كقول أبي حنيفة. و الثالثة: إن كان قبل القبض، تحالفا. و إن كان بعد القبض، فالقول قول المشتري، لأنّ بعد القبض صار جانب المشتري أقوى من جانب البائع، لأنّه لمّا دفع إليه السلعة ائتمنه عليها و لم يتوثّق منه، فكان القول قوله(1).

و ليس بصحيح، لأنّ اليد لا تقويه مع اتّفاقهم على البيع. و التسليم باليد ليس استئمانا، و إنّما يقبل قول الأمين إذا أقامه مقام نفسه، بخلاف صورة النزاع.

و قال زفر و أبو ثور: القول قول المشتري بكلّ حال، لأنّه منكر(2).

و فيه قوّة.

مسألة 601: لو مات المتبايعان و اختلف ورثتهما في مقدار الثمن أو المثمن

ي، فهو كاختلاف المتبايعين عندنا، فإن كانت السلعة قائمة، حلف ورثة البائع. و إن كانت تالفة، حلف ورثة المشتري.

و كذا قال الشافعي بأنّهما يتحالفان كالمتبايعين، لأنّ ما كان للمورّث ينتقل إلى وارثه(3).

و قال أبو حنيفة: إن كان المبيع في يد وارث البائع، تحالفا. و إن كان

ص: 86


1- بداية المجتهد 192:2، حلية العلماء 328:4-329، العزيز شرح الوجيز 4: 376، المغني 288:4 و 289، الشرح الكبير 118:4 و 119.
2- التهذيب - للبغوي - 504:3، حلية العلماء 329:4، بداية المجتهد 2: 192، المغني 288:4، الشرح الكبير 118:4.
3- التهذيب - للبغوي - 504:3، حلية العلماء 330:4، العزيز شرح الوجيز 4: 376، روضة الطالبين 231:3، مختصر اختلاف العلماء 127:3، 1204.

في يد وارث المشتري، فالقول قوله مع يمينه، لأنّ القياس عدم التحالف، فأجزناه مع بقاء السلعة(1).

مسألة 602: إذا اختلفا في المثمن،

فقال البائع: بعتك هذا العبد بألف، فقال المشتري: بل بعتني هذا العبد و هذه الجارية بألف، فالأقرب عندي هنا: تقديم قول البائع، لأنّ المشتري سلم له استحقاق الألف في ذمّته، و يدّعي بيع شيئين، و البائع ينكر أحدهما، فيقدّم(2) قوله.

و قال الشافعي: يتحالفان(3) ، كما تقدّم في مذهبه.

و لو اختلفا في قدر الثمن و المثمن معا بأن يقول البائع: بعتك هذا العبد بألف، و يقول المشتري بعتنيه و هذه الجارية بألفين، فالأقوى عندي هنا: أنّهما يتحالفان - و به قال الشافعي(4) - لأنّ هنا دعويان مختلفتان(5) ، فإذا حلف البائع أنّه ما باعه العبد و الجارية بألفين و حلف المشتري أنّه ما باعه العبد وحده بألف، انفسخ العقدان، أو فسخه الحاكم.

مسألة 603: لو اختلفا في جنس الثمن بأن قال: بعتك بألف دينار،

فيقول المشتري: بل بألف درهم، مع اتّفاقهما على عين المبيع، فالأقرب عندي هنا: التحالف أيضا، لاتّفاقهما على نقل المبيع، و اختلافهما في جنس العوض، و أحدهما غير الآخر و غير داخل فيه، فكلّ منهما منكر

ص: 87


1- حلية العلماء 330:4، فتح العزيز بهامش المجموع 155:9، و في العزيز شرح الوجيز 376:4 قد سقط في المنقول عنه بعض ما يغيّر المعنى.
2- في «س، ي»: «فقدّم».
3- التهذيب - للبغوي - 503:3، حلية العلماء 331:4، العزيز شرح الوجيز 4: 376، روضة الطالبين 231:3، المغني 290:4، الشرح الكبير 122:4.
4- العزيز شرح الوجيز 376:4، روضة الطالبين 231:3.
5- في «س، ي» و الطبعة الحجريّة: «مختلفان». و الصحيح ما أثبتناه.

مدّع، فيتحالفان، كما قلناه، فيحلف البائع: ما بعته بألف درهم، و يحلف المشتري: ما ابتاعه بألف دينار، و به قال الشافعي(1).

و لو اختلفا في بعض صفاته، قدّم قول منكر زيادة الصفة.

و لو اختلفا في وصفين مختلفين، تحالفا، و به قال الشافعي(2).

مسألة 604: لو اختلفا في شرط في العقد كالأجل،

أو اختلفا في قدر الأجل، أو اختلفا في الخيار و عدمه، أو قدر مدّته، أو اختلفا في اشتراط الرهن أو قدره، أو في الضمان بالمال أو بالعهدة، قدّم قول منكر ذلك كلّه - و به قال أبو حنيفة و أحمد(3) - لأنّ المشتري تمسّك بأصالة العدم، فيقدّم قوله، عملا بأصالة النفي. و لأنّه اختلاف في شرط يلحق بالعقد، فلم يتحالفا، كما لو اختلفا في العيب أو شرط البراءة.

و قال الشافعي: يتحالفان في جميع ذلك، عملا بالقياس، و هو أنّهما اختلفا في صفة العقد القائم بينهما، و ليس معهما بيّنة، فيقضى بالتحالف، كما لو اختلفا في الثمن(4).

و القياس عندنا باطل لا يجوز التعويل عليه، مع أنّ الحكم في الأصل ممنوع على ما تقدّم.

مسألة 605: قد بيّنّا أنّ التحالف يثبت في كلّ موضع يحصل لكلّ من المتنازعين

أن يكون مدّعيا على الآخر و منكرا لدعوى الآخر.

ص: 88


1- التهذيب - للبغوي - 503:3، العزيز شرح الوجيز 376:4، روضة الطالبين 230:3-231.
2- التهذيب - للبغوي - 503:3، العزيز شرح الوجيز 376:4، روضة الطالبين 230:3-231.
3- حلية العلماء 331:4، المغني 291:4، الشرح الكبير 121:4.
4- الوجيز 152:1-153، التهذيب - للبغوي - 503:3، حلية العلماء 4: 331، روضة الطالبين 230:3-231، المغني 291:4، الشرح الكبير 121:4.

و قال الشافعي: يجري التحالف في كلّ عقود المعاوضات، و لا يختصّ بالبيع، كالسّلم و الإجارة و المساقاة و القراض و الجعالة و الصلح عن دم العمد و الخلع و الصداق و الكتابة، طردا للمعنى. ثمّ في البيع و نحوه ينفسخ العقد بعد التحالف أو يفسخ و يترادّان، كما سيأتي. أمّا الصلح عن الدم فلا يعود الاستحقاق، بل أثر التحالف الرجوع إلى الدية [و كذلك لا يرتدّ](1) البضع، و لكن في النكاح ترجع المرأة إلى مهر المثل، و في الخلع الزوج(2)(3).

قال الجويني: أيّ معنى للتحالف في القراض ؟ مع أنّه جائز و كلّ واحد منهما بسبيل من فسخه بكلّ حال. و أيّد ذلك بأنّ بعض الشافعيّة منع من التحالف في البيع في زمن الخيار، لإمكان الفسخ بسبب الخيار.

ثمّ أجاب بأنّ التحالف ما وضع للفسخ، و لكن عرضت الأيمان رجاء أن ينكل الكاذب، و يتقرّر العقد بيمين الصادق، فإذا لم يتّفق ذلك و أصرّا، فسخ العقد للضرورة.

و الوجه: أنّ في القراض تفصيلا، و هو: أنّ التحالف قبل الخوض في العمل لا معنى له، و أمّا بعده فالنزاع يؤول إلى مقصود من ربح أو اجرة مثل، فيتحالفان. و الجعالة كالقراض(4).

و الأصل عندنا ما قدّمناه من الضابط، و هو التحالف مع ادّعاء كلّ منهما3.

ص: 89


1- بدل ما بين المعقوفين في «س»: «و لذلك لا يزيل». و في «ي»: «و لذلك يريد». و في الطبعة الحجريّة: «و ذلك لا يزيد». و الكلّ غلط، و الصحيح ما أثبتناه.
2- أي: و في الخلع يرجع الزوج إلى مهر المثل.
3- الوسيط 207:3، التهذيب - للبغوي - 503:3، العزيز شرح الوجيز 4: 377، روضة الطالبين 231:3-232.
4- العزيز شرح الوجيز 377:4، روضة الطالبين 232:3.

على صاحبه ما ينفيه الآخر. و إن كان الادّعاء من طرف واحد، حلف المنكر.

مسألة 606: لو قال: بعتك هذا بألف، فقال: بل وهبتنيه،

حلف كلّ واحد منهما على نفي ما يدّعيه صاحبه، و به قال الشافعي، و قال: إنّه لا تحالف هنا(1) ، لأنّ التحالف عنده ليس أن يحلف كلّ منهما على نفي دعوى الآخر، كما قلناه نحن، بل ما يأتي(2).

إذا ثبت هذا، فإذا حلفا، كان على مدّعي الهبة ردّه بزوائده، لأنّ البائع إنّما ملّكه العين بزوائدها لو سلم له الثمن.

و قال بعض الشافعيّة: القول قول مدّعي الهبة، لأنّه مالك باتّفاقهما، و صاحبه يدّعي عليه مالا، و الأصل براءة ذمّته(3).

و قال بعضهم: إنّهما يتحالفان(4).

و لو قال: بعتك هذا بألف، فقال: بل وهبتنيه على الألف، حلف كلّ منهما على نفي ما يدّعيه صاحبه، و ردّ الألف و استردّ العين.

و لو قال: رهنتكه(5) على ألف استقرضتها منك، فقال: بل بعتنيه بألف، قدّم قول المالك مع يمينه، و تردّ الألف، و لا يمين على الآخر، و لا يكون رهنا، لأنّه لا يدّعيه، و بذلك قال الشافعي(6).

ص: 90


1- العزيز شرح الوجيز 378:4، روضة الطالبين 232:3.
2- في ص 95، المسألة 611.
3- العزيز شرح الوجيز 378:4، روضة الطالبين 232:3.
4- العزيز شرح الوجيز 378:4، روضة الطالبين 232:3.
5- في «س، ي» و الطبعة الحجريّة: «وهبتكه» بدل «رهنتكه». و الصحيح ما أثبتناه.
6- التهذيب - للبغوي - 507:3، العزيز شرح الوجيز 378:4، روضة الطالبين 232:3.
مسألة 607: هذا كلّه فيما إذا اتّفقا على وقوع عقد صحيح بينهما،

أمّا لو اختلفا من غير الاتّفاق على عقد صحيح بأن يدّعي أحدهما صحّة العقد و الآخر فساده - كما لو قال: بعتك بألف، فقال المشتري: بل بألف و زقّ(1) خمر، أو قال أحدهما: شرطنا في العقد خيارا مجهولا أو غيره من الشروط المبطلة، و أنكر الآخر - فلا تحالف، و يقدّم قول مدّعي الصحّة - و هو أحد قولي الشافعي(2) - لأنّ الظاهر من العقود الجارية بين المسلمين الصحّة، و لهذا يحكم بصحّة البيع لو ادّعى المشتري حرّيّة العبد المبيع، و قال المالك: بل هو عبد، تصحيحا للعقد.

و كذا من شكّ بعد الصلاة هل ترك ركنا منها أم لا، فإنّه يحكم بصحّة صلاته بناء على أصالة الصحّة.

و القول الثاني: أنّه يقدّم قول من يدّعي فساد العقد مع يمينه، لأنّ الأصل عدم العقد الصحيح و بقاء الملك للمالك، فصار كما لو اختلفا في أصل البيع(3).

و يعارض بأنّ الأصل عدم العقد الفاسد أيضا، لكن قد وقع العقد بينهما قطعا، و الأصل الصحّة.

قال القفّال: الأصل المأخوذ فيمن قال: لفلان عليّ ألف من ثمن خمر، هل يؤخذ بأوّل كلامه أم يقبل قوله: من ثمن خمر؟ إن قلنا بالثاني،

ص: 91


1- الزّقّ: السقاء، أو الذي تنقل فيه الخمر. لسان العرب 143:10 «زقق».
2- التهذيب - للبغوي - 504:3، حلية العلماء 332:4، العزيز شرح الوجيز 4: 378، روضة الطالبين 232:3.
3- التهذيب - للبغوي - 504:3، حلية العلماء 334:4، العزيز شرح الوجيز 4: 378، روضة الطالبين 232:3.

فالقول قول مدّعي الفساد. و إن قلنا بالأوّل، فالقول قول مدّعي الصحّة(1).

و لو قال: بعتك بألف، فقال: بل بخمر، أو بثمن مجهول، فالقول قول مدّعي الصحّة كما قلنا.

و بعض الشافعيّة قال: إنّ فيه طريقين، أحدهما: طرد الوجهين.

و الثاني: القطع بالفساد، لأنّه لم يقرّ بشيء ملزم(2)(3).

و على قول مدّعي الصحّة لو قال: بعتك بألف، فقال: بل بخمسمائة و زقّ خمر، و حلف البائع على نفي سبب الفساد، صدّق فيه، و يبقى التنازع في قدر الثمن، فيكون القول قول البائع مع يمينه إن كانت السلعة باقية، و قول المشتري إن كانت تالفة.

و عند الشافعي يتحالفان(4).

مسألة 608: لو اشترى عبدا و سلّمه إلى المشتري،

ثمّ جاءه بعبد و يريد ردّه بعيب فيه، فقال البائع: هذا ليس عبدي الذي ابتعته و قبضته منّي، و ادّعى المشتري أنّه هو، قدّم قول البائع، لأصالة براءة الذمّة، و الرادّ يريد الفسخ، و الأصل مضيّه على السلامة.

و لو فرض ذلك في السّلم أو قال: ليس هذا على الوصف الذي أسلمت إليك، فيه وجهان للشافعيّة:

أحدهما: أنّ القول قول المسلم إليه مع يمينه، كما أنّ القول قول

ص: 92


1- العزيز شرح الوجيز 379:4.
2- في «س، ي» و الطبعة الحجريّة: «لأنّه لم يفسّر بشيء يلتزم». و الظاهر ما أثبتناه من «العزيز شرح الوجيز» و نحوه في «التهذيب» للبغوي.
3- العزيز شرح الوجيز 379:4، و انظر: التهذيب - للبغوي - 505:3، و روضة الطالبين 233:3.
4- العزيز شرح الوجيز 379:4، روضة الطالبين 233:3.

البائع.

و أصحّهما: أنّ القول قول المسلم، لأنّ اشتغال الذمّة بمال السّلم معلوم، و البراءة غير معلومة.

و يفارق صورة البيع، لأنّهما اتّفقا على قبض ما ورد عليه الشراء، و تنازعا في سبب الفسخ، و الأصل استمرار العقد.

و الوجهان جاريان في الثمن في الذمّة أنّ القول قول الدافع أو القابض ؟(1) و عن ابن سريج وجه ثالث: الفرق بين ما يمنع صحّة القبض، و بين العيب الذي لا يمنعها، فإذا كان الثمن دراهم في الذمّة و فرض هذا النزاع و كان ما أراد البائع ردّه زيوفا و لم يكن ورقا، فالقول قول البائع، لإنكار أصل القبض الصحيح. و إن كانت ورقا لكنّها رديئة كخشونة الجوهر أو اضطراب السكّة، فالقول قول المشتري، لأنّ أصل القبض قد تحقّق، و لو رضي به، لوقع المقبوض عن الاستحقاق(2).

و لا يخفى مثل هذا التفصيل في المسلم فيه.

و يمكن أن يقال: المعنى الفارق في المسلم فيه ظاهر، لأنّ الاعتياض عنه غير جائز، لكن في الثمن لو رضي بالمقبوض، لوقع عن الاستحقاق و إن لم يكن ورقا إذا كانت له قيمة، لأنّ الاستبدال عن الثمن جائز.

و لو كان الثمن معيّنا، فهو كالمبيع، فإذا وقع فيه هذا الاختلاف، قدّم قول المشتري مع يمينه.

لكن لو كان المعيّن نحاسا لا قيمة له، فالقول قول الرادّ، لأنّه يدّعي3.

ص: 93


1- العزيز شرح الوجيز 379:4، روضة الطالبين 233:3.
2- العزيز شرح الوجيز 379:4، روضة الطالبين 233:3.

بقاء ملكه و فساد العقد، قاله بعض الشافعيّة(1).

مسألة 609: لو قبض المبيع أو المسلم فيه بالكيل أو الوزن

ثمّ ادّعى النقصان، قال أصحابنا: إن كان حاضرا عند الكيل أو الوزن، لم يلتفت إليه، و قدّم قول الآخر مع اليمين، إذ العادة تقضي باستظهاره و احتياطه في القبض. و إن لم يحضرهما، قدّم قوله مع اليمين، لأصالة عدم القبض.

و قال الشافعي: إن كان النقصان قدر ما يقع مثله في الكيل و الوزن، قبل، و إلاّ فقولان:

أحدهما: أنّ القول قول القابض مع يمينه، لأصالة بقاء حقّه، و به قال أبو حنيفة.

و الثاني: أنّ القول قول الدافع مع يمينه، لأنّهما اتّفقا على القبض، و القابض يدّعي الخطأ فيه، فيحتاج إلى البيّنة، كما لو اقتسما ثمّ ادّعى أحدهما الخطأ، يحتاج إلى البيّنة، و به قال مالك(2).

و يحتمل عندي التفصيل، و هو أن يقال: إن كان العقد يبطل بعدم القبض، فالقول قول من يدّعي التمام، و إلاّ قدّم قول مدّعي النقصان.

و لو اختلف المتبايعان في القبض، فالقول قول المشتري.

مسألة 610: لو باع عصيرا و أقبضه ثمّ وجد خمرا،

فقال البائع: تخمّر في يدك و القبض صحيح، و قال المشتري: بل سلّمته خمرا و القبض فاسد، و أمكن الأمران جميعا، احتمل تقديم قول البائع، لأصالة عدم الخمريّة، و بقاء الحلاوة، و صحّة البيع و القبض، و براءة الذمّة. و تقديم قول المشتري، لأصالة عدم القبض الصحيح.

ص: 94


1- العزيز شرح الوجيز 380:4، روضة الطالبين 233:3.
2- العزيز شرح الوجيز 380:4، روضة الطالبين 234:3.

و للشافعي قولان(1) كهذين الاحتمالين.

و الأقوى عندي الأوّل.

و لو قال أحدهما: إنّه كان خمرا عند البيع، فهو يدّعي فساد العقد و الآخر يدّعي صحّته. و قد تقدّم حكمه.

و لو باعه لبنا أو دهنا في ظرف ثمّ وجد فيه فأرة و تنازعا في نجاسته عند القبض أو عند البيع أو بعدهما، فعندنا قدّم قول البائع، لأصالة الطهارة.

و للشافعي الوجهان(2).

و لو قال المشتري: بعت العبد بشرط أنّه كاتب، و أنكر البائع، قدّم قول البائع، لأصالة عدم الاشتراط، و براءة الذمّة، كما لو اختلفا في العيب، و هو أحد وجهي الشافعيّة.

و الثاني: أنّهما يتحالفان كما لو اختلفا في الأجل أو الخيار(3)(4).

و الأصل ممنوع على ما مرّ.

و لو كان الثمن مؤجّلا فاختلفا في انقضاء الأجل، فالأصل بقاؤه.

المطلب الثاني: في كيفيّة اليمين.
مسألة 611: التحالف عند الشافعي أن يحلف كلّ واحد من المتعاقدين على إثبات ما يقوله

و نفي ما يقوله صاحبه(5).

ص: 95


1- العزيز شرح الوجيز 380:4، روضة الطالبين 234:3.
2- العزيز شرح الوجيز 380:4، روضة الطالبين 234:3.
3- في «س، ي» و الطبعة الحجريّة: «الجيد» بدل «الخيار» و الظاهر ما أثبتناه من «العزيز شرح الوجيز».
4- العزيز شرح الوجيز 380:4، روضة الطالبين 234:3.
5- الوسيط 210:3، التهذيب - للبغوي - 505:3، العزيز شرح الوجيز 381:4، روضة الطالبين 234:3.

و أمّا نحن فلا نشترط الحلف على الإثبات، بل يحلف كلّ منهما على نفي ما يدّعيه الآخر، فإذا قال: بعتك هذا العبد بألف، و قال المشتري: بل بعتني هذه الجارية بألف و لم تبعني العبد، و لا بيّنة، حلف البائع أنّه ما باع الجارية، و حلف المشتري أنّه ما اشترى العبد.

و لا يجب على واحد منهما الجمع بين النفي و الإثبات كما قلناه، خلافا للشافعي(1) ، و لا يكون هذا تحالفا، بل يحلف كلّ منهما على النفي.

فإذا حلف البائع: أنّه ما باع الجارية، بقيت على ملكه كما كانت، و انتزعها من يد المشتري إن كانت في يده، و جاز له التصرّف فيها.

و إذا حلف المشتري أنّه ما اشترى العبد، فإن كان العبد في يده، لم يكن للبائع مطالبته به، لأنّه لا يدّعيه. و إن كان في يد البائع، فإنّه لا يجوز له التصرّف فيه، لأنّه معترف بأنّه للمشتري، و أنّ ثمنه في ذمّته.

إذا تقرّر هذا، فإن كان البائع قد قبض الثمن، فإنّه يردّه على المشتري، و يأخذ العبد قصاصا، و يجوز له بيعه بقدر الثمن. و إن لم يكن قبضه، أخذ العبد قصاصا أيضا، أو باعه بذلك الثمن. و لو زاد الثمن، فهو مال لا يدّعيه الآن أحد.

مسألة 612: الأقرب: انّه يبدأ بيمين من ادّعي عليه أوّلا،

فإن كان البائع قد ادّعى بيع العبد منه و أنكر المشتري و قال: إنّما اشتريت الجارية، حلف المشتري على نفي شراء العبد، ثمّ حلف البائع على نفي شراء الجارية.

و إن كان المشتري قد ادّعى أوّلا، فقال: إنّي اشتريت هذه الجارية،

ص: 96


1- الوسيط 211:3، التهذيب - للبغوي - 505:3، العزيز شرح الوجيز 381:4، روضة الطالبين 235:3.

فقال البائع: لم أبعه الجارية، بل العبد، قدّم يمين البائع، فإذا حلف على أنّه ما باع الجارية، حلف المشتري أنّه لم يشتر العبد.

و للشافعي قولان: قال في البيع: إنّه يبدأ بيمين البائع. و في السّلم:

بالمسلم إليه. و في الكتابة: بالسيّد(1). و هذه الأقوال متوافقة.

و قال في الصداق: إنّه يبدأ بالزوج(2). و هو يخالف سائر الأقوال السابقة، لأنّ الزوج يشبه المشتري.

و قال في الدعاوي: إنّه إن بدئ بيمين البائع، خيّر المشتري. و إن بدئ بيمين المشتري، خيّر البائع(3). و هذا يشعر بالتسوية و التخيير.

فقال أصحابه: إنّ في ذلك طريقين أظهرهما: أنّ المسألة على ثلاثة أقوال:

أظهرها: أنّ البداءة بالبائع - و به قال أحمد بن حنبل - لما رووه من قوله عليه السّلام: «فالقول ما قال البائع و المبتاع بالخيار، أو يتتاركان، أو يترادّان»(4).

و لأنّ جانب البائع أقوى، فإنّهما إذا تحالفا، عاد المبيع إليه، فكان أقوى، كما أنّ صاحب اليد أقوى من غيره. و لأنّ ملك البائع على الثمن يتمّ5.

ص: 97


1- الحاوي الكبير 300:5، المهذّب - للشيرازي - 300:1، الوسيط 209:3، حلية العلماء 322:4، التهذيب - للبغوي - 505:3، العزيز شرح الوجيز 4: 381.
2- الحاوي الكبير 300:5، المهذّب - للشيرازي - 300:1، الوسيط 209:3، حلية العلماء 322:4، التهذيب - للبغوي - 505:3، العزيز شرح الوجيز 4: 381.
3- الحاوي الكبير 300:5، المهذّب - للشيرازي - 300:1، حلية العلماء 4: 322، العزيز شرح الوجيز 381:4.
4- سنن ابن ماجة 737:2، 2186، سنن أبي داود 285:3، 3511، سنن الترمذي 570:3، 1270، سنن الدارقطني 20:3، 63 و 65، سنن البيهقي 332:5، سنن الدارمي 250:2، مسند أحمد 56:2، 4430-4433، المصنّف - لابن أبي شيبة - 227:6، 896 و 897، المعجم الكبير - للطبراني - 215:2، 10365.

بالعقد، و ملك المشتري على المبيع لا يتمّ بالعقد.

و الثاني: أنّه يبدأ بالمشتري - و به قال أبو حنيفة - لأنّه مدّعى عليه زيادة ثمن، و الأصل براءة ذمّته عنها، فاليمين في جنبه أقوى. و لأنّه إذا نكل، وجب الثمن الذي ادّعاه البائع، و انفصل الحكم، و ما كان أقرب إلى فصل الحكم بدئ به.

و الثالث: أنّه لا يبدأ بيمين أحدهما، بل يتساويان، فإنّ كلّ واحد منهما مدّع و مدّعى عليه، فقد تساويا، فلا ترجيح. و على هذا فوجهان:

أظهرهما: أنّه يتخيّر الحاكم في ذلك، فيبدأ بيمين من اتّفق.

و الثاني: أنّه يقرع بينهما، كما يقرع بين المتسابقين إلى المباح.

و الطريق الثاني: القطع بأنّ البداءة بالبائع قولا واحدا.

و الذي قاله الشافعي في الصداق بأنّ الزوج يجري مجرى البائع، لأنّ البضع يكون ملكه بعد فسخ الصداق، كما يكون المبيع ملك البائع بعد فسخ البيع بالتحالف.

و الذي قاله في الدعاوي و البيّنات فإنّما أراد أنّ الحاكم إذا كان يرى ذلك بفعله، لا أنّه خيّره.

و من قال بالثاني قطع بأنّ البداءة في اختلاف الزوجين بالزوج، ل [وجهين:

أحدهما:](1) أنّ أثر تحالف الزوجين إنّما يظهر في الصداق دون البضع، و الزوج هو الذي ينزل عن الصداق، فكان كالبائع له.

و الثاني: أنّ تقدّم البائع إنّما كان لقوّة جانبه، لحصول المبيع له بعدق.

ص: 98


1- ما بين المعقوفين أضفناه من «العزيز شرح الوجيز» من حيث السياق.

التحالف، و في النكاح يبقى البضع للزوج.

و إذا قدّمنا طريقة إثبات الخلاف، فإن قدّمنا البائع، لم يخف من ينزل منزلته في سائر العقود، و في الصداق يأتي وجهان:

أحدهما: أنّ البداءة بالمرأة.

و الثاني: أنّ البداءة بالزوج.

و إن قدّمنا المشتري، فالقياس انعكاس الوجهين(1).

إذا ثبت هذا، فإنّ جميع ما ذكرناه للاستحباب - عندهم(2) - دون الإيجاب.

و أيضا تقدّم أحد الجانبين مخصوص بما إذا باع عرضا بثمن في الذمّة، فأمّا إذا تبادلا عرضا بعرض، فلا وجه إلاّ التسوية.

و ينبغي أن يخرّج ذلك على أنّ الثمن ما ذا؟ و قد سبق(3) أنّه الذي تدخل عليه الباء و غير ذلك على ما مضى من الخلاف.

مسألة 613: اليمين عندنا واحدة على نفي ما ادّعاه الآخر،

فيحلف البائع أنّه لم يبع بخمسمائة، و يحلف المشتري أنّه لم يشتر بألف، لأنّ المدّعي لا يمين عليه، فكلّ مدّع منهما لا يحلف على ما ادّعاه، و يحلف على نفي ما ادّعاه الآخر ثمّ ينفسخ العقدان.

و ظاهر قول الشافعي الاكتفاء بيمين واحدة من كلّ واحد من المتعاقدين جامعة بين النفي و الإثبات، فيقول البائع: ما بعت بخمسمائة و إنّما

ص: 99


1- الحاوي الكبير 300:5-301، حلية العلماء 322:4-323، العزيز شرح الوجيز 381:4-382، روضة الطالبين 235:3، المغني 288:4، الشرح الكبير 118:4.
2- العزيز شرح الوجيز 382:4، روضة الطالبين 235:3.
3- في ج 10 ص 123-124، الفرع «د» من المسألة 66، و ج 11 ص 390، المسألة 544.

بعت بألف، و يقول المشتري: ما اشتريت بألف و إنّما اشتريت بخمسمائة(1).

و قال الشافعي: لو تداعيا دارا في أيديهما فادّعى كلّ منهما أنّ جميعها له، حلف كلّ واحد على مجرّد نفي استحقاق صاحبه ما في يده، و لو حلف أحدهما و نكل الآخر، حلف الحالف يمينا اخرى للإثبات(2).

قال أصحابه: ففي القولين طريقان:

أحدهما: تقرير القولين.

و الفرق بينهما: أنّ في مسألة التداعي يحلف أحدهما على نفي دعوى صاحبه في النصف الذي في يده، و يكون القول قول الآخر في النصف الآخر، فإذا نكل، رددنا اليمين على الأوّل، و هنا يحلف على صفة عقد تضمّن إثباتا و نفيا، فلهذا كفى يمين واحدة، لأنّ العقد واحد اتّفاقا و التنازع في صفته، فكأنّ الدعوى واحدة، فجاز التعرّض في اليمين الواحدة للنفي و الإثبات، فمنفيّ كلّ واحد منهما في ضمن مثبتة، و منفيّ كلّ واحد منهما في صورة الدار ممتاز عن مثبتة، فلا معنى ليمينه على الإثبات قبل نكول صاحبه.

الثاني: التصرّف بتخريج قول من مسألة الدار فيما نحن فيه.

و وجهه: الجري على قياس الخصومات، فإنّ يمين الإثبات لا يبدأ بها في غير القسامة.

و هل يتصرّف بتخريج قول فيما(3) نحن فيه من مسألة الدار أيضا؟».

ص: 100


1- الحاوي الكبير 301:5، الوسيط 210:3، حلية العلماء 324:4-325، التهذيب - للبغوي - 505:3-506، العزيز شرح الوجيز 382:4، روضة الطالبين 235:3.
2- العزيز شرح الوجيز 382:4.
3- كذا، و في المصدر: «ما» بدل «فيما».

قال كثير منهم: نعم، حتى يكون قولان بالنقل و التخريج(1).

و قال الجويني و غيره: لا، لأنّ كلّ واحد لا يحتاج فيما في يده إلى الإثبات، و اليمين على الإثبات يمين الردّ، فكيف يحلف الأوّل يمين الردّ و صاحبه لم ينكل بعد!؟ و كيف يحلفها الثاني و قد حلف صاحبه!؟(2).

مسألة 614: إذا حلف البائع أنّه لم يبع العبد،

و حلف المشتري أنّه لم يشتر الجارية، انفسخ العقدان. و إن نكل المشتري عن يمين النفي، حلف البائع يمينا اخرى على إثبات دعواه، و حكم على المشتري. و من قضى بالنكول لم يكلّف البائع يمين الإثبات، بل يحكم له بمجرّد النكول.

و عند الشافعي: إذا اكتفينا بيمين واحدة، يجمع بين النفي و الإثبات، لأنّه أفصل للحكم و أسهل على الحاكم، و جوّزنا(3) الإثبات قبل نكول.

الخصم، لأنّه تبع للنفي. و لأنّهما يتحالفان على الإثبات من غير نكول و إن كانت يمينين(4) ، فإذا حلف أحدهما و نكل الثاني، قضي للحالف، سواء نكل عن النفي و الإثبات جميعا أو عن أحدهما. و النكول عن البعض كهو عن الكلّ(5).

و ينبغي أن يقدّم النفي - سواء حلف يمينا واحدة أو اثنتين، لأصالته في الأيمان - على الإثبات(6).

ص: 101


1- العزيز شرح الوجيز 382:4-383.
2- العزيز شرح الوجيز 383:4.
3- في «ي»: «جوّز».
4- قوله: «لأنّه أفصل للحكم.. و إن كانت يمينين» لم يرد في المصدر.
5- العزيز شرح الوجيز 383:4.
6- في «س، ي» و الطبعة الحجريّة زيادة: «و قال بعض الشافعيّة: يقدّم الإثبات، لأنّه المقصود». و حذفناها لزيادتها.

و قال أبو سعيد: يقدّم الإثبات، لأنّ اللّه تعالى قدّمه في اللعان على النفي، فقال في اليمين وَ الْخامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللّهِ عَلَيْهِ إِنْ كانَ مِنَ الْكاذِبِينَ (1) و لأنّه المقصود من الحالف(2).

و ليس بصحيح، لأنّ الأصل في الأيمان إنّما هو النفي، و أمّا الإثبات فإنّما يكون فيها بالنكول أو تبعا للنفي، فيجب أن يقدّم النفي، و كلّ أيمان اللعان إثبات، و ليس فيها نفي. و قوله إِنْ كانَ مِنَ الْكاذِبِينَ إثبات للصدق، مثل قوله إِنَّهُ لَمِنَ الصّادِقِينَ (3).

و هل الخلاف في الاستحباب أو الاستحقاق ؟ الأظهر عندهم: الأوّل(4).

و نقل الجويني الثاني(5).

فإذا قلنا: يحلف أوّلا على مجرّد النفي، فلو أضاف إليه الإثبات، كان لغوا.

و إذا حلف من وقعت البداءة به على النفي، عرضت اليمين على الثاني، فإن نكل، حلف الأوّل على الإثبات، و قضي له.

و إن نكل عن الإثبات، لم يقض له، لاحتمال صدقه فيما يدّعيه(6) صاحبه و كذبه فيما يدّعيه.

و قال بعض الشافعيّة: إنّه كما لو تحالفا، لأنّ نكول المردود عليه عن».

ص: 102


1- النور: 7.
2- المهذّب - للشيرازي - 300:1، الوسيط 210:3، حلية العلماء 324:4، العزيز شرح الوجيز 383:4، روضة الطالبين 235:3.
3- النور: 6.
4- العزيز شرح الوجيز 383:4، روضة الطالبين 235:3.
5- العزيز شرح الوجيز 383:4، و انظر: روضة الطالبين 235:3.
6- في العزيز شرح الوجيز 383:4: «في نفي ما يدّعيه».

يمين الردّ ينزّل في الدعوى منزلة حلف الناكل أوّلا(1).

و لو نكل الأوّل عن اليمين، حلف الآخر على النفي و الإثبات، و قضي له.

و لو حلفا(2) على النفي، فوجهان:

أصحّهما عندهم أنّه يكفي ذلك، و لا حاجة بعده إلى يمين الإثبات، لأنّ المحوج إلى الفسخ جهالة الثمن و قد حصلت.

و الثاني: أنّه تعرض يمين الإثبات عليهما، فإن حلفا، تمّ التحالف، و إن نكل أحدهما، قضي للحالف(3).

و القول في أنّه تقدّم يمين النفي أو الإثبات كما ذكرنا على تقدير الاكتفاء بيمين واحدة.

و لو عرض اليمين عليهما فنكلا جميعا، فوجهان:

قال(4) الجويني: إنّ تناكلهما كتحالفهما، فإنّه إذا تداعى رجلان مولودا، كان ذلك كتحالفهما.

و الثاني: أنّه يوقف الأمر كأنّهما تركا الخصومة(5).

المطلب الثالث: في حكم التحالف.
مسألة 615: إذا حلف كلّ من المتبايعين يمين النفي،

سقطت الدعويان عندنا، كما لو ادّعى على الغير بيع شيء أو شراءه، فأنكر و حلف،

ص: 103


1- العزيز شرح الوجيز 383:4، روضة الطالبين 236:3.
2- في «س، ي» و الطبعة الحجريّة: «حلف». و الظاهر ما أثبتناه من المصدر.
3- العزيز شرح الوجيز 383:4، روضة الطالبين 236:3.
4- في «س، ي» و الطبعة الحجريّة: «و قال». و الظاهر ما أثبتناه.
5- العزيز شرح الوجيز 383:4، روضة الطالبين 236:3. و لا يخفى أنّ في المصدرين نسب الوجه الثاني إلى الجويني أيضا.

سقطت الدعوى، و كان الملك باقيا على حاله، و لم يحكم بثبوت عقد حتى يحكم بانفساخه.

و أمّا الشافعي القائل بالتحالف فقال: إذا تحالف المتعاقدان، ففي العقد وجهان:

أحدهما: أنّه لا ينفسخ بنفس التحالف.

و فيه وجه آخر: أنّه ينفسخ بالتحالف، كما ينفسخ النكاح بتحالف المتلاعنين. و لأنّ التحالف يحقّق ما قالاه، و لو قال البائع: بعت بألف، فقال المشتري: اشتريت بخمسمائة، لم ينعقد، فكذا هنا(1).

قال القاضي أبو الطيّب: الأوّل هو المنصوص للشافعي في كتبه القديمة و الجديدة لا أعرف له غير ذلك، لأنّ البيّنة أقوى من اليمين، و لو أقام كلّ منهما بيّنة على ما يقوله، لا ينفسخ العقد، فاليمين أولى بعدم الفسخ. و لا يشبه اللعان، لأنّ قول الزوج يقطع النكاح، فقامت يمينه مقام طلاقه، بخلاف المتنازع(2).

مسألة 616: لو رجع أحدهما إلى قول الآخر،

فإن كان قبل التحالف، حكم بمقتضى عقده. و إن كان بعد التحالف، فكذلك، فلو حلف أنّه لم يبع الجارية و حلف المشتري أنّه لم يشتر العبد ثمّ اعترف المشتري بصدق البائع، كان حكمه حكم ما لو حلف المنكر ثمّ كذب بيمينه. قال علماؤنا: اليمين قاطعة للدعوى، فإن جاء الحالف تائبا إلى اللّه تعالى و دفع ما حلف عليه، كان لصاحبه أخذه، فكذا يتأتّى هنا.

ص: 104


1- المهذّب - للشيرازي - 300:1، حلية العلماء 325:4-326، العزيز شرح الوجيز 384:4، روضة الطالبين 236:3.
2- انظر: العزيز شرح الوجيز 384:4، و فيه بعض المقصود.

و أمّا الشافعي فله قولان:

أحدهما: فسخ العقد بمجرّد التحالف من غير حاجة إلى حكم الحاكم بالفسخ.

و الثاني: أنّه لا ينفسخ إلاّ بحكم الحاكم(1).

فعلى الأوّل فإنّهما يترادّان.

و لو تقارّا على أحد اليمينين(2) ، لم يعد نافذا، بل لا بدّ من تجديد عقد.

و هل ينفسخ في الحال أو يتبيّن ارتفاعه من أصله ؟ للشافعيّة وجهان، أظهرهما: الأوّل، لنفوذ تصرّفات المشتري قبل الاختلاف.

و على هذا فالحاكم يدعوهما بعد التحالف إلى الموافقة، فينظر هل يعطي المشتري ما يقوله البائع من الثمن ؟ فإن فعل، اجبر البائع عليه، و إلاّ نظر هل يقنع البائع بما يقوله المشتري ؟ فإن فعل فذاك، و إلاّ فحينئذ يحتاج إلى فسخ العقد.

و من الذي يفسخه ؟ وجهان:

أحدهما: الحاكم، لتعذّر إمضائه في الحكم، و كالفسخ في العنّة، لأنّه فسخ مجتهد فيه.

و أظهرهما عندهم: أنّ للمتعاقدين أيضا أن يفسخا، و لأحدهما(3) أن».

ص: 105


1- المهذّب - للشيرازي - 300:1، حلية العلماء 326:4، العزيز شرح الوجيز 4: 384، روضة الطالبين 236:3.
2- في «س، ي»: «الثمنين».
3- في «س، ي» و الطبعة الحجريّة: «و أحدهما». و ما أثبتناه من «العزيز شرح الوجيز» و «روضة الطالبين».

ينفرد به، كالفسخ بالعيب(1).

قال الجويني: إذا قلنا: الحاكم هو الذي يفسخ، فذلك إذا استمرّا على النزاع و لم يفسخا أو التمسا الفسخ، فأمّا إذا أعرضا عن الخصومة و لم يتوافقا على شيء و لا فسخا، ففيه نظر(2).

و إذا فسخ العقد إمّا بفسخهما أو بفسخ الحاكم، وقع الفسخ ظاهرا.

و هل يقع باطنا؟ فيه للشافعيّة(3) ثلاثة أوجه:

أحدها: لا، لأنّ سبب الفسخ تعذّر إمضائه، لعدم الوقوف على الثمن، و أنّه أمر يتعلّق بالظاهر، و العقد وقع صحيحا في نفسه، و إنّما تعذّر إمضاؤه في الظاهر، فكان الفسخ في الظاهر دون الباطن.

و الثاني: أنّه يقع ظاهرا و باطنا، لأنّه فسخ لاستدراك الظلامة، فأشبه الردّ بالعيب.

و الثالث: أنّ البائع إن كان ظالما، فالفسخ يقع ظاهرا لا باطنا، لأنّه يمكنه استيفاء الثمن و تسليم المبيع، فإذا امتنع، كان عاصيا، فلا يقع الفسخ بذلك. و إن كان المشتري ظالما، وقع الفسخ ظاهرا و باطنا، لأنّ البائع لا يصل إلى حقّه من الثمن، فاستحقّ الفسخ، كما لو أفلس المشتري(4).

و هل يجري مثل هذا الخلاف إذا فرّعنا على انفساخ العقد بنفس7.

ص: 106


1- المهذّب - للشيرازي - 300:1، التهذيب - للبغوي - 508:3، العزيز شرح الوجيز 384:4، روضة الطالبين 236:3.
2- العزيز شرح الوجيز 384:4، روضة الطالبين 236:3.
3- في الطبعة الحجريّة: «للشافعي».
4- المهذّب - للشيرازي - 300:1-301، حلية العلماء 326-327، العزيز شرح الوجيز 384:4-385، روضة الطالبين 236:3-237.

التحالف أم يجزم بالارتفاع باطنا أيضا؟ اختلفوا فيه(1).

و إذا قلنا بالارتفاع باطنا، ترادّا، و تصرّف كلّ منهما فيما عاد إليه. و إن منعناه، لم يجز لهما التصرّف، لكن لو كان البائع صادقا، فهو ظافر بمال من ظلمه لما استردّ المبيع، فله بيعه بالحاكم في أحد الوجهين، أو بنفسه في أصحّهما عندهم(2) ، و استيفاء حقّه من ثمنه.

إذا تقرّر هذا، فكلّ موضع قلنا: إنّ الفسخ يقع ظاهرا و باطنا، فإنّ للبائع التصرّف في المبيع بجميع أنواع التصرّف حتى بالوطي. و إن قلنا:

يقع ظاهرا دون الباطن، فإن كان البائع ظالما، لم يجز له التصرّف في المبيع بوجه، و وجب عليه ردّه على المشتري بالثمن المسمّى، لأنّه لا يجوز له أن يستبيح ملك غيره بظلمه. و إن كان المشتري ظالما، فإنّ البائع قد حصل في يده ملك المشتري، و له عليه الثمن، و هو من غير جنسه، فله أن يبيع جميعه أو مقدار حقّه.

و هل يبيعه بنفسه أو يتولاّه الحاكم ؟ وجهان(3):

أحدهما: أنّه يرفعه إلى الحاكم ليبيعه، لأنّ الولاية للحاكم على صاحبه دون هذا البائع.

و الثاني: يبيعه بنفسه - و هو منصوص الشافعي - لأنّه يتعذّر عليه رفعه إلى الحاكم و إثبات حقّه عنده، فجوّز ذلك للضرورة، كما جوّز إمساك ملك المشتري للحاجة.

و عندنا إن تمكّن من الحاكم، وجب، و إلاّ تولاّه بنفسه، فإذا باعه فإن7.

ص: 107


1- العزيز شرح الوجيز 385:4، روضة الطالبين 237:3.
2- حلية العلماء 327:4، العزيز شرح الوجيز 385:4، روضة الطالبين 3: 237.
3- حلية العلماء 327:4، العزيز شرح الوجيز 385:4، روضة الطالبين 3: 237.

كان الثمن وفق حقّه، فقد استوفاه. و إن نقص، فالباقي في ذمّة المشتري.

و إن فضل، فللمشتري. و إن تلف هذا في يده، كان من ضمانه. و إن تحالفا بعد تلف السلعة، وجب ردّ قيمة المبيع.

و متى تعتبر قيمته ؟ على وجهين:

أحدهما: أكثر ما كانت من حين القبض.

و الثاني: حال التلف، كالمقبوض على وجه السوم(1).

و هذه الفروع مبنيّة على ما إذا اختلفا في قدر الثمن. و ذكر الجويني عبارة نحو(2) هذه الصورة و غيرها، و هي: أنّ الفسخ إن صدر من المحقّ، فالوجه: تنفيذه باطنا. و إن صدر من المبطل، فالوجه: منعه. و إن صدر منهما جميعا، قال: لا شكّ في الانفساخ، و ليس ذلك موضع الخلاف، و كان كما لو تقايلا. و إذا صدر من المبطل، لم ينفذ باطنا. و طريق الصادق إنشاء الفسخ إن أراد الملك فيما عاد إليه. و إن صدر الفسخ من الحاكم، فالظاهر الانفساخ باطنا لينتفع به المحقّ(3).

و اعلم أنّ هذا لا يتأتى على مذهبنا فيما إذا كان الاختلاف في كمّيّة الثمن، و إنّما يقع فيما إذا اختلفا في تعيين المبيع، كالعبد أو الجارية، أو في تعيين الثمن، كالذهب أو الفضّة، و هنا نقول: إنّ المبطل لا يباح له التصرّف فيما صار إليه، و المحقّ له التصرّف.

مسألة 617: إذا فسخ البيع، كان على المشتري ردّ المبيع

إن كان قائما

ص: 108


1- الوسيط 216:3، التهذيب - للبغوي - 509:3، العزيز شرح الوجيز 385:4 - 386، روضة الطالبين 237:3.
2- في «س، ي» و الطبعة الحجريّة: «تجري» بدل «نحو». و الصحيح ما أثبتناه.
3- العزيز شرح الوجيز 385:4، روضة الطالبين 237:3، و العبارة فيهما هكذا: «.. و إذا صدر من المبطل و لم ينفذه باطنا، فطريق الصادق..».

بحاله، لقوله عليه السّلام: «إذا اختلف المتبايعان تحالفا و ترادّا» رواه العامّة(1).

و هذا عندنا صحيح فيما إذا كان الاختلاف في الأعيان المتعدّدة، لا في قدر الثمن، فإذا كان المشتري قد أخذ ما ادّعاه و سقطت دعواه بيمين البائع، وجب عليه ردّ ما أخذه، لظهور بطلان الأخذ بيمين البائع.

و إن تلف في يد المشتري، فعليه قيمته، سواء كانت أكثر من الثمن أو أقلّ.

و هل يعتبر وقت التلف، لأنّ مورد الفسخ العين لو بقيت، و القيمة خلف عنها، فإذا فات الأصل، فحينئذ ينظر إليها، أو يوم القبض، لأنّه وقت دخول المبيع في ضمانه، أو الأقلّ، لأنّها إن كانت يوم العقد أقلّ، فالزيادة حدثت في ملك المشتري، و إن كان يوم القبض أقلّ، فهو يوم دخوله في ضمانه، أو بأعلى القيم من يوم القبض إلى يوم التلف، لأنّ يده يد ضمان، فتعيّن أعلى القيم ؟ و للشافعيّة هذه الاحتمالات الأربعة أقوال(2) فيما قلناه(3) و فيما إذا اختلفا في قدر الثمن أو الأجل أو الضمين أو غير ذلك(4) على ما تقدّم.

مسألة 618: لو زادت العين في يد المشتري، فإمّا زيادة متّصلة أو منفصلة.

فإن كانت متّصلة، فهي للبائع يردّها المشتري مع العين.

و إن كانت منفصلة، كالولد و الثمرة و الكسب و المهر، فإن قلنا: العقد

ص: 109


1- الوجيز 153:1، العزيز شرح الوجيز 385:4.
2- في «س، ي» و الطبعة الحجريّة: «أقوالا». و الظاهر ما أثبتناه.
3- في الطبعة الحجريّة: «نقلناه».
4- العزيز شرح الوجيز 385:4-386، روضة الطالبين 237:3.

يرتفع من أصله - و هو الظاهر عندنا إذا وقع التنازع في تعيين المبيع أو تعيين الثمن أيّ العينين هو؟ - فالنماء للبائع، و يجب أقصى القيم لو تلف المبيع.

و إن قلنا: من حينه، فالنماء للمشتري، و عليه القيمة يوم التلف.

و عند الشافعي يتأتّى ذلك في هذه الصورة و فيما إذا اختلفا في قدر الثمن و غيره على ما سلف(1).

و قال بعض الشافعيّة: هذا الخلاف السابق في القيمة متى تعتبر؟ نظرا إلى أنّ العقد يرتفع من أصله أو من حينه ؟ إن قلنا بالأوّل، فالواجب أقصى القيم. و إن قلنا بالثاني، اعتبرنا قيمته يوم التلف(2).

مسألة 619: لو اشترى عبدين و تلف أحدهما

ثمّ اختلفا في قدر الثمن، قدّم قول المشتري مع يمينه، كما ذهبنا إليه.

و قال الشافعي: يتحالفان، بناء على أصله(3).

و هل يردّ الباقي ؟ فيه الخلاف المذكور في مثله إذا وجد الباقي معيبا.

و إن قلنا: يردّ، فيضمّ قيمة التالف إليه، و في القيمة المعتبرة الوجوه الأربعة(4).

اعترض: بأنّه لم كان الأصحّ هنا غير الأصحّ في القيمة المعتبرة لمعرفة الأرش ؟ أجيب: يجوز أن يكون السبب فيه أنّ النظر إلى القيمة ثمّ ليس ليغرم، و لكن ليعرف منها الأرش الذي هو جزء من الثمن، و كذلك

ص: 110


1- في ذيل المسألة السابقة.
2- العزيز شرح الوجيز 386:4.
3- العزيز شرح الوجيز 386:4، روضة الطالبين 237:3.
4- العزيز شرح الوجيز 386:4، روضة الطالبين 237:3.

العوض(1) فيما إذا تلف أحد العبدين و وجدنا عيبا بالباقي و جوّزنا إفراده بالردّ، يوزّع(2) الثمن على قيمة التالف و الباقي، و هاهنا المغروم القيمة، فكان النظر إلى حالة الإتلاف أليق(3).

و لو كان المبيع قائما إلاّ أنّه قد تعيّب، ردّه مع الأرش، و هو قدر ما نقص من القيمة، لأنّ الكلّ مضمون على المشتري بالقيمة، فيكون البعض مضمونا ببعض القيمة.

أمّا المبيع لو تعيّب في يد البائع و أفضى الأمر إلى الأرش، وجب جزء من الثمن، لأنّ الكلّ مضمون على البائع بالثمن، فكذا البعض.

و هذا أصل مطّرد في المسائل أنّ كلّ موضع لو تلف الكلّ، كان مضمونا على الشخص بالقيمة، فإذا تلف البعض، كان مضمونا عليه ببعض القيمة، كالمغصوب و غيره، إلاّ في صورة واحدة، و هي: ما إذا عجّل زكاته ثمّ تلف ماله قبل الحول و كان ما عجّل تالفا، يغرم المسكين القيمة، و لو تعيّب، ففي الأرش وجهان للشافعيّة(4).

تذنيب: لو اختلفا في القيمة الواجبة عليه أو الأرش، قدّم قول المشتري مع اليمين، لأنّه الغارم.

مسألة 620: التلف قد يكون حقيقيّا،

كما لو هلكت العين، و قد يكون حكميّا، كما لو أعتق المشتري أو وقف أو باع أو وهب و أقبض و تعوّض،

ص: 111


1- في «س» و الطبعة الحجريّة: «الفرض» و في «ي»: «العرض» بدل «العوض». و ما أثبتناه من المصدر.
2- في «س» و الطبعة الحجريّة: «بالردّ توزيع» و في «ي»: «بالردّ و توزيع». و ما أثبتناه من المصدر.
3- العزيز شرح الوجيز 386:4.
4- العزيز شرح الوجيز 386:4، روضة الطالبين 238:3.

و هنا يكون للبائع انتزاع العين، و يحكم ببطلان هذه العقود، و هو قول بعض الشافعية(1).

و قال بعضهم: إنّ هذه التصرّفات بمنزلة الإتلاف، فتجب القيمة، و تبقى هذه التصرّفات على الصحّة(2). و ليس جيّدا.

و التعيّب أيضا قد يكون حقيقيّا، كما لو تلف جزء من المبيع أو نقصت صفة من صفاته، و قد يكون حكميّا، كما لو زوّج الجارية المبيعة أو العبد المبيع، فعندنا يبطل النكاح إن لم يجز البائع، و هو أحد قولي الشافعيّة(3).

و قال بعضهم: على المشتري ما بين قيمتها مزوّجة و خليّة، و تعود إلى البائع و النكاح بحاله(4).

مسألة 621: لو كان العبد المبيع قد أبق من يد المشتري،

كان عليه قيمته للبائع إذا حلف أنّه لم يبعه، لتعذّر الوصول إليه.

و قال الشافعي: إذا تحالفا، لم يمتنع الفسخ، فإنّ الإباق لا يزيد على التلف، و يغرم المشتري القيمة(5) كما قلناه.

و لو كاتبه المشتري كتابة صحيحة، كان للبائع فسخها.

و قال الشافعي: يتمّ مكاتبا، ثمّ يغرّم المشتري القيمة، كالإباق(6).

و لو رهنه، كان للبائع انتزاعه و قال الشافعي: تخيّر البائع بين أخذ القيمة و الصبر إلى انفكاك

ص: 112


1- التهذيب - للبغوي - 509:3، العزيز شرح الوجيز 387:4، روضة الطالبين 3: 238.
2- العزيز شرح الوجيز 387:4، روضة الطالبين 238:3.
3- العزيز شرح الوجيز 387:4، روضة الطالبين 238:3.
4- العزيز شرح الوجيز 387:4، روضة الطالبين 238:3.
5- العزيز شرح الوجيز 387:4، روضة الطالبين 238:3.
6- العزيز شرح الوجيز 387:4، روضة الطالبين 238:3.

الرهن(1).

و لو آجره، كان للبائع أخذه و فسخ الإجارة.

و قال الشافعي: يبنى على أنّ بيع المستأجر هل يجوز؟ إن قلنا: لا، فهو كما لو رهنه. و إن قلنا: نعم، فللبائع أخذه، لكنّه يترك عند المستأجر إلى انقضاء المدّة، و الأجرة المسمّاة للمشتري، و عليه للبائع أجرة المثل للمدّة الباقية. و إن كان قد آجره من البائع، فله أخذه لا محالة.

و في انفساخ الإجارة وجهان، كما لو باع الدار المستأجرة من المستأجر إن قلنا: لا ينفسخ، فعلى البائع المسمّى للمشتري، و على المشتري أجرة مثل المدّة الباقية للبائع.

و إذا غرم القيمة في هذه الصورة ثمّ ارتفع السبب الحائل و أمكن الردّ، هل تستردّ القيمة و تردّ العين ؟ يبنى ذلك على أنّه قبل ارتفاع الحائل ملك من هو؟(2).

أمّا الآبق ففيه وجهان:

أحدهما: أنّه يبقى للمشتري، و الفسخ لا يرد على الآبق، و إنّما هو وارد على القيمة.

و أصحّهما عندنا و عندهم(3) أنّه في إباقه ملك البائع، و الفسخ وارد عليه، و إنّما وجبت القيمة، للحيلولة.

و أمّا المرهون و المكاتب ففيهما طريقان:3.

ص: 113


1- التهذيب - للبغوي - 509:3، العزيز شرح الوجيز 387:4، روضة الطالبين 3: 238.
2- العزيز شرح الوجيز 387:4، روضة الطالبين 238:3-239.
3- العزيز شرح الوجيز 387:4، روضة الطالبين 239:3.

أحدهما: طرد الوجهين.

و أظهرهما عندهم: القطع ببقاء الملك للمشتري، كما أنّ المشتري إذا أفلس بالثمن و العبد آبق، يجوز للبائع الفسخ و الرجوع إليه. و لو كان مرهونا أو مكاتبا، ليس له ذلك(1).

و الوجه عندنا بطلان الكتابة و الرهن كما قلنا.

و أمّا المكتري إذا منعنا بيعه، فهو كالمرهون و المكاتب، أو كالآبق، لأنّ حقّ المكري لا يتعلّق بمورد البيع و الفسخ، و هو الرقبة ؟ فيه للشافعيّة احتمالات(2).

قال الجويني: و إذا قلنا ببقاء الملك للمشتري، فالفسخ وارد على القيمة، كما في صورة التلف، فلا ردّ و لا استرداد. و إذا قلنا بانقلابه إلى البائع، ثبت الردّ و الاسترداد عند ارتفاع الحيلولة(3).

مسألة 622: لو اختلف المتبايعان، فادّعى أحدهما حرّيّة العبد المبيع و أنكر الآخر،

فالقول قول المنكر مع يمينه.

قال الشافعي: إذا حلف كلّ منهما، فبعد التحالف أو قبله لم يحكم بحرّيّة العبد المبيع إن لم يكن الأمر كما قال، فلا يعتق العبد في الحال، لأنّه ملك المشتري، و هو صادق بزعمه(4).

ثمّ إن فسخ العقد أو عاد العبد إلى البائع بسبب آخر، عتق عليه، لأنّ المشتري كاذب بزعمه، و العبد قد عتق عليه، فهو بمنزلة من أقرّ بحرّيّة العبد ثمّ اشتراه، و لا يعتق في الباطن إن كان البائع كاذبا، و يعتق على

ص: 114


1- العزيز شرح الوجيز 387:4، روضة الطالبين 239:3.
2- العزيز شرح الوجيز 387:4، روضة الطالبين 239:3.
3- العزيز شرح الوجيز 387:4، روضة الطالبين 239:3.
4- العزيز شرح الوجيز 388:4، روضة الطالبين 239:3.

المشتري إن كان صادقا، و ولاء هذا العبد موقوف لا يدّعيه البائع و لا المشتري.

و لو صدّق المشتري البائع، حكم بعتقه عليه، و يرد الفسخ إن تفاسخا، كما لو ردّ العبد بعيب ثمّ قال: كنت أعتقته، يرد الفسخ، و يحكم بعتقه.

و لو صدّق البائع المشتري، نظر إن حلف البائع بالحرّيّة أوّلا ثمّ المشتري، فإذا صدّقه البائع عقيب يمينه ثمّ عاد العبد إليه، لم يعتق، لأنّه لم يكذّب المشتري بعد ما حلف بالحرّيّة حتى يجعل مقرّا بعتقه. و إن حلف المشتري بحرّيّته أوّلا ثمّ حلف البائع و صدّقه، عتق إذا عاد إليه، لأنّ حلفه بعد حلف المشتري تكذيب له و إقرار بالحرّيّة عليه.

و لو كان المبيع بعض العبد، فإذا عاد إلى ملك البائع، عتق ذلك القدر عليه، و لم يقوّم عليه الباقي، لأنّه لم يحصل العتق بمباشرته(1) ، بل بإقراره على غيره، فصار كما لو خلّف ابنين و عبدا، و قال أحدهما: إنّ أبي أعتق هذا العبد، و أنكره الآخر، فعتق(2) نصيب المقرّ، و لا يقوّم عليه الباقي.

مسألة 623: لو كان المبيع جارية و وطئها المشتري ثمّ اختلفا في قدر الثمن،

حلف المشتري، عندنا إن كانت السلعة تالفة. و إن كانت باقية، حلف البائع.

و عند الشافعي يتحالفان، ثمّ إن كانت ثيّبا، فلا أرش عليه مع ردّها.

و إن كانت بكرا، ردّها مع أرش البكارة، لأنّه نقصان جزء(3).

ص: 115


1- في «س، ي» و الطبعة الحجريّة: «لمباشرته». و الظاهر ما أثبتناه.
2- كذا، و الظاهر: «فيعتق».
3- العزيز شرح الوجيز 388:4، روضة الطالبين 240:3.

و لو ترافعا إلى مجلس الحكم و لم يتحالفا بعد، فأصحّ وجهي الشافعيّة: أنّ للمشتري وطء الجارية، لبقاء ملكه(1). و بعد التحالف و قبل الفسخ وجهان مرتّبان(2) ، و أولى بالتحريم، لإشرافه على الزوال(3).

مسألة 624: لو جرى البيع بين الوكيلين و اختلفا،

للشافعي في تحالفهما وجهان، وجه المنع: أنّ غرض اليمين ليخاف الظالم فيقرّ، و إقرار الوكيل على موكّله غير مقبول(4).

و لو تقايل المتبايعان أو ردّ المشتري المبيع بالعيب بعد قبض البائع الثمن و اختلفا في قدر الثمن، فالقول قول البائع مع يمينه - قاله الشافعي(5) - لأنّ العقد قد ارتفع، و المشتري يدّعي زيادة، و الأصل عدمها.

مسألة 625: لو ادّعى الفسخ قبل التفرّق و أنكر الآخر،

قدّم قول المنكر مع اليمين، لأصالة البقاء.

و لو قلنا بالتحالف فيما إذا اختلفا في قدر الثمن فاختلفا في قيمة السلعة التالفة، رجع إلى قيمة مثلها موصوفا بصفاتها، فإن اختلفا في الصفة، قدّم قول المشتري، لأصالة براءته.

و لو تقايلا البيع أو ردّ بعيب بعد قبض الثمن ثمّ اختلفا في قدره، قدّم قول البائع مع يمينه، لأنّه منكر لما يدّعيه المشتري بعد الفسخ(6).

و لو قال: بعتك و أنا صبي، فقال: بل كنت بالغا، قدّم قول مدّعي الصحّة.

و يحتمل تقديم قول البائع، لأصالة البقاء.

ص: 116


1- العزيز شرح الوجيز 388:4، روضة الطالبين 240:3.
2- في «س، ي» و الطبعة الحجريّة: «قريبان» بدل «مرتّبان». و ما أثبتناه من المصدر.
3- العزيز شرح الوجيز 388:4، روضة الطالبين 240:3.
4- العزيز شرح الوجيز 388:4، روضة الطالبين 240:3.
5- العزيز شرح الوجيز 389:4، روضة الطالبين 240:3.
6- مرّ هذا الفرع في ذيل المسألة 624.

و لو قال: بعت و أنا مجنون، و لم يعلم له سبقه، قدّم قول المشتري مع يمينه، و إلاّ فكالصبي.

خاتمة تشتمل على الإقالة:

مسألة 626: الإقالة بعد البيع جائزة

بل تستحبّ إذا ندم أحد المتعاقدين على البيع.

قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: «من أقال أخاه المسلم صفقة يكرهها أقاله اللّه عثرته يوم القيامة»(1).

إذا عرفت هذا، فالإقالة أن يقول المتبايعان: تقايلنا، أو: تفاسخنا، أو يقول أحدهما: أقلتك، فيقبل الآخر.

و لو تقايلا بلفظ البيع، فإن قصدا الإقالة المحضة، لم يلحقها لواحق البيع حيث لم يقصداه.

مسألة 627: الإقالة فسخ للعقد الأوّل،

و ليست بيعا عندنا - و هو أصحّ قولي الشافعي(2) - لأنّها لو كانت بيعا لصحّت مع غير البائع و بغير الثمن الأوّل.

و قال في القديم: إنّها بيع - و به قال مالك - لأنّها نقل ملك بعوض بإيجاب و قبول، فأشبهت التولية(3).

ص: 117


1- شرح السنّة - للبغوي - 120:5، 2117، العزيز شرح الوجيز 280:4.
2- الوسيط 140:3، الوجيز 145:1، العزيز شرح الوجيز 281:4، حلية العلماء 385:4، التهذيب - للبغوي - 493:3، روضة الطالبين 153:3، المجموع 9: 200، المغني 244:4، الشرح الكبير 132:4.
3- الوسيط 140:3، حلية العلماء 386:4، التهذيب - للبغوي - 393:3، العزيز شرح الوجيز 281:4، روضة الطالبين 153:3، مختصر اختلاف العلماء 3: 103، 1179، المغني 244:4، الشرح الكبير 132:4.

و المشابهة لا تستلزم الاتّحاد، و تعارض بما تقدّم، و بأنّ المبيع رجع إليه بلفظ لا ينعقد به البيع ابتداء، فلم يكن بيعا، كالردّ بالعيب.

إذا عرفت هذا، فالإقالة إذا ذكرت بلفظ الإقالة، فيه الخلاف السابق، أمّا إذا ذكرت بلفظ الفسخ، فلا خلاف في أنّها فسخ، و ليست بيعا، قاله بعض الشافعيّة(1).

مسألة 628: و الإقالة فسخ في حقّ المتعاقدين و غيرهما، للأصل.

و لأنّ الصيغة ليست لفظ بيع. و لأنّ ما كان فسخا في حقّ المتعاقدين كان فسخا في حقّ غيرهما، كالردّ بالعيب.

و قال أبو حنيفة: إنّها فسخ في حقّ المتعاقدين، و هي بمنزلة البيع في حقّ غيرهما، فيثبت فيها الشفعة للشفيع، لأنّ الإقالة نقل ملك بعوض هو مال، فيثبت فيه الشفعة، كالبيع(2).

و نمنع كونها نقل ملك، بل إعادة للملك الأوّل، فبها يعود الملك الأوّل إذا فسخ العقد.

و قال أبو يوسف: هي بيع بعد القبض، و فسخ قبله، إلاّ في العقار، فإنّها بيع فيه قبل القبض و بعده(3).

مسألة 629: لا تثبت الشفعة عندنا بالإقالة

و إن أتى بها قاصدا لها بلفظ البيع، لأنّ القصد المعنى.

ص: 118


1- العزيز شرح الوجيز 281:4، روضة الطالبين 153:3.
2- الهداية - للمرغيناني - 54:3-55، الاختيار لتعليل المختار 16:2، تحفة الفقهاء 110:2-111، بدائع الصنائع 306:5 و 308، حلية العلماء 385:4، العزيز شرح الوجيز 282:4، المغني 244:4، الشرح الكبير 132:4.
3- حلية العلماء 386:4.

و قال أبو حنيفة: يثبت فيها الشفعة و إن كان بلفظ الإقالة(1).

و لو تقايلا في الصرف، لم يجب التقابض في المجلس، لأنّها ليست بيعا. و من جعلها بيعا أوجب التقابض فيه.

و تجوز الإقالة قبل قبض المبيع، لأنّها ليست بيعا. و من جعلها بيعا منع.

و تجوز في السّلم قبل القبض إن كانت فسخا، و إن كانت بيعا، فلا.

و لا تجوز الإقالة بعد تلف المبيع إن كانت بيعا، و تجوز إن كانت فسخا.

و للشافعيّة على تقدير كونها فسخا وجهان:

أحدهما: المنع، كالردّ بالعيب.

و أصحّهما عندهم: الجواز، كالفسخ بالتحالف، فعلى هذا يردّ المشتري على البائع مثل المبيع إن كان مثليّا، و قيمته إن كان متقوّما(2).

مسألة 630: يشترط في الإقالة عدم الزيادة في الثمن

و النقصان فيه لا قدرا و لا وصفا، فلو أقاله بأكثر أو أقلّ، فسدت الإقالة، و كان المبيع باقيا على ملك المشتري - و به قال الشافعي(3) - لأنها فسخ في الحقيقة، و مقتضاه عود كلّ عوض إلى مالكه، و ليست من الألفاظ الناقلة، كالبيع و شبهه بحيث يحصل ملك الزيادة بها.

ص: 119


1- تحفة الفقهاء 110:2-111، بدائع الصنائع 308:5، الاختيار لتعليل المختار 17:2، حلية العلماء 385:4، العزيز شرح الوجيز 282:4.
2- التهذيب - للبغوي - 493:3-494، العزيز شرح الوجيز 282:4، روضة الطالبين 154:3.
3- حلية العلماء 386:4، التهذيب - للبغوي - 491:3، العزيز شرح الوجيز 4: 282، روضة الطالبين 154:3.

و قال أبو حنيفة: تصحّ الإقالة، و يبطل الشرط، و يجب ردّ الثمن، لأنّ الإقالة تصحّ بغير ذكر بدل، فإذا ذكره فاسدا، لم تبطل، كالنكاح(1).

و نحن نقول: إنّه أسقط حقّه من المبيع بشرط أن يحصل له العوض الذي شرطه، فإذا لم يسلم له الذي شرطه و لا بذل له، لم يزل ملكه عنه، بخلاف النكاح، فإنّه يثبت فيه عوض آخر. و لأنّ شرط الزيادة يخرج الإقالة عن موضوعها، فلم تصحّ، بخلاف النكاح.

مسألة 631: تصحّ الإقالة في بعض المسلم فيه

- و به قال عطاء و طاوس و عمرو بن دينار و الحكم بن عيينة، و إليه ذهب أبو حنيفة و الشافعي و الثوري، و روي عن عبد اللّه بن عباس أنّه قال: لا بأس به(2) - و هو المعروف، لأنّ الإقالة مستحبّة، و هي من المعروف، و كلّ معروف جاز في جميع العوض جاز في بعضه، كالإبراء و الإنظار.

و قال مالك و ربيعة و الليث بن سعد و ابن أبي ليلى: لا يجوز ذلك.

و كرهه أحمد و إسحاق، و رواه ابن المنذر عن ابن عمر و الحسن و ابن سيرين و النخعي، لأنّه إذا أقاله في بعضه فقد صار بيعا و سلفا، و قد نهى النبيّ عليه السّلام عن البيع و السلف(3). [و](4) لأنّه إذا أقاله في بعضه و ردّ بعض

ص: 120


1- تحفة الفقهاء 111:2، الهداية - للمرغيناني - 55:3، الاختيار لتعليل المختار 16:2، حلية العلماء 386:4، التهذيب - للبغوي - 492:3.
2- المغني و الشرح الكبير 372:4، مختصر اختلاف العلماء 26:3، 1096، حلية العلماء 387:4، التهذيب - للبغوي - 493:3، العزيز شرح الوجيز 283:4، روضة الطالبين 155:3، بداية المجتهد 206:2.
3- سنن البيهقي 348:5، شرح معاني الآثار 46:4.
4- زيادة يقتضيها السياق.

رأس المال، يصير في معنى القرض، لأنّه ردّ مثله، و يصير الباقي بيعا(1).

و هو منقوض بالرجوع بأرش العيب، فإنّه في معنى ما ذكروه.

و كذلك ينتقض باليسير، فانّ بعضهم كان يسلّم جواز الإقالة في اليسير منه.

على أنّا نمنع من كونه قرضا. و ردّ المثل لا يوجب كونه قرضا، و إلاّ لزم أن يكون البيع إذا أقيل منه قرضا، لوجوب ردّ المثل، و ليس كذلك.

سلّمنا، لكن نمنع استحالة اجتماعهما في البيع، لكن منع الاجتماع إنّما يكون إذا كان شرطا في البيع، و أمّا لو أسلفه شيئا و باعه شيئا، جاز إذا لم يشترط أحدهما في الآخر عندهم(2).

مسألة 632: لو اشترى عبدين و تلف أحدهما، صحّت الإقالة عندنا،

لأنّها فسخ.

و من قال: إنّها بيع فوجهان في الإقالة في التالف بالترتيب، إذ القائم تصادفه الإقالة فيستتبع التالف(3).

و إذا تقايلا و المبيع في يد المشتري، نفذ تصرّف البائع فيه، لأنّها فسخ.

و من جعلها بيعا منع، إذ لا يصحّ التصرّف في المبيع قبل قبضه.

و لو تلف في يده، انفسخت الإقالة عند من قال: إنّها بيع، و بقي البيع كما كان.

ص: 121


1- بداية المجتهد 206:2، المغني و الشرح الكبير 372:4، حلية العلماء 4: 387، التهذيب - للبغوي - 493:3، مختصر اختلاف العلماء 26:3، 1096.
2- لم نعثر عليه في مظانّه.
3- العزيز شرح الوجيز 282:4، روضة الطالبين 154:3.

و من قال: إنّها فسخ صحّت الإقالة، و كان على المشتري الضمان، لأنّه مقبوض على حكم العوض، كالمأخوذ قرضا و سوما. و الواجب فيه إن كان متقوّما أقلّ القيمتين من يوم العقد و القبض.

و لو تعيّب في يده، فإن كانت بيعا، تخيّر البائع بين إجازة الإقالة مجّانا، و بين أن يفسخ و يأخذ الثمن. و إن كانت فسخا، غرم أرش العيب.

و لو استعمله بعد الإقالة، فإن جعلناها بيعا، فهو كالمبيع يستعمله البائع. و إن جعلناها فسخا، فعليه الأجرة.

و لو عرف البائع بالمبيع عيبا كان قد حدث في يد المشتري قبل الإقالة، فلا ردّ له إن كانت فسخا. و إن كانت بيعا، فله ردّه(1).

و يجوز للمشتري حبس المبيع لاسترداد الثمن على القولين.

و لا يشترط [ذكر](2) الثمن في الإقالة.

و لو أقاله على أن ينظره بالثمن أو على أن يأخذ الصحاح عوض المكسّرة، لم يجز.

و يجوز للورثة الإقالة بعد موت المتبايعين.

و تجوز الإقالة في بعض المبيع - كما تقدّم - إذا لم تستلزم الجهالة.

قال الجويني: لو اشترى عبدين و تقايلا في أحدهما، لم تجز على قول [إنّها](3) بيع، للجهل بحصّة كلّ واحد منهما(4).

و تجوز الإقالة في بعض المسلم فيه، لكن لو أقاله في البعض ليعجّل5.

ص: 122


1- في «س، ي» و الطبعة الحجريّة: «ردّها». و الصحيح ما أثبتناه.
2- بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «فك». و الظاهر ما أثبتناه.
3- بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «إنّه». و الظاهر ما أثبتناه.
4- العزيز شرح الوجيز 282:4-283، روضة الطالبين 154:3-155.

الباقي أو عجّل المسلم إليه البعض ليقيله في الباقي، فهي فاسدة.

نعم، لو قال للمسلم إليه: عجّل لي حقّي، و أخذ دون ما استحقّه بطيبة من نفسه، كان جائزا، لأنّه نوع صلح و تراض، و هو جائز.

و قال الشافعي: لا يجوز(1).

مسألة 633: لا تسقط اجرة الدلاّل و الوزّان و الناقد بعد هذه الأفعال بالإقالة،

لأنّ سبب الاستحقاق ثابت، فلا يبطل بالطارئ.

و لو اختلفا في قيمة التالف من العبدين، فالقول قول من ينكر الزيادة مع اليمين.

ص: 123


1- لم نعثر عليه في مظانّه.

ص: 124

المقصد الثامن: في اللواحق

اشارة

و فيه فصلان:

الأوّل: في أنواع المكاسب.
مسألة 634: طلب الرزق للمحتاج واجب،

و إذا لم يكن له وجه التحصيل إلاّ من المعيشة، وجب عليه.

قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: «ملعون من ألقى كلّه على الناس»(1).

و هو أفضل من التخلّي للعبادة.

روى عليّ بن عبد العزيز عن الصادق عليه السّلام قال: «ما فعل عمر بن مسلم ؟» قال: جعلت فداك أقبل على العبادة و ترك التجارة، فقال: «ويحه أما علم أنّ تارك الطلب لا يستجاب له، إنّ قوما من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لمّا نزلت وَ مَنْ يَتَّقِ اللّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً. وَ يَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ (2) أغلقوا الأبواب و أقبلوا على العبادة، و قالوا: قد كفينا، فبلغ ذلك النبيّ صلّى اللّه عليه و آله، فأرسل إليهم فقال: ما حملكم على ما صنعتم ؟ فقالوا:

يا رسول اللّه تكفّل لنا بأرزاقنا فأقبلنا على العبادة، فقال: إنّه من فعل ذلك لم يستجب له، عليكم بالطلب»(3).

و سأل عمر بن زيد الصادق عليه السّلام: رجل قال: لأقعدنّ في بيتي

ص: 125


1- الكافي 72:5، 7، التهذيب 327:7، 902.
2- الطلاق: 2 و 3.
3- الكافي 84:5، 5، الفقيه 119:3-120، 509، التهذيب 323:6، 885.

و لأصلّينّ و لأصومنّ و لأعبدنّ ربّي عزّ و جلّ، فأمّا رزقي فسيأتيني، فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام: «هذا أحد الثلاثة الذين لا يستجاب لهم»(1).

و سأل العلاء بن كامل الصادق عليه السّلام أن يدعو له اللّه تعالى أن يرزقه في دعة، فقال: «لا أدعو لك، اطلب كما أمرك اللّه»(2).

و سأل الصادق عليه السّلام عن رجل، فقيل: أصابته حاجة، قال: «فما يصنع اليوم ؟» قيل(3): في البيت يعبد ربّه عزّ و جلّ، قال: «فمن أين قوته ؟» قيل: من عند بعض إخوانه، فقال الصادق عليه السّلام: «و اللّه للذي(4) يقوته أشدّ عبادة منه»(5).

و قال الباقر عليه السّلام: «من طلب الدنيا استعفافا عن الناس و سعيا على أهله و تعطّفا على جاره لقي اللّه عزّ و جلّ يوم القيامة و وجهه مثل القمر ليلة البدر»(6).

مسألة 635: و في طلب الرزق ثواب عظيم.

قال اللّه تعالى فَامْشُوا فِي مَناكِبِها وَ كُلُوا مِنْ رِزْقِهِ (7).

و قال الباقر عليه السّلام: «قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: العبادة سبعون جزءا أفضلها طلب الحلال»(8).

ص: 126


1- الكافي 77:5، 1، التهذيب 323:6، 887.
2- الكافي 78:5، 3، التهذيب 324:6، 888.
3- في «س، ي» و الطبعة الحجريّة: «قال» بدل «قيل». و ما أثبتناه من المصدر.
4- في «س، ي» و الطبعة الحجريّة: «باللّه الذي». و ما أثبتناه من المصدر.
5- الكافي 78:5، 4، التهذيب 324:6، 889.
6- الكافي 78:5، 5، التهذيب 324:6، 890.
7- الملك: 15.
8- الكافي 78:5، 6، التهذيب 324:6، 891.

و قال الصادق عليه السّلام: «يا هشام إن رأيت الصفّين قد التقيا فلا تدع طلب الرزق في ذلك اليوم»(1).

و قال الصادق عليه السّلام: «إنّ محمّد بن المنكدر كان يقول: ما كنت أرى أنّ عليّ بن الحسين عليهما السّلام يدع خلفا أفضل من عليّ بن الحسين حتى رأيت ابنه محمّد بن عليّ عليهما السّلام فأردت أن أعظه فوعظني، فقال له أصحابه: بأيّ شيء وعظك ؟ قال: خرجت إلى بعض نواحي المدينة في ساعة حارّة، فلقيني أبو جعفر محمّد بن عليّ عليهما السّلام و كان رجلا بادنا ثقيلا و هو متّكئ على غلامين أسودين أو موليين، فقلت في نفسي: سبحان اللّه شيخ من أشياخ قريش في هذه الساعة على هذه الحال في طلب الدنيا، أما لأعظنّه، فدنوت منه فسلّمت عليه، فردّ عليّ بنهر و هو يتصابّ عرقا، فقلت:

أصلحك اللّه شيخ من أشياخ قريش في هذه الساعة على هذه الحال في طلب الدنيا، أ رأيت لو جاء أجلك و أنت على هذه الحال ما كنت تصنع ؟ فقال عليه السّلام: لو جاءني الموت و أنا على هذه الحال جاءني و أنا في طاعة من طاعات اللّه عزّ و جلّ، أكف بها نفسي و عيالي عنك و عن الناس، و إنّما كنت أخاف أن لو جاءني(2) الموت و أنا على معصية من معاصي اللّه عزّ و جلّ، فقلت: صدقت يرحمك اللّه، أردت أن أعظك فوعظتني»(3).

و أعتق أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السّلام ألف مملوك من كدّ يده(4).5.

ص: 127


1- الكافي 78:5، 7، التهذيب 324:6، 892.
2- في «س، ي» و الطبعة الحجريّة: «جاء» بدل «جاءني». و ما أثبتناه من المصدر.
3- الكافي 73:5-74، 1، التهذيب 325:6، 894.
4- الكافي 74:5، 4، التهذيب 325:6-326، 895.

و قال الصادق عليه السّلام: «أوحى اللّه عزّ و جلّ إلى داود عليه السّلام أنّك نعم العبد لو لا أنّك تأكل من بيت المال و لا تعمل بيدك شيئا» قال: «فبكى داود عليه السّلام أربعين صباحا، فأوحى اللّه عزّ و جلّ إلى الحديد أن لن لعبدي داود، فألان اللّه تعالى له الحديد، فكان يعمل كلّ يوم درعا فيبيعها بألف درهم، فعمل ثلاثمائة و ستّين درعا، فباعها بثلاثمائة و ستّين ألفا، و استغنى عن بيت المال»(1).

و قال محمّد بن عذافر عن أبيه، قال: أعطى أبو عبد اللّه عليه السّلام أبي ألفا و سبعمائة دينار، فقال له: «اتّجر لي بها» ثمّ قال: «أما إنّه ليس لي رغبة في ربحها و إن كان الربح مرغوبا فيه، و لكن أحببت أن يراني اللّه عزّ و جلّ متعرّضا لفوائده» قال: فربحت فيها مائة دينار، ثمّ لقيته فقلت: قد ربحت لك فيها مائة دينار، قال: ففرح أبو عبد اللّه عليه السّلام بذلك فرحا شديدا، ثمّ قال: «أثبتها لي في رأس مالي»(2).

و قال الصادق عليه السّلام في تفسير قوله تعالى رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَ فِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً (3): «رضوان اللّه و الجنّة في الآخرة، و المعاش و حسن الخلق في الدنيا»(4).

و قال رجل للصادق عليه السّلام: و اللّه إنّا لنطلب الدنيا و نحبّ أن نؤتى بها، فقال: «تحبّ أن تصنع بها ما ذا؟» قال: أعود بها على نفسي و عيالي و أصل منها و أتصدّق و أحجّ و أعتمر، فقال الصادق عليه السّلام: «ليس هذا طلب الدنيا،0.

ص: 128


1- التهذيب 326:5، 896.
2- الكافي 76:5، 12، التهذيب 326:6-327، 898.
3- البقرة: 201.
4- الكافي 71:5، 2، التهذيب 327:6، 900.

هذا طلب الآخرة»(1).

و قال معاذ بن كثير - صاحب الأكسية - للصادق عليه السّلام: قد هممت أن أدع السوق و في يدي شيء، قال: «إذن يسقط رأيك، و لا يستعان بك على شيء»(2).

مسألة 636: و لا ينبغي الإكثار في ذلك،

بل ينبغي الاقتصار على ما يموّن نفسه و عياله و جيرانه و يتصدّق به.

قال الباقر عليه السّلام: «قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في حجّة الوداع: ألا إنّ الروح الأمين نفث في روعي أنّه لا تموت نفس حتى تستكمل رزقها، فاتّقوا اللّه عزّ و جلّ، و أجملوا في الطلب، و لا يحملنّكم استبطاء شيء من الرزق أن تطلبوه بشيء من معصية اللّه، فإنّ اللّه تعالى قسّم الأرزاق بين خلقه حلالا، و لم يقسّمها حراما، فمن اتّقى اللّه عزّ و جلّ و صبر أتاه اللّه برزقه من حلّه، و من هتك حجاب الستر و عجّل فأخذه من غير حلّه قصّ به من رزقه الحلال، و حوسب عليه يوم القيامة»(3).

و قال الصادق عليه السّلام: «ليكن طلبك المعيشة فوق كسب المضيّع و دون طلب الحريص الراضي بدنياه المطمئنّ إليها، و لكن أنزل نفسك(4) من ذلك بمنزلة النصف(5) المتعفّف، ترفع نفسك عن منزلة الواهن الضعيف، و تكتسب ما لا بدّ للمؤمن منه، إنّ الذين أعطوا المال ثمّ لم يشكروا لا مال

ص: 129


1- الكافي 72:5، 10 بتفاوت يسير فيه، التهذيب 327:6-328، 903.
2- الكافي 149:5، 10، التهذيب 329:6، 908.
3- الكافي 80:5، 1، التهذيب 321:6، 880.
4- في «س، ي» و الطبعة الحجريّة: «و لكن اترك لنفسك». و ما أثبتناه من المصدر.
5- في الكافي و «ي»: «المنصف» بدل «النصف». و النصف: العدل. القاموس المحيط 200:3.

لهم»(1).

و قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: «منهومان لا يشبعان: منهوم دنيا، و منهوم علم، فمن اقتصر من الدنيا على ما أحلّ اللّه له سلم، و من تناولها من غير حلّها هلك إلاّ أن يتوب و يراجع، و من أخذ العلم من أهله و عمل به نجا، و من أراد به الدنيا فهي حظّه»(2).

و قال الصادق عليه السّلام: «ما أعطى اللّه عبدا ثلاثين ألفا و هو يريد به خيرا» و قال: «ما جمع رجل قطّ عشرة آلاف درهم من حلّ(3) و قد يجمعها لأقوام، إذا اعطي القوت و رزق العمل، فقد جمع اللّه له الدنيا و الآخرة»(4).

مسألة 637: فقد ثبت من هذا أنّ التكسّب واجب

إذا احتاج إليه الإنسان لقوت نفسه و قوت من تجب نفقته عليه، و لا وجه له سواه، و أمّا إذا قصد التوسعة على العيال و نفع المحاويج و إعانة من لا تجب عليه نفقته مع حصول قدر الحاجة بغيره، فإنّه مندوب إليه، لما تقدّم من الأحاديث.

و أمّا ما يقصد به الزيادة في المال لا غير مع الغناء عنه، فإنّه مباح.

و قد يكون مكروها إذا اشتمل على وجه نهي الشارع عنه نهي تنزيه، كالصرف، فإنّه لا يسلم من الربا، و بيع الأكفان، فإنّه يتمنّى موت الأحياء، و الرقيق و اتّخاذ الذبح و النحر صنعة، لما في ذلك من سلب الرحمة من القلب، و قد قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: «من قسا قلبه بعد من رحمة ربّه»(5).

ص: 130


1- الكافي 81:5، 8، التهذيب 322:6، 882.
2- الكافي 36:1، 1، التهذيب 328:6، 906.
3- في «س، ي» و الطبعة الحجريّة: «عشرة ألف من حلّ». و ما أثبتناه من المصدر.
4- التهذيب 328:6، 907.
5- وجدنا الحديث من دون «رحمه» في الكافي 199:3، 5، و التهذيب 1: 319، 928 عن الإمام الصادق عليه السّلام.

قال إسحاق بن عمّار: دخلت على الصادق عليه السّلام فخبّرته أنّه ولد لي غلام، فقال: «ألا سمّيته محمّدا؟» قال: قد فعلت، فقال: «لا تضرب محمّدا و لا تشتمه، جعله اللّه قرّة عين لك في حياتك و خلف صدق من بعدك» قلت: جعلت فداك فأيّ الأعمال(1) أضعه ؟ قال: «إذا عدلته [عن](2) خمسة أشياء فضعه حيث شئت، لا تسلّمه صيرفيّا، فإنّ الصيرفيّ لا يسلم من الربا، و لا تسلّمه بيّاع الأكفان، فإنّ صاحب الأكفان يسرّه الوباء إذا كان، و لا تسلّمه بيّاع طعام، فإنّه لا يسلم من الاحتكار، و لا تسلّمه جزّارا فإنّ الجزّار تسلب [منه](3) الرحمة، و لا تسلّمه نخّاسا، فإنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله قال: شرّ الناس من باع الناس»(4).

و قال الكاظم عليه السّلام: «جاء رجل إلى النبيّ صلّى اللّه عليه و آله، فقال: يا رسول اللّه قد علّمت ابني هذا الكتابة ففي أيّ شيء أسلمه ؟ فقال: أسلمه - للّه أبوك - و لا تسلّمه في خمسة أشياء: لا تسلّمه سبّاء(5) و لا صائغا و لا قصّابا و لا حنّاطا و لا نخّاسا قال: فقلت: يا رسول اللّه ما السبّاء؟ فقال: الذي يبيع الأكفان و يتمنّى موت أمّتي، و للمولود من أمّتي أحبّ إليّ ممّا طلعت عليه الشمس، و أمّا الصائغ فإنّه يعالج زين أمّتي، و أمّا القصّاب فإنّه يذبح حتى تذهب الرحمة من قلبه، و أمّا الحنّاط فإنّه يحتكر الطعام على أمّتي، و لأن يلقى اللّه العبد سارقا أحبّ إليّ من أن يلقاه قد احتكر طعاما أربعين يوما، و أمّا النخّاس فإنّه أتاني جبرئيل عليه السّلام فقال: يا محمّد إنّ شرّ أمّتك الذينة.

ص: 131


1- في المصدر: «في أيّ الأعمال».
2- ما بين المعقوفين من المصدر.
3- ما بين المعقوفين من التهذيب.
4- التهذيب 361:6-362، 1037، الإستبصار 62:3-63، 208.
5- في النهاية - لابن الأثير - 430:2: «سيّاء» بالياء المثنّاة التحتانيّة.

يبيعون الناس»(1).

مسألة 638: و يكره اتّخاذ الحياكة و النساجة صنعة،

لما فيهما من الضعة و الرذالة.

قال اللّه تعالى في قصّة نوح عليه السّلام قالُوا أَ نُؤْمِنُ لَكَ وَ اتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ (2).

و قال أمير المؤمنين عليه السّلام للأشعث بن قيس: «حائك بن حائك، منافق بن كافر»(3).

قيل: إنّه كان ينسج الإبراد(4).

و قيل: إنّ قومه كانوا كذلك(5).

و قال أبو إسماعيل الصيقل الرازي(6): دخلت على الصادق عليه السّلام و معي ثوبان، فقال لي: «يا أبا إسماعيل تجيئني من قبلكم أثواب كثيرة و ليس يجيئني مثل هذين الثوبين اللّذين تحملهما أنت» فقلت: جعلت فداك تغزلهما أمّ إسماعيل و أنسجهما أنا، فقال لي: «حائك ؟» قلت: نعم، قال: «لا تكن حائكا» قلت: فما أكون ؟ قال: «كن صيقلا» و كان معي مائتا دينار(7) فاشتريت بها سيوفا و مرايا عتقا و قدمت بها الريّ، و بعتها بربح

ص: 132


1- الفقيه 96:3، 369، التهذيب 362:6، 1038، الاستبصار 63:3، 209.
2- الشعراء: 111.
3- نهج البلاغة - بشرح محمّد عبده - 51:1-52، 18.
4- شرح نهج البلاغة - لابن ميثم البحراني - 324:1، حدائق الحقائق 212:1.
5- انظر: شرح نهج البلاغة - لابن أبي الحديد - 297:1.
6- في «س، ي» و الطبعة الحجريّة: «المرادي» بدل «الرازي». و ما أثبتناه من المصدر.
7- في المصدر: «درهم» بدل «دينار».

كثير(1).

مسألة 639: يكره كسب الحجّام مع الشرط.

قال الصادق عليه السّلام: «قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: إنّي أعطيت خالتي غلاما و نهيتها أن تجعله قصّابا أو حجّاما أو صائغا»(2).

و سأل أبو بصير الباقر عليه السّلام عن كسب الحجّام، فقال: «لا بأس به إذا لم يشارط»(3).

إذا ثبت هذا، فإنّ الأجرة ليست حراما، للأصل.

و قال الباقر عليه السّلام: «احتجم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، حجمه مولى لبني بياضة و أعطاه(4) ، و لو كان حراما، ما أعطاه، فلمّا فرغ قال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:

أين الدم ؟ قال: شربته يا رسول اللّه، فقال: ما كان ينبغي لك أن تفعل، و قد جعله اللّه عزّ و جلّ حجابا لك من النار، فلا تعد»(5).

تذنيب: إذا شارط، كره له الكسب مع الشرط، و لم يكره الشرط لمن يشارطه.

قال زرارة: سألت الباقر عليه السّلام عن كسب الحجّام، فقال: «مكروه له أن يشارط، و لا بأس عليك أن تشارطه و تماكسه، و إنّما يكره له، و لا بأس(6) عليك»(7).

ص: 133


1- الكافي 115:5، 6، التهذيب 363:6-364، 1042، الإستبصار 64:3، 213.
2- الكافي 114:5، 5، التهذيب 363:6، 1041، الإستبصار 64:3، 212.
3- الكافي 115:5، 1، التهذيب 354:6، 1008، الإستبصار 58:3، 190.
4- في التهذيب: «و أعطاه الأجر».
5- الكافي 116:5، 3، الفقيه 97:3، 372، التهذيب 355:6، 1010، الإستبصار 59:3، 192.
6- في «س، ي»: «فلا بأس». و ما أثبتناه من المصدر.
7- الكافي 116:5، 4، التهذيب 355:6، 1011، الاستبصار 59:3، 193.

و قال الصادق عليه السّلام: «إنّ رجلا سأل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عن كسب الحجّام، فقال: لك ناضح ؟ فقال له: نعم، فقال: اعلفه إيّاه و لا تأكله»(1).

و هذا يدلّ على حكمين: الكراهة حيث نهاه عن أكله، و على الإباحة حيث أمره أن(2) يعلف الناضح به.

و كذا القابلة كسبها مكروه مع الشرط، و لا معه طلق.

مسألة 640: لا بأس بأجر النائحة بالحقّ،

و يكره مع الشرط، و يحرم بالباطل.

قال حنان بن سدير: كانت امرأة معنا في الحيّ و لها جارية نائحة فجاءت إلى أبي، فقالت: يا عمّ أنت تعلم معيشتي من اللّه و هذه الجارية النائحة، و قد أحببت أن تسأل أبا عبد اللّه عليه السّلام عن ذلك، فإن كان حلالا، و إلاّ بعتها و أكلت من ثمنها حتى يأتي اللّه عزّ و جلّ بالفرج، فقال لها أبي:

و اللّه إنّي لأعظّم أبا عبد اللّه عليه السّلام أن أسأله عن هذه المسألة، قال: فلمّا قدمنا عليه أخبرته أنا بذلك، فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام: «أ تشارط؟» قلت: و اللّه ما أدري أ تشارط أم لا، قال: «قل لها: لا تشارط و تقبل كلّما أعطيت»(3).

و قال الصادق عليه السّلام: «لا بأس بأجر النائحة التي تنوح على الميّت»(4).

مسألة 641: يكره اجرة الضراب، لأنّه في معنى بيع عسيب الفحل.

و يكره إنزاء الحمير على الخيل، لأنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله نهى أن ينزى حمار على

ص: 134


1- التهذيب 356:6، 1014، الإستبصار 60:3، 196.
2- في «س، ي»: «بأن».
3- الكافي 117:5-118، 3، التهذيب 358:6، 1026، الاستبصار 60:3 - 61، 200.
4- الفقيه 98:3، 376، التهذيب 359:6، 1028، الاستبصار 60:3، 199.

عتيق، رواه السكوني عن الصادق(1) عليه السّلام. و في السند ضعف.

و ليس محرّما، للأصل.

و لما رواه هشام بن إبراهيم عن الرضا عليه السّلام، قال: سألته عن الحمير تنزيها على الرّمك(2) لتنتج البغال أ يحلّ ذلك ؟ قال: «نعم، أنزها»(3).

و لا تنافي بين الروايتين، لأنّ الإمام عليه السّلام سئل عن الحلّ، فأجاب بثبوته، و قوله: «أنزها» على سبيل الإباحة، و النهي الوارد عن النبي صلّى اللّه عليه و آله إنّما هو على سبيل التنزيه.

مسألة 642: كسب الصبيان و من لا يجتنب

مسألة 642: كسب الصبيان و من لا يجتنب(4) المحارم مكروه،

لعدم تحفّظهم من المحارم، و عدم الوثوق بإباحة ما حصّلوه.

و كذا تكره الصياغة و القصابة، و قد تقدّم بيانه في الرواية(5).

و يكره ركوب البحر للتجارة، لرواية محمّد بن مسلم عن الباقر و الصادق عليهما السّلام أنّهما كرها ركوب البحر للتجارة(6).

و لو حصل الخوف - كما في وقت اضطرابه و تكاثر الأهوية المختلفة - فإنّه يكون حراما.

قال الباقر عليه السّلام في ركوب البحر للتجارة: «يغرّر الرجل بدينه»(7).

ص: 135


1- التهذيب 377:6-378، 1105، الاستبصار 57:3، 184.
2- الرّمكة: البرذونة التي تتّخذ للنسل. و الجمع: رمك. لسان العرب 434:10 «رمك».
3- التهذيب 384:6، 1137، الإستبصار 57:3، 185.
4- في «س، ي»: «لا يتجنّب».
5- و هي حديث الإمام الكاظم عليه السّلام، المتقدّم في ص 131.
6- الكافي 256:5، 1، التهذيب 388:6، 1158.
7- الكافي 257:5، 4، التهذيب 388:6، 1159.

و سأل معلّى بن خنيس الصادق عليه السّلام: عن الرجل يسافر فيركب البحر، فقال: «إنّ أبي كان يقول: إنّه يضرّ بدينك هو ذا الناس يصيبون أرزاقهم و معايشهم»(1).

مسألة 643: يجوز أخذ الأجرة على تعليم الحكم و الآداب و الأشعار،

و يكره على تعليم القرآن، لأنّ أمير المؤمنين عليه السّلام جاءه رجل فقال:

يا أمير المؤمنين و اللّه إنّي لأحبّك للّه، فقال له: «و لكنّي أبغضك للّه» قال:

و لم ؟ قال: «لأنّك تبغي في الأذان، و تأخذ على تعليم القرآن أجرا، و سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقول: من أخذ على تعليم القرآن أجرا كان حظّه يوم القيامة»(2).

و عن إسحاق بن عمّار عن الكاظم عليه السّلام، قال: قلت: إنّ لنا جارا يكتب و قد سألني أن أسألك عن عمله، فقال: «مره إذا دفع إليه الغلام أن يقول لأهله: إنّي إنّما أعلّمه الكتاب و الحساب و أتّجر عليه بتعليم القرآن، حتى يطيب له كسبه»(3).

و عن حسان المعلّم قال: سألت الصادق عليه السّلام عن التعليم، فقال:

«لا تأخذ على التعليم أجرا» قلت: الشعر و الرسائل و ما أشبه ذلك أشارط عليه ؟ قال: «نعم، بعد أن يكون الصبيان عندك سواء في التعليم لا تفضّل بعضهم على بعض»(4).

ص: 136


1- الكافي 257:5، 5، التهذيب 388:6، 1160.
2- التهذيب 376:6، 1099.
3- التهذيب 364:6، 1044، الإستبصار 66:3، 217.
4- الكافي 121:5 (باب كسب المعلّم) الحديث 1، التهذيب 364:6، 1045، الاستبصار 65:3، 214.

و سأل الفضل بن أبي قرّة الصادق عليه السّلام: إنّ هؤلاء يقولون: إنّ كسب المعلّم سحت، فقال: «كذبوا أعداء اللّه، إنّما أرادوا أن لا يعلّموا القرآن، و لو أنّ المعلّم أعطاه رجل دية ولده كان للمعلّم مباحا»(1).

قال الشيخ رحمه اللّه: لا تنافي بين هذين الخبرين، لأنّ الخبر الأوّل محمول على أنّه لا يجوز له أن يشارط في تعليم القرآن أجرا معلوما، و الثاني على أنّه إن اهدي إليه شيء و أكرم بتحفة، جاز له أخذه، لرواية جرّاح المدائني عن الصادق عليه السّلام قال: «المعلّم لا يعلّم بالأجر، و يقبل الهديّة إذا اهدي إليه»(2).

قال قتيبة الأعشى للصادق عليه السّلام: إنّي أقرأ القرآن فتهدي إليّ الهديّة فأقبلها؟ قال: «لا» قال: قلت: إن لم أشارطه ؟ قال: «أ رأيت لو لم تقرأه أ كان يهدى لك ؟» قال: قلت: لا، قال: «فلا تقبله»(3).

و هو محمول على الكراهة، جمعا بين الأدلّة.

مسألة 644: و يكره خصا الحيوان،

لما فيه من الإيلام، و معاملة الظالمين، لعدم تحرّزهم عن المحرّمات.

و كذا تكره معاملة السفلة و الأدنين و المحارفين، لأنّ أمير المؤمنين عليه السّلام قال: «شاركوا من أقبل عليه الرزق فإنّه أجلب للرزق»(4).

ص: 137


1- الكافي 121:5 (باب كسب المعلّم) الحديث 2، الفقيه 99:3، 384، التهذيب 365:6، 1046، الاستبصار 65:3، 216.
2- التهذيب 365:6، و الحديث رقم 1047.
3- التهذيب 365:6، 1048، الاستبصار 66:3، 219.
4- نهج البلاغة - بشرح محمّد عبده - 204:3، 230 بتفاوت في بعض الألفاظ.

و كذا تكره معاملة ذوي العاهات و الأكراد و مجالستهم و مناكحتهم، لما روي من أنّهم حيّ من الجنّ(1).

و كذا تكره معاملة أهل الذمّة.

مسألة 645: من التجارة ما هو حرام،

و هو أقسام:

الأوّل: كلّ نجس لا يقبل التطهير، سواء كانت نجاسته ذاتيّة، كالخمر و النبيذ و الفقّاع و الميتة و الدم و أبوال ما لا يؤكل لحمه و أرواثه و الكلب و الخنزير و أجزائهما، أو عرضيّة، كالمائعات النجسة التي لا تقبل التطهير، إلاّ الدهن النجس بالعرض لفائدة الاستصباح تحت السماء خاصّة، لا تحت الأظلّة، لأنّ البخار الصاعد بالاشتعال لا بدّ أن يستصحب شيئا من أجزاء الدهن.

و لو كانت نجاسة الدهن ذاتيّة - كالألية المقطوعة من الميتة أو الحيّة - لم يجز الاستصباح بها تحت السماء أيضا.

و الماء النجس يجوز بيعه، لقبوله التطهير.

و أبوال ما يؤكل لحمه و إن كانت طاهرة إلاّ أنّ بيعها حرام، لاستخباثها، إلاّ بول الإبل للاستشفاء بها.

و يجوز بيع كلب الصيد و الزرع و الماشية و الحائط، و إجارتها و اقتناؤها و إن هلكت الماشية، و تربيتها.

و يحرم اقتناء الأعيان النجسة إلاّ لفائدة، كالكلب و السرجين لتربية الزرع، و الخمر للتخليل.

و يحرم أيضا اقتناء المؤذيات، كالحيّات و العقارب و السباع.

ص: 138


1- الكافي 158:5، 2، الفقيه 100:3، 390، التهذيب 11:7، 42.

الثاني: كلّ ما يكون المقصود منه حراما، كآلات اللهو، كالعود، و آلات القمار، كالنرد و الشطرنج، و هياكل العبادة، كالصنم، و بيع السلاح لأعداء الدين و إن كانوا مسلمين، لما فيه من الإعانة على الظلم، و إجارة السفن و المساكن للمحرّمات، و بيع العنب ليعمل خمرا، و الخشب ليعمل صنما و آلة قمار، و يكره بيعهما على من يعمل ذلك من غير شرط، و التوكيل في بيع الخمر و إن كان الوكيل ذمّيّا.

و ليس للمسلم منع الذمّي المستأجر داره من بيع الخمر فيها سرّا. و لو آجره لذلك، حرم.

و لو آجر دابّة لحمل خمر، جاز إن كان للتخليل و الإراقة، و إلاّ فلا.

و لا بأس ببيع ما يكنّ من آلة السلاح على أعداء الدين و إن كان وقت الحرب.

الثالث: بيع ما لا ينتفع به، كالحشرات، مثل: الفأر و الحيّات و الخنافس و العقارب و السباع ممّا لا يصلح للصيد، كالأسد و الذئب و الرّخم و الحدأة و الغراب و بيوضها، و المسوخ البرّيّة، كالقرد و إن قصد به حفظ المتاع، و الدبّ، أو بحريّة، كالجرّي و السلاحف و التمساح.

و لو قيل بجواز [بيع](1) السباع كلّها، لفائدة الانتفاع بجلودها، كان حسنا.

و يجوز بيع الفيل و الهرّ، و ما يصلح للصيد، كالفهد، و بيع دود القزّ و النحل مع المشاهدة و إمكان التسليم.

و كذا يجوز بيع عامّ الوجود، كالماء و التراب و الحجارة.ق.

ص: 139


1- الزيادة يقتضيها السياق.

و يحرم بيع الترياق، لاشتماله على الخمر و لحوم الأفاعي. و لا يجوز شربه للتداوي إلاّ مع خوف التلف، و السمّ من الحشائش.

و النبات يجوز بيعه إن كان ممّا ينتفع به، كالسقمونيا، و إلاّ فلا.

و الأقرب: المنع من بيع لبن الآدميّات.

و لو باعه دارا لا طريق لها مع علم المشتري، جاز، و مع جهله يتخيّر.

الرابع: ما نصّ الشارع على تحريمه عينا، كعمل الصّور المجسّمة، و الغناء و تعليمه و استماعه، و أجر المغنّية.

قال الصادق عليه السّلام و قد سأله رجل عن بيع الجواري المغنّيات، فقال:

«شراؤهنّ حرام، و بيعهنّ حرام، و تعليمهنّ كفر، و استماعهنّ نفاق»(1).

و قال الصادق عليه السّلام: «المغنّية ملعونة، ملعون من أكل كسبها»(2).

و أوصى إسحاق بن عمر عند وفاته بجوار له مغنّيات أن يبعن و يحمل ثمنهنّ إلى أبي الحسن عليه السّلام، قال إبراهيم بن أبي البلاد: فبعت الجواري بثلاثمائة ألف درهم، و حملت الثمن إليه، فقلت له: إنّ مولى لك يقال له:

إسحاق بن عمر أوصى عند وفاته ببيع جوار له مغنّيات و حمل الثمن إليك، و قد بعتهنّ و هذا الثمن ثلاثمائة ألف درهم، فقال: «لا حاجة لي فيه، إنّ هذا سحت، و تعليمهنّ كفر، و الاستماع منهنّ نفاق، و ثمنهنّ سحت»(3).

أمّا المغنّية في الأعراس فقد ورد رخصة بجواز كسبها إذا لم تتكلّم بالباطل و لم تلعب بالملاهي و لم يدخل الرجال عليها.4.

ص: 140


1- الكافي 120:5، 5، التهذيب 356:6، 1018، الإستبصار 61:3، 201.
2- الكافي 120:5، 6، التهذيب 357:6، 1020، الإستبصار 61:3، 203.
3- الكافي 120:5، 7، التهذيب 357:6، 1021، الاستبصار 61:3، 204.

روي عن الصادق عليه السّلام أنّه قال: «أجر المغنّية التي تزفّ العرائس ليس به بأس و ليست بالتي يدخل عليها الرجال»(1).

إذا ثبت هذا، فإن أدخلت الرجال أو غنّت بالكذب، كان حراما، لما تقدّم.

و لما رواه أبو بصير عن الباقر عليه السّلام، قال: سألته عن كسب المغنّيات، فقال: «التي يدخل عليها الرجال حرام، و التي تدعى إلى الأعراس ليس به بأس، و هو قول اللّه عزّ و جلّ وَ مِنَ النّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللّهِ (2)»(3).

مسألة 646: القمار حرام

و تعلّمه و استعماله و أخذ الكسب به حتى لعب الصبيان بالجوز و الخاتم.

قال اللّه تعالى وَ أَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلامِ (4) و قال تعالى:

وَ الْأَنْصابُ وَ الْأَزْلامُ (5) .

قال الباقر عليه السّلام: «لمّا أنزل اللّه تعالى على رسوله إِنَّمَا الْخَمْرُ وَ الْمَيْسِرُ وَ الْأَنْصابُ وَ الْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ (6) قيل:

يا رسول اللّه ما الميسر؟ قال: كلّ ما يقمروا به حتى الكعاب و الجوز، فقيل: و ما الأنصاب ؟ قال: ما ذبحوا لآلهتهم، قيل: و الأزلام ؟ قال: قداحهم

ص: 141


1- الكافي 120:5، 3، الفقيه 98:3، 376، التهذيب 357:6، 1022، الإستبصار 62:3، 205.
2- سورة لقمان: 6.
3- الكافي 119:5، 1، التهذيب 358:6، 1024، الإستبصار 62:3، 207.
4- المائدة: 3.
5- المائدة: 90.
6- المائدة: 90.

التي كانوا يستقسمون بها»(1).

و سأل إسحاق بن عمّار الصادق عليه السّلام: الصبيان يلعبون بالجوز و البيض و يقامرون، فقال: «لا تأكل منه فإنّه حرام»(2).

و كان الصادق عليه السّلام ينهى عن الجوز يجيء به الصبيان من القمار أن يؤكل، و قال: «هو سحت»(3).

مسألة 647: الغشّ و التدليس محرّمان،

كشوب اللبن بالماء، و تدليس الماشطة، و تزيين الرجل بالحرام.

قال الصادق عليه السّلام: «ليس منّا من غشّنا»(4).

و قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لرجل يبيع التمر: «يا فلان أما علمت أنّه ليس من المسلمين من غشّهم»(5).

و نهى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أن يشاب اللبن بالماء للبيع(6).

و لا بأس بكسب الماشطة إذا لم تفعل التدليس.

قال [عليّ](7): سألته عن امرأة مسلمة تمشط العرائس ليس لها معيشة غير ذلك و قد دخلها تضيّق، قال: «لا بأس، و لكن لا تصل الشعر بالشعر»(8).

ص: 142


1- الكافي 122:5-123، 2، الفقيه 97:3، 374، التهذيب 371:6، 1075، بتفاوت يسير في بعض الألفاظ.
2- الكافي 124:5، 10، التهذيب 370:6، 1069.
3- الكافي 123:5، 6، التهذيب 370:6، 1070.
4- الكافي 160:5، 1، التهذيب 12:7، 48.
5- الكافي 160:5، 2، التهذيب 12:7، 49.
6- الكافي 160:5، 5، الفقيه 173:3، 771، التهذيب 13:7، 53.
7- بدل ما بين المعقوفين في «س، ي» و الطبعة الحجريّة: «سماعة». و لقد ورد في المصدر لفظ «سماعة» في الحديث السابق بسطر واحد. و ما أثبتناه من المصدر.
8- التهذيب 359:6، 1030، و فيه: «و قد دخلها ضيق..».

و إذا لم يحصل تدليس بالوصل، لم يكن به بأس.

سئل [الباقر](1) عليه السّلام عن القرامل التي يضعها النساء في رءوسهن يصلنه بشعورهنّ، فقال: «لا بأس به على المرأة ما تزيّنت به لزوجها» فقيل له: بلغنا أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لعن الواصلة و الموصولة، فقال: «ليس هناك، إنّما لعن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله [الواصلة](2) التي تزني في شبابها، فإذا كبرت قادت النساء إلى الرجال، فتلك الواصلة و الموصولة»(3).

مسألة 648: و تحرم معونة الظالمين على الظلم.

قال ابن أبي يعفور: كنت عند الصادق عليه السّلام إذ دخل عليه رجل من أصحابنا، فقال له: أصلحك اللّه إنّه ربما أصاب الرجل منّا الضيق أو(4) الشدّة فيدعى إلى البناء يبنيه، أو النهر يكريه، أو المسنّاة يصلحها، فما تقول في ذلك ؟ فقال الصادق عليه السّلام: «ما أحبّ أنّي(5) عقدت لهم عقدة أو وكيت لهم وكاء و إنّ لي ما بين لابتيها لا و لا مدّة بقلم، إنّ أعوان الظلمة يوم القيامة في سرادق من نار حتى يحكم اللّه بين العباد»(6).

مسألة 649: يحرم حفظ كتب الضلال و نسخها لغير النقض أو الحجّة

و تعلّمها، و نسخ التوراة و الإنجيل، لأنّهما منسوخان محرّفان، و تعليمهما و تعلّمهما حرام، و أخذ الأجرة على ذلك.

ص: 143


1- بدل ما بين المعقوفين في «س، ي» و الطبعة الحجريّة: «الصادق». و ما أثبتناه هو الموافق لما في المصدر، و فيه: «أبو جعفر».
2- ما بين المعقوفين من المصدر.
3- الكافي 119:5، 3، التهذيب 360:6، 1032.
4- في «س، ي» و الطبعة الحجريّة: «و الشدّة.. إن عقدت». و ما أثبتناه كما في المصدر.
5- في «س، ي» و الطبعة الحجريّة: «و الشدّة.. إن عقدت». و ما أثبتناه كما في المصدر.
6- الكافي 107:5، 7، التهذيب 331:6، 919.

و كذا يحرم هجاء المؤمنين و الغيبة.

قال اللّه تعالى وَ لا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَ يُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً (1).

و يحرم سبّ المؤمنين و الكذب عليهم و النميمة(2) و مدح من يستحقّ الذمّ و بالعكس، و التشبيب بالمرأة المعروفة المؤمنة، بلا خلاف في ذلك كلّه.

مسألة 650: تعلّم السحر و تعليمه حرام.

و هو كلام يتكلّم به أو يكتبه أو(3) رقية أو يعمل شيئا [يؤثّر](4) في بدن المسحور أو قلبه أو عقله من غير مباشرة.

و هل له حقيقة ؟ قال الشيخ: لا، و إنّما هو تخييل(5).

و على كلّ تقدير لو استحلّه قتل.

و يجوز حلّ السحر بشيء من القرآن أو الذكر و الأقسام، لا بشيء منه.

روى إبراهيم بن هاشم قال: حدّثني شيخ من أصحابنا الكوفيّين، قال: دخل عيسى بن سيفي(6) على الصادق عليه السّلام - و كان ساحرا يأتيه الناس

ص: 144


1- الحجرات: 12.
2- في الطبعة الحجريّة: «التهمة» بدل «النميمة».
3- في «س، ي» و الطبعة الحجريّة: «و» بدل «أو». و الظاهر ما أثبتناه.
4- ما بين المعقوفين أضفناه لأجل السياق.
5- الخلاف 327:5-328، المسألة 14 من كتاب كفّارة القتل، المبسوط - للطوسي - 260:7.
6- في الكافي: «شفقي» بدل «سيفي». و في التهذيب - تحقيق السيّد حسن الخرسان - و كذا الفقيه: «شقفي». و في التهذيب - تحقيق علي أكبر الغفاري - كما في المتن.

و يأخذ على ذلك الأجر - فقال له: جعلت فداك أنا رجل كانت صناعتي السحر و كنت آخذ عليه الأجرة و كان معاشي، و قد حججت و منّ اللّه عليّ بلقائك و قد تبت إلى اللّه تعالى، فهل لي في شيء منه مخرج ؟ قال: فقال:

الصادق عليه السّلام: «حلّ و لا تعقد»(1).

و كذا يحرم تعلّم الكهانة و تعليمها، و الكاهن هو الذي له رئيّ(2) من الجنّ يأتيه بالأخبار. و يقتل ما لم يتب.

و التنجيم حرام، و كذا تعلّم النجوم مع اعتقاد تأثيرها في عالم العنصريّات على ما يقوله الفلاسفة.

و الشعبذة حرام. و هي الحركات السريعة جدّا بحيث يخفى على الحسّ الفرق بين الشيء و شبهه لسرعة(3) انتقاله من الشيء إلى شبهه.

و القيافة حرام عندنا.

مسألة 651: يحرم بيع المصحف،

لما فيه من الابتذال له و انتفاء التعظيم، بل ينبغي أن يبيع الجلد و الورق.

قال سماعة: سألته عن بيع المصاحف و شرائها، فقال: «لا تشتر كتاب اللّه، و لكن اشتر الحديد و الجلود(4) و الدفّتين(5) ، و قل: أشتري هذا منك بكذا و كذا»(6).

ص: 145


1- الكافي 115:5، 7، التهذيب 364:6، 1043، و انظر: الفقيه 110:3، 463.
2- يقال للتابع من الجنّ: رئيّ، بوزن كميّ، سمّي به لأنّه يتراءى لمتبوعه. النهاية - لابن الأثير - 178:2 «رأي».
3- في الطبعة الحجريّة: «بسرعة».
4- في المصدر: «و الورق» بدل «و الجلود».
5- في الطبعة الحجريّة: «و الدفين». و في «س، ي»: «و الدفتر». و ما أثبتناه من المصدر.
6- الكافي 121:5 (باب بيع المصاحف) الحديث 2.

و سأل جرّاح المدائني الصادق عليه السّلام: عن بيع المصاحف، فقال(1):

«لا تبع الكتاب و لا تشتره، و بع الورق و الأديم و الحديد»(2).

و لا بأس بأخذ الأجرة على كتبة القرآن.

قال الصادق عليه السّلام و قد سأله روح بن عبد الرحيم(3) ، فقال له: ما ترى أن أعطي على كتابته أجرا؟ قال: «لا بأس»(4).

مسألة 652: يحرم تعشير المصاحف بالذهب و زخرفتها.

قال سماعة: سألته عن رجل يعشّر المصاحف بالذهب، فقال:

«لا يصلح» فقال: إنّها معيشتي، فقال: «إنّك إن تركته للّه جعل اللّه لك مخرجا»(5).

و الأولى عندي الكراهة دون التحريم، عملا بالأصل، و استضعافا للرواية، لأنّها غير مستندة إلى إمام، و الرواة ضعفاء.

و يكره كتبة القرآن بالذهب.

قال محمّد الورّاق(6): عرضت على الصادق عليه السّلام كتابا فيه قرآن مختّم معشّر بالذهب، و كتب في آخره سورة بالذهب، فأريته إيّاه، فلم يعب منه شيئا إلاّ كتابة القرآن بالذهب، فإنّه قال: «لا يعجبني أن يكتب القرآن إلاّ بالسواد كما كتب أوّل مرّة»(7).

ص: 146


1- في «س، ي»: «قال».
2- التهذيب 366:6، 1051.
3- في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «عبد الرحمن». و ما أثبتناه من المصدر.
4- الكافي 121:5-122، 3، التهذيب 366:6، 1053.
5- التهذيب 366:6، 1055.
6- في الكافي: «محمّد بن الورّاق».
7- الكافي 460:2، 8، التهذيب 367:6، 1056.
مسألة 653: السرقة و الخيانة حرام بالنصّ و الإجماع،

و كذا بيعهما.

و لو وجد عنده سرقة، ضمنها، إلاّ أن يقيم البيّنة بشرائها، فيرجع على بائعها مع جهله.

روى جرّاح عن الصادق عليه السّلام قال: «لا يصلح شراء السرقة و الخيانة إذا عرفت»(1).

و قال الصادق عليه السّلام: «من اشترى سرقة و هو يعلم فقد شرك في عارها و إثمها»(2).

و قال الصادق عليه السّلام في الرجل يوجد عنده سرقة، فقال: «هو غارم إذا لم يأت على بائعها بشهود(3)»(4).

و لو اشترى بمال السرقة جارية أو ضيعة، فإن كان بالعين، بطل البيع، و إلاّ حلّ له وطؤ الجارية، و عليه وزر المال.

روى السكوني عن الصادق عن الباقر عن آبائه عليهم السّلام «لو أنّ رجلا سرق ألف درهم فاشترى بها جارية أو أصدقها امرأة فإنّ الزوجة(5) له حلال، و عليه تبعة المال»(6).

و لو حجّ به مع وجوب الحجّ بدونه، برئت ذمّته إلاّ في الهدي.

و لو طاف أو سعى في الثوب المغصوب أو على الدابّة المغصوبة،

ص: 147


1- الكافي 228:5، 4، التهذيب 374:6، 1089.
2- الكافي 229:5، 6، التهذيب 374:6، 1090.
3- في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «شهود». و في التهذيب: «شهودا». و ما أثبتناه من الكافي.
4- الكافي 229:5، 7، التهذيب 374:6، 1091.
5- في المصدر: «الفرج» بدل «الزوجة».
6- التهذيب 386:6، 1147، و 215:8، 767.

بطل.

مسألة 654: التطفيف في الكيل و الوزن حرام بالنصّ

و الإجماع.

قال اللّه تعالى وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ. اَلَّذِينَ إِذَا اكْتالُوا عَلَى النّاسِ يَسْتَوْفُونَ. وَ إِذا كالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ (1).

و يحرم الرشا في الحكم و إن حكم على باذله بحقّ أو باطل.

الخامس: ما يجب على الإنسان فعله يحرم أخذ الأجر عليه، كتغسيل الموتى و تكفينهم و دفنهم.

نعم، لو أخذ الأجر على المستحبّ منها(2) ، فالأقرب: الجواز.

و تحرم الأجرة على الأذان، و قد سبق(3) ، و على القضاء، لأنّه واجب.

و يجوز أخذ الرزق عليهما من بيت المال.

و يجوز أخذ الأجرة على عقد النكاح و الخطبة في الإملاك(4).

و يحرم الأجر على الإمامة و الشهادة و قيامها.

مسألة 655: لو دفع إنسان إلى غيره مالا ليصرفه في المحاويج

أو في قبيل و كان هو منهم، فإن عيّن، اقتصر على ما عيّنه، و لا يجوز له إعطاء غيرهم، فإن فعل، ضمن.

و إن أطلق، فالأقرب: تحريم أخذه منه، لأنّ الظاهر أنّ الشخص هنا لا يتولّى طرفي القبض و الإقباض.

و لما رواه عبد الرحمن بن الحجّاج عن الصادق عليه السّلام في رجل أعطاه

ص: 148


1- المطفّفين: 1-3.
2- في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «منهما» بدل «منها». و الصحيح ما أثبتناه.
3- في ج 3 ص 81، المسألة 184.
4- الإملاك: التزويج. الصحاح 1610:4 «ملك».

رجل مالا ليقسمه في المساكين و له عيال محتاجون، أ يعطيهم منه من غير أن يستأذن(1) صاحبه ؟ قال: «نعم»(2).

و قال بعض علمائنا: يجوز له أن يأخذ مثل ما يعطي غيره، و لا يفضّل نفسه عليهم(3).

و هو عندي جيّد إن علم بقرينة الحال تسويغ ذلك.

إذا عرفت هذا، فإن كان الأمر بالدفع إلى قوم معيّنين، لم تشترط عدالة المأمور، و إلاّ اشترطت.

مسألة 656: يجوز أكل ما ينثر في الأعراس

مع علم الإباحة إمّا لفظا أو بشاهد الحال. و يكره انتهابه.

فإن لم يعلم قصد الإباحة، حرم، لأنّ الأصل عصمة مال المسلم.

قال إسحاق بن عمّار: قلت للصادق عليه السّلام: الإملاك يكون و العرس فينثر على القوم، فقال: «حرام، و لكن كل ما أعطوك منه»(4).

و قال أمير المؤمنين عليه السّلام: «لا بأس بنثر الجوز و السّكّر»(5).

و عن الكاظم عليه السّلام، قال: سألته عن النثار من السّكّر و اللوز و أشباهه أ يحلّ أكله ؟ قال: «يكره أكل ما انتهب»(6).

مسألة 657: الولاية من قبل العادل مستحبّة.

و قد تجب إذا ألزمه بها، أو كان الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر لا يتمّ إلاّ بولايته.

ص: 149


1- في المصدر: «يستأمر» بدل «يستأذن».
2- التهذيب 352:6-353، 1001.
3- المحقّق الحلّي في شرائع الإسلام 12:2.
4- التهذيب 370:6، 1071، الاستبصار 66:3، 220.
5- التهذيب 370:6، 1073، الإستبصار 66:3-67، 222.
6- الكافي 123:5، 7، التهذيب 370:6، 1072.

و تحرم من الجائر، إلاّ مع التمكّن من الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر، أو مع الإكراه بالخوف على النفس أو المال أو الأهل أو بعض المؤمنين، فيجوز حينئذ اعتماد ما يأمره إلاّ القتل الظلم، فإنّه لا يجوز له فعله و إن قتل.

و لو خاف ضررا يسيرا بترك الولاية، استحبّ له تحمّله، و كرهت له الولاية.

روى عمّار قال: سئل الصادق عليه السّلام: عن عمل السلطان يخرج فيه الرجل، قال: «لا، إلاّ أن لا يقدر على شيء [و لا](1) يأكل و لا يشرب و لا يقدر على حيلة، فإن فعل فصار في يده شيء فليبعث بخمسه إلى أهل البيت»(2).

و عن الوليد بن صبيح قال: دخلت على الصادق عليه السّلام فاستقبلني زرارة خارجا من عنده، فقال لي الصادق عليه السّلام: «يا وليد أما تعجب من زرارة سألني عن أعمال هؤلاء أيّ شيء كان يريد؟ [أ يريد](3) أن أقول له:

لا، فيروي ذلك عليّ؟» ثمّ قال: «يا وليد متى كانت الشيعة تسأل عن أعمالهم ؟ إنّما كانت الشيعة تقول: يؤكل من طعامهم، و يشرب من شرابهم، و يستظلّ بظلّهم، متى كانت الشيعة تسأل عن هذا؟»(4).

و روى حمّاد عن حميد قال: قلت للصادق عليه السّلام: إنّي(5) ولّيت عملار.

ص: 150


1- ما بين المعقوفين من المصدر.
2- التهذيب 330:6، 915.
3- ما بين المعقوفين من الكافي.
4- الكافي 105:5، 2، التهذيب 330:6-331، 917.
5- في «س، ي» و الطبعة الحجريّة: «أن» بدل «إنّي». و ما أثبتناه كما في المصدر.

فهل لي من ذلك مخرج ؟ فقال: «ما أكثر من طلب [من](1) ذلك المخرج فعسر عليه» قلت: فما ترى ؟ قال: «أرى أن تتّقي اللّه عزّ و جلّ و لا تعود»(2).

و كان النجاشي - و هو رجل من الدهاقين - عاملا على الأهواز و فارس، فقال بعض أهل عمله للصادق عليه السّلام: إنّ في ديوان النجاشي عليّ خراجا و هو ممّن يدين بطاعتك، فإن رأيت أن تكتب إليه كتابا، قال:

فكتب إليه كتابا: بسم اللّه الرحمن الرحيم، سرّ أخاك يسرّك اللّه» فلمّا ورد عليه الكتاب و هو في مجلسه و خلا ناوله الكتاب و قال: هذا كتاب الصادق عليه السّلام، فقبّله و وضعه على عينيه و قال: ما حاجتك ؟ فقال: عليّ خراج في ديوانك، قال له: كم هو؟ قال: عشرة آلاف درهم، قال: فدعا كاتبه فأمره بأدائها عنه، ثمّ أخرج مثله فأمره أن يثبتها له لقابل، ثمّ قال: هل سررتك ؟ قال: نعم، قال: فأمر له بعشرة آلاف درهم أخرى، فقال: هل سررتك ؟ فقال: نعم، جعلت فداك، قال: فأمر له بمركب ثمّ أمر له بجارية و غلام و تخت ثياب في كلّ ذلك يقول: هل سررتك ؟ فكلّما قال: نعم، زاده حتى فرغ قال له: احمل فرش هذا البيت الذي كنت جالسا فيه حين دفعت إليّ كتاب مولاي فيه، و ارفع إليّ جميع حوائجك، قال: ففعل، و خرج الرجل فصار إلى الصادق عليه السّلام بعد ذلك، فحدّثه بالحديث على جهته، فجعل يستبشر بما فعله، قال له الرجل: يا بن رسول اللّه فإنّه قد سرّك ما فعل بي ؟ قال: «إي و اللّه لقد سرّ اللّه و رسوله»(3).5.

ص: 151


1- ما بين المعقوفين من التهذيب. و في الكافي: «من طلب المخرج من ذلك».
2- الكافي 109:5، 15، التهذيب 332:6، 922.
3- الكافي 152:2 (باب إدخال السرور على المؤمنين) الحديث 9، التهذيب 6: 333-334، 925.
مسألة 658: جوائز الجائر إن علمت حراما لغصب و ظلم و شبهه حرم أخذها،

فإن أخذها، وجب عليه ردّها على المالك إن عرفه. و إن لم يعرفه، تصدّق بها عنه و يضمن، أو احتفظها أمانة في يده، أو دفعها إلى الحاكم. و لا يجوز له إعادتها إلى الظالم، فإن أعادها، ضمن، إلاّ أن يقهره الظالم على أخذها، فيزول التحريم.

أمّا الضمان فإن كان قد قبضها اختيارا، لم يزل عنه بأخذ الظالم لها كرها. و إن كان قد قبضها مكرها، زال الضمان أيضا.

و إن لم يعلم تحريمها، كانت حلالا بناء على الأصل.

قال محمّد بن مسلم و زرارة: سمعناه يقول: «جوائز العمّال ليس بها بأس»(1).

و قال الباقر عليه السّلام: «إنّ الحسن و الحسين عليهما السّلام كانا يقبلان جوائز معاوية»(2).

و لو علم أنّ العامل يظلم و لم يعلم أنّ المبيع بعينه ظلم، جاز شراؤه.

قال معاوية بن وهب: قلت للصادق عليه السّلام: أشتري من العامل الشيء و أنا أعلم أنّه يظلم، فقال: «اشتر منه»(3).

قال أبو المغراء: سأل رجل الصادق عليه السّلام و أنا عنده، فقال:

أصلحك اللّه أمرّ بالعامل فيجيزني بالدراهم آخذها؟ قال: «نعم» قلت:

و أحجّ بها؟ قال: «نعم»(4).

ص: 152


1- التهذيب 336:6، 931.
2- التهذيب 337:6، 935.
3- التهذيب 338:6، 938.
4- الفقيه 108:3، 450، التهذيب 338:6، 942.
مسألة 659: ما يأخذ الجائر من الغلاّت باسم المقاسمة،

و من الأموال باسم الخراج عن حقّ الأرض، و من الأنعام باسم الزكاة يجوز شراؤه و اتّهابه، و لا تجب إعادته على أصحابه و إن عرفوا، لأنّ هذا مال لا يملكه الزارع و صاحب الأنعام و الأرض، فإنّه حقّ للّه أخذه غير مستحقّه، فبرئت ذمّته، و جاز شراؤه.

و لأنّ أبا عبيدة سأل الباقر عليه السّلام: عن الرجل منّا يشتري من السلطان من إبل الصدقة و غنمها و هو يعلم أنّهم يأخذون منهم أكثر من الحقّ الذي يجب عليهم، فقال: «ما الإبل و الغنم إلاّ مثل الحنطة و الشعير و غير ذلك لا بأس به حتى تعرف الحرام بعينه» قيل له: فما ترى في مصدّق يجيئنا فيأخذ صدقات أغنامنا(1) ، نقول: بعناها، فيبيعناها، فما ترى في شرائها منه ؟ قال: «إن كان قد أخذها و عزلها فلا بأس» قيل له: فما ترى في الحنطة و الشعير يجيئنا القاسم فيقسم لنا حظّنا و يأخذ حظّه فيعزله بكيل، فما ترى في شراء ذلك الطعام منه ؟ فقال: «إن كان قبضه بكيل و أنتم حضور ذلك فلا بأس بشرائه منه بغير كيل»(2).

روى عبد الرحمن بن الحجّاج - في الصحيح - عن أبي الحسن عليه السّلام، قال: قال لي: «ما لك لا تدخل مع عليّ في شراء الطعام ؟ إنّي أظنّك ضيّقا» قال: قلت: نعم، فإن شئت وسّعت عليّ، قال: «اشتره»(3).

مسألة 660: إذا كان له مال حلال و حرام، وجب عليه تمييزه منه،

و دفع الحرام إلى أربابه، فإن امتزجا، أخرج بقدر الحرام، فإن جهل أربابه،

ص: 153


1- في «س، ي» و الطبعة الحجريّة: «أغنيائنا» بدل «أغنامنا». و ما أثبتناه من المصدر.
2- الكافي 228:5، 2، التهذيب 375:6، 1094.
3- التهذيب 336:6، 932.

تصدّق به عنهم، فإن جهل المقدار، صالح أربابه عليه، فإن جهل أربابه و مقداره، أخرج خمسه، و حلّ له الباقي.

قال الصادق عليه السّلام: «أتى رجل أمير المؤمنين عليه السّلام فقال: إنّي كسبت مالا أغمضت في مطالبه حلالا و حراما و قد أردت التوبة و لا أدري الحلال منه و الحرام و قد اختلط عليّ، فقال أمير المؤمنين عليه السّلام: تصدّق بخمس مالك، فإنّ اللّه عزّ و جلّ رضي من الأشياء بالخمس، و سائر المال لك»(1).

مسألة 661: تكره معاملة من لا يتحفّظ من الحرام،

فإن دفع إليه من الحرام، لم يجز له أخذه و لا شراؤه، فإن أخذه، ردّه على صاحبه. و إن بايعه بمال يعلم أنّه حلال، جاز. و إن اشتبه، كان مكروها.

قال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: «الحلال بيّن، و الحرام بيّن، و بين ذلك أمور متشابهات لا يعلمها كثير من الناس، فمن اتّقى الشبهات استبرأ لدينه و عرضه، و من وقع في الشبهات وقع في الحرام، كالراعي حول الحمى يوشك أن يقع فيه، ألا إنّ لكلّ ملك حمى، و حمى اللّه محارمه»(2).

و روى الحسن بن عليّ عليهما السّلام عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنّه كان يقول: «دع ما يريبك إلى ما لا يريبك»(3).

مسألة 662: الأجير إمّا عامّ أو خاصّ،

فالعامّ هو الذي يستأجر للعمل

ص: 154


1- الكافي 125:5، 5، التهذيب 368:6-369، 1065.
2- صحيح البخاري 20:1، صحيح مسلم 1219:3، 1599، سنن الترمذي 3: 511، 1205، سنن الدارمي 245:2، سنن البيهقي 264:5 باختلاف في بعض الألفاظ.
3- سنن الترمذي 668:4، 2518، سنن النسائي 327:8-328، سنن البيهقي 5: 335، مسند أحمد 329:1، 1724، المستدرك - للحاكم - 13:2، المعجم الكبير - للطبراني - 75:3، 2708، شرح السنّة - للبغوي - 13:5، 2032.

المطلق، فيجوز له فعله مباشرة و تسبيبا. و الخاصّ هو الذي يشترط عليه العمل مباشرة مدّة معيّنة، فلا يجوز أن يعمل لغير من استأجره إلاّ بإذنه.

و(1) لما رواه إسحاق بن عمّار عن الكاظم عليه السّلام، قال: سألته عن الرجل يستأجر الرجل بأجر معلوم فيعينه في صنعته(2) فيعطيه رجل آخر دراهم فيقول: اشتر لي كذا و كذا، فما ربحت فبيني و بينك، قال: «إذا أذن له الذي استأجره فليس به بأس»(3).

و يجوز للمطلق.

و ثمن الكفن حلال، و كذا ماء تغسيل الميّت و اجرة البدرقة.

مسألة 663: يجوز لمن مرّ بشيء من الثمرة في النخل

أو الفواكه الأكل منها إن لم يقصد، بل وقع المرور اتّفاقا. و لا يجوز له الإفساد و لا الأخذ و الخروج به، و لا يحلّ له الأكل أيضا مع القصد. و لو أذن المالك مطلقا، جاز.

روى محمّد بن مروان قال: قلت للصادق عليه السّلام: أمرّ بالثمرة فآخذ(4) منها، قال: «كل و لا تحمل» قلت: فإنّهم قد اشتروها، قال: «كل و لا تحمل» قلت: جعلت فداك إنّ التجّار قد اشتروها و نقدوا أموالهم، قال: «اشتروا ما ليس لهم»(5).

و عن يونس عن بعض رجاله عن الصادق عليه السّلام، قال: سألته عن

ص: 155


1- كذا، و الظاهر زيادة الواو حيث إنّها غير مسبوقة بذكر دليل حتى يتمّ العطف عليه.
2- كذا في النسخ الخطّيّة و الحجريّة المعتمدة في التحقيق، و في المصدر: «فيبعثه في ضيعته» بدل «فيعينه في صنعته».
3- التهذيب 381:6-382، 1125.
4- في المصدر: «فآكل» بدل «فآخذ».
5- التهذيب 383:6، 1134.

الرجل يمرّ بالبستان و قد حيط عليه أو لم يحط، هل يجوز له أن يأكل من ثمره و ليس يحمله على الأكل من ثمره إلاّ الشهوة و له ما يغنيه عن الأكل من ثمره ؟ و هل له أن يأكل منه من جوع ؟ قال: «لا بأس أن يأكل، و لا يحمله و لا يفسده»(1).

و هل حكم الزرع ذلك ؟ إشكال أقربه: المنع، لما رواه مروك بن عبيد عن بعض أصحابنا عن الصادق عليه السّلام، قال: قلت له: الرجل يمرّ على قراح الزرع يأخذ منه السنبلة، قال: «لا» قلت: أيّ شيء سنبلة ؟ قال: «لو كان كلّ من يمرّ به يأخذ سنبلة كان لا يبقى منه شيء»(2).

و كذا الخضراوات و البقول.

و لو منعه المالك، فالوجه: أنّه يحرم عليه التناول مطلقا إلاّ مع خوف التلف.

مسألة 664: روي أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله نهى عن بيعتين في بيعة

(3) .

و فسّر بأمرين:

أحدهما: أن يبيع الشيء بثمن نقدا و بآخر نسيئة. و قد بيّنّا بطلان هذا البيع.

و الثاني: أن يكون المراد به أن يقول: بعتك بكذا على أن تبيعني أنت كذا بكذا.

و الثاني عندنا صحيح، خلافا للشافعي، لأنّه شرط بيع ماله، و ذلك

ص: 156


1- التهذيب 383:6-384، 1135.
2- التهذيب 385:6، 1140.
3- سنن الترمذي 533:3، 1231، سنن النسائي 296:7، سنن البيهقي 343:5، مسند أحمد 366:2، 6591، و 246:3، 9795، و 297، 10157، الموطّأ 2: 663، 72.

غير واجب بالشرط(1).

و هو ممنوع، لقوله عليه السّلام: «المؤمنون عند شروطهم»(2) و قد تقدّم(3).

مسألة 665: النجش حرام،

لأنّه عليه السّلام نهى عنه(4) ، و هو خديعة، و ليس من أخلاق أهل الدين.

و معناه أن يزيد الرجل في ثمن سلعة لا يريد شراءها ليقتدي به المشترون بمواطاة البائع.

و روي أنّه عليه السّلام قال: «لا تناجشوا و لا تباغضوا و لا تحاسدوا و لا تدابروا و كونوا عباد اللّه إخوانا»(5).

إذا ثبت هذا، فإذا اشترى(6) المشتري مع النجش، كان البيع صحيحا - و به قال الشافعي(7) - لأصالة صحّة البيع. و قوله تعالى:

ص: 157


1- مختصر المزني: 88، الحاوي الكبير 341:5، المهذّب - للشيرازي - 274:1، الوسيط 72:3، التهذيب - للبغوي - 537:3، العزيز شرح الوجيز 104:4، روضة الطالبين 64:3، المجموع 338:9.
2- التهذيب 371:7، 1503، الاستبصار 232:3، 835، الجامع لأحكام القرآن 6: 33.
3- في ج 10 ص 224 و 250، المسألتان 112 و 118.
4- صحيح البخاري 91:3، سنن ابن ماجة 734:2، 2173، مسند أحمد 2: 171، 5282، و 249، 5828، و 334، 6415.
5- المعجم الصغير - للطبراني - 89:2، تاريخ بغداد 273:2، و بتفاوت في المعجم الأوسط - للطبراني - 157:7، 7021، و المصنّف - لابن أبي شيبة - 6: 571، 2074، و سنن البيهقي 92:6، و مسند أحمد 541:2، 7670.
6- في «س، ي»: «اشتراه».
7- الحاوي الكبير 343:5، المهذّب - للشيرازي - 298:1، حلية العلماء 4: 306، التهذيب - للبغوي - 538:3، العزيز شرح الوجيز 131:4، روضة الطالبين 82:3، بداية المجتهد 167:2، المغني 300:4، الشرح الكبير 88:4.

وَ أَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ (1) السالم عن معارضة النهي، لأنّه لمعنى في غير البيع، و إنّما هو الخديعة.

و قال مالك: يكون مفسوخا لأجل النهي عنه(2).

و يثبت للمشتري الخيار إذا علم بالنجش، سواء كان ذلك بمواطاة البائع و علمه أو لا إن اشتمل على الغبن، و إلاّ فلا.

و قال الشافعي: إذا علم أنّه كان نجشا، فإن لم يكن بمواطاة البائع و علم، فلا خيار. و إن كان، فقولان.

أظهرهما: عدم الخيار، لأنّه ليس فيه أكثر من الغبن، و ذلك لا يوجب(3) الخيار، لأنّ التفريط من المشتري حيث اشترى ما لا يعرف قيمته، فهو بمنزلة من اشترى ما لا يعرف قيمته، و غبنه بائعه.

و نحن لمّا أثبتنا الخيار بالغبن سقط هذا الكلام بالكلّيّة.

و الثاني: أنّه يثبت الخيار - كما قلناه - لأنّه تدليس من جهة البائع، فأشبه التصرية(4).

و لو قال البائع: أعطيت في هذه السلعة كذا و كذا، فصدّقه المشتري فاشتراها بذلك، ثمّ ظهر له كذبه، فإنّ البيع صحيح، و الخيار على هذين4.

ص: 158


1- البقرة: 275.
2- بداية المجتهد 167:2، حلية العلماء 307:4، العزيز شرح الوجيز 131:4، المغني 300:4، الشرح الكبير 88:4.
3- ظاهر الطبعة الحجريّة: «لا يجيز» بدل «لا يوجب». و ظاهر «س، ي»: «لا يعيّن». و ما أثبتناه من نسخة بدل في هامش الطبعة الحجريّة.
4- المهذّب - للشيرازي - 298:1، حلية العلماء 307:4، التهذيب - للبغوي - 3: 538، العزيز شرح الوجيز 131:4، روضة الطالبين 82:3، المغني 301:4، الشرح الكبير 88:4.

الوجهين(1).

و الأقرب عندي: انتفاء الخيار هنا، لأنّ التفريط من المشتري.

مسألة 666: نهى النبيّ صلّى اللّه عليه و آله عن بيع البعض على البعض،

فقال:

«لا يبيع(2) بعضكم على بيع بعض»(3).

و معناه أنّ المتبايعين إذا عقدا البيع و هما في مجلس الخيار، فجاء آخر إلى المشتري فقال له: أنا أبيعك مثل هذه السلعة بدون ثمنها الذي اشتريت به، أو أنا أبيعك خيرا منها بثمنها، أو عرض عليه سلعة حسب ما ذكره.

و الأقرب: أنّه مكروه.

و قال الشافعي: إنّه محرّم، عملا بظاهر النهي، لأنّ الحديث و إن كان ظاهره ظاهر الخبر إلاّ أنّ المراد به النهي. و لأنّه إضرار بالمسلم(4) و إفساد عليه، فكان حراما(5).

و يمنع ذلك.

فإن خالف و فعل ذلك و بائع المشتري، صحّ البيع، لأنّ النهي لمعنى في غير البيع، فأشبه البيع حالة النداء.

ص: 159


1- العزيز شرح الوجيز 131:4، روضة الطالبين 82:3.
2- كذا، و في بعض المصادر: «لا يبع».
3- صحيح البخاري 92:3، صحيح مسلم 1154:3، 1412، سنن ابن ماجة 2: 733، 2171، سنن الترمذي 587:3، 1292، سنن النسائي 256:7، سنن البيهقي 344:5، مسند أحمد 171:2، 5282، و 249، 5828.
4- في «س، ي» و الطبعة الحجريّة: «بالمسلمين». و ما أثبتناه يقتضيه السياق.
5- الحاوي الكبير 343:5-344، المهذّب - للشيرازي - 298:1، الوسيط 3: 65، العزيز شرح الوجيز 130:4-131، روضة الطالبين 81:3، المغني 4: 301، الشرح الكبير 48:4.

و كذا إذا اشترى رجل سلعة بثمن فجاء آخر قبل لزوم العقد، فقال للبائع: أنا أشتريها بأكثر من الثمن الذي اشتراها هذا، فإنّه مكروه عندنا، و حرام عند الشافعي، لأنّه في معنى نهيه عليه السّلام. و لأنّ اللفظ مشتمل عليه، لأنّ اسم البائع يقع عليهما، و لهذا يسمّيان متبايعين. و لأنّه عليه السّلام نهى عن أن يخطب الرجل على خطبة أخيه(1) ، و المشتري في معنى الخاطب(2).

مسألة 667: يكره السوم على سوم المؤمن،

لأنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال:

«لا يسوم الرجل على سوم أخيه»(3).

فإن وجد من البائع تصريح بالرضا بالبيع و لم يعقد أو أذن فيه لوكيله، كره السوم.

و قال الشافعي: يحرم، كما تحرم الخطبة(4).

و الأصل عندنا مكروه.

و أمّا إن لم يوجد ذلك و لا ما يدلّ عليه بل سكت و لم(5) يجب إلى البيع، لم يحرم السوم، و به قال الشافعي(6).

و أمّا أن يكون لم يصرّح بالرضا، بل ظهر منه ما يدلّ على الرضا بالبيع، فهو عند الشافعي مبنيّ على القولين في الخطبة.

ص: 160


1- سنن البيهقي 180:7، سنن النسائي 258:7، مسند أحمد 287:2، 6100.
2- الحاوي الكبير 344:5، العزيز شرح الوجيز 130:4-131، روضة الطالبين 81:3، المغني 301:4، الشرح الكبير 48:4.
3- سنن الترمذي 587:3، 1292، سنن البيهقي 344:5، شرح معاني الآثار 3:3.
4- الحاوي الكبير 344:5، المهذّب - للشيرازي - 298:1، الوسيط 65:3 - 66، حلية العلماء 308:4، التهذيب - للبغوي - 538:3-539، العزيز شرح الوجيز 130:4، روضة الطالبين 80:3.
5- في الطبعة الحجريّة: «فلم».
6- المهذّب - للشيرازي - 298:1، الوسيط 66:3، العزيز شرح الوجيز 130:4، روضة الطالبين 81:3.

قال في القديم: تحرم الخطبة، لعموم النهي.

و قال في الجديد: لا تحرم، لحديث فاطمة بنت قيس، و قوله [صلّى اللّه عليه و آله] لها: «انكحي أسامة» و قد خطبها معاوية و أبو جهم(1) ، فالبيع مثل ذلك(2).

هذا إذا تساوما بينهما، فأمّا إذا كانت السلعة في النداء، فإنّه يجوز أن يستامها واحد بعد واحد، لأن صاحبها لم يرض بأن يبيعها أو يسومها مع واحد، بل سامها للكلّ و لم يخصّ واحدا.

و أصله أنّ رجلا من الأنصار شكا إلى النبيّ صلّى اللّه عليه و آله الشدّة و الجهد، فقال له: «ما بقي لك شيء؟» فقال: بلى قدح و حلس، قال: «فأتني بهما» فأتاه بهما، فقال: «من يبتاعهما؟» فقال رجل: أنا أبتاعهما بدرهم، و قال(3) رجل آخر: عليّ درهمين، فقال النبيّ: «هما لك بالدرهمين»(4).

و لأنّه قد يبيعهما من واحد و يقصد إرفاقه و يخصّصه(5) ، فإذا سامها آخر، فسد غرضه، و إذا نادى عليها، فلم يقصد إلاّ طلب الثمن، فافترقا.

تذنيب: يكره السوم ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس، لدلالته على شدّة الحرص في طلب الدنيا، لأنّه وقت طلب الرزق من اللّه تعالى.

و لما رواه عليّ بن أسباط رفعه، قال: «نهى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عن السوم ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس»(6).2.

ص: 161


1- صحيح مسلم 1114:2، 1480، سنن البيهقي 177:7-178، 181، 471، شرح معاني الآثار 5:3 و 6.
2- الحاوي الكبير 345:5، العزيز شرح الوجيز 130:4.
3- في «س، ي»: «فقال».
4- سنن ابن ماجة 740:2، 2198، سنن أبي داود 120:2، 1641، مسند أحمد 558:3-559، 11724 بتفاوت.
5- في الطبعة الحجريّة: «أو تخصيصه».
6- الكافي 152:5، 12.

و تكره الزيادة وقت النداء، بل إذا سكت المنادي، زاد، لقول الصادق عليه السّلام: «كان أمير المؤمنين عليّ عليه السّلام يقول: إذا نادى المنادي فليس لك أن تزيد، و إنّما يحرّم الزيادة النداء، و يحلّها السكوت»(1).

مسألة 668: لا يجوز للرجل أن يأخذ من ولده البالغ شيئا إلاّ بإذنه

- إلاّ مع خوف التلف - إن كان غنيّا، أو كان الولد ينفق عليه، لأصالة عصمة مال الغير.

و لو كان الولد صغيرا أو مجنونا، فالولاية للأب، فله الاقتراض مع العسر و اليسر.

و يجوز له أن يشتري من مال ولده الصغير لنفسه بثمن المثل، و يكون موجبا قابلا، و أن يقوّم جاريته عليه، و يطأها حينئذ.

و لو كان الأب معسرا، جاز أن يتناول من مال ولده الموسر قدر مئونة نفسه خاصّة إذا منعه الولد.

روى محمّد بن مسلم - في الصحيح - عن الصادق عليه السّلام، قال: سألته عن الرجل يحتاج إلى مال ابنه، قال: «يأكل منه ما شاء من غير سرف» و قال: «و في كتاب عليّ عليه السّلام أنّ الولد لا يأخذ من مال والده شيئا إلاّ بإذنه، و الوالد يأخذ من مال ابنه ما شاء، و له أن يقع على جارية ابنه إذا لم يكن الابن وقع عليها، و ذكر أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال لرجل: أنت و مالك لأبيك»(2).

و عن الباقر عليه السّلام قال: «قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لرجل: أنت و مالك لأبيك» ثمّ قال الباقر عليه السّلام: «لا نحبّ أن يأخذ من مال ابنه إلاّ ما احتاج إليه

ص: 162


1- الكافي 305:5-306، 8، و بتفاوت يسير في التهذيب 227:7-228، 994.
2- التهذيب 343:6، 961، و في الاستبصار 48:3، 157 عن الإمام الباقر عليه السّلام.

ممّا لا بدّ منه، إنّ اللّه عزّ و جلّ لا يحبّ الفساد»(1).

و عن عليّ بن جعفر عن أخيه الكاظم عليه السّلام، قال: سألته عن الرجل يأكل من مال ولده، قال: «لا، إلاّ أن يضطرّ إليه، فليأكل منه بالمعروف، و لا يصلح للولد أن يأخذ من مال والده شيئا إلاّ بإذن والده»(2).

مسألة 669: و الولد يحرم عليه مال والده،

فلا يحلّ له أن يأخذ منه شيئا إلاّ بإذنه، فلو اضطرّ الولد المعسر إلى النفقة و منعه الأب، كان للولد أن يأخذ قدر مئونته، لأنّه كالدّين على الأب.

و يحرم على الامّ أن تأخذ من مال ولدها شيئا إلاّ إذا منعها النفقة الواجبة عليه.

و كذا يحرم على الولد أخذ مال الأمّ إلاّ إذا وجب نفقته عليها و منعته.

و ليس لها أن تقترض من مال ولدها الصغير كما سوّغنا ذلك للأب، لأنّ الولاية له دونها، لما رواه - في الحسن - محمّد بن مسلم عن الصادق عليه السّلام، قال: سألته عن رجل لابنه مال فيحتاج الأب إليه، قال: «يأكل منه، فأمّا الأمّ فلا تأكل منه إلاّ قرضا على نفسها»(3).

و يجوز للأب أن يقترض من مال ابنه الصغير و يحجّ عنه، للولاية.

و لما رواه سعيد بن يسار قال: قلت للصادق عليه السّلام: أ يحجّ الرجل من مال ابنه و هو صغير؟ قال: «نعم» قلت: أ يحجّ حجّة الإسلام و ينفق منه ؟ قال: «نعم بالمعروف» ثمّ قال: «نعم، يحجّ منه و ينفق منه، إنّ مال الولد

ص: 163


1- الكافي 135:5، 3، التهذيب 343:6، 962، الإستبصار 48:3، 158.
2- الكافي 135:5، 2، التهذيب 344:6، 963، الاستبصار 48:3-49، 159، و فيها: «فيأكل» بدل «فليأكل».
3- الكافي 135:5، 1، التهذيب 344:6، 964، الاستبصار 49:3، 160.

للوالد، و ليس للولد أن ينفق من مال والده إلاّ بإذنه»(1).

و سأل ابن سنان - في الصحيح - الصادق عليه السّلام: ما ذا يحلّ للوالد من مال ولده ؟ قال: «أمّا إذا أنفق عليه ولده بأحسن النفقة فليس له أن يأخذ من ماله شيئا، فإن كان لوالده جارية للولد فيها نصيب فليس له أن يطأها إلاّ أن يقوّمها قيمة تصير لولده قيمتها عليه» قال: «و يعلن ذلك.. فإن كان للرجل ولد صغار لهم جارية، فأحبّ أن يفتضّها فليقوّمها على نفسه قيمة ثمّ يصنع بها ما شاء، إن شاء وطئ، و إن شاء باع»(2).

و على هذا تحمل الأحاديث المطلقة.

مسألة 670: لا يحلّ لكلّ من الزوجين أن يأخذ من مال الآخر شيئا،

لأصالة عصمة مال الغير، إلاّ بإذنه، فإن سوّغت له ذلك، حلّ.

و لو دفعت إليه مالا و قالت له: اصنع به ما شئت، كره له أن يشتري به جارية و يطأها، لأنّ ذلك يرجع بالغمّ عليها.

روى هشام عن الصادق عليه السّلام في الرجل تدفع إليه امرأته المال فتقول: اعمل به و اصنع به ما شئت، أ له أن يشتري الجارية ثمّ(3) يطأها؟ قال: «ليس له ذلك»(4) و مقصود الإمام عليه السّلام الكراهة، لأصالة الإباحة.

روى الحسين بن المنذر قال: قلت للصادق عليه السّلام: دفعت إليّ امرأتي مالا أعمل به، فأشتري من مالها الجارية أطأها؟ قال: فقال: «أرادت أن تقرّ

ص: 164


1- التهذيب 345:6، 967، الاستبصار 50:3، 165.
2- التهذيب 345:6، 968، الاستبصار 50:3، 163.
3- كلمة «ثمّ» لم ترد في المصدر.
4- التهذيب 346:6-347، 975.

عينك و تسخن عينها»(1).

و قد وردت رخصة في أنّ المرأة لها أن تتصدّق بالمأدوم إذا لم تجحف به، إلاّ أن يمنعها فيحرم.

قال ابن بكير: سألت الصادق عليه السّلام عمّا يحلّ للمرأة أن تتصدّق به من مال زوجها بغير إذنه ؟ قال: «المأدوم»(2).

و سأل عليّ بن جعفر أخاه (موسى بن جعفر عليهما السّلام)(3): عن المرأة لها أن تعطي من بيت زوجها بغير إذنه ؟ قال: «لا، إلاّ أن يحلّلها»(4).

مسألة 671: في الاحتكار قولان لعلمائنا:

التحريم، و هو أصحّ قولي الشافعي(5) ، لما رواه العامّة عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنّه قال: «لا يحتكر إلاّ خاطئ»(6) أي آثم.

و قال عليه السّلام: «الجالب مرزوق، و المحتكر ملعون»(7).

و قال عليه السّلام: «من احتكر الطعام أربعين ليلة فقد بريء من اللّه و بريء اللّه منه»(8).

ص: 165


1- التهذيب 347:6، 976.
2- الكافي 137:5 (باب الرجل يأخذ من مال امرأته..) الحديث 2، التهذيب 6: 346، 973.
3- بدل ما بين القوسين في «س، ي»: «الكاظم عليه السّلام».
4- التهذيب 346:6، 974.
5- المهذّب - للشيرازي - 299:1، حلية العلماء 318:4، العزيز شرح الوجيز 4: 126، روضة الطالبين 78:3.
6- صحيح مسلم 1228:3، 130، سنن ابن ماجة 728:2، 2154، سنن أبي داود 271:3، 3447، سنن الترمذي 567:3، 1267، سنن الدارمي 248:2.
7- سنن ابن ماجة 728:2، 2153، سنن البيهقي 30:6، سنن الدارمي 249:2.
8- المستدرك - للحاكم - 11:2-12، مسند أحمد 116:2، 4865.

و من طريق الخاصّة: قول الباقر عليه السّلام: «قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:

لا يحتكر الطعام إلاّ خاطئ»(1).

و عن الصادق عليه السّلام قال: «قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: الجالب مرزوق، و المحتكر ملعون»(2).

و قال الصادق عليه السّلام: «الحكرة في الخصب أربعون يوما، و في الشدّة و البلاء ثلاثة أيّام، فما زاد على الأربعين يوما في الخصب فصاحبه ملعون، و ما زاد في العسرة على ثلاثة أيّام فصاحبه ملعون»(3).

و روي عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله «من احتكر على المسلمين لم يمت حتى يضربه اللّه بالجذام و الإفلاس»(4).

و الكراهة، للأصل.

و لقول الصادق عليه السّلام: «و إن كان الطعام قليلا لا يسع الناس فإنّه يكره أن يحتكر الطعام و يترك الناس ليس لهم طعام»(5).

مسألة 672: الاحتكار هو حبس الحنطة و الشعير

و التمر و الزبيب و السمن و الملح بشرطين: الاستبقاء للزيادة، و تعذّر غيره، فلو استبقاها لحاجته أو وجد غيره، لم يمنع.

و قيل: أن يستبقيها في الغلاء ثلاثة أيّام، و في الرخص أربعين

ص: 166


1- التهذيب 159:7، 701، الإستبصار 114:3، 403.
2- الكافي 165:5، 7، الفقيه 169:3، 751، التهذيب 159:7، 702، الإستبصار 114:3، 404.
3- الكافي 165:5، 7، التهذيب 159:7، 703، الاستبصار 114:3، 405.
4- سنن ابن ماجة 729:2، 2155، الترغيب و الترهيب 583:2، 4 بتفاوت.
5- الكافي 165:5، 5، التهذيب 160:7، 708، الاستبصار 115:3-116، 411.

يوما(1).

و فسّر الشافعيّة الاحتكار: أن يشتري ذو الثروة من الطعام ما لا يحتاج إليه في حال ضيقه و غلاة على الناس فحبسه عنهم(2).

فأمّا إذا اشترى في حال سعته، و حبسه ليزيد نفعه(3) ، أو كان له طعام في زرعه فحبسه، جاز ما لم يكن بالناس ضرورة، فأمّا إذا كان بهم ضرورة، وجب عليه بذله لهم لأحيائهم، و به قال الشافعي(4) أيضا.

و لا بأس أن يشتري في وقت الغلاء لنفقة نفسه و عياله ثمّ يفضل شيء فيبيعه في وقت الغلاء.

و لا بأس أن يشتري في وقت الرخص ليربح في وقت الغلاء.

و لا بأس أن يمسك غلّة ضيعته ليبيع في وقت الغلاء، و لكنّ الأولى أن يبيع ما فضل عن كفايته.

و هل يكره إمساكه ؟ للشافعيّة وجهان(5).

و تحريم الاحتكار مختصّ بالأقوات، و منها: التمر و الزبيب، و لا يعمّ جميع الأطعمة، قاله الشافعي(6).

و قال الصادق عليه السّلام: «الحكرة في الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب و السمن»(7).6.

ص: 167


1- القائل بذلك من أصحابنا الإماميّة هو الشيخ الطوسي في النهاية: 374-375.
2- العزيز شرح الوجيز 126:4، روضة الطالبين 78:3.
3- في «س» و الطبعة الحجريّة: «ليريد منعه». و في «ي»: «ليزيد منعه». و الظاهر ما أثبتناه.
4- العزيز شرح الوجيز 126:4، روضة الطالبين 78:3.
5- العزيز شرح الوجيز 126:4، روضة الطالبين 78:3-79.
6- العزيز شرح الوجيز 126:4، روضة الطالبين 79:3.
7- الكافي 164:5، 1، التهذيب 159:7، 704، الاستبصار 114:3، 406.

و سأل الحلبي الصادق عليه السّلام: عن الزيت، فقال: «إذا كان عند غيرك فلا بأس بإمساكه»(1).

و قال الصادق عليه السّلام: «الحكرة أن يشتري طعاما ليس في المصر غيره فيحتكره، فإن كان في المصر طعام أو يباع غيره فلا بأس أن يلتمس بسلعته الفضل»(2).

مسألة 673: يجبر الإمام أو نائبه المحتكر على البيع.

و هل يسعّر عليه ؟ قولان لعلمائنا، المشهور: العدم، لما رواه العامّة أنّ السعر غلا على عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، فقالوا: يا رسول اللّه سعّر لنا، فقال: «إنّ اللّه هو المسعّر القابض الباسط، و إنّي لأرجو أن ألقى ربّي و ليس أحد(3) منكم يطلبني بمظلمة بدم و لا مال»(4).

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السّلام: «فقد الطعام على عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، فأتى المسلمون فقالوا: يا رسول اللّه فقد الطعام و لم يبق منه شيء إلاّ عند فلان، فمره يبع، قال: فحمد اللّه و أثنى عليه، ثمّ قال:

يا فلان إنّ المسلمين ذكروا أنّ الطعام قد فقد إلاّ شيئا عندك، فأخرجه و بعه كيف شئت و لا تحبسه»(5) ففوّض السعر إليه.

و عن أمير المؤمنين عليّ عليه السّلام قال: «إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله مرّ بالمحتكرين فأمر بحكرتهم أن تخرج إلى بطون الأسواق و حيث تنظر

ص: 168


1- الكافي 164:5-165، 3، التهذيب 160:7، 706، الإستبصار 3: 115، 409.
2- الكافي 164:5-165، 3، التهذيب 160:7، 706، الإستبصار 3: 115، 409.
3- في «س، ي» و الطبعة الحجريّة: «لأحد». و ما أثبتناه من المصادر.
4- سنن ابن ماجة 741:2، 2200، سنن أبي داود 272:3، 3451، سنن الدارمي 249:2، مسند أحمد 629:3، 12181، العزيز شرح الوجيز 127:4.
5- الكافي 164:5، 2، التهذيب 159:7، 705، الإستبصار 114:3، 407.

الأبصار إليها، فقيل لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: لو قوّمت عليهم، فغضب عليه السّلام حتى عرف الغضب من وجهه، فقال: أنا أقوّم عليهم!؟ إنّما السعر إلى اللّه يرفعه إذا شاء، و يخفضه إذا شاء»(1).

إذا ثبت هذا، فإنّه لا يجوز أن يسعّر حالة الرخص عندنا و عند الشافعي(2).

و أمّا حالة الغلاء فكذلك عندنا.

و للشافعي وجهان:

أحدهما: يجوز له أن يسعّر - و به قال مالك - رفقا بالضعفاء.

و أصحّهما: أنّه لا يجوز تمكينا للناس من التصرّف في أموالهم.

و لأنّهم قد يمتنعون بسبب ذلك عن البيع، فيشتدّ الأمر(3).

و قال بعض الشافعيّة: إن كان الطعام يجلب إلى البلدة، فالتسعير حرام. و إن كان يزرع بها و يكون عند التناه(4) فيها، فلا يحرم(5).

و حيث جوّزنا التسعير فإنّما هو في الأطعمة خاصّة دون سائر الأقمشة و العقارات.

و يلحق بها علف الدوابّ، و هو أظهر وجهي الشافعيّة(6).

و إذا قلنا بالتسعير فسعّر الإمام فخالف واحد، عزّر، و صحّ البيع.3.

ص: 169


1- التهذيب 161:7-162، 713، الاستبصار 114:3-115، 408.
2- العزيز شرح الوجيز 127:4، روضة الطالبين 79:3.
3- العزيز شرح الوجيز 127:4، روضة الطالبين 79:3.
4- في «العزيز شرح الوجيز»: «الغلاء» بدل «التناه». و في «ي»: «التناء». و الظاهر أنّ كلمة «التناه» مأخوذة من ناه الشيء ينوه: ارتفع و علا. انظر: لسان العرب 13: 550 «نوه».
5- العزيز شرح الوجيز 127:4، روضة الطالبين 79:3.
6- العزيز شرح الوجيز 127:4، روضة الطالبين 79:3.

و للشافعي في صحّته قولان(1).

مسألة 674: تلقّي الركبان منهيّ عنه إجماعا.

و هل هو حرام أو مكروه ؟ الأقرب: الثاني، لأنّ العامّة روت أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال: «لا تتلقّوا الركبان للبيع»(2).

و من طريق الخاصّة: قول الباقر عليه السّلام قال: «قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:

لا يتلقّى أحدكم تجارة خارجا من المصر، و لا يبيع حاضر لباد، و المسلمون يرزق اللّه بعضهم من بعض»(3).

و صورته أن ترد طائفة إلى بلد بقماش ليبيعوا فيه، فيخرج الإنسان يتلقّاهم فيشتريه منهم قبل قدوم البلد و معرفة سعره. فإن اشترى منهم من غير معرفة منهم بسعر البلد، صحّ البيع، لأنّ النهي لا يعود إلى معنى في البيع، و إنّما يعود إلى ضرب من الخديعة و الإضرار، لأنّ في الحديث «فإن تلقّاه متلقّ فاشتراه فصاحبه بالخيار إذا قدم السوق»(4) فأثبت البيع مع ذلك.

إذا ثبت هذا، فإنّه لا خيار لهم قبل أن يقدموا البلد و يعرفوا السعر، و بعده يثبت لهم الخيار مع الغبن، سواء أخبر كاذبا أو لم يخبر. و لو انتفى الغبن، فلا خيار.

و قال الشافعي: إذا كان الشراء بسعر البلد أو زائدا، ففي ثبوت الخيار(5) وجهان:

أحدهما: يثبت، لظاهر الخبر.

ص: 170


1- العزيز شرح الوجيز 127:4، روضة الطالبين 79:3.
2- سنن البيهقي 348:5، مسند أحمد 294:3، 10138.
3- الكافي 168:5 (باب التلقّي) الحديث 1، التهذيب 158:7، 697.
4- صحيح مسلم 1157:3، 17، سنن البيهقي 348:5.
5- في «س»: «ثبوته» بدل «ثبوت الخيار».

و أصحّهما: العدم، لأنّه لم يوجد تغرير و خيانة(1).

و لا فرق بين أن يكون مشتريا منهم أو بائعا عليهم.

و لو ابتدأ الباعة و التمسوا منه الشراء مع علم منهم بسعر البلد أو غير علم، فالأقرب: ثبوت الخيار مع الغبن كما قلنا.

و للشافعي(2) القولان السابقان.

و لو خرج اتّفاقا لا بقصد التلقّي، بل خرج لشغل(3) آخر من اصطياد و غيره فرآهم مقبلين فاشترى منهم شيئا، لم يكن قد فعل مكروها.

و للشافعيّة وجهان:

أحدهما: أنّه يعصي، لشمول المعنى.

و الثاني: لا يعصي، لأنّه لم يتلقّ.

و الأظهر عندهم: الأوّل(4).

فعلى الثاني لا خيار لهم و إن كانوا مغبونين، عند الشافعي(5).

و عندنا يثبت الخيار للمغبون مطلقا.

و قال بعض الشافعيّة: إن أخبر بالسعر كاذبا، ثبت(6) الخيار.

و حيث ثبت الخيار فهو على الفور، كخيار العيب.

و للشافعي قولان، هذا أحدهما، و هو أصحّهما. و الثاني: أنّه يمتدّ ثلاثة أيّام، كخيار التصرية(7).

و لو تلقّى الركبان و باع منهم ما يقصدون شراءه في البلد، فهو3.

ص: 171


1- العزيز شرح الوجيز 129:4، روضة الطالبين 80:3.
2- العزيز شرح الوجيز 129:4، روضة الطالبين 80:3.
3- في «س» و الطبعة الحجريّة: «بشغل».
4- العزيز شرح الوجيز 129:4، روضة الطالبين 80:3.
5- العزيز شرح الوجيز 129:4، روضة الطالبين 80:3.
6- في الطبعة الحجريّة: «يثبت».
7- العزيز شرح الوجيز 129:4، روضة الطالبين 80:3.

كالتلقّي.

و للشافعي وجهان:

أحدهما: لا يثبت فيه حكمه، لأنّ النهي ورد عن الشراء.

و الثاني: نعم، لما فيه من الاستبداد بالرفق الحاصل منهم(1).

و قال مالك: البيع باطل(2).

و حدّ التلقّي عندنا أربعة فراسخ، فإن زاد على ذلك، لم يكره و لم يكن تلقّيا، بل كان تجارة و جلبا، لما رواه منهال عن الصادق عليه السّلام قال: قال: «لا تلقّ فإنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله نهى عن التلقّي» قلت: و ما حدّ التلقّي ؟ قال: «ما دون غدوة أو روحة» قلت: و كم الغدوة و الروحة ؟ قال:

«أربعة فراسخ» قال ابن أبي عمير: و ما فوق ذلك فليس بتلقّ(3).

مسألة 675: يكره أن يبيع حاضر لباد

فيكون الحاضر وكيلا للبادي.

قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: «لا يبيع حاضر لباد»(4).

و صورته أن يجلب أهل البادية متاعا إلى بلد أو قرية فيجيء إليه الحاضر في البلد فيقول: لا تبعه فأنا أبيعه لك بعد أيّام بأكثر من ثمنه الآن.

و ليس محرّما، للأصل.

و قال الشافعي: إنّه محرّم، للنهي(5).

و يحصل له الإثم بشروط أربعة:

ص: 172


1- العزيز شرح الوجيز 129:4، روضة الطالبين 80:3.
2- العزيز شرح الوجيز 129:4.
3- الكافي 169:5، 4، التهذيب 158:7، 699.
4- صحيح مسلم 1155:3، 11، سنن ابن ماجة 734:2، 2176، سنن الترمذي 3: 525، 1222، سنن النسائي 256:7، سنن البيهقي 346:5.
5- الحاوي الكبير 347:5، العزيز شرح الوجيز 127:4، روضة الطالبين 79:3.

أ - أن يكون البدوي يريد البيع.

ب - أن يريد بيعه في الحال.

ج - أن يكون بالناس حاجة إلى المتاع و هم في ضيق.

د - أن يكون الحاضر استدعى منه ذلك.

روى ابن عباس أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال: «لا يبيع حاضر لباد» قال طاوس:

و كيف لا يبيع ؟ فقال: لا يكون له سمسارا(1).

و الأصل في المنع أنّ فيه إدخال الضرر على أهل الحضر و تضييقا عليهم، فلهذا نهي عنه.

فإن لم توجد هذه الشرائط أو شرط منها، جاز ذلك، لأنّه إذا لم يكن بأهل البلد حاجة، فلا ضرر في تأخير بيع ذلك.

و كذا إذا لم يرد صاحبه بيعه أو لم يرد بيعه في الحال، فإنّه يجوز للحضري أن يتولّى له البيع.

و لو وجدت الشرائط و خالف الحاضر و باع، صحّ البيع، لأنّ النهي لا لمعنى يعود إلى البيع.

و شرط بعض الشافعيّة أن يكون الحاضر عالما بورود النهي فيه، و هذا شرط يعمّ جميع المناهي. و أن يظهر من ذلك المتاع سعة في البلد، فإن لم تظهر إمّا لكبر البلد و قلّة ذلك الطعام أو لعموم وجوده و رخص السعر، ففيه عندهم وجهان، أوفقهما لمطلق الخبر: أنّه يحرم. و الثاني: لا، لأنّ المعنى المحرّم تفويت الرزق، و الربح على الناس، و هذا المعنى لم يوجد هنا. و أن يكون المتاع المجلوب إليه ممّا تعمّ الحاجة إليه، كالصوف و الأقط5.

ص: 173


1- صحيح البخاري 94:3، صحيح مسلم 1157:3، 1521، سنن أبي داود 3: 269، 3439، سنن البيهقي 346:5.

و سائر أطعمة القرى، و أمّا ما لا يحتاج إليه إلاّ نادرا فلا يدخل تحت النهي(1).

و لو استشار البدوي بالحضري فيما فيه حظّه، قال بعض الشافعيّة: إذا كان الرشد في الادّخار و البيع على التدريج، وجب عليه إرشاده إليه بذلا للنصيحة(2).

و قال بعضهم: لا يرشده إليه توسّعا على الناس(3).

مسألة 676: روى العامّة أنّه قد نهى النبيّ صلّى اللّه عليه و آله عن بيع العربان

(4) .

و يقال: عربون، و أربان و أربون. و العامّة يقولون: ربون.

و هو أن يشتري السلعة فيدفع درهما أو دينارا على أنّه إن أخذ السلعة، كان المدفوع من الثمن. و إن لم يدفع الثمن و ردّ السلعة، لم يسترجع ذلك المدفوع - و به قال الشافعي(5) - للنهي الذي رواه العامّة.

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السّلام: «كان أمير المؤمنين عليه السّلام يقول: لا يجوز بيع العربون إلاّ أن يكون نقدا من الثمن»(6).

و قال أحمد: لا بأس به، لما روي أنّ نافع بن عبد الحارث اشترى لعمر دار السجن من صفوان، فإن رضي عمر، و إلاّ له كذا و كذا. و ضعّف

ص: 174


1- الحاوي الكبير 347:5-348، العزيز شرح الوجيز 127:4-128، روضة الطالبين 79:3.
2- العزيز شرح الوجيز 128:4، روضة الطالبين 79:3-80.
3- العزيز شرح الوجيز 128:4، روضة الطالبين 79:3-80.
4- سنن ابن ماجة 738:2، 2192، سنن أبي داود 283:3، 3502، سنن البيهقي 342:5.
5- حلية العلماء 313:4، العزيز شرح الوجيز 134:4، المغني 313:4، الشرح الكبير 66:4.
6- الكافي 233:5 (باب العربون) الحديث 1، التهذيب 234:7، 1021.

حديث النهي(1).

قالت الشافعيّة: إنّه ليس بصحيح، لأنّه شرط أن يكون للبائع شيء بغير عوض، فهو كما لو شرط للأجنبيّ(2).

و يفسّر العربون أيضا بأن يدفع دراهم إلى صانع ليعمل له شيئا من خاتم يصوغه أو خفّ يخرزه أو ثوب ينسجه على أنّه إن رضيه بالمدفوع في الثمن، و إلاّ لم يستردّه منه. و هما(3) متقاربان.

مسألة 677: بيع التلجئة باطل عندنا،

و هو أن يتّفقا على أن يظهرا العقد خوفا من ظالم من غير بيع، و يتواطؤ على الاعتراف بالبيع، أو لغير ذلك - و به قال أحمد و أبو يوسف و محمّد(4) - لأنّ الأصل بقاء الملك على صاحبه، و لم يوجد ما يخرجه عن أصالته. و لأنّهما لم يقصدا البيع، فلا يصحّ منهما، كالهازلين.

و قال أبو حنيفة و الشافعي: هو صحيح، لأنّ البيع تمّ بأركانه و شروطه خالية عن مقارنة مفسد، فصحّ، كما لو اتّفقا على شرط فاسد ثمّ عقدا البيع بغير شرط(5).

و نمنع تماميّة البيع.

و لو تبايعا بعد ذلك بعقد صحيح، صحّ البيع إن لم يوقعاه قاصدين لما تقدّم من المواطاة، لأصالة الصحّة، و عدم صلاحية سبق المواطاة للمانعيّة.

و كذا لو اتّفقا على أن يتبايعا بألف و يظهرا ألفين فتبايعا بألفين، فإنّ

ص: 175


1- المغني 313:4، الشرح الكبير 66:4، حلية العلماء 313:4، المجموع 335:9.
2- المغني 313:4، الشرح الكبير 66:4.
3- أي: هذا التفسير و التفسير المتقدّم في صدر المسألة.
4- المغني 302:4، الشرح الكبير 49:4، بدائع الصنائع 176:5، المجموع 334:9.
5- المغني 302:4، الشرح الكبير 49:4، بدائع الصنائع 176:5، المجموع 334:9.

البيع لازم، و الاتّفاق السابق لا يؤثّر، قاله الشافعي، و رواه أبو يوسف عن أبي حنيفة(1).

و روى محمّد عن أبي حنيفة أنّه لا يصحّ البيع إلاّ على أن يتّفقا على أنّ الثمن ألف درهم و يتبايعاه بمائة دينار، فيكون الثمن مائة دينار استحسانا - و إليه ذهب أبو يوسف و محمّد - لأنّه إذا تقدّم الاتّفاق، صارا كالهازلين بالعقد، فلم يصحّ العقد(2).

قالت الشافعيّة: الشرط السابق لحالة العقد لا يؤثّر فيه، كما لو اتّفقا على شرط فاسد ثمّ عقدا العقد، فإنّه لا يثبت فيه(3).

مسألة 678: قد ذكرنا أنّ التجارة مستحبّة.

قال الصادق عليه السّلام: «ترك التجارة ينقص العقل»(4).

و قال الصادق عليه السّلام لمعاذ في حديث: «اسع على عيالك، و إيّاك أن يكونوا هم السعاة عليك»(5).

إذا ثبت هذا، فينبغي لمن أراد التجارة أن يبدأ أوّلا فيتفقّه.

قال أمير المؤمنين عليه السّلام: «من اتّجر بغير علم ارتطم في الربا ثمّ ارتطم»(6).

و كان أمير المؤمنين عليه السّلام يقول على المنبر: «يا معشر التجّار الفقه ثمّ المتجر، الفقه ثمّ المتجر، و اللّه للربا في هذه الأمّة أخفى من دبيب النملة على الصفا، شوبوا أيمانكم بالصدقة(7) ، التاجر فاجر، و الفاجر في النار إلاّ

ص: 176


1- المجموع 334:9.
2- المجموع 334:9.
3- المجموع 334:9.
4- الكافي 148:5، 1، التهذيب 2:7، 1.
5- الكافي 148:5-149، 6، التهذيب 2:7-3، 3.
6- الكافي 154:5، 23، الفقيه 120:3، 513، التهذيب 5:7، 14.
7- في الكافي «بالصدق».

من أخذ الحقّ و أعطى الحقّ»(1).

«و كان عليّ عليه السّلام بالكوفة يغتدي كلّ يوم بكرة من القصر يطوف في أسواق الكوفة سوقا سوقا و معه الدرّة على عاتقه.. فيقف على أهل كلّ سوق فينادي: يا معشر التجّار اتّقوا اللّه عزّ و جلّ، فإذا سمعوا صوته ألقوا ما في أيديهم و أرعوا إليه بقلوبهم و سمعوا بآذانهم، فيقول: قدّموا الاستخارة، و تبرّكوا بالسهولة، و اقتربوا من المتبايعين، و تزيّنوا بالحلم، و تناهوا عن اليمين، و جانبوا الكذب، و تجافوا عن الظلم، و أنصفوا المظلومين، و لا تقربوا الربا، و أوفوا الكيل و الميزان، وَ لا تَبْخَسُوا النّاسَ أَشْياءَهُمْ، وَ لا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ ، فيطوف في جميع الأسواق بالكوفة ثمّ يرجع فيقعد للناس»(2).

مسألة 679: يكره الحلف على البيع،

و كتمان العيب، و مدح البائع، و ذمّ المشتري، و المبادرة إلى السوق أوّلا، لما فيه من شدّة الحرص في الدنيا.

قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: «من باع و اشترى فليحفظ خمس خصال، و إلاّ فلا يشتر و لا يبع: الربا، و الحلف، و كتمان العيب، و الحمد إذا باع، و الذمّ إذا اشترى»(3).

و قال الكاظم عليه السّلام: «ثلاثة لا ينظر اللّه إليهم، أحدهم: رجل اتّخذ اللّه عزّ و جلّ بضاعة لا يشتري إلاّ بيمين و لا يبيع إلاّ بيمين»(4).

ص: 177


1- الكافي 150:5، 1، الفقيه 121:3، 519، التهذيب 6:7، 16.
2- الكافي 151:5، 3، بتفاوت يسير في بعض الألفاظ، التهذيب 6:7، 17.
3- التهذيب 6:7، 18، و في الكافي 150:5-151، 2، و الفقيه 120:3 - 121، 515 بتفاوت يسير في بعض الألفاظ.
4- الكافي 162:5، 3، التهذيب 13:7، 56.

و قال الصادق عليه السّلام: «إيّاكم و الحلف، فإنّه يمحق البركة، و ينفق السلعة»(1).

و تكره معاملة ذوي العاهات.

قال الصادق عليه السّلام: «لا تعامل ذا عاهة فإنّهم أظلم شيء»(2).

و كذا تكره مخالطة السفلة و المحارفين و الأكراد، و لا يعامل إلاّ من نشأ في خير.

قال الصادق عليه السّلام: «إيّاكم و مخالطة السفلة فإنّ السفلة لا يؤول إلى خير»(3).

و قال الصادق عليه السّلام: «لا تشتر من محارف، فإنّ حرفته لا بركة فيها»(4).

و سأل أبو الربيع الشامي الصادق عليه السّلام، فقلت: إنّ عندنا قوما من الأكراد و إنّهم لا يزالون يجيئون بالبيع فنخالطهم و نبايعهم، فقال:

«يا أبا الربيع لا تخالطوهم، فإنّ الأكراد حيّ من أحياء الجنّ كشف اللّه عنهم الغطاء، فلا تخالطوهم»(5).

و قال الصادق عليه السّلام: «لا تخالطوا و لا تعاملوا إلاّ من نشأ في الخير»(6).

و استقرض قهرمان لأبي عبد اللّه عليه السّلام من رجل طعاما للصادق عليه السّلام، فألحّ في التقاضي، فقال له الصادق عليه السّلام: «ألم أنهك أن تستقرض ممّن6.

ص: 178


1- التهذيب 13:7، 57.
2- الكافي 158:5، 3، التهذيب 11:7، 40.
3- الكافي 158:5، 7، التهذيب 10:7، 38.
4- التهذيب 11:7، 41.
5- الكافي 158:5، 2، التهذيب 11:7، 42.
6- الكافي 158:5، 5، الفقيه 100:3، 388، التهذيب 10:7، 36.

لم يكن له فكان»(1).

مسألة 680: يستحبّ إنظار المعسر، و إقالة النادم،

لأنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لم يأذن لحكيم بن حزام في تجارة حتى ضمن له إقالة النادم و إنظار المعسر و أخذ الحقّ وافيا أو غير واف(2).

و عن الصادق عليه السّلام قال: «لا يكون الوفاء حتى يرجّح»(3).

و قال: «لا يكون الوفاء حتى يميل الميزان»(4).

و لا ينبغي أن يتعرّض للكيل أو الوزن(5) إلاّ من يعرفهما حذرا من أخذ مال الغير.

مسألة 681: لا يبيع المبيع في المواضع المظلمة

التي لا يظهر فيها المبيع ظهورا بيّنا، حذرا من الغشّ.

قال هشام بن الحكم: كنت أبيع السابري في الظلال، فمرّ بي الكاظم عليه السّلام فقال: «يا هشام إنّ البيع في الظلال غشّ، و الغشّ لا يحلّ»(6).

و يحرم أن يزيّن المتاع بأن يظهر جيّده و يكتم رديئه.

قال الباقر عليه السّلام: «مرّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله في سوق المدينة بطعام، فقال لصاحبه: ما أرى طعامك إلاّ طيبا، و سأل عن سعره، فأوحى اللّه تعالى [إليه](7) أن يدير يده في الطعام، ففعل فأخرج طعاما رديئا، فقال لصاحبه:

ص: 179


1- الكافي 158:5، 4، التهذيب 10:7، 39.
2- الكافي 151:5، 4، التهذيب 5:7، 15.
3- الكافي 160:5 (باب الوفاء و البخس) الحديث 5، التهذيب 11:7، 43.
4- الكافي 159:5، 1، التهذيب 11:7، 44.
5- في «ي»: «للكيل و الوزن». و في الطبعة الحجريّة: «الكيل و الوزن».
6- الكافي 160:5-161، 6، التهذيب 13:7، 54.
7- ما بين المعقوفين من المصدر.

ما أراك إلاّ قد جمعت خيانة و غشّا للمسلمين»(1).

مسألة 682: إذا قال له إنسان: اشتر لي، فلا يعطه

مسألة 682: إذا قال له إنسان: اشتر لي، فلا يعطه(2) من عنده

و إن كان الذي عنده أجود، لأنّه إنّما أمره بالشراء، و هو ظاهر في الشراء من الغير.

قال الصادق عليه السّلام: «إذا قال لك الرجل: اشتر لي، فلا تعطه من عندك و إن كان الذي عندك خيرا منه»(3).

و سأل إسحاق الصادق عليه السّلام: عن الرجل يبعث إلى الرجل فيقول له:

ابتع لي ثوبا، فيطلب في السوق فيكون عنده مثل ما يجد له في السوق فيعطيه من عنده، قال: «لا يقربن هذا و لا يدنس نفسه، إنّ اللّه عزّ و جلّ يقول إِنّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ الْجِبالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها وَ أَشْفَقْنَ مِنْها وَ حَمَلَهَا الْإِنْسانُ إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً جَهُولاً (4) و إن كان عنده خيرا ممّا يجد له في السوق فلا يعطيه من عنده»(5).

مسألة 683: إذا قال التاجر لغيره: هلمّ أحسن إليك،

باعه من غير ربح استحبابا.

قال الصادق عليه السّلام: «إذا قال الرجل للرجل: هلمّ أحسن بيعك، يحرم عليه الربح»(6).

و يكره الربح على المؤمن، فإن فعل فلا يكثر منه.

قال الصادق عليه السّلام: «ربح المؤمن على المؤمن ربا إلاّ أن يشتري بأكثر

ص: 180


1- الكافي 161:5، 7، التهذيب 13:7، 55.
2- في الطبعة الحجريّة: «فلا يعطيه».
3- الكافي 151:5-152، 6، التهذيب 352:6، 998، و 6:7-7، 19.
4- الأحزاب: 72.
5- التهذيب 352:6، 999.
6- الكافي 152:5، 9، الفقيه 173:3، 774، التهذيب 7:7، 21.

من مائة درهم فاربح عليه قوت يومك، أو يشتريه للتجارة فاربحوا عليهم و ارفقوا بهم»(1).

و ينبغي أن يكون الساكت عنده بمنزلة المماكس، و الجاهل بمنزلة البصير المذاق.

قال قيس: قلت للباقر عليه السّلام: إنّ عامّة من يأتيني إخواني فحدّ لي من معاملتهم ما لا أجوزه إلى غيره، فقال: «إن ولّيت أخاك فحسن، و إلاّ فبع بيع البصير المذاق»(2).

و عن الصادق عليه السّلام في رجل عنده بيع و سعّره سعرا معلوما، فمن سكت عنه ممّن يشتري منه باعه بذلك السعر، و من ماكسه فأبى أن يبتاع منه زاده» قال: «لو كان يزيد الرجلين و الثلاثة لم يكن بذلك بأس، فأمّا أن يفعله لمن أبى عليه و يماكسه(3) و يمنعه من لا يفعل فلا يعجبني إلاّ أن يبيعه بيعا واحدا»(4).

مسألة 684: يستحبّ إذا دخل السوق الدعاء

و سؤال اللّه تعالى أن يبارك له فيما يشتريه و يخير له فيما يبيعه، و التكبير و الشهادتان عند الشراء.

قال الصادق عليه السّلام: «إذا دخلت سوقك فقل: اللّهمّ إنّي أسألك من خيرها و خير أهلها، و أعوذ بك من شرّها و شرّ أهلها، اللّهمّ إنّي أعوذ بك أن أظلم أو أظلم أو أبغي أو يبغى عليّ أو أعتدي أو يعتدى عليّ، اللّهمّ إنّي أعوذ بك من شرّ إبليس و جنوده و شرّ فسقة العرب و العجم، و حسبي اللّه

ص: 181


1- الكافي 154:5، 22، التهذيب 7:7، 23، الاستبصار 69:3، 232.
2- التهذيب 7:7، 24، و في الكافي 153:5-154، 19 عن ميسّر عن الإمام الصادق عليه السّلام.
3- في المصدر: «كايسه» بدل «ماكسه».
4- الكافي 152:5، 10، التهذيب 8:7، 25.

الذي لا إله إلاّ هو عليه توكّلت، و هو ربّ العرش العظيم»(1).

و إذا اشترى المتاع، قال ما روي عن الصادق عليه السّلام، قال: «إذا اشتريت شيئا من متاع أو غيره فكبّر، ثمّ قل: اللّهمّ إنّي اشتريته ألتمس فيه من فضلك، فاجعل فيه فضلا، اللّهمّ إنّي اشتريته ألتمس فيه رزقك، فاجعل لي فيه رزقا، ثمّ أعد على(2) كلّ واحدة ثلاث مرّات»(3).

قال الصادق عليه السّلام: «و إذا أراد أن يشتري شيئا قال: يا حيّ يا قيّوم يا دائم يا رءوف يا رحيم، أسألك بعزّتك و قدرتك و ما أحاط به علمك أن تقسم لي من التجارة اليوم أعظمها رزقا و أوسعها فضلا و خيرها عاقبة فإنّه لا خير فيما لا عاقبة له» قال الصادق عليه السّلام: «إذا اشتريت دابّة أو رأسا فقل:

اللّهمّ ارزقني أطولها حياة و أكثرها منفعة و خيرها عاقبة»(4).

مسألة 685: ينبغي له إذا بورك له في شيء من أنواع التجارة

أو الصناعة أن يلتزم به. و إذا تعسّر عليه فيه رزقه، تحوّل إلى غيره.

قال الصادق عليه السّلام: «إذا رزقت في(5) شيء فالزمه»(6).

و قال الصادق عليه السّلام: «إذا نظر الرجل في تجارة فلم ير فيها شيئا فليتحوّل إلى غيرها»(7).

ص: 182


1- الكافي 156:5، 2، التهذيب 9:7، 32.
2- كلمة «على» لم ترد في الكافي.
3- الكافي 156:5، 1، التهذيب 9:7، 33.
4- الكافي 157:5، 3، التهذيب 9:7-10، 34.
5- في الفقيه و التهذيب: «من» بدل «في».
6- الكافي 168:5 (باب لزوم ما ينفع من المعاملات) الحديث 3، الفقيه 3: 104، 423، التهذيب 14:7، 60.
7- الكافي 168:5، 2، التهذيب 14:7، 59.

و ينبغي له التساهل و الرفق في الأشياء.

قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: «بارك اللّه على سهل البيع، سهل الشراء، سهل القضاء، سهل الاقتضاء»(1).

مسألة 686: يجوز لوليّ اليتيم الناظر في أمره المصلح لماله أن يتناول اجرة المثل،

لأنّه عمل يستحقّ عليه أجرة، فيساوي(2) اليتيم غيره.

و سأل هشام بن الحكم الصادق عليه السّلام فيمن تولّى مال اليتيم ماله أن يأكل منه ؟ قال: «ينظر إلى ما كان غيره يقوم به من الأجر لهم فليأكل بقدر ذلك»(3).

و يستحبّ له التعفّف مع الغنى، قال اللّه تعالى وَ مَنْ كانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ (4).

مسألة 687: يجوز أن يواجر الإنسان نفسه.

سأل ابن سنان الكاظم عليه السّلام عن الإجارة، فقال: «صالح لا بأس به إذا نصح قدر طاقته، فقد آجر موسى عليه السّلام نفسه و اشترط فقال: إن شئت ثماني و إن شئت عشرا، و أنزل اللّه عزّ و جلّ فيه أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِنْدِكَ (5)»(6).

قال الشيخ رحمه اللّه: لا ينافي هذا ما رواه الساباطي عن الصادق عليه السّلام،

ص: 183


1- التهذيب 18:7، 79.
2- في «ي» و ظاهر «س»: «فساوى».
3- التهذيب 343:6، 960.
4- النساء: 60.
5- القصص: 27.
6- الكافي 90:5، 2، الفقيه 106:3، 442، التهذيب 353:6، 1003، الاستبصار 55:3، 178.

قال: قلت له: الرجل يتّجر فإن هو آجر نفسه اعطي ما يصيب في تجارته، فقال: «لا يواجر نفسه، و لكن يسترزق اللّه عزّ و جلّ و يتّجر فإنّه إذا آجر نفسه حظر على نفسه الرزق»(1) لأنّه محمول على الكراهة، لعدم الوثوق بالنصح(2).

و أقول: لا استبعاد في نهيه عن الإجارة للإرشاد، فإنّ التجارة أولى، لما فيها من توسعة الرزق، و قد نبّه عليه السّلام في الخبر عليه. و لأنّه قد روي «أنّ الرزق قسّم عشرة أجزاء، تسعة أجزاء منها(3) في التجارة، و الباقي في سائر الأجزاء(4)»(5).

مسألة 688: يحرم بيع السلاح لأعداء الدين في وقت الحرب،

و لا بأس به في الهدنة.

قال هند السرّاج: قلت للباقر عليه السّلام: أصلحك اللّه ما تقول إنّي كنت أحمل السلاح إلى أهل الشام فأبيعهم فلمّا عرّفني اللّه هذا الأمر ضقت بذلك و قلت: لا أحمل إلى أعداء اللّه، فقال: «احمل إليهم فإنّ اللّه عزّ و جلّ يدفع بهم عدوّنا و عدوّكم - يعني الروم - فإذا كانت الحرب بيننا فمن حمل إلى عدوّنا سلاحا يستعينون به علينا فهو مشرك»(6).

ص: 184


1- التهذيب 353:6، 1002، الاستبصار 55:3، 177.
2- التهذيب 353:6، ذيل الحديث 1003، الاستبصار 55:3، ذيل الحديث 178.
3- في «س، ي»: «منه».
4- كذا قوله: «في سائر الأجزاء». و نصّ الرواية في المصدر هكذا: «الرزق عشرة أجزاء، تسعة أجزاء في التجارة و واحدة في غيرها».
5- الكافي 318:5-319، 59، الفقيه 120:3، 510.
6- الكافي 112:5، 2، التهذيب 353:6، 1004، الاستبصار 58:3، 189.

و قال حكم السرّاج للصادق عليه السّلام: ما ترى فيما يحمل إلى الشام من السروج و أداتها؟ فقال: «لا بأس أنتم اليوم بمنزلة أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، إنّكم في هدنة، فإذا كانت المباينة حرم عليكم أن تحملوا إليهم السلاح و السروج»(1).

و قال السرّاد للصادق عليه السّلام: إنّي أبيع السلاح، قال: «لا تبعه في فتنة»(2).

و يجوز بيع ما يكنّ من النبل لأعداء الدين، لأنّ محمّد بن قيس سأل الصادق عليه السّلام عن الفئتين تلتقيان من أهل الباطل أبيعهما السلاح ؟ فقال:

«بعهما ما يكنّهما، الدرع و الخفّين و نحو هذا»(3).

مسألة 689: يجوز الأجر على الختان و خفض الجواري.

قال الصادق عليه السّلام: «لمّا هاجرن النساء إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله هاجرت فيهنّ امرأة يقال لها: أمّ حبيب و كانت خافضة تخفض الجواري، فلمّا رآها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال لها: يا أمّ حبيب، العمل الذي كان في يدك هو في يدك اليوم ؟ قالت: نعم يا رسول اللّه إلاّ أن يكون حراما فتنهاني عنه، قال:

لا، بل حلال فادني منّي حتى أعلّمك، فدنت منه، فقال: يا أمّ حبيب إذا أنت فعلت فلا تنهكي، أي لا تستأصلي، و أشمّي فإنّه أشرق للوجه و أحظى عند الزوج».

قال: «و كانت لأمّ حبيب أخت يقال لها: أمّ عطيّة ماشطة، فلمّا

ص: 185


1- التهذيب 354:6، 1005، الاستبصار 57:3، 187، و في الكافي 112:5، 1 بتفاوت يسير.
2- الكافي 113:5، 4، التهذيب 354:6، 1007، الإستبصار 57:3، 186.
3- الكافي 113:5، 3، التهذيب 354:6، 1006، الاستبصار 57:3-58، 188.

انصرفت أمّ حبيب إلى أختها أخبرتها بما قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، فأقبلت أمّ عطيّة إلى النبيّ صلّى اللّه عليه و آله فأخبرته بما قالت لها أختها، فقال لها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:

ادني منّي يا أمّ عطيّة إذا أنت قيّنت الجارية فلا تغسلي وجهها بالخرقة، فإنّ الخرقة تذهب بماء الوجه»(1).

مسألة 690: يكره كسب الإماء و الصبيان.

قال الصادق عليه السّلام: «نهى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عن كسب الإماء فإنّها إن لم تجده زنت إلاّ أمة قد عرفت بصنعة يد، و نهى عن كسب الغلام الصغير الذي لا يحسن صناعة فإنّه إن لم يجد سرق»(2).

و يكره للصانع سهر الليل كلّه في عمل صنعته، لما فيه من كثرة الحرص على الدنيا و ترك الالتفات إلى أمور الآخرة.

قال الصادق عليه السّلام: «من بات ساهرا في كسب و لم يعط العين حظّها من النوم فكسبه ذلك حرام»(3).

و قال الصادق عليه السّلام: «الصنّاع إذا سهروا الليل كلّه فهو سحت»(4).

و هو محمول على الكراهة الشديدة، أو على التحريم إذا منع من الواجبات أو منع القسم بين الزوجات.

مسألة 691: يجوز بيع عظام الفيل و اتّخاذ الأمشاط و غيرها منها،

لأنّها طاهرة ينتفع بها، فجاز بيعها، للمقتضي للجواز، السالم عن المانع.

و لأنّ عبد الحميد بن سعد سأل الكاظم عليه السّلام عن عظام الفيل يحلّ بيعه

ص: 186


1- الكافي 118:5، 1، التهذيب 360:6-361، 1035.
2- الكافي 128:5، 8، التهذيب 367:6، 1057.
3- الكافي 127:5، 6، التهذيب 367:6، 1059.
4- الكافي 127:5، 7، التهذيب 367:6، 1058.

أو شراؤه للذي يجعل منه الأمشاط؟ فقال: «لا بأس قد كان لأبي منه مشط أو أمشاط»(1).

و كذا يجوز بيع الفهود و سباع الطير.

سأل عيص بن القاسم - في الصحيح - الصادق عليه السّلام عن الفهود و سباع الطير هل يلتمس التجارة فيها؟ قال: «نعم»(2).

أمّا القرد فقد روي النهي عن بيعه.

قال الصادق عليه السّلام: «إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله نهى عن القرد أن يشترى أو يباع»(3).

و في الطريق قول، فالأولى الكراهة.

و دخل إلى الصادق عليه السّلام رجل فقال له: إنّي سرّاج أبيع جلود النمر، فقال: «مدبوغة هي ؟» قال: نعم، قال: «ليس به بأس»(4).

مسألة 692: لا بأس بأخذ الهديّة.

قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: «الهديّة على ثلاثة وجوه: هديّة مكافأة، و هديّة مصانعة، و هديّة للّه عزّ و جلّ»(5).

و روى إسحاق بن عمّار قال: قلت له: الرجل الفقير يهدي الهديّة يتعرّض لما عندي فآخذها و لا أعطيه شيئا أ تحلّ لي ؟ قال: «نعم، هي لك حلال و لكن لا تدع أن تعطيه»(6).

ص: 187


1- الكافي 226:5، 1، التهذيب 373:6، 1083.
2- الكافي 226:5، 4، التهذيب 373:6، 1085.
3- الكافي 227:5، 7، التهذيب 374:6، 1086، و 134:7، 594.
4- الكافي 227:5، 9، التهذيب 135:7، 595.
5- الكافي 141:5، 1، التهذيب 378:6، 1107.
6- الكافي 143:5، 6، الفقيه 192:3، 872، التهذيب 379:6، 1112.

و قال محمّد بن مسلم: «جلساء الرجل شركاؤه في الهديّة»(1).

و هي مستحبّة مرغّب فيها، لما فيها من التودّد.

قال أمير المؤمنين عليه السّلام: «لأن أهدي لأخي المسلم هديّة تنفعه أحبّ إليّ من أن أتصدّق بمثلها»(2).

و قبولها مستحبّ، اقتداء برسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، فإنّه قال: «لو اهدي إليّ كراع لقبلت»(3).

و لو أهدي إليه هديّة طلبا لثوابها فلم يثبه، كان له الرجوع فيها إذا كانت العين باقية، لما رواه عيسى بن أعين قال: سألت الصادق عليه السّلام عن رجل أهدى إلى رجل هديّة و هو يرجو ثوابها فلم يثبه صاحبها حتى هلك و أصاب الرجل هديّته بعينها، أ له أن يرتجعها إن قدر على ذلك ؟ قال:

«لا بأس أن يأخذه»(4).

مسألة 693: لا يجوز عمل التماثيل و الصور المجسّمة.

و لا بأس بها فيما يوطأ بالأرجل، كالفراش و شبهه، لما رواه أبو بصير عن الصادق عليه السّلام، قال: قلت له: إنّما(5) نبسط عندنا الوسائد فيها التماثيل و نفرشها، قال:

«لا بأس بما يبسط منها و يفرش و يوطأ، و إنّما يكره منها ما نصب على الحائط و على السرير»(6).

مسألة 694: يجوز لمن أمره غيره بشراء شيء أن يأخذ منه

على ذلك

ص: 188


1- الكافي 143:5، 10، التهذيب 379:6، 1113.
2- الكافي 144:5، 12، التهذيب 380:6، 1115.
3- الكافي 141:5، 2، التهذيب 378:6، 1108.
4- الفقيه 192:3، 871، التهذيب 380:6، 1116.
5- كذا في المصدر و الطبعة الحجريّة، و في «س، ي»: «إنّا» بدل «إنّما».
6- التهذيب 381:6، 1122.

الجعل، لأنّه فعل مباح.

و لما رواه ابن سنان عن الصادق عليه السّلام، قال: سأله أبي و أنا حاضر، فقال: ربما أمرنا الرجل يشتري لنا الأرض أو الدار أو الغلام أو الخادم و نجعل له جعلا، فقال الصادق عليه السّلام: «لا بأس به»(1).

مسألة 695: لا بأس بالزراعة، بل هي مستحبّة.

روى سيابة أنّ رجلا سأل الصادق عليه السّلام: أسمع قوما يقولون: إنّ الزراعة مكروهة، فقال: «ازرعوا و اغرسوا، فلا و اللّه ما عمل الناس عملا أحلّ و لا أطيب منه، و اللّه لنزرعنّ الزرع و لنغرسنّ(2) غرس النخل بعد خروج الدجّال»(3).

و سأل هارون بن يزيد الواسطي الباقر عليه السّلام(4) عن الفلاّحين، فقال:

«هم الزارعون كنوز اللّه في أرضه، و ما في الأعمال شيء أحبّ إلى اللّه من الزراعة، و ما بعث اللّه نبيّا إلاّ زارعا، إلاّ إدريس عليه السّلام فإنّه كان خيّاطا»(5).

مسألة 696: يجوز أخذ أجر البذرقة من القوافل إذا رضوا بذلك،

و إلاّ حرم.

كتب محمّد بن الحسن الصفّار إليه: رجل يبذرق القوافل من غير أمر السلطان في موضع مخيف، و يشارطونه على شيء مسمّى أن يأخذ منهم إذا صاروا إلى الأمن، هل يحلّ له أن يأخذ منهم ؟ فوقّع عليه السّلام «إذا واجر(6)

ص: 189


1- التهذيب 381:6، 1124.
2- في «ي» و الطبعة الحجريّة و الكافي: «ليزرعنّ.. ليغرسنّ».
3- الكافي 260:5، 3، التهذيب 384:6-385، 1139.
4- كذا في «س، ي» و الطبعة الحجريّة. و في المصدر: «يزيد بن هارون الواسطي عن جعفر بن محمّد عليهما السّلام».
5- التهذيب 384:6، 1138.
6- في المصدر: «آجر».

نفسه بشيء معروف أخذ حقّه إن شاء اللّه»(1).

مسألة 697: يكره بيع العقار إلاّ لضرورة.

قال أبان بن عثمان: دعاني الصادق عليه السّلام فقال: «باع فلان أرضه ؟» فقلت: نعم، فقال: «مكتوب في التوراة أنّه من باع أرضا أو ماء و لم يضعه في أرض و ماء ذهب ثمنه محقا»(2).

و قال الصادق عليه السّلام: «مشتري العقدة مرزوق و بائعها ممحوق»(3).

و قال مسمع للصادق عليه السّلام: إنّ لي أرضا تطلب منّي و يرغّبوني، فقال لي: «يا أبا سيّار أ ما علمت أنّه من باع الماء و الطين و لم يجعل ماله في الماء و الطين ذهب ماله هباء» قلت: جعلت فداك إنّي أبيع بالثمن الكثير فأشتري ما هو أوسع ممّا بعت، فقال: «لا بأس»(4).

مسألة 698: يكره الاستحطاط من الثمن بعد العقد،

لأنّه قد صار ملكا للبائع بالعقد، فيندرج تحت قوله تعالى وَ لا تَبْخَسُوا النّاسَ أَشْياءَهُمْ (5).

و روى إبراهيم الكرخي عن الصادق عليه السّلام، قال: اشتريت للصادق عليه السّلام جارية فلمّا ذهبت أنقدهم قلت: أستحطّهم، قال: «لا، إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله نهى عن الاستحطاط بعد الصفقة»(6).

ص: 190


1- التهذيب 385:6، 1141.
2- الكافي 91:5، 3، التهذيب 387:6-388، 1155.
3- الكافي 92:5، 4، التهذيب 388:6، 1156.
4- التهذيب 388:6، 1157، و بتفاوت في الكافي 92:5، 8.
5- هود: 85.
6- الكافي 286:5 (باب الاستحطاط بعد الصفقة) الحديث 1، التهذيب 7: 233، 1017، الاستبصار 73:3، 243.

قال الشيخ: إنّه محمول على الكراهة(1) ، لما روى معلّى بن خنيس عن الصادق عليه السّلام، قال: سألته عن الرجل يشتري المتاع ثمّ يستوضع، قال:

«لا بأس به» و أمرني فكلّمت له رجلا في ذلك(2).

و عن يونس بن يعقوب عن الصادق عليه السّلام، قال: قلت له: الرجل يستوهب من الرجل الشيء بعد ما يشتري فيهب له، أ يصلح له ؟ قال: «نعم»(3).

و كذا في الإجارة. روى عليّ أبو الأكراد عن الصادق عليه السّلام، قال: قلت له: إنّي أتقبّل العمل فيه الصناعة و فيه النقش فأشارط النقاش على شيء فيما بيني و بينه العشرة أزواج بخمسة دراهم أو العشرين بعشرة، فإذا بلغ الحساب قلت له: أحسن، فأستوضعه من الشرط الذي شارطته عليه، قال:

«بطيب نفسه ؟» قلت: نعم، قال: «لا بأس»(4).

مسألة 699: أصل الأشياء الإباحة إلاّ أن يعلم التحريم في بعضها.

روي عن الصادق عليه السّلام - في الصحيح - قال: «كلّ شيء يكون منه حرام و حلال فهو حلال لك أبدا حتى تعرف أنّه حرام بعينه فتدعه»(5).

و قال عليه السّلام: «كلّ شيء هو لك حلال حتى تعلم أنّه حرام بعينه فتدعه من قبل نفسك، و ذلك مثل الثوب يكون عليك قد اشتريته و هو سرقة، أو المملوك عندك و لعلّه حرّ قد باع نفسه أو خدع فبيع أو قهر، أو امرأة تحتك و هي أختك أو رضيعتك، و الأشياء كلّها على هذا حتى يستبين لك غير

ص: 191


1- التهذيب 233:7، ذيل الحديث 1017، الاستبصار 74:3، ذيل الحديث 245.
2- التهذيب 233:7، 1018، الاستبصار 73:3، 244.
3- التهذيب 233:7-234، 1019، الاستبصار 74:3، 245.
4- التهذيب 234:7، 1020.
5- الكافي 313:5، 39، التهذيب 226:7، 988.

ذلك أو تقوم به البيّنة»(1).

مسألة 700: لا ينبغي التهوين في تحصيل قليل الرزق،

فإنّ علي بن بلال روى عن الحسين الجمّال قال: شهدت إسحاق بن عمّار و قد شدّ كيسه و هو يريد أن يقوم فجاء إنسان يطلب دراهم بدينار، فحلّ الكيس و أعطاه دراهم بدينار، فقلت له: سبحان اللّه ما كان فضل هذا الدينار، فقال إسحاق بن عمّار: ما فعلت هذا رغبة في الدينار، و لكن سمعت الصادق عليه السّلام يقول: «من استقلّ قليل الرزق حرم الكثير»(2).

مسألة 701: ينبغي الاقتصاد في المعيشة و ترك الإسراف.

قال الباقر عليه السّلام: «من علامات المؤمن ثلاث: حسن التقدير في المعيشة، و الصبر على النائبة، و التفقّه في الدين» و قال: «ما خير في رجل لا يقتصد في معيشته ما يصلح [لا](3) لدنياه و لا لآخرته»(4).

و قال الصادق عليه السّلام في قوله عزّ و جلّ وَ لا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ (5) قال: «ضمّ يده» فقال: «هكذا» وَ لا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ (6) قال: «و بسط راحته» و قال: «هكذا»(7).

و قال الصادق عليه السّلام: «ثلاثة من السعادة: الزوجة الموافقة(8) ، و الأولاد البارّون، و الرجل يرزق معيشته ببلده يغدو إليه و يروح»(9).

ص: 192


1- الكافي 313:5-314، 40، التهذيب 226:7، 989.
2- الكافي 311:5، 30، التهذيب 227:7، 993.
3- ما بين المعقوفين من المصدر.
4- التهذيب 236:7، 1028.
5- الإسراء: 29.
6- الإسراء: 29.
7- التهذيب 236:7، 1031.
8- في المصدر: «المؤاتية» بدل «الموافقة».
9- التهذيب 236:7، 1032، و في الكافي 258:5 (باب أنّ من السعادة..) الحديث 2 بتفاوت يسير.
الفصل الثاني: في الشفعة
اشارة

الشفعة مأخوذة من قولك: شفعت كذا بكذا، إذا جعلته شفعا به كأنّ الشفيع يجعل نصيبه شفعا بنصيب صاحبه.

و أصلها التقوية و الإعانة، و منه الشفاعة و الشفيع، لأنّ كلّ واحد من الموترين(1) يتقوّى بالآخر.

و في الشرع عبارة عن استحقاق الشريك انتزاع حصّة شريكه، المنتقلة عنه بالبيع، أو حقّ تملّك قهري يثبت(2) للشريك القديم على الحادث، و ليست بيعا، فلا يثبت فيها خيار المجلس.

و لا بدّ في الشفعة من مشفوع - و هو المأخوذ بالشفعة، و هو محلّها - و من آخذ له، و من مأخوذ منه، فهنا مباحث:

البحث الأوّل: المحلّ.
اشارة

محلّ الشفعة كلّ عقار ثابت مشترك بين اثنين قابل للقسمة.

و اعلم أنّ أعيان الأموال على أقسام ثلاثة:
الأوّل: الأراضي.

و تثبت فيها الشفعة أيّ أرض كانت بلا خلاف - إلاّ من الأصمّ(3) - لما رواه العامّة عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنّه قال: «الشفعة فيما

ص: 193


1- كذا في «س، ي» و الطبعة الحجريّة.
2- في «س، ي»: «ثبت».
3- حلية العلماء 263:5، المغني و الشرح الكبير 460:5.

لم يقسم، فإذا وقعت(1) الحدود فلا شفعة»(2).

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السّلام: «الشفعة لا تكون إلاّ لشريك»(3).

احتجّ الأصمّ على قوله بنفي الشفعة في كلّ شيء: بأنّ في إثباتها إضرارا بأرباب الأملاك، فإنّه إذا علم المشتري أنّه يؤخذ منه ما يبتاعه، لم يبتعه، و يتقاعد الشريك بالشريك، و يستضرّ المالك(4).

و هو غلط، لما تقدّم من الأخبار. و ما ذكره غلط، لأنّا نشاهد البيع يقع كثيرا و لا يمتنع المشتري - باعتبار استحقاق الشفعة - من الشراء. و أيضا فإنّ له مدفعا إذا علم التضرّر بذلك بأن يقاسم الشريك، فتسقط الشفعة إذا باع بعد القسمة.

و تثبت الشفعة في الأراضي سواء بيعت وحدها أو مع شيء من المنقولات، و يوزّع الثمن عليهما بالنسبة، و يأخذ الشفيع الشقص بالقسط.

الثاني: المنقولات،

كالأقمشة و الأمتعة و الحيوانات، و فيها لعلمائنا قولان:

أحدهما - و هو المشهور -: أنّه لا شفعة فيها - و به قال الشافعي(5) -

ص: 194


1- في «س، ي» و الطبعة الحجريّة: «وضعت» بدل «وقعت». و ما أثبتناه هو الموافق لما في المصادر، و كذا تأتي الرواية أيضا بعنوان «وقعت» في ص 207-208.
2- الموطّأ 713:2، 1، التمهيد 37:7-44، سنن أبي داود 285:3، 3514، سنن البيهقي 103:6 و 105، معرفة السنن و الآثار 308:8، 11986.
3- التهذيب 164:7، 725.
4- المغني و الشرح الكبير 460:5.
5- المهذّب - للشيرازي - 383:1، التنبيه في الفقه الشافعي: 116، الوجيز 1: 215، الوسيط 69:4، حلية العلماء 263:5، التهذيب - للبغوي - 337:4، العزيز شرح الوجيز 482:5 و 483، روضة الطالبين 155:4، منهاج الطالبين: 151.

لما رواه العامّة عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال: «لا شفعة إلاّ في ربع أو حائط»(1).

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السّلام: «قضى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بالشفعة بين الشركاء في الأرضين و المساكن، ثمّ قال: لا ضرر و لا إضرار»(2).

و قول الصادق عليه السّلام: «ليس في الحيوان شفعة»(3).

و لأنّ الأصل عدم الشفعة، ثبت في الأراضي بالإجماع، فيبقى الباقي على المنع.

و الثاني لعلمائنا: تثبت الشفعة في كلّ المنقولات - و به قال مالك في إحدى الروايات عنه(4) - لما رواه العامّة أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال: «الشفعة في كلّ شيء»(5).

و من طريق الخاصّة: رواية يونس عن بعض رجاله عن الصادق عليه السّلام، قال: سألته عن الشفعة لمن هي ؟ و في أيّ شيء هي ؟ و لمن تصلح ؟ و هل تكون في الحيوان شفعة ؟ و كيف هي ؟ فقال: «الشفعة جائزة في كلّ شيء من حيوان أو أرض أو متاع إذا كان الشيء بين شريكين لا غيرهما، فباع أحدهما نصيبه فشريكه أحقّ به من غيره، و إن زاد على4.

ص: 195


1- نصب الراية 178:4 نقلا عن البزار في مسنده.
2- الكافي 280:5، 4، الفقيه 45:3، 154، التهذيب 164:7، 727.
3- التهذيب 165:7، 733، الإستبصار 117:3-118، 419.
4- حلية العلماء 263:5-264، العزيز شرح الوجيز 483:5، المغني 464:5، الشرح الكبير 472:5.
5- سنن الترمذي 654:3، 1371، سنن البيهقي 109:6، المعجم الكبير - للطبراني - 123:11، 11244، شرح معاني الآثار 125:4.

الاثنين فلا شفعة لأحد منهم»(1).

و لأنّ الشفعة تثبت لأجل ضرر القسمة، و ذلك حاصل فيما ينقل.

و الجواب: أنّ خبر العامّة و خبر الخاصّة معا مرسلان، و أخبارنا أشهر، فيتعيّن العمل بها و طرح أخبارهم. و الضرر بالقسمة إنّما هو لما يحتاج إليه من إحداث المرافق، و ذلك يختصّ بالأرض دون غيرها، فافترقا.

و قد وردت رواية تقتضي ثبوت الشفعة في المملوك دون باقي الحيوانات:

روى الحلبي - في الصحيح - عن الصادق عليه السّلام أنّه قال في المملوك بين شركاء فيبيع أحدهم نصيبه، فيقول صاحبه: أنا أحقّ به، إله ذلك ؟ قال: «نعم إذا كان واحدا» فقيل: في الحيوان شفعة ؟ فقال: «لا»(2).

و عن عبد اللّه بن سنان قال: قلت للصادق عليه السّلام: المملوك يكون بين شركاء فباع أحدهم نصيبه، فقال أحدهم: أنا أحقّ به، إله ذلك ؟ قال: «نعم إذا كان واحدا»(3).

و عن مالك رواية اخرى: أنّ الشفعة تثبت في السفن خاصّة(4).

الثالث: الأعيان التي كانت منقولة في الأصل ثمّ أثبتت في الأرض للدوام،

كالحيطان و الأشجار، و إن بيعت منفردة، فلا شفعة فيها على المختار، لأنّها في حكم المنقولات، و كانت في الأصل منقولة، و ستنتهي

ص: 196


1- الكافي 281:5، 8، التهذيب 164:7-165، 730، الإستبصار 116:3، 413.
2- الكافي 210:5، 5، التهذيب 166:7، 735، الاستبصار 116:3، 415.
3- التهذيب 165:7-166، 734، الإستبصار 116:1، 414.
4- حلية العلماء 263:5-264، العزيز شرح الوجيز 483:5، بدائع الصنائع 5: 12.

إليه و إن طال أمدها، و ليس معها ما تجعل تابعة له، و به قال الشافعي(1).

و حكى بعض أصحابه قولا آخر: أنّه تثبت فيها الشفعة كثبوتها في الأرض(2).

و لو بيعت الأرض وحدها، ثبتت الشفعة فيها، و يكون الشفيع معه كالمشتري.

و إن بيعت الأبنية و الأشجار مع الأرض، ثبتت الشفعة فيها تبعا للأرض، لأنّ في بعض أخبار العامّة لفظ «الرّبع»(3) و هو يتناول الأبنية، و في بعض أخبار الخاصّة: «و المساكن»(4) و هو يتناول الأبنية أيضا، و في بعضها:

«الدار»(5) و هو يتناول الجدران و السقوف و الأبواب.

مسألة 702: الأثمار على الأشجار

- سواء كانت مؤبّرة أو لا - إذا بيعت معها و مع الأرض، لا تثبت فيها الشفعة - و به قال الشافعي(6) - و كذا إذا شرط إدخال الثمرة في البيع، لأنّها لا تدوم في الأرض.

و كذا الزروع الثابتة في الأرض، لأنّ ما لا يدخل في بيع الأرض بالإطلاق لا يثبت له حكم الشفعة، كالفدان(7) الذي يعمل فيها، و عكسه

ص: 197


1- العزيز شرح الوجيز 484:5، روضة الطالبين 156:4.
2- العزيز شرح الوجيز 484:5.
3- تقدّمت الإشارة إلى مصدره في ص 195، الهامش (1).
4- تقدّمت الإشارة إلى مصدره في ص 195، الهامش (2).
5- راجع: الكافي 280:5، 2، و التهذيب 165:7، 731، و الاستبصار 3: 117، 417.
6- المهذّب - للشيرازي - 384:1، حلية العلماء 265:5، التهذيب - للبغوي - 4: 344، العزيز شرح الوجيز 484:5، روضة الطالبين 156:4، مختصر اختلاف العلماء 249:4، 1967، المغني 464:5، الشرح الكبير 471:5.
7- الفدان: الذي يجمع أداة الثورين في القران للحرث. لسان العرب 321:13 «فدن».

البناء و الشجر.

و قال الشيخ و أبو حنيفة و مالك: تدخل الثمار و الزروع مع أصولها و مع الأرض التي نبت الزرع بها(1) ، لأنّها متّصلة بما فيه الشفعة، فتثبت الشفعة فيها، كالبناء و الغراس(2).

و يمنع الاتّصال، بل هي بمنزلة الوتد المثبت في الحائط.

و في الدولاب الغرّاف و الناعورة نظر من حيث عدم جريان العادة بنقله، فكان كالبناء.

و الأقرب: عدم الدخول.

و لا تدخل الحبال التي تركب عليها الدلاء.

مسألة 703: قد بيّنّا أنّه لا تثبت الشفعة في المنقولات،

و لا فرق بين أن تباع منفردة أو مع الأرض التي تثبت فيها الشفعة، بل يأخذ الشفيع الشقص من الأرض خاصّة بحصّته من الثمن.

و عن مالك رواية ثالثة أنّها: إن بيعت وحدها، فلا شفعة فيها. و إن بيعت مع الأرض، ففيها الشفعة، لئلاّ تتفرّق الصفقة(3).

و الجواب: المعارضة بالنصوص.

و لو كانت الثمرة غير مؤبّرة، دخلت في المبيع شرعا، و لا يأخذها الشفيع، لأنّها منقولة. و لأنّ المؤبّرة لا تدخل في الشفعة فكذا غيرها، و هو

ص: 198


1- في الطبعة الحجريّة: «يثبت الزرع فيها» بدل «نبت الزرع بها».
2- الخلاف 440:3، المسألة 15، المبسوط - للطوسي - 119:3، المبسوط - للسرخسي - 134:14، بدائع الصنائع 27:5-28، مختصر اختلاف العلماء 249:4، 1967، المدوّنة الكبرى 427:5، حلية العلماء 265:5، العزيز شرح الوجيز 484:5، المغني 464:5، الشرح الكبير 471:5.
3- العزيز شرح الوجيز 483:5.

أحد قولي الشافعي. و الآخر: أنّها تدخل في الشفعة، لدخولها في مطلق البيع(1).

و على هذا فلو لم يتّفق الأخذ حتى تأبّرت، فوجهان للشافعيّة:

أظهرهما: الأخذ، لأنّ حقّه تعلّق بها، و زيادتها كالزيادة الحاصلة في الشجرة.

و الثاني: المنع، لخروجها عن كونها تابعة للنخل.

و على هذا فبم يأخذ الأرض و النخيل ؟ وجهان:

أشبههما: بحصّتهما من الثمن كما في المؤبّرة، و هو مذهبنا.

و الثاني: بجميع الثمن تنزيلا له منزلة عيب يحدث بالشقص(2).

و لو كانت النخيل حائلة عند البيع ثمّ حدثت الثمرة قبل أخذ الشفيع، فإن كانت مؤبّرة، لم يأخذها. و إن كانت غير مؤبّرة، فعلى قولين(3).

و عندنا لا يأخذها، لاختصاص الأخذ عندنا بالبيع، و الشفعة ليست بيعا.

و إذا بقيت الثمرة للمشتري، فعلى الشفيع إبقاؤها إلى الإدراك مجّانا.

و هذا إذا بيعت الأشجار مع الأرض أو مع البياض الذي يتخلّلها، أمّا إذا بيعت الأشجار و مغارسها لا غير، فوجهان للشافعي، و كذا لو باع الجدار مع الأسّ:

أحدهما: أنّه تثبت الشفعة، لأنّها أصل ثابت.3.

ص: 199


1- المهذّب - للشيرازي - 384:1، حلية العلماء 265:5، العزيز شرح الوجيز 5: 484، روضة الطالبين 156:4.
2- العزيز شرح الوجيز 484:5، روضة الطالبين 156:4.
3- التهذيب - للبغوي - 344:4-345، العزيز شرح الوجيز 485:5، روضة الطالبين 156:3.

و أشبههما: المنع، لأنّ الأرض هنا تابعة، و المتبوع منقول(1).

و عندنا أنّ قبل القسمة تثبت الشفعة، و إلاّ فلا.

مسألة 704: لو باع شقصا فيه زرع لا يجزّ مرارا و أدخله في البيع،

أخذ الشفيع الشقص بحصّته من الثمن دون الزرع، و به قال الشافعي(2) ، خلافا لأبي حنيفة و مالك(3) ، و قد سبق(4).

و إن كان ممّا يجزّ مرارا، فالجزّة الظاهرة التي لا تدخل في البيع المطلق كالثمار المؤبّرة، و الأصول كالأشجار، قاله الشافعي(5).

و عندنا أنّه لا يدخل في الشفعة أيضا و لا في البيع على ما تقدّم(6).

أمّا ما يدخل تحت مطلق بيع الدار من الأبواب و الرفوف و المسامير فالأقرب: أنّه يؤخذ بالشفعة تبعا، كالأبنية.

و لو باع شقصا من طاحونة، لم يدخل شيء من الأحجار فيها على ما تقدّم(7).

و قال الشافعي: يؤخذ التحتاني(8) إن قلنا بدخوله في البيع، و في الفوقاني وجهان(9).

ص: 200


1- الوسيط 70:4، العزيز شرح الوجيز 485:5، روضة الطالبين 156:4.
2- التهذيب - للبغوي - 345:4، العزيز شرح الوجيز 485:5، روضة الطالبين 4: 156.
3- العزيز شرح الوجيز 485:5.
4- في ص 197-198، المسألة 702.
5- العزيز شرح الوجيز 485:5، روضة الطالبين 156:4.
6- في ص 47، المسألة 572.
7- في ص 59، ضمن المسألة 576، القسم الثالث.
8- أي: الحجر التحتاني.
9- التهذيب - للبغوي - 345:4، العزيز شرح الوجيز 485:5، روضة الطالبين 4: 157.
مسألة 705: شرطنا في محلّ الشفعة من العقار كونه ثابتا.

و احترزنا بالثابت عمّا إذا كان بين اثنين غرفة عالية أو حجرة معلّقة على سقف لأحدهما أو لغيرهما، فإذا باع [أحدهما](1) نصيبه، فلا شفعة لشريكه، لأنّه لا أرض لها و لا ثبات فأشبهت المنقولات.

و لو كان السقف لهما و بيع معها، فالأقرب: أنّه لا شفعة لشريكه أيضا، لأنّ الأرض التي لهما لا ثبات لها، و ما لا ثبات له في نفسه لا يعدّ(2) ثباتا لما هو عليه، و هو أحد وجهي الشافعيّة(3).

و الثاني: أنّ الشفعة تثبت، للاشتراك بينهما أرضا و جدرانا(4).

و ليس بجيّد، لأنّ ما هو أرضهما لا ثبات له.

و لو كان السفل بين اثنين و العلوّ لأحدهما فباع صاحب العلوّ العلوّ و نصيبه من السفل، كان للشفيع أخذ السفل لا غير، لأنّ الشفعة لا تثبت في الأرض إلاّ إذا كانت مشتركة، فكذلك ما فيها من الأبنية، و لا شركة بينهما في العلوّ، و هو قول بعض الشافعيّة(5).

و قال بعضهم: إنّ الشريك يأخذ السفل و نصف العلوّ بالشفعة، لأنّ الأرض مشتركة بينهما، و ما فيها تابع لها، ألا ترى أنّه يتبعها في بيع الأرض عند الإطلاق، فكذلك في الشفعة(6). و ليس بشيء.

و لو كانت بينهما أرض مشتركة، و فيها أشجار لأحدهما، فباع صاحب الأشجار الأشجار و نصيبه من الأرض، ففيه الخلاف المذكور.

مسألة 706: يشترط كون المبيع مشتركا بين اثنين لا أزيد،

فلو تعدّد

ص: 201


1- ما بين المعقوفين أضفناه لأجل السياق.
2- كذا، و الظاهر: «لا يفيد» بدل «لا يعدّ».
3- العزيز شرح الوجيز 486:5، روضة الطالبين 157:4.
4- العزيز شرح الوجيز 486:5، روضة الطالبين 157:4.
5- العزيز شرح الوجيز 486:5، روضة الطالبين 157:4.
6- العزيز شرح الوجيز 486:5، روضة الطالبين 157:4.

الشركاء و زادوا على اثنين، فلا شفعة عند أكثر علمائنا(1) ، خلافا للعامّة.

لنا: الأصل عدم الشفعة، أثبتناها في الاثنين، دفعا لضرورة الشركة، و هذا المعنى منتف في حقّ الزائد على الاثنين، فيبقى على أصالة العدم.

و ما رواه العامّة عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله «أنّه قضى بالشفعة في كلّ مشترك(2) لم يقسم ربع أو حائط لا يحلّ له أن يبيعه حتى يؤذن شريكه، فإن شاء أخذ، و إن شاء ترك، فإن باعه و لم يؤذنه فهو أحقّ به»(3) و هو يدلّ على الاقتصار على الواحد.

و من طريق الخاصّة: رواية عبد اللّه بن سنان - الصحيحة - عن الصادق عليه السّلام قال: «لا تكون الشفعة إلاّ لشريكين ما لم يتقاسما، فإذا صاروا ثلاثة، فليس لواحد منهم شفعة»(4).

و في رواية يونس - السابقة(5) - عن الصادق عليه السّلام: «و إن زاد على الاثنين فلا شفعة لأحد منهم».

و قال بعض(6) علمائنا - و هو قول الجمهور كافّة -: إنّها تثبت مع الكثرة، لما رواه السكوني عن الصادق عن الباقر عن آبائه عن عليّ عليهم السّلام قال: «الشفعة على عدد الرجال»(7).6.

ص: 202


1- منهم: الشيخ المفيد في المقنعة: 618، و الشيخ الطوسي في النهاية: 424، و سلاّر في المراسم: 183، و أبو الصلاح الحلبي في الكافي في الفقه: 361.
2- كذا في «س، ي» و الطبعة الحجريّة، و في المصدر: «شركة» بدل «مشترك».
3- صحيح مسلم 1229:3، 134، سنن النسائي 320:7.
4- الكافي 281:5، 7، التهذيب 164:7، 729، الإستبصار 116:3، 412.
5- في ص 195-196.
6- الشيخ الصدوق في الفقيه 46:3، ذيل الحديث 162.
7- التهذيب 166:7، 736، الاستبصار 116:3-117، 416.

و الطريق ضعيف لا يعوّل عليه.

إذا ثبت هذا، فالقائلون بثبوت الشفعة مع الكثرة اختلفوا، فقال بعضهم: إنّها على عدد الرءوس(1). و قال بعضهم: إنّها على عدد الأنصباء(2).

مسألة 707: شرطنا في المأخوذ أن كان ممّا يقبل القسمة،

كالبساتين و الدور المتّسعة و غيرها، لأنّ ما لا يقبل القسمة - كالحمّام و الدار الضيّقة و العضائد الضيّقة و ما أشبه ذلك - لا تثبت فيه الشفعة عند أكثر علمائنا(3) - و به قال عثمان و ربيعة و الشافعي و مالك في إحدى الروايتين(4) - لأنّ الشفعة تضرّ بالبائع، لأنّه لا يمكنه أن يخلص نصيبه بالقسمة، و قد يمتنع المشتري لأجل الشفيع، و لا يمكنه القسمة، فيسقط حقّ الشفعة، فلهذا لم تجب الشفعة.

ص: 203


1- الهداية - للمرغيناني - 25:4، مختصر اختلاف العلماء 248:4، 1965، الوسيط 94:4، حلية العلماء 292:5، التهذيب - للبغوي - 361:4، العزيز شرح الوجيز 527:5، روضة الطالبين 182:4، المغني 523:5، الشرح الكبير 490:5.
2- الهداية - للمرغيناني - 25:4، مختصر اختلاف العلماء 248:4، 1965، الوسيط 94:4، حلية العلماء 292:5، التهذيب - للبغوي - 362:4، العزيز شرح الوجيز 527:5، روضة الطالبين 182:3، المغني 523:5، الشرح الكبير 490:5.
3- منهم: الشيخ الطوسي في الخلاف 441:3، المسألة 16، و سلاّر في المراسم: 183، و المحقّق الحلّي في المختصر النافع: 257.
4- المغني 465:5 و 466، الشرح الكبير 468:5 و 469، معالم السنن - للخطّابي - 172:5، المهذّب - للشيرازي - 384:1، الوجيز 215:1، حلية العلماء 268:5، التهذيب - للبغوي - 340:4، العزيز شرح الوجيز 488:5، روضة الطالبين 157:4 و 158، و في الخلاف - للشيخ الطوسي - 441:3، المسألة 16 حكاية قول عثمان أيضا.

و لما رواه السكوني عن الصادق عليه السّلام قال: «قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:

لا شفعة في سفينة و لا في نهر و لا في طريق»(1).

و قال بعض(2) علمائنا: تثبت فيه الشفعة - و به قال الثوري و مالك في الرواية الأخرى، و أبو حنيفة و أصحابه، و أبو العباس بن سريج من الشافعيّة، و نقله قولا آخر للشافعي(3) - لعموم قول الصادق عليه السّلام: «الشفعة جائزة في كلّ شيء»(4).

و لأنّ الشفعة تثبت لأجل الضرر بالمشاركة، و الضرر في هذا النوع أكثر، لأنّه يتأبّد ضرره.

و الرواية مقطوعة السند.

و أصل اختلاف الشافعيّة هنا مبنيّ على علّة ثبوت الشفعة في المنقسم(5) إن قلنا: إنّها تثبت لدفع ضرر الشركة فيما يتأبّد و يدوم، كتضيّق المداخل، و التأذّي بحرفة(6) الشريك أو أخلاقه(7) أو كثرة الداخلين عليه، و ما أشبه ذلك.ر.

ص: 204


1- الكافي 282:5، 11، التهذيب 166:7، 738، الاستبصار 118:3، 420.
2- كالسيّد المرتضى في الانتصار: 215، و ابن إدريس في السرائر 389:2.
3- المغني 465:5-466، الشرح الكبير 469:5، معالم السنن - للخطّابي - 5: 172، الهداية - للمرغيناني - 34:4، المهذّب - للشيرازي - 384:1، حلية العلماء 268:5، التهذيب - للبغوي - 340:4، العزيز شرح الوجيز 487:5، روضة الطالبين 157:4.
4- الكافي 281:5، 8، التهذيب 164:7، 730، الإستبصار 116:3، 413.
5- في «س، ي» و الطبعة الحجريّة: «التقسيم» بدل «المنقسم». و الصحيح ما أثبتناه.
6- في الطبعة الحجريّة: «بخراءة» بدل «بحرفة» و لها وجه، و في «س، ي» بدلهما: «بجزية». و هي تصحيف ما أثبتناه من المصدر.
7- في «س، ي» و الطبعة الحجريّة: «اختلافه» بدل «أخلاقه». و ما أثبتناه من المصدر.

و أصحّهما: أنّها تثبت لدفع الضرر الذي ينشأ من القسمة من بذل مئونتها، و الحاجة إلى أفراد الحصّة الصائرة إليه بالمرافق الواقعة في حصّة صاحبه، كالمصعد و المبرز و البالوعة و نحوها، و كلّ واحد من الضررين و إن كان حاصلا قبل البيع لكن من رغب من الشريكين في البيع كان من حقّه أن يخلص الشريك ممّا هو فيه ببيعه منه، فإذا لم يفعل، سلّطه الشرع على أخذه. فإن قلنا بالأصحّ، لم تثبت الشفعة فيما لا ينقسم، لأنّه يؤمن فيه من ضرر القسمة. و إن قلنا بالأوّل، ثبتت الشفعة فيه(1).

مسألة 708: المراد من المنقسم ما يتجزّأ

و يكون كلّ واحد من جزأيه منتفعا به من الوجه الذي كان ينتفع به قبل القسمة دون غيره، و لا عبرة بإمكان الانتفاع به من وجوه أخر، للتفاوت العظيم بين أجناس المنافع.

و قيل: المنقسم ما لا تنقص قيمته نقصانا فاحشا، فلو كانت قيمة الدار مائة و لو قسّمت عادت قيمة كلّ نصف إلى ثلاثين، لم تقسّم، لما فيها من الضرر(2).

و قيل: إنّه الذي يبقى منتفعا به بعد القسمة بوجه ما، أمّا إذا خرج عن حدّ الانتفاع بالكلّيّة - أمّا لضيق الخطّة و قلّة النصيب، أو لأنّ أجزاءه غير منتفع بها وحدها، كشرب القنا(3) ، و مصراعي الباب - فلا ينقسم(4).

مسألة 709: إذا كانت الطاحونة أو الحمّام كبيرين

يمكن إفراد حصّة

ص: 205


1- العزيز شرح الوجيز 487:5.
2- التهذيب - للبغوي - 340:4، العزيز شرح الوجيز 487:5، روضة الطالبين 157:4.
3- في «العزيز شرح الوجيز» بدل «كشرب القنا»: «كماء سراب القنا». و لعلّها: «كأسراب القنا». و السرب: القناة الجوفاء التي يدخل منها الماء الحائط. لسان العرب 466:1 «سرب».
4- التهذيب - للبغوي - 340:4، العزيز شرح الوجيز 487:5، روضة الطالبين 4: 157-158.

كلّ منهما عن صاحبه من غير تضرّر، أو كان مع البئر أرض تسلم البئر لأحدهما، أو كان في الرحى أربعة أحجار دائرة يمكن أن ينفرد كلّ منهما بحجرين، أو كان الطريق واسعا لا تبطل منفعته بالقسمة، أو كان الحمّام كثير البيوت يمكن جعله حمّامين، أو متّسع البيوت يمكن جعل كلّ بيت بيتين، أو كانت البئر واسعة يمكن أن يبنى فيها فتجعل بئرين لكلّ واحدة بياض يقف فيه المستقي و يلقي فيه ما يخرج منها، تثبت الشفعة في ذلك كلّه.

و لو كان بين اثنين دار ضيّقة لأحدهما عشرها، فإن قلنا بثبوت الشفعة فيما لا يقسم، فأيّهما باع نصيبه فلصاحبه الشفعة. و إن حكمنا بمنعها، فإن باع صاحب العشر نصيبه، لم تثبت لصاحبه الشفعة، لأنّه آمن من أن يطلب مشتريه القسمة، لانتفاء فائدته فيها، و لو طلب لم يجب إليه، لأنّه متعنّت مضيّع لماله، و إذا كان كذلك، فلا يلحقه ضرر القسمة.

فإن باع الآخر، ففي ثبوت الشفعة لصاحب العشر وجهان بناء على أنّ صاحب الأزيد هل يجاب إذا طلب القسمة، لأنّه منتفع بالقسمة ؟ و الظاهر عند الشافعي أنّه يجاب(1). و نحن نقول بخلافه.

و لو كان حول البئر بياض و أمكنت القسمة بأن تجعل البئر لواحد و البياض لآخر، أو كان موضع الحجر و الرحى واحدا و له بيت ينتفع به و أمكنت القسمة بأن يجعل موضع الحجر لواحد و البيت لآخر، تثبت الشفعة - و هو أحد قولي الشافعي(2) - و هو مبنيّ على أنّه لا يشترط فيما يصير لكلّ واحد منهما أن يمكن الانتفاع به من الوجه الذي كان ينتفع به قبل القسمة.

و لو كان لاثنين مزرعة يمكن قسمتها و بئر يستقى منها باع أحدهما4.

ص: 206


1- العزيز شرح الوجيز 488:5، روضة الطالبين 158:4.
2- العزيز شرح الوجيز 488:5، روضة الطالبين 158:4.

نصيبه منهما، تثبت للآخر الشفعة فيهما إن انقسمت البئر، أو قلنا بثبوت الشفعة فيما لا ينقسم، و إلاّ ثبتت في المزرعة.

و هل تثبت في البئر؟ الأقوى: أنّها تثبت، لأنّها تابعة، كالأشجار، و هو أحد قولي الشافعي(1).

و أصحّهما: المنع، و الفرق بين البئر و الأشجار ظاهر، فإنّ الأشجار ثابتة في محلّ الشفعة، و البئر مباينة عنه(2).

و الفرق لا يخرج البئر عن التبعيّة، و يذكر غيره(3) ، كالحائط.

البحث الثاني: في الآخذ.
مسألة 710: أخذ الشفعة يشترط أن يكون شريكا في المشفوع،

فلا تثبت الشفعة بالجوار، و إنّما تثبت بالخلطة إمّا في الملك أو في طريقه أو نهره أو ساقيته، و به قال عبيد اللّه بن الحسن العنبري و سوار القاضي(4).

و وافقنا الشافعي على أنّ الشفعة لا تثبت للجار - و به قال عمر و عثمان و عمر بن عبد العزيز و سليمان بن يسار و سعيد بن المسيّب و يحيى ابن سعد الأنصاري، و من الفقهاء: ربيعة و مالك و الأوزاعي و أحمد و إسحاق و أبو ثور(5) - لما رواه العامّة عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنّه قال: «الشفعة فيما

ص: 207


1- التهذيب - للبغوي - 341:4، العزيز شرح الوجيز 489:5، روضة الطالبين 158:4.
2- التهذيب - للبغوي - 341:4، العزيز شرح الوجيز 489:5، روضة الطالبين 158:4.
3- أي: أنّ الذي يذكر في البيع غير البئر.
4- المغني 461:5، الشرح الكبير 466:5-467، حلية العلماء 267:5.
5- المغني 461:5، الشرح الكبير 466:5، الوجيز 215:1، الوسيط 72:4، حلية العلماء 266:5، التهذيب - للبغوي - 337:4، العزيز شرح الوجيز 489:5، روضة الطالبين 159:4، بداية المجتهد 256:2.

لم يقسم، فإذا وقعت الحدود و صرّفت(1) الطرق فلا شفعة»(2).

و من طريق الخاصّة: قول الباقر عليه السّلام: «إذا وقعت السهام ارتفعت الشفعة»(3).

و قال الصادق عليه السّلام: «الشفعة لا تكون إلاّ لشريك»(4).

و قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: «إذا رفّت الأرف(5) و حدّت الحدود فلا شفعة»(6).

و قال أبو حنيفة و الثوري و ابن شبرمة و ابن أبي ليلى: إنّ الشفعة تثبت بالشركة ثمّ بالشركة في الطريق ثمّ بالجوار(7).

و فصّل أبو حنيفة، فقال: يقدّم الشريك، فإن لم يكن شركة و كان الطريق مشتركا كدرب لا ينفذ، فإنّه تثبت الشفعة لجميع أهل الدرب الأقرب فالأقرب، و لو لم يأخذ هؤلاء، تثبت للملاصق من درب آخر خاصّة، لأنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال: «الجار أحقّ بسقبه(8)»(9) و قال عليه السّلام: «جار0.

ص: 208


1- في «س، ي» و الطبعة الحجريّة: «ضربت» بدل «صرّفت». و ما أثبتناه من المصادر. انظر: الهامش التالي.
2- صحيح البخاري 114:3، سنن ابن ماجة 835:2، 2499، سنن أبي داود 3: 285، 3514، سنن البيهقي 102:6.
3- الكافي 280:5، 3، الفقيه 46:3، 161، التهذيب 163:7، 724.
4- التهذيب 164:7، 725.
5- الأرفة: الحدّ و معالم الحدود بين الأرضين. الصحاح 1331:4 «أرف».
6- الكافي 280:5، 4، التهذيب 164:7، 727.
7- حلية العلماء 266:5، التهذيب - للبغوي - 339:4، العزيز شرح الوجيز 5: 489، المغني 461:5، الشرح الكبير 466:5.
8- السّقب: القرب. النهاية - لابن الأثير - 377:2 «سقب».
9- صحيح البخاري 115:3، سنن أبي داود 286:3، 3516، سنن الترمذي 3: 653، ذيل الحديث 1370.

الدار أحقّ بدار جاره أو الأرض»(1)(2).

و الحديث ممنوع، و قد طعن فيه جماعة، لأنّ الحديث الأخير رواه الحسن(3) [عن](4) سمرة(5) ، و قال أصحاب الحديث: لم يرو عنه إلاّ حديثا واحدا، و هو حديث العقيقة(6)(7). و «الجار» في الحديث الأوّل يحمل على الشريك.

إذا ثبت هذا، فإنّه لا شفعة للجار، سواء كان ملاصقا أو مقابلا.

و قال أبو حنيفة: للجار الملاصق الشفعة، و للمقابل أيضا إذا لم يكن الطريق بينهما نافذا(8). و عن ابن سريج من الشافعيّة(9) تخريج كمذهب أبي حنيفة.

مسألة 711: قد بيّنّا أنّه لا تثبت الشفعة بالجوار

و لا فيما قسّم و ميّز إلاّ أن يكون بينهما شركة في طريق أو نهر أو ساقية بشرط أو يبيع الدار مع الطريق، و البستان مع الشرب أو النهر، لما رواه منصور بن حازم - في الحسن - عن الصادق عليه السّلام، قال: سألته عن دار فيها دور و طريقهم واحد

ص: 209


1- سنن أبي داود 286:3، 3517.
2- مختصر اختلاف العلماء 239:4، 1947، حلية العلماء 267:5، المغني 5: 461، الشرح الكبير 466:5.
3- و هو: الحسن البصري. راجع المصادر في الهامش 6.
4- بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «ابن». و ذلك تصحيف.
5- و هو: سمرة بن جندب. راجع المصادر في الهامش التالي.
6- سنن الترمذي 101:4، 1522، سنن البيهقي 303:9، المستدرك - للحاكم - 4: 237، المعجم الكبير - للطبراني - 242:7-243، 6827-6832، المصنّف - لابن أبي شيبة - 48:8، 4290، و 122:14، 18156.
7- التمهيد 37:1، الاستذكار 19:5، 5686، المغني 462:5، الشرح الكبير 5: 468.
8- العزيز شرح الوجيز 489:5.
9- العزيز شرح الوجيز 489:5.

في عرصة الدار فباع بعضهم منزله من رجل هل لشركائه في الطريق أن يأخذوا بالشفعة ؟ فقال: «إن كان باب الدار و ما حول بابها إلى الطريق غير ذلك، فلا شفعة لهم، و إن باع الطريق مع الدار فلهم الشفعة»(1).

و عن منصور بن حازم - في الصحيح - عن الصادق عليه السّلام، قال: قلت له: دار بين قوم اقتسموها فأخذ كلّ واحد منهم قطعة و تركوا بينهم ساحة فيها ممرّهم فجاء رجل فاشترى نصيب بعضهم، إله ذلك ؟ قال: «نعم، و لكن يسدّ بابه و يفتح بابا إلى الطريق، أو ينزل من فوق البيت و يسدّ بابه، و إن أراد صاحب الطريق بيعه فإنّهم أحقّ به، و إلاّ فهو طريقه يجيء يجلس على ذلك الباب»(2).

و عن منصور بن حازم عن الصادق عليه السّلام، قال: قلت له: دار بين قوم اقتسموها و تركوا بينهم ساحة فيها ممرّهم فجاء رجل فاشترى نصيب بعضهم، إله ذلك ؟ قال: «نعم، و لكن يسدّ بابه و يفتح بابا إلى الطريق أو ينزل من فوق البيت، فإن أراد شريكهم أن يبيع منقل قدميه فإنّهم أحقّ به، و إن أراد يجيء حتى يقعد على الباب المسدود الذي باعه لم يكن لهم أن يمنعوه»(3).

مسألة 712: الدار إمّا أن يكون بابها مفتوحا إلى درب نافذ،

أو غير نافذ، فإن كان الأوّل و لا شريك له في الدار، فلا شفعة فيها لأحد و لا في ممرّها، لأنّ هذا الدرب غير مملوك. و إن كان الثاني، فالدرب ملك مشترك بين سكّانه على السويّة. فإن باع نصيبه من الممرّ وحده، فللشركاء الشفعة

ص: 210


1- التهذيب 165:7، 731.
2- الكافي 281:5، 9، التهذيب 165:7، 732، الاستبصار 117:3، 418.
3- التهذيب 167:7-168، 743.

إن كان واحدا و أمكن قسمته، و إلاّ فلا.

و إن باع الدار بممرّها فللشريك في الممرّ الشفعة في الدار و طريقها.

و قال الشافعي: لا شفعة له في الدار، لأنّه لا شركة [له](1) فيها، فصار كما لو باع شقصا من عقار مشترك و عقارا غير مشترك(2).

و قال أبو حنيفة(3) كقولنا من إثبات الشفعة.

و إن أرادوا أخذ الممرّ بالشفعة، قال الشافعي: ينظر إن كان للمشتري طريق آخر إلى الدار أو أمكنه فتح باب آخر إلى شارع، فلهم ذلك على المشهور إن كان منقسما، و إلاّ فعلى الخلاف في غير المنقسم.

و قال بعض الشافعيّة: إن كان في اتّخاذ الممرّ الحادث عسر أو مئونة لها وقع، وجب أن يكون ثبوت الشفعة على الخلاف الآتي(4).

و إن لم يكن له طريق آخر و لا أمكن اتّخاذه، ففيه وجوه:

أحدها: أنّهم لا يمكّنون منه، لما فيه من الإضرار بالمشتري، و الشفعة شرّعت لدفع الضرر، فلا يزال الضرر بالضرر.

و الثاني: أنّ لهم الأخذ، و المشتري هو المضرّ بنفسه حيث اشترى مثل هذه الدار.

و الثالث: أن يقال لهم: إن أخذتموه على أن تمكّنوا المشتري من المرور، فلكم الأخذ، و إلاّ فلا شفعة لكم جمعا بين الحقّين(5).

و الأقرب عندي: أنّ الطريق إن كان ممّا يمكن قسمته و الشريك واحد4.

ص: 211


1- بدل ما بين المعقوفين في «س، ي» و الطبعة الحجريّة: «لهم». و ما أثبتناه يقتضيه السياق.
2- العزيز شرح الوجيز 490:5، روضة الطالبين 159:4.
3- العزيز شرح الوجيز 490:5.
4- العزيز شرح الوجيز 490:5، روضة الطالبين 159:4.
5- العزيز شرح الوجيز 490:5، روضة الطالبين 159:4.

و بيع مع الدار المختصّة بالبائع صفقة، فللشريك الآخر أخذ الطريق خاصّة إن شاء، و إن شاء أخذ الجميع. و إن لم يمكن قسمته، لم يكن له أخذه خاصّة، بل إمّا أن يأخذ الجميع أو يترك.

و إذا كان في الخان بيوت مشتركة بين مالكين، فالشركة في صحنه كشركة مالكي الدارين في الدرب المنقطع. و كذا الشركة في مسيل ماء الأرض، دون الأرض.

مسألة 713: لا تثبت الشفعة في المقسوم و الجوار بغير الشركة

في الطريق و النهر و الساقية و لا إذا بيعت الدار منفردة عن الطريق، أمّا لو باعها مع الطريق ثمّ حوّل الباب، ثبتت الشفعة.

و لو كانت الشركة في الجدار أو السقف أو غير ما ذكرنا من الحقوق، فلا شفعة، عملا بالأصل.

و لو كانت المزرعة مختصّة و بئرها التي يسقى الزرع منها مشتركة حتى بيعت المزرعة و البئر، ففي ثبوت الشفعة في المزرعة بمجرّد الشركة في البئر إشكال ينشأ: من الاقتصار على مورد النصّ فيما يخالف الأصل، و لا شكّ في مخالفة الشفعة للأصل. و من أنّها مشتركة في مسقى.

و الشافعي ألحق الشركة في البئر بالشركة في الممرّ(1).

مسألة 714: يشترط في الآخذ بالشفعة الإسلام إن كان المشتري مسلما،

و إلاّ فلا تثبت الشفعة للذمّيّ على المسلم، و تثبت للمسلم على الذمّي، و للذمّي على مثله، سواء تساويا في الكفر أو اختلفا و لو كان أحدهما حربيّا، ذهب إليه علماؤنا - و به قال الشعبي و أحمد و الحسن بن

ص: 212


1- العزيز شرح الوجيز 490:5، روضة الطالبين 159:4.

صالح بن حي(1) - لأنّه نوع سبيل، و قال اللّه تعالى وَ لَنْ يَجْعَلَ اللّهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً (2).

و لما رواه العامّة عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنّه قال: «لا شفعة لذمّيّ على مسلم»(3).

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السّلام: «ليس لليهود و النصارى شفعة»(4).

و لأنّه تملّك بغير مملّك، فأشبه الإحياء.

و قال أبو حنيفة و الشافعي و مالك و الأوزاعي و أصحاب أبي حنيفة:

تثبت للذّميّ الشفعة على المسلم، لأنّ الشفعة خيار يثبت لإزالة الضرر عن المال، فاستوى فيه المسلم و الذمّي، كالردّ بالعيب(5).

و يمنع كونها خيارا، و إنّما هو تملّك قهريّ، فلا يثبت للكافر، للآية(6).1.

ص: 213


1- المغني 551:5، الشرح الكبير 543:5، حلية العلماء 271:5، العزيز شرح الوجيز 490:5-491.
2- النساء: 141.
3- لم نقف على نصّ الحديث في المصادر الحديثيّة المتوفّرة لدينا، و قد روى البيهقي في السنن الكبرى 108:6 عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنّه قال: «لا شفعة للنصراني». و في ص 109 «ليس لليهودي و النصراني شفعة». و قد أورد الحديث كما في المتن الشيخ الطوسي في الخلاف 454:3، المسألة 38 من كتاب الشفعة.
4- الكافي 281:5، 6، التهذيب 166:7، 737.
5- بدائع الصنائع 16:5، مختصر اختلاف العلماء 244:4، 1956، المهذّب - للشيرازي - 385:1، حلية العلماء 271:5، التهذيب - للبغوي - 371:4، العزيز شرح الوجيز 490:5، روضة الطالبين 159:4، المدوّنة الكبرى 453:5، المغني 551:5، الشرح الكبير 543:5-544.
6- النساء: 141.
مسألة 715: تثبت الشفعة للكافر على الكافر و إن اختلفا في الدين،

لعموم الأخبار السالمة عن معارضة تسلّط الكافر على المسلم، و كالردّ بالعيب.

فإن كان الثمن حلالا، تثبت(1) الشفعة.

و إن كان خمرا أو خنزيرا، فإن لم يتقابضاه و ترافعا إلى الحاكم، أبطل البيع، و سقطت الشفعة.

و إن وقع بعد التقابض و الأخذ بالشفعة، لم يردّه و لا الشفعة، و صحّ البيع و الأخذ.

و إن كان بعد التقابض و قبل الأخذ بالشفعة، لم يردّ البيع، لأنّهما تقابضا الثمن، و لم تثبت الشفعة - و به قال الشافعي(2) - لأنّ البيع وقع بثمن حرام، فلم تثبت فيه الشفعة، كما لو كان ثمنه مغصوبا.

و قال أبو حنيفة: تجب الشفعة، بناء على أصله في أنّ الخمر مال لأهل الذمّة(3). و هو غلط.

و لو بيع شقص فارتدّ الشريك، فهو على شفعته إن كانت ردّته عن غير فطرة، و كان المأخوذ منه كافرا. و إن كان عن فطرة أو كان المأخوذ منه مسلما، فلا شفعة.

قال الشافعي: إن قلنا: إنّ الردّة لا تزيل الملك، فهو على شفعته. و إن قلنا: تزيله، فلا شفعة له. فإن عاد إلى الإسلام و عاد ملكه، ففي عود

ص: 214


1- في «س»: «ثبتت».
2- العزيز شرح الوجيز 491:5، روضة الطالبين 159:4-160، بدائع الصنائع 16:5، المغني 552:5، الشرح الكبير 545:5.
3- بدائع الصنائع 16:5، المغني 552:5، الشرح الكبير 545:5، العزيز شرح الوجيز 491:5.

الشفعة خلاف، و الظاهر: المنع، و إن قلنا بالوقف فمات أو قتل على الردّة، فللإمام أخذه لبيت المال، كما لو اشترى معيبا أو شرط(1) الخيار و ارتدّ و مات، للإمام ردّه. و لو ارتدّ المشتري، فالشفيع على شفعته(2).

تذنيب: و لو اشترى المرتدّ عن فطرة، فلا شفعة، لبطلان البيع، و عن غير فطرة تثبت الشفعة.

مسألة 716: هل تثبت الشفعة للوقوف على المساجد و الربط

و المدارس مثلا؟ كدار(3) يستحقّ رجل نصفها و النصف الآخر ملك المسجد اشتراه متولّي المسجد له، أو وهب منه ليصرفه في عمارته، فباع الرجل نصيبه، ففي جواز أخذ المتولّي بالشفعة نظر.

قال الشافعي: له ذلك مع المصلحة، كما لو كان لبيت المال شريك في دار فباع الشريك نصيبه، للإمام الأخذ بالشفعة(4).

و عندي فيه نظر.

و لو كان نصف الدار وقفا و الآخر طلقا فباع صاحب الطلق نصيبه، فإن أثبتنا للموقوف عليه الملك و كان واحدا، تثبت له الشفعة - على رأي - لرفع ضرر القسمة و ضرر مداخلة الشريك. و إن قلنا بعدم ملك الموقوف عليه أو كان متعدّدا و قلنا: لا شفعة مع التعدّد، فلا شفعة.

و قال الشافعي: إن قلنا: لا يملك الوقف، فلا شفعة. و إن قلنا:

يملك، فيبني على أنّ الملك هل يفرز عن الوقف ؟ إن قلنا: نعم، ففي

ص: 215


1- في الطبعة الحجريّة: «بشرط».
2- العزيز شرح الوجيز 491:5، روضة الطالبين 160:4.
3- في «س، ي» و الطبعة الحجريّة بدل «كدار»: «كذا و». و هو تصحيف.
4- العزيز شرح الوجيز 491:5، روضة الطالبين 160:4.

ثبوت الشفعة وجهان:

أحدهما: تثبت لدفع ضرر القسمة، و على هذا فلو كان الوقف على غير معيّن، أخذه المتولّي إن رأى المصلحة.

و أظهرهما: المنع، لأنّ الوقف لا يستحقّ بالشفعة، فينبغي أن لا تستحقّ به الشفعة، و لنقص الملك فيه، فإنّه لا ينفذ تصرّفه فيه، فلا يتسلّط على الأخذ.

و إن قلنا: لا يفرز الملك عن الوقف، فإن منعنا من شفعة ما لا ينقسم، فلا شفعة. و إن أثبتناه، فوجهان(1).

مسألة 717: لا يستحقّ الشريك بالمنفعة شفعة،

فلو كان الشريك لا ملك له في الرقبة بل كان يستحقّ المنافع أمّا موقّتة بالإجارة، أو مؤبّدة بالوصيّة، لم يكن له الأخذ بالشفعة.

و كذا ليس للمتواجرين إذا آجر أحدهم أخذه بالشفعة.

و تثبت الشفعة للمكاتب و إن كان من سيّده، فلو كان السيّد و المكاتب شريكين في الدار، فلكلّ منهما الشفعة على الآخر.

و المأذون له في التجارة إذا اشترى شقصا ثمّ باع الشريك نصيبه، كان له الأخذ بالشفعة، إلاّ أن يمنعه السيّد أو يعفو عن الشفعة، و له العفو و إن كان مديونا معسرا و كان في الأخذ غبطة، كما أنّ له منعه من جميع الاعتياضات في المستقبل.

و لو أراد السيّد أخذه بنفسه، كان له ذلك، لأنّ أخذ العبد أخذ له في الحقيقة.

ص: 216


1- العزيز شرح الوجيز 491:5.

و للشفيع الأخذ بنفسه و بوكيله، فلا تعتبر الشركة في مباشر الأخذ، بل فيمن له الأخذ.

البحث الثالث: في المأخوذ منه.
مسألة 718: إنّما تؤخذ الشفعة من المشتري الذي تجدّد ملكه بعد ملك الآخذ،

فلو اشترى اثنان دفعة واحدة، لم يكن لأحدهما على الآخر شفعة، لعدم الأولويّة و عدم إمكان الشركة(1).

و هل يشترط لزوم البيع ؟ [فيه] نظر أقربه: عدم الاشتراط، فلو باع الشقص بخيار لهما أو للبائع، تثبت(2) الشفعة، و لا يسقط خيار البائع.

و قال الشافعي: يشترط اللزوم من طرف البائع، فلا تثبت مع بقاء مدّة الخيار له.

أمّا على قول: إنّ الملك لا ينتقل إلى المشتري في مدّة الخيار:

فظاهر.

و أمّا على قول الانتقال: فلأنّ في أخذه إبطال خيار البائع، و لا سبيل للشفيع إلى الإضرار بالبائع و إبطال حقّه(3).

و عن بعض الشافعيّة احتمال ثبوت الشفعة(4).

و على ما قلناه لا يتأتّى المنع، لأنّا لا نسقط حقّ البائع من الخيار، بل يأخذ الشفيع على حدّ أخذ المشتري.

ص: 217


1- أي: الشركة في الشفعة.
2- في «س»: «ثبتت».
3- العزيز شرح الوجيز 492:5، روضة الطالبين 160:4-161.
4- العزيز شرح الوجيز 493:5، روضة الطالبين 161:4.

و أمّا إن كان الخيار للمشتري وحده، يبنى عندهم على الأقوال في انتقال الملك، فإن قلنا: إنّ الملك لا ينتقل إلاّ بانقطاع الخيار، أو قلنا: هو مراعى، تثبت الشفعة، لعدم العلم بانتقال الملك إلى المشتري، فيستحقّ فيه الشفعة عليه.

و إن قلنا: إنّه ينتقل بنفس العقد، نقل المزني عن الشافعي أنّها تثبت - و هو مذهبنا، و به قال أبو حنيفة - لأنّه قد انتقل الملك إلى المشتري، و لا حقّ فيه إلاّ له، و الشفيع مسلّط عليه بعد لزوم الملك و استقراره، فقبله أولى، و إنّما ثبت له خيار الفسخ، و ذلك لا يمنع من الأخذ بالشفعة، كما لو وجد به عيبا يثبت(1) له الخيار، و كان للشفيع أخذه.

و نقل الربيع عن الشافعي أيضا أنّه لا شفعة - و به قال مالك و أحمد - لأنّ المشتري لم يرض بالتزام العقد، و في أخذ الشفيع الشقص التزام له و إيجاب للعهدة عليه، فلم يكن له ذلك، كما لو كان الخيار للبائع، بخلاف الردّ بالعيب، لأنّه إنّما يثبت(2) له الردّ لأجل الظلامة، و ذلك يزول بأخذ الشفيع.

و نقل الجويني في المسألة طريقين:

إحداهما: ثبوت القولين هكذا، لكن كلاهما مخرّج(3) من أنّ المشتري إذا اطّلع على عيب بالشقص و أراد ردّه و أراد الشفيع أخذه بالشفعة، فعلى قول للشفيع قطع خيار المشتري في الصورتين. و على قول لا يمكّن منه.ه.

ص: 218


1- في «س، ي»: «ثبت».
2- في «س»: «ثبت».
3- في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «مخرّجان». و الظاهر ما أثبتناه.

و الثاني: القطع بأنّه لا يأخذه إلى أن يلزم العقد. و الفرق بين الردّ بالعيب و بينه أنّ الأخذ بالشفعة يفتقر إلى استقرار العقد و تمامه(1).

و نقل بعض الشافعيّة فيما إذا قلنا: إنّه بعد للبائع أو موقوف وجها أنّ للشفيع أخذ الشقص، لانقطاع سلطنة البائع بلزوم العقد من جهته(2).

و الأصحّ عندهم: المنع، لأنّ ملك البائع غير زائل على تقدير أنّ الملك للبائع [و](3) غير معلوم الزوال على تقدير الوقف. و على الأوّل إذا أخذه الشفيع تبيّنّا أنّ المشتري ملك قبل أخذه، و انقطع الخيار(4).

مسألة 719: لو باع أحد الشريكين حصّته بشرط الخيار ثمّ باع الثاني نصيبه

بغير خيار في زمن خيار الأوّل و قلنا: إنّ الشفعة لا تثبت مع الخيار - كما هو مذهب الشافعي(5) - فلا شفعة في المبيع أوّلا للبائع الثاني، سواء علم به أو لا، لزوال ملكه، و لا للمشتري منه و إن تقدّم ملكه على ملك المشتري الأوّل إذا قلنا: إنّه لا يملك في زمن الخيار، لأنّ سبب الشفعة البيع، و هو سابق على ملكه.

و أمّا الشفعة في المبيع ثانيا فموقوفة إن توقّفنا في الملك على الإجازة أو الفسخ، و للبائع الأوّل إن أبقينا الملك له، و للمشتري منه إن أثبتنا الملك له.

و لو فسخ البيع قبل العلم بالشفعة، بطلت شفعته إن قلنا: إنّ خيار الفسخ يرفع العقد من أصله. و إن قلنا: يرفعه من حين وقوع الفسخ، فهو

ص: 219


1- العزيز شرح الوجيز 493:5، المغني 471:5، الشرح الكبير 534:5.
2- العزيز شرح الوجيز 493:5.
3- ما بين المعقوفين أضفناه من المصدر لأجل السياق.
4- العزيز شرح الوجيز 493:5.
5- العزيز شرح الوجيز 493:5، روضة الطالبين 160:4.

كما لو باع ملكه قبل العلم بالشفعة. و إن أخذه بالشفعة ثمّ فسخ البيع، فالحكم في الشفعة كالحكم في الزوائد الحادثة في زمن الخيار.

مسألة 720: إذا اشترى شقصا فوجد به عيبا،

فإن كان المشتري و الشفيع معا عالمين به، لم يكن للشفيع ردّه لو أخذه من المشتري، و لم يكن للمشتري ردّه لو لم يكن الشفيع أخذه، بل يثبت(1) للمشتري الأرش.

و لو لم يعلما معا بالعيب، كان للشفيع ردّه على المشتري، و للمشتري ردّه على البائع.

و إن علم به المشتري خاصّة دون الشفيع، كان للشفيع ردّه بالعيب على المشتري، و لم يكن للمشتري ردّه على البائع.

و إن كان الشفيع عالما به دون المشتري، لم يكن للشفيع ردّه على المشتري، و يثبت للمشتري الأرش.

و قال بعض الشافعيّة: إنّه استدرك ظلامته، فلم يكن له الرجوع بالأرش(2).

و قال بعضهم: إنّه لم ييأس من الردّ(3).

فإن رجع إلى المشتري ببيع أو إرث أو غير ذلك، فهل له ردّه ؟ مبنيّ على التعليلين، إن قلنا: إنّه لا يرجع، لأنّه استدرك ظلامته، لم يكن له ردّه.

و إن قلنا بالآخر، فله ردّه.

ص: 220


1- في «س، ي»: «ثبت».
2- لم نعثر عليه في مظانّه.
3- لم نعثر عليه في مظانّه.

و إذا لم يكن المشتري عالما بالعيب و أراد(1) ردّه و أراد الشفيع أخذه و رضي بكونه معيبا، فللشافعي قولان:

أحدهما: أنّ الشفيع أولى بالإجابة، لأنّه حقّ سابق على حقّ المشتري، فإنّه ثابت بالبيع. و لأنّ الغرض للمشتري استدراك الظلامة و الوصول إلى الثمن، و هذا الغرض يحصل بأخذ الشفيع، و لأنّا لو قدّمنا المشتري، بطل حقّ الشفيع بالكلّيّة، و لو قدّمنا الشفيع، حصل للمشتري مثل الثمن أو قيمته.

و هذا أقوى عندي و هو قول أكثرهم.

و الثاني: أنّ المشتري أولى، لأنّ الشفيع إنّما يأخذ إذا استقرّ العقد و سلم عن الردّ. و لأنّه قد يريد استرداد عين ماله و دفع عهدة الشقص عنه(2).

مسألة 721: لو ردّه المشتري بالعيب قبل علم الشفيع و مطالبته ثمّ علم و جاء يطلب الشفعة،

فإن قلنا: إنّ المشتري أولى عند اجتماعهما - كما هو أحد قولي الشافعي(3) - فلا يجاب الشفيع.

و إن قلنا: الشفيع أولى، فللشافعي وجهان:

أظهرهما: أنّه يجاب و يفسخ الردّ، أو نقول: تبيّنّا أنّ الردّ كان باطلا.

و هو الأقوى عندي.

و الثاني: لا يجاب، لتقدّم الردّ(4).

و هذا الخلاف في أنّ الشفيع أولى أو المشتري جار فيما إذا اشترى

ص: 221


1- في «س، ي»: «فأراد».
2- العزيز شرح الوجيز 494:5، روضة الطالبين 161:4.
3- العزيز شرح الوجيز 494:5، روضة الطالبين 161:4.
4- العزيز شرح الوجيز 494:5، روضة الطالبين 161:4-162.

شقصا بعبد ثمّ وجد البائع بالعبد عيبا فأراد ردّه و استرداد الشقص، و أراد الشفيع أخذه بالشفعة، و سيأتي(1) ، و فيما إذا اشترى شقصا بعبد و قبض الشقص قبل تسليم العبد، فتلف العبد في يده، تبطل شفعة الشفيع في وجه، و يتمكّن من الأخذ في الثاني(2) ، كما لو تلف بعد أخذ الشفيع، فإنّ الشفعة لا تبطل، بل على الشفيع قيمة العبد للمشتري، و على المشتري قيمة الشقص للبائع.

و لو كان الثمن معيّنا و تلف قبل القبض، بطل البيع و الشفعة.

مسألة 722: لا تثبت الشفعة في عقد غير البيع،

سواء كان عقد معاوضة كالهبة المعوّض عنها، و الإجارة و النكاح و غيرها من جميع العقود عند علمائنا أجمع، فلو تزوّج امرأة و أصدقها شقصا، لم تثبت الشفعة عند علمائنا - و به قال أبو حنيفة(3) - للأصل الدالّ على أصالة عصمة مال الغير، و أنّه لا يحلّ أخذه منه إلاّ عن طيبة نفس، خرج ما اتّفقنا على إثبات الشفعة فيه، للنصوص، فيبقى الباقي على أصله.

و ما رواه - في الصحيح(4) - أبو بصير عن الباقر عليه السّلام، قال: سألته عن رجل تزوّج امرأة على بيت في دار له و في تلك الدار شركاء، قال: «جائز له و لها، و لا شفعة لأحد من الشركاء عليها»(5).

ص: 222


1- في ص 277، المسألة 754.
2- أي: في الوجه الثاني.
3- بدائع الصنائع 10:5-11، مختصر اختلاف العلماء 244:4، 1954، الحاوي الكبير 249:7، بداية المجتهد 259:2، العزيز شرح الوجيز 497:5، المغني 469:5، الشرح الكبير 464:5-465.
4- جملة «في الصحيح» لم ترد في «س، ي».
5- الفقيه 47:3، 165، التهذيب 167:7، 742.

و قول الصادق عليه السّلام: «الشفعة في البيوع»(1).

و لأنّ البضع ليس بمال، و إذا ملك الشقص بغير مال، لا تثبت فيه الشفعة، كالهبة.

و قال الشافعي و مالك: تثبت الشفعة(2). ثمّ اختلفا، فقال الشافعي:

يأخذه الشفيع بمهر مثل الزوجة(3).

و قال مالك: بقيمة الشقص، لأنّه عقد معاوضة، فجاز أن تثبت الشفعة في الأرض المملوكة به، كالبيع(4)(5).

و يمنع صلاحيّة عقد المعاوضة للعلّيّة، بل العلّة عقد خاصّ، و هو البيع.

قال مالك: و لو أوجبنا مهر المثل، لقوّمنا البضع على الأجانب، و لأضررنا(6) بالشفيع، لأنّه قد يتفاوت مهر المثل مع المسمّى، لأنّ المهر قد يسامح فيه في العادة، بخلاف البيع(7)(8).5.

ص: 223


1- الكافي 281:5، 5، التهذيب 164:7، 728.
2- حلية العلماء 384:5، الحاوي الكبير 249:7، العزيز شرح الوجيز 497:5، روضة الطالبين 162:4، المنتقى - للباجي - 207:6، المغني 469:5، الشرح الكبير 465:5.
3- المهذّب - للشيرازي - 386:1، الحاوي الكبير 250:7، مختصر اختلاف العلماء 244:4، 1954، المغني 469:5، المنتقى - للباجي - 208:6.
4- في الطبعة الحجريّة: «كالمبيع».
5- المنتقى - للباجي - 208:6، الحاوي الكبير 250:7، مختصر اختلاف العلماء 244:4، 1954.
6- في «س، ي» و الطبعة الحجريّة بدل «لأضررنا»: «لأضربنا». و الصحيح ما أثبتناه من المصدر.
7- في «س، ي» و الطبعة الحجريّة بدل «البيع»: «البضع». و ما أثبتناه من المصدر.
8- انظر: المغني 469:5، و الشرح الكبير 465:5.

قالت الشافعيّة: إنّ المرأة ملكت الشقص القابل للشفعة ببدل ليس له مثل، فوجب الرجوع إلى قيمته في الأخذ بالشفعة، كما لو باع سلعة لا مثل لها(1).

و لا يمتنع تقويم البضع على الأجنبيّ بسبب، كما نقوّمه(2) على المرضعة و شاهدي الطلاق إذا رجعا. و المسامحة لا اعتبار بها، و الظاهر أنّ العوض يكون عوض المثل.

مسألة 723: إذا أصدقها شقصا ثمّ طلّقها قبل الدخول،

فلا شفعة عندنا.

و قال الشافعي: تثبت الشفعة(3).

فعلى قوله لا يخلو إمّا أن يكون قد طلّقها بعد ما أخذ الشفيع الشقص أو بعد عفوه قبل علمه.

فإن طلّقها بعد ما أخذ، رجع الزوج إلى قيمة الصداق، لزوال ملكها عن الصداق، كما لو باعته ثمّ طلّقها، و يكون له قيمة نصف الصداق أقلّ ما كان من حين العقد إلى حين القبض.

و إن طلّقها بعد عفو الشفيع، رجع في نصف الشقص، لأنّ حقّ الشفيع قد سقط، و الشقص في يدها نصفه، و تعلّق حقّ الشفيع قبل سقوطه لا يمنع من الرجوع بعد سقوطه، ألا ترى أنّه لو باعته ثمّ اشترته ثمّ طلّقها الزوج، فإنّه يرجع في نصفه.

ص: 224


1- انظر: المغني 469:5.
2- في «ي»: «يقوّم» بدل «نقوّمه».
3- مختصر المزني: 120، الحاوي الكبير 251:7، العزيز شرح الوجيز 494:5، روضة الطالبين 162:4.

و إن طلّقها قبل أن يعلم الشفيع ثمّ علم و جاء يريد أخذه بالشفعة، فله أخذ نصفه.

و أمّا النصف الآخر فهل الزوج أولى به أو الشفيع ؟ وجهان للشافعيّة:

أحدهما: أنّ الشفيع أولى، لأنّ حقّه أسبق، فإنّ حقّ الزوج ثبت بالطلاق.

و الثاني: الزوج أولى، لأنّ حقّه ثبت بالنصّ.

و الأوّل أصحّ عندهم، لأنّ حقّ الشفعة في الجملة ثبت أيضا بالإجماع، كما أنّ حقّ الزوج ثبت بالنصّ في الجملة(1).

و هذا عندنا ساقط، إذ لا شفعة هنا.

مسألة 724: لو اشترى شقصا و أفلس بالثمن و أراد البائع الرجوع في الشقص

و طلبه الشفيع، فالأقوى عندي: تقديم حقّ الشفيع، و يؤخذ منه الثمن و يدفع إلى البائع، لأنّ حقّه ثبت بالعقد، و حقّ البائع ثبت بالإفلاس، و العقد أسبق، و أسبق الحقّين أولى بالرعاية. و لأنّ منع الشفيع يقتضي إبطال حقّه بالكلّيّة، و إذا قدّمناه، لا يبطل حقّ البائع، بل ينتقل إلى البدل. و لأنّ حقّ الشفيع أقوى من حقّ البائع، فإنّ الشفيع يبطل تصرّف المشتري و يأخذ الشقص، و البائع لا يبطل تصرّف المشتري عند إفلاسه، و هذا وجه للشافعي(2).

و له وجهان آخران:

أحدهما: تقديم حقّ البائع، لاستناد حقّه إلى ملك سابق. و لأنّ البائع

ص: 225


1- الحاوي الكبير 252:7، العزيز شرح الوجيز 495:5، روضة الطالبين 4: 162.
2- العزيز شرح الوجيز 495:5، روضة الطالبين 162:4.

لم يرض بزوال الشقص إلاّ على أن يسلم له الثمن، فإذا لم يسلم، وجب أن لا يؤخذ منه.

و الآخر: الشفيع أولى، و يكون الثمن أسوة الغرماء، لأنّ حقّ البائع إذا انتقل عن العين إلى الذمّة، التحق بسائر الغرماء.

و قيل: يقدّم البائع بالثمن رعاية للجانبين.

و الثالث(1): إن كان البائع سلّم الشقص ثمّ أفلس المشتري، لم يكن أولى بالثمن، لرضاه بذمّة المشتري. و إن لم يسلّمه، فهو أولى بالثمن(2).

و هذا الخلاف بين الشافعيّة ثابت في الزوج إذا طلّق قبل الدخول أو ارتدّ و المهر الشقص(3).

و قال بعض الشافعيّة: إنّ الشفيع أولى من الزوج، و البائع أولى من الشفيع في الإفلاس، لأنّ الثابت للزوج بالطلاق الملك، و الشفيع يثبت له ولاية التملّك، لكنّ الشفيع أسبق حقّا، فهو أولى بالتقديم(4).

هذا إن اجتمع الشفيع مع الزوج أو البائع، أمّا لو أخذ الشفيع الشقص من يد الزوجة ثمّ طلّق الزوج، أو من يد المشتري ثمّ أفلس، فلا رجوع للزوج و للبائع بحال، لكنّ البائع يرجع إلى الثمن، و الزوج إلى القيمة في مالها، كما لو زال الملك ببيع و شبهه.

و لو طلّقها قبل علم الشفيع و أخذ النصف، فلا شفعة عندنا.

و قال الشافعي: إذا جاء الشفيع، ففي استرداده ما أخذ الزوج وجهان،5.

ص: 226


1- أي الوجه الثالث للشافعيّة أيضا.
2- العزيز شرح الوجيز 495:5، روضة الطالبين 162:4.
3- العزيز شرح الوجيز 495:5، روضة الطالبين 162:4.
4- العزيز شرح الوجيز 495:5.

كما إذا جاء بعد الردّ بالعيب(1).

و حكى الجويني طريقة قاطعة بالمنع، لأنّ المهر يشطر بالطلاق من غير اختيار، فيبعد نقضه. فإن قلنا: يستردّه، أخذه و ما بقي في يدها، و إلاّ أخذ ما في يدها، و دفع إليها نصف مهر المثل(2).

و لو كان للشقص الممهور شفيعان و طلبا و أخذ أحدهما نصفه و طلّقها قبل أن يأخذ الآخر، لم يأخذ الزوج النصف الحاصل في يد الشفيع.

و هل هو أولى في النصف الآخر أم الشفيع ؟ فيه ما سبق من الخلاف.

و يجري فيما إذا أخذ أحد الشفيعين من يد المشتري ثمّ أفلس، فإن قلنا: الشفيع أولى، ضارب البائع مع الغرماء بالثمن.

و إن قلنا: البائع أولى، فإن شاء أخذ النصف الثاني و ضارب مع الغرماء بنصف الثمن، و إلاّ تركه و ضارب بجميع الثمن.

مسألة 725: قد بيّنّا أنّ الشفعة إنّما تثبت بالبيع خاصّة.

و قال الشافعي: تثبت بكلّ عقد معاوضة(3).

و وافقنا(4) على ما إذا ملك من غير معاوضة، فلا شفعة عليه، كالإرث و الهبة و الوصيّة.

أمّا الإرث: فلأنّ الوارث يملك بغير اختياره، بخلاف المشتري المالك باختياره، فإنّه بدخوله على الشريك سلّط الشريك عليه دفعا للتضرّر به، و قد كان من حقّه أن لا يدخل عليه.

ص: 227


1- العزيز شرح الوجيز 496:5، روضة الطالبين 163:4.
2- العزيز شرح الوجيز 496:5، روضة الطالبين 163:4.
3- حلية العلماء 270:5، العزيز شرح الوجيز 496:5، روضة الطالبين 4: 163.
4- حلية العلماء 270:5، العزيز شرح الوجيز 496:5، روضة الطالبين 4: 163.

و أمّا الهبة و الوصيّة: فلأنّ المتّهب و الموصى له تقلّدا المنّة من الواهب و الموصي حيث قبلا تبرّعهما، و لو أخذ الشفيع، لأخذ عن استحقاق و تسلّط، فلا يكون متقلّدا للمنّة، و وضع الشفعة على أن يأخذ الشفيع بما أخذ به المتملّك.

أمّا لو شرط في الهبة الثواب أو قلنا: إنّها تقتضي الثواب مع الإطلاق، فلا شفعة فيها أيضا عندنا.

و قال الشافعي: إن كان العوض معلوما، صحّت الهبة، و كانت بيعا، و تثبت فيه الشفعة، سواء تقابضا أو لم يتقابضا - و به قال زفر - لأنّه ملك بعوض، فلم يفتقر إلى التقابض، كالبيع(1).

و قال أبو حنيفة و أصحابه: لا تثبت حتى يتقابضا، لأنّ الهبة لا تلزم إلاّ بالقبض، فهو بمنزلة بيع الخيار(2).

و أجاب الشافعيّة بأنّه لا يصحّ ما قالوه من اعتبار لفظ الهبة، لأنّ العوض يصرفها عن مقتضاها، و تصير عبارة عن البيع، و خاصّة عندهم ينعقد بها النكاح، و لا يفتقر النكاح إلى القبض(3).

فأمّا إذا كانت بغير شرط العوض، فكذلك مبنيّ على القولين في اقتضائها الثواب.

و كلّ موضع قلنا: تقتضي الثواب تثبت الشفعة فيها بمثل الثواب إن كان مثليّا، و إلاّ القيمة. و كلّ موضع قلنا: لا تقتضيه، لم تثبت الشفعة و لو5.

ص: 228


1- المغني 468:5، الشرح الكبير 464:5، مختصر اختلاف العلماء 4: 245، 1958، بدائع الصنائع 11:5.
2- بدائع الصنائع 11:5، مختصر اختلاف العلماء 245:4، 1958، المغني 5: 468، الشرح الكبير 464:5.
3- انظر: المغني 468:5-469، و الشرح الكبير 464:5.

أثابه الموهوب له.

و قال ابن أبي ليلى: تثبت الشفعة فيها بقيمة الشقص - و هو إحدى الروايتين عن مالك - لأنّ الشفعة تثبت لإزالة الضرر بالاشتراك، و ذلك موجود في الهبة(1).

قالت الشافعيّة: إنّه يملكها بغير بدل، فأشبه الميراث(2). و أمّا الضرر فلا يزال بضرر، و في أخذ الهبة ضرر، لأنّه لا عوض فيها، و إذا أخذها بغير عوض، أبطل غرض(3) الواهب و المتّهب معا.

و عن الشافعي قول آخر: إنّه إذا شرط الثواب، أو قلنا: إنّها تقتضيه، لا يؤخذ - كمذهبنا - لأنّه ليس المقصود منه المعاوضة.

و على قول الأخذ ففي أخذه قبل قبض الموهوب وجهان:

أظهرهما: الأخذ، لأنّه صار بيعا.

و الثاني: لا، لأنّ الهبة لا تتمّ إلاّ بالقبض، و هذا هو الخلاف في أنّ الاعتبار باللفظ أم بالمعنى ؟(4)

مسألة 726: لو كان بين اثنين دار،

فادّعى أجنبيّ ما في يد أحدهما، فصالحه المتشبّث عليه، فلا شفعة عندنا، لأنّها تتبع البيع، و الصلح عقد مستقلّ بنفسه مغاير للبيع.

و قال الشافعي: إن صالحه بعد إقراره له به، صحّ الصلح، و تثبت

ص: 229


1- المغني 468:5، الشرح الكبير 463:5.
2- المهذّب - للشيرازي - 384:1، و انظر: المغني 468:5، و الشرح الكبير 5: 463.
3- في «س، ي» و الطبعة الحجريّة: «عوض» بدل «غرض». و الظاهر ما أثبتناه.
4- التهذيب - للبغوي - 344:4، العزيز شرح الوجيز 497:5، روضة الطالبين 4: 163.

الشفعة للشريك، لأنّ الصلح عنده بيع. و إن(1) أنكره و صالح، لم يصحّ الصلح عنده بناء على مذهبه من أنّ الصلح لا يصحّ عن الإنكار(2).

و كذا لو ادّعى رجل على أحد الشريكين في الدار ألفا، فصالحه منها على نصف الدار الذي له، فلا شفعة عندنا.

و قال الشافعي: إن كان مع الإقرار بالألف، صحّ الصلح، و كان للشفيع أخذه بالألف. و إن كان الصلح مع الإنكار، لم يصحّ الصلح، و لم تجب الشفعة(3).

مسألة 727: لو اشترى شقصا فعفا الشريك عن الشفعة ثمّ تقايلا،

لم تثبت الشفعة بالإقالة عندنا على ما تقدّم(4) من أنّ الشفعة تتبع البيع، و أنّ الإقالة ليست بيعا.

و قال الشافعي: إن قلنا: إنّ الإقالة فسخ لا بيع، فلا شفعة، كما لا يأخذ بالردّ بالعيب، لأنّ الفسوخ و إن اشتملت على ترادّ العوضين فلا تعطى أحكام المعاوضات، أ لا ترى أنّه يتعيّن فيها العوض الأوّل. و إن قلنا: إنّها بيع، فله الشفعة و أخذه من البائع(5).

و قال أبو حنيفة: تثبت الشفعة بالإقالة، و بالردّ بالعيب بالتراضي(6) ، لأنّه نقل الملك بالتراضي، فأشبه البيع(7).

ص: 230


1- في الطبعة الحجريّة: «فإن» بدل «و إن».
2- حكاه عنه الشيخ الطوسي في الخلاف 449:3-450، المسألة 30.
3- حكاه عنه الشيخ الطوسي في الخلاف 450:3، المسألة 31.
4- في ص 222، المسألة 722، و في ص 117، المسألة 627.
5- حلية العلماء 295:5، العزيز شرح الوجيز 497:5، روضة الطالبين 163:4.
6- في «س» و الطبعة الحجريّة: «و بالتراضي».
7- حلية العلماء 295:5، العزيز شرح الوجيز 498:5، المغني 470:5، الشرح الكبير 465:5.

و لو تقايلا قبل علم الشريك بالبيع، كان له الأخذ بالشفعة و فسخ الإقالة، لسبق حقّه على الإقالة.

و قال الشافعي: إن قلنا: إنّ الإقالة بيع، فالشفيع بالخيار [بين](1) أن يأخذ بها و بين أن يبطلها حتى يعود الشقص إلى المشتري، فيأخذ منه. و إن جعلناها فسخا، فهو كطلب الشفعة بعد الردّ بالعيب(2).

أمّا لو باع المشتري، فللشريك هنا الخيار بين الأخذ من الأوّل و فسخ البيع الثاني، و بين الأخذ من الثاني.

مسألة 728: لو جعل الشقص اجرة في إجارة، أو جعلا في جعالة،

أو أصدقها شقصا أو متّعها به أو خالعها على شقص، أو صالح عليه عن(3) مال أو دم أو جراحة عن إقرار أو(4) إنكار أو جعله المكاتب عوض نجومه، لم تثبت الشفعة في شيء من ذلك عندنا، بل إنّما تثبت الشفعة في الشراء لا غير، و به قال أبو حنيفة، و هو رواية عن أحمد(5) ، و قد تقدّم(6) بيانه.

و لو أقرضه شقصا، صحّ القرض، و به قال الشافعي(7).

و ليس للشفيع أخذه بالشفعة عندنا.

و قال الشافعي: له الأخذ(8).

ص: 231


1- ما بين المعقوفين من المصدر.
2- العزيز شرح الوجيز 497:5، روضة الطالبين 163:4.
3- في الطبعة الحجريّة: «من» بدل «عن».
4- في «س، ي»: «و» بدل «أو».
5- بدائع الصنائع 10:5-11، مختصر اختلاف العلماء 244:4، 1954، حلية العلماء 270:5، التهذيب - للبغوي - 343:4، العزيز شرح الوجيز 497:5، بداية المجتهد 259:2، المغني 469:5، الشرح الكبير 464:5-465.
6- في ص 222، المسألة 722.
7- العزيز شرح الوجيز 497:5، روضة الطالبين 163:4-164.
8- العزيز شرح الوجيز 497:5، روضة الطالبين 164:4.

و الجعالة لا تثبت بها الشفعة، كما قلنا.

و عند الشافعي تثبت بعد العمل، لأنّ الملك حينئذ يحصل للعامل(1).

أمّا لو اشترى بالشقص شيئا أو جعله رأس مال السّلم، فالأقرب:

ثبوت الشفعة، لصدق البائع على المشتري.

و لو بذل المكاتب شقصا عوضا عن بعض النجوم ثمّ عجز و رقّ، فلا شفعة عندنا.

و أمّا عند الشافعي ففي بطلان الشفعة وجهان ينظر في أحدهما إلى أنّه كان عوضا أو لا، و في الثاني إلى خروجه أخيرا عن العوضيّة، و هذا أظهر عندهم(2).

و يشبه هذا الخلاف خلافهم فيما إذا كان الثمن عينا و تلف قبل القبض(3).

و لو قال لمستولدته: إن خدمت أولادي شهرا، فلك هذا الشقص، فخدمتهم، استحقّت الشقص عند الشافعي. و في ثبوت الشفعة وجهان:

أحدهما: تثبت، لأنّها ملكته بالخدمة، فكان كالمملوك بالإجارة و سائر المعاوضات.

و أظهرهما: المنع، لأنّه وصيّة معتبرة من الثلث كسائر الوصايا، و ذكر الخدمة شرط داخل على الوصيّة(4).

مسألة 729: لوليّ الصبي و المجنون أن يأخذ لهما بالشفعة ما بيع في شركتهما

مع الغبطة لهما، عند علمائنا أجمع - و به قال الشافعي

ص: 232


1- العزيز شرح الوجيز 497:5، روضة الطالبين 164:4.
2- العزيز شرح الوجيز 497:5، روضة الطالبين 164:4.
3- العزيز شرح الوجيز 497:5.
4- العزيز شرح الوجيز 498:5، روضة الطالبين 164:4.

و أبو حنيفة(1) - لأنّه خيار جعل لإزالة الضرر عن المال، فملكه الوليّ في حقّ الصبي و المجنون، كخيار الردّ بالعيب. و للعمومات الدالّة على ثبوت الشفعة للشريك، فيدخلان فيه، و كلّ حقّ هو لهما فإنّما يتولاّه الوليّ.

و لما رواه الخاصّة عن الصادق عليه السّلام قال: «قال أمير المؤمنين عليه السّلام:

وصيّ اليتيم بمنزلة أبيه يأخذ له الشفعة إذا كان [له](2) رغبة فيه»(3).

و قال ابن أبي ليلى: لا شفعة فيه، لأنّ الوليّ لا يثبت له الأخذ بالشفعة، لأنّه لا يملك العفو، و من لا يملك العفو لا يملك الأخذ، و لا يمكن الانتظار بها، لأنّ في ذلك إضرارا بالمشتري، فبطلت(4).

و قال الأوزاعي: تثبت الشفعة، و ليس للوليّ أن يأخذ بها، و يتأخّر ذلك إلى زوال الحجر عن مستحقّها، لأنّ خيار القصاص ثبت للصبي و لا يستوفيه الوليّ، كذلك الشفعة(5).

و الجواب: لا نسلّم أنّه ليس له العفو، بل له ذلك مع المصلحة.

سلّمنا، لكنّ العفو إسقاط حقّه، و الأخذ استيفاء حقّه، و هذا فرق، كما يملك قبض حقوقه و لا يملك إسقاط شيء منها.

و خيار القصاص ثابت للوليّ مع المصلحة.

سلّمنا، لكنّ القصد التشفّي، و ذلك لا تدخله النيابة، و الغرض5.

ص: 233


1- الحاوي الكبير 276:7، المهذّب - للشيرازي - 336:1، الوسيط 377:4، التهذيب - للبغوي - 369:4، العزيز شرح الوجيز 81:5، روضة الطالبين 424:3، بدائع الصنائع 16:5، مختصر اختلاف العلماء 244:4، 1955، فتاوى قاضى خان (بهامش الفتاوى الهنديّة) 536:3، المغني 496:5، الشرح الكبير 486:5-487.
2- ما بين المعقوفين من المصدر.
3- الكافي 281:5، 6، التهذيب 166:7، 737.
4- الحاوي الكبير 276:7، مختصر اختلاف العلماء 244:4، 1955، المغني 5: 495، الشرح الكبير 485:5.
5- المغني 495:5 و 496، الشرح الكبير 487:5.

بالشفعة إزالة الضرر عن المال، و هو ممّا تدخله(1) النيابة.

مسألة 730: إنّما يأخذ الوليّ لهما إذا كان الأخذ مصلحة

بأن يكون قد بيع بأقلّ من ثمن مثله، أو تزيد قيمة الملك بأخذه، أو يكون له مال يحتاج أن يشترى به العقار، فيأخذه بثمن المثل.

و إن كان الحظّ في الأخذ فترك، لم يصحّ الترك، و لم تسقط الشفعة، و كان للصبي و المجنون بعد الكمال أخذ الشقص - و به قال محمد و زفر(2) - لأنّه إسقاط حقّ للمولّى عليه، لا حظّ له في إسقاطه، فلم يسقط، كالإبراء و إسقاط خيار الردّ بالعيب.

و قال أبو حنيفة: إذا عفا، سقطت، لأنّ من ملك الأخذ ملك العفو، كالمالك(3).

و الفرق: أنّ المالك يملك الإبراء و التبرّع، بخلاف الوليّ، فبطل القياس.

و إن كان الحظّ في الترك - بأن يكون قد اشترى بأكثر من ثمن المثل أو لم يكن للصبي مال يشتري به فاستقرض له و رهن ماله و أخذ الشقص - لم يصحّ أخذه، فإن أخذه، لم يصحّ، و لم يملكه الصبي بهذا الأخذ، بل يكون باقيا على ملك المشتري، و لا يقع للوليّ.

و كذا لو اشترى بأكثر من ثمن المثل، لم يصحّ، و لا يقع له إن سمّى الشراء للطفل. و لو أطلق، وقع له، بخلاف الأخذ بالشفعة، لأنّ الشفعة تؤخذ بحقّ الشركة، و ذلك مختصّ بالصبي، و لهذا لو أراد الوليّ الأخذ لنفسه، لم يصحّ، بخلاف الشراء.

ص: 234


1- في «س، ي» و الطبعة الحجريّة: «يدخل» بدل «تدخله». و الصحيح ما أثبتناه.
2- المغني 495:5، الشرح الكبير 486:5.
3- المغني 496:5، الشرح الكبير 486:5.

و في النكاح لو تزوّج لغيره بغير إذنه، لم يقع للعاقد، لأنّه يفتقر إلى ذكر الزوجين، بخلاف البيع، لأنّ عقد النكاح اختصّ بالمعقود له، و الشراء لا يحتاج إلى ذكر المشتري له.

مسألة 731: العفو كالترك ليس للوليّ العفو عن الشفعة

مع الحظّ بالأخذ و لا تركها كما بيّنّا.

و لو كان الحظّ في الترك فترك، سقطت الشفعة، و إذا زال الحجر عن المحجور عليه، لم يكن له المطالبة بها - و به قال الشافعي(1) - لأنّ الوليّ يتبع الحظّ و المصلحة للمولّى عليه، فله الأخذ إذا كان فيه حظّ، فإذا كان الحظّ في العفو، وجب أن يصحّ، كما يصحّ الأخذ، و لهذا يصحّ من الوليّ الردّ بالعيب، و إذا بلغ، لم يكن له الاعتراض، كذا هنا.

و قال بعض(2) الشافعيّة: ليس للوليّ أن يعفو، و إنّما يترك الأخذ إذا لم يكن حظّا، فإذا زال الحجر، كان المحجور عليه بالخيار. و جعله قولا ثانيا للشافعي - و به قال زفر و محمد بن الحسن الشيباني(3) - لأنّ المستحقّ للشفعة له أخذها، سواء كان له فيها حظّ أو لم يكن، و إنّما يعتبر الحظّ في حقّ المولّى [عليه](4) ، و إذا زال عنه الحجر، كان له الأخذ.

مسألة 732: لو باع الوصي أو الوليّ شقصا للطفل و طفل آخر - هو وليّه أيضا - شريك،

كان له الأخذ بالشفعة للآخر، لأنّ الأوّل قد يحتاج إلى البيع، و الثاني إلى الأخذ.

و لو كان الوليّ هو الشريك، فالأقرب: أنّ له الأخذ، لأنّه حقّ ثبت له على المشتري بعد تمام العقد و انقطاع ملك الطفل، و هو أحد وجهي

ص: 235


1- حلية العلماء 313:5.
2- حلية العلماء 313:5.
3- انظر: بدائع الصنائع 16:5، و حلية العلماء 312:5.
4- ما بين المعقوفين أضفناه لأجل السياق.

الشافعيّة. و الثاني - و هو الأصحّ عندهم -: أنّه ليس له أخذه بالشفعة، لأنّه لو مكّن منه، لم يؤمن أن يترك النظر و الاستقصاء للصبي، و يسامح في البيع ليأخذ بالشفعة بالثمن البخس، كما أنّه لا يمكّن من بيع ماله من نفسه(1).

و لو رفع ذلك إلى الحاكم فباعه، أخذه الوصيّ، لزوال التهمة.

و لو كان البائع الأب أو الجدّ له، جاز له الأخذ - و به قال الشافعي(2) - لأنّه يجوز أن يبيع من نفسه. و لأنّ ولايتهما أقوى، و كذا شفقتهما.

و لو اشترى شقصا للطفل و هو شريك في العقار، فله الأخذ بالشفعة، لثبوت السبب السالم عن معارضة التهمة، إذ لا يزيد في الثمن ليأخذ به، و هو أحد قولي الشافعي.

و في الثاني: أنّه ليس له الأخذ، لأنّه يلزم الصبي العهدة و لا منفعة له فيه(3).

و ليس بجيّد، لأنّ له أن يشتري للصبي و أن يشتري منه.

و لو وكّل الشريك شريكه في البيع فباع، فله الأخذ بالشفعة - و هو أحد قولي الشافعيّة، و قال بعضهم: إنّه قول الأكثر(4) - لأنّ الموكّل ناظر لنفسه، يعترض و يستدرك إن وقف على تقصير الوكيل، و الصبي عاجز عن ذلك، فيصان حقّه عن الضياع.

و قال بعضهم: ليس له الأخذ، للتهمة(5).

و لو وكّل إنسان أحد الشريكين ليشتري الشقص من الآخر، فاشتراه، فله الأخذ.

و هنا إشكال، و هو إن رضي الشريك بالبيع، تبطل شفعته، و في هذه الصور كيف تتحقّق الشفعة مع قصد البيع و رضاه حيث كان وكيلا باختياره!؟4.

ص: 236


1- العزيز شرح الوجيز 499:5، روضة الطالبين 164:4.
2- العزيز شرح الوجيز 499:5، روضة الطالبين 164:4.
3- العزيز شرح الوجيز 499:5، روضة الطالبين 164:4.
4- العزيز شرح الوجيز 499:5، روضة الطالبين 164:4.
5- العزيز شرح الوجيز 499:5، روضة الطالبين 164:4.

و قال أبو حنيفة: في الوكيل و الوصي معا تثبت الشفعة في الشراء، و لا تثبت في البيع(1).

و لو وكّل الشريك شريكه ببيع نصف نصيبه، أو أذن له في بيع نصيبه أو بعض نصيبه مع نصيب الموكّل إن شاء، فباع نصف نصيب الموكّل مع نصف نصيبه صفقة واحدة، فللموكّل أخذ نصيب الوكيل بالشفعة.

و هل للوكيل أخذ نصيب الموكّل ؟ للشافعي(2) الوجهان السابقان.

مسألة 733: إنّه سيأتي

مسألة 733: إنّه سيأتي(3) الخلاف في أنّ الشفعة هل تثبت مع الكثرة أم لا

؟ فإن قلنا به لو كان ملك بين ثلاثة فباع أحدهم نصيبه من أحد الآخرين، فالشفعة بين المشتري و الشريك الآخر يشتركان في المبيع - و به قال أبو حنيفة و مالك و المزني و الشافعي في أصحّ الوجهين(4) - لاستوائهما في الشركة و سبب الشفعة، كما لو كان المشتري غيره.

و قال بعض الشافعيّة: إنّ الشريك الثالث منفرد بالشفعة، و لا حقّ فيه للمشتري - و هو محكيّ عن الحسن البصري و عثمان البتّي - لأنّ الشفعة تستحقّ على المشتري، فلا يجوز أن يستحقّها المشتري على نفسه(5).

و ليس بصحيح، لأنّا لا نقول: تجب له الشفعة، بل لا يستحقّ عليه

ص: 237


1- العزيز شرح الوجيز 499:5.
2- العزيز شرح الوجيز 499:5، روضة الطالبين 165:4.
3- لم نعثر على الخلاف فيما يأتي من مسائل الشفعة، و قد تقدّم في ص 201 - 202، المسألة 706.
4- المغني 525:5، الشرح الكبير 495:5، المهذّب - للشيرازي - 388:1، التهذيب - للبغوي - 374:4، العزيز شرح الوجيز 499:5-500، روضة الطالبين 165:4.
5- المهذّب - للشيرازي - 388:1، التهذيب - للبغوي - 374:4، العزيز شرح الوجيز 500:5، روضة الطالبين 165:4، المغني 525:5، الشرح الكبير 5: 495.

في نصف النصيب، لأنّه أولى من الشريك الآخر، و لا بعد في استحقاق الإنسان على نفسه لأجل تعلّق حقّ الغرماء، كالعبد المرهون إذا جنى على عبد آخر لسيّده، فإنّه يثبت للسيّد على العبد أرش الجناية لأجل تعلّق حقّ الغير به، و لو لم يكن مرهونا، ما تعلّق به، فعلى هذا يكون الثالث بالخيار بين أن يترك جميع المبيع، أو يأخذ الجميع، و على الأوّل يتخيّر بين أن يأخذ نصف المبيع أو يترك.

فإن قال المشتري: خذ الكلّ أو اترك الكلّ و قد تركت أنا حقّي، لم تلزمه الإجابة، و لم يصح إسقاط المشتري الشفعة، لأنّ ملكه مستقرّ على النصف بالشراء، فأشبه ما إذا كان للشقص شفيعان: حاضر و غائب، فأخذ الحاضر الجميع، ثمّ عاد الغائب، له أن يأخذ نصفه، و ليس للحاضر أن يقول: اترك الكلّ أو خذ الكلّ و أنا تركت حقّي، و لا نظر إلى تبعّض الصفقة عليه، فإنّه لزم من دخوله في هذا العقد.

و عن بعض الشافعيّة وجه: أنّه إذا ترك فيه المشتري حقّه، وجب على الآخر أخذ الكلّ أو ترك الكلّ، كما إذا باع من أجنبيّ و له شفيعان، فترك أحدهما حقّه، يأخذ الآخر الكلّ أو يترك الكلّ، إلاّ أنّ هذا الترك سابق على اختيار التملّك هناك، و فيما نحن فيه اختيار(1) التملّك بالشراء، فلم يؤثّر الإعراض بعده(2).

و لو كان بين اثنين دار فباع أحدهما نصف نصيبه من ثالث ثمّ باع النصف الثاني من ذلك الثالث، فعلى أحد قولي الشافعيّة حكمه حكم ما لو4.

ص: 238


1- في الطبعة الحجريّة: «اختار».
2- العزيز شرح الوجيز 500:5، روضة الطالبين 165:4.

باع النصف الثاني من أجنبيّ. و على الآخر: لا شفعة للمشتري، و للشفيع الخيار بين أن يأخذ الكلّ أو يأخذ أحد النصفين دون الآخر(1).

مسألة 734: تبرّعات المريض عندنا من الثلث،

فلو باع المريض شقصا من دار و له شفيع، فإمّا أن يبيع بثمن المثل أو بدونه، فإن باع بثمن المثل، لزم البيع، و ثبتت فيه الشفعة، سواء كان المشتري و الشفيع وارثين أو أحدهما أو غير وارثين - و به قال الشافعي(2) - لأنّ البيع بثمن المثل لا اعتراض فيه، و إنّما يعترض على المريض في التبرّع، و به قال أبو يوسف و محمد(3) أيضا.

و قال أبو حنيفة: لا يصحّ بيعه من وارثه، لأنّه محجور عليه في حقّه، فصار كبيع الصبي(4).

و هو غلط، لأنّه محجور عليه في التبرّع في حقّه، كما يحجر عليه في حقّ الأجنبيّ في الثلث، و يصحّ أن يبيع منه بثمن مثله مطلقا، كذا هنا.

و إن باع بدون ثمن المثل، فلا يخلو إمّا أن يكون المشتري و الشفيع أجنبيّين أو وارثين أو المشتري وارثا و الشفيع أجنبيّا أو بالعكس.

فإن كانا أجنبيّين، فإن احتمل الثلث المحاباة، صحّ البيع، و أخذ الشقص بالشفعة، و لا(5) إشكال، لأنّ المحاباة وقعت في البيع، فإذا وقع البيع مسترخصا، لم يسقط حقّ الشفعة، و لم يجز أن يأخذه بأكثر من الثمن.

ص: 239


1- العزيز شرح الوجيز 500:5، روضة الطالبين 165:4.
2- حلية العلماء 280:5، المغني 472:5، الشرح الكبير 535:5.
3- حلية العلماء 280:5، المغني 472:5، الشرح الكبير 535:5.
4- حلية العلماء 280:5، المغني 472:5، الشرح الكبير 535:5.
5- في «ي» و الطبعة الحجريّة: «فلا» بدل «و لا».

و إن لم يحتمله، كما لو باع شقصا مستوعبا يساوي ألفين بألف، فإن ردّه الورثة، بطل البيع في بعض المحاباة، و هو ما زاد على الثلث. و في صحّة البيع في الباقي للشافعيّة طريقان:

أحدهما: التخريج على الخلاف في تفريق الصفقة.

و الثاني: القطع بالصحّة(1).

و هو مذهبنا، لكنّ المشتري بالخيار، لتبعّض الصفقة عليه، فإن اختار الشفيع أن يأخذه، لم يكن للمشتري الردّ. و إن لم يرض الشفيع بالأخذ، فللمشتري الخيار بين أخذ الباقي و بين الردّ.

و على الصحّة ففيما يصحّ البيع ؟ للشافعيّة قولان:

أحدهما: أنّه يصحّ في قدر الثلث و القدر الذي يوازي الثمن بجميع الثمن.

و الثاني: أنّه لا يسقط من المبيع شيء إلاّ و يسقط ما يقابله من الثمن(2).

و هذا الأخير هو الأقوى عندي، و قد تقدّم(3) بيانه.

فإن قلنا بالأوّل، صحّ البيع - في الصورة المفروضة - في خمسة أسداس الشقص بجميع الثمن. و إن قلنا بالثاني، دارت المسألة.

و طريقه أن نقول: صحّ البيع في شيء من الشقص بنصف شيء، يبقى مع الورثة ألفان يعادل شيئا و نصفا و الشيء من شيء و نصف ثلثاه، فعلمنا صحّة البيع في ثلثي الشقص، و قيمته ألف و ثلاثمائة و ثلاثة و ثلاثون و ثلث بثلثي الثمن، و هو نصف هذا، فتكون المحاباة بستّمائة و ستّة و ستّين0.

ص: 240


1- العزيز شرح الوجيز 501:5، روضة الطالبين 166:4.
2- العزيز شرح الوجيز 501:5، روضة الطالبين 166:4.
3- في ص 24، المسألة 560.

و ثلثين، يبقي للورثة ثلث الشقص و ثلثا الثمن و هما ألف و ثلاثمائة و ثلاثة و ثلاثون و ثلث، و ذلك ضعف المحاباة.

و على القولين(1) للمشتري الخيار حيث لم يسلم له جميع المثمن(2). فإن اختار، أخذ الشفيع خمسة أسداس الشقص بجميع الثمن على الأوّل، و ثلثيه بثلثي الثمن على الثاني.

و لو فسخ المشتري قبل طلب الشفيع، لم تبطل الشفعة عندنا.

و للشافعي قولان(3).

و لو أجاز الورثة، صحّ البيع في الجميع.

ثمّ إن قلنا: إنّ إجازتهم تنفيذ لما فعله المورّث، أخذ الشفيع الكلّ بكلّ الثمن. و إن قلنا: إنّها ابتداء عطيّة منهم، لم يأخذ الشفيع القدر النافذ بإجازتهم، و أخذ القدر المستثنى عن إجازتهم. و فيه القولان المذكوران عند الردّ.

و إن كانا وارثين أو كان المشتري وارثا، فهي محاباة للوارث، و هي عندنا صحيحة، فالحكم فيه كما في الأجنبيّ.

أمّا الجمهور: فإنّهم منعوا من المحاباة للوارث، فتكون المحاباة مردودة(4).

ثمّ للشافعي قولان، فإن لم يفرّق الصفقة، بطل البيع في الجميع. و إن قال بالتفريق، فإن قال في القسم الأوّل على ما سبق من التصوير: إنّ البيع5.

ص: 241


1- في «س، ي» و الطبعة الحجريّة: «التفريق» بدل «القولين». و الظاهر ما أثبتناه.
2- في جميع النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «الثمن» بدل «المثمن». و الصحيح ما أثبتناه.
3- العزيز شرح الوجيز 501:5، روضة الطالبين 166:4.
4- العزيز شرح الوجيز 502:5، روضة الطالبين 166:4، بدائع الصنائع 14:5، المغني 472:5، الشرح الكبير 535:5.

يصحّ في خمسة أسداس الشقص بجميع الثمن، فهنا في مثل تلك الصورة يصحّ البيع في نصفه بجميع الثمن. و إن قلنا هناك: يصحّ في ثلثيه بثلثي الثمن، فهنا يبطل البيع في الكلّ، لأنّ البيع لا يبطل في شيء إلاّ و يسقط بقدره من الثمن، فما من جزء يصحّ فيه البيع إلاّ و يكون بعضه محاباة، و هي مردودة.

و فيه كلامان:

أحدهما: أنّ المفهوم من هذا التوجيه شيوع المعاوضة و المحاباة في جميع الشقص، و ذلك لا يمنع تخصيص قدر المحاباة بالإبطال، كما أنّه لم يمنع في القسم الأوّل تخصيص ما وراء القدر المحتمل من المحاباة بالإبطال.

و الثاني: أنّ الوصيّة للوارث - عندهم(1) - موقوفة على إجازة باقي الورثة على رأي، كما أنّ الوصيّة بما زاد على الثلث موقوفة على إجازة الورثة على رأي، فلنفرّق هنا أيضا بين الإجازة و الردّ، كما في الأوّل.

إذا عرفت هذا و قلنا بالأوّل، تخيّر المشتري بين أن يأخذ النصف بكلّ و بين أن يفسخ، لأنّ الصفقة تفرّقت عليه، و يكون للشفيع أن يأخذ ذلك و إن كان وارثا، لأنّه لا محاباة فيه.

و إن أراد المشتري الردّ و أراد الشفيع الأخذ، كان حقّ الشفيع مقدّما، لأنّه لا ضرر على المشتري، و جرى مجرى المبيع المعيب إذا رضيه الشفيع لم يكن للمشتري ردّه.

و إن كان الشفيع وارثا دون المشتري، فعندنا يصحّ البيع فيما يحتمل5.

ص: 242


1- العزيز شرح الوجيز 502:5.

الثلث، و يكون للشفيع أخذه بالشفعة.

و قالت الشافعيّة: إن احتمل الثلث المحاباة أو لم يحتمل و صحّحنا البيع في بعض المحاباة في القسم الأوّل و مكّنّا الشفيع من أخذه، ففيه وجوه:

أ - أنّه يصحّ البيع في الجميع، و لا يأخذه الوارث بالشفعة، و هو مذهب أصحاب أبي حنيفة.

أمّا صحّة البيع: فلأنّ المشتري أجنبيّ.

و أمّا بطلان الشفعة: فلأنّها لو ثبتت، لكان المريض قد نفع وارثه بالمحاباة، لأنّ الشفعة تستحقّ بالبيع، فقد تعذّرت الشفعة، فلم نعد ذلك بإبطال البيع، لأنّها فرع عليه، و إذا بطل بطلت، فلم تبطل لأجلها - و هو أصحّ الوجوه عندهم - لأنّا إذا أثبتنا الشفعة، فقد جعلنا للوارث سبيلا إلى إثبات حقّ له في المحاباة. و يفارق الوصيّة ممّن له عليه دين، لأنّ استحقاقه للآخر إنّما هو بدينه، لا من جهة الوصيّة، و هذا استحقاقه حصل بالبيع، فافترقا.

ب - أنّه يصحّ البيع و يأخذه الوارث بالشفعة، لأنّ محاباة البائع مع المشتري، و هو أجنبيّ عنه، و الشفيع يتملّك على(1) المشتري، و لا محاباة معه من المريض.

ج - أنّه لا يصحّ البيع أصلا، لأنّه لو صحّ لتقابلت فيه أحكام متناقضة، لأنّا إن لم نثبت الشفعة، أضررنا بالشفيع، و إن أثبتناها، أوصلنا إليه المحاباة.».

ص: 243


1- في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «مع» بدل «على». و ما أثبتناه من «العزيز شرح الوجيز».

د - يصحّ البيع في الجميع و يأخذ الشفيع ما يقابل الثمن منه، و يبقى الباقي للمشتري مجّانا، لأنّ المحاباة تصحّ مع الأجنبيّ دون الوارث، و يجعل كأنّه باع بعض الشقص منه و وهب بعضه، فيأخذ المبيع دون الموهوب.

ه - أنّه لا يصحّ البيع إلاّ في القدر الموازي للثمن، لأنّه لو صحّ في الكلّ فإن أخذه الشفيع، وصلت إليه المحاباة، و إن أخذ ما وراء قدر المحاباة، كان إلزاما بجميع الثمن ببعض المبيع، و هو على خلاف وضع الشفعة(1).

و يضعّف بأنّ صحّة البيع لا تقف على اختيار الشفيع للشفعة.

و قد يقال في العبارة عن هذا الوجه: إن ترك الشفيع الشفعة، صحّت المحاباة مع المشتري، و إلاّ فهو كما لو كان المشتري وارثا، فلا تصحّ المحاباة.

و وجه ترتيب هذه الأقوال أن يقال: في صحّة البيع وجهان، إن صحّ فيصحّ في الجميع أو فيما وراء قدر المحاباة ؟ وجهان، إن صحّ في الجميع فيأخذ الجميع بالشفعة أو ما وراء قدر المحاباة أو لا يأخذ شيئا؟ ثلاثة أوجه(2).

و هذا - عندنا - كلّه ساقط.

مسألة 735: من شرط الشفعة: تقدّم ملك الآخذ على ملك المأخوذ منه

على ما سبق، فلو كان في يد اثنين ملك اشترياه بعقدين و ادّعى كلّ

ص: 244


1- الوسيط 78:4-79، التهذيب - للبغوي - 367:4-368، العزيز شرح الوجيز 502:5-503، روضة الطالبين 167:4.
2- العزيز شرح الوجيز 503:5.

منهما سبق عقده على عقد صاحبه، و أنّه يستحقّ الشفعة عليه، فمن أقام البيّنة منهما على دعواه حكم له بها، و سقطت دعوى الآخر.

و لو أقاما بيّنتين على السبق - بأن شهدت بيّنة هذا بسبق عقده على عقد صاحبه، و شهدت بيّنة صاحبه بسبق عقده على العقد الأوّل، أو شهدت إحداهما لأحدهما أنّه اشترى يوم السبت و صاحبه اشترى يوم الأحد، و شهدت الأخرى للآخر أنّه اشترى يوم السبت و الآخر يوم الأحد - تعارضتا، و ينبغي أن يحكم لأكثرهما عددا و عدالة، فإن تساويا، احتمل القرعة، لأنّه أمر مشكل، و كلّ أمر مشكل ففيه القرعة، و القسمة بينهما.

و للشافعي هنا قولان:

أحدهما: تساقط البيّنتين كأنّه لا بيّنة لواحد منهما.

و الثاني: أنّهما تستعملان، و في كيفيّته أقوال:

أحدها: القرعة، فعلى هذا من خرجت قرعته أخذ نصيب الآخر بالشفعة.

و الثاني: القسمة، و لا فائدة لها إلاّ مع تفاوت الشركة، فيكون التنصيف تعبّدا(1).

و الثالث: الوقف، و على هذا يوقف حقّ التملّك إلى أن يظهر الحال(2).

و من الشافعيّة من لا يجري قول الوقف هنا، لانتفاء معناه مع كون الملك في يدهما(3).4.

ص: 245


1- كذا، و في المصدر: «مقيّدا» بدل «تعبّدا».
2- العزيز شرح الوجيز 503:5-504، روضة الطالبين 167:4-168.
3- العزيز شرح الوجيز 504:5، روضة الطالبين 168:4.

و لو عيّنت كلّ واحدة من البيّنتين وقتا واحدا، فلا تنافي بينهما، لاحتمال وقوع العقدين معا، و لا شفعة لواحد منهما، لأنّا تبيّنّا وقوع العقدين دفعة.

و للشافعيّة وجه: أنّهما تسقطان، لأنّ كلّ واحدة منهما لم تتعرّض لمقصود مقيمها فكأنّه لا بيّنة(1).

البحث الرابع: في كيفيّة الأخذ بالشفعة.
مسألة 736: يملك الشفيع الأخذ بالعقد

إمّا بالفعل بأن يأخذ الحصّة و يدفع الثمن إلى المشتري، أو يرضى بالصبر فيملكه حينئذ، و إمّا باللفظ، كقوله: أخذته، أو: تملّكه، أو: اخترت الأخذ، و ما أشبه ذلك، عملا بالأصل من عدم اشتراط اللفظ.

و قال بعض الشافعيّة: لا بدّ من لفظ، ك «تملّكت» و ما تقدّم، و إلاّ فهو من باب المعاطاة(2).

و هو ممنوع، لأنّ المعاطاة تتوقّف على رضاهما، و لا يتوقّف الأخذ بالشفعة على رضا المشتري.

و لا يكفي أن يقول: لي حقّ الشفعة و أنا مطالب بها، عنده(3) ، لأنّ المطالبة رغبة في الملك، و الملك(4) لا يحصل بالرغبة المجرّدة(5).

ص: 246


1- العزيز شرح الوجيز 504:5، روضة الطالبين 168:4.
2- العزيز شرح الوجيز 505:5، روضة الطالبين 168:4.
3- أي: عند البعض من الشافعيّة، المتقدّم قوله آنفا.
4- في جميع النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «فالملك». و ما أثبتناه من «العزيز شرح الوجيز».
5- العزيز شرح الوجيز 505:5، روضة الطالبين 168:4.

و قال بعضهم(1) بقولنا.

و لا يملك الشفيع بمجرّد اللفظ، بل يعتبر مع ذلك أحد أمور:

إمّا أن يسلّم العوض إلى المشتري، فيملك به إن تسلّمه، و إلاّ خلّى بينه و بينه، أو رفع الأمر إلى الحاكم حتى يلزمه التسليم.

و [إمّا](2) أن يسلّم المشتري الشقص، و يرضى بكون الثمن في ذمّته.

و لو كان المبيع دارا عليها صفائح من أحد النقدين و الثمن من الآخر، وجب التقابض فيما قابله خاصّة.

و لو رضي بكون الثمن في ذمّته و لم يسلّم الشقص، حصل الملك عندنا - و هو أحد وجهي الشافعيّة - لأنّه معاوضة، و الملك في المعاوضات لا يتوقّف على القبض.

و الثاني لهم: لا يحصل الملك، و قول المشتري ما لم يتّصل به القبض في حكم الوعد.

و إمّا أن يحضر في مجلس القاضي، و يثبت حقّه في الشفعة، و يختار التملّك و يقضي القاضي له بالشفعة - و هو أصحّ وجهي الشافعيّة - لأنّ الشرع نزّل الشفيع منزلة المشتري حتى كأنّ العقد له، إلاّ أنّه مخيّر بين الأخذ و الترك، فإذا طلب و تأكّد طلبه بالقضاء، وجب أن يحكم له بالملك.

و الثاني لهم: لا يحصل الملك، و يستمرّ ملك المشتري إلى أن يصل إليه عوضه، أو يرضى بتأخيره.

و إمّا أن يشهد عدلان على الطلب و اختيار الشفعة، فإن لم نثبتق.

ص: 247


1- العزيز شرح الوجيز 505:5، روضة الطالبين 168:4.
2- ما بين المعقوفين يقتضيه السياق.

الملك بحكم القاضي، فهنا أولى، فإن(1) أثبتناه، فوجهان لهم، لقوّة قضاء القاضي(2).

و هذا كلّه غير معتبر عندنا.

مسألة 737: لا يشترط في تملّك الشفيع بالشفعة

حكم الحاكم و لا حضور الثمن أيضا و لا حضور المشتري و رضاه، عند علمائنا - و به قال الشافعي(3) - لأنّ حكم الشفعة يثبت بالنصّ و الإجماع، فيستغني عن حكم الحاكم، كمدّة الإيلاء و الردّ بالعيب. و لأنّه تملّك بعوض، فلا يفتقر إلى إحضار العوض، كالبيع، و لا إحضار المشتري و رضاه به، كالردّ بالعيب.

و قال أبو حنيفة: يعتبر حضور المشتري أو حكم الحاكم، و لا يحكم الحاكم إلاّ إذا أحضر الثمن(4).

و عن الصعلوكي أنّ حضور المأخوذ منه أو وكيله شرط(5). و هو ممنوع.

و إذا ملك الشفيع بغير تسليم الثمن - بل إمّا بتسليم المشتري الشقص و يرضى بكون الثمن في ذمّته، أو بحضوره في مجلس القاضي و إثبات حقّه في الشفعة و يختار الملك فيقضي له القاضي - لم يكن له أن يتسلّم الشقص حتى يؤدّي الثمن إلى المشتري و إن سلّمه المشتري قبل أداء الثمن، و لا يلزمه أن يؤخّر حقّه بأن أخّر البائع حقّه.

مسألة 738: يجب على الشفيع دفع الثمن معجّلا،

فإن تعذّر تعجيله

ص: 248


1- الظاهر: «و إن».
2- العزيز شرح الوجيز 505:5، روضة الطالبين 169:4.
3- العزيز شرح الوجيز 504:5، روضة الطالبين 168:4.
4- العزيز شرح الوجيز 504:5.
5- العزيز شرح الوجيز 505:5، روضة الطالبين 168:4.

أو ادّعى غيبته، أجّل ثلاثة أيّام لإحضاره، لأنّ تحصيله في الحال يتعذّر في غالب العادات، فلو شرط إحضاره في الحال، أدّى إلى إسقاط الشفعة، و ذلك إضرار بالشفيع، فإن أحضر الثمن في مدّة الثلاثة، فهو أحقّ، و إلاّ بطلت شفعته بعدها.

و لو ذكر أنّ الثمن في بلد آخر، أجّل بقدر وصوله من ذلك البلد و ثلاثة أيّام بعده ما لم يتضرّر المشتري.

و لو هرب الشفيع بعد الأخذ، كان للحاكم فسخ الأخذ، و ردّه إلى المشتري و إن لم يكن له ذلك في البيع لو هرب المشتري أو أخّر الدفع، لأنّ البيع حصل باختيارهما، فلهذا لم يكن للحاكم فسخه عليهما، و هنا أخذه الشفيع بغير اختيار المشتري لإزالة الضرر عن نفسه، فإذا اشتمل على إضرار بالمشتري، منعه الحاكم و ردّه.

و لو هرب قبل الأخذ، فلا شفعة له، و كذا العاجز عن الثمن.

و قال بعض الشافعيّة: إذا قصّر في الأداء، بطل حقّه من الشفعة. و إن لم يوجد، رفع إلى الحاكم (و فسخ منه)(1)(2).

و المعتمد: الأوّل، لما قلناه.

و لما روى عليّ بن مهزيار أنّه سأل الجواد عليه السّلام: عن رجل طلب شفعة أرض، فذهب على أن يحضر المال فلم ينضّ، فكيف يصنع صاحب الأرض إن أراد بيعها أ يبيعها أو ينتظر مجيء شريكه صاحب الشفعة ؟ قال: «إن كان معه بالمصر فلينتظر به ثلاثة أيّام، فإن أتاه بالمال4.

ص: 249


1- ورد ما بين القوسين سهوا في النسخ الخطّيّة و الحجريّة بعد تمام الرواية الآتية في نفس المسألة. و موضعه هنا تتمّة لقول بعض الشافعيّة كما في «العزيز شرح الوجيز» و «روضة الطالبين».
2- العزيز شرح الوجيز 506:5، روضة الطالبين 169:4.

و إلاّ فليبع و بطلت شفعته في الأرض، و إن طلب الأجل إلى أن يحمل المال من بلد إلى آخر فلينتظر به مقدار ما يسافر الرجل إلى تلك البلدة و ينصرف و زيادة ثلاثة أيّام إذا قدم، فإن وافاه، و إلاّ فلا شفعة له»(1).

مسألة 739: و لا يثبت في الشفعة خيار المجلس عند علمائنا،

للأصل الدالّ على عدمه.

و لدلالة قوله عليه السّلام: «البيّعان بالخيار ما لم يفترقا»(2) على اختصاص الخيار بالبيع، لأنّه وصف علّق عليه حكم، فينتفي بانتفائه.

و لأنّ الخيار لا يثبت للمشتري، لأنّه يؤخذ الملك منه قهرا، و لا للآخذ، لأنّ له العفو و الإسقاط.

نعم، لو أخذ و ثبت الملك له، لم يكن له الخيار في الفسخ، للأصل.

و للشافعي قولان:

أظهرهما: ثبوت الخيار - و قد تقدّم(3) - بأن يترك بعد ما أخذ، أو يأخذ بعد ما ترك ما دام في المجلس، لأنّ ذلك معاوضة، فكان في أخذها و تركها خيار المجلس، كالبيع(4).

و له قول آخر: إنّه يسقط، لأنّ الشفعة حقّ له ثبت، فإذا أخّره أو تركه، سقط، كغيره من الحقوق(5).

فعلى قوله بالخيار يمتدّ إلى مفارقة المجلس.

ص: 250


1- التهذيب 167:7، 739.
2- صحيح البخاري 84:3، صحيح مسلم 1164:3، 1532، سنن الترمذي 3: 547، 1245، سنن الدارمي 25:2.
3- في ج 11 ص 15، ضمن المسألة 227.
4- الوسيط 81:4، العزيز 172:4، و 506:5، روضة الطالبين 169:4.
5- العزيز شرح الوجيز 172:4، و 506:5، روضة الطالبين 169:4، المجموع 177:9.

و هل ينقطع بأن يفارقه المشتري ؟ وجهان: المنع، لأنّه لا حظّ له في الخيار، فلا اعتبار بمفارقته. و الانقطاع، لحصول التفريق(1).

مسألة 740: يجوز للمشتري التصرّف في الشقص قبل أن يأخذه الشفيع

و قبل علمه بالبيع، فإذا تصرّف، صحّ تصرّفه، لأنّ ملكه بالعقد إجماعا، و فائدة الملك استباحة وجوه الانتفاعات، و صحّ قبض المشتري له، و لم يبق إلاّ أنّ الشفيع ملك عليه أن يملك، و ذلك لا يمنع تصرّفه، كما لو كان الثمن معيبا فتصرّف المشتري في المبيع.

و كذا الموهوب له إذا كان الواهب ممّن له الرجوع فيها، فإنّ تصرّفه يصحّ و إن ملك الواهب [الرجوع](2) فيها.

إذا ثبت هذا، فإنّ تصرّفه إن كان ممّا تجب به الشفعة - كالبيع خاصّة عندنا، و كلّ معاوضة عند الشافعي(3) ، كجعله عوض الصداق أو الخلع أو غير ذلك من المعاوضات - تخيّر الشفيع إن شاء فسخ تصرّفه و أخذ بالثمن الأوّل، لأنّ حقّه أسبق، و سببه متقدّم، فإنّ الشفعة وجبت له قبل تصرّف المشتري. و إن شاء أمضى تصرّفه، و أخذ بالشفعة من المشتري الثاني، لأنّ هذا التصرّف يثبت الشفعة، فلو باعه المشتري بعشرة بعشرين فباعه الآخر بثلاثين، فإن أخذ من الأوّل، دفع عشرة، و رجع الثالث على الثاني بثلاثين، و الثاني على الأوّل بعشرين، لأنّ الشقص يؤخذ من الثالث و قد انفسخ عقده، و كذا الثاني. و لو أخذ من الثاني، صحّ، و دفع عشرين، و بطل

ص: 251


1- العزيز شرح الوجيز 506:5، روضة الطالبين 169:4.
2- ما بين المعقوفين أضفناه لأجل السياق.
3- المهذّب - للشيرازي - 389:1، العزيز شرح الوجيز 521:5، روضة الطالبين 179:4.

الثالث، فيرجع بثلاثين. و لو أخذ من الثالث، صحّت العقود، و دفع ثلاثين.

و إن كان تصرّفه لا تثبت به الشفعة كالهبة و الوقف و جعله مسجدا، فإنّ للشفيع إبطال ذلك التصرّف، و يأخذ بالثمن الأوّل، و يكون الثمن للمشتري، و به قال الشافعي(1).

و قال مالك: إنّه يكون الثمن للموهوب له(2).

و هو غلط، لأنّ الشفيع أبطل الهبة، و أخذ الشقص بحكم العقد الأوّل، و لو لم يكن وهب كان الثمن له، كذا بعد الهبة المفسوخة.

و كذا للشفيع فسخ الوقف و كونه مسجدا أو غير ذلك من أنواع التصرّفات، و به قال أكثر الشافعيّة(3).

و قال بعضهم: إنّ الوقف يبطل الشفعة، لأنّ الشفعة إنّما تثبت في المملوك و قد خرج من أن يكون مملوكا(4).

و هو غلط، لأنّ ذلك الاستحقاق سابق و الوقف متأخّر، فلا يبطل السابق، و لا يمتنع أن يبطل الوقف لأجل حقّ الغير، كما لو وقف المريض أملاكه أو أعتق عبيده و عليه دين مستوعب، فإنّ العتق و الوقف صحيحان، و إذا مات، فسخا لحقّ الغرماء، كذا هنا.

مسألة 741: إذا ملك الشفيع، امتنع تصرّف المشتري.

و لو طلب الشفيع و لم يثبت الملك بعد، لم يمنع الشريك من التصرّف، لبقائه في ملكه.

ص: 252


1- المهذّب - للشيرازي - 389:1، الوسيط 91:4، العزيز شرح الوجيز 521:5، روضة الطالبين 178:4-179، المغني 490:5، الشرح الكبير 505:5.
2- المغني 491:5، الشرح الكبير 506:5.
3- التهذيب - للبغوي - 365:4، العزيز شرح الوجيز 521:5، روضة الطالبين 4: 179.
4- المغني 490:5، الشرح الكبير 505:5.

و يحتمل قويّا المنع، لتعلّق حقّ الشفيع به و تأكّده بالطلب.

و كلاهما للشافعيّة(1) أيضا.

و لو تصرّف الشفيع قبل القبض بعد أن سلّم الثمن إلى المشتري، نفذ.

و للشافعيّة وجهان، أظهرهما: المنع، كتصرّف المشتري قبل القبض(2).

و هو باطل، لاختصاص ذلك بالبيع، و الشفعة ليست بيعا. و لأنّه ملك قهريّ كالإرث، فصحّ تصرّفه فيه، كالوارث قبل القبض.

و لو ملك بالإشهاد أو بقضاء القاضي، نفذ تصرّفه.

و قالت الشافعيّة: لا ينفذ(3).

و كذا لو ملك برضا المشتري بكون الثمن عنده.

مسألة 742: لا يشترط علم الشفيع بالثمن و لا بالشقص في طلب الشفعة،

بل في الأخذ، فلا يملك الشقص الذي لم يره بالأخذ و لا بالطلب، لأنّه غرر و النبيّ صلّى اللّه عليه و آله نهى عنه(4) ، بل يشترط علم الشفيع في التملّك بالثمن و المثمن معا، فلو جهل أحدهما، لم يصح الأخذ، و له المطالبة بالشفعة.

و لو قال: أخذته بمهما كان، لم يصح مع جهالته بالقدر.

و قالت الشافعيّة: في تملّك الشفيع الشقص الذي لم يره طريقان:

ص: 253


1- العزيز شرح الوجيز 506:5، روضة الطالبين 170:4.
2- العزيز شرح الوجيز 507:5، روضة الطالبين 170:4.
3- العزيز شرح الوجيز 507:5، روضة الطالبين 170:4.
4- صحيح مسلم 1153:3، 1513، سنن ابن ماجة 739:2، 2194، سنن أبي داود 254:3، 3376، سنن الترمذي 532:3، 1230، سنن الدارمي 251:2، الموطّأ 664:2، 75.

أظهرهما: أنّه على قولي(1) بيع الغائب إن منعناه، لم يتملّكه قبل الرؤية، و ليس للمشتري منعه من الرؤية. و إن صحّحناه، فله التملّك.

[ثمّ](2) منهم من جعل خيار الرؤية على الخلاف في خيار المجلس.

و منهم من قطع به و قال: المانع هناك - على رأي - بعد اختصاص ذلك الخيار بأحد الجانبين.

و الثاني: المنع، سواء صحّحنا بيع الغائب أو أبطلناه، لأنّ البيع جرى بالتراضي فأثبتنا الخيار فيه، و هنا الشفيع يأخذ من غير رضا المشتري، فلا يمكن إثبات الخيار فيه.

نعم، لو رضي المشتري بأن يأخذه الشفيع و يكون بالخيار، فعلى قولي بيع الغائب، فإذا جوّزنا له التملّك و أثبتنا الخيار، فللمشتري أن يمتنع من قبض الثمن و إقباض المبيع(3) حتى يراه ليكون على ثقة فيه(4).

و إذا بلغه البيع فقال: قد اخترت أخذ الشقص بالثمن الذي تمّ عليه العقد، و علم قدره و نظر إلى الشقص أو وصف له وصفا يرفع الجهالة، صحّ الأخذ و إن لم يجز المشتري و لا حضر.

و قال أبو حنيفة: لا يأخذ بالشفعة حتى يحضر الثمن، و لا يقضي له القاضي بها حتى يحضر الثمن(5).

و قال محمد: إنّ القاضي يؤجّله يومين أو ثلاثة، و لا يأخذه إلاّ بحكم5.

ص: 254


1- في النسخ الخطّيّة و الحجريّة المعتمدة في التحقيق: «قول». و الصحيح ما أثبتناه.
2- ما بين المعقوفين من المصدر.
3- في النسخ الخطّيّة و الحجريّة المعتمدة في التحقيق: «البائع» بدل «المبيع». و الصحيح ما أثبتناه من المصدر.
4- العزيز شرح الوجيز 507:5، روضة الطالبين 170:4.
5- المغني 510:5، الشرح الكبير 521:5.

الحاكم أو رضا المشتري، لأنّ الشفيع يأخذ الشقص بغير اختيار المشتري، فلا يستحقّ ذلك إلاّ بعد إحضار الثمن، و لهذا كان المشتري لمّا كان يستحقّ تسلّم المبيع بغير اختيار البائع لم يكن له إلاّ بعد إحضار الثمن(1).

و قد بيّنّا أنّ الشفيع يأخذ بالعوض، فلا يشترط حضوره، كالبيع، و التسليم في الشفعة كالتسليم في البيع، فإنّ الشفيع لا يتسلّم الشقص إلاّ بعد إحضار الثمن، و كون التملّك بغير اختياره يدلّ على قوّته، فلا يمنع من اعتباره في الصحّة بالبيع.

و إذا كان الثمن مجهولا عند الشفيع، لم يصح الأخذ، لأنّه تملّك بعوض، فلا يصحّ مع جهالة العوض، كالبيع.

و لو قال: أخذته بالثمن إن كان مائة فما دونها، لم يصح الأخذ، لأنّ مثل هذا لا يجوز أن يكون ثمنا في البيع، كذا الشفعة.

و لو لم يشاهد الشقص و لا وصف له بما يرتفع معه الجهالة، لم يكن له أخذه، و به قال بعض الشافعيّة، سواء قالوا بجواز بيع خيار الرؤية أو لا، لأنّ مع القول بالجواز أثبتوا فيه خيار الرؤية برضا البائع، لأنّه دخل على ذلك، و في مسألتنا يأخذه الشفيع بغير رضا المشتري، فلا يثبت الخيار(2).

و(3) قال ابن سريج: إلاّ أن يرضى المشتري بخيار الرؤية، فيجوز ذلك على القول الذي يجيز البيع بها(4).

و قال بعض الشافعيّة: من قال من أصحابنا: إنّه يثبت في الشفعة خيار المجلس يجيز أيضا خيار الرؤية فيها على أحد القولين(5).

إذا عرفت هذا، فإذا أخذ الشقص بالشفعة، وجب عليه الثمن،ر.

ص: 255


1- بدائع الصنائع 24:5، و انظر: المغني 510:5، و الشرح الكبير 521:5.
2- لم نعثر عليه فيما بين أيدينا من المصادر.
3- في «س، ي» لم ترد كلمة «و».
4- لم نعثر عليه فيما بين أيدينا من المصادر.
5- لم نعثر عليه فيما بين أيدينا من المصادر.

و لا يجب على المشتري تسليم الشقص حتى يقبض الثمن.

مسألة 743: إذا كان الشقص في يد البائع، فقال الشفيع: لا أقبضه إلاّ من المشتري،

لم يكن له ذلك، و لم يكلّف المشتري أخذه من البائع، بل يأخذه الشفيع من يد البائع، لأنّ هذا الشقص حقّ الشفيع، فحيثما وجده أخذه. و لأنّ يد الشفيع كيد المشتري، لأنّه استحقّ قبض ذلك من جهته، كما لو وكّل وكيلا في القبض، أ لا ترى أنّه لو قال: أعتق عبدك عن ظهاري، فأعتقه، صحّ، و كان الآمر كالقابض له، و هو أحد وجهي الشافعيّة.

و الثاني: أنّ للشفيع ذلك، لأنّ الشفيع بمنزلة المشتري من المشتري، فيلزمه أن يسلّمه بعد قبضه، و على الحاكم تكليف المشتري أن يتسلّم و يسلّم، أو يوكّل في ذلك، فإن كان المشتري غائبا، نصب الحاكم من يقبضه من البائع عن المشتري و يسلّمه إلى الشفيع، و إذا أخذه الشفيع من المشتري أو من البائع، فإنّ عهدته على المشتري خاصّة(1).

و لو أفلس الشفيع و كان المشتري قد سلّم الشقص إليه راضيا بذمّته، جاز له الاسترداد، و كان أحقّ بعينه من غيره.

مسألة 744: إنّما يأخذ الشفيع بالثمن الذي وقع عليه العقد،

لما روى العامّة عن جابر أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال: «فهو أحقّ به بالثمن»(2).

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السّلام: «فهو أحقّ بها من غيره بالثمن»(3).

و لأنّ الشفيع إنّما يستحقّ الشفعة بسبب البيع، فكان مستحقّا له

ص: 256


1- العزيز شرح الوجيز 545:5-546، روضة الطالبين 192:4.
2- سنن البيهقي 104:6، المغني 505:5، الشرح الكبير 520:5.
3- التهذيب 164:7، 728.

بالثمن، كالمشتري.

لا يقال: الشفيع استحقّه بغير اختيار مالكه، لحاجته إليه، فكان يجب أن يستحقّه بالقيمة، كالمضطرّ إلى طعام الغير.

لأنّا نقول: المضطرّ إنّما استحقّه بسبب الحاجة خاصّة، فكان المرجع في بدله إلى القيمة، و الشفيع يستحقّه لأجل البيع، فإنّه لو كان انتقاله في الهبة أو الميراث، لم يستحقّ فيه الشفعة، و إذا اختصّ ذلك بالبيع، وجب أن يكون بالعوض الثابت بالبيع.

إذا ثبت هذا، فإن بيع بمثليّ - كالنقدين و الحبوب - أخذه بمثله.

ثمّ إن قدّر بمعيار الشرع، أخذه به. و إن قدّر بغيره كما لو باع بمائة رطل من الحنطة، أخذه بمثله وزنا تحقيقا للمماثلة.

و للشافعي قولان، هذا أحدهما. و الثاني: أنّه يأخذه بالكيل(1).

و لو تعذّر المثل وقت الأخذ، لانقطاعه أو لغيره، عدل إلى القيمة، كما في الغصب.

تذنيب: لا يجب على الشفيع دفع ما غرمه المشتري من دلالة و اجرة وزّان و نقّاد و كيل و غير ذلك من المؤن.

مسألة 745: و لو لم يكن الثمن مثليّا بل مقوّما

- كالعبد و الثوب و شبههما - أخذه الشفيع بقيمة السلعة التي جعلت ثمنا - و به قال الشافعي و أبو حنيفة و مالك(2) - لأنّه أحد نوعي الثمن، فجاز أن تثبت الشفعة

ص: 257


1- العزيز شرح الوجيز 507:5، روضة الطالبين 171:4.
2- المهذّب - للشيرازي - 386:1، حلية العلماء 294:5، التهذيب - للبغوي - 4: 342، العزيز شرح الوجيز 507:5، روضة الطالبين 171:4، بدائع الصنائع 5: 26، المعونة 1276:2، التفريع 302:2، المغني 505:5، الشرح الكبير 5: 524.

بالمشتري به، كالذي له مثل.

و قال الشيخ رحمه اللّه: تبطل الشفعة(1) - و به قال الحسن البصري و سوار القاضي(2) - لما رواه عليّ بن رئاب عن الصادق عليه السّلام في رجل اشترى دارا برقيق و متاع و بزّ و جوهر، قال: «ليس لأحد فيها شفعة»(3).

و لأنّ الشفعة إنّما تجب بمثل الذي ابتاعه به، و هذا لا مثل له، فلم تجب.

و الرواية ضعيفة السند، لأنّ في طريقها الحسن بن محمد بن سماعة و ليس منّا.

و المثل قد يكون من طريق الصورة و قد يكون من طريق القيمة، كما في بدل الإتلاف و الغصب.

و تعتبر القيمة يوم البيع، لأنّه يوم إثبات العوض و استحقاق الشفعة، فلا اعتبار بالزيادة بعد ذلك و لا النقصان، و به قال الشافعي(4).

و قال ابن سريج: تعتبر قيمته يوم استقرار العقد بانقطاع الخيار(5).

و قال مالك: الاعتبار بقيمته يوم المحاكمة(6).

و ليس بجيّد، لما تقدّم من أنّ وقت الاستحقاق وقت العقد5.

ص: 258


1- الخلاف 432:3، المسألة 7.
2- حلية العلماء 294:5، المغني 505:5، الشرح الكبير 524:5.
3- التهذيب 167:7، 740.
4- التهذيب - للبغوي - 342:4، العزيز شرح الوجيز 507:5، روضة الطالبين 4: 171.
5- حلية العلماء 294:5، العزيز شرح الوجيز 507:5-508، روضة الطالبين 4: 171.
6- حلية العلماء 294:5، العزيز شرح الوجيز 508:5، المغني 507:5، الشرح الكبير 524:5.

للمشتري. و لأنّ الثمن صار ملكا للبائع، فلا تعتبر زيادته في حقّ المشتري.

و لو اختلفا في القيمة في ذلك الوقت، قدّم قول المشتري مع اليمين.

مسألة 746: لو جعل الشقص رأس مال سلم، أخذ الشفيع بمثل المسلم فيه

إن كان مثليّا، و بقيمته إن كان متقوّما.

و لو صالح من دين على شقص، لم تكن له شفعة.

و عند الشافعي يأخذه بمثل ذلك الدّين إن كان مثليّا، و بقيمته إن كان متقوّما(1).

و لا فرق بين أن يكون دين إتلاف أو دين معاملة.

و لو أمهرها شقصا، فلا شفعة عندنا.

و عند الشافعي يأخذ بمهر مثل المرأة، لأنّ البضع متقوّم، و قيمته مهر المثل. و كذا إذا خالعها على شقص. و الاعتبار بمهر مثلها يوم النكاح أو يوم جريان البينونة(2).

و خرّج بعض الشافعيّة وجها أنّه يأخذه بقيمة الشقص(3). و الأصل فيه أنّ المرأة إذا وجدت بالصداق عيبا و ردّته، ترجع بقيمته على أحد القولين، فإذا كان المستحقّ عند الردّ بالعيب بدل المسمّى، كذا عند الأخذ بالشفعة، و به قال مالك(4).

و لو متّع المطلّقة بشقص، فلا شفعة عندنا.

ص: 259


1- التهذيب - للبغوي - 342:4، العزيز شرح الوجيز 508:5، روضة الطالبين 4: 171.
2- التهذيب - للبغوي - 343:4، العزيز شرح الوجيز 508:5، روضة الطالبين 4: 171.
3- في «العزيز شرح الوجيز»: «بقيمته يوم القبض».
4- العزيز شرح الوجيز 508:5، روضة الطالبين 171:4.

[و قال الشافعي: يأخذه الشفيع بمتعة مثلها لا بالمهر، لأنّ المتعة هي التي وجبت بالطلاق، و الشقص عوض عنها(1).

و لو أخذ من المكاتب شقصا عوضا عن النجوم، فلا شفعة عندنا](2).

و قال الشافعي: يأخذه الشفيع بمثل النجوم أو بقيمتها، لأنّ النجوم هي التي قابلته(3).

و لو جعل الشقص اجرة دار، فلا شفعة عندنا.

و قال الشافعي: يؤخذ بقيمة المنفعة، و هي أجرة مثل الدار(4).

و لو صالح على الشقص عن دم، فلا شفعة عندنا.

و قال الشافعي: يأخذه الشفيع بقيمة الدم، و هي الدية(5). و يعود فيه مذهب مالك(6).

و لو استقرض شقصا، فلا شفعة عندنا.

و قال الشافعي: يأخذه الشفيع بقيمته و إن قلنا: إنّ المستقرض يردّ المثل، لأنّ القرض مبنيّ على الإرفاق، و الشفعة ملحقة بالإتلاف(7)(8).4.

ص: 260


1- التهذيب - للبغوي - 343:4، العزيز شرح الوجيز 508:5، روضة الطالبين 171:4.
2- بعض ما بين المعقوفين أضفناه من «العزيز شرح الوجيز» نصّا، و نحوه في «التهذيب» للبغوي، و «روضة الطالبين». و بعضه الآخر من تصحيحنا لأجل السياق.
3- العزيز شرح الوجيز 508:5، روضة الطالبين 171:4.
4- التهذيب - للبغوي - 343:4، العزيز شرح الوجيز 508:5، روضة الطالبين 171:4.
5- التهذيب - للبغوي - 343:4، العزيز شرح الوجيز 508:5، روضة الطالبين 171:4.
6- كذا في النسخ الخطّيّة و الحجريّة. و ورد في العزيز شرح الوجيز 508:5 - تتمّة لقول الشافعي -: «و يقود منه الجريح و يذهب ملكه» بدل «و يعود فيه مذهب مالك».
7- في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «بالإتلاف». و ما أثبتناه من «العزيز شرح الوجيز».
8- العزيز شرح الوجيز 508:5، روضة الطالبين 171:4.
مسألة 747: لو كان الثمن مؤجّلا،

مثلا: اشترى الشقص بمائة مؤجّلة إلى سنة، فللشيخ رحمه اللّه قولان:

أحدهما - و هو الأقوى عندي، و به قال مالك و أحمد و الشافعي في القديم(1) -: أنّ للشفيع الأخذ كذلك بعد إقامة كفيل إذا لم يكن مليّا، و ليس له الصبر و الأخذ عند الأجل(2).

لنا: أنّ الأخذ إنّما يكون بالثمن، و يجب أن يكون على الشفيع مثل الثمن قدرا و وصفا، و التأجيل وصف في الثمن. و لأنّ الشفعة على الفور، و تأخير الطلب إلى الأجل مناف للفوريّة، و أخذها بالثمن المعجّل إضرار بالشفيع بغير وجه، فلم يبق إلاّ ما قلنا توصّلا إلى الجمع بين الحقوق كلّها.

و قال الشيخ أيضا: يتخيّر الشفيع بين أن يأخذه و يعجّل الثمن، و بين أن يصبر إلى أن يحلّ الأجل ثمّ يأخذه بالثمن(3) - و به قال أبو حنيفة و الشافعي في الجديد(4) - لأنّ ذلك يؤدّي إلى أن يلزم المشتري قبول ذمّة الشفيع، و الذمم لا تتماثل، و لهذا إذا مات من عليه الدّين المؤجّل، حلّ الأجل، و لم ينتقل إلى ذمّة الورثة. و ملاءة الأشخاص لا توجب تماثل الذمم، فإنّها تختلف في كون بعضها أوفى و بعضها أسهل في المعاملة.

ص: 261


1- الموطّأ 715:2، ذيل الحديث 3، بداية المجتهد 259:2، المغني 507:5، الشرح الكبير 523:5، المحلّى 95:9، العزيز شرح الوجيز 509:5، و انظر: روضة الطالبين 171:4-172.
2- النهاية: 425.
3- المبسوط - للطوسي - 112:3، الخلاف 433:3، المسألة 9 من كتاب الشفعة.
4- بدائع الصنائع 27:5، مختصر اختلاف العلماء 243:4، 1952، التهذيب - للبغوي - 356:4، الوسيط 83:4، العزيز شرح الوجيز 509:5، روضة الطالبين 171:4-172، المغني 507:5، الشرح الكبير 523:5.

و لأنّ في ذلك تغريرا بالمشتري، لجواز أن يذهب مال الشفيع قبل حلول الأجل، فيلزمه غرمه، و لا يجوز أن يلزمه ذلك، و لم يحصل له حظّ بهذا البيع.

و هو ممنوع، لأنّا نلزم الشفيع بكفيل مليّ يرتضيه المشتري، فاندفع المحذور.

و للشافعي قول ثالث: إنّ الشفيع يأخذه بسلعة قيمتها الثمن إلى سنة، لأنّه لم يأخذ السلعة بثمن مؤجّل على ما تقدّم، و إن أخذها بثمن حالّ في الحال أو بعد انقضاء الأجل، فقد كلّفناه أكثر من الثمن، لأنّ ما يباع بمائة إلى سنة لا يساويها حالاّ، و لئلاّ يتأخّر الأخذ و لا يتضرّر الشفيع(1) و على ما اخترناه فإنّما يأخذه بثمن مؤجّل إذا كان مليّا موثوقا به أو(2) إذا أعطى كفيلا مليّا، و إلاّ لم يأخذه، لأنّه إضرار بالمشتري، و هو أحد قولي الشافعي على تقدير قوله بما قلناه. و الثاني له: أنّ له الأخذ على الإطلاق، و لا ينظر إلى صفته، و لو أخذه ثمّ مات، حلّ عليه الأجل(3).

و على قول أبي حنيفة و الشيخ و الشافعي في الجديد لا يبطل حقّ الشفيع بالتأخير، لأنّه تأخير بعذر، و لكن هل يجب تنبيه المشتري على الطلب ؟ فيه وجهان، أحدهما: لا، إذ لا فائدة فيه. و الثاني: نعم، لأنّه ميسور و إن كان الأخذ معسورا(4).

و لو مات المشتري و حلّ عليه الثمن، لم يتعجّل الأخذ على الشفيع،4.

ص: 262


1- العزيز شرح الوجيز 509:5، روضة الطالبين 172:4.
2- في «س، ي» و الطبعة الحجريّة: «و» بدل «أو». و الظاهر ما أثبتناه.
3- العزيز شرح الوجيز 510:5، روضة الطالبين 172:4.
4- العزيز شرح الوجيز 509:5، روضة الطالبين 172:4.

بل هو على خيرته إن شاء أخذ في الحال، و إن شاء صبر إلى مجيء ذلك المحلّ.

و لو مات الشفيع، فالخيرة التي كانت له تثبت لورثته.

و لو باع المشتري الشقص قبل أن يحلّ الأجل، صحّ البيع، لأنّ الثمن لو كان حالاّ فباع المشتري صحّ بيعه، فإذا كان مؤجّلا و تأخّر الأخذ، كان جواز البيع أولى، و يتخيّر الشفيع بين أن يجيز البيع الثاني و يأخذه بالثمن الثاني و بين أن يفسخه إمّا في الحال أو عند حلول الأجل، و يأخذه بالثمن الأوّل، لأنّ ذلك كان له، و لا يسقط بتصرّف المشتري.

هذا إذا قلنا: إنّ للشفيع نقض تصرّف المشتري، و هو الظاهر عندهم(1) ، و فيه خلاف، و إن قلنا بالثالث، فتعيين(2) العرض إلى الشفيع و تعديل القيمة [إلى](3) من يعرفها.

و لو لم يتّفق طلب الشفعة حتى حلّ الأجل، وجب أن لا يطالب على هذا القول إلاّ بالسلعة المعدلة، لأنّ الاعتبار في قيمة عوض المبيع بحال البيع، ألا ترى أنّه إذا باع بمتقوّم، تعتبر قيمته يوم البيع. و على القولين الآخرين لو أخّر الشفعة، بطل حقّه.

مسألة 748: لو ضمّ شقصا مشفوعا إلى ما لا شفعة فيه في البيع،

مثل أن يبيع نصف دار و ثوبا أو عبدا أو غيرهما صفقة واحدة، بسط الثمن عليهما باعتبار القيمتين، و أخذ الشفيع الشقص بحصّته من الثمن، عند علمائنا، و به قال أبو حنيفة و الشافعي و أحمد(4) ، و لا شفعة في المضموم،

ص: 263


1- العزيز شرح الوجيز 510:5، روضة الطالبين 172:4.
2- في «س، ي» و الطبعة الحجريّة: «فيتعيّن». و الصحيح ما أثبتناه.
3- ما بين المعقوفين أضفناه لأجل السياق.
4- العزيز شرح الوجيز 510:5، روضة الطالبين 172:4، المغني 508:5، الشرح الكبير 502:5.

لأنّ المضموم لا شفعة فيه و لا هو تابع لما فيه الشفعة، فلا تثبت فيه الشفعة، كما لو أفرده.

و قال مالك: تثبت الشفعة فيهما معا. و يروى عنه أيضا أنّه إن كان من مصالح الضيعة و توابعها كالثيران و آلات الحرث و العبد العامل في البستان، أخذه الشفيع مع الشقص. و إن كان غير ذلك، لم يأخذه، لأنّه لو أخذ الشقص وحده، تبعّضت الصفقة على المشتري، و في ذلك ضرر، و لا يزال الضرر عن الشفيع بإلحاق ضرر المشتري(1).

و هو غلط، لأنّه أدخله على نفسه بجمعه في العقد بين ما ثبت فيه الشفعة و ما لا تثبت.

ثمّ النظر إلى قيمتهما يوم البيع، فإنّه وقت المقابلة.

قال الجويني: إذا قلنا: إنّ الملك ينتقل بانقطاع الخيار، فيجوز أن يعتبر وقت انقطاع الخيار، لأنّ انتقال الملك - الذي هو سبب الشفعة - حينئذ يحصل(2).

و هذا يتأتّى على قول الشيخ أيضا.

و إذا أخذ الشفيع الشقص، لم يثبت للمشتري الخيار و إن تفرّقت الصفقة عليه، لدخوله فيها عالما بالحال.

مسألة 749: إذا اشترى شقصا من دار فاستهدمت

إمّا بفعل المشتري أو بغير فعله، فلها أحوال:

ص: 264


1- العزيز شرح الوجيز 510:5، المغني 508:5، الشرح الكبير 502:5.
2- العزيز شرح الوجيز 510:5.

أ - أن تتعيّب من غير تلف شيء منها و لا انفصال بعضها عن بعض بأن يتشقّق جدار أو تميل أسطوانة أو ينكسر جذع أو يضطرب سقف، فالشفيع بالخيار بين الأخذ بكلّ الثمن، و بين الترك، و يكون تعيّبه في يد المشتري كتعيّب المبيع في يد البائع، فإنّه يتخيّر المشتري بين الفسخ و بين الأخذ بجميع الثمن، عند بعض(1) علمائنا، و به قال الشافعي(2).

و عند بعضهم(3) يسقط(4) الأرش، فينبغي هنا أن يكون كذلك.

ب - أن يتلف بعضها، فينظر إن تلف شيء من العرصة بأن غشيها السيل فغرّقها، أخذ الباقي بحصّته من الثمن.

و إن بقيت العرصة بتمامها و تلفت السقوف و الجدران باحتراق و غيره، فإن قلنا: إنّ الأبنية كأحد العبدين المبيعين(5) ، أخذ العرصة بحصّتها منه.

ص: 265


1- كالشيخ الطوسي في الخلاف 109:3، المسألة 178، و المبسوط 127:2، و ابن إدريس في السرائر 305:2.
2- التهذيب - للبغوي - 345:4، العزيز شرح الوجيز 511:5، روضة الطالبين 4: 172-173.
3- انظر: نكت النهاية (النهاية و نكتها) 161:2-162.
4- كذا بصيغة الإثبات. و في جواهر الكلام 359:16 حيث نقل عبارة التذكرة قال: «لا يسقط الأرش». و قال المحقّق الكركي في جامع المقاصد 417:4-418 عند شرح قول المصنّف في القواعد: «و لو انهدم أو تعيّب بفعل المشتري قبل المطالبة»: فهاهنا أربع صور: الاولى: أن يكون ذلك بفعل المشتري قبل مطالبة الشفيع بالشفعة بأن ينقض البناء أو يشقّ الجدار أو يكسر الجذع.. إلى أن ساق الكلام إلى قوله: و قد سبق في كتاب البيع وجوب الأرش على البائع إذا تعيّب المبيع في يده فينبغي أن يكون هنا كذلك، و قد نبّه كلام المصنّف في التذكرة على ذلك. انتهى، فلاحظ قوله: «وجوب الأرش على البائع» حيث إنّه يخالف قول المصنّف: «يسقط الأرش» و يوافق ما في الجواهر من قوله: «لا يسقط». و انظر أيضا: الكافي في الفقه - للحلبي -: 355.
5- في «س، ي» و الطبعة الحجريّة: «المسمّيين» بدل «المبيعين». و الظاهر ما أثبتناه.

الثمن، و هو الأصحّ، و به قال الشافعي و مالك و أحمد(1).

و إن قلنا: إنّها كأطراف العبد و صفاته، أخذها بكلّ الثمن على رأي - و به قال الشافعي(2) - و بما بعد الأرش على رأي.

و فرّق بعضهم بين أن يكون التلف بآفة سماويّة، فيأخذها بجميع الثمن، أو بإتلاف متلف، فيأخذها بالحصّة، لأنّ المشتري يحصل له بدل التالف، فلا يتضرّر، و به قال أبو حنيفة(3).

ج - أن لا يتلف شيء منها و لكن ينفصل بعضها عن بعض بالانهدام و سقوط الجدران، فإنّ الشفيع يأخذ الشقص مع الأبعاض - و هو أحد قولي الشافعي(4) - لأنّها دخلت في البيع و كانت متّصلة به حالة البيع ممّا يدخل في الشفعة، فكذا بعد النقض، و كونه منقولا عرض بعد البيع و بعد تعلّق حقّ الشفيع به، و الاعتبار بحال جريان العقد، و لهذا لو اشترى دارا فانهدمت، يكون النقض و العرصة للمشتري و إن كان النقض لا يندرج في البيع لو وقع بعد الانهدام.

و الثاني للشافعي: لا يأخذ الشفيع النقض، لأنّه منقول كما لو كان في الابتداء كذلك و أدخل النقض في البيع، لا يؤخذ بالشفعة(5).4.

ص: 266


1- التهذيب - للبغوي - 346:4، العزيز شرح الوجيز 511:5، روضة الطالبين 4: 173، المغني 504:5، الشرح الكبير 503:5.
2- العزيز شرح الوجيز 511:5، روضة الطالبين 173:4.
3- العزيز شرح الوجيز 511:5، روضة الطالبين 173:4، بدائع الصنائع 28:5، مختصر اختلاف العلماء 251:4، 1972، المغني 504:5، الشرح الكبير 5: 503.
4- العزيز شرح الوجيز 511:5، روضة الطالبين 173:4.
5- العزيز شرح الوجيز 511:5، روضة الطالبين 173:4.

فإن قلنا بالأوّل، أخذه مع العرصة بجميع الثمن أو بما بعد الأرش على ما تقدّم، أو يعرض عن الكلّ.

و إن قلنا: إنّه لا يأخذه - كما هو اختيار الشافعي في القول الثاني - فيبني على أنّ السقوف و الجدران كأحد العبدين أو كطرف العبد؟ إن قلنا بالأوّل، أخذ العرصة و ما بقي من البناء بحصّتهما من الثمن.

و إن قلنا بالثاني، فوجهان:

أحدهما: أنّه يأخذ بالحصّة، لأنّ الأنقاض كانت من الدار المشتراة، فيبعد أن تبقى للمشتري مجّانا و يأخذ الشفيع ما سواه بتمام الثمن.

و الثاني - و هو قياس الأصل المبنيّ عليه -: أن يأخذ بتمام الثمن، كما في الحالة الاولى. و على هذا فالأنقاض تشبه بالثمار و الزوائد التي يفوز بها المشتري قبل قبض الشفيع(1).

و منهم من كان يطلق قولين - تفريعا على أنّ النقض غير مأخوذ من غير البناء - على أنّ النقض كأحد العبدين أو كأطراف العبد؟(2) و وجه الأخذ بالكلّ: أنّه نقص حصل عند المشتري، فأشبه تشقّق الحائط، و الأخذ بالحصة: أنّ ما لا يؤخذ من المبيع بالشفعة تسقط حصّته من الثمن، كما إذا اشترى شقصا و سيفا.

و اعلم أنّ المزني نقل عن الشافعي أنّ الشفيع مخيّر بين أن يأخذه بجميع الثمن أو يردّ(3).

و قال في القديم و مواضع من الجديد: أنّه يأخذه بالحصّة(4).5.

ص: 267


1- العزيز شرح الوجيز 511:5-512، روضة الطالبين 173:4.
2- العزيز شرح الوجيز 512:5.
3- مختصر المزني: 120، الحاوي الكبير 265:7، العزيز شرح الوجيز 512:5.
4- الحاوي الكبير 265:7، العزيز شرح الوجيز 512:5.

و قد ذكر بعض الشافعيّة فيه خمس طرق:

أ - منهم من قال: إنّ ما انهدم من الدار لا يدخل في الأخذ بالشفعة، و إنّما يأخذ العرصة و ما فيها من البناء، لأنّ ذلك منفصل عنها، كما لو باع دارا، لم يدخل فيها ما كان منفصلا عنها. و هل يأخذ العرصة و البناء الذي فيها بجميع الثمن أو بالحصّة ؟ قولان.

ب - ما ذكر في الطريقة الأولى إلاّ في أنّه يأخذ ذلك بحصّته من الثمن قولا واحدا.

ج - إنّ ما انفصل من الدار يستحقّه الشفيع مع الدار، لأنّ استحقاقه للشفعة إنّما كان حال عقد البيع و في ذلك الحال كان متّصلا.

د - المسألة على اختلاف حالين، فالموضع الذي قال: يأخذها بالحصّة إذا ذهب بعض العرصة بغرق أو غير ذلك، و الموضع الذي قال:

يأخذها بجميع الثمن إذا كانت العرصة باقية و إنّما ذهب البناء.

ه - إنّ الموضع الذي قال: يأخذ بالحصّة إذا تلف بعض الأعيان بفعله أو فعل آدميّ، و الموضع الذي قال: يأخذه بجميع الثمن إذا حصل ذلك بأمر سماويّ(1).

و بهذه(2) الطريقة الأخيرة قال أبو حنيفة(3).

أقول: ما فعله المشتري مضمون (و إن كان إذا)(4) حصل بغير فعله لم يضمنه، كما لو قلع عين المبيع، كان تضمينها عليه، و لو سقطت».

ص: 268


1- الحاوي الكبير 265:7-266، العزيز شرح الوجيز 512:5.
2- في «س، ي» و الطبعة الحجريّة: «هذه». و الصحيح ما أثبتناه.
3- بدائع الصنائع 28:5، مختصر اختلاف العلماء 251:4، 1972، العزيز شرح الوجيز 511:5، المغني 504:5، الشرح الكبير 503:5.
4- بدل ما بين القوسين في الطبعة الحجريّة: «و إذا كان».

لم يسقط شيء من الثمن.

هذا كلّه إذا كان التعيّب لا بفعل المشتري أو بفعله قبل الطلب، أمّا إذا كان بفعل المشتري بعد الطلب، فهل يضمن المشتري ؟ قولان لعلمائنا، الأقرب: الضمان.

و لو تلف بعض المبيع، أخذه بحصّته من الثمن.

مسألة 750: إذا بنى المشتري أو غرس قبل القسمة، كان للشريك قلعه،

لا من حيث الشفعة، بل من حيث إنّ أحد الشريكين إذا بنى أو غرس في الأرض المشتركة، كان للشريك الآخر قلعه و تخريب البناء مجّانا، و له الأخذ بالشفعة بعد القلع و قبله.

و إن كان المشتري قد قسّم - إمّا لغيبة الشريك، أو لصغره - بإذن الحاكم، أو لكذبه في الإخبار بالثمن فعفا، أو في الاتّهاب فظهر(1) البيع، أو قاسمه وكيله و أخفى(2) عنه وجه الحظّ في الأخذ بالشفعة ثمّ يجيء الموكّل فيظهر له الوجه ثمّ بنى أو غرس أو زرع بعد القسمة و التمييز ثمّ علم الشفيع، فللمشتري قلع غرسه و بنائه، لأنّه ملكه.

فإذا قلعه، لم يكن عليه تسوية الحفر، لأنّه غرس و بنى في ملكه، و ما حدث من النقص فإنّما حدث في ملكه، و ذلك ممّا لا يقابله الثمن، و إنّما يقابل الثمن سهام الأرض من نصف و ثلث و ربع، و لا يقابل التراب، فيكون الشفيع بالخيار بين أن يأخذ الأرض بجميع الثمن أو يترك.

و إن لم يقلع المشتري الغراس، تخيّر الشفيع بين ثلاثة أشياء: ترك الشفعة، و أخذها و دفع قيمة البناء و الغراس إن رضي الغارس و الباني،

ص: 269


1- في «س، ي»: «فيظهر».
2- في «س، ي»: «خفي».

و يصير الملك له، و أن يجبر المشتري على القلع، و يضمن له ما نقص له بالقلع.

و قيل: رابع: أن يبقيه في الأرض بأجرة(1).

فأمّا إذا طالبه بقلع ذلك من غير أن يضمن له النقص، لم يلزمه قلعه، قاله الشيخ(2) رحمه اللّه، و الشافعي و مالك و أحمد و إسحاق و النخعي(3) ، لأنّه بنى في ملكه الذي يملك نفعه، فلم يجبر على قلعه مع الإضرار به، كما لو كان لا شفعة فيه.

و قال أبو حنيفة و الثوري: يجبر على قلعه، لأنّه بنى في حقّ غيره بغير إذنه، فكان عليه قلعه، كما لو بنى فيها و بانت مستحقّة(4).

و فرّق(5) الأوائل بأنّه غرس في ملك غيره(6).

و قول أبي حنيفة عندي لا بأس به، و البناء و إن كان في ملكه لكنّه ملك غير مستقرّ، فلا يؤثّر في منع القلع، و القياس على عدم الشفعة باطل.

لا يقال: القسمة تقطع الشركة، و تردّ العلقة بينهما إلى الجوار، و حينئذ وجب أن لا تبقى الشفعة، لاندفاع الضرر الذي كنّا نثبت الشفعة لدفعه، كما لا تثبت ابتداء للجار.5.

ص: 270


1- العزيز شرح الوجيز 520:5، روضة الطالبين 178:4.
2- المبسوط - للطوسي - 118:3، الخلاف 439:3، المسألة 14.
3- التهذيب - للبغوي - 365:4، العزيز شرح الوجيز 519:5، روضة الطالبين 4: 176-177، المغني 501:5، الشرح الكبير 513:5.
4- التهذيب - للبغوي - 365:4، العزيز شرح الوجيز 519:5، المغني 501:5، الشرح الكبير 513:5.
5- في «س، ي» و الطبعة الحجريّة: «فرّقوا».
6- المغني 501:5، الشرح الكبير 513:5.

لأنّا نقول: الجوار و إن لم يكن يكتفى به في الابتداء إلاّ أنّه اكتفي به في الدوام عند حصول الشركة في الابتداء، و لم يخرّج على الخلاف في بطلان الشفعة فيما إذا باع نصيبه جاهلا بالشفعة، لأنّ الجوار على حال ضرب اتّصال قد يؤدّي إلى التأذّي(1) بضيق المرافق و سوء الجوار، و لذلك اختلف العلماء في ثبوت الشفعة به.

إذا عرفت هذا، فلا فرق بين تصرّف المشتري و المستعير إذا بنى في أرض المعير أو غرس. و لو كان قد زرع، ترك زرعه إلى أن يدرك و يحصد.

و هل للشفيع أن يطالبه بأجرة بقاء الزرع ؟ الأقوى: العدم، بخلاف المستعير، فإنّه زرع أرض الغير و قد رجع في العارية، فكان عليه الأجرة، أمّا المشتري فإنّه زرع ملك نفسه و استوفى منفعته بالزراعة، و هو أحد وجهي الشافعيّة. و في الثاني: له المطالبة، كما أنّ المعير يبقي بالأجرة(2).

و قد بيّنّا الفرق.

و كذا لو باع أرضا مزروعة، لا يطالبه المشتري بالأجرة لمدّة بقاء الزرع.

و للشافعيّة في الصور الثلاث - صورة بيع الأرض المزروعة، و صورة العارية، و صورة الشفعة - وجهان في وجوب الأجرة، لكنّ الظاهر عندهم في صورة العارية وجوب الأجرة، و في الصورتين الأخريين المنع، للمعنى الجامع لهما، و هو أنّه استوفى منفعة ملكه(3).

و أمّا إذا زرع بعد المقاسمة، فإنّ الشفيع يأخذ بالشفعة، و يبقى زرع المشتري إلى أوان الحصاد، لأنّ ضرره لا يبقى، و الأجرة عليه، لأنّه زرعه5.

ص: 271


1- في «س» و الطبعة الحجريّة: «على حال ضرر إيصال قد يتأدّى إلى التأذّي». و في «ي»: «على حال ضرر أيضا..». و الظاهر ما أثبتناه.
2- العزيز شرح الوجيز 520:5، روضة الطالبين 187:4.
3- العزيز شرح الوجيز 520:5.

في ملكه.

تذنيب: إذا زرع، لزم الشفيع إبقاء الزرع، و حينئذ يجوز له تأخير الشفعة إلى الإدراك و الحصاد، لأنّه لا ينتفع به قبل ذلك، و يخرج الثمن من يده، فله في التأخير غرض صحيح، و هو الانتفاع بالثمن إلى ذلك الوقت، قاله بعض الشافعيّة(1).

و قال بعضهم: و يحتمل أن لا يجوز التأخير و إن تأخّرت المنفعة، كما لو بيعت الأرض في وسط الشتاء، لا تؤخّر الشفعة إلى أوان الانتفاع(2).

و لعلّ بينهما فرقا.

و لو كان في الشقص أشجار عليها ثمار لا تستحقّ بالشفعة، ففي جواز التأخير إلى وقت القطاف وجهان للشافعيّة(3).

و عندي أنّه يجب الأخذ معجّلا.

مسألة 751: لو تصرّف المشتري بوقف أو هبة و غيرهما، صحّ،

لأنّه واقع في ملكه، و ثبوت حقّ التملّك للشفيع لا يمنع المشتري من التصرّف، كما أنّ حقّ التملّك للواهب بالرجوع(4) لا يمنع تصرّف المتّهب، و كما أنّ حقّ التملّك للزوج بالطلاق لا يمنع تصرّف الزوجة.

و عن ابن سريج من الشافعيّة أنّ تصرّفاته باطلة، لأنّ للشفيع حقّا لا سبيل إلى إبطاله، فأشبه حقّ المرتهن(5).

و إذا قلنا بالصحّة على ما اخترناه نحن - و هو الظاهر من قول الشافعيّة(6) - أنّه ينظر إن كان التصرّف ممّا لا تثبت به الشفعة، فللشفيع نقضه، و أخذ

ص: 272


1- العزيز شرح الوجيز 521:5، روضة الطالبين 178:4.
2- العزيز شرح الوجيز 521:5، روضة الطالبين 178:4.
3- العزيز شرح الوجيز 521:5، روضة الطالبين 178:4.
4- في «س، ي» و الطبعة الحجريّة: «فالرجوع». و الصحيح ما أثبتناه.
5- العزيز شرح الوجيز 521:5، روضة الطالبين 178:4.
6- العزيز شرح الوجيز 521:5، روضة الطالبين 178:4.

الشقص بالشفعة، و إلاّ تخيّر بين الأخذ بالأوّل و فسخ الثاني، و بين إمضائه و الأخذ بالثاني.

و عن المروزي أنّه ليس تصرّف المشتري بأقلّ من بنائه، فكما لا ينقض المشتري بناؤه لا ينبغي أن ينقض تصرّفه(1).

و اختلفت الشافعيّة في موضع هذا الوجه:

فمنهم من خصّصه بما تثبت فيه الشفعة من التصرّفات، أمّا ما لا تثبت فله نقضه، لتعذّر الأخذ به.

و منهم من عمّم و قال: تصرّف المشتري يبطل حقّ الشفيع، كما يبطل تصرّف المشتري المفلس حقّ الفسخ للبائع، و تصرّف المرأة حقّ الرجوع إلى العين إذا طلّق قبل الدخول، و تصرّف المتّهب رجوع الواهب. نعم، لو كان التصرّف بيعا، تجدّد حقّ الشفعة بذلك(2).

و عن أبي إسحاق من الشافعيّة أنّها لا تتجدّد أيضا، لأنّ تصرّف المشتري إذا كان مبطلا للشفعة، لا يكون مثبتا لها، كما إذا تحرّم(3) بالصلاة ثمّ شكّ فجدّد نيّة و تكبيرا، لا تنعقد بها الصلاة، لأنّه يحصل بها الحلّ فلا يحصل العقد(4).

و وجه ظاهر المذهب: أنّ للشفيع نقض تصرّف المشتري، لأنّ حقّه ثابت بأصل العقد، فلا يتمكّن المشتري من إبطاله، و لا يشبه تصرّف المفلس و تصرّف المرأة في الصداق، فإنّ حقّ البائع و الزوج لا يبطل بالكلّيّة، بل ينتقل إلى الثمن و القيمة، و الواهب رضي بسقوط حقّه حيث سلّمه إليه و سلّطه عليه، و هنا لم يبطل حقّ الشفيع بالكلّيّة، و لم يوجد منه5.

ص: 273


1- العزيز شرح الوجيز 521:5.
2- العزيز شرح الوجيز 521:5.
3- في الطبعة الحجريّة: «أحرم» بدل «تحرّم».
4- العزيز شرح الوجيز 522:5.

رضا و لا تسليم(1).

قال بعض الشافعيّة: يجوز أن يبنى الوجهان على القولين فيما إذا عتقت الأمة تحت عبد و طلّقها قبل أن تختار الفسخ، هل ينفذ الطلاق ؟ و وجه الشبه: أنّ الطلاق يبطل حقّها في الفسخ و لم تسلّطه عليه، كما ذكرنا في الشفيع(2).

و حكي عن بعضهم أنّه لا ينقض الشفعة تصرّف الوقف، و ينقض ما عداه(3).

مسألة 752: النخل تتبع الأرض في الشفعة،

و به قال الشافعي(4).

فإن طالب بالشفعة و قد زادت النخل بطول و سعف، رجع في ذلك، لأنّ هذه زيادة غير متميّزة، فتبعت الأرض في الرجوع، كسمن الجارية.

اعترض بعض الشافعيّة بأنّه كيف جعلتم النخل تبعا للأرض في الشفعة و قد قلتم: إنّ الأرض تتبع النخل في المساقاة، فتجوز المزارعة على ما بين النخل من البياض تبعا للنخيل!؟ و أجيب: بأنّه يجوز أن تكون الأرض تبعا في حكم يختصّ بالنخل، و النخل تبعا لها في حكم آخر يختصّ بالأرض، و إنّما لا يجوز أن يكون الشيء تابعا و متبوعا في أمر واحد، و قد عرفت الكلب مقيس على الخنزير في النجاسة، و الخنزير مقيس عليه في الغسل من ولوغه عندهم(5).

و لو طلّق الزوج قبل الدخول و كان الصداق نخلا و قد طالت، لا يرجع في النصف، لأنّ الزوج يمكنه الرجوع في القيمة إذا تعذّر الرجوع في

ص: 274


1- العزيز شرح الوجيز 522:5.
2- العزيز شرح الوجيز 522:5.
3- العزيز شرح الوجيز 522:5.
4- الحاوي الكبير 269:7، العزيز شرح الوجيز 484:5.
5- لم نعثر على الاعتراض و الجواب عنه في المصادر المتوفّرة لدينا.

العين، و القيمة تنوب منابها، و في الشفعة إذا لم يرجع في ذلك، سقط حقّه من الشفعة، فلهذا لم يسقط من الأصل لأجل ما حدث من البائع.

إذا عرفت هذا، فإن كان في هذه النخل طلع حدث، نظر فإن كان قد أبّر و تشقّق، كان للمشتري، لأنّه بمنزلة النماء المنفصل من ملكه.

و إن كان لم يؤبّر، فهل يتبع في الشفعة ؟ أمّا عندنا فلا، لاختصاص الشفعة بالبيع خاصّة.

و أمّا عند الشافعي فقولان(1) ، كالمفلس إذا ابتاع نخلا و حدث فيها طلع لم يؤبّر و أراد البائع الرجوع في النخل.

و يفارق ذلك البيع، لأنّه أزال ملكه باختياره، و كان الطلع تابعا إذا لم يكن ظاهرا، و يكون في الردّ بالعيب كالشفعة.

و كذلك إذا كان انتقال الملك بغير عوض - كالهبة، و فسخ الهبة - فيه قولان(2).

فإن كان المشتري اشترى النخل و فيها الطلع، فإن كان مؤبّرا، فإنّه لا يتبع في البيع، و إذا اشترطه، دخل في البيع، و لا تثبت فيه الشفعة، و إنّما يأخذ الأرض و النخل بحصّتهما من الثمن.

فإن كانت غير مؤبّرة، تبعت بمطلق العقد.

فإن أخذ الشفيع الشقص قبل أن تؤبّر الثمرة، لم يأخذه الشفيع بالثمرة إن تجدّدت بعد الشراء.

و إن كانت موجودة حال البيع، فالأقوى: الدخول في الشفعة، كما دخلت في البيع، فصارت بمنزلة النخل في الأرض.ه.

ص: 275


1- لم نعثر عليه في مظانّه.
2- لم نعثر عليه في مظانّه.

و إن أخذ الشقص بعد التأبير، لم يتبعه الطلع.

و قال بعض الشافعيّة: إذا أخذ الشفيع الشقص قبل أن يؤبّر الطلع، كان في الطلع القولان، لأنّه لو ثبت حقّ الشفيع في هذا الطلع، لوجب أن يأخذه و إن تشقّق، لأنّ ذلك زيادة متّصلة(1).

و الغراس تبع في الشفعة، لأنّه يراد للتبقية في الأرض و التأبيد.

مسألة 753: إذا تبايعا بثمن ثمّ زاده المشتري عليه زيادة

أو نقص البائع منه شيئا بعد العقد، فإن كان ما اتّفقا عليه من الزيادة أو الحطّ بعد لزوم البيع و انقضاء الخيار، لم يكن للشفيع في ذلك حقّ، و لا عليه شيء لا في حطّ الكلّ و لا في حطّ البعض، لأنّ الشفيع إنّما يأخذ بما استقرّ عليه العقد، و الذي استقرّ عليه المسمّى.

و لو كان في زمن الخيار، لم يلحق أيضا الشفيع عندنا، لوقوع العقد على شيء، فلا تضرّ الزيادة و النقيصة بعده.

و قال الشافعي: يثبت ذلك التغيير في حقّ الشفيع في أحد الوجهين، لأنّ حقّ الشفيع إنّما ثبت إذا تمّ العقد، و إنّما يستحقّ بالثمن الذي هو ثابت في حال استحقاقه. و لأنّ زمن الخيار بمنزلة حالة العقد، و التغيير يلحق بالعقد، لأنّهما على اختيارهما فيه كما كانا في حال العقد(2).

فأمّا إذا انقضى الخيار و انبرم(3) العقد فزاد أو نقص، لم يلحق بالعقد، [لأنّ الزيادة](4) لا تثبت إلاّ أن تكون هبة مقبوضة، و النقصان يكون

ص: 276


1- لم نعثر عليه في مظانّه.
2- الوجيز 218:1، العزيز شرح الوجيز 513:5، روضة الطالبين 173:4، المغني 506:5، الشرح الكبير 522:5.
3- في الطبعة الحجريّة: «لزم» بدل «انبرم».
4- بدل ما بين المعقوفين في «س، ي» و الطبعة الحجريّة: «و الزيادة». و الظاهر ما أثبتناه كما في المغني و الشرح الكبير.

إبراء، و لا يثبت [ذلك](1) في حقّ الشفيع، و به قال الشافعي(2).

و قال أبو حنيفة: يثبت النقصان بعد الخيار للشفيع، و لا تثبت الزيادة و إن كانا(3) عنده يلحقان بالعقد، و يقول: الزيادة تضرّ بالشفيع فلم يملكها(4).

و هو غلط، لأنّ ذلك تغيّر بعد استقرار العقد، فلم يثبت في حقّ الشفيع، كالزيادة.

و الفرق ليس بصحيح، لأنّ ذلك لو لحق بالعقد، لثبت في حقّه و إن أضرّ به، كما لو كان في زمن الخيار.

و لو حطّ كلّ الثمن في زمن الخيار، لم يلحق الحطّ عندنا بالشفعة - و به قال الشافعي(5) - لأنّ ذلك بمنزلة ما لو باع بلا ثمن، فلا شفعة للشريك، لأنّه يصير هبة، فيبطل على رأي، و يصحّ على رأي.

أمّا إذا حطّ منه أرش العيب، فإنّه يثبت في حقّ الشفيع، لأنّه سقط بجزء فقد من المبيع، و لهذا فاته جزء من الثمن.

مسألة 754: لو كان ثمن الشقص عبدا، ثبتت الشفعة عندنا،

خلافا لبعض علمائنا و بعض الجمهور، و قد سبق(6) ، و يأخذ الشفيع بقيمة العبد.

فإن وجد البائع بالعبد عيبا، فإمّا أن يكون [قبل](7) أن يحدث عنده

ص: 277


1- ما بين المعقوفين من المغني و الشرح الكبير.
2- المصادر في الهامش (2) من ص 276.
3- في «س، ي» و الطبعة الحجريّة: «كان» بدل «كانا». و ما أثبتناه من المغني و الشرح الكبير.
4- المغني 506:5، الشرح الكبير 522:5، العزيز شرح الوجيز 513:5.
5- العزيز شرح الوجيز 513:5، روضة الطالبين 173:4.
6- في ص 257، المسألة 745.
7- في «س، ي» و الطبعة الحجريّة: «بعد» بدل «قبل». و الصحيح ما أثبتناه.

عيب أو يكون الوقوف على العيب بعد حدوث عيب عنده. فإن علمه قبل أن يحدث عنده عيب، فإمّا أن يكون ذلك بعد أخذ الشفيع بالشفعة أو قبله.

فإن وقف عليه بعد أخذ الشفيع، كان له ردّ العبد على المشتري، و لم يكن له استرجاع الشقص، لأنّ الشقص قد ملكه بالأخذ، فلم يكن للبائع إبطال ملكه، كما لو كان المشتري قد باعه ثمّ وجد البائع بالثمن عيبا، فإنّه يردّه، و لا يفسخ بيع المشتري، و يرجع البائع إلى قيمة الشقص، كذا هنا.

و قال بعض الشافعيّة: يستردّ المشتري الشقص من الشفيع، و يردّ عليه ما أخذه، و يسلّم الشقص إلى البائع، لأنّ الشفيع نازل منزلة المشتري، فردّ البائع يتضمّن نقض ملكه، كما يتضمّن نقض ملك المشتري لو كان في ملكه(1).

و المشهور عندهم(2) ما قلناه.

فإذا دفع الشفيع قيمة العبد إلى المشتري و دفع المشتري إلى البائع قيمة الشقص، فإن تساويا، فلا بحث. و إن تفاوتا، لم يرجع المشتري على الشفيع إن كانت قيمة الشقص أكثر بشيء، و لا يرجع الشفيع على المشتري إن كانت قيمة العبد أكثر - و هو أحد قولي الشافعيّة(3) - لأنّ الشفيع أخذه بالثمن الذي وقع عليه العقد، فلا يلزمه أكثر من ذلك.

و الثاني: يتراجعان، لأنّ المشتري استقرّ عليه عوض الشفيع قيمته، فينبغي أن يستحقّ ذلك على الشفيع، فيرجع كلّ من كان ما دفعه أكثر على صاحبه بالزيادة(4).

و لو عاد الشقص إلى المشتري ببيع أو هبة أو ميراث أو غير ذلك،4.

ص: 278


1- العزيز شرح الوجيز 514:5، و أيضا: فتح العزيز 457:11، روضة الطالبين 4: 174.
2- العزيز شرح الوجيز 514:5، روضة الطالبين 174:4.
3- العزيز شرح الوجيز 514:5، روضة الطالبين 174:4.
4- العزيز شرح الوجيز 514:5، روضة الطالبين 174:4.

لم يكن للبائع أخذه منه، بخلاف الغاصب إذا دفع القيمة لتعذّر ردّ المغصوب ثمّ قدر عليه، فإنّه يجب عليه ردّه على المالك، و استرداد ما دفعه من القيمة، لأنّ المالك لم يزل ملكه عن المغصوب بالتقويم و دفع القيمة، و إنّما أخذنا القيمة للضرورة و قد زالت، و هنا زال ملك البائع عنه و صار ملكا للشفيع، و انقطع حقّه عنه، و إنّما انتقل حقّه إلى القيمة، فإذا أخذها، لم يبق له حقّ.

و حكى بعض الشافعيّة فيه وجهين بناء على أنّ الزائل العائد كالذي لم يزل، أو كالذي لم يعد؟(1) و أمّا إذا كان قد علم بالعيب قبل أن يأخذ الشفيع بالشفعة، فهنا حقّان، ففي تقديم أيّهما للشافعيّة وجهان:

أحدهما: الشفيع أولى، لأنّ حقّه سبق حقّ البائع في الردّ.

و الثاني: البائع أولى، لأنّ الشفعة تثبت لإزالة الضرر عن الشريك، فلا نثبتها مع تضرّر البائع بإثباتها(2).

و حكى الجويني الجزم بتقديم البائع(3).

و الوجه عندي: تقديم حقّ الشفيع، لسبقه.

فإذا قلنا: الشفيع أحقّ، فإنّ البائع يأخذ من المشتري قيمة الشقص، و يرجع المشتري على الشفيع بقيمة العبد، و هو أحد وجهي الشافعيّة.

و الثاني: يرجع على الشفيع بقيمة الشقص(4).

و لو وجد البائع العيب في العبد بعد أن حدث عنده عيب أو بعده.

ص: 279


1- العزيز شرح الوجيز 515:5، روضة الطالبين 174:4.
2- العزيز شرح الوجيز 514:5، روضة الطالبين 173:4.
3- العزيز شرح الوجيز 514:5، روضة الطالبين 173:4.
4- لم نعثر عليه في مظانّه.

تصرّفه، لم يكن له ردّه، و كان له على المشتري الأرش.

ثمّ إن كان الشفيع دفع إليه أوّلا قيمة عبد سليم، فلا يرجع عليه بشيء.

و إن كان دفع قيمة معيب، فالأقرب: أنّه يرجع عليه - و هو أحد وجهي الشافعيّة(1) - لأنّ الثمن الذي استقرّ على المشتري العبد و الأرش، فينبغي أن يرجع بهما.

و الثاني: أنّه لا يرجع، لأنّه استحقّه بما سمّي في العقد(2).

قال بعض الشافعيّة: ينبغي أن يرجع هنا وجها واحدا، بخلاف ما تقدّم من قيمة الشقص، لأنّ العقد اقتضى سلامة العبد، و ما دفع إلاّ ما اقتضاه العقد، بخلاف قيمة الشقص، و لهذا إذا كان دفع إليه قيمة عبد سليم، لم يكن للشفيع أن يرجع عليه بقدر قيمة العيب، فإذا لم يدفعه، وجب دفعه، فثبت أنّه مستحقّ عليه بالبيع(3).

و لو رضي البائع بالعيب و لم يردّ و لا أخذ الأرش، فالأقوى: أنّ الشفيع يدفع قيمة العبد السليم، لأنّ ذلك نوع إسقاط من الثمن بعد العقد، فلا يلحق الشفيع، و هو أحد وجهي الشافعيّة. و الثاني: تجب على الشفيع قيمة المعيب حتى لو بذل قيمة السليم، استردّ قسط السلامة من المشتري(4).

و غلّط الجويني قائله(5).

تذنيب: للمشتري ردّ الشقص بالعيب على البائع، و للشفيع ردّه على المشتري بالعيوب السابقة على البيع و على الأخذ. ثمّ لو وجد المشتري العيب بعد أخذ الشفيع، فلا ردّ في الحال، و لا أرش له على مذهب4.

ص: 280


1- العزيز شرح الوجيز 515:5، روضة الطالبين 174:4.
2- العزيز شرح الوجيز 515:5، روضة الطالبين 174:4.
3- العزيز شرح الوجيز 515:5، روضة الطالبين 174:4.
4- العزيز شرح الوجيز 515:5، روضة الطالبين 174:4.
5- العزيز شرح الوجيز 515:5، روضة الطالبين 174:4.

الشافعي(1) ، المشهور. و يجيء فيه الخلاف فيما إذا باعه. و لو ردّ عليه الشفيع بالعيب، ردّه حينئذ على البائع.

و لو وجد المشتري عيب الشقص قبل أخذ الشفيع و منعه عيب حادث من الردّ فأخذ الأرش القديم، حطّ ذلك عن الشفيع.

و إن قدر على الردّ لكن توافقا على الأرش، صحّ عندنا، لأنّ الأرش أحد الحقّين.

و للشافعيّة وجهان إن صحّحناها(2) ، ففي حطّه عن الشفيع وجهان أصحّهما عندهم: الحطّ. و الثاني: لا، لأنّه تبرّع من البائع(3) ، و هو الذي اخترناه نحن.

مسألة 755: تثبت الشفعة للمفلّس،

فإذا بيع شقص في شركته، كان له الأخذ و العفو، و لم يكن للغرماء الاعتراض عليه، لأنّه إذا أراد الترك، لم نجبره على الأخذ، لأنّه تملّك، و إن أراد الأخذ فإنّما يأخذ بثمن في ذمّته، و ليس بمحجور عليه في ذمّته.

و لو مات مفلّس و له شقص فباع شريكه، كان لوارثه الشفعة، خلافا لأبي حنيفة(4).

و للمكاتب أيضا الأخذ بالشفعة و الترك لها، و ليس للسيّد الاعتراض عليه، لأنّ التصرّف وقع له دون السيّد، بل و له الأخذ من سيّده لو كان هو المشتري، و بالعكس.

ص: 281


1- العزيز شرح الوجيز 515:5، روضة الطالبين 174:4.
2- أي الموافقة التي دلّ عليها قوله: «توافقا».
3- العزيز شرح الوجيز 515:5، روضة الطالبين 174:4-175.
4- المغني 538:5، الشرح الكبير 517:5.

و المأذون له في التجارة، فإن أخذ بالشفعة، جاز، لأنّه مأذون له في الشراء، و إن عفا، كان للسيّد إبطال عفوه، لأنّ الملك للسيّد، فإن أسقطها السيّد، سقطت، و لم يكن للعبد أن يأخذ، لأنّ للسيّد الحجر عليه.

و للوكيل العامّ الأخذ بالشفعة مع الغبطة. و لو عفا معها، صحّ عفوه، و لم يكن للموكّل المطالبة بها.

و للسفيه أن يأخذ بالشفعة، و يأذن الوليّ أو يتولاّه.

إذا عرفت هذا، فلو أراد المفلّس بعد الحجر عليه الأخذ بالشفعة بدفع الثمن، منع من ذلك، لأنّ الحجر يقتضيه.

مسألة 756: للعامل في المضاربة الأخذ بالشفعة إذا بيع شقص في شركة المضاربة،

فإذا أخذ فإن كان هناك ربح، فلا حصّة له في ذلك، بل الجميع للمالك، لأنّ العامل لا يملكه بالبيع، فالجميع لصاحب المال، و كذا إن لم يكن ربح، و للعامل الأجرة. و لو ترك، كان لربّ المال الأخذ، لأنّ المشتري بمال المضاربة ملكه.

هذا إذا لم يظهر في الحصّة التي اشتراها المضارب ربح، و لو كان قد ظهر فيه ربح، لم يكن هناك شفعة لا للعامل و لا لربّ المال، لزيادة الشركة على اثنين.

و لو اشترى العامل بمال المضاربة شقصا لربّ المال فيه شركة، فهل تثبت له الشفعة ؟ للشافعيّة وجهان:

أحدهما: تثبت له، لأنّ مال المضاربة كالمنفرد عن ملكه، لتعلّق حقّ الغير به و هو العامل، و يجوز أن يثبت له على ملكه حقّ لأجل الغير، كما يثبت له على عبده المرهون حقّ الجناية.

و الثاني: لا تثبت، لأنّه لا يجوز أن يستحقّ أن يتملّك ملكه، و يخالف

ص: 282

الجناية، لأنّها ليست بملك(1).

و قال ابن سريج وجها ثالثا: أنّ له أن يأخذ بحكم فسخ المضاربة، و هذا ليس من الشفعة(2).

فأمّا إن كان العامل شفيعه، فإن لم يكن له(3) ربح، فله الشفعة، و إن كان و قلنا: لا يملك بالظهور، فكذلك. و إن قلنا: يملك بالظهور، ففي الشفعة للشافعيّة وجهان(4) ، كما قلنا في ربّ المال.

مسألة 757: الشفعة تثبت للغائب كما تثبت للحاضر،

عند علمائنا كافّة، و هو قول جميع العامّة، إلاّ النخعي، فإنّه قال: الشفعة تسقط بالغيبة(5).

و هو غلط، لأنّ العمومات دالّة على المتنازع.

و ما رواه الخاصّة عن أمير المؤمنين عليّ عليه السّلام قال(6): «للغائب شفعة»(7).

إذا ثبت هذا، فإذا بلغه الخبر، طالب حينئذ، فإن أخّر مع إمكان المطالبة، بطلت شفعته.

مسألة 758: اختلفت علماؤنا رحمهم اللّه في أنّ الشفعة هل تورث أم لا؟

فقال السيّد المرتضى(8) و من(9) تبعه: إنّها تورث، و لا تسقط بموت

ص: 283


1- حلية العلماء 274:5.
2- حلية العلماء 275:5.
3- كلمة «له» لم ترد في «س» و في «ي» سقطت جملة «فإن لم يكن.. فله الشفعة».
4- المغني 499:5.
5- مختصر اختلاف العلماء 251:4، 1971، المغني 485:5، الشرح الكبير 477:5.
6- في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «فإن» بدل «قال». و ذلك تصحيف.
7- الفقيه 46:3، 160، التهذيب 166:7، 737.
8- الانتصار: 217.
9- كالشيخ الطوسي في الخلاف 27:3، المسألة 36.

مستحقّها و لا بترك مطالبته إن قلنا: إنّها على التراخي أو كان بعدها(1) إن قلنا: على الفور - و به قال الشافعي و مالك و عبيد اللّه بن الحسن العنبري(2) - لأنّه حقّ يتعلّق بالمال، فكان موروثا كغيره من الحقوق الماليّة. و لأنّه خيار ثابت لإزالة الضرر عن المال، فكان موروثا، كخيار الردّ بالعيب.

و قال الشيخ(3) و جماعة من علمائنا(4): إنّها غير موروثة، و إذا مات المستحقّ، بطلت - و به قال الثوري و أبو حنيفة و أحمد بن حنبل(5) - لما رواه طلحة بن زيد عن الصادق عن الباقر عن عليّ عليهم السّلام، قال: «لا شفعة إلاّ لشريك [غير](6) مقاسم» و قال: «إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال: لا يشفع في المحدود، و قال: لا تورث الشفعة»(7).

و لأنّه خيار لاستخلاف مال، فيبطل(8) بالموت، كخيار القبول.

و في طريق الرواية قول، لأنّ طلحة بن زيد بتريّ.

و الفرق أنّ خيار القبول غير ثابت، فإنّ للموجب أن يبطله قبل قبول القابل.».

ص: 284


1- في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «بعده». و الظاهر ما أثبتناه. أي: كان الموت بعد المطالبة.
2- الحاوي الكبير 257:7، حلية العلماء 316:5، التهذيب - للبغوي - 359:4، العزيز شرح الوجيز 527:5، روضة الطالبين 182:4، مختصر اختلاف العلماء 249:4، 1966، المغني 536:5-537، الشرح الكبير 516:5.
3- الخلاف 436:3، المسألة 12، النهاية: 425-426.
4- كالقاضي ابن البرّاج في المهذّب 459:1، و ابن حمزة في الوسيلة: 259.
5- الحاوي الكبير 257:7، التهذيب - للبغوي - 359:4، حلية العلماء 316:5، العزيز شرح الوجيز 527:5، بدائع الصنائع 14:5 و 22، مختصر اختلاف العلماء 248:4، 1966، المغني 536:5، الشرح الكبير 516:5.
6- ما بين المعقوفين من المصدر.
7- التهذيب 167:7، 741.
8- في «س، ي»: «فبطل».

إذا ثبت هذا، فإنّ الشفعة تثبت للورثة على قدر الأنصباء، فللزوجة الثّمن، و للأبوين السدسان، و للذكر الباقي لو اجتمعوا. و بالجملة، على قدر الميراث.

و اختلفت الشافعيّة، فقال بعضهم: إنّ الشافعي قال: إنّها على عدد الرءوس، و نقله المزني عنه. و قال بعضهم: هذا لا يحفظ عن الشافعي، فإنّ الجماعة إذا ورثوا أخذوا الشفعة بحسب فروضهم قولا واحدا، لأنّهم يرثون الشفعة عن الميّت، لا أنّهم يأخذونها بالملك. و قال جماعة من الشافعيّة: إنّها على قولين(1).

إذا عرفت هذا، فإذا كان الوارث اثنين(2) فعفا أحدهما، صحّ عفوه في حقّ نفسه، و سقط نصيبه من الشفعة بمعنى أنّه ليس له المطالبة بها، و للآخر جميع الشقص، لأنّها شفعة وضعت لإزالة الضرر، فلا يثبت بها الضرر. و لأنّها شفعة تثبت لاثنين، فإذا عفا أحدهما توفّر على الآخر، كالشريكين إن أثبتنا الشفعة مع الكثرة - و هو أحد وجهي الشافعيّة(3) - و كما لو عفا أحد الوارثين عن نصيبه في حدّ القذف.

و الثاني لهم: أنّ حقّ الآخر يسقط أيضا، لأنّهما ينوبان مناب الموروث، و لو عفا الموروث عن بعضها، سقط جميعها(4).

و الفرق: أنّ الشفعة تثبت لواحد هو الموروث. و لأنّه يؤدّي إلى تبعيض الشقص، بخلاف مسألتنا.

و الوجه عندي أنّ حقّ العافي للمشتري، لأنّهما لو عفوا معا، لكان7.

ص: 285


1- انظر: الحاوي الكبير 259:7، و حلية العلماء 316:5، و التهذيب - للبغوي - 361:4-362، و العزيز شرح الوجيز 527:5-528، و روضة الطالبين 182:4.
2- في «س، ي» و الطبعة الحجريّة: «اثنان». و الصحيح ما أثبتناه.
3- الحاوي الكبير 259:7.
4- الحاوي الكبير 259:7.

الشقص له، فكذا إذا عفا أحدهما، يكون نصيبه له، بخلاف حدّ القذف، فإنّه وضع للزجر، فللّه تعالى فيه حقّ.

مسألة 759: إذا خرج الشقص مستحقّا،

كانت عهدة المشتري فيه على البائع، و عهدة الشفيع على المشتري، سواء أخذ الشفيع الشقص من يد البائع أو من يد المشتري، لأنّ المشتري يجب عليه أن يتسلّمه من البائع و يسلّمه إلى الشفيع، فإن غاب أو امتنع، أقام الحاكم من يسلّمه إلى المشتري و يسلّمه إلى الشفيع. و لو حكم الحاكم بتسلّمه منه، كان كما لو سلّمه المشتري، لأنّ التسليم حقّ على المشتري - و به قال الشافعي و أحمد(1) - لأنّ الشفعة مستحقّة بعد الشراء و حصول ذلك للمشتري، فإذا زال الملك من المشتري إليه بالثمن، كانت العهدة عليه، كالمشتري مع البائع، بخلاف الشفيع.

و أمّا إذا أخذه من البائع، فقد قلنا: إنّه يأخذه بأمر الحاكم إن أذن له في ذلك، لأنّه تسليم مستحقّ على المشتري، لينوب ذلك مناب قبض المشتري.

و لو انفسخ عقد المشتري، بطلت الشفعة، لأنّها استحقّت به.

و قال ابن أبي ليلى و عثمان البتّي: تجب عهدة الشفيع على البائع، لأنّ الحقّ ثبت له بإيجاب البائع، فصار كالمشتري(2).

و قال أبو حنيفة: إن أخذه من المشتري، كانت العهدة على

ص: 286


1- مختصر المزني: 120، الحاوي الكبير 283:7، حلية العلماء 310:5، العزيز شرح الوجيز 545:5-546، مختصر اختلاف العلماء 243:4، 1950، المغني 534:5، الشرح الكبير 540:5.
2- الحاوي الكبير 283:7، حلية العلماء 311:5، مختصر اختلاف العلماء 4: 242، 1950، المغني 534:5، الشرح الكبير 540:5.

المشتري، و إن أخذه من يد البائع، كانت العهدة على البائع، لأنّ الشفيع إذا أخذه من يد البائع، تعذّر القبض، و إذا تعذّر القبض، انفسخ البيع بين البائع و المشتري، فكأنّ الشفيع - إذا أخذ من البائع - مبتاع منه(1).

و هو خطأ، لأنّه لو انفسخ البيع بطلت الشفعة.

تذنيب: لو أخذ الشفيع الشقص و بنى أو غرس ثمّ ظهر الاستحقاق، و قلع المستحقّ بناءه و غرسه، فالقول فيما يرجع الشفيع على المشتري من الثمن و ما نقص من قيمة البناء و الغراس و غير ذلك كالقول في رجوع المشتري من الغاصب عليه.

مسألة 760: لو كان الثمن دنانير معيّنة،

تعيّنت بالعقد على قولنا و قول الشافعي(2)في ج 10، ص 427-428، المسألة 215.(3) ، خلافا لأبي حنيفة(4) ، و قد سبق(4). فإذا تعيّنت و ظهر أنّها مستحقّة، فالشراء و الشفعة باطلان.

و لو كان الشراء بمال في الذمّة، لم يتعيّن في المدفوع، فلو ظهر المدفوع مستحقّا، لم يبطل البيع و لا الشفعة، لأنّ الشراء صحيح، و الشفعة تابعة له.

و لو استحقّت الدنانير التي وزنها الشفيع، لم تبطل الشفعة، سواء أخذ الشفعة بعين تلك الدنانير المستحقّة أو بدنانير في ذمّته، لأنّه استحقّ الشفعة لا بعين ما دفعه، بل بما يساوي الثمن الذي دفعه المشتري، و هو أمر كلّيّ

ص: 287


1- مختصر اختلاف العلماء 242:4، 1950، الحاوي الكبير 283:7، حلية العلماء 311:5، العزيز شرح الوجيز 546:5، المغني 534:5، الشرح الكبير 5: 540.
2- راجع المصادر في الهامش
3- من ص 427 من ج 10 من هذا الكتاب.
4- راجع المصادر في الهامش (2) من ص 428 من ج 10 من هذا الكتاب.

يشتمل على كلّ النقود، فإذا أعطاه شيئا و ظهر استحقاقه، كان عليه إبداله، لأنّ الدفع ظهر بطلانه، و لا تبطل شفعته، و ليس ذلك تركا للشفعة، لأنّه يجوز أن يعتقدها له أو تغلط البيّنة عليه، و هو أحد وجهي الشافعيّة.

و الثاني: البطلان، لأنّه إذا أخذ بما لا يجوز الأخذ به، صار كأنّه تركها مع القدرة عليه(1).

و يمنع أنّه ترك.

مسألة 761: لو كان الثمن عبدا و أخذ الشفيع الشقص بقيمة العبد

ثمّ خرج العبد مستحقّا، فإن قامت البيّنة أنّه مغصوب، أو أقرّ المتبايعان و الشفيع أنّه مغصوب، حكمنا ببطلان البيع و الشفعة، و يردّ العبد على صاحبه، و الشقص على بائعه، لأنّ البيع إذا كان باطلا، لا تثبت فيه الشفعة.

فإن لم تقم البيّنة بذلك و إنما أقرّ به المتبايعان و أنكر الشفيع، لم يقبل قولهما عليه، و يردّ العبد على صاحبه، لاعترافهما باستحقاقه له، و يرجع البائع على المشتري بقيمة الشقص، لاعتراف المشتري ببطلان البيع و قد تعذّر عليه دفع المبيع، فكان كالإتلاف. و ينبغي أن لا يرجع أحدهما بالفضل على صاحبه لو كان، لأنّ الشفيع منكر لاستحقاق قيمة الشقص، و به قال الشافعي(2).

مسألة 762: قد بيّنّا أنّ الشفعة تتبع البيع دون غيره من العقود مطلقا.

و أثبت الشافعي الشفعة في عقود المعاوضات(3).

إذا عرفت هذا، فنقول: دية الموضحة عندنا خمس من الإبل، أو

ص: 288


1- العزيز شرح الوجيز 517:5، روضة الطالبين 176:4.
2- لم نعثر عليه في مظانّه.
3- العزيز شرح الوجيز 497:5، روضة الطالبين 163:4.

خمسون دينارا، أو خمسمائة درهم، أو خمسون شاة، أو عشرة من البقر، أو من الحلل(1) على ما يأتي.

و عند الشافعي أنّها خمس من الإبل، فإن أعوزت، فقولان، أحدهما:

ينتقل إلى مقدّر، و هو خمسون دينارا أو خمسمائة درهم نصف عشر الدية. و الثاني: إلى قيمتها.

فإن أعوزت الإبل و قلنا: ينتقل إلى مقدّر فصالحه منه على شقص مع معرفته، صحّ الصلح، و تثبت فيه الشفعة عنده بالعوض.

و إن قلنا: ينتقل إلى قيمتها فإن علماها و ذكراها و تصالحا عليها، صحّ، و تثبت الشفعة أيضا بذلك. و إن لم يعلما أو أحدهما، لم يصح الصلح، و لا تثبت شفعة.

و إن كانت الإبل موجودة فاصطلحا بالشقص عنها، فإن كانا لا يعلمان ذلك، ففي الصلح عنها قولان:

أحدهما: يصحّ، لأنّها معلومة العدد و الأسنان، و إنّما يجهل قدّها و لونها، و ذلك يقتضي أقلّ ما يقع عليه الاسم.

و الثاني: لا يصحّ، لأنّ القدّ و اللون مقصودان، فإذا جهل(2) ، لم يصح الصلح، فإذا قلنا: يصحّ، تثبت الشفعة، و أخذ الشقص بقيمة الإبل. و إذا قلنا: لا يصحّ الصلح، لم تثبت شفعة(3).

و هذا كلّه ساقط عندنا.

مسألة 763: إذا ارتدّ المشتري فقتل أو مات قبل رجوعه

إلى

ص: 289


1- كذا، حيث لم يذكر المصنّف قدّس سرّه عدد الحلل.
2- كذا، و الظاهر: «جهلا».
3- لم نعثر عليه في مظانّه.

الإسلام، كان للشفيع أخذه بالشفعة، لأنّه استحقّها بالبيع، و الانتقال بالموت أو القتل لا يخرجه عن الاستحقاق، كما لو مات المشتري بعد البيع، كان للشفيع الأخذ بالشفعة.

قال الشافعي: إنّه بقتله أو موته ينتقل الشقص عنه إلى المسلمين(1) ، و ذلك لا يمنع الشفعة، كما لو اشترى شقصا فيه شفعة ثمّ باعه، و يكون المطالب الإمام أو نائبه. و عندنا إلى ورثته إن كان له وارث مسلم، و إلاّ كان ميراثه للإمام، فتكون الشفعة على من انتقل الملك إليه.

و لو ارتدّ الشفيع و قتل بالردّة أو مات، كانت الشفعة للمسلمين عند الشافعي(2) - و عندنا لوارثه - إن كان قد طالب بها، و إن لم يطالب، فإن جعلناه كالكافر، سقطت شفعته، و هو الأقوى عندي. و إن جعلناه كالمسلم، فالشفعة لوارثه.

و لو مات الشفيع المسلم و لا وارث له، انتقل نصيبه إلى الإمام عندنا، و عند الشافعي إلى المسلمين(3). فعلى قولنا يكون المستحقّ للشفعة الإمام، و على قوله المسلمون، و يطالب لهم الإمام.

مسألة 764: إذا اشترى شقصا فيه شفعة و وصّى به

فمات ثمّ جاء الشفيع و الموصى له يطالبان، كان الشقص للشفيع، لسبق استحقاقه، و يدفع الثمن إلى الورثة دون الموصى له، لأنّه لم يوص له إلاّ بالشقص و قد سقط حقّه.

ص: 290


1- التهذيب - للبغوي - 372:4.
2- التهذيب - للبغوي - 372:4.
3- انظر: الحاوي الكبير 257:7-258.
البحث الخامس: في التنازع.
مسألة 765: لو اختلف المشتري و الشفيع في قدر الثمن،

فقال المشتري: اشتريته بمائة، و قال الشفيع: بل بخمسين، فأيّهما أقام البيّنة على ما ادّعاه حكم له بها.

و يثبت ذلك بشاهدين و شاهد و امرأتين، و شاهد و يمين، لأنّه مال.

و لا تقبل فيه شهادة البائع، لأنّه يشهد على فعل نفسه، و قد تلحقه التهمة إذا شهد للشفيع، فإنّه إذا نقص الثمن نقص ضمان الدرك، و به قال الشافعي، لأنّه يشهد بحقّ لنفسه و فعل نفسه(1).

و قال بعض أصحابه: تقبل، لأنّه لا يجرّ لنفسه نفعا، و الثمن ثابت له بإقرار المشتري(2).

و قد ذكرنا في القواعد(3) احتمالا حسنا، و هو أنّه تقبل شهادة البائع على الشفيع بعد القبض، و للشفيع بدون القبض، لأنّه إذا شهد على الشفيع بالمائة، انتفت التهمة عنه، لاعترافه بأنّه ضامن لمائة، و إذا شهد له بخمسين قبل القبض، فقد اعترف أنّه لا يستحقّ على المشتري أكثر من الخمسين، و أنّ المشتري لا يجب عليه أكثر منها، فإذا دفعها، برئت ذمّته باعترافه، و كان ضامنا لها خاصّة، إذ لا يقبض البائع أكثر منها.

و لو أقام كلّ منهما بيّنة، قال الشيخ رحمه اللّه: تقدّم بيّنة المشتري، لأنّه هو المدّعي للثمن، و الشفيع ينكره(4). و لأنّه أعلم بعقده - و هو أحد قولي

ص: 291


1- العزيز شرح الوجيز 523:5، روضة الطالبين 180:4.
2- العزيز شرح الوجيز 523:5، روضة الطالبين 180:4.
3- قواعد الأحكام 267:1.
4- الخلاف 431:3-432، المسألة 6 من كتاب الشفعة.

الشافعي(1) - كما تقدّم بيّنة الداخل على الخارج، و [المشتري](2) هنا داخل.

و لأنّ [المشتري](3) كالبائع، فيقدّم قوله في قدر الثمن عندنا مع بقاء السلعة، و به قال أبو يوسف(4) أيضا.

و قال أبو حنيفة و محمّد: القول قول الشفيع، لأنّه منكر. و لأنّه الخارج(5).

و لا بأس به عندي.

و للشافعي قول آخر: إنّ البيّنتين تتعارضان هنا، و لا تقدّم بيّنة المشتري لأجل اليد، لأنّهما لا يتنازعان في اليد، و إنّما يتنازعان فيما وقع عليه العقد، فحينئذ تسقطان، و يكون الحال كما لا بيّنة لواحد منهما(6).

و قال بعض الشافعيّة: يقرع و تقدّم بالقرعة. و هل يحلف من خرجت له القرعة ؟ قولان(7).

و لو لم يكن لواحد منهما بيّنة، قدّم قول المشتري مع يمينه، لأنّه المالك، فلا تزول يده إلاّ بما يدّعيه إذا لم تكن بيّنة، كما أنّ المشتري لا يملك المبيع إلاّ بما يقرّ به البائع من الثمن.

لا يقال: الشفيع غارم فيقدّم قوله، كما في الغاصب و المتلف و الضامن لنصيب شريكه إذا أعتق شريكه نصيبه.7.

ص: 292


1- العزيز شرح الوجيز 523:5، روضة الطالبين 180:4.
2- بدل ما بين المعقوفين في الموضعين في النسخ الخطّيّة و الحجريّة «الشفيع». و ما أثبتناه يقتضيه السياق.
3- بدل ما بين المعقوفين في الموضعين في النسخ الخطّيّة و الحجريّة «الشفيع». و ما أثبتناه يقتضيه السياق.
4- بدائع الصنائع 31:5، الهداية - للمرغيناني - 30:4، الحاوي الكبير 7: 246، المغني 515:5، الشرح الكبير 525:5.
5- بدائع الصنائع 31:5، الهداية - للمرغيناني - 30:4، الحاوي الكبير 7: 246، المغني 515:5، الشرح الكبير 525:5.
6- الحاوي الكبير 246:7.
7- الحاوي الكبير 246:7.

لأنّا نقول: الشفيع ليس بغارم، لأنّه لا شيء عليه، و إنّما يريد أن يتملّك الشقص، بخلاف الغاصب و المتلف، و أمّا المعتق فإن [قلنا:](1) العتق يسري باللفظ، فقد وجب عليه قيمته و هو غارم، و إذا قلنا: يسري بأداء القيمة أو مراعى، كان القول قول المالك، لأنّ العتق لا يثبت عليه القيمة مثل مسألتنا.

لا يقال: لم لا قلتم: يتحالف المشتري و الشفيع، كما قلتم في البائع و المشتري إذا اختلفا في الثمن ؟ لأنّا نقول: إذا اختلف المتبايعان، فكلّ منهما مدّع و مدّعى عليه، فتحالفا، و ليس كذلك هنا، فإنّ الشفيع مدّع للشقص، و المشتري لا يدّعي عليه شيئا، لأنّ المشتري إذا ثبت له ما قال، كان الشفيع بالخيار. و لأنّ المتبايعين قد باشرا العقد، بخلاف الشفيع و المشتري.

و لو نكل المشتري عن اليمين، حلف الشفيع على دعواه، و أخذ بما ادّعاه.

و لو شهد البائع للشفيع، فللشافعيّة وجوه:

أحدها: لا تقبل، و قطع به العراقيّون، لأنّه يشهد على فعله، كما مرّ.

و الثاني: نعم، و صحّحه البغوي، لأنّه ينقض حقّه.

و الثالث: إن شهد قبل قبضه الثمن، قبلت، لأنّه ينقض حقّه، إذ لا يأخذ أكثر ممّا شهد به. و إن شهد بعده، فلا، لأنّه يجرّ إلى نفسه نفعا، فإنّه إذا قلّ الثمن قلّ ما يغرمه عند ظهور الاستحقاق(2).4.

ص: 293


1- ما بين المعقوفين أضفناه لأجل السياق.
2- العزيز شرح الوجيز 523:5، روضة الطالبين 180:4.

تذنيب: لو ادّعى المشتري أنّ هذا البناء ممّا أحدثه بعد الشراء و أنكر ذلك الشفيع، قدّم قول المشتري، لأنّ ذلك ملكه، و الشفيع يريد تملّكه عليه، فكان القول قول المالك، و به قال ابن سريج(1).

مسألة 766: إذا اختلف المتبايعان في الثمن،

فقد قلنا: إنّ القول قول البائع مع يمينه مع بقاء السلعة، فإذا حلف البائع، أخذ من المشتري ما حلف عليه.

ثمّ الشفيع إن صدّق البائع، دفع ما حلف عليه، و ليس للمشتري المطالبة به، لأنّه يدّعي أنّ ما أخذه البائع زائدا عمّا ادّعاه ظلم، فلا يطالب غير من ظلمه.

و إن لم يعترف بما قال البائع، أدّى ما ادّعاه المشتري ثمنا.

و لو قلنا: إنّ القول قول المشتري في الثمن فيثبت قول البائع بالبيّنة أو باليمين المردودة، فالحكم كما تقدّم.

و تقبل شهادة الشفيع للبائع، لأنّه الغارم في الحقيقة أن أخذ الشفعة، و إلاّ فلا تهمة، و لا تقبل للمشتري، لأنّه متّهم في تقليل الثمن، فإنّه يدفع عن نفسه المطالبة بالزائد.

و لو تحالفا - كما هو مذهب الشافعي(2) - عند عدم البيّنة، و فسخ عقدهما أو انفسخ، فإن جرى ذلك بعد ما أخذ الشفيع الشقص، أقرّ في يده، و على المشتري قيمة الشقص للبائع.

و إن جرى قبل الأخذ، فالأقرب: عدم سقوط حقّه، لاعترافهما معا بجريان البيع و استحقاقه للشفعة، فيأخذها بما قال البائع، لحلفه عليه،

ص: 294


1- لم نعثر عليه في مظانّه.
2- العزيز شرح الوجيز 523:5، روضة الطالبين 180:4.

لا بما حلف عليه المشتري، لأنّ للبائع فسخ البيع، فإذا أخذه بما قال المشتري، منع منه. و إن رضي المشتري بأخذه بما قال البائع، جاز، و ملك الشفيع أخذه بما قال المشتري، فإن عاد المشتري و صدّق البائع و قال: كنت غالطا، فالأقرب: أنّ للشفيع أخذه بما حلف عليه و للشافعيّة في سقوط الشفعة وجهان سبقا في خروجه معيبا، فإن قلنا: لا تسقط، أخذه بما حلف عليه البائع - كما قلناه - لاعتراف البائع باستحقاق الشفيع الأخذ بذلك الثمن، فيأخذ منه، و تكون عهدته على البائع خاصّة، لا على المشتري، لانفساخ عقده(1).

مسألة 767: لو ادّعى على رجل شفعة في شقص اشتراه،

فقال له المدّعى عليه: ليس لك ملك في شركتي، قدّم قول المدّعى عليه مع اليمين، و كان على طالب الشفعة البيّنة أنّه يملك شقصا في شركة المشتري - و به قال الشافعي و أبو حنيفة و محمّد بن الحسن(2) - لأنّ الملك لا يثبت بمجرّد اليد، و إذا لم يثبت الملك المستحقّ به الشفعة، لم تثبت الشفعة.

و مجرّد الظاهر لا يكفي، كما لو ادّعى ولد أمة في يده.

و قال أبو يوسف: إذا كان في يده، استحقّ به الشفعة، لأنّ الظاهر من اليد الملك(3). و لا بأس به عندي.

و لو لم تكن بيّنة، حلف المشتري - إن ادّعى الطالب علمه بالشركة - على نفي علمه بالشركة، لأنّها يمين على نفي فعل الغير، فإذا حلف،

ص: 295


1- العزيز شرح الوجيز 523:5، روضة الطالبين 180:4.
2- العزيز شرح الوجيز 524:5، روضة الطالبين 180:4، المغني 519:5، الشرح الكبير 532:5.
3- المغني 519:5، الشرح الكبير 532:5.

سقطت دعواه، و لا يحلف على نفي شركته. و لو نكل، حلف الطالب على القطع بأنّه شريك، لأنّها يمين على إثبات فعل، فإن حلف، استحقّ الشفعة، و إن نكل، سقطت.

فلو اعترف الشريك - بعد نكول الطالب و سقوط شفعته - بصدقه، كان عليه دفع الحصّة بالشفعة، و لم يضرّ التأخير، لأنّه لعذر، و يكون نكوله عن اليمين عذرا له في التأخير على إشكال.

و كذا الحكم لو أنكر تقدّم ملك الطالب على ملكه.

مسألة 768: دار بين اثنين فغاب أحدهما و رأينا نصيبه في يد ثالث،

فادّعى الحاضر أنّه اشتراه، و أنّه يستحقّه بالشفعة، فإن أقام المدّعي بيّنة بالشراء و أقام المتشبّث بيّنة(1) ، قضي بها، و أخذ بالشفعة.

ثمّ إن اعترف المدّعى عليه، سلّم إليه الثمن، لثبوت البيع بالبيّنة.

و إن لم يعترف، فإمّا أن يترك الثمن في يد المدّعي إلى أن يقرّ المدّعى عليه، أو يأخذه القاضي حافظا له، أو يجبر على قبوله أو الإبراء منه، فيه احتمالات ثلاثة.

و لو أقام المدّعي بيّنة بالشراء و أقام المتشبّث بيّنة بأنّه ورثه أو اتّهبه، تعارضت البيّنتان، لأنّ الشراء و الميراث متنافيان، و كذا الشراء و الاتّهاب.

و مع التعارض يكون له حكم عندنا سيأتي في كتاب القضاء إن شاء اللّه تعالى.

و عند الشافعي قولان: التساقط، و استعمالهما، و سيأتي.

و لو أقام المتشبّث أنّ الغائب أودعه إيّاه أو أعاره، فإن لم يكن

ص: 296


1- كذا ورد قوله: «و أقام المتشبّث بيّنة». و الظاهر زيادتها.

للبيّنتين تأريخ أو كان تأريخ الإيداع سابقا، قضي بالشفعة، لعدم التنافي بين البيّنتين، لجواز أن يودعه ثمّ يبيعه.

و لو سبق تأريخ البيع، فلا منافاة أيضا، لاحتمال أنّ البائع غصبه بعد البيع ثمّ ردّه إليه بلفظ الإيداع، أو بردّ مطلق فاعتمده الشهود، أو يكون المشتري قد عجز عن الثمن، فقال له البائع: خذه وديعة إلى أن تجد الثمن فتزنه و تقبضه.

و لو انتفى الاحتمال - بأن تأخّر تأريخ الإيداع و شهدت بيّنة الإيداع بأنّه أودعه ما هو ملكه، و بيّنة الشراء مطلقة - كانت بيّنة الإيداع أولى، لأنّها صرّحت بالملك، ثمّ يراسل الغائب فإن قال: هو لي وديعة، بطلت بيّنة الشراء. و إن قال: لا حقّ لي فيه، قضي ببيّنة الشراء فالشفعة.

و لو صرّحت بيّنة الشراء بالملك فقال: باع ما هو ملكه، و أطلقت بيّنة الإيداع، قدّمت بيّنة الشراء.

و أمّا إذا لم يكن للمدّعي بيّنة، فالمدّعى عليه إما أن يقرّ بأنّه كان لذلك الغائب فاشتراه منه، أو ينكر أصل الشراء، أو يقول: اشتريته لفلان.

فإن أقرّ، فالأقرب: أنّه لا يأخذه المدّعي، لأنّ المتشبّت لا يقبل قوله على الغائب، فيوقف الأمر حتى يراسل، فإن أقرّ بصدقه، أخذه الشفيع، و إلاّ فلا، و هو أحد وجهي الشافعيّة.

و الأصحّ عندهم: أنّ للمدّعي أخذه، لتصادقهما على البيع، و يكتب القاضي في السجلّ أنّه أثبت الشفعة بتصادقهما، فإذا قدم الغائب، فهو على حقّه(1).4.

ص: 297


1- العزيز شرح الوجيز 525:5، روضة الطالبين 181:4.

و ليس بجيّد، لأنّه حكم على الغائب بغير بيّنة.

و إن أنكر الشراء، صدّق في قوله باليمين، لأنّه منكر. ثمّ إمّا أن يجيب بأنّك لا تستحقّ الشفعة، أو أنّني لا يلزمني التسليم إليك، فيحلف كذلك، و لا يلزمه التعرّض لنفي الشراء، لإمكان أن يكون قد اشتراه مع إسقاط الشريك الشفعة.

و إن تكلّف في الجواب: لم أشتره بل ورثته أو اتّهبته، ففي كيفيّة الحلف احتمالان:

أحدهما: أنّه يحلف على نفي الشراء، لأنّه أجاب به، و إذا أجاب بشيء، فقد أمكنه اليمين عليه حيث عدل إليه في الجواب.

و الثاني: أنّه يحلف أنّه لا يستحقّ الشفعة، لأنّه لو أجاب بذلك، لكفاه، فكذا في اليمين، و يمكن أن يكون قد اشتراه بحيث لا تجب فيه شفعة أو سقطت ثمّ تساهل في الجواب بعدم الشراء، فإذا كلّف اليمين، عدل إلى ما يمكنه الحلف عليه. و هما وجهان للشافعيّة(1).

و لو نكل المدّعى عليه، حلف الطالب، و استحقّ الشقص. و في [الثمن](2) ما تقدّم من الوجوه: إمّا أن يقرّ في يد الشفيع، أو يقبضه الحاكم، أو يقهره على القبض أو الإبراء.

و إن قال: اشتريته لفلان، رجع الحال إلى المضاف إليه، و سيأتي.

مسألة 769: إذا ادّعى أنّه اشترى شقصا في شركته

و أنّه يستحقّ

ص: 298


1- العزيز شرح الوجيز 525:5، روضة الطالبين 181:4.
2- بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «اليمين». و الصحيح ما أثبتناه.

الشفعة عليه، فإنّه يحتاج إلى أن يحرّر دعواه فيحدّد(1) المبيع الذي يدّعيه و يذكر ثمنه و يدّعي فيه الشفعة، فإذا فعل ذلك، سئل المدّعى عليه، فإن أقرّ، لزمه، و إن أنكر فقال: وهب لي أو ورثته و لم أشتره، أو لا يستحقّ عليّ الشفعة، قدّم قوله - على ما تقدّم - مع اليمين، فإن حلف، سقطت الدعوى، و إن نكل، حلف المدّعي، و استحقّ أخذه بالشفعة.

و أمّا الثمن فإمّا أن يجعل في ذمّة الشفيع إلى أن يطالبه المشتري، لأنّه أقرّ له بحقّ فأنكره، فلم يكن له مطالبته، و إمّا أن يلزمه الحاكم بأخذه أو الإبراء منه إذا سأل ذلك الشفيع - كما أنّ المكاتب إذا حمل لسيّده نجوم الكتابة قيل له: إمّا أن تأخذه أو تبرئ - و إمّا أن يحفظه الحاكم في بيت المال، فمتى ادّعاه المشتري سلّم إليه، و إلاّ كان محفوظا عليه، لأنّ عليه ضررا في بقاء حقّ غيره في ذمّته، و لهذا إذا طالب من عليه الدّين صاحب الدّين بقبضه، لزم صاحب الدّين قبضه أو الإبراء منه.

هذا إذا أنكر المشتري الشراء، و الشريك القديم غير معترف بالبيع، و لو اعترف و الشقص في يده، فإن لم يعترف بقبض الثمن، ثبتت الشفعة.

و فيه وجه للشافعيّة: أنّها لا تثبت(2).

و إذا قلنا بالثبوت، سلّم الثمن إلى البائع، و العهدة عليه، لأنّه تلقّى الملك منه حيث لم يعترف المشتري بالشراء و لا بيّنة هناك، و هو أحد وجهي الشافعيّة. و الثاني: ينصب القاضي أمينا يقبض الثمن منه للمشتري و يدفعه إلى البائع، و يقبض الشقص من البائع للمشتري و يدفعه إلى4.

ص: 299


1- في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «فيجدّد» بالجيم، و هو غلط.
2- العزيز شرح الوجيز 525:5، روضة الطالبين 181:4.

الشفيع(1).

و إذا أخذ البائع ثمن الشقص، فهل له مخاصمة المشتري و مطالبته بالثمن ؟ الأقرب ذلك، لأنّ له غرضا صحيحا، فإنّه قد يكون ماله أبعد عن الشبهة، و الرجوع عليه بالدرك أسهل(2) ، و هو أحد وجهي الشافعيّة(3).

و حينئذ لو حلف المشتري، فلا شيء عليه. و إن نكل، حلف البائع، و أخذ الثمن من المشتري، و كانت عهدته عليه.

و أمّا ما أخذه من الشفيع فهل يؤخذ منه و يوقف أو يترك في يده ؟ وجهان.

و قيل: إنّ الوجهين في أنّه هل يطالب المشتري فيما إذا لم يرض بأخذ الثمن من الشفيع ؟ فإن رضي، فليقنع(4) به(5).

فإن اعترف مع البيع بقبض الثمن، فإن قلنا: لا شفعة إذا لم يعترف بالقبض، فهنا أولى، و إلاّ فوجهان أصحّهما عندهم: ثبوتها(6).

ثمّ هل يترك الثمن في يد الشفيع، أم يأخذه القاضي و يحفظه، أم يجبر المشتري على قبوله أو الإبراء منه ؟ فيه ما تقدّم(7).

مسألة 770: لو ادّعى عليه الشراء فصدّقه و قال: لم أشتره لنفسي،

بل لفلان، فإن كان المضاف إليه حاضرا، استدعاه الحاكم، فإن صدّقه، كان

ص: 300


1- العزيز شرح الوجيز 525:5، روضة الطالبين 181:4.
2- في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «سهل». و الظاهر ما أثبتناه.
3- العزيز شرح الوجيز 525:5، روضة الطالبين 182:4.
4- في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «فليتبع» بدل «فليقنع». و الصحيح ما أثبتناه كما في المصدر.
5- العزيز شرح الوجيز 526:5، روضة الطالبين 182:4.
6- العزيز شرح الوجيز 526:5، روضة الطالبين 182:4.
7- في ص 296، ضمن المسألة 768.

الشراء له، و الشفعة عليه. و إن كذّبه، حكم بأنّ الشراء للمدّعى عليه، و أخذ منه بالشفعة.

و إن كان غائبا، أخذه الحاكم منه، و دفعه إلى الشفيع، و كان الغائب على حجّته إذا قدم، و لا تؤخّر الشفعة إلى حضور الغائب، لما فيه من إسقاط الشفعة، إذ لكلّ مشتر الالتجاء إلى دعوى الشراء للغائب. و لأنّ الغائب إمّا مصدّق أو مكذّب، و على التقديرين يستحقّ الشفيع الشفعة إمّا عليه أو على الحاضر.

و إن قال: اشتريته لطفل هو ابني أو لي عليه ولاية، فالأقرب: ثبوت الشفعة إن ثبت الشراء المطلق، و إلاّ فلا.

أمّا على التقدير الأوّل: فلأنّ الشراء موجب للشفعة على كلّ مشتر، سواء كان طفلا أو لا.

و أمّا على التقدير الثاني: فلأنّ الملك للطفل، و لا تجب الشفعة بإقرار الوليّ عليه، لاشتمال ذلك على إيجاب حقّ في مال الصغير بإقرار الوليّ.

و للشافعي قولان:

أحدهما: أنّه إذا أضاف الشراء إلى من له عليه ولاية، تثبت، لأنّ المقرّ يملك الشراء، فصحّ إقراره فيه، كما يصحّ في حقّ نفسه.

و الثاني: لا تثبت، إذ لا يقبل إقرار الوليّ في حقّ الطفل(1).

تذنيب: إذا ادّعى عليه الشفعة [فيما بيده](2) فقال: هذا الشقص لفلان الغائب أو لفلان الصغير، لم تثبت الشفعة إلى أن يقدم الغائب و يبلغه.

ص: 301


1- المغني 517:5، الشرح الكبير 530:5.
2- بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «في يده». و الظاهر ما أثبتناه.

الصغير فيطالبهما بذلك، و لا يسأل المقرّ عن سبب ملك الغائب و الصغير، لأنّ إقراره بعد ذلك يكون إقرارا في ملك الغير و لا يقبل، و يفارق إذا أقرّ بالشراء ابتداء، لأنّ الملك ثبت لهما بذلك الإقرار، فيثبت جميعه.

مسألة 771: لو قال المشتري: إنّي اشتريت الشقص بألف،

فدفع الشفيع إليه الألف و أخذ الشقص بالشفعة فادّعى البائع أنّه باع الشقص بألفين، قضي له بالألفين، عملا بالبيّنة، و لم يكن للمشتري الرجوع على الشفيع بما زاد على الألف - و به قال الشافعي(1) - لاعتراف المشتري بكذب بيّنة البائع، و أنّه قد ظلمه في الزيادة، فلم يحكم له بها، و إنّما حكمنا للبائع بها، لأنّه لم يكذّبها.

و قال أبو حنيفة: يأخذ الشفيع بالألفين، لأنّ الحاكم إذا حكم عليه بالبيّنة، فقد أبطل إقراره، و ثبت أنّ البيع كان بألفين(2).

و نمنع كذب المشتري، و إبطال الحاكم إقراره في حقّ البائع لا يقتضي إبطاله في حقّ نفسه.

و لو قال المشتري: صدقت البيّنة و قد كنت نسيت(3) الثمن، لم يقبل قوله، لأنّه رجوع عن إقرار تعلّق به حقّ غيره، فلا يقبل، كما لو أقرّ الإنسان بشيء ثمّ قال: نسيت، هو دونه، لم يقبل.

مسألة 772: لو ادّعى كلّ من الشريكين أنّ له الشفعة على صاحبه فيما في يده،

رجعنا إليهما و قلنا: متى ملكتما؟ فإن قالا: ملكنا دفعة واحدة، فلا شفعة، لعدم السبق الذي هو شرط الأخذ بالشفعة.

ص: 302


1- المغني 520:5-521، الشرح الكبير 526:5.
2- المغني 521:5، الشرح الكبير 526:5.
3- في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «أنسيت». و هو غلط.

و لو ادّعى كلّ منهما السبق، فقد تقدّم حكمه ما لو أقاما بيّنتين أو أقام أحدهما خاصّة.

و لو لم يكن لأحدهما بيّنة، نظر إلى السابق بالدعوى فقدّمنا دعواه، و كان القول قول الآخر مع يمينه، لأنّه منكر، فإذا حلف، استحقّ نصيبه بالشفعة، و لم تسمع دعواه على الأوّل، لأنّ ملكه الذي يستحقّ به الشفعة قد زال.

مسألة 773: لو ادّعى أحد الشريكين أنّه قد باع حصّته على زيد فأنكر زيد،

قدّم قول المنكر - و هو زيد - مع اليمين و عدم البيّنة، فإن صدّق الشفيع شريكه على البيع، و طلب الشفعة و بذل الثمن ليأخذ الشقص، فالأقرب: ثبوت الشفعة في حقّ البائع للشريك - و هو أحد قولي الشافعي، و قول أبي حنيفة و أحمد(1) - لأنّ البائع أقرّ بحقّ للمشتري، و حقّ للشفيع، و قد سقط حقّ المشتري بإنكاره، فلا يسقط حقّ الشفيع، كما لو أقرّ بحقّ لاثنين فردّه أحدهما.

و القول الثاني للشافعي: [لا](2) لأنّه لا شفعة هنا - و به قال مالك - لأنّ الشفعة فرع على البيع، فإذا لم يثبت البيع، لم تثبت الشفعة، فإنّ النسب إذا لم يثبت بإقرار أحد الورثة، لم يثبت الميراث(3).

و الفرق: أنّ النسب يتضمّن حقّا له و حقّا عليه، فإذا لم يثبت ما له، لم يثبت ما عليه، و هنا يثبت ما له، و هو الثمن، فتثبت.

ص: 303


1- العزيز شرح الوجيز 525:5، روضة الطالبين 181:4، المغني 476:5، الشرح الكبير 538:5.
2- ما بين المعقوفين أضفناه لأجل السياق.
3- العزيز شرح الوجيز 525:5، روضة الطالبين 181:4، المغني 476:5، الشرح الكبير 538:5.

إذا عرفت هذا، فإن قلنا: لا تثبت الشفعة، فللبائع مخاصمة المشتري و إحلافه، فإن حلف، سقطت الدعوى. و إن نكل، حلف البائع، و يثبت البيع، و تثبت فيه الشفعة.

و هل للشفيع دون البائع إحلاف المشتري ؟ الأقرب ذلك.

و كذا للشفيع إحلاف المشتري لو ملك(1) البائع.

و لو حلف المشتري للبائع، فهل عليه أن يحلف للشفيع ؟ الأقرب ذلك، لأنّه مدّع آخر، فإن حلف، سقطت الشفعة، و لا تسقط بحلف المشتري للبائع. و إن نكل، حلف الشفيع، و كان حكمه مع البائع حكم الشفيع لو لم يقرّ المشتري بالبيع و أقرّ البائع.

و أمّا إن قلنا: تثبت الشفعة، فإن رضي البائع بتسليم الشقص إلى الشفيع و أخذ الثمن منه، كانت العهدة عليه و لا كلام. و إن قال: أنا أطالب المشتري بتسليم الثمن و بتسليم المبيع، فهل له ذلك ؟ فيه وجهان:

أحدهما: ليس له ذلك، لأنّه قد حصل له مقصود دعواه من جهة الشفيع، فلا حاجة له إلى المخاصمة.

و الثاني: له ذلك، لأنّه قد يكون له غرض بأن تكون معاملة المشتري أحبّ إليه في حقوق العقد و في الدرك.

فإن قلنا: لا يخاصم المشتري، دفعه إلى الشفيع، و أخذ الثمن.

لا يقال: أ ليس لو ادّعى على رجل بدين، فقال رجل: أنا أدفع إليك الذي تدّعيه و لا تخاصمه، لم يلزمه قبوله، فهلاّ(2) قلتم هنا: لا يلزمه قبول الثمن من الشفيع ؟ه.

ص: 304


1- كذا، و الظاهر «هلك» بدل «ملك».
2- في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «فألاّ» بدل «فهلاّ» و الصحيح ما أثبتناه.

لأنّا نقول: الفرق ثبوت المنّة في قبول الدّين من الدافع إليه تبرّعا، و هنا بخلافه.

و إن قلنا: له مخاصمة المشتري، فإن حلف، سقطت دعواه عنه، و أخذه الشفيع، و كانت العهدة على البائع. و إن نكل، حلف البائع، و ثبت(1) الشراء، و طولب بالثمن، و كانت الشفعة عليه، و العهدة للشفيع.

و أمّا إن كان البائع يدّعي البيع و يقرّ بقبض الثمن و المشتري ينكر، فهل تثبت الشفعة ؟ قال بعض الشافعيّة: لا تثبت، لأنّها لو ثبتت، لكان الشفيع يأخذه بغير عوض، و ذلك لا يثبت له، كما لا تثبت له الشفعة في الهبة(2).

و قال بعضهم: تثبت الشفعة، لأنّه قد أقرّ بالشفعة، فلزمه، و يأخذه الشفيع(3).

و يكون في الثمن ما تقدّم(4) إمّا أن يأخذه المشتري أو يبرئ، و إمّا أن يحفظه الحاكم، و إمّا أن يبقى في ذمّة الشفيع.

مسألة 774: لو أثبتنا الشفعة مع الكثرة

- كما هو رأي بعض علمائنا و العامّة(5) - إذا كانت دار بين أربعة، فباع أحدهم نصيبه من أجنبيّ فادّعى المشتري على أحدهم أنّه عفا، و شهد له الشريكان الآخران، قبلت شهادتهما إن كانا قد عفوا(6) عن الشفعة، لأنّهما لا يجرّان بهذه الشهادة نفعا إلى أنفسهما. و إن لم يكونا قد عفوا، لم تسمع شهادتهما، لأنّهما يجرّان

ص: 305


1- في الطبعة الحجريّة: «يثبت».
2- لم نعثر عليه في مظانّه.
3- لم نعثر عليه في مظانّه.
4- في ص 296، ضمن المسألة 768.
5- تقدّم في ص 202، ضمن المسألة 706.
6- في النسخ الخطّيّة و الحجريّة هنا و فيما يأتي: «عفيا» فصحّحناه بما ترى.

إلى أنفسهما استحقاق جميع المبيع.

و لو شهدا بالعفو قبل أن يعفوا فردّت شهادتهما ثمّ عفوا و شهدا، لم تقبل، لأنّ الشهادة إذا ردّت للتهمة ثمّ زالت التهمة، لم تقبل الشهادة، كما لو شهد الفاسق فردّت شهادته فتاب ثمّ أقامها، لم تسمع.

و لو شهدا بعد أن عفا أحدهما، سمعت شهادة العافي، و حلف معه الذي لم يعف، و سقطت شفعة المشهود عليه. و إن عفا الآخر بعد ما شهد، حلف المشتري مع الشاهد، و أخذ جميع الشقص.

فرعان:

أ - لو شهد البائع على الشفيع بالعفو، فإن كان قبل قبضه الثمن، لم تقبل شهادته، لأنّه يجرّ إلى نفسه نفعا، و هو أن يفلس المشتري فيرجع إليه دون الشفيع. و إن كان بعد قبضه الثمن، قبلت، و هو أحد وجهي الشافعيّة. و في الثاني: لا تقبل، لأنّه ربّما توقّع العود إلى العين بسبب ما(1).

ب - لو شهد السيّد على مكاتبه بالعفو عن الشفعة، قبل، لأنّ ذلك في الحقيقة شهادة عليه.

و لو شهد بالشراء فيما لمكاتبه الشفعة فيه، قال بعض الشافعيّة:

تقبل، ثمّ تثبت فيه الشفعة تبعا، و لو شهد له بالشفعة، لم تقبل(2).

و فيه نظر.

مسألة 775: لو كان ملك بين اثنين أحدهما حاضر و الآخر غائب،

و نصيب الغائب في يد وكيله، فادّعى الحاضر على الوكيل أنّه اشترى نصيب

ص: 306


1- العزيز شرح الوجيز 546:5، روضة الطالبين 193:4.
2- العزيز شرح الوجيز 546:5، روضة الطالبين 194:4.

الغائب و له فيه الشفعة، و أقام بذلك بيّنة، فإنّ الحاكم يسمع بيّنته، و يثبت الشراء و الشفعة، و به قال الشافعي و أبو حنيفة(1).

قال المزني: و هذا قضاء على الغائب بالشراء(2) ، يريد أنّ الشراء يثبت و هو على الغائب، فقال بعض(3) الشافعيّة: إنّه ليس قضاء على الغائب، و إلاّ احتيج إلى اليمين مع الشهادة.

و هذا الفرع ساقط عنّا، لأنّا نحكم على الغائب.

مسألة 776: دار بين أخوين و أجنبيّ أثلاثا فباع الأجنبيّ نصيبه

من رجل فطالب أحد الشريكين الأخوين بالشفعة، فقال المشتري: إنّما اشتريته لأخيك، فكذّبه و قال: بل اشتريته لنفسك، فإن صدّقه الذي أقرّ له، كان الشقص بين الأخوين، و كذا إن كذّبه و طالب بالشفعة فإن قال: أحلفوه أنّه اشتراه لأخي، لم يحلف، لأنّ المدّعي يستحقّ نصفه سواء صدّق أو كذّب.

و قد أثبت أبو العباس من الشافعيّة الشفعة للمشتري في هذا الفرع(4).

فإن قال أحد الأخوين للمشتري: شراؤك باطل، و صدّقه الآخر على (صحّة الشراء)(5) كانت الشفعة للمصدّق خاصّة.

و كذا إن قال أحدهما: لم يبعه و إنّما اتّهبه، و صدّقه الآخر على الشراء، كانت الشفعة للمصدّق، لأنّ المكذّب أسقط حقّ نفسه و أقرّ أنّه لا شفعة.

ص: 307


1- مختصر المزني: 121، الحاوي الكبير 297:7، العزيز شرح الوجيز 524:5، المغني 518:5، الشرح الكبير 530:5-531.
2- مختصر المزني: 121.
3- الحاوي الكبير 298:7.
4- لم نعثر عليه في مظانّه.
5- بدل ما بين القوسين في «س، ي»: «صحّته».

تذنيب: لو كانت دار في يد رجل فادّعى آخر عليه أنّه يستحقّ سدسها، فأنكره ثمّ قال له المدّعى عليه: خذ منّي السدس الذي ادّعيته بسدس دارك، فإذا فعل هذا، صحّ، و وجبت الشفعة في كلّ واحد من الشقصين للشفيع، عند الشافعي(1).

و عندنا لا تثبت الشفعة و إن كان له، و ليس ذلك صلحا على الإنكار، لأنّ المدّعى عليه باع المدّعى، دون المدّعي.

مسألة 777: لو كان في يد اثنين دار بالشركة بينهما،

فادّعى أحدهما على الآخر بأنّ النصف الذي في يده اشتراه من زيد، و صدّقه زيد على ذلك، و قال الشريك: ما اشتريته و إنّما ورثته من أبي و لا شفعة لك، فأقام الشفيع شاهدين شهدا بأنّ زيدا ملك هذا الشقص ميراثا عن أبيه، لم يشهدا بأكثر من ذلك، قال محمّد بن الحسن: تثبت الشفعة للشفيع، و يقال له: إمّا أن تدفع الشقص إليه و تأخذ الثمن، أو تردّه على البائع ليأخذه الشفيع من البائع و يأخذ الثمن يدفعه إليك، لأنّ الشاهدين يشهدان لزيد بالملك، و زيد يقرّ أنّ المشتري قد ملكه منه بالشراء، فكأنّهما شهدا لزيد بالملك، و عليه بالبيع(2).

قال ابن سريج من الشافعيّة: هذا غلط، و لا شفعة لهذا المدّعي بذلك، لأنّ البيّنة لم تشهد بالبيع. و أمّا إقراره فليس بينه و بين المشتري منازعة فيثبت إقراره، و إنّما يقرّ على المشتري بالشفعة، و ليست الشفعة من حقوق العقد على البائع، فيقبل فيها قول البائع. و لأنّ شهادته مقبولة، لأنّه

ص: 308


1- لم نعثر عليه في مظانّه.
2- حكاه عنه الشيخ الطوسي في المبسوط 160:3.

يشهد على فعل نفسه.

و قال: هذا بمنزلة أن يحلف رجل أنّي ما اشتريت هذه الدار من زيد، فيقول زيد: أنا ما بعتها منه، و قد كانت ملكا لزيد، فإنّه لا يقبل قوله عليه في الحنث، كذا هنا(1).

مسألة 778: لو مات شفيع و له وارثان،

فادّعى المشتري أنّهما عفوا عن الشفعة، و لا بيّنة، فالقول قولهما في عدم العفو، فإن حلفا، تثبت لهما الشفعة، فإن حلف أحدهما و نكل الآخر، لم يحلف المشتري مع نكوله، لأنّه إذا حلف مع نكوله، عاد حقّ الشفعة إلى الشريك الحالف، و لم ينتفع المشتري بيمينه.

ثمّ ينظر في الشريك الحالف، فإن صدّق شريكه على عدم العفو، كانت الشفعة بينهما، و يأخذ الناكل بالتصديق لا بيمين غيره، و دركه على المشتري. و إن كذّبه، أحلف الناكل له، و لا يكون النكول مسقطا، لأنّ ترك اليمين عذر، على إشكال. و إن ادّعى أنّه عفا، حلف هو مع نكوله، و تثبت الشفعة كلّها له. فإن عفا هذا الحالف بعد يمينه، كان للمشتري أن يحلف مع نكول الآخر، لأنّه الآن تسقط عنه الشفعة.

و لو شهد أجنبيّ بعفو أحدهما، فإن حلف بعد عفو الآخر، بطلت الشفعة، و إلاّ أخذ الآخر الجميع.

و لا فرق في هذا الفرع بين أن يكون الشفيعان ورثا الشفعة أو كانا شريكين عند مثبتي الشفعة مع الشركة.

مسألة 779: لو ادّعى على شريكه أنّه اشتراه و له عليه شفعة،

فأنكر

ص: 309


1- حكاه عنه الشيخ الطوسي في المبسوط 160:3.

الشريك الشراء و ادّعى الميراث، قدّم قول الشريك، لأصالة عدم الشفعة، و قد سبق(1).

و لو أقام كلّ منهما بيّنة، قيل: يقرع، لأنّه مشتبه.

و يحتمل قويّا الحكم ببيّنة الشفيع، لأنّ القول قول مدّعي الإرث مع اليمين، فتكون البيّنة بيّنة الآخر.

مسألة 780: لو ادّعى الشفعة فأنكر المدّعى عليه ملكيّة المدّعي،

فالأقرب: القضاء له باليد على ما تقدّم(2).

و لو ادّعى أحد المتشبّثين الجميع و الآخر النصف فقضي له بالنصف باليمين و قضي لصاحب الجميع بالنصف، لعدم المزاحمة فيه ثمّ باعه مدّعي الكلّ، لم يكن لمدّعي النصف شفعة إلاّ مع القضاء باليد.

و لو ادّعى عليه أنّه اشترى حصّة الغائب، التي في يده، فصدّقه، احتمل ثبوت الشفعة، لأنّه إقرار من ذي اليد. و عدمه، لأنّه إقرار على الغائب، فإن قضي بالشفعة فقدم الغائب و أنكر البيع، قدّم قوله مع اليمين، و انتزع(3) الشقص، و طالب بالأجرة من شاء منهما، و لا يرجع أحدهما على الآخر.

مسألة 781: لو قال أحد الوارثين أو أحد الشريكين - إن أثبتنا الشفعة

مسألة 781: لو قال أحد الوارثين أو أحد الشريكين - إن أثبتنا الشفعة(4) مع الكثرة -: شراؤك باطل،

و قال الآخر: بل هو صحيح، فالشفعة بأجمعها للمعترف بالصحّة.

ص: 310


1- في ص 298-299، المسألة 769.
2- في ص 295، المسألة 767.
3- في الطبعة الحجريّة: «و انتزعه».
4- بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «الشركة». و الصحيح ما أثبتناه.

و كذا لو قال: أنت اتّهبته، أو ورثته، و قال الآخر: بل اشتريته.

و لو ادّعى المتبايعان غصبيّة الثمن المعيّن، لم ينفذ في حقّ الشفيع، بل في حقّهما، و لا يمين عليه، إلاّ أن يدّعى عليه العلم، فيحلف على نفيه.

و لو أقرّ الشفيع و المشتري خاصّة، لم تثبت الشفعة، و على المشتري ردّ قيمة الثمن على صاحبه، و يبقى الشقص معه يزعم أنّه للبائع و يدّعي وجوب ردّ الثمن، و البائع ينكرهما، فيشتري الشقص منه اختيارا، و يتبارءان، و للشفيع في الثاني الشفعة.

و لو أقرّ الشفيع و البائع خاصّة، ردّ البائع الثمن على المالك، و ليس له مطالبة المشتري، و لا شفعة.

و لو ادّعى ملكا على اثنين، فصدّقه أحدهما، فباع حصّته على المصدّق، فإن كان المكذّب نفى الملك عنه، فلا شفعة. و إن نفى دعواه عن نفسه، فله الشفعة.

مسألة 782: لو أقام المشتري بيّنة على الشفيع بأنّه قد عفا عن الشفعة،

و أقام الشفيع بيّنة بأخذه بالشفعة، و الشقص في يد الشفيع، فالأقرب: الحكم ببيّنة السابق، فإن اتّحد أو أطلق التاريخان، احتمل تقديم بيّنة الشفيع، لقوّتها باليد، و بيّنة المشتري، لزيادة علمها بالعفو.

و أصحّهما عند الشافعيّة: الثاني(1).

و فيه نظر، فإنّ بيّنة الآخذ تزيد أيضا الشهادة بالأخذ.

مسألة 783: لو خرج الشقص مستحقّا بعد بناء الشفيع فيه و غرسه،

و قلع المستحقّ البناء و الغرس، فالقول فيما يرجع به الشفيع على المشتري

ص: 311


1- العزيز شرح الوجيز 546:5، روضة الطالبين 193:4.

من الثمن و ما نقص من قيمة البناء و الغرس و غير ذلك كالقول في رجوع المشتري من الغاصب عليه.

البحث السادس: في مسقطات الشفعة.
مسألة 784: المشهور عند علمائنا أنّ الشفعة على الفور،

فإن أخّر الشفيع الطلب مع عدم العذر، بطلت شفعته - و هو المشهور من أقوال الشافعي(1) ، و هو المذكور في كتبه الجديدة، و به قال أبو حنيفة إلاّ أنّه يقدّره بالمجلس(2) - لما رواه العامّة عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنّه قال: «الشفعة لمن واثبها»(3).

و عنه عليه السّلام «الشفعة كنشط العقال إن قيّدت ثبتت، و إن تركت فاللوم على من تركها»(4).

و من طريق الخاصّة: ما رواه عليّ بن مهزيار عن الجواد عليه السّلام في حديث أنّه حدّ للشفيع مجيء الثمن ثلاثة أيّام إن كان الثمن في البلد و مدّة غيبته، و ثلاثة أيّام بعد حضوره إن كان في غير البلد، ثمّ قال عليه السّلام: «فإن

ص: 312


1- الحاوي الكبير 240:7، المهذّب - للشيرازي - 386:1-387، الوجيز 1: 220، الوسيط 97:4، حلية العلماء 283:5، التهذيب - للبغوي - 346:4، العزيز شرح الوجيز 537:5، روضة الطالبين 188:4، المغني 477:5 و 478، الشرح الكبير 473:5.
2- تحفة الفقهاء 51:3-52، بدائع الصنائع 17:5، الهداية - للمرغيناني - 4: 26، مختصر اختلاف العلماء 241:4، 1949، الحاوي الكبير 240:7، حلية العلماء 283:5-284، التهذيب - للبغوي - 346:4-350، العزيز شرح الوجيز 539:5، المغني 477:5، الشرح الكبير 473:5 و 474.
3- بدائع الصنائع 17:5، المغني 478:5، الشرح الكبير 474:5.
4- المغني 478:5، الشرح الكبير 473:5، العزيز شرح الوجيز 537:5-538.

وافاه و إلاّ فلا شفعة له»(1) و لو كانت الشفعة على التراخي، لم تسقط الشفعة بتأخير الثمن، بل كانت تفتقر إلى تجديد فسخ، كما افتقر البائع إذا أخّر المشتري أداء الثمن بعد ثلاثة أيّام.

و لأنّ خيار الشفعة إنّما يثبت لإزالة الضرر عن المال، فكان على الفور، كخيار الردّ بالعيب.

و القول الثاني للشافعي: أنّ له الخيار ثلاثة أيّام، فإن شاء أخذ بالشفعة، و إن شاء ترك، فإن خرجت الثلاثة و لم يختر الأخذ، بطلت شفعته - و به قال ابن أبي ليلى و الثوري - لأنّ إثبات الخيار على التراخي إضرار بالمشتري، لأنّ ملكه لا يستقرّ على المبيع، و لا يتصرّف بعمارته على حسب اختياره، لأنّه يخاف أن يؤخذ منه فيضيع بعض نفقته، و لا يمكن جعلها على الفور، لأنّ الشفيع يحتاج إلى أن يتفكّر و ينظر هل الحظّ في الأخذ أو الترك ؟ و يتسبّب في تحصيل الثمن، فإذا جعل على الفور، أضرّ به، فلم يكن بدّ من حدّ فاصل، و ليس إلاّ الثلاثة، كما حدّ بها خيار الشرط عندهم - و خيار الحيوان عندنا - و هي آخر حدّ القلّة(2).

و هو يبطل بخيار الردّ بالعيب.

و الثالث: أنّه على التراخي لا يسقط إلاّ بإسقاطه و التصريح بالترك، و ليس للمشتري مطالبته بالأخذ أو الترك - و به قال مالك، إلاّ أنّ عند مالك3.

ص: 313


1- التهذيب 167:7، 739.
2- المهذّب - للشيرازي - 387:1، الحاوي الكبير 240:7، التهذيب - للبغوي - 350:4، حلية العلماء 284:5، الوجيز 220:1، الوسيط 97:4، العزيز شرح الوجيز 538:5، روضة الطالبين 188:4، المغني 478:5، الشرح الكبير 5: 473.

في انقطاعه روايتين(1): إحداهما: أنّها تنقطع بعد سنة. و الثانية: تنقطع بأن يمضي عليه من الزمان ما يعلم أنّه تارك لها - لأنّ هذا الخيار لا ضرر في تأخيره، لأنّ المنفعة تكون للمشتري، و إن أحدث فيه عمارة من بناء أو غرس، فإنّه يأخذ قيمته، و ما لا ضرر في تأخيره يكون على التراخي، كخيار القصاص(2).

و نمنع عدم التضرّر(3) و قد سبق.

[و] الرابع: قال في القديم: إنّه على التراخي لا يسقط إلاّ بإسقاطه، أو يوجد منه ما يدلّ على إسقاطه، مثل أن يقول المشتري: يعني هذا الشقص، أو: بعه لمن شئت، أو: هبة لي أو لمن شئت، أو: قاسمني(4).

و قال بعض الشافعيّة. لا يبطل بهذا، و للمشتري أن يرفعه إلى الحاكم، فيقول له: إمّا أن تأخذ أو تدع(5).

أمّا التراخي: فلما مرّ.4.

ص: 314


1- في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «روايتان». و الصحيح ما أثبتناه.
2- الحاوي الكبير 241:7-242، حلية العلماء 285:5 و 286، التهذيب - للبغوي - 350:4، الوسيط 97:4-98، العزيز شرح الوجيز 538:5 و 539، روضة الطالبين 188:4، بداية المجتهد 263:2، المعونة 1274:2، المغني 477:5-478، الشرح الكبير 473:5.
3- في الطبعة الحجريّة: «الضرر».
4- المهذّب - للشيرازي - 386:1، الحاوي الكبير 241:7، حلية العلماء 5: 285، التهذيب - للبغوي - 350:4، العزيز شرح الوجيز 538:5، روضة الطالبين 188:4، و انظر: الوسيط 98:4.
5- الحاوي الكبير 241:7، التهذيب - للبغوي - 350:4، العزيز شرح الوجيز 5: 538، روضة الطالبين 188:4، و انظر: المهذّب - للشيرازي - 386:1-387، و حلية العلماء 285:5، و الوسيط 98:4.

و أمّا المطالبة: فليزول عن المشتري ما يخافه من أخذ الشفيع، و ذلك يمنعه من العمارة و التصرّف على حسب اختياره، و قد يلزمه على العمارة أكثر ممّا يقوم به، فيلحقه الضرر.

و ليس بجيّد، لوجود التضرّر مع التراخي.

و الخامس: أنّه على التراخي يمتدّ مدّة تتّسع لتأمّل المصلحة في الأخذ(1).

و هو إضرار بالمشتري.

إذا عرفت هذا، فلو أخّر المطالبة مع عدم العذر، بطلت شفعته و إن لم يفارق المجلس، لما تقدّم(2).

و قال أبو حنيفة: إذا لم يفارق المجلس، لم تبطل(3).

مسألة 785: إنّما يحكم بالفوريّة في الشفعة إذا علم الشفيع بالبيع،

فحينئذ إذا أخّر لغير عذر، بطلت، أمّا لو لم يعلم بالبيع، فلا تبطل شفعته و إن مضت سنون كثيرة، و هو على شفعته إذا علم.

و لو أخبره من يفيد قوله العلم، كالمعصوم أو عدد التواتر، فترك المطالبة و قال: لم اصدّق المخبر، بطلت شفعته، و علم(4) كذبه.

و إن أخبره من لا يفيد خبره العلم، فإن كان ممّن تثبت الحقوق الشرعيّة بإخباره كالعدلين أو الرجل و المرأتين مع عدالتهم، سقطت شفعته أيضا، لأنّ إخبار هؤلاء حجّة في الشرع يعمل بها.

ص: 315


1- العزيز شرح الوجيز 538:5، روضة الطالبين 188:4.
2- في صدر نفس المسألة.
3- تحفة الفقهاء 51:3-52، بدائع الصنائع 17:5، الهداية - للمرغيناني - 4: 26، حلية العلماء 283:5-284، العزيز شرح الوجيز 539:5.
4- في الطبعة الحجريّة: «إذا علم» بدل «و علم».

و إن أخبره عدل واحد، فالأقرب: أنّه لا تسقط شفعته، لأنّ الواحد لا تقوم به البيّنة، و هو أحد قولي الشافعي، و رواه الحسن بن زياد عن أبي حنيفة و زفر(1).

و الثاني للشافعي: أنّه تبطل شفعته، و لا يقبل عذره بعدم التصديق، لأنّ الواحد حجّة إذا حلف المدّعي معه(2).

و ليس شيئا، إذ لا يمين هنا، فإنّه غير عالم فكيف يحلف!؟ فإذا لم يحلف كيف يثبت!؟ و لو أخبره من لا يقبل قوله - كالكافر و الفاسق و الصبي - لم تبطل شفعته.

و المرأة كالعبد يقبل قولها، و تبطل شفعته باختيارها عند الشافعي في أحد قوليه. و في الثاني: أنّها كالفاسق(3).

و في النسوة عنده وجهان بناء على أنّ المدّعي هل يقضى له بيمينه مع امرأتين ؟ إن قلنا: لا، فهنّ كالمرأة، و إلاّ فكالعدل الواحد(4).

و لو بلغ هؤلاء عدد التواتر، بطل حقّه و إن كانوا كافرين أو فسقة، لثبوت العلم عند خبرهم.4.

ص: 316


1- الوجيز 220:1، العزيز شرح الوجيز 541:5، روضة الطالبين 190:4، المغني و الشرح الكبير 480:5، عيون المسائل: 134، حلية العلماء 288:5 و 289، و في ص 288 نسبة العكس إلى رواية الحسن بن زياد عن أبي حنيفة و زفر.
2- الوجيز 220:1، العزيز شرح الوجيز 541:5، حلية العلماء 288:5، روضة الطالبين 190:4.
3- حلية العلماء 288:5-289، العزيز شرح الوجيز 541:5، روضة الطالبين 4: 190.
4- العزيز شرح الوجيز 541:5، روضة الطالبين 190:4.

و لو أخبره واحد فصدّقه و لم يطلب الشفعة، بطلت و إن لم يكن عدلا، لأنّ العلم بذلك قد يحصل بالواحد للقرائن.

مسألة 786: إذا علم بالبيع و جهل استحقاقه للشفعة، لم تبطل شفعته،

و كان له طلبها بعد العلم. و لو علم الشفعة أيضا، لم نكلّفه(1) المبادرة على خلاف العادة، و العدو حال مشيه و لا تحريك دابّته، بل يمشي على حسب عادته، بل يرجع(2) في ذلك كلّه إلى العرف، فكلّ ما لا يعدّ تقصيرا لا تبطل به الشفعة، و ما يعدّ تقصيرا أو توانيا في الطلب فإنّه مسقط لها.

مسألة 787: لو أخّر الطلب لعذر، لم تسقط شفعته.

و العذر ضربان:

أحدهما: ينتظر زواله عن قرب، مثل الاشتغال بصلاة واجبة أو مندوبة أو أكل أو قضاء حاجة أو كون في حمّام، فله الإتمام، و لا يكلّف قطعها على خلاف العادة، و هو أصحّ قولي الشافعيّة. و الثاني: أنّه يكلّف قطعها حتى الصلاة إذا كانت نافلة(3).

و على الصحيح لو دخل وقت الأكل أو الصلاة أو قضاء الحاجة، جاز له أن يقدّمها، فإذا فرغ، طلب(4) الشفعة، و لا يلزمه تخفيف الصلاة الواجبة و لا المندوبة، و لا يجب عليه الاقتصار على المجزئ.

و لو علم ليلا، أو كان يريد الصلاة فأصبح إلى الغد، أو أذّن و أقام و صلّى السنّة، لم تبطل شفعته. و كذا لو انتظر الجماعة.

ص: 317


1- في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «لم يكلّفه». و الصحيح: «لم يكلّف» أو ما أثبتناه.
2- في الطبعة الحجريّة: «و يرجع» بدل «بل يرجع».
3- الوجيز 220:1، العزيز شرح الوجيز 540:5، روضة الطالبين 189:4.
4- في الطبعة الحجريّة: «يطلب».

الثاني: ما لا ينتظر زواله عن قرب، كالمرض و الحبس و الغيبة.

أمّا المرض فإن منعه من الطلب و التوكيل فيه، لم تبطل شفعته.

و إن لم يمنعه عن التوكيل فأخّر التوكيل مع إمكانه، بطلت شفعته - و هو أظهر مذاهب الشافعي - لأنّه أخّر الطلب مع إمكانه.

و الثاني له: لا تبطل شفعته بترك التوكيل، لأنّه قد يكون له غرض بأن يطالب بنفسه، لأنّه أقوم بذلك، أو يخاف الضرر من جهة وكيله بأن يقرّ عليه فيلزمه إقراره برشوة أو غير ذلك، فكان معذورا في تأخيرها.

و الثالث: إن لم يلحقه في التوكيل منّة و لا مئونة ثقيلة(1) ، بطلت، و إلاّ فلا(2).

و المعتمد ما قلناه.

نعم، لو خاف ضررا على ما قلناه أوّلا فأخّر التوكيل، لم تبطل شفعته.

و لو لم يمكنه التوكيل و لا الطلب و أمكنه الإشهاد على الطلب، وجب عليه الإشهاد، فإن أهمل الإشهاد لغير عذر، بطلت شفعته عند بعض الشافعيّة، لأنّه قد يترك الطلب للعذر و قد يتركه لغير عذر، فإذا لم يشهد لم يعلم أنّه لعذر، فسقطت شفعته.

و الثاني - و هو الأقوى عندي - أنّه لا يحتاج إلى الإشهاد، لأنّه إذا ثبت عذره، كان الظاهر أنّه ترك الشفعة لأجل ذلك، فقبل قوله في ذلك(3).

و أمّا المحبوس فإن كان حبسه ظلما بغير حقّ أو بحقّ هو عاجز عنه، فحكمه كالمريض إن لم يمكنه التوكيل، لم تسقط شفعته. و إن أمكنه4.

ص: 318


1- في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «بفعله» بدل «ثقيلة»، و ما أثبتناه من المصادر.
2- الوجيز 220:1، العزيز شرح الوجيز 539:5، روضة الطالبين 189:4.
3- العزيز شرح الوجيز 539:5، روضة الطالبين 189:4.

و لم يفعل، سقطت.

و للشافعيّة(1) الوجهان السابقان.

و لو كان محبوسا بحقّ يقدر على أدائه و يجب عليه دفعه و هو مماطل به، فإن وكّل، جاز. و إن لم يوكّل، بطلت شفعته، لأنّه تركها مع القدرة عليها، و به قال الشافعي(2).

و أمّا الغائب فإذا بلغته الشفعة، فإن أمكنه المسير فسار أو وكّل في الطلب، لم تسقط شفعته. و إن تعذّر عليه المسير و التوكيل، فحقّه باق. و إن أمكنه التوكيل فلم يوكّل، كان على الوجهين في المريض.

إذا ثبت هذا، فكلّ موضع أخّر لعذر، فهل يجب عليه أن يشهد على نفسه أنّه على الطلب ؟ وجهان تقدّما.

و الخوف من العدوّ كالمرض.

و كذا خوف الطريق أو عدم الرفيق مع الحاجة إليه و الخوف على ضياع شيء من ماله أعذار.

و المسافر إذا بلغه الخبر، يخرج طالبا عند بلوغ الخبر، أو يبعث وكيلا مع أمن الطريق، و إلاّ انتظر من يعتمد عليه و يثق بالسفر معه فيسافر، أو يبعث معه الوكيل.

و الحرّ و البرد المفرطان اللّذان يتعذّر السير معهما كالخوف.

و إذا لم يشهد على الطلب مع إمكانه، ففي بطلان الشفعة ما تقدّم من الوجهين.4.

ص: 319


1- العزيز شرح الوجيز 539:5، روضة الطالبين 189:4.
2- العزيز شرح الوجيز 539:5-540، روضة الطالبين 189:4.

و لو سار المسافر في الحال طالبا للشفعة، لم تسقط شفعته بترك الإشهاد، و لا يكون الإشهاد واجبا. و كذا لو بعث وكيله في الحال و لم يشهد.

و للشافعي قولان(1).

و كذا لو كان حاضرا في البلد فخرج في الحال إلى المشتري أو إلى الحاكم و لم يشهد.

مسألة 788: إذا علم بالشفعة، مضى إلى المشتري،

و لا يحتاج أن يرفع ذلك إلى الحاكم، لأنّ الشفعة ثبتت بالنصّ و الإجماع، فلا تفتقر إلى الحاكم، كمدّة الإيلاء و الردّ بالعيب، و به قال الشافعي(2).

فإذا لقي المشتري، بدأه بالسلام، لأنّه سنّة. قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:

«من بدأ بالكلام قبل السلام فلا تجيبوه»(3) فيقول: السلام عليكم، أو: سلام عليك، أو: سلام عليكم، و لا تبطل بذلك شفعته.

قال الجويني: و من غلا(4) في اشتراط قطع ما هو مشغول به من الطعام و قضاء الحاجة لم يبعد أن يشترط فيه ترك الابتداء بالسلام(5).

و كذا لا تبطل لو قال عقيب السلام حديثا آخر يتّصل بالسلام، كقوله:

بارك اللّه لك في صفقة يمينك.

قال الشافعي: لا تبطل الشفعة، لأنّ ذلك يتّصل بالسلام، و يكون

ص: 320


1- العزيز شرح الوجيز 540:5، روضة الطالبين 189:4.
2- التهذيب - للبغوي - 352:4، العزيز شرح الوجيز 504:5 و 540.
3- حلية الأولياء 199:8، و انظر: الكافي 471:2، 2.
4- في النسخ الخطيّة و الحجريّة: «عذر» بدل «غلا». و ما أثبتناه من المصدر.
5- العزيز شرح الوجيز 542:5، روضة الطالبين 191:4.

دعاء لنفسه، لأنّ الشقص يرجع إليه(1).

و له قول آخر: البطلان(2).

و لو قال غير ذلك، فقد أخّر الشفعة لغير عذر.

و لو قال عند لقائه: بكم اشتريته ؟ لم تبطل شفعته - و هو أحد قولي الشافعيّة(3) - لافتقاره إلى تحقّق ما أخذ به(4).

و قال الباقون: تبطل، لأنّه تأخير، لأنّ من حقّه أن يظهر الطلب ثمّ يبحث(5).

و لو قال: اشتريت رخيصا، و ما أشبهه، بطلت شفعته، لأنّه فضول.

مسألة 789: و لو لم يمض الشفيع إلى المشتري و مشى إلى الحاكم و طلب الشفعة،

لم يكن مقصّرا في الطلب، سواء ترك مطالبة المشتري مع حضوره أو غيبته.

أمّا لو اقتصر على الإشهاد بالطلب و لم يمض إلى المشتري و لا إلى القاضي مع إمكانه، قال الشيخ رحمه اللّه: لا تبطل شفعته، لعدم الدليل عليه(6) ، و به قال أبو حنيفة(7).

و قال الشافعي: يكون مقصّرا، و بطلت شفعته(8).

و لو جهل البطلان، كان عذرا، و لم يكن مقصّرا، كما لو جهل أصل

ص: 321


1- العزيز شرح الوجيز 542:5، روضة الطالبين 191:4.
2- العزيز شرح الوجيز 542:5، روضة الطالبين 191:4.
3- العزيز شرح الوجيز 542:5، روضة الطالبين 191:4.
4- كذا، و الظاهر: «لافتقاره إلى تحقيق ما أخذه به».
5- العزيز شرح الوجيز 542:5، روضة الطالبين 191:4.
6- الخلاف 456:3، المسألة 42.
7- حكاه عنه الشيخ الطوسي في الخلاف 456:3، المسألة 42، و انظر: العزيز شرح الوجيز 540:5.
8- العزيز شرح الوجيز 540:5، روضة الطالبين 190:4.

الشفعة.

و لو كان المشتري غائبا، رفع أمره إلى القاضي و أخذ، و لم يكف الإشهاد.

و لو لم يتمكّن من الرفع إلى المشتري و لا إلى القاضي، كفاه الإشهاد على الطلب، فإن تمكّن بعد ذلك من المضيّ إلى المشتري أو القاضي، فالأقرب: عدم الاكتفاء بالإشهاد السابق، فيكون مقصّرا لو لم يمض إلى أحدهما، لأنّ الالتجاء إلى الإشهاد كان لعذر و قد زال.

و لو لم يتمكّن من المضيّ إلى أحدهما و لا من الإشهاد، فهل يؤمر أن يقول: تملّكت الشقص أو أخذته ؟ الأقرب: ذلك، لأنّ الواجب الطلب عند القاضي أو المشتري، فإذا فات القيد، لم يسقط الآخر.

و للشافعيّة وجهان(1).

مسألة 790: لا يجب الطلب في بلد المبايعة،

فلو باع الشقص بمصر ثمّ وجد الشفيع المشتري بمصر آخر فأخّر الطلب فلمّا رجعا إلى مصره طالبه بالشفعة، لم يكن له ذلك، و سقطت شفعته.

فإن اعتذر الشفيع عن التأخير بأنّي إنّما تركت الطلب لآخذ في موضع الشفعة، لم يكن ذلك عذرا، و قلنا له: ليس تقف المطالبة على تسليم الشقص، فكان ينبغي أن تطلبها حال علمك بها، فبطل حقّك، لاستغناء الأخذ عن الحضور عند الشقص.

مسألة 791: لو أظهر المتبايعان أنّهما تبايعا بألف فترك الشفيع الشفعة فعفا

أو توانى في الطلب، ثمّ بان أنّهما تبايعاه بأقلّ من ذلك، لم تسقط

ص: 322


1- العزيز شرح الوجيز 540:5، روضة الطالبين 190:4.

الشفعة، و كان للشفيع المطالبة بها، لاحتمال أن يكون الترك لأجل كثرة الثمن، فإذا كان أقلّ منه، رغب فيه، فلم تسقط بذلك الترك شفعته.

و كذا لو بلغه أنّه باعه بالثمن المسمّى سهاما قليلة ثمّ ظهر أنّها كثيرة.

و كذا إذا كانا قد أظهرا أنّهما تبايعا ذلك بالدنانير، فترك ثمّ بان أنّهما تبايعا ذلك بالدراهم، تثبت الشفعة، سواء كانت بقيمة الدراهم أو أكثر أو أقلّ - و به قال الشافعي و زفر(1) - لأنّه قد يكون له غرض في ذلك بأن يكون مالكا لأحد النقدين دون الذي وقع التبايع به.

و قال أبو حنيفة و أبو يوسف و محمّد: إذا كانت قيمتهما سواء، سقطت شفعته - و به قال بعض الشافعيّة - لأنّهما يجريان مجرى الجنس الواحد(2).

و كذا إن أظهرا له أنّ زيدا اشتراها، فترك الشفعة فبان أنّ المشتري عمرو و أنّ زيدا كان وكيلا لعمرو، لم تبطل الشفعة، و كان له المطالبة بها، لاحتمال أن يكون يرضى بشركة زيد و لا يرضى بشركة عمرو.

و لو ظهر كذب نوع الثمن، فقال: اشتريته بدراهم راضيّة، فترك الشفعة فظهر أنّه اشترى بدراهم رضويّة، لم تبطل شفعته، و كان له الطلب.

و كذا لو أخبر بأنّ المشتري اشترى النصف بمائة، فترك الشفيع ثمّ5.

ص: 323


1- التهذيب - للبغوي - 353:4، حلية العلماء 298:5-299، العزيز شرح الوجيز 541:5-542، روضة الطالبين 190:4، بدائع الصنائع 19:5، الاختيار لتعليل المختار 542:2، المغني 481:5، الشرح الكبير 479:5.
2- بدائع الصنائع 19:5، الاختيار لتعليل المختار 73:2-74، حلية العلماء 5: 299، العزيز شرح الوجيز 542:5، روضة الطالبين 190:4-191، المغني 5: 481، الشرح الكبير 479:5.

بان(1) أنّه اشترى الربع بخمسين أو بالعكس، تثبت الشفعة، لأنّه قد يكون له غرض في القليل، و قد يكون له أيضا غرض في الكثير.

و كذا لو قيل له: باع كلّ نصيبه، فترك ثمّ ظهر بعضه أو بالعكس، أو أنّه باعه بثمن حالّ، فترك ثمّ ظهر أنّه مؤجّل، أو أنّه باعه إلى شهر، فترك فظهر أنّه إلى شهرين أو بالعكس، أو أنّه باع رجلين فبان رجلا أو بالعكس، فترك الشفعة قبل ظهور الحال، لم تبطل الشفعة، لاختلاف الغرض بذلك.

و لو ظهر بأنّ الثمن عشرة، فترك الشفعة ثمّ ظهر أنّ الثمن عشرون(2) ، أو أخبر بأنّ الثمن مؤجّل(3) ، فترك فبان حالاّ، أو أنّ المبيع الجميع بألف فبان أنّ البعض بألف، بطل حقّه من الشفعة قطعا.

و لو أخبر(4) أنّه اشترى النصف بمائة، فترك الشفعة ثمّ ظهر أنّه اشترى الربع بخمسين أو بالعكس، تثبت الشفعة، لأنّه قد يكون له غرض في القليل أو الكثير.

و لو بلغه(5) أنّ المشتري واحد، فترك الشفعة ثمّ ظهر أنّه ذلك الواحد و آخر، فله الشفعة من كلّ منهما و من أحدهما إن قلنا بثبوت الشفعة مع الكثرة، لأنّه ترك الذي ترك له على أنّه اشترى الجميع، فإذا كان اشترى البعض، تثبت له، و أمّا الآخر فلم يتركه له.».

ص: 324


1- في الطبعة الحجريّة: «ظهر» بدل «بان».
2- في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «عشرين». و الصحيح ما أثبتناه.
3- في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «مؤجّلا» بالنصب.
4- تقدّم هذا الفرع آنفا بعد قوله: «و لو ظهر كذب.. كان له طلب».
5- تقدّم هذا الفرع آنفا عند قوله: «.. أو أنّه باع.. أو بالعكس».
مسألة 792: لو أخّر الطلب و اعتذر بحصول مرض أو حبس أو غيبة، و أنكر المشتري،

قدّم قول الشفيع إن علم حصول العارض - الذي ادّعاه - له، و إن لم يعلم له هذه الحال، قدّم قول المشتري، لأصالة العدم، و أصالة عدم الشفعة.

و لو قال: لم أعلم ثبوت حقّ الشفعة، أو قال: أخّرت لأنّي لم أعلم أنّ الشفعة على الفور(1) ، فإن كان قريب العهد بالإسلام، أو نشأ في برّيّة لا يعرفون الأحكام، قبل قوله، و له الأخذ بالشفعة، و إلاّ فلا.

مسألة 793: لو ضمن الشفيع العهدة للمشتري أو ضمن الدرك للبائع عن المشتري،

قال الشيخ رحمه اللّه: لا تسقط شفعته، و به قال الشافعي، و كذا إذا شرطا الخيار للشفيع إذا قلنا بصحّة اشتراط الخيار للأجنبيّ، لأنّ هذا سبب سبق وجوب الشفعة، فلا تسقط به، كما إذا أذن له في البيع أو عفا عن الشفعة قبل تمام البيع(2).

و قال أهل العراق: إنّه تسقط الشفعة، لأنّ العقد تمّ به، فأشبه البائع إذا باع بعض نصيبه، لا شفعة له(3).

قالت الشافعيّة: هذا ليس بصحيح، لأنّ البيع لا يقف على الضمان، و يبطل بما(4) إذا كان المشتري شريكا، فإنّه تثبت له الشفعة بقدر نصيبه(5).

ص: 325


1- ورد في النسخ الخطّيّة و الحجريّة قوله: «أو قال.. على الفور» بعد قوله: «فإن كان قريب العهد بالإسلام». و هو سهو من النّسّاخ.
2- الخلاف 447:3، المسألة 25، و انظر: حلية العلماء 312:5، و العزيز شرح الوجيز 546:5، و المغني 543:5، و الشرح الكبير 483:5.
3- حلية العلماء 312:5، المغني 543:5، الشرح الكبير 483:5، الخلاف - للطوسي - 447:3، المسألة 25.
4- في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «به» بدل «بما». و الصحيح ما أثبتناه.
5- انظر: المغني 543:5، و الشرح الكبير 484:5.

و القول ببطلان الشفعة لا بأس به عندي، لدلالة ذلك على الرضا بالبيع.

قال الشيخ رحمه اللّه: و لو كان الشفيع وكيلا في البيع(1) ، لم تسقط شفعته، سواء كان وكيلا للبائع في البيع أو للمشتري في الشراء - و به قال الشافعي - لعدم الدليل على سقوط الشفعة بالوكالة(2).

و قال بعض الشافعيّة: إن كان وكيلا للبائع، فلا شفعة له، و إن كان وكيلا للمشتري، ثبتت له الشفعة، و الفرق: أنّه إذا كان وكيلا في البيع، لحقته التهمة، و في الشراء لا تهمة(3).

و قال أهل العراق: إذا كان وكيلا للمشتري، سقطت شفعته، بناء على أصلهم أنّ الوكيل يملك، و لا يستحقّ على نفسه الشفعة(4).

و يحتمل عندي قويّا بطلان الشفعة، لأنّ التوكيل يدلّ على الرضا بالبيع.

مسألة 794: لو أذن الشفيع في البيع، فقال: بع نصيبك و قد عفوت عن الشفعة،

أو أبرأه(5) من الشفعة قبل تمام البيع أو أسقط حقّه أو عفا قبل العقد، لم تسقط شفعته، و به قال الشافعي(6).

ص: 326


1- أي: بيع الشقص الذي يستحقّ به الشفعة.
2- الخلاف 448:3، المسألة 27، و راجع: المغني 542:5، و الشرح الكبير 5: 483-484.
3- المغني 542:5، الشرح الكبير 483:5.
4- حكاه عنهم الشيخ الطوسي في الخلاف 448:3، المسألة 27، و ابنا قدامة في المغني 542:5، و الشرح الكبير 483:5.
5- في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «أبرأ». و الظاهر ما أثبتناه.
6- حلية العلماء 309:5، مختصر اختلاف العلماء 240:4، 1948، المغني 5: 541، الشرح الكبير 484:5.

و حكي عن عثمان البتّي أنّه قال: تسقط الشفعة(1) ، لرواية جابر عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنّه قال: «الشفعة في كلّ شرك في أرض(2) أو ربع أو حائط لا يصلح أن يبيع حتى يعرض على شريكه فيأخذ أو يدع»(3) فأجاز تركه.

و المراد العرض على الشريك ليبتاع ذلك إن أراد، فيخفّ بذلك المئونة عليه في أخذ المشتري الشقص، لأنّ قوله عليه السّلام: «فيأخذ» ليس بالشفعة، لأنّ العرض متقدّم على البيع، و الأخذ متعقّب للعرض، فقوله:

«أو يدع» أي: يدع الشراء، لا أنّه يسقط حقّه بتسليمه. و الأصل فيه أنّ ذلك إسقاط حقّ قبل وجوبه، فلا يصحّ، كما لو أبرأه ممّا يدينه إيّاه.

و كذا لو قال للمشتري: اشتر فلا أطالبك بالشفعة و قد عفوت عنها، لم يسقط حقّه بذلك.

فروع:

أ - إذا شهد الشفيع على البيع، لم تبطل شفعته بذلك، لأنّه قد يريد البيع ليأخذه بالشفعة، و كذا في الإذن بالبيع على ما تقدّم(4).

ب - لو بارك للبائع فيما باع أو للمشتري فيما اشترى، لم تسقط شفعته، و قد سلف(5).

ج - لو قال الشفيع للمشتري: بعني أو قاسمني، بطلت شفعته، لأنّه يتضمّن الرضا بالبيع و إجازته له.8.

ص: 327


1- مختصر اختلاف العلماء 240:4، 1948، حلية العلماء 309:5.
2- في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «شرك بأرض». و ما أثبتناه من المصدر.
3- صحيح مسلم 1229:3، 135.
4- في صدر المسألة 794.
5- في ص 320 ضمن المسألة 788.

د - لو شرط الخيار للشفيع فاختار الإمضاء، سقطت شفعته إن ترتّبت على اللزوم.

مسألة 795: لو باع أحد الشريكين نصيبه و لم يعلم شريكه حتى باع نصيبه

ثمّ علم بيع شريكه، فالأقرب: عدم الشفعة، لأنّها إنّما ثبتت لزوال الضرر بها عن نصيبه، فإذا باع نصيبه فلا معنى لإثباتها، كما لو وجد بالمبيع عيبا ثمّ زال قبل علم المشتري، و هو أحد قولي الشافعي. و الثاني: أنّه تثبت له الشفعة في النصيب الأوّل، لأنّه استحقّ فيه الشفعة بوجود ملكه حين التبايع، فلم يؤثّر زوال ملكه بعد ذلك(1).

و كذا البحث لو وهب نصيبه قبل علمه بالبيع ثمّ علم، و كذا لو تقايلا في هذا بالبيع(2) الثاني.

إذا عرفت هذا، فإن قلنا: لا شفعة له، فللمشتري منه الأخذ بالشفعة، لوجود المقتضي، و هو الشركة.

و إن قلنا: له الشفعة، فالأقرب: عدم استحقاق المشتري منه للشفعة إن قلنا بانتفاء الشفعة مع الكثرة، و إلاّ فإشكال أقربه ذلك أيضا، لأنّ الشفعة استحقّها البائع الجاهل، لسبق عقد الشفعة على عقده، فلا يستحقّها الآخر، لامتناع استحقاق المستحقّين شيئا واحدا.

و لو كان الجاهل قد باع نصف نصيبه و قلنا بالشفعة مع الكثرة، فوجهان:

أحدهما: أنّه تسقط الشفعة - و هو أحد قولي الشافعي(3) - كما إذا عفا

ص: 328


1- العزيز شرح الوجيز 543:5، روضة الطالبين 191:4.
2- كذا.
3- العزيز شرح الوجيز 543:5، روضة الطالبين 191:4-192.

عن بعض الشفعة.

و الثاني: لا تسقط، لأنّه قد بقي من نصيبه ما يستحقّ به الشفعة في جميع المبيع لو انفرد كذا إذا بقي. و لأنّه معذور بجهله، و قد بقيت الحاجة - الموجبة للشفعة - للمشاركة(1).

و لو باع الشفيع نصيبه عالما أو وهبه عالما بثبوت الشفعة، بطلت شفعته، سواء قلنا: إنّ الشفعة على الفور أو على التراخي، لزوال ضرر المشاركة.

و لو باع بعض نصيبه عالما، فإن قلنا ببطلان الشفعة مع الكثرة، فكذلك، لتكثّر الشركاء. و إن قلنا بثبوتها معها، فالأقرب: البطلان أيضا، لثبوت التضرّر بالشركة، فلا أثر للشفعة في زوالها.

و يحتمل عدم البطلان، لأنّ تضرّر الشركة قد يحصل مع شخص دون آخر، و لهذا قلنا: إنّه إذا بلغه أنّ المشتري زيد فترك الشفعة ثمّ بان أنّه عمرو، لم تبطل شفعته، كذا هنا.

أمّا لو طالب بالشفعة فامتنع عليه المشتري من الدفع بعد أن بذل المال، لم تسقط شفعته.

فإن باع نصيبه حالة المنع منها ثمّ تمكّن من الطلب، ففي ثبوته إشكال ينشأ: من استحقاقه للطلب أوّلا و قد طلب، فلا تبطل شفعته بالبيع، و البيع معذور فيه، لإمكان حاجته، و من بطلان العلّة الموجبة للشفعة، و هي الشركة. و هو أقرب.

و لو تملّك بالشفعة فقال: تملّكت بالشفعة، حالة منع المشتري منها،2.

ص: 329


1- العزيز شرح الوجيز 543:5، روضة الطالبين 191:4-192.

فالأقرب: أنّه يملك الشقص بذلك، فإذا باع نصيبه بعد ذلك، لم تسقط شفعته على هذا التقدير قطعا. و كذا له النماء من المشتري و الأجرة.

مسألة 796: إذا وجبت الشفعة و اصطلح الشفيع و المشتري على تركها بعوض،

صحّ عندنا، و سقطت الشفعة - و به قال مالك(1) - لعموم جواز الصلح. و لأنّه عوض على إزالة ملك في ملك، فجاز، كأخذ العوض على تمليك امرأته أمرها في الخلع.

و قال أبو حنيفة و الشافعي: لا تصحّ المعاوضة، لأنّه خيار لا يسقط إلى مال، فلا يجوز أخذ العوض عنه، كخيار المجلس(2).

و هل تبطل الشفعة ؟ للشافعي وجهان:

أحدهما: البطلان، لأنه تركها بعوض لا يسلم له، فكان كما لو تركها.

و الثاني: لا تسقط، لأنّه لم يرض بإسقاطها مجّانا، و إنّما رضي بالمعاوضة عنها، فإذا لم تثبت له المعاوضة، كانت الشفعة باقية(3).

و هذان الوجهان جاريان في الردّ بالعيب إذا عاوض عنه و قلنا:

لا تصحّ المعاوضة.

و عندنا أنّه تصحّ المعاوضة أيضا.

مسألة 797: إذا وجبت الشفعة في شقص فقال صاحب الشفعة:

أخذت نصف الشقص، لم يكن له ذلك.

ص: 330


1- المغني و الشرح الكبير 482:5.
2- الحاوي الكبير 244:7، التهذيب - للبغوي - 353:4، المغني 482:5 - 483، الشرح الكبير 481:5-482.
3- الحاوي الكبير 244:7، التهذيب - للبغوي - 353:4-354.

و هل تسقط شفعته ؟ قال محمّد بن الحسن و بعض الشافعيّة: نعم، لأنّه إذا طلب بعضها، فقد أخّر بعضها، فقد ترك شفعته في بعضها، و إذا ترك بعضها، سقطت كلّها، لأنّها لا تتبعّض(1).

و قال أبو يوسف: لا تسقط، لأنّ اختياره لبعضها طلب للشفعة، فلا يجوز أن يكون هو بعينه تركا لها، لعدم دلالة الشيء على نقيضه. و لأنّه لمّا لم يجز له أن يأخذ بعضها دون بعض كان طلب بعضها كطلب جميعها(2).

و اعترض: بأنّ طلب البعض لا يكون طلبا للجميع، و لا معنى لطلب الجميع بطلب البعض، و لا غرض، فتسقط(3).

البحث السابع: في تفاريع القول بالشفعة مع الكثرة.
مسألة 798: اختلف القائلون بثبوت الشفعة مع الكثرة

- من أصحابنا و من العامّة - هل هي على عدد الرءوس أو على قدر الأنصباء؟ فذهب بعض علمائنا إلى أنّها تثبت على عدد الرجال(4) ، فلو كان لأحد الشركاء النصف و للباقين النصف الآخر بالسويّة فباع صاحب الربع نصيبه، كانت الشفعة بين صاحب النصف و صاحب الربع بالسويّة - و به قال

ص: 331


1- الحاوي الكبير 244:7، حلية العلماء 292:5، المغني 483:5، الشرح الكبير 489:5-490.
2- الحاوي الكبير 244:7، حلية العلماء 293:5، المغني 483:5، الشرح الكبير 490:5.
3- المغني 483:5، الشرح الكبير 490:5.
4- كما في المبسوط - للطوسي - 113:3، و نسبه الفاضل الآبي في كشف الرموز 393:2 إلى ابن الجنيد.

الشعبي و النخعي و ابن أبي ليلى و ابن شبرمة و أبو حنيفة و أصحابه و المزني و الشافعي في أحد القولين، و أحمد في إحدى الروايتين(1) - لقول أمير المؤمنين عليه السّلام: «الشفعة على عدد الرجال»(2).

و لأنّ كلّ واحد منهم لو انفرد، كان له أخذ الكلّ، فإذا اجتمعوا اشتركوا، كالبنين في الميراث، و كما لو كان لواحد من الثلاثة نصف عبد و للثاني ثلثه و للثالث سدسه فأعتق صاحب الثلث و السدس حصّتهما معا دفعة و هما موسران، فإنّ النصف يقوّم عليهما بالسويّة و إن اختلف استحقاقهما.

و قال بعض علمائنا: إنّها تثبت على قدر النّصب(3) - و به قال عطاء و مالك و إسحاق و أحمد في الرواية الأخرى و الشافعي في القول الآخر، و هو مذهب سوار القاضي و عبيد اللّه بن الحسن العنبري(4) - لأنّه حقّ يستفاد بسبب الملك، فكان على قدر الأملاك كالغلّة.4.

ص: 332


1- المغني 523:5، الشرح الكبير 490:5، الهداية - للمرغيناني - 25:4، مختصر اختلاف العلماء 248:4، 1965، الحاوي الكبير 259:7، المهذّب - للشيرازي - 388:1، حلية العلماء 291:5، التهذيب - للبغوي - 362:4، الوسيط 94:4، الوجيز 219:1، العزيز شرح الوجيز 527:5 و 528، روضة الطالبين 182:4، المحلّى 98:9-99، الاستذكار 281:21، 5-31374.
2- الفقيه 45:3، 156، التهذيب 166:7، 736، الاستبصار 116:3-117، 416.
3- كما في المبسوط - للطوسي - 113:3، و المهذّب - لابن البرّاج - 453:1.
4- المغني 523:5، الشرح الكبير 490:5، بداية المجتهد 260:2، الاستذكار 280:21، 31370، و 281، 3-31372، المعونة 1269:2، المهذّب - للشيرازي - 388:1، الحاوي الكبير 259:7، حلية العلماء 291:5-292، التهذيب - للبغوي - 362:4، الوسيط 94:4، الوجيز 219:1، العزيز شرح الوجيز 527:5 و 528، روضة الطالبين 182:4، المحلّى 99:9، مختصر اختلاف العلماء 248:4، 1965، الهداية - للمرغيناني - 25:4.

ثمّ نقضوا الأوّل(1) بالفرسان و الرجّالة في الغنيمة، من انفرد منهم استحقّ الكلّ، و إذا اجتمعوا تفاضلوا، و كذا أصحاب الديون إذا كان من عليه الدّين ماله مثل أقلّ الديون، و المعتقان استويا، لأنّ العتق إتلاف النصيب الباقي، و سبب الإتلاف يستوي فيه القليل و الكثير، كالنجاسة تقع في المائع، و هنا يستحقّ بسبب الملك، فافترقا(2).

و الفرق ظاهر، فإنّ الفرس كالفارس، فلا تفاضل في الحقيقة، و الدّين كالكسب الحاصل لأرباب الديون، فكانوا فيه على قدر رءوس أموالهم.

إذا ثبت هذا، فإن قلنا: الشفعة على عدد الرءوس، فلا بحث.

و إن قلنا: على قدر الأنصباء، فلو كان لأحدهما النصف و للآخر الربع و المبيع الربع، استحقّ صاحب النصف ثلثي المبيع، و صاحب الربع ثلثه، فتقسّم الجملة من اثني عشر، لصاحب النصف ثمانية، و لصاحب الربع أربعة، فقد صار لأحدهما الثلثان و للآخر الثلث.

مسألة 799: إذا تزاحم الشركاء، فالأقسام ثلاثة:

الأوّل: أن يتّفقوا على الطلب، فإن كانوا حاضرين بأجمعهم حالة البيع، فتثبت بينهم الشفعة على عدد الأنصباء أو على عدد الرءوس، فلو كانت الدار بين أربعة بالسويّة باع أحدهم نصيبه، كان للثلاثة الباقية أخذها بالشفعة، فتصير الدار أثلاثا بعد أن كانت أرباعا.

الثاني: أن لا يكونوا بأجمعهم حاضرين فإمّا أن يكونوا بأجمعهم غيّابا أو بعضهم، و على كلا التقديرين لا تسقط شفعة الغائب بغيبته مع التأخّر، لمكان العذر. فإن قدموا بأجمعهم، فحكمهم حكم الحاضرين.

ص: 333


1- أي القول الأوّل.
2- راجع المغني 523:5، و الشرح الكبير 491:5.

و إن حضر بعضهم، فحكمه حكم ما إذا غاب البعض خاصّة.

إذا ثبت هذا، فإن كان الحاضر واحدا أو قدم بعد غيبة الجميع، فليس له أخذ حصّته فقط، لما فيه من التبعيض، و الشفعة وضعت لإزالته، فلا تكون سببا فيه. و لما فيه من تضرّر المشتري، و لا يكلّف الصبر إلى حضور الغيّاب، لأنّه إضرار به و بالمشتري، بل يأخذ الجميع، لأنّ الحاضر هو المستحقّ للجميع بطلبه، و الغيّاب لم يوجد منهم مطالبة بالشفعة، فحينئذ إمّا أن يأخذ الحاضر الجميع أو يترك.

و لو كان الحاضر اثنين أو قدم اثنان، تساويا في أخذ الجميع أو الترك.

الثالث: أن يطلب بعض الشركاء و يعفو بعضهم، فالطالبون بالخيار بين أخذ الكلّ أو تركه و لو كان الباقي واحدا، لأنّ الشفعة إنّما تثبت بسوء المشاركة و مئونة القسمة، فإذا أراد أن يأخذ من المشتري بعض الشقص، لم يزل الضرر الذي لأجله تثبت الشفعة. و لأنّ الشفعة إنّما تثبت لإزالة الضرر عنه، و في تبعيض الشقص إضرار بالمشتري، فلا يزال الضرر بإلحاق ضرر.

مسألة 800: ليس للشفيع تشقيص الشفعة،

بل إمّا أن يأخذ بالجميع(1) أو يترك الجميع، لما في التشقيص من الإضرار بالمشتري.

إذا ثبت هذا، فلو عفا عن بعض الشفعة، سقطت شفعته، كالقصاص، و هو أحد وجوه الشافعيّة.

و الثاني: لا يسقط شيء، كعفوه عن بعض حدّ القذف.

ص: 334


1- في «س، ي»: «الجميع».

و الثالث: يسقط ما عفا عنه، و يبقى الباقي(1).

قال الصيدلاني منهم: موضع هذا الوجه ما إذا رضي المشتري بتبعيض الصفقة، فإن أبى و قال: خذ الكلّ أو دعه، فله ذلك(2).

و قال الجويني: هذه الأوجه إذا لم نحكم بأنّ الشفعة على الفور، فإن حكمنا به، فطريقان: منهم من قطع بأنّ العفو عن البعض تأخير لطلب الباقي، و منهم من احتمل ذلك إذا بادر إلى طلب الباقي، و طرّد الأوجه(3)(4).

إذا تقرّر هذا، فنقول: إذا استحقّ اثنان شفعة فعفا أحدهما عن حقّه، سقط نصيب العافي، و يثبت جميع الشفعة للآخر، فإن شاء أخذ الجميع، و إن شاء تركه، و ليس له الاقتصار على قدر حصّته، لئلاّ تتبعّض الصفقة على المشتري، و هو أحد وجوه الشافعيّة.

و الثاني: أنّه يسقط حقّهما - و هو اختيار ابن سريج - كالقصاص.

و الثالث: لا يسقط حقّ واحد منهما تغليبا للثبوت.

و الرابع: يسقط حقّ العافي، و ليس لصاحبه أن يأخذ إلاّ قسطه، و ليس للمشتري إلزامه بأخذ الجميع(5).

هذا إذا ثبتت الشفعة لعدد ابتداء، و لو ثبتت لواحد فمات عن اثنين فعفا أحدهما، فهل له كما لو ثبتت لواحد فعفا عن بعضها، أم كثبوتها4.

ص: 335


1- العزيز شرح الوجيز 531:5، روضة الطالبين 184:4.
2- العزيز شرح الوجيز 531:5، روضة الطالبين 184:4.
3- في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «الوجه» بدل «الأوجه». و ما أثبتناه من «روضة الطالبين». و بدلها في «العزيز شرح الوجيز»: «الوجوه».
4- العزيز شرح الوجيز 531:5، روضة الطالبين 181:4.
5- العزيز شرح الوجيز 532:5، روضة الطالبين 181:4.

لاثنين عفا أحدهما؟ للشافعيّة وجهان(1).

تذنيب: لو كان للشقص شفيعان فمات كلّ عن اثنين فعفا أحدهم عن حقّه، فللشافعيّة وجوه:

أ - أنّه يسقط جميع الشفعة.

ب - يبقى جميع الشفعة للأربعة، لبطلان العفو.

ج - يسقط حقّ العافي و أخيه خاصّة، لاتّحادهما في سبب الملك، و يأخذه الآخران.

د - ينتقل حقّ العافي إلى الثلاثة، فيأخذون الشقص أثلاثا.

ه - يستقرّ حقّ العافي للمشتري، و يأخذ الثلاثة ثلاثة أرباع الشقص.

و - ينتقل حقّ العافي إلى أخيه فقط(2).

و على ما اخترناه نحن قبل ذلك فالوجه المعتمد هو الخامس من هذه الوجوه.

مسألة 801: لو مات عن اثنين و له دار، فهي بينهما بالسويّة،

فلو مات أحدهما و ورثه ابنان له فباع أحدهما نصيبه فإنّ الشفعة تثبت لأخيه و عمّه - و به قال الشافعي في الإملاء، قال: و هو القياس، و به قال أبو حنيفة و أحمد و المزني(3) - لأنّهما شريكان حال ثبوت الشفعة، فكانت الشفعة بينهما، كما لو ملك الثلاثة بسبب واحد.

و قال في القديم: أنّ أخاه أحقّ بالشفعة - و به قال مالك - لأنّ الأخ

ص: 336


1- العزيز شرح الوجيز 532:5، روضة الطالبين 181:4.
2- العزيز شرح الوجيز 532:5-533، روضة الطالبين 184:4-185.
3- المغني 524:5، المهذّب - للشيرازي - 388:1، الحاوي الكبير 255:7، حلية العلماء 299:5، التهذيب - للبغوي - 362:4، الوسيط 94:4-95، العزيز شرح الوجيز 528:5، روضة الطالبين 183:4.

أخصّ بشركته من العمّ، لاشتراكهما في سبب الملك، و لهذا لو قسّمت الدار، كانا حزبا و العمّ حزبا آخر(1).

و لا معنى(2) للاختصاص، لأنّ الاعتبار بالشركة لا بسببها. و أمّا القسمة فإنّ القاسم يجعل الدار أربعة أجزاء: اثنان للعمّ، و لكلّ واحد جزء، كما يفعل ذلك في الفرائض.

فروع:

أ - لو قلنا: تختصّ بالأخ - كما هو أحد قولي الشافعي - لو عفا عن الشفعة، ففي ثبوتها للعمّ عند الشافعيّة وجهان:

أحدهما: أنّها لا تثبت، لأنّه لو كان مستحقّا، لما تقدّم عليه غيره.

و الثاني: تثبت له، لأنّه شريك، و إنّما يقدّم الأخ لزيادة قربه، كما أنّ المرتهن يقدّم في المرهون على باقي الغرماء، فلو أسقط حقّه، أمسكه الباقون(3).

ب - هذا الحكم لا يختصّ بالأخ و العمّ، بل في كلّ صورة ملك شريكان عقارا بسبب واحد، و غيرهما من الشركاء بسبب آخر، فلو اشترى نصف دار و اشترى آخران النصف الآخر ثمّ باع أحد الآخرين نصيبه، فهل4.

ص: 337


1- المهذّب - للشيرازي - 388:1، الحاوي الكبير 256:7، حلية العلماء 5: 300، التهذيب - للبغوي - 363:4، الوسيط 95:4، العزيز شرح الوجيز 5: 528، روضة الطالبين 183:4، المغني 524:5.
2- في «س، ي» و الطبعة الحجريّة: «فلا معنى». و الظاهر ما أثبتناه حيث إنّه ردّ على الشافعي في قوله القديم.
3- المهذّب - للشيرازي - 388:1، الحاوي الكبير 256:7، حلية العلماء 5: 300، العزيز شرح الوجيز 528:5-529، روضة الطالبين 183:4.

الشفعة للآخر الذي يشاركه في الشراء خاصّة، أو له و للأوّل صاحب النصف ؟ للشافعي قولان، لاختلاف سبب الملك(1).

و كذا لو ورث ثلاثة دارا فباع أحدهم نصيبه من اثنين و عفا الآخر ثمّ باع أحد المشتريين نصيبه، فهل تثبت الشفعة للمشتري الآخر أم [للكلّ](2) ؟ على القولين(3).

ج - لو مات صاحب عقار و خلّف ابنتين و أختين، فالمال بأجمعه - عندنا - للبنتين.

و عند العامّة للبنتين الثلثان، و للأختين الثلث.

فلو باعت إحدى الأختين نصيبها، فهل تثبت الشفعة لأختها أو لها و للبنتين ؟ للشافعيّة وجهان:

أحدهما: أنّ ذلك مبنيّ على القولين اللّذين ذكرناهما، لاختلاف سبب الملك.

و الثاني: [أنّهنّ يشتركن](4) في الشفعة قولا واحدا، لأنّ السبب واحد - و هو الميراث - و إن اختلف قدر الاستحقاق(5).4.

ص: 338


1- التهذيب - للبغوي - 363:4، العزيز شرح الوجيز 529:5، روضة الطالبين 4: 183.
2- في النسخ الخطّيّة و الحجريّة بدل «للكلّ»: «لذلك». و الصحيح ما أثبتناه.
3- المهذّب - للشيرازي - 388:1-389، التهذيب - للبغوي - 363:4، حلية العلماء 300:5.
4- بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «أنّهم يشتركون». و الصحيح ما أثبتناه.
5- المهذّب - للشيرازي - 389:1، حلية العلماء 301:5، العزيز شرح الوجيز 5: 529، روضة الطالبين 183:4.

د - لو مات الرجل عن ثلاثة(1) بنين و خلّف دارا ثمّ مات أحدهم و خلّف ابنين فباع أحد العمّين نصيبه، فهل يكون العمّ الآخر أحقّ بالشفعة، أو يشترك هو و ابنا(2) أخيه ؟ للشافعيّة وجهان:

أحدهما: أنّ ذلك على القولين.

و الثاني: أنّهم يشتركون(3).

و الفصل بين هذه و ما تقدّم من مسألة الأخ و العمّ: أنّ هنا يقوم أبناء الميّت منهم مقام أبيهم و يخلفونه في الملك، و لو كان أبوهم باقيا، شارك أخاه في الشفعة، فلهذا شاركوه، و في مسألة الأخ و العمّ البائع ابن أخيهم، و هم لا يقومون مقام أخيهم، و إنّما يقومون مقام أبيهم.

ه - إذا قلنا: إنّ الشفعة للجماعة، قسّم بينهم إمّا على قدر النصيب أو على عدد الرءوس.

فإن قلنا: إنّ الشفعة لشريكه في النصيب دون غيره، فلو عفا عن الشفعة، فهل تثبت للشريك الآخر؟ للشافعيّة وجهان، أحدهما: أنّها(4) تثبت(5) ، لأنّه شريكه، و إنّما يقدّم عليه من كان أخصّ بالبائع، فإذا عفا، ثبتت للشريك الآخر، كما لو قتل واحد جماعة واحدا بعد واحد، ثبت القصاص للأوّل، فإذا عفا الأوّل، ثبت القصاص للثاني، كذا هنا(6).

مسألة 802: قد ذكرنا أنّه إذا قدم واحد من الأربعة و تخلّف اثنان

و كان

ص: 339


1- في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «ثلاث» و ما أثبتناه هو الصحيح.
2- في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «ابني». و الصحيح ما أثبتناه.
3- لم نعثر عليه فيما بين أيدينا من المصادر.
4- في «س، ي» و الطبعة الحجريّة: «أنّه». و ما أثبتناه لأجل السياق.
5- في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «لا تثبت» بزيادة «لا». و الصحيح ما أثبتناه.
6- لم نعثر عليه فيما بين أيدينا من المصادر.

الرابع قد باع نصيبه أو كان واحد من الثلاثة حاضرا، فإنّه إمّا أن يأخذ الجميع أو يترك الجميع، و ليس له أخذ نصيبه، لما فيه من تضرّر المشتري.

فإن أخذ الجميع ثمّ قدم ثان، أخذ منه النصف، لأنّه لا شفيع الآن غيرهما، و وجدت المطالبة منهما دون الثالث، فكانت الشفعة بينهما، فإن قدم الثالث، أخذ منهما الثلث ليكونوا سواء، فإن عفا الثاني، استقرّ على الأوّل، و إن عفا الثالث، استقرّ عليهما.

و لو كان للشقص غلّة حصلت في يد الأوّل، لم يشاركه الثاني فيها، لأنّه ملك الجميع بالأخذ، و قد حصل النماء في ملكه، فكانت كما لو انفصلت في يد المشتري قبل الأخذ بالشفعة.

و كذا إن أخذ الثاني و حصلت الغلّة في يده، لم يشاركه الثالث فيها.

و لو خرج الشقص مستحقّا، قال أكثر الشافعيّة: إنّ العهدة على المشتري يرجع الثلاثة عليه، و لا يرجع أحدهم على الآخر، لأنّ الشفعة [ليست](1) مستحقّة عليهم(2).

و قال بعض الشافعيّة: يرجع الثاني على الأوّل، و الثالث يرجع عليهما، و الأوّل يرجع على المشتري، لأنّ الثاني أخذ من الأوّل و دفع الثمن إليه(3).

و قال بعض الشافعيّة: هذا الخلاف في الرجوع بالمغروم من اجرة و نقص قيمة الشقص، فأمّا الثمن فكلّ يستردّ ما سلّمه ممّن سلّمه إليه6.

ص: 340


1- ما بين المعقوفين أضفناه لاستقامة المعنى.
2- العزيز شرح الوجيز 534:5، روضة الطالبين 185:4.
3- العزيز شرح الوجيز 534:5، روضة الطالبين 185:4-186.

بلا خلاف(1). و هو المعتمد.

مسألة 803: لو قال الأوّل: لا آخذ الجميع و إنّما أنتظر مجيء الشركاء ليأخذوا أو يعفوا،

فالأقرب: عدم سقوط شفعته بذلك، لأنّ له غرضا في الترك، و هو أن لا يأخذ ما يؤخذ منه و يحتاج إلى ثمن كثير ربما لا يقدر عليه في تلك الحال، و مع ذلك يؤدّي حاله إلى عدم التمكّن من العمارة على ما يريده، و ربما انتزع منه فيضيع تعبه، و هو أحد قولي الشافعيّة.

و الثاني: أنّه تسقط شفعته، لأنّه يمكنه الأخذ فلم يفعل فبطلت(2).

و ليس بجيّد، لعدم تمكّنه من أخذ حقّ لا ينازعه فيه غيره.

و لو قال الثاني: لا آخذ النصف، بل الثلث خاصّة لئلاّ يحضر الثالث فيأخذ منّي، فله ذلك، لأنّه يأخذ دون حقّه، بخلاف الأوّل، لأنّ أخذه لبعض الشقص تبعيض للشقص على المشتري، و هو أصحّ وجهي الشافعيّة(3).

و يشكل بأنّه يريد أن يأخذ بعض ما يخصّه، و ليس لأحد الشفيعين أن يأخذ بعض ما يخصّه. فإن أخذ الثلث إمّا على هذا الوجه أو بالتراضي، و هو سهمان من ستّة، ثمّ قدم الثالث، فله أن يأخذ من الأوّل نصف ما في يده، فإن أخذه، فلا كلام. و إن أراد أن يأخذ من الثاني ثلث ما في يده، فله ذلك، لأنّ حقّه ثابت في كلّ جزء.

ثمّ له أن يقول للأوّل: ضمّ ما معك إلى ما أخذته لنقسمه نصفين،

ص: 341


1- العزيز شرح الوجيز 534:5، روضة الطالبين 186:4.
2- الحاوي الكبير 261:7، العزيز شرح الوجيز 533:5، روضة الطالبين 4: 185.
3- العزيز شرح الوجيز 535:5، روضة الطالبين 186:4.

لأنّا متساويان.

و تصحّ المسألة من ثمانية عشر، لأنّا نحتاج إلى عدد لثلثه ثلث، و هو تسعة، مع الثاني - منها - ثلاثة، و مع الأوّل ستّة، فيأخذ الثالث من الثاني(1) واحدا و يضمّه إلى ما مع الأوّل و هو ستّة، فلا تنقسم، فنضرب(2) اثنين في تسعة تبلغ ثمانية عشر، للثاني منها اثنان في اثنين أربعة، تبقى أربعة عشر، للأوّل و الثالث نصفين، و هذا المنقسم من ثمانية عشر ربع الدار، فتكون جملتها اثنين و سبعين - قال بعض الشافعيّة: لمّا ترك الثاني سدسا للأوّل صار عافيا عن بعض حقّه، فيبطل جميع حقّه على الأصحّ، كما سبق، فينبغي أن يسقط حقّ الثاني كلّه، و يكون الشقص بين الأوّل و الثالث(3) - فكأنّ الثالث يقول للأوّل: نحن سواء في الاستحقاق، و لم يترك واحد منّا شيئا من حقّه، فنجمع ما معنا و نقسمه، بخلاف الثاني، لأنّه ترك شيئا من حقّه. و لأنّه لمّا قدم الثالث فله أن يأخذ من الثاني ثلث ما في يده، و ذلك ثلثا سهم، و لا يسقط حقّه بما تركه في يد الأوّل، ثمّ يضمّ ما معه إلى ما في يد الأوّل، و هو أربعة أسهم، فيكون أربعة أسهم و ثلثي سهم يقتسمانها نصفين، لأنّه يطالب الأوّل بثلث نصيبه، و هو سهم من ثلاثة و ثلث السهم الذي تركه الثاني، لأنّه لو أخذه لأخذ ثلثه، و يبقى ثلثا هذا السهم تركه الثاني، و سقط حقّه عنه، فيقتسمانه بينهما، فيحصل له ذلك من أربع جهات، فإن قدم الرابع أخذ من الثاني سهما، و هو ربع ما بيده، و ضمّه إلى ما في يد الأوّل و الثالث يصير خمسة عشر يقتسمونه أثلاثا لكلّ واحد4.

ص: 342


1- في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «فيأخذ الثاني من الثالث». و الصحيح ما أثبتناه.
2- في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «نضرب». و الأنسب ما أثبتناه.
3- العزيز شرح الوجيز 535:5، روضة الطالبين 187:4.

خمسة.

مسألة 804: لو أخذ الأوّل الشقص بالشفعة

ثمّ وجد به عيبا فردّه ثمّ قدم الثاني، كان له أخذ جميع الشقص - و به قال الشافعي(1) - لأنّ الشفيع فسخ تملّكه، و رجع إلى المشتري بالسبب الأوّل، فكان للشفيع الآخر أن يأخذه، كما لو عفا.

و قال محمد بن الحسن الشيباني: إنّه لا يأخذ إلاّ حصّته، لأنّ الأوّل لم يعف عن الشفعة، و إنّما ردّ ذلك لأجل العيب، فلم يتوفّر نصيبه على الآخر، كما لو رجع إليه نصيب أحدهما بسبب آخر(2).

و الفرق بين صورة النزاع و بين عوده بسبب آخر ثابت، لأنّه عاد غير الملك الأوّل الذي تعلّقت به الشفعة.

مسألة 805: لو حضر اثنان و أخذا الشقص و اقتسماه،

كان للثالث بعد حضوره نقض القسمة، و المطالبة بحصّته من الشفعة، و له أن يأخذ من كلّ واحد منهما ثلث ما في يده، و تبقى القسمة بحالها إن رضي المتقاسمان بذلك، و إلاّ فلكلّ منهما الفسخ، لأنّه إنّما رضي بأخذ الجميع، و القسمة لم تقع فاسدة في نفسها، بل وقعت صحيحة، و تعقّبها البطلان المتجدّد، فإذا لم يسلم له جميع ما وصل إليه، كان له الفسخ.

و لو قدم الثالث و أحد الشريكين كان غائبا، فإن قضى له القاضي على الغائب، أخذ من الحاضر الثلث، و من الغائب الثلث. و إن لم يقض، أخذ من الحاضر الثلث، لأنّه قدر ما يستحقّه ممّا في يده، و هو أحد وجهي

ص: 343


1- حلية العلماء 296:5، العزيز شرح الوجيز 534:5، روضة الطالبين 186:4.
2- حلية العلماء 296:5.

الشافعيّة، و الثاني: النصف، لأنّ أحدهما إذا كان غائبا، صار كأنّهما الشفيعان، فيقتسمان بينهما بالسويّة(1).

إذا ثبت هذا، فإن حضر الغائب و غاب هذا الحاضر، فإن كان أخذ من الحاضر ثلث ما في يده، أخذ من الذي كان غائبا و حضر ثلث ما في يده أيضا(2). و إن كان قد أخذ من الحاضر النصف ممّا في يده، أخذ من هذا سدس ما في يده، فيتمّ بذلك نصيبه، و يكون ذلك من ثمانية و أربعين، و المبيع اثنا عشر أخذ ستّة.

مسألة 806: لو كانت الدار بين ثلاثة فباع اثنان من رجل شقصا،

فقال الشفيع: أنا آخذ ما باع فلان و أترك ما باع فلان الآخر، كان له ذلك، لأنّ العقد إذا كان في أحد طرفيه عاقدان كان بمنزلة العقدين، و به قال الشافعي(3) ، خلافا لأبي حنيفة(4) ، و قد سلف(5).

و لو باع واحد من اثنين، كان للشفيع أن يأخذ منهما أو من أحدهما، دون الآخر - و به قال الشافعي(6) - لأنّهما مشتريان، فجاز(7) للشفيع أخذ نصيب أحدهما.

ص: 344


1- حلية العلماء 296:5، العزيز شرح الوجيز 535:5، روضة الطالبين 187:4.
2- كلمة «أيضا» لم ترد في «س» و الطبعة الحجريّة.
3- مختصر المزني: 121، الحاوي الكبير 289:7، العزيز شرح الوجيز 536:5، روضة الطالبين 187:4.
4- الحاوي الكبير 289:7، المغني 530:5.
5- راجع ص 37، المسألة 563.
6- مختصر المزني: 121، الحاوي الكبير 289:7، العزيز شرح الوجيز 536:5، روضة الطالبين 187:4، المغني 530:5، الشرح الكبير 498:5.
7- في الطبعة الحجريّة: «فكان» بدل «فجاز».

و قال أبو حنيفة: يجوز بعد القبض، و لا يجوز قبله في إحدى الروايتين، لأنّه قبل القبض يكون تبعيضا للصفقة على البائع(1) ، بناء على أصله في أنّه يأخذ المبيع منه.

و هو ممنوع، على أنّ الباقي يأخذه المشتري و الآخر، و ليس تبعيضا.

و كذا لو باع اثنان من واحد، فإنّ للشفيع أن يأخذ الحصّتين أو حصّة أحدهما دون الآخر، لما تقدّم، خلافا لأبي حنيفة و لمالك(2).

و لو باع الشريكان من اثنين، كان ذلك بمنزلة أربعة عقود، و للشفيع أخذ الكلّ أو ما شاء منهما إمّا ثلاثة أرباعه، و هو نصيب أحد المشتريين و نصف نصيب الآخر، أو يأخذ نصف الجملة إمّا بأن يأخذ نصيب أحدهما أو نصف نصيب كلّ واحد، أو يأخذ ربع الجملة، و هو نصف نصيب أحدهما.

مسألة 807: لو باع أحد الشريكين بعض

مسألة 807: لو باع أحد الشريكين بعض(3) نصيبه من رجل ثمّ باع منه الباقي

ثمّ علم شريكه، كان له أن يأخذ المبيع أوّلا خاصّة، أو ثانيا خاصّة، أو هما معا بالشفعة، لأنّ لكلّ واحد من العقدين حكم نفسه، فإن عفا عن الأوّل و أراد أخذ الثاني، لم يشاركه المشتري بنصيبه الأوّل، لأنّ ملكه على الأوّل لم يستقرّ، لأنّ للشفيع أخذه، فلا يستحقّ به شفعته، كما لو ارتهن بعضه و اشترى الباقي، و به قال الشافعي(4).

و قال أبو حنيفة: ليس له أن يأخذ النصيبين معا، و إنّما له أن يأخذ

ص: 345


1- المغني 530:5، الشرح الكبير 498:5، العزيز شرح الوجيز 536:5.
2- المغني 530:5، العزيز شرح الوجيز 536:5.
3- في الطبعة الحجريّة: «نصف» بدل «بعض».
4- انظر: المغني 533:5.

الأوّل و نصف الثاني - و به قال بعض الشافعيّة - لأنّ ملكه ثبت له على الأوّل، فإذا اشترى الثاني، كان شريكا له بالنصف(1).

مسألة 808: إذا باع أحد الشريكين نصيبه من ثلاثة أنفس صفقة واحدة،

فإن عفا [الشريك](2) عن أحدهم، صحّ عفوه، و لم يجز للمعفوّ عنه مشاركته في الشفعة على الآخرين، لأنّ ملك المعفوّ عنه لم يسبق ملكهما، و إنّما ملك الثلاثة دفعة واحدة، و إنّما يستحقّ الشفعة بملك سابق لملك المشتري.

فإن باع أحد الشريكين نصيبه من ثلاثة في ثلاثة عقود على الترتيب فعفا الشريك عن المشتري الأوّل، و طلب من الآخرين، كان للمشتري الأوّل مشاركته في شفعة الآخرين، لأنّ ملكه سابق لشرائهما.

و كذا إن عفا عن الأوّل و الثاني، شاركاه في حقّ الشفعة على الثالث.

و لو عفا عن الثاني خاصّة، كان له مشاركته في شفعة الثالث، دون الأوّل.

و لو عفا عن الثالث خاصّة، لم يكن له مشاركته في شفعة الأوّلين.

و لو عفا عن الثاني و الثالث، لم يشاركاه في شفعة الأوّل، لأنّهما حين وجوب الشفعة لم يكن لهما ملك.

مسألة 809: لو وكّل أحد الشركاء الثلاثة ثانيهم،

فباع الوكيل نصيبه و نصيب موكّله صفقة واحدة، كان للثالث الشفعة، و ليس للوكيل و لا للموكّل شفعة على الآخر، لعدم الأولويّة. و لأنّهما بائعان.

و هل للثالث أن يأخذ أحد النصيبين دون الآخر؟ الأقوى ذلك، لأنّ

ص: 346


1- انظر: المغني 533:5.
2- زيادة يقتضيها السياق.

المالك اثنان، فهو كما لو تولّيا العقد، و هو أحد قولي الشافعيّة. و الثاني:

ليس له، لأنّ العاقد واحد في الطرفين اعتبارا بالوكيل(1).

و لو كانت الدار لاثنين فوكّل أحدهما الآخر ببيع نصف نصيبه، و جوّز له أن يبيع نصيب نفسه إن شاء صفقة واحدة، فباع كذلك، و أراد الموكّل أخذ نصيب الوكيل بالشفعة بحقّ النصف الباقي، فله ذلك، لأنّ الصفقة اشتملت على ما لا شفعة للموكّل فيه - و هو ملكه - و على ما فيه شفعة - و هو ملك الوكيل - فأشبه من باع شقصين من دارين صفقة واحدة.

فإن كان الشفيع في إحداهما غير الشفيع في الأخرى، فلكلّ أن يأخذ ما هو شريك فيه، سواء وافقه الآخر في الأخذ أو لا. و إن كان شفيعهما واحدا، جاز له أخذ الجميع، و أخذ أيّتهما شاء، و هو أصحّ وجهي الشافعيّة(2).

مسألة 810: لو كانت الدار لثلاثة نصفها لواحد و لكلّ واحد من الآخرين الربع،

فقارض أحد هذين الرجلين الآخر على ألف، فاشترى العامل منهما نصف نصيب صاحب النصف، فلا شفعة هنا، لأنّ البائع لا شفعة له فيما باع، و الشريك الآخر ربّ المال، و الثالث هو العامل، و ربّ المال و العامل بمنزلة الشريكين في المبتاع، فلا يستحقّ أحدهما على الآخر شفعة فيما ابتاعه، و هو أحد وجهي الشافعيّة(3).

فإن باع الذي كان صاحب النصف الربع الذي بقي له من أجنبيّ،

ص: 347


1- العزيز شرح الوجيز 536:5، روضة الطالبين 188:4.
2- العزيز شرح الوجيز 537:5، روضة الطالبين 188:4.
3- انظر: العزيز شرح الوجيز 545:5، و روضة الطالبين 192:4، و المغني 5: 499، و الشرح الكبير 547:5.

فالشقص للشفعة أثلاثا، الثلث بالربع الذي لربّ المال، و الثلث بالربع الذي للعامل، و الثلث لمال المضاربة و كان مال القراض بمنزلة شريك آخر، لأنّ حكمه متميّز عن مال كلّ واحد منهما.

مسألة 811: لو اشترى بعيرا و شقصا بعبد و جارية،

و قيمة البعير و الشقص مائتان كلّ واحد بمائة، و كذا قيمة العبد مائة، و قيمة الجارية مائة، تثبت الشفعة في الشقص بنصف قيمة العبد و الجارية.

فإن تلف البعير قبل القبض، بطل فيه العقد، و لا يبطل في الشقص، و هو أحد قولي الشافعيّة(1) في طريق تفريق الصفقة، فإن قلنا: يبطل، بطل الكلّ و سقطت الشفعة. و إن قلنا: يصحّ في الشقص، صحّ فيه بنصف العبد و الجارية، و أخذه الشفيع بقيمة ذلك.

و إن تلف العبد، بطل العقد في نصف البعير و نصف الشقص، و أخذ الشفيع نصف الشقص بنصف قيمة الجارية.

مسألة 812: لو كانت الدار بين أربعة بالسويّة فاشترى اثنان منهم من واحد نصيبه

و هو الربع، استحقّ الذي لم يشتر عليهما الشفعة، و استحقّ كلّ واحد من المشتريين، لأنّه شريك، فلا يسقط حقّه من الشفعة، و تبسط الدار ثمانية و أربعين سهما، فالربع اثنا عشر، و فيه أربع صور:

أ - أن يطالب كلّ واحد بشفعة، فيقتسمون المبيع أثلاثا، فيحصل لكلّ واحد أربعة.

ب - أن يعفو كلّ واحد من الشريكين عن صاحبه، و يطالب الذي لم يشتر، فإنّه يأخذ من كلّ واحد منهما نصف ما في يده، لأنّه ممّا اشتراه

ص: 348


1- لم نعثر عليه في مظانّه.

كلّ واحد شريكه في الشفعة، إذ لا شفعة فيه إلاّ لهما، فيحصل للّذي لم يشتر نصف السهم ستّة، و لكلّ واحد من المشتريين ثلاثة أسهم.

ج - أن يعفو الذي لم يشتر خاصّة، فكلّ واحد من المشتريين يأخذ من صاحبه ما في يده، فيكون ذلك قدر ما اشتراه لكلّ واحد ستّة.

د - أن يعفو الذي لم يشتر عن أحدهما دون الآخر، فإنّه يأخذ ممّن لم يعف عنه سهمين، و تبقى معه أربعة أسهم يأخذ منها المعفوّ عنه سهمين، و يأخذ الذي لم يعف عنه من المعفوّ عنه ثلاثة أسهم نصف ما في يده، لأنّه لا شفيع في هذا السهم سواهما، فيحصل مع كلّ واحد منهما خمسة، و مع العافي سهمان.

البحث الثامن: في الحيل المسقطة للشفعة.
مسألة 813: يجوز استعمال الحيل بالمباح مطلقا عندنا

و عند جماعة من العامّة، خلافا لأحمد بن حنبل(1).

فإذا أراد أن يشتري الشقص و لا تلزمه شفعة، أمكنه أن يشتريه بثمن مشاهد لا يعلمان قدره و لا قيمته إذا لم يكن من المكيلات و الموزونات، ثمّ يخرجه عن ملكه بتلف أو غيره بحيث لا يتمكّن من العلم به وقت المطالبة بالشفعة، فإذا طولب بالشفعة و تعذّر عليه معرفة الثمن، سقطت الشفعة، فإن ادّعى الشفيع أنّ الثمن كان معلوما و ذكر قدره فأنكر المشتري، قدّم قول المشتري مع اليمين.

و لو كان الثمن مكيلا أو موزونا، فقال المشتري: إنّه كان جزافا أو كان

ص: 349


1- المغني 511:5.

معلوما و قد نسيته، لم يسمع منه في الجزاف عندنا، و طولب بجواب صحيح، فإن أجاب و إلاّ جعل ناكلا.

و من قال: إنّه يجوز البيع به هل يكون الجواب به أو بالنسيان صحيحا؟ الأقرب عندي ذلك - و هو قول أكثر الشافعيّة(1) - لأنّ نسيان المشتري ممكن، و قد يكون الثمن جزافا عند مجوّزيه، فإذا أمكن، حلف عليه.

و قال بعض الشافعيّة: إنّه لا يكون جوابا صحيحا، فيقال له: إمّا أن تجيب بجواب صحيح، و إلاّ جعلناك ناكلا، و يحلف الشفيع، كما لو ادّعى رجل على آخر ألف درهم دينا، فقال: لا أعلم قدر دينك، لم يكن جوابا(2).

و الفرق: أنّ المدّعي يدّعي عليه قدرا معيّنا، و هو لا يجيب عنه لا بإقرار و لا بإنكار، فلهذا جعلناه ناكلا، و في مسألتنا قوله: «إنّ الثمن كان جزافا، أو: لا أذكره» إنكار للشفعة، لأنّه إذا كان كذلك، لا تجب الشفعة.

نعم، لو قال: لا أدري لك شفعة أم لا، كان كمسألة الدّين.

و لأنّ الدّين إن لم يعلمه من هو عليه يجوز أن يعلمه من هو له، فيجعل القول قوله مع يمينه، و هنا هذا هو العاقد، و إذا كان جزافا أو لا يعلم، فلا طريق للشفيع إلى معرفته.

مسألة 814: لو أتلف المشتري الثمن المعيّن قبل القبض

و كان قد قبض الشقص و باعه، سقطت الشفعة، و صحّ تصرّف المشتري، و كان عليه قيمة الشقص للبائع.

ص: 350


1- لم نعثر عليه في مظانّه.
2- لم نعثر عليه في مظانّه.

و لو أراد المتبايعان التوصّل إلى رغبة الشفيع عن الشفعة، اشتراه بألف إذا كان يساوي مائة ثمّ يبيعه بالألف سلعة تساوي مائة، فإذا أراد الشفيع أن يأخذه، وجب عليه دفع الألف. و كذا إذا باعه سلعة تساوي مائة بألف ثمّ اشترى الشقص المساوي مائة بألف، فإذا أراد الشفيع أن يأخذه، أخذه بالألف.

و هذا يصحّ عندنا مطلقا.

و عند الشافعي إنّما يصحّ إذا لم يشترط مشتري الشقص على بائعه أخذ السلعة بالثمن في العقد، فإنّه متى شرط ذلك، بطل العقد عنده، و يحصل على المشتري بشراء ما يساوي مائة بألف غرر(1).

مسألة 815: لو نقل الشقص بهبة أو صلح أو بجعله مال إجارة

أو غيرها من العقود المغايرة للبيع، فلا شفعة عندنا.

و وافقنا الشافعي(2) في كلّ عقد لا يشتمل على المعاوضة، و على أنّهما إذا اتّفقا على أن يهب أحدهما الشقص للآخر و يهب الآخر الثمن، و يكون هذا الاتّفاق قبل عقد الهبة و يعقدانها مطلقة، فلا تجب الشفعة.

و لو اتّفقا على بيع الشقص بألف و هو يساوي مائة ثمّ يبرئه من تسعمائة بعد انبرام البيع فتعاقدا على ذلك، رغب الشفيع عن أخذه، لأنّه لو طلبه لزمه الألف.

مسألة 816: و من الحيل أن يبيعه جزءا من الشقص بثمنه كلّه،

و يهب له الباقي أو يهبه بعض الشقص، أو يملّكه إيّاه بوجه آخر غير البيع، ثمّ

ص: 351


1- لم نعثر عليه في مظانّه.
2- الحاوي الكبير 232:7، العزيز شرح الوجيز 496:5، روضة الطالبين 4: 163.

يبيعه الباقي، فإنّه لا شفعة عند من يبطلها مع الكثرة، أو يبيعه بثمن حاضر مجهول القدر عند من يجوزه، و يقبضه البائع و لا يزنه، بل ينفقه أو يمزجه بمال له مجهول، فتندفع الشفعة على أصحّ قولي الشافعيّة(1).

و لو باع بعض الشقص ثمّ باع الباقي، لم يكن للشفيع أخذ جميع المبيع ثانيا على أحد الوجهين(2).

و لو وكّل البائع شريكه بالبيع فباع، لم يكن له الشفعة على أحد الوجهين(3).

مسألة 817: لا يكره دفع الشفعة بالحيلة،

إذ ليس فيها دفع حقّ عن الغير، فإنّ الشفعة إنّما تثبت بعد البيع مع عدم المعارض، فإذا لم يوجد بيع أو وجد مع معارض الشفعة، فلا شفعة، لعدم الثبوت، و به قال أبو يوسف(4).

و قال محمد بن الحسن: يكره(5).

و للشافعيّة وجهان، أصحّهما عندهم: الثاني(6) ، و لا يكره عندهم دفع شفعة الجار بالحيلة قطعا(7).

و لو اشترى عشر الدار بتسعة أعشار الثمن، فلا يرغب الشفيع، لكثرة

ص: 352


1- العزيز شرح الوجيز 544:5، روضة الطالبين 195:4.
2- الوجهان للشافعيّة أيضا، انظر: العزيز شرح الوجيز 544:5، و روضة الطالبين 195:4.
3- الوجهان للشافعيّة أيضا، انظر: العزيز شرح الوجيز 544:5، و روضة الطالبين 195:4.
4- الهداية - للمرغيناني - 39:4، العزيز شرح الوجيز 544:5، روضة الطالبين 196:4.
5- الهداية - للمرغيناني - 39:4، العزيز شرح الوجيز 544:5، روضة الطالبين 196:4.
6- العزيز شرح الوجيز 545:5، روضة الطالبين 196:4.
7- روضة الطالبين 196:4.

الثمن، ثمّ يشتري تسعة أعشاره بعشر الثمن، فلا يتمكّن الجار من الشفعة، لأنّ المشتري حالة الشراء شريك في الدار، و الشريك مقدّم على الجار، أو يخطّ البائع على طرف ملكه خطّا ممّا يلي دار جاره، و يبيع ما وراء الخطّ، لأنّ ما بين ملكه و بين المبيع فاصلا، ثمّ يهبه الفاصل.

البحث التاسع: في اللواحق.
مسألة 818: لو مات المديون و له شقص يستوعبه الدّين فبيع شقص في شركته،

كان للورثة الشفعة، لأنّ الدّين لا يمنع انتقال الملك إلى الورثة على ما يأتي، و به قال الشافعي(1) ، خلافا لأبي حنيفة(2) و بعض الشافعيّة(3).

و لو كان للمديون دار فبيع بعضها في الدّين، لم يكن للورثة الشفعة، لأنّ البيع يقع لهم، فلا يستحقّون الشفعة على أنفسهم.

و لو كان الوارث شريك الموروث فبيع نصيب الموروث في دينه، تثبت الشفعة للوارث بنصيبه الذي كان يملكه، لأنّ البيع على الميّت إنّما كان بسبب دينه الذي ثبت عليه في حال الحياة، فصار البيع كأنّه قد وقع في حال الحياة، و الوارث كان شريكه في حال الحياة، فتثبت له الشفعة، و لا يلزم إذا كانت الدار للموروث فبيع بعضها في دينه، لأنّا إذا جعلنا البيع كأنّه وقع في حال الحياة، لم يكن الوارث شريكه في تلك الحال، و هو قول بعض الشافعيّة(4).

ص: 353


1- التهذيب - للبغوي - 373:4، العزيز شرح الوجيز 547:5، روضة الطالبين 4: 194، المغني 538:5، الشرح الكبير 517:5.
2- المغني 538:5، الشرح الكبير 517:5.
3- العزيز شرح الوجيز 547:5، روضة الطالبين 194:4.
4- العزيز شرح الوجيز 547:5-548، روضة الطالبين 195:4.

و قال أكثرهم: لا شفعة، لأنّ الدّين لا يمنع انتقال الملك إلى الوارث، فإذا بيع فقد بيع ملك الوارث عليه، فلا يستحقّ الشفعة، كما لو كان له على رجل دين و هو غائب فباع بعض داره ثمّ قدم، لم تثبت له الشفعة، كذا هنا(1).

و ما ذكره أوّلا بعضهم فليس بشيء، لأنّه إنّما يلحق بحال الحياة إذا وجد سببه في حال الحياة و ما لا يمكن(2) ابتداؤه بعد الوفاة، و لو كان كذلك، لم يكن للوارث أن يقضي الدّين من عنده، و يمنع(3) من البيع.

و هذا عندي هو المعتمد.

لا يقال: هذا الدّين وجب على الميّت، فلا يجوز أن يباع غيره فيه، و إنّما يجعل كأنّه بيع عليه.

لأنّا نقول: من يقول: إنّ الملك ينتقل إلى الوارث قد لزمه ما ألزم، لأنّه يبطل ملك الوارث لأجل دين الميّت، على(4) أنّ ذلك لا يمنع(5) ، لأنّ هذا الدّين يتعلّق(6) بهذه العين، لأنّها ملكت من جهة السبب، ألا ترى أنّ العبد إذا جنى، تعلّقت الجناية برقبته، و هي ملك لمولاه، و يباع فيها و إن لم يكن الدّين على مولاه.

مسألة 819: لو كان لأحد الثلاثة نصف الدار و لكلّ من الآخرين ربع،

فاشترى صاحب النصف من أحد شريكيه ربعه، و الآخر غائب، ثمّ باع

ص: 354


1- العزيز شرح الوجيز 548:5، روضة الطالبين 195:4.
2- كذا، و الظاهر: «و ما لم يكن».
3- في الطبعة الحجريّة: «و يمتنع».
4- في «ي» و الطبعة الحجريّة: «و على».
5- في «س، ي»: «لا يمتنع».
6- في «ي»: «تعلّق».

صاحب ثلاثة الأرباع ربعا منها لرجل، ثمّ قدم الشريك الغائب، كان له أخذ ما يخصّه من المبيع الأوّل بالشفعة، و هو ثمن، و يأخذ المبيع الثاني بأجمعه، إذ لا شفيع غيره.

فإن أراد العفو عن الثاني و الأخذ من الأوّل، أخذ من المشتري الثاني سهما من ستّة، و من الأوّل سهمين من ستّة، لأنّا نفرض الدار أربعة و عشرين سهما، إذ لا تخرج صحيحة من أقلّ.

و إنّما قلنا ذلك، لأنّ صاحب النصف اشترى الربع، فكان بينه و بين الغائب نصفين إن قلنا: إنّ للمشتري شفعة و إنّ الشفعة على عدد الرءوس فإذا باع الربع ممّا في يده و في يده ثلاثة أرباع، فقد باع ثلث ما في يده، و هو ستّة، و بقي في يده اثنا عشر، و للغائب شفعة ثلاثة أسهم، فإذا قدم، أخذ من المشتري ثلث ما استحقّه، و هو سهم واحد، لأنّه حصل له ثلث ما كان في يد بائعه، و أخذ من الأوّل سهمين.

و إن جعلنا الشفعة على قدر النصيب، فالذي يستحقّ الغائب سهمان من الستّة، لأنّ ملكه مثل نصف ملك المشتري حصل له في المبيع ثلثا سهم، و يأخذ من المشتري الأوّل سهما و ثلثا و من الثاني ثلثي سهم.

هذا إذا عفا عن الثاني، و إن عفا عن الأوّل و أخذ من الثاني، أخذ من المشتري ما اشتراه، و هو ستّة أسهم، لأنّ شريكه بائع، فلا شفعة له.

و إن أراد أن يأخذ الشفعة بالعقدين، أخذ ما في يد الثاني، و أخذ من الأوّل سهمين إن جعلنا الشفعة على عدد الرءوس، و إن قلنا: على قدر النصيب، يأخذ سهما و ثلثا.

مسألة 820: لو بيع شقص و له شفيعان فعفا أحدهما و مات الآخر و كان وارثه هو العافي،

كان له أن يأخذ الشقص بما ورثه من الشفعة،

ص: 355

و لا يبطلها العفو السابق، لأنّ العفو وقع عمّا يملكه بالأصالة لا بالميراث.

و كذا لو قذف رجل أباهما و هو ميّت فعفا أحدهما، كان للآخر استيفاء الحدّ كملا، فإن مات و كان العافي وارثه، كان له استيفاؤه بالنيابة عن مورّثه.

مسألة 821: قد سلف

مسألة 821: قد سلف(1) أنّ الإقالة لا توجب الشفعة، خلافا لأبي حنيفة

(2) .

و كذا الردّ بالعيب و إن كان على سبيل التراضي، و به قال الشافعي(3).

و قال أبو حنيفة: تثبت الشفعة إن وقع الردّ بالتراضي، لأنّه نقل الملك بالتراضي، فأشبه البيع(4).

و هو خطأ، لأنّه فسخ، و ليس بمعاوضة، و لهذا يعتبر فيه العوض الأوّل، فلم تثبت فيه الشفعة، كالفسخ بالخيار.

و لو لم يقايله(5) ، بل باعه المشتري من البائع بذلك الثمن أو غيره، كان للشفيع الشفعة، لأنّه عفا عمّا استحقّه بالعقد الأوّل، و هذا عقد يستحقّ به الشفعة، فوجبت له.

تذنيب: إذا كان الثمن معيّنا فتلف قبل القبض، بطل البيع و الشفعة، لأنّه تعذّر التسليم، فتعذّر إمضاء العقد، بخلاف الإقالة و الردّ بالعيب.

ص: 356


1- في ص 230، المسألة 727.
2- حلية العلماء 295:5، العزيز شرح الوجيز 498:5، المغني 470:5، الشرح الكبير 465:5.
3- حلية العلماء 295:5، الوسيط 74:4، الوجيز 215:1، العزيز شرح الوجيز 497:5، روضة الطالبين 163:4.
4- حلية العلماء 295:5، العزيز شرح الوجيز 498:5.
5- في «ي»: «و لم يقابل». و في الطبعة الحجريّة: «و لم يقابله» بالباء. و في «س»: «و لم يقايله» بالياء. و الصحيح ما أثبتناه.

و لو ظهر الثمن المعيّن مستحقّا، بطل البيع أيضا و الشفعة.

و لو كان المشتري قد باع الشقص قبل التلف، صحّ بيعه، و للشفيع أخذه بالشفعة، و بطل البيع الأوّل.

أمّا لو باعه ثمّ ظهر استحقاق الثمن المعيّن، بطل الثاني أيضا، و لا شفعة، لأنّ المقتضي لبطلان البيع الاستحقاق لا ظهوره.

آخر: لو وجبت الشفعة و قضى له القاضي بها و الشقص في يد البائع و دفع الثمن إلى المشتري فقال البائع للشفيع: أقلني، فأقاله، لم تصحّ الإقالة، لأنّها إنّما تصحّ بين المتبايعين، و ليس للشفيع ملك من جهة البائع، فإن باعه منه، كان حكمه حكم بيع ما لم يقبض.

مسألة 822: لو كان أحد الشريكين في الدار غائبا و له وكيل فيها،

فقال الوكيل: قد اشتريته منه، لم يكن للحاضر أخذه بالشفعة، لأنّ إقرار الوكيل لا يقبل في حقّ موكّله. و لأنّه لو ثبتت الشفعة للحاضر بمجرّد دعوى الوكيل، لثبت للوكيل جميع توابع الملك، فكان لو مات(1) الموكّل، لم يفتقر الوكيل في دعوى الشراء منه إلى بيّنة، بل يكتب الحاكم إلى حاكم البلد الذي فيه الموكّل، و يسأله عن ذلك، و هو أحد وجهي الشافعيّة.

و الثاني: أنّ الحاضر يأخذه بالشفعة - و به قال أبو حنيفة و أصحابه - لأنّه أقرّ بحقّ له فيما في يده(2).

و يذكر الحاكم ذلك في السجلّ، فإن قدم الغائب و صدّقه، فلا كلام.

و إن أنكر البيع فإن أقام مدّعيه البيّنة، بطل إنكاره، و إن لم يقم بيّنة، حلف المنكر، ثمّ يردّ النصف عليه و اجرة مثله و أرش نقصه إن كان، و له أن

ص: 357


1- كذا، و الظاهر: «فكان كما لو مات».
2- المغني 518:5، الشرح الكبير 530:5-531.

يرجع بذلك على من شاء، فإن رجع على الوكيل، رجع به على الشفيع، و إن رجع على الشفيع، لم يرجع به على الوكيل، لأنّ التلف حصل في يده.

و في وجه للشافعيّة: أنّه يرجع عليه، لأنّه غرّه(1).

مسألة 823: لو حكم حاكم شرع باعتقاده أنّ الشفعة تثبت مع الكثرة،

لم يعترض عليه من لا يعتقد ذلك من الحكّام.

و كذا عند الشافعي إذا قضى الحنفي بشفعة الجوار، لم يعترض عليه في الظاهر، و في الحكم باطنا عندهم خلاف(2).

أمّا نحن فإن كان الآخذ مقلّدا و قلّد من يجب تقليده، كان مباحا له في الباطن. و إن كان مجتهدا، لم يجز له أن يأخذ على خلاف مذهبه.

مسألة 824: لو اشترى الشقص بكفّ من الدراهم لا يعلم

مسألة 824: لو اشترى الشقص بكفّ من الدراهم لا يعلم(3) وزنها،

أو بصبرة حنطة لا يعلم كيلها، فعندنا يبطل البيع.

و عند من جوّزه تكال أو توزن ليأخذ الشفيع بذلك القدر(4).

فإن كان غائبا فتبرّع البائع بإحضاره أو أخبر عنه و اعتمد قوله، فذاك، و إلاّ فليس للشفيع أن يكلّفه الإحضار و الإخبار عنه.

و لو هلك و تعذّر الوقوف عليه، تعذّر الأخذ بالشفعة.

و هذا يتأتّى مثله عندنا، و هو أن يبيع بما لا مثل له ثمّ يتلف قبل العلم بقيمته.

و لو أنكر الشفيع الجهالة، فإن عيّن قدرا و قال للمشتري: قد اشتريته

ص: 358


1- لم نعثر عليه في مظانّه.
2- لم نعثر عليه في مظانّه.
3- في الطبعة الحجريّة: «لم يعلم».
4- العزيز شرح الوجيز 516:5، روضة الطالبين 175:4.

بكذا، و قال المشتري: لم يكن قدره معلوما، فأصحّ القولين عند الشافعيّة:

أنّه يقنع منه بذلك، و يحلف عليه(1) ، و هو المعتمد عندي في عدم العلم بالقيمة.

و قال ابن سريج: لا يقبل منه ذلك، و لا يحلف، بل إن أصرّ على ذلك، جعل ناكلا، و ردّت اليمين على الشفيع(2).

و كذا الخلاف لو قال: نسيت(3)(4).

و إن لم يعيّن الشفيع قدرا لكن ادّعى على المشتري أنّه يعلمه و طالبه بالبيان، فللشافعيّة وجهان أصحّهما عندهم: لا تسمع دعواه حتى يعيّن قدرا، فيحلف المشتري حينئذ أنّه لا يعرف. و الثاني: تسمع، و يحلف المشتري على ما يقوله، فإن نكل، حلف الشفيع على علم المشتري، و حبس المشتري حتى يبيّن قدره.

فعلى الأوّل طريق الشفيع أن يعيّن قدرا، فإن وافقه المشتري، فذاك، و إلاّ حلّفه على نفيه، فإن نكل، استدلّ الشفيع بنكوله، و حلف على ما عيّنه، و إن حلف المشتري، زاد و ادّعى ثانيا، و هكذا يفعل إلى أن ينكل المشتري، فيستدلّ الشفيع بنكوله و يحلف، و هذا(5) لأنّ اليمين عندهم قد تستند إلى التخمين.

قالوا: و لهذا له أن يحلف على خطّ أبيه إذا سكنت نفسه إليه(6).

و هذا باطل، و أنّ اليمين لا تصحّ إلاّ مع العلم و القطع دون الظنّ4.

ص: 359


1- العزيز شرح الوجيز 516:5، روضة الطالبين 175:4.
2- العزيز شرح الوجيز 516:5، روضة الطالبين 175:4.
3- في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «أنسيت». و ما أثبتناه كما في المصدر.
4- العزيز شرح الوجيز 516:5، روضة الطالبين 175:4.
5- في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: «و هكذا» بدل «و هذا». و ما أثبتناه كما في المصدر.
6- العزيز شرح الوجيز 516:5-517، روضة الطالبين 175:4.

و التخمين.

مسألة 825: لو خرج بعض الثمن مستحقّا، بطل البيع في ذلك القدر،

و تخيّر المشتري في الفسخ و الإمضاء، و هو أحد قولي الشافعي في تفريق الصفقة(1).

فإن اختار الإمضاء، فللشفيع الأخذ. و إن اختار الفسخ و أراد الشفيع أخذه، فالأقوى تقديمه، و يأخذ بالشفعة، و يبطل فسخ المشتري، لسبق حقّ الشفيع.

و لو ظهر استحقاق ما دفعه الشفيع، لم تبطل شفعته، سواء كان عالما بالاستحقاق أو جاهلا.

و للشافعيّة وجهان(2).

و لو قال الشفيع: تملّكت بهذه الدراهم، لم تسقط شفعته مع استحقاقها أيضا، لعدم تعيّنها بالعقد.

و للشافعيّة قولان(3).

ثمّ إذا قال: تملّكت بهذه الدراهم، حالة العلم بالاستحقاق أو الجهل، فلا يبطل حقّه، كما قلناه، و يتبيّن أنه ملك بالقول لا بالدفع.

و لا يفتقر إلى تملّك جديد، و هو أحد قولي الشافعيّة.

و الثاني: أنّه يفتقر إلى تجديد قوله: تملّكت(4).

و لو خرج الذهب نحاسا، فكالمستحقّ.

و لو خرج الثمن معيبا، فإن رضي البائع، لم يلزم المشتري الرضا

ص: 360


1- العزيز شرح الوجيز 517:5، روضة الطالبين 176:4.
2- العزيز شرح الوجيز 517:5، روضة الطالبين 176:4.
3- روضة الطالبين 176:4.
4- روضة الطالبين 176:4.

بمثله، بل يأخذ من الشفيع ما وقع عليه العقد.

مسألة 826: قد بيّنّا أنّ الشفعة موروثة، و يشترك الورثة فيها

كما في الميراث، و هو أحد قولي الشافعي على ما تقدّم(1). و في الثاني: على عدد الرءوس(2).

فلو مات الشفيع عن ابن و زوجة، فللزوجة ثمن الشفعة، و الباقي للابن، و هو أصحّ طرق الشافعيّة.

و الطريق الثاني: القطع بالتسوية هنا.

و الثالث: على القولين(3).

مسألة 827: لو كان بين اثنين دار بالسويّة باع أحدهما نصف نصيبه لزيد

ثمّ باع النصف الآخر لعمرو، فالشفعة في النصف الأوّل تختصّ بالشريك الأوّل، ثمّ قد يعفو عنه و قد يأخذ.

و في النصف الثاني للشافعيّة وجوه:

أحدها: أن يختصّ به الأوّل.

و الثاني: يشترك فيه الأوّل و المشتري الأوّل.

و أصحّها عندهم: إن عفا الشريك الأوّل عن النصف الأوّل، اشتركا، و إلاّ اختصّ به الشريك الأوّل(4).

مسألة 828: لو كانت الدار لأربعة فباع أحدهم نصيبه و الثلاثة غيّاب،

فقدم أحدهم و أخذ كلّ الشقص ثمّ نصب الحاكم من يقسّم على الغيّاب،

ص: 361


1- في ص 285، ضمن المسألة 758.
2- الحاوي الكبير 259:7، حلية العلماء 316:5، التهذيب - للبغوي - 361:4 - 362، العزيز شرح الوجيز 527:5، روضة الطالبين 182:4.
3- العزيز شرح الوجيز 529:5، روضة الطالبين 183:4.
4- العزيز شرح الوجيز 530:5-531، روضة الطالبين 183:4-184.

فاقتسما، و بنى الحاضر فيما أصابه أو غرس ثمّ قدم الغائبان، فهل لهما القلع مجّانا؟ فيه احتمال.

و للشافعي وجهان:

أصحّهما عندهم: أنّه ليس لهما ذلك، كما أنّ الشفيع لا يقلع بناء المشتري و غراسه مجّانا.

و الثاني: نعم، لأنّهما يستحقّان كاستحقاق الأوّل، فليس له التصرّف حتى يظهر حالهما، بخلاف الشفيع مع المشتري(1).

و لو حضر اثنان فأخذا الشقص و اقتسما مع القيّم في مال الغائب ثمّ قدم(2) ، فله الأخذ، و إبطال القسمة، فإن عفا، استمرّت القسمة.

و لو أخذ اثنان فحضر الثالث فأراد أخذ ثلث ما في يد أحدهما، و لا يأخذ من الثاني شيئا، فله ذلك، كما للشفيع أن يأخذ نصيب أحد المشتريين دون الآخر.

مسألة 829: لو وهب شقصا لعبده، لم يصح على ما اخترناه نحن،

و عند الشيخ أنّه يملك ما يملّكه مولاه(3).

و للشافعي(4) كالقولين.

ص: 362


1- التهذيب - للبغوي - 364:4، العزيز شرح الوجيز 534:5، روضة الطالبين 4: 186.
2- أي: قدم الغائب.
3- في النهاية: 543، و الخلاف 121:3، المسألة 207: يملك العبد التصرّف في المال و لا يملكه.
4- الحاوي الكبير 265:5-266، التهذيب - للبغوي - 467:3، حلية العلماء 5: 360، الوسيط 204:3، العزيز شرح الوجيز 374:4، روضة الطالبين 203:3، المغني 277:4.

فعلى تقدير أن يملك لو باع شريك العبد حصّته، كان للعبد الأخذ بالشفعة.

و الأولى افتقاره إلى إذن السيّد، لأنّه محجور عليه.

و للشافعيّة وجهان(1).

مسألة 830: لو كان بينهما دار فمات أحدهما عن حمل فباع الآخر نصيبه،

فهل للحمل شفعة ؟ الأقرب: ذلك، كما أنّه يعزل له الميراث.

إذا ثبت هذا، فإن خرج ميّتا، سقطت الشفعة. و إن خرج حيّا و مات، ثبتت لوارثه الشفعة.

فإن كان للميّت وصيّ، فهل له أخذها حالة الحمل ؟ الأقرب: المنع، لعدم تيقّن حياته، و لا ظنّ للحياة، لعدم الاستناد إلى الاستصحاب، بخلاف الغائب، فإن خرج حيّا، كان له الأخذ، فإن ترك، كان للحمل مع بلوغه و رشده الأخذ.

و يحتمل العدم، لأنّ الحمل لا يملك بالابتداء إلاّ الوصيّة.

و قال الشافعي: لا تثبت للحمل شفعة، لعدم تيقّن الحياة، فإن كان هناك وارث غير الحمل، فله الشفعة. و إن انفصل حيّا، فليس لوليّه أن يأخذ شيئا من الوارث(2). و هو ممنوع.

و لو ورث الحمل شفعة عن مورّثه، فللأب أو الجدّ الأخذ قبل الانفصال، و هو أحد وجهي الشافعيّة(3).

ص: 363


1- العزيز شرح الوجيز 545:5، روضة الطالبين 192:4.
2- التهذيب - للبغوي - 370:4، العزيز شرح الوجيز 547:5، روضة الطالبين 4: 194.
3- التهذيب - للبغوي - 371:4، العزيز شرح الوجيز 547:5، روضة الطالبين 4: 194.

و قال ابن سريج: ليس لهما الأخذ، لأنّه لا يتيقّن وجوده(1).

مسألة 831: قد بيّنّا أنّ الأقرب ثبوت الشفعة في بيع الخيار،

و لا يسقط الخيار عمّن له الخيار، سواء اشترك الخيار أو اختصّ بأحدهما، و لا يسقط خيار البائع. و كذا لو باع الشريك، ثبت للمشتري الأوّل الشفعة.

و إن كان لبائعه خيار الفسخ فإن فسخ بعد الأخذ، فالمشفوع للمشتري. و إن فسخ قبله، فلا حقّ للبائع، و في المشتري إشكال.

مسألة 832: لو باع المكاتب شقصا بمال الكتابة ثمّ فسخ السيّد الكتابة لعجزه،

لم تسقط الشفعة، لأنّها ثبتت أوّلا، فلا تبطل بالفسخ المتجدّد.

و لو عفا وليّ الطفل عن أخذ الشفعة له و كانت الغبطة في الأخذ، لم يصح العفو.

و الأقرب: أنّ للوليّ الأخذ بعد ذلك، لبطلان العفو، و لا عبرة بالتأخير هنا، لأنّ التأخير حصل في حقّ الطفل لعذر، و هو عفو الوليّ و تقصيره.

و يحتمل أن لا يكون للوليّ المطالبة، لأنّه عفا، فلو أثبتنا له الطلب، لأدّى إلى التراخي، بخلاف الصبي عند بلوغه، لتجدّد الحقّ له حينئذ.

و لو ترك لإعسار الصبي، لم يكن له الأخذ بعد يساره، و لا للصبي، و المغمى عليه كالغائب.

و كذا السكران و إن كان عذره محرّما.

و ليس لغرماء المفلس الأخذ بالشفعة بدله، و لا لهم إجباره على الأخذ و لا منعه منه و إن لم يكن له فيها حظّ.

نعم، لهم منعه من دفع المال ثمنا فيها. فإن رضي الغرماء بالدفع أو

ص: 364


1- التهذيب - للبغوي - 371:4، العزيز شرح الوجيز 547:5، روضة الطالبين 4: 194.

المشتري بالصبر، تعلّق حقّ الغرماء بالمشفوع، و إلاّ كان للمشتري الانتزاع.

مسألة 833: لو كان لأحد الثلاثة النصف و للآخر الثلث و للثالث السدس،

فباع أحدهم و أثبتنا الشفعة مع الكثرة، فانظر مخرج السهام، فخذ منها سهام الشفعاء، فإذا علمت العدّة قسّمت المشفوع عليها، و يصير العقار بين الشفعاء على تلك العدّة.

فلو كان البائع صاحب النصف، فسهام الشفعاء ثلاثة: اثنان لصاحب الثلث، و للآخر سهم، فالشفعة على ثلاثة، و يصير العقار كذلك.

و لو كان صاحب الثلث، فالشفعة أرباعا: لصاحب النصف ثلاثة أرباع، و للآخر ربع.

و لو كان صاحب السدس، فهي بين الآخرين أخماسا: لصاحب النصف ثلاثة، و للآخر سهمان إن قلنا بثبوتها على قدر النصيب، و إلاّ تساووا.

و لو وهب بعض الشركاء نصيبه من الشفعة لبعض الشركاء أو غيره، لم يصح.

مسألة 834: لو باع شقصا من ثلاثة دفعة، فلا شفعة لأحدهم.

و لو رتّب، فإن أخذ من اللاحق و عفا عن السابق، شاركه السابق.

و يحتمل عدمه، لأنّ ملكه حال شراء الثاني يستحقّ أخذه بالشفعة، فلا يكون سببا في استحقاقها.

و لو أخذ من الجميع، لم يشاركه أحد.

و يحتمل مشاركة الأوّل الشفيع في شفعة الثاني، و مشاركة الشفيع الأوّل و الثاني في شفعة الثالث، لأنّه كان ملكا صحيحا حال شراء الثاني، و لهذا يستحقّ لو عفا عنه، فكذا إذا لم يعف، لأنّه إنّما يستحقّ الشفعة

ص: 365

بالملك لا بالعفو، كما لو باع الشفيع قبل علمه، فحينئذ للشفيع سدس الأوّل، و ثلاثة أرباع سدس الثاني، و ثلاثة أخماس الثالث، و للأوّل ربع سدس الثاني، و خمس الثالث، و للثاني خمس الثالث، فيصحّ من مائة و عشرين: للشفيع مائة و سبعة، و للأوّل تسعة، و للثاني أربعة.

و على الآخر للأوّل نصف سدس الثاني و ثلث الثالث، و للثاني ثلث الثالث، فيصحّ من ستّة و ثلاثين: للشفيع تسعة و عشرون، و للأوّل خمسة، و للثاني اثنان.

مسألة 835: لو باع أحد الأربعة و عفا آخر، فللآخرين أخذ المبيع.

و لو باع ثلاثة في عقود ثلاثة و لم يعلم الرابع و لا بعضهم ببعض، فللرابع الشفعة على الجميع.

و في استحقاق الثاني و الثالث فيما باعه الأوّل و استحقاق الثالث فيما باعه الثاني وجهان.

و في استحقاق مشتري الربع الأوّل فيما باعه الثاني و الثالث، و استحقاق الثاني شفعة الثالث ثلاثة أوجه: الاستحقاق، لأنّهما مالكان حال البيع. و عدمه، لتزلزل الملك. و ثبوته للمعفوّ عنه خاصّة.

فإن أوجبناه للجميع، فللّذي لم يبع ثلث كلّ ربع، لأنّ له شريكين، فصار له الربع مضموما إلى ملكه، فكمل له النصف، و للبائع الثالث و المشتري الأوّل الثلث لكلّ منهما سدس، لأنّه شريك في شفعة مبيعين، و للبائع الثاني و المشتري الثاني السدس لكلّ منهما نصفه، لأنّه شريك في شفعة بيع واحد، و يصحّ من اثني عشر.

مسألة 836: لو وهب المشتري الشقص - الذي اشتراه - لآخر،

كان للشفيع فسخ الهبة، و أخذ الشقص بالشفعة، و يكون الثمن للواهب، و قد

ص: 366

تقدّم(1).

هذا إذا لم تكن الهبة لازمة، و أمّا إن كانت لازمة بأن يعوّض عنها أو كانت لذي الرحم، فالأقرب: أنّ الثمن للمتّهب، فإن قلنا بأنّه للواهب، رجع المتّهب بما دفعه عوضا، و إلاّ تخيّر بينه و بين الثمن.

و لو تقايلا أو ردّه المشتري، فللشفيع فسخ الإقالة و الردّ، و الدرك باق على المشتري.

و لو تحالفا عند اختلافهما في الثمن، أخذه الشفيع بما حلف عليه البائع، لأنّه يأخذه منه في هذه الصورة، و الدرك على البائع حينئذ، لفسخ العقد بالتحالف، و ليس للشفيع فسخ البيع و الأخذ من البائع.

و لو غرس المشتري أو بنى، فللمشتري قلع غرسه و بنائه، و لا يضمن النقص الداخل على الأرض بالغرس و البناء، لأنّه لم يصادف ملك الشفيع، و يأخذ الشفيع بكلّ الثمن أو يترك.

و لو امتنع المشتري من القلع، تخيّر الشفيع بين قلعه مع دفع الأرش - و مع عدمه نظر - و بين النزول عن الشفعة.

فإن اتّفقا على بذل القيمة أوجبنا قبولها على المشتري مع اختيار الشفيع، لم يقوّم مستحقّا للبقاء في الأرض، و لا مقلوعا، لأنّه إنّما يملك قلعه مع الأرش، بل إمّا أن تقوّم الأرض و فيها الغرس ثمّ تقوّم خالية، فالتفاوت قيمة الغرس، فيدفعه الشفيع، أو ما نقص منه إن اختار القلع، أو يقوّم الغرس مستحقا للترك بالأجرة أو لأخذه بالقيمة إذا امتنعا من قلعه.

و لو اختلف الوقت فاختار الشفيع قلعه في وقت أسبق تقصر قيمته1.

ص: 367


1- في ص 272، المسألة 751.

عن قلعه في آخر، فله ذلك.

و لو غرس المشتري أو بنى مع الشفيع أو وكيله في المشاع ثمّ أخذه الشفيع، فالحكم كذلك.

مسألة 837: لو ردّ البائع الثمن بالعيب، لم يمنع الشفيع، لسبق حقّه،

و يأخذه بقيمة الثمن، و للبائع قيمة الشقص و إن زادت عن قيمة الثمن، و لا يرجع المشتري بالزيادة.

و يحتمل تقديم حقّ البائع، لأنّ حقّه استند إلى وجود العيب الثابت حالة التبايع، و الشفعة تثبت بعده، بخلاف المشتري لو وجد المبيع معيبا، لأنّ حقّه استرجاع الثمن و قد حصل من الشفيع، فلا فائدة في الردّ.

أمّا لو لم يردّ البائع الثمن حتى أخذ الشفيع، فإنّ له ردّ الثمن، و ليس له استرجاع المبيع، لأنّ الشفيع ملكه بالأخذ، فلا يملك البائع إبطال ملكه، كما لو باعه المشتري لأجنبيّ.

و لو باع الشفيع نصيبه بعد العلم بالشفعة، بطلت، و للمشتري الأوّل الشفعة على الثاني.

و لو باع بعض نصيبه و قلنا بثبوتها مع الكثرة، احتمل السقوط، لسقوط ما يوجب الشفعة. و الثبوت، لبقاء ما يوجب الجميع ابتداء، فله أخذ الشقص من المشتري الأوّل.

و هل للمشتري الأوّل شفعة على الثاني ؟ إشكال ينشأ: من ثبوت السبب، و هو الملك، و من تزلزله، لأنّه يؤخذ بالشفعة.

مسألة 838: لو وصّى لإنسان بشقص، فباع الشريك بعد الموت

و قبل القبول، استحقّ الشفعة الوارث.

و يحتمل الموصى له إن قلنا: إنّه يملك بالموت خاصّة، فإذا قبل

ص: 368

الوصيّة، استحقّ المطالبة، لأنّا تبيّنّا أنّ الملك كان له، و لا يستحقّ المطالبة قبل القبول، و لا الوارث، لأنّا لا نعلم أنّ الملك له قبل الردّ.

و يحتمل مطالبة الوارث، لأنّ الأصل عدم القبول، و بقاء الحقّ، فإذا طالب الوارث ثمّ قبل الموصى له، افتقر إلى الطلب ثانيا، لظهور عدم استحقاق الطلب.

و يحتمل أنّ المشفوع للوارث، لأنّ الموصى به إنّما انتقل إلى الموصى له بعد أخذ الشفعة.

و لو لم يطالب الوارث حتى قبل الموصى له، فلا شفعة للموصى له، لتأخّر ملكه عن البيع.

و في الوارث وجهان مبنيّان على من باع قبل علمه ببيع شريكه.

مسألة 839: لو باع أحد الثلاثة حصّته من شريكه ثمّ باع المشتري على أجنبيّ

و لم يعلم الثالث بالبيعين، فإن أخذ بالثاني، أخذ جميع ما في يد مشتريه، إذ لا شريك له في الشفعة.

و إن أخذ بالأوّل، أخذ نصف المبيع، و هو السدس، لأنّ المشتري شريكه، و يأخذ نصفه من المشتري الأوّل و نصفه من الثاني، لأنّ شريكه لمّا اشترى الثلث كان بينهما.

فإذا باع الثلث من جميع ما في يده و في يده ثلثان، فقد باع نصف ما في يده، و الشفيع يستحقّ ربع ما في يده، و هو السدس، فصار منقسما في أيديهما نصفين، فيأخذ من كلّ واحد منهما نصفه، و هو نصف السدس، و يرجع المشتري الثاني على الأوّل بربع الثمن، و تكون المسألة من اثني عشر، ثمّ ترجع إلى أربعة: للشفيع النصف، و لكلّ واحد الربع.

ص: 369

و إن أخذ بالعقدين، أخذ جميع ما في يد الثاني و ربع ما في يد الأوّل، فله ثلاثة أرباعه، و لشريكه الربع، و يدفع إلى الأوّل نصف الثمن الأوّل، و إلى الثاني ثلاثة أرباع الثمن الثاني، و يرجع الثاني على الأوّل بربع الثمن الثاني، لأنّه يأخذ نصف ما اشتراه الأوّل، و هو السدس، فيدفع إليه نصف الثمن كذلك، و قد صار نصف هذا النصف في يد الثاني، و هو ربع ما في يده، فيأخذه منه، و يرجع الثاني على الأوّل بثمنه، و يبقى المأخوذ من الثاني ثلاثة أرباع ما اشتراه، فأخذها منه، و دفع إليه ثلاثة أرباع الثمن.

ص: 370

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.