تذكره الفقهاء المجلد 11

اشارة

سرشناسه : علامه حلي حسن بن يوسف ق 726 - 648

عنوان و نام پديدآور : تذكره الفقهاء/ تاليف العلامه الحلي الحسن بن يوسف بن المطهر؛ تحقيق موسسه آل البيت عليهم السلام لاحياآ التراث مشخصات نشر : قم موسسه آل البيت عليهم السلام لاحياآ التراث 1400ق = 1300.

مشخصات ظاهري : ج 22

فروست : (موسسه آل البيت عليهم السلام لاحياآ التراث 127؛ 129؛ 130134)

شابك : 964-5503-33-7 (دوره ؛ 964-5503-44-2 2900ريال (ج 4) ؛ 964-5503-46-9 (ج 6) ؛ 964-319-007-2 (ج 7) ؛ 964-319-224-5 8000ريال (ج 11)

يادداشت : عربي يادداشت : فهرست نويسي براساس جلد چهارم 1414ق = 1372

يادداشت : ج 1 (چاپ اول 1420ق = 1378)؛ 8000 ريال ج 1) :ISBN 964-319-197-4

يادداشت : ج 8 (چاپ اول 1417ق = 1376)؛ 6500 ريال ج )8ISBN 964-319-051-x

يادداشت : ج 9 (چاپ اول 1419ق = 1377)8000 ريال :(ج )9ISBN 964-319-008-0

يادداشت : ج 13 (چاپ اول 1423ق = 1381)9500 ريال :ISBN 964-319-389-6

يادداشت : كتابنامه مندرجات : (ج )7) ISBN 964-319-007-2 ج 12) 1422ق = 8500 :1380 ريال موضوع : فقه جعفري -- قرن ق 8

شناسه افزوده : موسسه آل البيت عليهم السلام لاحياآ التراث رده بندي كنگره : BP182/3 /ع8ت4 1300ي

رده بندي ديويي : 297/342

شماره كتابشناسي ملي : م 73-2721

ص: 1

اشارة

ص: 2

ص: 3

ص: 4

الجزء الحادي عشر

تتمة القاعدة الثانية في العقود

تتمه كتاب البيع

المقصد الثالث: في وثاقه عقد البيع و ضعفه.

مقدّمة:

الأصل في البيع اللزوم؛ لأنّ الشارع وضعه مفيداً لنقل الملك من البائع إلى المشتري، و الأصل الاستصحاب، و الغرض تمكّن كلٍّ من المتعاقدين من التصرّف فيما صار إليه، و إنّما يتمّ باللزوم ليأمن من نقض صاحبه عليه. و إنّما يخرج عن أصله بأمرين:

أحدهما: ثبوت الخيار إمّا لأحد المتعاقدين أو لهما من غير نقصٍ في أحد العوضين بل للتروّي خاصّة.

و الثاني: ظهور عيب في أحد العوضين، فهنا فصلان:

ص: 5

ص: 6

الفصل الأوّل: في الخيار
اشارة

و فيه مطلبان:

المطلب الأوّل: في أقسامه،
اشارة

و هي سبعة، و ينظمها مباحث:

الأوّل: خيار المجلس.
اشارة

مسألة 225: ذهب علماؤنا إلى أنّ لكلٍّ من المتبايعين خيارَ الفسخ بعد العقد ما داما في المجلس، و لا يلزم العقد بمجرّده، إلّا أن يشترطا أو أحدهما سقوط الخيار و هو قول عليّ (عليه السّلام) و ابن عمر و أبي هريرة و أبي بردة من الصحابة، و من التابعين: شريح و الشعبي و سعيد بن المسيّب و الحسن البصري و طاوُوس و عطاء و الزهري. و من الفقهاء: الأوزاعي و ابن أبي ذئب و أحمد و إسحاق و أبو ثور و أبو عبيد و الشافعي(1) لما رواه الجمهور عن النبيّ (صلّى اللّه عليه و آله) قال: «المتبايعان كلّ واحد منهما على صاحبه بالخيار ما لم يتفرّقا إلّا بيع الخيار»(2).

و من طريق الخاصّة: قول الصادق (عليه السّلام): «البيّعان بالخيار

ص: 7


1- المغني 7:4، الشرح الكبير 69:4، مختصر اختلاف العلماء 47:3، 1125، الاستذكار 230229:20، 29957 29959، بداية المجتهد 170:2، مختصر المزني: 75، الحاوي الكبير 30:5، حلية العلماء 15:4، العزيز شرح الوجيز 169:4، المجموع 184:9، روضة الطالبين 100:3.
2- الموطّأ 671:2، 79، سنن أبي داوُد 273272:3، 3454، سنن النسائي 248:7، سنن البيهقي 268:5.

ما لم يفترقا، فإذا افترقا فلا خيار بعد الرضا منهما»(1).

و لأنّه عقد يحصل فيه التغابن، و يحتاج إلى التروّي، فوجب أن يشرع لاستدراك أمره بثبوت الخيار ليخلص من الغبن المؤدّي إلى الضرر المنفي شرعاً. و لأنّه عقد يقصد به تمليك المال، فلا يلزم بمجرّد العقد، كالهبة.

و قال أبو حنيفة و مالك: يلزم العقد بالإيجاب و القبول، و لا يثبت خيار المجلس؛ لأنّ عمر قال: البيع صفقة أو خيار. معناه: صفقة لا خيار فيها، أو صفقة فيها خيار. و لأنّه عقد معاوضة، فلا يثبت فيه خيار، كالنكاح و الكتابة و الخلع(2).

و قول عمر ليس حجّةً خصوصاً مع معارضته لما ورد عن النبيّ و أهل بيته (عليهم السّلام). و قد روى الشعبي عن عمر(3) أيضاً مثل قولنا، فسقط الاستدلال بهذه الرواية بالكلّيّة، أو تُحمل «أو» بمعنى الواو.

و لأنّا نقول بموجبه؛ فإنّ البيع إمّا صفقة لا خيار فيها بشرط إسقاط الخيار، أو خيار بأصل العقد.

و النكاح يخالف البيع؛ فإنّه لا يدخله خيار الشرط. و لأنّه لا يعقد في العادة إلا بعد التروّي و الفكر؛ لعدم تكثّره، بخلاف البيع.5.

ص: 8


1- الكافي 170:5، 6، الخصال 127 128، 128، التهذيب 20:7، 85، الاستبصار 72:3، 240.
2- مختصر اختلاف العلماء 46:3، 1125، الاستذكار 227226:20، 29941 و 29942، الحاوي الكبير 30:5، حلية العلماء 1615:4، التهذيب للبغوي - 290:3، العزيز شرح الوجيز 169:4، المجموع 184:9، بداية المجتهد 170:2، المغني 7:4، الشرح الكبير 69:4.
3- الحاوي الكبير 37:5.

إذا ثبت هذا، فقد اختلفوا في قوله (عليه السّلام): «إلّا بيع الخيار».

فقال أبو حنيفة و مالك: بيع الخيار ما يثبت فيه الخيار بالشرط إمّا ثلاثة أيّام، كما هو مذهب أبي حنيفة، أو ما تدعو الحاجة إليه، كقول مالك(1).

و قال الشافعي: بيع الخيار ما قطع فيه الخيار و أسقط منه(2).

مسألة 226: و يثبت هذا خيار المجلس في جميع أقسام البيع، كالسلف و النسيئة و المرئيّ و الموصوف و الصرف و التولية و المرابحة، و بالجملة جميع ما يندرج تحت لفظ البيع ممّا لم يشترط فيه سقوطه؛ لعموم قوله: «البيّعان بالخيار»(3) عند كلّ مَنْ أثبت الخيار إلّا في صُور وقع فيها الخلاف:

أ إذا باع مال نفسه من ولده الصغير أو بالعكس، فالأقرب ثبوت الخيار هنا - و هو أصحّ وجهي الشافعيّة(4) لأنّ الوليّ هنا قائم مقام الشخصين في صحّة العقد، فكذا في الخيار.

و الثاني: لا يثبت؛ لأنّ لفظ الخبر «البيّعان» و ليس هنا اثنان(5).

و الجواب: أنّه ورد على الغالب.9.

ص: 9


1- بداية المجتهد 209:2، حلية العلماء 19:4، الحاوي الكبير 65:5، المغني 98:4، الشرح الكبير 74:4.
2- المجموع 191190:9.
3- صحيح البخاري 84:3، سنن ابن ماجة 736:2، 2182 و 2183، سنن أبي داوُد 274:3، 3459، سنن الترمذي 550:3، 1247، سنن النسائي 249:7، سنن الدارمي 250:2، سنن البيهقي 271269:5.
4- الوسيط 101:3، حلية العلماء 18:4، العزيز شرح الوجيز 170:4، روضة الطالبين 101:3، المجموع 176:9.
5- الوسيط 101:3، حلية العلماء 18:4، العزيز شرح الوجيز 170:4، روضة الطالبين 101:3، المجموع 176:9.

و على ما قلناه يثبت الخيار للوليّ و للطفل معاً، و الوليّ نائب عن الطفل، فإن التزم لنفسه و للطفل، لزم. و إن التزم لنفسه، بقي الخيار للطفل. و إن التزم للطفل، بقي لنفسه.

و لو فارق المجلس، لم يبطل الخيار؛ لأنّ مفارقة المجلس مع الاصطحاب لا تُعدّ مفارقةً مؤثّرة في زوال الخيار، و الشخص لا يفارق نفسه و إن فارق المجلس، و هو أحد وجهي الشافعيّة.

و الثاني: أنّه بمفارقته المجلس يلزم العقد(1). و ليس بجيّد.

و حينئذٍ إنّما يلزم بإسقاط الخيار، أو اشتراط سقوطه في العقد، و إلّا يثبت دائماً.

و كذا لو باع مال أحد ولديه على الآخر و هُما صغيران، و البحث كما تقدّم.

ب لو اشترى مَنْ ينعتق عليه بالملك كالأب و الابن، لم يثبت خيار المجلس فيه أيضاً؛ لأنّه ليس عقد مغابنة من جهة المشتري؛ لأنّه وطّن نفسه على الغبن المالي، و المقصود من الخيار أن ينظر و يتروّى لدفع الغبن عن نفسه.

و أمّا من جهة البائع فهو و إن كان عقد معاوضة لكنّ النظر إلى جانب العتق أقوى، و هو أحد قولي الشافعيّة.

و في الآخر: يثبت؛ لقوله (عليه السّلام): «لن يجزي(2) ولد والده إلّا بأن».

ص: 10


1- العزيز شرح الوجيز 170:4، روضة الطالبين 101:3، المجموع 176:9.
2- في المصادر: «لا يجزي..».

يجده مملوكاً فيشتريه(1) فيعتقه»(2) فإنّه يقتضي إنشاء إعتاقٍ بعد العقد(3). و هو ممنوع.

و أكثر الشافعيّة بنوا الخيارَ هنا على أقوال الملك في زمن الخيار، فإن كان للبائع، فلهما الخيار، و لا يحكم بالعتق إلّا بعد مضيّ الخيار. و إن كان موقوفاً، فلهما الخيار أيضاً، و إذا أمضيا العقد، ظهر أنّه عتق بالشراء. و إن كان للمشتري، فلا خيار له، و يثبت للبائع(4).

و متى يعتق ؟ فيه وجهان عندهم:

أظهرهما: أنّه لا يحكم بالعتق حتى يمضي زمان الخيار ثمّ يحكم بعتقه يوم الشراء.

و الثاني: أنّه يعتق في الحال.

و حينئذٍ هل يبطل خيار البائع ؟ وجهان، كما إذا أعتق المشتري العبدَ الأجنبيّ في زمن الخيار، فإنّ فيه الوجهين. و أقواهما: ثبوت الخيار للبائع و إن كان المشتري مالكاً في زمن الخيار، و أنّ العبد لا يعتق في الحال؛ لأنّه لم يوجد منه الرضا إلّا بأصل العقد(5).

ج إذا اشترى العبد نفسه من مولاه و قلنا بالصحّة، فلا خيار له.

و للشافعيّة في خيار المجلس هنا وجهان(6).7.

ص: 11


1- في «ق، ك» و الطبعة الحجريّة: «يشتريه». و ما أثبتناه من المصادر.
2- صحيح مسلم 1148:2، 1510، سنن ابن ماجة 1207:2، 3659، سنن أبي داوُد 335:4، 5137، سنن الترمذي 315:4، 1906، مسند أحمد 458:2، 7103، و 517، 7516، و 72:3، 8676 و 193، 9452.
3- العزيز شرح الوجيز 171:4، المجموع 176:9.
4- العزيز شرح الوجيز 171:4، روضة الطالبين 101:3، المجموع 176:9.
5- العزيز شرح الوجيز 171:4، روضة الطالبين 101:3، المجموع 176:9.
6- العزيز شرح الوجيز 172171:4، روضة الطالبين 101:3، المجموع 176:9-177.

د لو اشترى جمداً في شدّة الحرّ، ففي الخيار إشكال. و للشافعيّة وجهان؛ لتلفه بمضيّ الزمان(1).

ه لو شرطا نفي خيار المجلس في عقد البيع، صحّ الشرط و سقط الخيار.

و للشافعيّة في صحّة البيع و الشرط قولان(2).

و لو اشترى الغائب بوصفٍ، يثبت عندنا خيار المجلس و الرؤية معاً فيه.

و للشافعي في صحّة البيع قولان، فإن قال بصحّته، لم يثبت خيار المجلس مع خيار الرؤية عنده(3). و ليس بجيّد.

مسألة 227: و لا يثبت خيار المجلس في شيء من العقود سوى البيع عند علمائنا؛ عملاً بأصالة اللزوم، و عروض الجواز، خرج عنه البيع؛ لقوله (عليه السّلام): «البيّعان بالخيار»(4) فيبقى الباقي على اللزوم بمقتضى عموم قوله تعالى أَوْفُوا بِالْعُقُودِ (5).

و أثبت الشافعي خيار المجلس فيما شابه البيع، كصلح المعاوضة(6).

و هو مبنيّ على القياس الباطل عندنا.9.

ص: 12


1- العزيز شرح الوجيز 172:4، روضة الطالبين 101:3، المجموع 177:9.
2- التهذيب للبغوي 291:3، روضة الطالبين 104103:3، المجموع 179178:9.
3- انظر: العزيز شرح الوجيز 172:4، و روضة الطالبين 102101:3، و المجموع 177:9.
4- تقدّمت الإشارة إلى مصادره في ص 9، الهامش (3).
5- المائدة: 1.
6- العزيز شرح الوجيز 170:4، روضة الطالبين 100:3، المجموع 175:9.

إذا ثبت هذا، فاعلم أنّ العقد إمّا أن يكون جائزاً من الطرفين - كالشركة و الوكالة و القراض و الوديعة و العارية أو جائزاً من أحد الطرفين لازماً من الآخر، كالضمان و الكتابة. و لا خيار في هذين القسمين.

أمّا الجائز من الطرفين: فلأنّهما بالخيار أبداً، فلا معنى لخيار المجلس.

و أمّا الجائز من أحدهما: فلهذا المعنى من حيث هو جائز في حقّه، و الآخر دخل فيه موطّناً نفسه على الغبن، و مقصود الخيار التروّي لدفع الغبن عن نفسه.

و كذا الرهن لا يثبت فيه خيار المجلس، إلّا أن يكون مشروطاً في بيعٍ و أقبضه قبل التفرّق و أمكن فسخ الرهن بأن يفسخ البيع حتى ينفسخ الرهن تبعاً.

و قال بعض الشافعيّة: يثبت الخيار في الكتابة(1). و بعضهم أثبته في الضمان(2). و هُما غريبان.

أو يكون لازماً من الطرفين، و هو قسمان: إمّا أن يكون عقداً وارداً على العين، و إمّا وارداً على المنفعة.

فمن أنواع الأوّل: البيعُ، و يثبت خيار المجلس في جميع أنواعه إلّا ما استثني. و يثبت خيار الشرط في جميع أنواعه إلّا السلف و الصرف و به قال الشافعي(3) لافتقار العقد فيهما إلى التقابض في المجلس و التفرّق من غير علقة بينهما، و ثبوت الخيار بعد التفرّق يمنع لزوم القبض فيه، و يثبت9.

ص: 13


1- العزيز شرح الوجيز 170:4، روضة الطالبين 100:3، المجموع 175:9.
2- العزيز شرح الوجيز 170:4، روضة الطالبين 100:3، المجموع 175:9.
3- الوجيز 141:1، العزيز شرح الوجيز 170:4 و 193، التهذيب للبغوي 292:3 و 293، روضة الطالبين 111:3، المجموع 192:9.

بينهما علقة بعد التفرّق.

و لا يثبت خيار المجلس في الصلح؛ لاختصاص الخبر(1) بالبيع.

و قسّم الشافعي الصلحَ إلى أقسام ثلاثة: صلح هو بيع، مثل أن يدّعي داراً فيقرّ المتشبّث له بها ثمّ يصالحه منها على عوض. و صلح هو إجارة بأن يدّعي داراً فيقرّ له بها ثمّ يصالحه على أن يخدمه هو أو عبده أو يسكنه داره سنةً. و صلح هو هبة و حطيطة بأن يدّعي عليه شيئاً فيقرّ له ثمّ يبرئه من بعضه إن كان دَيْناً و يأخذ الباقي، أو يهب له بعضه إن كان عيناً و يأخذ الباقي. فالأوّل يدخله الخياران معاً، و الباقيان لا يدخلهما شيء من الخيارين؛ لأنّه شرع فيهما على يقين بأنّه لا حظّ له فيهما(2).

و أمّا الإقالة: فإنّها فسخ عندنا، و هو أحد قولي الشافعي(3) ، فلا يثبت فيها الخيار.

و في الثاني له: أنّها بيع، فيثبت فيها الخيار(4).

و الحوالة ليست بيعاً عندنا، فلا يثبت فيها خيار المجلس.

و عند الشافعي قولان:

أحدهما: أنّها ليست معاوضةً، فلا خيار فيها.

و الثاني: أنّها معاوضة فوجهان، أظهرهما: أنّه لا خيار أيضاً؛ لأنّها ليست على قواعد المعاوضات؛ إذ لو كانت معاوضةً، كانت باطلةً؛ لاشتمالها على بيع دَيْن بدَيْن. و لأنّهما بمنزلة الإبراء، و لهذا لا تصحّ بلفظ9.

ص: 14


1- أي خبر «البيّعان بالخيار» المتقدّم في ص 9.
2- العزيز شرح الوجيز 170:4 و 172 و 193، روضة الطالبين 100:3 و 102 و 110، المجموع 175:9 و 192.
3- التهذيب للبغوي 293:3، العزيز شرح الوجيز 172:4، روضة الطالبين 102:3، المجموع 177:9.
4- التهذيب للبغوي 293:3، العزيز شرح الوجيز 172:4، روضة الطالبين 102:3، المجموع 177:9.

البيع، و تجوز في النقود من غير قبض(1).

و الضمان ليس بيعاً، فلا يدخله الخيار و به قال الشافعي(2) لأنّ الضامن دخل فيه مقطوعاً به مع الرضا بالغبن.

و أمّا الشفعة: فليست بيعاً عندنا، فلا يثبت فيها خيار المجلس لأحدٍ، و لا خيار الشرط؛ لأنّها لا تقف على التراضي.

و قال الشافعي: لا يثبت فيها خيار الشرط. و أمّا خيار المجلس فلا يثبت للمشتري؛ لأنّه يؤخذ منه الشقص بغير اختياره.

و في ثبوته للشفيع وجهان:

الثبوت؛ لأنّ سبيل الأخذ بالشفعة سبيل المعاوضات، و لهذا يثبت فيه الردّ بالعيب و الرجوع بالعهدة.

و المنع؛ لأنّ المشتري لا خيار له، و يبعد اختصاص خيار المجلس بأحد المتعاقدين(3).

فاختلف أصحابه على تقدير الثبوت في معناه.

فقال بعضهم: إنّ الشفيع بالخيار بين الأخذ و الترك ما دام في المجلس مع القول بالفور(4).

و غلّط إمام الحرمين هذا القائلَ، و قال: إنّه على الفور، ثمّ له الخيار9.

ص: 15


1- التهذيب للبغوي 293:3، حلية العلماء 35:5، العزيز شرح الوجيز 172:4، روضة الطالبين 102:3، المجموع 177:9.
2- التهذيب للبغوي 292:3، العزيز شرح الوجيز 170:4، روضة الطالبين 102:3، المجموع 175:9.
3- العزيز شرح الوجيز 172:4 و 193، روضة الطالبين 102:3 و 111، المجموع 177:9 و 192.
4- العزيز شرح الوجيز 172:4، روضة الطالبين 102:3، المجموع 177:9.

في أخذ الملك و ردّه(1).

و أمّا اختيار عين المال المبيع من المفلس: فليس ببيع عندنا، فلا يثبت فيه خيار، بل يلزمه أخذه، و لا خيار له، و هو قول أكثر الشافعيّة(2).

و قال بعضهم وجهاً: إنّه بالخيار ما دام في المجلس(3).

و أمّا الوقف: فلا خيار فيه عندنا و عند الشافعي(4) ؛ لأنّه إزالة ملك على وجه القربة، و يزول أيضاً إلى غير ملك، فهو كالعتق.

و أمّا الهبة بنوعيها: فلا خيار فيها عندنا؛ لأنّها ليست بيعاً.

و أمّا الشافعي فقال: إنّها غير لازمة قبل القبض، فلا خيار فيها(5). و إذا قبض فإن لم يكن فيها ثواب، فلا خيار فيها؛ لأنّه قصد التبرّع، فلا معنى لإثبات الخيار فيها.

و إن وهب بشرط الثواب أو مطلقاً و قلنا: أنّه يقتضي الثواب، فيه وجهان:

أظهرهما: أنّه لا خيار فيها؛ لأنّها لا تسمّى بيعاً، و لفظ الهبة لفظ الإرفاق، فلا يثبت بمقتضاه الخيارُ.

و الثاني: أنّه يثبت فيها خيار المجلس و خيار الشرط(6).

و قال بعضهم: إنّه لا يثبت خيار الشرط، و في خيار المجلس9.

ص: 16


1- العزيز شرح الوجيز 172:4، روضة الطالبين 102:3، المجموع 177:9.
2- العزيز شرح الوجيز 172:4، روضة الطالبين 102:3، المجموع 177:9.
3- العزيز شرح الوجيز 172:4، روضة الطالبين 102:3، المجموع 177:9.
4- العزيز شرح الوجيز 172:4، روضة الطالبين 102:3، المجموع 177:9.
5- المهذّب للشيرازي 454:1، التهذيب للبغوي 527:4، حلية العلماء 48:6، العزيز شرح الوجيز 318:6، روضة الطالبين 437:4، المجموع 178177:9.
6- التهذيب للبغوي 293:3، العزيز شرح الوجيز 173172:4، روضة الطالبين 102:3، المجموع 177:9.

قولان(1).

و أمّا الوصيّة: فلا خيار فيها؛ لأنّه بالخيار إلى أن يموت، و إذا(2) مات فات.

و أمّا القسمة: فلا خيار فيها، سواء تضمّنت ردّاً أو لا؛ لأنّها ليست بيعاً.

و قال الشافعي: يثبت الخيار إن تضمّنت ردّاً. و إن لم تتضمّن، فإن جرت بالإجبار، فلا خيار فيها. و إن جرت بالتراضي، فإن قلنا: إنّها إفراز حقّ، لم يثبت خيار. و إن قلنا: إنّها بيع، فكذلك في أصحّ الوجهين(3).

و أمّا النوع الثاني و هو الوارد على المنفعة فمنه النكاح، و لا يثبت فيه خيار المجلس؛ للاستغناء عنه بسبق التأمّل غالباً. و لأنّه لا يقصد فيه العوض.

و أمّا الصداق: فلا يثبت فيه خيار المجلس عندنا؛ لأنّه ليس ببيع.

و للشافعيّة قولان:

أحدهما: ما قلناه؛ لأنّه أحد عوضي النكاح، و إذا لم يثبت في أحد العوضين لم يثبت في الآخر. و لأنّ المال تبع [في(4)] النكاح، و إذا لم يثبت الخيار في المتبوع لم يثبت في التابع.

و الثاني: يثبت؛ لأنّ الصداق عقد مستقلّ.

و منهم مَنْ قال: يثبت فيه خيار الشرط. فعلى هذا إن فسخ، وجب مهر المثل.».

ص: 17


1- انظر: العزيز شرح الوجيز 193:4.
2- في «ق، ك»: «فإذا».
3- التهذيب للبغوي 294293:3، العزيز شرح الوجيز 173:4، روضة الطالبين 102:3، المجموع 178:9.
4- أضفناها من المصدر. و في الطبعة الحجريّة: «يتبع النكاح».

و على هذين الوجهين ثبوت خيار المجلس في عوض الخلع، أحدهما: الثبوت؛ لأنّه معاوضة، و إذا فسخ، بقي الطلاق رجعيّاً. و عدمُه؛ لأنّ القصد منه الفرقة دون المال، فأشبه النكاح(1).

و أمّا الإجارة: فلا يثبت فيها خيار المجلس بنوعيها، أعني المعيّنة، و هي المتعلّقة بالزمان، و التي في الذمّة؛ لأنّها ليست بيعاً.

و قالت الشافعيّة: في ثبوت خيار المجلس فيها وجهان:

الثبوت؛ لأنّها معاوضة لازمة، كالبيع، بل هي ضرب منه في الحقيقة.

و قال بعضهم بعدمه؛ لأنّ عقد الإجارة مشتمل على غرر؛ لأنّه عقد على معدوم و الخيار غرر فلا يضمّ غرر إلى غرر(2).

و قال القفّال: إنّ الخلاف في إجارة العين، أمّا الإجارة على الذمّة فيثبت فيها خيار المجلس لا محالة؛ لأنّها ملحقة بالسَّلَم حتى يجب فيها قبض البدل في المجلس(3). و هو ممنوع.

و قال بعضهم: لا يثبت خيار الشرط، و يثبت خيار المجلس في إجارة الذمّة كالإجارة المعيّنة. و لأنّ الغرر يقلّ في خيار المجلس، بخلاف خيار الشرط(4).3.

ص: 18


1- المهذّب للشيرازي 58:2، الوسيط 103:3، الوجيز 27:2، العزيز شرح الوجيز 173:4 و 255:8، المجموع 178:9، روضة الطالبين 103102:3، و 590:5.
2- المهذّب للشيرازي 407:1، المجموع 178:9، التهذيب للبغوي 294:3-295، العزيز شرح الوجيز 173:4، روضة الطالبين 103:3.
3- التهذيب للبغوي 295:3، العزيز شرح الوجيز 173:4، روضة الطالبين 103:3، المجموع 178:9.
4- المهذّب للشيرازي 407:1، حلية العلماء 405404:5، التهذيب للبغوي 295:3.

و على تقدير ثبوت الخيار في إجارة العين فابتداء المدّة يحسب من وقت انقضاء الخيار بالتفرّق أو من وقت العقد؟ قولان:

أحدهما: من وقت انقضاء الخيار؛ لأنّ الاحتساب من وقت العقد يعطّل [المنافع(1)] على المكري أو المكتري، و على هذا لو أراد المكري أن يكريه من غيره في مدّة الخيار، لم يجز و إن كان محتملاً في القياس.

و الصحيح عندهم: أنّه يحسب من وقت العقد؛ إذ لو حسب من وقت انقضاء الخيار، لتأخّر ابتداء مدّة الإجارة عن العقد، فيكون بمنزلة إجارة الدار السنة القابلة، و هي باطلة عندهم.

و على هذا فعلى مَنْ تُحسب مدّة الخيار؟ إن كان قبل تسليم العين إلى المستأجر، فهي محسوبة على المكري. و إن كان بعد التسليم، فوجهان مبنيّان على أنّ المبيع إذا هلك في يد المشتري في زمن الخيار من ضمان مَنْ يكون ؟ أصحّهما: أنّه من ضمان المشتري، فعلى هذا فهي محسوبة على المستأجر، و عليه تمام الأُجرة.

و الثاني: أنّها من ضمان البائع، فعلى هذا تُحسب على المكري، و يحطّ من الاُجرة بقدر ما يقابل تلك المدّة(2).

و أمّا المساقاة: فلا خيار فيها عندنا للمجلس؛ لتعلّقه بالبيع و ليست به.

و لا يثبت فيها خيار الشرط عند الشافعي(3) ، كالإجارة المعيّنة المتعلّقة بالزمان؛ لأنّها عقد على منفعة تتلف بمضيّ الزمان، و المساقاة من1.

ص: 19


1- ما بين المعقوفين من «العزيز شرح الوجيز».
2- العزيز شرح الوجيز 174:4، روضة الطالبين 103:3، المجموع 178:9.
3- المهذّب للشيرازي 399:1.

شرطها أن تكون مدّتها معلومةً عقيب العقد.

و هل يثبت في المساقاة خيار المجلس ؟ للشافعي طريقان:

أظهرهما: أنّه على الخلاف المذكور في الإجارة.

و الثاني: القطع بالمنع؛ لأنّ الغرر فيه أعظم، فإنّ كلّ واحد من المتعاقدين لا يدري ما يحصل له، فلا يضمّ إليه غرر آخر(1).

و أمّا المسابقة و المراماة: فقولان عند الشافعي، فإن قلنا: إنّها لازمة، فهي كالإجارة. و إن قلنا: إنّها جائزة، فهي كالعقود الجائزة(2).

و عندنا لا خيار فيها مطلقاً.

و أمّا العتق: فإنّه إسقاط حقّ، و كذا التدبير؛ لأنّه عتق معلّق بشرط.

و الكتابة لا خيار للسيّد فيها؛ لأنّه دخل على وجه القربة، و تحقّق الغبن في معاوضته؛ لأنّه باع ماله بماله. و أمّا العبد فله الخيار أبداً؛ لأنّ العقد جائز من جهته على ما اختاره الشيخ(3) ، و به قال الشافعي(4).

و الطلاق إسقاط حقّ، فلا يثبت فيه خيار.

مسألة 228: مسقطات خيار المجلس أربعة:
اشارة

أ اشتراط سقوطه في متن العقد.

ص: 20


1- المهذّب للشيرازي 399:1، المجموع 178:9، حلية العلماء 371:5، التهذيب للبغوي 295:3، العزيز شرح الوجيز 174:4، روضة الطالبين 103:3.
2- الوسيط 102:3، العزيز شرح الوجيز 174:4، حلية العلماء 463462:5، التهذيب للبغوي 295:3، روضة الطالبين 103:3، المجموع 178:9.
3- الخلاف 18:3، المسألة 21.
4- المهذّب للشيرازي 12:2، الوسيط 526:7، الوجيز 289:2، العزيز شرح الوجيز 513:13، الحاوي الكبير 146:18 و 294، التهذيب للبغوي 481:8، حلية العلماء 202201:6، روضة الطالبين 505:8.

ب الافتراق.

ج التخاير.

د التصرّف، فإن كان من المشتري، سقط خياره في الردّ؛ لأنّه بتصرّفه التزم بالملك، و اختار إبقاء العقد. و إن كان البائع، كان فسخاً للعقد.

أمّا الأوّل: فإذا تعاقدا و شرطا في متن العقد سقوط خيار المجلس أو غيره، سقط؛ لأنّه شرط سائغ، لتعلّق الأغراض بلزوم العقد تارة و جوازه اخرى، فيصحّ؛ لقوله (عليه السّلام): «المؤمنون عند شروطهم»(1) و صحّته تقتضي الوفاء به.

و لو شرط أحدهما سقوطه عنه خاصّة، سقط بالنسبة إليه دون صاحبه، فليس له اختيار الفسخ، و لصاحبه اختياره.

و أمّا الثاني: فإنّه مسقط للخيار إجماعاً؛ لقوله (عليه السّلام): «ما لم يفترقا»(2) جعل مدّة الخيار لهما دوامهما مصطحبين، سواء أقاما كذلك في المجلس أو فارقاه، فيكون ما عداه خارجاً عن هذا الحكم تحقيقاً لمسمّى الغاية.

و يحصل بالتفرّق بالأبدان لا بالمجلس خاصّة؛ لانصراف الإطلاق إليه عرفاً، و حيث علّق الشارع الحكم عليه و لم يبيّنه دلّ على حوالته فيه على عرف الناس، كغيره من الألفاظ، كالقبض و الحرز و الإحياء.9.

ص: 21


1- التهذيب 371:7، 1503، الاستبصار 232:3، 835، الجامع لأحكام القرآن 33:6.
2- سنن ابن ماجة 736:2، 2181، سنن أبي داوُد 273272:3، 3454 و 3456 و 3457، سنن الترمذي 550:3، 1247، سنن النسائي 250249:7، سنن الدارمي 250:2، سنن البيهقي 268:5، الموطّأ 671:2، 79.

و لما روي عن الباقر (عليه السّلام) قال: «إنّي ابتعت أرضاً فلمّا استوجبتها قمت فمشيت خُطاً ثمّ رجعت فأردت أن يجب البيع»(1).

و أمّا الثالث: فإنّه يقطع خيار المجلس إجماعاً.

و صورته: أن يقولا: تخايرنا أو اخترنا إمضاء العقد، أو أمضيناه، أو اخترناه، أو التزمنا به، و ما أشبه ذلك، فإنّه يدلّ على الرضا بلزوم البيع.

إذا ثبت هذا، فإن قالاه في نفس العقد بأن عقدا على أن لا يكون بينهما خيار المجلس، فهو القسم الأوّل، و قد ذكرنا مذهبنا فيه، و أنّه يقتضي سقوط خيار المجلس؛ عملاً بالشرط.

و اختلفت الشافعيّة في ذلك على طريقين:

أحدهما: أنّ هذا الشرط لا يصحّ قولاً واحداً؛ لأنّه خيار يثبت بعد تمام العقد، فلا يسقط بإسقاطه قبل تمام العقد، كخيار الشفعة.

و الثاني: أنّه يصحّ و يسقط الخيار؛ لقوله (عليه السّلام): «البيّعان بالخيار ما لم يتفرّقا إلّا بيع الخيار»(2) و الاستثناء من الإثبات نفيٌ، فيكون بيع الخيار لا خيار فيه، و يريد ببيع الخيار ما أُسقط فيه الخيار. و لأنّ الخيار حقٌّ للمتعاقدين و فيه غرر أيضاً، فإذا اتّفقا على إسقاطه، جاز، كالأجل، و كما لو أسقطاه بعد العقد.

و على القول ببطلان الشرط ففي بطلان البيع وجهان: البطلان؛ لأنّه شرط نافى مقتضاه فأفسده، كما لو شرط أن لا يبيعه أو لا يتصرّف فيه. و الصحّة؛ لأنّه شرط لا يؤدّي إلى جهالة العوض و لا المعوّض(3).3.

ص: 22


1- التهذيب 20:7، 84، الاستبصار 72:3، 239.
2- صحيح مسلم 1163:3، 1531، صحيح البخاري 84:3، سنن النسائي 248:7، سنن البيهقي 268:5، الموطّأ 671:2، 79 بتفاوت يسير في غير الأوّل.
3- المهذّب للشيرازي 265:1، المجموع 179178:9، حلية العلماء 18:4-19، التهذيب للبغوي 291:3، روضة الطالبين 104103:3.
فروع التفرّق:

أ قد عرفت أنّ الحوالة في التفرّق على العادة، فلو تبايعا و أقاما سنةً في مجلسهما لم يتفرّقا بأبدانهما، بقي الخيار. و كذا لو قاما و تماشيا مصطحبين منازل كثيرة، لم ينقطع الخيار؛ لعدم تحقّق التفرّق، و به قال أكثر الشافعيّة(1).

و لباقيهم قولان غريبان:

أحدهما: أنّه لا يزيد الخيار على ثلاثة أيّام؛ لأنّها نهاية الخيار المشروط شرعاً(2). و هو ممنوع.

و الثاني: قال بعضهم: لو لم يتفرّقا لكن شرعا في أمرٍ آخر و أعرضا عمّا يتعلّق بالعقد و طال الفصل، انقطع الخيار(3). و ليس بشيء.

ب التفرّق حقيقة في غير المتماسّين، و هو يحصل بأن يكون كلّ واحد منهما في مكان ثمّ يتبايعا. لكن ذلك غير مراد من قوله (عليه السّلام): «ما لم يتفرّقا»(4) أي ما لم يجدّدا افتراقاً بعد عقدهما، فيبقى المراد: ما لم يفارق أحدهما مكانه، فإنّه متى فارق تخلّلهما أجسام أكثر ممّا كان يتخلّلهما أوّلاً، فيثبت معنى الافتراق بأقلّ انتقالٍ و لو بخُطوة.

و فصّل الشافعي هنا، فقال: إن كانا في دارٍ صغيرة، لم يحصل التفرّق إلّا بأن يخرج أحدهما من الدار، أو يصعد أحدهما إلى العلوّ و الآخر في

ص: 23


1- الوسيط 104:3، العزيز شرح الوجيز 175:4، التهذيب للبغوي 307:3، روضة الطالبين 104:3، المجموع 180:9.
2- العزيز شرح الوجيز 178177:4، روضة الطالبين 104:3 و 105، المجموع 180:9.
3- العزيز شرح الوجيز 178177:4، روضة الطالبين 104:3 و 105، المجموع 180:9.
4- تقدّمت الإشارة إلى مصادره في ص 22، الهامش (2).

السفل. و كذا المسجد الصغير و السفينة الصغيرة لا يحصل التفرّق إلّا بالخروج منهما.

و إن كانا في دارٍ كبيرة و كان أحدهما في البيت و الآخر في الصفّة، حصل الافتراق، أو يخرج أحدهما من البيت إلى الصحن أو يدخل من الصحن في بيت أو صُفّة. و كذا السفينة الكبيرة إذا صعد أحدهما إلى أعلاها و بقي الآخر في أسفلها.

و إن كانا في صحراء أو سوق، قال الشافعي: يحصل التفرّق بأن يولّيه ظهره.

قال أصحابه: لم يرد أنّه يجعل ذلك بتفسير التولية، و إنّما أراد إذا ولاّه ظهره و مشى قليلاً.

و قال الإصطخري: يشترط أن يبعد بحيث إذا كلّمه صاحبه على الاعتياد من غير رفع الصوت، لم يسمع(1).

و كلّ هذه تخمينات، الأولى الإعراض عنها، و الاعتماد على ما دلّ عليه اللفظة.

ج لا يحصل التفرّق ببقائهما في المجلس و ضَرْب ساترٍ بينهما كستْرٍ و شبهه، و يكون كما لو غمّضا أعينهما. و كذا لو شُقّ بينهما نهر لا يتخطّى. و كذا لو بُني بينهما جدار من طين أو جصّ.

و في الآخِر للشافعيّة وجهان، أصحّهما: عدم السقوط؛ لأنّهما في مجلس العقد(2).9.

ص: 24


1- العزيز شرح الوجيز 178:4، روضة الطالبين 105:3، المجموع 180:9.
2- العزيز شرح الوجيز 178:4، روضة الطالبين 105:3، المجموع 181:9.

و ألحقه الجويني بما إذا حُمل أحدهما و أُخرج(1).

و صحن الدار و البيت الواحد إذا تفاحش اتّساعهما كالصحراء.

د لو تباعدا كثيراً و تناديا و تبايعا، صحّ البيع إجماعاً، و يثبت الخيار ما داما في مجلس العقد و موضعهما، و به قال جماعة من الشافعيّة(2).

و قال الجويني: لا خيار هنا؛ لأنّ التفرّق الطارئ قاطع للخيار، فالمقارن يمنع ثبوته(3). و ليس بشيء.

ه لو فارق أحدهما موضعه و بقي الآخر، بطل خيار الأوّل قطعاً. و في الثاني للجويني احتمالان:

سقوط خياره و هو الأقوى عندي لتحقّق معنى الافتراق، فإنّه يحصل بقيام أحدهما عن مكانه.

و عدمُه، بل يدوم إلى أن يفارق مكانه(4). و ليس بشيء.

و كذا لو هرب أحدهما خاصّة، سواء فعل ذلك حيلة في لزوم العقد أو لا، و سواء كانا عالمين بالحكم أو بالتفريق أو جاهلين بهما أو بالتفريق؛ لتحقّق الافتراق في الجميع.

و لو مات أحد المتعاقدين في مجلس العقد، احتمل سقوط الخيار؛ لأنّه يسقط بمفارقة المكان فبمفارقة الدنيا أولى. و عدمُه؛ لانتفاء افتراق الأبدان، فيثبت للوارث ما دام الميّت و الآخر في المجلس، أو الآخر و الوارث على احتمال، كخيار الشرط و العيب.

و للشافعي قولان كالاحتمالين؛ لأنّه قال في «المختصر» في «البيع»: إنّ الخيار لوارثه. و قال في «المكاتب»: إذا باع و لم يتفرّقا حتى مات9.

ص: 25


1- العزيز شرح الوجيز 178:4.
2- العزيز شرح الوجيز 178:4، روضة الطالبين 105:3، المجموع 181:9.
3- العزيز شرح الوجيز 178:4، روضة الطالبين 105:3، المجموع 181:9.
4- العزيز شرح الوجيز 178:4، روضة الطالبين 105:3، المجموع 181:9.

المكاتب، وجب البيع.

و اختلف أصحابه في القولين على ثلاثة طرق:

أظهرها: أنّه قولان: لزوم البيع، و عدم لزومه، بل يثبت الخيار للوارث و السيّد.

و الثاني: القطع بثبوت الخيار للوارث و السيّد.

و الثالث: ثبوته في الوارث دون السيّد.

و الفرق: أنّ الوارث خليفة المورّث، فيقوم مقامه في الخيار، و السيّد ليس خليفةً للمكاتب، بل يأخذ بحقّ الملك. و على هذا العبدُ المأذون إذا باع أو اشترى و مات في المجلس، يجيء فيه الخلاف(1). و قد عرفت ما عندنا فيه.

و لو مات الوكيل بالشراء في المجلس، انتقل الخيار إلى الموكّل.

هذا إذا فرّعنا على أنّ الاعتبار بمجلس الوكيل في الابتداء، و هو الوجه عند الشافعيّة(2).

و لهم آخر: أنّ الاعتبار بمجلس الموكّل(3).

ز إذا قلنا بلزوم البيع، انقطع خيار الميّت. و أمّا الحيّ: فإن جعلنا الموت تفريقاً و أسقطنا الخيار للمقيم بعد مفارقة صاحبه، سقط هنا أيضاً.

و للشافعيّة قول: إنّه لا يسقط حتى يفارق ذلك المجلس(4).

و قال الجويني تفريعاً على هذا القول -: إنّه يلزم العقد من الجانبين؛ لأنّ الخيار لا يتبعّض في السقوط، كما في الثبوت(5).

ح إن قلنا بثبوت الخيار للوارث، فإن كان حاضراً في المجلس،9.

ص: 26


1- الحاوي الكبير 57:5، العزيز شرح الوجيز 178:4، روضة الطالبين 105:3، المجموع 207:9.
2- العزيز شرح الوجيز 179:4، روضة الطالبين 106:3، المجموع 207:9.
3- العزيز شرح الوجيز 179:4، روضة الطالبين 106:3، المجموع 207:9.
4- العزيز شرح الوجيز 179:4، روضة الطالبين 106:3، المجموع 207:9.
5- العزيز شرح الوجيز 179:4، روضة الطالبين 106:3، المجموع 207:9.

امتدّ الخيار بينه و بين العاقد الآخر حتى يتفرّقا أو يتخايرا.

و يحتمل أن يمتدّ الخيار بينه و بين الآخر ما دام الميّت و الآخر في المجلس.

و إن كان غائباً، فله الخيار إذا وصل الخبر إليه.

ثمّ هو على الفور أو يمتدّ بامتداد مجلس بلوغ الخبر إليه ؟ للشافعيّة وجهان: الفور؛ لأنّ المجلس قد انقضى و إنّما أثبتنا له الخيار؛ لئلّا يبطل حقّا كان للمورّث. و عدمُه؛ لأنّ الوارث خليفة المورّث، فيثبت له على ما يثبت للمورّث(1).

و الأوّل عندي أقرب.

و هذان الوجهان عند الشافعيّة كالوجهين في خيار الشرط إذا ورثه الوارث و كان بلوغ الخبر إليه بعد انقضاء مدّة الخيار. ففي وجهٍ: هو على الفور. و في آخر: يدوم و يمتدّ ما كان يدوم للمورّث لو لم يمت. هذا على قول الأكثر.

و قال بعضهم: في كيفيّة ثبوت الخيار للوارث وجهان نقلوهما في كيفيّة ثبوته للعاقد الباقي:

أحدهما: أنّ له الخيار ما دام في مجلس العقد، فإذا فارقه، بطل. فعلى هذا يكون خيار الوارث الواحد في المجلس الذي يشاهد فيه المبيع ليتأمّل و يختار ما فيه الحظّ.

و الثاني: أنّ خياره يتأخّر إلى أن يجتمع مع الوارث في مجلسٍ. فعلى هذا حينئذٍ يثبت الخيار للوارث(2).9.

ص: 27


1- العزيز شرح الوجيز 179:4، روضة الطالبين 106:3، المجموع 208:9.
2- العزيز شرح الوجيز 180179:4، روضة الطالبين 106:3، المجموع 208:9.

ط لو تعدّد الوارث، فإن كانوا حضوراً في مجلس العقد، فلهم الخيار إلى أن يفارقوا العاقد الآخر، و لا ينقطع الخيار بمفارقة بعضهم - و هو أصحّ قولي الشافعيّة(1) لأنّه لم يحصل تمام الافتراق، لأنّهم ينوبون عن الميّت جميعهم.

و كذا إذا بلغهم و هُمْ في مجالسهم ففارقوا مجالسهم إلّا واحداً، لم يلزم العقد.

و إن كانوا غُيّباً عن المجلس، فإن قلنا: في الوارث الواحد يثبت له الخيار في مجلس مشاهدة المبيع، فلهُم الخيار إذا اجتمعوا في مجلسٍ واحد. و إن قلنا: له الخيار إذا اجتمع مع العاقد، فكذلك لهُم الخيار إذا اجتمعوا معه.

ي لو فسخ بعضهم و أجاز بعضهم، فالأقوى أنّه ينفسخ في الكلّ، كالمورّث لو فسخ في حياته في البعض و أجاز في البعض. و هو أصحّ وجهي الشافعيّة. و في آخر: أنّه لا ينفسخ في شيء(2).

لو أُكرها على التفرّق و ترك التخاير، لم يسقط خيار المجلس و كان الخيار باقياً إلّا أن يوجد منه ما يدلّ على الرضا باللزوم، و هو أظهر الطريقين عند الشافعيّة.

و الثاني: أنّ في انقطاعه وجهين، كالقولين في صورة الموت، و هذا أولى ببقاء الخيار؛ لأنّ إبطال حقّه قهراً مع بقائه بعيد(3).2.

ص: 28


1- العزيز شرح الوجيز 180:4، روضة الطالبين 107106:3، المجموع 208:9.
2- العزيز شرح الوجيز 180:4، روضة الطالبين 107:3، المجموع 208:9.
3- العزيز شرح الوجيز 181180:4، روضة الطالبين 107:3، المجموع 181:9-182.

و كذا لو حُمل أحد المتعاقدين و أُخرج عن المجلس مُكرَهاً و مُنع من الفسخ بأن يُسدّ فوه مثلاً.

و لو لم يُمنع من الفسخ، فطريقان للشافعيّة:

أظهرهما: أنّ في انقطاع الخيار وجهين:

أحدهما: ينقطع و به قال أبو إسحاق لأنّ سكوته عن الفسخ مع القدرة رضا بالإمضاء.

و أصحّهما: أنّه لا ينقطع؛ لأنّه مُكرَه في المفارقة، فكأنّه لا مفارقة، و السكوت عن الفسخ لا يُبطل الخيار، كما في المجلس.

و الثاني: القطع بالانقطاع، فإن قلنا به، انقطع خيار الماكث أيضاً، و إلّا فله التصرّف بالفسخ و الإجازة إذا وجد التمكّن(1).

و هل هو على الفور؟ فيه ما سبق من الخلاف، فإن قلنا بعدم الفور و كان مستقرّاً حين زائلة للإكراه في مجلسٍ، امتدّ الخيار بامتداد ذلك المجلس. و إن كان مارّاً، فإذا فارق في مروره مكان التمكّن، انقطع خياره، و ليس عليه الانقلاب إلى مجلس العقد ليجتمع مع العاقد الآخر إن طال الزمان. و إن لم يطُلْ، ففيه احتمال عند الجويني(2).

و إذا لم يبطل خيار المُخْرَج، لم يبطل خيار الماكث أيضاً إن مُنع من الخروج معه. و إن لم يُمنع، بطل؛ لحصول التفرّق باختياره؛ إذ لا يشترط فيه مفارقة كلٍّ منهما المجلسَ، بل يكفي مفارقة أحدهما و بقاء الآخر فيه باختياره، و هو أصحّ وجهي الشافعيّة(3).9.

ص: 29


1- العزيز شرح الوجيز 181180:4، روضة الطالبين 107:3، المجموع 181:9-182.
2- العزيز شرح الوجيز 181:4، روضة الطالبين 107:3.
3- العزيز شرح الوجيز 181:4، روضة الطالبين 107:3، المجموع 182:9.

يب لو ضُربا حتى تفرّقا بأنفسهما، فالأقرب: عدم انقطاع الخيار؛ لأنّه نوع إكراه. و للشافعي قولان(1).

و لو هرب أحدهما و لم يتبعه الآخر مع التمكّن، بطل خيارهما. و إن لم يتمكّن، بطل خيار الهارب خاصّة. و في بطلان خيار الآخر وجهان للشافعيّة(2).

و الأقرب عندي: البطلان إن كان الهرب اختياراً؛ لأنّه باختياره فارقه، و لا يقف افتراقهما على تراضيهما جميعاً؛ لأنّه لمّا سكت عن الفسخ و فارقه صاحبه، لزم.

يج لو جُنّ أحد المتعاقدين أو أُغمي عليه قبل التفرّق، لم ينقطع الخيار، لكن يقوم وليّه أو الحاكم مقامه، فيفعل ما فيه مصلحته من الفسخ أو الإجازة، و هو أظهر وجهي الشافعيّة(3).

و لهم آخر مخرَّج من الموت: أنّه ينقطع(4).

و لو فارق المجنون مجلس العقد، قال الجويني: يجوز أن يقال: لا ينقطع الخيار؛ لأنّ التصرّف انقلب إلى القيّم عليه(5).

و عُورض بأنّه لو كان كذلك، لكان الجنون كالموت(6).

و لو خرس أحدهما قبل التفرّق، فإن كان له إشارة مفهومة، قامت4.

ص: 30


1- التهذيب للبغوي 307:3، العزيز شرح الوجيز 181:4، روضة الطالبين 107:3.
2- التهذيب للبغوي 307:3، العزيز شرح الوجيز 181:4، روضة الطالبين 107:3، المجموع 183182:9.
3- الوسيط 106:3، العزيز شرح الوجيز 181:4، التهذيب للبغوي 318:3، الحاوي الكبير 58:5، روضة الطالبين 108:3، المجموع 209:9.
4- الوسيط 106:3، العزيز شرح الوجيز 181:4، التهذيب للبغوي 318:3، الحاوي الكبير 58:5، روضة الطالبين 108:3، المجموع 209:9.
5- العزيز شرح الوجيز 181:4.
6- العزيز شرح الوجيز 181:4.

مقام لفظه. و إن لم يكن له إشارة مفهومة و لا خطّ، كان حكمه حكم المغمى عليه ينوب عنه الحاكم.

يد لو جاءا مصطحبين و تنازعا في التفرّق بعد البيع فادّعاه أحدهما و أنّ البيع قد لزم، و أنكر الآخر، قُدّم قول المنكر مع اليمين؛ لأصالة دوام الاجتماع، و هو أحد قولي الشافعيّة.

و في الآخر: يبنى على الظاهر، فإن قصرت المدّة، قُدّم قول المنكر مع اليمين. و إن طالت، قُدّم قول المدّعى؛ لندور الاجتماع المدّة الطويلة، فمدّعيه يدّعي خلاف الظاهر، فيُقدّم قول مدّعي الفسخ بالتفرّق بناءً على الظاهر(1).

و لو اتّفقا على التفرّق و قال أحدهما: فسخت قبله، و أنكر الآخر، قُدّم قوله مع اليمين؛ لأنّ الأصل عدم الفسخ، و هو أحد قولي الشافعيّة.

و في الآخر: يُقدّم قول مدّعي الفسخ؛ لأنّه أعرف بتصرّفه(2). و ليس شيئاً.

و لو اتّفقا على عدم التفرّق و ادّعى أحدهما الفسخَ، احتُمل أن تكون دعواه فسخاً.

يه لو اشترى الوكيل أو باع أو تعاقد الوكيلان، فالأقرب: تعلّق الخيار بهما و بالموكّلين جميعاً في المجلس، و إلّا فبالوكيلين. فلو مات الوكيل في المجلس و الموكّل غائب، انتقل الخيار إليه؛ لأنّ ملكه أقوى من9.

ص: 31


1- العزيز شرح الوجيز 182:4، و في روضة الطالبين 108:3، و المجموع 183:9 القول الأوّل.
2- الوجيز 141:1، العزيز شرح الوجيز 182:4، روضة الطالبين 108:3، المجموع 183:9.

ملك الوارث.

و للشافعيّة قولان، أحدهما: أنّ الخيار يتعلّق بالموكّل. و الثاني: أنّه يتعلّق بالوكيل(1).

فروع التخاير:

أ لو قال أحد المتعاقدين: اخترت إمضاء العقد، سقط خياره قطعاً؛ لرضاه بالتزام البيع، و لا يسقط خيار الآخر؛ عملاً بأصالة الاستصحاب السالم عن معارضة الإسقاط، و كما في خيار الشرط إذا أسقط أحدهما الخيار، يبقى خيار الآخر، و هو أحد وجهي الشافعيّة.

و في الآخر: أنّه يسقط أيضاً؛ لأنّ هذا الخيار لا يتبعّض في الثبوت فلا يتبعّض في السقوط(2).

و هو ممنوع؛ لأنّ(3) اشتراط الخيار لأحدهما دون الآخر سائغ، فجاز الافتراق في الإسقاط.

ب لو قال أحدهما للآخر: اختر، أو خيّرتك، فقال الآخر: اخترت إمضاء العقد، انقطع خيارهما معاً، و إن اختار الفسخ، انفسخ، و إن سكت و لم يختر إمضاء العقد و لا فسخه، فهو على خياره لم يسقط. و أمّا الذي خيّره فإنّه يسقط خياره؛ لأنّه جعل له ما ملكه من الخيار، فسقط خياره؛ لأنّه جَعَله لغيره، و هو أظهر قولي الشافعيّة.

و في الثاني: لا يسقط؛ لأنّه خيّره، فإذا لم يختر، لم يسقط بذلك

ص: 32


1- العزيز شرح الوجيز 179:4، روضة الطالبين 106:3، المجموع 207:9.
2- العزيز شرح الوجيز 174:4، روضة الطالبين 104:3، المجموع 179:9.
3- في «ق، ك»: «فإنّ» بدل «لأنّ».

حقّ المخيّر، كما أنّ الزوج إذا خيّر زوجته فسكتت و لم تختر، لم يسقط بذلك حقّه، كذا هنا(1).

و الفرق: أنّه ملّك الزوجة ما لا تملك، فإذا لم تقبل، سقط، و هنا كلّ واحد منهما يملك الخيار، فلم يكن قوله تمليكاً له، و إنّما كان إسقاطاً لحقّه من الخيار، فسقط.

و يدلّ عليه قوله (عليه السّلام): «أو يقول أحدهما لصاحبه: اختر»(2) فإنّه يقتضي أنّه إذا قال لصاحبه: اختر، لا يكون الخيار لكلّ واحد منهما، كما في قوله: «ما لم يتفرّقا»(3).

هذا إذا قصد بقوله: «اختر» تمليك الخيار لصاحبه، و يسقط(4) حقّه منه. و لو لم يقصد، لم يسقط خياره، سواء اختار الآخر أو سكت.

و الموت كالسكوت، فلو قال له: اختر، و قصد التمليك ثمّ مات القائل، سقط خياره. و لو مات المأمور، فكسكوته.

ج لو اختار أحدهما الإمضاءَ و الآخرُ الفسخَ، قُدّم الفسخ على الإجازة؛ إذ لا يمكن الجمع بينهما، و لا انتفاؤهما؛ لاشتماله الجمعَ بين النقيضين، فتعيّن تقديم أحدهما، لكنّ الذي اختار الإمضاء قد دخل في عقدٍ ينفسخ باختيار صاحبه الفسخَ و رضي به، فلا أثر لرضاه به لازماً بعد ذلك.».

ص: 33


1- المهذّب للشيرازي 265:1، المجموع 179:9، العزيز شرح الوجيز 175:4، روضة الطالبين 104:3.
2- صحيح البخاري 84:3، سنن أبي داوُد 273:3، 3455، سنن البيهقي 269:5.
3- تقدّمت الإشارة إلى مصادره في ص 22، الهامش (2).
4- في «ق، ك»: «سقط».

د لو تقابضا العوضين في المجلس ثمّ تبايعا العوضين معاً ثانياً، صحّ البيع الثاني؛ لأنّه صادف الملك، و هو رضا منهما بالأوّل، و هو المشهور عند الشافعيّة(1).

و عند بعضهم أنّه مبنيّ على أنّ الخيار هل يمنع انتقال الملك ؟ إن قلنا: يمنع، لم يصح(2).

ه لو تقابضا في عقد الصرف ثمّ أجازا في المجلس، لزم العقد. و إن أجازاه قبل التقابض، فكذلك، و عليهما التقابض. فإن تفرّقا قبله، انفسخ العقد.

ثمّ إن تفرّقا عن تراضٍ، لم يحكم بعصيانهما، فإن انفرد أحدهما بالمفارقة، عصى، و هو أحد وجهي الشافعيّة. و في الثاني: أنّ الإجازة قبل التقابض لاغية؛ لأنّ القبض متعلّق بالمجلس، و هو باقٍ، فيبقى حكمه في الخيار(3).

البحث الثاني: في خيار الحيوان.
مسألة 229: إذا كان المبيع حيواناً، يثبت

مسألة 229: إذا كان المبيع حيواناً، يثبت(4) الخيار

فيه للمشتري خاصّة ثلاثة أيّام من حين العقد على رأي، فله الفسخ و الإمضاء مدّة ثلاثة أيّام عند علمائنا أجمع، خلافاً للجمهور كافّة.

لنا: الأخبار المتواترة عن أهل البيت (عليهم السّلام) بذلك، و هُمْ أعرف بالأحكام حيث هُمْ مظانّها، و مهبط الوحي، و ملازمو الرسول (صلّى اللّه عليه و آله).

ص: 34


1- العزيز شرح الوجيز 175:4، روضة الطالبين 104:3، المجموع 180:9.
2- العزيز شرح الوجيز 175:4، روضة الطالبين 104:3، المجموع 180:9.
3- العزيز شرح الوجيز 175:4، روضة الطالبين 104:3.
4- في «ق، ك»: «ثبت».

قال الصادق (عليه السّلام): «الشرط في الحيوان كلّه ثلاثة أيّام للمشتري، و هو بالخيار اشترط أو لم يشترط»(1).

و لأنّ العيب في الحيوان قد يثبت خفياً غالباً، و في الثلاثة يختبر و يظهر أثره، فوجب أن يكون مشروعاً؛ دفعاً للضرر. و لأنّه يثبت في الشاة المصرّاة فكذا في غيرها؛ لأنّ المناط هو ظهور العيب الخفيّ. و لأنّ الحيوان يغتذي و يأكل في حالتَي صحّته و سقمه و يتحوّل طبعه قلّما ينفكّ(2) عن عيبٍ خفيّ أو ظاهر، فيحتاج إلى إثبات الخيار ليندفع عنه هذا المحذور.

مسألة 230: هذا الخيار و خيار المجلس يثبتان بأصل الشرع،

سواء شرطاه في العقد أو أطلقا. أمّا لو شرطا سقوطه، فإنّه يسقط إجماعاً؛ لعموم قوله (عليه السّلام): «المؤمنون عند شروطهم»(3).

إذا ثبت هذا، فإنّما يثبت الخيار للمشتري لو لم يتصرّف في الحيوان في الثلاثة، فإن تصرّف فيه، سقط خياره إجماعاً؛ لأنّه دليل على الرضا به.

و لقول الصادق (عليه السّلام): «فإن أحدث المشتري فيما اشترى حدثاً قبل ثلاثة أيّام فذلك رضا منه فلا شرط له» قيل: و ما الحدث ؟ قال: «إن لامس أو قبّل أو نظر منها إلى ما يحرم عليه قبل الشراء»(4).

و لا فرق بين أن يكون التصرّف لازماً كالبيع، أو غير لازم كالهبة قبل القبض، و الوصيّة، فإنّه بأجمعه مُسقط للخيار.

ص: 35


1- الفقيه 126:3، 549، التهذيب 24:7، 101 بتفاوت.
2- كذا في «ق، ك» و الطبعة الحجريّة. و الظاهر: «و بتحوّل طبعه قلّما ينفكّ». أو: و «يتحوّل طبعه و قلّما ينفكّ».
3- التهذيب 371:7، 1503، الاستبصار 232:3، 835، الجامع لأحكام القرآن 33:6.
4- الكافي 169:5، 2، التهذيب 24:7، 102.
مسألة 231: و كما يسقط هذا الخيار بالتصرّف كيف كان فكذا يسقط باشتراط سقوطه في العقد.

و كذا بالتزامه و اختيار الإمضاء بعد العقد.

و لا يسقط بالرضا بالعيب الموجود في الحيوان، و لا بالتبرّي من عهدة العيب الحادث في الثلاثة. و كذا لا يسقط خيار العيب بإسقاط خيار الثلاثة.

نعم، لو أسقط خيار الثلاثة، سقط خيار العيب المتجدّد فيها، و كان من ضمان المشتري.

مسألة 232: و هذا الخيار يثبت للمشتري خاصّة

عند أكثر(1) علمائنا.

و قال السيّد المرتضى (رحمه اللّه): يثبت للبائع(2) أيضاً.

لنا: الأصل لزوم العقد، خرج عنه جانب المشتري، نظراً له لخفاء العيب، فإنّ عيوب الحيوانات أكثرها باطنة لا تظهر(3) إلّا بالاختبار و التراخي و التروّي المفتقر إلى طول الزمان، أمّا البائع فإنّه المالك، و قلّ أن يخفى عليه جودة حيوانه، و عيب الثمن ظاهر في الحال.

و لأنّ الصادق (عليه السّلام) قال: «الشرط في الحيوان كلّه ثلاثة أيّام للمشتري»(4) و التخصيص بالوصف يدلّ على نفي الحكم عمّا عداه.

احتجّ السيّد المرتضى (رحمه اللّه) بقول الصادق (عليه السّلام): «المتبايعان بالخيار ثلاثة أيّام في الحيوان و فيما سوى ذلك من بيع حتى يفترقا»(5).

ص: 36


1- منهم: الشيخ الطوسي في النهاية: 386، و سلّار في المراسم: 173، و القاضي ابن البرّاج في المهذّب 353:1، و ابن إدريس في السرائر 244243:2، و المحقّق الحلّي في شرائع الإسلام 22:2.
2- الانتصار: 207.
3- في الطبعة الحجريّة: «لا تظهر له».
4- تقدّمت الإشارة إلى مصدره في ص 35، الهامش (1).
5- التهذيب 2423:7، 99.

و الجواب: ثبوته للمشتري يدلّ على ثبوته للمجموع، و لا يدلّ على ثبوته للآخر.

و أيضاً يُحمل على ما إذا كان الثمن حيواناً إمّا في ثمن حيوانٍ آخر أو في ثوبٍ أو غيرهما؛ جمعاً بين الأدلّة.

و لوجود المقتضي لثبوت الخيار للمشتري، و هو خفاء عيب الحيوان، فإذا كان الثمن حيواناً، كان المقتضي لثبوت الخيار فيه متحقّقاً، و لا يثبت إلّا للبائع.

و يؤيّده قول الباقر (عليه السّلام)، قال: «قال رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله): المتبايعان بالخيار حتى يفترقا و صاحب الحيوان ثلاث»(1) و هو عامّ في البائع و المشتري. فعلى هذا لو باع حيواناً بحيوان، يثبت(2) الخيار لهما معاً، و على ما اخترناه يكون الخيار للمشتري خاصّة.

و لو كان الثمن حيواناً و المثمن ثوباً، فلا خيار. أمّا للمشتري: فلأنّه لم يشتر حيواناً. و أمّا البائع: فلأنّه ليس بمشترٍ، و الحديث إنّما يقتضي ثبوته للمشتري خاصّة.

البحث الثالث: في خيار الشرط.
مسألة 233: لا خلاف بين العلماء في جواز اشتراط الخيار في البيع؛

للأصل. و لقوله تعالى أَوْفُوا بِالْعُقُودِ (3) فإذا وقع على شرطٍ سائغ،

ص: 37


1- الكافي 170:5، 4، و فيه: «البيّعان..» التهذيب 24:7، 100، و فيه «البائعان..».
2- في «ق، ك»: «ثبت».
3- المائدة: 1.

وجب الوفاء. و قولِه (عليه السّلام): «المؤمنون عند شروطهم»(1).

و إنّما اختلفوا في أنّه مقدّر أم لا؟ فمن قدّره اختلفوا في مدّة تقديره، فالذي عليه علماؤنا أجمع أنّه لا يتقدّر في أصل الشرع بقدر معيّن، بل يجوز أن يشترط خياراً مهما أراد من الزمان، طال أو قصر بشرط ضبطه بما لا يحتمل الزيادة و النقصان، كاليوم و الشهر و السنة و السنين المعدودة المعيّنة المضبوطة ابتداءً و انتهاءً - و به قال أبو يوسف و محمّد و أحمد بن حنبل(2) للعمومات السابقة.

و قولِ الصادق (عليه السّلام): «المؤمنون عند شروطهم إلّا كلّ شرط خالف كتاب اللّه عزّ و جلّ فلا يجوز»(3).

و سُئل الصادق (عليه السّلام) عن رجل مسلم احتاج إلى بيع داره، فجاء إلى أخيه، فقال: أبيعك داري هذه و تكون لك أحبّ إليَّ من أن تكون لغيرك على أن تشترط لي إن أنا جئتك بثمنها إلى سنة أن تردّ عليَّ، فقال: «لا بأس بهذا إن جاء بثمنها إلى سنة ردّها عليه» قلت: فإنّها كانت فيها غلّة كثيرة فأخذ الغلّة لمن تكون الغلّة ؟ قال: «الغلّة للمشتري، أ لا ترى أنّها لو احترقت لكانت من ماله»(4).

و لأنّه لا فرق بين المدّة القليلة و الكثيرة، فإذا جاز في القليلة، جاز في6.

ص: 38


1- التهذيب 371:7، 1503، الاستبصار 232:3، 835، الجامع لأحكام القرآن 33:6.
2- النتف 446:1، المبسوط للسرخسي 41:13، مختصر اختلاف العلماء 51:3، 1128، تحفة الفقهاء 66:2، الهداية للمرغيناني 27:3، الاختيار لتعليل المختار 18:2، المغني 9897:4، الشرح الكبير 7473:4، الوسيط 108:3، العزيز شرح الوجيز 190:4، الحاوي الكبير 65:5، الذخيرة 24:5.
3- الفقيه 127:3، 553، التهذيب 22:7، 93، و فيهما: «المسلمون..».
4- التهذيب 23:7، 96.

الكثيرة، بل هي أولى؛ لأنّ الخيار جُعل إرفاقاً بالمتعاقدين، فإذا زادت المدّة، كان الإرفاق المطلوب حصوله في نظر الشرع أزيد. و لأنّها مدّة ملحقة بالعقد، فكانت إلى تقدير المتعاقدين.

و قال الشافعي: لا يجوز اشتراط مدّة في العقد تزيد على ثلاثة أيّام - و به قال أبو حنيفة لقول عمر: ما أجد(1) لكم أوسع ممّا جعل رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) لحبّان(2) بن منقذ جعل له عهدة ثلاثة أيّام إن رضي أخذ، و إن سخط ترك(3).

و عن ابن عمر أنّ حبّان بن منقذ أصابته آمّة(4) في رأسه، فكان يُخدع في البيع، فقال (صلّى اللّه عليه و آله): «إذا بايعت فقُلْ: لا خلابة» و جَعَل له الخيار ثلاثة أيّام(5).

و قوله: «لا خلابة» عبارة في الشرع عن اشتراط الخيار ثلاثاً إذا أطلقاها عالمين بمعناها كان كالتصريح بالاشتراط.

و لأنّ الخيار غرر ينافي مقتضى البيع(6) ، و إنّما جوّز لموضع الحاجة، فجاز القليل منه الذي تدعو الحاجة إليه في الغالب، و آخر حدّ القلّة الثلاثة؛ لقوله تعالى فَيَأْخُذَكُمْ عَذابٌ قَرِيبٌ (7) ثمّ قال تَمَتَّعُوا فِي دارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيّامٍ (1) و أجاز رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) للمهاجر أن يقيم بمكّة بعد قضاء مناسكه ثلاثاً(2)(3).4.

ص: 39


1- في «ق، ك» و الطبعة الحجريّة: «ما أُحلّ». و الظاهر أنّها تصحيف ما أثبتناه من المصدر.
2- في «ق، ك» و الطبعة الحجريّة: «لحنان». و كذا في الموارد الآتية، و ما أثبتناه من المصدر، و كما في تهذيب الأسماء و اللغات للنووي 152:1، 111.
3- سنن الدارقطني 54:3، 216، سنن البيهقي 274:5.
4- الآمّة: هي الشجّة التي بلغت أُمّ الرأس، و هي الجلدة التي تجمع الدماغ. لسان العرب 33:12 «أمم».
5- سنن ابن ماجة 789:2، 2355، سنن الدارقطني 5655:3، 220.
6- في الطبعة الحجريّة: «العقد» بدل «البيع».
7- هود: 64.

و لأنّ الخيار غرر ينافي مقتضى البيع(6) ، و إنّما جوّز لموضع الحاجة، فجاز القليل منه الذي تدعو الحاجة إليه في الغالب، و آخر حدّ القلّة الثلاثة؛ لقوله تعالى فَيَأْخُذَكُمْ عَذابٌ قَرِيبٌ (7) ثمّ قال تَمَتَّعُوا فِي دارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيّامٍ (1) و أجاز رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) للمهاجر أن يقيم بمكّة بعد قضاء مناسكه ثلاثاً(2)(3).

و قال مالك: يجوز في ذلك قدر ما يحتاج إليه، فإن كان البيع من الفواكه التي لا تبقى أكثر من يوم، جاز الخيار فيها(4) يوماً واحداً. و إن كان ضيعةً لا يمكنه أن يصل إليها إلّا في أيّامٍ، جاز الخيار أكثر من ثلاث؛ لأنّ الخيار إنّما يثبت للحاجة إليه، فجاز حسب الحاجة(5).

و الجواب: لا عبرة بتحريم عمر، فإنّه ليس أهلاً لأن يُحلّل أو يُحرّم. و جَعل رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) لحبّان بن منقذ عهدة ثلاثة أيّام لا يدلّ على المنع عن الزائد. و لو كان الخيار مشتملاً على غرر، لما ساغ التقدير بثلاثة أيّام، و إذا كان الضابط الحاجةَ، وجب أن يتقدّر بقدرها، كما قاله مالك، و الغالب4.

ص: 40


1- هود: 65.
2- صحيح مسلم 985:2، 442، و 986، 444، سنن النسائي 122:3، سنن البيهقي 147:3، مسند أحمد 39:6، 20002، المعجم الكبير للطبراني 96:18 و 97، 169 171.
3- مختصر المزني: 76، الحاوي الكبير 65:5، المهذّب للشيرازي 265:1، المجموع 190:9 و 225، الوجيز 141:1، العزيز شرح الوجيز 190:4، الوسيط 108:3، حلية العلماء 21:4، التهذيب للبغوي 318:3، روضة الطالبين 108:3، المبسوط للسرخسي 41:13، الهداية للمرغيناني 27:3، الاختيار لتعليل المختار 18:2، مختصر اختلاف العلماء 51:3، 1128، النتف 446:1، تحفة الفقهاء 65:2، بداية المجتهد 209:2، الذخيرة 24:5، المغني 98:4، الشرح الكبير 74:4.
4- كلمة «فيها» لم ترد في «ق، ك».
5- بداية المجتهد 209:2، الحاوي الكبير 65:5، الذخيرة 2423:5، حلية العلماء 2119:4، العزيز شرح الوجيز 190:4، المغني 98:4، الشرح الكبير 74:4.

الحاجة إلى الزيادة على الثلاثة، و لمّا كانت الحاجة تختلف باختلاف الأشخاص و أحوالهم وجب الضبط بما يعرفه المتعاقدان من المدّة التي يحتاجان إليها.

مسألة 234: و إنّما يصحّ شرط الخيار إذا كان مضبوطاً محروساً

من الزيادة و النقصان، و أن يُذكر في متن العقد، فلو جعل الخيار إلى مقدم(1) الحاجّ أو إدراك الغلّات أو إيناع الثمار أو حصاد الزرع أو دخول القوافل أو زيادة الماء أو نقصانه أو نزول الغيث أو انقطاعه، بطل العقد؛ لأنّ للأجل قسطاً من الثمن، فيؤدّي جهالته إلى جهالة العوض، و يؤدّي إلى الغرر المنهيّ عنه.

و لو ذكرا مثل هذا الخيار ثمّ أسقطاه بعد العقد أو اختارا الإمضاء، لم ينقلب صحيحاً؛ لأنّه وقع فاسداً، فلا عبرة به، و الأصل بقاء الملك على بائعه و لم يوجد مزيل عنه فبقي على حاله.

و إذا ذكرا أجلاً مضبوطاً قبل العقد أو بعده، لم يعتدّ به؛ لأنّ العقد وقع منجّزاً فلا يؤثّر فيه السابق و اللاحق، و إنّما يعتدّ بالشرط لو وقع في متن العقد بين الإيجاب و القبول، فيقول مثلاً: بعتك كذا بكذا و لي الخيار مدّة كذا، فيقول: اشتريت.

مسألة 235: إذا اشترطا

مسألة 235: إذا اشترطا(2) مدّة معيّنة أكثر من ثلاثة أيّام في العقد، صحّ

على ما بيّنّاه.

و قال الشافعي بناءً على أصله: يبطل العقد. فإن أسقطا ما زاد على الثلاث في مدّة الخيار، لم يحكم بصحّة العقد و به قال زفر لأنّه عقد وقع

ص: 41


1- في هامش «ق»: «الأصل: قدوم».
2- في «ق، ك»: «شرطا».

فاسداً، فلا يصحّ حتى يبتدأ، كما لو باع درهماً بدرهمين و أسقطا درهماً(1).

و قال أبو حنيفة: يصحّ العقد بإسقاط ذلك؛ لأنّ المفسد ما زاد على الثلاث، فإذا أسقطه، وجب أن يصحّ العقد. و الدليل على جواز إسقاطه أنّه خيار مشروط في العقد، فإذا أسقطاه في الثلاث، سقط، كاليوم الثالث(2).

و هو ممنوع؛ لأنّ العقد غير قائم بينهما، و الخيار لم يثبت فيسقط، بخلاف الثالث؛ لأنّه يثبت(3) فصحّ إسقاطه، بخلاف ما زاد عليه، فإنّه لم يثبت.

مسألة 236: إذا اشترى شيئاً بشرط الخيار و لم يُسمّ وقتاً و لا أجلاً، بل أطلقه، بطل البيع

و به قال الشافعي(4) للجهالة المتضمّنة لجهالة العوض.

و للشيخ (رحمه اللّه) قول: إنّه يصحّ البيع، و يكون له الخيار ثلاثة أيّام، و لا خيار له بعد ذلك(5).

و هو محمول على إرادة خيار الحيوان.

ص: 42


1- التهذيب للبغوي 323318:3، حلية العلماء 22:4، الحاوي الكبير 67:5، العزيز شرح الوجيز 190:4، روضة الطالبين 108:3، المجموع 190:9 و 194، المبسوط للسرخسي 42:13، الاختيار لتعليل المختار 19:2.
2- المبسوط للسرخسي 42:13، الاختيار لتعليل المختار 19:2، الحاوي الكبير 67:5، حلية العلماء 22:4، التهذيب للبغوي 323:3، المغني 125:4، الشرح الكبير 74:4.
3- في «ق، ك»: «ثبت».
4- الحاوي الكبير 67:5، العزيز شرح الوجيز 190:4، روضة الطالبين 109:3، المجموع 191:9 و 194، بداية المجتهد 210209:2، المغني 126124:4، الشرح الكبير 7574:4.
5- الخلاف 20:3، المسألة 25.

و قال أبو حنيفة: البيع فاسد، فإن أجازه في الثلاثة، جاز عنده خاصّة.

و إن لم يجز حتى مضت الثلاثة، بطل البيع(1).

و قال أبو يوسف و محمّد: له أن يجيز بعد الثلاثة(2).

و قال مالك: إن لم يجعل للخيار وقتاً، جاز، و جعل له من الخيار مثل ما يكون في تلك السلعة(3).

و قال الحسن بن صالح بن حيّ: إذا لم يعيّن أجل الخيار، كان له الخيار أبداً(4).

مسألة 237: قد ذكرنا أنّه إذا قرن الخيار بمدّة مجهولة، بطل البيع

و به قال الشافعي و أبو حنيفة(5) لما تقدّم. و لأنّها مدّة ملحقة بالعقد، فلا يجوز مع الجهالة، كالأجل.

و قال ابن أبي ليلى: الشرط باطل و البيع صحيح؛ لأنّ عائشة اشترت

ص: 43


1- مختصر اختلاف العلماء 55:3، 1132، الهداية للمرغيناني 27:3، النتف 446:1، الاختيار لتعليل المختار 19:2، بداية المجتهد 209:2، الاستذكار 253:20، 30084، و حكاه عنه الشيخ الطوسي في الخلاف 20:3، المسألة 25.
2- الاستذكار 253:20، 30085، و حكاه عنهما أيضاً الشيخ الطوسي في الخلاف 20:3، المسألة 25.
3- بداية المجتهد 209:2، الاستذكار 253:20، 30083، العزيز شرح الوجيز 190:4، و حكاه عنه أيضاً الشيخ الطوسي في الخلاف 20:3، المسألة 25.
4- المحلّى 373:8، بداية المجتهد 209:2، الاستذكار 254:20، 30088، مختصر اختلاف العلماء 55:3، 1132، و حكاه عنه أيضاً الشيخ الطوسي في الخلاف 20:3، المسألة 25.
5- الحاوي الكبير 67:5، حلية العلماء 30:4، العزيز شرح الوجيز 190:4، روضة الطالبين 109:3، المجموع 191:9، المغني 126124:4، الشرح الكبير 7574:4.

بريرة و شرط مواليها أن تجعل ولاءها لهم، فأجاز النبيّ (صلّى اللّه عليه و آله) البيع و ردّ الشرط(1). و هذا يدلّ على أنّ الشرط الفاسد لا يفسد العقد(2).

و قال ابن شُبْرُمة: الشرط و البيع صحيحان و هو ظاهر ما روي عن أحمد(3) لما رواه جابر قال: إنّ النبيّ (صلّى اللّه عليه و آله) ابتاع منّي بعيراً بمكة فلمّا نقدني الثمن شرطت عليه أن يحملني على ظهره إلى المدينة، فأجاز النبيّ (صلّى اللّه عليه و آله) الشرط و البيع(4) ، فكذلك سائر الشروط.

و قال مالك: البيع صحيح، و يضرب له من الأجل ما يختبر في مثله في العادة؛ لأنّ ذلك متقرّر(5) في العادة، فإذا(6) أطلقا، حُمل عليه(7).

و الجواب: أنّ حديث عائشة قضيّة في عين. و يحتمل أن يكون الشرط قد وقع قبل العقد أو بعده، فلا يكون معتبراً. و قد روي أنّه أمرها أن تشتري و تشترط الولاء(8) ؛ ليبيّن فساده بياناً عامّاً.

و خبر جابر: نقول بموجبه؛ لأنّه شرط بعد العقد و نقد الثمن؛ لدلالة كلامه عليه، و ذلك غير مانع من صحّة العقد السابق.8.

ص: 44


1- صحيح البخاري 251:3، صحيح مسلم 1141:2، 1504.
2- حلية العلماء 30:4، المغني 126:4، الشرح الكبير 75:4.
3- حلية العلماء 30:4، المغني 125:4، الشرح الكبير 74:4.
4- صحيح البخاري 248:3، صحيح مسلم 1223:3، 113، سنن البيهقي 337:5.
5- في الشرح الكبير: «مقرّر». و في المغني: «مقدّر». و الأخير مناسب لما يأتي عند الجواب عن قول مالك.
6- في الطبعة الحجريّة: «فإن» بدل «فإذا».
7- حلية العلماء 31:4، العزيز شرح الوجيز 190:4، المغني 125:4، الشرح الكبير 74:4.
8- صحيح البخاري 251:3، صحيح مسلم 11431142:2، 8.

سلّمنا لكن شرط الحمل إلى المدينة معلوم، فجاز اشتراطه في العقد، و ليس محلَّ النزاع.

و العادة المقدّرة ممنوعة؛ إذ لا عادة مضبوطة هنا؛ لأنّه إنّما يُشرط نادراً.

مسألة 238: قال الشيخ (رحمه اللّه): إذا قال: بعتك على أن تنقدني الثمن إلى ثلاث، فإن نقدتني الثمن إلى ثلاث، و إلّا فلا بيع بيننا، صحّ البيع

مسألة 238: قال الشيخ (رحمه اللّه): إذا قال: بعتك على أن تنقدني الثمن إلى ثلاث، فإن نقدتني الثمن إلى ثلاث، و إلّا فلا بيع بيننا، صحّ البيع(1) ،

و به قال أبو حنيفة. و يكون في ذلك إثبات الخيار للمشتري وحده(2).

قال أبو حنيفة: و لو قال البائع: بعتك على أنّي إن رددت الثمن بعد ثلاثة فلا بيع بيننا، صحّ. و يكون في ذلك إثبات الخيار للبائع وحده(3) ؛ لقوله (عليه السّلام): «المؤمنون عند شروطهم»(4).

و لأنّه نوع بيع، فجاز أن ينفسخ بتأخّر القبض، كالصرف.

و قال الشافعي: إنّ ذلك ليس بشرط خيار، بل شرط فاسد يُفسد العقد؛ لأنّه علّق العقد على خطر فلا يصحّ، كما لو علّقه بقدوم زيد. و لأنّ عقده لا يتعلّق فكذا فسخه(5).

لا يقال: ينتقض بالنكاح.

لأنّا نقول: فسخه لا يتعلّق بذلك، بل إنّما يتعلّق الطلاق و ليس

ص: 45


1- الخلاف 40:3، المسألة 57.
2- حلية العلماء 28:4، المغني 129:4، الشرح الكبير 67:4.
3- حلية العلماء 28:4.
4- التهذيب 371:7، 1503، الاستبصار 232:3، 835، الجامع لأحكام القرآن 33:6.
5- حلية العلماء 28:4، العزيز شرح الوجيز 191:4، روضة الطالبين 109:3، المجموع 193:9 و 379، المغني 129:4، الشرح الكبير 67:4.

بفسخ.

و يفارق الصرف؛ لأنّ القبض واجب فيه بالشرع، و هنا بخلافه.

و نحن في ذلك من المتوقّفين.

مسألة 239: يجوز اشتراط أقلّ من الثلاثة

عندنا و عند الباقين(1) خلافاً لمالك - لأنّه يجوز عندنا أكثر من ثلاثة، و عند الباقين يجوز ثلاثة، فالناقص أولى.

أمّا مالك، فإنّه اعتبر الحاجة، فإنّها إن دعت إلى شهر أو أزيد، جاز شرطه. و إن كان المبيع ممّا يسارع إليه الفساد أو يُعرف حاله بالنظر إليه ساعة أو يوماً، لم تجز الزيادة(2).

و قالت الشافعيّة: فيما لو كان المبيع ممّا يسرع إليه الفساد عادة لو شرط الثلاث، هل يبطل البيع أو يصحّ و يباع عند الإشراف على الفساد و يقام ثمنه مقامه ؟ وجهان(3).

مسألة 240: روى الجمهور أنّ حبّان بن منقذ أصابته آمّة في رأسه فكان يُخدع في البيع،

فقال له النبيّ (صلّى اللّه عليه و آله): «إذا بايعت فقُلْ: لا خلابة»

ص: 46


1- المبسوط للسرخسي 41:13، الهداية للمرغيناني 27:3، الاختيار لتعليل المختار 18:2، الحاوي الكبير 6968:5، المهذّب للشيرازي 265:1، المجموع 190:9، روضة الطالبين 108:3، العزيز شرح الوجيز 190:4.
2- بداية المجتهد 209:2، الذخيرة 2423:5، حلية العلماء 2119:4، الحاوي الكبير 65:5، العزيز شرح الوجيز 190:4، المغني 98:4، الشرح الكبير 74:4.
3- العزيز شرح الوجيز 190:4، روضة الطالبين 108:3.

و جَعَل له الخيار ثلاثاً(1).

و في رواية «و جعل له بذلك خيار ثلاثة أيّام»(2).

و في رواية: «قُلْ: لا خلابة، و لك الخيار ثلاثاً»(3).

و هذه الروايات مسطورة في كتب فقههم دون مشهورات كتب أحاديثهم.

و هذه الكلمة في الشرع عبارة عن اشتراط الخيار ثلاثاً إذا أطلقاها عالمَيْن بمعناها، كان بمنزلة التصريح باشتراط الثلاثة. و إن كانا جاهلَيْن، لم يثبت الخيار.

و إن علم البائع دون المشتري، للشافعيّة فيه وجهان:

أحدهما: لا يثبت؛ لعدم التراضي، و هو لا يعلمه فلا يلزمه.

و الثاني: يثبت؛ للخبر(4). و لا يعذر في جهله، كما إذا كان محجوراً عليه، لزمه حكم الحجر و إن كان جاهلاً.

و الأقرب أن نقول: إذا قال البائع: بعتك كذا بكذا و لا خلابة، و قصد إثبات الخيار ثلاثاً لنفسه و كان المشتري عالماً، يثبت(5) الخيار، و إلّا فلا.

مسألة 241: إذا اشترط الخيار مدّةً معيّنة و أطلقا مبدأها، قال الشيخ (رحمه اللّه): المبدأ انقضاء خيار المجلس
اشارة

بالتفرّق لا من حين العقد(6). و هو أحد قولي الشافعيّة؛ لأنّه لو جعل المبدأ العقد، لزم اجتماع الخيارين، و هُما مِثْلان و المِثْلان يمتنع اجتماعهما. و لأنّ الشارط يبغي بالشرط إثبات ما لولا الشرط لما ثبت، و خيار المجلس ثابت و إن لم يوجد الشرط، فيكون المقصود ما بعده.

ص: 47


1- العزيز شرح الوجيز 183:4.
2- العزيز شرح الوجيز 183:4.
3- العزيز شرح الوجيز 183:4.
4- العزيز شرح الوجيز 190:4، روضة الطالبين 110:3، المجموع 193192:9.
5- في «ق، ك»: «ثبت».
6- الخلاف 33:3، المسألة 44.

و أُجيب: بأنّ الخيار واحدٌ له جهتان: المجلس و الشرط، و لا بُعْد فيه، كما أنّه قد يجتمع خيار المجلس و العيب.

و لو نُزّل الشرط على ما بعد المجلس، لزم الجهل بالشرط؛ لأنّ وقت التفرّق مجهول.

و أُجيب بأنّ جهالة المجلس كجهالة(1) العقد؛ لأنّ لهما فيه الزيادة و النقصان، فكانت المدّة بعده، كالعقد(2).

و الأقرب: أنّ المبدأ من حين العقد؛ لأنّها مدّة ملحقة بالعقد، فكان ابتداؤها من حين العقد، كالأجل، لا من حين التفرّق و لا خروج الثلاثة في الحيوان.

فروع:

أ إذا شرطا مدّةً لتسليم الثمن، فابتداؤها من حين العقد.

و للشافعيّة وجهان:

أحدهما: إن جعلنا الخيار من وقت العقد، فالأجل أولى.

و الثاني: من حين التفرّق.

و الفرق: أنّ الأجل لا يثبت إلّا بالشرط، فالنظر فيه إلى وقت الشرط، و الخيار قد يثبت من غير شرط، فمقصود الشرط إثبات ما لولاه لما ثبت. و أيضاً فإنّ الأجل و إن شارك الخيار في منع المطالبة بالثمن لكن يخالفه من

ص: 48


1- في «ق، ك»: «كحالة». و في المغني و الشرح الكبير: «حالة المجلس كحالة..».
2- الوجيز 141:1، العزيز شرح الوجيز 192:4، المهذّب للشيرازي 265:1، المجموع 198:9، روضة الطالبين 110:3، المغني 116112:4، الشرح الكبير 76:4.

وجوه، و اجتماع المختلفين ممكن(1).

ب إن(2) قلنا: إنّ المبدأ هو العقد كما اخترناه فلو انقضت المدّة و هُما مصطحبان، انقطع خيار الشرط بانقضاء مدّته، و بقي خيار المجلس. و إن تفرّقا و المدّة باقية، فالحكم بالعكس. و إن قلنا: المبدأ التفرّق كما قاله الشيخ(3) فإذا تفرّقا، انقطع خيار المجلس، و استؤنف خيار الشرط.

ج إن قلنا: إنّ ابتداء المدّة من حين العقد فشرطا أن يكون ابتداؤها من حين التفرّق، لم يصح؛ لأنّه يجعله مجهولاً، و يقتضي زيادةً على الثلاثة، و هو ممنوع عند الشافعيّة(4).

و إن قلنا: ابتداؤها من حين التفرّق فشرطا أن يكون ابتداؤه(5) من حين العقد، صحّ عندنا و هو أحد قولي الشافعيّة(6) لأنّ ابتداء المدّة معلومة و لم يزد به على الثلاثة بل نقص فجاز، كما لو شرط يومين.

و الثاني: لا يصحّ؛ لأنّهما شرطا الخيار في المجلس، و الخيار فيه ثابت بالشرع، فلم يصح اشتراطه(7).

و هو ممنوع؛ فإنّه يصحّ اشتراط القبض و غيره من مقتضيات العقد.

د لو قلنا بأنّ مبدأ المدّة العقدُ و أسقطا الخيار مطلقاً قبل التفرّق،4.

ص: 49


1- حلية العلماء 26:4، العزيز شرح الوجيز 192:4، روضة الطالبين 110:3، المجموع 199:9.
2- في الطبعة الحجريّة: «إذا» بدل «إن».
3- الخلاف 33:3، المسألة 44.
4- انظر المصادر في الهامش (4) من ص 40.
5- أي: ابتداء الخيار.
6- المهذّب للشيرازي 266:1، المجموع 199:9، روضة الطالبين 110:3، العزيز شرح الوجيز 192:4.
7- المهذّب للشيرازي 266:1، المجموع 199:9، روضة الطالبين 110:3، العزيز شرح الوجيز 192:4.

سقط الخياران: خيار المجلس و الشرط. و إن قلنا بالتفرّق، سقط خيار المجلس دون خيار الشرط؛ لأنّه غير ثابت بَعْدُ، و هو أصحّ وجهي الشافعيّة(1).

مسألة 242: الأقرب عندي أنّه لا يشترط اتّصال مدّة شرط الخيار
اشارة

مسألة 242: الأقرب عندي أنّه لا يشترط اتّصال مدّة شرط الخيار(2) بالعقد،

فلو شرط خيار ثلاثة أو أزيد من آخر الشهر، صحّ العقد و الشرط؛ عملاً بالأصل، و بقوله (عليه السّلام): «المسلمون عند شروطهم»(3) و لأنّه عقد تضمّن شرطاً لا يخالف الكتاب و السنّة، فيجب الوفاء به؛ لقوله تعالى أَوْفُوا بِالْعُقُودِ (4).

و قال الشافعي: لا يجوز؛ لأنّه إذا تراخت المدّة عن العقد، لزم، و إذا لزم لم يَعُدْ جائزاً(5).

و هو ممنوع؛ فإنّ خيار الرؤية لم يثبت قبلها، و كذا الخيار بعد الثلاثة؛ لعدم التسليم.

فروع:

أ لو قال: بعتك و لي الخيار عشرة أيّام، مثلاً و أطلق، اقتضى اتّصال

ص: 50


1- العزيز شرح الوجيز 192:4، روضة الطالبين 110:3، المجموع 199:9.
2- في «ق، ك»: «اتّصال مدّة خيار شرط الخيار».
3- صحيح البخاري 120:3، سنن الدارقطني 27:3، 98 و 99، سنن البيهقي 249:7، معرفة السنن و الآثار 237:10، 14349، و 238، 14351، المستدرك - للحاكم 49:2 و 50، المصنّف لابن أبي شيبة 568:6، 2064، المعجم الكبير للطبراني 275:4، 4404.
4- المائدة: 1.
5- العزيز شرح الوجيز 190:4، روضة الطالبين 109:3، المجموع 191:9.

المدّة بالعقد؛ للعرف.

ب لو قال: عشرة أيّام متى شئت، بطل؛ للجهالة.

ج لو شرط خيار الغد دون اليوم، صحّ عندنا على ما تقدّم، خلافاً للشافعي(1).

د لو شرط خيار ثلاثة أيّام ثمّ أسقطا اليوم الأوّل، سقط خاصّة، و بقي الخيار في الآخَرَيْن.

و قال الشافعي: يسقط الكلّ(2).

مسألة 243: إذا تبايعا و شرطا الخيار إلى الليل،

لم يدخل الليل في الشرط، و كذا لو تبايعا و شرطا الخيار إلى النهار، لم يدخل النهار - و به قال الشافعي(3) لأنّ الغاية جُعلت فاصلةً بين ما قبلها و ما بعدها تحقيقاً للغاية، فلو دخل ما بعدها في حكم ما قبلها، لم يكن غاية. و لأنّها مدّة ملحقة بالعقد، فلا يدخل حدّها في محدودها، كالأجل.

و قال أبو حنيفة: يدخل الليل و النهار معاً إذا كانا غايتين؛ لأنّ «إلى» قد تستعمل للغاية، و بمعنى «مع» ك إِلَى الْمَرافِقِ (4) فإذا شرط الخيار، لم ينتقل الملك فلا ينتقل(5) بالشكّ(6).

ص: 51


1- العزيز شرح الوجيز 190:4، روضة الطالبين 109:3، المجموع 191:9.
2- التهذيب للبغوي 330:3، العزيز شرح الوجيز 190:4، روضة الطالبين 110:3، المجموع 192:9.
3- الحاوي الكبير 69:5، حلية العلماء 26:4، العزيز شرح الوجيز 191:4، المجموع 191:9، روضة الطالبين 109:3، المغني 117:4.
4- المائدة: 6.
5- في «ق، ك»: «فلا ننقله».
6- المبسوط للسرخسي 52:13، بدائع الصنائع 268267:5، الحاوي الكبير 69:5، حلية العلماء 26:4، العزيز شرح الوجيز 191:4، المجموع 191:9، المغني 117:4.

و نمنع استعمالها بمعنى «مع» حقيقةً؛ لأنّها للحدّ حقيقةً، فلا تكون حقيقةً في غيرها؛ دفعاً للاشتراك. و الاستعمال لا يدلّ عليه، و المجاز أولى من الاشتراك، على أنّ البيع يوجب الملك و إنّما الشرط منع، فما تحقّق منع، و ما لم يتحقّق منه وجب إنفاذ حكم العقد.

و قال أبو حنيفة: و لو شرط الخيار إلى الزوال أو إلى وقت العصر، اتّصل إلى الليل(1). و ليس بجيّد.

تذنيب: لو شرطا الخيار إلى وقت طلوع الشمس من الغد، صحّ؛ لأنّه وقت معلوم محروس من الزيادة و النقصان.

و لو شرطا إلى طلوعها من الغد، قال الزبيري(2): لا يصحّ؛ لأنّ طلوع الشمس مجهول؛ لأنّ السماء قد تتغيّم فلا تطلع الشمس(3).

و هو خطأ؛ فإنّ التغيّم إنّما يمنع من الإشراق و اتّصال الشعاع لأمن الطلوع.

و لو شرطاه إلى الغروب أو إلى وقته، جاز قولاً واحداً؛ لأنّ الغروب سقوط القرص، و لا مانع لها من ذلك، كما يمنع الغيم من طلوعها.

و التحقيق عدم الفرق؛ لأنّ الطلوع ثابت في الأوّل لكنّه قد يخفى، و كذا الغروب قد يخفى.

مسألة 244: يجوز جَعْل خيار الشرط لكلّ واحد من المتعاقدين
اشارة

و لأحدهما دون الآخر و أن يشرط لأحدهما الأكثر و للآخر الأقلّ؛ لأنّه شُرّع

ص: 52


1- حكاه عنه الشيخ الطوسي في الخلاف 34:3، المسألة 46.
2- في «ق، ك» و الطبعة الحجريّة: «الزهري» بدل «الزبيري». و ما أثبتناه من المصادر.
3- العزيز شرح الوجيز 191190:4، روضة الطالبين 109:3، المجموع 191:9.

للإرفاق بهما، فكيفما تراضيا به جاز.

و لدلالة حديث حبّان بن منقذ على أنّه (عليه السّلام) جعل للمشتري الخيار(1) ، و لم يفرق أحد بينه و بين البائع.

و هل يجوز جَعْل الخيار للأجنبيّ؟ ذهب علماؤنا أجمع إلى جوازه، و أنّه يصحّ البيع و الشرط و به قال أبو حنيفة و مالك و أحمد و الشافعي في أصحّ القولين(2) لأنّه خيار يثبت بالشرط للحاجة و قد تدعو الحاجة إلى شرطه للأجنبيّ؛ لكونه أعرف بحال المعقود عليه. و لأنّ الخيار إلى شرطهما؛ لأنّه يصحّ أن يشترطاه لأحدهما دون الآخر فكذلك صحّ أن يشترطاه للأجنبيّ.

و للشافعي قول: إنّه لا يصحّ، و يبطل البيع و الشرط معاً؛ لأنّه خيار يثبت في العقد فلا يجوز شرطه لغير المتعاقدين، كخيار الردّ بالعيب(3).

و الفرق: أنّ خيار العيب يثبت لا من جهة الشرط، بخلاف المتنازع.

فروع:

أ إذا شرط الخيار للأجنبيّ، صحّ سواء جَعَله وكيلاً في الخيار أو لا.

ص: 53


1- العزيز شرح الوجيز 183:4.
2- مختصر اختلاف العلماء 55:3، 1134، المبسوط للسرخسي 47:13، الهداية للمرغيناني 30:3، الاختيار لتعليل المختار 21:2، بداية المجتهد 212:2، المغني 108:4، الشرح الكبير 76:4، المهذّب للشيرازي 265:1، المجموع 196:9، روضة الطالبين 111:3، العزيز شرح الوجيز 194:4.
3- المهذّب للشيرازي 265:1، المجموع 196:9، روضة الطالبين 111:3، العزيز شرح الوجيز 194:4، المغني 106:4، الشرح الكبير 76:4. بداية المجتهد 212:2.

و قال أبو حنيفة: إذا شرطه لأجنبيّ، صحّ، و كان الأجنبيّ وكيلاً للّذي شرطه(1).

و للشافعي قول ثالث: إنّه إن جعل فلاناً وكيلاً له في الخيار، صحّ. و إن لم يجعله وكيلاً، لم يصح(2). و ما تقدّم يُبطله.

ب لو جعل المتعاقدان خيار الشرط للموكّل الذي وقع العقد له، صحّ قولاً واحداً؛ لأنّه المشتري أو البائع في الحقيقة و الوكيل نائب عنه.

ج لا فرق في التسويغ بين أن يشترطا أو أحدهما الخيار لشخصٍ واحد و بين أن يشترط هذا الخيارَ لواحدٍ و هذا الخيارَ لآخرَ.

و كذا عند الشافعي لا فرق بينهما على القولين(3).

و كذا يجوز أن يجعلا شرط الخيار لهما و لأجنبيّ أو اثنين أو جماعة، و لأحدهما مع الأجنبيّ.

د لو شرطه لفلان، لم يكن للشارط خيار، بل كان لمن جَعَله خاصّة، و هو أحدقو لي الشافعي تفريعاً على الجواز. و في الآخر: أنّه يكون له و للآخر، و يكون الآخر وكيلا له و به قال أبو حنيفة و أحمد لأنّه نائب عنه في الاختيار، فإذا ثبت للنائب فثبوته للمنوب أولى(4).4.

ص: 54


1- انظر: النتف 448447:1، و الهداية للمرغيناني 30:3، و الاختيار لتعليل المختار 21:2، و المغني 106:4، و الشرح الكبير 76:4، و العزيز شرح الوجيز 194:4.
2- انظر: العزيز شرح الوجيز 194:4، و روضة الطالبين 111:3، و المغني 106:4، و الشرح الكبير 76:4.
3- العزيز شرح الوجيز 194:4، روضة الطالبين 111:3، المجموع 196:9.
4- النتف 448447:1، المغني 106:4، الشرح الكبير 76:4، المهذّب - للشيرازي 265:1، المجموع 197:9، روضة الطالبين 111:3، العزيز شرح الوجيز 194:4.

و ليس بجيّد؛ اقتصاراً على الشرط، كما لو شرطاه لأحدهما، لم يكن للآخر شيء، و كما لو شرطاه لأجنبيّ دونهما.

ه قال محمّد بن الحسن في جامعه الصغير: قال أبو حنيفة: لو قال: بعتك على أنّ الخيار لفلان، كان الخيار له و لفلان(1).

و قال أبو العباس: جملة الفقه في هذا أنّه إذا باعه و شرط الخيار لفلان، نظرت فإن جعل فلاناً وكيلاً له في الإمضاء و الردّ، صحّ قولاً واحداً. و إن أطلق الخيار لفلان، أو قال: لفلان دوني، فعلى قولين: الصحّة و عدمها. و به قال المزني(2).

و لو شرطا الخيار للأجنبيّ دونهما، صحّ البيع و الشرط عندنا، و يثبت الخيار للأجنبيّ خاصّة؛ عملاً بالشرط، و هو أحد قولي الشافعي. و على الثاني أنّه لا يختصّ بالأجنبيّ، بل يكون للشارط أيضاً لا يصحّ هذا الشرط، و لا يختصّ بالأجنبيّ(3).

ز لو شرطا الخيار لأجنبيّ، كان له خاصّة دون العاقد، فإن مات الأجنبيّ في زمن الخيار، ثبت الآن له؛ لأنّ الحقّ و الرفق له في الحقيقة، و هو أصحّ وجهي الشافعيّة على تقدير اختصاص الأجنبيّ بالخيار(4).

ح لو شرطا الخيار لأحدهما و للأجنبيّ أو لهما و للأجنبيّ، فلكلّ واحد منهم الاستقلال بالفسخ؛ عملاً بمقتضى الشرط. و لو فسخ أحدهما و أجاز الآخر، فالفسخ أولى.9.

ص: 55


1- حكاه عنه الشيخ الطوسي في الخلاف 35:3، المسألة 48.
2- حكاه عنه الشيخ الطوسي في الخلاف 3635:3، المسألة 48.
3- العزيز شرح الوجيز 194:4.
4- التهذيب للبغوي 331:3، العزيز شرح الوجيز 194:4، روضة الطالبين 111:3، المجموع 197:9.

ط لو باع عبداً و شرط الخيار للعبد، صحّ البيع و الشرط معاً عندنا - و هو أحدقو لي الشافعي(1) لأنّ العبد بمنزلة الأجنبيّ.

ي لا فرق بين جَعْل الخيار لأحد المتعاقدين و للأجنبيّ في اشتراط ضبط مدّته و هو أصحّ قولي الشافعيّة(2) لأنّه مع عدم الضبط تتطرّق الجهالة إلى المبيع. و الثاني: أنّه يصحّ مع جهالة المدّة في حقّ الأجنبيّ خاصّة؛ لأنّه يجري مجرى خيار الرؤية فلا يتوقّت. و الصحيح عندهم الأوّل(3).

مسألة 245: إذا اشترى شيئاً أو باع بشرط أن يستأمر فلاناً، صحّ
اشارة

عندنا؛ لأنّه شرط سائغ يتعلّق به غرض العقلاء، فيندرج تحت قوله (عليه السّلام): «المؤمنون(4) عند شروطهم»(5) و هو أحد قولي الشافعي بناءً على أنّه يصحّ شرط الخيار للأجنبيّ. و الثاني: المنع(6) على ما تقدّم.

إذا تقرّر هذا، فإنّه ليس للشارط أن يفسخ حتى يستأمر فلاناً و يأمره بالردّ؛ لأنّه جعل الخيار له دون العاقد، و هو أحد قولي الشافعي(7). و الثاني: أنّه يجوز له الردّ من غير أن يستأمر، و ذكر الاستئمار احتياطاً(8). و المعتمد: الأوّل.

ص: 56


1- التهذيب للبغوي 330:3، العزيز شرح الوجيز 194:4، روضة الطالبين 111:3، المجموع 196:9.
2- لم نعثر عليهما فيما بين أيدينا من المصادر. و انظر: التهذيب للبغوي 331:3.
3- لم نعثر عليهما فيما بين أيدينا من المصادر. و انظر: التهذيب للبغوي 331:3.
4- في «ق، ك»: «المسلمون».
5- التهذيب 371:7، 1503، الاستبصار 232:3، 835، الجامع لأحكام القرآن 33:6.
6- التهذيب للبغوي 331:3، العزيز شرح الوجيز 195:4، روضة الطالبين 111:3، المجموع 197:9.
7- في «ق، ك»: «الشافعيّة».
8- التهذيب للبغوي 331:3، العزيز شرح الوجيز 195:4، روضة الطالبين 111:3، المجموع 197:9، المغني 111:4، الشرح الكبير 77:4.
فروع:

أ لا بدّ من ضبط مدّة الاستئمار؛ لأنّ الجهالة فيه توجب تطرّقها إلى العقد، و هو أحد قولي الشافعي. و الثاني: أنّه لا يشترط ضبطه، بل يجوز من غير تحديد، كما في خيار الرؤية(1).

و إذا قلنا: لا بدّ من تحديده، لم ينحصر في مدّة معيّنة، بل يجوز اشتراط ما أراد من الزمان، قلّ أو كثر بشرط ضبطه و هو أحد قولي الشافعيّة كخيار الرؤية.

و الثاني: أنّه لا يزيد على ثلاثة أيّام، كخيار الشرط(2). و قد أبطلنا ذلك فيما تقدّم.

ب يجوز للوكيل أن يشترط الخيار للموكّل؛ لأنّه يجوز جَعْله للأجنبيّ فللموكّل أولى و هو أظهر وجهي الشافعيّة(3) لأنّ ذلك لا يضرّه.

و هل له شرط الخيار لنفسه ؟ عندنا يجوز ذلك؛ لأنّه يجوز في الأجنبيّ ففي الوكيل أولى، و هو أحد وجهي الشافعيّة. و الثاني: ليس له ذلك(4).

ج للوكيل أن يجعل شرط الخيار لغيره و لغير موكّله حسبما تقتضيه مصلحة الموكّل، فلوكيل البيع شرط الخيار للمشتري، و لوكيل الشراء شرط الخيار للبائع.

و مَنَع الشافعي من ذلك، و أبطل البيع(5). و ليس بجيّد.

د لو شرط الخيار لنفسه أو أذن له الموكّل فيه صريحاً، ثبت له

ص: 57


1- انظر: العزيز شرح الوجيز 195:4، و روضة الطالبين 112111:3، و المجموع 197:9.
2- انظر: العزيز شرح الوجيز 195:4، و روضة الطالبين 112111:3، و المجموع 197:9.
3- العزيز شرح الوجيز 195:4، روضة الطالبين 112:3، المجموع 194:9.
4- العزيز شرح الوجيز 195:4، روضة الطالبين 112:3، المجموع 194:9.
5- العزيز شرح الوجيز 195:4، روضة الطالبين 112:3، المجموع 194:9.

الخيار، و لا يفعل إلّا ما فيه الحظّ للموكّل؛ لأنّه مؤتمن. و كذا الأجنبيّ لو جُعل الخيار له.

و فرّق الشافعي بينهما، فلم يوجب على الأجنبيّ رعاية الحظّ(1).

و ليس بجيّد؛ لأنّ جَعْل الخيار له ائتمان له.

و هل يثبت الخيار للموكّل في هذه الصورة مع ثبوته للوكيل ؟ الوجه: لا؛ اقتصاراً بالشرط على مورده.

و للشافعيّ وجهان(2).

و حكى الجويني فيما إذا أطلق الوكيل شرط الخيار بالإذن المطلق من الموكّل ثلاثة أوجُه: إنّ الخيار يثبت للوكيل أو للموكّل أو لهما(3).

و قد عرفت مذهبنا فيه.

مسألة 246: يشترط تعيين محلّ الخيار المشترط و تعيين مستحقّه،

فلو باعه عبدين و شرط الخيار في أحدهما لا بعينه، لم يصحّ الشرط و لا العقد؛ لأنّه خيار مجهول المحلّ، و غرر، فيكون منفيّاً، و يقدّر بمنزلة ما لو باعه أحدهما لا بعينه، و به قال الشافعي(4).

و قال أبو حنيفة: يجوز في العبدين و الثوبين و الثلاثة، و لا يجوز في الأربعة فما زاد(5).

و ليس بشيء؛ لما بيّنّا.

ص: 58


1- العزيز شرح الوجيز 195:4، روضة الطالبين 112:3، المجموع 195:9.
2- العزيز شرح الوجيز 195:4، روضة الطالبين 112:3، المجموع 195:9.
3- العزيز شرح الوجيز 195:4، روضة الطالبين 112:3، المجموع 195:9.
4- العزيز شرح الوجيز 191:4، روضة الطالبين 109:3، المجموع 193:9.
5- العزيز شرح الوجيز 191:4.

و لو شرطه في أحدهما بعينه، صحّ البيع و الشرط معاً؛ للأصل، و عموم وَ أَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ (1) و «المسلمون عند شروطهم»(2) و هو أحد قولي الشافعي(3) و يثبت لكلّ مبيع حكمه، فيثبت الخيار فيما شُرط فيه الخيار، و يكون الآخر خالياً عن الخيار.

و في القول الآخر: لا يصحّ؛ لأنّه جمع بين عينين مختلفي الحكم بعقدٍ واحد(4).

و بطلانه ممنوع، كما لو جمع بين بيع و صرف، أو بيع و إجارة.

و لو شرط الخيار لأحد المتعاقدين لا بعينه أو لأحد الرجلين لا بعينه، بطل البيع و الشرط.

و لو شرط الخيار يوماً في أحد العبدين بعينه، و يومين في الآخر، صحّ عندنا. و للشافعي قولان(5).

مسألة 247: بيع الخيار جائز عندنا،

و هو أن يبيعه شيئاً عقاراً أو غيره، و يشترط البائع الخيار لنفسه سنةً أو أقلّ أو أكثر إن جاء بالثمن الذي قبضه من المشتري و ردّه إليه، كان أحقّ بالمبيع. و إن خرجت المدّة و لم يأت بالثمن، سقط خياره، و وجب البيع للمشتري؛ للأصل، و عموم

ص: 59


1- البقرة: 275.
2- صحيح البخاري 120:3، سنن الدارقطني 27:3، 98 و 99، سنن البيهقي 249:7، معرفة السنن و الآثار 237:10، 14349، و 238، 14351، المعجم الكبير للطبراني 275:4، 4404، المستدرك للحاكم 49:2 و 50، المصنّف - لابن أبي شيبة 568:6، 2064.
3- الوسيط 110:3، حلية العلماء 50:4، العزيز شرح الوجيز 191:4، روضة الطالبين 109:3، المجموع 193:9.
4- الوسيط 110:3، حلية العلماء 50:4، العزيز شرح الوجيز 191:4، روضة الطالبين 109:3، المجموع 193:9.
5- العزيز شرح الوجيز 191:4، روضة الطالبين 109:3، المجموع 193:9.

قوله تعالى إِلاّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ (1) و قوله تعالى وَ أَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ (2).

و قوله (عليه السّلام): «المسلمون عند شروطهم»(3).

و قول الباقر (عليه السّلام): «إن بعت رجلاً على شرط إن أتاك بمالك، و إلّا فالبيع لك»(4) و غيره من الأحاديث، و قد سبق.

أمّا الجمهور فإنّه لا يصحّ إلّا عند مَنْ جوّز شرط الخيار.

و الخلاف في تقديره بالثلاثة الأيّام كما تقدّم.

مسألة 248: إذا شرط الخيار ثلاثة أيّام أو أزيد على مذهبنا ثمّ مضت المدّة و لم يفسخا و لا أجازا، تمّ العقد و لزم

و به قال الشافعي(5) لأنّ شرط الخيار في المدّة منع من لزوم العقد تلك المدّة، فإذا انقضت، ثبت موجب العقد، كالأجل في الدَّيْن إذا انقضى، ثبت الدَّيْن؛ لزوال المانع. و لأنّ تركه للفسخ حتى يتعدّى الأجل رضاً منه بالعقد، فلزمه.

و قال مالك: لا يلزم بمضيّ المدّة؛ لأنّ مدّة الخيار ضُربت لحقٍّ له لا لحقٍّ عليه، فلم يلزمه الحكم بنفس مرور الزمان، كمضيّ الأجل في حقّ المُولي(6).

و الفرق أنّ تقدّم المدّة ليست سبباً لإيقاع الطلاق، بخلاف المتنازع.

مسألة 249: لو باعه عبدين و شرط الخيار فيهما، صحّ

عندنا و عند

ص: 60


1- النساء: 29.
2- البقرة: 275.
3- تقدّمت الإشارة إلى مصادره في ص 59 الهامش (2).
4- التهذيب 23:7، 97.
5- حلية العلماء 26:4، المجموع 195:9، المغني 127:4، الشرح الكبير 78:4.
6- حلية العلماء 26:4، المجموع 195:9، المغني 127:4، الشرح الكبير 78:4.

الجمهور(1).

فإن أراد الفسخ في أحدهما خاصّة، فالأقرب أن نقول: إن شرطه فيهما على الجمع و التفريق، صحّ، و كان له الفسخ في أحدهما خاصّة. و إن لم يشترطه على الجمع و التفريق بل اشتراهما صفقةً واحدة و أطلق شرط الخيار، لم يكن له التفريق؛ لأنّه عيب، فلا يجوز له ردّ المبيع معيباً.

و الشافعي بناه على قولَي تفريق الصفقة في الردّ بالعيب(2).

و لو اشترى اثنان من واحد بستاناً صفقةً واحدة بشرط، فإن جَعَله على الجمع و التفريق، كان لأحدهما الفسخ و إن لم يفسخ صاحبه. و إن لم يجعله كذلك، فإشكال أقربه أنّ له ذلك أيضاً و به قال الشافعي(3) لأنّه بجَعْل الخيار قد سلّطه على الردّ في نصيبه، كما في الردّ بالعيب.

و الأصل عندنا ممنوع على ما يأتي.

و لو شرط الخيار لأحدهما دون الآخر، صحّ البيع و الشرط، و هو أصحّ قولي الشافعي. و في الثاني: يبطلان معاً(4).

مسألة 250: إذا شرطا الخيار فأراد أحدهما فسخ العقد، كان له ذلك،
اشارة

سواء حضر صاحبه أو لم يحضر و به قال الشافعي و أبو يوسف و زفر و أحمد بن حنبل(5) لأنّه رَفْعُ عقدٍ لا يفتقر إلى رضا شخص، فلم يفتقر

ص: 61


1- انظر: العزيز شرح الوجيز 191:4، و روضة الطالبين 109:3، و المجموع 193:9.
2- العزيز شرح الوجيز 191:4، روضة الطالبين 109:3، المجموع 193:9.
3- العزيز شرح الوجيز 191:4، روضة الطالبين 109:3، المجموع 193:9.
4- العزيز شرح الوجيز 191:4، روضة الطالبين 109:3، المجموع 193:9.
5- التهذيب للبغوي 332:3، المهذّب للشيرازي 266:1، المجموع 200:9، روضة الطالبين 110:3، العزيز شرح الوجيز 192:4، مختصر اختلاف العلماء 54:3، 1131، الهداية للمرغيناني 29:3، تحفة الفقهاء 79:2، بدائع الصنائع 273:5، المبسوط للسرخسي 44:13، النتف 448:1، الاختيار لتعليل المختار 19:2، المغني 127:4، الشرح الكبير 77:4.

إلى حضوره، كالطلاق.

و لقول الصادق (عليه السّلام): «إنّ أمير المؤمنين (عليه السّلام) قضى في رجل اشترى ثوباً بشرط إلى نصف النهار فعرض له ربح فأراد بيعه، قال: ليشهد أنّه رضيه و استوجبه، ثمّ ليبعه إن شاء، فإن أقامه في السوق و لم يبع فقد وجب عليه»(1) و لا فرق بين الالتزام و الفسخ.

و لأنّ الفسخ أحد طرفي الخيار، فلا يتوقّف على حضور المتعاقدين، كالإمضاء.

و قال أبو حنيفة: ليس له الفسخ إلّا بحضور صاحبه و به قال محمّد لأنّ العقد تعلّق به [حقّ(2)] كلّ واحد من المتعاقدين، فلم يكن لأحدهما فسخه بغير حضور الآخر، كالوديعة(3).

و ينتقض بما إذا وطئ الجارية في مدّة الخيار بغير حضور صاحبه. و الوديعة لا حقّ للمودع فيها، و يصحّ فسخها مع غيبته.

إذا عرفت هذا، فإنّ هذا الفسخ لا يفتقر إلى الحاكم؛ لأنّه فسخ متّفق على ثبوته، فلا يفتقر إلى الحاكم.

و قال أبو حنيفة: يفتقر(4) كالعنّة.1.

ص: 62


1- الكافي 173:5، 17، التهذيب 23:7، 98.
2- ما بين المعقوفين من المغني.
3- تحفة الفقهاء 79:2، بدائع الصنائع 273:5، المبسوط للسرخسي 44:13، الهداية للمرغيناني 29:3، الاختيار لتعليل المختار 19:2، النتف 448:1، مختصر اختلاف العلماء 54:3، 1131، العزيز شرح الوجيز 193:4، التهذيب للبغوي 332:3، المجموع 200:9، المغني 127:4، الشرح الكبير 77:4.
4- الوجيز 141:1.

و الفرق ظاهر؛ لأنّ الفسخ بالعنّة مختلف فيه.

و نقل الشيخ عن أبي حنيفة و محمّد أنّه إذا اختار الفسخ في البيع مدّة خياره، لم يصح إلّا بحضور صاحبه، و إذا كان حاضراً، لم يفتقر إلى رضاه، و الفسخ بخيار الشرط إن كان بعد القبض، فلا فسخ إلّا بتراضيهما أو حكم الحاكم(1).

تذنيب: إذا شرطا الخيار مدّة لهما أو لأحدهما ثمّ التزما البيع قبل انقضاء المدّة، جاز؛

للحديث السابق(2) عن أمير المؤمنين (عليه السّلام). و لأنّه حقّه أسقطه، فسقط، كالدَّيْن و خيار(3) المجلس.

و لو شرطا الخيار لأجنبيّ، فإن قلنا: إنّه وكيل لمن شرط له الخيار، فالأقرب أنّ له الإسقاط مع المصلحة. و لو أراد الموكّل الإسقاط أو اختار الإمضاء أو الفسخ أو الصبر، فالأمر إليه. و إن قلنا: إنّه مالك للخيار، فالأقرب أنّ له الإسقاط مطلقاً. و لا دَخْل لمن جعل له الخيار فيه.

مسألة 251: الأقرب عندي دخول خيار الشرط في كلّ عقد
اشارة

معاوضة، خلافاً للجمهور على تفصيل، فالسَّلَم يدخله خيار الشرط، و كذا الصرف على إشكال فيه؛ للعموم(4).

و قال الشافعي: لا يدخلهما خيار الشرط و إن دخلهما خيار المجلس؛ لأنّ عقدهما يفتقر إلى التقابض في المجلس، فلا يحتمل التأجيل، و المقصود من اشتراط القبض أن يتفرّقا و لا علقة بينهما تحرّزاً من الربا أو

ص: 63


1- الخلاف 35:3، المسألة 47.
2- في ص 61.
3- في «ق، ك»: «و كخيار».
4- و هو قوله (صلّى اللّه عليه و آله): «المسلمون عند شروطهم». انظر: المصادر في الهامش (2) من ص 59.

من بيع الكالي بالكالي. و لو أثبتنا الخيار، لبقيت العلقة بينهما بعد التفرّق(1). و نمنع الملازمة.

و الصلح يصحّ دخول خيار الشرط فيه؛ للعموم، و به قال الشافعي إن كان بيعاً، كصلح المعاوضة. و إن كان هبةً و حطيطةً، لم يدخله خيار الشرط. و إن اشتمل على الإجارة كأن يصالح مدّعي العين على السكنى سنة، لم يدخله خيار الشرط(2).

و الوجه: دخول الشرط في جميع ذلك.

و الرهن يدخله خيار الشرط؛ للعموم.

و قال الشافعي: لا يدخله(3).

و الحوالة يصحّ فيها خيار الشرط.

و قال الشافعي: لا يدخلها(4).

و الضمان يصحّ دخول خيار الشرط فيه؛ للعموم.

و قال الشافعي: لا يدخل(5).

و أمّا الوكالة و العارية و القراض و الشركة و الوديعة و الجُعالة: فقال الشيخ: لا يمتنع دخول خيار الشرط فيها(6).2.

ص: 64


1- الوجيز 141:1، العزيز شرح الوجيز 193:4، التنبيه في الفقه الشافعي: 97، المهذّب - للشيرازي 304:1، المجموع 192:9، روضة الطالبين 111110:3، التهذيب للبغوي 292:3، الحاوي الكبير 30:5.
2- التنبيه في الفقه الشافعي: 103، التهذيب للبغوي 293:3.
3- التهذيب للبغوي 292:3، المجموع 175:9.
4- التنبيه في الفقه الشافعي: 105، المهذّب للشيرازي 345:1، المجموع 192:9، الحاوي الكبير 30:5، العزيز شرح الوجيز 193:4، روضة الطالبين 111:3.
5- التنبيه في الفقه الشافعي: 106، المهذّب للشيرازي 348:1، المجموع 175:9، التهذيب للبغوي 292:3.
6- الخلاف 13:3، المسألة 12.

و قال الشافعي: لا يدخلها(1). و لا بأس به؛ لأنّها عقود جائزة لكلٍّ منهما فسخها، سواء كان هناك شرطُ خيارٍ أو لا، فلا معنى لدخوله.

و الشفعة لا يدخلها خيار الشرط؛ لأنّها لا تقف على التراضي.

و المساقاة و الإجارة المعيّنة قال الشيخ: يدخلهما خيار الشرط(2). و هو جيّد؛ للعموم.

و مَنَع الشافعي من دخوله فيهما؛ لأنّهما عقد على منفعة تتلف بمضيّ الزمان و من شرط المساقاة أن تكون مدّته معلومةً عقيب العقد(3).

و أمّا الإجارة في الذمّة كأن يستأجره ليبني له حائطاً أو ليخيط له ثوباً: فقال الشيخ بدخول خيار الشرط فيها(4) ؛ للعموم.

و اختلفت الشافعيّة، فقال أبو إسحاق و ابن خيران: لا يدخلها خيار الشرط و لا المجلس؛ لأنّ الإجارة عقد على ما لم يُخلق، فقد دخلها الغرر، فلا يدخلها بالخيار غرر آخر(5).

و قال الإصطخري: يدخلها الخياران؛ لأنّ مضيّ المدّة لا ينقص من المعقود عليه شيئاً(6).

و قال آخرون منهم: لا يدخلها خيار الشرط، و يدخل خيار المجلس؛5.

ص: 65


1- حكاه عنه الشيخ الطوسي في الخلاف 13:3، المسألة 12.
2- الخلاف 14:3 و 15، المسألتان 14 و 15.
3- المهذّب للشيرازي 399:1 و 407، التنبيه في الفقه الشافعي: 123، الحاوي الكبير 30:5، حلية العلماء 404:5 و 405، العزيز شرح الوجيز 174173:4، المجموع 178:9 و 192.
4- الخلاف 15:3، المسألة 15.
5- العزيز شرح الوجيز 173:4، و حكاه الشيخ الطوسي في الخلاف 15:3، المسألة 15.
6- العزيز شرح الوجيز 173:4، و حكاه الشيخ الطوسي في الخلاف 15:3، المسألة 15.

لقلّة الغرر في خيار المجلس و كثرته في خيار الشرط(1).

و الوقف لا يدخله خيار الشرط؛ لأنّه إزالة ملك على وجه القربة إلى غير ملك، فأشبه العتق.

و أمّا الهبة المقبوضة: فإن كانت لأجنبيّ غير معوّض عنها و لا قصد بها القربة و لا تصرَّف المتّهب، يجوز للواهب الرجوع فيها. و إن اختلّ أحد القيود، لزمت.

و هل يدخلها خيار الشرط؟ الأقرب: ذلك.

و قال الشافعي: إنّها قبل القبض غير لازمة. و إذا قبض و قلنا: لا تقتضي الثواب، لم يثبت فيها خيار. و إن قلنا: تقتضي الثواب، قال أبو حامد: في ثبوت الخيارين وجهان، أحدهما: أنّهما يثبتان؛ لأنّها بمنزلة البيع. و الثاني: لا يثبتان؛ لأنّ لفظ الهبة لفظ الإرفاق، فلم يثبت بمقتضاه الخيار.

و قال أبو الطيّب: لا يدخل خيار الشرط، و في خيار المجلس وجهان(2).

و الوصيّة لا يثبت فيها الخياران؛ لأنّه بالخيار إلى أن يموت.

و النكاح لا يثبت فيه الخياران؛ لأنّه لا يقصد فيه العوض، فإن شرطه، بطل العقد.

و إن شرط الخيار في الصداق وحده، صحّ؛ للعموم.

و للشافعي قولان: عدم الدخول؛ لأنّه أحد عوضي النكاح، فإذا لم يثبت في أحدهما، لم يثبت في الآخر. و الدخول(3).9.

ص: 66


1- المهذّب للشيرازي 407:1، حلية العلماء 405:5، التهذيب للبغوي 295:3.
2- انظر: الخلاف للشيخ الطوسي 15:3، المسألة 16، و العزيز شرح الوجيز 193:4، و المجموع 178177:9.
3- المهذّب للشيرازي 58:2، التهذيب للبغوي 294:3، الوسيط 103:3، العزيز شرح الوجيز 256255:8، روضة الطالبين 590:5، منهاج الطالبين: 219، المجموع 192:9.

و الخلع لا يدخل فيه خيار الشرط و به قال الشافعي(1) لأنّ القصد منه الفرقة دون المال، فأشبه النكاح.

و السبق و الرمي قال الشيخ: لا يمتنع دخول خيار الشرط فيهما(2) ؛ لأنّه لا مانع منه(3).

و للشافعي قولان مبنيّان على أنّهما إجارة أو جُعالة(4).

و أمّا القسمة فإنّ خيار الشرط يدخلها، سواء اشتملت على ردٍّ أو لا؛ لعموم قوله (عليه السّلام): «المؤمنون(5) عند شروطهم»(6).

و قال الشافعي: إن كان فيها ردّ، فهي بيع يدخلها الخياران. و إن لم يكن فيها ردّ، فإن كان القاسمُ الحاكمَ، فلا خيار؛ لأنّها قسمة إجبار. و إن كان الشريكين(7) ، فإن قلنا: أنّها إفراز و تمييز، فلا خيار. و إن قلنا: بيع، ثبت فيها الخياران(8).

و العتق لا يثبت فيه خيار؛ لأنّه إسقاط حقٍّ، و كذا التدبير؛ لأنّه عتْقٌ معلّق على شرط. و لأنّه جائز للمولى الرجوع فيه متى شاء.0.

ص: 67


1- التهذيب للبغوي 294:3، الحاوي الكبير 29:5.
2- في «ق، ك» و الطبعة الحجريّة: «فيه». و الصحيح ما أثبتناه.
3- الخلاف 19:3، المسألة 23.
4- التهذيب للبغوي 295:3، حلية العلماء 463462:5، العزيز شرح الوجيز 174:4، المجموع 178:9.
5- في «ق، ك»: «المسلمون» بدل «المؤمنون».
6- التهذيب 371:7، 1503، الاستبصار 232:3، 835، الجامع لأحكام القرآن 33:6.
7- في «ق، م» و الطبعة الحجريّة: «الشريكان». و الصحيح ما أثبتناه.
8- التهذيب للبغوي 294293:3، الوسيط 102:3، العزيز شرح الوجيز 173:4، المجموع 178:9، و حكاه عنه الشيخ الطوسي في الخلاف 18:3، المسألة 20.

و أمّا الكتابة: فقال الشيخ: إن كانت مشروطةً، لم يثبت للمولى خيار المجلس، و لا يمتنع خيار الشرط؛ لعموم تسويغه. و العبد له الخياران معاً، له أن يفسخ أو يُعجّز نفْسَه، فينفسخ العقد. و إن كانت مطلقةً، فإن أدّى من مكاتبته شيئاً، فقد انعتق بحسابه، و لا خيار لواحدٍ منهما بحال(1).

و في ثبوت الخيارين للعبد عندي نظر.

و قال الشافعي: لا خيار للسيّد فيها؛ لأنّه دخل على وجه القربة و تحقّق الغبن؛ لأنّه باع ماله بماله، و أمّا العبد فله الخيار أبداً؛ لأنّ العقد جائز من جهته(2). و فيه نظر.

تذنيب: لا يصحّ اشتراط الخيار في شراء ما يستعقب العتق،

كشراء القريب، و شراء العبد نفسه إن سوّغناه؛ لأنّه منافٍ لمقتضاه.

البحث الرابع: في خيار الغبن.
مسألة 252: الغبن سبب ثبوت الخيار للمغبون

عند علمائنا و به قال مالك و أحمد(3) لقوله (عليه السّلام): «لا ضرر و لا ضرار في الإسلام»(4).

و لقوله تعالى إِلاّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ (5) و معلوم أنّ المغبون لو عرف الحال لم يرض.

ص: 68


1- الخلاف 18:3، المسألة 21.
2- التهذيب للبغوي 292:3، العزيز شرح الوجيز 170:4، و حكاه عنه الشيخ الطوسي في الخلاف 19:3، المسألة 21.
3- الذخيرة 112:5، العزيز شرح الوجيز 236:4، المغني 92:4، الشرح الكبير 88:4.
4- المعجم الأوسط للطبراني 382:5، 5193.
5- النساء: 29.

و لأنّ النبيّ (صلّى اللّه عليه و آله) أثبت الخيار في تلقّي الركبان(1) ، و إنّما أثبته للغبن.

و كذلك أيضاً يثبت الخيار بالعيب، و ذلك لحصول الغبن، فكذا هنا.

و قال أبو حنيفة و الشافعي: لا يثبت للمغبون خيار بحال؛ لأنّ النبيّ (صلّى اللّه عليه و آله) لم يُثبت لحبّان بن منقذ الخيارَ بالغبن، و لكن أرشده إلى شرط الخيار ليتدارك عند الحاجة. و لأنّ نقص قيمة السلعة مع سلامتها لا يمنع لزوم العقد، كالغبن اليسير(2).

و الجواب: أنّ إرشاده (عليه السّلام) إلى اشتراط الخيار لا ينافي ثبوت طريقٍ آخر له؛ لأنّ إثبات الخيار أنفع، لأنّ له الفسخ مع الغبن القليل و الكثير و العيب و عدمه، بخلاف الغبن، فلمّا كان أعمّ نفعاً أرشده (عليه السّلام) إليه، و الغبن اليسير لا يعدّه الناس عيباً فلا عبرة به.

مسألة 253: و إنّما يثبت الغبن بشرطين:

الأوّل: عدم العلم بالقيمة وقت العقد سواء أمكنه أن يعرف القيمة بالتوقيف أولا، فلو عرف المغبون القيمة ثمّ زاد أو نقص مع علمه، فلا غبن و لا خيار له إجماعاً؛ لأنّه أدخل الضرر على نفسه.

الثاني: الزيادة أو النقيصة الفاحشة التي لا يتغابن الناس بمثلها وقت العقد، فلو باعه بعشرين و هو يساوي تسعة عشر أو أحد و عشرين، فلا خيار؛ لجريان مثل هذا التغابن دائماً بين الناس، و عدم ضبط الأثمان الموازية للمثمنات؛ لعسره جدّاً، فلم يعتد بالخارج عنه قلّةً أو كثرةً مع

ص: 69


1- صحيح مسلم 1157:3، 17، سنن أبي داوُد 269:3، 3437، سنن الترمذي 524:3، 1221، سنن البيهقي 348:5، مسند أحمد 269:3، 9951.
2- المغني 9392:4، الشرح الكبير 88:4، الوجيز 143:1، العزيز شرح الوجيز 239236:4، روضة الطالبين 132:3.

القلّة.

أمّا لو باعه بعشرين و هو يساوي أربعين أو عشرة، فإنّ الغبن هنا يثبت قطعاً مع جهله بالقيمة.

و إنّما تؤثّر الزيادة الفاحشة و النقيصة الفاحشة في تزلزل العقد و ثبوت الخيار فيه لو ثبتتا وقت العقد، و لو كانتا بعده، لم يعتدّ بهما إجماعاً.

و قال أحمد: إن كان المشتري مسترسلاً غير عارف بالمبيع و هو ممّن لو توقّف لعرفه، لم يثبت له الخيار؛ لأنّ مَنْ يعرف السلعة أو يمكنه أن يتعرّفها فلم يفعل جعل كأنّه رضي بالغبن و صار بمنزلة العالم بالعيب(1). و هو ممنوع.

مسألة 254: لمّا لم يُقدّر الشارع للغبن حدّا عُرف أنّه قد أحال الناس فيه إلى العادات

جرياً على القاعدة المعهودة عند الشرع من ردّ الناس إلى العرف بينهم فيما لم ينصّ فيه على شيء.

إذا تقرّر هذا، فلا تقدير للغبن عندنا، بل الضابط ما قلناه من أنّ ما لا يتغابن الناس بمثله يثبت معه الخيار، و ما يتغابن الناس بمثله لا يثبت فيه خيار.

و قال مالك: إن كان الغبن الثلث، لم يثبت الخيار. و إن كان أكثر من الثلث. ثبت الخيار(2). و هو تخمين لم يشهد له أصل في الشرع.

مسألة 255: و إنّما يثبت الخيار للمغبون خاصّةً

دون الغابن إجماعاً؛ لأنّ المقتضي لثبوت الخيار و هو التضرّر بعدمه إنّما يتحقّق في طرف

ص: 70


1- المغني 9392:4، الشرح الكبير 88:4.
2- الذخيرة 113:5، العزيز شرح الوجيز 236:4، المغني 94:4، الشرح الكبير 89:4.

المغبون فيختصّ بالحكم، و يثبت الخيار له بين الفسخ و الإمضاء مجّاناً، و لا يثبت به الأرش إجماعاً.

و لو دفع الغابن التفاوت، احتُمل سقوط خيار المغبون؛ لانتفاء موجبه و هو النقص. و عدمُه؛ لأنّه ثبت له، فلا يزول عنه إلّا بسببٍ شرعيّ و لم يثبت.

و لا يسقط هذا الخيار بتصرّف المغبون، لأصالة الاستصحاب، إلّا أن يخرج عن الملك ببيعٍ و عتقٍ و شبهه؛ لعدم التمكّن من استدراكه. و كذا لو منع مانع من الردّ كاستيلاد الأمة و وقْفها و كتابتها اللازمة. و لا يثبت(1) الأرش هنا أيضاً؛ لأصالة البراءة.

البحث الخامس: في خيار التأخير.
مسألة 256: مَنْ باع شيئاً و لم يسلّمه إلى المشتري و لا قبض الثمن و لا شرط تأخير الثمن و لو ساعة، لزمه البيع ثلاثة أيّام،

فإن جاء المشتري بالثمن في هذه الثلاثة، فهو أحقّ بالعين، و لا خيار للبائع. و إن مضت الثلاثة و لم يأت بالثمن، تخيّر البائع بين فسخ العقد و الصبر و المطالبة بالثمن عند علمائنا أجمع؛ لأنّ الصبر أبداً مضرّ بالبائع و قد قال (عليه السّلام): «لا ضرر و لا ضرار»(2) فوجب أن يضرب له أجل يتمكّن فيه من التخلّص من الضرر، فضرب له الثلاثة، كالحيوان.

ص: 71


1- في «ق»: «و لم يثبت».
2- سنن ابن ماجة 784:2، 2341، سنن الدارقطني 77:3، 288، و 227:4، 83، سنن البيهقي 69:6 و 70 و 157، و 133:10، مسند أحمد 515:1، 2862، المستدرك للحاكم 58:2، المعجم الكبير للطبراني 86:2، 1387، و 302:11، 11806، المعجم الأوسط - للطبراني 382:5، 9351.

و لقول الكاظم (عليه السّلام) و قد سُئل عن الرجل يبيع البيع فلا يقبضه صاحبه و لا يقبض الثمن، قال: «الأجل بينهما ثلاثة أيّام، فإن قبض بيعه، و إلّا فلا بيع بينهما»(1).

و سأل زرارة الباقرَ (عليه السّلام) قلت: الرجل يشتري من الرجل المتاع ثمّ يدعه عنده و يقول: حتى آتيك بثمنه، قال: «إن جاء فيما بينه و بين ثلاثة أيّام، و إلّا فلا بيع له»(2).

و خالف العامّة في ذلك كافّة، و لم يُثبتوا للبائع خياراً؛ للانتقال بالعقد، و سقوط حقّ البائع من العين، و انتقال حقّه إلى الثمن. و هو ممنوع.

مسألة 257: لو كان المبيع ممّا يسرع إليه الفساد كالفواكه و شبهها ممّا يفسد ليومه، فالخيار فيه إلى الليل؛
اشارة

لأنّ الصبر أكثر من ذلك يؤدّي إلى تضرّر المشتري لو ابقيت السلعة و طُولب بالثمن، و إلى تضرّر البائع لو لم يطالب.

و ما روي عن الصادق أو الكاظم (عليهما السّلام) في الرجل يشتري الشيء الذي يفسد من يومه و يتركه حتى يأتيه بالثمن، قال: «إن جاء ما بينه و بين الليل بالثمن، و إلّا فلا بيع له»(3).

تذنيب: لو كان ممّا يصبر يومين، احتمل أن يكون له الخيار إلى الليل و إلى اليومين؛

عملاً بأصالة العقد و لزومه.

مسألة 258: لو قبض المشتري السلعة و لم يقبض البائع الثمن،
اشارة

ص: 72


1- التهذيب 22:7، 92، الاستبصار 78:3، 259.
2- الكافي 171:5، 11، الفقيه 127:3، 554، التهذيب 21:7، 88، الاستبصار 7877:3، 258.
3- الكافي 172:5، 15، التهذيب 2625:7، 108، الاستبصار 78:3، 262.

فلا خيار للبائع؛ لأنّ ثبوت هذا الخيار على خلاف الأصل، فيقتصر في ثبوته على ما ورد به النصّ، و يبقى ما عداه على الأصل من لزوم البيع. و لأنّ البيع تأكّد بالقبض. و لأنّ البائع قد رضي باللزوم حيث دفع المبيع إليه.

و كذا لو كان الثمن مؤجّلاً و لو لحظة، سقط الخيار، سواء تأخّر عن الأجل المضروب بسنة(1) مثلاً أو لا؛ لما قلناه.

و لو قبض البائع بعض الثمن، لم يبطل الخيار؛ لأنّه يصدق عليه حينئذٍ أنّه لم يقبض الثمن.

و لما رواه عبد الرحمن بن الحجّاج، قال: اشتريت محملاً و أعطيت بعض ثمنه و تركته عند صاحبه ثمّ احتبست أيّاماً ثمّ جئت إلى بائع المحمل لآخذه، فقال: قد بعته، فضحكت ثمّ قلت: لا و اللّه لا أدعك أو أقاضيك، فقال لي: ترضى بأبي بكر بن عيّاش ؟ قلت: نعم، فأتيناه فقصصنا عليه قصّتنا، فقال أبو بكر: بقول مَنْ تحبّ أن أقضي بينكما أ بقول صاحبك أو غيره ؟ قال: قلت: بقول صاحبي، قال: سمعته يقول: «من اشترى شيئاً فجاء بالثمن ما بينه و بين ثلاثة أيّام، و إلّا فلا بيع له»(2).

فروع:

أ لو قبض المشتري المبيع ثمّ دفعه وديعةً عند بائعه أو رهناً حتى يأتي بالثمن، فلا خيار للبائع؛ لأنّه بإقباضه رضي بلزوم البيع، و يده الآن يد نيابة عن المشتري، فكأنّه في يد المشتري.

ب لو مضى ثلاثة أيّام فما زاد و لم يفسخ البائع البيع و أحضر

ص: 73


1- في الطبعة الحجريّة: «سنة».
2- الكافي 173172:5، 16، التهذيب 2221:7، 90.

المشتري الثمن و مكّنه منه، سقط الخيار؛ لزوال المقتضي لثبوته، و هو التضرّر بالتأخير.

ج لو مضت ثلاثة ثمّ طالب البائع المشتري بالثمن بعدها فوعده به، لم يسقط خيار البائع بالطلب؛ لأنّه حقٌّ ثبت شرعاً، فلا يسقط إلّا بوجهٍ شرعيّ.

د لو سلّم البائع بعض المبيع دون الباقي ثمّ مضت ثلاثة، كان له الخيار في الجميع بين الفسخ فيه و الصبر؛ لأنّه يصدق عليه أنّه لم يدفع المبيع، و ليس له فسخ البيع في غير المقبوض؛ لأنّ تفريق الصفقة عيبٌ.

ه لو شرط تأخير بعض الثمن فأخّر الباقي، فلا خيار؛ لأنّ الثمن ليس حالّا. و يحتمل ثبوته بعد تأخير العقد ثلاثة أيّام، كالجميع. و كذا لو شرط تأخير الثمن فأخّره عن الأجل، فلا خيار.

مسألة 259: لو هلك المتاع في مدّة ثلاثة أيّام الخيار هنا، قال الشيخ: يكون من ضمان المشتري؛

لأنّ المبيع انتقل إليه و لزمه(1) ، و وجب عليه دفع عوضه. و لو هلك بعدها، قال: يكون من مال البائع؛ لأنّ الخيار قد ثبت له، فكأنّه ملكه(2).

و المعتمد: أنّه يكون من ضمان البائع على التقديرين؛ لقوله (عليه السّلام): «كلّ مبيع تلف قبل قبضه فهو من مال بائعه»(3) و التقدير أنّ المشتري لم يقبض المبيع.

و لأنّ عقبة بن خالد سأل الصادقَ (عليه السّلام) في رجل اشترى متاعاً من

ص: 74


1- في الطبعة الحجريّة: «لزم».
2- النهاية: 386.
3- لم نعثر عليه في المصادر الحديثيّة المتوفّرة لدينا.

رجل و أوجبه غير أنّه ترك المتاع عنده و لم يقبضه، قال: آتيك غداً إن شاء اللّه، فسرق المتاع من مال مَنْ يكون ؟ قال: «من مال صاحب المتاع الذي هو في بيته حتى يقبض المال و يخرجه من بيته، فإذا أخرجه من بيته فالمبتاع ضامن لحقّه حتى يردّ إليه ماله»(1).

البحث السادس: في خيار الرؤية.
مسألة 260: البيع على أقسام ثلاثة:

بيع عين شخصيّة حاضرة. و لا خلاف في صحّته مع المشاهدة أو الوصف الرافع للجهالة، و بدونها خلاف. و بيع عين شخصيّة غائبة. و بيع عين غير شخصيّة بل مضمونة، كالسَّلَم.

و شرط صحّة بيع العين الشخصيّة الغائبة وصفها بما يرفع الجهالة عند علمائنا أجمع، و قد سبق الخلاف في ذلك.

و يجب فيه ذكر اللفظ الدالّ على الجنس، فيقول: بعتك عبدي، أو حنطتي؛ دفعاً للغرر.

و قال أبو حنيفة: لا يشترط ذلك، بل لو باعه ما في كُمّه من غير ذكر جنسه، صحّ(2).

و يجب أيضاً ذكر اللفظ الدالّ على المميّز، و ذلك بذكر جميع الصفات التي تختلف الأثمان باختلافها و تتطرّق الجهالة بترك بعضها،

ص: 75


1- الكافي 172171:5، 12، التهذيب 21:7، 89، و 230، 1003.
2- تحفة الفقهاء 81:2، الهداية للمرغيناني 32:3، الاختيار لتعليل المختار 23:2، المحلّى 337:8، التهذيب للبغوي 286:3، الحاوي الكبير 14:5، العزيز شرح الوجيز 51:4، روضة الطالبين 35:3، المجموع 301:9، المغني 77:4، الشرح الكبير 28:4، و حكاه عنه أيضاً الشيخ الطوسي في الخلاف 5:3، المسألة 1.

و لا يكفي ذكر الجنس عن الوصف، خلافاً للشافعي في أحد قوليه(1).

و لا تشترط الرؤية، بل يكفي الوصف، سواء البائع و المشتري في ذلك، خلافاً للشافعي، فإنّه تارة جوّز بيع المجهول، و تارة لم يكتف بالوصف، بل أوجب المشاهدة للبائع و المشتري، و تارة أوجب مشاهدة البائع لسهولة دفع الغرر عنه، فإنّه المالك المتصرّف في المبيع، و تارة أوجب مشاهدة المشتري؛ لأنّ البائع معرض عن الملك و المشتري محصّل له، فهو أجدر بالاحتياط(2).

مسألة 261: إذا وصفه و لم يجده المشتري على الوصف،

تخيّر بين الفسخ و الإمضاء. و لو وجده أجود، لم يكن له خيار. أمّا لو وصفه وكيل البائع فوجده(3) أجود، كان الخيار للبائع. و لو شاهد بعض الضيعة و وُصف له الباقي ثمّ وجدها على خلاف الوصف(4) ، كان مخيّراً بين الفسخ في الجميع و الإمضاء فيه لا في البعض.

مسألة 262: بيع العين الشخصيّة الموصوفة جائز

عندنا، و يثبت الخيار لو لم توجد على الوصف على ما تقدّم.

و لما رواه العامّة عن النبيّ (صلّى اللّه عليه و آله) أنّه قال: «من اشترى شيئاً لم يره فهو بالخيار إذا رآه»(5).

و من طريق الخاصّة أنّهم (عليهم السّلام) سُئلوا عن بيع الجرب الهرويّة، فقالوا

ص: 76


1- المهذّب للشيرازي 270:1، المجموع 292:9، التهذيب للبغوي 286:3، الحاوي الكبير 20:5، العزيز شرح الوجيز 51:4 و 61، روضة الطالبين 42:3.
2- العزيز شرح الوجيز 51:4، روضة الطالبين 35:3، المجموع 290:9.
3- في «ق، ك»: «فوُجد».
4- في الطبعة الحجريّة: «الأصل» بدل «الوصف».
5- سنن الدارقطني 54:3، 8 و 10، سنن البيهقي 268:5.

«لا بأس به إذا كان لها بارنامج، فإن وجدها كما ذُكرت و إلّا ردّها»(1).

و أراد بالبارنامج كتاب يذكر فيه صفات السلعة على الاستقصاء.

و لو وُجد على الوصف، فلا خيار؛ لأصالة اللزوم، و عدم المقتضي لثبوته.

و قال الشافعي: يثبت الخيار على كلّ حال(2).

مسألة 263: قد بيّنّا أنّه لا بدّ من استقصاء الأوصاف مع الغيبة،

كالسَّلَم، و لا يكفي ذكر الجنس و لا النوع ما لم يميّزه بكلّ وصف تتطرّق الجهالة بتركه و تتفاوت القيمة بذكره؛ لأنّه (عليه السّلام) نهى عن الغرر(3) ، خلافاً للشافعي و أبي حنيفة و غيرهما(4).

و إذا باع العين الغائبة على وجه الصحّة كما إذا استقصى الأوصاف عندنا و مطلقاً عند الشافعي، يكون له الخيار عند الرؤية و ظهور خلاف الوصف.

و يجوز أن يوكّل البصير غيره بالرؤية [و(5)] بالفسخ و الإجازة على ما يستوصفه؛ للأصل، و كالتوكيل في خيار العيب، و هو أحد وجهي الشافعيّة.

و في الثاني: لا يجوز التوكيل؛ لأنّ هذا الخيار مربوط بإرادة مَنْ له الخيار [و](6) لا تعلّق له بغرض و لا وصف ظاهر، فأشبه ما لو أسلم الكافر

ص: 77


1- أورده الشيخ الطوسي في الخلاف 6:3، المسألة 1.
2- المهذّب للشيرازي 271:1، المجموع 293:9، حلية العلماء 86:4، التهذيب للبغوي 286:3، العزيز شرح الوجيز 62:4، روضة الطالبين 42:3.
3- صحيح مسلم 1153:3، 1513، سنن ابن ماجة 739:2، 2194 و 2195، سنن أبي داوُد 254:3، 3376، سنن الترمذي 532:3، 1230، سنن النسائي 262:7، سنن الدارمي 254:2، الموطّأ 664:2، 75، مسند أحمد 497:1، 2747، و فيها «نهى (صلّى اللّه عليه و آله) عن بيع الغرر».
4- انظر: المصادر في الهامش (2) من ص 75، و الهامش (1).
5- أضفناهما من «العزيز شرح الوجيز».
6- أضفناهما من «العزيز شرح الوجيز».

على عشرة(1) ، ليس له أن يوكّل بالاختيار(2).

و القياس ممنوع، و كذا حكم الأصل.

مسألة 264: قد بيّنّا أنّه يجوز بيع الغائب مع الوصف
اشارة

الرافع للجهالة لا بدونه.

و للشافعي قول بالجواز بدونه(3).

و على قوله هذا هل يجوز بيع الأعمى و شراؤه ؟ وجهان:

أظهرهما: أنّه لا يجوز أيضاً؛ لأنّ الغائب يثبت فيه خيار الرؤية و هنا لا يمكن إثباته.

و الثاني: الجواز، و يقوم وصف غيره له مقام رؤيته، كالإشارة القائمة مقام النظر للأخرس، و به قال مالك و أبو حنيفة و أحمد(4).

و على قول الشافعي بمنع بيع الأعمى و شرائه لا يصحّ(5) منه الإجارة و الرهن و الهبة(6).

و عندنا أنّ ذلك كلّه جائز منه.

ص: 78


1- أي: عشر نسوة.
2- العزيز شرح الوجيز 52:4، روضة الطالبين 43:3، المجموع 294:9.
3- المهذّب للشيرازي 271:1، المجموع 302:9، العزيز شرح الوجيز 52:4، روضة الطالبين 35:3.
4- المهذّب للشيرازي 271:1، المجموع 303302:9، حلية العلماء 97:4-98، العزيز شرح الوجيز 52:4، روضة الطالبين 35:3، الكافي في فقه أهل المدينة: 360، الهداية للمرغيناني 34:3، الاختيار لتعليل المختار 15:2، المغني 299:4، الشرح الكبير 32:4.
5- في «ق، ك» و الطبعة الحجريّة: «يمتنع بيع الأعمى و شراؤه و لا يصحّ..» و الصحيح ما أثبتناه.
6- التهذيب للبغوي 535:3، العزيز شرح الوجيز 52:4، روضة الطالبين 35:3، المجموع 303:9.

و كذا له أن يكاتب عبده.

و فيه وجهان للشافعيّة على تقدير منع البيع: المنعُ، كالبيع. و الجوازُ؛ تغليباً لجانب العتق(1).

و يجوز عندنا و عنده(2) أن يؤاجر نفسه، و أن يشتري نفسه، و أن يقبل الكتابة على نفسه؛ لأنّه لا يجهل نفسه، و أن ينكح و أن يزوّج مولاته، و به قال الشافعي(3) تفريعاً على أنّ العمى غير قادح في الولاية.

و لو باع سلماً أو اشترى، صحّ مع ضبط الوصف.

و للشافعي تفصيل: إن كان قد عمي بعد سنّ التمييز، صحّ البيع؛ لأنّه يعتمد الأوصاف، و هو يميّز بين الألوان و يعرف الأوصاف ثمّ يوكّل مَنْ يقبض عنه على الوصف المشروط. و إن كان أكمه أو عمي قبل بلوغ سنّ التمييز، فوجهان: المنع؛ لأنّه لا يعرف الألوان و لا يميّز بينها، فلا يصحّ سلمه. و الصحّة كما اخترناه لأنّه يعرف الصفات و الألوان بالسماع و يتخيّل الفرق بينها(4).

و كلّ ما لا يصحّ من الأعمى من التصرّفات فسبيله أن يوكّل و به قال الشافعي(5) للضرورة.

تذنيب: لو باعه ثوباً على حَفّ

تذنيب: لو باعه ثوباً على حَفّ(6) نسّاج على أن ينسج له الباقي، بطل؛

لأنّ بعضه بيع عين حاضرة و بعضه في الذمّة مجهول.

ص: 79


1- العزيز شرح الوجيز 52:4، روضة الطالبين 35:3، المجموع 303:9.
2- التهذيب للبغوي 535:3، العزيز شرح الوجيز 52:4، روضة الطالبين 36:3.
3- العزيز شرح الوجيز 5352:4، روضة الطالبين 36:3، المجموع 303:9.
4- العزيز شرح الوجيز 53:4، روضة الطالبين 36:3، المجموع 303:9.
5- العزيز شرح الوجيز 53:4، روضة الطالبين 36:3، المجموع 303:9.
6- الحفّ: المنسج. الصحاح 1344:4 «حفف».
البحث السابع: في خيار العيب و ما يتبعه.
مسألة 265: الأصل في البيع من الأعيان و الأشخاص السلامة عن العيوب، و الصحّة،

فإذا أقدم المشتري على بذل ماله في مقابلة تلك العين، فإنّما بنى إقدامه على غالب ظنّه المستند إلى أصالة السلامة، فإذا ظهر عيب سابق على العقد، وجب أن يتمكّن من التدارك، و ذلك بثبوت الخيار بين إمضاء البيع و فسخه.

إذا عرفت هذا، فإطلاق العقد أو شرط السلامة يقتضيان السلامة، فإن ظهر عيب سابق، كان للمشتري الخيار بين الفسخ و الإمضاء.

و الأصل فيه ما رواه الجمهور: أنّ رجلاً اشترى غلاماً في زمن رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) و كان عنده ما شاء اللّه ثمّ ردّه من عيب وجد به(1).

و من طريق الخاصّة: قول أحدهما (عليهما السّلام) في الرجل يشتري الثوب أو المتاع فيجد فيه عيباً، قال: «إن كان الثوب قائماً ردّه على صاحبه و أخذ الثمن، و إن كان الثوب قد قطع أو خِيط أو صبغ يرجع بنقصان العيب»(2).

إذا ثبت هذا، فالعيب هو الخروج عن المجرى الطبيعي إمّا لزيادة أو نقصان موجب لنقص الماليّة، كزيادة الإصبع و نقصانها.

مسألة 266: التدليس بما يختلف الثمن بسببه يوجب الخيار

و إن لم يكن عيباً، كتحمير الوجه و وصل الشعر و التصرية و أشباه ذلك؛ لما فيه من الضرر الناشئ بفقد ما ظنّه حاصلاً.

ص: 80


1- سنن ابن ماجة 754:2، 2243، سنن أبي داوُد 284:3، 3510، المستدرك للحاكم 15:2، مسند أحمد 118:7، 23993.
2- الكافي 207:5، 2، التهذيب 60:7، 258.

و كذا لو شرط وصفاً يتعلّق به غرض معقول و إن كان ضدّه أجود من الماليّة، فإنّ الخيار يثبت لو لم يخرج على الوصف، كما لو شرط العبد كاتباً أو خيّاطاً أو فحلاً.

أمّا لو شرط ما لا غرض للعقلاء فيه و لا تزيد به الماليّة، فإنّه لغو لا يوجب الخيار، و سيأتي تفصيل ذلك إن شاء اللّه تعالى.

مسألة 267: إذا وجد المشتري بالمبيع عيباً سابقاً على العقد و لم يحدث عنده عيب و لا تصرّف فيه، كان مخيّراً

بين فسخ البيع و الإمضاء بالأرش و به قال أحمد(1) لأنّه ظهر على عيب لم يقف على محلّه، فكان له المطالبة بالأرش، كما لو حدث عنده عيب. و لأنّ الثمن في مقابلة السليم، فإذا ظهر عيب، كان قد فات جزء من المبيع، فكان للمشتري المطالبة بما يقابله من الثمن؛ لأنّ الأرش في الحقيقة جزء من الثمن.

و قال الشافعي: لا يثبت له الأرش، بل يتخيّر بين الردّ و الإمساك بجميع الثمن؛ لحديث المصرّاة، فإنّ النبيّ (صلّى اللّه عليه و آله) جعل له الخيار بين الإمساك من غير أرش، أو الردّ؛ لأنّه قال: «إن رضيها أمسكها، و إن سخطها ردّها»(2) فثبت أنّه إذا أمسك لم يستحقّ شيئاً. و لأنّه يملك ردّه فلم يكن له المطالبة بجزء من الثمن، كما لو كان الخيار بالشرط(3).

و حديث المصرّاة نقول بموجَبه؛ لأنّ التصرية ليست عيباً و إن كانت تدليساً. و الأرش عندنا يثبت في العيب لا التدليس.

ص: 81


1- المغني 259:4، الشرح الكبير 9796:4.
2- سنن أبي داوُد 270:3، 3443.
3- المهذّب للشيرازي 291:1، العزيز شرح الوجيز 217:4 و 253، روضة الطالبين 121:3 و 126 و 140، المغني 260259:4، الشرح الكبير 97:4.

سلّمنا، لكنّه (عليه السّلام) لم يسقط عنه الأرش كما لم يثبته، على أنّ الحقّ: الأوّل. و خيار الشرط لا يوجب الأرش؛ لعدم فوات جزء من العين.

مسألة 268: لو تجدّد العيب بعد القبض في يد المشتري من غير تصرّف، فإن كان حيواناً، كان من ضمان البائع

إن تجدّد في ثلاثة أيّام الخيار، و في جذام الرقيق و برصه و جنونه إن تجدّد في السنة ما بين العقد و ظهوره. و إن كان غير حيوان، فلا ضمان على البائع و به قال مالك(1) لأنّ النبيّ (صلّى اللّه عليه و آله) جعل عهدة البيع ثلاثة أيّام(2) ، و أنّه إجماع أهل المدينة(3).

و من طريق الخاصّة: قول الصادق (عليه السّلام): «إن حدث بالحيوان قبل ثلاثة فهو من مال البائع»(4).

و لأنّ الحيوان قد يكون فيه العيوب ثمّ تظهر.

و أمّا عيوب السنة فقد وافقنا مالك(5) عليها؛ لأنّ الرضا (عليه السّلام) قال: «الخيار في الحيوان ثلاثة أيّام للمشتري، و في غير الحيوان أن يتفرّقا، و أحداث السنة تُردّ بعد السنة» قلت: و ما أحداث السنة ؟ قال: «الجنون و الجذام و البرص و القرن، فمن اشترى فحدث فيه هذه الأحداث فالحكم أن يردّ على صاحبه إلى تمام السنة من يوم اشتراه»(6).

ص: 82


1- التفريع 177:2، حلية العلماء 242:4، العزيز شرح الوجيز 218:4، المغني 262:4، الشرح الكبير 101:4.
2- سنن ابن ماجة 754:2، 2244، سنن أبي داوُد 284:3، 3506، سنن الدارمي 251:2، سنن البيهقي 324:5، المصنّف لابن أبي شيبة 227:14، 18175، مسند أحمد 151:5، 16934، و فيها «عهدة الرقيق» بدل «عهدة البيع».
3- كما في المغني 262:4، و الشرح الكبير 101:4.
4- الفقيه 127:3، 555، التهذيب 67:7، 288.
5- انظر: المصادر في الهامش (1).
6- الكافي 217216:5، 16، التهذيب 64:7، 274.

و قال الشافعي: إذا حدث العيب بعد القبض، لم يثبت به الخيار مطلقاً - و به قال أبو حنيفة لأنّه عيب ظهر في يد المشتري، فلا يثبت به خيار، كما لو كان بعد الثلاث أو السنة(1).

و الجواب: الفرق؛ فإنّ امتداد الخيار دائماً ممّا يضرّ البائع، فلا بدّ من ضبطه لئلاّ يتضرّر المشتري بإسقاطه.

مسألة 269: لو تجدّد العيب بعد العقد و قبل القبض، كان للمشتري ردّه؛

لأنّه مضمون في يد البائع، فكما لو تلفت الجملة كانت من ضمانه، كذا الأجزاء، و كما إذا كان العيب موجوداً حالة العقد و به قال الشافعي(2) لأنّ المبيع في يد البائع مضمون بالثمن، فكان النقص الموجود فيه كالنقص الموجود حالة العقد في إثبات الخيار.

و هل للمشتري الإمساك مع الأرش ؟ منع الشيخ منه و قال: ليس له مع اختيار الإمساك الأرش، بل إمّا أن يردّه أو يمسكه بجميع الثمن(3). و به قال الشافعي(4) ؛ لأنّه جعل هذا العيب بمنزلة الموجود، فلا يثبت به أمران، فإذا ثبت به الفسخ، لم يثبت به الأرش. و ادّعى الشيخ عدم الخلاف(5).

و الأقوى عندي: أنّ للمشتري المطالبة بالأرش مع الإمساك؛ لأنّه جزء من الثمن مقابل لما تلف قبل قبضه من المبيع، فكان له المطالبة به،

ص: 83


1- المهذّب للشيرازي 291:1، حلية العلماء 241:4، العزيز شرح الوجيز 218:4، روضة الطالبين 127:3، المغني 262:4، الشرح الكبير 101:4.
2- المهذّب للشيرازي 291:1، العزيز شرح الوجيز 217:4، روضة الطالبين 127126:3.
3- الخلاف 109:3، المسألة 178.
4- روضة الطالبين 140:3، المغني 259:4، الشرح الكبير 97:4.
5- انظر: الخلاف 109:3، المسألة 178.

كالجميع.

مسألة 270: لو تراضى البائع و المشتري على أخذ الأرش و الإمساك، قال الشيخ: يجوز

(1) . و هو الحقّ عندنا؛ لأنّه يثبت من غير الصلح فمعه أولى. و احتجّ الشيخ بعموم قوله (عليه السّلام): «الصلح جائز بين المسلمين إلّا ما أحلّ حراماً أو حرّم حلالاً»(2) و هو أحد وجهي الشافعيّة، و به قال أبو حنيفة؛ لأنّه إذا تعذّر الردّ يثبت الأرش، فجاز أن يثبت الأرش بتراضيهما، كخيار وليّ القصاص.

و الثاني: لا يجوز؛ لأنّه خيار ثبت لفسخ البيع، فلا يجوز التراضي به على مال، كخيار المجلس و الشرط. و على تقدير الصحّة يستحقّ الأرش، و يسقط الردّ، و على تقدير عدمها لا يجب الأرش(3).

و في سقوط الردّ له وجهان: السقوط؛ لأنّ صلحه تضمّن رضاه بالمبيع. و عدمُه - و هو الصحيح عندهم لأنّه رضي بالمبيع لحصول الأرش، فإذا لم يثبت له لم يسقط خياره(4).

و هذان الوجهان عندهم في خيار الشفعة إذا صالح عنه على عوض(5).

مسألة 271: لو كان العيب بعد القبض لكن سببه سابق على العقد أو على القبض،

كما لو اشترى عبداً جانياً أو مرتدّاً أو محارباً، فإن قُتل قبل

ص: 84


1- الخلاف 109:3، المسألة 178.
2- سنن ابن ماجة 788:2، 2353، سنن أبي داوُد 304:3، 3594، سنن الترمذي 635:3، 1352، سنن البيهقي 65:6.
3- المهذّب للشيرازي 291:1، حلية العلماء 239:4، روضة الطالبين 140:3.
4- المهذّب للشيرازي 291:1، حلية العلماء 239:4، روضة الطالبين 140:3.
5- حلية العلماء 239:4.

القبض، انفسخ البيع إجماعاً. و إن كان بعد القبض، فإن كان المشتري جاهلاً بحاله، فله الأرش؛ لأنّ القبض سلطة على التصرّف، فيدخل المبيع في ضمانه، و تعلُّق القتل برقبته كعيب من العيوب، فإذا هلك، رجع على البائع بالأرش، و هو نسبته ما بين قيمته مستحقّاً للقتل و غير مستحقٍّ من الثمن، و هو أحد قولي الشافعي.

و أصحّهما: أنّه من ضمان البائع و به قال أبو حنيفة لأنّ التلف حصل بسببٍ كان في يده، فأشبه ما لو باع عبداً مغصوباً فأخذه المستحقّ، فحينئذٍ يرجع المشتري عليه بجميع الثمن(1).

و الأوّل أولى. و الفرق بينه و بين المغصوب ظاهر، و هو ثبوت الملك في المتنازع دون صورة النقض. و يبتنى على الوجهين مئونة تجهيزه(2) من الكفن و الدفن و غيرهما. فعلى ما قلناه يكون على المشتري، و على ما قاله الشافعي و أبو حنيفة يكون على البائع(3).

و لو كان المشتري عالماً بالحال أو تبيّن له بعد الشراء و لم يردّ، لم يرجع بشيء، كما في غيره من العيوب.

و على قول الشافعي و أبي حنيفة وجهان:

أحدهما: أنّه يرجع بجميع الثمن إتماماً للتشبيه بالاستحقاق.

و أصحّهما عند جمهور الشافعيّة: أنّه لا يرجع بشيء؛ لدخوله في العقد على بصيرة، أو إمساكه مع العلم بحاله، و ليس هو كظهور الاستحقاق من كلّ وجه، و لو كان كذلك، لم يصحّ بيعه البتّة(4).3.

ص: 85


1- العزيز شرح الوجيز 218:4، روضة الطالبين 127:3.
2- في «ق، ك» و الطبعة الحجريّة: «موته و تجهيزه». و الصحيح ما أثبتناه.
3- العزيز شرح الوجيز 218:4، روضة الطالبين 127:3.
4- العزيز شرح الوجيز 219218:4، روضة الطالبين 127:3.

و كذا لو اشترى عبداً وجب عليه القطع بسرقة أو قصاص، فإنّه يصحّ إجماعاً، بخلاف صورة الجاني؛ فإنّ فيه خلافاً، فإذا قبضه المشتري ثمّ قُطع في يده، فعلى ما اخترناه إذا كان المشتري جاهلاً، لم يكن له الردّ؛ لكون القطع من ضمانه، بل يرجع بالأرش، و هو ما بين قيمته مستحَقّاً للقطع و غير مستحقٍّ من الثمن، و هو أحد قولي الشافعي.

و على الثاني: له الردّ و استرجاع جميع الثمن، كما لو قُطع في يد البائع. و لو تعذّر الردّ بسبب، فالنظر في الأرش على هذا الوجه إلى التفاوت بين العبد السليم و الأقطع(1).

و إن كان المشتري عالماً، فليس له الردّ و لا الأرش.

مسألة 272: يسقط الردّ و الأرش معاً بعلم المشتري بالعيب
اشارة

قبل العقد و كذا بعده بشرط إسقاطهما و تبرّي البائع من العيوب حالة العقد مجملةً أو مفصّلةً مع علمه بالعيب و جهله و يسقط الردّ خاصّة بتصرّف المشتري في السلعة قبل العلم بالعيب أو بعده أو حدوث عيبٍ آخر عند المشتري من جهته أو من غير جهته إذا لم يكن حيواناً في مدّة الخيار، و يثبت له الأرش في هذه الصور خاصّة. و لو كان العيب الحادث قبل القبض، لم يمنع الردّ مطلقاً لأنّ علمه بالعيب و رضاه به دليل على انتفاء الغرر، فيسقط الخيار. و كذا إسقاط حكم العيب بعد العلم به.

و أمّا تبرّي البائع من العيوب فإنّه مسقط للردّ و الأرش معاً عند علمائنا أجمع، سواء كان المبيع حيواناً أو لا، و سواء علم البائع بالعيب أو لا، و سواء فصّلها أولا، و سواء كان العيب باطناً أو لا و به قال أبو حنيفة

ص: 86


1- العزيز شرح الوجيز 219:4، روضة الطالبين 128:3.

و الشافعي في أحد أقواله(1) لما رواه الجمهور عن النبيّ (صلّى اللّه عليه و آله) أنّه قال: «المؤمنون عند شروطهم»(2).

و عن أُمّ سلمة أنّ رجلين اختصما في مواريث قد درست إلى رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله)، فقال النبيّ (صلّى اللّه عليه و آله): «استهما و توخّيا و ليحلّل أحدكما صاحبه»(3) و هو يدلّ أنّ البراءة من المجهول جائزة.

و من طريق الخاصّة: قول الصادق (عليه السّلام): «المسلمون عند شروطهم إلا كلّ شرط خالف كتاب اللّه عزّ و جلّ فلا يجوز»(4).

و لأنّه إسقاط حقٍّ، فيصحّ في المجهول، كالطلاق و العتاق. و لأنّ خيار العيب إنّما يثبت لاقتضاء مطلق العقد السلامة، فإذا صرّح بالبراءة، فقد ارتفع الإطلاق.

و القول الثاني للشافعي: أنّه لا يبرأ البائع بالتبرّي من كلّ العيوب إلّا من عيبٍ واحد، و هو العيب الباطن في الحيوان إذا لم يعلمه، فأمّا إذا علمه أو كان ظاهراً علمه أو لم يعلمه، أو كان بغير الحيوان، فإنّه لا يبرأ منه - و به قال مالك، و هو الصحيح عندهم لأنّ عبد اللّه بن عمر باع عبداً من زيد بن3.

ص: 87


1- المبسوط للسرخسي 91:13، الهداية للمرغيناني 41:3، الاختيار لتعليل المختار 31:2، مختصر اختلاف العلماء 142:3، 1215، الاُم 70:3، المهذّب للشيرازي 295:1، حلية العلماء 282:4، التهذيب للبغوي 474:3، الحاوي الكبير 271:5 و 272، العزيز شرح الوجيز 243:4، روضة الطالبين 133:3، المحلّى 41:9.
2- الحاوي الكبير 272:5، العزيز شرح الوجيز 243:4، الذخيرة 24:5، المغني 384:4، الشرح الكبير 54:4، الجامع لأحكام القرآن 33:6.
3- مسند أحمد 451:7، 26177، المصنّف لابن أبي شيبة 234233:7، 3016، و 269:14، 18338، سنن البيهقي 66:6، المغني 280:4.
4- الفقيه 127:3، 553، التهذيب 22:7، 93.

ثابت بشرط البراءة بثمانمائة درهم(1) فأصاب به عيباً فأراد ردّه على ابن عمر فلم يقبله، فارتفعا إلى عثمان، فقال عثمان لابن عمر: أ تحلف أنّك لم تعلم بهذا العيب ؟ فقال: لا قدرة لي عليه، فردّه عليه، فباعه ابن عمر بألف درهم و لم ينكر عليه أحد(2).

و فعْلُ عثمان لا حجّة فيه.

و القول الثالث للشافعي: أنّه لا يبرأ البائع من شيء من العيوب البتّة بالتبرّي - و هو إحدى الروايتين عن أحمد لأنّه خيار ثابت بالشرع، فلا ينتفي بالشرط، كسائر مقتضيات العقد. و لأنّ البراءة من جملة المرافق فلتكن معلومةً، كالرهن و الكفيل، و العيوب المطلقة مجهولة(3).

و الكبرى في الأوّل ممنوعة. و الفرق بين الرهن و الكفيل و بين المتنازع أنّ الحاجة تدعو إليه هنا، بخلاف الرهن و الضمين.

و عن أحمد رواية اخرى: أنّه يبرأ من كلّ عيب لم يعلمه في الحيوان و غيره، و لا يبرأ من كلّ عيب يعلمه في الحيوان و غيره(4) ؛ لأنّ كتمان المعلوم تلبيس.

و لبعض الشافعيّة طريقة اخرى عن الشافعي: أنّه يبرأ في الحيوان من4.

ص: 88


1- في «ق، ك» و الطبعة الحجريّة: «بمائتي درهم». و ما أثبتناه من بعض المصادر في الهامش التالي.
2- المهذّب للشيرازي 295:1، الحاوي الكبير 272:5 و 273، التهذيب للبغوي 274:3، العزيز شرح الوجيز 243:4، روضة الطالبين 133132:3، المدوّنة الكبرى 349:4، المغني 280:4، الشرح الكبير 67:4، المحلّى 4241:9، مختصر اختلاف العلماء 142:3، 1215.
3- الحاوي الكبير 272:5، التهذيب للبغوي 274:3، العزيز شرح الوجيز 243:4، روضة الطالبين 133:3، المغني 279:4، الشرح الكبير 67:4.
4- المغني 280:4، الشرح الكبير 67:4، العزيز شرح الوجيز 243:4.

غير المعلوم دون المعلوم، و لا يبرأ في غير الحيوان من المعلوم، و في غير المعلوم قولان(1).

و أثبت بعضهم طريقة رابعة، و هي: ثلاثة أقوال في الحيوان و غيره، ثالثها: الفرق بين المعلوم و غير المعلوم(2).

فروع:

أ لو قال: بعتك بشرط أن لا تردّ بالعيب، جرى فيه هذا الاختلاف.

و قال بعض الشافعيّة: إنّه فاسد قطعاً يُفسد العقد(3).

و الأقرب: أنّه إن قصد إسقاط الخيار، لزم البيع.

ب لو عيّن بعض العيوب و شرط البراءة عنه، صحّ، و برئ ممّا عيّنه خاصّة.

و قال الشافعي: إن كان العيب خفيّاً لا يشاهد، مثل أن يشرط البراءة من الزنا و السرقة و الإباق، برئ منها إجماعاً؛ لأنّ ذكرها إعلام و اطّلاع عليها. و إن كان ممّا يشاهد كالبرص فإن أراه قدره و موضعه، برئ أيضاً. و إن لم يره، فهو كشرط البراءة مطلقاً؛ لتفاوت الأغراض باختلاف قدره و موضعه(4).

ج ما لا يعرفه البائع و يريد البراءة عنه لو كان، يصحّ البراءة منه على ما تقدّم.

و للشافعي ما تقدّم من الخلاف في الأقوال.

فعلى البطلان في العقد وجهان للشافعيّة: البطلان، كسائر الشروط

ص: 89


1- العزيز شرح الوجيز 244:4، روضة الطالبين 133:3.
2- العزيز شرح الوجيز 244:4، روضة الطالبين 133:3.
3- العزيز شرح الوجيز 244:4، روضة الطالبين 133:3.
4- العزيز شرح الوجيز 244:4، روضة الطالبين 133:3.

الفاسدة. و أظهرهما عندهم: الصحّة؛ لاشتهار القصّة المذكورة بين الصحابة في قضيّة ابن عمر. و لأنّه شرط يؤكّد العقد و يوافق ظاهر الحال، و هو السلامة عن العيوب.

و على الصحّة فذلك في العيوب الموجودة عند العقد، أمّا الحادث بعده و قبل القبض فيجوز الردّ به(1).

د لو شرط البراءة عن العيوب الكائنة و التي تحدث، جاز عندنا؛ عملاً بعموم «المؤمنون عند شروطهم»(2).

و للشافعيّة وجهان أصحّهما عندهم: أنّه فاسد(3).

فإن أفرد ما يستحدث بالشرط، فهو بالفساد أولى عندهم(4).

و الأولى عندنا: الصحّة.

لا يقال: التبرّي ممّا لم يوجد يستدعي البراءة ممّا لم يجب، و هو باطل.

لأنّا نقول: التبرّي إنّما هو من الخيار الثابت بمقتضى العقد لا من العيب.

ه ما مأكوله في جوفه من الجوز و البطّيخ لو تبرّأ من العيوب فيه، صحّ عندنا؛ عملاً بالشرط.

و هل يلحق بالحيوان ؟ عند الشافعيّة قولان:

أحدهما: نعم، فيجوز التبرّي من عيوبه الخفيّة الباطنة غير المعلومة.3.

ص: 90


1- العزيز شرح الوجيز 244:4، روضة الطالبين 133:3.
2- التهذيب 371:7، 1503، الاستبصار 232:3، 835، الجامع لأحكام القرآن 33:6.
3- العزيز شرح الوجيز 244:4، روضة الطالبين 133:3.
4- العزيز شرح الوجيز 244:4، روضة الطالبين 133:3.

و الثاني و هو الأشهر بينهم -: لا، لتبدّل أحوال الحيوان، فإنّه يغتذي في الصحّة و السقم و تتحوّل(1) طباعه، فالغالب فيه وجود العيب في باطنه، فلهذا جوّز التبرّي من عيوبه، بخلاف البطّيخ، فإنّ الأكثر فيه السلامة(2).

و إذا شرط البراءة، صحّ، فإن حدث عند البائع فيه عيب قبل القبض، فإن عمّم التبرّي من العيوب التي يدخل فيها المتجدّد، صحّ. و إن خصّص بالثابت، لم يبرأ. و إن أطلق، فالأقرب: الانصراف إلى الثابت حالة العقد، و به قال الشافعي(3).

و كذا لو عمّم، لم يدخل عنده؛ لأنّه إسقاط للحقّ قبل ثبوته، و إبراء ممّا لا يجب عليه.

و قال أبو يوسف: يبرأ منه؛ لأنّ الشرط أسقط ذلك، و قد وُجد في حال سبب وجوب الحقّ، فصار كما لو وُجد بعد ثبوته(4).

ز ينبغي للبائع إعلام المشتري بالعيب إذا أراد التبرّي، أو ذكر العيوب مفصّلةً و التبرّي منها؛ لأنّه أبعد من الغشّ، فإن أجمل البراءة من كلّ عيب، صحّ، و لزم على ما تقدّم.

مسألة 273: تصرّف المشتري كيف كان يُسقط الردّ بالعيب السابق

عند علمائنا - و به قال أبو حنيفة(5) لأنّ تصرّفه فيه رضا منه به على الإطلاق، و لو لا ذلك كان ينبغي له الصبر و الثبات حتى يعلم حال صحّته و عدمها.

ص: 91


1- في الطبعة الحجريّة: «فتتحوّل».
2- العزيز شرح الوجيز 244:4، روضة الطالبين 133:3.
3- انظر: العزيز شرح الوجيز 244:4، و روضة الطالبين 133:3.
4- الاختيار لتعليل المختار 31:2.
5- بدائع الصنائع 270:5، الشرح الكبير 103:4.

و لقول الباقر (عليه السّلام): «أيّما رجل اشترى شيئاً و به عيب أو عوار لم يتبرّأ إليه و لم يبرأ فأحدث فيه بعد ما قبضه شيئاً و علم بذلك العوار و بذلك العيب أنّه يمضي عليه البيع، و يردّ عليه بقدر ما ينقص من ذلك الداء و العيب من ثمن ذلك لو لم يكن به»(1).

و قال الصادق (عليه السّلام): «أيّما رجل اشترى جارية فوقع عليها فوجد بها عيباً لم يردّها، و ردّ البائع عليه قيمة العيب»(2).

و قال الشافعي: لا يسقط الردّ؛ للأصل(3). و ليس بشيء.

إذا ثبت هذا، فإنّ الأرش لا يسقط بتصرّف المشتري، سواء تصرّف قبل العلم بالعيب أو بعده، و ليس تصرّفه فيه مؤذناً برضاه به مجّاناً. نعم، يدلّ على رضاه بترك الردّ، و لما تقدّم من الأحاديث.

مسألة 274: إذا اشترى أمةً ثيّباً فوطئها قبل العلم بالعيب ثمّ علم به، لم يكن له الردّ،

بل الأرش خاصّة و به قال عليّ (عليه السّلام) و الزهري و الثوري و أبو حنيفة(4) لما تقدّم.

و لقول الصادق (عليه السّلام) في رجل اشترى جاريةً فوقع عليها، قال: «إن وجد بها عيباً فليس له أن يردّها و لكن [يردّ(5)] عليه بقدر ما نقّصها العيب» قال: قلت: هذا قول عليّ (عليه السّلام)؟ قال: «نعم»(6).

ص: 92


1- الكافي 207:5، 3، التهذيب 60:7، 257.
2- التهذيب 60:7، 260.
3- الحاوي الكبير 261:5.
4- العزيز شرح الوجيز 276:4، المغني 259:4، الشرح الكبير 98:4، المحلّى 77:9، الحاوي الكبير 246:5، المبسوط للسرخسي 95:13، بداية المجتهد 182:2.
5- أضفناها من المصدر.
6- الكافي 215214:5، 5، التهذيب 61:7، 262.

و لأنّ الوطء يجري مجرى الجناية؛ لأنّه لا يخلو في ملك الغير من عقوبة أو مال، فوجب أن يمنع الردّ، كما لو كانت بكراً.

و قال الشافعي: يردّها و لا يردّ معها شيئاً و به قال مالك و أبو ثور و عثمان البتّي و أحمد في إحدى الروايتين، و رواه أبو علي الطبري عن زيد ابن ثابت لأنّه معنى لا ينقص من عينها و لا من قيمتها، و لا يتضمّن الرضا بالعيب، فلا يمنع الردّ، كوطي الزوج، و الخدمة(1).

و الجواب: المنع من ثبوت الحكم في الأصل و من عدم النقص في القيمة.

و قال ابن أبي ليلى: يردّها و يردّ معها مهر مثلها و هو مرويّ عن عمر لأنّه إذا فسخ العقد صار واطئاً في ملك البائع، فلزمه المهر(2).

و هو باطل؛ لأنّ الردّ بالعيب فسخ للعقد في الحال، و لهذا لا يجب ردّ النماء و لا يبطل الشفعة، فيكون وطؤه قد صادف ملكه، فلا ضمان.

مسألة 275: و لو كانت الأمة بكراً فافتضّها، لم يكن له ردّها بالعيب السابق،

و يثبت له الأرش، و به قال الشافعي أيضاً و أبو حنيفة(3).

أمّا عندنا: فلما مرّ من أنّ التصرّف يمنع الردّ.

و أمّا عند الشافعي: فلأنّ البكارة قد ذهبت، و ذلك نقصان من عينها،

ص: 93


1- المهذّب للشيرازي 292:1، الحاوي الكبير 246:5، العزيز شرح الوجيز 276:4، روضة الطالبين 150:3، المغني 259:4، الشرح الكبير 98:4، المحلّى 77:9، المبسوط للسرخسي 95:13، بداية المجتهد 182:2.
2- الحاوي الكبير 246:5، المغني 259:4، الشرح الكبير 98:4.
3- مختصر المزني: 83، الحاوي الكبير 247:5، العزيز شرح الوجيز 277:4، روضة الطالبين 150:3، المبسوط للسرخسي 95:3، المغني 260:4، الشرح الكبير 99:4.

كما لو اشترى عبداً فخصاه ثمّ وجد به عيباً، فإنّه لا يردّه و إن زادت قيمته بذلك لنقصان عينه. و كذا لو اشترى ذا إصبع زائدة فقطعها(1).

و قال مالك: يردّها و يردّ أرش البكارة. و هو إحدى الروايتين عن أحمد(2) ، بناءً على أنّ العيب لا يمنع من الردّ.

مسألة 276: قد بيّنّا أنّ التصرّف من المشتري يمنع من الردّ بالعيب السابق مطلقاً،
اشارة

إلّا في صورتين:

إحداهما: وطؤ المشتري الجارية الحامل قبل البيع، فإنّه يردّها و يردّ معها نصف عُشْر قيمتها، فلو تصرّف في الحامل بالاستخدام و غيره من العقود الناقلة و غيرها بدون الوطي أو معه، لم يكن له الردّ، و كان له الأرش.

و لو وطئ و كان العيب غير الحبل السابق(3) ، لم يكن له الردّ أيضاً، بل كان له الأرش، فالضابط اختصاص العيب بالحبل أو(4) التصرّف بالوطي؛ لأنّ ابن سنان سأل الصادقَ (عليه السّلام) عن رجل اشترى جاريةً و لم يعلم بحبلها فوطئها، قال: «يردّها على الذي ابتاعها منه، و يردّ عليه نصف عُشْر قيمتها لنكاحه إيّاها و قد قال عليّ (عليه السّلام): لا تردّ التي ليست بحبلى إذا وطئها صاحبها، و يوضع عنه من ثمنها بقدر عيب إن كان فيها»(5).

فروع:

أ نصف العُشْر يجب لو كانت ثيّباً، أمّا لو حملت البكر من السحق

ص: 94


1- انظر: الحاوي الكبير 247:5، و العزيز شرح الوجيز 277:4، و المغني 260:4، و الشرح الكبير 99:4.
2- المغني 260:4، الشرح الكبير 99:4.
3- كلمة «السابق» لم ترد في «ق، ك».
4- في «ق، ك»: «و» بدل «أو».
5- الكافي 214:5، 2، التهذيب 6261:7، 266.

ثمّ اشتراها و وطئها بكراً ثمّ ظهر سبق الحبل(1) على البيع، فإنّه يردّها أيضاً. و الأقرب: أنّه يردّ معها عُشْر قيمتها؛ لأنّ الشارع قد ضبط أرش البكارة بنصف العُشْر. و عليه تُحمل الرواية عن عبد الملك بن عمرو عن الصادق (عليه السّلام) في الرجل يشتري الجارية و هي حبلى فيطؤها، قال: «يردّها و يردّ عُشْر ثمنها إذا كانت حبلى»(2).

و يحتمل نصف العُشْر؛ لعموم الأحاديث الشاملة للثيّب و البكر.

و يحتمل عدم الردّ؛ لفوات جزء من العين و هو البكارة، و تعيّب الجارية بذهاب العذرة، و ليس ذلك عيب الحبل(3).

ب لا فرق بين الوطي في القُبُل و الدُّبُر، فإنّ له الردّ فيهما، و يردّ معها نصف العُشْر؛ لأنّ الوطء في الدُّبر مساوٍ له في القُبُل في إيجاب جميع المهر.

ج لو وطئ البكر في الدُّبُر و وجدها حاملاً، كان له الردّ هنا قطعاً؛ لعدم الجناية بغير الوطي، و يردّ هنا نصف العُشْر؛ لسلامة البكارة.

الصورة الثانية: الشاة المصرّاة، فإذا اشترى شاةً و حلبها ثمّ وجدها مصرّاةً، كان له الردّ بعد ثلاثة أيّام و حلب اللبن منها، فلو كان العيب غير التصرية أو كان التصرّف بغير الحلب، سقط الردّ، و لا أرش؛ لأنّه ليس عيباً.

مسألة 277: التصرية هي جمع اللبن في الضرع،

مشتقّة من الصري، و هو الجمع، يقال: صري الماء في الحوض. و كذا قوله (عليه السّلام): «من ابتاع محفَّلةً»(4) و هي أيضاً من الجمع، و لهذا سُمّي اجتماع الناس محافل.

ص: 95


1- في الطبعة الحجريّة: «الحمل» بدل «الحبل».
2- التهذيب 62:7، 268، الاستبصار 81:3، 274.
3- قوله: «و يحتمل عدم الردّ.. عيب الحمل» لم يرد في «ق».
4- سنن أبي داوُد 271:3، 3446، سنن النسائي 254:7، مسند أحمد 490:2، 7333.

فإذا جمع الرجل اللبن في الضرع ليبيعها و يدلّس بذلك كثرة لبنها، لم يجز؛ لأنّه غشّ، فإذا باعها(1) مصرّاةً ثمّ ظهر المشتري على تصريتها، ثبت له الخيار بين الردّ و الإمساك و به قال عبد اللّه بن مسعود و ابن عمر و أبو هريرة و أنس و الشافعي و مالك و الليث و ابن أبي ليلى و أحمد و إسحاق و أبو يوسف و زفر(2) لأنّ النبيّ (صلّى اللّه عليه و آله) قال: «لا تصرّوا الإبل و الغنم للبيع، فمن ابتاعها بعد ذلك فهو بخير النظرين بعد أن يحلبها، إن رضيها أمسكها، و إن سخطها ردّها و صاعاً من تمر»(3).

و قال أبو حنيفة: لا يثبت بذلك خيار؛ لأنّ نقصان اللبن ليس بعيب، و لهذا لو وجدها ناقصة اللبن عن أمثالها، لم يثبت الخيار له، و التدليس [بما ليس(4)] بعيب لا يثبت الخيار، كما لو علفها حتى انتفخ جوفها فظنّها المشتري حاملاً(5).

و يبطل بالخبر، و أنّه تدليس بما يختلف الثمن لاختلافه، فوجب به2.

ص: 96


1- في الطبعة الحجريّة: «باع» بدل «باعها».
2- المغني 253252:4، الشرح الكبير 89:4، المحلّى 6766:9، المهذّب - للشيرازي 289:1، التنبيه في الفقه الشافعي: 94، الحاوي الكبير 236:5، حلية العلماء 226:4، التهذيب للبغوي 421:3، العزيز شرح الوجيز 229:4، روضة الطالبين 129:3، بداية المجتهد 175:2، الاستذكار 86:21، 30559 30561، مختصر اختلاف العلماء 59:3، 1139.
3- صحيح البخاري 9392:3، صحيح مسلم 1155:3، 11، سنن أبي داوُد 270:3، 3443، سنن البيهقي 318:5.
4- أضفناها لأجل السياق من المغني و الشرح الكبير.
5- المغني 253:4، الشرح الكبير 89:4، حلية العلماء 226:4، التهذيب للبغوي 422421:3، الحاوي الكبير 237236:5، العزيز شرح الوجيز 229:4، بداية المجتهد 175:2.

الردّ، كما لو كانت شمْطاء(1) فسوّد شعرها. و ما ذكره يبطل أيضاً ببياض الشعر، فإنّه ليس بعيب ككبر السن إذا دلّس بتسويده. و انتفاخ البطن لا ينحصر في الحبل، فقد يكون لكثرة الأكل و الشرب، فلا معنى لحملة على الحمل.

إذا ثبت هذا، فإنّ التصرية تدليس يوجب الخيار عندنا، و ليست عيباً. و قال الشافعي: إنّها عيب(2). و منعهما معاً أبو حنيفة(3).

مسألة 278: و تختبر التصرية بثلاثة أيّام،
اشارة

و يمتدّ الخيار بامتدادها كما في الحيوانات؛ للخبر(4) ؛ لأنّ الشارع وضع هذه الثلاثة لمعرفة التصرية، فإنّه لا يعرف ذلك قبل مضيّها؛ لجواز استناد كثرة اللبن إلى الأمكنة، فإنّها تتغيّر، أو إلى اختلاف العلف، فإذا مضت ثلاثة أيّام، ظهر ذلك، و يثبت له الخيار حينئذٍ على الفور.

و لا يثبت الخيار بالتصرية قبل انقضائها؛ لعدم العلم بالتصرية و إن ثبت خيار الحيوان، و هو قول أبي إسحاق(5) من الشافعيّة.

و قال أبو علي بن أبي هريرة منهم: مدّة الثلاثة المذكورة في الخبر إنّما تثبت بشرطه(6) ، و لا تثبت بالتصرية، فإذا استبان، ثبت له الخيار

ص: 97


1- الشمط: بياض شعر الرأس يخالط سواده. و المرأة: شمطاء. الصحاح 1138:3 «شمط».
2- الاُمّ 68:3، الحاوي الكبير 237:5، بداية المجتهد 175:2.
3- انظر: المصادر في الهامش (1).
4- صحيح مسلم 1158:3، 24 و 25، سنن أبي داوُد 270:3، 3444، سنن الترمذي 554553:3، 1252، سنن البيهقي 320:5، سنن الدارقطني 74:3، 279، مسند أحمد 304:3، 10208.
5- حلية العلماء 226:4، الحاوي الكبير 240:5.
6- أي: بشرط الخيار.

على الفور(1).

و منهم مَنْ قال: إذا وقف على التصرية فيما دون الثلاثة، ثبت له الخيار فيها إلى تمامها(2). كما اخترناه نحن، و ذكر القاضي أبو حامد في جامعه أنّ الشافعي نصّ عليه في اختلاف أبي حنيفة و ابن أبي ليلى(3).

فروع:

أ لو عرف التصرية قبل ثلاثة أيّام بإقرار البائع أو بشهادة الشهود، ثبت له الخيار إلى تمام الثلاثة أيّام؛ لأنّه كغيره من الحيوان. أمّا لو أسقط خيار الحيوان، فإنّ خيار التصرية لا يسقط.

و هل يمتدّ إلى الثلاثة، أو يكون على الفور؟ إشكال. و للشافعيّة وجهان(4).

ب ابتداء هذه الثلاثة من حين العقد لا من حين التفرّق، كما قلنا في خيار المجلس. و للشافعيّة وجهان(5).

ج لو عرف التصرية في آخر الثلاثة أو بعدها، فالأقرب

ص: 98


1- العزيز شرح الوجيز 230:4.
2- المهذّب للشيرازي 289:1، التهذيب للبغوي 428:3، الحاوي الكبير 240:5.
3- انظر: الخلاف للطوسي 103:3، المسألة 168، و المغني 255:4، و الشرح الكبير 94:4.
4- التهذيب للبغوي 428:3، العزيز شرح الوجيز 230:4، روضة الطالبين 129:3.
5- العزيز شرح الوجيز 230:4، روضة الطالبين 130:3.

ثبوت الخيار؛ لأنّه عيب سابق. و التنصيص على الثلاثة بناء على الغالب، و هو قول بعض الشافعيّة القائلين بامتداد الخيار إلى ثلاثة؛ لامتناع مجاوزة الثلاثة كما في خيار الشرط. و على القول الثاني يثبت على الفور(1).

د لو علم أنّها مصرّاة فاشتراها كذلك، فلا خيار له؛ لإقدامه على العيب، و انتفاء التدليس في طرفه، فلا وجه لثبوت الخيار له، كما في غيرها من العيوب، و هو أحد قولي الشافعيّة.

و الثاني: يثبت له الخيار؛ لظاهر الخبر(2). و لأنّ انقطاع اللبن لم يوجد و قد يبقى على حاله فلم يجعل ذلك رضا به، كما إذا تزوّجت بعنّين ثمّ طالبت بالفسخ، ثبت؛ لجواز أن لا يكون عنّيناً عليها(3).

و ليس بشيء، و الأصل ممنوع.

مسألة 279: و تثبت التصرية في الشاة إجماعاً،

و الأقرب: ثبوتها في البقرة و الناقة و به قال الشافعي و غيره(4) ممّن أثبت الخيار، إلّا داوُد (5)

ص: 99


1- الحاوي الكبير 240:5، العزيز شرح الوجيز 230:4، روضة الطالبين 130:3.
2- تقدّمت الإشارة إلى مصادره في ص 97، الهامش (5).
3- التهذيب للبغوي 428:3، الحاوي الكبير 241240:5، حلية العلماء 231:4، العزيز شرح الوجيز 230:4، روضة الطالبين 130:3، المغني 253:4، الشرح الكبير 90:4.
4- المهذّب للشيرازي 289:1، التهذيب للبغوي 421:3 و 428، حلية العلماء 225:4، الحاوي الكبير 241:5، العزيز شرح الوجيز 221:4، روضة الطالبين 129:3، المغني 256:4، الشرح الكبير 92:4.
5- حلية العلماء 226:4، المغني 256:4، الشرح الكبير 92:4.

لأنّ النبيّ (صلّى اللّه عليه و آله) قال: «لا تصرّوا الإبل و الغنم»(1) و في روايةٍ: «مَنْ باع مُحفّلةً»(2) و لم يفصّل. و لأنّه تدليس بتصرية، فأشبه الإبل و الغنم.

و قال داوُد: تثبت التصرية في الشاة و الناقة، دون البقرة؛ لأنّ النبيّ (صلّى اللّه عليه و آله) قال: «لا تصرّوا الإبل و الغنم»(3) و لم يذكر البقرة(4).

و ينتقض بالخبر الآخر(5) ، و عدم الذكر لا يدلّ على العدم خصوصاً و البقر لبنها أغزر و أكثر نفعاً من الإبل و الغنم، فالخبر يدلّ عليها بالتنبيه.

مسألة 280: و لا تثبت التصرية في غير الثلاثة المذكورة

في الخبر: الإبل و البقر و الغنم عند علمائنا؛ لأصالة لزوم البيع. و لأنّ لبن ما عداها غير مقصود، و هو أحد وجهي الشافعيّة، و الثاني لهم: أنّه غير مختصّ بالأنعام، بل هو ثابت في جميع الحيوانات المأكولة(6).

و لو اشترى أتاناً فوجدها مصرّاة، فلا خيار له؛ لأنّه ليس عيباً، و لا يُعدّ تدليساً؛ إذ المقصود لذاته ظَهْرها، و لا مبالاة بلبنها، و هو أضعف وجهي الشافعيّة.

ص: 100


1- صحيح البخاري 92:3، صحيح مسلم 1155:3، 11، سنن أبي داوُد 270:3، 3443، سنن النسائي 253:7، سنن الدارقطني 75:3، 283، سنن البيهقي 321320:5، مسند أحمد 131:3، 9055، المعجم الكبير للطبراني 419:12، 13545.
2- سنن ابن ماجة 753:2، 2240، سنن البيهقي 319:5.
3- صحيح البخاري 92:3، صحيح مسلم 1155:3، 11، سنن أبي داوُد 270:3، 3443، سنن النسائي 253:7، سنن الدارقطني 75:3، 283، سنن البيهقي 321320:5، مسند أحمد 131:3، 9055، المعجم الكبير للطبراني 419:12، 13545.
4- تقدّمت الإشارة إلى مصادره في ص 99، الهامش (6).
5- و هو قوله (عليه السّلام): «مَنْ باع محفّلةً» المتقدّم آنفاً.
6- التهذيب للبغوي 428:3، منهاج الطالبين: 102، الحاوي الكبير 242241:5، العزيز شرح الوجيز 232:4، روضة الطالبين 131:3.

و الأصح عندهم: أنّه يثبت له الردّ؛ لأنّه مقصود لتربية الجَحْش(1).

و هل يردّ معها شيئاً؟ مبنيّ على طهارة لبنها.

فعلى قول أكثرهم هو نجس، و لا يردّ معه شيئاً.

و قال الإصطخري منهم: إنّه طاهر، فيردّ معها ما يردّ مع الشاة(2).

و لو اشترى جاريةً فوجدها مصرّاة، فلا خيار له عندنا؛ لأنّ لبنها غير مقصود غالباً إلّا على ندور، فإنّ اللبن في الآدميّات غير مقصود بالذات، و هو أحد وجهي الشافعيّة.

و أصحّهما عندهم: أنّه يثبت به الخيار؛ لأنّ غزارة ألبان الجواري مطلوبة في الحضانة، مؤثّرة في القيمة، و يختلف ثمنها بذلك. و لأنّه إذا كثر لبنها حسن بدنها، فكان تدليساً(3).

و ليس بشيء؛ لندوره.

و على تقدير الردّ هل يردّ معها شيئاً؟ وجهان للشافعيّة:

أحدهما: يردّ؛ لأنّ اللبن فيها مقصود، و لهذا يثبت الردّ، فيردّ صاعاً من تمر.

و الثاني: لا يردّ شيئاً؛ لأنّ لبن الآدميّات لا يباع عادةً، و لا يعتاض عنه غالباً(4).

مسألة 281: إذا ردّ المصرّاة، ردّ معها اللبن الذي احتلبه منها.

فإن كان قد تغيّر وصفه حتى الطراوة و الحلاوة، دفع الأرش. و لو فقد ذلك اللبن،

ص: 101


1- المهذّب للشيرازي 290:1، التهذيب للبغوي 429:3، الحاوي الكبير 242241:5، العزيز شرح الوجيز 232:4، روضة الطالبين 131:3.
2- المهذّب للشيرازي 290:1، التهذيب للبغوي 429:3، الحاوي الكبير 242241:5، العزيز شرح الوجيز 232:4، روضة الطالبين 131:3.
3- المهذّب للشيرازي 290:1، التهذيب للبغوي 429:3، الحاوي الكبير 242:5، العزيز شرح الوجيز 232:4، روضة الطالبين 131:3.
4- المهذّب للشيرازي 290:1، التهذيب للبغوي 429:3، الحاوي الكبير 242:5، العزيز شرح الوجيز 232:4، روضة الطالبين 131:3.

دفع مثله؛ لأنّه ملك البائع، لأنّ العقد وقع عليه؛ لأنّه كان موجوداً حال العقد، فيجب ردّه عليه، و أقرب الأشياء إليه مثله، فينتقل إليه مع عدمه. فإن تعذّر المثل أيضاً، فالقيمة وقت الدفع.

و كذا لو تغيّر تغيّراً فاحشاً بحيث يخرج عن حدّ الانتفاع، فهو كالتالف.

و لو ردّها قبل الحلب، فلا شيء عليه؛ لأنّه لم يتصرّف.

و قالت الشافعيّة: إن كان ظهور التصرية قبل الحلب، ردّها(1) ، و لا شيء عليه. و إن كان بعده، فاللبن إمّا أن يكون باقياً أو تالفاً، فإن كان باقياً، فلا يكلّف المشتري ردّه مع المصرّاة؛ لأنّ ما حدث بعد البيع ملكٌ له و قد اختلط بالمبيع و تعذّر التمييز، و إذا أمسكه، كان بمثابة ما لو تلف(2).

و الوجه: أنّه يكون شريكاً، و يقضى بالصلح؛ لعدم التمكّن من العلم بالقدر.

و لو أراد ردّه، وجب على البائع أخذه؛ لأنّه أقرب إلى استحقاقه من بدله، و هو أحد وجهي الشافعيّة. و الأصحّ عندهم: عدم الوجوب؛ لذهاب طراوته بمضيّ الزمان(3).

و اتّفقوا على أنّه لو حمض و تغيّر، لم يكلّف أخذه(4).

و الأقرب: ذلك إن خرج عن حدّ الانتفاع، و إلّا وجب مع الأرش.

و إن تلف اللبن، دفع المصرّاة و صاعاً من تمر(5) ؛ للخبر(6).

و المعتمد: ما قلناه، و وجوب صاع التمر لو ثبت، لكان في صورة تعذّر اللبن و مثله و مساواته للقيمة.).

ص: 102


1- في «ق، ك» و الطبعة الحجريّة: «ردّه». و ما أثبتناه يقتضيه سياق العبارة.
2- العزيز شرح الوجيز 230:4، روضة الطالبين 130:3.
3- العزيز شرح الوجيز 230:4، روضة الطالبين 130:3.
4- العزيز شرح الوجيز 230:4، روضة الطالبين 130:3.
5- العزيز شرح الوجيز 230:4، روضة الطالبين 130:3.
6- تقدّمت الإشارة إلى مصادره في ص 96، الهامش (4).

و لا يخرج ردّها على الخلاف في تفريق الصفقة عند الشافعي؛ لتلف بعض المبيع و هو اللبن؛ لأنّ الأخبار وردت بدفع صاع التمر مع دفع العين(1).

و هل يتعيّن للضمّ إليها جنس التمر؟ اختلفت الشافعيّة على طريقين:

قال أبو إسحاق و غيره: إنّه يتعيّن التمر، و لا يعدل عنه؛ لقوله (عليه السّلام): «و صاعاً من تمر»(2)سنن ابن ماجة 753:2، 2940، سنن أبي داوُد 271:3، 3446.(3) فإن أعوز التمر أو كان في موضع يعزّ فيه التمر و كانت قيمته قيمةَ الشاة أو أكثر من نصف قيمتها، دفع إليه قيمته بالحجاز حين الدفع؛ لأنّا لو دفعنا إليه قيمة التمر و كان أكثر من قيمة الشاة، دفعنا إليه البدل و المبدل.

و على هذا لو كانت قيمته بالحجاز أكثر من قيمة الشاة ما حكمه ؟ قال(4) بعض الشافعيّة: يدفع إليه التمر و إن كانت قيمته أكثر من قيمة الشاة؛ لأنّه وجب بسببٍ آخر، و هو إتلاف اللبن، كما إذا زادت قيمة المبيع في يده حتى تضاعفت ثمّ وجد بالثمن عيباً، فإنّه يردّه و يسترجع المبيع و قد زادت قيمته.

و الطريق الثاني: أنّه لا يتعيّن التمر.

و على هذا القول للشافعيّة وجهان:

أحدهما: أنّ القائم مقامه الأقوات، كما في صدقة الفطر؛ لأنّه قد ردّ صاعاً من تمر. و في حديثٍ أنّه «إن ردّها ردّ معها مثلَيْ أو مِثْل لبنها قَمْحاً»(4) فالمراد أنّه يردّ صاعاً من غالب قوت البلد، و لمّا كان غالب قوت الحجاز التمرَ نصّ عليه، و هو الأصحّ عندهم، لكن لا يتعدّى إلى الأقط،6.

ص: 103


1- العزيز شرح الوجيز 230:4، روضة الطالبين 130:3.
2- تقدّمت الإشارة إلى مصادره في ص 96، الهامش
3- .
4- في «ق، ك» و الطبعة الحجريّة: «و قال». و الصحيح ما أثبتناه.

بخلاف ما في صدقة الفطر.

و على هذا فوجهان:

أحدهما: أنّه يتخيّر بين الأقوات؛ لأنّ في بعض الروايات ذكر التمر و في بعضها ذكر القمح، فأشعر بالتخيير.

و أصحّهما: أنّ الاعتبار بغالب قوت البلد، كما في صدقة الفطر، و هو قول مالك.

و الثاني حكاه بعض الشافعيّة: أنّه يقوم مقامه غير الأقوات حتى لو عدل إلى مثل اللبن أو إلى قيمته عند إعواز المثل، اجبر البائع على القبول اعتباراً بسائر المتلفات.

هذا كلّه فيما إذا لم يرض البائع، فإن تراضيا على غير التمر من قوت أو غيره أو ردّ اللبن المحلوب عند بقائه، جاز إجماعاً(1).

و حكى القاضي ابن كج من الشافعيّة وجهين في جواز إبدال التمر بالبُرّ عند اتّفاقهما عليه(2).

مسألة 282: نحن لمّا أوجبنا ردّ العين أو المثل أو القيمة مع تعذّرهما سقط عنّا التفريع الآتي.

أمّا مَنْ أوجب الصاع من التمر أو البُرّ فللشافعيّة وجهان في القدر، أصحّهما: أنّ الواجب صاع قلّ اللبن أو كثر؛ لظاهر الخبر(3)الغُرّة: العبد أو الأمة. الصحاح 768:2 «غرر».(4) ، لأنّ اللبن الموجود عند البيع يختلط بالحادث بعده و يتعذّر التمييز، فقطع الشارع الخصومةَ بينهما بتعيّن بدلٍ له، كما أوجب الغُرّة(4) في الجنين مع اختلاف

ص: 104


1- العزيز شرح الوجيز 231230:4، روضة الطالبين 130:3.
2- العزيز شرح الوجيز 231:4، روضة الطالبين 130:3.
3- تقدّمت الإشارة إلى مصادره في ص 96، الهامش
4- .

الأجنّة ذكورةً و أُنوثةً، و أرشَ الموضحة مع اختلافها صغراً و كبراً.

و الثاني: أنّ الواجب يتقدّر بقدر اللبن؛ لقوله (عليه السّلام): «من ابتاع مُحفّلةً فهو بالخيار ثلاثة أيّام فإن ردّها ردّ معها مثل أو مثلي لبنها قمحاً»(1)العزيز شرح الوجيز 231:4، روضة الطالبين 131:3.(2) و على هذا فقد يزيد الواجب على الصاع و قد ينقص.

و منهم مَنْ خصّ هذا الوجه بما إذا زادت قيمة الصاع على نصف قيمة الشاة، و قطع بوجوب الصاع فيما إذا نقصت عن النصف. و منهم مَنْ أطلقه إطلاقاً(3).

و على القول بالوجه الثاني قال الجويني: تعتبر القيمة الوسطى للتمر بالحجاز، و قيمة مثل ذلك الحيوان بالحجاز، فإذا كان اللبن عُشْر الشاة مثلاً، أوجبنا من الصاع عُشْر قيمة الشاة(4).

و لو اشترى شاة بصاع تمر فوجدها مصرّاة، فعلى الأصحّ عند الشافعيّة أنّه يردّها و صاعاً، و يستردّ الصاع الذي هو ثمن(4).

و على الوجه الثاني لهم: تقوّم مصرّاة و غير مصرّاة، و يجب بقدر التفاوت من الصاع(5).

أمّا غير المصرّاة فإذا حلب لبنها ثمّ ردّها بعيب، لم يكن له ذلك عندنا، بل له الأرش؛ لأنّ التصرّف مانع من الردّ، و الحلب تصرّف.

و عند الشافعي يردّ بدل اللبن كما في المصرّاة(6).

و له قول آخر: أنّه لا يردّه؛ لأنّه قليل غير معنيّ بجمعه، بخلاف ما في المصرّاة(7).

و الجويني خرّج ذلك على أنّ اللبن هل يأخذ قسطاً من الثمن أولا؟3.

ص: 105


1- تقدّمت الإشارة إلى مصدره في ص 103، الهامش
2- .
3- العزيز شرح الوجيز 231:4، روضة الطالبين 130:3.
4- العزيز شرح الوجيز 231:4، روضة الطالبين 130:3.
5- العزيز شرح الوجيز 231:4، روضة الطالبين 131:3.
6- العزيز شرح الوجيز 231:4، روضة الطالبين 131:3.
7- العزيز شرح الوجيز 231:4، روضة الطالبين 131:3.

و الصحيح عندهم: الأخذ(1).

مسألة 283: لو لم يقصد البائع التصرية لكن ترك الحلب ناسياً أو لشغل عرض أو تحفّلت هي بنفسها، فالأقرب: ثبوت الخيار؛

لأنّ ضرر المشتري لا يختلف، فكان بمنزلة ما لو وجد بالمبيع عيباً لم يعلمه البائع.

و يحتمل ضعيفاً: سقوط الخيار؛ لعدم التدليس.

و للشافعيّة وجهان(2) كالاحتمالين.

مسألة 284: قد بيّنّا أنّ التصرية إنّما تثبت في الأنعام.

و قال الشافعي: تثبت في سائر الحيوانات المأكولة(3).

و هذا الخيار منوط بخصوص التصرية، و قد يلحق بها التدليس، فلو حبس ماء القناة أو الرحى ثمّ أرسله عند البيع أو الإجارة فتخيّل المشتري كثرته ثمّ ظهر له الحال، فله الخيار.

و كذا لو حمّر وجه الجارية أو سوّد شعرها أو جعّده أو أرسل الزنبور في وجهها فظنّها المشتري سمينةً ثمّ بان الخلاف، فله الخيار.

أمّا لو لطخ ثوب العبد بالمداد فتخيّل المشتري كونه كاتباً، فلا خيار فإنّ الذنب فيه للمشتري حيث اغترّ بما ليس فيه كثير تغرير، و هو أحد وجهي الشافعيّة. و في الثاني: يثبت؛ لأنّه تدليس(4).

و كذا لو علف(5) الدابّة كثيراً فظنّها المشتري حبلى، أو كانت الشاة

ص: 106


1- العزيز شرح الوجيز 231:4، روضة الطالبين 131:3.
2- التهذيب للبغوي 429:3، حلية العلماء 231:4، العزيز شرح الوجيز 232:4، روضة الطالبين 131:3.
3- الحاوي الكبير 242241:5، التهذيب للبغوي 428:3، العزيز شرح الوجيز 232:4، روضة الطالبين 131:3، منهاج الطالبين: 102.
4- العزيز شرح الوجيز 232:4، روضة الطالبين 132:3.
5- في «ق، ك»: «أعلف».

عظيمةَ الضرع خلقةً فظنّ كثرة اللبن؛ لأنّه لا يتعيّن في الجهة التي يظنّها، فلا خيار.

و للشافعيّة وجهان(1).

مسألة 285: لو اشترى مصرّاةً و رضي بها ثمّ وجد بها عيباً آخر، ثبت له الردّ

إن لم يكن قد تصرّف بالحلب. و أمّا إن تصرّف به، فلا ردّ.

و عند الشافعيّة التصرّف غير مسقط للردّ، فيثبت له الردّ كما لو وجد بالمبيع عيباً فرضي به ثمّ وجد عيباً آخر، ثبت له الردّ و يردّ بدل اللبن(2).

و فيه وجه آخر: أنّه كما لو اشترى عبدين فتلف أحدهما و أراد ردّ الآخر، فيخرّج على تفريق الصفقة(3).

فإن قيل: فهلّا قلتم: لا يثبت؛ لأنّ اللبن مبيع و قد تلف في يده، و لا يجوز ردّ المبيع بعد(4) تلف شيء منه ؟ أجابوا: بأنّ التلف هنا لاستعلام العيب، و هو لا يمنع الردّ. و كذا لو جزّ الشاة فوجدها معيبةً، إن كان الجزّ للاستعلام، كان له الردّ، و إلّا فلا(5).

و عندنا أنّ ذلك يمنع الردّ دون المصرّاة؛ للخبر(6).

مسألة 286: لو ظهرت التصرية لكن درّ اللبن على الحدّ الذي كان يدرّ مع التصرية و استمرّ كذلك، فلا خيار؛

لزوال الموجب له.

ص: 107


1- التهذيب للبغوي 430:3، العزيز شرح الوجيز 233232:4، روضة الطالبين 132:3.
2- الحاوي الكبير 242:5، التهذيب للبغوي 429:3، العزيز شرح الوجيز 233:4، روضة الطالبين 132:3.
3- الحاوي الكبير 242:5، العزيز شرح الوجيز 233:4، روضة الطالبين 132:3.
4- في «ق، ك»: «مع» بدل «بعد».
5- لم نعثر على الإشكال و الجواب فيما بين أيدينا من المصادر.
6- تقدّمت الإشارة إلى مصادره في ص 96، الهامش (3).

و للشافعي قولان، هذا أحدهما. و الثاني: لا يسقط؛ لثبوته بمجرّد التصرية(1).

و كذا الوجهان إذا لم يعرف المشتري بالعيب القديم إلّا بعد زواله، و كذا لو اعتقت الأمة تحت العبد و لم يعرّف بعتقها حتى عُتق الزوج(2).

مسألة 287: إذا اشترى شاةً على أنّها لبون، صحّ الشراء -

و به قال الشافعي(3) لأنّه شرط لا يخالف الكتاب و السنّة، و هو مقصود للعقلاء.

و إن اشتراها على أنّها تحلب كلّ يوم كذا رطلاً، لم يصحّ؛ لأنّ اللبن يختلف، فلا يصحّ الشرط.

و لو اشتراها على أنّها حامل، فللشافعيّة وجهان:

أحدهما: أنّه يصحّ؛ لأنّ الحمل يعلم في الظاهر و يتعلّق به أحكام.

و الثاني: لا يصحّ؛ لأنّه لا يعلم(4). و ليس بشيء.

مسألة 288: لو ماتت الشاة المصرّاة أو الأمة المدلَّسة، فلا شيء للمشتري؛

لأنّ الردّ امتنع بموتها، و الأرش يتبع العيب و لا عيب هنا. و لو زالت التصرية قبل انتهاء الثلاثة، فلا خيار. و لو زالت بعدها، ثبت.

المطلب الثاني: في الأحكام.
مسألة 289: خيار الشرط يثبت في كلّ عقد

سوى الوقف و النكاح،

ص: 108


1- العزيز شرح الوجيز 233:4، روضة الطالبين 132:3.
2- العزيز شرح الوجيز 233:4، روضة الطالبين 132:3.
3- العزيز شرح الوجيز 118:4، روضة الطالبين 73:3، المجموع 324:9.
4- المهذّب للشيرازي 272:1، المجموع 324:9، حلية العلماء 112:4، الوجيز 139:1، العزيز شرح الوجيز 117:4، روضة الطالبين 73:3.

و لا يثبت في الطلاق و لا العتق و لا الإبراء، فإن تصرّف المشتري، سقط الخيار؛ لأنّ تصرّفه قبل انقضاء مدّة الشرط دليل على الرضا بلزوم العقد. و كذا لو أسقط خياره.

و لو كان الخيار للبائع أو مشتركاً فأسقط البائع خياره، سقط. و لو تصرّف البائع، فهو فسخ.

و لو أذن أحدهما للآخر في التصرّف فتصرّف، سقط الخياران. و لو لم يتصرّف، سقط خيار الآذن دون المأمور؛ لأنّه لم يوجد منه تصرّفٌ فعليّ و لا قوليّ.

مسألة 290: لا يبطل الخيار بتلف العين،

بل إن كان مثليّا فاختار صاحبه الفسخ، طالَبه بالمثل. و إن لم يكن مثليّا، طالَب بالقيمة.

أمّا لو ظهر المشتري على عيب في العبد بعد موته، فلا ردّ؛ إذ لا مردود.

و كذا لو قُتل أو تلف الثوب أو أُكل الطعام، فليس له الردّ هنا قطعاً.

و كذا لو خرجت العين عن قبول النقل من شخص إلى آخَر، فلا ردّ، كما لو أعتق العبد أو أولد الجارية أو وقف الضيعة ثمّ عرف كونه معيباً، فقد تعذّر الردّ إمّا لتصرّفه في العين، كما هو مذهبنا، أو لأنّه لا يتمكّن من نقل العين إلى البائع بالردّ، كما هو مذهب الشافعي(1).

نعم، يرجع على البائع بالأرش و به قال الشافعي و أحمد(2) لأنّه عيب لم يرض به وَجَده بعد اليأس من الردّ، فوجب أن يكون له الرجوع بأرش العيب، كما لو أعتقه ثمّ وجد به عيباً.

ص: 109


1- العزيز شرح الوجيز 245:4، روضة الطالبين 134:3، المغني 269:4.
2- التهذيب للبغوي 451:3، العزيز شرح الوجيز 245:4، روضة الطالبين 134:3، المغني 269:4.

و قال أبو حنيفة: إذا قتله خاصّة، لا يرجع بأرش العيب، كما لو باعه(1).

و ليس بجيّد؛ لأنّ البيع لا يتعلّق به الضمان، و إنّما يتعلّق بالتسليم. و لأنّه في البيع لم ييأس من الردّ.

مسألة 291: و الأرش جزء من الثمن
اشارة

نسبته إليه نسبة ما ينقص العيب من قيمة المبيع لو كان سليماً إلى تمام القيمة، و إنّما كان الرجوع بجزء من الثمن؛ لأنّه لو بقي كلّ المبيع عند البائع، كان مضموناً عليه بالثمن، فإذا احتبس جزء منه، كان مضموناً بجزء من الثمن، فلو كانت القيمة مائةً دون العيب و تسعين مع العيب، فالتفاوت بالعشر، فيكون الرجوع بعُشْر الثمن إن كان مائتين، فبعشرين، و إن كان بخمسين، فبخمسة.

و متى تُعتبر قيمته ؟ يحتمل أن يكون الاعتبار بقيمته يوم البيع؛ لأنّ الثمن يومئذٍ قابَل المبيع. و أن يكون الاعتبار بقيمته يوم القبض؛ لأنّه يوم دخول المبيع في ضمانه. و أن يكون الاعتبار بأقلّ الثمنين منهما؛ لأنّ القيمة إن كانت يوم البيع أقلّ، فالزيادة حدثت في ملك المشتري. و إن كانت يوم القبض أقلَّ، فما نقص من ضمان البائع.

و للشافعيّة وجوه ثلاثة كالاحتمالات، و أكثرهم قطع باعتبار أقلّ القيمتين(2).

و لو اختلف المقوّمون، أُخذ بالأوسط.

و إذا ثبت الأرش، فإن كان الثمن بَعْدُ في ذمّة المشتري، برئ عن قدر الأرش عند طلبه، و هو أظهر وجهي الشافعيّة. و الآخر: أنّه لا يتوقّف على

ص: 110


1- التهذيب للبغوي 451:3، العزيز شرح الوجيز 245:4، المغني 269:4.
2- التهذيب للبغوي 452:3، العزيز شرح الوجيز 246:4، روضة الطالبين 134:3.

الطلب، بل يبرأ بمجرّد الاطّلاع على العيب(1).

و إن كان قد سلّمه و هو باقٍ في يد البائع، فالأقرب: أنّه لا يتعيّن حقّ المشتري فيه، بل للبائع إبداله؛ لأنّه غرامة لحقته، و هو أحد وجهي الشافعيّة. و الأظهر عندهم: أنّه يتعيّن لحقّ المشتري(2).

و لو كان المبيع باقياً و الثمن تالفاً، جاز الردّ و يأخذ مثله إن كان مثليّا، و قيمته إن كان متقوّماً أقلّ ما كانت من يوم البيع إلى يوم القبض؛ لأنّها إن كانت يوم العقد أقلّ، فالزيادة حدثت في ملك البائع. و إن كانت يوم القبض أقلّ، فالنقص من ضمان المشتري.

و يجوز الاستبدال عنه كما في القرض. و خروجه عن ملكه بالبيع و نحوه كالتلف.

و لو خرج و عاد، فهل يتعيّن لأخذ المشتري أو للبائع إبداله ؟ الأقرب: الأوّل، و هو أحد قولي الشافعيّة. و الثاني: أنّ للبائع إبداله(3).

و إن كان الثمن باقياً بحاله، فإن كان معيّناً في العقد، أخذه.

و إن كان في الذمّة و نقده، ففي تعيّنه لأخذ المشتري للشافعيّة وجهان(4). و إن كان ناقصاً، نُظر إن تلف بعضه، أخذ الباقي و بدل التالف.

و إن رجع النقصان إلى الصفة، كالشلل و نحوه، ففي غرامة الأرش للشافعيّة وجهان، أصحّهما: العدم، كما لو زاد زيادة متصلة، يأخذها مجّاناً(5).3.

ص: 111


1- العزيز شرح الوجيز 246:4، روضة الطالبين 134:3.
2- العزيز شرح الوجيز 246:4، روضة الطالبين 134:3.
3- العزيز شرح الوجيز 247:4، روضة الطالبين 135:3.
4- العزيز شرح الوجيز 247:4، روضة الطالبين 135:3.
5- العزيز شرح الوجيز 247:4، روضة الطالبين 135:3.
فروع:

أ لو لم تنقص القيمة بالعيب، كما لو اشترى عبداً فخرج خصيّاً، كان له الردّ؛ لأنّه نقص في الخلقة خارج عن المجرى الطبيعي، فكان له الردّ.

و في الأرش إشكال ينشأ عن عدم تحقّقه؛ إذ لا نقص في الماليّة هنا.

و قالت الشافعيّة: لا أرش له و لا ردّ(1).

ب لو اشترى عبداً بشرط العتق ثمّ وجد به عيباً، فإن كان قبل العتق، لم يجب عليه أخذه، و كان له الردّ. فإن أخذه، كان له ذلك و المطالبة بالأرش؛ لأنّ الخيار له.

و إن ظهر على العيب بعد العتق، فلا سبيل إلى الردّ؛ لأنّ العتق صادف ملكاً فغلب جانبه، و يثبت له الأرش، خلافاً لبعض الشافعيّة؛ لأنّه و إن لم يكن معيباً لم يمسكه(2). و هذا ليس بشيء.

ج لو اشترى مَنْ يعتق عليه ثمّ وجد به عيباً، فالأقوى أنّ له الأرش دون الردّ؛ لخروجه بالعتق.

و للشافعيّة في الأرش قولان: الثبوتُ و عدمُه(3).

مسألة 292: لو زال ملكه عن المبيع ثمّ عرف العيب،

لم يكن له الردّ لا في الحال و لا فيما بعده و إن عاد إليه بفسخ أو بيع و غيره؛ لأنّه قد تصرّف في المبيع، و قد بيّنّا أنّ التصرّف مبطل للردّ، لكن له الأرش، سواء زال الملك بعوض كالبيع و الهبة بشرط الثواب، أو بغير عوض.

ص: 112


1- العزيز شرح الوجيز 247:4، روضة الطالبين 135:3.
2- العزيز شرح الوجيز 247:4، روضة الطالبين 135:3.
3- العزيز شرح الوجيز 247:4، روضة الطالبين 135:3.

و قالت الشافعيّة: إن زال الملك بعوض، فقولان:

أحدهما: له الأرش؛ لتعذّر الردّ، كما لو مات العبد أو أعتقه، و هذا تخريج ابن سريج. و على هذا لو أخذ الأرش ثمّ ردّه عليه مشتريه بالعيب، فهل يردّه مع الأرش و يستردّ الثمن ؟ وجهان.

و الثاني و هو الصحيح عندهم، و هو منصوص الشافعي -: أنّه لا يرجع بالأرش. و في تعليله خلاف(1).

قال أبو إسحاق و ابن الحدّاد: لأنّه استدرك الظلامة ببيعه و روّج العيب كما رُوّج عليه(2).

و قال ابن أبي هريرة: لأنّه ما أيس من الردّ فربما يعود إليه و يتمكّن منه، فلم يكن له الرجوع بالأرش، كما لو قدر على ردّه في الحال.

و أجابوا عن الأوّل: بأنّه لم يستدرك ظلامته، بل غبن المشتري في البيع. و لأنّه لم يحصل له استدراك الظلامة من جهة مَنْ ظلمه، فلا يسقط حقّه بذلك(3).

و الصحيح عندنا ما قلناه من أنّ له الرجوع بالأرش قال أصحاب مالك: و هذا هو الصحيح من مذهب مالك(4) ؛ لأنّ البائع لم يغرمه ما أوجبه العقد، فكان له الرجوع عليه كما لو أعتقه أو كاتبه. و لأنّه عندنا يتخيّر المشتري مطلقاً بين الردّ و الرجوع بالأرش مع عدم التصرّف، و معه يثبت له الأرش لا غير.

و كونُه لا ييأس من الردّ، فأشبه ما إذا كان قادراً على الردّ لا يُسقط حقَّ المشتري من طلب الأرش عندنا.2.

ص: 113


1- العزيز شرح الوجيز 247:4، روضة الطالبين 135:3.
2- العزيز شرح الوجيز 247:4، روضة الطالبين 135:3.
3- العزيز شرح الوجيز 247:4، روضة الطالبين 135:3.
4- بداية المجتهد 180179:2، التفريع 174:2.

و إن زال الملك بغير عوض، فعلى تخريج ابن سريج يرجع بالأرش. و على المنصوص وجهان مبنيّان على التعليلين: إن علّلنا باستدراك الظلامة، يرجع؛ لأنّه لم يستدرك الظلامة. و إن علّلنا بعدم اليأس من الردّ، فلا؛ لأنّه ربما يعود إليه(1).

مسألة 293: لو ظهر على العيب بعد بيعه على آخر، فقد قلنا: إنّه لا ردّ له،

سواء ردّ عليه أو لا، بل له الأرش، فإن ظهر المشتري الثاني على العيب فردّه على الأوّل بالعيب، لم يكن للأوّل ردّه على البائع؛ لأنّه ببيعه قد تصرّف فيه، و التصرّف عندنا يُسقط الردَّ، و إنّما له الأرش خاصّة.

و قال الشافعي: له الردّ بناءً منه على أنّ هذا التصرّف لا يمنع الردّ. و لأنّه زال التعذّر الذي كان، و تبيّن أنّه لم يستدرك(2) الظلامة، و ليس للمشتري الثاني ردّه على البائع الأوّل؛ لأنّه ما تلقّى الملك منه(3).

و لو حدث عيب في يد المشتري الثاني ثمّ ظهر عيبٌ قديم، فعلى التعليل بتعذّر الردّ: للمشتري الأوّل أخذ الأرش من بائعه، كما لو لم يحدث عيب، و لا يخفى الحكم بينه و بين المشتري الثاني.

و على التعليل الآخر: إن قَبِله المشتري الأوّل مع العيب الحادث، خيّر بائعه، إن قَبِله، فذاك، و إلّا، أخذ الأرش منه(4).

و قال بعضهم: لا يأخذ الأرش، و استرداده رضا بالعيب(5).

و إن لم يقبله و غرم الأرش للثاني، ففي رجوعه بالأرش على بائعه

ص: 114


1- العزيز شرح الوجيز 247:4، روضة الطالبين 135:3.
2- في «ق، ك» و الطبعة الحجريّة: «و لأنّه زال للتعذّر الذي كان و يئس أن أنّه يستدرك». و ما أثبتناه من «العزيز شرح الوجيز» و «روضة الطالبين».
3- العزيز شرح الوجيز 248247:4، روضة الطالبين 136135:3.
4- العزيز شرح الوجيز 248:4، روضة الطالبين 136:3.
5- العزيز شرح الوجيز 248:4، روضة الطالبين 136:3.

وجهان:

أحدهما: عدم الرجوع و به قال ابن الحدّاد لأنّه ربّما قَبِله بائعه أو قَبِله هو، فكان متبرّعاً بغرامة الأرش.

و أظهرهما: أنّه يرجع؛ لأنّه ربّما لا يقبله بائعه فيتضرّر(1).

و قال بعضهم: يمكن بناء هذين الوجهين على ما سبق من المعنيين: إن علّلنا بالأوّل، فإذا غرم الأرش، زال استدراك الظلامة، فيرجع. و إن علّلنا بالثاني، فلا يرجع؛ لأنّه ربّما يرتفع العيب الحادث فيعود إليه. و على الوجهين معاً لا يرجع ما لم يغرم للثاني، فإنّه ربّما لا يطالبه الثاني بشيء فيبقى مستدركاً للظلامة(2).

و لو كانت المسألة بحالها و تلف المبيع في يد المشتري الثاني أو كان قد أعتقه ثمّ ظهر العيب القديم، رجع الثاني على الأوّل بالأرش، و رجع الأوّل بالأرش على بائعه بلا خلاف؛ لحصول اليأس عن الردّ، لكن هل يرجع على بائعه قبل أن يغرم لمشتريه ؟ فيه وجهان مبنيّان على المعنيين، إن علّلنا باستدراك الظلامة، فلا يرجع ما لم يغرم، و إن علّلنا بالثاني، يرجع. و يجري الوجهان فيما لو أبرأه الثاني هل يرجع هو على بائعه ؟(3).

مسألة 294: لو باعه المشتري على آخر ثمّ ظهر له العيب، سقط الردّ

عندنا دون الأرش على ما تقدّم.

و عند الشافعي لا يسقط إذا عاد إليه بالردّ بالعيب على ما قلناه في المسألة السابقة.

و إن عاد إليه لا بالردّ بالعيب، كما لو عاد بإرثٍ أو اتّهابٍ أو قبول وصيّةٍ أو إقالة، فلا ردّ له عندنا أيضاً.

ص: 115


1- العزيز شرح الوجيز 248:4، روضة الطالبين 136:3.
2- العزيز شرح الوجيز 248:4، روضة الطالبين 136:3.
3- العزيز شرح الوجيز 248:4، روضة الطالبين 136:3.

و للشافعيّة وجهان من مأخذين:

أحدهما: البناء على المعنيين السابقين، فإن علّلنا بالأوّل، لم يردّ - و به قال ابن الحدّاد لأنّ استدراك الظلامة قد حصل بالبيع و لم يبطل ذلك الاستدراك، بخلاف ما لو ردّ عليه بالعيب. و إن علّلنا بالثاني، يردّ؛ لزوال(1) العذر، و حصول القدرة على الردّ، كما لو ردّ عليه بالعيب.

و الثاني من المأخذين: أنّ الملك العائد هل ينزّل منزلة غير الزائل ؟ قيل: نعم؛ لأنّه عين ذلك المال و على تلك الصفة. و قيل: لا؛ لأنّه ملك جديد، و الردّ نقض لذلك الملك(2).

و يتخرّج على هذا فروع:

أ لو أفلس بالثمن و قد زال ملكه عن المبيع و عاد، هل للبائع الفسخ ؟ ب لو زال ملك المرأة عن الصداق و عاد ثمّ طلّقها قبل المسيس، هل يرجع في نصفه أو يبطل حقّه من العين كما لو تعذّر؟ ج لو وهب من ولده و زال ملك الولد و عاد، هل للأب الرجوع ؟(3).

مسألة 295: لو عاد إليه بطريق الشراء ثمّ ظهر عيب قديم

كان في يد البائع الأوّل، فإن علّلنا بالمعنى الأوّل، لم يردّ على البائع الأوّل؛ لحصول الاستدراك، و يردّ على الثاني. و إن علّلنا بالثاني، فإن شاء ردّ على الثاني، و إن شاء ردّ على الأوّل. و إذا ردّ على الثاني، فله أن يردّ عليه، و حينئذٍ يردّ

ص: 116


1- في «ق، ك»: «فردّ؛ لزوال». و في الطبعة الحجريّة: «فردّ بزوال». و الصحيح ما أثبتناه من «العزيز شرح الوجيز» و «روضة الطالبين».
2- العزيز شرح الوجيز 248:4، روضة الطالبين 136:3.
3- العزيز شرح الوجيز 249248:4.

هو على الأوّل.

و يجيء وَجْهٌ لهم: أنّه لا يردّ على الأوّل بناءً على أنّ الزائل العائد كالذي لم يَعُدْ.

و وَجْهٌ: أنّه لا يردّ على الثاني؛ لأنّه لو ردّ عليه لردّ هو ثانياً عليه(1).

و هذا كلّه ساقط عندنا؛ لسقوط حقّ المشتري من الردّ بتصرّفه.

مسألة 296: إذا زال ملكه عن المبيع ثمّ عرف العيب و كان الزوال بغير عوض، فلا ردّ له

على ما اخترناه إذا عاد إليه مطلقاً.

و قال الشافعي: إذا زال ملكه لا بعوضٍ، نُظر إن عاد لا بعوض أيضاً، فجواز الردّ مبنيّ على أنّه هل يأخذ الأرش لو لم يَعُدْ؟ إن قلنا: لا، فله الردّ؛ لأنّ ذلك لتوقّع العود. و إن قلنا: يأخذ، فينحصر الحقّ فيه أو يعود إلى الردّ عند القدرة ؟ فيه وجهان.

و إن عاد بعوض، كما لو اشتراه، فإن قلنا: لا ردّ في الحالة الأُولى، فكذا هنا، و يردّ على البائع الأخير(2). و إن قلنا: يردّ، فهنا يردّ على الأوّل أو على الأخير أو يتخيّر؟ ثلاثة أوجُه خارجة ممّا سبق(3).

مسألة 297: لو باع زيد شيئاً من عمرو ثمّ اشتراه زيد منه فظهر فيه عيب كان في يد زيد، فإن كانا عالمَين بالحال، فلا ردّ.

و إن علم زيد خاصّةً، فلا ردّ له؛ لعلمه بالعيب، و لا لعمرو أيضاً؛ لزوال ملكه و تصرّفه فيه عندنا، و به قال الشافعي؛ لزوال ملكه(4).

ص: 117


1- العزيز شرح الوجيز 249:4، روضة الطالبين 136:3.
2- في «ق، ك» و الطبعة الحجريّة: «الآخر». و ما أثبتناه من «العزيز شرح الوجيز» و «روضة الطالبين».
3- العزيز شرح الوجيز 249:4، روضة الطالبين 137:3.
4- العزيز شرح الوجيز 249:4، روضة الطالبين 137:3.

و هل يثبت لعمرو أرشٌ؟ الأقرب: ذلك و هو أحد قولي الشافعي(1) لوجود سببه، و هو سبق العيب مع تعذّر الردّ.

و الصحيح عنده: أنّه لا أرش له؛ لاستدراك الظلامة أو لتوقّع العود(2).

فإن تلفت في يد زيد، أخذ الأرش عندنا؛ لما تقدّم، و عنده على التعليل الثاني لا الأوّل(3).

و كذا الحكم لو باعه من غيره.

و إن كان عمرو عالماً، فلا ردّ له، و لزيدٍ الردُّ؛ لأنّه اشترى معيباً مع جهله بعيبه و عدم تصرّفه.

و لو كانا جاهلين فلزيدٍ الردُّ، و به قال الشافعي إن اشتراه بغير جنس ما باعه أو بأكثر منه(4). ثمّ لعمرو أن يردّ عليه عند الشافعي(5). و نحن لا نقول به؛ لأنّه تصرّف فيه.

و إن اشتراه بمثله، فلا ردّ لزيد في أحد وجهي الشافعي؛ لأنّ عَمْراً يردّه عليه، فلا فائدة فيه، و له ذلك(6)(7).

مسألة 298: لو اشترى المعيب جاهلاً بعيبه و رهنه المشتري ثمّ عرفه بالعيب، فلا ردّ له

على قولنا من أنّ تصرّفه يمنع الردّ، و يثبت له الأرش.

و قال الشافعي: لا ردّ له في الحال. و هل يأخذ أرشه ؟ إن علّلنا باستدراك الظلامة، فنعم. و إن علّلنا بتوقّع العود، فلا. و على هذا لو تمكّن من الردّ، ردّ عنده. و لو حصل اليأس أخذ الأرش(8).

و إن كان المشتري قد آجره، فلا ردّ له؛ لتصرّفه فيه، و له الأرش.

ص: 118


1- العزيز شرح الوجيز 249:4، روضة الطالبين 137:3.
2- العزيز شرح الوجيز 249:4، روضة الطالبين 137:3.
3- العزيز شرح الوجيز 249:4، روضة الطالبين 137:3.
4- العزيز شرح الوجيز 249:4، روضة الطالبين 137:3.
5- العزيز شرح الوجيز 249:4، روضة الطالبين 137:3.
6- أي: و لزيدٍ الردُّ، في الوجه الآخر.
7- العزيز شرح الوجيز 249:4، روضة الطالبين 137:3.
8- العزيز شرح الوجيز 249:4، روضة الطالبين 137:3.

و قال الشافعي: إن لم نجوّز بيع المستأجر، فهو كالرهن. و إن جوّزناه، فإن رضي البائع به مسلوب المنفعة مدّة الإجارة، ردّ عليه، و إلّا تعذّر الردّ. و في الأرش الوجهان، و يجريان فيما لو تعذّر الردّ لغَصْبٍ أو إباق(1).

و لو عرف العيب بعد أن زوّج الجارية أو العبد و لم يرض البائع بالأخذ، قطع بعض الشافعيّة بثبوت الأرش للمشتري هنا. أمّا على الأوّل: فظاهر. و أمّا على الثاني: فلأنّ النكاح يراد للدوام، و اليأس حاصل(2).

و قال بعضهم بما تقدّم(3).

و لو كاتب المشتري ثمّ عرف العيب، قال بعض الشافعيّة: إنّه كالتزويج(4).

و قال بعضهم: لا يأخذ الأرش على المعنيين، بل يصبر؛ لأنّه قد استدرك الظلامة بالنجوم، و قد يعود إليه بالعجز و ردّه(5).

و الأظهر عندهم: أنّه كالرهن، و أنّه لا يحصل الاستدراك بالنجوم(6).

و لو وجد المشتري بالشقص عيباً بعد أخذ الشفيع، فله الأرش.

و للشافعي وجهان(7).

مسألة 299: الخيار إن كان موقّتاً، امتدّ بامتداد ذلك الوقت،
اشارة

كالمجلس، و الحيوان، و المشروط وقته.

و إن لم يكن موقّتاً كخيار العيب هل هو على الفور أم لا حتى لو

ص: 119


1- العزيز شرح الوجيز 250249:4، روضة الطالبين 137:3.
2- العزيز شرح الوجيز 250:4، روضة الطالبين 137:3.
3- العزيز شرح الوجيز 250:4، روضة الطالبين 137:3.)
4- العزيز شرح الوجيز 250:4، روضة الطالبين 137:3.
5- العزيز شرح الوجيز 250:4، روضة الطالبين 138137:3.
6- العزيز شرح الوجيز 250:4، روضة الطالبين 138:3.
7- العزيز شرح الوجيز 250:4.

علم بالعيب و أهمل المطالبة لحظةً، هل يسقط الردّ؟ الأقرب: أنّه لا يسقط الخيار، بل لو تطاول زمان سكوته بعد العلم بالعيب، كان له بعد ذلك المطالبةُ بالأرش، أو الردّ؛ لأنّ الأصل بقاء ما ثبت.

و قال الشافعي: إنّ الخيار على الفور، و يبطل بالتأخير من غير عذر؛ لأصالة لزوم البيع، فإذا أمكنه الردّ و قصّر، لزمه حكمه(1).

و أصالة اللزوم هنا ممنوعة؛ لأنّ التقدير ثبوت الخيار.

فروع:

أ لو ركب الدابّة ليردّها سواء قصرت المسافة أو طالت، لم يكن ذلك رضا بها، و به قال الشافعي(2) أيضاً.

ب لو سقاها الماء أو ركبها ليسقيها ثمّ يردّها، لم يكن ذلك رضا منه بإمساكها.

ج لو حلبها في طريقه، فالأقرب: أنّه تصرّف يؤذن بالرضا بها.

و قال بعض الشافعيّة: لا يكون رضا بإمساكها؛ لأنّ اللبن له و قد استوفاه في حال الردّ(3).

مسألة 300: لصاحب الخيار في العيب و غيره مطلقاً أن يختار الفسخ أو الإمضاء

مع الأرش أو بدونه و على كلّ حال، سواء كان البائع له أو المشتري منه حاضراً أو غائباً، و لا يشترط أيضاً قضاء القاضي و به قال

ص: 120


1- العزيز شرح الوجيز 251250:4، روضة الطالبين 138:3.
2- المهذّب للشيرازي 291:1، و في حلية العلماء 241240:4، و العزيز شرح الوجيز 254:4، و روضة الطالبين 140:3 وجهان.
3- العزيز شرح الوجيز 254:4، روضة الطالبين 140:3.

الشافعي و أبو يوسف و زفر و أحمد بن حنبل(1) لأنّه رَفْعُ عقدٍ لا يفتقر إلى رضا شخص، فلم يفتقر إلى حضوره، كالطلاق.

و قال أبو حنيفة: إن كان قبل القبض، فلا بُدّ من حضور الخصم. و إن كان بعده، فلا بدّ من رضاه أو قضاء القاضي(2). و قد تقدّم.

مسألة 301: الخيار ليس على الفور في العيب و غيره

على ما تقدّم، خلافاً للشافعي، فإنّه اشترط الفوريّة و المبادرة بالعادة، فلا يؤمر بالعَدْوِ و الركض ليردّ(3).

و إن كان مشغولاً بصلاة أو أكل أو قضاء حاجة، فله الخيار(4) إلى أن يفرغ.

و كذا لو اطّلع حين دخل وقت هذه الأُمور فاشتغل بها، فلا بأس إجماعاً. و كذا لو لبس ثوباً أو أغلق باباً.

و لو وقف على العيب ليلاً، فله التأخير إلى أن يصبح.

و إن لم يكن عذر، قال بعض الشافعيّة: إن كان البائع حاضراً، ردّه عليه. و إن كان غائباً، تلفّظ بالردّ، و أشهد عليه شاهدين. و إن عجز، حضر عند القاضي و أعلمه الردّ(5).

ص: 121


1- المهذّب للشيرازي 266:1، المجموع 200:9، حلية العلماء 237:4، العزيز شرح الوجيز 251:4، روضة الطالبين 138:3، الاختيار لتعليل المختار 19:2، النتف 448:1، المغني 266:4، الشرح الكبير 106:4.
2- المغني 266:4، الشرح الكبير 106:4، حلية العلماء 237:4، العزيز شرح الوجيز 251:4، و انظر: النتف 448:1، و الاختيار لتعليل المختار 19:2.
3- المهذّب للشيرازي 266:1، العزيز شرح الوجيز 251250:4، روضة الطالبين 138:3، المغني 258:4، الشرح الكبير 106:4.
4- الأنسب بالعبارة: «التأخير» بدل «الخيار».
5- الوسيط 128127:3، الوجيز 144143:1، العزيز شرح الوجيز 251:4، روضة الطالبين 138:3.

و لو رفع إلى القاضي و المردود عليه حاضر، قال بعض الشافعيّة: هو مقصّر يسقط خياره به، و هو الظاهر من مذهبهم(1).

و قال بعضهم: لا يقصّر؛ لأنّ الشفيع لو ترك المشتري و ابتدر إلى القاضي و استعدى عليه، فهو فوق مطالبة المشتري؛ لأنّه ربّما يحوجه(2) إلى المرافعة(3).

و كذا الوجهان لو تمكّن من الإشهاد فتركه و رفع إلى القاضي(4).

و إن كان البائع غائباً عن البلد، رفع الأمر إلى مجلس الحكم، فيدّعي شراء ذلك الشيء من فلان الغائب بثمنٍ معلوم، و أنّه أقبضه الثمن ثمّ ظهر العيب، و أنّه فسخ البيع، و يقيم البيّنة على ذلك، و يحلفه القاضي مع البيّنة للغيبة، ثمّ يأخذ المبيع منه و يضعه على يد عدْلٍ، و يبقى الثمن دَيْناً على الغائب يقضيه القاضي من ماله، فإن لم يجد سوى المبيع، باعه فيه إلى أن ينتهي إلى الخصم أو القاضي في الحالين.

و لو تمكّن من الإشهاد على الفسخ، هل يلزمه ؟ للشافعيّة وجهان(5).

و يجري الخلاف فيما لو أخّر لعذر مرض و غيره(6).

و لو عجز في الحال عن الإشهاد، فهل عليه التلفّظ بالفسخ ؟ وجهان للشافعيّة(7).3.

ص: 122


1- الوسيط 128:3، العزيز شرح الوجيز 251:4.
2- في «ق، ك» و الطبعة الحجريّة: «يخرجه» بدل «يحوجه». و الصحيح ما أثبتناه من المصدر.
3- العزيز شرح الوجيز 251:4.
4- الوسيط 128:3، العزيز شرح الوجيز 251:4.
5- العزيز شرح الوجيز 252:4، روضة الطالبين 139:3.
6- العزيز شرح الوجيز 252:4، روضة الطالبين 139:3.
7- العزيز شرح الوجيز 253252:4، روضة الطالبين 139:3.

و لو لقي البائع فسلّم عليه، لم يضرّ. و لو اشتغل بمحادثته، بطل حقّه.

و لو أخّر الردّ مع العلم بالعيب ثمّ قال: أخّرت لأنّي لم أعلم أنّ لي حقَّ الردّ، قال الشافعي: يعذر إن كان قريب العهد بالإسلام أو نشأ في قرية لا يعرفون الأحكام، و إلّا فلا(1).

و لو قال: لم أعلم أنّ الخيار و الردّ يبطل بالتأخير، قبل قوله؛ لأنّه ممّا يخفى على العامّة.

و إذا بطل حقّ الردّ بالتقصير، يبطل حقّ الأرش عند الشافعيّة(2) أيضاً.

و ليس بجيّد على ما عرفت.

و لمن له الردّ أن يمسك المبيع و يطلب الأرش على ما اخترناه، و به قال أحمد(3) ، خلافاً للشافعي(4).

و ليس للبائع أن يمنعه من الردّ ليغرم له الأرش إلّا برضاه، و به قال الشافعي(5). و لو تراضيا على ترك الردّ بجزء من الثمن أو بغيره من الأموال، صحّ عندنا، و به قال أبو حنيفة و مالك و ابن سريج و الشافعي في أضعف القولين. و في الأقوى: المنع. فعلى قوله يردّ المشتري ما أخذ. و في بطلان حقّه من الردّ وجهان: البطلان؛ لأنّه أخّر الردّ مع الإمكان، و أسقط حقّه. و أصحّهما: المنع؛ لأنّه ترك حقّه على عوض و لم يسلم له3.

ص: 123


1- العزيز شرح الوجيز 253:4، روضة الطالبين 139:3.
2- العزيز شرح الوجيز 253:4، روضة الطالبين 140:3.
3- المغني 259:4، الشرح الكبير 97:4، العزيز شرح الوجيز 253:4.
4- العزيز شرح الوجيز 253:4، روضة الطالبين 140:3، المغني 259:4، الشرح الكبير 97:4.
5- العزيز شرح الوجيز 253:4، روضة الطالبين 140:3.

العوض، فيبقى على حقّه(1).

و هذان الوجهان في حقّ مَنْ يظنّ صحّة الصلح، أمّا مَنْ يعلم فساده فإنّ حقّه يبطل عند الشافعيّة كافّة(2).

مسألة 302: لو انتفع المشتري بركوب الدابّة أو استخدام العبد أو حلب الشاة أو

مسألة 302: لو انتفع المشتري بركوب الدابّة أو استخدام العبد أو حلب الشاة أو(3) شبهها، سقط حقّ الردّ

دون الأرش على ما تقدّم.

و لو كان المبيع رقيقاً فاستخدمه في مدّة طلب الخصم أو القاضي، بطل الردّ، و به قال الشافعي(4).

و لو كان بشيء خفيف، مثل: اسقني، أو: ناولني الثوب، أو: أغلق الباب، سقط الردّ أيضاً.

و في وجهٍ للشافعيّة: أنّه لا أثر له؛ لأنّ مثل هذا قد يؤمر به غير المملوك(5).

و ليس بشيء؛ لأنّ المسقط مطلق التصرّف، و غير المملوك قد يؤمر أيضاً بالأفعال الكثيرة.

و لو ركب الدابّة لا للردّ، بطل ردّه.

و لو كان له أو للسقي، فللشافعيّة وجهان، أظهرهما: سقوط الردّ؛ لأنّه ضرب من الانتفاع، كما لو وقف على عيب الثوب فلبسه للردّ، و لو كانت جموحاً يعسر قودها و سوقها، عذر في الركوب. و الثاني و به قال أبو حنيفة -: أنّه لا يبطل؛ لأنّه أسرع للردّ. فعلى الأوّل لو كان قد ركبها للانتفاع فاطّلع على عيب بها، لم تجز استدامته و إن توجّه للردّ(6).

ص: 124


1- العزيز شرح الوجيز 253:4، روضة الطالبين 140:3.
2- العزيز شرح الوجيز 253:4، روضة الطالبين 140:3.
3- في «ق، ك»: «و» بدل «أو».
4- العزيز شرح الوجيز 253:4، روضة الطالبين 140:3.
5- العزيز شرح الوجيز 253:4، روضة الطالبين 140:3.
6- العزيز شرح الوجيز 254:4، روضة الطالبين 140:3، حلية العلماء 241240:4، بدائع الصنائع 270:5.

و إن كان لابساً فاطّلع على عيب الثوب في الطريق فتوجّه للردّ و لم ينزع الثوب، فهو معذور؛ لعدم اعتياد نزع الثوب في الطريق.

و لو علف الدابّة أو سقاها في الطريق، لم يضرّ؛ لأنّه ليس تصرّفاً ينفعه.

و لو كان عليها سرج أو أكاف فتركهما عليها، بطل حقّه؛ لأنّه استعمال و انتفاع، و لو لا ذلك لاحتاج إلى حمل أو تحميل.

و يُعذر بترك العذار و اللجام؛ لخفّتهما، فلا يعدّان انتفاعاً، و للحاجة إليهما في قودها.

و لو أنعلها في الطريق، فإن كانت تمشي بغير نعل، بطل حقّ الردّ، و إلّا فلا.

مسألة 303: قد بيّنّا أنّ حدوث عيب عند المشتري يمنع من الردّ بالعيب السابق

على قبضه من البائع إلّا في ثلاثة أيّام الحيوان؛ لأنّه لمّا قبضه دخل في ضمانه، فالعيب الحادث يقتضي إتلاف جزء من المبيع، فيكون من ضمان المشتري فيسقط ردّه؛ للنقص الحاصل في يده، فإنّه ليس تحمّل البائع به للعيب السابق أولى من تحمّل المشتري به للعيب الحادث.

و لما روي عن أحدهما (عليهما السّلام) في الرجل يشتري الثوب أو المتاع فيجد به عيباً، قال: «إن كان الثوب قائماً بعينه، ردّه على صاحبه و أخذ الثمن، و إن كان الثوب قد قُطع أو خِيط أو صُبغ يرجع بنقصان العيب»(1).

إذا ثبت هذا، فإنّ الأرش لا يسقط؛ دفعاً لتضرّر المشتري، فإنّه دفع الثمن في مقابلة العين الصحيحة.

ص: 125


1- التهذيب 60:7، 258.

إذا عرفت هذا، فلو دفع المشتري إلى البائع العين ناقصةً مع الأرش و رضي البائع، أو دفع البائع الأرش و رضي المشتري، فلا بحث.

و إن رضي البائع به معيباً بالعيب المتجدّد عند المشتري مجّاناً، لم يجب على المشتري القبول، بل له المطالبة بالأرش؛ لأنّه حقّه.

و قال الشافعي: إمّا أن يردّه المشتري، أو يقنع به معيباً مجّاناً(1).

و إن تنازعا فدعا أحدهما إلى الإمساك و غرامة أرش العيب القديم، و دعا الآخر إلى الردّ مع أرش العيب الحادث، أُجبر المشتري على الإمساك مع الأرش؛ لأنّ الأصل أن لا يلزم المشتري تمام الثمن إلّا بمبيعٍ سليم، فإذا تعذّر ذلك، الزم بالعين مع جبرها بعوض الجزء الفائت منها.

و للشافعيّة أقوال:

أحدها: أنّ المتّبع رأي المشتري، و يُجبر البائع على ما يقع له؛ لأنّ الأصل أن لا يلزمه تمام الثمن إلّا بمبيعٍ سليم، فإذا تعذّر ذلك، فُوّضت الخيرة إليه. و لأنّ البائع و المشتري قد استويا في حدوث العيب عندهما و لا بدّ من إثبات الخيار لأحدهما، فإثباته للمشتري أولى؛ لأنّ البائع ملبّس بترويج المبيع، فكان رعاية جانب المشتري أولى، فيتخيّر المشتري حينئذٍ بين أن يردّه و يدفع أرش العيب الحادث عنده، و بين أن يمسكه و يأخذ أرش العيب القديم، و بهذا الوجه قال مالك و أحمد، و هو قول الشافعي في القديم.

الثاني: أنّ المتّبع رأي البائع؛ لأنّه إمّا غارم أو آخذ ما لم يردّ العقد عليه.3.

ص: 126


1- العزيز شرح الوجيز 255:4، روضة الطالبين 141:3.

و الثالث و هو الأصحّ عندهم -: أنّ المتّبع رأي مَنْ يدعو إلى الإمساك و الرجوع بأرش العيب القديم، سواء كان هو البائع أو المشتري؛ لما فيه من تقرير العقد. و لأنّ الرجوع بأرش العيب القديم يستند إلى أصل العقد؛ لأنّ قضيّته أن لا يستقرّ الثمن بكماله إلّا في مقابلة السليم، و ضمّ أرش العيب الحادث إدخال شيء جديد لم يكن في العقد، فكان الأوّل أولى.

فعلى هذا لو قال البائع: تردّه مع أرش العيب الحادث، فللمشتري الامتناع، و يأخذ أرش العيب القديم. و لو أراد المشتري أن يردّه مع أرش العيب الحادث، فللبائع الامتناع، و يغرم أرش القديم(1).

و قال أبو حنيفة و الشافعي أيضاً: إذا لم يرض البائع بردّه معيباً، كان للمشتري المطالبة بأرش العيب. و إن رضي بردّه معيباً، لم يكن للمشتري أرش؛ لأنّه عيب حدث في ضمان أحد المتبايعين لا لاستعلام العيب، فأثبت الخيار للآخر، كالعيب الحادث عند البائع(2).

و قال مالك و أحمد: يتخيّر المشتري بين أن يردّه و يدفع أرش العيب الحادث عنده، و بين أن يمسكه و يأخذ أرش العيب الحادث عند البائع(3) ؛ لما تقدّم.

و قال حمّاد و أبو ثور: يردّه المشتري و يردّ معه أرش العيب قياساً على المصرّاة(4) ؛ فإنّ النبي (عليه السّلام) أمر بردّها و ردّ صاع من تمر عوض4.

ص: 127


1- العزيز شرح الوجيز 256255:4، روضة الطالبين 141:3.
2- لم نعثر على قولهما في حدود المصادر المتوفّرة لدينا، و انظر: حلية العلماء 267:4.
3- بداية المجتهد 184183:2، حلية العلماء 267:4، المغني 261:4، الشرح الكبير 99:4.
4- حلية العلماء 267:4، المغني 261:4.

اللبن(1).

و هو ضعيف؛ لأنّ ذلك إنّما كان لاستعلام العيب.

مسألة 304: قد بيّنّا أنّ الخيار في الردّ و الأرش على التراخي.

و قال الشافعي: إنّه على الفور على ما تقدّم(2).

فعلى قوله يجب على المشتري إعلام البائع على الفور، فلو أخّره من غير عذر، بطل حقّه من الردّ و الأرش، إلّا أن يكون العيب الحادث قريب الزوال غالباً، كالرمد و الحُمّى، فلا يعتبر الفور في الإعلام على أحد القولين، بل له انتظار زواله ليردّه سليماً عن العيب الحادث من غير أرش(3).

و عندنا أنّ العيب المتجدّد مانع من الردّ بالسابق، سواء زال أو لا، و للمشتري الأرش على التقديرين.

و لو زال العيب الحادث بعد ما أخذ المشتري أرش العيب القديم، لم يكن له الفسخ، و ردّ الأرش عندنا على ما تقدّم.

و للشافعيّة وجهان، هذا أحدهما؛ لأنّ أخذ الأرش إسقاط. و الثاني: نعم، و الأرش للحيلولة(4).

و لو لم يأخذه لكن قضى القاضي بثبوته، فوجهان للشافعيّة بالترتيب، و أولى بجواز الفسخ(5).

و لو تراضيا و لا قضاء، فوجهان بالترتيب، و أولى بالفسخ في هذه

ص: 128


1- تقدّمت الإشارة إلى مصادره في ص 96، الهامش (3).
2- في ص 121، المسألة 301.
3- العزيز شرح الوجيز 256:4، روضة الطالبين 141:3.
4- العزيز شرح الوجيز 256:4، روضة الطالبين 142141:3.
5- العزيز شرح الوجيز 256:4، و انظر: روضة الطالبين 142141:3.

الصورة، و هو الأصحّ في هذه الصورة عندهم، و أمّا بعد الأخذ، فالأصحّ: المنع(1).

و لو عرف العيب القديم بعد زوال الحادث(2) ، ردّ عند الشافعي(3) ، و فيه وجه ضعيف(4).

و لو زال العيب القديم قبل أخذ أرشه، لم يأخذه عندهم(5). و لو زال بعد أخذه، ردّه.

و منهم مَنْ جَعَله على وجهين، كما لو نبتت سنّ(6) المجنيّ عليه بعد أخذ الدية، هل [يردّ(7)] الدية ؟(8).

مسألة 305: كلّ ما يثبت الردّ به على البائع لو كان في يده يمنع الردّ إذا حدث في يد المشتري،

و ما لا ردّ به على البائع لا يمنع الردّ إذا حدث في يد المشتري إلّا في الأقلّ، فلو خصى العبد ثمّ عرف عيباً قديماً، لم يردّ و إن زادت قيمته.

و لو نسي القرآن أو الصنعة ثمّ عرف به عيباً قديماً، فلا ردّ؛ لنقصان القيمة.

و كذا لو زوّجها ثمّ عرف [بها] عيباً قديماً؛ لأنّه بتصرّفه أسقط الردّ.

و قال بعض الشافعيّة: إلّا أن يقول الزوج: إن ردّك المشتري بعيب

ص: 129


1- العزيز شرح الوجيز 256:4، روضة الطالبين 142:3.
2- في «ق، ك»: «العيب الحادث».
3- العزيز شرح الوجيز 256:4، روضة الطالبين 142:3.
4- العزيز شرح الوجيز 256:4، روضة الطالبين 142:3.
5- العزيز شرح الوجيز 256:4، روضة الطالبين 142:3.
6- في الطبعة الحجريّة: «كما لو ثبت سبق» بدل «كما لو نبتت سنّ». و هي تصحيف. و في «ق، ك»: «نبت سنّ» و الصحيح ما أثبتناه.
7- ما بين المعقوفين من المصدر. و بدله في «ق، ك» و الطبعة الحجريّة: «يأخذ».
8- التهذيب للبغوي 457:3، العزيز شرح الوجيز 256:4، روضة الطالبين 142:3.

فأنتِ طالق، و كان ذلك قبل الدخول، فله الردّ؛ لزوال المانع بالردّ(1).

مسألة 306: لو اشترى الأب من الابن جاريةً أو بالعكس ثمّ عرف بعيبها بعد وطئها و هي ثيّب، لم يكن له الردّ

عندنا؛ لتصرّفه.

و قال الشافعي: لا يبطل الردّ و إن حرمت على البائع؛ لأنّ الماليّة لا تنقص بذلك. و كذا لو كانت الجارية رضيعةً فأرضعتها أُمّ البائع أو ابنته في يد المشتري ثمّ عرف بها عيباً(2).

و هنا نحن نقول: إن كان الإرضاع بقول المشتري، كان تصرّفاً؛ لأنّه يخرج بذلك عن الإباحة، فلا ردّ. و إن لم يكن بقوله، كان له الردّ؛ لأنّه لم يتصرّف في المبيع.

و إقرار الرقيق على نفسه في يد المشتري بدَيْن المعاملة أو بدَيْن الإتلاف مع تكذيب المولى لم يمنع من الردّ بالعيب القديم. و إن صدّقه المولى على دَيْن الإتلاف، مَنَع؛ لأنّه عيب تجدّد في يد المشتري. فان عفا المقرّ له بعد ما أخذ المشتري الأرش، لم يكن له الفسخ، و هو أحد قولي الشافعيّة. و الثاني: يردّه و يردّ الأرش(3).

و الوجهان جاريان فيما إذا أخذ الأرش لرهينة العبد أو كتابته أو إباقه أو غصبه و نحوها إن مُكّن(4) من ذلك ثمّ زال المانع من الردّ(5) ، قال بعض الشافعيّة: أصحّهما أنّه لا فسخ(6). و هو مقتضى مذهبنا.

تذنيب: لو اشترى عبداً و حدث في يد المشتري نكتة بياض بعينه (7)

ص: 130


1- العزيز شرح الوجيز 256:4، روضة الطالبين 142:3.
2- العزيز شرح الوجيز 256:4، روضة الطالبين 142:3.
3- العزيز شرح الوجيز 256:4، روضة الطالبين 142:3.
4- في الطبعة الحجريّة: «تمكّن».
5- العزيز شرح الوجيز 256:4، روضة الطالبين 142:3.
6- التهذيب للبغوي 458457:3، العزيز شرح الوجيز 257256:4، روضة الطالبين 142:3.
7- أي: بعين العبد.

و وجد نكتة قديمة ثمّ زالت إحداهما فاختلفا، فقال البائع: الزائلة القديمةُ فلا ردّ و لا أرش، و قال المشتري: بل الحادثةُ و لي الردّ، قال الشافعي: يحلفان على ما يقولان، فإن حلف أحدهما دون الآخر، قُضي بموجب يمينه. و إن حلفا، استفاد البائع بيمينه دفع الردّ، و استفاد المشتري بيمينه أخذ الأرش، فإن اختلفا في الأرش، فله الأقلّ؛ لأنّه المتيقّن(1).

مسألة 307: لو كان المبيع من أحد النقدين كآنية من ذهب أو فضّة اشتراها بمثل وزنها و جنسها ثمّ اطّلع على عيبٍ قديم، كان له الردّ

دون الأرش؛ لاشتماله على الربا، فإنّه لو أخذ الأرش لنقص الثمن عن وزن الآنية، فيصير الثمن المساوي لوزنها يقابله ما دونها(2) ، و ذلك عين الربا.

فإن حدث عند المشتري عيبٌ آخر، لم يكن له الأرش؛ لما تقدّم، و لا الردّ مجّاناً؛ إذ لا يُجبر البائع على الضرر، و لا الردّ مع الأرش؛ لاشتماله على الربا، لأنّ المردود حينئذٍ يزيد على وزن الآنية. و لا يجب على المشتري الصبر على المعيب مجّاناً. فطريق التخلّص فسخ البيع؛ لتعذّر إمضائه، و إلزام المشتري بقيمته من غير الجنس معيباً بالقديم سليماً عن الجديد، و يجعل بمثابة التالف.

و يحتمل الفسخ مع رضا البائع، و يردّ المشتري العين و أرشها، و لا ربا، فإنّ الحليّ في مقابلة الثمن، و الأرش في مقابلة العيب المضمون، كالمأخوذ بالسوم.

و للشافعيّة ثلاثة أوجُه، اثنان منها هذان الاحتمالان، إلّا أنّهم لم يشترطوا في الاحتمال الثاني رضا البائع بالردّ.

ص: 131


1- التهذيب للبغوي 457:3، العزيز شرح الوجيز 257:4، روضة الطالبين 142:3.
2- كذا في جميع النسخ الخطيّة و الحجريّة.

و الثالث: أن يرجع المشتري بأرش العيب القديم، كما في غير هذه الصورة، و المماثلة في مال الربا إنّما تشترط في ابتداء العقد و قد حصلت، و الأرش حقٌّ ثبت بعد ذلك لا يقدح في العقد السابق(1).

و هذا الوجه عندي لا بأس به.

و الوجهان الأوّلان [اتّفقا(2)] على أنّه لا يرجع بأرش العيب القديم، و أنّه يفسخ العقد، و اختلفا في أنّه يردّ الحليّ مع أرش النقص أو يمسكه و يردّ قيمته ؟.

و قياس صاحب القول الثالث تجويز الردّ مع الأرش أيضاً، كما في سائر الأموال.

و إذا أخذ الأرش، قيل: يجب أن يكون من غير جنس العوض؛ لئلاّ يلزم ربا الفضل(3).

و الأقرب: أنّه يجوز أن يكون من جنسهما؛ لأنّ الجنس لو امتنع أخذه؛ لامتنع أخذ غير الجنس؛ لأنّه يكون بيع مال الربا بجنسه مع شيء آخر.

و لو تلفت الآنية ثمّ عرف المشتري العيب القديم، قالت الشافعيّة: يفسخ العقد، و يستردّ الثمن و يغرم قيمة التالف(4). و تلف المبيع لا يمنع جواز الفسخ؛ لأنّ الشافعي جوّز الإقامة بعد [التلف(5)(6)].3.

ص: 132


1- العزيز شرح الوجيز 257:4، روضة الطالبين 143:3.
2- بدل ما بين المعقوفين في «ق، ك» و الطبعة الحجريّة: «أيضاً». و هي تصحيف، و الصحيح ما أثبتناه بقرينة السياق.
3- العزيز شرح الوجيز 258:4، روضة الطالبين 143:3.
4- حلية العلماء 261:4، العزيز شرح الوجيز 258:4، روضة الطالبين 143:3.
5- بدل ما بين المعقوفين في «ق، ك»، و الطبعة الحجريّة: «الفسخ». و الصحيح ما أثبتناه من المصدر.
6- حلية العلماء 261:4، التهذيب للبغوي 494493:3.

و كذا إذا اختلف المتبايعان بعد تلف المبيع، تحالفا و ترادّا.

و يخالف إذا كان المبيع من غير جنس الثمن الذي فيه الربا؛ لأنّه يمكنه أخذ الأرش، فلا يجوز له فسخ العقد مع حدوث النقص و التلف عنده، و هنا لا يمكن ذلك، فلم يمكن إسقاط حقّه بغير عوض، و لا يمكن أخذ الأرش هنا؛ للربا.

و لهم وجه آخر: أنّه يجوز أخذ الأرش(1). و حينئذٍ هل يشترط كونه من غير الجنس ؟ وجهان تقدّما.

و هذه المسألة لا تختصّ بالحليّ و النقدين، بل تجري في كلّ ربويّ بِيع بجنسه.

مسألة 308: قد بيّنّا أنّ تصرّف المشتري يمنع من الردّ قبل علمه بالعيب و بعده.

و قال الشافعي: لا يمنع(2).

فلو اشترى دابّةً و أنعلها ثمّ وقف على العيب القديم، فلا ردّ عندنا، بل له الأرش.

و قال الشافعي: إن كان نَزْعُ النعل لا يؤثّر فيها عيباً، نَزَعه و ردَّها. و إن لم ينزع، لم يجب على البائع القبول. و إن كان النزع يخرم ثقب المسامير و يتعيّب الحافر به فنزع، بطل حقّه من الردّ و الأرش عنده، و كان تعيّبه(3) بالاختيار قطعاً للخيار(4)(5).

ص: 133


1- العزيز شرح الوجيز 258:4، روضة الطالبين 143:3.
2- الحاوي الكبير 261:5.
3- في «ق» و الطبعة الحجريّة: تعييبه.
4- في «ق، ك» و الطبعة الحجريّة: «للاختيار». و ما أثبتناه من العزيز شرح الوجيز.
5- العزيز شرح الوجيز 259258:4، روضة الطالبين 143:3.

و فيه احتمال عند بعضهم(1).

و لو ردّها مع النعل، اجبر البائع على القبول عنده، و ليس للمشتري طلب قيمة النعل، فإنّه حقير في معرض ردّ الدابّة.

ثمّ تَرْكُ النعل من المشتري تمليك حتى يكون للبائع لو سقط(2) ، أو إعراض حتى يكون للمشتري ؟ فيه لهم وجهان، أشبههما: الثاني(3).

و كلّ هذا ساقط عندنا.

مسألة 309: لو صبغ المشتري الثوب بما به تزيد قيمته ثمّ عرف عيبه السابق، فلا ردّ

عندنا، خلافاً للشافعي(4).

فإن رضي بالردّ من غير طلب شيء، قال الشافعي: يجب على البائع قبوله، و يصير الصبغ ملكاً [له(5)] لأنّه صفة للثوب لا تزايله، بخلاف النعل(6).

قال الجويني: و لم يذهب أحد إلى أنّه يردّ الثوب و يبقى شريكاً بالصبغ(7) ، كما في المغصوب، فإنّه يكون شريكاً، و الاحتمال يتطرّق إليه(8).

ص: 134


1- العزيز شرح الوجيز 259:4، روضة الطالبين 143:3.
2- في «ق، ك» و الطبعة الحجريّة: «أو إسقاط» بدل «لو سقط». و ما أثبتناه من المصادر ما عدا التهذيب.
3- الوسيط 134:3، التهذيب للبغوي 450:3، العزيز شرح الوجيز 259:4، روضة الطالبين 144143:3.
4- الوسيط 134:3، العزيز شرح الوجيز 259:4، روضة الطالبين 144:3.
5- في الطبعة الحجريّة: «و يكون الصبغ ملكه» بدل ما أثبتناه من «ق، ك».
6- المصادر في الهامش (3).
7- في الطبعة الحجريّة: «في الصبغ».
8- العزيز شرح الوجيز 259:4، روضة الطالبين 144:3.

و إن أراد الردّ و أخذ قيمة الصبغ، ففي وجوب الإجابة على البائع للشافعيّة وجهان، أظهرهما: العدم، لكن يأخذ المشتري الأرش(1).

و لو طلب المشتري أرش العيب و قال البائع: رُدّ الثوب لأغرم لك قيمة الصبغ، فوجهان لهم: القبول [و(2)] أنّ المجاب البائع، و لا أرش للمشتري(3).

و لمّا حكى الجويني الخلاف في الطرفين ذكر أنّ الصبغ الزائد جرى مجرى أرش العيب الحادث في طرفي المطالبة، و يريد به أنّه إذا قال البائع: ردّ مع الأرش، و قال المشتري: أمسك و آخذ الأرش، ففي مَنْ يجاب ؟ وجهان. و كذا إذا قال المشتري: أردّه مع الأرش، و قال البائع: بل أغرم الأرش(4).

و وجه المشابهة بين الصبغ الزائد و أرش العيب الحادث أنّ إدخال الصبغ في ملك البائع مع أنّه دخيل في العقد كإدخال الأرش الدخيل.

ثمّ المجاب منهما في وجهٍ مَنْ يدعو إلى فضل الأمر بالأرش القديم(5).

أمّا لو قصر الثوب ثمّ ظهر على العيب بعد القصارة، فلا ردّ عندنا، بل له الأرش.

و عند الشافعيّة(6) يبنى على أنّ القصارة عين أو أثر؟ إن قلنا بالأوّل، فهي كالصبغ. و إن قلنا بالثاني، ردّ الثوب مجّاناً، كالزيادات المتّصلة(7).3.

ص: 135


1- العزيز شرح الوجيز 259:4، روضة الطالبين 144:3.
2- أضفناها لأجل السياق.
3- العزيز شرح الوجيز 259:4، روضة الطالبين 144:3.
4- العزيز شرح الوجيز 259:4.
5- العزيز شرح الوجيز 259:4.
6- في الطبعة الحجريّة: «الشافعي».
7- العزيز شرح الوجيز 259:4، روضة الطالبين 144:3.
مسألة 310: إذا اشترى ما المقصود منه مستور بقشره -

كالبطّيخ و النارنج و الرمّان و الجوز و اللوز و البندق و البيض فكسره ثمّ وجده فاسداً، نظر إن لم يكن [لفاسده(1)] قيمة كالبيض الفاسد و البطّيخ الأسود رجع بجميع الثمن؛ لأنّ العقد ورد على ما لا منفعة فيه، فلم يكن صحيحاً، و به قال بعض الشافعيّة(2).

و قال بعضهم بفساد البيع لا لهذه العلّة، بل إنّ الردّ يثبت على سبيل استدراك الظلامة(3).

و كما يرجع بجزء من الثمن عند انتقاص جزء من المبيع يرجع بكلّه عند فوات كلّ المبيع.

و تظهر فائدة الخلاف في أنّ القشور الباقية بمن تختصّ حتى يكون عليه تطهير الموضع عنها؟ و إن كان لفاسده قيمة كالبطّيخ الحامض أو المدود بعضُ الأطراف فله الأرش، و لا ردّ؛ لتصرّفه.

و للشافعيّة تفصيل، قالوا: إنّ للكسر حالتين:

إحداهما: أن لا يوقف على ذلك الفساد إلّا بمثله، فقولان:

أحدهما: لا ردّ كما قلنا و به قال أبو حنيفة و المزني، كما لو عرف بعيب الثوب بعد قطعه، و على هذا هو كسائر العيوب الحادثة، فيرجع المشتري بأرش العيب القديم.

ص: 136


1- بدل ما بين المعقوفين في «ق، ك» و الطبعة الحجريّة: «لمكسوره». و ما أثبتناه يقتضيه السياق.
2- المهذّب للشيرازي 293292:1، التهذيب للبغوي 463:3، العزيز شرح الوجيز 260:4، روضة الطالبين 144:3.
3- العزيز شرح الوجيز 260:4، روضة الطالبين 144:3.

و الثاني: له الردّ و به قال مالك و أحمد في رواية لأنّه نقص لا يعرف العيب إلّا به، فلم يمنع الردّ، كالمصرّاة.

فإن أثبتنا له الردّ، فهل يغرم أرش الكسر؟ قولان، أحدهما: نعم، كالمصرّاة. و الثاني: لا؛ لأنّه لا يعرف العيب إلّا به، فهو معذور فيه، و البائع بالبيع كأنّه(1) سلّطه عليه.

و إن قلنا بالأوّل، غرم ما بين قيمته صحيحاً فاسد اللُّبّ و مكسوراً فاسد اللُّبّ، و لا ينظر إلى الثمن.

الحالة الثانية: أن يمكن الوقوف على ذلك الفساد بأقلّ من ذلك الكسر، فلا ردّ، كما في سائر العيوب(2).

إذا عرفت هذا، فكسر الجوز و نحوه و نقب النارنج من صُور الحالة الأُولى، و كسر النارنج من صُور الحالة الثانية.

و كذا البطّيخ الحامض إذا أمكن معرفة حموضته بغرز شيء فيه. و كذا التقوير الكبير إذا أمكن معرفتها بالتقوير الصغير. و التدويد لا يُعرف إلّا بالتقوير، و قد يحتاج إلى الشقّ ليعرف.

و ليست الحموضة عيباً في الرمّان، بخلاف البطّيخ.

و لو شرط حلاوة الرمّان فظهرت حموضته بالغرر، كان له الردّ. و إن كان بالكسر أو الشقّ، فالأرش لا غير.4.

ص: 137


1- في «ق، ك» و الطبعة الحجريّة: «فإنّه» بدل «كأنّه». و الصحيح ما أثبتناه من العزيز شرح الوجيز.
2- العزيز شرح الوجيز 261260:4، روضة الطالبين 145144:3، مختصر المزني: 83، المهذّب للشيرازي 293:1، التهذيب للبغوي 464463:3، حلية العلماء 264262:4، بدائع الصنائع 284:5، المغني 273:4، الشرح الكبير 105:4.
مسألة 311: إذا باع الثوب المطويّ، صحّ البيع إذا علم باطنه كظاهره.

و لو كان مطويّاً على طاقين، فكذلك؛ لأنّه يرى جميع الثوب من جانبيه إن تساوى الوجهان المطويّان، و إلّا فلا.

فلو اشترى ثوباً مطويّاً أو ثوباً ينتقص بالنشر فنشره و وقف على عيب لا يوقف عليه إلّا بالنشر، فلا ردّ؛ لانتقاصه بالنشر، بل له الأرش.

و للشافعي قولان(1) تقدّما في البطّيخ و شبهه.

مسألة 312: الفسخ يرفع العقد من حين وقوعه لا من أصله؛

لأنّ العقد لا ينعطف حكمه على ما مضى، فكذا الفسخ، و هو أصحّ قولي الشافعيّة.

و في الثاني: إذا اتّفق الفسخ قبل القبض، يردّ العقد من أصله؛ لضعف العقد، فإذا فسخ، فكأنّه لا عقد(2). و ليس بشيء.

و لهم وجه آخر: أنّه يرفع العقد من أصله مطلقاً(3).

إذا عرفت هذا، فعندنا أنّ الاستخدام بل كلّ تصرّف يصدر من المشتري قبل علمه بالعيب أو بعده يمنع الردّ، إلّا في وطئ الجارية الحامل و حلب المصرّاة خاصّةً.

و قال الشافعي: الاستخدام لا يمنع من الردّ بالعيب، و كذا وطؤ الثيّب، فإذا ردّها، لم يضمّ إليها مهراً عنده و به قال مالك و أحمد في رواية لأنّه معنى لا يوجب نقصاً و لا يشعر رضا، فأشبه الاستخدام(4).

ص: 138


1- التهذيب للبغوي 464:3، العزيز شرح الوجيز 261:4، روضة الطالبين 146:3.
2- الوسيط 138:3، العزيز شرح الوجيز 276:4، روضة الطالبين 150:3.
3- العزيز شرح الوجيز 276:4، روضة الطالبين 150:3.
4- حلية العلماء 256:4، العزيز شرح الوجيز 276:4، روضة الطالبين 150:3، بداية المجتهد 182:2، المغني 259:4، الشرح الكبير 98:4.

و الأصل ممنوع.

و قال أبو حنيفة: إنّه يمنع الردّ(1) ، كقولنا.

و لو وطئها البائع بشبهة، فكوطئ المشتري لا يمنع الردّ. و وطؤها عن رضا منها زنا، و هو عيب حادث.

هذا إذا وُطئت بعد القبض، و لو وطئها المشتري قبل القبض، فلا ردّ عندنا.

و قال الشافعي: له الردّ، و لا يصير قابضاً لها، و لا مهر عليه إن سلمت و قبضها(2).

و إن تلفت قبل القبض، فلا مهر عليه؛ لأنّه وطؤ صادف ملكاً.

و للشافعيّة وجهان، هذا أحدهما. و الثاني: أنّ عليه المهر للبائع. و هُما مبنيّان على أنّ العقد إذا انفسخ بتلفٍ قبل القبض، ينفسخ من أصله أو من حينه ؟ و أصحّهما عندهم: الثاني(3).

و إن وطئها أجنبيّ و هي زانية، فهو عيب حدث قبل القبض. و إن كانت مكرهةً، فللمشتري المهر، و لا خيار له بهذا الوطي. و وطؤ البائع كوطي الأجنبيّ، لكن لا مهر عليه إن قلنا: إنّ جناية البائع قبل القبض كالآفة السماويّة.

و الوجه عندنا: أنّ عليه المهر.

و أمّا البكر فافتضاضها بعد [القبض(4)] نقصٌ حادث، و قبله جنايةه.

ص: 139


1- حلية العلماء 256:4، بداية المجتهد 182:2، العزيز شرح الوجيز 276:4، المغني 259:4، الشرح الكبير 98:4.
2- العزيز شرح الوجيز 276:4، روضة الطالبين 150:3.
3- العزيز شرح الوجيز 277276:4، روضة الطالبين 150:3.
4- بدل ما بين المعقوفين في «ق، ك» و الطبعة الحجريّة: «العقد». و الصحيح ما أثبتناه.

على المبيع قبل القبض.

و إن افتضّها الأجنبيّ بإصبعه، فعليه ما نقص من قيمتها.

و إن افتضّها بالجماع، فعليه المهر و أرش البكارة، و لا تداخل، و هو أحد وجهي الشافعيّة(1).

و الثاني الأصحّ عندهم: الدخول، فعليه مهر مثلها بكراً، و على الأوّل عليه أرش البكارة و مهر مثلها ثيّباً(2).

ثمّ المشتري إن أجاز العقد، فالجميع له، و إلّا فقدر(3) أرش البكارة للبائع؛ لعودها إليه ناقصةً، و الباقي للمشتري.

و إن افتضّها البائع، فإن أجاز المشتري، فلا شيء على البائع إن قلنا: جنايته كالآفة السماويّة. و إن قلنا: إنّها كجناية الأجنبيّ، فالحكم كما في الأجنبيّ. و إن فسخ المشتري، فليس على البائع أرش البكارة.

و هل عليه مهر مثلها [ثيّباً(4)] إن افتضّ بالجماع ؟ يبنى على أنّ جنايته كالآفة السماويّة أو لا.

و إن افتضّها المشتري، استقرّ عليه من الثمن بقدر ما نقص من قيمتها، فإن سلمت حتى قبضها، فعليه الثمن بكماله. و إن تلفت قبل القبض، فعليه بقدر نقصان الافتضاض من الثمن. و هل عليه مهر مثل ثيّبٍ إن افتضّها بالجماع ؟ يبنى على أنّ العقد ينفسخ من أصله أو من حينه ؟ هذا هو الصحيح عندهم(5).3.

ص: 140


1- العزيز شرح الوجيز 277:4، روضة الطالبين 151150:3.
2- العزيز شرح الوجيز 277:4، روضة الطالبين 151150:3.
3- في «ق، ك» و الطبعة الحجريّة: «بقدر». و الصحيح ما أثبتناه.
4- بدل ما بين المعقوفين في «ق، ك» و الطبعة الحجريّة: «هنا». و الصحيح ما أثبتناه.
5- العزيز شرح الوجيز 277:4، روضة الطالبين 151:3.

و فيه وجه: أنّ افتضاض المشتري قبل القبض كافتضاض الأجنبيّ(1).

مسألة 313: لو باع شيئاً ثمّ ظهر المشتري على عيب و لم يتصرّف، كان له الردّ أو الأرش،

فإن اختار الردّ، فلا يخلو إمّا أن تكون العين قائمةً بحالها فيردّها، أو تنقص. و قد تنقص عند المشتري، و قد مضى حكمه. أو تزيد، فلا يخلو إمّا أن تكون هذه الزيادة متّصلةً، كسمن الجارية، و تعلّم العبد الصنعة أو القرآن، و كبر الشجرة، فهذه الزيادة تابعة لردّ الأصل، و لا شيء على البائع بسببها، أو تكون منفصلةً، كالولد و الثمرة و كسب العبد و مهر الجارية الموطوءة بالشبهة أو بالزنا إن أثبتنا فيه مهراً للأمة، و أُجرة الدابّة إذا ركبت من غير إذن المشتري عندنا و بإذنه عند الشافعي، فهذه الزيادة لا تتبع الردّ بالعيب، بل تسلم للمشتري، و يردّ الأصل دون هذه الزيادة و به قال الشافعي و أحمد(2) لأنّ هذه حصلت في ملك المشتري.

و لأنّ مخلد بن خفاف(3) ابتاع غلاماً فاستغلّه(4) ثمّ أصاب به عيباً، فقضى له عمر بن عبد العزيز بردّه و غلّته، فأخبره عروة عن عائشة أنّ النبيّ (صلّى اللّه عليه و آله) قضى في مثل هذا أنّ الخراج بالضمان، فردّ عمر قضاءه و قضى لمخلد بالخراج(5).

ص: 141


1- العزيز شرح الوجيز 277:4، روضة الطالبين 151:3.
2- المهذّب للشيرازي 292:1، التهذيب للبغوي 436:3، شرح السنّة للبغوي 122:5، العزيز شرح الوجيز 278:4، روضة الطالبين 151:3، بداية المجتهد 182:2، المغني 259258:4، الشرح الكبير 9897:4.
3- في «ق، ك» و الطبعة الحجريّة: «حداف». و هي تصحيف.
4- في «ق، ك» و الطبعة الحجريّة: «فاستعمله». و ما أثبتناه من المصادر.
5- سنن البيهقي 322321:5، شرح السنّة 123:5، التهذيب للبغوي 430:3-434، العزيز شرح الوجيز 278:4.

و معنى الحديث أنّ ما يخرج من المبيع من فائدة و غلّة فهو للمشتري في مقابلة أنّه لو تلف، كان من ضمانه، بخلاف الغاصب؛ لأنّ المشتري مالك للعين، و الغاصب غير مالك.

و قال مالك: إن كان النماء ولداً، ردّه معها. و إن كان ثمرةً، ردّ الأصل دونها؛ لأنّه حكم تعلّق برقبة الاُم، فوجب أن يسري إلى الولد، كالكتابة(1).

و هو خطأ؛ لأنّ الردّ ليس بمستقرّ، و متى حدث عيب عند المشتري مَنَع الردّ. و لأنّ الولد ليس بمبيع، فلا يمكن ردّه بحكم ردّ الاُم.

و قال أبو حنيفة: النماء يمنع من الردّ بالعيب؛ لأنّ الردّ في الأصل تعذّر؛ لأنّه لا يمكن ردّه منفرداً عن نمائه، لأنّ النماء موجبه، فلا يرفع العقد مع بقاء موجبه، و لا يمكن ردّه معه؛ لأنّه لم يتناوله العقد، و إذا(2) تعذّر الرجوع، فالأرش(3).

و ليس بصحيح؛ لأنّ هذا إنّما حدث في ملك المشتري، فلم يمنع الردّ، كما لو حدث في يد البائع، و كما لو كان كسباً. و النماء ليس موجباً بالعقد، بل موجبه الملك، كالكسب، و لو أوجبه العقد، لوجب أن يعود إلى البائع بفسخه.

و كذا يلحق بالنماء المنفصل ما يكسبه العبد بعمله أو يوهب له أو يوصى له، فإنّ هذا يكون للمشتري.4.

ص: 142


1- بداية المجتهد 183182:2، شرح السنّة 122:5، العزيز شرح الوجيز 278:4، المغني 259:4، الشرح الكبير 98:4.
2- في الطبعة الحجريّة: «فإذا».
3- بدائع الصنائع 302:5، شرح السنّة 122:5، التهذيب للبغوي 436:3، بداية المجتهد 183:2، العزيز شرح الوجيز 278:4، المغني 259:4، الشرح الكبير 98:4.
مسألة 314: لا فرق بين الزوائد الحادثة قبل القبض و الزوائد الحادثة بعده

إذا كان الردّ بعد القبض. و إن كان الردّ قبله، فكذلك عندنا.

و للشافعيّة في الزوائد وجهان بناءً على أنّ الفسخ و الحال هذه رفع للعقد من أصله أو من حينه ؟ و الأصح عندهم: أنّها تسلم للمشتري أيضاً(1).

و لو كان المبيع جاريةً فحبلت و ولدت في يد المشتري، فإن نقصت بالولادة، سقط الردّ بالعيب القديم، و كان له الأرش و به قال الشافعي(2) لأنّه حدث عنده عيب و إن لم يكن الولد مانعاً.

و إن لم تنقص، فالأولى جواز ردّها وحدها من دون الولد و هو أحد قولي الشافعيّة و أكثرهم عليه(3) لأنّ هذا التفريق موضع حاجة، كما لو رهن جارية فولدت حُرّاً، يباع الرهن دون الولد.

و منهم مَنْ مَنَع؛ لأنّ في ذلك تفريقاً بين الاُمّ و الولد فيتعيّن الأرش، إلّا أن يكون الوقوف على العيب بعد بلوغ الولد سنّاً لا يحرم بعده التفريق(4)(5).

و كذا حكم الدابّة لو حملت عند المشتري و ولدت، فإن نقصت بالولادة، فلا ردّ، و يتعيّن(6) الأرش. و إن لم تنقص، ردّها دون ولدها؛ لأنّه للمشتري.

مسألة 315: لو اشترى جاريةً حبلى أو دابّة حاملاً ثمّ وجد بها عيباً،

ص: 143


1- العزيز شرح الوجيز 278:4، روضة الطالبين 152151:3.
2- العزيز شرح الوجيز 278:4، روضة الطالبين 152:3.
3- العزيز شرح الوجيز 278:4، روضة الطالبين 152:3.
4- في «ق، ك» و الطبعة الحجريّة: «بعد بلوغ الولد سنّاً فإنّه لا يحرم بعده التفريق». و ما أثبتناه من العزيز شرح الوجيز.
5- العزيز شرح الوجيز 278:4، روضة الطالبين 152:3.
6- في الطبعة الحجريّة: فيتعيّن.

فإن ظهر عليه قبل الوضع، ردّها حاملاً؛ لأنّ الزيادة حدثت عند البائع و النماء(1) فيها كالمتّصل.

و إن ظهر عليه بعد الوضع، فإن نقصت بالولادة، فلا ردّ إلّا أن تضع في مدّة الثلاثة، فإنّ العيب الحادث فيها من غير جهة المشتري لا يمنع من الردّ بالعيب السابق و يتعيّن الأرش. و إن لم تنقص، ردّها و ردّ الولد معها؛ لأنّه جزء من المبيع، و له قسط من الثمن، و له حكم بانفراده، و هو أحد قولي الشافعيّة(2).

و في الآخر: لا يردّ الولد، بناءً على أنّ الحمل لا حكم له و لا يأخذ قسطاً من الثمن، فيكون بمنزلة ما لو تجدّد الحبل عند المشتري(3). و ليس شيئاً.

و يخرّج على هذا الخلاف أنّه هل للبائع حبس الولد إلى استيفاء الثمن ؟ و أنّه لوهلك قبل القبض، هل يسقط من الثمن بحصّته ؟ و أنّه هل للمشتري بيع الولد قبل القبض ؟ فإن قلنا: له قسط من الثمن، جاز الحبس، و سقط الثمن، و لم يجز البيع، و إلّا انعكس الحكم.

مسألة 316: لو اشترى نخلةً عليها طلْعٌ غير مؤبَّر و وجد بها عيباً بعد التأبير، ردّها و ردّ الثمرة

أيضاً؛ لأنّ لها قسطاً من الثمن، فإنّها مشاهدة مستيقنة.

و للشافعيّة طريقان، أظهرهما عندهم: أنّها على القولين في الحمل، تشبيهاً للثمرة في الكمام بالحمل في البطن. و الثاني: القطع بأنّها تأخذ قسطاً من الثمن(4).

ص: 144


1- في «ق، ك»: «فالنماء».
2- العزيز شرح الوجيز 279:4، روضة الطالبين 152:3.
3- العزيز شرح الوجيز 279:4، روضة الطالبين 152:3.
4- العزيز شرح الوجيز 279:4، روضة الطالبين 152:3.
مسألة 317: لو اشترى جاريةً حائلاً أو

مسألة 317: لو اشترى جاريةً حائلاً أو(1) بهيمةً حائلاً فحبلت ثمّ اطّلع على عيب، فإن نقصت بالحمل، فلا ردّ

إن كان الحمل في يد المشتري، و به قال الشافعي(2).

و إن لم تنقص أو كان الحمل في يد البائع، فله الردّ، و الحكم في الولد كما تقدّم من أنّه للمشتري؛ لأنّه نما على ملكه.

و للشافعيّة ما تقدّم من الخلاف إن قلنا: إنّه يأخذ قسطاً من الثمن، يبقى للمشتري، فيأخذه إذا انفصل.

و حكى بعضهم وجهاً آخر [أنّه للبائع(3)] لاتّصاله بالأُمّ عند الردّ.

و إن قلنا: إنّه لا يأخذ قسطاً من الثمن، فهو للبائع و يكون تبعاً للاُمّ عند الفسخ كما يكون تبعاً لها عند العقد(4).

و أطلق بعض الشافعيّة أنّ الحمل الحادث نقصٌ، أمّا في الجواري: فلأنّه يؤثّر في النشاط و الجمال، و أمّا في البهائم: فلأنّه ينقص لحم المأكول و ينقص الحمل(5) عليها و الركوب(6).

و لو اشترى نخلةً و أطلعت في يده ثمّ اطّلع على عيب، فالأقرب: أنّ الطلع [له؛ لأنّه(7)] نماء منفصل(8) متميّز عن الأصل، كالحبل لو تجدّد عند

ص: 145


1- في «ق، ك» و الطبعة الحجريّة: «و» بدل «أو» و الصحيح ما أثبتناه.
2- العزيز شرح الوجيز 279:4، روضة الطالبين 152:3.
3- بدل ما بين المعقوفين في «ق، ك» و الطبعة الحجريّة: «لأنّه». و الصحيح ما أثبتناه من المصدر.
4- العزيز شرح الوجيز 280279:4، روضة الطالبين 152:3.
5- كذا، و في المصدر: «و يخلّ بالحمل» بدل «و ينقص الحمل».
6- العزيز شرح الوجيز 280:4، روضة الطالبين 153152:3.
7- بدل ما بين المعقوفين في «ق، ك» و الطبعة الحجريّة: «الآن». و الصحيح ما أثبتناه.
8- في «ق، ك»: «مستفصل».

المشتري.

و للشافعيّة وجهان(1).

و لو كان على ظهر الحيوان صوف عند البيع فجزّه ثمّ عرف به عيباً، فعندنا يسقط الردّ بالتصرّف، و يتعيّن له الأرش.

و قال الشافعي: له الردّ و يردّ الصوف معه(2).

فإن استجزّ ثانياً و جزّه ثمّ عرف العيب القديم، لم يكن له الردّ عندنا، بل الأرش.

و قال الشافعي: له الردّ، و يردّ الصوف الأوّل لا الثاني؛ لحدوثه في ملكه(3).

و لو لم يجزّه، ردّه تبعاً و به قال الشافعي(4) لأنّه كالمتّصل.

و لو اشترى أرضاً و بها أُصول الكرّاث و نحوه، لم تدخل في المبيع.

و للشافعي قولان، هذا أحدهما. و الثاني: تدخل. فعلى الدخول إن أنبتت في يد المشتري ثمّ ظهر على عيب في الأرض، يردّ الأرض، و يبقى النابت للمشتري، فإنّها ليست تبعاً في الأرض(5) ، و لهذا لا يدخل الظاهر منها في ابتداء البيع فيه(6).3.

ص: 146


1- العزيز شرح الوجيز 280:4، روضة الطالبين 153:3.
2- التهذيب للبغوي 437:3، العزيز شرح الوجيز 280:4، روضة الطالبين 153:3.
3- العزيز شرح الوجيز 280:4، روضة الطالبين 153:3.
4- التهذيب للبغوي 437:3، العزيز شرح الوجيز 280:4، روضة الطالبين 153:3.
5- الظاهر: تبعاً للأرض.
6- التهذيب للبغوي 437:3، العزيز شرح الوجيز 280:4، روضة الطالبين 153:3.
مسألة 318: الثمن المعيّن إذا خرج معيباً، يردّه البائع بالعيب ما لم يتصرّف،

كالمبيع، و به قال الشافعي(1).

و إن لم يكن معيّناً، استبدل به، و لا يفسخ العقد، سواء خرج معيباً بخشونة أو سواد أو ظهر أنّ سكّته مخالفة لسكّة النقد الذي تعاقدا عليه، أو(2) خرج نحاساً أو رصاصاً.

و لو تصارفا و تقابضا ثمّ وجد أحدهما بما قبض خللاً، فإن كانا معيّنين و خرج من غير الجنس، يبطل الصرف.

و للشافعيّة قولان هذا أحدهما. و الثاني: أنّه صحيح تغليباً للإشارة(3).

هذا إذا كان له قيمة، و إن لم يكن له قيمة، بطل إجماعاً.

و إن خرج بعضه بهذه الصفة، بطل العقد فيه، و في الباقي قولا تفريق الصفقة للشافعيّة: إن لم يبطل، فله الخيار. و إن أجاز، فإن كان الجنس مختلفاً بأن يتبايعا فضّةً بذهب، فالقولان في أنّ الإجازة بجميع الثمن أو بالحصّة. و إن كان متّفقاً، فالإجازة بالحصّة؛ لامتناع الفضل(4).

و إن خرج [أحدهما(5)] خشناً أو أسود، فلآخذه الخيار، و لا يجوز الاستبدال.

فإن خرج بعضه [كذلك(6)] فله الخيار، و ليس له فسخ المعيب و إجازة الباقي.

و للشافعيّة قولا تفريق الصفقة، فإن جوّزنا، فالإجازة بالحصّة؛ لأنّ

ص: 147


1- العزيز شرح الوجيز 283:4، روضة الطالبين 155:3.
2- في «ق، ك» و الطبعة الحجريّة: «لو» بدل «أو». و الصحيح ما أثبتناه.
3- المصدر في الهامش (1).
4- المصدر في الهامش (1).
5- ما بين المعقوفين يقتضيه السياق.
6- ما بين المعقوفين يقتضيه السياق.

العقد صحّ في الكلّ، فإذا ارتفع، كان بالقسط(1).

و إن كانا غير معيّنين، فإن خرج أحدهما نحاساً و هُما في المجلس، استبدل. و إن تفرّقا قبله، بطل العقد؛ لأنّ المقبوض غير ما ورد عليه العقد.

و إن خرج خشناً أو أسود، فإن لم يتفرّقا، تخيّر بين الرضا به و الاستبدال. و إن تفرّقا، ففي أنّ له الاستبدال للشافعيّة قولان: أحدهما: لا؛ لأنّه قبض بعد التفرّق. و أصحّهما: نعم، كالمُسْلَم فيه إذا خرج معيباً(2).

و الأصل فيه أنّ القبض الأوّل صحيح إذا رضي به جاز، و البدل مأخوذ، فقام مقام الأوّل.

و يجب أخذ البدل قبل التفرّق عن مجلس الردّ.

و إن خرج البعض كذلك و تفرّقا، فإن جوّزنا الاستبدال، استبدل، و إلّا تخيّر بين فسخ الجميع و الإجازة.

و في أنّ له فسخ المعيب خاصّة قولا تفريق الصفقة(3).

و حكم رأس مال السَّلم(4) حكم عوض الصرف.

و لو وجد أحد المتصارفين بما أخذ عيباً بعد تلفه، فإن كان العقد على معيّنين فاختلف الجنس، فهو كبيع العرض بالنقد. و إن كان متّفقاً، فالخلاف الذي سبق لهم في الحليّ(5).

و إن ورد على ما في الذمّة و لم يتفرّقا بَعْدُ، غرم ما تلف عنده،3.

ص: 148


1- العزيز شرح الوجيز 283:4، روضة الطالبين 156155:3.
2- العزيز شرح الوجيز 284283:4، روضة الطالبين 156:3.
3- العزيز شرح الوجيز 284:4، روضة الطالبين 156:3.
4- في «ق، ك» و الطبعة الحجريّة: «المسلم». و الصحيح ما أثبتناه.
5- العزيز شرح الوجيز 284:4، روضة الطالبين 156:3.

و يستبدل. و كذا إن تفرّقا و جوّزنا الاستبدال.

و لو وجد المُسْلَم إليه برأس مال السَّلَم عيباً بعد تلفه عنده، فإن كان معيّناً أو في الذمّة و عُيّن و قد تفرّقا و لم نجوّز الاستبدال، فيسقط من المُسْلَم فيه بقدر نقصان العيب من قيمة رأس المال. و إن كان في الذمّة و هُما في المجلس، يغرم التالف و يستبدل. و كذا إن كان بعد التفرّق و جوّزنا الاستبدال.

مسألة 319: لو اشترى عبداً بمائة ثمّ دفع بالمائة ثوباً برضا البائع ثمّ وجد المشتري بالعبد عيباً و ردّه، فالوجه: أنّه يرجع بالمائة؛

لأنّ الثوب ملك بعقدٍ آخر، و هو أحد قولي الشافعيّة. و الثاني: أنّه يرجع بالثوب؛ لأنّه إنّما ملك الثوب بالثمن، و إذا فسخ البيع، سقط الثمن عن ذمّة المشتري، فينفسخ بيع الثوب به(1).

و لو مات العبد قبل القبض و انفسخ البيع، قال ابن سريج: يرجع بالألف دون الثوب؛ لأنّ الانفساخ بالتلف يقطع العقد و لا يرفعه من أصله. و هو الأصحّ عندهم(2). و فيه وجه آخر لهم(3).

مسألة 320: لو باع عصيراً فوجد المشتري به عيباً بعد أن صار خمراً، لم يمكن الردّ فيتعيّن له الأرش،

و به قال الشافعي(4). فإن تخلّل، فللمشتري ردّه.

و هل للبائع أن يستردّه و لا يدفع الأرش ؟ قال الشافعي: نعم(5).

و ليس بجيّد على ما تقدّم.

و لو اشترى ذمّي خمراً من ذمّيٍّ ثمّ أسلما و عرف المشتري بالخمر

ص: 149


1- العزيز شرح الوجيز 284:4، روضة الطالبين 156:3.
2- العزيز شرح الوجيز 284:4، روضة الطالبين 157:3.
3- العزيز شرح الوجيز 284:4، روضة الطالبين 157:3.
4- العزيز شرح الوجيز 284:4، روضة الطالبين 157:3.
5- العزيز شرح الوجيز 284:4، روضة الطالبين 157:3.

عيباً، فلا ردّ، بل يأخذ الأرش. و لو أسلم البائع وحده، فلا ردّ أيضاً. و لو أسلم المشتري وحده، فله الردّ قاله ابن سريج(1) لأنّ المسلم لا يتملّك الخمر، بل يزيل يده عنه.

مسألة 321: الإقالة فسخ عندنا

على ما يأتي(2) ، و ليست بيعاً. فلو اشترى سلعة ثمّ تقايلا فوجد بها عيباً حدث عند المشتري، كان له فسخ الإقالة، و ردّه بالعيب؛ لأنّ هذا العيب من ضمان المشتري، فهو بمنزلة أن يجد عيباً في المبيع.

مسألة 322: قد بيّنّا أنّه يصحّ بيع العين الغائبة الشخصيّة مع ذكر الجنس و كلّ وصف

تثبت الجهالة بفقده، و هو أحد قولي الشافعي. و الآخر: لا يشترط الوصف مطلقاً(3) ، فعلى هذا الثاني لو رآه، ثبت له الخيار عنده.

و على الأوّل إن وجده ناقصاً عنها، كان له الخيار على وفق مذهبنا، كما إذا دفع مال المُسْلَم فيه ناقصاً عن صفاته، إلّا أنّ في السَّلَم يلزمه إبداله؛ لأنّ المعقود عليه كلّيّ يثبت(4) في الذمّة، و هنا عين شخصيّة، فيكون له الخيار في إمضاء العقد و فسخه؛ لأنّ العقد تعيّن به، و لا أرش له؛ للأصل.

و إن(5) وجده على الصفات المذكورة، لزمه البيع، و لا خيار له عندنا؛ لعدم موجبه، و هو أحد وجهي الشافعي، و به قال أحمد؛ لأنّ المعقود عليه سلم له بصفاته، فأشبه المُسْلَم فيه(6).

ص: 150


1- العزيز شرح الوجيز 284:4، روضة الطالبين 157:3.
2- في ج 12، المسألة 628.
3- المهذّب للشيرازي 270:1، الحاوي الكبير 20:5، حلية العلماء 8685:4، العزيز شرح الوجيز 6261:4، روضة الطالبين 42:3.
4- في «ق، ك»: «ثبت».
5- في الطبعة الحجريّة: «فإن».
6- المهذّب للشيرازي 271:1، المجموع 293:9، حلية العلماء 86:4، الحاوي الكبير 23:5، العزيز شرح الوجيز 62:4، روضة الطالبين 42:3، المغني 85:4، الشرح الكبير 30:4.

و الثاني و هو ظاهر مذهبهم -: أنّه يثبت له الخيار(1) ؛ للإجماع على تسميته بيع خيار الرؤية، فينبغي أن يثبت فيه الخيار. و لأنّ الرؤية تمام هذا العقد؛ لأنّ العقد قائم قبله؛ لأنّه موقوف على مشاهدته و وجود الصفات فيه، فإذا كان عند الرؤية يتمّ العقد، يثبت الخيار عقيبه، كبيع العين الحاضرة يثبت الخيار عقيب العقد في المجلس، بخلاف السَّلَم؛ لأنّ العقد قد تمّ قبل رؤيته؛ لأنّه معقود على الموصوف دون العين.

و ليس بشيء؛ فإنّ التسمية لا يجب عمومها. و وقوف العقد على المشاهدة ظاهراً لا يوجب وقوفه في نفس الأمر؛ لأنّه إذا كان على الصفات، لم يكن موقوفاً على شيء، بل يكون لازماً.

و على قول الخيار هل يثبت على الفور أو على المجلس ؟ للشافعي وجهان: أحدهما: على المجلس؛ لأنّه ثبت بمقتضى العقد، فكان على المجلس، كخيار المجلس. و الثاني: يكون على الفور؛ لأنّه معلّق بمشاهدة المبيع، فكان على الفور، كخيار ردّ العيب؛ لأنّه يتعلّق بمشاهدة العيب(2). و هذا ساقط عندنا.

مسألة 323: البائع إذا لم يشاهد المبيع، صحّ

إن وصف له وصفاً يرفع الجهالة، و إلّا فلا، و هو أحد قولي الشافعي. و في الثاني: يصحّ، و يثبت له

ص: 151


1- المهذّب للشيرازي 271:1، المجموع 293:9، حلية العلماء 86:4، الحاوي الكبير 23:5، العزيز شرح الوجيز 62:4، روضة الطالبين 42:3، المغني 85:4، الشرح الكبير 30:4.
2- المهذّب للشيرازي 271:1، المجموع 294:9، العزيز شرح الوجيز 63:4، روضة الطالبين 42:3.

الخيار؛ لأنّه جاهل بصفة المعقود عليه، فأشبه المشتري(1).

و قال أبو حنيفة: لا خيار له في الرؤية [للرواية(2)] التي رجع إليها؛ لأنّ عثمان و طلحة تناقلا داريهما إحداهما بالكوفة و الأُخرى بالمدينة، فقيل لعثمان: إنّك غبنت، فقال: ما أُبالي؛ لأنّي بعت ما لم أره، و قيل لطلحة، فقال: لي الخيار؛ لأني اشتريت ما لم أره، فتحاكما إلى جبير بن مطعم، فجعل الخيار لطلحة(3).

و لأنّا لو جعلنا الخيار للبائع، لكُنّا قد أثبتنا له الخيار لتوهّم الزيادة، و الزيادة في المبيع لا تثبت الخيار، فإنّه لو باع شيئاً على أنّه معيب فبان سليماً، لم يثبت الخيار، بخلاف المشتري؛ لأنّه يثبت الخيار له لتوهّم النقصان(4).

و الخبر لا حجّة فيه. و الخيار لا يتعلّق بالزيادة و النقصان، فإنّ المشتري لو قال: هو أجود ممّا ظننته و قد اخترت الفسخ، كان له. و كذا صاحب خيار المجلس و الشرط له الفسخ، و لا يشترط زيادة و لا نقصان.

و يبطل أيضاً بما لو باع ثوباً على أنّه عشرة أذرع فظهر أحد عشر، فإنّه يثبت للبائع الخيار عنده(5).

و لو كان البائع شاهَدَ المبيع و لم يشاهده المشتري، فلا خيار للبائع4.

ص: 152


1- التهذيب للبغوي 286:3، حلية العلماء 8988:4، العزيز شرح الوجيز 63:4، روضة الطالبين 42:3، المغني 8382:4، الشرح الكبير 29:4.
2- أضفناها لأجل السياق.
3- سنن البيهقي 268:5، المغني 77:4، الشرح الكبير 28:4.
4- التهذيب للبغوي 286:3، حلية العلماء 89:4، العزيز شرح الوجيز 63:4، المغني 8382:4، الشرح الكبير 29:4.
5- انظر: العزيز شرح الوجيز 63:4.

إذا لم يردّ(1) و هو قول الشافعي(2) لأنّه أحد المتبايعين، فلا يثبت له خيار الرؤية مع تقدّمها، كالمشتري.

و حكى أبو حامد وجهاً أنّه يثبت للبائع أيضاً؛ لأنّه خيار ثبت بمطلق العقد، فيشترك فيه البائع و المشتري، كخيار المجلس(3).

و ليس بصحيح؛ لأنّ المشتري إنّما يثبت(4) له؛ لعدم الرؤية، لا لأجل العقد، بخلاف خيار المجلس.

مسألة 324: إذا اختار إمضاء العقد قبل الرؤية و لم يوصف المبيع، كان البيع باطلاً.

و يصحّ عند الشافعي(5). و حينئذٍ لو اختار الإمضاء، لم يصح؛ لأنّ الخيار يتعلّق بالرؤية. و لأنّه يؤدّي إلى أن يلزمه المبيع المجهول الصفة. و لو فسخ قبل الرؤية، جاز؛ لجواز الفسخ في المجهول.

و لو تقدّمت رؤيتهما على البيع و عرفاه ثمّ غاب عنهما، جاز بيعه؛ عملاً بأصالة الاستصحاب. و لأنّه مبيع معلوم عندهما حالة العقد، فأشبه ما إذا شاهداه.

و قال بعض الشافعيّة: لا يصحّ البيع حتى يشاهداه حالة التبايع و هو محكيّ عن الحكم و حمّاد لأنّ ما كان شرطاً في صحّة العقد يجب أن يكون موجوداً حالة العقد، كشهادة النكاح(6).

ص: 153


1- كذا في «ق، ك» و الطبعة الحجريّة.
2- حلية العلماء 89:4، العزيز شرح الوجيز 63:4، روضة الطالبين 42:3، المجموع 293:9.
3- حلية العلماء 90:4، و انظر: العزيز شرح الوجيز 63:4، و روضة الطالبين 42:3، و المجموع 293:9.
4- في «ق، ك»: «ثبت».
5- انظر: العزيز شرح الوجيز 51:4، و المجموع 290:9.
6- حلية العلماء 94:4، الحاوي الكبير 2625:5، المغني 89:4، الشرح الكبير 30:4.

و الفرق: أنّ الشهادة تراد لتحمّل العقد و الاستيثاق عليه، فلهذا اشترطت حال العقد.

و ينتقض بما لو شاهدا داراً ثمّ وقفا في بعض بيوتها أو في صحنها و تبايعاها، أو شاهدا أرضاً ثمّ وقفا في طرفها و تبايعاها، و هو جائز بالإجماع مع أنّ مشاهدة الكلّ لا توجد حال العقد.

مسألة 325: إذا كان المبيع ممّا لا يتغيّر كالحديد و النحاس و الرصاص و باعه بالوصف، أو كان قد شاهده، صحّ.

فإن وجده بحاله، لزم البيع. و إن كان ناقصاً، ثبت الخيار؛ لأنّ ذلك كحدوث العيب، و به قال الشافعي(1).

و لو اختلفا فقال البائع: هو بحاله. و قال المشتري: قد نقص، للشافعي قولان، أحدهما: تقديم قول المشتري؛ لأنّ الثمن يلزمه و لا يلزمه إلّا ما اعترف به(2).

و لو كان المبيع طعاماً يفسد فعقدا عليه و قد مضى زمان يفسد في مثله، لم يصح البيع، و به قال الشافعي(3).

و لو كان الزمان ممّا يحتمل الفساد فيه و الصحّة، فالأقوى: الصحّة؛ عملاً باستصحاب الحال. و مَنَع الشافعي(4) منه.

و لو كان حيواناً، جاز بيعه؛ لأصالة البقاء، و هو أحد قولي

ص: 154


1- الحاوي الكبير 26:5، العزيز شرح الوجيز 54:4، روضة الطالبين 3736:3، المجموع 296:9.
2- العزيز شرح الوجيز 55:4، روضة الطالبين 37:3، المجموع 297:9.
3- الحاوي الكبير 26:5، العزيز شرح الوجيز 55:4، روضة الطالبين 37:3، المجموع 297296:9.
4- العزيز شرح الوجيز 55:4، روضة الطالبين 37:3، المجموع 297:9.

الشافعي(1).

و حكي عن المزني المنع(2).

و عن ابن أبي هريرة أنّه إن طالت المدّة، لم يجز؛ لأنّه بيع الغرر(3).

و هو ممنوع؛ لأصالة السلامة و البقاء.

مسألة 326: المشهور عند علمائنا أنّ الملك ينتقل بنفس الإيجاب و القبول إلى المشتري

انتقالاً غير لازم إن اشتمل على خيار، و يلزم بانقضائه، و الملك في الثمن للبائع و هو أحد أقوال الشافعي، و به قال أحمد لقوله (عليه السّلام): «مَنْ باع عبداً و له مال فمالُه للبائع إلّا أن يشترطه المبتاع»(4).

و لأنّه عقد معاوضة يقتضي الملك، فلزمه بنفس العقد، كالنكاح.

و الثاني للشافعي: أنّه ينتقل بالعقد و انقضاء الخيار، فيكون في مدّة الخيار للبائع، و الملك في الثمن للمشتري، و به قال أبو حنيفة و مالك، إلّا أنّهما قالا: لا يثبت خيار المجلس، فيكون ذلك في خيار الشرط؛ لأنّه إيجاب غير لازم مع سلامة المعقود عليه، فلم ينتقل الملك، كعقد الهبة.

و الفرق ظاهر؛ فإنّ الهبة ليست عقد معاوضة، بل هي تبرّع محض، و عدم اللزوم لا يمنع الملك في المعاوضات، كما لو كان معيباً.

و الثالث: أنّ الملك مراعى، فإن فسخا، تبيّنّا أنّ الملك لم ينتقل بالعقد، و إن أجازا، تبيّنّا أنّه انتقل بالعقد من حين العقد؛ لأنّ البيع سبب

ص: 155


1- الحاوي الكبير 26:5، العزيز شرح الوجيز 55:4، روضة الطالبين 37:3، المجموع 297:9.
2- العزيز شرح الوجيز 55:4، المجموع 297:9.
3- انظر: العزيز شرح الوجيز 55:4، و المجموع 297:9.
4- سنن أبي داوُد 268:3، 3433، مسند أحمد 73:2، 4538، و 231:4، 13802.

الزوال، إلّا أنّ شرط الخيار يشعر بأنّه لم يرض بَعْدُ بالزوال جزماً، فوجب أن يتربّص و ينظر عاقبة الأمر. و لأنّ العقد لو أوجب الملك لأجاز التصرّف، و لا يجوز أن يتعلّق الملك بالتفرّق بالأبدان؛ لأنّ ذلك ليس من أسباب الملك، فلم يبق إلّا أنّه يملك بالعقد و يتبيّن ذلك بالتفرّق(1).

و هذا يلزم عليه البيع قبل القبض و الرهن؛ فإنّ الملك حاصل فيه و التصرّف لا يجوز.

إذا ثبت هذا، فلا فرق عند الشافعي بين أن يكون الخيار لهما أو لأحدهما و به قال مالك لأنّه بيع نقل ملك البائع، فوجب أن ينقله إلى المشتري كما لو لم يكن لهما خيار(2).

و قال أبو حنيفة: إن كان الخيار لهما أو للبائع، لم ينتقل ملكه. و إذا كان للمشتري وحده، خرج المبيع من ملك البائع، و لا يدخل في ملك المشتري؛ لأنّه شرط الخيار لنفسه، فلم يزل ملكه عن الثمن، و لا يجوز أن يجتمع له الثمن و المثمن فيما يصحّ تمليكه(3).

و ليس بجيّد؛ لأنّ الخيار لا يمنع انتقال الملك، على أنّ هذا القول يستلزم المحال، و هو ثبوت ملكٍ لغير مالك.

إذا عرفت هذا، فللشافعيّة طرق في موضع الأقوال4.

ص: 156


1- المهذّب للشيرازي 266:1، المجموع 213:9، حلية العلماء 16:4، العزيز شرح الوجيز 196:4، روضة الطالبين 112:3، المغني 3028:4، الشرح الكبير 79:4.
2- العزيز شرح الوجيز 196:4، المجموع 213:9، المغني 3228:4، الشرح الكبير 79:4.
3- بدائع الصنائع 265264:5، العزيز شرح الوجيز 196:4، المغني 2928:4، الشرح الكبير 79:4.

أحدها: أنّ الخلاف فيما إذا كان الخيار لهما إمّا بالشرط أو في خيار المجلس، أمّا إذا كان لأحدهما، فهو المالك للمبيع؛ لنفوذ تصرّفه فيه.

و الثاني: أنّه لا خلاف في المسألة و لكن إن كان الخيار للبائع، فالملك له. و إن كان للمشتري، فهو له. و إن كان لهما، فهو موقوف. و تنزّل الأقوال على هذه الأحوال.

و الثالث: طرد الأقوال في الأحوال، و هو أظهر عند عامّة الشافعيّة.

و إذا جرت الأقوال، فما الأظهر منها؟ قال أبو حامد: الأظهر: أنّ الملك للمشتري. و به قال الجويني.

و قال بعضهم: الأظهر: الوقف.

و الأشبه عندهم: أنّه إن كان الخيار للبائع، فالأظهر بقاء الملك له. و إن كان للمشتري، فالأظهر: انتقاله إليه. و إن كان لهما، فالأظهر: الوقف(1).

مسألة 327: كسب العبد و الجارية المبيعين في زمن الخيار للمشتري؛

لانتقال الملك إليه عندنا.

و قال الشافعي: إن قلنا: الملك للمشتري أو إنّه موقوف، فالنماء له. و إن قلنا: الملك للبائع، فوجهان:

قال الجمهور: الكسب للبائع؛ لأنّه المالك حال حصوله.

و قال بعضهم: إنّه للمشتري؛ لأنّ سبب ملكه موجود أوّلاً و قد استقرّ عليه آخراً فيكتفى به. و إن فسخ البيع، فهو للبائع إن قلنا: الملك للبائع أو موقوف. و إن قلنا: للمشتري، فوجهان: أصحّهما: أنّه له.

ص: 157


1- العزيز شرح الوجيز 196:4، روضة الطالبين 113:3، المجموع 214213:9.

و عن أبي إسحاق أنّه للبائع؛ نظراً إلى المآل.

و قال بعضهم: الوجهان مبنيّان على أنّ الفسخ رفع للعقد من حينه أو من أصله ؟ إن قلنا بالأوّل، فهو للمشتري. و إن قلنا بالثاني، فللبائع(1).

و اللبن و البيض و الثمرة و مهر الجارية بوطي الشبهة كالكسب.

مسألة 328: فإذا حملت الجارية أو الدابّة عند المشتري في زمان الخيار لامتداد المجلس أو للشرط عندنا، فهو كالكسب،

و هو عندنا للمشتري، و عندهم على ما تقدّم من الأقوال(2).

أمّا لو كانت الجارية أو الدابّة حاملاً(3) عند البيع و ولدت في زمان الخيار، فحكمه حكم النماء المتّصل، كسمن الدابّة.

و قال الشافعي: يبنى على أنّ الحمل هل يأخذ قسطاً من الثمن ؟ و فيه قولان:

أحدهما: لا؛ لأنّ الحمل كالجزء منها، فأشبه سائر الأعضاء، فعلى هذا هو كالكسب بلا فرق.

و أصحّهما: نعم، كما لو بِيع بعد الانفصال مع الاُمّ، فالحمل و الأُمّ على هذا عينان بِيعتا معاً، فإن فسخ البيع، فهُما معاً للبائع، و إلّا فللمشتري(4).

مسألة 329: إذا كان المبيع رقيقاً فأعتقه البائع في زمان الخيار المشروط لهما أو للبائع، فالأقرب نفوذ عتقه،

و به قال الشافعي على كلّ

ص: 158


1- العزيز شرح الوجيز 197:4، روضة الطالبين 113:3، المجموع 214:9، المغني 3938:4، الشرح الكبير 80:4.
2- العزيز شرح الوجيز 197:4، روضة الطالبين 113:3، المجموع 214:9.
3- في «ق، ك» و الطبعة الحجريّة: «أمّا لو كانت الجارية و الدابّة حاملين». و ما أثبتناه يقتضيه السياق.
4- العزيز شرح الوجيز 197:4، روضة الطالبين 113:3، المجموع 215214:9.

قولٍ.

أمّا إذا كان الملك له: فظاهر.

و أمّا على غير هذا القول: فلأنّه بسبيل من فسخ، و الإعتاق يتضمّن الفسخ، فينتقل الملك إليه قُبَيْله(1).

و يحتمل أن يقال: لا يصحّ؛ لعدم مصادفة العتق الملك، لكن يبطل البيع؛ لأنّ العتق و إن كان باطلاً على هذا الاحتمال إلّا أنّه أبلغ في الفسخ.

و إن أعتقه المشتري، فإن كان الخيار له خاصّةً، نفذ العتق مطلقاً؛ لأنّه إمّا مصادف للملك أو إجازة و التزام بالمبيع، و ليس فيه إبطال حقّ البائع؛ إذ لا خيار له.

و إن أعتقه البائع و الخيار للمشتري، لم يصح؛ لأنّه لم يصادف ملكاً.

و عند الشافعي(2) لا ينفذ إن قال: إنّ الملك للمشتري، تمّ البيع أو فسخ. و يجيء فيما لو فسخ الوجهُ الناظر إلى المآل. و إن قال بالوقف، لم ينفذ إن تمّ البيع، و إلّا نفذ. و إن قال: إنّه للبائع، فإن اتّفق الفسخ، نفذ، و إلّا فقد أعتق ملكه الذي تعلّق به حقٌّ لازم، فصار كإعتاق الراهن.

و إن كان الخيار للبائع أو لهما فأعتقه المشتري، فالأقوى: النفوذ؛ لأنّه صادف ملكاً. ثمّ إمّا أن يجعل العتق كالتلف أو يجعله موقوفاً، كعتق الراهن.

و قال الشافعي: إن قلنا: إنّ الملك للبائع، لم ينفذ إن فسخ البيع. و إن تمّ، فكذلك في أصحّ الوجهين. و الثاني: ينفذ اعتباراً بالمآل. و إن قلنا بالوقف، فالعتق موقوف أيضاً إن تمّ العقد، بانَ نفوذه، و إلّا فلا.9.

ص: 159


1- العزيز شرح الوجيز 197:4، روضة الطالبين 114:3، المجموع 215:9.
2- العزيز شرح الوجيز 197:4، روضة الطالبين 114:3، المجموع 215:9.

و إن قلنا: الملك للمشتري، ففي نفوذ العتق وجهان:

أصحّهما و هو ظاهر النصّ -: أنّه لا ينفذ، صيانةً لحقّ البائع من الإبطال(1).

و عن ابن سريج أنّه ينفذ؛ لمصادفة الملك(2) ، كما قلنا.

ثمّ اختلفوا، فبعضهم قال: ينفذ مطلقاً، سواء كان موسراً أو معسراً. و بعضهم فرّق: إن كان موسراً، نفذ عتقه. و إن كان معسراً، فلا، كالراهن. فإن قلنا: لا ينفذ فاختار البائع الإجازة، ففي الحكم بنفوذه الآن وجهان، إن قلنا: ينفذ، فمن وقت الإجازة أو الإعتاق ؟ وجهان، أظهرهما: الأوّل.

و إن قلنا بقول ابن سريج، ففي بطلان خيار البائع وجهان:

أحدهما: البطلان، و ليس له إلّا الثمن.

و أظهرهما: أنّه لا يبطل، و لكن لا يردّ العتق، بل يأخذ القيمة لو فسخ، كما في نظيره في الردّ بالعيب، فإنّه لو اشترى عبداً بثوب و أعتق المشتري العبدَ، و وجد البائع بالثوب عيباً، فإنّه يردّه و يرجع بقيمة العبد خاصّةً، كذا هنا(3).

و لو اشترى مَنْ يُعتق عليه كأبيه و ابنه عتق عليه في الحال عندنا؛ لثبوت الملك للقريب.

و قال الشافعي: إنّه كإعتاق المشتري في الخيار(4). و قد تقدّم.

مسألة 330: إذا كان الخيار لهما أو للبائع، ففي إباحة وطي البائع

ص: 160


1- العزيز شرح الوجيز 197:4، روضة الطالبين 114:3، المجموع 215:9.
2- العزيز شرح الوجيز 197:4، روضة الطالبين 114:3، المجموع 215:9.
3- العزيز شرح الوجيز 198197:4، روضة الطالبين 114:3، المجموع 215:9.
4- العزيز شرح الوجيز 171:4، روضة الطالبين 101:3، المجموع 176:9.

إشكال ينشأ من انتقال الملك عنه، فيكون الوطؤ قد صادف ملك الغير، فيكون محرَّماً، و من أنّه أبلغ في التمسّك بالمبيع و فسخ البيع من الفسخ.

و للشافعيّة طُرق:

أحدها: إن جعلنا الملك له، فهو حلال، و إلّا فوجهان: الحلّ؛ لأنّه يتضمّن الفسخ على ما يأتي، و في ذلك عود الملك إليه معه أو قُبَيْله.

و الثاني: أنّا إن لم نجعل الملك له، فهو حرام. و إن جعلناه، فوجهان: التحريم؛ لضعف الملك.

و الثالث: القطع بالحلّ على الإطلاق(1).

و الظاهر من هذا كلّه عندهم الحلّ إن جعلنا الملك له، و التحريم إن لم نجعله له. و لا مهر عليه عندهم بحال.

و أمّا إن وطئ المشتري، فهو حرام عندهم. أمّا إن لم نثبت الملك له: فظاهر. و أمّا إن أثبتناه، فهو ضعيف، كملك المكاتب.

و لا حدّ عليه على الأقوال؛ لوجود الملك أو شبهته.

و هل يلزمه المهر؟ إن تمّ البيع بينهما، فلا إن(2) قلنا: إنّ الملك للمشتري أو موقوف. و إن قلنا: إنّه للبائع، وجب المهر له.

و عن أبي إسحاق أنّه لا يجب؛ نظراً إلى المآل(3).

و إن فسخ البيع، وجب المهر للبائع إن قلنا: الملك له أو موقوف. و إن قلنا: إنّه للمشتري، فلا مهر عليه في أصحّ الوجهين.

و لو أولدها، فالولد حُرٌّ و نسيب على الأقوال.ح.

ص: 161


1- العزيز شرح الوجيز 198:4، روضة الطالبين 114:3، المجموع 216:9.
2- في «ق، ك» و الطبعة الحجريّة: «و إن». و الصحيح ما أثبتناه.
3- في «ق، ك» و الطبعة الحجريّة: «الحال» بدل «المآل». و ما أثبتناه هو الصحيح.

و هل يثبت الاستيلاد؟ إن قلنا: الملك للبائع، فلا.

ثمّ إن تمّ [البيع(1)] أو ملكها بعد ذلك، ففي ثبوته حينئذٍ قولان كالقولين فيما إذا وطئ جارية الغير للشبهة ثمّ ملكها.

و على الوجه الناظر إلى المآل إذا تمّ البيع، نفذ الاستيلاد بلا خلاف. و على قول الوقف إن تمّ البيع، ظهر ثبوت الاستيلاد، و إلّا فلا. و لو ملكها يوماً، عاد القولان.

و على قولنا: إنّ الملك للمشتري، ففي ثبوت الاستيلاد الخلافُ المذكور في العتق. فإن لم يثبت في الحال و تمّ البيع، بانَ ثبوته.

ثمّ رتبوا الخلاف في الاستيلاد على الخلاف في العتق، و اختلفوا في كيفيّته. قال بعضهم: الاستيلاد أولى بالثبوت. و عَكَسه آخرون. و قيل بالتساوي؛ لتعارض الجهتين.

و القول في وجوب قيمة الولد على المشتري كالقول في المهر.

نعم، إن جعلنا الملك للبائع و فرضنا تمام البيع، فللوجه الناظر إلى المآل مأخذ آخر، و هو القول بأنّ الحمل لا يعرف.

أمّا إذا كان الخيار للمشتري وحده، فحكم حلّ الوطي كما في حلّ الوطي للبائع إذا كان الخيار له أو لهما. و أمّا البائع فيحرم عليه الوطؤ هنا. و لو وطئ، فالقول في وجوب المهر و ثبوت الاستيلاد و وجوب القيمة كما قلنا في طرف المشتري إذا كان الخيار لهما أو للبائع(2).

إذا تقرّر هذا، ظهر أنّ المشتري ليس له الوطؤ في مدّة الخيار. فإن9.

ص: 162


1- ما بين المعقوفين أضفناه من المصادر.
2- العزيز شرح الوجيز 199198:4، روضة الطالبين 115114:3، المجموع 217216:9.

وطئ، تعلّق بوطئه أحكام ستّة، ثلاثة منها لا تختلف باختلاف الأقاويل، و ثلاثة تختلف باختلاف الأقاويل.

فأمّا ما لا يختلف: فسقوط الحدّ، و نسب الولد، و حُرّيّته؛ لأنّ الوطء صادف ملكاً أو شبهةً فدرأ الحدّ فثبت النسب و الحُرّيّة.

و أمّا التي تختلف: فالمهر، و قيمة الولد، و كونها أُمَّ ولد. فإن أجاز البائع البيعَ و قلنا: الملك يثبت بالعقد أو يكون مراعىً، فقد صادف الوطؤ الملكَ، فلا مهر و لا قيمة ولدٍ، و تصير أُمَّ ولد. و إن قلنا: ينتقل بالبيع و انقطاع الخيار، فقد وطئ في ملك البائع فيجب المهر.

و في قيمة الولد وجهان بناءً على القولين في أنّ الحمل هل له حكم ؟ إن قلنا به، وجب؛ لأنّ العلوق كان في ملك البائع. و إن قلنا: لا حكم له، لم يجب؛ لأنّ الوضع في ملك المشتري. و في الاستيلاد وجهان.

و إن فسخ البائعُ العقدَ، فإن قلنا: إنّ الملك لا ينتقل بالعقد، أو قلنا: مراعى، فقد صادف الوطؤ ملك البائع، فيجب المهر و قيمة الولد، و لا تصير أُمَّ ولد، إلّا أن ينتقل إلى المشتري بسبب آخر، فالقولان، فإن قلنا: إنّ الملك ينتقل إلى المشتري بالعقد، فالأصحّ أنّه لا يجب المهر.

و قال بعضهم: يجب؛ لأنّها و إن كانت ملكه إلّا أنّ حقّ البائع متعلّق بها(1).

و ليس بصحيح؛ لأنّ وطأه صادف ملكه، و لو كان تعلّق حقّه يوجب المهر لوجب و إن أجاز البائع؛ لأنّ حقّه كان متعلّقاً بها حال الوطي. و تجب قيمة الولد؛ لأنّها وضعته في ملك البائع.

و أمّا الاستيلاد: فقال الشافعي: لا يثبت في الحال(2).

و على قول أبي العباس تصير أُمَّ ولد. و بكَمْ يضمنها؟ وجهان،1.

ص: 163


1- المهذّب للشيرازي 267:1.
2- المهذّب للشيرازي 267:1.

أحدهما بالثمن، و الثاني بقيمتها(1).

مسألة 331: قد عرفت فيما سبق أنّ خيار المشتري يسقط بوطئه

بل و بكلّ تصرّف حصل منه من بيعٍ و غيره.

و للشافعي في سقوط خياره بوطئه وجهان:

أحدهما: لا يسقط؛ لأنّ وطأه لا يكون اختياراً، لأنّ الوطء لا يمنع الردّ بالعيب فكذا لا يُبطل خيار الشرط، كما في الاستخدام.

و الثاني: يبطل؛ لأنّ الوطء لو وُجد من البائع كان دلالةً على اختياره المبيع(2).

فإذا وُجد قبل العلم بالاختيار، لم يكن رضا بالمبيع. و لو كان بعد العلم به، سقط خياره إجماعاً، و يكون له الأرش عندنا.

قالت الشافعيّة: إذا قلنا: الوطؤ يُسقط خيارَه، فكذا إذا باعها أو رهنها و أقبضها أو وقفها، فإنّ ذلك يصحّ، و يسقط خياره. و إن قلنا: إنّ(3) الوطء لا يُسقط خياره، لم يسقط بهذه العقود أيضاً(4).

مسألة 332: إذا وطئ المشتري في مدّة خيار البائع و لم يعلم به البائع، لم يسقط خياره،

و به قال الشافعي(5).

و إن صارت أُمَّ ولد، احتمل سقوطه، و عدمه. ففي أخذه الاُمّ وجهان:

أحدهما: له ذلك؛ عملاً بمقتضى أصالة الحقّ الذي كان ثابتاً و استصحابه.

ص: 164


1- المهذّب للشيرازي 267:1.
2- الحاوي الكبير 5655:5، المجموع 203:9.
3- كلمة «إنّ» لم ترد في «ق، ك».
4- لم نعثر عليه في مظانّه.
5- المجموع 204:9.

و الثاني: ليس له ذلك؛ للنهي عن بيع أُمّهات الأولاد، فتنتقل إلى القيمة إن اختار الفسخ(1).

و إن كان الوطؤ بعلمه فلم يمنعه و لم ينكره، فالأقرب: عدم سقوط حقّ البائع؛ فإنّ السكوت لا يدلّ على الرضا، كما لو وطئ رجل أمة غيره و هو ساكت، لم يسقط مهرها عنه، و لم يجعل سكوت مولاها رضا به، و هو أحد وجهي الشافعيّة. و الثاني: يسقط خياره؛ لأنّ إقراره على ذلك يدلّ على رضاه بإنفاذ البيع(2). و ليس بشيء.

و كذا لو سكت عن وطئ أمته، لا يسقط به المهر.

و لو وطئ بإذنٍ، حصلت الإجازة، و لا مهر على المشتري و لا قيمة ولدٍ، و يثبت الاستيلاد بلا خلاف.

مسألة 333: و لو وطئها البائع في مدّة خياره، فإنّه يكون فسخاً للبيع؛

لأنّه لا يجوز أن يكون مجيزاً للبيع و يطؤها، بل ذلك دلالة على اختيارها و الرضا بفسخ العقد، و به قال الشافعي(3).

و قال المزني: يدلّ على أنّه إذا طلّق إحدى امرأتيه ثمّ وطئ إحداهما، يكون ذلك رضا بطلاق الأُخرى(4).

أجاب بعض الشافعيّة بأنّ الطلاق إن كان معيّناً ثمّ أشكل، لم يكن الوطؤ تعييناً. و إن كان مبهماً، ففي كون الوطي تعييناً للطلاق في الأُخرى وجهان للشافعيّة

ص: 165


1- لم نعثر عليه في مظانّه.
2- المهذّب للشيرازي 266:1، المجموع 204:9، العزيز شرح الوجيز 203:4.
3- مختصر المزني: 75 76، العزيز شرح الوجيز 202:4، المجموع 202:9.
4- مختصر المزني: 76.

أحدهما: أنّه يكون تعييناً للطلاق، فتكون هذه المسألة كمسألة البيع.

و الثاني: لا يكون تعييناً للطلاق(1).

و الفرق بين هذا و بين وطئ البائع: أنّ النكاح و الطلاق لا يقعان بالفعل مع القدرة على القول فكذا اختياره، بخلاف الملك، فإنّه يحصل بالفعل كالسبي و الاصطياد فكذا استصلاحه جاز أن يحصل بالفعل، و لهذا منعوا من الرجعة بالفعل(2).

و أمّا إذا باع جاريةً و أفلس المشتري بالثمن [و(3)] ثبت للبائع الرجوع فوطئها، فهل يكون ذلك فسخاً للبيع ؟ للشافعيّة وجهان:

أحدهما: يكون فسخاً، كما يكون فسخاً في مدّة الخيار.

و الثاني: لا يكون فسخاً؛ لأنّ ملك المشتري مستقرّ، فلا يزول بالوطي الدالّ على الفسخ، بخلاف ملك المشتري في مدّة الخيار(4).

و كذا الوجهان لو اشترى ثوباً بجارية ثمّ وجد بالثوب عيباً فوطئ الجارية، ففي كونه فسخاً وجهان(5).

مسألة 334: لو تلف المبيع بآفة سماوية في زمن الخيار، فإن كان قبل القبض، انفسخ البيع قطعاً.

و إن كان بعده، لم يبطل خيار المشتري و لا البائع، و تجب القيمة على ما تقدّم.

و قال الشافعي: إن تلف بعد القبض و قلنا: الملك للبائع، انفسخ البيع؛ لأنّا نحكم بالانفساخ عند بقاء يده فعند بقاء ملكه أولى، فيستردّ الثمن، و يغرم للبائع القيمة.

ص: 166


1- انظر: المجموع 203:9.
2- انظر: المجموع 203:9.
3- ما بين المعقوفين أضفناه لأجل السياق.
4- لم نعثر عليه في مظانّه.
5- لم نعثر عليه في مظانّه.

و إن قلنا: الملك للمشتري أو موقوف، فوجهان أو قولان:

أحدهما: أنّه ينفسخ أيضاً؛ لحصول الهلاك قبل استقرار العقد.

و أصحّهما: أنّه لا ينفسخ؛ لدخوله في ضمان المشتري بالقبض، و لا أثر لولاية الفسخ، كما في خيار العيب.

فإن قلنا بالفسخ، فعلى المشتري القيمة.

قال الجويني: و هنا يقطع باعتبار قيمته يوم التلف؛ لأنّ الملك قبل ذلك للمشتري، و إنّما يقدّر انتقاله إليه قبل التلف.

و إن قلنا بعدم الفسخ، فهل ينقطع الخيار؟ وجهان:

أحدهما: نعم، كما ينقطع خيار الردّ بالعيب بتلف المبيع.

و أصحّهما: لا، كما لا يمتنع التخالف بتلف المبيع. و يخالف الردّ بالعيب؛ لأنّ الضرر هناك يندفع بالأرش.

فإن قلنا بالأوّل، استقرّ العقد، و لزم الثمن. و إن قلنا بالثاني، فإن تمّ العقد، لزم الثمن، و إلّا وجبت القيمة على المشتري، و استردّ الثمن. فإن تنازعا في تعيين القيمة، قدّم قول المشتري(1).

و لبعض الشافعيّة طريقة أُخرى هي القطع بعدم الانفساخ و إن قلنا: إنّ الملك للبائع، و ذكروا تفريعاً عليه: أنّه لو لم ينفسخ حتى انقضى زمان الخيار، فعلى البائع ردّ الثمن، و على المشتري القيمة؛ لأنّ المبيع تلف على ملك البائع، فلا يبقى الثمن على ملكه(2).

قال الجويني: هذا تخليط ظاهر(3).

مسألة 335: لو قبض المشتري المبيع في زمن الخيار و أتلفه مُتلف

ص: 167


1- العزيز شرح الوجيز 200199:4، روضة الطالبين 116115:3، المجموع 221220:9.
2- العزيز شرح الوجيز 200:4، روضة الطالبين 116:3، المجموع 221:9.
3- العزيز شرح الوجيز 200:4، روضة الطالبين 116:3، المجموع 221:9.

قبل انقضائه، لم ينفسخ البيع، و لا يبطل الخيار؛ لأصالتهما.

و قال الشافعي: إن قلنا: الملك للبائع، انفسخ، كما في صورة التلف؛ لأنّ نقل الملك بعد الهلاك لا يمكن.

و إن قلنا: إنّه للمشتري أو موقوف، نظر إن أتلفه أجنبيّ، فيبنى على ما لو تلف إن قلنا: ينفسخ العقد ثَمَّ، فهذا كإتلاف الأجنبيّ المبيع قبل القبض، و سيأتي. و إن قلنا: لا ينفسخ و هو الأصحّ فكذا هنا، و على الأجنبيّ القيمة، و الخيار بحاله، فإن تمّ البيع، فهي للمشتري، و إلّا فللبائع(1).

و لو أتلفه المشتري، استقرّ الثمن عليه، فإن أتلفه في يد البائع و جعلنا إتلافه قبضاً، فهو كما لو تلف في يده.

و إن أتلفه البائع في يد المشتري، قال بعضهم: يبنى على أنّ إتلافه كإتلاف الأجنبيّ أو كالتالف بآفة سماويّة(2) ، و سيأتي.

مسألة 336: لو تلف بعض المبيع في زمن الخيار بعد القبض كما لو اشترى عبدين فمات أحدهما في يده، سقط الخيار،

و كان له الأرش في عيبهما معاً، و ليس له ردّ الباقي؛ لأنّ التشقيص عيب.

و قال الشافعيّة: لو مات أحدهما، ففي الانفساخ فيما تلف الخلافُ السابق، فإن قلنا بالفسخ، جاء في الانفساخ في الباقي قولا تفريق الصفقة. و إن لم ينفسخ، بقي خياره في الباقي إن قلنا: يجوز ردّ أحد العبدين إذا اشتراهما بشرط الخيار، و إلّا ففي بقاء الخيار في الباقي الوجهان. و إذا بقي الخيار فيه و فسخ، ردّه مع قيمة التالف(3).

ص: 168


1- العزيز شرح الوجيز 200:4، روضة الطالبين 116:3، المجموع 220:9.
2- العزيز شرح الوجيز 200:4، روضة الطالبين 116:3، المجموع 220:9.
3- العزيز شرح الوجيز 200:4، روضة الطالبين 116:3، المجموع 221:9.

و لو اشترى عبدين و وجد بهما عيباً، لم يكن له ردّ أحدهما خاصّة، بل يردّهما أو يأخذ أرشهما. و كذا لو كان أحدهما معيباً، فإن مات أحدهما في يده، لم يكن له ردّ الثاني؛ لأنّ التشقيص عيب.

و للشافعيّة قولان بناءً على تفريق الصفقة، فإن قلنا: لا تفرّق، رجع بأرش العيب. و إن قلنا: تفرّق، فإنّه يردّه بحصّته من الثمن(1).

و قال بعض الشافعيّة: له فسخ العقد فيهما ثمّ يردّ الباقي و قيمة التالف و يسترجع الثمن(2).

و لا بأس بهذا القول عندي، و الأصل فيه حديث المصرّاة، فإنّ النبيّ (صلّى اللّه عليه و آله) أمر بردّ الشاة و قيمة اللبن التالف(3).

مسألة 337: لو اختلفا في قيمة التالف من العبدين،

فقال البائع: قيمته عشرة و قيمة الموجود خمسة ليخصّ التالف ثلثا الثمن، و عَكَس القولَ المشتري، فالباقي يمكن تقويمه.

و أمّا التالف فقد اختلف قول الشافعي فيه، فقال تارةً: القول قول البائع مع يمينه؛ لأنّ البائع ملك جميع الثمن، فلا يزيل ملكه إلّا عن مقدار يعترف به. و قال اخرى: القول قول المشتري؛ لأنّه بمنزلة الغارم، لأنّ قيمة التالف إذا زادت زاد قدر ما يغرمه، فهو بمنزلة المستعير و الغاصب(4).

و قال بعض الشافعيّة: الأوّل أصحّ(5) ؛ لأنّه بمنزلة المشتري و الشفيع،

ص: 169


1- حلية العلماء 245:4، العزيز شرح الوجيز 144142:4.
2- حلية العلماء 245:4، العزيز شرح الوجيز 144:4.
3- صحيح البخاري 9392:3، صحيح مسلم 1155:3، 11، سنن أبي داوُد 270:3، 3443، سنن الترمذي 553:3، 1251.
4- حلية العلماء 335:4، العزيز شرح الوجيز 144:4.
5- حلية العلماء 335:4.

و إنّ القول قول المشتري و إن كان الغارم الشفيع؛ لأنّه يريد إزالة ملك المشتري عن الشقص الذي ملكه، كذا هنا يزيل ملك البائع عن الحقّ.

مسألة 338: لو اشترى عبدين من رجل بألف صفقةً فوجد بأحدهما عيباً، لم يكن له ردّ المعيب،

بل إمّا أن يردّهما معاً أو يأخذ الأرش.

و للشافعي قولان مبنيّان على تفريق الصفقة، فإن قلنا: الصفقة لا تفرّق، تخيّر بين ردّ الجميع و الترك. و إن قلنا: تفرّق، فله ردّ الكلّ، و له ردّ المعيب خاصّة(1).

و قال أبو حنيفة: له إمساك الصحيح و ردّ المعيب إذا كان ذلك بعد القبض، فأمّا قبل القبض فليس له؛ لأنّ قبل القبض عنده يكون تبعيضاً للصفقة في الإتمام، و بعد القبض [يجوز(2)] تبعيض الصفقة إلّا أن يكون ممّا ينقص؛ لأنّهما عينان، و لا ضرر في إفراد أحدهما عن الآخر، و قد وجد سبب الردّ في أحدهما بعد القبض، فجاز إفراده بالردّ، كما لو شرط الخيار في أحدهما(3).

قال الشافعيّة: ما لا يجوز تبعيض الصفقة فيه قبل القبض، لم يجز بعده كزوجَي خُفّ و مصراعَي باب(4) ، و كذا قال أبو حنيفة: إذا كان المبيع طعاماً فأكل بعضه، لم يردّ الباقي(5) ؛ لأنّه يجري مجرى العقد الواحد، لأنّ العيب ببعضه عيب بجميعه، فلم يكن له، كما لو كان قبل القبض أو كان

ص: 170


1- حلية العلماء 243:4، الحاوي الكبير 252:5، العزيز شرح الوجيز 143142:4.
2- ما بين المعقوفين من تصحيحنا.
3- المغني 268:4، الحاوي الكبير 251:5، حلية العلماء 244:4، التهذيب - للبغوي 441:3، العزيز شرح الوجيز 143:4.
4- التهذيب للبغوي 441:3، العزيز شرح الوجيز 143:4.
5- بدائع الصنائع 290:5.

طعاماً، و شرط الخيار يستوي فيه قبل القبض و بعده، و لأنّه هناك رضي به و لو رضي هنا بقبول بعضه، جاز.

و من الشافعيّة مَنْ يقول: إنّ خيار الشرط أيضاً مبنيّ على تفريق الصفقة، فعلى القول بالردّ فإنّه يقوّم الصحيح و يقوّم المعيب و يقسّم الثمن على قدر قيمتهما، فما يخصّ المعيب يسقط عنه(1).

إذا ثبت هذا، فلو أراد المشتري ردّ المعيب خاصّةً و رضي البائع، جاز؛ لأنّ الحقّ لا يعدوهما، و هو أصحّ وجهي الشافعيّة(2).

و لو عرف بالعيب بعد بيع الصحيح، لم يكن له ردّ الباقي عندنا - و هو أصحّ قولي الشافعي(3) و يرجع بالأرش.

و لو كان المبيع جملةً فظهر فيها عيب بعد أن باع بعضها، فلا ردّ عندنا، و له الأرش في الباقي و الخارج.

و للشافعي في الباقي وجهان، أصحّهما: أنّه يرجع؛ لتعذّر الردّ، و لا ينتظر(4) عود الزائل ليردّ الكلّ، كما لا ينتظر(5) زوال الحادث. و الوجهان جاريان في العبدين إذا باع أحدهما ثمّ عرف العيب و لم نجوّز ردّ الباقي، هل يرجع بالأرش ؟ و أمّا التالف بالبيع فحكمه حكم الكلّ إذا باعه(6).

مسألة 339: لو اشترى عبداً ثمّ مات المشتري و خلّف وارثين فوجدا به عيباً، لم يكن لأحدهما ردّ حصّته خاصّة؛

للتشقيص، و هو عيب حدث

ص: 171


1- لم نعثر عليه في مظانّه.
2- الحاوي الكبير 252:5، العزيز شرح الوجيز 143:4.
3- العزيز شرح الوجيز 272:4.
4- في «ق، ك» و الطبعة الحجريّة: «لا ينظر». و الأولى ما أثبتناه من المصدر.
5- في «ق، ك» و الطبعة الحجريّة: «لا ينظر». و الأولى ما أثبتناه من المصدر.
6- العزيز شرح الوجيز 272:4.

في يد المشتري، لأنّ الصفقة وقعت متّحدة، فلا يجب على البائع أخذه، بل له الأرش خاصّة. و لو اتّفقا على الردّ، جاز قطعاً، و هو أصحّ قولي الشافعيّة(1).

و فيه وجه آخر لهم: أنّه ينفرد، لأنّه ردّ جميع ما ملك(2) و ليس بجيّد؛ لما بيّنّا من اتّحاد الصفقة، و لهذا لو سلّم أحد الابنين نصف الثمن، لم يلزم البائع تسليم النصف إليه.

مسألة 340: لو اشترى رجلان عبداً من رجل صفقةً واحدة ثمّ وجدا به عيباً قبل أن يتصرّفا، فالذي نذهب إليه أنّه ليس لهما الافتراق في الردّ و الأرش،

بل إمّا أن يردّا معاً و يسترجعا الثمن، أو يأخذا الأرش معاً، و ليس لأحدهما الردّ و للآخر الأرش و به قال أبو حنيفة و مالك في رواية، و الشافعي في أحد القولين(3) لأنّ العبد خرج عن ملك البائع دفعةً كاملاً و الآن يعود إليه بعضه، و بعض الشيء لا يشترى بما يخصّه من الثمن لو بِيع كلّه، فلو ردّه إليه مشتركاً فقد ردّه ناقصاً؛ لأنّ الشركة عيب، فلم يكن له ذلك، كما لو حدث عنده عيب.

و قال الشافعي في الثاني: له أن يردّ حصّته و يأخذ الآخر الأرش - و هو أصحّ قوليه عندهم، و به قال أبو يوسف و محمد، و الرواية الثانية عن مالك - لأنّ النصف جميع ما ملكه بالعقد، فجاز له ردّه بالعيب، كجميع العبد لو اشتراه واحد(4).

ص: 172


1- العزيز شرح الوجيز 272:4، روضة الطالبين 147:3.
2- العزيز شرح الوجيز 272:4، روضة الطالبين 147:3.
3- المبسوط للسرخسي 50:13، المغني 268:4، الشرح الكبير 106:4، حلية العلماء 242:4، الحاوي الكبير 250:5، العزيز شرح الوجيز 272:4، روضة الطالبين 147:3.
4- حلية العلماء 242:4، الحاوي الكبير 250:5، العزيز شرح الوجيز 273:4، روضة الطالبين 147:3، المبسوط للسرخسي 50:13، بداية المجتهد 179:2، المغني 268:4، الشرح الكبير 106:4.

و ليس فيه عندي بُعْدٌ، و قوّاه الشيخ(1) أيضاً؛ إذ البائع أخرج العبد إليهما مشقّصاً، فالشركة حصلت باختياره، فلم تمنع من الردّ، بخلاف العيب.

مسألة 341: لو انعكس الفرض فاشترى رجل عبداً من رجلين و خرج معيباً، فله أن يُفرد نصيب أحدهما بالردّ قطعاً؛

لأنّ تعدّد البائع يوجب تعدّد العقد. و أيضاً فإنّه لا يتشقّص على المردود عليه ما خرج عن ملكه.

مسألة 342: لو جوّزنا لكلٍّ من المشتريين من الواحد عبداً الانفراد فانفرد أحدهما و طلب الردّ و طلب الآخر الأرشَ، بطلت الشركة،

و يخلص للممسك ما أمسك و للرادّ ما استردّ، و هو أصحّ وجهي الشافعيّة. و في الثاني: أنّ الشركة باقية بينهما فيما أمسكه الممسك و استردّه الرادّ(2).

و إن منعنا الانفراد، فلا فرق بين ما ينتقص بالتبعيض و ما لا ينتقص، كالحيوان، فإنّه ليس لأحدهما أن ينفرد بالردّ و الآخر بالأرش.

و للشافعيّة قولان مبنيّان على أنّ المانع ضرر التبعيض أو اتّحاد الصفقة(3).

و لو أراد الممنوع من الردّ الأرشَ، كان له ذلك، سواء حصل اليأس من إمكان ردّ نصيب الآخر بعتقه مثلاً و هو معسر أو لا.

و قالت الشافعيّة: إن حصل اليأس من إمكان ردّ نصيب الآخر، فله أخذ الأرش. و إن لم يحصل، نظر إن رضي صاحبه بالعيب، فيبنى على أنّه لو اشترى نصيب صاحبه و ضمّه إلى نصيبه و أراد أن يردّ الكلّ و يرجع

ص: 173


1- الخلاف 110:3، المسألة 179.
2- العزيز شرح الوجيز 273:4، روضة الطالبين 147:3.
3- العزيز شرح الوجيز 273:4، روضة الطالبين 147:3.

بنصف الثمن، هل يجبر على قبوله ؟ وجهان: إن قلنا: لا، أخذ الأرش. و إن قلنا: نعم، فكذلك في أصحّ الوجهين؛ لأنّه توقّع بعيد.

و إن كان صاحبه غائباً لا يعرف الحال، ففي الأرش وجهان من جهة الحيلولة الناجزة(1)(2).

و لو تصرّفا في العبد، لم يكن لهما الردّ، و كان لهما الأرش. و كذا لو تصرّف أحدهما خاصّة، كان لهما الأرش.

أمّا المتصرّف: فبتصرّفه أسقط حقّه من الأرش.

و أمّا الآخر: فلأنّه يبطل ردّه ببطلان ردّ الآخر.

و لو اشترى رجلان عبداً من رجلين، كان كلّ واحد منهما مشترياً ربع العبد من كلّ واحد من البائعين، فلكلّ واحد ردّ الربع إلى أحدهما إن جوّزنا الانفراد.

و لو اشترى ثلاثة من ثلاثة، كان كلّ واحد منهم مشترياً تُسْع العبد من كلّ واحدٍ من البائعين.

و لو اشترى رجلان عبدين من رجلين، فقد اشترى كلّ واحد من كلّ واحد ربع كلّ واحد، فلكلّ واحد ردّ جميع ما اشترى من كلّ واحد عليه. و لو ردّ ربع أحد العبدين وحده، ففيه قولا تفريق الصفقة(3).

و لو اشترى بعض عبد في صفقة و باقيه في اخرى إمّا من البائع الأوّل أو من غيره، فله ردّ أحد البعضين خاصّةً؛ لتعدّد الصفقة. و لو علم بالعيب3.

ص: 174


1- في «ق، ك» و الطبعة الحجريّة: «النادرة» بدل «الناجزة» و الصحيح ما أثبتناه من المصدر.
2- العزيز شرح الوجيز 273:4، روضة الطالبين 148147:3.
3- العزيز شرح الوجيز 273:4، روضة الطالبين 148:3.

بعد العقد الأوّل و لم يمكنه الردّ فاشترى الباقي، فليس له ردّ الباقي، و له ردّ الأوّل عند الإمكان.

مسألة 343: إذا أذن البائع للمشتري في التصرّف في مدّة الخيار فتصرَّف، سقط خيارهما معاً -

و به قال الشافعي(1) إذ قد وُجد من كلٍّ منهما دلالة اللزوم و سقوط الخيار.

ثمّ التصرّف إن كان عتقاً، نفذ، و بطل خيارهما. و إن كان بيعاً أو هبةً أو وقفاً، فكذلك عندنا.

و للشافعيّة وجهان، هذا أحدهما؛ لأنّه منع من التصرّف بحقّ البائع، فإذا أذن فيه، زال المانع، فصحّ التصرّف. و الثاني: لا يصحّ تصرّفه؛ لأنّه ابتدأ به قبل أن يتمّ ملكه. و على الوجهين جميعاً يلزم البيع و يسقط الخيار(2).

مسألة 344: الخيار عندنا موروث؛

لأنّه من الحقوق، كالشفعة و القصاص في جميع أنواعه، و به قال الشافعي إلّا في خيار المجلس، فإنّه قال في البيوع: إذا مات أحد المتبايعين في مجلس العقد، فالخيار لوارثه. و قال في المكاتب: إذا باع فلم يتفرّقا حتى مات المكاتب، فقد وجب البيع(3). و ظاهره أنّ الخيار يبطل بموته.

و اختلفت الشافعيّة في ذلك على ثلاثة طرق

ص: 175


1- انظر: العزيز شرح الوجيز 204203:4، روضة الطالبين 118:3.
2- العزيز شرح الوجيز 204203:4، روضة الطالبين 118:3، المجموع 304:9.
3- المهذّب للشيرازي 266:1، المجموع 207206:9، التهذيب للبغوي 315:3-317، الحاوي الكبير 57:5، حلية العلماء 34:4، العزيز شرح الوجيز 178:4، روضة الطالبين 105:3.

منهم مَنْ قال: إنّ الخيار لا يبطل بموت المكاتب أيضاً. و قوله: «فقد وجب البيع» أراد أنّ البيع لم يبطل بموته، و إنّما هو باقٍ و إن كانت الكتابة قد انفسخت بموته.

و منهم مَنْ قال: إنّ موت المكاتب يُسقط الخيار، و موت غيره من الأحرار لا يُبطله على ظاهر النصّين. و الفرق: أنّ السيّد ليس بوارث للمكاتب، و إنّما يعود المكاتب رقيقاً، و فسخه السيّد لحقّ الملك، فلا ينوب منابه في الخيار، بخلاف الحُرّ.

و منهم مَنْ قال: إنّهما قولان، فنقل جواب كلّ واحدة من المسألتين [إلى(1)] الأُخرى.

أحد القولين: يبطل خيار المجلس بالموت؛ لأنّ ما بطل [بالتفرّق(2)] بطل بالموت، لأنّ الموت يحصل معه التفرّق أزيد ممّا يحصل مع التباعد.

و الثاني: لا يبطل؛ لأنّه خيار ثابت في العقد، فلم يبطل بالموت، كخيار الثلاث. و يخالف الموت التفرّق؛ لأنّ الموت يكون بغير اختياره. و لأنّ بدنه موجود فهو بمنزلة المغمى عليه و المجنون(3).

قالوا: فإن قلنا: يبطل بالموت، لزم العقد. و إن قلنا: لا يبطل، انتقل إلى وارثه.

ثمّ يُنظر إن كان حاضراً مع المتعاقدين، اعتبر التفرّق، و قام مقام3.

ص: 176


1- إضافة يقتضيها السياق.
2- بدل ما بين المعقوفين في «ق، ك» و الطبعة الحجريّة: «بالتصرّف». و الصحيح ما أثبتناه.
3- المهذّب للشيرازي 266:1، المجموع 207:9، حلية العلماء 35:4، الحاوي الكبير 5857:5، التهذيب للبغوي 317:3، العزيز شرح الوجيز 179:4، روضة الطالبين 106105:3.

الميّت في ذلك. و إن لم يكن حاضراً في مجلس العقد، فإنّه إذا بلغه، اعتبر مفارقة المجلس الذي هو فيه، فإن فارقه قبل أن يفسخ، لزم العقد، و بطل خياره.

و قال بعض الشافعيّة: له الخيار إذا نظر إلى السلعة ليعرف الحظّ في الإجازة و الفسخ(1).

مسألة 345: خيار الشرط موروث لا يبطل بالموت
اشارة

عند علمائنا و به قال الشافعي و مالك(2) لأنّه حقّ للميّت، فانتقل إلى الوارث، كغيره من الحقوق. و لأنّه خيار ثابت في فسخ معاوضة لا يبطل بالجنون، فلا يبطل بالموت، كخيار الردّ بالعيب.

و قال الثوري و أبو حنيفة و أحمد: يبطل؛ لأنّها مدّة مضروبة في البيع، فوجب أن تبطل بالموت، كالأجل(3).

و الفرق ظاهر؛ فإنّ محلّ الأجل و هو الذمّة قد بطل. و لأنّ الوارث لا حكم له في تأخير ما يجب على الميّت؛ لأنّه يكون مرتهناً به، و يمنعون من التصرّف في التركة؛ لأنّ صاحب الحقّ لم يرض بذمّة الوارث فلهذا حلّ، بخلاف مدّة الخيار؛ لأنّها ضُربت للتروّي و طلب الحظّ، و الوارث

ص: 177


1- العزيز شرح الوجيز 180179:4، حلية العلماء 35:4، روضة الطالبين 106:3، المجموع 208207:9.
2- التهذيب للبغوي 316315:3، حلية العلماء 33:4، المجموع 206:9، المدوّنة الكبرى 172:4، بداية المجتهد 211:2، مختصر اختلاف العلماء 53:3، 1129، الهداية للمرغيناني 30:3، المغني 72:4، الشرح الكبير 86:4.
3- مختصر اختلاف العلماء 53:3، 1129، الهداية للمرغيناني 30:3، حلية العلماء 34:4، التهذيب للبغوي 316:3، بداية المجتهد 211:2، المغني 7271:4، الشرح الكبير 86:4.

ينتفع بذلك، فانتقل إليه من الموروث.

تذنيب: الوارث إن كان حاضراً، ثبت له ما بقي من المدّة.

و إن كان غائباً، فإن بلغه الخبر في مدّة الخيار، ثبت له الخيار من حين ما علم إلى انقضاء المدّة. و إن بلغه بعد انقضائها، احتُمل أن يكون له الخيار على الفور، كخيار الردّ بالعيب؛ لأنّ مدّته قد سقطت. و سقوطُ الخيار، و هو الذي عوّل عليه الشيخ(1) ، و هو جيّد؛ لأنّه لو كان الموروث حيّاً، لسقط خياره بانقضاء مدّته فكذا الوارث الذي يثبت له ما يثبت لمورّثه على حدّ ما ثبت له.

و للشافعي وجهان، أحدهما: يكون له ما بقي من المدّة من حين موت مورّثه. و الثاني: أنّه على الفور(2).

مسألة 346: يجوز نقد الثمن في مدّة الخيار
اشارة

من غير كراهية و به قال الشافعي و أبو حنيفة(3) لأنّ القبض حكم من أحكام العقد، فجاز في مدّة الخيار، كالإجارة.

و قال مالك: يكره؛ لأنّه يصير في معنى بيع و سلف؛ لأنّه إذا أنقده الثمن ثمّ تفاسخا، صار كأنّه أقرضه إيّاه، فيكون قد اشتمل على بيع و قرض و اجتمعا فيه(4).

ص: 178


1- الخلاف 28:3، المسألة 38.
2- حلية العلماء 34:4، العزيز شرح الوجيز 180:4، روضة الطالبين 106:3، المجموع 208:9.
3- مختصر المزني: 76، الحاوي الكبير 63:5، حلية العلماء 29:4، المجموع 223:9، المغني 70:4، الشرح الكبير 86:4.
4- حلية العلماء 29:4، الحاوي الكبير 63:5، المغني 70:4، الشرح الكبير 86:4.

و هو غلط؛ لأنّ القرض لم يثبت أوّلاً، بل صار في ذمّته بعد الفسخ، و لا منافاة بين البيع و القرض و السلف.

تذنيب: إذا دفع الثمن في مدّة الخيار، جاز للمدفوع إليه التصرّف فيه؛

لأنّه قد ملكه بالعقد، و استقرّ ملكه عليه بتعيّن الدافع أو بتعيينه في العقد.

و مَنَع الشافعي من جواز التصرّف فيه بعد قبضه(1). و ليس بشيء.

مسألة 347: إذا تلف المبيع في زمن الخيار، فإن كان قبل قبض المشتري له، بطل العقد؛
اشارة

لأنّه لو تلف حينئذٍ و البيع لازم، انفسخ، فكذا حال جوازه. و إن تلف في يد المشتري، لم يبطل الخيار، و كان من ضمان المشتري؛ لأصالة ثبوت الخيار، و استصحاب الحال.

و اختلفت الشافعيّة هنا؛ لاختلاف قول الشافعي. قال أبو الطيّب: إنّ الشافعي قال في بعض كتبه: إنّ المبيع ينفسخ، و يجب على المشتري القيمة. و قال في كتاب الصداق: يلزمه الثمن.

قال: و يحتمل أن يكون المراد بالثمن القيمة. و يحتمل أن يكون المراد به إذا كان الخيار للمشتري وحده و قلنا: إنّ المبيع ينتقل إليه بنفس العقد(2).

و حكى أبو حامد عن الشافعي أنّ الخيار لا يسقط، فإن فسخا العقد أو أحدهما، وجبت القيمة. و إن أمضياه أو سكتا حتى انقضت المدّة، بني الأمر على الأقوال التي له، فإن قلنا: ينتقل بالعقد أو يكون مراعىً، استقرّ عليه الثمن. و إن قلنا: لا ينتقل بالعقد، أو قلنا: مراعى، استقرّ الثمن

ص: 179


1- الحاوي الكبير 63:5، المجموع 224:9.
2- لم نعثر عليه في مظانّه.

عليه(1). و إن قلنا: لا ينتقل إلّا بانقضاء الخيار، وجبت القيمة؛ لأنّه تلف و هو ملك البائع(2).

و قال أبو حامد: يضمن بالثمن؛ لأنّه مسمّى ثبت بالعقد، فلا يسقط مع بقاء العقد، فإنّ القبض إذا وقع، استقرّ البيع، و إذا استقرّ، لم ينفسخ بهلاك المبيع(3).

قالت الشافعيّة: و الطريقة الأُولى أصحّ؛ لأنّه إذا قلنا: إنّ المبيع في ملك البائع فتلف، لا يجوز أن ينتقل إلى المشتري بعد تلفه.

و ما ذكره من أنّ العقد ثابت فيثبت به المسمّى غير مسلّم؛ لأنّ العقد ينفسخ لما تعذّر إمضاء أحكامه بتلفه، و أمّا إذا قلنا: إنّ المبيع في ملك المالك، فلا يمكنه أن يثبت استقرار العقد بتلفه؛ لأنّ في ذلك إبطالاً لخيار البائع، فمتى شاء المشتري أتلفه و أبطل خياره، و لا يمكن بقاؤه على حكم الخيار؛ لأنّه إذا لم يتمّ حكم العقد بتلفه فلا يمكن إتمامه فيه بعد تلفه، كما لا يمكن العقد عليه بعد ذلك(4).

و أمّا ما ذكره من أنّ العقد يستقرّ به فليس بصحيح؛ لأنّ القبض لا يستقرّ به العقد مع بقاء الخيار، و لهذا لا يدخل الخيار في الصرف؛ لوجوب التقابض فيه.

و عند أبي حنيفة أنّه إن كان الخيار للمشتري وحده، تمّ العقد. و إن كان للبائع، انفسخ(5).0.

ص: 180


1- كذا ورد قوله: «و إن قلنا: لا ينتقل.. استقرّ الثمن عليه» في «ق، ك» و الطبعة الحجريّة.
2- لم نعثر عليه في مظانّه.
3- لم نعثر عليه في مظانّه.
4- لم نعثر عليه في مظانّه.
5- انظر: مختصر اختلاف العلماء 53:3، 1130.
فروع:

أ قد عرفت أنّ المبيع إذا تلف قبل قبضه، فهو من مال بائعه، فيرجع المشتري بالثمن لا غير. و إن تلف بعد قبضه و انقضاء الخيار، فهو من مال المشتري. و إن كان في مدّة الخيار من غير تفريط، فمن المشتري إن كان الخيار للبائع أو لهما أو لأجنبيّ. و إن كان للمشتري خاصّة، فمن البائع.

ب إذا قبض المبيع في زمن الخيار ثمّ أودعه عند البائع فتلف في يده، فهو كما لو تلف في يد المشتري، و به قال الشافعي حتى إذا فرّع على أنّ الملك للبائع، ينفسخ البيع و يستردّ المشتري الثمن و يغرم القيمة(1).

ثمّ أبدى الجويني في وجوب القيمة احتمالاً؛ لحصول التلف بعد العود إلى يد المالك(2).

ج لا يجب على البائع تسليم المبيع و لا على المشتري تسليم الثمن في زمن الخيار. و لو تبرّع أحدهما بالتسليم، لم يبطل خياره، و لا يجبر الآخر على تسليم ما عنده، و له استرداد المدفوع قضيّةً للخيار.

و قال بعض الشافعيّة: ليس له استرداده، و له أخذ ما عند صاحبه دون رضاه، كما لو كان التسليم بعد لزوم البيع(3).

د إذا اشترى زوجته بشرط الخيار، بطل النكاح؛ لانتقال الملك إليه عندنا بالعقد.

ص: 181


1- العزيز شرح الوجيز 201:4، روضة الطالبين 117116:3، المجموع 221:9.
2- العزيز شرح الوجيز 201:4، روضة الطالبين 117:3، المجموع 221:9.
3- العزيز شرح الوجيز 201:4، روضة الطالبين 117:3، المجموع 221:9.

و قال الشافعي: لا ينتقل، فلو خاطبها بالطلاق في زمن الخيار، فإن تمّ العقد بينهما و قلنا: إنّ الملك للمشتري أو موقوف، لم يصحّ الطلاق. و إن قلنا: إنّه للبائع، وقع. و إن فسخ و قلنا: إنّه للبائع أو موقوف، وقع. و إن قلنا: للمشتري، فوجهان. و ليس له الوطؤ في زمن الخيار؛ لأنّه لا يدري أ يطأ بالملك أو بالزوجيّة ؟ هذا قول الشافعي. و فيه لأصحابه وجه آخر(1).

مسألة 348: الفسخ قد يكون بالقول و قد يكون بالفعل.

و كذا الإجازة.

فإن قال البائع: فسخت البيع، أو: استرجعت المبيع، أو: رددت الثمن، كان فسخاً إجماعاً.

و قال بعض الشافعيّة: لو قال البائع في زمن الخيار: لا أبيع حتى تزيد في الثمن، و قال المشتري: لا أفعل، كان اختياراً للفسخ. و كذا قول المشتري: لا أشتري حتى تنقص لي من الثمن، و قول البائع: لا أفعل. و كذا طلب البائع حلول الثمن المؤجّل و طلب المشتري تأجيل الثمن الحالّ(2) ، على إشكال، إلّا أن يقول: لا أبيع(3) حتى تعجّل أو تؤجّل.

و أمّا بالفعل: فكما لو وطئ البائع في مدّة خياره، فإنّه يكون فسخاً عندنا على ما تقدّم.

و للشافعي قولان، هذا أحدهما. و الثاني: أنّه لا يكون فسخاً، بخلاف الرجعة عنده، فإنّها لا تحصل بالوطي(4).

و نحن نقول: إنّها تحصل به؛ لأنّه أبلغ في التمسّك من اللفظ.

ص: 182


1- العزيز شرح الوجيز 201:4، روضة الطالبين 117:3، المجموع 222221:9.
2- العزيز شرح الوجيز 202:4، روضة الطالبين 117:3، المجموع 202:9.
3- في «ق، ك» و الطبعة الحجريّة: «لا أبع».
4- العزيز شرح الوجيز 202:4، روضة الطالبين 117:3، المجموع 202:9.

و فرّق بأنّ الرجعة لتدارك النكاح، و ابتداء النكاح لا يحصل بالفعل، فكذا تداركه، و الفسخ هنا لتدارك ملك اليمين، و ابتداؤه يحصل تارة بالقول و أُخرى بالفعل و هو السبي، فكذا تداركه جاز أن يحصل بالفعل(1). و الصغرى ممنوعة.

و قال بعضهم أيضاً: إنّه ليس بفسخ تخريجاً على الخلاف في أنّ الوطء يكون تعييناً للمملوكة و المنكوحة عند إبهام العتق و الطلاق(2).

و الأقوى عندنا: أنّه تعيين.

و قال بعضهم: إنّه يكون فسخاً إذا نوى به الفسخ(3).

و لو قبّل بشهوة أو باشر فيما دون الفرج أو لمس بشهوة، فالوجه عندنا: أنّه يكون فسخاً؛ لأنّ الإسلام يصون صاحبه عن القبيح، فلو لم يختر الإمساك، لكان مُقدماً على المعصية.

و للشافعيّة وجهان(4).

أمّا الاستخدام و ركوب الدابّة: فيهما للشافعيّة وجهان(5).

و لو أعتق البائع في زمن خياره، كان فسخاً، و به قال الشافعي(6) ، و قد سبق(7).

أمّا لو باع، فكذا عندنا و هو أصحّ قولي الشافعيّة(8) لدلالته على ظهور الندم.9.

ص: 183


1- العزيز شرح الوجيز 202:4، روضة الطالبين 117:3، المجموع 202:9.
2- العزيز شرح الوجيز 202:4، روضة الطالبين 117:3، المجموع 202:9.
3- العزيز شرح الوجيز 202:4، روضة الطالبين 117:3، المجموع 202:9.
4- العزيز شرح الوجيز 202:4، روضة الطالبين 117:3، المجموع 202:9.
5- العزيز شرح الوجيز 202:4، روضة الطالبين 117:3، المجموع 202:9.
6- التهذيب للبغوي 312:3، العزيز شرح الوجيز 202:4، روضة الطالبين 117:3، المجموع 202:9.
7- في ص 160، المسألة 329.
8- العزيز شرح الوجيز 202:4، روضة الطالبين 118117:3، المجموع 202:9.

و في الثاني: لا يكون فسخاً؛ لأصالة بقاء الملك، فيستصحب إلى أن يوجد الفسخ صريحاً، بخلاف العتق؛ لقوّته(1).

و إذا كان البيع فسخاً، كان صحيحاً، كالعتق، و هو أصحّ وجهي الشافعيّة(2).

و الثاني: المنع؛ لأنّ الشيء الواحد لا يحصل به الفسخ و العقد معاً، كما أنّ التكبيرة الثانية في الصلاة بنيّة الشروع يخرج بها من الصلاة، و لا يشرع بها في الصلاة(3).

و يمنع عدم حصول الفسخ و العقد في الشيء الواحد بالنسبة إلى شيئين.

و يجري الخلاف في الإجارة و التزويج و الرهن و الهبة إن(4) اتّصل بها القبض، سواء في ذلك هبة مَنْ لا يتمكّن من الرجوع فيها أو(5) مَنْ يتمكّن؛ لزوال الملك في الصورتين، و الرجوع إعادة لما زال(6).

و أمّا العرض على البيع و الإذن فيه و التوكيل و الرهن غير المقبوض إن قلنا باشتراطه و الهبة غير المقبوضة: فالأقرب أنّها من البائع فسخ، و من المشتري إجازة؛ لدلالتها على طلب المبيع و استيفائه، و لهذا يحصل بها الرجوع عن الوصيّة.

و للشافعيّة فيه وجهان، هذا أحدهما. و أظهرهما عندهم: أنّها ليست9.

ص: 184


1- العزيز شرح الوجيز 202:4، روضة الطالبين 118117:3، المجموع 202:9.
2- العزيز شرح الوجيز 202:4، روضة الطالبين 118:3، المجموع 202:9.
3- العزيز شرح الوجيز 202:4، روضة الطالبين 118:3، المجموع 202:9.
4- في «ق، ك» و الطبعة الحجريّة: «و إن» و ما أثبتناه من المصادر.
5- في «ق، ك»: «و مَنْ».
6- العزيز شرح الوجيز 202:4، روضة الطالبين 118:3، المجموع 202:9.

فسخاً من البائع و لا إجازةً من المشتري، فإنّها لا تقتضي إزالة ملك، و ليست بعقود لازمة، و يحتمل صدورها عمّن يتردّد في الفسخ و الإجازة(1).

و لو باع البائع المبيع في زمن الخيار بشرط الخيار، قال الجويني: إن قلنا: لا يزول ملك البائع، فهو قريب من الهبة غير المقبوضة. و إن قلنا: يزول، ففيه احتمال؛ لأنّه أبقى لنفسه مستدركاً(2).

مسألة 349: لو أعتق المشتري بإذن البائع في مدّة خيارهما أو خيار البائع، نفذ،

و حصلت الإجازة من الطرفين. و إن كان بغير إذنه، نفذ أيضاً؛ لأنّه مالك أعتق فنفذ عتقه كغيره.

ثمّ إمّا أن يجعل للبائع الخيار أو يبطله كالتالف، فإن أثبتناه، فالأقوى أنّه يرجع بالقيمة كالتالف.

و لو باع أو وقف أو وهب و أقبض بغير إذن البائع، فالأولى الوقوف على الإجازة، و يكون ذلك إجازةً.

و قالت الشافعيّة: لا ينفذ شيء من هذه العقود(3).

و هل يكون إجازةً؟ قال أبو إسحاق منهم: لا يكون إجازةً، لأنّ الإجازة لو حصلت لحصلت ضمناً للتصرّف، فإذا أُلغي التصرّف فلا إجازة(4).

و قال بعضهم: يكون اجازةً؛ لدلالته على الرضا و الاختيار. و هو أصحّ عندهم(5) ، كما اخترناه.

ص: 185


1- العزيز شرح الوجيز 204:4، روضة الطالبين 119118:3، المجموع 202:9.
2- العزيز شرح الوجيز 204:4، روضة الطالبين 119:3، المجموع 202:9.
3- العزيز شرح الوجيز 203:4، روضة الطالبين 118:3، المجموع 204:9.
4- العزيز شرح الوجيز 203:4، المجموع 204:9.
5- العزيز شرح الوجيز 203:4، روضة الطالبين 118:3، المجموع 204:9.

و لو باشر هذه التصرّفات بإذن البائع أو باع من البائع نفسه، صحّت التصرّفات، و هو أصحّ قولي(1) الشافعيّة(2). و على الوجهين يلزم البيع و يسقط الخيار(3).

و لو أذن له البائع في طحن الحنطة المبيعة فطحنها، كان مجيزاً. و مجرّد الإذن في هذه التصرّفات لا يكون إجازةً من البائع حتى لو رجع قبل التصرّف، كان على خياره.

مسألة 350: إذا اشترى عبداً بجارية ثمّ أعتقهما
اشارة

مسألة 350: إذا اشترى عبداً بجارية ثمّ أعتقهما(4) معاً، فإن كان الخيار لهما، عُتقت الجارية خاصّةً؛

لأنّ إعتاق البائع مع تضمّنه للفسخ يكون نافذاً على رأي، و لا يعتق العبد و إن كان الملك فيه لمشتريه؛ لما فيه من إبطال حقّ الآخر، و هو أصحّ وجهي الشافعيّة. و على الوجه الذي قالوه من نفوذ عتق المشتري تفريعاً على أنّ الملك للمشتري يُعتق العبد و لا تُعتق الجارية(5).

و إن كان الخيار لمشتري العبد خاصّةً، لم ينفذ عتق شيء منهما؛ لأنّ عتق كلّ واحد منهما يمنع عتق الآخر، و ليس أحدهما أولى من الآخر، فيتدافعان، و هو أحد وجوه الشافعيّة.

و في الآخر: أنّه ينفذ عتق أحدهما خاصّةً، و لا ينعتقان معاً؛ لأنّه لا ينفذ إعتاقهما على التعاقب فكذا دفعةً واحدة(6).

و فيمن يُعتق منهما؟ وجهان

ص: 186


1- الظاهر: «وجهي» بدل «قولي» بقرينة السياق.
2- العزيز شرح الوجيز 203:4، روضة الطالبين 118:3، المجموع 204:9.
3- العزيز شرح الوجيز 203:4، روضة الطالبين 118:3، المجموع 204:9.
4- بدل ما بين المعقوفين في «ق، ك» و الطبعة الحجريّة: «أعتقا». و الصحيح ما أثبتناه.
5- العزيز شرح الوجيز 205:4، روضة الطالبين 119:3، المجموع 217:9.
6- العزيز شرح الوجيز 205:4، روضة الطالبين 119:3، المجموع 217:9.

أحدهما: أنّه ينفذ عتق الجارية؛ لأنّ تنفيذ العتق فيها فسخ، و في العبد إجازة، و إذا اجتمع الفسخ و الإجازة، يقدّم الفسخ، كما يقدّم فسخ أحد المتبايعين على إجازة الآخر.

و أصحّهما عندهم: أنّه يعتق العبد؛ لأنّ الإجازة إبقاء للعقد، و الأصل فيه الاستمرار(1).

و قال بعضهم: الوجهان مبنيّان على أنّ الملك في زمن الخيار للبائع أو للمشتري ؟ إن قلنا: للبائع، فالعبد غير مملوك لمشتريه، و إنّما ملكه الجارية، فينفذ العتق فيها. و إن قلنا: للمشتري، فملكه العبد، فينفذ العتق فيه(2).

و قال أبو حنيفة: إنّهما يُعتقان معاً(3).

و إن كان الخيار لبائع العبد وحده، فالمعتق بالإضافة إلى العبد مشترٍ و الخيار لصاحبه، و بالإضافة إلى الجارية بائع و الخيار لصاحبه، قاله بعض الشافعيّة(4) ، و قد سبق الخلاف في إعتاقهما في هذه الصورة.

و الذي يخرج منه الفتوى عندهم أنّه لا يحكم بنفوذ العتق في واحدٍ منهما في الحال، فإن فسخ صاحبه البيع، فهو نافذ في الجارية، و إلّا ففي العبد(5).

و لو كانت المسألة بحالها و أعتقهما معاً مشتري الجارية، فالحكم بينهم بما تقدّم.9.

ص: 187


1- العزيز شرح الوجيز 205:4، المجموع 217:9.
2- العزيز شرح الوجيز 205:4.
3- العزيز شرح الوجيز 205:4.
4- العزيز شرح الوجيز 205:4، روضة الطالبين 119:3، المجموع 217:9.
5- العزيز شرح الوجيز 205:4، روضة الطالبين 120119:3، المجموع 217:9.

و قال بعض الشافعيّة: إن كان الخيار لهما، عتق العبد دون الجارية. و إن كان الخيار للمعتق وحده، فعلى الوجوه الثلاثة: في الأوّل يُعتق العبد، و في الثاني تُعتق الجارية، و حكم الثالث ظاهر(1).

فروع:

أ كلّ ما جعلناه فسخاً من البائع إذا فَعَله يكون إجازةً من المشتري لو أوقعه.

ب لو قبّلت الجارية مشتريها، لم يكن ذلك تصرّفاً و إن كان مع شهوة إن لم يأمرها. و لو قبّلها، فهو تصرّف و إن لم يكن عن شهوة.

ج لو فسخ المشتري بخياره، فالعين في يده مضمونة. و لو فسخ البائع، فهي في يد المشتري أمانة على إشكال ينشأ من أنّه قبضها قبض ضمان، فلا يزول إلّا بالردّ إلى مالكها.

ص: 188


1- العزيز شرح الوجيز 205:4، روضة الطالبين 120:3، المجموع 218217:9.
الفصل الثاني: في العيب
اشارة

و فيه مطالب:

الأوّل: في حقيقته.
مسألة 351: العيب هو الخروج عن المجرى الطبيعي،

كزيادةٍ أو نقصان، موجبة لنقص الماليّة.

روى السياري عن ابن أبي ليلى أنّه قدّم إليه رجل خصماً له، فقال: إنّ هذا باعني هذه الجارية فلم أجد على رَكَبها(1) حين كشفتها شعراً و زعمت أنّه لم يكن لها قطّ، قال: فقال له ابن أبي ليلى: إنّ الناس ليحتالون لهذا بالحيل حتى يذهبوه، فما الذي كرهت ؟ فقال: أيّها القاضي إن كان عيباً فاقض لي به، قال: حتى أخرج إليك فإنّي أجد أذى في بطني، ثمّ دخل و خرج من بابٍ آخر، فأتى محمّد بن مسلم الثقفي، فقال: أيّ شيء تروون عن أبي جعفر الباقر (عليه السّلام) في المرأة لا يكون على رَكَبها شعر؟ أ يكون ذلك عيباً؟ فقال له محمد بن مسلم: أمّا هذا نصّاً فلا أعرفه، و لكن حدّثني أبو جعفر (عليه السّلام) عن أبيه عن آبائه (عليهم السّلام) عن النبيّ (صلّى اللّه عليه و آله) قال: «كلّ ما كان في أصل الخلقة فزاد أو نقص فهو عيب» فقال له ابن أبي ليلى: حسبك، ثمّ رجع إلى القوم فقضى لهم بالعيب(2).

إذا ثبت هذا، فإذا كان السلعة معيبةً، لم يجب على البائع إظهار العيب، لكن يكره له ذلك، سواء تبرّأ من العيب أو لا؛ لأصالة براءة الذمّة

ص: 189


1- الرَّكَبُ: منبت العانة. الصحاح 139:1 «ركب».
2- الكافي 216215:5، 12، التهذيب 6665:7، 282.

من وجوب و تحريم، و إنّما كره كتمانه؛ لمشابهته الغشّ بنوع من الاعتبار.

و قال الشافعي: يجب على البائع أن يبيّنه للمشتري؛ لأنّ النبيّ (عليه السّلام) قال: «ليس منّا مَنْ غشّنا»(1)(2).

و الغشّ ممنوع، بل إنّما يثبت في كتمان العيب بعد سؤال المشتري له و تبيّنه، و التقصير في ذلك من المشتري.

مسألة 352: إطلاق العقد و اشتراط السلامة يقتضيان السلامة

على ما مرّ من أنّ القضاء العرفي يقتضي أنّ المشتري إنّما بذل ماله بناءً على أصالة السلامة، فكأنّها مشترطة في نفس العقد، فإذا اشترى عبداً مطلقاً، اقتضى سلامته من الخصاء و الجبّ، فإن ظهر به أحدهما، كان له الردّ عندنا و به قال الشافعي(3) لأنّ الغرض قد يتعلّق بالفحوليّة غالباً، و الفحل يصلح لما لا يصلح له الخصيّ من الاستيلاد و غيره، و قد دخل المشتري في العقد على ظنّ الفحوليّة؛ لأنّ الغالب سلامة الأعضاء، فإذا فات ما هو متعلّق الغرض، وجب ثبوت الردّ و إن زادت قيمته باعتبارٍ آخر.

مسألة 353: الزنا و السرقة عيبان

في العبد و الأمة عندنا و به قال الشافعي(4) لتأثيرهما في نقص القيمة و تعريضهما لإقامة الحدّ.

ص: 190


1- المستدرك للحاكم 9:2، مسند أحمد 506:4، 15406، و 635 636، 16054، مشكل الآثار 134:2.
2- العزيز شرح الوجيز 208:4، روضة الطالبين 121:3.
3- العزيز شرح الوجيز 212:4، روضة الطالبين 121:3.
4- المهذّب للشيرازي 293:1، التنبيه في الفقه الشافعي: 95، الوسيط 120:3، حلية العلماء 271270:4، الحاوي الكبير 253:5، التهذيب للبغوي 445:3، الوجيز 142:1، العزيز شرح الوجيز 212:4، روضة الطالبين 121:3، منهاج الطالبين: 100، المغني 263:4، الشرح الكبير 95:4.

و قال أبو حنيفة: الزنا عيب في الإماء خاصّةً دون العبيد(1) ؛ لأنّ الجارية تفسد عليه فراشه. و السرقة تقتضي تفويت عضو منه فكان عيباً(2).

و الجواب: إقامة الحدّ بالضرب يؤدّي إلى تعطيل منافعه، و ربّما أدّى إلى إتلافه.

و كذا البحث إذا شرب العبد و سكر، كان عيباً؛ لأنّه مستحقّ للحدّ، و فيه تعريض للإتلاف.

و لو [ثبت] زنا العبد(3) عند الحاكم و لم يقمْ عليه الحدّ بعدُ، ثبت الردّ عنده(4).

و اعلم أنّ الإباق من أفحش عيوب المماليك فينقص(5) الماليّة، و لهذا لا يصحّ بيعه منفرداً، لأنّه في معرض التلف. و لأنّه أبلغ في السرقة، بل هو سرقة بنفسه في الحقيقة.

و الإباق الذي يوجب الردّ هو ما يحصل عند البائع و إن لم يأبق عند المشتري. و لو تجدّد في يد المشتري في الثلاث من غير تصرّف، فكذلك، و إلّا فلا. و المرّة الواحدة في الإباق تكفي في أبديّة العيب، كالوطي في إبطال العنّة.».

ص: 191


1- في «ق، ك» و الطبعة الحجريّة: «العبد». و ما أثبتناه يقتضيه السياق.
2- تحفة الفقهاء 94:2، بدائع الصنائع 274:5، الهداية للمرغيناني 36:3، الاختيار لتعليل المختار 29:2، مختصر اختلاف العلماء 156:3، 1230، التهذيب للبغوي 445:3، حلية العلماء 272:4، الحاوي الكبير 253:5، الوسيط 120:3، العزيز شرح الوجيز 212:4، المغني 263:4، الشرح الكبير 95:4.
3- في «ق، ك» و الطبعة الحجريّة: «و لو زنى العبد». و ما أثبتناه من تصحيحنا.
4- أي عند أبي حنيفة. انظر: العزيز شرح الوجيز 212:4.
5- في «ق، ك»: «ينقص». و الظاهر: «ينقص به الماليّة».
مسألة 354: البول في الفراش عيب في العبد و الأمة

إذا كانا كبيرين - و به قال الشافعي(1) لأنّ ذلك خارج عن المجرى الطبيعي، و ينقص به الماليّة، فيثبت به الردّ.

و أمّا إذا كانا صغيرين يبول مثلهما في الفراش، فإنّه ليس بعيب؛ لجريان العادة به، فكان كالطبيعي.

و قال أبو حنيفة: ليس بول العبد الكبير في الفراش عيباً، أمّا بول الأمة الكبيرة فإنّه عيب تردّ به الجارية؛ لأنّ ذلك يؤذي فراش السيّد، بخلاف العبد(2).

و ليس بصحيح؛ لأنّ الغلام يفسد الثياب التي ينام فيها، فيكون ذلك نقصاً.

إذا عرفت هذا، فالضابط في الكبير و الصغير العادة، و لا قدر له، خلافاً لبعض الشافعيّة حيث قدّره بسبع سنين(3).

و لو كانا يبولان في اليقظة، فإن كان ذلك لضَعْفٍ في المثانة أو لسلس أو مرض، فإنّه عيب إجماعاً. و إن كان عن سلامة و إنّما يفعلان ذلك تعبّثاً، فليس بعيب، بل يؤدّبان على فعله.

و أمّا الغائط فإن كانا يفعلانه في النوم، كان عيباً، إلّا أن يكونا

ص: 192


1- المهذّب للشيرازي 293:1، الوجيز 142:1، العزيز شرح الوجيز 212:4، الوسيط 120:3، حلية العلماء 271:4، التهذيب للبغوي 445:3، روضة الطالبين 123122:3، منهاج الطالبين: 100.
2- الوسيط 120:3، التهذيب للبغوي 445:3، حلية العلماء 271:4، العزيز شرح الوجيز 213:4.
3- التهذيب للبغوي 445:3، العزيز شرح الوجيز 212:4، روضة الطالبين 123:3.

صغيرين تقضي العادة بصدوره عنهما، فإنّه ليس بعيب.

مسألة 355: البَخَر عيب في العبد و الأمة

الصغيرين و الكبيرين و به قال الشافعي(1) لأنّه مؤذٍ عند المكالمة، و تنقص به القيمة.

و قال أبو حنيفة: إنّ ذلك عيب في الأمة دون العبد؛ لأنّها تفسد عليه فراشه، بخلاف العبد(2).

و ليس بصحيح؛ فإنّ العبد قد يحتاج إلى أن يُسارّه بحديثٍ و يكالمه فيؤذيه.

و لو كان البَخَر في فرج المرأة، كان له الردّ؛ للتأذّي به، و به قال الشافعي(3).

و البَخَر الذي يعدّ عيباً هو الذي يكون من تغيّر المعدة، دون ما يكون لقَلَح(4) الأسنان، فإنّ ذلك يزول بتنظيف الفم.

و أمّا الصُّنان(5): فإن كان مستحكماً يخالف العادة، فهو عيب في العبد و الأمة أيضاً؛ لأنّه مؤذٍ تنقص به القيمة الماليّة. و أمّا الذي يكون

ص: 193


1- المهذّب للشيرازي 293:1، التهذيب للبغوي 445:3، الحاوي الكبير 253:5، حلية العلماء 271270:4، الوسيط 120:3، الوجيز 142:1، العزيز شرح الوجيز 213:4، روضة الطالبين 121:3، المغني 263:4، الشرح الكبير 95:4.
2- تحفة الفقهاء 94:2، بدائع الصنائع 274:5، الهداية للمرغيناني 36:3، الاختيار لتعليل المختار 29:2، الوسيط 120:3، حلية العلماء 272:4، التهذيب - للبغوي 445:3، الحاوي الكبير 253:5، العزيز شرح الوجيز 213:4.
3- لم نعثر على قوله في مظانّه ممّا بين أيدينا من المصادر.
4- القَلَح: صُفرة تعلو الأسنان. لسان العرب 565:2 «قلح».
5- الصُّنان: ذَفَر الإبط و خبث الريح. لسان العرب 307306:4 «ذفر» و 250:13 «صنن».

لعارضٍ من عرق أو حركة عنيفة أو اجتماع وسخ فإنّه ليس بعيب، و به قال الشافعي(1).

مسألة 356: من اشترى عبداً فوجده مخنّثاً أو مُمكّناً من نفسه، ثبت له الخيار؛

لأنّه ينقص الماليّة، و يثبت العار به على مالكه.

و لو وجده خنثى مشكلاً أو غير مشكل، كان له الردّ؛ لأنّ فيه زيادةً على المجرى الطبيعي، فكان كالإصبع الزائدة، و به قال أكثر الشافعيّة(2).

و قال بعضهم: إن كان يبول من فرج الرجال، لم يردّ(3). و ليس بصحيح.

و لو وجده غير مختون، فإن كان صغيراً، فلا خيار له؛ لقضاء العادة به. و إن كان كبيراً، فله الخيار؛ لأنّه يخاف عليه من ذلك، و به قال الشافعي(4).

و قال بعض أصحابه: لا ردّ(5).

و أمّا الجارية فلو كانت غير مختونة، لم يكن فيها خيار، صغيرةً كانت أو كبيرة؛ لأنّه سليم فيها. و لأنّ الختان فيها غير واجب بل سنّة، بخلاف الذكر.

نعم، لو كان العبد الكبير مجلوباً من بلاد الشرك و علم المشتري

ص: 194


1- الوسيط 120:3، العزيز شرح الوجيز 213:4، روضة الطالبين 122:3.
2- التهذيب للبغوي 445444:3، الحاوي الكبير 254:5، العزيز شرح الوجيز 215:4، روضة الطالبين 123:3.
3- العزيز شرح الوجيز 215:4، روضة الطالبين 123:3.
4- المهذّب للشيرازي 293:1، التهذيب للبغوي 445:3، العزيز شرح الوجيز 216:4، روضة الطالبين 125:3.
5- التهذيب للبغوي 445:3، العزيز شرح الوجيز 216:4، روضة الطالبين 125:3.

جلبه، لم يكن له خيار قضاءً للعادة.

مسألة 357: لو اشترى أمةً فخرجت مزوّجةً، أو اشترى عبداً فبان له زوجة، لم يكن له خيار

في الردّ و لا الأرش؛ لأنّه ليس بعيب، و له الخيار في إجازة النكاح و فسخه في طرف المرأة و الرجل، سواء كانا عبدين أو أحدهما، و سواء كانا لمالكٍ واحد أو لمالكين. و حينئذٍ فلا وجه للردّ؛ لأنّه إن رضي بالتزويج، فلا بحث. و إن لم يرض، كان له الفسخ، سواء حصل دخول أو لا.

و قال الشافعي: يثبت له الخيار؛ لما فيه من نقص القيمة، لأنّه ليس له أن يطأ الأمة، فينقص تصرّفه فيها، و يجب عليه نفقة الغلام، أو على الغلام إن وجدها(1).

و هو ممنوع؛ لأنّ ذلك مبنيّ على انتفاء خيار فسخه للنكاح، أمّا معه فلا.

و للشافعي قول آخر: إنّه لا خيار له أيضاً(2).

و لو ظهرت معتدّةً، فإن كان زمان العدّة قصيراً جدّاً، فلا خيار له؛ لأنّه لا يعدّ عيباً، و لا ينقص الماليّة و لا الانتفاع به.

و إن كان طويلاً، احتمل ثبوت الخيار؛ لتفويت منفعة البُضْع هذه المدّة، فكان كالمبيع لو ظهر مستأجراً. و نفيُه؛ لأنّ التزويج لا يعدّ عيباً، فالعدّة أولى.

و يحتمل أن يقال: إن استعقب فسخ التزويج عدّةً، كان التزويج عيباً، و إلّا فلا.

ص: 195


1- المهذّب للشيرازي 294:1، التهذيب للبغوي 446:3، حلية العلماء 266:4، الحاوي الكبير 255:5، العزيز شرح الوجيز 215:4، روضة الطالبين 124:3.
2- حلية العلماء 266:4، العزيز شرح الوجيز 215:4، روضة الطالبين 124:3.
مسألة 358: لو اشترى أمةً فوجد بينها و بينه ما يوجب التحريم، كالرضاع و النسب و كونها موطوءة أبيه أو ابنه، لم يكن له الخيار -

و به قال الشافعي(1) لأنّ ذلك لا ينقص قيمتها، و إنّما ذلك أمر يختصّ به، و يخالف التزويج، عند الشافعي؛ لأنّه يحرم به الاستمتاع على كلّ أحد، فتنتقص بذلك قيمتها.

و العدّة و الإحرام كالتزويج يثبت به الردّ عند الشافعي؛ لأنّ التحريم فيه عامّ فيقلّل الرغبات(2).

و قال بعض الشافعيّة: لا فرق بين التحريم المؤبّد و الإحرام و العدّة(3).

و لو كانت صائمةً، لم يكن له خيار الردّ.

و للشافعيّة وجه آخر ضعيف(4).

و لو وجدها رتقاء أو مفضاة أو قرناء أو مستحاضة، فله الخيار؛ لأنّ ذلك عيب، و الاستحاضة مرض.

مسألة 359: لو وجد الجارية لا تحيض، فإن كانت صغيرةً أو آيسةً، فلا ردّ؛

لقضاء العادة بذلك. و لأنّ المجرى الطبيعي على ذلك. و إن كانت في سنّ مَنْ تحيض، فله الردّ؛ لأنّ ذلك لا يكون إلّا للخروج عن المجرى الطبيعي. و كذا لو تباعد حيضها و به قال الشافعي(5) لخروجه عن المجرى الطبيعي.

و لقول الصادق (عليه السّلام) و قد سئل عن رجل اشترى جارية مدركة

ص: 196


1- التهذيب للبغوي 447:3، الحاوي الكبير 255:5، العزيز شرح الوجيز 216:4، روضة الطالبين 125:3.
2- العزيز شرح الوجيز 215:4 و 216، روضة الطالبين 124:3 و 125.
3- العزيز شرح الوجيز 216:4، روضة الطالبين 125:3.
4- العزيز شرح الوجيز 216:4، روضة الطالبين 125:3.
5- التهذيب للبغوي 446:3، العزيز شرح الوجيز 215:4، روضة الطالبين 124:3.

فلم تحض عنده حتى مضى لها ستّة أشهر و ليس بها حمل، قال: «إن كان مثلها تحيض و لم يكن ذلك من كبر، فهذا عيب تردّ منه»(1).

مسألة 360: لو اشترى عبداً أو أمةً فخرجا مرتدّين، ثبت له الردّ؛
اشارة

لأنّه يوجب الإتلاف فكان أعظم العيوب، و به قال الشافعي(2).

و لو خرجا كافرين أصليّين، فلا ردّ فيهما معاً، سواء كان ذلك الكفر مانعاً من الاستمتاع كالتمجّس و التوثّن، أو لم يكن كالتهوّد و التنصّر و به قال الشافعي(3) لأنّ هذا نقص من جهة الدين، فلا يعدّ عيباً، كالفسق بما لا يوجب حدّا. و لأنّه لا يؤثّر في تقليل منافع العبد و الجارية و تكثيرها، فلا ينقص به الماليّة.

و قال أبو حنيفة: له الردّ فيهما؛ لأنّ الكفر عيب؛ لقوله تعالى وَ لَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَ لَوْ أَعْجَبَكُمْ (4)(5).

و عدم الخيريّة لا ينافي السلامة من العيوب.

و لبعض الشافعيّة قول: إنّه لو وجد الجارية مجوسيّة أو وثنيّة، كان له الردّ؛ لنقص المنافع فيها؛ إذ لا يمكنه(6) الاستمتاع بها(7). و هو حسن.

ص: 197


1- الكافي 213:5 (باب مَنْ يشتري الرقيق..) الحديث 1، التهذيب 65:7، 281.
2- المهذّب للشيرازي 294:1، التهذيب للبغوي 447:3، العزيز شرح الوجيز 215:4، روضة الطالبين 124:3.
3- المهذّب للشيرازي 294:1، حلية العلماء 274:4، العزيز شرح الوجيز 215:4، روضة الطالبين 124:3، المغني 264:4، الشرح الكبير 96:4.
4- البقرة: 221.
5- تحفة الفقهاء 95:2، بدائع الصنائع 275:5، الهداية للمرغيناني 36:3، الاختيار لتعليل المختار 29:2، المغني 264:4، الشرح الكبير 96:4.
6- في الطبعة الحجريّة: «لا يمكن».
7- التهذيب للبغوي 447:3، العزيز شرح الوجيز 215:4، روضة الطالبين 124:3.

قال هذا: و لو وجد الأمة كتابيّةً أو وجد العبد كافراً أيّ كُفْرٍ كان، فلا ردّ إن كان قريباً من بلاد الكفر بحيث لا تقلّ فيه الرغبات. و إن كان في بلاد الإسلام حيث تقلّ الرغبات(1) في الكافر و تنقص قيمته، فله الردّ(2). و الأوّل أقوى.

تذنيب: لو شرط إسلام العبد أو الأمة فبان كافراً، كان له الردّ قطعاً؛

لنقصانه عمّا شرط.

و لو شرط كفره فخرج مسلماً، فالأقرب: أنّ له الردّ و هو أحد قولي الشافعي(3) لأنّ الراغب لبني الكفر أكثر، فإنّ المسلم و الكافر معاً يصحّ أن يملكا الكافر، و لا يصحّ للكافر أن يملك المسلم، فحينئذٍ يستفيد المشتري بهذا الشرط غرضاً مقصوداً عند العقلاء، فكان له الفسخ بعدمه، كغيره من الشروط.

و القول الآخر للشافعي: إنّه لا خيار له و هو مذهب أبي حنيفة(4) لأنّ المسلم أفضل من الكافر(5).

مسألة 361: الأقوى عندي أنّه لا يشترط رؤية شعر الجارية،

بل يبنى على العادة في سواده و بياضه دون غيره، فلو اشترى جاريةً و لم ير شعرها، صحّ البيع؛ لأنّه غير مقصود بالذات، فأشبه التابع في البيع. فإن كانت في

ص: 198


1- في «ق، ك»: «الرغبة».
2- التهذيب للبغوي 447:3، العزيز شرح الوجيز 215:4، روضة الطالبين 124:3.
3- المهذّب للشيرازي 294:1، التهذيب للبغوي 448447:3، حلية العلماء 273:4، العزيز شرح الوجيز 206:4، روضة الطالبين 120:3.
4- الهداية للمرغيناني 36:3، التهذيب للبغوي 448:3، العزيز شرح الوجيز 206:4.
5- التهذيب للبغوي 448:3، العزيز شرح الوجيز 206:4، روضة الطالبين 120:3.

سنّ الكبر الذي يبيض الشعر فيه لو رآه أبيض أو أسود، فلا خيار له. و إن كانت في سنّ أقلّ فوجده أبيض، كان له الخيار؛ لأنّه نقص في اللون، و خروج عمّا يقتضيه المزاج الطبيعي.

أمّا لو اشتراها بعد أن شاهد شعرها فوجده جعداً(1) ثمّ بعد ذلك صار سبطاً(2) و قد كان جعده بصنعة عملها، فلا خيار و به قال أبو حنيفة(3) لأصالة لزوم العقد، و كون هذا ليس عيباً.

و قال الشافعي: لا يصحّ الشراء حتى ينظر إلى شعرها؛ لأنّ الشعر مقصود، و يختلف الثمن باختلافه، فإذا رآه جعداً ثمّ وجده سبطاً، ثبت له الخيار؛ لأنّه تدليس يختلف الثمن باختلافه، فأشبه تسويد الشعر(4). و الفرق ظاهر.

قال أبو حنيفة: إنّ هذا تدليس بما ليس بعيب(5).

نعم، لو شرط كونها جعدةً و كانت سبطةً، كان له الخيار؛ تحقيقاً لفائدة الشرط.

و كذا لو أسلم في جارية جعدة فدفع إليه سبطة، لم يلزمه القبول؛ لأنّه خلاف ما شرطه في السَّلَم.

مسألة 362: إطلاق العقد في الأمة لا يقتضي البكارة

و لا الثيوبة، فلا يثبت الخيار بأحدهما مع الإطلاق.

ص: 199


1- الجعد من الشعر خلاف السبط، أو القصير. لسان العرب 121:3 «جعد».
2- شعر سبط: أي مسترسل غير جعد. الصحاح 1129:3 «سبط».
3- الحاوي الكبير 252:5، حلية العلماء 233:4.
4- التهذيب للبغوي 285:3 و 449، العزيز شرح الوجيز 58:4 و 207، المغني 256:4، الشرح الكبير 90:4.
5- المغني 256:4، الشرح الكبير 90:4.

و قال بعض الشافعيّة: إلّا أن تكون صغيرةً و كان المعهود في مثلها البكارة(1).

و لا بأس به عندي؛ لأنّ البكارة أمر مرغوب إليه، و إنّما يبذل المشتري المال بناءً على بقائها على أصل الخلقة، فكان له الردّ؛ قضاءً للعادة.

و لو شرط البكارة فكانت ثيّباً، قال أصحابنا: إذا اشتراها على أنّها بكر فكانت ثيّباً، لم يكن له الردّ؛ لما رواه سماعة قال: سألته عن رجل باع جاريةً على أنّها بكر فلم يجدها على ذلك، قال: «لا تردّ عليه، و لا يجب عليه شيء، إنّه يكون يذهب في حال مرض أو أمر يصيبها»(2).

و الأقوى عندي أنّه إذا شرط البكارة فظهر أنّها كانت ثيّباً قبل الإقباض، يكون له الردّ أو الأرش، و هو نقص ما بينها بكراً و ثيّباً. و إن تصرّف، لم يكن له الردّ، بل الأرش؛ لأنّه شرط سائغ يرغب فيه العقلاء، فكان لازماً، فإذا فات، وجب أن يثبت له الخيار، كغيره.

و تُحمل الرواية و فتوى الأصحاب على أنّه اشتراها على ظاهر الحال من شهادة الحال بالبكارة و غلبة ظنّه من غير شرط. على أنّ الرواية لم يُسندها الراوي - و هو سماعة مع ضعفه إلى إمام، و في طريقها زرعة و هو ضعيف أيضاً.

و في رواية يونس في رجل اشترى جارية على أنّها عذراء فلم يجدها عذراء، قال: «يردّ عليه فضل القيمة إذا علم أنّه صادق»(3).8.

ص: 200


1- العزيز شرح الوجيز 216:4، روضة الطالبين 125:3.
2- التهذيب 65:7، 279، الاستبصار 82:3، 277.
3- الكافي 216:5، 14، التهذيب 64:7، 278، الاستبصار 82:3، 278.

و هذه الرواية لم يُسندها الراوي إلى إمام أيضاً، و تُحمل على ما إذا شرط. و إيجاب الأرش لا ينافي التخيير بينه و بين الردّ مع عدم التصرّف، و وجوبه عيناً مع التصرّف.

و قال الشافعي: إذا شرط البكارة فخرجت ثيّباً، كان له الخيار(1). و هو الذي اخترناه.

و لو شرط الثيوبة فخرجت بكراً، فالأقرب: أنّ له الخيار؛ لأنّه ظهر خلاف ما شرطه.

و يحتمل عدمه؛ لأنّ البكر أرفع قيمةً و أفضل.

و الثاني قول أكثر الشافعيّة، و الأوّل قول أقلّهم(2).

و لو ادّعى الثيوبة قبل التصرّف، لم يسمع؛ لجواز تجدّدها بعد القبض؛ فإنّ البكارة قد تذهب بالطفرة و النزوة، و حمل الثقيل، و الدودة.

أمّا لو ادّعى حصولها قبل الإقباض و كان قد شرط البكارة، حكم بشهادة أربع من النساء الثقات.

مسألة 363: لو اشترى جاريةً فوجدها مغنّيةً، لم يكن له الخيار -

و به قال الشافعي(3) لأنّ ذلك قد يكون طبيعيّاً. و لأنّه لو كان صناعيّاً، لكان بمنزلة تعلّم صنعة حرام، و ذلك ليس عيباً، بل هو زيادة في ثمنها من غير نقصان في بدنها، كما لو كانت تعرف الخياطة.

ص: 201


1- المهذّب للشيرازي 294:1، التهذيب للبغوي 448:3، الحاوي الكبير 253:5، العزيز شرح الوجيز 206:4، روضة الطالبين 120:3.
2- المهذّب للشيرازي 294:1، التهذيب للبغوي 448:3، الحاوي الكبير 253:5، العزيز شرح الوجيز 207:4، روضة الطالبين 121:3.
3- المهذّب للشيرازي 293:1، التهذيب للبغوي 445:3، حلية العلماء 272:4، الحاوي الكبير 254:5، العزيز شرح الوجيز 216:4، روضة الطالبين 125:3.

و قال مالك: إنّه يثبت له الخيار نقله أصحاب الشافعي دون أصحاب مالك لأنّ الغناء حرام و هو ينقصها(1).

و نمنع النقص؛ فإنّ الغناء لهو و لعب و سخف، و الحرام استعماله دون معرفته بالطبع.

مسألة 364: لا خلاف في أنّ الجنون عيب يوجب الردّ

إلى سنة على ما تقدّم عندنا. و لو كان مخبلاً أو أبله أو سفيهاً، ثبت له الردّ.

و لا عبرة بالسهو السريع زواله إذا لم يعدّ عيباً.

أمّا الصرع: فإنّه عيب، و كذا الجنون الآخذ أدواراً.

مسألة 365: الجذام و البرص و العمى و العور و العرج و القرن و الفتق و الرتق و القرع و الصمم و الخرس عيوب إجماعاً.

و كذا أنواع المرض، سواء استمرّ كما في الممراض أو كان عارضاً و لو حمّى يوم، و الإصبع الزائدة، و الحول و الحَوَص(2) و السَّبَل و هو زيادة في الأجفان و استحقاق القتل في الردّة أو القصاص، و القطع بالسرقة أو الجناية، و الاستسعاء في الدَّيْن عيوب إجماعاً، دون الصيام و الإحرام و الاعتداد، و معرفة الغناء و النوح، و العَسَر(3) على إشكال، و لا كونه ولد زنا و لا عدم المعرفة بالطبخ و الخبز و غيرهما.

و أمّا الشلل و البكم فإنّهما عيبان. و كذا لو كان أرتّ(4) لا يفهم أو كان

ص: 202


1- حلية العلماء 272:4، الحاوي الكبير 254:5، و كذا في المغني 264:4، و الشرح الكبير 96:4.
2- الحوص بالتحريك ضيق في مؤخر العين. الصحاح 1034:3 «حوص».
3- يقال: رجل أعسرُ بيّن العَسَر، للّذي يعمل بيساره. الصحاح 745:2 «عسر».
4- رجل أرتُّ بيّن الأرتّ: الذي في لسانه عُقْدة و حُبْسة و يعجل في كلامه فلا يطاوعه لسانه. لسان العرب 3433:2 «رتت».

فقد حاسّة الذوق أو غيرها أو ناقص إصبع أو أنملة أو ظفر أو شعر أو زائد سنّ أو فاقدها أو كونه ذا قروح أو ثآليل كثيرة أو بَهَق(1) ، أو كون الحيوان مريضاً سواء المخوف و غيره، أو كونه أبيض الشعر في غير أوانه. و لا بأس بحمرته.

و أمّا إذا كان نمّاماً أو ساحراً أو قاذفاً للمحصنات أو مقامراً أو تاركاً للصلاة أو شارباً للخمر: إشكال أقربه أنّه ليست هذه عيوباً، و به قال بعض الشافعيّة(2).

مسألة 366: الحبل في الإماء عيب يوجب خيار الردّ للمشتري؛

لاشتماله على تغرير بالنفس؛ لعدم يقين السلامة بالوضع، و به قال الشافعي(3).

أمّا في غير الإماء من الحيوانات: فإنّه ليس بعيب و لا يوجب الردّ، بل ذلك زيادة في المبيع إن قلنا بدخول الحمل، كما هو مذهب الشيخ(4).

و قال بعض الشافعيّة: يردّ به(5). و ليس بشيء.

و كون الدابّة جموحاً(6) أو عضوضاً أو رموحاً(7) أو خشنة المشي بحيث يخاف السقوط عيب، بخلاف كون الماء مشمّساً، خلافاً لبعض الشافعيّة(8).

ص: 203


1- البَهَق: بياض يعتري الجلد يخالف لونه، ليس من البرص. الصحاح 1453:4 «بهق».
2- العزيز شرح الوجيز 215:4، روضة الطالبين 123:3.
3- العزيز شرح الوجيز 215:4، روضة الطالبين 124:3.
4- المبسوط للطوسي 156:2.
5- العزيز شرح الوجيز 215:4، روضة الطالبين 124:3.
6- جمح الفرس: إذا اعتزّ فارسه و غلبه. الصحاح 360:1 «جمح».
7- هي التي تضرب برِجْلها. الصحاح 367:1 «رمح».
8- العزيز شرح الوجيز 215:4، روضة الطالبين 125124:3.

و كذا كون الرمل تحت الأرض إذا أُريدت للبناء، و الأحجار إن كانت ممّا تطلب للزرع و [الغرس(1)] عيب، و به قال الشافعي(2).

و لو كان الرقيق رطب الكلام أو غليظ الصوت أو سيّء الأدب أو ولد زنا أو مغنّياً أو حجّاماً أو أكولاً أو زهيداً، فلا ردّ. و تردّ الدابّة بالزهادة.

و كون الأمة عقيماً لا يوجب الردّ؛ لعدم العلم بتحقّقه، فربما كان من الزوج أو لعارضٍ.

مسألة 367: لو كان العبد عنّيناً، كان للمشتري الردّ؛

لأنّه عيب. و تردّ المرأة النكاح به، و هو قول بعض الشافعيّة(3).

و قال بعضهم: ليس بعيب(4). و هو غلط.

و لو كان ممّن يعتق على المشتري، لم يردّ به؛ لأنّه ليس عيباً في حقّ كلّ الناس، و لا تنقص ماليّته عند غيره.

و كذا لو كان زوجاً للمشترية أو زوجةً له، و كون العبد مبيعاً(5) في جناية عَمْدٍ و قد تاب عنها، فلا ردّ. و لو لم يتب، قال الشافعي: إنّه عيب(6).

و الجناية خطأ ليست عيباً و إن كثر، خلافاً للشافعي في الكثرة(7).

و من العيوب كون المبيع نجساً ينقص بالغسل، أو لا يمكن تطهيره، و كذا شرب البهيمة لبن نفسها، و به قال الشافعي(8).

و روى الهيثم بن عبد العزيز عن شريح قال: أتى عليّاً (عليه السّلام) خصمان،

ص: 204


1- بدل ما بين المعقوفين في «ق، ك» و الطبعة الحجريّة: «و الغرر». و الصحيح ما أثبتناه.
2- العزيز شرح الوجيز 216:4، روضة الطالبين 125:3.
3- العزيز شرح الوجيز 216:4، روضة الطالبين 125:3.
4- العزيز شرح الوجيز 216:4، روضة الطالبين 125:3.
5- في «ق، ك» و الطبعة الحجريّة: «معيباً». و الظاهر ما أثبتناه.
6- العزيز شرح الوجيز 216:4، روضة الطالبين 125:3.
7- العزيز شرح الوجيز 216:4، روضة الطالبين 125:3.
8- العزيز شرح الوجيز 216:4، روضة الطالبين 125:3.

فقال أحدهما: إنّ هذا باعني شاةً تأكل الألبان(1) ، فقال شريح: لبن طيّب بغير علف. قال: فلم يردّها(2).

مسألة 368: لو اشترى شيئاً ثمّ ظهر أنّ بايعه باعه وكالةً أو وصايةً أو ولايةً أو أمانةً، ففي ثبوت الردّ لخطر فساد النيابة احتمال.

و من العيوب: آثار الشجاج و القروح و الكيّ و سواد الأسنان و نقص بعض السنّ و زيادته و ذهاب أشفار العين و الكَلَف(3) المغيّر للبشرة و كون إحدى الثديين في الجارية أكبر من الأُخرى. و كذا طول إحدى اليدين في الرجل و المرأة على الاُخرى. و كذا طول إحدى الرِّجْلين على الأُخرى، و الحَفَر في الأسنان، و هو تراكم الوسخ الراسخ في أُصولها.

و الضابط أنّ الردّ يثبت بكلّ ما في المعقود عليه من منقص القيمة أو العين نقصاً مّا يفوت به غرض صحيح بشرط أن يكون الغالب في أمثال المبيع عدمه.

مسألة 369: لو كان المبيع حيواناً غير الأمة فحمل عند المشتري من غير تصرّف، لم يسقط الردّ بالعيب السابق؛

لأنّ الحمل في غير الأمة زيادة. و هذا الحمل للمشتري؛ لتجدّده على ملكه. أمّا لو كانت حاملاً فولدت عنده ثمّ ردّها، ردّ الولد أيضاً.

و لو كان العبد كاتباً أو صانعاً فنسيه عند المشتري، لم يكن له الردّ بالسابق؛ لتجدّد عيب عنده.

ص: 205


1- في المصدر: «الذبّان» بدل «الألبان».
2- التهذيب 75:7، 322.
3- الكَلَف: شيء يعلو الوجه كالسمسم. و كذا لونٌ بين السواد و الحمرة و هي حمرة كدرة تعلو الوجه. الصحاح 1423:4 «كلف».

مسألة 370: لو باع الجاني خطأً، ضمن أقلّ الأمرين على رأي، و الأرش على رأي، و صحّ البيع إن كان موسراً، و إلّا تخيّر المجنيّ عليه.

و إن كان عمداً، وقف على إجازة المجنيّ عليه، و يضمن الأقلّ من الأرش و القيمة، لا الثمن معها، و للمشتري الفسخ مع الجهل، فيرجع بالثمن أو الأرش، فإن استوعبت الجناية القيمة، فالأرش ثمنه أيضاً، و إلّا فقدر الأرش، و لا يرجع لو كان عالماً. و له أن يفديه كالمالك، و لا يرجع به. و لو اقتصّ منه، فلا ردّ؛ للفرق بين كونه مستحقّاً للقطع و بين كونه مقطوعاً. فلو ردّه، ردّه معيباً، و له الأرش، و هو نسبة تفاوت ما بين كونه جانياً و غير جانٍ من الثمن.

و للشافعي قولان في صحّة بيع الجاني: أحدهما: يصحّ، و به قال أبو حنيفة و أحمد. و الثاني: لا يصحّ، و قد تقدّما(1).

و اختلفت الشافعيّة في موضع القولين على ثلاث طرق.

إحداها: أنّ القولين في العمد و الخطأ.

و الثانية: أنّه في الخطأ، فأمّا جناية العمد فلا تمنع قولاً واحداً؛ لأنّها ليست بمال و إنّما تعلّق القتل برقبته، فهو كالمرتدّ.

و الثالثة: أنّ القولين في العمد، فأمّا جناية الخطإ فإنّها تمنع البيع قولاً واحداً؛ لأنّها آكد من الرهن، و الرهن لا يباع قولاً واحداً كذلك الجناية(2).

مسألة 371: كون الضيعة أو الدار منزل الجيوش عيب يثبت به الردّ

مع جهل المشتري لا مع علمه؛ لأنّه يقلّل الرغبات، و تنقص الماليّة به، و به

ص: 206


1- في ج 10، ص 42 و 43، المسألة 23.
2- المهذّب للشيرازي 294:1، التنبيه في الفقه الشافعي: 88، حلية العلماء 278:4.

قال بعض الشافعيّة(1).

و قال بعضهم: إنّما يكون كذلك إذا كان ما حواليها من الدور غير منزل للجيوش، و إنّما اختصّت هذه الدار به، فأمّا إذا كان ما حواليها من الدور بمثابتها، فلا ردّ به(2).

و كذا لو كانت الأرض أو البستان ثقيلةَ الخراج، فإنّه عيب و إن كان الخراج ظلماً أو أخذه غير مستحقّ؛ لأنّه ينقص الماليّة، و تتفاوت القيم و الرغبات.

و المراد بثقل الخراج أن يكون فوق المعتاد في أمثالها.

و قال بعض الشافعيّة: لا ردّ بثقل الخراج و لا بكونها منزل الجيوش؛ لأنّه لا خلل في نفس المبيع(3).

و ألحق بعض الشافعيّة بهاتين ما لو اشترى داراً و إلى جانبها قصّارٌ(4) يؤذي بصوت الدقّ و يزعزع الأبنية، أو اشترى أرضاً فوجد بقربها خنازير تفسد الزرع(5).

و ليس هذا عندي شيئاً.

و لو اشترى أرضاً يتوهّم أنّه لا خراج عليها فظهر خلافه، قال بعض الشافعيّة: إن لم يكن على مثلها خراج، فله الردّ. و إن كان، فلا ردّ(6).

و الوجه عندي: عدم الردّ ما لم يشترط عدم الخراج.3.

ص: 207


1- التهذيب للبغوي 446:3، العزيز شرح الوجيز 213:4، روضة الطالبين 122:3.
2- التهذيب للبغوي 446:3، العزيز شرح الوجيز 213:4، روضة الطالبين 122:3.
3- العزيز شرح الوجيز 213:4، روضة الطالبين 122:3.
4- في الطبعة الحجريّة: «قصّاراً» بالنصب. و لعلّ في العبارة سقطت كلمة «وجد» كما يؤيّده سياق العبارة اللاحقة لها، فتكون العبارة هكذا: «ما لو اشترى داراً و وجد إلى جانبها قصّاراً».
5- العزيز شرح الوجيز 213:4، روضة الطالبين 122:3.
6- العزيز شرح الوجيز 213:4، روضة الطالبين 122:3.
المطلب الثاني: في التدليس.

التدليس بكلّ ما يختلف الثمن بسببه يثبت به الخيار بين الفسخ و الإمضاء مع عدم التصرّف، و معه لا شيء؛ إذ ليس بعيب، و لا يثبت(1) به الأرش، و ذلك مثل تحمير الوجه و وصل الشعر و أشباه ذلك من طلاء الوجه بالأبيض بحيث يستر السمرة، و التصرية في الأنعام.

و لو مات العبد المدلَّس أو الأمة المدلَّسة أو الشاة المصرّاة، فلا شيء؛ إذ لا عيب. و كذا لو تعيّب عنده قبل علمه بالتدليس أو بعده قبل الردّ.

و لو بيّض وجهها بالطلاء ثمّ اسمرّ أو احمرّ خدّيها(2) ثمّ اصفرّ، قال الشيخ: لا يكون له الخيار؛ لعدم الدليل عليه(3).

و قال الشافعي: يثبت الخيار(4). و هو أقرب.

و كلّ ما يشترطه المشتري من الصفات المقصودة ممّا لا يعدّ فَقْده عيباً يثبت الخيار عند عدمه، كاشتراط الإسلام أو البكارة أو الجعودة في الشعر و الزجج(5) في الحواجب أو معرفة الصنعة أو كونها ذات لبن أو كون الفهد صيوداً.

و لو شرط ما ليس بمقصود و ظهر(6) الخلاف، فلا خيار، كما لو

ص: 208


1- في «ق، ك»: «فلا يثبت».
2- في «ق، ك» و الطبعة الحجريّة: «خدّيه». و الصحيح ما أثبتناه.
3- الخلاف 111:3، المسألة 183.
4- المهذّب للشيرازي 290:1، التهذيب للبغوي 468:3.
5- الزجج: دقّة الحاجبين و طولهما. الصحاح 319:1، لسان العرب 287:2 «زجج».
6- في «ق، ك»: «فظهر».

شرط السبط أو الجهل.

و لو شرط الحلب كلّ يوم شيئاً معلوماً أو طحن الدابّة قدراً معيّناً، لم يصح. و لو شرطها حاملاً، صحّ. و إن شرطها حائلاً فظهر حملها، فإن كانت أمةً، تخيّر. و في الدابّة إشكال من حيث الزيادة و العجز عن حمل ما يحتاج إليه.

المطلب الثالث: في اللواحق.
مسألة 372: لو ادّعى البائع التبرّي من العيوب و أنكر المشتري، قدّم قول المشتري

مع اليمين و عدم البيّنة؛ لأنّ الإنكار مقدّم، لاعتضاده بالأصل، فحينئذٍ يستردّ الثمن، و يدفع المبيع إلى بائعه إن لم يتصرّف إن شاء، و إن شاء أخذ الأرش. و إن كان قد تصرّف، فله الأرش خاصّةً.

مسألة 373: لو اختلفا في قدم العيب عند البائع و حدوثه عند المشتري

فيدّعي البائع بعد ظهوره حدوثَه عند المشتري و يدّعي المشتري سَبْقَه على العقد أو القبض، فإن أمكن الاستعلام من شاهد الحال، عوّل عليه، و ذلك بأن يكون العيب مثلاً إصبعاً زائدة أو جراحة مندملة و زمان الابتياع يسير لا يمكن تجدّد هذه الأشياء بعده، قدّم قول المشتري؛ عملاً بشاهد الحال، و لا حاجة هنا إلى اليمين؛ للعلم بصدقه.

و إن كان العيب ممّا لا يمكن قِدَمه، مثل أن يشتريه منذ عشر سنين مثلاً، و يظهر قطع اليد مع طراوة الدم أو جرح معه، فإنّه يقدّم قول البائع من غير يمين أيضاً؛ للعلم بصدقه.

و إن احتمل الأمران كالحرق و الجرح الذي يمكن تجدّده عند كلٍّ منهما بحيث لا يمضي زمان يتيقّن البرء فيه قبل العقد و لا يقصر الزمان

ص: 209

- المتخلّل بين العقد و ظهوره عنه، فإن كان هناك بيّنة تشهد لأحدهما، حكم له بها. و إن لم يكن هناك بيّنة تشهد بشيء، قدّم قول البائع مع يمينه؛ لأصالة السلامة في المبيع حالة العقد، و أصالة صحّة العقد و لزومه، و عدم تطرّق التزلزل بالخيار إليه، فكان الظاهر معه.

و لو أقاما بيّنةً، حكم لبيّنة المشتري؛ لأنّ القول قول البائع؛ لأنّه منكر و البيّنة(1) على المشتري. و إذا توجّهت اليمين على البائع لعدم البيّنة، فإن حلف، قضي له بالثمن و لزوم العقد. و إن نكل، فهل يقضى بمجرّد نكوله، أو يفتقر إلى يمين الخصم ؟ الأقوى: الثاني.

و إذا حلف البائع، كيف يحلف ؟ إن كان قال في جواب المشتري لمّا ادّعى أنّ بالمبيع عيباً كان قبل البيع أو قبل القبض و أراد الردّ -: ليس عليَّ الردّ بالعيب الذي يذكره، أو: لا يلزمني قبوله، حلف على ذلك، و لا يكلّف التعرّض لعدم العيب يوم البيع و لا يوم القبض؛ لجواز أن يكون قد أقبضه معيباً و المشتري عالم به، أو رضي به بعد البيع [لأنّه(2)] لو نطق به لصار مدّعياً و طُولب بالبيّنة و ليس له بيّنة حاضرة.

و إن قال في الجواب: ما بعته إلّا سليماً أو ما أقبضته إلّا سليماً، فهل يلزمه الحلف كذلك، أو يكفيه الاقتصار على أنّه لا يستحقّ الردّ أو: لا يلزمني قبوله ؟ لعلمائنا قولان:

أحدهما: أنّه يكفيه الجواب المطلق، كما لو اقتصر عليه.

و الثاني: أنّه يلزمه التعرّض، كما تعرّض له في الجواب لتكون اليمينق.

ص: 210


1- في «ق، ك» «فالبيّنة».
2- ما بين المعقوفين أضفناه لأجل السياق.

مطابقةً للجواب. و لو كان له غرض في الاقتصار على الجواب المطلق، اقتصر عليه في الجواب.

و للشافعيّة(1) كالقولين.

و هذا يتأتّى في جميع الدعاوي، كما لو ادّعى أنّه غصبه ثوباً معيّناً، فأجاب بأنّه لا يستحقّ عندي شيئاً، سمع منه.

و لو قال: ما غصبته، فإن حلف عليه، صحّ. و إن حلف على عدم الاستحقاق، فالوجهان.

و إذا حلف البائع فإنّما يحلف على القطع و البتّ، فيقول: بعته و لا عيب به، و لا يحلف على نفي العلم فيقول مثلاً: بعته و لا أعلم به عيباً. و يجوز الحلف هنا على القطع إذا كان قد اختبره حال العقد و اطّلع على خفايا أمره، كما يجوز أن يشهد بالإعسار و عدالة الشاهد و غيرهما ممّا يكتفى فيه بالاختبار الظاهر. و عند عدم الاختبار(2) يجوز الاعتماد على ظاهر السلامة إذا لم يعرف و لا ظنّ خلافه، قال به بعض الشافعيّة(3).

و عندي فيه نظر أقربه: الاكتفاء باليمين على نفي العلم.

مسألة 374: لو ادّعى المشتري أنّ بالمبيع عيباً، و أنكره البائع، فالقول قوله؛

لأنّ الأصل دوام العقد و السلامة. و لو اختلفا في وصف من الأوصاف

ص: 211


1- العزيز شرح الوجيز 274:4، روضة الطالبين 149148:3.
2- في «ق، ك» و الطبعة الحجريّة: «الاعتبار» بدل «الاختبار» و ما أثبتناه من «العزيز شرح الوجيز» و «روضة الطالبين».
3- العزيز شرح الوجيز 275:4، روضة الطالبين 149:3.

هل هو عيب أم لا؟ قدّم قول البائع مع يمينه إذا لم يعرف الحال من الغير.

و لو قال واحد من أهل العلم به: إنّه عيب يثبت الردّ، لم يعتدّ به، بل لا بُدَّ من اثنين عدلين.

و للشافعيّة قولان، أحدهما: أنّه يكفي الواحد(1).

و لو ادّعى البائع علم المشتري بالعيب أو تقصيره في الردّ، فالقول قول المشتري؛ لأصالة عدم العلم و عدم التقصير، و به قال الشافعي(2).

مسألة 375: لو كان معيباً عند البائع ثمّ زال العيب بعد البيع ثمّ قبضه و قد زال عيبه، فلا ردّ

لعدم موجبه. و سَبْقُ العيب لا يوجب خياراً، كما لو سبق على العقد و زال قبله، بل مهما زال العيب قبل العلم أو بعده قبل الردّ، سقط حقّ الردّ.

و لو قبض بعض المبيع ثمّ حدث في الباقي عيب عند البائع قبل قبضه، فهو من ضمان البائع؛ لأنّه ضامن للجميع فالبعض أولى، فيثبت للمشتري الخيار بين الأرش و بين ردّ الجميع، و ليس له ردّ المعيب خاصّة؛ لأنّ في ذلك تشقيصاً، و هو عيب.

مسألة 376: لو باع الوكيل فوجد المشتري به عيباً يوجب الردّ، ردّه على الموكّل؛

لأنّه المالك و الوكيل نائب عنه بطلت وكالته بفعل ما أُمر به، فلا عهدة عليه.

ص: 212


1- التهذيب للبغوي 458:3، العزيز شرح الوجيز 275:4، روضة الطالبين 149:3.
2- العزيز شرح الوجيز 275:4، روضة الطالبين 149:3.

و لو تناكر الموكّل و المشتري في قِدَم العيب و حدوثه، لم يقبل إقرار الوكيل على موكّله بِقدَم العيب مع إمكان حدوثه، فإن ردّه المشتري على الوكيل لجهله بالوكالة، لم يملك الوكيل ردّه على الموكّل؛ لبراءته باليمين. و لو أنكر الوكيل، حلف، فإن نكل فردّ عليه، احتمل عدمُ ردّه على الموكّل؛ لإجرائه مجرى الإقرار. و ثبوتُه؛ لرجوعه قهراً، كما لو رجع بالبيّنة.

مسألة 377: لو ردّ المشتري السلعة لعيبٍ، فأنكر البائع أنّها سلعته، قدّم قوله مع اليمين

و عدم البيّنة؛ لأصالة براءة ذمّته من المطالبات. و لو ردّها المشتري بخيار، فأنكر البائع أنّها سلعته، احتُمل المساواة؛ عملاً بأصالة البراءة. و تقديم قول المشتري مع اليمين و عدم البيّنة؛ لاتّفاقهما على استحقاق الفسخ، بخلاف العيب.

ص: 213

ص: 214

المقصد الرابع: في بقايا تقاسيم البيع.

اشارة

و فيه فصلان:

الفصل الأوّل: في المرابحة و توابعها.
اشارة

البيع ينقسم باعتبار ذكر الثمن و عدمه إلى أقسام أربعة؛ لأنّ البائع إمّا أن لا يذكر الثمن الذي اشتراه به، و هو المساومة. و إمّا أن يذكره، فإمّا أن يزيد عليه، و هو المرابحة، أو ينقص منه، و هو المواضعة، أو يطلب المساوي، و هو التولية.

و باعتبار التأخير و التقديم في أحد العوضين إلى أربعة أقسام: بيع الحاضر بالحاضر، و هو النقد. و بيع المؤجّل بالمؤجّل، و هو بيع الكالي بالكالي، و بيع الحاضر بالثمن المؤجّل، و هو بيع النسيئة. و بيع المؤجّل بالثمن الحاضر، و هو السلف، فلنشرع في مسائل الفصل الأوّل بعون اللّه تعالى ثمّ نتبعه بمسائل الفصل الثاني بتوفيقه تعالى.

و في الفصل الأوّل بحثان:

الأوّل: في المرابحة.
مسألة 378: الأقسام الأربعة و هي المساومة و المواضعة و المرابحة و التولية - جائزة

عندنا إجماعاً؛ إذ لا يجب على البائع ذكر رأس ماله، بل له أن يبيع بأزيد ممّا اشتراه أضعافاً مضاعفة، أو أقلّ، و لا نعلم فيه خلافاً.

و أمّا بيع المرابحة: فإن نسب الربح إلى المال، كان مكروهاً ليس

ص: 215

باطلاً عند علمائنا، و ذلك بأن يقول: شريت هذه السلعة بمائة و بعتكها بمائة و ربح كلّ عشرة درهم، فيكون الثمن مائةً و عشرة دراهم. و هذا هو المشهور عند الجمهور.

و بيع المرابحة أعني نسبة الربح إلى الثمن هو(1) جائز على كراهية و هو مرويّ عن عبد اللّه بن عباس و ابن عمر(2) لأنّه قد لا يعلم قدر الثمن حالة العقد، و يحتاج في معرفته إلى الحساب.

و لأنّ العلاء سأل الصادقَ (عليه السّلام) في الرجل يريد أن يبيع البيع فيقول: [أبيعك(3)] ب «ده دوازده» أو «ده يازده» فقال: «لا بأس إنّما هذه المراوضة، فإذا جمع البيع جعله جملة واحدة»(4).

و قال الصادق (عليه السّلام): «إنّي أكره بيع عشرة أحد عشر، و عشرة اثنا عشر، و نحو ذلك من البيع، و لكن أبيعك بكذا و كذا مساومة» و قال: «أتاني متاع من مصر فكرهت أن أبيعه كذلك و عظم عليَّ، فبعته مساومة»(5).

و قال الصادق (عليه السّلام): «إنّي أكره بيع ده يازده و ده دوازده، و لكن أبيعك بكذا و كذا»(6) لما فيه من مشابهة الربا.

و إنّما قلنا بانتفاء التحريم؛ لما تقدّم، و بالأصل، و بقول عليّ بن سعيد: سُئل الصادق (عليه السّلام) عن رجل يبتاع ثوباً يطلب منه مرابحة، ترى ببيع7.

ص: 216


1- في «ق، ك» و الطبعة الحجريّة: «و هو». و ما أثبتناه يقتضيه السياق.
2- حلية العلماء 290:4، الحاوي الكبير 279:5، الكافي في فقه الإمام أحمد 54:2، المغني 280:4، الشرح الكبير 111:4.
3- ما بين المعقوفين أضفناها من المصدر.
4- التهذيب 54:7، 235.
5- الكافي 197:5، 4، التهذيب 5554:7، 236.
6- الكافي 197:5، 3، التهذيب 55:7، 237.

المرابحة بأساً إذا صدق في المرابحة و سمّى ربحاً دانقين أو نصف درهم ؟ فقال: «لا بأس»(1).

و قال إسحاق بن راهويه: هذا البيع لا يجوز؛ لأنّ الثمن مجهول حالة العقد، فلا يجوز، كما لو باعه بما يخرج به الحساب(2).

و هو ممنوع؛ فإنّ رأس المال معلوم، و الربح معلوم، فوجب أن يجوز، كما لو قال: بعتك بمائة و ربح عشرة دراهم.

و قوله ينتقض بما إذا قال: بعتك هذه الصبرة كلّ قفيز بدرهم، و هي مجهولة، فإنّه يجوز عنده(3) لما كانت مجهولة الجملة معلومةً عند التفصيل، بخلاف ما يخرج به الحساب؛ لأنّه مجهول في الجملة و التفصيل معاً.

و قال عامّة الفقهاء: إنّه ليس بمكروه؛ للعلم برأس المال و قدر الربح، فكان جائزاً(4).

و الجواز لا ينافي الكراهيّة.

و حملوا ما روي(5) عن ابن عباس و ابن عمر بأنّ الكراهيّة لما فيه من أداء الأمانة و تحمّلها.».

ص: 217


1- التهذيب 55:7، 238.
2- حلية العلماء 290:4، الحاوي الكبير 279:5، المغني 280:4، الشرح الكبير 112:4.
3- انظر: المغني 280:4، و الشرح الكبير 112:4، و الحاوي الكبير 279:5.
4- المهذّب للشيرازي 295:1، التهذيب للبغوي 480:3، الحاوي الكبير 279:5، حلية العلماء 290:4، العزيز شرح الوجيز 319:4، روضة الطالبين 185:3، الهداية للمرغيناني 56:3، الكافي في فقه أهل المدينة: 344، الكافي في فقه الإمام أحمد 54:2، المغني 280:4، الشرح الكبير 111:4.
5- في الطبعة الحجريّة: «رووا» بدل «روي».
مسألة 379: تزول الكراهة بنسبة الربح إلى السلعة

بأن يقول: هذه السلعة عليَّ بعشرة و بعتكها بأحد عشر أو اثني عشر، فإنّه جائز إجماعاً؛ لما تقدّم من الأخبار، و زوال مقتضي الكراهة من تطرّق الجهل و من مشابهة الربا.

إذا ثبت هذا، فلا بُدّ و أن يخبر برأس المال، أو يكون معلوماً عند المشتري، فلو قال: بعتك بما اشتريته و ربح عشرة، و كان المشتري جاهلاً بالثمن، بطل البيع إجماعاً منّا؛ لما فيه من الجهالة بالعوض، فكان باطلاً، كبيع غير المرابحة. و كذا لو كان البائع جاهلاً برأس المال و المشتري عالم به، أو كانا جاهلين، و هو أصحّ وجهي الشافعيّة(1).

فعلى ما قلناه من البطلان لو أُزيلت الجهالة في مجلس العقد، لم ينقلب العقد صحيحاً؛ لفوات شرط الصحّة في صلبه، و هو أصحّ وجهي الشافعيّة. و الثاني: أنّه ينقلب صحيحاً، و به قال أبو حنيفة(2).

و الثاني و هو أن يكون أحدهما جاهلاً بالقيمة للشافعي: أنّه يصحّ البيع؛ لأنّ الثمن فيه مبني على الثمن في العقد الأوّل، و الرجوع إليه سهل، فصار كالشفيع يطلب الشفعة قبل الإحاطة بمبلغ الثمن يجوز؛ لسهولة معرفته(3).

و يمنع حكم الأصل، و ينتقض بما لو قال: بعتك بشيء، ثمّ بيّنه بعد العقد في المجلس.

ص: 218


1- العزيز شرح الوجيز 321:4، روضة الطالبين 187:3.
2- العزيز شرح الوجيز 321:4، روضة الطالبين 188187:3.
3- العزيز شرح الوجيز 321:4، روضة الطالبين 188:3.

و على تقدير الصحّة عندهم ففي اشتراط إزالة الجهالة في المجلس وجهان(1).

و لو كان الثمن دراهم معيّنة غير معلومة الوزن، فالأقرب: المنع من بيعه مرابحةً؛ لجهالة الثمن، كغير المرابحة، و هو أصحّ وجهي الشافعيّة. و في الثاني: يجوز(2) و ليس بشيء.

و لو جمع بين المكروه و غيره، لم تزل الكراهة، و كان العقد صحيحاً، مثل أن يقول: اشتريته بمائة و قد بعتكه بمائتين و ربح كلّ عشرة درهم، فيكون الثمن مائتين و عشرين.

مسألة 380: و لبيع المرابحة عبارات

أكثرها دوراناً على الألسنة ثلاثة:

أ بعتك بما اشتريت، أو: بما بذلت من الثمن و ربح كذا.

ب بعتك بما قام عليَّ و ربح كذا، أو: بما هو عليَّ و ربح كذا.

ج بعتك برأس المال و ربح كذا.

فإذا قال بالصيغة الأُولى، لم يدخل فيه إلّا الثمن خاصّةً. و إذا قال بالثانية، دخل فيه الثمن و ما غرمه من اجرة الدلّال و الكيّال و الحمّال و الحارس و القصّار و الرفاء و الصبّاغ و الخيّاط و قيمة الصبغ و أُجرة الختان و تطيين الدار و سائر المؤن التي تلزم للاسترباح، و أُجرة البيت الذي يحفظ فيه المتاع؛ لأنّ التربّص ركن في التجارة و انتظار الأرزاق.

و أمّا المؤن التي يقصد بها استبقاء الملك دون الاسترباح كنفقة العبد و كسوته و علف الدابّة فلا تدخل فيه، و يقع ذلك مقابلة المنافع و الفوائد المستوفاة من المبيع، و هو أشهر وجهي الشافعيّة(3). و لهم آخر: أنّها

ص: 219


1- العزيز شرح الوجيز 321:4، روضة الطالبين 188:3.
2- العزيز شرح الوجيز 321:4، روضة الطالبين 188:3.
3- التهذيب للبغوي 482:3، العزيز شرح الوجيز 320:4، روضة الطالبين 187:3.

تدخل(1).

أمّا العلف الزائد على المعتاد، المتّخذ للتسمين فإنّه يدخل.

و أمّا اجرة الطبيب إن كان مريضاً(2) فكأُجرة القصّار، و نحوها، فإنّ قيمته تزيد بزوال المرض، فإن حدث المرض في يده، فهي كالنفقة.

و أمّا مئونة السائس فالأظهر إلحاقها بالعلف، و كذا قول الشافعيّة(3).

و لو قصر الثوب بنفسه أو كال أو حمل أو طيّن الدار بنفسه، لم تدخل الاُجرة فيه؛ لأنّ السلعة لا تعدّ قائمةً عليه إلّا بما بذل. و كذا لو تطوّع متطوّع بالعمل.

و لو كان بيت الحفظ ملكه أو تطوّع بإعارة البيت متطوّعٌ، لم يضف الأُجرة. فإن أراد استدراك ذلك، قال: اشتريته، أو: قام عليَّ بكذا و عملت فيه، أو: تطوّع عليَّ متطوّع بما أُجرته كذا و قد بعتك بهما و ربح كذا.

و أمّا العبارة الثالثة: فالظاهر أنّها بمنزلة الأُولى. فإذا قال: رأس مالي كذا، فهو بمنزلة: اشتريته بكذا؛ لأنّه المتبادر إلى الفهم من رأس المال، فيكون حقيقةً فيه، و هو الأظهر من مذهب الشافعي(4).

و قال بعض أصحابه: إنّه كالعبارة الثانية و هو «بما قام عليَّ»(5).

و هل يدخل المَكْسُ(6) الذي يأخذه السلطان في لفظة القيام،».

ص: 220


1- التهذيب للبغوي 482:3، العزيز شرح الوجيز 320:4، روضة الطالبين 187:3.
2- أي: إن كان المشترى عبداً مريضاً.
3- العزيز شرح الوجيز 320:4، روضة الطالبين 187:3.
4- العزيز شرح الوجيز 320:4، روضة الطالبين 187:3.
5- العزيز شرح الوجيز 320:4، روضة الطالبين 187:3.
6- المَكْس: الضريبة التي يأخذها الماكس، و هو العَشّار. واصلة الجباية. لسان العرب 220:6 «مكس».

و الفداء الذي يدفعه المولى في جناية العبد؟ إشكال، أقربه: عدم دخول الفداء، و دخول المكس؛ لأنّه من جملة المؤن.

و للشافعيّة وجهان فيهما(1).

و لو استردّ المغصوب بشيء دفعه إلى الغاصب أو غيره ممّن يساعده على ردّه، لم يدخل.

و هذه العبارات الثلاثة تجري في المحاطّة جريانها في المرابحة.

مسألة 381: و المرابحة نوع من البيع،

فإيجابه كإيجابه، و يزيد: ضمّه الربح و الإخبار بالثمن. و يجب العلم به قدراً و جنساً و بقدر الربح و جنسه، فلو أبهم شيئاً من ذلك، بطل؛ لتطرّق الجهالة في أحد العوضين، فلو قال: بعتك بما اشتريت و ربح كذا، و لم يعلما أو أحدهما قدر الثمن، بطل.

و كذا لو عيّنا الثمن و جهلا الربح، مثل أن يقول: الثمن عشرة و قد بعتك بعشرة و مهما شئت من الربح.

و يجب أيضاً ذكر الصرف و الوزن مع الاختلاف.

و إذا كان المبيع لم يتغيّر البتّة، صحّ أن يقول: اشتريته بكذا، أو: هو عليَّ، أو: ابتعته، أو: تقوّم عليَّ، أو: رأس مالي.

و لو عمل فيه ما لَه زيادة عوض، قال: اشتريته بكذا و عملت فيه بكذا.

و لو استأجر في ذلك العمل، صحّ أن يقول: تقوّم عليّ، و يضمّ الأُجرة و كلّ ما يلزمه من قصّار و صبّاغ و غير ذلك ممّا تقدّم مع علمه بقدر ذلك كلّه.

ص: 221


1- العزيز شرح الوجيز 320:4، روضة الطالبين 187:3.
مسألة 382: بيع المرابحة مبنيّ على الأمانة؛

لاعتماد المشتري بنظر البائع و استقصائه و ما رضيه لنفسه، فيرضى المشتري بما رضيه البائع من زيادة يبذلها، فيجب على البائع حفظ الأمانة بالصدق في الإخبار عمّا اشترى به و عمّا قام به عليه إن باع بلفظ القيام، فلو اشترى بمائة ثمّ خرج عن ملكه ثمّ اشتراه بخمسين، فرأس ماله خمسون، و لا يجوز ضمّ الثمن الأوّل إليه.

و لو اشتراه بمائة و باعه بخمسين ثمّ اشتراه ثانياً بمائة، فرأس ماله مائة، و لا يجوز أن يخبر بمائة و خمسين لأجل خسرانه الخمسين.

و لو اشتراه بمائة و باعه بمائة و خمسين ثمّ اشتراه بمائة، فإن أراد بيعه مرابحةً بلفظ رأس المال، أو بلفظ «ما اشتريت» أخبر بمائة. و لا يلزمه أن يحطّ عنه ربح البيع الأوّل، كما لم يجز في الصورة الأُولى ضمّ الخسران إلى المائة و به قال أبو يوسف و محمّد و الشافعي(1) لأنّ الثمن الذي يخبر به هو الذي يلي بيع المرابحة، و الذي يلي بيع المرابحة مائة، فجاز أن يخبر بها، كما لو لم يربح فيها.

و قال أبو حنيفة و أحمد: يجب أن يحطّ ربح البيع الأوّل فيمن يخبر، فيضمّ أحد العقدين إلى الآخر؛ لأنّ المرابحة تضمّ فيها العقود، فيخبر بما يقوم عليه، كما تضمّ اجرة الخيّاط و القصّار، فيخبر بما يقوم عليه، و قد استفاد بهذا العقد الثاني تقرير الربح في العقد الأوّل؛ لأنّه أَمِن به أن يردّ عليه بعيب، فلا ينقل بعض ما استفاد للعقد بجميع الثمن(2).

ص: 222


1- بدائع الصنائع 224:5، المغني 284:4، الشرح الكبير 116:4، التهذيب للبغوي 483:3، الحاوي الكبير 281:5، حلية العلماء 296:4، العزيز شرح الوجيز 322:4، روضة الطالبين 188:3.
2- بدائع الصنائع 224:5، المغني 284:4، الشرح الكبير 117116:4، الحاوي الكبير 282281:5، حلية العلماء 296:4، العزيز شرح الوجيز 322:4.

و الفرق ظاهر؛ فإنّ الذمّة لزمته في هذا البيع الذي يلي بيع المرابحة. و تقرير الربح في الأوّل ليس بصحيح؛ لأنّ العقد الأوّل قد لزم و لم يظهر فيه عيب، فلا يتعلّق به حكم.

و إن باعه بلفظ «قام عليَّ» فكذلك عندنا؛ لأنّ الإخبار إنّما هو بالثمن الأخير الذي يلي عقد المرابحة، و الملك الأخير إنّما قام عليه بمائة.

و للشافعيّة وجهان، أصحّهما عندهم: ما قلناه. و الثاني: أنّه لا يخبر إلّا بخمسين، فإنّ أهل العرف يعدّون السلعة و الحال هذه قائمة عليه بذلك(1).

مسألة 383: يجوز لبائع المتاع شراؤه

بزيادة و نقصان حالّا و مؤجّلاً بعد القبض و قبله، إلّا أن يكون موزوناً أو مكيلاً، فلا يجوز قبل القبض مطلقاً على رأي، و يكره على رأي، و يمنع في الطعام خاصّة على رأي، و قد سبق(2).

إذا تقرّر هذا، فإذا باع شيئاً و شرط الابتياع حال البيع، لم يجز؛ لاستلزامه الدور، و يجوز لو كان ذلك من قصدهما و لم يذكراه لفظاً في العقد، فإذا باع غلامه أو صاحبه أو ولده سلعة ثمّ اشتراها بزيادة من غير شرط الابتياع، جاز. و إن قصد بذلك الأخبارَ بالزائد، كره.

و كذا يكره أن يواطئ وكيله فيبيع ما اشتراه منه ثمّ يشتريه بأكثر ليخبر به في المرابحة؛ لأصالة صحّة العقد، و هو قول أكثر الشافعيّة(3).

ص: 223


1- العزيز شرح الوجيز 322:4، روضة الطالبين 188:3.
2- في ج 10 ص 119 و ما بعدها، المسألة 66.
3- العزيز شرح الوجيز 322:4، روضة الطالبين 188:3.

و قال بعضهم: لا يجوز، و يثبت للمشتري الخيار؛ لأنّه تدليس، و هو محرَّم في الشرع، فإذا ظهر له ذلك، ثبت له الخيار(1).

و ليس بجيّد؛ لأصالة اللزوم و الصحّة، و التدليس ممنوع إذا لم يخبر إلّا بالواقع.

نعم، استعمل حيلة شرعيّة؛ لأنّ للإنسان نقل ملكه عنه و شراءه له.

مسألة 384: إذا اشترى شيئاً من ولده أو أبيه، جاز أن يبيعه مرابحةً

و يخبر بثمنه - و به قال الشافعي و أبو يوسف و محمّد(2) لأنّه أخبر بما اشتراه به عقداً صحيحاً، فوجب أن يجوز، كما لو اشتراه من الأجانب.

و قال أبو حنيفة و أحمد: لا يجوز ذلك حتى يبيّن؛ لأنّ هؤلاء لا يثبت لهم بشهادته كما لا يثبت لنفسه بقوله، فصار الشراء منهم كالشراء من نفسه. و لأنّه يحابيهم، فهُمْ كعبده و مكاتَبه(3).

و ردّ الشهادة ممنوع عندنا. و لو سلّمنا، فإنّ هذا لا يشبه ردّ الشهادة؛ لأنّه لم تقبل شهادته لهم للتهمة بتفضيلهم على الأجانب. و الشراء لنفسه منه لا تهمة فيه؛ لأنّ حظّ نفسه عنده أوفر، فلا يتّهم في ذلك، فجرى مجرى الشهادة عليهم. و أمّا المكاتب فممنوع. و إن سلّم، فإنّه غير متميّز من ملكه، بخلاف الأب و الابن.

مسألة 385: إذا حطّ البائع من الثمن بعد انقضاء العقد،

جاز أن يخبر

ص: 224


1- العزيز شرح الوجيز 322:4، روضة الطالبين 189:3.
2- التهذيب للبغوي 485:3، حلية العلماء 297:4، العزيز شرح الوجيز 324:4، روضة الطالبين 191190:3، بدائع الصنائع 225:5، المغني 283:4، الشرح الكبير 114:4.
3- بدائع الصنائع 225:5، المغني 283:4، الشرح الكبير 114:4، الكافي في فقه الإمام أحمد 56:2، حلية العلماء 297:4، العزيز شرح الوجيز 324:4.

المشتري بالأصل، فلو اشتراه بمائة ثمّ حطّ البائع عنه عشرة، أخبر بالمائة، سواء كان الحطّ في زمن الخيار لهما أو لأحدهما، أو لا في زمن الخيار، و كذا الزيادة؛ لأنّ الذي وجب بالبيع إنّما هو أصل الثمن، و عروض السقوط بالإبراء لا يُخرجه عن كونه من الثمن، و الإخبار إنّما هو بالثمن.

و قال الشافعي(1): إن كان الحطّ قبل استقرار العقد مثل أن يكون في المجلس أو مدّة الخيار، فإنّه يلحق بالعقد، و يُخبر بما بعد الحطّ. و إن كان بعد لزوم العقد، لم يلحق بالعقد. و كذا الزيادة قبل الحطّ.

و قال أبو حنيفة: يلحق بالعقد(2).

و لو حطّ بعض الثمن بعد لزوم العقد و باع بلفظ «ما اشتريت» لم يلزمه حطّ المحطوط، و به قال الشافعي(3) ، خلافاً لأبي حنيفة(4).

و إن باعه بلفظ «قام عليَّ» لم يُخبر إلّا بالباقي.

فإن حطّ الكلّ، لم يجز بيعه مرابحةً بلفظ «قام».

و لو حطّ عنه بعض الثمن بعد جريان المرابحة، لم يلحق الحطّ المشتري، و به قال بعض الشافعيّة(5).

و قال بعضهم: يلحق(6).

مسألة 386: لو اشترى عبداً بثوبٍ قيمته عشرون و أراد بيعه مرابحة

ص: 225


1- المهذّب للشيرازي 296:1، حلية العلماء 293292:4، الحاوي الكبير 281:5، المغني 281:4.
2- بدائع الصنائع 222:5، حلية العلماء 293:4، الحاوي الكبير 281:5، المغني 281:4.
3- حلية العلماء 293:4، العزيز شرح الوجيز 322:4، روضة الطالبين 189:3.
4- بدائع الصنائع 222:5، حلية العلماء 293:4، العزيز شرح الوجيز 322:4.
5- العزيز شرح الوجيز 322:4، روضة الطالبين 189:3.
6- العزيز شرح الوجيز 322:4، روضة الطالبين 189:3.

بلفظ الشراء أو بلفظ القيام، ذكر أنّه اشتراه بثوبٍ قيمته كذا، و لا يقتصر على ذكر القيمة؛ لأنّ البائع بالثوب يشدّد أكثر ما يشدّد البائع بالنقد.

و لو كان قد اشترى الثوب بعشرين ثمّ اشترى به العبد، جاز أن يقول: «قام عليَّ بعشرين» و لا يقول: اشتريته بعشرين.

مسألة 387: لو اشتراه بدَيْنٍ له على البائع، لم يجب الإخبار عنه،

سواء كان مليّاً أولا، مماطلاً أو لا، قصد التخلّص من الغريم بالتسامح أو لا.

و قال الشافعي: إن كان مليّاً غير مماطل، لم يجب الإخبار عنه. و إن كان مماطلاً، وجب الإخبار عنه؛ لأنّه يشتري من مثله بالزيادة للتخلّص من التقاضي(1). و ليس بشيء.

و كذا لو سامح البائع بزيادة الثمن إمّا لغرضٍ أو لا لغرضٍ، لم يجب الإعلام بالحال.

مسألة 388: إذا اشترى شيئين صفقةً واحدة أو جملة كذلك ثمّ أراد بيع بعضها مرابحةً، لم يكن له ذلك

مع تقسيط الثمن على الأبعاض، إلّا أن يخبر بصورة الحال، سواء اتّفقت، كقفيزي حنطة، أو اختلفت، كقفيز حنطة و قفيز شعير، أو عبدين، أو ثوبين، أو عبد و ثوب، و سواء ساوى بينهما في التقويم أو لا، و سواء باع خيارها بالأقلّ أو لا، إلّا أن يخبر بصورة الحال في ذلك كلّه؛ لتفاوت القيم و الأغراض. و لأنّ توزيع الثمن على القيمتين تخمين و حزر و ظنّ يتطرّق إليه الخطأ غالباً، فلم يجز.

و قال الشافعي: يجوز مطلقاً، و يقسّم الثمن على القيمتين، فما خصّ

ص: 226


1- التهذيب للبغوي 485:3، العزيز شرح الوجيز 322:4، روضة الطالبين 189:3.

كلّ واحد منهما فهو ثمنه؛ لأنّ الثمن ينقسم على المبيع على قدر قيمة المبيع في نفسه، و لهذا لو باع شقصاً و سيفاً، فإنّ الشفيع يأخذ الشقص بثمنه فيقوّمان و يقسّم الثمن على قدر القيمتين، و كذا هنا(1).

و هو ممنوع؛ لأنّ أخذ الشفعة قهريّ، فالتجأ فيه إلى التقويم تخليصاً من إبطال حقّه.

و قال أبو حنيفة و أحمد: لا يجوز فيما يقسّم الثمن على القيمة، و ما يتساوى يجوز، كالطعام(2).

أمّا لو أخبر بالحال فقال: اشتريت المجموع بكذا و قوّمته مع نفسي فأصاب هذه القطعة من الثمن كذا، فإنّه يجوز إجماعاً.

مسألة 389: يجب الإخبار بالعيوب المتجدّدة في يد المشتري

أو الجناية مثل أن يشتري عبداً صحيحاً بمائة ثمّ يقطع إصبعه، سواء حدث العيب بآفة سماويّة أو بجنايته أو بجناية أجنبيّ، أو اشتراه على أنّه صحيح - و به قال الشافعي(3) لأنّ المشتري يبني العقد على العقد الأوّل، و يتوهّم بقاء المبيع على حاله التي اشتراها البائع.

و لا فرق بين ما ينقص العين و ما ينقص القيمة، كما في الردّ، فلو اشترى عبداً بعشرين ثمّ خصاه فزادت قيمته، فالأقوى وجوب الإخبار

ص: 227


1- المهذّب للشيرازي 296295:1، التهذيب للبغوي 485:3، حلية العلماء 290:4، العزيز شرح الوجيز 322:4، روضة الطالبين 190189:3، المغني 283:4، الشرح الكبير 114:4.
2- مختصر اختلاف العلماء 31:3، 1102، التهذيب للبغوي 485:3، حلية العلماء 291:4، العزيز شرح الوجيز 323:4، المغني 283:4، الشرح الكبير 114:4.
3- العزيز شرح الوجيز 323:4، روضة الطالبين 190:3، بدائع الصنائع 223:5.

بالخصاء و إن زادت به القيمة.

و قال أبو حنيفة: لا يجب الإخبار عن العيب الحادث و إن نقصت القيمة إذا كان بآفة سماويّة(1).

مسألة 390: لو اطّلع المشتري على عيبٍ قديم فأسقط أرشه و رضي به، لم يجب ذكره في المرابحة،

كما لو تسامح معه.

و قال الشافعي: يجب(2). و ليس بمعتمد.

و لو أخذ أرش العيب السابق، أسقطه من رأس المال، فلو اشتراه بمائة فوجد به عيباً أخذ أرشه عشرة، أخبر بتسعين و به قال الشافعي(3) لأنّ ما رجع من أرش العيب نقصان من الثمن؛ لما عرفت أنّ الأرش جزء من الثمن، بخلاف ما لو حطّ بعض الثمن أو وهبه إيّاه؛ لأنّ أخذ الأرش قهريّ و ذلك اختياريّ، فافترقا.

إذا عرفت هذا، فإنّه يخبر بصيغة «رأس مالي» أو «تقوّم عليّ» أو «هو عليَّ بتسعين» و لا يقول: «اشتريته» لأنّ الشراء كان بما سمّي في العقد.

و لو قال بصيغة «اشتريته» وجب أن يخبر بالمائة، و يذكر العيب و استرجاع قدر أرشه.

مسألة 391: لو اشترى عبداً بمائة فجني عليه في يده فأخذ الأرش، لم يضعه في المرابحة
اشارة

إن باع بلفظ «اشتريته» و كذا إن قال: «بما قام عليَّ» و لا يجب ذكر الجناية فيهما.

ص: 228


1- بدائع الصنائع 223:5، العزيز شرح الوجيز 323:4.
2- العزيز شرح الوجيز 323:4، روضة الطالبين 190:3.
3- انظر: التهذيب للبغوي 484:3، و العزيز شرح الوجيز 323:4، و روضة الطالبين 190:3.

و قال الشافعي: إن باع بلفظ الشراء، ذكر الثمن و أخبر بالجناية. و إن باع بلفظ «قام عليّ» فوجهان:

أحدهما: أنّه نازل منزلة الكسب و الزيادات؛ لأنّه من منافع العبد. و لأنّه لو جنى العبد ففداه، لم يضمّه إلى الثمن، و المبيع قائم عليه بتمام الثمن.

و أصحّهما عنده: أنّه يحطّ الأرش من الثمن، كأرش العيب(1).

و فيه(2) بعض القوّة؛ لأنّ المشتري إنّما أخلد إلى البائع وثوقاً بنظره، و هو إنّما بذل الثمن الكثير في مقابلة السليم، فيكون المشتري كذلك.

إذا تقرّر هذا، فالمراد من الأرش هنا على قولهم بوضعه قدر النقصان، لا المأخوذ بتمامه، فإذا(3) قطعت يد العبد و قيمته مائة فنقص ثلاثين(4) ، يأخذ خمسين، و يحطّ من الثمن ثلاثين لا خمسين، و هو أحد قولي الشافعيّة(5).

و حكى الجويني وجهاً آخر: أنّه يحطّ جميع المأخوذ من الثمن(6).

و إن نقص من القيمة أكثر من الأرش المقدّر، حطّ ما أخذ من الثمن، و أخبر عن قيامه عليه بالباقي و أنّه(7) نقص من قيمته كذا.

تذنيب: لو جنى العبد في يد المشتري ففداه، لم يضمّ الفداء إلى رأس ماله،

و يُخبر به؛ لأنّ الفداء لزمه لتخليص ماله و تبقيته عنده، فجرى

ص: 229


1- العزيز شرح الوجيز 323:4، روضة الطالبين 190:3.
2- أي: في الوجه الثاني.
3- في الطبعة الحجريّة: «فلو» بدل «فإذا».
4- الظاهر: ثلاثون.
5- العزيز شرح الوجيز 323:4، روضة الطالبين 190:3.
6- العزيز شرح الوجيز 323:4، روضة الطالبين 190:3.
7- في «ق، ك» و الطبعة الحجريّة: «و أن». و الأنسب ما أثبتناه.

مجرى طعامه و شرابه.

مسألة 392: إذا كان قد اشتراه مغبوناً فيه، لم يلزمه الإخبار بالغبن؛

لأنّه باع ما اشترى بما اشترى، و هو أحد وجهي الشافعيّة. و الثاني: يلزم؛ لأنّ المشتري اعتمد على نظره و اعتقد أنّه [لا يحتمل(1)] الغبن، فليخبره ليكون على بصيرة فيأمره.

و رجّح أكثرهم الثاني؛ لأمرين:

أ أنّهم قالوا: لو اشتراه بدَيْنٍ من مماطل، وجب الإخبار عنه؛ لأنّ الغالب أنّه يشتري من مثله بالزيادة. و هو ممنوع.

ب لو اشترى من ابنه الطفل، وجب الإخبار عنه؛ لأنّ الغالب في مثله الزيادة في الثمن عنه نظراً للطفل و احترازاً عن التهمة، فإذا وجب الإخبار عند ظنّ الغبن فلأن يجب عند تيقّنه كان أولى(2).

و لو اشتراه من ولده البالغ أو من أبيه، فالأصحّ عندهم: أنّه لا يجب الإخبار عنه، كما لو اشترى من زوجته أو مكاتبه(3).

و أوجب أبو حنيفة الإخبار عن البائع إذا كان ابناً أو أباً له(4).

و الأصحّ أنّه لا يجب. و كذا لو كان غلامه.

مسألة 393: لو اشتراه بثمن مؤجّل، وجب الإخبار عنه؛

لاختلاف الثمن بسببه، فإنّ الظاهر التفاوت في الثمن بين المعجّل و المؤجّل، فإنّ

ص: 230


1- بدل ما بين المعقوفين في «ق، ك» و الطبعة الحجريّة: «لا يجهل». و ما أثبتناه من العزيز شرح الوجيز.
2- العزيز شرح الوجيز 323:4، روضة الطالبين 190:3.
3- التهذيب للبغوي 485:3، العزيز شرح الوجيز 324:4، روضة الطالبين 191190:3.
4- العزيز شرح الوجيز 324:4.

المعجّل أقلّ ثمناً و المؤجّل أكثر، و هو أظهر وجهي الشافعيّة(1).

فإن باعه و ذكر الثمن و أهمل الأجل، تخيّر المشتري بين الرضا به حالّا و بين الفسخ و به قال الشافعي و أبو حنيفة و أحمد(2) لأنّه لم يرض بذمّة المشتري، و قد تكون ذمّته دون ذمّة البائع، فلا يلزم الرضا بذلك.

و قال الأوزاعي: يلزمه العقد، و يثبت في ذمّة المشتري مؤجّلاً(3) ؛ لأنّه باعه بما اشتراه، فيثبت على المشتري مؤجّلاً.

و يمنع أنّه باعه بما اشتراه في الوصف؛ إذ التقدير خلافه، و أنّه باعه حالّا.

أمّا لو قال: اشتريته بمائة و بعتك بها على صفتها، كان للمشتري مثل الأجل.

مسألة 394: إذا أثمر النخل في يد المشتري أو حملت الدابّة أو الأمة في يده أو تجدّد لها لبن أو صوف و شبهه فاستوفاه المشتري، لم يحطّ النماء

المنفصل الذي استوفاه و لا قيمته من رأس المال، و يُخبر بما اشتراه؛ لأنّ ذلك فائدة تجدّدت في ملكه، فإن اشتراها مثمرةً و أخذ الثمرة أو حاملاً، سقط حصّة الثمرة و الولد من الثمن و أخبر(4) بالحال، كما لو اشترى عينين و باع أحدهما مرابحةً.

و لا يجب أن يُخبر عن وطئ الثيّب و لا عن مهرها الذي أخذه، و به قال الشافعي(5).

ص: 231


1- العزيز شرح الوجيز 324:4، روضة الطالبين 191:3.
2- المغني 285:4، الشرح الكبير 114:4.
3- حلية العلماء 295:4.
4- في الطبعة الحجريّة: «أخبره».
5- العزيز شرح الوجيز 324:4، روضة الطالبين 191:3.

أمّا لو وطئ البكر، فإنّه يُخبر به؛ لأنّه يوجب أرشاً بالاقتضاض.

مسألة 395: إذا باعه بمائة هي رأس ماله و ربح كلّ عشرة واحداً،

و كان قد أخبر بأنّ رأس المال مائة، ثمّ ظهر كذبه و أنّ الثمن تسعون، لم يبطل البيع من أصله - و هو أظهر قولي الشافعي(1) لأنّ سقوط جزء من الثمن المسمّى بضرب من التدليس لا يمنع من صحّة العقد، و لا يقتضي جهالة الثمن، كأرش المعيب(2). و لأنّا لا نسقط شيئاً من الثمن بل نخيّره في الفسخ و الإمضاء بالجميع.

و قال الشافعي في الآخر: إنّ البيع باطل و به قال مالك لأنّ الثمن وقع مجهولاً، لأنّه غير المسمّى، فلم يصح(3). و جوابه تقدّم.

إذا ثبت أنّ البيع صحيح، فإنّ المشتري يتخيّر بين أخذه بجميع الثمن الذي وقع عقد المرابحة عليه، و بين الردّ و به قال أبو حنيفة و محمّد و الشافعي في أحد القولين(4) لأنّ الثمن مسمّى في العقد، و إنّما كان فيه تدليس و خيانة، و ذلك يوجب الخيار دون الحطيطة، كما لو ظهر فيه عيب دلّسه البائع.

و القول الثاني للشافعي: أنّه يأخذه بما ثبت أنّه رأس المال و حصّته

ص: 232


1- التهذيب للبغوي 486:3، حلية العلماء 298:4، العزيز شرح الوجيز 324:4، روضة الطالبين 191:3.
2- في «ق، ك» و الطبعة الحجريّة: «البيع» بدل «المعيب». و الظاهر ما أثبتناه كما في هامش «ق».
3- حلية العلماء 298:4، العزيز شرح الوجيز 324:4، روضة الطالبين 191:3.
4- حلية العلماء 299:4، العزيز شرح الوجيز 324:4، روضة الطالبين 191:3، بداية المجتهد 215:2، بدائع الصنائع 226:5، المغني 281:4، الشرح الكبير 112:4.

من الربح و به قال ابن أبي ليلى و أبو يوسف و أحمد بن حنبل لأنّه باعه إيّاه برأس ماله و ما قدّره من الربح، و إنّما ذكر أكثر من رأس المال، فإذا كان رأس المال قدراً، كان متعيّناً به و بالزيادة، بخلاف العيب(1) ؛ لأنّه لم يرض إلّا بالثمن المسمّى، و هنا رضي برأس المال و الربح المقرّر(2).

و يمنع أنّ البيع برأس المال؛ لأنّه عيّنه بالذكر.

قالت الشافعيّة: إذا قلنا بالصحّة، فلا يخلو إمّا أن يكون كذبه في هذا الإخبار خيانةً أو غلطاً.

فإن كان خيانةً، فقولان منصوصان عن الشافعي في اختلاف العراقيّين:

أحدهما و به قال أحمد -: أنّا نحكم بانحطاط الزيادة و حصّتها من الربح؛ لأنّه يملّك باعتبار الثمن الأوّل فينحطّ الزائد عليه، كما في الشفعة.

و الثاني و به قال أبو حنيفة -: أنّا لا نحكم به؛ لأنّه سمّى ثمناً معلوماً، و عقد به العقد فليجب.

و إن كان غلطاً، فالمنصوص القول الأوّل. و الثاني مخرّج من مثله في الحالة الاُولى(3).

مسألة 396: قد بيّنّا أنّه إذا أخبر بالزائد، يتخيّر المشتري،

و هو أحد قولي الشافعي. و في الثاني: أنّه يحطّ الزائد و ما يصيبه من الربح(4).

ص: 233


1- وردت العبارة في المغني و الشرح الكبير هكذا: «فإذا بان رأس المال قدراً، كان مبيعاً به و بالزيادة، بخلاف العيب». فلاحظ.
2- المصادر في الهامش (4) من ص 234.
3- التهذيب للبغوي 486:3، حلية العلماء 299:4، العزيز شرح الوجيز 325324:4، روضة الطالبين 191:3.
4- انظر: المصادر في الهامش (4) من ص 434.

فعلى الانحطاط هل للمشتري الخيار؟ للشافعي قولان:

أظهرهما: نفي الخيار؛ لأنّه قد رضي بالأكثر فبالأقلّ أولى.

و الثاني و به قال أبو حنيفة أنّه يثبت الخيار؛ لأنّه إن بان كذبه بالإقرار لم يؤمن كذبه ثانياً و ثالثاً. و إن بان بالبيّنة على الشراء أو بالبيّنة على الإقرار، فقد يخالف الباطن الظاهر. و لأنّه قد يكون له غرض في الشراء بذلك المبلغ لتحلّة قسمٍ أو إنفاذ وصيّة و نحوها(1).

و للشافعيّة طريق آخر: أنّ القول الأوّل محمول على ما إذا تبيّن كذب البائع بالبيّنة، و الثاني على ما إذا تبيّن بالإقرار. و الفرق: أنّه إذا ظهر بالبيّنة خيانته، لم تؤمن خيانته من وجهٍ آخر، و الإقرار يشعر بالأمانة و بذل النصح. و الطريقة الاُولى أظهر عندهم(2).

فإن قلنا: لا خيار له، أو قلنا: له الخيار فأمسك بما يبقى بعد الحطّ، فهل للبائع الخيار؟ للشافعيّة وجهان، و قيل: قولان:

أحدهما: نعم؛ لأنّه لم يسلم له مسمّاه في العقد.

و أظهرهما: المنع؛ لاستبعاد أن يصير تلبيسه أو غلطه سبباً لثبوت الخيار له(3).

و منهم مَنْ خصّ الوجهين بصورة الخيانة، و قطع بثبوت الخيار عند الغلط(4).

مسألة 397: قد بيّنّا مذهبنا في ظهور كذب إخبار البائع، و أنّ المشتري يتخيّر و لا يحطّ شيئاً،

و هو أحد قولي الشافعي(5). و حينئذٍ إنّما يثبت الخيار

ص: 234


1- المهذّب للشيرازي 297:1، العزيز شرح الوجيز 325:4، روضة الطالبين 191:3.
2- العزيز شرح الوجيز 325:4، روضة الطالبين 191:3.
3- العزيز شرح الوجيز 325:4، روضة الطالبين 191:3.
4- العزيز شرح الوجيز 325:4، روضة الطالبين 191:3.
5- انظر: المصادر في الهامش (4) من ص 234.

له؛ لأنّه قد غرّه و دلّس عليه، فلو كان المشتري عالماً بكذب البائع، لم يكن له خيار، و يكون بمنزلة ما لو اشترى معيباً و هو عالم بعيبه.

و إذا ثبت الخيار، فلو قال البائع: لا تفسخ فإنّي أحطّ الزيادة، سقط الخيار.

و للشافعي وجهان(1).

و لا فرق بين أن يظهر الكذب في قدر الثمن أو جنسه أو وصفه أو حلوله أو قلّة أجله.

مسألة 398: لو ظهر كذب البائع بعد هلاك السلعة، ففي سقوط خيار المشتري إشكال

ينشأ: من أنّه ثبت بحقّ فلا يسقط بهلاك المعقود عليه، كغيره من أنواع الخيار. و من أنّ الخيار ثبت لإزالة الضرر، فلا يثبت مع الضرر، كالبائع.

و اختلفت الشافعيّة:

فقال بعضهم: تحطّ الخيانة و حصّتها من الربح قولاً واحداً.

و قال بعضهم بجريان القولين في الانحطاط، فإن قلنا بالانحطاط، فلا خيار للمشتري؛ لأنّ البائع قد لا يريد القيمة، فالفسخ و ردُّ القيمة يضرّ به. و أمّا البائع فإن لم يثبت له الخيار عند بقاء السلعة، فكذا هاهنا. و إن أثبتناه ثَمَّ، ثبت هنا أيضاً، كما لو وجد بالعبد عيباً و الثوب الذي هو عوضه تالف(2). و إن قلنا بعدم الانحطاط، فهل للمشتري الفسخ ؟ وجهان، أظهرهما: لا، كما لو عرف بالعيب بعد تلف المبيع، و لكن يرجع بقدر

ص: 235


1- العزيز شرح الوجيز 325:4، روضة الطالبين 192:3.
2- في «ق، ك» و الطبعة الحجريّة: «بألف» بدل «تالف» و الصحيح ما أثبتناه.

التفاوت و حصّته من الثمن، كما يرجع بأرش العيب(1).

و قال أبو حنيفة و أبو يوسف: سقط حقّه، فلا يفسخ و لا يرجع بشيء؛ لأنّ الخيار ثبت له من طريق الحكم لا لنقصٍ، فيسقط بتلف السلعة، كخيار الرؤية(2).

و حكي عن محمّد أنّه قال: يردّ القيمة، و يرجع في الثمن(3). كما قوّيناه نحن أوّلاً.

و قول أبي حنيفة باطل؛ لأنّ الخيار ثبت له لتدليس البائع و نقص الثمن عمّا حكاه، فهو بمنزلة العيب يستره عنه، و لا يشبه خيار الرؤية؛ لأنّه يثبت للاختبار، لا لأجل نقصٍ أو خيانة تثبت. و أمّا الفسخ بعد التلف فإضرار بالبائع، كما لا يثبت إذا تلف المبيع المعيب في يد المشتري.

مسألة 399: يجب عليه الإخبار بكلّ ما يتفاوت الثمن بسببه

على وجهه كالأجل و شبهه من عيب طرأ في يده فنقص أو جناية على ما تقدّم. فلو كذب، تخيّر المشتري، و هو أحد قولي الشافعي. و في الثاني: تحطّ الجناية و قدرها من الربح(4).

هذا في القدر، أمّا لو كذب في سلامة المبيع و كان معيباً، أو في حلول الثمن و كان مؤجّلاً، هل يكون حكمه حكم القدر؟ قال بعض الشافعيّة بذلك، فعلى قول الحطّ فالسبيل النظر إلى القيمة و يقسّط الثمن عليها(5). و نحن لا نقول بذلك.

ص: 236


1- العزيز شرح الوجيز 325:4، روضة الطالبين 192:3.
2- بدائع الصنائع 226:5، حلية العلماء 301:4، العزيز شرح الوجيز 325:4.
3- حلية العلماء 301:4.
4- الوجيز 147:1، العزيز شرح الوجيز 326:4، روضة الطالبين 192:3.
5- الوجيز 147:1، العزيز شرح الوجيز 326:4، روضة الطالبين 192:3.
مسألة 400: لو كذب بنقصان الثمن -

بأن قال: كلّ الثمن أو رأس المال أو ما قامت السلعة به عليَّ مائة، و باع مرابحة لكلّ عشرة درهم، ثمّ عاد و قال: غلطت و الثمن مائة و عشرة فإن صدّقه المشتري، فالبيع صحيح؛ لأنّه عقد صدر من أهله في محلّه بثمن معلوم مسمّى، فيكون صحيحاً، كغيره من العقود و هو أحد وجهي الشافعيّة(1) كما لو غلط بالزيادة.

و قال بعضهم: البيع باطل؛ لأنّ العقد لا يحتمل الزيادة، و أمّا النقصان فهو معهود عند الشرع بدليل الأرش(2).

و على ما اخترناه من صحّة البيع لا تثبت الزيادة كما لا يثبت الحطّ، لكن للبائع الخيار في فسخ البيع و إمضائه بلا شيء، و هو أحد وجهي الشافعيّة القائلين به.

و الثاني لهم: تثبت الزيادة مع ربحها، و للمشتري الخيار(3).

و إن كذّبه المشتري، و هو قسمان:

أ أن لا يبيّن للغلط وجهاً محتملاً، فلا تسمع دعواه. و لو أقام بيّنةً، لم تسمع؛ لأنّه أقرّ بأنّ الثمن مائة، و تعلّق بذلك حقّ المشتري، فلا يقبل رجوعه عنه و لا تُسمع بيّنته؛ لأنّ إقراره يكذّبها، بخلاف ما لو أقرّ بأنّ الثمن أقلّ؛ لأنّه اعترف فيها بما هو حقّ لغيره و ضرر عليه. و لأنّ إقراره الثاني يكذّب قوله و بيّنته.

ص: 237


1- العزيز شرح الوجيز 326:4، روضة الطالبين 192:3.
2- التهذيب للبغوي 167:3، العزيز شرح الوجيز 326:4، روضة الطالبين 192:3.
3- العزيز شرح الوجيز 326:4، روضة الطالبين 193192:3.

فإن ادّعى علم المشتري بصدقه و التمس تحليفه على أنّه لا يعرف ذلك، اجيب إليه؛ لأنّه ربما يقرّ عند عرض اليمين عليه، و هو أحد وجهي الشافعيّة. و الثاني: لا يجاب، كما لا تسمع بيّنته(1).

فإن نكل، تردّ اليمين على المدّعى، و هو أحد قولي الشافعيّة. و الثاني: لا تردّ(2).

و الوجهان مبنيّان على أنّ اليمين المردودة بعد نكول المدّعى عليه كالإقرار من جهة المدّعى عليه أو كالبيّنة من جهة المدّعى ؟ و سيأتي تحقيقه فعلى الأوّل تردّ، لا على الثاني؛ لأنّ بيّنته غير مقبولة.

و إذا(3) قلنا بتحليف المشتري، يحلف على نفي العلم. فإن حلف، ثبت العقد على ما حلف عليه، فيثبت المبيع له بمائة و عشرة. و كذا إذا قلنا: لا تعرض اليمين عليه. و إن نكل و رددنا اليمين على البائع، فإنّه يحلف على القطع أنّه اشتراه بمائة و عشرة. و إذا حلف، فللمشتري الخيار بين إمضاء العقد بما حلف عليه البائع فيكون الثمن عليه مائةً و أحد و عشرين، و بين الفسخ؛ لأنّه دخل في العقد على أن يكون الثمن مائةً و عشرة مع الربح.

ب أن يبيّن للغلط وجهاً محتملاً، مثل أن يقول: ما كنت اشتريته بنفسه، بل اشتراه وكيلي و أخبرني أنّ الثمن مائة فبانَ خلافه، أو ورد عليَّ كتابه فبانَ مزوّراً، أو يقول: كنت راجعت جريدتي فغلطت من [ثمن(4)]ق.

ص: 238


1- حلية العلماء 302:4، العزيز شرح الوجيز 327:4، روضة الطالبين 193:3.
2- حلية العلماء 303:4، العزيز شرح الوجيز 327:4، روضة الطالبين 193:3.
3- في الطبعة الحجريّة: «فإذا».
4- أضفناها لأجل السياق.

متاع إلى غيره، فتُسمع دعواه للتحليف؛ لأنّ بيان هذه الأعذار يُجوّز ظنّ صدقه، و هو قول بعض الشافعيّة(1).

و بعضهم طرد الخلاف في التحليف، و سماع البيّنة يترتّب على التحليف، إن قلنا: لا تحليف، فالبيّنة أولى أن لا تُسمع. و إن قلنا: له التحليف، ففي البيّنة وجهان، الأظهر عندهم: سماعها(2).

و عندنا أنّه يحلف المشتري، كما إذا أقرّ بإقباض الرهن ثمّ رجع عن ذلك.

و قال أحمد بن حنبل: القول قول البائع مع يمينه؛ لأنّه لمّا دخل معه المشتري في بيع المرابحة فقد جعله أميناً، فالقول قوله مع يمينه، كالوكيل و الشريك و المُضارب(3).

و هو خطأ؛ لأنّه قبل قوله فيما أخبر به من الثمن، و ذلك لا يصير به أميناً له، كما لو أخبره بقدر المبيع، فإن قال: بعتك هذه الصبرة و هي عشرة أقفزة، فقبل قوله ثمّ بانت تسعة و أنكر البائع ذلك، لم يقبل قوله. و يفارق الوكيل و الشريك؛ لأنّه استنابه في التصرّف عنه فقبل قوله عليه، بخلاف المتنازع.

مسألة 401: إذا قال: رأس مالي مائة درهم بعتك بها و ربح كلّ عشرة واحداً، اقتضى أن يكون الربح من جنس الثمن الأوّل.

و كذا لو قال: بعتك بمائة و ربح عشرة.

و يجوز أن يجعل الربح من غير جنس الأصل.

و لو قال: اشتريت بكذا و بعتك به و ربح درهم على كلّ عشرة،

ص: 239


1- العزيز شرح الوجيز 327:4، روضة الطالبين 193:3.
2- العزيز شرح الوجيز 327:4، روضة الطالبين 193:3.
3- المغني 286:4، الشرح الكبير 113:4، حلية العلماء 304:4.

فالربح يكون من جنس نقد البلد؛ لإطلاقه الدرهم، و الأصل مثل الثمن، سواء كان من نقد البلد أو غيره.

مسألة 402: لو انتقل إليه بغير عوض، كالهبة، لم يجز بيعه مرابحةً،

سواء قوّمها بثمنٍ مساوٍ أو أزيد أو أنقص، إلّا أن يبيّن الحال في ذلك، و لا يكفي بيان قدر القيمة من غير تعريف الحال.

و لو اتّهب بشرط الثواب فذكره و باع به مرابحةً، فإن كان قد بيّن ذلك للمشتري، جاز، و إلّا فلا.

و قالت الشافعيّة: يجوز(1) ، من غير تفصيل.

و لو آجر داره بعبدٍ أو نكحت المرأة رجلاً على عبد، أو خالع زوجته عليه، أو صالح عن الدم عليه، لم يجز بيع العبد مرابحةً بلفظ الشراء. و لو أخبر بالحال، جاز «بما قام عليَّ».

و يذكر في الإجارة أُجرة مثل الدار، و في النكاح و الخلع مهر المثل، و في الصلح عن الدم الدية.

و اعلم أنّ الفقهاء أطبقوا على تجويز المرابحة فيما إذا قال: بعت بما اشتريت و ربح كذا، أو: بما قام عليَّ و ربح كذا، و لم يذكروا فيه خلافاً، و اختلفوا فيما لو أوصى بنصيب ولده، فقال بعضهم: لا يصحّ بل يصحّ لو قال: مثل نصيب ولدي(2).

و الظاهر أنّهم اقتصروا هنا على ما هو الأصحّ، و إلّا فلا فرق بين الأمرين.

مسألة 403: إذا دفع التاجر إلى الدلّال ثوباً أو غيره و قوّمه عليه

ص: 240


1- العزيز شرح الوجيز 328:4، روضة الطالبين 194:3.
2- العزيز شرح الوجيز 328:4، روضة الطالبين 194:3.

بعشرين درهماً مثلاً، و أمره بالبيع بذلك، فما زاد فهو للدلّال، و لم يواجبه البيع، جاز ذلك، لكن لا يخبر الدلّال بالشراء بالعشرين؛ لأنّه كذب؛ إذ التقدير أنّه لا بيع هنا فلا يبيعه مرابحةً، و إن أخبر بالحال، جاز؛ لأنّ الصادق (عليه السّلام) سُئل عن الرجل يحمل المتاع لأهل السوق و قد قوّموا عليه قيمة و يقولون: بِعْ فما ازددت فلك، فقال: «لا بأس بذلك، و لكن لا يبيعهم مرابحة»(1).

و إذا قال التاجر للدلّال: بِعْ ثوبي هذا بعشرة دراهم، فما فضل فهو لك، جاز على سبيل الجعالة، و لا يكون ذلك بيعاً لازماً، و للتاجر أن يفسخ القول قبل العقد؛ لأنّ الصادق (عليه السّلام) قال في رجل قال لرجلٍ: بِعْ ثوبي هذا بعشرة دراهم، فما فضل فهو لك، قال: «ليس به بأس»(2).

و اعلم أنّه لا فرق بين أن يكون الدلّال ابتدأه للتاجر أو بالعكس.

مسألة 404: قد بيّنّا أنّه إذا اشترى جملة أثواب لم يجز له بيع أفرادها مرابحةً

بمجرّد التقويم مع نفسه، إلّا أن يخبر بالحال؛ لما رواه محمّد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السّلام): في الرجل يشتري المتاع جميعاً بثمن ثمّ يقوّم كلّ ثوب بما يسوى حتى يقع على رأس ماله يبيعه مرابحةً ثوباً ثوباً؟ قال: «لا، حتى يبيّن له إنّما قوّمه»(3).

و لو باعه ثياباً معيّنة من الجملة التي اشتراها على أن يعطيه خيارها بربح خمسة مثلاً في كلّ ثوب من خيارها، لم يصح؛ للجهالة.

و لما رواه عيسى بن أبي منصور قال: سألت الصادقَ (عليه السّلام): عن القوم

ص: 241


1- الكافي 195:5، 3، الفقيه 135:3، 588، التهذيب 54:7، 233.
2- الكافي 195:5، 2، التهذيب 5453:7، 231.
3- الفقيه 136:3، 590، التهذيب 55:7، 239.

يشترون الجراب الهروي أو المروي(1) أو القوهي، فيشتري الرجل منهم عشرة أثواب و يشترط عليه خياره كلّ ثوب بربح خمسة دراهم أقلّ أو أكثر، فقال: «ما أُحبّ هذا البيع، أ رأيت إن لم يجد فيه خياراً غير خمسة أثواب و وجد بقيّته سواء؟»(2).

مسألة 405: يجوز لمن اشترى شيئاً بيعه قبل قبضه

إذا لم يكن مكيلاً أو موزوناً بربح و غيره؛ لأصالة الإباحة.

و لما رواه الحلبي في الصحيح عن الصادق (عليه السّلام)، قال: سألته عن قوم اشتروا بزّاً(3) فاشتركوا فيه جميعاً و لم يقسموه(4) ، أ يصلح لأحد منهم بيع بزّه قبل أن يقبضه ؟ قال: «لا بأس به» و قال: «إنّ هذا ليس بمنزلة الطعام، لأنّ الطعام يُكال»(5).

و سأل منصور الصادقَ (عليه السّلام): عن رجل اشترى بيعاً ليس فيه كيل و لا وزن إله أن يبيعه مرابحة قبل أن يقبضه و يأخذ ربحه ؟ فقال: «لا بأس بذلك ما لم يكن كيل و لا وزن، فإن هو قبضه فهو أبرأ لنفسه»(6).

و سأل إسماعيل بن عبد الخالق الصادقَ (عليه السّلام): إنّا نبعث الدراهم لها صرف إلى الأهواز فيشتري لنا بها المتاع ثمّ نلبث فإذا باعه وضع عليها صرف، فإذا بعناه كان علينا أن نذكر له صرف الدراهم في المرابحة يجزئنا عن ذلك ؟ فقال: «لا، بل إذا كانت للمرابحة فأخبره بذلك، و إن كانت

ص: 242


1- في المصدر: المروزي.
2- الفقيه 135:3، 587، التهذيب 57:7، 246 بتفاوت يسير.
3- البَزّ: الثياب. الصحاح 865:3 «بزز».
4- في «ق، ك» و الفقيه: «و لم يقتسموه».
5- الفقيه 136:3، 594، التهذيب 5655:7، 240.
6- الفقيه 136:3، 593، التهذيب 56:7، 241.

مساومةً فلا بأس»(1).

مسألة 406: إذا أمر الإنسان غيره بشراء متاع و بربحه كذا، فإن كان الشراء للآمر، صحّ،

و لزمه ما جَعَله له بعد الشراء؛ لأنّها جعالة صحيحة. و إن كان للمأمور، جاز ذلك، و لم يكن ما ذكره من الربح لازماً له بل و لا الشراء منه، و ليس للمأمور أن يعقد البيع مع الأمر؛ لأنّه بيع ما ليس عنده، و هو منهيّ عنه.

و روى يحيى بن الحجّاج عن الصادق (عليه السّلام)، قال: سألته عن رجل قال لي: اشتر هذا الثوب و هذه الدابّة و بعنيها أربحك منها كذا و كذا، قال: «لا بأس بذلك، اشترها، و لا تواجبه البيع قبل أن يستوجبها و تشتريها»(2).

مسألة 407: قد بيّنّا الخلاف فيما إذا اشترى شيئاً مؤجّلاً و أخفى الأجل و أخبر برأس المال، و أنّ الوجه في ذلك: صحّة البيع

و تخيّر المشتري بين الرضا بالثمن حالّا و بين فسخ البيع.

و قال الأوزاعي: للمشتري من الأجل مثل ما كان له(3). و هو قول الشيخ في النهاية(4) ؛ لما روى الحسن بن محبوب عن أبي محمّد الوابشي، قال: سمعت رجلاً سأل الصادقَ (عليه السّلام): عن رجل اشترى من رجل متاعاً بتأخير إلى سنة ثمّ باعه من رجل آخر مرابحةً، إله أن يأخذ منه ثمنه حالّا و الربح ؟ قال: «ليس عليه إلا مثل الذي اشترى، إن كان نقد شيئاً فله مثل ما نقد، و إن لم يكن نقد شيئاً آخر فالمال عليه إلى الأجل الذي اشتراه إليه» قلت له: فإن كان الذي اشتراه منه ليس بمليّ مثله ؟ قال: «فليستوثق من حقّه

ص: 243


1- الكافي 198:5، 5، التهذيب 58:7، 249.
2- الكافي 198:5، 6، التهذيب 58:7، 250 بتفاوت فيهما.
3- حلية العلماء 295:4.
4- النهاية: 389.

إلى الأجل الذي اشتراه»(1).

و على ما اخترناه تكون هذه الرواية محمولةً على ما إذا قال: بعتك بما اشتريته من القدر و الوصف.

مسألة 408: لو أسلم في ثوبين بصفة واحدة و قبضهما و أراد بيع أحدهما مرابحةً، لم يجز،

كما تقدّم، إلّا أن يخبر بصورة الحال.

و قال الشافعي: يجوز في أحد القولين، فعلى هذا يخبر بحصّته من الثمن و هو النصف؛ لأنّ الثمن وقع عليهما متساوياً؛ لتساوي الصفة في الذمّة، فكان بمنزلة شراء قفيزين، فإن حصل في أحدهما نقصان عن الصفة، فذلك نقصان جارٍ مجرى الحادث بعد الشراء، فلا يمنع من بيع المرابحة. و به قال أبو يوسف و محمّد(2).

و قال أبو حنيفة: لا يبيعه مرابحةً؛ لأنّ الثوبين يختلفان حال التعيين، فيصيرا بمنزلة العقد الواقع على ثوبين بأعيانهما(3).

البحث الثاني: في باقي الأقسام.
مسألة 409: التولية نوع من البيع،

و هو أن يخبر برأس المال و يبيعه به من غير زيادة و لا نقصان. و لا خلاف في جوازه.

ص: 244


1- التهذيب 59:7، 254.
2- التهذيب للبغوي 485:3، حلية العلماء 292:4، العزيز شرح الوجيز 322:4، روضة الطالبين 190:3، مختصر اختلاف العلماء 31:3، 1102، المغني 283:4، الشرح الكبير 114:4.
3- مختصر اختلاف العلماء 31:3، 1102، التهذيب للبغوي 485:3، حلية العلماء 292:4، العزيز شرح الوجيز 323:4، المغني 283282:4، الشرح الكبير 114:4.

و عبارة الإيجاب: بعتك و ولّيتك، فيقول: قبلت. فإذا اشترى شيئاً ثمّ قال لغيره: ولّيتك هذا العقد، جاز.

و يشترط قبوله في المجلس على قاعدة التخاطب بأن يقول: قبلت، أو: تولّيت. و يلزمه مثل الثمن الأوّل جنساً و قدراً و وصفاً.

و يجب العلم به للمتعاقدين حالة العقد. و هو شرط في صحّته، لا ذكره، فلو لم يعلم برأس المال أحدهما أو كلاهما، بطل؛ لأنّ الجهالة في الثمن أو المثمن مبطلة. و لو لم يعلمه المشتري، أعلمه البائع أوّلاً ثمّ ولاّه العقد.

مسألة 410: قد بيّنّا أنّ عقد التولية بيع

يشترط فيه ما يشترط في مطلق البيع من القدرة على التسليم و التقابض في المجلس إن كان صرفاً و غيرهما. و يلحق به ما يلحق به(1) من الشفعة و غيرها. فلو كان المبيع شقصاً مشفوعاً و عفا الشفيع، تجدّدت الشفعة بالتولية. و يجوز قبل القبض و إن كان طعاماً على كراهية على رأي. و الزوائد المنفصلة قبل التولية إذا تجدّدت بعد الشراء للمشتري، و قبله للمتولّي. و لو حطّ البائع بعد التولية بعض الثمن، لم ينحطّ عن المولّى أيضاً، خلافاً للشافعي(2). و كذا لو حطّ الكلّ.

و للشافعيّة قولٌ آخر بجعل المشتري نائباً عن المولّي، فتكون الزوائد للمولّى، و لا تتجدّد الشفعة، و يلحق الحطّ للمولّى(3).

و على قولٍ آخر: تنعكس هذه الأحكام و نقول: إنّها بيع جديد(4).

ص: 245


1- بدل «به» في «ق، ك»: «بالبيع».
2- التهذيب للبغوي 489:3، العزيز شرح الوجيز 317:4، روضة الطالبين 184:3.
3- العزيز شرح الوجيز 318317:4، روضة الطالبين 185184:3.
4- العزيز شرح الوجيز 318:4، روضة الطالبين 185:3.

و هو الحقّ عندنا.

و على ظاهر مذهب الشافعيّة: الفرق بين الزوائد و الشفعة و بين الحطّ. و على هذا لو حطّ البعض قبل التولية، لم تجز التولية إلّا بالباقي. و لو حطّ الكلّ، لم تصحّ التولية(1).

مسألة 411: يشترط في التولية كون الثمن مثليّا

ليأخذ المولّي مثل ما بذله(2) ، فلو اشتراه بعرض، لم تجز التولية، قال بعض الشافعيّة: إلّا إذا انتقل ذلك العرض من البائع إلى إنسان فولّاه العقد. قال: و لو اشتراه بعرض و قال: قام عليَّ بكذا و قد ولّيتك العقد بما قام عليَّ، أو أرادت المرأة عقد التولية على صداقها بلفظ القيام، أو أراد الرجل التولية على ما أخذه من عوض الخلع، ففي ذلك وجهان للشافعيّة(3).

و عندنا لا تجوز التولية في مثل هذه الأشياء.

مسألة 412: لو أخبر المولّي عمّا اشترى به و كذب، فكالمرابحة

و الكذب فيها، و قد تقدّم، و هو أحد قولي الشافعيّة. و الآخر: يحطّ قدر الخيانة قولاً واحداً(4).

و لو كان المشتري قد اشترى شيئاً و أراد أن يشرك غيره فيه ليصير له بعضه بقسطه من الثمن، جاز بلفظ البيع و التولية أو المرابحة أو المواضعة.

ثمّ إن نصّ على المناصفة أو غيرها، فذاك. و إن أطلق الاشتراك، احتمل فساد العقد؛ للجهل بمقدار العوض، كما لو قال: بعتك بمائة ذهباً و فضّةً. و الصحّة، و يُحمل على المناصفة، كما لو أقرّ بشيء لاثنين.

ص: 246


1- العزيز شرح الوجيز 318:4، روضة الطالبين 184:3 و 185.
2- في «ق، ك»: بذل.
3- العزيز شرح الوجيز 318:4، روضة الطالبين 185:3.
4- العزيز شرح الوجيز 318:4، روضة الطالبين 185:3.

و للشافعيّة وجهان(1) كهذين.

و الاشتراك في البعض كالتولية في الجميع في الأحكام السابقة.

مسألة 413: المواضعة هي المحاطّة،

مأخوذة من الوضع، و هو أن يخبر برأس المال ثمّ يقول: بعتك به و وضيعة كذا. و كما يجوز البيع مرابحةً يجوز مواضعةً، و ليس في ذلك جهالة، كما لم يكن في الربح جهالة.

و يكره لو قال: بوضيعة درهم من كلّ عشرة، كما قلنا في المرابحة، فلو قال: الثمن مائة بعتك برأس مالي و وضيعة درهم من كلّ عشرة، فالثمن تسعون.

و لو قال: و وضيعة درهم من كلّ أحد عشر، كان الحطّ تسعة دراهم و جزءاً من أحد عشر جزءاً من درهم، فيبقى الثمن أحداً و تسعين إلّا جزءاً من أحد عشر جزءاً من درهم.

و لو قال: بعت بما اشتريت بحطّ «ده يازده» جاز أيضاً.

و فيه للشافعيّة وجهان:

أحدهما: أنّه يحطّ من كلّ عشرة واحد، كما زيد في المرابحة على كلّ عشرة واحد، فتكون الوضيعة عشرةً، و الثمن تسعين(2). و به قال أبو ثور، و حكاه الشافعيّة عن محمّد بن الحسن، و لم يحكه أصحابه عنه.

و الثاني و هو الأصحّ عندهم -: أنّه يحطّ من كلّ أحد عشر واحد، فالحطّ تسعة و جزء من أحد عشر جزءاً من درهم، و الثمن تسعون و عشرة أجزاء من أحدعشر [جزءاً(3)] من درهم و به قال أبو حنيفة لأنّ الربح

ص: 247


1- التهذيب للبغوي 488:3، العزيز شرح الوجيز 318:4، روضة الطالبين 185:3.
2- في «ق، ك» و الطبعة الحجريّة: «تسعون». و الظاهر ما أثبتناه.
3- ما بين المعقوفين من «العزيز شرح الوجيز» و «روضة الطالبين».

في المرابحة جزء من أحد عشر، فليكن كذلك الحطّ في المحاطّة، و ليس في حطّ واحد من العشرة رعاية لنسبة «ده يازده»(1).

و لو كان قد اشترى بمائة و عشرة، فالثمن على الوجه الأوّل تسعة و تسعون، و على الثاني مائة. و على هذا القياس.

و أورد جماعة من فقهاء الشافعيّة صورة المسألة فيما إذا قال: بعت بما اشتريت بحطّ درهم من كلّ عشرة. و أوردوا فيها الوجهين(2).

و هو خطأ؛ فإنّ في هذه الصيغة يصير الحطّ واحداً من كلّ عشرة، و إنّما موضع الخلاف لفظ «ده يازده».

و لو قال: بحطّ درهم من كلّ(3) عشرة، فالمحطوط واحد من عشرة.

و قال بعض الشافعيّة: إنّه يكون تسعة و جزءاً من أحد عشر جزءاً(4).

و هو خطأ؛ لأنّ هذا يكون حطّا من كلّ أحد عشر، و لا وجه له.

و لو قال: بحطّ درهم لكلّ عشرة، فالمحطوط واحد من أحد عشر، و يكون كأنّه قال: ضع من كلّ أحد عشر درهماً، فلو قال: بوضيعة «ده دوازده»(5) كانت الوضيعة من كلّ اثني عشر درهماً درهماً(6). و بيانه: أن تضيف قدر الوضيعة إلى الأحد عشر فيصير اثني عشر، فيسقط من كلّ اثني عشر الوضيعة، و هي درهم.ب.

ص: 248


1- حلية العلماء 298297:4، العزيز شرح الوجيز 319:4، روضة الطالبين 186:3، المغني 287:4، الشرح الكبير 112:4.
2- العزيز شرح الوجيز 319:4، روضة الطالبين 186:3.
3- في «ق»: «لكلّ» بدل «من كلّ».
4- انظر: العزيز شرح الوجيز 319:4، و روضة الطالبين 186:3.
5- كذا في «ق، ك» و الطبعة الحجريّة، و الظاهر: «يازده دوازده».
6- في «ق، ك» و الطبعة الحجريّة: «درهم». و الصحيح بالنصب.

تمّ الجزء السابع(1) من كتاب «تذكرة الفقهاء» بحمد اللّه تعالى (و يتلوه في الجزء الثامن بعون اللّه تعالى: الفصل الثاني: في بيع النقد و النسيئة و السلف، و فيه مطلبان.

فرغت من تسويده سلخ ربيع الأوّل من سنة أربع عشر و سبعمائة بالسلطانيّة. و كتب حسن بن يوسف بن مطهّر الحلّي مصنّف الكتاب، و الحمد للّه وحده، و صلّى اللّه على سيّدنا محمّد و آله الطاهرين)(2)(3).ة.

ص: 249


1- حسب تجزئة المصنّف (قدّس سرّه).
2- ما بين القوسين لم يرد في «ك».
3- ورد في آخر نسخة «ق»: «تمّ هذا الجزء المشار إليه يوم الثلاثاء خامس عشر شوّال خُتم بالخير و الإقبال من سنة أربع و سبعين و ثمانمائة على يد العبد الفقير إلى اللّه تعالى الغنيّ، عليّ بن منصور بن حسين المزيدي عفا اللّه عنه. و الحمد للّه ربّ العالمين، و صلّى اللّه على محمّد و آله الطاهرين». و ورد في آخر نسخة «ك». «تمّ ذلك في غرّة ربيع الأوّل سنة 916 في دار السلام بغداد، لأجل داعي المؤمنين كتبه حسب..». و مكان النقاط كلمات ممسوحة.

ص: 250

بسم اللّه الرحمن الرحيم وفّق اللّهمّ لإكماله بمحمّد و كرام آله.

الفصل الثاني: في بيع النقد و النسيئة و السلف.
اشارة

و فيه مطلبان:

الأوّل: في بيع النقد و النسيئة.
مسألة 414: مَنْ باع شيئاً معيّناً بثمن، كان الثمن حالّا

مع الإطلاق و اشتراط التعجيل؛ لأنّ قضيّة البيع تقتضي انتقال كلٍّ من العوضين إلى الآخر، فيجب الخروج عن العهدة متى طُولب صاحبها.

أمّا لو شرط تأجيل الثمن في صلب العقد، فإنّه يصحّ، و يكون البيع نسيئةً؛ لأنّ الحاجة قد تدعو إلى الانتفاع بالمبيع معجّلاً، و استغناء مالكه عنه، و حاجته إلى الثمن مؤجّلاً، فوجب أن يكون مشروعاً، تحصيلاً لهذه المصلحة الخالية عن المبطلات، و لا نعلم فيه خلافاً.

مسألة 415: إذا شرط تأخير الثمن، وجب تعيين الأجل

بما لا يحتمل الزيادة و النقصان، بل يجب أن يكون محروساً عنهما، مضبوطاً، فلو جَعَله مؤجّلاً إلى قدوم الحاجّ أو إدراك الغلّات أو جزّ الثمار أو العطاء، إلى غير ذلك من الآجال المجهولة، بطل البيع؛ لتطرّق الجهالة إلى الثمن، لأنّه يزيد عند التجار بزيادة الأجل و ينقص بنقصانه. و لأنّه مشتمل على غرر عظيم

ص: 251

منهيّ عنه.

و كذا لو قال: بعتك نسيئةً، و لم يذكر الأجل أصلاً، كان البيع باطلاً.

و لو باعه بثمنين إلى أجلين، فالأظهر: البطلان، و قد سبق(1).

مسألة 416: لو باع سلعةً بثمن مؤجّل ثمّ اشتراها قبل قبض الثمن بأقلّ من ذلك الثمن، جاز.

و كذا لو باعها بثمن نقداً و اشتراها بأكثر منه إلى أجل، جاز، سواء كان قد قبض الثمن أو لم يقبض و به قال الشافعي(2) لأنّ البيع ناقل و العين قابلة للنقل دائماً، و المتبايعان من أهل العقد، فكان صحيحاً؛ عملاً بالمقتضي السالم عن المبطل. و لأنّه ثمن يجوز بيع السلعة به من غير بائعها، فجاز بيعها به من بائعها، كما لو كان باعه بسلعة أو بمثل الثمن.

و لأنّ بشار بن يسار سأل الصادقَ (عليه السّلام): عن الرجل يبيع المتاع بنسأ فيشتريه من صاحبه الذي يبيعه منه، قال: «نعم، لا بأس» فقلت له: اشترى متاعي، قال: «ليس هو متاعك»(3).

و قال أبو حنيفة و مالك و أحمد: لا يجوز أن يشتريها بدون ذلك الثمن قبل قبض الثمن. و قال أبو حنيفة: و يجوز أن يشتري بها سلعة قيمتها أقلّ من قدر الثمن. فإن باعها بدراهم و اشتراها بدنانير قيمتها أقلّ من قدر الثمن، لم يجز استحساناً. و لو باعها بأجل ثمّ اشتراها بأكثر من ذلك الأجل، لم يجز. و لو اشتراها وكيله له بأقلّ من الثمن، جاز. و لو اشتراها

ص: 252


1- في ج 10 ص 224، المسألة 112.
2- التهذيب للبغوي 489:3، حلية العلماء 287:4، العزيز شرح الوجيز 137135:4، روضة الطالبين 8685:3، المغني 277:4، الشرح الكبير 51:4.
3- الكافي 208:5، 4، الفقيه 134:3، 585، التهذيب 4847:7، 204.

والد البائع أو ولده أو مَنْ تردّ شهادته له لنفسه، لم يجز بأقلّ من الثمن؛ لما روى أبو إسحاق السبيعي عن امرأته العالية بنت أيفع بن شرحبيل أنّها قالت: دخلت أُمّ ولد زيد(1) بن أرقم و امرأة على عائشة، فقالت أمّ ولد زيد ابن أرقم: إنّي بعت غلاماً من زيد بن أرقم بثمانمائة درهم إلى العطاء ثمّ اشتريته منه بستمائة درهم، فقالت: بئس ما شريت و بئس ما اشتريت، أبلغي زيد بن أرقم أنّه قد أبطل جهاده مع رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) إلّا أن يتوب(2). و لأنّ ذلك ذريعة إلى الربا فإنّما أدخل السلعة ليستبيح بيع ألف بخمسمائة إلى أجل(3).

و خبر عائشة ليس حجّةً. على أنّه لو كان عندها شيء عن النبيّ (عليه السّلام) روته، و لا يجوز أن تظلّله باجتهادها و هو مخالف في ذلك. على أنّا نقول بموجبه؛ لأنّها أنكرت شراءه إلى وقت العطاء و هو مجهول، و العقد الثاني مبنيّ عليه، فلهذا أنكرتهما.

و أبو حنيفة يجوّز الذرائع، و هو أن يبيع تمراً جيّداً بدرهم ثمّ يشتري به أكثر منه(4).

مسألة 417: إذا باع نسيئةً ثمّ اشتراه

مسألة 417: إذا باع نسيئةً ثمّ اشتراه(5) قبل الأجل بزيادة أو نقيصة حالّا أو مؤجّلاً، جاز

إذا لم يكن شرطه في العقد، فإن شرطه، بطل، و إلّا

ص: 253


1- في «س» و الطبعة الحجريّة: «لزيد».
2- سنن الدارقطني 52:3، 212، سنن البيهقي 331330:5، المغني 277:4، الشرح الكبير 51:4.
3- مختصر اختلاف العلماء 114113:3، 1195، حلية العلماء 289288:4، التهذيب للبغوي 489:3، المغني 278277:4، الشرح الكبير 5251:4.
4- لم نعثر عليه فيما بين أيدينا من المصادر.
5- في الطبعة الحجريّة: «اشتراها».

لزم الدور. و لو حلّ الأجل فابتاعه بغير الجنس، جاز مطلقاً، سواء زاد عن الثمن أو نقص. و إن ابتاعه بالجنس، فالأقوى عندي أنّه كذلك.

و قال الشيخ في النهاية: لو باعه بأجل ثمّ حضر الأجل و لم يكن مع المشتري ما يعطيه إيّاه، جاز له أن يأخذ منه ما كان باعه إيّاه من غير نقصان من ثمنه، فإن أخذه بنقصان من ثمنه، لم يكن ذلك صحيحاً، و لزمه ثمنه الذي كان أعطاه به، فإن أخذ من المبتاع متاعاً آخر بقيمته في الحال، لم يكن بذلك بأس(1).

و المعتمد: الأوّل؛ لما تقدّم.

مسألة 418: العِيْنَة جائزة

ليست منهيّاً عنها عندنا، و به قال الشافعي(2).

و هي عندنا عبارة عن الإقراض لعين ممّن له عليه دَينٌ ليبيعها ثمّ يقضي دَيْنه منها؛ لأنّ ذلك يجوز في حقّ الغير فيجوز في حقّه.

و لأنّ الصادق (عليه السّلام) سُئل عن رجل يعين عينة إلى أجل فإذا جاء الأجل تقاضاه فيقول: لا و اللّه ما عندي و لكن عيّنّي أيضاً حتى أقضيك، قال: «لا بأس ببيعه»(3).

و قال الصادق (عليه السّلام) في رجل يكون له على الرجل المال فإذا حلّ قال له: بعني متاعاً حتى أبيعه فأقضي الذي لك عليَّ، قال: «لا بأس»(4).

و فسّرها الشافعي بأن يبيع الرجل من غيره بثمن مؤجّل و يسلّمه إلى

ص: 254


1- النهاية: 388.
2- العزيز شرح الوجيز 135:4، روضة الطالبين 85:3.
3- التهذيب 48:7، 209، الاستبصار 79:3، 267.
4- الفقيه 183:3، 826، التهذيب 49:7، 210، الاستبصار 80:3، 268.

المشتري ثمّ يشتريه قبل قبض الثمن بأقلّ من ذلك نقداً(1). و هو أيضاً جائز عندنا على ما تقدّم.

مسألة 419: يجوز البيع نسيئةً و نقداً

بزيادة عن قيمة السلعة في الحال و إن تضاعفت، أو نقصانٍ مع علم المشتري؛ لأصالة الصحّة، و عملاً بمقتضى العقد السالم عن معارضة الغبن. و لا فرق بين العينة و غيرها.

و اعلم أنّ العِيْنَة جائزة كما قلناه.

و لا فرق بين أن يصير بيع العِيْنَة عادةً غالبة في البلد أو لا يصير على المشهور عند الشافعي(2).

و قال أبو إسحاق: إذا صار عادةً، صار البيع الثاني كالمشروط في الأوّل، فيبطلان جميعاً(3).

مسألة 420: يجوز بيع الشيء غير المشخّص حالّا

و إن لم يكن حاضراً إذا كان عامّ الوجود، كالحنطة و الشعير و غيرهما، و لا يجوز إذا لم يمكن حصوله في الحال، كالفواكه و الرطب و العنب في غير أوانها؛ لوجود المقتضي في الأوّل، و هو العقد جامعاً لشرائط الصحّة من إمكان التسليم و غيره، و تعذّر الشرط في الثاني.

و في الصحيح عن الصادق (عليه السّلام) و قد سُئل عن الرجل يشتري الطعام من الرجل ليس عنده فيشتري منه حالّا، قال: «ليس به بأس»(4).

و لو ساومه عليه و لم يواجبه البيع ثمّ حصَّله و باعه بعد ذلك، كان جائزاً؛ لما روى ابن سنان في الصحيح عن الصادق (عليه السّلام) قال: «لا بأس

ص: 255


1- العزيز شرح الوجيز 136135:4، روضة الطالبين 8685:3.
2- العزيز شرح الوجيز 137:4، روضة الطالبين 86:3.
3- العزيز شرح الوجيز 137:4، روضة الطالبين 86:3.
4- التهذيب 49:7، 211.

بأن تبيع الرجل المتاع ليس عندك تساومه ثمّ تشتري له نحو الذي طلب ثمّ توجبه على نفسك ثمّ تبيعه منه بَعْدُ»(1).

و لو باعه قبل شرائه له، جاز؛ لما تقدّم.

و لما رواه ابن سنان في الصحيح عن الصادق (عليه السّلام) أنّه سأله عن الرجل يأتيني يريد منّي طعاماً أو بيع نسيئة و ليس عندي، أ يصلح أن أبيعه إيّاه و أقطع له سعره ثمّ أشتريه من مكانٍ آخر فأدفعه إليه ؟ قال: «لا بأس»(2).

إذا عرفت هذا، فإنّما يجوز إذا كان المبيع غير مشخّص، أمّا إذا كان مشخّصاً بأن يكون مثلاً لزيدٍ عبد أو طعام، فيأتي خالد إلى بكر فيطلب منه ذلك العبد أو الطعام بعينه فيشتريه منه ثمّ يذهب بكر إلى زيد فيشتريه منه ليدفعه إلى خالد، فإنّه لا يجوز؛ لنهيه (عليه السّلام) عن بيع ما ليس عنده(3).

إذا ثبت هذا، فإن فَعَل، كان العقد الأوّل باطلاً، و يكون الثاني صحيحاً، ثمّ يجدّد العقد الباطل بعد العقد الصحيح.

و روى معاوية بن عمّار في الصحيح عن الصادق (عليه السّلام)، قال: قلت له: يجيئني الرجل يطلب المبيع(4) الحرير و ليس عندي منه شيء، فيقاولني عليه فاُقاوله في الربح و الأجل حتى نجتمع على شيء ثمّ أذهب فأشتري له الحرير فأدعوه إليه، فقال: «أ رأيت إن وجد بيعاً هو أحبّ إليه ممّا عندك».

ص: 256


1- الكافي 201:5، 7، التهذيب 49:7، 212.
2- التهذيب 49:7، 213.
3- سنن ابن ماجة 737:2، 2187، سنن أبي داوُد 283:3، 3503، سنن الترمذي 534:3، 1232، سنن النسائي 289:7، سنن البيهقي 267:5 و 317 و 339، مسند أحمد 403:4، 14887، و 455، 15145، المصنّف لابن أبي شيبة 192:6، 540، المعجم الكبير للطبراني 218217:3، 3097 3099.
4- في التهذيب: «البيع». و في الفقيه: «بيع». و في الكافي: «المتاع» بدل «المبيع».

أ يستطيع أن ينصرف إليه و يدعك ؟ أو وجدت أنت ذلك أ تستطيع أن تنصرف إليه عنه و تدعه ؟» قلت: نعم، قال: «لا بأس»(1).

و ينبغي حمله على المشخّص.

مسألة 421: لو جاء إليه شخص يطلب متاعاً بقدرٍ معلوم و لم يكن عنده فاستعاره من غيره ثمّ باعه إيّاه ثمّ اشتراه منه و دفعه إلى مالكه، لم يجز؛

لأنّ بيعه له و هو غير مالك باطل، و الاستعارة للبيع غير جائزة و إن جازت للرهن، فيكون الشراء منه أولى بالبطلان.

و في رواية ابن حديد(2) قال: قلت للصادق (عليه السّلام): يجيء الرجل يطلب منّي المتاع بعشرة ألف أو أقلّ أو أكثر و ليس عندي إلّا بألف درهم فأستعيره من جاري فآخذ من ذا و ذا فأبيعه ثمّ أشتريه منه، أو آمر مَنْ يشتريه، فأردّه على أصحابه، قال: «لا بأس»(3).

و هذه الرواية ضعيفة؛ فإنّ ابن حديد ضعيف جدّاً، فلا تعويل عليها؛ لمنافاتها المذهب.

مسألة 422: يجوز تعجيل المؤجّل بإسقاط بعضه؛

لأنّه إبراء، و هو سائغ مطلقاً، و لا يجوز تأخير المعجّل بزيادة فيه.

نعم، يجوز اشتراط التأجيل في عقدٍ لازم، كالبيع و شبهه، لا بزيادة في الدَّيْن، بل بزيادة في ثمن ما يبيعه إيّاه، فلو كان عليه دَيْنٌ حالّ فطالبه فسأل منه الصبر إلى وقتٍ معلوم بشرط أن يشتري منه ما يساوي مائة بثمانين، جاز؛ لأنّ التأخير أمر مطلوب للعقلاء لا يتضمّن مفسدة، و هو غير

ص: 257


1- الكافي 200:5، 5، الفقيه 179:3، 809، التهذيب 5150:7، 219.
2- كذا في «س، ي» و الطبعة الحجريّة. و في المصدر: عن حديد.
3- الكافي 200199:5، 1، التهذيب 5049:7، 214.

واجب على صاحب الحقّ، بل له المطالبة بالتعجيل، و بيع ما يزيد ثمنه على قيمته جائز مطلقاً، فلا وجه لمنعه مجتمعاً.

و لأنّ محمّد بن إسحاق بن عمّار سأل الرضا (عليه السّلام) عن الرجل يكون له المال قد حلّ على صاحبه(1) يبيعه لؤلؤة تسوي مائة درهم بألف درهم و يؤخّر عنه المال إلى وقت، قال: «لا بأس»(2).

و سأل محمّد بن إسحاق أيضاً أبا الحسن (عليه السّلام): يكون لي على الرجل دراهم، فيقول: أخّرني بها و أربحك فأبيعه جبّة تُقوَّم علَيَّ بألف درهم بعشرة آلاف درهم أو بعشرين ألفاً، و أؤخّره بالمال، قال: «لا بأس»(3).

المطلب الثاني: في السَّلَم.
اشارة

و النظر في ماهيّته و شرائطه و أحكامه.

النظر الأوّل: في الماهيّة:
مسألة 423: السَّلَم و السلف عبارتان عن معنى واحد،

و هو بيع شيء موصوف في الذمّة مؤجّل بشيء حاضر. يقال: سلف، و أسلف، و أسلم. و يجيء فيه: سلم، غير أنّ الفقهاء لم يستعملوه.

و ذكر الفقهاء فيه عباراتٍ متقاربةً:

أ أنّه عقد على موصوف في الذمّة ببدلٍ يعطى عاجلاً.

ب إسلاف عرض حاضر في عرضٍ موصوف في الذمّة.

ص: 258


1- في «س، ي» و الطبعة الحجريّة: «يكون له المال يدخل عليه صاحبه». و في الفقيه: «.. فيدخل على صاحبه». و ما أثبتناه من الكافي و التهذيب.
2- الكافي 205:5، 10، الفقيه 183:3، 823، التهذيب 53:7، 228.
3- الكافي 205:5، 11، التهذيب 5352:7، 227.

ج تسليم عاجل في عرض لا يجب تعجيله.

و هذه تعريفات رديئة.

و هو يشارك القرض في اللفظ، فيسمّى كلٌّ منهما سَلَفاً؛ لاشتراكهما في معنى، و هو أنّ كلّ واحد منهما إثبات مال في الذمّة بمبذول في الحال.

مسألة 424: و قد أجمع المسلمون على جوازه.

قال اللّه تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ (1).

قال ابن عباس: إنّ السلف المضمون إلى أجلٍ مسمّى قد أحلّه اللّه تعالى في كتابه و أذن فيه، ثمّ قال: قوله تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى (2)(3) مع أنّ اللفظ عامّ يشمل هذا.

و ما رواه العامّة أنّ رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) قدم المدينة و هُمْ يُسلفون في التمر السنة و السنتين، و ربما قال: و الثلاث، فقال: «مَنْ أسلف(4) فليسلف في كيلٍ معلوم و وزنٍ معلوم و أجلٍ معلوم»(5).

و من طريق الخاصّة في الحسن -: عن الصادق (عليه السّلام) قال: «قال رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله): لا بأس في السَّلَم بالمتاع إذا سمّيت الطول و العرض»(6).

ص: 259


1- البقرة: 282.
2- البقرة: 282.
3- الاُم 9493:3، مختصر المزني: 385، الحاوي الكبير 388:5، سنن البيهقي 18:6، المهذّب للشيرازي 303:1، المغني و الشرح الكبير 338:4.
4- في «س، ي» و الطبعة الحجريّة: «سلف». و ما أثبتناه من المصادر ما عدا مسند أحمد و كما يأتي في ص 264 و 268 و 276.
5- صحيح مسلم 12271226:3، 1604، سنن ابن ماجة 765:2، 2280، سنن الترمذي 603602:3، 1311، سنن أبي داوُد 275:3، 3463، سنن النسائي 290:7، مسند أحمد 367:1، 1938، مختصر المزني: 90، المغني و الشرح الكبير 338:4.
6- التهذيب 27:7، 115.

و لأصالة وَ أَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ (1) السالم عن معارض.

مسألة 425: السَّلَف نوع من البيوع لا بُدّ فيه من إيجابٍ و قبول.

فالإيجاب إمّا قوله: بعتك كذا و صفته كذا إلى أجلٍ كذا بكذا، و ينعقد سَلَماً، لا بيعاً مجرّداً، فيثبت له جميع شرائط البيع و يزيد قبض رأس المال قبل التفرّق نظراً إلى المعنى لا اللفظ، و إمّا: أسلمت، أو أسلفت، أو ما أدّى معناه، فيقول: قبلت.

و لو أسلم بلفظ الشراء، فقال: اشتريت منك ثوباً أو طعاماً صفته كذا إلى كذا بهذه الدراهم، فقال: بعته منك، انعقد؛ لأنّ كلّ سَلَم بيعٌ، فإذا استعمل لفظ البيع فيه، فقد استعمله في موضعه، و إذا انعقد، فهو سَلَم اعتباراً بالمعنى كما قلناه، و لا يكون بيعاً اعتباراً باللفظ.

و فيه للشافعيّة وجهان، أصحّهما عندهم: الاعتبار باللفظ، فلا يجب تسليم الدراهم في المجلس، و يثبت فيه خيار الشرط(2).

و هل يجوز الاعتياض عن الثوب ؟ فيه لهم قولان، كما في الثمن(3).

و منهم مَنْ قطع بالمنع؛ لأنّه مقصود الجنس، كالمبيع(4)(5)] في الأثمان [الغالب(6)] قصد الماليّة لا قصد الجنس(7).

و الحقّ ما قلناه من أنّ الاعتبار بالقصد؛ إذ الألفاظ لا دلالة لها بمجرّد ذواتها ما لم ينضمّ القصد إليها، و لهذا لم يعتد بعبارة الساهي و الغافل و النائم

ص: 260


1- البقرة: 275.
2- التهذيب للبغوي 570:3، العزيز شرح الوجيز 395:4، روضة الطالبين 246:3.
3- التهذيب للبغوي 570:3، العزيز شرح الوجيز 395:4، روضة الطالبين 246:3.
4- في «س، ي» و الطبعة الحجريّة: «كالبيع». و ما أثبتناه من «العزيز شرح الوجيز».
5- ما بين المعقوفين من العزيز شرح الوجيز.
6- ما بين المعقوفين من العزيز شرح الوجيز.
7- التهذيب للبغوي 570:3، العزيز شرح الوجيز 395:4، روضة الطالبين 246:3.

و السكران و اللاعب و المكره.

و بعضهم قال بما قلناه، فيجب تسليم الدراهم في المجلس(1).

و لا يثبت فيه خيار الشرط عندهم(2). و لا يجوز الاعتياض عن الثوب عندهم(3) ، كغيره من السلف.

و لو قال: اشتريت ثوباً صفته كذا في ذمّتك بعشرة دراهم في ذمّتي، فإن جعلناه سلفاً، وجب تعيين الدراهم و تسليمها في المجلس. و إن جعلناه بيعاً، لم يجب.

مسألة 426: و كما ينعقد السَّلَم بلفظ البيع، كذا الأقرب: العكس،

فلو قال: أسلمت إليك هذا الثوب و يعينه في هذا الدينار، انعقد بيعاً نظراً إلى المعنى لا إلى لفظ السَّلَم، فلا يجب التقابض في المجلس حينئذٍ، و لا يكون هذا سَلَماً إجماعاً.

و للشافعيّة قولان في انعقاده بيعاً نظراً إلى المعنى فينعقد. و يحتمل عدم الانعقاد؛ لاختلال اللفظ(4).

و لو قال: بعتك بلا ثمن، أو على أن لا ثمن عليك، فقال: قبلت، أو اشتريت، و قَبَضه، ففي انعقاده هبةً نظر ينشأ: من الالتفات إلى المعنى، و اختلال اللفظ.

و هل يكون المقبوض مضموناً هنا على القابض ؟ فيه نظر ينشأ: من ثبوت الضمان في البيع الفاسد و هذا منه. و من دلالة اللفظ على إسقاطه.

ص: 261


1- العزيز شرح الوجيز 396395:4، روضة الطالبين 246:3.
2- العزيز شرح الوجيز 396:4، روضة الطالبين 247246:3.
3- العزيز شرح الوجيز 396:4، روضة الطالبين 247:3.
4- الوسيط 424:3، الوجيز 154:1، العزيز شرح الوجيز 395:4، حلية العلماء 358:4، روضة الطالبين 246:3، منهاج الطالبين: 110.

و للشافعيّة وجهان(1).

أمّا لو قال: بعت، و لم يتعرّض للثمن، فإنّه لا يكون تمليكاً، و يجب الضمان، و هو قول أكثر الشافعيّة(2).

و قال بعضهم: فيه الوجهان السابقان(3).

النظر الثاني: في الشرائط.
اشارة

و ينظمها مباحث:

البحث الأوّل: الأجل.
مسألة 427: الأجل شرط في السَّلَم،

فلا يجوز حالّا، فإن بِيع حالّا بلفظ السَّلَم، خرج اللفظ عن حقيقته إلى مجازه، و هو مطلق البيع، و لم يكن سَلَماً و به قال أبو حنيفة و مالك و الأوزاعي(4) لما تقدّم(5) من رواية العامّة عن النبيّ (صلّى اللّه عليه و آله) أنّه قال: «مَنْ أسلف(6) فليسلف في كيلٍ معلوم و وزنٍ معلوم و أجلٍ معلوم».

و من طريق الخاصّة: رواية سماعة، قال: سألته عن السَّلَم و هو السلف في الحرير و المتاع الذي يصنع في البلد الذي أنت فيه، قال: «نعم،

ص: 262


1- العزيز شرح الوجيز 395:4، روضة الطالبين 246:3.
2- العزيز شرح الوجيز 395:4، روضة الطالبين 246:3.
3- العزيز شرح الوجيز 395:4، روضة الطالبين 246:3.
4- مختصر اختلاف العلماء 6:3، 1070، الهداية للمرغيناني 73:3، بدائع الصنائع 212:5، المبسوط للسرخسي 125:12، بداية المجتهد 203:2، مقدّمات ابن رشد: 515، المعونة 988:2، الوسيط 425:3، التهذيب للبغوي 570:3، حلية العلماء 359:4، العزيز شرح الوجيز 396:4، المغني 355:4، الشرح الكبير 354:4.
5- في ص 261.
6- في «س، ي» و الطبعة الحجريّة: «سلف». و ما أثبتناه من المصادر المشار إليها في الهامش (5) من ص 261 ما عدا مسند أحمد و كما سيأتي في ص 268 و 276.

إذا كان إلى أجلٍ معلوم»(1).

و لأنّ الحلول يخرجه عن اسمه و معناه، فإنّه سمّي سَلَماً و سلفاً؛ لتعجيل أحد العوضين و تأجيل الآخر، و معناه أنّه وضع للرفق، و الرفق لا يحصل إلّا بالأجل.

و قال الشافعي: السَّلَم يجوز حالّا و مؤجّلاً و به قال عطاء و أبو ثور و ابن المنذر لأنّ الأجل غرر فيه؛ لأنّ التسليم قد يتعذّر وقت الأجل، فإذا أسقطه، لم يؤثّر في صحّة العقد، كبيوع الأعيان(2).

و لا ينتقض بالكتابة؛ لأنّ الغرر يحصل بإسقاط الأجل؛ لأنّ العبد يتحقّق عجزه عن العوض حال العقد، لأنّ ما في يده مال السيّد إن كان في يده شيء، و لا يلزم السَّلَم في المعدوم؛ لأنّ المفسد تعذّر القبض في محلّه دون الأجل، و الاسم حاصل؛ لأنّ رأس المال يجب قبضه في المجلس، بخلاف المُسْلَم فيه و إن كان حالّا.

و أمّا الرفق فلحظّ المتعاقدين، فإذا أسقطاه، لم يؤثّر في العقد، كما لو أسلم إليه و كان رأس المال أكثر ممّا يساوي حالّا.

و نمنع كون الأجل غرراً، و إلّا لكان منهيّاً عنه و خصوصاً و قد رويتم تأويل الآية في الدَّيْن أنّها عبارة عن السلف(3).4.

ص: 263


1- الكافي 199:5، 2، التهذيب 27:7، 114.
2- الاُم 97:3، مختصر المزني: 90، الحاوي الكبير 397396:5، المهذّب للشيرازي 304:1، التهذيب للبغوي 570:3، الوسيط 425:3، حلية العلماء 359:4، العزيز شرح الوجيز 396:4، روضة الطالبين 247:3، مختصر اختلاف العلماء 6:3، 1070، الهداية للمرغيناني 73:3، بدائع الصنائع 212:5، المعونة 988:2، المغني 355:4، الشرح الكبير 354:4.
3- راجع ص 261، المسألة 424.

إذا ثبت هذا، فلو باعه سلفاً و لم يرد مطلق البيع، كان باطلاً عندنا؛ لفوات شرطه.

و عند الشافعي يصحّ، و يترتّب عليه حكم السلف من وجوب قبض الثمن في المجلس دون المثمن، و من منع خيار الشرط فيه عندهم. و إذا كان المُسْلَم فيه معدوماً، لم يجز حالّا؛ لتعذّر تسليمه.

مسألة 428: لو أطلق عقد السَّلَم و لم يرد مطلق البيع، بل بيع السَّلَم، فإن قال: حالّا، بطل

عندنا، خلافاً للشافعي على ما تقدّم(1).

و إن شرط التأجيل، لزم إجماعاً. و إن أطلق، بطل؛ لأنّ الحالّ باطل، و المؤجّل شرطه تعيين الأجل، و مع الإطلاق لا تعيين.

و للشافعي قولان:

أحدهما: أنّ العقد يبطل؛ لأنّ مطلق العقود يحمل على المعتاد، و المعتاد في السَّلَم التأجيل. و لأنّ ما يختلف الثمن باختلافه لا بُدَّ من اشتراطه في السَّلَم، كسائر الأوصاف، و إذا كان كذلك، فسد، و يكون كما لو ذكر أجلاً مجهولاً.

و الثاني: أنّ العقد يصحّ، و يكون الثمن حالّا، كما في المثمن، و هو الأصحّ عندهم(2).

مسألة 429: لو أطلقا العقد و لم يذكرا فيه أجلاً، بطل

عندنا على ما تقدّم(3) و على أحد قولي الشافعي(4) ، فلو ألحقا بالعقد أجلاً في مجلس

ص: 264


1- في المسألة السابقة (427).
2- التهذيب للبغوي 571570:3، الوسيط 425:3، العزيز شرح الوجيز 396:4، روضة الطالبين 247:3.
3- في المسألة السابقة (428).
4- نفس المصادر في الهامش (2).

العقد، لم يلحق عندنا؛ لأنّ العقد الباطل لا يصحّ بلحوق ما يلحق به في المجلس، و كيف ينقلب الفاسد صحيحاً!؟ و كيف يعتبر مجلسه!؟ و صرّح الشافعي هنا بأنّ الأجل يلحق بالعقد(1).

و يجيء فيه الخلاف السابق في سائر الإلحاقات(2).

قال أصحابه: و هذا دليل على صحّة العقد عند الإطلاق؛ إذ الفاسد لا ينقلب صحيحاً(3).

و لو صرّحا بالتأجيل في نفس العقد و عيّناه، صحّ العقد، فإن أسقطاه في المجلس، لم يسقط إلّا بالتقايل، و لا يصير العقد حالّا.

و قال الشافعي: يسقط، و يصير حالّا(4).

إذا ثبت هذا، فاعلم أنّ الشرط المبطل للعقد إذا حذفاه في المجلس، لم ينحذف، و لم ينقلب العقد صحيحاً، و هو ظاهر مذهب الشافعيّة(5).

و قال بعضهم: لو حذفا الأجل المجهول في المجلس، انحذف، و صار العقد صحيحاً(6).

و اختلفت الشافعيّة في جريان هذا الوجه في سائر المبطلات، كالخيار و الرهن الفاسدين و غيرهما. فمنهم مَنْ أجراه مجرى الأجل(7).

و قال الجويني: الأصحّ تخصيصه بالأجل؛ لأنّ بين الأجل و المجلس مناسبةً لا توجد في سائر الأُمور، و هي أنّ البائع لا يملك مطالبة المشتري3.

ص: 265


1- العزيز شرح الوجيز 396:4، روضة الطالبين 247:3.
2- كما في العزيز شرح الوجيز 396:4، و روضة الطالبين 247:3.
3- العزيز شرح الوجيز 396:4.
4- العزيز شرح الوجيز 396:4، روضة الطالبين 247:3.
5- العزيز شرح الوجيز 397396:4، روضة الطالبين 247:3.
6- العزيز شرح الوجيز 397:4، روضة الطالبين 247:3.
7- العزيز شرح الوجيز 397:4، روضة الطالبين 248247:3.

بالثمن في المجلس، كما لا يملكها في مدّة الأجل، فلم يبعد إصلاح الأجل في المجلس(1).

و اختلفوا أيضاً في أنّ زمان الخيار المشروط هل يلحق بالمجلس في حذف الأجل المجهول ؟ تفريعاً على هذا الوجه. و الأظهر عندهم: أنّه لا يلحق(2).

مسألة 430: يشترط في الأجل المشروط في عقد السَّلَم أن يكون معيّناً مضبوطاً

محروساً من الزيادة و النقصان، كالشهر و السنة المعيّنين، فلو عيّنا أجلاً يحتمل الزيادة و النقصان كالحصاد و موسم الحاجّ و الزائرين و قدوم القوافل و طلوع الثريّا و إدراك الغلّات لم يجز، و بطل العقد عندنا - و به قال الشافعي و أبو حنيفة(3) لما رواه العامّة من قوله (صلّى اللّه عليه و آله): «مَنْ أسلف فليسلف في كيلٍ معلوم و وزنٍ معلوم و أجلٍ معلوم»(4)الكافي 184:5 (باب السَّلَم في الطعام) الحديث 1، الفقيه 167:3، 740، التهذيب 27:7، 116 بتفاوت يسير.(5).

و من طريق الخاصّة: قول أمير المؤمنين (عليه السّلام): «لا بأس بالسَّلَم كيل معلوم إلى أجل معلوم، لا يسلم إلى دياس و لا إلى حصاد»(5).

و لأنّ الأجل إذا كان مجهولاً، تعذّر القبض و المطالبة، فلم يصح.

و قال مالك: إذا أسلم إلى الحصاد أو الموسم أو ما أشبه ذلك، جاز؛ لأنّه أجل تعلّق بوقت من الزمان يعرف في العادة لا يتفاوت اختلافه اختلافاً

ص: 266


1- العزيز شرح الوجيز 397:4، روضة الطالبين 248:3.
2- العزيز شرح الوجيز 397:4، روضة الطالبين 248:3.
3- المهذّب للشيرازي 306:1، التهذيب للبغوي 572:3، حلية العلماء 373372:4، الوسيط 426:3، العزيز شرح الوجيز 397:4، روضة الطالبين 248:3، مختصر اختلاف العلماء 21:3، 1090، بداية المجتهد 204203:2، المغني 356:4، الشرح الكبير 358:4.
4- تقدّمت الإشارة إلى مصادره في ص 261، الهامش
5- .

كثيراً، فأشبه ما إذا قال: إلى المهرجان. و لأنّ يهوديّاً بعث [إليه النبيّ (صلّى اللّه عليه و آله) - فيما روته] عائشة(1) أن ابعث إليَّ ثوبين إلى الميسرة(2)(3).

و الجواب: قد روى العامّة عن ابن عباس أنّه قال: لا تبايعوا إلى الحصاد و الدياس، و لا تبايعوا إلّا إلى شهر معلوم(4). و نحوه روى الخاصّة عن أمير المؤمنين(5) (عليه السّلام).

و لأنّ ذلك يختلف و يقرب و يبعد، فلا يجوز أن يكون أجلاً، و لا يناط به ما يحتاج إلى التعيين من المطالبة و الأخذ و العطاء و استحقاق الحبس مع المنع.

و المهرجان معروف لا يختلف فيه.

و رواية عائشة لا دلالة فيها، مع أنّ راويها حرمي بن عمارة و كان فيه غفلة. قال ابن المنذر: لا نتابعه عليه أخاف أن يكون من غفلاته(6).

فروع:

أ المعلوم أن يسلم إلى شهر من شهور الأهلّة، فيقول: إلى شهر4.

ص: 267


1- وردت العبارة في «س، ي» و الطبعة الحجريّة هكذا: «و لأنّ يهوديّاً بعث إلى عائشة» إلى آخره. و هو غلط واضح. و ما أثبتناه ممّا بين المعقوفين موافق لما في المصادر المشار إليها في الهامش التالي.
2- سنن الترمذي 518:3، 1213، سنن النسائي 294:7، سنن البيهقي 25:6، المستدرك للحاكم 23:2 و 24.
3- بداية المجتهد 204203:2، المعونة 989:2، مختصر اختلاف العلماء 22:3، 1090، العزيز شرح الوجيز 397:4، المغني 357356:4، الشرح الكبير 359358:4.
4- المغني 356:4، الشرح الكبير 359:4.
5- الكافي 184:5 (باب السَّلَم في الطعام) الحديث 1، الفقيه 167:3، 740، التهذيب 27:7، 116.
6- المغني 357:4، الشرح الكبير 359:4.

كذا؛ لقوله تعالى يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَواقِيتُ لِلنّاسِ وَ الْحَجِّ (1) فإذا ذكر هذا الأجل، جاز إجماعاً. و كذا يجوز إلى سنة كذا و يوم كذا بلا خلاف.

ب يجوز التأقيت بشهور الفرس ك «تير ماه» و «مرداد ماه» أو بشهور الروم ك «حزيران» و «تمّوز» كالتأقيت بشهور العرب؛ لأنّها معلومة مضبوطة عند العامّة.

ج يجوز التأقيت بالنيروز و المهرجان و به قال الشافعي(2) لأنّه معلوم عند العامّة.

و نُقل عن بعض الشافعيّة وجهٌ أنّه لا يجوز التأقيت بهما؛ لأنّ النيروز و المهرجان يطلقان على الوقتين اللذين تنتهي الشمس فيهما إلى أوائل برجي الحمل و الميزان، و قد يتّفق ذلك ليلاً ثمّ يختلس مسير الشمس كلّ سنة بمقدار ربع يوم و ليلة(3).

د لو وقّتاه بفصح النصارى و هو عيد من أعيادهم أو بعيد من أعياد أهل الذمّة، كالشعانين و عيد الفطير، قال الشافعي: لا يجوز(4).

و اختلف أصحابه، فأخذ بعضهم بهذا الإطلاق؛ تجنّباً عن التأقيت3.

ص: 268


1- البقرة: 189.
2- الوسيط 426:3، المهذّب للشيرازي 306:1، التهذيب للبغوي 572:3، العزيز شرح الوجيز 398:4، روضة الطالبين 248:3.
3- المهذّب للشيرازي 306:1، العزيز شرح الوجيز 398:4، روضة الطالبين 249248:3.
4- المهذّب للشيرازي 306:1، حلية العلماء 374:4، العزيز شرح الوجيز 398:4، روضة الطالبين 249:3.

بمواقيت الكفّار(1).

و أكثرهم فصّلوا، فقالوا: إن اختصّ بمعرفة وقته الكفّار و لم يكن معلوماً عندنا البتّة، فالأمر كذلك؛ لأنّه لا اعتماد على قولهم. و لأنّهم يقدّمونه و يؤخّرونه على حسابٍ لهم، و لا يجوز الركون [إليهم(2)] قال اللّه تعالى وَ لا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النّارُ (3) و إن عرفه المسلمون، جاز، كالنيروز و المهرجان(4). و هو المعتمد عندي.

و كذا لو أخبر الكثيرون البالغون مبلغ التواتر بحيث يؤمن عليهم التواطؤ على الكذب؛ لانتشارهم في البلاد الكبار من الكفّار.

و هل يعتبر معرفة المتعاقدين ؟ قال بعض الشافعيّة: نعم(5).

و قال بعضهم: لا يعتبر، و يكتفى بمعرفة الناس، و سواء اعتبر معرفتهما أو لا [فلو(6)] عُرّفا، كفى(7).

و في وجهٍ للشافعيّة: لا بُدَّ من معرفة عَدْلين من المسلمين سواهما؛ لأنّهما قد يختلفان، فلا بُدَّ من مرجع(8).

ه لو أجّله إلى عرفة أو الغدير عاشوراء أو يوم المبعث، جاز؛ لأنّ3.

ص: 269


1- العزيز شرح الوجيز 398:4، روضة الطالبين 249:3.
2- بدل ما بين المعقوفين في «س، ي» و الطبعة الحجريّة: «إليه». و ما أثبتناه يقتضيه السياق.
3- هود: 113.
4- العزيز شرح الوجيز 398:4، روضة الطالبين 249:3.
5- التهذيب للبغوي 572:3، العزيز شرح الوجيز 398:4، روضة الطالبين 249:3.
6- بدل ما بين المعقوفين في «س، ي» و الطبعة الحجريّة: «لو». و ما أثبتناه من المصدر.
7- العزيز شرح الوجيز 398:4، روضة الطالبين 249:3.
8- التهذيب للبغوي 572:3، العزيز شرح الوجيز 398:4، روضة الطالبين 249:3.

ذلك معلوم.

و لو وقّته بمولد النبيّ (صلّى اللّه عليه و آله) و كانا يعرفانه أو يعتقدانه، جاز، و إلّا فلا؛ لاختلاف الناس فيه، فعندنا أنّه السابع عشر من شهر ربيع الأوّل، و عند جماعة من العامّة: الثاني عشر(1).

و لو قال: إلى الظهر أو الزوال أو إلى العصر أو إلى الليل، جاز؛ لأنّه معلوم، بخلاف الشتاء أو الصيف.

ز لو وقّت بنفير الحجيج، فإن أقّته بالأوّل أو الثاني، جاز. و إن أطلق، احتُمل البطلان؛ لتردّد المحلّ بين النفيرين.

و قال الشافعي: يحمل على الأوّل؛ لأنّه أوّل ما يتناوله الاسم، و لتحقّق الاسم به. و كذا الخلاف لو قال: إلى «ربيع» أو «جمادى» أو العيد، و لا يحتاج إلى تعيين السنة(2).

و قال بعض الشافعيّة: إنّ التوقيت بالنفر الأوّل أو الثاني لأهل مكة جائز؛ لأنّه معروف عندهم، و لغيرهم وجهان(3).

و إن عيّن التوقيت بيوم القَرّ(4) لأهل مكة، وجهان أيضاً؛ لأنّه لا يعرفه إلّا خواصّهم(5).

و قال بعضهم: هذا ليس بشيء؛ لأنّا إن اعتبرنا علم المتعاقدين،3.

ص: 270


1- انظر: السيرة النبويّة لابن هشام 167:1، و البدء و التاريخ 44:2، و دلائل النبوّة للبيهقي 74:1.
2- المهذّب للشيرازي 306:1، الوجيز 155:1، العزيز شرح الوجيز 399:4، روضة الطالبين 249:3.
3- العزيز شرح الوجيز 399:4، روضة الطالبين 249:3.
4- يوم القَرّ: اليوم الذي يلي عيد النحر؛ لأنّ الناس يقرّون في منازلهم، أو يقرّون بمنى. لسان العرب 87:5 «قرر».
5- العزيز شرح الوجيز 399:4، روضة الطالبين 249:3.

فلا فرق، و إلّا فهي مشهورة في كلّ ناحية عند الفقهاء و غيرهم(1).

ح لو قال: إلى الجمعة، حُمل على الأقرب في الجُمع. و كذا غيره من الأيّام؛ قضيّةً للعرف المتداول بين الناس، بخلاف «جمادى» و «ربيع».

ط لو أجّله إلى الجمعة، حلّ بأوّل جزء منه؛ لتحقّق الاسم، فإذا طلع الفجر من يوم الجمعة، فقد حلّ.

و لو قال: إلى شهر رمضان، فإذا غربت الشمس من آخر شعبان، فقد حلّ الشهر، و يحلّ الدَّيْن.

و الفرق بينهما: أنّ اليوم اسم لبياض النهار، و الشهر يشتمل على الليل و النهار.

و ربما يقال: يحلّ بانتهاء ليلة الجمعة و انتهاء شعبان(2). و المقصود واحد.

ي لو قال: محلّه في الجمعة، أو في رمضان، أو في سنة كذا و كذا، فإن لم يعيّن أوّل ذلك أو آخره، بطل و به قال الشافعي(3) لأنّه جعل اليوم ظرفاً لحلوله و لم يبيّن. و كذا الشهر و السنة و لم يبيّن، فيكون تقديره: أنّه في وقت من أوقات يوم الجمعة.

و قال بعض الشافعيّة: يجوز، و يُحمل على الأوّل، كما لو قال: أنت طالق في يوم كذا(4).3.

ص: 271


1- العزيز شرح الوجيز 399:4، روضة الطالبين 249:3.
2- كما في العزيز شرح الوجيز 400:4، و روضة الطالبين 250:3.
3- المهذّب للشيرازي 307306:1، التهذيب للبغوي 571:3، العزيز شرح الوجيز 400:4، روضة الطالبين 250:3.
4- المهذّب للشيرازي 306:1، التهذيب للبغوي 571:3، العزيز شرح الوجيز 400:4، روضة الطالبين 250:3.

و فرّق الأوّلون بأنّ الطلاق يجوز تعليقه بالمجاهيل(1).

و لو قيل بجوازه على تقدير أنّ الأجل متى شاء البائع أو المشتري في أيّ وقت كان من يوم الجمعة أو من الشهر أو من السنة المذكورة، كان وجهاً، و يتخيّر مَنْ جُعل المشيئة إليه في مبدأ الوقت إلى آخره أيّ وقت طالب أو دفع اجبر الآخر على القبول، بخلاف المشيئة المطلقة.

لو أجّله إلى أوّل الشهر أو آخره، صحّ، و حُمل على أوّل جزء من أوّل يوم من الشهر، أو على آخر جزء من الشهر، كما لو أجّل إلى يوم الجمعة، حُمل على أوّله و إن كان اسم اليوم عبارةً عن جميع الأجزاء. و لأنّه لو قال: إلى شهر كذا، حمل على أوّل جزء منه، فقوله: «إلى أوّل شهر كذا» أقرب إلى هذا المعنى ممّا إذا أطلق ذكر الشهر، و هو قول بعض الشافعيّة(2).

و المشهور عندهم: البطلان؛ لأنّ اسم الأوّل و الآخر يقع على جميع النصف، فلا بُدَّ من البيان، و إلّا فهو مجهول(3).

و هو ممنوع؛ لأنّ الأوّل أغلب في العرف.

يب لو أجّله إلى سنة أو سنتين، صحّ، و حمل مطلقه على الهلاليّة؛ لأنّها أغلب استعمالاً و أظهر عند العرف؛ فإن قيّد بالفارسيّة أو الروميّة أو الشمسيّة، تقيّد بالمذكور. و لو قال بالعدد، فهو ثلاثمائة و ستّون يوماً. و كذا لو قال: إلى خمسة أو ستّة أشهر، حُملت الأشهر على الهلاليّة؛ لأنّه المتعارف.3.

ص: 272


1- المهذّب للشيرازي 307:1، التهذيب للبغوي 571:3، العزيز شرح الوجيز 400:4.
2- التهذيب للبغوي 571:3، العزيز شرح الوجيز 400:4، روضة الطالبين 251:3.
3- التهذيب للبغوي 571:3، العزيز شرح الوجيز 400:4، روضة الطالبين 251:3.

ثمّ إن وقع العقد في أوّل الشهر؛ اعتبر الجميع بالأهلّة تامّةً كانت أو ناقصةً، فإن جرى في أثناء الشهر، عُدّ ما بقي منه بالأيّام، و عُدّت الأشهر بعد ذلك بالأهلّة، ثمّ يتمّم المذكور بالعدد ثلاثين؛ لأنّ الشهر الشرعي هو ما بين الهلالين إلّا أنّ في الشهر المنكسر لا بُدَّ من الرجوع إلى العدد؛ لئلّا يؤخّر أمد الأجل عن العقد، و هو أحد وجهي الشافعيّة(1).

و الثاني: أنّه إذا انكسر الشهر، انكسر الجميع، فيعتبر الكلّ بالعدد(2). و هو قول أبي حنيفة(3).

و ضرب الجويني مثلاً للتأجيل بثلاثة أشهر مع فرض الانكسار، فقال: عقدا و قد بقي من صفر لحظة و نقص الربيعان و جمادى، فيحسب الربيعان بالأهلّة، و يضمّ جمادى إلى اللحظة الباقية من صفر، و يكملان بيوم من جمادى الآخرة سوى لحظة(4).

و قطع بعض الشافعيّة بالحلول عند انسلاخ جمادى في الصورة المذكورة، و أنّ العدد إنّما يراعى لو جرى العقد في غير اليوم الأخير(5).

مسألة 431: لا ضابط للأجل قلّةً و كثرةً،

بل مهما اتّفقا عليه من الأجل القليل أو الكثير إذا كان معيّناً، صحّ العقد عليه.

و قال الأوزاعي: أقلّ الأجل ثلاثة أيّام(6). و ليس بمعتمد.

ص: 273


1- العزيز شرح الوجيز 399:4، روضة الطالبين 250:3.
2- العزيز شرح الوجيز 399:4، روضة الطالبين 250:3.
3- العزيز شرح الوجيز 399:4.
4- العزيز شرح الوجيز 399:4، روضة الطالبين 250:3.
5- العزيز شرح الوجيز 400399:4، روضة الطالبين 250:3.
6- حلية العلماء 360:4، مختصر اختلاف العلماء 7:3، 1070، المغني 357:4، الشرح الكبير 355:4.
مسألة 432: لو أسلم في جنسٍ واحد إلى أجلين

أو أسلم في جنسين إلى أجلٍ واحد كما لو أسلم في قفيزي حنطة إلى شهرين يسلّم أحدهما في آخر الشهر الأوّل و الباقي في آخر الثاني، أو أسلم في قفيز حنطة و قفيز شعير إلى شهر يسلّمهما في آخره صحّ عندنا و هو أصحّ قولي الشافعي(1) للأصل.

و الثاني: البطلان في الصورتين؛ لأنّه ربما يتعذّر تسليم بعض النجوم أو بعض الأجناس فيه، فيرتفع العقد فيه، و يتعدّى إلى الباقي(2).

و هو خطأ، و إلّا لزم في القفيز الواحد ذلك؛ لجواز تعذّر بعضه.

مسألة 433: إذا جعل الأجل العطاء، فإن قصد فعله، بطل؛

لتقدّمه و تأخّره، فلا ينضبط. و إن قصد وقته، صحّ إن كان معلوماً، و إلّا فلا. و لو قال: إلى شهر، و أطلق، اقتضى اتّصاله، و وقت العقد مبدأ الشهر فالأجل آخره. و كذا إلى شهرين أو إلى ثلاثة أو إلى سنة أو سنتين، بخلاف المعيّن، فإنّه يحلّ بأوّله.

و لا يشترط في الأجل أن يكون له وَقْعٌ في الثمن، فلو قال: إلى نصف يوم، صحّ؛ للعموم.

ص: 274


1- المهذّب للشيرازي 307:1، التنبيه في الفقه الشافعي: 98، التهذيب للبغوي 572:3، حلية العلماء 375:4، الحاوي الكبير 399:5، العزيز شرح الوجيز 401400:4، روضة الطالبين 251:3.
2- المهذّب للشيرازي 307:1، التنبيه في الفقه الشافعي: 98، التهذيب للبغوي 572:3، حلية العلماء 375:4، الحاوي الكبير 399:5، العزيز شرح الوجيز 401400:4، روضة الطالبين 251:3.
البحث الثاني: العلم.
اشارة

و فيه بابان:

الأوّل: الجنس.

مسألة 434: يجب أن يكون المُسْلَم فيه معلوماً عند المتعاقدين؛

لرواية العامّة عنه (صلّى اللّه عليه و آله) «مَنْ أسلف فليسلف في كيلٍ معلوم و وزنٍ معلوم و أجلٍ معلوم»(1).

و من طريق الخاصّة: قول الصادق (عليه السّلام): «لا بأس بالسَّلَم في المتاع إذا وصفت الطول و العرض»(2)(3).

و لأنّ المُسْلَم فيه عوض غير مشاهد يثبت في الذمّة، فلا بُدَّ من كونه معلوماً.

و إنّما يتحقّق العلم بالمُسْلَم فيه بأمرين: ذِكْر اللفظ الدالّ على الحقيقة، أعني لفظ الجنس، كالحنطة و الشعير و الأرز و العبد و الثوب و أشباه ذلك. و ذِكْر اللفظ المميّز، و هو ما يوصف به ممّا يميّزه عن جميع ما عداه ممّا يشاركه في الجنس كثيراً برفع الجهالة، كصرابة(4) الحنطة و حمرتها و دقّتها و غلظها و غير ذلك من الأوصاف، فلو لم يذكر الجنس بل قال: بعتك شيئاً صريباً، أو ذكره و لم يذكر الوصف، بطل، سواء كان ممّا

ص: 275


1- تقدّمت الإشارة إلى مصادره في ص 259، الهامش (5).
2- الكافي 199:5، 3، التهذيب 27:7، 113.
3- في «ي» زيادة: «و قال رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله): لا بأس بالسَّلَم بالمتاع إذا سمّيت الطول و العرض». انظر: التهذيب 27:7، 115.
4- صربت الأرض و اصْرَأَبَّ الشيء: املاسَّ وصفا. لسان العرب 523:1 «صرب».

لا ينضبط بالوصف، أو كان و أهمل؛ لأنّ البيع لا يحتمل جهالة المعقود عليه و هو عينٌ فلأنّ لا يحتملها السَّلَم و هو دَيْنٌ أولى.

مسألة 435: يجب أن يذكر كلّ وصف تختلف القيمة به

اختلافاً ظاهراً لا يتغابن الناس بمثله في السَّلَم؛ إذ بدونه يثبت الغرر المنهيّ عنه.

و يجب أن يأتي في ذكر الوصفين باللفظ الظاهر استعماله بين الناس غير خفيّ الدلالة على المعنى عند أهل اللغة بحيث يرجعان إليه عند الاختلاف.

و لا يجب الاستقصاء في الأوصاف إلى أن يبلغ الغاية بحيث يعزّ وجودها و يندر حصولها، فلو أفضى الإطناب إلى عزّة الوجود، كاللآلي الكبار التي يفتقر إلى التعرّض فيها للحجم و الشكل و الوزن و الصفاء، و اليواقيت الكبار و الزبرجد و المرجان التي تفتقر إلى الحجم و الوزن و الشكل و الصفاء؛ لعظم تفاوت القيمة باختلاف هذه الأوصاف، و اجتماعها نادر جدّاً، فيكون بمنزلة السلف فيما يتعذّر حصوله في الأجل.

أمّا اللآلي الصغار التي يعمّ وجودها و يمكن ضبطها بالوزن أو الكيل و ضبط أوصافها التي تختلف القيمة باختلافها فإنّه يصحّ السَّلَم فيها على الأقوى؛ للأصل الجامع لشرائط الصحّة من إمكان الضبط بالأوصاف المطلوبة، الخالي عن المبطل.

مسألة 436: كلّ ما لا يمكن ضبط أوصافه المرغوب فيها المختلفة الأثمان باختلافها لا يصحّ السَّلَم فيه،

و ذلك كالخبز و اللحم و اللآلي و الدرر و الجواهر التي لا يمكن ضبطها، و تختلف صغراً و كبراً(1) و صفاءً و كدورةً و جودةً و رداءةً و حسن تدوير و ضدّه، و لا في الجلود؛ لاختلافها، فالوركان».

ص: 276


1- في الطبعة الحجريّة: «كبيراً و صغيراً».

ثخين قويّ و الصدر ثخين رخو، و البطن رقيق ضعيف، و الظهر أقوى، فإذا كان مختلفاً، احتاج كلّ موضع منه إلى وصفٍ و لا يمكن ضبطه، و لا يمكن ذرعه؛ لاختلاف أطرافه، فمنها داخل و خارج و زائد و ناقص، و لا يمكن ضبط ذلك بالوزن؛ لأنّ جلدين يتّفقان في الوزن و يختلفان في القيمة؛ لخفّة أحدهما و سعته، و ثقل الآخر و ضيقه.

و كذا الرقّ لا يجوز السَّلَم فيه؛ لأنّه جلد تختلف أوصافه على ما تقدّم.

و كذا لا يجوز السلف فيما يتّخذ من الجلود، كالنعال المحدثة؛ لاختلاف الجلد. و كذا الخفاف؛ لما فيها من اختلاف الجلود و الحشو الذي لا يوقف عليه، و اشتمالها على ظهارة و بطانة و حشو تضيق العبارة عن ضبطها و ذكر أطرافها و انعطافاتها.

و حكي عن ابن سريج جواز السَّلَم فيها(1) ، و به قال أبو حنيفة(2).

تذنيب: و لا يجوز السَّلَم في العقار؛ لاختلاف البقاع، و عدم إمكان ضبطها، فلا يصحّ الإطلاق فيها، بل يفتقر إلى التعيين في موضع بعينه، فيكون بيع عين موصوفة، و لا يكون سَلَماً.

مسألة 437: المختلطات على أقسام أربعة:

أ المقصودة الأركان التي يمكن ضبط أقدارها و صفاتها، كالثياب العتابيّة و الخزوز المركّبة من الإبريسم و الوبر.

و هذا القسم يصحّ السَّلَم فيه عندنا و هو أصحّ وجهي الشافعيّة؛4.

ص: 277


1- العزيز شرح الوجيز 408:4.
2- بدائع الصنائع 309:5، العزيز شرح الوجيز 408:4.

لسهولة ضبط أوصاف بسائطها، و هو منصوص الشافعي(1) لقول الصادق (عليه السّلام): «لا بأس بالسَّلَم في المتاع إذا وصفت الطول و العرض»(2).

و الآخر: أنّه لا يجوز كالسَّلَم في الغالية و المعجونات(3).

و نمنع حكم الأصل، مع إمكان ضبط البسائط.

و لو كان الثوب ممّا يُعمل عليه الطراز بالإبرة بعد النسج من غير جنس الأصل، كالإبريسم على القطن أو الكتّان، فإن أمكن معرفة تركيبها و ضبط أركانها، جاز، و إلّا فلا.

ب المختلطات التي لا يمكن ضبط أوصاف بسائطها كالهرائس و الأمراق و الحلاوات و المعاجين و الجوارشات(4) و الغالية المركّبة من المسك و العنبر و الكافور لا يصحّ السَّلَم فيها؛ للجهل ببسائطها مع تعلّق الأغراض بها، و به قال الشافعي(5). أمّا لو أمكن معرفة بسائطها و ضبط أوصافها، فإنّه يصحّ السَّلَم فيها، و كانت من القسم الأوّل.

ج المختلطات التي لا يقصد منها إلّا الخليط الواحد كالخَلّ من التمر و الزبيب فيه الماء لكنّه غير مقصود في نفسه، و إنّما يطلب به إصلاح الخَلّ، و يجوز السَّلَم فيه؛ لإمكان ضبطه بالوصف. و احتياجه إلى الماء؛ إذ3.

ص: 278


1- حلية العلماء 368:4، العزيز شرح الوجيز 409:4، روضة الطالبين 257:3.
2- الكافي 199:5، 1، التهذيب 27:7، 113.
3- التهذيب للبغوي 579:3، حلية العلماء 368:4، العزيز شرح الوجيز 409:4، روضة الطالبين 257:3.
4- الجوارش: نوع من الحلاوات. معرّب. أقرب الموارد 116:2 «جرش».
5- المهذّب للشيرازي 305:1، التهذيب للبغوي 581:3، العزيز شرح الوجيز 408:4، روضة الطالبين 257:3.

لا يمكن قوامه بدونه لا يُخرجه عن الجواز.

و للشافعيّة وجهان، هذا أظهرهما. و الثاني: المنع؛ لاشتماله على الماء، فأشبه المخيض(1). و الأصل ممنوع.

و أمّا الخبز: فعندنا لا يجوز السَّلَم فيه؛ لاختلاف أجزائه في النضج و عدمه و الخفّة و الغلظ، و هو أصحّ وجهي الشافعيّة، لا لما قلناه، بل لأمرين: اختلاطه بالملح، و يختلف الغرض بحسب كثرة الملح و قلّته. و الثاني(2): تأثير النار فيه(3).

و لا عبرة عندنا بالوجهين.

و الثاني لهم: الجواز و به قال أحمد لأنّ الملح فيه مستهلك، فصار الخبز في حكم الشيء الواحد(4).

و نحن لم نعلّل بالمزج، بل بالاختلاف الذي لا يمكن ضبطه.

و الوجهان عند الشافعيّة جاريان في السمك الذي عليه شيء من الملح(5).

و لا بأس به عندنا مع إمكان ضبطه.3.

ص: 279


1- التهذيب للبغوي 579:3، العزيز شرح الوجيز 410409:4، روضة الطالبين 258257:3.
2- أي: الأمر الثاني.
3- المهذّب الشيرازي 304:1، التنبيه في الفقه الشافعي: 66 67، العزيز شرح الوجيز 409:4، روضة الطالبين 258257:3.
4- العزيز شرح الوجيز 409:4، روضة الطالبين 258:3، المغني 340:4، الشرح الكبير 344:4.
5- العزيز شرح الوجيز 409:4، روضة الطالبين 258:3.

و الجبن يجوز السَّلَم فيه أيضاً مع إمكان ضبطه، و به قال الشافعيّة(1).

و اعترض بعضهم باشتماله على الإنفحة، و عندهم المختلط لا يجوز السَّلَم فيه.

و أجابه(2) بأنّه ليس مقصوداً، و الممنوع منه إنّما هو السَّلَم في الأخلاط المقصودة؛ لجهالة كلّ واحد منها(3).

و أمّا اللبن الحليب: فيجوز السلف فيه إجماعاً مع وصفه المنضبط.

و أمّا المخيض فعندنا كذلك.

و مَنَع الشافعي منه؛ لاشتماله على الماء، فإنّه لا يخرج الزبد منه إلّا به، بخلاف خلّ التمر؛ لأنّ الماء عماده و به يكون، و هذا الماء فيه ليس من مصلحته، فصار المقصود منه مجهولاً(4).

و نمنع صيرورة المصلحة علّةً في المعرفة و عدمها علّةً في الجهالة.

و أمّا الأقط: فإنّه يجوز السَّلَم فيه؛ لإمكان ضبطه.

و للشافعيّة وجهان:

أحدهما: أنّه كالجبن يجوز السَّلَم فيه.

و الثاني: أنّه كالمخيض لا يجوز؛ لما فيه من الدقيق(5).

و أمّا الأدهان الطيّبة كدهن البنفسج و اللينوفر و البان و الورد فإنّه يجوز السَّلَم فيها مع إمكان ضبطها.

و قالت الشافعيّة: إن خالطها شيء من جرم الطيب، لم يجز السَّلَم3.

ص: 280


1- العزيز شرح الوجيز 409:4، روضة الطالبين 258:3.
2- في هامش الطبعة الحجريّة: «و جوابه. خ ل».
3- لم نعثر على الاعتراض و الجواب فيما بين أيدينا من المصادر.
4- العزيز شرح الوجيز 409:4 و 410، روضة الطالبين 258:3.
5- العزيز شرح الوجيز 410:4، روضة الطالبين 258:3.

فيها. و إن مزج السمسم بها ثمّ اعتصرها، جاز(1).

د المختلطات في أصل الخلقة، كالشهد. و يجوز السلف فيه و هو أصحّ وجهي الشافعيّة(2) لأنّ اختلاطه في أصل خلقته، فأشبه النوى في التمر، و كما يجوز السَّلَم في الشهد يجوز في كلّ واحد من ركنية.

و الثاني للشافعيّة: المنع؛ لأنّ أحد جزءيه الشمع، و قد يقلّ تارة و يكثر اخرى، فلا يمكن ضبطه(3).

و هذه الكثرة و القلّة لم يعتبرها الشارع، كما في صغر النواة و كبرها.

و أمّا اللبن: فإنّه شيء واحد يجوز السَّلَم فيه إجماعاً و إن كان قد يحصل منه شيئان مختلفان، كالزبد و المخيض.

مسألة 438: اللحم لا يجوز السلف فيه

عند علمائنا و به قال أبو حنيفة(4) لأنّه لا يضبط بالوصف، ففيه السمين و الهزيل، و المشتمل على العظم و الخالي عنه، و اللين و القويّ.

و لأنّ جابراً سأل الباقرَ (عليه السّلام) عن السلف في اللحم، قال: «لا تقربه فإنّه يعطيك مرّة السمين، و مرّة التاوي(5) ، و مرّة المهزول، اشتره معاينة يداً بيد»(6).3.

ص: 281


1- العزيز شرح الوجيز 410:4، روضة الطالبين 258:3.
2- التهذيب للبغوي 578:3، العزيز شرح الوجيز 410:4، روضة الطالبين 258:3.
3- التهذيب للبغوي 578:3، العزيز شرح الوجيز 410:4، روضة الطالبين 258:3.
4- تحفة الفقهاء 15:2، بدائع الصنائع 210:5، الهداية للمرغيناني 72:3، مختصر اختلاف العلماء 11:3، 1077، فتاوى قاضيخان 118:2، بداية المجتهد 202:2، المغني و الشرح الكبير 342:4.
5- في «ي» و الطبعة الحجريّة: «المساوي» بدل «التاوي». و التاوي: الهالك. لسان العرب 106:14 «توا».
6- الفقيه 167:3، 738، التهذيب 45:7، 193.

و قال الشافعي: يجوز؛ لأنّه يجوز في الحيوان فيجوز في اللحم(1).

و الملازمة ممنوعة.

و لا فرق في المنع عندنا بين المطبوخ منه و النيء.

إذا ثبت هذا، فإنّ الشافعي حيث جوّزه قال: يضبط بسبعة(2) أوصاف: الجنس، كلحم الغنم. و النوع، كالضأن. و السنّ، فيقول: لحم صغير أو كبير، فطيم أو رضيع. و الذكر و الأُنثى، و السمين و المهزول، و المعلوف و الراعي، و موضعه من البدن، كلحم الرقبة أو الكتف أو الذراع، و فحل أو خصيّ، و تسليمه إليه مع العظام؛ لأنّ اللحم يدّخر معه، فأشبه النوى في التمر. و لأنّ العظم يلتصق باللحم و يتّصل به أكثر من اتّصال النوى بالتمر. و إن أسلم في مشويّ أو مطبوخ، لم يجز عنده؛ لأنّ النار تختلف فيه. و كره اشتراط الأعجف و إن لم يكره المهزول؛ لأنّ العجف هزال مع مرض. و لأنّ الحموضة في اللبن لا يجوز شرطها؛ لأنّها تغيّر فالعجف أولى(3).

و هذا كلّه عندنا باطل؛ للمنع من السلف في اللحم.

إذا ثبت هذا، فلا فرق بين لحم الأهلي و لحم الصيد في المنع عندنا3.

ص: 282


1- الاُم 110:3، التهذيب للبغوي 578:3، العزيز شرح الوجيز 416:4، روضة الطالبين 262:3، مختصر اختلاف العلماء 11:3، 1077، بداية المجتهد 202:2، المغني و الشرح الكبير 342:4.
2- كذا حيث إنّ المذكور هنا ثمانية أوصاف. و في «العزيز شرح الوجيز» و «روضة الطالبين» ذكرا الفحل أو الخصي من توابع الشرط الرابع الذي هو الذكورة و الأُنوثة، لا شرطاً مستقلا.
3- العزيز شرح الوجيز 417416:4، روضة الطالبين 263262:3.

و الجواز عنده.

و يذكر عنده في لحم الصيد ستّة(1) أوصاف: النوع، و الذكر أو الأُنثى، و السمن أو الهزال، و الصغر أو الكبر، و الجيّد أو الرديء. و إن كان يختلف بالآلة التي يصطاد بها، شرطه، فإنّ صيد الأُحبولة أنظف و هو سليم، و صيد الجارح مجروح متألّم، و يقال: صيد الكلب أطيب من صيد الفهد؛ لطيب نكهة الكلب و تغيّر فم الفهد، فإن كان ذلك يتباين و يختلف، وجب شرطه. و إن كان اختلافاً يسيراً، لم يجب. فإن كان الصيد يعمّ وجوده في جميع الأزمان، أسلم فيه، و جعل محلّه ممّا يتّفقان عليه. و إن كان يوجد في وقتٍ دون وقت، أسلم فيه متى شاء، و جعل محلّه الوقت الذي يوجد فيه عامّاً(2).

و هذا كلّه عندنا ساقط؛ للمنع من السلف في اللحم، و هو قول أبي حنيفة(3)في صدر المسألة.(4).

و أمّا لحم الطير فلا يجوز السلف فيه عندنا على ما تقدّم(4) ، و به قال أبو حنيفة(5).

و قال الشافعي: يجوز بناءً على أصله من جواز السلف في اللحوم، فيصف لحم الطير عنده بالنوع و الصغر و الكبر و السمن و الهزال و الجودة3.

ص: 283


1- المذكور هنا خمسة أوصاف، و لعلّ السادس: الجنس، انظر: المصدر في الهامش التالي.
2- العزيز شرح الوجيز 417:4، روضة الطالبين 263:3.
3- راجع المصادر في الهامش
4- من ص 283.
5- راجع المصادر في الهامش (4) من ص 283.

و الرداءة. و إن كان كبيراً، يذكر موضع اللحم منه، و لا يأخذ في الوزن الرأس و الساق و الرِّجْل؛ لأنّ ذلك لا لحم عليه(1).

مسألة 439: قد بيّنّا أنّ الاستقصاء في ذكر الأوصاف المخرج إلى عزّة الوجود و عسر التحصيل مبطل للسَّلَم؛

لما فيه من تعذّر التسليم، الذي هو مانع من صحّة البيع. و لأنّ في عقد السَّلَم نوعَ غرر، فلا يحصل إلّا فيما يوثق بتسليمه.

ثمّ الشيء قد يكون نادر الوجود من حيث جنسه، كلحم الصيد في موضع العزّة، و قد لا يكون كذلك إلّا أنّه بحيث إذا ذكرت أوصافه التي يجب التعرّض لها، عزّ وجوده؛ لندور اجتماعها، كاللآلي الكبار و اليواقيت و الزبرجد على ما بيّنّا، و كجارية حسناء معها ولد صفته كذا، أو أُخت أو عمّة بحيث يتعذّر حصوله، فإنّه لا يجوز. و لو لم يتعذّر كجارية معها ولد أو شاة لها سخلة فإنّه يجوز عندنا.

و بالجملة، الضابط عزّة الوجود و تعذّره، فيبطل معه و يصحّ بدونه.

و اختلفت الشافعيّة، فقال بعضهم: يجب التعرّض للأوصاف التي تختلف بها الأغراض. و بعضهم اعتبر الأوصاف التي تختلف بها القيمة. و بعضهم جمع بينهما(2).

و ليست هذه الأقوال بشيء؛ لأنّ كون العبد كاتباً أو أُمّيّا، و كونه قويّاً في العمل أو ضعيفاً أوصاف يختلف بها الغرض و القيمة، و لا يجب التعرّض لها.3.

ص: 284


1- العزيز شرح الوجيز 417:4، روضة الطالبين 263:3.
2- العزيز شرح الوجيز 410:4، روضة الطالبين 257:3.

إذا ثبت هذا، فإطلاق الشافعي المنع من السلف في الجارية و ولدها(1) ليس بشيء.

إذا ثبت هذا، فيجب ذكر الصفات المميّزة في الولد المنضمّ إلى الجارية أو الأُخت أو العمّة، كما في صفات الجارية.

مسألة 440: لو شرط كونها حبلى، فالأقرب: الجواز؛

لأنّه وصف مرغوب فيه عند العقلاء، و تختلف به الأغراض و الأثمان، لا يوجب عزّةً و لا تعذّراً في التسليم، فكان جائزاً، كغيره من الشروط.

و للشافعيّة طريقان: أظهرهما: المنع؛ لأنّ اجتماع الحمل مع الصفات المشروطة نادر(2).

و هو ممنوع؛ لأنّه شرط يمكن حصوله، فجاز انضمامه إلى الشروط و الصفات المشروطة، كما لو شرط كون العبد كاتباً، و كون الجارية ماشطةً مع الصفات المشروطة.

و الثاني: قال أبو إسحاق و جماعة: إنّه على قولين بناءً على أنّ الحمل هل له حكم أم لا؟ إن قلنا: له حكم، جاز، و إلّا فلا؛ لأنّه لا يعرف حصوله(3).

و هو ممنوع؛ لإمكان المعرفة به.

و لو شرط كون الشاة لبوناً، فالأقرب: الجواز. و للشافعيّة قولان(4).

مسألة 441: و لو أسلم في جارية و ولد، جاز،

و به قال الشافعي (5)3.

ص: 285


1- العزيز شرح الوجيز 411:4، روضة الطالبين 259:3.
2- حلية العلماء 366:4، العزيز شرح الوجيز 412:4، روضة الطالبين 259:3.
3- حلية العلماء 366:4، العزيز شرح الوجيز 412:4، روضة الطالبين 259:3.
4- العزيز شرح الوجيز 412:4، روضة الطالبين 259:3.
5- انظر: التهذيب للبغوي 577:3.

حيث لم يشترط نسبة الولد إليها، و يكون ذلك شراء جارية كبيرة و عبد صغير إذا لم يقل: ابنها.

و نحن قد بيّنّا جواز ذلك أيضاً.

و لو شرط في العبد أنّه كاتب أو صانع أو غير ذلك من الصنائع، أو كون الجارية ماشطةً أو صانعةً، جاز، و لزمه أدنى ما يقع عليه الاسم، و به قال الشافعي(1).

مسألة 442: يجوز السَّلَم في الحيوان بسائر أنواعه

عند علمائنا أجمع و به قال الشافعي و مالك و أحمد و إسحاق(2) لما رواه العامّة عن عبد اللّه بن عمرو بن العاص قال: أمرني رسول اللّه صلى الله عليه و آله أن أُجهّز جيشاً و ليس عندنا ظهر، فأمره النبيّ صلى الله عليه و آله أن يبتاع البعير بالبعيرين و بالأبعرة إلى خروج المصدّق(3).

و من طريق الخاصّة: رواية الحلبي في الصحيح عن الصادق عليه السلام قال: «لا بأس بالسَّلَم في الحيوان إذا سمّيت الذي تسلم فيه فوصفته، فإن وفيته و إلّا فأنت أحقّ بدراهمك»(4).

و عن زرارة في الصحيح عن الباقر عليه السلام قال: «لا بأس بالسَّلَم في4.

ص: 286


1- العزيز شرح الوجيز 412411:4، روضة الطالبين 259:3.
2- التهذيب للبغوي 576:3، شرح السنّة للبغوي 130:5، حلية العلماء 362:4، الوسيط 438:3، الحاوي الكبير 399:5، العزيز شرح الوجيز 412:4، روضة الطالبين 259:3، بداية المجتهد 201:2، الكافي في فقه أهل المدينة: 338، المعونة 985:2، الاستذكار 92:20، 29382، مختصر اختلاف العلماء 12:3، 1082، المغني 341:4، الشرح الكبير 339:4.
3- سنن البيهقي 287:5 و 288، المصنّف لعبد الرزّاق 2322:8، 14144.
4- التهذيب 41:7، 174.

الحيوان و المتاع إذا وصفت الطول و العرض، و في الحيوان إذا وصفت أسنانها»(1).

و لأنّه يثبت في الذمّة صداقاً فيثبت سَلَماً، كالثياب.

و قال الثوري و الأوزاعي و أبو حنيفة: لا يجوز السَّلَم في الحيوان؛ لأنّ عمر بن الخطّاب قال: إنّ من الربا أبواباً لا تحصى(2) ، و إنّ منها السلف في السنّ. و لأنّ الحيوان يختلف كثيراً، فلا يمكن ضبطه بالصفة، فأشبه رؤوس الحيوان و كوارعه(3).

و حديث عمر ليس حجّةً، و لو كان فهو حديث لم يعرفه أصحاب الاختلاف. و أيّ ربا فيه ؟ مع أنّه محمول على أنّه أراد ما كانوا يسلمون فيه و يشترطون من ضراب فحل بني فلان، على أنّه قد روي أنّ أمير المؤمنين عليّاً عليه السلام باع جملاً له يدعى(4) عصيفيراً(5) بعشرين بعيراً إلى أجل(6). و اشترى ابن عمر راحلة بأربعة أبعرة يوفّيها صاحبها بالربذة(7). و ما ذكروه من اختلافه يستلزم عليه الثياب. و الأطراف لا تثبت صداقاً، بخلاف5.

ص: 287


1- التهذيب 41:7، 175.
2- في المغني و الشرح الكبير: «لا تخفى» بدل «لا تحصى».
3- المغني 340:4، الشرح الكبير 339:4، مختصر اختلاف العلماء 82:3، 1082، بدائع الصنائع 209:5، الاستذكار 92:20، 29384، شرح السنّة للبغوي 130:5، حلية العلماء 362:4، التهذيب للبغوي 576:3، الحاوي الكبير 399:5، الوسيط 438:3، بداية المجتهد 201:2.
4- في الطبعة الحجريّة: «يسمّى» بدل «يدعى».
5- في «س، ي» و الطبعة الحجريّة: «عصفر». و ما أثبتناه من المصادر.
6- الموطّأ 652:2، 59، سنن البيهقي 288:5، و 22:6، معرفة السنن و الآثار 192:8، 11602، شرح السنّة للبغوي 56:5.
7- الموطّأ 652:2، 60، سنن البيهقي 288:5، و 22:6، معرفة السنن و الآثار 192:8، 11603، شرح السنّة للبغوي 56:5.

الحيوان.

مسألة 443: لا يجوز السَّلَم في رؤوس الحيوانات المأكولة،

سواء كانت مطبوخةً أو مشويّةً أو نيّةً، و به قال أبو حنيفة و الشافعي في أحد القولين في النيّة، أمّا المطبوخة و المشويّة فلا يجوز قولاً واحداً؛ لاختلاف تأثير النار في ذلك، فلم يجز، كما لا يجوز السَّلَم في اللحم المشويّ و المطبوخ. أمّا النيّة فوجه المنع: أنّ أكثر الرأس العظام و المشافر، فاللحم فيه قليل يختلف، فإذا كان أكثره غير مقصود، لم يجز، بخلاف اللحم عنده يكون فيه العظم؛ لقلّة العظم فيه، فالأكثر مقصود و عندنا أنّ اللحم كالرأس في المنع و بخلاف الحيوان، فإنّ المقصود جملة الحيوان من غير التفات إلى آحاد الأعضاء.

و القول الثاني له: الجواز في النيّة و به قال مالك لأنّ ذلك لحم فيه عظم يجوز شراؤه، فجاز السَّلَم فيه، كاللحم(1).

و الملازمة ممنوعة، فليس كلّ ما جاز بيعه جاز السلف فيه.

و على تقدير الجواز إنّما يجوز عنده بشروط:

أ أن تكون منقّاةً من الصوف و الشعر، فأمّا السَّلَم فيها من غير تنقية فلا يجوز؛ لستر المقصود بما ليس بمقصود.

ب أن توزن، فإنّها تختلف بالصغر و الكبر اختلافاً بيّناً، فلا يجزئ العدد فيها.4.

ص: 288


1- بدائع الصنائع 209:5، مختصر اختلاف العلماء 11:3، 1078، فتاوى قاضيخان 118:2، المغني و الشرح الكبير 342341:4، بداية المجتهد 202:2، التهذيب للبغوي 582:3، العزيز شرح الوجيز 418:4، روضة الطالبين 263:3 و 264.

ج أن تكون نيّةً، فأمّا المطبوخة و المشويّة فلا يجوز السَّلَم فيها بحال(1).

و اعتبر بعضهم آخَر: أن تكون المشافر و المناخر منحّاةً عنها(2). و لم يعتمد عليه أكثرهم(3).

مسألة 444: لا يجوز السَّلَم في الكوارع،

سواء كانت مطبوخةً أو مشويّةً أو نيّةً؛ لعدم انضباطها، فقد يكثر لحمها و يقلّ.

و اختلفت الشافعيّة(4) ، فقال بعضهم: لا يجوز السَّلَم فيها قطعاً، و لم يحك فيها قولين. و بعضهم قال: إنّ فيها قولين. و لا فرق بينها و بين الرؤوس؛ لأنّ الرؤوس و الأكارع تختلف بالصغر و الكبر، و أكثرها غير مقصود، فإن جوّزوا السَّلَم فيها، اشترطوا الوزن.

و كذا لا يجوز السلف في غير ذلك من أعضاء الحيوان.

و قال بعضهم: يجوز السلف في الكوارع؛ لقلّة الاختلاف في أجزائها(5).

و بعضهم مَنَع من الرؤوس؛ لأنّ الكبر فيها مقصود، فلا يجوز اعتبارها بالوزن، فيلحق بالمعدودات(6) ، لكن بيعها سلفاً بالعدد باطل، فلهذا لم يجز السلف في الرؤوس.3.

ص: 289


1- العزيز شرح الوجيز 418:4، روضة الطالبين 264:3.
2- العزيز شرح الوجيز 418:4.
3- العزيز شرح الوجيز 418:4.
4- انظر: التهذيب للبغوي 582:3، و العزيز شرح الوجيز 418:4، و روضة الطالبين 264:3.
5- الغزالي في الوجيز 157:1، و انظر: الوسيط 442:3.
6- انظر: الوسيط 442441:3، و العزيز شرح الوجيز 419:4، و روضة الطالبين 264:3.

مسألة 445: لا يجوز بيع الترياق و لا السَّلَم فيه؛

لأنّه يخالطه لحوم الأفاعي، و هي حرام، و يمازجه الخمر، و هو نجس. و كذا جميع السموم من الحيتان و غيرها لا يجوز بيعه و لا السلف فيه؛ لعدم الانتفاع به.

و لو كان ممّا يصلح قليله للدواء و يكون كثيره سمّاً كالسقمونيا، فإنّه يجوز السَّلَم فيه، و يصفه بما يحتاج إليه إذا أمكن ضبط أوصافه.

و لا فرق عندنا في جواز البيع بين قليله و كثيره، و هو قول أكثر الشافعيّة(1).

و قال بعضهم: لا يجوز بيع كثيرة؛ لأنّه سمّ(2).

و هو خطأ؛ لأنّه لم يبع كذلك، و إذا جاز قليله، جاز بيع جنسه؛ لأنّ فيه منفعةً بالجملة.

مسألة 446: يجوز السَّلَم في الحيتان مع إمكان ضبطها -

و به قال الشافعي(3) لأنّها نوع من الحيوان، و قد بيّنّا جواز السلف في أنواعه.

و لا يجوز السلف في شيء من لحوم الطير؛ لأنّا بيّنّا بطلان السَّلَم في اللحوم مطلقاً.

و قال الشافعي: يجوز، بناءً على مذهبه من جواز السَّلَم في مطلق اللحم، و يصفه بذكر النوع و الصغر و الكبر و السمن و الهزال و الجيّد و الردي. و إن كان كبيراً، ذكر موضع اللحم منه، و لا يأخذ في الوزن الرأس و الساق و الرِّجْل؛ لأنّه لا لحم عليها(4).3.

ص: 290


1- انظر: التهذيب للبغوي 581:3، و العزيز شرح الوجيز 29:4، و روضة الطالبين 20:3، و المجموع 256:9.
2- انظر: التهذيب للبغوي 581:3، و العزيز شرح الوجيز 29:4، و روضة الطالبين 20:3، و المجموع 256:9.
3- الأُم 111:3.
4- العزيز شرح الوجيز 416:4 و 417، روضة الطالبين 262:3 و 263.

و كلّ هذا عندنا باطل.

مسألة 447: يجوز السلف في اللبن و السمن و الزُّبْد و اللبَأ و الأقط؛

لإمكان ضبطها بالوصف، و ينصرف مطلق اللبن إلى الحلو.

و لو أسلم في اللبن الحامض، قال بعض الشافعيّة: لا يجوز؛ لأنّ الحموضة عيب فيه(1).

و الأولى عندي: الجواز؛ فإنّ العيوبة(2) لا تخرجه عن الماليّة و التقويم.

و لو أسلم في لبن يومين أو ثلاثة، جاز إذا بقي حلواً في تلك المدّة.

و لو تغيّر إلى الحموضة، لم يبرأ؛ لأنّها عيب، إلّا أن يكون حصولها ضروريّاً في تلك المدّة.

و يجوز السَّلَم فيه كيلاً و وزناً، و لا يكال حتى تسكن الرغوة، و يجوز وزنه قبل سكونها.

و يجوز في السمن كيلاً و وزناً، لكن إن كان جامداً يتجافى في المكيال، تعيّن الوزن.

و ليس في الزُّبْد إلّا الوزن، قاله الشافعي(3).

و لو قيل بجواز كيله، أمكن.

و أمّا اللِّبَأ المجفّف: فهو موزون عند الشافعي، و قبل تجفيفه كاللبن(4).

و هل يجوز السلف في المخيض ؟ مَنَع منه الشافعي إن كان فيه ماء(5).

و الأولى عندي: الجواز مطلقاً.3.

ص: 291


1- العزيز شرح الوجيز 419:4، روضة الطالبين 265:3.
2- كذا، و لعلّ الأولى: «الحموضة» بدل «العيوبة».
3- العزيز شرح الوجيز 419:4، روضة الطالبين 265:3.
4- العزيز شرح الوجيز 419:4، روضة الطالبين 265:3.
5- العزيز شرح الوجيز 419:4، روضة الطالبين 265:3.

و لو مخض اللبن من غير ماء، جاز السلف فيه، و يصحّ وصفه بالحموضة، و به قال الشافعي(1).

مسألة 448: يجوز السلف في الأثمان:

الدراهم و الدنانير إذا كان الثمن غير النقدين و به قال الشافعي و مالك(2) لأنّه يثبت في الذمّة صداقاً فيثبت سَلَماً كغيره. و لأنّه يمكن ضبطه بالوصف، و هو أقرب إلى الضبط من غيره، فكان الجواز فيه أولى.

و قال أبو حنيفة: لا يجوز السَّلَم فيها؛ لأنّها لا تثبت في الذمّة إلّا ثمناً فلا تكون مثمنةً(3).

و هو ممنوع؛ فإنّه يجوز بيع الذهب بمثله و بالفضّة، و الفضّة بمثلها و بالذهب، و لا [بدّ أن(4)] يكون كلّ واحد منهما مثمناً [و(5)] ثمناً كذا هنا.

و إنّما لم يجز بالنقدين؛ لأنّه يكون صرفاً، و من شرطه التقابضُ في المجلس. و لو فرض امتداده حتى يخرج الأجل، فالأولى المنع أيضاً.

و لو كان السَّلَم حالّا و قلنا به، جاز إذا تقابضا في المجلس، و هو قول بعض(6) الشافعيّة.

و قال بعضهم(7): على تقدير جواز الحالّ لا يجوز هنا؛ لأنّ لفظ السَّلَم يقتضي تقديم أحد العوضين و استحقاق قبضه دون الآخر، و الصرف3.

ص: 292


1- العزيز شرح الوجيز 419:4، روضة الطالبين 265:3.
2- الاُم 98:3، المهذّب للشيرازي 304:1، التهذيب للبغوي 576:3، حلية العلماء 363:4، العزيز شرح الوجيز 421:4، روضة الطالبين 268:3، المعونة 968:2، المغني و الشرح الكبير 367:4.
3- تحفة الفقهاء 11:2، الهداية للمرغيناني 71:3، النتف 457:1، المغني 366:4، الشرح الكبير 367:4، حلية العلماء 363:4، العزيز شرح الوجيز 421:4-422.
4- ما بين المعقوفين أضفناه لأجل السياق.
5- ما بين المعقوفين أضفناه لأجل السياق.
6- حلية العلماء 363:4، روضة الطالبين 268:3.
7- حلية العلماء 363:4، روضة الطالبين 268:3.

يقتضي تسليم العوضين جميعاً، فلم ينعقد الصرف بلفظ السَّلَم.

و المقدّمتان ممنوعتان.

مسألة 449: يجوز السلف في جميع الثمار و الفواكه؛

لإمكان ضبطها بالوصف.

و قد روى ابن بكير عن الصادق (عليه السّلام) قال: «لا بأس بالسَّلَم في الفاكهة»(1).

و سأل عبدُ اللّه بن بكير الصادقَ (عليه السّلام) عن رجل أسلف في شيء يسلف الناس فيه من الثمار فذهب زمانها فلم يستوف سلفه، قال: «فليأخذ رأس ماله أو لينظره»(2).

و كذا يجوز السلف في أصناف الطعام من الحنطة و الشعير و الدخن و الذرّة، و أصنافِ الحبوب من العدس و السمسم و الماش و اللوبيا، و غير ذلك من جميع الأشياء التي يمكن ضبط أوصافها، و عموم وجودها في المحلّ، و لا نعلم فيه خلافاً؛ للأصل.

و لما رواه محمّد الحلبي في الصحيح أنّه سأل الصادقَ (عليه السّلام) عن السَّلَم في الطعام بكيل معلوم إلى أجل معلوم، قال: «لا بأس به»(3).

و كذا يجوز السلف في العسل و السُّكّر و السيلان و الدبس و إن خالطته النار، خلافاً للشافعي فيما خالطته النار(4).3.

ص: 293


1- التهذيب 44:7، 187.
2- الفقيه 165:3، 728، التهذيب 31:7، 131، الاستبصار 74:3، 247.
3- الكافي 185:5، 2، التهذيب 28:7، 121.
4- التهذيب للبغوي 578:3 و 579، العزيز شرح الوجيز 417:4 و 418، و انظر: روضة الطالبين 263:3.

مسألة 450: يجوز السلف(1) في الوبر و الصوف و القطن و الإبريسم و الغزل

المصبوغ و غير المصبوغ و الثياب و الحطب و الخشب و الحديد و الصفر و الرصاص و القير و النفط و البزر و الشيرج و الخضر و الفواكه و ما تنبته الأرض و البيض و الجوز و اللوز و الشحم و الطيب و الملبوس و الأشربة و الأدوية و الصفر و الحديد و الرصاص(2) و النحاس و الزئبق و الكحل و الزيت، و بالجملة سائر أصناف الأموال إذا جمعت الشرائط.

قال الصادق (عليه السّلام): «لا بأس بالسَّلَم في المتاع إذا وصفت الطول و العرض»(3).

و سأله سماعة عن السَّلَم و هو السلف في الحرير و المتاع الذي يصنع في البلد الذي أنت فيه، قال: «نعم، إذا كان إلى أجل معلوم»(4).

و سأل الحلبي الصادقَ(5) (عليه السّلام) عن الزعفران يسلم فيه الرجل دراهم في عشرين مثقالاً أو أقلّ من ذلك أو أكثر، قال: «لا بأس إن لم يقدر الذي عليه الزعفران أن يعطيه جميع ما له أن يأخذ نصف حقّه أو ثلثه أو ثلثيه و يأخذ رأس مال ما بقي من حقّه»(6).

و هذا الخبر كما دلّ على المطلوب فقد دلّ على مطلوبٍ آخر، و هو: أنّ الزعفران يجوز السَّلَم فيه مع كثرته، مع أنّ الكثير منه قاتل.4.

ص: 294


1- في «س»: «السَّلَم» بدل «السلف».
2- قوله: «و الصفر.. الرصاص» قد تكرّر هنا ذكرها في «س» و الطبعة الحجريّة. و لم يرد ذكرها و كذا النحاس و الزئبق في «ي».
3- الكافي 199:5 (باب السلف في المتاع) الحديث 1، التهذيب 27:7، 113.
4- التهذيب 4241:7، 176.
5- في المصادر: عن الحلبي، قال: سُئل الصادق (عليه السّلام).
6- الكافي 186:5، 10، الفقيه 166:3، 735، التهذيب 29:7، 124.

و روى سليمان بن خالد عن الصادق (عليه السّلام) قال: «و الأكسية أيضاً مثل الحنطة و الشعير و الزعفران و الغنم»(1) يعني بذلك جواز السلف فيها.

و يجوز السلف في أنواع العطر، العامّة الوجود، كالمسك و العنبر و الكافور، و كذا جميع بسائط العطر، كالعود و الزعفران و الورس. و كذا يجوز السَّلَم في مركّبات العطر، كالغالية(2) و الندّ(3) و العود المطرّى(4) إذا عرف مقدار بسائطه.

و مَنَع الشافعي من المركّب مطلقاً؛ لأنّ كلّ بسيط منه مقصود و لا يُعرف قدره، و يكون سَلَماً في المجهول(5).

و نمنع الجهالة؛ إذ التقدير المعرفة.

و يجوز السَّلَم في الزجاج مع ضبطه بالوصف، و الطين و الجصّ و النورة و حجارة الأرحية و الأبنية و الأواني مع الوصف.

و كذا يجوز في البِرام المعمولة، و الكيزان و الحباب و الطسوس و السرج و المنائر و القماقم و الطناجير مع ضبط هذه كلّها بالوصف، خلافاً للشافعي؛ فإنّه مَنَع؛ لندرة اجتماع الوزن في الصفات المشروطة(6). و هو ممنوع.3.

ص: 295


1- التهذيب 32:7، 132، الإستبصار 74:3، 248.
2- الغالية: نوع من الطيب مركّب من مسك و عنبر و عود و دهن. لسان العرب 134:15 «غلا».
3- الندّ: ضرب من الطيب يدخّن به. لسان العرب 421:3 «ندد».
4- طرىّ الطيب: فتقه بأخلاطٍ و خلَّصه. لسان العرب 6:15 «طرا».
5- التهذيب للبغوي 581:3، العزيز شرح الوجيز 408:4، روضة الطالبين 257:3.
6- العزيز شرح الوجيز 422:4، روضة الطالبين 268:3.

و كذا يجوز السَّلَم في الكاغذ عدداً مع ضبطه بالوصف. و كذا يجوز في العلس و الأرز، خلافاً للشافعي حيث مَنَع؛ لاستتارهما(1). و ينتقض بمثل الجوز.

و يجوز في الدقيق، خلافاً لبعض الشافعيّة(2).

و لا يجوز السَّلَم على المنافع، كتعليم القرآن و غيره خلافاً للشافعي(3) لأنّ مثل ذلك لا يُعدّ بيعاً.

مسألة 451: يجوز السَّلَم في عيدان النبل

قبل نحتها مع إمكان ضبطها بالوصف - و به قال الشافعي(4) و يسلم فيه وزناً. و إن أمكن أن يقدّر عرضها و طولها بما يجوز التقدير به في السَّلَم، جاز عدداً.

و أمّا النبل بعد عمله فلا يجوز السلف فيه؛ لأنّه يجمع أخلاطاً غير مقصودة(5) ؛ لأنّ فيه خشباً و عصباً و ريشاً، و به قال الشافعي، قال: و لأنّ فيه ريش النسر. و هو نجس عنده(6).

و أمّا إذا كان منحوتاً حسب، فالأقرب: المنع و به قال الشافعي(7) لعدم القدرة على معرفة ثخانتها، و يتفاضل في الثخن و يتباين فيه.

و في موضعٍ آخر قال: يجوز السَّلَم في النشاب الذي لا ريش عليه إذا أمكن أن يوصف(8).ر.

ص: 296


1- العزيز شرح الوجيز 422:4، روضة الطالبين 268:3.
2- العزيز شرح الوجيز 422:4، روضة الطالبين 268:3.
3- العزيز شرح الوجيز 421:4، روضة الطالبين 267:3.
4- العزيز شرح الوجيز 409:4، روضة الطالبين 257:3.
5- في «س، ي»: «لأنّه يجمع أخلاطاً مقصودة».
6- العزيز شرح الوجيز 408:4، روضة الطالبين 257:3، المغني 340:4، الشرح الكبير 343:4.
7- انظر: العزيز شرح الوجيز 408:4، و روضة الطالبين 257:3.
8- لم نعثر عليه فيما بين أيدينا من المصادر.

و مَنَع بعضهم من إمكان وصفه؛ لأنّ أطرافه خفيفة و وسطه ثخين، و لا يمكن ضبط ذلك(1).

و أمّا القسيّ فلا يجوز السَّلَم فيها؛ لاشتمالها على الخشب و العظم و العصب، و كلّ واحد منها مجهول لا يُعلم قدره و لا يمكن ضبطه، فإن فرض إمكانه، جاز.

مسألة 452: لا يجوز السلف(2) في المشويّ و المطبوخ -

و به قال الشافعي(3) لأنّه لا يُعلم قدر تأثير النار فيه عادة، و تختلف الأغراض باختلاف تأثير النار فيه، و يتعذّر الضبط في السَّلَم فيه، فأشبه الخبز.

و للشافعيّة في الخبز وجهان(4).

و لو أمكن ضبط تأثير النار كالسمن و الدبس و السُّكّر حيث إنّ لتأثير النار فيها نهايةً مضبوطة، جاز.

و أمّا الماء وَرْد: فالأقرب: جواز السَّلَم فيه.

و للشافعيّة فيه خلاف؛ لاختلاف تأثير النار فيما يتصعَّد و يقطّر(5).

و لا عبرة بتأثير الشمس، بل يجوز السَّلَم في العسل المصفّى بالشمس عند الشافعيّة(6).3.

ص: 297


1- انظر: العزيز شرح الوجيز 409408:4.
2- في «س»: «السَّلَم».
3- التهذيب للبغوي 579:3، الوجيز 157:1، العزيز شرح الوجيز 117:4، روضة الطالبين 263:3.
4- العزيز شرح الوجيز 409:4 و 417، روضة الطالبين 257:3 و 263.
5- العزيز شرح الوجيز 418:4، روضة الطالبين 263:3.
6- التهذيب للبغوي 578:3، العزيز شرح الوجيز 418:4، روضة الطالبين 264:3.

و في العسل المصفّى بالنار عندهم وجهان، و كذا الدبس: أحدهما: المنع؛ لاختلاف تأثير النار فيه. و لأنّ النار تعيبه و تسرع الفساد إليه. و الثاني: الجواز(1) ، كما اخترناه نحن.

الباب الثاني: في ذكر أوصاف هذه الأجناس.

مسألة 453: يجب أن يذكر في مطلق الحيوان أربعة أوصاف:

النوع، و اللون، و الذكورة و الأُنوثة، و السنّ؛ لاختلاف الأغراض باختلاف هذه الصفات، و اختلاف القِيَم بها.

فإن كان رقيقاً، ذكر نوعَه، كالتركي و الرومي و الزنجي، و لونَه إن كان النوع يختلف لونه، كالأبيض و الأصفر و الأسود. و هل يجب التعرّض لصنف النوع إن كان فيه اختلاف ؟ الأولى الوجوب كالنوبي من الزنج.

و للشافعي قولان(2).

و يصف البياض بالسمرة أو الشقرة، و السواد بالصفاء أو الكدورة.

هذا إذا اختلف لون الصنف المذكور، فإن لم يقع فيه اختلاف، أغنى ذكره عن اللون.

و يذكر الذكورة أو الأُنوثة؛ لاختلاف الرغبات فيهما.

و يذكر السنّ، فيقول: محتلم، أو ابن ستّ أو سبع.

و يبنى الأمر فيه على التقريب حتى لو شرط كونه ابن سبع مثلاً بلا زيادة و لا نقصان، لم يجز؛ لندور الظفر به.

ص: 298


1- التهذيب للبغوي 579:3، العزيز شرح الوجيز 418:4، روضة الطالبين 263:3.
2- العزيز شرح الوجيز 413:4، روضة الطالبين 259:3.

و الرجوع في الاحتلام إلى قول العبد. و في السنّ إليه إن كان بالغاً. و إن كان صغيراً فإلى قول سيّده إذا احتمل صدقه، و إن لم يعرف سيّده، رجع إلى أهل الخبرة، و عمل على ما يغلب عليه ظنونهم من سنّه.

و يزيد في الرقيق وصفين آخرين:

أحدهما: القدّ، فيذكر أنّه طويل أو قصير أو رَبْع(1) ؛ لأنّ القيمة تختلف بذلك و تتفاوت تفاوتاً عظيماً.

و لو قال: خماسي يعني خمسة أشبار أو سداسي يعني ستّة أشبار جاز.

و قال بعض الشافعيّة: المراد بالخماسي ابن خمس سنين، و بالسداسي ابن ست(2).

و قال المسعودي: الخماسي و السداسي صنفان من عبيد النُّوبة معروفان عندهم(3).

و قال بعض الشافعيّة: لا يعتبر ذكر القدّ عند العراقيّين(4).

و كتبهم مملوءة من اعتباره.

الثاني: اشتراط الجودة أو الرداءة، و هو غير مختصّ بالرقيق و لا بالحيوان، و سيأتي إن شاء اللّه تعالى.

مسألة 454: لا يشترط وصف كلّ عضو على حياله

(5) بأوصافه المقصودة و إن تفاوت به الغرض و القيمة؛ لإفضائه إلى عزّة الوجود، لكنه.

ص: 299


1- الرَّبْع: ما بين الطويل و القصير. لسان العرب 107:8 «ربع».
2- العزيز شرح الوجيز 414:4.
3- العزيز شرح الوجيز 414:4.
4- الوسيط 439:3، العزيز شرح الوجيز 413:4، روضة الطالبين 260:3.
5- في «س، ي» و الطبعة الحجريّة: «حاله». و الصحيح ما أثبتناه.

في التعرّض للأوصاف التي يعتني بها أهل البصر، و يرغب فيها في الرقيق - كالكَحَل(1) و الدَّعَج(2) و تَكَلْثم(3) الوجه و سمن الجارية إشكال ينشأ من تسامح الناس بإهمالها، و يعدّون ذكرها استقصاءً، و من أنّها مقصودة لا يورث ذكرها العزّة.

و للشافعيّة وجهان، أظهرهما: عدم الوجوب(4).

و شرط بعض الشافعيّة الملاحة؛ لأنّها من جملة المعاني؛ إذ المرجع إلى ما يميل إليه طبع كلّ أحد(5).

و الأظهر: عدم اعتبارها.

و كذا لا يجب التعرّض لجعودة الشعر و سبوطته.

مسألة 455: لا يشترط في الجارية ذكر الثيوبة و البكارة

إلّا مع اختلاف القيمة باختلافهما اختلافاً بيّناً.

و للشافعيّة قولان.

أحدهما: عدم الوجوب.

و الثاني: الوجوب بناءً على اختلاف القيمة هل يتحقّق بهما أو لا؟(6).

و لو شرط كون العبد يهوديّاً أو نصرانيّاً، جاز، كشرط الصنعة.

فإن دفع إليه مسلماً، احتمل وجوب القبول؛ لأنّه أجود و يجب قبول الأجود. و العدم؛ لأنّه قد يرغب إلى الكافر؛ لاتّساع العاملين فيه.3.

ص: 300


1- الكَحَل في العين: أن يعلو منابت الأجفان الأشفار سواد مثل الكُحْل من غير كُحْل. لسان العرب 584:11 «كحل».
2- الدعج: شدّة سواد العين مع سعتها. لسان العرب 271:2 «دعج».
3- الكَلْثمة: اجتماع لحم الوجه. لسان العرب 525:12 «كلثم».
4- العزيز شرح الوجيز 414:4، روضة الطالبين 260:3.
5- العزيز شرح الوجيز 414:4، روضة الطالبين 260:3.
6- العزيز شرح الوجيز 414:4، روضة الطالبين 260:3.

و لو شرط كونه ذا زوجة أو كون الجارية ذات زوج، جاز إذا لم يندر وجوده، و هو قول بعض الشافعيّة(1).

و لو شرط كونه سارقاً أو زانياً، جاز قاله بعض الشافعيّة(2).

و لا بأس به، لكنّ الأقرب أنّه لو أتاه بالسليم، وجب القبول.

و لو شرط كون الجارية مغنّيةً أو عوّادة(3) ، لم يجز؛ لأنّها صناعة محظورة، و السرقة و الزنا أُمور تحدث، كالعور و قطع اليد(4).

و في الفرق إشكال.

مسألة 456: لو أسلم جارية صغيرة في كبيرة، جاز -

و هو قول بعض الشافعيّة(5) لأنّه حيوان يجوز السَّلَم فيه، فجاز إسلاف بعضه في بعض، كالإبل.

و قال أبو إسحاق من الشافعيّة: لا يجوز؛ لأنّها قد تكبر في المحلّ و هي بالصفة المشترطة، فيسلّمها بعد أن يطأها، فتكون في معنى استقراض الجواري(6).

و هو غلط؛ لأنّ الشيئين إذا اتّفقا في إفادة معنىً ما، لم يلزم اتّحادهما، على أنّا نمنع حكم الأصل؛ فإنّ استقراض الجواري جائز عندنا على ما يأتي، و إذا اشترى جارية و وطئها ثمّ وجد بها عيباً، ردّها، و لا يجري مجرى الاستقراض. و لأنّه يجوز إسلاف صغار الإبل في كبارها،3.

ص: 301


1- العزيز شرح الوجيز 414:4، روضة الطالبين 261260:3.
2- العزيز شرح الوجيز 415414:4، روضة الطالبين 261:3.
3- في العزيز شرح الوجيز 415:4، و روضة الطالبين 261:3: «قوّادة». و العوّادة: التي تضرب بالعود الذي هو آلة من المعازف. القاموس المحيط 319:1 «عود».
4- العزيز شرح الوجيز 415:4، روضة الطالبين 261:3.
5- حلية العلماء 367:4، العزيز شرح الوجيز 415:4، روضة الطالبين 261:3.
6- حلية العلماء 367:4، العزيز شرح الوجيز 415:4، روضة الطالبين 261:3.

فجاز في الرقيق.

إذا تقرّر هذا، فلو جاء بالجارية الصغيرة و قد كبرت على الصفات المشترطة، وجب على المشتري القبول؛ لأنّ المثمن موصوف و هي بصفته. و لأنّه قد جاء بما عليه على الوجه الذي عليه، فيجب عليه قبوله، كغيره من الأسلاف، و هو أحد قولي الشافعيّة(1).

و الثاني: لا يجوز، و إلّا لزم اتّحاد الثمن و المثمن(2).

و استحالته هنا ممنوعة، و لم يتّحد في أصل العقد، و المحال إنّما هو ذلك، و على هذا لا فرق بين أن تكون الجارية صغيرةً أو كبيرةً في كبيرة بصفتها، و إذا وطئها، فلا مبالاة بالوطي، كوطي الثيّب و ردّها بالعيب.

مسألة 457: و يجب في الإبل ما يجب [ذكره] في مطلق الحيوان

من النوع و الذكورة و الأُنوثة و اللون، كالأحمر و الأسود و الأزرق، و السنّ، كابن مخاض أو بنت لبون أو غير ذلك، و يزيد: من نتاج بني فلان و نَعَمهم إذا كثر عددهم و عرف بهم نتاج، كطي و بني قيس.

و لو نسب إلى طائفة قليلة، لم يجز، كما لو نسب الثمرة إلى بستانٍ بعينه.

و لو اختلف نتاج بني فلان و كان فيها أرحبيّة(3) و مُجَيْديّة(4) ، فلا بدّة.

ص: 302


1- حلية العلماء 367:4، العزيز شرح الوجيز 415:4، روضة الطالبين 261:3.
2- حلية العلماء 367:4، العزيز شرح الوجيز 415:4، روضة الطالبين 261:3.
3- أرحب: حيّ أو موضع ينسب إليه النجائب الأرحبيّة. لسان العرب 416:1 «حرب».
4- في «س، ي» و الطبعة الحجريّة: محدثة. و الصحيح ما أثبتناه. قال الفيّومي في المصباح المنير: 564: الإبل المُجَيْديّة على لفظ التصغير. و نقل عن الأزهري أنّها من إبل اليمن كالأرحبيّة.

من التعيين و هو أظهر قولي الشافعيّة(1) لأنّ الأنواع مقصودة، فوجب ذكرها. و الآخر: لا يجب؛ لأنّ الإنتاج إذا كان واحداً، تقارب و لم يختلف(2).

مسألة 458: و يجب في الخيل ما يجب ذكره في مطلق الحيوان

من الأُمور الأربعة و ما يجب في الإبل، فإنّ لها نتاجاً كنتاج الإبل، و لا يجب ذكر الشيات(3) ، كالأغرّ و المحجَّل، فإن ذكرها، وجب له ذلك. و لو أهمل، جاز و حمل قوله: «أشقر» أو «أدهم» على البهيم؛ لأنّ قوله: «أسود» أو «أشقر» يقتضي كون اللون كلّه ذلك؛ لأنّه الحقيقة.

مسألة 459: البغال و الحمير لا نتاج لها، فلا يبيّن نوعهما

بالإضافة إلى قوم، بل يصفهما و ينسبهما إلى بلادهما، و يصفهما بكلّ وصف تختلف به الأثمان.

و أمّا الغنم فإن عرف لها نتاج، فهي كالإبل. و إن لم يعرف لها نتاج، نسبت إلى بلادها. و كذا البقر.

و لو أسلم في شاة حامل أو معها ولدها أو بقرة كذلك، جاز، خلافاً للشافعي(4).

و لو أسلم في شاة لبون، صحّ؛ لأنّه وصف مميّز، فجاز كغيره.

و للشافعي قولان، هذا أحدهما، و يكون ذلك شرطاً يتميّز به، و لا يكون سَلَماً في لبن. و الثاني: لا يجوز؛ لأنّه بمنزلة السلف في حيوان معه لبن مجهول، فلا يجوز(5). و هو ممنوع.3.

ص: 303


1- العزيز شرح الوجيز 415:4، روضة الطالبين 261:3.
2- العزيز شرح الوجيز 415:4، روضة الطالبين 261:3.
3- الشية: كلّ لون يخالف معظم لون الفرس و غيره. و الجمع: شياة. الصحاح 2524:6 «وشى».
4- التهذيب للبغوي 577:3، العزيز شرح الوجيز 411:4، روضة الطالبين 259:3.
5- المهذّب للشيرازي 305:1، حلية العلماء 368367:4، العزيز شرح الوجيز 412:4، روضة الطالبين 259:3.

إذا ثبت هذا، فإنّه لا يلزمه تسليم اللبن، بل له أن يحلبها و يسلّمها، فإنّ الواجب ما من شأنه ذلك.

مسألة 460: هل يجوز السَّلَم في الطيور؟ الأقرب: ذلك

إن أمكن ضبطها بالوصف كالنَّعَم و غيرها.

و للشافعيّة فيه قولان، أحدهما: الجواز كالنَّعَم. و الثاني: المنع؛ لأنّه لا يمكن ضبط سنّها، و لا يعرف قدرها بالذرع(1).

و يمنع اشتراطهما فيها.

و على ما قلناه من الجواز يذكر النوع، و يصفه بالصغر و الكبر من حيث الجثّة، و لا يكاد يعرف سنّها، فإن عرف، ذكره.

و يجوز السَّلَم في السمك و الجراد حيّاً و ميّتاً عند عموم الوجود، و يوصف كلّ جنس من الحيوان بما يليق به.

مسألة 461: و يصف اللبن بما يميّزه عن غيره

من ذكر النوع أوّلاً و من اللون، و نوع العلف، كالعوادي و هي التي ترعى ما حلاً من النبات و الأوارك(2) ، و هي التي تقمّ في الحمض، و هو كلّ نبات فيه ملوحة، فتسمّى حمضيّة، و تختلف ألبانها بذلك، فلا بدّ من التعرّض له، و يذكر معلوفة أو راعية؛ لاختلاف اللبن بهما. و الإطلاق يقتضي الحلاوة و الطراوة، فلا يحتاج أن يقول: حليب يومه، أو حلواً.

و أمّا السمن فيجب أن يذكر جنس حيوانه، فيقول: سمن بقر أو ضأن».

ص: 304


1- المهذّب للشيرازي 305:1، التهذيب للبغوي 576:3، العزيز شرح الوجيز 416:4، روضة الطالبين 262:3.
2- في «س» و الطبعة الحجريّة: «و الأوراك». و في «ي»: «و الإدراك». و الكلّ غلط، و الصحيح ما أثبتناه. و الإبل الأوارك: التي اعتادت أكل الأراك. و هو شجر من الحمض. لسان العرب 389:10 «أرك».

أو معز، و بمكّة: سمن ضأن نجديّة، و سمن ضأن تهاميّة، و يتباينان في الطعم و اللون و الثمن، فيجب ذكره أبيض أو أصفر، و أنّه حديث أو عتيق. و إطلاقه يقتضي الحديث؛ لأنّ العتيق معيب.

و قيل(1): إن كان متغيّراً، و إلّا فلا، إنّما يصلح للجراح.

و يذكر الجيّد و الردي و القدر وزناً.

و أمّا الزُّبْد فيذكر فيه ما ذكر في السمن، و أنّه زُبْد يومه أو أمسه؛ لأنّه يختلف بذلك. و لا يجوز أن يعطيه زُبْداً أُعيد في السقا و طرّي، فإن أعطاه ما فيه رقّة، فإن كان لحَرّ الزمان، قبل. و إن كان لعيب، لم يقبل.

و أمّا الجبن فيصفه بما تقدّم و يقول: رطب، أو يابس، حديث، أو عتيق. و يذكر بلده؛ لاختلافه باختلاف البلدان.

و أمّا اللبَأ فيوصف بما يوصف به اللبن إلّا أنّه يوزن. و يجوز السَّلَم فيه قبل الطبخ إذا كان حليباً. و يذكر لونه؛ لأنّه يختلف.

و أمّا إذا طُبخ بالنار، فعندنا يجوز السَّلَم فيه مع إمكان ضبطه، خلافاً لبعض الشافعيّة(2).

و قال بعضهم: يجوز؛ لأنّ النار التي تكون فيه لينة لا تعقد أجزاءه(3).

و الأوّل أشهر عندهم(4) ؛ لأنّ النار تختلف فيه و يختلف باختلافها.

مسألة 462: يجب أن يذكر في الثياب الجنس

من قطن أو كتّان، و البلد الذي ينسج فيه، كبغداديّ أو رازيّ أو مصريّ إن اختلف به الغرض،4.

ص: 305


1- القائل هو القاضي أبو الطيّب، كما في العزيز شرح الوجيز 419:4، و روضة الطالبين 265:3، و انظر حلية العلماء 370:4.
2- المهذّب للشيرازي 304:1، التهذيب للبغوي 579:3، حلية العلماء 370:4.
3- المهذّب للشيرازي 304:1، التهذيب للبغوي 579:3، حلية العلماء 370:4.
4- انظر: حلية العلماء 370:4.

و الطول و العرض، و الصفاقة و الرقّة، و الغِلَظ و الدقّة، و النعومة أو الخشونة، و الجودة و الرداءة. و قد يغني(1) ذكر النوع عن البلد و الجنس إن دلّ عليهما، و لا يذكر مع هذه الأوصاف الوزنَ، فإن ذكره، جاز، و هو قول بعض الشافعيّة(2).

و قال بعضهم: لا يجوز؛ لأنّ اشتراط الوزن مع هذه الأوصاف يوجب العزّة؛ لبُعْد اتّفاقه(3).

و هو ممنوع؛ فإنّه يجوز في الأواني.

و إن ذكر الخام أو المقصور، جاز. و إن أطلق، أعطاه ما شاء؛ لتناول الاسم له، و الاختلاف به يسير، و به قال الشافعي(4).

و إن ذكر جديداً مغسولاً، جاز. و إن ذكر لبيساً مغسولاً، لم يجز؛ لاختلاف اللُّبْس، فلا ينضبط.

و لو شرط أن يكون الثوب مصبوغاً، جاز مع تعيين اللون مطلقاً عندنا.

و قال الشافعي: إن كان يصبغ غزله، جاز؛ لأنّ ذلك من جملة صفات الثوب. و إن صبغ بعد نسجه، لم يجز؛ لأنّه يصير في معنى السَّلَم في الثوب و الصبغ المجهول. و لأنّ صبغ الثوب يمنع من الوقوف على نعومته و خشونته(5).3.

ص: 306


1- في «س، ي» و الطبعة الحجريّة: «مضى» بدل «يغني». و ذلك تصحيف. و الصحيح ما أثبتناه.
2- المهذّب للشيرازي 306:1، حلية العلماء 366:4.
3- المهذّب للشيرازي 306:1، التهذيب للبغوي 575:3، حلية العلماء 366:4، العزيز شرح الوجيز 405:4، روضة الطالبين 255:3.
4- العزيز شرح الوجيز 420:4، روضة الطالبين 266:3.
5- المهذّب للشيرازي 305:1، التهذيب للبغوي 579:3، حلية العلماء 368:4، العزيز شرح الوجيز 420:4، روضة الطالبين 266:3.

و الوجهان باطلان؛ لأنّ السَّلَم في المجموع لا يستلزم انعقاده بالتفصيل في الأجزاء، و لو كان السَّلَم في مجموع الثوب و الصبغ، لكان كذلك و إن كان الصبغ في الغزل، و أيّ فرق بينهما؟ و النعومة و الخشونة تُدركان مع الصبغ و عدمه؛ إذ ذلك ليس جوهراً قائماً في المصبوغ مانعاً من إدراكه، و لو جاز ذلك، لما صحّ السلف في الغزل المصبوغ و لا في الغزل المنسوج.

و الأقرب: جواز السلف في الثياب المخيطة، كالقميص و السروال إذا ضبط بالطول و العرض و السعة.

مسألة 463: و يصف الكرسف و هو القطن بنسبة(1) البلد،

كالبصريّ و الموصليّ، و اللون، كالأبيض و الأسمر، و النعومة و الخشونة، و الجيّد و الردي، و كثرة لحمه و قلّته، و طول العطب(2) و قصرها، و كونه عتيقاً أو حديثاً إن اختلف الغرض به. و يصف القدر بالوزن، فإن شرط منزوع الحَبّ، جاز. و إن أطلق، كان له بحَبّه؛ لأنّ الحَبّ فيه بمنزلة النوى في التمر. و المطلق يحمل على الجافّ.

و يجوز السَّلَم في الحليج و في حبّ القطن، و لا يجوز في القطن في الجوزق(3) قبل التشقّق؛ لعدم معرفته. و يجوز بعده.

و للشافعيّة قولان، هذا أحدهما، و أظهرهما عندهم: العدم؛ لاستتار المقصود بمالا مصلحة فيه(4).3.

ص: 307


1- في «س، ي» و الطبعة الحجريّة: «نسبة».
2- العطب: القطن. لسان العرب 610:1 «عطب».
3- في «س، ي» و الطبعة الحجريّة: «الجوز». و لم نعثر في اللغة على كلمة «الجوز» بهذا المعنى، و الصحيح ما أثبتناه.
4- العزيز شرح الوجيز 420:4، روضة الطالبين 266:3.

و يجوز السَّلَم في الغزل، و يصفه بما ذكرناه إلّا الطول و القصر، و يزيد فيه: دقيقاً أو غليظاً. و يجوز السَّلَم في غزل(1) الكتّان، و يجوز شرط كون الغزل مصبوغاً، و به قال الشافعي و إن منع في الثوب(2).

مسألة 464: يذكر في الإبريسم البلد،

فيقول: خوارزميّ، أو بغداديّ. و يصف لونه، فيقول: أبيض أو أصفر. و يذكر الجودة أو الرداءة، و الدقّة أو الغِلَظ. و لا يحتاج إلى ذكر النعومة أو الخشونة؛ لأنّه لا يكون إلّا ناعماً.

و هل يجوز السلف في القزّ و فيه دودة ؟ الأقرب عندي: ذلك، و يكون الدود جارياً مجرى النوى في التمر.

و قال الشافعي: لا يجوز؛ لأنّه إن كان حيّاً، لم يكن فيه مصلحة في كونه فيه، فإنّه يقرضه و يفسده. و إن كان ميّتاً، فلا يجوز بيعه، و القزّ دونه مجهول. و إن كان قد خرج منه الدود، جاز السَّلَم فيه(3).

مسألة 465: يجب أن يذكر في الصوف سبعة أوصاف:

البلد، كالحلوانيّ و الحلبيّ أو غير ذلك. و اللون، كالأبيض و الأسود و الأحمر، و طويل الطاقات أو قصيرها، و صوف الذكورة أو الإناث؛ لأنّ صوف الإناث أنعم، فيستغنى بذلك عن ذكر النعومة و الخشونة. و يذكر الزمان، فيقول: خريفيّ أو ربيعيّ؛ لأنّ الصوف الخريفيّ أنظف؛ لأنّه عقيب الصيف. و يذكر الجودة أو الرداءة. و يذكر مقداره وزناً، و لا يقبل إلّا نقيّاً من الشوك و البعر. و إن شرط كونه مغسولاً، جاز. فإن عابه الغسل، فالأقوى عندي: الجواز، خلافاً للشافعي(4).3.

ص: 308


1- في «س، ي» و الطبعة الحجريّة: «عود» بدل «غزل». و ما أثبتناه يقتضيه السياق.
2- العزيز شرح الوجيز 420:4، روضة الطالبين 266:3.
3- العزيز شرح الوجيز 420:4، روضة الطالبين 266:3.
4- العزيز شرح الوجيز 420419:4، روضة الطالبين 265:3.

و كذا الوبر و الشعر يجوز السلف فيهما كالصوف، و يضبط بالأوصاف و الوزن.

مسألة 466: الخشب أنواع،

منه الحطب المتّخذ للوقود، و يذكر نوعه من الطرفاء و الخلاف و الأراك و العرعر و غير ذلك؛ لاختلاف الأغراض بسببه، و يذكر الدقّة و الغِلَظ، أو الوسط، و اليبوسة أو الرطوبة(1) ، و الجودة أو الرداءة، و يذكر مقداره بالوزن، و أنّه من نفس الشجر أو أغصانه، و لا يجب التعرّض للرطوبة و الجفاف، فالمطلق يحمل على الجافّ، و يجب قبول المعوج و المستقيم؛ لأنّهما واحد.

و منه خشب البناء، فيذكر نوعه من التوت أو الساج، و الطول، و الغلظ و الدقّة، و الرطوبة أو اليبوسة، فإن كان يختلف لونه، ذكره، و يصف طوله و عرضه إن كان له عرض، أو دوره أو سمكة، و الجودة و الرداءة، فإن ذكر وزنه، جاز، و لا يحتاج إليه، خلافاً لبعض الشافعيّة(2). و إن لم يذكر سمحاً، جاز، و ليس له العُقد؛ لأنّه عيب، فإذا أسلم فيه، لزمه أن يدفعه إليه من طرفه إلى طرفه بالعرض، أو الدور أو السمك الذي شرطه، فإن كان أحد طرفيه أغلظ ممّا شرطه(3) ، فقد زاده خيراً. و إن كان أدقّ، لم يجب عليه أخذه.

و إن كان الخشب من الجذوع، وجب ذكر نوعها، فإنّ البادرايا و الإبراهيمي و الفحل و الدقل أصلب من غيرها(4).ه.

ص: 309


1- كذا، و الظاهر زيادة جملة «و اليبوسة أو الرطوبة» لأنّ المؤلّف (قدّس سرّه) سيذكر عدم وجوب التعرّض للرطوبة و الجفاف.
2- العزيز شرح الوجيز 421:4، روضة الطالبين 267:3.
3- في الطبعة الحجريّة: «شرط».
4- في «س، ي» و الطبعة الحجريّة: «غيره». و الصحيح ما أثبتناه.

و لا يجوز السَّلَم في المخروط؛ لاختلاف أعلاه و أسفله.

و منه: عيدان القسيّ و السهام. و يجب ذكر النوع من نَبْع(1) أو غيره، و الدقّة أو(2) الغِلَظ.

و قال بعضهم: يجب أن يذكر أنّها جبليّة أو سهليّة؛ لأنّ الجبليّ أصلح و أقوى لها(3).

و بعضهم أوجب فيه و في خشب البناء التعرّض للوزن(4)(5).

و يذكر قِدَم نباتها و حدوثه.

و منه ما يصلح للنصب، فيذكر نوعه، كالآبنوس، و لونه، و غِلَظه أو دقّته، و سائر ما يحتاج إلى معرفته بحيث يخرج من حدّ الجهالة.

و منه ما يطلب ليغرس، فيسلم فيه بالعدد، و يذكر النوع و الطول و الغِلَظ.

مسألة 467: أقسام الأحجار ثلاثة

(6) :

منها: ما يتّخذ للأرحية. و يجب أن يصفها بالبلد، فيقول: موصليّ أو تكريتيّ. و إن اختلف نوعه، ذكره. و كذا يذكر اللون إن اختلف. و يصف دوره و ثخانته، و جودته و رداءته. و إن ذكر وزنه، جاز، و كذا إن تركه.

و إن ذكره، شرط وزنه بالقبّان إن أمكن. و إن تعذّر، وُزن بالسفينة، فيترك فيها و ينظر إلى أيّ حدّ تغوص ثمّ يخرج و يوضع مكانه رمل و شبههة.

ص: 310


1- النَّبْعُ: شجر من أشجار الجبال تتّخذ منه القسيّ. لسان العرب 345:8 «نبع».
2- في الطبعة الحجرية: «و» بدل «أو».
3- العزيز شرح الوجيز 421:4، روضة الطالبين 267:3.
4- في «س، ي» و الطبعة الحجريّة: «للّون» بدل «للوزن». و ما أثبتناه من المصدر.
5- العزيز شرح الوجيز 421:4، روضة الطالبين 267:3.
6- أقسام الأحجار، المذكورة هنا أكثر من ثلاثة.

حتى تغوص السفينة إلى الحدّ الذي غاصت، ثمّ يخرج ذلك و يوزن فيعرف وزن الحجارة.

و منها: ما يتّخذ للبناء، فيذكر نوعها و لونها من البياض أو الخضرة، و يصف عظمها، فيقول: ما يحمل البعير منها اثنتين أو ثلاثاً أو أربعاً على سبيل التقريب؛ لتعذّر التحقيق. و يصف الوزن مع ذلك، و الجودة و الرداءة.

و يجوز السَّلَم في الأحجار الصغار التي تصلح للمنجنيق، و لا يجوز إلّا وزناً، و ينسبها إلى الصلابة، و لا يقبل المعيب.

و منها: الرخام، و يذكر نوعه، و لونه و صفاءه، و جودته أو رداءته، و طوله و عرضه إن كان له عرض، و(1) دوره إن كان مدوّراً، و ثخانته. و إن كان له خطوط مختلفة، ذكرها.

و منها: حجارة الأواني، فيذكر نوعها، كبِرام طوسيّ أو مكّيّ، و جودتها و رداءتها و جميع ما يختلف الثمن باختلافه و قدره وزناً.

و منها: البلور، و يصفه بأوصافه.

و يجوز السَّلَم(2) في الآنية المتّخذة منها، فيصف طولها و عرضها و عمقها و ثخانتها و صنعتها إن اختلفت، فإن وزن مع ذلك، كان أولى.

و منها: حجارة النورة و الجصّ، و ينسبها إلى أرضها، فإنّها تختلف بالبياض أو السمرة، و يذكر الجودة أو الرداءة.

و إن أسلف في النورة و الجصّ، يذكر كيلاً معلوماً، و لا يجوز إجمالاً. و ليس له أخذ الممطور منها و إن يبس؛ لأنّه عيب.

و منها: الآجُرّ، و يصف طوله و عرضه و ثخانته.».

ص: 311


1- في «ي» و الطبعة الحجريّة: «أو» بدل «و».
2- في «س»: «السلف» بدل «السَّلَم».

و في وجهٍ للشافعي: المنع من السلف فيه؛ لأنّ النار مسّته(1).

و يصف اللِّبْن بالطول و العرض و الثخانة.

و لو أسلف(2) في اللِّبْن و شرط طبخه، جاز. و المرجع في ذلك إلى العادة.

و قال الشافعي: لا يجوز؛ لأنّه لا يعرف قدر ما يذهب في طبخه من الحطب. و لأنّه قد يتلَهْوَج(3) و يفسد(4). و ليس بشيء.

مسألة 468: و يصف أنواع العطر بما يميّز كلّ واحد منها عن صاحبه، فيذكر لون العنبر: أبيض أو أشهب أو أخضر. و إن اختلف في البلدان، قال: عنبر بلد كذا. و يذكر الجودة أو الرداءة.

و يذكر قطعة وزنها كذا إن وجد من الإقطاع بذلك الوزن. فإن شرط قطعة، لم يجبر على أخذ قطعتين. و إن أطلق، كان له أن يعطيه صغاراً أو كباراً.

و أمّا العود فيتفاوت نوعه، فيجب ذكره، كالهنديّ و غيره. و يذكر كلّ ما يعرف به، و الجودة أو الرداءة. و كذا الكافور، و المسك، و لا يجوز السَّلَم في فأره؛ لأنّ بيعه بالوزن.

مسألة 469: و يجوز السَّلَم في اللبان

(5) و المصطكي و الصمغ العربي و صمغ الشجر(6) كلّه، فإن كان منه في شجرة واحدة كاللبان وصفه بأنّه».

ص: 312


1- العزيز شرح الوجيز 422:4، روضة الطالبين 268:3.
2- في «س»: «أسلم» بدل «أسلف».
3- أي: لم ينعم طبخه. لسان العرب 360:2 «لهج».
4- لم نعثر عليه في مظانّه.
5- اللبان: الكندر. لسان العرب 377:13 «لبن».
6- في الطبعة الحجريّة: «الشجرة».

أبيض، و أنّه غير ذكر، فإنّ منه شيئاً يعرفه أهل العلم به يقولون: إنّه ذكر إذا مضغ فسد.

و ما كان منه في شجرٍ شتّى كالغراء وصف شجره.

و يوزن فيه شيء من الشجر، و لا يوزن الشجرة إلّا محضة(1).

و الطين الأرمني و طين البحيرة و المختوم يدخلان في الأدوية. و يوصف جنسه و لونه و جودته أو رداءته، و يذكر الوزن.

و إن كانت معرفته عامّةً، جاز السلف فيه و إن خفي عن المسلمين إذا عرفه غيرهم.

و قال الشافعي: إن لم يعرفه المسلمون، لم يجز. و أقلّهم عَدْلان يشهدان على تميّز(2) الأرمني عن غيره من الطين الذي بالحجاز و شبهه(3).

مسألة 470: يصف الرصاص بالنوع،

فيقول: قلعي أو اسْرُبّ، و النعومة أو الخشونة، و الجودة أو الرداءة، و اللون إن كان يختلف، و الوزن.

و يصف الصفر بالنوع من شَبَهٍ و غيره، و اللون، و الخشونة أو النعومة، و الوزن.

و كذا يصف النحاس و الحديد، و يزيد في الحديد: الذكر أو الأُنثى، و الذكر أكثر ثمناً؛ فإنّه أحدّ و أمضى.

و أمّا الأواني المتّخذة منها فيجوز السَّلَم فيها و به قال الشافعي(4) فيسلم في طشت أو تَوْر من نحاس أحمر أو أبيض أو شَبَهٍ أو رصاص أو3.

ص: 313


1- كذا، و الظاهر أنّ العبارة هكذا: «و لا يوزن فيه شيء من الشجر، و لا توزن الصمغة إلّا محضة».
2- في الطبعة الحجريّة: «تمييز».
3- الأُمّ 117:3.
4- الاُمّ 131:3.

حديد، و يذكر سعةً معروفة، و يذكر معه الوزن.

و لو لم يذكره، قال الشافعي: يصحّ، كما يصحّ أن يبتاع ثوباً بصفة(1)(2).

و الأقرب: أنّه شرط.

و مَنَع بعض الشافعيّة السَّلَم في القماقم و السطول المقدرة(3) و المراجل؛ لاختلافها، فإنّ القمقمة بدنها واسع و عنقها ضيّق(4).

و قال آخرون منهم بجوازه؛ لإمكان وصفه، و عدم التفاحش في اختلافه(5).

و لو ابتاع أواني من شجر معروف، صحّ مع إمكان ضبطه و سعته و قدره من الكبر و الصغر و العمق، و يصفه بأيّ عمل، و بالثخانة أو الرقّة. و إن شرط وزنه، كان أولى.

مسألة 471: التمر أنواع، فيجب في السَّلَم فيه ذكر النوع،

كالبرنيّ و المعقليّ. و إن(6) اختلفت البلدان في الأنواع، وجب النسبة إليها، فيقال: برنيّ بغداد أحلى من برنيّ البصرة، و آزاد الكوفة خير من آزاد بغداد.

و يذكر اللون إن اختلف النوع، كالمكتوم و الطبرزد منه أحمر و أسود.

و يصفه بالصغر و الكبر، و الجودة و الرداءة، و الحداثة و العتق، فإن».

ص: 314


1- في «س، ي»: «يصفه».
2- الاُمّ 131:3.
3- كذا، و الظاهر: «المدوّرة» بدل «المقدرة».
4- التهذيب للبغوي 580:3، العزيز شرح الوجيز 422:4، روضة الطالبين 268:3، منهاج الطالبين: 112، و انظر: حلية العلماء 370:4.
5- حلية العلماء 369:4.
6- في «س، ي»: «فإن» بدل «و إن».

قال: عتيق عام أو عامين، كان أحوط. و إن لم يذكر، جاز، و يعطيه ما يقع عليه اسم العتيق غير متغيّر و لا مسوّس، فيصف التمر بستّة: النوع، و البلد، و اللون، و الجودة أو الرداءة، و الحداثة أو العتق، و الصغر أو الكبر و به قال الشافعي(1) لاختلاف الأثمان باختلاف هذه الأوصاف.

و قال أصحاب أبي حنيفة: يكفي أن يذكر الجنس و النوع و الجودة؛ لأنّ ذلك يشتمل على هذا(2).

مسألة 472: إذا أسلم في الرطب، وصفه بما يصف التمر

إلّا الحداثة و العتق؛ فإنّ الرطب لا يكون عتيقاً، فإذا أسلم في الرطب، لم يجبر على أخذ المذنَّب(3) و البُسْر، و له أن يأخذ ما أُرطب كلّه، و لا يأخذ مشدّخاً، و هو ما لم يترطّب فشدّخ، و لا الناشف، و هو ما قارب أن يتمر؛ لخروجه من كونه رطباً. و كذا ما جرى مجراه من العنب و الفواكه.

و قال بعض الشافعيّة: يجب التعرّض للحديث و العتيق في الرطب(4).

نعم، يجوز أن يشترط لفظ «يومه» أو «أمسه» و يلزم ما شرط. و إن أطلق، جازا معاً.

و أمّا التمر فلا يأخذه إلّا جافّاً؛ لأنّه لا يكون تمراً حتى يجفّ. و ليس عليه أن يأخذه معيباً، و يرجع فيه إلى أهل الخبرة. و لا يجب تقدير المدّة3.

ص: 315


1- حلية العلماء 363:4، العزيز شرح الوجيز 422:4، روضة الطالبين 264:3، منهاج الطالبين: 112.
2- حلية العلماء 364:4.
3- المذنّب من البُسْر: الذي قد بدا فيه الأرطابُ من قِبَل ذَنَبِه. لسان العرب 390:1 «ذنب».
4- الوسيط 443:3، العزيز شرح الوجيز 422:4، روضة الطالبين 264:3.

التي مضت عليه. و يأخذه مكبوساً. و لا يأخذ ما عطش فأضرّ به العطش، و لا الفطير الذي لا يتناهى تشميسه.

مسألة 473: يصف الحنطة بأُمور ستّة:

البلد، فيقول: شاميّة أو عراقيّة، فإن أطلق، حُمل على ما يقتضيه العرف إن اقتضى شيئاً، و إلّا بطل، و يقول: محمولة أو مولدة، يعني محمولة من البلد الذي تنسب إليه، أو تكون مولدة في غيره. و يذكر الحداثة و العتق، و الجيّد أو الرديء. و اللون، كالحمراء أو البيضاء أو الصفراء و إن اختلفت بالحدارة، و هو امتلاء الحَبّ، أو الدقّة و صفائه، و يذكر الصرابة أو ضدّها.

و ينبغي أن يذكر القويّ أو ضدّه، و الأُنوثة أو ضدّها، و الحداثة أو العتق(1).

و إذا أسلف في الدقيق، ضبطه بالوصف. و لو أسلم في طعام على أن يطحنه، جاز، خلافاً للشافعي(2).

و العَلَس قيل: إنّه جنس من الحنطة، حبّتان في كمام فيترك كذلك؛ لأنّه أبقى له حتى يراد استعماله ليؤكل(3).

و حكمه حكم الحنطة في كمامها لا يجوز السلف فيه إلّا ما يلقى(4) عنه كمامه عند الشافعيّة(5) لاختلاف الكمام، و لغيبوبة الحبّ فلا يُعرف.

و الأولى: الجواز، و يبنى فيه على العادة. و له السليم.3.

ص: 316


1- الظاهر زيادة جملة: «و الحداثة أو العتق» حيث ذكرهما المصنّف (قدّس سرّه) آنفاً.
2- الاُمّ 130:3.
3- الاُمّ 103:3.
4- في «س، ي» و الطبعة الحجريّة: «إلّا ما يتلف» بدل «إلّا ما يلقى». و الظاهر ما أثبتناه.
5- الاُمّ 103:3.

و كذا حكم كلّ صنف من الحبوب من أُرز أو دخن أو سلت يوصف كما توصف الحنطة [و يطرح(1)] كمامه دون قشره عند الشافعيّة(2).

و عندنا الأقرب: جوازه.

و كذا يصف الشعير بما يصف به الحنطة.

مسألة 474: و يصف العسل بالبلد،

كالجبليّ و المكّي و البلديّ. و الزمان، كالربيعيّ و الخريفيّ و الصيفيّ. و اللون، كالأبيض و الأصفر. و الجودة و الرداءة. و له عسل صافٍ من الشمع، سواء صفّي بالنار أو بغيرها. و يجب عليه قبوله.

و قال الشافعي: لا يجبر على قبول ما صفّي بالنار؛ لأنّ النار تغيّر طعمه فتنقصه، و لكن يصفّيه بغير نار(3).

و قال بعضهم: إن صفّي بنار لينة، لزمه أخذه(4).

و إن جاءه بعسل رقيق، رجع إلى أهل الخبرة، فإن أسندوا الرقّة إلى الحَرّ، لزمه قبوله. و إن أسندوها إلى العيب، لم يُجبر على قبوله.

و لو شرطه بشمعه غير صافٍ منه، جاز، و كان بمنزلة النوى.

مسألة 475: قد بيّنّا أنّه يجوز اشتراط الجودة و الرداءة،

بل يجب؛ لاختلاف(5) في القيمة بأعيانهما.ف.

ص: 317


1- بدل ما بين المعقوفين في «س، ي» و الطبعة الحجريّة: «بطرح». و الظاهر ما أثبتناه.
2- الاُمّ 104:3.
3- الاُمّ 106:3.
4- لم نعثر عليه فيما بين أيدينا من المصادر.
5- كذا، و الظاهر: للاختلاف.

و لا يجوز اشتراط الأجود إجماعاً؛ لعدم انحصاره؛ فإنّه ما من متاع إلّا و يمكن وجود ما هو أجود منه.

و فيه إشكال؛ لإمكان ضبطه في بعض الأمتعة، كالطعام، فإنّه قد تتناهى جودته.

و أمّا إن شرط الأردأ، فقال بعض(1) فقهائنا و بعض(2) الشافعيّة: إنّه يجوز؛ لأنّه بأيّ طعام أتاه لزمه أخذه؛ لأنّه إن كان أردأ(3) ، وجب قبوله. و إن كان غيره أردأ منه، وجب قبوله أيضاً؛ لأنّه إذا دفع فوق حقّه في الوصف، وجب عليه قبوله، فلا يؤدّي إلى التنازع و الاختلاف.

و الحقّ: المنع أيضاً هنا؛ لأنّ الأردأ غير مضبوط حالة العقد، و المبيع يجب أن يكون مضبوطاً حالة العقد، فينتفي شرط صحّة البيع، فتنتفي الصحّة.

البحث الثالث: في شرط كون المُسْلَم فيه دَيْناً.

يشترط في المُسْلَم فيه عندنا كونه دَيْناً؛ لأنّ لفظ السَّلَم و السلف موضوع للدَّيْن، فلو قال: بعتك هذه السلعة سَلَماً، و هي مشاهدة، لم يصح؛ لاختلال اللفظ.

أمّا لو قال: أسلمت إليك هذا الثوب في هذا العبد، فليس بسَلَمٍ أيضاً، فإن قصد بلفظ السَّلَم مطلق البيع، احتُمل الانعقادُ؛ لجواز إرادة

ص: 318


1- لم نتحقّقه.
2- المهذّب للشيرازي 306:1، التهذيب للبغوي 578:3، العزيز شرح الوجيز 424:4، روضة الطالبين 269:3.
3- في «س»: «لأنّه إن كان الواجبَ» بدل «لأنّه إن كان أردأ».

المجاز مع القرينة. و المنعُ؛ للاختلال، و قد سبق.

و كذا يشترط فيه كون المُسْلَم فيه مؤجّلاً، فلا يجوز السلف الحالّ، و قد تقدّم(1).

البحث الرابع: إمكان وجود المُسْلَم فيه عند الحلول.
مسألة 476: يشترط كون المُسْلَم فيه موجوداً وقت الأجل

ليصحّ إمكان التسليم فيه.

و هذا الشرط ليس من خواصّ السَّلَم، بل هو شرط في كلّ مبيع، و إنّما تعتبر القدرة على التسليم عند وجوب التسليم، سواء كان المبيع حالّا أو مؤجّلاً، فلو أسلم في منقطع عند المحلّ كالرطب في الشتاء لم يصح.

و كذا لو أسلم فيما يندر وجوده و يقلّ وقت الأجل حصوله، كالرطب في أوّل وقته أو آخره؛ لتعذّر حصول الشرط.

و لو غلب على الظنّ وجوده وقت الأجل لكن لا يحصل إلّا بمشقّة عظيمة، كالقدر الكثير من الباكورة(2) ، فالأقرب: الجواز؛ لإمكان التحصيل عند الأجل و قد التزمه المسلم إليه.

و قال أكثر الشافعيّة: لا يجوز؛ لأنّ السَّلَم عقد غرر، فلا يحتمل فيه معاناة المشاقّ العظيمة(3).

مسألة 477: يجوز أن يسلم في شيء ببلدٍ لا يوجد ذلك الشيء فيه،

ص: 319


1- في ص 264، المسألة 427.
2- الباكورة من كلّ شيء: المعجّل المجيء و الإدراك. و الأُنثى: باكورة. لسان العرب 77:4 «بكر».
3- الوسيط 429:3، العزيز شرح الوجيز 401:4، روضة الطالبين 251:3.

بل ينقل إليه من بلدٍ آخر؛ لإمكان التسليم وقت الأجل، فكان سائغاً كغيره.

و لا فرق بين أن يكون قريباً أو بعيداً، و لا أن يكون ممّا يعتاد نقله إليه أو لا. و لا تعتبر مسافة القصر هنا، و هو قول بعض الشافعيّة(1).

و قال بعضهم: إن كان قريباً، صحّ، و إن كان بعيداً، لم يصح(2).

و قال آخرون: إن كان ممّا يعتاد نقله إليه في غرض المعاملة، لا في معرض التحف و الهدايا و المصادَرات، صحّ السَّلَم، و إلّا فلا(3).

أمّا لو أسلم في شيء يوجد غالباً في ذلك البلد وقت الحلول فاتّفق انقطاعه فيه و أمكن وجوده في غيره من البلاد، فهل يجب على البائع نقله ؟ الأقرب: ذلك مع انتفاء المشقّة و عدم البُعْد المفرط. و لا عبرة بمسافة القصر و لا إمكان الرجوع من يومه.

مسألة 478: يجوز السَّلَم في كلّ معدوم

إذا كان ممّا يوجد غالباً في محلّه، و يكون مأمون الانقطاع في أجله و به قال الشافعي و مالك و أحمد و إسحاق(4) لما رواه العامّة عن ابن عباس قال: أشهد أنّ السلف المضمون إلى أجل مسمّى قد أحلّه اللّه تعالى في كتابه و أذن فيه. ثمّ تلا قوله تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى (5) الآية، و أنّهم كانوا يسلفون في الثمار السنتين، و الثمار لا تبقى

ص: 320


1- العزيز شرح الوجيز 401:4، روضة الطالبين 251:3.
2- العزيز شرح الوجيز 401:4، روضة الطالبين 251:3.
3- العزيز شرح الوجيز 401:4، روضة الطالبين 251:3.
4- الوجيز 155:1، العزيز شرح الوجيز 401:4، المهذّب للشيرازي 305:1، حلية العلماء 361:4، روضة الطالبين 252251:3، المنتقى للباجي 300:4، مختصر اختلاف العلماء 10:3، ذيل الرقم 1075، المغني 361360:4، الشرح الكبير 361:4.
5- الاُمّ 9493:3، مختصر المزني: 385، سنن البيهقي 18:6، المهذّب للشيرازي 303:1، المغني و الشرح الكبير 338:4. و الآية 282 من سورة البقرة.

هذه المدّة، بل تنقطع.

و من طريق الخاصّة: رواية الحلبي عن الصادق (عليه السّلام) أنّه سأله عن رجل باع بيعاً ليس عنده إلى أجل و ضمن البيع، قال: «لا بأس»(1).

و لأنّه يثبت في الذمّة مثله و يوجد في محلّه غالباً، فجاز عقد السَّلَم عليه، كما لو كان موجوداً.

و قال الثوري و الأوزاعي و أبو حنيفة: لا يجوز السَّلَم في المعدوم، بل يجب أن يكون جنسه موجوداً حال العقد إلى حال المحلّ؛ لأنّ كلّ زمان من ذلك يجوز أن يكون محلّاً للمُسْلَم فيه بأن يموت المسلم إليه، فاعتبر وجوده فيه، كالمحلّ(2).

و هو غلط؛ لأنّه لو اعتبر ذلك، لأدّى إلى أن تكون آجال العقد مجهولةً، و المحلّ جَعَله المتعاقدان محلّاً، بخلاف المتنازع حيث لم يجعلاه محلّاً، فهو بمنزلة ما بعد المحلّ.

مسألة 479: إذا أسلم فيما يعمّ وجوده وقت الحلول ثمّ انقطع وجوده لجائحة عند المحلّ، لم ينفسخ البيع -

و به قال أبو حنيفة، و هو أصحّ قولي الشافعي(3) لأنّ العقد صحّ أوّلاً، و إنّما تعذّر التسليم، فأشبه ما لو اشترى عبداً فأبق من يد البائع. و لأنّ المُسْلَم فيه تعلّق بالذمّة، فأشبه ما إذا أفلس المشتري بالثمن، لا ينفسخ العقد، كذا هنا.

و القول الثاني للشافعي: إنّه ينفسخ؛ لأنّ المُسْلَم فيه من ثمرة ذلك

ص: 321


1- الكافي 201:5، 8، التهذيب 28:7، 118.
2- المغني و الشرح الكبير 361:4، مختصر اختلاف العلماء 9:3، 1075، حلية العلماء 361:4، العزيز شرح الوجيز 402:4.
3- العزيز شرح الوجيز 402:4، روضة الطالبين 252:3، المغني و الشرح الكبير 361:4.

العام، و إذا هلكت، انفسخ العقد، كما لو باع قفيزاً من صبرة فتلفت. و إنّما قلنا: إنّ العقد تعلّق بثمرة تلك السنة؛ لأنّه يجبر على دفعه منها، و كما لو تلف المبيع قبل القبض(1).

و يُمنع تعيين المبيع في ثمرة تلك السنة؛ لأنّهما لو تراضيا على دفع ثمرة من غيرها، جاز. و لأنّ المُسْلَم فيه لا يجوز تعيينه، و إنّما اجبر على دفعه؛ لتمكّنه من دفع ما هو بصفة حقّه.

مسألة 480: إذا انقطع المبيع عند الأجل، فقد قلنا: إنّ العقد لا ينفسخ،

بل يتخيّر المشتري بين الصبر إلى وقت إمكان الوجود و بين الفسخ؛ لتضرّره بالصبر. و لأنّه شرط ما لم يسلم له، فكان له الخيار. و لأنّ التأخير كالعيب، و لهذا يختلف الثمن باختلافه، فكان له الخيار، كما لو دفع إليه المعيب.

و لما رواه عبد اللّه بن بكير عن الصادق (عليه السّلام) أنّه سأله عن رجل أسلف في شيء يسلف الناس فيه من الثمار فذهب زمانها و لم يستوف سلفه، قال: «فليأخذ رأس ماله أو لينظره»(2).

إذا ثبت هذا، فإذا فسخ المشتري البيع، وجب على المسلم إليه ردّ رأس المال إن كان باقياً. و إن كان تالفاً، فمثله إن كان مثليّا. و إن لم يكن له مثل، ردّ قيمته. و كذا على قول الشافعي بالفسخ(3).

و إن اختار الصبر إلى مجيء المبيع، طالب به، فإن تعذّر بعضه و وجد بعضه، تخيّر المسلم بين الفسخ في الجميع؛ لتبعّض حقّه، و بين أخذ

ص: 322


1- العزيز شرح الوجيز 402:4، روضة الطالبين 252:3.
2- الفقيه 165:3، 728، التهذيب 31:7، 131، الاستبصار 74:3، 247.
3- المغني و الشرح الكبير 361:4.

الموجود، و يرجع بحصّة الباقي أو يصبر بالباقي.

و هل له أن يأخذ الموجود و يفسخ في المعدوم ؟ الأقرب: ذلك.

و عند الشافعي أنّه مبنيّ على تفريق الصفقة(1).

و إذا جوّزنا له الفسخ في المعدوم، أخَذَ الموجود بحصّته من الثمن، و هو أصحّ قولي الشافعي. و الثاني: أنّه يأخذه بجميع الثمن أو يردّه(2).

و إذا أخذه بالكلّ، فلا خيار للبائع. و إن أخذه بالحصّة، فالأقرب ذلك أيضاً؛ لأنّ التعيّب بالتفريق حصل من البائع بترك دفع الجميع.

و للشافعي في خيار البائع وجهان(3).

إذا ثبت هذا، فإنّه لا ينفسخ البيع لو قبض البعض من أصله، كما لا ينفسخ لو لم يقبض شيئاً؛ للأصل.

و لما رواه عبد اللّه بن سنان في الحسن عن الصادق (عليه السّلام) أنّه سأله أ رأيت إن أوفاني بعضاً و عجز عن بعض أ يصلح لي أن آخذ بالباقي رأس مالي ؟ قال: «نعم، ما أحسن ذلك»(4).

مسألة 481: و لا فرق في الخيار بين الصبر و الفسخ بين أن لا يوجد المُسْلَم فيه عند المحلّ أصلاً و بين أن يكون موجوداً

و يؤخّر البائع التسليم حتى ينقطع، و هو أحد قولي الشافعيّة، و أنّ الخلاف في فسخ العقد من أصله و الخيار كما تقدّم جارٍ في الصورتين معاً(5).

و فرّق بعضهم، فقال: الخلاف في الفسخ و الخيار إنّما هو فيما إذا

ص: 323


1- العزيز شرح الوجيز 142:4، روضة الطالبين 90:3.
2- العزيز شرح الوجيز 142:4، روضة الطالبين 90:3.
3- لم نعثر عليه في مظانّه.
4- الكافي 185:5، 3، التهذيب 28:7، 122.
5- العزيز شرح الوجيز 402:4، روضة الطالبين 252:3.

لم يوجد المُسْلَم فيه عند الأجل، أمّا إذا وُجد و فرّط البائع بالتسليم، فلا ينفسخ العقد بحال؛ لوجود المُسْلَم فيه و حصول القدرة(1).

و ليس بشيء؛ لتضرّر المشتري في الصورتين. و لأنّه كالعيب المتجدّد في يد البائع، فإنّه يوجب للمشتري الخيار.

مسألة 482: لو أجاز المشتري ثمّ بدا له في الفسخ، احتُمل وجوب الصبر،

و عدم الالتفات إليه في طلب الفسخ؛ لأنّه إسقاط حقّ، فأشبه إجازة زوجة العنّين، و هو أحد وجهي الشافعيّة(2).

و يحتمل أنّ له الفسخَ، و لا يكون ذلك إسقاطَ حقٍّ، بل تكون هذه الإجازة إنظاراً، و الإنظار تأجيل، و الأجل لا يلحق العقد بعد وقوعه، فأشبه زوجة المُولي إذا رضيت بالمقام ثمّ ندمت، فإذا اشترط حقّ الفسخ، لا يسقط.

و لو قال المسلم إليه للمسلم: لا تصبر و خُذْ رأس مالك، فللمسلم(3) أن لا يجيبه.

و للشافعيّة وجه: أنّه يجب عليه الإجابة(4). و ليس بشيء.

و لو حلّ الأجل بموت المسلم إليه في أثناء المدّة و المُسْلَم فيه منقطع، فالوجه: أنّه لا ينفسخ العقد من أصله، بل يتخيّر المشتري كما تقدّم(5).

و للشافعيّة قولان: الفسخ من أصل العقد، و تخيير المشتري(6).

و لو كان موجوداً عند المحلّ و تأخّر التسليم لغيبة أحد المتعاقدين ثمّ

ص: 324


1- العزيز شرح الوجيز 402:4، روضة الطالبين 252:3.
2- العزيز شرح الوجيز 402:4، روضة الطالبين 252:3.
3- في «س، ي» و الطبعة الحجريّة: «فللمسلم إليه». و الصحيح ما أثبتناه.
4- العزيز شرح الوجيز 402:4، و انظر: روضة الطالبين 252:3.
5- في ص 324، المسألة 480.
6- العزيز شرح الوجيز 402:4، روضة الطالبين 252:3.

حضر و المُسْلَم فيه منقطع، فكما تقدّم من تخيير المشتري عندنا، و من الوجهين: الفسخ و التخيير عند الشافعيّة(1).

مسألة 483: لو أسلم في شيء عامّ الوجود عند الحلول ثمّ عرضت آفة علم بها انقطاع الجنس عند المحلّ، احتمل تخيير المشتري

في الحال بين الصبر و الفسخ؛ لتحقّق العجز في الحال.

و يحتمل وجوب الصبر، و لا خيار في الحال؛ لأنّه لم يأت وقت وجوب التسليم.

و للشافعي قولان، أحدهما: أنّه يتخيّر في الفسخ في الحال، أو ينفسخ في الحال. و الثاني: أنّه لا يتخيّر و لا ينفسخ إلّا في المحلّ.

و هذا الخلاف مأخوذ من الخلاف فيما إذا حلف ليأكلنّ هذا الطعام غداً فتلف قبل الغد من فعله أنّه يحنث في الحال أو يتأخّر إلى الغد؟(2).

و يحصل الانقطاع بأن لا يوجد المُسْلَم فيه أصلاً بأن يكون ذلك الشيء ينشأ من تلك البلدة و قد أصابته جائحة مستأصلة، و هو انقطاع حقيقي.

و في معناه ما لو كان يوجد في غير تلك البلدة و لكن لو نقل إليها فسد.

و إذا لم يوجد إلّا عند قوم مخصوصين و امتنعوا من بيعه، فهو انقطاع. و لو كانوا يبيعونه بثمنٍ غال، فليس انقطاعاً، و وجب تحصيله ما لم يتضرّر المشتري به كثيراً. و لو أمكن نقل المُسْلَم فيه من غير تلك البلدة إليها، وجب نقله مع عدم التضرّر الكثير.

مسألة 484: إذا أسلم في شيء و قبض البعض عند الأجل

و تعذّر

ص: 325


1- العزيز شرح الوجيز 402:4، روضة الطالبين 252:3.
2- العزيز شرح الوجيز 403402:4، روضة الطالبين 252:3.

الباقي، فقد قلنا: إنّه يتخيّر المشتري بين الفسخ في الجميع و في الباقي، سواء باع ما أخذه منه بزائد أو لا؛ لما رواه سليمان بن خالد عن الصادق (عليه السّلام)، قال: سألته عن الرجل يسلم في الزرع فيأخذ بعض طعامه و يبقى بعض لا يجد وفاء، فيردّ على صاحبه رأس ماله، قال: «فليأخذ فإنّه حلال» قلت: فإنّه يبيع ما قبض من الطعام بضعف(1) ، قال: «و إن فعل فإنّه حلال»(2).

مسألة 485: و هل له أن يأخذ القيمة بسعر وقت الأجل أو المطالبة ؟ الأقرب: ذلك؛

لأنّه قد استحقّ مالاً في ذمّة البائع فجاز بيعه، كما يجوز بيع سائر الديون، أو أن يعوّضه عن العين(3) بالقيمة، كما لو قضى الدَّيْن من غير جنسه.

و لما رواه أبان بن عثمان عن بعض أصحابنا عن الصادق (عليه السّلام) في الرجل يسلف الدراهم في الطعام إلى أجل فيحلّ الطعام فيقول: ليس عندي طعام و لكن انظر ما قيمته فخُذْ منّي ثمنه، قال: «لا بأس بذلك»(4).

و قد روى عليّ بن جعفر قال: سألته عن رجل له على رجلٍ آخر تمر أو شعير أو حنطة أ يأخذ بقيمته دراهم ؟ قال: «إذا قوّمه دراهم فسد، لأنّ الأصل الذي يشتري به دراهم، فلا يصلح دراهم بدراهم»(5).

قال الشيخ (رحمه اللّه): الذي افتي به ما تضمّنه هذا الخبر من أنّه إذا كان الذي أسلف فيه دراهم، لم يجز له أن يبيع عليه بدراهم؛ لأنّه يكون قد باع

ص: 326


1- في المصدر: «فيضعف».
2- الكافي 185:5، 4، التهذيب 29:7، 123.
3- في الطبعة الحجريّة: «الدَّيْن» بدل «العين».
4- الكافي 186185:5، 6، التهذيب 30:7، 127، الاستبصار 75:3، 252.
5- قرب الإسناد: 264 265، 1051، التهذيب 30:7، 129، الاستبصار 74:3، 246.

دراهم بدراهم، و ربما يكون فيه زيادة و نقصان و ذلك ربا.

ثمّ تأوّل الخبر الأوّل بأن يكون قد أعطاه في وقت السلف ثمناً غير الدراهم، فلا يؤدّي ذلك إلى الربا؛ لاختلاف الجنسين(1) ؛ لما رواه العيص بن القاسم في الصحيح عن الصادق (عليه السّلام)، قال: سألته عن رجل أسلف رجلاً دراهم بحنطة حتى إذا حضر الأجل لم يكن عنده طعام و وجد عنده دوابّ و رقيقاً و متاعاً يحلّ له أن يأخذ من عروضه تلك بطعامه ؟ قال: «نعم، يسمّي كذا و كذا بكذا و كذا صاعاً»(2).

و الوجه: ما اخترناه. و لا ربا هنا؛ لأنّ التقدير أنّه اشترى متاعاً بأحد النقدين ثمّ باعه بذلك النقد، و من شرط الربا بيع أحد المتماثلين جنساً بصاحبه مع التفاضل.

البحث الخامس: في علم المقدار.
مسألة 486: المبيع إن كان ممّا يدخله الكيل أو الوزن، لم يصح بيعه سلفاً

إلّا بعد ذكر قدره بأحدهما؛ لما رواه العامّة عن النبيّ (صلّى اللّه عليه و آله) أنّه قال: «مَنْ أسلف فليسلف في كيل معلوم و وزن معلوم و أجل معلوم»(3).

و من طريق الخاصّة: قال الصادق (عليه السّلام): «قال أمير المؤمنين (عليه السّلام): لا بأس بالسَّلَم كيل معلوم إلى أجل معلوم»(4).

ص: 327


1- التهذيب 3130:7.
2- التهذيب 31:7، 130.
3- سنن الترمذي 603602:3، 1311، سنن الدارقطني 3:3، 4، المعجم الكبير - للطبراني 130:11، 11263 و 11264.
4- الفقيه 167:3، 740، و في الكافي 184:5 (باب السَّلَم في الطعام) الحديث 1، و التهذيب 27:7، 116 بتفاوت يسير في اللفظ.

و لأنّ السَّلَم يشتمل على نوع غرر، فلا يحتمل من الغرر ما لا يحتمله الحالّ. و لو باع الحالّ جزافاً، لم يجز.

و يجب أن يكون المكيال متعارفاً عند الناس، فلا يجوز تقديره بإناء معيّن؛ لأنّه قد يهلك فيتعذّر معرفة المُسْلَم فيه، و هو غرر لا يحتاج إليه. و لأنّه أيضاً مجهول؛ لأنّه لا يعلم بذلك قدر المبيع من المكيال المعروف و لا هو مشاهد.

و كذا الصنجة إذا عيّنها، فإن كانت الصنجة المشهورةَ بين العامّة، جاز؛ لأنّها إذا تلفت رجع إلى مثلها. و إن كانت مجهولةً، لم يجز.

و إن عيّنه بمكيال رجل معروف أو ميزانه، فإن كان مكياله و صنجته(1) معروفين، جاز، و إلّا فلا. و إذا كان معروفاً، لم يختصّ به.

و كذا لو أسلم في ثوب على صفة خرقة أحضرها حال العقد، لم يصح؛ لجواز أن تهلك الخرقة فيكون ذلك غرراً لا حاجة به إليه؛ لأنّه لا يمكنه أن يضبطه بالصفات الموجودة فيها.

مسألة 487: ليس المراد في الخبر

مسألة 487: ليس المراد في الخبر(2) الجمع بين الكيل و الوزن،

بل قد يكون الجمع بينهما مبطلاً؛ لعزّة الوجود، كما لو أسلم في ثوب و وصفه بالذرع و قال: وزنه كذا، أو أسلم في مائة صاع حنطة على أن يكون وزنها كذا.

نعم، لو ذكر في الخشب مع الصفات المشروطة الوزنَ، جاز؛ لأنّ الزائد يمكن تعديله بالنحت.

لكنّ المراد الأمر بالكيل في الموزونات التي يتأتّى فيها الكيل،

ص: 328


1- كذا في «س، ي» و الطبعة الحجريّة. و الظاهر: «و ميزانه» بدل «و صنجته».
2- أي النبوي المتقدّم في صدر المسألة 486.

بخلاف أعيان الربا حيث لم يجز بيع بعض المكيلات ببعض في الجنس الواحد وزناً؛ لأنّ المعتبر فيها التساوي بالكيل، فإذا باعها وزناً، ربما تفاضلت كيلاً، فلم يجز.

و المراد هنا بالكيل معرفة المقدار و الخروج(1) عن الجهالة، فبأيّ شيء قدّره جاز، فحينئذٍ يجوز أن يسلف فيما أصله الوزن كيلاً و بالعكس - و به قال الشافعي(2) لما رواه وهب عن الصادق (عليه السّلام) عن الباقر (عليه السّلام) عن أمير المؤمنين (عليه السّلام)، قال: «لا بأس بالسلف ما يوزن فيما يكال و ما يكال فيما يوزن»(3).

و مَنَع بعض الشافعيّة من السَّلَم كيلاً في الموزونات(4).

أمّا لو أسلم في فتات المسك و العنبر و نحوهما كيلاً، لم يصح؛ لأنّ القدر اليسير منه ماليّته كثيرة، و الكيل لا يعدّ ضابطاً فيه.

مسألة 488: لا يكفي العدد في المعدودات التي تدخل تحت الوزن،

كالبطّيخ و القثّاء و الرمّان و السفرجل و الباذنجان و النارنج و البيض، بل يجب الوزن، و لا يعتبر الكيل؛ لأنّها تتجافى في المكيال، و لا العدد؛ لتفاوتها كبراً و صغراً، و إنّما اكتفي بالعدد في العيان تعويلاً على المشاهدة و تسامحاً، بخلاف السَّلَم الذي لا مشاهدة فيه.

و كذا الجوز و اللوز لا يجوز السلف فيهما عدداً، بل لا بدّ من الوزن.

و في الكيل فيهما للشافعيّة وجهان، أحدهما: الجواز؛ لعدم تجافيهما

ص: 329


1- في «س، ي»: «و خروجه».
2- العزيز شرح الوجيز 405:4، روضة الطالبين 254:3، منهاج الطالبين: 111.
3- الفقيه 167:3، 739، التهذيب 4544:7، 192، الاستبصار 79:3، 265.
4- العزيز شرح الوجيز 405:4، روضة الطالبين 254:3.

في المكيال(1).

و كذا الفستق و البندق.

و قال بعضهم: لا يجوز السَّلَم في [قشور(2)] الجوز و اللوز لا كيلاً و لا وزناً؛ لاختلافها(3) غلظةً و رقّةً، و الغرض يختلف باختلافها، فامتنع السلف فيها بالوزن أيضاً(4).

و ليس بجيّد؛ لأنّ القشور هنا كالنوى في التمر، فإنّه يختلف صغراً و كبراً و لم يعتبره الشارع، كذا هنا.

و قال أبو حنيفة: يجوز السَّلَم في البيض عدداً؛ لأنّ التفاوت فيه(5) يسير(6). و ليس بجيّد.

مسألة 489: جميع البقول و الخضراوات كالقثّاء و الخيار و البطّيخ لا يجوز السلف فيها عدداً و لا كيلاً،

بل يجب الوزن.

و لا يجوز السَّلَم في البقول(7) حزماً؛ لعدم ضبطها.

و لا يجوز السَّلَم في البطّيخة الواحدة و السفرجلة الواحدة إلّا مع

ص: 330


1- التنبيه في الفقه الشافعي: 98، حلية العلماء 372:4، العزيز شرح الوجيز 406:4، روضة الطالبين 255:3، منهاج الطالبين: 111.
2- ما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.
3- في «س، ي» و الطبعة الحجريّة: «لاختلاف قشورهما» بدل «لاختلافها».
4- فتح العزيز بهامش المجموع 261260:9. و في العزيز شرح الوجيز 406:4 سقط بعض العبارة.
5- في «س، ي» و الطبعة الحجريّة: «فيها» بدل «فيه». و الظاهر ما أثبتناه.
6- حلية العلماء 372:4، العزيز شرح الوجيز 406:4، المغني و الشرح الكبير 354:4.
7- في «س، ي» و الطبعة الحجريّة: «البقل» بدل «البقول». و الظاهر ما أثبتناه لأجل السياق.

الوزن، فتكون عامّة الوجود لا قليلة الوقوع، و لا في عددٍ منها؛ لأنّه يحتاج إلى ذكر حجمها و وزنها، و ذلك يورث عزّة الوجود.

أمّا اللِّبن فيجوز الجمع فيه بين العدد و الوزن، بل هو الواجب، فيقول: كذا كذا لبنة وزن كلّ واحدة كذا؛ لأنّها تضرب عن اختيار، فالجمع فيها بين الوزن و العدد لا يورث عزّة الوجود، و الأمر فيه على التقريب دون التحديد.

مسألة 490: لو عيّن مكيالاً غير معتاد كالكوز، فسد العقد.

و إن كان يعتاد، فسد الشرط و صحّ العقد؛ لأنّ ملأه مجهول القدر. و لأنّ فيه غرراً لا حاجة إلى احتماله، فإنّه قد يتلف قبل المحلّ.

و في البيع لو قال(1): بعتك ملء هذا الكوز من هذه الصبرة، بطل مع جهالة قدر ملء الكوز.

و للشافعيّة وجهان، أصحّهما عندهم: الصحّة(2).

أمّا لو عيّن في البيع أو السَّلَم مكيالاً معتاداً، فإنّه يصحّ البيع و يلغو الشرط، كسائر الشروط التي لا غرض فيها، و هو أصحّ وجهي الشافعيّة. و في الثاني: يفسد؛ لتعرّضه للتلف(3).

و هل السَّلَم الحالّ على تقدير جوازه كالمؤجّل أو كالبيع ؟ للشافعيّة(4) وجهان، أحدهما: أنّه كالمؤجّل؛ لأنّ الشافعي قال: لو أصدقها ملء هذه الجرّة خَلّاً، لم يصح؛ لأنّها قد تنكسر فلا يمكنه التسليم، كذا هنا(5).

ص: 331


1- في «س، ي» و الطبعة الحجريّة: «في البيع و لو قال». و الصحيح ما أثبتناه.
2- الوسيط 434:3، العزيز شرح الوجيز 407:4، روضة الطالبين 256:3.
3- العزيز شرح الوجيز 407:4، روضة الطالبين 256:3.
4- في الطبعة الحجريّة: «للشافعي».
5- العزيز شرح الوجيز 407:4، روضة الطالبين 256:3.

و لو قال: أسلمت إليك في ثوبٍ كهذا الثوب، أو في مائة صاع كهذه الحنطة، لم يصح؛ لإمكان تلف الثوب المحال عليه أو الحنطة، و هو أحد قولي الشافعيّة. و في الثاني: يصحّ، و يقوم مقام الوصف(1).

و لو أسلم في ثوبٍ و وصفه بصفات السَّلَم ثمّ أسلم في آخر بتلك الصفة، جاز.

مسألة 491: يجوز السَّلَم في المذروع أذرعاً

كالثياب و الحبال و شبهها؛ لأنّ ضبطها بذلك. و لا يجوز في القصب أطناناً، و لا الحطب حزماً، و لا الماء قرباً، و لا المخروز خرزاً(2) ؛ لاختلافها، و عدم ضبطها بالصغر و الكبر. و لو ضبط بالوزن، جاز؛ لأنّ جابراً سأل الباقرَ (عليه السّلام) عن السلف في روايا الماء، فقال: «لا تبعها، فإنّه يعطيك مرّة ناقصة و مرّة كاملة، و لكن اشتر(3) معاينة، و هو أسلم لك و له»(4).

مسألة 492: و كما يجب العلم في المبيع بالقدر و الوصف،

كذا يجب في الثمن. فنقول: إن كان الثمن في الذمّة لم يعيّنه المتعاقدان، فلا بدّ من ضبط صفته و قدره، كما يضبط صفة المُسْلَم فيه، إلّا أن يكون من الأثمان فيكفي إطلاقه إذا كان في البلد نقد غالب واحد.

و يجوز أن يكون رأس المال موصوفاً في الذمّة، و يعيّناه في المجلس قبل التفرّق، فيجري ذلك مجرى تعيينه حال العقد.

و إن كان الثمن معيّناً حالة العقد، فإن كان مشاهداً، كفت الرؤية عن

ص: 332


1- العزيز شرح الوجيز 407:4، روضة الطالبين 256:3.
2- لعلّها: المحزور حزراً.
3- في المصدر: «اشتره».
4- التهذيب 45:7، 193.

وصفه. و إن لم يكن مشاهداً، فلا بدّ من وصفه بما يرفع الجهالة و به قال مالك و أحمد و الشافعي في أحد القولين، و أبو إسحاق المروزي(1) لأنّ عقد السَّلَم منتظر مترقّب لا يمكن إتمامه في الحال، و إنّما هو موقوف على وجود المُسْلَم فيه عند المحلّ لا يؤمن انفساخه، فوجب معرفة رأس المال فيه ليؤدّيه له، كما في القرض و عقد الشركة.

و القول الثاني للشافعي: لا يجب تعيينه و ضبطه بالوصف، و هو اختيار المزني(2).

و قال أبو حنيفة: إن كان رأس المال مكيلاً أو موزوناً، وجب ضبط صفاته. و إن كان مذروعاً أو معدوداً، لم يجب ضبط صفاته(3) ؛ لأنّ المكيل و الموزون يتعلّق العقد بقدره بدليل أنّه لو باع صبرة على أنّها عشرة أقفزة فبانت أحد عشر، كان له أن يأخذ عشرة و يردّ الباقي، و لو اشترى ثوباً على أنّه عشرة أذرع فبان أحد عشر ذراعاً، تخيّر البائع إن شاء سلّم الكلّ، و إن شاء فسخ؛ لأنّ العقد تعلّق بعينه.

و احتجّ الشافعي على عدم الحاجة إلى الوصف: بأنّه عوض مشاهد، فاستغني بمشاهدته عن معرفة قدره، كبيوع الأعيان(4) ، و كما لو كان مذروعاً أو معدوداً، و لا يلزم أعيان الربا؛ لأنّه لا يحتاج إلى معرفة القدر،4.

ص: 333


1- العزيز شرح الوجيز 394393:4، المهذّب للشيرازي 307:1، الحاوي الكبير 397:5، روضة الطالبين 245:3، المغني 365:4، الشرح الكبير 366:4.
2- المهذّب للشيرازي 307:1، الحاوي الكبير 397:5، العزيز شرح الوجيز 394:4، روضة الطالبين 245:3.
3- بدائع الصنائع 201:5، الحاوي الكبير 397:5، العزيز شرح الوجيز 394:4.
4- انظر: المهذّب للشيرازي 307:1، و المغني 365:4، و الشرح الكبير 366:4.

و إنّما يحتاج إلى معرفة التساوي فيها.

و الجواب عمّا قاله أبو حنيفة: أنّه خطأ؛ لأنّ المكيل و الموزون يجوز أن يكون جزافاً في البيع و الصداق، فلو تعلّق بقدره، لم يجز. و ما استشهد به فإنّما كان كذلك؛ لأنّ المكيل و الموزون ينتقص و لا ضرر فيه، و الثوب ينتقص بقطعه، فلهذا اختلفا، لا لما ذكره.

و ما قاله الشافعي ضعيف؛ لأنّا نمنع الاكتفاء بالمشاهدة عن معرفة القدر في بيع الأعيان، بخلاف المذروع، فإنّه غير واجب العلم بقدر الذرع و كذا العدد.

إذا ثبت ما قلناه، فلا بدّ من ضبط صفات الثمن، فما لا يضبط بالوصف مثل الجواهر و الأخلاط لا يجوز أن يكون رأس مال السَّلَم، و إنّما يجوز أن يكون رأس المال ما جاز أن يسلم فيه.

هذا إذا لم يكن مشاهداً، و أمّا إذا كان مشاهداً، فلا حاجة إلى الوصف، بل تجب معرفة القدر، سواء كان مثليّا أو لا. و بالجملة، كلّ ما جاز أن يكون ثمناً جاز أن يكون رأس مال السَّلَم، فإن لم يعرف صفاته، عيّنه، فإن انفسخ السَّلَم؛ لانقطاع المُسْلَم فيه، ردّ رأس المال إن كان موجوداً، و مثله إن كان مفقوداً و له مثل، و إن لم يكن له مثل، ردّ قيمته. و لو اختلفا في قدره أو قيمته، فالقول قول المسلم إليه؛ لأنّه غارم.

مسألة 493: لو كان رأس المال متقوّماً

مسألة 493: لو كان رأس المال متقوّماً(1) و ضُبطت صفاته بالمعاينة، لم يشترط معرفة قيمته،

كثوبٍ بعضُ صفاته مشاهدة، و جارية موصوفة،

ص: 334


1- في «س، ي» و الطبعة الحجريّة: «مقبوضاً» بدل «متقوّماً». و الظاهر ما أثبتناه.

و هو قول أكثر الشافعيّة(1).

و قال بعضهم: فيه قولان(2).

و لا فرق بين السَّلَم الحالّ و المؤجّل.

و بعض الشافعيّة خصّ القولين بالسَّلَم المؤجّل، و قطع في الحالّ بالاكتفاء بالمعاينة فيه(3).

و موضع القولين لهم ما إذا تفرّقا قبل العلم بالقدر و القيمة، أمّا إذا علما ثمّ تفرّقا، فلا خلاف في الصحّة(4).

و ليس بجيّد عندنا، بل القدر يجب أن يكون معلوماً حالة العقد.

و بنى كثير من الشافعيّة على هذين القولين أنّه هل يجوز أن يجعل رأس مال السَّلَم ما لا يجوز السَّلَم فيه ؟ إن قلنا بالأصحّ، جاز، و إلّا فلا(5).

و إذا كان رأس المال جزافاً عنده و اتّفق الفسخ و تنازعا في القدر، كان القول قول المسلم إليه؛ لأنّه غارم(6).

البحث السادس: قبض الثمن.
مسألة 494: يشترط في السَّلَم قبض الثمن في المجلس،

فلا يجوز التفرّق قبله، فإن تفرّقا قبل القبض، بطل السَّلَم عند علمائنا أجمع و به قال أبو حنيفة و الشافعي و أحمد(7) لأنّه عقد لا يجوز فيه شرط تأخير العوض المطلق، فلا يجوز فيه التفرّق قبل القبض، كالصرف. و لأنّ المُسْلَم فيه دَيْنٌ

ص: 335


1- العزيز شرح الوجيز 394:4، روضة الطالبين 245:3.
2- العزيز شرح الوجيز 394:4، روضة الطالبين 245:3.
3- العزيز شرح الوجيز 394:4، روضة الطالبين 245:3.
4- العزيز شرح الوجيز 394:4، روضة الطالبين 245:3.
5- العزيز شرح الوجيز 394:4، روضة الطالبين 245:3.
6- العزيز شرح الوجيز 394:4، روضة الطالبين 245:3.
7- بدائع الصنائع 202:5، المهذّب للشيرازي 307:1، التهذيب للبغوي 573:3، العزيز شرح الوجيز 391:4، روضة الطالبين 243242:3، بداية المجتهد 202:2، الذخيرة 230:5، المغني 362:4، الشرح الكبير 363:4.

في الذمّة، فلو أخّر تسليم رأس المال عن المجلس، لكان ذلك في معنى بيع الكالئ بالكالئ؛ لأنّ تأخير التسليم ينزّل منزلة الدينيّة في الصرف و غيره. و لأنّ الغرر في المُسْلَم فيه احتمل للحاجة، فجبر ذلك بتأكيد العوض الثاني بالتعجيل لئلّا يعظم الغرر في الطرفين.

و قال مالك: يجوز أن يتأخّر قبضه يومين و ثلاثة و أكثر ما لم يكن يشترط أو تطول المدّة؛ لأنّه معاوضة لا يخرج بتأخير قبضه من أن يكون سَلَماً، فوجب أن لا يفسده، كما لو أخّره و هُما في المجلس(1).

و الفرق ظاهر بين المفارقة قبل القبض في المجلس و فيه، كالصرف.

مسألة 495: لو قبض بعض الثمن في المجلس ثمّ تفارقا قبل قبض الباقي، بطل السَّلَم فيما لم يقبض،

كالصرف، و سقط بقسطه من المُسْلَم فيه. و الحكم في المقبوض كما لو اشترى شيئين فتلف أحدهما قبل القبض.

و لو جاءه(2) المشتري ببعض الثمن في المجلس، كان للبائع الامتناع من قبضه؛ للتعيّب بالتشقيص، بخلاف الدَّيْن، فإنّ المديون لو دفع بعض الدَّيْن، وجب على صاحب الدَّيْن قبضه.

و لو كان رأس المال منفعة عبد أو دار مدّة معيّنة، صحّ، و كان تسليم تلك المنفعة بتسليم العين.

مسألة 496: لا يشترط تعيين الثمن عند العقد،

فلو قال: أسلمت إليك ديناراً في ذمّتي في كذا، ثمّ عيّن و سلَّم في المجلس، جاز.

ص: 336


1- بداية المجتهد 202:2، الذخيرة 230:5، العزيز شرح الوجيز 391:4، المغني 362:4، الشرح الكبير 363:4.
2- في «ي» و الطبعة الحجريّة: «جاء».

و كذا في الصرف لو باع ديناراً بدينار أو بدراهم في الذمّة ثمّ عيّن و سلم في المجلس، جاز.

و هذا إذا كان الدينار المطلق منصرفاً إلى نقدٍ معلوم، أمّا لو تعدّد، وجب تعيينه.

و لو أسلم طعاماً بطعام في الذمّة ثمّ عيّن و سلم في المجلس، فإن وصفه بما يرفع الجهالة، جاز.

و للشافعيّة وجهان:

أحدهما: المنع؛ لأن الوصف فيه يطول، بخلاف الصرف، فإنّ الأمر في النقود أهون، و لهذا يكفي فيها الإطلاق و لا يكفي في العروض.

و الثاني: الجواز، و يصفه كما يصف المُسْلَم فيه. و هذا أظهر عند الشافعيّة(1).

مسألة 497: لا يشترط استمرار قبض الثمن،

فلو سلّمه المشتري إلى البائع ثمّ ردّه البائع إليه وديعةً قبل التفرّق، جاز بلا خلاف.

و لو ردّه عليه بدَيْنٍ كان له عليه قبل التفرّق، صحّ؛ لأنّه قد ملكه بالعقد، و استقرّ ملكه بالقبض.

و قال بعض الشافعيّة: لا يصحّ؛ لأنّه تصرّف فيه قبل انبرام(2) ملكه. فإذا تفرّقا، صحّ السَّلَم؛ لحصول القبض و انبرام(3) الملك، و يستأنف إقباضه للدَّيْن(4). و ليس بشيء.

ص: 337


1- العزيز شرح الوجيز 392:4، روضة الطالبين 243:3.
2- في «س، ي» و الطبعة الحجريّة: «و التزام» بدل «و انبرام». و ما أثبتناه من المصدر.
3- في «س، ي» و الطبعة الحجريّة: «و التزام» بدل «و انبرام». و ما أثبتناه من المصدر.
4- العزيز شرح الوجيز 392:4، روضة الطالبين 243:3.

و لو كان له في ذمّة غيره دراهم فقال: أسلمت إليك الدراهم التي في ذمّتك في كذا، صحّ؛ لأنّه مقبوض في ذمّة صاحبه على إشكال.

و قال بعض الشافعيّة: إن شرط الأجل، فهو باطل؛ لأنّه بيع الدَّيْن بالدَّيْن.

و إن كان حالّا و لم يسلّم المُسْلَم فيه قبل التفرّق، فكذلك.

و إن أحضره و سلم، فوجهان:

الصحّة، كما لو صالح من تلك الدراهم على دينار و سلّمه في المجلس.

و أظهرهما: المنع؛ لأنّ قبض المُسْلَم فيه ليس بشرط أمّا لو لم يعيّن الثمن من المال الذي عليه ثمّ حاسبه بعد العقد من دَيْنه عليه، جاز قطعاً و لو كان السَّلَم حالّا، فلو وجد، لكان متبرّعاً به، و أحكام البيع لا تُبنى على التبرّعات، أ فلا ترى أنّه لو باع طعاماً بطعام إلى أجل ثمّ تبرّعا بالإحضار، لم يجز(1).

و أطلق بعض الشافعيّة الوجهين في أنّ تسليم المُسْلَم فيه(2) في المجلس و هو حالّ هل يغني عن تسليم رأس المال ؟ و الأظهر عندهم: المنع(3).

مسألة 498: لو أحال المشتري البائع بالثمن على غيره فقبل المحال عليه و قبضه البائع منه في المجلس، صحّ؛

لحصول القبض في المجلس.

ص: 338


1- العزيز شرح الوجيز 392:4، روضة الطالبين 243:3.
2- في «س، ي» و الطبعة الحجريّة: «إليه» بدل «فيه». و الصحيح ما أثبتناه من المصدر.
3- العزيز شرح الوجيز 392:4، روضة الطالبين 243:3.

و قال بعض الشافعيّة: لا يصحّ، سواء قبضه البائع في المجلس أو لا؛ لأنّه بالحوالة يتحوّل الحقّ إلى ذمّة المحال عليه، فهو يؤدّيه من جهة نفسه لا من جهة المسلم. و لو قبضه المشتري و سلم إلى البائع، جاز(1).

و لو قال [المشتري(2)] للمحال عليه: سلّمه إليه(3) ففعل، لم يكف في صحّة السَّلَم عندهم؛ لأنّ الإنسان في إزالة ملكه لا يصير وكيلاً للغير لكن يجعل البائع وكيلاً عن(4) المشتري في قبض ذلك، ثمّ السَّلَم يقتضي قبضاً، و لا يمكنه أن يقبض من نفسه(5).

و الوجه: ما قلناه.

أمّا لو لم يقبض البائع في المجلس، فالأقوى: بطلان السَّلَم؛ لعدم القبض في المجلس الذي هو شرط صحّة السَّلَم. و يحتمل الصحّة؛ لأنّ الحوالة كالقبض.

و لو أحال البائع برأس المال على المشتري فتفرّقا قبل التسليم، احتمل البطلان و إن جعلنا الحوالة قبضاً و هو قول بعض الشافعيّة(6) لأنّ المعتبر في السَّلَم القبض الحقيقي. و الصحّة؛ لأنّ الحوالة كالقبض.

و لو أحضر المشتري رأس المال، فقال البائع: سلّمه إليه، ففعل، صحّ، و يكون المحتال وكيلاً عن البائع في القبض.3.

ص: 339


1- العزيز شرح الوجيز 392:4، روضة الطالبين 243:3.
2- في «س، ي» و الطبعة الحجريّة: «البائع» بدل «المشتري». و الظاهر ما أثبتناه كما هو ظاهر المصدر.
3- في «س»: «لي» بدل «إليه».
4- في «س، ي» و الطبعة الحجريّة: «غير» بدل «عن». و الصحيح ما أثبتناه من المصدر.
5- العزيز شرح الوجيز 392:4، روضة الطالبين 243:3.
6- العزيز شرح الوجيز 392:4، روضة الطالبين 243:3.

و لو كان رأس المال دراهم في الذمّة فصالح عنها على مال، فالأقرب عندي: الصحّة.

و قال بعض الشافعيّة: لا يصحّ و إن قبض ما صالح عليه(1).

و لو كان الثمن عبداً فأعتقه البائع قبل القبض، صحّ.

و قال بعض الشافعيّة: لا يصحّ إن لم [نصحّح(2)] إعتاق المشتري قبل القبض، و إن صحّحناه، فوجهان.

و وجه الفرق: أنّه لو نفذ، لصار قابضاً من طريق الحكم، و أنّه غير كافٍ في السَّلَم بدليل الحوالة، فعلى هذا إن تفرّقا قبل قبضه، بطل العقد. و إن تفرّقا بعده، صحّ. و في نفوذ العتق وجهان(3).

مسألة 499: إذا انفسخ السَّلَم بسببٍ و كان رأس المال معيّناً في ابتداء العقد و هو باقٍ، رجع المشتري إليه.

و إن كان تالفاً، رجع إلى بدله إمّا المثل إن كان مثليّا، أو القيمة إن لم يكن.

و إن كان موصوفاً في الذمّة ثمّ عجّل في المجلس و هو باقٍ، فهل له المطالبة بعينه أم للبائع الإتيان ببدله ؟ الأقرب: الأوّل؛ لأنّ المعيّن في المجلس كالمعيّن في العقد.

و يحتمل الثاني؛ لأنّ العقد لم يتناول تلك(4) العين.

و للشافعيّة وجهان(5) كهذين.

تذنيب: لو وجدنا رأس المال في يد البائع و اختلفا،

فقال المشتري

ص: 340


1- العزيز شرح الوجيز 393:4، روضة الطالبين 244:3.
2- في «س، ي» و الطبعة الحجريّة: لم يصح. و ما أثبتناه من المصدر.
3- العزيز شرح الوجيز 393:4، روضة الطالبين 244:3.
4- في العزيز شرح الوجيز: «ملك» بدل «تلك».
5- العزيز شرح الوجيز 393:4، روضة الطالبين 244:3.

أقبضته بعد التفرّق، و قال البائع: بل قبله، قدّم قول البائع؛ تمسّكاً بصحّة البيع و القبض.

و لو أقاما بيّنةً، قال بعض الشافعيّة: بيّنة المسلم إليه أولى؛ لأنّها نافلة(1)(2).

و عندي فيه نظر؛ لأنّ القول قوله فالبيّنة(3) بيّنة الآخر.

مسألة 500: لو وجد رأس المال معيباً، فإن كان معيّناً و كان من غير الجنس، بطل السَّلَم.

و إن لم يكن معيّناً، فإن تقابضا الصحيح في المجلس قبل التفرّق، صحّ السَّلَم، و إلّا بطل.

و إن كان من الجنس، فالأقرب: الصحّة إن افترقا بعد الإبدال، و لو تفرّقا قبله، بطل العقد على إشكالٍ أقربه: الصحّة.

و لو أسلم مائة في حنطة و مثلها في شعير ثمّ دفع مائتين قبل التفرّق فوجد بعضها(4) زيوفاً من غير الجنس، وُزّع بالنسبة، و بطل من كلّ جنس بنسبة حصّته من الزيوف.

مسألة 501: لو شرط تعجيل نصف الثمن و تأخير الباقي، لم يصح

السَّلَم مطلقاً. أمّا في غير المقبوض: فلانتفاء القبض الذي هو شرط صحّة السَّلَم. و أمّا المقبوض: فلزيادته على المؤجّل، فيستدعي أن يكون في مقابلته أكثر ممّا في مقابلة المؤجّل، و الزيادة مجهولة.

ص: 341


1- في «ي» و الطبعة الحجريّة: «ناقلة» بالقاف.
2- العزيز شرح الوجيز 393:4، روضة الطالبين 245:3.
3- في «س»: «و البيّنة».
4- في الطبعة الحجريّة: «بعدها» بدل «بعضها» و الصحيح ما أثبتناه من «س، ي».
النظر الثالث: في الأحكام.
مسألة 502: قال الشيخ: لا بُدَّ من ذكر موضع التسليم.

و إن كان في حمله مئونة، فلا بُدَّ من ذكره أيضاً(1).

و الشافعيّة قالوا: السَّلَم إمّا حالّ أو مؤجّل.

أمّا الحالّ: فلا حاجة فيه إلى تعيين مكان التسليم، كالبيع، و يتعيّن مكان العقد، لكن لو عيّن موضعاً آخر، جاز، بخلاف البيع عنده؛ لأنّ السَّلَم يقبل التأجيل فيقبل شرطاً يتضمّن تأخير التسليم(2) بالإحصار(3) ، و الأعيان لا تحتمل التأجيل فلا تحتمل شرطاً يتضمّن تأخير التسليم. و حكم الثمن في الذمّة حكم المُسْلَم فيه. و إن كان معيّناً، فهو كالمبيع(4).

و عندنا لو شرط تعيين المكان في الأعيان، جاز.

و لا نريد بمكان العقد ذلك الموضع بعينه، بل تلك المحلّة، إلّا مع الشرط.

و إن كان السَّلَم مؤجّلاً، فعن الشافعي اختلاف في أنّه هل يجب تعيين مكان التسليم فيه ؟ و قد انقسم أصحابه إلى نُفاة الخلاف و مُثبتيه.

أمّا النُّفاة: فعن بعضهم أنّه إن جرى العقد في موضعٍ يصلح للتسليم فيه، فلا حاجة إلى التعيين. و إن جرى في موضعٍ غير صالح، فلا بُدَّ من

ص: 342


1- الخلاف 202:3، المسألة 9.
2- في «س، ي» و الطبعة الحجريّة: «السلم» بدل «التسليم». و الصحيح ما أثبتناه من المصدر.
3- في «س» و الطبعة الحجريّة: «بالإحضار» بالضاد المعجمة، و كلتاهما ساقطة في «ي» و ما أثبتناه من «العزيز شرح الوجيز».
4- العزيز شرح الوجيز 404:4، روضة الطالبين 254:3.

التعيين. و حمل قولي الشافعي على الحالين.

و قال آخرون: إنّ المُسْلَم فيه إن كان لحملة مئونة، وجب التعيين، و إلّا فلا. و حمل القولين على الحالين. و بهذا قال أبو حنيفة.

و أمّا المثبتون: فلهم طرق:

أحدها: أنّ المسألة على قولين مطلقاً.

و الثاني: أنّه إن لم يكن الموضع صالحاً، وجب التعيين لا محالة. و إن كان صالحاً، فقولان.

و الثالث: أنّه إن لم يكن لحملة مئونة، فلا حاجة إلى التعيين. و إن كان له مئونة، فقولان.

و الرابع: إن كان لحملة مئونة، فلا بُدَّ من التعيين، و إلّا فقولان. و هذا أصحّ عند بعضهم.

و وجه اشتراط التعيين: أنّ الأغراض تتفاوت بتفاوت الأمكنة، فلا بُدَّ من التعيين قطعاً للنزاع، كما لو باع بدراهم و تعدّدت نقود البلد.

و وجه عدم الاشتراط و به قال أحمد -: القياس على البيع، فإنّه لا حاجة فيه إلى تعيين مكان التسليم.

و وجه الفرق بين الموضع الصالح و غيره: اطّراد العرف بالتسليم في الموضع الصالح، و اختلاف الأغراض في غيره.

و وجه الفرق بين ما لحملة مئونة و غيره قريب من ذلك.

و فتوى الشافعيّة من هذا كلّه على وجوب التعيين إذا لم يكن الموضع صالحاً أو كان لحملة مئونة، و عدم الاشتراط في غير هاتين الحالتين(1).4.

ص: 343


1- العزيز شرح الوجيز 404403:4، فتح العزيز بهامش المجموع 253:9، روضة الطالبين 253:3، و راجع: بدائع الصنائع 213:5، و المغني 368367:4، و الشرح الكبير 369:4.

و هو عندي أقرب.

و إذا شرطنا التعيين، فلو لم يعيّن، فسد العقد. و إن لم نشترط، فإن عيّن، تعيّن.

و عن أحمد رواية أنّ هذا الشرط يفسد السَّلَم(1).

و إن لم يعيّن، حمل على مكان العقد.

و قال بعض الشافعيّة: إذا لم يكن في حمله مئونة، يسلّمه في أيّ موضعٍ صالح [شاء(2)(3)].

و في وجهٍ لهم: إذا لم يكن الموضع صالحاً للتسليم، حمل على أقرب موضعٍ صالح(4).

و لو عيّن موضعاً للتسليم فخرب و خرج عن صلاحية التسليم، احتمل تعيين ذلك الموضع عملاً بالشرط. و يحتمل أقرب موضعٍ صالح. و تخيير المشتري.

و للشافعيّة أقوال ثلاثة(5) ، كالاحتمالات.

فقد ظهر أنّ موضع العقد إن أمكن فيه التسليم، لم يجب شرطه، و إلّا وجب كما لو كانا في مفازة، عند بعض الشافعيّة(6).

و قال بعضهم: فيه قولان: الوجوب، و عدمه. و الأوّل أولى5.

ص: 344


1- العزيز شرح الوجيز 404:4، و انظر: المغني 368:4، و الشرح الكبير 369:4.
2- ما بين المعقوفين من المصدر.
3- العزيز شرح الوجيز 404:4، روضة الطالبين 253:3.
4- العزيز شرح الوجيز 404:4، روضة الطالبين 253:3.
5- العزيز شرح الوجيز 404:4، روضة الطالبين 254253:3.
6- انظر المصادر في الهامش (1) من ص 345.

عندهم(1).

و قال بعضهم: إن كان لحملة مئونة، وجب ذكر الموضع، و إلّا فلا. و به قال أبو حنيفة(2).

و قال أبو يوسف و محمّد: لا يجب ذكر موضع التسليم(3).

و قال أحمد: لا يجب، و إن ذكره، ففي فساد السَّلَم روايتان، إحداهما: الفساد؛ لأنّه شرط ما لا يقتضيه الإطلاق، و فيه غرر؛ لأنّه ربما تعذّر تسليمه في ذلك المكان، فأشبه ما إذا شرط مكيالاً بعينه أو نخلة بعينها(4).

و هو غلط؛ لأنّ القبض يجب بحلوله، و لا يعلم موضعهما في ذلك الوقت، فوجب شرطه، و إلّا كان مجهولاً، و ليس القبض يختصّ بحالة العقد، فإنّه يصحّ في غيرها، فلم يتعلّق بها، بخلاف الحال؛ لأنّ القبض يجب في هذه الحال، فانصرف إليها. و كونه غرراً غلط، و لو كان تعيين المكان غرراً في العقد، لكان تعليقه بزمانٍ غرراً، إلّا أن يكون موضعاً لا يمكن فيه التسليم، فإنّه لا يجوز.

و يحتمل قويّاً أنّه لا يشترط موضع التسليم و إن كان في حمله مئونة، فإن شرطاه، تعيّن.

و لو اتّفقا على التسليم في غيره، جاز. و مع الإطلاق ينصرف وجوب التسليم إلى موضع العقد.

و لو كانا في بلد غربة أو برّيّة و قَصْدُهما مفارقته قبل الحلول،4.

ص: 345


1- انظر المصادر في الهامش (1) من ص 345.
2- انظر المصادر في الهامش (1) من ص 345.
3- بدائع الصنائع 213:5، المغني 367:4، الشرح الكبير 369:4.
4- المغني 369367:4، الشرح الكبير 369:4، حلية العلماء 376:4.

فالأقرب: وجوب تعيين المكان.

مسألة 503: يجوز أخذ الرهن على المُسْلَم فيه و كذا الضامن،

و لا نعلم فيه خلافاً.

قال اللّه تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إلى آخر الآية الثانية(1).

و روى العامّة عن ابن عباس و ابن عمر أنّهما قالا: لا بأس بالرهن و الحميل(2).

و من طريق الخاصّة: رواية محمّد بن مسلم الصحيحة عن أحدهما (عليهما السّلام)، قال: سألته عن السَّلَم في الحيوان و في الطعام و يؤخذ الرهن، قال: «نعم، استوثق من مالك ما استطعت» قال: و سألته عن الرهن و الكفيل في بيع النسيئة، فقال: «لا بأس به»(3).

و لأنّه دَيْن واجب مستقرّ في الذمّة، فجاز أخذ الرهن و الضمين به، كالثمن.

مسألة 504: لا يجوز السلف في ثوبٍ بشرط

مسألة 504: لا يجوز السلف في ثوبٍ بشرط(4) أن يكون من غزل امرأة

بعينها أو نسج شخص بعينه، و لا في الثمرة بشرط أن تكون من نخلة معيّنة أو بستان بعينه، أو في زرع بشرط أن يكون من أرض معيّنة أو قرية صغيرة و به قال الشافعي(5) لتطرّق الموت إلى تلك المرأة أو النساج

ص: 346


1- البقرة: 282 و 283.
2- سنن البيهقي 19:6.
3- التهذيب 42:7، 178.
4- في «س، ي»: «و يشترط». و في الطبعة الحجريّة: «يشترط» بدون الواو. و الظاهر ما أثبتناه من حيث السياق.
5- العزيز شرح الوجيز 407:4، روضة الطالبين 256:3، المغني و الشرح الكبير 360:4.

المعيّن أو تعذّر غزلها و نسجه، و قد تصيب تلك النخلة أو البستان الجائحةُ فتنقطع الثمرة.

و كذا الغلّة فقد تصيب تلك الأرض المعيّنة أو القرية الصغيرة آفةٌ لا يخرج الزرع تلك السنة، فإذَنْ في التعيين غرر لا ضرورة إلى احتماله. و لأنّ التعيين ينافي المدينيّة(1) من حيث إنّه يضيق مجال التحصيل(2) ، و المسلم فيه ينبغي أن يكون دَيْناً مرسلاً في المدينيّة(3) ليتيسّر أداؤه.

أمّا لو أسلم في ثمرة ناحية أو قرية كبيرة، فإن أفاد أمراً زائداً، كمعقليّ البصرة و معقليّ بغداد، فإنّهما صنف واحد، لكن كلّ واحد(4) منهما يمتاز عن الآخر بصفات و خواصّ، فالإضافة إليها تفيد فائدة الأوصاف، و يكون الشرط لازماً.

و إن لم يُفد أمراً زائداً، احتمل عدم الالتفات إليه، كتعيين المكيال؛ لخلوّه عن الفائدة. و الصحّة؛ لأنّه لا ينقطع غالباً، و لا يتضيّق به المجال(5).

و كلاهما للشافعيّة، و أصحّهما عندهم: الثاني(6) ، و هو الأقوى عندي.

إذا تقرّر هذا، فإذا نسب الغلّة إلى قرية عظيمة تبعد الحيلولة فيها فاتّفق، كان بحكم انقطاع المُسْلَم فيه يتخيّر المشتري بين الصبر و الفسخ.3.

ص: 347


1- كذا، و الظاهر: الدينيّة.
2- في الطبعة الحجريّة: «من حيث إنّه يصير محال التسليم» و في هامشها: «التحصيل خ ل» و في «س» بدل «التسليم»: «التحصيل». و العبارة في «ي» ساقطة. و الصحيح ما أثبتناه.
3- كذا، و الظاهر: «الذمّة» بدل «المدينيّة».
4- في «س» و الطبعة الحجريّة: «لكن ذكر كلّ واحد».
5- في «س، ي» و الطبعة الحجريّة: «المحال» و هو خطأ.
6- العزيز شرح الوجيز 408:4، روضة الطالبين 256:3.

و في رواية زرارة الصحيحة عن الباقر (عليه السّلام)، قال: سألته عن رجل اشترى طعام قرية بعينها، فقال: «لا بأس إن خرج فهو له، و إن لم يخرج كان دَيْناً عليه»(1).

مسألة 505: قد بيّنّا أنّه يجب اشتراط الجودة و الرداءة في كلّ ما يسلم فيه؛

لأنّ القيمة و الأغراض تختلف بهما، و هو أحد قولي الشافعيّة. و القول الثاني: لا يحتاج إليه، و يحمل المطلق على الجيّد(2). و هو محتمل عندي.

و على كلّ تقدير إذا اشترطت الجودة أو قلنا: ينزّل عليها المطلق، ينزّل على أقلّ مراتب الدرجات، كغيرها من الصفات، فإذا شرط الكتابة، كفى أقلّ درجاتها، و كذا الخياطة و شبهها؛ لأنّ المراتب لا نهاية لها، فاكتفي بأقلّ المراتب؛ لأصالة البراءة عمّا زاد.

و لو شرط الرداءة، جاز و يكتفى فيها بمهما كان من أنواعها.

و قال كثير من الشافعيّة: إن شرطا رداءة النوع، جاز؛ لانضباطه. و إن شرطا رداءة العين أو الصفة، لم يجز؛ لأنّها لا تنضبط، و ما من رديء إلّا و هناك خير منه، و إن كان رديئاً، فيفضي إلى النزاع(3).

و اعلم أنّ نوع المُسْلَم فيه لا بُدَّ من التعرّض له، فإن لم ينص على النوع و تعرّض للرديء تعريفاً للنوع، قالت الشافعيّة: فذلك محتمل لا محالة. و إن نصّ على النوع، فذكر الرداءة حشو(4).

و أمّا رداءة الصفة فقال كثير منهم بجواز اشتراطه(5) ؛ لأنّهم ذكروها في مقابلة الجودة، و لا شكّ أنّهم لم يريدوا بها جودة النوع.

ص: 348


1- الفقيه 132:3، 574، التهذيب 39:7، 162.
2- العزيز شرح الوجيز 423:4، روضة الطالبين 269:3.
3- العزيز شرح الوجيز 423:4، روضة الطالبين 269:3.
4- العزيز شرح الوجيز 423:4.
5- العزيز شرح الوجيز 423:4.
مسألة 506: الصفات المشترطة إن كانت مشهورةً عند الناس، فلا بحث.

و إن لم تكن مشهورةً إمّا لغرابة الألفاظ المستعملة فيها أو لغيرها، فلا بدّ من معرفة المتعاقدين بها. و إن جهلاها أو أحدهما، لم يصح العقد.

و هل تكفي معرفتهما؟ إشكال ينشأ من أنّه لا بدّ من أن يعرفها غيرهما ليرجعا إليه عند التنازع، و من أنّه عقد على معلوم عند المتعاقدين، فكان جائزاً، كالمقدار.

و إن جهله غيرهما، فإن شرطنا معرفة الغير، اكتفي بمعرفة عدلين، و لا يفتقر إلى الاستفاضة.

و للشافعيّة قولان: الاكتفاء بالعدلين، و اشتراط الاستفاضة(1).

و كذا يجري الوجهان فيما إذا لم يعرف المكيال المذكور إلّا عدلان(2).

مسألة 507: إذا دفع البائع من غير الجنس، كما إذا باع تمراً فدفع زبيباً، أو أسلم في ثوب كتّان فدفع ثوب قطن، لم يجب على المشتري قبوله
اشارة

إجماعاً؛ لأنّه غير ما شرطه، فإن تراضيا عليه، جاز؛ للأصل. و لقوله (عليه السّلام): «الصلح جائز بين المسلمين إلّا ما حرّم حلالاً أو حلّل حراماً»(3).

و قال الشافعي: لا يجوز؛ لأنّه اعتياض، و ذلك غير جائز في السَّلَم(4).

ص: 349


1- العزيز شرح الوجيز 424:4، روضة الطالبين 270:3.
2- العزيز شرح الوجيز 424:4، روضة الطالبين 270:3.
3- سنن ابن ماجة 788:2، 2353، سنن أبي داوُد 304:3، 3594، سنن الترمذي 635:3، 1352، سنن البيهقي 65:6.
4- الوجيز 157:1، العزيز شرح الوجيز 425:4، روضة الطالبين 270:3.

و هو مصادرة على المطلوب.

و يؤيّده ما رواه العيص بن القاسم في الصحيح عن الصادق (عليه السّلام)، قال: سألته عن رجل أسلف رجلاً دراهم بحنطة حتى إذا حضر الأجل لم يكن عنده طعام و وجد عنده دوابّ أو رقيقاً أو متاعاً، يحلّ له أن يأخذ من عروضه تلك بطعامه ؟ قال: «نعم، يسمّي كذا و كذا بكذا و كذا صاعاً»(1).

أمّا إن دفع من الجنس لكنّه أجود ممّا شرط، وجب قبوله و لم يكن حراماً؛ لما رواه سليمان بن خالد قال: سئل الصادق (عليه السّلام) عن رجل يسلم في وصف(2) أسنان معلوم و لون معلوم ثمّ يعطى فوق شرطه، فقال: «إذا كان على طيبة نفس منك و منه فلا بأس به»(3).

و لو كان أكثر، لم يجب القبول؛ لما فيه من المنّة.

و لو جاءه بالثوب المُسْلَم فيه أجود ممّا شرط فأعطاه عوض الجودة شيئاً، جاز و به قال أبو حنيفة(4) لأنّه أخذ عوضاً عن الزيادة، فأشبه ما لو أسلم في عشرة أذرع فجاءه بأحد عشر ذراعاً. و لأنّها معاوضة على شيء سائغ بشيء مملوك، فكان جائزاً، كغيرها من المعاوضات.

و قال الشافعي: لا يجوز؛ لأنّ الجودة صفة، فلا يجوز إفرادها بالعقد(5) ، كما لو كان مكيلاً أو موزوناً، بخلاف الذرع؛ لأنّه عين و ليس بصفة.1.

ص: 350


1- الكافي 186:5، 7، الفقيه 165:3، 729، التهذيب 31:7، 130، الإستبصار 76:3، 254.
2- في المصدر: وصيف.
3- التهذيب 41:7، 173.
4- فتاوى قاضيخان بهامش الفتاوى الهنديّة 119:2.
5- المهذّب للشيرازي 308:1.

و يُمنع المنع من جواز إفرادها، و الأصل فيه أنّ هذا نوع من الصلح، و ليس بيعاً حقيقيّاً، فلم يكن به بأس.

و إن دفع أدون في الوصف ممّا عليه، لم يجب قبوله، لكن لو رضي به، جاز؛ لأنّه نوع إسقاط لما وجب له.

و لما رواه أبو بصير عن الصادق (عليه السّلام)، قال: سألته عن السَّلَم في الحيوان، قال: «ليس به بأس» قلت: أ رأيت إن أسلم في أسنان معلومة أو شيء معلوم من الرقيق فأعطاه دون شرطه و فوقه بطيب نفس منهم ؟ فقال: «لا بأس به»(1).

و به قال الشافعي(2).

و لو دفع عوضاً عن الرداءة، فالأقرب: الجواز، كما في طرف الجودة.

و أمّا إن جاءه(3) بنوعٍ آخر، كما إذا أسلم في الزبيب الأبيض فجاءه بالأسود، فالأقرب: الجواز؛ لأنّه من جنسه، و المخالفة في الوصف لا غير، لكن بشرط أن يتراضيا عليه.

و للشافعي قولان، أحدهما: المنع؛ لأنّه يكون اعتياضاً(4). و هو ممنوع.

و للشافعي في قبول الأجود في الوصف مع اتّحاد الجنس قولان:

أحدهما: المنع؛ لما فيه من المنّة.4.

ص: 351


1- الكافي 220:5، 1، الفقيه 166:3، 733، التهذيب 46:7، 198.
2- العزيز شرح الوجيز 425:4، روضة الطالبين 270:3.
3- في «س» و الطبعة الحجريّة: «جاء».
4- المهذّب للشيرازي 308:1، حلية العلماء 382381:4، الوجيز 157:1، العزيز شرح الوجيز 425:4.

و أصحّهما: الجواز كما قلناه لأنّ إتيانه به يشعر بأنّه لا يجد سبيلاً إلى إبراء ذمّته بغير ذلك، و هو يهوّن أمر المنّة(1).

و لو اختلف النوع، كما لو أسلم في المعقليّ فجاء بالبرنيّ، أو في الزبيب الأبيض فجاء بالأسود، أو في الثوب الهرويّ فجاء بالمرويّ، لم يجب على المسلم قبوله؛ لاختلاف الأغراض باختلاف الأنواع.

و قال بعض الشافعيّة: يجب القبول(2).

و الحقّ الأوّل.

فإن قَبِله، جاز و هو أحد قولي الشافعي(3) كما لو اختلفت الصفة.

و الثاني: لا يجوز، كما لو اختلف الجنس(4).

و امتناعه باطل عندنا.

و للشافعيّة اختلاف في أنّ التفاوت بين التركيّ و الهنديّ من العبيد تفاوت جنسٍ أو تفاوت نوعٍ؟ و الصحيح عندهم: الثاني، و في(5) أنّ التفاوت بين الرطب و التمر و بين ما يسقى بماء السماء و ما يسقى بغيره تفاوت نوعٍ أو صفة ؟ و الأشبه: الأوّل(6).

تذنيب: لو دفع الأردأ أزيد من الحقّ، فإن لم يكن ربويّاً، جاز.

و إن كان ربويّاً و كانت المعاوضة على سبيل البيع، لم يجز؛ لأنّه ربا. و إن لم يكن على سبيل البيع، فالأقرب عندي: الجواز.

مسألة 508: للمشتري سَلَماً أخذ الحنطة خاليةً من التبن و غيره

و من

ص: 352


1- العزيز شرح الوجيز 425:4.
2- العزيز شرح الوجيز 425:4، روضة الطالبين 270:3.
3- حلية العلماء 382:4، العزيز شرح الوجيز 425:4.
4- حلية العلماء 382:4، العزيز شرح الوجيز 425:4.
5- في «س، ي»: «و من» بدل «و في». و الصحيح ما أثبتناه.
6- العزيز شرح الوجيز 425:4، روضة الطالبين 270:3.

الزائد على العادة من التراب، و أخذ التمر جافّاً، و لا يجب تناهي جفافه؛ لأنّا قد بيّنّا أنّ الواجب أقلّ ما يطلق عليه الاسم. و يجب تسليم الرطب صحيحاً غير مشدّخ(1).

و لا يجوز قبض المكيل و الموزون جزافاً، فإن تراضيا به، فالأقوى عندي: الجواز. و للمشتري ملء المكيال و ما يحتمله، و لا يكون ممسوحاً و لا يدقّه و لا يهزّه و لا يزلزل المكيال و لا يوضع الكفّ على جوانبه، و ليس له قبض المكيل بالوزن و لا بالعكس إلّا بالتراضي.

مسألة 509: ليس للمشتري المطالبة بالمُسْلَم فيه قبل المحلّ إجماعاً،

و إلّا لبطل فائدة التأجيل. و لو أدّى المُسْلَم إليه قبل المحلّ، لم يجب على المشتري قبوله، سواء كان له في الامتناع غرض، كما إذا كان وقت نهب، أو كان المُسْلَم فيه حيواناً يحذر من علفها(2) ، أو كان ثمرة أو لحماً يريد أكله عند المحلّ طريّاً، أو كان ممّا يحتاج إلى مكانٍ له مئونة، كالحنطة و القطن، أو لم يكن له غرض في الامتناع، و سواء كان للمؤدّي غرض سوى براءة الذمّة، كما لو كان به رهن يريد فكاكه أو ضامن يريد براءته، أو لا؛ لأنّ التعجيل كالتبرّع بالزيادة، فلا يكلّف تقليد المنّة.

و قال الشافعي: إن كان له في الامتناع غرض، كالخوف من النهب أو تكلّف مئونة الحيوان أو اجرة الدار أو عدم الطراوة، لم يجبر على القبول؛ لتضرّره.

و إن لم يكن له غرض في الامتناع، فإن كان للمؤدّي غرض سوى براءة الذمّة، أُجبر على القبول، كالمكاتب يعجّل النجوم ليعتق، فإنّه يجبر

ص: 353


1- الشدخ: الكسر في كلّ شيء رَطْب. لسان العرب 28:3 «شدخ».
2- كذا، و الظاهر: علفه.

السيّد على قبولها.

و هل يلتحق بهذه الأعذار خوفه من انقطاع الجنس قبل الحلول ؟ وجهان، أحدهما: أنّه يلحق؛ لما في التأخير من خطر انفساخ العقد، أو ثبوت حقّ الفسخ.

و إن لم يكن للمؤدّي غرض سوى البراءة، فقولان، أحدهما: أنّه لا يجبر المستحقّ على القبول. و أصحّهما: أنّه يجبر؛ لأنّ براءة الذمّة غرض ظاهر، و ليس للمستحقّ غرض في الامتناع فيمنع من التعنّت.

و إن تقابل غرض الممتنع و المؤدّي، فطريقان، أحدهما: أنّه يتساقطان، و يجري القولان. و أصحّهما: أنّ المراعى جانب المستحقّ(1).

و بعضهم طرّد القولين فيما إذا كان للمعجّل غرض في التعجيل و لم يكن للممتنع غرض في الامتناع(2). و هو غريب.

و بعضهم راعى جانب المؤدّي أوّلاً، فقال: إن كان له غرض في التعجيل، يجبر الممتنع على القبول، و إلّا فإن كان له غرض في الامتناع، فلا يجبر، و إلّا فقولان(3).

و هذا كلّه ساقط عندنا. و حكم سائر الديون المؤجّلة حكم المُسْلَم فيه.

مسألة 510: كلّ مَنْ عليه حقٌّ مالي حالّ أو مؤجّل و قد حلّ إذا دفعه إلى صاحبه، وجب عليه قبوله مطلقاً؛

لأنّ له غرضاً في إبراء ذمّته.

و قالت الشافعيّة: إن كان للمعجّل غرض سوى البراءة، أُجبر على

ص: 354


1- العزيز شرح الوجيز 427426:4، روضة الطالبين 271:3.
2- العزيز شرح الوجيز 427:4، روضة الطالبين 271:3.
3- العزيز شرح الوجيز 427:4.

القبول، و إلّا فطريقان، أحدهما: أنّه على قولين: أحدهما: عدم الإجبار؛ لأنّ الحقّ له، فله أن يؤخّره إلى متى شاء. و الأصحّ: أنّه يُجبر على القبول، فحينئذٍ لو أصرّ على الامتناع، أخذه الحاكم و حفظه له. فإن تلف، كان من المالك(1).

أمّا لو دفعه إليه قبل وقته، فإنّه لا يجب القبول، فإن تلف قبل تسليمه، كان من مال الدافع.

و لو عيّن البائع المُسْلَم فيه في مشخّص أو المديون الدَّيْن في مال بعينه و دفعه إلى صاحبه فامتنع من قبوله فتلف، فإن تعذّر الحاكم، فهو تالف من صاحب الدَّيْن و المُسْلِم. و إن أمكن الوصول إلى الحاكم، فالأقرب: أنّه من مال الدافع؛ لأنّ التعيين يتمّ بقبض الحاكم، مع احتمال الاكتفاء بتعيينه، فحينئدٍ يكون من مال صاحبه أيضاً و يبرأ الدافع.

مسألة 511: إذا تعيّن موضع التسليم بمطلق العقد إذا قلنا: يتعيّن به في موضع العقد، أو تعيّن بالشرط، وجب التسليم فيه،

فإن جاءه في غير موضعه، لم يُجبر على أخذه؛ لأنّه يفوت عليه غرضه في ذلك الموضع.

و لو بذل له اجرة حمله إلى ذلك الموضع، لم يلزمه قبوله، لكن يجوز له أخذه.

و قال الشافعي: لا يجوز؛ لأنّ بذل العوض في المُسْلَم فيه لا يجوز فكذا في تسليمه في موضعٍ دون موضع(2).

و الملازمة ممنوعة.

فإن جعله نائباً عنه في حمله، لم يكن قابضاً، و كان للمسلم إليه،

ص: 355


1- العزيز شرح الوجيز 427:4، روضة الطالبين 271:3.
2- انظر: العزيز شرح الوجيز 428:4.

و احتاج إلى أن يسلّمه إليه إذا حصل في الموضع المستحقّ.

و لو ظفر المُسلِم به في غير ذلك المكان، فإن كان لنقله مئونة، لم يطالب به.

و هل يطالب بالقيمة للحيلولة ؟ للشافعيّة وجهان: أحدهما: المنع؛ لأنّ أخذ العوض عن المُسْلَم فيه قبل القبض غير جائز. و الثاني: نعم؛ لوقوع الحيلولة بينه و بين حقّه. فإن قلنا بالأوّل، فللمسلم الفسخ و استرداد رأس ماله، كما لو انقطع المُسْلَم فيه(1).

و إن لم يكن لنقله مئونة، كالدراهم و الدنانير، فله مطالبته به على أحد القولين للشافعيّة(2).

أمّا لو ظفر المالك بالغاصب في غير مكان الغصب و الإتلاف، فله أن يطالبه بالمثل.

و قال أكثر الشافعيّة: له أن يطالبه بالقيمة لا غير(3).

و هذه القيمة المأخوذة عن السَّلَم ليست عوضاً؛ إذ يبقى استحقاق المطالبة بحاله حتى إذا عاد إلى مكان التسليم، يطالبه به و يردّ القيمة.

و لو جاء المسلم إليه بالمُسْلَم فيه في غير مكان التسليم المشترط أو الثابت بمطلق العقد و أبى المستحقّ قبوله، فقد قلنا: إنّه لا يجبر على قبوله، سواء كان لنقله مئونة أو لم يكن، أو كان الموضع مخوفاً أو لا.

و للشافعيّة(4) فيما إذا لم يكن لنقله مئونة أو لم يكن مخوفاً وجهانة.

ص: 356


1- العزيز شرح الوجيز 428:4، روضة الطالبين 271:3.
2- الوجيز 158:1، العزيز شرح الوجيز 428:4، روضة الطالبين 272:3.
3- الوجيز 158:1، العزيز شرح الوجيز 428:4، روضة الطالبين 272:3.
4- في «س» و الطبعة الحجريّة زيادة: «وجهان» و العبارة في «ي» ساقطة. و حذفناها؛ لأنّها زيادة.

بناءً على القولين في التعجيل قبل المحلّ، فإن رضي و أخذه(1) ، لم يكن له أن يكلّفه مئونة النقل(2).

مسألة 512: إذا قبض المسلم المُسْلَم فيه ثمّ وجد به عيباً، كان له أن يرضي به،
اشارة

و له أن يردّه، فإذا ردّه، انفسخ القبض، و كان له المطالبة بما لا عيب فيه. و إن رضي به، لزمه. و إن حدث عنده عيب قبل الردّ، لم يكن له أن يردّه، و رجع(3) بأرش العيب و به قال الشافعي(4) لأنّه عوض يجوز ردّه بالعيب، فإذا سقط بحدوث عيبٍ آخر، ثبت الرجوع بالأرش، كبيوع الأعيان.

و قال أبو حنيفة: لا يرجع بالأرش؛ لأنّ الرجوع بالأرش أخذ عوض الجزء الفائت، و بيع المُسْلَم فيه قبل القبض لا يجوز(5).

و هو غلط؛ لأنّ بيع المعيّن قبل القبض لا يجوز و قد جاز أخذ الأرش. و لأنّ ذلك فسخ العقد في الجزء الفائت و ليس ببيع، و لهذا يكون بحسب الثمن المسمّى في العقد.

فأمّا إذا وجد العيب في رأس المال بعد التفرّق، فالحكم فيه كما سبق في المتصارفين إذا وجد أحدهما بما صار إليه عيباً، و قد سبق(6).

ص: 357


1- في «س، ي» و الطبعة الحجريّة: «واحد» بدل «و أخذه». و الصحيح ما أثبتناه كما في المصدر.
2- العزيز شرح الوجيز 428:4، روضة الطالبين 272:3.
3- في «س»: «و يرجع».
4- المهذّب للشيرازي 309:1، حلية العلماء 384:4، مختصر اختلاف العلماء 23:3، 1091.
5- مختصر اختلاف العلماء 23:3، 1091، حلية العلماء 384:4.
6- في ج 10، ص 428، المسألة 216.
تذنيب: إذا ضمن المُسْلَم فيه ضامن فصالحه المسلم عنه،

لم يجز؛ لأنّه بيع المُسْلَم فيه قبل القبض، هذا عند الشافعي(1).

و عندنا الصلح عقد مستقلّ قائم بنفسه ليس بيعاً، فلا تجب مساواته له في أحكامه.

قال: فإن صالح المسلم المسلم إليه، لم يجز أيضاً، إلّا أن يصالحه على رأس المال بعينه، فيكون فسخاً للعقد، و يصحّ(2).

و الوجه عندي: جواز الأوّل أيضاً.

مسألة 513: إذا تقايلا السَّلَم، وجب ردّ رأس المال

إن كان باقياً بعينه. و إن كان تالفاً، ردّ مثله إن كان مثليّا، و إلّا فالقيمة، فإن تراضيا أن يدفع إليه بدله مع بقائه، جاز أن يدفع العوض.

و هل يجب تعيينه في المجلس ؟ الأقرب: عدم الوجوب.

و قال الشافعي: يجب(3).

فإن كان رأس المال من جنس الأثمان و العوض منه أيضاً، وجب القبض في المجلس عند الشافعي(4).

و الأقرب: أنّه لا يجب؛ لأنّه ليس بيعاً، فلا يجب فيه ما يجب في الصرف.

و إن كان أحدهما من غير جنس الأثمان، لم يجب القبض في المجلس؛ لأنّه ليس بيعاً. و إن كان، فهو بيع عوض معيّن من غير جنس الأثمان بثمن في الذمّة، فجاز فيه التفرّق قبل القبض، كما لو باع سلعة

ص: 358


1- لم نعثر عليه في مظانّه.
2- لم نعثر عليه في مظانّه.
3- لم نعثر عليه في مظانّه.
4- المهذّب للشيرازي 309:1.

بثمن، و هو أحد قولي الشافعي.

و الثاني: يجب؛ لأنّه لو تفرّقا قبل القبض، كان الثمن و المثمن مضمونين على البائع. و لأنّ المبيع في الذمّة، فإذا كان المبيع في الذمّة، وجب قبض الثمن(1) في المجلس كما يجب قبض رأس مال السَّلَم في المجلس(2).

و قال أبو حنيفة: لا يجوز أن يأخذ عوضه؛ استحساناً، فلو كان السَّلَم فاسداً، جاز أخذ عوض رأس المال؛ لقوله (عليه السّلام): «مَنْ أسلم في شيء فلا يصرفه إلى غيره»(3)(4)] لأنّه مضمون على المسلم إليه بعقد السَّلَم، فلا يجوز له أن يدفع عوضه، كالمُسْلَم فيه(5).

و احتجّ الشافعي: بأنّه مال عاد إليه بفسخ العقد، فجاز أن يأخذ عوضه، كالثمن في بيع الأعيان إذا فسخ، و المُسْلَم فيه مضمون على المسلم إليه بالعقد، و هذا بعد فسخ العقد، فهو بمنزلة الثمن الذي ذكرناه. و المراد بالخبر المُسْلَم فيه(6). و ذلك إجماع.

مسألة 514: لا يجوز بيع السلف قبل حلوله،

و يجوز بعده قبل القبض على الغريم و غيره على كراهية.

و يجوز بيع بعضه و توليته و تولية بعضه و الشركة فيه و به قال

ص: 359


1- في «س، ي»: «ثمنه» بدل «الثمن».
2- المهذّب للشيرازي 309:1.
3- سنن أبي داوُد 276:3، 3468، سنن الدارقطني 85:3، 187، المغني و الشرح الكبير 373:4.
4- أضفناها لأجل السياق، و كما في المغني و الشرح الكبير.
5- حلية العلماء 388:4، المغني و الشرح الكبير 373:4.
6- المغني و الشرح الكبير 373:4.

مالك(1) ، و قد تقدّم(2) أكثر ذلك لأنّ العامّة رووا عن النبيّ (عليه السّلام) أنّه نهى عن بيع الطعام قبل قبضه، و رخّص في الشركة و التولية(3).

و من طريق الخاصّة: ما روي أنّ معاوية بن وهب سأل الصادقَ (عليه السّلام): عن الرجل يبيع البيع قبل أن يقبضه، فقال: «ما لم يكن كيل أو وزن فلا تبعه حتى تكيله أو تزنه إلّا أن يولّيه الذي قام عليه»(4).

و لأنّهما يختصّان بالثمن، فأشبها الإقالة.

و قال الشافعي: لا يجوز للمسلم أن يشرك غيره في المُسْلَم فيه فيقول له: شاركني في نصفه بنصف الثمن، و لا أن يولّيه فيقول: ولني جميعه بجميع الثمن أو نصفه بنصف الثمن؛ لأنّها معاوضة في المُسْلَم فيه قبل قبضه، فلم يجز، كما لو كانت بلفظ البيع(5).

و الملازمة ممنوعة.

مسألة 515: يجوز أن يسلف في شيء و يشترط السائغ،

كالقرض و البيع و الاستسلاف و الرهن و الضمين؛ لأنّه عقد قابل للشرط، و قد شرط ما هو سائغ ممّا لا يوجب جهالةً في أحد العوضين، فيجب أن يكون جائزاً؛ لقوله تعالى أَوْفُوا بِالْعُقُودِ (6).

و قوله (عليه السّلام): «المؤمنون عند شروطهم»(7).

ص: 360


1- المحلّى 2:9، حلية العلماء 386:4، المغني و الشرح الكبير 370:3.
2- في ج 10 ص 128، ذيل المسألة 68.
3- المغني و الشرح الكبير 370:4.
4- التهذيب 35:7، 146.
5- حلية العلماء 386:4، التنبيه في الفقه الشافعي: 99.
6- المائدة: 1.
7- التهذيب 371:7، 1503، الاستبصار 232:3، 835، الجامع لأحكام القرآن 33:6.

و لو أسلم في غنم و شرط أصواف نعجات معيّنة، صحّ.

مسألة 516: الشركة و التولية بيع بلفظ الشركة

و التولية حكمها حكم البيع في جميع الأحكام، إلّا أنّها تقتضي(1) البيع بالثمن الأوّل خاصّة. و يلحق بهما جميع ما يلحق بالبيع من الخيار و الشفعة و غيرهما على إشكال في الشركة.

مسألة 517: لو اختلفا في المُسْلَم فيه، فقال أحدهما: في حنطة، و قال الآخر: في شعير، تحالفا،

و انفسخ العقد؛ لأنّ كلّ واحد مُدّعٍ و منكر، فيقدّم قول المنكر مع يمينه في الدعويين.

و لو اختلفا في قدر المُسْلَم فيه أو في قدر رأس المال أو قدر الأجل، قدّم قول منكر الزيادة في ذلك كلّه مع اليمين.

و قال الشافعي: يتحالفان، كما في بيع العين(2).

و الأصل ممنوع.

و لو اتّفقا على ذلك و اختلفا في انقضاء الأجل بأن يختلفا في وقت العقد، فيقول أحدهما: عقدنا في رجب، و يقول الآخر: في شعبان، فالقول قول المسلم إليه في بقاء الأجل مع يمينه؛ لأصالة البقاء و المسلم يدّعي انقضاءه، و الأصل أيضاً عدم العقد في رجب.

و لو اختلفا في قبض رأس المال، فقال أحدهما: كان القبض قبل التفرّق فالعقد صحيح، و قال الآخر: كان بعد التفرّق فالعقد فاسد، قُدّم قول مدّعي الصحّة؛ لأصالتها.

ص: 361


1- كذا وردت العبارة في «س، ي» و الطبعة الحجريّة. و الظاهر هكذا: «حكمهما حكم البيع في جميع الأحكام، إلّا أنّهما تقتضيان».
2- لم نعثر عليه في مظانّه.

و إن أقاما بيّنةً، قُدّمت بيّنة الصحّة، قاله بعض الشافعيّة(1). و ليس بجيّد.

و كذا إذا كان رأس المال في يد المسلم، فقال المسلم إليه: قبضته منك قبل الافتراق ثمّ رددته إليك وديعةً أو: غصبتنيه، فالقول قوله؛ لأصالة صحّة العقد. و لأنّه انضمّ إلى الصحّة الإثبات. و فيه نظر.

و لو اختلفا في اشتراط الأجل، فالأقرب: أنّ القول قول مدّعيه إن عقدا بلفظ السَّلَم على إشكال.

و على القول بصحّة الحالّ فالإشكال أقوى.

و لو اختلفا في أداء المُسْلَم فيه، فالقول قول المنكر.

و لو اختلفا في قبض الثمن، فالقول قول البائع؛ لأنّه منكر و إن تفرّقا.

مسألة 518: لو وجد البائع بالثمن عيباً، فإن كان من غير الجنس، بطل العقد إن تفرّقا قبل التعويض

أو كان الثمن معيّناً. و إن كان من الجنس، فإن كان معيّناً، تخيّر بين الأرش و الردّ، فيبطل السَّلَم. و إن لم يكن معيّناً، كان له الأرش و المطالبة بالبدل و إن تفرّقا على إشكال.

و لو كان الثمن مستحَقّاً، فإن كان معيّناً، بطل العقد، و إلّا فإن تفرّقا قبل قبض عوضه، بطل.

و لو أسلم نصرانيّ إلى نصرانيّ في خمر فأسلم أحدهما قبل القبض، بطل السلف، و للمشتري أخذ دراهمه؛ لتعذّر العين عليه.

و يحتمل السقوط، و القيمة عند مستحلّيه.

مسألة 519: لو أسلم في شيئين صفقة واحدة بثمنٍ واحد، صحّ،

ص: 362


1- انظر: العزيز شرح الوجيز 393:4، و روضة الطالبين 245:3.

سواء تماثلا أو تخالفا، و يقسّط الثمن على القيمتين مع التخالف، و على القدر مع التماثل.

و لو شرط الأداء في أوقات متفرّقة، صحّ إن عيّن ما يؤدّيه في كلّ وقت، و لو لم يعيّن، بطل؛ للجهالة.

و لو شرط رهناً أو ضميناً، فإن عيّناه، تعيّن، و إلّا احتمل البطلان؛ للجهالة المفضية إلى التنازع. و الصحّة، فيحتمل رهن المثل و ضميناً مليّاً أميناً، و تخيّر مَنْ عليه الرهن و الضمين.

و لو شرطا الرهن أو الضمين ثمّ تفاسخا، أو ردّ الثمن لعيبٍ، بطل الرهن، و برئ الضمين.

و لو صالحه بعد الحلول على مالٍ آخر غير مال السَّلَم، سقط الرهن؛ لتعلّقه بعوض مال الصلح لا به.

خاتمة تشتمل على مسائل تتعلّق بالقبض سلف أكثرها:
مسألة 520: مَنَع جماعة من علمائنا بيعَ ما لم يقبض في سائر المبيعات،

و قد تقدّم(1) و هو قول الشافعي، و به قال ابن عباس و محمّد بن الحسن(2) لنهيه (عليه السّلام) عن بيع ما لم يقبض(3).

ص: 363


1- في ج 10 ص 120، ضمن المسألة 66.
2- الاُمّ 7069:3، مختصر المزني: 82، الحاوي الكبير 220:5، المهذّب للشيرازي 269:1، المجموع 264:9 و 270، حلية العلماء 77:4، الوجيز 146:1، العزيز شرح الوجيز 293:4، روضة الطالبين 166:3، مختصر اختلاف العلماء 29:3، 1100، بداية المجتهد 144:2، المغني 239:4، الشرح الكبير 127:4.
3- صحيح البخاري 89:3، سنن النسائي 285:7، المعجم الكبير للطبراني 12:11، 10875، و فيها النهي عن بيع الطعام قبل القبض.

و قال مالك: إنّ كلّ بيع لا يتعلّق به حقّ توفّيه على البائع يجوز بيعه قبل القبض، سوى الطعام و الشراب(1) ؛ لقوله (عليه السّلام): «من ابتاع طعاماً فلا يبيعه حتى يستوفيه»(2) و هو يدلّ على أنّ ما عدا الطعام بخلافه.

و قال أبو حنيفة و أبو يوسف: ما لا ينقل و يحوّل يجوز بيعه قبل القبض؛ لأنّه مبيع لا يخشى انفساخ العقد بتلفه، فجاز بيعه، كالمقبوض(3).

و قال أحمد: ما ليس بمكيل و لا موزون و لا معدود يجوز بيعه قبل قبضه و به قال الحسن البصري و سعيد بن المسيّب لأنّه إذا لم يكن على البائع توفيته، فإنّه من ضمان المشتري؛ لأنّ الخراج له، و قد قال (عليه السّلام): «الخراج بالضمان»(4) و إذا كان من ضمان المشتري، لم يخش انفساخ العقد بتلفه، فجاز التصرّف فيه، كالثمن(5).

مسألة 521: لا يتعدّى هذا الحكم إلى غير المبيع،

فيجوز بيع الصداق

ص: 364


1- بداية المجتهد 144:2، الحاوي الكبير 220:5، حلية العلماء 79:4، مختصر اختلاف العلماء 3029:3، 1100، العزيز شرح الوجيز 293:4، المجموع 270:9.
2- صحيح البخاري 90:3، صحيح مسلم 1159:3 و 1160، 29 و 32، سنن ابن ماجة 749:2، 2226 و 2227، سنن النسائي 285:7، سنن البيهقي 31:6.
3- المبسوط للسرخسي 9:13، بدائع الصنائع 181:5، مختصر اختلاف العلماء 29:3، 1100، حلية العلماء 78:4، الحاوي الكبير 220:5، العزيز شرح الوجيز 293:4، المجموع 270:9، بداية المجتهد 144:2، المغني 239:4، الشرح الكبير 128127:4.
4- سنن ابن ماجة 754:2، 2243، سنن أبي داوُد 284:3، 3508 3510، سنن البيهقي 321:5 و 322، مسند أحمد 74:7، 23704، المستدرك للحاكم 15:2.
5- المغني 239:4، الشرح الكبير 127:4، الحاوي الكبير 220:5، العزيز شرح الوجيز 294:4، المجموع 270:9.

و عوض الخلع قبل قبضه و به قال أبو حنيفة(1) لأنّه لا يخشى انفساخ العقد بتلفه.

و قال الشافعي: لا يجوز(2) ؛ لما تقدّم.

فأمّا الثمن فإن كان معيّناً، فهو بمنزلة المبيع. و إن كان في الذمّة، جاز التصرّف فيه؛ لأنّ ابن عمر قال: كنت أبيع الإبل بالبقيع فأبيع بالدنانير و آخذ الدراهم، آخذ هذه من هذه و أُعطي هذه من هذه، فقال رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله): «لا بأس أن تأخذها ما لم تتفرّقا و بينكما شيء»(3) و هذا أحد قولي الشافعي. و في الثاني: لا يجوز؛ لعموم الخبر(4)(5).

و لو ورث طعاماً، كان له بيعه قبل قبضه و به قال الشافعي(6) لأنّه غير مضمون بعقد معاوضة.

مسألة 522: لو كان لزيد على بكر طعام من سَلَم و لعمرو على زيد طعام من سلف، فقال زيد لعمرو: اذهب و اقبض من بكر لنفسك، لم يصح قبضه؛

لأنّه لا يجوز أن يقبض لنفسه مال غيره، و لا يدخل في ملكه بالأمر.

ص: 365


1- حلية العلماء 78:4.
2- الوجيز 145:1، المهذّب للشيرازي 269:1، المجموع 267:9، الحاوي الكبير 230:5، المحلّى 521:8، مختصر اختلاف العلماء 29:3، 1100.
3- سنن أبي داوُد 250:3، 3354، سنن البيهقي 284:5، مسند الطيالسي: 255، 1868.
4- تقدّمت الإشارة إلى مصادره في ص 366، الهامش (2).
5- حلية العلماء 81:4، العزيز شرح الوجيز 302:4، روضة الطالبين 173172:3، المجموع 274:9.
6- الوجيز 145:1، العزيز شرح الوجيز 297:4، روضة الطالبين 169:3، المجموع 265:9، المغني 240:4، الشرح الكبير 130:4.

و لو قال لعمرو: احضر اكتيالي منه لأقبضه لك، فأكتاله، لم يصح؛ لأنّه قبضه قبل أن يقبضه.

و إذا لم يصح القبض لعمرو، فهل يقع القبض للآمر في هاتين المسألتين ؟ للشافعي وجهان بناءً على القولين إذا باع نجوم الكتابة و قبضها المشتري من المكاتب، فإنّ(1) البيع لا يصحّ، و لا يصحّ القبض للمشتري، و هل يقع القبض للسيّد و يعتق المكاتب ؟ قولان:

أحدهما: يكون قبضاً له؛ لأنّه أذن في القبض، فأشبه قبض وكيله.

و الثاني: لا يكون قبضاً له؛ لأنّه أذن له في أن يقبض لنفسه، و لم يجعله نائباً عنه في القبض، فلا يقع له، بخلاف الوكيل، فإنّه استنابه في القبض، كذا هنا(2).

فإذا قلنا: يصحّ القبض، يكون ملكاً للمسلم. فإذا قلنا: لا يصحّ القبض، يكون ملك المسلم إليه باقياً عليه؛ لأنّ المُسْلَم فيه يتعيّن ملكه بالقبض، فإذا لم يصح القبض، لم يصح الملك.

و لو قال له: احضر معي حتى أكتاله لنفسي ثمّ تأخذه بكيله، فإذا فعل ذلك، صحّ قبضه لنفسه، و يصحّ قبض عمرو منه؛ لما رواه عبد الملك بن عمرو أنّه سأل الصادقَ (عليه السّلام): أشتري الطعام فأكتاله و معي مَنْ قد شهد الكيل و إنّما اكتلته لنفسي، فيقول: بعنيه، فأبيعه إيّاه بذلك الكيل الذي اكتلته، قال: «لا بأس»(3).1.

ص: 366


1- في الطبعة الحجريّة: «لأنّ» بدل «فإنّ».
2- المهذّب للشيرازي 308:1، حلية العلماء 383:4، العزيز شرح الوجيز 308:4.
3- الكافي 179:5، 7، التهذيب 38:7، 161.

و قال الشافعي: يصحّ قبضه لنفسه، و لا يصحّ قبض عمرو منه؛ لأنّه قبضه(1) جزافاً، و الكيل الأوّل لم يكن له، فيحتاج أن يكيله عليه(2). و هو ممنوع.

و لو اكتاله لنفسه و لم يفرغه من المكيال و يقول لعمرو: خُذْه بكيله لنفسك، صحّ؛ لأنّ استدامة الكيل بمنزلة ابتدائه. و لو كاله و فرّغه ثمّ كاله جاز، كذلك إذا استدامة، و هو أحد وجهي الشافعيّة. و الثاني: لا يصحّ القبض؛ لأنّه لم يملكه(3).

مسألة 523: لو كان لزيد عند عمرو طعام من سَلَم، فقال عمرو لزيد: خُذْ هذه الدراهم عن الطعام الذي لك عندي، لم يجز

عند الشافعي؛ لأنّه بيع المُسْلَم فيه قبل قبضه(4).

و الأولى عندي: الجواز، و ليس هذا بيعاً، و إنّما هو نوع معاوضة.

و لو قال: خُذْها فاشتر لنفسك بها طعاماً مثل الطعام الذي لك عندي، لم يجز؛ لأنّ الدراهم ملك المسلم إليه، فلا يجوز أن يكون عوضاً للمسلم و به قال الشافعي(5) لما رواه الحلبي في الصحيح أنّه سأل الصادقَ (عليه السّلام): عن رجل أسلفته دراهم في طعام فلمّا حلّ طعامي عليه بعث

ص: 367


1- في «س»: «قبض».
2- المهذّب للشيرازي 309:1، المجموع 279:9، العزيز شرح الوجيز 308:4، روضة الطالبين 179:3.
3- المهذّب للشيرازي 309:1، المجموع 280279:9، العزيز شرح الوجيز 309:4، روضة الطالبين 179:3، المغني 241:4.
4- انظر: المهذّب للشيرازي 309:1، و المجموع 280:9، و العزيز شرح الوجيز 310:4، و روضة الطالبين 180:3.
5- العزيز شرح الوجيز 310:4، روضة الطالبين 179:3 و 180، المجموع 280:9.

إليَّ بدراهم، فقال: اشتر لنفسك طعاماً و استوف حقّك، قال: «أرى أن تولّي ذلك غيرك أو تقوم معه حتى تقبض الذي لك و لا تتولّى أنت شراءه»(1).

إذا ثبت هذا، فإن اشترى بعين تلك الدراهم طعاماً، لم يصح. و إن اشترى في الذمّة، صحّ الشراء، و كان عليه الثمن، و الدراهم للمسلم إليه.

و إن قال: خُذْ هذه فاشتر بها طعاماً ثمّ اقبضه لنفسك، فإنّ الشراء يصحّ، و القبض لا يصحّ؛ لما رواه عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه أنّه سأل الصادقَ (عليه السّلام): عن رجل أسلف دراهم في طعام فحلّ الذي له، فأرسل إليه بدراهم، فقال: اشتر طعاماً و استوف حقّك، هل ترى به بأساً؟ قال: «يكون معه غيره يوفيه ذلك»(2).

و هل يصحّ للآمر؟ فيه وجهان للشافعيّة(3) سبقا(4).

و لو قال: اشتر لي بها طعاماً و اقبضه لي ثمّ اقبضه لنفسك، فإنّ الشراء يصحّ و القبض له، و قبضه لنفسه من نفسه لا يصحّ؛ لأنّه لا يجوز أن يكون وكيلاً في حقٍّ لنفسه، و به قال الشافعي(5).

و الأقرب عندي: الجواز.

مسألة 524: لو كان له على رجل قفيز طعام سَلَماً

و عليه قفيز من قرض، فأحال صاحب القرض بمال السَّلَم، أو كان له قفيز من قرض و عليه

ص: 368


1- الكافي 185:5، 5، الفقيه 164:3، 721، التهذيب 29:7، 125.
2- الكافي 186:5، 9، التهذيب 30:7، 126.
3- المهذّب للشيرازي 308:1-309، المجموع 280:9، حلية العلماء 383:4، العزيز شرح الوجيز 310:4، روضة الطالبين 179:3.
4- في ص 368 ضمن المسألة 522.
5- العزيز شرح الوجيز 310:4، روضة الطالبين 180:3، المجموع 280:9.

قفيز من سلف، فأحال به على المقترض، فالوجه عندي: الجواز؛ إذ الحوالة ليست بيعاً.

و لما رواه عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه أنّه سأل الصادقَ (عليه السّلام): عن رجل عليه كُرّ(1) من طعام فاشترى كُرّاً من رجلٍ آخر، فقال للرجل: انطلق فاستوف كُرّك(2) ، قال: «لا بأس به»(3).

و قال الشافعي: لا يصحّ بناءً على أنّ الحوالة بيع(4). و هو ممنوع.

و لو كان القفيزان من القرض، جازت الحوالة؛ لأنّ القرض يستقرّ و لم يملكه عن عقد معاوضة.

و بعض الشافعيّة قال: لا تجوز الحوالة؛ لأنّ الحوالة لا تصحّ إلّا في الأثمان(5). و ليس بشيء.

مسألة 525: لو كان له على غيره طعام بكيل معلوم في ذمّته فدفع إليه الطعام جزافاً، لم يكن له قبضه إلّا بالكيل.

فإن أخبره بكيله فصدّقه عليه، صحّ القبض؛ لما رواه محمّد بن حمران عن الصادق (عليه السّلام)، قال: اشترينا طعاماً فزعم صاحبه أنّه كاله فصدّقناه و أخذناه بكيله، فقال: «لا بأس» قلت: أ يجوز أن أبيعه كما اشتريته بغير كيل ؟ قال: «لا، أمّا أنت فلا تبعه حتى تكيله»(6).

ص: 369


1- الكُرّ: ستّون قفيزاً، و القفيز ثمانية مكاكيك، و المكّوك: صاع و نصف، فهو على هذا الحساب اثنا عشر وَسْقاً، و كلّ وَسْق ستّون صاعاً. النهاية لابن الأثير 162:4 «كرر».
2- في «س، ي» و الطبعة الحجريّة: «كرّي» و ما أثبتناه من الكافي و التهذيب. و في الفقيه بدلها: «حقّك».
3- الكافي 179:5، 5، الفقيه 129:3، 561، التهذيب 37:7، 156.
4- حلية العلماء 382:4.
5- حلية العلماء 382:4.
6- التهذيب 37:7، 157.

و قال الشافعي: لا يصحّ القبض؛ لأنّه لم يكله عليه(1).

فإن كان الطعام بحاله، كِيل عليه، فإن كان وفق حقّه، فقد استوفاه. و إن كان أقلّ من حقّه، كان له الباقي. و إن كان أكثر من حقّه، ردّ الفضل.

و إن استهلكه قبل أن يكال عليه فادّعى أنّه دون حقّه، كان القول قوله مع يمينه، سواء كان النقصان قليلاً أو كثيراً؛ لأنّ الأصل عدم القبض و بقاء الحقّ، فلا يبرأ منه إلّا بإقراره بالقبض، و به قال الشافعي(2).

و اختلفت الشافعيّة في جواز التصرّف في هذا الطعام المقبوض جزافاً:

فقال بعضهم: إنّه يجوز أن يتصرّف فيما يتحقّق أنّه مستحقّ له من الطعام و يتحقّق وجوده فيه، مثل أن يكون حقّه قفيزاً فيبيع نصف قفيز، فلا يجوز أن يبيع جميعه؛ لاحتمال أن يكون أكثر من حقّه.

و قال بعضهم: لا يجوز أن يبيع شيئاً منه؛ لأنّ العلقة ثَمَّ باقية بينه و بين الذي قبضه منه، فلم يجز التصرّف فيه(3).

و الأوّل أولى؛ لأنّ الضمان قد انتقل إليه بقبضه، فجاز التصرّف فيما هو حقّه منه.

و لو كان له عنده قفيز فأحضره اكتياله عن رجل له عليه مثله ثمّ دفعه إليه بكيله و لم يكله عليه فأتلفه ثمّ ادّعى نقصانه، فإن كان ممّا يقع مثله في الكيل، كان القول قوله مع يمينه فيه. و إن كان ممّا لا يقع مثله في الكيل،3.

ص: 370


1- العزيز شرح الوجيز 307:4، روضة الطالبين 178:3.
2- المهذّب للشيرازي 308:1، العزيز شرح الوجيز 308:4، روضة الطالبين 178:3.
3- المهذّب للشيرازي 308:1، حلية العلماء 381:4، العزيز شرح الوجيز 307:4، روضة الطالبين 177:3.

لم يُقبل قوله؛ لأنّه يعلم كذبه، و قد نصّ علماؤنا على أنّه إذا ادّعى النقص في الكيل أو الوزن، فإن كان حاضراً، لم يُقبل منه دعواه، و صُدّق الآخر باليمين. و إن لم يحضر، كان القول قوله مع يمينه.

مسألة 526: لو كان لرجلٍ على آخر طعامٌ سَلَفاً أو قرضاً فأعطاه مالاً، فإن كان الذي أعطاه طعاماً من جنس ما هو عليه، فهو نفس حقّه.

و إن أعطاه من غير جنسه، فإن كان طعاماً فإن عيّنه، جاز، و وجب قبضه في المجلس، فإن تفرّقا قبل القبض، بطل العقد عند الشافعي(1).

و الوجه عندي: الجواز؛ لأنّه قضاء دَيْن لا بيع.

و إن كان في الذمّة، صحّ، فإن عيّنه و قبضه إيّاه في المجلس، جاز.

و إن تفرّقا قبل تعيينه أو قبضه، بطل عنده(2) ؛ لأنّه إذا لم يعيّنه، فقد باعه الدَّيْن بالدَّيْن.

و إن تفرّقا قبل القبض، لم يجز؛ لأنّ ما يجري في الربا بعلّة لا يجوز التفرّق فيه قبل القبض.

و إن كان من غير جنس المطعومات، كالأثمان و غيرها، فإن كان غير معيّن، وجب تعيينه في المجلس.

و إن تفرّقا قبل تعيينه، بطل العقد قاله الشافعي لأنّه بيع الدَّيْن بالدَّيْن(3). و هو ممنوع.

و إن كان معيّناً بالعقد فتفرّقا قبل قبضه، ففي إبطال العقد وجهان: البطلان؛ لأنّ البيع في الذمّة، فوجب قبض الثمن في المجلس، كرأس مال المسلم. و عدمُه، كما لو باع طعاماً بثمن في الذمّة مؤجّل.

ص: 371


1- لم نعثر عليه في مظانّه.
2- لم نعثر عليه في مظانّه.
3- لم نعثر عليه في مظانّه.

هذا إذا كان القرض قد استقرّ في ذمّته، و أمّا إذا كان القرض في يده، فإنّه لا يجوز أن يأخذ عوضه؛ لأنّه قد زال ملكه عن العين، و لم يستقر في ذمّته؛ لأنّه بمعرض أن يرجع في العين.

فأمّا إذا قلنا: إنّه لا يملك إلّا بالتصرّف، فقال بعض الشافعيّة: لا يجوز أخذ بدل القرض، فإنّه و إن كان ملكه باقياً إلّا أنّه قد ضعف بتسليط المستقرض عليه(1).

مسألة 527: لو كان عليه سلف في طعام، فقال للّذي له الطعام: بِعْني طعاماً إلى أجل لأقبضك إيّاه، جاز،

و هي العينة، و قد تقدّمت(2) ؛ للأصل.

و لما رواه أبو بكر الحضرمي عن الصادق (عليه السّلام)، قال: قلت له: رجل تعيّن ثمّ حلّ دَيْنه فلم يجد ما يقضي أ يتعيّن من صاحبه الذي عيّنه و يقضيه ؟ قال: «نعم»(3).

و عن بكار بن أبي بكر عن الصادق (عليه السّلام) في رجل يكون له على الرجل المال فإذا حلّ قال له: بِعْني متاعاً حتى أبيعه فأقضي الذي لك عليَّ، قال: «لا بأس»(4).

و قال الشافعي: إنّه باطل إن عقد البيع على ذلك؛ لأنّه شرط في عقد البيع أن يقبضه حقّه، و ذلك غير لازم له، فإذا لم يثبت الشرط، لم يصح البيع. و لأنّه شرط عليه أن لا يتصرّف في المبيع، و ذلك مفسد للعقد(5).

و يمنع عدم اللزوم مع الشرط، فكلّ الشروط غير لازمة إلّا بالعقد،

ص: 372


1- لم نعثر عليه في مظانّه.
2- في ص 256، المسألة 418.
3- الكافي 204:5، 4، التهذيب 48:7، 208، الاستبصار 79:3، 266.
4- الفقيه 183:3، 826، التهذيب 49:7، 210، الاستبصار 80:3، 268.
5- لم نعثر عليه في مظانّه.

و لم يشرط عليه عدم التصرّف، بل شرط عليه التصرّف، لكنّه خاصّ فجاز، كالعتق.

أمّا لو لم يشرطا ذلك، فإنّه يصحّ قطعاً و إن نوياه، و به قال الشافعي.

و لو كان(1) له عنده طعام، فقال: اقضني(2) إيّاه على أن أبيعك إيّاه، فقضاه، صحّ القبض، و لم يلزمه بيعه؛ لأنّه وفّاه حقّه فصحّ. و لو زاده على ما لَه بشرط أن لا يبيعه(3) منه، لم يصحّ القبض.

و لو باعه طعاماً بمائة إلى سنة، فلمّا حلّ الأجل أعطاه بالثمن الذي عليه طعاماً، جاز، سواء كان مثل الأوّل أو أقلّ أو أكثر، و هو على المشهور من قول الشافعي: إنّ بيع الثمن يجوز قبل القبض(4).

و مَنَع مالك؛ لأنّه يصير كأنّه بيع الطعام بالطعام(5).

و ليس بصحيح؛ لأنّه باع الطعام بالدراهم، و اشترى بالدراهم طعاماً، فجاز، كما لو اشترى من غيره و باع منه.

مسألة 528: لو باعه طعاماً بثمن على أن يقضيه طعاماً له عليه أجود ممّا عليه البيع، صحّ؛

لأنّه شرط سائغ، و عموم قوله (عليه السّلام): «المؤمنون عند شروطهم»(6) يقتضيه.

و قال الشافعي: لا يجوز؛ لأنّ الجودة لا يصحّ أن تكون مبيعةً بانفرادها(7).

ص: 373


1- لم نعثر عليه في مظانّه.
2- في الطبعة الحجريّة: «اقبضني».
3- الظاهر: بشرط أن يبيعه، بدون كلمة «لا».
4- حلية العلماء 384:4.
5- حلية العلماء 384:4.
6- التهذيب 371:7، 1503، الاستبصار 232:3، 835، الجامع لأحكام القرآن 33:6.
7- المهذّب للشيرازي 306:1، التهذيب للبغوي 577:3، حلية العلماء 366:4، العزيز شرح الوجيز 423:4، روضة الطالبين 269:3.

و هو غلط؛ لأنّها شرط لا بيع.

مسألة 529: لو اقترض طعاماً بمصر، لم يكن له المطالبة

به بمكّة لو وجد المقترض؛ لاختلاف قيمة الطعام بالبلدان.

و لو طالبه المقترض بأخذ بدله بمكّة، لم يجب على المقرض قبوله؛ لأنّ عليه مئونةً و كلفةً في حمله إلى مصر. و لو تراضيا على قبضه، جاز.

و لو طالب صاحب الطعام المقترض بقيمته بمصر، لزمه دفعها إليه؛ لأنّ الطعام الذي يلزمه دفعه إليه معدوم، فكان كما لو عدم الطعام بمصر. أمّا إذا غصبه طعاماً بمصر فوجده بمكّة، كان له مطالبته به و إن غلا ثمنه.

و قال الشافعي: ليس له ذلك كالقرض(1). و ليس بجيّد.

و لو أسلم إليه في طعام بمصر فطالبه بمكّة، لم يكن له ذلك، و ليس له المطالبة بقيمته؛ لأنّ المسلم إليه لا يجوز أخذ قيمته، قاله الشافعي(2). و فيه ما تقدّم.

مسألة 530: لو باع عبداً بعبد و قبض أحدهما من صاحبه، جاز له التصرّف فيه؛

لأنّ انفساخ العقد بتلفه قد أُمن، فإن باعه فتلف العبد الذي في يده قبل التسليم، بطل الأوّل؛ لتلف المبيع قبل القبض، و لم ينفسخ الثاني؛ لأنّه باعه قبل انفساخ العقد. و يجب عليه قيمته لبائعه؛ لتعذّر ردّه عليه، فهو كما لو تلف في يده.

فإن اشترى شقص دارٍ بعبد و قبض الشقص و لم يسلّم العبد فأخذه الشفيع بالشفعة ثمّ تلف العبد في يده، انفسخ العقد، و لم يؤخذ الشقص من يد الشفيع؛ لأنّه ملكه قبل انفساخ العقد، فيجب على المشتري قيمة

ص: 374


1- لم نعثر عليه في مظانّه.
2- لم نعثر عليه في مظانّه.

الشقص للبائع، و يجب(1) له على الشفيع قيمة العبد؛ لأنّه بذلك يأخذ الشقص.

و لو اشترى نخلاً حائلاً من رجل فأثمر في يد البائع، فالثمرة أمانة في يده للمشتري؛ لأنّه(2) حدثت في ملكه.

فإن هلكت الأُصول في يده و الثمرة(3) ، انفسخ العقد، و سقط الثمن، و لا ضمان عليه في الثمرة؛ لأنّها أمانة، إلّا أن يكون أتلفها أو طالبه المشتري بالثمرة فمنعه، فإنّه يصير ضامناً لها، و به قال الشافعي(4).

و قال أبو حنيفة: تدخل في العقد(5).

و إن هلكت الثمرة دون النخل، فلا ضمان عليه، و لا خيار للمشتري.

و إن هلكت الأُصول دون الثمرة، انفسخ العقد، و كانت الثمرة للمشتري، و سقط عنه الثمن.

و لو كسب العبد المبيع في يد البائع شيئاً، كان حكمه حكم الثمرة.

مسألة 531: لو كان له في ذمّة رجل مال و عنده وديعة له أو رهن فاشتراه منه بالدَّيْن، جاز،

و للمودع و المرتهن أن يقبضه بغير إذن البائع؛ لأنّه قد استحقّ القبض، و قبضه بمضيّ زمان يمكن فيه القبض، و به قال الشافعي(6).

و هل يحتاج إلى نقله من مكانه أو يكفي مضيّ زمان النقل ؟ للشافعي وجهان

ص: 375


1- في الطبعة الحجريّة: «فيجب».
2- في الطبعة الحجريّة: «فإنّه».
3- في «س، ي»: «و الثمر».
4- لم نعثر عليه في مظانّه.
5- لم نعثر عليه في مظانّه.
6- انظر: المجموع 281:9.

أحدهما: أنّه يحتاج؛ لأنّه ممّا ينقل و يحوّل، فلا يحصل قبضه إلّا بالتحويل.

و الثاني: لا يحتاج و هو الأقوى عندي لأنّ المراد من النقل حصوله في يده، و هو حاصل في يده(1).

و إن باعه الوديعة بثمن و لم يقبض الثمن، لم يكن للمودع نقل الوديعة إلّا بإذن البائع، و إذا نقلها بغير إذنه، لم تصر مقبوضةً قبضاً يملك به التصرّف.

مسألة 532: قد تقدّم

مسألة 532: قد تقدّم(2) الخلاف في أنّ بيع المبيع قبل القبض هل يصحّ أم لا؟

و كذا هبته و رهنه من غير البائع.

و أمّا رهنه من البائع فالأقرب عندي: الصحّة؛ عملاً بالأصل. و لأنّ الرهن غير مضمون على المرتهن، و ما لا يقتضي نقل الضمان فليس من شرط صحّته قبضه، و هو أحد قولي الشافعيّة(3).

و قال بعضهم: لا يصحّ؛ لأنّه عقد يفتقر إلى القبض، فأشبه الهبة(4).

و يصحّ نكاح الأمة قبل قبضها؛ لأنّ نكاح المغصوبة يصحّ.

و الأقوى صحّة إجارة العين قبل قبضها.

و للشافعيّة وجهان(5).

و تصحّ كتابة العبد قبل قبضه، خلافاً للشافعي؛ لأنّ الكتابة تفتقر إلى تخليته للتصرّف، و هو ممنوع حالة العقد(6).

ص: 376


1- انظر: المجموع 281:9.
2- في ج 10 ص 119 و ما بعدها، المسألة 66.
3- العزيز شرح الوجيز 297:4، روضة الطالبين 168:3، المجموع 266:9.
4- العزيز شرح الوجيز 297:4، روضة الطالبين 168:3، المجموع 266:9.
5- العزيز شرح الوجيز 296:4، روضة الطالبين 168:3، المجموع 265:9.
6- العزيز شرح الوجيز 295:4، روضة الطالبين 167:3، المجموع 264:9.

و العتق قبل القبض يصحّ، لأنّ العتق لا يفتقر إلى القبض.

و يصحّ في المغصوب و قال بعض الشافعيّة: لا يصحّ(1) لأنّه إزالة ملك.

مسألة 533: فضول الموازين لا بأس به إذا جرت العادة به

و لم يكن فيه تعدٍّ(2) ؛ لرواية عبد الرحمن بن الحجّاج الصحيحة عن الصادق (عليه السّلام) أنّه سأله عن فضول الكيل و الموازين، فقال: «إذا لم يكن به تعدٍّ(3) فلا بأس»(4).

و كذا يجوز أن يندر للظروف ما يحتمل الزيادة و النقصان. و لو كان ممّا يزيد دائماً أو ينقص دائماً، لم يجز؛ لأنّ حنّان قال: كنت جالساً عند الصادق (عليه السّلام)، فقال له معمر الزيّات: إنّا نشتري الزيت بأزقاقه(5) فيحسب لنا نقصان منه لمكان الأزقاق، فقال له: «إن كان يزيد و ينقص فلا بأس، و إن كان(6) يزيد و لا ينقص فلا تقربه»(7).

و ينبغي التعويل في الكيل بصاع المصر؛ لما رواه الحلبي في الحسن عن الصادق (عليه السّلام)، قال: «لا يصلح للرجل أن يبيع بصاع غير صاع المصر»(8).

ص: 377


1- لم نعثر عليه في مظانّه.
2- في «س، ي» و الطبعة الحجريّة: «بعد» بدل «تعدٍّ». و الصحيح ما أثبتناه. و في المصدر بالنسبة إلى الرواية هكذا: «إذا لم يكن تعدّياً».
3- في «س، ي» و الطبعة الحجريّة: «بعد» بدل «تعدٍّ». و الصحيح ما أثبتناه. و في المصدر بالنسبة إلى الرواية هكذا: «إذا لم يكن تعدّياً».
4- الكافي 182:5، 2، التهذيب 40:7، 167.
5- الزِّقُّ: السقاء، و جمع القلّة أزقاق. الصحاح 1491:4 «زقق».
6- في «س، ي» و الطبعة الحجريّة زيادة: «ممّا».
7- التهذيب 40:7، 168، و في الكافي 183:5، 4 بتفاوت في بعض الألفاظ.
8- الكافي 184:5 (باب لا يصلح البيع إلّا بمكيال البلد) الحديث 1، الفقيه 130:3، 565، التهذيب 40:7، 169.

و عن الحلبي عن الصادق (عليه السّلام)، قال: «لا يحلّ للرجل أن يبيع بصاع سوى صاع المصر، فإنّ الرجل يستأجر الجمّال(1) فيكيل له بمدّ بيته لعلّه يكون أصغر من مدّ السوق، و لو قال: هذا أصغر من مدّ السوق لم يأخذ به، و لكنّه يحمله ذلك و يجعله في أمانته» و قال: «لا يصلح إلّا مدّاً واحداً، و الأمناء(2) بهذه المنزلة»(3).

مسألة 534: لا يجوز أن يدفع إلى الطحّان طعاماً ليأخذ منه الدقيق بزيادة،

و لا السمسم إلى العصّار ليعطيه بكلّ صاع أرطالاً معلومة؛ لأنّ ذلك ليس معاملةً شرعيّة و لا معاوضةً على عين موجودة و لا مضمونة؛ لتعلّقها بالعين.

و لما رواه محمّد بن مسلم في الصحيح عن الباقر (عليه السّلام)، قال: سألته عن الرجل يدفع إلى الطحّان الطعام فيقاطعه على أن يعطي صاحبه لكلّ عشرة اثني عشر دقيقاً، قال: «لا» قلت: فالرجل يدفع السمسم إلى العصّار و يضمن لكلّ صاع أرطالاً مسمّاة، قال: «لا»(4).

مسألة 535: إذا تلف المبيع قبل القبض بآفة سماويّة، فهو من ضمان البائع

على ما تقدّم(5). و يتجدّد انتقال الملك إلى البائع قبل الهلاك بجزء لا يتجزّأ من الزمان، فالزوائد الحادثة في يد البائع من الولد و اللبن و الصوف و البيض و الكسب للمشتري.

ص: 378


1- في «ي» و الطبعة الحجريّة و كذا في التهذيب: «الحمّال» بدل «الجمّال».
2- المنا و المناة: كيل أو ميزان، و يثنّى منوان و منيان، و الجمع: أمناء. القاموس المحيط 392:4.
3- الكافي 184:5، 2، التهذيب 40:7، 170 بتفاوت في بعض الألفاظ.
4- الكافي 189:5، 11، التهذيب 4645:7، 197.
5- في ج 10 ص 114، المسألة 64.

و للشافعي وجهان(1).

و كذا الإقالة إذا جعلناها فسخاً.

و الأصحّ فيها(2) جميعاً أنّها للمشتري، و تكون أمانةً في يد البائع.

و لو هلكت و الأصل باقٍ [فالبيع باقٍ(3)] بحاله، و لا خيار للبائع(4).

و في معنى الزوائد الركاز الذي يجده العبد، و ما وُهب منه فقَبِله و قبضه، و ما أُوصي له به فقَبِله.

و لو أتلفه المشتري، فهو قبض منه، و به قال الشافعي(5).

و له وجه: أنّه لا يكون قبضاً(6).

هذا إذا كان المشتري عالماً، أمّا إذا كان جاهلاً بأن قدّم البائع الطعام المبيع إلى المشتري فأكله، فهل يجعل قابضاً؟ الأقرب: أنّه ليس قابضاً، و يكون بمنزلة إتلاف البائع، و هو أحد قولي الشافعي(7).

و كذا لو قدّم الغاصب الطعام المغصوب إلى المالك فأكله جاهلاً، هل يبرأ الغاصب ؟ وجهان للشافعي(8).

و الوجه عندنا: أنّه لا يبرأ.2.

ص: 379


1- العزيز شرح الوجيز 288287:4، روضة الطالبين 160:3.
2- في «س» و الطبعة الحجريّة و ظاهر «ي»: «فيهما». و الظاهر ما أثبتناه. و الضمير راجع إلى الزوائد.
3- ما بين المعقوفين أضفناه لأجل السياق. و يحتمل أن تكون العبارة هكذا: «و لو هلكت و الأصل باقٍ، فلا خيار..».
4- كذا، و الظاهر «للمشتري» بدل «للبائع».
5- المهذّب للشيرازي 303:1، التهذيب للبغوي 395:3، العزيز شرح الوجيز 288:4، المجموع 281:9، روضة الطالبين 161:3، منهاج الطالبين: 102.
6- العزيز شرح الوجيز 288:4، روضة الطالبين 161:3.
7- العزيز شرح الوجيز 288:4، روضة الطالبين 161:3، منهاج الطالبين: 102.
8- العزيز شرح الوجيز 288:4، روضة الطالبين 161:3، منهاج الطالبين: 102.

و إن أتلفه أجنبيّ، فقد تقدّم(1) قولنا فيه.

و للشافعي طريقان:

أظهرهما: أنّه على قولين، أحدهما: أنّه كالتالف بآفة سماويّة؛ لتعذّر التسليم. و أصحّهما و به قال أبو حنيفة و أحمد أنّه ليس كذلك، و لا ينفسخ البيع؛ لقيام القيمة مقام المبيع، لكن للمشتري الخيار في الفسخ فيغرمه البائع، و مطالبة الأجنبيّ.

و الثاني: القطع بالقول الثاني.

و إن قلنا به، فهل للبائع حبس القيمة لأخذ الثمن ؟ وجهان:

أحدهما: نعم، كما يحبس المرتهن قيمة المرهون.

[و أظهرهما: لا؛ لأنّ الحبس غير مقصود بالعقد حتى ينتقل إلى البدل، بخلاف الرهن، و لهذا لو أتلف الراهن، غرم القيمة(2)] و إذا أتلف المشتري المبيع، لا يغرم القيمة ليحبسها البائع.

و على الأوّل لو تلفت القيمة بآفة سماويّة، فهل ينفسخ البيع؛ لأنّها بدل المبيع ؟ وجهان، أظهرهما: لا(3).

و إن أتلفه البائع، قال الشيخ: ينفسخ البيع، كما لو تلف بآفة سماويّة(4). و هو أحد قولي الشافعي.

و الثاني: لا ينفسخ، كإتلاف الأجنبيّ؛ لأنّه جنى على ملك غيره، و على هذا إنشاء المشتري فسخ البيع، و سقط الثمن. و إن شاء أجاز و غرم2.

ص: 380


1- انظر: ج 10 ص 115، ضمن المسألة 64.
2- ما بين المعقوفين أضفناه من «العزيز شرح الوجيز».
3- العزيز شرح الوجيز 289288:4، روضة الطالبين 162161:3.
4- المبسوط للطوسي 117:2.

القيمة للبائع، و ادّى الثمن. و الثاني(1): القطع بالقول الأوّل، فإن لم نحكم بالانفساخ، عاد الخلاف في حبس القيمة(2).

و قطع بعضهم بأنّه لا حبس هنا؛ لتعدّيه بإتلاف العين(3).

و إن باع شقصاً من عبد و أعتق باقيه قبل القبض و هو موسر، عتق كلّه، و انفسخ البيع، و سقط الثمن إن جعلنا إتلاف البائع كالآفة السماويّة. و إن جعلناه كإتلاف الأجنبيّ، فللمشتري الخيار.

و إتلاف الصبي الذي لا يميّز بأمر البائع أو المشتري كإتلافهما، و إتلاف المميّز بأمرهما كإتلاف الأجنبيّ.

و قال بعض الشافعيّة: إذن المشتري للأجنبيّ في الإتلاف لغو. و إذا أتلف، فله الخيار، و يلزمه لو أذن البائع في الأكل و الإحراق ففعل، كان التلف من ضمان البائع، بخلاف ما إذا أذن للغاصب(4) ففعل، يبرأ؛ لأنّ الملك مستقيم(5).

و قال بعض الشافعيّة: إتلاف عبد البائع كإتلاف الأجنبيّ، و كذا إتلاف عبد المشتري بغير إذنه، فإن اختار، جعل قابضاً، كما لو أتلفه بنفسه. و إن فسخ، اتّبع البائعُ الجاني. و لو كان المبيع علفاً فاعتلفه حمار المشتري بالنهار، ينفسخ البيع. و إن اعتلفه بالليل، لا ينفسخ، و للمشتري الخيار، فإن أجاز، فهو قابض، و إلّا طالَبه البائع بقيمة ما أتلف حماره. و أطلق القول بأنّ».

ص: 381


1- أي الطريق الثاني. و الطريق الأوّل على قولين مضيا آنفاً.
2- العزيز شرح الوجيز 289:4، روضة الطالبين 162:3.
3- العزيز شرح الوجيز 289:4، روضة الطالبين 162:3.
4- في «س، ي» و الطبعة الحجريّة: «الغاصب». و ما أثبتناه من المصدر.
5- العزيز شرح الوجيز 290:4، روضة الطالبين 163162:3، و فيهما: «لأنّ الملك ثَمَّ هناك مستقرّ».

بهيمة البائع إتلافها كالآفة السماويّة(1).

و لو صال العبد المبيع على المشتري في يد البائع فقَتَله دفعاً، قال بعض الشافعيّة: لا يستقرّ الثمن عليه(2).

و قال بعضهم: إنّه يستقرّ؛ لأنّه أتلفه في غرض نفسه(3).

و الأوّل عندي أصحّ.

مسألة 536: لو أخذ المشتري المبيع بغير إذن البائع، فللبائع الاسترداد

إذا ثبت له حقّ الحبس. و إن أتلفه في يد المشتري، فعليه القيمة، و لا خيار للمشتري؛ لاستقرار العقد بالقبض و إن كان ظالماً فيه، قاله بعض الشافعيّة(4).

و قال بعضهم: إنّه يجعل مستردّاً بالإتلاف، كما أنّ المشتري قابض بالإتلاف، و على هذا فينفسخ البيع أو يثبت الخيار للمشتري(5).

و الأخير عندي أقوى.

و وقوع الدرّة في البحر قبل القبض كالتلف ينفسخ به البيع، و كذا انفلات الطير و الصيد المتوحّش.

و لو غرّق البحرُ الأرضَ المبيعة أو وقع عليها صخور عظيمة من جبلٍ أو كبسها رمل، فهي بمثابة التلف أو يثبت به الخيار؟ للشافعيّة وجهان(6) ، أقربهما: الثاني.

و لو أبق العبد قبل القبض أو ضاع في انتهاب العسكر، لم ينفسخ البيع؛ لبقاء الماليّة، و رجاء العود.

ص: 382


1- العزيز شرح الوجيز 290:4، روضة الطالبين 163:3.
2- العزيز شرح الوجيز 290:4، روضة الطالبين 163:3.
3- العزيز شرح الوجيز 290:4، روضة الطالبين 163:3.
4- العزيز شرح الوجيز 290:4، روضة الطالبين 163:3.
5- العزيز شرح الوجيز 290:4، روضة الطالبين 163:3.
6- التهذيب للبغوي 394:3، العزيز شرح الوجيز 291290:4، روضة الطالبين 163:3.

و فيه للشافعيّة وجه: أنّه ينفسخ كما في التلف(1).

مسألة 537: لو غصب المبيعَ غاصبٌ، فليس للمشتري إلّا الخيار،

فإن اختار، لم يلزمه تسليم الثمن.

و إن سلّمه، قال بعض الشافعيّة: ليس له الاسترداد؛ لتمكّنه من الفسخ(2).

و إن أجاز ثمّ أراد الفسخ، فله ذلك، كما لو انقطع المُسْلَم فيه فأجاز ثمّ أراد الفسخ؛ لأنّه يتضرّر كلّ ساعة.

و كذا لو أتلف الأجنبيّ المبيع قبل القبض و أجاز المشتري ليتبع الجاني ثمّ أراد الفسخ.

و قال بعضهم في هذه الصورة: وجب أن لا يمكّن من الرجوع؛ لأنّه رضي بما في ذمّة الأجنبيّ، فأشبه الحوالة(3).

و لو جحد البائع العين قبل القبض، فللمشتري الفسخ؛ لحصول التعذّر.

مسألة 538: لو باع عبداً من رجل ثمّ باعه من آخر و سلّمه إليه و عجز عن انتزاعه و تسليمه إلى الأوّل، فهذا جناية

منه على المبيع فينزل منزلة الجناية الحسّيّة حتى ينفسخ البيع في قولٍ للشافعيّة، و يثبت للمشتري الخيار في الثاني(4) بين أن يفسخ و بين أن يأخذ القيمة من البائع(5).

ص: 383


1- التهذيب للبغوي 395:3، العزيز شرح الوجيز 291:4، روضة الطالبين 163:3.
2- التهذيب للبغوي 395:3، العزيز شرح الوجيز 291:4، روضة الطالبين 164:3.
3- العزيز شرح الوجيز 291:4، روضة الطالبين 164:3.
4- أي القول الثاني للشافعيّة.
5- العزيز شرح الوجيز 291:4، روضة الطالبين 164:3.

و الثاني عندي أقوى.

و لو طالَب البائع بالتسليم و زعم قدرته عليه و قال البائع: أنا عاجز، حلف عليه، فإن نكل، حلف المدّعى على أنّه قادر، و حبس إلى أن يسلّم أو يقيم بيّنةً على عجزه.

و لو ادّعى المشتري الأوّل على الثاني العلمَ بالحال فأنكر، حلّفه، فإن نكل، حلف هو و أخذه منه.

مسألة 539: لو تعيّب المبيع بآفة سماويّة قبل القبض كعمى العبد و شلل يده أو سقوطها، تخيّر المشتري بين الفسخ و الإجازة

بجميع الثمن عند بعض علمائنا و به قال الشافعي(1) و بالأرش عندنا، و قد تقدّم(2).

مسألة 540: قد بيّنّا حكم البيع قبل القبض و ما فيه من الخلاف.

و في العتق للشافعي قولان، أصحّهما: النفوذ(3). و هو الحقّ عندي.

هذا إذا لم يكن للبائع حقّ الحبس، كما إذا كان الثمن مؤجّلاً أو حالّا و قد أدّاه المشتري، أمّا إذا ثبت له حقّ الحبس، فالأقوى عندي: النفوذ أيضاً.

و للشافعيّة قولان، أحدهما هذا. و الثاني: أنّه كإعتاق الراهن(4).

و هو ممنوع؛ لأنّ الراهن حجر على نفسه بالرهن، و الرهن جعل ليحبسه المرتهن.

و أمّا الوقف فيجوز للمشتري وقفه قبل القبض؛ لما تقدّم.

ص: 384


1- المهذّب للشيرازي 303:1، الحاوي الكبير 225:5، العزيز شرح الوجيز 292:4، روضة الطالبين 164:3.
2- في ج 10 ص 117، ضمن المسألة 65.
3- العزيز شرح الوجيز 295294:4، روضة الطالبين 167:3، المجموع 264:9.
4- العزيز شرح الوجيز 295:4، روضة الطالبين 167:3، المجموع 264:9.

و الشافعي بناه على أنّ الوقف هل يفتقر إلى القبول ؟ إن قلنا: نعم، فهو كالبيع. و إن قلنا: لا، فهو كالإعتاق(1).

و كذا في إباحة الطعام للفقراء و المساكين إذا كان قد اشتراه جزافاً.

و الكتابة كالبيع في أصحّ وجهي الشافعيّة؛ إذ ليس لها قوّة العتق(2).

و الاستيلاد كالعتق.

و أمّا هبة المبيع قبل قبضه، و رهنه فإنّهما صحيحان عندنا.

و للشافعي قولان، هذا أحدهما؛ لأنّ التسليم غير لازم فيهما، بخلاف البيع. و أصحّهما عندهم: المنع؛ لضعف الملك، فإنّه كما يمنع البيع يمنع الهبة، و لهذا لا يصحّ رهن المكاتب وهبته، كما لا يصحّ بيعه(3).

و قطع بعضهم بمنع الرهن إذا كان محبوساً بالثمن(4).

و على تقدير صحّتهما فليس العقد قبضاً، بل يقبضه المشتري من البائع ثمّ يسلّمه من المتّهب أو المرتهن(5).

و لو أذن للمتّهب أو المرتهن حتى قبضه، قال بعض الشافعيّة: يكفي ذلك، و يتمّ به البيع و الهبة أو الرهن بعده(6).

و قال آخرون: [لا(7)] يكفي ذلك للبيع و ما بعده، و لكن ينظر إن قصد قبضه للمشتري، صحّ قبض البيع، و لا بُدَّ من استئناف قبض الهبة(8) ،».

ص: 385


1- العزيز شرح الوجيز 295:4، روضة الطالبين 167:3، المجموع 264:9.
2- العزيز شرح الوجيز 295:4، روضة الطالبين 167:3، المجموع 264:9.
3- العزيز شرح الوجيز 295:4، روضة الطالبين 167:3، المجموع 264:9.
4- العزيز شرح الوجيز 295:4.
5- العزيز شرح الوجيز 295:4، روضة الطالبين 167:3، المجموع 265:9.
6- التهذيب للبغوي 405:3، العزيز شرح الوجيز 295:4، روضة الطالبين 167:3، المجموع 265:9.
7- ما بين المعقوفين من المصادر.
8- في المصادر: «للبهة» بدل «الهبة».

و لا يجوز له أن يأذن في قبضه من نفسه لنفسه. و إن قصد قبضه لنفسه، لم يحصل القبض للبيع و لا للهبة، فإنّ قبضها يجب أن يتأخّر عن تمام البيع(1).

و الإقراض و التصدّق كالهبة و الرهن، ففيهما خلاف عند الشافعي(2).

و الأقوى عندي: النفوذ.

و أمّا تزويج الأمة قبل القبض فإنّه جائز عندنا، و هو أصحّ وجهي الشافعيّة(3).

و بعضهم فرّق فأبدى قولاً ثالثاً، و هو أن يقال: إمّا أن يكون للبائع حقّ الحبس فلا يصحّ التزويج؛ لأنّه منقص، و إمّا أن لا يكون فيصحّ(4).

و طرّد بعضهم التفصيل في الإجارة، فإن كانت منقصةً، لم تصح، و إلّا صحّت(5).

و لو باع من البائع، فللشافعيّة وجهان(6) سبقا.

و لو وهب منه أو رهن فطريقان: أحدهما: القطع بالمنع؛ لأنّه لا يجوز أن يكون نائباً عن المشتري في القبض. و أصحّهما عندهم: أنّه على القولين. فإن جوّزنا فإذا أذن له في القبض أو الرهن ففَعَل، أجزأ، و لا يزول ضمان البيع في صورة الرهن، بل إذا تلف ينفسخ العقد(7).

و لو رهنه من البائع بالثمن، جاز عندنا.3.

ص: 386


1- العزيز شرح الوجيز 296:4، روضة الطالبين 167:3، المجموع 265:9.
2- العزيز شرح الوجيز 296:4، روضة الطالبين 167:3، المجموع 265:9.
3- التهذيب للبغوي 405:3، العزيز شرح الوجيز 296:4، روضة الطالبين 168:3، المجموع 265:9.
4- العزيز شرح الوجيز 296:4، روضة الطالبين 168:3، المجموع 265:9.
5- العزيز شرح الوجيز 296:4، روضة الطالبين 168:3، المجموع 265:9.
6- العزيز شرح الوجيز 296:4، روضة الطالبين 168:3.
7- العزيز شرح الوجيز 297:4، روضة الطالبين 168:3.

تذنيب: لو باع عبداً بثوب و قبض الثوب و لم يسلّم العبد، له بيع الثوب و للآخر بيع العبد عندنا.

و مَنْ مَنَع من البيع قبل القبض مَنَع من بيع العبد.

فلو باع الثوب و هلك العبد في يده، بطل العقد في العبد، و لا يبطل في الثوب، و يغرم قيمته لبائعه.

و لا فرق بين أن يكون هلاك العبد بعد تسليم الثوب أو قبله؛ لخروجه عن ملكه بالبيع.

و لو تلف العبد و الثوب في يده، غرم لبائع الثوب القيمة، و [ردّ(1)] على مشتريه الثمن.

مسألة 541: قد بيّنّا أنّ المنتقل بغير البيع يجوز بيعه قبل قبضه،

فلو اشترى من مورّثه شيئاً و مات المورّث قبل التسليم، فله بيعه، سواء كان على المورّث دَيْن أو لم يكن. و حقّ الغريم يتعلّق بالثمن.

و إن كان له وارث آخر، لم ينفذ بيعه في قدر نصيب الآخر حتى يقبضه عند المانعين(2).

و يجوز بيع المال في يد المستعير و المستام، و في يد المشتري و المتّهب في البيع و الهبة الفاسدين، و كذا بيع المغصوب من الغاصب.

و الأرزاق من السلطان لا تُملك إلّا بالقبض، فليس له بيعها قبل قبضها، خلافاً للشافعي؛ فإنّه جوّزه، فبعض أصحابه قال: هذا إذا أفرزه السلطان، فتكون يد السلطان في الحفظ يد المفرز له، و يكفي ذلك لصحّة البيع. و منهم مَنْ لم يكتف بذلك، و حَمَل قوله على ما إذا وكّل وكيلاً

ص: 387


1- ما بين المعقوفين أضفناه لأجل السياق.
2- العزيز شرح الوجيز 298:4، روضة الطالبين 169:3.

يقبضه فقبضه الوكيل ثمّ باعه الموكّل، و إلّا فهو بيع شيء غير مملوك(1).

و لو وهب الأجنبيّ شيئاً ثمّ رجع، كان له بيعه قبل استرداده.

و الشفيع إذا تملّك الشقص بالشفعة، له بيعه قبل القبض، و به قال بعض الشافعيّة(2).

و قال بعضهم: ليس له ذلك؛ لأنّ الأخذ بالشفعة معاوضة(3).

و للموقوف عليه أن يبيع الثمرة الخارجة من الشجرة الموقوفة قبل أخذها.

و لو استأجر صبّاغاً لصَبْغ ثوبٍ و سلّمه إليه، كان للمالك بيعه قبل الصبغ.

و قال الشافعي: ليس له بيعه ما لم يصبغ؛ لأنّ له أن يحبسه إلى أن يعمل ما يستحقّ به العوض، و إذا صبغه، فله بيعه قبل الاسترداد إن وفّى الأُجرة، و إلّا فلا؛ لأنّه يستحقّ حبسه إلى استيفاء الأُجرة(4).

و لو استأجر قصّاراً لقصارة الثوب و سلّمه إليه، جاز له بيعه قبل القصر.

و مَنَع الشافعي من بيعه ما لم يقصر. و إذا قصر فمبنيّ عنده على أنّ القصارة عين فتكون كمسألة الصبغ، أو أثر فله البيع؛ إذ ليس للقصّار الحبس(5).9.

ص: 388


1- التهذيب للبغوي 412:3، العزيز شرح الوجيز 299298:4، روضة الطالبين 170:3، المجموع 267:9.
2- العزيز شرح الوجيز 299:4، روضة الطالبين 171170:3، المجموع 268:9.
3- العزيز شرح الوجيز 299:4، روضة الطالبين 171:3، المجموع 268:9.
4- العزيز شرح الوجيز 299:4، روضة الطالبين 171:3، المجموع 268:9.
5- التهذيب للبغوي 412:3، العزيز شرح الوجيز 299:4، روضة الطالبين 171:3، المجموع 268:9.

و كذا صياغة الذهب و رياضة الدابّة و نسج الغزل.

و إذا قاسم شريكه فباع ما صار إليه قبل القبض من الشريك، صحّ البيع.

و قال الشافعي: يبنى على أنّ القسمة بيع أو إفراز؟(1).

و لو أثبت صيداً في احبولةٍ أو سمكة في شبكةٍ(2) ، فله بيعه و إن لم يأخذه.

مسألة 542: تصرّف المشتري في زوائد المبيع قبل القبض كالولد و الثمرة - جائز

عندنا.

و قال الشافعي: يبنى على أنّها تعود إلى البائع لو عرض انفساخ، أو لا تعود؟ إن عادت، لم يتصرّف فيها كما في الأصل، و إلّا كان له التصرّف(3).

و لو كانت الجارية حبلى عند البائع و ولدت قبل القبض، كان له التصرّف في الولد.

و قال الشافعي: إن قلنا: الحمل يقابله قسط من الثمن، لم يتصرّف فيه، و إلّا فهو كالولد الحادث بعد البيع(4).

مسألة 543: لو باع متاعاً بنقدٍ معيّن مشخّص من ذهب أو فضّة،

جاز للبائع التصرّف فيهما قبل القبض.

و قال الشافعي: ليس للبائع التصرّف فيهما قبل القبض؛ لأنّ الدراهم

ص: 389


1- العزيز شرح الوجيز 299:4، روضة الطالبين 171:3، المجموع 268:9.
2- في الطبعة الحجريّة: «شبكته».
3- العزيز شرح الوجيز 300:4، روضة الطالبين 171:3، المجموع 269:9.
4- العزيز شرح الوجيز 300:4، روضة الطالبين 171:3، المجموع 269:9.

و الدنانير تتعيّنان بالتعيين كالمبيع، فلا يجوز للمشتري إبدالها بمثلها. و لو تلفت قبل القبض، انفسخ البيع. و إن وجد البائع بها عيباً، لم يستبدلها، بل يرضي بها أو يفسخ العقد. و به قال أحمد(1).

و قال أبو حنيفة: لا تتعيّن، و يجوز إبدالها بمثلها. و إذا تلفت قبل القبض، لا ينفسخ العقد. و إذا وجد بها عيباً، فله الاستبدال(2). و قد تقدّم(3).

مسألة 544: الدَّيْن في ذمّة الغير قد يكون ثمناً و مثمناً،

أو(4) لا ثمناً و لا مثمناً.

و نعني بالثمن ما أُلصق به الباء؛ لأنّ هذه الباء تسمّى «باء التثمين» على قولٍ(5). أو النقد؛ لإطلاق أهل العرف اسم الثمن عليه دون غيره. و المثمن ما قابل ذلك على الوجهين على قولٍ(6). فإن لم يكن في العقد نقد أو كان العوضان نقدين، فالثمن ما أُلصق به الباء، و المثمن ما قابلة.

فلو باع أحد النقدين بالآخر، فعلى الوجه الثاني لا مثمن فيه.

و لو باع عرضاً بعرض، فعلى الوجه الثاني لا ثمن فيه، و إنّما هو مقابضة.

و لو قال: بعتك هذه الدراهم بهذا العبد، فعلى الأوّل العبدُ ثمن، و المثمن الدراهم. و على الثاني في صحّة العقد وجهان(7) ، كالسَّلَم في

ص: 390


1- العزيز شرح الوجيز 300:4، روضة الطالبين 172171:3، المجموع 269:9.
2- العزيز شرح الوجيز 300:4.
3- في ص 148، المسألة 318.
4- في «س، ي» و الطبعة الحجريّة: «و» بدل «أو». و الأنسب ما أثبتناه.
5- العزيز شرح الوجيز 301:4، روضة الطالبين 172:3.
6- العزيز شرح الوجيز 301:4، روضة الطالبين 172:3.
7- الوجهان للشافعيّة، انظر: العزيز شرح الوجيز 301:4، و روضة الطالبين 172:3، و المجموع 273:9.

الدراهم و الدنانير؛ لأنّه جعل الثمن مثمناً. و إن صحّ، فالعبد ثمن.

و لو قال: بعتك هذا الثوب بعبد، و وَصَفه، صحّ العقد، فإن(1) قلنا: الثمن ما الصق به الباء، فالعبد ثمن، و لا يجب تسليم الثوب في المجلس. و إن لم نقل بذلك، ففي وجوب تسليم الثوب للشافعيّة وجهان: في وجهٍ: لا يجب؛ إذ(2) لم يجر بينهما لفظ السَّلَم. و في وجهٍ: يجب؛ اعتباراً بالمعنى(3).

إذا عرفت هذا، فالضرب الأوّل: المثمن، و هو المُسْلَم فيه لا يجوز الاستبدال عنه و لا بيعه من غيره عند الشافعي(4).

و هل الحوالة تدخل في المُسْلَم فيه إمّا به بأن يحيل المسلم إليه المسلمَ بحقّه على مَنْ له عليه دَيْن قرض أو إتلاف، و إمّا عليه بأن يحيل المسلم مَنْ له عليه دَيْن قرض أو إتلاف على المسلم إليه ؟ فيه ثلاثة أوجه للشافعيّة، أصحّها: لا؛ لما فيه من تبديل المسلم فيه بغيره، و الثاني: نعم، تخريجاً على أنّ الحوالة استيفاء و إيفاء لا اعتياض. و الثالث: أنّه لا تجوز الحوالة عليه؛ لأنّها بيع سَلَم بدَيْن، و تجوز الحوالة به على القرض و نحوه؛ لأنّ الواجب على المُسْلَم إليه توفية(5) الحقّ على المسلم و قد فعل(6).

الضرب الثاني: الثمن. و إذا باع بدراهم أو دنانير في الذمّة، ففي9.

ص: 391


1- في «س، ي» و الطبعة الحجريّة: «إن». و ما أثبتناه يقتضيه السياق.
2- في «س، ي» و الطبعة الحجريّة: «إذا». و ما أثبتناه من «العزيز شرح الوجيز» و هو الموافق لما في «روضة الطالبين» و «المجموع».
3- العزيز شرح الوجيز 301:4، روضة الطالبين 172:3، المجموع 273:9.
4- العزيز شرح الوجيز 301:4، روضة الطالبين 172:3، المجموع 272:9.
5- في «العزيز شرح الوجيز»: «توفير» بدل «توفية».
6- العزيز شرح الوجيز 302:4، روضة الطالبين 172:3، المجموع 274:9.

الاستبدال عنها قولان للشافعي:

القديم: أنّه لا يجوز؛ لمطلق النهي عن بيع ما لم يقبض. و لأنّه عوض في معاوضة، فأشبه المُسْلَم فيه.

و الجديد: الجواز(1). و هو الأقوى عندي.

الضرب الثالث: ما ليس بمثمن و لا ثمن، كدَيْن القرض و الإتلاف، فيجوز الاستبدال عنه إجماعاً، كما لو كان في يده عين مال بغصب أو عارية، يجوز بيعه منه. و يفارق المُسْلَم فيه؛ لأنّه غير مستقرّ؛ لجواز أن يطرأ ما يقتضي انفساخ السَّلَم.

و قال بعض الشافعيّة: إنّما يستبدل عن القرض إذا استهلكه، أمّا إذا بقي في يده، فلا؛ لأنّا إن قلنا: إنّ القرض يُملك بالقبض، فبدله غير مستقرّ في الذمّة؛ لأنّ للمقرض أن يرجع في عينه. و إن قلنا: يُملك بالتصرّف، فالمستقرض مسلّط عليه، و ذلك يوجب ضعف ملك المقرض، فلا يجوز الاعتياض عنه(2).

و نحن نمنع أن يكون للمقرض الرجوع في العين.

و اعلم أنّ الاستبدال عند الشافعي بيع ممّن عليه الدَّيْن، و لا يجوز استبدال المؤجّل عن الحالّ، و يجوز العكس، و كان مَنْ عليه الدَّيْن قد عجّله(3).

مسألة 545: القبض فيما لا ينقل كالدور و الأراضي هو التخلية

بينه

ص: 392


1- العزيز شرح الوجيز 302:4، روضة الطالبين 173172:3، المجموع 274:9.
2- العزيز شرح الوجيز 304:4، روضة الطالبين 174:3، المجموع 274:9.
3- العزيز شرح الوجيز 304:4، روضة الطالبين 174:3، المجموع 276:9.

و بين المشتري، و يمكّنه من اليد و التصرّف بتسليم المفتاح إليه. و لا يعتبر دخوله و تصرّفه فيه.

و الأقرب: أنّه لا يشترط تفريغ الدار من أقمشة البائع، خلافاً للشافعي(1).

و لو جمع البائع متاعه في بيت من الدار و خلّى بين المشتري و بين الدار، حصل القبض في الدار كلّها عندنا، و عنده يحصل في غير البيت(2).

و لو اشترى صبرة و لم ينقلها حتى اشترى الأرض التي عليها الصبرة و خلّى البائع بينه و بينها، حصل القبض في الصبرة عند الشافعي(3).

و لو جاء البائع بالمبيع فامتنع المشتري من قبضه، أجبره الحاكم عليه. فإن أصرّ، أمر الحاكم مَنْ يقبضه عنه، كالغائب.

و لو أحضره البائع فوضعه بين يدي المشتري و لم يقل المشتري شيئاً، أو قال: لا أُريده، فوجهان للشافعيّة(4) ، أضعفهما: أنّه لا يحصل القبض، كما لا يحصل به الإيداع. و أصحّهما عندهم: أنّه يحصل؛ لوجود التسليم، فعلى هذا للمشتري التصرّفُ فيه. و لو تلف، فهو من ضمانه، لكن لو خرج مستحقّاً و لم يجر(5) إلّا وضعه بين يديه، فليس للمستحقّ مطالبة المشتري بالضمان و به قال الشافعي(6) لأنّ هذا القدر لا يكفي لضمان الغصب.9.

ص: 393


1- العزيز شرح الوجيز 305:4، روضة الطالبين 175:3، المجموع 276:9.
2- العزيز شرح الوجيز 305:4، روضة الطالبين 175:3، المجموع 276:9.
3- العزيز شرح الوجيز 306:4، روضة الطالبين 176:3، المجموع 277:9.
4- العزيز شرح الوجيز 307:4، روضة الطالبين 177:3، المجموع 277:9.
5- في «س، ي» و الطبعة الحجريّة: «و لم يجز» بالزاي المعجمة. و الظاهر أنّ الصحيح ما أثبتناه.
6- العزيز شرح الوجيز 307:4، روضة الطالبين 177:3، المجموع 278:9.

و لو وضع المديون الدَّيْن بين يدي مستحقّه، ففي حصول التسليم خلاف بين الشافعيّة مرتّب على المبيع. و هذه الصورة أولى بعدم الحصول؛ لعدم تعيّن الملك(1).

و فيه نظر؛ لأنّ الملك يتعيّن بتعيين(2) المديون، و بالدفع قد عيّنه.

و لو دفع ظرفاً إلى البائع و قال: اجعل المبيع فيه، ففَعَل، لا يحصل التسليم؛ إذ لم يوجد من المشتري ما هو قبض. و الظرف غير مضمون عليه؛ لأنّه استعمله في ملك المشتري بإذنه، و في مثله في السَّلَم يكون الظرف مضموناً على المسلم إليه؛ لأنّه استعمله في ملك نفسه.

و لو قال البائع: أعِرْني ظرفك و اجعل المبيع فيه، ففَعَل، لم يصر المشتري قابضاً أيضاً.

و لو قبض بالوزن ما اشتراه كيلاً أو بالعكس، فهو كما لو قبضه جزافاً إن تيقّن حصول الحقّ فيه، صحّ، و إلّا فلا.

و للشافعيّة قولان فيما لو علم حصول الحقّ(3) ، تقدّما(4).

و لو قال البائع: خُذْه فإنّه كذا، فأخذه مصدّقاً له، صحّ القبض.

و قال الشافعي: لا يصحّ حتى يجري الكيل الصحيح، فإن زاد، ردّ الزيادة. و إن نقص، أخذ الباقي(5).

و لو تلف المقبوض فزعم الدافع أنّه كان قدر حقّه أو أكثر، و زعم9.

ص: 394


1- العزيز شرح الوجيز 307:4، روضة الطالبين 177:3، المجموع 278:9.
2- في «س، ي» و الطبعة الحجريّة: «بتعيّن» و الصحيح ما أثبتناه.
3- العزيز شرح الوجيز 307:4، روضة الطالبين 177:3، المجموع 278:9.
4- في ص 372، ضمن المسألة 525، و كذا في ج 10 ص 104 105، الفرع (أ) من المسألة 60.
5- العزيز شرح الوجيز 307:4، روضة الطالبين 178:3، المجموع 278:9.

المدفوع إليه أنّه كان دون حقّه أو قدره، فالقول قوله.

و معنى التصديق أن يحمل خبره على الصدق و يأخذه بناءً(1) عليه، أمّا لو أقرّ بجريان الكيل، لم يسمع منه خلافه.

مسألة 546: إذا اعتبر في المبيع كيل أو وزن، لم يكن على البائع الرضا بكيل المشتري و وزنه،

و لا على المشتري الرضا بكيل البائع، بل يتّفقان على كيّال أو وزّان. و لو اختلفا، نصب الحاكم أميناً يتولّاه.

و لو كان لِزيدٍ طعام على رجل سَلَماً(2) و لآخر مثله على زيد، فأراد زيد أن يوفّي ما عليه ممّا لَه على الآخر، فقال: اذهب إلى فلان و اقبض لنفسك ما لي عليه، فالقبض فاسد، و المقبوض مضمون على القابض.

و هل تبرأ ذمّة الدافع عن حقّ زيد؟ للشافعي وجهان أصحّهما: نعم. و هُما مبنيّان على القولين فيما إذا باع نجوم الكتابة و قبضها المشتري هل يعتق المكاتب ؟ فإن قلنا: لا يبرأ، فعلى القابض ردّ المقبوض إلى الدافع(3).

و الوجه: البراءة.

و لو قال زيد: اقبضه لي ثمّ اقبضه منّي لنفسك بذلك الكيل، أو قال: احضر معي لأقبضه لنفسي ثمّ تأخذ أنت بذلك الكيل، ففَعَل، فقبضه لزيد في الصورة الاُولى و قبض زيد لنفسه في الثانية صحيح(4) ، و تبرأ ذمّة البائع

ص: 395


1- في «س، ي» و الطبعة الحجريّة: «منا» بدل «بناءً». و الظاهر أنّ الصحيح ما أثبتناه.
2- في «س، ي» و الطبعة الحجريّة: «سلم» و الصحيح ما أثبتناه. و يحتمل: «من سَلَم».
3- التهذيب للبغوي 413:3، العزيز شرح الوجيز 308:4، روضة الطالبين 178:3، المجموع 279:9.
4- في «س، ي» و الطبعة الحجريّة: «صحّ» بدل «صحيح» و ما أثبتناه يقتضيه السياق.

عن حقّه. و القبض الآخر فاسد عند الشافعيّة(1) ، و المقبوض مضمون عليه.

و في قبضه لنفسه في الصورة الأُولى وجه آخر: أنّه صحيح(2).

و لو اكتال زيد فقبضه لنفسه ثمّ كاله على مشتريه و أقبضه، فقد جرى الصاعان، و صحّ القبضان، و لا رجوع له. و إن زاد كثيراً، تبيّن أنّ الكيل الأوّل وقع غلطاً، فيردّ زيدٌ الزيادة، و يرجع بالنقصان.

تذنيب: مئونة الكيل الذي يفتقر إليه القبض على البائع، كمئونة إحضار المبيع الغائب، و مئونة وزن الثمن على المشتري؛ لتوقّف التسليم عليه، و مئونة نقد الثمن على المشتري أيضاً، و هو أحد وجهي الشافعيّة. و الثاني: أنّه على البائع(3).

مسألة 547: للمشتري أن يوكّل في القبض

و إن وكّل مَنْ يده كيد البائع، كعبده، خلافاً للشافعي(4).

و لا بأس بتوكيل ابنه و أبيه و مكاتَبه عنده(5).

و في توكيل عبده المأذون في التجارة وجهان له، أصحّهما عنده: أنّه لا يجوز(6).

و لو قال للبائع: وكّل مَنْ يقبض لي عنك، ففَعَل، جاز، و يكون وكيلَ المشتري. و كذا لو وكّل البائع بأن يأمر مَنْ يشتري منه للموكّل.

و لو كان القابض و المقبض واحداً، لم يجز عند الشافعي(7).

و الأولى عندي: الجواز.

ص: 396


1- العزيز شرح الوجيز 308:4، روضة الطالبين 179:3، المجموع 279:9.
2- العزيز شرح الوجيز 309308:4، روضة الطالبين 179:3، المجموع 279:9.
3- العزيز شرح الوجيز 309:4، روضة الطالبين 178:3، المجموع 279:9.
4- العزيز شرح الوجيز 310:4، روضة الطالبين 179:3، المجموع 280:9.
5- العزيز شرح الوجيز 310:4، روضة الطالبين 179:3، المجموع 280:9.
6- العزيز شرح الوجيز 310:4، روضة الطالبين 179:3، المجموع 280:9.
7- العزيز شرح الوجيز 310:4، روضة الطالبين 179:3، المجموع 280:9.

و لو اشترى الأب لابنه الصغير من مالٍ لنفسه أو لنفسه من مال الصغير، فإنّه يتولّى طرفي القبض، كما يتولّى طرفي البيع.

و هل يحتاج إلى النقل و التحويل في المنقول ؟ الأقرب: العدم، و هو أحد وجهي الشافعيّة. و الثاني: احتياجه(1).

و إتلاف المشتري المبيع قبض. و قبض الجزء المشاع إنّما يحصل بتسليم الجميع، و يكون ما عدا المبيع أمانةً في يده.

و لو طلب القسمة قبل القبض، أُجيب إليها، و به قال الشافعي(2).

أمّا إذا جعلنا القسمة إفرازاً: فظاهر.

و أمّا إذا جعلناها بيعاً: فإنّ الرضا غير معتبر فيه؛ لأنّ الشريك يُجبر عليه، و إذا لم يعتبر الرضا، جاز أن لا يعتبر القبض، كما في الشفعة.

مسألة 548: قد بيّنّا

مسألة 548: قد بيّنّا(3) وجوب تسليم ما على كلٍّ من البائع و المشتري،

فلو اختلفا في التقديم، فأحد أقوال الشافعي: إجبارهما معاً على التسليم، فيأمر(4) كلّ واحد منهما بإحضار ما عليه، فإذا أحضرا، سلّم الثمن إلى البائع و المبيع إلى المشتري بأيّهما بدأ جاز، أو يأمرهما بالوضع عند عدل ليفعل العدل ذلك و هو المعتمد عندي لأنّ كلّ واحد منهما يستحقّ قبض ما عند الآخر، فيؤمر بإيفائه، كما لو كان لكلٍّ منهما وديعة عند الآخر و تنازعا هكذا.

و الثاني: أنّهما لا يُجبران، بل يمنعهما من التنازع، فإذا سلّم أحدهما

ص: 397


1- العزيز شرح الوجيز 311310:4، روضة الطالبين 180:3، المجموع 280:9.
2- العزيز شرح الوجيز 311:4، روضة الطالبين 180:3، المجموع 281:9.
3- في ج 10 ص 108 «النظر الثاني في وجوب القبض».
4- أي الحاكم.

ما عليه، أجبر الآخر؛ لأنّ على كلّ واحد إيفاء و استيفاء، فلا سبيل إلى تكليف الإيفاء قبل الاستيفاء.

و الثالث و به قال مالك و أبو حنيفة -: أنّه يُجبر المشتري على تسليم الثمن أوّلاً؛ لأنّ حقّه متعيّن في المبيع، و حقّ البائع غير متعيّن في الثمن، فيؤمر بالتعيين.

و الرابع و به قال الشيخ(1): أنّه يُجبر البائع أوّلاً على التسليم و به قال أحمد لأنّه لا يخاف هلاك الثمن، فملكه مستقرّ فيه، و تصرّفه فيه بالحوالة و الاعتياض نافذ، و ملك المشتري في المبيع غير مستقرّ، فعلى البائع التسليم ليستقرّ(2).

و في المسألة طريقة اخرى للشافعي، و هي: القطع بالرابع، و حَمْل الأوّل و الثاني على حكاية مذهب الغير، و الثالث من تخريج بعضهم(3).

هذا إذا كان الثمن في الذمّة، و أمّا إذا كان معيّناً، فإنّه يسقط القول الثالث(4).

و إن تبايعا عرضاً بعرض، سقط القول الرابع أيضاً، و بقي قولان: إنّهما يُجبران، و لا يُجبران. و الأوّل أظهر، و به قال أحمد(5).3.

ص: 398


1- المبسوط للطوسي 148147:2، الخلاف 151:3، المسألة 239.
2- المهذّب للشيرازي 302:1، التهذيب للبغوي 512511:3، حلية العلماء 337336:4، الحاوي الكبير 308307:5، العزيز شرح الوجيز 312:4، روضة الطالبين 181:3، المغني 292:4، الشرح الكبير 122:4.
3- العزيز شرح الوجيز 312:4.
4- التهذيب للبغوي 512:3، العزيز شرح الوجيز 312:4، روضة الطالبين 181:3.
5- التهذيب للبغوي 512:3، العزيز شرح الوجيز 313312:4، روضة الطالبين 182181:3.

فإن قلنا: يُجبر البائع على تسليم المبيع أوّلاً أو قلنا: لا يُجبر لكنّه تبرّع و ابتدأ بالتسليم، أُجبر المشتري على تسليم الثمن في الحال إن كان حاضراً في المجلس، و إلّا فإن كان المشتري موسراً، فإن كان مالُه في البلد، حُجر عليه إلى أن يسلّم الثمن لئلّا يتصرّف في أملاكه بما يفوت حقّ البائع(1).

و للشافعيّة وجه آخر: أنّه لا يُحجر عليه، و يمهل إلى أن يأتي بالثمن(2). و هو الوجه عندي.

و على تقدير الحجر قيل: يُحجر عليه في المبيع و سائر أمواله(3).

و قال بعضهم: لا حجر عليه في سائر أمواله إن كان ماله وافياً، بل يتبعه به(4).

و هل يدخل المبيع في الاحتساب ؟ للشافعيّة وجهان، أشبههما عندهم: الدخول(5).

و إن كان غائباً، لم يكلّف البائع الصبر إلى إحضاره؛ لتضرّره، بل في وجهٍ: يباع في حقّه و يؤدّى في ثمنه.

و الأظهر: أنّه يفسخ؛ لتعذّر تحصيل الثمن، كالمفلس. فإن فسخ، فذاك، و إن صبر إلى الإحضار، فالحجر على ما سبق(6).

و حكي عن بعضهم أنّه لا فسخ، لكن يردّ المبيع إلى البائع، و يحجر على المشتري، و يمهل إلى الإحضار(7).

و إن كان دون مسافة القصر، فهو كما لو كان في البلد أو كما لو كان3.

ص: 399


1- العزيز شرح الوجيز 313:4، روضة الطالبين 182:3.
2- العزيز شرح الوجيز 313:4، روضة الطالبين 182:3.
3- العزيز شرح الوجيز 313:4، روضة الطالبين 182:3.
4- العزيز شرح الوجيز 313:4، روضة الطالبين 182:3.
5- العزيز شرح الوجيز 314313:4، روضة الطالبين 182:3.
6- العزيز شرح الوجيز 314:4، روضة الطالبين 182:3.
7- العزيز شرح الوجيز 314:4، روضة الطالبين 182:3.

على مسافة القصر؟ للشافعيّة وجهان(1).

و عندنا أنّ للبائع الفسخ بعد ثلاثة أيّام.

و إن كان معسراً، فهو مفلس، فإن حجر عليه الحاكم، تخيّر البائع بين الفسخ و الضرب مع الغرماء.

و قال الشافعي: إذا كان مفلساً، فالبائع أحقّ بمتاعه في وجهٍ. و في آخر: لا فسخ، لكن يباع و يوفّى من الثمن حقّ البائع، فإن فضل شيء، فهو للمشتري(2).

و هذا التفريع جارٍ فيما إذا اختلف المتواجران(3) في البدأة بالتسليم بغير فرق.

مسألة 549: توهّم قوم أنّ الخلاف في البدأة بالتسليم خلاف في أنّ البائع هل له حقّ الحبس أم لا؟

إن قلنا: البدأة بالبائع، فليس له حبس المبيع إلى استيفاء الثمن، و إلّا فله ذلك(4).

و نازع أكثر الشافعيّة فيه، و قالوا: هذا الخلاف مفروض فيما إذا كان نزاعهما في مجرّد البدأة، و كان كلّ واحد منهما يبذل ما عليه و لا يخاف فوت ما عند صاحبه، فأمّا إذا لم يبذل البائع المبيع و أراد حبسه خوفاً من تعذّر تحصيل الثمن، فله ذلك بلا خلاف. و كذا للمشتري حبس الثمن خوفاً من تعذّر تحصيل المبيع، و أن يحبس بالثمن الحالّ، أمّا المؤجّل فلا و إن حلّ الأجل(5).

ص: 400


1- العزيز شرح الوجيز 314:4، روضة الطالبين 182:3.
2- العزيز شرح الوجيز 314:4، روضة الطالبين 183:3.
3- أي: المكري و المكتري.
4- العزيز شرح الوجيز 315:4، روضة الطالبين 183:3.
5- العزيز شرح الوجيز 315:4، روضة الطالبين 183:3.

و لو تبرّع بالتسليم، لم يكن له ردّه إلى حبسه. و كذا لو أعاره من المشتري في أصحّ وجهي الشافعيّة(1).

و لو أودعه إيّاه، فله ذلك. و لو صالح من الثمن على مال، لم يسقط حقّ الحبس لاستيفاء العوض.

و لو اشترى بوكالة اثنين شيئاً و وفّى نصف الثمن عن أحدهما، وجب عليه تسليم النصف.

و قال الشافعي: لا يجب، بناءً على أنّ الاعتبار بالعاقد(2).

و لو باع بوكالة اثنين، فإذا أخذ نصيب أحدهما من الثمن، فعليه تسليم النصف، و به قال الشافعي(3).3.

ص: 401


1- العزيز شرح الوجيز 315:4، روضة الطالبين 183:3.
2- العزيز شرح الوجيز 315:4، روضة الطالبين 183:3.
3- العزيز شرح الوجيز 315:4، روضة الطالبين 183:3.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.