تذكره الفقهاء المجلد 10

اشارة

سرشناسه : علامه حلي حسن بن يوسف ق 726 - 648

عنوان و نام پديدآور : تذكره الفقهاء/ تاليف العلامه الحلي الحسن بن يوسف بن المطهر؛ تحقيق موسسه آل البيت عليهم السلام لاحياآ التراث مشخصات نشر : قم موسسه آل البيت عليهم السلام لاحياآ التراث 1400ق = 1300.

مشخصات ظاهري : ج 22

فروست : (موسسه آل البيت عليهم السلام لاحياآ التراث 127؛ 129؛ 130134)

شابك : 964-5503-33-7 (دوره ؛ 964-5503-44-2 2900ريال (ج 4) ؛ 964-5503-46-9 (ج 6) ؛ 964-319-007-2 (ج 7) ؛ 964-319-224-5 8000ريال (ج 11)

يادداشت : عربي يادداشت : فهرست نويسي براساس جلد چهارم 1414ق = 1372

يادداشت : ج 1 (چاپ اول 1420ق = 1378)؛ 8000 ريال ج 1) :ISBN 964-319-197-4

يادداشت : ج 8 (چاپ اول 1417ق = 1376)؛ 6500 ريال ج )8ISBN 964-319-051-x

يادداشت : ج 9 (چاپ اول 1419ق = 1377)8000 ريال :(ج )9ISBN 964-319-008-0

يادداشت : ج 13 (چاپ اول 1423ق = 1381)9500 ريال :ISBN 964-319-389-6

يادداشت : كتابنامه مندرجات : (ج )7) ISBN 964-319-007-2 ج 12) 1422ق = 8500 :1380 ريال موضوع : فقه جعفري -- قرن ق 8

شناسه افزوده : موسسه آل البيت عليهم السلام لاحياآ التراث رده بندي كنگره : BP182/3 /ع8ت4 1300ي

رده بندي ديويي : 297/342

شماره كتابشناسي ملي : م 73-2721

ص: 1

اشارة

ص: 2

ص: 3

ص: 4

الجزء العاشر

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ، و به نستعين

القاعدة الثانية: في العقود.

اشارة

و فيه كتب:

كتاب البيع،

اشارة

و فيه مقاصد:

المقصد الأوّل: في أركانه،

اشارة

و فيه فصول:

الفصل الأوّل: في ماهيّته

و هو انتقال عين مملوكة من شخص إلى غيره بعوض مقدّر على وجه التراضي، فلا ينعقد على المنافع، و لا على ما لا يصحّ تملّكه، و لا مع خلوّه عن العوض المعلوم، و لا مع الإكراه.

و هو جائز بالنصّ

ص: 5

قال اللّه تعالى وَ أَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ (1).

و قال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: «البيّعان بالخيار ما لم يفترقا»(2).

و سأل الصادق عليه السّلام عن معاذ بيّاع الكرابيس، فقيل: ترك التجارة، فقال: «عمل عمل الشيطان [1]، من ترك التجارة ذهب ثلثا عقله، أما علم أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قدمت عير من الشام فاشترى منها و اتّجر فربح فيها ما قضى دينه»(3).

و لا خلاف بين الأمّة فيه. و لأنّ الحاجة قد تتعلّق بما في يد الغير و لا يبذله بغير عوض، فتسويغ البيع يوصل كلاّ إلى غرضه و رفع حاجته.1.

ص: 6


1- البقرة: 275.
2- صحيح البخاري 84:3، سنن أبي داود 274:3، 3459، المصنّف - لابن أبي شيبة - 124:7-126، 2607 و 2608 و 2611.
3- التهذيب 4:7، 11.
الفصل الثاني في الصيغة
مسألة 1: الأشهر عندنا: أنّه لا بدّ منها،

و لا تكفي المعاطاة في الجليل و الحقير، مثل: أعطني بهذا الدينار ثوبا، فيعطيه ما يرضيه، أو يقول: خذ هذا الثوب بدينار، فيأخذه - و به قال الشافعي مطلقا(1) - لأصالة بقاء الملك، و قصور الأفعال عن الدلالة على المقاصد. و بعض الحنفيّة و ابن سريج في الجليلة(2).

و قال أحمد: ينعقد مطلقا - و نحوه قال مالك، فإنّه قال: بع بما يعتقده الناس بيعا(3) - لأنّه تعالى أحلّ البيع و لم يبيّن الكيفيّة، فتحال على العرف كالقبض، و البيع وقع في زمانه عليه السّلام كثيرا و لم ينقل اللفظ، و إلاّ لتواتر(4).

و الجواب: المعاطاة تثبت في غير البيع، فيجب عود النصّ إلى غيرها. و نمنع عدم التواتر، و الاستغناء بالإباحة عنه.

ص: 7


1- الوجيز 132:1، العزيز شرح الوجيز 10:4، المهذّب - للشيرازي - 264:1، المجموع 162:9، روضة الطالبين 5:3، حلية العلماء 13:4، بدائع الصنائع 134:5، المغني و الشرح الكبير 5:4.
2- الاختيار لتعليل المختار 5:2، بدائع الصنائع 134:5، العزيز شرح الوجيز 4: 10، الوسيط 8:3، المجموع 162:9، روضة الطالبين 5:3، المغني و الشرح الكبير 5:4.
3- حلية العلماء 14:4، العزيز شرح الوجيز 11:4، روضة الطالبين 5:3، المغني و الشرح الكبير 5:4.
4- المغني 5:4، الشرح الكبير 5:4-6.

و الحوالة في الحقيرة على العرف، فتختلف بأجناس الأموال.

و فسّره بعض الشافعيّة بما دون نصاب السرقة(1). و هو تحكّم.

مسألة 2: صيغة الإيجاب: «بعت» أو «شريت» أو «ملّكت» من جهة البائع.
اشارة

و القبول من المشتري: «قبلت» أو «ابتعت» أو «اشتريت» أو «تملّكت».

و لا يشترط الاتّحاد إجماعا، فيقول البائع: شريت، فيقول المشتري:

تملّكت.

و يشترط أمور:
الأوّل: تقديم الإيجاب على الأقوى

- خلافا للشافعي و أحمد(2) - عملا بالأصل، و الدلالة على الرضا ليست كافية.

الثاني: الإتيان بهما بلفظ الماضي،

فلو قال: أبيعك، أو قال:

أشتري، لم يقع إجماعا، لانصرافه إلى الوعد.

و لو تقدّم القبول بلفظ الطلب بأن قال: بعني، بدل قوله: اشتريت، فقال البائع: بعتك، لم ينعقد - و به قال أبو حنيفة و المزني و الشافعي في أحد القولين(3) - لأنّه ليس صريحا في الإيجاب، فقد يقصد أن يعرف أنّ البائع هل يرغب في البيع ؟

ص: 8


1- العزيز شرح الوجيز 10:4، المجموع 164:9، روضة الطالبين 5:3.
2- المهذّب - للشيرازي - 264:1، المجموع 166:9، روضة الطالبين 4:3، منهاج الطالبين: 94، الحاوي الكبير 40:5، العزيز شرح الوجيز 10:4، المغني و الشرح الكبير 4:4، الكافي في فقه الإمام أحمد 3:2.
3- بدائع الصنائع 133:5، مختصر اختلاف العلماء 49:3، 1126، المغني و الشرح الكبير 4:4، الحاوي الكبير 41:5-42، الوجيز 132:1، العزيز شرح الوجيز 11:4، حلية العلماء 14:4، المجموع 168:9.

و أصحّ وجهي الشافعي: الجواز - و به قال مالك - لوجود اللفظ المشعر من الجانبين(1).

و عن أحمد روايتان(2) كالقولين.

نعم، لو قال المشتري بعد ذلك: اشتريت، أو: قبلت، صحّ إجماعا.

و لو تقدّم بلفظ الاستفهام فيقول: أ تبيعني ؟ فيقول: بعتك، لم يصحّ إجماعا، لأنّه ليس بقبول و لا استدعاء.

الثالث: النطق،

فلا تكفي الإشارة إلاّ مع العجز، للأصل. و لا الكتابة، لإمكان العبث.

و للشافعيّة وجهان(3).

الرابع: التصريح،

فلا يقع بالكناية مع النيّة، مثل: أدخلته في ملكك، أو: جعلته لك، أو: خذه منّي بكذا، أو: سلّطتك عليه بكذا، عملا بأصالة بقاء الملك. و لأنّ المخاطب لا يدري بم خوطب.

و أصحّ وجهي الشافعي: الوقوع، قياسا على الخلع(4).

و نمنع الأصل، و ينتقض بالنكاح.

الخامس: الجزم،

فلو علّق العقد على شرط، لم يصحّ و إن كان

ص: 9


1- المهذب - للشيرازي - 264:1، المجموع 168:9، روضة الطالبين 5:3، منهاج الطالبين: 94، حلية العلماء 14:4، العزيز شرح الوجيز 11:4، الحاوي الكبير 41:5، بداية المجتهد 270:2، المغني و الشرح الكبير 4:4.
2- المغني و الشرح الكبير 4:4، الكافي في فقه الإمام أحمد 3:2، العزيز شرح الوجيز 11:4.
3- المهذّب - للشيرازي - 264:1، المجموع 167:9، حلية العلماء 15:4، العزيز شرح الوجيز 12:4-13.
4- المجموع 166:9، روضة الطالبين 6:3، منهاج الطالبين: 94، الوجيز 1: 133، العزيز شرح الوجيز 12:4.

الشرط المشيئة، للجهل بثبوتها حالة العقد و بقائها مدّته. و هو أحد قولي الشافعيّة.

و أظهر الوجهين لهم: الصحّة، لأنّ هذه صفة يقتضيها إطلاق العقد، لأنّه لو لم يشأ لم يشتر(1).

فروع:
أ - إنّما يفتقر إلى الإيجاب و القبول فيما ليس بضمنيّ من البيوع،

أمّا الضمنيّ، ك «أعتق عبدك عنّي بكذا» فيكفي فيه الالتماس و الجواب، و لا تعتبر الصيغ المتقدّمة إجماعا.

ب - لو اتّحد المتعاقدان، كالأب عن ولده، افتقر إلى الإيجاب و القبول،

و هو أحد وجهي الشافعيّة. و في الآخر: الاكتفاء بأحد اللفظين(2).

ج - لا بدّ من التطابق في المعنى بين الصيغتين،

فلو قال: بعتك هذين بألف، فقال: قبلت أحدهما بخمسمائة، أو: قبلت نصفهما بنصف الثمن. أو قال: بعتكما هذا بألف، فقال أحدهما: قبلت نصفه بنصف الثمن، لم يقع على إشكال في الأخير أقربه: الصحّة و اختيار البائع.

ص: 10


1- المجموع 170:9، روضة الطالبين 8:3، العزيز شرح الوجيز 13:4.
2- المجموع 170:9، روضة الطالبين 7:3، العزيز شرح الوجيز 13:4.
الفصل الثالث في المتعاقدين
مسألة 3: يشترط فيهما البلوغ و العقل،
اشارة

فلا تصحّ عبارة الصبي، سواء كان مميّزا أو لا، أذن له الوليّ أو لا - و به قال الشافعي و أحمد في إحدى الروايتين(1) - لأنّ العقل لا يمكن الوقوف على حدّه المنوط التصرّف به، لخفائه و تزايده تزايدا على التدريج، فجعل الشارع له ضابطا هو البلوغ، فلا يثبت له أحكام العقلاء قبل وجود المظنّة. و لأنّ المميّز غير مكلّف، فأشبه غيره.

و قال أبو حنيفة و أحمد في الرواية الأخرى: يصحّ عقد المميّز بإذن الوليّ، لقوله تعالى وَ ابْتَلُوا الْيَتامى (2) و إنّما يتحقّق الاختبار بتفويض التصرّف(3).

و الجواب: الابتلاء يثبت بتفويض الاستيام و المماكسة و تدبير البيع ثمّ يعقد الوليّ.

ص: 11


1- المهذّب - للشيرازي - 264:1، المجموع 155:9-156 و 158، روضة الطالبين 9:3، منهاج الطالبين: 94، حلية العلماء 10:4، الوجيز 133:1، العزيز شرح الوجيز 15:4، الوسيط 12:3، بدائع الصنائع 135:5، المغني 4: 321، الشرح الكبير 7:4.
2- النساء: 6.
3- بدائع الصنائع 135:5، المغني 321:4، الشرح الكبير 7:4، الوسيط 3: 12، العزيز شرح الوجيز 15:4، المجموع 158:9.

و في وجه لنا و للشافعيّة: جواز [بيع] [1] و الاختبار(1).

و في وجه لأبي حنيفة: انعقاد بيع المميّز بغير إذن الوليّ موقوفا على إجازة الوليّ(2).

و في وجه آخر لنا: جواز بيعه إذا بلغ عشرا.

فروع:
أ - لو اشترى الصبي و قبض أو استقرض و أتلف، فلا ضمان عليه،

لأنّ التضييع من الدافع، فإن كان المال باقيا، ردّه، و على الوليّ استرداد الثمن، و لا يبرأ البائع بالردّ إلى الصبي، و به قال الشافعي(3).

ب - كما لا تصحّ تصرّفاته اللفظيّة كذا لا يصحّ قبضه،

و لا يفيد حصول الملك في الهبة و إن اتّهب الوليّ له و لا لغيره و إن أمره الموهوب منه بالقبض.

و لو قال مستحقّ الدّين للمديون: سلّم حقّي إلى هذا الصبي، فسلّم قدر حقّه، لم يبرأ عن الدّين، و بقي المقبوض على ملكه لا يضمنه الصبي، لأنّ البراءة تستند إلى قبض صحيح و لم يثبت.

و لو فتح الصبي الباب و أذن في الدخول عن إذن أهل الدار أو أوصل هديّة إلى إنسان عن إذن المهدي، فالأقرب: الاعتماد، لتسامح السلف فيه.

ج - المجنون إن كان له حال إفاقة فباع أو اشترى فيها، صحّ، و إلاّ فلا.

ص: 12


1- العزيز شرح الوجيز 15:4، روضة الطالبين 9:3.
2- بدائع الصنائع 135:5، العزيز شرح الوجيز 15:4، المجموع 158:9، المغني 321:4، الشرح الكبير 8:4.
3- العزيز شرح الوجيز 15:4، روضة الطالبين 10:3، المجموع 156:9.

و لو ادّعى الجنون حالة العقد، قدّم قوله.

و لو لم يعرف له حالة جنون، قدّم قول مدّعي الصحّة.

و يقدّم قول الصبي لو ادّعى إيقاعه حالة الصبا.

د - لا ينعقد بيع المجنون و إن أذن وليّه،

و لا المغمى عليه و لا السكران و لا الغافل و لا الناسي و لا النائم و الهازل و لا المكره.

مسألة 4: الاختيار شرط في المتعاقدين،
اشارة

فلا يصحّ بيع المكره و لا شراؤه، لقوله تعالى إِلاّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ (1).

و في معنى الإكراه بيع التلجئة، و هو: أن يخاف أن يأخذ الظالم ملكه فيواطئ رجلا على إظهار شرائه منه و لا يريد بيعا حقيقيّا، ذهب إليه علماؤنا أجمع - و به قال أحمد و أبو يوسف و محمّد(2) - لأنّهما لم يقصدا البيع، فكانا كالهازلين.

و قال أبو حنيفة و الشافعي: يصحّ بيع التلجئة، لأنّه تمّ بأركانه و شروطه خاليا عن مقارنة مفسد، فصحّ، كما لو اتّفقا على شرط فاسد ثمّ عقدا بغير شرط(3). و نمنع المقدّمات.

و كذا القصد شرط في البيع إجماعا.

فروع:
أ - لو رضي من منع عقده بفعله بعد زوال المانع، لم يصحّ،

إلاّ

ص: 13


1- النساء: 29.
2- المغني 302:4، المجموع 334:9.
3- المغني 302:4، المجموع 334:9، العزيز شرح الوجيز 33:4، روضة الطالبين 23:3.

المكره، للوثوق بعبارته.

ب - لو أكرهه على بيع عبد فباع اثنين أو نصفه، فإشكال.

و كذا بثمن فباع بأزيد أو أنقص، أو بوصف حلول أو غيره فباع بخلافه.

ج - لو ادّعى الإكراه،

قبل مع اليمين مع القرينة لا بدونها.

مسألة 5: يشترط أن يكون البائع مالكا أو من له ولاية،
اشارة

كالأب و الجدّ له و الحاكم و أمينه و الوكيل، فلو باع الفضولي، صحّ، و وقف على إجازة المالك - و به قال مالك و إسحاق و أبو حنيفة و الشافعي في القديم، و أحمد في إحدى الروايتين(1) - لأنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله دفع إلى عروة البارقي دينارا ليشتري له شاة فاشترى به شاتين، فباع إحداهما بدينار و جاء بدينار و شاة، و حكى له، فقال صلّى اللّه عليه و آله له: «بارك اللّه لك في صفقة يمينك»(2).

و لأنّه عقد له مجيز حال وقوعه، فيجب أن يقف على إجازته، كالوصيّة.

و قال أبو ثور و ابن المنذر و الشافعي في الجديد و أحمد في الرواية الأخرى: يبطل البيع - و هو قول لنا - لقوله عليه السّلام لحكيم بن حزام: «لا تبع ما ليس عندك»(3).

ص: 14


1- بداية المجتهد 172:2، بدائع الصنائع 147:5، الهداية - للمرغيناني - 3: 68، الاختيار لتعليل المختار 26:2، العزيز شرح الوجيز 31:4 و 32، روضة الطالبين 21:3، المجموع 259:9، حلية العلماء 74:4-75، المغني 4: 296، الشرح الكبير 18:4.
2- سنن الترمذي 559:3، 1258، سنن الدارقطني 10:3، 29، المغني 296:4 - 297، الشرح الكبير 18:4.
3- سنن ابن ماجة 737:2، 2187، سنن أبي داود 283:3، 3503، سنن الترمذي 534:3، 1232، سنن النسائي 289:7، سنن البيهقي 267:5، 317، 339، مسند أحمد 403:4، 14887، و 455، 15145، المعجم الكبير - للطبراني - 3: 217-218، 3097-3099، 3102، 3103.

و لأنّه باع ما لا يقدر على تسليمه، فأشبه الآبق و الطير في الهواء(1).

و الجواب: النهي في المعاملات لا يقتضي الفساد، و نصرفه إلى أنّه باع عن نفسه و يمضي فيشتريه من مالكه، لأنّه ذكره جوابا له حين سأله أنّه يبيع الشيء ثمّ يمضي و يشتريه و يسلّمه، و القدرة على التسليم من المالك موجودة إن أجازه.

فروع:
أ - شرط أبو حنيفة للوقف أن يكون للعقد مجيز في الحال،

فلو باع مال الطفل فبلغ و أجاز، لم ينعقد. و كذا لو باع مال غيره ثمّ ملكه و أجاز(2).

و هو قول للشافعيّة تفريعا على القديم(3).

ب - لو اشترى فضوليّا، فإن كان بعين مال الغير،

فالخلاف في البطلان و الوقف على الإجازة، إلاّ أنّ أبا حنيفة قال: يقع للمشتري بكلّ حال(4).

و إن كان في الذمّة لغيره و أطلق اللفظ، قال علماؤنا: يقف على الإجازة، فإن أجازه، صحّ، و لزمه أداء الثمن، و إن ردّ، نفذ عن المباشر

ص: 15


1- المغني 296:4-297، الشرح الكبير 18:4، بداية المجتهد 172:2، الوجيز 134:1، العزيز شرح الوجيز 31:4 و 32، المجموع 259:9 و 261، روضة الطالبين 21:3، الهداية - للمرغيناني - 68:3.
2- بدائع الصنائع 149:5، العزيز شرح الوجيز 32:4.
3- العزيز شرح الوجيز 32:4، المجموع 260:9، روضة الطالبين 22:3.
4- الهداية - للمرغيناني - 69:3، المجموع 261:9، حلية العلماء 75:4، المغني 296:4، الشرح الكبير 18:4.

- و به قال الشافعي في القديم و أحمد(1) - و إنّما يصحّ الشراء، لأنّه تصرّف في ذمّته لا في مال غيره، و إنّما وقف [1] على الإجازة، لأنّه عقد الشراء له، فإن أجازه، لزمه، و إنّ ردّه، لزم من اشتراه، و لا فرق بين أن ينقد من مال الغير أو لا.

و قال أبو حنيفة: يقع عن المباشر. و هو جديد للشافعي(2).

ج - لا يجوز أن يبيع عينا لا يملكها و يمضي ليشتريها و يسلّمها،

و به قال الشافعي و أحمد(3) ، و لا نعلم فيه خلافا، لنهي النبيّ صلّى اللّه عليه و آله عن بيع ما ليس عندك(4). و لاشتماله على الغرر، فإنّ صاحبها قد لا يبيعها و هو غير مالك لها و لا قادر على تسليمها.

أمّا إذا اشترى موصوفا في الذمّة سواء كان حالاّ أو مؤجّلا، فإنّه جائز. و كذا لو اشترى عينا شخصيّة غائبة مملوكة للبائع موصوفة بما يرفع الجهالة، فإنّه جائز إجماعا.

د - لو باع سلعة و صاحبها حاضر ساكت، فحكمه حكم الغائب،

قاله علماؤنا و أكثر أهل العلم، منهم: أبو حنيفة و الشافعي و أحمد و أبو يوسف(5) ، لاحتمال السكوت غير الرضا.

و قال ابن أبي ليلى: سكوته إقرار، كالبكر(6).

ص: 16


1- العزيز شرح الوجيز 32:4، المجموع 260:9، روضة الطالبين 21:3، المغني 296:4، الشرح الكبير 18:4.
2- بدائع الصنائع 150:5، حلية العلماء 77:4، العزيز شرح الوجيز 32:4، المجموع 260:9، روضة الطالبين 21:3.
3- المغني 297:4، الشرح الكبير 19:4.
4- تقدّمت الإشارة إلى مصادره في ص 14، الهامش (3).
5- المجموع 264:9، المغني 297:4، الشرح الكبير 19:4.
6- المجموع 264:9، المغني 297:4، الشرح الكبير 19:4.

و الفرق: الحياء المانع من كلامها.

ه - الغاصب و إن كثرت تصرّفاته فللمالك أن يجيزها و يأخذ الحاصل في الحال،

و يتتبّع [1] العقود و يعتمد مصلحته في نسخ أيّها شاء، فينفسخ فرعه، و هو أضعف قولي الشافعي، و أصحّهما عنده: بطلان الجميع(1).

و - لو باع بظنّ الحياة 2 و أنّه فضوليّ فبان موته و أنّه مالك، صحّ البيع

- و هو أصحّ قولي الشافعي(2) - لأنّه بيع صدر من أهله في محلّه.

و أضعفهما: البطلان، لأنّه كالغائب عن [3] مباشرة العقد، لاعتقاده أنّ المبيع لغيره(3).

و له آخر: أنّه موقوف على تيقّن(4) الحياة أو الموت(5).

ز - لو باع الهازل، لم ينعقد عندنا، لأنّه غير قاصد، فلا يترتّب عليه حكم.

و للشافعي وجهان(6).

ح - لو باع الفضولي أو اشترى مع جهل الآخر، فإشكال

ينشأ من أنّ

ص: 17


1- الوجيز 134:1، العزيز شرح الوجيز 33:4، المجموع 260:9-261، روضة الطالبين 22:3.
2- العزيز شرح الوجيز 33:4، المجموع 261:9، روضة الطالبين 22:3.
3- العزيز شرح الوجيز 33:4، المجموع 261:9، روضة الطالبين 22:3-23.
4- في الطبعة الحجريّة: يقين.
5- العزيز شرح الوجيز 34:4.
6- العزيز شرح الوجيز 33:4، المجموع 173:9، روضة الطالبين 23:3.

الآخر إنّما قصد تمليك العاقد. أمّا مع العلم: فالأقوى ما تقدّم. و في الغاصب مع علم المشتري أشكل، إذ ليس له الرجوع بما دفعه إلى الغاصب هنا.

ط - يرجع المشتري على البائع غير المالك

بما دفعه ثمنا و بما اغترمه من نفقة أو عوض عن اجرة أو نماء مع جهله أو ادّعاء البائع الإذن.

و هل يرجع بما دفعه ممّا حصل له في مقابلته نفع ؟ قولان.

و لو كان عالما، لم يرجع بما اغترم و لا بالثمن مع علم الغصب مطلقا عند علمائنا.

و الأقوى: أنّ له الرجوع مع بقاء الثمن، لعدم الانتقال، بخلاف التالف، لأنّه أباحه فيه من غير عوض.

ي - لا يبطل رجوع المشتري الجاهل بادّعاء الملكيّة للبائع،

لأنّه بنى على الظاهر، على إشكال ينشأ من اعترافه بالظلم، فلا يرجع على غير ظالمه.

يأ - لو تلفت العين في يد المشتري، كان للمالك الرجوع على من شاء منهما،

لدفع مال الغير بغير إذنه، و قبضه كذلك، فإن رجع على المشتري العالم، لم يرجع على البائع، لاستقرار التلف في يده. و إن رجع على البائع، رجع [1] عليه إن لم يكن قبض، و لو قبض، تقاصّا و ترادّا الفضل. و لو كان المشتري جاهلا، رجع على البائع، لغروره، و لا يرجع البائع عليه، لضعف المباشرة.

يب - لو ضمّ المملوك إلى غيره، صحّ في ملكه

و وقف الآخر على

ص: 18

الإجازة عندنا [1]، و سيأتي بحثه في تفريق الصفقة.

مسألة 6: لا يشترط إسلام العاقد إلاّ إسلام المشتري في شراء العبد المسلم،
اشارة

فلا ينعقد شراء الكافر للمسلم، عند أكثر علمائنا(1) - و به قال أحمد و مالك في إحدى الروايتين و أصحّ قولي الشافعي(2) - لأنّ الاسترقاق سبيل فينتفى، لقوله تعالى وَ لَنْ يَجْعَلَ اللّهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً (3).

و لأنّه ذلّ، فلا يثبت للكافر على المسلم، كالنكاح. و لأنّه يمنع من استدامة ملكه فيمنع من ابتدائه، كالنكاح.

و قال أبو حنيفة و الشافعي في أضعف القولين، و مالك في الرواية الأخرى، و بعض(4) علمائنا: يصحّ و يجبر على بيعه، لأنّه يملكه بالإرث، و يبقى [2] عليه - لو أسلم - في يديه، فصحّ شراؤه(5).

ص: 19


1- منهم الشيخ الطوسي في المبسوط 167:2، و ابن زهرة في الغنية: 210، و المحقق في شرائع الإسلام 16:2.
2- المغني 332:4، الشرح الكبير 47:4، الكافي في فقه الإمام أحمد 13:2، أحكام القرآن - لابن العربي - 510:1، الجامع لأحكام القرآن 421:5، الوجيز 1: 133، العزيز شرح الوجيز 17:4، الوسيط 13:3، حلية العلماء 118:4، المهذّب - للشيرازي - 274:1، المجموع 355:9 و 359-360، روضة الطالبين 11:3، الحاوي الكبير 381:5، التفسير الكبير 83:11.
3- النساء: 141.
4- انظر: شرائع الإسلام 16:2.
5- المغني 332:4، الشرح الكبير 47:4، الوجيز 133:1، العزيز شرح الوجيز 17:4، الوسيط 13:3، حلية العلماء 118:4، الحاوي الكبير 381:5 - 382، المهذّب - للشيرازي - 274:1، المجموع 355:9 و 359-360، روضة الطالبين 11:3، الجامع لأحكام القرآن 421:5.

و الفرق: أنّ الإرث و الاستدامة أقوى من الابتداء، لثبوته بهما للمحرم في الصيد مع منعه من ابتدائه، و لا يلزم من ثبوت الأقوى ثبوت الأدون مع أنّنا نقطع الاستدامة عليه بمنعه منها و إجباره على إزالتها.

فروع:
أ - الخلاف واقع في اتّهابه

و قبول الوصيّة به و الاستئجار عليه.

ب - لو وكّل الكافر مسلما في شراء مسلم، لم يصحّ

- و به قال أحمد(1) - لأنّ الملك يقع للموكّل.

و لو انعكس، فالأقرب: الصحّة - و هو أحد وجهي أحمد(2) - لأنّ المانع ثبوت السبيل، و الملك هنا للمسلم.

و الآخر له: لا يصحّ، لأنّ ما منع من شرائه منع من التوكيل فيه، كالمحرم في الصيد(3).

و الفرق: الممنوع هنا الإعانة.

ج - لو كان المسلم ممّن ينعتق على الكافر، فالأقرب عندي: صحّة البيع،

لأنّه يستعقب العتق و إن كرهه، فلا إذلال، و هو أصحّ وجهي الشافعيّة [1]، و إحدى روايتي أحمد(4).

ص: 20


1- المغني 332:4.
2- المغني 332:4.
3- المغني 332:4.
4- الوجيز 133:1، العزيز شرح الوجيز 17:4، الوسيط 14:3، المهذّب - للشيرازي - 274:1، المجموع 355:9، روضة الطالبين 11:3، المغني 4: 332، الشرح الكبير 47:4، الكافي في فقه الإمام أحمد 13:2.

و في الأخرى: لا يصحّ، لأنّ ما منع من شرائه لم يبح له الشراء و إن زال ملكه، كالصيد(1).

و الفرق: أنّ المحرم لو ملكه لثبت عليه، بخلاف المتنازع.

د - كلّ شراء يستعقب العتق فكالقريب،

كما لو أقرّ كافر بحرّيّة عبد مسلم ثمّ اشتراه من مالكه، أو قال لغيره: أعتق عبدك المسلم عنّي و عليّ ثمنه، ففعل. و الخلاف كما تقدّم.

ه - يجوز أن يستأجر الكافر مسلما لعمل في ذمّته، لأنّه دين عليه،

و يتمكّن من تحصيله بغيره.

و آجر بعض الأنصار نفسه من ذمّيّ يستقي له كلّ دلو بتمرة، و أتى به النبي صلّى اللّه عليه و آله فلم ينكره(2).

و كذا في الإجارة على العين.

و للشافعي وجهان:

أظهرهما عنده: الصحّة، إذ لا يستحقّ بالإجارة رقبته بل منفعته بعوض، و هو في يد نفسه إن كان حرّا، و في يد سيّده إن كان عبدا.

و الثاني: يبطل، لما فيه من الاستيلاء و الإذلال باستحقاق استعماله(3).

فإن قلنا بالصحّة، فهل يؤمر بأن يؤجر من مسلم ؟ للشافعي وجهان(4).

ص: 21


1- الكافي في فقه الإمام أحمد 13:2، المغني 332:4، الشرح الكبير 47:4.
2- سنن ابن ماجة 818:2، 2448، المغني 332:4.
3- الوجيز 133:1، العزيز شرح الوجيز 18:4، المهذّب - للشيرازي - 402:1، المجموع 359:9، روضة الطالبين 12:3.
4- العزيز شرح الوجيز 18:4، المجموع 359:9، روضة الطالبين 12:3.
و - في صحّة ارتهان الكافر المسلم وجهان للشافعي

و - في صحّة ارتهان الكافر المسلم وجهان للشافعي(1) ،

و سيأتي.

و يجوز إعارته و إيداعه منه.

ز - لا يمنع الكافر من استرجاعه بالعيب،

و يتصوّر على وجهين: بأن يبيع مسلما [1] - ورثه أو أسلم في يده - بثوب من مسلم ثمّ يجد في الثوب عيبا - و هو أظهر وجهي الشافعي(2) - لأنّه قهري كالإرث. و الآخر: المنع، لأنّه مختار، فتستردّ قيمة العبد و يفرض كالتالف، فالثوب له ردّه قطعا(3).

أو بأن يجد مشتري العبد فيه عيبا.

و فيه للشافعي وجهان: المنع، فإنّه كما يحرم على الكافر تملّك المسلم كذا يحرم على المسلم تمليك الكافر المسلم. و الجواز، إذ لا اختيار للكافر هنا(4).

ح - إذا حصل المسلم في ملك الكافر بإرث أو شراء و قلنا بصحّته،

أو أسلم العبد دون مولاه، أمره الحاكم بإزالة الملك عنه إمّا ببيع أو عتق أو غيرهما، و لا يكفي الرهن و الإجارة و التزويج و الحيلولة.

و في الكتابة للشافعي وجهان: الأظهر: الاكتفاء، لقطع السلطنة عنه.

و المنع، لبقاء ملك الرقبة(5).

ص: 22


1- الوجيز 133:1، العزيز شرح الوجيز 18:4، المهذّب - للشيرازي - 316:1، المجموع 359:9، روضة الطالبين 12:3.
2- الوجيز 133:1، العزيز شرح الوجيز 18:4، الوسيط 15:3، المجموع 356:9-357، روضة الطالبين 12:3.
3- الوجيز 133:1، العزيز شرح الوجيز 18:4، الوسيط 15:3، المجموع 356:9-357، روضة الطالبين 12:3.
4- الوسيط 15:3، العزيز شرح الوجيز 18:4، المجموع 357:9، روضة الطالبين 12:3.
5- الوجيز 133:1، العزيز شرح الوجيز 20:4، الوسيط 16:3، الحاوي الكبير 382:5، المهذّب - للشيرازي - 274:1، المجموع 357:9، روضة الطالبين 13:3.

و الأقرب عندي: الأوّل في المطلقة، و الثاني في المشروطة.

ط - لو أسلمت مستولدة الكافر، امتنع بيعها

على أصحّ قولي الشافعي. و في أمره بالإعتاق، له وجهان: الأمر، لاستحقاقها العتق، و لا بدّ من دفع الذلّ. و الأظهر: المنع، للإجحاف و التخسير، فيحال بينهما، و تستكسب في يد غيره له، و يؤخذ منه النفقة [1](1). و هو عندي حسن.

ي - لو امتنع الكافر من إزالة الملك حيث يؤمر،

باعه الحاكم بثمن المثل، و يكون الثمن للكافر، فإن لم يجد راغبا، صبر مع الحيلولة. و لو مات الكافر، أمر وارثه بما يؤمر مورثه

يأ - لا يجوز للكافر شراء المصحف

- و هو أظهر قولي الشافعي(2) - لما فيه من تعظيم الكتاب العزيز. و الآخر له: الجواز(3).

و في أخبار [2] الرسول صلّى اللّه عليه و آله عندي تردّد. و للشافعي وجهان(4).

مسألة 7: يشترط في العاقد انتفاء الحجر عنه،

فلو كان محجورا عليه برقّ أو سفه أو فلس أو مرض مع المحاباة و قصور الثلث على رأي، بطل، أو وقف على الإجازة على الخلاف، و سيأتي تفصيل ذلك إن شاء اللّه تعالى في أبوابه.

ص: 23


1- الوجيز 133:1، العزيز شرح الوجيز 20:4، الوسيط 16:3، المجموع 9: 357-358، روضة الطالبين 14:3.
2- الوجيز 133:1، العزيز شرح الوجيز 17:4، الوسيط 13:3، حلية العلماء 118:4، المهذّب للشيرازي 274:1، المجموع 355:9، روضة الطالبين 11:3، منهاج الطالبين: 94، بدائع الصنائع 135:5، المغني 331:4، الشرح الكبير 15:4.
3- الوجيز 133:1، العزيز شرح الوجيز 17:4، الوسيط 13:3، حلية العلماء 118:4، المهذّب للشيرازي 274:1، المجموع 355:9، روضة الطالبين 11:3، منهاج الطالبين: 94، بدائع الصنائع 135:5، المغني 331:4، الشرح الكبير 15:4.
4- العزيز شرح الوجيز 17:4، المجموع 355:9، روضة الطالبين 11:3.

و هل يشترط البصر؟ الأظهر: لا، فيصحّ بيع الأعمى و شراؤه مع الوصف الرافع للجهالة، سواء كان ممّا يدرك بالذوق أو الشمّ أو لا. و له خيار الخلف في الصفة، كالمبصر، و به قال أحمد و أبو حنيفة(1).

و للشافعيّة طريقان: أحدهما: أنّه على قولين. و الثاني: القطع بالمنع، لأنّا نثبت خيار الرؤية في بيع الغائب و هنا لا رؤية، فيكون كبيع الغائب على شرط نفي الخيار(2).

قال الشافعي: و لو رآه بصيرا ثمّ اشتراه قبل مضيّ زمن يتغيّر فيه، صحّ(3).

و لو باع سلما أو أسلم، فإن عمي بعد ما بلغ سنّ التمييز، صحّ، لأنّ الاعتماد في السّلم على الأوصاف و هو يعرفها، ثمّ يوكّل من يقبض، و لا يصحّ قبضه بنفسه على أصحّ قوليه، لأنّه لا يميّز بين المستحقّ و غيره.

و إن عمي قبل سنّ التمييز أو كان أكمه، فوجهان عنده: عدم الصحّة، لعدم معرفته بالألوان. و أظهرهما: الجواز، لأنّه يتخيّل فرقا بين الألوان و يعرف أحوالها بالسماع(4).

و منع المزني من تسلّمه(5).

و قال عبيد اللّه بن الحسن: يجوز شراؤه، و إذا أمر إنسانا بالنظر إليه، لزمه(6).4.

ص: 24


1- المغني 299:4، الشرح الكبير 32:4، حلية العلماء 97:4-98، المجموع 302:9-303، العزيز شرح الوجيز 52:4، الهداية - للمرغيناني - 34:3، الاختيار لتعليل المختار 15:2، المبسوط - للسرخسي - 77:13.
2- العزيز شرح الوجيز 52:4، المهذّب - للشيرازي - 271:1، المجموع 302:9.
3- المجموع 303:9، المغني 299:4، الشرح الكبير 32:4.
4- المجموع 303:9، العزيز شرح الوجيز 53:4، الحاوي الكبير 339:5.
5- الحاوي الكبير 339:5، العزيز شرح الوجيز 53:4.
6- المغني 299:4، الشرح الكبير 32:4.
الفصل الرابع: العوضان
اشارة

و يشترط فيهما أمور:

الأوّل: الطهارة.
مسألة 8: يشترط في المعقود عليه الطهارة الأصليّة،
اشارة

فلا تضرّ النجاسة العارضة مع قبول التطهير.

و لو باع نجس العين كالخمر و الميتة و الخنزير، لم يصحّ إجماعا، لقوله تعالى فَاجْتَنِبُوهُ (1)حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ (2) و الأعيان لا يصحّ تحريمها، و أقرب مجاز إليها جميع وجوه الانتفاع، و أعظمها البيع، فكان حراما.

و لقول جابر: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله - و هو بمكة - يقول: «إنّ اللّه و رسوله حرّم بيع الخمر و الميتة و الخنزير و الأصنام»(3).

و ما عرضت له النجاسة إن قبل التطهير، صحّ بيعه، و يجب إعلام المشتري بحاله، و إن لم يقبله، كان كنجس العين.

ص: 25


1- المائدة: 90.
2- المائدة: 3.
3- صحيح البخاري 110:3، صحيح مسلم 1207:3، 1581، سنن الترمذي 3: 591، 1297، سنن النسائي 309:7، سنن البيهقي 12:6، مسند أحمد 4: 270، 14063.
فرع: كما لا يجوز للمسلم مباشرة بيع الخمر

فكذا لا يجوز أن يوكّل فيه ذمّيّا، و به قال الشافعي و مالك و أحمد و أكثر أهل العلم(1).

و قال أبو حنيفة: يجوز للمسلم أن يوكّل ذمّيّا في بيعها و شرائها(2).

و هو خطأ، لما تقدّم. و لأنّه نجس العين، فيحرم فيه التوكيل، كالخنزير.

مسألة 9: الكلب إن كان عقورا، حرم بيعه، عند علمائنا
اشارة

- و به قال الحسن و ربيعة و حمّاد و الأوزاعي و الشافعي و داود و أحمد(3). و عن أبي حنيفة روايتان(4). و بعض أصحاب مالك منعه(5) - لأنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله نهى عن ثمن الكلب(6).

و قال الرضا عليه السّلام: «ثمن الكلب سحت»(7).

ص: 26


1- المجموع 227:9، منهاج الطالبين: 94، المغني 307:4، الشرح الكبير 47:4.
2- بدائع الصنائع 141:5، حلية العلماء 58:4، المجموع 227:9، المغني 4: 307، الشرح الكبير 47:4.
3- المغني 324:4، الشرح الكبير 15:4، حلية العلماء 55:4، الوجيز 1: 133، العزيز شرح الوجيز 23:4، المهذّب - للشيرازي - 268:1، المجموع 9: 226-228، الحاوي الكبير 375:5، روضة الطالبين 16:3، بداية المجتهد 2: 126، الهداية - للمرغيناني - 79:3.
4- الهداية - للمرغيناني - 79:3، حلية العلماء 58:4-59، العزيز شرح الوجيز 23:4، المغني 324:4، الشرح الكبير 15:4.
5- العزيز شرح الوجيز 23:4، حلية العلماء 59:4، المغني 324:4، الشرح الكبير 15:4.
6- صحيح البخاري 78:3، 110، 111، صحيح مسلم 1198:3، 1567، المستدرك - للحاكم - 34:2، سنن الترمذي 575:3، 1276، سنن أبي داود 3: 279، 3481-3483، سنن النسائي 189:7، سنن البيهقي 6:6، الموطّأ 2: 656، 68، المصنّف - لابن أبي شيبة - 243:6-244، 948 و 950 و 952، مسند أحمد 260:4، 14002، و 296-297، 14242، و 320، 14388.
7- الكافي 120:5، 4، تفسير العياشي 321:1، 111.

و قال الصادق عليه السّلام: «ثمن الكلب الذي لا يصيد سحت»(1).

أمّا كلب الصيد: فالأقوى عندنا جواز بيعه - و به قال أبو حنيفة، و بعض أصحاب مالك، و جابر و عطاء و النخعي(2) - لما روي عن جابر أنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله نهى عن ثمن الكلب و السنّور إلاّ كلب الصيد(3).

و عن أبي بصير قال: سألت أبا عبد اللّه الصادق عليه السّلام عن ثمن كلب الصيد، قال: «لا بأس بثمنه، و الآخر لا يحلّ ثمنه»(4).

و لأنّه يحلّ الانتفاع به، و يصحّ نقل اليد فيه و الوصيّة به.

و قال الشافعي و أحمد و الحسن و ربيعة و حمّاد و الأوزاعي و داود بالتحريم - و هو قول لنا - لأنّه عليه السّلام نهى عن ثمن الكلب(5)المجموع 228:9، روضة الطالبين 16:3، منهاج الطالبين: 94، العزيز شرح الوجيز 23:4، الحاوي الكبير 375:5-376، بداية المجتهد 126:2، المغني 324:4-325، الشرح الكبير 15:4.(6) ، و هو عامّ.

و لأنّه نجس العين، فأشبه الخنزير(6).

و نمنع العموم، إذ ليس من صيغه، و النجاسة غير مانعة، كالدهن النجس، و الخنزير لا ينتفع به، بخلافه.

فروع:
أ - إن سوّغنا بيع كلب الصيد، صحّ بيع كلب الماشية و الزرع

ص: 27


1- التهذيب 356:6، 1017، تفسير العياشي 321:1، 114.
2- الهداية - للمرغيناني - 79:3، بدائع الصنائع 143:5، الكافي في فقه أهل المدينة: 327، المنتقى - للباجي - 28:5، حلية العلماء 58:4، المجموع 9: 228، العزيز شرح الوجيز 23:4، المغني 324:4، الشرح الكبير 15:4.
3- سنن النسائي 309:7، سنن البيهقي 6:6.
4- التهذيب 356:6، 1016.
5- تقدّمت الإشارة إلى مصادره في الهامش
6- من ص 26.

و الحائط، لأنّ المقتضي - و هو النفع - حاصل هنا.

ب - تصحّ إجارة كلب الصيد

- و به قال بعض الشافعيّة(1) - لأنّها منفعة مباحة فجازت المعاوضة عنها.

و منع بعضهم و الحنابلة، لأنّه حيوان يحرم بيعه فحرمت إجارته، كالخنزير، و لا تضمن منفعته في الغصب فلا يجوز أخذ العوض عنها(2).

و الأصلان ممنوعان، و الخنزير لا منفعة فيه.

ج - تصحّ الوصيّة بالكلب الذي يباح 1 اقتناؤه، و كذا هبته،

و به قال بعض الشافعيّة و بعض الحنابلة(3).

و قال الباقون منهما: لا تصحّ الهبة، لأنّها تمليك في الحياة، فأشبهت البيع(4).

و الحكم في الأصل ممنوع.

د - يحرم قتل ما يباح اقتناؤه من الكلاب إجماعا،

و عليه الضمان

ص: 28


1- المهذّب - للشيرازي - 401:1، المجموع 231:9، الوجيز 230:1، العزيز شرح الوجيز 90:6، الوسيط 157:4، حلية العلماء 384:5-385، التنبيه في الفقه الشافعي: 123، روضة الطالبين 253:4.
2- المهذّب - للشيرازي - 401:1، المجموع 231:9، الوجيز 230:1، العزيز شرح الوجيز 90:6، الوسيط 157:4، حلية العلماء 384:5، التنبيه في الفقه الشافعي: 123، روضة الطالبين 253:4، منهاج الطالبين: 159، المغني 4: 325.
3- المهذّب - للشيرازي - 459:1، المجموع 231:9، روضة الطالبين 17:3، التنبيه في الفقه الشافعي: 141-142، حلية العلماء 59:4، العزيز شرح الوجيز 25:4، روضة الطالبين 17:3، المغني 315:4.
4- حلية العلماء 60:4، المجموع 231:9، روضة الطالبين 17:3.

على ما يأتي، و به قال مالك و عطاء(1).

و قال الشافعي و أحمد: لا غرم، لأنّه يحرم أخذ عوضه، فلا يجب غرم بإتلافه(2).

و الأصل ممنوع.

أمّا الكلب العقور فيباح قتله إجماعا، لقوله صلّى اللّه عليه و آله: «خمس من الدوابّ كلّهنّ فاسق يقتلن في الحرم: الغراب و الحدأة و العقرب و الفأرة و الكلب العقور»(3).

أمّا الكلب الأسود: فإن كان ممّا ينتفع به، لم يبح قتله - خلافا لأحمد(4) - لما تقدّم. و قوله عليه السّلام: «الكلب الأسود شيطان»(5) لا يبيح قتله.

ه - لا بأس ببيع الهرّ،

عند علمائنا - و به قال ابن عباس و الحسن و ابن سيرين و الحكم و حمّاد و الثوري و مالك و الشافعي و إسحاق و أصحاب الرأي(6) - لقول الصادق عليه السّلام: «لا بأس بثمن الهرّ»(7).

ص: 29


1- المنتقى - للباجي - 28:5، المجموع 228:9، المغني 325:4، الشرح الكبير 15:4.
2- المجموع 228:9، المغني 325:4، الشرح الكبير 15:4.
3- صحيح البخاري 17:3، صحيح مسلم 857:2، 71، الموطّأ 357:1، 90، سنن البيهقي 209:5 و 210، المغني 326:4، الشرح الكبير 16:4.
4- المغني 325:4، الشرح الكبير 15:4.
5- صحيح مسلم 365:1، 510، سنن ابن ماجة 306:1، 952، سنن أبي داود 1: 187، 702، سنن الترمذي 161:2-162، 338، سنن النسائي 64:2، سنن البيهقي 274:2، مسند أحمد 184:6، 20816، و 187-188، 20835.
6- المغني 328:4، الشرح الكبير 10:4، الكافي في فقه أهل المدينة: 327، الوجيز 1: 134، العزيز شرح الوجيز 26:4-28، الوسيط 19:3، مختصر المزني: 90، الحاوي الكبير 381:5 و 382، المجموع 229:9، روضة الطالبين 18:3-19.
7- التهذيب 356:6، 1017.

و لأنّه ينتفع به، و يحلّ اقتناؤه، فجاز بيعه كغيره.

و كرهه أبو هريرة و طاوس و مجاهد و جابر بن زيد و أحمد، لما روي عن جابر أنّه سئل عن ثمن السنّور، فقال: زجر النبيّ صلّى اللّه عليه و آله عن ذلك(1)(2).

و هو محمول على غير المملوك، أو ما لا نفع فيه.

و - يجوز اقتناء كلب الصيد و الزرع و الماشية و الحائط،

دون غيره، لقوله عليه السّلام: «من اتّخذ كلبا إلاّ كلب ماشية أو صيد أو زرع نقص من أجره كلّ يوم قيراط»(3).

و لو اقتناه لحفظ البيوت، فالأقرب: الجواز - و هو قول بعض الشافعيّة، و بعض الحنابلة(4) - لأنّه في معنى الثلاثة.

و منع منه بعضهم، لعموم النهي(5).

ز - يجوز تربية الجرو 1 الصغير لإحدى المنافع المباحة

- و هو أقوى وجهي الحنابلة(6) - لأنّه قصد لذلك، فله حكمه، كما جاز بيع العبد الصغير الذي لا نفع فيه.

و الآخر: لا يجوز، لأنّه ليس أحد المنتفع بها(7).

ح - لو اقتناه للصيد ثمّ ترك الصيد مدّة، لم يحرم اقتناؤه مدّة تركه.

و كذا لو حصد الزرع أو هلكت الماشية أو خرج من البستان إلى أن يصيد أو

ص: 30


1- صحيح مسلم 1199:3، 1569.
2- المغني 328:4، الشرح الكبير 10:4، المجموع 229:9.
3- صحيح مسلم 1203:3، 58، سنن أبي داود 108:3، 2844، سنن الترمذي 4: 80، 1490، سنن البيهقي 251:1، المغني 326:4، الشرح الكبير 16:4.
4- المهذّب - للشيرازي - 268:1، الحاوي الكبير 379:5-380، المجموع 234:9، روضة الطالبين 18:3، المغني 326:4، الشرح الكبير 16:4.
5- المهذّب - للشيرازي - 268:1، الحاوي الكبير 379:5-380، المجموع 234:9، روضة الطالبين 18:3، المغني 326:4، الشرح الكبير 16:4.
6- المغني 326:4، الشرح الكبير 16:4.
7- المغني 326:4، الشرح الكبير 16:4.

يزرع آخر أو يشتري ثمرة أخرى.

ط - لو اقتنى كلب الصيد من لا يصيد، جاز

- و هو أحد وجهي الحنابلة(1) - لاستثنائه عليه السّلام كلب الصيد(2)المغني 326:4، الشرح الكبير 16:4.(3).

و الآخر: المنع، لأنّه اقتناه لغير حاجة، فأشبه غيره، إذ معنى كلب الصيد كلب يصيد(3). و المراد بالقوّة.

مسألة 10: لا يجوز بيع السرجين النجس إجماعا منّا

- و به قال مالك و الشافعي و أحمد(4) - للإجماع على نجاسته، فيحرم بيعه، كالميتة.

و قال أبو حنيفة: يجوز، لأنّ أهل الأمصار يبايعونه لزروعهم من غير نكير، فكان إجماعا(5).

و نمنع إجماع العلماء، و لا عبرة بغيرهم. و لأنّه رجيع نجس، فلم يصحّ بيعه، كرجيع الآدمي.

أمّا غير النجس: فيحتمل عندي جواز بيعه.

مسألة 11: لا يجوز بيع جلد الميتة قبل الدباغ إجماعا منّا،
اشارة

و به قال أحمد(6).

ص: 31


1- المغني 326:4، الشرح الكبير 16:4.
2- تقدّمت الإشارة إلى مصادره في الهامش
3- من ص 30.
4- المغني 327:4، الشرح الكبير 16:4، المجموع 230:9، الوجيز 133:1، العزيز شرح الوجيز 23:4، حلية العلماء 55:4-57، الحاوي الكبير 383:5، روضة الطالبين 16:3.
5- المجموع 230:9، حلية العلماء 58:4، العزيز شرح الوجيز 23:4، الحاوي الكبير 383:5، المغني 327:4، الشرح الكبير 16:4.
6- المغني 329:4.

و قال أبو حنيفة: يجوز(1).

أمّا بعد الدباغ: فكذلك عندنا، لأنّه لا يطهر به، خلافا للجمهور، و قد تقدّم(2) ذلك.

أمّا عظام الميتة: فيجوز بيعها ما لم تكن من نجس العين، كالكلب و الخنزير، و لهذا جاز بيع عظام الفيل.

و لبن الشاة الميتة حرام لا يصحّ بيعه.

و على قول الشيخ(3) يجوز بيعه.

فروع:
أ - لحم المذكّى ممّا لا يؤكل لحمه لا يصحّ بيعه،

لعدم الانتفاع به في غير الأكل المحرّم. و لو فرض له نفع ما، فكذلك، لعدم اعتباره في نظر الشرع.

ب - لا يصحّ بيع الترياق، لأنّه يحرم تناوله،

لاشتماله على الخمر و لحوم الحيّات. و لا يحلّ التداوي به إلاّ مع خوف التلف. و كذا سمّ الأفاعي لا يحلّ بيعه [1].

أمّا السمّ من الحشائش: فإن كان لا ينتفع به أو كان يقتل قليله، لم يجز بيعه، لعدم نفعه. و إن أمكن التداوي بيسيره، جاز بيعه.

ج - الأليات المقطوعة من الشاة الميتة أو الحيّة لا يحلّ بيعها

ص: 32


1- العزيز شرح الوجيز 24:4، المجموع 231:9، الحاوي الكبير 383:5.
2- في ج 2 ص 232، المسألة 328.
3- النهاية: 585.

و لا الاستصباح بدهنها مطلقا.

أمّا الدهن النجس بملاقاة النجاسة له فيجوز بيعه لفائدة الاستصباح به تحت السماء خاصّة.

و للشافعي قولان:

أحدهما: لا يجوز تطهيره، فلا يصحّ بيعه، و به قال مالك و أحمد(1).

و الثاني: يجوز تطهيره، ففي بيعه عنده وجهان(2).

و في جواز الاستصباح قولان، و الأظهر عنده: جوازه و منع بيعه(3).

و الدهن النجس بذاته - كودك [1] الميتة - لا يجوز بيعه عنده(4) قولا واحدا. و في الاستصباح وجهان(5).

و يجوز هبة الدهن النجس و الصدقة به و الوصيّة به، و كذا الكلب الجائز بيعه.

و بعض الشافعيّة منع من الهبة و الصدقة خاصّة(6).

مسألة 12: يجوز بيع كلّ ما فيه منفعة،

لأنّ الملك سبب لإطلاق

ص: 33


1- المهذّب - للشيرازي - 268:1، المجموع 236:9 و 238، العزيز شرح الوجيز 24:4-25، روضة الطالبين 17:3، الشرح الكبير 17:4.
2- المهذّب - للشيرازي - 268:1، المجموع 236:9-237، الوجيز 133:1، العزيز شرح الوجيز 24:4-25، حلية العلماء 62:4، روضة الطالبين 17:3، الشرح الكبير 17:4.
3- المجموع 237:9، الوجيز 133:1، العزيز شرح الوجيز 25:4، حلية العلماء 62:4، روضة الطالبين 17:3، الشرح الكبير 17:4.
4- المجموع 236:9، العزيز شرح الوجيز 24:4، روضة الطالبين 17:3.
5- المجموع 237:9-238.
6- العزيز شرح الوجيز 25:4، و انظر المجموع 239:9.

التصرّف، و المنفعة المباحة كما يجوز استيفاؤها يجوز أخذ العوض عنها، فيباح لغيره بذل ماله فيها توصّلا إليها و دفعا للحاجة بها، كسائر ما أبيح بيعه.

و سواء اجمع على طهارته، كالثياب و العقار و بهيمة الأنعام و الخيل و الصيود، أو مختلفا في نجاسته، كالبغل و الحمار و سباع البهائم و جوارح الطير، الصالحة للصيد، كالفهد و الصقر و البازي و الشاهين و العقاب، و الطير المقصود صوته، كالهزار و البلبل. و هذا هو الأقوى عندي، و به قال الشافعي و أحمد(1).

و قال بعض علمائنا: يحرم بيع السباع كلّها إلاّ الهرّ، و المسوخ، برّيّة كانت، كالقرد و الدبّ، أو بحريّة، كالضفادع و السلاحف و الطافي، و الجوارح كلّها طائرة كانت، كالبازي، أو ماشية، كالفهد(2).

و قال أبو بكر بن عبد العزيز و ابن أبي موسى: لا يجوز بيع الصقر و الفهد و نحو هذا، لأنّها نجسة، فأشبهت الكلب(3).

و النجاسة ممنوعة.

مسألة 13: الفقّاع عندنا نجس إجماعا،

فلا يجوز بيعه و لا شراؤه، لأنّه كالخمر على ما تقدّم(4) ، خلافا للجمهور(5) كافّة. و كذا النبيذ، خلافا لبعض الجمهور(6).

ص: 34


1- المجموع 240:9، العزيز شرح الوجيز 26:4-28، روضة الطالبين 18 - 19، المغني 327:4، الشرح الكبير 10:4، الكافي في فقه الإمام أحمد 4:2.
2- المحقّق في شرائع الإسلام 9:2-10.
3- المغني 327:4، الشرح الكبير 10:4.
4- تقدّم في ج 1 ص 65 (الفرع الثالث).
5- المغني 337:10، الشرح الكبير 339:10، الهداية - للمرغيناني - 111:4، بدائع الصنائع 117:5.
6- العزيز شرح الوجيز 28:1، المجموع 564:2.

و الدم كلّه نجس، فلا يصحّ بيعه. و كذا ما ليس بنجس منه، كدم غير ذي النفس السائلة، لاستخباثه.

و كذا يحرم بيع أبوال و أرواث ما لا يؤكل لحمه.

و قيل(1): في الأبوال كلّها إلاّ بول الإبل، لفائدة الاستشفاء به.

و المتولّد بين نجس العين و طاهرها يتبع الاسم.

الشرط الثاني: المنفعة.
مسألة 14: لا يجوز بيع ما لا منفعة فيه،

لأنّه ليس مالا، فلا يؤخذ في مقابلته المال، كالحبّة و الحبّتين من الحنطة، و لا نظر إلى ظهور الانتفاع إذا انضمّ إليها أمثالها، و لا إلى أنّها قد توضع في الفخّ [1] أو تبذر. و لا فرق بين زمان الرخص و الغلاء. و مع هذا فلا يجوز أخذ حبّة من صبرة الغير، فإن أخذت، وجب الردّ، فإن تلفت، فلا ضمان، لأنّه لا ماليّة لها.

و هذا كلّه للشافعي أيضا، و في وجه آخر له: جواز بيعها و ثبوت مثلها في الذمّة(2). و ليس بجيّد.

مسألة 15: لا يجوز بيع ما لا ينتفع به من الحيوانات،

كالخفّاش و العقارب و الحيّات و بنات وردان و الجعلان و القنافذ و اليرابيع، لخسّتها، و عدم التفات نظر الشرع إلى مثلها في التقويم، و لا تثبت الملكيّة لأحد عليها، و لا اعتبار بما يورد في الخواصّ من منافعها، فإنّها مع ذلك لا تعدّ مالا. و كذا عند الشافعي(3).

ص: 35


1- كما في شرائع الإسلام 9:2.
2- العزيز شرح الوجيز 26:4، المجموع 239:9-240، روضة الطالبين 18:3.
3- الوجيز 133:1-134، العزيز شرح الوجيز 28:4، المجموع 240:9، روضة الطالبين 19:3، منهاج الطالبين: 94.

و في السباع التي لا تصلح للصيد عنده وجهان، لمنفعة جلودها(1).

أمّا العلق: ففي بيعه لمنفعة امتصاص الدم إشكال.

و أظهر وجهي الشافعي و أحمد: الجواز(2).

و كذا ديدان القزّ تترك في الشصّ [1] فيصاد بها السمك(3).

و الأقرب عندي: المنع - و هو أحد الوجهين لهما(4) - لندور الانتفاع، فأشبه ما لا منفعة فيه، إذ كلّ شيء فله نفع ما.

و منع الشافعي من بيع الحمار الزّمن(5).

و ليس بجيّد، للانتفاع بجلده.

مسألة 16: ما أسقط الشارع منفعته لا نفع له،

فيحرم بيعه، كآلات الملاهي، مثل العود و الزمر، و هياكل العبادة، المبتدعة، كالصليب و الصنم، و آلات القمار، كالنرد و الشطرنج إن كان رضاضها [2] لا يعدّ مالا، و به قال الشافعي(6).

و إن عدّ مالا، فالأقوى عندي: الجواز مع زوال الصفة المحرّمة.

ص: 36


1- الوجيز 134:1، العزيز شرح الوجيز 28:4 و 29، المجموع 240:9، روضة الطالبين 19:3.
2- الوسيط 20:3، العزيز شرح الوجيز 29:4، المجموع 241:9 و 248، روضة الطالبين 20:3، المغني 328:4، الشرح الكبير 10:4.
3- العزيز شرح الوجيز 29:4، حلية العلماء 72:4، المجموع 248:9، المغني 328:4، الشرح الكبير 10:4.
4- العزيز شرح الوجيز 29:4، المجموع 241:9، المغني 328:4، الشرح الكبير 10:4.
5- العزيز شرح الوجيز 29:4-30، المجموع 241:9، روضة الطالبين 20:3.
6- العزيز شرح الوجيز 30:4، المجموع 256:9، روضة الطالبين 20:3.

و للشافعي ثلاثة أوجه: الجواز مطلقا، لما يتوقّع في المآل. و الفرق بين المتّخذة من الخشب و نحوه و المتّخذة من الجواهر النفيسة. و المنع - و هو أظهرها - لأنّها آلات المعصية لا يقصد بها سواها(1).

أمّا الجارية المغنّية إذا بيعت بأكثر ممّا يرغب فيها لو لا الغناء: فالوجه:

التحريم - و به قال أحمد و الشافعي في أحد الوجوه(2) - لقول النبيّ صلّى اللّه عليه و آله:

«لا يجوز بيع المغنّيات و لا أثمانهنّ و لا كسبهنّ»(3).

و سئل الصادق عليه السّلام عن بيع جواري(4) المغنّيات، فقال: «شراؤهنّ و بيعهنّ حرام، و تعليمهنّ كفر، و استماعهنّ نفاق»(5).

و لأنّه بذل للمعصية.

و الثاني: يبطل إن قصد الغناء، و إلاّ فلا.

و الثالث - و هو القياس -: يصحّ(6).

و لو بيعت على أنّها ساذجة، صحّ.

مسألة 17: يصحّ بيع الماء المملوك، لأنّه طاهر ينتفع به لكن يكره،

و سيأتي.

ص: 37


1- الوسيط 20:3-21، و فيه الأظهر هو التفصيل. العزيز شرح الوجيز 30:4، المجموع 256:9، روضة الطالبين 20:3.
2- المغني 307:4، الشرح الكبير 46:4-47، العزيز شرح الوجيز 30:4، المجموع 254:9، روضة الطالبين 20:3.
3- أورد نصّه ابنا قدامة في المغني 307:4، و الشرح الكبير 47:4، و في سنن ابن ماجة 733:2، 2168 ما بمعناه.
4- في الكافي و التهذيب: الجواري.
5- الكافي 120:5، 5، التهذيب 356:6، 1018، الاستبصار 61:3، 201.
6- العزيز شرح الوجيز 30:4، روضة الطالبين 20:3، المجموع 254:9.

و هل يجوز بيعه على طرف النهر أو بيع التراب و الحجارة حيث يعمّ وجودها؟ للشافعي وجهان: الجواز - و به نقول - لظهور منفعته. و المنع، لأنّه سفه(1).

و كذا يجوز بيع كلّ ما يعمّ وجوده و هو مملوك ينتفع به.

مسألة 18: يجوز بيع لبن الآدميّات عندنا

- و به قال الشافعي(2) - لأنّه طاهر ينتفع به، كلبن الشاة. و لجواز أخذ العوض عليه في إجارة الظئر.

و قال أبو حنيفة و مالك: لا يجوز - و عن أحمد روايتان كالمذهبين - و هو وجه للشافعيّة، لأنّه مائع خارج من آدميّ، فأشبه العرق. و لأنّه من آدميّ، فأشبه سائر أجزائه(3).

و الفرق: عدم نفع العرق، و لهذا لا يباع عرق الشاة و يباع لبنها، و سائر أجزاء الآدميّ يجوز بيعها، كالعبد و الأمّة، و إنّما حرم في الحرّ، لانتفاء المالك، و حرم بيع المقطوع من العبد، لعدم المنفعة.

مسألة 19: يجوز بيع العبد الموصى بخدمته دائما،

و البستان الموصى بنفعه مؤبّدا، لفائدة الإعتاق و الإرهان و جميع فوائدهما لو أسقط الموصى له حقّه، و لا يجوز بيع ما لا نفع فيه، كرطوبات الإنسان و فضلاته،

ص: 38


1- الوجيز 134:1، العزيز شرح الوجيز 30:4-31، روضة الطالبين 21:3، منهاج الطالبين: 94، المجموع 255:9-256.
2- الوسيط 20:3، الوجيز 134:1، العزيز شرح الوجيز 31:4، حلية العلماء 67:4، روضة الطالبين 21:3، المجموع 254:9، المغني 330:4، الشرح الكبير 14:4، بدائع الصنائع 145:5.
3- بدائع الصنائع 145:5، حلية العلماء 68:4، العزيز شرح الوجيز 31:4، المجموع 254:9، روضة الطالبين 21:3، المغني 330:4، الشرح الكبير 4: 14، الوسيط 20:3.

كشعره و ظفره، عدا اللبن على ما تقدّم(1).

الشرط الثالث: الملك.
اشارة

فلا يصحّ بيع المباحات و ما يشترك فيه المسلمون قبل حيازته، مثل:

الكلإ، و الماء، و الحطب قبل حيازتها إجماعا.

و لو كانت في ملكه، فالوجه: أنّها له - و سيأتي - فيصحّ بيعها.

و عن أحمد روايتان(2).

فإن قلنا بالصحّة فباع الأرض، لم يدخل الكلأ و لا الماء إلاّ أن ينصّ عليهما، لأنّهما [1] بمنزلة الزرع.

و كذا لا يصحّ بيع السمك قبل اصطياده، و لا الوحش قبل الاستيلاء عليه.

مسألة 20: لا يصحّ بيع الأرض الخراجيّة،
اشارة

لأنّها ملك المسلمين قاطبة لا يتخصّص بها أحد. نعم، يصحّ بيعها تبعا لآثار المتصرّف.

و في بيع بيوت مكة إشكال، المرويّ: المنع - و به قال أبو حنيفة و مالك و الثوري و أبو عبيد(3) ، و كرهه إسحاق(4) - لقوله عليه السّلام في مكة:

«لا تباع رباعها و لا تكرى بيوتها»(5).

ص: 39


1- في المسألة السابقة (18).
2- المغني 335:4، الشرح الكبير 24:4.
3- بدائع الصنائع 146:5، العزيز شرح الوجيز 455:11، المجموع 248:9، حلية العلماء 69:4-70، الحاوي الكبير 385:5، الوسيط 42:7، المغني 4: 330، الشرح الكبير 22:4.
4- المغني 330:4، الشرح الكبير 22:4.
5- نقله ابنا قدامة في المغني 330:4، و الشرح الكبير 22:4 عن الأثرم. و نحوه في سنن البيهقي 35:6.

و لأنّها فتحت عنوة، لقوله عليه السّلام: «إنّ اللّه حبس عن مكة الفيل و سلّط عليها رسوله و المؤمنين، و أنّها لم تحلّ لأحد قبلي و لا تحلّ لأحد بعدي، و إنّما أحلّت لي ساعة من نهار»(1).

و في قول لنا: الجواز - و به قال طاوس و عمرو بن دينار و الشافعي و ابن المنذر، و عن أحمد روايتان(2) - لأنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله لمّا قيل له: أين تنزل غدا؟ قال: «و هل ترك لنا عقيل من رباع [1]؟»(3) يعني أنّ عقيلا باع رباع أبي طالب، لأنّه ورثه دون إخوته، و لو كانت غير مملوكة لما أثّر بيع عقيل شيئا. و باع جماعة من الصحابة منازلهم و لم ينكر عليهم. و نزل سفيان بعض رباع مكة فهرب و لم يعطهم اجرة، فأدركوه فأخذوها منه(4).

فروع:
أ - الخلاف في غير مواضع النسك،

أمّا بقاع المناسك - كبقاع السعي

ص: 40


1- صحيح البخاري 39:1، و 6:9، صحيح مسلم 988:2 و 989، 447 و 448، سنن أبي داود 212:2، 2017، سنن البيهقي 52:8، مسند أحمد 2: 472، 7201 بتفاوت، و نصّه في المغني 330:4، و الشرح الكبير 23:4.
2- المغني 330:4، الشرح الكبير 22:4-23، المهذّب - للشيرازي - 269:1، المجموع 248:9، الوسيط 42:7، الوجيز 194:2، العزيز شرح الوجيز 11: 455-456، روضة الطالبين 469:7، حلية العلماء 69:4، الحاوي الكبير 5: 385، بدائع الصنائع 146:5، التفسير الكبير 24:23، الجامع لأحكام القرآن 33:12.
3- صحيح البخاري 181:2، صحيح مسلم 984:2، 1351، سنن ابن ماجة 2: 912، 2730، المستدرك - للحاكم - 602:2.
4- المغني 331:4، الشرح الكبير 23:4.

و الرمي و غيرهما - فحكمها حكم المساجد.

ب - الوجه: أنّه يجوز إجارة بيوت مكة.

و قال الشيخ: لا يجوز لأحد منع الحاجّ عن دورها، لقوله تعالى:

سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ وَ الْبادِ (1) (2) .

و فيه نظر.

ج - إذا بنى بمكة بآلة مجتلبة من غير أرض مكة، جاز بيعها،

كما يجوز بيع أبنية الوقوف إجماعا. و إن كانت من تراب الحرم و حجارته، فعلى الخلاف.

مسألة 21: و لا يجوز بيع الحرّ بالإجماع،

لقول النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: «ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة: رجل أعطى ثمّ غدر، و رجل باع حرّا فأكل ثمنه، و رجل استأجر أجيرا فاستوفى منه و لم يوفه أجره»(3).

و لو سرقه فباعه، قطع (لإفساده، لا حدّا) [1].

مسألة 22: يشترط في الملك التماميّة،

فلا يصحّ بيع الوقف، لنقص الملك فيه، إذ القصد منه التأبيد. نعم، لو كان بيعه أعود عليهم، لوقوع خلف بين أربابه، و خشي تلفه أو ظهور فتنة بسببه، جوّز أكثر علمائنا بيعه، خلافا للجمهور، و سيأتي.

و لا يصحّ بيع أمّ الولد بالإجماع و عندنا إلاّ في ثمن رقبتها إذا كان دينا على مولاها، و لا وجه له سواها. و في اشتراط موته حينئذ خلاف، لما رواه

ص: 41


1- الحجّ: 25.
2- النهاية: 284، المبسوط - للطوسي - 384:1.
3- صحيح البخاري 118:3، سنن ابن ماجة 816:2، 2442.

أبو بصير عن الصادق عليه السّلام في رجل اشترى جارية فوطئها [1] فولدت له فمات، قال: «إن شاءوا أن يبيعوها باعوها في الدّين الذي يكون على مولاها من ثمنها، فإن كان لها ولد قوّمت على ولدها من نصيبه، و إن كان ولدها صغيرا انتظر [2] به حتى يكبر ثمّ يجبر على قيمتها، فإن مات ولدها بيعت في الميراث إن شاء الورثة»(1).

و لو مات ولدها، جاز بيعها مطلقا، لهذه الرواية. و كذا لو كانت مرهونة، و سيأتي.

و لا يصحّ بيع الرهن، لتعلّق حقّ المرتهن به، و نقصان ملك الراهن ما لم يجز المرتهن، لأنّ الحقّ لا يعدوهما بلا خلاف.

و لو باع و لم يعلم المرتهن ففكّ، لزم البيع، لانتفاء المعارض، و من أبطل بيع الفضولي لزمه الإبطال هنا.

مسألة 23: الأقوى بين علمائنا صحّة بيع الجاني،

سواء كانت جنايته عمدا أو خطأ، أوجبت القصاص أولا، على النفس أو ما دونها - و به قال أبو حنيفة و أحمد و الشافعي في أحد قوليه(2) - لأنّه حقّ غير مستقرّ في [الجاني] [3] يملك أداءه من غيره، فلم يمنع البيع، كالزكاة، و لو أوجبت

ص: 42


1- التهذيب 80:7، 344.
2- بدائع الصنائع 156:5، المغني 274:4، الشرح الكبير 12:4، مختصر المزني: 83، الحاوي الكبير 263:5-264، المهذّب - للشيرازي - 294:1، الوجيز 134:1، العزيز شرح الوجيز 38:4-39، حلية العلماء 278:4.

قصاصا، فهو يرجى سلامته و يخشى تلفه، فأشبه المريض.

و قال بعض علمائنا: لا يصحّ بيعه(1). و هو القول الآخر للشافعي، لأنّه تعلّق برقبته حقّ آدميّ فمنع صحّة بيعه، كالرهن، بل حقّ الجناية آكد، لتقدّمها عليه(2).

و الفرق: أنّ الحقّ منحصر في الرهن لا يملك سيّده إبداله، ثبت فيه برضاه وثيقة الدّين، فلو أبطله بالبيع، بطل حقّ الوثيقة، الذي التزمه برضاه.

و للشافعي قول ثالث: وقوعه موقوفا إن فدى لزم، و إلاّ فلا(3).

إذا عرفت هذا، فإن باعه و أوجبت الأرش أو القود فعفي إلى مال، فداه السيّد بأقلّ الأمرين عند أكثر علمائنا، و عند الباقين بالأرش، و يزول الحقّ عن رقبة العبد ببيعه، لأنّ الخيار للسيّد، فإذا باعه فقد اختار الفداء، فيتعيّن عليه، و لا خيار للمشتري، لعدم الضرر، فإنّ الرجوع على غيره.

هذا مع يسار المولى، و به قال أحمد و أبو حنيفة و بعض الشافعيّة(4).

و قال بعضهم: لا يلزم السيّد فداؤه، إذ أكثر ما فيه أنّه التزم الفداء، فلا يلزمه، كما لو قال الراهن: أنا أقضي الدّين من غير [1] الرهن(5).

و الفرق: أنّه أزال ملكه عن الجاني، فلزمه الفداء، كما لو قتله، بخلاف الرهن.4.

ص: 43


1- المبسوط - للطوسي - 135:2.
2- العزيز شرح الوجيز 38:4، المهذّب - للشيرازي - 294:1، حلية العلماء 4: 278، روضة الطالبين 26:3، المغني 274:4، الشرح الكبير 12:4.
3- العزيز شرح الوجيز 39:4، روضة الطالبين 26:3.
4- المغني 274:4، الشرح الكبير 109:4.
5- المغني 274:4، الشرح الكبير 109:4.

و إن كان معسرا، لم يسقط حقّ المجنيّ عليه من الرقبة ما لم يجز البيع أوّلا، فإنّ البائع إنّما يملك نقل حقّه عن رقبته بفدائه و لا يحصل من ذمّة المعسر، فيبقى الحقّ مقدّما على حقّ المشتري، و يتخيّر المشتري الجاهل في الفسخ، فيرجع بالثمن معه أو مع الاستيعاب، لأنّ أرش مثل هذا جميع ثمنه. و إن لم تستوعب، رجع بقدر أرشه. و لو علم تعلّق الحقّ به، فلا رجوع.

و لو اختار المشتري الفداء، فله، و البيع بحاله، لقيامه مقام البائع في التخيّر، و حكمه في الرجوع فيما فداه به على البائع حكم قضاء الدّين عنه.

و للشافعي في المعسر قولان: البطلان، صيانة لحقّ المجنيّ عليه، و إثبات الخيار للمجنيّ عليه، فينفسخ البيع و يباع في الجناية [1].

و إن أوجبت قصاصا، تخيّر المشتري الجاهل بين الردّ و الأرش، فإن اقتصّ منه، احتمل تعيّن الأرش، و هو قسط قيمة ما بينه جانيا و غير جان، و لا يبطل البيع من أصله - و به قال أحمد و بعض الشافعيّة(1) - لأنّه تلف عند المشتري بالعيب الذي كان فيه، فلم يوجب الرجوع بجميع الثمن، كالمريض و المرتدّ.

و قال أبو حنيفة و الشافعي: يرجع بجميع الثمن، لأنّ تلفه لمعنى استحقّ عليه عند البائع، فجرى مجرى إتلافه(2).

و ينتقض بالردّة و المرض، و التلف غير الإتلاف.

و لو أوجبت قطع عضو فقطع عند المشتري، فقد تعيّب في يده، فإنّ4.

ص: 44


1- المغني 274:4، الشرح الكبير 109:4، العزيز شرح الوجيز 218:4.
2- المغني 274:4-275، الشرح الكبير 109:4، العزيز شرح الوجيز 218:4.

استحقاق القطع دون حقيقته.

و في منع ردّه بعيبه إشكال.

و عن أحمد روايتان(1).

و لو اشتراه عالما بعيبه، فلا ردّ و لا أرش، و به قال الشافعي و أحمد(2).

مسألة 24: المرتدّ إن كان عن فطرة، ففي صحّة بيعه نظر

ينشأ من تضادّ الحكمين، و من بقاء الملك، فإنّ كسبه لمولاه. أمّا عن غير فطرة، فالوجه: صحّة بيعه، لعدم تحتّم قتله، لاحتمال رجوعه إلى الإسلام.

و كذا القاتل في المحاربة إذا تاب قبل القدرة عليه، فإن لم يتب إلاّ بعدها، فالأقرب: صحّة بيعه، لأنّه قنّ يصحّ إعتاقه و يملك استخدامه، فصحّ بيعه، كغير القاتل. و لإمكان الانتفاع به إلى حين القتل و يعتق فينجرّ ولاء أولاده، فصحّ بيعه، كالمريض المأيوس من برئه.

و يحتمل العدم، لتحتّم قتله و إتلاف ماليّته و تحريم إبقائه، فصار بمنزلة ما لا نفع فيه، و المنفعة [المفضية] [1] إلى قتله لا يتمهّد بها محلاّ للبيع، كمنفعة الميتة في سدّ بثق [2] و إطعام كلب.

و الأقوى الأوّل، لثبوت أحكام الحياة، و وجوب القتل غير مانع، كمرض المأيوس من برئه، و الميتة لم يكن لها نفع سابق و لا لاحق.

ص: 45


1- المغني 275:4، الشرح الكبير 109:4.
2- المغني 275:4، الشرح الكبير 109:4.

و للحنابلة قولان(1) كالوجهين.

مسألة 25: لا يجوز بيع المكاتب،

لانتفاء السلطنة عليه إلاّ بالاستيفاء، سواء كان مطلقا أو مشروطا ما لم يعجز المشروط، فإن عجز، ففي اشتراط تقديم الفسخ إشكال.

و يصحّ بيع المدبّر، لبقاء الملك فيه، و يبطل تدبيره حينئذ، خلافا للشيخ(2) ، و سيأتي.

و كذا يصحّ بيع الموصى به.

أمّا الموهوب مع جواز الرجوع و ذو الخيار: فإنّه يوجب فسخ السابق.

و هل يصحّ؟ قال بعض علمائنا: نعم(3). و هو الأقوى، و إلاّ لم يكن مبطلا، إذ لا أثر للفاسد، فيتضمّن الحكمين.

و قال بعضهم بالنفي، لعدم مصادفة الملك(4).

مسألة 26: العبد إن لم يكن مأذونا له في التجارة، لم يمض بيعه و لا شراؤه بعين المال،

لأنّه تصرّف في ملك الغير بغير إذنه.

و هل يقع باطلا أو موقوفا على رضا السيّد؟ الأقرب عندي: الثاني - و هو أحد وجهي الحنابلة(5) - كالفضولي.

و الآخر: البطلان، لأنّه تصرّف من المحجور عليه(6).

و أمّا الشراء بثمن في الذمّة: فالأقوى المنع، لأنّه لو صحّ، فإمّا أن

ص: 46


1- المغني 275:4، الشرح الكبير 13:4.
2- المبسوط - للطوسي - 171:6.
3- كما في شرائع الإسلام 231:2.
4- انظر: شرائع الإسلام 231:2.
5- المغني 322:4.
6- المغني 322:4.

يثبت الملك له، و هو ليس أهلا له، أو لسيّده فإمّا بعوض على السيّد و هو لم يرض به، أو على العبد فكيف يحصل أحد العوضين لغير من يلزمه الثاني!؟ و يحتمل الصحّة، لتعلّقه بالذمّة و لا حجر على ذمّته.

و للشافعي قولان(1).

فإن قلنا بها، احتمل أن يكون للسيّد، لأنّه أحقّ بما في يد عبده منه، كالصيد. و البائع إن علم رقّه، انتظر العتق، و ليس له الرجوع في العين فيكون كهلاكه في يد العبد. و إن جهل فإن شاء صبر، و إن شاء فسخ، و رجع في العين، لإعساره. و أن يكون للعبد، فللسيّد إقراره عليه و انتزاعه، و للبائع الرجوع في عين المبيع ما دام في يد العبد. و إن تلف في يد العبد، صبر إلى العتق. و إن انتزعه السيّد، ملكه، لما مرّ.

و هل يرجع البائع ؟ وجهان للشافعي(2).

و الأقرب عندي: الرجوع مع الجهل برقّه لا مع العلم.

و إن تلف، استقرّ الثمن في ذمّته دون السيّد مع العلم بالرقّ. و في الجهل إشكال.

و إن قلنا بالبطلان، فللبائع أخذه من يد السيّد أو العبد. و إن كان تالفا، فله القيمة أو المثل، فإن تلف في يد السيّد، رجع عليه، لتلف ماله في يده، و إن شاء انتظر العتق، لأنّه الآخذ.

و إن تلف في يد العبد، فالرجوع عليه يتبع به بعد العتق، و به قال الشافعي(3) ، و هو إحدى روايتي أحمد. و في الأخرى: يتعلّق برقبته(4).4.

ص: 47


1- العزيز شرح الوجيز 373:4.
2- العزيز شرح الوجيز 373:4.
3- العزيز شرح الوجيز 373:4.
4- المغني 323:4.

و اقتراض العبد كشرائه.

و أمّا المأذون له فيصحّ تصرّفه فيما أذن له فيه، و سيأتي تفصيل ذلك إن شاء اللّه تعالى.

الشرط الرابع: القدرة على التسليم.
اشارة

و هو إجماع في صحّة البيع ليخرج البيع عن أن يكون بيع غرر.

و القدرة قد تنتفي حسّا كالآبق، و شرعا كالرهن.

و المشهور عند علمائنا أنّه لا يصحّ بيع الآبق منفردا و إن عرفا مكانه - و به قال مالك و الشافعي و أحمد و أبو ثور و ابن المنذر و أصحاب الرأي(1) - لأنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله نهى عن بيع الغرر(2) ، و هذا غرر.

و في الصحيح عن رفاعة عن الكاظم عليه السّلام، قلت له: يصلح لي أن أشتري من القوم الجارية الآبقة فأعطيهم الثمن و أطلبها أنا؟ فقال:

«لا يصلح شراؤها إلاّ أن تشتري معها منهم شيئا ثوبا أو متاعا فتقول لهم:

أشتري منكم جاريتكم فلانة و هذا المتاع بكذا و كذا درهما، فإنّ ذلك جائز»(3).

ص: 48


1- المدوّنة الكبرى 155:4، المنتقى - للباجي - 41:5، مختصر المزني: 87، الحاوي الكبير 326:5، الوجيز 134:1، العزيز شرح الوجيز 34:4، المهذّب - للشيرازي - 270:1، المجموع 284:9، حلية العلماء 82:4-83، التنبيه في الفقه الشافعي: 88، روضة الطالبين 23:3، منهاج الطالبين: 94، المغني 4: 293، الشرح الكبير 27:4.
2- صحيح مسلم 1153:3، 1513، سنن ابن ماجة 739:2، 2195، سنن الترمذي 532:3، 1230، سنن أبي داود 254:3، 3376، سنن البيهقي 338:5، سنن الدارمي 251:2، الموطّأ 664:2، 75، المصنّف - لابن أبي شيبة - 6: 132، 550 و 553، مسند أحمد 497:1، 2747، و 312:2، 6271 و 332، 6401.
3- الكافي 194:5، 9، التهذيب 124:7، 541.

و لأنّه غير مقدور على تسليمه، فأشبه الطير في الهواء.

و قال بعض علمائنا بالجواز(1) ، و به قال شريح و ابن سيرين(2) - و اشترى ابن عمر من بعض ولده بعيرا شاردا(3) - لأنّه مملوك، فصحّ.

فروع:
أ - لو باع الآبق على من هو في يده أو على من يتمكّن من أخذه،

صحّ، لانتفاء المانع.

ب - لو باع الآبق منضمّا إلى غيره، صحّ،

فإن لم يظفر به، لم يكن له رجوع على البائع بشيء، و كان الثمن في مقابلة الضميمة، لقول الصادق عليه السّلام: «فإن لم يقدر على العبد كان الذي نقده فيما اشترى منه»(4).

ج - الضالّ يمكن حمله على الآبق، لثبوت المقتضي،

و هو: تعذّر التسليم. و العدم، لوجود المقتضي لصحّة البيع، و هو العقد. فعلى الأوّل يفتقر إلى الضميمة، و لو تعذّر تسليمه، كان الثمن في مقابلة الضميمة.

و على الثاني لا يفتقر، و يكون في ضمان البائع إلى أن يسلّمه أو يسقط عنه.

و منع الشافعي من بيع الضالّ كالآبق، لتعذّر التسليم [1](5).

ص: 49


1- السيّد المرتضى في الانتصار: 209.
2- المحلّى 391:8، المغني 293:4، الشرح الكبير 27:4، حلية العلماء 4: 84، الحاوي الكبير 326:5.
3- المحلّى 391:8، المغني 293:4، الشرح الكبير 27:4.
4- الفقيه 142:3، 622، التهذيب 124:7، 540.
5- الوجيز 134:1، العزيز شرح الوجيز 34:4، الحاوي الكبير 326:5، المجموع 284:9، منهاج الطالبين: 94، روضة الطالبين 23:3.
مسألة 27: لا يصحّ بيع السمك في الماء،

و هو قول أكثر العلماء، كالإماميّة و الشافعي و أبي حنيفة و مالك و أحمد و الحسن و النخعي و أبي يوسف و أبي ثور(1) ، و لا نعلم لهم مخالفا.

و إنّما يصحّ بشروط ثلاثة: كونه مملوكا، و كون الماء رقيقا لا يمنع المشاهدة، و إمكان صيده.

فإن كان في بركة لا يمكنه الخروج منها و هي صغيرة، صحّ البيع - و به قال الشافعي(2) - لإمكان التسليم فيه.

و لو كانت البركة كبيرة و احتيج في أخذه إلى تعب شديد، فالأقوى صحّة البيع، و هو أضعف وجهي الشافعي(3).

و الأظهر عنده: المنع كالآبق(4).

و الفرق: علم القدرة مع المشقّة هنا.

و لو كان في أجمة، لم يجز بيعه، عند أكثر العلماء(5).

و قال ابن أبي ليلى و عمر بن عبد العزيز فيمن له أجمة يحبس السمك فيها: يجوز بيعه، لأنّه يقدر على تسليمه ظاهرا، فأشبه ما يحتاج إلى مئونة في كيله و نقله(6).

ص: 50


1- المهذّب - للشيرازي - 270:1، المجموع 284:9، العزيز شرح الوجيز 4: 36، حلية العلماء 82:4-83، الحاوي الكبير 327:5، روضة الطالبين 3: 24، الجامع الصغير - للشيباني -: 328، المغني 294:4، الشرح الكبير 27:4 - 28، الخراج - لأبي يوسف -: 87.
2- الحاوي الكبير 327:5، المجموع 284:9، روضة الطالبين 24:3، العزيز شرح الوجيز 36:4.
3- المجموع 284:9، العزيز شرح الوجيز 36:4، روضة الطالبين 24:3.
4- المجموع 284:9، العزيز شرح الوجيز 36:4، روضة الطالبين 24:3.
5- المغني 294:4، الشرح الكبير 27:4.
6- المغني 294:4، الشرح الكبير 28:4.

و هو خطأ، لأنّه مجهول، فأشبه بيع اللبن في الضرع.

و لو ضمّه مع القصب، فأقوى الوجهين لنا: البطلان، إلاّ مع العلم بهما و إمكان التسليم.

و روي لنا: الجواز(1).

مسألة 28: لا يصحّ بيع الطير في الهواء، سواء كان مملوكا أو غيره

إجماعا، لأنّه في المملوك و غيره غرر و قد نهى النبيّ صلّى اللّه عليه و آله عن الغرر(2) ، و فسّر بأنّه بيع السمك في الماء و الطير في الهواء(3).

و لو باع الحمام المملوك و هو طائر، فإن كان يألف الرجوع، فالأقوى: الجواز - و هو أضعف وجهي الشافعي(4) - للقدرة على التسليم، كالعبد المنفذ في شغل.

و الأقوى عنده: المنع - و به قال أحمد - إذ لا قدرة في الحال، و ليس له وازع يوثق به(5).

و ينتقض بالغائب، فإنّه غير مقدور عليه في الحال.

و إن كان في البرج، قال الشيخ: إن كان مفتوحا، لم يصحّ بيعه، لأنّه إذا قدر على الطيران لم يمكن تسليمه - و به قال الشافعي و أحمد(6) - و إن كان مغلقا، جاز(7) إجماعا.

ص: 51


1- كما في المبسوط - للطوسي - 157:2، و السرائر: 233.
2- انظر: المصادر في الهامش (2) من ص 48.
3- كما في المغني 294:4، و الشرح الكبير 27:4.
4- الحاوي الكبير 326:5، المجموع 284:9، روضة الطالبين 25:3، العزيز شرح الوجيز 36:4، المغني 294:4، الشرح الكبير 27:4.
5- الحاوي الكبير 326:5، المجموع 284:9، روضة الطالبين 25:3، العزيز شرح الوجيز 36:4، المغني 294:4، الشرح الكبير 27:4.
6- المجموع 284:9، الكافي في فقه الإمام أحمد 8:2، المغني 294:4، الشرح الكبير 27:4.
7- المبسوط - للطوسي - 157:2.
مسألة 29: لو باع ماله المغصوب، فإن كان يقدر على استرداده و تسليمه، صحّ البيع

- كالوديعة - إجماعا. و إن لم يقدر، لم يصحّ بيعه ممّن لا يقدر على انتزاعه من يد الغاصب - و به قال الشافعي(1) - لعدم القدرة على التسليم.

و لو باعه ممّن يقدر على انتزاعه من يده، فالأقوى عندي: الصحّة - و هو أصحّ وجهي الشافعي(2) - لأنّ القصد الحصول للمشتري.

و الأضعف: البطلان، لعجز البائع(3).

و على قولنا إن علم المشتري حال البيع، فلا خيار له. و به قال الشافعي(4).

و لو عرض له عجز، فكذلك - و هو أحد وجهي الشافعي(5) - لسقوطه حال البيع، فلا يتجدّد بعده، لعدم موجبه.

و الآخر: الثبوت(6).

و إن جهل، فله الخيار، إذ ليس عليه تحمّل كلفة الانتزاع.

و لو علم بالغصب و عجز البائع فاشتراه كذلك، فالوجه عندي:

الصحّة، و لا خيار له، سواء قدر على انتزاعه أو لا.

مسألة 30: لو باع عضوا من عبد أو شاة، لم يصحّ، لتعذّر التسليم حسّا،

إذ لا يمكن إلاّ بفصله، و هو يفسد ماليّته أو ينقصها. و كذا لو باع

ص: 52


1- المهذّب - للشيرازي - 270:1، المجموع 285:9، الوجيز 134:1، العزيز شرح الوجيز 35:4، روضة الطالبين 24:3، منهاج الطالبين: 94.
2- الوسيط 24:3، الوجيز 134:1، العزيز شرح الوجيز 35:4، المجموع 9: 285، روضة الطالبين 24:3، منهاج الطالبين: 94-95.
3- الوجيز 134:1، العزيز شرح الوجيز 35:4، المجموع 285:9.
4- المجموع 285:9، العزيز شرح الوجيز 35:4، روضة الطالبين 24:3.
5- المجموع 285:9، العزيز شرح الوجيز 35:4، روضة الطالبين 24:3.
6- المجموع 285:9، العزيز شرح الوجيز 35:4، روضة الطالبين 24:3.

نصفا معيّنا من سيف أو إناء، لأنّ التسليم لا يمكن إلاّ بالقطع و الكسر، و فيه نقص و تضييع للمال، و هو ممنوع منه. و كذا قال الشافعي(1).

و الوجه: اعتبار المصلحة، فإن اقتضت فعله بأن يحتاج البائع إلى الثمن، فيجوز أن ينقص ماليّة نفسه لمصلحته.

و لو باع نصفا معيّنا من ثوب ينقص قيمته بالقطع، فالأقوى عندي:

الجواز - و هو أضعف وجهي الشافعيّة(2) - كما لو باع ذراعا معيّنا من أرض.

و أظهرهما: المنع، لحصول الضرر في التسليم(3).

و لو كان لا ينقص بالقطع، جاز - و هو أصحّ وجهي الشافعيّة(4) - لزوال المانع.

الشرط الخامس: العلم بالعوضين.
مسألة 31: أجمع علماؤنا على أنّ العلم شرط فيهما ليعرف ما الذي ملك بإزاء ما بذل
اشارة

فينتفي الغرر، فلا يصحّ بيع الغائب ما لم تتقدّم رؤيته مع عدم تغيّره أو وصفه وصفا يرفع الجهالة - و به قال الشعبي و النخعي و الأوزاعي و الحسن البصري و عبيد اللّه بن الحسن العنبري و مالك و إسحاق و الشافعي في أصحّ القولين، و أحمد في إحدى الروايتين(5) - لنهيه عليه السّلام عن

ص: 53


1- المجموع 317:9، روضة الطالبين 25:3، منهاج الطالبين: 95، الوجيز 1: 134، العزيز شرح الوجيز 37:4.
2- العزيز شرح الوجيز 37:4، روضة الطالبين 25:3.
3- العزيز شرح الوجيز 37:4، روضة الطالبين 25:3.
4- الوجيز 134:1، العزيز شرح الوجيز 37:4، روضة الطالبين 25:3، منهاج الطالبين: 95.
5- المغني 77:4، الشرح الكبير 28:4، الكافي في فقه الإمام أحمد 9:2، المهذّب - للشيرازي - 270:1، المجموع 290:9 و 301، الوجيز 135:1، العزيز شرح الوجيز 51:4، التنبيه في الفقه الشافعي: 88، الحاوي الكبير 5: 14، روضة الطالبين 35:3، منهاج الطالبين: 95.

الغرر(1)البقرة: 275.(2).

و لأنّه باع ما لم يره و لم يوصف فلم يصحّ، كبيع النوى في التمر.

و لأنّه نوع بيع فلم يصحّ مع الجهل بصفة المبيع، كالسلم.

و قال أبو حنيفة و الشافعي في القول الثاني، و أحمد في الرواية الثانية بالصحّة، لقوله تعالى وَ أَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ (2).

و لأنّه عقد معاوضة، فلا تفتقر صحّته إلى رؤية المعقود عليه، كالنكاح(3).

و الآية ليست للعموم، إذ ليست من صيغه. سلّمنا، لكنّه مخصوص بما تقدّم.

و النكاح لا يقصد فيه المعاوضة، و لا يفسد بفساد العوض و لا بترك ذكره، و لا يدخله شيء من الخيارات، و في اشتراط لزومه مشقّة على المخدّرات و إضرار بهنّ.

فروع:
أ - القائلون بالجواز اختلفوا،

فأثبت أبو حنيفة للمشتري خيار

ص: 54


1- تقدّمت الإشارة إلى مصادره في ص 48 الهامش
2- .
3- المحلّى 342:8، المغني 77:4-78، الشرح الكبير 28:4، الوجيز 1: 135، العزيز شرح الوجيز 51:4، التنبيه في الفقه الشافعي: 88، المجموع 9: 301، منهاج الطالبين: 95، الحاوي الكبير 14:5، بداية المجتهد 155:2.

الرؤية، و هو رواية عن أحمد(1). و في الأخرى: لا يثبت(2) ، أمّا البائع فلا يثبت له عند أبي حنيفة خيار(3).

ب - من الشافعيّة من طرّد القولين فيما إذا لم يره البائع،

لأنّه المالك للتصرّف، و اجتناب هذا الغرر يسهل عليه(4).

و القولان في البيع و الشراء يجريان في إجازة الغائب، و الصلح عليه، و جعله رأس مال السّلم، و في صحّة إصداقه و الخلع عليه، و في هبة الغائب و رهنه، و هما أولى عندهم بالصحّة، إذ ليسا من عقود المغابنات(5).

و في بيع الأعمى و شرائه طريقان، أحدهما: أنّه على قولين. و الثاني:

القطع بالمنع(6). و قد تقدّم(7).

ج - يشترط رؤية ما هو مقصود بالبيع، كداخل الثوب،

فلو باع ثوبا مطويّا أو عينا حاضرة لا يشاهد منها ما يختلف الثمن لأجله، كان كبيع الغائب يبطل إن لم يوصف وصفا يرفع الجهالة، و هو قول المشترطين(8).

ص: 55


1- الهداية - للمرغيناني - 32:3، المغني 77:4، الشرح الكبير 29:4، الكافي في فقه الإمام أحمد 9:2، بداية المجتهد 155:2، حلية العلماء 88:4، المجموع 301:9.
2- المغني 77:4، الشرح الكبير 29:4، الكافي في فقه الإمام أحمد 9:2.
3- الهداية - للمرغيناني - 33:3، المغني 82:4-83، الشرح الكبير 29:4.
4- المجموع 290:9، روضة الطالبين 35:3، العزيز شرح الوجيز 51:4.
5- العزيز شرح الوجيز 52:4، المجموع 290:9، روضة الطالبين 35:3.
6- العزيز شرح الوجيز 52:4، المهذّب - للشيرازي - 271:1، المجموع 302:9 - 303، روضة الطالبين 35:3، حلية العلماء 97:4.
7- تقدّم في ص 24، المسألة 7.
8- المغني 80:4، الشرح الكبير 29:4.

و لو كان ممّا يستدلّ برؤية بعضه على الباقي، كظاهر صبرة الحنطة و الشعير، صحّ البيع، لأنّ الغالب عدم تفاوت أجزائها.

ثمّ إن خالف الظاهر الباطن، فله الخيار، و هو قول الشافعي(1) تفريعا على اشتراط الرؤية.

و عنه قول آخر: إنّه لا تكفي رؤية ظاهر الصّبرة، بل يجب تقليبها ليعلم حال باطنها(2).

و كذا صبرة الجوز و اللوز و الدقيق و المانعات في الظروف.

و لا تكفي رؤية ظاهر صبرة البطّيخ و الرمّان و أعلى سلّة العنب و الخوخ، للتفاوت غالبا.

د 1 - لو أراه أنموذجا و قال: بعتك من هذا النوع كذا، فهو باطل،

إذ لم يعيّن مالا و لا وصف، و لا يقوم ذلك مقام الوصف في السّلم، و هو أصحّ وجهي الشافعي(3).

ه - لو أراه أنموذجا و بنى أمر البيع عليه، نظر

إن قال: بعتك من هذا النوع كذا، فهو باطل، لأنّه لم يعيّن مالا و [لا] [2] راعى شروط السّلم، و لا يقوم ذلك مقام الوصف في السّلم - و هو أصحّ وجهي الشافعي(4) - لأنّ

ص: 56


1- العزيز شرح الوجيز 56:4، المجموع 297:9، روضة الطالبين 37:3-38.
2- العزيز شرح الوجيز 56:4، حلية العلماء 99:4، المجموع 297:9، روضة الطالبين 38:3.
3- العزيز شرح الوجيز 57:4، المجموع 298:9، روضة الطالبين 38:3.
4- انظر المصادر في الهامش (4).

اللفظ و الوصف يمكن الرجوع إليه عند الإشكال.

و لو قال: بعتك الحنطة التي في هذا البيت و هذا الأنموذج منها، فإن لم يدخل الأنموذج في البيع، لم يصحّ - و هو أصحّ وجهي الشافعي(1) - لأنّ المبيع غير مرئيّ، و لا يمكن الرجوع إليه عند الإشكال، بخلاف استقصاء الأوصاف.

و الثاني: الصحّة، تنزيلا له منزلة استقصاء الوصف(2).

و إن أدخله، صحّ على أصحّ وجهي الشافعي، كما لو رأى بعض الصّبرة(3).

و عندي في الفرق إشكال.

و - لو كان البعض المرئي لا يدلّ على الباقي

لكن كان صوانا [1] له خلقة، كقشر الرمّان و العفص، كفت رؤيته و إن كان المقصود مستورا، لأنّ صلاحه في بقائه فيه.

و كذا الجوز و اللوز في قشرهما الأعلى - و هو قول الشافعي(4) - و يباع بشرط الصحّة، فإن ظهر معيبا بعد كسره، فإن كان له حينئذ قيمة، فللمشتري الأرش خاصّة، و إلاّ فله الثمن أجمع.

و هل يصحّ بيع اللبّ وحده ؟ الأقرب عندي: جوازه، للأصل السالم عن معارضة الغرر، لأنّا إنّما نجوّزه على تقدير ظهور الصحّة.

ص: 57


1- العزيز شرح الوجيز 57:4، المجموع 298:9، روضة الطالبين 38:3.
2- العزيز شرح الوجيز 57:4، المجموع 298:9، روضة الطالبين 38:3.
3- العزيز شرح الوجيز 57:4، المجموع 298:9، روضة الطالبين 38:3.
4- الوجيز 135:1، العزيز شرح الوجيز 57:4، المجموع 291:9، روضة الطالبين 38:3-39، منهاج الطالبين: 95.

و قال الشافعي: لا يجوز، إذ لم يمكن تسليمه إلاّ بكسر القشر، و فيه تغيير عين المبيع(1). و ليس بجيّد.

ز - لا تكفي رؤية المبيع من وراء زجاجة مع قصور الرؤية،

إذ لا يتعلّق صلاحه بكونه فيها. و يجوز بيع الأرض المغشيّة بالماء إذا لم يمنع مشاهدتها.

مسألة 32: يشترط رؤية البائع و المشتري جميعا أو وصفه لهما أو لأحدهما و رؤية الآخر،
اشارة

فلو لم يرياه أو أحدهما و لا وصف له، بطل.

و القائلون بصحّة البيع مع عدم الرؤية و الوصف اختلفوا.

فذهب الشافعي إلى ثبوت الخيار للبائع، لأنّه جاهل بصفة العقد، فأشبه المشتري، و به قال أحمد(2).

و قال أبو حنيفة: لا خيار له، لأنّا لو جعلنا له الخيار لثبت لتوهّم الزيادة، و الزيادة في المبيع لا تثبت الخيار(3).

فروع:
أ - كلّ موضع يثبت الخيار

إمّا مع الوصف عندنا أو مطلقا عند المجوّزين فإنّما يثبت عند رؤية المبيع على الفور، لأنّه خيار الرؤية، فيثبت عندها، و به قال أحمد(4).

ص: 58


1- العزيز شرح الوجيز 57:4، المجموع 291:9، روضة الطالبين 39:3.
2- حلية العلماء 88:4، المغني 82:4-83، الشرح الكبير 29:4.
3- الهداية - للمرغيناني - 33:3، حلية العلماء 89:4، المغني 83:4، الشرح الكبير 29:4.
4- المغني 80:4، الشرح الكبير 29:4، الكافي في فقه الإمام أحمد 9:2.

و له آخر: أنّه يتقيّد بالمجلس الذي وجدت الرؤية فيه، لأنّه خيار ثبت بمقتضى العقد من غير شرط، فيقيّد بالمجلس، كخيار المجلس(1).

و الوجهان للشافعيّة، و أصحّهما عندهم: الثاني(2).

ب - لو اختار الفسخ قبل الرؤية مع الوصف عندنا،

لم يكن له ذلك، إذ الفسخ منوط بالمخالفة بين الموجود و الموصوف.

و من جوّز بيعه من غير وصف قال أحمد منهم: انفسخ، لأنّ العقد غير لازم في حقّه، فملك الفسخ، كحالة الرؤية. و هو أصحّ وجهي الشافعي. و في الآخر: لا ينفسخ(3).

ج - إذا اختار إمضاء العقد قبل الرؤية، لم يلزم،

لتعلّق الخيار بالرؤية، و به قال أحمد و الشافعي في أظهر الوجهين(4).

د - لو تبايعا بشرط عدم الخيار للمشتري، لم يصحّ الشرط،

و به قال أحمد و الشافعي في أظهر الوجهين [1].

و هل يفسد البيع ؟ الأقوى عندي: ذلك، و سيأتي.

مسألة 33: يشترط في بيع خيار الرؤية وصف المبيع
اشارة

وصفا يكفي

ص: 59


1- المغني 81:4، الشرح الكبير 29:4، الكافي في فقه الإمام أحمد 9:2.
2- المهذّب - للشيرازي - 271:1، المجموع 294:9، الحاوي الكبير 23:5، العزيز شرح الوجيز 63:4، روضة الطالبين 42:3.
3- المغني 81:4، الشرح الكبير 29:4، الكافي في فقه الإمام أحمد 9:2، الحاوي الكبير 22:5.
4- المغني 81:4، الشرح الكبير 29:4، الكافي في فقه الإمام أحمد 9:2، و انظر: المجموع 293:9.

في السّلم عندنا، و إذا فعل ذلك، صحّ البيع في قول أكثر العلماء(1) ، لانتفاء الجهالة بذكر الأوصاف، فصحّ، كالسّلم.

و عن أحمد و الشافعي وجهان، أحدهما: أنّه لا يصحّ حتى يراه، لأنّ الصفة لا تحصل بها معرفة المبيع، فلم يصحّ البيع بها(2).

و يمنع عدم المعرفة مع ذكر الأوصاف.

أمّا ما لا يصحّ السّلم فيه فلا يصحّ بيعه بالصفة، لعدم ضبطه.

فروع:
أ - إذا وصفه و وجده على الصفة، لم يكن له الفسخ،

عند علمائنا أجمع - و به قال محمّد بن سيرين و أحمد و أيّوب و مالك و العنبري و إسحاق و أبو ثور و ابن المنذر(3) - لأنّه سلم له المعقود بصفاته، فلم يكن له خيار، كالمسلم فيه. و لأنّه مبيع موصوف، فلم يكن للعاقد فيه الخيار في جميع الأحوال، كالسّلم.

و قال الثوري و أصحاب الرأي: له الخيار بكلّ حال، لأنّه يسمّى خيار الرؤية(4).

و للشافعيّة وجهان(5) ، كالمذهبين.

ص: 60


1- المغني 84:4، الشرح الكبير 29:4.
2- المغني 84:4، الشرح الكبير 29:4، الكافي في فقه الإمام أحمد 9:2، المجموع 291:9.
3- المغني 85:4، الشرح الكبير 30:4، الكافي في فقه الإمام أحمد 9:2، المدوّنة الكبرى 208:4، العزيز شرح الوجيز 62:4.
4- المغني 85:4، الشرح الكبير 30:4.
5- المهذّب - للشيرازي - 271:1، المجموع 293:9، العزيز شرح الوجيز 4: 62، روضة الطالبين 42:3، المغني 85:4-86، الشرح الكبير 30:4.

و [له] [1] خيار الرؤية إذا لم يجده على الوصف.

ب - لو وجده بخلاف الوصف، فله الخيار قولا واحدا،

و يسمّى خيار الخلف في الصفة، لأنّه وجد الموصوف بخلاف الصفة، فلم يلزمه، كالسّلم.

ج - لو اختلفا فقال البائع: لم تختلف صفته.

و قال المشتري: قد اختلفت، قدّم قول المشتري، لأصالة براءة ذمّته من الثمن، فلا يلزمه ما لم يقرّ به أو يثبت بالبيّنة.

مسألة 34: يصحّ بيع الغائب إذا كانا قد شاهداه و لا يتطرّق إليه التغيير غالبا،
اشارة

كالأرض و أواني الحديد، أو كان ممّا لا يتغيّر في المدّة المتخلّلة بين الرؤية و العقد، ذهب إليه علماؤنا - و هو قول عامّة العلماء(1) - لوجود المقتضي - و هو العقد - خاليا عن مفسدة الجهالة، فيثبت الحكم، كما لو شاهداه حالة العقد، إذ الشرط العلم، و لا يحصل بالمشاهدة زيادة فيه.

و للشافعي قول آخر: إنّه لا يصحّ، و اشترط مقارنة الرؤية للعقد - و هو رواية أخرى عن أحمد، و هو محكي عن الحكم و حمّاد - لأنّ ما كان شرطا في صحّة العقد يجب أن يكون موجودا حال العقد، كالقدرة على التسليم(2).

و الجواب: القول بالموجب، فإنّ الشرط العلم، و هو ثابت حال العقد.

و ينتقض بما لو شاهدا دارا و وقفا في بيت منها و تبايعا، أو أرضا

ص: 61


1- المغني 89:4، الشرح الكبير 30:4.
2- المهذّب - للشيرازي - 271:1، المجموع 296:9، العزيز شرح الوجيز 4: 55، المغني 89:4-90، الشرح الكبير 30:4.

و وقفا في طرفها، صحّ إجماعا مع عدم المشاهدة للكلّ في الحال.

فروع:
أ - لو رآه و قد تغيّر عمّا كان، لم يتبيّن بطلان البيع

- و هو أصحّ وجهي الشافعي(1) - لكن للمشتري الخيار. و إن لم يتغيّر، لزم البيع قولا واحدا.

ب - لو كان المبيع ممّا يتغيّر في مثل تلك المدّة غالبا، لم يصحّ البيع،

لأنّه مجهول، و به قال الشافعي و أحمد(2).

و إن احتمل التغيّر و عدمه أو كان حيوانا، فالأقرب عندي: جواز بيعه - و هو أصحّ وجهي الشافعي(3) - لأنّ الظاهر بقاؤه بحاله، و لم يعارضه ظاهر غيره. فإن وجده متغيّرا، فله الخيار.

و يقدّم قول المشتري لو ادّعى التغيّر، لأنّ البائع يدّعي عليه الاطّلاع على المبيع على هذه الصفة و الرضا به، و المشتري ينكره، و هو أحد قولي الشافعي(4).

و أضعفهما: تقديم قول البائع، لأصالة عدم التغيّر و استمرار العقد(5).

و في أضعف وجهي الشافعي: بطلان البيع، لما فيه من الغرر(6).

ص: 62


1- المجموع 296:9، التنبيه في الفقه الشافعي: 88-89، روضة الطالبين 3: 37، العزيز شرح الوجيز 55:4.
2- الحاوي الكبير 26:5، المجموع 296:9، روضة الطالبين 37:3، العزيز شرح الوجيز 55:4، المغني، 90:4، الشرح الكبير 31:4، الكافي في فقه الإمام أحمد 9:2.
3- المهذّب - للشيرازي - 271:1، المجموع 297:9، العزيز شرح الوجيز 4: 55، روضة الطالبين 37:3، و انظر: الحاوي الكبير 26:5.
4- الحاوي الكبير 27:5، المجموع 297:9، روضة الطالبين 37:3، العزيز شرح الوجيز 55:4.
5- الحاوي الكبير 27:5، المجموع 297:9، روضة الطالبين 37:3، العزيز شرح الوجيز 55:4.
6- انظر: المصادر في الهامش (3).
ج - لو شاهده أحدهما دون الآخر،

ثبت الخيار للآخر مع الوصف عندنا، و مطلقا عند من جوّز بيع الغائب(1).

مسألة 35: البيع بالصفة نوعان:
بيع عين معيّنة،

كقوله: بعتك عبدي التركي، و يذكر صفاته، فيصحّ العقد عليه، و ينفسخ بردّه على البائع، و تلفه قبل قبضه، لكون المعقود عليه معيّنا، فيزول العقد بزوال محلّه. و يجوز التفرّق قبل قبض ثمنه و قبضه، كبيع الحاضر.

و بيع موصوف غير معيّن،

مثل: بعتك عبدا تركيّا، و يستقصي في الوصف كالسّلم، فإن سلّم إليه غير ما وصف فردّه أو على ما وصف فأبدله، لم يفسد العقد، إذ لم يقع على عين هذا فلا ينفسخ بردّه، كالسّلم.

و هل يجب قبض الثمن أو المبيع قبل التفرّق ؟ الوجه: المنع.

و قال الشافعي و أحمد: لا يجوز التفرّق قبل قبض أحد العوضين، كالسّلم(2).

و نمنع المساواة، لأنّه بيع الحالّ، فأشبه بيع العين.

مسألة 36: لا يصحّ بيع اللبن في الضرع، عند علمائنا أجمع
اشارة

- و به قال الشافعي و إسحاق و أحمد، و نهى عنه ابن عباس و أبو هريرة، و كرهه طاوس و مجاهد(3) - لأنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله نهى أن يباع صوف على ظهر أو لبن

ص: 63


1- انظر: المغني 82:4، و الشرح الكبير 29:4.
2- المغني 88:4، الشرح الكبير 30:4.
3- المهذّب - للشيرازي - 273:1، المجموع 326:9، روضة الطالبين 40:3، التنبيه في الفقه الشافعي: 88، حلية العلماء 113:4، الحاوي الكبير 332:5، الوجيز 135:1، العزيز شرح الوجيز 59:4، المغني 299:4، الشرح الكبير 4: 31، الكافي في فقه الإمام أحمد 8:2.

في ضرع(1).

و سأله سماعة عن اللبن يشترى و هو في الضرع، قال: «لا»(2) و الظاهر أنّ المسئول الصادق عليه السّلام.

و لجهالة قدره و وصفه. و لأنّه يحدث شيئا فشيئا.

و قال مالك: إذا عرفا قدر الحلاب في كلّ دفعة، صحّ و إن باعه أيّاما معلومة(3).

و أجازه الحسن و سعيد بن جبير و محمّد بن مسلمة [1]، كلبن الظئر(4).

و الحاجة فارقة.

تذنيب: سوّغ الشيخ بيع اللبن في الضرع إذا ضمّ إليه ما يحتلب منه مع مشاهدة المحلوب

(5) ، لقول سماعة: «إلاّ أن يحلب في سكرّجة [2] فيقول: أشتري منك هذا اللبن في السكرّجة و ما في ضرعها [3] بثمن مسمّى، فإن لم يكن في الضرع [4] شيء، كان ما في السكرّجة»(6).

ص: 64


1- سنن الدار قطني 14:3، 40-42، سنن البيهقي 340:5، المغني 299:4، الشرح الكبير 31:4.
2- الكافي 194:5، 6، الفقيه 141:3، 620، التهذيب 123:7، 538، الإستبصار 3: 104، 364.
3- المغني 299:4، الشرح الكبير 31:4، حلية العلماء 114:4، العزيز شرح الوجيز 59:4.
4- المغني 299:4، الشرح الكبير 31:4.
5- النهاية: 400.
6- انظر: المصادر في الهامش (2).

و الأشهر عندنا: البطلان، إذ ضمّ المعلوم إلى المجهول لا يصيّره معلوما.

مسألة 37: اختلف علماؤنا في بيع الصوف على ظهور الغنم،

و الأشهر: المنع - و به قال أبو حنيفة و الشافعي، و هو إحدى الروايتين عن أحمد(1) - لأنّه صلّى اللّه عليه و آله نهى أن يباع صوف على ظهر(2).

و لأنّه متّصل بالحيوان، فلم يجز إفراده بالعقد، كأعضائه.

و قال بعض(3) علمائنا بالجواز - و به قال مالك و الليث بن سعد، و هو رواية أخرى عن أحمد(4) - و هو الأقوى عندي، لما رواه إبراهيم الكرخي، قال: قلت للصادق عليه السّلام: ما تقول في رجل اشترى من رجل أصواف مائة نعجة و ما في بطونها من حمل بكذا و كذا درهما؟ قال: «لا بأس بذلك إن لم يكن في بطونها حمل كان رأس ماله في الصوف»(5) و هو يدلّ على المطلوب، لأنّ ضمّ المجهول إلى مثله لا يؤثّر في العلم، فبقي أن يكون الصوف مقصودا بالذات و الحمل بالعرض.

و لأنّه مبيع مملوك مشاهد يجوز بيعه بعد تناوله، فجاز بيعه قبل

ص: 65


1- بدائع الصنائع 168:5، مختصر المزني: 87، الحاوي الكبير 332:5، المهذّب - للشيرازي - 273:1، المجموع 327:9 و 328، روضة الطالبين 3: 40، التنبيه في الفقه الشافعي: 88، حلية العلماء 114:4، العزيز شرح الوجيز 60:4، المغني 299:4، الشرح الكبير 32:4، الكافي في فقه الإمام أحمد 8:2.
2- سنن الدار قطني 14:3، 40-42، سنن البيهقي 340:5.
3- انظر: المقنعة: 609، و السرائر: 232-233.
4- المغني 299:4، الشرح الكبير 32:4، الكافي في فقه الإمام أحمد 8:2، الكافي في فقه أهل المدينة: 331، العزيز شرح الوجيز 60:4، المجموع 9: 328.
5- الكافي 194:5، 8، الفقيه 146:3، 642، التهذيب 123:7-124، 539.

تناوله، كالثمار. و لوجود المقتضي و عدم المانع - و هو الجهالة - كالرطبة، بخلاف الأعضاء، لتعذّر تسليمها مع سلامة الحيوان.

و لا فرق بين بيعه قبل التذكية و بعدها، خلافا للشافعي، لعدم الإيلام حينئذ(1).

مسألة 38: لا يجوز بيع الملاقيح - و هي ما في بطون الأمّهات - و لا المضامين
اشارة

- و هي ما في أصلاب الفحول - جمع ملقوح، يقال: لقحت الناقة و الولد ملقوح به، إلاّ أنّهم استعملوه بحذف الجارّ. و قيل: جمع ملقوحة من قولهم: لقحت، كالمجنون من جنّ. و جمع مضمون، يقال:

ضمن الشيء، أي: تضمّنه و استسرّه. و منهم من عكس التفسيرين.

و لا نعرف خلافا بين العلماء في فساد هذين البيعين، للجهالة، و عدم القدرة على التسليم، لأنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله نهى عن بيع الملاقيح و المضامين(2) ، و لا خلاف فيه.

تذنيب: لو باع الحمل مع امّه، جاز إجماعا،

سواء كان في الآدمي أو غيره.

و لو ضمّ الحمل إلى الصوف، قال الشيخ: يجوز(3) ، كما لو ضمّ إلى الأمّ.

و لقول الصادق عليه السّلام و قد سئل عن ذلك: «لا بأس بذلك إن لم يكن في بطونها حمل كان رأس ماله في الصوف»(4).

ص: 66


1- المجموع 327:9، روضة الطالبين 41:3، العزيز شرح الوجيز 60:4.
2- المعجم الكبير - للطبراني - 230:11، 11581.
3- النهاية: 400.
4- الكافي 194:5، 8، الفقيه 146:3، 642، التهذيب 123:7-124، 539.

و فيه إشكال أقربه: الجواز إن كان الحمل تابعا للمقصود، و إلاّ فلا.

مسألة 39: يحرم بيع عسيب الفحل - و هو نطفته
اشارة

- لأنّه غير متقوّم و لا معلوم و لا مقدور عليه. و لا نعلم فيه خلافا، لأنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله نهى عنه(1).

أمّا إجارة الفحل للضراب فعندنا مكروهة و ليست محرّمة - و هو أضعف وجهي الشافعي، و به قال مالك(2) - لأنّها منفعة مقصودة يحتاج إليها في كلّ وقت، فلو لم يجز الإجارة فيها، تعذّر تحصيلها، لعدم وجوب البذل على المالك.

و قال أبو حنيفة و الشافعي في أصحّ وجهيه، و أحمد: أنّها محرّمة، لأنّه عليه السّلام نهى عن عسيب الفحل(3).

و لأنّه لا يقدر على تسليمه، فأشبه إجارة الآبق. و لأنّه متعلّق باختيار الفحل و شهوته. و لأنّ القصد هو الماء، و هو ممّا لا يجوز إفراده بالبيع(4).

و نحن نقول بموجب النهي، لتناوله البيع، أو التنزيه. و نمنع انتفاء القدرة، و العقد وقع على الإنزاء، و الماء تابع، كالظئر.

ص: 67


1- سنن أبي داود 267:3، 3429، سنن الترمذي 572:3، 1273، سنن النسائي 7: 310، سنن البيهقي 339:5، سنن الدار قطني 47:3، 195، المستدرك - للحاكم - 42:2، المصنّف - لابن أبي شيبة - 145:7، 2682.
2- المهذّب - للشيرازي - 401:1، التنبيه في الفقه الشافعي: 123، روضة الطالبين 62:3، منهاج الطالبين: 97، حلية العلماء 122:4، و 385:5، العزيز شرح الوجيز 101:4، بداية المجتهد 224:2، المغني 300:4.
3- تقدّمت الإشارة إلى مصادره في الهامش (1).
4- المغني 300:4، و 148:6، الشرح الكبير 44:6، الكافي في فقه الإمام أحمد 170:2، بداية المجتهد 224:2، المهذّب - للشيرازي - 401:1، التنبيه في الفقه الشافعي: 123، حلية العلماء 120:4، و 385:5، العزيز شرح الوجيز 4: 101، روضة الطالبين 62:3.
فروع:
أ - الإنزاء غير مكروه، و النهي غير متوجّه إلى الضراب،

بل إلى العوض عليه، و قد سئل الرضا عليه السّلام عن الحمر [1] تنزيها على الرّمك [2] لتنتج البغال أ يحلّ ذلك ؟ قال: «نعم أنزها»(1).

ب - إذا استأجر للضراب، فالوجه: عدم الاستحقاق إلاّ مع إنزال الماء في فرج الدابّة،

لأنّه و إن كان تابعا لكنّه المقصود، كالاستئجار على الإرضاع.

ج - حرّم أحمد أخذ الأجرة على الضراب دون إعطائها،

لأنّه بذل ماله لتحصيل مباح يحتاج إليه(2).

و ليس بجيّد، إذ تسويغ الإعطاء يستلزم تسويغ الأخذ.

د - لو اعطي صاحب الفحل هديّة أو كرامة من غير إجارة، جاز،

و به قال الشافعي و أحمد(3) ، و هو ظاهر على مذهبنا، لأنّه سبب مباح، فجاز أخذ الهديّة عليه.

و عن أحمد رواية بالمنع(4).

ه - نهى النبيّ صلّى اللّه عليه و آله عن حبل الحبلة

ه - نهى النبيّ صلّى اللّه عليه و آله عن حبل الحبلة(5).

ص: 68


1- التهذيب 384:6، 1137، الإستبصار 57:3، 185.
2- المغني 300:4.
3- العزيز شرح الوجيز 102:4، المغني 300:4، و 149:6، الشرح الكبير 45:6.
4- المغني 300:4، العزيز شرح الوجيز 102:4.
5- صحيح مسلم 1153:3، 1514، سنن النسائي 293:7، سنن البيهقي 5: 340، مسند أحمد 479:1، 2640.

و فسّر بأمرين: نتاج النتاج، و هو بيع حمل ما تحمله الناقة، و جعله أجلا كان أهل الجاهليّة يتبايعون لحم الجزور إلى حبل الحبلة.

و هو بمعنييه باطل، لجهالته، و جهالة الأجل.

مسألة 40: بيع الملامسة و المنابذة و الحصاة باطل بالإجماع،

لأنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله نهى عن ذلك كلّه(1).

و الملامسة: أن يبيعه شيئا و لا يشاهده على أنّه متى لمسه وقع البيع.

و هو ظاهر كلام أحمد و مالك و الأوزاعي(2).

و له تفاسير ثلاثة:

أن يجعل اللمس بيعا بأن يقول صاحب الثوب للراغب: إذا لمست ثوبي فهو مبيع منك بكذا.

و هو باطل، لما فيه من التعليق.

و قال بعض الشافعيّة: إنّه من صور المعاطاة(3).

و أن يأتي بثوب مطويّ له في ظلمة فيلمسه الراغب، و يقول صاحب الثوب: بعتك بكذا بشرط أن يقوم لمسك مقام النظر، و لا خيار لك إذا رأيته. فسّره الشافعي(4).

قال بعض الشافعيّة: إن أبطلنا بيع الغائب، بطل، و إلاّ صحّ تخريجا من تصحيح شرط نفي الخيار(5).

ص: 69


1- صحيح مسلم 1151:3، 1511، و 1153، 1513، سنن ابن ماجة 2: 733، 2170، و 739، 2194، سنن النسائي 259:7، سنن الدارمي 253:2 و 254، سنن البيهقي 341:5 و 342، الموطّأ 666:2، 76.
2- المغني 297:4، الشرح الكبير 32:4-33، بداية المجتهد 148:2.
3- العزيز شرح الوجيز 103:4.
4- العزيز شرح الوجيز 103:4، الحاوي الكبير 337:5، روضة الطالبين 63:3.
5- العزيز شرح الوجيز 103:4، روضة الطالبين 63:3.

و أن يبيعه على أنّه إذا لمسه وجب البيع و سقط خيار المجلس و غيره. و يبطل عنده(1) ، لفساد الشرط(2).

و الوجه عندي: صحّته إن كان قد نظره.

و المنابذة قيل: أن يجعل النبذ بيعا بأن يقول: أنبذ إليك ثوبي بعشرة ثمّ ينبذه، و يكتفيان به بيعا. و قيل: أن يقول: بعتك كذا بكذا على أنّي إذا نبذته إليك فقد وجب البيع، قالهما الشافعيّة(3).

و ظاهر كلام أحمد و مالك و الأوزاعي أن يقول: إذا(4) نبذته إليّ فقد اشتريته بكذا(5).

و قيل: طرح الرجل ثوبه بالبيع إلى الرجل قبل أن يقلبه أو ينظر إليه(6).

و الحصاة أن يقول: ارم هذه الحصاة فعلى أيّ ثوب وقعت فهو لك بكذا.

و قيل أن يقول: بعتك من هذه الأرض مقدار ما تبلغ هذه الحصاة إذا رميتها بكذا(7).

و قيل: أن يقول: بعتك هذا بكذا على أنّي متى رميت هذه الحصاة وجب البيع(8).

و لا نعلم خلافا في بطلان الجميع.4.

ص: 70


1- أي: عند الشافعي.
2- العزيز شرح الوجيز 103:4، روضة الطالبين 63:3.
3- الحاوي الكبير 337:5، العزيز شرح الوجيز 103:4، روضة الطالبين 63:3 و 64، منهاج الطالبين: 97.
4- في «ق، ك»: «إن» بدل «إذا». و في المغني و الشرح الكبير هكذا: أيّ ثوب نبذته..
5- المغني 297:4، الشرح الكبير 32:4-33، بداية المجتهد 148:2.
6- المغني 297:4، الشرح الكبير 33:4.
7- المغني 298:4، الشرح الكبير 33:4.
8- المغني 298:4، الشرح الكبير 33:4.
مسألة 41: يجب ذكر جنس المبيع أو مشاهدته،

عند علمائنا أجمع بأن يقول: بعتك عبدي أو فرسي، و لا يكفي أن يقول: بعتك ما في كمّي أو خزانتي أو ما ورثته من أبي، مع جهالة المشتري - و هو أحد قولي الشافعي(1) - للجهالة.

و له آخر: الجواز، لأنّ المعتبر في بيع الغائب كون المبيع متعيّنا، و الجهالة لا تزول بذكر الجنس، فلا معنى لاشتراطه(2).

و لا يكفي ذكر الجنس، بل لا بدّ من ذكر النوع بأن يقول: عبدي التركي. و هو ظاهر قول الشافعي(3).

و لا يكفي ذكرهما عندنا إلاّ مع ذكر الصفات الرافعة للجهالة - و به قال مالك(4) - للجهالة معه. و هو أضعف وجهي الشافعي(5).

و أصحّهما - و به قال أبو حنيفة - الاكتفاء. نعم، لو كان له عبدان من ذلك النوع، فلا بدّ و أن يزيد ما يقع به التمييز(6).

و يشترط ذكر صفات السّلم لترتفع الجهالة، و هو أحد وجهي الشافعي، و به قال أحمد(7).

و أظهرهما: الاكتفاء بمعظم الصفات(8).

مسألة 42: يجب العلم بالقدر،

فالجهل به فيما في الذمّة ثمنا كان أو

ص: 71


1- المجموع 292:9، روضة الطالبين 42:3، العزيز شرح الوجيز 61:4.
2- المجموع 292:9، روضة الطالبين 42:3، العزيز شرح الوجيز 61:4.
3- العزيز شرح الوجيز 62:4، روضة الطالبين 42:3.
4- بداية المجتهد 148:2، الحاوي الكبير 14:5، حلية العلماء 87:4، العزيز شرح الوجيز 62:4.
5- المجموع 293:9، العزيز شرح الوجيز 62:4، روضة الطالبين 42:3.
6- الحاوي الكبير 14:5، المجموع 292:9-293، العزيز شرح الوجيز 62:4.
7- العزيز شرح الوجيز 62:4، حلية العلماء 85:4-86، المجموع 293:9، روضة الطالبين 42:3.
8- العزيز شرح الوجيز 62:4، حلية العلماء 85:4-86، المجموع 293:9، روضة الطالبين 42:3.

مثمنا مبطل. فلو قال: بعتك ملء هذا البيت حنطة أو بزنة هذه الصنجة ذهبا، لم يصحّ السّلم - و به قال الشافعي و أبو حنيفة(1) - للغرر.

و لو قال: بعتك ثوبي هذا بما باع به فلان فرسه، و هما لا يعلمانه أو أحدهما، لم يصحّ - و هو أظهر وجهي الشافعي(2) - للجهالة.

و له آخر: الجواز، لإمكان الاستكشاف(3).

و ثالث: إن حصل العلم قبل التفرّق، صحّ العقد(4).

و لو قال: بعتك بألف من الدراهم و الدنانير، بطل، للجهل بقدر كلّ منهما، إذ لا فرق بينه و بين: بعتك بألف بعضها ذهب و بعضها فضّة. و به قال الشافعي و أحمد(5).

و عن أبي حنيفة أنّه يصحّ و يتساويان فيه، كالإقرار(6).

و يبطل بأنّه لو فسّره بغير التسوية، صحّ، و لو اقتضى التسوية، لم يصحّ.

و لو باع الثوب برقمه، و هو الثمن المكتوب عليه، فإن علماه [1]، صحّ إجماعا، لأنّه بيع بثمن معلوم قدره. و كرهه طاوس [2]. و لو لم يعلماه، بطل.4.

ص: 72


1- المهذّب - للشيرازي - 271:1، المجموع 311:9، الوجيز 135:1، العزيز شرح الوجيز 46:4، روضة الطالبين 31:3، منهاج الطالبين: 95، حلية العلماء 104:4، بدائع الصنائع 207:5.
2- المجموع 333:9، روضة الطالبين 31:3، منهاج الطالبين: 95، العزيز شرح الوجيز 46:4.
3- المجموع 333:9، روضة الطالبين 31:3، منهاج الطالبين: 95، العزيز شرح الوجيز 46:4.
4- المجموع 333:9، روضة الطالبين 31:3، منهاج الطالبين: 95، العزيز شرح الوجيز 46:4.
5- العزيز شرح الوجيز 46:4، روضة الطالبين 31:3، المجموع 339:9، منهاج الطالبين: 95، الشرح الكبير 38:4، مختصر اختلاف العلماء 102:3، 1178.
6- مختصر اختلاف العلماء 102:3، 1178، المجموع 339:9، العزيز شرح الوجيز 46:4، الشرح الكبير 38:4.

و لو قال: بعتك بمائة دينار إلاّ عشرة دراهم، لم يصحّ، إلاّ أن يعلما قيمة الدينار بالدراهم. و كذا لو قال: بعتك بدينار غير درهم، أو: إلاّ درهما.

مسألة 43: يجب العلم بنوع الثمن من ذهب أو فضّة بالدراهم،

و لا يصحّ لو كان مجهولا.

و لو أطلق و في البلد نقد واحد يعلمانه، انصرف الإطلاق إليه، عملا بالظاهر. و كذا لو تعدّدت و غلب أحدها و إن كان فلوسا، إلاّ أن يعيّن غيرها.

و لو تعدّدت و تساوت، وجب التعيين. فإن أبهم، بطل - و به قال الشافعي و أبو حنيفة(1) - للجهالة.

و كما ينصرف المطلق إلى الجنس الغالب أو المتّحد كذا ينصرف في الوصف إلى الغالب بأن تختلف النقود، كالراضية و الرضويّة و إن اتّحد النوع. و كذا الصحيح و المكسّر. و لو لم يكن هناك غالب، وجب التعيين، و إلاّ بطل البيع - و به قال الشافعي(2) - لما تقدّم.

مسألة 44: لو كان لكلّ منهما عبد فباعاهما صفقة واحدة بثمن واحد، صحّ البيع،

سواء كانا متساويين في القيمة أو لا، و يتقسّط الثمن على القيمتين - و به قال أبو حنيفة و مالك و أحمد و الشافعي في أحد قوليه(3) - لأنّ جملة المبيع معلومة، و العقد وقع عليها، فصحّ، كما لو كانا لواحد، أو كما لو باعا عبدا واحدا لهما أو قفيزين من صبرة واحدة.

ص: 73


1- روضة الطالبين 32:3، المجموع 329:9، منهاج الطالبين: 95، العزيز شرح الوجيز 46:4-47، الكتاب - بشرح اللباب - 230:1.
2- العزيز شرح الوجيز 47:4، روضة الطالبين 32:3.
3- المغني 316:4، العزيز شرح الوجيز 145:4.

و الثاني له: لا يصحّ - و هو قول للشيخ(1) أيضا - لأنّ كلّ واحد منهما مبيع بقسطه من الثمن، و هو مجهول، بخلاف ما لو كانا لواحد، فإنّ جملة المبيع مقابلة بجملة الثمن من غير تقسيط، و الثمن يتقسّط على العبد المشترك و القفيزين بالأجزاء، فلا جهالة فيه(2).

و نحن نمنع الجهالة في المبيع، إذ مقتضاه مقابلة الجملة بالجملة لا الأجزاء بالأجزاء، و وجوب التقويم و البسط ليعرف كلّ واحد حقّه بعد البيع، فلا يقتضي بطلانه.

مسألة 45: ذهب علماؤنا إلى أنّه لا يصحّ بيع المكيل و الموزون جزافا، لأنّه غرر.
اشارة

و لقول الصادق عليه السّلام: «ما كان من طعام سمّيت فيه كيلا فلا يصلح مجازفة»(3).

و لإفضائه إلى التنازع لو وجب ضمانه.

و لأنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله نهى عن بيع الطعام مجازفة و هو يعلم كيله(4). و كذا إذا لم يعلم كيله بل هو أبلغ في المنع، إذ الجهالة لمّا أبطلت من أحد الطرفين كان إبطالها من الطرفين أولى.

و قال أبو حنيفة و الشافعي و مالك و أحمد - و لا نعرف لهم مخالفا من الجمهور -: إنّه يصحّ، لقول ابن عمر: كنّا نشتري الطعام من الركبان جزافا، فنهانا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أن نبيعه حتى ننقله من مكانه. و لأنّه معلوم بالرؤية، فصحّ بيعه، كالثياب(5).

ص: 74


1- الخلاف 335:3، المسألة 13.
2- العزيز شرح الوجيز 145:4، المغني 316:4.
3- التهذيب 122:7، 530، الإستبصار 102:3، 355.
4- أورده ابنا قدامة في المغني 247:4، و الشرح الكبير 40:4.
5- المغني 245:4، الشرح الكبير 40:4، بداية المجتهد 146:2.

و نمنع الرواية و نقول بموجبها، فإنّه عليه السّلام نهاهم عن بيعها إلاّ بعد نقلها، و هو يستلزم معرفتها غالبا. و الثوب غير مكيل و لا موزون.

فروع:
أ - حكم المعدود حكم الموزون و المكيل،

فلا يصحّ بيعه جزافا، لأنّه مقدار يعرف به كمّيّة المبيع، فلا يصحّ بدونها، كالوزن و الكيل.

ب - لو تعذّر الوزن أو العدد، كيل بعضه 1 بمكيال و وزن أو عدّ،

و نسب إليه الباقي، لقول الصادق عليه السّلام - و قد سئل عن الجوز لا يستطيع أن يعدّه فيكال بمكيال ثمّ يعدّ ما فيه ثمّ يكال ما بقي على حساب ذلك من المعدود [2] -: «لا بأس به»(1).

و سئل عليه السّلام: أشتري مائة راوية زيتا فأعترض راوية أو اثنتين فأزنهما ثمّ أخذ سائره على قدر ذلك، فقال: «لا بأس»(2).

و لأنّه يحصل المطلوب، و هو العلم.

و منع أحمد من ذلك.(3).

و قال الثوري: كان أصحابنا يكرهون هذا، لاختلاف المكاييل، فيكون في بعضها أكثر من بعض، و الجوز يختلف عدده، فيكون في أحد المكيلين أكثر من الآخر(4).

و هو غلط، فإنّه إذا جاز بيعه جزافا، كان هذا أولى.

ص: 75


1- الكافي 193:5، 3، الفقيه 140:3-141، 617، التهذيب 122:7، 533.
2- الكافي 194:5، 7، الفقيه 142:3، 625، التهذيب 122:7-123، 534، الاستبصار 102:3، 357، بتفاوت يسير في بعض الألفاظ.
3- المغني 248:4، الشرح الكبير 42:4.
4- المغني 248:4، الشرح الكبير 42:4.
ج - لو باعه جزافا، بطل.

و كان القول قول المشتري في المقدار، سواء كان باقيا أو تالفا.

د - لا فرق بين الثمن و المثمن في الجزاف في الفساد عندنا و الصحّة عندهم،

إلاّ مالكا، فإنّه قال: لا يجوز الجزاف في الأثمان، لأنّ لها خطرا، و لا يشقّ وزنها و لا عددها، فأشبه الرقيق و الثياب(1). و مع هذا فإنّه جوّز بيع النقرة و التبر و الحليّ جزافا(2).

مسألة 46: و كما لا يصحّ بيع الصبرة جزافا فكذا أجزاؤها المشاعة،
اشارة

كالنصف و الثّلث و الربع، لوجود المانع من الانعقاد، و هو الجهالة.

و جوّزه الجمهور كافّة، لأنّ ما جاز بيع جملته جاز بيع بعضه، كالحيوان. و لأنّ جملتها معلومة [1] بالمشاهدة فكذا أجزاؤها(3).

و نحن نمنع الأصلين.

أمّا لو باع جزءا معلوم القدر، كالقفيز، فإنّه يصحّ عندنا و عند الجمهور(4) - إلاّ داود(5) - إذا علما اشتمالها على ذلك، لأنّه معلوم مشاهد، فصحّ بيعه كغيره.

احتجّ بأنّه غير مشاهد و لا موصوف(6).

و يبطل بأنّه قياس، و هو لا يقول به. و نمنع عدم المشاهدة، فإنّ مشاهدة الجملة تستلزم مشاهدة البعض.

ص: 76


1- المغني 246:4، الشرح الكبير 40:4.
2- المغني 246:4، الشرح الكبير 40:4.
3- المهذّب - للشيرازي - 272:1، المجموع 312:9، المغني 245:4، الشرح الكبير 40:4.
4- المغني 249:4، حلية العلماء 105:4.
5- المغني 249:4، حلية العلماء 105:4.
6- المغني 249:4.
فروع:
أ - لو قال: بعتك هذه الصبرة كلّ قفيز بدرهم، فإن علما قدر القفزان، صحّ البيع، و إلاّ بطل،

للجهالة.

و قال مالك و الشافعي و أحمد و أبو يوسف و محمّد: يصحّ، لأنّه معلوم بالمشاهدة، و الثمن معلوم، لإشارته إلى ما يعرف [مبلغه] [1] بجهة لا تتعلّق بالمتعاقدين، و هو أن تكال الصبرة و يقسّط الثمن على قدر قفزانها فيعلم مبلغه(1).

و نحن نمنع العلم، و قد سبق.

و قال أبو حنيفة: يصحّ البيع في قفيز واحد، و يبطل فيما سواه، لجهالة الثمن، كما لو باع المتاع برقمه(2).

و لو قال: بعتك هذه الأرض أو هذا الثوب كلّ ذراع بدرهم، أو: هذه الأغنام كلّ رأس بدرهم، لم يصحّ عندنا، و به قال أبو حنيفة أيضا و إن سوّغ البيع في قفيز واحد من الصبرة(3).

و قال الشافعي: يصحّ، سواء كانت الجملة معلومة أو مجهولة(4).

ص: 77


1- المغني 248:4، الشرح الكبير 39:4، حلية العلماء 105:4، المجموع 9: 313، العزيز شرح الوجيز 48:4.
2- بدائع الصنائع 158:5-159، حلية العلماء 105:4، العزيز شرح الوجيز 4: 48، المغني 248:4، الشرح الكبير 39:4.
3- حلية العلماء 107:4، العزيز شرح الوجيز 48:4.
4- حلية العلماء 48:4، المجموع 313:9، روضة الطالبين 33:3-34، العزيز شرح الوجيز 48:4.

و لو قال: بعتك عشرة من هذه الأغنام بكذا، لم يصحّ إجماعا و إن علم الجملة، بخلاف الصبرة و الأرض و الثوب، لاختلاف قيمة الشاة، فلا يدري كم العشرة من الجملة.

ب - لو قال: بعتك من هذه الصبرة كلّ قفيز بدرهم،

و لم يعلما أو أحدهما القدر، بطل البيع عندنا، لما مرّ. و كذا عند أحمد، لأنّ «من» للتبعيض و «كلّ» للعدد، و هو مجهول. و له آخر: الصحّة(1).

و للشافعيّة وجهان:

البطلان، لأنّه لم يبع جميع الصبرة و لا بيّن المبيع منها.

و الصحّة في صاع واحد، كما لو قال: بعتك قفيزا من الصبرة بدرهم(2).

ج - لو قال: بعتك هذه الصبرة بعشرة دراهم على أن أزيدك قفيزا،

أو أنقصك على أنّ لي الخيار فيهما، لم يصحّ عندنا - و به قال الشافعي و أحمد(3) - لأنّه لا يدري أ يزيده أم ينقصه.

و لو قال: على أن أزيدك قفيزا، لم يجز، لأنّ القفيز مجهول.

فإن قال: على أن أزيدك قفيزا من هذه الصبرة الأخرى أو وصفه وصفا يرفع الجهالة، صحّ عندهم، إذ معناه: بعتك هذه الصبرة و قفيزا من الأخرى بعشرة(4).

و إن قال: على أن أنقصك قفيزا، لم يصحّ، لأنّ معناه: بعتك هذه

ص: 78


1- المغني 249:4، الشرح الكبير 39:4، الكافي في فقه الإمام أحمد 11:2.
2- حلية العلماء 106:4، المجموع 313:9، العزيز شرح الوجيز 49:4.
3- المغني 249:4، الشرح الكبير 39:4، الكافي في فقه الإمام أحمد 11:2، و انظر: المجموع 315:9.
4- المغني 249:4، الشرح الكبير 39:4.

الصبرة إلاّ قفيزا كلّ قفيز بدرهم و شيء مجهول.

و لو قال: بعتك هذه الصبرة كلّ قفيز بدرهم على أن أزيدك قفيزا من الأخرى، لم يصحّ، لإفضائه إلى جهالة الثمن في التفصيل، لأنّه يصير قفيزا و شيئا بدرهم.

و لو قصد أنّي أحطّ ثمن قفيز من الصبرة لا أحتسب به، لم يصحّ، للجهالة.

و لو قال: هذه الصبرة عشرة أقفزة بعتكها كلّ قفيز بدرهم على أن أزيدك قفيزا من الأخرى، صحّ، إذ معناه: بعتك كلّ قفيز و عشر قفيز بدرهم.

و لو جعله هبة، صحّ عندنا، خلافا لأحمد(1).

و إن أراد أنّي لا أحتسب عليك بثمن قفيز منها، صحّ، لعلمهما بجملة القفزان، فعلما قدر النقصان من الثمن.

و لو قال: على أن أنقصك قفيزا، صحّ، لأنّ معناه: بعتك تسعة أقفزة بعشرة دراهم، كلّ قفيز بدرهم و تسع.

د - لو قال: بعتك هذه الصبرة بعشرة دراهم كلّ صاع بدرهم، فإن علما القدر، صحّ.

و قال الشافعي: يصحّ البيع إن خرج كما ذكر، لأنّه لم يشترط علم القدر.

و إن خرج زائدا أو ناقصا، فأصحّ قوليه: البطلان، لامتناع الجمع بين بيع الكلّ بعشرة و مقابلة كلّ واحد بدرهم، لأنّه باع جملة الصبرة بالعشرة

ص: 79


1- المغني 249:4، الشرح الكبير 39:4.

بشرط مقابلة كلّ صاع منها بدرهم و الجمع بين هذين الأمرين عند الزيادة و النقصان محال.

و الثاني: يصحّ، لإشارته إلى الصبرة، و يلغى الوصف، فإن خرج ناقصا، فللمشتري الخيار. فإن أجاز فبجميع الثمن، لمقابلة الصبرة به، أو [بالقسط] [1]، لمقابلة كلّ صاع بدرهم ؟ وجهان.

و إن خرج زائدا، ففي مستحقّ الزيادة وجهان:

أظهرهما: أنّها للمشتري، لأنّ جملة الصبرة مبيعة منه، فلا خيار له.

و في خيار البائع وجهان، أصحّهما: العدم، لأنّه رضي ببيع جميعها.

و الثاني: أنّ الزيادة للبائع، فلا خيار له. و في المشتري وجهان، أصحّهما: ثبوت الخيار، إذ لم يسلم له جميع الصبرة(1).

ه - لو قال: بعتك هذه الصبرة بهذه الصبرة سواء بسواء،

فإن علما القدر منهما، صحّ، و إلاّ بطل، خلافا للجمهور.

و - إنّما يصحّ بيع الصبرة إذا تساوت أجزاؤها،

فإن اختلفت - كصبرة ممتزجة من جيّد و رديء - لم يصحّ إلاّ بعد المشاهدة للجميع. و لو باعه نصفها أو ثلثها، فكذلك. و به قال بعض الحنابلة(2). و بعضهم سوّغه، لأنّه اشترى جزءا مشاعا، فاستحقّ من جيّدها و رديئها(3).

ز - لو اشترى الصبرة جزافا، قال مالك: يجوز له بيعها قبل نقلها،

ص: 80


1- المجموع 313:9-314، روضة الطالبين 34:3، العزيز شرح الوجيز 49:4.
2- المغني 245:4-246، الشرح الكبير 40:4.
3- المغني 426:4، الشرح الكبير 40:4.

لأنّه مبيع متعيّن لا يحتاج إلى حقّ يوفّيه، فأشبه الثوب الحاضر. و هو رواية عن أحمد(1).

و له أخرى: المنع، لقول ابن عمر: كنّا نشتري الطعام من الركبان جزافا فنهانا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله حتى ننقله من مكانه(2)(3).

ح - منع المجوّزون الغشّ بأن يجعلها على دكّة أو حجر ينقصها أو يجعل الرديء أو المبلول في باطنها،

لأنّه عليه السّلام مرّ على صبرة من طعام فأدخل يده فنالت أصابعه بللا، فقال: «يا صاحب الطعام ما هذا؟» فقال:

أصابته السماء يا رسول اللّه، قال: «أ فلا جعلته فوق الطعام حتى يراه الناس ؟» ثمّ قال: «من غشّنا فليس منّا»(4).

فإن وجده كذلك، فللشافعيّة [1] طريقان:

أحدهما: أنّ فيها قولي بيع الغائب، لأنّ ارتفاع الأرض و انخفاضها يمنع تخمين القدر، و إذا لم يفد العيان إحاطة، فكان كعدم العيان في احتمال الغرر.

و الثاني: القطع بالبطلان، لأنّا إذا صحّحنا بيع الغائب أثبتنا خيار الرؤية، و الرؤية حاصلة هنا، فيبعد إثبات الخيار معها، و لا سبيل إلى نفيه، للجهالة.

و اعترض بأنّ الصفة و القدر مجهولان في بيع الغائب، و مع ذلك ففيه

ص: 81


1- بداية المجتهد 146:2-147، المغني 246:4.
2- سنن البيهقي 314:5.
3- المغني 247:4.
4- المغني 246:4، و انظر: صحيح مسلم 99:1، 102، و سنن الترمذي 3: 606، 1315.

قولان، فكيف يقطع بالبطلان هنا مع علم بعض الصفات بالرؤية!؟ و إذا ثبت الخيار - و هو قول أحمد(1) - فوقت الخيار معرفة مقدار الصبرة أو تخمينه برؤية ما تحتها.

و فيه طريق ثالث للشافعي: القطع بالصحّة، اعتمادا على المعاينة، و جهالة القدر معها غير ضائرة(2).

و أثبت أحمد الخيار بين الفسخ و أخذ تفاوت ما بينهما، لأنّه عيب(3).

و لو كان تحتها حفرة أو كان باطنها أجود، فلا خيار للمشتري، بل للبائع إن لم يعلم، و إلاّ فلا.

و لو ظهر تحتها دكّة، ففي بطلان البيع للشافعي وجهان:

البطلان، لأنّه ظهر أنّ العيان لم يفد علما.

و الأظهر: الصحّة، و للمشتري الخيار، تنزيلا لما ظهر منزلة العيب و التدليس(4).

ط - لو علم قدر الشيء، لم يجز بيعه صبرة، عندنا،

و هو ظاهر - و به قال أحمد(5) - لقول النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: «من عرف مبلغ شيء فلا يبعه جزافا حتى يبينه»(6).

ص: 82


1- المغني 246:4.
2- الوسيط 35:3، الوجيز 135:1، العزيز شرح الوجيز 50:4، المجموع 9: 314، روضة الطالبين 34:3-35.
3- المغني 246:4.
4- المجموع 314:9، روضة الطالبين 35:3، العزيز شرح الوجيز 50:4.
5- المغني 246:4، الشرح الكبير 40:4.
6- أورده ابنا قدامة في المغني 246:4، و الشرح الكبير 40:4.

و كرهه عطاء و ابن سيرين و مجاهد و عكرمة و مالك و إسحاق و طاوس(1).

و عن أحمد أنّه مكروه غير محرّم(2).

و قال أبو حنيفة و الشافعي: لا بأس بذلك، لأنّه إذا جاز مع جهلهما، فمع علم أحدهما أولى(3).

ي - لو باع ما علم كيله صبرة،

قال أبو حنيفة و الشافعي: يصحّ - و هو ظاهر قول أحمد - لأنّه لا تغرير فيه، فأشبه ما لو علما كيله أو جهلاه(4).

و قال مالك: إنّه تدليس إن علم به المشتري، فلا خيار له، لأنّه دخل على بصيرة، و إن جهل مع علم البائع، تخيّر في الفسخ، لأنّه غشّ(5). و هو قول بعض الحنابلة(6).

و عند بعضهم أنّه فاسد(7) ، و هو مذهبنا، لما تقدّم.

يأ - لو أخبره البائع بكيله ثمّ باعه بذلك الكيل، صحّ عندنا،

فإن قبضه و اكتاله، تمّ البيع، و إن قبضه بغير كيل، فإن زاد، ردّ الزيادة، و إن نقص، رجع بالناقص. و إن تلف، فالقول قول المشتري في قدره مع يمينه، سواء قلّ النقص أو كثر.

و الأقوى: أنّ للمشتري التصرّف فيه قبل كيله - خلافا لأحمد(8) - لأنّه سلّطه عليه.

احتجّ بأنّ للبائع فيه علقة، فإنّه لو زاد، كانت له. قال: فلو تصرّف فيما يتحقّق أنّه حقّه أو أقلّ بالكيل، فوجهان، أحدهما: الصحّة، لأنّه تصرّف في حقّه بعد قبضه. و المنع، لانّه لا يجوز التصرّف في الجميع فلم يجز في البعض(9).

ص: 83


1- المغني 246:4، الشرح الكبير 40:4.
2- المغني 246:4، الشرح الكبير 40:4.
3- المغني 247:4، الشرح الكبير 40:4.
4- المغني 247:4، الشرح الكبير 41:4.
5- المغني 247:4، الشرح الكبير 41:4.
6- المغني 247:4، الشرح الكبير 41:4.
7- المغني 247:4، الشرح الكبير 41:4.
8- المغني 247:4، الشرح الكبير 41:4.
9- المغني 247:4، الشرح الكبير 41:4.
يب - لو كال طعاما و آخر ينظر إليه،

فهل لمن شاهد الكيل شراؤه بغير كيل ؟ أمّا عندنا فنعم - و هو إحدى روايتي أحمد(1) - لانتفاء الجهالة.

و كذا لو كاله البائع للمشتري ثمّ اشتراه منه أو اشتريا طعاما فاكتالاه ثمّ باع أحدهما حصّته قبل التفرّق.

و أخرى عنه بالمنع(2).

مسألة 47: لو باع مختلف الأجزاء مع المشاهدة، صحّ
اشارة

- كالثوب و الدار و الغنم - بالإجماع. و كذا لو باع جزءا منه مشاعا، كنصفه أو ثلثه، أو جزءا معيّنا، كهذا البيت، و هذا الرأس من القطيع.

أمّا لو باع ذراعا منها أو عشرة من غير تعيين، فإن لم يقصد الإشاعة، بطل إجماعا. و إن قصد الإشاعة، فإن لم يعلما عدد الذّراعان، بطل البيع إجماعا، لأنّ الجملة غير معلومة، و أجزاء الأرض مختلفة، فلا يمكن أن تكون معيّنة و لا مشاعة.

و إن علم الذّراعان، للشيخ قولان:

البطلان [1] - و به قال أبو حنيفة(3) - لأنّ الذراع عبارة عن بقعة بعينها، و موضعها مجهول.

و الصحّة(4) - و به قال الشافعي و أحمد(5) - إذ لا فرق بين عشر الأرض و بين ذراع من عشرة على قصد الإشاعة.

و هو عندي أقرب. و ليس الذراع بقعة معيّنة، بل هو مكيال.

ص: 84


1- المغني 248:4، الشرح الكبير 41:4.
2- المغني 248:4، الشرح الكبير 41:4.
3- المغني 250:4، الشرح الكبير 35:4، العزيز شرح الوجيز 43:4.
4- المبسوط - للطوسي - 153:2، الخلاف 164:3، المسألة 264.
5- راجع المصادر في الهامش (4).
فروع:
أ - لو اتّفقا على أنّهما أرادا قدرا منها غير مشاع، لم يصحّ البيع،

لاتّفاقهما على بطلانه. و لو اختلفا فقال المشتري: أردت الإشاعة فالبيع صحيح، و قال البائع: بل أردت معيّنا، فالأقرب تقديم قول المشتري، عملا بأصالة الصحّة و أصالة عدم التعيين.

ب - لو قال: بعتك من هذه الدار من هاهنا إلى هاهنا، جاز،

لأنّه معلوم.

ج - لو قال: بعتك من هاهنا عشرة أذرع في جميع العرض إلى حيث ينتهي الذرع طولا،

فالأقرب عندي: البطلان، لاختلاف الذرع [1]، و الجهل بالموضع الذي ينتهي إليه.

و للشيخ قول بالجواز(1) ، و هو أصحّ وجهي الشافعيّة(2).

د - لو قال: بعتك نصيبي من هذه الدار، و لا يعلم قدره،

أو: نصيبا أو سهما أو جزءا أو حظّا أو قليلا أو كثيرا، لم يصحّ، و إن علما نصيبه، صحّ.

ه - لو قال: بعتك نصف داري ممّا يلي دارك،

قال الشافعي و أحمد: لا يصحّ، لجهله بالمنتهى(3). و فيه قوّة.

ص: 85


1- المبسوط - للطوسي - 154:2، الخلاف 164:3، المسألة 265.
2- المهذّب - للشيرازي - 272:1، المجموع 316:9-317، العزيز شرح الوجيز 43:4.
3- المغني 250:4، الشرح الكبير 36:4، الكافي في فقه الإمام أحمد 11:2، و فيها قول أحمد فقط.
و - لو قال: بعتك عبدا من عبدين أو أكثر،

أو: شاة من شاتين أو أكثر، لم يصحّ على الأشهر - و به قال الشافعي و أحمد(1) - للجهالة، و بالقياس على الزائد على الثلاثة، أو في غير العبيد، كالثياب و الدوابّ، أو لم يجعل له الاختيار أو زاده على الثلاث، أو على النكاح، فإنّه لو قال:

أنكحتك إحدى ابنتي، بطل إجماعا.

و في رواية لنا: يجوز(2) ، و به قال أبو حنيفة و الشافعي في القديم في عبد من عبدين أو من ثلاثة بشرط الخيار. و لأنّ الشرع أثبت التخيير مدّة ثلاثة أيّام بين العوضين ليختار هذا بالفسخ أو هذا بالإمضاء فجاز أن يثبت له الخيار بين عبدين، و كما تتقدّر نهاية الاختيار بثلاثة تتقدّر نهاية ما يتخيّر فيه من الأعيان بثلاثة لا أزيد، لدعاء الحاجة إليه، و في الأكثر يكثر الغرر، و الحاجة لا تنفي الغرر(3).

و يندفع بالتعيين. و ما ذكروه من التخيير ضعيف.

و لو قال: بعتك شاة من هذا القطيع، بطل.

و الأقرب: أنّه لو قصد الإشاعة في عبد من عبدين أو في عشرة، و في شاة من شاتين أو عشرة، بطل، بخلاف قصد الإشاعة في الذراع من الأرض.

ز - حكم الثوب حكم الأرض. و لو قال: بعتك من هاهنا إلى هاهنا،

صحّ إن كان ممّا لا ينقصه القطع، و إن كان ممّا ينقصه القطع و شرطه، جاز،

ص: 86


1- المهذّب - للشيرازي - 270:1، المجموع 286:9-287 و 288، حلية العلماء 84:4، المغني 250:4، الشرح الكبير 33:4، الكافي في فقه الإمام أحمد 10:2.
2- انظر: الكافي 217:5، 1، و الفقيه 88:3، 330، و التهذيب 72:7، 308.
3- الهداية - للمرغيناني - 23:3، المجموع 287:9 و 288، حلية العلماء 4: 85، العزيز شرح الوجيز 41:4-42، المغني 250:4، الشرح الكبير 33:4.

و إلاّ فالأقوى عندي: الجواز أيضا، لأنّه سلّطه على قطعه ببيعه إيّاه.

و قال بعض الشافعيّة: لا يجوز، كما لو اشترى نصفا معيّنا من الحيوان(1).

و ليس بجيّد، لامتناع التسليم هنا، بخلاف التسليم في الثوب، فإنّ النقص لا يمنع التسليم إذا رضيه.

و كذا البحث لو باعه ذراعا من أسطوانة من خشب، و الخلاف بين الشافعيّة فيه كما تقدّم. قالوا: و لو كانت الأسطوانة من آجرّ، جاز. قالوا:

بشرط أن يكون انتهاء الذراع إلى انتهاء الآجرّة، فلا يلحق الضرر بذلك(2).

ح - الاستثناء كالمبيع يجب أن يكون معلوما، فلو استثنى جزءا مجهولا، بطل،

كقوله: بعتك هؤلاء العبيد إلاّ واحدا، و لم يعيّنه، سواء اتّفقت القيم أو لا. و لا فرق بين أن يقول: على أن تختار من شئت منهم أو لا، و لا إذا قال ذلك بين أن يقدّر زمان الاختيار أو لا يقدّره.

و لو باع جملة الشيء و استثنى جزءا شائعا، كنصف أو ثلث، جاز.

و لو قال: بعتك هذه الصبرة إلاّ صاعا، فإن كانت معلومة الصيعان، صحّ، و إلاّ فلا - و به قال الشافعي و أبو حنيفة(3) - لأنّه عليه السّلام نهى عن الثّنيا [1] في البيع(4).

ص: 87


1- حلية العلماء 108:4، المهذّب - للشيرازي - 272:1، المجموع 317:9.
2- المجموع 317:9-318، روضة الطالبين 25:3، العزيز شرح الوجيز 37:4.
3- الوجيز 135:1، العزيز شرح الوجيز 50:4، المهذّب - للشيرازي - 272:1، المجموع 312:9، روضة الطالبين 35:3.
4- صحيح مسلم 1175:3، 85، سنن الترمذي 585:3، 1290، سنن النسائي 7: 296، مسند أحمد 326:4، 14427.

و قال مالك: يصحّ و إن كانت مجهولة الصيعان(1). و هو القياس الذي يقتضيه جواز بيع الصبرة مع الجهالة، إذ لا فرق بين بيعها بأسرها و بين استثناء صاع معلوم منها.

أمّا نحن فلمّا أبطلنا بيعها مع الجهل، بطل مع الاستثناء المعلوم.

ط - لو باعه صاعا من هذه الصبرة و هما يعلمان العدد، صحّ.

و هل ينزّل على الإشاعة بحيث لو تلف بعض الصبرة تلف بقسطه من المبيع، أو لا، بل المبيع صاع من الجملة غير مشاع، لعدم اختلاف المقصود باختلاف أعيان الصيعان، فيبقى المبيع ما بقي صاع ؟ فيه احتمال.

و أظهرهما عند الشافعيّة: الأوّل(2).

و لو لم يعلما العدد، فإن نزّلناه على الإشاعة، فالأقرب: البطلان، و هو قول بعض الشافعيّة(3).

و إن قلنا: المبيع صاع غير مشاع، جاز - و هو أظهر وجهي الشافعي(4) - فالمبيع أيّ صاع كان حتى لو تلفت الصبرة سوى صاع، تعيّن، و للبائع أن يسلّم صاعا من أسفلها و إن لم يكن مرئيّا، لعدم التفاوت.

و قال القفّال من الشافعيّة: يبطل، لأنّه غير معيّن و لا موصوف، فصار كما لو فرّقها و باعه واحدا منها(5).

ي - لو كان له عبد واحد فحضر في جماعة عبيد،

فقال سيّده: بعتك

ص: 88


1- العزيز شرح الوجيز 50:4، و انظر بداية المجتهد 164:2، و الكافي في فقه أهل المدينة: 332.
2- المجموع 311:9، روضة الطالبين 29:3، العزيز شرح الوجيز 43:4.
3- المجموع 311:9، روضة الطالبين 29:3، العزيز شرح الوجيز 43:4.
4- العزيز شرح الوجيز 43:4 و 44، المجموع 311:9، روضة الطالبين 29:3.
5- حلية العلماء 104:4، العزيز شرح الوجيز 43:4، المجموع 311:9، روضة الطالبين 29:3.

عبدي من هؤلاء، و المشتري يراهم، بطل، للجهالة، و هو أحد قولي الشافعيّة. و الآخر: يكون كبيع الغائب(1).

يأ - يجب في المستثنى إمكان انفراده للبائع،

فلو باع أمة و استثنى وطئها مدّة، لم يصحّ. و لو استثنى الكافر خدمة العبد - الذي بيع عليه لإسلامه - مدّة، فالأقرب: الجواز ما لم تثبت الخدمة عليه سلطنة، كالمتعلّقة بالعين.

مسألة 48: إبهام السلوك كإبهام المبيع،

فلو باعه أرضا محفوفة بملكه من جميع الجهات و شرط السلوك من جانب و لم يعيّن، بطل البيع، لتفاوت الغرض باختلاف الجهات، و به قال الشافعي(2).

و لو عيّن السلوك من جانب، صحّ إجماعا، و كذا لو قال: بعتكها بحقوقها، و يثبت للمشتري حقّ السلوك من جميع الجوانب.

و لو أطلق و لم يعيّن جانبا، فوجهان، أظهرهما: ثبوت السلوك من الجميع، لتوقّف الانتفاع عليه. و عدمه، لسكوته عنه. و حينئذ هل هو بمنزلة نفي السلوك ؟ احتمال.

و للشافعيّة كالوجهين(3).

و لو شرط نفي الممرّ، فالوجه: الصحّة، لإمكان الانتفاع بالإيجار و توقّع تحصيل المسلك.

و يحتمل - و هو أظهر وجهي الشافعيّة(4) - البطلان، لتعذّر الانتفاع في الحال.

ص: 89


1- العزيز شرح الوجيز 42:4، المجموع 287:9، روضة الطالبين 28:3.
2- العزيز شرح الوجيز 44:4، المجموع 241:9، روضة الطالبين 30:3.
3- العزيز شرح الوجيز 45:4، المجموع 241:9، روضة الطالبين 30:3.
4- العزيز شرح الوجيز 45:4، المجموع 241:9-242، روضة الطالبين 30:3.

و لو كانت الأرض المبيعة الملاصقة للشارع، فليس للمشتري السلوك في ملك البائع، فإنّ العادة في مثلها الدخول من الشارع. و إن كانت ملاصقة للمشتري [1]، فليس له السلوك في ملك البائع، بل يدخل في ملكه السابق إن جرى البيع مطلقا. و لو قال: بحقوقها، فله السلوك في ملك البائع. و هذا كلّه كقول الشافعيّة(1).

و لو باع دارا و استثنى لنفسه بيتا، فله الممرّ. و إن نفى الممرّ، فإن أمكن اتّخاذ ممرّ آخر، صحّ، و إن لم يمكن، فالأقرب الصحّة.

و للشافعيّة وجهان(2).

مسألة 49: لو باع الدهن بظرفه و قد شاهده أو وصف له وصفا يرفع الجهالة، صحّ

إذا عرف المقدار، عندنا، و مطلقا عند مجوّزي بيع الجزاف(3). و كذا كلّ ما تتساوى أجزاؤه، كالعسل و الدبس و الخلّ.

و لو باعه كلّ رطل بدرهم، فإن عرف الأرطال، صحّ، و إلاّ فلا، و حكمه حكم الصبرة. و لو باعه مع الظرف بعشرة، صحّ، لأنّه باع عينين يجوز العقد على كلّ واحد منهما منفردا فجاز مجتمعا.

فأمّا إن باع السمن مع الظرف كلّ رطل بدرهم و عرفا قدر المجموع، صحّ و إن جهلا تفصيله.

و منع منه بعض الشافعيّة و بعض الحنابلة، لأنّ وزن الظرف يزيد و ينقص و لا يعلم كم بدرهم منهما، فيدخل على غرر(4).

ص: 90


1- العزيز شرح الوجيز 45:4، المجموع 242:9، روضة الطالبين 30:3.
2- العزيز شرح الوجيز 45:4، المجموع 242:9، روضة الطالبين 30:3.
3- المغني 251:4، الشرح الكبير 42:4.
4- حلية العلماء 110:4، المهذّب - للشيرازي - 272:1، المجموع 319:9، المغني 252:4، الشرح الكبير 42:4.

و الباقون جوّزوه - كما اخترناه - لصحّة بيع كلّ منهما منفردا، فصحّ مجتمعا. و لأنّه رضي أن يشتري الظرف كلّ رطل منه بدرهم و يشتري السمن كذلك(1).

و لا يضرّ اختلاف القيمة فيهما، كما لو اشترى ثوبا مختلفا أو أرضا كلّ ذراع بدرهم، فإنّ القيمة مختلفة، و يكون ثمن كلّ ذراع درهما، و لا يحتاج أن يجعل بعض الذراع الجيّد و بعض الرديء بدرهم.

و إن باعه كلّ رطل بدرهم على أن يزن الظرف معه فيحسب عليه بوزنه و لا يكون مبيعا و هما يعلمان زنة كلّ واحد منهما، صحّ، لأنّه إذا علم أنّ الدهن عشرة و الظرف رطلان، كان معناه بعتك عشرة أرطال باثني عشر درهما. و لو لم يعلما زنتهما و لا زنة أحدهما، بطل، لأدائه إلى جهالة الثمن في الحال في الجملة و التفصيل، و به قال الشافعي و أحمد(2).

مسألة 50: يجوز بيع النحل إذا شاهدها و كانت محبوسة بحيث لا يمكنها الامتناع

- و به قال الشافعي و محمّد بن الحسن و أحمد(3) - لأنّها معلومة يقدر على تسليمها، فصحّ بيعها كغيرها.

و قال أبو حنيفة: لا يجوز بيعها منفردة، لأنّه لا ينتفع بعينه، فأشبه الحشرات(4).

و الجواب: المنع من عدم الانتفاع، لأنّها يخرج من بطونها شراب فيه

ص: 91


1- حلية العلماء 110:4، المغني 251:4 و 252، الشرح الكبير 42:4.
2- المجموع 320:9، المغني 252:4، الشرح الكبير 42:4.
3- المهذّب - للشيرازي - 272:1، المجموع 321:9 و 322، حلية العلماء 4: 111، بدائع الصنائع 144:5، المغني 329:4، الشرح الكبير 9:4.
4- بدائع الصنائع 144:5، المجموع 322:9، حلية العلماء 112:4، المغني 4: 329، الشرح الكبير 9:4.

منافع للناس، فصارت كبهيمة الأنعام.

إذا عرفت هذا، فإنّه لا يجوز بيعها في كواراتها [1] - و به قال بعض الحنابلة(1) - لجهالتها.

و قال بعضهم: يجوز(2).

و الضابط: العلم، فإن تمكّن منه بأن يفتح رأس البيت و يشاهدها و يعرف كثرتها من قلّتها، جاز، و إلاّ فلا.

مسألة 51: و يجوز بيع دود القزّ - و به قال الشافعي و أحمد

(3) - لأنّه حيوان طاهر معلوم يجوز اقتناؤه لتملّك ما يخرج منه، فأشبه البهائم.

و قال أبو حنيفة في رواية عنه: إنّه لا يجوز بيعه. و في رواية اخرى: إن كان معه قزّ، جاز بيعه، و إلاّ فلا، لأنّه لا ينتفع بعينه، فأشبه الحشرات(4).

و ليس بجيّد، لأنّ النفع بها ظاهر، و هو ما يخرج منها، كالبهائم التي لا ينتفع بها بشيء غير النتاج، بخلاف الحشرات التي لا نفع فيها البتة، فإنّ هذه يخرج منها الحرير، و هو أفخر الملابس.

و كذا يجوز بيع بزره.

و منعه بعض الحنابلة(5). و هو خطأ، لما مرّ.

ص: 92


1- المغني 329:4، الشرح الكبير 9:4.
2- المغني 329:4، الشرح الكبير 9:4.
3- العزيز شرح الوجيز 28:4، حلية العلماء 72:4، المجموع 227:9 و 253، روضة الطالبين 19:3، المغني 329:4، الشرح الكبير 9:4، الكافي في فقه الإمام أحمد 4:2.
4- بدائع الصنائع 144:5، الهداية - للمرغيناني - 45:3، حلية العلماء 72:4، المجموع 227:9 و 253، المحلّى 31:9، المغني 329:4، الشرح الكبير 9:4.
5- المغني 329:4، الشرح الكبير 9:4.
مسألة 52: المسك طاهر يجوز بيعه في الجملة،

و به قال عامّة الفقهاء(1).

و حكي عن بعض الناس: المنع من بيعه، لأنّه نجس، لقوله عليه السّلام:

«ما أبين من حيّ فهو ميّت»(2) و الميتة نجسة(3).

و قد قيل: إنّه دم(4).

و هو خطأ، لأنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال للأنصاريّة التي سألته عن غسل الحيض: «خذي فرصة [1] من مسك فتطهّري بها»(5).

و لا دلالة في الخبر، لأنّ الغزال يلقيه كما يلقي الولد، و يلقي الطير البيض. و الدم المحرّم هو المسفوح، فإنّ الكبد حلال و هو دم، و قد روي جواز بيعه عن الصادق عليه السّلام(6).

إذا ثبت هذا، فقد جوّز الشيخ بيع المسك في فأرة و إن لم يفتق، و فتقه أحوط(7) ، و به قال بعض الشافعيّة، لأنّ بقاءه في فأرة مصلحة له، فإنّه يحفظ رطوبته و ذكاء رائحته، فأشبه ما مأكوله في جوفه(8).

ص: 93


1- المجموع 306:9 و كما في الخلاف 170:3، المسألة 277.
2- سنن أبي داود 111:3، 2858، المستدرك - للحاكم - 234:4 نحوه.
3- حلية العلماء 102:4، المجموع 306:9، الحاوي الكبير 334:5، و كما في الخلاف 170:3، المسألة 277.
4- حلية العلماء 102:4، المجموع 306:9، الحاوي الكبير 334:5، و كما في الخلاف 170:3، المسألة 277.
5- صحيح البخاري 85:1-86، سنن النسائي 135:1-136، سنن البيهقي 1: 183، معرفة السنن و الآثار 488:1-489، 1461، مسند أبي عوانة 317:1.
6- انظر: الفقيه 143:3، 628، و التهذيب 139:7، 615.
7- المبسوط - للطوسي - 158:2، الخلاف 170:3، المسألة 278.
8- المجموع 306:9، العزيز شرح الوجيز 24:4، المغني 299:4، الشرح الكبير 32:4.

و منع أكثر أصحاب الشافعي و أصحاب أحمد، لبقائه خارج وعائه من غير ضرورة، و تبقى رائحته [فلم يجز] [1] بيعه مستورا، لجهالة صفته، كالدرّ في الصدف(1).

و الوجه: الصحّة، لأنّ صفة المسك معلومة، فيشتريه بشرط الصحّة، كالمذوق قبل ذوقه.

مسألة 53: لا يجوز بيع البيض في بطن الدجاجة و لا النوى في التمر

- و هو وفاق - للجهالة.

و لو باع لؤلؤة في صدف، لم يجز أيضا، للجهالة، و به قال محمّد [2].

و قال أبو يوسف: يجوز، و له الخيار إذا رآه، لأنّه كالحقّة [3].

و نحن نمنع من حكم الأصل، لعدم ضبط اللؤلؤ.

مسألة 54: قد بيّنّا أنّ جهالة الاستثناء تبطل البيع،
اشارة

و كذا المنفصل المعلوم إذا جهلت نسبته إلى المستثنى منه، فلو باعه بعشرة إلاّ ثوبا و عيّنه، لم يصحّ. و كذا لو باعه بثوب إلاّ درهما مع جهل النسبة.

و لو استثنى جزءا معلوما مشاعا، كثلث أو ربع من الصبرة أو الحائط، أو جزءين و أزيد، كتسعين أو ثلاثة أثمان، صحّ البيع، عند علمائنا - و به قال الشافعي و أحمد(2) - لانتفاء الجهالة.

ص: 94


1- الحاوي الكبير 334:5-335، المجموع 306:9، العزيز شرح الوجيز 4: 24، المغني 299:4، الشرح الكبير 32:4.
2- المهذّب - للشيرازي - 272:1، المجموع 312:9، روضة الطالبين 28:3، العزيز شرح الوجيز 42:4، المغني 231:4، الشرح الكبير 35:4.

و قال أبو بكر و ابن أبي موسى: لا يجوز(1). و ليس بمعتمد.

و كذا يجوز أن يستثني المشاع من الحيوان، كثلثه أو ربعه، لوجود المقتضي و انتفاء المانع.

و قال بعض الحنابلة: لا يجوز، قياسا على استثناء الشحم(2).

و هو خطأ، لجهالة الشحم.

و لو قال: بعتك قفيزا من هذه الصبرة إلاّ مكّوكا [1]، صحّ.

فروع:
أ - لو باع قطيعا و استثنى شاة معيّنة، صحّ البيع،

و إن لم تكن معيّنة، بطل - و هو قول أكثر العلماء(3) - لأنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله نهى عن الثّنيا إلاّ أن تعلم(4). و نهى عن الغرر(5). و لأنّه مبيع مجهول فلم يصحّ، كما لو قال: إلاّ شاة مطلقة.

و قال مالك: يصحّ أن يبيع مائة شاة إلاّ شاة يختارها، أو يبيع ثمرة حائطه و يستثني ثمرة نخلات يعدّها(6).

ب - لو قال: بعتك هذا بأربعة دراهم إلاّ بقدر درهم،

أو: إلاّ ما يخصّ درهما، صحّ، لأنّ قدره معلوم من المبيع و هو الربع، فكأنّه قال:

بعتك ثلاثة أرباعه بأربعة. و لو قال: إلاّ ما يساوي درهما، صحّ مع العلم

ص: 95


1- المغني 231:4، الشرح الكبير 35:4.
2- المغني 231:4، الشرح الكبير 35:4.
3- المغني 232:4، الشرح الكبير 33:4.
4- سنن أبي داود 262:3، 3405، سنن الترمذي 585:3، 1290، سنن النسائي 296:7.
5- تقدّم تخريجه في ص 48، الهامش (2).
6- المغني 232:4، الشرح الكبير 33:4.

لا مع الجهالة، إذ ما يساوي الدرهم قد يكون الربع و قد يكون أكثر و أقلّ.

ج - لو باعه سمسما و استثنى الكسب 1، لم يجز،

لأنّه قد باعه الشيرج بالحقيقة، و هو غير معلوم. و كذا لو استثنى الشيرج. و كذا لو باعه قطنا و استثنى الحبّ أو بالعكس، و به قال الشافعي(1).

مسألة 55: لو باعه حيوانا مأكولا و استثنى رأسه و جلده، فالأقوى بطلان البيع -
اشارة

و به قال أبو حنيفة و الشافعي(2) - لأنّه لم يجز إفراده بالعقد فلم يجز استثناؤه، كالحمل، و لأنّه مجهول.

و في قول لنا: الشركة بقيمة ثنياه [2]، لقول الصادق عليه السّلام: «اختصم إلى أمير المؤمنين عليه السّلام رجلان اشترى أحدهما من الآخر بعيرا و استثنى البيّع الرأس و الجلد ثمّ بدا للمشتري أن يبيعه، فقال للمشتري: هو شريكك في البعير على قدر الرأس و الجلد»(3).

و قال مالك: يكون له ما استثناه، و يصحّ البيع في السفر دون الحضر، لأنّ المسافر لا يمكنه الانتفاع بالجلد و السواقط. فجوّز له شراء اللحم دونها(4).

و ليس بجيّد، لتساوي السفر و الحضر في الحكم.

و قال أحمد: يصحّ الاستثناء مطلقا، لأنّ المستثنى و المستثنى منه معلومان، فصحّ، كما لو استثنى نخلة معيّنة(5).

ص: 96


1- المجموع 325:9، روضة الطالبين 73:3، العزيز شرح الوجيز 118:4.
2- المغني 232:4، الشرح الكبير 36:4.
3- الكافي 304:5، 1، التهذيب 81:7، 350.
4- المدونة الكبرى 293:4، المغني 232:4، الشرح الكبير 36:4.
5- المغني 232:4، الشرح الكبير 36:4.

و ليس بجيّد، للعلم هنا.

فروع:
أ - لو باع الرأس و الجلد أو شارك فيهما، فالوجه عندي: البطلان،

للجهالة و تعذّر التسليم.

و في قول لنا: إنّه يكون للشريك بقدر نصيبه [1]، لقول الصادق عليه السّلام في رجل شهد بعيرا مريضا و هو يباع، فاشتراه رجل بعشرة دراهم و أشرك فيه رجلا بدرهمين بالرأس و الجلد، فقضي أنّ البعير بريء فبلغ ثمانية دنانير، قال: فقال: «لصاحب الدرهمين خمس ما بلغ، فإن قال: أريد الرأس و الجلد فليس له ذلك هذا الضرار و قد اعطي حقّه إذا اعطي الخمس»(1).

ب - لو امتنع المشتري من ذبحها، قال أحمد: لم يجبر عليه،

و يلزمه قيمة ذلك، لما روي عن عليّ عليه السّلام أنّه قضى في رجل اشترى ناقة و شرط ثنياها، فقال: «اذهبوا إلى السوق فإذا بلغت أقصى ثمنها فأعطوه حساب ثنياها من ثمنها»(2).

و قد بيّنّا أنّ الأقوى بطلان البيع.

ج - لو استثنى شحم الحيوان، لم يصحّ البيع - و به قال أحمد

ج - لو استثنى شحم الحيوان، لم يصحّ البيع - و به قال أحمد(3) -

لأنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله نهى عن الثّنيا إلاّ أن تعلم(4). و لأنّه لا يصحّ إفراده بالبيع،

ص: 97


1- التهذيب 79:7، 341، و بتفاوت في الكافي 293:5، 4.
2- المغني 232:4، الشرح الكبير 36:4، الكافي في فقه الإمام أحمد 21:2-22.
3- المغني 232:4، الشرح الكبير 36:4، الكافي في فقه الإمام أحمد 21:2.
4- تقدّم تخريجه في ص 95، الهامش (5).

لجهالته.

مسألة 56: لو استثنى الحمل، صحّ عندنا - و به قال الحسن و النخعي
اشارة

و إسحاق و أبو ثور و أحمد في رواية(1) - لأنّ نافعا [1] روى عن ابن عمر أنّه باع جارية و استثنى ما في بطنها(2).

و لأنّه يصحّ استثناؤه في العتق فصحّ في البيع.

و قال أبو حنيفة و مالك و الشافعي و أحمد في أخرى، و الثوري:

لا يصحّ، لأنّه مجهول لا يصحّ إفراده بالبيع، فلا يصحّ استثناؤه. و لأنّه عليه السّلام نهى عن الثّنيا إلاّ أن تعلم(3)المبسوط - للسرخسي - 19:13، العزيز شرح الوجيز 116:4، روضة الطالبين 72:3، الحاوي الكبير 225:5-226، المغني 233:4، الشرح الكبير 36:4 - 37، الكافي في فقه الإمام أحمد 21:2.(4)(5).

و نحن نقول بالموجب، فإنّ الاستثناء إخراج ما لولاه لدخل، و البيع إنّما تناول الامّ دون الحمل، و إطلاق الاستثناء عليه مجاز، بل نقول نحن:

إنّه لو باع الامّ و لم يستثن الحمل، لم يدخل في البيع، و كان للبائع، و الاستثناء هنا مؤكّد لا مخرج.

تذنيب: لو باع أمة حاملا بحرّ، جاز البيع عندنا، للأصل،

خلافا للشافعي، لأنّ الحمل لا يدخل في البيع، فصار كأنّه مستثنى، فلا يصحّ بيعها(5).

ص: 98


1- المغني 233:4، الشرح الكبير 36:4-37، الكافي في فقه الإمام أحمد 21:2.
2- المغني 233:4، الشرح الكبير 37:4.
3- تقدّم تخريجه في ص 95، الهامش
4- .
5- المجموع 324:9-325، روضة الطالبين 72:3، العزيز شرح الوجيز 4: 116، المغني 233:4، الشرح الكبير 37:4.

و نمنع بطلان الاستثناء.

مسألة 57: لا يكفي في العلم مشاهدة وجه الدابّة،

بل لا بدّ من النظر إلى مؤخّرها - و به قال أبو يوسف(1) - لأنّ المؤخّر موضع مقصود منها، فيشترط رؤيته.

و قال محمّد بن الحسن: لا يشترط، لأنّ الأصل في الحيوان الوجه، فتكفي رؤيته، كالعبد و الأمة(2).

و نحن نمنع المقيس عليه، و نوجب المشاهدة لجميع الأجزاء الظاهرة في المبيع كلّه، سواء كان حيوانا أو غيره، أو نثبت خيار الرؤية لو ظهر البعض على الخلاف.

و لو اشترى دارا فرأى خارجها، لم يصحّ، إلاّ إذا وصف الباقي وصفا يرفع الجهالة، و يثبت خيار الرؤية، و به قال زفر(3).

و قال أبو حنيفة و صاحباه: إذا رأى خارجها، كان رؤية لها(4). و ليس بجيّد.

مسألة 58: و كما أنّ الجهالة في الموضعين مبطلة فكذا في صفاتهما و لواحق المبيع،
اشارة

فلو شرطا شرطا مجهولا، بطل البيع. و لو شرطا تأجيل الثمن، وجب أن يكون معلوما، فلو أجّله إلى الحصاد و نحوه، بطل البيع، للجهالة.

فإن أسقط الأجل، لم ينقلب جائزا عندنا - و به قال الشافعي(5) - لأنّه

ص: 99


1- الهداية - للمرغيناني - 34:3، بدائع الصنائع 293:5.
2- بدائع الصنائع 293:5.
3- الهداية - للمرغيناني - 34:3.
4- الهداية - للمرغيناني - 34:3، بدائع الصنائع 294:5.
5- المبسوط - للسرخسي - 27:13.

انعقد باطلا.

و قال أبو حنيفة: ينقلب جائزا، لأنّه أسقط المفسد قبل تقرّره، فجعل كأن لم يكن، و لهذا لو أسقط في الأجل الصحيح قبل مضيّ المدّة، جعل كأن لم يكن إلاّ إلى هذا الوقت و يتمّ البيع(1).

و ليس بشيء، لأنّه مع الصحيح إسقاط لحقّ ثبت في عقد صحيح، و هنا لم يثبت، لفساد العقد، فلا يتحقّق الإسقاط.

تذنيب: لو باعه بحكم المشتري و لم يعيّن، بطل البيع إجماعا،

فإن هلك في يد المشتري، فعليه قيمته.

قال الشيخ: يوم ابتاعه إلاّ أن يحكم على نفسه بأكثر من ذلك، فيلزمه ما حكم به دون القيمة. و لو كان بحكم البائع فحكم بأقلّ من قيمته، لم يكن له أكثر(2).

و المعتمد: بطلان البيع، للجهالة، و وجوب القيمة يوم التلف إن كان من ذوات القيم، و إلاّ المثل.

و يحتمل في ذي القيمة اعتبارها يوم القبض و الأعلى. و كذا لو باعه بحكم ثالث من غير تعيين الثمن أو وصفه أو شرط فيه.

و كما يجب القيمة على المشتري أو المثل كذا يجب عليه أرش النقص لو حصل و الأجرة إن كان ذا اجرة إن استوفى المنافع، و إلاّ فإشكال.

و لا يضمن تفاوت السعر، و له الزيادة التي فعلها في العين، عينا كانت أو صفة، و إلاّ فللبائع و إن كانت منفصلة.

ص: 100


1- الهداية - للمرغيناني - 50:3، المبسوط - للسرخسي - 27:13.
2- النهاية و نكتها 146:2.
الشرط السادس: عدم النهي.
اشارة

اعلم أنّ النهي قد يقتضي الفساد و قد لا يقتضيه، و الثاني قد يكون للتحريم و قد يكون للكراهة، و قد مضى بعض ذلك، و قد وقع الخلاف في كثير من الباقي، و نحن نبيّن بعون اللّه تعالى جميع ذلك على التفصيل.

و يحصره أقسام:

الأوّل: بيع ما لم يقبض.
اشارة

و النظر فيه يتعلّق بأمور ثلاثة:

الأوّل: ماهيّة القبض.
اشارة

قال الشيخ: القبض فيما لا ينقل و يحوّل هو التخلية، و إن كان ممّا ينقل و يحوّل، فإن كان مثل الدراهم و الدنانير و الجواهر و ما يتناول باليد، فالقبض هو التناول، و إن كان مثل الحيوان، فالقبض نقل البهيمة و غيرها إلى مكان آخر. و إن كان ممّا يكال أو يوزن، فالقبض فيه الكيل أو الوزن(1).

و به قال الشافعي في أظهر القولين، و أحمد في أظهر الروايتين(2) ، لقول النبي صلّى اللّه عليه و آله: «من اشترى طعاما فلا يبعه حتى يكتاله»(3).

و سئل الصادق عليه السّلام - في الصحيح - عن الرجل يبيع البيع قبل أن يقبضه، فقال: «ما لم يكن كيل أو وزن فلا يبعه حتى يكيله أو يزنه إلاّ أن

ص: 101


1- المبسوط - للطوسي - 120:2.
2- المهذّب - للشيرازي - 270:1، المجموع 275:9-276 و 283، الوسيط 3: 152، الوجيز 146:1، العزيز شرح الوجيز 305:4-306، روضة الطالبين 3: 177، الحاوي الكبير 226:5-227، المغني 238:4، الشرح الكبير 131:4، الكافي في فقه الإمام أحمد 18:2-19.
3- صحيح مسلم 1162:3، 1528.

يوليه الذي قام عليه»(1) فجعل عليه السّلام الكيل و الوزن هو القبض، لأنّا أجمعنا على بيع الطعام بعد قبضه.

و سئل عليه السّلام عن رجل اشترى متاعا من آخر و أوجبه غير أنّه ترك المتاع عنده و لم يقبضه و قال: آتيك غدا إن شاء اللّه، فسرق المتاع، من مال من يكون ؟ فقال عليه السّلام: «من مال صاحب المتاع الذي هو في بيته حتى يقبض المتاع و يخرجه من بيته، فإذا أخرجه من بيته، فالمبتاع ضامن لحقّه حتى يردّ ماله إليه»(2) فجعل القبض هو النقل.

و لقضاء العرف بذلك، و عادة الشرع ردّ الناس إلى العرف فيما لم يضع له الشارع لفظا.

و قال أبو حنيفة: «القبض التخلية مطلقا في المنقول و غيره - و هو قول [1] لنا و للشافعي، و قول مالك، و رواية عن أحمد - مع التمييز، لأنّه خلّى بينه و بين المبيع، فكان قبضا له، كالعقار(3).

و نمنع المساواة، للعرف.

و في رواية عن الشافعي: تكفي التخلية لنقل الضمان إلى المشتري، لأنّ البائع أتى بما عليه، فيخرج عن ضمانه، و التقصير من المشتري، حيث لم ينقل، فيثبت ما هو حقّ البائع. و لا تكفي لجواز التصرّف(4).3.

ص: 102


1- التهذيب 35:7، 146.
2- الكافي 171:5-172، 12، التهذيب 21:7، 89، و 230، 1003.
3- بدائع الصنائع 244:5، المجموع 283:9، الحاوي الكبير 227:5، روضة الطالبين 175:3 و 176، الوسيط 152:3، العزيز شرح الوجيز 306:4، المغني 238:4، الشرح الكبير 131:4.
4- المجموع 277:9، روضة الطالبين 176:3، العزيز شرح الوجيز 306:4، الوسيط 152:3.
مسألة 59: هل يشترط في القبض كونه فارغا عن أمتعة البائع ؟

قال الشافعي: نعم(1).

و الأقرب عندي: المنع مع التخلية و تمكينه من اليد و التصرّف بتسليم المفتاح إليه، فلو باع دارا أو سفينة مشحونة بأقمشة و مكّنه منها بحيث جعل له تحويله من مكان إلى غيره، كان قبضا.

و لا يشترط في التخلية حضور المتبايعين عند المبيع، و هو أظهر وجوه الشافعي(2).

و آخر: اشتراطه، فإذا حضرا و قال البائع للمشتري: دونك هذا، و لا مانع، حصل القبض(3).

و آخر: اشتراط حضور المشتري دون البائع ليتمكّن من إثبات اليد عليه، و إذا حصلت التخلية، فإثبات اليد و التصرّف إليه(4).

و هل يشترط زمان إمكان المضيّ إليه ؟ أصحّ الوجهين للشافعيّة:

نعم(5).

مسألة 60: إذا كان المبيع في موضع لا يختصّ بالبائع،

كفى في المنقول النقل من حيّز إلى آخر. و إن كان في موضع يختصّ به، فالنقل من زاوية إلى أخرى بغير إذن البائع لا يكفي لجواز التصرّف، و يكفي لدخوله في ضمانه. و إن نقل بإذنه، حصل القبض، و كأنّه استعار البقعة المنقول إليها.

و لو اشترى الدار مع الأمتعة فيها صفقة و خلّى بينهما، حصل القبض في الدار. و في الأمتعة إشكال، أصحّ وجهي الشافعي: عدم القبض بدون

ص: 103


1- العزيز شرح الوجيز 305:4، المجموع 276:9، منهاج الطالبين: 103، روضة الطالبين 175:3.
2- المجموع 276:9، روضة الطالبين 175:3، العزيز شرح الوجيز 305:4.
3- المجموع 276:9، روضة الطالبين 175:3، العزيز شرح الوجيز 305:4.
4- المجموع 276:9، روضة الطالبين 175:3، العزيز شرح الوجيز 305:4.
5- المجموع 276:9، روضة الطالبين 175:3، العزيز شرح الوجيز 305:4.

نقلها، كما لو بيعت وحدها. و الثاني: أنّ القبض يحصل فيها تبعا(1).

و لو أحضر البائع السلعة فقال المشتري: ضعه، ففعل، تمّ القبض - و به قال الشافعي(2) - لأنّه كالوكيل في الوضع.

و لو لم يقل المشتري شيئا، أو قال: لا أريد، حصل القبض، لوجود التسليم، كما إذا وضع الغاصب المغصوب بين يدي المالك، يبرأ عن الضمان، و هو أصحّ وجهي الشافعي. و الضعيف: لا يحصل، كما في الإيداع(3).

و للمشتري الاستقلال بنقل المبيع إن كان الثمن مؤجّلا أو [وفّاه] [1] - كما أنّ للمرأة قبض الصداق من دون إذن الزوج إذا سلّمت نفسها - و إلاّ فلا، و عليه الردّ، لأنّ البائع يستحقّ الحبس لاستيفاء الثمن، و لا ينفذ تصرّفه فيه لكن يدخل في ضمانه.

و إذا كان المبيع معتبرا تقديره، كما لو اشترى ثوبا مذارعة، أو أرضا كذلك، أو متاعا موازنة، أو حنطة مكايلة، أو معدودا بالعدد، لم يكف النقل و التحويل، بل لا بدّ من التقدير على إشكال. و هذا كلّه كقول الشافعي(4).

فروع:

أ - لو قبض جزافا ما اشتراه مكايلة، دخل المقبوض في ضمانه.

فإن باعه كلّه، لم يصحّ، لأنّه ربما يزيد على قدر ما يستحقّه.

و لو باع ما يستحقّه، فالوجه عندي: الجواز - و هو أضعف وجهي4.

ص: 104


1- المجموع 277:9، روضة الطالبين 176:3، العزيز شرح الوجيز 305:4.
2- المجموع 277:9، روضة الطالبين 177:3، العزيز شرح الوجيز 306:4.
3- المجموع 277:9، روضة الطالبين 177:3، العزيز شرح الوجيز 307:4.
4- المجموع 278:9، روضة الطالبين 177:3، العزيز شرح الوجيز 307:4.

الشافعي(1) - لحصول القبض. و أصحّهما عنده: المنع، لأنّه لم يجر قبض مستحقّ بالعقد(2). و هو ممنوع.

ب - لا اعتبار بالقبض الفاسد، بل الصحيح،

لسقوط الأوّل عن نظر الشرع، فلا يكون شرطا في صحّة شرعيّ [1].

و الصحيح: أن يسلّم المبيع باختياره أو يوفّي المشتري الثمن، فله القبض بغير اختيار البائع. و الفاسد: أن يكون الثمن حالاّ و قبض المبيع بغير اختيار البائع من غير دفع الثمن، فللبائع المطالبة بالردّ إلى يده، لأنّ له حقّ الحبس إلى أن يستوفي.

ج - لو كان لزيد طعام على عمرو سلما،

و لخالد مثله على زيد، فقال زيد: اذهب إلى عمرو و اقبض لنفسك ما لي عليه، فقبضه، لم يصحّ لخالد، عند أكثر علمائنا(3) - و به قال الشافعي و أحمد(4) - لأنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله نهى عن بيع الطعام بالطعام حتى يجري فيه الصاعان، يعني صاع البائع و صاع المشتري(5) ، و سيأتي، بل ينبغي أن يكتال لنفسه و يقبضه ثمّ يكيله على مشتريه.

و هل يصحّ لزيد؟ الوجه: المنع - و به قال الشافعي و أحمد في رواية(6) - لأنّه لم يجعله نائبا في القبض، فلم يقع له، بخلاف الوكيل.4.

ص: 105


1- المجموع 278:9، روضة الطالبين 177:3، العزيز شرح الوجيز 307:4.
2- المجموع 278:9، روضة الطالبين 177:3، العزيز شرح الوجيز 307:4.
3- منهم: الشيخ الطوسي في المبسوط 122:2، و القاضي ابن البرّاج في المهذّب 387:1-388.
4- المجموع 279:9، روضة الطالبين 178:3، العزيز شرح الوجيز 308:4.
5- سنن ابن ماجة 750:2، 2228، سنن الدار قطني 8:3، 24، سنن البيهقي 5: 316، و لم ترد فيها كلمة «بالطعام».
6- المغني 240:4، و انظر: المجموع 279:9، و روضة الطالبين 178:3، و العزيز شرح الوجيز 308:4.

و في رواية: يصحّ، لأنّه أذن له في القبض، فأشبه الوكيل(1).

و ليس بجيّد، لأنّه قبضه لنفسه باطلا، فحينئذ يكون باقيا على ملك عمرو.

و كذا لو دفع إليه مالا و قال: اشتر لي به طعاما، فإن قال: اقبضه لي ثمّ اقبضه لنفسك، صحّ الشراء و القبض للموكّل.

و هل يصحّ لنفسه ؟ منعه الشيخ، لاتّحاد المقبوض و القابض(2). و هو وجه للشافعي(3).

و في آخر: الجواز، لأنّ الباطل أن يقبض من نفسه لغيره(4).

و لو قال: اقبضه لنفسك، منع الشافعيّة منه، لأنّه لا يتمكّن من قبض مال الغير لنفسه، فإنّ فعله فهو مضمون عليه(5).

و إن قال: اشتر لنفسك، لم يصحّ الشراء، لأنّه لا يصحّ أن يملك الإنسان بثمن لغيره. و لا يتعيّن له بالقبض، و به قال الشافعي(6).

و قال أحمد: يصحّ الشراء، كالفضولي(7).

و تكون الدراهم أمانة في يده، لأنّه لم يقبضها ليتملّكها.

فإن اشترى، نظر إن اشترى في الذمّة، وقع عنه، و أدّى الثمن من ماله. و إن اشترى بعينها، للشافعيّة وجهان: الصحّة و البطلان(8).

و لو كان المالان أو المحال به قرضا أو إتلافا، جاز عندنا، خلافا4.

ص: 106


1- المغني 240:4.
2- المبسوط - للطوسي - 121:2.
3- المجموع 280:9، روضة الطالبين 179:3-180، العزيز شرح الوجيز 310:4.
4- المجموع 280:9، روضة الطالبين 179:3-180، العزيز شرح الوجيز 310:4.
5- المجموع 280:9، روضة الطالبين 180:3، العزيز شرح الوجيز 310:4.
6- المجموع 280:9، روضة الطالبين 180:3، العزيز شرح الوجيز 310:4.
7- المغني 241:4.
8- المجموع 280:9، روضة الطالبين 180:3، العزيز شرح الوجيز 310:4.

للشافعي(1).

د - لو أبقى زيد الطعام في المكيال لمّا اكتاله لنفسه و سلّمه إلى مشتريه، جاز،

و ينزّل استدامته في المكيال منزلة ابتداء الكيل، و هو أظهر وجهي الشافعي، و به قال أحمد(2).

و لو اكتاله زيد ثمّ كاله على مشتريه فوقع في المكيال زيادة أو نقصان بما يعتاد في المكيال، فالزيادة لزيد و النقصان عليه، و إن كان كثيرا، ردّت الزيادة إلى الأوّل و رجع عليه بالنقصان.

ه - يجوز التوكيل في القبض من المشتري و في الإقباض من البائع.

و هل يجوز أن يتولاّهما الواحد؟ منعه الشيخ(3) - و به قال الشافعي في وجه(4) - لأنّه لا يجوز أن يكون قابضا مقبضا.

و الوجه: الجواز - و به قال أحمد و الشافعي في وجه(5) - كما لو باع الأب من ولده الصغير.

و كذا يجوز أن يوكّل المشتري من يده يد البائع، كعبده.

و - لو أذن لمستحقّ الطعام أن يكتال من الصبرة حقّه، فالوجه عندي: الجواز

- و هو أضعف وجهي الشافعيّة(6) - لأنّ القصد معرفة القدر.

و أصحّهما: المنع، لأنّ الكيل أحد ركني القبض، فلا يجوز أن يكون4.

ص: 107


1- المجموع 273:9-274، روضة الطالبين 172:3، العزيز شرح الوجيز 4: 301-302.
2- المجموع 279:9-280، روضة الطالبين 179:3، العزيز شرح الوجيز 4: 309، المغني 241:4.
3- انظر: المبسوط - للطوسي - 381:2.
4- المجموع 280:9، روضة الطالبين 179:3، العزيز شرح الوجيز 310:4.
5- المغني 239:5، الشرح الكبير 223:5، العزيز شرح الوجيز 311:4.
6- المجموع 280:9، روضة الطالبين 180:3، العزيز شرح الوجيز 310:4.

نائبا فيه عن البائع متأصّلا لنفسه(1).

ز - لو قال من عليه طعام من سلم و له مثله لمستحقّه: احضر اكتيالي و أقبضه لك،

ففعل، فالوجه: الجواز.

و منع منه الشافعي و أحمد، للنهي(2)(3).

و هل يكون قابضا لنفسه ؟ لأحمد وجهان:

أقواهما: نعم، لأنّ قبض المسلم فيه قد وجد في مستحقّه، فصحّ القبض له، كما لو نوى القبض لنفسه، فإذا قبضه غريمه، صحّ. و إن قال:

خذه بهذا الكيل فأخذه، صحّ، لأنّه قد شاهد كيله و علمه، فلا معنى لاعتبار كيله مرّة ثانية.

و المنع - و به قال الشافعي - للنهي(4)(5).

النظر الثاني: في وجوبه 1
اشارة

يجب على كلّ واحد من المتبايعين تسليم ما استحقّه الآخر بالبيع، فإن قال كلّ منهما: لا أدفع حتى أقبض، قال الشيخ: يجبر البائع أوّلا(6).

و أطلق، و هو أحد أقوال الشافعي، الأربعة، و أحمد في رواية، لأنّ تسليم

ص: 108


1- المجموع 280:9، روضة الطالبين 180:3، العزيز شرح الوجيز 310:4.
2- سنن ابن ماجة 750:2، 2228، سنن الدار قطني 8:3، 24، سنن البيهقي 316:5.
3- المجموع 279:9، روضة الطالبين 178:3، العزيز شرح الوجيز 308:4، المغني 240:4.
4- راجع المصادر في الهامش (2).
5- المغني 240:4-241.
6- المبسوط - للطوسي - 147:2-148.

المبيع يتعلّق به استقرار البيع و تمامه، فإنّ ملك المشتري في المبيع إنّما يستقرّ بتسليمه إلى البائع، لأنّه لو تلف قبل القبض، بطل.

و ثانيها - و به قال أبو حنيفة و مالك -: أنّه يجبر المشتري على تسليم الثمن أوّلا، لأنّ حقّه متعيّن في المبيع، فيؤمر بدفع الثمن ليتعيّن حق البائع أيضا.

و ثالثها: لا يجبران لكن يمنعان من التخاصم، فإن سلّم أحدهما ما عليه، اجبر الآخر.

و رابعها: أنّ الحاكم يجبرهما معا على التسليم(1).

هذا إذا كان الثمن في الذمّة، و إن كان معيّنا أو تبايعا عرضا بعرض، فقولان للشافعيّة خاصّة: عدم الإجبار لهما [1] [2]، و الإجبار لهما معا، و به قال الثوري و أحمد(2).

و الأخير عندي على التقديرين أجود، لأنّ كلّ واحد منهما قد وجب له حقّ على صاحبه.

مسألة 61: إذا ابتدأ البائع بالتسليم إمّا تبرّعا أو بالإجبار على القول به، أجبر المشتري

على التسليم في الحال إن كان الثمن حاضرا في

ص: 109


1- الوسيط 156:3، الوجيز 146:1، العزيز شرح الوجيز 12:4 و 314، المهذّب - للشيرازي - 302:1، روضة الطالبين 181:3، المغني 292:4، الشرح الكبير 122:4.
2- المهذّب - للشيرازي - 302:1، روضة الطالبين 181:3-182، العزيز شرح الوجيز 312:4-313، المغني 292:4، الشرح الكبير 122:4.

المجلس، و إن كان في البلد، فكذلك.

و أظهر وجهي الشافعي: الحجر عليه في المبيع [1] عند بعض الشافعيّة(1) ، و مطلقا عند آخرين، لئلاّ يتصرّف في أملاكه بما يفوت حقّ البائع(2).

و الأقرب: عدم الحجر، و هو أضعفهما(3).

و إن كان غائبا قدر مسافة القصر، قال الشافعي: لا يكلّف البائع الصبر إلى إحضاره، بل في وجه يباع المبيع و يوفى حقّه من ثمنه.

و الأظهر عنده: أنّ له الفسخ، كما لو أفلس المشتري(4).

و عند علمائنا: له الفسخ بعد ثلاثة أيّام مع انتفاء الإقباض ثمنا و مثمنا، و سيأتي.

و إن قصر عنها، فهل هو كالبلد أو مسافة القصر؟ للشافعي وجهان(5).

و إن كان معسرا، فهو مفلس، فإن حجر عليه الحاكم، فالبائع أحقّ بمتاعه إن شاء فسخ و إن شاء ضرب مع الغرماء.

و قال الشافعي: إن كان معسرا، فالبائع أحقّ بمتاعه في أحد الوجهين.4.

ص: 110


1- العزيز شرح الوجيز 313:4، روضة الطالبين 182:3.
2- المهذّب - للشيرازي - 302:1، التنبيه في الفقه الشافعي: 97، روضة الطالبين 182:3، منهاج الطالبين: 104، العزيز شرح الوجيز 313:4، المغني 292:4، الشرح الكبير 123:4.
3- العزيز شرح الوجيز 313:4، روضة الطالبين 182:3.
4- المهذّب - للشيرازي - 302:1، روضة الطالبين 182:3، منهاج الطالبين: 104، العزيز شرح الوجيز 314:4، المغني 292:4، الشرح الكبير 123:4.
5- المهذّب - للشيرازي - 302:1، روضة الطالبين 182:3، العزيز شرح الوجيز 314:4، المغني 292:4، الشرح الكبير 123:4.

و في الآخر: يباع و يوفى حقّ البائع من ثمنه [1]، فإن فضل، فللمشتري(1).

فروع:

أ - كلّ موضع قلنا: له الفسخ، فله ذلك بغير حكم حاكم

- و به قال أحمد(2) - لأنّه فسخ المبيع [2] للإعسار بثمنه، فملكه البائع، كالفسخ في عين ماله إذا أفلس. و كلّ موضع قلنا: يحجر عليه، فذلك إلى الحاكم، لأنّ ولاية الحجر إليه.

ب - إنّما يثبت للبائع حقّ الحبس إذا كان الثمن حالاّ،

و ليس له الحبس إلى أن يستوفي الثمن المؤجّل. و كذلك ليس له الحبس إذا لم يتّفق التسليم إلى أن حلّ الأجل، و به قال الشافعي(3).

ج - لو ابتدأ المشتري بالتسليم إمّا تبرّعا أو إجبارا على تقدير وجوبه،

فالحكم في البائع كالحكم في المشتري في المسألة.

د - لو هرب المشتري قبل وزن الثمن و هو معسر مع عدم الإقباض،

احتمل أن يملك البائع الفسخ في الحال، لتعذّر استيفاء الثمن. و الصبر ثلاثة أيّام، للرواية(4). و الأوّل أقوى، لورودها في الباذل.8.

ص: 111


1- المهذّب - للشيرازي - 302:1، روضة الطالبين 183:3، العزيز شرح الوجيز 314:4، المغني 292:4، الشرح الكبير 123:4.
2- المغني 293:4، الشرح الكبير 123:4.
3- العزيز شرح الوجيز 315:4، روضة الطالبين 183:3.
4- الكافي 171:5، 11، الفقيه 127:3، 554، التهذيب 21:7، 88.

و إن كان موسرا، أثبت البائع ذلك عند الحاكم، ثمّ إن وجد الحاكم له مالا، قضاه، و إلاّ باع المبيع و قضى منه، و الفاضل للمشتري، و المعوز عليه.

مسألة 62: ليس للبائع الامتناع من تسليم المبيع بعد قبض الثمن لأجل الاستبراء،

و به قال أبو حنيفة و الشافعي و أحمد(1).

و حكي عن مالك ذلك في القبيحة، أمّا الجميلة فتوضع على يدي عدل حتى تستبرأ، لأنّ التهمة تلحقه فيها فمنع منها(2).

و ليس بجيّد، فإنّه مبيع لا خيار فيه، قبض ثمنه فوجب دفعه إليه كغيره. و التهمة لا تمنعه من التسلّط، كالقبيحة.

و لو طالب المشتري البائع بكفيل لئلاّ تظهر حاملا، لم يكن له ذلك، لأنّه ترك التحفّظ لنفسه حال العقد.

النظر الثالث: في حكمه.
اشارة

و له حكمان: انتقال الضمان إلى المشتري، و تسويغ التصرّفات. فهنا مطلبان:

الأوّل: الضمان.

و لا خلاف عندنا في أنّ الضمان على البائع قبل القبض مطلقا، فلو تلف حينئذ، انفسخ العقد، و سقط الثمن - و به قال الشافعي و أحمد في رواية(3) ، و هو محكي عن الشعبي و ربيعة [1] - لأنّه

ص: 112


1- المغني 293:4، الشرح الكبير 123:4-124.
2- المغني 293:4، الشرح الكبير 124:4.
3- الوسيط 143:3، الوجيز 145:1، العزيز شرح الوجيز 286:4-287، روضة الطالبين 159:3، منهاج الطالبين: 102، الكافي في فقه الإمام أحمد 2: 19، المغني 237:4، الشرح الكبير 128:4.

قبض مستحقّ بالعقد، فإذا تعذّر، انفسخ البيع، كما لو تفرّقا قبل القبض في الصرف.

و قال أبو حنيفة: كلّ مبيع تلف قبل قبضه فهو من ضمان البائع إلاّ العقار(1).

و قال مالك: إذا هلك المبيع قبل القبض، لا يبطل البيع، و يكون من ضمان المشتري، إلاّ أن يطالبه به فلا يسلّمه، فيجب عليه قيمته للمشتري - و به قال أحمد و إسحاق - لقوله عليه السّلام: «الخراج بالضمان»(2) و نماؤه للمشتري، فضمانه عليه. و لأنّه من ضمانه بعد القبض فكذا قبله، كالميراث(3).

و لا حجّة في الخبر، لأنّه لم يقل: «الضمان بالخراج» و الخراج:

الغلّة، و الميراث لا يراعى فيه القبض و هنا يراعى، فإنّه يراعى في الدراهم و الدنانير، بخلاف الميراث فيهما، و هذا مذهب مالك، و هو اختيار أحمد(4).

و نقل عنهما معا أنّ المبيع إذا لم يكن مكيلا و لا موزونا و لا معدودا، فهو من ضمان المشتري، و منهم من أطلق(5) ، كما تقدّم.

تذنيب: لو أبرأ المشتري البائع عن ضمان المبيع، لم يبرأ، و حكم العقد لا يتغيّر

- و به قال الشافعي(6) - فلو تلف المبيع قبل القبض، انفسخ4.

ص: 113


1- المغني 237:4، الشرح الكبير 128:4.
2- سنن ابن ماجة 754:2، 2243، سنن أبي داود 284:3، 3508-3510، سنن البيهقي 321:5 و 322، مسند أحمد 74:7، 23704.
3- الوسيط 143:3، المحلّى 379:8، المغني 237:4 و 238، الشرح الكبير 4: 127 و 129.
4- انظر: المغني 192:4، و الشرح الكبير 179:4، و العزيز شرح الوجيز 76:4.
5- العزيز شرح الوجيز 287:4.
6- منهاج الطالبين: 102، روضة الطالبين 160:3، العزيز شرح الوجيز 287:4.

العقد، و سقط الثمن عن المشتري إن لم يكن دفعه، و إن كان قد دفعه، استعاده.

و للشافعي قول آخر: إنّه لا ينفسخ العقد، و لا يسقط الثمن عن المشتري(1).

مسألة 63: إذا انفسخ العقد، كان المبيع تالفا على ملك البائع،

فلو كان عبدا، كان مئونة تجهيزه عليه، و به قال الشافعي(2).

و هل يقدّر أنّه ينتقل الملك إليه قبيل التلف، أو يبطل العقد من أصله ؟ فيه احتمال. و أصحّ وجهي الشافعيّة: الأوّل(3) ، فالزوائد الحادثة في يد البائع - كالولد و الثمرة و الكسب(4) - للمشتري، و للبائع على الثاني.

مسألة 64: إذا تلف المبيع قبل القبض، فإن تلف بآفة سماويّة، فهو من مال البائع

على ما تقدّم.

فإن أتلفه المشتري، فهو قبض منه، لأنّه أتلف ملكه، فكان كالمغصوب إذا أتلفه المالك في يد الغاصب، يبرأ من الضمان، و به قال الشافعي(5).

و له وجه: أنّه ليس بقبض و لكن عليه القيمة للبائع، و يستردّ الثمن، و يكون التلف من ضمان البائع(6).

و إن أتلفه البائع، قال الشيخ: ينفسخ البيع، و حكمه حكم ما لو تلف3.

ص: 114


1- روضة الطالبين 160:3، العزيز شرح الوجيز 287:4.
2- روضة الطالبين 160:3، العزيز شرح الوجيز 287:4.
3- روضة الطالبين 160:3، العزيز شرح الوجيز 288:4.
4- أي: كسب العبد المبيع مثلا.
5- الوسيط 143:3، العزيز شرح الوجيز 288:4، روضة الطالبين 161:3.
6- العزيز شرح الوجيز 288:4، روضة الطالبين 161:3.

بأمر سماويّ، لامتناع التسليم(1). و هو أصحّ وجهي الشافعي - و به قال أبو حنيفة - لأنّ المبيع مضمون عليه بالثمن، فإذا أتلفه، سقط الثمن(2).

و الآخر له - و به قال أحمد -: لا ينفسخ البيع، و يكون كالأجنبي يضمنه بالمثل في المثلي، و بالقيمة في غيره، لانتقال الملك عنه إلى المشتري و قد جنى على ملك غيره، فأشبه إتلاف الأجنبي(3).

و إن أتلفه أجنبيّ، قال الشيخ: لا يبطل البيع، بل يتخيّر المشتري بين الفسخ فيسترجع الثمن من البائع، لأنّ التلف حصل في يد البائع، و بين الإمضاء فيرجع على الأجنبي بالقيمة إن لم يكن مثليّا، و يكون القبض في القيمة قائم مقام القبض في المبيع، لأنّها بدله(4). و به قال أبو حنيفة و أحمد و الشافعي في أحد القولين(5).

و هل للبائع حبس القيمة لأخذ الثمن ؟ يحتمل ذلك، كما يحبس المرتهن قيمة الرهن. و العدم، لأنّ الحبس غير مقصود بالعقد حتى ينتقل إلى البدل، بخلاف الرهن.

و للشافعي(6) كالوجهين.3.

ص: 115


1- المبسوط - للطوسي - 117:2.
2- المهذّب - للشيرازي - 303:1، روضة الطالبين 162:3، العزيز شرح الوجيز 289:4.
3- المهذّب - للشيرازي - 303:1، روضة الطالبين 162:3، العزيز شرح الوجيز 289:4، المغني 237:4، الشرح الكبير 126:4.
4- المبسوط - للطوسي - 117:2.
5- المغني 236:4-237، الشرح الكبير 125:4-126، المهذّب - للشيرازي - 303:1، روضة الطالبين 161:3-162، العزيز شرح الوجيز 288:4-289، حلية العلماء 343:4.
6- العزيز شرح الوجيز 289:4، روضة الطالبين 162:3.

فروع:

أ - لو استغلّ البائع المبيع قبل القبض ثمّ تلف، فلا اجرة عليه

إن جعلنا إتلافه كالسماويّة، و إلاّ فعليه الأجرة.

و للشافعي(1) كالوجهين.

ب - لو أكلت الشاة ثمنها المعيّن قبل القبض،

فإن كانت في يد المشتري، فهو كما لو أتلفه. و إن كانت في يد البائع، فهو كإتلافه. و كذا إن كانت في يد أجنبيّ، فكإتلافه. و إن لم تكن في يد أحد، انفسخ البيع، لأنّه هلك [1] قبل القبض بأمر لا ينسب إلى آدميّ، فصار كالسماويّة.

ج - إتلاف الثمن المعيّن كالمثمن في الأحكام المذكورة هناك،

أمّا غير المعيّن فلا يبطل البيع بإتلافه. و كذا الثمن المضمون.

د - لو باع عينا بأخرى و قبض إحداهما فباعها أو أعتقها أو استحقّت بالشفعة ثمّ تلفت الأخرى قبله،

بطل العقد الأوّل دون الثاني، و يرجع مشتري التالفة بقيمة عينه، لتعذّر ردّه، و على الشفيع مثل الثمن، لأنّه عوض الشقص. و لو تلفت العين الأخرى قبل قبض المشتري الثاني، بطل البيعان.

مسألة 65: لو تلف بعض المبيع قبل القبض بآفة سماويّة، فإن كان للتالف قسط من الثمن،

كعبد من عبدين مات [2]، بطل العقد فيه عند كلّ من يبطل البيع بالإتلاف.

و في الآخر خلاف.3.

ص: 116


1- العزيز شرح الوجيز 290:4، روضة الطالبين 162:3.

أمّا عندنا فلا يبطل، بل يتخيّر المشتري في الفسخ، لتبعّض الصفقة عليه، و الإمضاء.

و للشافعيّة قولان:

أحدهما: الفسخ بناء على الإبطال بتفريق الصفقة.

و الآخر: الصحّة على ذلك التقدير فرقا بين الفساد المقترن بالعقد، و الطارئ(1).

و إن لم يكن للتالف قسط من الثمن، كما لو سقطت يد العبد، لعلمائنا قولان:

أحدهما: تخيير المشتري بين الفسخ و الإمضاء مجّانا مع القدرة على الفسخ، لأنّه ارتضاه معيبا، فكأنّه اشتراه معيبا عالما بعيبه، و به قال الشافعي و أحمد(2).

و الثاني: أنّ للمشتري مع اختيار الإمضاء الأرش، لأنّه عوض الجزء الفائت قبل قبضه، و كما لو تلف الجميع كان مضمونا على البائع فكذا البعض إمّا الجزء أو الوصف. و هو أقواهما عندي.

و لو تعيّب بفعل المشتري، كما لو قطع يد العبد قبل قبضه، فلا خيار له، لأنّه أتلف ملكه، فلا يرجع به على غيره، و يجعل قابضا لبعض المبيع حتى يستقرّ عليه ضمانه.

و إن مات العبد في يد البائع بعد الاندمال، فلا يضمن اليد المقطوعة بأرشها المقدّر و لا بما نقص القطع من القيمة، و إنّما يضمنها بجزء من4.

ص: 117


1- الوسيط 92:3، الوجيز 140:1 و 145، العزيز شرح الوجيز 141:4 و 293، الحاوي الكبير 295:5، روضة الطالبين 166:3.
2- المهذّب - للشيرازي - 303:1، روضة الطالبين 164:3، العزيز شرح الوجيز 292:4، المغني 237:4، الشرح الكبير 126:4.

الثمن كما يضمن الكلّ بكلّ الثمن، و هو أحد وجهي الشافعيّة.

و أصحّ وجهي الشافعيّة في كيفيّته - و به قال ابن سريج -: أنّه يقوّم صحيحا و مقطوعا و يؤخذ من الثمن بمثل نسبة التفاوت [1]، فلو كان صحيحا بعشرين و مقطوعا بخمسة عشر، فعليه ربع الثمن.

و أضعفهما: أنّه يستقرّ من الثمن بنسبة أرش اليد من القيمة، و هو النصف، فلو قطع يديه و اندملتا ثمّ مات العبد في يد البائع، وجب على المشتري تمام الثمن(1).

و الثاني: أنّ إتلافه ليس بقبض، فلا يكون قابضا بشيء من العبد، و يضمن بأرشها المقدّر، و هو نصف القيمة، كالأجنبي(2).

و لو تعيّب بفعل أجنبيّ، تخيّر المشتري بين الفسخ، و يتبع البائع الجاني، و الإمضاء بجميع الثمن، و يغرم الجاني.

قال بعض الشافعيّة: إنّما يغرم إذا قبض العبد لا قبله، لجواز انفساخ البيع بموت العبد في يد البائع(3).

ثمّ الغرامة الواجبة على الأجنبي نصف القيمة أو ما نقص من القيمة بالقطع ؟ قولان للشافعيّة، أصحّهما: الأوّل(4).

و لو تعيّب بفعل البائع، احتمل جعل جنايته كالأجنبي، فيتخيّر المشتري بين الفسخ و الرجوع عليه بالأرش. و كالسماويّة - و هو الأشهر من وجهي الشافعيّة(5) - فيتخيّر بين الفسخ و الإمضاء مجّانا.3.

ص: 118


1- العزيز شرح الوجيز 292:4، روضة الطالبين 164:3-165.
2- العزيز شرح الوجيز 292:4، روضة الطالبين 164:3-165.
3- القائل هو الماوردي في الحاوي الكبير 225:5، و كما في العزيز شرح الوجيز 292:4، و روضة الطالبين 165:3.
4- العزيز شرح الوجيز 292:4-293، روضة الطالبين 165:3.
5- العزيز شرح الوجيز 292:4-293، روضة الطالبين 165:3.

فروع:

أ - احتراق سقف الدار أو تلف بعض الأبنية كتلف عبد من عبدين،

لأنّه يمكن إفراده بالبيع بتقدير الاتّصال و الانفصال، بخلاف يد العبد، و هو أصحّ وجهي الشافعيّة. و الآخر: أنّه كسقوط يد العبد(1).

ب - النقص ينقسم إلى فوات صفة، و هو العيب،

و إلى فوات جزء، و ينقسم إلى ما لا ينفرد بالقيمة و الماليّة، كيد العبد، و هو في معنى الوصف، و إلى ما ينفرد، كأحد العبدين.

ج - المبيع بصفة أو رؤية متقدّمة من ضمان البائع حتى يقبضه المبتاع

- و به قال أصحاب أحمد(2) - و إن لم يكن مكيلا أو موزونا، لتعلّق حقّ التوفية به، فجرى مجرى الكيل.

و قال أحمد: لو اشترى من رجل عبدا بعينه فمات في يد البائع، فهو من مال المشتري، إلاّ أن يطلبه فيمنعه البائع. و لو حبسه عليه ببقيّة الثمن، فهو غاصب، و لا يكون رهنا إلاّ أن يكون قد اشترط في نفس البيع الرهن(3).

المطلب الثاني: في التصرّفات.

مسألة 66: لعلمائنا في بيع ما لم يقبض أقوال أربعة:

الجواز على كراهيّة مطلقا

- و به قال البتّي(4) خاصّة - للأصل الدالّ

ص: 119


1- الوجيز 145:1، العزيز شرح الوجيز 293:4، روضة الطالبين 166:3.
2- المغني 238:4، الشرح الكبير 125:4.
3- المغني 238:4.
4- المغني 239:4، الشرح الكبير 125:4، و انظر: بداية المجتهد 144:2.

على إباحة أنواع التصرّف في الملك، و قد صار ملكا له بالعقد.

و قول الباقر أو الصادق عليهما السّلام في رجل اشترى الثمرة ثمّ يبيعها قبل أن يقبضها، قال: «لا بأس»(1).

و قول الصادق عليه السّلام في الرجل يشتري الطعام ثمّ يبيعه قبل أن يقبضه، قال: «لا بأس، و يوكّل الرجل المشتري منه بكيله و قبضه»(2).

و المنع مطلقا -

و به قال الشافعي و أحمد في رواية، و هو مرويّ عن ابن عباس، و به قال محمّد بن الحسن(3) - لأنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله نهى أن تباع السّلع حيث تبتاع حتى يحوزها [1] التجّار إلى رحالهم(4).

و لأنّ الملك قبل القبض ضعيف، لأنّه ينفسخ البيع لو تلف، فلا يفيد ولاية التصرّف.

و لأنّ المبيع قبل القبض مضمون على البائع للمشتري، فلو نفّذنا بيعه للمشتري، لصار مضمونا للمشتري، و لا يتوالى ضمانا عقدين من شيء واحد.

و المنع في المكيل و الموزون

مطلقا، و الجواز في غيرهما - و به قال أحمد في رواية، و إسحاق، و هو مرويّ عن عثمان و سعيد بن المسيّب4.

ص: 120


1- التهذيب 89:7، 377.
2- الكافي 179:5، 3، التهذيب 36:7، 151.
3- المهذّب - للشيرازي - 269:1، المجموع 264:9 و 270، روضة الطالبين 3: 166، منهاج الطالبين: 103، الوجيز 146:1، العزيز شرح الوجيز 293:4، الحاوي الكبير 220:5، حلية العلماء 77:4، الكافي في فقه الإمام أحمد 2: 18، المغني 239:4، الشرح الكبير 127:4، بداية المجتهد 144:2.
4- سنن أبي داود 282:3، 3499، سنن الدار قطني 13:3، 36، سنن البيهقي 5: 314.

و الحسن و الحكم و حمّاد بن أبي سليمان(1) - لأنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله نهى عن بيع الطعام قبل قبضه(2).

و قول الصادق عليه السّلام: «ما لم يكن فيه [1] كيل أو وزن فلا يبعه حتى يكيله أو يزنه إلاّ أن يوليه الذي قام عليه»(3).

و المنع في الطعام

خاصّة - و به قال مالك و أحمد في رواية(4) - لما تقدّم في الحديثين.

قال ابن عبد البرّ: الأصحّ عن أحمد بن حنبل أنّ الذي منع من بيعه قبل قبضه هو الطعام(5).

و قال [ابن المنذر: أجمع أهل العلم على أنّ من اشترى طعاما فليس له أن يبيعه حتى ينقله من مكانه(6).

و قال] [2] أصحاب الرأي: بيع المنقول قبل القبض لا يجوز.

و أمّا العقار فقال محمّد بن الحسن: لا يجوز قبل قبضه(7).

و قال أبو حنيفة و أبو يوسف: يجوز، لأنّ عدم القبض في المنقول4.

ص: 121


1- المغني 235:4، الشرح الكبير 124:4، الحاوي الكبير 220:5، المجموع 270:9، حلية العلماء 78:4، العزيز شرح الوجيز 292:4.
2- المعجم الكبير - للطبراني - 12:11، 10875.
3- التهذيب 35:7، 146.
4- بداية المجتهد 144:2، المحلّى 521:8، الحاوي الكبير 220:5، العزيز شرح الوجيز 293:4، حلية العلماء 79:4، المجموع 270:9، المغني 4: 236، الشرح الكبير 124:4.
5- المغني 236:4، الشرح الكبير 125:4.
6- المجموع 270:9، المغني 236:4، الشرح الكبير 125:4.
7- المبسوط - للسرخسي - 9:13، بدائع الصنائع 181:5، حلية العلماء 77:4.

مانع من الجواز، لخطر انفساخ البيع بهلاك المعقود عليه، و هذا لا يتحقّق في العقار(1).

و لنا قول خامس:

المنع من المكيل و الموزون خاصّة إلاّ تولية، لقول الصادق عليه السّلام: «إذا اشتريت متاعا فيه كيل أو وزن فلا تبعه حتى تقبضه إلاّ أن توليه، فإن لم يكن فيه كيل أو وزن فبعه»(2).

و الأقرب عندي: الكراهيّة إلاّ في الطعام فالمنع أظهر

و إن كان فيه إشكال.

فروع:

أ - المبيع إن كان دينا، لم يجز بيعه قبل قبضه عند المانعين،

لأنّ المبيع مع تعيينه لا يجوز بيعه قبل قبضه فمع عدمه أولى، فلا يجوز بيع [المسلم فيه] [1] قبل قبضه و لا الاستبدال به، و به قال الشافعي(3).

ب - تجوز الحوالة بالمسلم فيه بأن يحيل المسلم إليه المسلم بحقّه

على من له عليه دين من قرض أو إتلاف. و عليه بأن يحيل المسلم من له عليه دين من قرض أو إتلاف على المسلم [إليه] [2] لأنّ الحوالة إيفاء4.

ص: 122


1- المبسوط - للسرخسي - 9:13، بدائع الصنائع 181:5، بداية المجتهد 2: 144، المجموع 270:9، الحاوي الكبير 220:5 و 221، حلية العلماء 78:4، العزيز شرح الوجيز 293:4، المغني 239:4، الشرح الكبير 127:4-128.
2- الفقيه 129:3، 560، التهذيب 35:7-36، 147.
3- المهذّب - للشيرازي - 308:1، المجموع 273:9، روضة الطالبين 172:3، منهاج الطالبين: 103، الوجيز 146:1، العزيز شرح الوجيز 301:4.

و استيفاء، و هو أحد وجوه الشافعيّة.

و آخر: تجوز الحوالة به، لأنّ الواجب على المسلم إليه توفير الحقّ على المسلم و قد فعل، و لا تجوز الحوالة عليه، لأنّها بيع سلم بدين.

و أصحّها [1]: المنع، لما فيه من تبديل المسلم فيه بغيره(1).

ج - لو كان الدّين ثمنا - كما لو باع بدراهم أو دنانير في الذمّة

- ففي الاستبدال عنها لنا روايتان بالجواز - و هو جديد الشافعي(2) - لأنّ ابن عمر قال: كنت أبيع الإبل بالبقيع بالدنانير فآخذ مكانها الورق، و أبيع بالورق فآخذ مكانها الدنانير، فأتيت النبي صلّى اللّه عليه و آله، فقال: «لا بأس به بالقيمة»(3).

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السّلام و قد سئل عن رجل باع طعاما بدراهم إلى أجل، فلمّا بلغ الأجل تقاضاه، فقال: ليس عندي دراهم خذ منّي طعاما، قال: «لا بأس به إنّما له دراهم يأخذ بها ما شاء»(4).

و القديم: المنع، للنهي عن بيع ما لم يقبض. و لأنّه عوض في معاوضة، فأشبه المسلم فيه(5).

د - لو باع بغير الدراهم و الدنانير في الذمّة،

فجواز الاستبدال عنه مبنيّ على أنّ الثمن ما ذا؟ و المثمن ما ذا؟ و الوجه: أنّ الثمن هو ما ألصق به «الباء» و المثمن ما يقابله، و هو4.

ص: 123


1- المجموع 273:9-274، روضة الطالبين 172:3، العزيز شرح الوجيز 4: 301-302.
2- المجموع 274:9، روضة الطالبين 172:3-173، العزيز شرح الوجيز 302:4.
3- سنن الترمذي 544:3، 1242، مسند أحمد 206:2، 5534.
4- الكافي 186:5، 8، الفقيه 166:3، 734، التهذيب 33:7، 136، الاستبصار 77:3، 256.
5- المجموع 274:9، روضة الطالبين 173:3، العزيز شرح الوجيز 302:4.

أحد وجهي [1] الشافعية(1).

و الثاني: أنّ الثمن هو النقد، و المثمن ما يقابله، فلو باع نقدا بنقد، فلا مثمن فيه. و لو باع عرضا بعرض، فلا ثمن فيه(2).

و أصحّهما [2]: أنّ الثمن هو النقد، فإن لم يكن أو كانا نقدين، فالثمن ما ألصق به «الباء»(3).

و على الأوّل - و هو أنّ الثمن ما ألصق به «الباء» - يجوز الاستبدال عن غير الدراهم و الدنانير كما(4) يجوز الاستبدال عنهما. و على الآخر لا يجوز عنده(5).

ه - لو استبدل عن أحد النقدين الآخر، لم يشترط قبض البدل في المجلس - قاله الشيخ(6) ، للرواية(7) - لأنّ النقدين من واحد.

و منعه ابن إدريس(8) ، و هو قول الشافعي(9) ، و كذا قال الشافعي لو استبدل عن الحنطة شعيرا على تقدير تسويغه(10).

و - لا يشترط تعيين البدل في العقد

- و هو أصحّ وجهي الشافعي(11) - و يكفي الإحضار في المجلس، كما لو تصارفا في الذمّة ثمّ عيّنا و تقابضا في المجلس.4.

ص: 124


1- المجموع 273:9، روضة الطالبين 172:3، العزيز شرح الوجيز 301:4.
2- المجموع 273:9، روضة الطالبين 172:3، العزيز شرح الوجيز 301:4.
3- المجموع 273:9، روضة الطالبين 172:3، العزيز شرح الوجيز 301:4.
4- في «ك»: كما أنّه.
5- المجموع 274:9، روضة الطالبين 173:3، العزيز شرح الوجيز 302:4.
6- النهاية: 380.
7- الكافي 245:5، 2، الفقيه 186:3، 837، التهذيب 102:7-103، 441.
8- السرائر: 218.
9- المجموع 274:9، روضة الطالبين 173:3، العزيز شرح الوجيز 303:4.
10- المجموع 274:9، روضة الطالبين 173:3، العزيز شرح الوجيز 303:4.
11- المجموع 274:9، روضة الطالبين 173:3، العزيز شرح الوجيز 303:4.

و أضعفهما: الاشتراط، لئلاّ يكون بيع دين بدين(1).

ز - لو استبدل عنها ما لا يوافقها في علّة الربا،

كما لو استبدل عن الدراهم طعاما أو ثيابا، فإن عيّن، جاز.

و في اشتراط قبضه في المجلس للشافعي وجهان:

الاشتراط، لأنّ أحد العوضين دين، فيشترط قبض الثاني، كرأس مال المسلم في السلم.

و أصحّهما - و به نقول -: المنع، كما لو باع ثوبا بدرهم في الذمّة لا يشترط قبض الثوب في المجلس(2).

و إن لم يعيّن البدل بل وصف و التزم في الذمّة، فعلى الوجهين عنده(3).

و الوجه عندنا: الجواز.

ح - ما ليس بثمن و لا مثمن من الديون

- كدين القرض و الإتلاف - يجوز الاستبدال عنه إجماعا، لاستقراره في الذمّة. و في تعيين البدل و القبض في المجلس على ما تقدّم للشافعي(4).

ط - يجوز بيع الدّين من غير من عليه الدّين،

كما لو كان له على زيد مائة فاعتاض عن عمرو عبدا ليكون المائة له، عندنا - و هو أضعف قولي الشافعي(5) - كما يجوز بيعه ممّن عليه، و هو الاستبدال.

و أصحّهما: المنع، لعدم القدرة على التسليم(6). و هو ممنوع.

و على الأوّل يشترط أن يقبض مشتري الدّين [الدّين] [1] ممّن عليه4.

ص: 125


1- المجموع 274:9، روضة الطالبين 173:3، العزيز شرح الوجيز 303:4.
2- المجموع 274:9، روضة الطالبين 173:3، العزيز شرح الوجيز 303:4.
3- المجموع 274:9، روضة الطالبين 173:3، العزيز شرح الوجيز 303:4.
4- المجموع 274:9، روضة الطالبين 174:3، منهاج الطالبين: 103، العزيز شرح الوجيز 303:4-304.
5- المجموع 275:9، روضة الطالبين 174:3، العزيز شرح الوجيز 304:4.
6- المجموع 275:9، روضة الطالبين 174:3، العزيز شرح الوجيز 304:4.

في المجلس عند الشافعي(1) ، و أن يقبض بائع الدّين العوض في المجلس حتى لو توفّي قبل قبض أحدهما، بطل العقد.

ي - لو كان له دين على إنسان و لآخر دين على ذلك الإنسان

فباع أحدهما ما له عليه بما لصاحبه عليه و قبل الآخر، لم يصحّ، اتّفق الجنس أو اختلف، لنهيه عليه السّلام عن بيع الكالئ بالكالئ(2).

يأ - لو باع شيئا بدراهم أو دنانير معيّنة فوجدها معيبة،

لم يكن للمشتري إبدالها. و لو تلفت قبل القبض، انفسخ البيع، كما في طرف المبيع، و به قال الشافعي(3).

و قال أبو حنيفة: لا تتعيّن(4). و سيأتي.

مسألة 67: و هل يصحّ بيعه من بائعه ؟ أمّا المجوّزون فإنّهم جزموا بالجواز هنا.

و اختلف المانعون، فبعضهم منع - و هو أصحّ وجهي الشافعي(5) - كبيعه من غيره. و بعضهم جوّز - و هو الثاني(6) - كبيع المغصوب من الغاصب.

قال بعض الشافعيّة: الوجهان فيما إذا باع بغير جنس الثمن أو بزيادة أو نقيصة، و إلاّ فهو إقالة بصيغة البيع(7).

و لو ابتاع شيئا يحتاج إلى قبض فلقيه ببلد آخر، فالأقرب: أنّ له أخذ بدله.

و منع منه الحنابلة و إن تراضيا، لأنّه مبيع لم يقبض(8).4.

ص: 126


1- المجموع 275:9، روضة الطالبين 174:3، العزيز شرح الوجيز 304:4.
2- سنن الدار قطني 71:3، 269، سنن البيهقي 290:5، المستدرك - للحاكم - 57:2.
3- المجموع 269:9، روضة الطالبين 171:3، العزيز شرح الوجيز 300:4.
4- العزيز شرح الوجيز 300:4.
5- العزيز شرح الوجيز 296:4.
6- العزيز شرح الوجيز 296:4.
7- العزيز شرح الوجيز 296:4-297.
8- المغني 239:4-240، الشرح الكبير 129:4.

و إن كان ممّا لا يحتاج إلى قبض، جاز.

مسألة 68: و الأقرب عندي: أنّ النهي يتعلّق بالبيع لا بغيره من المعاوضات.

و منع الشيخ من إجارته قبل القبض فيما لا يجوز بيعه قبل قبضه، لأنّ الإجارة ضرب من البيوع(1).

و للشافعيّة وجهان: المنع، لأنّ التسليم مستحقّ فيها، كما في البيع.

و الجواز، لأنّ موردها غير مورد البيع، فلا يتوالى ضمانا عقدين من جنس واحد(2).

و منع الشيخ من الكتابة، لأنّها نوع بيع(3). و هو ممنوع.

و أمّا الرهن فجوّزه الشيخ(4) ، و هو حقّ، لأنّه ملكه، فصحّ منه التصرّف فيه.

و للشافعي قولان: الصحّة، لأنّ التسليم غير لازم فيه. و المنع، لضعف الملك، فإنّه كما يمنع البيع يمنع الرهن، كالمكاتب لا يرهن كما لا يباع(5).

و يجري القولان و علّتهما في الهبة(6).

و على تقدير الصحّة فنفس العقد ليس قبضا، بل يقبضه المشتري من البائع ثمّ يسلّمه إلى المرتهن و المتّهب.

و في العتق للشافعي وجهان:

أصحّهما: النفوذ، و يصير قابضا، لقوّة العتق و غلبته، و لهذا جاز عتق4.

ص: 127


1- المبسوط - للطوسي - 120:2.
2- المجموع 265:9، روضة الطالبين 168:3، الوسيط 147:3، الوجيز 1: 145، العزيز شرح الوجيز 296:4.
3- المبسوط - للطوسي - 120:2.
4- المبسوط - للطوسي - 120:2.
5- المجموع 265:9، روضة الطالبين 167:3، الحاوي الكبير 223:5، العزيز شرح الوجيز 295:4.
6- المجموع 265:9، روضة الطالبين 167:3، الحاوي الكبير 223:5، العزيز شرح الوجيز 295:4.

الآبق دون بيعه.

و أضعفهما: المنع، لأنّه إزالة ملك، فأشبه البيع(1).

و أمّا تزويج الأمة فجوّزه الشيخ(2) ، و هو أصحّ وجهي الشافعيّة(3).

قال الشيخ: و يكون وطؤ المشتري أو الزوج قبضا(4). و به قال أبو حنيفة(5).

و قال الشافعي: وطؤ الزوج لا يكون قبضا(6).

و أمّا السّلم فحكمه حكم البيع، و كذا التولية، إلاّ على ما تقدّم من رواية منع البيع و جواز التولية.

و عن مالك جواز التولية(7) ، و هو وجه للشافعيّة(8).

و أمّا الاشتراك فإنّه عندنا إنّما يكون بالمزج أو بأحد العقود الناقلة للنصف، و الأوّل يستدعي القبض، و الثاني تابع.

و جوّز مالك الشركة قبل القبض(9).4.

ص: 128


1- المهذّب - للشيرازي - 269:1، المجموع 264:9، روضة الطالبين 167:3، الوجيز 145:1، العزيز شرح الوجيز 294:4-295، حلية العلماء 79:4.
2- المبسوط - للطوسي - 120:2.
3- الوسيط 147:3، الوجيز 145:1، العزيز شرح الوجيز 296:4، المجموع 9: 265، روضة الطالبين 168:3.
4- المبسوط - للطوسي - 120:2.
5- الهداية - للمرغيناني - 80:3، بدائع الصنائع 246:5، العزيز شرح الوجيز 296:4.
6- المجموع 265:9، روضة الطالبين 168:3، العزيز شرح الوجيز 296:4.
7- بداية المجتهد 146:2، الكافي في فقه أهل المدينة: 320، العزيز شرح الوجيز 296:4.
8- المجموع 265:9، روضة الطالبين 168:3، العزيز شرح الوجيز 296:4.
9- بداية المجتهد 146:2، الكافي في فقه أهل المدينة: 320، العزيز شرح الوجيز 296:4.

و خالف فيه الشافعي - إلاّ في وجه - و أبو حنيفة و أحمد، لأنّها بيع بعض المبيع بقسطه من الثمن(1).

و أمّا الإقالة فإنّها جائزة قبل القبض - و به قال الشافعي و أحمد في إحدى الروايتين(2) - لأنّها ليست بيعا على ما يأتي.

و قال مالك: إنّها بيع مطلقا(3).

و قال أبو حنيفة: إنّها بيع في حقّ غير المتعاقدين، و فسخ في حقّهما(4). و سيأتي.

و القائلون بأنّها بيع أوجبوا القبض(5).

مسألة 69: و المنتقل بغير البيع يجوز بيعه قبل قبضه،

فلو ورث مالا، جاز له بيعه قبل قبضه - و به قال الشافعي(6) - عملا بالأصل، إلاّ أن يكون المورّث قد اشتراه و مات قبل قبضه، فليس للوارث بيعه عند المانعين(7) ، كما لم يكن للمورّث.

و لو أوصى له بمال فقبل الوصيّة بعد الموت، فله بيعه قبل أخذه،4.

ص: 129


1- المجموع 265:9، روضة الطالبين 168:3، العزيز شرح الوجيز 296:4، الحجّة على أهل المدينة 706:2، المغني 241:4-242، الشرح الكبير 4: 130.
2- العزيز شرح الوجيز 282:4، روضة الطالبين 154:3، المغني 245:4، الشرح الكبير 132:4.
3- المدوّنة الكبرى 76:4، العزيز شرح الوجيز 281:4، المغني 244:4، الشرح الكبير 132:4.
4- تحفة الفقهاء 110:2-111، بدائع الصنائع 306:5، الهداية - للمرغيناني - 54:3-55، العزيز شرح الوجيز 282:4، المغني 244:4، الشرح الكبير 4: 132.
5- المغني 245:4، الشرح الكبير 132:4.
6- المجموع 265:9، روضة الطالبين 169:3، العزيز شرح الوجيز 297:4.
7- المجموع 265:9، روضة الطالبين 169:3، العزيز شرح الوجيز 297:4.

و به قال الشافعي(1).

و إن باع بعد الموت و قبل القبول، فكذلك إن قلنا: الوصيّة تملك بالموت.

و إن قلنا: تملك بالقبول أو هو موقوف، قال الشافعي: لا يصحّ(2).

و يحتمل الصحّة، لأنّ القبول قد يكون بالفعل.

و المال المضمون في يد الغير بالقيمة كالعارية المضمونة أو مع التفريط - و يسمّى ضمان اليد - يجوز بيعه قبل قبضه، لتمام الملك فيه.

و لو باع عبدا و سلّمه ثمّ فسخ المشتري، لعيب، فللبائع بيعه قبل قبضه، لأنّه الآن صار مضمونا بالقيمة.

و لو فسخ السّلم، لانقطاع المسلم فيه، فللمسلم بيع رأس المال قبل استرداده. و كذا للبائع بيع المبيع إذا فسخ بإفلاس المشتري قبل قبضه.

و بهذا كلّه قال الشافعي(3).

أمّا ما هو مضمون في يد الغير بعوض في عقد معاوضة فالوجه:

جواز بيعه قبل قبضه، كمال الصلح و الأجرة المعيّنة، لما تقدّم.

و قال الشافعي: لا يصحّ، لتوهّم الانفساخ بتلفه، كالمبيع [1](4).

و أمّا الصداق فيجوز للمرأة بيعه قبل قبضه، نصّ عليه الشيخ(5).0.

ص: 130


1- المجموع 265:9، روضة الطالبين 169:3، العزيز شرح الوجيز 298:4.
2- المجموع 266:9، روضة الطالبين 169:3، العزيز شرح الوجيز 298:4.
3- المجموع 266:9، روضة الطالبين 169:3-170، العزيز شرح الوجيز 4: 298.
4- المجموع 266:9، روضة الطالبين 170:3، العزيز شرح الوجيز 298:4.
5- المبسوط - للطوسي - 120:2، الخلاف 98:3، المسألة 160.

و للشافعي قولان مبنيّان على أنّه مضمون في يد الزوج ضمان العقد أو ضمان اليد؟ فعلى الأوّل - و هو أصحّهما عنده - لا يصحّ.

و يجريان في بيع الزوج بدل الخلع قبل القبض، و بيع العافي عن القود المال المعفوّ عليه عنده(1).

و عندنا يجوز ذلك كلّه.

و أمّا الأمانات فيصحّ بيعها قبل قبضها - و به قال الشافعي(2) - فلمالك الوديعة بيعها قبل قبضها، و كذا بيع مال الشركة و القراض في يد الشريك و العامل، و بيع المال في يد الوكيل و المرتهن بعد الفكّ، و المال في يد الولي بعد بلوغ الصبي و رشده، و ما احتطبه العبد و اكتسبه و قبله بالوصيّة قبل أن يأخذه السيّد، لتمام الملك عليها، و حصول القدرة على التسليم.

و منع الشيخ من بيع الصرف قبل قبضه(3).

و مال الغنيمة إذا تعيّن عليه ملكه. صحّ بيعه قبل قبضه، قاله الشيخ(4). و هو جيّد.

مسألة 70: قد بيّنّا أنّ السّلم نوع من البيع،

فمن منع من بيع غير المقبوض منعه هنا. و من جوّزه هناك جوّزه هنا.

فلو أسلم في طعام ثمّ باعه من آخر، قال الشيخ: لا يصحّ إلاّ أن يجعله وكيله في القبض، فإذا قبض عنه، صار حينئذ قبضا عنه(5).2.

ص: 131


1- المجموع 267:9، روضة الطالبين 170:3، العزيز شرح الوجيز 298:4.
2- المجموع 265:9، روضة الطالبين 169:3، العزيز شرح الوجيز 297:4.
3- المبسوط - للطوسي - 120:2.
4- المبسوط - للطوسي - 120:2-121.
5- المبسوط - للطوسي - 121:2.

و إذا حلّ عليه الطعام بعقد السّلم فدفع إلى المسلم دراهم و قال:

خذها بدل الطعام، قال الشيخ: لم يجز، لأنّ بيع المسلم فيه لا يجوز قبل القبض، سواء باعه من المسلم إليه أو من أجنبي(1).

و إن قال: اشتر بها الطعام لنفسك، قال: لم يصحّ، لأنّ الدراهم باقية على ملك المسلم إليه، فلا يصحّ أن يشتري بها طعاما لنفسه، فإن اشترى بالعين، لم يصحّ، و إن اشترى في الذمّة، ملك الطعام و ضمن الدراهم(2).

و لو كان عليه طعام قرضا فأعطاه من جنسه، فهو نفس حقّه.

و إن غايره فإن كان في الذمّة و عيّنه قبل التفرّق و قبضه، جاز، و إن فارقه قبل قبضه، قال الشيخ: لا يجوز، لأنّه يصير بيع دين بدين(3).

و إن كان معيّنا و فارقه قبل القبض، جاز.

مسألة 71: لو كان له في ذمّة غيره طعام فباع منه طعاما بعينه

ليقبضه الطعام الذي في ذمّته منه، لم يصحّ، لأنّه شرط قضاء الدّين الذي في ذمّته من هذا الطعام بعينه، و هذا لا يلزم، و لا يجوز أن يجبر على الوفاء به، فيفسد الشرط فيفسد البيع، لاقترانه به، لأنّ الشرط يحتاج أن يزيد بقسط من الثمن و هو مجهول ففسد البيع. و لو قلنا: يفسد الشرط و يصحّ البيع، كان قويّا. هذا كلّه كلام الشيخ(4).

و الوجه عندي: صحّتهما معا، لأنّه شرط لا ينافي الكتاب و السّنّة.

قال الشيخ: و لو باع منه طعاما بعشرة دراهم على أن يقبضه الطعام2.

ص: 132


1- المبسوط - للطوسي - 121:2.
2- المبسوط - للطوسي - 121:2.
3- المبسوط - للطوسي - 122:2-123.
4- المبسوط - للطوسي - 123:2.

الذي له عليه أجود منه، لم يصحّ، لأنّ الجودة لا يجوز أن تكون ثمنا بانفرادها، و إن قضاه أجود ليبيعه طعاما بعينه بعشرة، لم يجز(1).

و الوجه عندي: الجواز في الصورتين، لأنّه شرط في البيع ما هو مطلوب للعقلاء سائغ فكان مشروعا، و ليست الجودة هنا ثمنا بل هي شرط.

مسألة 72: إذا باع طعاما بعشرة مؤجّلة فلمّا حلّ الأجل أخذ بها طعاما، جاز

إن أخذ مثل ما أعطاه. و إن أخذ أكثر، لم يجز. و قد روي أنّه يجوز على كلّ حال. هذا قول الشيخ(2).

و الوجه عندي ما تضمّنته الرواية، لأنّه صار مالا له، فجاز له بيعه بمهما أراد، كغيره.

القسم الثاني: الربا.
اشارة

و تحريمه معلوم بالضرورة من دين النبي صلّى اللّه عليه و آله، فالمبيح له مرتدّ.

قال اللّه تعالى وَ حَرَّمَ الرِّبا (3) و قال تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللّهَ وَ ذَرُوا ما بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ. فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللّهِ وَ رَسُولِهِ (4).

و قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: «اجتنبوا السبع الموبقات» قيل: يا رسول اللّه و ما هي ؟ قال: «الشرك باللّه، و السحر، و قتل النفس التي حرّم اللّه إلاّ

ص: 133


1- المبسوط - للطوسي - 123:2.
2- المبسوط - للطوسي - 123:2.
3- البقرة: 275.
4- البقرة: 278 و 279.

بالحقّ، و أكل الربا، و أكل مال اليتيم، و التولّي يوم الزحف، و قذف المحصنات الغافلات المؤمنات»(1).

و لعن آكل الربا و مؤكله و شاهديه و كاتبه(2).

و قال الصادق عليه السّلام: «درهم ربا أعظم عند اللّه تعالى من سبعين زنية كلّها بذات محرم»(3).

و أجمعت الأمّة على تحريمه.

و هو لغة: الزيادة(4). و اصطلاحا: بيع أحد المثلين بالآخر مع الزيادة، و انضمام شرائط تأتي إن شاء اللّه تعالى.

و هو قسمان: ربا الفضل، و ربا النسيئة، و قد أجمع العلماء على تحريمهما.

و قد كان في ربا الفضل اختلاف بين الصحابة، فحكي عن ابن عباس و أسامة بن زيد و زيد بن أرقم و ابن الزبير أنّ الربا في النسيئة خاصّة، لقوله عليه السّلام: «لا ربا إلاّ في النسيئة»(5)(6) ثمّ رجع ابن عباس إلى قول4.

ص: 134


1- صحيح مسلم 92:1، 145، سنن أبي داود 115:3، 2874، سنن البيهقي 6: 284، و 20:8 و 249، المغني 134:4، الشرح الكبير 133:4.
2- سنن أبي داود 244:3، 3333، المصنّف - لابن أبي شيبة - 559:6، 2042، المصنّف - لعبد الرزّاق - 315:8-316، 15351، المغني و الشرح الكبير 4: 134.
3- الكافي 144:5، 1، الفقيه 174:3، 782، التهذيب 14:7، 61 بتفاوت يسير.
4- الصحاح 2349:6، تهذيب اللغة 272:15.
5- صحيح البخاري 98:3، سنن النسائي 281:7، مسند أحمد 6: 262، 21255، المعجم الصغير - للطبراني - 18:2، المعجم الكبير - للطبراني - 172:1، 429 و 431-433.
6- الحاوي الكبير 76:5، المغني و الشرح الكبير 134:4.

الجماعة(1) ، لقول النبي صلّى اللّه عليه و آله: «لا تبيعوا الذهب بالذهب إلاّ مثلا بمثل»(2).

و النظر فيه يتعلّق [بأمرين] [1]:

الأوّل: الشرائط،
اشارة

و هي اثنان: الاتّفاق في الجنس، و دخول التقدير، فهنا مطلبان:

الأوّل: في الجنس.

و المراد به الماهيّة، كالحنطة و الأرز و إن اختلفت صفاتها. و هو الشامل لأشياء مختلفة بأنواعها، و النوع الشامل لأشياء مختلفة بأشخاصها، و قد ينقلب كلّ منهما إلى صاحبه، فكلّ نوعين اجتمعا في اسم خاصّ فهما جنس، كالتمر كلّه جنس و إن كثرت أنواعه كالبرنيّ و المعقليّ.

مسألة 73: و قد أجمع المسلمون على ثبوت الربا في الأشياء الستّة،

لقول النبي صلّى اللّه عليه و آله: «الذهب بالذهب مثلا بمثل، و الفضّة بالفضّة مثلا بمثل، و التمر بالتمر مثلا بمثل، و البرّ بالبرّ مثلا بمثل، و الملح بالملح مثلا بمثل، و الشعير بالشعير مثلا بمثل، فمن زاد أو ازداد فقد أربى، بيعوا الذهب بالفضّة كيف شئتم يدا بيد، و بيعوا البرّ بالتمر كيف شئتم يدا بيد، و بيعوا الشعير بالتمر كيف شئتم يدا بيد»(3).

و اختلف فيما سواها، فحكي عن طاوس و قتادة و داود و بعض نفاة القياس الاقتصار عليها، و لا يجري في غيرها، و هي على أصل الإباحة، لقوله تعالى وَ أَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ (4).

ص: 135


1- المغني و الشرح الكبير 134:4.
2- صحيح البخاري 97:3، سنن الترمذي 543:3، 1241، سنن البيهقي 5: 276، مسند أبي داود الطيالسي: 290، 2181.
3- سنن الترمذي 541:3، 1240.
4- المغني و الشرح الكبير 135:4، و الآية 275 من سورة البقرة.

و عند الإماميّة أنّ الضابط الكيل أو الوزن أو العدد على خلاف في الأخير، فأين وجد أحدها ثبت الربا، لأنّه الزيادة، و هي إنّما تثبت في المقدّر بأحد المقادير.

و لقول الصادق عليه السّلام: «لا يكون الربا إلاّ فيما يكال أو يوزن»(1).

و قوله تعالى وَ حَرَّمَ الرِّبا (2) يقتضي تحريم كلّ زيادة إلاّ ما أجمعنا على تخصيصه.

مسألة 74: و اتّفق العلماء على أنّ ربا الفضل لا يجري إلاّ في الجنس الواحد،

إلاّ سعيد بن جبير، فإنّه قال: كلّ شيئين يتقارب الانتفاع بهما لا يجوز بيع أحدهما بالآخر متفاضلا، كالحنطة بالشعير، و التمر بالزبيب، و الذرّة بالدخن، لتقارب نفعهما، فجريا مجرى نوعي جنس واحد(3).

أمّا الأوّلان: فسيأتي البحث فيهما. و أمّا الثالث و شبهه: فهو باطل، لقوله عليه السّلام: «بيعوا الذهب بالفضّة كيف شئتم يدا بيد، و بيعوا البرّ بالتمر كيف شئتم»(4) مع أنّ الذهب و الفضّة متقاربان.

مسألة 75: و الربا عندنا ثابت في الصّور بالنصّ،

فإنّا إنّما نثبته في المقدّر بأحد المقادير المذكورة، و هي: الكيل، و الوزن، و العدد على خلاف فيه، إذ القياس عندنا باطل.

أمّا القائلون بالقياس فقد اتّفقوا على أنّه لعلّة، ثمّ اختلفوا.0.

ص: 136


1- الكافي 146:5، 10، الفقيه 175:3، 786، التهذيب 17:7، 74، و 19، 81، و 94، 397، و 118، 515، الاستبصار 101:3، 350.
2- البقرة: 275.
3- المغني 136:4، الشرح الكبير 135:4-136.
4- سنن الترمذي 541:3، 1240.

فقال النخعي و الزهري و الثوري و إسحاق و أصحاب الرأي و أحمد في رواية: إنّ علّة الذهب و الفضّة كونه موزون جنس، و علّة الأعيان الأربعة الباقية مكيل جنس، فيجري الربا في كلّ مكيل أو موزون بجنسه، مطعوما كان أو غيره(1).

و هو الذي ذهبنا إليه، فيجري في الحبوب و الثّوم و القطن و الصوف و الكتّان و الحنّاء و الحديد و النورة و الجصّ و غير ذلك ممّا يدخله الكيل و الوزن دون ما عداه و إن كان مطعوما، لأنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله سئل عن الرجل يبيع الفرس بالأفراس، فقال: «لا بأس إذا كان يدا بيد»(2).

و من طريق الخاصّة: قول الباقر عليه السّلام: «البعير بالبعيرين و الدابّة بالدابّتين يدا بيد ليس به بأس»(3).

و لأنّ قضيّة البيع المساواة، و المؤثّر في تحقيقها الكيل و الوزن و الجنس، فإنّ الكيل و الوزن سوّى بينهما صورة، و الجنس سوّى بينهما معنى.

و قال الشافعي في الجديد: العلّة في الأربعة أنّها مطعومة في جنس واحد، فالعلّة ذات وصفين، و في النقدين: جوهر الثمنيّة غالبا. و هو رواية عن أحمد - و عن بعض الشافعيّة أنّه لا علّة في النقدين(4) - لأنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله4.

ص: 137


1- المغني و الشرح الكبير 136:4، تحفة الفقهاء 25:2، بدائع الصنائع 183:5، الهداية - للمرغيناني - 61:3، حلية العلماء 148:4 و 151، العزيز شرح الوجيز 72:4.
2- مسند أحمد 252:2، 5851.
3- الكافي 190:5، 1، الفقيه 177:3، 797، التهذيب 118:7، 511، الاستبصار 100:3، 347.
4- المجموع 395:9، روضة الطالبين 46:3، العزيز شرح الوجيز 74:4.

نهى عن بيع الطعام إلاّ مثلا بمثل(1) ، و هو عامّ في المكيل و غيره. و لأنّ الطعم وصف شرف، فإنّ به قوام الأبدان، و الثمنيّة وصف شرف، فإنّ بها قوام الأموال، فيجري الربا في كلّ مطعوم دخله الكيل و الوزن أولا، كالبطّيخ و الأترج و السفرجل و الخيار و البيض، و سواء أكل نادرا، كالبلّوط، أو غالبا، و سواء أكل وحده أو مع غيره، و سواء أكل تقوّتا أو تأدّما أو تفكّها أو غيرها ممّا يقصد للطعم غالبا دون ما ليس بمطعوم و إن كان موزونا، كالحديد و الرصاص و الأشنان - و يبطل بقول الصادق عليه السّلام:

«لا يكون الربا إلاّ فيما يكال أو يوزن»(2) - لأنّ قوله عليه السّلام: «الطعام بالطعام مثل بمثل»(3) علّق الحكم باسم الطعام، و الحكم المعلّق بالاسم المشتقّ معلّل بما منه الاشتقاق، كالقطع المعلّق باسم السارق، و الحدّ المعلّق باسم الزاني(4).

و قال الشافعي في القديم: العلّة في الأربع كونه مطعوم جنس مكيلا أو موزونا، فلا يجري الربا في مطعوم لا يكال و لا يوزن، و لا فيما ليس بمطعوم. و به قال سعيد بن المسيّب و أحمد في رواية، لأنّ سعيد بن المسيّب روى عن النبي صلّى اللّه عليه و آله: «لا ربا إلاّ فيما كيل أو وزن ممّا يؤكل أو2.

ص: 138


1- أورد نصّه ابنا قدامة في المغني و الشرح الكبير 137:4، و انظر: صحيح مسلم 1214:2، 1592، و سنن الدار قطني 24:3، 84.
2- تقدّمت الإشارة إلى مصادره في ص 136، الهامش (1).
3- صحيح مسلم 1214:2، 1592، سنن الدار قطني 24:3، 84.
4- المهذّب - للشيرازي - 277:1، التهذيب - للبغوي - 334:3-337، المجموع 393:9 و 395 و 397، روضة الطالبين 44:3-45 و 46، حلية العلماء 4: 149، العزيز شرح الوجيز 72:4 و 74 و 77، المغني و الشرح الكبير 137:4، الكافي في فقه الإمام أحمد 32:2.

يشرب»(1)(2).

و يضعّف بقول الدار قطني: الصحيح أنّه من قول سعيد بن المسيّب، و من رفعه فقد وهم(3).

و قال مالك: العلّة القوت أو ما يصلح به القوت من جنس واحد من المدّخرات(4) ، فإنّ علّة الطعم لا تستقيم، لثبوت الطعم لكلّ شيء، فينبغي أن يعلّل بالقوت الذي يعلّل به الزكاة، كما أنّ الجواهر لم يجر الربا إلاّ فيما تجب الزكاة، و هو الذهب و الفضّة.

و يبطل بالملح، فإنّه لا يقتات، و الإدام يصلح به القوت، و النار و الحطب.

و قال ربيعة بن عبد الرحمن: الاعتبار بما تجب فيه الزكاة(5) ، فكلّ ما وجبت فيه الزكاة جرى فيه الربا، فلا يجوز بيع بعير ببعيرين و لا بقرة ببقرتين.

و يبطل بما تقدّم، و بالملح، فإنّه لا تجب فيه الزكاة، و يجري فيه الربا.4.

ص: 139


1- سنن الدار قطني 14:3، 39.
2- التهذيب - للبغوي - 337:3، المجموع 397:9، روضة الطالبين 45:3، حلية العلماء 150:4، الحاوي الكبير 83:5، العزيز شرح الوجيز 72:4، المغني 138:4، الشرح الكبير 137:4.
3- سنن الدار قطني 14:3 ذيل الحديث 39، و حكاه عنه ابنا قدامة في المغني 4: 138، و الشرح الكبير 137:4.
4- الحاوي الكبير 83:5، التهذيب - للبغوي - 337:3، المجموع 401:9، العزيز شرح الوجيز 72:4، المغني و الشرح الكبير 138:4.
5- المجموع 401:9، حلية العلماء 151:4، الحاوي الكبير 83:5، المغني و الشرح الكبير 138:4.

و قال ابن سيرين: الجنس الواحد هو العلّة(1).

و ليس بصحيح، لأنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أمر أن يؤخذ البعير بالبعيرين لمّا أنفذ بعض الجيوش و قد نفدت الإبل(2).

و هذا البحث ساقط عنّا، لأنّا نعتبر النصّ لا القياس، فمهما دلّ على شيء عملنا به، و قد سئل الصادق عليه السّلام عن البيضة بالبيضتين، قال:

«لا بأس به» و الثوب بالثوبين، قال: «لا بأس به» و الفرس بالفرسين، فقال:

«لا بأس به» ثمّ قال: «كلّ شيء يكال أو يوزن فلا يصلح مثلين بمثل إذا كان من جنس واحد، فإذا كان لا يكال و لا يوزن و لا يوزن فليس به بأس اثنين بواحد»(3).

مسألة 76: قد بيّنّا أنّ كلّ مكيل أو موزون يجري فيه الربا مع الشرائط سواء أكل أو لا.

أمّا الشافعي حيث علّل بالطعم اعتبره، فكلّ موضع لا يثبت فيه الطعم لا يثبت فيه الربا إلاّ النقدين.

و لا فرق عنده بين أن يؤكل للتداوي، كالهليلج و السقمونيا و غيرهما، و بين ما يؤكل لسائر الأغراض.

و قسّم المطعومات إلى أربعة: ضرب يؤكل قوتا، و آخر يؤكل تأدّما، و ثالث يؤكل تفكّها، و رابع يؤكل تداويا. و يجري الربا في ذلك كلّه لا في مأكول الدوابّ، كالقضب و الحشيش و النوى(4).

و حكي وجه للشافعيّة: أنّ ما يهلك كثيره و يستعمل قليله في الأدوية3.

ص: 140


1- المجموع 400:9، حلية العلماء 152:4، الحاوي الكبير 83:5، العزيز شرح الوجيز 72:4. المغني و الشرح الكبير 138:4.
2- علل الحديث 390:1، 1167، سنن البيهقي 287:5.
3- التهذيب 119:7، 517، الاستبصار 101:3، 351.
4- المجموع 397:9 و 399، روضة الطالبين 45:3، العزيز شرح الوجيز 72:4 و 73.

- كالسقمونيا - لا يجري فيه الربا(1).

و في الزعفران عندهم وجهان:

أصحّهما: جريان الربا فيه، لأنّ المقصود الأظهر منه الأكل تنعّما أو تداويا إلاّ أنّه يمزج بغيره.

و الثاني: لا يجري، لأنّه يقصد منه الصبغ و اللون(2) ، و هو قول القاضي أبي حامد(3).

و الطين الخراساني لا يعدّ مأكولا، و يسفّه آكله - و إنّما يأكله قوم لعارض بهم - و لو كان مستطابا، لاشتراك الكلّ في استطابته، و قال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله لعائشة: «لا تأكلي الطين فإنّه يصفّر اللون»(4) و يجري آكل ذلك مجرى من يأكل التراب و الخزف، فإنّ من الممكن من يأكل ذلك، فلا ربا فيه.

و عند بعضهم أنّه ربويّ(5).

و الأرمني دواء، كالهليلج.

و فيه وجه آخر لهم: أنّه لا ربا فيه، كسائر أنواع الطين(6) ، و هو قول القاضي ابن كج(7).

و أمّا دهن البنفسج و الورد و اللبان ففيه لهم وجهان، أحدهما: ثبوت الربا، لأنّها متّخذة من السمسم اكتسبت رائحة من غيره، و إنّما لا يؤكل في4.

ص: 141


1- المجموع 398:9، روضة الطالبين 45:3، العزيز شرح الوجيز 73:4.
2- المجموع 397:9، روضة الطالبين 45:3، حلية العلماء 150:4، الحاوي الكبير 105:5، العزيز شرح الوجيز 72:4-73.
3- العزيز شرح الوجيز 73:4.
4- كما في المغني 139:4.
5- المجموع 398:9، العزيز شرح الوجيز 73:4.
6- المجموع 398:9، العزيز شرح الوجيز 73:4.
7- العزيز شرح الوجيز 73:4.

العادة ضنّا بها(1).

و في دهن الكتّان وجهان عندهم، أصحّهما: أنّه ليس بربويّ، لأنّه لا يعدّ للأكل(2).

و كذا دهن السمك، لأنّه يعدّ للاستصباح و تدهين السّفن لا للأكل(3).

و في وجه: أنّه مال ربا، لأنّه جزء من السمك(4).

و في حبّ الكتّان وجهان(5) ، و كذا في ماء الورد(6).

و لا ربا عندهم في العود و المصطكي(7).

و أمّا الماء ففي صحّة بيعه و ثبوت الملك فيه وجهان، فعلى الجديد فيه وجهان أيضا:

أصحّهما: أنّه ربويّ، لأنّه مطعوم، لقوله تعالى وَ مَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي (8).

و الثاني: لا ربا فيه، لأنّه ليس مأكولا(9).4.

ص: 142


1- المجموع 398:9-399، روضة الطالبين 45:3، الوسيط 49:3 و 50، العزيز شرح الوجيز 73:4.
2- المجموع 398:9، روضة الطالبين 45:3، الوسيط 49:3، العزيز شرح الوجيز 73:3.
3- المهذّب - للشيرازي - 278:1، المجموع 398:9، روضة الطالبين 45:3، حلية العلماء 150:4، العزيز شرح الوجيز 73:4، الوسيط 49:3.
4- المهذّب - للشيرازي - 278:1، المجموع 398:9، روضة الطالبين 45:3، حلية العلماء 150:4، العزيز شرح الوجيز 73:4، الوسيط 49:3.
5- المهذّب - للشيرازي - 278:1، المجموع 398:9، روضة الطالبين 45:3، حلية العلماء 150:4، العزيز شرح الوجيز 73:4.
6- العزيز شرح الوجيز 73:4، روضة الطالبين 45:3.
7- كما في العزيز شرح الوجيز 73:4.
8- البقرة: 249.
9- المهذّب - للشيرازي - 278:1، المجموع 398:9، روضة الطالبين 46:3، حلية العلماء 149:4، العزيز شرح الوجيز 73:4-74.

و لا ربا في الحيوان، لأنّه لا يؤكل على هيئته، و ما يباح أكله على هيئته كالسمك الصغير على وجه يجري فيه الربا(1).

و الحقّ عندنا في ذلك كلّه ثبوت الربا في كلّ مكيل أو موزون، سواء كان مأكولا أو لا. و السمك يوزن، فيجري فيه الربا مطلقا.

مسألة 77: إذا بيع مال بمال

فأقسامه ثلاثة:

الأوّل: أن لا يكون شيء منهما ربويّا.

الثاني: أن يكون أحدهما ربويّا دون الآخر.

الثالث: أن يكونا ربويّين.

فالأوّل لا يجب فيه رعاية التماثل قدرا و لا الحلول و لا التقابض في المجلس،

اتّحدا جنسا أو لا، فيجوز بيع ثوب بثوبين، و عبد بعبدين، و دابّة بدابّتين، و بيع ثوب بعبد و عبدين نقدا و نسيئة، عند علمائنا أجمع - و به قال الشافعي(2) - لأنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أمر عبد اللّه بن عمرو بن العاص أن يشتري بعيرا ببعيرين إلى أجل(3).

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السّلام و قد سأله منصور بن حازم عن الشاة بالشاتين و البيضة بالبيضتين، قال: «لا بأس به ما لم يكن فيه كيل و لا وزن»(4).

و سأل منصور بن حازم الصادق عليه السّلام عن البيضة بالبيضتين، قال:

«لا بأس به» و الثوب بالثوبين، قال: «لا بأس به» و الفرس بالفرسين، فقال:9.

ص: 143


1- المجموع 399:9، روضة الطالبين 46:3، العزيز شرح الوجيز 74:4.
2- المجموع 400:9، روضة الطالبين 46:3-47، العزيز شرح الوجيز 75:4.
3- سنن أبي داود 250:3، 3357، سنن الدار قطني 69:3، 261، سنن البيهقي 5: 287، المستدرك - للحاكم - 56:2-57.
4- التهذيب 118:7، 513، الاستبصار 100:3-101، 349.

«لا بأس به» ثمّ قال: «كلّ شيء يكال أو يوزن فلا يصلح مثلين بمثل إذا كان من جنس واحد، فإذا كان لا يكال و لا يوزن فليس به بأس اثنين بواحد»(1).

و عن الباقر عليه السّلام: «لا بأس بالثوب بالثوبين»(2).

و قال أبو حنيفة: لا يجوز إسلاف الشيء في جنسه(3). فلا يجوز بيع فرس بفرسين سلفا و لا نسيئة، بل يجب التقابض في المجلس عنده، و هو إحدى الروايات عن أحمد، لأنّ النبي عليه السّلام نهى عن بيع الحيوان بالحيوان نسيئة(4). و لأنّ الجنس أحد وصفي علّة تحريم التفاضل، فيحرم فيه النساء، كالوصف الآخر(5).

و تحمل الرواية على النساء في الطرفين، أو على أنّ النهي للتنزيه نهي كراهة لا نهي تحريم. و الربا عندنا يثبت لا لعلّة، بل للنصّ على ثبوته في كلّ مكيل أو موزون، و إباحة التفاضل فيما عداهما، على أنّه منقوض بإسلاف الدراهم في الحديد.

و قال مالك: يجوز إسلاف أحد الشيئين في مثله متساويا لا متفاضلا.

و لا يجوز بيع حيوان بحيوانين من جنسه بصفة يقصد بهما أمرا واحدا إمّا الذبح أو غيره، لأنّ الغرض إذا كان بهما سواء، كان بيع الواحد باثنين نسيئة ذريعة إلى الربا(6).4.

ص: 144


1- التهذيب 119:7، 517، الاستبصار 101:3، 351.
2- التهذيب 119:7، 518.
3- التهذيب - للبغوي - 342:3، العزيز شرح الوجيز 76:4.
4- سنن أبي داود 250:3، 3356، سنن ابن ماجة 763:2، 2270، سنن الترمذي 538:3، 1237، سنن البيهقي 288:5-289، سنن الدارمي 254:2، المعجم الكبير - للطبراني - 247:7، 6847، و 248، 6851، و 273، 6940.
5- المغني 143:4، الشرح الكبير 179:4، الكافي في فقه الإمام أحمد 39:2.
6- العزيز شرح الوجيز 76:4، حلية العلماء 155:4.

و يبطل بقوله عليه السّلام: «إذا اختلف الجنسان فبيعوا كيف شئتم»(1).

الثاني: أن يكون أحدهما ربويّا دون الآخر،

كبيع ثوب بدراهم أو دنانير، أو بيع حيوان بحنطة أو شعير. و حكمه كالأوّل، فيجوز بيع أحدهما بالآخر - و إن كان أزيد قيمة منه - نقدا و نسيئة، للإجماع على السلف و النسيئة مع تغاير الثمن - الذي هو أحد النقدين - و المثمن، إلاّ الصرف خاصّة، و سيأتي إن شاء اللّه تعالى.

الثالث كالأوّل عندنا،

للإجماع على إسلاف أحد النقدين في البرّ أو الشعير أو غيرهما من الربويّات و المكيلات، و النسيئة أيضا، و هو قول أبي حنيفة(2).

و قال الشافعي: إن اختلفت العلّة فيهما، كالذهب بالقوت، فلا تجب رعاية التماثل و لا الحلول و لا التقابض، فيجوز إسلاف أحد النقدين في البرّ، أو بيع الشعير بالذهب نقدا أو نسيئة.

و إن اتّفقت العلّة، فإن اتّحد الجنس، وجب فيه رعاية التماثل و الحلول و التقابض في المجلس، كما لو باع الذهب بالذهب و البرّ بالبرّ، و ثبت فيه أنواع الربا الثلاثة - و عندنا لا يجب الثالث إلاّ في الصرف - و إن اختلف الجنس، لم يجب التماثل، بل الحلول و التقابض في المجلس، لقوله عليه السّلام: «و لكن بيعوا الذهب بالورق و الورق بالذهب و البرّ بالشعير و الشعير بالبرّ كيف شئتم يدا بيد»(3)(4).8.

ص: 145


1- الجامع لأحكام القرآن 86:10، المغني 146:4، الشرح الكبير 147:4.
2- انظر: العزيز شرح الوجيز 76:4.
3- سنن البيهقي 276:5، شرح معاني الآثار 4:4.
4- العزيز شرح الوجيز 76:4، روضة الطالبين 47:3-48.

و الجواب: يحتمل أن يكون التقييد باليد على سبيل الأولويّة، أو في الصرف.

فروع:

أ - يكره بيع الجنسين المختلفين متفاضلا نسيئة،

لقول الصادق عليه السّلام:

«ما كان من طعام مختلف أو متاع أو شيء من الأشياء يتفاضل فلا بأس ببيعه مثلين بمثل يدا بيد، فأمّا نظرة فلا يصلح»(1).

و في الصحيح عن الحلبي عن الصادق عليه السّلام «ما كان من طعام مختلف أو متاع أو شيء من الأشياء يتفاضل فلا بأس ببيعه مثلين بمثل يدا بيد، فأمّا نظرة فإنّه لا يصلح»(2).

ب - المصوغ من أحد النقدين لا يجوز بيعه بجنسه

من التبر أو المضروب متفاضلا بل بوزنه و إن كان المصوغ أكثر قيمة. و كذا الصحيح و المكسّر لا يجوز التفاضل فيهما مع اتّحاد الجنس - و به قال الشافعي(3) - لما رواه عطاء بن يسار أنّ معاوية باع سقاية من ذهب أو ورق بأكثر من وزنها، فقال أبو الدرداء: سمعت النبيّ صلّى اللّه عليه و آله ينهى عن مثل هذا إلاّ مثلا بمثل، فقال له معاوية: ما أرى بهذا بأسا، قال أبو الدرداء: من يعذرني من هذا، أخبره عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و يخبرني عن رأيه، و اللّه لا ساكنتك بأرض أنت فيها، ثمّ قدم أبو الدرداء على عمر فذكر له ذلك، فكتب عمر إلى معاوية أن لا تبع ذلك إلاّ وزنا بوزن مثلا بمثل(4).4.

ص: 146


1- الكافي 191:5، 6، التهذيب 93:7، 395.
2- التهذيب 93:7-94، 396.
3- العزيز شرح الوجيز 74:4، حلية العلماء 153:4، المغني و الشرح الكبير 141:4.
4- سنن البيهقي 280:5، المغني 141:4، الشرح الكبير 143:4.

و قال مالك: يجوز أن يبيعه بقيمته من جنسه(1). و أنكر أصحابه ذلك، و نفوه عنه(2).

و احتجّ من أجازه: بأنّ الصنعة لها قيمة، و لهذا لو أتلفه وجبت قيمته و إن زادت.

و الجواب: لا نسلّم أنّ الصنعة تدخل في البيع و إن قوّمت على الغاصب. سلّمنا لكن لا نسلّم أنّه يقوّم بجنسه بل بغير جنسه.

ج - الفلوس يثبت الربا فيها عندنا،

لأنّها موزونة، و به قال أبو حنيفة(3) ، و هو وجه ضعيف للشافعيّة، لحصول معنى الثمنيّة(4).

و في الأظهر عندهم: انتفاء الربا، لانتفاء الثمنيّة و الطعم، و الوزن و الكيل ليسا علة عندهم(5) و قد تقدم بطلان التعليل.

د - يكره بيع أفراد الجنس الواحد إذا لم يدخله الكيل و الوزن متفاضلا نسيئة،

لقول الباقر عليه السّلام: «البعير بالبعيرين و الدابّة بالدابّتين يدا بيد ليس به بأس»(6) و هو يدلّ بمفهومه على كراهيّة النسيئة فيه.

ه - لا يشترط التقابض في المجلس مع اتّحاد الجنس و اختلافه إلاّ في الصرف

- و به قال بعض الشافعيّة(7) - لأنّهما عينان من غير جنس الأثمان، فجاز التفرّق فيهما قبل القبض، كالحديد. نعم، يشترط الحلول4.

ص: 147


1- العزيز شرح الوجيز 74:4، حلية العلماء 153:4، المغني و الشرح الكبير 141:4.
2- المصادر في الهامش (1) ما عدا العزيز شرح الوجيز.
3- انظر: العزيز شرح الوجيز 74:4.
4- المجموع 395:9، روضة الطالبين 46:3، العزيز شرح الوجيز 74:4.
5- المجموع 395:9، روضة الطالبين 46:3، العزيز شرح الوجيز 74:4.
6- الكافي 190:5، 1، الفقيه 177:3، 797، التهذيب 118:7، 511، الإستبصار 100:3، 347.
7- روضة الطالبين 47:3، العزيز شرح الوجيز 75:4.

مع الاتّفاق جنسا.

و قال بعض الشافعيّة: إذا كانا ربويّين، وجب فيهما القبض قبل التفرّق، كالذهب و الفضّة(1) ، لقوله عليه السّلام: «لا تبيعوا الذهب بالذهب و لا الورق بالورق و لا البرّ بالبرّ و لا الشعير بالشعير و لا التمر بالتمر و لا الملح بالملح إلاّ سواء بسواء عينا بعين يدا بيد»(2).

و الجواب: أنّه لا يدلّ على المنع مع عدم التقابض إلاّ من حيث المفهوم، و هو ضعيف.

مسألة 78: لعلمائنا قولان في أنّ الحنطة و الشعير هل هما جنس واحد أو جنسان ؟

و الأقوى عندي: الأوّل - و به قال مالك و الليث و الحكم و حمّاد(3) - لأنّ معمر بن عبد اللّه بعث غلاما له و معه صاع من قمح، فقال: اشتر شعيرا، فجاءه بصاع و بعض صاع، فقال له: ردّه، فإنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله نهى عن بيع الطعام بالطعام إلاّ مثلا بمثل، و طعامنا يومئذ الشعير(4).

و من طريق الخاصّة: ما رواه الحلبي - في الصحيح - عن الصادق عليه السّلام، قال: «لا يصلح الشعير بالحنطة إلاّ واحدا بواحد»(5).8.

ص: 148


1- روضة الطالبين 48:3، العزيز شرح الوجيز 76:4.
2- صحيح مسلم 1210:3، 1587، سنن البيهقي 276:5، معرفة السنن و الآثار 8: 33-34، 11021.
3- بداية المجتهد 135:2، الحاوي الكبير 111:5، المغني 151:4-152، الشرح الكبير 149:4-150.
4- صحيح مسلم 1214:3، 1592، سنن الدار قطني 24:3، 83 و 84، سنن البيهقي 283:5، المغني 152:4، الشرح الكبير 150:4.
5- الكافي 189:5، 12، التهذيب 94:7، 398.

و في الصحيح عن الحلبي عن الصادق عليه السّلام، قال: «لا يباع مختومان من شعير بمختوم من حنطة إلاّ مثلا بمثل» و سئل عن الرجل يشتري الحنطة فلا يجد إلاّ شعيرا أ يصلح له أن يأخذ اثنين بواحد؟ قال: «لا، إنّما أصلهما واحد»(1).

و عن الباقر عليه السّلام قال: «قال أمير المؤمنين عليه السّلام: لا تبع الحنطة بالشعير إلاّ يدا بيد، و لا تبع قفيزا من حنطة بقفيزين من شعير»(2).

و لأنّ أحدهما يغشّ بالآخر، فهما كنوعي جنس واحد.

و قال بعض(3) علمائنا: إنّهما جنسان يباع أحدهما بالآخر متفاضلا يدا بيد و نسيئة - و به قال الشافعي(4) - لقوله عليه السّلام: «بيعوا الذهب بالورق، و الورق بالذهب، و البرّ بالشعير، و الشعير بالبرّ كيف شئتم يدا بيد»(5).

و لأنّهما لا يشتركان في الاسم الخاصّ، فكانا جنسين، كالشعير و الذرّة.

و أجابوا عن حديث معمر بأنّه أعمّ من هذا الحديث. و الغشّ ينتقض بالفضّة، فإنّه يغشّ بها الذهب.

و الجواب: أنّ الراوي فهم تناول الطعام لصورة النزاع. و بالجملة فالتعويل على أحاديث الأئمّة عليهم السّلام. و الاختصاص بالاسم لا يخرج الماهيّات عن التماثل، كالحنطة و الدقيق.1.

ص: 149


1- الكافي 187:5، 3، التهذيب 94:7، 399.
2- التهذيب 95:7، 408.
3- هو ابن إدريس في السرائر 254:2.
4- الامّ 31:3، المهذّب - للشيرازي - 279:1، الحاوي الكبير 110:5، بداية المجتهد 135:2، المحلّى 492:8، المغني 151:4، الشرح الكبير 149:4.
5- سنن البيهقي 276:5، معرفة السنن و الآثار 33:8-34، 11021.

مسألة 79: ثمرة النخل كلّها جنس واحد،

كالبرنيّ و المعقلي و الآزاد و الدقل و إن كان رديئا في الغاية لا يجوز التفاضل فيه نقدا و لا نسيئة، فلا يباع مدّ من البرنيّ بمدّين من الدقل و كذا البواقي لا نقدا و لا نسيئة، و كذا ثمرة الكرم كلّها جنس واحد، كالأسود و الأبيض و الطيّان و الرازقي، لقول الصادق عليه السّلام: «لا يباع مختومان من شعير بمختوم من حنطة إلاّ مثلا بمثل، و التمر مثل ذلك»(1).

و كان عليّ عليه السّلام يكره أن يستبدل وسقين من تمر المدينة بوسق من تمر خيبر(2).

و في حديث آخر ذلك و زيادة: «و لم يكن عليه السّلام يكره الحلال» [1].

و سئل عن الطعام و التمر و الزبيب، فقال: «لا يصلح شيء منه اثنان بواحد إلاّ أن تصرفه نوعا إلى نوع آخر، فإذا صرفته فلا بأس به اثنان بواحد و أكثر»(3) و إطلاق التمر يدلّ على اتّحاده حقيقة.

و قال الباقر عليه السّلام: «يكره وسق من تمر المدينة بوسقين من تمر خيبر، لأنّ تمر المدينة أجودهما»(4).

تذنيب: الطلع كالثمرة في الاتّفاق و إن اختلفت أصولهما،

و طلع الفحل كطلع الإناث.8.

ص: 150


1- الكافي 187:5، 3، التهذيب 94:7، 399.
2- الكافي 188:5، 8، التهذيب 94:7، 400، و 97، 413.
3- الفقيه 178:3، 804، التهذيب 95:7، 406.
4- الفقيه 178:3، 805، التهذيب 95:7-96، 408.

مسألة 80: اللحوم أجناس مختلفة باختلاف أصولها،

فلحم الغنم ضأنه و ما عزه جنس واحد، و لحم البقر جاموسها و عرابها جنس واحد مغاير للأوّل، و لحم الإبل عرابها و بخاتيّها جنس آخر مغاير للأوّلين، و كذا باقي اللحوم، عند علمائنا أجمع - و هو أصحّ قولي الشافعي، و به قال المزني و أبو حنيفة و أحمد في رواية(1) - لأنّها فروع أصول مختلفة هي أجناس متعدّدة، و كانت أجناسا كاصولها، كما في الأدقّة و الخلول. و لأنّها متفاوتة في المنافع و متخالفة في الأغراض و الغايات، فأشبهت المختلفات جنسا.

و للشافعي قول آخر: إنّها جنس واحد، فلحم البقر و الغنم و الإبل و السموك و الطيور و الوحوش كلّها جنس واحد - و هو رواية عن أحمد أيضا - لأنّها اشتركت في الاسم في حال حدوث الربا فيها الذي لا يقع بعده التمييز إلاّ بالإضافة، فكانت جنسا واحدا، كأنواع الرطب و العنب، و تخالف الثمار المختلفة بالحقيقة، فإنّها و إن اشتركت في اسم الثمرة لكنّها امتازت بأساميها الخاصّة(2).

و الجواب: المنع من الاشتراك في الاسم الخاصّ، و ليس إطلاق لفظ اللحم عليها إلاّ كإطلاق الحيوان و الجسم عليها.

و قال مالك: اللّحمان [1] ثلاثة أصناف: الإنسي و الوحشي صنف واحد،4.

ص: 151


1- المهذّب - للشيرازي - 279:1، حلية العلماء 161:4، الحاوي الكبير 154:5، التنبيه في الفقه الشافعي: 91، روضة الطالبين 59:3، الوسيط 55:3، العزيز شرح الوجيز 95:4، المغني و الشرح الكبير 155:4.
2- المهذّب - للشيرازي - 279:1، حلية العلماء 161:4-162، الحاوي الكبير 154:5، التنبيه في الفقه الشافعي: 91، روضة الطالبين 59:3، الوسيط 3: 56، العزيز شرح الوجيز 95:4، المغني 155:4، الشرح الكبير 154:4.

و الطير صنف، و لحوم ذوات الماء صنف واحد - و هو رواية أخرى عن أحمد إلاّ أنّه جعل الوحشي صنفا آخر - لأنّ لحم الطير لا تختلف المنفعة به، و لا يختلف القصد في أكله(1).

و الجواب: يبطل بلحم الإبل و لحم الغنم، فإنّها تختلف المنفعة بها و القصد إلى أكلها.

فروع:

أ - الوحشيّ من كلّ جنس مخالف لأهليّة، فالبقر الأهلي مع البقر الوحشيّ جنسان مختلفان،

و الغنم الأهليّة و الغنم الوحشيّة - و هي الظباء - جنسان، و الحمر الوحشيّة و الأهليّة جنسان أيضا عندنا، و به قال الشافعي في أصحّ القولين و أحمد(2) ، خلافا لمالك(3) ، و قد سبق.

ب - لحم السمك مخالف لباقي اللحوم،

عند علمائنا أجمع، و هو أصحّ قولي الشافعي و أحمد في رواية(4).

و للشافعي قول: إنّ اللّحمان كلّها صنف واحد(5) ، فعلى هذا القول في السمك عنده قولان:

أحدهما: أنّ لحومها و لحوم باقي الحيوانات البرّيّة جنس واحد،1.

ص: 152


1- بداية المجتهد 136:2، العزيز شرح الوجيز 95:4، حلية العلماء 163:4، المغني 155:4، الشرح الكبير 154:4-155.
2- العزيز شرح الوجيز 96:4، روضة الطالبين 59:3، حلية العلماء 163:3، المغني 155:4، الشرح الكبير 154:4.
3- انظر: المصادر في الهامش (1).
4- العزيز شرح الوجيز 96:4، روضة الطالبين 59:3، و انظر: المغني 155:4، و الشرح الكبير 154:4.
5- انظر: المصادر في الهامش (2) من ص 151.

لشمول الاسم لها، قال اللّه تعالى وَ مِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْماً طَرِيًّا (1)(2).

و الجواب: أنّه كشمول الثمار للتمر و التفّاح.

و الثاني: أنّ الحيتان مخالفة لباقي اللحوم، لأنّ لها اسما خاصّا، و لهذا لو حلف لا يأكل اللحم، لم يحنث بلحوم الحيتان. و لأنّه لا يسمّى لحما عند الإطلاق، و لهذا لا يضاف اللحم إلى اسمه فيقال: لحم السمك، كما يقال: لحم الإبل(3).

ج - لحم السمك هل هو جنس واحد أو أجناس ؟ الأقوى: الأوّل،

لشمول اسم السمك للكلّ، و الاختلاف بالعوارض لا يوجب الاختلاف في الحقيقة.

و يحتمل أن يكون أجناسا متعدّدة، فكلّ ما اختصّ باسم و صفة كان جنسا مخالفا لما غايره ممّا اختصّ باسم آخر و صفة أخرى، فالشبّوط و القطّان و البني أجناس مختلفة، و كذا ما عداها.

د - الأقوى في الحمام - و هو ما عبّ و هدر،

أو كان مطوّقا على اختلاف التفسير - أنّه جنس واحد، فلحم القماري و الدباسي و الفواخت جنس واحد، لشمول اسم الحمام لها، و تقاربها في المنافع.

و يحتمل تعدّدها بتعدّد ما يضاف إليه.

أمّا الحمام مع غيره من الطيور كالعصافير و الدجج فأولى بالتغاير.

ه - الجراد جنس بانفراده مغاير لسائر اللحوم البرّيّة و البحريّة،

و هو ظاهر عند علمائنا حيث أوجبوا اختلاف اللحوم باختلاف أصولها، و هو4.

ص: 153


1- فاطر: 12.
2- المهذّب - للشيرازي - 279:1، الحاوي الكبير 154:5، العزيز شرح الوجيز 95:4.
3- المهذّب - للشيرازي - 279:1، الحاوي الكبير 154:5، العزيز شرح الوجيز 95:4.

أصحّ قولي الشافعي(1). و في قول آخر للشافعي: إنّه من جنس اللحوم، فحينئذ هل هو من البرّيّة أو البحريّة ؟ وجهان(2).

و - أعضاء الحيوان الواحد كلّها جنس واحد مع لحمه،

كالكرش و الكبد و الطحال و القلب و الرئة، و الأحمر و الأبيض واحد، و كذا الشحوم كلّها بعضها مع بعض و مع اللحم جنس واحد، لأنّ أصلها واحد، و تدخل تحت اسمه.

و للشافعيّة في ذلك طريقان:

الأشهر عندهم أن يقال: إن جعلنا اللحوم أجناسا، فهذه أولى، لاختلاف أسمائها و صفاتها، و إن قلنا: إنّها جنس واحد، ففيها وجهان، لأنّ من حلف أن لا يأكل اللحم لا يحنث بأكل هذه الأشياء على الصحيح.

و الثاني عن القفّال أن يقال: إن جعلنا اللحوم جنسا واحدا، فهذه مجانسة لها، و إن جعلناها أجناسا، فوجهان، لاتّحاد الحيوان، فأشبه لحم الظهر مع شحمه(3).

و كذا المخ جنس آخر عندهم. و الجلد جنس آخر. و شحم الظهر مع شحم البطن جنسان. و سنام البعير معهما جنس آخر، أمّا الرأس و الأكارع فمن جنس اللحم(4).

و الكلّ عندنا باطل، فإنّ الحقّ تساوي هذه الأشياء. و التعلّق بالحنث أو بعدمه غير مفيد، فإنّ اليمين يتبع الاسم و إن كانت الحقيقة واحدة، كما لو حلف أن لا يأكل خبزا، فأكل دقيقا، لم يحنث و إن كان واحدا.3.

ص: 154


1- العزيز شرح الوجيز 96:4، روضة الطالبين 59:3.
2- العزيز شرح الوجيز 96:4، روضة الطالبين 59:3.
3- العزيز شرح الوجيز 96:4.
4- العزيز شرح الوجيز 96:4، روضة الطالبين 60:3.

تنبيه: كلّ ما حكمنا فيه باختلاف الجنس و تغايره، فإنّه يجوز بيع بعضه ببعض

متفاضلا نقدا و نسيئة إلاّ الصرف، فلا يجوز النسيئة فيه، و كلّ ما حكمنا فيه بالتماثل فإنّه لا يجوز التفاضل فيه.

مسألة 81: المشهور المنع من بيع اللحم بحيوان من جنسه

- و به قال الفقهاء السبعة [1] و مالك و الشافعي و أحمد(1) - لما رواه الجمهور عن سعيد بن المسيّب أنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله نهى عن بيع اللحم بالحيوان(2). و مراسيل ابن المسيّب حجّة عندهم(3).

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السّلام: «إنّ أمير المؤمنين عليه السّلام كره اللحم بالحيوان»(4).

و لأنّه نوع في الربا بيع بأصله الذي هو منه فلم يجز، كما لو باع5.

ص: 155


1- المغني 159:4-160، الشرح الكبير 159:4، التفريع 129:2، مختصر المزني: 78، الحاوي الكبير 157:5، حلية العلماء 193:4، المهذّب - للشيرازي - 284:1، التهذيب - للبغوي - 364:3، روضة الطالبين 3: 60، الوسيط 57:3، العزيز شرح الوجيز 98:4.
2- الموطّأ 655:2، 64، المراسيل - لأبي داود -: 133، 15، المستدرك - للحاكم - 35:2، سنن الدارقطني 71:3، 266.
3- انظر: مختصر المزني: 78، و الجرح و التعديل 61:4، و الكفاية - للخطيب البغدادي -: 404، و اللمع: 159، و الحاوي الكبير 158:5، و المجموع (المقدّمة) 60:1 و 61، و تهذيب الأسماء و اللغات 221:1.
4- الكافي 191:5، 7، التهذيب 45:7، 194، و 120، 525.

الشيرج [1] بالسمسم من غير اعتبار.

و الأقرب عندي: الجواز على كراهيّة، للأصل السالم عن معارضة ثبوت الربا، لفقد شرطه، و هو التقدير بالكيل أو الوزن، المنفي في الحيوان الحيّ. و أمّا الكراهيّة: فللاختلاف.

و قال أبو حنيفة و أبو يوسف و المزني بالجواز، لأنّه باع ما فيه الربا بما لا ربا فيه فجاز، كما لو باع الحيوان بالدراهم(1).

و قال محمّد بن الحسن: يجوز على اعتبار اللحم في الحيوان، فإن كان دون اللحم الذي في مقابلته، جاز(2).

فروع:

أ - الممنوع إنّما هو بيع لحم الحيوان بجنسه،

أمّا بغير جنسه - كلحم الشاة بالإبل - فإنّه يجوز، لجواز بيع لحم أحدهما بلحم الآخر فبالآخر حيّا أولى.

أمّا الشافعيّة: ففي كون اللحوم كلّها جنسا واحدا أو أجناسا [2] متعدّدة عندهم قولان، فإن قالوا بالوحدة، لم يجز بيع لحم الشاة بالإبل الحيّة، و لا لحم البقر بالشاة الحيّة و كذا البواقي. و إن قالوا باختلاف، فقولان:5.

ص: 156


1- بدائع الصنائع 189:5، الهداية - للمرغيناني - 64:3، مختصر اختلاف العلماء 41:3، 1118، المغني 160:4، الشرح الكبير 159:4، مختصر المزني: 79، الحاوي الكبير 157:5، حلية العلماء 194:4، العزيز شرح الوجيز 98:4.
2- بدائع الصنائع 189:5، الهداية - للمرغيناني - 64:3، مختصر اختلاف العلماء 41:3، 1118، حلية العلماء 194:4، الحاوي الكبير 157:5.

أحدهما: المنع، لأنّ أبا بكر منع من بيع العناق بلحم الجزور(1).

و الجواب: أنّ فعل أبي بكر و قوله ليس حجّة.

و الثاني [1]: الجواز - و به قال مالك و أحمد - لأنّه يجوز بيعه بلحمه فجواز بيعه به أولى(2).

ب - يجوز بيع اللحم بالحيوان غير المأكول كالآدمي و السبع و غيرهما،

عندنا، لجواز بيعه بجنسه فبغيره حيّا أولى. و لأنّ سبب المنع بيع مال الربا بأصله المشتمل عليه، و هو منفيّ هنا، و به قال مالك و أحمد، لأنّ الحيوان لا ربا فيه جملة فجاز بيعه بما فيه الربا(3).

و للشافعي قولان، هذا أحدهما، و الثاني: المنع - و هو اختيار القفّال - لعموم السنّة(4). و هو ممنوع.

ج - يجوز بيع اللحم بالسمكة الحيّة، و لحم السمك بالحيوان الحيّ عندنا، لما تقدّم.

و عند الشافعي قولان، أحدهما: أنّ لحم السمك إن كان من جملة اللحم، كان كما لو باع لحم غنم ببقر. و إن كان ليس من جملة اللّحمان،3.

ص: 157


1- رواه الشافعي في مختصر المزني: 78، و أورده أبو إسحاق الشيرازي في المهذّب 284:1، و الماوردي في الحاوي الكبير 158:5، و الرافعي في العزيز شرح الوجيز 98:4، و كذلك ابنا قدامة في المغني 162:4، و الشرح الكبير 159:4.
2- الوسيط 57:3، حلية العلماء 194:4-195، العزيز شرح الوجيز 98:4، روضة الطالبين 60:3، التفريع 129:2، المغني 163:4-164، الشرح الكبير 159:4.
3- التفريع 129:2، المغني 164:4، الشرح الكبير 159:4، حلية العلماء 195:4.
4- المهذّب - للشيرازي - 284:1، التهذيب - للبغوي - 365:3، الحاوي الكبير 5: 159، حلية العلماء 195:4، العزيز شرح الوجيز 98:4، روضة الطالبين 60:3.

فقولان، لوقوع اسم اللحم و الحيوان عليه. و الثاني: الجواز(1).

د - يجوز بيع الشحم و الألية و الطحال و القلب و الكلية و الرئة بالحيوان عندنا

- و للشافعيّة وجهان(2) - و كذا السنام بالإبل، للنهي عن بيع اللحم بالحيوان، و لم يرد في غيره.

و أصحّهما عندهم: المنع، لأنّه في معنى اللحم.

و كذا الوجهان في بيع الجلد بالحيوان إن لم يكن مدبوغا [و إن كان مدبوغا](3) فلا منع. و على الوجهين أيضا بيع لحم السمك بالشاة(4).

ه - يجوز بيع دجاجة فيها بيضة بدجاجة خالية من البيض،

أو بدجاجة فيها بيضة، أو ببيضة لا غير، لوجود المقتضي، و هو عموم وَ أَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ (5) السالم عن معارضة الربا، لانتفاء شرطه، و هو الكيل أو الوزن هنا.

و منع الشافعيّة من بيع دجاجة فيها بيضة بدجاجة قولا واحدا، لأنّ ذلك بمنزلة بيع اللبن بالحيوان اللبون [1]. و سيأتي.

مسألة 82: الألبان تابعة لأصولها تختلف باختلافها و تتّفق باتّفاقها،

فلبن الغنم ضأنه و معزه [2] جنس، و لبن الإبل عرابها و بخاتيّها جنس آخر مغاير للأوّل، و لبن البقر عرابها و جاموسها جنس واحد مخالف للأوّلين.5.

ص: 158


1- الحاوي الكبير 159:5، العزيز شرح الوجيز 98:4، روضة الطالبين 60:3.
2- العزيز شرح الوجيز 98:4، روضة الطالبين 60:3.
3- أضفناها من المصدر.
4- نفس المصدر في الهامش (2).
5- البقرة: 275.

و لبن الوحشي مخالف للإنسي، فلبن البقر الوحشي [1] مخالف للبن البقر الإنسي. و كذا لبن الظبي و لبن الشاة جنسان، عند علمائنا أجمع.

و قد نصّ الشافعي على أنّ الألبان أجناس(1) ، و لم يذكر غير ذلك، إلاّ أنّ له في اللّحمان قولين: أحدهما: أنّها جنس واحد - قاله أصحابه - لا فرق بينها [2](2) ، فجعلوا في الألبان قولين: أحدهما: أنّها جنس واحد، و هو المشهور عن أحمد. و الثاني - و هو الأصحّ عندهم -: أنّها أجناس، و به قال أبو حنيفة(3).

لنا: أنّها فروع تابعة لأصول مختلفة بالحدّ و الحقيقة، فكانت فروعها تابعة لها، كالأدهان و الخلول - و هذا بخلاف اللّحمان، فإنّ للشافعي قولا بالتماثل فيها(4) - لأنّ الأصول التي حصل اللبن منها باقية بحالها و هي مختلفة، فيدام حكمها على الفروع، بخلاف أصول اللحم.

احتجّ الآخرون بأنّ الألبان اشتركت في الاسم الخاصّ في أوّل حال).

ص: 159


1- المهذّب - للشيرازي - 280:1، حلية العلماء 162:4، الحاوي الكبير 120:5، التنبيه في الفقه الشافعي: 91، التهذيب - للبغوي - 353:3، العزيز شرح الوجيز 97:4، المغني و الشرح الكبير 157:4.
2- المهذّب - للشيرازي - 279:1، التنبيه في الفقه الشافعي: 91، حلية العلماء 4: 161-162، الحاوي الكبير 154:5، الوسيط 155:3-156، التهذيب - للبغوي - 362:3، العزيز شرح الوجيز 95:4، روضة الطالبين 59:3، المغني 155:4، الشرح الكبير 154:4 و 155.
3- المهذّب - للشيرازي - 280:1، الحاوي الكبير 120:5، حلية العلماء 4: 162، التهذيب - للبغوي - 353:3، العزيز شرح الوجيز 97:4، الوسيط 3: 57، المغني و الشرح الكبير 157:4، الهداية - للمرغيناني - 65:3.
4- راجع المصادر في الهامش (4).

حدوث الربا فيها، فكانت جنسا واحدا، كثمار النخل، المختلفة الأنواع، بخلاف الخلول و الأدهان، لأنّ دخول الربا حصل في أصولها قبل اشتراكها في الاسم.

و الجواب: الطلع جنس واحد.

فروع:

أ - يجوز بيع لبن البقر بلبن الغنم متماثلا و متفاضلا نقدا،

و يكره نسيئة، لاختلاف الجنس، و هو أحد قولي الشافعي(1).

و لبن الوحشي و الإنسي جنسان، و لهذا لا يضمّ إليها في الزكاة و لا ينصرف إطلاق الاسم إليها.

و في قول آخر له: إنّها جنس(2)التهذيب - للبغوي - 352:3، العزيز شرح الوجيز 92:4، روضة الطالبين 3:

57.(3) ، فلا يباع بعضه ببعض متفاضلا لا نقدا و لا نسيئة.

ب - يجوز بيع الرطب بالرطب متماثلا لا متفاضلا على ما يأتي.

و منع الشافعي من ذلك(4) ، و جوّز في اللبن بيع بعضه ببعض متساويا(4). و فرّق أصحابه(5) بوجهين:4.

ص: 160


1- الام 27:3، التهذيب - للبغوي - 353:3، العزيز شرح الوجيز 97:4، روضة الطالبين 60:3.
2- راجع المصادر في الهامش
3- من ص 159.
4- الام 20:3، مختصر المزني: 77، الحاوي الكبير 134:5، الوجيز 137:1، العزيز شرح الوجيز 82:4 و 89، حلية العلماء 172:4، التهذيب - للبغوي - 343:3، روضة الطالبين 55:3.
5- انظر: العزيز شرح الوجيز 92:4.

الأوّل: اللبن معظم منفعته في حال رطوبته، و بقاء رطوبته من مصلحته، بخلاف الرطب، فإنّ رطوبته تفسده، و معظم منفعته إذا جفّ.

الثاني: الرطب ينتهي إلى حال الجفاف بنفسه، فاعتبرت تلك الحال، و اللبن لا ينتهي إلى حال الجفاف بنفسه، بل ربما يطرح معه غيره ليتجفّف، فلم ينتظر به هذه الحال.

ج - يجوز بيع الجنس بعضه ببعض إذا لم يخالطه غيره،

فإن خالطه ماء أو ملح أو إنفحة و إن كان كثيرا، لم يؤثّر في الجواز، خلافا للشافعي(1).

لنا: أنّه مع الممازجة إن كان التساوي في الجنس باقيا، جاز البيع مع التساوي قدرا، و إن زال و حصل الاختلاف، جاز مع التساوي قدرا، و عدمه.

و لو باع حليبا بلبن قد حمض و تغيّر و لم يخالطه غيره، جاز عندنا و عنده(2) ، لأنّ تغيّر الصفة لا يمنع من جواز البيع، كالجودة و الرداءة.

مسألة 83: الأدهان تتبع أصولها، و كذا الخلول و الأدقّة و السمون

و العصير و الدبوس و البيوض إن اعتبرنا العدد، فدهن الشيرج و البزر و دهن اللوز و الجوز أجناس مختلفة يباع بعضها ببعض متماثلا و متفاضلا نقدا، و في النسيئة الأقوى: الكراهة، لأنّها فروع أجناس مختلفة، فتختلف باختلافها.

و خلّ العنب و خلّ التمر جنسان، و كذا عصير العنب مع عصير الرطب جنسان، و دبسهما جنسان أيضا.3.

ص: 161


1- المهذّب - للشيرازي - 284:1، التهذيب - للبغوي - 349:3-350، العزيز شرح الوجيز 88:4، روضة الطالبين 54:3.
2- المهذّب - للشيرازي - 284:1، التهذيب - للبغوي - 352:3، العزيز شرح الوجيز 92:4، روضة الطالبين 57:3.

و دقيق الحنطة و دقيق الشعير جنس واحد، أمّا دقيق أحدهما مع دقيق الدخن أو الذرّة أو الباقلاء فجنسان.

و سمن الغنم و سمن البقر و سمن الإبل أجناس متعدّدة باختلاف أصولها.

و كذا السمن و الزيت، لقول الصادق عليه السّلام - في الصحيح - و قد سئل عن الزيت بالسمن اثنين بواحد، قال: «يدا بيد لا بأس»(1).

و بيض الدجاج و النعام و الطيور أجناس مختلفة باختلاف الأصول، و هو المشهور من مذهب الشافعي(2).

و في الأدقّة حكاية قول عن أمالي حرملة أنّها جنس واحد(3).

و أبعد منه وجه ذكره الشافعيّة في الخلول و الأدهان، و يجري مثله في عصير العنب و عصير الرطب(4).

و بيوض الطيور أجناس عندهم إن قالوا بتعدّد اللّحمان، و إلاّ فوجهان، أصحّهما: التعدّد في البيوض عندهم(5).

و الزيت المعروف مع زيت الفجل - و هو دهن يتّخذ من بزر الفجل يسمّى زيتا - جنسان، لأنّه يصلح لبعض ما لا يصلح له الزيت.

و من الشافعيّة من ألحقهما [1] باللّحمان(6).

و التمر من النخل مع التمر الهندي جنسان، لاختلافهما في الحقيقة4.

ص: 162


1- التهذيب 94:7، 399، و 97، 416، و 121، 529.
2- العزيز شرح الوجيز 97:4.
3- العزيز شرح الوجيز 97:4.
4- العزيز شرح الوجيز 97:4، روضة الطالبين 60:3.
5- الحاوي الكبير 155:5، العزيز شرح الوجيز 97:4، روضة الطالبين 60:3.
6- العزيز شرح الوجيز 97:4.

و الأصول.

و عن [ابن القطان](1) من الشافعيّة وجه: أنّهما واحد(2).

و البطّيخ المعروف مع الهندي مختلفان.

و للشافعيّة فيه قولان(3).

و كذا القثّاء مع الخيار.

و البقول - كالهندباء و النعنع و غيرهما - أجناس، لاختلافهما حقيقة و جنسا.

مسألة 84: الأصل مع كلّ فرع له واحد،

و كذا فروع كلّ أصل واحد - و ذلك كاللبن الحليب مع الزّبد و السمن و المخيض و اللّبإ و الشيراز [1] و الأقط و المصل [2] و الجبن و الترجين [3] و الكشك و الكامخ، و السمسم مع الشيرج و الكسب و الراشي، و بزر الكتّان مع حبّه، و الحنطة مع الدقيق و الخبز على اختلاف أصنافه من الرقاق و الفرن و غيرهما و مع الهريسة، و الشعير مع السويق، و التمر مع السيلان و الدبس و الخلّ منه و العصير منه، و العنب مع دبسه و خلّه، و العسل مع خلّه، و الزيت مع الزيتون و غير ذلك - عند علمائنا3.

ص: 163


1- بدل ما بين المعقوفين في «ق، ك» و الطبعة الحجريّة: أبي العطاف. و ذلك تصحيف. و ما أثبتناه كما في المصدر، و هو الموافق لما في تاريخ بغداد 4: 365، 2229، و طبقات الفقهاء - للشيرازي -: 121، و تهذيب الأسماء و اللغات 2: 214، 327، و طبقات الشافعيّة - للاسنوي - 146:2، 917، و طبقات الشافعيّة - لابن قاضي شهبة - 124:1، 74.
2- العزيز شرح الوجيز 97:4.
3- العزيز شرح الوجيز 97:4، روضة الطالبين 60:3.

أجمع، فلا يجوز التفاضل بين اللبن و الزّبد و السمن و المخيض و اللّبإ و الأقط و غير ذلك ممّا تقدّم، بل يجب التماثل نقدا، و لا يجوز نسيئة لا متماثلا و لا متفاضلا. و لا فرق في ذلك بين أن يباع الأصل مع فرعه، أو بعض فروعه مع البعض.

و منع الشافعي من بيع الزّبد و السمن باللبن متساويا نقدا، لأنّهما مستخرجان من اللبن، و لا يجوز عنده بيع ما استخرج من شيء بأصله(1) ، كما لا يجوز بيع الشيرج بالسمسم، و الزيت بالزيتون(2).

و هو غلط، لأنّهما إن تساويا في الحقيقة، جاز البيع فيهما مع التساوي قدرا و نقدا. و إن اختلفا، جاز مطلقا.

قال أبو إسحاق - ممّا حكي عنه في التعليل -: إنّ الزّبد لا يخلو من لبن فيكون بيع لبن مع غيره بلبن(3).

و لا يرد بيع اللبن بمثله، لأنّ الزّبد لا حكم له ما دام في أصله و لم ينفرد، فإنّ بيع السمسم بالسمسم يجوز مع تفاضل الدهن و لا يجوز بيع الشيرج بالسمسم.

و هذا الأصل عندنا باطل، لأنّه عندنا يجوز بيع السمسم بالشيرج متساويا نقدا لا نسيئة.

و منع الشافعي أيضا من بيع المخيض باللبن، لأنّ اللبن فيه زبد5.

ص: 164


1- المهذّب - للشيرازي - 284:1، التهذيب - للبغوي - 352:1، الحاوي الكبير 121:5، العزيز شرح الوجيز 93:4، روضة الطالبين 58:3.
2- المهذّب - للشيرازي - 284:1، التهذيب - للبغوي - 351:1، حلية العلماء 4: 184، الحاوي الكبير 123:5، العزيز شرح الوجيز 98:4.
3- الحاوي الكبير 121:5.

و المخيض لا زبد فيه فيؤدّي إلى تفاضل اللبنين(1).

و ما ذكرناه أحقّ، لعدم الانفكاك من التماثل و الاختلاف، و على كلا التقديرين يجوز.

و قد علّل(2) أيضا بأنّ في المخيض أجزاء مائيّة، و لا يجوز بيع المشوب بالماء بالخالص. و هو ممنوع أيضا.

و منع أيضا من بيع اللّبإ و الشيراز بالحليب، لانعقاد أجزائها، فلا يمكن كيلها، و لا يجوز بيع اللبن وزنا(3). و هو ممنوع.

و منع أيضا من بيع اللبن بالمصل و الجبن و الكشك، لانعقاد أجزائها، و مخالطة الملح و الإنفحة(4).

و هو ممنوع، لأنّ الأجزاء اليسيرة لا اعتبار لها في حصول الاختلاف، و لو حصل، جاز أيضا.

و أمّا المطبوخ فإن لم تنعقد أجزاؤه و إنّما يسخن، فإنّه يجوز عنده بيع بعضه ببعض، كالعسل المصفّى بالشمس و النار(5). و إن طبخ حتى انعقدت أجزاؤه، فوجهان عنده: الجواز، كما يجوز بيع الدهن بالدهن، و المنع، لما فيه من لبن و غيره، فكان كبيع لبن و غيره بلبن(6). و الأصل ممنوع.

و السمن يجوز بيع بعضه ببعض، لأنّه لا يخالطه غيره. قال: و بيعه3.

ص: 165


1- المهذّب - للشيرازي - 284:1، التهذيب - للبغوي - 352:1، الحاوي الكبير 122:5، العزيز شرح الوجيز 93:4، روضة الطالبين 58:3.
2- انظر: الحاوي الكبير 122:5.
3- المهذّب - للشيرازي - 284:1.
4- المهذّب - للشيرازي - 284:1، الحاوي الكبير 121:5.
5- التهذيب - للبغوي - 353:3 و 354، العزيز شرح الوجيز 94:4، روضة الطالبين 58:3.
6- التهذيب - للبغوي - 354:3، العزيز شرح الوجيز 93:4، روضة الطالبين 58:3.

وزنا أحوط(1).

و أمّا المخيض فإن خالطه ماء، لم يجز بيع بعضه ببعض عنده، لجواز تفاضل اللبنين أو الماءين، و إن لم يخالطه ماء، جاز(2).

و عندنا يجوز مطلقا.

و أمّا الأقط و المصل و الجبن و الكامخ فلا يجوز بيع الواحد منها بواحد من نوعه عنده، لانعقاد أجزائها، و الكيل مختلف فيها و الكيل أصلها، و فيها ما خالطه غيره(3).

و لا اعتبار عندنا بذلك بل يجوز.

و أمّا بيع نوع منها بنوع آخر - كالسمن بالزّبد و المخيض، و الزّبد بالمخيض - فإنّه جائز عندنا.

و منع الشافعي من السمن بالزّبد، لأنّ السمن مستخرج منه، و جوّز الباقي، و إنّما أجاز المخيض بالسمن، لأنّ المخيض ليس فيه سمن، فكانا بمنزلة الجنسين(4).

ثمّ اعترض على نفسه في المنع من بيع الشيرج بالكسب، و المخيض و السمن بمنزلته.

و أجاب: بأنّ الكسب لا ينفرد عن الشيرج، و لا بدّ أن يبقى فيه شيء،2.

ص: 166


1- المهذّب - للشيرازي - 284:1، التهذيب - للبغوي - 352:3، العزيز شرح الوجيز 92:4، روضة الطالبين 57:3.
2- المهذّب - للشيرازي - 284:1، التهذيب - للبغوي - 352:3، العزيز شرح الوجيز 93:4، روضة الطالبين 57:3.
3- المهذّب - للشيرازي - 284:1، التهذيب - للبغوي - 352:3، العزيز شرح الوجيز 93:4، روضة الطالبين 57:3-58.
4- المهذّب - للشيرازي - 284:1، الحاوي الكبير 121:5 و 122.

بخلاف اللبن، فإنّ المخيض لا يبقى فيه سمن [1].

و عندنا أنّ المخيض و السمن جنس يجوز بيع بعضه ببعض متماثلا لا متفاضلا.

و أمّا الزّبد بمثله يجوز بيعه به.

و حكي عن أبي إسحاق أنّه لا يجوز، لأنّه إذا كان في الزّبد لبن، لم يجز بيعه باللبن عنده(1).

و الصحيح عندهم: الجواز - كمذهبنا - لأنّ ذلك القدر يسير لا يتبيّن إلاّ بالنار و التصفية، فلم يكن له حكم(2).

فروع:

أ - دهن السمسم و كسبه جنس واحد عندنا،

لما بيّنّا من أنّ الفروع المستندة إلى أصل واحد جنس واحد، فلا يجوز بيع الشيرج بالكسب متفاضلا.

و قال الشافعي: إنّهما جنسان، كالمخيض و السمن(3).

و الأصل عندنا ممنوع.

ب - عصير العنب مع خلّه و عصير التمر مع خلّه

بل و العنب مع خلّه و التمر مع خلّه جنس واحد في كلّ واحد منها، فلا يجوز بيع عصير العنب بخلّ العنب متفاضلا، و لا عصير التمر بخلّ التمر متفاضلا.3.

ص: 167


1- المهذّب - للشيرازي - 284:1، حلية العلماء 188:4، الحاوي الكبير 5: 122، العزيز شرح الوجيز 93:4 و فيه الصحيح عدم الجواز من دون نسبته إلى أبي إسحاق، و كذا في بقيّة المصادر.
2- المهذّب - للشيرازي - 284:1، حلية العلماء 188:4، الحاوي الكبير 5: 122، العزيز شرح الوجيز 93:4 و فيه الصحيح عدم الجواز من دون نسبته إلى أبي إسحاق، و كذا في بقيّة المصادر.
3- التذهيب - للبغوي - 351:3، العزيز شرح الوجيز 97:4، روضة الطالبين 60:3.

و للشافعيّة وجهان، أحدهما: أنّهما جنسان، لاختلافهما في الوصف و الاسم و المقصود(1). و هو ممنوع.

ج - الشيرج مع دهن ما يضاف إليه جنس واحد يحرم التفاضل فيه

و يجب التساوي نقدا، كالشيرج و دهن البنفسج و دهن النيلوفر.

مسألة 85: يجوز بيع عسل النحل بعضه ببعض متساويا نقدا،

و لا يجوز نسيئة و لا متفاضلا مطلقا قبل التصفية من الشمع و بعدها، لأصالة الإباحة، و ورود النصّ(2) بها مع سلامته عن معارضة الربا، لما يأتي من جواز بيع الشيئين المختلفين بجنسيهما، و بعد التصفية يكونان مثلين.

و منع الشافعي من بيع بعضه ببعض قبل التصفية متساويا و متفاضلا، لأدائه إلى تفاضل العسلين، لأنّ الشمع قد يكون في أحدهما أكثر(3).

ثمّ اعترض أصحابه بجواز بيع التمر بعضه ببعض و إن جاز أن يكون النوى في أحدهما أكثر، و كذا بيع قديد اللحم بقديد و إن كان فيه عظام.

ثمّ أجابوا بأنّ النوى و العظام من مصلحة التمر و اللحم فلم يكلّف نزعه، للضرورة، فجاز بيعه معه، بخلاف الشمع. و لأنّ العظام و النوى غير مقصودين، بخلاف الشمع، و لا يجوز ما فيه الربا بجنسه و معه ما يقصد بالبيع(4). و هو ممنوع.

و أمّا إن صفّي فإن صفّي بالشمس، جاز بيع بعضه ببعض، لأنّ الشمس لا يختلف تأثيرها فيه. و إن صفّي بالنار، فوجهان، أصحّهما:5.

ص: 168


1- العزيز شرح الوجيز 97:4، روضة الطالبين 60:3.
2- البقرة: 275.
3- الامّ 24:3، مختصر المزني: 77، الحاوي الكبير 118:5.
4- انظر: الحاوي الكبير 118:5.

الجواز، لقلّة الاختلاف. و البطلان، لاختلاف أثر النار، فربما عقدت أجزاء بعضه دون بعض(1).

و الحقّ ما قلناه نحن.

فروع:

أ - عسل الطّبرزد و عسل القصب جنس واحد،

و هما جميعا من قصب السكر. و يجوز بيع أحدهما بالآخر و بعض منه ببعض عند علمائنا.

و للشافعيّة وجهان، هذا أحدهما، لخفّة أثر النار فيهما. و الثاني:

المنع، لأجل الطبخ(2).

و عندنا لا أثر للنار في المنع.

ب - يجوز بيعهما بعسل النحل، لأنّهما جنسان مختلفان باختلاف أصولهما،

فجاز التساوي فيهما و التفاضل نقدا، و في النسيئة خلاف.

ج - يجوز بيع السّكّر بالسّكّر متساويا نقدا لا نسيئة.

و للشافعيّة وجهان، أحدهما: المنع، لأنّ النار تدخله(3). و قد بيّنّا أنّ ذلك غير مانع.

د - يجوز بيع السّكّر بعسل النحل متفاضلا،

لاختلافهما في الجنس.

و يجوز بيع السّكّر بعسله عندنا، خلافا للشافعي [1].3.

ص: 169


1- المهذّب - للشيرازي - 283:1، التهذيب - للبغوي - 354:3، حلية العلماء 4: 181، العزيز شرح الوجيز 94:4.
2- حكى الوجهين السبكي في تكملة المجموع 97:11 عن القاضي أبي الطيّب و غيره.
3- التهذيب - للبغوي - 354:3، حلية العلماء 181:4، العزيز شرح الوجيز 4: 93، روضة الطالبين 58:3.

ه - يباع العسل بالعسل وزنا و كيلا،

لعدم التفاوت بينهما، و ثبوت التقارب فيهما.

و قال الشافعي: يباع وزنا(1).

و قال أبو إسحاق: يباع كيلا، لأنّ أصله الكيل(2).

و - السكّر و النبات و الطّبرزد جنس واحد،

و به قال الشافعي(3).

و السّكّر الأحمر - و هو القواليب [1] - عكر [2] الأبيض و من قصبه جنس من السّكّر و النبات أيضا.

قال الجويني: الأظهر أنّه من جنس السّكّر(4).

و للشافعيّة وجهان(5).

مسألة 86: قد بيّنّا أنّ أصل كلّ شيء و فرعه واحد يباع أحدهما بالآخر متساويا

لا متفاضلا، نقدا، و لا يجوز نسيئة مطلقا إذا كان ممّا يكال أو يوزن، فيجوز بيع الحنطة بدقيقها و دقيق الشعير و سويقها و السويق بالدقيق متساويا، عند علمائنا أجمع - و به قال مالك و ربيعة و الليث و النخعي و قتادة و إسحاق و الشافعي في أحد القولين، لكن بعض أصحابه أنكر هذا القول عنه، و عن أحمد روايتان(6) - عملا بالأصل السالم عن3.

ص: 170


1- كما في الخلاف - للشيخ الطوسي - 58:3، المسألة 87.
2- كما في الخلاف - للشيخ الطوسي - 58:3، المسألة 87.
3- العزيز شرح الوجيز 97:4.
4- العزيز شرح الوجيز 97:4.
5- العزيز شرح الوجيز 97:4، روضة الطالبين 60:3.
6- المغني 153:4، الشرح الكبير 159:4، المهذّب - للشيرازي - 283:1، الكافي في فقه الإمام أحمد 36:2، التهذيب - للبغوي - 350:3، حلية العلماء 182:4، الحاوي الكبير 108:5 و 109، العزيز شرح الوجيز 90:4 و 91، روضة الطالبين 56:3.

معارضة الربا، لوجوب التساوي الرافع للربا.

و قول الباقر عليه السّلام - في الصحيح -: «الدقيق بالحنطة و السويق بالدقيق مثلا بمثل لا بأس به»(1) و مثله عن الصادق(2) عليه السّلام.

و لأنّ الدقيق نفس الحنطة، و إنّما تفرّقت أجزاؤه، فصار بمنزلة الحنطة الدقيقة مع السمينة.

و المشهور عن الشافعي: المنع - و هو محكيّ عن الحسن البصري و مكحول و الحكم و حمّاد و أحمد في الرواية الأخرى - لأنّ التماثل معتبر في ذلك بحالة الكمال و الادّخار، لأنّ النبي عليه السّلام سئل عن بيع الرطب بالتمر، فقال: «أ ينقص الرطب إذا يبس ؟» قالوا: نعم، قال: «فلا إذن»(3) فإذا باع الدقيق بالحنطة، لم يعلم تساويهما حنطتين، فلم يجز(4).

و الجواب: المنع من التفاوت، لأصالة بقاء التساوي.

و قال أبو ثور(5): يجوز بيع الدقيق بالحنطة متفاضلا، لأنّهما بمنزلة الجنسين، لاختلافهما في الاسم، فإنّه لو حلف لا يأكل أحدهما، لم يحنث4.

ص: 171


1- الفقيه 178:3، 802، التهذيب 94:7، 401.
2- دعائم الإسلام 42:2، 98.
3- سنن الدار قطني 50:3، 206، المستدرك - للحاكم - 38:2، المغني 144:4، الشرح الكبير 162:4، العزيز شرح الوجيز 89:4.
4- المهذّب - للشيرازي - 283:1، التهذيب - للبغوي - 350:3، حلية العلماء 4: 182، الحاوي الكبير 108:5، العزيز شرح الوجيز 90:4، روضة الطالبين 3: 56، المغني 153:4، الشرح الكبير 159:4.
5- الحاوي الكبير 108:5، حلية العلماء 182:4.

بأكل الآخر.

و الجواب: الاختلاف بالاسم لا يوجب الاختلاف في الحقيقة، لأنّ(1) أفراد النوع تختلف في الاسم و إن استوى حكمه. و ينتقض ببيع اللحم بالحيوان، مع أنّ النصّ عن أهل البيت عليهم السّلام المنع، و لم يقولوا ذلك إلاّ عن وحي.

فروع:

أ - قد بيّنّا أنّه يجوز بيع الحنطة بالسويق متساويا نقدا،

لأنّهما جنس واحد.

و منع الشافعي(2) منه، بل جعلوه أبعد من الحنطة بالدقيق في الجواز، لأنّ النار تدخله، و منه ما ينقع بالماء ثمّ يجفّف ثمّ يقلى.

و الكلّ عندنا جائز متساويا نقدا، لقول الباقر عليه السّلام و قد سئل عن البرّ بالسويق، فقال: «مثلا بمثل لا بأس به»(3).

ب - يجوز بيع الحنطة بالخبز متساويا نقدا، و لا يجوز نسيئة و لا متفاضلا.

لنا: أنّ الخبز فرع الحنطة، فكان حكمها حكم الجنس الواحد.

و قال الشافعي(4): لا يجوز بيع الحنطة بالخبز - و به قال أحمد(5) - لأنّه4.

ص: 172


1- في «ق، ك»: فإنّ، بدل لأنّ.
2- المهذّب - للشيرازي - 283:1، الحاوي الكبير 110:5، العزيز شرح الوجيز 90:4، روضة الطالبين 56:3، المغني 152:4، الشرح الكبير 160:4.
3- الكافي 189:5، 9، التهذيب 95:7، 404.
4- المهذّب - للشيرازي - 283:1، التهذيب - للبغوي - 350:3، الحاوي الكبير 110:5، العزيز شرح الوجيز 90:4، روضة الطالبين 56:3.
5- الشرح الكبير 160:4.

متنوّع أصل يحرم فيه الربا، فلم يجز بيعه بالدقيق مع الحنطة.

و الجواب: المنع من حكم الأصل.

و قال أبو حنيفة: يجوز بيع الخبز بالحنطة متفاضلا(1) - و هو قياس قول أبي ثور(2) - لأنّ بالصنعة صار في حكم الجنسين.

و الجواب: زيادة الصفة غير مؤثّرة في الاتّحاد بالحقيقة.

ج - يجوز بيع الخبز بالخبز، سواء كانا رطبين أو يابسين أو بالتفريق،

مثلا بمثل، نقدا لا نسيئة - و به قال أحمد(3) - للأصل، و لأنّ معظم منفعتهما في حال رطوبتهما، فجاز بيع أحدهما بالآخر، كاللبن باللبن.

و قال الشافعي: لا يجوز بيع أحدهما بالآخر، إذا كانا رطبين أو أحدهما، لأنّهما جنس يجري فيه الربا، بيع بعضه ببعض على صفة يتفاضلان في حال الكمال و الادّخار.

و إن كانا يابسين مدقوقين بحيث يمكن كليهما، فقولان:

قال في كتاب الصرف: لا يجوز، لأنّه قد خالطه الملح، فقد يكثر في أحدهما دون الآخر.

و روى عنه حرملة أنّه يجوز، لأنّ ذلك حالة كمال و ادّخار، و ليس للملح موضع للمكيال، فإنّ الملح يطرح مع الماء فيصير صفة فيه(4).

و الحقّ ما قدّمناه من الجواز مطلقا.1.

ص: 173


1- الاختيار لتعليل المختار 48:2، الهداية - للمرغيناني - 65:3، حلية العلماء 4: 184.
2- حلية العلماء 184:4.
3- المغني 154:4، الشرح الكبير 163:4، حلية العلماء 184:4.
4- الام 80:3، المهذّب - للشيرازي - 283:1، التهذيب - للبغوي - 350:3، حلية العلماء 184:4، الحاوي الكبير 110:5، العزيز شرح الوجيز 90:4 و 91.

د - بيع الحنطة بالفالوذج جائز عندنا.

و منع الشافعي(1) من بيعه بالحنطة كالدقيق، لأنّه نشأ، و هو من الحنطة، و كذا كلّ ما يعمل من الحنطة لا يجوز بيعه بالحنطة، و كذا ما يعمل من التمر لا يباع بالتمر، و كلّ ما يجري فيه الربا كذلك.

و عندنا يجوز متساويا مع الاتّفاق، و متفاضلا لا معه.

ه - بيع الدقيق بالدقيق جائز إذا اتّحد أصلهما، كدقيق الحنطة بمثله أو بدقيق الشعير،

لأنّهما جنس على ما تقدّم(2). و لا فرق بين الناعم بالناعم أو الخشن بالناعم، و مع الاختلاف في الأصل يجوز متفاضلا نقدا، و يكره نسيئة، كدقيق الحنطة بدقيق الذرّة، و به قال أحمد(3).

و اختلف قول الشافعي في الدقيق بالدقيق مع اتّحاد الجنس، فقال في القديم و الجديد معا: لا يجوز، لإمكان تفاضلهما حال الكمال و الادّخار، لإمكان كون أحدهما من حنطة ثقيلة الوزن، و الآخر من خفيفة، فيستويان دقيقا ناعما و لا يستويان حنطة(4).

و المعتبر إنّما هو حالة البيع، على أنّ التجويز لا ينافي المعلوم.

و نقل البويطي و المزني معا عنه الجواز(5).3.

ص: 174


1- التهذيب - للبغوي - 350:3، العزيز شرح الوجيز 90:4، روضة الطالبين 3: 350.
2- في ص 162، المسألة 83.
3- المغني 153:4، الشرح الكبير 162:4.
4- المهذّب - للشيرازي - 283:1، التهذيب - للبغوي - 350:3، الحاوي الكبير 110:5، العزيز شرح الوجيز 90:4، روضة الطالبين 56:3، المغني 153:4، الشرح الكبير 162:4.
5- المهذّب - للشيرازي - 283:1، التهذيب - للبغوي - 350:3، الحاوي الكبير 110:5، حلية العلماء 183:4، العزيز شرح الوجيز 90:4، روضة الطالبين 56:3.

و قال أبو حنيفة: يجوز بيع الناعم بالناعم و الخشن بالخشن، و لا يجوز بيع الناعم بالخشن(1).

و قد سبق(2) أنّ الاختلاف في الأوصاف لا يؤثّر في الاتّحاد في الحقيقة.

و - يجوز بيع الدقيق بالسويق متساويا نقدا،

و لا يجوز متفاضلا و لا نسيئة، لاتّحادهما في الحقيقة.

و لقول الباقر عليه السّلام - في الصحيح -: «الدقيق بالحنطة و السويق بالدقيق مثلا بمثل لا بأس به»(3).

و قال الشافعي: لا يجوز، لدخول النار في السويق(4). و نمنع المانعيّة.

و قال مالك و أبو يوسف و محمّد: يجوز بيع الدقيق بالسويق متفاضلا(5). و رواه أبو يوسف عن أبي حنيفة(6).

و روايته الأصل أنّه لا يجوز، لأنّ السويق صار بالصنعة جنسا آخر،6.

ص: 175


1- العزيز شرح الوجيز 91:4، حلية العلماء 183:4، المغني 153:4، الشرح الكبير 162:4.
2- في ص 173.
3- الفقيه 178:3، 802، التهذيب 94:7، 401.
4- الحاوي الكبير 110:5، العزيز شرح الوجيز 90:4، المغني 153:4-154، الشرح الكبير 162:4.
5- المدوّنة الكبرى 108:4، الهداية - للمرغيناني - 64:3، الاختيار لتعليل المختار 48:2، المغني 154:4، الشرح الكبير 162:4.
6- نقله الشيخ الطوسي في الخلاف 54:3، المسألة 76.

فصار كالجنسين(1).

و هو ممنوع، و منتقض بالدقيق مع الحنطة، فإنّه قد زال عنه اسمها بالصنعة و لم يصر جنسا آخر.

مسألة 87: الخلول إن اتّحدت أصولها، جاز بيع بعضها ببعض متساويا نقدا،

و لا يجوز نسيئة. و إن اختلفت، جاز التفاضل نقدا، و يكره نسيئة، فيجوز بيع خلّ العنب بخلّ العنب متساويا - و به قال الشافعي(2) - لأنّ تلك حال ادّخاره، فصار كبيع الزبيب بالزبيب.

و كذا يجوز بيع خلّ العنب بعصيره متساويا عندنا و عنده(3) ، لأنّه لا ينقص إذا صار خلاّ، فهما متساويان في حال الادّخار.

و يجوز بيع خلّ العنب بخلّ التمر عندنا و عنده(4) ، لأنّهما جنسان.

و يجوز بيع خلّ العنب بخلّ الزبيب عندنا - خلافا له(5) - لاتّحاد أصلهما.

احتجّ بأنّ في خلّ الزبيب ماء.

و هو غير مانع، لأنّه إن أفاد اختلاف الحقيقة، جاز متفاضلا، و إلاّ متساويا.

و يجوز بيع خلّ الزبيب عندنا، لاتّحاد جنسهما.3.

ص: 176


1- فتاوى قاضى خان بهامش الفتاوى الهنديّة 278:2، الهداية - للمرغيناني - 3: 64، الاختيار لتعليل المختار 47:2.
2- الام 81:3، التهذيب - للبغوي - 350:3، العزيز شرح الوجيز 92:4، روضة الطالبين 57:3.
3- المجموع 150:11.
4- الحاوي الكبير 112:5، التهذيب - للبغوي - 351:3، العزيز شرح الوجيز 92:4، روضة الطالبين 57:3.
5- الحاوي الكبير 112:5، التهذيب - للبغوي - 351:3، العزيز شرح الوجيز 92:4، روضة الطالبين 57:3.

و قال الشافعي: لا يجوز، لأنّ في كلّ واحد منهما ماء، فإن قلنا: في الماء ربا، لم يجز، لمعنيين: جواز تفاضل الزبيب و العنب، و جواز تفاضل الماء(1). و ليس بشيء.

و كذا يجوز بيع خلّ التمر بخلّ التمر عندنا، خلافا له، لاشتمالهما على الماء عنده(2).

فأمّا خلّ التمر بخلّ الزبيب(3) فإنّه يجوز عندنا متساويا و متفاضلا.

و عنه وجهان: إن قلنا: في الماء ربا، لم يجز. و إن قلنا: لا ربا فيه، جاز، لاختلاف جنسي الزبيب و التمر(4).

و أمّا بيع الدبس بالدبس فيجوز عندنا متساويا مع اتّفاق أصله، كدبس التمر بدبس التمر، و مع الاختلاف يجوز التفاضل، كدبس التمر بدبس العنب.

و منع الشافعي من جوازه و إن تساويا قدرا و جنسا، لاشتماله على الماء و قد دخلته النار(5).

و يجوز عندنا بيع الدبس بالتمر مع اتّحاد الأصل متساويا نقدا، و لا يجوز نسيئة.

و قال الشافعي: لا يجوز مطلقا، لما تقدّم(6).3.

ص: 177


1- المهذّب - للشيرازي - 283:1، التهذيب - للبغوي - 351:3، الحاوي الكبير 112:5، العزيز شرح الوجيز 92:4، روضة الطالبين 57:3.
2- المهذّب - للشيرازي - 283:1، التهذيب - للبغوي - 351:3، الحاوي الكبير 112:5، العزيز شرح الوجيز 92:4، روضة الطالبين 57:3.
3- في «ق، ك»: خلّ الزبيب بخلّ التمر.
4- المهذّب - للشيرازي - 283:1، التهذيب - للبغوي - 351:3، الحاوي الكبير 112:5، العزيز شرح الوجيز 92:4، روضة الطالبين 57:3.
5- التهذيب - للبغوي - 351:3، العزيز شرح الوجيز 93:4، روضة الطالبين 58:3.
6- انظر: التهذيب - للبغوي - 350:3.

مسألة 88: يجوز بيع الجوز بالجوز و اللوز باللوز

و إن كان عليهما قشر، لأنّ صلاحه فيه. و الجوز موزون، لأنّه أكبر من التمر و ربما تجافى في المكيال. و أمّا اللوز فإنّه مكيل، و هذا مذهب الشافعي(1).

و حكى القاضي ابن كج عن نصّ الشافعي أنّه لا يجوز بيع الجوز بالجوز و اللوز باللوز في القشر(2).

و يجوز عندنا بيع لبّ الجوز بلبّ الجوز و لبّ اللوز بلبّ اللوز - و به قال الشافعي(3) - عملا بالأصل.

و عند الشافعيّة وجه آخر: أنّه لا يجوز بيع اللبّ باللبّ، لخروجه عن حال الادّخار(4).

و يجوز بيع البيض بالبيض و إن كان أحدهما أكبر أو أزيد من الآخر.

و للشافعي قولان: أحدهما: المنع، كما في الجوز بالجوز. و الثاني - و هو المشهور -: الجواز مع التساوي(5). و المعيار فيه الوزن عنده(6).

و ليس بشيء.

مسألة 89: الأدهان أربعة:

أ - ما يعدّ للأكل،

كالزيت و الشيرج و دهن الجوز و اللوز(7) و دهن الصنوبر و ما أشبه ذلك، فهذا يجري فيه الربا بشرط التساوي جنسا، و إنّما يتساوى الجنس باعتبار اتّحاد الأصول على ما تقدّم، فيجوز بيع الشيرجز.

ص: 178


1- التهذيب - للبغوي - 344:3، العزيز شرح الوجيز 99:4، روضة الطالبين 61:3.
2- العزيز شرح الوجيز 99:4، و انظر روضة الطالبين 61:3.
3- التهذيب - للبغوي - 344:3، العزيز شرح الوجيز 99:4، روضة الطالبين 61:3.
4- التهذيب - للبغوي - 344:3، العزيز شرح الوجيز 99:4، روضة الطالبين 61:3.
5- التهذيب - للبغوي - 344:3، العزيز شرح الوجيز 99:4، روضة الطالبين 61:3.
6- العزيز شرح الوجيز 99:4، روضة الطالبين 61:3.
7- في «ق، ك»: اللوز و الجوز.

بالشيرج متساويا نقدا، و لا يجوز نسيئة، و هو ظاهر مذهب الشافعيّة(1).

و حكي عن أبي إسحاق أنّه قال: الشيرج لا يباع بعضه ببعض، لأنّه يطرح في طبخه الماء و الملح(2).

و ليس بصحيح، لأنّ الماء لا يختلط به و يتميّز مع كسبه، و كذا الملح و إن أثّر طعمه فيه دون جسمه، على أنّ هذا المزج لا يغيّر الحقيقة عن التساوي.

و يجوز بيع جنس بجنس آخر متساويا و متفاضلا نقدا، و يكره نسيئة، كدهن الشيرج بدهن اللوز، و به قال الشافعي(3).

ب - ما يعدّ للتطيّب،

كدهن الورد و البنفسج و البان. و عندنا يجري فيه الربا، لأنّه موزون سواء اختلف ما يضاف إليه أو لا.

و للشافعي قولان، أحدهما: أنّه لا ربا فيه، لأنّه لا يعدّ للأكل. و الثاني:

فيه الربا، لأنّ أصله السمسم، و إنّما يعدّ لأعظم منفعته، لأنّه ليس بمأكول، و حينئذ فكلّه واحد، لأنّ أصله واحد و إنّما اختلفت الرائحة(4).

و قال أبو حنيفة: يجوز بيع المتطيّب متفاضلا و إن كان أصله واحدا إذا اختلف طيبه، لاختلاف المقصد بهما، فصارا كالجنسين(5).

و قالوا أيضا: يجوز بيع المتطيّب بغير المتطيّب متفاضلا(6).

و الكلّ باطل، لأنّها فروع أصل واحد فيه الربا، فلا يجوز التفاضل4.

ص: 179


1- المهذّب - للشيرازي - 283:1، التهذيب - للبغوي - 351:3، الحاوي الكبير 117:5، حلية العلماء 184:4، العزيز شرح الوجيز 91:4، روضة الطالبين 56:3.
2- المهذّب - للشيرازي - 283:1، المجموع 139:11.
3- انظر: الام 19:3.
4- المهذّب - للشيرازي - 278:1، المجموع 398:9، العزيز شرح الوجيز 4: 73، روضة الطالبين 56:3، المغني 150:4، الشرح الكبير 152:4.
5- المغني 150:4، الشرح الكبير 152:4، حلية العلماء 185:4.
6- حلية العلماء 185:4.

فيها.

ج - ما يعدّ للتداوي،

كدهن الخوخ و اللوز المرّ و حبّة الخضراء و ما أشبه ذلك، فإنّه يجري فيه الربا، لأنّه مكيل أو موزون. و علّل الشافعي بأنّه يؤكل للتداوي(1).

د - ما يعدّ للاستصباح،

كالبزر و دهن السمك. و يجري فيهما الربا، لأنّه مكيل أو موزون، فيباع كلّ واحد منهما بجنسه متساويا نقدا لا نسيئة، و بصاحبه متفاضلا نقدا و نسيئة.

و للشافعيّة وجهان(2) ، أحدهما: جريان الربا فيه، لأنّه يؤكل، و أصله حبّ الكتّان، و هو مأكول يطرح في الملح. و الثاني: لا يجري، لأنّه لا يؤكل في عادة الناس، و لهذا لا يستطاب، و أكله سفه.

مسألة 90: يجوز بيع المطبوخ بالنيء من جنسه و من غير جنسه،

و كذا المطبوخ بالمطبوخ، لكن يعتبر في المتّحد جنسه تساوي القدر و الحلول دون غيره، عند علمائنا، عملا بالأصل.

و قال الشافعي: لا يجوز بيع المطبوخ بالنيء [1] مع اتّحاد الجنس مطلقا، لأنّ النار تعقد أجزاءه فتختلف فيؤدّي ذلك إلى التفاضل بينهما لو كانا على حالة الادّخار(3).3.

ص: 180


1- انظر: المجموع 398:9، و 185:10.
2- المهذّب - للشيرازي - 278:1، المجموع 398:9، التهذيب - للبغوي - 3: 352، العزيز شرح الوجيز 73:4، روضة الطالبين 45:3.
3- المهذّب - للشيرازي - 283:1، التهذيب - للبغوي - 353:3، العزيز شرح الوجيز 94:4، روضة الطالبين 58:3.

و ينتقض بالتمر، فإنّ الشمس تجفّفه، و يختلف جفافها فيه. و لأنّ ذلك غير معتدّ به، لعدم العلم بجفافه أزيد.

إذا ثبت هذا، فإنّ عصير العنب جنس يباع بعضه ببعض متساويا - و به قال الشافعي(1) - لأنّ حالته حالة كمال، و لا ينقص إذا بلغ إلى حالة كماله بالحموضة. و كذا عصير الرمّان و السفرجل و التفّاح و قصب السّكّر.

و يجوز بيع بعض هذه الأجناس بجنس آخر منها متفاضلا، لتعدّدها جنسا. و كذا إن طبخت بالنار أو بعضها، عندنا مطلقا و عند الشافعي مع اختلاف الجنس لا اتّفاقه، فلا يجوز عنده بيع المطبوخ بالمطبوخ و لا بغيره إذا اتّفق الجنس(2).

مسألة 91: جيّد كلّ شيء و رديئه جنس لا يباع أحدهما بالآخر متفاضلا لا نقدا و لا نسيئة،

و يجوز متساويا نقدا لا نسيئة، عند علمائنا، فلا يجوز بيع درهم صحيح بدرهم مكسّر مع زيادة تقابل الصحّة، و به قال الشافعي، خلافا لمالك، و قد تقدّم(3).

مسألة 92: يجوز بيع الجنسين المختلفين بأحدهما

إذا زاد على ما في المجموع من جنسه بحيث تكون الزيادة في مقابلة المخالف، و ذلك كمدّ عجوة و درهم بمدّي عجوة أو بدرهمين أو بمدّي عجوة و درهمين، عند علمائنا أجمع - و به قال أبو حنيفة(4) - حتى لو باع دينارا في خريطة8.

ص: 181


1- المهذّب - للشيرازي - 283:1، التهذيب - للبغوي - 350:3، حلية العلماء 4: 185، العزيز شرح الوجيز 91:4، روضة الطالبين 56:3، المغني 165:4-166.
2- انظر: المغني 165:4-166، و الشرح الكبير 163:4.
3- تقدّم في ص 146، الفرع (ب) من المسألة 77.
4- حلية العلماء 170:4-171، الحاوي الكبير 113:5، التهذيب - للبغوي - 3: 347-348.

بمائة دينار، جاز.

لنا: الأصل السالم عن معارضة الربا، لأنّ الربا هو بيع أحد المثلين بأزيد منه من الآخر، و المبيع هنا المجموع، و هو مخالف لأفراده.

و ما رواه أبو بصير قال: سألته عن السيف المفضّض يباع بالدراهم ؟ قال: «إذا كانت فضّته أقلّ من النقد فلا بأس، و إن كانت أكثر فلا يصلح»(1).

و سأله عبد الرحمن بن الحجّاج عن شراء ألف درهم و دينار بألفي درهم، قال: «لا بأس بذلك»(2).

و لأنّ أصل العقود الصحّة، و مهما أمكن حمله عليها لم يحمل على الفساد، كشراء اللحم من القصّاب، فإنّه سائغ، حملا على التذكية، و لا يحمل على الميتة و إن كان الأصل، لأنّ أصالة الصحّة أغلب. و كذا لو اشترى إنسان شيئا بمال معه، حمل على أنّه له ليصحّ البيع.

و هنا يمكن حمل العقد على الصحّة بأن يجعل الخريطة في مقابلة ما زاد على الدينار، فيصحّ العقد، و في مسألة مدّ عجوة بصرف المدّ الآخر من التمر في مقابلة الدرهم، أو صرف الدرهم إلى الدرهم و الدرهم الآخر في مقابلة المدّ، أو صرف مدّ عجوة إلى الدرهمين و الدرهم إلى المدّين.

و قال الشافعي: لا يجوز ذلك كلّه - و به قال أحمد - لأنّ فضالة بن عبيد قال: شريت يوم خيبر قلادة فيها ذهب و خزر، فذكرت ذلك لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، فقال: «لا يباع مثل هذا حتى يفصل»(3).5.

ص: 182


1- التهذيب 113:7، 489، الإستبصار 98:3، 339.
2- الكافي 246:5، 9، الفقيه 185:3، 834، التهذيب 104:7، 445.
3- صحيح مسلم 1213:3، 90، سنن أبي داود 249:3، 3352، سنن الترمذي 3: 556، 1225، و العزيز شرح الوجيز 84:4-85.

و لأنّ العقد إذا جمع عوضين، وجب أن ينقسم أحدهما على الآخر على قدر قيمة الآخر في نفسه، فإن كان مختلف القيمة، اختلف ما يأخذه(1) من العوض، كما لو باع ثوبين بدراهم، فإذا احتيج إلى معرفة ثمن كلّ منهما، قوّم الثوبين و قسّم على قدر القيمتين، فلو كانت قيمة أحدهما ستّة و الآخر ثلاثة و بيعا بعشرة، بسطت عليهما أثلاثا. و بهذا الطريق يعرف قيمة شقص الشفعة، المنضمّ إلى غيره. و كذا لو تلف أحد العبدين المبيعين صفقة في يد البائع قبل القبض، فكذا هنا إذا باع مدّا و درهما بمدّين، فينظر إلى ما يساوي الدرهم، فيكون مدّا و نصفا، فيخصّ الدرهم ثلاثة أخماس المدّين(2).

و الجواب: جاز أن يكون في القلادة من الذهب ما يزيد، فتجب معرفة القدر، فلهذا أوجب الفصل. و قسط الثمن لا يقتضي شراء كلّ جزء بما قسط عليه من الثمن.

فروع:

أ - لو باع نوعين من جنس واحد مختلفي القيمة بنوع واحد،

كدينار معزّي و دينار إبريزي بدينارين إبريزية، جاز مع التساوي قدرا، و لا اعتبار بالقيمة عندنا. و كذا لو باع درهما صحيحا بدرهم مكسور أو درهما صحيحا و درهما مكسورا بصحيحين أو مكسورين، سواء قلّت قيمة المكسور عن1.

ص: 183


1- في «ق، ك» و الطبعة الحجريّة: ما يأخذ. و ما أثبتناه من المغني و الشرح الكبير.
2- المهذّب - للشيرازي - 280:1، التهذيب - للبغوي - 347:3، حلية العلماء 4: 170، الحاوي الكبير 113:5، العزيز شرح الوجيز 84:4-85، روضة الطالبين 53:3، المغني 169:4-170، الشرح الكبير 170:4-171.

قيمة الصحيح أو لا. و كذا درهم و ثوب بدرهمين، و به قال أحمد في الجنس الواحد(1) ، كبيع دينارين مختلفين بدينارين متّفقين، و كبيع مكسور و صحيح بمكسورين أو صحيحين.

و جوّزه أبو حنيفة مطلقا، و منعه الشافعي مطلقا، و قد تقدّم(2).

و الأصل أنّ الصنعة لا قيمة لها في الجنس، و لهذا لا يجوز بيع المصوغ بأكثر متفاضلا.

ب - لو تلف الدرهم المعيّن المنضمّ إلى المدّ قبل قبضه أو ظهر استحقاقه

و كان المثمن مدّين و درهمين، احتمل بطلان البيع في الجميع حذرا من الربا، لاستلزام بسط الثمن على أجزاء المبيع إيّاه، فتلف نصفه - على تقدير مساواة المدّ درهما - يقتضي سقوط النصف من الثمن، فيصير ثمن المدّ الثاني مدّا و درهما.

و يحتمل البطلان في التخالف، فإنّ المقتضي لصحّة هذا البيع صرف كلّ جنس إلى ما يخالفه لتحصل السلامة من الربا، فالدرهم في مقابلة المدّين خاصّة، و يبقى المدّ في مقابلة الدرهمين.

و يحتمل التقسيط، لأنّه مقتضى مطلق العقد، و الربا المبطل إنّما يعتبر حين العقد، و هو في تلك الحال كان منفيّا.

ج - لو باعه مدّا و درهما بمدّين ثمّ تلف الدرهم المعيّن و كان المدّ المضاف إليه يساوي درهما،

و كلّ من المدّين يساوي درهما أيضا، بقي مدّ في مقابلة المدّ الآخر، و بطل البيع في المدّ الثاني.

و لو كان يساوي درهمين، فقد تلف ثلث العوض، فيبطل من الآخر ثلثه، فيبقى مدّ في مقابلة مدّ و ثلث مدّ، و لا يثبت الربا هنا، لأنّ الزيادة7.

ص: 184


1- المغني 171:4، الشرح الكبير 171:4-172.
2- في 146-147، الفرع (ب) من المسألة 77.

حصلت بالتقسيط الثابت بعد صحّة البيع.

د - لو كان كلّ من المدّين لواحد فباعهما أحدهما و لم يجز الآخر،

بطل البيع في مدّه، و سقط من الثمن نصف المدّ و نصف درهم، و ثبتا للبائع في مقابلة مدّه إن تساويا قيمة، و لو اختلفا فكانت قيمة مدّ الفاسخ نصف قيمة مدّ البائع، كان للبائع ثلثا مدّ و ثلثا درهم عوض مدّه.

ه - لو باعه مدّا و درهما بمدّين فتلف الدرهم قبل القبض و هو يساوي مدّا و نصفا،

فالذي يخصّ الدرهم ثلاثة أخماس المدّين، فيبقى مدّ في مقابلة أربعة أخماس مدّ، و يجيء الاحتمالات.

و - لو باعه درهما صحيحا و مكسورا بدرهمين صحيحين ثمّ تلف الصحيح المعيّن،

بسطت قيمة الصحيحين على الصحيح و المكسور، و سقط ما قابل الصحيح منها، و يجيء الاحتمالات.

مسألة 93: يجوز بيع شاة في ضرعها لبن بمثلها،

و بشاة خالية من اللبن، و بلبن من جنسها، عند علمائنا، خلافا للشافعي(1).

لنا: الأصل السالم عن معارضة الربا، لأنّ الشاة ليست مقدّرة بالكيل و الوزن، و لا اللبن الذي في ضرعها، و إنّما يكون مكيلا أو موزونا بعد حلبه، فأشبه الثمرة على رءوس النخل. و لأنّه ما دام في الضرع يكون تابعا للمبيع ليس مقصودا بالذات.

احتجّ بأنّ اللبن يأخذ قسطا من الثمن، لحديث المصرّاة، فإنّ النبيّ عليه السّلام أوجب مع ردّها بعينها صاعا من تمر(2) ، و لو لا دخوله في العقد و تقسيط9.

ص: 185


1- المهذّب - للشيرازي - 284:1، التهذيب - للبغوي - 353:3، الحاوي الكبير 125:5، حلية العلماء 186:4، العزيز شرح الوجيز 99:4، روضة الطالبين 61:3.
2- صحيح البخاري 93:3، صحيح مسلم 1155:3، 11، سنن أبي داود 3: 270، 3443، سنن الترمذي 553:3، 1251، سنن النسائي 253:7 و 254، سنن البيهقي 318:5 و 319.

الثمن عليه، لم يضمنه، كما أنّ المشتري إذا ردّ المبيع بعيب بعد أن حدث عنده نماء أو ولد في يده، لم يردّ عوض ذلك. و لأنّ اللبن في الضرع كالشيء في الوعاء و الدراهم في الخزانة، و إذا كان له قسط من الثمن، كان بيع لبن مع غيره بلبن.

و الجواب: المنع من أخذه قسطا من الثمن، و إلزامه بالصاع، لأنّه فصل اللبن عن الشاة و انتفع به، و البحث في المتّصل في أساسات الحيطان، فإنّها تتبع الدار، و لو قلعت، قوّمت بانفرادها.

سلّمنا، لكنّ البيع وقع للجملة لا للإجزاء، ألا ترى أنّه لا يجوز بيعه منفردا؟

فروع:

أ - لو باع الشاة اللبون بلبن البقر، جاز عندنا،

لأنّه يجوز بيعه بلبن الشاة، فلبن غيره أولى.

و للشافعي قولان(1) مبنيّان على أنّ الألبان هل هي جنس واحد أو أجناس متعدّدة ؟ فعلى الأوّل لا يجوز، و يجوز على الثاني. و يجب التقابض عنده في الحال قبل التفرّق، لأنّه بيع لبن بلبن من جنس آخر.

ب - لو كانت الشاة لا لبن فيها،

جاز بيعها بلبن جنسها أو (من غير)(2) جنسها. و كذا لو كان في ضرعها لبن فحلبه ثمّ باعها بلبن، جازر.

ص: 186


1- انظر: التهذيب - للبغوي - 353:3، و الحاوي الكبير 123:5-125، و العزيز شرح الوجيز 99:4، و روضة الطالبين 61:3.
2- بدل ما بين القوسين في الطبعة الحجريّة: بغير.

- و به قال الشافعي(1) - لأنّ المتخلّف في الضرع يسير لا يحلب في العادة، فلا عبرة له.

ج - لو كانت مذبوحة و في ضرعها لبن، جاز بيعها بلبن،

و بشاة مذبوحة في ضرعها لبن، و بخالية من لبن. و بحيّة ذات لبن و خالية عنه، و بلبن من جنسها.

و قال الشافعي: لا يجوز إذا كان في الشاة المذبوحة لبن، و إن لم يكن في ضرعها لبن، جاز إذا سلّمت لتزول جهالتها(2).

د - قد بيّنّا أنّه يجوز بيع شاة في ضرعها لبن بشاة في ضرعها لبن.

و منعه أكثر الشافعيّة(3).

و ليس بشيء، لأنّ اللبن المتّصل بأصله لا اعتبار به في العوضين، كما يجوز بيع السمسم بمثله من غير اعتبار الدهن فيهما، و كذا لو باع دارا مموّهة بالذهب بمثلها أو دارا فيها بئر ماء بمثلها.

احتجّوا بأنّ اللبن في الضرع بمنزلة كونه في الآنية، فكأنّه باع شاة و لبنا بشاة و لبن، و لو كان اللبنان منفصلين، لم يجز، و كذا إذا كانا في الضرع.

ثمّ فرّقوا بين السمسم بمثله و بين المتنازع بأنّ الدهن غير موجود فيه بصفته و إنّما يحصل بالتخليص و الطحن.

و الماء غير مملوك عند بعضهم، و لا يدخل في البيع، بل كلّ من5.

ص: 187


1- العزيز شرح الوجيز 99:4، روضة الطالبين 61:3.
2- لم نعثر عليه فيما بين أيدينا من المصادر. و حكاه عنه الشيخ الطوسي في الخلاف 62:3، المسألة 100.
3- انظر المصادر في الهامش (1) من ص 185.

أخذه استحقّه. و عند آخرين أنّه مملوك و أصل في البيع إلاّ أنّ في ثبوت الربا في الماء قولين، فإن نفيناه عنه، فلا بحث، و إلاّ منعنا من بيع الدار بالدار و فيهما ماء.

و الجواب: المنع من مساواة كون اللبن في الضرع لكونه في الإناء، لأنّه بعد الحلب مقدّر بكيل أو وزن، بخلاف كونه في الضرع. و لأنّه كالجزء من الشاة تابع للمبيع لا أصلا، بخلاف المحلوب.

و ما ذكروه في دهن السمسم ينقض عليهم المنع من بيع السمسم بالشيرج، فإنّه إذا لم يكن في السمسم بصفته، لم يمنع مانع من بيعه بالدهن. و كون الماء غير مملوك باطل.

ه - يجوز بيع نخلة فيها ثمر بنخلة مثمرة أو بثمرة أو بنخلة خالية،

لما مرّ في الشاة، خلافا للشافعي(1).

مسألة 94: كلّ ما له حالتا رطوبة و جفاف من الربويّات يجوز بيع بعضه ببعض

مع تساوي الحالين إذا اتّفق الجنس. و إن اختلف، جاز مطلقا، فيجوز بيع الرطب بمثله، و العنب بمثله، و الفواكه الرطبة بمثلها، و الحنطة المبلولة بمثلها، و اللحم الطري بمثله، و التمر و الزبيب و الفواكه الجافّة، و المقدّد و الحنطة اليابسة كلّ واحد بمثله - و به قال مالك و أبو حنيفة و أبو يوسف و محمّد و أحمد و المزني(2) - لوجود المقتضي، و هو عموم الحلّ، السالم عن معارضة الربا، لتساويهما في الحال و فيما بعد. فإن اختلفا في حالة اليبس، فبشيء يسير لا اعتبار به كالتمر الحديث3.

ص: 188


1- الحاوي الكبير 125:5.
2- المدوّنة الكبرى 102:4، المنتقى - للباجي - 243:4، بدائع الصنائع 5: 188، المغني 145:4، الشرح الكبير 164:4، الحاوي الكبير 134:5، التهذيب - للبغوي - 343:3، العزيز شرح الوجيز 89:4، روضة الطالبين 55:3.

بالعتيق. و لأنّ معظم منفعته في حال رطوبته، فجاز بيع بعضه ببعض، كاللبن.

و قال الشافعي: لا يجوز بيع الرطب بالرطب متساويا، لأنّهما على غير حالة الادّخار، و لا نعلم تساويهما في حالة الادّخار، فلم يجز بيع أحدهما بالآخر، كالرطب بالتمر(1).

و هو ضعيف، لما بيّنّا من التفاوت اليسير.

و ينتقض بالرطب الذي لا يصير تمرا في العادة، كالبربن و شبهه، فإنّ فيه قولين(2) ، و كذا الفواكه التي لا تجفّف و البقول.

و أمّا إن باع بعض الجنس الواحد ببعض مع اختلاف الحالين، كبيع الرطب بالتمر، و العنب بالزبيب، و اللحم الطري بالمقدّد، و الحنطة المبلولة باليابسة، و الفاكهة الجافّة بالرطبة، فالمشهور عند علمائنا: المنع و إن تساويا قدرا - و به قال سعد بن أبي وقّاص و سعيد بن المسيّب و مالك و أحمد و الشافعي و إسحاق و أبو يوسف و محمّد(3) - لما رواه الجمهور: أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله سئل عن بيع الرطب بالتمر، فقال: «أ ينقص الرطب إذا يبس ؟» فقالوا:

نعم، فقال: «فلا إذن»(4).

و من طريق الخاصّة: ما رواه الحلبي - في الصحيح - عن الصادق عليه السّلام4.

ص: 189


1- مختصر المزني: 77، المهذّب - للشيرازي - 281:1، التهذيب - للبغوي - 3: 343، شرح السنّة - للبغوي - 60:5، الحاوي الكبير 134:5، العزيز شرح الوجيز 89:4، روضة الطالبين 55:3.
2- المهذّب - للشيرازي - 281:1، التهذيب - للبغوي - 343:3، العزيز شرح الوجيز 89:4، روضة الطالبين 51:3، المغني 145:4، الشرح الكبير 164:4.
3- المغني 144:4، الشرح الكبير 161:4، بداية المجتهد 139:2، المهذّب - للشيرازي - 281:1، التهذيب - للبغوي - 343:3، شرح السنّة - للبغوي - 5: 59-60، الحاوي الكبير 131:5، العزيز شرح الوجيز 89:4، روضة الطالبين 55:3.
4- سنن الدار قطني 50:3، 206، المستدرك - للحاكم - 38:2، المغني 144:4، الشرح الكبير 162:4، العزيز شرح الوجيز 89:4.

قال: «لا يصلح التمر اليابس بالرطب من أجل أنّ اليابس يابس و الرطب رطب، فإذا يبس نقص»(1).

و لأنّه جنس يجري فيه الربا بيع بعضه ببعض على صفة يتفاضلان في حال الكمال و الادّخار، فوجب أن لا يجوز، كالحنطة بالدقيق.

و قال بعض(2) علمائنا بالجواز مع التساوي - و به قال أبو حنيفة(3) - لأنّ الصادق عليه السّلام سئل عن العنب بالزبيب، قال: «لا يصلح إلاّ مثلا بمثل» قال: «و التمر و الرطب مثلا بمثل»(4).

و لأنّه وجد التساوي فيه كيلا حال العقد، فالنقصان بعد ذلك لا يؤثّر فيه، كالحديث و العتيق.

و الرواية ضعيفة، لأنّ سماعة في طريقها. و القياس لا يسمع في مقابلة النصّ، مع قيام الفرق، فإنّ الحديث و العتيق على صفة الادّخار و لقلّة النقصان فيه لا يمكن الاحتراز عنه.

فروع:

أ - نبّه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في قوله: «أ ينقص إذا جفّ؟»(5) على علّة الفساد،

و أنّ المماثلة عند الجفاف تعتبر - و إلاّ فهو عليه السّلام يعلم النقصان عند الجفاف - [و](6) جعل الوصف المنصوص عليه علّة بالنصّ يقتضيق.

ص: 190


1- التهذيب 94:7، 398، الاستبصار 93:3، 314.
2- هو ابن إدريس في السرائر 258:2-259.
3- بدائع الصنائع 188:5، الحاوي الكبير 131:5، شرح السنّة - للبغوي - 59:5-60، العزيز شرح الوجيز 89:4، المغني 144:4، الشرح الكبير 161:4.
4- التهذيب 97:7، 417، الاستبصار 92:3، 313.
5- انظر: المصادر في الهامش (4) من ص 189.
6- أضفناها لأجل السياق.

العموميّة في جميع صور موارده.

ب - لا خلاف في جواز بيع الرطب بالتمر في صورة العرايا،

و سيأتي إن شاء اللّه تعالى.

ج - قد بيّنّا عموميّة الحكم في جميع صور الوصف الذي هو النقص عند الجفاف،

و أنّه لا يجوز بيع رطبه بيابسه، سواء اتّفقت العادة بضبط الناقص أو لا. و يجوز عندنا بيع رطبه برطبه متساويا، خلافا للشافعي(1) في الأخير.

و حكى إمام الحرمين وجها للشافعي في المشمش و الخوخ و ما لا يعمّ تجفيف رطبه أنّه يجوز بيع بعضه ببعض في حال الرطوبة، لأنّ رطوبتها أكمل أحوالها، و التجفيف، في حكم النادر(2).

د - يجوز بيع الحنطة المقليّة بمثلها متساويا و بغير المقليّة،

لقلّة الرطوبة فيها.

و خالف الشافعي(3) فيهما معا.

ه - لا يجوز بيع الحنطة و فروعها بالنخالة متفاضلا، لأنّهما جنس واحد،

حيث إنّ أصلهما الحنطة.

و قال الشافعي: يجوز، لأنّ النخالة ليست مطعومة(4).

و نحن نمنع التعليل بالطعم.

و - لا يجوز بيع الحنطة المسوّسة بالحنطة المسوّسة إذا لم يبق فيها3.

ص: 191


1- انظر المصادر في الهامش (1) من ص 189.
2- العزيز شرح الوجيز 89:4، روضة الطالبين 55:3.
3- الحاوي الكبير 135:5، التهذيب - للبغوي - 344:3، العزيز شرح الوجيز 4: 91، روضة الطالبين 56:3.
4- العزيز شرح الوجيز 91:4، روضة الطالبين 56:3.

لبّ إلاّ متساويا، خلافا للشافعي، فإنّه سوّغ البيع مع التفاضل، حيث علّل بالطعم(1). و هو ممنوع.

ز - المأكولات التي لا تكال و لا توزن كالمعدودات لا ربا فيها عندنا،

إلاّ على رأي من يثبت الربا في المعدودات.

و للشافعي قولان، ففي القديم: لا ربا فيها. و في الجديد: يثبت(2).

فعلى قولنا و قوله القديم يجوز التفاضل فيها، كرمّانة برمّانتين و سفرجلة بسفرجلتين. و على الجديد لا يجوز بيع المتفاضل.

و أمّا مع التساوي: فإن كان ممّا ييبس و تبقى منفعته يابسا كالخوخ المشمّس، فإذا جفّ، جاز بيع بعضه ببعض متساويا، و لا يجوز بيع بعضه ببعض رطبا عنده(3) ، كما لا يجوز بيع الرطب بالرطب عنده(4).

و إن كان ممّا لا ييبس و لا ينتفع بيابسه كالقثّاء و الخيار و شبههما، ففي جواز بيع بعضه ببعض رطبا متساويا قولان: المنع، نصّ عليه في الأم، لأنّ بعضه يحمل من الماء أكثر من البعض. و الجواز، لأنّ معظم منفعته في حال رطوبته، فجاز، كاللبن باللبن. و كذا حكم الرطب الذي لا يصلح للتجفيف و العنب الذي لا يصلح لذلك(5).

ثمّ إنّ هذا المبيع إن كان ممّا لا يمكن كيله، كالقثّاء و البطّيخ5.

ص: 192


1- العزيز شرح الوجيز 91:4، روضة الطالبين 56:3.
2- المهذّب - للشيرازي - 277:1 و 278، التهذيب - للبغوي - 334:3-337، شرح السنّة - للبغوي - 44:5، المجموع 397:9، حلية العلماء 148:4 - 150، العزيز شرح الوجيز 72:4، روضة الطالبين 44:3-45.
3- التهذيب - للبغوي - 343:3، العزيز شرح الوجيز 89:4، روضة الطالبين 51:3 و 55.
4- التهذيب - للبغوي - 343:3، العزيز شرح الوجيز 89:4، روضة الطالبين 51:3 و 55.
5- التهذيب - للبغوي - 343:3، العزيز شرح الوجيز 82:4 و 89، روضة الطالبين 51:3 و 55.

و الخيار و ما أشبهه، فإنّه يباع بعضه ببعض وزنا متساويين عنده، و إن كان ممّا يمكن كيله و وزنه، كالتفّاح و الخوخ الصغار، فوجهان: جواز بيع بعضه ببعض وزنا، لأنّه أحصر له. و الكيل، لأنّ الأصول الأربعة كلّها مكيلة، فردّت إليها(1).

مسألة 95: يجوز بيع مدّ حنطة فيها قصل

- و هو عقد التبن - أو زؤان - و هو حبّ أسود غليظ الوسط - أو تراب بمجرى العادة بمدّ حنطة مثله أو بخالص من ذلك، عند علمائنا، و كذا إذا كان في أحدهما شعير، سواء كثر عن الآخر أو ساواه، و سواء زاد في الكيل أو لا، عملا بالأصل السالم عن الربا، لأنّ التقدير تساويهما وزنا أو كيلا. و القصل و الزّؤان و التراب بمجرى العادة و الشعير لا يؤثّر، لقلّته، فأشبه الملح في الطعام و الماء اليسير في الخلّ.

و قال الشافعي: لا يجوز بيعه بمثله و لا بالخالص. أمّا بمثله:

فللاختلاف، إذ قد يكون القصل و شبهه في أحدهما أكثر. و أمّا بالخالص:

فلتفاضل الحنطتين. أمّا إذا كان التراب يسيرا جدّا بحيث لا يزيد في الكيل، فإنّه يجوز بيعه بمثله لا بالخالص. و كذا التبن الناعم جدّا، لأنّه لا يأخذ قسطا من المكيال، لأنّه يكون في خلل الحنطة، فلا يؤدّي إلى تفاضل الكيل و تفاوت الحنطتين. و لا يجوز فيما يوزن و إن قلّ التراب، عنده، لأنّ قليله يؤثّر في الميزان(2).

تذنيب: حكم الدرديّ في الخلّ و الثفل في البزر

حكم التراب في3.

ص: 193


1- العزيز شرح الوجيز 82:4، روضة الطالبين 51:3.
2- المهذّب - للشيرازي - 281:1، التهذيب - للبغوي - 349:3-350، العزيز شرح الوجيز 88:4، روضة الطالبين 54:3.

الحنطة.

تنبيه: لو كان أحد العوضين مشتملا على الآخر غير مقصود، صحّ مطلقا،

كبيع دار مموّهة بالذهب بالذهب.

المطلب الثاني: في شرط التقدير.

قد عرفت أنّه يشترط في الربا أمران: الاتّحاد في الجنس، و قد مضى. و كونهما مقدّرين بالكيل أو الوزن إجماعا.

و هل يثبت الربا مع التقدير بالعدد؟ الأصحّ: المنع، عملا بالأصل.

و لقول الصادق عليه السّلام: «لا يكون الربا إلاّ فيما يكال أو يوزن»(1).

و سئل عليه السّلام عن البيضة بالبيضتين، قال: «لا بأس ما لم يكن فيه كيل و لا وزن»(2).

إذا تقرّر هذا، فلا ربا إلاّ فيما يكال أو يوزن مع التفاوت. و لو تساويا قدرا، صحّ البيع نقدا.

و لو انتفى الكيل و الوزن معا، جاز التفاضل نقدا و نسيئة، كثوب بثوبين و بيضة ببيضتين، سواء اختلفت القيمة أو اتّفقت.

مسألة 96: الأجناس الأربعة - أعني الحنطة و الشعير و التمر و الملح - مكيلة في عهده

صلّى اللّه عليه و آله، فلا يباع بعضها ببعض إلاّ مكيلة. و لا يجوز بيع شيء منها بشيء آخر من جنسها وزنا بوزن و إن تساويا، و لا يضرّ مع الاستواء في الكيل التفاوت في الوزن. و أمّا الموزون: فلا يجوز بيع بعضه

ص: 194


1- الكافي 146:5، 10، الفقيه 175:3، 786، التهذيب 17:7، 74، و 19، 81، و 94، 397، و 118، 515، الاستبصار 101:3، 350.
2- التهذيب 118:7، 513، الاستبصار 100:3-101، 349.

ببعض كيلا، و لا يضرّ مع الاستواء في الوزن التفاوت في الكيل - و به قال الشافعي(1) - لأدائه إلى التفاضل في المكيال، لاحتمال أن يتفاوتا بأن يكون أحدهما أوزن و أثقل من البعض، فيأخذ الأخفّ في المكيال أكثر فيتفاضلا في الكيل، و قد نهى النبي صلّى اللّه عليه و آله عنه(2).

أمّا لو تساويا في الثقل و الخفّة و علم التفاوت [1] بينهما، فالأقرب:

الجواز - خلافا للشافعي(3) - لأنّ التفاوت اليسير لا اعتبار به، كما في قليل التراب.

أمّا الملح إذا كان قطعا كبارا، فإنّه يباع وزنا، لتجافيه في المكيال، فيعتبر حاله الآن - و هو أظهر وجهي الشافعيّة(4) - نظرا إلى ما له من الهيئة في الحال.

و الآخر: أنّه يسحق و يباع كيلا(5). و ليس بمعتمد.

و كذا كلّ ما يتجافى في المكيال يباع بعضه ببعض وزنا.

و أمّا ما عدا الأجناس الأربعة: فإنّ كان موزونا على عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فهو موزون. و كذا إن كان مكيلا في عهده عليه السّلام، حكم فيه بالكيل، فلو أحدث الناس خلاف ذلك، لم يعتدّ بما أحدثوه، و كان المعتبر تقرير الرسول عليه السّلام أو العادة في عهده عليه السّلام، و به قال الشافعي(6).3.

ص: 195


1- التهذيب - للبغوي - 344:3-345، العزيز شرح الوجيز 80:4، روضة الطالبين 49:3.
2- صحيح مسلم 1210:3، 1587.
3- انظر: المصادر في الهامش (1).
4- العزيز شرح الوجيز 80:4، روضة الطالبين 50:3.
5- العزيز شرح الوجيز 80:4، روضة الطالبين 50:3.
6- التهذيب - للبغوي - 345:3، العزيز شرح الوجيز 80:4، روضة الطالبين 50:3.

و حكي عن أبي حنيفة أنّه يعتبر فيه عادات البلدان(1).

و قد روى ابن عمر عن النبي صلّى اللّه عليه و آله أنّه قال: «المكيال مكيال المدينة و الميزان ميزان مكة»(2).

و لأنّ المعتاد في زمانه عليه السّلام يضاف التحريم إليه كيلا أو وزنا، فلا يجوز أن يتغيّر بعد ذلك، لعدم النسخ بعده عليه السّلام.

و أمّا ما لم يكن على عهده عليه السّلام و لا عرف أصله بالحجاز أو لم يكن أصلا في الحجاز فإنّه يرجع فيه إلى عادة البلد، و به قال أبو حنيفة، فإنّه قال: المكيلات المنصوص عليها مكيلات أبدا، و الموزونات موزونات أبدا، و ما لم ينصّ عليه فالمرجع فيه إلى عادة الناس(3) ، لأنّ أنسا قال: إنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله قال: «ما وزن مثلا بمثل إذا كان نوعا واحدا، و ما كيل منه مثلا بمثل إذا كان نوعا واحدا»(4).

و لأنّ غير المنصوص قد عهد من الشارع ردّ الناس فيه إلى عوائدهم، كما في القبض و الحرز و الإحياء، فإنّها تردّ إلى العرف، و كذا هنا.

و للشافعي وجهان:

أحدهما: أنّه يردّ إلى عادة الحجاز في أقرب الأشياء شبها به، كالصيد يتبع فيه ما حكمت الصحابة به في قتل المحرم. و ما لم يحكم فيه بشيء يردّ إلى أقرب الأشياء شبها به.7.

ص: 196


1- التهذيب - للبغوي - 345:3، حلية العلماء 167:4، العزيز شرح الوجيز 80:4.
2- مصابيح السنّة 338:2، 2121، المعجم الكبير - للطبراني - 392:12 - 393، 13449، حلية الأولياء 20:4، و فيها: «.. مكيال أهل المدينة.. ميزان أهل مكة».
3- الهداية - للمرغيناني - 62:3، الكتاب - بشرح اللباب - 266:1-267.
4- سنن، الدارقطني 18:3، 58، المغني 136:4-137.

و الثاني: يعتبر عادة البلاد و يحكم فيه بالغالب، كما في الحرز و الإحياء و القبض حين ردّ الناس فيه إلى العرف. و ينبغي أن يكون مع استواء البلاد فيه - فكأنّه لا يعلم الكيل أغلب عليه أو الوزن - أن يردّ إلى أقرب الأشياء شبها، لتعذّر العرف فيه(1).

فروع:

أ - ما أصله الكيل يجوز بيعه وزنا سلفا و تعجيلا،

و لا يجوز بيعه بمثله وزنا، لأنّ الغرض في السلف و المعجّل بغير جنسه معرفة المقدار، و هو يحصل بهما، و الغرض هنا المساواة، فاختصّ البيع في بعضه ببعض به.

ب - إذا كان الشيء يكال مرّة و يوزن اخرى و لم يكن أحدهما أغلب،

فالوجه: أنّه إن كان التفاوت بين المكاييل يسيرا، جاز بيع بعضه ببعض متماثلا وزنا وكيلا. و إن كان التفاوت كثيرا، لم يجز بيعه وزنا، بل كيلا.

و قال بعض الشافعيّة: إن كان أكبر جرما [1]، اعتبر الوزن، لأنّه لم يعهد في الحجاز الكيل فيما هو أكبر جرما من التمر. و إن كان مثله أو أصغر، فوجهان: الوزن، لقلّة تفاوته. و الكيل، لعمومه، فإنّ أكثر الشبه مكيل(2).

و قال بعضهم: ينظر إلى عادة الوقت(3).3.

ص: 197


1- انظر العزيز شرح الوجيز 81:4.
2- العزيز شرح الوجيز 80:4، روضة الطالبين 50:3.
3- العزيز شرح الوجيز 81:4، روضة الطالبين 50:3.

ج - لو كان الشيء يباع في بعض البلاد جزافا و في بعضها كيلا أو وزنا

و لم يكن له أصل أو لم يعرف، قال الشيخ: يحكم بالربا بالاحتياط(1).

و قيل: يحكم بعادة البلد الذي يقع فيه(2).

د - لو اختلفت البلدان فكان في بعضها يباع كيلا و في بعضها يباع وزنا و في بعضها جزافا،

فالوجه: ما تقدّم أيضا من أنّ لكلّ بلد حكم نفسه، فيحرم التفاضل فيه إذا كان في بلد يكال أو يوزن. و يجوز في غيره.

و قال بعض الشافعيّة: الاعتبار بعادة أكثر البلدان، فإن اختلفت العادة و لا غالب، اعتبر بأشبه الأشياء به(3).

و قال بعضهم: الاعتبار بعادة بلد البيع(4).

ه - لا فرق بين المكيال المعتاد في عصر الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سائر المكاييل المحدثة بعده،

كما أنّا إذا عرفنا التساوي بالتعديل في كفّتي الميزان، نكتفي به و إن لم نعرف قدر ما في كلّ كفّة.

و - لا بدّ في المكيال من معرفة مقداره،

فلا يجوز التعويل على قصعة و نحوها ممّا لا يعتاد الكيل بها، إلاّ إذا عرف نسبتها إلى الصاع. و كذا الوزن لا بدّ من اعتباره بالأرطال المعهودة المقدّرة في نظر الشرع، فلو عوّلا على صنجة مجهولة، لم يصحّ.

و قد يمكن الوزن بالماء بأن يوضع الشيء في ظرف و يلقى على الماء و ينظر إلى مقدار غوصة. لكنّه ليس وزنا شرعيّا و لا عرفيّا، فيحتمل التعويل3.

ص: 198


1- النهاية: 378.
2- القائل هو المحقّق الحلّي في شرائع الإسلام 45:2، و المختصر النافع: 127.
3- العزيز شرح الوجيز 81:4، روضة الطالبين 50:3.
4- العزيز شرح الوجيز 81:4، روضة الطالبين 50:3.

في الربويّات عليه.

مسألة 97: ما يباع كيلا أو وزنا لا يجوز بيعه مجازفة

- و به قال الشافعي(1) - لما فيه من الغرر المنهيّ عنه.

و لقول الصادق عليه السّلام - في الصحيح -: «ما كان من طعام سمّيت فيه كيلا فلا يصلح مجازفة»(2).

و قال مالك: يجوز في البادية بيع المكيل دون الموزون جزافا(3) ، لأنّ المكيال يتعذّر في البادية، و في التكليف به(4) مشقّة، فجاز بالحزر و التخمين، كبيع التمر بالرطب في العرايا.

و الجواب: نمنع تعذّر المكيال، لأنّه يمكن بالقصعة و شبهها ممّا لا يخلو أحد عنه غالبا، و يعلم تقديره إمّا تحقيقا أو تقريبا. نعم، الميزان يتعذّر غالبا. و يعارض بأنّ الكيل معنى يعتبر المماثلة و المساواة به فيما يجري فيه الربا، فاستوى فيه الحضر و البادية كالوزن. و بيع العرايا مستثنى، لحاجة الفقراء إلى الرطب.

فروع:

أ - المراد جنس المكيل و الموزون و إن لم يدخلاه

إمّا لقلّته كالحبّة و الحبّتين أو لكثرته كالزّبرة [1] العظيمة.

ب - إذا خرج بالصنعة عن الوزن، جاز التفاضل فيه،

كالثوبه.

ص: 199


1- التهذيب - للبغوي - 344:3.
2- الفقيه 143:3، 627، التهذيب 122:7، 530، الإستبصار 102:3، 355.
3- حلية العلماء 169:4، العزيز شرح الوجيز 82:4.
4- في «ق، ك»: و في تكليفهم إيّاه.

بالثوبين، لقول الصادق عليه السّلام: «لا بأس به» و قد سئل عن الثوب بالثوبين(1).

و كذا يجوز بيع الغزل بالثياب المبسوطة و إن كان أحدهما أكثر وزنا، لخروج الثوب بالصنعة عن الوزن.

و لأنّ الصادق عليه السّلام سئل عن بيع الغزل بالثياب المبسوطة و الغزل أكثر وزنا من الثياب، قال: «لا بأس»(2).

ج - لو كان الشيء في أصله غير موزون و لا مكيل ثمّ صار باعتبار صفة إلى الكيل أو الوزن،

جرى فيه الربا حالة اتّصافه بتلك الصفة لا قبلها، و ذلك كالبطّيخ، و الرمّان إذا كان رطبا و لم يدخله الكيل و الوزن حينئذ، فإنّه لا يجري فيه الربا، فيجوز بيع بعضه ببعض متفاضلا. أمّا إذا جفّف و صار موزونا حالة جفافه، فإنّه يثبت فيه الربا في هذه الحال، فلا يجوز بيع بعضه ببعض متفاضلا، بل متساويا.

و للشافعي حال رطوبته قولان:

الجديد: ثبوت الربا فيه، فلا يجوز بيع بعضه ببعض رطبين إذا كان له حالة جفاف متساويا و متفاضلا، كما لا يجوز بيع الرطب بالرطب و إن تساويا. و يجوز في حالة الجفاف بشرط التساوي.

و القديم: عدم الربا، فيجوز بيع بعضه ببعض متفاضلا و إن جفّ، لأنّه ليس مال ربا.

و إن كان ممّا لا يجفّ، كالقثّاء، ففي جواز بيع بعضه ببعض في حال الرطوبة قولان: المنع مطلقا، كبيع الرطب بالرطب. و الجواز مع التساوي».

ص: 200


1- التهذيب 119:7، 517، الإستبصار 101:3، 351.
2- الكافي 190:5، 2، الفقيه 137:3، 596، التهذيب 120:7، 524، و في الأخيرين: «المنسوجة» بدل «المبسوطة».

وزنا، لأنّ معظم منافع هذه الأشياء في حالة الرطوبة، فأشبهت بيع اللبن باللبن.

فعلى هذا إن لم يمكن كيله كالبطّيخ و القثّاء، بيع وزنا. و إن أمكن، كالتفّاح و التين، ففي بيعه وزنا وجهان للشافعيّة، أصحّهما: الوزن، لأنّه أحصر. و على الوجهين لا بأس بتفاوت العدد فيه(1).

د - كما لا يجوز بيع الموزون بجنسه جزافا كذا لا يجوز بيعه مكيلا،

إلاّ إذا علم عدم التفاوت فيه. و كذا المكيل لا يجوز بيعه جزافا و لا موزونا، إلاّ مع علم عدم التفاوت.

ه - لو كانا في حكم الجنس الواحد و اختلفا في التقدير،

كالحنطة المقدّرة بالكيل، و الدقيق المقدّر بالوزن، احتمل تحريم البيع بالكيل أو الوزن [1]، للاختلاف قدرا. و تسويغه بالوزن.

و - يجوز بيع الخبز بمثله و إن احتمل اختلافهما في الأجزاء المائيّة.

و كذا الخلّ بمثله، لعدم الأصالة.

الأمر الثاني 2: في الأحكام.
مسألة 98: لو دعت الضرورة إلى بيع الربويّات متفاضلا مع اتّحاد الجنس، وجب توسّط عقد بينهما،

فيباع الناقص بجنس مخالف ثمّ يشتري الزائد بذلك الجنس، فلو أرادا بيع دراهم أو دنانير صحاح بمكسّرة أكثر وزنا، بيع الدراهم الصحاح بدنانير أو بجنس آخر كالثياب ثمّ اشتري بتلك الدنانير أو الثياب الدراهم المكسّرة أو بالعكس، لانتفاء الربا هنا، لعدم

ص: 201


1- العزيز شرح الوجيز 81:4-82، روضة الطالبين 51:3.

شرطه، و هو اتّحاد الجنس.

و روى أبو سعيد الخدري أنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله أمّر أخا عديّ على خيبر، فأتى بتمر جيّد، فقال: «أ و تمر خيبر كلّه هكذا؟» فقال: لا، و لكنّا نبيع الصاع بالصاعين و الصاعين بالثلاثة، فقال: «لا تفعلوا و لكن بيعوا تمركم بعوض ثمّ اشتروا بثمنه من هذا التمر»(1).

و من طريق الخاصّة: رواية سماعة، قال: سألته عن الطعام و التمر و الزبيب، فقال: «لا يصلح شيء منه اثنان بواحد إلاّ إن كان صرفته نوعا إلى نوع آخر، فإذا صرفته فلا بأس به اثنين بواحد و أكثر»(2).

فروع:

أ - لا فرق بين أن يتّخذ ذلك عادة أو لا

- و به قال الشافعي(3) - للأصل.

و قال مالك: يجوز مرّة واحدة، و لا يجوز أن يجعله عادة(4).

و هو غلط، لأنّ المقتضي إن كان كونه ربا، لم يجز و لا مرّة. و إن كان غيره، فلا بدّ من بيانه.

ب - يجوز توسّط غير البيع،

و ذلك بأنّ يقترض الزائد ثمّ يستقرض الآخر منه الناقص ثمّ يتبارءان، أو يهب كلّ واحد منهما ماله من صاحبه، أو4.

ص: 202


1- صحيح البخاري 102:3 و 229، و 178:5، و 132:9، صحيح مسلم 3: 1215، 1593، سنن النسائي 171:7، سنن الدار قطني 17:3، 54، سنن البيهقي 285:5 و 291، الموطّأ 623:2، 20 و 21.
2- الفقيه 178:3، 804، التهذيب 95:7، 406 بتفاوت في بعض الألفاظ.
3- العزيز شرح الوجيز 78:4، روضة الطالبين 48:3.
4- العزيز شرح الوجيز 78:4، المغني 193:4.

يبيع الصحاح بمثل وزنها من المكسّرة و يهب صاحب المكسّرة الزيادة منه، فيجوز جميع ذلك سواء شرط في إقراضه و هبته و بيعه ما يفعله الآخر أو لا، خلافا للشافعي، فإنّه سوّغ مع عدم الشرط لا معه(1).

لنا: عموم قوله عليه السّلام: «المؤمنون عند شروطهم»(2).

ج - لو باع النصف الشائع من دينار قيمته عشرة دراهم بخمسة، جاز،

و يسلّم إليه الكلّ ليحصل تسليم النصف، و يكون النصف الآخر أمانة في يده. أمّا لو كان له عشرة على غيره فأعطاه عشرة عددا فوزنت فكانت أحد عشر، كان الدرهم الزائد للمقبوض منه على الإشاعة، و يكون مضمونا عليه، لأنّه قبضه لنفسه. ثمّ إذا سلّم الدراهم الخمسة، فله أن يستقرضها و يشتري بها النصف الآخر، فيكون جميع الدينار له، و عليه خمسة.

و لو باعه بعشرة و ليس مع المشتري إلاّ خمسة فدفعها إليه ثمّ استقرض منه خمسة أخرى و ردّها إليه عن باقي الثمن، جاز، و به قال الشافعي(3). أمّا لو استقرض الخمسة المدفوعة إليه، جاز عندنا، و هو أصحّ وجهي الشافعيّة(4).

مسألة 99: القسمة تمييز أحد النصيبين من الآخر و إفراز الحقوق بعضها من بعض،

و ليست بيعا - و هو أحد قولي الشافعي(5) - لأنّ لها اسما

ص: 203


1- التهذيب - للبغوي - 361:3، العزيز شرح الوجيز 79:4، روضة الطالبين 49:3.
2- التهذيب 371:7، 1503، الاستبصار 232:3، 835، الجامع لأحكام القرآن 33:6.
3- التهذيب - للبغوي - 362:3، العزيز شرح الوجيز 79:4، روضة الطالبين 49:3.
4- التهذيب - للبغوي - 362:3، العزيز شرح الوجيز 79:4، روضة الطالبين 49:3.
5- الحاوي الكبير 126:5 و 127، و انظر: التهذيب - للبغوي - 345:3، و العزيز شرح الوجيز 82:4، و روضة الطالبين 51:3.

يخصّها، و تدخل فيها القرعة، و لا تفتقر إلى لفظ بيع أو تمليك، و لا يجوز إلاّ بقدر الحقّين، و لا يثبت بها الشفعة.

و القول الأصحّ: أنّها بيع، لأنّ كلّ جزء من ذلك مشترك بينهما، فإذا تعيّن لأحدهما شيء بالقسمة، فقد اشترى نصيب شريكه فيما تعيّن له بنصيبه ممّا تعيّن لشريكه، فكان ذلك بيعا(1). و هو ممنوع.

إذا ثبت هذا، فنقول: إذا كان المقسوم ممّا يدخل فيه الربا، جازت القسمة كيلا و وزنا، و قسمة المكيل بالوزن و بالعكس، و ما لا يباع بعضه ببعض عنده(2) ، كالرطب بمثله و العنب بمثله، متساويا و متفاضلا، نقدا و نسيئة و إن كان يمنع ذلك في البيع.

و كذا يجوز أن يأخذ أحدهما الرطب أو العنب و الآخر التمر أو الزبيب.

و يجوز قسمة الثمرة على رءوس النخل.

و للشافعي قولان مبنيّان على أنّ القسمة بيع أم لا، فإن كانت بيعا، لم تجز، كما لا يجوز بيع الثمرة على أصلها بمثلها.

و نحن نمنع ذلك، لجواز بيع الثمرة على رءوس النخل بمثلها. نعم، الممنوع بيعها بخرصها تمرا.

و إن لم تكن عنده بيعا و إنّما هي إفراز حقّ، فقولان، أحدهما: المنع مطلقا. و الثاني: الجواز في الرطب و العنب خاصّة دون باقي الثمار، لأنّ للخرص مدخلا فيهما، و لهذا جاز خرصهما على الفقراء، فجازت5.

ص: 204


1- الحاوي الكبير 126:5 و 127، و انظر: التهذيب - للبغوي - 345:3، و العزيز شرح الوجيز 82:4، و روضة الطالبين 51:3.
2- المهذّب - للشيرازي - 281:1، التهذيب - للبغوي - 343:3 و 345، حلية العلماء 172:4، الحاوي الكبير 134:5، العزيز شرح الوجيز 82:4 و 89، روضة الطالبين 51:3 و 55.

قسمتهما بين الشركاء، بخلاف باقي الثمار(1).

و الحقّ عندنا الجواز مطلقا.

مسألة 100: قد بيّنّا أنّ الجيّد و الرديء في الجنس الواحد واحد

لا يباع أحدهما بالآخر متفاضلا، لأنّ الصادق عليه السّلام سئل عن رجل استبدل قوصرتين [1] فيهما بسر مطبوخ بقوصرة فيها مشقّق، فقال: «هذا مكروه، لأنّ عليّا عليه السّلام كان يكره أن يستبدل وسقا من تمر المدينة بوسقين من تمر خيبر، و لم يكن [عليّ] [2] عليه السّلام يكره الحلال»(2).

مسألة 101: يجوز بيع العصير بالبختج 3 مثلا بمثل نقدا،

لأنّ خالد بن أبي الربيع [4] سأل الصادق عليه السّلام: ما ترى في التمر و البسر الأحمر مثلا بمثل ؟ قال: «لا بأس» قلت: فالبختج و العصير [5] مثلا بمثل ؟ قال:

«لا بأس»(3).

و اعلم أنّ هذا الحديث يدلّ على جواز بيع التمر بالبسر الأحمر.

و المراد به البسر المطبوخ بالنار، لذهاب رطوبته، و مساواته للتمر في عدم

ص: 205


1- التهذيب - للبغوي - 345:3، العزيز شرح الوجيز 82:4، و انظر روضة الطالبين 51:3.
2- الكافي 188:5، 7، التهذيب 96:7-97، 412.
3- الكافي 190:5، 18، التهذيب 97:7-98، 418.

النقصان عند الجفاف، بخلاف الرطب بالتمر.

مسألة 102: قد بيّنّا جواز بيع البرّ بالسويق متساويا نقدا،

و لا يجوز متفاضلا و لا نسيئة، لاتّحاد الأصل فيهما، و لا اعتبار بزيادة الرّيع [1] في أحدهما، لما رواه محمّد بن مسلم - في الصحيح - عن الباقر عليه السّلام، قال: ما تقول في البرّ بالسويق ؟ فقال: «مثلا بمثل لا بأس به» قال: قلت له: إنّه يكون له ريع أو يكون له فضل، فقال: «ليس له مئونة ؟» قلت: بلى، قال:

«فهذا بذا» و قال: «إذا اختلف الشيئان فلا بأس به مثلين بمثل يدا بيد»(1).

مسألة 103: لو دفع إلى الطحّان طعاما و قاطعه على أن يعطيه به طحينا أنقص،

أو دفع إلى العصّار سمسما و قاطعه على شيرج أنقص، لم يجز.

و كذا مع التساوي فيهما. أمّا الأوّل: فلربا الفضل، و أمّا الثاني: فلربا النسيئة.

و سأله محمّد بن مسلم عن الرجل يدفع إلى الطحّان الطعام فيقاطعه على أن يعطي صاحبه لكلّ عشرة اثنتي عشرة دقيقا، فقال: «لا» قال: فقلت:

فالرجل يدفع السمسم إلى العصّار و يضمن له لكلّ صاع أرطالا مسمّاة، قال: «لا»(2).

مسألة 104: يكره أن يدفع الإنسان إلى غيره البقر و الغنم

على أن يدفع إليه كلّ سنة من ألبانها و أولادها شيئا معلوما. و إن فعل ذلك، كان ضريبة غير لازمة.

و كذا يكره أن يدفع الغنم و الإبل إلى غيره على أن يبدل له - إذا

ص: 206


1- الكافي 189:5، 9، التهذيب 95:7، 404.
2- الكافي 189:5، 11، التهذيب 96:7، 411.

ولدت - الذكور بالإناث و بالعكس.

لأنّ الصادق عليه السّلام سئل عن رجل قال لرجل: ادفع إليّ غنمك و إبلك تكون معي فإذا ولدت أبدلت لك إن شئت إناثها بذكورها أو ذكورها بإناثها، فقال: «إنّ ذلك فعل مكروه، إلاّ أن يبدلها بعد ما تولّد و يعزلها».

قال: و سألته عن الرجل يدفع إلى الرجل بقرا و غنما على أن يدفع اليه كلّ سنة من ألبانها و أولادها كذا و كذا، قال: «ذلك مكروه»(1).

مسألة 105: لا ربا بين الولد و والده،

فلكلّ واحد منهما أن يأخذ الفضل من صاحبه، لأنّ مال الولد في حكم مال الوالد. و كذا بين السيّد و عبده المختصّ به، لأنّ مال العبد لمولاه. و لا بين الرجل و زوجته، و لكلّ منهما أن يأخذ الفضل من صاحبه. و لا بين المسلم و الحربيّ، فيأخذ منهم الفضل و لا يعطيهم إيّاه، لأنّهم في الحقيقة فيء للمسلمين.

و لقول الباقر عليه السّلام: «ليس بين الرجل و ولده و بينه و بين عبده و لا بين أهله ربا، إنّما الربا فيما بينك و بين ما لا تملك» قلت: و المشركون بيني و بينهم ربا؟ قال: «نعم» قلت: فإنّهم مماليك، فقال: «إنّك لست تملكهم، إنّما تملكهم مع غيرك، أنت و غيرك فيهم سواء، و الذي بينك و بينهم ليس من ذلك، لأنّ عبدك ليس مثل عبد غيرك»(2).

و عن الصادق عليه السّلام قال: «قال أمير المؤمنين عليه السّلام: ليس بين الرجل و ولده ربا، و ليس بين السيّد و عبده ربا»(3).

ص: 207


1- التهذيب 120:7-121، 526، و في الكافي 191:5، 9 بدون الذيل.
2- الاستبصار 71:3، 236، و في الكافي 147:5، 3، و التهذيب 17:7، 75 بزيادة يسيرة.
3- الكافي 147:5، 1، التهذيب 18:7، 76.

و قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: «ليس بيننا و بين أهل حربنا ربا، فإنّا نأخذ منهم ألف درهم بدرهم و نأخذ منهم و لا نعطيهم»(1).

فروع:

أ - لا فرق في تحريم الربا بين المسلمين بين دار الحرب و دار الإسلام،

فلا يجوز للمسلم أن يربي على المسلم في الدارين - و به قال مالك و أحمد و الشافعي و أبو يوسف(2) - للعموم(3).

و قال أبو حنيفة: لا ربا بين مسلمين(4) إذا أسلما في دار الحرب(5).

ب - لا ربا عندنا بين المسلم و الحربيّ سواء كان ذا أمان أو لا،

و سواء كان في دار الإسلام أو دار الحرب - و به قال أبو حنيفة(6) - للأحاديث السابقة.

و روى الجمهور عن النبي صلّى اللّه عليه و آله قال: «لا ربا بين المسلمين و أهل الحرب في دار الحرب»(7) و نحن لم نشرط الدار.ل.

ص: 208


1- الكافي 147:5، 2، التهذيب 18:7، 77، الإستبصار 70:3-71، 235.
2- المغني 176:4، الشرح الكبير 199:4، الحاوي الكبير 75:5، حلية العلماء 192:4، الوسيط 48:3، العزيز شرح الوجيز 99:4، روضة الطالبين 61:3.
3- البقرة: 275.
4- في «ق، ك»: المسلمين.
5- المغني 176:4، الشرح الكبير 199:4-200، العزيز شرح الوجيز 99:4 - 100.
6- الهداية - للمرغيناني - 66:3، الاختيار لتعليل المختار 49:2، بدائع الصنائع 192:5، حلية العلماء 192:4، الحاوي الكبير 75:5، المغني 176:4، الشرح الكبير 199:4.
7- أورده ابنا قدامة في المغني 176:4، و الشرح الكبير 200:4 نقلا عن مكحول.

و لأنّه في الحقيقة فيء للمسلمين و قد بذل ماله بإذنه للمسلم فجاز(1) له أخذه منه حيث أزال أمانه عنه ببذله له.

و قال الشافعي و مالك و أحمد و أبو يوسف: يثبت الربا بين المسلم و الحربيّ مطلقا كثبوته بين المسلمين، للعموم(2)(3).

ج - هل يثبت الربا بين الجدّ و ولد الولد؟ إشكال،

أقربه: الثبوت، عملا بالعموم الدالّ على التحريم، و أصالة إرادة الحقيقة، و ولد الولد يسمّى ولدا مجازا.

و كذا يثبت بينه و بين زوجته بالعقد المنقطع، لأنّ التفويض في مال الرجل إنّما يثبت(4) في حقّ العقد الدائم، فإنّ للزوجة أن تأخذ من مال الرجل المأدوم.

و لا فرق بين الولد الذكر و الأنثى، لشمول اسم الولد لهما.

د - يثبت الربا بين السيّد و عبده المشترك بينه و بين غيره،

لخروج حصّة الغير عن ملكه في نفس العبد و فيما في يده، و عليه دلّ حديث الباقر(5) عليه السّلام.

ه - في ثبوت الربا بين المسلم و الذمّيّ خلاف أقربه: الثبوت،

لعصمة أموالهم، و عموم الأحاديث و النصوص الدالّة على تحريم مطلق الربا.

مسألة 106: يجب على آخذ الربا المحرّم ردّه على مالكه إن عرفه،

لأنّه مال له لم ينتقل عنه إلى الآخذ، و يده يد عادية، فيجب دفعه إلى المالك

ص: 209


1- في «ق، ك»: فجائز.
2- البقرة: 275.
3- الحاوي الكبير 75:5، العزيز شرح الوجيز 99:4، روضة الطالبين 61:3، المغني 176:4، الشرح الكبير 198:4-199، بدائع الصنائع 192:5.
4- في «ق، ك»: ثبت.
5- الكافي 147:5، 3، التهذيب 17:7، 75، الاستبصار 71:3، 236.

كالغصب. و لو لم يعرف المالك، تصدّق به عنه، لأنّه مجهول المالك. و لو وجد المالك قد مات، سلّم إلى الوارث، فإن جهلهم، تصدّق به إذا لم يتمكّن من استعلامهم. و لو لم يعرف المقدار و عرف المالك، صالحه. و لو لم يعرف المالك و لا المقدار، أخرج خمسه، و حلّ له الباقي.

هذا إذا فعل الربا متعمّدا، و أمّا إذا فعله جاهلا بتحريمه، فالأقوى أنّه كذلك.

و قيل: لا يجب عليه ردّه(1) ، لقوله تعالى فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهى فَلَهُ ما سَلَفَ (2) و هو يتناول المال الذي أخذه على وجه الربا.

و سئل الصادق عليه السّلام عن الرجل يأكل الربا و هو يرى أنّه له حلال(3) ، قال: «لا يضرّه حتى يصيبه متعمّدا [فإذا أصابه متعمّدا](4) فهو بمنزلة الذي قال اللّه عزّ و جلّ»(5).

و في الصحيح عن الصادق عليه السّلام قال: «أتى رجل إلى أبي عليه السّلام [1]، فقال:

إنّي قد [2] ورثت مالا و قد علمت أنّ صاحبه الذي ورثته منه قد كان يربي و قد عرفت أنّ فيه ربا و أستيقن ذلك و ليس يطيب لي حلاله لحال علمي فيه و قد سألت فقهاء أهل العراق و أهل الحجاز، فقالوا: لا يحلّ لك أكله6.

ص: 210


1- قال به الشيخ الطوسي في النهاية: 376.
2- البقرة: 275.
3- في «ق، ك» و الطبعة الحجريّة: أنّ له حلالا. و ما أثبتناه من المصدر.
4- ما بين المعقوفين من المصدر.
5- الكافي 144:5-145، 3، التهذيب 15:7، 66.

من أجل ما فيه، فقال له أبو جعفر عليه السّلام: إن كنت تعرف أنّ فيه مالا معروفا ربا و تعرف أهله فخذ رأس مالك و ردّ ما سوى ذلك، و إن كان مختلطا فكله هنيئا، فإنّ المال مالك، و اجتنب ما كان يصنع صاحبه، فإنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قد وضع ما مضى من الربا و حرّم عليهم ما بقي، فمن جهله وسع له جهله حتى يعرفه، فإذا عرف تحريمه حرم عليه، و وجب عليه فيه العقوبة إذا ركبه، كما يجب على من يأكل الربا»(1).

إذا تقرّر هذا، فإنّما أباح عليه السّلام له الربا مع امتزاجه بناء على أنّ الميّت ارتكبه بجهالة، و تمام الحديث يدلّ عليه.

القسم الثالث: الغرر.
اشارة

و قد نهى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عن بيع الغرر(2) ، كبيع عسيب الفحل، و بيع ما ليس عنده، و بيع الحمل في بطن امّه، لنهيه عليه السّلام عنه(3). و لأنّه غرر، لعدم العلم بسلامته و صفته و قد يخرج حيّا أو ميّتا، و لا يقدر على تسليمه عقيب العقد و لا الشروع فيه، بخلاف الغائب.

و من الغرر بيع الملاقيح و المضامين. و الملاقيح ما في بطون الأمّهات، و المضامين ما في أصلاب الفحول. و كانوا يبيعون الجنين في بطن الناقة و ما يضربه الفحل في عام أو أعوام(4).

ص: 211


1- التهذيب 16:7، 70، و بتفاوت في بعض الألفاظ في الكافي 146:5 ضمن الحديث 9، و الفقيه 175:3، 789.
2- صحيح مسلم 1153:3، 1513، سنن ابن ماجة 739:2، 2194 و 2195، سنن أبي داود 254:3، 3376، سنن الترمذي 532:3، 1230، سنن الدار قطني 3. 15، 46، سنن البيهقي 338:5، سنن الدارمي 251:2، الموطّأ 664:2، 75، مسند أحمد 497:1، 2747.
3- سنن البيهقي 338:5 و 341، غريب الحديث - للهروي - 206:1، الاستذكار - لابن عبد البرّ - 98:20، 29400.
4- كما في المغني 298:4، الشرح الكبير 31:4.

و منه بيع المجر، لنهيه عليه السّلام عنه(1). و لأنّه غرر.

قال أبو عبيدة: هو بيع ما في الأرحام(2). و قيل: القمار(3) ، و قيل:

المحاقلة و المزابنة(4) [1].

و يجوز أن يبيع الدابّة و يشترط حملها، لقوله عليه السّلام: «المؤمنون عند شروطهم»(5) و الجهالة هنا لا تضرّ، لأنّه تابع، فأشبه أساسات الحيطان، و هو أحد قولي الشافعيّة بناء منه على أنّ الحمل له حكمه(6) ، فيجوز اشتراطه. و في الثاني: لا يجوز بناء على أنّه لا حكم للحمل(7).

و لو باعها على أنّها تضع بعد شهر أو مدّة بعينها، بطل العقد - و به قال الشافعي(8) - لأنّه شرط غير مقدور.

مسألة 107: لو باع شاة على أنّها لبون، صحّ

- و به قال الشافعي في أحد

ص: 212


1- غريب الحديث - للهروي - 206:1، سنن البيهقي 341:5، الاستذكار - لابن عبد البرّ - 98:20، 29400.
2- حكاه عنه الرافعي في العزيز شرح الوجيز 134:4.
3- المغني 298:4، الشرح الكبير 31:4.
4- المغني 298:4، الشرح الكبير 31:4.
5- التهذيب 371:7، 1503، الاستبصار 232:3، 835، الجامع لأحكام القرآن 33:6.
6- في الطبعة الحجريّة: حكم.
7- الوسيط 85:3، الوجيز 139:1، العزيز شرح الوجيز 117:4، المهذّب - للشيرازي - 272:1، المجموع 323:9، روضة الطالبين 73:3.
8- العزيز شرح الوجيز 117:4، روضة الطالبين 73:3.

القولين(1) - لأنّه يتحقّق وجوده في الحيوان، و يأخذ قسطا من الثمن، فجاز شرطه.

و قال أبو حنيفة: لا يجوز، لأنّه لا يصحّ بيعه في الضرع فلا يصحّ اشتراطه، كالحمل(2).

و بطلان التالي ممنوع. و الفرق: عدم العلم بوجود الحمل، بخلاف اللبن، فإنّه معلوم الوجود.

أمّا لو شرط أنّها تحلب قدرا معلوما في كلّ يوم، فإنّه لا يصحّ، لتعذّر الوفاء به، و لعدم ضبط اللبن.

مسألة 108: يجوز بيع البيض المنفصل إذا كان ممّا يؤكل لحمه

- و به قال الشافعي(3) - لأنّ المقصود و إن كان مستورا إلاّ أنّه لمصلحته، كالجوز.

و إن كان غير ما يؤكل لحمه، جاز عندنا أيضا إذا كان ممّا ينتفع به بأن يصير فرخا، لأنّه لا ينتفع به في الأكل، و هو أحد قولي الشافعي بناء على أنّ منيّة نجس أم لا، فإن كان نجسا، لم يجز بيعه، و إلاّ جاز(4).

و أمّا إذا كان متّصلا بالحيوان، فلا يجوز بيعه منفردا، كالحمل، و يجوز اشتراطه.

و إن انفصل من الحيوان بعد موته، فإن كان قد اكتسى الجلد الفوقاني الصلب، كان مباحا. و إن لم يكتس الجلد الصلب، كان حراما، لأنّه مائع

ص: 213


1- التهذيب - للبغوي - 526:3، الوسيط 84:3، المجموع 324:9، العزيز شرح الوجيز 118:4، روضة الطالبين 73:3، الشرح الكبير 55:4.
2- العزيز شرح الوجيز 118:4، الشرح الكبير 55:4.
3- انظر: المهذّب - للشيرازي - 269:1.
4- المهذّب - للشيرازي - 269:1، المجموع 253:9، حلية العلماء 72:4.

فينجس بها، و هو قول بعض الشافعيّة(1).

و قال بعضهم: إنّه لا يحلّ(2) ، لأنّه بمنزلة لحمها. و هو ممنوع.

و يجوز بيع بزر القزّ عندنا، لأنّه طاهر ينتفع به، و هو أحد وجهي الشافعيّة. و في الثاني: لا يجوز بناء على بيض ما لا يؤكل لحمه(3).

مسألة 109: و من الغرر بيع الطير في الهواء و السمك في الماء
اشارة

و قد سلف(4). و لا يجوز استئجار برك الحيتان لأخذ السمك منها - و به قال الشافعي(5) - لأنّ العين لا تملك بالإجارة. و بيع السمك فيها لا يجوز، لأنّه غرر.

فإن استأجرها ليحبس السمك فيها و يأخذه، جاز، كما يجوز إجارة الشبكة للصيد. و لأنّه عقد على منفعة مقصودة، فجاز العقد عليها، و به قال أكثر الشافعيّة(6).

و قال أبو حامد [1] في التعليق: لا يجوز. و فرّق بين البركة و الشبكة، فإنّ الشبكة تحبس الصيد، و الاصطياد يكون بها، و أمّا البركة فإنّ الصيد

ص: 214


1- المهذّب - للشيرازي - 18:1، المجموع 244:1، حلية العلماء 119:1، التهذيب - للبغوي - 186:1، روضة الطالبين 128:1.
2- التهذيب - للبغوي - 186:1، المجموع 244:1، روضة الطالبين 128:1، حلية العلماء 119:1-120.
3- المهذّب - للشيرازي - 269:1، المجموع 253:9، العزيز شرح الوجيز 24:4.
4- في ص 50 و 51، المسألتان 27 و 28.
5- المجموع 285:9، روضة الطالبين 325:4.
6- المجموع 285:9، روضة الطالبين 325:4.

ينحصر فيها بغيرها.

و هذا لا معنى له، لأنّ البركة بها يمكن الاصطياد و يحبس كالشّرك [1]، و الانتفاع المقصود حاصل بها.

فروع:

أ - لو استأجر أرضا للزراعة فدخل إليها السمك

ثمّ نضب الماء منها و بقي السمك، لم يملكه المستأجر بذلك، بل كان أحقّ به، لأنّ غيره ليس له التخطّي في الأرض و لا الانتفاع بها، فلو تخطّى أجنبيّ فأخذ السمك، ملكه بالأخذ.

ب - لو طفرت سمكة إلى سفينة فيها ركّاب، لم يملكها صاحب السفينة،

و هي لآخذها، و ليس صاحب السفينة أحقّ بها من الركّاب، لأنّ لهم التخطّي فيها.

ج - لو عشّش الطائر في دار أو أرض و فرّخ فيها،

أو توحّل الظبي في أرضه، لم يملكه بذلك ما لم يثبت يده عليه، و يكون صاحب الأرض أحقّ بذلك. و كذا إذا سقط ثلج في أرض إنسان، لم يملكه بذلك، و كان أحقّ به. و لو دخل الماء في أرضه، لم يملكه. فإن نصب شبكة فوقع فيها صيد، ملكه و إن كانت في غير أرضه، لأنّها بمنزلة يده. و كذا لو غرف الماء بدلوه و لو من أرض غيره، ملكه. و هذه الفروع كلّها موافقة للشافعيّة [2].

مسألة 110: بيع الفضولي جائز عندنا لكن يكون موقوفا على إجازة المالك،
اشارة

فإن أجاز البيع، لزم، و إلاّ بطل. و لا يقع فاسدا في أصله و لا لازما.

ص: 215

و لا فرق بين البيع و الشراء - و به قال مالك و الشافعي في القديم(1) - لأنّه عقد صدر من أهله في محلّه، و له مجيز في حال وقوعه، فجاز أن يقف على إجازته، كالوصيّة.

و لأنّه عليه السّلام دفع إلى عروة البارقي دينارا يشتري به شاة، فاشترى به شاتين و باع إحداهما بدينار و جاء بشاة، و دينار، فقال النبيّ عليه السّلام: «بارك اللّه في صفقة يمينك»(2) فأجاز عليه السّلام بيع الشاة و شراء الشاتين، و لو كان بيع الفضولي و شراؤه باطلين، لما أقرّه عليه السّلام على ذلك.

و قال أبو حنيفة: يقف البيع على إجازة المالك، و لا يقف الشراء على إجازة المشتري له، بل يقع للوكيل(3).

و عن أحمد روايتان في البيع و الشراء جميعا(4).

و قال الشافعي في الجديد: يبطل البيع من أصله(5) ، لقوله عليه السّلام لحكيم ابن حزام: «لا تبع ما ليس عندك»(6).7.

ص: 216


1- بداية المجتهد 172:2، منهاج الطالبين: 95، روضة الطالبين 21:3، المجموع 9: 259 و 261، حلية العلماء 76:4 و 77، الوسيط 22:3، العزيز شرح الوجيز 31:4، التهذيب - للبغوي - 530:3، المغني 296:4، الشرح الكبير 18:4.
2- سنن الترمذي 559:3، 1258، سنن الدار قطني 10:3، 29.
3- الهداية - للمرغيناني - 68:3 و 69، بدائع الصنائع 148:5 و 150، الاختيار لتعليل المختار 26:2، حلية العلماء 75:4، الوسيط 22:3، العزيز شرح الوجيز 32:4، المجموع 261:9، المغني 296:4، الشرح الكبير 18:4.
4- المغني 296:4، الشرح الكبير 18:4، حلية العلماء 76:4، العزيز شرح الوجيز 32:4، المجموع 261:9، بداية المجتهد 172:2.
5- الوسيط 22:3، الوجيز 134:1، العزيز شرح الوجيز 31:4، حلية العلماء 74:4، التهذيب - للبغوي - 530:3، منهاج الطالبين: 95، روضة الطالبين 3: 21، المجموع 259:9، المغني 296:4، الشرح الكبير 18:4.
6- سنن ابن ماجة 737:2، 2187، سنن أبي داود 283:3، 3503، سنن النسائي 289:7، سنن البيهقي 267:5، مسند أحمد 403:4، 14887، المعجم الكبير - للطبراني - 217:3، 3097.

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السّلام: «نهى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عن سلف و بيع، و عن بيعين في بيع، و عن بيع ما ليس عندك، و عن ربح ما لم يضمن»(1).

و لأنّ بيع الآبق غير صحيح مع كونه مملوكا، لعدم القدرة على التسليم، فبيع ما لا ملك فيه و لا قدرة على تسليمه أولى.

و الجواب: النهي لا يدلّ على الفساد في المعاملات. و نمنع التعليل في الآبق بما ذكر، سلّمنا لكنّ الفرق ظاهر، فإنّ القدرة في المتنازع موجودة إذا أجاز المالك.

فروع:

أ - هذا الخلاف الواقع في بيع الفضولي أو شرائه ثابت في النكاح على الأقوى

و إن كان للشيخ قول بأنّ النكاح لا يقع موقوفا بل إمّا لازم أو باطل(2).

أمّا الطلاق فللشافعي القولان فيه و كذا في العتق(3).

و أمّا الإجارة و الهبة فعندنا يقعان موقوفين على الإجازة. و للشافعي القولان(4).

ب - لو اشترى الفضولي لغيره شيئا بعين مال الغير، وقف على الإجازة

ص: 217


1- التهذيب 230:7، 1005.
2- المبسوط - للطوسي - 163:4، الخلاف 257:4-258، المسألة 11.
3- المجموع 259:9، روضة الطالبين 21:3، العزيز شرح الوجيز 32:4.
4- المجموع 259:9، روضة الطالبين 21:3، العزيز شرح الوجيز 32:4.

عندنا، و هو القديم للشافعي، و على الجديد لا يصحّ(1).

و إن اشترى في الذمّة، فإن أطلق و نوى كونه للغير، وقف على الإجازة، فإن ردّ، نفذ في حقّه، و هو القديم للشافعي، و على الجديد يقع للمباشر(2).

و لو أضاف فقال: اشتريت لفلان بألف في ذمّته، فهو كما لو اشترى بعين ماله. و لو قال: اشتريت لفلان بألف، و لم يضف الثمن إلى ذمّة الغير، وقف على إجازة الغير، فإن ردّ، احتمل نفوذه في حقّه. و البطلان.

و على قول الشافعي في القديم: يقف على الإجازة، فإن ردّ، فالاحتمالان(3). و على الجديد وجهان: إلغاء التسمية فيقع العقد عن المباشر. و البطلان(4).

ج - لو اشترى الفضولي لغيره شيئا بمال نفسه، فإن لم يسمّه،

وقع العقد عن المباشر سواء أذن ذلك الغير أو لا. و إن سمّاه، فإن لم يأذن له، لغت التسمية، و به قال الشافعي(5).

و هل يقع عنه أو يبطل من أصله ؟ احتمال. و للشافعي وجهان(6).

و إن أذن له، فهل تلغو التسمية ؟ للشافعي وجهان، فإن قلنا به، ففي9.

ص: 218


1- التهذيب - للبغوي - 530:3، العزيز شرح الوجيز 32:4، روضة الطالبين 21:3، المجموع 260:9.
2- التهذيب - للبغوي - 530:3، العزيز شرح الوجيز 32:4، روضة الطالبين 21:3، المجموع 260:9.
3- في «ق، ك»، و الطبعة الحجريّة: فالاحتمالات. و ما أثبتناه موافق لما في المصادر.
4- التهذيب - للبغوي - 530:3-531، العزيز شرح الوجيز 32:4، روضة الطالبين 21:3-22، المجموع 260:9.
5- التهذيب - للبغوي - 531:3، العزيز شرح الوجيز 32:4، روضة الطالبين 22:3، المجموع 260:9.
6- التهذيب - للبغوي - 531:3، العزيز شرح الوجيز 32:4، روضة الطالبين 22:3، المجموع 260:9.

بطلان العقد أو وقوعه عن العاقد وجهان. و إن قلنا: لا، وقع عن الآذن(1).

و الثمن المدفوع هل يكون قرضا أو هبة ؟ فيه للشافعي وجهان(2).

و الأقرب: البطلان فيما لو أذن، إذ ليس للإنسان أن يملك شيئا و الثمن على غيره.

و قال أبو حنيفة في البيع و النكاح: إنّه يقف عقد الفضولي فيه على الإجازة. و أمّا الشراء فقد قال في صورة الشراء المطلق: يقع عن العاقد، و لا يقع موقوفا(3).

و عن أصحابه اختلاف فيما إذا سمّى الغير(4).

د - شرط الوقف [1] عند أبي حنيفة أن يكون للعقد مجيز في الحال

سواء كان مالكا أو لا حتى لو أعتق عن الطفل أو طلّق امرأته، لا يتوقّف على إجازته بعد البلوغ. و المعتبر إجازة من يملك التصرّف عند العقد حتى لو باع مال الطفل فبلغ و أجاز، لم ينعقد. و كذا لو باع مال الغير ثمّ ملكه و أجاز(5).

و المعتمد: أنّ الطلاق لا يقع موقوفا.

ه - لو غصب مالا و باعه و تصرّف في ثمنه مرّة بعد اخرى،

كان ذلك موقوفا على اختيار المالك في إجازة الجميع أو أيّها شاء، و فسخ الجميع أو أيّها شاء، و له تتبّع العقود الكثيرة، فيراعي مصلحته، و هذا أضعف4.

ص: 219


1- التهذيب - للبغوي - 531:3، العزيز شرح الوجيز 32:4، روضة الطالبين 22:3، المجموع 260:9.
2- التهذيب - للبغوي - 531:3، العزيز شرح الوجيز 32:4، روضة الطالبين 22:3، المجموع 260:9.
3- بدائع الصنائع 148:5-150، العزيز شرح الوجيز 32:4، المجموع 261:9.
4- كما في العزيز شرح الوجيز 32:4.
5- بدائع الصنائع 149:5، الاختيار لتعليل المختار 26:2، العزيز شرح الوجيز 32:4.

قولي الشافعي، و الأصحّ عنده: البطلان(1).

و كذا الخلاف لو ربح الغاصب في المغصوب، يكون الربح له أو للمالك ؟(2).

و الحقّ عندنا أنّه إن اشترى بعين المال، كان للمالك الربح مع الإجازة. و إن لم يجز، بطل البيع من أصله. و إن اشترى في الذمّة، فللغاصب الربح، لأنّه نقد المال دينا عليه.

و - لو باع مال أبيه على ظنّ أنّه حيّ و أنّه فضوليّ فظهر بعد العقد أنّه كان ميّتا

و أنّ الملك كان للبائع، فإنّه يصحّ البيع، لصدوره من المالك في محلّه، و هو أصحّ قولي الشافعي(3). و هذا بخلاف ما لو أخرج مالا و قال: إن مات مورّثي فهذا زكاة ما ورثته منه، و كان قد ورث، فإنّه لا يجزئه، لأنّ النيّة شرط في الزكاة، و لم يبن نيّته على أصل، أمّا البيع فلا حاجة له إلى النيّة.

و الثاني للشافعي: البطلان، فإنّه و إن كان منجّزا في الصورة إلاّ أنّه معلّق في المعنى. و التقدير: إن مات مورّثي فقد بعتك. و لأنّه كالعابث حيث باشر العقد مع اعتقاده(4) أنّه لغيره، و العبث لا عبرة به في نظر الشرع(5).9.

ص: 220


1- الوسيط 22:3، العزيز شرح الوجيز 33:4، روضة الطالبين 22:3، المجموع 260:9.
2- العزيز شرح الوجيز 33:4.
3- الوسيط 23:3، الوجيز 134:1، العزيز شرح الوجيز 33:4، روضة الطالبين 22:3، المجموع 261:9.
4- في «ق، ك»: اعتقاد.
5- الوسيط 23:3، العزيز شرح الوجيز 33:4، روضة الطالبين 22:3-23، المجموع 261:9.

و أمّا الهازل فلا ينعقد بيعه عندنا. و في انعقاده عنده وجهان(1).

و كذا بيع التلجئة باطل عندنا. و صورته أن يخاف غصب ماله و الإكراه(2) على بيعه فيبيعه من إنسان بيعا مطلقا و لكن توافقا قبله على أنّه لدفع الظلم.

و ظاهر مذهب الشافعي انعقاده(3).

و هو خطأ، لقوله تعالى لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلاّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ (4).

و كذا الخلاف عنده لو باع العبد على [ظنّ](5) أنّه آبق أو مكاتب فظهر أنّه قد رجع أو فسخ الكتابة، و فيما إذا زوّج أمة أبيه على ظنّ أنّه حيّ ثمّ بان موته هل يصحّ النكاح ؟(6) و الوجه عندنا: صحّة ذلك.

أمّا لو قال: إن مات أبي فقد زوّجتك هذه الجارية، فإنّ العقد هنا باطل، لتعلّقه على شرط. و له قولان(7).

و هذه المسألة مع أكثر فروعها قد سبقت(8).

مسألة 111: يجوز بيع الأعمى و شراؤه،

سواء كان أكمه و هو الذي

ص: 221


1- العزيز شرح الوجيز 33:4، روضة الطالبين 23:3، المجموع 261:9.
2- كذا، و الظاهر: أو الإكراه.
3- العزيز شرح الوجيز 33:4، روضة الطالبين 23:3، المجموع 261:9، المغني 302:4، الشرح الكبير 49:4.
4- النساء: 29.
5- أضفناها من المصدر.
6- العزيز شرح الوجيز 33:4-34، روضة الطالبين 23:3، المجموع 261:9.
7- العزيز شرح الوجيز 34:4، روضة الطالبين 23:3، المجموع 261:9.
8- في ص 14 و ما بعدها، المسألة 5 و فروعها.

خلق أعمى، أو يكون قد عمي بعد أن أبصر لكن بشرط علمه بالمبيع أو المشتري إمّا باللمس إن عرفه به أو بالذوق إن علمه به أو يوصف له وصفا يرفع الجهالة - و به قال مالك و أبو حنيفة و أحمد(1) - لعموم الجواز. و لأنّه بيع صدر من أهله في محلّه، فكان سائغا. و لأنّ المقتضي موجود، و الأصل، و المعارض لا يصلح للمانعيّة، لأنّا فرضنا معرفته، فكان كما لو باع شيئا غائبا عنه يعلم بالمشاهدة. و لأنّ في الصحابة من كان أعمى و لم ينقل أنّهم منعوا من البيع مع كثرتهم، و لو كانوا منعوا، لنقل. و لأنّ الأخرس تقوم إشارته مقام عبارته فالأعمى ينبغي أن يقوم مسّه و ذوقه و شمّه مقام رؤيته.

و قال الشافعي: إن كان أكمه، لم يجز بيعه. و إن كان عمي بعد أن كان بصيرا، فإن اشترى ما لم يره، لم يجز البيع. و إن اشترى ما قد كان رآه، فإن كان الزمان يسيرا لا يتغيّر في مثله أو كان المبيع ممّا لا يتغيّر و إن مرّ عليه الزمان الطويل، فإنّ هذا يجوز له بيعه. فإنّ وجده متغيّرا، ثبت له الخيار.

و إن كان قد مضى زمان يتغيّر فيه كأن رآه صغيرا [1] و قد صار رجلا، فإنّه لا يصحّ بيعه.

هذا على القول بعدم جواز بيع خيار الرؤية، و أمّا على الجواز فهل يصحّ بيعه ؟ فيه وجهان:

أحدهما: لا يجوز أيضا، لأنّ بيع خيار الرؤية يثبت فيه الخيار متعلّقا4.

ص: 222


1- التلقين - في الفقه المالكي - 1-384:2، التهذيب - للبغوي - 535:3، الهداية - للمرغيناني - 34:3، مختصر اختلاف العلماء 79:3، 1157، المغني 299:4، الشرح الكبير 32:4، المجموع 302:9-303، روضة الطالبين 3: 35، العزيز شرح الوجيز 52:4.

بالرؤية، و هذا منفي في حقّ الأعمى.

و الثاني: يجوز، لأنّ رؤيته إذا لم تكن شرطا في صحّة البيع فلم يفقد في حقّ الأعمى إلاّ الرؤية. و يمكن أن يقوم صفة غيره له مقام رؤيته في إثبات الخيار.

و وجه المنع: أنّه مبيع مجهول الصفة عند العاقد، فلا يصحّ بيعه، كما لو قال: بعتك عبدا(1).

و الجواب: المنع من جهل الصفة، إذ التقدير العلم بها.

إذا ثبت هذا، فقد أثبت علماؤنا و أبو حنيفة(2) له الخيار إلى معرفته بالمبيع إمّا بمسّه أو بذوقه أو أن يوصف له إذا لم يدركه بذلك.

و اعلم أنّ السّلم كالحالّ يجوز بيع الأعمى فيه و شراؤه كالبصير، و به قال الشافعي(3).

قال المزنيّ: أراد بذلك الأعمى الذي عرف الألوان قبل أن يعمى، فأمّا من خلق أعمى فلا معرفة له بالأعيان.

و صوّب المزنيّ أبو العباس و أبو علي ابن أبي هريرة. و خطّأه أبو إسحاق المروزي، فإنّ الأعمى يجوز أن يتعرّف الصفات في نفسه3.

ص: 223


1- حكاه عنه الشيخ الطوسي في الخلاف 170:3-171، المسألة 279. و انظر: المهذّب - للشيرازي - 271:1، و المجموع 302:9-303، و روضة الطالبين 3: 35، و التهذيب - للبغوي - 535:3، و العزيز شرح الوجيز 52:4، و مختصر اختلاف العلماء 79:3، 1157، و المغني 299:4، و الشرح الكبير 32:4.
2- الهداية - للمرغيناني - 34:3، المغني 299:4، الشرح الكبير 32:4.
3- الوسيط 38:3، الوجيز 135:1، العزيز شرح الوجيز 53:4 و 54، المهذّب - للشيرازي - 303:1، المجموع 303:9، روضة الطالبين 36:3، حلية العلماء 355:4، التهذيب - للبغوي - 535:3.

بالسماع، فإذا أسلم في ثوب موصوف، جاز، و يكون بمنزلة بصير يسلم في شيء لم يره و يذكر أوصافه، فإنّه يجوز، كذا هنا(1).

و هذه المسألة أيضا قد سلفت(2).

مسألة 112: من الغرر جهالة الثمن على ما تقدّم،
اشارة

و من صور الجهالة أن يبيع الشيء بثمنين مختلفين أحدهما حالّ و الآخر مؤجّل، أو أحدهما إلى أجل و الآخر إلى أزيد، فيقول مثلا: بعتك هذا الثوب إما بعشرة دراهم نقدا أو باثني عشر نسيئة، و إمّا بعشرة مؤجّلة إلى شهر أو باثني عشر إلى شهرين - و به قال الشافعي(3) - لأنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله نهى عن بيعتين(4) في بيعة(5).

و فسّره الشافعي بأمرين، أحدهما هذا، قال: و يحتمل أن يكون المراد أن يقول: بعتك عبدي هذا بألف على أن تبيعني دارك هذه بألف(6).

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السّلام: «نهى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عن

ص: 224


1- مختصر المزني: 88، حلية العلماء 358:4، الحاوي الكبير 339:5، المهذّب - للشيرازي - 303:1-304، العزيز شرح الوجيز 53:4 و 54.
2- في ص 24، المسألة 7.
3- المهذّب - للشيرازي - 273:1، المجموع 338:9، روضة الطالبين 64:3، الوجيز 138:1، العزيز شرح الوجيز 104:4، الوسيط 71:3، التهذيب - للبغوي - 536:3.
4- في «ق، ك» و الطبعة الحجريّة: بيعين. و ما أثبتناه من المصادر.
5- سنن الترمذي 533:3، 1231، سنن النسائي 296:7، سنن البيهقي 343:5، مسند أحمد 366:2، 6591، و 246:3، 9795، و 297، 10157، الموطّأ 2: 663، 72.
6- مختصر المزني: 88، الوسيط 72:3، الحاوي الكبير 341:5، المهذّب - للشيرازي - 274:1، المجموع 338:9، روضة الطالبين 64:3، التهذيب - للبغوي - 536:3-537، العزيز شرح الوجيز 104:4.

بيع ما ليس عندك، و عن بيعين في بيع»(1).

و لأنّ الثمن هنا مجهول، فكان بمنزلة ما لو قال: بعتك هذا العبد أو هذه الجارية بألف.

أمّا لو قال: بعتك بعشرة نقدا و باثني عشر إلى شهر، فإنّه كذلك عندنا، لعدم التعيين.

و قال بعض(2) علمائنا: يكون للبائع أقلّ الثمنين في أبعد الأجلين، لأنّه رضي بنقل العين في مقابلة الثمن القليل بالأجل الكثير، فلا تجوز الزيادة عليه لأجل الزيادة في الأجل.

و لما رواه السكوني عن الصادق عن الباقر عن آبائه عليهم السّلام «أنّ عليّا عليه السّلام قضى في رجل باع بيعا و اشترط شرطين: بالنقد كذا، و بالنسيئة كذا، فأخذ المبتاع على ذلك الشرط فقال: هو بأقلّ الثمنين و أبعد الأجلين، يقول:

ليس له إلاّ أقلّ النقدين إلى الأجل الذي أجّله نسيئة»(3).

و الجواب: يمنع رضاه بالأقلّ ثمنا و الأزيد أجلا، بل رضي بالأقلّ ثمنا مع قلّة الأجل، و بالأكثر مع زيادته.

و الرواية ضعيفة جدّا، لأنّ السكوني ضعيف، و الراوي عنه النوفلي ضعيف أيضا.

و جوّز بعض الشافعيّة هذا البيع(4) ، و يكون له بعشرة معجّلا، و باثني عشر مؤجّلا.3.

ص: 225


1- التهذيب 230:7، 1005.
2- الشيخ الطوسي في النهاية: 387-388.
3- التهذيب 53:7، 230.
4- التهذيب - للبغوي - 536:3، روضة الطالبين 64:3.

إذا ثبت هذا، فالتفسير الذي ذكره الشافعي ثانيا ليس بشيء عندنا، لأنّه يجوز البيع بشرط على ما يأتي إن شاء اللّه.

تذنيب: لو قال: بعتك نصف هذا العبد بألف و نصفه بألفين، صحّ.

و لو قال: بعتك هذا العبد بألف نصفه بستمائة، لم يصحّ، لأنّ ابتداء كلامه يقتضي توزيع الثمن على المثمن بالسويّة، و آخره يناقضه، هكذا قال بعض الشافعيّة(1).

و الأقوى عندي: الجواز، لأنّ الأوّل كالمطلق أو العامّ، و الثاني كالمبيّن له.

مسألة 113: من صور جهالة الثمن ما لو استثنى بعضا منه غير معلوم
اشارة

كأن يقول: بعتك بعشرة إلاّ شيئا، أو جزءا، أو نصيبا، و لم يعيّن. و لا يحمل على الوصيّة اقتصارا بما يخالف العرف على مورد النصّ خصوصا مع عدم التنصيص في غيره.

و لو قال: بعتك هذا القفيز من الطعام بأربعة دراهم إلاّ ما يخصّ واحدا منه، فإن أراد ما يساوي واحدا في الحال، فإن عرفا المقدار، صحّ، و إلاّ فلا.

و إن أراد ما يساوي واحدا عند التقويم، بطل، لأنّه مجهول.

و إن أراد ما يخصّه إذا وزّع القفيز على المبلغ المذكور قبل الاستثناء، صحّ، و كان الاستثناء(2) للربع، فيصحّ البيع في ثلاثة أرباع القفيز بأربعة.

و إن أراد ما يخصّه إذا وزّع الباقي بعد الاستثناء على المبلغ المذكور على معنى أن يكون قد استثنى من القفيز ما يخصّ واحدا ممّا يستقرّ عليه

ص: 226


1- التهذيب - للبغوي - 537:3، العزيز شرح الوجيز 104:4، روضة الطالبين 64:3.
2- في «ق، ك»: استثناء.

البيع بعد الاستثناء، دخلها الدور، لأنّا لا نعلم قدر المبيع إلاّ بعد معرفة المستثنى و بالعكس، فنقول: إنّه يبطل البيع، للجهالة حالة العقد، إلاّ أن يعرفا ذلك وقت العقد بطريق الجبر و المقابلة أو غيره.

و طريقه أن نقول: المستثنى شيء [1]، فالمبيع قفيز [إلاّ شيئا، فربع قفيز](1) إلاّ ربع شيء هو الذي يخصّ الدرهم، و قد تقدّم أنّ الذي يخصّ الدرهم شيء، فربع قفيز كامل يعدل شيئا و ربع شيء، فالقفيز الكامل يعدل خمسة أشياء، فالمستثنى خمسه، لأنّ المستثنى شيء و قد ظهر أنّه خمسة.

أو نقول: صحّ البيع في الجميع إلاّ في شيء - و ذلك الشيء هو ما يقابل الواحد - بجميع الثمن، فإذا جبرنا القفيز بشيء و زدنا على الأربعة ما يقابله - و هو واحد - صار القفيز بأجمعه يعدل خمسة، فالمقابل للواحد الخمس.

فروع:

أ - لو قال: بعتك بعشرة إلاّ ثلث الثمن، فالثمن سبعة و نصف،

لأنّا نفرض الثمن شيئا فنقول: إنّه قد باعه بعشرة إلاّ ثلث شيء يعدل شيئا كاملا، و هو جملة الثمن، فإذا جبرنا و قابلنا، كانت العشرة الكاملة تعدل شيئا و ثلثا، فالشيء الذي هو الثمن ثلاثة أرباع العشرة.

و لو قال: إلاّ ربع الثمن، فالثمن ثمانية. و لو قال: إلاّ خمس الثمن، فهو ثمانية و ثلث، و على هذا.

ب - لو قال: بعتك بعشرة و ثلث الثمن، فهو خمسة عشر،

لأنّا

ص: 227


1- ما بين المعقوفين من تصحيحنا.

نفرض الثمن شيئا مجهولا، و الثمن يعدل عشرة و ثلث شيء، فعشرة و ثلث شيء تعدل شيئا هو جملة الثمن، يسقط ثلث شيء بثلث شيء، تبقى عشرة تعدل ثلثي شيء، فالشيء الكامل يعدل خمسة عشر.

و لو باعه بعشرة و ربع الثمن، فهو ثلاثة عشر و ثلث، لأنّا نفرض الثمن شيئا، فعشرة و ربع شيء تعدل الثمن و هو شيء، فإذا أسقطنا ربع شيء بربع شيء، بقي عشرة تعدل ثلاثة أرباع شيء، فكلّ ربع ثلاثة و ثلث، فالثمن ثلاثة عشر و ثلث، و على هذا.

ج - لو قال: بعتك نصيبي - و هو السدس مثلا - من الدار من حساب مائتين، صحّ البيع

و إن جهل في الحال قدر الثمن، و يكون له سدس المائتين، لأنّ المراد جعل المائتين في مقابلة الجميع، و يكون له ما يقتضيه الحساب.

و لو قال: بعتك نصيبي من ميراث أبي من الدار، فإن عرف القدر حالة العقد، صحّ. و إن جهل، بطل. و لو عرف عدد الورثة و قدر الاستحقاق إجمالا، فالأقوى الصحّة، و يكون له ما يقتضيه الحساب.

و كذا لو قال: بعتك جزءا من مائة و أحد عشر جزءا، فإنّه يصحّ و إن جهل النسبة. و كذا يصحّ لو عكس، فقال: بعتك نصف تسع عشر هذا الموضع و جهل القدر من السهام.

و كذا لو باع من اثنين صفقة قطعة أرض على الاختلاف بأن ورث من أبيه حصّة و من أمّه أقلّ أو أكثر، و جعل لواحد منهما أحد النصيبين و للآخر الباقي، فإنّه يصحّ و إن جهلا قدر نسبة النصيب إلى الجميع في الحال و نسبة النصيب في الثمن، و يرجعان إلى ما يقتضيه الحساب، إذ الثمن في مقابلة الجملة، فلا تضرّ جهالة الأجزاء.

ص: 228

د - لو باعه خمسة أرطال على سعر المائة باثني عشر درهما، صحّ

و إن جهل في الحال قدر الثمن، لأنّه ممّا يعلم بالحساب، و لا يمكن تطرّق الزيادة إليه و لا النقصان، فينتفي الغرر، و يثبت الثمن ثلاثة أخماس درهم، لأنّ نسبة المائة إلى ثمنها - و هو اثنا عشر - كنسبة خمسة إلى ثمنها، فالمجهول الرابع، فيضرب الثاني - و هو اثنا عشر - في الثالث - و هو خمسة - يبلغ ستّين يقسمها على الأوّل - و هو مائة - يخرج ثلاثة أخماس درهم، و هو ثمن المبيع. أو نقول: الاثنا عشر عشر و خمس عشر المائة، فنأخذه بهذه النسبة من الخمسة، و هو ثلاثة أخماس واحد.

و لو قال: بعتك بخمسة دراهم على سعر المائة باثني عشر، أخذت ربع و سدس المائة، لأنّ الخمسة ربع و سدس من الاثني عشر(1).

ه - لو كان له ثلاث قطائع من الغنم ثانيها ثلاثة أمثال أوّلها،

و ثالثها ثلاثة أمثال ثانيها، فاشترى آخر منه ثلثي الأوّل و ثلاثة أرباع الثاني و خمسة أسداس الثالث، اجتمع له مائة و خمسة و عشرون رأسا، فطريق معرفة قدر كلّ قطيع أن نقول: نفرض القطيع الأوّل شيئا فالثاني ثلاثة أشياء و الثالث تسعة أشياء، فنأخذ ثلثي شيء و ثلاثة أرباع ثلاثة أشياء و خمسة أسداس تسعة أشياء، و نجمعها، فتكون عشرة أشياء و ربع و سدس شيء، و هو يعدل مائة و خمسة و عشرين، فالشيء يعدل اثني عشر.

و - لو تطرّقت الجهالة بعد البيع، لم تثمر فساده، بل وقع صحيحا.

ثمّ إن لم يمكن تدارك العلم، اصطلحا، و يجبرهما الحاكم عليه قطعا للتنازع. و إن أمكن، وجب المصير إليه، فلو كان له قطعة أرض بينر.

ص: 229


1- في «ق، ك»: و سدس الاثني عشر.

شجرتين و قدرها، أربعة عشر ذراعا و طول إحدى الشجرتين ستّة و طول الأخرى ثمانية، فاجتاز ظبي بينهما فطار إليه طائران من الرأسين بالسويّة حتى تلاقيا على رأس الظبي، فباع القطعة من اثنين بثمن واحد صفقة واحدة لأحدهما من أصل شجرته إلى موضع الظبي و للآخر من موضع الظبي إلى أصل الأخرى، ثمّ خفي موضع الالتقاء، فطريق معرفة حقّ كلّ منهما أن يجعل ما بين أصل الشجرة القصيرة إلى موضع الظبي شيئا و نضربه في نفسه، فيكون الحاصل مالا [1]، و نضرب طولها - و هو ستّة - في نفسه، فيكون المجموع مالا و ستّة و ثلاثين، و جذره مقدار ما طار الطائر، لأنّه وتر القائمة، فيكون مربّعه مساويا لمجموع مربّعي صاحبتها بشكل العروس [2]، و يبقى من موضع الظبي إلى أصل الأخرى أربعة عشر إلاّ شيئا مربّعه مائة و ستّة و تسعون و مال إلاّ ثمانية و عشرين شيئا، و مربّع الطويلة أربعة و ستّون مجموعهما مائتان و ستّون و مال إلاّ ثمانية و عشرين شيئا، و هو يعدل مالا و ستّة و ثلاثين، لتساوي الوترين حيث طارا بالسويّة، فإذا جبرت و قابلت، بقي مائتان و أربعة و عشرون تعدل ثمانية و عشرين شيئا، فالشيء يعدل ثمانية، و هو ما بين أصل القصيرة و الظبي، فيبقى ما بينه و بين أصل الأخرى يعدل ستّة، فكلّ وتر عشرة.

ز - لو باع اثنين صفقة قطعة على شكل مثلّث قاعدته أربعة عشر

ص: 230

ذراعا و أحد ضلعيه الباقيين ثلاثة عشر و الآخر خمسة عشر على أن يكون لأحدهما من مسقط العمود في القاعدة إلى أحد الضلعين، و للآخر منه إلى الضلع الآخر و بسط الثمن على الأذرع، فطريق معرفة نصيب كلّ منهما أن نقول: نفرض ما بين الضلع الأقصر و مسقط العمود شيئا، فيكون مربّعه مالا و مربّع الضلع مائة و تسعة و ستون، و إذا نقص المال منه، بقي مربّع العمود مائة و تسعة و ستّون إلاّ مالا، و يبقى من مسقط العمود إلى الطرف الآخر أربعة عشر إلاّ شيئا، و مربّعها مائة و ستّة و تسعون و مال إلاّ ثمانية و عشرين شيئا، و يسقط [1] من مربّع الأوّل، و هو مائتان و خمسة و عشرون، تبقى تسعة و عشرون و ثمانية و عشرون شيئا إلاّ مالا، و هو مربّع العمود، و يكون معادلا لمائة و تسعة و ستّين إلاّ مالا، فإذا قابلت، بقي مائة و أربعون تعدل ثمانية و عشرين شيئا، فالشيء خمسة، و هو ما بين طرف القاعدة التي تلي الأقصر و مسقط العمود، و مربّعه خمسة و عشرون، و إذا [2] أسقطناه من مائة و تسعة و ستّين، بقي مائة و أربعة و أربعون، و هو مربّع العمود. و من الجانب الآخر يكون ما بين مسقط العمود و طرف القاعدة تسعة مربّعة أحد و ثمانون، و إذا أسقطناه من مائتين و خمسة و عشرين، تبقى مائة و أربعة و أربعون، و هو مربّع العمود، و العمود يكون اثني عشر.

ح - لو قال زيد لعمرو: بعتك داري بثمن [ما معي و](1) ثلث ما معك تمام ثمن المبيع،

فقال عمرو: قبلت [3] بثمن [ما معي](2) و ربع ما معكا.

ص: 231


1- ما بين المعقوفين من تصحيحنا.
2- ما بين المعقوفين من تصحيحنا.

تمامه، فطريق معرفة قدر الثمن و قدر ما مع كلّ منهما أن نفرض ما مع زيد شيئا و ما مع عمرو ثلثه تصحيحا للثلث، فإذا أخذ زيد واحدا، صار معه شيء و واحد، و هو ثمن المبيع، و إذا أخذ عمرو ربع ما مع زيد، صار معه ثلثه و ربع شيء، و هو ثمن المبيع، فشيء واحد يعدل ثلثه و ربع شيء، فإذا قابلت، صار ثلاثة أرباع شيء يعدل اثنين، و الشيء يعدل اثنين و ثلثي واحد، فالثمن ثلاثة و ثلثا واحد، فإذا صحّحت الكسر، كان مع زيد ثمانية و مع عمرو تسعة و ثمن المبيع أحد عشر.

ط - لو باعه حوض ماء ركز فيه رمح ظهر حال انتصابه ستّة أذرع ثمّ مال حتى غاب رأسه في الماء،

و كان بين موضعه وقت الانتصاب و موضع رأسه عند المغيب عشرة أذرع من الجانبين، فطريق معرفة قدر عمقه أن نفرض القدر(1) الغائب من الرمح وقت الانتصاب شيئا، فيكون مربّعه مع مربّع العشرة مساويا لمربّع الرمح بشكل العروس، و مربّع الشيء مال، و مربّع العشرة مائة، فمربّع طول الرمح مال و مائة، فكان طول الرمح وقت الانتصاب شيئا و ستّة، و مربّعه مال و اثنا عشر شيئا و ستّة و ثلاثون، لأنّ الخطّ إذا انقسم بقسمين، فإنّ مربّعه مساو لمربّع كلّ قسم و لضرب أحد القسمين في الآخر مرّتين، فالمال ضرب الشيء في نفسه، و ستّة و ثلاثون ضرب ستّة في نفسها، و اثنا عشر شيئا ضرب ستّة في الشيء مرّتين، و هو معادل المال و مائة، و بعد المقابلة تبقى أربعة و ستّون تعدل اثني عشر شيئا، و يكون الشيء خمسة و ثلثا، و طول الرمح أحد عشر و ثلث ذراع، فالفاضل عن ستّة عمق الماء.ر.

ص: 232


1- في الطبعة الحجريّة: قدر.
مسألة 114: يجوز ابتياع الجزء المشاع المعلوم النسبة من كلّ جملة يصحّ بيعها،

سواء كان عقارا أو حيوانا أو نباتا أو ثمرة معلومة القدر أو طعاما معلوم القدر، للأصل، و انتفاء المانع و هو الجهالة.

و لو باع جزءا شائعا من شيء بمثله من ذلك الشيء - كما لو كانت العين بينهما نصفين فباع أحدهما الآخر نصفه بنصف صاحبه - جاز عندنا، للأصل. و لأنّه بيع صدر من أهله في محلّه فكان صحيحا.

و للشافعيّة وجهان، هذا أحدهما. و الثاني: لا يصحّ، لانتفاء فائدته(1).

و نمنع انتفاء الفائدة، بل له فوائد:

منها: ما لو ملكا أو أحدهما نصيبه بالهبة، انقطعت ولاية الرجوع بالتصرّف.

و منها: لو ملكه بالشراء ثمّ اطّلع بعد هذا التصرّف على عيب، لم يملك الردّ على بائعه.

و منها: لو ملّكته صداقا و طلّقها الزوج قبل الدخول، لم يكن له الرجوع فيه.

و كذا يجوز ابتياع الجملة و استثناء الجزء الشائع، كربع الثمرة و قدر الزكاة.

مسألة 115: قد بيّنّا أنّ بيع الغائب لا يصحّ إلاّ مع تقدّم الرؤية
اشارة

أو الوصف الرافع للجهالة، لما فيه من الغرر.

و للشافعي في بيع الأعيان الغائبة و الحاضرة التي لم تر مع عدم

ص: 233


1- العزيز شرح الوجيز 42:4، المجموع 256:9-257 و 287، روضة الطالبين 28:3.

الوصف قولان:

قال في القديم و الإملاء و الصرف [من](1) الجديد: إنّه صحيح - و به قال مالك و أبو حنيفة و أحمد - لقوله عليه السّلام: «من اشترى شيئا لم يره فله الخيار إذا رآه»(2) و معلوم أنّ الخيار إنّما يثبت في العقود الصحيحة.

و لأنّه عقد معاوضة، فلم يكن [من](3) شرطه رؤية المعقود عليه، كالنكاح.

و قال في الأم و البويطي: لا يصحّ - و هو ما اخترناه، و به قال المزني - لأنّه غرر و قد نهى النبي صلّى اللّه عليه و آله عن الغرر(4).

و لأنّه مبيع مجهول الصفة عند العاقد حال العقد فلم يصحّ بيعه، كما لو أسلم في شيء و لم يصفه(5).

و الجواب عن الحديث: أنّا نقول بموجبه، فإنّ الخيار إنّما يثبت فيما إذا لم يخرج على الوصف، إذ لا وجه له على تقدير الصحّة مطلقا سواء وصف أو لا، لوجود الرضا من المتبايعين على التبادل في الثمن و المثمن4.

ص: 234


1- بدل ما بين المعقوفين في «ق، ك» و الطبعة الحجريّة: «في». و المثبت أنسب بالعبارة.
2- أورد نصّه الرافعي في العزيز شرح الوجيز 51:4، و بتفاوت يسير في سنن الدار قطني 4:3، 10 و سنن البيهقي 268:5.
3- بدل ما بين المعقوفين في «ق، ك» و الطبعة الحجريّة: «في». و المثبت أنسب بالعبارة.
4- صحيح مسلم 1153:3، 1513، سنن أبي داود 254:3، 3376، سنن الترمذي 532:3، 1230، سنن الدار قطني 15:3، 46، سنن البيهقي 266:5 و فيها: نهى النبي صلّى اللّه عليه و آله عن بيع الغرر.
5- التهذيب - للبغوي - 282:3-284، العزيز شرح الوجيز 51:4، المجموع 9: 290، روضة الطالبين 35:3، بداية المجتهد 155:2، المغني 77:4، الشرح الكبير 28:4.

مهما كانا، فيكون بمنزلة المرئي، و معلوم أنّ المرئي لا خيار فيه، فلمّا أثبت الخيار علمنا اقترانه باشتراط وصف رافع للجهالة.

و القياس عندنا باطل مع قيام الفرق و القلب بأن يقال: فلا يثبت فيه خيار الرؤية، كالنكاح.

إذا تقرّر هذا، فنقول: اختلف أصحابه في محلّ القولين على طريقين، أصحّهما عند أكثرهم: أنّ القولين مطّردان في المبيع الذي لم يره واحد منهما أو رآه أحدهما خاصّة.

و الثاني: أنّ القولين فيما إذا شاهده البائع دون المشتري، و أمّا إذا لم يشاهده البائع، فإنّه يبطل البيع قولا واحدا، لسهولة الاجتناب عن هذا الغرر على البائع، لأنّه المالك و المتصرّف في المبيع. و منهم من عكس، لأنّ البائع معرض عن الملك و المشتري محصّل له، فهو [أجدر] [1] بالاحتياط.

و حينئذ يخرج لهم طريقة ثالثة، و هي القطع بالصحّة إذا رآه المشتري(1).

فروع:

أ - لو آجر غير المرئيّ له [2]، فإن كان المباشر للعقد قد رآه، صحّت الإجارة عندنا،

و إن لم يكن قد رآه، لم تصحّ.

و عند الشافعيّة القولان السابقان في بيع الغائب مع عدم الرؤية(2).

ص: 235


1- العزيز شرح الوجيز 51:4، المجموع 290:9، روضة الطالبين 35:3.
2- التهذيب - للبغوي - 284:3، العزيز شرح الوجيز 52:4، روضة الطالبين 3: 35، المجموع 290:9.

ب - لو آجر شيئا بعين غائبة أو صالح عليها أو جعلها رأس مال السّلم

ثمّ سلّم في مجلس عقد السلم، بطل عندنا ذلك كلّه، خلافا للشافعي، فإنّ فيه قولي(1) بيع الغائب عنده(2).

ج - لو أصدقها عينا غائبة أو خالعها عليها أو عفا عن القصاص عليها، صحّ النكاح عنده

و حصلت البينونة و سقط القصاص. و في صحّة المسمّى القولان، فإن لم يصحّ، وجب مهر المثل على الرجل في النكاح و على المرأة في الخلع و وجبت الدية على المعفوّ عنه(3).

و عندي في ذلك إشكال.

د - الأقرب جواز هبة الغائب غير المرئي و لا الموصوف و رهنه،

لأنّهما ليسا من عقود المغابنات، بل الراهن و الواهب مغبونان، و المتّهب و المرتهن مرتفقان، و لا خيار لهما عند الرؤية، لانتفاء الحاجة إليه.

ه - لو رآه قبل الشراء ثمّ وجده كما رآه بعد الشراء، فلا خيار له،

و هو قول الشافعي تفريعا على صحّة البيع عنده(4).

و إن وجده متغيّرا، لم يبطل البيع من أصله - و هو أصحّ وجهي الشافعيّة(5) - لبقاء(6) العقد في الأصل على ظنّ غالب، لكن له الخيار.ء.

ص: 236


1- في «ق، ك» و الطبعة الحجريّة: قول. و الصحيح ما أثبتناه.
2- التهذيب - للبغوي - 284:3، العزيز شرح الوجيز 52:4، روضة الطالبين 3: 35، المجموع 290:9.
3- التهذيب - للبغوي - 284:3-285، العزيز شرح الوجيز 52:4، روضة الطالبين 35:3، المجموع 290:9-291.
4- التهذيب - للبغوي - 288:3 و 289، العزيز شرح الوجيز 55:4، روضة الطالبين 37:3، المجموع 296:9.
5- الوسيط 40:3، العزيز شرح الوجيز 55:4، التهذيب - للبغوي - 288:3، روضة الطالبين 37:3، المجموع 296:9.
6- كذا في «ق، ك» و الطبعة الحجريّة. و الظاهر: لبناء.

و أضعف الوجهين: البطلان، لتبيّن انتفاء المعرفة(1).

و لا نعني بالتغيّر هنا التعيّب خاصّة.

و - استقصاء الأوصاف على الحدّ المعتبر في السّلم لا يقوم مقام الرؤية و كذا سماع وصفه بالتواتر،

لأنّ الرؤية تطلع على أمور لا يمكن التعبير عنها، و هو أصحّ وجهي الشافعي(2).

و في الآخر: أنّه يقوم الاستقصاء و السماع بالتواتر مقام الرؤية، لأنّ ثمرة الرؤية المعرفة و هما يفيدانها، فيصحّ البيع، و لا خيار(3).

و هو ممنوع، لأنّ بعض الأوصاف لا يحصل علمه إلاّ بالرؤية.

مسألة 116: الرؤية المشترطة في كلّ شيء على حسب ما يليق به،
اشارة

ففي شراء الدار لا بدّ من رؤية البيوت و السقوف و السطوح و الجدران داخلا و خارجا و رؤية المستحمّ و البالوعة. و في شراء البستان لا بدّ من رؤية الأشجار واحدة واحدة و الجدران و مسيل الماء، و لا يحتاج إلى رؤية أساس البنيان و لا عروق الأشجار.

و في اشتراط رؤية طريق الدار إشكال.

و لا يجوز رؤية العورة في الأمة و العبد، و لا بدّ من رؤية باقي بدن العبد، و هو أظهر وجهي الشافعي(4).

و كذا في بدن الجارية، لاختلاف الصفات.

و للشافعي وجوه: اعتبار رؤية ما يرى في العبد، و رؤية ما يبدو عند

ص: 237


1- انظر: المصادر في الهامش (5) من ص 236.
2- الوسيط 38:3، العزيز شرح الوجيز 55:4-56، روضة الطالبين 37:3، المجموع 291:9.
3- الوسيط 38:3، العزيز شرح الوجيز 55:4-56، روضة الطالبين 37:3، المجموع 291:9.
4- التهذيب - للبغوي - 285:3، العزيز شرح الوجيز 58:4، روضة الطالبين 3: 39، المجموع 291:9.

المهنة، و الاكتفاء برؤية الوجه و الكفّين(1).

و يشترط رؤية الشعر، و هو أصحّ وجهي الشافعي(2).

و الأقرب اشتراط رؤية الأسنان و اللسان، و هو أحد وجهي الشافعي(3).

و لا بدّ في الدوابّ من رؤية مقدّمها و مؤخّرها و قوائمها و ظهرها.

و لا يشترط جري الفرس بين يديه - خلافا لبعض الشافعيّة(4) - للأصل.

و لو كان الثوب رقيقا لا يختلف وجهاه، كفى رؤية أحدهما، و هو أصحّ وجهي الشافعيّة(5).

و لا بدّ من تقليب الأوراق في شراء الكتب و رؤية جميعها.

و لا يصحّ بيع اللبن في الضرع على ما تقدّم(6).

و لو قال: بعتك من اللبن الذي في ضرع هذه البقرة كذا رطلا، لم يجز، لعدم العلم بوجود القدر في الضرع، و هو أصحّ وجهي الشافعيّة. و في الآخر: يجوز، كما لو باع قدرا من اللبن في الظرف، فيجيء6.

ص: 238


1- العزيز شرح الوجيز 58:4، الوسيط 40:3، روضة الطالبين 39:3، المجموع 291:9.
2- الوسيط 40:3، العزيز شرح الوجيز 58:4، التهذيب - للبغوي - 285:3، روضة الطالبين 39:3، المجموع 291:9.
3- التهذيب - للبغوي - 285:3، العزيز شرح الوجيز 58:4، روضة الطالبين 3: 39، المجموع 291:9.
4- العزيز شرح الوجيز 58:4، روضة الطالبين 39:3، المجموع 292:9.
5- التهذيب - للبغوي - 285:3، العزيز شرح الوجيز 58:4، روضة الطالبين 3: 40، المجموع 292:9.
6- في ص 63، المسألة 36.

فيه حينئذ قولا بيع الغائب(1).

و لو سكب شيئا من اللبن فأراه إيّاه ثمّ باعه مدّا ممّا في الضرع، لم يجز.

و في رواية لنا: الجواز، و قد سلفت(2).

و للشافعي القولان(3).

و يحتمل عندي الجواز لو كان المبيع قدرا يسيرا يتيقّن وجوده حالة الحلب.

و لو قبض على قدر من الضرع و أحكم شدّه ثمّ باعه ما فيه، لم يصحّ عندنا. و للشافعي وجهان(4).

فروع:

أ - يجوز بيع الشاة المذبوحة قبل السلخ و بعده،

سواء بيع اللحم وحده أو الجلد وحده أو بيعا معا، لكن بعد السلخ لا يجوز إلاّ بالوزن، أمّا قبله فالأقرب جوازه من دونه.

و منع الشافعي من بيعها قبل السلخ و بعده، سواء بيع اللحم وحده أو الجلد وحده أو بيعا معا، لأنّ المقصود اللحم، و هو مجهول(5).

ص: 239


1- العزيز شرح الوجيز 59:4، روضة الطالبين 40:3، المجموع 326:9.
2- في ص 64.
3- العزيز شرح الوجيز 59:4، روضة الطالبين 40:3، المجموع 326:9.
4- الوسيط 41:3، العزيز شرح الوجيز 59:4، روضة الطالبين 40:3، المجموع 326:9.
5- الوسيط 42:3، العزيز شرح الوجيز 60:4، المجموع 298:9، روضة الطالبين 41:3، و فيها عدم صحّة بيعها قبل السلخ فقط.

و نحن نمنع ذلك كما قبل الذبح و(1) لو قصده حالة الشراء أو شرطه فيه.

ب - يجوز بيع الأكارع و الرءوس بعد الإبانة و قبلها من المذبوح نيئة و مشويّة،

و لا اعتبار بما عليها من الجلد، فإنّه مأكول، و به قال بعض الشافعيّة [1].

ج - لو رأى بعض الثوب و بعضه الآخر في صندوق أو جراب لم يره و لا وصف، لم يصحّ،

و هو أحد قولي الشافعي، للجهالة، سواء قال ببطلان بيع الغائب أو لا.

أمّا على البطلان: فظاهر.

و أمّا على الصحّة: فلأنّه ناظر إلى بعضه فيسهل النظر إلى باقية، بخلاف الغائب فقد(2) يعسر إحضاره و تدعو الحاجة إلى بيعه، فجاز هناك و لم يجز هنا. و لأنّ الرؤية فيما رآه سبب اللزوم، و عدمها فيما لم ير سبب الجواز، و العقد الواحد لا يتصوّر إثبات الجواز و اللزوم فيه معا، و لا يمكن تبعيض المعقود عليه في الحكمين(3).

و هذان [الفرقان](4) باطلان، لأنّهم جوّزوا بيع ما في الكمّ مع سهولةز.

ص: 240


1- كلمة «و» لم ترد في «ق».
2- في «ق، ك» و الطبعة الحجريّة: قد. و ما أثبتناه - كما هو الأنسب بالعبارة - من العزيز شرح الوجيز.
3- العزيز شرح الوجيز 61:4، المجموع 296:9، روضة الطالبين 42:3.
4- بدل ما بين المعقوفين في «ق، ك» و الطبعة الحجريّة: القدران. و ما أثبتناه من العزيز شرح الوجيز.

إخراجه(1). و سبب الردّ في البعض يكفي في ردّ الكلّ، كما لو وجد البعض معيبا.

د - لو كان شيئين [1] فرأى أحدهما دون الآخر،

فإن وصف له وصفا يرفع الجهالة، صحّ البيع، و إلاّ بطل، عند علمائنا، للجهالة.

أمّا الشافعي فإنّه جوّز بيع الغائب من غير وصف في قول، و أبطله في آخر، فعلى البطلان لا يصحّ البيع فيما لم يره، و فيما يراه قولا تفريق الصفقة.

و على الصحّة ففي صحّة العقد فيهما قولان، أحدهما: البطلان، لأنّه جمع في صفقة واحدة بين مختلفي الحكم، لأنّ ما رآه لا خيار فيه، و ما لم يره يثبت فيه الخيار، فإن صحّحناه، فله ردّ ما لم يره و إمساك ما رآه(2).

و على مذهبنا إذا خرج ما لم يره على غير الوصف، كان بالخيار في الفسخ و الإمضاء.

ه - لو خرج الموصوف على خلاف الوصف، فللمشتري الخيار في طرف الرداءة،

و للبائع في طرف الزيادة على ما تقدّم.

و من جوّز بيع الغائب من غير وصف - كالشافعي - أثبت له الخيار هنا عند الرؤية، سواء شرطه أولا، لأنّه شرط شيئا و لم يحصل، فثبت الخيار(3).

و قال بعض الشافعيّة: لو خرج على غير الوصف، لم يثبت الخيار إلاّ أن يشترطه(4).

و هل له الخيار قبل الرؤية ؟ مقتضى مذهبنا أنّه ليس له ذلك، إذ ثبوت9.

ص: 241


1- العزيز شرح الوجيز 61:4.
2- العزيز شرح الوجيز 61:4، روضة الطالبين 42:3، المجموع 296:9.
3- العزيز شرح الوجيز 62:4، روضة الطالبين 42:3، المجموع 293:9.
4- العزيز شرح الوجيز 62:4، روضة الطالبين 42:3، المجموع 293:9.

الخيار منوط بخروجه على خلاف(1) الوصف.

أمّا الشافعي فظاهر مذهبه - على قوله بمنع بيع الغائب - أنّ الإجازة لا تنفذ، لأنّ الإجازة رضا بالعقد و التزام له، و ذلك يستدعي العلم بالمعقود عليه و هو جاهل بحاله. و لو كفى قوله: أجزت، مع الجهل، لأغنى قوله في الابتداء: اشتريت(2).

و له وجه آخر بالنفوذ تخريجا من تصحيح الشرط إذا اشترى بشرط أنّه لا خيار(3).

و أمّا الفسخ فوجهان عنده بناء على نفوذ الإجازة، فإن قال بنفوذها، فالفسخ أولى، و إن منع من نفوذها، ففي الفسخ وجهان: عدم النفوذ، لأنّ الخيار في الخبر(4) منوط بالرؤية. و أصحّهما عنده: النفوذ، لأنّ حقّ الفسخ ثابت له عند الرؤية مغبوطا كان أو مغبونا، فلا معنى لاشتراط الرؤية في نفوذه(5).

و - لو كان البائع قد رآه، فإن زادت صفته وقت العقد، تخيّر في الفسخ و الإمضاء.

و لو لم تزد، فلا خيار.

و الشافعي أطلق و ذكر وجهين: ثبوت الخيار كما للمشتري، لأنّه كخيار المجلس يشتركان فيه. و أصحّهما: لا، لأنّه أحد المتبايعين، فلا يثبت له الخيار مع تقدّم الرؤية كالمشتري(6).

و لو كان البائع لم يره، فإن كان قد وصف له وصفا يرفع الجهالة9.

ص: 242


1- في الطبعة الحجريّة: «غير» بدل «خلاف».
2- العزيز شرح الوجيز 62:4، روضة الطالبين 42:3، المجموع 293:9.
3- العزيز شرح الوجيز 62:4، روضة الطالبين 42:3، المجموع 293:9.
4- في «ق، ك» و الطبعة الحجريّة: في الجزء. و ذلك تصحيف.
5- العزيز شرح الوجيز 62:4-63.
6- العزيز شرح الوجيز 63:4، روضة الطالبين 42:3، المجموع 293:9.

و لم يزد، فلا خيار، و إن زاد فله الخيار. و لو لم يوصف له، بطل البيع.

و قال الشافعي على تقدير جواز بيع الغائب: في ثبوت الخيار للبائع وجهان: المنع - و به قال أبو حنيفة - لأنّ جانب البائع بعيد عن الخيار، بخلاف جانب المشتري. و الثبوت، لأنّه جاهل بالمعقود عليه فأشبه المشتري(1).

ز - الأقرب ثبوت خيار المجلس مع خيار الرؤية، لتعدّد السبب،

فيتعدّد المسبّب، و كما في شراء الأعيان الحاضرة.

و للشافعي قولان، هذا أحدهما. و الثاني: لا يثبت، للاستغناء بخيار الرؤية عنه، فعلى الأوّل يكون خيار الرؤية على الفور، و إلاّ لثبت خيار مجلسين، و على الثاني يمتدّ بامتداد مجلس الرؤية(2).

ح - لو اشترى موصوفا ثمّ تلف في يده قبل الرؤية، لم يبطل البيع

إلاّ أن يثبت المشتري الخلاف و يختار الفسخ. و للشافعي قولان(3).

و لو باعه قبل الرؤية بوصف البائع، صحّ عندنا - خلافا للشافعي(4) - كما لو باعه في زمن خيار الشرط، فإنّه يجوز على أصحّ القولين عنده، لأنّه يصير مجيزا للعقد(5).

ط - لا يشترط الرؤية مع الوصف الرافع للجهالة

- و هو أحد قولي6.

ص: 243


1- العزيز شرح الوجيز 63:4، الهداية - للمرغيناني - 33:3، الاختيار لتعليل المختار 23:2.
2- العزيز شرح الوجيز 63:4، روضة الطالبين 42:3-43، المجموع 294:9.
3- العزيز شرح الوجيز 63:4-64، روضة الطالبين 43:3، المجموع 295:9.
4- العزيز شرح الوجيز 64:4، روضة الطالبين 43:3، المجموع 295:9.
5- العزيز شرح الوجيز 64:4، روضة الطالبين 43:3، المجموع 295:9-296.

الشافعي(1) - لانتفاء الغرر، فلا يشترط ذوق الطعم في المطعوم، و لا الشمّ في المشموم، و لا اللمس في الملموس.

و على قول الشافعي باشتراط الرؤية يشترط في هذه الإدراك بهذه المشاعر، لأنّ كيفيّاتها المقصودة إنّما تعرف بهذه الطرق(2).

و له قول آخر على اشتراط الرؤية أيضا: عدم الاشتراط(3).

ى - لو كان غائبا في غير بلد التبايع، سلّمه في ذلك البلد.

و لو شرط تسليمه في بلد التبايع، جاز عندنا، كالسّلم.

و منع بعض الشافعيّة و إن جوّزه في السّلم، لأنّ السّلم مضمون في الذمّة، و العين الغائبة غير مضمونة في الذمّة، فاشتراط نقلها يكون بيعا و شرطا(4).

و نمنع بطلان اللازم على ما يأتي.

يأ - لو رأى ثوبين ثمّ سرق أحدهما و جهل بعينه ثمّ اشترى الباقي،

فإن تساويا صفة و قدرا و قيمة، احتمل صحّة البيع، لكونه معيّنا مرئيّا معلوما. و العدم، كبيع أحدهما. و الأوّل أقرب.

و لو اختلفا في شيء من ذلك، لم يصحّ عندنا قطعا، لأنّ الرؤية لم تفد شيئا، فإنّ المشتري لا يدري الباقي هل هو الطويل أو القصير؟ فلم يستفد من الرؤية حال المبيع عند العقد، و هو أحد قولي الشافعي. و في الثاني: يجوز، لأنّه لا يقصر عن بيع الغائب في العلم(5).9.

ص: 244


1- العزيز شرح الوجيز 55:4-56، روضة الطالبين 37:3، المجموع 291:9.
2- العزيز شرح الوجيز 64:4، روضة الطالبين 43:3، المجموع 295:9.
3- العزيز شرح الوجيز 64:4، روضة الطالبين 43:3، المجموع 295:9.
4- الحاوي الكبير 21:5-22، العزيز شرح الوجيز 64:4، روضة الطالبين 3: 43، المجموع 293:9.
5- الوسيط 43:3، العزيز شرح الوجيز 64:4، روضة الطالبين 43:3، المجموع 294:9.

يب - لو اختلفا فقال المشتري: ما رأيت المبيع. و قال البائع: بل رأيته،

قدّم قول البائع، عملا بصحّة البيع. و لأنّ للمشتري أهليّة الشراء و قد أقدم عليه، فكان ذلك اعترافا منه بصحّة العقد. و هو أحد قولي الشافعي(1) بناء على القول باشتراط الرؤية.

أمّا على القول بعدمه [1] فوجهان، هذا أحدهما، لأنّه اختلاف في سبب الخيار، فأشبه ما لو اختلفا في قدم العيب. و أظهرهما عندهم: تقديم قول المشتري، كما لو اختلفا في اطّلاعه على العيب(2).

القسم الرابع: النهي عن بيع و شرط.
اشارة

اعلم أنّ عقد البيع قابل للشروط التي لا تنافيه، أمّا ما ينافيه فلا يقبلها.

روى الجمهور أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله نهى عن بيع و شرط(3).

و من طريق الخاصّة: ما رواه عمّار عن الصادق عليه السّلام قال: «بعث رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله رجلا من أصحابه واليا، فقال له: إنّي بعثتك إلى أهل اللّه - يعني أهل مكة - فانههم عن بيع ما لم يقبض، و عن شرطين في بيع، و عن ربح ما لم يضمن»(4).

ص: 245


1- في «ق، ك»: الشافعيّة.
2- العزيز شرح الوجيز 64:4، روضة الطالبين 43:3-44، المجموع 294:9.
3- معرفة علوم الحديث: 128، المهذّب - للشيرازي - 275:1، العزيز شرح الوجيز 105:4، المغني 308:4، الشرح الكبير 56:4.
4- التهذيب 231:7، 1006.

و هذان النصّان ليسا على الإطلاق إجماعا، لما يأتي من جواز الشرط في العقد، و قبول عقد البيع للشرط.

إذا تقرّر هذا، فكلّ شرط يخالف الكتاب و السنّة فإنّه باطل إجماعا.

و في بطلان البيع ببطلانه بحث سيأتي، و ما لا يخالف الكتاب و السنّة فإنّه جائز ما لم يتضمّن ما ينافي العقد،

فأقسام الشرط أربعة:
أ - ما يوافق مقتضى العقد و يؤكّده،

مثل أن يشترط التسليم أو خيار المجلس أو التقابض أو ما أشبه ذلك، فهذا لا يؤثّر في العقد نفعا و لا ضرّا.

ب - شرط لا يقتضيه العقد لكن يتعلّق به مصلحة المتعاقدين للعقد.

و هو قد يتعلّق بالثمن، كالأجل و الرهن و الضمان، أو بالمثمن، كاشتراط صفة مقصودة في السلعة، كالصناعة و الكتابة، أو بهما معا، كالخيار. و هو جائز.

فهذه الشروط لا تفسد العقد، و تصحّ في أنفسها عندنا و عند الشافعي(1).

ج - ما لا يتعلّق به مصلحة المتعاقدين لكنّه ممّا بني على التغليب و السراية،

كشرط العتق. و هو جائز أيضا.

د - ما لم يبن على التغليب و السراية و لا يتعلّق به مصلحة المتعاقدين و لا يقتضيه العقد،

فهذا عندنا جائز إن لم يخالف المشروع و لم يناف مقتضى العقد، و ذلك مثل أن يبيعه دارا و يشترط سكناها سنة، و به قال الأوزاعي و أحمد بن حنبل و إسحاق(2).

و إن خالف المشروع، مثل أن يبيع جارية بشرط أن لا ينتفع بها

ص: 246


1- التهذيب - للبغوي - 515:3، العزيز شرح الوجيز 115:4، المهذّب - للشيرازي - 275:1، روضة الطالبين 71:3، المجموع 364:9.
2- المغني 308:4، الشرح الكبير 56:4، المجموع 378:9.

المشتري، فهذا باطل.

و الشافعي أبطل هذين القسمين معا(1) ، و سيأتي.

مسألة 117: قد بيّنّا أنّ كلّ شرط ينافي مقتضى العقد

فإنّه يكون باطلا، مثل أن يشتري جارية بشرط أن لا خسارة عليه، و معناه أنّه متى خسر فيها فضمانه على البائع. و كذا لو شرط عليه أن لا يبيعها على إشكال، أو لا يعتقها على إشكال، أو لا يطأها، فإنّ هذه الشروط باطلة، لمنافاتها مقتضى العقد، فإنّ مقتضاه ملك المشتري و النبي صلّى اللّه عليه و آله قال: «الناس مسلّطون على أموالهم»(2).

و سأل عبد الملك بن عتبة [الكاظم] [1] عليه السّلام عن الرجل ابتاع منه طعاما أو ابتاع متاعا على أن ليس عليّ منه وضيعة هل يستقيم هذا؟ و كيف يستقيم و حدّ ذلك [2]؟ قال: «لا ينبغي»(3).

و إذا بطلت الشروط، بطل البيع - خلافا لبعض(4) علمائنا - لأنّ التراضي إنّما وقع على هذا الشرط، فبدونه لا تراضي، فتدخل تحت قوله تعالى لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلاّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ (5) و به قال الشافعي و النخعي و الحسن البصري و أبو حنيفة و أحمد

ص: 247


1- المهذّب - للشيرازي - 275:1، المجموع 368:9 و 369 و 376 و 378.
2- أورده الشيخ الطوسي في الخلاف 176:3-177، المسألة 290.
3- التهذيب 59:7، 253، الاستبصار 84:3، 284.
4- الشيخ الطوسي في المبسوط 149:2.
5- النساء: 29.

ابن حنبل(1).

و قال ابن شبرمة: البيع جائز و الشرط جائز أيضا(2) ، لأنّ جابرا قال:

ابتاع منّي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بعيرا بمكة، فلمّا نقدني الثمن شرطت عليه أن يحملني على ظهره إلى المدينة(3).

و قال ابن أبي ليلى: البيع صحيح و الشرط باطل - و هو رواية أبي ثور عن قول للشافعي(4) - لأنّ عائشة اشترت بريرة بشرط أن تعتقها و يكون ولاؤها لمواليها، فأجاز النبي صلّى اللّه عليه و آله البيع و أبطل الشرط(5)(6).

و الجواب عن الأوّل: أنّا نقول بموجبه، و إنّما يرد على الشافعي حيث أبطل مثل هذا الشرط على ما تقدّم في التقسيم.

و عن الثاني: جاز أن يكون شرط الولاء في العتق، فلا يبطل ببطلانه، بخلاف البيع.4.

ص: 248


1- مختصر المزني: 87، الحاوي الكبير 312:5، المهذّب - للشيرازي - 275:1، المجموع 368:9 و 376، روضة الطالبين 72:3، حلية العلماء 129:4، الوسيط 77:3، العزيز شرح الوجيز 115:4-116 و 120، المحلّى 415:8، المغني 309:4، الشرح الكبير 61:4.
2- معرفة علوم الحديث: 128، المحلّى 415:8، حلية العلماء 131:4، المجموع 376:9.
3- صحيح البخاري 248:3، صحيح مسلم 1223:3، 113، سنن البيهقي 337:5 بتفاوت.
4- حلية العلماء 126:4، العزيز شرح الوجيز 121:4، روضة الطالبين 75:3، المجموع 369:9.
5- صحيح البخاري 251:3، صحيح مسلم 1141:2، 1504، و راجع أيضا المصادر في الهامش (2) من ص 250.
6- معرفة علوم الحديث: 128، المحلّى 415:8، الحاوي الكبير 312:5، حلية العلماء 131:4، المجموع 376:9، المغني 309:4، الشرح الكبير 61:4.

و قسّم بعض الشافعيّة الشرط إلى صحيح و فاسد، ففي الأوّل العقد صحيح قطعا، و في الثاني إن لم يكن شيئا يفرد بعقد و لا يتعلّق به غرض يورث تنازعا، لم يؤثّر في البيع، كما لو عيّن الشهود و قلنا: لا يتعيّنون، لم يفسد به العقد، لأنّا(1) إذا ألغينا تعيين(2) الشهود، أخرجناه عن أن يكون من مقاصد العقد. و إن تعلّق به غرض، فسد العقد بفساده، للنهي عن بيع و شرط(3)في «ق، ك» و الطبعة الحجريّة: «العقود» بدل «الشروط». و ما أثبتناه من المصدر.(4). و لأنّه يوجب الجهل بالعوض.

و إن كان ممّا يفرد بعقد، كالرهن و الكفيل، ففي فساد البيع بشرطهما على نعت الفساد قولان: الفساد - و به قال أبو حنيفة - كسائر الشروط(4) الفاسدة. و الصحّة - و به قال المزني - لأنّه يجوز إفراده عن البيع، فلا يوجب فساده فساد البيع، كالصداق لا يوجب فساده فساد النكاح(5).

قال عبد الوارث بن سعيد: دخلت مكة فوجدت بها ثلاثة فقهاء كوفيّين: أبو حنيفة و ابن أبي ليلى، و ابن شبرمة، فصرت إلى أبي حنيفة فسألته عمّن باع بيعا و شرط شرطا، فقال: البيع و الشرط فاسدان، فأتيت ابن أبي ليلى فسألته، فقال: البيع جائز و الشرط باطل، فأتيت ابن شبرمة فسألته، فقال: البيع و الشرط جائزان، فرجعت إلى أبي حنيفة فقلت: إنّ صاحبيك خالفاك، فقال: لست أدري ما قالا، حدّثني عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدّه أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله نهى عن بيع و شرط. ثمّ أتيت ابن أبي ليلى، فقلت: إنّ صاحبيك خالفاك، فقال: ما أدري ما قالا، حدّثني هشام بن6.

ص: 249


1- في «ق، ك» و الطبعة الحجريّة: و لأنّا. و ما أثبتناه من العزيز شرح الوجيز.
2- في «ق، ك» و الطبعة الحجريّة: تعيّن. و ما أثبتناه من العزيز شرح الوجيز.
3- تقدّمت الإشارة إلى مصادره في ص 245، الهامش
4- .
5- العزيز شرح الوجيز 120:4-121، روضة الطالبين 75:3-76.

عروة عن أبيه عن عائشة أنّها قالت: لمّا اشتريت بريرة جاريتي شرطت عليّ مواليها أن أجعل ولاءها لهم إذا أعتقتها، فجاء النبيّ صلّى اللّه عليه و آله فقال:

«الولاء لمن أعتق» فأجاز البيع و أفسد الشرط، فأتيت ابن شبرمة فقلت: إنّ صاحبيك خالفاك، فقال: ما أدري ما قالا، حدّثني مسعر عن محارب عن جابر قال: ابتاع النبيّ صلّى اللّه عليه و آله [منّي](1) بعيرا بمكة، فلمّا نقدني الثمن شرطت عليه أن يحملني على ظهره إلى المدينة، فأجاز النبيّ صلّى اللّه عليه و آله الشرط و البيع(2).

مسألة 118: و من الشروط الجائزة عندنا أن يبيعه شيئا
اشارة

و يشترط في متن العقد أن يشتري منه شيئا أو يبيعه شيئا آخر أو يقرضه شيئا أو يستقرض منه، لقوله عليه السّلام: «المؤمنون عند شروطهم»(3).

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السّلام: «المسلمون عند شروطهم إلاّ كلّ شرط خالف كتاب اللّه عزّ و جلّ فلا يجوز»(4).

و قال عليه السّلام: «من اشترط شرطا مخالفا لكتاب اللّه عزّ و جلّ فلا يجوز له و لا يجوز على الذي اشترطه عليه، و المسلمون عند شروطهم ممّا وافق كتاب اللّه عزّ و جلّ»(5).

و هذه الشروط كلّها سائغة لا تخالف كتاب اللّه تعالى، فوجب جوازها و لزومها و صحّة العقد معها.

و قال الشافعي: لا يجوز ذلك، لأنّه جعل الثمن و الرفق بالعقد الثاني

ص: 250


1- أضفناها من كتاب الخلاف للشيخ الطوسي، و كما ورد سابقا في ص 248.
2- الخلاف 29:3-30، المسألة 40، معرفة علوم الحديث: 128، المبسوط - للسرخسي - 13:13-14، المحلّى 415:8-416.
3- التهذيب 371:7، 1503، الاستبصار 232:3، 835، الجامع لأحكام القرآن 33:6.
4- الفقيه 127:3، 553، التهذيب 22:7، 93.
5- الكافي 169:5، 1، التهذيب 22:7، 94، و فيهما: «.. فيما وافق..».

ثمنا، و اشتراط العقد الثاني فاسد، فبطل(1) بعض الثمن، و ليس له قيمة يتعلّق به حتى يفرض التوزيع عليه و على الباقي(2).

و الجواب: المنع من جعل الرفق بالعقد الثاني جزءا من الثمن.

و لا نسلّم بطلان اشتراط العقد الثاني، فإنّه المتنازع. ثمّ ينتقض بشرط العتق و ما حكم بجوازه من الشروط.

فروع:

أ - لو تبايعا بشرط أن يبيعه شيئا آخر،

فقد قلنا: إنّه يصحّ عندنا، خلافا للشافعي(3). و ينصرف الثاني إلى البيع الصحيح، فإذا باعه الثاني صحيحا، صحّ، و وفى بالشرط. و إن باعه باطلا، لم يعتدّ به، و وجب عليه استئناف عقد صحيح، عملا بمقتضى الشرط و تحصيلا له.

ب - لو باعه شيئا بشرط أن يبيعه إيّاه، لم يصحّ،

سواء(4) اتّحد الثمن قدرا و وصفا و عينا أو لا، و إلاّ جاء الدور، لأنّ بيعه له يتوقّف على ملكيّته له، المتوقّفة على بيعه، فيدور.

أمّا لو شرط أن يبيعه على غيره، فإنّه يصحّ عندنا حيث لا منافاة فيه للكتاب و السنّة.

لا يقال: ما ألزمتموه من الدور آت هنا.

لأنّا نقول: الفرق ظاهر، لجواز أن يكون جاريا على حدّ التوكيل أو

ص: 251


1- في الطبعة الحجريّة: فيبطل.
2- الوجيز 138:1، العزيز شرح الوجيز 105:4، روضة الطالبين 66:3 و 72، المجموع 368:9 و 373، المغني 314:4.
3- الوجيز 138:1، العزيز شرح الوجيز 105:4، روضة الطالبين 66:3 و 72، المجموع 368:9 و 373، المغني 314:4.
4- في «ق، ك» و الطبعة الحجريّة: و سواء. و الصحيح ما أثبتناه.

عقد الفضولي، بخلاف ما لو شرط البيع على البائع.

ج - لو باعه شيئا بشرط أن يبيعه آخر(1) أو يقرضه بعد شهر أو في الحال،

لزمه الوفاء بالشرط، فإن أخلّ به، لم يبطل البيع، لكن يتخيّر [البائع](2) بين فسخه للبيع و بين إلزامه بما شرطه، فإن فسخ البيع، فالنماء المتجدّد بين العقد و الفسخ للمشتري، أمّا المتّصل فللبائع، لأنّه تابع للعين.

د - لو باعه شيئا بشرط أن يقرضه أو يبيعه أو يؤجره، صحّ عندنا على ما قلناه،

خلافا للشافعي، فعلى قوله لو تبايعا البيع الثاني، فإن كانا يعلمان بطلان الأوّل، صحّ، و إلاّ فلا، لإتيانهما به على حكم الشرط الفاسد(3).

و قال بعض أصحابه: يصحّ أيضا(4).

و هذا التفريع لا يتأتّى على قولنا إلاّ فيما لو كان البيع الأوّل فاسدا، كما لو قال: بعتك هذا بما شئت بشرط أن تبيعني كذا بكذا، فحينئذ نقول:

إن كانا يعلمان بطلان الأوّل و تبايعا الثاني صحيحا، كان لازما، لأنّه كابتداء العقد، إذ لا عبرة بالشرط الفاسد مع علم فساده. و إن لم يعلما بطلانه، صحّ أيضا إن اثبت لهما الخيار إن قصدا معا بالذات البيع الأوّل، و إلاّ اختصّ بالخيار من قصده بالذات دون من قصده بالعرض.

ه - لو باعه شيئا بشرط أن يبيعه على زيد بكذا، فباعه بأزيد،

فإن قصد إرفاق زيد أو غرضا معتبرا عند العقلاء، تخيّر بين الفسخ و الإمضاء،9.

ص: 252


1- أي: شيئا آخر.
2- بدل ما بين المعقوفين في «ق، ك» و الطبعة الحجريّة: المشتري. و ما أثبتناه يقتضيه السياق.
3- العزيز شرح الوجيز 105:4، روضة الطالبين 66:3، المجموع 373:9.
4- العزيز شرح الوجيز 105:4، روضة الطالبين 66:3، المجموع 373:9.

لمخالفة الشرط، فإن فسخ، رجع بالعين، و ليس لزيد خيار. و إن لم يقصد، فلا خيار.

و لو باعه بأقلّ، تخيّر، إلاّ مع تعلّق الغرض.

و لو أطلق الثمن، باع بما شاء و لا خيار.

و لو باعه على عمرو، تخيّر، سواء باعه بثمن عيّنه أو بأزيد أو بأنقص أو بأقلّ من ثمن المثل أو أطلق.

و لو عيّن الثمن و أطلق المشتري فباع بأقلّ أو أزيد، تخيّر مع تعلّق الغرض، و إلاّ فلا.

و - لو شرط أن يبيعه على زيد فامتنع زيد من شرائه، احتمل ثبوت الخيار

بين الفسخ و الإمضاء. و العدم، إذ تقديره: بعه على زيد إن اشتراه.

مسألة 119: من الشروط الفاسدة شرط ما لا يدخل تحت قدرة البائع عليه،
اشارة

فلو اشترى الزرع بشرط أن يجعله سنبلا، أو البسر بشرط أن يجعله تمرا، بطل و يبطل البيع على ما اخترناه، خلافا لبعض [1] علمائنا.

نعم، يجوز اشتراط تبقيته في الأرض أو على رءوس النخل إلى أوان ذلك.

و كذا يصحّ اشتراط ما يدخل تحت قدرة البائع من منافعه، مثل أن يشتري ثوبا و يشترط خياطته عليه، أو غزلا و يشترط نساجته، أو فضّة و يشترط عليه صياغتها، أو طعاما و يشترط عليه طحنه(1) أو خبزه، أو قزّا و يشترط سلّه [2]، و كذا كلّ منفعة مقصودة، عملا بالعمومات السالمة عن

ص: 253


1- في الطبعة الحجريّة: طبخه.

معارضة مخالفة فعل هذه الشروط للكتاب و السنّة.

و كذا لو اشترى زرعا و شرط على بائعه أن يحصده، أو اشترى ثوبا و شرط صبغه، أو لبنا و شرط عليه طبخه، أو نعلا على أن ينعل به دابّته، أو عبدا رضيعا على أن يتمّ إرضاعه، أو متاعا على أن يحمله إلى بيته و البائع يعرف البيت، فهذا كلّه سائغ لازم عندنا، لما تقدّم.

و للشافعيّة أقوال:

أحدها: أنّه يفسد قطعا، لأنّه شراء للعين و استئجار للبائع على العمل، فقد شرط العمل في العين كالزرع قبل أن يملكه، فأشبه ما لو استأجره لخياطة ثوب لم يملكه. و لأنّ الحصاد - مثلا - يجب على المشتري، فإذا شرطه على البائع، فقد شرط ما لا يقتضيه العقد. و لأنّه شرط تأخير التسليم، لأنّ معنى ذلك أن يسلّمه إليه مقطوعا.

و الثاني: أنّ الاستئجار يبطل، و في البيع قولا تفريق الصفقة.

و الثالث: أنّهما باطلان، أمّا شرط العمل: فلما تقدّم. و أمّا البيع:

فلأنّ الشرط إذا فسد فسد البيع(1).

و الجواب: لا نسلّم أنّه استئجار و إن أفاد فائدته، بل هو شرط لزم البائع بعقد البيع، ثمّ إنّه يبطل بشرط الرهن مع الثمن في المبيع.

و الثاني باطل، لأنّ هذا يصحّ إفراده بالعقد، فخالف سائر الشروط.

و كذا الثالث إنّه ليس بتأخير، لأنّه يمكن تسليمه خاليا عن العمل و يسلّم الزرع قائما. و لأنّ الشرط من التسليم، فلم يكن ذلك تأخيرا للتسليم.4.

ص: 254


1- الحاوي الكبير 32:5، التهذيب - للبغوي - 520:3، العزيز شرح الوجيز 4: 105-106، روضة الطالبين 66:3، المجموع 373:9-374.
فروع:

أ - يشترط في العمل المشروط في العقد على البائع أن يكون محلّلا،

فلو اشترى العنب على شرط أن يعصره البائع خمرا، لم يصحّ الشرط و البيع على إشكال ينشأ من جواز إسقاط المشتري الشرط عن البائع و الرضا به خاليا عنه، و هو المانع من صحّة البيع، و من اقتران البيع بالمبطل.

و بالجملة، فهل يثمر اقتران مثل هذا الشرط بطلان البيع من أصله بحيث لو رضي صاحبه بإسقاطه لا يرجع البيع صحيحا، أو إيقاف البيع إن لم يرض بدونه بطل، و إلاّ صحّ؟ نظر.

ب - لو اشترط شرطا مجهولا، كما لو باعه بشرط أن يعمل فيه ما يأمره به بعد العقد،

أو يصبغ له ثوبا و يطلقهما أو أحدهما، فالوجهان.

ج - لا فرق في الحكم بين اقتران البيع و العمل في الثمن و تعدّده

بأن يقول: بعتك هذا الثوب بعشرة و [استأجرني](1) على خياطته بدرهم، أو يقول: بعتك هذا الثوب و آجرتك نفسي على خياطته بعشرة، فيقول:

قبلت.

و للشافعيّة الأقوال(2) السابقة.

د - لو اشترى حطبا على ظهر بهيمة مطلقا، صحّ،

و يسلّمه إليه في موضعه.

ص: 255


1- بدل ما بين المعقوفين في «ق، ك» و الطبعة الحجريّة: استأجرتك. و الصحيح ما أثبتناه.
2- العزيز شرح الوجيز 106:4، روضة الطالبين 66:3، المجموع 373:9 و 374.

و للشافعيّة قولان، هذا أحدهما. و الثاني: لا يصحّ البيع حتى يشترط تسليمه إليه في موضعه، لأنّ العادة قد تقتضي حمله إلى داره(1).

و المعتمد: الأوّل، فعلى هذا لو شرط حمله إلى داره، صحّ عندنا و عندهم بمقتضى الثاني.

ه - لو شرط على البائع عملا سائغا، تخيّر المشتري

بين الفسخ و المطالبة به أو بعوضه إن فات وقته و كان ممّا يتقوّم، كما لو شرط تسليم الثوب مصبوغا فأتاه به غير مصبوغ و تلف في يد المشتري. و لو لم يكن ممّا يتقوّم، تخيّر بين الفسخ و الإمضاء مجّانا.

و - لو كان الشرط على المشتري،

مثل أن باعه داره بشرط أن يصبغ المشتري له ثوبه، فتلف الثوب، تخيّر البائع بين الفسخ و الإمضاء بقيمة الفائت إن كان ممّا له قيمة، و إلاّ مجّانا.

مسألة 120: لو اشترى بشرط تأجيل الثمن عليه إلى مدّة معيّنة، صحّ، و هو بيع النسيئة،
اشارة

عند علمائنا - و هو قول الشافعي(2) أيضا و إن منع من شرط غير الأجل(3) - لورود النصّ فيه.

قال أمير المؤمنين عليه السّلام: «من ساوم بثمنين أحدهما عاجلا و الآخر نظرة فليسمّ أحدهما قبل الصفقة»(4).

إذا ثبت هذا، فشرط الأجل المشروط في البيع أن يكون مضبوطا محروسا من الزيادة و النقصان، فلو شرط قدوم الحاجّ أو نزول المطر أو

ص: 256


1- العزيز شرح الوجيز 106:4، روضة الطالبين 67:3، المجموع 374:9.
2- الوجيز 138:1، العزيز شرح الوجيز 106:4، روضة الطالبين 67:3، المجموع 339:9.
3- الوجيز 138:1، العزيز شرح الوجيز 105:4، روضة الطالبين 66:3.
4- الكافي 206:5 (باب الشرطين في البيع) الحديث 1، التهذيب 47:7، 201.

إقباض المبيع، بطل العقد و الشرط، لاشتماله على الغرر و قد نهى النبيّ صلّى اللّه عليه و آله عنه(1).

و لو شرط تأجيل الثمن إلى ألف سنة مثلا، فالأقوى الجواز، عملا بالعموم الدالّ على تسويغ مثله. و القطع بالموت قبله باطل، لمنعه أوّلا، و لمنع صلاحيّته للتأثير - كشكّ حياته - في المدّة القليلة، فكما لا يمنع الشكّ كذا اليقين.

و قال بعض الشافعيّة: لو أجّل الثمن إلى ألف سنة، بطل العقد، للعلم بأنّه لا يبقى إلى هذه المدّة(2).

و لو سلّم، لم يقتض المنع، لجواز انتقاله عنه إلى وارثه.

فروع:

أ - إذا أجّل الثمن إلى مدّة معلومة، سقط الأجل بموت من عليه

على ما يأتي.

و هل يثبت للورثة الخيار؟ إشكال ينشأ من زيادة الثمن في مقابلة الأجل و لم يسلم لهم الارتفاق به، و من لزوم البيع و انعقاده و انتقال السلعة إلى المشتري، فلا يبطل بالتعجيل المستند إلى حكم الشرع مطلقا.

ب - لو آجر ثوبا ألف سنة، لم يصحّ،

لا باعتبار زيادة الأجل، بل للعلم بفساد العين و عدم الانتفاع به طول المدّة.

ج - لا فرق بين أن يشترط الأجل في الثمن المعيّن المشخّص

أو

ص: 257


1- صحيح مسلم 1153:3، 1513، سنن ابن ماجة 739:2، 2194 و 2195، سنن أبي داود 254:3، 3376، سنن الترمذي 532:3، 1230، سنن البيهقي 266:5، مسند أحمد 312:2، 6271، و 71:3، 8667، و 284، 10062.
2- العزيز شرح الوجيز 107:4، روضة الطالبين 67:3، المجموع 339:9.

الثابت في الذمّة، فلو شرط ثمنا معيّنا، كهذه الدنانير، و تأديتها في أجل معلوم، صحّ. و كذا لو شرط تسليم المبيع المعيّن في مدّة معيّنة كأن يشتري منه هذا الثوب بعشرة بشرط أن يسلّم الثوب بعد شهر، صحّ عند علمائنا أجمع، خلافا للشافعي فيهما، فإنّه قال: يفسد لو كان الأجل في المبيع أو الثمن المعيّن، لأنّ الأجل رفق اثبت ليحصل الحقّ في الذمّة و المعيّن حاصل(1). و ليس بجيّد.

د - لو حلّ الأجل فأجّل البائع المشتري مدّة أو زاد في الأجل قبل حلول الأجل المضروب أوّلا،

فهو وعد غير لازم، لعدم وجود المقتضي له، إذ الوعد غير موجب، و به قال الشافعي(2).

و قال أبو حنيفة: يلزم(3). و يبطل على قوله ببدل الإتلاف، فإنّه لا يتأجّل و إن أجّله(4).

و قال مالك: يتأجّل(5).

ه - لو أوصى من له دين حالّ على إنسان بإمهاله مدّة،

فعلى ورثته إمهاله تلك المدّة، للزوم التبرّعات بعد الموت، و الوصيّة هنا لم تتناول العين، فلا تخرج من الثلث على إشكال.

و - لو كان عليه دين مؤجّل فأسقط المديون الأجل، لم يسقط،

و ليس للمستحقّ مطالبته في الحال، لأنّ الأجل صفة تابعة و الصفة لا تفرد بالإسقاط، و لهذا لو أسقط مستحقّ الحنطة الجيّدة أو الدنانير الصحاح الجودة أو الصحّة، لم تسقط.4.

ص: 258


1- العزيز شرح الوجيز 107:4، روضة الطالبين 67:3، المجموع 339:9.
2- العزيز شرح الوجيز 107:4، روضة الطالبين 67:3، المجموع 339:9.
3- العزيز شرح الوجيز 107:4، المجموع 339:9.
4- العزيز شرح الوجيز 107:4، المجموع 339:9.
5- العزيز شرح الوجيز 107:4.

و للشافعي وجهان(1).

مسألة 121: يصحّ اشتراط الخيار على ما يأتي،
اشارة

و شرط وثيقة بالرهن و الكفيل و الشهادة، و به قال الشافعي(2) أيضا، فيصحّ البيع بشرط أن يرهن المشتري بالثمن أو يتكفّل به كفيل أو يشهد عليه، سواء كان الثمن حالاّ أو مؤجّلا.

و كذا يجوز أن يشترط المشتري على البائع كفيلا بالعهدة، عملا بعموم قوله عليه السّلام: «المؤمنون عند شروطهم»(3) السالم عن معارضة مخالفته للكتاب و السنّة، بل هي موافقة لهما، لقوله تعالى فَرِهانٌ مَقْبُوضَةٌ (4)وَ أَشْهِدُوا إِذا تَبايَعْتُمْ (5).

و هل يجوز أن يشترط المشتري على البائع رهنا على عهدة الثمن المقبوض لو خرج المبيع مستحقّا؟ الأقرب ذلك.

و لا بدّ من تعيين الرهن بالمشاهدة أو الوصف، كما يوصف المسلم فيه - و به قال الشافعي(6) - دفعا للغرر، و حسما لمادّة التنازع.

و قال مالك: لا يشترط التعيين، بل ينزّل المطلق على ما يصلح أن يكون رهنا لمثل ذلك في العادة(7).

و قال أبو حنيفة: لو قال: رهنتك أحد هذين العبدين، جاز، كالبيع(8).

و قد تقدّم بطلانه.

ص: 259


1- العزيز شرح الوجيز 107:4، روضة الطالبين 67:3، المجموع 339:9-340.
2- الوسيط 74:3، الوجيز 138:1، العزيز شرح الوجيز 107:4، روضة الطالبين 68:3.
3- التهذيب 371:7، 1503، الاستبصار 232:3، 835، الجامع لأحكام القرآن 33:6.
4- البقرة: 283.
5- البقرة: 282.
6- العزيز شرح الوجيز 108:4، روضة الطالبين 68:3، المجموع 375:9.
7- العزيز شرح الوجيز 110:4.
8- العزيز شرح الوجيز 110:4.

و لا يشترط أن يكون مشخّصا، فلو شرط ارتهان عبد حبشي موصوف بصفات السّلم، جاز و إن لم يكن له عبد في الحال.

و يشترط في الكفيل التعيين إمّا بالمشاهدة أو المعرفة بالاسم و النسب.

و هل يكفي الوصف مثل أن يقول: رجل موسر ثقة ؟ الأقرب ذلك، فإنّ الاكتفاء بالصفة أولى من الاكتفاء بمشاهدة من لا يعرف حاله، خلافا للشافعي حيث شرط تعيين شخصه(1) ، و بعض الشافعيّة حيث لم يشترط التعيين مطلقا، بل إذا أطلق أقام من شاء(2).

فروع:

أ - الأقرب أنّه لا يشترط تعيين الشهود لو شرط الإشهاد،

لأنّ المطلوب في الشهود العدالة لإثبات الحقّ عند الحاجة، بخلاف الرهن و الكفيل، لتفاوت الأغراض فيهما.

و قال بعض الشافعيّة: يشترط أيضا كالرهن و الكفيل، و تفاوت الأغراض هنا متحقّق، فإنّ بعض العدول أوجه، و قوله أسرع قبولا، و عدالته أشهر و أوضح، فتتفاوت الأغراض في أعيانهم(3).

و ليس بجيّد، إذ لا اعتبار بهذه الجزئيّات، لعدم انضباطها.

ب - لو عيّن الشهود في الشرط، تعيّنوا،

عملا بالشرط، إذ لا منافاة فيه للكتاب و السنّة. و للشافعي قولان(4).

ص: 260


1- العزيز شرح الوجيز 108:4، روضة الطالبين 68:3، المجموع 375:9.
2- العزيز شرح الوجيز 110:4، روضة الطالبين 68:3، المجموع 375:9.
3- الوسيط 75:3، العزيز شرح الوجيز 108:4، روضة الطالبين 68:3، المجموع 375:9.
4- العزيز شرح الوجيز 108:4، روضة الطالبين 68:3.

ج - لا يشترط في الرهن التعرّض لكون المرهون عند المرتهن أو غيره،

عملا بأصالة عدم الاشتراط.

و للشافعيّة وجهان(1).

فإنّ اتّفقا مع الإطلاق على وضعه عند المرتهن أو غيره، فذاك. و إن تنازعا، احتمل انتزاع الحاكم له و وضعه عند ثقة تحقيقا للاستيثاق. و جعله في يد الراهن، إذ لو لم يرض به المرتهن، لشرط نزعه عنه مع أصالة استمرار الحال.

و لو شرطا في عقد الرهن وضعه عند المرتهن أو غيره، لزم، فإن امتنع الغير، وضعه الحاكم مع التنازع عند الثقة.

مسألة 122: الأقرب جواز اشتراط رهن المبيع نفسه على ثمنه.
اشارة

و منع أكثر الشافعيّة منه، لأنّ الثمن إن كان مؤجّلا، لم يجز حبس المبيع لاستيفائه، أو حالاّ، فله حبسه لاستيفائه، فلا معنى للحبس بحكم الرهن. و لأنّ قضيّة الرهن كون المال أمانة و أن يسلّم الدّين أوّلا، و قضيّة البيع بخلافه، فيلزم تناقض الأحكام. و لأنّ فيه استثناء منفعة، فلا يجوز أن يستثني البائع بعض منافع المبيع لنفسه. و لأنّ المشتري لا يملك رهن المبيع إلاّ بعد صحّة البيع، فلا تتوقّف عليه صحّة البيع، و إلاّ دار(2).

و الجواب: أنّ المؤجّل لا يجوز حبس المبيع عليه إذا لم يجر رهن أو إذا جرى ؟ [الأوّل مسلّم، و الثاني ممنوع](3) لكنّ التقدير جريان الرهن فيه،

ص: 261


1- العزيز شرح الوجيز 108:4، روضة الطالبين 68:3، المجموع 376:9.
2- الوسيط 75:3-76، العزيز شرح الوجيز 108:4-109، روضة الطالبين 3: 68.
3- ما أثبتناه بين المعقوفين أشير إليه في «ق، ك» برمز «م ع» و في الطبعة الحجريّة برمز «مم». و المثبت توضيح لما في «ق، ك».

فهو موضوع النزاع. و الحالّ قد يتقوّى أحد الجنسين بالآخر فيه. و لا امتناع في بقاء المال مضمونا بحكم البيع استيفاء لما كان. و يسلّم الدّين أوّلا، لإقدامه على الرهن. و استناء بعض المنافع جائز، لما تقدّم. و الدور ممنوع، لأنّا نسلّم أنّه لا تتوقّف صحّة البيع على الرهن، لكن، لا كلام فيه، بل في أنّه هل يمنع صحّة البيع ؟ و قال بعض الشافعيّة: إن قلنا بوجوب بداءة البائع بالتسليم أو أنّهما يجبران معا، أو لا إجبار ما لم يبتدئ أحدهما، بطل البيع، لأنّه شرط يبطل مقتضى البيع، لتضمّنه حبس المبيع إلى استيفاء الثمن، فإن قلنا: البداءة بالمشتري، فوجهان: صحّة الشرط، لموافقته مقتضى العقد. و العدم، فيفسد البيع، لتناقض الأحكام(1).

و الجواب: أنّ مقتضى البيع عند الإطلاق وجوب بداءة تسليم البائع، أمّا عند الشرط فلا.

و الحاصل: أنّ الشرط يقتضي شيئا لا يقتضيه العقد، فإن اقتضى ما ينافيه، بطل، و إلاّ فلا. و نحن نمنع اقتضاء إطلاق العقد ما ينافي هذا الشرط، بل إطلاقه صالح لاقتران قيد الشرط به و عدمه.

فروع:

أ - لو شرط أن يرهنه المبيع بالثمن بعد القبض و يردّه إليه، صحّ البيع و الشرط عندنا،

خلافا للشافعي(2).

لنا: أنّه شرط سائغ لا ينافي مقتضى العقد و لا يخالف الكتاب

ص: 262


1- العزيز شرح الوجيز 109:4، روضة الطالبين 68:3.
2- العزيز شرح الوجيز 109:4، روضة الطالبين 68:3.

و السنّة، فيكون لازما.

ب - لو رهنه بالثمن من غير شرط، صحّ عندنا مطلقا

و عند الشافعي إن كان بعد القبض. و إن كان قبله، فلا إن كان الثمن حالاّ، لأنّ الحبس ثابت له. و إن كان مؤجّلا، فهو كما لو رهن المبيع قبل القبض بدين آخر(1).

ج - لو شرط رهن غير المبيع على الثمن أو شرط رهن المبيع على غيره، صحّ عندنا،

و قد تقدّم.

مسألة 123: لو لم يرهن المشتري ما شرطه أو لم يتكفّل الذي عيّنه،
اشارة

فلا خيار له، بل للبائع الخيار. و لا يقوم رهن و لا كفيل آخر مقام المعيّن، لتفاوت الأغراض في خصوصيّات الأعيان هنا، فإن فسخ البائع، فلا بحث، و إن أجاز، فلا خيار للمشتري، لأنّه إسقاط حقّ عنه، فإذا لم يثبت له الخيار مع ثبوته فمع إسقاطه أولى.

و لو عيّن شاهدين فامتنعا من تحمّل الشهادة، فإن قلنا: لا بدّ من تعيين الشاهدين، فللبائع الخيار، و إن أسقطنا التعيين، فلا.

و لو شرط المشتري على البائع إقامة كفيل على العهدة فلم يوجد أو امتنع المعيّن، ثبت للمشتري الخيار. و لو أسقطه المشتري، فلا خيار له.

فروع:

أ - لو باع بشرط الرهن فهلك الرهن قبل القبض أو تعيّب أو وجد به عيبا قديما،

فله الخيار في البيع، و إن تعيّب بعد القبض، فلا خيار.

ب - لو اختلفا في تعيّب الرهن، فادّعى الراهن حدوثه بعد القبض

ص: 263


1- العزيز شرح الوجيز 109:4، روضة الطالبين 69:3.

و المشتري سبقه، قدّم قول الراهن استدامة للبيع.

ج - لو هلك الرهن بعد القبض أو تعيّب ثمّ اطّلع على عيب قديم به، فلا أرش له،

لأصالة البراءة.

و هل له فسخ البيع ؟ الأقرب: العدم، لأنّ الفسخ إنّما يثبت إذا أمكنه ردّ الرهن كما أخذه.

و يحتمل الثبوت، لأنّه لم يسلم إليه ما شرطه عليه و وجب له، و الردّ إنّما يجب مع بقاء العين، إذ مع تلفها لا يمكن.

ثمّ إن كان التلف بغير تفريط، لم يثبت وجوب الردّ، و إن كان بتفريط، قام ردّ العوض مقام ردّه.

مسألة 124: من الشروط الجائزة شرط العتق،
اشارة

فلو اشترى عبدا أو أمة بشرط أن يعتقها المشتري، صحّ البيع و لزم الشرط، عند علمائنا أجمع - و به قال مالك و أحمد في أصحّ الروايتين عنه، و هو أصحّ قولي الشافعي(1) أيضا - لعموم قوله تعالى وَ أَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ (2).

و ما روي من أنّ عائشة اشترت بريرة و شرط عليها مواليها أن تعتقها و يكون ولاؤها لهم، فأنكر النبيّ صلّى اللّه عليه و آله شرط الولاء دون العتق، و قال:

«شرط اللّه أوثق، و قضاء اللّه أحقّ، و الولاء لمن أعتق»(3).

ص: 264


1- بداية المجتهد 161:2، المغني 309:4، الشرح الكبير 62:4، المهذّب - للشيرازي - 275:1، المجموع 364:9 و 366، روضة الطالبين 69:3، حلية العلماء 162:4، التهذيب - للبغوي - 516:3، الوسيط 78:3-79، العزيز شرح الوجيز 110:4، مختصر اختلاف العلماء 131:3، 1209.
2- البقرة: 275.
3- صحيح البخاري 93:3 و 198-199، صحيح مسلم 1141:2-1142، 6، و 1143، 8، سنن البيهقي 338:1، شرح معاني الآثار 44:4 و فيها نحوه. و في العزيز شرح الوجيز 110:4 مثله.

و روى أبو ثور عن الشافعي أنّه لو باع عبدا بشرط العتق، صحّ البيع، و بطل الشرط(1).

و المشهور عن أبي حنيفة و أصحابه: أنّ البيع فاسد، لأنّه شرط على المشتري إزالة ملكه عنه، فكان فاسدا، كما لو شرط عليه أن يبيعه(2).

و الحكم في الأصل ممنوع عندنا، و إنّما هو لازم للشافعي.

ثمّ قال أبو حنيفة: إنّه مضمون بالثمن المسمّى في العقد(3).

و قال أبو يوسف و محمّد: يضمنه بالقيمة(4).

و أجاب(5) الشافعي عن قياسه: بأنّ العتق يخالف البيع، فإنّه يقصد بالعوض في الكتابة، و إذا قال: أعتق عبدك و عليّ كذا، صحّ. و لأنّه يضمن فيما ذكروه بالقيمة و هنا بالثمن عند أبي حنيفة، فافترقا.

و روي عن أبي حنيفة أنّ البيع جائز(6) ، كما قلناه نحن.4.

ص: 265


1- حلية العلماء 126:4، العزيز شرح الوجيز 110:4، مختصر اختلاف العلماء 132:3، 1029.
2- الهداية - للمرغيناني - 48:3، مختصر اختلاف العلماء 130:3، 1029، حلية العلماء 127:4، التهذيب - للبغوي - 516:3، الوسيط 79:3، العزيز شرح الوجيز 110:4، المجموع 366:9، المغني 309:4، الشرح الكبير 62:4.
3- الهداية - للمرغيناني - 48:3، مختصر اختلاف العلماء 130:3، 1209، حلية العلماء 127:4، المجموع 366:9-367.
4- الهداية - للمرغيناني - 48:3، مختصر اختلاف العلماء 130:3، 1209، حلية العلماء 127:4، المجموع 366:9-367.
5- لم نعثر على الجواب فيما بين أيدينا من المصادر.
6- حلية العلماء 127:4.
فروع:

أ - يجوز اشتراط العتق مطلقا و بشرط أن يعتقه عن المشتري نفسه،

و به قال الشافعي على أصحّ القولين من جواز شرط العتق(1). أمّا لو شرط العتق عن البائع، فإنّه يجوز عندنا - خلافا له(2) - لأنّه شرط لا ينافي الكتاب و السنّة.

ب - الأقوى عندي: أنّ العتق المشروط اجتمع فيه حقوق:

حقّ للّه تعالى، و حقّ للبائع، و حقّ آخر للعبد أيضا.

و للشافعي وجهان: أنّه حقّ اللّه تعالى، كالملتزم بالنذر. و أنّه حقّ البائع، لأنّ اشتراطه يدلّ على تعلّق غرضه به(3). و الظاهر أنّه بواسطة هذا الشرط تسامح في الثمن.

فإن قلنا: إنّه حقّ البائع، فله المطالبة به قطعا. و إن قلنا: إنّه حقّ اللّه تعالى، فكذلك عندنا - و هو أصحّ وجهي الشافعيّة(4) - لأنّه ثبت بشرطه، و له غرض في تحصيله.

و له آخر: أنّه ليس للبائع المطالبة به، إذ لا ولاية له في حقوق اللّه تعالى(5).

و على ما اخترناه نحن للعبد المطالبة بالعتق على إشكال ينشأ من ثبوت حقّ له للانتفاع به، فكان له المطالبة به. و من أنّه منوط باختيار

ص: 266


1- التهذيب - للبغوي - 516:3، العزيز شرح الوجيز 111:4، روضة الطالبين 69:3، المجموع 364:9.
2- التهذيب - للبغوي - 516:3، العزيز شرح الوجيز 111:4، روضة الطالبين 69:3، المجموع 364:9.
3- العزيز شرح الوجيز 111:4، روضة الطالبين 69:3-70، المجموع 364:9.
4- العزيز شرح الوجيز 111:4، روضة الطالبين 70:3، المجموع 365:9.
5- العزيز شرح الوجيز 111:4، روضة الطالبين 70:3، المجموع 365:9.

المشتري، إذ له الامتناع، فيتخيّر البائع حينئذ بين الفسخ و الإمضاء، لكنّ الأوّل أقرب.

ج - الولاء عند علمائنا إنّما يثبت مع العتق المتبرّع به

لا مع العتق الواجب بنذر و كفّارة و شبهه على ما يأتي.

أمّا العتق المشترط في البيع فيحتمل إلحاقه بالواجب، لوجوبه عليه بعقد البيع، و إجباره على فعله. و بالمتبرّع به، إذ له الإخلال بالشروط المشترطة في البيع من عتق و غيره، و يثبت الخيار للبائع، فكأنّ العتق في الحقيقة هنا مستند إلى اختياره، فيكون متبرّعا به.

فعلى الأوّل لا ولاء هنا، أمّا للبائع: فلانتقال الملك عنه، و صدور العتق من غيره، و لا يصحّ شرط الولاء. و أمّا للمشتري: فلوجوب العتق عليه.

و أمّا على الثاني فيثبت الولاء للمشتري.

د - إذا أعتقه المشتري، فقد وفى بما وجب عليه و التزم به،

و الولاء له إن أثبتناه و إن قلنا: إنّ العتق حقّ البائع، لأنّه صدر عن ملك المشتري.

و إن امتنع، اجبر عليه إن قلنا: إنّه حقّ للّه تعالى. و إن قلنا: إنّه حقّ للبائع، لم يجبر، كما في شرط الرهن و الكفيل، لكن يتخيّر البائع في الفسخ، لعدم سلامة ما شرطه له.

و للشافعي قولان: الإجبار و عدمه(1).

فإن قلنا بالإجبار، حبس عليه حتى يعتق، و هو أحد قولي الشافعيّة.

و الثاني: أنّ القاضي يعتق عليه(2).9.

ص: 267


1- العزيز شرح الوجيز 111:4، روضة الطالبين 70:3، المجموع 365:9.
2- العزيز شرح الوجيز 112:4، روضة الطالبين 70:3، المجموع 365:9.

و الأولى عندي الإجبار في شرط الرهن و الكفيل لو امتنع، كما لو شرط تسليم الثمن معجّلا فأهمل.

ه - إن قلنا: إنّ العتق حقّ للبائع، فلو أسقطه، سقط،

كما لو شرط رهنا أو كفيلا ثمّ عفا عنه.

و قال بعض الشافعيّة: إنّ شرط الرهن و الكفيل أيضا لا يفرد بالإسقاط، كالأجل(1).

و - هل يجوز إعتاق هذا العبد عن الكفّارة ؟

الوجه أن نقول: إن شرط البائع عتقه عن كفّارة المشتري، أجزأه، و تكون فائدة الشرط التخصيص لهذا العبد بالإعتاق.

و إن لم يشرط، فإن قلنا: إنّ العتق هنا حقّ للّه تعالى، لم يجزئ، كإعتاق المنذور عتقه عن الكفّارة. و إن قلنا: إنّه حقّ للبائع، فكذلك إن لم يسقط حقّه، و إن أسقطه، جاز، لسقوط وجوب العتق حينئذ.

و للشافعيّة على هذا التقدير وجهان، هذا أحدهما. و الثاني: المنع، لأنّ البيع بشرط العتق لا يخلو عن محاباة، فكأنّه أخذ عن العتق عوضا(2).

ز - يجوز للمشتري الاستخدام، لعدم خروجه عن ملكه إلاّ بالعتق و لم يحصل بعد.

و يجوز أيضا الوطء، فإن حملت، صارت أمّ ولد، فإن أعتقها، صحّ عندنا، لعدم خروجها بالاستيلاد عن ملكه، و هو أصحّ قولي الشافعيّة(3).5.

ص: 268


1- العزيز شرح الوجيز 112:4، روضة الطالبين 70:3، المجموع 365:9.
2- العزيز شرح الوجيز 112:4.
3- انظر: العزيز شرح الوجيز 112:4، و روضة الطالبين 70:3، و المجموع 9: 365.

و قال بعضهم: ليس له عتقها، لأنّ عتقها قد استحقّ بالإحبال فقد تعذّر عليه عتقها(1).

ح - لو استخدم أو أحبل و لم يعتق، فإن أجبرناه على العتق،

لم يضمن شيئا. و إن خيّرنا البائع بين الفسخ و الإمضاء، فكذلك، لأنّ النماء المتجدّد في زمان خيار البائع للمشتري، سواء فسخ البائع بعد ذلك أو لا.

و الأقرب: أنّ الإحبال كالإتلاف.

و لو اكتسب العبد قبل عتقه، فهو للمشتري أيضا.

ط - لو قتل هذا العبد قبل عتقه، كانت القيمة للمشتري،

و يقوّم عبدا مشروط العتق، و لا يكلّف صرف القيمة إلى عبد آخر ليعتقه، لتعلّق الشرط بالعين و قد تلفت.

ي - لو قتله المشتري أو مات أو تلف سواء كان بتفريطه أو لا،

لم يجب شراء غيره، لكن يرجع البائع بما يقتضيه شرط العتق، فيقال: كم قيمته لو بيع مطلقا و بشرط العتق ؟ فيرجع البائع بالنسبة من الثمن، فإذا قيل:

إنّه يساوي مائة بغير شرط و تسعين بشرط العتق، زيد على الثمن تسعه.

و له الفسخ، لعدم الوفاء بالشرط، فيدفع ما أخذه من الثمن و يرجع بقيمة العبد. و في اعتبارها إشكال.

و للشافعيّة أقوال:

أحدها: أنّه لا يلزم المشتري إلاّ الثمن المسمّى، لأنّه لم يلتزم غيره.

الثاني: أنّ عليه مع ذلك قدر التفاوت، كما قلناه.

الثالث: أنّ البائع بالخيار إن شاء أجاز العقد و لا شيء له، و إن شاء5.

ص: 269


1- انظر: العزيز شرح الوجيز 112:4، و روضة الطالبين 70:3، و المجموع 9: 365.

فسخ و ردّ ما أخذه من الثمن و رجع بقيمة العبد.

الرابع: أنّ العقد ينفسخ، لتعذّر إمضائه، إذ لا سبيل إلى إيجاب شيء على المشتري من غير تفويت و لا التزام، و لا إلى الاكتفاء بالمسمّى، فإنّ البائع لم يرض به إلاّ بشرط العتق.

و هل هذه الوجوه متفرّعة على أنّ العتق للبائع أو مطّردة سواء قلنا:

إنّه للبائع أو للّه تعالى ؟ فيه رأيان، أظهرهما: الثاني(1).

و نحن قد قلنا: إنّه بالخيار بين الفسخ و الإمضاء مع المطالبة بالنقص، و هو جار فيما إذا قلنا: إنّه حقّ للّه تعالى أو للبائع.

يأ - شرط العتق إنّما يتناول السبب المباح، فلو نكل به فانعتق، لم يأت بالشرط،

و كان للبائع الخيار بين الفسخ و الإمضاء، و يكون بمنزلة التالف، و قد تقدّم.

يب - شرط العتق إنّما يتناول العتق مجّانا،

فلو أعتقه المشتري و شرط عليه الخدمة أو شيئا، تخيّر البائع بين فسخ البيع و الإمضاء، فإن فسخ، فالأقرب نفوذ العتق، و يرجع البائع بالقيمة، كالتالف.

و يحتمل فساده، لوقوعه على خلاف ما وجب عليه، و سقوط الشرط خاصّة، فينفذ العتق، و لا خيار للبائع و لا شيء له.

يج - لو باعه المشتري أو وقفه أو كاتبه، تخيّر البائع بين فسخ البيع و الإمضاء،

فإن فسخ البيع، بطلت هذه العقود، لوقوعها في غير ملك تامّ.

و يخالف هنا العتق بشرط، لأنّ العتق مبنيّ على التغليب و السراية، فلا سبيل إلى فسخه مع القول بصحّته.

و هل له إمضاء البيع مع طلب فسخ ما فعله المشتري ؟ فيه احتمال.6.

ص: 270


1- العزيز شرح الوجيز 112:4-113، روضة الطالبين 70:3، المجموع 365:9-366.

يد - لو باعه من غيره و شرط عليه العتق، احتمل الصحّة،

لوقوع غرض البائع به، و كما لو أعتقه بوكيله. و البطلان، لأنّ شرط العتق مستحقّ عليه، فليس له نقله إلى غيره.

و للشافعيّة(1) كالوجهين.

يه - لو قلنا بثبوت الولاء للمشتري، لم يصح اشتراطه للبائع،

لمنافاته النصّ.

و في صحّة البيع مع بطلانه خلاف كما تقدّم من صحّة البيع مع بطلان الشرط.

و للشافعي قولان فيما لو شرط مع العتق كون الولاء للبائع: بطلان العقد، لأنّ شرط الولاء مغيّر لمقتضى العقد، لتضمّنه نقل الملك إلى البائع و ارتفاع العقد. و الصحّة، لحديث بريرة، فإنّ عائشة أخبرت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أنّ مواليها لا يبيعونها إلاّ بشرط أن يكون الولاء لهم، فقال عليه السّلام: «اشتري و اشترطي لهم الولاء»(2) أذن في الشراء بهذا الشرط، و هو لا يأذن في باطل(3).

و نحن نمنع الرواية، و لهذا لم يثبت القائلون بالفساد الإذن في شرط الولاء، لأنّ هشاما تفرّد به، و لم يتابعه سائر الرواة عليه(4).

و على تقدير صحّة البيع ففي صحّة الشرط للشافعيّة وجهان:

العدم، لأنّه عليه السّلام خطب بعد ذلك و قال: «ما بال أقوام يشترطون4.

ص: 271


1- حلية العلماء 128:4-129، روضة الطالبين 71:3، المجموع 365:9.
2- صحيح البخاري 199:3، صحيح مسلم 1142:2-1143، 8 نحوه.
3- حلية العلماء 128:4، التهذيب - للبغوي - 516:3-517، العزيز شرح الوجيز 113:4، روضة الطالبين 71:3، المجموع 366:9.
4- كما في التهذيب - للبغوي - 517:3، و العزيز شرح الوجيز 114:4.

شروطا ليست في كتاب اللّه تعالى، كلّ شرط ليس في كتاب اللّه تعالى فهو باطل، شرط اللّه أوثق، و قضاء اللّه أحقّ، و الولاء لمن أعتق»(1).

و الصحّة، لأنّه أذن في اشتراط الولاء و لا يأذن في باطل. لكنّ المشهور بينهم فساد العقد(2).

يو - لو جرى البيع بشرط الولاء دون شرط العتق

بأن قال: بعتكه بشرط أن يكون الولاء لي إن أعتقته يوما من الدهر، بطل العقد - و به قال الشافعي(3) - لأنّه لم يشترط العتق حتى يحصل الولاء تبعا له.

يز - لو اشترى من يعتق عليه بشرط الإعتاق، لم يصحّ العقد،

لتعذّر الوفاء بهذا الشرط، فإنّه يعتق عليه قبل أن يعتقه.

يح - لو باعه عبدا بشرط أن يعتقه بعد شهر أو سنة، صحّ عند علمائنا،

و لزمه الشرط.

و للشافعيّة وجهان، هذا أحدهما. و الثاني: أنّ العقد باطل، و هو أصحّهما عندهم(4).

و على قولنا لو مضى الشهر و لم يعتقه، تخيّر البائع بين الفسخ و الإمضاء، فيلزمه بالإعتاق كلّ وقت، و له الترك مطلقا، فيرجع بالنقصان الحاصل بسبب عدم المشروط.

يط - لو لم يختر البائع شيئا فبادر المشتري قبل تخيّره إلى العتق،9.

ص: 272


1- صحيح مسلم 1142:2-1143، 8.
2- حلية العلماء 128:4، العزيز شرح الوجيز 113:4-114، روضة الطالبين 3: 71، المجموع 366:9.
3- العزيز شرح الوجيز 114:4، روضة الطالبين 71:3، المجموع 366:9.
4- حلية العلماء 128:4، العزيز شرح الوجيز 113:4، روضة الطالبين 70:3، المجموع 366:9.

فإن قصد في الشرط الإعتاق حين خروج الأجل، احتمل تخيّره بين الفسخ فيطالب بالعوض، كالتالف. و الإمضاء إمّا مع الأرش أو بدونه على ما تقدّم.

و إن قصد تحصيل العتق بعد الأجل مطلقا، فلا خيار له، لحصول مقصوده.

ك - لو باعه عبدا بشرط أن يدبّره، صحّ عندنا،

لقبول البيع الشرائط السائغة، خلافا للشافعي(1) ، و قد سبق.

فإن فعل المشتري ما شرط عليه، فقد بريء و إلاّ تخيّر البائع بين الفسخ و الإمضاء بالتفاوت على ما تقدّم في العتق.

إذا تقرّر هذا، فإذا دبّره، لم يكن له الرجوع في تدبيره على إشكال ينشأ من الوفاء بما عليه، و قضيّة التدبير جواز الرجوع فيه، و من عدم تحصيل الغرض، إذ الرجوع فيه إبطال له، فينافي صحّة الشرط. و له أن يدبّره مطلقا و مشروطا بأن يقول: إذا متّ في سنتي هذه فأنت حرّ، فإن لم يقع الشرط، وجب عليه استئناف تدبير آخر إن قلنا بعدم الرجوع.

كأ - لو باعه بشرط أن يكاتبه، صحّ عندنا

- خلافا للشافعي(2) على ما تقدّم - لأنّه شرط مرغّب فيه مندوب إليه يؤول إلى العتق، و عقد البيع قابل للشروط، فكان لازما.

ثمّ إن أطلق، تخيّر المشتري في الكتابة بأيّ قدر شاء، و يتخيّر في الكتابة المشروطة و المطلقة، فإن طلب السيّد أزيد من قيمته و امتنع العبد، تخيّر البائع في الفسخ و الإمضاء و إلزام المشتري بالكتابة بقيمة العبد، فإن امتنع العبد، تخيّر البائع، و لا يجب على المشتري الكتابة بدون القيمة.9.

ص: 273


1- العزيز شرح الوجيز 113:4، روضة الطالبين 70:3، المجموع 366:9.
2- التهذيب - للبغوي - 516:3، العزيز شرح الوجيز 113:4، روضة الطالبين 3: 70، المجموع 366:9.

كب - لو باعه دارا بشرط أن يجعلها وقفا، صحّ عندنا،

و هو أحد قولي الشافعي، و في الآخر: لا يصحّ(1).

و بأيّ وجه حصل الوقف حصل الشرط مع إطلاق البائع، فلو جعلها مسجدا أو وقفها على من يصحّ الوقف عليه و لو على ولده و من يلزمه مئونته، صحّ. و لا يكفي الحبس.

كج - لو باعه شيئا بشرط أن يتصدّق به، صحّ عند علمائنا،

لأنّه شرط سائغ بل مستحبّ، و عقد البيع قابل له، فيكون لازما، لعموم قوله عليه السّلام:

«المسلمون عند شروطهم»(2) خلافا للشافعي [1].

و مع الإطلاق تجزئ الصدقة على من شاء المشتري.

كد - لو باعه شيئا بشرط لا يقتضيه العقد و لا ينافيه و لا يتعلّق به غرض يورث تنافسا و تنازعا،

مثل: أن يشرط لا يأكل إلاّ الهريسة، و لا يلبس إلاّ الخزّ، و شبه ذلك، فهذا الشرط لا يقتضي فساد العقد عندنا.

و هل يلغو أو يفيد تخيّر البائع لو أخلّ به بين الفسخ و الإمضاء؟ الأقرب ذلك.

و للشافعيّة قولان، أحدهما: صحة البيع و بطلان الشرط. و الثاني:

الفساد في العقد أيضا حيث إنّه أوجب ما ليس بواجب، و كذا لو باع بشرط أن يصلّي النوافل أو يصوم غير شهر رمضان أو يصلّي الفرائض في أوّل أوقاتها(3).9.

ص: 274


1- حلية العلماء 129:4، العزيز شرح الوجيز 113:4، روضة الطالبين 70:3، المجموع 366:9.
2- صحيح البخاري 120:3، سنن الدار قطني 27:3، 99، المستدرك - للحاكم - 49:2، المصنّف - لابن أبي شيبة - 568:6، 2064.
3- العزيز شرح الوجيز 115:4، روضة الطالبين 72:3، المجموع 364:9.
مسألة 125: قد تقدّم
اشارة

مسألة 125: قد تقدّم(1) أنّ بيع الحمل لا يصحّ،

للنهي عن بيع الملاقيح(2). و لأنّه غير معلوم و لا مقدور، و كما لا يصحّ بيعه منفردا لم يصح منضمّا إلى غيره بأن يقول: بعتك هذه الجارية و حملها، لأنّ جزء المبيع إذا كان مجهولا كان المبيع مجهولا.

نعم، يجوز انضمامه تبعا لا مستقلاّ، كأساسات الحيطان.

فلو باع الأمة الحامل و أطلق، لم يدخل الحمل عندنا، لأنّه ليس جزءا من المسمّى و لا تابعا له عادة.

و قال الشافعي: يدخل الحمل في البيع تبعا لو أطلق(3). و هل يقابله قسط من الثمن ؟ فيه له قولان(4).

و لو باع الحامل و استثنى حملها، كان تأكيدا للإخراج.

و للشافعي قولان في صحّة البيع:

أحدهما: أنّه يصحّ، كما لو باع الشجرة و استثنى الثمرة قبل بدوّ الصلاح.

و أصحّهما عنده: أنّه لا يصحّ، لأنّ الحمل لا يصحّ إفراده بالعقد فلا يجوز استثناؤه، كأعضاء الحيوان(5).

و الملازمة ممنوعة، و ليس العلّة في امتناع الاستثناء انتفاء صحّة إفراده بالبيع.

ص: 275


1- في ص 66 المسألة 38.
2- المعجم الكبير - للطبراني - 230:11، 11581.
3- العزيز شرح الوجيز 116:4، روضة الطالبين 72:3، المجموع 324:9.
4- العزيز شرح الوجيز 116:4.
5- الوسيط 85:3، العزيز شرح الوجيز 116:4، روضة الطالبين 72:3، المجموع 324:9.

و لو باع الحامل و شرط المشتري الحمل، صحّ، لأنّه تابع كأساسات الحيطان و إن لم يصحّ ضمّه في البيع مع الأمّ، للفرق بين الجزء و التابع.

و لو كانت الجارية حاملا و كانت لواحد و الحمل لآخر، لم يكن لمالك الحمل بيعه على مالك الأمّ، و لمالك الامّ بيعها من مالك الحمل و غيره، عندنا، لما بيّنّا من جواز الاستثناء للحمل. و للشافعيّة وجهان(1).

و لو كانت الجارية حاملا بحرّ فباعها مالكها، صحّ.

و للشافعيّة وجهان، هذا أحدهما، و يكون الحمل مستثنى شرعا.

و الثاني: البطلان، لأنّ الحمل لا يدخل في البيع حيث هو حرّ، فكأنّه استثناء(2). و قد بيّنّا جواز الاستثناء.

فروع:

أ - لو باع الجارية بشرط أنّها حامل، صحّ عندنا،

لأنّه شرط يرغب لا يخالف الكتاب و السنّة، فكان لازما.

و للشافعي قولان مبنيّان على أنّ الحمل هل يعلم أم لا؟ إن قال: لا، لم يصحّ شرطه. و إن قال: نعم، صحّ، و هو الأصحّ عنده(3).

و قال بعض الشافعيّة: الخلاف في غير الآدمي، كالدابّة، أمّا الأمة فيصحّ قطعا، لأنّ الحمل فيها عيب، فاشتراط الحمل إعلام بالعيب، فيصير كما لو باعها على أنّها آبقة أو سارقة(4).

ب - لو قال: بعتك هذه الدابّة و حملها، لم يصحّ عندنا،

لما تقدّم(5)

ص: 276


1- العزيز شرح الوجيز 116:4، روضة الطالبين 72:3-73، المجموع 9: 324-325.
2- العزيز شرح الوجيز 116:4، روضة الطالبين 72:3-73، المجموع 9: 324-325.
3- العزيز شرح الوجيز 117:4، روضة الطالبين 73:3، المجموع 323:9.
4- العزيز شرح الوجيز 117:4، روضة الطالبين 73:3، المجموع 323:9.
5- في ص 275.

من أنّ الحمل لا يصحّ جعله مستقلا بالشراء و لا جزءا من المبيع(1).

و للشافعيّة وجهان:

الصحّة، لأنّه داخل في العقد عند الإطلاق، فلا يضرّ التنصيص عليه، كما لو قال: بعتك هذا الجدار و أساسه(2).

و نمنع الصغرى و المقيس عليه أيضا.

و أصحّهما: العدم، لأنّه جعل المجهول مبيعا مع المعلوم، و ما لا يجوز بيعه منفردا لا يجوز بيعه مقصودا مع غيره، بخلاف ما لو باع بشرط أنّها حامل، فإنّه جعل الحامليّة وصفا تابعا(3).

ج - لو قال: بعتك هذه الشاة و ما في ضرعها من اللبن، لم يجز عندنا.

و للشافعيّة وجهان(4) سبقا في الحمل.

و لو قال: بعتك هذه الجبّة و حشوها، صحّ، لأنّه جزء منها و داخل في مسمّاها، فذكره ذكر ما دخل في اللفظ، فلا يضرّ التنصيص عليه، بخلاف الحمل، فإنّه ليس داخلا في مسمّى الشاة و الأمة، و هو أحد وجهي الشافعيّة. و في الآخر: أنّ الخلاف في الشاة مع حملها يجري هنا(5).

و على قولهم بالبطلان ففي بيع الظهارة و البطانة في الجبّة قولا تفريق الصفقة، و في صورة الدابّة يبطل البيع في الجميع.9.

ص: 277


1- في «ق، ك» و الطبعة الحجريّة: البيع. و الصحيح ما أثبتناه.
2- العزيز شرح الوجيز 117:4، روضة الطالبين 73:3، المجموع 323:9.
3- العزيز شرح الوجيز 117:4، روضة الطالبين 73:3، المجموع 323:9.
4- العزيز شرح الوجيز 117:4، روضة الطالبين 73:3، المجموع 323:9، و لم نعثر على الوجهين فيما سبق.
5- التهذيب - للبغوي - 526:3، الوسيط 84:3، العزيز شرح الوجيز 117:4، روضة الطالبين 73:3، المجموع 323:9.

و الفرق: إمكان معرفة قيمة الحشو عند العقد، بخلاف الحمل و اللبن، لأنّه(1) لا يمكن معرفة قيمتهما عند العقد، فيتعذّر تقسيط الثمن(2).

و اعترض بجريان قولي تفريق الصفقة حيث يتعذّر التوزيع، كما لو باع شاة و خنزيرا(3).

د - لو باع حاملا و شرط وضعها في يوم معيّن، لم يصحّ البيع،

لأنّه غير مقدور عليه، و هو قول الشافعي(4).

ه - لو باعه دجاجة ذات بيضة و شرطها، صحّ.

و إن جعلها جزءا من المبيع، لم يصح. و كذا لو جعلها مستقلّة بالبيع.

و بالجملة، فالبحث و الخلاف هنا كما في حمل الجارية و الدابّة.

و - لو باعه شاة بشرط أنّها لبون، فقد سبق(5) جوازه.

و للشافعيّة طريقان:

أحدهما: أنّ الخلاف فيه كالخلاف في البيع بشرط الحمل.

و الثاني: القطع بصحّة البيع.

و الفرق: أنّ شرط الحمل يقتضي وجوده عند العقد و ليس معلوما، و شرط كونها لبونا لا يقتضي وجود اللبن حينئذ، و إنّما يجوز اشتراط صفة فيها، فكان بمثابة شرط معرفة صنعه في العبد حتى لو شرط كون اللبن في الضرع، كان بمثابة شرط الحمل(6).9.

ص: 278


1- في «ق، ك»: «فإنّه» بدل «لأنّه».
2- العزيز شرح الوجيز 117:4، روضة الطالبين 73:3، المجموع 324:9.
3- المعترض هو إمام الحرمين الجويني كما في العزيز شرح الوجيز 117:4.
4- العزيز شرح الوجيز 117:4، روضة الطالبين 73:3، المجموع 324:9.
5- في ص 212، المسألة 107.
6- الوسيط 84:3، العزيز شرح الوجيز 118:4، روضة الطالبين 73:3، المجموع 324:9.

و قال أبو حنيفة: لا يصحّ هذا الشرط. و كذا قال في شرط الحمل(1) ، و قد سبق(2).

ز - لو باع شاة لبونا و استثنى لبنها، صحّ عندنا،

لوجود المقتضي، و هو ورود البيع على محلّ معلوم.

و للشافعيّة وجهان، أصحّهما عندهم: عدم الصحّة، كما لو استثنى الحمل في بيع الجارية(3).

مسألة 126:
هنا شروط وافقنا الشافعي

هنا شروط وافقنا الشافعي(4) على صحّتها في البيع،

مثل أن يبيع بشرط البراءة من العيوب، و بيع الثمرة بشرط القطع. و سيأتي البحث عنهما. و كذا لو شرط ما يقتضيه العقد، و قد سلف(5).

و هنا شروط اخرى له فيها خلاف:

أ - لو باع مكيلا أو موزونا أو مذروعا بشرط أن يكال بمكيال معيّن

أو يوزن بميزان معيّن أو يذرع بذراع معيّن.

فإن كان البيع حالاّ يؤمن معه بقاء المكيال و الميزان و الذراع، صحّ البيع لكن يلغو الشرط، لأنّه إن كان معروفا، رجع إلى المتعارف منه، و إلاّ كان البيع باطلا، للجهالة، و ذلك كما لو قال: بعتك عشر طاسات طعام بهذه الطاسة و هي غير معلومة النسبة إلى المكيال المعتاد، أو: بعتك ملء هذا الجوالق، أو: ملء هذه الآنية.

ص: 279


1- العزيز شرح الوجيز 118:4، و فيه: لا يصحّ البيع بهذا الشرط.
2- في ص 213، المسألة 107.
3- حلية العلماء 125:4، العزيز شرح الوجيز 118:4، روضة الطالبين 73:3، المجموع 325:9.
4- العزيز شرح الوجيز 118:4، روضة الطالبين 73:3-74.
5- في ص 246.

و إن كان البيع مؤجّلا، لم يصحّ الشرط إن كان معلوم النسبة، و صحّ البيع، و إلاّ فلا.

و لا فرق في اشتراط ذلك في المبيع أو الثمن.

ب - لو عيّنا في البيع رجلا يتولّى الكيل أو الوزن(1) ،

احتمل اللزوم، إخلادا إلى ثقته و معرفته و نصحه. و العدم، لقيام غيره مقامه.

و للشافعي وجهان(2).

و الأقوى عندي: اللزوم مع الحلول، أمّا مع الأجل فيحتمل البطلان قويّا، لإمكان عدمه.

ج - لو باع دارا و شرط سكناها، أو دابّة و استثنى ظهرها،

فإن لم يعيّن مدّة، بطل العقد، للجهالة، و ثبوت الغرر. و إن عيّن مدّة، صحّ عندنا، عملا بمقتضى الشرط السالم عن معارضة الكتاب و السنّة، و به قال أحمد(3). و للشافعي قولان(4).

د - لو باعه دارا بشرط أن يقفها عليه و على عقبه و نسله،

فالأولى الصحّة، كما لو شرط وقفها على الغير. و كذا لو باعه دارا(5) بشرط أن يقف عليه دكّانه أو على غيره.ه.

ص: 280


1- في «ك»: و الوزن.
2- العزيز شرح الوجيز 118:4، روضة الطالبين 74:3.
3- المغني 228:4، الشرح الكبير 56:4، العزيز شرح الوجيز 118:4، المجموع 378:9.
4- التهذيب - للبغوي - 517:3، العزيز شرح الوجيز 118:4، روضة الطالبين 3: 74، المجموع 369:9 و 378، و في المغني 228:4، و الشرح الكبير 56:4 نسب القول بعدم الصحّة إلى الشافعي.
5- في «ق، ك»: داره.

و كذا يصحّ لو شرط إعماره إيّاها، لأنّه شرط مرغب فيه يصحّ الابتداء به، فصحّ جعله شرطا في عقد قابل للشروط. فعلى هذا لو أطلق الإعمار، احتمل البطلان، لأنّه كما ينصرف إلى عمر البائع ينصرف إلى عمر المشتري و لا أولويّة.

و لو شرط الإسكان، صحّ و إن كان مطلقا، و له إخراجه متى شاء، للوفاء بمطلق الشرط. و فرق بين أن يشرط له سكناها من غير تعيين مدّة و بين أن يشرط الإسكان، لأنّ الثاني شرطه التقرّب إلى اللّه تعالى، بخلاف الأوّل.

ه - لو باعه بشرط أن لا يسلّم المبيع حتى يستوفي الثمن، فالأقوى الصحّة،

لأنّه كشرطه الرهن.

و قال الشافعي: إن كان الثمن مؤجّلا، بطل العقد. و إن كان حالاّ، يبنى على أنّ البداءة في التسليم بمن ؟ فإن جعل ذلك من قضايا العقد، لم يضرّ ذكره، و إلاّ فسد العقد(1).

و - لو قال لغيره: بع عبدك من زيد بألف على أن عليّ خمسمائة،

فباعه على هذا الشرط، صحّ البيع عندنا، لأنّه شرط سائغ لا يوجب جهالة في المبيع و لا في الثمن، فكان لازما.

و لابن سريج من الشافعيّة قولان:

أظهرهما: أنّه لا يصحّ البيع، لأنّ الثمن يجب جميعه على المشتري، و هاهنا جعل بعضه على غيره.

و الثاني: نعم، و يجب على زيد ألف و على الآمر خمسمائة، كما لو9.

ص: 281


1- التهذيب - للبغوي - 517:3، العزيز شرح الوجيز 119:4، روضة الطالبين 3: 74، المجموع 369:9.

قال: ألق متاعك [في البحر](1) على أن عليّ كذا(2).

و الوجه: أن نقول: إن قصد الآمر الضمان من الثمن، كان ضمانا متبرّعا به صحيحا. و إن قصد الجعالة، لزمه مع الفعل، و على المشتري ألف كاملة.

و كذا لو قال: بعه منه بألف على أنّ الألف عليّ، صحّ، و كان الثمن لازما له بمجرّد الضمان المتبرّع به، و لا يرجع على المشتري، و لا يجب على المشتري للبائع شيء.

ز - لو قال: بعتك هذه الصبرة كلّ صاع بدرهم على أن أزيدك صاعا،

و قصد هبة صاع أو بيعه من موضع آخر، بطل عندنا، للجهل بالصبرة، فلو علما بها(3) ، صحّ البيع عندنا.

و الشافعي لمّا جوّز بيع الصبرة منع البيع هنا على تقدير إرادة الهبة أو بيعه القفيز من موضع آخر، لأنّه شرط عقد(4) في عقد. و إن أراد أنّها إن خرجت عشرة اصع، أخذت تسعة دراهم، فإن كانت الصيعان مجهولة، لم يصح عنده أيضا، لأنّه لا يدري حصّة كلّ صاع. و إن كانت معلومة، صحّ. و إن كانت عشرة، فقد باع كلّ صاع و تسعا بدرهم(5).

و لو قال: بعتك هذه الصبرة كلّ صاع بدرهم على أن أنقصك صاعا،9.

ص: 282


1- ما بين المعقوفين من العزيز شرح الوجيز و روضة الطالبين.
2- العزيز شرح الوجيز 120:4، حلية العلماء 136:4-137، و في روضة الطالبين 75:3 من دون نسبة إلى ابن سريج.
3- في «ق، ك»: علماها.
4- في «ق، ك»: عقدا.
5- الحاوي الكبير 222:5، العزيز شرح الوجيز 119:4، روضة الطالبين 3: 74، المجموع 314:9.

فإن أراد ردّ صاع إليه، فهو فاسد عند الشافعي، لأنّه شرط عقدا في عقد.

و إن أراد أنّها إن خرجت تسعة اصع أخذت عشرة دراهم، فإن كانت الصيعان مجهولة، لم يصح عندنا و عنده. و إن كانت معلومة، صحّ عنده، فإذا كانت تسعة اصع، فيكون كلّ صاع بدرهم و تسع(1).

و بعض الشافعيّة منع من الصحّة مع العلم أيضا، لأنّ العبارة لا تبنى على الحمل [1] المذكور(2).

ح - لو قال: بعتك هذه الدار أو هذه الأرض بكذا، صحّ البيع مع المشاهدة

و إن جهل قدرهما. و كذا لو قال: بعتك نصفها أو ربعها أو غيرهما(3) من الأجزاء المشاعة.

و لو قال: بعتك هذه الأرض كلّ ذراع بدرهم، فإن علما قدر الذّراعان، صحّ البيع، و إلاّ بطل.

و قال أبو حنيفة: يبطل مطلقا و لا في ذراع واحد، بخلاف الصبرة، فإنّه(4) يجوز فيها إطلاق القفيز، و الأرض لا يجوز فيها إطلاق الذراع(5).

و قال الشافعي: يصحّ مع المشاهدة(6).

و لو قال: بعتك من هذه الأرض عشرة أذرع، لم يصحّ، لاختلاف4.

ص: 283


1- العزيز شرح الوجيز 119:4، روضة الطالبين 74:3، المجموع 315:9.
2- العزيز شرح الوجيز 119:4، روضة الطالبين 74:3، المجموع 315:9.
3- في «ق، ك»: غيره.
4- في «ق، ك»: «لأنّه» بدل «فإنّه».
5- حلية العلماء 107:4، العزيز شرح الوجيز 48:4.
6- حلية العلماء 107:4، العزيز شرح الوجيز 48:4، روضة الطالبين 33:3 - 34.

أجزائها، و الجملة غير معلومة، فلا يمكن أن تكون معيّنة و لا مشاعة.

ط - لو باعه شيئا و شرط فيه قدرا معيّنا، فأقسامه أربعة،

لأنّه إمّا أن يكون مختلف الأجزاء أو متّفقها، و على التقديرين فإمّا أن ينقص المقدار عن الشرط أو يزيد:

الأوّل: أن يبيع مختلف الأجزاء - كالأرض و الثوب - و ينقص،

كأن يبيع أرضا معيّنة على أنّها عشرة أذرع أو ثوبا كذلك فنقص ذراعا.

قال علماؤنا: يتخيّر المشتري بين الفسخ و الإمضاء. و به قال أبو حنيفة و الشافعي في أحد القولين(1).

أمّا الصحّة: فلصدور العقد من أهله في محلّه جامعا للشروط فكان صحيحا. و للعموم السالم عن معارضة ما يقتضي البطلان، و نقص الجزء كنقص الصفة.

و أمّا الخيار: فللنقص، و هو عيب.

و القول الآخر للشافعي: البطلان، لأنّ قضيّة قوله: «بعتك هذه الأرض» اختصاص البيع بهذه الأرض و عدم تناوله لغيرها، و قضيّة الشرط أن تدخل الزيادة [1] في البيع، فوقع التضادّ. لكنّ الأظهر عندهم: الأوّل(2) ، كما اخترناه.

إذا تقرّر هذا، فنقول: إذا اختار المشتري البيع، فهل يجيز بجميع الثمن أو بالقسط؟ لعلمائنا قولان.3.

ص: 284


1- الهداية - للمرغيناني - 23:3، العزيز شرح الوجيز 119:4، روضة الطالبين 3: 74-75.
2- العزيز شرح الوجيز 119:4، روضة الطالبين 74:3.

أحدهما: بجميع الثمن - و هو أظهر قولي الشافعي(1) - لأنّ المتناول بالإشارة تلك القطعة لا غير و إن كان الأظهر عنده(2) في الصبرة الإجازة بالقسط، لأنّ صبرة الطعام إذا كانت ناقصة عن الشرط و أجزاؤها متساوية، يكون ما فقده مثل ما وجده، و في الثوب أو القطعة من الأرض لم يكن ما فقده مثل ما وجده. و لأنّه في الصبرة لا يؤدّي تقسيط ذلك إلى جهالة الثمن في التفصيل و إن كان في الجملة مجهولا، و أمّا الثوب أو القطعة فإنّه إذا قسّم الثمن على قيمة ذرعانه و جعل الفائت مثل واحد منها، أدّى إلى أن يكون الثمن حالة العقد مجهولا في الجملة و التفصيل.

لا يقال: أ ليس إذا وجد عيبا و قد حدث عنده عيب، أخذ أرشه، فصار الثمن مجهولا في الجملة و التفصيل ؟ لأنّا نقول: ذلك لا يؤثّر في العقد، لأنّه وقع في الابتداء على الجملة، و صحّ بها، و لهذا لا يسقط منه شيء مع إمكان الردّ، و هنا يكون واقعا في الابتداء على ما ذكرنا.

لا يقال: لم لا قسّمتموه على عدد الذّرعان ؟ لأنّا نقول: ذرعان الثوب تختلف، و لهذا لو باع ذراعا منه و لم يعيّن موضعه، لم يجز.

و الثاني: أنّه يتخيّر بين الفسخ و الإمضاء بحصّته من الثمن، و لا يقسّط بالنسبة إلى الأجزاء، لاختلافها، بل بالنسبة من القيمة حال كمالها و نقصها.9.

ص: 285


1- العزيز شرح الوجيز 119:4، روضة الطالبين 75:3.
2- انظر: العزيز شرح الوجيز 49:4، و روضة الطالبين 34:3، و حلية العلماء 4: 109.

و للشيخ قول: إنّه إذا كان للبائع أرض بجنب تلك الأرض، وجب عليه أن يوفيه منها(1).

و ليس بعيدا من الصواب، لأنّه أقرب إلى المثل من الأرش.

إذا تقرّر هذا، فنقول: لا يسقط خيار المشتري بأن يحطّ البائع من الثمن قدر النقصان.

الثاني: أن يبيعه مختلف الأجزاء - كالأرض و الثوب - فيزيد على المشترط،

مثل: أن يبيعه على أنّها عشرة أذرع فتخرج أحد عشر، فالخيار هنا للبائع بين الفسخ و الإمضاء للجميع بكلّ الثمن، و لا يمكن أن يجعل ذراع منه للبائع، لأنّ ذلك مختلف. و لأنّه يؤدّي إلى الاشتراك و لم يرضيا بذلك.

و يحتمل ثبوت الزيادة للبائع، فيتخيّر المشتري حينئذ، للتعيّب بالشركة.

فإن دفع البائع الجميع، سقط خياره. و يحتمل عدم سقوطه. و الأوّل أقوى، لأنّ زيادة العين هنا كزيادة الصفة، إذ العقد تناول القطعة المعيّنة، فزيادة الذراع زيادة وصف، فيجب على المشتري قبوله، كما لو دفع إليه أجود.

و للشافعي قولان في صحّة البيع و بطلانه(2) ، إذ لا يمكن إجبار البائع على تسليم الزيادة و لا المشتري على أخذ ما سمّاه.

فإن صحّحه، فالمشهور عنده: أنّ للبائع الخيار. فإن أجاز، فالجميع3.

ص: 286


1- النهاية: 420.
2- حلية العلماء 108:4، العزيز شرح الوجيز 119:4، روضة الطالبين 75:3.

للمشتري و لا يطالبه للزيادة بشيء(1).

و اختار بعض الشافعيّة أنّه لا خيار للبائع، و يصحّ البيع في الكلّ بالثمن المسمّى، و ينزّل شرطه منزلة ما لو شرط كون المبيع معيبا فخرج سليما، لا خيار له(2).

فعلى المشهور لو قال المشتري: لا تفسخ فإنّي أقنع بالقدر المشروط و الزيادة لك، فهل يسقط خيار البائع ؟ فيه قولان: السقوط، لزوال الغبن عن البائع. و عدمه، لأنّ ثبوت حقّ المشتري على الشياع يجرّ ضررا(3).

و لو قال: لا تفسخ حتى أزيدك في الثمن لما زاد، لم يكن له ذلك، و لم يسقط به خيار البائع عندنا و عند الشافعي(4) قولا واحدا.

و كذا حكم الثوب و الشياه لو باعها على أنّها عشرون رأسا فنقصت أو زادت.

الثالث: أن يكون متساوي الأجزاء و ينقص،

فالخلاف هنا كما تقدّم في المختلف، لكن بعض من خيّر المشتري بين الأخذ بالجميع أو الفسخ هناك جعل له الخيار هنا بين أخذ الحصّة من الثمن و الفسخ، لما مرّ من الفرق.

الرابع: أن يبيع متساوي الأجزاء و يزيد،

فالخلاف الخلاف في المختلف مع الزيادة، لكن بعض من أبطل البيع أوّلا أو قال بأنّه يأخذ الجميع بالمسمّى خيّر هنا المشتري بين الفسخ و الأخذ للمشترط بالمسمّى، فيردّ الزيادة إلى البائع.3.

ص: 287


1- العزيز شرح الوجيز 119:4، روضة الطالبين 75:3.
2- العزيز شرح الوجيز 119:4، روضة الطالبين 75:3.
3- العزيز شرح الوجيز 119:4-120، روضة الطالبين 75:3.
4- العزيز شرح الوجيز 120:4، روضة الطالبين 75:3.

ي - لو باع شيئا بشرط نفي خيار المجلس و قبله المشتري، جاز عندنا،

و لزم البيع و الشرط، لصحّته، لتضمّنه إسقاط حقّ المشتري من الرجوع فيما وقع صحيحا أو حقّ البائع.

و للشافعيّة طريقان، أظهرهما: أنّ المسألة على قولين:

الصحّة، لقوله عليه السّلام: «المتبايعان بالخيار ما لم يتفرّقا إلاّ بيع الخيار»(1) و أراد البيع الذي نفى عنه الخيار و استثناه من قوله: «بالخيار».

و أصحّهما عندهم: البطلان(2).

فإن صحّ الشرط، صحّ البيع و لزم. و إن أبطلنا الشرط، ففي فساد البيع عندهم وجهان، أصحّهما عندهم: نعم، لأنّه شرط ينافي مقتضى العقد، فأشبه ما إذا قال: بعتك بشرط أن لا أسلّمه(3).

يأ - لو باع الغائب بشرط نفي خيار الرؤية، فالأقوى عندي: الجواز،

كما لو أسقط خياره لو وجده ناقصا عن شرطه.

و للشافعيّة فيه الخلاف الذي سبق في شرط نفي خيار المجلس.

و أكثرهم قطعوا هنا بفساد الشرط و البيع معا، لأنّ المشتري لم ير المبيع و لا عرف حاله، فنفي الخيار فيه يؤكّد الغرر، بخلاف نفي خيار المجلس، لأنّه غير مخلّ بمقصود العقد [1]، و لا يثبت فيه غرر، و إنّما أثبته2.

ص: 288


1- صحيح البخاري 84:3، صحيح مسلم 1163:3، 1531، سنن أبي داود 272:3 - 273، 3454، سنن النسائي 248:7، سنن البيهقي 268:5.
2- الوسيط 100:3، العزيز شرح الوجيز 121:4، روضة الطالبين 103:3 - 104، المجموع 178:9-179.
3- العزيز شرح الوجيز 121:4-122.

الشرع على سبيل الإرفاق بالمتعاقدين، فجاز أن يكون نفيه غير قادح(1).

يب - لو قال لعبده: إذا بعتك فأنت حرّ، لم يصح،

لبطلان العتق المعلّق عندنا. و يجوز عند الجمهور.

نعم، يجوز عندنا تعليق نذر العتق كأن يقول: للّه عليّ أن أعتقك إذا بعتك.

فعلى ما اختاره الجمهور في الصورة الاولى لو باعه بشرط نفي الخيار، قالت الشافعيّة: إن قلنا: البيع باطل، أو قلنا: الشرط صحيح، لم يعتق.

أمّا على التقدير الأوّل: فلأنّ اسم البيع يقع على الصحيح و لم يوجد.

و أمّا على الثاني: فلأنّ ملكه قد زال و العقد قد لزم، و لا سبيل له إلى إعتاق ملك الغير.

و إن قلنا: العقد صحيح و الشرط باطل، عتق، لبقاء الخيار، و نفوذ العتق من البائع في زمان الخيار(2).

و قال أبو حنيفة و مالك: لا يعتق إلاّ أن يبيع بشرط الخيار، لأنّ خيار المجلس غير ثابت عندهما(3).

و على الصورة التي تجوز عندنا - و هو النذر - لو باعه بشرط نفي الخيار، لم يصح البيع، لصحّة النذر، فيجب الوفاء به، و لا يتمّ برفع الخيار.4.

ص: 289


1- العزيز شرح الوجيز 122:4، روضة الطالبين 104:3، المجموع 179:9.
2- حلية العلماء 19:4، العزيز شرح الوجيز 122:4، روضة الطالبين 104:3، المجموع 179:9.
3- العزيز شرح الوجيز 122:4.

و على قول بعض علمائنا - من صحّة البيع مع بطلان الشروط - يلغو الشرط، و يصحّ البيع و يعتق.

يج - يجوز أن يجمع بين شيئين مختلفين فما زاد في عقد واحد،

كبيع و سلف و إجازة أو بيع و نكاح و إجارة، أو إجارة و بيع و كتابة و نكاح، و يقسّط العوض على قيمة المبيع و إجارة المثل و مهر المثل من غير حصر لمهر المثل على إشكال.

و لو كان أحد الأعواض مؤجّلا، قسّط المسمّى عليه كذلك، فلو باعه عبدا يساوي عشرة حالاّ و عشرين مؤجّلا إلى سنة مثلا، و آجره داره مدّة سنة بعشرين و ثمن المبيع مؤجّل سنة و العوض عشرون، قسّط بينهما بالسويّة.

خاتمة تتعلّق بحكم البيع الفاسد:
اشارة

البيع الفاسد لا يفيد ملكيّة المشتري للمعقود عليه، سواء فسد من أصله أو باقتران شرط فاسد أو بسبب آخر. و لو قبضه، لم يملكه بالقبض.

و لو تصرّف فيه، لم ينفذ تصرّفه فيه، عند علمائنا أجمع - و به قال مالك و الشافعي و أحمد(1) - لقوله تعالى لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ (2).

و قول الصادق عليه السّلام في الرجل يشتري الجارية من السوق فيولدها ثمّ يجيء مستحقّ الجارية، فقال: «يأخذ الجارية المستحقّ، و يدفع إليه المبتاع

ص: 290


1- المغني 310:4، الشرح الكبير 63:4، الوجيز 139:1، العزيز شرح الوجيز 122:4، التهذيب - للبغوي - 518:3، روضة الطالبين 76:3، المجموع 9: 377.
2- البقرة: 188.

قيمة الولد، و يرجع على من باعه بثمن الجارية و قيمة الولد، التي(1) أخذت منه»(2).

و قال أبو حنيفة: إن اشترى بما لا قيمة له - كالدم و الميتة - فالحكم كما قلناه.

و إن اشتراه بشرط فاسد أو بما له قيمة في الجملة - كالخمر و الخنزير - ثمّ قبض المبيع بإذن البائع، ملكه، و نفذ تصرّفه فيه، لكن للبائع أن يستردّه بجميع زوائده المتّصلة و المنفصلة.

و لو تلف في يده أو زال ملكه عنه ببيع أو هبة أو إعتاق، و بالجملة كلّ تصرّف يمنع من الرجوع، فعليه قيمته إلاّ أن يشتري عبدا بشرط العتق، فإنّه قال: يفسد العقد، و إذا تلف في يده، فعليه الثمن.

و يكره للمشتري التصرّف فيها، فإن وطئها، ردّها و مهرها. فإن قال:

بعتكها و لم يذكر العوض، ملكها بالقبض. و لو قال: بعتكها بغير عوض، لم يملك بالقبض.

و استدلّ بحديث بريرة، فإنّ عائشة اشترتها و اشترطت لمواليها الولاء فقبضتها و أعتقتها، فأجاز النبيّ صلّى اللّه عليه و آله العتق(3) ، و هذا العقد(4) فاسد.

و لأنّ المشتري على صفة يملك المبيع ابتداء العقد و قد حصل عليه ضمان بدله من عقد فيه تسليط، فوجب أن يملكه، كما لو كان العقدد.

ص: 291


1- في «ق، ك» و الطبعة الحجريّة و الاستبصار: «الذي» بدل «التي» و ما أثبتناه من التهذيب.
2- التهذيب 82:7، 353، الاستبصار 84:3، 285.
3- صحيح البخاري 200:3، صحيح مسلم 1142:2-1143، 8، سنن البيهقي 336:10-337، شرح معاني الآثار 45:4.
4- في «ق، ك»: و هذا عقد.

صحيحا(1).

و حديث بريرة ممنوع، سلّمناه، لكن يحتمل أنّ الشرط وقع قبل العقد أو بعد تمامه، و البيع الصحيح لا يملك فيه بالقبض، و يملك عليه فيه المسمّى، بخلاف المتنازع، و مع الفرق يبطل القياس.

ثمّ نعارضه بأنّه مبيع مستردّ بزوائده المتّصلة و المنفصلة، فلا يثبت الملك فيه للمشتري، كما لو اشترى بدم أو ميتة عنده.

مسألة 127: إذا اشترى شراء فاسدا، وجب عليه ردّه على مالكه،

لعدم خروجه عنه بالبيع، و عليه مئونة الردّ، كالمغصوب، لوجوب ما لا يتمّ الواجب إلاّ به.

و ليس للمشتري حبسه لاسترداد الثمن، و هو أحد قولي الشافعي.

و في الآخر: له ذلك، و به قال أبو حنيفة(2).

و لا يتقدّم به على الغرماء، و هو أحد قولي الشافعي. و في الآخر:

يتقدّم، و به قال أبو حنيفة(3).

و يجب عليه أيضا أجرة المثل للمدّة التي كانت في يده، سواء استوفى المنفعة أو تلفت تحت يده، لأنّ يده ثبتت عليه بغير حقّ، فهو كالمغصوب.

و لو زادت العين في يد المشتري زيادة منفصلة كالولد و الثمرة، أو متّصلة كالسمن و تعلّم الصنعة، وجب عليه ردّ الزيادة أيضا، لأنّها نماء ملك البائع، فيتبع الملك، فإن تلفت الزيادة، ضمنها المشتري، و هو أحد وجهي

ص: 292


1- التهذيب - للبغوي - 518:3، الحاوي الكبير 316:5، العزيز شرح الوجيز 4: 122، المجموع 377:9، المغني 310:4، الشرح الكبير 63:4، و ليس فيها بعض الفروع المذكورة في المتن.
2- العزيز شرح الوجيز 123:4، روضة الطالبين 76:3، المجموع 369:9.
3- العزيز شرح الوجيز 123:4، روضة الطالبين 76:3، المجموع 369:9.

الشافعيّة. و في الآخر: لا يضمنها المشتري عند التلف(1).

و إن نقصت، وجب عليه ردّ أرش النقصان، لأنّ الجملة مضمونة عليه حيث قبضها بغير حقّ. و لأنّه قبضها على سبيل المعاوضة، فأشبهت المقبوض على وجه السوم.

و إن تلف جميعها، وجب عليه قيمتها يوم التلف، كالعارية. و يحتمل يوم القبض. و يحتمل أكثر القيم من حين القبض إلى حين التلف، كالمغصوب، فإنّه في كلّ آن مخاطب من جهة الشرع بالردّ.

هذا إذا(2) لم يكن مثليّا، و إن كان مثليّا، وجب ردّ مثله، لأنّه أقرب إلى العين من القيمة، و لا يضمن تفاوت السعر، كما لو كانت العين باقية و دفعها، لم يضمن تفاوت السوق.

و للشافعي(3) هذه الأقوال الثلاثة.

و لو أنفق على العبد أو الدابّة مدّة مقامه في يده، لم يرجع على البائع إن كان عالما بفساد البيع، لأنّه يكون كالمتبرّع بالإنفاق على مال الغير. و إن كان جاهلا، رجع، لأنّ الغارّ هو البائع.

و للشافعي(4) في الجاهل وجهان هذا أحدهما.

مسألة 128: لو كان المبيع بالبيع الفاسد جارية، لم يجز للمشتري وطؤها،
اشارة

و به قال أبو حنيفة و الشافعي و إن ذهب أبو حنيفة إلى الملك(5) بما

ص: 293


1- التهذيب - للبغوي - 518:3، العزيز شرح الوجيز 123:4، روضة الطالبين 3: 76، المجموع 370:9.
2- في «ق، ك»: «إن» بدل «إذا».
3- العزيز شرح الوجيز 123:4، روضة الطالبين 76:3، المجموع 370:9.
4- العزيز شرح الوجيز 123:4، روضة الطالبين 76:3، المجموع 370:9.
5- الحاوي الكبير 317:5، العزيز شرح الوجيز 123:4، روضة الطالبين 77:3، المجموع 370:9 و 371.

تقدّم من الشروط.

فإن وطئها عالما بالتحريم، وجب عليه الحدّ مطلقا عندنا، لأنّه وطئ ملك الغير بغير إذنه مع علمه بالتحريم و انتفاء الشبهة عنه، إذ التقدير العلم بالتحريم، فكان زانيا يجب عليه الحدّ.

و للشافعي أقوال:

أحدها: ثبوت الحدّ إن اشتراها بميتة أو دم، و سقوطه إن اشتراها بما له قيمة، كالخمر، و الخنزير أو بشرط فاسد، لاختلاف العلماء، كالوطي في النكاح بلا وليّ.

و الثاني: وجوب الحدّ مطلقا، لأنّ أبا حنيفة لم يبح الوطء و إن كان يثبت الملك، بخلاف الوطء في النكاح بلا وليّ.

و الثالث: سقوط الحدّ مطلقا، لأنّه يعتقد أنّها ملكه. و لأنّ في الملك اختلافا(1).

و ليس بمعتمد.

و يجب المهر، سواء سقط الحدّ أو لا، و لا يسقط بالإذن الذي يتضمّنه التمليك الفاسد.

و قال الشافعي: إذا لم يجب الحدّ يجب المهر(2) ، لأنّ الحدّ إذا سقط للشبهة لم يسقط المهر.

و هل يشترط في وجوبه عدم علمها(3) بالتحريم ؟ الأقرب عندي:».

ص: 294


1- انظر: التهذيب - للبغوي - 518:3، و العزيز شرح الوجيز 123:4، و روضة الطالبين 76:3 و 77، و المجموع 370:9 و 371.
2- الحاوي الكبير 317:5-318، التهذيب - للبغوي - 518:3، العزيز شرح الوجيز 123:4، روضة الطالبين 77:3، المجموع 371:9.
3- في «ق، ك» بدل «عدم علمها»: «جهلها».

العدم، لأنّها ملك الغير، فلا عبرة بالعلم في طرفها، بخلاف الحرّة حيث سقط مهرها مع علمها بالتحريم، لأنّ الجارية هنا مال، فالتصرّف فيها بالوطي تصرّف في مال الغير بغير إذنه، فكان عليه عوضه.

و يحتمل السقوط، لنهيه عليه السّلام عن مهر البغيّ(1).

ثمّ إذا وجب المهر، لا يخلو إمّا أن تكون ثيّبا أو بكرا، فإن كانت ثيّبا، وجب مهر مثلها. و إن كانت بكرا، وجب مع المهر أرش البكارة. أمّا مهر البكر: فللاستمتاع بها. و أمّا أرش البكارة: فلإتلاف ذلك الجزء.

لا يقال: كيف يجب المهر مع أنّ السيّد أذن في الوطء، و معلوم أنّ السيّد لو أذن في وطئ أمته، لم يجب المهر، فكيف يجب مع مهر البكر أرش البكارة!؟ مع أنّ الرجل إذا نكح نكاحا فاسدا حرّة و أزال بكارتها أنّه لا يضمن البكارة.

لأنّا نقول: أمّا الإذن فيمنع حصوله من السيّد، و إنّما ملّكه الجارية، و التمليك إذا كان صحيحا، تضمّن إباحة الوطء. و إذا كان فاسدا، لم يبحه، فلم يسقط بذلك ضمانه.

و النكاح تضمّن في الحرّة الإذن في الوطء، لأنّه معقود على الوطء، و الوطء يتضمّن إتلاف البكارة. و ليس كذلك البيع، فإنّه ليس بمعقود على الوطء، و لهذا يجوز شراء من لا يحلّ وطؤها و لا يصحّ نكاحها. و لأنّها سلّمت نفسها في النكاح لا على وجه الضمان لبدنها، و هنا البيع يقتضي ضمان البدن، فافترقا.

لا يقال: إذا أوجبتم مهر البكر، فكيف توجبون ضمان البكارة و قد2.

ص: 295


1- سنن أبي داود 267:3، 3428، سنن الترمذي 439:3، 1133، و 575، 1276، و 402:4، 2071، سنن النسائي 189:7 و 309، المستدرك - للحاكم - 33:2.

دخل ضمانها في المهر!؟ لأنّا نقول: إتلاف البكارة إتلاف جزء من البدن، و المهر ضمان المنفعة، فلا يدخل أحدهما في الآخر.

لا يقال: إذا ضمن البكارة، ينبغي أن يجب مهر ثيّب، لأنّه قد ضمن البكارة، و يجري مجرى من أزال بكارتها بإصبعه ثمّ وطئها.

لأنّا نقول: إذا وطئها بكرا، فقد استوفى منفعة هذا الجزء، فوجب عليه قيمة ما استوفى من المنفعة، فإذا أتلفه، وجب ضمان عيبه.

و يحتمل أنّ عليه عشر قيمتها إن كانت بكرا، و نصف العشر إن كانت ثيّبا، لما روي عن الصادق عليه السّلام في رجل تزوّج امرأة حرّة فوجدها أمّة، إلى أن قال: «و إن كان زوّجها وليّ لها، رجع على وليّها بما أخذته، و لمواليها عليه إن كانت بكرا عشر قيمتها [و إن كانت غير بكر فنصف عشر قيمتها](1) بما استحلّ من فرجها»(2).

فروع:
أ - لو حملت هذه الجارية من المشتري، لحق به الولد،

لأنّه وطئها بشبهة، فيكون حرّا، لأنّ الشبهة من جهة الملك، و لا يمسّه الرقّ، و لا يثبت عليه ولاء، بل هو حرّ الأصل. و يجب على الواطئ قيمته للبائع، لأنّه نماء ملكه و قد حال بينه و بينه بالحرّيّة، فكان عليه قيمته.

و لقول الصادق عليه السّلام في رجل اشترى جارية فأولدها فوجدت

ص: 296


1- ما بين المعقوفين من المصادر.
2- الكافي 404:5-405، 1، التهذيب 349:7، 1426، الاستبصار 216:3 - 217، 787 بتفاوت في بعض الألفاظ.

الجارية مسروقة، قال: «يأخذ الجارية صاحبها، و يأخذ الرجل ولده بقيمته»(1).

ب - لو نقصت بالولادة، وجب عليه مع قيمته الولد أرش نقصان الولادة،

و لا يجبر الولد النقصان، و به قال الشافعي(2).

و قال أبو حنيفة: يجبر الولد النقصان(3).

و سيأتي بطلانه في باب الغصب إن شاء اللّه تعالى.

ج - تعتبر قيمة الولد يوم سقوطه حيّا، لأنّه وقت الحيلولة بينه و بين صاحبه.

و لو سقط ميّتا، فلا شيء، لأنّه لا قيمة له حينئذ، و لا يقوّم قبل سقوطه، لأنّه لا قيمة له حينئذ، فإذا لم يكن له قيمة حين سقط، لم يضمن و هو قبل ذلك لا قيمة له.

لا يقال: لو ضربه أجنبيّ فسقط ميّتا، وجب عليه الضمان، و كان للسيّد من ديته أقلّ الأمرين من دية الجنين و من قيمته حين(4) سقط.

لأنّا نقول: الواطئ يضمنه بالحيلولة بينه و بين سيّده، و وقت الحيلولة حين السقوط و كان ميّتا، فلم يجب ضمانه. و ضمان الضارب قائم مقام خروجه حيّا، فلهذا ضمنه للبائع، و إنّما ضمن الأقلّ، لأنّ دية الجنين إن كانت أقلّ، لم يضمن أكثر من ذلك، لأنّه بسبب ذلك ضمن. و إن كانت القيمة أقلّ، كان الباقي لورثته، و يطالب به المالك من شاء من الجاني و المشتري.

ص: 297


1- الكافي 215:5، 10، التهذيب 65:7، 280، الاستبصار 84:3، 286.
2- التهذيب - للبغوي - 519:3، العزيز شرح الوجيز 124:4، روضة الطالبين 3: 77، المجموع 372:9.
3- بدائع الصنائع 302:5، المبسوط - للسرخسي - 22:13.
4- في الطبعة الحجريّة: «يوم» بدل «حين».

و قال أبو حنيفة: يعتبر قيمة الولد يوم المحاكمة(1).

د - قيمة الولد تستقرّ هنا على المشتري، أمّا لو اشترى جارية و استولدها فخرجت مستحقّة،

يغرم قيمة الولد، و يرجع على البائع، لأنّه غرّه إن كان جاهلا بالحال. و إن علم عدم استحقاق البائع لها، لم يرجع، لعدم المقتضي للرجوع.

ه - لو سلّم الجارية المبيعة إلى البائع حاملا فولدت في يد البائع،

ضمن المشتري ما نقص بالولادة. و لو ماتت من ذلك، ضمن القيمة، لثبوت السبب في يده، فكان كوجود المسبّب عنده. و كذا لو أحبل أمة غيره بشبهة فماتت في الطلق.

أمّا لو أكره امرأة حرّة على الزنا فحملت ثمّ ماتت في الطلق، احتمل الضمان أيضا، لأنّه سبّب في الإتلاف. و عدمه.

و للشافعي قولان(2).

فعلى الثاني الفرق: أنّ الولد لم يلحق بالزاني فلم يثبت تكوّنه منه، و هنا قد ثبت كونه منه.

و لأنّ ضمان المملوك أوسع من ضمان الحرّ، لأنّه يضمن باليد و بالجناية، فجاز أن يضمن المملوكة بذلك دون الحرّة.

و - هذه الأمة لو حبلت لم تكن

و - هذه الأمة لو حبلت لم تكن(3) في الحال أمّ ولد،

إذ هي ملك الغير في نفس الأمر.

ص: 298


1- الحاوي الكبير 318:5، حلية العلماء 135:4.
2- التهذيب - للبغوي - 519:3، العزيز شرح الوجيز 491:4، المجموع 9: 372.
3- في «ق، ك»: لم تك.

فإن ملكها المشتري بعد ذلك في وقت ما من الدهر، قال الشيخ:

تصير أمّ ولد(1) ، بناء منه على أنّ من أولد من جارية غيره ولدا حرّا ثمّ ملكها فإنّها تصير أمّ ولد، لأنّها علقت منه بحرّ، فأشبه مملوكته.

و المعتمد خلافه، لرواية ابن مارد(2). و لأنّها حملت منه في ملك غيره، فأشبهت الأمّة المزوّجة.

و للشافعي قولان(3).

و لو علقت بمملوك، لم تصر أمّ ولد إلاّ في مسألة واحدة، و هي المكاتب إذا وطئ أمته، فإذا ملكها بعد ذلك، فالاحتمالان.

و للشافعي القولان(4) أيضا.

مسألة 129: لو باع المشتري فاسدا 1 ما اشتراه، لم يصحّ،
اشارة

لأنّه لم يملكها [2] بالشراء الأوّل، و يجب على المشتري الثاني ردّها على البائع الأوّل، فإن تلفت في يد المشتري الثاني، كان للمالك أن يطالب بقيمتها من شاء منهما، لأنّ الأوّل ضامن، و الثاني قبضها من يد ضامنة بغير إذن صاحبها، فكان ضامنا. و لأنّه دخل فيها على وجه الضمان كالمشتري الأوّل.

و متى تعتبر القيمة ؟ لعلمائنا قولان:

ص: 299


1- المبسوط - للطوسي - 150:2، و 186:6.
2- التهذيب 482:7-483، 1940.
3- العزيز شرح الوجيز 124:4، روضة الطالبين 77:3، المجموع 371:9.
4- المهذّب - للشيرازي - 20:2، التهذيب - للبغوي - 519:3، حلية العلماء 6: 244، روضة الطالبين 553:8.

أحدهما: حين التلف، و هو الأقوى، لأنّه قبضها بإذن مالكها فلم يضمن إلاّ يوم التلف، كالعارية. و لأنّه في كلّ حال مخاطب بردّ العين لا غير، و القيمة إنّما تعلّقت بذمّته يوم التلف. و لو كانت العين موجودة، لم يضمن تفاوت القيمة السوقيّة.

و الثاني: أنّه يضمنها بالأكثر من قيمتها من حين القبض إلى حين التلف، لأنّه في كلّ حال مأمور بردّها، فإذا لم يفعل، وجب عليه قيمتها في تلك الحال، كالمغصوب، و نمنع وجوب القيمة إذا لم يفعل بل إذا تلفت، و التقدير بقاؤها.

إذا ثبت هذا، فالحال لا يخلو إمّا أن تكون قيمته في يد الأوّل و الثاني على السواء أولا.

فإن كان الأوّل، رجع بالقيمة على من شاء كما قلناه، لكن يستقرّ الضمان على الثاني. فإذا رجع المالك عليه، لم يرجع الثاني على الأوّل بشيء، لاستقرار التلف في يده.

و إن كان الثاني، فلا يخلو إمّا أن تكون الزيادة في يد الأوّل بأن كانت تساوي في يده مائتين ثمّ صارت تساوي مائة ثمّ باعها، فإن رجع على الأوّل، رجع بمائتين، و رجع الأوّل على الثاني بمائة. و إن رجع على الثاني، رجع بمائة و يرجع على الأوّل بالمائة الأخرى، و لا يرجع الأوّل على الثاني بشيء. و إمّا أن تكون الزيادة في يد الثاني، فإن رجع على الأوّل، رجع عليه بالمائة لا غير، و يرجع علي الثاني بالمائة الزائدة، لحصولها في يده و تلفها في يده، و يرجع الأوّل على الثاني بالمائة الأصليّة التي أخذها المالك منه. و إن رجع على الثاني، رجع عليه بالمائتين، و لا يرجع على الأوّل بشيء.

ص: 300

هذا إذا قلنا بأنّه يرجع بأكثر القيم، و إن قلنا: يرجع بالقيمة يوم التلف لا غير، فإن كانت قيمته حينئذ أقلّ من قيمتها مع الأوّل، رجع بها خاصّة، و إن كانت أكثر، رجع بها على الثاني، و لا يرجع الثاني على الأوّل بشيء.

هذا كلّه فيما إذا كانت العين من ذوات القيم، و إن كانت من ذوات الأمثال، رجع بالمثل على من شاء، و يكون الحكم ما تقدّم. فإن تعذّر المثل، رجع بالقيمة حين الإعواز. و لو كان المشتري الثاني قد دفع إلى الأوّل الثمن، رجع به عليه.

تنبيه: إذا كان البيع فاسدا و تقابضا الثمن و المثمن و أتلف البائع الثمن،

لم يكن للمشتري إمساك العبد عليه، بل يجب ردّه على البائع، و يكون المشتري من جملة الغرماء، لأنّه لم يقبضه وثيقة، و إنّما قبضه على أنّه يملكه، فإذا بان بخلاف ذلك(1) ، وجب ردّه، و به قال بعض الشافعيّة(2).

و قال أبو حنيفة: للمشتري إمساك العبد و يكون أحقّ به من بين سائر الغرماء، فيستوفي منه الثمن(3).

مسألة 130: لو فسد العقد بشرط فاسد ثمّ حذفا الشرط،

لم ينقلب العقد صحيحا، سواء كان الحذف في المجلس أو بعده - و به قال الشافعي في أحد القولين(4) - لأنّه وقع باطلا، و لا موجب لتصحيحه، و الأصل بقاء ما كان على ما كان. و لأنّ العقد الفاسد لا عبرة به، فلا يكون لمجلسه

ص: 301


1- في «ق، ك»: «بخلافه» بدل «بخلاف ذلك».
2- حلية العلماء 136:4، المغني 312:4، الشرح الكبير 65:4، و فيها نسبة القول إلى الشافعي.
3- حلية العلماء 136:4، المغني 312:4، الشرح الكبير 65:4.
4- العزيز شرح الوجيز 124:4، روضة الطالبين 77:3، المجموع 375:9.

حكم، بخلاف الصحيح.

و قال أبو حنيفة: إن كان الحذف في المجلس، انقلب صحيحا. و هو القول الآخر للشافعي(1).

مسألة 131: لو زاد في الثمن أو المثمن أو زاد شرط الخيار أو الأجل أو قدرهما،

فإن كان بعد لزوم العقد، لم يلحق بالعقد، لأنّ زيادة الثمن لو التحقت بالعقد، لوجب على الشفيع كلّ ذلك، و التالي باطل إجماعا. و كذا الحكم في رأس مال السّلم و المسلم فيه و الصداق و غيرها. و كذا لو نقص في مدّة الخيار من الثمن و غيره، لا يلتحق بالعقد حتى يأخذ الشفيع بما سمّي في العقد لا بما بقي بعد الحطّ، و به قال الشافعي(2).

و قال أبو حنيفة: الزيادة في المثمن و الصداق و رأس المال في السّلم تلزم، و كذا في الثمن إن كان باقيا. و إن كان تالفا، فله مع أصحابه اختلاف فيه، و لا يثبت في المسلم فيه على المشهور. و شرط الأجل يلتحق بالعقد في الثمن و الأجرة و الصداق و سائر الأعواض.

قال: فأمّا الحطّ: فإن حطّ البعض، يلتحق بالعقد دون حطّ الكلّ(3).

و إن كانت هذه الإلحاقات قبل لزوم العقد بأن كانت في مجلس العقد أو في زمن الخيار المشروط، فعندنا لا تلتحق كما لا تلتحق بعد لزوم العقد، لتمام العقد، كما بعد اللزوم.

و للشافعي ثلاثة أقوال، هذا أحدها.

ص: 302


1- العزيز شرح الوجيز 124:4، روضة الطالبين 77:3-78، المجموع 375:9.
2- العزيز شرح الوجيز 124:4-125، روضة الطالبين 78:3، المجموع 9: 375.
3- العزيز شرح الوجيز 125:4.

و الثاني: أنّها تلحق في خيار المجلس دون خيار الشرط، لأنّ مجلس العقد كنفس العقد، ألا ترى أنّه يصلح لتعيين رأس مال السّلم و العوض في عقد الصرف، بخلاف زمان الخيار المشروط؟ و الثالث: أنّها تلحق. أمّا في مجلس العقد: فلما ذكرناه. و أمّا في زمن الخيار المشروط: فلأنّه في معناه من حيث إنّ العقد غير مستقرّ بعد، و الزيادة قد يحتاج إليها لتقرير(1) العقد، فإنّ زيادة العوض من أحدهما تدعو الآخر إلى إمضاء العقد.

ثمّ اختلف أصحابه.

فقال بعضهم: هذا الجواز مطلق.

و قال بعضهم: بل هو مفرّع على قولنا: إنّ الملك في زمن الخيار للبائع، فأمّا إذا قلنا: إنّه للمشتري، أو قلنا: إنّه موقوف و أمضينا(2) العقد، لم يلتحق، كما بعد اللزوم. و إن قلنا: إنّه موقوف و اتّفق الفسخ، فيلحق، و يرتفع بارتفاع العقد، لأنّا إذا قلنا: إنّ الملك للمشتري، فالزيادة في الثمن لا يقابلها شيء من المثمن. و كذا الأجل و الخيار لا يقابلهما شيء من العوض، و حينئذ يمتنع الحكم بلزومهما.

و إذا قالوا: إنّها تلتحق، فالزيادة تجب على الشفيع كما تجب على المشتري. و في الحطّ قبل اللزوم مثل هذا الخلاف. فإن الحق بالعقد، انحطّ عن الشفيع أيضا. و على هذا الوجه ما يلتحق بالعقد من الشروط الفاسدةز.

ص: 303


1- في «ق، ك» و الطبعة الحجريّة: لتقدير. و الصحيح ما أثبتناه من العزيز شرح الوجيز.
2- في «ق، ك» و الطبعة الحجريّة: و إمضاء. و الصحيح ما أثبتناه من العزيز شرح الوجيز.

قبل انقضاء الخيار بمثابة ما لو اقترنت بالعقد في إفساده. و إن حطّ جميع الثمن، كان كما لو باع بغير ثمن(1).

و قد قلنا ما عندنا في ذلك.

و قد بقي من المناهي ما يذكر في مظانّه، كالمحاقلة و المزابنة، و يذكران في بيع الثمار، لتعلّقهما بها، و غير ذلك من المناهي المحرّمة و المكروهة يذكر إن شاء اللّه تعالى في لو أحق البيع.5.

ص: 304


1- العزيز شرح الوجيز 125:4-126، روضة الطالبين 78:3، المجموع 374:9-375.

المقصد الثاني: في أنواع البيع

اشارة

و فيه فصول:

الفصل الأوّل: في الحيوان.
اشارة

و فيه مطلبان:

المطلب الأوّل: الأناسي من أنواع الحيوان إنّما يملكون بسبب الكفر الأصلي
اشارة

إذا سبوا ثمّ يسري الرقّ إلى ذرّيّة المملوك و أعقابه و إن أسلموا ما لم يتحرّروا بسبب من أسباب التحرير.

سئل الصادق عليه السّلام عن قوم مجوس خرجوا على ناس من المسلمين في أرض الإسلام هل يحلّ قتالهم ؟ قال: «نعم و سبيهم»(1).

و سئل الكاظم عليه السّلام عن القوم يغيرون على الصقالبة [1] و النّوبة [2] فيسرقون أولادهم من الجواري و الغلمان فيعمدون إلى الغلمان فيخصونهم ثمّ يبعثون إلى بغداد إلى التجّار، فما ترى في شرائهم و نحن نعلم أنّهم مسروقون، إنّما أغاروا(2) عليهم من غير حرب كانت بينهم ؟ فقال: «لا بأس بشرائهم، إنّما أخرجوهم(3) من الشرك إلى دار الإسلام»(4).

ص: 305


1- التهذيب 161:6، 294.
2- في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: أغار.. أخرجهم. و ما أثبتناه من المصدر.
3- في النسخ الخطّيّة و الحجريّة: أغار.. أخرجهم. و ما أثبتناه من المصدر.
4- التهذيب 162:6، 297.

و لو التقط الطفل من دار الحرب و لا مسلم فيها، ملك، و لا يملك لو التقط من دار الإسلام و لا من دار الحرب إذا كان فيها مسلم، لجواز أن يكون منه، لقول الصادق عليه السّلام: «المنبوذ حرّ»(1).

و سئل الباقر عليه السّلام عن اللقيطة، فقال: «حرّة لا تباع و لا توهب»(2).

فإذا انتفى هذا التجويز، ملك.

و لو أقرّ اللقيط من دار الإسلام - بعد بلوغه - بالرقّيّة، قبل، لقوله عليه السّلام:

«إقرار العقلاء على أنفسهم جائز»(3).

و قيل: لا يقبل، للحكم بحرّيّته أوّلا شرعا، فلا يتعقّبه الرقّ(4).

أمّا لو كان معروف النسب، فإنّه لا يقبل إقراره بالرقّيّة قطعا.

و بالجملة، كلّ من أقرّ على نفسه بالعبوديّة و كان بالغا رشيدا مجهول النسب، حكم عليه بها، سواء كان المقرّ له مسلما أو كافرا، و سواء كان المقرّ مسلما أو كافرا.

و لو رجع بعد إقراره عنه، لم يلتفت إلى رجوعه، لاشتماله على تكذيب إقراره، و دفع ما يثبت عليه عنه بغير موجب.

و لو أقام بيّنة، لم تسمع، لأنّه بإقراره أوّلا قد كذّبها.

أمّا لو اشترى عبدا فادّعى الحرّيّة، قبلت دعواه مع البيّنة، و إلاّ فلا.

سئل الصادق عليه السّلام عن شراء مماليك(5) أهل الذمّة إذا أقرّوا لهم بذلك، فقال: «إذا أقرّوا لهم بذلك فاشتر و انكح»(6).9.

ص: 306


1- الكافي 224:5، 2، التهذيب 78:7، 336.
2- التهذيب 78:7، 334.
3- لم نعثر عليه في المصادر الحديثيّة المتوفّرة لدينا.
4- ممّن قال به ابن إدريس في السرائر 354:2.
5- في الكافي: مملوكي. و في التهذيب: مملوك.
6- الكافي 210:5، 7، التهذيب 70:7، 299.
مسألة 132: العبد الذي يوجد في الأسواق يباع و يشترى يجوز شراؤه.

و إن ادّعى الحرّيّة، لم يقبل منه ذلك إلاّ بالبيّنة. و كذا الجارية، لأنّ ظاهر التصرّف يقتضي بالرقّيّة.

و لما رواه حمزة بن حمران - في الصحيح - أنّه سأل الصادق عليه السّلام، قال: أدخل السوق و أريد أشتري جارية، فتقول: إنّي حرّة، فقال: «اشترها إلاّ أن تكون لها بيّنة»(1).

و في الصحيح عن العيص بن القاسم، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن مملوك ادّعى أنّه حرّ و لم يأت ببيّنة على ذلك، أشتريه ؟ قال: «نعم»(2).

أمّا لو وجد في يده(3) و ادّعى رقّيّته و لم يشاهد شراؤه له و لا بيعه إيّاه، فإن كان كبيرا، فإن صدّقه، حكم عليه بمقتضى إقراره. و إن كذّبه، لم تقبل دعواه الرقّيّة إلاّ بالبيّنة، عملا بأصالة الحرّيّة. و إن سكت من غير تصديق و لا تكذيب، فالوجه: أنّ حكمه حكم التكذيب، إذ قد يكون السكوت لأمر غير الرضا.

و إن كان صغيرا، فإشكال أقربه أصالة الحرّيّة فيه.

مسألة 133: يملك الرجل كلّ بعيد و قريب، سوى أحد عشر:

الأب و الامّ، و الجدّ و الجدّة لهما أو لأحدهما و إن علوا، و الولد ذكرا كان أو أنثى، و ولد الولد كذلك و إن نزل، و الأخت، و العمّة و الخالة و إن علتا، كعمّة الأب و خالته و عمّة الجدّ و خالته و هكذا في التصاعد، سواء كانتا لأب أو لأمّ أو لهما، و بنت الأخ و بنت الأخت و إن نزلتا، سواء كانت الاخوّة من الأبوين أو

ص: 307


1- الكافي 211:5، 13، الفقيه 140:3، 613، التهذيب 74:7، 318.
2- الفقيه 140:3، 614، التهذيب 74:7، 317.
3- أي: في يد المتصرّف.

من أحدهما، فمن ملك أحد هؤلاء عتق عليه.

أمّا المرأة فتملك كلّ أحد، سوى الأب و الامّ و الجدّ و الجدّة و إن علوا، و الأولاد و إن نزلوا.

مسألة 134: الرضاع يساوي النسب في تحريم النكاح إجماعا.

و هل يساويه في تحريم التملّك ؟ لعلمائنا قولان أحدهما: نعم - و هو الأقوى - لما رواه ابن سنان - في الصحيح - قال: سئل أبو عبد اللّه عليه السّلام - و أنا حاضر - عن امرأة أرضعت غلاما مملوكا لها من لبنها حتى فطمته هل يحلّ لها بيعه ؟ قال: فقال: «لا، هو ابنها من الرضاعة حرم عليها بيعه و أكل ثمنه» قال: ثمّ قال: «أ ليس قد قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب ؟»(1).

و عن السكوني عن الصادق عن الباقر عليهما السّلام «أنّ عليّا عليه السّلام أتاه رجل، فقال: إنّ أمتي أرضعت ولدي و قد أردت بيعها، فقال: خذ بيدها و قل: من يشتري منّي أمّ ولدي ؟»(2).

فيحرم على الرجل أن يملك من الرضاع ما يحرم أن يملكه من النسب، كالأب و إن علا، و الامّ و البنت و إن نزلت و غيرهم ممّا تقدّم.

و كذا المرأة يحرم عليها أن تملك من الرضاع ما يحرم عليها من النسب.

مسألة 135: يكره للإنسان أن يملك القريب غير من ذكرناه،

كالأخ و العمّ و الخال و أولادهم. و تتأكّد في الوارث.

و يصحّ أنّ يملك كلّ من الزوجين صاحبه، لعدم المقتضي للمنع،

ص: 308


1- التهذيب 326:7، 1342.
2- الفقيه 309:3، 1488، التهذيب 325:7، 1340.

لكن الزوجيّة تبطل. و لو ملك كلّ منهما بعض صاحبه، بطل النكاح أيضا.

و ما يؤخذ من دار الحرب بغير إذن الإمام فهو للإمام خاصّة، للرواية(1) ، لكن رخّصوا عليهم السّلام لشيعتهم خاصّة في حال غيبة الإمام عليه السّلام التملّك و الوطء و إن كانت للإمام أو بعضها، و لا يجب إخراج حصّة غير الإمام منها، لتطيب مواليد الشيعة.

و لا فرق بين أن يسبيهم المسلم أو الكافر، لأنّ الكافر من أهل التملك، و المحلّ قابل للملكيّة.

و كلّ حربيّ قهر حربيّا فباعه صحّ بيعه و إن كان أخاه أو زوجته أو ابنه أو أباه، و بالجملة كلّ من ينعتق عليه و غيرهم، لأنّ الصادق عليه السّلام سئل عن رجل يشتري من رجل من أهل الشرك ابنته فيتّخذها، قال: «لا بأس»(2).

و لأنّ الصادق عليه السّلام سئل عن الرجل يشتري امرأة رجل من أهل الشرك يتّخذها، قال: «لا بأس»(3).

أمّا غير من ينعتق عليه: فلأنّ القاهر مالك للمقهور بقهره إيّاه.

و أمّا من ينعتق عليه: ففيه إشكال ينشأ من دوام القهر المبطل للعتق لو فرض. و دوام القرابة الرافعة للملك بالقهر.

و التحقيق: صرف الشراء إلى الاستنقاذ و ثبوت الملك للمشتري بالتسلّط، ففي لحوق أحكام البيع حينئذ نظر.0.

ص: 309


1- التهذيب 135:4، 378.
2- التهذيب 77:7، 330، الاستبصار 83:3، 281.
3- التهذيب 77:7، 329، الاستبصار 83:3، 280.
المطلب الثاني: في الأحكام.
مسألة 136: كما يصحّ ابتياع جملة الحيوان كذا يصحّ ابتياع أبعاضه بشرطين:

الإشاعة، و علم النسبة، كالنصف و الثلث، إجماعا، لوجود المقتضي خاليا عن المعارض.

و لا يصحّ بيع الجزء المعيّن، فلو باعه يده أو رجله أو نصفه الذي فيه رأسه أو الآخر، بطل، لعدم القدرة على التسليم.

و كذا لا يصحّ أن يبيع جزءا مشاعا غير معلوم القدر، مثل أن يبيعه جزءا منه أو نصيبا أو شيئا أو حظّا أو قسطا أو سهما، بطل، للجهالة.

و يصحّ لو باعه نصفه أو ثلثه أو غير ذلك من الأجزاء المشاعة المعلومة.

و يحمل مطلقه على الصحيح، كما لو باعه النصف، فإنّه يحمل على الجزء المشاع، لأصالة صحّة العقد.

أمّا المذبوح: فالأقوى عندي جوازه فيه، لزوال المانع هناك، فإنّ القدرة على التسليم ثابتة هنا، فيبقى المقتضي للصحّة خاليا عن المانع.

مسألة 137: لو استثنى البائع الرأس و الجلد في الحيّ، فالأقرب:
اشارة

بطلان البيع

في السفر و الحضر، و به قال الشافعي و أبو حنيفة(1).

و قال أحمد: يجوز ذلك. و توقّف في استثناء الشحم(2).

و قال مالك: يجوز ذلك في السفر، و لا يجوز في الحضر، لأنّ المسافر لا يمكنه الانتفاع بالجلد و السواقط. فجوّز له أن يشتري اللحم

ص: 310


1- حلية العلماء 223:4، المغني 232:4، الشرح الكبير 36:4، بدائع الصنائع 175:5.
2- حلية العلماء 223:4، المغني 232:4، الشرح الكبير 36:4.

دونها(1).

و هو خطأ، لجواز انتفاعه ببيعها و غيره من الطبخ و شبهه.

و قال بعض(2) علمائنا: يكون للبائع بنسبة ثمن الرأس و الجلد إلى الباقي.

و كذا لو اشترك اثنان في شراء شاة و شرط أحدهما الرأس و الجلد، لم يصحّ، و كان له بقدر ما له، لرواية السكوني عن الصادق عليه السّلام قال:

«اختصم إلى أمير المؤمنين عليه السّلام رجلان اشترى أحدهما من الآخر بعيرا و استثنى البيّع الرأس و الجلد ثمّ بدا للمشتري أن يبيعه، فقال للمشتري: هو شريكك في البعير على قدر الرأس و الجلد»(3).

و عن هارون بن حمزة الغنوي عن الصادق عليه السّلام في رجل شهد بعيرا مريضا و هو يباع فاشتراه رجل بعشرة دراهم فجاء و اشترك فيه رجل آخر بدرهمين بالرأس و الجلد فقضي أنّ البعير بريء فبلغ ثمانية دنانير، فقال:

«لصاحب الدرهمين خمس ما بلغ، فإن قال: أريد الرأس و الجلد فليس له ذلك، هذا الضرار، و، قد أعطي حقّه إذا اعطي الخمس»(4).

فروع:
أ - قد نقلنا الخلاف في الصحّة و البطلان. و الأقرب عندي:

التفصيل،

و هو صحّة أن يستثني البائع الرأس و الجلد في المذبوح، و البطلان في الحيّ.

ص: 311


1- المدوّنة الكبرى 293:4، حلية العلماء 223:4، المغني 232:4، الشرح الكبير 36:4.
2- الشيخ الطوسي في الخلاف 92:3، المسألة 149.
3- الكافي 304:5، 1، التهذيب 81:7، 350.
4- الكافي 293:5، 4، التهذيب 79:7، 341 بتفاوت.
ب - لا فرق بين الرأس و الجلد و غيرهما من الأعضاء.

و لو استثنى الشحم، بطل البيع في الحيّ و المذبوح. و كذا لو استثنى عشرة أرطال من اللحم فيهما معا.

ج - لو اشترك اثنان في شراء حيوان أو غيره و شرط أحدهما لنفسه الشركة في الربح دون الخسران،

فالأقرب: بطلان الشرط. و لو شرطا أن يكون لأحدهما رأس المال، و الربح و الخسران للآخر، احتمل الجواز.

د - لو قال إنسان لغيره: اشتر حيوانا أو غيره بشركتي أو بيننا،

فاشتراه كذلك، صحّ البيع لهما، و على كلّ منهما نصف الثمن، لأنّه عقد يصحّ التوكيل فيه، فيلزم الموكّل حكم ما فعله الوكيل، فإن أدّى أحدهما الجميع بإذن الآخر في الإنقاد عنه، لزمه قضاؤه، لأنّه أمره بالأداء عنه. و لو لم يأذن له في الأداء عنه بل تبرّع بذلك، لم يجب عليه القضاء، و كان شريكا في العين. و لو تلفت العين، كانت بينهما، ثمّ رجع الآخر على الآمر بما نقده عنه بإذنه.

مسألة 138: لو اشترى اثنان جارية، حرم على كلّ واحد منهما وطؤها.

فإن وطئها أحدهما لشبهة، فلا حدّ، لقوله عليه السّلام: «ادرءوا الحدود بالشبهات»(1).

و لو كان عالما بالتحريم، سقط من الحدّ بقدر نصيبه، و حدّ بقدر نصيب شريكه.

ص: 312


1- تاريخ بغداد 303:9، إحكام الفصول في أحكام الأصول: 686، كنز العمّال 5: 305، 12957 نقلا عن أبي مسلم الكجي عن عمر بن عبد العزيز مرسلا.

فإن حملت، قوّم عليه حصّة الشريك و انعقد الولد حرّا و إن كان عالما بالتحريم، لتمكّن الشبهة فيه بسبب الملكيّة التي له فيها، و على أبيه قيمة حصّة الشريك منه يوم الولادة، لأنّه وقت الحيلولة و أوّل أوقات التقويم.

إذا تقرّر هذا، فإنّه لا تقوّم هذه الأمة على الواطئ الشريك بدون الحمل، خلافا لبعض(1) علمائنا، لعدم المقتضي له.

و يحتمل التقويم بمجرّد الوطء، لإمكان العلوق منه، و تحفّظا من اختلاط الأنساب.

و في رواية ابن سنان، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجال اشتركوا في أمة، فائتمنوا بعضهم على أن تكون الأمة عنده، فوطئها، قال: «يدرأ عنه من الحدّ بقدر ما له فيها من النقد، و يضرب بقدر ما ليس له فيها، و تقوّم الأمة عليه بقيمة و يلزمها، فإن كانت القيمة أقلّ من الثمن الذي اشتريت به الجارية ألزم ثمنها الأوّل، و إن كان قيمتها في ذلك اليوم الذي قوّمت فيه(2) أكثر من ثمنها الزم ذلك الثمن و هو صاغر، لأنّه استفرشها» قلت: فإن أراد بعض الشركاء شراءها دون الرجل، قال: «ذلك له، و ليس له أن يشتريها حتى تستبرأ، و ليس على غيره أن يشتريها إلاّ بالقيمة»(3).

و هذه الرواية غير دالّة على المطلوب من وجوب التقويم بنفس الوطء، لأنّه سوّغ لغيره من الشركاء شراءها، فلو وجب التقويم، لم يجز ذلك.

إذا ثبت هذا، فنقول: لو أراد الواطئ شراءها بمجرّد الوطء، لم تجب9.

ص: 313


1- الشيخ الطوسي في النهاية: 411-412.
2- في «ق، ك» و الطبعة الحجريّة: «بها» بدل «فيه». و ما أثبتناه من المصدر.
3- الكافي 217:5، 2، التهذيب 72:7، 309.

إجابته لكن تستحبّ، و مع الحمل يجب التقويم، فإذا قوّمت عليه بمجرّد الوطء، فلا يخلو إمّا أن تكون قيمة الجارية حينئذ أقلّ من الثمن الذي اشتريت به أو أكثر أو مساويا. و لا إشكال في المساوي و الأكثر بل في الأقلّ، فنقول: لا يجب عليه زيادة عن القيمة، و تحمل الرواية على ما إذا نقصت القيمة بالوطي، و أنّه يجب عليه تمام الثمن إذا كانت الجارية تساويه لولاه. و يؤيّده تعليله عليه السّلام بقوله: «لأنّه استفرشها» و لو أراد أحد الشركاء شراءها و أجيب إليه، لم يجب عليه أكثر من القيمة، لعدم وقوع نقصان منه للعين و أوصافها.

مسألة 139: لو اشترى حيوانا، ثبت له الخيار مدّة ثلاثة أيّام على ما يأتي.

فلو باعه حيوانا ثمّ تجدّد فيه بعد الشراء عيب قبل القبض، كان المشتري بالخيار بين الفسخ و الإمضاء، و كذا غير الحيوان، فإن اختار الفسخ، فلا بحث. و إن اختار الإمضاء، أمسك بجميع الثمن على رأي، و مع الأرش على الأقوى، لأنّ الجميع مضمون على البائع و كذا أبعاضه.

و لو تلف الحيوان بعد القبض في يد المشتري، فضمانه على البائع أيضا إذا لم يحدث فيه المشتري حدثا و لا تصرّف فيه إذا كان التلف في الثلاثة، لأنّ الخيار فيها للمشتري، فالضمان على البائع.

و لقول الصادق عليه السّلام: «إن حدث بالحيوان قبل ثلاثة، فهو من مال البائع»(1).

أمّا لو أحدث فيه و تصرّف ثمّ تلف، لم يكن له الرجوع على البائع بشيء. و كذا لو تلف بعد الثلاثة و إن لم يتصرّف، لسقوط الخيار حينئذ.

ص: 314


1- الفقيه 127:3، 555، التهذيب 67:7، 288.

و كذا لو تلف غير الحيوان بعد القبض و لا خيار هناك، فمن ضمان المشتري.

و لو تجدّد في الحيوان عيب في الثلاثة من غير جهة المشتري، تخيّر - كالأوّل - في الردّ و الإمساك مجّانا أو مع الأرش على الأقوى، لما تقدّم من أنّ جميعه مضمون على البائع فكذا أبعاضه.

و لو كان العيب سابقا، كان له الردّ مع عدم التصرّف مطلقا، سواء كان حيوانا أو غيره، ذا خيار أو غيره، و له الأرش مخيّرا فيهما. و لو تصرّف، لم يكن له الردّ مطلقا إلاّ مع وطئ الأمة الحامل و حلب الشاة المصرّاة خاصّة، لكن يثبت له الأرش. و إذا ردّ، لم يلزمه - سوى العين - شيء، لأنّ العيب مضمون على البائع، و لا يمنع العيب المتجدّد من الردّ بالعيب السابق.

أمّا لو تجدّد بعد الثلاثة أو كان المشتري قد تصرّف في العين، لم يكن له الردّ لا مع الأرش و لا بدونه.

و وافقنا مالك على أنّ عهدة الرقيق ثلاثة أيّام إلاّ في الجنون و الجذام و البرص، فأيّها إذا ظهر في السنة يثبت(1) الخيار(2) ، كما قلناه نحن.

و منع الشافعي(3) من ذلك.

مسألة 140: لو باع أمة أو دابّة و كانت حبلى، فإن شرط دخول الحمل في البيع

بأن قال: بعتك هذه الأمة و حملها، لم يصح، لأنّه مجهول على ما

ص: 315


1- في «ق، ك»: ثبت.
2- الاستذكار 37:19، المعونة 1064:2، التلقين 1-392:2، مختصر اختلاف العلماء 98:3، 1176، معالم السنن - للخطّابي - 156:5، حلية العلماء 242:4.
3- حلية العلماء 241:4، الاستذكار 40:19-41، 28051، معالم السنن - للخطّابي - 157:5، المعونة 1064:2.

تقدّم(1).

و إن شرطه فقال: بعتك هذه الأمة بكذا و الحمل لك، دخل الحمل في البيع، و كان مستحقّا للمشتري، كما لو اشترط دخول الثمرة.

و إن استثناه البائع، لم يدخل في البيع، و كان باقيا على ملكه. و إن أطلق، فكذلك يكون للبائع، لأنّه ليس جزءا من الامّ، فلا يدخل في مسمّاها.

و قال الشافعي: لو أطلق، دخل الحمل في البيع تبعا، لأنّه كالجزء منه(2). و هل يقابله قسط من الثمن ؟ له خلاف [و](3) أقوال تأتي. و لو استثنى البائع الحمل، ففي صحّة البيع عنده وجهان(4).

إذا تقرّر هذا، فلو علم وجود الحمل عند البائع، كان الولد له ما لم يشترطه المشتري. و لو أشكل و لم يعلم أنّه هل تجدّد عند المشتري أو كان عند البائع، حكم به للمشتري، لأصالة العدم السابق.

فلو وضعت الجارية الولد لأقلّ من ستّة أشهر، فهو للبائع، و لو كان لأزيد من مدّة الحمل، فهو للمشتري. و لو كان بينهما، فكذلك.

فإن اختلفا في وقت إيقاع البيع فادّعى المشتري تقدّمه على ستّة أشهر و البائع تأخّره عن ستّة أشهر، قدّم قول البائع مع عدم البيّنة و اليمين.

و لو سقط الولد قبل قبضه أو في الثلاثة من غير فعل المشتري و كان9.

ص: 316


1- في ص 275، المسألة 125.
2- التهذيب - للبغوي - 526:3، العزيز شرح الوجيز 116:4، روضة الطالبين 3: 72، المجموع 324:9، الاستذكار 14:19، 27911.
3- أضفناها لأجل السياق.
4- الوسيط 85:3، العزيز شرح الوجيز 116:4، روضة الطالبين 72:3، المجموع 324:9.

الولد مشترطا في البيع، قوّمت حاملا و حائلا، و أخذ من الثمن بنسبة التفاوت.

و لو اشترى الدابّة أو الأمة على أنّها حامل فلم تكن كذلك، فله الردّ مع عدم التصرّف، و الأرش مع التصرّف.

مسألة 141: العبد و الأمة لا يملكان شيئا عند أكثر
اشارة

مسألة 141: العبد و الأمة لا يملكان شيئا عند أكثر(1) علمائنا

- سواء ملّكهما مولاهما شيئا أو لا - لا أرش جناية و لا فاضل ضريبة و لا غيرهما.

و وافقنا الشافعي في ذلك إذا لم يملّكه مولاه، فإن ملّكه مولاه، فقولان:

أحدهما - القديم -: أنّه يملك، و به قال مالك إلاّ أنّه قال: يملك و إن لم يملّكه مواليه و [إليه](2) ذهب داود و أهل الظاهر و أحمد في إحدى الروايتين.

و الثاني للشافعي - الجديد -: أنّه لا يملك - كما قلناه نحن - و به قال أبو حنيفة و الثوري و أحمد في الرواية الأخرى، و إسحاق(3) ، و هو مذهب الشيخ أبي جعفر من علمائنا. و قال أيضا: إنّه يملك فاضل الضريبة و أرش الجناية(4).

ص: 317


1- منهم: الشيخ الطوسي في الخلاف 121:3، المسألة 207، و ابن إدريس في السرائر 353:2، و المحقّق الحلّي في شرائع الإسلام 58:2.
2- زيادة يقتضيها السياق.
3- الوسيط 204:3، الوجيز 152:1، العزيز شرح الوجيز 374:4، الحاوي الكبير 265:5 و 266، حلية العلماء 360:5، التهذيب - للبغوي - 467:3، روضة الطالبين 230:3، المحلّى 320:8، أحكام القرآن - لابن العربي - 3: 1165، الجامع لأحكام القرآن 147:10، المعونة 1069:2، المغني 277:4.
4- النهاية: 543.

لنا: قوله تعالى ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ (1) و قوله تعالى ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلاً مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ شُرَكاءَ فِي ما رَزَقْناكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَواءٌ (2) نفى عن المماليك ملكيّة شيء البتّة.

و لأنّه مملوك فلا يكون مالكا، لتوقّف ملكيّته لغيره على ملكيّته لنفسه. و لأنّه مال فلا يصلح أن يملك شيئا، كالدابّة.

احتجّوا بما رواه العامّة عنه عليه السّلام «من باع عبدا و له مال فماله للعبد إلاّ أن يستثنيه السيّد»(3).

و من طريق الخاصّة بما رواه زرارة قال: سألت الصادق عليه السّلام: الرجل يشتري المملوك و ماله، قال: «لا بأس به» قلت: فيكون مال المملوك أكثر ممّا اشتراه به، قال: «لا بأس»(4).

و لأنّه آدميّ حيّ فأشبه الحرّ.

و الجواب عن الأوّل: أنّه غير ثابت عندهم، و معارض بما رواه العامّة، و هو قوله عليه السّلام: «من باع عبدا و له مال فماله للبائع إلاّ أن يشترطه المبتاع»(5) و لو ملكه العبد، لم يكن للبائع، فلمّا جعله للبائع دلّ على انتفاء ملكيّة العبد.

و من طريق الخاصّة: ما رواه محمّد بن مسلم - في الصحيح - عن2.

ص: 318


1- النحل: 75.
2- الروم: 28.
3- سنن الدارقطني 133:4-134، 31، و فيه: «من أعتق عبدا..»
4- الكافي 213:5، 3، الفقيه 139:3، 606، التهذيب 71:7، 305.
5- سنن أبي داود 268:3، 3433 و 3435، سنن البيهقي 324:5، مسند أحمد 2: 73، 4538، و 231:4، 13802.

أحدهما عليهما السّلام، قال: سألته عن رجل باع مملوكا فوجد له مالا، فقال:

«المال للبائع، إنّما باع نفسه، إلاّ أن يكون شرط عليه أنّ ما كان له من مال أو متاع فهو له»(1) و التقريب ما تقدّم.

لا يقال: لو لم يملك العبد شيئا، لم تصحّ الإضافة إليه. و لأنّه يملك النكاح.

لأنّا نقول: الإضافة إلى الشيء قد تصحّ بأدنى ملابسة، كقولك لأحد حاملي الخشبة: خذ طرفك. و قال الشاعر:

إذا كوكب الخرقاء(2)

أضاف الكوكب إليها، لشدّة سيرها فيه.

و ملك النكاح، للحاجة إليه و الضرورة، لأنّه لا يستباح في غير ملك.

و لأنّه لمّا ملكه لم يملك السيّد إزالة يده عنه، بخلاف المال، فافترقا.

فروع:
أ - قال الشيخ رحمه اللّه: إذا باع العبد و له مال،

فإن كان البائع يعلم أنّ له مالا، دخل المال في البيع. و إن لم يعلم، لم يدخل و كان للبائع(3) ، لما رواه زرارة - في الحسن - عن الصادق عليه السّلام، قال: قلت له: الرجل يشتري المملوك و له مال لمن ماله ؟ فقال: «إن كان علم البائع أنّ له مالا، فهو

ص: 319


1- الكافي 213:5، 2، التهذيب 71:7، 306.
2- المحتسب 228:2، المخصّص 4:6، شرح المفصّل، المجلّد 1، الجزء 3، الصفحة 8، المقرّب: 235، لسان العرب 639:1 «غرب». و تمام البيت هكذا: إذا كوكب الخرقاء لاح بسحرةسهيل أذاعت غزلها في الغرائب
3- النهاية: 543.

للمشتري، و إن لم يكن علم، فهو للبائع»(1).

و الجواب: أنّه محمول على ما إذا شرطه المشتري، عملا بالأصل، و بما تقدّم(2) في رواية محمّد بن مسلم.

و الحقّ أنّ المال للبائع، سواء علم به أو لا ما لم يشترطه المشتري.

ب - لو اشتراه و ماله جميعا، صحّ البيع بشرطين: العلم بمقداره، و أن لا يتضمّن الربا.

فلو كانت معه مائة درهم و اشتراه مع ماله بمائة درهم، لم يصحّ البيع، لأنّه ربا. و لو اشتراه بمائة و درهم، صحّ البيع، و كان المائة مقابلة المائة، و الدرهم في مقابلة العبد. و كذا لو اشتراه بغير الجنس أو لم يكن الثمن ربويّا أو لم يكن المال الذي معه ربويّا.

و لو اشتراه و ماله مع جهله بالمال، لم يصحّ، لأنّه جزء من المبيع مقصود فوجب العلم به.

ج - لو اشتراه و شرط ماله، فكذلك. فإن كانا ربويّين، شرطت زيادة الثمن،

و إلاّ فلا، إلاّ في شيء واحد، و هو العلم بقدر المال، فإنّه ليس شرطا هنا، لأنّه تابع للمبيع ليس مقصودا بالذات، فكان كماء الآبار و خشب السقوف.

و قال(3) بعض الشافعيّة: إنّما تجوز الجهالة فيما كان تبعا(4) إذا لم يمكن إفراده بالبيع، و إنّما تجوز الجهالة في مال العبد، لأنّه ليس بمبيع، و إنّما يبقى على ملك العبد، و الشرط يفيد عدم زوال ملكه إلى

ص: 320


1- الكافي 213:5، 1، الفقيه 138:3، 605، التهذيب 71:7، 307.
2- في ص 319.
3- في «ق، ك» و الطبعة الحجريّة: و به قال. و الصحيح ما أثبتناه.
4- في «ق، ك» و الطبعة الحجريّة: بيعا. و الصحيح ما أثبتناه.

البائع، بل يكون للعبد، فيكون المشتري يملك عليه(1).

د - إن قلنا: إنّ العبد يملك، فإنّه يملك ملكا ناقصا لا تتعلّق به الزكاة،

و حينئذ تسقط، أمّا عن العبد: فلعدم تماميّة الملك، كالمكاتب.

و أمّا عن السيّد: فلأنّه ملك الغير. و إن نفينا الملك، فالزكاة على السيّد، لتماميّة الملك في حقّه.

و لو ملّكه جارية، جاز له وطؤها على التقديرين، لجواز الإباحة، فالتمليك لا يقصر عنها و إن نفيناه لتضمّنه إيّاها.

و إذا وجب عليه كفّارة، فإن قلنا: يملك، كفّر بالمال، و إلاّ بالصيام، و لا يدخل في البيع و إن قلنا: إنّ العبد يملك، لما تقدّم من الأحاديث.

ه - لو اشترى عبدا له مال و قلنا بملكيّة العبد

فاشترطه المبتاع فانتزعه المبتاع من العبد فأتلفه(2) ثمّ وجد بالعبد عيبا، لم يكن له الردّ - و به قال الشافعي(3) - لأنّ العبد يكثر قيمته إذا كان له مال، و بتلف المال نقصت قيمته، فلم يجز ردّه ناقصا.

و قال داود: يردّ العبد وحده، لأنّ ما انتزعه لم يدخل في البيع(4).

و هو غلط، لنقص القيمة كما قلناه.

و - لو اشترى عبدا مأذونا له في التجارة و قد ركبته الديون و لم يعلم المشتري، لم يثبت له الخيار،

لأنّ الديون تتعلّق بالمولى. و إن قلنا: تتعلّق

ص: 321


1- انظر: العزيز شرح الوجيز 337:4، و روضة الطالبين 203:3.
2- في «ق، ك»: و أتلفه.
3- حلية العلماء 277:4، و حكاه عنه أيضا الشيخ الطوسي في الخلاف 125:3، المسألة 210.
4- المحلّى 422:8، المغني 276:4، الشرح الكبير 323:4-324، و حكاه عنه أيضا الشيخ الطوسي في الخلاف 125:3، المسألة 210.

بالعبد، فلا تتعلّق برقبته بل بذمّته، و ذلك غير ضائر للمشتري، فلا يكون عيبا في حقّه، و به قال الشافعي(1).

و قال مالك: يثبت له الخيار(2).

و قال أبو حنيفة: البيع باطل. و بناه على أصله من تعلّق الديون برقبته(3).

ز - لو قال العبد لغيره: اشترني و لك عليّ كذا، لم يلزمه شيء،

سواء كان للمملوك مال حين قوله أولا، و سواء شرط المبتاع المال أو لا، و سواء قلنا: العبد يملك أو لا، و سواء قلنا: المال يدخل في الشراء مع علم البائع أو لا، لأنّ المولى لا يثبت له على عبده شيئا.

و للشيخ قول آخر: إنّه يجب عليه الدفع إن كان له شيء في تلك الحال، و إلاّ فلا(4).

و قد روي عن الصادق عليه السّلام أنّه قال له غلام: إنّي كنت قلت لمولاي:

بعني بسبعمائة درهم و لك عليّ ثلاثمائة درهم، فقال الصادق عليه السّلام: «إن كان لك يوم شرطت أن تعطيه [شيء](5) فعليك أن تعطيه، و إن لم يكن لك يومئذ شيء فليس عليك شيء»(6).

مسألة 142: لو دفع إنسان إلى عبد غيره مأذونا له في التجارة مالا ليشتري نسمة

و يعتقها و يحجّ عنه بالباقي، فاشترى المأذون أباه و دفع إليه بقيّة المال للحجّ فحجّ به، ثمّ اختلف مولى المأذون و ورثة الدافع و مولى

ص: 322


1- حلية العلماء 273:4.
2- حلية العلماء 273:4.
3- حلية العلماء 273:4.
4- النهاية: 412.
5- ما بين المعقوفين من المصدر.
6- الكافي 219:5، 1، التهذيب 74:7، 316.

الأب، فكلّ منهم يقول: اشتري بمالي، قال الشيخ: يردّ الأب إلى مواليه يكون رقّا كما كان، ثمّ أيّ الفريقين الباقيين أقام البيّنة بما ادّعاه، حكم له به(1) ، لما رواه ابن أشيم عن الباقر عليه السّلام في عبد لقوم مأذون له في التجارة دفع إليه رجل ألف درهم، فقال: اشتر بها نسمة و أعتقها عنّي و حجّ بالباقي، ثمّ مات صاحب الألف، فانطلق العبد فاشترى أباه فأعتقه عن الميّت و دفع إليه الباقي يحجّ عن الميّت، فحجّ عنه، فبلغ ذلك موالي أبيه و ورثة الميّت جميعا فاختصموا جميعا في الألف، فقال موالي معتق العبد:

إنّما اشتريت أباك بمالنا. و قال الورثة: إنّما اشتريت أباك بمالنا. و قال موالي العبد: إنّما اشتريت أباك بمالنا، فقال أبو جعفر عليه السّلام: «أمّا الحجّة فقد مضت بما فيها لا تردّ، و أمّا المعتق فهو ردّ في الرقّ لموالي أبيه، و أيّ الفريقين أقاموا البيّنة أنّه اشترى أباه من أموالهم كان لهم رقّا»(2).

و ابن أشيم ضعيف، فلا يعوّل على روايته، على أنّا نحمل الرواية على إنكار موالي الأب البيع، و حينئذ يقدّم قوله، ثمّ أيّ الفريقين أقام البيّنة على دعواه حكم له بها. و على ظاهر الرواية ينبغي أن يدفع الأب إلى مولى الابن المأذون، لأنّ ما في يد المملوك لمولاه.

و لو أقام كلّ من الثلاثة بيّنة على دعواه، فإنّ رجّحنا بيّنة ذي اليد، فالحكم كما تقدّم من دفع الأب إلى مولى المأذون. و إن رجّحنا بيّنة الخارج، فالأقرب: ترجيح بيّنة الدافع، عملا بمقتضى صحّة البيع، فهو معتضد بالأصل.ظ.

ص: 323


1- النهاية: 414.
2- الكافي 62:7، 20، التهذيب 234:7-235، 1023، و 243:9-244، 945 بتفاوت في بعض الألفاظ.

و يحتمل تقديم بيّنة مولى الأب، لادّعائه ما ينافي الأصل، و هو الفساد.

مسألة 143: إذا كان مملوكان لشخصين مأذونان لهما في التجارة
اشارة

اشترى كلّ منهما الآخر من مالكه لمولاه، فإن سبق عقد أحدهما، صحّ عقده، و بطل عقد الآخر، لأنّ للمأذون الشراء لمولاه و العبد قابل للنقل بالابتياع، فلا مانع للمقتضي عن مقتضاه، و لمّا انتقل العبد إلى مولى الأوّل بطل الإذن من مولاه له، فلم يصادف العقد أهلا يصدر عنه على الوجه المعتبر شرعا، فكان عقده لاغيا.

و إن اقترن العقدان في وقت واحد، بطلا، لأنّ حالة شراء كلّ واحد منهما لصاحبه هي حالة بطلان الإذن من صاحبه له.

و قال الشيخ في النهاية: يقرع بينهما، فمن خرج اسمه كان البيع له، و يكون الآخر مملوكه.

ثمّ قال: و قد روي أنّه إذا اتّفق أن يكون العقدان في حالة واحدة، كانا باطلين. و الأحوط ما قدّمناه(1).

و يؤيّد ما اخترناه نحن من البطلان مع الاتّفاق زمانا: رواية أبي خديجة عن الصادق عليه السّلام في رجلين مملوكين مفوّض إليهما يشتريان و يبيعان بأموالهما و كان بينهما كلام فخرج هذا و يعدو إلى مولى هذا، و هذا إلى مولى هذا، و هما في القوّة سواء، فاشترى هذا من مولى هذا العبد، و ذهب هذا فاشترى هذا من مولى العبد الآخر فانصرفا إلى مكانهما فتشبّث كلّ واحد منهما بصاحبه و قال له: أنت عبدي قد اشتريتك من سيّدك. قال:

ص: 324


1- النهاية: 412.

«يحكم بينهما من حيث افترقا، يذرع الطريق فأيّهما كان أقرب فهو الذي سبق الذي هو أبعد، و إن كانا سواء فهما ردّ على مواليهما، جاءا سواء و افترقا سواء إلاّ أن يكون أحدهما سبق صاحبه، فالسابق هو له إن شاء باع و إن شاء أمسك، و ليس له أن يضرّ به»(1).

ثم قال الشيخ في التهذيب عقيب هذه الرواية: و في رواية أخرى:

«إذا كانت المسافة سواء يقرع بينهما فأيّهما وقعت القرعة به كان عبدا للآخر»(2).

فروع:
أ - حكم الإمام عليه السّلام بذرع الطريق بناء على الغالب و العادة،

فإنّ كلّ واحد منهما يجدّ فيما يرومه، لدلالة قول الراوي: ذهب كلّ منهما يعدو إلى مولى الآخر. و التقدير أنّهما متساويان في القوّة، و الأصل عدم المانع، فبالضرورة يكون من كانت مسافته أقلّ أسبق في العقد من الآخر، و مع التساوي في المسافة يحكم بالاقتران، للظنّ الغالب به، فإن فرض تقدّم أحدهما، صحّ عقده، و إلاّ بطلا، لما تقدّم.

ب - الرواية بالقرعة لم نقف عليها،

لكنّ الشيخ رحمه اللّه ذكر هذا الإطلاق في النهاية و التهذيب(3).

و الظاهر أنّ القرعة لاستخراج الواقع أوّلا مع علم المتقدّم و اشتباه تعيينه، أو مع الشكّ في التقدّم و عدمه، أمّا مع الاقتران فلا وجه للقرعة.

ص: 325


1- التهذيب 72:7-73، 310.
2- التهذيب 73:7، 311.
3- النهاية: 412، التهذيب 73:7، 311.
ج - لو قلنا بصحّة وكالة السيّد لعبده في الشراء

فاتّفق أن وكّل كلّ واحد منهما مملوكه في شراء الآخر له، صحّ العقدان معا إن لم تبطل الوكالة مع الانتقال.

د - لا نريد بالبطلان في الموضع الذي حكمنا به هنا وقوع العقدين فاسدين،

بل أن يكون العقدان هنا بمنزلة عقد الفضولي إن أجازه الموليان، صحّا معا، و إلاّ فلا. و لو أجازه أحدهما خاصّة، صحّ عقده خاصّة.

ه - لو اشترى كلّ منهما الآخر لنفسه بإذن مولاه

و قلنا: إنّ العبد يملك ما يملكه مولاه، فإن اقترنا، بطلا. و ان سبق أحدهما، فهو المالك للآخر(1).

مسألة 144: لو اشترى من غيره جارية ثمّ ظهر أنّها سرقت من أرض الصلح،

قال الشيخ رحمه اللّه: يردّها المشتري على البائع أو ورثته و يسترجع الثمن. و لو لم يخلف وارثا، استسعيت الجارية في ثمنها(2) ، لما رواه مسكين السمّان، قال: سألت الصادق عليه السّلام: عن رجل اشترى جارية سرقت من أرض الصلح، قال: «فليردّها على الذي اشتراها منه، و لا يقربها إن قدر عليه لو كان موسرا» قلت: جعلت فداك فإنّه قد مات و مات عقبه، قال:

«فليستسعها»(3).

و لأنّه بيع باطل، لظهور الملكيّة لغير البائع.

و الردّ على البائع، لاحتمال أن يكون السارق غيره و قد حصلت في يده، فتدفع إليه على سبيل الأمانة إلى أن يحضر مالكها و يسترجع الثمن منه.

ص: 326


1- الفرعان «د، ه» لم يردا في «ك».
2- النهاية: 414.
3- التهذيب 83:7، 355، و فيه: «.. أو كان موسرا..».

و بالجملة، فهذه الرواية مشكلة.

و المعتمد هنا: أنّ المشتري يدفع الجارية إلى الحاكم ليجتهد في ردّها على مالكها الذي سرقت منه، و لا شيء للمشتري مع تلف البائع من غير تركة. و لا تستسعى الجارية، لأنّه تصرّف في مال الغير بغير إذنه.

و قيل: تكون بمنزلة اللقطة(1).

مسألة 145: لو اشترى عبدا موصوفا في الذمّة فدفع البائع إليه عبدين
اشارة

ليختار واحدا منهما فأبق أحدهما من يد المشتري، قال الشيخ رحمه اللّه: يردّ المشتري إلى البائع العبد الباقي، و يسترجع نصف الثمن، و يطلب الآبق، فإن وجده، اختار حينئذ، و ردّ النصف الذي قبضه من البائع إليه. و إن لم يجده، كان العبد الباقي بينهما(2) ، لما رواه السكوني عن الصادق عليه السّلام في رجل اشترى من رجل عبدا و كان عنده عبدان و قال للمشتري: اذهب بهما فاختر أحدهما و ردّ الآخر و قد قبض المال، فذهب بهما المشتري فأبق أحدهما من عنده، قال «ليردّ الذي عنده منهما و يقبض نصف الثمن ممّا أعطى من البيّع، و يذهب في طلب الغلام، فإن وجده اختار أيّهما شاء و ردّ النصف الذي أخذ، و إن لم يجده كان العبد بينهما، نصف للبائع و نصف للمبتاع»(3).

و الرواية ضعيفة السند. و مثل هذه الرواية رواها محمّد بن مسلم عن الباقر(4) عليه السّلام.

ص: 327


1- القائل به هو ابن إدريس في السرائر 356:2.
2- النهاية: 411.
3- التهذيب 82:7-83، 354.
4- الكافي 217:5، 1، الفقيه 88:3، 330.

و المعتمد: أنّ التالف مضمون على المشتري بقيمته، لأنّه كالمقبوض بالسوم، و له المطالبة بالعبد الثابت في ذمّة البائع بالبيع.

فرع: لو اشترى عبدا من عبدين، لم يصحّ،

للجهالة.

مسألة 146: يجب على البائع للجارية استبراؤها قبل بيعها
اشارة

- إذا كان يطؤها - بخمسة و أربعين يوما إن كانت من ذوات الحيض و لم تر الدم. و لو رأت الدم، استبرأها بحيضة. و لو كانت صغيرة أو يائسة أو حاملا أو حائضا، فلا استبراء.

و كذا يجب على المشتري استبراؤها بعد شرائها قبل وطئها لو جهل حالها، لئلاّ تختلط الأنساب.

و هذا الاستبراء بمنزلة العدّة في الحرّة.

و لو أخبره البائع الثقة باستبرائها، صدّقه، و لم يجب عليه الاستبراء، تنزيلا لإخبار المسلم على الصدق.

و لو كانت الجارية لامرأة فاشتراها منها، لم يجب عليه الاستبراء، إذ لا يتحقّق اختلاط النسب هنا.

و لو اشترى أمة حاملا، لم يجز له وطؤها قبلا قبل مضيّ أربعة أشهر و عشرة أيّام، إلاّ أن تضع، فإن وطئها، عزل عنها استحبابا. و إن(1) لم يعزل، كره له بيع ولدها. و يستحبّ له أن يعزل له من ميراثه قسطا.

تنبيه: أطلق علماؤنا كراهة وطئ الأمة الحامل بعد مضيّ أربعة أشهر و عشرة أيّام.

و عندي في ذلك إشكال.

ص: 328


1- في «ق، ك»: فإن.

و التحقيق فيه أن نقول: هذا الحمل إن كان من زنا، لم تكن له حرمة، و جاز وطؤها قبل أربعة أشهر و عشرة أيّام و بعدها. و إن كان عن وطئ مباح أو جهل الحال فيه، فالأقوى: المنع من الوطء حتى تضع.

مسألة 147: يكره وطؤ المولودة من الزنا بالملك و العقد معا،

لأنّه قد ورد كراهة الحجّ و التزويج من ثمنها فالنكاح لها أبلغ في الكراهة.

روى أبو بصير عن الصادق عليه السّلام، قال: قلت له: تكون لي المملوكة من الزنا أحجّ من ثمنها و أتزوّج ؟ فقال: «لا تحجّ و لا تتزوّج منه»(1).

و عن أبي خديجة عن الصادق عليه السّلام، قال: سمعته يقول: «لا يطيب ولد الزنا أبدا، و لا يطيب ثمنه، و الممزيز(2) لا يطيب إلى سبعة آباء» فقيل:

و أيّ شيء الممزيز(3) ؟ قال: «الرجل يكسب مالا من غير حلّه فيتزوّج أو يتسرّى فيولد له فذلك الولد هو الممزيز(4)»(5).

إذا ثبت هذا، فإن خالف و وطئ، فلا يطلب الولد منها.

مسألة 148: يكره للرجل إذا اشترى مملوكا أن يريه ثمنه في الميزان.

و يستحبّ له تغيير اسمه، و أن يطعمه شيئا من الحلاوة، و أن يتصدّق عنه بأربعة دراهم، لما رواه زرارة قال: كنت عند الصادق عليه السّلام، فدخل عليه رجل و معه ابن له، فقال له الصادق عليه السّلام: «ما تجارة ابنك ؟» فقال:

التنخّس، فقال له الصادق عليه السّلام: «لا تشتر سبيا و لا غبيّا(6) ، فإذا اشتريت رأسا فلا ترين ثمنه في كفّة الميزان، فما من رأس يرى ثمنه في كفّة الميزان

ص: 329


1- الكافي 226:5، 8، التهذيب 78:7، 332، الإستبصار 105:3، 368.
2- في الطبعة الحجريّة: الممزير. و في الكافي: الممراز.
3- في الطبعة الحجريّة: الممزير. و في الكافي: الممراز.
4- في الطبعة الحجريّة: الممزير. و في الكافي: الممراز.
5- الكافي: «225:5، 6، التهذيب 78:7، 333.
6- في الكافي: «و لا عيبا».

فأفلح، و إذا اشتريت رأسا فغيّر اسمه و أطعمه شيئا حلوا إذا ملكته، و تصدّق عنه بأربعة دراهم»(1).

و قال الصادق عليه السّلام: «من نظر إلى ثمنه و هو يوزن لم يفلح»(2).

مسألة 149: قد بيّنّا أنّه يجب الاستبراء في شراء الإماء،
اشارة

و ستأتي تتمّته في باب العدد إن شاء اللّه تعالى.

إذا ثبت هذا، فإذا باع الجارية و سلّم المشتري إلى الثمن، وجب عليه تسليم الجارية في مدّة الاستبراء إلى المشتري، سواء كانت جميلة أو قبيحة، و به قال الشافعي و أبو حنيفة(3).

و قال مالك: إن كانت جميلة، لا يسلّمها، و إنّما يضعها على يدي عدل حتى تستبرأ. و إن كانت قبيحة أجبر على تسليمها، لأنّ الجميلة يلحقه فيها التهمة فمنع منها(4).

و ليس بجيّد، لأنّ الظاهر العدالة و السلامة، فلا يسقط حقّه من القبض بالتهمة.

و يبطل أيضا بأنّه مبيع لا خيار فيه، فإذا نقد الثمن، وجب تسليمه، كسائر المبتاعات(5).

إذا تقرّر هذا، فإن اتّفقا على وضعها على يد عدل، فإن قبضها

ص: 330


1- الكافي 212:5، 14، التهذيب 70:7-71، 302.
2- الكافي 212:5، 15، التهذيب 71:7، 303.
3- الامّ 87:3، الحاوي الكبير 276:5، التهذيب - للبغوي - 479:3، المغني 293:4، الشرح الكبير 123:4-124.
4- الحاوي الكبير 276:5، التهذيب - للبغوي - 479:3، حلية العلماء 364:7، المغني 293:4، الشرح الكبير 124:4.
5- في «ق، ك»: البياعات.

المشتري و سلّمها إلى العدل، فهي من ضمانه. و إن سلّمها البائع، كانت من ضمانه، لأنّ التسليم لم يحصل للمشتري و لا لوكيله، و ليس العدل نائبا عنه في القبض.

فإن اشتراها بشرط أن يضعها البائع على يد عدل، كان الشرط و البيع صحيحين، عملا بقوله عليه السّلام: «المؤمنون عند شروطهم»(1).

و لأنّه شرط سائغ مرغوب فيه، فوجب أن يكون مباحا.

و قال الشافعي: يفسد الشرط و العقد معا، لأنّ العقد على المعيّن لا يجوز فيه شرط التأخير(2). و هو ممنوع.

تذنيب: ليس للمشتري بعد شرائه الجارية شراء مطلقا أن يطلب من البائع كفيلا

بالثمن أو ببدن البائع لو خرجت حاملا، لأنّه لم يشترط الكفيل في العقد، فلا تلزمه إقامته بعده، كما لو باع بثمن مؤجّل ثمّ طلب منه كفيلا أو رهنا فامتنع البائع، إذ لو سلّم إليه الثمن ثمّ طلب منه كفيلا على عهدة الثمن، لم يكن له ذلك.

مسألة 150: لا يجوز التفرقة بين الامّ و ولدها في البيع
اشارة

- و به قال الشافعي و أبو حنيفة(3) - لما رواه العامّة عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنّه قال: «لا توله والدة بولدها»(4).

ص: 331


1- التهذيب 371:7، 1503، الاستبصار 232:3، 835، الجامع لأحكام القرآن 33:6.
2- انظر: الامّ 87:3.
3- الوجيز 139:1، العزيز شرح الوجيز 132:4-133، الوسيط 69:3، حلية العلماء 122:4، المهذّب - للشيرازي - 275:1، المجموع 360:9، روضة الطالبين 82:3، تحفة الفقهاء 115:2، بدائع الصنائع 228:5، المغني 10: 459، الشرح الكبير 408:10.
4- أورد نصّه الرافعي في العزيز شرح الوجيز 132:4، و في سنن البيهقي 5:8، و غريب الحديث - للهروي - 65:3 و الكامل - لابن عدي - 2412:6: «لا توله والدة عن ولدها».

و عن أبي أيّوب عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال: «من فرّق بين والدة و ولدها فرّق اللّه بينه و بين أحبّته يوم القيامة»(1).

و من طريق الخاصّة: ما رواه سماعة قال: سألته عن أخوين مملوكين هل يفرّق بينهما، و عن المرأة و ولدها؟ فقال: «لا، هو حرام إلاّ أن يريدوا ذلك»(2).

و في الحسن عن هشام بن الحكم عن الصادق عليه السّلام، قال: اشتريت له جارية من الكوفة، قال: فذهبت لتقوم في بعض الحاجة فقالت: يا أمّاه، فقال لها أبو عبد اللّه عليه السّلام: «أ لك أمّ؟» قالت: نعم، فأمر بها فردّت، فقال:

«ما آمنت لو حبستها أن أرى في ولدي ما أكره»(3).

و في الحسن عن معاوية بن عمّار قال: سمعت الصادق عليه السّلام يقول:

«أتي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بسبي من اليمن، فلمّا بلغوا الجحفة نفدت نفقاتهم فباعوا جارية من السبي كانت أمّها معهم، فلمّا قدموا على النبي صلّى اللّه عليه و آله سمع بكاءها، فقال: ما هذه ؟ قالوا: يا رسول اللّه احتجنا إلى نفقة فبعنا ابنتها، فبعث بثمنها فاتي بها و قال: بيعوهما جميعا أو أمسكوهما جميعا»(4).

و في الصحيح عن ابن سنان، قال الصادق عليه السّلام في الرجل يشتري4.

ص: 332


1- سنن الترمذي 580:3، 1283، و 134:4، 1566، سنن الدار قطني 3: 67، 256، سنن البيهقي 126:9، سنن الدارمي 227:2-228، المستدرك - للحاكم - 55:2، المعجم الكبير - للطبراني - 182:4، 4080، مسند أحمد 6: 575، 23002.
2- الكافي 218:5-219، 2، الفقيه 137:3، 600، التهذيب 73:7، 312.
3- الكافي 219:5، 3، التهذيب 73:7، 313.
4- الكافي 218:5، 1، الفقيه 137:3، 599، التهذيب 73:7، 314.

الغلام أو(1) الجارية و له الأخ أو الأخت أو أمّ بمصر من الأمصار، قال:

«لا يخرجه من مصر إلى مصر آخر إن كان صغيرا و لا تشتره، و إن كانت له أمّ فطابت نفسها و نفسه فاشتره إن شئت»(2).

و لاشتماله على ضرر كلّ من الامّ و الولد، فيكون منفيّا بقوله تعالى:

ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ (3) و بقوله عليه السّلام: «لا ضرر و لا إضرار»(4).

فروع:
أ - إنّما يتحقّق المنع مع حاجة الولد إلى الأمّ، فلو استغنى عنها، زال المنع،

لأصالة الإباحة السالم عن معارضة الضرر الحاصل بالتفريق.

ب - لو فرّق بينهما بالبيع، لم يصحّ عندنا

- و به قال الشافعي(5) - لما تقدّم من الأحاديث الدالّة على الردّ.

و قال أبو حنيفة: يصحّ، لأنّ المنع لا يعود إلى المبيع و إنّما يعود إلى الضرر اللاحق بهما، فلا يمنع صحّة البيع، كالبيع وقت النداء(6).

ص: 333


1- في «ق، ك» و الطبعة الحجريّة: «و» بدل «أو». و ما أثبتناه من المصادر.
2- الكافي 219:5، 5، الفقيه 140:3، 616، التهذيب 67:7-68، 290.
3- الحج: 78.
4- سنن الدار قطني 228:4، 85، مسند أحمد 515:1، 2862.
5- الوجيز 139:1، العزيز شرح الوجيز 133:4، الوسيط 69:3، المهذّب - للشيرازي - 275:1، المجموع 360:9، حلية العلماء 123:4، الحاوي الكبير 244:14، روضة الطالبين 83:3، تحفة الفقهاء 115:2، بدائع الصنائع 5: 232، المغني 461:10، الشرح الكبير 410:10.
6- مختصر اختلاف العلماء 162:3، 1242، تحفة الفقهاء 115:2، بدائع الصنائع 232:5، الاختيار لتعليل المختار 41:2-42، الهداية - للمرغيناني - 54:3، المغني 333:4، و 461:10، الشرح الكبير 410:10، العزيز شرح الوجيز 4: 133، الحاوي الكبير 245:14، حلية العلماء 123:4، المعونة 1071:2.

و هو خطأ، لأنّ النهي عنه لمعنى في البيع، و هو حصول الضرر بالتفرقة. و لأنّ التسليم تفريق محرّم، فيكون كالمتعذّر، إذ لا فرق بين العجز الحسّي و الشرعي.

ج - لو رضي كلّ من الولد و الامّ بالتفريق، صحّ التفريق، لعدم المقتضي للمنع. و لحديث ابن سنان عن الصادق عليه السّلام، و قد سبق(1).

د - الضابط في غاية التحريم الاستغناء، فمتى حصل استغناء الطفل عن الامّ، جاز التفريق،

و إلاّ فلا.

و يحصل الاستغناء ببلوغ سبع سنين.

و قيل: بالاستغناء عن الرضاع(2).

و المشهور: الأوّل، لأنّه سنّ التمييز، فيستغنى عن التعهّد و الحضانة، و هو أحد قولي الشافعي(3).

و يقرب منه قول مالك حيث جعل التحريم ممتدّا إلى وقت سقوط الأسنان(4).

ص: 334


1- في ص 333.
2- كما في شرائع الإسلام 59:2.
3- العزيز شرح الوجيز 133:4، روضة الطالبين 83:3، المجموع 361:9، المغني 460:10، الشرح الكبير 409:10، مختصر اختلاف العلماء 163:3، بداية المجتهد 168:2، تحفة الفقهاء 115:2.
4- بداية المجتهد 168:2، المعونة 1071:2، العزيز شرح الوجيز 133:4، المغني 460:10، الشرح الكبير 409:10.

و قال في الآخر: حدّه البلوغ(1). و به قال أبو حنيفة(2) ، لما رواه عبادة بن الصامت أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال: «لا يفرّق بين الامّ و ولدها» قيل: إلى متى ؟ قال: «حتى يبلغ الغلام و تحيض الجارية»(3).

ه - قال بعض

ه - قال بعض(4) علمائنا بكراهة التفريق لا بتحريمه، و المشهور:

التحريم.

و هذا الخلاف إنّما هو إذا كان التفريق بعد سقي الأمّ ولدها اللّبأ، فأمّا قبله فلا يجوز قطعا، لأنّه يسبّب إلى إهلاك الولد.

و - يكره التفريق بعد البلوغ

- و به قال الشافعي(5) - لما فيه من التوحّش بانفراد كلّ منهما عن صاحبه.

و التقييد بالصغر في حديث(6) ابن سنان، للتحريم لا الكراهة.

و لو فرّق مع البلوغ بالبيع أو الهبة، صحّا - و به قال الشافعي(7) - لوجود المقتضي السالم عن معارضة النهي، لاختصاصه بالصغر.

و قال أحمد: يبطل البيع و الهبة(8). و ليس بمعتمد.

ص: 335


1- الوسيط 69:3، العزيز شرح الوجيز 133:4، المجموع 361:9، روضة الطالبين 83:3، المغني 460:10، الشرح الكبير 409:10.
2- مختصر اختلاف العلماء 162:3، تحفة الفقهاء 115:2، العزيز شرح الوجيز 133:4، المغني 460:10، الشرح الكبير 409:10.
3- سنن الدار قطني 68:3، 258، سنن البيهقي 128:9، المستدرك - للحاكم - 2: 55، العزيز شرح الوجيز 132:4.
4- كالشيخ الطوسي في النهاية: 546، و المحقّق الحلّي في المختصر النافع: 132، و شرائع الإسلام 59:2.
5- العزيز شرح الوجيز 133:4، روضة الطالبين 83:3، المجموع 361:9.
6- تقدّمت الإشارة إلى مصادره في ص 333، الهامش (2).
7- العزيز شرح الوجيز 133:4، روضة الطالبين 83:3.
8- العزيز شرح الوجيز 133:4.
ز - الأقوى كراهة التفريق بين الأخوين و بين الولد و الأب أو الجدّ في البيع،

و ليس محرّما - و به قال الشافعي(1) - عملا بالأصل. و لأنّ القرابة بينهما لا تمنع القصاص فلا تمنع التفرقة في البيع، كابن(2) العمّ عندهم(3).

و في قول آخر له: إنّ التفريق بين الولد و الجدّة و الأب و سائر المحارم كالأمّ في تحريم التفريق(4).

و قال أبو حنيفة: يحرم التفريق بين الأخوين، لأنّه رحم ذو محرم من النسب، فأشبه الولد(5).

و الجواب: الفرق بجواز القصاص هنا دون الأوّل عندهم.

ح - يجوز التفريق بين البهيمة و ولدها بعد استغنائه عن اللبن و قبله

إن كان ممّا يقع عليه الذكاة(6) أو كان له ما يموّنه من غير لبن امّه.

و منع بعض الشافعيّة من التفريق قبل الاستغناء، قياسا على الآدمي(7). و الحرمة فارقة بينهما.

ط - كما لا يجوز التفريق بالبيع كذا لا يجوز بالقسمة و الهبة و غيرها

ص: 336


1- حلية العلماء 124:4، العزيز شرح الوجيز 421:11، روضة الطالبين 7: 456، المجموع 361:9.
2- في بدائع الصنائع و المغني: كابني.
3- المغني 333:4، الاختيار لتعليل المختار 41:2، بدائع الصنائع 229:5.
4- العزيز شرح الوجيز 421:11، روضة الطالبين 456:7، المجموع 361:9 و 362.
5- تحفة الفقهاء 115:2، الاختيار لتعليل المختار 41:2، الهداية - للمرغيناني - 54:3، حلية العلماء 124:4.
6- في «ق، ك» و الطبعة الحجريّة: الزكاة. و الصحيح ما أثبتناه.
7- العزيز شرح الوجيز 133:4، المجموع 362:9، روضة الطالبين 84:3.

من العقود الناقلة للعين، بخلاف نقل المنافع، فله أن يؤجر الامّ من شخص و ولدها من آخر، إلاّ أن يستوعب المدّة الممنوع من التفرقة فيها، فإنّ الأقوى المنع من التفريق حسّا بحيث لا يجتمعان إلاّ نادرا.

ي - لا يحرم التفريق بالعتق، فلو أعتق الأمّ دون ولدها أو بالعكس،

فلا بأس. و لا في الوصيّة، فلعلّ الموت يكون بعد انقضاء زمان التحريم.

فإن اتّفق قبله، فإشكال.

يأ - لو لم تحصل التفرقة الحسّيّة، فالأقوى جواز البيع،

كمن يبيع الولد و يشترط استخدامه مدّة المنع. و كذا لو باعه على من لا يفارق البائع و الامّ بل يلازمهما.

يب - في الردّ بالعيب إشكال، أقربه: المنع، لحصول التفريق فيه،

فلو اشترى الجارية و الولد ثمّ تفاسخا البيع في أحدهما أو ردّه بعيب فيه، منع، لما فيه من التفريق.

و قال بعض الشافعيّة: يجوز(1).

أمّا الرهن: ففي التفريق بينهما به إشكال، أقربه: الجواز، لكن ليس للمرتهن البيع و لا للراهن إلاّ مع الآخر.

يج - لا بأس بالتفريق بالسفر، لعدم المقتضي للمنع،

و أصالة الإباحة.

يد - لو كانت الامّ رقيقة و الولد حرّا و بالعكس، لم يمنع من بيع الرقيق،

لثبوت التفريق قبل البيع، فلا يحدث البيع تفريقا، لاستحالة تحصيل الحاصل.

ص: 337


1- العزيز شرح الوجيز 133:4، المجموع 360:9.
مسألة 151: يجوز لمن يشتري الأمة أن ينظر إلى وجهها و محاسنها

و أن يمسّها بيده و يقلبها - إلاّ العورة، فلا يجوز له النظر إليها - للحاجة الداعية إلى ذلك، فوجب أن يكون مشروعا لينتفي الغرر.

و لما رواه أبو بصير عن الصادق عليه السّلام، قال: سألته عن الرجل يعترض الأمة ليشتريها، قال: «لا بأس بأن ينظر إلى محاسنها و يمسّها ما لم ينظر إلى ما لا ينبغي له النظر إليه»(1).

و لا يجوز ذلك لمن لا يريد الشراء إلاّ في الوجه، لقول الصادق عليه السّلام:

«لا أحبّ للرجل أن يقلب جارية إلاّ جارية يريد شراءها»(2).

و سأله حبيب بن معلى الخثعمي: إنّي اعترضت جواري بالمدينة فأمذيت، قال: «أمّا لمن يريد أن يشتري فليس به بأس، و أمّا لمن لا يريد أن يشتري فإنّي أكرهه»(3).

مسألة 152: لو اشترى جارية فوطئها ثمّ ظهر استحقاقها لغير البائع مع جهل المشتري،
اشارة

فإن كانت بكرا، غرم عشر قيمتها لصاحبها، و دفعها إليه.

و إن كانت ثيّبا، كان عليه نصف العشر، لقول الصادق عليه السّلام في رجل تزوّج امرأة حرّة فوجدها أمة دلّست نفسها، إلى أن قال: «و لمواليها عليه عشر قيمة ثمنها إن كانت بكرا، و إن كانت ثيّبا فنصف عشر قيمتها بما استحلّ من فرجها»(4).

و لأنّه تصرّف في مال الغير بغير إذنه، و انتفع بما له عوض، فوجب

ص: 338


1- التهذيب 75:7، 321.
2- التهذيب 236:7، 1030.
3- التهذيب 236:7، 1029.
4- الكافي 404:5، 1، التهذيب 349:7، 1426، الاستبصار 216:3 - 217، 787.

الرجوع عليه به.

و قال الشافعي: يجب مهر المثل(1).

و هو ممنوع، إذ لا عقد نكاح هنا.

فإن أولدها المشتري الجاهل بالغصبيّة، فالولد لا حق به، لموضع الشبهة، و هو حرّ، لأنّه اعتقد أنّه ملكها بالشراء، و عليه قيمته لمولاه يوم سقط حيّا - و به قال الشافعي(2) - لأنّه أتلف على مولاها رقّه باعتقاده أنّها ملكه.

و لا يقوّم حملا لعدم إمكان تقويم الحمل، فيقوّم في أوّل حالة انفصاله، لأنّها أوّل حالة إمكان تقويمه. و لأنّ ذلك هو وقت الحيلولة بينه و بين سيّده.

و لقول الصادق عليه السّلام: «و على مولاها أن يدفع ولدها إلى أبيه بقيمته يوم يصير إليه» قلت: فإن لم يكن لأبيه ما يأخذ ابنه به ؟ قال: «يسعى أبوه في ثمنه حتى يؤدّيه و يأخذ ولده» قلت: فإن أبى الأب السعي في ثمن ابنه ؟ قال: «فعلى الإمام أن يفديه، و لا يملك ولد حرّ»(3).

و قال أبو حنيفة: يقوّم يوم المطالبة، لأنّ ولد المغصوبة لا يضمنه إلاّ بالبيع(4).

و قد بيّنّا أنّه يحدث مضمونا، فيقوّم حال إتلافه.7.

ص: 339


1- الوجيز 213:1، العزيز شرح الوجيز 470:5-472، التهذيب - للبغوي - 4: 315، روضة الطالبين 146:4.
2- مختصر المزني: 117، الحاوي الكبير 153:5، الوجيز 214:1، العزيز شرح الوجيز 473:5، روضة الطالبين 149:4.
3- التهذيب 350:7، 1429، الإستبصار 217:3-218، 790.
4- الحاوي الكبير 153:7.

و لو انفصل الولد ميّتا، لم تجب قيمته، لأنّا لا نعلم حياته قبل ذلك.

و لأنّه لم يحل بينه و بينه، و إنّما يجب التقويم لأجل الحيلولة.

إذا ثبت هذا، فإنّ المشتري إن كان عالما بالغصبيّة، فالولد رقّ لمولاه، و لا يرجع بالثمن على البائع و لا بما غرمه.

و يحتمل عندي رجوعه بالثمن إن(1) كان باقيا، أمّا إذا تلف فلا.

و إن كان جاهلا، فإنّه يرجع بالثمن الذي دفعه و بما غرمه ممّا لا نفع في مقابلته، كقيمة الولد.

و هل يرجع بما حصل له في مقابلته نفع، كأجرة الخدمة و السكنى و العقر؟ إشكال ينشأ من إباحة البائع له بغير عوض، و من استيفاء عوضه.

و تفصيل هذا أن يقال: إن علم المشتري بالغصب، لم يرجع، لأنّه قد أباح البائع إتلاف ماله بغير عوض، و به قال الشافعي(2).

و التحقيق ما قلناه من الرجوع مع قيام العين لا مع التلف.

و أمّا إذا لم يعلم المشتري بالغصب، فعلى ثلاثة أضرب.
ضرب: لا يرجع به عليه قولا واحدا،

و هو قيمتها إن تلفت في يده، أو أرش البكارة إن تلفت في يده، أو بدل جزء منها إن تلف في يده، لأنّ المشتري دخل مع الغاصب على أن يكون ضامنا لذلك بالثمن، فإذا ضمنه، لم يرجع به، و به قال الشافعي(3).

و ضرب: يرجع به قولا واحدا،

و هو ما إذا ولدت في يده منه و رجع

ص: 340


1- في الطبعة الحجريّة: «إذا» بدل «إن».
2- الوسيط 419:3، المهذّب - للشيرازي - 380:1.
3- الوسيط 419:3، المهذّب - للشيرازي - 380:1، التهذيب - للبغوي - 4: 316-317.

عليه بقيمة الولد، فإنّه يرجع به على الغاصب، لأنّه دخل معه على أن لا يكون الولد مضمونا عليه، و لم يحصل من جهته إتلاف، بل المتلف الشرع بحكم بيع الغاصب منه، و به قال الشافعي(1).

الثالث: ما اختلف فيه، و هو مهرها و اجرة منفعتها، فهنا إشكال

تقدّم.

و للشافعي قولان:

ففي القديم: يرجع، لأنّه دخل في العقد على أن يتلفه بغير عوض فقد غرّه.

و قال في الجديد: لا يرجع - و به قال أبو حنيفة و أصحابه - لأنّه غرم ما استوفى به له، فلم يرجع به(2).

و لو أمسكها و لم يستخدمها و تلفت المنفعة تحت يده، ففي الرجوع للشافعي وجهان:

أحدهما: أنّه يرجع بأجرتها، لأنّه لم يستوف بدل ما غرم، و دخل في العقد على أن لا يضمنها.

و الثاني: لا يرجع، لأنّ تلفها تحت يده بمنزلة إتلافها(3).

مسألة 153: يصحّ بيع الحامل بحرّ، لأنّها مملوكة،

و حرّيّة الحمل لا تخرج الرقّيّة عن الملكيّة، فيصحّ بيعها، لوجود المقتضي السالم عن المعارض.

ص: 341


1- الوسيط 420:3، المهذّب - للشيرازي - 380:1.
2- المهذّب - للشيرازي - 380:1، حلية العلماء 243:5-244، الحاوي الكبير 155:7، العزيز شرح الوجيز 477:5، روضة الطالبين 151:4.
3- الوسيط 420:3، العزيز شرح الوجيز 478:5، التهذيب - للبغوي - 316:4، روضة الطالبين 151:4.
مسألة 154: العبد المرتدّ إمّا أن يرتدّ عن فطرة أولا،

فإن لم يكن عن فطرة، صحّ بيعه، لأنّه مملوك لا يجب قتله في الحال، و يمكن بقاؤه بردّه إلى الإسلام، فصحّ(1) بيعه، كالقاتل.

و أمّا إن كانت عن فطرة، ففي جواز بيعه إشكال ينشأ من تضادّ الأحكام، إذ وجوب القتل ينافي جواز البيع، و من بقاء الملكيّة.

أمّا المرتدّة فإنّه يجوز بيعها مطلقا، سواء كانت عن غير فطرة أو عنها، لعدم وجوب قتلها بالارتداد. و وجوب الحبس - إن أثبتناه في حقّها - لا ينافي الملكيّة و الانتفاع.

و كذا يجوز بيع المريض المأيوس من برئه لفائدة الإعتاق، أمّا ما لا يستقرّ فيه الحياة فالأقوى بطلان بيعه و عتقه.

مسألة 155: من اشترى جارية من وليّ اليتيم، صحّ الشراء،

و جاز له نكاحها و استيلادها عملا بالمقتضي السالم عن المعارض، و قول الكاظم عليه السّلام و قد سئل في رجل ترك أولادا صغارا و مماليك غلمانا و جواري و لم يوص فما ترى فيمن يشتري منهم الجارية يتّخذها أمّ ولد؟ و ما ترى في بيعهم ؟ فقال: «إن كان لهم وليّ يقوم بأمرهم باع عليهم و ينظر لهم كان مأجورا فيهم» قلت: فما ترى فيمن يشتري منهم الجارية فيتّخذها أمّ ولد؟ قال:

«لا بأس بذلك إذا باع عليهم القيّم لهم الناظر لهم فيما يصلحهم فليس لهم أن يرجعوا فيما صنع القيّم لهم الناظر فيما يصلحهم»(2).

مسألة 156: إذا اشترى الإنسان ثلاث جوار ثمّ دفعهنّ إلى البيّع

و قوّم

ص: 342


1- في الطبعة الحجريّة: فيصحّ.
2- الكافي 208:5، 1، الفقيه 161:4-162، 564، التهذيب 68:7-69، 294 بتفاوت و زيادة فيها.

عليه كلّ جارية بقيمة معيّنة، و قال له: بع هؤلاء الجواري و لك نصف الربح، فباع البيّع جاريتين و أحبل المالك الثالثة، لم يكن عليه شيء فيما أحبل، و كان عليه للبيّع اجرة مثل عمله فيما باع.

و قال الشيخ في النهاية: يكون عليه فيما باع نصف الربح(1) ، تعويلا على رواية أبي علي بن راشد، قال: قلت له: إنّ رجلا اشترى ثلاث جوار قوّم كلّ واحدة بقيمة فلمّا صاروا إلى البيّع جعلهنّ بثمن، فقال للبيّع: لك عليّ نصف الربح، فباع جاريتين بفضل على القيمة و أحبل الثالثة، قال:

«يجب عليه أن يعطيه نصف الربح فيما باع، و ليس عليه فيما أحبل شيء»(2).

و هذه الرواية غير مسندة إلى إمام.

و تحمل هذه الرواية على ما إذا عيّن قدر الربح، و كان القول على سبيل الجعالة.2.

ص: 343


1- النهاية: 414.
2- التهذيب 82:7، 352.

ص: 344

الفصل الثاني في الثمار
اشارة

و فيه مطلبان:

الأوّل: في أنواعها.
اشارة

و هي ثلاثة:

الأوّل: في ثمرة النخل.
اشارة

إذا باع ثمرة النخل، فلا يخلو إمّا أن يكون قبل ظهورها أو بعده. فإن كان قبل ظهورها فلا يخلو إمّا أن يبيعها منفردة أو منضمّة إلى الغير إمّا الأصول أو ثمرة سنة أخرى، أو غيرهما.

فإن باعها منفردة، لم يصحّ إجماعا، لأنّه غير موجود و لا معلوم الوجود، و لا يمكن تسليمه، و لا يعلم حقيقته و لا وصفه، فكان كبيع الملاقيح و المضامين، بل هو هو في الحقيقة.

و روت العامّة أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله نهى عن بيع الثمار حتى تزهي، قيل:

يا رسول اللّه و ما تزهي ؟ قال: «حتى تحمرّ»(1).

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السّلام و قد سئل عن رجل اشترى بستانا فيه نخل ليس فيه غير بسر أخضر، فقال: «لا، حتى يزهو» قلت:

و ما الزهو؟ قال: «حتى يتلوّن»(2).

و إن باعها منضمّة إلى الأصول، فالوجه عندي: البطلان، إلاّ أن يجعل

ص: 345


1- صحيح البخاري 101:3، سنن النسائي 264:7، سنن البيهقي 300:5، الموطّأ 618:2، 11.
2- الكافي 176:5، 8، التهذيب 84:7، 359، الاستبصار 86:3، 294.

انضمامها على سبيل التبعيّة فلا يضرّ فيها الجهالة، كأساسات الحيطان و أصول الأشجار، أمّا إذا جعلت جزءا مقصودا من المبيع، ففيه الإشكال، يقتضي النصّ الجواز.

و إن باعها منضمّة إلى شيء غير الثمرة، فإنّه يجوز. و ينبغي أن يكون ذلك على سبيل التبعيّة لا الأصالة، لما تقدّم، لكنّ إطلاق النصّ يقتضي إطلاق الجواز.

روى سماعة قال: سألته عن بيع الثمرة هل يصلح شراؤها قبل أن يخرج طلعها؟ فقال: «لا، إلاّ أن يشتري معها شيئا غيرها رطبة أو بقلا، فيقول: أشتري منك هذه الرطبة و هذا النخل و هذا الشجر بكذا و كذا، فإن لم تخرج الثمرة كان رأس مال المشتري في الرطبة و البقل»(1).

و الوجه عندي: المنع. و هذه الرواية مع ضعف سندها لم تسند إلى إمام، فلا تعويل عليها.

و إن باعها منضمّة إلى ثمرة سنة أخرى، فلا يخلو إمّا أن تكون السنة الأخرى سابقة ثمرتها موجودة أو لا حقة، فإن كانت سابقة، صحّ إجماعا.

و إن كانت لا حقة أو كانت سابقة لم تخرج، جاز أيضا، لما رواه الحلبي - في الحسن - عن الصادق عليه السّلام، قال: سئل عن شراء النخل و الكرم و الثمار ثلاث سنين أو أربع سنين، قال: «لا بأس به يقول: إن لم يخرج في هذه السنة أخرج في قابل»(2).

و في الصحيح عن يعقوب بن شعيب أنّه سأل الصادق عليه السّلام عن شراء9.

ص: 346


1- الكافي 176:5، 7، الفقيه 133:3، 578، التهذيب 84:7، 360، الإستبصار 86:3-87، 295.
2- الكافي 175:5، 2، الفقيه 132:3، 576، التهذيب 85:7، 364، الاستبصار 87:3، 299.

النخل، فقال: «كان أبي يكره شراء النخل قبل أن تطلع ثمرة السنة، و لكن السنتين و الثلاث، كان يقول: إن لم يحمل في هذه السنة حمل في السنة الأخرى»(1).

و يحتمل قويّا: المنع، لأنّه مبيع غير مشاهد و لا معلوم الوصف و القدر، فيكون باطلا، للغرر. و لأنّه كبيع الملاقيح و المضامين. و يحمل قوله عليه السّلام: «إن لم يخرج في هذه السنة» أي إن لم تدرك، أو أراد إن لم تخرج في بعض السنة المتأخّرة عن سنة البيع.

و يؤيّد هذا: ما رواه أبو الربيع الشامي عن الصادق عليه السّلام قال: «كان الباقر عليه السّلام يقول: إذا بيع الحائط فيه النخل و الشجر سنة واحدة فلا يباعنّ حتى تبلغ ثمرته، و إذا بيع سنتين أو ثلاثا فلا بأس ببيعه بعد أن يكون فيه شيء من الخضرة»(2) و تعليق الحكم على وصف يقتضي نفيه عند عدمه.

مسألة 157: و لو باع الثمرة بعد ظهورها قبل بدوّ صلاحها،
اشارة

فإمّا أن يبيعها منفردة أو منضمّة، فإن باعها منفردة، فإمّا أن يبيعها بشرط القطع أو بشرط التبقية أو مطلقا.

فإن باعها بشرط القطع، صحّ البيع إجماعا، لأنّ مع شرط القطع يظهر أنّ غرض المشتري هو الحصرم و البلح و أنّه حاصل.

و إن باعها بشرط التبقية، فالأقوى عندي: الجواز، لعموم وَ أَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ (3) السالم عن صلاحيّة المعارض للمعارضة، لأنّ المعارض ليس إلاّ تجويز العاهة و التلف عليها، لكن ذلك التجويز متطرّق إلى غير الثمار،

ص: 347


1- التهذيب 87:7، 373، الاستبصار 86:3، 292.
2- الفقيه 157:3-158، 690، التهذيب 87:7، 372، الإستبصار 86:3، 293.
3- البقرة: 275.

كالحيوان و شبهه، فلو كان مانعا من بيع الثمرة، لكان مانعا من بيع الحيوان، و التالي باطل بالإجماع، فالمقدّم مثله. و لأنّه مال مملوك طاهر منتفع به فجاز بيعه. و لأنّه يجوز بيعه بشرط القطع إجماعا، فجاز بشرط التبقية، كما لو باعه بعد بدوّ الصلاح بشرط التبقية.

و لما رواه الحلبي - في الحسن - عن الصادق عليه السّلام، قال: سئل عن الرجل يشتري الثمرة المسمّاة من أرض فتهلك تلك(1) الأرض كلّها، فقال:

«اختصموا في ذلك إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فكانوا يذكرون ذلك فلمّا رآهم لا يدعون الخصومة نهاهم عن ذلك البيع حتى تبلغ الثمرة و لم يحرّمه، و لكن فعل ذلك من أجل خصومتهم»(2).

و عن الباقر عليه السّلام قال: «خرج رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فسمع ضوضاء [1]، فقال: ما هذا؟ فقيل: تبايع الناس بالنخل فقعد [2] النخل العام، فقال صلّى اللّه عليه و آله:

أما إذا فعلوا فلا تشتروا النخل العام حتى يطلع فيه شيء. و لم يحرّمه»(3).

و منع جماعة(4) من علمائنا هذا البيع - و هو مذهب الفقهاء الأربعة(5) -4.

ص: 348


1- في الكافي و الفقيه: ثمرة تلك.
2- الكافي 175:5، 2، الفقيه 132:3، 576، التهذيب 85:7، 364، الاستبصار 87:3، 299.
3- الكافي 174:5-175، 1، التهذيب 86:7، 366، الاستبصار 88:3، 301.
4- منهم: الشيخ الطوسي في النهاية: 414-415، و المبسوط 113:2، و الخلاف 85:3، المسألة 140، و المحقّق الحلّي في شرائع الإسلام 52:2، و ابن حمزة في الوسيلة: 250.
5- بداية المجتهد 149:2، المعونة 1005:2، التلقين 373:2، الحاوي الكبير 5: 190، الاختيار لتعليل المختار 9:2، الهداية - للمرغيناني - 25:3، العزيز شرح الوجيز 346:4 و 347، الوسيط 181:3، التهذيب - للبغوي - 382:3، روضة الطالبين 210:3، المغني 218:4، الشرح الكبير 231:4.

للحديث(1) الذي رواه العامّة أوّلا، و ما رواه الخاصّة أيضا، و قد سبق(2).

و أيضا ما رواه سليمان بن خالد عن الصادق عليه السّلام قال: «لا يشترى(3) النخل حولا واحدا حتى يطعم إن كان يطعم، و إن شئت أن تبتاعه سنتين فافعل»(4).

و سأل الحسن بن علي الوشّاء الرضا عليه السّلام: هل يجوز بيع النخل إذا حمل ؟ فقال: «لا يجوز بيعه حتى يزهو» قلت: و ما الزهو جعلت فداك ؟ قال: «يحمرّ و يصفرّ و شبه ذلك»(5).

و الجواب: حمل النهي على الكراهة، جمعا بين الأدلّة خصوصا و قد نصّ الإمام عليه السّلام على ذلك.

و إن باعها مطلقا و لم يشترط القطع و لا التبقية، فالأقوى عندي:

الجواز - و به قال أبو حنيفة(6) - لأنّه لو شرط القطع، جاز إجماعا، و لو شرط التبقية، جاز على الأقوى، و الإطلاق لا يخلو عنهما، فكان الجواز أقوى. و لما تقدّم من الأدلّة. و لأنّ القطع تفريغ ملك البائع و نقل المبيع4.

ص: 349


1- تقدّمت الإشارة إلى مصادره في ص 345، الهامش (1).
2- في ص 345.
3- في المصدر: «لا تشتر».
4- التهذيب 88:7، 374، الإستبصار 85:3، 290.
5- الكافي 175:5، 3، التهذيب 85:7، 363، الإستبصار 87:3، 298.
6- الهداية - للمرغيناني - 25:3، الحاوي الكبير 191:5، التهذيب - للبغوي - 3: 382، حلية العلماء 214:4، العزيز شرح الوجيز 347:4، بداية المجتهد 2: 149، المعونة 1006:2، المغني 219:4، الشرح الكبير 231:4.

عنه، و ليس ذلك شرطا في البيع.

و منع جماعة(1) من أصحابنا إطلاق البيع هنا - و به قال الشافعي و مالك و أحمد و إسحاق(2) - لأنّ الإطلاق يقتضي التبقية، و هو منهيّ عنها.

و لأنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أطلق النهي عن بيع الثمرة قبل بدوّ صلاحها(3) ، و هذا يقتضي النهي عن بيع مطلق. و لأنّ النقل في الثمار إنّما يكون عند بلوغ الثمرة في العرف و العادة، فينصرف إليه مطلق البيع كإطلاق الثمن مع العرف في نقد(4) البلد، فإنّه ينصرف إليه.

و الجواب: لا نسلّم النهي عن التبقية. و ما ورد(5) عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله في ذلك فقد بيّنّا أنّه للكراهة. و نحن نسلّم عود الإطلاق إلى التبقية، و نمنع التحريم فيها، لما بيّنّا من جواز اشتراطها.

تذنيب: إذا باعها مطلقا، وجب على البائع الإبقاء مجّانا إلى حين أخذها عرفا،

كما فيما بعد بدوّ الصلاح.

و قال أبو حنيفة: المطلق يقتضي القطع في الحال، فهو بمنزلة ما لو شرط القطع عنده، و لهذا جوّز المطلق، لأنّ بيعه قبل بدوّ الصلاح بشرط

ص: 350


1- منهم: الشيخ الطوسي في المبسوط 113:2، و الخلاف 85:3، المسألة 140، و ابن حمزة في الوسيلة: 250.
2- المهذّب - للشيرازي - 288:1، روضة الطالبين 210:3، الوسيط 181:3، الحاوي الكبير 191:5، التهذيب - للبغوي - 382:3، حلية العلماء 212:4 - 213، العزيز شرح الوجيز 346:4 و 347، بداية المجتهد 149:2، المعونة 2: 1006، التلقين 373:2، المغني 219:4، الشرح الكبير 231:4.
3- صحيح البخاري 101:3، صحيح مسلم 1167:3، 54، سنن النسائي 262:7 - 263، الموطّأ 618:2، 10، مسند أحمد 70:2، 4511، و 170، 5270.
4- في الطبعة الحجريّة: «إطلاق» بدل «نقد».
5- في الطبعة الحجريّة: و ما روي.

التبقية عنده باطل(1).

و إن باعها قبل بدوّ الصلاح منضمّة إلى شيء أو إلى ثمرة سنة أخرى، فإنّه يجوز إجماعا منّا، لرواية يعقوب بن شعيب - الصحيحة - عن الصادق عليه السّلام قال: «إذا كان الحائط فيه ثمار مختلفة فأدرك بعضها فلا بأس ببيعه جميعا»(2).

مسألة 158: لو باع بستانا بدا صلاح بعضه و لم يبد صلاح الباقي،

فعلى ما اخترناه نحن يجوز، لأنّا جوّزنا بيع ما لم يبد صلاحه منفردا فمنضمّا إلى ما بدا صلاحه أولى.

أمّا القائلون بالمنع من علمائنا فإنّه يجوز عندهم أيضا، لأنّ العاهة قد أمنت فيما بدا صلاحه، فجاز بيعه، و ما لم يبد صلاحه يجوز بيعه منضمّا إليه تبعا، كما لو باعه مع الزرع.

و لما رواه يعقوب بن شعيب - في الصحيح - عن الصادق عليه السّلام: «إذا كان الحائط فيه ثمار مختلفة فأدرك بعضها فلا بأس ببيعه جميعا»(3).

و هل يشترط اتّحاد البستان ؟ قال الشيخ: نعم، بمعنى أنّه لو كان بستان قد بدا صلاحه و البستان الآخر لم يبد صلاح شيء منه، لم يجز بيعهما صفقة واحدة. و لو كان بعض نخل البستان الواحد قد بدا صلاحه و البعض الآخر لم يبد صلاحه، جاز بيعه أجمع في عقد واحد(4).

و هذا القول لا اعتبار به عندنا.

و الشافعي فصّل هنا، فقال: إن كانت النخلة واحدة بأن بدا صلاح

ص: 351


1- الهداية - للمرغيناني - 25:3، الاختيار لتعليل المختار 9:2، الحاوي الكبير 191:5، حلية العلماء 214:4، التهذيب - للبغوي - 382:3، العزيز شرح الوجيز 347:4، المغني 219:4، الشرح الكبير 231:4-232.
2- الكافي 175:5، 5، التهذيب 85:3، 362، الإستبصار 87:3، 297.
3- الكافي 175:5، 5، التهذيب 85:3، 362، الاستبصار 87:3، 297.
4- المبسوط - للطوسي - 114:2.

بعض طلعها و بعضه لم يبد صلاحه، جاز بيع ثمرتها أجمع صفقة واحدة، لعسر التمييز و الفرق بينهما. و إن تعدّد النخل و كان بعضه قد بدا صلاحه دون البعض، فإن كان البستان واحدا و ضمّ أحدهما إلى الآخر في الصفقة، جاز، كما في النخلة الواحدة و إن كان ما بدا صلاحه نخلة واحدة.

و إن أفرد ما بدا صلاحه بالبيع، صحّ إجماعا. و إن أفرد ما لم يبد صلاحه بالبيع، ففي اشتراط شرط القطع وجهان، سواء اتّحد نوع النخل أو اختلف:

أحدهما: أنّه يشترط، إذ ليس في المبيع شيء قد بدا صلاحه، فيتبعه في عدم شرط القطع.

و الثاني: أنّه لا يشترط، و يكون ما لم يبد صلاحه تابعا لما بدا، لدخول وقت بدوّ الصلاح، فكأنّه موجود بالفعل.

و لو اختلف نوع الثمرة - كالبرني و المعقلي - في البستان الواحد فأدرك نوع دون آخر و باعهما صفقة واحدة، ففي الجواز وجهان أحدهما:

أنّه يجوز، لأنّه إذا كان يضمّ بعض النوع إلى بعض آخر ضمّ نوع إلى نوع آخر من جنسه كالزكاة. و الثاني: لا يضمّ، لأنّه قد يتباعد إدراكهما، فصارا كالجنسين.

و لو اختلف جنس الثمرة فكان أحدهما رطبا و الآخر عنبا و بدا صلاح أحد الجنسين و ضمّهما في البيع، وجب شرط القطع فيما لم يبد صلاحه منهما، و لا يتبع أحد الجنسين الآخر. و إن تعدّد البستان فبدا صلاح أحدهما دون الآخر، فإنّه لا يتبع أحدهما الآخر(1) ، بل يجب شرط القطع فيما لم يبد صلاحه - و به قال أحمد - لأنّه إنّما جعل ما لم يبد صلاحه تابعا فيا.

ص: 352


1- في الطبعة الحجريّة: فإنّه لا يتبعه أحدهما.

البستان الواحد، لما فيه من اشتراك الأيدي و التضرّر به، أمّا ما كان في قراح آخر فوجب أن يعتبر بنفسه(1).

و قال مالك: يجوز ضمّ أحد البستاين إلى الآخر و إن أدرك أحدهما خاصّة دون البستان الآخر من غير شرط القطع إذا كان مجاورا له و كان الصلاح معهودا لا منكرا(2).

و ربما نقل(3) عنه الضبط في المجاور ببساتين البلدة الواحدة، لأنّ الغرض الأمن من العاهة، و ما جاوره بمنزلة ما في هذا القراح.

مسألة 159: لو كان الذي بدا صلاحه من النخل لواحد و ما لم يبد صلاحه لآخر،

فباع مالك ما لم يبد صلاحه ثمرة ملكه، جاز عندنا مطلقا و عند جماعة من علمائنا و الجمهور بشرط القطع.

و للشافعي قول آخر، و هو: أنّه فصّل فقال: لا يخلو إمّا أن يكونا معا في بستان واحد أو نخل كلّ واحد منهما في بستان منفرد.

فإن كانا في بستان واحد، فوجهان مع اتّحاد المالك على ما تقدّم.

و أمّا مع تعدّده فقولان:

أحدهما: طرد الوجهين هنا.

و الثاني: القطع بالمنع، إذ لا يتعدّى حكم أحد المالكين إلى الآخر، فيجب شرط القطع.

و إن كانا في بستانين، فقولان:

ص: 353


1- انظر العزيز شرح الوجيز 349:4، و روضة الطالبين 211:3-212.
2- بداية المجتهد 152:2، العزيز شرح الوجيز 349:4، حلية العلماء 215:4، المغني 223:4.
3- كما في العزيز شرح الوجيز 349:4.

أحدهما: القطع بأنّه لا عبرة به، و لا نظر إلى بدوّ الصلاح في بستان غير البائع.

و الثاني: أنّه إذا لم يفرق فيما إذا بدا فيه الصلاح من ذلك البستان و لم يدخل في البيع بين أن يكون ملك البائع أو ملك غيره، فقياسه أن لا يفرق فيما بدا فيه الصلاح في بستان آخر أيضا إذا لم يشترط اتّحاد البستان(1).

مسألة 160: إذا باعه الثمرة قبل بدوّ الصلاح بشرط القطع، جاز
اشارة

إجماعا على ما تقدّم، و يجب الوفاء به على المشتري (إذا لم يشترطه)(2) على البائع.

و لو تراضيا على الترك جاز إجماعا منّا، و به قال الشافعي(3) ، و كان بدوّ الصلاح بمنزلة كبر العبد الصغير.

و قال أحمد: يبطل البيع و تعود الثمرة إلى البائع(4). و ليس(5)..

و لو أبقاه المشتري و لم ينكر البائع أو أنكر، فعلى المشتري أجرة المثل عن مدّة الإبقاء.

تذنيب: لا فرق بين ما إذا اشترط القطع في مقطوع ينتفع به أو لا ينتفع به،

عملا بالأصل، فلو شرط القطع فيما لا منفعة فيه - كالجوز و الكمّثرى - جاز.

و قال بعض الشافعيّة: لا يجوز البيع بشرط القطع إلاّ إذا كان المقطوع

ص: 354


1- العزيز شرح الوجيز 350:4، روضة الطالبين 212:3.
2- بدل ما بين القوسين في «ق، ك»: إلاّ أن يشترطه.
3- العزيز شرح الوجيز 347:4، روضة الطالبين 210:3.
4- المغني 221:4، الشرح الكبير 223:4-224، العزيز شرح الوجيز 347:4.
5- كذا في «ق، ك» و الطبعة الحجريّة. و الظاهر: «ليس بجيّد».

ممّا ينتفع به، كالحصرم و اللوز(1).

مسألة 161: لو كانت الأشجار للمشتري فباع الثمرة عليه بأن يبيع الشجرة من إنسان بعد ظهور الثمرة

و يبقي الثمرة له ثمّ يبيع الثمرة من مشتري الشجرة، أو يوصي بالثمرة لإنسان ثمّ يبيع الموصى له الثمرة من الوارث، لم يشترط اشتراط القطع عندنا، لما مرّ.

و أمّا المشترطون فقد اختلفوا هنا.

فقال أكثر الشافعيّة: إنّه يشترط شرط القطع في صحّة البيع، لشمول الخبر، و للمعنى أيضا، فإنّ المبيع هو الثمرة، و لو تلفت لم يبق في مقابلة الثمن شيء لكن يجوز له الإبقاء، و لا يلزمه الوفاء بالشرط هنا، إذ لا معنى لتكليفه قطع ثماره من أشجاره(2).

و قال بعضهم: لا حاجة إلى شرط القطع، لأنّه يجمعهما ملك مالك واحد، فأشبه ما لو اشتراهما معا(3).

و لو باع الشجرة و عليها ثمرة مؤبّرة، بقيت للبائع، فلا حاجة إلى شرط القطع، لأنّ المبيع هو الشجرة و ليست متعرّضة للعاهات، و الثمرة مملوكة بحكم الدوام.

و لو كانت الثمرة غير مؤبّرة فاستثناها البائع لنفسه، صحّ عندنا، و لم يجب شرط القطع.

و للشافعيّة وجهان:

أحدهما: نعم، لأنّ الثمار و الحال هذه مندرجة لو لا الاستثناء، فكان كملك مبتدأ.

ص: 355


1- العزيز شرح الوجيز 347:4، روضة الطالبين 210:3.
2- العزيز شرح الوجيز 348:4، روضة الطالبين 210:3.
3- العزيز شرح الوجيز 348:4، روضة الطالبين 210:3.

و أصحّهما عندهم: أنّه لا يجب، لأنّه في الحقيقة استدامة ملك، فعلى هذا له الإبقاء إلى وقت الجذاذ. و لو صرّح بشرط الإبقاء، جاز، و على الأوّل لا يجوز(1).

مسألة 162: لو باع الثمار مع الأصول قبل بدوّ الصلاح من غير شرط القطع،

جاز إجماعا، لقوله عليه السّلام: «من باع نخلا بعد أن تؤبّر فثمرتها للبائع إلاّ أن يشترط المبتاع»(2) دلّ على أنّه لو اشترطها، كانت للمشتري، و ذلك هو بيع الثمرة مع الأصول. و لأنّ الثمرة هنا تتبع الأصل، و الأصل غير معرّض للعاهة. و يحتمل في التابع(3) ما لا يحتمل في غيره إذا أفرد بالتصرّف، كالحمل في البطن، و اللبن في الضرع، و السقف مع الدار و أساسات الحيطان.

و لو شرط بائع الأصل و الثمرة قطع الثمرة قبل بدوّ الصلاح، لم يجز، لتضمّنه الحجر عليه في ملكه.

مسألة 163: لو باع الثمرة بعد بدوّ صلاحها، جاز مطلقا و بشرط القطع إجماعا،

للأصل السالم عن معارضة تطرّق الآفة.

و لو باعها حينئذ بشرط التبقية، جاز عند علمائنا أجمع - و به قال الشافعي و مالك و أحمد(4) - لأنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله نهى عن بيع الثمرة حتى

ص: 356


1- العزيز شرح الوجيز 348:4، روضة الطالبين 211:3.
2- سنن أبي داود 268:3، 3433، سنن الترمذي 546:3، 1244، سنن النسائي 297:7، مسند الحميدي 277:2، 613.
3- في «ق، ك» و الطبعة الحجريّة: البائع. و الصحيح ما أثبتناه.
4- المهذّب - للشيرازي - 288:1، حلية العلماء 214:4، الحاوي الكبير 5: 193، العزيز شرح الوجيز 346:4، التلقين 372:2، المعونة 1006:2، المغني 222:4، الشرح الكبير 263:4.

تزهي(1) ، و قد ثبت أنّه إنّما نهى عنه قبل أن تزهي عن بيع يتضمّن التبقية، لأنّه يجوز شرط القطع عند أبي حنيفة مطلقا(2) ، فثبت أنّ الذي أجازه هو الذي نهى عنه [1].

و لأنّ النقل و التحويل يجوز في البيع بحكم العرف، فإذا شرط جاز، كما لو شرط أن ينقل الطعام من ملك البائع حسب الإمكان، فإنّه يجوز.

و لأنّ النهي عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها، و الحكم بعد الغاية يخالف الحكم قبلها.

ثمّ عند الإطلاق يجوز الإبقاء [إلى](3) أوان الجذاذ، للعرف. و شرط التبقية تصريح بما هو من مقتضيات العقد.

و قال أبو حنيفة و أصحابه: لا يجوز بشرط التبقية، و يجب القطع في الحال في صورة الإطلاق، إلاّ أنّ محمّدا يقول: إذا تناهى عظم الثمرة، جاز فيها شرط التبقية، لأنّ هذا شرط الانتفاع بملك البائع على وجه لا يقتضيه العقد، كما لو شرط تبقية الطعام في منزله(4).

و الجواب: نسلّم الملازمة، و نمنع بطلان التالي، و ما لا يقتضيه العقد يجوز اشتراطه إذا لم يناف العقد و لا الشرع. و شرط تبقية الطعام في منزله جائز عندنا.4.

ص: 357


1- صحيح البخاري 101:3، سنن النسائي 264:7، سنن البيهقي 300:5، الموطّأ 618:2، 11.
2- الهداية - للمرغيناني - 25:3، المغني 222:4، الشرح الكبير 263:4-264.
3- أضفناها لأجل السياق.
4- المغني 222:4، الشرح الكبير 263:4-264، الحاوي الكبير 193:5، حلية العلماء 215:4، العزيز شرح الوجيز 346:4.
مسألة 164: يجوز عندنا بيع الثمار بعد بدوّ صلاحها مع ما يحدث بعدها في تلك السنة أو سنة أخرى

- و به قال مالك(1) - لما تقدّم(2) من قول الصادق عليه السّلام و قد سئل عن شراء النخل و الكرم و الثمار ثلاث سنين أو أربع سنين: «لا بأس به» و إذا جاز(3) ذلك قبل بدوّ الصلاح فبعده أولى.

و منع الشافعي منه(4) و ليس بجيّد.

مسألة 165: حدّ بدوّ الصلاح في ثمرة النخل تغيّر اللون من الخضرة

- التي هي لون البلح - إلى الحمرة أو الصفرة - و هو قول أكثر الجمهور(5) - لما رواه العامّة من قول النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: «حتى تزهي» قيل: يا رسول اللّه و ما تزهي ؟ قال: «حتى تحمرّ أو تصفرّ»(6).

و في حديث آخر: «حتى تحمارّ أو تصفارّ»(7).

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السّلام: «حتى يزهو» قلت: و ما الزهو؟ قال: «حتى يتلوّن»(8).

و عن الرضا عليه السّلام: «حتى يزهو» قال الراوي: قلت: و ما الزهو جعلت فداك ؟ قال: «يحمرّ و يصفرّ و شبه ذلك»(9).

ص: 358


1- العزيز شرح الوجيز 346:4.
2- في ص: 346.
3- في «ق، ك»: أجاز.
4- العزيز شرح الوجيز 346:4، روضة الطالبين 209:3.
5- المغني 224:4، الشرح الكبير 301:4-307.
6- أورده الماوردي في الحاوي الكبير 194:5، و الرافعي في العزيز شرح الوجيز 350:4.
7- صحيح البخاري 101:3، المغني 224:4، الشرح الكبير 310:4.
8- الكافي 176:5، 8، التهذيب 84:7، 359، الإستبصار 86:3، 294.
9- الكافي 175:5، 3، الفقيه 133:3، 580، التهذيب 85:7، 363، الاستبصار 87:3، 298.

و حكي عن بعض الفقهاء أنّه قال: بدوّ الصلاح في الثمار بطلوع الثريّا(1) ، لأنّ ابن عمر روى أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله نهى عن بيع الثمار حتى تذهب العاهة، فقال له عثمان بن عبد اللّه بن سراقة: متى ذلك ؟ قال: إذا طلع الثريّا(2).

و الجواب: هذه التتمّة من قول ابن عمر لا من قول النبيّ صلّى اللّه عليه و آله، فلا عبرة به، و إنّما قال ذلك بناء على عادة أهل تلك البلاد أنّ طلوع الثريّا إنّما يكون عند بلوغ الثمرة، و إلاّ فهو مختلف في البلاد. و الغرض ببلوغ الثمرة زوال الغرر الحاصل من تطرّق العاهة، و ذلك يحصل ببلوغها لا بطلوع الثريّا.

الثاني: في ثمرة الأشجار.
مسألة 166: لا يجوز بيع ثمرة الشجرة

مسألة 166: لا يجوز بيع ثمرة الشجرة(3) قبل ظهورها عاما واحدا

إجماعا، لأنّها معدومة، فكانت كبيع الملاقيح و المضامين، إذ لا فرق بينهما، فإنّ كلّ واحد منهما نماء و ثمرة مستكنّ في أصله لم يبرز إلى الخارج.

و هل يجوز بيعها قبل ظهورها عامين ؟ الأقوى عندي: المنع، و قد تقدّم البحث فيه في ثمرة النخل، و الخلاف هنا كما هو ثمّ.

و كذا لو باع الثمرة قبل ظهورها منضمّة إلى شيء آخر.

مسألة 167: و يجوز بيع ثمرة الشجرة

مسألة 167: و يجوز بيع ثمرة الشجرة(4) بعد ظهورها و إن لم يبد صلاحها سنة،

و بعده بشرط القطع و مطلقا و بشرط التبقية، لما مرّ.

ص: 359


1- بداية المجتهد 151:2.
2- مسند أحمد 146:2، 5086، سنن البيهقي 300:5.
3- في «ق، ك»: الشجر.
4- في «ق، ك»: الشجر.

و الخلاف هنا كالخلاف هناك.

و كذا يجوز بيعها قبل بدوّ الصلاح سنتين فصاعدا.

و يجوز بيعها منضمّة إلى الأصول قبل بدوّ الصلاح و بعده و بشرط القطع و عدمه.

و كذا يجوز منضمّة إلى غيرها مطلقا قبل انعقادها و بعده، سواء كان بارزا كالتفّاح و المشمش و العنب، أو في قشر يحتاج إليه لادّخاره، كالجوز في القشر الأسفل، و اللوز، أو في قشر لا يحتاج إليه، كالقشر الأعلى للجوز و الباقلاء(1) الأخضر و الهرطمان [1] و العدس.

و كذا السنبل يجوز بيعه، سواء كان بارزا كالشعير، أو مستترا كالحنطة، و سواء بيع منفردا أو مع أصله، و سواء كان قائما أو حصيدا من غير اعتبار كيل أو وزن، إلاّ إذا كان البيع بعد التصفية.

مسألة 168: بدوّ الصلاح في ثمرة الأشجار الانعقاد، و في الزرع عند اشتداد الحبّ،

لأنّ عمّار بن موسى سأل الصادق عليه السّلام عن الكرم متى يحلّ بيعه ؟ فقال: «إذا عقد و صار عنقودا(2) - و العنقود اسم الحصرم بالنبطيّة -»(3).

و عن محمّد بن شريح عن الصادق عليه السّلام في ثمر الشجر «لا بأس بشرائه إذا صلحت ثمرته» فقيل له: و ما صلاح ثمرته ؟ فقال: «إذا عقد بعد سقوط و رده»(4).

ص: 360


1- في الطبعة الحجريّة: و الباقلي.
2- في المصدر: عقودا.
3- التهذيب 84:7، 358.
4- التهذيب 91:7، 388، الاستبصار 89:3، 203.

و قال الشافعي: إن كانت الثمرة ممّا تحمرّ أو تصفرّ أو تسودّ، فبدوّ الصلاح أن تحصل فيها هذه الألوان. و إن كانت ممّا تبيضّ فأن تتموّه، و هو أن يبدو فيه الماء الحلو و يصفرّ لونه. و إن كان ممّا لا يتلوّن - كالتفّاح - فبأن يحلو و يطيب أكله. و إن كان بطّيخا فأن يقع فيه النضج. و إن كان مثل القثّاء و الخيار الذي لا يتغيّر لونه و لا طعمه فبأن يتناهى عظم بعضه و هو وقت أخذه(1).

و النقل على ما ذكرناه، فهو أولى من الأخذ بالتخمين و الاستحسان.

الثالث: الخضر - كالقثّاء و الباذنجان و البطّيخ و الخيار - يجوز بيعه
اشارة

بعد انعقاده و ظهوره. و لا يشترط أزيد من ذلك من تغيّر لون أو طعم أو غيرهما، لأنّه مملوك طاهر منتفع به، فجاز بيعه، كغيره من المبيعات.

و يجوز بيعها منفردة و منضمّة إلى أصولها و غير أصولها بشرط القطع و التبقية و مطلقا.

و قال الشافعي: إن كان البيع للثمرة خاصّة قبل بدوّ الصلاح، وجب شرط القطع، كما في ثمرة النخل. و إن باع الأصل خاصّة، صحّ البيع.

و كذا لو باعها منضمّة إلى الثمرة التي لم يبد صلاحها(2).

و إذا باع البطّيخ و غيره من الخضر بعد بدوّ الصلاح في الجميع أو في بعضه [جاز](3) مطلقا عندنا.

و قال الشافعي: يجب شرط القطع إن خيف خروج غيره، لأنّه إذا وجب

ص: 361


1- المهذّب - للشيرازي - 288:1، الحاوي الكبير 195:5-196، العزيز شرح الوجيز 350:4، روضة الطالبين 212:3، المغني 224:4، الشرح الكبير 4: 301-307.
2- العزيز شرح الوجيز 351:4، روضة الطالبين 213:3.
3- إضافة يقتضيها السياق.

شرط القطع خوفا من الجائحة التي الغالب فيها العدم، فلأن يجب خوفا من الاختلاط الذي الغالب فيه الوجود كان أولى(1).

و الجواب: المنع من كون الاختلاط مانعا من البيع، لإمكان المخلص عنه.

و إن لم يخف اختلاطه بغيره، صحّ بيعه بشرط القطع و بغير شرطه(2).

مسألة 169: لو أفردت أصول البطّيخ و غيره من الخضر بالبيع بعد ظهور الثمرة عليها، صحّ البيع،

و كانت الثمرة للبائع، عملا باستصحاب الملك السالم عن شرط إدخاله في البيع، سواء كان قد بدا صلاحها أو لا.

و لا يجب اشتراط القطع إذا لم يخف الاختلاط.

ثمّ الحمل الموجود يكون للبائع، و ما يحدث بعده للمشتري، و به قال الشافعي(3).

و إن خيف اختلاط الحملين، لم يجب شرط(4) القطع عندنا، للأصل.

و قال الشافعي: يجب(5).

و لو باع الأصول قبل خروج الحمل، فلا يجب اشتراط القطع، للأصل.

و قال الشافعي: لا بدّ من شرط القطع أو القلع كالزرع(6).

و لو باع البطّيخ مع أصوله، لم يجب شرط القطع عندنا، كالثمرة مع الشجرة.

و قال بعض أصحاب الشافعي: لا بدّ من شرط القطع، بخلاف الثمرة مع

ص: 362


1- العزيز شرح الوجيز 351:4، روضة الطالبين 213:3.
2- العزيز شرح الوجيز 351:4، روضة الطالبين 213:3.
3- العزيز شرح الوجيز 351:4، روضة الطالبين 213:3.
4- في الطبعة الحجريّة: «اشتراط» بدل «شرط».
5- العزيز شرح الوجيز 351:4، روضة الطالبين 213:3.
6- العزيز شرح الوجيز 351:4، روضة الطالبين 213:3.

الشجرة، لأنّ الشجرة غير معرّضة للجائحة، بخلاف البطّيخ مع أصله، فإنّه متعرّض لها. أمّا لو باع البطّيخ و أصله و الأرض أيضا، استغنى عن شرط القطع، و كان الأرض هنا كالأشجار ثمّ(1).

مسألة 170: لو باع الثمرة الظاهرة و ما يظهر بعد ذلك، صحّ البيع عندنا

- و به قال مالك(2) - لأصالة الصحّة. و لأنّ المتجدّد هنا كالمتجدّد في الثمرة في السنة الثانية، فكما يصحّ(3) بيع الثمرة سنتين صحّ هنا. و لأنّ ذلك يشقّ تمييزه، فجعل ما لم يظهر تبعا لما يظهر، كما أنّ ما لم يبد صلاحه تبع لما بدا صلاحه.

و لقول الصادق عليه السّلام و قد سئل عن شراء النخل و الكرم و الثمار ثلاث سنين أو أربع سنين: «لا بأس به»(4) و الخضراوات من جملة الثمار.

و قال الشافعي: لا يصحّ البيع - و به قال أبو حنيفة و أحمد - لأنّها ثمرة لم تخلق، فلا يجوز بيعها، كما لا يجوز بيعها قبل ظهور شيء منها(5).

و الجواب: الفرق، فإنّ مع الظهور يبقى المعدوم تابعا، فجاز بيعه،

ص: 363


1- العزيز شرح الوجيز 351:4، روضة الطالبين 213:3.
2- الموطّأ 619:2 ذيل الحديث 13، الاستذكار 108:19، 28387، و 109، 28389، بداية المجتهد 157:2، الكافي في فقه أهل المدينة: 333، الحاوي الكبير 196:5، حلية العلماء 216:4-218، بدائع الصنائع 139:5، المغني 225:4، الشرح الكبير 219:4.
3- في «ق، ك»: صحّ.
4- الكافي 175:5، 2، الفقيه 132:3، 576، التهذيب 85:7، 364، الإستبصار 87:3، 299.
5- حلية العلماء 216:4-217، الحاوي الكبير 196:5 و 197، الاستذكار 19: 109، 28390، بدائع الصنائع 139:5، المغني 224:4-225، الشرح الكبير 4: 219.

بخلاف عدم الظهور، فإنّ العدم يبقى أصلا.

مسألة 171: و يجوز بيع ما يجزّ جزّة و جزّات،
اشارة

و كذا ما يخرط خرطة و خرطات، كلّ ذلك مع ظهور الجزّة الاولى و الخرطة الأولى، سواء بدا صلاحها أو لا، كالكرّاث و الهندباء و النعناع و التوت و الحنّاء، عملا بالأصل السالم عن معارضة المبطل.

و لما رواه ثعلبة بن زيد(1) ، قال: سألت الباقر عليه السّلام: عن الرطبة تباع قطعتين أو الثلاث قطعات، فقال: «لا بأس به» قال: فأكثرت السؤال عن أشباه هذا، فجعل يقول: «لا بأس»(2).

و عن سماعة قال: سألته عن ورق الشجر هل يصلح شراؤه ثلاث خرطات أو أربع خرطات ؟ فقال: «إذا رأيت الورق في شجرة فاشتر ما شئت من خرطة»(3).

و عن معاوية بن ميسرة قال: سألت الصادق عليه السّلام: عن بيع النخل سنتين، قال: «لا بأس به» قلت: فالرطبة نبيعها هذه الجزّة و كذا و كذا جزّة بعدها؟ قال: «لا بأس به» ثمّ قال: «كان أبي يبيع الحنّاء كذا و كذا خرطة»(4).

تذنيب: من جوّز بيع الثمرة قبل ظهورها عامين

يحتمل تجويز بيع الورق من التوت و الحنّاء و شبههما خرطتين قبل ظهورها.

أمّا ما يجزّ كالكرّاث قبل ظهوره فالأولى - تفريعا على الجواز في

ص: 364


1- في الكافي: عن ثعلبة عن بريد. و في التهذيب: ثعلبة بن زيد عن بريد.
2- الكافي 174:5 (باب بيع الثمار و شرائها) الحديث 1، التهذيب 86:7، 366.
3- الكافي 176:5، 7، التهذيب 86:7، 367.
4- الكافي 177:5، 11، التهذيب 86:7، 368.

الثمرة - المنع فيه، لأنّه لا أصل له ظاهرا يرجع إلى معرفة المجزوز تقريبا، و لا فرع ظاهر له، بخلاف ورق التوت و الحنّاء.

و لو بيع ما يخرط أو يجزّ مع أصله، صحّ، سواء بدا صلاحه أو لا.

المطلب الثاني: في الأحكام.
مسألة 172: يجوز بيع الزرع قصيلا 1 بشرط القطع و بشرط التبقية و مطلقا،

عملا بالأصل السالم عن المبطل.

فإن شرط القصل أو أطلق و اقتضت العادة فيه القصل، وجب على المشتري قصله، فإن لم يفعل، فللبائع قطعه و تركه بالأجرة.

و إن شرط التبقية، جاز، و وجب على البائع إبقاؤه إلى كمال حدّه، للأصل.

و قال الشافعي: لا يجوز بيع الزرع الأخضر إلاّ بشرط القطع(1).

و لو باعه الزرع مع الأرض، جاز إجماعا.

و كذا عندنا يجوز بيع البقول دون الأرض بعد ظهورها قبل بدوّ صلاحها و بعده مطلقا و بشرط القطع و التبقية منضمّة إلى الأرض و منفردة، عملا بالأصل و العمومات.

و قال الشافعي: لا يجوز بيع البقول في الأرض دون الأرض إلاّ بشرط القطع أو القلع، سواء كان ممّا يجزّ مرارا أو مرّة واحدة(2).

ص: 365


1- المهذّب - للشيرازي - 288:1، العزيز شرح الوجيز 352:4، روضة الطالبين 214:3.
2- العزيز شرح الوجيز 352:4، روضة الطالبين 214:3.

و لو باع الزرع بعد اشتداد الحبّ، فهو كما لو باع الثمرة بعد بدوّ الصلاح.

مسألة 173:
الثمرة إمّا بارزة،

كالتفّاح و الكمّثرى و الخوخ و المشمش و أشباهه، فهذا يجوز بيعه بعد ظهوره في شجره و على الأرض إجماعا، لظهوره و مشاهدته.

و إمّا غير بارزة بل مستورة بالكمام،
اشارة

و هو قسمان:

الأوّل: ما يكون كمامه من مصلحته يحفظ رطوبته و يبقى معه،

كالرمّان و الجوز و اللوز في القشر الثاني، فهذا يجوز بيعه إجماعا، لأنّه إذا اخرج من قشره، سارع إليه الفساد، فلم يقف بيعه على ذلك. و لا فرق بين أن يباع على شجرة أو مقطوعا على الأرض.

الثاني: ما لا يكون بقاء قشره من مصلحته،

كالجوز و اللوز في قشريه، فإنّه يجوز بيعه عندنا، سواء قشر من قشره الأعلى أو لا، و سواء كان مقطوعا على الأرض أو باقيا على الشجرة - و به قال مالك و أبو حنيفة و أحمد(1) - لأنّه حائل من أصل الخلقة، فلا يمنع من جواز البيع، كقشر الرمّان و البيض.

و كذا الباقلاء الأخضر يجوز بيعه و إن لم ينزع عنه القشر الأعلى، سواء كان رطبا أو يابسا، و سواء بيع منفردا أو منضمّا و مقطوعا و غير مقطوع، عند علمائنا أجمع - و به قال مالك و أبو حنيفة و أحمد(2) - لما تقدّم.

و قال الشافعي: لا يجوز بيع ذلك كلّه إلاّ بعد أن يقشر الجوز و اللوز

ص: 366


1- المغني 225:4، العزيز شرح الوجيز 354:4، المعونة 1011:2، التلقين 2: 374.
2- المغني 225:4، حلية العلماء 99:4-100، الهداية - للمرغيناني - 26:3، العزيز شرح الوجيز 354:4.

و شبههما من القشر الأعلى، لا على رأس الشجرة و لا على وجه الأرض، و لا بيع الباقلاء الأخضر حتى ينزع عنه القشر الأعلى(1).

و جوّز أبو العباس بن القاص و أبو سعيد الإصطخري من الشافعيّة بيع الباقلاء الأخضر في القشر الأعلى، و هو قول الشافعي أيضا، لأنّه يؤكل رطبا، و بقاؤه في قشره الأخضر يحفظ رطوبته. و كذا قالا في الجوز و اللوز إذا كانا رطبين، فأمّا إذا يبسا، فلا يجوز بيعهما في القشر الأعلى(2).

و احتجّ الشافعي: بأنّ المقصود مستور فيما لا يدّخر عليه و فيما لا مصلحة له فيه، فلم يجز بيعه، كالمعادن و الحيوان المذبوح قبل سلخه(3).

و الجواب: المنع من اللازم، فإنّه يجوز عندنا بيع المعادن بشرط المشاهدة، و بيع الحيوان قبل سلخه إن لم نشترط فيه الوزن.

مسألة 174: السنبل يجوز بيعه،

سواء كان حبّه ظاهرا، كالشعير و السلت، أو مستورا، كالحنطة و العدس و السمسم، قبل بدوّ الصلاح و بعده بشرط القطع و التبقية و مطلقا - و به قال أبو حنيفة و مالك(4) - للأصل و العمومات.

ص: 367


1- التهذيب - للبغوي - 386:3، العزيز شرح الوجيز 353:4، المجموع 9: 308، روضة الطالبين 215:3، منهاج الطالبين: 107، المعونة 1011:2، المغني 225:4.
2- العزيز شرح الوجيز 353:4، حلية العلماء 99:4-100، التهذيب - للبغوي - 386:3، المهذّب - للشيرازي - 271:1، المجموع 306:9، منهاج الطالبين: 107.
3- العزيز شرح الوجيز 353:4، المغني 225:4.
4- الهداية - للمرغيناني - 26:3، بداية المجتهد 152:2، التلقين 374:2، المعونة 1011:2.

و قال الشافعي: إن كان الحبّ ظاهرا، جاز بيعه مع السنبل بعد الحصاد و قبله، لظهور المقصود. و إن كان مستورا كالحنطة، لم يجز بيعه في السنبلة دون السنبلة، و مع السنبلة قولان:

القديم: الجواز، لنهيه عليه السّلام عن بيع الحبّ حتى يشتدّ(1) ، و قد اشتدّ، فيزول النهي، و إلاّ انتفت فائدة الغاية.

و الجديد: المنع، لأنّ المقصود مستور بما لا يتعلّق به الصلاح(2).

أمّا الأرز فإنّه كالشعير عنده يجوز بيعه في سنبله، لأنّه يدّخر في قشره(3).

و قال بعض الشافعيّة: إنّه كالحنطة(4).

مسألة 175: إذا كان المقصود مستورا في الأرض، لم يجز بيعه
اشارة

إلاّ بعد قلعه، كالجزر و الثوم و البصل - و به قال الشافعي(5) - للجهالة، لانتفاء المشاهدة و الوصف.

و يجوز بيع أوراقها الظاهرة بشرط القطع و الإبقاء، خلافا للشافعي في الإبقاء(6).

ص: 368


1- سنن أبي داود 253:3، 3371، سنن البيهقي 303:5، المستدرك - للحاكم - 19:2.
2- المهذّب - للشيرازي - 271:1، المجموع 307:9-308، التهذيب - للبغوي - 387:3، الحاوي الكبير 199:5، العزيز شرح الوجيز 353:4، روضة الطالبين 216:3.
3- العزيز شرح الوجيز 353:4، المجموع 308:9، روضة الطالبين 216:3.
4- العزيز شرح الوجيز 353:4، المجموع 308:9، روضة الطالبين 216:3.
5- التهذيب - للبغوي - 387:3-388، العزيز شرح الوجيز 354:4، المجموع 308:9، روضة الطالبين 216:3.
6- التهذيب - للبغوي - 387:3 و 388، العزيز شرح الوجيز 354:4، المجموع 308:9، روضة الطالبين 216:3.

و الشلجم نوعان: منه ما هو مستور لا يجوز بيعه قبل قلعه. و منه ما يكون ظاهرا، فيجوز(1) بيعه بشرط القطع و التبقية.

و يجوز أيضا بيع اللوز في قشره الأعلى قبل انعقاد الأسفل، لأنّه مأكول كلّه كالتفّاح، عند الشافعي(2).

و عندنا يجوز مطلقا، سواء يبس قشره أو لا، و سواء انعقد الأسفل أو لا.

فروع:
أ - اختلف الشافعيّة في المنع من

أ - اختلف الشافعيّة في المنع من(3) جميع ما تقدّم قول الشافعي بالمنع فيه

هل هو مقطوع به أو مفرّع على قول منع بيع الغائب ؟ قال الجويني: أنّه مفرّع عليه، فلو جوّز بيع الغائب، صحّ البيع فيها جميعا(4).

و قيل: إنّ المنع في بيع الجزر في الأرض و ما في معناه ليس مبنيّا على بيع الغائب، لأنّ في بيع الغائب يمكن ردّ المبيع بعد الرؤية بصفته و هنا لا يمكن(5).

ب - على قول الشافعي بالمنع لو باع الجوز

- مثلا - في القشرة العليا مع الشجرة أو باع الحنطة في سنبلها مع الأرض، فطريقان:

أحدهما: أنّ البيع باطل في الجوز و الحبّ، و في الشجر و الأرض قولا تفريق الصفقة.

ص: 369


1- في الطبعة الحجريّة: يجوز.
2- العزيز شرح الوجيز 354:4، المجموع 308:9، روضة الطالبين 216:3.
3- في «ق، ك»: «في» بدل «من».
4- العزيز شرح الوجيز 354:4، المجموع 308:9، روضة الطالبين 216:3.
5- العزيز شرح الوجيز 354:4، المجموع 308:9، روضة الطالبين 216:3.

و أصحّهما عندهم: القطع بالمنع في الكلّ، للجهل بأحد المقصودين و تعذّر التوزيع(1).

و الأقوى عندنا: الجواز، و الجهالة في بعض أجزاء المبيع غير مضرّة.

ج - لو باع أرضا فيها بذر لم يظهر مع البذر، صحّ عندنا إن كان البذر تابعا.

و للشافعي قولان، هذا أحدهما. و الثاني: بطلان البيع في البذر خاصّة. و في الأرض طريقان سبقا. و من قال بالصحّة في الأرض لا يذهب إلى التوزيع، بل يوجب جميع الثمن بناء على أحد القولين فيما لو باع ماله و مال غيره و صحّحنا البيع في ماله و خيّرناه، أنّه إذا أجاز يجيز بجميع الثمن(2).

و أمّا على مذهبنا فإذا كان البذر مقصودا، بطل البيع في الجميع، للجهالة.

و لو باع البذر وحده، بطل عندنا و عند كلّ من يوجب العلم في المبيع، سواء عرف قدر البذر و شاهده قبل رميه أو لا، لخفاء حاله عند العقد، و إمكان تجدّد الفساد بعد العقد، فخالف بيع الغائب بعد المشاهدة، فإنّ فساده معلوم الوقت.

و لو باع الأرض وحدها، صحّ البيع، و وجب عليه الصبر إلى وقت أخذ الزرع. و له الخيار في الفسخ و الإمضاء مجّانا إن لم يكن عالما بالحال.

مسألة 176: كما يصحّ بيع الثمرة يصحّ بيع أبعاضها على رءوس الأشجار
اشارة

و مقطوعة قبل بدوّ الصلاح و بعده مع شرط القطع و التبقية و الإطلاق

ص: 370


1- العزيز شرح الوجيز 354:4، المجموع 309:9، روضة الطالبين 216:3.
2- حلية العلماء 208:4، العزيز شرح الوجيز 354:4، المجموع 309:9، روضة الطالبين 216:3.

بشرطين: الإشاعة و العلم بالجزئيّة - كالنصف و الثلث مثلا - في كلّ صورة يصحّ بيع الجميع فيها، عند علمائنا أجمع.

و قال بعض الشافعيّة: لا يصحّ البيع قبل بدوّ الصلاح، لأنّ البيع يفتقر إلى شرط القطع، و لا يمكن قطع النصف إلاّ بقطع الجميع، فيتضرّر البائع بنقصان غير المبيع(1).

و الجواب: المنع من اشتراط القطع، و قد تقدّم.

سلّمنا، لكن لا يلزم ثبوته، لإمكان قسمة الثمار على رءوس الأشجار.

سلّمنا، لكن هذا الضرر أدخله البائع على نفسه، كما لو باع ثمرة تفتقر إلى سقي يضرّ بالأصل.

فروع:
أ - لو باع نصف الثمرة مع نصف النخل، صحّ إجماعا،

و كانت الثمرة تابعة عند المانعين(2) من البيع قبل بدوّ الصلاح.

ب - لو كانت الثمرة لإنسان و الشجرة لآخر،

فباع صاحب الثمرة نصف ثمرته من صاحب الشجرة، صحّ عندنا مطلقا على ما تقدّم.

و للشافعي وجهان بناء على الخلاف في اشتراط القطع هنا(3).

ج - لو كانت الأشجار و الثمار مشتركة بين رجلين،

فاشترى أحدهما نصيب صاحبه من الثمرة، جاز عندنا.

و منع الشافعي من الجواز(4).

و لو اشترى نصيب صاحبه من الثمرة بنصيبه من الشجرة، جاز عندنا.

ص: 371


1- العزيز شرح الوجيز 351:4، روضة الطالبين 213:3.
2- العزيز شرح الوجيز 352:4، روضة الطالبين 214:3.
3- العزيز شرح الوجيز 352:4، روضة الطالبين 214:3.
4- العزيز شرح الوجيز 352:4، روضة الطالبين 214:3.

و منع الشافعي من جوازه مطلقا، و جوّزه بشرط القطع، لأنّ جملة الثمار تصير لمشتري الثمرة، و جملة الأشجار للآخر، و على مشتري الثمرة قطع الكلّ، لأنّه بهذه المقابلة(1) الزم قطع النصف المشتري بالشرط، و الزم تفريغ الأشجار لصاحبها، و بيع الشجرة على أن يفرغها المشتري جائز(2).

و كذا لو كانت الأشجار لأحدهما و الثمرة بينهما، فاشترى صاحب الشجرة نصيب صاحبه من الثمرة بنصف الشجرة، جاز مطلقا عندنا، و بشرط القطع عند الشافعي(3).

مسألة 177: يجوز للبائع أن يستثني جزءا مشاعا - كالثلث و شبهه
اشارة

- إجماعا، لأنّه لا يؤدّي إلى جهالة المستثنى منه.

و كذا يجوز أن يستثني نخلات بعينها إجماعا، و أن يستثني عذقا معيّنا مشخّصا من أعذاق النخلة الواحدة، و لا يجوز أن يستثني نخلة غير معيّنة و لا عذقا غير مشخّص إجماعا، و لا الأجود و لا الأردأ، لأنّ الاستثناء غير معلوم، فصار المبيع مجهولا.

و هل يجوز استثناء أرطال معلومة و إمداد معلومة ؟ ذهب علماؤنا إلى جوازه - و به قال مالك(4) - لأنّه استثنى معلوما، فأشبه ما لو استثنى جزءا مشاعا.

و لقول الصادق عليه السّلام و قد سأله ربعي: إنّ لي نخلا بالبصرة فأبيعه و اسمّي الثمن و أستثني الكرّ من التمر أو أكثر، قال: «لا بأس»(5).

ص: 372


1- في المصدر: «المعاملة» بدل «المقابلة».
2- العزيز شرح الوجيز 352:4، روضة الطالبين 214:3.
3- العزيز شرح الوجيز 352:4، روضة الطالبين 214:3.
4- بداية المجتهد 164:2، المنتقى - للباجي - 236:4-237، حلية العلماء 4: 222، الهداية - للمرغيناني - 26:3، المغني 231:4، الشرح الكبير 34:4.
5- الكافي 175:5، 4، التهذيب 85:7، 365، الاستبصار 87:3-88، 300.

و قال أبو حنيفة و الشافعي و أحمد بن حنبل: لا يجوز، لأنّ النبيّ عليه السّلام نهى عن بيع السنين و عن الثنيا(1). و لأنّ المبيع معلوم بالمشاهدة لا بالقدر، فالاستثناء منه يغيّر حكم المشاهدة، لأنّه [1] لا يدري كم يبقى في حكم المشاهدة منه فلم يجز(2).

و الجواب: المراد بالنهي: الثنيا المجهولة، لجواز استثناء الجزء المشاع و النخلة المعلومة إجماعا. و العلم بالمشاهدة حاصل مع الاستثناء و عدمه، و جهالة القدر حاصلة فيهما معا، فلا وجه للتخصيص.

فروع:
أ - إذا استثنى جزءا مشاعا أو أرطالا معيّنة فتلف من الثمرة شيء،

سقط من الثنيا بحسابه.

أمّا في الجزء المشاع: فظاهر.

و أمّا في الأرطال المعلومة: فيؤخذ منه بالحزر و التخمين، فيقال: هل ذهب ثلث الثمرة أو نصفها؟ فيذهب من الثنيا بقدر تلك النسبة.

أمّا لو استثنى مائة رطل - مثلا - من الثمرة و ممّا(3) يتخلّف منها، احتمل بطلان البيع.

ب - لو استثنى نخلات بعينها أو عذقا معيّنا من نخلة

فذهب بعض

ص: 373


1- سنن البيهقي 304:5، مسند أحمد 338:4، 14504.
2- الهداية - للمرغيناني - 26:3، الاختيار لتعليل المختار 10:2، الام 84:3، حلية العلماء 222:4، المغني 231:4، الشرح الكبير 34:4.
3- في «ق»: و ما.

الثمرة، فإن كان من الثنيا، سقط التالف. و إن كان التالف غير المستثنى، كان المستثنى للبائع.

ج - لو قال: بعتك من هذه الصبرة قفيزا إلاّ مكّوكا، صحّ البيع،

لأنّ القفيز معلوم القدر، و المكّوك أيضا معلوم، فكان الباقي معلوما. هذا إذا علم وجود القفيز في الصبرة.

مسألة 178: لو باع الثمرة قبل بدوّ الصلاح على شرط القطع
اشارة

و مطلقا عندنا، أو باع لقطة واحدة من القثّاء و البطّيخ و شبههما ثمّ تجدّد في النخل ثمرة أخرى أو في أصول الخضر، كان المتجدّد للبائع تبعا للأصل إذا لم يشترطه المشتري.

فإنّ تميّزت، فلا بحث. و إن اختلطت بغيرها بحيث لا تتميّز، فإمّا أن يكون بعد القبض أو قبله.

فإن كان بعد القبض، كان المشتري شريكا للبائع، فإن علم القدر دون العين، أخذ كلّ منهما من الثمرة بقدر الذي له من الجملة. فإن لم يعلم القدر و لا العين، اصطلحا، كما لو وقع طعام شخص على طعام غيره و لم يعلما قدرهما.

و إن كان قبل القبض، تخيّر المشتري بين الفسخ و الإمضاء، للتعيّب في يد البائع، فإن فسخ، أخذ الثمن الذي دفعه. و إن أمضى البيع، كان شريكا: إن علما مقدار ما لكلّ منهما، أخذ القدر الذي له. و إن جهلاه، اصطلحا. و حكم ما إذا لم يتميّز البعض حكم ما إذا لم يتميّز الجميع.

و أمّا عند الشافعي: إذا امتزجت الأولى بالثانية و لم تتميّزا، فقولان:

أحدهما: فسخ البيع - قاله في الإملاء - لتعذّر التسليم جملة، فانفسخ البيع، كما لو تلف المبيع قبل القبض.

ص: 374

و الثاني: أنّه لا ينفسخ البيع، فإن سلّم البائع الجميع إلى المشتري، أجبر المشتري على قبوله، و مضى البيع. و إن امتنع، فسخ البيع - و به قال المزني - لأنّ المبيع زاد، و ذلك لا يوجب بطلان العقد، كما لو طالت الشجرة أو بلغت الثمرة(1).

و الفرق ظاهر، لأنّ الزيادة في الطول و البلوغ زيادة في عين المبيع فيرجع في الحقيقة إلى زيادة صفة، فوجب عليه قبولها، بخلاف الامتزاج، فإنّه يتضمّن زيادة العين، فلا يجب قبولها، كما لو باع ثوبا فاختلط الثوب بآخر فدفعهما البائع، لم يجب على المشتري قبولهما، و لا يجبر البائع على تسليمهما، بخلاف طول الغصن و بلوغ الثمرة، فإنّه يجب على البائع تسليم الأصل و الزيادة.

فروع:
أ - لو باع ما يعلم امتزاجه قبل إدراك الأوّل و عدم امتيازه،

فإن شرط القطع، صحّ البيع قطعا، سواء أهمل حتى امتزج أو لا. و ان لم يشترطه، فإن قلنا ببطلان البيع على تقدير الامتزاج، احتمل البطلان هنا حذرا من الاختلاط. و الصحّة، لأنّ الثمرة الآن لا موجب لفسخ البيع فيها، و المزج مترقّب الحصول، فلا يؤثّر في البيع السابق.

و للشافعي وجهان، أحدهما: الأوّل. و الثاني: أنّ البيع يقع موقوفا، فإن سمح البائع بدفع المتجدّد إلى المشتري تبيّنّا صحّة البيع. و إن لم يدفع،

ص: 375


1- مختصر المزني: 78، الحاوي الكبير 173:5، المهذّب - للشيرازي - 288:1 - 289، حلية العلماء 219:4-220، العزيز شرح الوجيز 351:4، و 362، روضة الطالبين 221:3.

يظهر عدم انعقاده من أصله(1).

ب - لو باع بشرط القطع أو التبقية مع ندور الاختلاط فحصل الاختلاط،

فقد قلنا: إن كان قبل القبض، كان للمشتري الفسخ، و لا يبطل البيع. و إن كان بعده، لم ينفسخ.

و للشافعيّة قولان قبل القبض:

أحدهما: الفسخ، لتعذّر تسليم المبيع قبل القبض(2). و هو ممنوع.

و الثاني: عدم الفسخ، لبقاء عين المبيع، و إمكان إمضاء البيع، فيثبت للمشتري الخيار(3).

و قال بعضهم: لا خيار له، و إنّه لا فرق بين المزج قبل القبض و بعده(4).

ثمّ إن قال البائع: أسمح بترك المتجدّدة، ففي سقوط خيار المشتري وجهان:

أصحّهما عندهم: السقوط، كما في الإعراض عن نعل الدابّة المردودة بالعيب.

و الثاني: عدمه، لما في قبوله من المنّة(5). و هو الوجه عندي.

و لو باع الثمرة قبل بدوّ الصلاح بشرط القطع ثمّ لم يتّفق القطع حتى امتزجا، جرى القولان في الفسخ. و كذا لو باع حنطة فانثال عليها مثلها قبل القبض، أو المائعات(6).

و لو اختلط الثوب بأمثاله أو الشاة المبيعة بأمثالها، قال بعضهم:

ينفسخ البيع قطعا، لأنّه يورث الاشتباه، و أنّه مانع من صحّة البيع لو فرض

ص: 376


1- العزيز شرح الوجيز 362:4، روضة الطالبين 221:3.
2- العزيز شرح الوجيز 362:4، روضة الطالبين 221:3.
3- العزيز شرح الوجيز 362:4، روضة الطالبين 221:3.
4- العزيز شرح الوجيز 362:4، روضة الطالبين 221:3.
5- العزيز شرح الوجيز 362:4، روضة الطالبين 221:3.
6- العزيز شرح الوجيز 362:4، روضة الطالبين 221:3.

في الابتداء، و في الحنطة غايته ما يلزم الإشاعة، و هي غير مانعة(1).

و فيه وجه: أنّه لا ينفسخ، لإمكان تسليمه بتسليم الجميع(2).

و لو باع جزّة من القتّ و الكرّاث و شبههما من المجزوزات بشرط القطع و لم يقطعها حتى طالت و تعذّر التميّز، جرى القولان(3).

و منهم من قطع بعدم الفسخ هنا، تشبيها لطولها بكبر الثمرة و سمن الحيوان(4).

و فرّق الأوّلون: بأنّ الزيادة في الطلع و سمن الحيوان من نماء الطلع و الحيوان، الذي هو ملك المشتري، فلهذا كانت له، بخلاف طول القتّ و الكرّاث، لأنّها حدثت من الأصول التي هي ملك البائع، فكانت له، فيجيء القولان، لحصول المزج و عدم التميّز(5).

ج - لو حصل الامتزاج بعد القبض، لم يبطل البيع عندنا،

و قد سبق(6).

و للشافعيّة طريقان:

القطع بعدم الفسخ - و هو اختيار المزني - كالحنطة إذا امتزجت بأخرى.

و الثاني: أنّه على القولين في الممتزج قبل القبض، بخلاف مسألة الحنطة، لأنّ هناك قد تمّ التسليم و انقطعت العلائق بينهما، و في الثمار لا تنقطع، لأنّ البائع يدخل الحائط للسقي و غيره(7).

ص: 377


1- العزيز شرح الوجيز 362:4، روضة الطالبين 221:3-222.
2- العزيز شرح الوجيز 363:4، روضة الطالبين 222:3.
3- العزيز شرح الوجيز 363:4، روضة الطالبين 222:3.
4- العزيز شرح الوجيز 363:4، روضة الطالبين 222:3.
5- انظر: العزيز شرح الوجيز 363:4، و روضة الطالبين 222:3.
6- في ص 374.
7- التهذيب - للبغوي - 373:3، العزيز شرح الوجيز 363:4، روضة الطالبين 3: 222.
د - كلّ موضع قلنا بعدم الفسخ إن تصالحا و اتّفقا على شيء، فلا بحث.

و إن تحاكما، قدّم قول صاحب اليد في قدر حقّ الآخر. و هذا ظاهر في الحنطة و شبهها.

أمّا في الثمار فمن هو صاحب اليد؟ للشافعيّة وجهان بناء على الجائحة من ضمان البائع أو المشتري ؟(1).

و لهم وجه ثالث: أنّها في يدهما جميعا(2).

و الوجه أن نقول: إن كان البائع سلّم الثمرة بتسليم الأصل، فهي في يد المشتري. و إن كانت الأصول في يد البائع و الثمرة في يد المشتري، فهما صاحبا يد. أمّا في صورة الحنطة فصاحب اليد هو المشتري، فالقول قوله في قدر حقّ البائع. فإن كان المشتري قد أودع البائع الحنطة بعد القبض ثمّ حصل الاختلاط، فالقول قول البائع في قدر حقّ المشتري.

مسألة 179: لو باع شجرة عليها ثمرة، فالثمرة للبائع

إلاّ في طلع النخل غير المؤبّر على ما يأتي، فإنّه للمشتري. أمّا ثمرة النخل المؤبّرة أو ثمرة غير النخل مطلقا فهي للبائع.

فإن كانت الشجرة تثمر في السنة مرّتين و يغلب عليها التلاحق، صحّ البيع عندنا على ما تقدّم، و لا يخفى الحكم السابق عندنا.

و قال الشافعي: لا يصحّ البيع إلاّ بشرط أن يقطع البائع ثمرته عند خوف الاختلاط(3). و يجيء خلافهم السابق فيما إذا كان المبيع الثمرة(4).

ثمّ إذا تبايعا بهذا الشرط و لم يتّفق القطع حتى حصل الاختلاط أو كانت الشجرة ممّا يندر فيها التلاحق فاتّفق ذلك، فعندنا يبقى شريكا

ص: 378


1- العزيز شرح الوجيز 363:4، روضة الطالبين 222:3.
2- العزيز شرح الوجيز 363:4، روضة الطالبين 222:3.
3- العزيز شرح الوجيز 363:4، روضة الطالبين 222:3.
4- العزيز شرح الوجيز 363:4، روضة الطالبين 222:3.

و يصطلحان.

و نقل المزني عن الشافعي قولين في الانفساخ(1).

و لأصحاب الشافعي طريقان: فعن بعضهم: القطع بعدم الانفساخ، و تخطئة المزني في نقله، لأنّ الاختلاط و تعذّر التسليم لم يوجد في المبيع، بخلاف ما إذا كان المبيع الثمار(2).

و أثبت الأكثرون القولين و قالوا: الاختلاط و إن لم يوجد في المبيع لكنّه وجد في المقصود بالعقد، و هو الثمرة الحادثة، فإنّها مقصود المشتري من الشراء للأصول، فجاز أن يجعل كالمبيع. فإن قلنا بعدم الانفساخ، فإن سمح البائع بترك الثمرة القديمة، أجبر المشتري على القبول. و ان رضي المشتري بترك الثمرة الحادثة، اجبر البائع على القبول، و أقرّ العقد(3).

و يحتمل أن يجيء في الإجبار على القبول للشافعيّة خلاف.

و إن استمرّا على النزاع، قال المثبتون للقولين: يفسخ العقد بينهما، كما لو كان المبيع الثمرة.

و قال القاطعون: لا فسخ، بل إن كانت الثمرة و الشجرة في يد البائع، فالقول قوله في قدر ما يستحقّه المشتري مع يمينه. و إن كانتا في يد المشتري، فالقول قوله في قدر ما يستحقّه البائع، و هو الذي يقتضيه القياس، لأنّ الفسخ لا يفيد رفع النزاع، لبقاء الثمرة الحادثة للمشتري.

قالوا: و لو قلنا بالفسخ، استردّ المشتري الثمن و ردّ الشجرة مع جميع الثمار(4).3.

ص: 379


1- العزيز شرح الوجيز 363:4، و انظر: روضة الطالبين 222:3.
2- العزيز شرح الوجيز 363:4، روضة الطالبين 222:3.
3- العزيز شرح الوجيز 363:4-364، روضة الطالبين 222:3.
4- العزيز شرح الوجيز 364:4، روضة الطالبين 222:3-223.
مسألة 180: إذا ضمّ ما يملكه من الثمرة إلى غيره مملوكة لغيره و باعهما في عقد واحد،

فإن كان المشتري عالما، لزم البيع في نصيب البائع بحصّته من الثمن، و كان نصيب غيره موقوفا إن أجاز، لزم البيع، و إن لم يجز، بطل في نصيبه خاصّة، و لا خيار للمشتري هنا. و إن كان جاهلا، تخيّر مطلقا، سواء أجاز المالك أو لا، لتفاوت الأغراض في الغرماء.

و يحتمل عدم الخيار فيما لو أجاز المالك، و ثبوته لو لم يجز، لتبعّض الصفقة عليه.

و لو باع الثمرة بأجمعها و فيها الزكاة، فإن كان المشتري عالما و شرط البائع عليه نصيب الفقراء، صحّ البيع. و كذا لو لم يشترط و ضمن البائع حصّة الفقراء. و لو لم يضمن البائع و لا شرط الزكاة، بطل البيع في نصيب الفقراء، و لزمه في نصيب المالك.

و إن كان جاهلا، تخيّر بين أخذ حصّة المالك بحصّته من الثمن أو يردّ.

و للشافعي قولان:

أحدهما: أنّه يتخيّر المشتري بين أخذ حصّة المالك بحصّته من الثمن و بين الردّ.

و الثاني: أنّه يتخيّر المشتري بين أخذ حصّة المالك بجميع الثمن أو يردّ(1).

مسألة 181: إذا باع الثمرة و احتاجت إلى السقي ليزيد نماؤها،
اشارة

وجب على البائع تمكينه من ذلك، لنهيه عليه السّلام عن الضرر(2). فإن كان سقيها يضرّ

ص: 380


1- انظر: العزيز شرح الوجيز 44:3 و 45، و 146:4، و الحاوي الكبير 205:5.
2- الكافي 280:5، 4، و 292-293، 2، و 294، 8، الفقيه 45:3، 154، و 147، 648، التهذيب 146:7-147، 651، و 164، 727، سنن ابن ماجة 784:2، 2340 و 2341، سنن الدار قطني 77:3، 288، سنن البيهقي 69:6 و 70، المستدرك - للحاكم - 57:2-58، المعجم الكبير - للطبراني - 86:2، 1387، مسند أحمد 515:1، 2862، و 446:6-447، 22272.

النخل، قدّم مصلحة المشتري.

و لا يجب على البائع صاحب الأصول في كلّ حال سقي ثمرة المشتري، لأصالة براءة ذمّته، بل التمكين منه.

و قال الشافعي: يجب على البائع سقي الثمرة قبل التخلية و بعدها قدرا تنمو به الثمار و تسلم عن التلف و الفساد، لأنّ التسليم واجب عليه، و السقي من تتمّة التسليم، كالكيل في المكيلات و الوزن في الموزونات، فيكون على البائع(1).

و نحن نمنع كون السقي من تتمّة التسليم، لأنّ التسليم هو التخلية و قد حصل، فلا يجب عليه إنماء المبيع كغذاء الحيوان.

فروع:
أ - قد بيّنّا أنّ السقي ليس واجبا على البائع بل التمكين

أ - قد بيّنّا أنّ السقي ليس واجبا على البائع بل التمكين(2) ،

فإن منعه منه حتى تلفت أو عابت، ضمن الأرش، لأنّه سبّب في الإتلاف، و الأرش في العيب هو قدر قيمة التفاوت بين كونها حالة الأخذ و كونها بالغة حدّ الكمال إلى وقت أخذها بمجرى العادة. مثلا: إذا باعها و هي بسر و احتاجت إلى سقي حتى تصير رطبا فمنعه البائع منه فلم تبلغ كماليّة الترطيب، كان

ص: 381


1- الحاوي الكبير 170:5، التهذيب - للبغوي - 386:3، المهذّب - للشيرازي - 288:1، العزيز شرح الوجيز 359:4، روضة الطالبين 219:3.
2- في «ق، ك» و الطبعة الحجريّة: التمكّن. و الصحيح ما أثبتناه.

عليه أرش التفاوت بين كونها رطبا كاملا و ناقصا. و في التلف يجب عليه قيمة البسر.

ب - لو احتاج المشتري في السقي إلى آلة، لم يجب على البائع إقامتها.

و لو كان للبائع آلة، كدولاب و دالية، لم يجب عليه تمكين المشتري من السقي بها. و يجيء على قول الشافعي الوجوب.

ج - قال الشافعي: السقي يجب على البائع،

فلو شرط على المشتري، بطل العقد، لأنّه خلاف مقتضاه(1). و هو ممنوع.

مسألة 182: لو باع الأصول و الثمرة للبائع ثمّ أراد سقيها بالماء و كان ذلك لا يضرّ النخل،
اشارة

وجب على المشتري تمكينه منه، لأنّه ممّا ينفع ثمرته و يبقيها، و كان عليه تمكينه منه كتركها على الأصول، و به قال الشافعي(2).

ثمّ اعترض أصحابه على أنفسهم بأنّ البائع لو باع الثمرة بعد بدوّ صلاحها و عطشت، وجب على البائع سقيها عندهم، لأنّه صاحب الأصول، فألاّ قلتم هنا: يجب السقي على المشتري، لأنّه صاحب الأصول ؟ و الجواب: أنّهم لم يقولوا: إنّه يجب عليه السقي، لأنّه صاحب الأصول، بل وجب عليه السقي، لأنّه يجب عليه تسليم الثمرة كاملة، و ذلك إنّما يكون بالسقي، و هنا لم يلزمه تسليم الثمرة و لم يملكها من جهته(3).

و إن كان السقي ينفعهما معا، لم يكن لأحدهما منع الآخر منه. و إن كان يضرّهما معا، لم يكن لأحدهما السقي إلاّ برضا الآخر.

ص: 382


1- التهذيب - للبغوي - 385:3-386، العزيز شرح الوجيز 359:4، روضة الطالبين 219:3.
2- التهذيب - للبغوي - 371:3، العزيز شرح الوجيز 344:4، روضة الطالبين 3: 208.
3- لم نعثر عليه في مظانّه.

و أمّا إن كان السقي يضرّ بالأصول، فإن استغنت الثمرة عنه، منع صاحب الثمرة منه.

و إن استضرّت الثمرة بتركه، أو كان المشتري يريد سقي الأصول، لحاجتها إليه و كان ذلك يضرّ بالثمرة، قال بعض الشافعيّة: إن رضي أحدهما بإدخال الضرر عليه، أقرّ العقد بينهما. و إن لم يرض واحد منهما، فسخ العقد، لتعذّر إمضائه إلاّ بضرر أحدهما(1).

و قال بعضهم: أيّهما احتاج إلى السقي، أجبر الآخر عليه و إن أضرّ به، لأنّه دخل معه في العقد على ذلك، لأنّ مشتري الأصول اقتضى عقده تبقية الثمرة، و السقي من تبقيتها، و البائع اقتضى العقد في حقّه تمكين المشتري من حفظها و تسلّمها، و يلزم كلّ واحد منهما ما أوجبه العقد للآخر و إن أضرّ به(2).

إذا تقرّر هذا، فإنّما له أن يسقي القدر الذي له فيه صلاحه، فإن اختلفا في ذلك، رجع إلى أهل الخبرة، فما احتاج إليه أجبر عليه، و أيّهما طلب السقي، فالمئونة عليه، لأنّه لحاجته.

تذنيب: لو كانت الثمرة مؤبّرة، فهي للبائع.

فإن عطشت و تعذّر سقيها فطالبه المشتري بقطعها، لتضرّر الأصول ببقائها عليها، فإن كان الضرر يسيرا، لم يلزمه القطع. و ان كان كثيرا يخاف من جفاف النخل أو نقصان حملها، أجبر المشتري على تركه - و هو أحد قولي الشافعي(3) - لأنّه

ص: 383


1- التهذيب - للبغوي - 371:3، المهذّب - للشيرازي - 287:1-288، العزيز شرح الوجيز 345:4.
2- التهذيب - للبغوي - 371:3، المهذّب - للشيرازي - 287:1-288، العزيز شرح الوجيز 345:4.
3- المهذّب - للشيرازي - 287:1، حلية العلماء 210:4، التهذيب - للبغوي - 3: 371، الحاوي الكبير 172:5، العزيز شرح الوجيز 344:4.

دخل في العقد على ذلك.

و الثاني له: يجبر البائع على قطعها، لأنّ الضرر يلحقها و إن بقيت، و الأصول تسلم بقطعها. و لأنّ ضرر الأصول أكثر لتعذّر أمثال الثمرة في المستقبل بذلك(1). و هذا القول لا بأس به عندي.

مسألة 183: إذا
اشارة

مسألة 183: إذا(2) باع الأصل خاصّة و عليه ثمرة ظاهرة، فالثمرة للبائع،

و الأصل للمشتري في غير النخل، و فيه مع التأبير أو اشتراطه، و للمشتري مع عدمه، و لا يجب على البائع قلع الثمرة مع الإطلاق، بل يجب على المشتري تبقيتها إلى أوان الجذاذ - و به قال مالك و أحمد و الشافعي(3) - لأنّ النقل و التفريغ إنّما يجب بحسب العادة و العرف، فإنّ بائع الدار يجب عليه نقل الأقمشة و الأطعمة على حسب العرف نهارا لا ليلا شيئا بعد شيء، كذا هنا تفريغ النخل من الثمرة إنّما يكون في أوان تفريغها في العادة، و هو وقت الجذاذ.

و قال أبو حنيفة: يلزمه قطعها في الحال و تفريغ النخل، لأنّ المبيع مشغول بملك البائع، فلزمه(4) نقله و تفريغه، كما لو باع دارا فيها قماش(5).

ص: 384


1- المهذّب - للشيرازي - 287:1، حلية العلماء 210:4، التهذيب - للبغوي - 3: 371، الحاوي الكبير 172:5، العزيز شرح الوجيز 344:4.
2- في الطبعة الحجريّة: «لو» بدل «إذا».
3- المغني 207:4، الشرح الكبير 206:4، المهذّب - للشيرازي - 287:1، حلية العلماء 209:4، التهذيب - للبغوي - 370:3، العزيز شرح الوجيز 344:4.
4- في الطبعة الحجريّة: فيلزمه.
5- المغني 207:4، الشرح الكبير 206:4-207، الهداية - للمرغيناني - 3: 25، حلية العلماء 209:4، التهذيب - للبغوي - 370:3، العزيز شرح الوجيز 344:4.

و الجواب ما تقدّم.

فروع:
أ - لو شرط قطع الثمرة في الحال، وجب على البائع قطعها في الحال،

عملا ب «الشروط» و قد قال عليه السّلام: «المؤمنون عند شروطهم»(1).

ب - لو شرط الإبقاء، صحّ عندنا، لأنّه مقتضى البيع على الإطلاق،

و به قال الشافعي و مالك و أحمد(2).

و قال أبو حنيفة: يفسد البيع(3). و ليس بجيّد.

ج - المرجع في وقت القطع إلى العادة،

فما كانت العادة فيه أن يقطع قبل نضجه كالمكتوم يؤخذ بسرا، كلّف البائع القطع بمجرى العادة، و لا يكلّفه قطع الجميع إذا لم يتّفق بيعه دفعة. و إذا جاء وقت الجذاذ، لم يمكّن من أخذها على التدريج، و لا أن يؤخّر إلى نهاية النضج، بل يؤخذ بالعادة في ذلك كلّه. هذا مع الإطلاق، و أمّا مع الشرط فبحسبه.

د - لو تعذّر السقي، لانقطاع الماء، أو تعذّر الآلة و عظم ضرر النخل و لم يكن في الإبقاء منفعة لصاحب الثمرة، فالأقوى عندي: إلزام صاحب الثمرة بقطعها على ما تقدّم.

و للشافعي قولان تقدّما(4).

ه - لو أصاب الثمار آفة و لم يكن في إبقائها فائدة،

فإن لم يتضرّر

ص: 385


1- التهذيب 371:7، 1503، الاستبصار 232:3، 835، الجامع لأحكام القرآن 33:6.
2- التهذيب - للبغوي - 370:3، العزيز شرح الوجيز 346:4، المغني 207:4، الشرح الكبير 206:4.
3- التهذيب - للبغوي - 370:3، العزيز شرح الوجيز 344:4.
4- في ص 383، تذنيب المسألة 182.

صاحب النخل، كان لصاحب الثمرة الإبقاء، عملا بالإطلاق، و انتفاء الضرر. و إن كان يتضرّر، فالأقوى: إلزامه بالقطع، دفعا للضرر مع انتفاء الفائدة.

و للشافعي قولان(1).

و - لو احتاج صاحب الثمرة إلى السقي، وجب على صاحب الأصل تمكينه منه مع انتفاء ضرره على ما تقدّم،

و من الدخول إلى البستان لذلك، فإن لم يأمنه، نصب الحاكم أمينا للسقي، و مئونته على البائع.

و يحتمل تمكين البائع من السقي، و على المشتري مراقبته. و هو الوجه عندي.

ز - لو لم يسق البائع و تضرّر المشتري ببقاء الثمار، لامتصاصها رطوبة الأشجار،

أجبر البائع على السقي أو القطع، فإن تعذّر السقي، لانقطاع الماء، فالاحتمالان السابقان.

ح - لو قضت العادة بأخذ بعض الثمرة بسرا و الباقي رطبا، وجب اتّباعها.

و لو قضت بأخذها كلّها بسرا، فعليه نقلها. و لو أراد إبقاءها ليأخذها شيئا فشيئا ليكون أنفع له، لم يكن له ذلك، بل يأخذها و ينقلها عند إمكان نقلها. و إذا استحكمت حلاوته، فعليه نقله. و لو قضت العادة بأخذها تمرا أو قسبا [1]، اتّبعت العادة.

ط - لو كان النخل ممّا يعتاد التخفيف منه بقطع بعض ثمرته و باع الأصل

و استثنى الثمرة أو باع الثمرة خاصّة، لم يجب التخفيف هنا، عملا بأصالة سلامة الملك على مالكه، فليس لغيره التصرّف فيه بشيء.

ص: 386


1- الوسيط 180:3، العزيز شرح الوجيز 344:4.

و لو باع الثمرة و اشترط تخفيفها، احتمل بطلان البيع، لجهالة الباقي من المبيع.

و الوجه: الصحّة، لأنّ المبيع غير مجهول، أقصى ما في الباب أنّه شرط قطع البعض، فيبني في ذلك على العادة.

أمّا لو باع الثمرة، فالوجه: أنّه لا يجب على المشتري تخفيفها، سواء تضرّر النخل أو الثمرة أو لا.

ي - لو باع الأصل دون الثمرة و كانت عادة أولئك القوم قطع الثمار قبل إدراكها،

كما لو كان الكرم في البلاد الشديدة البرد لا تنتهي ثمارها إلى الحلاوة و اعتاد أهلها قطع الحصرم، ففي إلحاق العرف الخاصّ بالعامّ نظر:

من حيث إنّ إطلاق العقد يحمل على المعتاد، فيكون المعهود كالمشروط، و من حيث إنّ تواطؤ قوم معيّنين ليس حجّة، بخلاف العادة العامّة الثابتة في زمان النبيّ عليه السّلام.

يأ - لو تبايعا بشرط القطع، وجب الوفاء به، فإن تراضيا على الترك،

جاز، فكان بدوّ الصلاح بمنزلة كبر العبد الصغير.

و قال أحمد: يبطل البيع، و تعود الثمرة إلى البائع(1). و لا وجه له.

مسألة 184: و لا فرق بين الثمرة و غيرها من المبيعات،
اشارة

فلو اشترى ثمرة بعد بدوّ صلاحها أو قبله بشرط القطع أو مطلقا على ما اخترناه، و بالجملة، على وجه يصحّ البيع فتلفت، فإن كان التلف قبل القبض، فهو من ضمان البائع، و انفسخ العقد. و لو تلف البعض، انفسخ فيه خاصّة، و تخيّر المشتري في أخذ الباقي بحصّته، و في الفسخ فيه أيضا.

ص: 387


1- العزيز شرح الوجيز 347:4.

و إن كان ذلك بعد القبض - و هو التخلية بين المشتري و بينها - فهي من ضمان المشتري - و لا فرق بين أن يكون التلف بأمر سماوي، كالريح و الثلج و البرد، أو بغير سماوي، كالسرقة و الحريق، و لا بين أن يكون التالف أقلّ من الثلث أو أكثر - و به قال أبو حنيفة، و هو الجديد من قولي الشافعي(1) ، لأنّ امرأة أتت النبيّ صلّى اللّه عليه و آله، فقالت: إنّ ابني اشترى ثمرة من فلان، فأذهبتها الجائحة، فسأله أن يضع عنه، فتألّى [1] أن لا يفعل، فقال عليه السّلام:

«تألّى فلان أن لا يفعل خيرا»(2) و لو كان ذلك واجبا عليه، لأجبره عليه.

و لأنّ التخلية يتعلّق بها جواز التصرّف فيغلب الضمان، كالنقل و التحويل.

و قال في القديم: إذا تلفت بعد القبض، فهي من ضمان البائع أيضا - فإن تلفت كلّها، انفسخ العقد. و إن تلف بعضها، انفسخ فيه. و هل ينفسخ في الباقي ؟ مبنيّ على قولي تفريق الصفقة - لأنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أمر بوضع الجوائح، و نهى عن بيع السنين(3).

و لأنّ التخلية ليست بقبض صحيح، و لهذا لو عطشت الثمرة، كان من ضمان البائع إذا تلفت(4).7.

ص: 388


1- المغني 233:4-234، الشرح الكبير 271:4-272، الوجيز 151:1، العزيز شرح الوجيز 359:4، التهذيب - للبغوي - 392:3، روضة الطالبين 3: 219.
2- الموطّأ 621:2، 15، سنن البيهقي 305:5، مسند أحمد 252:7، 24221، المغني 234:4، الشرح الكبير 272:4-273.
3- سنن الدار قطني 31:3، 118، سنن البيهقي 306:5.
4- الوجيز 151:1، العزيز شرح الوجيز 359:4، التهذيب - للبغوي - 393:3، روضة الطالبين 219:3، المغني 233:4-234، الشرح الكبير 271:4 و 273 و 276-277.

و قال مالك: إن كان التالف أقلّ من الثلث، كان من ضمان المشتري.

و إن كان قدر الثلث فما زاد، كان من ضمان البائع، لأنّ الثمرة لا بدّ و أن يأكل منها الطائر و يسقط منها الريح، فلم يكن بدّ من حدّ فاصل بين ذلك و بين الجائحة، فقدّر بما دون الثلث(1).

و قال أحمد: إن تلفت بأمر سماويّ، كان من ضمان البائع. و إن تلفت بنهب أو سرقة، كان من ضمان المشتري، لأنّ ما يتلفه الآدمي يرجع إلى بدله منه، فلهذا كان من ضمانه، بخلاف الجائحة(2).

و الجواب: أنّ الحديث استضعفه الشافعي(3) ، فلا يجوز أن يحتجّ به.

و يحتمل أن يكون أراد بذلك في بيع السنين، أو قال ذلك ندبا لا واجبا.

و التخلية قبض صحيح، لأنّه يتعلّق بها جواز التصرّف، و لا يمكن نقلها، فأشبهت العقار.

و أمّا عطش الثمرة فيمنع أنّه من ضمان البائع. و لو قلنا به، فهو مبنيّ على قوله: إنّ العقد يقتضي أن يكون سقيها على البائع، كما اقتضى تركها على الأصول إلى أوان الجذاذ، فإن عجز عن تسليم الماء، ثبت للمشتري5.

ص: 389


1- الكافي في فقه أهل المدينة: 334، المغني 234:4-235، الشرح الكبير 4: 281-283، حلية العلماء 345:4، الحاوي الكبير 205:5-206، العزيز شرح الوجيز 360:4.
2- حلية العلماء 345:4، و انظر: المغني 233:4-234، و الشرح الكبير 271:4 و 278-280.
3- المغني 234:4، الشرح الكبير 274:4-275.

الخيار.

و قول مالك ليس بصحيح، لأنّ ما يأكله الطير لا يؤثّر في العادة و لا يبلغ ما حدّه به إلاّ أن يقع عليه الجذاذ، فيكون ذلك من جملة الجوائح.

و ينتقض ما قاله أحمد بالعبد إذا مات في يد البائع أو قتل، فإنّهما سواء و إن كان يرجع في أحدهما إلى الضمان.

فروع:
أ - لو تلفت الثمرة بعد التخلية و بلوغ أوان الجذاذ و إمكانه من المشتري،

فعلى ما قلناه الضمان على المشتري، لأنّا نوجبه عليه و إن لم يبلغ أوان الجذاذ فمع بلوغه و إمكان الجذاذ منه يكون أولى. و كذا على جديد الشافعي(1).

و على قديمه قولان:

أحدهما: أنّه يكون من ضمان البائع أيضا، لأنّ الآفة أصابته قبل نقله فكان كما لو أصابته قبل أوان الجذاذ. و لأنّ التسليم لا يتمّ ما دامت الثمار متّصلة بملك البائع.

و الثاني: أنّها من ضمان المشتري، لأنّه بتركه(2) النقل مع قدرته عليه يكون مفرّطا، فانتقل الضمان إليه. و لانقطاع العلقة بينهما، إذ لا يجب السقي على البائع حينئذ(3).

ص: 390


1- الحاوي الكبير 209:5، العزيز شرح الوجيز 359:4، روضة الطالبين 3: 219، حلية العلماء 344:4 و 346.
2- في الطبعة الحجريّة: بترك.
3- العزيز شرح الوجيز 360:4، حلية العلماء 346:4، روضة الطالبين 219:3.
ب - لو تلف بعض الثمار، فكالكلّ،

إلاّ أن يتلف قبل التخلية، فإنّه يثبت للمشتري الخيار في التسليم.

و لو عابت الثمار بالجائحة و لم تتلف، فإن كان بعد التخلية، فلا خيار للمشتري، و هو جديد الشافعي(1). و على قديمه يكون له الخيار(2).

و إن كان قبلها، فمن ضمان البائع.

ج - لو ضاعت الثمار بغصب أو سرقة،

فإن كان قبل التخلية، فمن ضمان البائع. و إن كان بعدها، فمن المشتري.

و للشافعي قولان:

أحدهما: أنّها من ضمان البائع، لأنّ التسليم لا يتمّ بالتخلية، على القديم.

و الثاني: أنّها من ضمان المشتري، على القديم أيضا، لتمكّنه من الاحتراز عنه بنصب الحفاظ. و لأنّ الرجوع على الجاني بالضمان يتيسّر(3).

د - لو اختلفا في الجائحة أو في قدرها، فالقول قول البائع

- و به قال الشافعي(4) - لأنّ الثمن قد لزم بالبيع، و الأصل أن لا جائحة.

ه - إذا لم يمكّن البائع المشتري من السقي أو لم يسقه عند من أوجب السقي عليه،

أو شرطه عند من لا يوجبه و أخلّ به و عرض في الثمار آفة بسبب العطش، فإن تلفت، وجب على البائع الضمان، لأنّه سبب في الإتلاف.

ص: 391


1- العزيز شرح الوجيز 360:4، روضة الطالبين 220:3.
2- العزيز شرح الوجيز 360:4، روضة الطالبين 219:3، المغني 237:4.
3- العزيز شرح الوجيز 360:4، حلية العلماء 347:4، روضة الطالبين 220:3.
4- روضة الطالبين 220:3.

و للشافعيّة طريقان:

أحدهما: أنّ في انفساخ البيع قولين.

و أصحّهما: القطع بالفسخ، لأنّ استحقاق السقي بالعقد قبل التخلية، و ما يستند إلى سبب سابق على القبض فهو بمنزلة ما لو سبق بنفسه. و على تقدير عدم الفسخ فعلى البائع الضمان للقيمة أو المثل، و إنّما يجب ضمان ما تلف، و لا ينظر إلى ما كان ينتهي إليه لو لا العارض(1).

و لو تعيّبت و لم تفسد، تخيّر المشتري و إن جعلنا الجائحة من ضمانه، لأنّ الشرع ألزم البائع تنمية الثمار بالسقي إمّا بالشرط عندنا أو مطلقا عند الشافعي(2) ، فالعيب الحادث بترك السقي كالعيب المتقدّم على القبض.

و لو أفضى التعيّب إلى تلفه، نظر إن لم يشعر به المشتري حتى تلف، عاد البحث في الانفساخ، و لزم الضمان على البائع إن قلنا بعدم الفسخ، و لا خيار بعد التلف.

و إن شعر به و لم يفسخ حتى تلف، فوجهان: أحدهما: يغرم البائع، لعدوانه. و عدمه، لتقصير المشتري بترك الفسخ مع القدرة عليه(3).

و - لو باع الأصل و الثمرة معا فتلفت الثمرة بجائحة قبل التخلية،

بطل العقد فيها، و يتخيّر المشتري في الأشجار مع إمضاء البيع بقدر حصّتها من الثمن، و فسخ البيع فيها أيضا.

و للشافعي في بطلان بيع الأصول قولان(4).

ص: 392


1- العزيز شرح الوجيز 361:4، روضة الطالبين 220:3.
2- العزيز شرح الوجيز 361:4، روضة الطالبين 220:3.
3- العزيز شرح الوجيز 361:4، روضة الطالبين 220:3.
4- العزيز شرح الوجيز 361:4، روضة الطالبين 220:3.

و إن تلفت بعد التخلية، فهي من ضمان المشتري عندنا و عند الشافعي(1) أيضا قولا واحدا، لانقطاع العلائق هنا، و الثمرة متّصلة بملك المشتري.

ز - لو اشترى طعاما مكايلة و قبضه جزافا فهلك في يده، فهو من ضمان المشتري،

لحصول القبض. و إن جعلنا الكيل شرطا فيه، فالأقرب أنّه من ضمان البائع.

و للشافعي وجهان، لبقاء الكيل بينهما(2).

ح - ليس للبائع تكليف مشتري الثمرة قطعها قبل بدوّ صلاحها إلاّ أن يشرطه،

بل يجب عليه تبقيتها إلى أوان أخذها عرفا بالنسبة إلى جنس الثمرة، فما قضت العادة بأخذه بسرا اقتصر عليه، و ما قضت بأخذه رطبا أو قسبا أخّر إلى وقته. و كذا لو باع الأصل و استثنى الثمرة و أطلق، وجب على المشتري إبقاؤها.

ط - لو أتلف الثمرة أجنبيّ قبل التخلية، تخيّر المشتري بين فسخ البيع و إلزام المتلف.

و الأقرب: إلحاق البائع به، فيتخيّر المشتري بين فسخ البيع و إلزام البائع بالمثل، أو القيمة، سواء زادت عن الثمن المسمّى المدفوع إلى البائع أو نقصت عنه.

و لو تلفت المشتري، فكالقبض يكون من ضمانه.

مسألة 185: يجوز بيع الثمرة بجميع العروض و الأثمان إلاّ بالثمرة،

و هي المزابنة، و بيع الزرع كذلك إلاّ بالحبّ، و هي المحاقلة، هذا هو المشهور من تفسير المحاقلة و المزابنة.

ص: 393


1- العزيز شرح الوجيز 361:4، روضة الطالبين 220:3.
2- العزيز شرح الوجيز 361:4، روضة الطالبين 220:3.

و المحاقلة مأخوذة من الحقل، و هي الساحة التي تزرع، سمّيت محاقلة، لتعلّقها بزرع في حقل. و المزابنة مأخوذة من الزّبن، و هو الدفع، سمّيت بذلك، لأنّها مبنيّة على التخمين، و الغبن فيها ممّا يكثر فيريد المغبون دفعه و الغابن إمضاءه فيتدافعان.

و الأصل في تحريم المحاقلة و المزابنة النصّ.

روى جابر أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله نهى عن المحاقلة و المزابنة.

فالمحاقلة: أن يبيع الرجل الزرع بمائة فرق [1] من حنطة. و المزابنة:

أن يبيع الثمرة بمائة فرق من تمر(1).

و هذا التفسير إن كان من النبيّ صلّى اللّه عليه و آله، فذاك. و إن كان من الراوي، فهو أعرف بتفسير ما رواه.

و لأنّه مجهول المقدار بيع بجنسه و هما ربويّان فلم يصحّ، لجواز زيادة أحدهما على صاحبه، بل هو الغالب، لندور التساوي.

مسألة 186: قد عرفت أنّ المحاقلة هي بيع الحنطة في سنبلها بالحنطة الصافية

على وجه الأرض، و المزابنة: بيع الرطب على رأس النخل بالتمر على وجه الأرض، و به قال الشافعي و أبو حنيفة و أحمد(2).

و قال مالك: المحاقلة إكراء الأرض ببعض ما يخرج منها من الثلث أو

ص: 394


1- مختصر المزني: 81، العزيز شرح الوجيز 354:4-355، و في سنن ابن ماجة 762:2، 2286، و سنن النسائي 37:7، و سنن البيهقي 307:5، بدون التفسير.
2- الوجيز 150:1، العزيز شرح الوجيز 354:4، حلية العلماء 348:4 و 352، التهذيب - للبغوي - 398:3، الحاوي الكبير 212:5، المجموع 309:9، بدائع الصنائع 194:5، الهداية - للمرغيناني - 44:3، المغني 201:4، الشرح الكبير 165:4.

الربع أو غيرهما(1). و نقل عنه أيضا ما يقاربه، و هو أنّ المحاقلة إكراء الأرض للزرع بالحبّ(2) ، لأنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله نهى عن المحاقلة و المزابنة، و المحاقلة: كراء الأرض(3).

و ذكر ابن المنذر في بعض ألفاظه: و المحاقلة استكراء الأرض بالحنطة(4).

و ليس بجيّد، لأنّ إكراء الأرض بالحنطة إنّما هو بذل الحنطة في مقابلة المنفعة، و المنفعة ليست بحنطة. و إذا باع السنبل بالحنطة، فقد باع حنطة بحنطة مع الجهالة بالتساوي، و هو غير جائز.

و المزابنة هي ضمان الصّبرة بقدر معلوم بأن يقول الشخص لغيره في صبرة مشاهدة: ضمنت لك صبرتك هذه بمائة قفيز، فيقول المالك: هي أقلّ من ذلك، فيقول لمالكها: يكال الآن إن زاد فلي، و إن نقص فعليّ.

و هذا ليس عقدا و إنّما هو قمار. و القصد النهي عن عقده، فالمشهور ما تقدّم.

مسألة 187: هل يشترط في المحاقلة و المزابنة اتّحاد الثمن و المثمن أم لا؟
اشارة

قيل: نعم(5). فيكون النهي متناولا لبيع الحنطة الثابتة في السنابل

ص: 395


1- بداية المجتهد 222:2، الكافي في فقه أهل المدينة: 316، التهذيب - للبغوي - 398:3، العزيز شرح الوجيز 355:4.
2- كما في الخلاف - للشيخ الطوسي - 94:3، المسألة 152.
3- صحيح مسلم 1179:3، 1546، سنن الدار قطني 75:3-76، 285، مسند أحمد 365:3، 11183.
4- لم نعثر عليه فيما بين أيدينا من المصادر، و في المغني - لابن قدامة - 298:4 نقله عن أبي سعيد.
5- قال به الشيخ الطوسي في النهاية: 416.

بحبّ منها معيّن المقدار. و لبيع ثمرة النخل، الثابتة عليها بثمرة منها، فيجوز بيع كلّ منهما بتمر موضوع على الأرض من غير تلك الثمرة، و بحبّ موضوع على الأرض من غير تلك السنابل، للأصل.

و لما رواه يعقوب بن شعيب عن الصادق عليه السّلام، قال: سألته عن الرجلين يكون بينهما النخل، فيقول أحدهما لصاحبه: [اختر] إمّا أن تأخذ هذا النخل بكذا و كذا كيلا مسمّى و تعطيني نصف هذا الكيل زاد أو نقص، و إمّا أن آخذه أنا بذلك و أردّ عليك، قال: «لا بأس»(1).

و في الحسن عن الحلبي عن الصادق عليه السّلام في رجل قال لآخر: بعني ثمرة نخلك هذا الذي فيها بقفيزين من تمر أو أقلّ أو أكثر يسمّي ما شاء فباعه، فقال: «لا بأس به»(2).

و قال بعض(3) علمائنا: لا يشترط ذلك، بل يحرم بيع الزرع بالحنطة الموضوعة على الأرض و بيع الثمرة في النخلة بالتمر الموضوع على الأرض - و به قال الشافعي(4) - حذرا من الربا، لأنّ كلّ واحد منهما بيع مال الربا بجنسه(5) من غير تحقّق المساواة في المعيار(6) الشرعي، لأنّ المعتاد فيهما الكيل، و لا يمكن كيل الحنطة في السنابل و لا الثمرة على رأس النخل.

و التخمين بالخرص لا يغني، كما لو كان كلّ واحد منهما على وجه الأرض.ر.

ص: 396


1- التهذيب 91:7، 389، و ما بين المعقوفين من المصدر.
2- الكافي 176:5-177، 10، التهذيب 89:7، 379، الاستبصار 91:3، 310.
3- ابن إدريس في السرائر 367:2.
4- الام 62:3-63، الوجيز 150:1، العزيز شرح الوجيز 355:4، حلية العلماء 348:4 و 352.
5- في الطبعة الحجريّة: من جنسه.
6- في «ق، ك»: العيار.

و نمنع الربا، لأنّه لا يثبت إلاّ في المكيل أو الموزون، و لا شيء من الثمرة على رأس(1) النخل و لا من الزرع في السنابل بمكيل أو موزون.

و قد روى ابن رباط عن أبي الصباح الكناني قال: سمعت الصادق عليه السّلام يقول: «إنّ رجلا كان له على رجل خمسة عشر وسقا من تمر و كان له نخل فقال له: خذ ما في نخلي بتمرك، فأبى أن يقبل، فأتى النبيّ صلّى اللّه عليه و آله، فقال:

يا رسول اللّه إنّ لفلان عليّ خمسة عشر وسقا من تمر، فكلّمه يأخذ ما في نخلي بتمره، فبعث النبيّ صلّى اللّه عليه و آله، فقال: يا فلان خذ ما في نخله بتمرك، فقال: يا رسول اللّه لا يفي و أبى أن يفعل، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لصاحب النخل:

اجذذ نخلك، فجذّه فكال له خمسة عشر وسقا» فأخبرني بعض أصحابنا عن ابن رباط و لا أعلم إلاّ أنّي قد سمعته منه أنّ أبا عبد اللّه الصادق عليه السّلام قال:

«إنّ ربيعة الرأي لمّا بلغه هذا عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال: هذا ربا، قلت: أشهد باللّه إنّه من الكاذبين، قال: صدقت»(2).

فروع:
أ - لو اختلف الجنس، جاز البيع إجماعا،

كأن يبيع الشعير في سنبله بالدخن الموضوع على الأرض، أو ثمرة النخل فيها بعنب أو زبيب موضوع على الأرض.

و اشترط الشافعي التقابض هنا بالنقل لما على وجه الأرض، و بالتخلية فيما على الشجر(3). و هو بناء على مذهبه من وجوب التقابض في

ص: 397


1- في «ق، ك»: رءوس.
2- التهذيب 91:7-92، 390، الاستبصار 92:3، 312.
3- العزيز شرح الوجيز 355:4.

الربويّات مع اختلاف الجنس، و قد سلف بحثه(1).

ب - إن جعلنا العلّة في المحاقلة و المزابنة الربا، لم يجز بيع غير النخل و الزرع بجنسه

الموضوع على الأرض، فلا يجوز بيع العنب في أصله بزبيب أو عنب موضوع على الأرض، و كذا غيره من الفواكه، و لا بيع الدخن في سنبله بحبّ دخن موضوع على الأرض، عملا بتعميم الحكم عند تعميم علّته. و إن لم نجعل العلّة ذلك، جاز جميع ذلك.

ج - الحنطة و الشعير عندنا أنّهما جنس واحد في الربا

على ما تقدّم(2) ، خلافا للشافعي(3). فعلى أصلنا هذا إذا جعلنا العلّة الربا، لم يجز بيع الحنطة في السنبل بالشعير الموضوع على الأرض و بالعكس، و إلاّ جاز.

د - في أكثر تفاسير المحاقلة أنّها بيع الحنطة في السنبل بحنطة

إمّا منها أو من غيرها على ما تقدّم، فهل يدخل فيه الشعير الثابت في سنبله بالشعير المصفّى ؟ إن جعلناه من جنس الحنطة أو قلنا: العلّة الربا، شمل التحريم، و إلاّ فلا، لكن لا يكون محاقلة إن لم يكن من الجنس و إن قلنا بالتحريم لعلّة الربا فيه.

أمّا غير الشعير و الحنطة كالدخن يباع في سنبله بحبّ مصفّى إمّا منه أو من غيره، و الذرّة و الأرز و غير ذلك من أنواع الزرع فهل يكون محاقلة ؟ في بعض ألفاظ علمائنا أنّ المحاقلة هي بيع الزرع بالحبّ من جنسه(4) ، فيكون ذلك كلّه محاقلة. و إن لم نجعل ذلك محاقلة بل خصّصنا اسم

ص: 398


1- في ص 147، الفرع (ه) من المسألة 77.
2- في ص 148، المسألة 78.
3- الامّ 31:3، المهذّب - للشيرازي - 279:1، الحاوي الكبير 110:5، بداية المجتهد 135:2، المحلّى 492:8، المغني 151:4، الشرح الكبير 149:4.
4- كشف الرموز 506:1-507، و كما في شرائع الإسلام 54:2.

المحاقلة بالحنطة، هل يثبت التحريم ؟ إن جعلنا العلّة في الحنطة الربا، ثبت هنا، و إلاّ فلا.

أمّا الثمرة فالمشهور اختصاص المزابنة بثمرة النخل منها دون غيرها، لكن في التحريم إن جعلناه معلّلا بالربا، ثبت في غير النخل، و إلاّ فلا.

ه - لو باع الزرع قبل ظهور الحبّ بالحبّ، فلا بأس

- و به قال الشافعي(1) - لأنّه حشيش، و هو غير مطعوم و لا مكيل، سواء تساويا جنسا أو اختلفا. و لا يشترط التقابض في الحال.

و - قد بيّنّا أنّ بيع الصّبرة باطل إلاّ مع العلم بقدرها،

فلو باع صبرة بأخرى مجهولتين من جنس واحد، لم يجز مطلقا عندنا على ما تقدّم(2).

و قال الشافعي: إن أطلقا البيع، لم يجز، لأنّ التساوي شرط، و الجهل به كالعلم بالتفاضل، فيكون البيع باطلا.

و إن قال: بعتك هذه الصبرة بهذه الصبرة كيلا بكيل أو مثلا بمثل، فإن كيلتا و تساويتا، صحّ البيع. و إن تفاوتتا، فقولان، أحدهما: الفساد، لتفاضلهما. و الثاني: الصحّة، و يأخذ بقدر صبرته.

و إن اختلف الجنس و أطلقا، صحّ البيع. و إن شرطا التساوي، فإن خرجتا متساويتين، صحّ البيع. و إن تفاضلتا، قيل للّذي له الفضل: أ ترضى بتسليمه ؟ فإن أجاب، لزم البيع. و إن أبى، قيل للآخر: أ تأخذ بقدر صبرتك ؟ فإن رضي، لزم البيع. و إن أبى، فسخ العقد بينهما(3).

ص: 399


1- العزيز شرح الوجيز 355:4، المجموع 309:9، روضة الطالبين 217:3.
2- في ص 74، المسألة 45، و ص 80، الفرع (ه) من المسألة 46.
3- العزيز شرح الوجيز 83:4، الحاوي الكبير 108:5، روضة الطالبين 52:3، المغني 147:4، الشرح الكبير 148:4.

و هذا عندنا كلّه باطل، لما تقدّم.

مسألة 188: و استثني من المزابنة العرايا، و هي جمع عريّة،

و العريّة:

النخلة تكون في دار الإنسان أو في بستانه، فيباع ثمرتها رطبا بخرصها تمرا كيلا، فلا تجوز العرايا في أكثر من نخلة واحدة في عقد واحد.

و الشافعي أطلق الجواز في بيع العرايا، و هو أن يبيع الرطب على رءوس النخل بخرصه تمرا فيما دون خمسة أوسق، سواء تعدّدت النخلة أو اتّحدت. و لا يجوز عنده فيما زاد على خمسة أوسق قولا واحدا. و في خمسة أوسق قولان - و به قال أحمد - لأنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله رخّص في بيع العرايا فيما دون خمسة أوسق أو في خمسة أوسق(1). الشكّ من الراوي(2).

و قال أبو حنيفة: لا يجوز بيع العرايا مطلقا بحال البتّة، لأنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله نهى عن المزابنة(3). و هي بيع التمر بالتمر كيلا، و بيع العنب بالزبيب كيلا. و لأنّه لا يجوز فيما زاد على خمسة أوسق كذلك في خمسة أوسق، كما لو كان على وجه الأرض(4).

ص: 400


1- صحيح البخاري 99:3، صحيح مسلم 1171:3، 1541، سنن أبي داود 3: 252، 3364، سنن الترمذي 595:3، 1301، سنن البيهقي 311:5، الموطّأ 2: 620، 14.
2- الوجيز 150:1، العزيز شرح الوجيز 357:4، التهذيب - للبغوي - 401:3، حلية العلماء 174:4-175، المهذّب - للشيرازي - 282:1، روضة الطالبين 3: 218، الحاوي الكبير 216:5، المغني 196:4-197، الشرح الكبير 165:4 - 166.
3- صحيح مسلم 1171:3، 1542، الموطّأ 624:2-625، 23-25، سنن ابن ماجة 762:2، 2266، سنن الترمذي 594:3، 1300، سنن النسائي 7: 37، سنن البيهقي 307:5.
4- حلية العلماء 174:4-176، المغني 197:4، الشرح الكبير 165:4.

و الجواب: الخاصّ مقدّم على العامّ.

و قال مالك: يجوز في موضع مخصوص، و هو أن يكون قد وهب لرجل ثمرة نخلة ثمّ شقّ عليه دخوله إلى قراحه، فيشتريها منه بخرصها من التمر يعجّله له، لأنّ العريّة في اللغة هي: الهبة و العطيّة(1).

و قال أحمد في إحدى الروايتين: يخرص الرطب في رءوس النخل و يبيعه بمثله تمرا(2).

إذا تقرّر هذا، فإنّ العريّة عندنا إنّما تكون في النخلة الواحدة تكون في دار الإنسان، فلا تجوز فيما زاد على النخلة الواحدة، عملا بالعموم، و اقتصارا في الرخص على مواردها.

مسألة 189: و هذه الرخصة عامّة للغني و الفقير

- و به قال الشافعي في الأمّ(3) - لعموم اللفظ. و لأنّ كلّ بيع جاز للفقير جاز للغني، كسائر البياعات.

و قال في الإملاء و اختلاف الحديث: لا يجوز بيع العرايا إلاّ للفقير خاصّة - و به قال أحمد - لأنّ محمود بن لبيد قال: قلت لزيد بن ثابت:

ما عراياكم هذه ؟ فسمّى رجالا محتاجين من الأنصار شكوا إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أنّ الرطب يأتي و لا نقد بأيديهم يتبايعون به رطبا يأكلونه مع الناس، و عندهم فضول من قوتهم من التمر، فرخّص أن يبتاعوا العرايا بخرصها من

ص: 401


1- بداية المجتهد 216:2-217، الكافي في فقه أهل المدينة: 315، حلية العلماء 177:4، العزيز شرح الوجيز 356:4، المغني 198:4، الشرح الكبير 168:4.
2- المغني 196:4، الشرح الكبير 165:4، العزيز شرح الوجيز 356:4.
3- الامّ 56:3، و كما في الحاوي الكبير 218:5.

التمر الذي في أيديهم يأكلونه رطبا(1)(2).

و الجواب: العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، و الحديث دلّ على أنّ سبب الرخصة الحاجة، و هي غير مختصّة بالفقراء.

مسألة 190: قد بيّنّا أنّ الضابط في التسويغ إنّما هو بالنخلة الواحدة في الدار الواحدة

أو البستان الواحد. و لو كان له عدّة دور في كلّ واحدة نخلة، جاز بيعها عرايا.

و أجاز الشافعي العريّة في أقلّ من خمسة(3) بمهما كان قولا واحدا، و به قال المزني و أحمد. و منع من الزيادة. و في الخمسة قولان، لأنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله رخّص في العرايا الوسق و الوسقين و الثلاثة و الأربعة(4). و لأنّ الخمسة جعلت في حدّ الكثرة، و وجبت الزكاة. و استدلّ على الجواز في الخمسة بإطلاق التسويغ في العريّة ثمّ ورد النهي فيما(5) زاد على خمسة أوسق(6).

مسألة 191: إذا تبايعا العريّة، وجب أن ينظر إلى الثمرة على النخلة

و يحزر ذلك رطبا فيتبايعاه بمثله تمرا، و لا يشترط التماثل في الخرص بين

ص: 402


1- أورده الشافعي في اختلاف الحديث: 197، و المزني في مختصره: 81، و ابن قدامة في المغني 198:4.
2- الحاوي الكبير 218:5، حلية العلماء 177:4-178، العزيز شرح الوجيز 4: 358، المغني 200:4، الشرح الكبير 167:4، و انظر: اختلاف الحديث: 197.
3- أي: خمسة أوسق.
4- سنن البيهقي 311:5، المغني 197:4، الشرح الكبير 166:4.
5- في «ق»: «عمّا» بدل «فيما».
6- الامّ 54:3-55، مختصر المزني: 81، الوجيز 150:1، العزيز شرح الوجيز 375:4، التهذيب - للبغوي - 401:3، حلية العلماء 175:4 و 179، المهذّب - للشيرازي - 282:1، المغني 197:4، الشرح الكبير 165:4.

ثمرتها عند الجفاف و ثمنها، و لا يجوز التفاضل عند العقد، و لا تكفي مشاهدة التمر على الأرض و لا الخرص(1) فيه، بل لا بدّ من معرفة مقداره بالكيل أو الوزن.

و قال الشافعي: يجب التماثل بين ثمرتها عند الجفاف و بين التمر المجعول ثمنا(2).

و الأصل العدم. و الربا لا يثبت على تقدير إتلاف الرطب. و لا يجب الترقّب بحيث يثبت فيه. نعم، يحرم التفاضل بين الرطب و التمر، و تجب المساواة و إن كنّا قد منعنا من بيع الرطب بالتمر، لأنّ هذا مستثنى، للرخصة.

مسألة 192: لا يجب التقابض في الحال عندنا قبل التفرّق،

بل الحلول، فلا يجوز إسلاف أحدهما في الآخر، للأصل و الإطلاق.

و قال الشافعي: يجب التقابض في الحال قبل التفرّق(3). فيخلّي صاحب الثمرة بينها و بين مشتريها و يسلّم صاحب التمر التمر إلى مشتريه لينقله و يحوّله.

و ليس من شرط ذلك عنده(4) حضور التمر عند العقد، بل إذا شاهد الثمرة على رءوس النخل ثمّ شاهد التمر على الأرض ثمّ تبايعا و مضيا جميعا إلى النخلة فسلّمها إلى مشتريها ثمّ مضيا إلى التمر فسلّمه إلى مشتريه، جاز عنده(5) ، لأنّ التفرّق لم يحصل بينهما قبل التقابض، و الاعتبار بتفرّقهما دون مكان البيع.

ص: 403


1- في «ق»: «الحزر» بدل «الخرص».
2- المهذّب - للشيرازي - 281:1، المغني 199:4، الشرح الكبير 167:4.
3- المهذّب - للشيرازي - 281:1، العزيز شرح الوجيز 356:4، التهذيب - للبغوي - 402:3، المغني 199:4، الشرح الكبير 168:4.
4- انظر: المغني 200:4، و الشرح الكبير 168:4.
5- انظر: المغني 200:4، و الشرح الكبير 168:4.
مسألة 193: لا يجوز بيع أكثر من النخلة الواحدة عريّة،
اشارة

لعموم المنع من المزابنة(1) ، خرج عنه العريّة في النخلة الواحدة - و به قال أحمد(2) - للحاجة، فيبقى الباقي على المنع، سواء اتّحد العقد أو تعدّد. أمّا لو تعدّد المشتري فالوجه: الجواز.

و قال الشافعي: يجوز أن يبيع العريّة من رجل ثمّ يبيع منه أو من غيره عريّة أخرى في عقد آخر حتى يأتي على جميع حائطه، للعموم(3).

و هو ممنوع. و لأنّ فيه توصّلا إلى المحرّم و هو المزابنة، لأنّه يبيع جميع النخل في عقود متعدّدة.

فروع:
أ - لو باع في صفقة واحدة من رجلين كلّ واحد منهما نخلة معيّنة،

جاز. و كذا لو باعهما نخلتين مشاعا بينهما، و به قال الشافعي(4) ، خلافا لأحمد، لأنّ البائع - عنده - لا يجوز أن يبيع أكثر من عريّة واحدة(5).

ب - لو باع رجلان من واحد صفقة واحدة نخلتين عريّة، جاز

- و هو

ص: 404


1- صحيح مسلم 1168:3، 1539، و 1171، 1542، سنن الترمذي 3: 594، 1300، سنن البيهقي 307:5، الموطأ 624:2-625، 23-25.
2- المغني 197:4، الشرح الكبير 166:4، العزيز شرح الوجيز 357:4، حلية العلماء 180:4.
3- الوجيز 150:1، العزيز شرح الوجيز 357:4، حلية العلماء 179:4، المهذّب - للشيرازي - 282:1، التهذيب - للبغوي - 402:3، روضة الطالبين 218:3، المغني 197:4-198، الشرح الكبير 166:4.
4- العزيز شرح الوجيز 357:4، روضة الطالبين 218:3.
5- العزيز شرح الوجيز 357:4، المغني 197:4، الشرح الكبير 166:4.

أحد وجهي الشافعيّة(1) - لأنّ تعدّد الصفقتين بتعدّد البائع أظهر من تعدّدها بتعدّد المشتري.

و الثاني لهم: لا تجوز الزيادة على خمسة أوسق نظرا إلى مشتري الرطب، لأنّه محلّ الخرص الذي هو خلاف قياس الربويّات، فلا ينبغي أن يدخل في ملكه أكثر من القدر المحتمل دفعة واحدة(2).

و الجواب: أنّ ذلك يأتي في بائع واحد، أمّا في اثنين فلا.

ج - لو باع رجلان من رجلين صفقة واحدة، احتمل جواز أربع نخلات.

و قال الشافعي: لا يجوز في أكثر من عشرة أوسق، و يجوز فيما دونها، و في العشرة قولان(3).

مسألة 194: و هل تثبت العريّة في العنب ؟

إن قلنا بتناول تحريم المحاقلة العنب، احتمل الثبوت، و إلاّ فلا بأس في بيعه بالزبيب أو العنب، اقتصارا بالمنع على مورده، و انتفاء أصالة العلّيّة بالربا، لانتفاء شرطه، و هو الكيل أو الوزن في الثمرة على رءوس الأشجار.

أمّا الشافعي فإنّه عمّم التحريم في العنب كالثمرة، و جوّز بيع العريّة منه، لأنّ في حديث ابن عمر أنّه قال: و العرايا بيع الرطب بالتمر و العنب بالزبيب(4). و لأنّ العنب يخرص كما يخرص النخل و يوسق، و هو ظاهر يمكن معرفة مقداره بالتخمين(5).

ص: 405


1- العزيز شرح الوجيز 357:4، روضة الطالبين 218:3.
2- العزيز شرح الوجيز 357:4، روضة الطالبين 218:3.
3- العزيز شرح الوجيز 357:4، روضة الطالبين 218:3.
4- صحيح مسلم 1171:3، 1542.
5- الام 55:3، المهذّب - للشيرازي - 282:1، الحاوي الكبير 219:5، التهذيب للبغوي - 403:3، العزيز شرح الوجيز 356:4، روضة الطالبين 218:3، المغني 201:4، الشرح الكبير 169:4.

أمّا ما عدا ذلك من الثمار التي تجفّف - كالمشمش و الخوخ و الإجّاص - ففي جواز بيعه على شجرة بخرصه للشافعي قولان:

الجواز، كالرطب و العنب، لأنّ الحاجة تدعو إليه.

و المنع، لأنّ العشر لم يجب، و لم يسنّ الخرص منها. و لأنّها تستتر في ورقها فيخفى خرصها(1).

مسألة 195: إنّما يجوز بيع الرطب بخرصه تمرا

إذا كان على رءوس النخل في العريّة خاصّة، فأمّا إذا كان الرطب على وجه الأرض، فإنّه لا يجوز، لأنّ ذلك إنّما جاز للحاجة و لا حاجة إلى شراء ذلك على وجه الأرض، و إنّما الغرض في جوازه على النخل ليؤخذ شيئا فشيئا.

و لو باع الرطب على رءوس النخل بالرطب على رءوس النخل خرصا أو باع الرطب على رءوس النخل خرصا بالرطب على وجه الأرض كيلا، فالأقوى: الجواز، للأصل السالم عن معارضة الربا، (لانتفائه بانتفاء شرطه)(2) - و به قال أبو علي ابن خيران من الشافعيّة(3) - لما روي عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنّه رخّص في بيع العرايا بالتمر و الرطب(4).

ص: 406


1- المهذّب - للشيرازي - 282:1، الحاوي الكبير 219:5، حلية العلماء 4: 180، التهذيب - للبغوي - 403:3، العزيز شرح الوجيز 356:4، روضة الطالبين 218:3.
2- بدل ما بين القوسين في «ك»: لانتفاء شرطه.
3- المهذّب - للشيرازي - 282:1، الحاوي الكبير 216:5، التهذيب - للبغوي - 403:3، حلية العلماء 178:4، العزيز شرح الوجيز 358:4، روضة الطالبين 218:3.
4- صحيح البخاري 98:3، صحيح مسلم 1168:3، 1539، سنن أبي داود 3: 251، 3362، سنن النسائي 267:7 و 268، سنن البيهقي 311:5.

و قال أبو إسحاق منهم: إنّه إن كان نوعا واحدا، لم يجز. و إن كان نوعين، جاز، لأنّ في النوع الواحد لا حاجة إليه، و قد ثبت غرض صحيح في النوعين(1).

و قال الإصطخري منهم: إنّه لا يجوز، لأنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله إنّما رخّص في بيعه بالتمر(2) ، فلم يجز غير ذلك(3).

و هو ممنوع، لأنّ المساواة بين الرطب و الرطب أقرب منها بين الرطب و التمر.

و لو باع الرطب على وجه الأرض بالرطب على وجه الأرض متساويا، جاز عندنا على ما تقدّم في باب الربا، خلافا للشافعي(4).

مسألة 196: ظاهر كلام الأصحاب يقتضي المنع من بيع العريّة على غير مالك الدار

أو البستان أو مستأجرهما أو مشتري ثمرة البستان على إشكال، لأنّ النخلة إذا كانت للغير في ملك إنسان ربما لحقه التضرّر بدخول مشتري الثمرة إليها، و كذا في بستان، و كذا في ثمرة بستانه، فاقتضت الحكمة جواز بيعها على مالك الدار و البستان و مستأجرهما و مشتري الثمرة، دفعا للحاجة، بخلاف غيرهما.

و ظاهر كلام المجوّزين من الجمهور: العموم، فيجوز لصاحب

ص: 407


1- المهذّب - للشيرازي - 282:1، حلية العلماء 179:4، الحاوي الكبير 5: 216، العزيز شرح الوجيز 358:4، روضة الطالبين 218:3.
2- صحيح البخاري 99:3، سنن البيهقي 310:5.
3- المهذّب - للشيرازي - 282:1، حلية العلماء 178:4، العزيز شرح الوجيز 4: 357، روضة الطالبين 218:3.
4- العزيز شرح الوجيز 358:4، روضة الطالبين 218:3.

البستان أن يبيع خمسة أوسق من الرطب بخرصها تمرا لأيّ شخص كان.

مسألة 197: يجوز أن يتقبّل أحد الشريكين بحصّة صاحبه من الثمرة بشيء معلوم منها

لا على سبيل البيع، عملا بالأصل. و لأنّ الحاجة قد تدعو إليه.

و لما رواه يعقوب بن شعيب عن الصادق عليه السّلام، قال: سألته عن الرجلين يكون بينهما النخل فيقول أحدهما لصاحبه: اختر إمّا أن تأخذ هذا النخل بكذا و كذا كيلا مسمّى و تعطيني نصف هذا الكيل زاد أو نقص، و إمّا أن آخذه أنا بذلك و أردّ عليك، قال: «لا بأس بذلك»(1).

و هل يجوز البيع ؟ يحتمل ذلك، عملا بالأصل السالم عن معارضة الربا، إذ لا وزن في الثمرة على رأس الشجرة، فعلى تقدير جواز البيع يثبت فيه أحكامه من الضمان على البائع قبل الإقباض، و على المشتري بعده.

و إن منعنا البيع و جوّزنا التقبّل، كان معناه أنّ المتقبّل يأخذ جميع الثمرة و يدفع إلى شريكه عن قدر حصّته ما تقبّل به، فإن كان ما حصل مساويا لما تقبّل به، فلا بحث. و إن زاد فله. و إن نقص فعليه.

و هل يكون ذلك لازما؟ إشكال. و على تقدير لزومه هل يكون الناقص عليه ؟ و هل يكون مضمونا في يده ؟ الأقرب: ذلك، لأنّه إمّا بيع فاسد أو تقبّل.

و لو تلفت الثمرة بآفة سماويّة بعد القبض، هل يسقط من المال الذي تقبّل به شيء أم لا؟

مسألة 198: يجوز لمشتري الثمرة أن يبيعها بزيادة عمّا ابتاعه

أو

ص: 408


1- الكافي 193:5، 2، الفقيه 142:3، 623، التهذيب 91:7، 389.

نقصان قبل قبضه و بعده، عملا بالأصل، و بما رواه محمّد الحلبي - في الصحيح - عن الصادق عليه السّلام، قال: سألته عن الرجل يشتري الثمرة ثمّ يبيعها قبل أن يأخذها، قال: «لا بأس به إن وجد ربحا فليبع»(1).

و في الصحيح عن محمّد بن مسلم عن أحدهما عليهما السّلام أنّه قال في رجل اشترى الثمرة ثمّ يبيعها قبل أن يقبضها، قال: «لا بأس»(2).

مسألة 199: لو اشترى الزرع قصيلا مع أصوله، صحّ.
اشارة

فإن قطعه فنبت، فهو له. فإن شرط صاحب الأرض قطعه فلم يقطعه، كان عليه أجرة الأرض. و لو لم يشرط المشتري الأصل، فهو لصاحبه. فإذا قصله المشتري و نبت، كان للبائع. و لو لم يقصله، كان شريكا للبائع و يحكم بالصلح.

تذنيب: لو سقط من الحبّ المحصود شيء فنبت في القابل،

فهو لصاحب البذر لا الأرض - خلافا لأحمد(3) - سواء سقاه صاحب الأرض و ربّاه أو لا، و لصاحب الأرض الأجرة، لأنّه شغلها بماله.

تذنيب آخر:

لو اشترى نخلا ليقطعه أجذاعا فتركه حتى حمل، فالحمل له، و عليه الأجرة، سواء سقاه صاحب الأرض أو لا.

و في رواية هارون بن حمزة الغنوي عن الصادق عليه السّلام، قال: قلت له:

الرجل يشتري النخل ليقطعه للجذوع فيحمل النخل، قال: «هو له إلاّ أن يكون صاحب الأرض سقاه و قام عليه»(4).

و هذه الرواية محمولة على جريان عقد المساقاة بينهما.

مسألة 200: يجوز للإنسان إذا مرّ بشيء من ثمرة النخل و الشجر

ص: 409


1- التهذيب 88:7-89، 376.
2- التهذيب 89:7، 377.
3- المغني 226:4، الشرح الكبير 241:4.
4- التهذيب 90:7، 382.

و الزرع أن يأكل منها(1) من غير إفساد. و لا يحلّ له أن يأخذ منها شيئا يحمله و يخرج به، لما رواه ابن أبي عمير - في الصحيح - عن بعض أصحابنا عن الصادق عليه السّلام، قال: سألته عن الرجل يمرّ بالنخل و السنبل و الثمرة فيجوز له أن يأكل منها من غير إذن صاحبها من ضرورة أو غير ضرورة ؟ قال: «لا بأس»(2).

و قد روى عليّ بن يقطين - في الصحيح - عن الرضا عليه السّلام، قال سألته عن الرجل يمرّ بالثمرة من الزرع و النخل و الكرم و الشجر و المباطخ و غير ذلك من الثمر أ يحلّ له أن يتناول منه شيئا و يأكل بغير إذن من صاحبه ؟ و كيف حاله إن نهاه صاحب الثمرة أو أمره المقيم فليس له ؟ و كم الحدّ الذي يسعه أن يتناول منه ؟ قال: «لا يحلّ له أن يأخذ منه شيئا»(3).

قال الشيخ رحمه اللّه: قوله: «لا يحلّ له أن يأخذ منه شيئا» محمول على ما يحمله معه، فأمّا ما يأكله في الحال من الثمرة فمباح(4) ، للرواية السابقة. و لما رواه الحسين بن سعيد عن أبي داود عن بعض أصحابنا عن محمّد بن مروان عن الصادق عليه السّلام، قال: قلت له: أ مرّ بالثمرة فآكل منها؟ قال: «كل و لا تحمل» قلت: جعلت فداك، التجّار قد اشتروها و نقدوا أموالهم، قال: «اشتروا ما ليس لهم»(5).

مسألة 201: لو كان في قرية نخل و زرع و بساتين و أرحاء و أرطاب،

جاز للإنسان أن يشتري غلّتها، للأصل.

ص: 410


1- في «ق، ك» و الطبعة الحجريّة: منه، و ما أثبتناه يقتضيه السياق.
2- التهذيب 93:7، 393، الاستبصار 90:3، 306.
3- التهذيب 92:7، 392، الاستبصار 90:3، 307.
4- التهذيب 92:7-93، الاستبصار 90:3 ذيل الحديث 307.
5- التهذيب 93:7، 394، الاستبصار 90:3، 305.

و لما رواه عبد اللّه بن أبي يعفور عن الصادق عليه السّلام، قال: سألته عن قرية فيها أرحاء و نخل و زرع و بساتين و أرطاب أشتري غلّتها؟ قال:

«لا بأس»(1).

إذا ثبت هذا، فإنّه يجوز أن يشتري ما فيها من الثمار و الزروع، و يشترط منفعة الرحى مدّة معلومة بشيء معلوم، و أن يتقبّل بمنافع هذه القرية على اختلاف أصنافها بشيء معيّن، للأصل.3.

ص: 411


1- التهذيب 90:7، 383.

ص: 412

الفصل الثالث في الصرف
اشارة

و هو بيع الأثمان من الذهب أو الفضّة بالأثمان.

و إنّما سمّي صرفا، لأنّ الصرف في اللغة هو: الصوت، و لمّا كان الصوت يحصل بتقليب الثمن و المثمن هنا سمّي صرفا.

و هو جائز إجماعا، و له شرائط تأتي إن شاء اللّه تعالى.

مسألة 202: من شرط الصرف التقابض في المجلس قبل التفرّق،
اشارة

سواء تماثلا جنسا أو اختلفا، و سواء كانا معيّنين أو غير معيّنين بل موصوفين، لما رواه العامّة عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال: «لا تبيعوا الذهب بالذهب إلاّ هاء و هاء» [1] و هي تقتضي وجوب التقابض في المجلس.

و من طريق الخاصّة: ما رواه محمّد بن قيس عن الباقر عليه السّلام قال:

«قال أمير المؤمنين عليه السّلام: لا يبتاع رجل فضّة بذهب إلاّ يدا بيد، و لا يبتاع ذهبا بفضّة إلاّ يدا بيد»(1).

إذا ثبت هذا، فلا يجوز إسلاف أحدهما في الآخر، سواء اتّفقا في الجنس أو اختلفا، و سواء اتّحدا وزنا أو اختلفا، و سواء تساويا وصفا أو

ص: 413


1- الكافي 251:5، 31، التهذيب 99:7، 426، الاستبصار 93:3، 318.

تضادّا، لأنّ التقابض في المجلس شرط فيه، و لا يتحقّق ذلك مع إسلاف أحدهما في الآخر.

و لقول الباقر عليه السّلام أنّه قال: «في الورق بالورق وزنا بوزن، و الذهب بالذهب وزنا بوزن»(1).

فروع:
أ - لو افترقا قبل التقابض، بطل البيع، لعدم الشرط.

و لو تفرّقا و قد تقابضا البعض خاصّة و لمّا يتقابضا في الباقي، بطل البيع فيما لم يتقابضا فيه، و يكونان بالخيار في الباقي، لتبعّض الصفقة في حقّهما، و لا يبطل في الباقي المقبوض. و للشافعي قولان مبنيّان على تفريق الصفقة(2).

ب - لو قاما عن ذلك المجلس قبل التقابض مصطحبين، لم يحصل الافتراق،

و كان البيع صحيحا، فإن تقابضا في غير ذلك المجلس و لم يفترقا، صحّ البيع و لزم، لحصول التقابض قبل التفرّق، لقول الصادق عليه السّلام: «إذا اشتريت ذهبا بفضّة، أو فضّة بذهب فلا تفارقه حتى تأخذ منه، و إن نزا حائطا فانز معه»(3).

و لأنّ خيار المجلس يبطل مع الافتراق و لا يبطل مع مفارقتهما لذلك المجلس مصطحبين، فلا يكون ذلك افتراقا.

ج - قد بيّنّا أنّه يشترط الحلول، لاشتراط التقابض في المجلس،

فلو

ص: 414


1- التهذيب 98:7، 423.
2- العزيز شرح الوجيز 78:4، روضة الطالبين 48:3.
3- التهذيب 99:7، 427، الاستبصار 93:3، 319.

أسلف أحدهما في الآخر بأجل قصير جدّا و لو ساعة مع الضبط و لم يتفارقا حتى تقابضا، لم يصحّ البيع أيضا، لما تقدّم(1) في الحديثين عن أمير المؤمنين عليه السّلام و عن الباقر عليه السّلام.

د - لو تصارفا ذهبا بذهب أو فضّة، أو فضّة بفضّة أو ذهب، لم يضرّ طول لبثهما في المجلس

و لا طول مصاحبتهما، سواء كان الثمن و المثمن معيّنين أو مطلقين في الذمّة أو معيّنا و مطلقا و لو امتدّ إلى سنة و أزيد.

ه - لو وكّل أحدهما وكيلا في القبض أو وكّلا وكيلين فيه و تقابض الوكيلان، صحّ البيع

إن تقابض الوكيلان أو قبض وكيل أحدهما من العاقد قبل مفارقة المتبايعين، و إلاّ بطل، لأنّ المجلس متعلّق ببدن المتعاقدين.

و لأنّ الصادق عليه السّلام سئل عن بيع الذهب بالدراهم فيقول: أرسل رسولا فيستوفي لك ثمنه، قال: «يقول: هات و هلمّ و يكون رسولك معه»(2).

و - لو لم تتّفق المصاحبة و لا ملازمة المجلس فأرسل أحدهما وكيله ليقبض من صاحبه، بطل ذلك العقد،

و احتاج إلى أن يجدّده الوكيل، لفوات الشرط.

و لأنّ ابن الحجّاج سأله عن الرجل يشتري من الرجل الدراهم بالدنانير فيزنها و ينتقدها و يحسب ثمنها كم هو دينار ثمّ يقول: أرسل غلامك معي حتى أعطيه الدنانير، فقال: «ما أحبّ أن يفارقه حتى يأخذ الدنانير» فقلت: إنّما هم في دار واحدة و أمكنتهم قريبة بعضها من بعض و هذا يشقّ عليهم، فقال: «إذا فرغ من وزنها و انتقادها فليأمر الغلام الذي

ص: 415


1- في ص 413.
2- الكافي 252:5، 33، التهذيب 99:7، 428.

يرسله أن يكون هو الذي يبايعه و يدفع إليه الورق و يقبض منه الدنانير حيث يدفع إليه الورق»(1).

ز - لا تقوم مصاحبة الوكيل مقام مصاحبة الموكّل،

بل متى تعاقدا و تفرّقا و اصطحب الوكيل و الآخر، بطل البيع، لانتفاء الشرط.

ح - لو تصارف الوكيلان أو أحد صاحبي المال مع وكيل الآخر،

كان الاعتبار بالمتعاقدين لا بالمالكين، فلو تفرّق الوكيلان المتعاقدان دون صاحبي المال، بطل البيع، و بالعكس لا يبطل.

ط - لو تعذّر عليهما التقابض في المجلس و أرادا الافتراق،

لزمهما أن يتفاسخا العقد بينهما، فإن تفرّقا قبله، كان ذلك ربا، و جرى مجرى بيع مال الربا بعضه ببعض نسيئة، و لا يغني تفرّقهما، لأنّ فساد العقد إنّما يكون به شرعا، كما أنّ العقد مع التفاضل فاسد و يأثمان به.

مسألة 203: لو اشترى بنصف دينار شيئا و بنصفه ورقا، جاز

بشرط أن يقبض ما قابل الورق، لما رواه الحلبي - في الصحيح(2) - قال: سألت أبا عبد اللّه الصادق عليه السّلام: عن رجل ابتاع من رجل بدينار و أخذ بنصفه بيعا و بنصفه ورقا، قال: «لا بأس به» و سألته هل يصلح له أن يأخذ بنصفه ورقا أو بيعا و يترك نصفه حتى يأتي بعد فيأخذ به ورقا أو بيعا؟ فقال: «ما أحبّ أن أترك منه شيئا حتى آخذه جميعا فلا يفعله»(3).

و اعلم أنّ الدينار المقبوض إذا كان قد انتقل بالبيع، لم يجز التفرّق قبل قبض الورق، سواء قبض العوض الآخر أو لا. و لو قبض العوض

ص: 416


1- الكافي 252:5، 32، التهذيب 99:7، 429، الإستبصار 94:3، 320.
2- «في الصحيح» لم ترد في «ق، ك».
3- التهذيب 99:7-100، 430.

الآخر، لم يكف في قبض الورق، و صحّ البيع فيه خاصّة و إن لم يقبضه.

و لو انعكس الفرض فدفع نصف الدينار خاصّة بعد إقباض الورق و المبيع الآخر، فإن نوى بالدفع عن الورق، صحّ البيع فيهما. و إن نوى بالدفع عن الآخر، بطل في الورق، و تخيّر في الآخر. و إن أطلق، احتمل ضعيفا صرفه إلى الورق تصحيحا للعقد، و البطلان في نصف الورق.

مسألة 204: لو اشترى الإنسان من غيره دراهم بدنانير ثمّ اشترى بها دنانير

قبل قبض الدراهم، بطل الثاني، لأنّه بيع الموزون قبل قبضه، و هو منهيّ عنه(1) على ما تقدّم(2) ، فإن(3) افترقا، بطل العقدان معا، للتفرّق قبل التقابض في الصرف. و لو كان ثمن الدراهم غير الدنانير، لم يبطل الأوّل، إذ القبض في المجلس ليس شرطا فيه.

مسألة 205: لو كان للإنسان على غيره دراهم و أمره بأن يحوّلها إلى الدنانير

أو بالعكس بعد المساعرة على جهة التوكيل في البيع، صحّ و إن تفرّقا قبل القبض، لأنّ النقدين من واحد، و هو بعينه موجب للبيع بالأصالة و قابل بالوكالة، فكان بمنزلة المقبوض.

و لما رواه إسحاق بن عمّار، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: يكون للرجل عندي الدراهم فيلقاني فيقول: كيف سعر الوضح اليوم ؟ فأقول: كذا و كذا، فيقول: أ ليس لي عندك كذا و كذا ألف درهم وضحا؟ فأقول: نعم، فيقول: حوّلها إلى دنانير بهذا السعر و أثبتها لي عندك، فما ترى في هذا؟ فقال لي: «إذا كنت قد استقصيت له السعر يومئذ فلا بأس بذلك» فقلت:

ص: 417


1- المعجم الكبير - للطبراني - 12:11، 10875.
2- في ص 120 و 121.
3- في الطبعة الحجريّة: «و إن» بدل «فإن».

إنّي لم أوازنه و لم أناقده و إنّما كان كلام منّي و منه، فقال: «أ ليس الدراهم من عندك و الدنانير من عندك ؟» قلت: بلى، قال: «فلا بأس»(1).

أمّا لو لم يكن على جهة التوكيل في البيع بل اشترى منه بالدراهم - التي في ذمّته - دنانير، وجب القبض قبل التفرّق، لأنّه صرف فات شرطه فكان باطلا.

مسألة 206: لا يشترط الوزن و النقد حالة العقد و لا حالة القبض،

فلو صارفة مائة دينار بألف درهم ثمّ دفع إليه دراهم غير معلومة القدر و النقد و تفرّقا، صحّ البيع إن كان المدفوع قد اشتمل على الحقّ أو زاد، أمّا لو نقص، فإنّه يبطل في القدر الناقص خاصّة، لوجود المقتضي للصحّة، و عدم المانع، و هو انتفاء القبض، إذ لم يشرط في القبض التعيين.

و لما رواه إسحاق بن عمّار، قال: سألت الكاظم عليه السّلام عن الرجل يأتيني بالورق فأشتريها منه بالدنانير فأشتغل عن تحرير وزنها و انتقادها و فضل ما بيني و بينه، فأعطيه الدنانير و أقول له: إنّه ليس بيني و بينك بيع، و إنّي قد نقضت الذي بيني و بينك من البيع، و ورقك عندي قرض، و دنانيري عندك قرض، حتى يأتيني من الغد فأبايعه، فقال: «ليس به بأس»(2).

و لو كان المدفوع أقلّ من المستحقّ، بطل الصرف في الناقص خاصّة، و تخيّر في الفسخ في الباقي، لتبعّض الصفقة.

و كذا لو دفع إليه الدراهم بقدر حقّه إلاّ أنّ فيها زيوفا، فإنّه يصحّ البيع إن كان الغشّ من الجنس بسبب اختلاف الجوهر في النعومة و الخشونة

ص: 418


1- التهذيب 102:7-103، 441.
2- التهذيب 103:7، 444.

و شبهه، لأنّه من جنس الحقّ، و لو رضي قابضه به، لزم البيع، بخلاف ما إذا لم يكن من الجنس.

و لأنّ إسحاق بن عمّار سأل الكاظم عليه السّلام عن الرجل يبيعني الورق بالدنانير و أتّزن منه و أزن له حتى أفرغ فلا يكون بيني و بينه عمل إلاّ أنّ في ورقه نفاية [1] و زيوفا و ما لا يجوز، فيقول: انتقدها و ردّ نفايتها، فقال:

«ليس به بأس و لكن لا تؤخّر ذلك أكثر من يوم أو يومين فإنّما هو الصرف» قلت: فإن وجدت(1) في ورقه فضلا مقدار ما فيها من النّفاية ؟ فقال: «هذا احتياط، هذا أحبّ إليّ»(2).

مسألة 207: الجيّد من الجوهرين مع الرديء منه واحد مع اتّحاد الجنس،

و كذا المصوغ و المكسّر، فلو باع آنية من ذهب أو فضّة بأحد النقدين، وجب التقابض قبل التفرّق، لأنّ أصالة الجوهريّة مانعة من التكثّر، و الكسر و ضدّه غير موجبين له. و كذا جيّد الجوهر - كالفضّة الناعمة - مع رديئه كالخشنة - و به قال أبو حنيفة و أحمد(3) - لأنّ الصفة لا قيمة لها في الجنس، فإنّه لا يجوز بيع المصوغ بالتبر متفاضلا.

و خالف فيه الشافعي، لأنّ قيمة الصحيح أكثر من قيمة المكسور، فيؤدّي إلى التفاضل فيلزم الربا(4).

ص: 419


1- في «ق، ك» و الطبعة الحجريّة: «أخذت» بدل «وجدت». و ما أثبتناه من المصدر.
2- الكافي 246:5، 7، التهذيب 103:7، 444.
3- العزيز شرح الوجيز 87:4، الحاوي الكبير 143:5، المغني و الشرح الكبير 4: 141 و 196.
4- مختصر المزني: 78، الحاوي الكبير 143:5، الوجيز 136:1، العزيز شرح الوجيز 84:4، روضة الطالبين 53:3.

و هو ممنوع، لأنّ الربا إنّما يثبت مع زيادة العين لا زيادة الصفة.

و لما رواه أبو بصير عن الصادق عليه السّلام، قال: سألته عن الرجل يستبدل الشاميّة بالكوفيّة وزنا بوزن، فقال: «لا بأس»(1).

و في الصحيح عن الحلبي عن الصادق عليه السّلام، قال: سألته عن الرجل يستبدل الشاميّة بالكوفيّة وزنا بوزن، فيقول الصيرفي: لا أبدلك حتى تبدلني يوسفيّة بغلّة وزنا بوزن، فقال: «لا بأس به» فقلنا: إنّ الصيرفي إنّما طلب فضل اليوسفيّة على الغلّة، فقال: «لا بأس به»(2) و لو لا اتّحادهما في الجنس، لما جاز ذلك.

إذا ثبت هذا، فإذا اختلف الجنس، جاز التفاضل، لعموم قوله عليه السّلام:

«إذا اختلف الجنسان فبيعوا كيف شئتم»(3).

و لأنّ محمّد بن مسلم سأله عن الرجل يبتاع الذهب بالفضّة مثلين بمثل، قال: «لا بأس به يدا بيد»(4).

أمّا إذا اتّحد الجنس، فلا يجوز التفاضل في القدر، بل يجوز في الوصف كما قلنا: إنّه يجوز بيع جيّد الجوهر برديئه متساويا لا متفاضلا، فلو باعه مائة دينار جيّدة و مائة دينار رديئة بمائتين جيّدة أو رديئة أو وسط، جاز عندنا، خلافا للشافعي(5).

مسألة 208: الدراهم و الدنانير المغشوشة إن علم مقدار الغشّ فيها،

ص: 420


1- التهذيب 104:7، 447.
2- الكافي 247:5، 11، التهذيب 104:7-105، 448 بتفاوت يسير.
3- الجامع لأحكام القرآن 86:10.
4- التهذيب 98:7، 424، الاستبصار 93:3، 317.
5- مختصر المزني: 78، الحاوي الكبير 143:5، الوجيز 136:1، العزيز شرح الوجيز 84:4، روضة الطالبين 53:3.

جاز بيعها بجنسها بشرط زيادة في السليم يقابل الغشّ ليخلص من الربا لو بيع بقدر الصافي منها، و يجوز بيعها بغير الجنس مطلقا. و إن لم يعلم مقدار الغشّ، وجب أن تباع بغير جنسها حذرا من الربا، لإمكان أن يتساوى الصافي و الثمن في القدر، فيبقى الغشّ زيادة في أحد المتساويين.

و لما رواه ابن سنان - في الصحيح - عن الصادق عليه السّلام، قال: سألته عن شراء الفضّة فيها الرصاص بالورق، و إذا خلّصت نقصت من كلّ عشرة درهمين أو ثلاثة، قال: «لا يصلح إلاّ بالذهب» و سألته عن شراء الذهب فيه الفضّة و الزئبق و التراب بالدنانير و الورق، فقال: «لا تصارفه إلاّ بالورق»(1).

و لو بيع بوزن المغشوش، فإنّه يجوز، إذ الفاضل عن الصافي مقابل الغشّ.

إذا ثبت هذا، فإنّه لا يجوز إنفاقه إلاّ بعد إبانته و إيضاح حاله، إلاّ أن يكون معلوم الصرف بين الناس، لاشتماله على الغشّ المحرّم.

و لما رواه المفضل بن عمر الجعفي، قال: كنت عند الصادق عليه السّلام، فالقي بين يديه دراهم فألقى إليّ درهما منها، فقال: «ما هذا؟» فقلت:

ستوق، فقال: «و ما الستوق ؟» فقلت: طبقتان فضّة و طبقة من نحاس و طبقة من فضّة، فقال «اكسرها فإنّه لا يحلّ بيع هذا و لا إنفاقه»(2).

أمّا مع الإيضاح و البيان فلا بأس، لانتفاء الغشّ.

و لما رواه علي بن رئاب - في الصحيح - قال: لا أعلمه إلاّ عن محمّد ابن مسلم، قال: قلت للصادق عليه السّلام: الرجل يعمل الدراهم يحمل عليهاظ.

ص: 421


1- التهذيب 109:7، 468.
2- التهذيب 109:7، 466، الاستبصار 97:3، 333 بتفاوت يسير في بعض الألفاظ.

النحاس أو غيره ثمّ يبيعها، قال: «إذا بيّن ذلك فلا بأس»(1).

و كذا إذا كان يجوز بين الناس، لانتفاء الغشّ أيضا فيه.

و لما رواه محمّد بن مسلم - في الصحيح - عن الباقر عليه السّلام، قال:

جاءه رجل من سجستان، فقال له: إنّ عندنا دراهم يقال لها: الشاهيّة، يحمل على الدرهم دانقين، فقال: «لا بأس به إذا كان يجوز»(2).

مسألة 209: تراب معدن أحد النقدين يباع بالآخر

- و به قال أبو حنيفة(3) - احتياطا و تحرّزا من الربا. و لو جمعا، بيعا بهما صرفا لكلّ منهما إلى غير جنسه، و الأصل حمل العقد على الصحّة مهما أمكن.

و لما رواه أبو عبد اللّه مولى عبد ربّه عن الصادق عليه السّلام أنّه سأله عن الجوهر الذي يخرج من المعدن و فيه ذهب و فضّة و صفر جميعا كيف نشتريه ؟ قال: «اشتر بالذهب و الفضّة جميعا»(4).

و قال الشافعي: لا يجوز، لجهالة المقصود(5). و هو ممنوع.

مسألة 210: تراب الصياغة يباع بالجوهرين معا أو بجنس غيرهما لا بأحدهما،

تحرّزا من الربا، كما قلنا في تراب معدن أحد الجوهرين، خلافا للشافعي(6) ، كما تقدّم في تراب المعدن.

و إذا بيع، تصدّق بثمنه، لأنّ أربابه لا يتميّزون. و لو عرفوا، صرف إليهم، لما رواه علي بن ميمون الصائغ، قال: سألت الصادق عليه السّلام عمّا يكنس من التراب فأبيعه فما أصنع به ؟ فقال: «تصدّق به فإمّا لك و إمّا

ص: 422


1- التهذيب 109:7، 467، الاستبصار 97:3، 334.
2- التهذيب 108:7، 465
3- بدائع الصنائع 195:5.
4- الكافي 249:5، 22، التهذيب 111:7، 478.
5- المجموع 307:9.
6- المجموع 307:9.

لأهله» قلت: فإنّ فيه ذهبا و فضّة و حديدا فبأيّ شيء أبيعه ؟ قال: «بعه بطعام» قلت: فإن كان لي قرابة محتاج أعطيه منه ؟ قال: «نعم»(1).

مسألة 211: يجوز بيع الرصاص و إن كان فيه فضّة يسيرة بالفضّة،

و بيع النحاس بالذهب و إن اشتمل على ذهب يسير، و لا اعتبار بهما، لأنّه تابع غير مقصود البتّة بالبيع، فأشبه الحلية على سقوف الجدران.

و لما رواه عبد الرحمن بن الحجّاج - في الحسن - عن الصادق عليه السّلام في الأسرب [2] يشترى بالفضّة، فقال: «إذا كان الغالب عليه الأسرب فلا بأس»(2).

مسألة 212: المصاغ من النقدين معا إن جهل قدر كلّ واحد منهما،

بيع بهما معا أو بجنس غيرهما أو بالأقلّ إن تفاوتا مع الزيادة عليه حذرا من الربا. و إن علم قدر كلّ واحد منهما، بيع بأيّهما شاء مع زيادة الثمن على جنسه. و لو بيع بهما أو بغيرهما، جاز مطلقا، لأصالة الجواز، و زوال مانعيّة الربا هنا.

و لما رواه إبراهيم بن هلال، قال: سألت الصادق عليه السّلام: جام فيه ذهب و فضّة أشتريه بذهب أو فضّة ؟ فقال: «إن كان تقدر على تخليصه فلا، و إن لم تقدر على تخليصه فلا بأس»(3).

مسألة 213: الدراهم و الدنانير إذا كانا خالصين، جاز مصارفة كلّ واحد منهما بجنسه متساويا
اشارة

و بغير جنسه مطلقا، سواء اتّفقت صفتهما أو لا.

ص: 423


1- الكافي 250:5، 24، التهذيب 111:7، 479.
2- الكافي 248:5، 15، التهذيب 111:7-112، 481.
3- الكافي 25:5، 26، التهذيب 112:7، 484.

و إن كان فيهما غشّ، فإن كان له قيمة - كالرصاص و النحاس - جاز بيع بعضها ببعض صرفا للخالص إلى الغشّ، و الغشّ إلى الخالص، و حملا على صحّة البيع مهما أمكن.

و لما رواه عمر بن يزيد عن الصادق عليه السّلام: قلت له: الدراهم بالدراهم مع أحدهما الرصاص وزنا بوزن، فقال: «لا بأس»(1) و به قال أبو حنيفة(2).

و قال الشافعي: لا يجوز، لجهل التساوي بين الفضّتين، لإمكان اختلاف الغشّ، و الجهل بالتساوي فيما فيه الربا كالعلم بالتفاضل، و هو مبني على مقابلة الجنس بمثله(3).

و هو ممنوع، بل إمّا أن يقابل بمخالفه، أو تقابل الجملة بالجملة، و المركّب من المساوي و المختلف مخالف للمركّب من المساوي و المختلف، كالأنواع المندرجة تحت جنس واحد.

و إن كان الغشّ ممّا يستهلك، كالزرنيخيّة و الاندرانيّة في الفضّة التي تطلي على النورة، و الزرنيخ المستهلك بدخوله النار، جاز البيع، عندنا أيضا على ما تقدّم، خلافا للشافعي، للجهل بتساوي الفضّتين(4). و قد بيّنّا عدم اشتراط العلم بهما.

تذنيب: يجوز أن يشتري بكلّ واحد من هذين القسمين متاعا غير أحد النقدين،

لأنّه لمّا جاز شراء النقدين بهما فبغيرهما أولى - و هو أحد وجهي الشافعيّة(5) - لأنّ عمر قال: من زافت دراهمه فليدخل السوق

ص: 424


1- الفقيه 184:3-185، 833، التهذيب 114:7، 493 بتفاوت يسير.
2- بدائع الصنائع 196:5.
3- حلية العلماء 158:4.
4- المهذّب - للشيرازي - 281:1، حلية العلماء 158:4.
5- حلية العلماء 158:4.

فليشتر بها سحق الثياب(1).

و من طريق الخاصّة: قول عمر بن يزيد: سألت الصادق عليه السّلام عن إنفاق الدراهم المحمول عليها، فقال: «إذا جازت الفضّة المثلين(2) فلا بأس»(3) و هو محمول على العلم بحالها و التعامل بمثلها.

و لأنّ المنع من ذلك يؤدّي إلى الإضرار، لأنّه لا يمكنه الانتفاع بها جملة.

و أمّا إذا اشترى بها ذهبا، كان بيعا و صرفا، فيكون هذا العقد قد اشتمل على أمرين مختلفي الأحكام.

و فيه قولان للشافعي: المنع، و الجواز(4).

و الثاني [1]: المنع، لجهالة المقصود(5). و هو ممنوع.

مسألة 214: السيوف المحلاّة أو المراكب المحلاّة و غيرها بأحد النقدين
اشارة

إن علم مقدار الحلية، جاز البيع بجنسها مع زيادة الثمن في مقابلة السيف أو المركب ليخلص من الربا، أو مع اتّهاب المحلّى من غير شرط.

و يجوز بيعها بالجنس الآخر أو بغير النقدين مطلقا، سواء ساواه أو زاد أو نقص، لقوله عليه السّلام: «إذا اختلف الجنسان فبيعوا كيف شئتم»(6).

و إن جهل مقدار الحلية، بيع بالجنس الآخر من النقدين أو بغيرهما أو

ص: 425


1- أورده السبكي في تكملة شرح المهذّب (المجموع) 409:10 بتفاوت يسير.
2- في الاستبصار: «الثلثين».
3- التهذيب 108:7، 463، الإستبصار 96:3، 330.
4- حلية العلماء 159:4.
5- حلية العلماء 158:4.
6- الجامع لأحكام القرآن 86:10.

بالجنس مع الضميمة، تحرّزا من الربا.

و لما رواه منصور الصيقل عن الصادق عليه السّلام، قال: سألته عن السيف المفضّض يباع بالدراهم ؟ فقال: «إذا كانت فضّته أقلّ من النقد فلا بأس، و إن كانت أكثر فلا يصلح»(1) و الأكثريّة هنا تتناول المساوي جنسا و قدرا، لحصولها بانضمام المحلّى إليها.

و قال الشافعي: لا يجوز بيع المحلّى بالفضّة بالدراهم(2) ، لما تقدّم.

و قد أبطلناه. فإن باعه بذهب، فقولان، لأنّ العقد جمع بين عوضين مختلفي الأحكام، أحدهما: لا يجوز، لأنّه صرف و بيع، و هما مختلفا الأحكام. و الثاني: الجواز(3). و هو الحقّ عندنا، لأنّ كلّ واحد منهما يصحّ العقد عليه، فجاز جمعهما فيه.

و إن اختلف الحكمان، كما لو باع شقصا و ثوبا صفقة واحدة، فإنّ حكمهما مختلف، لثبوت الشفعة في الشقص دون الثوب.

و لو باعه بغير الذهب و الفضّة، جاز إجماعا، لانتفاء مانعيّة الربا و اختلاف الأحكام.

و لو اشترى خاتما من فضّة له فصّ بفضّة، جاز عندنا مع زيادة الثمن على الفضّة أو اتّهاب الفصّ.

و منعه الشافعي، لأدائه إلى الربا إذا قسّمت الفضّة على الفضّة و الفصّ(4).9.

ص: 426


1- التهذيب 113:7، 488، الإستبصار 98:3، 338.
2- الأم 33:3، و حكاه عنه الشيخ الطوسي في الخلاف 71:3، المسألة 117.
3- الأم 33:3، و حكاه عنه الشيخ الطوسي في الخلاف 71:3، المسألة 118.
4- الأم 33:3، و حكاه عنه الشيخ الطوسي في الخلاف 72:3، المسألة 119.

و هو ممنوع، لأنّا شرطنا زيادة الثمن.

و لو باعه بذهب، جاز مطلقا عندنا.

و للشافعي قولان، لأنّه بيع و صرف(1).

تذنيب: لو باع السيف المحلّى بالنسبة بمساوئ الحلية في النقد

أو بالنقد الآخر، فإن نقد مقابل الحلية، جاز، و إلاّ فلا، لأنّ القبض في المجلس شرط في الصرف لا في السيف.

و لما رواه أبو بصير - في الصحيح - عن الصادق عليه السّلام، قال: سألته عن بيع السيف المحلّى بالنقد، فقال: «لا بأس» قال: و سألته عن بيع النسيئة، فقال: «إذا نقد مثل ما في فضّته فلا بأس»(2).

و لو كان الثمن غير النقدين، جاز نسيئة من غير شرط قبض شيء البتّة، لانتفاء شرطيّة القبض هنا، لقول الصادق عليه السّلام: «لا بأس ببيع السيف المحلّى بالفضّة بنساء إذا نقد عن فضّته، و إلاّ فاجعل ثمنه طعاما، و لينسه إن شاء»(3).

مسألة 215: الدراهم و الدنانير تتعيّنان بالتعيين،

فلو باعه بهذه الدراهم أو بهذه الدنانير، لم يجز للمشتري الإبدال بمثلها، بل يجب عليه دفع تلك العين، كالمبيع. و لو تلفت قبل القبض، انفسخ البيع، و لم يكن له دفع عوضها و إن ساواه مطلقا، و لا للبائع طلبه.

و إن وجد البائع بها عيبا، لم يستبدلها، بل إمّا أن يرضى بها، أو يفسخ العقد - و به قال الشافعي و أحمد(4) - لاختلاف الأغراض باختلاف

ص: 427


1- الام 33:3، و حكاه عنه الشيخ الطوسي في الخلاف 72:3، المسألة 120.
2- الكافي 249:5-250، 23، التهذيب 112:7، 485، الاستبصار 97:3، 335.
3- التهذيب 112:7، 486، الإستبصار 97:3، 336.
4- الحاوي الكبير 139:5-140، حلية العلماء 155:4-156، المغني 181:4 - 182 و 184، الشرح الكبير 182:4 و 190.

الأشخاص، كالمبيع. و لأنّها عوض يشار إليه بالعقد(1) ، فوجب أن يتعيّن كسائر الأعواض. و لأنّ الدراهم و الدنانير تتعيّن في الغصب و الوديعة فكذا هنا.

و لو أبدلها بمثلها أو بغير جنسها برضا البائع، فهو كبيع المبيع من البائع.

و قال أبو حنيفة: لا تتعيّن بالعقد، بل تتعيّن بالقبض، و يجوز إبدالها بمثلها. و إذا تلفت قبل القبض، لا ينفسخ العقد. و إذا وجد بها عيبا، كان له الاستبدال، لأنّه يجوز إطلاقه في العقد، و ما يجوز إطلاقه لا يتعيّن بالتعيين، كالمكيال و الصنجة. و لأنّه عوض في أعيانها(2).

و الجواب: أنّ جواز الإطلاق ثبت لأنّ له عرفا ينصرف إليه يقوم في بيانه مقام الصفة. و المكيال المراد(3) به تقدير المعقود عليه، و كلّ مكيال قدّر به فهو مقدّر بمثله، و لا يختلف ذلك، و هنا تختلف أعيانها فافترقا.

و العوض ينتقض بما بعد القبض و بالوديعة و بالغصب و بالإرهان و كلّ متساوي الأجزاء.

مسألة 216: إذا تقابضا الصرف ثمّ وجد أحدهما بما صار إليه عيبا،
فهو
اشارة

فهو(4) قسمان.

الأوّل: أن يكونا معيّنين.

فإمّا أن يكون العيب من غير الجنس - كأنّ يشتري فضّة فيخرج رصاصا، أو ذهبا فيخرج نحاسا - أو من الجنس، كأن

ص: 428


1- في «ق، ك»: في العقد.
2- بدائع الصنائع 218:5، الحاوي الكبير 138:5، حلية العلماء 156:4، المغني 184:4، الشرح الكبير 190:4.
3- في الطبعة الحجريّة: و المراد، بزيادة الواو.
4- في «ق، ك» و الطبعة الحجريّة: و هو. و ما أثبتناه من تصحيحنا.

تكون الفضّة سوداء أو خشنة أو مضطربة السكّة مخالفة لسكّة السلطان.

فإن كان الأوّل، بطل البيع - و به قال الشافعي(1) - لأنّه غير ما اشتراه.

و كذا في غير الصرف لو باعه ثوبا على أنّه كتّان فخرج صوفا، أو بغلة فخرجت حمارة، لوقوع العقد على غير هذا الجنس. و يجب ردّ الثمن، و ليس له الإبدال، لوقوع العقد على عين شخصيّة لا يتناول غيرها.

و لا الأرش، لعدم وقوع الصحيح على هذه العين.

و قال بعض الشافعيّة: البيع صحيح، و يتخيّر المشتري، لأنّ البيع وقع على عينه(2). و ليس بجيّد.

و لو كان البعض من غير الجنس، بطل فيه، و كان المشتري أو البائع بالخيار في الباقي بين الفسخ و أخذه بحصّته من الثمن بعد بسطه على الجنس و على الآخر لو كان منه، لتبعّض الصفقة عليه.

و للشافعي فيه قولان: الصحّة و البطلان(3).

و إن كان الثاني، تخيّر من انتقل إليه بين الردّ و الإمساك، و ليس له المطالبة بالبدل، لوقوع العقد على عين شخصيّة.

ثمّ إن كان العيب في الكلّ، كان له ردّ الكلّ أو الإمساك، و ليس له ردّ البعض، لتفرّق الصفقة على صاحبه.

و إن كان العيب في البعض، كان له ردّ الجميع أو إمساكه.

و هل له ردّ البعض ؟ الوجه: ذلك، لانتقال الصحيح بالبيع، و ثبوت5.

ص: 429


1- العزيز شرح الوجيز 283:4، حلية العلماء 156:4، الحاوي الكبير 139:5 - 140، روضة الطالبين 155:3، المغني 178:4-179، الشرح الكبير 182:4.
2- حلية العلماء 157:4، العزيز شرح الوجيز 283:4، روضة الطالبين 155:3.
3- الحاوي الكبير 140:5، العزيز شرح الوجيز 283:4، روضة الطالبين 3: 155.

الخيار في الباقي لا يوجب فسخ البيع فيه.

و يحتمل المنع، لتبعّض الصفقة في حقّ صاحبه.

و للشافعي قولان مبنيّان على تفريق الصفقة، فإن قلنا: لا تفرّق، ردّ الكلّ أو أمسكه. و إن قلنا: تفرّق، ردّ المعيب و أمسك الباقي بحصّته من الثمن(1).

و يجيء على مذهب الشافعيّة البطلان لو اشترى دراهم بدراهم فوجد في بعضها عيبا، لأدائه إلى التفاضل، لأنّ المعيب يأخذ من الثمن أقلّ ما يأخذ السليم، فيكون الباقي متفاضلا(2).

ثمّ إن اتّفق الثمن و المثمن في الجنس، كالدراهم بمثلها، و الدنانير بمثلها، لم يكن له الأرش، لما بيّنّا من أنّ جيّد الجوهر و رديئه جنس واحد، فلو أخذ الأرش، بقي ما بعده مقابلا لما هو أزيد منه مع اتّحاد الجنس، فيكون ربا.

و إن كان مخالفا، كالدراهم بالدنانير (كان له)(3) المطالبة بالأرش مع الإمساك ما داما في المجلس، فإن فارقاه فإن أخذ الأرش من جنس السليم، بطل فيه، لأنّه قد فات شرط الصرف، و هو التقابض في المجلس. و إن كان مخالفا، صحّ، لأنّه لا يكون صرفا.

القسم الثاني: أن يكونا غير معيّنين

بأن يتبايعا الدراهم بالدراهم أو الدنانير بالدنانير أو الدراهم بالدنانير في الذمّة و لا يعيّنان واحدا من العوضين و إنّما يعيّنانه في المجلس قبل التفرّق، سواء وصفا العوضين أو

ص: 430


1- الحاوي الكبير 140:5، حلية العلماء 156:4، العزيز شرح الوجيز 284:4، روضة الطالبين 155:3-156، المغني 181:4-182.
2- انظر: المغني 182:4.
3- بدل ما بين القوسين في «ق، ك»: فله.

أطلقا إذا كان للبلد نقد غالب، مثل أن يقول: بعتك عشرة دراهم مستعصميّة بدينار مصريّ، أو يقول: بعتك عشرة دراهم بدينار، و كان لكلّ من الدراهم و الدنانير نقد غالب، فإنّه يصحّ إجماعا.

و لو لم يكن في البلد نقد غالب، لم يصحّ الإطلاق، و وجب بيان النوع، فإذا تصارفا، وجب تعيين ذلك في المجلس بتقابضهما.

فإن تقابضا ثمّ وجد أحدهما أو هما عيبا فيما صار إليه، فإن كان قبل التفرّق، كان له مطالبته بالبدل، سواء كان المعيب من جنسه أو من غير جنسه، لوقوع العقد على مطلق سليم.

و إن كان بعد التفرّق، فإن كان العيب من غير الجنس في الجميع، بطل العقد، للتفرّق قبل التقابض. و إن كان في البعض، بطل فيه، و كان في الباقي بالخيار.

و للشافعي قولا تفريق الصفقة(1).

و إن كان العيب من جنسه، كان له الإبدال - و به قال الشافعي في أحد قوليه، و أبو يوسف و محمّد و أحمد(2) - لأنّه لمّا جاز إبداله قبل التفرّق جاز بعده، كالمسلم فيه.

و في الثاني: ليس له الإبدال - و هو قول المزني - و إلاّ لجاز التفرّق في الصرف قبل القبض، و هو باطل(3).

و الملازمة ممنوعة، لحصول القبض، و لهذا لو رضي بالعيب، لزم3.

ص: 431


1- انظر: العزيز شرح الوجيز 284:4، و روضة الطالبين 156:3.
2- حلية العلماء 155:4، العزيز شرح الوجيز 283:4-284، روضة الطالبين 3: 156.
3- مختصر المزني: 78، حلية العلماء 155:4-156، العزيز شرح الوجيز 4: 284، روضة الطالبين 156:3.

البيع. فلو لم يكن اسم المبيع صادقا عليه، لما كان كذلك.

و هل له فسخ البيع ؟ الوجه: أنّه ليس له ذلك إلاّ مع تعذّر تسليم الصحيح، لأنّ العقد تناول(1) أمرا كلّيّا.

و يحتمل ثبوته، لأنّ المطلق يتعيّن بالتقابض و قد حصل.

و له الإمساك مجّانا و بالأرش مع اختلاف الجنس لا مع اتّفاقه، و إلاّ لزم الربا.

و مع الردّ هل يشترط أخذ البدل في مجلس الردّ؟ إشكال.

و لو كان العيب في بعضه، كان له ردّ الكلّ أو المعيب خاصّة - خلافا للشافعي في أحد قوليه(2) - أو إمساكه مجّانا و بالأرش مع اختلاف الجنس.

و إذا ردّه، كان له المطالبة بالبدل، و الخلاف كما تقدّم في ظهور عيب الجميع.

و هل له فسخ العقد؟ على ما تقدّم من الاحتمال.

و قال الشافعي: إذا جوّزنا الإبدال، لم يكن له الفسخ، كالعيب في المسلم فيه. و إن لم نجوّزه، كان له الخيار في الردّ و الفسخ في الجميع.

و هل له ردّ البعض ؟ مبنيّ على تفريق الصفقة(3).

و هل يشترط أخذ البدل في مجلس الردّ؟ إشكال ينشأ من أنّه صرف في البدل و المردود، و من عدمه.

و لو ظهر العيب بعد التقابض و تلف المعيب من غير الجنس، بطل3.

ص: 432


1- في الطبعة الحجريّة: يتناول.
2- الحاوي الكبير 140:5-141، العزيز شرح الوجيز 284:4، روضة الطالبين 156:3.
3- العزيز شرح الوجيز 284:4، روضة الطالبين 156:3.

الصرف، و يردّ الباقي، و يضمن التالف بالمثل أو القيمة. و لو كان من الجنس، كان له أخذ الأرش إن اختلف الجنس، و إلاّ فلا، لأنّه يكون ربا، بل ينفسخ العقد بينهما، و يردّ مثل التالف أو قيمته إن لم يكن له مثل، و يسترجع الثمن الذي من جهته.

تذنيب: نقص السعر أو زيادته لا يمنع الردّ بالعيب،

فلو صارفة دراهم - و هي تساوي عشرة - بدينار، فردّها و قد صارت تسعة بدينار أو أحد عشر، صحّ الردّ و لا ربا، و ليس للغريم الامتناع من الأخذ، إذ العبرة في الردّ بالعين لا بالقيمة.

مسألة 217: يجوز إخلاد أحد المتعاقدين إلى الآخر في قدر عوضه،
اشارة

فيصحّ البيع فيما يشترط فيه القبض في المجلس قبل اعتباره، لأصالة صدق العاقل، و اقتضاء عقله الامتناع من الإقدام على الكذب.

إذا تقرّر هذا، فلو أخبره بالوزن فاشتراه، صحّ العقد، لأنّه كبيع المطلق، لكن يخالفه في التعيين. فإن قبضه ثمّ وجده ناقصا بعد العقد، بطل الصرف مع اتّحاد الثمن و المثمن في الجنس، سواء تفرّقا أو لا، لاشتماله على الربا حيث باع العين الشخصيّة الناقصة بالزائدة.

أمّا لو اختلف الجنس فإنّ البيع لا يبطل من أصله، لقبول هذا العقد التفاوت بين الثمن و المثمن، فكان بمنزلة العيب، بل يتخيّر من نقص عليه بين الردّ و الأخذ بحصّته من الثمن أو بالجميع على ما تقدّم.

و لو وجد زائدا و اتّحد الجنس، فإن عيّن بأن قال: بعتك هذا الدينار بهذا الدينار، بطل البيع، لاشتماله على الربا. و لو لم يعيّن بأن قال: بعتك دينارا بدينار، ثمّ دفع إليه الزائد، صحّ البيع، لعدم تعيين هذا الزائد هنا، لوقوع العقد على مطلق، و تكون الزيادة في يد قابضها أمانة، لوقوعها في

ص: 433

يده من غير تعدّ منه بل بإذن مالكها.

و يحتمل أن تكون مضمونة، لأنّه قبض الدينار الزائد على أنّه عوض ديناره، و المقبوض بالبيع الصحيح أو الفاسد مضمون على قابضه.

نعم، لو دفع إليه أزيد من الثمن ليكون وكيله في تحقيق الزيادة أو ليزن حقّه منه في وقت آخر ثمّ يردّ الزائد، فإن الزيادة هنا أمانة قطعا.

و لو كان الثمن و المثمن متغايرين في الجنس، صحّ البيع على ما تقدّم، و الزيادة لصاحبها. و لو كانت الزيادة لاختلاف الموازين، فإنّها لقابضها، لعدم الاعتداد بمثلها، و لإمكان القبض في البعض.

تذنيب: لقابض الزيادة فسخ البيع للتعيّب بالشركة

إن منعنا الإبدال مع التفرّق. و لو أسقطها الدافع، لم يسقط الخيار، إذ لا يجب عليه قبول الهبة. و كذا لدافعها الخيار، إذ لا يجب عليه أخذ العوض. و لو تفرّقا(1) ، ردّ الزائد و طالب بالبدل.

مسألة 218: قد بيّنّا أنّ جيّد الجوهر و رديئه جنس واحد،

و كذا صحيحه و مكسوره، فيجوز بيع أحدهما بالآخر متساويا، خلافا للشافعي على ما تقدّم(2).

و لا يجوز التفاضل، فلو أراده، وجب إدخال مخالف في الجنس بينهما. فلو أراد أن يشتري بدراهم صحاح دراهم مكسورة أكثر وزنا منها، لم يجز إجماعا، لاشتمالها على الربا.

فإن باعها بذهب و قبضه ثمّ اشترى به مكسورة أو صحيحة أكثر، جاز ذلك، سواء كان ذلك عادة أو لا، عند علمائنا - و به قال الشافعي

ص: 434


1- كذا في «ق، ك» و الطبعة الحجريّة، و الظاهر: و لو لم يتفرّقا.
2- في ص 419، المسألة 207.

و أبو حنيفة(1) - لما رواه الجمهور أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله استعمل رجلا على خيبر فجاءه بتمر جنيب، فقال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: «أ كلّ تمر خيبر هكذا؟» فقال:

لا و اللّه يا رسول اللّه إنّا لنأخذ الصاع بالصاعين و الصاعين بالثلاثة، فقال:

«لا تفعل، بع الجمع بالدراهم و ابتع بالدراهم جنيبا»(2). و الجنيب: أجود التمر. و الجمع: كلّ لون من التمر لا يعرف له اسم.

و من طريق الخاصّة: ما رواه إسماعيل بن جابر عن الباقر عليه السّلام، قال:

سألته عن رجل يجيء إلى صيرفيّ و معه دراهم يطلب أجود منها، فيقاوله على دراهم تزيد كذا و كذا بشيء قد تراضيا عليه، ثمّ يعطيه بعد بدراهمه دنانير، ثمّ يبيعه الدنانير بتلك الدراهم على ما تقاولا عليه أوّل مرّة، قال:

«أ ليس ذلك برضا منهما معا؟» قلت: بلى، قال: «لا بأس»(3).

و قال مالك: إن فعل ذلك مرّة واحدة، جاز. و إن تكرّر، لم يجز، لأنّ ذلك يضارع الربا و يؤدّي إليه(4).

و هو ممنوع، لأنّه باع الجنس بغيره نقدا فجاز، كما لو كان مرّة. و لو كان ذلك ربا، كان حراما مرّة و أكثر.

مسألة 219: إذا باع الصحاح أو الأكثر وزنا بالذهب و تقابضا
اشارة

ثمّ اشترى بالذهب المكسّرة أو الأقلّ وزنا، صحّ البيع عندنا، لعموم قوله عليه السّلام: «إذا اختلف الجنسان فبيعوا كيف شئتم»(5) سواء تفرّقا بعد التقابض قبل العقد

ص: 435


1- التهذيب - للبغوي - 361:3، حلية العلماء 189:4، العزيز شرح الوجيز 78:4.
2- صحيح البخاري 102:3 و 129، و 178:5-179، صحيح مسلم 3: 1215، 95، سنن النسائي 271:7-272، سنن البيهقي 291:5.
3- التهذيب 106:7، 455.
4- حلية العلماء 189:4، العزيز شرح الوجيز 78:4، المغني 193:4.
5- الجامع لأحكام القرآن 86:10.

الثاني أو لا، و سواء تخايرا بينهما أو لا - و به قال ابن سريج من الشافعيّة(1) - لأنّ دخولهما في العقد رضا به، فجرى مجرى التخاير، فيلزم الأوّل و ينعقد الثاني.

و قال القفّال منهم: إنّه لا ينعقد البيع الثاني إلاّ بعد التفرّق بعد التقابض قبل العقد الثاني أو التخاير بينهما، إلاّ على القول الذي يقول: إنّ الخيار لا يمنع انتقال الملك، فأمّا إذا قلنا: يمنع انتقال الملك، فلا يصحّ، لأنّه باعه غير ملكه إلاّ أنّ ذلك يكون قطعا للخيار، و يستأنفان العقد. و الأوّل أصحّ، لأنّ قصدهما للتبايع رضا به، و جار مجرى التخاير، لما فيه من الرضا باللزوم [1].

و كذا لو اشترى جارية من رجل ثمّ زوّجها به في مدّة الخيار، صحّ النكاح عندنا و عند أبي العباس بن سريج [2]، و يجري عند القفّال على الأقوال في الملك [3].

فروع:
أ - لو باعه من غير بائعه قبل التفرّق و التخاير، صحّ عندنا،

لأنّ الملك قد حصل بالعقد، و لهذا يكون النماء للمشتري، و تزلزله لا يمنع من تصرّف المشتري.

و قال الشافعي: لا يصحّ، لأنّه يسقط خيار البائع، و ليس له ذلك(2).

و هو ممنوع، لأنّ صحّة البيع لا تنافي ثبوت الخيار لغير المتعاقدين.

ص: 436


1- حلية العلماء 189:4-190، العزيز شرح الوجيز 78:4.
2- العزيز شرح الوجيز 78:4، روضة الطالبين 48:3.
ب - لو باعه

ب - لو باعه(1) الصحاح بعوض غير النقدين ثمّ اشترى به المكسّرة، صحّ مطلقا،

سواء تقابضا في المجلس أو لا، تخايرا أو لا.

ج - تجوز الحيلة في انتقال الناقص بالزائد بغير البيع أيضا

بأن يقرضه الصحاح و يقترض منه المكسّرة بقدر قيمتها ثمّ يبرئ كلّ واحد منهما صاحبه، لانتفاء البيع هنا، فلا صرف و لا ربا. و كذا لو وهب كلّ منهما لصاحبه العين التي معه. و كذا لو باعه الصحاح بوزنها ثمّ وهب له الباقي من غير شرط. و لو جمع بينهما في عقد، فالأقرب الجواز، خلافا للشافعي [1].

د - لو اشترى نصف دينار قيمته عشرون درهما و معه عشرة دفعها

و قبض الدينار بأجمعه ليحصل قبض النصف، و يكون نصفه له بالبيع و الآخر أمانة في يده و يسلّم الدراهم، صحّ، و به قال الشافعي(2).

فإن اشتراه بأجمعه بعشرين، دفع العشرة ثمّ استقرضها منه، فيثبت في ذمّته مثلها.

و للشافعي فيه قولان:

أحدهما: هذا، و هو الأصحّ، لأنّ هذه الدراهم دفعها لما عليه من الدّين، و ذلك تصرّف، كما لو اشترى بها النصف الآخر من الدينار، فإنّه يجوز، و يكون ذلك تصرّفا.

و الثاني: المنع، لأنّ القرض يملك بالتصرّف، و هذه الدراهم لم يتصرّف فيها و إنّما ردّها(3) إليه على حالها، فكان ذلك فسخا

ص: 437


1- في الطبعة الحجريّة: باع.
2- العزيز شرح الوجيز 79:4، روضة الطالبين 49:3.
3- في «ق، ك» و الطبعة الحجريّة: ردّه. و ما أثبتناه يقتضيه السياق.

للقرض(1). و هو ممنوع.

أمّا لو استقرض عشرة غيرها و دفعها عوضا عن باقي الثمن، جاز إجماعا.

ه - لو كان معه تسعة عشر درهما و أراد شراءه بعشرين، فعلى ما تقدّم،

فإن لم يقرضه البائع و تقابضا و تفرّقا قبل تسليم الدرهم، فسد الصرف فيه خاصّة، و كان للبائع نصف عشر الدينار.

و للشافعي [1] قولان في الفساد في الباقي، فإن سوّغ تفريق الصفقة، صحّ، و إلاّ فلا. نعم، يثبت الخيار.

فإن أراد الخلاص من الخيار عندنا و الفسخ عنده، تفاسخا العقد قبل التفرّق ثمّ تبايعا تسعة عشر جزءا من عشرين جزءا من الدينار بتسعة عشر درهما، و سلّم(2) الدينار ليكون الباقي أمانة.

و - لو كان عليه دين عشرة دنانير فدفع عشرة عددا فوزنها فكانت أحد عشر دينارا،

كان الزائد مضمونا على القابض مشاعا، لأنّه قبض ذلك على أن يكون بدلا من دينه، و ما يقبض على سبيل المعاوضة يكون مضمونا، بخلاف الباقي لبائع الدينار في البيع في الفرع السابق، لأنّه قبضه لصاحبه، فكان أمانة في يده.

ثمّ إن شاء طالبه بالدينار، و إن شاء أخذ عوضه دراهم و قبضها في الحال، و إن شاء أخذ عينا غير النقدين، و إن شاء أسلمه إليه في موصوف.

و هل له الاستعادة و دفع القدر لا غير؟ الأقرب: ذلك.

ص: 438


1- حلية العلماء 190:4، العزيز شرح الوجيز 79:4.
2- في الطبعة الحجريّة: يسلّم.
مسألة 220: تجوز المصارفة بما في الذمم،

فلو كان له على غيره ألف درهم و للغير عليه مائة دينار فتصارفا بهما، صحّ الصرف. و كذا لو اتّفق الجنس و تساوى القدر و إن اختلفت الصفات، عملا بالأصل و النصوص.

و بما رواه عبيد بن زرارة - في الصحيح - عن الصادق عليه السّلام، قال:

سألته عن الرجل يكون له عند الصيرفيّ مائة دينار و يكون للصيرفي عنده ألف درهم، فيقاطعه عليها، قال: «لا بأس»(1).

و لا يشترط هنا التقابض، لحصوله قبل البيع، لكن لا يخلو من إشكال منشؤه اشتماله على بيع دين بدين.

و لو تباريا أو تصالحا، جاز قطعا.

إذا ثبت هذا، فإنّه يجوز أيضا اقتضاء أحد النقدين من الآخر و يكون مصارفة عين بدين بأن يكون له على غيره ألف درهم فيشتريها الغير منه بمائة دينار يدفعها إليه في المجلس، لما تقدّم.

و لما رواه الحلبي - في الصحيح - عن الصادق عليه السّلام، قال: سألته عن الرجل يكون عليه دنانير، فقال: «لا بأس أن يأخذ بثمنها دراهم»(2).

و سأله في الرجل يكون له الدّين دراهم معلومة إلى أجل فجاء الأجل و ليس عند الذي حلّ عليه دراهم، قال له: خذ منّي دنانير بصرف اليوم، قال: «لا بأس»(3).

و لو لم يحصل قبض العين في المجلس حتى تفارقا قبله، بطل الصرف، لانتفاء شرطه.

ص: 439


1- التهذيب 103:7، 443.
2- التهذيب 102:7، 437، الاستبصار 96:3، 327.
3- التهذيب 102:7، 438، الإستبصار 96:3، 328.
مسألة 221: لو دفع قضاء الدّين على التعاقب من غير مساعرة و لا محاسبة، كان له الإندار

بسعر وقت القبض و إن كان مثليّا، لأنّه بإقباضه له عيّن حقّه فيه، فيندر ما يساوي من مخالفه في تلك الحال من الدّين الذي عليه.

و لما رواه إسحاق بن عمّار عن الكاظم عليه السّلام، قال: قلت له: الرجل يكون له على الرجل الدنانير فيأخذ منه دراهم ثمّ يتغيّر السعر، قال: «فهي له على السعر الذي أخذها يومئذ»(1).

و عن يوسف بن أيّوب عن الصادق عليه السّلام، قال: سألته عن الرجل يكون له على رجل دراهم فيعطيه دنانير و لا يصارفه فتصير الدنانير بزيادة أو نقصان، قال: «له سعر يوم أعطاه»(2).

إذا ثبت هذا، فإنّه يحسب كلّ مقبوض في يوم بسعر ذلك اليوم، سواء كان مثليّا، كالدراهم و الدنانير و الحنطة و الشعير، أو غير مثليّ، و هو فيه أظهر.

أمّا لو لم يكن الدفع على وجه القضاء بأن يكون له عند صيرفيّ دينار فيأخذ منه دراهم لا على وجه الاقتضاء و لم يجر بينهما معاملة و لا بيع، كان الدينار له و الدراهم عليه، فإن تباريا ذلك بعد أن يصير في ذمّة كلّ واحد منهما ما أخذه، جاز، و به قال الشافعي(3).

مسألة 222: لو كان عنده دينار وديعة فاشتراه من صاحبه بدراهم،
اشارة

صحّ إذا دفع الدراهم في المجلس، و لا يشترط ردّ الدينار و قبضه ثانيا، لأنّه

ص: 440


1- الفقيه 184:3، 829، التهذيب 107:7، 459.
2- التهذيب 108:7، 461.
3- الحاوي الكبير 152:5.

مقبوض عنده، فإن تفرّقا قبل قبض الدراهم، بطل الصرف، و كان الدينار مضمونا على مستودعه، سواء علما وجود الدينار حال عقد البيع أو ظنّاه أو شكّا فيه، لأنّ الأصل البقاء. أمّا لو علما عدمه حينئذ، كان الصرف باطلا.

و كذا حكم غير الصرف من البيوع و المعاوضات.

و قال الشافعي: إذا لم يقرّ الذي عنده الدينار أنّه استهلكه حتى يكون ضامنا و لا أنّه في يده، لم يصحّ الصرف، لأنّه غير مضمون و لا حاضر، و يجوز أن يكون هلك في ذلك الوقت، فيبطل الصرف، أمّا إذا علما البقاء، صحّ الصرف(1).

و هو ممنوع، لأنّ الأصل البقاء، و ظنّه كاف.

فروع:
أ - إذا اشترى دينارا بدينار و تقابضا و مضى كلّ منهما يزن الدينار الذي قبضه، صحّ

إذا اشتمل المقبوض على الحقّ، سواء زاد عليه أو ساواه، و قد تقدّم(2).

و قال الشافعي: لا يصحّ مع الجهل إلاّ إذا عرف أحدهما وزن الدينار و صدّقه الآخر، فلو وزن أحدهما فوجد المقبوض ناقصا، بطل الصرف، لاشتماله على عوضين متفاضلين [1].

ب - لو اشترى دراهم بدنانير فقال له آخر: ولّني نصفها بنصف الثمن، صحّ،

لأنّ التولية بيع.

ص: 441


1- الأم 31:3-32.
2- في ص 418، المسألة 206.

و لو قال: اشتر عشرين درهما بدينار لنفسك و ولّني نصفها بنصف الدينار، لم يصح، لأنّ التولية بيع، و لا يصحّ البيع قبل التملّك، و به قال الشافعي، لعلّة المنع من بيع الغائب [1].

ج - لو باعه بنصف دينار، دفع المشتري شقّ دينار، لأنّه حقيقة فيه،

و لا يلزمه نصف دينار صحيح، إلاّ أن يريده عرفا أو يغلب العرف فيه، فينصرف الإطلاق إليه، كما انصرف في نصف درهم و ربع درهم. و لو لم يغلب العرف في أحدهما، وجب التعيين، فإن أخلاّ به، بطل، للجهالة.

فإن باعه شيئا آخر بنصف دينار مطلق، جاز، و وجب شقّ دينار مثل الأوّل.

فإن أعطاه شقّي دينار، بريء منه. و إن أعطاه دينارا صحيحا، فقد زاده خيرا.

و لو باعه الثاني بنصف دينار على أن يعطيه الأوّل و الثاني صحيحا، جاز، و لزمه دفع صحيح، عملا بالشرط السائغ شرعا، سواء كان البيع الثاني بعد لزوم الأوّل أو قبله في المجلس.

و قال الشافعي: إن كان البيع الثاني بعد لزوم الأوّل، فسد الثاني، لأنّ الزيادة لا تلزم في الأوّل و قد شرطها في الثاني. و إن كان ذلك قبل التفرّق، فسد الأوّل و الثاني [2].

و هو مخالف لقوله عليه السّلام: «المؤمنون عند شروطهم»(1).

د - لو باعه ثوبا بمائة درهم من صرف عشرين درهما بدينار، بطل،

لأنّ المسمّى هو الدراهم و هي مجهولة، لأنّ وصف قيمتها لا تصير به معلومة، و لو كان نقد البلد صرف عشرين بدينار، لم يصحّ أيضا، لأنّ

ص: 442


1- التهذيب 371:7، 1503، الاستبصار 232:3، 835، الجامع لأحكام القرآن 6: 33.

السعر يختلف، و لا يختصّ ذلك بنقد البلد.

و كذا ما يفعلونه الآن يسمّون الدراهم و إنّما يبيعون الدنانير و يكون كلّ قدر معلوم من الدراهم عندهم دينارا. و هو باطل، لأنّ الدراهم لا يعبّر بها عن الدنانير لا حقيقة و لا مجازا، مع أنّ البيع بالكناية باطل، بل يجب التصريح.

و الأقوى عندي: أنّ صرف العشرين بالدينار إذا كان واحدا معيّنا معلوما للمتعاقدين، صحّ البيع، و انصرف الثمن إليه، كما لو كانت الإماميّة عشرين بدينار، و غيرها أزيد أو أنقص، فباعه بدراهم صرفها عشرون بدينار، انصرف إلى الإماميّة عرفا، لما رواه الحلبي - في الحسن - عن الصادق عليه السّلام قال: «اشترى أبي أرضا و اشترط على صاحبها أن يعطيه ورقا كلّ دينار بعشرة دراهم»(1).

مسألة 223: لو باعه بدينار غير درهم نسيئة ممّا يتعامل الناس به وقت الأجل، بطل البيع،
اشارة

للجهالة.

و لما رواه السكوني عن الصادق عن الباقر عن علي بن أبي طالب عليهم السّلام:

في الرجل يشتري السلعة بدينار غير درهم إلى أجل، قال: «فاسد، فلعلّ الدينار يصير بدرهم»(2).

أمّا لو استثنى الدرهم الآن و كان معلوم النسبة إلى الدينار، صحّ البيع.

و لو كان البيع نقدا و جهل النسبة، بطل أيضا البيع، لجهالة الثمن.

و كذا لو باعه بما يتجدّد من النقد، و لو قدّر الدرهم من الدينار، صحّ.

و الأولى في ذلك كلّه استثناء جزء من الدينار، لما رواه وهب عن

ص: 443


1- الكافي 249:5، 18، التهذيب 112:7، 482.
2- التهذيب 116:7، 502.

الصادق عن الباقر عليهما السّلام أنّه كره أن يشتري الرجل بدينار إلاّ درهما و إلاّ درهمين نسيئة، و لكن يجعل ذلك بدينار إلاّ ثلثا و إلاّ ربعا و إلاّ سدسا أو شيئا يكون جزءا من الدينار(1).

و الأصل جهالة النسبة، فإنّها المانعة من الصحّة.

و كذا لو كان الثمن حالاّ و جهل النسبة، لانتفاء شرط البيع، و هو العلم بقدر الثمن.

روى حمّاد بن ميسر عن الصادق عليه السّلام عن أبيه الباقر عليه السّلام أنّه كره أن يشتري الثوب بدينار غير درهم، لأنّه لا يدري كم الدينار من الدرهم(2).

و كذا لو باعه ثوبا بمائة درهم إلاّ دينارا، لم يصح، لجهالة الثمن، لأنّه لا يعلم كم حصّة الدينار من المائة، و لا يعلم كم يبقى منها ثمنا.

أمّا لو أقرّ بذلك، صحّ، لأنّ الإقرار بالمجهول صحيح.

و لو قيل بالجواز مع إرادة العرف من إطلاق الدينار على عدد معلوم من الدراهم، كان أقرب.

تذنيب: لو قال لصائغ: صغ لي خاتما من فضّة فيه درهم

لأعطيك درهما و أجرتك، فصاغه، لم يكن بيعا، و الخاتم للصائغ، لأنّه اشترى فضّة مجهولة بفضّة مجهولة و تفرّقا قبل القبض، و له بعد فراغه ابتياعه بمهما شاء.

مسألة 224: روي جواز ابتياع درهم بدرهم، و يشترط عليه صياغة خاتم
اشارة

مسألة 224: روي جواز ابتياع درهم بدرهم، و يشترط عليه صياغة خاتم(3).

ص: 444


1- التهذيب 116:7، 503.
2- التهذيب 116:7، 504.
3- انظر: الكافي 249:5، 20، و التهذيب 110:7، 471.

و لست أرى به بأسا، لانتفاء الربا هنا، إذ الشرط ليس جزءا من أحد العوضين، و لو كان كذلك، لبطل كلّ عقد تضمّن شرطا، لاستلزامه الجهالة في العوض.

و منعه بعض(1) علمائنا، قال: فإن صحّت هذه الرواية، وجب الاقتصار على هذه الصورة، و لا يجوز التعدية.

تذنيب: لو اشترى ثوبا بعشرين درهما غير معيّنة و دفعها،

و وزنها أكثر من عشرين و أخذ بدل الباقي منه فضّة، جاز.

و لو شرط في بيع الثوب أن يعطيه صحاحا و يأخذ بدل ما يفضل من وزنها فضّة، جاز عندنا، خلافا للشافعي، لأنّه شرط بيعا في بيع، و ذلك غير جائز [1]. و هو ممنوع.

ص: 445


1- لم نتحقّقه، و انظر: شرائع الإسلام 50:2.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.