تذكره الفقهاء المجلد 9

اشارة

سرشناسه : علامه حلي حسن بن يوسف ق 726 - 648

عنوان و نام پديدآور : تذكره الفقهاء/ تاليف العلامه الحلي الحسن بن يوسف بن المطهر؛ تحقيق موسسه آل البيت عليهم السلام لاحياآ التراث مشخصات نشر : قم موسسه آل البيت عليهم السلام لاحياآ التراث 1400ق = 1300.

مشخصات ظاهري : ج 22

فروست : (موسسه آل البيت عليهم السلام لاحياآ التراث 127؛ 129؛ 130134)

شابك : 964-5503-33-7 (دوره ؛ 964-5503-44-2 2900ريال (ج 4) ؛ 964-5503-46-9 (ج 6) ؛ 964-319-007-2 (ج 7) ؛ 964-319-224-5 8000ريال (ج 11)

يادداشت : عربي يادداشت : فهرست نويسي براساس جلد چهارم 1414ق = 1372

يادداشت : ج 1 (چاپ اول 1420ق = 1378)؛ 8000 ريال ج 1) :ISBN 964-319-197-4

يادداشت : ج 8 (چاپ اول 1417ق = 1376)؛ 6500 ريال ج )8ISBN 964-319-051-x

يادداشت : ج 9 (چاپ اول 1419ق = 1377)8000 ريال :(ج )9ISBN 964-319-008-0

يادداشت : ج 13 (چاپ اول 1423ق = 1381)9500 ريال :ISBN 964-319-389-6

يادداشت : كتابنامه مندرجات : (ج )7) ISBN 964-319-007-2 ج 12) 1422ق = 8500 :1380 ريال موضوع : فقه جعفري -- قرن ق 8

شناسه افزوده : موسسه آل البيت عليهم السلام لاحياآ التراث رده بندي كنگره : BP182/3 /ع8ت4 1300ي

رده بندي ديويي : 297/342

شماره كتابشناسي ملي : م 73-2721

ص: 1

اشارة

ص: 2

ص: 3

ص: 4

الجزء التاسع

تتمة القاعدة الأولى في العبادات

كتاب الجهاد

اشارة

و فيه فصول

ص: 5

ص: 6

الفصل الأوّل: فيمن يجب عليه

مسألة 1: الجهاد واجب بالنصّ و الإجماع.

قال اللّه تعالى كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ وَ هُوَ كُرْهٌ لَكُمْ (1) و قال تعالى فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ (2).

و قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: «غدوة في سبيل اللّه أو روحة خير من الدنيا و ما فيها»(3).

و فيه فضل كثير.

قال ابن مسعود: سألت النبي صلّى اللّه عليه و آله: أيّ الأعمال أفضل ؟ قال:

«الصلاة لوقتها» قلت: ثمّ أيّ؟ قال: «برّ الوالدين» قلت: ثمّ أيّ؟ قال:

«الجهاد في سبيل اللّه»(4).

و من طريق الخاصّة: قول الباقر عليه السلام: «إنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله قال: فوق كلّ ذي برّ برّ حتى يقتل في سبيل اللّه، فإذا قتل في سبيل اللّه فليس فوقه برّ، و فوق كلّ ذي عقوق عقوق حتى يقتل أحد والديه [فإذا قتل أحد والديه] فليس فوقه عقوق»(5).

و لا خلاف بين المسلمين في وجوبه، و وجوبه على الكفاية عند عامّة

ص: 7


1- البقرة: 216.
2- التوبة: 5.
3- صحيح البخاري 20:4.
4- المصنّف - لابن أبي شيبة - 285:5-286، سنن سعيد بن منصور 118:2-2302.
5- التهذيب 122:6-209، و ما بين المعقوفين من المصدر.

أهل العلم(1) ، لقوله تعالى لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَ الْمُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ بِأَمْوالِهِمْ وَ أَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللّهُ الْمُجاهِدِينَ بِأَمْوالِهِمْ وَ أَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقاعِدِينَ دَرَجَةً وَ كُلاًّ وَعَدَ اللّهُ الْحُسْنى (2) و هو يدلّ على سقوط الذنب بتركه.

و حكي عن سعيد بن المسيّب أنّه واجب على الأعيان، لقوله تعالى:

اِنْفِرُوا خِفافاً وَ ثِقالاً (3) (4) .

و هي محمولة على ما إذا استنفرهم الإمام، لقول رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:

«إذا استنفرتم فانفروا»(5).

و لأنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله كان يبعث السرايا و يقيم هو و أصحابه.

و معنى وجوبه على الكفاية أنّ الخطاب به عامّ على جميع الناس، فإذا قام به قوم تحصل الكفاية بجهادهم، سقط عن الباقين.

و فروض الكفايات كثيرة مذكورة في مواضع، و هو كلّ مهمّ ديني يريد الشرع حصوله، و لا يقصد به عين من يتولاّه، و من جملته إقامة الحجج العلميّة، و الجواب عن الشبهات، و الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر على خلاف يأتي، و الصناعات المهمّة، كالخياطة و النساجة و البناء4.

ص: 8


1- المغني و الشرح الكبير 359:10.
2- النساء: 95.
3- التوبة: 41.
4- الحاوي الكبير 142:14، حلية العلماء 645:7، الشرح الكبير 359:10 - 360، تفسير القرطبي 38:3.
5- صحيح البخاري 18:4 و 28 و 92، صحيح مسلم 1487:3-1353، سنن أبي داود 3:3-4-2480، سنن ابن ماجة 926:2-2773، سنن الترمذي 4: 148-149-1590، سنن البيهقي 16:9، المعجم الكبير - للطبراني - 10: 413-10844 و 30:11-31-10944.

و أشباهها، و دفع الضرر عن المسلمين، و القضاء، و تحمّل الشهادة، و تجهيز الموتى، و إنقاذ الغرقى، و ردّ السلام.

مسألة 2: يتعيّن الجهاد في مواضع ثلاثة:
أ - إذا التقى الزحفان و تقابل الصفّان، حرم على من حضر الانصراف،

و تعيّن عليه الثبات، لقوله تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً فَلا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبارَ (1) الآية.

ب - إذا نزل بالبلد الكفّار،

تعيّن على أهله قتالهم و دفعهم.

ج - إذا استنفر الإمام قوما، وجب النفير معه،

لقوله تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ما لَكُمْ إِذا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ اثّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ (2).

مسألة 3: و الجهاد واجب في زمان دون زمان و في مكان دون مكان.
فأمّا الزمان:

فجميع أيّام السنة ما عدا الأشهر الحرم، لقوله تعالى:

فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ (3) و هي ذو القعدة و ذو الحجّة و المحرّم و رجب، فلا يبدأ المسلمون فيها بالقتال لمن يرى لها حرمة.

و أمّا المكان:

فجميع البقاع إلاّ الحرم، لقوله تعالى وَ لا تُقاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ حَتّى يُقاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ (4).

ص: 9


1- الأنفال: 15.
2- التوبة: 38.
3- التوبة: 5.
4- البقرة: 191.

و قال بعض الناس من العامّة: إنّ ذلك منسوخ بجواز القتال في كلّ وقت و مكان، لقوله تعالى فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ (1)(2) و بعث النبي صلّى اللّه عليه و آله خالد بن الوليد إلى الطائف في ذي القعدة(3).

و أصحابنا قالوا: إنّ حكم ذلك باق فيمن يرى لهذه الأشهر و للحرم حرمة، و العامّ قد يخصّ بغيره.

مسألة 4: أوجب اللّه تعالى في كتابه الهجرة عن بلاد الشرك
اشارة

و بقوله تعالى إِنَّ الَّذِينَ تَوَفّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ قالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قالُوا كُنّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قالُوا أَ لَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللّهِ واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فِيها (4).

و الناس في الهجرة على أقسام ثلاثة:
الأوّل: من تجب عليه،

و هو من كان مستضعفا من المسلمين بين الكفّار لا يمكنه إظهار دينه و لا عذر لهم من وجود عجز عن نفقة و راحلة.

الثاني: من لا تجب عليه الهجرة من بلاد الكفّار لكن تستحبّ لهم،

و هو كلّ من كان من المسلمين ذا عشيرة و رهط تحميه عن المشركين، و يمكنه إظهار دينه و القيام بواجبه، و يكون آمنا على نفسه، كالعبّاس و إنّما استحبّ له المهاجرة لئلا يكثر سواد المشركين.

الثالث: من تسقط عنه الهجرة لأجل عذر من مرض أو ضعف

أو

ص: 10


1- التوبة: 5.
2- أحكام القرآن - للكيا هراسي - 83:1، أحكام القرآن - للجصّاص - 258:1، أحكام القرآن - لابن العربي - 107:1، الجامع لأحكام القرآن 351:2.
3- انظر: المغازي - للواقدي - 923:3، و تفسير الطبري 314:4، و تاريخ الطبري 177:2، و الطبقات الكبرى - لابن سعد - 158:2.
4- النساء: 97.

عدم نفقة، فلا جناح عليه، لقوله تعالى إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَ النِّساءِ وَ الْوِلْدانِ (1) لأنّهم بمنزلة المكرهين.

و الهجرة باقية أبدا ما دام الشرك باقيا، لما روي عنه عليه السلام أنّه قال:

«لا تنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة، و لا تنقطع التوبة حتى تطلع الشمس من مغربها»(2).

و قوله عليه السلام: «لا هجرة بعد الفتح»(3) محمول على الهجرة من مكة، لأنّها صارت دار الإسلام أبدا، و لا هجرة بعد الفتح فاضلة كفضلها قبل الفتح، لقوله تعالى لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ (4) الآية.

مسألة 5: يشترط في وجوب الجهاد أمور ستّة:

البلوغ و العقل و الحرّيّة و الذكورة و السلامة من الضرر و وجود النفقة، و ليس الإسلام عندنا شرطا لوجوب شيء من فروع العبادات و إن كان شرطا في صحّتها، خلافا لأبي حنيفة(5).

و البلوغ و العقل شرطان لوجوب سائر الفروع.

قال ابن عمر: عرضت على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يوم أحد و أنا ابن أربع

ص: 11


1- النساء: 98.
2- سنن أبي داود 3:3-2479، سنن الدارمي 240:2، مسند أحمد 5: 65-66-16463.
3- صحيح البخاري 18:4 و 28، سنن الترمذي 148:4-149-1590، سنن الدارمي 239:2، مسند أحمد 374:1-1992، المعجم الكبير - للطبراني - 3: 309-3390.
4- الحديد: 10.
5- انظر: المستصفى 91:1، و أصول السرخسي 74:1.

عشرة، فلم يجزني في المقاتلة(1).

و العبد لا يملك نفسه و مشغول بخدمة مولاه.

و قد روي أنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله كان يبايع الحرّ على الإسلام و الجهاد، و يبايع العبد على الإسلام دون الجهاد(2).

و لافتقار المجاهد إلى مال يملكه بحيث يصرفه في نفقته و زاده و حمله و سلاحه، و العبد لا يملك شيئا، فهو أسوأ حالا من الفقير.

و النساء لا يجب عليهنّ الجهاد، لضعفهنّ عن القيام، و لهذا لا يسهم لهنّ. و لا يجب على الخنثى المشكل، لعدم العلم بذكوريّته، فلا يجب مع الشكّ في شرطه.

و المراد من السلامة من الضرر السلامة من المرض و العمى و العرج، قال اللّه تعالى لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ وَ لا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَ لا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ (3).

و لا يسقط عن الأعور و لا عمّن عرجه يسير يتمكّن معه من الركوب و المشي من غير مشقّة، و لا عمّن مرضه يسير لا يمنعه عنهما، كوجع الضرس و الصداع اليسير، و إنّما يسقط عن ذي العرج الفاحش و المرض الكثير.

و أمّا وجود النفقة: فهو شرط، لقوله تعالى لَيْسَ عَلَى الضُّعَفاءِ وَ لا عَلَى الْمَرْضى وَ لا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ ما يُنْفِقُونَ حَرَجٌ (4).1.

ص: 12


1- سنن ابن ماجة 850:2-2543، المغني و الشرح الكبير 361:10.
2- المغني و الشرح الكبير 361:10.
3- الفتح: 17.
4- التوبة: 91.

و يشترط في النفقة الكفاية له و لعائلته مدّة غيبته، و وجود سلاح يقاتل به، و راحلة إن احتاج إليها، لقوله تعالى وَ لا عَلَى الَّذِينَ إِذا ما أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لا أَجِدُ ما أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ (1).

و لو أخرج الإمام معه العبيد بإذن ساداتهم، و النساء و الصبيان، جاز الانتفاع بهم في سقي الماء و الطبخ و مداواة الجرحى، و كان النبي صلّى اللّه عليه و آله يخرج معه أمّ سليم و غيرها من نساء الأنصار(2).

و لا يخرج المجنون، لعدم النفع به.

مسألة 6: و أقلّ ما يفعل الجهاد في كلّ عام مرّة واحدة.

قال اللّه تعالى فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ (3) أوجب بعد انسلاخ الأشهر الحرم الجهاد. و الأصل عدم التكرار.

و لأنّ الجزية تجب على أهل الذمّة في كلّ عام، و هي بدل عن النصرة، فكذلك مبدلها، و هو الجهاد.

و لأنّ تركهم أكثر من ذلك يوجب تقويتهم و تسلّطهم، فيجب في كلّ عام إلاّ من عذر، مثل أن يكون بالمسلمين ضعف في عدد أو عدّة أو ينتظر الإمام مددا يستعين به أو يكون في الطريق مانع أو عدم علف يحتاجون إليه أو عدم ماء أو يحسن رأي العدوّ في الإسلام و يطمع في إسلامهم إن أخّر قتالهم و نحو ذلك ممّا يرى المصلحة معه بترك القتال، فيجوز تركه بهدنة

ص: 13


1- التوبة: 92.
2- صحيح البخاري 40:4 و 41، صحيح مسلم 1443:3-1810، سنن أبي داود 18:3-2531، سنن ابن ماجة 952:2-2856، سنن الترمذي 4: 139--1575.
3- التوبة: 5.

و غير هدنة، فقد صالح النبي صلّى اللّه عليه و آله قريشا عشر سنين و أخّر قتالهم حتى نقضوا عهده، و أخّر قتال قبائل من العرب بغير هدنة(1).

و لو احتاج الإمام إلى القتال في عام أكثر من مرّة، وجب ذلك، لأنّه فرض كفاية، فوجب منه ما دعت الحاجة إليه.

مسألة 7: الغزو في البحر أفضل من غزو البرّ، لما فيه من عظم المشقّة و كثرة الخطر،

فإنّه بين خطر العدوّ و خطر الغرق، و لا يتمكّن من الفرار إلاّ مع أصحابه، و قد روي عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أنّه قال: «شهيد البحر مثل شهيدي البرّ»(2).

و قتال أهل الكتاب أفضل من قتال غيرهم و قد روى العامّة عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أنّه قال لأمّ خلاد: «إنّ ابنك له أجر شهيدين» قالت: و لم ذاك يا رسول اللّه ؟ قال: «لأنّه قتله أهل الكتاب»(3).

و الأولى أن يبدأ بقتال من يلي دار الإسلام، لقوله تعالى قاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفّارِ (4) إلاّ أن يكون الخوف من الأبعد أكثر فيبدأ بهم.

و الجهاد في ابتداء الإسلام لم يكن واجبا، بل منعهم اللّه تعالى منه و أمر المسلمين بالصبر على أذى الكفّار و الاحتمال منهم على ما قال تعالى:

لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوالِكُمْ وَ أَنْفُسِكُمْ - إلى قوله تعالى -

ص: 14


1- المهذّب - للشيرازي - 228:2، المغني 362:10، الشرح الكبير 363:10.
2- سنن ابن ماجة 928:2-2778، المعجم الكبير - للطبراني - 200:8 - 201-7716.
3- سنن أبي داود 5:3-6-2488، سنن البيهقي 175:9.
4- التوبة: 123.

وَ إِنْ تَصْبِرُوا وَ تَتَّقُوا فَإِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (1) ثمّ لمّا قويت شوكة الإسلام أذن اللّه تعالى في قتال من يقاتل، فقال وَ قاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقاتِلُونَكُمْ (2) ثمّ أباح ابتداء القتال في غير الأشهر الحرم ثمّ أمر به من غير شرط في حقّ من لا يرى حرمة للحرم و الأشهر الحرم بقوله تعالى وَ اقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ (3).

و كان فرض الجهاد في المدينة على الكفاية في ابتداء الوجوب عندنا، و هو أحد وجهي الشافعيّة، و الثاني: أنّه كان فرض عين(4).

و أمّا بعد النبي صلّى اللّه عليه و آله فالكفّار إن كانوا قاطنين في بلادهم غير قاصدين لقتال المسلمين، فالجهاد لهم فرض كفاية لا فرض عين، و إلاّ لتعطّلت المعايش.

و الكفاية تحصل بشيئين:

أحدهما: أن يبعث الإمام في كلّ ثغر جماعة يقومون بحرب من بإزائهم من الكفّار و يحصل بهم القصد من امتناع دخولهم إلينا، و ينبغي أن يحتاط بأحكام الحصون و حفر الخنادق و نحوها و يرتّب في كلّ ناحية أميرا قيّما بأمور الجهاد و حراسة المسلمين.

و الثاني: أن يدخل(5) دار الكفّار غازيا بنفسه أو يبعث جيشا يؤمّر عليهم من فيه كفاية، اقتداء برسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، حيث كان يبعث السرايام.

ص: 15


1- آل عمران: 186.
2- البقرة: 190.
3- البقرة: 191.
4- الحاوي الكبير 110:14 و 111، العزيز شرح الوجيز 344:11، منهاج الطالبين: 307، روضة الطالبين 410:7.
5- أي الإمام.

و الجيوش(1).

و أقلّه في كلّ سنة مرّة، و ما زاد فهو أفضل.

و قال بعض الشافعيّة: تجب إدامته بحسب الإمكان بحيث لا يبقى إلاّ مسلم أو مسالم(2).

و ليس بجيّد، لأنّ الغالب أنّ الأموال و العدد لا توفّي تجهيز الجيوش أكثر من مرّة واحدة في السنة.

و لأنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله فعل ذلك، فإنّ غزاة بدر كانت في السنة الثانية من الهجرة، و غزاة أحد في الثالثة، و غزاة ذات الرقاع في الرابعة، و غزاة الخندق في الخامسة، و غزاة بني المصطلق في السادسة، و فتح خيبر في السابعة، و فتح مكة في الثامنة، و غزاة تبوك في التاسعة(3).

و إن لم يستقرّ الكفّار في بلادهم بل قصدوا بلدة من بلاد المسلمين [1].

قاصدين لها، فالوجه أنّ الوجوب لا يتعيّن [2] وصفه، بل يكون فرض كفاية - و هو أحد وجهي الشافعيّة(4) - فإن قام به البعض، و إلاّ وجب على الأعيان. و يستوي في ذلك الغني و الفقير و الحرّ و العبد، و لا يحتاج إلى إذن سيّده. و الثاني: أنّه فرض عين(5).7.

ص: 16


1- انظر على سبيل المثال: سنن أبي داود 37:3-2612، سنن ابن ماجة 953:2-2857 و 2858.
2- العزيز شرح الوجيز 351:11، روضة الطالبين 411:7.
3- انظر على سبيل المثال: تاريخ الطبري 131:2 و 187 و 226-227 و 233 و 260 و 298 و 366.
4- العزيز شرح الوجيز 365:11، و روضة الطالبين 416:7، منهاج الطالبين: 307.
5- العزيز شرح الوجيز 365:11، و روضة الطالبين 416:7، منهاج الطالبين: 307.

فإن حصلت المقاومة من غير مرافقة العبيد، فللشافعيّة وجهان، أحدهما: أنّ الحكم كذلك، لتقوى القلوب و تعظم الشوكة و تشتدّ النكاية في الكفّار. و الثاني: أنّه لا ينحلّ الحجر عنه، لأنّ في الأحرار غنية عنهم(1).

و لو أحوج الحال إلى الاستعانة بالنساء، وجب.

و لو لم يتمكّن أهل البلد من التأهّب و التجمّع، فمن وقف عليه كافر أو كفّار و علم أنّه يقتل، وجب عليه المدافعة عن نفسه بقدر ما يمكنه، سواء الذكر و الأنثى، و الحرّ و العبد، السليم و الأعمى و الأعرج، و لو لم يعلم القتل بل جوّز السلامة و أن يؤسر إن استسلم و إن امتنع قتل، وجب عليه الاستسلام، فإنّ الأسر يحتمل معه الخلاص.

و لو امتدّت الأيدي إلى المرأة، وجب عليها الدفع و إن قتلت، لأنّ المكره [1] على الزنا لا تحلّ له المطاوعة [2].

و البلاد القريبة من تلك البلدة يجب عليهم النفور إليها مع عجز أهلها لا مع عدم العجز، و هو أحد وجهي الشافعيّة، و الثاني: أنّه يجب(2).

و أمّا البلاد البعيدة: فإن احتيج إلى مساعدتهم، وجب عليهم النفور، و إلاّ فلا.

و للشافعيّة وجهان، أحدهما، عدم الوجوب على من بعد عن مسافة القصر. و [الثاني:] [3] يجب على الأقربين فالأقربين إلى أن يكفّوا و يأمن أهل7.

ص: 17


1- العزيز شرح الوجيز 365:11-366، روضة الطالبين 416:7.
2- الوجيز 188:2، العزيز شرح الوجيز 366:11، روضة الطالبين 417:7.

البلدة(1).

و ينبغي للأقربين التثبّت إلى لحوق الآخرين مع احتمال الحال ذلك.

و لا يشترط وجدان الركوب فيمن يكون بلده دون مسافة القصر مع قدرته.

و أمّا من بعد إلى مسافة القصر: فللشافعيّة وجهان: عدم الاشتراط، لشدّة الخطب، و ثبوته كالحجّ(2). و كذا الوجهان في اشتراط الزاد(3).

مسألة 8: لو نزل الكفّار في خراب أو على جبل في دار الإسلام بعيد عن البلدان،

احتمل مساواته لنزولهم في البلد، لأنّه من دار الإسلام، و عدمه، لأنّ الديار تشرف بسكون المسلمين.

و للشافعيّة وجهان(4).

و لو أسروا مسلما أو جماعة من المسلمين، فالوجه: أنّه كدخول دار الإسلام، لأنّ سبب حرمة دار الإسلام حرمة المسلمين، فالاستيلاء على المسلمين أعظم من الاستيلاء على دارهم.

و يحتمل المنع، لأنّ إعداد الجيش و تجهيز الجند لواحد يقع في الأسر بعيد.

و للشافعيّة وجهان(5).

ص: 18


1- الوجيز 188:2، العزيز شرح الوجيز 366:11-367، روضة الطالبين 7: 417.
2- الوجيز 188:2، العزيز شرح الوجيز 367:11، روضة الطالبين 417:7.
3- العزيز شرح الوجيز 367:11، روضة الطالبين 417:7.
4- الوجيز 188:2، العزيز شرح الوجيز 367:11، روضة الطالبين 417:7 - 418.
5- الوجيز 188:2، العزيز شرح الوجيز 367:11، روضة الطالبين 418:7.

و لو كانوا على القرب من دار الإسلام و توقّعنا استخلاص الاسراء لو مشينا إليهم، وجب. و لو توغّلوا في دار الكفر و لم يمكن التسارع إليهم، انتظرنا الإمكان.

مسألة 9: الجهاد قسمان:
أحدهما: أن يكون للدعاء إلى الإسلام،

و لا يجوز إلاّ بإذن الإمام العادل أو من نصبه لذلك، عند علمائنا أجمع، لأنّه أعرف بشرائط الدعاء و ما يدعوهم إليه من التكاليف دون غيره.

قال بشير: قلت للصادق عليه السلام: رأيت في المنام أنّي قلت لك: إنّ القتال مع غير الإمام المفروض طاعته حرام مثل الميتة و الدم و لحم الخنزير، فقلت: نعم، هو كذلك، فقال الصادق عليه السلام: «هو كذلك هو كذلك»(1).

و قال أحمد: يجب مع كلّ إمام برّ و فاجر، لرواية أبي هريرة عن النبي صلّى اللّه عليه و آله أنّه قال: «الجهاد واجب عليكم مع كلّ إمام [1] برّا كان أو فاجرا»(2)(3).

و هو محمول على القسم الثاني من نوعي الجهاد، مع أنّ أبا هريرة طعن في حديثه، و لهذا أدّبه عمر(4) على كثرة حديثه، و لو لا التهمة في حديثه لما فعل عمر به ذلك، خصوصا مع معارضته للكتاب العزيز حيث

ص: 19


1- الكافي 27:5-2، التهذيب 134:6-226.
2- سنن أبي داود 18:3-2533، سنن الدار قطني 56:2-6، سنن البيهقي 3: 121 و 185:8.
3- المغني 365:10، الشرح الكبير 366:10.
4- شرح نهج البلاغة - لابن أبي الحديد - 67:4-68.

يقول وَ لا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النّارُ (1) و الفاجر ظالم.

و وجوب هذا القسم على الكفاية على ما تقدّم، فينبغي للإمام أو نائبه اعتماد النصفة بينهم، فلا يكرّر الغزو على قوم دون قوم.

و الثاني: أن يدهم المسلمين العدو،

فيجب على الأعيان عند قوم و على الكفاية عند آخرين، و قد سبق(2).

مسألة 10: قد عرفت أن ردّ السلام واجب على الكفاية على الجماعة،

و هو فرض عين على الواحد، فابتداؤه مستحبّ. و لا يستحبّ على المصلّي عند بعض الشافعيّة و لا على من يقضي حاجته و لا في الحمّام(3).

و لو أجاب الجميع دفعة واحدة، كانوا مؤدّين فرض كفاية، كما يلحقهم الذمّ بأجمعهم لو تركوا.

و لو تعاقبوا، فالوجه: أن الفرض يسقط بالأوّل.

و قال بعض الشافعيّة: إنّ المتأخّر يكون مؤديا لفرض كفاية [1]. و ليس بجيّد.

و لو سلّم على شخص أو جماعة فردّ عليه غيرهم، لم يسقط الفرض عمّن سلّم عليه. و ابتداء السلام سنّة على الكفاية.

و لو سلّم واحد من جماعة على واحد من جماعة أخرى، كفى ذلك.

ص: 20


1- هود: 113.
2- سبق في المسألة 1.
3- الوجيز 188:2، العزيز شرح الوجيز 371:11، روضة الطالبين 433:7.

لإقامة السنّة.

و لو سلّم في بعض الأحوال التي لا يستحبّ فيها السلام، فالوجه:

وجوب الردّ، عملا بالعموم، خلافا للشافعيّة(1).

و إذا سلّم على المصلّي، وجب عليه الجواب.

و قالت الشافعيّة: لا يجيب حتى يفرغ من الصلاة، و يجوز أن يجيب في الصلاة بالإشارة(2).

و عندنا يجيب بمثل ما سلّم عليه، فيقول في الجواب: السلام عليكم، و لا يقول: و عليكم السلام.

و أمّا من يقضي الحاجة، فالقرب منه و مكالمته بعيد عن الأدب و المروءة.

و أمّا الحمّام: فإنّه موضع التنظيف و الدلك، فلا تليق التحيّة بحالهم.

و المشغول بالأكل إن كانت اللقمة في فيه و احتاج في المضغ و البلع إلى زمان يمنعه عن الجواب، لم يسنّ التسليم عليه، و أمّا بعد الابتلاع و قبل وضع لقمة أخرى في فيه [1] فلا منع.

و بعض الشافعيّة منع مطلقا(3). و بعضهم سوّغه مطلقا(4).

و لا يمنع المعامل وقت المعاملة و المساومة من التسليم عليه، لأنّ7.

ص: 21


1- العزيز شرح الوجيز 371:11، روضة الطالبين 433:7، المغني 747:1، التفسير الكبير 215:10.
2- العزيز شرح الوجيز 371:11 و 376، روضة الطالبين 433:7، المجموع 4: 103، المغني 747:1 و 748.
3- العزيز شرح الوجيز 371:11، روضة الطالبين 433:7.
4- العزيز شرح الوجيز 371:11-372، روضة الطالبين 433:7.

أغلب أحوال الناس ذلك.

و لا بدّ في السلام و جوابه من رفع الصوت بقدر ما يحصل به السماع.

و صيغته: السلام عليكم. و يقوم مقامه: سلام عليكم. و لو قال:

عليكم السلام، لم يكن مسلما، إنّما هي صيغة جواب. و يراعى صيغة الجمع و إن كان السلام على واحد خطابا له. و لو أخلّ بصيغة الجمع، حصل أصل السنّة.

و صيغة الجواب: و عليكم السلام. و لو قال: و عليك السلام، للواحد، جاز. و لو ترك حرف العطف و قال: عليكم السلام، فهو جواب، خلافا لبعض الشافعيّة(1).

و لو تلاقى اثنان فسلّم كلّ واحد منهما على الآخر، وجب على كلّ واحد منهما جواب الآخر، و لا يحصل الجواب بالسلام و إن ترتّب السلامان.

و لو قال المجيب: و عليك، ففي كونه جوابا نظر من حيث إنّه لا تعرّض للسلام فيه، و من حيث إنّه يكون جوابا للعطف و رجوعا إلى قول:

السلام. و لو قال: عليكم، لم يكن جوابا.

و كمال السلام أن يقول: السلام عليكم و رحمة اللّه و بركاته. و كمال الجواب أن يقول: و عليكم السلام و رحمة اللّه و بركاته.

و ينبغي أن يكون الجواب متّصلا بالسلام ليعدّ جوابا له، كما في قبول الإيجاب في العقود.

و لو ناداه من وراء ستر أو حائط و قال: السلام عليكم يا فلان، أو7.

ص: 22


1- العزيز شرح الوجيز 372:11، روضة الطالبين 429:7.

كتب كتابا و سلّم فيه عليه، أو أرسل رسولا فقال: سلّم على فلان، فبلغه الكتاب و الرسالة، قال بعض الشافعية: يجب عليه الجواب، لأنّ تحيّة الغائب إنّما تكون بالمناداة أو الكتاب أو الرسالة، و قد قال تعالى وَ إِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ (1) الآية(2).

و الوجه أنّه إن سمع النداء، وجب الجواب، و إلاّ فلا.

و ما يعتاده الناس من السلام عند القيام و مفارقة الجماعة دعاء لا تحيّة يستحبّ الجواب عنه و لا يجب.

و يكره أن يخصّ طائفة من الجمع بالسلام. و لو سلّم عليه جماعة فقال: و عليكم السلام، و قصد الردّ عليهم جميعا، جاز، و سقط الفرض في حقّ الجميع.

و يستحبّ أن يسلّم الراكب على الماشي، و القائم على الجالس، و الطائفة القليلة على الكثيرة. و لا يكره أن يبتدئ الماشي و الجالس.

و لو سلّم على الأصمّ، أتى باللفظ، لقدرته عليه، و أشار باليد ليحصل الإفهام. و لو لم يضمّ الإشارة، لم يستحقّ الجواب. و كذا في جواب الأصمّ ينبغي أن يجمع بين اللفظ و الإشارة.

و سلام الأخرس بالإشارة معتدّ به، و كذا ردّه السلام.

و لا يجب على الصبي ردّ السلام، لأنّه ليس مكلّفا. و لو سلّم على جماعة فيهم صبي فردّ الصبي، لم يسقط الفرض بجوابه. و لو سلّم الصبي،0.

ص: 23


1- النساء: 86.
2- العزيز شرح الوجيز 373:11، روضة الطالبين 428:7، الأذكار - للنووي -: 261، التفسير الكبير 215:10.

فالأقرب وجوب الردّ عليه، و هو أحد وجهي الشافعيّة(1).

و سلام النساء على النساء كسلام الرجال على الرجال. و لو سلّم رجل على امرأة أو بالعكس، فإن كان بينهما زوجيّة أو محرميّة أو كانت عجوزا خارجة عن مظنّة الفتنة، ثبت استحقاق الجواب، و إلاّ فلا.

و يستحبّ لمن دخل دار نفسه أن يسلّم على أهله. و كذا من دخل مسجدا أو بيتا لا أحد فيه يقول: السلام علينا و على عباد اللّه الصالحين.

و لا يسلّم على أهل الذمّة ابتداء. و لو سلّم عليه ذمّيّ أو من لم يعرفه فبان ذمّيّا، ردّ بغير السلام بأن يقول: هداك اللّه، أو: أنعم اللّه صباحك، أو: أطال اللّه بقاءك. و لو ردّ بالسلام، لم يزد في الجواب على قوله:

و عليك.

و التحيّة بتقبيل اليد و انحناء الظهر لا أصل له في الشرع، لكن لا يمنع الذمّيّ من تعظيم المسلّم بهما. و لا يكره التعظيم بهما لزهد و علم و كبر سنّ. و روي أنّ أعرابيّا قعد عند رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، فاستحسن كلامه، فاستأذنه في أن يقبّل وجهه، فأذن له، ثمّ استأذن في أنّ [1] يقبّل يده، فأذن له، ثمّ استأذنه في أن يسجد له، فلم يأذن له(2).

و تستحبّ المصافحة.

و يكره للداخل أن يطمع في قيام القوم لكن يستحبّ لهم أن يكرموه.

و الأقرب: جواز السلام بالفارسيّة.ه.

ص: 24


1- العزيز شرح الوجيز 374:11، روضة الطالبين 431:7.
2- أورده - كما في المتن - الرافعي في العزيز شرح الوجيز 375:11، و رواه الحاكم في المستدرك 172:4، و أبو نعيم في دلائل النبوّة 502:2-503-291 نحوه.
مسألة 11: روي عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أنّه قال: «حقّ المؤمن على المؤمن ستّ:

أن يسلّم عليه إذا لقيه، و أن يجيبه إذا دعاه، و أن يسمّته إذا عطس، و أن يعوده إذا مرض، و أن يشيّع جنازته إذا مات، و أن لا يظنّ فيه إلاّ خيرا»(1).

و استحباب التسميت على الكفاية. و إنّما يستحبّ إذا قال العاطس:

الحمد للّه، فيقول المسمّت له: يرحمك اللّه، أو ما شابهه. و يكرّر التسميت إذا تكرّر العطس إلاّ أن يكون لمرض، فيقول: عافاك اللّه.

و يستحبّ للعاطس أن يجيبه، فيقول: يغفر اللّه لك، و شبهه.

و لا يجب الجواب هنا، بخلاف ردّ السلام، لأنّ التسميت إنّما هو للعاطس و لا عطاس بالمسمّت، و التحيّة تشمل الطرفين.

و تستحبّ زيارة القادم و معانقته، فإنه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عانق جعفرا - رحمه اللّه - لمّا قدم من الحبشة(2).

مسألة 12: يسقط فرض الجهاد بالعجز،
اشارة

و هو قسمان

حسّي، كالمرض و الفقر و الصبا و الجنون و الأنوثة و العرج المانع من المشي

سواء قدر على الركوب أو لا، لأنّ الدابّة قد تهلك.

و للشافعيّة وجه: أنّ العرج لا يؤثّر في حقّ الراكب مع قدرته على الركوب(3). و ليس بشيء.

و لا فرق بين أن يكون العرج في رجل واحدة أو في الرّجلين معا.

ص: 25


1- مسند أحمد 616:2-617-8072، شعب الإيمان - للبيهقي - 6: 425-8753 بتفاوت.
2- أسد الغابة 287:1.
3- العزيز شرح الوجيز 356:11، روضة الطالبين 412:7.

و قال أبو حنيفة: لا أثر للعرج في رجل واحدة(1).

و لا جهاد على الأقطع و الأشلّ، لعدم تمكّنهما من الضرب و الاتّقاء.

و مفقود معظم الأصابع كالأقطع و لا يسقط عن الأعشى و ضعيف البصر إذا كان يدرك الشخص و يمكنه أن يتّقي السلاح.

و يسقط عن الفقير، و هو الذي لا يجد ما ينفق في طريقه ذهابا و عودا و لا ما يركب عليه.

و يشترط نفقة أهله و عياله ذهابا و عودا. و من لا أهل له و لا عشيرة يشترط في حقّه نفقة الإياب أيضا.

و قال بعض الشافعيّة: لا يشترط، لأنّ سفر الغزو سفر الموت(2).

و هو غلط، لأنّ الغالب في الظنّ الإياب، و لأنّ وجود ذلك معه يوجب له نشاطا و قوّة.

و لو كان القتال على رأس البلد أو قريبا منه، لم يشترط نفقة الطريق.

و يجب اشتراط الراحلة مع الحاجة. و يجب أن يكون جميع ذلك فاضلا عن نفقة من تلزمه نفقته.

و لا يشترط أمن الطريق من طلائع الكفّار، لأنّا مأمورون بقتالهم.

و لو كان [1] من متلصّصي المسلمين، فللشافعيّة وجهان، أحدهما: أنّه يمنع الوجوب، كما في الحجّ، و أصحّهما: أنّه لا يمنع، لأنّ قتال المتلصّص أهمّ و أولى(3).7.

ص: 26


1- العزيز شرح الوجيز 356:11.
2- العزيز شرح الوجيز 357:11، روضة الطالبين 412:7.
3- العزيز شرح الوجيز 357:11، روضة الطالبين 412:7.

و لو بذل للفقير ما يحتاج إليه، لم يجب القبول إلاّ أن يكون الباذل الإمام، فعليه أن يقبل و يجاهد، لأنّ ما يأخذه من الإمام حقّه.

و الذمّي لا يكلّف الخروج إلاّ مع الحاجة، لأنّه بذل الجزية لنذب عنه لا ليذبّ عنّا.

القسم الثاني: المانع الشرعي مع القدرة.
اشارة

و أقسامه ثلاثة:

الأوّل: الرقّ،

فلا يجب على العبد و إن أمره سيّده بذلك، لأنّه ليس من أهل الجهاد، و الملك لا يقتضي التعرّض للهلاك، و ليس القتال من الاستخدام المستحقّ للسيّد على العبد، و لا يلزمه الذبّ عن سيّده عند الخوف على روحه إذا لم يجب الدفع عن الغير، بل السيّد في ذلك كالأجانب. نعم، للسيّد استصحابه في سفر الجهاد و غيره ليخدمه و يسوس دوابّه و يحفظ متاعه.

و المدبّر و المكاتب و المتحرّر بعضه كالقنّ.

الثاني: الدّين،

فلا يجب على من عليه دين حالّ لمسلم أو ذمّي الخروج إلى الجهاد مع قدرته على الدّين إلاّ بإذن ربّ الدّين. و له منعه منه، لأنّ مطالبته تتوجّه عليه، و الحبس إن امتنع من أدائه، و لأنّ الدّين فرض متعيّن عليه، فلا يترك بفرض الكفاية.

و لو كان معسرا، فالوجه: أنّه ليس له منعه من الجهاد، لأنّه لا مطالبة له عليه في الحال، و هو أحد قولي الشافعيّة، و مذهب مالك. و الثاني:

المنع، لأنّه يرجو اليسار فيؤدّي و في الجهاد خطر الهلاك(1).

ص: 27


1- العزيز شرح الوجيز 358:11-359، روضة الطالبين 413:7، المغني 10: 378، الشرح الكبير 376:10.

و لو استناب المديون من يقضي الدّين من مال حاضر، فله الخروج، لأنّ صاحب الدّين يصل إلى حقّه في الحال، أمّا لو أمره بالقضاء من مال غائب، فإنّه لا يجوز له الخروج بغير إذنه، لأنّه قد لا يصل إليه.

و إذا أذن ربّ المال في الخروج، جاز له، و لحق بأصحاب فرض الكفاية، و هو أحد قولي الشافعيّة(1).

و لو كان الدّين مؤجّلا، فليس لصاحبه منعه من الخروج، كما ليس له منعه من الأسفار، و هو أحد قولي الشافعيّة و قول مالك. و الثاني: أنّ له منعه - و به قال أحمد - لأنّ الجهاد يقصد فيه الشهادة التي تفوت بها النفس، فيفوت الحقّ بفواتها(2).

و روي أنّ رجلا جاء إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، فقال: يا رسول اللّه إن قتلت في سبيل اللّه صابرا محتسبا يكفّر عنّي خطاياي ؟ قال: «نعم، إلاّ الدّين، فإنّ جبرئيل قال لي ذلك»(3).

و فوات النفس غير معلوم، و لا دلالة في الحديث على المطلوب.

و للشافعيّة طريقة أخرى هي أنّه إن لم يخلّف وفاء، فليس له الخروج إلاّ بإذن ربّ الدّين، و إن خلّف، فوجهان، لأنّه قد يتلف و لا يصل إلى ربّت.

ص: 28


1- العزيز شرح الوجيز 359:11، روضة الطالبين 413:7.
2- العزيز شرح الوجيز 359:11، المهذّب - للشيرازي - 230:2، حلية العلماء 646:7، روضة الطالبين 413:7، المغني 549:4، و 378:10، الشرح الكبير 494:4-495 و 376:10.
3- الموطأ 461:2-31، صحيح مسلم 1501:3-1885، سنن الترمذي 4: 212-1712، سنن النسائي 350:6، سنن البيهقي 25:5، مسند أحمد 6: 403-22036 و 412-22079 و 419-420-22120 بتفاوت.

الدّين(1).

و لبعضهم وجه آخر: إن كان الأجل يدوم إلى أن يرجع، فلا منع، و إن كان يحلّ قبل أن يرجع، فوجهان(2).

و هل ركوب البحر كسفر الجهاد؟ قال بعض الشافعيّة: نعم، لخطره(3).

و ليس بجيّد، لأنّ راكب البحر يغلب السلامة و يطلب الغنيمة، و الغازي يعرّض نفسه للشهادة.

الثالث: الأبوّة،
اشارة

فمن كان له أبوان مسلمان أو أحدهما ليس له الجهاد إلاّ بإذنهما أو بإذن الحيّ منهما، سواء الأب و الامّ في ذلك، و هو قول عامّة أهل العلم(4) ، لما رواه ابن عباس عن النبي صلّى اللّه عليه و آله، أنّه قال: جاء رجل إلى النبي صلّى اللّه عليه و آله، فقال: يا رسول اللّه أجاهد؟ فقال: «أ لك أبوان ؟» قال: نعم، قال: «ففيهما فجاهد» [1].

و في رواية: جئت أبايعك على الهجرة و تركت أبويّ يبكيان، قال:

ص: 29


1- العزيز شرح الوجيز 359:11.
2- العزيز شرح الوجيز 359:11.
3- العزيز شرح الوجيز 359:11، روضة الطالبين 413:7.
4- الوجيز 187:2، العزيز شرح الوجيز 360:11، الحاوي الكبير 122:14، المهذّب - للشيرازي - 230:2، روضة الطالبين 413:7، بداية المجتهد 1: 381، بدائع الصنائع 98:7، المغني 375:10، الشرح الكبير 377:10.

«ارجع إليهما فأضحكهما كما أبكيتهما»(1).

و هاجر رجل إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، فقال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: «هل لك باليمن أحد؟» قال: نعم، أبواي، قال: «أذنا لك ؟» قال: لا، قال:

«فارجع فاستأذنهما، فإن أذنا لك فجاهد، و إلاّ فبرّهما»(2).

و لأنّ الجهاد فرض كفاية و برّ الوالدين فرض عين، فيقدّم و هو بشرط الإسلام.

و لو كانا مشركين أو الحيّ منهما، لم يفتقر إلى إذنهما - و به قال الشافعي و أحمد(3) - للتهمة الظاهرة بالميل إلى ملّته في الكفر، و كان ولد عبد اللّه بن أبيّ بن سلول يغزو مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، و معلوم أنّ أباه كان يكره ذلك، فإنّه كان يخذل الأجانب و يمنعهم عن الجهاد(4) ، و كذا أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كانوا يجاهدون و فيهم من له أبوان كافران من غير استئذانهما، منهم أبو بكر، و أبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة كان مع النبي صلّى اللّه عليه و آله يوم بدر و أبوه رئيس المشركين يومئذ قتل ببدر، و أبو عبيدة قتل أباه في الجهاد فأنزل اللّه تعالى لا تَجِدُ قَوْماً (5)(6) الآية.0.

ص: 30


1- سنن أبي داود 17:3-2528، سنن النسائي 143:7، سنن البيهقي 26:9، مسند أحمد 342:2-6454 و 400-6794.
2- سنن أبي داود 17:3-18-2530، سنن سعيد بن منصور 131:2-2334، سنن البيهقي 26:9.
3- العزيز شرح الوجيز 360:11، الحاوي الكبير 123:14، المهذّب - للشيرازي - 230:2، روضة الطالبين 413:7، المغني 376:10، الشرح الكبير 378:10.
4- العزيز شرح الوجيز 360:11، الحاوي الكبير 123:14.
5- المجادلة: 22.
6- أسباب النزول - للنيسابوري -: 236، التفسير الكبير 276:29، الجامع لأحكام القرآن 307:17، الحاوي الكبير 123:14، المغني 376:10، الشرح الكبير 378:10.

و قال الثوري: و لا يغزو إلاّ بإذنهما، لعموم الأخبار(1). و هو مخصوص بما قلناه.

فروع:
أ - لو كان أبواه رقيقين،

فعموم كلام الشيخ(2) يقتضي اعتبار إذنهما، للعموم، و لأنّهما مسلمان فأشبها الحرّين.

و يحتمل عدم اعتبار إذنهما، لانتفاء ولايتهما.

ب - لو كانا مجنونين،

فلا عبرة بإذنهما.

ج - هل الجدّان كالأبوين ؟ الأقرب ذلك.

و للشافعيّة وجهان(3).

و لو كانا مع الأبوين، ففي اشتراط إذن الجدّ مع الأب و الجدّة مع الأمّ إشكال ينشأ من أنّ القريب يحجب البعيد، و من أنّ البرّ إلى البعيد لا يخصّ بحالة فقدان القريب.

د - لو تعيّن الجهاد عليه، لم يعتبر إذن الأبوين و لا غيرهما من أصحاب الدّين و السيّد،

و كذلك كلّ الفرائض لا طاعة لهما في تركها، كالصلاة و الحجّ، لأنّه عبادة تعيّنت عليه، فلا يعتبر إذن الأبوين فيها، و قال تعالى وَ لِلّهِ عَلَى النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ (4) و لم يشترط إذن الأبوين.

ه - لو أذن أبواه في الغزو و شرطا عليه ترك القتال فحضر،

تعيّن عليه و سقط شرطهما - و به قال الأوزاعي و أحمد و ابن المنذر(5) - لأنّه صار

ص: 31


1- المغني 376:10، الشرح الكبير 378:10.
2- المبسوط - للطوسي - 6:2.
3- العزيز شرح الوجيز 360:11، الحاوي الكبير 124:14، المهذّب - للشيرازي - 230:2، روضة الطالبين 413:7.
4- آل عمران: 97.
5- المغني 378:10، الشرح الكبير 379:10.

واجبا، فلم يبق لهما في تركه طاعة.

و لو خرج بغير إذنهما فحضر القتال ثمّ بدا له الرجوع، لم يجز له ذلك.

و - ليس للأبوين المنع من سفر الحجّ الواجب،

لأنّه على الفور، و ليس الخوف فيه كالخوف في الغزو.

و للشافعي قول إنّ لهما المنع، لأنّ الحجّ على التراخي و برّ الوالدين على الفور(1). و الصغرى ممنوعة.

و كذا ليس لهما المنع من سفره في طلب العلم الواجب عليه، و لا يجب عليه استئذانهما كالحجّ.

و لو كان فرض كفاية بأن خرج طالبا لدرجة الفتوى و في بلده من يشتغل بالفتوى، احتمل أنّ لهما المنع، لتعيّن البرّ عليه، و عدمه، لبعد الحجر على المكلّف و حبسه.

و لو لم يكن هناك من يشتغل بالفتوى لكن خرج مع جماعة لذلك، فالأقرب عدم الاحتياج إلى الإذن، لأنّه لم يوجد في الحال من يقوم بالغرض، و الخارجون معه قد لا يحصل لهم المقصود. و لو لم يخرج معه أحد، لم يفتقر إلى الإذن، لأنّه يؤدّي فرضا، كما لو خرج لغزو تعيّن عليه.

و لو أمكنه التعلّم في بلده، فإن توقّع في سفره زيادة فراغ أو إرشاد أستاذ، احتمل عدم افتقاره إلى الإذن.

و أمّا سفر التجارة:

فإن كان قصيرا، لم يمنع منه، و إن كان طويلا و فيه خوف، اشترط إذنهما، و إلاّ احتمل ذلك تحرّزا من تأذّيهما. و لأنّ لهما منعه

ص: 32


1- العزيز شرح الوجيز 360:11، المجموع 349:8.

من حجّة التطوّع مع أنّه عبادة فيكون منعهما من المباح أولى، و عدمه، لأنّه بامتناعه ينقطع عن معاشه و يضطرب أمره.

و الأقرب: أنّ الأب الكافر كالمسلم في هذه الأسفار، بخلاف سفر الجهاد [و لا فرق بين الحرّ] [1] و الرقيق، لشمول معنى البرّ و الشفقة.

ز - لو خرج للجهاد بإذن صاحب الدّين أو الأبوين ثمّ رجعوا

أو كان الأبوان كافرين فأسلما بعد خروجه من غير إذن و علم بالحال، فإن لم يشرع في القتال و لم يحضر الرفقة [2] بعد، فإنّه ينصرف إلاّ إذا خاف على نفسه أو ماله أو خاف من انصرافه كسر المسلمين.

و لو لم يمكنه الانصراف، للخوف و أمكنه الإقامة في قرية في الطريق إلى أن يرجع جيش المسلمين، لزمه أن يقيم، لأنّ غرض الراجعين عن الإذن أن لا يقاتل، و هو أحد وجهي الشافعيّة، و الثاني: عدم الوجوب، لما يناله من وحشة مفارقة الرفقة و إبطال أهبة الجهاد عليه(1).

و لو كان الرجوع بعد الشروع في القتال، احتمل وجوب الرجوع، لأنّ حقّ الراجعين عن الإذن أولى بالرعاية، لأنّه فرض عين و الجهاد فرض كفاية، و لأنّ حقّهم أسبق، و لأنّ حقّ الآدمي مبني على المضايقة، فهو أولى بالمحافظة، و عدمه، لوجوب الثبات على من حضر القتال، لقوله تعالى:

إِذا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا (2) و لأنّه ربما يكسر قلوب المسلمين و يشوّش الجهاد.

ص: 33


1- العزيز شرح الوجيز 362:11، روضة الطالبين 415:7.
2- الأنفال: 45.

و للشافعي قولان(1). و لبعض أصحابه فرق بين رجوع الأبوين و صاحب الدّين، لعظم شأن الدّين و الاحتياط للمظالم(2).

ح - من شرط عليه الاستئذان إذا خرج بغير إذن، لزمه الانصراف ما لم يشرع في القتال،

لأنّ سفره معصية، إلاّ أن يخاف على نفسه أو ماله، فإن شرع في القتال، فللشافعية وجهان(3). و هذه الصورة أولى بوجوب الانصراف، لأنّ ابتداء الخروج كان معصية.

و لو خرج العبد بغير إذن سيّده، لزمه الرجوع ما لم يحضر الواقعة، فإن حضر، فللشافعية قولان(4).

و لو مرض الحرّ بعد خروجه أو عرج أو فني زاده أو هلكت دابّته، تخيّر بين الانصراف و المضيّ ما لم يحضر الوقعة.

و لو حضر الوقعة، لزمه الثبات، للآية(5) ، و هو أحد قولي الشافعي، و الثاني: أنّه يجوز الرجوع، لعدم تمكّنه من القتال(6).

و الوجه أن يقال: إن كان الانصراف لا يورث إعلالا و تخاذلا في الجند، جاز، و إلاّ فلا.

و لو أمكنه القتال راجلا بعد موت الدابّة في الوقعة، وجب، و إلاّ فلا. و كذا إذا انقطع سلاحه و انكسر في الواقعة و أمكنه القتال بالحجارة، وجب، و إلاّ فلا.

ص: 34


1- المهذّب - للشيرازي - 230:2، العزيز شرح الوجيز 363:11، روضة الطالبين 415:7، حلية العلماء 645:7-646.
2- العزيز شرح الوجيز 364:11، روضة الطالبين 415:7.
3- العزيز شرح الوجيز 364:11، روضة الطالبين 415:7.
4- العزيز شرح الوجيز 364:11، روضة الطالبين 415:7.
5- الأنفال: 45.
6- حلية العلماء 645:7، العزى شرح الوجيز 364:11، روضة الطالبين 7: 415.

و حيث سوّغنا الانصراف لرجوع ربّ الدّين أو الأبوين عن الإذن أو لمرض و نحوه، ليس للسلطان منعه منه إلاّ أن يتّفق ذلك لجماعة و كان يخاف من انصرافهم الخلل في المسلمين.

و لو انصراف لذهاب نفقة أو هلاك دابة ثمّ قدر على النفقة و الدابّة في بلاد الكفر، فعليه أن يرجع إلى المجاهدين. و إن كان قد فارق بلاد الكفر، قال الشافعي: لم يلزمه الرجوع إليهم(1).

و لو خرج للجهاد و به عذر من مرض و غيره ثمّ زال عذره و صار من أهل فرض الجهاد، لم يجز له الرجوع عن الغزو. و كذا لو حدث العذر و زال قبل أن ينصرف.

ط - من شرع في القتال و لا عذر له تلزمه المصابرة،

و يحرم الانصراف، لما فيه من التخذيل و كسر قلوب المجاهدين.

و طالب العلم إذا اشتغل بالتعلّم و آنس الرشد من نفسه، هل يحرم عليه الرجوع ؟ يحتمل ذلك، لأنّه فرض كفاية شرع فيه فيلزمه بالشروع.

و الأقرب: المنع، لأنّ الشروع لا يغيّر حكم المشروع فيه، بخلاف الجهاد، لأنّ في الرجوع تخذيل المجاهدين و كسر قلوبهم، و ترك التعلّم ليس فيه ذلك. و لأنّ كلّ مسألة مطلوبة برأسها منقطعة عن غيرها، و ليست العلوم كالخصلة الواحدة، بخلاف الجهاد.

و في وجوب إتمام صلاة الجنازة بالشروع وجهان(2) ، أحدهما:

ص: 35


1- العزيز شرح الوجيز 364:11، روضة الطالبين 415:7.
2- هذان الوجهان أيضا للشافعيّة. انظر: العزيز شرح الوجيز 364:11-365، و روضة الطالبين 416:7.

عدمه، كالشروع في التطوّع لا يلزم به إتمامه و [ثانيهما]: وجوبه، لأنّ الصلاة كالخصلة الواحدة، و لما في الرجوع من هتك حرمة الميّت.

مسألة 13: العلم إمّا فرض عين أو فرض كفاية أو مستحبّ أو حرام.
فالأوّل: العلم بإثبات الصانع تعالى

و صفاته و ما يجب له و يمتنع عليه، و نبوّة نبيّنا محمد صلّى اللّه عليه و آله و ثبوت عصمته و إمامة من تجب إمامته و ما يجب له و يمتنع عليه، و المعاد. و لا يكفي في ذلك التقليد، بل لا بدّ من العلم المستند إلى الأدلّة و البراهين.

و لا يجب على الأعيان دفع الشبهات فيها، و ذلك إنّما يتمّ بعلم الكلام.

و قالت الشافعية: العلم المترجم بعلم الكلام ليس بفرض عين، و ما كان الصحابة يشتغلون به(1).

و الثاني: العلم بالفقه و فروع الأحكام،

و علم أصول الفقه و كيفيّة الاستدلال و البراهين [1]، و النحو و اللغة و التصريف، و التعمّق في أصول الدين بحيث يقتدر على دفع شبه المبطلين و القيام بجواب الشبه و ردّ العقائد الفاسدة، و علم أصول الفقه [2]، و علم الحديث و معرفة الرجال بالعدالة و ضدّها، و الانتهاء في معرفة الأحكام إلى أن يصلح للإفتاء و القضاء.

و لا يكفي المفتي الواحد في البلد، لعسر مراجعته على جميع الناس. و علم الطبّ، للحاجة إليه في المعالجة، و علم الحساب، للاحتياج إليه في المعاملات و قسم الوصايا و المواريث. و من حصل له شبهة، وجب عليه

ص: 36


1- العزيز شرح الوجيز 369:11، روضة الطالبين 425:7.

السعي في حلّها.

و المستحب:

الزيادة على ما يجب على الكفاية في كلّ علم.

و الحرام: ما اشتمل على وجه قبح،

كعلم الفلسفة لغير النقض، و علم الموسيقى و غير ذلك ممّا نهى الشرع عن تعلّمه، كالسحر، و علم القيافة و الكهانة و غيرها.

مسألة 14: قد عرفت أنّ من شرط الجهاد دعاء الإمام العادل إليه.

و لو كان الجهاد للدفع، وجب مطلقا، سواء كان هناك إمام أو لا.

و لو كان الإمام جائرا، جاز القيام معه إذا قصد الدفع عن نفسه و عن المؤمنين، كما لو كان المسلم في دار الكفّار بأمان و دهمهم عدوّ خشي على نفسه، وجب عليه مساعدتهم في دفعه، لما رواه طلحة بن زيد عن الصادق عليه السلام، قال: سألته عن رجل دخل أرض الحرب بأمان فغزا القوم الذين دخل عليهم قوم آخرون، قال: «على المسلم أن يمنع عن نفسه و ماله و يقاتل على حكم اللّه و حكم رسوله، و أمّا أن يقاتل الكفّار على حكم الجور و سنّتهم [1] فلا يحلّ له ذلك»(1).

و كذا كلّ من خاف على نفسه يجب عليه الجهاد.

و من خاف على ماله يجوز له الجهاد إذا غلب السلامة.

مسألة 15: لا يجب على من وجب عليه الجهاد إيقاعه مباشرة إلاّ أن يعيّنه الإمام للخروج،

فتحرم عليه الاستنابة بأجرة و غيرها، و لا يجوز له حينئذ أن يغزو بجعل، فإن أخذ جعلا، ردّه على صاحبه. و لو لم يعيّنه، لم تجب المباشرة بل يجوز أن يستنيب غيره بإجارة أو غيرها، و تكون

ص: 37


1- التهذيب 135:6-136-229 بتفاوت يسير.

الإجارة صحيحة، و لا يلزم المستأجر ردّ الأجرة، عند علمائنا، لما رواه العامّة: أنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله قال: «من جهّز غازيا كان له كمثل أجره»(1).

و من طريق الخاصّة: قول الباقر عليه السلام: «إنّ عليّا عليه السلام سئل عن الإجعال للغزو، فقال: لا بأس به أن يغزو الرجل عن الرجل و يأخذ منه الجعل»(2).

و لأنّ الضرورة قد تدعو إليه، فكان سائغا كغيره.

و قال الشافعي: لا تنعقد الإجارة، و يجب عليه ردّ الأجرة إلى صاحبها، لتعيّن الجهاد عليه بحضوره الصف، فلا يجوز أخذ الأجرة عليه(3).

و ينتقض بالحجّ، فإنّه إذا حضر مكة، تعيّن عليه الإحرام، و مع هذا جاز أن يقع الإحرام المتعيّن عليه عن غيره، فكذا هنا.

و قال عطاء و مجاهد و سعيد بن المسيّب: من اعطي شيئا من المال يستعين به في الغزو، فإن اعطي لغزوة بعينها فما فضل بعد الغزو فهو له، لأنّه أعطاه على سبيل الإعانة و النفقة لا على سبيل الإجارة، فكان الفاضل له(4).

و إن أعطاه شيئا لينفقه في الجهاد مطلقا ففضل منه فضل، أنفقه في جهاد آخر، لأنّه أعطاه الجميع لينفقه في جهة قربة، فلزمه إنفاق الجميع فيها.0.

ص: 38


1- سنن ابن ماجة 922:2-2759.
2- التهذيب 173:6-338.
3- المهذّب - للشيرازي - 228:2، الوجيز 189:2، العزيز شرح الوجيز 11: 385، روضة الطالبين 442:7، المغني 519:10، الشرح الكبير 512:10.
4- المغني 390:10، الشرح الكبير 455:10.

و إذا اعطي شيئا ليستعين به في الغزو، لا يترك لأهله منه شيئا.

قال أحمد: لأنّه ليس يملكه إلاّ أن يصير إلى رأس مغزاة فيكون كهيئة ماله فيبعث إلى عياله منه، و لا يتصرّف فيه قبل الخروج لئلاّ يتخلّف عن الغزو فلا يكون مستحقّا لما أنفقه إلاّ أن يشتري منه سلاحا أو آلة غزو(1).

و إذا حمل رجلا على دابّة غازية، فإذا رجع من الغزو، فهي له، إلاّ أن يقول: هي حبس، فلا يجوز بيعها إلاّ مع عدم صلاحيتها للغزو، فتباع و تجعل في حبس آخر.

قال أحمد: و كذلك المسجد إذا ضاق بأهله أو كان في مكان لا ينتفع به، جاز بيعه و جعل ثمنه في مكان ينتفع به، و كذا الأضحية إذا أبدلها بخير منها(2).

و لو أعطاه إيّاها ليغزو عليها، فإذا غزا عليها، قال أحمد: ملكها كما يملك النفقة المدفوعة إليه، و يصنع بثمنها ما شاء(3).

و كان مالك لا يرى أن ينتفع بثمنها في غير الغزو(4).

و ليس للغازي أن يركب دوابّ السبيل في حوائجه، بل يركبها و يستعملها في الغزو.

و سهم الفرس الحبيس لمن غزا عليه.

و كره بعضهم إنزاء الفرس الحبيس(5).

و لا يباع الفرس الحبيس إلاّ من علّة، إذا عطب يصير للطحن،0.

ص: 39


1- المغني 391:10، الشرح الكبير 455:10.
2- المغني: 391:10.
3- المغني 391:10، الشرح الكبير 456:10.
4- المغني 392:10، الشرح الكبير 456:10.
5- المغني 392:10، الشرح الكبير 457:10.

و يصرف ثمنه في مثله أو ينفق ثمنه على الدوابّ الحبيس.

و لا يجوز لمن وجب عليه الجهاد بتعيين الإمام أو بنذر المباشرة أن يجاهد عن غيره بجعل، فإن فعل وقع عنه و وجب عليه ردّ الجعل إلى صاحبه.

قال الشيخ رحمه اللّه: للنائب ثواب الجهاد و للمستأجر ثواب النفقة، و أمّا ما يأخذه أهل الديوان من الأرزاق فليس اجرة، بل يجاهدون لأنفسهم و يأخذون حقّا جعله اللّه لهم، فإن كانوا أرصدوا أنفسهم للقتال و أقاموا في الثغور، فهم أهل الفيء لهم سهم من الفيء يدفع إليهم، و إن كانوا مقيمين في بلادهم يغزون إذا خيفوا [1]، فهم أهل الصدقات يدفع إليهم سهم منها(1).

و تستحبّ إعانة المجاهدين، و في مساعدتهم فضل عظيم من السلطان و العوام و كلّ أحد.

روى الباقر عليه السلام عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، قال: «من بلّغ رسالة غاز كان كمن أعتق رقبة و هو شريكه»(2).4.

ص: 40


1- المبسوط - للطوسي - 7:2.
2- التهذيب 123:6-214.

الفصل الثاني فيمن يجب جهاده، و كيفية الجهاد

اشارة

و فيه مباحث:

الأوّل: من يجب جهاده.
مسألة 16: الذين يجب جهادهم قسمان:

مسلمون خرجوا عن طاعة الإمام و بغوا عليه، و كفّار، و هم قسمان: أهل كتاب أو شبهة كتاب، كاليهود و النصارى و المجوس و غيرهم من أصناف الكفّار، كالدهرية و عبّاد الأوثان و النيران، و منكري ما يعلم ثبوته من الدين ضرورة، كالفلاسفة و غيرهم.

قال اللّه تعالى وَ إِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَى الْأُخْرى فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتّى تَفِيءَ إِلى أَمْرِ اللّهِ (1) و قال تعالى قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَ لا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَ لا يُحَرِّمُونَ ما حَرَّمَ اللّهُ وَ رَسُولُهُ وَ لا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حَتّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَ هُمْ صاغِرُونَ (2) و قال تعالى:

فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ (3) و قال فَضَرْبَ الرِّقابِ (4).

دلّت هذه الآيات على وجوب جهاد الأصناف السابقة.

ص: 41


1- الحجرات: 9.
2- التوبة: 29.
3- التوبة: 5.
4- محمد: 4.

و روى العامّة عن النبي صلّى اللّه عليه و آله قال: «من أعطى إماما صفقة [1] يده و ثمرة قلبه فليطعه [2] ما استطاع، فإن جاء آخر ينازعه فاضربوا عنق الآخر»(1).

و كان عليه السّلام يقول لمن يبعثه على جيش أو سريّة: «إذا لقيت عدوّك من المشركين فادعهم إلى إحدى ثلاث خصال فأيّتهم [3] أجابوك إليها فاقبل منهم و كفّ عنهم: ادعهم إلى الإسلام، فإن أجابوك فاقبل منهم و كفّ عنهم، فإن هم أبوا فادعهم إلى إعطاء الجزية، فإن أجابوك فاقبل منهم و كفّ عنهم، فإن أبوا فاستعن باللّه عليهم و قاتلهم»(2).

و من طريق الخاصّة: قول الباقر عليه السلام: «بعث اللّه محمّدا صلّى اللّه عليه و آله بخمسة أسياف، ثلاثة منها شاهرة لا تغمد إلى أن تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزارَها ، و لن تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزارَها حتى تطلع الشمس من مغربها، فيومئذ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ (3) ، و سيف منها مكفوف، و سيف منها مغمود سلّه إلى غيرنا و حكمه إلينا، فأمّا السيوف الثلاثة الشاهرة: فسيف على مشركي العرب، قال اللّه تعالى:8.

ص: 42


1- صحيح مسلم 1473:3-1844، سنن النسائي 153:7-154، سنن ابن ماجة 1307:2-3956، مسند أحمد 344:2-6467.
2- صحيح مسلم 1357:3-3، سنن أبي داود 37:3-2612، سنن البيهقي 9: 49، و الخبر فيها ورد مفصّلا، و في المغني 380:10 كما في المتن.
3- الأنعام: 158.

فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ (1) فهؤلاء لا يقبل منهم إلاّ القتل أو الدخول في الإسلام، و السيف الثاني على أهل الذمّة، قال اللّه تعالى قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَ لا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ (2) الآية، فهؤلاء لا يقبل منهم إلاّ الجزية أو القتل، و السيف الثالث سيف على مشركي العجم يعني الترك و الخزر و الديلم، قال اللّه تعالى فَضَرْبَ الرِّقابِ حَتّى إِذا أَثْخَنْتُمُوهُمْ (3) فهؤلاء لا يقبل منهم إلاّ القتل أو الدخول في الإسلام، و لا يحلّ لنا نكاحهم ما داموا في الحرب، و أمّا السيف المكفوف على أهل البغي و التأويل، قال اللّه تعالى:

وَ إِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما - إلى قوله - حَتّى تَفِيءَ إِلى أَمْرِ اللّهِ (4) فلمّا نزلت هذه الآية قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: إنّ منكم من يقاتل بعدي على التأويل كما قاتلت على التنزيل، فسئل النبي صلّى اللّه عليه و آله من هو؟ قال: هو خاصف النعل - يعني أمير المؤمنين عليه السلام - قال عمّار بن ياسر: قاتلت بهذه [1] الراية مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ثلاثا و هذه الرابعة، و اللّه لو ضربونا حتى يبلغوا بنا [2] السعفات من هجر [3] لعلمنا أنّا على الحقّ و أنّهم على الباطل»(5) الحديث.

مسألة 17: كلّ من يجب جهاده فالواجب على المسلمين النفور إليهم

ص: 43


1- التوبة: 5.
2- التوبة: 29.
3- سورة محمّد: 4.
4- الحجرات: 9.
5- التهذيب 136:6-137-230.

إمّا لكفّهم أو لنقلهم إلى الإسلام، فإن بدأوا بالقتال، وجب جهادهم.

و إنّما يجب قتال من يطلب إسلامه بعد دعائهم إلى محاسن الإسلام و التزامهم بشرائعه، فإن فعلوا و إلاّ قوتلوا.

و الداعي إنّما هو الإمام أو من نصبه.

قال أمير المؤمنين عليه السلام: «بعثني رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إلى اليمن، فقال:

يا علي لا تقاتل أحدا حتى تدعوه، و ايم اللّه لأن يهدي اللّه على يديك رجلا خير لك ممّا طلعت عليه الشمس و غربت، و لك ولاؤه يا علي»(1).

و إنّما يشترط تقدّم الدعاء في حقّ من لم تبلغه الدعوة و لا عرف بعثة الرسول، فيدعوهم إلى الإسلام و محاسنه، و إظهار الشهادتين، و الإقرار بالتوحيد و العدل و النبوّة و الإمامة و أصول العبادات و جميع شرائع الإسلام، فإن أجابوا و إلاّ قتلوا، لقوله عليه السلام: «يا على لا تقاتل أحدا حتى تدعوه»(2).

أمّا من بلغته الدعوة و عرف البعثة و لم يقرّ بالإسلام فيجوز قتالهم ابتداء من غير دعاء، لأنّه معلوم عندهم حيث بلغتهم دعوة النبي صلّى اللّه عليه و آله، و علموا أنّه يدعوهم إلى الإيمان و أنّ من لم يقبل منه قاتله و من قبل منه آمنه، فهؤلاء حرب للمسلمين يجوز قتالهم ابتداء، فإنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله أغار على بني المصطلق و هم غارّون آمنون، و إبلهم تسقى على الماء(3).

و قال سلمة بن الأكوع: أمرنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، فغزونا ناسا من المشركين فبيّتناهم(4).0.

ص: 44


1- الكافي 28:5-4، التهذيب 141:6-240.
2- الكافي 28:5-4، التهذيب 141:6-240.
3- صحيح البخاري 194:3، صحيح مسلم 1356:3-1730، سنن أبي داود 3: 42-2633، مسند أحمد 112:2-4842، المغني 380:10.
4- سنن أبي داود 43:3-2638، المغني 380:10.

و الدعاء أفضل، لما رواه العامّة: أنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله أمر عليّا عليه السلام حين أعطاه الراية يوم خيبر و بعثه إلى قتالهم أن يدعوهم(1) ، و قد بلغتهم الدعوة [1]، و دعا سلمان أهل فارس(2) ، و دعا علي عليه السلام عمرو بن [عبد] ودّ العامري فلم يسلم مع بلوغه الدعوة(3).

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السلام: «لمّا بعث النبي صلّى اللّه عليه و آله عليّا عليه السلام إلى اليمن قال: يا علي لا تقاتل أحدا حتى تدعوه»(4) و هو عامّ.

و لو بدر إنسان فقتل واحدا من الكفّار قبل بلوغ الدعوة إليه، أساء، و لا قود عليه و لا دية، للأصل، و به قال أبو حنيفة و أحمد(5) ، و هو قياس قول مالك(6).

و قال الشافعي: يجب ضمانه، لأنه كافر أصلي محقون الدم، لحرمته، فوجب ضمانه، كالذمّي(7).

و الفرق أنّ الذمّي التزم قبول الجزية فحرم قتله، أمّا هنا فلم يعلم3.

ص: 45


1- صحيح البخاري 57:4-58، و 171:5، سنن سعيد بن منصور 2: 178-2472، المغني 381:10.
2- سنن الترمذي 119:4-1548، سنن سعيد بن منصور 177:2-2470، المغني 381:10.
3- المغازي - للواقدي - 471:2، الكامل في التاريخ 181:2، تاريخ الطبري 2: 239.
4- الكافي 28:5-4، التهذيب 141:6-240.
5- المبسوط - للسرخسي - 30:10، المغني 381:10، الحاوي الكبير 14: 214 و فيه قول أبي حنيفة.
6- انظر: المنتقى - للباجي - 168:3.
7- مختصر المزني: 273، الحاوي الكبير 214:14، المبسوط - للسرخسي - 10: 30، المنتقى - للباجي - 168:3.

ذلك منه، فلا يجب له الضمان، لأنّه كافر لا عهد له، كالحربي.

مسألة 18: أصناف الكفّار ثلاثة:
أهل الكتاب،

و هم اليهود و النصارى لهم التوراة و الإنجيل، فهؤلاء يطلب منهم إمّا الإسلام أو الجزية، فإن لم يسلموا و بذلوا الجزية، حرم قتالهم إجماعا، لقوله تعالى قاتِلُوا - إلى قوله - حَتّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ (1).

و من له شبهة كتاب،

و هم المجوس كان لهم نبي قتلوه و كتاب حرقوه، و حكمهم حكم أهل الذمّة إجماعا إن أسلموا، و إلاّ طلب منهم الجزية، فإن بذلوها، كفّ عنهم و أقرّوا على دينهم، و إلاّ قتلوا. قال عليه السلام:

«سنّوا بهم سنّة أهل الكتاب»(2).

و من لا كتاب له و لا شبهة،

كعبّاد الأوثان و غيرهم ممّن عدا أهل الكتاب و المجوس، فإنّه لا يقبل منهم إلاّ الإسلام خاصّة، و لو بذلوا الجزية، لم تقبل منهم، عند علمائنا كافّة - و به قال الشافعي(3) و أحمد في إحدى الروايتين(4) - لقوله تعالى قاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً (5).

و قوله عليه السلام: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلاّ اللّه»(6)

ص: 46


1- التوبة: 29.
2- الموطأ 278:1-42، سنن البيهقي 189:9-190، المصنّف - لابن أبي شيبة - 224:3، و 243:12، المصنّف - لعبد الرزاق - 69:6-10025.
3- العزيز شرح الوجيز 507:11، حلية العلماء 695:7، الحاوي الكبير 14: 284، روضة الطالبين 494:7، المغني 381:10-382، الشرح الكبير 10: 579.
4- المغني 381:10-382، الشرح الكبير 579:10.
5- التوبة: 36.
6- صحيح مسلم 52:1-21 و 53-35، سنن ابن ماجة 1295:2-3927 و 3928، سنن النسائي 14:5، سنن أبي داود 44:3-2640، سنن البيهقي 49:9 و 182.

خرج منه القسمان الأوّلان، فيبقى الباقي على أصله.

و لأنّ قوله عليه السلام في [1] المجوس: «سنّوا بهم سنّة أهل الكتاب»(1) يقتضي تخصيص أهل الكتاب بأخذ الجزية، إذ لو شاركهم غيرهم لم تختصّ الإضافة بهم.

و لأنّ كفر من عدا الثلاثة أشدّ، لإنكارهم الصانع تعالى و جميع الرسل و لم تكن لهم شبهة كتاب، فلا يساوون من له كتاب و اعتراف باللّه تعالى، كالمرتدّ.

و قال أبو حنيفة: يقبل من عبدة الأوثان من العجم الجزية، و لا تقبل من العرب إلاّ الإسلام - و هو رواية عن أحمد(2) - لأنّهم يقرّون على دينهم بالاسترقاق فأقرّوا بالجزية، كأهل الكتاب و المجوس(3).

و قال مالك: الجزية تقبل من جميع الكفّار إلاّ كفّار قريش، لأنّ النبي عليه السلام كان يوصي من يبعث من الأمراء بالدعاء إلى ثلاث خصال من جملتها الجزية(4) ، و هو عامّ في جميع الكفّار(5).0.

ص: 47


1- الموطّأ 278:1-42، سنن البيهقي 189:9-190، المصنّف - لابن أبي شيبة - 3: 224، و 243:12، المصنّف - لعبد الرزّاق - 69:6-10025.
2- المغني 382:10، الشرح الكبير 579:10.
3- المبسوط - للسرخسي - 7:10، حلية العلماء 695:7، العزيز شرح الوجيز 507:11، الحاوي الكبير 284:14، المغني 382:10، الشرح الكبير 10: 579.
4- صحيح مسلم 1357:3-3، سنن أبي داود 37:3-2612، سنن البيهقي 9: 49، المغني 380:10.
5- العزيز شرح الوجيز 507:11، حلية العلماء 695:7، الحاوي الكبير 14: 284، المغني 382:10، الشرح الكبير 579:10.

و نمنع إقرارهم على دينهم بالاسترقاق، و الأمر بقبول الجزية مخصوص بأهل الذمّة.

إذا عرفت هذا، فإن كان الكفّار ممّن لا يؤخذ منهم الجزية، عرض الأمير عليهم الإسلام، فإن أسلموا، حقنوا دماءهم و أموالهم، و إن أبوا، قاتلهم و سبى ذراريهم و نساءهم و غنم أموالهم و قسّمها، على ما يأتي، و إن كانوا ممّن يؤخذ منهم الجزية، دعاهم إلى الإسلام، فإن أجابوا، كفّ عنهم، و إن أبوا، دعاهم إلى إعطاء الجزية، فإن بذلوها، قبل منهم الجزية، و إن امتنعوا، قاتلهم و سبى ذراريهم و نساءهم و غنم أموالهم و قسّمها على المستحقّين.

البحث الثاني: في الجند.
مسألة 19: إذا عيّن الإمام شخصا للجهاد معه،

وجب عليه طاعته، و حرم عليه التخلّف عنه، سواء وجب عليه أوّلا الدعاء أو لا، و لو لم يعيّن، لم يجب عليه الاّ على الكفاية، إلاّ أن يدهم المسلمين عدوّ يخشى منه على النفس و المال و يخاف على بيضة الإسلام، فيجب على كلّ متمكّن الجهاد، سواء أذن له الإمام أو لا، و سواء كان مقلاّ أو مكثرا، و لا يجوز لأحد التخلّف إلاّ مع الحاجة إلى تخلّفه، كحفظ المكان و الأهل و المال أو منع الإمام له من الخروج.

فإن أمكن استخراج إذن الإمام في جهاد فرض العين، وجب، لأنّه أعرف، و أمر الحرب موكول إليه، لعلمه بكثرة العدوّ و قلّته، و لو لم يمكن استئذانه، لغيبته و مفاجاة العدوّ، وجب الخروج بغير إذن.

و إذا نادى الإمام بالنفير و الصلاة، فإن كان العدو بعيدا، صلوا ثمّ!

ص: 48

خرجوا، و إن كان قريبا يخشى من التأخّر بالصلاة، خرجوا و صلّوا على ظهور دوابّهم، و لو كانوا في الصلاة، أتمّوها، و كذا يتمّون خطبة الجمعة.

و إذا نادى بالصلاة جامعه لحدوث أمر يحتاج إلى المشورة، لم يتخلّف أحد إلاّ لعذر. و لا ينبغي أن تنفر الخيل إلاّ عن حقيقة الأمر.

مسألة 20: إذا بعث الإمام سريّة، استحبّ له أن يؤمّر عليهم أميرا ثقة جلدا،

و يأمرهم بطاعته و يوصيه بهم، و أن يأخذ البيعة على الجند حتى لا يفرّوا، و أن يبعث الطلائع و يتجسّس أخبار الكفّار، و يكون الأمير له شفقة و نظر على المسلمين.

و لو كان القائد معروفا بشرب الخمر أو غيره من المعاصي، لم ينفروا معه، و لو كان شجاعا ذا رأي، جاز النفور معه، لقوله عليه السلام: «إنّ اللّه ليؤيّد هذا الدين بالرجل الفاجر»(1) هذا كلّه مع الحاجة إلى النفير من غير إذن الإمام العادل، أمّا مع عدم الحاجة فلا يجوز بحال.

و إذا احتاج إلى إخراج النساء لمداراة المرضى و شبهها، استحبّ له أن يخرج العجائز، و يكره إخراج الشوابّ منهنّ حذرا من ظفر الكفّار بهم فينالوا منهنّ الفاحشة، فإن احتاج إلى إخراجهنّ، جاز، فإنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله خرج بعائشة في غزوات(2).

مسألة 21: تجوز الاستعانة بأهل الذمّة و بالمشرك المأمون غائلته

إذا

ص: 49


1- صحيح البخاري 88:4 و 169:5 و 155:8، صحيح مسلم 105:1 - 106-111، سنن الدارمي 241:2، مسند أحمد 596:2-8029، المغني و الشرح الكبير 366:10.
2- المغازي - للواقدي - 249:1 و 407 و 791:2، صحيح البخاري 40:4.

كان في المسلمين قلّة، فإنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله استعان بصفوان بن أميّة على حرب هوازن قبل إسلامه(1) ، و استعان بيهود بني قينقاع و رضخ لهم(2).

و لو لم يكن مأمونا أو كان بالمسلمين كثرة، لم يستعن بهم.

قال اللّه تعالى وَ ما كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً (3).

و قال عليه السلام: «إنّا لا نستعين بالمشركين على المشركين»(4) و أراد عليه السلام مع فقد أحد الشرطين.

و لأنّهم مغضوب عليهم، فلا تحصل النصرة بهم، و مع عدم الأمن منهم لا يجوز استصحابهم. و هذا كلّه مذهب الشافعي(5).

و له قول آخر: جواز الاستعانة بشرط كثرة المسلمين بحيث لو خان المستعان بهم و انضمّوا إلى الكفّار، تمكّن المسلمون من مقاومتهم جميعا(6).

و منع ابن المنذر من الاستعانة بالمشركين مطلقا(7). و عن أحمد روايتان(8).

و يجوز أن يستعين بالعبيد مع إذن السادة، و بالمراهقين، و الذمّيّ إذا0.

ص: 50


1- المغازي - للواقدي - 854:2-855 سنن البيهقي 37:9، العزيز شرح الوجيز 11: 381.
2- سنن البيهقي 37:9، العزيز شرح الوجيز 380:11-381.
3- الكهف: 51.
4- سنن البيهقي 37:9.
5- الوجيز 189:2، العزيز شرح الوجيز 380:11-381، المهذّب - للشيرازي - 231:2، روضة الطالبين 441:7، الحاوي الكبير 131:14 و 132، المغني 447:10.
6- روضة الطالبين 441:7، العزيز شرح الوجيز 381:11.
7- المغني 447:10، الشرح الكبير 421:10.
8- المغني 447:10، الشرح الكبير 421:10.

حضر بإذن، رضخ له، و بغير إذن لا يرضخ.

و للشافعي في استحقاقه الرضخ مع عدم الإذن قولان، و لو نهي لم يستحق(1).

مسألة 22: لا يجوز للإمام و لا للأمير من قبله أن يخرج معه من يخذّل الناس

و يثبّطهم [1] عن الغزو و يدهدههم [2] في الخروج، كمن يقول:

الحرّ شديد أو البرد، و المشقّة عظيمة، و المسافة بعيدة، و الكفّار كثيرون و المسلمون أقلّ و لا يؤمن هزيمتهم. و لا المرجف، و هو الذي يقول:

هلكت سريّة المسلمين و لا طاقة لكم بهم و لهم قوّة و شوكة و مدد و صبر، و لا يثبت لهم مقاتل. و نحوه، و لا من يعين على المسلمين بالتجسّس للكفّار و مكاتبتهم بأخبار المسلمين، و اطّلاعهم على عوراتهم و إيواء جاسوسهم، و لا من يوقع العداوة بين المسلمين و يمشي بينهم بالنميمة و يسعى بالفساد، لقوله تعالى لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ ما زادُوكُمْ إِلاّ خَبالاً وَ لَأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ (2).

فإن خرج واحد منهم، لم يسهم له و لا يرضخ، و لو قتل كافرا، لم يستحق سلبه و إن أظهر إعانة المسلمين، لأنّه نفاق.

و لو كان الأمير أحد هؤلاء، لم يخرج الناس معه، لأنّ التابع يمنع منه فالمتبوع أولى [3]، لأنّه أكثر ضررا.

ص: 51


1- الوجيز 189:2، العزيز شرح الوجيز 384:11، روضة الطالبين 441:7.
2- التوبة: 47.
مسألة 23: إذا خرج الإمام بالنفير، عقد الرايات،

فجعل كلّ فريق تحت راية، و جعل لكلّ من تابعه شعارا يتميّز به عندهم حتى لا يقتل بعضهم بعضا بيانا، و يدخل دار الحرب بجماعته، لأنّه أحوط و أهيب، و أن ينتظر الضعفاء فيسير على مسيرهم إلاّ مع الحاجة إلى قوّة السير، و يدعو عند التقاء الصفّين، و يكبّر من غير إسراف من رفع الصوت، و أن يحرّض الناس على القتال و على الصبر و الثبات.

و لو تجدّد عذر أحد معه، فإن كان لمرض في نفسه، كان له الانصراف و إن كان بعد التقاء الصفين، لعدم تمكّنه من القتال، و إن كان لغير مرض، كرجوع صاحب الدّين أو أحد الأبوين، فإن كان بعد التقاء الصفّين، لم يجز الانصراف، و إن كان قبله، جاز.

و لا ينبغي له أن يقتل أباه الكافر بل يتوقّاه، لقوله تعالى:

وَ صاحِبْهُما فِي الدُّنْيا مَعْرُوفاً (1) إلاّ أن يسبّ النبي صلّى اللّه عليه و آله، فإنّ أبا عبيدة قتل أباه حين سبّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، فلمّا قال له النبي صلّى اللّه عليه و آله: «لم قتلته ؟» قال: سمعته يسبّك. فسكت عنه(2).

و لا يميل الأمير مع موافقة في المذهب و النسب على مخالفه فيهما، لئلاّ يكسر قلوب غيرهم فيخذلونه عند الحاجة.

و ينبغي أن يستشير بأصحاب الرأي من أصحابه، للاية(3).

و يتخيّر لأصحابه المنازل الجيّدة و موارد المياه و مواضع العشب.

ص: 52


1- لقمان: 15.
2- الحاوي الكبير 127:14، العزيز شرح الوجيز 389:11-390.
3- آل عمران: 159.

و يحمل من نفقت [1] دابّته إذا كان فضل معه أو مع أتباعه.

و لو خاف رجل تلف آخر لموت دابّته، احتمل وجوب بذل فاضل مركوبه ليحيى به صاحبه، كما يجب بذل فاضل الطعام للمضطرّ، و تخليصه من عدوّه.

و يجوز العقبة بأن يكون الفرس الواحد لاثنين، لما فيه من الإرفاق.

مسألة 24: قد بيّنا أنّه لا يخرج المخذّل و شبهه،

فإن نهاه الإمام عن الخروج فخرج، لم يستحق اجرة و لا رضخا، لأنّه متّهم بموالاة أهل دينه [2]، و للإمام أن يعزّره إذا رآه.

و لو لم يأمره و لا نهاه، لم يستحق رضخا عندنا - و هو أصحّ وجهي الشافعية(1) - لأنّه ليس من أهل الذبّ عن الدين، بل هو متّهم بالخيانة.

و الثاني: أنّه يستحقّ، لأنّه بالعهد المؤبّد صار من أهل الدار و أهل نصرتها(2).

و ليس بشيء، لأنّ المخذّل أقوى منه في دفع التهمة عنه.

و ليس له إخراج نساء أهل الذمّة و لا ذراريهم، لأنّه لا قتال فيهم و لا رأي و لا يتبرّك [3] بدعائهم.

و للشافعي قولان(3).

فعلى الجواز هل له أن يرضخ لهنّ؟ وجهان، أحدهما: المنع(4).

ص: 53


1- العزيز شرح الوجيز 384:11 و 385، روضة الطالبين 442:7.
2- العزيز شرح الوجيز 384:11 و 385، روضة الطالبين 442:7.
3- العزيز شرح الوجيز 384:11، روضة الطالبين 441:7.
4- العزيز شرح الوجيز 353:7 و 384:11، روضة الطالبين 330:5.

و أخرج [1] النبي صلّى اللّه عليه و آله معه عبد اللّه بن أبيّ(1) مع ظهور التخذيل منه، لأنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله كان يطّلع بالوحي على أفعاله فلا يتضرّر بكيده.

و لو قهر الإمام جماعة من المسلمين على الخروج و الجهاد معه، لم يستحقّوا اجرة، قاله بعض الشافعيّة(2).

و الوجه: أنّه إن كان الجهاد تعيّن عليهم [2]، فلا اجرة لهم [3]، و إلاّ فلهم الأجرة من حين إخراجهم إلى أن يحضروا الوقعة، و الأقرب: إلى فراغ القتال.

و للإمام استئجار عبيد المسلمين بإذن ساداتهم، كالأحرار.

و للشافعيّة قولان، هذا أحدهما [4]. و الثاني: أن يقال: إن جوّزنا استئجار الأحرار، جاز استئجار العبيد، و إلاّ فوجهان مخرّجان مبنيّان على أنّه إذا وطئ الكفّار طرفا من بلاد الإسلام هل يتعيّن الجهاد على العبيد؟ إن قلنا: نعم، فهم من أهل فرض الجهاد، فإذا وقفوا في الصفّ، وقع عنهم، و إلاّ جاز استئجارهم(3).3.

ص: 54


1- انظر: سنن البيهقي 31:9.
2- الوجيز 189:2، العزيز شرح الوجيز 386:11، روضة الطالبين 442:7.
3- العزيز شرح الوجيز 386:11، روضة الطالبين 442:7-443.

و لو أخرج العبيد قهرا، فإن كان مع الحاجة، فلا اجرة، و إلاّ لزمته الأجرة من يوم الإخراج إلى العود إلى ساداتهم.

و للإمام أن يستعمل الذمّي للجهاد بمال يبذله إمّا على وجه الإجارة أو الجعالة.

و للشافعيّة وجهان، أحدهما: أنّه جعالة، لجهالة أعمال القتال.

و أصحّهما عندهم: الإجارة، و لا يضرّ جهالة الأعمال، فإن المقصود القتال على ما يتّفق و المقاصد هي المرغّبة [1](1).

إذا عرفت هذا. فلا حجر في قدر الأجرة، بل يجوز بما يتراضيان عليه - و هو أصحّ وجهي الشافعيّة(2) - كغيرها من الإجارات.

و الثاني: أنّه لا يجوز أن يبلغ به سهم راجل، لأنّه ليس من أهل فرض الجهاد، فلا يعطى سهم راجل، كالمرأة.

و على هذا الوجه يحكم بفسخ العقد و الردّ إلى أجرة المثل إذا ظهر أنّ الأجرة أزيد من سهم من الغنيمة، و إلاّ ففي الابتداء لا ندري قدر الغنيمة و سهم الراجل(3).

و الأقرب: أنّ لآحاد المسلمين استيجار الذمّي للجهاد.

و أصحّ وجهي الشافعيّة: المنع، لأنّ الآحاد لا يتولّون المصالح العامّة خصوصا و الذمي مخالف في الدين و قد يخون إذا حضر، فليفوّض أمره إلى الإمام(4).7.

ص: 55


1- الوجيز 189:2، العزيز شرح الوجيز 387:11، روضة الطالبين 443:7.
2- العزيز شرح الوجيز 387:11، روضة الطالبين 443:7.
3- العزيز شرح الوجيز 387:11، روضة الطالبين 443:7.
4- الوجيز 189:2، العزيز شرح الوجيز 387:11، روضة الطالبين 443:7.
مسألة 25: لو أخرج الإمام أهل الذمّة، فالأولى أن يعيّن لهم أجرة،

فإن ذكر شيئا مجهولا، مثل: نرضيكم و نعطيكم ما تستعينون [1] به، وجب اجرة المثل.

و إن أخرجهم قهرا، وجب اجرة المثل كالاستئجار في سائر الأعمال. و لو خرجوا باختيارهم و لم يسمّ لهم شيئا، فهو موضع الرضخ، و سيأتي بيان محلّه.

و أما الأجرة الواجبة سواء كانت مسمّاة أو اجرة المثل: فالأقرب خروجها من رأس مال الغنيمة، إذ لحضورهم أثر في تحصيل الغنيمة، فيخرج منها ما يدفع إليهم، كسائر المؤن، و هو أحد وجوه الشافعيّة(1).

و الثاني: أنّه من خمس الخمس سهم المصالح، لأنهم يحضرون للمصلحة لا أنّهم من أهل الجهاد(2).

و الثالث: أنّها تؤدّى من أربعة أخماس الغنيمة، لأنها تؤدّى بالقتال، كسهام الغانمين(3).

و لو أخرجهم الإمام قهرا ثمّ خلّى سبيلهم قبل أن يقفوا في الصف، أو فرّوا و لم يقفوا، فلا اجرة لهم عن الذهاب و إن تعطّلت منافعهم في الرجوع، لأنّه لا حبس هناك و لا استئجار.

ص: 56


1- الوجيز 189:2، العزيز شرح الوجيز 387:11، المهذّب - للشيرازي - 2: 247، حلية العلماء 681:7-682.
2- العزيز شرح الوجيز 387:11، المهذّب - للشيرازي - 247:2، حلية العلماء 681:7 - 682، روضة الطالبين 443:7.
3- العزيز شرح الوجيز 388:11، المهذّب - للشيرازي - 247:2، حلية العلماء 681:7 - 682، روضة الطالبين 443:7.

و لو وقف المقهورون على الخروج و لم يقاتلوا، فالأقرب أنّ لهم اجرة الوقوف و الحضور، لأنّه كالقتال في استحقاق سهم الغنيمة، و كذا في استحقاق اجرة الجهاد، و هو أحد وجهي الشافعيّة(1).

و أظهرهما عندهم: المنع، لأنّ الأجرة في مقابلة العمل، و الفائدة المقصودة لم تحصل(2).

و يحتمل أن يقال: إن استؤجروا للقتال، فلا اجرة، و إلاّ فلهم.

البحث الثالث: في كيفيّة القتال.
مسألة 26: الجهاد أمر كلّي من أعظم أركان الإسلام يحتاج فيه إلى المساعدة

و الاعتضاد و الاستعداد و الفكر في الحيل و غيرها، فيجب أن يكون أمره موكولا إلى نظر الإمام و اجتهاده، و يجب على الرعايا طاعته و الانقياد لقوله فيما يراه، فيبدأ بترتيب قوم على أطراف البلاد رجالا كفايا ليقوموا بإزاء من يليهم من المشركين، و بعمل الحصون و الخنادق و جميع ما فيه حراسة المسلمين، و يجعل في كلّ ناحية أميرا يقلّده أمر الحروب و تدبير الجهاد، و يكون ثقة مأمونا على المسلمين ذا رأي و تدبير في الحرب، و له شجاعة و قوّة و عقل و مكايدة.

و لو احتاجوا إلى مدد، استحبّ للإمام ترغيب الناس في المقام عندهم و التردّد إليهم كلّ وقت، ليأمنوا فساد الكفّار و يستغنوا عن طلب الجيوش.

فإن رأى الإمام بالمسلمين قلّة يحتاج معها إلى المهادنة، هادنهم،

ص: 57


1- العزيز شرح الوجيز 388:11، روضة الطالبين 443:7.
2- العزيز شرح الوجيز 388:11، روضة الطالبين 443:7.

و إلاّ جاهدهم مع القدرة في كلّ سنة مرّة، و إن كان أكثر منه، كان أفضل.

و يبدأ بقتال الأقرب إلاّ أن يكون الأبعد أشدّ خطرا فيبدأ به.

مسألة 27: إذا التقى الصفّان، وجب الثبات و حرم الهرب.
اشارة

قال اللّه تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً فَلا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبارَ (1) و قال تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا (2).

و عدّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله الفرار من الزحف من الكبائر(3).

و يجوز الهرب في أحوال ثلاثة:
الاولى: أن يزيد عدد الكفّار على ضعف عدد المسلمين،

لقوله تعالى اَلْآنَ خَفَّفَ اللّهُ عَنْكُمْ وَ عَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ (4).

و ما رواه العامّة عن ابن عباس، قال: من فرّ من اثنين فقد فرّ، و من فر من ثلاثة فما فرّ(5).

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السلام: «من فرّ من رجلين في القتال من الزحف فقد فرّ، و من فرّ من ثلاثة في القتال من الزحف فلم يفرّ»(6).

ص: 58


1- الأنفال: 15.
2- الأنفال: 45.
3- المعجم الكبير - للطبراني - 103:6-5636.
4- الأنفال: 66.
5- سنن البيهقي 76:9، الحاوي الكبير 182:14، المغني 543:10، العزيز شرح الوجيز 405:11.
6- الكافي 34:5-1، التهذيب 174:6-342.

و لو لم يزد عدد المشركين على الضعف لكن غلب على ظنّ المسلمين الهلاك إن ثبتوا، قيل: يجب الثبات، لقوله تعالى إِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً فَلا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبارَ (1)(2).

و قيل: يجوز، لقوله تعالى وَ لا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ (3)(4).

و لو غلب على ظنّه الأسر، فالأولى أن يقاتل حتى يقتل، و لا يسلّم نفسه للأسر، لئلاّ يعذّبه الكفّار بالاستخدام.

و لو زاد المشركون على ضعف المسلمين، لم يجب الثبات إجماعا.

و لو غلب على ظنّ المسلمين الظفر بهم، استحب الثبات و لا يجب، لأنهم لا يأمنون التلف.

و لو غلب على ظنّ المسلمين العطب، قيل: يجب الانصراف، لقوله تعالى وَ لا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ (5)(6).

و قيل: لا يجب، تحصيلا للشهادة(7).

و قيل: إن كان في الثبات الهلاك المحض من غير نكاية فيهم، لزم).

ص: 59


1- الأنفال: 15.
2- العزيز شرح الوجيز 405:11، المهذّب - للشيرازي - 234:2، روضة الطالبين 449:7.
3- البقرة: 195.
4- العزيز شرح الوجيز 405:11، المهذّب - للشيرازي - 234:2، روضة الطالبين 449:7.
5- البقرة: 195.
6- نفس المصادر في الهامش (4).
7- نفس المصادر في الهامش (4).

الفرار، و إن كان في الثبات نكاية فيهم، فوجهان(1).

و لو قصده رجل و ظنّ أنّه إن ثبت قتله، وجب الهرب. و لو ظنّ الهلاك مع الثبات و الانصراف، فالأولى الثبات، تحصيلا لثواب الصبر، و لجواز الظفر، لقوله تعالى كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللّهِ (2).

و لو انفرد اثنان بواحد من المسلمين، قيل: يجب الثبات(3).

و قيل: لا يجب، لأنّ وجوب الثبات مع تعدد المسلمين، فيقوى قلب كلّ واحد منهم بصاحبه(4).

و قيل: إن طلباه، كان له الفرار، لأنّه غير متأهّب للقتال، و إن طلبهما و لم يطلباه، لم يجز، لأنّ طلبهما و الحمل عليهما شروع في الجهاد فلا يجوز الإعراض(5).

و في جواز فرار مائة بطل من المسلمين من مائتي بطل و واحد من ضعفاء الكفّار إشكال ينشأ: من مراعاة العدد، و من المقاومة لو ثبتوا، و العدد مراعى مع تقارب الأوصاف.

و للشافعيّة وجهان(6).

و كذا الإشكال في عكسه، و هو: فرار مائة من ضعفاء المسلمين من7.

ص: 60


1- العزيز شرح الوجيز 405:11، روضة الطالبين 449:7.
2- البقرة: 249.
3- كما في شرائع الإسلام 311:1، و انظر: العزيز شرح الوجيز 405:11-406.
4- قال به أيضا المحقّق الحلّي في شرائع الإسلام 311:1، و انظر أيضا: العزيز شرح الوجيز 405:11-406.
5- العزيز شرح الوجيز 405:11-406، روضة الطالبين 449:7.
6- الوجيز 190:2، العزيز شرح الوجيز 405:11، روضة الطالبين 449:7.

مائة و تسعة و تسعين من أبطال الكفّار، فإن راعينا صورة العدد، لم يجز، و إلاّ جاز.

و يجوز للنساء الفرار، لأنّهنّ لسن من أهل فرض الجهاد، و كذا الصبي و المجنون. و يأثم السكران.

و لو قصد الكفّار بلدا فتحصّن أهله إلى تحصيل نجدة و قوّة، لم يأثموا، إنّما الإثم على من ولّى بعد اللقاء.

الحالة الثانية: أن يترك لا بنيّة الهرب، بل يتحرّف للقتال.

قال اللّه تعالى إِلاّ مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلى فِئَةٍ (1).

و المتحرّف للقتال هو الذي ينصرف ليكمن في موضع ثمّ يهجم، أو يكون في مضيق فيتحرّف حتى يتبعه العدوّ إلى موضع واسع ليسهل القتال فيه، أو يرى الصواب في التحوّل من الواسع إلى الضيق، أو لينحرف عن مقابلة الشمس أو الريح، أو يرتفع عن هابط، أو يمضي إلى موارد المياه من المواضع المعطشة، أو ليستند إلى جبل، أو شبهه.

الحالة الثالثة: أن يتحيّز إلى فئة،

و هو الذي ينصرف على قصد أن يذهب إلى طائفة ليستنجد بها في القتال.

و لا فرق بين أن تكون الطائفة قليلة أو كثيرة، للعموم، و لا بين أن تكون المسافة قصيرة أو طويلة، و هو أحد وجهي الشافعيّة. و الثاني: أنّه يجب أن تكون المسافة قصيرة ليتصور الاستنجاد بها في هذا القتال و إتمامه(2).

و هل يجب عليه تحقيق [1] ما عزم عليه بالقتال مع الفئة التي تحيّز

ص: 61


1- الأنفال: 16.
2- الوجيز 190:2، العزيز شرح الوجيز 403:11، المهذّب - للشيرازي - 2: 233، روضة الطالبين 448:7.

إليها؟ للشافعيّة وجهان:

أصحّهما عندهم: لا، لأنّ العزم عليه رخّص له [في] [1] الانصراف، فلا حجر عليه بعد ذلك، و الجهاد لا يجب قضاؤه، و لا فرق بين أن يخاف عجز المسلمين أو لا.

و الثاني: نعم، لدلالة الآية على العزم على القتال، و الرخصة منوطة بالعزم، و لا يمكن مخادعة اللّه تعالى في العزم(1).

و قال بعض الشافعيّة: إنّما يجوز التحيّز إلى فئة إذا استشعر المتحرّف عجزا محوجا إلى الاستنجاد لضعف جند الإسلام، فإن لم يكن كذلك، فلا(2). و العموم يخالفه.

و قال بعضهم: لا يجوز الانصراف من صفّ القتال إن كان فيه انكسار المسلمين، فإن لم يكن، جاز التحيّز للمتحرّف للقتال و المتحيز إلى فئة(3).

إذا عرفت هذا، فالاستثناء إنّما هو حالة القدرة و التمكّن من القتال، فينحصر الاستثناء فيهما، أمّا العاجز بمرض أو عدم سلاح فله أن ينصرف بكلّ حال.

و لو أمكنه الرمي بالحجارة، احتمل وجوب الثبات.

و للشافعيّة وجهان(4).

و المتحيّز إلى فئة بعيدة لا يشارك الغانمين في غنيمة فارق قبل7.

ص: 62


1- العزيز شرح الوجيز 403:11، روضة الطالبين 448:7.
2- العزيز شرح الوجيز 403:11، روضة الطالبين 448:7.
3- الوجيز 190:2، العزيز شرح الوجيز 403:11، روضة الطالبين 447:7 - 448.
4- العزيز شرح الوجيز 404:11، روضة الطالبين 448:7.

اغتنامها، و لو فارق بعد غنيمة البعض، شارك فيه دون الباقي.

أمّا لو تحيّز إلى فئة قريبة، فإنّه يشارك الغانمين في المغنوم بعد مفارقته - و هو أحد وجهي الشافعي(1) - لأنّه لا يفوّت نصرته و الاستنجاد به، فهو كالسريّة يشارك جند الإمام فيما يغنمون، و إنّما يسقط الانهزام الحقّ إذا اتّفق قبل القسمة، أمّا إذا غنموا شيئا و اقتسموه ثمّ انهزم بعضهم، لم يسترد منه ما أخذ.

مسألة 28: ينبغي للإمام أن يوصي الأمير المنفذ مع الجيش بتقوى اللّه تعالى و الرفق بالمسلمين.

قال الصادق عليه السلام: «كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إذا أراد أن يبعث سريّة دعاهم فأجلسهم بين يديه، ثمّ يقول: سيروا بسم اللّه و باللّه و في سبيل اللّه و على ملّة رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) لا تغلّوا و لا تمثلوا و لا تغدروا و لا تقتلوا شيخا فانيا و لا صبيّا و لا امرأة، و لا تقطعوا شجرا إلاّ أن تضطرّوا إليها، و أيّما رجل من أدنى المسلمين و أفضلهم نظر إلى رجل من المشركين فهو جار حتى يسمع كلام اللّه، فإن تبعكم فأخوكم في دينكم، و إن أبى فأبلغوه مأمنه، ثمّ استعينوا باللّه عليه»(2).

و ينبغي أن يوصيه بأن لا يحملهم على مهلكة و لا يكلّفهم نقب حصن يخاف من سقوطه عليهم و لا دخول مطمورة يخشى من موتهم تحتها، فإن فعل شيئا من ذلك، فقد أساء، و ليستغفر اللّه تعالى.

و لا يجب عليه عقل و لا دية و لا كفّارة إذا أصيب واحد منهم بطاعته، لأنّه فعله باختياره و معرفته، فلا يكون ضامنا.

ص: 63


1- العزيز شرح الوجيز 404:11، روضة الطالبين 449:7.
2- الكافي 27:5-28-1، التهذيب 138:6-231.
مسألة 29: لا يجوز قتل صبيان الكفّار و نسائهم إذا لم يقاتلوا،

لأنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله نهى عن قتل النساء و الصبيان(1).

و المجنون كالصبي، و الخنثى المشكل كالمرأة. فإن قاتلوا، جاز قتلهم مع الضرورة لا بدونها.

و لو أسر منهم مراهق و جهل بلوغه، كشف عن مؤتزره، فإن لم ينبت، فحكمه حكم الصبيان، و إن أنبت، حكم ببلوغه، و به قال الشافعي(2) ، خلافا لأبي حنيفة(3).

و هل هو بلوغ أو دليل ؟ الأقرب: الثاني. و للشافعي وجهان(4).

و لو قال الأسير: استعجلت الشعر بالدواء، بني على القولين، فإن قلنا: إنّه عين البلوغ، فلا عبرة بما يقوله، و هو بالغ، و إن قلنا: إنّه دليل - و هو الأظهر - صدّق بيمينه و يحكم بالصّغر.

و في اليمين إشكال، لأنّ تحليف من يدّعي الصّغر بعيد.

و قال بعض الشافعيّة: إنّ اليمين استظهار و احتياط لا أنّها واجبة(5).

و قال الباقون: لا بدّ من اليمين، لأنّ الدليل الظاهر قائم، فلا يترك بمجرّد قول المأسور(6).

و الاعتماد من شعر العانة على الخشن دون الضعيف الذي لا يحوج

ص: 64


1- صحيح البخاري 74:4، صحيح مسلم 1364:3-25، سنن البيهقي 77:9، الموطأ 447:2-9.
2- الوجيز 189:2، العزيز شرح الوجيز 390:11، روضة الطالبين 444:7.
3- المبسوط - للسرخسي - 27:10، العزيز شرح الوجيز 390:11.
4- العزيز شرح الوجيز 390:11، روضة الطالبين 444:7.
5- العزيز شرح الوجيز 391:11، روضة الطالبين 444:7.
6- العزيز شرح الوجيز 391:11، روضة الطالبين 444:7.

إلى الحلق.

و يحتمل عندي أنّ شعر الإبط الخشن و الوجه يلحقان بشعر العانة.

و نبات الشارب كاللحية، و لا أثر لاخضرار الشارب.

مسألة 30: الشيخ من المحاربين إن كان ذا رأي و قتال،

جاز قتله إجماعا. و كذا إن كان فيه قتال و لا رأي له، أو كان له رأي و لا قتال فيه، لأن دريد [بن] [1] الصمّة قتل يوم حنين [2]، و كان له مائة و خمسون سنة، و كان له معرفة بالحرب، و كان المشركون يحملونه معهم في قفص حديد ليعرّفهم كيفيّة القتال، فقتله المسلمون، و لم ينكر عليهم النبي صلّى اللّه عليه و آله(1).

و إن لم يكن له رأي و لا قتال، لم يجز قتله عندنا - و به قال أبو حنيفة و مالك و الثوري و الليث و الأوزاعي و أبو ثور(2) - لما رواه العامّة عن النبي صلّى اللّه عليه و آله، قال: «لا تقتلوا شيخا فانيا»(3).

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السلام: «.. و لا تقتلوا شيخا فانيا و لا صبيّا و لا امرأة»(4).

و لأنّه لا ضرر فيه من حيث المخاصمة و من حيث المشورة، فأشبه

ص: 65


1- المغازي - للواقدي - 886:3-889 و 914-915، صحيح البخاري 197:5، صحيح مسلم 1943:4-2498، الامّ 240:4 و 284، مختصر المزني: 272، شرح معاني الآثار 224:3، العزيز شرح الوجيز 292:11، المهذّب - للشيرازي - 234:2، المغني 534:10، الشرح الكبير 394:10.
2- بدائع الصنائع 101:7، بداية المجتهد 384:1، المنتقى - للباجي - 169:3، المغني 532:10، الشرح الكبير 392:10، معالم السنن - للخطّابي - 13:4.
3- سنن أبي داود 37:3-38-2614، المصنّف - لابن أبي شيبة - 12: 383-14064، المغني 533:10، الشرح الكبير 392:10.
4- الكافي 27:5-1، التهذيب 138:6-231.

المرأة و قد أشار النبي صلّى اللّه عليه و آله إلى هذه العلّة فقال: «ما بالها قتلت و هي لا تقاتل»(1).

و قال أحمد: يقتل. و به قال المزني - و للشافعي قولان(2) - لعموم قوله تعالى فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ (3)(4).

و هو مخصوص بالصبي و المرأة إجماعا فكذا بالفاني.

مسألة 31: الرهبان و أصحاب الصوامع يقتلون إن كان لهم قوّة أو رأي أو كانوا شبّانا.

و للشافعي قولان - و في معناهم العميان و الزمنى و مقطوعي الأيدي و الأرجل - أحدهما: الجواز، كما قلناه - و به قال أحمد و المزني و أبو إسحاق(5) - للعموم(6).

و الثاني: أنّه لا يجوز قتلهم - و به قال أبو حنيفة و مالك(7) - لما روي أنّه عليه السلام قال: «لا تقتلوا النساء و لا أصحاب الصوامع»(8)(9).

ص: 66


1- أورده ابنا قدامة في المغني 533:10 و 535، و الشرح الكبير 392:10.
2- الوجيز 189:2، العزيز شرح الوجيز 391:11، المهذّب - للشيرازي - 2: 234-235، روضة الطالبين 444:7، حلية العلماء 650:7، الحاوي الكبير 193:14، المغني 533:10، الشرح الكبير 392:10.
3- التوبة: 5.
4- العزيز شرح الوجيز 391:11، الحاوي الكبير 193:14.
5- العزيز شرح الوجيز 391:11، الحاوي الكبير 193:14، مختصر المزني: 272.
6- التوبة: 5.
7- بدائع الصنائع 101:7، المدوّنة الكبرى 6:2، العزيز شرح الوجيز 11: 391، الحاوي الكبير 193:14.
8- أورده الرافعي في العزيز شرح الوجيز 391:11.
9- الوجيز 189:2، العزيز شرح الوجيز 391:11، الحاوي الكبير 193:14، المهذّب - للشيرازي - 235:2.

و لا فرق بين أن يحضر ذو الرأي من الشيوخ و الرهبان في صفّ القتال أو لا يحضر في جواز قتله، و لا بين أن نجده في بلاده و غازيا في جواز قتله.

و للشافعي قولان في أرباب الحرف و الصناعات، أقواهما: جواز قتلهم، لأنّ أكثر الناس أصحاب حرف و صناعات(1).

و أمّا الزمنى و العميان و المعرضون عن القتال كالرهبان: فالأقوى عنده ترك قتله(2).

و في السوقة للشافعيّة طريقان:

أحدهما: أنّ فيهم قولين، لأنّهم لا يمارسون القتال، و لا يتعاطون الأسلحة.

و الثاني: أنّهم يقتلون، لقدرتهم على القتال.

و فرّعوا على القولين: فإن جوّزوا قتلهم، جوّزوا استرقاقهم و سبي نسائهم و ذراريهم و اغتنام أموالهم، و إن منعوه، ففي استرقاقهم طرق، أظهرها: أنّهم يرقون بنفس الأسر، كالنساء و الصبيان.

و الثاني: أن فيهم قولين كالأسير إذا أسلم قبل الاسترقاق، ففي قول:

لا يسترق [1]. و في آخر: يتخيّر الإمام بين الاسترقاق و المنّ و الفداء.

و الثالث: أنّه لا يجوز استرقاقهم بل يتركون و لا يتعرّض لهم(3).

و لو ترهّبت المرأة، ففي جواز سبيها عندهم وجهان بناء على القولين7.

ص: 67


1- العزيز شرح الوجيز 392:11.
2- انظر: العزيز شرح الوجيز 392:11.
3- العزيز شرح الوجيز 393:11، روضة الطالبين 444:7.

في جواز قتل الراهب(1).

و لا يقتل رسول الكافر.

روى العامّة عن ابن مسعود: أنّ رجلين أتيا النبي صلّى اللّه عليه و آله رسولين لمسيلمة، فقال لهما: «اشهدا أنّي رسول اللّه» فقالا: نشهد أنّ مسيلمة رسول اللّه، فقال النبي صلّى اللّه عليه و آله: «لو كنت قاتلا رسولا لضربت عنقكما»(2).

و الفلاّح يقتل، عندنا، للعموم، لأنّه يطلب منه الإسلام، و به قال الشافعي(3) ، خلافا لأحمد(4).

مسألة 32: إذا نزل الإمام على بلد،

جاز له محاصرته بمنع السابلة دخولا و خروجا و محاصرتهم في القلاع و الحصون و تشديد الأمر عليهم، لقوله تعالى وَ احْصُرُوهُمْ (5).

و حاصر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أهل الطائف شهرا(6) و لأنّهم ربما رغبوا في الإسلام و عرفوا محاسنه.

و كذا يجوز نصب المناجيق على قلاعهم و رمي الأحجار و هدم الحيطان و إن كان فيهم النساء و الصبيان، لأنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله نصب على أهل الطائف منجنيقا و كان فيهم نساء و صبيان. رواه العامّة(7).

ص: 68


1- العزيز شرح الوجيز 394:11، روضة الطالبين 445:7.
2- مسند أحمد 645:1-3700، العزيز شرح الوجيز 394:11، بتفاوت في اللفظ.
3- المغني 535:10، الشرح الكبير 394:10.
4- المغني 535:10، الشرح الكبير 394:10.
5- التوبة: 5.
6- سنن البيهقي 84:9، المراسيل - لأبي داود -: 183-31، العزيز شرح الوجيز 396:11.
7- المغازي - للواقدي - 927:3، الكامل في التاريخ 266:2، سنن البيهقي 9: 84، المهذّب - للشيرازي - 235:2.

و من طريق الخاصّة: رواية حفص بن غياث، قال: كتب إليّ بعض إخواني أن أسأل أبا عبد اللّه عليه السلام عن مدينة من مدائن الحرب هل يجوز أن يرسل عليهم الماء أو يحرقون بالنيران أو يرمون بالمنجنيق حتى يقتلوا و فيهم النساء و الصبيان و الشيخ الكبير و الأسارى من المسلمين و التجّار؟ فقال: «يفعل ذلك، و لا يمسك عنهم لهؤلاء، و لا دية عليهم و لا كفّارة»(1).

و لأنّه في محلّ الضرورة فكان سائغا.

و نهي النبي صلّى اللّه عليه و آله عن قتل النساء و الصبيان(2) مصروف إلى قتلهم صبرا، لأنّه عليه السلام رماهم بالمنجنيق في الطائف(3).

و يجوز تخريب حصونهم و بيوتهم، لأنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله خرّب حصون بني النضير و خيبر و هدم ديارهم(4).

مسألة 33: يجوز قتل المشركين كيف اتّفق،

كإلقاء النار إليهم و قذفهم بها و رميهم بالنفط مع الحاجة، عند أكثر العلماء(5) - خلافا لبعضهم - لأنّ أبا بكر أمر بتحريق أهل الردّة، و فعله خالد بن الوليد بأمره(6).

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السلام: «يفعل ذلك» لمّا سئل عن

ص: 69


1- التهذيب 142:6-242.
2- صحيح البخاري 74:4، صحيح مسلم 1364:3-25، سنن البيهقي 77:9، الموطأ 447:2-9.
3- تقدّمت الإشارة إلى مصادره في ص 68، الهامش (7).
4- كما في المبسوط - للطوسي - 11:2.
5- المغني 494:10، الشرح الكبير 390:10، العزيز شرح الوجيز 396:11، روضة الطالبين 445:7.
6- المغني 493:10، الشرح الكبير 389:10.

إحراقهم بالنار(1).

و هل يجوز مع عدم الحاجة ؟ ظاهر كلام الشيخ(2) - رحمه اللّه - يقتضيه، لأنّه سبب في هلاكهم، كالقتل بالسيف.

و منع بعض(3) العامّة منه، لما رواه حمزة الأسلمي أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أمّره على سريّة، قال: فخرجت فيها، فقال: «إن أخذتم فلانا فأحرقوه بالنار» فوليت، فناداني، فرجعت، فقال: «إن أخذتم فلانا فاقتلوه و لا تحرقوه، فإنّه لا يعذّب بالنار إلاّ ربّ النار»(4).

و هو غير محلّ النزاع، لأنّه لا يجوز قتل الأسير بغير السيف.

و كذا يجوز تغريقهم بإرسال الماء إليهم [1] و فتح البثوق عليهم لكن يكره مع القدرة عليهم بغيره.

و هل يجوز إلقاء السمّ في بلادهم ؟ منع الشيخ منه(5) ، لأنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله نهى أن يلقى السمّ في بلاد المشركين(6).

و الأقوى: الجواز: و يحمل النهي على الكراهة.

و بالجملة، يجوز قتالهم بجميع أسباب القتل، كرمي الحيّات القواتل و العقارب و كلّ ما فيه ضرر.4.

ص: 70


1- التهذيب 142:6-142.
2- انظر: النهاية: 293.
3- المغني 493:10 و 494، الشرح الكبير 389:10 و 390.
4- سنن أبي داود 54:3-55-2673، سنن سعيد بن منصور 243:2-2643، المغني 494:10، الشرح الكبير 389:10.
5- النهاية: 293، الجمل و العقود (ضمن الرسائل العشر): 243.
6- الكافي 28:5-2، التهذيب 143:6-244.
مسألة 34: يكره تبييت العدوّ غارّين ليلا،

و إنّما يلاقون بالنهار، و لو احتيج إليه فعل، لما روى العامّة عن النبي صلّى اللّه عليه و آله كان إذا طرق العدوّ ليلا لم يغر حتى يصبح(1).

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السلام: «ما بيّت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عدوّا قطّ ليلا»(2).

إذا عرفت هذا، فيستحبّ أن يكون القتال بعد الزوال، لأنّه ربما يحضر وقت صلاة الظهر فلا يمكنهم أداؤها، بخلاف العشاءين، لأنّهم يمتنعون عن القتال بدخول الليل.

قال الصادق عليه السلام: «كان علي عليه السلام لا يقاتل حتى تزول الشمس»(3).

و يكره قطع الشجر و النخل. و لو احتاج إليه، جاز في قول عامّة العلماء(4) - خلافا لأحمد(5) - لقوله تعالى ما قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوها قائِمَةً عَلى أُصُولِها فَبِإِذْنِ اللّهِ (6) قال ابن عباس: اللينة: النخلة غير الجعرور [1].

و ما رواه العامّة: أنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله قطع الشجر بالطائف و نخلهم، و قطع

ص: 71


1- سنن البيهقي 79:9، مسند أحمد 66:4-12727.
2- التهذيب 174:6-343.
3- الكافي 28:5-5، التهذيب 173:6-341.
4- المغني 501:10-502، الشرح الكبير 388:10، بداية المجتهد 386:1، التفريع 357:1، النتف 710:2، معالم السنن - للخطّابي - 420:3، المهذّب - للشيرازي - 236:2، العزيز شرح الوجيز 422:11، روضة الطالبين 456:7.
5- انظر: المغني 501:10-502، و الشرح الكبير 388:10.
6- الحشر: 5.

النخل بخيبر، و قطع شجر بني المصطلق و أحرق(1).

و أمّا الكراهة: فلقول الصادق عليه السّلام - في الحسن -: «كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقول: لا تقطعوا شجرا إلاّ أن تضطرّوا إليها»(2).

و لو غلب على الظنّ حصوله للمسلمين، كره قطعه. و للشافعي قولان(3).

و لو فتحها قهرا، لم يجز القطع و التخريب، لأنّها صارت غنيمة للمسلمين. و كذا لا يجوز لو فتحت صلحا على أن يكون لنا أو لهم.

و لو غنمنا أموالهم و خفنا لحوقهم و استردادهم، جاز هلاكها.

و يجوز قتل دوابّهم حالة الحرب، لما فيه من التوصّل إلى قتلهم و هربهم، و لأنّه يجوز قتل الصبيان و النساء و أسارى المسلمين لو تترّسوا بهم فالدوابّ أولى، أمّا في غير حال الحرب فلا ينبغي - و به قال الأوزاعي و الليث و الشافعي و أبو ثور(4) - لما رواه العامّة عن النبي صلّى اللّه عليه و آله أنّه نهى عن قتل شيء من الدوابّ صبرا(5).

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السلام في وصيّة النبي صلّى اللّه عليه و آله:

«و لا تعقروا البهائم ما يؤكل لحمه إلاّ ما لا بدّ لكم من أكله»(6).2.

ص: 72


1- انظر: سنن البيهقي 84:9 و العزيز شرح الوجيز 422:11 و فيهما بعض المقصود.
2- الكافي 30:5-9، التهذيب 138:6-231.
3- المهذّب - للشيرازي - 236:2، العزيز شرح الوجيز 422:11، روضة الطالبين 456:7، حلية العلماء 651:7.
4- المغني 498:10، الشرح الكبير 385:10، العزيز شرح الوجيز 423:11.
5- صحيح مسلم 1549:3-1956، و 1550-1959، سنن البيهقي 86:9، المعجم الكبير - للطبراني - 46:12-12430، المغني 499:10، الشرح الكبير 385:10، العزيز شرح الوجيز 423:11.
6- الكافي 29:5-8، التهذيب 138:6-232.

و لأنّه حيوان ذو حرمة، فلا يجوز قتله لمغايظة الكفّار، كالنساء و الصبيان.

و يجوز عقر [1] الدوابّ للأكل مع الحاجة إن كان لا يتّخذ إلاّ للأكل، كالدجاج و الحمام إجماعا. و لو كان يحتاج إليه للقتال كالخيل، فكذا مع الحاجة، خلافا لبعض العامّة(1).

و لو أذن الإمام في ذبحها، جاز إجماعا.

و لو عجز المسلمون عن سوقه و أخذه، جاز ذبحه للانتفاع به مع الحاجة و عدمها.

و لو غنم المسلمون خيل الكفّار ثمّ لحقوا بهم و خافوا استرجاعها، لم يجز قتلها و لا عقرها، لما تقدّم، أمّا لو خافوا حصول قوّة لهم علينا، جاز عقرها.

و قال أبو حنيفة و مالك: يجوز إتلاف الخيول بكلّ حال مغايظة للكفّار(2).

مسألة 35: لو تترّس الكفّار بنسائهم و صبيانهم،
اشارة

فإن دعت الضرورة إلى الرمي بأن كانت الحرب ملتحمة و خيف لو تركوا لغلبوا، جاز قتالهم، و لا يقصد قتل الترس و لا يكفّ عنهم لأجل التّرس.

و لقول الصادق عليه السلام: «و لا يمسك عنهم لهؤلاء» لمّا سئل عن قتلهم و فيهم النساء و الصبيان و الشيخ الكبير و الأسارى من المسلمين(3).

ص: 73


1- المغني 499:10، الشرح الكبير 386:10.
2- العزيز شرح الوجيز 423:11، المغني 498:10، الشرح الكبير 385:10.
3- التهذيب 142:6-242.

و لأنّ ترك التّرس يؤدّي إلى تعطيل الجهاد، و لئلاّ يتّخذوا ذلك ذريعة إليه.

و إن لم تكن الضرورة داعية إلى قتلهم بأن كانوا يدفعون بهم عن أنفسهم و لم تكن الحرب ملتحمة و كان المشركون في حصن متحصّنين أو كانوا من وراء خندق كافّين عن القتال، فالأقرب: كراهية قتلهم، للنهي عن قتل النساء و الصبيان، و نحن في غنية عن قتلهم، و هو أحد قولي الشافعي(1).

و الثاني: المنع، للنهي(2).

و ليس بجيّد، لأنّه يجوز نصب المنجنيق على القلعة و إن كان يصيبهم.

و لو تترّسوا بهم و هم في القلعة، فكذلك. و للشافعي قولان(3).

أمّا لو تترّسوا بمسلم، فإن لم تكن الحرب قائمة، لم يجز الرمي، و كذا لو أمكنت القدرة عليهم بدون الرمي أو أمن شرّهم، فلو خالفوا و رموا، كان الحكم فيه كالحكم في غير هذا المكان: إن كان القتل عمدا، وجب القود و الكفّارة على قاتله، و إن كان خطأ، فالدية على عاقلته و الكفّارة عليه.

و لو كان حال التحام الحرب، جاز رميهم، و يقصد بالرمي المشركين لا المسلمين، للضرورة إلى ذلك بأن يخاف منهم لو تركوا. و لو لم يخف7.

ص: 74


1- الوجيز 190:2، العزيز شرح الوجيز 397:11-398، المهذّب - للشيرازي - 235:2، روضة الطالبين 446:7.
2- الوجيز 190:2، العزيز شرح الوجيز 397:11-398، المهذّب - للشيرازي - 235:2، روضة الطالبين 446:7.
3- العزيز شرح الوجيز 398:11، روضة الطالبين 446:7.

منهم لكن لا يقدر عليهم إلاّ بالرمي، فالأولى الجواز أيضا - و به قال الشافعي(1) - لأنّ تركهم يفضي إلى تعطيل الجهاد.

و للشافعي قول آخر: إنّه لا يجوز قتلهم إذا لم يمكن ضرب الكفّار إلاّ بضرب المسلم، سواء خفنا منهم أو لم نخف، لأنّ غاية ما فيه أنّا نخاف على أنفسنا، و دم المسلم لا يباح بالخوف، كما في صورة الإكراه(2).

و قال الليث و الأوزاعي: لا يجوز رميهم مع عدم الخوف، لقوله تعالى وَ لَوْ لا رِجالٌ مُؤْمِنُونَ (3)(4).

قال الليث: ترك فتح حصن يقدر على فتحه أفضل من قتل مسلم بغير حقّ(5).

و فرّق بعض الشافعيّة بين التترّس بمسلم واحد و بين التترّس بطائفة من المسلمين، لأنه يتساهل في أشخاص من الأسارى، بخلاف الكلّيّات(6).

فروع:
أ - لو رمى فأصاب مسلما و لم يعلم أنّه مسلم و الحرب قائمة، فلا دية،

لأنّه مأمور بالرمي، فلا يجامع العقوبة. و لأنّه يؤدّي إلى بطلان الجهاد،

ص: 75


1- مختصر المزني: 271، الحاوي الكبير 188:14، العزيز شرح الوجيز 11: 399، المهذّب - للشيرازي - 235:2، روضة الطالبين 447:7.
2- العزيز شرح الوجيز 399:11، روضة الطالبين 447:7.
3- الفتح: 25.
4- المغني 497:10، الشرح الكبير 395:10-396.
5- المغني 497:10، الشرح الكبير 396:10.
6- العزيز شرح الوجيز 399:11، المهذّب - للشيرازي - 235:2.

لجواز أن يكون كلّ واحد يقصده مسلما فيمتنع من الرمي.

ب - لو علمه مسلما و رمى قاصدا للمشركين و لم يمكنه التوقّي فأصابه و قتله، فلا قود عليه إجماعا،

لأنّ القصاص مع تجويز الرمي متنافيان. و لأنّه لم يقصده، و لا تجب الدية أيضا عندنا - و هو أحد قولي الشافعي و قول أبي حنيفة و إحدى الروايتين عن أحمد(1) - لقوله تعالى:

فَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَ هُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ (2) و لم يذكر الدية، فلا تكون واجبة.

و الثاني للشافعي و أحمد: تجب الدية، لقوله تعالى وَ مَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَ دِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ (3)(4).

و آيتنا أخصّ فتقدّم.

و أمّا الكفّارة: فالحقّ وجوبها، لقوله تعالى فَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَ هُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ (5) و هو قول الشافعي و أحمد(6).

و قال أبو حنيفة: لا تجب الكفّارة، لأنّه كمباح الدم(7).

و نمنع القياس خصوصا مع معارضة الكتاب.

و للشافعي قول آخر: إنّه إن علمه مسلما، لزمته الدية و إلاّ فلا،

ص: 76


1- العزيز شرح الوجيز 399:11، روضة الطالبين 447:7، الحاوي الكبير 14: 189، بدائع الصنائع 101:7، المغني 497:10، الشرح الكبير 396:10.
2- النساء: 92.
3- النساء: 92.
4- العزيز شرح الوجيز 399:11، روضة الطالبين 447:7، الحاوي الكبير 14: 189، المغني 497:10، الشرح الكبير 396:10.
5- النساء: 92.
6- مختصر المزني: 271، العزيز شرح الوجيز 399:11، روضة الطالبين 7: 447، بدائع الصنائع 101:7، المغني 497:10، الشرح الكبير 396:10.
7- بدائع الصنائع 101:7، المغني 497:10، الشرح الكبير 396:10.

و الفرق أنّه إذا علم إسلامه، أمكنه التوقّي عنه و الرمي إلى غيره فغلظ عليه(1).

و قال بعض أصحابه: إن قصده بعينه، لزمته الدية، سواء علمه مسلما أو لا، و إن لم يقصده بعينه بل رمى إلى الصفّ، لم تلزم(2).

و قال بعض الشافعيّة: إن علم أنّ هناك مسلما، وجبت الدية، سواء قصده بعينه أو لم يقصده، و إن لم يعلم، فقولان(3).

و عن أبي حنيفة: لا دية و لا كفّارة(4).

ج - قالت الشافعيّة: إن قلنا: لا يجوز الرمي فرمى فقتل،

ففي وجوب القصاص طريقان:

أحدهما: أنّه على قولين، كالمكره إذا قتل.

و الثاني: القطع بالوجوب، كالمضطرّ إذا قتل إنسانا و أكله. و يفارق المكره بأنّه ملجأ إلى القتل، و هنا بخلافه، و لأنّ هناك من يحال عليه و هو المكره، و ليس ها هنا غيره(5).

د - لو تترّس الكفّار بذمّي أو مستأمن أو عبد، فالحكم في جواز الرمي و الدية و الكفّارة على ما تقدّم،

لكنّ الواجب في العبد القيمة لا الدية.

و قال بعض الشافعيّة: لو تترّس كافر بترس مسلم أو ركب فرسه

ص: 77


1- مختصر المزني: 271، الوجيز 158:2، العزيز شرح الوجيز 400:11، روضة الطالبين 447:7.
2- الوجيز 158:2، العزيز شرح الوجيز 400:11، روضة الطالبين 447:7.
3- العزيز شرح الوجيز 400:11، روضة الطالبين 447:7.
4- بدائع الصنائع 101:7، العزيز شرح الوجيز 400:11، المغني 10، 497، الشرح الكبير 396:10.
5- العزيز شرح الوجيز 400:11، روضة الطالبين 447:7.

فرمى إليه مسلم فأتلفه، فإن كان في غير التحام القتال، فعليه الضمان، و إن كان في حال الالتحام، فإن أمكنه أن لا يصيب الترس و الفرس فأصابه، ضمن، و إن لم يمكنه الدفع إلاّ بإصابته، فإن جعلناه كالمكره، لم يضمن، لأنّ المكره في المال يكون طريقا في الضمان، و هنا لا ضمان على الحربي حتى يجعل المسلم طريقا، و إن جعلناه مختارا، لزمه الضمان(1).

مسألة 36: إذا حاصر الإمام حصنا، لم يكن له الانصراف إلاّ بأحد أمور خمسة:
الأوّل: أن يسلموا فيحرزوا بالإسلام دماءهم و أموالهم.

قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلاّ اللّه، فإذا قالوها عصموا دماءهم و أموالهم إلاّ بحقّها»(2).

الثاني: أن يبذلوا مالا على الترك،

فإن كان جزية و هم من أهلها، قبلت منهم، و إن لم تكن جزية بل كانوا حربيّين، قبل مع المصلحة، و إلاّ فلا.

الثالث: أن يفتحه و يملكه

و يقهرهم عليه.

الرابع: أن يرى من المصلحة الانصراف إمّا بتضرّر المسلمين بالإقامة أو بحصول اليأس منه،

كما روي أنّ النبي عليه السلام حاصر أهل الطائف فلم ينل منهم شيئا، فقال عليه السلام: «إنّا قافلون إن شاء اللّه غدا» فقال المسلمون: أ نرجع و لم نفتحه ؟ فقال عليه السلام: «اغدوا على القتال» فغدوا عليه فأصابهم الجراح، فقال

ص: 78


1- العزيز شرح الوجيز 400:11، روضة الطالبين 447:7.
2- صحيح البخاري 138:9، المستدرك - للحاكم - 522:2، سنن ابن ماجة 2: 1295-3927، سنن سعيد بن منصور 332:2-333-2933، مسند أحمد 1: 20-68.

لهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: «إنّا قافلون غدا» فأعجبهم، فقفل [1] رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله(1).

الخامس: أن ينزلوا على حكم حاكم فيجوز،

لأنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله لمّا حاصر بني قريظة رضوا بأن ينزلوا على حكم سعد بن معاذ، فأجابهم عليه السّلام إلى ذلك(2).

مسألة 37: لا يجوز التمثيل بالكفّار و لا الغدر بهم و لا الغلول منهم،

لقول النبي صلّى اللّه عليه و آله في حديث الصادق عليه السّلام: «لا تغلّوا و لا تمثلوا و لا تغدروا»(3).

مسألة 38: المبارزة مشروعة غير مكروهة، عند عامّة العلماء(4) - إلاّ الحسن البصري، فإنّه لم يعرفها و كرهها(5) - لأنّ العامّة رووا أنّ عليّا عليه السّلام بارز يوم خيبر فقتل مرحبا، و بارز عمرو بن عبد ودّ يوم الخندق فقتله، و بارز عليّ عليه السّلام و حمزة و عبيدة بن الحارث يوم بدر بإذن النبي عليه السّلام(6) ، و لم يزل أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يبارزون في عصر النبي عليه السّلام و بعده و لم ينكره أحد، فكان إجماعا.

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السّلام: «دعا رجل بعض بني هاشم إلى البراز، فأبى أن يبارزه، فقال له أمير المؤمنين عليه السّلام: ما منعك أن تبارزه ؟ فقال: كان فارس العرب و خشيت أن يقتلني، فقال له أمير

ص: 79


1- صحيح مسلم 1403:3-1778، مسند أحمد 77:2-4574، المغني 10: 536.
2- صحيح البخاري 143:5، صحيح مسلم 1388:3-1389-1768، مسند أحمد 401:3-10784 و 484-11283، و 204:7-205-24573، المصنّف - لابن أبي شيبة - 425:14-18677، المغني 537:10.
3- الكافي 27:5-1، التهذيب 138:6-231.
4- المغني 387:10، الشرح الكبير 437:10.
5- المغني 387:10، الشرح الكبير 437:10.
6- المغني 387:10، الشرح الكبير 437:10.

المؤمنين عليه السّلام: فإنّه بغى عليك و لو بارزته لقتلته، و لو بغى جبل على جبل لهدّ الباغي»(1).

مسألة 39: ينبغي للمسلم أن لا يطلب المبارزة إلاّ بإذن الإمام إذا أمكن

- و به قال الثوري و إسحاق و أحمد(2) - لأنّ الإمام أعرف بفرسانه و فرسان المشركين و من يصلح للمبارزة و من لا يصلح و من يكون قرنا للكافر و من لا يكون، فربما تضرّر المسلمون. بكسر قلوبهم عند عجز صاحبهم، فينبغي تفويضه إلى الإمام ليختار للمبارزة من يرتضيه لها، فيكون أحفظ لقلوب المسلمين و كسر قلوب الكفّار.

و لأنّ عليّا عليه السّلام و حمزة و عبيدة استأذنوا النبي عليه السّلام يوم بدر، رواه العامّة(3).

و من طريق الخاصّة: أنّ أمير المؤمنين عليه السّلام سئل عن المبارزة بين الصفّين بغير إذن الإمام، قال: «لا بأس بذلك، و لكن لا يطلب ذلك إلاّ بإذن الإمام»(4).

و رخّص فيها مطلقا من غير إذن الإمام مالك و الشافعي و ابن المنذر، لأنّ أبا قتادة قال: بارزت رجلا يوم خيبر [1] فقتلته. و لم يعلم أنّه استأذن النبي عليه السّلام(5).

ص: 80


1- التهذيب 169:6-324، و في الكافي 34:5-35-2 بتفاوت يسير.
2- المغني 387:10، الشرح الكبير 437:10.
3- المغني 387:10، الشرح الكبير 437:10.
4- التهذيب 169:6-323.
5- المغني 387:10، الشرح الكبير 438:10، الوجيز 190:2، العزيز شرح الوجيز 406:11 و 407، حلية العلماء 657:7، المهذّب - للشيرازي - 2: 238، معالم السنن - للخطّابي - 11:4، الجامع لأحكام القرآن 258:3.

و هي حكاية حال لا عموم لها. و لاحتمال أن يكون المشرك سأل المبارزة، لا أنّ أبا قتادة طلبها.

و يؤيّده: قول الصادق عليه السّلام: «إنّ الحسن بن علي عليهما السّلام دعا رجلا إلى المبارزة، فعلم أمير المؤمنين عليه السّلام، فقال له: لئن عدت إلى مثلها لأعاقبنّك، و لئن دعاك أحد إلى مثلها فلم تجبه لأعاقبنّك، أما علمت أنّه بغى» [1].

و قد ظهر من هذا أن طلب المبارزة ممنوع منه بغير إذن الإمام، و فعلها سائغ من دون إذنه.

مسألة 40: إذا خرج علج 2 يطلب البراز،
اشارة

استحبّ لمن فيه قوّة (أن يبارزه) [3] بإذن الإمام، و ينبغي للإمام أن يأذن له في ذلك، لأنّ في تركه ضعف قلوب المسلمين و اجتراء المشركين، و في الخروج ردّ عن المسلمين و إظهار قوّتهم و شجاعتهم.

فانقسمت [4] أربعة أقسام:

الأوّل: أن تكون واجبة،

و هي ما إذا ألزم الإمام بها.

الثاني: أن تكون مستحبّة،

و هي أن يخرج (رجل من المشركين) [5] فيطلب المبارزة، فيستحبّ (لمن فيه قوّة) [6] من المسلمين الخروج إليه.

الثالث: أن تكون مكروهة،

و هي أن يخرج الضعيف من المسلمين

ص: 81

الذي لا يعلم من نفسه المقاومة.

الرابع: أن تكون مباحة،

و هي أن يخرج ابتداء فيبارز.

مسألة 41: إذا خرج المشرك و طلب المبارزة، جاز لكلّ أحد رميه و قتله،

لأنّه مشرك لا أمان له و لا عهد إلاّ أن تكون العادة بينهم جارية أن من خرج يطلب المبارزة لا يتعرّض له، فيجري مجرى الشرط، فإن خرج إليه أحد يبارزه بشرط أن لا يعينه عليه سواه، وجب الوفاء له بالشرط، لقوله عليه السّلام:

«المؤمنون عند شروطهم»(1).

فإن انهزم المسلم تاركا للقتال أو مثخنا بالجراح، جاز قتاله، لأنّ المسلم إذا صار إلى هذه الحالة فقد انقضى القتال، و المشرك شرط الأمان ما دام في القتال و قد زال.

و لو شرط المشرك أن لا يقاتل حتى يرجع إلى صفّه، وجب الوفاء له إلاّ أن يترك المسلم قتاله أو يثخنه بالجراح فيرجع فيتبعه فيقتله، أو يخشى عليه منه فيمنع و يدفع عن المسلم و يقاتل إن امتنع من الكفّ عنه إلاّ بالقتال، لأنّه نقض الشرط و أبطل أمانه بمنعهم من تخليصه.

و لو أعان المشركون صاحبهم، كان على المسلمين إعانة صاحبهم، و يقاتلون من أعان عليه، و لا يقاتلونه، لأنّ النقض ليس من جهته.

و إن كان قد شرط أن لا يقاتله غير مبارزه، وجب الوفاء له. فإن استنجد أصحابه فأعانوه، فقد نقض أمانه، و يقاتل معهم. و لو منعهم فلم يمتنعوا، فأمانه باق، فلا يجوز قتاله و لكن يقاتل أصحابه.

هذا إذا أعانوه بغير قوله، و لو سكت و لم ينههم عن إعانته، فقد

ص: 82


1- الجامع لأحكام القرآن 33:6، الشرح الكبير 559:10، التهذيب 371:7-1503، الاستبصار 232:3-835.

نقض أمانه، لأنّ سكوته يدلّ على الرضى بذلك، أمّا لو استنجدهم، فإنّه يجوز قتاله مطلقا.

و لو طلب المشرك المبارزة و لم يشترط [1]، جاز معونة قرنه. و لو شرط أن لا يقاتله غيره، وجب الوفاء له. فإن فرّ المسلم و طلبه [2] الحربي، جاز دفعه، سواء فرّ المسلم مختارا أو لإثخانه بالجراح.

و يجوز لهم معاونة المسلم مع إثخانه.

و قال الأوزاعي: ليس لهم ذلك(1).

و هو غلط، لأنّ عليّا عليه السّلام و حمزة أعانا عبيدة بن الحارث على قتل شيبة بن ربيعة حين أثخن عبيدة(2).

و لو لم يطلبه المشرك، لم تجز محاربته، لأنّه لم ينقض شرطا.

و قيل: يجوز قتاله ما لم يشترط [3] الأمان حتى يعود إلى فئته(3).

مسألة 42: تجوز المخادعة في الحرب و أن يخدع المبارز قرنه ليتوصّل بذلك إلى قتله إجماعا.

روى العامّة أنّ عمرو بن عبد ودّ بارز عليّا عليه السّلام، فقال: ما أحبّ ذلك يا بن أخي، فقال علي عليه السّلام: «لكنّي أحبّ أن أقتلك» فغضب عمرو و أقبل إليه، فقال علي عليه السّلام: «ما برزت لأقاتل اثنين» فالتفت عمرو، فوثب علي عليه السّلام فضربه، فقال عمرو: خدعتني، فقال علي عليه السّلام: «الحرب خدعة»(4).

ص: 83


1- المغني 389:10، الشرح الكبير 440:10.
2- المغني 389:10، الشرح الكبير 440:10.
3- كما في شرائع الإسلام 313:1.
4- تاريخ الطبري 239:2، المغني 390:10، الشرح الكبير 440:10.

و من طريق الخاصّة: قول الباقر عليه السّلام: «إنّ عليّا عليه السّلام كان يقول: لئن تخطفني الطير أحبّ إليّ من أن أقول على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ما لم يقل، سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقول: الحرب خدعة»(1).

مسألة 43: يكره تبييت العدوّ ليلا،

و إنّما يلاقون بالنهار، إلاّ مع الحاجة إلى التبييت فيبيّتهم.

و يستحبّ أن يلاقوا بالنهار، و يبدأ بالقتال بعد الزوال، و يكره قبله إلاّ مع الحاجة.

و يكره أن يعرقب الدابّة، و إن وقفت به، ذبحها و لا يعرقبها.

و أمّا نقل رءوس المشركين إلى بلاد الإسلام: فإن اشتمل على نكاية في الكفّار، لم يكن مكروها. و كذا إن أريد معرفة المسلمين بموته، فإنّ أبا جهل لمّا قتل حمل رأسه(2). و إن لم يكن كذلك، كان مكروها، لأنّه لم ينقل إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله رأس كافر قطّ.

و للشافعي وجهان: الكراهة و عدمها(3).

ص: 84


1- التهذيب 162:6-163-298.
2- العزيز شرح الوجيز 408:11.
3- العزيز شرح الوجيز 408:11-409، روضة الطالبين 450:7.

الفصل الثالث في الأمان

اشارة

و فيه مباحث:

الأوّل: في تعريفه و تسويغه.
اشارة

عقد الأمان ترك القتال إجابة لسؤال الكفّار بالإمهال، و هو جائز إجماعا.

قال اللّه تعالى وَ إِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ فَأَجِرْهُ حَتّى يَسْمَعَ كَلامَ اللّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ (1).

و روى العامّة: أنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله أمّن المشركين يوم الحديبيّة، و عقد معهم الصلح(2).

و من طريق الخاصّة: ما رواه السكوني عن الصادق عليه السّلام، قال: قلت:

ما معنى قول النبي صلّى اللّه عليه و آله: «يسعى بذمّتهم أدناهم»؟ قال «لو أنّ جيشا من المسلمين حاصروا [1] قوما من المشركين فأشرب رجل فقال: أعطوني الأمان حتى ألقى صاحبكم فأناظره [2]، فأعطاه الأمان أدناهم، وجب على أفضلهم الوفاء به»(3).

ص: 85


1- التوبة: 6.
2- صحيح مسلم 1409:3-1783، مسند أحمد 138:1-139-658 و 563 - 564-3177.
3- الكافي 30:5-31-1، التهذيب 140:6-234.

و لا خلاف بين المسلمين في ذلك.

مسألة 44: إنّما يجوز عقد الأمان مع اعتبار المصلحة،

فلو اقتضت المصلحة ترك الأمان و أن لا يجابوا إليه، لم يفعل، لأنّه مصلحة في بعض الأحوال و مكيدة من مكايد القتال في المبارزة، فإذا لم تكن مصلحة، لم يجز فعله، و سواء في ذلك عقد الأمان لمشرك واحد أو لجماعة كثيرة، فإنّه جائز مع المصلحة إجماعا.

و من طلب الأمان من الكفّار ليسمع كلام اللّه و يعرف شرائع الإسلام، وجب أن يعطى أمانا ثم يردّ إلى مأمنه، للآية(1).

و يجوز أن يعقد الأمان لرسول المشركين و للمستأمن، لأنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله كان يؤمن رسل المشركين(2). و لأنّ الحاجة تدعو إلى المراسلة، و لو قتلوا رسلهم لقتلوا رسلنا فتفوت المصلحة.

و لا تقدّر مدّة العقد لهما بقدر، بل يجوز مطلقا و مقيّدا بزمان طويل أو قصير نظرا إلى المصلحة.

البحث الثاني: في العاقد.
مسألة 45: يجوز للإمام عقد الصلح إجماعا،

لأنّ أمور الحرب موكولة إليه كما كانت موكولة إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، فإن رأى المصلحة في عقده لواحد، فعل، و كذا لأهل حصن أو قرية أو بلد أو إقليم و لجميع الكفّار بحسب المصلحة، لعموم ولايته، و لا نعلم فيه خلافا.

ص: 86


1- التوبة: 6.
2- سنن أبي داود 83:3-84-2761 و 2762، سنن البيهقي 211:9، المغني 428:10، الشرح الكبير 553:10.

و أمّا نائبه: فإن كانت ولايته عامّة، كان له ذلك أيضا، و إن لم تكن عامّة، جاز عقد أمانه لجميع من في ولايته و لآحادهم، و أمّا غير ولايته:

فحكمه حكم آحاد الرعايا.

و أمّا آحاد الرعية: فيصحّ أمان الواحد منهم للواحد من المشركين و للعدد اليسير، كالعشرة و القافلة القليلة و الحصن الصغير، لعموم قوله عليه السّلام:

«و يسعى بذمّتهم أدناهم»(1).

و لقول الصادق عليه السلام: «إنّ عليّا عليه السّلام أجاز أمان عبد مملوك لأهل حصن، و قال: هو من المؤمنين»(2).

و لأنّ علّة تسويغه للواحد - و هو استمالته إلى الإسلام مع الأمن منه - موجود في العدد اليسير.

أمّا العدد الكثير من المشركين فإنّه موكول إلى الإمام خاصّة، لأنّ في تسويغه للواحد من المسلمين تعطيلا للجهاد على الإمام و تقوية للكفّار.

مسألة 46: يصحّ عقد الأمان من الحرّ و العبد المأذون له في الجهاد و غير المأذون،

عند علمائنا أجمع - و به قال أكثر العلماء و الثوري و الأوزاعي و الشافعي و أحمد و إسحاق، و هو مروي عن علي عليه السّلام، و عن عمر(3) - لما رواه العامّة عن النبي صلّى اللّه عليه و آله أنّه قال: «ذمّة المسلمين واحدة يسعى بها أدناهم

ص: 87


1- سنن أبي داود 180:4-181-4530، سنن النسائي 19:8-20 و 24، سنن الدار قطني 131:3-155، سنن البيهقي 29:8، و 30، و 94:9، مسند أحمد 191:1-962، الكافي 30:5-1، التهذيب 140:6-235.
2- الكافي 31:5-2، التهذيب: 140-235.
3- المغني 424:10، الشرح الكبير 546:10، الامّ 284:4، الوجيز 194:2، العزيز شرح الوجيز 458:11، المهذّب - للشيرازي - 236:2، حلية العلماء 652:7، روضة الطالبين 472:7، الحاوي الكبير 196:14، الهداية - للمرغيناني - 140:2.

فمن أخفر [1] مسلما فعليه لعنة اللّه و الملائكة و الناس أجمعين، لا يقبل منه صرف و لا عدل»(1).

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السّلام: «إنّ عليّا عليه السّلام أجاز أمان عبد مملوك لأهل حصن و قال: هو من المؤمنين»(2).

و لأنّه مسلم مكلّف غير متّهم في حقّ المسلمين، فصحّ أمانه، كالحرّ.

و قال أبو حنيفة و أبو يوسف: لا يصحّ أمان العبد إلاّ أن يكون مأذونا له في القتال، لأنّه لا يجب عليه الجهاد، فلا يصحّ أمانه، كالصبي(3).

و ينتقض بالمرأة و المأذون له.

مسألة 47: يصح أمان المرأة إجماعا،

لأنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله أجاز أمان أمّ هاني، و قال: «إنّما يجير على المسلمين أدناهم»(4).

و أمّا المجنون فلا ينعقد أمانه، لرفع القلم عنه.

و كذا الصبي لا ينعقد أمانه و إن كان مميّزا مراهقا - و به قال الشافعي و أبو حنيفة(5) - لرفع القلم عنه.

ص: 88


1- صحيح البخاري 125:4، صحيح مسلم 999:2-470، سنن البيهقي 9: 94، المغني 424:10.
2- الكافي 31:5-2، التهذيب 140:6-235.
3- الهداية - للمرغيناني - 140:2، المغني 424:10، الشرح الكبير 546:10، العزيز شرح الوجيز 458:11، حلية العلماء 652:7، الحاوي الكبير 14: 196، المنتقى - للباجي - 173:3.
4- سنن سعيد بن منصور 234:2-2612، المغني 425:10، الشرح الكبير 546:10.
5- الامّ 284:4، الوجيز 194:2، العزيز شرح الوجيز 459:11، الحاوي الكبير 197:14، روضة الطالبين 472:7، حلية العلماء 652:7، بدائع الصنائع 7: 106، المغني 425:10، الشرح الكبير 547:10، المنتقى - للباجي - 173:3.

و قال مالك و أحمد: يصحّ أمان المراهق(1) ، لقوله عليه السّلام: «إنّما يجير على المسلمين أدناهم»(2)المغني 425:10، الشرح الكبير 547:10.(3).

و ليس حجّة، لعدم إسلامه حقيقة و إنّما هو تمرين.

و أمّا المكره فلا ينعقد أمانه إجماعا، و كذا من زال عقله بنوم أو سكر أو إغماء أو غير ذلك، لعدم معرفته بمصلحة المسلمين، فأشبه المجنون.

و أمّا الكافر فلا ينعقد أمانه و إن كان ذمّيّا، لأنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله قال: «ذمّة المسلمين واحدة يسعى بها أدناهم»(4) فجعل الذمّة للمسلمين. و لأنّه متّهم على المسلمين.

و أمّا الأسير من المسلمين فإذا عقد أمانا باختياره، نفذ، و به قال الشافعي و أحمد(5). و كذا يجوز أمان التاجر و الأجير في دار الحرب.

و قال الثوري: لا يصحّ أمان أحد منهم(5). و العموم يبطله.

و الشيخ الهمّ و السفيه ينعقد أمانهما - و به قال الشافعي(6) - للعموم.

مسألة 48: إذا انعقد الأمان، وجب الوفاء به

على حسب ما شرط فيه من وقت و غيره ما لم يخالف المشروع بالإجماع.

قال الباقر عليه السّلام: «ما من رجل آمن رجلا على ذمّة [1] ثمّ قتله إلاّ جاء يوم القيامة يحمل لواء الغدر»(7).

ص: 89


1- المنتقي - للباجي - 173:3، المحرّر في الفقه 180:2، المغني 425:10 - 426، الشرح الكبير 546:10 و 547.
2- تقدّمت الإشارة إلى مصادره في ص 88، الهامش
3- .
4- تقدمت الإشارة إلى مصادره في ص 88، الهامش (2).
5- المغني 425:10، الشرح الكبير 547:10.
6- الوجيز 194:2، العزيز شرح الوجيز 459:11، روضة الطالبين 472:7.
7- الكافي 31:5-3، التهذيب 140:6-236.

و لو انعقد فاسدا، لم يجب الوفاء به إجماعا، كأمان الصبي و المجنون، و كما إذا تضمّن الذمام شرطا لا يسوغ الوفاء به.

و في هذه الحالات كلّها يجب ردّ الحربي إلى مأمنه، و لا يجوز قتله، لأنّه اعتقد صحّة الأمان، و هو معذور، لعدم علمه بأحكام الإسلام.

و كذا كلّ حربي دخل دار الإسلام بشبهة الأمان، كمن سمع لفظا فاعتقده أمانا، أو صحب رفقة فتوهّمها أمانا، أو طلبوا أمانا فقال المسلمون: لا نذمّكم، فاعتقدوا أنّهم أذمّوهم، فلا يجوز قتلهم، بل يردّون إلى مأمنهم، لقول الصادق و [1] الكاظم عليهما السلام: «لو أنّ قوما حاصروا مدينة فسألوهم الأمان، فقالوا: لا، فظنّوا أنّهم قالوا: نعم، فنزلوا إليهم، كانوا آمنين»(1).

البحث الثالث: فيما ينعقد به الأمان.
مسألة 49: الأمان ينعقد بالعبارة و المراسلة و الإشارة المفهمة و المكاتبة.

و قد ورد في الشرع للعبارة صيغتان: أجرتك، و أمّنتك.

قال اللّه تعالى وَ إِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ فَأَجِرْهُ (2).

و قال النبي صلّى اللّه عليه و آله: «من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، و من أغلق بابه فهو آمن»(3).

ص: 90


1- الكافي 31:5-4، التهذيب 140:6-237.
2- التوبة: 6.
3- صحيح مسلم 1408:3-86، سنن أبي داود 162:3-3021.

و ينعقد الأمان بأي اللفظين وقع، و بما يؤدي معناهما، مثل: أذممتك، أو: أنت في ذمّة الإسلام، سواء أدّى بالصريح أو بالكناية مع القصد بلغة العرب أو غيرها، فلو قال بالفارسيّة: «مترس» - أي: لا تخف [1] - فهو آمن.

أمّا قوله: لا بأس عليك، أو: لا تخف، أو: لا تذهل، أو: لا تحزن، و ما شاكله: فإن علم من قصده الأمان، فهو أمان [2]، لأنّ المراعي القصد لا اللفظ، و إن لم يقصد، لم يكن أمانا إلاّ أنّهم لو سكنوا إلى ذلك و دخلوا، لم يتعرّض لهم و يردّون إلى مأمنهم.

و كذا لو أومأ مسلم إلى مشرك بما توهّمه أمانا فأخلد إليه و دخل دار الإسلام.

و لو أشار المسلم إليهم بما يرونه أمانا و قال: أردت به الأمان، فهو أمان، و إن قال: لم أرد به [3] الأمان، فالقول قوله، لأنّه أبصر بنيّته، فيرجع إليه.

و لو دخل بسفارة أو لسماع كلام اللّه، لم يفتقر إلى عقد أمان، بل ذلك القصد يؤمنه. و قصد التجارة لا يؤمنه و إن ظنّه أمانا.

و لو قال الوالي: أمّنت من قصد التجارة، صحّ.

و لو خرج الكفّار من حصنهم بناء على هذه الإشارة و توهّمهم أنّها أمان، لم يجز قتلهم.

و لو مات المسلم و لم يبيّن أو غاب، كانوا آمنين و ردّوا إلى مأمنهم ثمّ يصيرون حربا.

ص: 91

و لو قال للكافر: قف، أو: قم، أو: ألق سلاحك، فليس أمانا، خلافا لبعض العامّة(1).

و قال الأوزاعي: إن [1] ادّعى الكافر أنّه أمان، أو قال: إنّما وقفت لندائك، فهو آمن، و إن لم يدّع ذلك، فليس أمانا(2).

و هو غلط، لأنّه لفظ لا يشعر منه الأمان و لا يستعمل فيه دائما، فإنّه إنّما يستعمل غالبا للإرهاب و التخويف، فيصدّق المسلم، فإن قال: قصدت الأمان، فهو أمان، و إن قال: لم أرده، سئل الكافر فإن قال: اعتقدته أمانا، ردّ إلى مأمنه، و لم يجز قتله، و إن لم يعتقده، فليس بأمان، و لو ردّ الكافر الأمان، ارتدّ الأمان، و إن قبل صحّ، و لا يكفي سكوته، بل لا بدّ من قبوله و لو بالفعل.

و لو أشار عليهم مسلم في صفّ الكفّار فانحاز إلى صفّ المسلمين و تفاهما الأمان، فهو أمان، و إن ظنّ الكافر أنّه أراد الأمان و المسلم لم يرده، فلا يغتال بل يلحق بمأمنه، و لو قال: ما فهمت الأمان، اغتيل.

مسألة 50: يجوز الأمان بالمراسلة.

و ينبغي لأمير العسكر أن يتخير للرسالة رجلا مسلما أمينا عدلا، و لا يكون خائنا و لا ذمّيا و لا حربيّا مستأمنا، لقوله تعالى وَ لا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا (3).

و أنكر عمر على أبي موسى الأشعري لمّا اتّخذ كاتبا نصرانيّا، و قال:

ص: 92


1- المغني و الشرح الكبير 549:10.
2- المغني و الشرح الكبير 549:10.
3- هود: 113.

اتّخذت بطانة من دون المؤمنين و قد قال اللّه تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبالاً (1)(2) أي: لا يقصّرون في فساد أموركم.

و ينبغي أن يكون بصيرا بالأمور عارفا بمواقع أداء الرسالة.

و إذا أرسل الأمير رسولا مسلما فذهب الرسول إلى أمير المشركين فبلّغه الرسالة، ثمّ قال له: إنّي أرسل على لساني إليك الأمان و لأهل ملّتك فافتح الباب، ثمّ ناوله كتابا صنعه على لسان الأمير و قرأه بمحضر من المسلمين، فلمّا فتحوا و دخل المسلمون و شرعوا في السبي، فقال لهم أمير المشركين: إنّ رسولكم أخبرنا [1] أنّ أميركم أمّننا، و شهد أولئك المسلمون على مقالته، كانوا آمنين، و لم يجز سبيهم، لعسر التمييز بين الحقّ و الاحتيال في حقّ المبعوث إليه، إذا الاعتماد على خبره، فيجعل كأنّه صدق بعد ما تثبت رسالته، لئلاّ يؤدّي إلى الغرور في حقّهم و هو حرام.

مسألة 51: لو أرسل الأمير إليهم من يخبرهم بأمانة ثمّ رجع الرسول فأخبره بأداء الرسالة، فهم آمنون

و إن لم يعلم المسلمون التبليغ، لأنّ البناء إنّما هو على الظاهر فيما لا يمكن الوقوف على حقيقته، و لأنّ قول الرسول يحتمل الصدق، فتثبت شبهة التبليغ.

و لو كتب من ليس برسول كتابا فيه أمانهم و قرأه عليهم و قال: إنّي رسول الأمير إليكم، لم يكن أمانا من جهته، لأنّه ليس للواحد من

ص: 93


1- آل عمران: 118.
2- انظر: أحكام القرآن - للجصّاص - 37:2، و أحكام القرآن - للكيا الهراسي - 2: 304، و الجامع لأحكام القرآن 179:4.

المسلمين أن يؤمّن حصنا كبيرا، و لا من جهة الإمام، لأنّه ليس برسوله، و لا غرور هنا، لأنّ التقصير من جهتهم حيث عوّلوا على قول مجهول لم يعتضد بشهادة أحد من المسلمين.

و لو ناداهم من صفّ المسلمين مسلم - و هم قليلون يصحّ أمان الواحد لهم - إنّي رسول الأمير إليكم و إنّه أمنكم، كان أمانا من جهته، لأنّ من يملك الأمان إذا أخبر عمّن يملك الأمان، كان أمانا صحيحا، لأنّه على تقدير صدقه يكون أمانا من جهة المخبر عنه، و على تقدير كذبه يكون أمانا من جهته.

مسألة 52: إذا أمّن الإمام أو نائبه المشركين

ثمّ بعث (إليهم رسولا) [1] لينبذ إليهم و يخبرهم نقض العهد، فجاء الرسول و أخبر بإعلامهم، لم يعرّض لهم حتى يعلموا ذلك بشاهدين، لأنّ خبره دائر بين الصدق و الكذب، و ليس بحجّة في نقض العهد، لتعلّقه باستباحة السبي و استحلال الأموال و الفروج و الدماء، و هو لا يثبت مع الشبهة، بخلاف الأمان، فإنّ قوله حجّة فيه، لتعلّقه بحفظ الأموال و حراسة الأنفس و حقن الدماء، و هو يثبت مع الشبهة.

فلو أغار المسلمون فقالوا: لم يبلغنا خبر رسولكم، فالقول قولهم، لأنّهم أنكروا نبذ الأمان، و الأصل معهم، فيصار إلى قولهم، لأنّ في وسع الإمام أن ينفذ إليهم مع الرسول شاهدين.

أمّا لو كتب الإمام إليهم نقض العهد و سيّره مع رسوله و شاهدين، فقرأه عليهم بالعربيّة و احتاجوا إلى ترجمان يترجم بلسانهم، و شهد الآخران

ص: 94

عليهم، فادّعوا أنّ الترجمان لم يخبرهم بنقض العهد بل أخبرهم [1] بأنّ الإمام زاد في مدّة الأمان، لم يلتفت إليهم، لأنّ الإمام أتى بما في وسعه من الإخبار بالنقض و الشهادة، و إنّما التقصير من جهتهم حيث اختاروا للترجمة خائنا، إلاّ أن يعلم من حضر من المسلمين أنّ الترجمان خان فيقبل قولهم.

و لو خاف الإمام أن يكون الرسول قد رأى عورة للمسلمين يدلّ عليها العدوّ، جاز له منعه من الرجوع، و كذا يمنع التاجر لو انكشف على عورة ينبغي إخفاؤها عن المشركين، و يجعل عليهما حرسا يحرسونهما نظرا للمسلمين و دفعا للفتنة عنهم.

و لو خاف هربهما مع احتياجه إلى حفظهما، جاز له أن يقيّدهما حتى تنقضي الحاجة.

و لو لم يخف الإمام منهما، أنفذهما، فإن خافا من اللصوص، سيّر معهما من يبلغهما مأمنهما، لقوله تعالى ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ (1).

و يجوز الاستئجار عليه من بيت المال، و كذا مئونتهما من بيت المال حال [2] منعهما.

البحث الرابع: في وقت الأمان.
مسألة 53: وقت الأمان قبل الأسر، فيجوز عقده لآحاد المشركين قبل الأسر إجماعا.

و هل يجوز لآحاد المسلمين عقد الأمان بعد الأسر؟ منعه علماؤنا

ص: 95


1- التوبة: 6.

و أكثر أهل العلم(1) ، لأنّه قد ثبت للمسلمين حقّ استرقاقه، فلا يجوز إبطاله. و لأنّ المشرك إذا وقع في الأسر، يتخيّر الإمام فيه بين أشياء تأتي، و مع الأمن يبطل التخيير، فلا يجوز إبطال ذلك عليه.

و قال الأوزاعي: يصحّ عقده بعد الأسر، لأنّ زينب بنت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أجارت زوجها أبا العاص بن الربيع، فأجاز النبي صلّى اللّه عليه و آله أمانها(2)(3).

و ليس حجّة، لأنّ للإمام ذلك فكيف النبي صلّى اللّه عليه و آله، و النزاع في آحاد المسلمين.

مسألة 54: يجوز للإمام أن يؤمّن الأسير بعد الاستيلاء عليه و الأسر،

لأن النبي صلّى اللّه عليه و آله أجاز أمان زينب لزوجها(4). و لأنّ للإمام أن يمنّ عليه فيطلقه و الأمان دون ذلك [1]، بخلاف آحاد المسلمين.

و لو حصل الكافر في مضيق أو في حصن فلحقه المسلمون، صحّ الأمان، لأنّه بعد على الامتناع.

و لو أقرّ المسلم بأمان المشرك، فإن كان في وقت يصحّ منه إنشاء الأمان، صحّ إقراره و قبل منه إجماعا، و إن كان في وقت لا يصحّ منه إنشاؤه كما لو أقرّ بعد الأسر - لم يقبل قوله إلاّ أن تقوم بيّنة بأمانه قبل الأسر.

و لو شهد جماعة من المسلمين أنّهم أمّنوه، لم يقبل، لأنّهم يشهدون

ص: 96


1- المغني 426:10، الشرح الكبير 548:10، حلية العلماء 652:7، العزيز شرح الوجيز 457:11، روضة الطالبين 472:7.
2- سنن البيهقي 95:9.
3- المغني 426:10، الشرح الكبير 548:10، حلية العلماء 652:7.
4- سنن البيهقي 95:9، المغني 426:10، الشرح الكبير 548:10.

على فعلهم. و به قال الشافعي(1).

و قال بعض العامّة: يقبل، لأنّهم عدول من المسلمين غير متّهمين شهدوا بأمانه، فوجب أن يقبل، كما لو شهدوا على غيرهم أنّه أمّنه(2).

أمّا لو شهد بعضهم أنّ البعض الآخر أمّنه، قبل.

مسألة 55: لو جاء مسلم بمشرك فادّعى أنّه أسره و ادّعى الكافر أنّه أمّنه، قدّم قول المسلم،

لاعتضاده بأصالة إباحة دمه و عدم الأمان.

و قيل: يقبل قول الأسير، لاحتمال صدقه، فيكون شبهة في حقن دمه(3).

و قيل: يرجع إلى شاهد الحال، فإن كان الكافر ذا قوّة و معه سلاحه، فالظاهر صدقه، و إلاّ فالظاهر كذبه(4).

و لو صدّقه المسلم، لم يقبل، لأنّه لا يقدر على أمانه و لا يملكه، فلا يقبل إقراره به.

و قيل: يقبل، لأنّه كافر لم يثبت أسره و لا نازعه فيه منازع، فقبل قوله في الأمان(5). و لا بأس به.

و لو أشرف جيش الإسلام على الظهور فاستذمّ الخصم، جاز مع نظر المصلحة. و لو استذمّوا بعد حصولهم في الأسر فأذم، لم يصح على ما قلنا. و لو ادّعى الحربيّ الأمان فأنكر المسلم، فالقول قول المسلم، لأصالة

ص: 97


1- العزيز شرح الوجيز 458:11، روضة الطالبين 472:7، المغني 427:10، الشرح الكبير 548:10.
2- المغني 427:10، الشرح الكبير 548:10.
3- المغني 427:10، الشرح الكبير 551:10.
4- المغني 427:10، الشرح الكبير 551:10.
5- المغني 427:10-428، الشرح الكبير 551:10-552.

عدم الأمان و إباحة دم المشرك. و لو حيل بينه و بين الجواب بموت أو إغماء، لم تسمع دعوى الحربيّ. و في الحالين يردّ إلى مأمنه ثم هو حرب.

مسألة 56: شرط الأمان أن لا يزيد على سنة إلاّ مع الحاجة،

و يصحّ على أربعة أشهر و فوق ذلك إلى السنة.

و للشافعي فيما بين السنة و أربعة أشهر قولان(1).

و لو أمّن جاسوسا أو من فيه مضرّة، لم يصح. و لا تشترط المصلحة في عقد الأمان، بل يكفي عدم المضرّة في الصحّة.

و يصحّ الأمان بجعل و غيره [1]، فلو حصر المسلمون حصنا فقال لهم رجل: أمّنوني أفتح لكم الحصن، جاز أن يعطوه أمانا إجماعا. فإن أمّنوه، لم يجز لهم نقض أمانه، فإن أشكل القائل و ادّعاه كلّ واحد من أهل الحصن، فإن عرف صاحب الأمان، عمل على ما عرف، و إن لم يعرف، لم يقتل واحد منهم، لاحتمال صدق كلّ واحد و قد حصل اشتباه المحرّم بالمحلّل فيما لا ضرورة إليه، فكان الكلّ حراما، كالأجنبيّة المشتبهة بالأخت.

قال الشافعي: و يحرم استرقاقهم، لما قلنا في القتل، فإنّ استرقاق من لا يحلّ استرقاقه محرّم(2).

و قال بعض العامّة: يقرع فيخرج صاحب الأمان و يسترق الباقي، لأنّ الحقّ لواحد و قد اشتبه، كما لو أعتق عبدا من عشرة ثم اشتبه، بخلاف

ص: 98


1- الوجيز 194:2، العزيز شرح الوجيز 462:11، روضة الطالبين 473:7، الحاوي الكبير 200:14.
2- المغني 432:10، الشرح الكبير 553:10.

القتل، فإنّ الاحتياط فيه أبلغ من الاحتياط في الاسترقاق(1).

قال الأوزاعي: لو أسلم واحد من أهل الحصن قبل فتحه و كانوا عشرة فاسترقّ [1] علينا ثمّ أشكل فادّعى كلّ واحد منهم أنّه الذي أسلم، سعى كلّ واحد منهم في قيمة نفسه، و ترك له عشر قيمته(2).

البحث الخامس: فيما يدخل في الأمان.
مسألة 57: إذا نادى المشركون بالأمان، و كانت المصلحة تقتضيه، أمّنهم،

و إلاّ فلا. فإذا طلبوا الأمان [2] لأنفسهم، كانوا مأمونين على أنفسهم.

و للشافعي في السراية إلى ما معه من أهل و مال لو قال: أمّنتك، قولان(3).

و لو طلبوا أمانا [3] لأهليهم فقالوا: أمّنوا أهلينا، فقال لهم [4] المسلمون: أمّنّاهم، فهم فيء و أهلهم آمنون، لأنّهم لم يذكروا أنفسهم صريحا و لا كناية، فلا يتناولهم الأمان.

أمّا لو قالوا: نخرج على أن نراوضكم [5] في الأمان على أهلنا فقالوا [6] لهم: اخرجوا، فهم آمنون و أهلهم، لأنّهم بأمرهم بالخروج

ص: 99


1- المغني 432:10، الشرح الكبير 553:10.
2- المغني 432:10، الشرح الكبير 553:10.
3- الوجيز 195:2، العزيز شرح الوجيز 463:11، روضة الطالبين 485:7.

للمراوضة على الأمان أمّنوهم، و لهذا لو لم يتّفق بينهم أمر، كان عليهم أن يردّوهم إلى مأمنهم.

مسألة 58: لو قالوا: أمّنوا على ذرّيّتنا، فأمّنوهم على ذلك، فهم آمنون

و أولادهم و أولاد أبنائهم و إن سفلوا، لعموم اسم الذرّيّة جميع هؤلاء.

و الأقرب: دخول أولاد البنات، لقوله تعالى وَ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ - إلى قوله - وَ عِيسى (1).

و لأنّ الذرّيّة اسم للفرع المتولّد من الأصل، و الأب و الامّ أصلان في إيجاد الولد، بل التولّد و التفرّع في جانب الامّ أرجح، لأنّ ماء الفحل يصير مستهلكا في الرحم و إنّما يتولّد منها بواسطة ماء الفحل.

و لو قالوا [1]: أمّنونا على أولادنا، ففي دخول أولاد البنات إشكال.

مسألة 59: لو قالوا: أمّنونا على إخوتنا و لهم إخوة و أخوات، فهم آمنون،

لتناول اسم الإخوة الذكر و الأنثى عند الاجتماع.

قال اللّه تعالى وَ إِنْ كانُوا إِخْوَةً رِجالاً وَ نِساءً (2).

و لا تدخل الأخوات بانفرادهنّ، لأنّ اسم الذكور لا يتناولهنّ منفردات.

و كذا لو قالوا: أمّنونا على أبنائنا، دخل فيه الذكور و الإناث و لا يتناول الإناث بانفرادهنّ إلاّ إذا كان المضاف إليه أبا القبيلة، و المراد به النسبة إلى القبيلة.

و لو تقدّم من المستأمن لفظ يدلّ على طلب الأمان [2] لهنّ، انصراف

ص: 100


1- الأنعام: 84 و 85.
2- النساء: 176.

الأمان إليهنّ و إن كان بلفظ الذكور، مثل: ليس لي إلاّ هؤلاء البنات و الأخوات و أمّنوني على بنيّ و [1] إخوتي.

و لو قالوا [2]: أمّنونا على آبائنا، و لهم آباء و أمّهات، دخلوا جميعا في الأمان، لتناول اسم الآباء لهما.

قال اللّه تعالى وَ لِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ (1).

و كذا لو كان لهم [3] أب واحد و أمّهات شتّى، لتناول الاسم للجميع من حيث الاستعمال.

و هل يدخل الأجداد في الآباء؟ الأولى ذلك، لأنّ الأب يطلق عليه من حيث إنه أب الأب، و يكفي في الإضافة أدنى ملابسة.

و قال أبو حنيفة: لا يدخلون(2) ، لأنّ اسم الأب لا يتناول الأجداد حقيقة و لا بطريق التبعيّة، لأنّهم أصول الآباء يختصّون باسم خاصّ، فلا يتناولهم اسم الآباء على وجه التبعيّة لفروعهم.

و لو قالوا: أمّنونا على أبنائنا، دخل فيه أبناء الأبناء أيضا، لأنّ اسم الابن يتناول ابن الابن، لأنّه طلب الأمان لمن يضاف إليه بالنبوّة، إلاّ أنّه ناقص في الإضافة و النسبة إليه، لأنّه يضاف إليه بواسطة الابن، لأنّه متفرّع عنه و متولّد بواسطة الابن، و الإضافة الناقصة كافية في إثبات الأمان، لأنّه يحتاط في إثباته، لأنّ موجبه حرمة الاسترقاق، و الشبهة ملحقة بالحقيقة في موضع الاحتياط، بخلاف الوصيّة، فإنّ الشبهة فيها غير كافية في00

ص: 101


1- النساء: 11.
2- الفتاوى الهنديّة 199:2-200

الاستحقاق، لثبوت مزاحمة الوارث [1].

و هذا كلّه إنّما هو بلسان العرب، فالحكم متعلّق به مع استعماله، لكنّا قد بيّنّا أنّ صيغة الأمان يكفي فيها أيّ لغة كانت، فلو كان بعض اللغات يتناول ما أخرجناه في بعض هذه الصور و طلب الأمان بتلك اللغة، دخل فيه ما أخرجناه.

و كذا لو اعتقد المشرك دخول من أخرجناه في الأمان حتى خرج بهم، لم يجز التعرّض لهم، لأنّهم دخلوا إلينا بشبهة الأمان، فيردّون إلى مأمنهم ثمّ يصيرون حربا.

مسألة 60: يصحّ عقد الأمان للمرأة على قصد العصمة عن الاسترقاق

- و هو أحد وجهي الشافعي(1) - للأصل، و لأنّه غرض مقصود، و يصحّ على سبيل التبعيّة فجاز على سبيل الاستقلال.

و الثاني: لا يصحّ، لأنّه تابع(2).

و إذا أمّن الأسير من أسره، فهو فاسد، لأنّه كالمكره، إلاّ أن يعلم اختياره في ذلك.

و لو أمّن غيره، جاز - و للشافعيّة وجهان(3) - و يلزمه حكمه و ان لم يلزم غيره، فلو أمّنهم و أمّنوه بشرط أن لا يخرج من دارهم، لزمه الخروج مهما قدر، قالت الشافعيّة: و [2] إن حلف بالطلاق و العتاق و الأيمان المغلّظة، لكن يكفّر عن يمينه و دعه يقع طلاقه و عتاقه، فلا رخصة في المقام حيث

ص: 102


1- الوجيز 195:2، العزيز شرح الوجيز 463:11، روضة الطالبين 472:7.
2- الوجيز 195:2، العزيز شرح الوجيز 463:11، روضة الطالبين 472:7.
3- الوجيز 195:2، العزيز شرح الوجيز 464:11، روضة الطالبين 474:7.

يذلّ [1] المسلم و لكن عند الخروج لا يغتالهم إن أمّنهم(1).

و لو اتبعه قوم، فله دفعهم و قتالهم دون غيرهم. و لو شرطوا عليه الرجوع، لم يلزمه. و لو شرط إنفاذ مال، لم يلزمه. و إن كان قد اشترى منهم شيئا و لزمه الثمن، وجب إنفاذه.

و إن أكره على الشراء، فعليه ردّ العين، قاله الشافعي في الجديد.

و قال في القديم: يتخيّر بين ردّ العين أو الثمن، إذ يقف العقد على إجازته(2).

مسألة 61: لو قال: اعقدوا الأمان على أهل حصني على أن أفتحه لكم،

فأمّنوه على ذلك، فهو آمن و أهل الحصن آمنون.

و قال الحنفيّة: أموالهم كلّها فيء، لأنّ الأمان بشرط فتح الباب لا تدخل فيه الأموال لا بالتنصيص و لا التبعيّة للنفوس، لأنّه لم تبق للمسلمين حينئذ فائدة في فتح الباب، و إنّما قصدوا بذلك التوسل [2] إلى استغنام أموالهم [3].

و لو قال: اعقدوا لي الأمان على أهل حصني على أن أدلّكم على طريق موضع كذا، ففعلوا ففتحوا الباب، فجميع النفوس و الأموال تدخل في الأمان، لأنّ شرط الأمان هنا جرى على الدلالة لا على فتح الباب، فيكون كلامه بيانا أنّه يدلّهم ليتمكّنوا في الدار في حصنه مع أهل الحصن، فتدخل الأموال تبعا للنفوس، لأنّه لا يمكنهم المقام فيه إلاّ بالمال، بخلاف الصورة

ص: 103


1- الوجيز 195:2.
2- الوجيز 195:2، العزيز شرح الوجيز 466:11، روضة الطالبين 476:7.

الأولى، لأنّ في اشتراط فتح الباب دلالة على أنّ الذين يتناولهم [1] الأمان غير مقرّين بالسكنى في الحصن، و إنّما تدخل الأموال في الأمان، لأنّ التمكّن من المقام يكون بالأموال، و إذا انعدم السكنى لم تدخل الأموال في الأمان.

و لو قال: اعقدوا لي الأمان على أن تدخلوا فيه فتصلّوا، دخل الأموال في الأمان، لأنّ فيه تصريحا بفائدة فتح الباب، و هو الصلاة فيه دون إزعاج أهله، و قد يرغب المسلمون في الصلاة في ذلك المكان إمّا لينتقل الخبر بأنّ المسلمين صلّوا جماعة في الحصن الفلاني فيدخل الرعب في قلوب باقي المشركين، أو ليكونوا قد عبدوا اللّه في مكان لم يعبده في ذلك المكان أهله، و مكان العبادة شاهدة للمؤمن يوم القيامة.

و لو قال: أمّنوني على قلعتي أو مدينتي، فأمّنوه، دخل المال و الأنفس فيه و إن كان تنصيص الأمان إنّما هو عليهما لا غير، لأنّ المقصود من هذا الأمان بقاء القلعة و المدينة على ما كانتا عليه عرفا و يكون هو المتصرّف و المتغلّب، و ليس غرضه إبقاء عين القلعة أو المدينة مع إفناء أهلهما و نهب الأموال.

و لو قال: أمّنوني على ألف درهم من مالي على أن أفتح لكم الحصن، فهو آمن على ما طلب، و يكون الباقي فيئا. و لو لم يف ماله بالألف، لم يكن له زيادة على ماله. و لو لم يكن له دراهم و لكنّه كان له عروض، أعطى من ذلك ما يساوي ألفا، لأنّه شرط في الأمان جزءا من ماله و الأموال كلّها جنس واحد في صفة الماليّة.

أمّا لو قال: أمنّوني على ألف درهم من مالي على أن أفتح لكم الحصن، فهو آمن على ما طلب، و يكون الباقي فيئا. و لو لم يف ما له بالألف، لم يكن له زيادة على ما له. و لو لم يكن له دراهم و لكنّه كان له عروض، أعطى من ذلك ما يساوي ألفا، لأنّه شرط في الأمان جزءا من ماله و الأموال كلّها جنس واحد في صفة الماليّة.

أمّا لو قال: عليّ ألف درهم من دراهمي، و لا دراهم له، كان لغوا، لأنّه شرط جزءا من دراهمه و لا دراهم له، فلا يصادف الأمان محلاّ، فيكون لغوا.

ص: 104

البحث السادس: في الأحكام.
مسألة 62: قد بيّنا أنّ من عقد أمانا لكافر، وجب عليه الوفاء به،

و لا يجوز له الغدر، فإن نقضه، كان غادرا آثما، و يجب على الإمام منعه عن النقض إن عرف بالأمان.

إذا عرفت هذا فلو عقد لحربيّ [1] الأمان ليسكن دار الإسلام، وجب الوفاء له، و دخل ماله تبعا له في الأمان و إن لم يذكره، لأن الأمان يقتضي الكفّ عنه، و أخذ ماله يوجب دخول الضرر عليه، فيكون نقضا للأمان، و هو حرام. و لو شرط الأمان لماله، كان ذلك تأكيدا.

و لو دخل الحربيّ دار الإسلام بغير أمان و معه متاع، فهو حرب لا أمان له في نفسه و لا في ماله، إلاّ أن يعتقد أنّ دخوله بمتاعه على سبيل التجارة أمان له، فإنّه لا يكون أمانا، و يردّ إلى مأمنه.

و لو ركب المسلمون في البحر فاستقبلهم فيه تجّار كفّار من أرض العدوّ يريدون بلاد الإسلام، قال بعض العامّة: لم يقاتلوا و لم يعرّضوا(1). و فيه نظر.

مسألة 63: لو دخل الحربيّ دار الإسلام بتجارة معتقدا أنّه أمان، فهو آمن حتى يرجع إلى مأمنه،

و يعامل بالبيع و الشراء، و لا يسأل عن شيء، و إن لم تكن معه تجارة و قال: جئت مستأمنا، لم يقبل منه، و يكون الإمام مخيّرا فيه. و به قال الأوزاعي و الشافعي(2).

و لو كان ممّن ضلّ الطريق أو حملته الريح في المركب إلينا، كان فيئا.

و قيل: يكون لآخذه(3).

و لو دخل دار الإسلام بأمان، دخل أمان ماله، فلو عاد إلى دار الحرب

ص: 105


1- المغني 433:10، الشرح الكبير 555:10.
2- المغني 433:10، الشرح الكبير 555:10.
3- المغني 433:10، الشرح الكبير 555:10.

بنيّة الرجوع إلى دار الإسلام، فالأمان باق، لأنّه على نيّة الإقامة في دار الإسلام، و إن كان للاستيطان في دار الحرب، بطل في نفسه دون ماله، لأنّه بدخوله دار الإسلام و أخذ الأمان ثبت الأمان في ماله الذي معه، فإذا بطل في نفسه بمعنى لم يوجد في المال - و هو الدخول في دار الحرب - بقي الأمان في ماله، لاختصاص المقتضي بالنفس. أمّا لو أخذه معه إلى دار الحرب، فإنّه ينتقض الأمان فيه كما ينتقض في نفسه. و لو لم يأخذه فأنفذ في طلبه، بعث به إليه تحقيقا للأمان فيه. و يصحّ تصرّفه فيه ببيع و هبة و غيرهما.

و لو مات في دار الحرب أو قتل، انتقل إلى وارثه، فإن كان مسلما، ملكه مستقرّا، و إن كان حربيّا، انتقل إليه و انتقض فيه الأمان - و به قال أبو حنيفة(1) - لأنّه مال لكافر لا أمان بيننا و بينه في نفسه و لا في ماله، فيكون كسائر أموال أهل الحرب.

و قال أحمد: لا يبطل الأمان، بل يكون باقيا - و به قال المزني، و للشافعيّة قولان - لأنّ الأمان حقّ لازم متعلّق بالمال، فإذا انتقل إلى الوارث، انتقل بحقّه، كسائر الحقوق من الرهن و الضمان و الشفعة(2).

و نمنع ملازمته للمال، لأنّ الأمان تعلّق بصاحبه و قد مات، فيزول الأمان المتعلق به.

مسألة 64: إذا مات الحربيّ في دار الحرب و قد أخذ الأمان لإقامته

ص: 106


1- المغني 430:10، الشرح الكبير 557:10.
2- المغني 430:10، الشرح الكبير 557:10، مختصر المزني: 273، الحاوي الكبير 219:14-220، الوجيز 196:2، العزيز شرح الوجيز 476:11، حلية العلماء 724:7، روضة الطالبين 481:7.

في دار الإسلام و أقام بها، تبعه ماله، و زوال الأمان عنه بموته كما قلناه، فينتقل إلى الإمام خاصّة من الفيء، لأنّه لم يوجف عليه بخيل و لا ركاب، و لا أخذ بالسيف، فهو بمنزلة ميراث من لا وارث له.

و نقل المزني عن الشافعي أنّه يكون غنيمة(1).

و هو ممنوع، لأنّه لم يؤخذ بالقهر و الغلبة.

و ينتقل المال إلى وارث الحربيّ، سواء كان الوارث في دار الإسلام أو في دار الحرب، فإن كان الوارث حربيّا في الدارين، صار فيئا للإمام على ما قلناه.

و قال الشافعي في أحد الوجهين: لا ينتقل إلى وارثه في دار الإسلام، لأنّه مع اختلاف الدارين يسقط الميراث(2). و ليس بجيّد.

و كذا الذمي إذا مات و له ولد في دار الإسلام و ولد في دار الحرب، كان ميراثه لهما.

و لو كان له ولد في دار الإسلام، صار ماله له، و لو كان في دار الحرب، انتقل ماله إليه، و صار فيئا.

و لو دخل دار الإسلام فعقد أمانا لنفسه ثمّ مات في دار الإسلام و له مال، فإن كان وارثه مسلما، ملكه، و إن كان كافرا في دار الحرب، انتقل المال إليه، و صار فيئا، لأنّه مال لكافر لا أمان بيننا و بينه، فيكون فيئا.

و قال بعض الشافعيّة: يردّ إلى وارثه. و اختلفوا على طريقين، منهم7.

ص: 107


1- مختصر المزني: 273، المهذّب - للشيرازي - 265:2، العزيز شرح الوجيز 476:11.
2- انظر: العزيز شرح الوجيز 476:11-477، و المهذّب - للشيرازي - 2: 265، و حلية العلماء 724:7.

من قال: فيه للشافعي قولان، كما لو مات في دار الحرب. و منهم من قال هنا: يردّ قولا واحدا، لأنّه إذا رجع إلى دار الحرب فقد بطل أمانه، و هنا مات و أمانه باق، و حينئذ ينتقل إلى الإمام، لأنّه لم يوجف عليه بخيل و لا ركاب. و كذا لو لم يكن له وارث(1).

مسألة 65: لو كان للحربيّ أمان فترك ماله و نقض الأمان و لحق بدار الحرب، فإنّ الأمان باق في ماله،

فإن رجع ليأخذ ماله، جاز سبيه.

و قال بعض الشافعيّة: لا يجوز، و يكون الأمان ثابتا، لأنّا لو سبيناه أبطلنا ملكه، و أسقطنا حكم الأمان في ماله [1].

و ليس بجيّد، لأنّ ثبوت الأمان لماله لا يثبت له الأمان، كما لو دخل إلى دار الإسلام بأمان ثم خرج إلى دار الحرب، فإنّ الأمان باق في المال دونه، و كما لو أدخل ماله بأمان و هو في دار الحرب، فإنّ الأمان لا يثبت له لو دخل دار الإسلام و يثبت لماله.

و لو أسر الحربي الذي لماله أمان، لم يزل الأمان عن ماله.

ثمّ لا يخلو إمّا أن يمنّ عليه الإمام أو يسترقّه أو يفاديه أو يقتله، فإن قتله، انتقل إلى وارثه المسلم إن كان، و إلاّ فإلى الحربي و صار فيئا، فإن فأداه أو منّ عليه، ردّ ماله إليه، و إن استرقّه، زال ملكه عنه، لأنّ المملوك لا يملك شيئا و صار فيئا، و إن أعتق بعد ذلك، لم يردّ إليه، و كذا لو مات لم يردّ على ورثته، سواء كانوا مسلمين أو كفّار، لأنّه لم يترك شيئا.

مسألة 66: إذا دخل المسلم أرض العدوّ بأمان فسرق شيئا، وجب

ص: 108


1- انظر: العزيز شرح الوجيز 476:11-477، و المهذّب - للشيرازي - 265:2، و حلية العلماء 724:7.

عليه ردّه على [1] أربابه، لأنّهم أعطوه الأمان بشرط أن يترك خيانتهم و إن لم يكن ذلك مذكورا صريحا، فإنّه معلوم من حيث المعنى.

و لو أسر المشركون مسلما ثمّ أطلقوه بأمان على أن يقيم في دارهم و يسلمون من خيانته، حرمت عليه أموالهم بالشرط، و لا يجوز عليه المقام مع القدرة على الهجرة.

و لو لم يؤمّنوه و لكن استرقّوه و استخدموه، فله الهرب و أخذ ما أمكنه من مالهم، لأنّهم قهروه على نفسه و لم يملكوه بذلك، فجاز له قهرهم.

و لو أطلقوه على مال، لم يجب الوفاء به، لأنّ الحرّ لا قيمة له.

و لو دخل المسلم دار الحرب بأمان فاقترض من حربيّ مالا و عاد إلينا و دخل صاحب المال بأمان، كان عليه ردّه إليه، لأنّ مقتضى الأمان الكفّ عن أموالهم.

و لو اقترض حربيّ من حربيّ مالا ثمّ دخل المقترض إلينا بأمان، كان عليه ردّه إليه، لأنّ الأصل وجوب الردّ، و لا دليل على براءة الذمّة منه.

و لو تزوج الحربيّ بحربيّة و أمهرها مهرا، وجب عليه ردّه عليها.

و كذا لو أسلما معا و ترافعا إلينا، فإنّا نلزم الزوج المهر إن كان ممّا يصحّ للمسلمين تملّكه، و إلاّ وجب عليه قيمته خاصّة [2].

و لو تزوّج الحربيّ بحربيّة ثمّ أسلم الحربيّ خاصّة و المهر في ذمته، لم يكن للزوجة مطالبته به، لأنّها أهل حرب و لا أمان لها على هذا المهر.

و كذا لو ماتت و لها ورثة كفّار، لم يكن لهم أيضا المطالبة به، لما مرّ في الزوجة. و لو كان الورثة مسلمين، كان لهم المطالبة به.

و لو ماتت الحربيّة ثمّ أسلم الزوج بعد موتها، كان لوارثها المسلم

ص: 109

مطالبة الزوج بالمهر، و ليس للحربيّ [1] مطالبته به. و كذا لو أسلمت قبله ثمّ ماتت، طالبه وارثها المسلم دون الحربيّ.

و لو دخل المسلم أو الحربيّ دار الحرب مستأمنا فخرج بمال من مالهم اشترى به شيئا، لم يتعرّض له، سواء كان مع المسلم أو الذمي، لأنّه أمانة معهم، و للحربيّ أمان.

و لو دفع الحربيّ إلى الذمي في دار الإسلام شيئا وديعة، كان في أمان إجماعا.

مسألة 67: إذا خلّى المشركون أسيرا مسلما من أيديهم و استحلفوه على أن يبعث إليهم فداء عنه،

أو يعود إليهم، فإن كان كرها، لم يلزمه الوفاء لهم برجوع و لا فدية إجماعا، لأنّه مكره، و إن (لم يكن مكرها) [2] لم يجب الوفاء بالمال - و به قال الشافعي(1) - لأنّه حرّ لا يستحقّون بدله، فلا يجب الوفاء بشرطه.

و قال عطاء و الحسن و الزهري و النخعي و الثوري و الأوزاعي و أحمد:

يجب الوفاء به، لقوله تعالى وَ أَوْفُوا بِعَهْدِ اللّهِ إِذا عاهَدْتُمْ (2)(3).

و ليس حجّة، لأنّه ليس على إطلاقه إجماعا، بل المعتبر فيه المصلحة الدينيّة.

و لو عجز عن المال، لم يجز له الرجوع إليهم، سواء كان رجلا أو امرأة.

أمّا المرأة: فأجمعوا على تحريم رجوعها إليهم.

ص: 110


1- الوجيز 195:2، العزيز شرح الوجيز 465:11، المهذّب - للشيرازي - 2: 244، حلية العلماء 723:7، المغني 539:10، الشرح الكبير 560:10.
2- النحل: 91.
3- المغني 539:10-540، الشرح الكبير 560:10-561.

و أمّا الرجل: فعندنا كذلك - و به قال الحسن البصري و النخعي و الثوري و الشافعي و أحمد في إحدى الروايتين(1) - لأنّ الرجوع إليهم معصية، فلا يلزمه بالشرط، كما لو كان امرأة.

و قال الزهري و الأوزاعي و أحمد في رواية [1]: يلزمه الرجوع، لأنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله عاهد قريشا على ردّ من جاءه مسلما(2)(3). و هو ممنوع.

مسألة 68: المستأمن إذا نقض العهد و رجع إلى داره،

فما خلّفه عندنا من وديعة و دين فهو باق في عهدة الأمان إلى أن يموت.

و للشافعي أربعة أوجه: أحدها: أنّه فيء. و الثاني: أنّه في أمانه إلى أن يموت، فإن مات فهو فيء. و الثالث: أنّه في أمانه، فإن مات فهو لوارثه. الرابع: أنّه في أمانه، لأنّ عقد الأمان للمال مقصود، و إلاّ فينتقض أيضا تابعا لنفسه(4).

و الرقّ كالموت في الرقيق، فإن قلنا: يبقى أمانه بعد الرقّ، فلو عتق ردّ عليه، و لو مات رقيقا، فهو فيء، إذا لا إرث من الرقيق.

و فيه قول آخر لهم مخرّج: إنّه لورثته(5).

و مهما جعلناه للوارث فله أن يدخل بلادنا لطلبه من غير عقد أمان، و هذا [2] العذر يؤمّنه، كقصد [3] السفارة.

ص: 111


1- المغني 540:10، الشرح الكبير 561:10، الوجيز 195:2، العزيز شرح الوجيز 465:11، روضة الطالبين 476:7، حلية العلماء 723:7.
2- سنن البيهقي 144:9.
3- المغني 540:10، الشرح الكبير 561:10.
4- الوجيز 196:2.
5- الوجيز 196:2.
البحث السابع: في التحكيم.
مسألة 69: إذا حصر الإمام بلدا، جاز أن يعقد عليهم أن ينزلوا على حكمه،

فيحكم فيهم بما يراه هو أو بعض أصحابه إجماعا، لأنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله لمّا حاصر بني قريظة رضوا بأن ينزلوا على حكم سعد بن معاذ، فأجابهم النبي صلّى اللّه عليه و آله إلى ذلك(1).

و هل يجوز للإمام إنزالهم على حكم اللّه تعالى ؟ قال علماؤنا بالمنع - و به قال محمد بن الحسن(2) - لما رواه العامّة عن النبي صلّى اللّه عليه و آله، قال: «إذا حاصرتم حصنا أو مدينة فأرادوكم أن تنزلوهم على حكم اللّه فلا تنزلوهم، فإنّكم لا تدرون ما حكم اللّه تعالى فيهم، و لكن أنزلوهم على حكمكم ثم اقضوا فيهم ما رأيتم»(3).

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السلام في وصيّة النبي صلّى اللّه عليه و آله: «و إذا حاصرت أهل حصن فأرادوك أن ينزلوا على حكم اللّه فلا تنزلهم و لكن أنزلهم على حكمي ثمّ اقض بينهم بعد بما شئتم فإنّكم إن أنزلتموهم على حكم اللّه لم تدروا تصيبوا حكم اللّه فيهم أم لا»(4).

و لأنّ حكم اللّه تعالى في الرجال: القتل أو المنّ أو المنّ أو الاسترقاق أو المفاداة، و في النساء: الاسترقاق أو المنّ، فيكون مجهولا، فكان الإنزال

ص: 112


1- المغازي - للواقدي - 512:2، صحيح البخاري 143:5، صحيح مسلم 3: 1388-1389-1768، المصنّف - لابن أبي شيبة - 425:14-18677، مسند أحمد 401:3-10784 و 484-11283 و 204:7-205-24573، المغني 537:10.
2- المبسوط - للسرخسي - 7:10، بدائع الصنائع 107:7.
3- صحيح مسلم 1358:3-3، سنن أبي داود 37:3-2612، سنن ابن ماجة 2: 954-2858، مسند أحمد 492:6-22521 نحوه.
4- الكافي 29:5-30-8، التهذيب 139:6-232.

على حكم اللّه مجهولا، فكان باطلا.

و قال أبو يوسف: يجوز ذلك، لأنّ حكم اللّه تعالى معلوم، لأنّه في حقّ الكفرة: القتل في المقاتلين، و الاسترقاق في ذراريهم، و الاستغنام في أموالهم(1).

و نحن نقول: حكم اللّه تعالى معلوم في حقّ قوم ممتنعين و مع الظهور عليهم، أمّا في حقّ قوم ممتنعين تركوا منعتهم باختيارهم فمجهول.

مسألة 70: يجوز أن ينزلوا على حكم الإمام أو بعض أصحابه فيحكم فيهم بما يرى بلا خلاف،

فإنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله أجاب بني قريظة لمّا رضوا بأن ينزلوا على حكم سعد بن معاذ، فحكم بقتل الرجال و سبي الذراري، فقال له النبي صلّى اللّه عليه و آله: «لقد حكم بما حكم اللّه تعالى به فوق سبعة أرقعة»(2).

قال الخليل: الرقيع اسم سماء هذه الدنيا، و يقال: كلّ واحدة رقيع للأخرى، فهي أرقعة(3).

مسألة 71: يشترط في الحاكم سبعة: الحرّيّة و الإسلام و البلوغ و العقل و الذكوريّة و الفقه و العدالة.

فالعبد ليس مظنّة للفراغ في نظر أمور الناس و كيفيّة القتال و ما يتعلّق به من المصالح، لاشتغال وقته بخدمة مولاه.

و الكافر لا شفقة له في حقّ المسلمين و لا يؤمن عليهم. و الصبي جاهل بالأمور الخفيّة المنوطة بالحرب، و كذا المجنون. و المرأة قاصرة النظر قليلة المعرفة بمواقع الحروب و مصالحها [1]. و الجاهل قد يحكم بما لا يجوز شرعا.

و الفاسق ظالم فيدخل تحت قوله تعالى وَ لا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا (4).

ص: 113


1- المبسوط - للسرخسي - 7:10، بدائع الصنائع 107:7.
2- المغازي - للواقدي - 512:2، المغني 538:10.
3- العين 157:1.
4- هود: 113.

و لا يشترط الفقه بجميع المسائل، بل بما يتعلّق بالجهاد.

و يجوز أن يكون أعمى - و به قال الشافعي و أحمد(1) - لأنّ المقصود رأيه دون بصره، و الرأي لا يفتقر إلى البصر.

و قال أبو حنيفة: لا يجوز(2) ، لأنّه لا يصلح للقضاء.

و الفرق: احتياج القاضي إلى معرفة المتداعين بالبصر، مع أنّا نمنع الحكم في الأصل.

و كذا يجوز أن يكون محدودا في القذف مع التوبة، لاجتماعه الشرائط، خلافا لأبي حنيفة(3).

و يجوز على حكم أسير معهم مسلم، لارتفاع القهر بالردّ إليه.

و قال أبو حنيفة: لا يجوز(4) ، لأنّه مقهور. و هو ممنوع.

و لو كان المسلم عندهم أو عندنا حسن الرأي فيهم، احتمل الجواز على كراهيّة، لأنّه جامع للصفات، و المنع، للتهمة.

و لو نزلوا على حكم رجل غير معيّن و يتعيّن باختيارهم، جاز، فإن اختاروا من يجوز حكمه، قبل، و إلاّ فلا، و به قال أبو حنيفة(5).

و قال الشافعي: لا يجوز إسناد الاختيار إليهم، لأنّهم قد يختارون من لا يصلح للتحكيم، أمّا لو جعلوا اختيار التعيين إلى الإمام، جاز إجماعا، لأنّه لا يختار إلاّ من يصلح للتحكيم(6).

و يجوز أن يكون الحاكم اثنين إجماعا، فإن اتّفقا، جاز. و لو مات أحدهما، لم يحكم الآخر إلاّ بعد الاتّفاق عليه أو تعيين غيره. و لو اختلفا،7.

ص: 114


1- العزيز شرح الوجيز 479:11، المهذّب - للشيرازي - 239:2، روضة الطالبين 482:7، المغني 537:10، الشرح الكبير 416:10.
2- الفتاوى الهندية 202:2.
3- الفتاوى الهندية 202:2.
4- الفتاوى الهندية 202:2.
5- بدائع الصنائع 108:7.
6- العزيز شرح الوجيز 480:11، المهذّب - للشيرازي - 239:2، روضة الطالبين 482:7.

لم ينفذ حكم أحدهما إلاّ أن يتّفقا.

و يجوز أن يكون الحاكم أكثر من اثنين إجماعا.

و لو كان أحدهما كافرا، لم يجز، لأنّ الكافر لا يركن إليه لا حالة الجمع و لا الانفراد.

و لو مات الحاكم الواحد قبل الحكم، لم يحكم غيره إلاّ أن يتّفقوا على من يقوم مقامه، فإن اتّفقوا، ردّوا إلى مأمنهم.

و لو رضوا بتحكيم فاقد أحد الشرائط و رضي به الجيش و نزلوا على ذلك إلينا ثمّ ظهر عدم صلاحيته، لم يحكم، و ردّوا إلى مأمنهم، و يكونون على الحصار كما كانوا.

مسألة 72: و ينفذ ما يحكم به الحاكم 1 ما لم يخالف مشروعا،

و يشترط أن يكون الحظّ للمسلمين. فإن حكم بقتل الرجال و سبي النساء و الذرّيّة و غنيمة المال، نفذ إجماعا، كقضيّة سعد(1) ، و إن حكم باسترقاق الرجال و سبي النساء و الولدان و أخذ الأموال، جاز أيضا، و إن حكم بالمنّ و ترك السبي بكلّ حال، جاز أيضا إذا رآه حظّا، لأنّه قد يكون مصلحة للمسلمين، و كما يجوز للإمام أن يمنّ على الأسارى مع المصلحة جاز للحاكم.

و إن حكم بعقد الذمّة و أداء الجزية، جاز، لأنّهم رضوا به، فينفذ كغيره من الأحكام، و هو أحد قولي الشافعي(2).

و في الآخر: لا يلزم، لأنّ عقد الذمّة عقد معاوضة، فلا يثبت إلاّ بالتراضي، و لهذا لا يسوغ للإمام إجبار الأسير على إعطاء الجزية(3).

ص: 115


1- تقدّمت الإشارة إلى مصادرها في ص 113، الهامش (2).
2- الوجيز 196:2-197، العزيز شرح الوجيز 481:11، المهذّب - للشيرازي - 2: 240، روضة الطالبين 483:7.
3- الوجيز 196:2-197، العزيز شرح الوجيز 481:11، المهذّب - للشيرازي - 2: 240، روضة الطالبين 483:7.

و الفرق: أنّ الأسير لم يرض بفعل الإمام و هؤلاء قد رضوا.

و إن حكم عليهم بالفداء، جاز كما جاز للإمام.

و لو حكم بالمنّ على الذريّة، قال بعض العامّة: لا يجوز، لأنّ الإمام لا يملك المنّ على الذرّيّة إذا سبوا فكذا الحاكم(1).

و قال بعضهم: يجوز، لأنّهم لم يتعيّنوا للسبي، بخلاف من سبي، فإنّه يصير رقيقا بنفس السبي(2).

و إن حكم على من أسلم بالاسترقاق و من أقام على الكفر بالقتل، جاز. و لو أراد أن يسترقّ بعد ذلك من أقام على الكفر، لم يكن له ذلك، لأنّه لم يدخل على هذا الشرط. و إن أراد أن يمنّ عليه، جاز، لأنّه ليس فيه إبطال شيء شرطه، بل فيه إسقاط ما كان شرطا من القتل.

و لو حكم بالقتل و أخذ الأموال و سبي الذرّية و رأى الإمام أن يمنّ على الرجال أو على بعضهم، جاز، لأنّ سعدا حكم على بني قريظة بقتل الرجال، ثمّ إنّ ثابت بن قيس الأنصاري سأل النبي صلّى اللّه عليه و آله أن يهب له الزبير ابن باطا اليهودي من بني قريظة ففعل(3) ، بخلاف مال الغنيمة إذا حازه المسلمون، فإنّ ملكهم قد استقرّ عليه.

مسألة 73: إذا نزلوا على حكم الحاكم فأسلموا قبل حكمه،

عصموا أموالهم و دماءهم و ذراريهم من الاستغنام و القتل و السبي، لأنّهم أسلموا و هم أحرار لم يسترقّوا و أموالهم لم تغنم.

و لو أسلموا بعد الحكم عليهم، فإن حكم بقتل الرجال و سبي الذراري و نهب الأموال، نفذ الحكم إلاّ القتل، فإنّهم لا يقتلون، لقوله عليه السلام:

ص: 116


1- المغني 539:10، الشرح الكبير 417:10.
2- المغني 539:10، الشرح الكبير 417:10.
3- المغني 539:10، الشرح الكبير 417:10.

«أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلاّ اللّه، فإذا قالوها عصموا منّي دماءهم»(1).

و لو أراد الإمام استرقاقهم بعد الإسلام، لم يجز، لأنّهم ما نزلوا على هذا الحكم، بل وجب القتل بالحكم و سقط بالإسلام.

و قال بعض العامّة: يجوز استرقاقهم كما لو أسلموا بعد الأسر(2).

و ليس بجيّد، لأنّ الأسير قد ثبت للإمام استرقاقه.

و يكون المال على ما حكم به من الاستغنام، و تسترقّ الذرّيّة.

و إذا حكم بقتل الرجال و سبي النساء و الذرّيّة و أخذ المال، كان المال غنيمة، و يجب فيه الخمس، لأنّه أخذ بالقهر و السيف.

مسألة 74: لو دخل حربيّ إلينا بأمان فقال له الإمام: إن رجعت إلى دار الحرب،

و إلاّ حكمت عليك حكم أهل الذمّة، فأقام سنة، جاز أن يأخذ منه الجزية.

و إن قال له: اخرج إلى دار الحرب، فإن أقمت عندنا صيّرت نفسك ذميّا، فأقام سنة، ثمّ قال: أقمت لحاجة، قبل قوله، و لم يجز أخذ الجزية منه، بل يردّ إلى مأمنه، لأصالة براءة الذمّة.

قال الشيخ: و إن قلنا: إنّه يصير ذمّيا، كان قويّا، لأنّه خالف الإمام(3).

و لو حكم الحاكم بالردّ، لم يجز، لأنّه غير مشروع و قد قلنا: إنّ حكم الحاكم يشترط فيه المشروعيّة.

ص: 117


1- المغني 536:10، الشرح الكبير 412:10، و نحوه في صحيح البخاري 2: 131، و سنن أبي داود 44:3-2640، و سنن النسائي 14:5، و سنن الدارمي 218:2.
2- المغني 539:10، الشرح الكبير 417:10.
3- المبسوط - للطوسي - 16:2.

و لو اتّفقوا على حاكم جامع للشرائط، جاز أن يحكم إجماعا، كما تقدّم، و لا يجب عليه الحكم سواء قبل التحكيم أو لم يقبله، بل يجوز له أن يخرج نفسه من الحكومة، لأنّه دخل باختياره، فجاز أن يخرج باختياره.

و لو حكم الحاكم بغير السائغ، لم ينفذ، فإن رجع و حكم بالسائغ، فالوجه نفوذه، لأنّ الأوّل لا اعتبار به في نظر الشرع، فلا يخرجه عن الحكومة، كما لو وكّله المالك في بيع سلعة بألف فباعها بخمسمائة ثمّ باعها بألف.

و قال أبو حنيفة: لا يجوز حكمه استحسانا(1).

و ينفذ حكم الحاكم على الإمام، فليس للإمام أن يقضي بما فوقه، و له أن يقضي بما دونه، فإنه قضى بغير القتل، فليس للإمام القتل، و إن قضى بالقتل، فهل له الاسترقاق و فيه ذلّ مؤبّد؟ للشافعيّة وجهان(2).

و كذا الوجهان لو حكم بقبول الجزية فهل يجبرون و هو عقد مراضاة ؟ فإن قلنا: يلزمهم، فمنعهم كمنع أهل الذمّة الجزية(3).

و لو حكم بالإرقاق فأسلم واحد منهم قبل الإرقاق، ففي جواز إرقاقه للشافعيّة وجهان(4).

و كذا الخلاف في كلّ كافر لا يرقّ بنفس الأسر إذا أسلم قبل الإرقاق(5).

و لو شرط أن يسلّم إليه مائة نفر فعدّ مائة، قتلناه، لأنّه وفّى المائة.4.

ص: 118


1- الفتاوى الهندية 201:2-202.
2- الوجيز 196:2، العزيز شرح الوجيز 481:11، روضة الطالبين 483:7.
3- الوجيز 196:2-197، العزيز شرح الوجيز 481:11.
4- الوجيز 197:2، العزيز شرح الوجيز 482:11، روضة الطالبين 483:7.
5- الوجيز 197:2، العزيز شرح الوجيز 483:11-484.

الفصل الرابع في الغنائم

اشارة

و فيه بابان:

الأوّل: في أقسامها.
اشارة

الغنيمة هي الفائدة المكتسبة سواء اكتسبت برأس مال و شبهه، كأرباح التجارات و الزراعات و الصناعات و غيرها، أو اكتسبت بالقتال و المحاربة، و قد مضى(1) حكم الأوّل، و البحث هنا في القسم الثاني.

و أقسامه ثلاثة: ما ينقل و يحوّل، كالأمتعة و الأقمشة و الدوابّ و النقدين و غيرها، و ما لا ينقل و لا يحوّل، كالأراضي، و ما هو سبي، كالنساء و الأطفال.

البحث الأوّل: فيما ينقل و يحوّل.
مسألة 75: الغنيمة من دار الحرب ما أخذت بالغلبة و الحرب و إيجاف الخيل و الركاب.

و أمّا الفيء فهو مشتقّ من «فاء يفيء» إذا رجع، و المراد به في قوله تعالى ما أَفاءَ اللّهُ عَلى رَسُولِهِ (2) ما حصل و رجع عليه من غير قتال و لا إيجاف بخيل و لا ركاب، و ما هذا حكمه فهو للرسول عليه السلام خاصّة و لمن قام بعده من الأئمّة عليه السلام دون غيرهم.

و ما يؤخذ بالفزع، مثل أن ينزل المسلمون على حصن أو قلعة

ص: 119


1- مضى في ج 5 ص 420.
2- الحشر: 6.

فيهرب أهله و يتركون أموالهم فيه فزعا، فإنّه يكون من جملة الغنائم التي تخمّس، و أربعة الأخماس للمقاتلة، كالغنائم.

و قال الشافعي: إنّ ذلك من جملة الفيء، لأنّ القتال ما حصل فيه(1).

قال الشيخ رحمه اللّه: و هو الأقوى(2).

و قد كانت الغنيمة محرّمة فيما تقدّم من الشرائع، و كانوا يجمعون الغنيمة فتنزل النار من السماء فتأكلها، فلمّا أرسل اللّه محمّدا صلّى اللّه عليه و آله أنعم بها عليه، فجعلها له خاصّة.

قال اللّه تعالى يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ قُلِ الْأَنْفالُ لِلّهِ وَ الرَّسُولِ (3).

و روي عن النبي صلّى اللّه عليه و آله أنّه قال: «أحلّ لي الخمس و لم يحل لأحد قبلي.. و جعلت لي الغنائم»(4).

و قال عليه السّلام: «أعطيت خمسا لم يعطهنّ أحد قبلي» و ذكر من جملتها «أحلّت لي الغنائم»(5) فاعطي عليه السّلام الغنائم بقوله قُلِ الْأَنْفالُ لِلّهِ وَ الرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللّهَ وَ أَصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكُمْ (6) نزلت يوم بدر لمّا تنازعوا في الغنائم، فقسّمها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و أدخل معهم جماعة لم يحضروا الوقعة، لأنّها كانت له عليه السّلام يصنع بها ما شاء، ثمّ نسخ ذلك و جعلت للغانمين أربعة1.

ص: 120


1- الوجيز 288:1، العزيز شرح الوجيز 326:7، المهذّب - للشيرازي - 2: 248، منهاج الطالبين: 198، روضة الطالبين 316:5، الحاوي الكبير 388:8، حلية العلماء 690:7.
2- المبسوط - للطوسي - 64:2.
3- الأنفال: 1.
4- أورده الشيخ الطوسي في المبسوط 64:2.
5- صحيح البخاري 119:1، صحيح مسلم 370:1-371-521، سنن الدارمي 224:2، مسند أحمد 495:1-2737، و 237:4-13852.
6- الأنفال: 1.

أخماسها، و الخمس الباقي لمستحقّه(1) ، و لا نعلم فيه خلافا.

مسألة 76: ما يحويه العسكر ممّا ينقل و يحوّل إن لم يصح تملّكه للمسلمين كالخمور و الخنازير،

فليس غنيمة، و ما يصحّ تملكه غنيمة إن أخذته الفئة المجاهدة على سبيل الغلبة دون ما يختلس و يسرق، فإنّه خاصّ للمختلس، و دون ما ينجلي عنه الكفّار من غير قتال، فإنّه فيء، و دون اللقطة، فإنّها لآخذها.

أمّا الغنيمة: فهي للغانمين خاصّة يخرج منها الخمس لأربابه، و الباقي للغانمين.

و أمّا الأشياء المباحة في الأصل - كالصيود و الأحجار و الأشجار - فإن لم يكن عليها(2) أثر لهم، فهي(3) لواجدها(4) ، و ليست(5) غنيمة، و به قال الشافعي و مكحول و الأوزاعي(6) ، خلافا لأبي حنيفة و الثوري حيث جعلاها(7) للمسلمين(8).

و لو كان عليها(9) أثر - كالطير المقصوص و الأشجار المقطوعة و الأحجار المنحوتة - فهي(10) غنيمة.

ص: 121


1- المغازي - للواقدي - 131:1، أحكام القرآن - للجصّاص - 45:3، التفسير الكبير 115:15، الجامع لأحكام القرآن 360:7، أسباب النزول - للنيسابوري -: 132.
2- في «ق، ك» و الطبعة الحجريّة: عليه.. فهو.. لواجده.. ليس. و ما أثبتناه يقتضيه السياق.
3- في «ق، ك» و الطبعة الحجريّة: عليه.. فهو.. لواجده.. ليس. و ما أثبتناه يقتضيه السياق.
4- في «ق، ك» و الطبعة الحجريّة: عليه.. فهو.. لواجده.. ليس. و ما أثبتناه يقتضيه السياق.
5- في «ق، ك» و الطبعة الحجريّة: عليه.. فهو.. لواجده.. ليس. و ما أثبتناه يقتضيه السياق.
6- روضة الطالبين 458:7، العزيز شرح الوجيز 426:11، المغني 477:10 - 478، الشرح الكبير 477:10.
7- في «ق، ك» و الطبعة الحجريّة: جعلاه. و ما أثبتناه لأجل السياق.
8- المغني و الشرح الكبير 477:10.
9- في «ق، ك» و الطبعة الحجريّة: عليه.. فهو. و ما أثبتناه يقتضيه السياق.
10- في «ق، ك» و الطبعة الحجريّة: عليه.. فهو. و ما أثبتناه يقتضيه السياق.

و لو وجد في دار الحرب شيء يحتمل أن يكون للمسلمين و الكفّار - كالخيمة و السلاح - فالوجه: أنّه لقطة.

و قال الشيخ: يعرّف سنة ثمّ يلحق بالغنيمة(1). و به قال أحمد(2).

فإن وجد قدح منحوت في الصحراء فعرفه المسلمون، فهو لهم، و إلاّ فغنيمة، لأنّه في دارهم.

و لو وجد صيدا في أرضهم لا مالك له و احتاج إلى أكله، فإنّه له، و لا يردّه إجماعا، لأنّه لو وجد طعاما مملوكا للكفّار، كان له أكله إذا احتاج إليه، فالصيد المباح أولى.

و لو أخذ من بيوتهم أو خارجها ما لا قيمة له في أرضهم كالمسنّ [1]، فهو أحقّ به إجماعا. و لو صار له قيمة بنقله أو معالجته، فكذلك، و به قال أحمد و مكحول و الأوزاعي و الشافعي(3).

و قال الثوري: إذا دخل به دار الإسلام، دفعه في المغنم [2]، و إن عالجه فصار له ثمن، اعطي بقدر عمله فيه، و دفع في المغنم [3](4).

و ليس شيئا، لأنّ القيمة صارت له بعلمه و نقله، فلم يكن غنيمة حال أخذه.0.

ص: 122


1- المبسوط - للطوسي - 30:2.
2- المغني 480:10، الشرح الكبير 476:10.
3- المغني 478:10، الشرح الكبير 477:10.
4- المغني 478:10، الشرح الكبير 477:10.

و لو ترك صاحب المغنم [1] شيئا من الغنيمة عجزا عن حمله فقال:

من حمله فهو له، جاز، و صار لآخذه. و به قال مالك(1) ، خلافا لبعض العامّة(2).

و لو وجد في أرضهم ركازا، فإن كان في موضع يقدر عليه بنفسه، فهو له، كما لو وجده في دار الإسلام، يخرج خمسه، و الباقي له.

و إن لم يقدر عليه إلاّ بجماعة المسلمين، فإن كان في مواتهم، قال الشافعي: يكون كما لو وجده في دار الإسلام، و إلاّ فهو غنيمة(3).

و قال مالك و الأوزاعي و الليث و أحمد: هو غنيمة، سواء كان في مواتهم أو غير مواتهم، لأنّه مال مشترك ظهر عليه بقوّة جيش المسلمين، فكان غنيمة، كالأموال الظاهرة(4).

مسألة 77: لا يجوز التصرّف في شيء من الغنيمة قبل القسمة إلاّ ما لا بدّ للغانمين منه،

كالطعام، و ضابطه: القوت و ما يصلح به القوت، كاللحم و الشحم، و كلّ طعام يعتاد أكله، و علف الدوابّ: التبن و الشعير و ما في معناهما، إجماعا، إلاّ من شذّ(5) - و به قال سعيد بن المسيّب و عطاء و الحسن البصري و الشعبي و الثوري و الأوزاعي و مالك و الشافعي و أحمد و أصحاب الرأي(6) - لما رواه العامّة عن ابن عمر، قال: كنّا نصيب العسل

ص: 123


1- المنتقى - للباجي - 177:3، المغني 478:10، الشرح الكبير 477:10.
2- المغني 478:10-479، الشرح الكبير 477:10.
3- المغني 479:10، الشرح الكبير 476:10.
4- المغني 479:10، الشرح الكبير 476:10.
5- كما في المغني 480:10، و الشرح الكبير 460:10.
6- المغني 480:10-481، الشرح الكبير 460:10، المحرّر في الفقه 177:2 - 178، الوجيز 192:2، العزيز شرح الوجيز 427:11، المهذّب - للشيرازي - 241:2، روضة الطالبين 459:7، حلية العلماء 667:7.

و الفواكه في مغازينا فنأكله و لا نرفعه(1).

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السّلام في وصيّة النبي صلّى اللّه عليه و آله:

«و لا تحرقوا زرعا لأنّكم لا تدرون لعلّكم تحتاجون إليه، و لا تعقروا من البهائم ما يؤكل لحمه إلاّ ما لا بدّ لكم من أكله»(2).

و لأنّ الحاجة تشتدّ إلى ذلك، فإنّ نقل الميرة(3) عسر جدّا، و قسمته تستلزم عدم الانتفاع بما يحصل منه.

و قال الزهري: لا يؤخذ إلاّ بإذن الإمام، لأنّه غنيمة، فهو لأربابه(4).

و هو ممنوع، لاشتداد الحاجة.

و هل يجوز أخذ الطعام أو العلف مع عدم الحاجة ؟ الوجه: المنع، لأنّه مغنوم لجماعة الغانمين غير محتاج إليه، فأشبه سائر الأموال. نعم، لهم التزوّد لقطع المسافة بين أيديهم.

و قال بعض العامّة: يجوز مع عدم الحاجة أيضا(5) ، لأن عمر سوّغ الأكل(6) ، و لم يقيّد بالحاجة.

و الحيوان المأكول يجوز ذبحه و الأكل منه مع الحاجة، و لا تجب القيمة، لأصالة البراءة.0.

ص: 124


1- صحيح البخاري 116:4.
2- الكافي 29:5-8، التهذيب 138:6-232.
3- الميرة: الطعام. الصحاح 821:2 «مير».
4- المغني 481:10، الشرح الكبير 460:10، حلية العلماء 667:7.
5- العزيز شرح الوجيز 429:11-430، المهذّب - للشيرازي - 241:2، حلية العلماء 667:7، الحاوي الكبير 167:14.
6- سنن سعيد بن منصور 274:2-275-2750، المغني 481:10، الشرح الكبير 461:10.

و لا فرق بين الغنم و غيرها.

و قال بعض الشافعيّة: ما يمكن سوقه يساق، و أمّا الغنم فتذبح، لأنّها كالأطعمة، و لهذا قال عليه السّلام حين سئل عن ضالّتها: «هي لك أو لأخيك أو للذئب»(1)(2).

و قال بعض العامّة: تجب القيمة، لندور الحاجة إليه، بخلاف الطعام(3).

و ليس بشيء، لأنا فرضنا الحاجة.

و إذا ذبح الحيوان للأكل، ردّ الجلود إلى المغنم، و لا يجوز استعمالها، لعدم الحاجة إليها. و لو استعمل الجلد في سقاء أو نعل أو شراك، ردّه إلى المغنم مع اجرة المثل لمدّة استعماله و أرش نقص أجزائه بالاستعمال. و لو زادت قيمته بالصنعة، فلا شيء له، لأنّه متعدّ.

و أمّا ما عدا الطعام و العلف و اللحم فلا يجوز تناوله و لا استعماله و لا الانفراد به، لقوله عليه السّلام: «أدّوا الخيط و المخيط فإنّ الغلول عار و نار و شنار يوم القيامة»(4).

و للشافعيّة في الفواكه وجهان(5).7.

ص: 125


1- صحيح البخاري 163:3، صحيح مسلم 1346:3-1347-1722، سنن أبي داود 137:2-1712، سنن الترمذي 655:3-656-1372، سنن ابن ماجة 836:2-837-2504، الموطأ 757:2-46.
2- العزيز شرح الوجيز 429:11.
3- العزيز شرح الوجيز 429:11، روضة الطالبين 459:7، حلية العلماء 7: 667.
4- سنن ابن ماجة 950:2-951-2850.
5- الوجيز 192:2، العزيز شرح الوجيز 427:11، حلية العلماء 667:7، المهذّب - للشيرازي - 241:2، روضة الطالبين 459:7.

و يمكن الفرق بين ما يسرع إليه الفساد و يشقّ نقله و بين غيره.

و أمّا الدهن المأكول فيجوز استعماله في الطعام مع الحاجة، لأنّه نوع من الطعام. و لو كان غير مأكول، فإن احتاج إلى أن يدهن به أو دابّته، لم يكن له ذلك إلاّ بالقيمة، قاله الشافعي، لأنّه ممّا لا تعمّ الحاجة إليه، و لا هو طعام و لا علف(1).

و قال بعض العامّة: يجوز، لأنّ الحاجة إليه في إصلاح بدنه و دابّته كالحاجة إلى الطعام و العلف(2).

و يجوز أن يأكل ما يتداوى به أو يشربه - كالجلاب و السكنجبين و غيرهما - عند الحاجة، لأنّه من الطعام.

و قال أصحاب الشافعي: ليس له تناوله، لأنّه ليس قوتا و لا يصلح به القوت(3).

و الوجه: الجواز، لأنّه يحتاج إليه، فأشبه الفواكه.

و ليس له غسل ثوبه بالصابون، لأنّه ليس طعاما و لا علفا، و إنّما يراد للتحسين و التزيين لا للضرورة.

و لا يجوز الانتفاع بجلودهم و لا اتّخاذ النعال منها و لا الجرب [1] و لا الخيوط و لا الحبال - و به قال الشافعي(4) - لأنّه مال غنيمة لا تعمّ الحاجة0.

ص: 126


1- الامّ 263:4، المهذّب - للشيرازي - 241:2، المغني 483:10، الشرح الكبير 463:10.
2- المغني 482:10-483، الشرح الكبير 463:10.
3- المغني 483:10، الشرح الكبير 463:10.
4- الامّ 263:4، الوجيز 192:2، العزيز شرح الوجيز 429:11، المهذّب - للشيرازي - 241:2، المغني 484:10.

إليه، فلا يختصّ به البعض.

و رخّص مالك في الحبل يتّخذ من الشعر، و النعل و الخفّ يتخذ من جلود البقر(1).

مسألة 78: الكتب التي لهم: فإن كان الانتفاع بها حلالا - كالطبّ

و الأدب و الحساب و التواريخ - فهي غنيمة، و إن حرم الانتفاع بها - مثل كتب الكفر و الهجو و الفحش المحض - فلا يترك [1] بحاله، بل يغسل إن كان على رقّ [2] أو كاغذ ثخين يمكن غسله، ثمّ هو كسائر أموال الغنيمة، و إن لم يكن، أبطلت منفعته بالتمزيق، ثم الممزّق كسائر الأموال، فإنّ للممزّق قيمة و إن قلّت.

و كذا كتب التوراة و الإنجيل، لأنّها مبدّلة محرّفة، فلا يجوز الانتفاع بها، و إنّما تقرّ في أيدي أهل الذمّة، لاعتقادهم، كما يقرّون على الخمر.

و الأولى أنّها لا تحرق، لما فيها من أسماء اللّه تعالى.

و أمّا جوارح الصيد - كالفهد و البازي و كلب الصيد - فغنيمة. و لو لم يرغب فيها أحد من الغانمين، جاز إرسالها و إعطاؤها غير الغانمين. و لو رغب فيها بعض الغانمين، دفعت إليه، و لا تحسب عليه من نصيبه، لأنّه لا قيمة لها. و إن رغب فيها الجميع، قسّمت، و لو تعذّرت القسمة أو تنازعوا في الجيّد منها، أقرع بينهم.

و قال بعض الشافعيّة: إنّ الإمام يخصّ بالكلاب من شاء(2).

ص: 127


1- المدوّنة الكبرى 36:2، المغني 484:10، الشرح الكبير 464:10.
2- الوجيز 191:2، العزيز شرح الوجيز 423:11.

قالوا: و للإمام أن يسلّمها إلى واحد من المسلمين لعلمه باحتياجه إليه [1]، و لا يكون محسوبا عليه(1).

و اعترض عليه: بأنّ الكلب منتفع به، فليكن حقّ اليد فيه لجميعهم، كما أنّ من مات و له كلب، لا يستبدّ به بعض الورثة(2).

و قال بعضهم: إن أراده بعض الغانمين أو بعض أهل الخمس و لم ينازع فيه، سلّم إليه، و إن تنازعوا، فإن وجدنا كلابا و أمكنت القسمة عددا، قسّمت و إلاّ أقرع بينهم، و قد تعتبر قيمتها عند من يرى لها قيمة أو ينظر إلى منافعها(3).

و لو وجدوا خنازير، قتلوها، لحصول الأذى منها.

و لو وجدوا خمرا، أراقوه، و لو كان لظروفه قيمة، أخذوها غنيمة، إلاّ أن تزيد مئونة الحمل على قيمتها أو تساويها فيتلفها عليهم.

و لا يجوز لبس ثياب الغنيمة و لا ركوب دوابّها، لأنّه مال مغنوم، فلا يختصّ به أحد.

و لو كان للغازي دوابّ أو رقيق، جاز له أن يطعمهم ممّا يجوز له أكله، سواء كانوا للقنية أو للتجارة، للحاجة، بخلاف ما لو كان معه بزاة أو صقور، لعدم الحاجة إليها، بخلاف الخيل.

و لا يجوز استعمال أسلحة الكفّار إلاّ أن يضطرّ إليه في القتال، فإذا انقضى الحرب، ردّه إلى المغنم، و به قال الشافعي(4).7.

ص: 128


1- العزيز شرح الوجيز 423:11، روضة الطالبين 457:7.
2- كما في العزيز شرح الوجيز 423:11-424، و روضة الطالبين 457:7.
3- العزيز شرح الوجيز 424:11، روضة الطالبين 457:7.
4- العزيز شرح الوجيز 429:11، روضة الطالبين 459:7.

و قال أبو حنيفة: يجوز استعمال أسلحتهم(1).

و لو جمعت الغنائم و ثبتت يد المسلمين عليها و فيها طعام أو [1] علف، لم يجز لأحد أخذه إلاّ لضرورة، لأنّا أبحنا له الأخذ قبل استيلاء يد المسلمين عليها مع الضرورة، فبعد الاستيلاء أولى. و لأنّ الغانمين ملكوها بالحيازة، فخرجت عن المباحات، فلا يجوز الأكل منها إلاّ أن لا يجد غيره، لأنّ حفظ النفس واجب، سواء حيزت في دار الحرب أو دار الإسلام.

و قال بعض العامّة: إن حيزت في دار الحرب، جاز الأكل، كما جاز قبل الحيازة، لأنّ دار الحرب مظنّة الحاجة(2).

و هو غلط، لأنّ المسلمين ملكوه، فلا يباح أخذه إلا بإذن. و لأنّ الحيازة في دار الحرب تثبت الملك، كالحيازة في دار الإسلام، و لهذا جاز قسمته، و تثبت فيه أحكام الملك.

مسألة 79: لو فضل معه من الطعام فضلة فأدخله دار الإسلام، ردّه إلى المغنم و إن قلّ،

فإن كانت الغنيمة لم تقسّم، ردّ في المغنم، و إن قسّمت، ردّه إلى الإمام، فإن أمكن تفريقه كالغنيمة، فرّق، و إن لم يمكن، لتفرّق الغانمين و قلّة ذلك، احتمل جعله في المصالح.

و لا خلاف في وجوب ردّ الكثير، لأنّ المباح أخذ ما يحتاج إليه في دار الحرب، فالفاضل غير محتاج إليه، فيردّ.

ص: 129


1- الهداية - للمرغيناني - 144:2، بدائع الصنائع 124:7، شرح معاني الآثار 3: 251، العزيز شرح الوجيز 429:11.
2- المغني 491:10، الشرح الكبير 466:10-467.

و أما القليل فكذلك - و هو أحد قولي الشافعي و قول أبي حنيفة و أبي ثور و ابن المنذر و أحمد في إحدى الروايتين(1) - لقوله عليه السّلام: «أدّوا [1] الخيط و المخيط»(2).

و لأنّه مال لم يقسّم، فأشبه الكثير.

و قال مالك: يكون مباحا لا يجب ردّه إلى المغنم - و به قال الأوزاعي و عطاء الخراساني و مكحول و الشافعي في القول الآخر، و أحمد في الرواية الأخرى - لأنّه أبيح إمساكه عن القسمة، فأبيح في دار الإسلام، كمباحات دار الحرب(3).

و الفرق ظاهر.

و عن أبي حنيفة أنّه إن كان ذلك قبل قسمة الغنيمة، ردّه إلى المغنم، و إن كان بعدها، باعه و تصدّق بثمنه(4).

مسألة 80: ما يؤخذ من أموال المشركين حال الحرب بالقهر،

فهو

ص: 130


1- الامّ 262:4، الوجيز 192:2، العزيز شرح الوجيز 430:11، المهذّب - للشيرازي - 241:2، حلية العلماء 668:7، الحاوي الكبير 169:14، التنبيه في الفقه الشافعي: 234، روضة الطالبين 460:7، المغني 486:10-487، الشرح الكبير 466:10.
2- سنن ابن ماجة 950:2-2850.
3- المدوّنة الكبرى 38:2، الحاوي الكبير 169:14، الوجيز 192:2، العزيز شرح الوجيز 430:11-431، المهذّب - للشيرازي - 241:2، روضة الطالبين 460:7، حلية العلماء 668:7، التنبيه في الفقه الشافعي: 234-235، المغني 487:10، الشرح الكبير 466:10.
4- الهداية - للمرغيناني - 145:2، العزيز شرح الوجيز 431:11، الحاوي الكبير 170:14، حلية العلماء 668:7.

للمقاتلة يؤخذ منه الخمس، و الباقي للغانمين. و ما تأخذه سريّة بغير إذن الإمام، فهو للإمام خاصّة عندنا. و ما يتركه المشركون فزعا و يفارقونه من غير حرب، فهو للإمام أيضا. و ما يؤخذ صلحا أو جزية، فهو للمجاهدين، و مع عدمهم يقسم في فقراء المسلمين، و ما يؤخذ غيلة من أهل الحرب إن كان في زمان الهدنة، أعيد إليهم، فإن لم يكن كان لآخذه، و فيه الخمس.

و من مات من أهل الحرب و خلّف مالا فماله للإمام إذا لم يكن له وارث.

و قال بعض الشافعيّة: لو دخل واحد أو شرذمة دار الحرب مستخفين و أخذوا مالا على صورة السرقة، كان ملكا لآخذه خاصّة، لأنّ السارق يقصد تملك المال و إثبات اليد عليه، و مال الحربي غير معصوم، فكأنّه غير مملوك، و صار سبيله سبيل الاستيلاء على المباحات، بخلاف مال الغنيمة، فإنّه و إن حصل في يد الغانمين فليس مقصودهم التملّك، إذ لا يجوز التغرّر بالمهج لاكتساب الأموال، و إنّما الغرض الأعظم رفع كلمة اللّه تعالى، و قمع أعداء الدين، و للقصد أثر ظاهر فيما يملك بالاستيلاء(1).

و قال بعضهم: إنّه غنيمة مخمّسة، كأنّهم جعلوا دخوله دار الحرب و تغريره بنفسه قائما مقام القتال، و لهذا قالوا: لو غزت طائفة بغير إذن الإمام متلصّصين و أخذت مالا، فهو غنيمة مخمّسة(2).

و روي عن أبي حنيفة أنّه لا يخمّس، بل ينفردون به إذا لم يكن لهم قوّة و امتناع(3).

و في رواية أخرى: يؤخذ الجميع منهم، و يجعل في بيت المال(4).

و قال بعض الشافعيّة: إذا دخل الرجل الواحد دار الحرب و أخذ من1.

ص: 131


1- العزيز شرح الوجيز 425:11، روضة الطالبين 457:7.
2- العزيز شرح الوجيز 425:11، روضة الطالبين 457:7.
3- العزيز شرح الوجيز 425:11.
4- العزيز شرح الوجيز 425:11.

حربيّ مالا بالقتال، أخذ منه الخمس، و الباقي له، و إن أخذه على جهة السوم ثمّ جحد أو هرب، فهو له خاصّة و لا خمس(1).

و قال بعضهم: ما يؤخذ بالاختلاس يملك المختلسون أربعة أخماسه، لأنّهم ما وصلوا إليها إلاّ بتغرير أنفسهم، كما لو قاتلوا(2).

و عن أبي إسحاق أنّ المختلس يكون فيئا، لأنّه حصل بغير إيجاف خيل و لا ركاب(3) ، كما هو مذهبنا.

و قال بعضهم: هذا إذا دخل الواحد أو النفر اليسير دار الحرب و أخذوا، فأمّا إذا أخذ بعض الجند الداخلين بسرقة و اختلاس، فهو غلول، لأنّهم قالوا: ما يهديه الكافر إلى الإمام أو إلى واحد من المسلمين و الحرب قائمة لا ينفرد به المهدى إليه، بل يكون غنيمة، بخلاف ما إذا أهدى من دار الحرب إلى دار الإسلام(4).

و قال أبو حنيفة: إنّه ينفرد المهدى إليه بالهديّة بكلّ حال(5).

و المال الضائع الذي يؤخذ على هيئة اللقطة إن علم أنّه للكفّار، قال بعض الشافعيّة: إنّه يكون لواجده، لأنّه ليس مأخوذا بقوّة الجند أو قوّة الإسلام حتى يكون فيئا، و لا بالقتال حتى يكون غنيمة(6).7.

ص: 132


1- العزيز شرح الوجيز 425:11، روضة الطالبين 457:7.
2- الحاوي الكبير 207:14، العزيز شرح الوجيز 425:11، روضة الطالبين 7: 457-458.
3- الحاوي الكبير 206:14-207، العزيز شرح الوجيز 425:11، روضة الطالبين 458:7.
4- العزيز شرح الوجيز 425:11، روضة الطالبين 458:7، و انظر: الحاوي الكبير 223:14.
5- العزيز شرح الوجيز 425:11، و انظر: مختصر اختلاف العلماء 498:3-1650.
6- العزيز شرح الوجيز 425:11، روضة الطالبين 458:7.

و قال بعضهم: يكون غنيمة لا يختصّ به الآخذ(1).

و لو أمكن أن يكون للمسلمين، وجب تعريفه يوما أو يومين، لأنّه يكفي إنهاء التعريف إلى الأجناد إذا لم يكن مسلم سواهم، و لا ينظر إلى الاحتمال (بطروق التجّار) [1].

و قال بعضهم: إنّه يعرّف سنة على ما هو قاعدة التعريف(2).

و قال بعضهم: لو وجد ضالّة في دار الحرب، فهو غنيمة، فالخمس لأهله، و الباقي له و لمن معه. و لو وجد ضالّة لحربيّ في دار الإسلام، لا يختصّ هو به، بل يكون فيئا. و كذا لو دخل صبي أو امرأة بلادنا فأخذه رجل، يكون فيئا. و لو دخل منهم رجل فأخذه مسلم، يكون غنيمة، لأنّ لآخذه مئونة، و يرى الإمام فيه رأيه، فإن رأى استرقاقه، كان الخمس لأهله، و الباقي لمن أخذه، بخلاف الضالّة، لأنّها مال الكفّار حصل في أيدينا من غير قتال(3).

مسألة 81: لو أتلف بعض الغانمين من طعام الغنيمة شيئا، ضمن

لأنّه لم يستعمله في الوجه السائغ شرعا، و ما يأخذه لا يملكه بالأخذ و لكن أبيح له الأخذ و الأكل.

و لو أخذ بعض الغانمين فوق ما يحتاج إليه و أضاف به غانما أو غانمين، جاز، و ليس فيه إلاّ إتعاب نفسه بالطبخ و إصلاح الطعام.

ص: 133


1- العزيز شرح الوجيز 426:11، روضة الطالبين 458:7.
2- العزيز شرح الوجيز 426:11، المهذّب - للشيرازي - 242:2، روضة الطالبين 458:7.
3- العزيز شرح الوجيز 426:11، روضة الطالبين 458:7.

و ليس له أن يضيف غير الغانمين، فإن فعل، فعلى الآكل الضمان إن كان عالما، و إن كان جاهلا، استقرّ الضمان على المضيف.

و لو لحق الجند مدد بعد انقضاء القتال و حيازة الغنيمة، فالوجه: أنّ لهم الأكل في موضع يشاركون في القسمة. و للشافعيّة وجهان، أحدهما:

الجواز، لحصوله في دار الحرب التي هي مظنّة عزّة الطعام. و أصحّهما عندهم: المنع، لأنّه معهم كغير الضيف(1).

مسألة 82: إنّما يسوغ للغانمين أكل ما سوّغناه إذا كانوا في دار الحرب

التي تعزّ فيها الأطعمة على المسلمين، فإذا انتهوا إلى عمران دار الإسلام و تمكنوا من الشراء، أمسكوا.

و لو خرجوا عن دار الحرب و لم ينتهوا إلى عمران دار الإسلام، فالأقرب جواز الأكل، لبقاء الحاجة الداعية إليه، فإنّهم لا يجدون من يبيعهم و لا يصادفون سوقا. و هو أحد وجهي الشافعيّة(2).

و الثاني: المنع، لأنّ مظنّة الحاجة دار الحرب، فيناط الحكم بها(3).

و لو وجدوا سوقا في دار الحرب و تمكّنوا من الشراء، احتمل جواز الأكل، للعموم.

و هو أظهر وجهي الشافعيّة، لأنّهم جعلوا دار الحرب في إباحة الطعام بمنزلة السفر في الرخص، فإنّ الرخص [1] و إن ثبتت [2] لمشقّة السفر

ص: 134


1- الوجيز 192:2، العزيز شرح الوجيز 430:11، روضة الطالبين 460:7.
2- الوجيز 192:2، العزيز شرح الوجيز 431:11، روضة الطالبين 460:7-461.
3- الوجيز 192:2، العزيز شرح الوجيز 431:11، روضة الطالبين 460:7-461.

فالمترفّه الذي لا مشقّة عليه يشارك فيها من حصلت له المشقّة(1).

و ليس للغانم أن يقرض ما أخذه من الطعام أو العلف من غير الغانمين أو يبيعه، فإن فعل، فعلى من أخذه ردّه إلى المغنم. فإن أقرضه غانما آخر، فليس ذلك قرضا حقيقيّا، لأنّ الآخذ لا يملك ما يأخذه حتى يملّكه غيره.

و حينئذ فالأقرب أنّه ليس للمقرض مطالبة المقترض بالعين أو المثل ما داما في دار الحرب، و لا يلزم الآخذ الردّ، لأنّ المستقرض من أهل الاستحقاق أيضا، فإذا حصل في يده، فكأنّه أخذه بنفسه. و هو أحد وجهي الشافعيّة(2).

و الثاني: أنّ له مطالبته بالعين أو المثل ما داما في دار الحرب، لأنّه إذا أخذه صار أحق به، و لم تزل يده عنه إلاّ ببدل.

و على هذا الوجه له مطالبته بردّ مثله من المغنم لا من خالص ملكه، فلو ردّ عليه من خالص ملكه، لم يأخذه المقرض، لأنّ غير المملوك لا يقابل بالمملوك حتى لو لم يكن في المغنم طعام آخر سقطت المطالبة. و إذا ردّ من المغنم، صار الأوّل أحقّ به، لحصوله في يده.

و على هذا الوجه إذا دخلوا دار الإسلام انقطعت حقوق الغانمين عن أطعمة المغنم، فيردّ المستقرض على الإمام.

و إذا دخلوا دار الإسلام و قد بقي عين القرض في يد المستقرض، بني على أنّ الباقي من طعام المغنم هل يجب ردّه إلى المغنم ؟ إن قلنا:

نعم، ردّه إلى المغنم، و إن قلنا: لا، فإن جعلنا للقرض اعتبارا، فيردّه إلى المقرض، و إن قلنا: لا اعتبار له، فلا يلزمه شيء(3).

مسألة 83: لو باع الغانم ما أخذه من غانم آخر بمال آخر أخذه

من

ص: 135


1- الوجيز 192:2، العزيز شرح الوجيز 431:11، روضة الطالبين 461:7.
2- الوجيز 192:2، العزيز شرح الوجيز 432:11، روضة الطالبين 461:7.
3- الوجيز 192:2، العزيز شرح الوجيز 432:11، روضة الطالبين 461:7.

الغنيمة، فهو إبدال مباح بمباح، كإبدال الضيوف [1] لقمة بلقمة، و كلّ منهما أولى بما تناوله من يد الآخر.

و لو تبايعا صاعا بصاعين، لم يكن ذلك ربا، لأنّه ليس معاوضة حقيقيّة، بل هو كما لو كان في يد عبده طعام فتقابضا صاعا بصاعين.

قال بعض الشافعيّة: من جعل للقرض اعتبارا يلزمه أن يجعل للبيع [2] اعتبارا حتى يجب على الآخذ تسليم صاع إلى بائعه. و إن تبايعا صاعا بصاعين، فإن سلم بائع الصاع الصاع، لم يملك إلاّ طلب صاع تشبيها بالقرض، و إن سلّم المشتري الصاعين، لم يطلب إلاّ صاعا، و ملك الزائد على البذل(1).

إذا عرفت هذا، فالمأخوذ حيث قلنا: إنّه مباح للغانم غير مملوك فليس له أن يأكل طعامه و يصرف المأخوذ إلى حاجة أخرى بدلا عن طعامه، كما لا يتصرّف الضيف فيما قدّم إليه إلاّ بالأكل.

و لو قلّ الطعام و خاف قائد الجيش الازدحام و التنازع عليه، جعله تحت يده و قسّمه على المحتاجين على إقدار الحاجات.

مسألة 84: الأقرب أنّ حقّ الغانم من الغنيمة يسقط بالإعراض عن الغنيمة و تركها قبل القسمة،

لأنّ المقصود الأعظم من الجهاد إعلاء الدين و الذبّ عن الملّة، و الغنيمة تابعة، فمن أعرض عنها فقد أخلص عمله بعض الإخلاص، و جرّد قصده للمقصد الأعظم. و لأنّ الغنيمة لا تملك قبل القسمة، بل تملك إن تملّك على قول(2) ، فالحقّ فيه كحقّ الشفعة.

ص: 136


1- العزيز شرح الوجيز 433:11.
2- العزيز شرح الوجيز 433:11.

و بالجملة، إن قلنا: تملك إن تملّك فهو كحقّ الشفعة، و إن قلنا:

تملك، فلا ينبغي أن يكون مستقرّا، ليتمكّن من تمحيض الجهاد ليحصل المقصد الأعظم، فلو قال أحد الغانمين: وهبت نصيبي من الغانمين، صحّ، و كان إسقاطا لحقّه الثابت له، و هو قول بعض الشافعيّة(1).

و قال بعضهم: إنّه إن أراد الإسقاط، صحّ، و إن أراد التمليك، لم يصح، لأنّه مجهول(2).

مسألة 85: إذا حاز المسلمون الغنائم و جمعوها، ثبت حقّهم فيها،

و ملكوها، سواء جمعوها في دار الحرب أو في دار الإسلام - و به قال الشافعي(3) - لأنّه يجوز القسمة في دار الحرب.

و قال أبو حنيفة: إذا حازوها في دار الحرب، لا تملك، و إنّما تملك بعد إحرازها في دار الإسلام(4). و ليس بجيّد.

و مع الحيازة يثبت لكلّ واحد منهم حقّ الملك.

و قيل: لا يملك إلاّ باختيار التملّك، لأنّه لو قال واحد: أسقطت حقّي، سقط، و لو كان ملكا له، لم يزل بذلك، كما لو قال الوارث:

أسقطت حقّي في الميراث، لم يسقط، لثبوت الملك له و استقراره(5).

و فيه نظر، لأنّه بالحيازة قد زال ملك الكفّار عنها، و لا يزول إلاّ إلى المسلمين. نعم، ملك كلّ واحد منهم غير مستقرّ في شيء بعينه، أو جزء

ص: 137


1- العزيز شرح الوجيز 433:11، روضة الطالبين 462:7.
2- العزيز شرح الوجيز 433:11، روضة الطالبين 462:7.
3- العزيز شرح الوجيز 436:11، روضة الطالبين 463:7، تحفة الفقهاء 3: 298، بدائع الصنائع 121:7، الهداية - للمرغيناني - 142:2.
4- الهداية - للمرغيناني - 142:2، تحفة الفقهاء 298:3، بدائع الصنائع 7: 121، المغني 458:10، الشرح الكبير 479:10.
5- انظر: العزيز شرح الوجيز 436:11، و روضة الطالبين 463:7.

مشاع، بل للإمام أن يعيّن نصيب كلّ واحد بغير اختياره، بل هو ملك ضعيف.

مسألة 86: من غلّ من الغنيمة شيئا، ردّه إلى المغنم،

و لا يحرق رحله - و به قال مالك و الليث و الشافعي و أصحاب الرأي(1) - لأنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله لم يحرق رحل الغالّ(2). و لأنّ فيه إضاعة المال، و لم يثبت لها نظير في الشرع.

و قال الحسن البصري و فقهاء الشام منهم، مكحول و الأوزاعي: إنّه يحرق رحله، إلاّ المصحف و ما فيه روح، لما رواه عمر عن النبي صلّى اللّه عليه و آله قال: «إذا وجدتم الرجل قد غلّ فأحرقوا متاعه و اضربوه»(3)(4).

و نمنع صحّة السند.

قال أحمد: و لا تحرق آلة الدابّة، كالسرج و غيره، لأنّه يحتاج إليه للانتفاع(5).

و قال الأوزاعي: يحرق سرجه(6).

ص: 138


1- شرح السنّة 368:6، المنتقى - للباجي - 204:3، الجامع لأحكام القرآن 4: 260، المغني و الشرح الكبير 524:10.
2- سنن أبي داود 68:3-69-2712، سنن البيهقي 2:9، المغني و الشرح الكبير 524:10، شرح السنّة 368:6.
3- سنن أبي داود 69:3-2713، سنن البيهقي 103:9، المستدرك - للحاكم - 128:2.
4- المغني و الشرح الكبير 524:10، معالم السنن - للخطابي - 39:4، شرح السنّة 368:6.
5- المغني 525:10، الشرح الكبير 526:10.
6- المغني 525:10، الشرح الكبير 526:10، معالم السنن - للخطابي - 40:4، شرح السنّة 368:6.

و لا تحرق ثياب الغالّ التي عليه إجماعا، لأنّه لا يجوز تركه عريانا، و لا ما غلّ من الغنيمة إجماعا، لأنّه مال المسلمين، و لا يحرق سلاحه، لأنّه يحتاج إليه للقتال، و هو منفعة للمسلمين عامّة، و لا نفقته. و لو أبقت النار شيئا - كالحديد - فهو لمالكه، للاستصحاب.

و لا تحرق كتب العلم و الأحاديث، لأنّه نفع يرجع إلى الدين، و ليس القصد بالإحراق إضراره في دينه.

و لو لم يحرق متاعه حتى تجدّد له آخر، لم يحرق المتجدّد إجماعا.

و كذا لو مات لم يحرق رحله إجماعا، لأنّها عقوبة، فتسقط بالموت.

قال أحمد: و لو باعه أو وهبه، نقض البيع و الهبة و أحرق(1). و لو كان الغالّ صبيّا، لم يحرق إجماعا.

و كذا لو كان عبدا، لأنّ المتاع لسيده، فلا يعاقب بجناية عبده.

و لو غلّت امرأة أو ذمي، قال أحمد: يحرق متاعهما(2).

و لو أنكر الغلول و ادّعى ابتياعه، لم يحرق متاعه إجماعا، إلاّ أن يثبت بالإقرار أو البيّنة، فيحرق عند أحمد(3).

و لا يحرم الغالّ سهمه من الغنيمة، سواء كان صبيّا أو بالغا، لأنّ سبب الاستحقاق - و هو حضور الحرب - ثابت، و الغلول لا يصلح مانعا، كغيره من أنواع الفسوق، و هو إحدى الروايتين عن أحمد(4).

و في الثانية: يحرم سهمه(5).

و قال الأوزاعي: إن كان صبيّا، حرم سهمه(6).

و إذا أخذ سهمه، لم يحرق إجماعا.0.

ص: 139


1- المغني 526:10، الشرح الكبير 527:10.
2- المغني 526:10، الشرح الكبير 527:10.
3- المغني 526:10، الشرح الكبير 527:10.
4- المغني 526:10، الشرح الكبير 527:10.
5- المغني 526:10، الشرح الكبير 527:10.
6- المغني 526:10، الشرح الكبير 527:10.
مسألة 87: إذا تاب الغالّ قبل القسمة، وجب ردّ ما غلّة في المغنم إجماعا،

لأنّه حقّ لغيره، فيجب عليه ردّه إلى أربابه.

و لو تاب بعد القسمة، فكذلك - و به قال الشافعي(1) - لأنّه مال لغيره، فيجب ردّه إلى أربابه، كما لو تاب قبل القسمة.

و قال مالك: إذا تاب بعد القسمة، أدّى خمسه إلى الإمام، و تصدّق بالباقي - و به قال الحسن البصري - بناء على فعل معاوية(2)(3). و ليس حجّة.

فإن تمكّن الإمام من قسمته، فعل، و إلاّ تصدّق به بعد الخمس، لأنّ تركه تضييع له و تعطيل لمنفعته التي خلق لها، و لا يتخفّف به شيء من إثم الغالّ، و في الصدقة به نفع لمن يصل إليه من المساكين، و ما يحصل من أجر الصدقة يصل إلى صاحبه، فيذهب به الإثم عن الغالّ، فيكون أولى.

مسألة 88: لو سرق من الغنيمة شيئا،

فإن كان له نصيب من الغنيمة بقدره أو أزيد بما لا يبلغ نصاب القطع، لم يجب عليه القطع، لأنّه و إن لم يملكه لكن شبهة الشركة درأت عنه الحدّ، و إن زاد على نصيبه بمقدار النصاب الذي يجب فيه القطع، وجب عليه القطع، لأنّه سارق.

هذا إذا لم يعزل منه الخمس، و لو عزل الإمام الخمس ثم سرق و لم يكن من أهل الخمس، فإن كان من الخمس، قطع، و إن كان من أربعة الأخماس، قطع إن زاد على نصيبه بقدر النصاب.

ص: 140


1- صحيح مسلم بشرح النووي - هامش إرشاد الساري - 24:8، و انظر: المغني 527:10، و الشرح الكبير 528:10.
2- سنن سعيد بن منصور 270:2-2732.
3- المغني 526:10-527، الشرح الكبير 527:10-528، الجامع لأحكام القرآن 261:4، صحيح مسلم بشرح النووي - هامش إرشاد الساري - 24:8.

و للشافعي وجهان:

أحدهما: إذا سرق من أربعة الأخماس ما يزيد على نصيبه بقدر النصاب، وجب القطع.

و الثاني: لا يقطع، لأنّ حقّه لم يتعيّن، فكلّ جزء مشترك بينه و بينهم، فكان كالمال المشترك - و هو رواية(1) عندنا - و لأنّا لو قلنا: إنّه يقطع في المشترك، فإنه لا يقطع هنا، لأنّ حقّ كلّ واحد من الغانمين متعلّق بجميع المغنم، لأنّه يجوز أن يعرض الباقون، فيكون الكلّ له. و على كلّ حال فيستردّ المسروق إن كان [باقيا، و بدله إن كان] [1] تالفا، و يجعل في المغنم(2).

و لو كان السارق عبدا، فهو كالحرّ، لأنّه يرضخ له، فإن كان ما سرقه أزيد ممّا يرضخ له بقدر النصاب، وجب القطع، و إلاّ فلا. و كذا المرأة.

و لو سرق عبد الغنيمة منها، لم يقطع، لئلاّ يزيد ضرر الغانمين.

نعم، يؤدّب حسما للجرأة.

و لو كان السارق ممّن لم يحضر الوقعة، فلا نصيب له منها، فيقطع.

و لو كان أحد الغانمين ابنا للسارق، لم يقطع إلاّ إذا زاد ما سرقه عن نصيب ولده بمقدار النصاب، لأنّ مال الولد في حكم ماله.

و لو كان السارق سيّد عبد [له نصيب] [2] في الغنيمة، كان حكمه حكم8.

ص: 141


1- الكافي 223:7-7، التهذيب 104:10-105-406، الإستبصار 241:4-910.
2- العزيز شرح الوجيز 438:11، المهذّب - للشيرازي - 242:2، روضة الطالبين 464:7، حلية العلماء 669:7، الحاوي الكبير 207:14-208.

من له نصيب، لأنّ مال العبد لسيّده. و بذلك كلّه قال الشافعي و أبو حنيفة(1).

و زاد الشافعي: الابن إذا سرق و للأب سهم في الغنيمة أو أحد الزوجين(2).

و زاد أبو حنيفة: إذا كان لذي رحم محرم منه فيها حقّ، لم يقطع(3).

و الغالّ هو الذي يكتم ما أخذه من الغنيمة و لا يطّلع الإمام عليه و لا يضعه مع الغنيمة. و لا ينزّل منزلة السارق في القطع، إلاّ أن يغلّ على وجه السرقة، فإنّ الغلول أخذ مال لا حافظ له و لا يطّلع عليه غالبا، و السرقة أخذ مال محفوظ.

و السارق عندنا لا يحرق رحله.

و قال بعض العامّة: يحرق(4).

مسألة 89: ليس لأحد الغانمين أن يبيع غانما آخر شيئا من الغنيمة،

فإن باعه، لم يصح لأنّ نصيبه مجهول، و كذا وقوعه في نصيبه. و كذا لا يصحّ لو كان طعاما، لأنّ إباحة التناول لا تقتضي إباحة البيع، فيقرّ في يد المشتري، و ليس للمشتري ردّه إلى البائع و لا للبائع قهره عليه، لأنّه أمانة في يدهما لجميع المسلمين. و لو لم يكن من الغانمين. لم تقرّ يده عليه.

و لو أقرضه الغانم لمن لا سهم له، لم يصح، و استعيد من القابض.

و كذا لو باعه منه. و كذا لو جاء رجل من غير الغانمين فأخذ من طعام الغنيمة، لم تقرّ يده عليه، إذ لا نصيب له، و عليه ضمانه.

ص: 142


1- المغني 551:10، الشرح الكبير 275:10، العزيز شرح الوجيز 438:11 - 439، روضة الطالبين 464:7.
2- الامّ 365:7، الحاوي الكبير 208:14، العزيز شرح الوجيز 438:11-439، روضة الطالبين 464:7، و انظر: المغني 551:10، و الشرح الكبير 275:10.
3- المغني 551:10، الام 365:7.
4- المغني 551:10.

و لو باعه من غير الغانمين، بطل البيع، و استعيد.

و يجوز للإمام أن يبيع من الغنيمة شيئا قبل القسمة لمصلحة، فلو عاد الكفّار و أخذوا المبيع من المشتري في دار الحرب، فضمانه على المشتري، و به قال الشافعي و أحمد في إحدى الروايتين.

و في الأخرى: ينفسخ البيع، و يكون من ضمان أهل الغنيمة، فإن كان المشتري قد وزن الثمن، استعاده، و إلاّ سقط إن كان [لا] [1] لتفريط منه، و إن كان لتفريط منه، مثل أن خرج به من العسكر وحده، فكقولنا(1).

و ليس بجيّد، لأنّ التلف في يد المشتري، فلا يرجع بالضمان على غيره، كغيره من المبيعات.

و إذا قسّمت الغنائم في دار الحرب، جاز لكلّ من أخذ منهم التصرّف فيه كيف شاء بالبيع و غيره، فلو باع بعضهم شيئا فغلب المشتري عليه، لم يضمنه البائع.

و لأحمد روايتان(2).

و يجوز لأمير الجيش أن يشتري من مال الغنيمة شيئا قبل القسمة و بعدها.

و قال أحمد: ليس له ذلك، لأنّه يحابي(3).

و يندفع الخيال بأخذه بالقيمة العدل.

مسألة 90: لا يسقط حقّ الغانم من الغنيمة بالإعراض بعد القسمة،

ص: 143


1- المغني 491:10-492، الشرح الكبير 518:10.
2- المغني 492:10، الشرح الكبير 518:10، الكافي في فقه الإمام أحمد 4: 149-150، المحرّر في الفقه 173:2.
3- المغني 493:10، الشرح الكبير 519:10، الكافي في فقه الإمام أحمد 150:4.

كسائر الأملاك، و أمّا قبلها فالأقرب سقوطه.

و لو أفرز الخمس و لم تقسّم الأخماس الأربعة بعد، فالأقرب أنّ الإعراض مسقط، لأنّ إفراز الخمس لا يعيّن حقوق الواحد فالواحد من الغانمين، فلا يلزمهم في حقوقهم عكس ما كانوا عليه من قبل، و هو أصحّ قولي الشافعي(1).

و الثاني: أنّه لا يسقط، لأنّ بإفراز الخمس تتميّز حقوقهم عن الجهات العامّة، و يصير الباقي لهم، كسائر الأملاك المشتركة(2).

و قال بعض الشافعيّة: إذا استقسم الغانمون الإمام، لم يسقط حقّ أحدهم بالإعراض، لأنّه يشعر باختيار التملّك و تأكيد الحق، دون ما إذا استبدّ الإمام بإفراز الخمس، فإنّهم لم يحدثوا ما يشعر بقصد التملّك [1](3).

و لو قال: اخترت الغنيمة، ففي منعه من الإعراض للشافعيّة وجهان:

أحدهما: لا، فقد يتغيّر الرأي في الشيء المقدور [2] عليه، و الاستقرار لا يحصل قبل القسمة.

و الثاني: نعم، كما أنّ ذا الخيار في العقود إذا اختيار أحد الطرفين لا يعدل إلى الآخر(4).

و لو أعرض الغانمون بأجمعهم ففي صحّة إعراضهم لهم وجهان:

أحدهما: لا يصحّ، و إلاّ لاستحقها أرباب الخمس، فيزيد حقّهم و اللّه تعالى قد عيّن لهم الخمس.

و أصحهما: الصحّة، و تصرف الأخماس الأربعة إلى مصارف7.

ص: 144


1- العزيز شرح الوجيز 434:11، روضة الطالبين 462:7.
2- العزيز شرح الوجيز 434:11، روضة الطالبين 462:7.
3- العزيز شرح الوجيز 434:11.
4- العزيز شرح الوجيز 434:11، روضة الطالبين 462:7.

الخمس، لأنّ المعنى المصحّح للإعراض يشمل الواحد و الجمع(1).

و أمّا الخمس: فسهم اللّه تعالى و سهم رسوله و سهم ذوي القربى للإمام عندنا خاصّة، فيصحّ إعراضه، كما يصحّ إعراض الغانم.

و عند العامّة أنّ سهم ذوي القربى لكلّ من يستحقّ الخمس.

و في صحّة إعراضهم وجهان:

أحدهما: يصحّ، كما يصحّ إعراض الغانمين.

و الثاني: المنع، لأنّ سهمهم منحة أثبتها اللّه تعالى لهم من غير معاناة و شهود وقعة، فليسوا كالغانمين الذين يحمل حضورهم على إعلاء الكلمة(2).

و المفلس الذي حجر عليه القاضي لإحاطة الديون به يصح إعراضه، لأنّ اختيار التملّك بمنزلة ابتداء الاكتساب، و ليس على المفلس الاكتساب.

و في صحّة اعراض السفيه المحجور عليه نظر، أقربه: أنّه ليس له إسقاط الملك و لا إسقاط حقّ الملك، فلو صار رشيدا قبل القسمة و انفكّ عنه الحجر، صحّ إعراضه.

و لا يصحّ إعراض الصبي عن الرضخ و لا إعراض الوليّ عنه، فإن بلغ قبل القسمة، صحّ إعراضه.

و لا يصحّ إعراض العبد عن الرضخ، و يصحّ إعراض السيّد، فإنّه حقّه.

و الأقرب: صحّة إعراض السالب عن السلب - و هو أصحّ وجهي الشافعي(3) - كإعراض الغانمين.

و الثاني: لا يصحّ، لأنّه متعيّن له، فأشبه الوارث(4).

مسألة 91: من أعرض من الغانمين يقدّر كأنّه لم يحضر الوقعة،

ص: 145


1- العزيز شرح الوجيز 434:11، روضة الطالبين 462:7.
2- العزيز شرح الوجيز 434:11-435، روضة الطالبين 463:7.
3- الوجيز 193:2، العزيز شرح الوجيز 435:11، روضة الطالبين 463:7.
4- الوجيز 193:2، العزيز شرح الوجيز 435:11، روضة الطالبين 463:7.

و يقسّم المال أخماسا: خمسه لمستحقّيه، و أربعة أخماس لباقي الغانمين، و هو أصحّ قولي الشافعي(1).

و الثاني: أنّ نصيب المعرض يضمّ إلى الخمس، لأنّ الغنائم في الأصل للّه تعالى، لقوله تعالى قُلِ الْأَنْفالُ لِلّهِ (2) فمن أعرض رجعت حصّته إلى أصلها(3).

و لو مات واحد من الغانمين و لم يعرض، انتقل حقّه إلى الورثة، لأنّه ثبت له ملك أو حقّ ملك، و كلاهما موروث، فإن شاءوا أعرضوا، و إن شاءوا طلبوا.

و للشافعيّة ثلاثة أوجه في أنّه هل يملك الغانمون قبل القسمة ؟ أظهرها: أنّهم لا يملكون بل يملكون إن تملّكوا، بدليل صحّة الإعراض، و لو ملكوا بالاستيلاء، لما سقط عنهم بالإعراض. و لأنّ للإمام أن يخص كلّ طائفة بنوع من المال، و لو ملكوا لم يجز إبطال حقّهم عن بعض الأنواع بغير اختيارهم.

و الثاني: يملكون بالحيازة و الاستيلاء، لأنّ الاستيلاء على ما ليس بمعصوم من الأموال سبب للملك [1]. و لأنّ ملك الكفّار زال بالاستيلاء، فلو لم يملكه الغانمون، بقي الملك [2] لا مالك له. نعم، هو ملك ضعيف يسقط بالإعراض، و لا تجب الزكاة فيه قبل اختيار التملّك على الأظهر.

و الثالث: أنّ ملكهم موقوف، إن سلمت الغنيمة إلى أن اقتسموا، ظهر7.

ص: 146


1- العزيز شرح الوجيز 435:11، روضة الطالبين 463:7.
2- الأنفال: 1.
3- العزيز شرح الوجيز 435:11، روضة الطالبين 463:7.

أنّهم ملكوها بالاستيلاء، و إلاّ بان بالموت أو الأعراض عدم الملك، لأنّ قصد الاستيلاء على المال لا يتحقّق إلاّ بالقسمة، لما تقدم من أنّ الغرض إعلاء كلمة اللّه تعالى، فإذا اقتسموا تبيّنّا قصد التملّك بالاستيلاء.

و إذا قلنا بالوقف، قال الجويني: لا نقول: نتبين بالقسمة أنّ حصّة كلّ واحد من الغانمين على التعيين صارت ملكا بالاستيلاء، بل نقول: إذا اقتسموا، تبيّنّا أنّهم ملكوا الغنائم أوّلا ملكا مشاعا ثمّ تتميّز الحصص بالقسمة(1).

مسألة 92: لو وقع في المغنم من يعتق على بعض الغانمين، لم يعتق حصّته ما لم يقع في حصّته،

و لم يمنعه ذلك عن الإعراض، قاله بعض الشافعيّة(2).

و قال الشيخ رحمه اللّه: الذي يقتضيه المذهب أن نقول: ينعتق منه نصيبه منه، و يكون الباقي للغانمين(3). و به قال أحمد(4).

و قال الشافعي: إنّه لا ينعتق عليه لا كلّه و لا بعضه(5). و هو مقتضى قول أبي حنيفة(6).

لنا: ما تقدّم من أنّ الملك يثبت للغانمين بالاستيلاء التامّ و قد وجد،

ص: 147


1- الوجيز 193:2، العزيز شرح الوجيز 436:11، روضة الطالبين 463:7.
2- الوجيز 193:2.
3- المبسوط - للطوسي - 32:2-33.
4- المغني 555:10، الشرح الكبير 523:10، الكافي في فقه الإمام أحمد 4: 149.
5- مختصر المزني: 274، الحاوي الكبير 239:14، العزيز شرح الوجيز 11: 445، روضة الطالبين 468:7، المغني 555:10، الشرح الكبير 523:10.
6- المغني 555:10، الشرح الكبير 523:10.

و لأنّ ملك الكفّار قد زال و لا يزول إلاّ إلى المسلمين، و هو أحدهم، فيكون له نصيب مشاع في الغنيمة، فينعتق عليه ذلك النصيب.

احتجّ الشافعي: بأنّه لم يحصل تملّك تام، إذ للإمام أن يعطيه حصّته من غيره، فنصيبه غير متميّز من الغنيمة.

قال الشيخ رحمه اللّه: و الأوّل أقوى(1).

ثمّ قال الشيخ(2): ينعتق نصيبه، و لا يلزمه قيمة ما يبقى للغانمين، لأصالة البراءة، و لا دليل على شغلها [1]. و القياس على المعتق باطل، لأنّ هناك إنّما وجب عليه التقويم، لأنّ العتق صدر عنه.

أمّا لو جعله الإمام في نصيبه أو نصيب جماعة هو أحدهم، فإنّه ينعتق نصيبه قولا واحد.

و لو رضي بالقسمة، فالأقرب التقويم عليه، لأنّ ملكه برضاه.

هذا إذا كان موسرا، و لو كان معسرا، عتق قدر نصيبه، و لم يقوّم عليه الباقي.

و لو أسر أباه منفردا به، لم ينعتق عليه، لأنّ الأسير لا يصير رقيقا بالأسر، بل باختيار الإمام، لأنّ للإمام حقّ الاختيار إن شاء قتله، و إن شاء استرقّه، و ان شاء منّ عليه، و إن شاء فأداه، فإن اختار الإمام استرقاقه، عتق على السبابي أربعة أخماسه، و قوّم الخمس عليه إن كان موسرا، قاله بعض الشافعيّة(3).

قال: و لو أسر امّه، أو ابنه الصغير، فإنّه يصير رقيقا بالأسر، فإن7.

ص: 148


1- المبسوط - للطوسي - 32:2-33.
2- المبسوط - للطوسي - 32:2-33.
3- العزيز شرح الوجيز 446:11، روضة الطالبين 469:7.

اختار تملّكهما، عتق عليه أربعة أخماسهما، و قوّم الباقي عليه إن كان موسرا، و إن كان معسرا، رقّ الباقي، و إن لم يختر [1] التملّك، كان أربعة الأخماس لمصالح المسلمين و خمسه لأهل الخمس(1).

قال: و لو أنّ حربيا باع من المسلمين امرأته و قد قهرها، جاز. و لو باع أباه أو ابنه بعد قهرهما، لم يجز، لأنّه إذا قهر زوجته، ملكها، فيصحّ بيعها، و إذا قهر أباه أو ابنه، ملكه فعتق عليه فلا يجوز بيعه [2].

و لو أعتق بعض الغانمين عبدا من الغنيمة قبل القسمة، فإن كان ممّن لم يثبت فيه الرقّ، كالرجل قبل استرقاقه، لم يعتق، لأنّه عليه السّلام قال: «لا عتق إلاّ في ملك»(2) و إن كان ممّن يملك، كالصبي و المرأة، فالوجه عندنا أنّه يعتق عليه قدر حصّته و يسري إلى الباقي، فيقوّم عليه، و يطرح باقي القيمة في المغنم.

هذا إذا كان موسرا، و إن كان معسرا، عتق عليه قدر نصيبه، لأنّه موسر بقدر حصّته من الغنيمة، فإن كان بقدر حصّته من الغنيمة، عتق و لم يأخذ من الغنيمة شيئا، و إن كان دون حصّته [3]، أخذ باقي نصيبه، و إن كان أكثر، عتق قدر نصيبه.

و لو أعتق عبدا آخر و فضل من حقّه عن الأوّل شيء، عتق بقدره منر.

ص: 149


1- العزيز شرح الوجيز 446:11-447، روضة الطالبين 469:7.
2- سنن أبي داود 258:2-2190، سنن الترمذي 486:3-1181، سنن البيهقي 320:7، سنن سعيد بن منصور 253:1-1027، المستدرك - للحاكم - 2: 419 بتفاوت يسير.

الثاني، و إن لم يفضل شيء، كان عتق الثاني باطلا.

مسألة 93: ليس للغانم وطء جارية المغنم قبل القسمة،

فإن وطئ عالما بالتحريم، حدّ بقدر نصيب غيره من الغانمين قلّوا أو كثروا، و به قال مالك و أبو ثور و الشافعي في القديم(1).

و قال الشافعي و أبو حنيفة و أحمد: لا حدّ، للشبهة(2).

قال الشافعي: بل يعزّر، و لا ينفذ الاستيلاد في نصيبه. و إن قلنا:

يملك، ففي نفوذه للشافعيّة وجهان، لضعف الملك(3).

و قيل: إن قلنا: يملك، نفذ، و إن قلنا: لا يملك، فوجهان، كاستيلاد الأب جارية الابن، فإن نفذ في نصيبه و هو موسر بما يخصّه من الغنيمة أو بغيره، سرى، و الولد جميعه حرّ، و في وجوب قيمة حصّة غيره من الولد إشكال ينشأ من أنّه ينتقل الملك إليه قبل العلوق أو بعده ؟ و أمّا الحدّ: فلا يجب، و المهر يجب جميعه إن قلنا: لا ملك له، و يوضع في المغنم، و إن قلنا: يملك، حطّ عنه قدر حصّته(4).

ص: 150


1- المغني 552:10، الشرح الكبير 521:10، المهذّب - للشيرازي - 242:2، الحاوي الكبير 235:14، العزيز شرح الوجيز 439:11، حلية العلماء 7: 670، روضة الطالبين 464:7.
2- الامّ 269:4-270، مختصر المزني: 274، الحاوي الكبير 235:14، الوجيز 193:2، العزيز شرح الوجيز 439:11، المهذّب - للشيرازي - 2: 242، حلية العلماء 670:7، بدائع الصنائع 122:7، المغني 552:10، الشرح الكبير 521:10.
3- الوجيز 193:2، و انظر: العزيز شرح الوجيز 439:11 و ما بعدها، و روضة الطالبين 464:7 و ما بعدها، و الحاوي الكبير 235:14 و ما بعدها.
4- الوجيز 193:2، و انظر: العزيز شرح الوجيز 439:11 و ما بعدها، و روضة الطالبين 464:7 و ما بعدها، و الحاوي الكبير 235:14 و ما بعدها.

و لو وطئها جاهلا بالتحريم، فلا حدّ إجماعا، لأنّ الشركة شبهة، و هو غير عالم. و أمّا المهر: فقال الشيخ: لا يجب عليه المهر، لعدم الدلالة على شغل الذمّة به(1).

و قال الشافعي: يجب عليه، لأنه وطئ [1] في غير ملك سقط فيه الحدّ عن الواطئ، فيجب المهر، كوطء الأب جارية ابنه(2).

و لو أوجبنا المهر ثمّ قسّمت الغنيمة فحصلت الجارية في نصيبه، لم يسقط، لأنّه وجب بالوطي السابق.

و لو أحبلها، قال الشيخ رحمه اللّه: يكون حكم ولدها حكمها، فيكون له منه بقدر نصيبه من الغنيمة، و يقوّم بقيّة سهم الغانمين عليه، و يلزمه سهم الغانمين، و ينظر فإن كانت القيمة قدر حقّه، فقد استوفى حقّه، و إن كان أقلّ، أعطي تمام حقّه، و إن كان أكثر، ردّ الفضل، و يلحق به الولد لحوقا صحيحا، لأنّه شبهة، و تكون الجارية أمّ ولده(3). و به قال الشافعي و أحمد(4).

و قال أبو حنيفة: يكون الولد رقيقا و لا يلحق نسبه، لأنّ وطيه لم يصادف0.

ص: 151


1- المبسوط - للطوسي - 32:2.
2- الوجيز 193:2، العزيز شرح الوجيز 439:11، المهذّب - للشيرازي - 2: 242، روضة الطالبين 464:7، الحاوي الكبير 235:14، حلية العلماء 7: 671، المغني 552:10، الشرح الكبير 521:10.
3- المبسوط - للطوسي - 32:2.
4- مختصر المزني: 274، الحاوي الكبير 236:14 و 237، الوجيز 193:2، العزيز شرح الوجيز 442:11، المهذّب - للشيرازي - 242:2، روضة الطالبين 466:7، المغني 553:10، الشرح الكبير 521:10.

ملكا، لأنّ الغانم يملك بالقسمة(1). و ليس بجيّد، لأنّ ملكهم [1] يتحقّق بالاستيلاء، فلهم نصيب.

قال الشيخ رحمه اللّه: هذه الجارية تصير أمّ ولده في الحال(2). و به قال أحمد(3).

و قال الشافعي: لا تصير أمّ ولد في الحال، لأنّها ليست ملكا له، فإذا ملكها بعد ذلك، ففي صيرورتها أمّ ولد قولان(4).

فعلى قول الشيخ رحمه اللّه تقوّم الجارية عليه، و يغرم سهم الغانمين(5).

و به قال أحمد(6). و للشافعي قولان(7).

قال الشيخ رحمه اللّه: إذا وضعت، نظر فإن كانت قوّمت عليه قبل الوضع، فلا يقوّم عليه الولد، لأنّ الولد إنّما يقوّم إذا وضعت و في هذه الحال وضعته في ملكه، و إن كانت بعد لم تقوّم عليه، قوّمت هي و الولد معا بعد الوضع، و أسقط منه نصيبه، و أغرم الباقي للغانمين(8) ، لأنّه منع من رقّه، لشبهة بالوطي.2.

ص: 152


1- بدائع الصنائع 122:7، المغني 553:10، الشرح الكبير 521:10، العزيز شرح الوجيز 442:11، الحاوي الكبير 236:14 و 237.
2- المبسوط - للطوسي - 32:2.
3- المغني 553:10، الشرح الكبير 522:10.
4- العزيز شرح الوجيز 440:11 و 441، الحاوي الكبير 237:14، روضة الطالبين 464:7، المغني 553:10، الشرح الكبير 522:10.
5- المبسوط - للطوسي - 32:2.
6- المغني 554:10، الشرح الكبير 522:10.
7- الحاوي الكبير 237:14 و 238، العزيز شرح الوجيز 441:11 و 442، روضة الطالبين 466:7.
8- المبسوط - للطوسي - 32:2.

و عن أحمد روايتان:

إحداهما: أنّه تلزمه قيمته حين الوضع تطرح في المغنم، لأنّه فوّت رقّه، فأشبه ولد المغرور.

و الثانية: لا ضمان عليه بقيمته، لأنّه ملكها حين علقت، و لم يثبت ملك الغانمين في الولد بحال، فأشبه ولد الأب من جارية ابنه إذا وطئها، و لأنّه يعتق حين علوقه و لا قيمة له حينئذ(1).

و الحقّ ما قاله الشيخ، لأنّها قبل التقويم ملك الغانمين. و نمنع عتقه من حين علوقه، و بعد التقويم ولدت على ملكه، فكان الولد له، و لا قيمة عليه للغانمين.

و لو وطئها و هو معسر، قال الشيخ رحمه اللّه: تقوّم عليه مع ولدها، و يستسعى في نصيب الباقين، فإن لم يسع في ذلك، كان له من الجارية مقدار نصيبه و الباقي للغانمين، و يكون الولد حرّا بمقدار نصيبه، و الباقي يكون مملوكا لهم، و الجارية أمّ ولد و إن ملكها فيما بعد(2).

و قال بعض العامّة: إذا وطئها و هو معسر، كان في ذمّته قيمتها و تصير أمّ ولد، لأنّه استيلاد جعل بعضها أمّ ولد، فجعل جميعها أمّ ولد، كاستيلاد جارية الابن(3).

و قال آخرون: يحسب عليه قدر حصّته من الغنيمة، و يصير ذلك المقدار أمّ ولد، و الباقي رقيق للغانمين(4).0.

ص: 153


1- المغني 554:10، الشرح الكبير 523:10.
2- المبسوط - للطوسي - 32:2.
3- المغني 554:10، الشرح الكبير 522:10.
4- المغني 554:10، الشرح الكبير 522:10.

و لو وطئ الأب جارية من المغنم و ليس له نصيب فيها بل لولده، كان الحكم فيه كما لو وطئ الابن.

البحث الثاني: في الأسارى.
مسألة 94: الأسارى ضربان: ذكور و إناث، و الذكور إمّا بالغون أو أطفال،

و هم من لم يبلغ خمس عشرة سنة.

فالنساء و الأطفال يملكون بالسبي، و لا يجوز قتلهم إجماعا، لأنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله نهى عن قتل النساء و الولدان(1). و يكون حكمهم مع السبي حكم سائر أموال الغنيمة: الخمس لأهله، و الباقي للغانمين.

و لو أشكل أمر الصبي في البلوغ و عدمه، اعتبر بالإنبات، فإن أنبت الشعر الخشن على عانته، حكم ببلوغه، و إن لم ينبت ذلك، جعل من جملة الذرّيّة، لأنّ سعد بن معاذ حكم في بني قريظة بهذا، و أجازه النبي صلّى اللّه عليه و آله(2).

و من طريق الخاصّة: رواية الباقر عليه السّلام، قال: «إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عرضهم يومئذ على العانات، فمن وجده أنبت قتله، و من لم يجده أنبت ألحقه بالذراري»(3). و أمّا البالغون الأحرار: فإن أسروا قبل تقضي الحرب و انقضاء القتال، لم يجز إبقاؤهم بفداء و لا بغيره، و لا استرقاقهم، بل يتخيّر الإمام بين قتلهم

ص: 154


1- سنن أبي داود 54:3-2672، سنن سعيد بن منصور 239:2-2626 و 2627، المصنّف - لعبد الرزّاق - 202:5-9384، المعجم الكبير - للطبراني - 19: 75-150.
2- شرح معاني الآثار 216:3، المغني 556:4، الشرح الكبير 557:4، و انظر: سنن البيهقي 58:6.
3- التهذيب 173:6-339.

و بين قطع أيديهم و أرجلهم من خلاف فيتركهم حتى ينزفوا بالدم و يموتوا.

و إن أسروا بعد أن وضعت اَلْحَرْبُ أَوْزارَها و انقضى القتال، لم يجز قتلهم، و يتخيّر الإمام بين أن يمنّ عليهم فيطلقهم، و بين أن يفاديهم على مال و يدفعونه إليه، و يخلص به رقابهم من العبوديّة، و بين أن يسترقّهم و يستعبدهم. ذهب إليه علماؤنا أجمع.

و قال الشافعي: يتخيّر الإمام بين أربعة أشياء: أن يقتلهم صبرا بضرب الرقبة، لا بالتحريق و لا بالتغريق، و لا يمثّل بهم، أو يمنّ عليهم بتخلية سبيلهم، أو يفاديهم بالرجال أو بالمال على ما يراه من المصلحة لا على اختيار الشهوة، أو يسترقّهم، و يكون مال الفداء و رقابهم إذا استرقّوا كسائر أموال الغنيمة(1). و هو رواية عن أحمد(2) ، و لم يفرّقوا بين أن يستأسروا قبل انقضاء القتال أو بعده.

و قال أبو حنيفة: ليس له المنّ و الفداء، بل يتخيّر بين القتل و الاسترقاق لا غير(3).

و قال أبو يوسف: لا يجوز المنّ، و يجوز الفداء بالرجال دون الأموال(4).2.

ص: 155


1- العزيز شرح الوجيز 410:11، المهذّب - للشيرازي - 238:2، الحاوي الكبير 173:14، روضة الطالبين 450:7-451، حلية العلماء 653:7، الأحكام السلطانية - للماوردي -: 131، المغني 393:10، الشرح الكبير 399:10.
2- المغني 393:10، الشرح الكبير 398:10، الكافي في فقه الإمام أحمد 4: 127، المحرّر في الفقه 172:2.
3- تحفة الفقهاء 301:3-302، بدائع الصنائع 119:7-120، الهداية - للمرغيناني - 141:2-142، العزيز شرح الوجيز 410:11، الحاوي الكبير 173:14، حلية العلماء 654:7، الأحكام السلطانية - للماوردي -: 131، المغني 10: 394، الشرح الكبير 399:10.
4- تحفة الفقهاء 302:3، بدائع الصنائع 119:7-120، الهداية - للمرغيناني - 141:2-142.

و قال مالك: يتخيّر بين القتل و الاسترقاق و الفداء بالرجال دون المال(1). و هو رواية عن أحمد(2) ، و به قال الأوزاعي و أبو ثور(3).

و في رواية عن مالك: لا يجوز المنّ بغير فداء(4).

و حكي عن الحسن البصري و عطاء و سعيد بن جبير كراهة قتل الأسارى(5).

لنا: قوله تعالى فَإِمّا مَنًّا بَعْدُ وَ إِمّا فِداءً (6).

و قتل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يوم بدر عقبة بن أبي معيط و النضر بن الحارث(7).

و روى العامّة: أن النبي صلّى اللّه عليه و آله قتل عقبة صبرا(8). و قتل أبا عزّة يوم أحد(9). و منّ على ثمامة بن أثال(10). و قال في أسارى بدر: «لو كان مطعم ابن عدي حيّا ثمّ سألني في هؤلاء النتنى [1] لأطلقتهم له»(11) وفادى أسارى0.

ص: 156


1- الأحكام السلطانيّة - للماوردي -: 131، العزيز شرح الوجيز 410:11.
2- المغني 393:10، الشرح الكبير 399:10.
3- المغني 393:10، الشرح الكبير 399:10.
4- المغني 393:10، الشرح الكبير 399:10.
5- المغني 393:10، الشرح الكبير 399:10.
6- سورة محمد: 4.
7- الحاوي الكبير 173:14، العزيز شرح الوجيز 410:11، المغني 394:10، الشرح الكبير 400:10.
8- المغني 394:10.
9- سنن البيهقي 65:9، العزيز شرح الوجيز 410:11، المغني 394:10.
10- سنن البيهقي 319:6، و 65:9، العزيز شرح الوجيز 410:11، المغني 10: 394.
11- سنن أبي داود 61:3-2689، سنن البيهقي 319:6، مسند أحمد 5: 35-16291، المعجم الكبير - للطبراني - 117:2-1505، المغني 394:10.

بدر - و كانوا ثلاثة و سبعين رجلا - كلّ واحد بأربعمائة(1). وفادى رجلا أسره أصحابه برجلين أسرتهما ثقيف من أصحابه(2).

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السّلام: «لم يقتل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله رجلا صبرا قطّ غير رجل واحد عقبة بن أبي معيط، و طعن ابن أبي خلف فمات بعد ذلك»(3).

و لأنّ كلّ خصلة من هذه الخصال قد تكون أصلح من غيرها في بعض الأسرى، فإنّ ذا القوّة و النكاية في المسلمين قتله أنفع و بقاؤه أضرّ، و الضعيف ذا المال لا قدرة له على الحرب، ففداؤه أصلح للمسلمين، و منهم من هو حسن الرأي في الإسلام و يرجى إسلامه، فالمنّ عليه أولى أو يرجى بالمنّ عليه المنّ على الأسارى من المسلمين [1]، أو يحصل بخدمته نفع و يؤمن ضرره، كالصبيان و النساء، فاسترقاقه أولى، و الإمام أعرف بهذه المصالح، فكان النظر إليه في ذلك كلّه.

و أمّا الذي يدلّ على التفصيل: قول الصادق عليه السّلام: «كان أبي يقول:

إنّ للحرب حكمين: إذا كانت الحرب قائمة لم تضع أوزارها و لم تضجر أهلها، فكلّ أسير أخذ في تلك الحال فإنّ الإمام فيه بالخيار إن شاء ضرب عنقه، و إن شاء قطع يده و رجله من خلاف بغير حسم و تركه يتشحّط في دمه حتى يموت» إلى أن قال: «و الحكم الآخر: إذا وضعت اَلْحَرْبُ أَوْزارَها و أثخن أهلها فكلّ أسير أخذ على تلك الحال و كان في أيديهم فالإمام فيه0.

ص: 157


1- المغني 394:10.
2- العزيز شرح الوجيز 410:11.
3- التهذيب 173:6-340.

بالخيار إن شاء منّ عليهم [1]، و إن شاء فاداهم أنفسهم، و إن شاء استعبدهم، فصاروا عبيدا»(1).

احتجّ مالك بأنّه لا مصلحة في المنّ بغير عوض(2). و هو ممنوع.

و احتجّ عطاء بقوله تعالى فَشُدُّوا الْوَثاقَ فَإِمّا مَنًّا بَعْدُ وَ إِمّا فِداءً (3) فخيّره بعد الأسر بين هذين لا غير(4).

و هو تخيير في الأسير بعد انقضاء الحرب.

و احتجّ أبو حنيفة: بقوله تعالى فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ (5) بعد قوله فَإِمّا مَنًّا بَعْدُ وَ إِمّا فِداءً (6) لأنّ آية المنّ نزلت بمكة و آية القتل نزلت بالمدينة في آخر سورة نزلت، و هي براءة، فيكون ناسخا(7).

و نمنع النسخ، فإنّ العامّ و الخاصّ إذا تعارضا، عمل بالعامّ في غير صورة الخاصّ. و هذا التخيير ثابت في كلّ أصناف الكفّار، سواء كانوا ممّن يقر على دينه بالجزية، كأهل الكتاب، أو لا، كأهل الحرب - و به قال الشافعي(8) - لأنّ الحربيّ كافر أصلي، فجاز استرقاقه كالكتابيّ، و لأنّ حديث الصادق(9) عليه السّلام).

ص: 158


1- الكافي 32:5-1، التهذيب 143:6-245 بتفاوت يسير في بعض الألفاظ.
2- المغني 393:10، الشرح الكبير 399:10.
3- سورة محمد: 4.
4- المغني 393:10-394، الشرح الكبير 399:10.
5- التوبة: 5.
6- سورة محمّد: 4.
7- انظر: بدائع الصنائع 120:7، و المغني 394:10، و الشرح الكبير 399:10.
8- العزيز شرح الوجيز 410:11، المهذّب - للشيرازي - 237:2، روضة الطالبين. 451:7، الحاوي الكبير 176:14، المغني 393:10، الشرح الكبير 398:10.
9- انظر الهامش (2).

عامّ في كلّ أسير.

و قال الشيخ رحمه اللّه: إن أسر رجل بالغ، فإن كان من أهل الكتاب أو ممّن له شبهة كتاب، فالإمام مخيّر فيه على ما مضى بين الأشياء الثلاثة، و إن كان من عبدة الأوثان، تخيّر الإمام فيه بين المفادة و المنّ، و يسقط الاسترقاق(1). و به قال أبو سعيد الإصطخري(2). و عن أحمد روايتان(3).

و قال أبو حنيفة: يجوز في العجم دون العرب(4). و هو قول الشافعي في القديم(5).

و احتجّ الشيخ رحمه اللّه بأنّه لا يجوز له إقرارهم بالجزية، فلا يجوز له إقرارهم بالاسترقاق.

و نمنع الملازمة، و يبطل بالنساء و الصبيان، فإنّهم يسترقّون و لا يقرّون بالجزية.

و هذا التخيير تخيير مصلحة و اجتهاد لا تخيير شهوة، فمتى رأى الإمام المصلحة في خصلة من هذه الخصال، تعيّنت عليه، و لم يجز العدول عنها، و لو تساوت المصالح، تخيّر تخيير شهوة.

و قال مالك: القتل أولى(6).0.

ص: 159


1- المبسوط - للطوسي - 20:2.
2- الحاوي الكبير 176:14، المهذّب - للشيرازي - 237:2، حلية العلماء 7: 654، روضة الطالبين 451:7، العزيز شرح الوجيز 410:11.
3- المغني 393:10 و 395، الشرح الكبير 398:10.
4- تحفة الفقهاء 302:3، بدائع الصنائع 119:7، المبسوط - للسرخسي - 10: 117-118، الهداية - للمرغيناني - 160:2، الحاوي الكبير 176:14، المغني 395:10، الشرح الكبير 398:10.
5- العزيز شرح الوجيز 411:11، المهذّب - للشيرازي - 237:2، حلية العلماء 655:7، روضة الطالبين 451:7.
6- المغني 395:10، الشرح الكبير 400:10.
مسألة 95: الأقرب جواز استرقاق بعض الشخص، و الفداء و المنّ في الباقي.

و للشافعية وجهان بناء على القولين في أنّ أحد الشريكين إذا أولد الجارية المشتركة و هو معسر، يكون الولد كلّه حرّا، أو يكون بقدر نصيب الشريك رقيقا؟ فعلى تقدير عدم الجواز قالوا: إذا ضرب الرقّ على بعضه، رقّ الكلّ. و قال بعضهم: يجوز أن يقال: لا يرقّ شيء(1).

و إن اختار الفداء، جاز الفداء بالمال سلاحا كان أو غيره. و يجوز أن يفدي بأسارى المسلمين. و يجوز أن يفديهم بأسلحتنا في أيديهم، و لا يجوز ردّ أسلحتهم في أيدينا بمال يبذلونه، كما لا يجوز بيع السلاح منهم. و في جواز ردّها بأسارى المسلمين وجهان، و الأقرب عندي: الجواز.

و أمّا العبيد إذا وقعوا في الأسر، كانوا كسائر الأموال المغنومة لا يتخيّر الإمام فيهم، لأنّ عبد الحربي ماله، لأنّه لو أسلم في دار الحرب و لم يخرج و لا قهر سيّده، لم يزل ملك الحربيّ عنه، و إذا سباه المسلمون، كان عبدا مسلما لا يجوز المنّ عليه، و يجوز استرقاقه، و لو لا أنّه مال، لجاز تخلية سبيله كالحرّ، و لما جاز استرقاقه، لأنّه مسلم. و هذا قول أكثر الشافعيّة(2).

و قال بعضهم: لو رأى الإمام قتله، لشرّه و قوّته، قتله و ضمن قيمته للغانمين(3).

و الأولى عندي جواز قتله من غير ضمان، دفعا لشرّه.

مسألة 96: لو أسلم الأسير بعد الأسر، سقط عنه القتل إجماعا،

لما

ص: 160


1- العزيز شرح الوجيز 411:11، روضة الطالبين 451:7.
2- العزيز شرح الوجيز 410:11، روضة الطالبين 450:7.
3- المهذّب - للشيرازي - 238:2، العزيز شرح الوجيز 410:11، روضة الطالبين 450:7.

رواه العامّة من قوله عليه السّلام: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلاّ اللّه، فإذا قالوها عصموا منّي دماءهم»(1) الحديث.

و من طريق الخاصّة: قول زين العابدين عليه السّلام: «الأسير إذا أسلم فقد حقن دمه و صار قنّا [1]»(2).

و هل بسقوط القتل يصير رقّا أو يتخيّر الإمام في باقي الجهات ؟ للشافعيّة قولان:

أحدهما: يسترقّ بنفس الإسلام - و به قال أحمد(3) - لأنّه أسير يحرم قتله، فيجب استرقاقه، كالمرأة.

و الثاني: التخيير بين المنّ و الفداء و الاسترقاق - و هو قول الشيخ(4) رحمه اللّه - لأن أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أسروا رجلا من بني عقيل فأوثقوه و طرحوه في الحرّة، فمرّ به النبي صلّى اللّه عليه و آله، فقال: يا محمّد على م أخذت و أخذت سابقة [2] الحاج ؟ فقال: «أخذت بجريرة حلفائك من ثقيف» و كانت ثقيف قد أسرت رجلين من المسلمين، و مضى النبي صلّى اللّه عليه و آله، فناداه يا محمّد يا محمّد، فقال له: «ما شأنك ؟» فقال: إنّي مسلم، فقال: «لو قلتها و أنت تملك أمرك لأفلحت كلّ الفلاح» و فادى به النبي صلّى اللّه عليه و آله الرجلين(5) ، و لو صار رقيقا، لم يفاد به(6).0.

ص: 161


1- صحيح البخاري 138:9، صحيح مسلم 53:1-35، المستدرك - للحاكم - 522:2، سنن ابن ماجة 1295:2-3927 و 3928، سنن سعيد بن منصور 332:2-333-2933.
2- الكافي 35:5-1، التهذيب 153:6-267.
3- المغني 396:10، الشرح الكبير 403:10.
4- المبسوط - للطوسي - 20:2.
5- صحيح مسلم 1262:3-1641، سنن البيهقي 320:6 و 67:9.
6- المهذّب - للشيرازي - 237:2، الحاوي الكبير 179:14، حلية العلماء 7: 656، العزيز شرح الوجيز 484:11، روضة الطالبين 451:7-452، المغني 396:10، الشرح الكبير 403:10.

و عند الشافعي يسترقّ بنفس الإسلام، و لا يمنّ عليه و لا يفادي به إلاّ بإذن الغانمين، لأنّه صار مالا لهم(1).

و إذا فادى به مالا أو رجالا، جاز ليخلص من الرقّ، فإن فأداه بالرجال، جاز بشرط أن تكون له عشيرة تحميه من المشركين حيث صار مسلما، و إلاّ لم يجز له [1] ردّه. و المال الذي يفادي به يكون غنيمة للغانمين.

مسألة 97: لو أسلم الأسير قبل الظفر به و وقوعه في الأسر،

لم يجز قتله إجماعا، و لا استرقاقه و لا المفاداة به [2]، لأنّه أسلم قبل أن يقهر بالسبي، فلا يثبت فيه التخيير.

و لا فرق بين أن يسلم و هو محصور في حصن أو مصبور أو رمى نفسه في بئر و قد قرب الفتح، و بين أن يسلم في حال أمنه - و به قال الشافعي(2) - لأنّه لم يحصل في أيدي المسلمين بعد، و يكون دمه محقونا لا سبيل لأحد عليه، و يحقن ماله من الاستغنام و ذريّته من الأسر، و يحكم بإسلامهم تبعا له.

و قال أبو حنيفة: إسلامه بعد المحاصرة و دنوّ الفتح لا يعصم نفسه

ص: 162


1- المهذّب - للشيرازي - 237:2، الحاوي الكبير 179:14، حلية العلماء 7: 656، العزيز شرح الوجيز 484:11، روضة الطالبين 452:7، المغني 10: 396، الشرح الكبير 403:10.
2- الحاوي الكبير 178:14-179، العزيز شرح الوجيز 412:11، روضة الطالبين 452:7.

عن الاسترقاق و لا ماله عن الاغتنام(1).

و لا فرق بين مال و مال.

و قال أبو حنيفة: إسلامه يحرز ما في يده من الأموال دون العقارات.

و هو الذي [1] يذهب إليه، لأنّها بقعة من دار الحرب، فجاز اغتنامها، كما لو كانت لحربي(2).

و لا فرق بين أن يكون في دار الإسلام أو دار الحرب، و به قال الشافعي(3).

و قال مالك: إذا أسلم في دار الإسلام، عصم ماله الذي معه في دار الإسلام دون ما معه في دار الحرب(4).

و ليس بجيّد، لعموم الخبر(5).

و قال أبو حنيفة: الحربي إذا دخل دار الإسلام و له أولاد صغار في دار الحرب، يجوز سبيهم(6).

و الحمل كالمنفصل، و به قال الشافعي(7).0.

ص: 163


1- العزيز شرح الوجيز 412:11.
2- المبسوط - للسرخسي - 66:10. الهداية - للمرغيناني - 144:2-145، العزيز شرح الوجيز 412:11، المغني 469:10، الشرح الكبير 414:10.
3- الحاوي الكبير 220:14، حلية العلماء 661:7، العزيز شرح الوجيز 11: 412، روضة الطالبين 452:7.
4- العزيز شرح الوجيز 412:11.
5- تقدّم الخبر و كذا الإشارة إلى مصادره في ص 161، الهامش (1).
6- بدائع الصنائع 105:7، العزيز شرح الوجيز 413:11، حلية العلماء 7: 662، المغني 468:10، الشرح الكبير 413:10.
7- العزيز شرح الوجيز 413:11، الحاوي الكبير 220:14، روضة الطالبين 7: 452، المغني 469:10، الشرح الكبير 413:10.

و جوّز أبو حنيفة استرقاق الحمل تبعا للأم(1).

و ليس بجيّد، لأنّه مسلم بإسلام أبيه، فأشبه المنفصل.

و لو سبيت الزوجة و هي حامل و قد أسلم أبوه، حكم بإسلام الحمل و حرّيّته - و به قال الشافعي و أحمد(2) - كالمولود.

و قال أبو حنيفة: يحكم برقّه مع امّه، لأنّ الأم سرى إليها الرقّ بالسبي فيسري إلى الحمل، لأنّ ما سرى إليه العتق سرى إليه الرقّ، كسائر أعضائها(3).

و الفرق: عدم انفراد الأعضاء بحكم عن الأصل، بخلاف الحمل.

و هل يحرز ولد ابنه الصغير؟ إشكال ينشأ من مشابهة الجدّ للأب، و من مفارقته إيّاه، كالميراث. و للشافعيّة وجهان(4).

و لهم ثالث: أنّ الوجهين فيما إذا كان الأب ميّتا، فأمّا إذا كان الأب حيّا، لم يحرز الجدّ(5).

و قيل: الوجهان في الصغير الذي أبوه حيّ، فإن كان ميّتا، أحرز الجدّ، وجها واحدا(6).

و المجانين من الأولاد كالصغار. و لو بلغ عاقلا ثمّ جنّ، فالأقرب أنّه1.

ص: 164


1- بدائع الصنائع 105:7، الحاوي الكبير 220:14-221، حلية العلماء 7: 662، العزيز شرح الوجيز 413:11، المغني 469:10، الشرح الكبير 10: 413.
2- الحاوي الكبير 220:14، حلية العلماء 662:7، المهذّب - للشيرازي - 2: 240، المغني 469:10، الشرح الكبير 413:10.
3- بدائع الصنائع 105:7، الحاوي الكبير 220:14-221، المغني 469:10، الشرح الكبير 413:10.
4- العزيز شرح الوجيز 413:11، روضة الطالبين 452:7.
5- العزيز شرح الوجيز 413:11، روضة الطالبين 452:7.
6- العزيز شرح الوجيز 413:11.

يحرز.

و للشافعيّة وجهان(1).

و لو أسلمت المرأة قبل الظفر، أحرزت نفسها و مالها و أولادها الصغار، و هو أحد قولي الشافعي. و في الثاني: لا تحرزهم، و به قال مالك(2).

و أمّا الأولاد البالغون العاقلون فلا يحرزهم إسلام أحد من الأبوين، لاستقلالهم بالإسلام.

مسألة 98: لو استأجر مسلم من حربيّ أرضه في دار الحرب، صحّت الإجارة،

فلو غنمها المسلمون، كانت غنيمة، و كانت المنافع للمستأجر، لأنّه ملكها بالعقد، فلا يبطل بتجديد الملك بالاستغنام، كالبيع.

و لو أسلم و زوجته حامل، عصم الحمل على ما تقدّم. و يجوز استرقاق الزوجة - و هو أحد وجهي الشافعي(3) - كما لو لم تكن زوجة مسلم. و الثاني: لا تسترقّ، لما فيه من إبطال حقّه(4).

و لو أعتق المسلم عبده الذمّي مطلقا إن جوّزنا بغير نذر فلحق بدار الحرب ثمّ أسر، احتمل جواز استرقاقه، لإطلاق إذن الاسترقاق، و عدمه، لأنّ للمسلم عليه ولاء، و استرقاقه يقتضي إبطاله عنه، فلا يجوز استرقاقه، كما لو أبق و هو مملوك.

و لو كان لذمي في دار الإسلام عبد ذمّي فأعتقه، صحّ عتقه، فإن لحق بدار الحرب فأسر، جاز استرقاقه عندنا إجماعا، و هو أحد وجهي

ص: 165


1- العزيز شرح الوجيز 413:11، روضة الطالبين 452:7.
2- العزيز شرح الوجيز 413:11، روضة الطالبين 452:7.
3- الحاوي الكبير 221:14، حلية العلماء 662:7، المهذّب - للشيرازي - 2: 240، العزيز شرح الوجيز 413:11-414، روضة الطالبين 452:7.
4- الحاوي الكبير 221:14، حلية العلماء 662:7، المهذّب - للشيرازي - 2: 240، العزيز شرح الوجيز 413:11-414، روضة الطالبين 452:7.

الشافعي(1).

و الثاني: المنع، لتعلّق ولاء الذمّي به(2).

و ليس بجيّد، لأنّ سيّده لو لحق بدار الحرب، جاز استرقاقه فهو أولى، و سقط حقّه بلحوق معتقه.

مسألة 99: لو أسلم عبد الذمّي أو أمته في دار الحرب ثمّ أسلم مولاه،

فإن خرج إلينا قبل مولاه، فهو حرّ، و إن خرج بعده، فهو على الرقّيّة، لما رواه العامّة عن أبي سعيد الأعسم، قال: قضى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في العبد و سيّده قضيّتين: قضى أن العبد إذا خرج من دار الحرب قبل سيّده أنّه حرّ، فإن خرج سيّده بعد، لم يردّ عليه، و قضى أنّ السيّد إذا خرج قبل العبد ثمّ خرج العبد، ردّ على سيّده(3).

و من طريق الخاصّة: قول الباقر عليه السّلام: «إنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله حيث حاصر أهل الطائف قال: أيّما عبد خرج إلينا قبل مولاه فهو حرّ، و أيّما عبد خرج إلينا بعد مولاه فهو عبد»(4).

و لأنّه بخروجه إلينا قبل مولاه يكون قد قهره على نفسه فيكون قد ملكها، لأنّ القهر يقتضي التملّك، فكان حرّا، أمّا لو خرج مولاه أوّلا، فإنّ العبد يكون قد رضي ببقائه في العبوديّة حيث لم يقهره على نفسه بالخروج، فكان باقيا على الرقّيّة.

ص: 166


1- الحاوي الكبير 222:14، حلية العلماء 663:7، العزيز شرح الوجيز 11: 415، روضة الطالبين 453:7.
2- الحاوي الكبير 222:14، حلية العلماء 663:7، العزيز شرح الوجيز 11: 415، روضة الطالبين 453:7.
3- سنن سعيد بن منصور 290:2-2806، المغني 470:10، الشرح الكبير 10: 415.
4- التهذيب 152:6-264.

قال الشيخ رحمه اللّه: و إن قلنا: إنّه يصير حرّا على كلّ حال، كان قويّا(1).

و لو خرج إلينا قبل مولاه مسلما، ملك نفسه، لما قلناه.

و لو كان سيّده صبيّا أو امرأة و لم يسلم حتى غنمت و قد حارب معنا، جاز أن يملك مولاه. و كذا لو أسر سيّده و أولاده و أخذ ماله و خرج إلينا، فهو حرّ، و المال له و السبي رقيقه.

و لو لم يخرج قبل مولاه، فإن أسلم مولاه، كان باقيا على الرقّيّة له، و إن لم يسلم حتى غنم المسلمون العبد، كان غنيمة للمسلمين كافّة.

و لو أسلمت أمّ ولد الحربيّ و خرجت إلينا، عتقت، لأنّها بالقهر ملكت نفسها، و تستبرئ نفسها، و هو قول أكثر العلماء(2).

و قال أبو حنيفة: تتزوج إن شاءت من غير استبراء(3).

و ليس بجيّد، لأنّها أمّ ولد منكوحة للمولى عتقت، فلا يجوز لها أن تتزوّج من غير استبراء، كما لو كانت لذمّي.

و لو أسلم العبد و لم يخرج إلينا، فإن بقي مولاه على الكفر حتى غنم، انتقل إلى المسلمين، و زال ملك مولاه عنه، و إن أسلم مولاه، كان باقيا على ملكيّته.

و لو عقد لنفسه أمانا، لم يقرّ المسلم على ملكه، لقوله تعالى وَ لَنْ يَجْعَلَ اللّهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً (4).

و كذا حكم المدبّر و المكاتب المشروط و المطلق و أمّ الولد في ذلك كلّه على السواء.1.

ص: 167


1- المبسوط - للطوسي - 27:2.
2- المغني 470:10، الشرح الكبير 415:10.
3- المغني 470:10، الشرح الكبير 415:10.
4- النساء: 141.
مسألة 100: لا يجوز لغير الإمام قتل الأسير بغير قول الإمام قبل أن يرى الإمام رأيه فيه،

فإن قتله مسلم أو ذميّ، فلا قصاص و لا دية و لا كفّارة، لأنّه لا أمان له، و هو حرّ إلاّ أن يسترقّ، و به قال الشافعي(1).

و قال الأوزاعي، تجب عليه الدية(2) ، لتعلّق حقّ الغانمين به، و لهذا يجوز للإمام أن يفاديه بالمال و يكون لهم.

و ليس بجيّد، لأنّ الحق إنّما يتعلّق بالبدل لا به، فإنّه حرّ لا ملك لهم فيه، نعم، يعزّر قاتله.

و يجب أن يطعم الأسير و يسقى و إن أريد قتله بعد بلحظة، لقول الصادق عليه السّلام: «الأسير يطعم و إن كان يقدّم للقتل»(3).

و لو عجز الأسير عن المشي و لم يكن مع المسلم ما يركبه، لم يجب قتله، لأنّه لا يدري ما حكم الإمام فيه، لقول زين العابدين عليه السّلام: «إذا أخذت أسيرا فعجز عن المشي و لم يكن معك محمل فأرسله و لا تقتله فإنك لا تدري ما حكم الإمام فيه»(4).

و يكره قتل من يجب قتله صبرا من الاسراء [1] و غيرهم، و معناه أنّه يحبس للقتل، فإن أريد قتله، قتل على غير ذلك الوجه، لقول الصادق عليه السّلام - في الصحيح -: «لم يقتل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله رجلا صبرا قطّ غير رجل واحد

ص: 168


1- الحاوي الكبير 178:14، حلية العلماء 655:7، العزيز شرح الوجيز 11: 411، روضة الطالبين 451:7، المغني 400:10، الشرح الكبير 397:10.
2- حلية العلماء 655:7، الحاوي الكبير 178:14.
3- التهذيب 153:6-268.
4- التهذيب 153:6-267.

عقبة بن أبي معيط»(1).

و لو وقع في الأسر [1] امرأة أو صبي فقتل، وجبت قيمته على القاتل، لأنّه صار مالا بنفس الأسر.

مسألة 101: الحميل هو الذي يجلب من بلاد الشرك،

فإن جلب منهم قوم تعارفوا بينهم بما يوجب التوارث، قبل قولهم بذلك، سواء كان ذلك قبل العتق أو بعده، و يورثون على ذلك، لتعذّر إقامة البيّنة عليه من المسلمين، و قوله عليه السّلام: «إقرار العقلاء على أنفسهم جائز» [2].

و سواء كان النسب نسب الوالدين و الولد أو من يتقرّب بهما إلاّ أنّه لا يتعدّى ذلك إلى غيرهم، و لا يقبل إقرارهم به.

فإذا أخذ الطفل من بلاد الشرك، كان رقيقا، فإذا أعتقه السابي، نفذ عتقه، قاله الشافعي. [قال] [3]: و ثبت [4] له الولاء عليه. فإن أقرّ هذا المعتق بنسب، نظرت فإن اعترف بنسب أب أو جدّ أو أخ أو ابن عمّ، لم يقبل منه إلاّ ببيّنة، لأنّه يبطل حقّ المولى من الولاء(2). و هو حسن قال: و لو أقرّ بولد، ففيه ثلاثة أوجه: أحدها: لا يقبل إقراره، لما تقدّم. و الثاني: يقبل، لأنّه يملك أن يستولد فملك الإقرار بالولد. و الثالث:

إن أمكن أن يكون ولد له بعد عتقه، قبل، لأنّه يملك الاستيلاد بعد عتقه و لا يملكه قبل ذلك(3).

ص: 169


1- التهذيب 173:6-340.
2- الحاوي الكبير 247:14-248.
3- الحاوي الكبير 248:14.
مسألة 102: إذا سبي من لم يبلغ، صار رقيقا في الحال،

فإن سبي مع أبويه الكافرين، كان على دينهما - و به قال أبو حنيفة و مالك و الشافعي(1) - لقوله عليه السّلام: «كلّ مولود يولد على الفطرة و إنّما أبواه يهوّدانه و ينصّرانه و يمجسانه»(2) و هما معه.

و قال الأوزاعي: يكون مسلما، لأنّ السابي يكون أحقّ به، فإنّه يملكه بالسبي، و تزول ولاية أبويه عنه، و ينقطع ميراثه منهما و ميراثهما منه، فيكون تابعا له في الإسلام، كما لو انفرد السابي به(3).

و نمنع من الأصل، و ملك السابي لا يمنعه اتّباعه لأبويه، فإنّه لو كان لمسلم عبد و أمة كافران، فزوّجه منها، فإنّ الولد يكون كافرا و إن كان المالك مسلما.

و إن سبي منفردا عن أبويه، قال الشيخ رحمه اللّه: يتبع السابي في الإسلام(4). و هو قول العامّة(5) كافّة، لأنّ الكفر إنّما يثبت له تبعا لأبويه و قد انقطعت تبعيّته لهما، لانقطاعه عنهما و إخراجه عن دارهما و مصيره إلى دار الإسلام تبعا لسابيه المسلم، فكان تابعا له في دينه.

قال الشيخ رحمه اللّه: و حينئذ لا يباع إلاّ من مسلم، فإن بيع من كافر، بطل البيع(6).

ص: 170


1- مختصر اختلاف العلماء 482:3، المغني 465:10، الشرح الكبير 10: 405، الكافي في فقه أهل المدينة: 209، الحاوي الكبير 246:14، حلية العلماء 663:7، المهذّب - للشيرازي - 240:2.
2- صحيح البخاري 125:2، مسند أحمد 464:2-7141 و 537-7655.
3- مختصر اختلاف العلماء 483:3، المحلّى 324:7، الحاوي الكبير 14: 246، المغني 465:10، الشرح الكبير 405:10.
4- المبسوط - للطوسي - 23:2.
5- المغني 463:10، الشرح الكبير 403:10، الحاوي الكبير 246:14، الكافي في فقه الإمام أحمد 132:4، روضة الطالبين 451:7.
6- المبسوط - للطوسي - 23:2.

و إن سبي مع أحد أبويه، قال الشيخ رحمه اللّه: يتبع أحد أبويه في الكفر(1). و به قال الشافعي و أبو حنيفة و أحمد في رواية، لأنّه لم ينفرد عن أحد أبويه، فلم يحكم بإسلامه، كما لو سبي معهما(2).

و قال الأوزاعي و أحمد في الرواية الأخرى: يحكم بإسلامه، لقوله عليه السّلام:

«كلّ مولود يولد على الفطرة»(3) الحديث، و هو يدلّ من حيث المفهوم على أنّه لا يتبع أحدهما، لأنّ الحكم متى علّق على شيئين لا يثبت بأحدهما، و التهويد قد ثبت بهما، فإذا كان معه أحدهما، لم يهوّده. و لأنّه يتبع سابيه منفردا فيتبعه مع أحد أبويه، كما لو أسلم أحد الأبوين(4).

و دلالة المفهوم ضعيفة، و نمنع قوله: إنّه يتبع السابي.

قال الشيخ رحمه اللّه: لو مات أبو الطفل المسبيّ معهما، لم يحكم بإسلامه، و جاز بيعه على المسلمين، و يكره بيعه على الكافر، لأنّه بحكم الكافر فجاز بيعه على الكافر(5).

و قال أحمد: لو مات أبواه أو أحدهما، حكم بإسلامه، لقوله عليه السّلام:

«كلّ مولود»(6) الحديث، و هو يدلّ على أنّه إذا ماتا أو مات أحدهما، حكم بإسلامه، لأنّ العلّة إذا عدمت عدم المعلول(7).4.

ص: 171


1- المبسوط - للطوسي - 22:2.
2- مختصر اختلاف العلماء 482:3، المغني 464:10، الشرح الكبير 404:10، الكافي في فقه الإمام أحمد 132:4، المهذّب - للشيرازي - 240:2، الحاوي الكبير 246:14.
3- تقدّمت الإشارة إلى مصادره في ص 170، الهامش (2).
4- المحلّى 324:7، المغني 464:10، الشرح الكبير 404:10، الكافي في فقه الإمام أحمد 132:4.
5- المبسوط - للطوسي - 22:2-23.
6- تقدّمت الإشارة إلى مصادره في ص 170، الهامش (2).
7- الكافي في فقه الإمام أحمد 131:4.

احتجّ الشيخ: بأنّه مولود بين كافرين، فإذا ماتا أو مات أحدهما، لم يحكم بإسلامه، كما لو كانا في دار الحرب، و لأنّه كافر أصلي، فلم يحكم بإسلامه بموت أبويه، كالبالغ.

مسألة 103: إذا سبيت المرأة و ولدها الصغير، كره التفرقة بينهما،

بل ينبغي للإمام أن يدفعهما إلى واحد، فإن لم يبلغ سهمه قيمتهما، دفعهما إليه و استعاد الفاضل، أو يجعلهما في الخمس، فإن لم يفعل، باعهما و ردّ قيمتهما في المغنم.

و قال بعض علمائنا: لا تجوز التفرقة(1).

و أطبق العامّة على المنع من التفرقة(2) ، لقول النبي عليه السّلام: «من فرّق بين والدة و ولدها فرّق اللّه بينه و بين أحبّته يوم القيامة»(3).

و لو رضيت الأمّ بالتفرقة، كره ذلك أيضا، لما فيه من الإضرار بالولد.

و حكم البيع كذلك.

و تجوز التفرقة بين الولد و الوالد، قاله الشيخ(4) رحمه اللّه - و به قال بعض

ص: 172


1- كالشيخ الطوسي في المبسوط 21:2، و القاضي ابن البرّاج في المهذّب 1: 318.
2- مختصر المزني: 274، الحاوي الكبير 243:14، الوجيز 191:2، الوسيط في المذهب 30:7، العزيز شرح الوجيز 132:4 و 420:11، المهذّب - للشيرازي - 275:1، المجموع 360:9، روضة الطالبين 82:3 و 455:7، حلية العلماء 122:4 و 665:7، المغني 459:10، الشرح الكبير 408:10، الكافي في فقه الإمام أحمد 132:4، المبسوط - للسرخسي - 139:13، الهداية - للمرغيناني - 54:3، الاختيار لتعليل المختار 41:2.
3- سنن الترمذي 580:3-1283 و 134:4-1566، سنن الدارمي 227:2 - 228، سنن البيهقي 126:9، مسند أحمد 573:6-22988، المستدرك - للحاكم - 55:2.
4- المبسوط - للطوسي - 21:2.

الشافعيّة(1) - لأنّه ليس من أهل الحضانة بنفسه، و لأصالة الجواز، و لم يرد فيه نصّ بالمنع و لا معنى النصّ، لأنّ الأمّ أشفق من الأب و أقلّ صبرا، و لهذا قدّمت في الحضانة، فافترقا.

و منع أبو حنيفة و الشافعي منه، لأنّه أحد الأبوين، فأشبه الأمّ(2).

و الفرق ما تقدّم.

و إنّما تكره التفرقة بين الامّ و الولد الصغير، فإذا بلغ سبع سنين، جازت التفرقة، قاله الشيخ(3) رحمه اللّه - و به قال مالك و الشافعي في قول(4) - لأنّه في تلك الحال يستغني عن الامّ.

و قال بعض علمائنا: إذا استغنى الولد عن الامّ، جازت التفرقة(5). و به قال الأوزاعي و الليث بن سعد(6).

و قال أبو ثور: إذا كان يلبس ثيابه وحده و يتوضّأ وحده، لأنّه حينئذ يستغني عن الامّ(7).0.

ص: 173


1- الوجيز 191:2، الوسيط 30:7، العزيز شرح الوجيز 420:11-421، حلية العلماء 665:7، الحاوي الكبير 243:14، المغني 460:10، الشرح الكبير 409:10.
2- المغني 460:10، الشرح الكبير 409:10.
3- الخلاف 531:5، المسألة 18.
4- المغني 460:10، الشرح الكبير 409:10، الوسيط 69:3، العزيز شرح الوجيز 133:4 و 421:11، المهذّب - للشيرازي - 275:1، المجموع 9: 361، روضة الطالبين 83:3 و 456:7، الحاوي الكبير 243:14، حلية العلماء 122:4-123، مختصر اختلاف العلماء 163:3، تحفة الفقهاء 115:2.
5- انظر: شرائع الإسلام 59:2.
6- المغني 460:10، الشرح الكبير 409:10، مختصر اختلاف العلماء 163:3.
7- المغني 460:10، الشرح الكبير 409:10.

و قال الشافعي في القول الآخر: لا يجوز التفريق بينهما إلى أن يبلغ - و به قال أحمد و أصحاب الرأي - لقول النبي عليه السّلام: «لا يفرّق بين الوالدة و ولدها» فقيل: إلى متى ؟ قال: «حتى يبلغ الغلام و تحيض الجارية»(1).

و لأنّ ما دون البلوغ مولّى عليه، فأشبه الطفل(2).

و تجوز التفرقة بين البالغ و امّه إجماعا.

و عن أحمد روايتان، إحداهما: المنع(3).

و لو فرّق بينهما بالبيع، قال الشيخ: إنّه محرّم و يصحّ البيع(4). و به قال أبو حنيفة(5) ، لقوله تعالى أَوْفُوا بِالْعُقُودِ (6) و أصالة الصحّة، و عدم اقتضاء النهي الفساد في المعاملات، و لأنّ النهي في هذا العقد لا لمعنى في المعقود عليه، فأشبه البيع وقت النداء.

و قال الشافعي: لا ينعقد البيع. و به قال أحمد(7).ن.

ص: 174


1- المستدرك - للحاكم - 55:2.
2- المغني 460:10-461، الشرح الكبير 409:10-410، الوسيط 69:3، المهذّب - للشيرازي - 275:1، المجموع 361:9، روضة الطالبين 83:3 و 456:7، العزيز شرح الوجيز 133:4، و 421:11، الحاوي الكبير 243:14، حلية العلماء 122:4-123، تحفة الفقهاء 115:2، المبسوط - للسرخسي - 139:13.
3- المغني 460:10، الشرح الكبير 409:10، الكافي في فقه الإمام أحمد 2: 13 و 132:4.
4- الخلاف 531:5 و 532، المسألتان 18 و 19.
5- المبسوط - للسرخسي - 140:13، الهداية - للمرغيناني - 54:3، تحفة الفقهاء 115:2، الاختيار لتعليل المختار 41:2، الحاوي الكبير 245:14، العزيز شرح الوجيز 133:4، حلية العلماء 123:4، المجموع 361:9، المغني 10: 461، الشرح الكبير 410:10.
6- المائدة: 1.
7- حلية العلماء 123:4، المهذّب - للشيرازي - 275:1، تحفة الفقهاء 2: 115، المغني 461:10، الشرح الكبير 410:10. و في الوجيز 139:1، و العزيز شرح الوجيز 133:4، و الوسيط 69:3، و روضة الطالبين 83:3، و الحاوي الكبير 244:14-245، و حلية العلماء 666:7 قولان أو وجهان.
مسألة 104: قال الشيخ رحمه اللّه: لا يفرّق بين الولد و الجدّة أمّ الأمّ، لأنّها بمنزلة الأمّ في الحضانة

مسألة 104: قال الشيخ رحمه اللّه: لا يفرّق بين الولد و الجدّة أمّ الأمّ، لأنّها بمنزلة الأمّ في الحضانة(1).

و قال أكثر العامّة: لا يفرّق بين الولد و الجدّ للأب أيضا، و كذا الجدّة له أو الجدّ للأمّ، لأنّهما بمنزلة الأبوين، فإنّ الجدّ أب و الجدّة أمّ، و لهذا يقومان مقامهما في استحقاق الحضانة و الميراث فقاما مقامهما في تحريم التفريق(2).

قال الشيخ رحمه اللّه: تجوز التفرقة بين الأخوين و الأختين [1]. و به قال مالك و الليث بن سعد و الشافعي و ابن المنذر، للأصل، و لأنّها قرابة لا تمنع الشهادة، فلم يحرم التفريق، كقرابة ابن العمّ(3).

و قال أحمد: لا تجوز - و به قال أصحاب الرأي - لأنّه ذو رحم محرم، فلم يجز التفريق بينهما، كالولد و الوالد(4).

و الفرق: قوّة الشفقة و ضعفها.

ص: 175


1- المبسوط - للطوسي - 21:2.
2- المغني 461:10، الشرح الكبير 410:10.
3- المغني 461:10، الشرح الكبير 410:10، الحاوي الكبير 245:14، حلية العلماء 124:4، الوسيط 68:3، العزيز شرح الوجيز 421:11، المجموع 9: 361 و 362، روضة الطالبين 456:7.
4- المبسوط - للسرخسي - 139:13، حلية العلماء 124:4، المغني 10: 461، الشرح الكبير 410:10.

قال الشيخ رحمه اللّه: تجوز التفرقة بين من خرج من عمود الوالدين من فوق و أسفل، كالإخوة و أولادهم، و الأعمام و أولادهم و سائر الأقارب(1).

و هو قول أكثر العلماء(2) ، للأصل.

و قال أبو حنيفة: لا تجوز التفرقة بينه و بين كلّ ذي رحم محرم، كالعمّة (مع) ابن أخيها و الخالة مع ابن أختها بالقياس على الأبوين(3). و هو باطل.

و تجوز التفرقة بين الرحم غير المحرم إجماعا، و كذا بين الامّ و ولدها من الرضاع أو أخته منه، لأنّ القرابة به لا توجب نفقة و لا ميراثا، فلا تمنع التفريق، كالصداقة.

و تجوز التفرقة بينهما في العتق، فتعتق الامّ دون الولد، و بالعكس.

و كذا تجوز التفرقة في الفداء إجماعا، لأنّ العتق لا تفرقة فيه في المكان، و الفداء تخليص، كالعتق.

و لو اشترى من المغنم اثنين أو أكثر و حسبوا عليه بنصيبه بناء على أنّهم أقارب تحرم التفرقة بينهم فظهر عدم النسب بينهم، وجب عليه ردّ الفضل الذي فيهم على المغنم، لأنّ قيمتهم تزيد بذلك، فإنّ من اشترى اثنين على أنّ أحدهما أمّ، يحرم الجمع في الوطء و التفرقة بينهما، فتقلّ قيمتها لذلك، فإذا ظهر أنّ إحداهما أجنبيّة، أبيح له وطؤها و التفريق، فتكثر القيمة، فيردّ الفضل، كما لو اشتراهما فوجد معهما حليّا.4.

ص: 176


1- المبسوط - للطوسي - 21:2.
2- المغني 462:10، الشرح الكبير 411:10، الحاوي الكبير 245:14.
3- المبسوط - للسرخسي - 139:13، الهداية - للمرغيناني - 54:3، الحاوي الكبير 245:14.

و لو جنت جارية و تعلّق الأرش برقبتها و لها ولد صغير لم يتعلّق به أرش، فإن فداها السيّد، فلا كلام، و إن امتنع، قال الشيخ: لم يجز بيعها دون ولدها، لاشتماله على التفرقة، لكن يباعان معا، و يعطى المجنيّ عليه ما يقابل قيمة جارية ذات ولد، و الباقي للسيّد، فلو كانت قيمة الجارية - و لها ولد - دون ولدها مائة و قيمة ولدها خمسون، خصّ الجارية ثلثا الثمن، فإن و في بالأرش، و إلاّ فلا شيء غيره، و إن زاد، ردّ الفضل على السيّد(1).

قال: و لو كانت الجارية حاملا بحرّ و امتنع سيّدها من الفداء، لم يجز بيعها، و تصبر حتى تضع، و يكون الحكم كما لو كان منفصلا، و إن كانت حاملا بمملوك، جاز بيعهما معا، كالمنفصل(2).

قال رحمه اللّه: لو باع جارية حاملا إلى أجل ففلس المشتري و قد وضعت ولدا مملوكا من زنا أو زوج، فهل له الرجوع فيها دون ولدها؟ وجهان:

أحدهما: ليس له: لأنّه تفريق بينها و بين ولدها، و يتخيّر بين أن يعطي قيمة ولدها و يأخذهما، و بين أن يدع و يضرب مع الغرماء بالثمن.

و الثاني: له الرجوع فيها، لأنّه ليس تفرقة، فإنّهما يباعان معا و ينفرد هو بحصّتها(3).

قال: و لو ابتاع جارية فأتت بولد مملوك في يد المشتري و علم بعيبها، لم يكن له ردّها بالعيب، لأنّه تفريق، و لا يلزمه ردّ الولد، لأنّه ملكه و سقط الردّ، و يكون له الأرش، فإن علم بالعيب و هي حامل، تخيّر بين الردّ و الأرش(4).

مسألة 105: لو سبيت امرأة و ولدها، لم يفرّق بينهما،

فإن و في

ص: 177


1- المبسوط - للطوسي - 22:2.
2- المبسوط - للطوسي - 22:2.
3- المبسوط - للطوسي - 22:2.
4- المبسوط - للطوسي - 22:2.

نصيب أحد بهما، دفعا إليه، و إلاّ اشترك مع الإمام فيهما، أو باعهما و جعل ثمنهما في المغنم.

فإن فرّق بينهما في القسمة، لم يصح.

و للشافعي قولان كما في البيع(1).

و على القول بصحّته قال بعض أصحابه: لا يقرّان على التفريق و لكن يقال لهما: إن رضيتما ببيع الآخر ليجتمعا في الملك فذاك، و إلاّ فسخنا البيع(2).

و قال بعضهم: يقال للبائع: إمّا أن تتطوّع بتسليم الآخر، أو فسخ البيع، فإن تطوّع بالتسليم فامتنع المشتري من القبول، فسخ البيع(3).

و لو كان له أمّ و جدة فبيع مع الامّ، اندفع المحذور، و إن بيع مع الجدّة و قطع عن الامّ، فللشافعي قولان(4).

و له قولان في تعدّي التحريم إلى سائر المحارم، كالأخ و العمّ(5).

و لو ألجأت الضرورة إلى التفرقة، جاز، كما لو كانت الأمّ حرّة، جاز بيع الولد. و لو كانت الامّ لواحد و الولد لآخر، فله أن ينفرد ببيع ما يملكه.

مسألة 106: إذا أسر المشرك و له زوجة لم تؤسر، فالزوجيّة باقية،

ص: 178


1- العزيز شرح الوجيز 420:11، روضة الطالبين 455:7.
2- الحاوي الكبير 245:14، العزيز شرح الوجيز 420:11، روضة الطالبين 7: 455-456، المجموع 361:9.
3- العزيز شرح الوجيز 420:11، روضة الطالبين 456:7، المجموع 361:9.
4- الوسيط 30:7، الوجيز 191:2، العزيز شرح الوجيز 420:11، روضة الطالبين 456:7، المجموع 361:9.
5- الوسيط 30:7، الوجيز 191:2، العزيز شرح الوجيز 420:11، روضة الطالبين 456:7، المجموع 361:9، و 362.

للاستصحاب. و لأنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله سبى يوم بدر سبعين رجلا من الكفّار، فمنّ على بعضهم و فادى بعضا(1) ، فلم يحكم عليهم بفسخ أنكحتهم، و به قال أكثر العلماء.

و قال أبو حنيفة: ينفسخ النكاح، لافتراق الزوجين في الدار، و طروّ الملك على أحدهما، فانفسخ النكاح، كما لو سبيت المرأة وحدها(2).

و ليس بجيّد، لأنّ الملك لا يحصل بنفس الأسر بل باختيار الإمام له.

إذا ثبت هذا، فإن منّ الإمام عليه أو فأداه، فالزوجيّة باقية، و إن استرقّه، انفسخت.

و لو أسر الزوجان معا، انفسخ النكاح عندنا - و به قال مالك و الثوري و الليث و الشافعي و أبو ثور(3) - لقوله تعالى وَ الْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ إِلاّ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ (4)وَ الْمُحْصَناتُ : المزوّجات إِلاّ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ بالسبي.

قال أبو سعيد الخدري: نزلت هذه الآية في سبي أو طاس(5).

و قال ابن عباس: إلاّ ذوات الأزواج من المسبيّات(6).

و لأنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله قال في سبي أو طاس: «لا توطأ حامل حتى تضع،0.

ص: 179


1- المغني 467:10، الشرح الكبير 406:10.
2- حلية العلماء 666:7، المغني 467:10، الشرح الكبير 407:10، و انظر: العزيز شرح الوجيز 416:11.
3- الكافي في فقه أهل المدينة: 209، الشرح الكبير 405:10، الوجيز 191:2، العزيز شرح الوجيز 416:11، المهذّب - للشيرازي - 241:2، حلية العلماء 7: 666، روضة الطالبين 453:7.
4- النساء: 24.
5- المغني 465:10، الشرح الكبير 405:10، العزيز شرح الوجيز 416:11.
6- المغني 465:10، الشرح الكبير 405:10.

و لا حائل حتى تحيض»(1) و أباح الوطء بعد وضع الحامل و استبراء الحائل، و لو كان النكاح باقيا، حرم الوطء.

و قال أبو حنيفة و الأوزاعي و أحمد: لا ينفسخ، لأنّ الرقّ لا يمنع ابتداء النكاح فلا يقطع استدامته، كالعتق(2).

و الجواب: البحث في استجداد الملك، و هو عندنا موجب لفسخ النكاح، و الفرق واقع بين الابتداء و الاستدامة.

و لو أسرت الزوجة وحدها، انفسخ النكاح إجماعا، و لا فرق بين أن يسبى الزوج بعدها بيوم أو أزيد أو أنقص.

و قال أبو حنيفة: إن سبي بعدها بيوم، لم ينفسخ النكاح(3).

و ليس بجيّد، لأنّ المقتضي للفسخ موجود و هو السبي، فانفسخ النكاح، كما لو حصل السبي بعد شهر.

و لا فرق بين أن يسبيهما واحد أو اثنان.

و الوجه: أنّه إذا سباهما واحد و ملكهما معا، لا ينفسخ النكاح إلاّ بفسخه، و كذا لو بيعا من واحد.

و لو كان الأسير طفلا، انفسخ النكاح في الحال، كالمرأة، لتجدّد الملك بالأسر، بخلاف البالغ.0.

ص: 180


1- ورد نصّه في سنن البيهقي 124:9 نقلا عن الشافعي، و كذا في العزيز شرح الوجيز 416:11، و المهذّب - للشيرازي - 241:2. و بتفاوت في سنن أبي داود 248:2-217، و سنن الدارمي 171:2، و مسند أحمد 509:3-11414، و المستدرك - للحاكم - 195:2.
2- العزيز شرح الوجيز 416:11، المغني 465:10-466، الشرح الكبير 10: 405-406.
3- المغني 466:10، الشرح الكبير 406:10.

و لو كان الزوجان مملوكين، قيل: لا ينفسخ النكاح، لعدم حدوث رقّ فيهما، لأنّه كان ثابتا قبل السبي(1).

و الوجه: أنّ الغانم يتخيّر، كما لو بيعا عليه.

مسألة 107: قد ذكرنا فيما تقدّم

مسألة 107: قد ذكرنا فيما تقدّم(2) أنّ الغانم الموسر إذا وطئ جارية المغنم، تكون أمّ ولد في الحال

عند الشيخ رحمه اللّه.

و للشافعيّة طريقان: إن قلنا: إنّ الغانمين لا يملكون قبل القسمة، فلا ينفذ الاستيلاد في نصيبه، لأنّ نفوذه لم يصادف الملك. و إن قلنا:

يملكون، ففي نفوذ الاستيلاد وجهان، لأنّه ملك ضعيف. و يقرب الوجهان لضعف الملك من الوجهين في نفوذ الاستيلاد للمشتري في زمن الخيار إذا حكمنا بثبوت الملك.

الطريق الثاني: إن قلنا بثبوت الملك، قطعنا بنفوذ الاستيلاد، و إلاّ فقولان كالقولين في استيلاد الأب جارية الابن. و قد تجعل هذه الصورة أولى بنفوذ الاستيلاد، لأنّ حقّ الابن [1] أقوى من حقّ سائر الغانمين، و حقّ الأب أضعف من حقّ الغانم الواطئ.

و يخرج من الطريقين قولان في نفوذ الاستيلاد في نصيبه.

و إذا قيل به، فلو ملك الجارية بالوقوع في سهمه أو بسبب آخر يوما، ففي نفوذ الاستيلاد حينئذ قولان(3).

ص: 181


1- انظر: الوجيز 191:2، و العزيز شرح الوجيز 416:11، و الوسيط 28:7، و المهذّب - للشيرازي - 241:2، و روضة الطالبين 454:7.
2- تقدّم في ص 152.
3- العزيز شرح الوجيز 440:11-441، روضة الطالبين 465:7.

و قال بعض(1) الشافعيّة: ان كانوا محصورين و لم يغنموا غير تلك الجارية، قطع بنفوذ الاستيلاد في حصّته منها، بخلاف ما إذا كان في الغنيمة غيرها، فإنّه يحتمل جعل الجارية لغيره.

و إذا نفذ الاستيلاد في نصيبه سرى مع يساره إلى الباقي، و تحصل السراية بنفس العلوق أو بأداء قيمة نصيب الشريك ؟ قولان.

و يحصل يسار الواطئ بحصّته في المغنم إذا غنموا غيرها، فإن لم تف حصّته من غير الجارية بالقيمة، حصلت السراية بمقدار حصّته.

و يمكن أن يخرج على أنّ الملك في الغنيمة هل يحصل قبل القسمة ؟ إن قلنا: لا يملك، لم يكن موسرا بالحصّة، فإنّ الحكم بغناه موقوف على أن لا يعرض و يستقرّ ملكه، فإن أعرض، تبيّنّا أنّه لم يكن غنيّا، و لا نقول: إنّ حقّ السراية يلزمه اختيار التملّك، فإنّ الاختيار بمثابة ابتداء الاكتساب.

و إن لم يحكم بالاستيلاد، فإن تأخّرت القسمة حتى وضعت، قال بعضهم: تجعل الجارية في المغنم و تدخل في القسمة، فإن دخلها نقص بالولادة، لزمه الأرش، و قبل الوضع الجارية حامل بحر. و بيع هذه الجارية لا يصحّ، و القسمة عندهم بيع، فكيف يمكن دخول القسمة فيها!؟(2) و قال بعضهم: تسلّم هذه الجارية بحصّته [إليه] [1] إذا كانت حصّته تفي بقيمتها أو أزيد(3).7.

ص: 182


1- هو صاحب الحاوي كما في العزيز شرح الوجيز 441:11، و روضة الطالبين 7: 465، و انظر: الحاوي الكبير 238:14.
2- العزيز شرح الوجيز 441:11، روضة الطالبين 465:7-466.
3- العزيز شرح الوجيز 441:11، روضة الطالبين 466:7.

و قيل: تؤخذ قيمتها و تلقى في المغنم، لأنّه بالإحبال فرّق بينها و بين الغانمين(1).

و أمّا إذا كان الواطئ معسرا، فقد سبق(2) قول الشيخ رحمه اللّه فيه.

و قالت الشافعيّة: يثبت الاستيلاد في حصّته و لا يسري، و يخلق الولد كلّه حرّا في قول، لأنّ الشبهة تعمّ الجارية، و حرّيّة الولد تثبت بالشبهة. و إن لم يثبت الاستيلاد، كما لو وطئ جارية الغير بظنّ أنّها جاريته أو زوجته، ينعقد الولد حرّا، و لا يثبت الاستيلاد.

و في قول آخر: الحرّيّة في قدر حصّته، كالاستيلاد في قدرها، و ليس كالوطء بالشبهة، فإنّ الشبهة حصلت من الظنّ، و هو لا يتبعّض، و الشبهة هنا حصلت من جهة استحقاق المستولد ملكا أو ولاية ملك، و هو متبعّض.

فإن قلنا: لا يعتق من الولد إلاّ قدر حصّته من الامّ، فلو ملك باقي الجارية من بعد، بقي الرقّ فيه، لأنّها علقت برقيق في غير الملك. و إن قلنا:

جميعه حرّ ففي ثبوت الاستيلاد في باقيها إذا ملكه قولان، لأنّه أولدها حرّا في غير الملك(3).

البحث الثالث: في أحكام الأرضين.
مسألة 108: الأرضون على أربعة أقسام:
الأوّل: ما يملك بالاستغنام من الكفّار و يؤخذ قهرا بالسيف،

و هي تملك بالاستيلاء كما تملك المنقولات، و تكون للمسلمين قاطبة لا تختصّ

ص: 183


1- العزيز شرح الوجيز 441:11، روضة الطالبين 466:7.
2- سبق في ص 153.
3- العزيز شرح الوجيز 441:11، روضة الطالبين 467:7.

بها المقاتلة، بل يشاركهم غيرهم من المسلمين، و لا يفضّل الغانمون على غيرهم أيضا، بل هي للمسلمين قاطبة، ذهب إليه علماؤنا أجمع - و به قال مالك(1) - لما رواه العامّة عن النبي صلّى اللّه عليه و آله أنّه فتح هوازن و لم يقسّمها [1].

و من طريق الخاصّة: قول الكاظم عليه السّلام في حديث طويل: «و الأرض التي فتحت عنوة - إلى قوله - و يأخذ الباقي، فيكون ذلك أرزاق أعوانه على دين اللّه و في مصلحة ما ينوبه من تقوية الإسلام و تقوية الدين في وجوه الجهاد و غير ذلك ممّا فيه مصلحة العامّة، و ليس لنفسه من ذلك قليل و لا كثير»(2) يعني الإمام.

و قال الشافعي: يقسّم بين الغانمين كسائر الأموال. و به قال أنس بن مالك و الزبير و بلال(3).

و قال الثوري: يتخيّر الإمام بين القسمة و الوقف على المسلمين(4).

و رواه العامّة عن علي عليه السّلام(5).

و قال أبو حنيفة: يتخيّر الإمام بين قسمتها و وقفها و أن يقرّ أهلها عليها و يضرب عليهم الخراج يصير حقّا على رقبة الأرض لا يسقط بالإسلام(6).7.

ص: 184


1- بداية المجتهد 401:1، الكافي في فقه أهل المدينة: 219، المنتقى - للباجي - 223:3، الأحكام السلطانيّة - للماوردي -: 137، حلية العلماء 678:7.
2- الكافي 454:1-455-4، التهذيب 128:4-130-366.
3- الحاوي الكبير 260:14، الأحكام السلطانية - للماوردي -: 137، حلية العلماء 7: 677، المنتقى - للباجي - 223:3، المبسوط - للسرخسي - 37:10، و انظر: الشرح الكبير 531:10-532.
4- حلية العلماء 678:7، الشرح الكبير 531:10-532.
5- حلية العلماء 678:7، الشرح الكبير 531:10-532.
6- العزيز شرح الوجيز 447:11 و 449، الحاوي الكبير 260:14، حلية العلماء 678:7.
الثاني: أرض من أسلم أهلها عليها طوعا من غير قتال،

فتترك في أيديهم ملكا لهم يصحّ لهم التصرّف فيها بالبيع و الشراء و الوقف و سائر أنواع التصرّف إذا عمروها و قاموا بعمارتها. و يؤخذ منهم العشر أو نصف العشر زكاة إذا بلغ النصاب، فإن تركوا عمارتها و تركوها خرابا، كانت للمسلمين قاطبة، و جاز للإمام أن يقبّلها ممّن يعمرها بالنصف أو الثلث أو الربع، و كان على المتقبّل بعد إخراج حقّ القبالة مئونة الأرض إذا بقي معه النصاب العشر أو نصف العشر، ثمّ على الإمام أن يعطي أربابها حقّ الرقبة، لرواية الرضا(1) عليه السّلام.

الثالث: أرض الصلح، و هي كلّ أرض صالح أهلها عليها،

و هي أرض الجزية يلزمهم ما يصالحهم الإمام عليه من نصف أو ثلث أو غيره، و ليس عليهم غيره. فإذا أسلم أربابها، كان حكم أرضيهم حكم أرض من أسلم أهلها عليها طوعا، و يسقط عنهم مال الصلح، لأنّه جزية و قد سقطت بالإسلام، فلأربابها التصرّف فيها بالبيع و غيره.

و للإمام أن يزيد و ينقص بعد انقضاء مدّة الصلح حسب ما يراه من زيادة الجزية و نقصانها.

و لو باعها المالك من مسلم، صحّ، و انتقل ما عليها إلى رقبة البائع.

هذا إذا صولحوا على أنّ الأرض لهم، أمّا لو صولحوا على أنّ الأرض للمسلمين و على أعناقهم الجزية، كان حكمها حكم الأرض المفتوحة عنوة عامرها للمسلمين و مواتها للإمام.

الرابع: أرض الأنفال، و هي أرض انجلى أهلها عنها طوعا و تركوها،

ص: 185


1- التهذيب 119:4-342.

أو كانت مواتا لغير المالك فأحييت، أو كانت آجاما و غيرها ممّا لا تزرع فاستحدثت مزارع، فإنّها كلها للإمام خاصّة ليس لأحد معه فيها نصيب، فكان له التصرّف فيها بالبيع و غيره حسب ما يراه، و كان له أن يقبّلها بما يراه من نصف أو ثلث أو ربع.

و يجوز له نزعها من يد متقبّلها إذا انقضت مدّة الضمان، إلاّ ما أحييت بعد موتها، فإنّ من أحياها أولى بالتصرّف فيها إذا تقبّلها بما يتقبّلها غيره، فإن أبي، كان للإمام نزعها من يده، و تقبيلها لمن يراه، و على المتقبّل بعد إخراج مال القبالة فيما يحصل في حصّته العشر أو نصف العشر.

قال الشيخ رحمه اللّه: و كلّ موضع أوجبنا فيه العشر أو نصف العشر من أقسام الأرضين إذا أخرج الإنسان مئونته و مئونة عياله لسنته، وجب عليه فيما بقي بعد ذلك الخمس لأهله(1).

مسألة 109: الأرض المأخوذة بالسيف عنوة يقبّلها الإمام لمن يقوم بعمارتها بما يراه من النصف و غيره،

و على المتقبّل إخراج مال القبالة و حقّ الرقبة، و فيما يفضل في يده إذا كان نصابا العشر أو نصفه، فلا يصحّ التصرّف في هذه الأرض بالبيع و الشراء و الوقف و غير ذلك.

و للإمام أن ينقله من متقبّل إلى غيره إذا انقضت مدّة قبالته، و له التصرّف فيه بما يراه من مصلحة المسلمين، و ارتفاع هذه الأرض ينصرف إلى المسلمين بأجمعهم و في مصالحهم، لقول الرضا عليه السّلام: «و ما أخذ بالسيف فذلك للإمام يقبّله بالذي يرى، كما صنع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بخيبر، قبّل أرضها و نخلها، و الناس يقولون: لا تصلح قبالة الأرض و النخل إذا كان

ص: 186


1- المبسوط - للطوسي - 236:1.

البياض أكثر من السواد و قد قبّل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله خيبر، و عليهم في حصصهم العشر أو [1] نصف العشر»(1).

إذا عرفت هذا، فإنّ هذه الأرض للمسلمين قاطبة إن كانت محياة وقت الفتح، لا يصحّ بيعها و لا هبتها و لا وقفها، بل يصرف الإمام حاصلها في المصالح، كسدّ الثغور و معونة الغزاة و بناء القناطر و أرزاق القضاة و الولاة و صاحب الديوان و غير ذلك من المصالح.

و أمّا الموات منها وقت الفتح فهي للإمام خاصّة، و لا يجوز لأحد إحياؤه إلاّ بإذنه إن كان ظاهرا. و لو تصرّف فيها أحد من غير إذنه، كان عليه طسقها، و حال الغيبة يملكها المتصرّف من غير إذن، لأنّ عمر بن يزيد روى - في الصحيح - أنّه سمع رجلا يسأل الصادق عليه السّلام عن رجل أخذ أرضا مواتا تركها أهلها فعمّرها و أكرى أنهارها و بنى فيها بيوتا و غرس فيها نخلا و شجرا، قال: فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام: «كان أمير المؤمنين عليه السّلام يقول:

من أحيى أرضا من المؤمنين فهي له، و عليه طسقها يؤديه إلى الإمام في حال الهدنة، فإذا ظهر القائم عليه السّلام فليوطّن نفسه على أن تؤخذ منه»(2) إذا عرفت هذا، فإذا زرع فيها أحد أو بنى أو غرس، صحّ له بيع ماله فيها من الآثار و حقّ الاختصاص بالتصرّف، لا بيع الرقبة، لأنّها ملك المسلمين قاطبة.

روى أبو بردة بن رجا أنّه سأل الصادق عليه السّلام: كيف ترى في شراء أرض الخراج ؟ قال: «و من يبيع ذلك!؟ هي أرض المسلمين» قلت:4.

ص: 187


1- التهذيب 119:4-342.
2- التهذيب 145:4-404.

يبيعها الذي هي في يده، قال: «و يصنع بخراج المسلمين ما ذا؟» ثمّ قال:

«لا بأس اشتر حقّه منها و يحوّل حقّ المسلمين عليه، و لعلّه يكون أقوى عليها و أملأ بخراجها [1] منه»(1).

مسألة 110: الأرض الخربة و الموات و رءوس الجبال و بطون الأودية و الآجام من الأنفال

يختصّ بها الإمام ليس لأحد التصرّف فيها إلاّ بإذنه حال ظهوره عليه السّلام، و يجوز للشيعة حال الغيبة التصرّف فيها، لأنّهم عليهم السلام أباحوا شيعتهم ذلك.

و أمّا أرض مكّة: فالظاهر من المذهب أنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله فتحها بالسيف ثمّ آمنهم بعد ذلك - و به قال أبو حنيفة و مالك و الأوزاعي(2) - لأنّ العامّة رووا عن النبي صلّى اللّه عليه و آله أنّه قال لأهل مكّة: «ما تروني صانعا بكم ؟» فقالوا: أخ كريم و ابن أخ كريم، فقال: «أقول كما قال أخي يوسف لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللّهُ لَكُمْ وَ هُوَ أَرْحَمُ الرّاحِمِينَ (3) أنتم الطلقاء»(4).

و من طريق الخاصّة: رواية صفوان بن يحيى و أحمد بن محمد بن أبي نصر قالا: ذكرنا له الكوفة، إلى أن قال: «إنّ أهل الطائف أسلموا و جعلوا عليهم العشر و نصف العشر، و إن أهل مكّة دخلها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله

ص: 188


1- التهذيب 146:4-406، الاستبصار 109:3-387.
2- شرح معاني الآثار 311:3، المنتقى - للباجي - 220:3، معالم السنن - للخطّابي - 240:4، مختصر المزني: 273، الحاوي الكبير 224:14، حلية العلماء 725:7، العزيز شرح الوجيز 455:11 و 456.
3- يوسف: 92.
4- السيرة النبويّة - لابن هشام - 55:4، سنن البيهقي 118:9، الحاوي الكبير 225:14.

عنوة و كانوا أسراء في يده فأعتقهم و قال: اذهبوا فأنتم الطلقاء»(1).

و قال الشافعي: إنّه عليه السّلام فتحها صلحا بأمان قدّمه لهم قبل دخوله(2).

و هو منقول عن أبي سلمة بن عبد الرحمن و مجاهد(3).

و أمّا أرض السواد - و هي الأرض المغنومة من الفرس، التي فتحها عمر بن الخطّاب، و هي سواد العراق، و حدّه في العرض من منقطع الجبال ب «حلوان» إلى طرف القادسيّة، المتّصل ب «عذيب» من أرض العرب، و من تخوم الموصل طولا إلى ساحل البحر ببلاد عبّادان من شرقي دجلة، فأمّا الغربي الذي تليه البصرة إنّما هو إسلامي، مثل [شط](4) عثمان بن أبي العاص و ما والاها كانت سباخا و مواتا، فأحياها عثمان بن أبي العاص.

و سمّيت سوادا، لأنّ الجيش لمّا خرجوا من البادية رأوا هذه الأرض و التفاف شجرها سمّوها السواد لذلك. و لمّا فتحها عمر بعث عمّار بن ياسر على صلاتهم أميرا، و ابن مسعود قاضيا، واليا على بيت المال، و عثمان بن حنيف على مساحة الأرض، و فرض للثلاثة في كلّ يوم شاة، شطرها مع السواقط [1] لعمّار، و شطرها للآخرين، و قال: ما أرى قرية تؤخذ منها كلّ يوم شاة إلاّ سريع في خرابها(5) - قال الشيخ رحمه اللّه: الذي يقتضيه المذهب أنّ2.

ص: 189


1- الكافي 512:3-513-2، التهذيب 118:4-119-341.
2- مختصر المزني: 273، حلية العلماء 725:7، الحاوي الكبير 224:14، العزيز شرح الوجيز 455:11، روضة الطالبين 469:7، معالم السنن - للخطّابي - 241:4، المنتقى - للباجي - 220:3.
3- الحاوي الكبير 224:14.
4- أضفناها من منتهى المطلب - للمصنّف - 937:2.
5- الخراج - للقاضي أبي يوسف -: 36، الأموال - لأبي عبيد -: 74 ذيل الرقم 172.

الأرض التي فتحت عنوة يخرج خمسها لأرباب الخمس، و الأربعة الأخماس الباقية للمسلمين قاطبة الغانمين و غيرهم، و يقبّلها الإمام لمن شاء، و يأخذ ارتفاعها يصرفه في مصالح المسلمين.

و لا يصحّ بيع شيء من هذه الأرض و لا هبته و لا معاوضته و لا تملّكه [1] و لا وقفه و لا رهنه و لا إجارته و لا إرثه. و لا يصحّ أن يبنى دورا و مساجد و سقايات و لا غير ذلك من أنواع التصرّف الذي يتبع الملك، و متى فعل شيء من ذلك كان التصرّف باطلا، و هو باق على الأصل.

ثمّ قال رحمه اللّه: و على الرواية التي رواها أصحابنا أنّ كلّ عسكر أو فرقة غزت بغير إذن الإمام فغنمت تكون الغنيمة للإمام خاصّة، تكون هذه الأرضون [و غيرها ممّا فتحت] [2] بعد الرسول صلّى اللّه عليه و آله إلاّ ما فتح في أيّام أمير المؤمنين عليه السّلام إن صحّ شيء من ذلك يكون للإمام خاصّة، و يكون من جملة الأنفال التي له خاصّة لا يشركه فيها غيره(1).

قال الشيخ رحمه اللّه - و وافقه الشافعي(2) -: إنّ عثمان بن حنيف مسح أرض الخراج، و اختلفوا، فقال الساجي: اثنان و ثلاثون ألف ألف جريب. و قال أبو عبيدة: ستّة و ثلاثون ألف ألف جريب. ثمّ ضرب على كلّ جريب نخل عشرة دراهم، و على الكرم ثمانية دراهم، و على جريب الشجر و الرطبة ستّة دراهم، و على الحنطة أربعة دراهم، و على الشعير درهمين. ثم كتب بذلك إلى عمر، فأمضاه(3).4.

ص: 190


1- المبسوط - للطوسي - 34:2.
2- المهذّب - للشيرازي - 266:2، حلية العلماء 728:7، العزيز شرح الوجيز 454:11.
3- المبسوط - للطوسي - 33:2-34.

و أبو حنيفة وافقهما إلاّ في الحنطة و الشعير، فإنّه قال: يؤخذ من الحنطة قفيز و درهمان، و من الشعير قفيز و درهم(1).

و قال أحمد: يؤخذ من كلّ واحد منهما قفيز و درهم(2) ، لقوله عليه السّلام:

«منعت العراق قفيزها و درهمها»(3) معناه: ستمنع.

و قال بعض الشافعيّة: إنّ سواد العراق فتح صلحا(4). و هو محكي عن أبي حنيفة(5).

و قال بعضهم: اشتبه الأمر عليّ فلا أدري أفتح عنوة أو صلحا(6).

ثمّ اختلفت الشافعيّة، فقال بعضهم: إنّ عمر جعل الأربعة الأخماس الباقية من الأرض لأهل الخمس عوضا عن نصيبهم من المنقولات من الغنيمة، فصارت الأرض لأهل الخمس و المنقولات للغانمين(7).

و قال بعضهم: إنّه قسّمها بين الغانمين و لم يخصّها بأهل الخمس ثمّ استطاب قلوبهم عنها و استردّها(8).

[ثمّ اختلفوا] [1] فقال الأكثرون: إنّه بعد ردّها وقفها على المسلمين و آجرها [2] من أهلها، و الخراج المضروب عليها اجرة منجّمة تؤدّي في كلّ سنة. و هو نصّ الشافعي في كتاب الرهن(9).7.

ص: 191


1- حلية العلماء 729:7، العزيز شرح الوجيز 454:11.
2- حلية العلماء 729:7، العزيز شرح الوجيز 455:11.
3- صحيح مسلم 222:4-896، سنن أبي داود 166:3-3035، مسند أحمد 516:2-7511.
4- العزيز شرح الوجيز 449:11، روضة الطالبين 469:7.
5- العزيز شرح الوجيز 449:11.
6- العزيز شرح الوجيز 449:11.
7- العزيز شرح الوجيز 449:11.
8- العزيز شرح الوجيز 449:11، روضة الطالبين 469:7.
9- العزيز شرح الوجيز 450:11، روضة الطالبين 470:7.

قال سفيان الثوري: جعل عمر السواد وقفا على المسلمين ما تناسلوا(1).

و قال بعضهم: إنّه باعها من أهلها و الخراج ثمن منجّم، لأنّه لم يزل الناس يبيعون أرض السواد و يشترون من غير إنكار(2).

و قال آخرون من الشافعيّة: ما فعله عمر عدول عن الأصل الممهّد، فإنّه يشترط في الإجارة ضبط المدّة، و في البيع ضبط جملة الثمن، لكن قالوا: إنّها بالاسترداد رجعت إلى حكم أموال الكفّار، و الإمام يفعل للمصلحة الكلّيّة في أموال الكفّار ما لا يجوز مثله في أموال المسلمين، فرأى عمر [1] المصلحة لئلاّ يشتغلوا بالعمارة و الزراعة عن الجهاد(3).

و قال بعضهم: إنّه وقفها وقفا لا مؤبّدا محرّما، بل جعلها موقوفة على مصالح المسلمين ليؤدّي ملاّكها على تداول الأيدي و تبدّلها بالبيع و الشراء خراجا ينتفع به المسلمون، فيجوز بيعها و هبتها و رهنها على الثاني لا الأوّل، و يجوز على الوجهين لأربابها إجارتها مدّة معلومة(4).

و هل لهم الإجارة المؤبّدة بمال يتراضيان عليه ؟ جوزه بعضهم تبعا لفعل عمر، و قال: من استحلّ منفعة على جهة لم يبعد أن يملك إخراج نفسه من البين و إحلال غيره محلّه(5).

و منع بعضهم(6).7.

ص: 192


1- العزيز شرح الوجيز 450:11.
2- العزيز شرح الوجيز 450:11، روضة الطالبين 470:7.
3- العزيز شرح الوجيز 450:11-451.
4- العزيز شرح الوجيز 451:11، روضة الطالبين 470:7.
5- العزيز شرح الوجيز 451:11، روضة الطالبين 470:7.
6- العزيز شرح الوجيز 451:11، روضة الطالبين 470:7.

و الفاسد في إجارة عمر احتمل لمصلحة كلّيّة، و الجزئيّات ليست كالكلّيّات، فلا يجوز لغير سكّانها أن يزعج واحدا من السكّان و يقول:

أنا أستغلّها [1] و اعطي الخراج، لأنّه مالك رقبتها إرثا على أحد الوجهين، و مالك منفعتها على الآخر، لعقد بعض أجداده مع عمر، و الإجارة لازمة لا تنفسخ بالموت.

هذا فيما يزرع و يغرس من الأراضي، و أمّا المساكن و الدور: فإن قلنا: إنّ تلك الأراضي مبيعة من أربابها، فكذا المساكن و الدور، و إن قلنا:

موقوفة، فوجهان(1).

مسألة 111: إذا نزل الإمام على بلد فحاصره و أرادوا الصلح على أن يكون البلد لهم و كانوا من أهل الكتاب،
اشارة

جاز له أن يصالحهم بشروط ثلاثة: بذل الجزية، و أن يجري عليهم أحكام المسلمين، و أن لا يجتمعوا مع مشرك على قتال المسلمين.

و تكون أرضهم ملكا لهم [يصحّ لهم] [2] التصرّف فيها بجميع الأنواع.

و يجوز للمسلمين استئجارها منهم، لأنّها ملك له [3] و تكون الأجرة له [4] و الخراج عليه [5].

و لو باعها من مسلم، صحّ البيع، و به قال أبو حنيفة و الشافعي(2).

و قال مالك: لا يصحّ، لأنّه يؤدّي إلى إسقاط الخراج، و هو غير

ص: 193


1- الوجهان للشافعيّة، انظر: العزيز شرح الوجيز 451:11، و روضة الطالبين 7: 470.
2- حلية العلماء 730:7، العزيز شرح الوجيز 534:11، روضة الطالبين 508:7.

جائز، لأنّه حقّ للمسلمين(1).

و ليس بجيّد، لأنّه لا يسقط بل ينتقل ما كان على الأرض إلى رقبته.

فحينئذ إذا اشتراها المسلم، انتقل ما كان عليها من الخراج إلى رقبة الذّميّ، و به قال الشافعي(2).

و قال أبو حنيفة: يكون متعلّقا بالأرض، لأنّ عنده لا يسقط بالإسلام(3).

تذنيب: كلّ أرض ترك أهلها عمارتها، كان للإمام تقبيلها ممّن يقوم بها،

و عليه طسقها لأربابها، لأنّه مصلحة لهم، فكان سائغا.

و كلّ أرض موات سبق إليها سابق فعمرها و أحياها، كان أحقّ بها إذا لم يكن لها مالك معروف، فإن كان لها مالك معروف، وجب عليه طسقها لمالكها.

و إذا استأجر مسلم دارا من حربيّ ثمّ فتحت تلك الأرض، لم تبطل الإجارة، لأنّ حقّ المسلم تعلّق بها، و تملّكها المسلمون، لأنّها من الغنائم.

ص: 194


1- العزيز شرح الوجيز 534:11، حلية العلماء 730:7.
2- العزيز شرح الوجيز 534:11، روضة الطالبين 508:7.
3- العزيز شرح الوجيز 534:11.
الباب الثاني: في كيفية قسمة الغنيمة
اشارة

و فيه مباحث:

الأوّل: ما ينبغي تقديمه، و هي الديون و الجعائل و السّلب و الرضخ و الخمس.

و النظر في هذا البحث مختصّ بالأوّل، فنقول: إذا كان لمسلم على حربيّ دين فاسترقّ الحربيّ، لم يسقط الدّين عنه - و به قال الشافعي(1) - عملا باستصحاب البقاء، و عدم سقوط ما ثبت في الذمّة شرعا.

و قال أبو حنيفة: يسقط، لأنّ المسترقّ انقلب عمّا كان عليه و كأنّه قد عدم ثمّ وجد(2).

نعم، لو كان الدّين للسابي و ملكه، فالأقوى سقوطه، إذ لا يتحقّق للمولى شيء على عبده، كما لو كان له على عبد غيره دين فملكه، و هو أحد وجهي الشافعيّة(3).

و الثاني: لا يسقط في صورة السبي و لا في المشتري، و إذا لم يسقط، فيقضى من المال المغنوم بعد استرقاقه، و يقدّم الدّين على الغنيمة كما يقدّم على الوصيّة و إن زال ملكه بالرقّ، كما أنّ دين المرتدّ يقضى من ماله و إن

ص: 195


1- العزيز شرح الوجيز 417:11، روضة الطالبين 454:7.
2- المبسوط - للسرخسي - 53:5، العزيز شرح الوجيز 417:11.
3- العزيز شرح الوجيز 417:11، روضة الطالبين 454:7.

حكمنا بزوال ملكه، و لأنّ الرقّ بمثابة الحجر أو الموت، فيوجب تعلّق الديون بالمال(1).

و إن غنم المال قبل استرقاقه، ملكه الغانمون، و لم ينعكس الدّين عليه، كما لو انتقل بوجه آخر.

و إن غنم مع استرقاقه، احتمل تقديم الدّين على حقّ الغانمين، كما يقدّم في التركة على حقوق الورثة. و تقديم الغنيمة، لأنّ ملك الغانمين يتعلّق بعين المال، و الدّين في الذمّة، و المتعلّق بالعين متقدّم على المتعلّق بالذمّة، كما إذا جنى العبد المرهون، يقدّم حقّ المجنيّ عليه على حقّ المرتهن.

و لا تتحقّق الجمعيّة بين الاغتنام و الأسر في حقّ الرجال في هذا الحكم، فإنّ المال يملك بنفس الأخذ، و الرقّ لا يحصل بنفس الأسر للرجال الكاملين، و لكن يظهر ذلك في حقّ النسوة و فيما إذا فرض الاغتنام مع إرقاق الإمام بعد الأسر.

و إذا لم يوجد مال يقضى منه، فهو في ذمّته إلى أن يعتق.

و هل يحلّ الدّين المؤجّل بالرقّ؟ وجهان(2) ، كالوجهين في الحلول بالفلس، و الرقّ أولى بالحلول، لأنّه أشبه بالموت، فإنّه يزيل الملك و يقطع النكاح.

هذا إذا كان الدّين لمسلم، و إن كان لذمّيّ، فكذلك، لأنّه محترم كأعيان أموال الذمّي، و هو قول بعض الشافعيّة(3).

و قال بعضهم بسقوطه(4).

و إن كان لحربيّ و استرقّ المديون، فالأقرب: سقوط الدّين، لأنّ7.

ص: 196


1- العزيز شرح الوجيز 417:11، روضة الطالبين 454:7.
2- العزيز شرح الوجيز 418:11، روضة الطالبين 454:7.
3- العزيز شرح الوجيز 418:11، روضة الطالبين 454:7.
4- العزيز شرح الوجيز 418:11، روضة الطالبين 454:7.

ملتزم الدّين انتقل من كونه حربيّا لا يجري عليه حكم إلى كونه رقيقا ليس له على نفسه حكم، و هو قول بعض الشافعيّة(1).

و قال بعضهم: لا يسقط، كما لو أسلم من عليه الدّين أو قبل الأمان، و يجعل الرقّ كأمان يحدث(2).

هذا إذا استرقّ من عليه الدّين، أمّا لو استرقّ من له الدّين، فلا تبرأ ذمّة من عليه الدّين، بل هو كودائع الحربيّ المسبيّ، و كما لو استقرض مسلم من حربيّ مالا، أو اشترى منه سهما [1] و التزم الثمن ثمّ استرقّ مستحقّ الدّين، فإنّ الدّين لا يسقط عن ذمّة المسلم عند بعض الشافعيّة(3).

و قال بعضهم: لو كان لحربيّ على حربيّ دين فاسترق أحدهما، يسقط، لزوال ملكه(4).

و لو قهر المديون ربّ المال، سقط، لأنّ الدار دار حرب حتى إذا قهر العبد سيّده، يصير حرّا، و يصير السيّد عبدا. و لو قهرت الزوجة زوجها، انفسخ النكاح.

و قال بعض الشافعيّة: إن كان دين المسترقّ على مسلم، يطالب به، كما يطالب بودائعه، لأنّه ملتزم، و إن كان على حربي، يسقط، لأنّ المستحقّ قد زال ملكه، و الحربيّ غير ملتزم حتى يطالب(5).

و لو استقرض حربيّ من حربيّ أو التزم بالشراء ثمنا ثمّ أسلما أو قبلا الجزية أو الأمان معا أو على الترتيب، استمرّ الاستحقاق عند بعض7.

ص: 197


1- العزيز شرح الوجيز 418:11، روضة الطالبين 454:7.
2- العزيز شرح الوجيز 418:11، روضة الطالبين 454:7.
3- العزيز شرح الوجيز 418:11، روضة الطالبين 454:7-455.
4- العزيز شرح الوجيز 418:11، روضة الطالبين 455:7.
5- العزيز شرح الوجيز 418:11، روضة الطالبين 455:7.

الشافعيّة(1).

و نصّ الشافعي على أنّه لو ماتت زوجة الحربيّ فجاءنا مسلما أو مستأمنا فجاء ورثتها يطلبون مهرها، لم يكن لهم فيه شيء(2).

و لأصحابه طريقان: أحدهما: أنّ فيهما قولين نقلا و تخريجا.

أصحّهما: أنّه يبقى الاستحقاق، فيستدام حكم العقد بعد الإسلام.

و الثاني: المنع، لبعد أن يمكّن الحربيّ من مطالبة المسلم أو الذمي في دارنا.

و الطريق الثاني: القطع بالقول الأوّل، و به قال ابن سريج من الشافعيّة. و حمل نصّه الثاني على ما إذا سمى لها خمرا أو خنزيرا و قبضته في الكفر(3).

و لو أتلف حربي مالا على حربيّ أو غصبه ثمّ أسلما أو أسلم المتلف، فوجهان:

أصحّهما: أنّه لا يطالب بالضمان، لأنّه لم يلتزم شيئا، و الإسلام يجبّ ما قبله، و الإتلاف ليس عقدا يستدام، بخلاف الملتزم بها، و لأنّ الحربيّ إذا قهر حربيّا على ماله، ملكه، و الإتلاف نوع من القهر.

و الثاني: يطالب، لأنّه لازم في شرعهم، فكأنّهم تراضوا عليه(4).

و لو جنى الحربيّ على مسلم فاسترقّ، فأرش الجناية في ذمّته7.

ص: 198


1- المهذب - للشيرازي - 265:2، العزيز شرح الوجيز 418:11، روضة الطالبين 455:7، منهاج الطالبين: 309-310.
2- المهذب - للشيرازي - 265:2، العزيز شرح الوجيز 418:11، روضة الطالبين 455:7.
3- العزيز شرح الوجيز 418:11-419، روضة الطالبين 455:7.
4- العزيز شرح الوجيز 419:11، روضة الطالبين 455:7.

لا يتحوّل إلى رقبته، بخلاف المكاتب إذا جنى يكون الأرش في ذمّته يؤدّيه من الكسب، فإن عجز و عاد قنّا، تحوّل الأرش إلى رقبته.

و الفرق: أنّ الرقّ - الذي هو محلّ تعلّق الأرش - كان موجودا في حال الكتابة إلاّ أن الكتابة المانعة من البيع منعت من التعلّق، فإذا عجز، ارتفع المانع و ثبت التعلّق، و في الحربيّ لم يكن عند الإتلاف رقّ و إنّما حدث بعده.

البحث الثاني: في الجعائل.
مسألة 112: يجوز للإمام أن يجعل جعلا لمن يدله على مصلحة من مصالح المسلمين،

كسهولة طريق أو ماء في مفازة أو موضع فتح القلعة أو مال يأخذه أو عدوّ يغير عليه أو ثغر يدخل منه بلا خلاف، و قد استأجر النبي صلّى اللّه عليه و آله في الهجرة من دلّهم على الطريق(1).

و يستحقّ المجعول له الجعل بنفس الفعل الذي جعل له الجعل مسلما كان أو كافرا.

فإن كانت الجعالة عينا ممّا في يده، وجب أن تكون معلومة بالمشاهدة أو الوصف الرافع للجهالة، و إن كانت دينا، وجب أن تكون معلومة الوصف و القدر، و إلاّ لزم الغرر و أفضى إلى التنازع.

و إن كانت من مال المشركين، جاز أن يكون معلوما و مجهولا جهالة لا تمنع التسليم، و لا يفضي إلى التنازع، مثل: من دلّ على القلعة الفلانية فله جارية منها، أو جارية فلان، لأنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله جعل للسريّة الثلث أو الربع ممّا غنموا(2). و لا نعلم فيه خلافا، و صحّت هذه المشارطة مع جهلها،

ص: 199


1- صحيح البخاري 116:3، سنن البيهقي 118:6.
2- سنن أبي داود 80:3-2748-2750، سنن ابن ماجة 951:2-2851 و 2852، المغني 407:10، الشرح الكبير 425:10.

للحاجة، بل الجعل نفسه غير مملوك و لا معلوم و لا مقدور على تسليمه.

و إنّما تثبت الجعالة بحسب الحاجة، لأنّ الغنيمة يستحقّها الغانمون، فلا تصرف إلى غيرهم إلاّ مع الحاجة. فإن كان المال منه، مثل: من دلّنا على ثغر القلعة فله دينار، وجب دفع الجعل بنفس الدلالة، و لا يتوقّف على فتح القلعة، خلافا لبعض الشافعيّة [1]. و إن قال: من الغنيمة، استحقّ بالدلالة و الفتح معا، لأنّ جعالة شيء منها يقتضي اشتراط فتحها حكما.

مسألة 113: لو شرط جارية معيّنة من القلعة ثمّ فتحت على أمان و كانت من الجملة،

فإن اتّفق المجعول له و أربابها على بذلها أو إمساكها بعوض، جاز، و إن تعاسرا، قال الشيخ رحمه اللّه: تفسخ الهدنة، و يردّون إلى مأمنهم(1). و هو قول بعض الشافعيّة(2). و عندي فيه نظر.

و لو لم يستثن المصالح في الصلح الجارية، أخذت منه و سلّمت إلى الدالّ.

و إن كان المصالح قد استثنى جماعة من أهله يختارهم فاختار الجارية منهم، فالصلح صحيح، خلافا لبعض الشافعيّة، فإنّه قال: يبطل، لأنّ الجارية مستحقّة للدالّ(3).

و ليس بجيّد، لإمكان إمضائه بالتراضي.

ص: 200


1- المبسوط - للطوسي - 28:2.
2- المهذب - للشيرازي - 245:2، المغني 408:10، الشرح الكبير 427:10.
3- المهذّب - للشيرازي - 245:2، حلية العلماء 675:7-676.

فإن اختار الدالّ قيمتها، مضى الصلح، و سلّم إليه القيمة، لتعذّر تسليم العين إليه. و إن امتنع، فإن اختار صاحب القلعة دفعها إلى الدالّ و أخذ قيمتها، دفعت الجارية إلى الدالّ، و سلّم إلى صاحب القلعة قيمتها، و يكون جارية مجرى الرضخ، و كان الصلح ماضيا. و إن امتنع كلّ منهما، فسخ الصلح عند الشيخ(1) ، لتعذّر إمضائه، لأنّ حقّ الدالّ سابق، و لا يمكن الجمع بينه و بين الصلح، و لصاحب القلعة أن يحصن قلعته كما كانت من غير زيادة، و هو مذهب الشافعي(2).

و الوجه: دفع القيمة، كما لو أسلمت الجارية قبل دفعها إليه، لما في فسخ الصلح من تضرّر المسلمين. و رعاية حكمة دفع ضرر يسير عن صاحب العين في مقابلة ثبوت ضرر عظيم في حقّ المسلمين كافّة، فإنّه ربما لا يمكن فتح القلعة بها مناف لحكمة الشارع.

مسألة 114: لو فتحت القلعة عنوة أو صلحا و لم تكن الجارية داخلة في الهدنة،

فإن كانت الجارية باقية على الكفر، سلّمت إليه، عملا بالشرط.

و إن أسلمت قبل الصلح و الأسر، دفع إلى الدالّ قيمتها، لأنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله صالح أهل مكة عام الحديبيّة على أنّ من جاء منهم مسلما ردّه إليهم، فلمّا جاءت مسلمات منعه اللّه تعالى من ردّهنّ (إلى الكفّار) [1] و أمره بردّ مهورهنّ على أزواجهنّ، و فسخ ما كان عقده عليه السّلام من الهدنة(3).

ص: 201


1- المبسوط - للطوسي - 28:2.
2- المهذّب - للشيرازي - 245:2، المغني 408:10، الشرح الكبير 427:10.
3- المغازي - للواقدي - 631:2، السيرة النبويّة - لابن هشام - 340:3، صحيح البخاري 257:3-258، سنن البيهقي 228:9، دلائل النبوّة - للبيهقي - 171:4، مصابيح السنّة - للبغوي - 112:3-3083.

و لو أسلمت بعد الأسر، فإن كان المجعول له مسلما، سلّمت إليه بالشرط، فإنّها رقّ، و إن كان كافرا، لم تسلّم إليه بل قيمتها، و هو أحد قولي الشافعي.

و في الآخر: تسلّم إليه، و يطالب بإزالة الملك، لأن الكافر لا يستديم ملك المسلم(1).

و لو ماتت الجارية قبل الظفر أو بعده، قال الشيخ: لا تدفع إليه قيمتها، لأنّ الشرط اقتضى إمكان تسليمها، و هو غير ممكن، فلا يجب له العوض، كما لو لم تفتح القلعة(2). و هو أحد وجهي الشافعي(3).

و في الآخر: تدفع إليه القيمة، كما لو أسلمت(4).

و ليس بجيّد، لأنّه علّق حقّه على شيء معيّن و تلف من غير تفريط، فسقط حقّه، بخلاف المسلمة، لإمكان تسليمها لكنّ الشرع منع منه.

و لو كان الدليل جماعة، كانت الجارية بينهم.

إذا عرفت هذا، فإنّ الجارية تسلّم إلى الكافر إن ظفرنا بها، فإن لم تفتح القلعة، لعجز، أو تجاوزناها مع القدرة، فلا شيء له علينا و إن أتمّ الدلالة، إلاّ إذا رجعنا إلى الفتح بعلامته.

و لو فتحها طائفة أخرى سمعوا العلامة، فلا شيء عليهم، إذ لم يجر معهم الشرط.

و إن لم تكن فيها جارية، فلا شيء له، و كذا إن كانت قد ماتت قبل7.

ص: 202


1- المهذّب - للشيرازي - 245:2، العزيز شرح الوجيز 473:11.
2- المبسوط - للطوسي - 28:2.
3- المهذّب - للشيرازي - 245:2، العزيز شرح الوجيز 471:11، حلية العلماء 675:7.
4- المهذّب - للشيرازي - 245:2، العزيز شرح الوجيز 471:11، حلية العلماء 675:7.

المعاقدة.

و إن ماتت بعد الظفر و قبل التسليم، فعلينا البدل إمّا اجرة المثل أو قيمة الجارية.

و للشافعيّة فيه وجهان بناء على أنّ الجعل المعيّن يضمن ضمان العقد أو ضمان اليد، كالصداق(1).

و إن ماتت قبل الظفر و بعد العقد، ففي وجوب البدل للشافعي قولان(2).

و لو لم يحصل من القلعة شيء إلاّ تلك الجارية، ففي وجوب التسليم للشافعيّة وجهان(3).

مسألة 115: يجوز للإمام و نائبه أن يبعث سريّة تغير على العدوّ وقت دخوله دار الحرب،

و يجعل لهم الربع بعد الخمس، فما قدمت به يخرج خمسه و الباقي يعطي السريّة منه ربع الباقي ثمّ يقسّم الباقي بين الجيش و السريّة أيضا.

و كذا إذا قفل [1] من دار الحرب مع الجيش فأنفذ سريّة تغير، و جعل لهم الثلث بعد الخمس، جاز، فإذا قدمت السريّة بشيء، أخرج خمسه ثم اعطى السريّة ثلث الباقي ثمّ قسّم الباقي بين الجيش و السريّة معه - و به قال الحسن البصري و الأوزاعي و أحمد(4) - لما رواه العامّة: أنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله كان

ص: 203


1- الوجيز 196:2، العزيز شرح الوجيز 471:11، الوسيط 47:7، حلية العلماء 675:7.
2- الوجيز 196:2، العزيز شرح الوجيز 471:11، الوسيط 47:7، حلية العلماء 675:7.
3- الوجيز 196:2، العزيز شرح الوجيز 474:11، الوسيط 48:7.
4- المغني 401:10-402، الشرح الكبير 428:10، المحرّر في الفقه 2: 176.

ينفلهم إذا خرجوا بادين بالربع و ينفلهم إذا قفلوا بالثلث(1).

و قال حبيب بن مسلمة الفهري: شهدت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله نفل الربع في البداءة و الثلث في الرجعة(2).

و لأنّ فيه مصلحة للمسلمين، فكان سائغا، كالسّلب.

و قال عمرو بن شعيب: لا نفل بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، لأنّ اللّه تعالى خصّه بالأنفال، فقال يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ قُلِ الْأَنْفالُ لِلّهِ وَ الرَّسُولِ (3) فخصّه بها(4).

و هو باطل، لأنّ ما ثبت للنبي صلّى اللّه عليه و آله ثبت للأئمّة بعده ما لم يقم دليل على التخصيص.

و قال مالك و سعيد بن المسيّب: لا نفل إلاّ من الخمس(5).

و قال الشافعي: يخرج من خمس الخمس(6).

مسألة 116: و إنّما يستحقّ هذا البدل بالشرط السابق، فإن لم يشترطه الإمام و لا نائبه،

فلا نفل، لأنّ الأصل تسوية الغانمين، و إنّما يثبت النفل مع قلّة المسلمين و كثرة المشركين، فيشترط الإمام التنفيل لمن يعمل مصلحة، تحريضا لهم على القتال، و لو كانوا مستظهرين عليهم، فلا حاجة

ص: 204


1- سنن الترمذي 130:4-1561، المغني 402:10-403.
2- سنن أبي داود 80:3-2750، سنن البيهقي 313:6، المستدرك - للحاكم - 2: 133، مسند أحمد 163:5-17015، المغني 402:10، الشرح الكبير 10: 429.
3- الأنفال: 1.
4- المغني 402:10، الشرح الكبير 428:10.
5- بداية المجتهد 396:1، المنتقى - للباجي - 176:3، الكافي في فقه أهل المدينة: 215، المغني 402:10، الشرح الكبير 429:10.
6- المهذّب - للشيرازي - 244:2، العزيز شرح الوجيز 349:7.

إليه، فإنّ أكثر مغازي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لم تكن فيها أنفال.

و لو رأى التنفيل بدون الربع أو الثلث، فعل.

و هل تجوز الزيادة عليهما [1]؟ منع منه الأوزاعي و مكحول و أكثر العامّة، لأنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله انتهى إلى الثلث(1) ، فلا ينبغي تجاوزه(2).

و قال الشافعي: يجوز، لأنّه نفل مرّة الربع و مرّة الثلث و مرّة نصف السدس، فعلم انتفاء الضابط، و أنّه موكول إلى نظر الإمام(3).

و ليس حجّة، لاتّفاق الوقائع على عدم الزيادة، فكان ضابطا فيه، و مع ذلك فإنّه يناقض قوله: إنّه يخرج من خمس الخمس(4)انظر: العزيز شرح الوجيز 350:7.(5) ، فلو شرط نائب الإمام زيادة على الثلث، ردّ إليه على الأوّل، و لزم الوفاء على الثاني.

و قد اختلف في تأويل البداءة و الرجعة، فقيل: البداءة أوّل سريّة، و الرجعة: الثانية(6).

و قيل: البداءة: السريّة عند دخول الجيش إلى دار الحرب، و الرجعة:

عند قفول الجيش(6).

و إنّما زادهم في الرجعة، للمشقّة، فإنّ الجيش في البداءة ردء [2] للسريّة تابع لها، و الجيش مستريح و العدوّ خائف، و ربّما كان غارّا، و في7.

ص: 205


1- تقدّمت الإشارة إلى مصادره في ص 204، الهامش (2).
2- المغني 404:10، الشرح الكبير 430:10.
3- العزيز شرح الوجيز 349:7-350، المغني 404:10، الشرح الكبير 10: 430.
4- تقدّمت الإشارة إلى مصادره في ص 204، الهامش
5- .
6- انظر: العزيز شرح الوجيز 350:7.

الرجعة لا ردء للسريّة، لانصراف الجيش، و العدوّ مستيقظ على حذر.

و كما يجوز التنفيل للسريّة يجوز لبعض الجيش، لبلائه أو لمكروه تحمّله، دون سائر الجيش، فلو نفذ الإمام سريّة فأتى بعضهم بشيء و بعضهم لم يأت، كان للوالي أن يخصّ الذين جاءوا بشيء دون الآخرين مع الشرط.

و قال أحمد: يجوز من غير شرط(1).

مسألة 117: لو قال الأمير: من طلع هذا الحصن أو هدم هذا السور أو نقب هذا البيت

أو فعل كذا فله كذا، أو من جاء بأسير فله كذا، جاز في قول عامّة العلماء(2) ، لقوله عليه السّلام: «من قتل قتيلا فله سلبه»(3).

و لاشتماله على المصلحة و التحريض على القتال، فجاز، كزيادة السهم للفارس و السّلب لقاتله.

و كره مالك ذلك و لم يره، و قال: لا نفل إلاّ بعد إحراز الغنيمة، لأنّ القتال على هذا الوجه إنّما هو للدنيا(4).

و هو منقوض بالسّلب، و استحقاق السهم من الغنيمة، و زيادة سهم الفارس.

و إنّما يجوز التنفيل مع المصلحة للمسلمين، فلو انتفت لم يجز.

و النفل لا يختصّ بنوع من المال، لأنّ النبي عليه السّلام جعل الثلث أو

ص: 206


1- المغني 404:10، الشرح الكبير 431:10.
2- المغني 405:10، الشرح الكبير 431:10.
3- سنن البيهقي 307:6، المصنّف - لابن أبي شيبة - 12-369-14030، المعجم الكبير - للطبراني - 296:7-297-6995-6997 و 7000.
4- المدوّنة الكبرى 31:2، بداية المجتهد 396:1، المغني 405:10، الشرح الكبير 432:10.

الربع(1) ، و هو عام في كلّ مغنوم.

و قال الأوزاعي: لا نفل في الدراهم و الدنانير، لأنّ القاتل لا يستحقّ النفل فيهما، فكذا غيره(2).

و ليس بشيء، لأنّ القاتل إنّما نفل السّلب، و ليس الدراهم و الدنانير من السّلب.

و لو قال: من رجع إلى الساقة فله دينار، جاز، لأنّ في الرجوع إليهم منفعة.

و يستوي في النفل الفارس و الراجل إلاّ أن يفضّل بعضهم في القسم، فيستحق قدر المسمّى، لأنّ النفل شيء رضخ للفعل فكيف صدر عن الفاعل استحقّ.

و لو بعث الإمام سريّة و نفلهم بالثلث بعد الخمس ثمّ إنّ أمير السريّة نفل قوما منهم لفتح الحصن أو للمبارزة بغير إذن الإمام، فإن نفلهم من حصّة السريّة أو من سهامهم بعد النفل، جاز، و لو نفلهم من سهم العسكر، لم يجز، لأنّه أمير على السريّة لا على العسكر.

هذا إذا خرج الجيش مع السريّة، أمّا لو لم يخرج، جاز تنفيله، لأن الغنيمة كلّها للسريّة، و لا يشاركهم الجيش، لاختصاص السريّة بالجهاد.

و لو بعث أمير السريّة سريّة من السريّة و نفل لهم أقلّ من النفل الأوّل أو أكثر، جاز من حصّة أصحاب [1] السريّة لا من حصّة العسكر، إلاّ أن يكون أمير العسكر أذن له في التنفيل، فحينئذ يكون نائبا عن الأمير.0.

ص: 207


1- تقدّمت الإشارة إلى مصادره في ص 204، الهامش (1).
2- المغني 406:10، الشرح الكبير 432:10.

و لو فقد رجل من السريّة فقام هناك بعضهم لطلبه و بعضهم ذهب حتى أصاب الغنائم ثمّ رجعوا إلى أصحابهم و وجدوا المفقود، فكلّهم شركاء في النفل، لأنهم فارقوا العسكر جملة و أحرزوا المصاب بالعسكر جملة، فكانوا بمنزلة ما لو باشر القتال بعضهم، و بعضهم كان ردءا لهم.

و لو أصاب الرجل المفقود غنيمة و الذين أقاموا لانتظاره غنيمة و السريّة غنيمة ثمّ التقوا، فالنفل من جميع ذلك بينهم بالسويّة، كما لو لم يفترقوا، لأنّهم اشتركوا في الإحراز.

و لو تفرّقت السريّة سريّتين و بعدت إحداهما عن الأخرى بحيث لا تقدر إحداهما على عون الأخرى ثمّ أصابت كلّ سريّة غنيمة أو أصابت إحداهما دون الأخرى ثمّ التقتا، فالنفل من جميع ذلك بينهم بالسويّة، و لو لم يلتقوا إلاّ عند العسكر، فلكلّ فريق النفل ممّا أصابوا خاصّة.

و لو أصابت السريّة الغنائم ثمّ لم يقدروا على الرجوع إلى العسكر فخرجوا إلى دار الإسلام من موضع آخر، قيل [1]: تكون الغنيمة كلّها لهم تقسّم على سهام الغنيمة، لأنّهم تفرّدوا بالإحراز إلى دار الإسلام، و هو سبب في التملّك، و إذا صارت الغنيمة كلّها لهم، بطل التنفيل.

و لو قال الإمام: من أخذ شيئا فهو له، احتمل الجواز - و هو قول أبي حنيفة، و أحد قولي الشافعي(1) - لأنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله قال يوم بدر: «من أخذ شيئا فهو له»(2).6.

ص: 208


1- بدائع الصنائع 115:7، المبسوط - للسرخسي - 47:10، الامّ 144:4، المهذّب - للشيرازي - 245:2، العزيز شرح الوجيز 351:7، المغني 10: 454.
2- سنن البيهقي 315:6.

و احتمل المنع - و هو الثاني للشافعي(1) - لأنّ من أجاز ذلك أسقط حقّ أهل الخمس من خمسه، و من يستحقّ جزءا من الغنيمة لم يجز للإمام (أن يشترط) [1] إسقاطه، كما لو شرط الغنيمة لغير الغانمين.

مسألة 118: لو بعث سريّتين يمنة و يسرة 2 و نفل إحداهما بالثلث و الأخرى بالربع، جاز 3،

لاختلاف المصلحة باختلاف البعد و القرب، و سهولة أحد الطريقين و صعوبة الآخر، و الأمن و الخوف، و اختلاف المبعوث إليهم في القوّة و الضعف.

فلو بعث واحدا مع سريّة الربع فخرج مع سريّة الثلث، فلا شيء له في السريّة التي خرج إليها بغير إذن الإمام، و التي أذن له بالخروج إليها لم يخرج.

و استحسن أبو حنيفة أن يجعل له مع سريّة الثلث مقدار ما سمّى له، و هو الربع [4].

أمّا لو ضلّ رجل من إحدى السريّتين فوقع في الأخرى فأصاب الغنيمة، فالوجه أنّه يشاركهم، فيأخذ من السريّة التي وقع فيها، لا من التي [5] خرج معها.

و لو بعث سريّة و نفلهم بالربع ثمّ أرسل أخرى و قال لهم: الحقوا

ص: 209


1- المهذب - للشيرازي - 245:2، العزيز شرح الوجيز 351:7، المغني 10: 454.

بأصحابكم فما أصبتم فأنتم شركاؤهم، فلحقوا السريّة الاولى و قد كانوا غنموا غنيمة ثم غنموا معهم غنيمة أخرى جميعا، فنفل الغنيمة الثانية لهم جميعا، و نفل الغنيمة الاولى للسريّة الأولى، لأنّ حقّ النفلين يتأكّد في المصاب بالإصابة، فلا يثبت حقّ للسريّة في الغنيمة الاولى، فلا يملك الإمام إشراك الثانية فيما أصابت الأولى، لأنّه يتضمّن إبطال حقّ التأكّد، و حقّ السرية الأولى لم يثبت على وجه الخصوص في الغنيمة الثانية حين لحق بها الثانية، بل يثبت حقّ السريّتين بإصابتهما، فصحّ الاشتراك.

هذا إذا أخبرت السريّة الثانية الأولى بالتنفيل أو أخبروا بعضهم [1] و لو أميرهم، و لو لم يخبروهم، قال أبو حنيفة: تكون الغنيمتان للأولى، لأنّ الشركة تشتمل على الضرر و الغرور بالأولى، فلا تصحّ إلاّ بعد العلم [2].

قال ابن الجنيد: لو غنمت السريّة المنفلة فأحاط بها العدوّ، فأنجدهم المسلمون، شركوهم في النفل ما لم يحرزوه في العسكر.

مسألة 119: يصحّ التنفيل بالشيء 3 المجهول،

فلو قال: من جاء بشيء فله منه طائفة، فجاء رجل بمتاع، نفله الإمام بما يراه مصلحة.

و لو قال: من جاء بشيء فله منه قليل أو يسير أو شيء منه، فله أن يعطيه أقلّ من النصف، لأنّ القليل و اليسير يتناول ما دون النصف، لأنّ مثله لا يكون يسيرا، و كذا «الشيء» يفهم منه في الغالب القلّة، فصار كما لو قال: قليلا.

ص: 210

و لو قال: من جاء بشيء فله جزؤه، فله أن ينفله بالنصف و ما دونه دون ما فوقه، لأنّ الجزء اسم للبعض منه إلى النصف، يقال: جزء من جزءين، و يقال لأكثر من النصف: جزءان من ثلثه، فدلّ على أنّ ما زاد على النصف لا يكون جزءا.

و لو قال: من جاء بشيء فله سهم رجل، كان له أن يعطيه سهم راجل لا فارس، لأنه المتيقّن.

قال محمّد بن الحسن الشيباني: لو قال: من جاء بألف درهم فله ألفا درهم، فجاء بالألف، لم يكن له أكثر من ألف.

و لو قال: من جاء بالأسير فله الأسير و ألف، لزمه دفعهما، لأنّه في الأوّل قصد تحصيل المال لا غير، فلا يعطيه إلاّ ما أصابه من المال، و في الثاني مقصوده كسر شوكتهم بأخذ الأسير [1].

قال ابن الجنيد: لو قال: من جاء بأسير فله مائة درهم، كان ذلك من الغنيمة أو في رقبة الأسير أو بيت مال المسلمين.

مسألة 120: لو قال: من أصاب ذهبا أو فضّة فهو له،

فأصاب سيفا محلّى بأحدهما، كان له الحلية دون السيف و الجفن، لأنّهما متغايران، و الجعل إنّما وقع بأحدهما.

و لو أصاب خاتما، نزع فصّه للغنيمة، و كان الخاتم له.

و لو أصاب أبوابا فيها مسامير فضّة لو نزعت لهلكت الأبواب، قال محمد: لا شيء له، لأنّ المسمار مغيب في الباب، فصار كالمستهلك [2].

و لو قال: من أصاب قزّا فهو له، فأصاب جبّة محشوة بقزّ، فلا شيء له، لأنّ الحشو مغيب في الجبّة، و المغيب لا عبرة به.

ص: 211

أمّا لو قال: من أصاب ثوب قزّ فهو له، فأصاب رجل جبة بطانتها ثوب قزّ أو ظهارتها، فله الثوب القزّ، و الآخر غنيمة.

و لو قال: من أصاب جبّة حرير فهو له، فأصاب جبّة ظهارتها و بطانتها حرير، فهي له. و كذا لو كانت الظهارة حريرا، أمّا لو كانت البطانة حريرا، فلا شيء له.

و لو صعد رجل السور يقاتل المسلمين، فقال الإمام: من صعد السطح فأخذه فهو له و خمسمائة، فصعد رجل فأخذه، لزمه دفعه و دفع خمسمائة. و لو سقط الرجل من السور فقتله رجل خارج الحصن، فلا شيء له، لأنّ قصد الجعالة إظهار الجلادة و الجرأة.

و لو رماه رجل فطرحه من السور، قال محمّد: يستحقّ ذلك، لأنّ القصد ليس هو الصعود بل فعل يؤثّر في السقوط لإظهار كسر قلوبهم [1].

و لو صعد إليه فسقط داخل الحصن فقتله، فله النفل، لأنّه أتى بالمطلوب و زيادة.

و لو التقى الصفّان، فقال الأمير: من جاء برأس فله كذا، انصرف إلى رءوس الرجال دون الصبيان، أمّا لو انهزم الكفّار فقال: من جاء برأس فله كذا، فجاء رجل بسبي أو برأس فله النفل.

و لو ادّعى قتله فقيل: بل كان ميّتا، حلف و اعطي النفل.

و لو جاء برأس لا يعلم كفره و إسلامه، لم يعط حتى يعلم كفره. و لو ادّعى آخر أنّه قتله، فالقول قول الآتي به مع اليمين، فلو نكل فلا نفل.

و في استحقاق المدّعي إشكال ينشأ من أنّ نكوله إقرار بأنّ المدّعي

ص: 212

قتله، و هو إقرار بإبطال حقّ نفسه و إثبات الحقّ للمدّعي، و إقراره حجّة عليه لا على غيره، و من أنّ الحقّ ثابت له يكون الرأس في يده، فإذا نكل عن اليمين، فقد جعل ماله من الحقّ إلى المدّعي، و له هذه الولاية، فصار ذلك للمدّعي.

مسألة 121: لو قال: من دخل باب هذه المدينة فله ألف،

فاقتحم (جماعة من المسلمين) [1] فدخلوها، استحقّ كلّ واحد منهم ألفا، لأنّه شرط لكلّ داخل، بخلاف: من دخل فله الربع، فدخل عشرة، فلهم الربع الواحد، لأنّ الربع اسم لجزء واحد من المال. و لو دخل واحد ثمّ آخر، اشتركوا في النفل، لتعلّق الاستحقاق بالدخول حالة الخوف.

و لو قال: من دخل فله جارية، فدخلوا فإذا هناك جارية واحدة، فلكل واحد قيمة جارية وسط، أمّا لو قال: جارية من جواريهم، فليس لهم إلاّ ما وجد، فرقا بين المضاف و المطلق.

و لو قال: من دخل أولا فله ثلاثة، و من دخل ثانيا فله اثنان، و من دخل ثالثا فله واحد، فدخلوا على التعاقب، فلكل منهم ما سماه، لأنّ التفاوت في النفل مع التفاوت في الخوف جائز.

و لو دخلوا دفعة، بطل نفل الأوّل و الثاني، و كان لهم جميعا نفل الثالث، لأنّ الأوّل هو المتقدّم، و الثاني من تقدّمه واحد و لم يوجد، و الثالث إذا سبقه اثنان أو قارناه، كان ثالثا، لأنّ خوف الثالث إذا قارنه اثنان فوق خوفه إذا تقدّمه اثنان، فيكون فعله أشقّ، فاستحقاقه أولى.

فلو دخل اثنان أوّل مرّة، بطل نفل الأوّل، و نفل الثاني يكون لهما،

ص: 213

لانعدام الأوّليّة بالمقارنة، بخلاف الثاني، فإنّه يصدق مع المسبوقيّة و المقارنة.

و لو قال: من دخل أوّلا من المسلمين فله كذا، فدخله ذمّي ثمّ مسلم، استحقّ المسلم، لأنّ أوّليّة الذمّي لا تمنع هذه الصفة، كالدابّة، أمّا لو قال: من دخل من المسلمين أوّلا من الناس، لم يستحقّ.

البحث الثالث: في السّلب.
مسألة 122: يجوز للإمام أن يجعل للقاتل سلب المقتول إجماعا،

لأنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله قال يوم حنين [1]: «من قتل قتيلا فله سلبه» فقتل أبو طلحة يومئذ عشرين فأخذ سلبهم [2]، رواه العامّة [3].

و من طريق الخاصّة: رواية عبد اللّه بن ميمون، قال: أتي علي عليه السّلام بأسير يوم صفّين فبايعه، فقال علي عليه السّلام: «لا أقتلك إنّي أخاف اللّه ربّ العالمين» فخلّى سبيله، و أعطى سلبه الذي جاء به(1). و إذا أخذ الآتي السّلب فالقاتل أولى.

و لأنّ فيه مصلحة عظيمة تنشأ من التحريض على القتال.

مسألة 123: و إنّما يستحقّ القاتل السّلب بشروط:
الأوّل: أن يخصّه الإمام به و يشرطه له

- و به قال أبو حنيفة و الثوري

ص: 214


1- التهذيب 153:6-269.

و مالك و أحمد في رواية(1) - لأنّ السّلب جعل تحريضا على القتال، فلا يستحقّه إلاّ بشرط الإمام، كالنفل.

و قال الأوزاعي و الليث و الشافعي و إسحاق و أبو عبيد و أبو ثور و ابن الجنيد من علمائنا، و أحمد في الرواية الأخرى: يخصّ به القاتل، سواء قال الإمام أو لم يقل(2) ، لما تقدّم من الرواية(3).

و ليس فيها دلالة على عدم الشرط قبل ابتداء القتال، فجاز أن يكون الرسول صلّى اللّه عليه و آله شرط له ذلك أوّلا، و إذا شرط له السّلب، جاز له أخذه و إن لم يأذن له الإمام.

و قال الأوزاعي: يشترط إذن الإمام. و إن لم يشرطه [1]. في الاستحقاق.

قال: لأنّه مجتهد فيه، فلا ينفذ أمره فيه إلاّ بإذن الإمام(4).

الثاني: أن يكون المقتول من المقاتلة الذين يجوز قتلهم،

فلو قتل امرأة أو صبيّا أو شيخا فانيا لا رأي له و نحوهم ممّن لم يقاتل، لم يستحقّ سلبه إجماعا، لأنّ قتل هؤلاء منهيّ عنه، فلا يستحقّ به نفل. و لو قتل

ص: 215


1- تحفة الفقهاء 297:3، النتف 721:2، الهداية - للمرغيناني - 149:2، مختصر اختلاف العلماء 456:3-1611، بدائع الصنائع 115:7، بداية المجتهد 397:1، المغني 419:10، الشرح الكبير 447:10، حلية العلماء 658:7، الحاوي الكبير 393:8 و 155:14.
2- المغني 419:10، الشرح الكبير 446:10-447، الوجيز 290:1، العزيز شرح الوجيز 355:7، الحاوي الكبير 393:8 و 155:14، حلية العلماء 7: 658، المهذب - للشيرازي - 238:2، روضة الطالبين 331:5، بداية المجتهد 397:1، تحفة الفقهاء 298:3، الهداية - للمرغيناني - 149:2، النتف 2: 721.
3- تقدّمت الرواية و كذا الإشارة إلى مصادرها في ص 214 و الهامش (3).
4- المغني 420:10، الشرح الكبير 448:10.

أحدهم و هو مقاتل، استحقّ سلبه، لأنّه يجوز قتله إذا كان يقاتل، فيدخل تحت عموم الخبر.

الثالث: أن يكون المقتول ممتنعا، فلو قتل أسيرا له أو لغيره،

أو من أثخن بالجراح و عجز عن المقاومة، لم يستحقّ سلبه - و به قال الشافعي و أحمد و مكحول(1) - لأنّ ابني عفراء أثخنا أبا جهل يوم بدر فأجاز عليه عبد اللّه بن مسعود فجعل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله سلبه لابني عفراء، و لم يعط ابن مسعود شيئا(2).

و لأنّه لم يغرّر بنفسه في دفع شرّه.

و قال أبو ثور و داود: يستحقّ سلبه على أيّ وجه قتله، لعموم الخبر(3).

و الخبر محمول على القاتل حالة الامتناع.

و لو قطع يدي رجل و رجليه و قتله آخر، فالسّلب للقاطع دون القاتل، لأنّه الذي منع شرّه عن المسلمين.

و لو قطع يديه أو رجليه و قتله آخر، قال الشيخ رحمه اللّه: السّلب للقاتل، لأنّه لم يصيّره بالقطع ممتنعا، فإنّ مقطوع اليدين يمتنع بالعدو، و مقطوع الرّجلين يمتنع برمي يديه(4).

ص: 216


1- المهذّب - للشيرازي - 239:2، الحاوي الكبير 156:14، روضة الطالبين 5: 331، المغني 414:10، الشرح الكبير 444:10.
2- العزيز شرح الوجيز 358:7، المهذّب - للشيرازي - 239:2، المغني 10: 414 و 417، الشرح الكبير 444:10، و انظر: صحيح البخاري 95:5، و صحيح مسلم 1424:3-1800، و سنن البيهقي 92:9، و مسند أحمد 560:3-11733، و 583-11895، و 117:4-118-13065.
3- المهذّب - للشيرازي - 239:2، المغني 417:10، الشرح الكبير 444:10.
4- المبسوط - للطوسي - 67:2.

و قال بعض العامّة: يخصّ القاطع، لأنّه عطّله(1).

و ليس جيّدا، لما قاله الشيخ رحمه اللّه.

و قال بعضهم: يكون غنيمة، لأنّ القاطع لم يكف شرّه كلّه، و القاتل قتل مثخنا(2).

أمّا لو قطع يده و رجله من خلاف ثمّ قتله آخر، فإن كان القاطع يمنع شرّه أجمع بقطع العوضين، فالسّلب له، و إلاّ فللقاتل.

و لو عانق رجل رجلا فقتله آخر، فالسّلب للقاتل - و به قال الشافعي(3) - لأنّ المعانق ليس قاتلا، و القاتل كفى المسلمين شرّه.

و قال الأوزاعي: للمعانق(4).

الرابع: القتل أو الإثخان بالجراح بحيث يجعله معطّلا في حكم المقتول،

فلو أسر رجلا، لم يستحق سلبه و إن قتله الإمام أو لم يقتله، لأنّه صلّى اللّه عليه و آله جعل السّلب للقاتل(5).

و قال مكحول: من أسر مشركا، استحقّ سلبه(6).

و قال بعض العامّة: إن استبقاه الإمام، كان له فداؤه أو رقبته و سلبه، لأنّه كفى المسلمين شرّه، لأنّ الأسر أصعب من القتل، و قد كفى المسلمين شرّه(7).

ص: 217


1- المغني 415:10، الشرح الكبير 449:10.
2- المغني 415:10، الشرح الكبير 449:10.
3- المغني 415:10، الشرح الكبير 449:10-450.
4- المغني 415:10، الشرح الكبير 449:10-450.
5- المعجم الكبير - للطبراني - 295:7-297-6995-6997-6997 و 7000، المصنّف - لابن أبي شيبة - 369:12-14030، و 372-14036، و 524:14-18834، شرح معاني الآثار 227:3، سنن البيهقي 307:6 و 309.
6- المغني 415:10، الشرح الكبير 449:10.
7- المغني 415:10-416، الشرح الكبير 449:10.

و ليس جيّدا، لأنّ الجعل للقتل لا للأسر. نعم، لو شرط الإمام السّلب لمن استأسر، استحقّ سلبه [1].

الخامس: أن يغرّر القاتل بنفسه في قتله بأن يبارز إلى صفّ المشركين أو إلى مبارزة من يبارزهم،

فيكون له السّلب، فلو لم يغرّر بنفسه، مثل أن يرمي سهما في صفّ المشركين من صفّ المسلمين فيقتل مشركا، لم يكن له سلبه، لأنّ القصد التحريض على القتال و مبارزة الرجال و لا يحصل إلاّ بالتغرير.

و لو حمل جماعة من المسلمين على مشرك فقتلوه. فالسّلب في الغنيمة، لأنّهم باجتماعهم لم يغرّروا بأنفسهم في قتله.

و لو اشترك اثنان في قتله بأن ضرباه فقتلاه أو جرحاه فمات من جرحهما، فالسّلب لهما - و به قال الشافعي و أبو حنيفة و أحمد في رواية(1) - لأنّ قوله صلّى اللّه عليه و آله: «من قتل قتيلا فله سلبه»(2) يتناول الاثنين و الواحد على حد واحد، فلا وجه للتخصيص.

و قال أحمد في رواية: يكون غنيمة، لأنّ سبب استحقاق السّلب التغرير، و لا يحصل بقتل الاثنين(3).

و هو ممنوع، فقد يحصل التغرير بالاثنين.

و لو اشترك اثنان في ضربه و كان أحدهما أبلغ في قتله من الآخر، قال

ص: 218


1- الوجيز 290:1، العزيز شرح الوجيز 359:7، المهذّب - للشيرازي - 2: 239، بدائع الصنائع 115:7، المغني 416:10، الشرح الكبير 448:10 - 449.
2- انظر: المصادر في الهامش (5) من ص 217.
3- المغني 416:10-417، الشرح الكبير 448:10-449.

بعض العامّة: يكون السّلب له، لأنّ أبا جهل ضربه معاذ بن عمرو بن الجموح و معاذ بن عفراء و أتيا النبي صلّى اللّه عليه و آله فأخبراه، فقال: «كلاكما قتله» و قضى بسلبه لمعاذ بن عمرو بن الجموح(1)(2).

السادس: أن يقتله و الحرب قائمة، سواء قتله مقبلا أو مدبرا،

أمّا لو انهزم المشركون فقتله، لم يستحقّ السّلب، بل كان غنيمة، إذ لا تغرير حينئذ، بخلاف ما لو قتله مدبرا و الحرب قائمة لأنّ التغرير موجود، فإنّ الحرب كرّ و فرّ. و به قال الشافعي(3).

و قال أبو ثور و داود: لا يشترط قيام الحرب بل يستحقّ القاتل السّلب مطلقا(4).

و ليس بجيّد، لأنّ ابن مسعود ذفف [1] على أبي جهل فلم يعطه النبي صلّى اللّه عليه و آله سلبه(5).

و إن شرطنا في المبارزة إذن الإمام، لم يستحقّ القاتل السّلب إلاّ مع إذنه في المبارزة، و إلاّ استحقّ.

السابع: أن يكون القاتل له نصيب من الغنيمة أمّا سهم أو رضخ،

و لو لم يكن له نصيب و لا رضخ له الإمام شيئا بأن يكون مخذلا كعبد اللّه بن

ص: 219


1- صحيح البخاري 112:4، صحيح مسلم 1372:3-1752.
2- المغني 417:10، الشرح الكبير 449:10.
3- الام 142:4، الوجيز 290:1، العزيز شرح الوجيز 358:7، المهذّب - للشيرازي - 239:2، روضة الطالبين 331:5، حلية العلماء 659:7، الحاوي الكبير 397:8 و 156:14، المغني 417:10، الشرح الكبير 444:10.
4- المغني 417:10، الشرح الكبير 444:10، المهذّب - للشيرازي - 239:2، حلية العلماء 659:7، الحاوي الكبير 398:8.
5- المغني 417:10، الشرح الكبير 444:10.

أبيّ، أو يكون معينا على المسلمين أو مرجفا، لم يستحقّ سلبا، لأنّ ترك السهم من حيث إنّه عاون على المسلمين، فلا يستحقّ السّلب، أو يكون لنقص فيه، كالمرأة و المجنون، فالذي قوّاه الشيخ رحمه اللّه استحقاق السّلب، لعموم الخبر(1)المغني 413:10، الشرح الكبير 442:10.(2).

و هو أحد قولي الشافعي، و في الآخر: لا يستحقّ، لأنّ السهم آكد من السّلب، للإجماع على استحقاق السهم دون السّلب، فإذا انتفى السهم انتفى السّلب(3).

و الصبي عندنا يسهم له، فيستحقّ السّلب.

و للشافعي قولان(4).

و من يستحقّ الرضخ - كالمرأة و العبد و الكافر - فالأقوى استحقاقه للسّلب، للعموم، و لأنّه من أهل الغنيمة.

و للشافعي قولان(5).

و العاصي بالقتال - كالداخل بغير إذن الإمام أو بنهي أبويه عنه مع عدم تعيينه - لا يستحقّ السّلب.

و لو قتل العبد، استحقّ مولاه سلبه. و لو خرج بغير إذن مولاه، قال بعض الجمهور: لا سلب له، لأنّه عاص(5).

مسألة 124: اختلف علماؤنا في السّلب هل يخمّس أم لا؟

على قولين:

أحدهما: يجب فيه الخمس، و به قال ابن عباس و الأوزاعي

ص: 220


1- المبسوط - للطوسي - 66:2، و تقدّم الخبر و كذا الإشارة إلى مصادره في ص 217 و الهامش
2- .
3- المهذّب - للشيرازي - 239:2، العزيز شرح الوجيز 359:7، الحاوي الكبير 399:8، و 156:14، روضة الطالبين 332:5، المغني 412:10، الشرح الكبير 441:10-442.
4- المهذّب - للشيرازي - 239:2، العزيز شرح الوجيز 359:7، الحاوي الكبير 399:8، و 156:14، روضة الطالبين 332:5، المغني 412:10، الشرح الكبير 441:10-442.
5- المهذّب - للشيرازي - 239:2، العزيز شرح الوجيز 359:7، الحاوي الكبير 399:8، و 156:14، روضة الطالبين 332:5، المغني 412:10، الشرح الكبير 441:10-442.

و مكحول(1).

و الثاني: لا يجب، و هو قويّ، لأنّه عليه السّلام قضى بالسّلب للقاتل(2) ، و لم يخمّس السّلب، و به قال الشافعي و ابن المنذر و ابن جرير و أحمد، للعموم(3).

و قال إسحاق: إن كان السّلب كثيرا، خمّس، و إلاّ فلا. و هو قول عمر(4).

و نمنع أنّه غنيمة، فلا يدخل تحت عموم الآية(5) ، و لو سلّم فالعامّ يخصّ بالسنّة.

إذا عرفت هذا، فالسّلب يستحقّه القاتل من أصل الغنيمة - و به قال الشافعي و مالك في إحدى الروايتين(6) - لأن النبي صلّى اللّه عليه و آله جعل السّلب للقاتل(7) مطلقا، و لم ينقل أنّه جعله من خمس الخمس.

و في الرواية الثانية عن مالك أنّه يحسب من خمس الخمس الذي هو سهم المصالح، لأنّه استحقّه القاتل للتحريض على القتال، فكان من سهم).

ص: 221


1- المغني 418:10، الشرح الكبير: 445، حلية العلماء 658:7.
2- تقدّمت الإشارة إلى مصادره في ص 217، الهامش 5.
3- الامّ 142:4، الحاوي الكبير 393:8، العزيز شرح الوجيز 361:7، المهذّب - للشيرازي - 239:2، روضة الطالبين 334:5، حلية العلماء 658:7، المغني 418:10، الشرح الكبير 445:10.
4- المغني 418:10، الشرح الكبير 445:10-446، حلية العلماء 659:7، بداية المجتهد 398:1.
5- الأنفال: 41.
6- الامّ 142:4، مختصر المزني: 148، الحاوي الكبير 401:8، حلية العلماء 659:7، العزيز شرح الوجيز 362:7، روضة الطالبين 334:5.
7- تقدّمت الإشارة إلى مصادره في ص 217، الهامش (5).

المصالح، كالنفل(1).

و نمنع ثبوت الحكم في الأصل، مع أنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله لم يقدّره و لم يستعلم قيمته، و لو وجب احتسابه من خمس الخمس، لوجب العلم بقدره و قيمته.

و أمّا النفل: فيستحقّه من قوطع عليه بعد الفعل و يخمّس عليه، لأنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله قال: «لا نفل إلاّ بعد الخمس»(2).

و لقوله تعالى وَ اعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ (3).

و يستحقّه المجعول له زائدا عن سهمه الراتب له، و لا يتقدّر بقدر، بل هو موكول إلى الإمام، قلّ أو كثر.

و النفل يكون إمّا بأن يبذل الإمام من سهم نفسه الذي هو الأنفال، أو يجعله من الغنيمة.

و لو جعل الإمام نفلا على فعل مصلحة فتبرّع من يقوم بها مجّانا، لم يكن له أن ينفل. و كذا لو وجد من ينتدب بنفل أقلّ، لم يكن له أن ينفل الأكثر، إلاّ أن يعلم الإمام أنّ طالب النفل الأكثر أنكى للعدوّ و أبلغ في مقصوده.

مسألة 125: السّلب كلّ مال متّصل بالمقتول ممّا يحتاج إليه في القتال،

كالثياب و العمامة و القلنسوة و الدرع و المغفر و البيضة و الجوشن و السلاح، كالسيف و الرمح و السكّين، فهذا كلّه سلب يستحقّه القاتل إجماعا.

ص: 222


1- المغني 419:10، الشرح الكبير 446:10، حلية العلماء 659:7، العزيز شرح الوجيز 362:7.
2- سنن أبي داود 82:3-2753، سنن البيهقي 314:6، شرح معاني الآثار 3: 242، مسند أحمد 513:4-15435.
3- الأنفال: 41.

و أمّا ما لا يحتاج إليه في القتال ممّا هو متّصل به و إنّما يتّخذ للزينة أو غيرها، كالتاج و السوار و الطرق و الهميان الذي للنفقة، و المنطقة، فهل يكون سلبا أم لا؟ تردد الشيخ فيه، و قوّى كونه سلبا(1) - و هو قول أحمد و أحد قولي الشافعي(2) - لأنّه لابس له، فهو سلب في الحقيقة، فيدخل تحت عموم الخبر(3)مختصر المزني: 149، الحاوي الكبير 399:8، العزيز شرح الوجيز 360:7، روضة الطالبين 333:5، المغني 423:10، الشرح الكبير 451:10-452، المحرّر في الفقه 175:2.(4).

و قال الشافعي في الآخر: إنّه لا يكون سلبا، لأنّه لا يحتاج إليه في القتال، فأشبه المنفصل(5).

و الحكم معلّق على الاسم الذي يندرج فيه صورة النزاع دون صورة النقص، فافترقا.

و الدابّة التي يركبها من السّلب و إن لم يكن راكبا لها إذا كانت بيده - و به قال الشافعي و أحمد في إحدى الروايتين(5) - لأنّه يستعان بها في الحرب، فأشبهت السلاح.2.

ص: 223


1- المبسوط - للطوسي - 67:2.
2- المغني 421:10، الشرح الكبير 450:10-451، معالم السنن - للخطابي - 43:4، الامّ 142:4-143، الوجيز 291:1، العزيز شرح الوجيز 360:7، المهذّب - للشيرازي - 239:2، روضة الطالبين 333:5، حلية العلماء 7: 661، الحاوي الكبير 400:8، و 157:14-158.
3- تقدّمت الإشارة إلى مصادره في ص 217، الهامش
4- .
5- الحاوي الكبير 400:8، و 157:14-158، حلية العلماء 661:7، العزيز شرح الوجيز 360:7، المهذّب - للشيرازي - 239:2، روضة الطالبين 5: 333، المغني 421:10، الشرح الكبير 450:10-451، معالم السنن - للخطابي - 43:4.

و في رواية عن أحمد أنّها ليست سلبا، لأنّ السّلب ما كان على بدنه(1).

و ينتقض بالسيف و الرمح.

و كذا ما على الدابة من سرج و لجام و جميع آلاتها و حلية تلك الآلات من السّلب، لأنّه تابع لها، و يستعان به في القتال.

و لو كانت الدابة في منزله أو مع غيره أو منفلتة [1]، لم تكن سلبا، كالسلاح الذي ليس معه.

و لو كان راكبا عليها فصرعه عنها ثمّ قتله بعد نزوله عنها، فهي من السّلب.

و لو كان ماسكا بعنانها غير راكب، قال ابن الجنيد: تكون من السّلب - و به قال الشافعي و أحمد في رواية(2) - لأنّه يتمكّن من القتال عليها، فأشبهت ما في يده من السيف و الرمح.

و في رواية عن أحمد: أنّها ليست سلبا، لأنّه ليس راكبا عليها، فأشبه ما لو كانت في يد غلامه(3).

و أمّا الجنيب [2] الذي يساق خلفه: فليس من السّلب، لأنّ يده ليست عليه.

و لو كان راكبا دابّة و في يده جنيب له، قال ابن الجنيد: يكون من2.

ص: 224


1- المغني 423:10، الشرح الكبير 451:10-452، المحرّر في الفقه 2: 175.
2- انظر: المصادر في الهامش (5) من ص 223.
3- المغني 423:10، الشرح الكبير 451:10-452.

السّلب، لأنّه ممّا يستعان به على القتال و يده عليه، فكان سلبا، كالفرس المركوب. و هو أحد قولي الشافعي(1).

و الثاني: لا يكون سلبا، لأنّه لا يمكن ركوبهما معا، فلا يكون سلبا(2).

و يجوز سلب القتلى و تركهم عراة، لأنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله قال في قتيل سلمة ابن الأكوع: «له سلبه أجمع»(3).

قال ابن الجنيد: و لا أختار أن يجرّد الكافر في السّلب.

و كرهه الثوري(4) ، و لم يكرهه الأوزاعي(5).

و لم يكن أمير المؤمنين عليه السلام يأخذ سلب أحد عند مباشرته للحروب.

مسألة 126: الأقرب افتقار مدّعي السّلب إلى بيّنة بالقتل

- خلافا للأوزاعي(6) - لقوله عليه السّلام: «من قتل قتيلا له عليه بيّنة فله سلبه»(7).

و لأنّه مدّع، فافتقر إلى البيّنة.

احتج: بأنّ النبي عليه السّلام قبل قول أبي قتادة(8).

و ليس حجّة، لأنّ خصمه أقرّ له فاكتفى بإقراره.

و هل يفتقر الى شاهدين ؟ قال به أحمد، لأنّ النبي عليه السّلام اعتبر البيّنة(9) ، و إطلاقها ينصرف إلى شاهدين، و لأنّها دعوى قتل، فاعتبر شاهدان، كقتل

ص: 225


1- الوجيز 291:1، العزيز شرح الوجيز 360:7-361، روضة الطالبين 333:5.
2- الوجيز 291:1، العزيز شرح الوجيز 360:7-361، روضة الطالبين 333:5.
3- صحيح مسلم 1375:3 ذيل الحديث 1754، سنن أبي داود 49:3-2654، سنن البيهقي 307:6.
4- المغني 424:10، الشرح الكبير 452:10.
5- المغني 424:10، الشرح الكبير 452:10.
6- المغني 423:10، الشرح الكبير 450:10.
7- صحيح مسلم 1371:3-1751، سنن أبي داود 70:3-2717، سنن البيهقي 306:6، الموطّأ 454:2-18.
8- صحيح مسلم 1371:3-1751، سنن أبي داود 70:3-2717، سنن البيهقي 306:6، الموطّأ 454:2-18.
9- صحيح مسلم 1371:3-1751، سنن أبي داود 70:3-2717، سنن البيهقي 306:6، الموطّأ 454:2-18.

العمد(1).

و قال بعض العامّة: يقبل شاهد و يمين، لأنّها دعوى مال. و يحتمل قبول شاهد من غير يمين، لأنّ النبي عليه السّلام قبل قول الذي شهد لأبي قتادة من غير يمين(2)(3).

مسألة 127: لو قال الإمام: من أخذ شيئا فهو له، جاز

- و هو أحد قولي الشافعي، و به قال أبو حنيفة(4) - لأنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله قال يوم بدر: «من أخذ شيئا فهو له»(5).

و الثاني: المنع، و إلاّ سقط حقّ أهل الخمس من خمسه، و من يستحقّ جزءا من الغنيمة لم يجز للإمام أن يشترط إسقاطه، كما لو شرط الغنيمة لغير الغانمين. و تأوّل الخبر بأنّ غنائم بدر لم تكن للغانمين، لأنّ الآية(6) نزلت بعدها، و لهذا قسيم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لمن لم يحضرها(7).

قال الشيخ رحمه اللّه: لو قال الإمام قبل لقاء العدوّ: من أخذ شيئا من الغنيمة فهو له بعد الخمس، كان جائزا، لأنّه معصوم و فعله حجّة(8).

ص: 226


1- المغني 423:10، الشرح الكبير 450:10.
2- المصادر في الهامش (7-9) من ص 225.
3- المغني 423:10، الشرح الكبير 450:10.
4- المهذّب - الشيرازي - 245:2، حلية العلماء 676:7، بدائع الصنائع 7: 115، المغني 454:10، الشرح الكبير 511:10.
5- سنن البيهقي 315:6.
6- الأنفال: 41.
7- المصادر في الهامش (4).
8- المبسوط - للطوسي - 68:2-69.
البحث الرابع: في الرضخ.
مسألة 128: لا سهم للنساء في الغنيمة، بل يرضخ لهنّ الإمام ما يراه،

للحاجة إليهنّ في معالجة الطبخ و مداواة المرضى و غير ذلك، فيدفع إليهنّ الإمام من الغنيمة شيئا دون السهم، و له أن يسوّي بين النساء في الرضخ، و أن يفضّل مع المصلحة، عند علمائنا أجمع، و أكثر العلماء(1) ، لما رواه العامّة: أنّ النبي عليه السّلام كان يغزو بالنساء فيداوين الجرحى، و يحذين [1] من الغنيمة، و أمّا السهم فلم يضرب لهنّ(2).

و من طريق الخاصّة: قول أحدهما عليهما السلام: «إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله خرج بالنساء في الحرب يداوين الجرحى، و لم يقسّم لهنّ من الفيء شيئا و لكن نفلهنّ»(3).

و لأنّهنّ لسن من أهل القتال، و لهذا لم يجب عليهنّ فرضه.

و قال الأوزاعي: يسهم للنساء، لأنّ النبي عليه السّلام ضرب لسهلة بنت عاصم يوم حنين بسهم، فقال رجل من القوم: أعطيت سهلة مثل سهمي(4)(5).

ص: 227


1- المغني 442:10، الشرح الكبير 495:10، سنن الترمذي 126:4 ذيل الحديث 1556، الوجيز 290:1، العزيز شرح الوجيز 351:7-353، روضة الطالبين 329:5 و 330.
2- صحيح مسلم 1444:3-1812، سنن الترمذي 125:4-126-1556، سنن البيهقي 332:6، مسند أحمد 507:1-2807، المغني 443:10، الشرح الكبير 496:10.
3- الكافي 45:5-8، التهذيب 148:6-260.
4- سنن سعيد بن منصور 283:2-2784.
5- المغني 442:10، الشرح الكبير 495:10، سنن الترمذي 126:4، ذيل الحديث 1556، معالم السنن - للخطابي - 49:4، حلية العلماء 681:7.

و ليس حجّة، لأنّ في الحديث: أنّها ولدت، فأعطاها النبي صلّى اللّه عليه و آله لها و لولدها، و عندنا يسهم للمولود كالرجل.

مسألة 129: لا سهم للعبيد، بل يرضخ لهم الإمام ما يراه مصلحة و إن جاهدوا،

و به قال أكثر العلماء(1) ، لما رواه العامّة عن ابن عباس في المرأة و المملوك يحضران الفتح ليس لهما سهم، و قد يرضخ لهما(2).

و لأنّه ليس من أهل القتال، فلا يجب عليه الجهاد، فأشبه المرأة.

و قال أبو ثور: يسهم للعبد - و هو مرويّ عن عمر بن عبد العزيز و الحسن البصري و النخعي - لأنّ حرمة العبد في الدين كحرمة الحرّ، و فيه من العناء ما فيه، فأسهم له كالحرّ(3).

و الفرق: أنّ الحرّ يجب عليه الجهاد، و الحرّيّة مظنّة الفراغ [1] للنظر و الفكر في مصالح المسلمين، بخلافه.

و لا فرق بين العبد المأذون له و غيره في عدم الإسهام، بل يرضخ لهما.

و قال ابن الجنيد: يسهم للعبد المأذون - و به قال الأوزاعي و أبو ثور(4) -

ص: 228


1- المغني 442:10، الشرح الكبير 495:10، سنن الترمذي 127:4 ذيل الحديث 1557، الوجيز 290:1، العزيز شرح الوجيز 351:7-353، معالم السنن - للخطابي - 49:4، روضة الطالبين 329:5.
2- صحيح مسلم 1446:3 ذيل الحديث 140، سنن البيهقي 332:6، المغني 443:10، الشرح الكبير 496:10.
3- المغني 442:10، الشرح الكبير 495:10.
4- معالم السنن - للخطابي - 49:4، المغني 442:10، الشرح الكبير 495:10.

و غير المأذون لا يسهم له إجماعا.

ثمّ إن كره مولاه الغزو، لم يرضخ له، لعصيانه، و إن عرف منه الإباحة، استحقّ الرضخ كالمأذون.

و لو أعتق العبد قبل انقضاء الحرب، أسهم له.

و لو قتل سيّد المدبّر قبل تقضي الحرب و هو يخرج من الثلث، عتق و أسهم له مع حضوره.

و من نصفه حر قيل: يرضخ له بقدر ما فيه من الرقّ، و يسهم له بقدر ما فيه من الحرّيّة، لأنّه ممّا يمكن تنصيفه فينصف كالميراث(1).

و قيل: يرضخ له، لأنّه ليس من أهل وجوب القتال، فأشبه الرقيق(2).

و الخنثى المشكل يرضخ له، لعدم علم الذكوريّة، و لعدم وجوب الجهاد عليه(3).

و قيل: له نصف سهم و نصف الرضخ، كالميراث(4).

و لو ظهر حاله و علم أنّه رجل، أتمّ له سهم الرجل، سواء انكشف قبل تقضي الحرب أو بعده، أو قبل القسمة أو بعدها، لأنّه قد ظهر لنا استحقاقه للسهم و اعطي دون حقّه.

مسألة 130: يسهم للصبي إذا حضر الحرب و إن ولد بعد الحيازة قبل القسمة،

كالرجل المقاتل، عند علمائنا أجمع - و به قال الأوزاعي(5) -

ص: 229


1- المغني 444:10، الشرح الكبير 496:10.
2- المغني 444:10، الشرح الكبير 496:10.
3- المغني 444:10، الشرح الكبير 497:10.
4- المغني 444:10، الشرح الكبير 497:10.
5- المغني 445:10، الشرح الكبير 497:10، حلية العلماء 681:7، الحاوي الكبير 413:8.

لما رواه العامّة: أنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله أسهم للصبيان بخيبر(1). و أسهم أئمّة المسلمين كل مولود ولد في دار الحرب.

و من طريق الخاصّة: قول أمير المؤمنين عليه السلام: «إذا ولد المولود في أرض الحرب قسّم له ممّا أفاء اللّه عليه(2)»(3).

و لأنّه حرّ ذكر(4) حضر القتال، و له حكم المسلمين، فيسهم له كالرجل. و لأنّ في إسهامه بعثا له بعد البلوغ على الجهاد، فيكون لطفا له فيجب. و لأنّه معرّض للتلف، فأشبه المحارب.

و قال مالك: يسهم له إذا قاتل و قدر عليه و مثله قد بلغ القتال(5).

و قال أبو حنيفة و الشافعي و الثوري و الليث و أحمد و أبو ثور: لا يسهم له، بل يرضخ(6) و عن القاسم و سالم ليس شيء، لأنه ليس من أهل القتال، فلم يسهم له، كالعبد(7).

و الفرق: أنّ المظنّة للاستحقاق - و هي الحرّيّة و الذكورة - تثبت له،0.

ص: 230


1- المغني 445:10، الشرح الكبير 497:10.
2- في المصدر: عليهم.
3- التهذيب 147:6-148-259.
4- في الطبعة الحجريّة: ذكر حرّ.
5- بداية المجتهد 392:1، المنتقى - للباجي - 179:3، الكافي في فقه أهل المدينة: 214، المغني 444:10، الشرح الكبير 497:10.
6- المبسوط - للسرخسي - 45:10، الهداية - للمرغيناني - 147:2، الوجيز 1: 290، العزيز شرح الوجيز 351:7-353، حلية العلماء 681:7، المهذّب - للشيرازي - 239:2 و 246، روضة الطالبين 329:5، المغني 444:10، الشرح الكبير 497:10.
7- المغني 444:10، الشرح الكبير 497:10.

فيثبت الحكم.

مسألة 131: الكافر لا يسهم له، بل يرضخ له الإمام ما يراه،

عند علمائنا - و به قال أبو حنيفة و مالك و الشافعي و أحمد في رواية(1) - لأنّه ليس من أهل الجهاد، لأنّه لا يخلص نيّته للمسلمين، فلا يساويهم في الاستحقاق.

و قال الثوري و الزهري و إسحاق: يسهم له، كالمسلم - و هو رواية عن أحمد - لما رواه الزهري أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله استعان بناس من اليهود في حربه فأسهم لهم(2).

و لأنّ الكفر نقص في الدين، فلم يمنع استحقاق السهم، كالفسق(3).

و يحتمل أن يكون الراوي سمّى الرضخ إسهاما. و الفرق بين الكفر و الفسق ظاهر.

و إنّما يستحقّ الكافر الرضخ عندنا أو السهم عند آخرين لو خرج إلى القتال بإذن الإمام. و لو خرج بغير إذنه، لم يسهم له و لم يرضخ إجماعا، لأنّه غير مأمون على الدين.

و لو غزا جماعة من الكفّار بانفرادهم فغنموا، فغنيمتهم للإمام، لما يأتي من أنّ الغنيمة بغير إذن الإمام له.

و قال بعض العامّة: غنيمتهم لهم و لا خمس فيها، لأنّه اكتساب مباح لم يؤخذ على وجه الجهاد، فكان كالاحتطاب(4).

ص: 231


1- الوجيز 190:1، العزيز شرح الوجيز 354:7، المهذّب - للشيرازي - 239:2 و 246، المغني 446:10، الشرح الكبير 499:10.
2- سنن سعيد بن منصور 284:2-2790.
3- المغني 446:10، الشرح الكبير 499:10.
4- المغني 477:10، الشرح الكبير 458:10.

و قال بعضهم: فيه الخمس، لأنّه غنيمة قوم من أهل دار الإسلام، فأشبه غنيمة المسلمين(1).

و يجوز أن يستعين الإمام بالمشركين في الجهاد - و به قال الشافعي(2) و جماعة من العلماء [1] - لأنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله استعان بناس من اليهود في حربه(3).

و قال ابن المنذر: لا يستعان بهم(4). و عن أحمد روايتان(5).

و يشترط أن يكون المستعان به من المشركين في الحرب حسن الرأي في المسلمين مأمون الضرر.

مسألة 132: لا حدّ معيّن للرضخ، بل هو موكول إلى نظر الإمام

لكن لا يبلغ للفارس سهم فارس و لا للراجل سهم راجل، كما لا يبلغ بالتعزير الحدّ.

و ينبغي أن يفضّل بعضهم على بعض بحسب مراتبهم و كثرة النفع به و ضدّ ذلك، و لا يسوّى بينهم في السهام، لأنّ السهم منصوص عليه غير موكول إلى الاجتهاد فلم يختلف، كالحدّ و الدية، و الرضخ مجتهد فيه،

ص: 232


1- المغني 477:10، الشرح الكبير 457:10.
2- الوجيز 189:2، العزيز شرح الوجيز 380:11، روضة الطالبين 441:7، المغني 10: 447، الشرح الكبير 421:10.
3- سنن سعيد بن منصور 284:2-2790.
4- المغني 447:10، الشرح الكبير 421:10.
5- المغني 447:10، الشرح الكبير 420:10-421.

فاختلف، كالتعزير.

قال الشيخ رحمه اللّه: الرضخ، يكون من أصل الغنيمة(1) - و هو أحد أقوال الشافعي(2) - لأنّهم يستحقّون ذلك لمعاونة الغانمين في تحصيل الغنيمة، فكانوا كالحفّاظ و الناقلين تكون أجرتهم من الأصل. و لو أعطاهم الإمام ذلك من ماله من الأنفال و حصّته من الخمس، جاز.

و الثاني للشافعي: يكون من أربعة الأخماس، لأنّهم يستحقّون ذلك بحضورهم الوقعة، فأشبهوا الغانمين(3).

و الثالث: أنّه يدفع من سهم المصالح، لأنه مستحقّ الرضخ ليس من أصحاب السهم و لا من أصحاب الخمس، فلم يكن الدفع إليه إلاّ على وجه المصلحة، فكان من سهم المصالح(4).

و لو استأجر الإمام أهل الذمّة للقتال، جاز، و لا يبيّن المدّة، لأنّ ذكر المدّة غرر، فربما زادت مدّة الحرب أو نقصت، و عفي عن الجهالة هنا، لموضع الحاجة. فإن لم يكن قتال، لم يستحقّوا شيئا، و إن كان قتال، فإن قاتلوا، استحقّوا الأجرة، و إلاّ فإشكال ينشأ من أنّه منوط بالعمل و لم يوجد، و من أنّه يستحقّ [1] بالحضور، لأنّه بمنزلة القتال في حقّ المسلم يستحقّ به السهم، فكذا هنا. و الأول أقوى.

و لو زادت الأجرة على سهم الراجل أو الفارس، احتمل أن يعطى مان.

ص: 233


1- المبسوط - للطوسي - 70:2.
2- الوجيز 290:1، العزيز شرح الوجيز 353:7-354، المهذّب - للشيرازي - 247:2، روضة الطالبين 330:5، حلية العلماء 681:7-682، الحاوي الكبير 402:8، و حكى ابن قدامة في المغني 449:10 عن الشافعي قولين.
3- الوجيز 290:1، العزيز شرح الوجيز 353:7-354، المهذّب - للشيرازي - 247:2، روضة الطالبين 330:5، حلية العلماء 681:7-682، الحاوي الكبير 402:8، و حكى ابن قدامة في المغني 449:10 عن الشافعي قولين.
4- الوجيز 290:1، العزيز شرح الوجيز 353:7-354، المهذّب - للشيرازي - 247:2، روضة الطالبين 330:5، حلية العلماء 681:7-682، الحاوي الكبير 402:8، و حكى ابن قدامة في المغني 449:10 عن الشافعي قولين.

يكون رضخا من الغنيمة، و ما زاد يكون من سهم المصالح، و أن يدفع ذلك كلّه من الغنيمة، لجريانه مجرى المئونة التي لا يعتبر فيها النقصان عن السهم.

و لو غزا الرجل بغير إذن الإمام، أخطأ. و لو غنم مع العسكر، فسهمه للإمام. و لو غزا بغير إذن أبويه أو بغير إذن صاحب الدّين، استحقّ السهم، لتعيّن الجهاد عليه بالحضور.

مسألة 133: قال الشيخ رحمه اللّه: ليس للأعراب من الغنيمة شيء و إن قاتلوا مع المهاجرين،

بل يرضخ لهم الإمام بحسب ما يراه مصلحة(1).

و نعني بالأعراب من أظهر الإسلام و لم يصفه، و صولح على إعفائه عن المهاجرة و ترك النصيب.

و يجوز أن يعطيهم الإمام من سهم ابن السبيل من الصدقة، لأنّ الاسم يتناولهم.

و منعه ابن إدريس، و أوجب لهم النصيب كغيرهم من المقاتلة(2).

و الشيخ رحمه اللّه استدلّ بقول الصادق عليه السّلام: «إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إنّما صالح الأعراب على أن يدعهم في ديارهم و لا يهاجروا على إن دهمه من عدوّه دهم أن يستنفرهم فيقاتل بهم و ليس لهم في الغنيمة [1] نصيب»(3).

و لا نعلم صحّة سند هذه الرواية.

ص: 234


1- المبسوط - للطوسي - 74:2، النهاية: 299.
2- السرائر: 160.
3- التهذيب 150:6-261.
البحث الخامس: في كيفية القسمة.
مسألة 134: أوّل ما يبدأ الإمام بعد إحراز الغنيمة بدفع ما تقدّم من السّلب،

لأنّ حقّه متعلّق بالعين، ثمّ اجرة الحمّال و الحافظ و الناقل و الراعي، لأنّ ذلك من مؤنها يؤخذ من أصلها، ثمّ الرضخ إن قلنا: إنّه يخرج من أصل الغنيمة، ثمّ يفرز خمس الباقي لأهله، و تقسّم أربعة الأخماس الباقية بين الغانمين.

و تقدّم قسمة الغنيمة على قسمة الخمس، لأنّ مستحقّ الغنيمة حاضرون، و يقف رجوعهم و انصرافهم إلى مواطنهم على قسمة الغنيمة، و أهل الخمس غيّاب في مواطنهم. و لأنّ الغنيمة حصلت باجتهاد الغانمين فكأنّها بعوض، فكانت آكد من الخمس.

مسألة 135: للإمام أن يصطفي لنفسه من الغنيمة ما يختاره،

كفرس جواد و ثوب مرتفع و جارية حسناء و سيف قاطع و غير ذلك ممّا لا يضرّ بالعسكر، عند علمائنا أجمع، لما رواه العامّة: أنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله كان يصطفي من الغنائم الجارية و الفرس و ما أشبههما في غزاة خيبر و غيرها(1).

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السّلام: «نحن قوم فرض اللّه طاعتنا، لنا الأنفال، و لنا صفو الأموال»(2).

و سأله أبو بصير عن صفو المال، فقال: «الإمام يأخذ الجارية الحسناء و المركب الفاره و السيف القاطع و الدّرع قبل أن تقسّم الغنيمة، هذا صفو

ص: 235


1- سنن أبي داود 152:3-2991-2995، سنن البيهقي 304:6.
2- التهذيب 132:4-367.

المال»(1).

و هذا الحقّ عندنا ثابت للإمام بعد النبي صلّى اللّه عليه و آله، لمشاركته إيّاه في تحمّل الأثقال و إتمام ذوي الحقوق مؤونتهم مع قصور حقّهم.

و قالت العامّة: إنّه مختصّ بالنبي عليه السّلام يبطل بموته(2).

و هل الاصطفاء قبل الخمس أو بعده ؟ فهم ممّا تقدّم في الرضخ.

مسألة 136: إذا أخرج الإمام من الغنيمة الرضخ و الجعائل و اجرة الحافظ

و غيره و ما تحتاج الغنيمة إليه من النفقة مدة بقائها، يقسّم الباقي بين الغانمين خاصّة ممّا ينقل و يحوّل من الأموال الحاضرة، للراجل سهم و للفارس سهمان.

و لا خلاف بين العلماء في أن الراجل له سهم، و اختلفوا في الفارس.

فقال أكثر علمائنا: إنّه يستحقّ سهمين: سهم له، و سهم لفرسه(3).

و به قال أبو حنيفة(4).

و قال ابن الجنيد من علمائنا: للفارس ثلاثة أسهم: سهمان لفرسه، و سهم له. و هو قول أكثر العامّة، و نقله العامّة عن علي عليه السّلام، و به قال عمر

ص: 236


1- التهذيب 134:4-375.
2- المغني 303:7، الشرح الكبير 490:10.
3- منهم: الشيخ الطوسي في النهاية: 295، و المبسوط 70:2-71، و القاضي ابن البراج في المهذّب 186:1، و أبو الصلاح الحلبي في الكافي في الفقه: 258 - 259، و ابن حمزة في الوسيلة: 204، و ابن إدريس في السرائر: 157، و المحقّق الحلّي في شرائع الإسلام 324:1.
4- تحفة الفقهاء 300:3-301، بدائع الصنائع 127:7، الهداية - للمرغيناني - 146:2، المبسوط - للسرخسي - 41:10، حلية العلماء 678:7، الحاوي الكبير 415:8، بداية المجتهد 394:1.

ابن عبد العزيز و الحسن البصري و ابن سيرين و حبيب بن أبي ثابت و مالك و من تبعه من أهل المدينة، و الثوري و الليث و من تبعه من أهل مصر، و الشافعي و أحمد و إسحاق و أبو ثور و أبو يوسف و محمّد(1).

لنا: ما رواه العامّة عن المقداد رحمه اللّه، قال: أعطاني رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله سهمين: سهم لي و سهم لفرسي(2).

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السّلام: «للفارس سهمان، و للراجل سهم»(3).

و لأنّه حيوان ذو سهم، فلا يزاد على الواحد، كالآدمي.

و ما رواه العامّة عن ابن عبّاس أنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله أعطى للفارس ثلاثة أسهم(4).

و ما رواه الخاصّة: أنّ عليّا عليه السّلام كان يجعل للفارس ثلاثة أسهم(5) ، فمحمول على صاحب الأفراس الكثيرة، لما رواه الباقر عليه السّلام: «أنّ عليا عليه السّلام كان يسهم للفارس ثلاثة أسهم: سهمين لفرسيه [1]، و سهما له، و يجعل للراجل سهما»(6).8.

ص: 237


1- المغني 434:10-435، الشرح الكبير 502:10-503، الكافي في فقه الإمام أحمد 143:4، الموطأ 456:2-21، المدوّنة الكبرى 32:2، الكافي في فقه أهل المدينة: 214، المنتقى - للباجي - 196:3، مختصر المزني: 149، الحاوي الكبير 415:8، الوجيز 292:1، العزيز شرح الوجيز 372:7، المهذّب - للشيرازي - 245:2، روضة الطالبين 340:5.
2- المعجم الكبير - للطبراني - 261:20-614.
3- الكافي 44:5-2، التهذيب 146:6-253، الإستبصار 3:3-3.
4- المغني 435:10، الشرح الكبير 503:10.
5- التهذيب 147:6-257، الإستبصار 4:3-4.
6- الاستبصار 4:3-5، التهذيب 147:6-258.

إذا عرفت هذا، فإنّه يعطى ذو الفرسين فما زاد ثلاثة أسهم: سهما له و سهمين لأفراسه، و لا يزاد على السهمين و إن كثرت الأفراس - و به قال أحمد(1) - لما رواه العامّة أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كان يسهم للخيل، و كان لا يسهم للرجل فوق فرسين و إن كان معه عشرة أفراس(2).

و من طريق الخاصّة: رواية الحسين بن عبد اللّه عن أبيه عن جدّه عن أمير المؤمنين عليه السّلام، قال: «إذا كان مع الرجل أفراس في غزو لم يسهم إلاّ لفرسين منها»(3).

و قال أبو حنيفة و مالك و الشافعي: لا يسهم لأكثر من فرس واحد، لأنّ النبي عليه السّلام لم يسهم لأفراس الزبير إلاّ لواحد(4)(5).

و هو معارض بما روي عن الزبير أنّه عليه السّلام أسهم له عن فرسين(6).

مسألة 137: و يسهم للفرس سواء كان عتيقا

- و هو الذي أبواه

ص: 238


1- المغني 438:10، الشرح الكبير 506:10، الكافي في فقه الإمام أحمد 4: 144، المنتقى - للباجي - 196:3، الحاوي الكبير 162:14، حلية العلماء 7: 680، العزيز شرح الوجيز 373:7.
2- سنن سعيد بن منصور 281:2-2774.
3- التهذيب 174:6-256، الاستبصار 4:3-6.
4- سنن البيهقي 329:6.
5- تحفة الفقهاء 301:3، بدائع الصنائع 126:7، المبسوط - للسرخسي - 10: 45، الهداية - للمرغيناني - 146:2، الموطأ 456:2-457 ذيل الحديث 21، المدوّنة الكبرى 32:2، الكافي في فقه أهل المدينة: 214، المنتقى - للباجي - 196:3، الوجيز 292:1، العزيز شرح الوجيز 373:7، المهذّب - للشيرازي - 246:2، روضة الطالبين 341:5، حلية العلماء 680:7، الحاوي الكبير 14: 162.
6- المغازي - للواقدي - 688:2، سنن البيهقي 329:6.

عتيقان عربيّان كريمان - أو برذونا - و هو الذي أبواه أعجميّان - أو مقرفا - و هو الذي أبوه برذون و امّه عتيقة - أو هجينا، و هو عكس البرذون - و به قال الشافعي و مالك و أبو حنيفة(1) - لصدق اسم الفرس في الجميع. و لأنّه حيوان ذو سهم، فاستوى الفاره و غيره، كالآدمي.

و قال الأوزاعي: لا يسهم للبرذون، و يسهم للمقرف و الهجين سهم واحد(2).

و عن أحمد روايات:

إحداها: يسهم لما عدا العربي سهم واحد. و هو قول الحسن البصري.

الثانية: أنّه يسهم له مثل سهم العربي. و به قال عمر بن عبد العزيز و الثوري.

الثالثة: أنّها إن أدركت إدراك العراب، أسهم لها، مثل الفرس العربي، و إلاّ فلا.

الرابعة: أنّه لا يسهم لها(3).7.

ص: 239


1- الامّ 337:7، الوجيز 292:1، العزيز شرح الوجيز 372:7، المهذّب - للشيرازي - 245:2-246، روضة الطالبين 340:5-341، حلية العلماء 679:7، الحاوي الكبير 418:8، و 161:14، الموطّأ 457:2، ذيل الحديث 21، المنتقى - للباجي - 197:3، المغني 436:10، الشرح الكبير 504:10.
2- الحاوي الكبير 418:8، و 162:14، حلية العلماء 679:7.
3- المغني 436:10-437، الشرح الكبير 504:10، المحرّر في الفقه 2: 176، الكافي في فقه الإمام أحمد 144:4، حلية العلماء 679:7.

و عن أبي يوسف روايتان(1):

إحداهما: أنّه يسهم له، كالعربي.

الثانية: أنّه يسهم له سهم واحد، لأنّ البرذون لا كر له و لا فرّ، فأشبه البعير.

و قد بيّنّا عدم اعتبار التفاضل في السهام بشدّة البلاء في الحرب.

مسألة 138: لا يسهم لغير الخيل من الإبل و البغال و الحمير و الفيلة و غيرها،

عند علمائنا - و هو قول عامّة العلماء، و مذهب الفقهاء في القديم و الحديث(2) - لأنّه لم ينقل عن النبي صلّى اللّه عليه و آله إسهام غير الخيل مع أنّه كان معه يوم بدر سبعون بعيرا(3). و لأنّ الفرس له كرّ و فرّ و طلب و هرب، بخلاف غيرها.

و حكي عن الحسن البصري أنّه قال: يسهم للإبل خاصّة(4).

و عن أحمد روايتان:

إحداهما: أنّه يسهم للبعير سهم واحد، و لصاحبه سهم آخر.

و الثانية: أنّه إن عجز عن ركوب الخيل فركب البعير، أسهم له ثلاثة أسهم: سهمان لبعيره. و سهم له، و إن أمكنه الغزو على الفرس، لم يسهم لبعيره، لقوله تعالى فَما أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَ لا رِكابٍ (5) و هي

ص: 240


1- انظر: حلية العلماء 679:7-680.
2- المغني 440:10، الشرح الكبير 507:10، الحاوي الكبير 418:8، العزيز شرح الوجيز 372:7، المدوّنة الكبرى 32:2، المبسوط - للسرخسي - 10: 19.
3- المغني 440:10، الشرح الكبير 507:10.
4- المغني 438:10، الشرح الكبير 507:10.
5- الحشر: 6.

الإبل. و لأنّه حيوان تجوز المسابقة عليه بعوض، فيسهم له، كالفرس(1).

و لا دلالة (في الآية) [1] على إسهام الركاب، و الجامع لا يصلح للعلّيّة، لنقضه بالبغال و الحمير، و لا فرق بين أن تقوم الإبل مقام الخيل أو تزيد في العمل.

و يسهم للخيل مع حضورها الوقعة و إن لم يقاتل عليها و لا احتيج إليها في القتال، لأنّه أحضرها للقتال و لزم عليها مئونة.

و لو كانت الغنيمة من فتح حصن أو مدينة، فالقسمة فيها كالقسمة في [2] غنائم دار الحرب - و به قال الشافعي(2) - لأنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله قسّم غنائم خيبر [3] للفارس ثلاثة أسهم، و للراجل سهمين، و هي حصون(3).

و لأنّ الحاجة قد تدعو إلى الخيل بأن ينزل أهل الحصن فيقاتلوا خارجه، فيسهم [4] له.

و لو حاربوا في السفن و فيهم الرجالة و أصحاب الخيل، قسّمت الغنيمة كما تقسّم في البرّ، للراجل سهم، و للفارس سهمان، سواء احتاجوا إلى الخيل أو لا، للرواية عن الصادق عليه السّلام لمّا سأله حفص بن غياث عن سريّة في سفينة قاتلوا و لم يركبوا الفرس كيف تقسّم ؟ فقال عليه السّلام: «للفارس سهمان، و للراجل سهم»(4).3.

ص: 241


1- المغني 438:10-439، الشرح الكبير 507:10.
2- المغني 441:10، الشرح الكبير 506:10.
3- المغني 442:10، الشرح الكبير 503:10.
4- التهذيب 146:6-253، الإستبصار 3:3-3.
مسألة 139: يسهم للفرس المستعار للغزو، و السهم للمستعير

- و به قال الشافعي و أحمد في إحدى الروايتين(1) - لأنه متمكّن من الغزو عليه شرعا و عقلا، فأشبه المستأجر. و لأنّ سهم الفرس لمنفعته، و هي مملوكة للمستعير.

و قال بعض الحنفيّة: السهم للمالك. و هو رواية عن أحمد(2). و قال بعضهم: لا يسهم للفرس(3) ، لأنّ السهم نماء الفرس، فأشبه الولد [1]. و لأنّ مالكه لا يستحقّ شيئا فكذا فرسه، كالمخذّل [2].

و الفرق: أنّ النماء و الولد غير مأذون له فيه، بخلاف الغزو. و المخذّل لا يستحقّ سهما بالحضور، للخذلان، بخلاف المستعير، فإنّ صاحب الفرس لو حضر لاستحقّ سهما، و إنّما منع، للغيبة، فلا قياس، للاختلاف في العلّة.

و لا نعلم خلافا في استحقاق المستأجر لسهم الفرس إذا استأجره للغزو.

و لو استعار فرسا لغير الغزو فغزا عليه، استحقّ السهم الذي له، و أمّا (سهم الفرس) [3] فكالفرس المغصوب.

و لو استأجره لغير الغزو فغزا عليه، سقط سهم الفرس، لأنّه

ص: 242


1- المهذّب - للشيرازي - 246:2، روضة الطالبين 341:5، الحاوي الكبير 8: 419، العزيز شرح الوجيز 374:7، المغني 452:10، الشرح الكبير 10: 501.
2- المغني 452:10، الشرح الكبير 501:10.
3- المغني 452:10، الشرح الكبير 501:10.

كالغاصب.

و لو كان المستأجر أو المستعير ممّن لا سهم له، كالمرجف و المخذّل، أو له رضخ، كالمرأة و العبد، كان حكمه حكم فرسه المملوكة، و قد تقدّم(1).

مسألة 140: لو غصب فرسا فقاتل عليه، استحقّ الغاصب سهم راجل.

و أمّا سهم الفرس: فإن كان صاحبه حاضرا في الحرب، فالسهم له، و إلاّ فلا شيء له، لأنّه مع الحضور قاتل على فرسه من يستحقّ السهم، فاستحقّ السهم، كما لو كان مع صاحبه، و إذا ثبت أنّ للفرس سهما، ثبت لمالكه، لأنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله جعل للفرس سهما [1] و لصاحبه سهما(2) ، و ما كان للفرس كان لمالكه.

و أمّا مع الغيبة: فإنّ الغاصب لا يملك منفعة الفرس، و المالك لم يحضر، فلا يستحقّ سهما، فلا يستحقّ فرسه.

و قال بعض الشافعيّة: يسهم للغاصب، و عليه اجرة الفرس لمالكه، لأنّ الفرس كالآلة، فكان حاصلها لمستعملها، كما لو غصب سيفا فقاتل به، أو قدوما [2] فاحتطب به(3).

و الفرق: أنّ السيف و القدوم لا شيء لهما، و الفرس جعل لها النبي صلّى اللّه عليه و آله

ص: 243


1- تقدّم في ص 227 و 228.
2- صحيح البخاري 37:4، المغني 453:10.
3- المغني 453:10، الشرح الكبير 509:10-510، العزيز شرح الوجيز 7: 374، روضة الطالبين 341:5.

سهما، و لمّا لم تكن الفرس أهلا للتملّك كان السهم لمالكها.

و قال بعض الحنفيّة: لا سهم للفرس. و هو قول بعض الشافعيّة(1).

إذا عرفت هذا، فإنّه يجب على الغاصب اجرة المثل، سواء كان صاحبه حاضرا أو غائبا.

و لو كان الغاصب ممّن لا سهم له كالمرجف، فسهم الفرس لمالكه إن كان حاضرا، و إلاّ فلا شيء له.

و قال بعض العامّة: حكم المغصوب حكم فرسه، لأنّ الفرس يتبع الفارس في حكمه، فيتبعه إذا كان مغصوبا، قياسا على فرسه(2).

و ليس بجيّد، لأنّ النقص في الفارس و الجناية منه، فاختصّ المنع به و بتوابعه، كفرسه التابعة له، بخلاف المغصوب.

و كذا البحث لو غزا العبد بغير إذن مولاه على فرس مولاه.

و لو غزا جماعة على فرس واحدة بالتناوب، قال ابن الجنيد: يعطى كلّ واحد سهم راجل ثمّ يقسّم بينهم سهم فرس واحدة. و هو حسن.

مسألة 141: لو غزا العبد بإذن مولاه على فرس مولاه، رضخ للعبد،

و أسهم للفرس. و السهم و الرضخ لسيّده [1]. و لو كان معه فرسان، رضخ له، و أسهم لفرسيه - و به قال أحمد(3) - لأنّه فرس حضر الوقعة و خوصم عليه، فاستحقّ مالكه السهم، كما لو كان الراكب هو السيّد.

و قال أبو حنيفة و الشافعي: لا سهم للفرس: لأنّه تحت من لا سهم.

ص: 244


1- المغني 453:10، الشرح الكبير 510:10، العزيز شرح الوجيز 374:7، روضة الطالبين 341:5.
2- المغني 453:10، الشرح الكبير 510:10.
3- المغني 451:10، الشرح الكبير 500:10.

له، فلم يسهم له، كما لو كان تحت مخذّل(1).

و الفرق: أنّ المخذّل لا يستحقّ شيئا بالحضور، ففرسه أولى بعدم الاستحقاق.

و لو غزا الصبي على فرس، أسهم له و لفرسه على خلاف بيننا و بين العامّة في استحقاق الصبي السهم.

و لو غزت المرأة أو الكافر على فرس لهما، فالأقرب أنّهما يرضخان أزيد من رضخ الراجل من صنفهما و أقلّ من سهم الفارس، لأنّا قد بيّنّا أنّه لا يبلغ بالرضخ للفارس سهم فارس. و لأنّ سهم الفرس له، فإذا لم يستحقّ هو بحضوره سهما ففرسه أولى، بخلاف العبد، فإنّ الفرس هناك لغيره و هو السيّد.

و لو غزا المرجف أو [1] المخذّل على فرس، فلا شيء له و لا لفرسه.

و لو غزا العبد بغير إذن مولاه، لم يرضخ [2] له، لأنّه عاص.

مسألة 142: ينبغي للإمام أن يتعاهد خيل المجاهدين - التي تدخل دار الحرب

- و يعتبرها، فيأذن في استصحاب ما يصلح للقتال، و يمنع من استصحاب ما لا يصلح له، لأنّه كلّ و ضرر، كالحطم - و هو الذي يتكسّر من الهزال، و القحم - بفتح القاف و سكون الحاء - و هو الكبير السنّ الهرم الفاني، و الضرع - بفتح الضاد و الراء - و هو الصغير الضعيف الذي لا يمكن القتال عليه، و الأعجف، و هو المهزول، و الرازح، و هو الذي لا حراك به من الهزال.

فلو ادخل فرس من هذه، قال الشيخ رحمه اللّه: يسهم له(2) - و به قال

ص: 245


1- المغني 451:10، الشرح الكبير 500:10.
2- المبسوط - للطوسي - 71:2، الخلاف 203:4، المسألة 28.

الشافعي(1) - لعموم الأخبار، و لأنّ كلّ جنس يسهم له فإنّه يستوي فيه القويّ و الضعيف، كالآدمي.

و قال ابن الجنيد منّا: لا يسهم له - و به قال مالك و أحمد، و قول للشافعي(2) - لأنّه لا ينتفع به، فأشبه المخذّل.

و المريض يسهم له إذا لم يخرج بمرضه عن كونه من أهل الجهاد، كالمحموم و صاحب الصداع، لأنّه من أهل الجهاد، و يعين عليه برأيه و تكبيره [1] و دعائه.

و إن خرج [2]، كالزمن و الأشلّ و المفلوج، فهل يسهم له ؟ قال الشيخ رحمه اللّه: يسهم له، عندنا، سواء منع مرضه من الجهاد أولا، كالطفل(3).

و لو نكس الفرس بصاحبه في حملته أو مبارزته، أسهم له، و لم يمنع بذلك من الإسهام.

و لو استأجر أجيرا للحرب ثمّ دخلا معا دار الحرب، أسهم لهما معا، سواء كانت الأجرة [3] في الذمّة أو معيّنة، و يستحقّ مع ذلك الأجرة. و لو لم يحضر المستأجر، استحقّ المؤجر السهم و الأجرة، لأنّ الإسهام يستحقّ0.

ص: 246


1- الوجيز 292:1، العزيز شرح الوجيز 373:7، حلية العلماء 678:7، الحاوي الكبير 420:8، روضة الطالبين 341:5، المغني 440:10، الشرح الكبير 481:10.
2- المغني 440:10، الشرح الكبير 481:10، الكافي في فقه الإمام أحمد 4: 143، الامّ 145:4، الوجيز 292:1، العزيز شرح الوجيز 373:7، الحاوي الكبير 420:8، حلية العلماء 679:7، روضة الطالبين 341:5.
3- المبسوط - للطوسي - 71:2-72، الخلاف 205:4، المسألة 30.

بالحضور.

مسألة 143: الاعتبار بكونه فارسا وقت الحيازة للغنيمة، لا بدخوله المعركة.

فلو دخل دار [1] الحرب فارسا ثمّ ذهب [2] فرسه قبل حيازة الغنيمة، فلا سهم لفرسه. و لو دخل راجلا فأحرزت الغنيمة و هو فارس، فله سهم فارس [3] - و به قال الشافعي و الأوزاعي و أحمد و إسحاق و أبو ثور و ابن عمر(1) - لأنّه حيوان يسهم له، فاعتبر وجوده حال القتال، كالآدمي.

و قال أبو حنيفة: الاعتبار بدخول دار الحرب، فإن دخل فارسا، فله سهم فارس و إن نفق فرسه قبل القتال، و إن دخل راجلا، فله سهم راجل و إن استفاد فرسا فقاتل عليه(2).

و عنه رواية أخرى كقولنا، لأنّه دخل الحرب بنيّة القتال، فلا يتغيّر سهمه بذهاب دابّته أو حصول دابّة أخرى له، كما لو كان ذلك بعد القتال(3).

و الفرق تقدّم.

و لو دخل الحرب فارسا فمات فرسه بعد تقضّي الحرب قبل حيازة الغنائم، للشافعي قولان(4) مبنيّان على أنّ ملك الغنيمة هل يتحقّق بانقضاء

ص: 247


1- الحاوي الكبير 421:8، روضة الطالبين 342:5، المغني 434:10، الشرح الكبير 508:10-509.
2- المبسوط - للسرخسي - 42:4-43، بدائع الصنائع 126:7 و 127، الحاوي الكبير 421:8، المغني 434:10، الشرح الكبير 509:10.
3- المغني 434:10، الشرح الكبير 509:10.
4- العزيز شرح الوجيز 365:7-366، روضة الطالبين 336:5.

الحرب أو الحيازة ؟ و كذا لو وهب فرسه أو أعاره أو باعه، البحث في ذلك كلّه واحد.

قال الشيخ رحمه اللّه: هذا إذا كان الحرب في دار الكفر، فأمّا إذا كان في دار الإسلام، فلا خلاف في أنّه لا يسهم إلاّ للفرس الذي يحضر القتال(1).

مسألة 144: من مات من الغزاة أو قتل قبل حيازة الغنيمة و تقضّي القتال، فلا سهم له.

و إن مات بعد ذلك، فسهمه لورثته - و به قال أحمد(2) - لأنّه إذا مات قبل حيازة الغنيمة، فقد مات قبل ملكها و ثبوت اليد عليها، فلم يستحقّ شيئا، و إن مات بعده، فقد مات بعد الاستيلاء عليها في حال لو قسّمت صحّت قسمتها و ملك سهمه، فاستحقّ السهم، كما لو مات بعد إحرازها في دار الإسلام، و إذا استحقّ السهم، انتقل إلى ورثته، كغيره من الحقوق.

و قال أبو حنيفة: إن مات قبل إحراز الغنيمة في دار الإسلام أو قسمتها في دار الحرب، فلا سهم له، لأنّ ملك المسلمين لا يتمّ إلاّ بذلك(3).

و نمنع ذلك، بل يملك بالاستيلاء و الحيازة.

و قال الشافعي و أبو ثور، إن حضر القتال، أسهم له، سواء مات قبل حيازة الغنيمة أو بعدها، و إن لم يحضر، فلا سهم له(4) - و نحوه قال مالك

ص: 248


1- المبسوط - للطوسي - 71:2.
2- المغني 440:10، الشرح الكبير 515:10، الكافي في فقه الإمام أحمد 4: 148.
3- بدائع الصنائع 121:7، المغني 440:10-441، الشرح الكبير 516:10.
4- روضة الطالبين 336:5، المغني 441:10، الشرح الكبير 515:10.

و الليث بن سعد(1) - لقوله عليه السّلام: «الغنيمة لمن شهد الوقعة»(2).

(و نحن نقول) [1] بموجبه، فإنّ من قتل قبل تقضّي الحرب لم يشهد الوقعة بكمالها.

مسألة 145: لا يجوز تفضيل بعض الغانمين في القسمة 2 على بعض،

بل يقسّم للفارس سهمان، و للراجل سهم، و لذي [3] الأفراس ثلاثة، سواء حاربوا أو لا إذا حضروا للحرب لا للتخذيل و شبهه، و لا يفضّل أحد لشدّة بلائه و حربه، عند علمائنا - و به قال الشافعي و أحمد(3) - لقوله تعالى:

وَ اعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ (4) أضاف الباقي إلى الغانمين فاستووا فيه، عملا بالظاهر.

و لأنّه عليه السّلام قسّم للفارس سهمين و ثلاثة على تفاوتهم في عدد الخيل، و للراجل سهما(5).

من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السّلام و قد سئل عن قسم بيت المال:

«أهل الإسلام هم أبناء الإسلام أسوّي بينهم في العطاء و فضائلهم بينهم و بين

ص: 249


1- المدوّنة الكبرى 33:2، المنتقى - للباجي - 180:3، المغني 441:10، الشرح الكبير 515:10-516.
2- الجامع لأحكام القرآن 16:8.
3- المهذّب - للشيرازي - 245:2، العزيز شرح الوجيز 372:7، روضة الطالبين 340:5، المغني 454:10، الشرح الكبير 511:10، الكافي في فقه الإمام أحمد 148:4.
4- الأنفال: 41.
5- سنن أبي داود 75:3-76-2733-2736، المغني 454:10، الشرح الكبير 511:10.

اللّه، أجملهم كبني رجل واحد لا يفضّل أحد منهم لفضله و صلاحه في الميراث على آخر ضعيف منقوص»(1).

و قال مالك: يجوز أن يفضّل بعض الغانمين على بعض، و يعطى من لم يحضر الوقعة(2) ، لأنّ النبي عليه السّلام أعطى من غنيمة بدر من لم يشهدها(3).

و قال أبو حنيفة: يجوز أن يفضّل، و لا يعطى من لم يحضر الوقعة(4) ، لقوله عليه السّلام: «من أخذ شيئا فهو له»(5).

و الجواب: أنّه ورد في قضيّة بدر، و غنائمها لم تكن للغانمين.

قال الشيخ رحمه اللّه: إذا قال الإمام: من أخذ شيئا فهو له، جاز، لأنّه معصوم و فعله حجّة(6).

و نحن لا ننازعه، بل هل لنائبه ذلك ؟ للشافعي قولان:

أحدهما: الجواز، لأنّ النبي عليه السّلام قاله في غزاة بدر.

و الثاني: المنع، لأنّه عليه السّلام قسّم الغنائم للفارس سهمين و للراجل سهما. و قضيّة بدر منسوخة(7).

مسألة 146: الغنيمة تستحقّ بالحضور قبل القسمة،

فلو غنم المسلمون ثمّ لحقهم مدد قبل تقضي الحرب، أسهم له إجماعا، و إن كان بعده و بعد

ص: 250


1- التهذيب 146:6-255 بتفاوت يسير في بعض الألفاظ.
2- العزيز شرح الوجيز 374:7.
3- المغازي - للواقدي - 153:1، و 683:2، السيرة النبويّة - لابن هشام - 2: 334 و 338 و 345 و 346 و 440، المنتظم 134:3.
4- العزيز شرح الوجيز 374:7.
5- سنن البيهقي 315:6، المغني 454:10، الشرح الكبير 511:10.
6- المبسوط - للطوسي - 68:2-69، الخلاف 189:4، المسألة 14.
7- المهذّب - للشيرازي - 245:2، العزيز شرح الوجيز 351:7، روضة الطالبين 329:5، و انظر: المغني 454:10، و الشرح الكبير 511:10.

القسمة، فلا شيء له إجماعا.

و إن كان بعد انقضاء الحرب و حيازة الغنيمة قبل القسمة، أسهم له، عندنا - و به قال أبو حنيفة(1) - لرواية حفص بن غياث أنّه سأل الصادق عليه السّلام عن الجيش إذا غزوا أرض الحرب فغنموا غنيمة ثم لحقهم جيش آخر قبل أن يخرجوا إلى دار الإسلام و لم يلقوا عدوّا حتى يخرجوا إلى دار الإسلام.

فهل يشاركونهم فيها؟ قال: «نعم»(2).

و لأنّهم اجتمعوا على الغنيمة في دار الحرب، فأسهم لهم، كما لو حضروا القتال.

و قال الشافعي: لا يسهم له - و به قال أحمد - لأنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله لم يقسّم لأبان بن سعيد بن العاص و أصحابه لمّا قدموا إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بخيبر بعد أن فتحها(3)(4).

و هي حكاية حال، فجاز أن يكونوا قد حضروا بعد القسمة.

مسألة 147: إذا لحق الأسير بالمسلمين، فإن كان بعد تقضّي الحرب و قسمة الغنيمة،

لم يسهم له إجماعا، لأنّ المدد لو لحقهم بعد القسمة لم يسهم له فكذا الأسير.

و إن لحق بهم بعد انقضاء الحرب فقاتل مع المسلمين، استحقّ السهم

ص: 251


1- بدائع الصنائع 121:7، العزيز شرح الوجيز 364:7، المغني 455:10، الشرح الكبير 481:10.
2- التهذيب 145:6-146-253، الاستبصار 2:3-1.
3- سنن أبي داود 73:3-2723، سنن سعيد بن منصور 285:2-2793.
4- المغني 455:10 و 456، الشرح الكبير 481:10 و 482، الامّ 146:4، المهذّب - للشيرازي - 247:2، العزيز شرح الوجيز 364:7، روضة الطالبين 5: 335.

عندنا، و هو قول العلماء لا نعلم فيه خلافا.

و إن لم يقاتل، أسهم له - و هو أحد قولي الشافعي(1) - لأنّه لو قاتل استحقّ السهم إجماعا، و كلّ من يستحقّ مع القتال يستحقّ مع عدمه إذا حضر الوقعة، كغير الأسير.

و قال أبو حنيفة: لا يسهم له - و هو ثاني الشافعي - لأنّه حضر ليتخلّص من القتل و الأسر لا للقتال، فأشبه المرأة(2).

و ينتقض بما لو قاتل، و لأنّ الاعتبار بالحضور مع كونه من أهل القتال، لا بالقتال.

و لو دخل [1] التجار أو الصنّاع مع المجاهدين دار الحرب كالبقّال و البيطار و الخيّاط و غيرهم من أتباع العسكر، فإن قصدوا الجهاد مع التجارة أو الصناعة، استحقّوا، و إن لم يقصدوا، فإن جاهدوا، استحقّوا، و إن لم يجاهدوا، قال الشيخ رحمه اللّه: لا يسهم لهم بحال(3) ، لأنّهم لم يدخلوا للجهاد و النبي صلّى اللّه عليه و آله قال: «الأعمال بالنيّات»(4).

و لو اشتبه الحال، قال الشيخ رحمه اللّه: الظاهر أنّه يسهم لهم [2]، لأنّهم7.

ص: 252


1- الامّ 146:4، مختصر المزني: 150، الحاوي الكبير 425:8، الوجيز 1: 292، العزيز شرح الوجيز 371:7، حلية العلماء 684:7، روضة الطالبين 340:5.
2- المبسوط - للسرخسي 46:10، الامّ 146:4، الوجيز 292:1، العزيز شرح الوجيز 371:7، مختصر المزني: 150، الحاوي الكبير 425:8، حلية العلماء 684:7.
3- المبسوط - للطوسي - 72:2.
4- صحيح البخاري 2:1، سنن أبي داود 262:2-2201، سنن ابن ماجة 2: 1413-4227، سنن البيهقي 215:1 و 341:7.

حضروا، و السهم يستحقّ بالحضور(1).

و للشافعي قولان: الإسهام و عدمه.

و اختلف أصحابه، فقال بعضهم: القولان فيما إذا لم يقاتلوا، و لو قاتلوا، استحقّوا قولا واحدا، كالأسير. و منهم من قال: القولان فيما إذا قاتلوا، و إن لم يقاتلوا لم يستحقّوا قولا واحدا. و منهم من قال: القولان في الصورتين(2).

و قال أبو حنيفة: إن قاتلوا، استحقّوا، و إن لم يقاتلوا، لم يستحقّوا(3).

مسألة 148: الجيش إذا خرج غازيا من بلد فبعث الإمام منه سريّة فغنمت السريّة، شاركهم الجيش،

و لو غنم الجيش، شاركتهم السريّة في غنيمته، و هو قول العلماء(4) كافّة إلاّ الحسن البصري، فإنّه حكي فيه أنّه قال: تنفرد السريّة بما غنمت(5).

و فعل النبي عليه السّلام حيث أشرك بين السريّة - التي بعثها قبل أوطاس فغنمت - و بين الجيش(6) يبطل قوله.

و لأنّه عليه السّلام كان ينفل في البداءة الربع و في الرجعة الثلث(7). و هو يدلّ

ص: 253


1- المبسوط - للطوسي - 72:2.
2- الامّ 146:4، مختصر المزني: 150، الحاوي الكبير 425:8، العزيز شرح الوجيز 370:7، حلية العلماء 684:7، روضة الطالبين 339:5.
3- بدائع الصنائع 126:7، الحاوي الكبير 425:8، الشرح الكبير 480:10.
4- المغني 485:10، الشرح الكبير 516:10.
5- الحاوي الكبير 427:8.
6- الحاوي الكبير 427:8، المغني 486:10، الشرح الكبير 516:10.
7- المستدرك - للحاكم - 133:2، سنن أبي داود 80:3-2750، سنن البيهقي 313:6، مسند أحمد 163:5-17015.

على اشتراكهم فيما سواه.

و قوله عليه السّلام: «الغنيمة لمن شهد الوقعة»(1) مسلّم، فإنّ المراد الحضور حقيقة أو حكما، كالمدد [1].

و لو بعث الإمام من الجيش سريّتين إلى جهة واحدة فغنمتا، اشترك الجيش و السريّتان إجماعا.

و لو اختلفت الجهة، قال الشيخ: اشترك الجميع(2) - و هو قول بعض الشافعيّة(3) - كما لو اتّفقت الجهة، و هما من جيش واحد، فاشتركوا.

و قال بعض الشافعيّة: لا تتشارك السريتان، و كلّ واحدة منهما مع الجيش كالجيش الواحد، فأمّا إحداهما مع الأخرى فكالمنفردتين لا تقاسم إحداهما الأخرى(4).

و لو بعث الإمام سريّة و هو مقيم ببلد الإسلام، فغنمت، اختصّت بالغنيمة إجماعا، و لا يشاركهم الإمام و لا جيشه. و كذا لو بعث جيشا و هو مقيم بالبلد، لم يشاركه، لأنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله كان يبعث السرايا و هو مقيم بالمدينة و لا يشاركهم [2] في الغنيمة(5).7.

ص: 254


1- أورده الماوردي في الحاوي الكبير 427:8، و القرطبي في الجامع لأحكام القرآن 16:8.
2- المبسوط - للطوسي - 73:2.
3- المهذّب - للشيرازي - 247:2، حلية العلماء 685:7، الحاوي الكبير 8: 428، العزيز شرح الوجيز 367:7، روضة الطالبين 338:5.
4- المهذّب - للشيرازي - 247:2، الحاوي الكبير 428:8، العزيز شرح الوجيز 7: 367-368، روضة الطالبين 338:5.
5- المهذّب - للشيرازي - 247:2، الحاوي الكبير 428:8، العزيز شرح الوجيز 367:7.

و لو بعث سريّتين و هو مقيم ببلد أو بعث جيشين، فكلّ واحد منهما مختصّ بما غنمه، لأنّ كلّ سرية انفردت بالغزو و الغنيمة، بخلاف ما لو بعث بالسريّتين [1] من الجيش الواحد، لأنّه ردء لكلّ واحدة منهما. و لو اجتمعت السريتان فغنمتا، كانتا جيشا واحدا.

و لو بعث لمصلحة الجيش رسولا أو دليلا أو طليعة أو جاسوسا فغنم الجيش قبل رجوعه إليهم ثمّ رجع إليهم، فالذي يقتضيه مذهبنا أنّه يسهم له، لأنّ القتال ليس شرطا - و هو أحد وجهي الشافعيّة [1](1) - لأنّه كان في مصلحتهم، و خاطر بنفسه بما هو أكثر من الثبات في الصفّ، فشارك.

و الثاني: لا يسهم له، لأنّه لم يحضر الاغتنام(2).

و لو غنم أهل الكتاب، نظر، فإن كان الإمام أذن لهم في الدخول إلى دار الحرب، فالحكم على ما شرطه، و إن لم يأذن، فغنيمتهم للإمام، عندنا.

و قال الشافعي: ينزعه [3] منهم و يرضخ لهم. و له قول آخر: إنّه يقرّهم عليه، كما لو غلب بعض المشركين على بعض(3).

قال ابن الجنيد: إذا وقع النفير فخرج أهل المدينة متقاطرون فانهزم العدوّ و غنم أوائل المسلمين، كان كلّ من خرج أو تهيّأ للخروج و أقام في المدينة من المقاتلة لحراستها من مكيدة العدوّ شركاء في الغنيمة.7.

ص: 255


1- حلية العلماء 685:7، العزيز شرح الوجيز 368:7، روضة الطالبين 5: 338.
2- حلية العلماء 685:7، العزيز شرح الوجيز 368:7، روضة الطالبين 5: 338.
3- حلية العلماء 683:7.

و كذا لو حاصرهم العدوّ فباشر حربه بعض أهل المدينة إلى أن ظفروا و غنموه إذا كانوا مشتركين في المعونة لهم و الحفظ للمدينة و أهلها، فإن كان الذين هزموا العدوّ قد لقوه [1] على ثمان فراسخ من المدينة فقاتلوه و غنموه، كانت الغنيمة لهم دون من كان في المدينة، الذين لم يعاونوهم خارجها.

مسألة 149: اختلف علماؤنا في أولويّة موضع القسمة،

فقال الشيخ رحمه اللّه: تستحبّ القسمة في أرض العدوّ، و يكره تأخيرها إلاّ لعذر من خوف المشركين أو الكمين [2] في الطريق أو قلّة علف أو انقطاع ميرة(1).

و قال ابن الجنيد: الاختيار إلينا أن لا نقسّم إلاّ بعد الخروج من دار الحرب.

و بجواز القسمة في دار الحرب قال مالك و الأوزاعي و الشافعي و أحمد و أبو ثور و ابن المنذر(2) ، لما رواه العامّة عن أبي إسحاق الفزاري [3]، قال:

قلت للأوزاعي: هل قسّم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله شيئا من الغنائم بالمدينة ؟ قال:

لا أعلمه إنّما كان الناس يبيعون [4] غنائمهم و يقسّمونها في أرض عدوّهم،

ص: 256


1- المبسوط - للطوسي - 35:2.
2- المدوّنة الكبرى 12:2، المنتقى - للباجي - 176:3، الامّ 140:4، المهذّب - للشيرازي - 245:2، حلية العلماء 686:7، العزيز شرح الوجيز 363:7.

و لم يقفل [1] رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عن غزاة قطّ أصاب فيها غنيمة إلاّ خمّسه و قسّمه من قبل أن يقفل، من ذلك غزاة بني المصطلق و هوازن و خيبر(1).

و من طريق الخاصّة: قول الشيخ رحمه اللّه: إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قسّم غنائم بدر بشعب من شعاب الصفراء قريب من بدر، و كان ذلك دار حرب(2).

و لأنّ كلّ موضع جاز فيه الاغتنام جازت فيه القسمة، كدار الإسلام.

و قال أصحاب الرأي: لا يقسّم إلاّ في دار الإسلام، لأنّ الملك لا يتمّ عليها إلاّ بالاستيلاء التامّ، و لا يحصل ذلك إلاّ بإحرازها في دار الإسلام(3).

و نمنع الكبرى.

و لو قسّمت، قال: أساء القاسم و جازت قسمته، لأنّها مسألة اجتهاديّة ينفذ [2] حكم الحاكم فيها إذا وافق قول بعض المجتهدين(4).

و احتجاج ابن الجنيد من علمائنا - بأنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إنّما قسّم غنائم حنين [3] و الطائف بعد خروجه من ديارهم [4] إلى الجعرانة(5) - لا يدلّ على مطلوبه، لأنّها حكاية حال، فجاز وقوعها لعذر.3.

ص: 257


1- المغني 459:10، الشرح الكبير 479:10.
2- المبسوط - للطوسي - 35:2
3- بدائع الصنائع 121:7، المغني 458:10، الشرح الكبير 479:10، حلية العلماء 686:7.
4- بدائع الصنائع 121:7، المغني 458:10، الشرح الكبير 479:10، حلية العلماء 686:7.
5- المغازي - للواقدي - 944:3، السيرة النبويّة - لابن هشام - 135:4، المنتظم 338:3.

قال ابن الجنيد: و لو صارت دار أهل الحرب دار ذمّة تجري فيها أحكام المسلمين فأراد الوالي قسمتها مكانه، فعل، كما قسّم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بعض غنائم خيبر قبل أن يرحل عنهم(1).

قال: و لو غزا المشركون المسلمين فهزمهم المسلمون و غنموهم، قسّموا غنائمهم مكانهم إن اختاروا ذلك قبل إدخالها المدن. و لو كان المشركون بادية أو متنقّلة و لا دار لهم فغزاهم المسلمون فغنموهم، كان قسمتها إلى الوالي إن شاء قسّمها مكانه، و إن شاء قسّم بعضها و أخّر بعضها [1]، كما قسّم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله المغنم بخيبر(2).

مسألة 150: يكره للإمام أن يقيم الحدّ في أرض العدوّ، بل يؤخّره حتى يعود إلى دار الإسلام

ثمّ يقيم عليه الحدّ - و به قال أبو حنيفة و أحمد(3) - لئلاّ تحمل المحدود الغيرة فيدخل إلى دار الحرب.

و قال الشافعي و مالك: لا يؤخّره، و لا يسقط عنه الحدّ، سواء كان الإمام مع العسكر أو لا(4).

و إن رأى الوالي في تقديم الحدّ مصلحة، قدمه سواء كان مستحقّ الحدّ أسيرا، أو أسلم فيهم و لم يخرج إلينا، أو خرج من عندنا لتجارة و غيرها.

أمّا لو قتل مسلما فإنّه يقتصّ منه في دار الحرب - و به قال الشافعي

ص: 258


1- المغازي - للواقدي - 689:2، السيرة النبويّة - لابن هشام - 363:3، المنتظم 294:3.
2- نفس المصادر في الهامش (1).
3- الحاوي الكبير 210:14، المغني 528:10، حلية العلماء 671:7، مختصر اختلاف العلماء 473:3-1627.
4- الحاوي الكبير 210:14، المغني 528:10، حلية العلماء 671:7، مختصر اختلاف العلماء 473:3-1627.

و مالك [1] و أحمد(1) - لعموم الأمر بالحدّ و القصاص. و لأنّ المقتضي لإيجاب القصاص موجود، و المانع من التقديم - و هو خوف اللحاق بالعدوّ - مفقود. و لأنّ كلّ موضع حرم فيه الزنا وجب فيه حدّ الزنا، كدار الإسلام.

و قال أبو حنيفة: لا يجب عليه القصاص و لا الحدّ إلاّ أن يكون معه إمام أو نائب عن الإمام، لأنّه مع غيبة الإمام و نائبه لا يد للإمام عليه، فلا يجب عليه الحدّ بالزنا، كالحربيّ(2).

و نمنع من ثبوت حكم الأصل، و يفرق بأنّ الحربيّ غير ملتزم بأحكام الإسلام، بخلاف المسلم.

مسألة 151: المشركون لا يملكون أموال المسلمين بالاستغنام،

فلو غنموا ثمّ ظفر بهم المسلمون فأخذوا منهم ما كانوا أخذوا منهم، فإنّ الأولاد تردّ إليهم بعد إقامة البيّنة، و لا يسترقّون إجماعا.

و أمّا العبيد و الأموال: فإن أقام أربابها البيّنة بها قبل القسمة، ردّت عليهم بأعيانها، و لا يغرم الإمام للمقاتلة شيئا في قول عامّة أهل العلم(3) ، خلافا للزهري و عمرو بن دينار، فإنّهما احتجّا: بأنّ الكفّار ملكوه باستيلائهم فصار غنيمة، كسائر أموالهم(4).

و هو خطأ، فإنّا بيّنّا أن الكفّار لا يملكون مال المسلم بالاستغنام.

و إن جاءوا بالبيّنة بعد القسمة، فلعلمائنا قولان:

أحدهما: أنّه يردّ على أربابه، و يرد الإمام قيمة ذلك للمقاتلة من

ص: 259


1- مختصر المزني: 272، الحاوي الكبير 210:14، المهذّب - للشيرازي - 2: 242، حلية العلماء 671:7.
2- الحاوي الكبير 210:14، حلية العلماء 671:7.
3- المغني 471:10، الشرح الكبير 469:10.
4- المغني 471:10، الشرح الكبير 469:10.

بيت المال. اختاره الشيخ(1) - و به قال أبو بكر و ابن عمر و سعد بن أبي وقّاص و ربيعة و الشافعي و ابن المنذر(2) - لما رواه العامة عن ابن عمر أنّه ذهب فرس له فأخذها العدوّ فظهر عليه المسلمون، فردّ عليه في زمن النبي صلّى اللّه عليه و آله(3).

و من طريق الخاصّة: ما رواه هشام بن سالم - في الصحيح - أنّه سأل الصادق عليه السّلام عن الترك يغيرون على المسلمين فيأخذون أولادهم فيسرقون منهم أ يردّ عليهم ؟ قال: «نعم، و المسلم أخو المسلم، و المسلم أحقّ بماله أينما وجده»(4) الثاني: أنّه يكون للمقاتلة، و يعطي الإمام أربابها أثمانها من بيت مال المسلمين. و هو قول للشيخ(5) أيضا، و به قال أبو حنيفة و الثوري و الأوزاعي و مالك و أحمد في رواية. و في أخرى: لا حقّ لصاحبه فيه بحال. و نقله العامّة عن علي عليه السّلام و عمر و الليث و عطاء و النخعي(6).

احتجّ الشيخ بما رواه هشام بن سالم عن بعض أصحاب الصادق عليه السّلام3.

ص: 260


1- المبسوط - للطوسي - 26:2، الخلاف 523:5، المسألة 10.
2- المغني 472:10، الشرح الكبير 470:10، مختصر المزني: 273، الحاوي الكبير 216:14، العزيز شرح الوجيز 485:11، و انظر: الخلاف 523:5، المسألة 10.
3- سنن أبي داود 64:3-65-2698، و عنه في المغني 471:10، و الشرح الكبير 469:10.
4- التهذيب 159:6-160-288، الإستبصار 4:3-7.
5- النهاية: 295.
6- المغني 471:10-472، الشرح الكبير 469:10-470، المبسوط - للسرخسي - 54:10، بدائع الصنائع 122:7، المدوّنة الكبرى 14:2، بداية المجتهد 398:1، المنتقى - للباجي - 185:3.

في السبي يأخذ العدوّ من المسلمين في القتل من أولاد المسلمين [أو من مماليكهم] فيحوزونه، ثمّ إنّ المسلمين بعد قاتلوهم فظفروا بهم فسبوهم و أخذوا منهم ما أخذوا من مماليك المسلمين و أولادهم الذين أخذوهم من المسلمين فكيف يصنع فيما كانوا أخذوه من أولاد المسلمين و مماليكهم ؟ قال: فقال: «أما أولاد المسلمين فلا يقام في سهام المسلمين و لكن يردّ إلى أبيه أو إلى أخيه أو إلى امّه بشهود، و أمّا المماليك فإنّهم يقامون في سهام المسلمين فيباعون، و يعطى مواليهم قيمة أثمانهم من بيت المال»(1).

و هو مرسل [1]، و روايتنا أصحّ طريقا.

و احتجّ أبو حنيفة بما رواه ابن عباس أنّ رجلا وجد بعيرا [له] [2] كان المشركون أصابوه، فقال له النبي صلّى اللّه عليه و آله: «إن أصبته قبل أن نقسمه فهو لك، و إن أصبته بعد ما قسم أخذته بالقيمة»(2).

و هو معارض بما رويناه من طريق [3] العامّة(3).

و لو أخذ المال أحد الرعيّة نهبة [4] أو سرقة أو بغير شيء، فصاحبه أحقّ به بغير شيء - و به قال الشافعي و أحمد(4) - لما رواه العامّة: أنّ قوما أغاروا على سرح النبي صلّى اللّه عليه و آله، فأخذوا ناقته و جارية من الأنصار، فأقامت0.

ص: 261


1- التهذيب 159:6-287، الاستبصار 4:3-5-8 بتفاوت في بعض الألفاظ. و ما بين المعقوفين من المصدر.
2- المغني 471:10، الشرح الكبير 469:10-470.
3- تقدّم في ص 260، و كذا الإشارة إلى مصادره في الهامش (3).
4- الحاوي الكبير 216:14، المغني 473:10، الشرح الكبير 471:10.

عندهم أيّاما ثمّ خرجت في بعض الليل، قالت: فما وضعت يدي على ناقة إلاّ رغت [1] حتى وضعتها على ناقة ذلول فامتطيتها ثمّ توجّهت إلى المدينة و نذرت إن نجّاني اللّه عليها أن أذبحها، فلمّا قدمت المدينة استعرفت الناقة فإذا هي ناقة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، فأخذها، فقلت: يا رسول اللّه إنّي نذرت أن أنحرها، فقال: «بئس ما جازيتيها [2]، لا نذر في معصية اللّه»(1).

و قال أبو حنيفة: لا يأخذه إلاّ بالقيمة، لأنّه صار ملك الواحد بعينه، فأشبه ما لم قسم(2). و نمنع الصغرى.

و لو اشتراه المسلم من العدوّ، بطل الشراء، و كان لصاحبه أخذه بغير شيء، لأنّ المشرك لا يملك مال المسلم بالاستغنام.

و قال أحمد: ليس لصاحبه أخذه إلاّ بثمنه، لرواية عن عمر(3).

و ليست حجّة.

و لو أبق عبد لمسلم [3] إلى دار الحرب فأخذوه، لم يملكوه بأخذه - و به قال الشافعي و أبو حنيفة(4) - لما تقدّم [4].0.

ص: 262


1- المغني 473:10، الشرح الكبير 471:10 نقلا عن صحيح مسلم 1262:3 - 1263 ذيل الحديث 1641، و مسند أحمد 594:5 و 599-600، ذيل الحديث 19362 و 19393.
2- المغني 473:10، الشرح الكبير 471:10.
3- المغني 473:10، الشرح الكبير 471:10-472.
4- الامّ 254:4، النتف 727:2-728، المبسوط - للسرخسي - 55:10، بدائع الصنائع 128:7، المغني 477:10، الشرح الكبير 475:10.

و قال مالك و أحمد و أبو يوسف و محمد: يملكونه(1).

و لو أسلم المشرك الذي في يده مال المسلم، أخذ منه بغير قيمة.

و لو دخل مسلم دار الحرب فسرقه أو نهبه أو اشتراه ثمّ أخرجه إلى دار الإسلام، فصاحبه أحقّ به، و لا تلزمه قيمة، و لو [1] أعتقه من هو في يده أو تصرّف فيه ببيع أو غيره، كان باطلا.

و لو غنم المسلمون من المشركين شيئا عليه علامة المسلمين فلم يعلم صاحبه، فهو غنيمة بناء على ظاهر الحكم باليد، و به قال الثوري و الأوزاعي(2).

و قال الشافعي: يوقف حتى يجيء صاحبه(3).

و لو وجد شيء موسوم عليه: حبس في سبيل اللّه، قال الثوري:

يقسم ما لم يأت صاحبه(4).

و قال الشافعي: يردّ كما كان، لأنّه قد عرف مصرفه - و هو الحبس - فهو بمنزلة ما لو عرف صاحبه(5).

و لو أصيب غلام في بلاد الشرك فقال: أنا لفلان من بلاد المسلمين [2]، ففي قبول قوله من غير بيّنة نظر. و كذا البحث لو اعترف المشرك بما في يده لمسلم. لكنّ الوجه هنا القبول قبل الاستغنام.

و لو كان في يد مسلم مال مستأجر أو مستعار من مسلم ثمّ وجده المستأجر أو المستعير، كان له المطالبة به قبل القسمة و بعدها، لأنّ ملك0.

ص: 263


1- المدوّنة الكبرى 15:2، بدائع الصنائع 128:7، المبسوط - للسرخسي - 10: 55، المغني 477:10، الشرح الكبير 475:10.
2- المغني 474:10، الشرح الكبير 472:10.
3- المغني 474:10، الشرح الكبير 472:10.
4- المغني 474:10، الشرح الكبير 472:10.
5- المغني 474:10، الشرح الكبير 472:10.

المسلم لا يزول بالاستغنام، فلا تزول توابعه.

و قال أبو حنيفة: ليس له الأخذ، لأنّه لا حقّ له في العين لا ملكا و لا يدا، بل حقّه في الحفظ و قد بطل بخروجه [1] عن ملك صاحبه(1). و هو ممنوع.

و لو دخل حربيّ دار الإسلام بأمان فاشترى عبدا مسلما ثمّ لحق بدار الحرب فغنمه [2] المسلمون، كان باقيا على ملك البائع، لفساد البيع، فيردّ على المالك، و يردّ المسلم عليه الثمن الذي أخذه، لأنّه في أمان. و لو تلف العبد، كان للسيّد القيمة، و عليه ردّ ثمنه، و يترادّان الفضل.

و لو أسلم الحربيّ في دار الحرب و له مال و عقار، أو دخل مسلم دار الحرب و اشترى بها عقارا أو مالا ثمّ غزاهم المسلمون فظهروا على ماله و عقاره، لم يملكوه، و كان باقيا عليه إن كان المال ممّا ينقل و يحوّل، و أمّا العقار فإنّه غنيمة، و به قال الشافعي و مالك و أحمد في غير العقار، و قالوا في العقار: إنّه كغيره، لأنّه مال مسلم، فلا يجوز اغتنامه، كما لو كان في دار الإسلام(2).

و قال أبو حنيفة: العقار يغنم، و أمّا غيره فإن كان في يده أو يد مسلم أو ذمّيّ، لم يغنم، و إن كان في يد حربيّ، غنم(3).

مسألة 152: لو فرّ المسلمون 3 من الزحف قبل القسمة، لم يكن لهم 4

ص: 264


1- انظر: الهداية - للمرغيناني - 145:2.
2- الام 278:4، المغني 469:10، الهداية - للمرغيناني - 145:2، النتف 729:2.
3- الهداية - للمرغيناني - 144:2-145، المغني 469:10.

نصيب في الغنيمة ما لم يعودوا قبل القسمة، لأنّهم عصوا بالفرار، و تركوا الدفع عنها.

و لو فروا بعد القسمة، لم يؤثر في ملكهم الحاصل بالقسمة، لأنهم ملكوا ما حازوا بالقسمة، فلا يزول ملكهم بالهرب.

و لو هربوا قبل القسمة فذكروا أنّهم ولّوا متحرّفين لقتال أو متحيّزين إلى فئة، فالوجه: أنّ لهم سهامهم فيما غنم قبل الفرار و لا شيء لهم فيما غنم بعده ما لم يلحقوا القسمة.

و الأجير على القتال يستحق الأجرة بالعقد و السهم بالحضور. و لو حضر المستأجر أيضا، استحقّ هو أيضا.

و عن أحمد روايتان: إحداهما هذا، و الأخرى: أنّه لا يسهم للأجير، لأنّ غزوة بعوض، فكأنّه واقع من غيره، فلا يستحقّ شيئا(1).

و ينتقض بالمرصد للقتال.

و الأجير على العمل إن كان في الذمّة كأن يستأجره لخياطة ثوب أو غيره في ذمّته، فإذا حضر الأجير الوقعة، استحقّ السهم إجماعا، لأنّه حضر الوقعة و هو من أهل القتال، و إنّما في ذمّته حقّ لغيره، فلا يمنعه من استحقاق السهم، كما لو كان عليه دين.

و إن كان قد استأجره مدّة معلومة لخدمة أو لغيرها، فإن خرج بإذن المستأجر، استحقّ السهم بالحضور، و إلاّ فلا، لأنّه عاص بالجهاد، فلا يستحقّ سهما، اللّهم إلاّ أن يتعيّن عليه فإنّه يستحق السهم.

إذا ثبت هذا، فإنّ السهم يملكه في الصورة التي قلنا باستحقاقه لها، ليس للمؤجر عليه سبيل.4.

ص: 265


1- المغني 520:10-521، الشرح الكبير 513:10-514.

و للشافعي في الثاني [1] ثلاثة أقوال:

أحدها: أنّه يستحقّ السهم، لقول النبي عليه السّلام: «الغنيمة لمن شهد الوقعة»(1).

و لأنّ الأجرة تستحقّ بالمنفعة و السهم بحضور الوقعة و قد وجد.

الثاني: أنّه يرضخ له و لا يسهم، لأنّه قد حضر الوقعة مستحقّ المنفعة، فلا يسهم له، كالعبد.

الثالث: يخيّر الأجير بين ترك الأجرة و الإسهام و بين العكس، لأنّ كلّ واحد من الأجرة و السهم يستحقّ بمنافعه، و لا يجوز أن يستحقّهما لمعنى واحد، فأيّهما طلب استحقّه(2).

قال: و تكون الأجرة - التي يخيّر بينها و بين السهم - الأجرة التي تقابل مدّة القتال، و يخيّر قبل القتال و بعده، أمّا قبل القتال فيقال له: إن أردت الجهاد فاقصده و اطرح الأجرة، و إن أردت الأجرة فاطرح الجهاد، و يقال بعد القتال: إن قصدت الجهاد، أسهم لك و تركت الأجرة، و إن كنت قصدت الخدمة، أعطيت الأجرة دون الغنيمة(3).

و لو استؤجر للخدمة في الغزو أو أكرى دوابّه له و خرج معها و شهد الوقعة، استحقّ السهم - و به قال الليث و مالك و ابن المنذر(4) - لقوله عليه السّلام:

«الغنيمة لمن شهد الوقعة»(5).8.

ص: 266


1- الجامع لأحكام القرآن 16:8.
2- المهذّب - للشيرازي - 247:2، روضة الطالبين 338:5، الوجيز 291:1، العزيز شرح الوجيز 368:7-369.
3- العزيز شرح الوجيز 369:7، روضة الطالبين 339:5.
4- المغني 521:10، الشرح الكبير 514:10.
5- الجامع لأحكام القرآن 16:8.

و قال الأوزاعي و إسحاق: لا يسهم له(1).

و عن أحمد روايتان(2).

و لو آجر نفسه لحفظ الغنيمة أو سوق الدوابّ التي من المغنم، أو رعيها، جاز، و حلّت له الأجرة، و لا يجوز له ركوب دوابّ الغنيمة إلاّ أن يشرطه في الإجارة.

و لو دفع إلى المؤجر فرسا ليغزو عليها، لم يملكها بذلك، لأصالة بقاء الملك على صاحبه.

و قال أحمد: يملكها به(3). و ليس جيّدا.

مسألة 153: لو اشترى المسلم أسيرا من يد 1 العدوّ،

فإن كان بإذنه، دفع ما أدّاه المشتري إلى البائع إجماعا، لأنّه أدّاه بإذنه، فصار نائبا عنه في الشراء، و وكيلا في ابتياع نفسه.

و إن اشتراه بغير إذنه، لم يجب على الأسير دفع الثمن إلى المشتري - و به قال الثوري و الشافعي و ابن المنذر(4) - لأنّه متبرّع.

و قال مالك: يجب دفع الثمن كالأوّل - و به قال الحسن البصري و النخعي و الزهري و أحمد - لأنّ عمر قال في حديث: و أيّما حرّ اشتراه التجّار فإنّه تردّ إليهم رءوس أموالهم، فإنّ الحرّ لا يباع و لا يشترى. فحكم للتجّار برءوس أموالهم(5).

و هو محمول على إذنهم.

ص: 267


1- المغني 520:10، الشرح الكبير 513:10.
2- المغني 520:10-521، الشرح الكبير 513:10-514.
3- المغني 391:10، الشرح الكبير 456:10.
4- المغني 488:10، الشرح الكبير 562:10.
5- المغني 488:10، الشرح الكبير 562:10.

فلو أذن له في الشراء و أداء الثمن ثمّ اختلفا في قدره، فالقول قول الأسير - و به قال الشافعي(1) - لأنّه منكر.

و قال الأوزاعي: يقدّم قول المشتري، لأنّهما اختلفا في فعله و هو أعلم به(2).

و هو ممنوع، و إنّما اختلفا في القدر المأذون فيه، و هو فعل الأسير، فهو أعلم به.

مسألة 154: إذا استولى أهل الحرب على أهل الذمّة فسبوهم و أخذوا أموالهم ثمّ قدر عليهم المسلمون،

وجب ردّهم إلى ذمّتهم، و لا يجوز استرقاقهم إجماعا، لأنّهم لم ينقضوا ذمّتهم، فكانوا على أصل الحرّيّة، و أموالهم كأموال المسلمين.

قال علي عليه السّلام: «إنّما بذلوا الجزية لتكون دماؤهم كدمائنا و أموالهم كأموالنا»(3).

فمتى علم صاحبها قبل القسمة وجب ردّها إليه، و إن علم بعدها، فعلى ما تقدّم من الخلاف في أموال المسلمين.

و هل يجب فداؤهم ؟ قال بعض العامّة: نعم يجب مطلقا، سواء كانوا في معونتنا أو لم يكونوا - و هو قول عمر بن عبد العزيز و الليث - لأنّا التزمنا حفظهم لمعاهدتهم و أخذ الجزية منهم، فلزمنا القتال عنهم، فإذا عجزنا عن ذلك و أمكننا تخليصهم بالفدية، وجب، كمن يحرم عليه إتلاف شيء فيتلفه فإنّه يغرمه(4).

ص: 268


1- المغني 488:10، الشرح الكبير 562:10.
2- المغني 488:10، الشرح الكبير 562:10.
3- أورده ابن قدامة في المغني 489:10.
4- المغني 489:10، الشرح الكبير 563:10.

و قال قوم منهم: لا يجب فداؤهم إلاّ أن يكون الإمام قد استعان بهم في قتاله فسبوا، لأنّه سبب في أسرهم(1).

و إنّما يثبت ما ذكرناه لو كانوا على شرائط الذمة، و لو لم يكونوا، استرقّوا بالسبي، كالحربي.

و يجب فداء الأسارى من المسلمين مع المكنة.

قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: «أطعموا الجائع، و عودوا المريض، و فكّوا العاني»(2).

و فادى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله رجلين من المسلمين برجل أخذه من بني عقيل(3).

البحث السادس: في أقسام الغزاة.
اشارة

الغزاة ضربان:

مطوّعة،

و هم الذين إذا نشطوا غزوا، و إن لم ينشطوا قعدوا لمعايشهم، فهؤلاء لهم سهم الصدقات، إذا غنموا في دار الحرب شاركوا الغانمين و أسهم لهم.

و الثاني: من أرصد نفسه للجهاد،
اشارة

فهؤلاء لهم من الغنيمة أربعة الأخماس، و يجوز عندنا أن يعطوا أيضا من الصدقة من سهم ابن السبيل.

ص: 269


1- المغني 489:10، الشرح الكبير 563:10.
2- صحيح البخاري 87:7، سنن أبي داود 187:3-3105، سنن البيهقي 3: 379 و 3:10، المغني 490:10.
3- المغني 490:10، الشرح الكبير 563:10.
مسألة 155: ينبغي للإمام أن يتّخذ الديوان

- و هو الدفتر الذي فيه أسماء القبائل قبيلة قبيلة - و يكتب عطاياهم، و يجعل لكلّ قبيلة عريفا، و يجعل لهم علامة بينهم و يعقد لهم ألوية، لأنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله عرّف عام خيبر على كلّ عشرة عريفا(1) ، و جعل يوم فتح مكّة للمهاجرين شعارا، و للأوس شعارا، و للخزرج شعارا(2) ، امتثالا لقوله تعالى وَ جَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَ قَبائِلَ لِتَعارَفُوا (3).

فإذا أراد الإمام القسمة، قدّم الأقرب إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فالأقرب، فيقدّم بني هاشم على بني المطّلب، و بني عبد شمس على بني نوفل، لأنّ عبد شمس أخو هاشم من الأبوين، و نوفل أخوه من الأب، ثمّ يسوّي بين عبد العزّى و عبد الدار، لأنّهما أخوا عبد مناف، فإن استووا في القرب، قدّم أقدمهم هجرة، فإن تساووا، قدّم الأسنّ.

فإذا فرغ من عطايا أقارب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، بدأ بالأنصار، و قدمهم على جميع العرب، فإذا فرغ من الأنصار، بدأ بالعرب، فإذا فرغ من العرب، قسّم على العجم، و ليس ذلك فرضا.

مسألة 156: قال الشيخ رحمه اللّه: ذرّيّة المجاهدين إذا كانوا أحياء يعطون على ما تقدّم،

فإذا مات المجاهد أو قتل و ترك ذرّيّة أو امرأة، فإنّهم يعطون كفايتهم من بيت المال من الغنيمة، فإذا بلغوا، فإن أرصدوا نفوسهم للجهاد، كانوا بحكمهم، و إن اختاروا غيره، خيّروا ما يختارونه، و تسقط مراعاتهم، و هكذا حكم المرأة لا شيء لها(4).

ص: 270


1- المهذّب - للشيرازي - 249:2، الأمّ 158:4، و فيه: عام حنين.
2- المغازي - للواقدي - 819:2-821، الامّ 158:4.
3- الحجرات: 13.
4- المبسوط - للطوسي - 73:2.

و للشافعي في إعطاء الذرّيّة و النساء بعد موته قولان:

أحدهما: أنّهم يعطون، لأنّه إذا لم يعط ذرّيّة بعده لم يجرّد نفسه للقتال، فإنّه يخاف على ذرّيّته الضياع، لأنّا لا نعطيه إلاّ ما يكفيه، لا ما يدّخره لهم.

و الثاني: أنّهم لا يعطون، لأنّا إنّما نعطيهم تبعا للمجاهدين، لا أنّهم من أهل الجهاد، فإذا مات، انتفت تبعيّتهم للمجاهدين، فلم يستحقّوا شيئا من الفيء(1).

مسألة 157: و يحصي الإمام المقاتلة و هم بالغوا الحلم،

فيحصي فرسانهم و رجالهم ليوفر عليهم على قدر كفايتهم، و يحصي الذريّة و هم من لم يبلغ الحلم، و يحصي النساء، ليعلم قدر كفايتهم.

قال ابن عمر: عرضت على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يوم أحد و أنا ابن أربع عشرة سنة، و عرضت عليه يوم الخندق و أنا ابن خمس عشرة سنة، فأجازني(2).

و يقسّم عليهم في السنة مرّة واحدة، لأنّ الجزية و الخراج و مستغل الأراضي التي انجلى عنها المشركون إنّما تكون في السنة مرّة واحدة، فكذلك القسمة.

و يعطي المولود، و تحسب مئونته من كفاية أبيه إلاّ أنّه يفرده بالعطاء، و كلّما زادت سنّة زاد في عطاء أبيه.

و يعطي كلّ قوم منهم قدر كفايتهم بالنسبة إلى بلدهم، لاختلاف

ص: 271


1- المهذّب - للشيرازي - 250:2، روضة الطالبين 323:5، حلية العلماء 7: 692، الحاوي الكبير 450:8، الوجيز 289:1، العزيز شرح الوجيز 341:7.
2- الامّ 156:4، المغني 445:10، الشرح الكبير 498:10.

الأسعار في البلدان. و يجوز أن يفضّل بعضهم على بعض في العطاء من سهم سبيل اللّه و ابن السبيل لا من الغنيمة.

و نقل العامّة عن عليّ عليه السلام أنّه سوّى بينهم في العطاء، و أخرج العبيد فلم يعطهم شيئا، لأنّهم استووا في سبب الاستحقاق - و هو نصب أنفسهم للجهاد - فصاروا بمنزلة الغانمين(1).

قال الشيخ رحمه اللّه: و ليس للأعراب من الغنيمة شيء(2) ، على ما تقدّم(3). و اختاره الشافعي(4) أيضا.

و يجب على من استنهضه الإمام للجهاد النفور معه على ما تقدّم(5).

مسألة 158: إذا مرض واحد من أهل الجهاد، فإن لم يخرج به عن كونه من أهل الجهاد

- كالحمّى و الصداع - لا يسقط عطاؤه، لأنّه كالصحيح.

و إن كان مرضا لا يرجى زواله - كالزمن و الفلج - خرج به عن المقاتلة، و كان حكمه حكم الذرّيّة في العطاء و سقوطه، و قد تقدّم(6).

و لو مات المجاهد بعد حئول الحول و استحقاق السهم، كان لوارثه المطالبة بسهمه، قاله الشيخ(7) رحمه اللّه، لأنّه استحقّه بحؤول الحول، و المجاهدون معيّنون، بخلاف الفقراء، فإنّهم غير معيّنين، فلا يستحقّون بحؤول الحول، و للإمام أن يصرف إلى من شاء منهم، بخلاف المجاهدين.

ص: 272


1- الام 155:4، الحاوي الكبير 477:8.
2- المبسوط - للطوسي - 74:2، النهاية: 299.
3- تقدّم في ص 234، المسألة 133.
4- الامّ 154:4، الحاوي الكبير 477:8.
5- تقدّم في ص 9.
6- تقدّم في ص 246.
7- المبسوط - للطوسي - 73:2-74.

و للشافعي قول آخر: إنّه إنّما يستحقّ بعد موته إذا صار المال إلى يد الوالي، لأنّ الاستحقاق إنّما هو بحصول المال لا بمضي الزمان(1).

مسألة 159: قال الشيخ رحمه اللّه: ما يحتاج الكراع و آلات الحرب إليه يؤخذ من بيت المال

من مال [1] المصالح، و كذا رزق الحكّام و ولاة الأحداث و الصلاة و غيره من وجوه الولايات و المصالح يخرج من ارتفاع الأراضي المفتوحة عنوة و من سهم سبيل اللّه، و من جملة ذلك ما يلزمه فيما يخصّه من الأنفال و الفيء، و هي جنايات من لا عقل له، ودية من لا يعرف قاتله و غير ذلك ممّا نقول: إنّه يلزم بيت المال(2).

و لو أهدى المشرك إلى الإمام أو إلى رجل من المسلمين هديّة و الحرب قائمة، قال الشافعي: تكون غنيمة، لأنّه إنّما أهدى ذلك من خوف الجيش، و إن أهدى إليه قبل أن يرتحلوا من دار الإسلام، لم تكن غنيمة و انفرد بها(3).

و قال أبو حنيفة: تكون للمهدي إليه على كلّ حال. و هو رواية عن أحمد(4).

ص: 273


1- الامّ 156:4، مختصر المزني: 152، الحاوي الكبير 454:8.
2- المبسوط - للطوسي - 75:2.
3- الحاوي الكبير 223:14، العزيز شرح الوجيز 425:11 و 487، روضة الطالبين 458:7 و 485، المغني 556:10، الشرح الكبير 529:10.
4- العزيز شرح الوجيز 425:11 و 488، المغني 556:10، الشرح الكبير 10: 529.

ص: 274

الفصل الخامس: في أحكام أهل الذمّة

اشارة

و فيه مباحث:

الأوّل: في وجوب الجزية و من تؤخذ منه.
مسألة 160: الجزية هي المال المأخوذ من أهل الكتاب لإقامتهم بدار الإسلام،

في كلّ عام.

و هي واجبة بالنصّ و الإجماع.

قال اللّه تعالى حَتّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ (1).

و ما رواه العامّة عن النبي صلّى اللّه عليه و آله في وصيّة من يبعثه أميرا على سريّة أو جيش: «.. فإن أبوا فادعهم إلى إعطاء الجزية»(2).

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السّلام: «.. فإن أبوا هاتين فادعهم إلى إعطاء الجزية»(3).

و لا خلاف بين المسلمين في ذلك.

إذا عرفت هذا، فعقد الجزية أن يقول الإمام أو نائبه: أقررتكم بشرط الجزية و الاستسلام. و يذكر مقدار الجزية، فيقول الذمّي: قبلت، أو:

رضيت، و شبهه.

ص: 275


1- التوبة: 29.
2- سنن أبي داود 37:3-2612، مسند أحمد 483:6-22469، المغني 10: 557-558، الشرح الكبير 576:10.
3- الكافي 29:5-8، التهذيب 139:6-232.

و قال بعض الشافعيّة: لا يجب ذكر مقدار الجزية لكن ينزل على الأقلّ(1).

و قيل: لا يجب ذكر الاستسلام، نعم يجب ذكر كفّ اللسان عن اللّه تعالى و رسوله(2).

و في صحته مؤقتا قولان(3).

و لو قال: أقررتكم ما شئت أنا، فقولان قريبان [1]، و أولى بالجواز.

و لو قال: ما شئتم، صحّ، لأنّ عقد الجزية غير لازم من جانب الكفّار، فإنّ لهم الالتحاق بدارهم متى شاءوا.

مسألة 161: و يعقد الجزية لكلّ كتابيّ عاقل بالغ ذكر.

و نعني بالكتابي من له كتاب حقيقة، و هم اليهود و النصارى، و من له شبهة كتاب، و هم المجوس، فتؤخذ الجزية من هؤلاء الأصناف الثلاثة بإجماع علماء الإسلام قديما و حديثا.

و الكتاب إمّا التوراة أو الإنجيل، فأهل التوراة اليهود، و أهل الإنجيل النصارى. و قد كانت النصرانيّة في الجاهلية في ربيعة و غسّان و بعض قضاعة، و اليهوديّة في حمير و بني كنانة و بني الحارث بن كعب و كندة،

ص: 276


1- الوجيز 197:2، العزيز شرح الوجيز 492:11-493، الوسيط 56:7، روضة الطالبين 488:7.
2- الوجيز 197:2، و انظر العزيز شرح الوجيز 493:11، و الوسيط 56:7، و روضة الطالبين 488:7.
3- الوجيز 197:2، العزيز شرح الوجيز 493:11، الوسيط 56:7-57، روضة الطالبين 488:7.

و المجوسيّة في تميم، و عبادة الأوثان، و الزندقة كانت في قريش و بني حنيفة.

و تؤخذ الجزية من جميع اليهود و جميع النصارى على الشرائط الآتية، سواء كانوا من المبدّلين أو غير المبدّلين، و سواء كانوا عربا أو عجما في قول علمائنا أجمع - و به قال مالك و الأوزاعي و الشافعي و أحمد و أبو ثور و ابن المنذر(1) - لعموم الآية(2). و لأنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله أخذ من أكيدر دومة [1]، و هو رجل من غسّان أو كندة من العرب(3) ، و أخذ من نصارى نجران(4) ، و هم عرب، و أمر معاذا أن يأخذ الجزية من أهل اليمن(5) ، و هم كانوا عربا.

و قال أبو يوسف: لا تؤخذ الجزية من العرب(6).

و الإجماع يبطله، فإنّ اليهود و النصارى من العرب سكنوا في زمن الصحابة و التابعين في بلاد الإسلام و لا يجوز إقرارهم فيها بغير جزية.0.

ص: 277


1- المغني 561:10، الشرح الكبير 578:10، الامّ 174:4، الحاوي الكبير 284:14، مختصر اختلاف العلماء 484:3-1635.
2- التوبة: 29.
3- سنن أبي داود 167:3-3041، سنن البيهقي 186:9 و 187.
4- سنن أبي داود 167:3-3041، السيرية النبويّة - لابن هشام - 233:2، الدلائل - لأبي نعيم - 457:2-245، الدلائل - للبيهقي - 389:5، المغني 561:10، الشرح الكبير 578:10.
5- سنن أبي داود 167:3-3038، سنن الترمذي 20:3-623، سنن النسائي 5: 25-26، سنن البيهقي 187:9، المستدرك - للحاكم - 398:1.
6- الحاوي الكبير 284:14، حلية العلماء 696:7، المغني 561:10، الشرح الكبير 578:10.
مسألة 162: تؤخذ الجزية ممّن دخل في دينهم من الكفّار إن كانوا قد دخلوا فيه قبل النسخ و التبديل،

و من نسله و ذراريه، و يقرون بالجزية و لو ولد بعد النسخ.

و لو دخلوا في دينهم بعد النسخ، لم يقبل منهم إلاّ الإسلام، و لا تؤخذ منهم الجزية، عند علمائنا - و به قال الشافعي(1) - لقوله عليه السّلام: «من بدّل دينه فاقتلوه»(2).

و لأنّه ابتغى دينا غير الإسلام، فلا يقبل منه، لقوله تعالى وَ مَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ (3).

و قال المزني: يقرّ على دينه، و تقبل منه الجزية مطلقا(4) ، لقوله تعالى وَ مَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ (5).

و المراد المشاركة في الإثم و الكفر دون إقراره على عقيدته.

و لا فرق بين أن يكون المنتقل إلى دينهم ابن كتابيّين أو ابن وثنيّين أو ابن كتابيّ و وثنيّ في التفصيل الذي فصّلناه.

و لو ولد بين أبوين أحدهما تقبل منه الجزية و الآخر لا تقبل، ففي

ص: 278


1- المهذّب - للشيرازي - 251:2، روضة الطالبين 495:7، حلية العلماء 7: 697، العزيز شرح الوجيز 507:11.
2- سنن الترمذي 59:4-1458، سنن ابن ماجة 848:2-2535، سنن الدار قطني 108:3-90، و 113-108، سنن البيهقي 195:8 و 202 و 205، و 71:9، المستدرك - للحاكم - 538:3-539، مسند أحمد 358:1-1874، و 465-466-2548، و 530-531-2960، و 304:6-305-21510.
3- آل عمران: 85.
4- المهذّب - للشيرازي - 251:2، روضة الطالبين 495:7، حلية العلماء 7: 697، العزيز شرح الوجيز 507:11.
5- المائدة: 51.

قبول الجزية منه تردّد.

مسألة 163: المجوس تؤخذ منهم الجزية كاليهود و النصارى إجماعا،

لما رواه العامّة أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال: «سنّوا بهم سنّة أهل الكتاب»(1).

و من طريق الخاصّة: ما رواه علماؤنا أنّ الصادق عليه السّلام سئل عن المجوس أ كان لهم نبي ؟ قال: «نعم، أما بلغك كتاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إلى أهل مكة أسلموا و إلاّ نابذتكم بحرب، فكتبوا إليه أن خذ منّا الجزية و دعنا على عبادة الأوثان، فكتب إليهم إنّي لست آخذ الجزية إلاّ من أهل الكتاب، فكتبوا إليه زعمت أنّك لا تأخذ الجزية إلاّ من أهل الكتاب ثمّ أخذت الجزية من مجوس هجر، فكتب إليهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إنّ المجوس كان لهم نبي فقتلوه و كتاب أحرقوه، أتاهم نبيّهم بكتابهم في اثني عشر ألف جلد ثور»(2).

فالروايات متظافرة [1] بأنّهم أهل كتاب - و به قال الشافعي(3) - لقول عليّ عليه السّلام: «أنا أعلم الناس بالمجوس كان لهم علم يعلّمونه و كتاب يدرسونه» الحديث، رواه العامّة(4).

ص: 279


1- الموطأ 278:1-42، سنن البيهقي 189:9-190، الأموال - لأبي عبيد -: 37-78، المصنّف - لابن أبي شيبة - 224:3، و 243:12-244-12696 و 12697، المصنّف - لعبد الرزّاق - 69:6-10025، و 325:10-19253، ترتيب مسند الشافعي 130:2-430، المغني 559:10، الشرح الكبير 10: 577.
2- الكافي 567:3-568-4، التهذيب 158:6-285.
3- المهذّب - للشيرازي - 251:2، الوجيز 199:2، العزيز شرح الوجيز 11: 507، حلية العلماء 696:7.
4- سنن البيهقي 189:9، المغني 559:10، الشرح الكبير 577:10.

و من طرق الخاصّة: ما تقدم [1].

و قال أبو حنيفة و أحمد: لا كتاب لهم، لقوله عليه السّلام: «سنوا بهم سنّة أهل الكتاب»(1)(2).

و يحتمل أن يكون المراد من له كتاب باق، أو لأنّهم كانوا يعرفون التوراة و الإنجيل.

مسألة 164: لا يقبل من غير الأصناف الثلاثة من الكفّار إلاّ الإسلام،

فلو بذل عبّاد الأصنام و النيران و الشمس الجزية، لم تقبل، سواء العرب و العجم - و به قال الشافعي(3) - لقوله تعالى فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ (4) خرج منهم الثلاثة، لنصّ خاصّ، فبقي الباقي على عمومه.

و ما رواه العامّة عن النبي صلّى اللّه عليه و آله: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا:

لا إله إلاّ اللّه»(5) الحديث.

ص: 280


1- تقدّمت الإشارة إلى مصادره في الهامش (1) من ص 279.
2- المغني 559:10-560، الشرح الكبير 576:10-577، الكافي في فقه الإمام أحمد 170:4، العزيز شرح الوجيز 507:11.
3- المهذّب - للشيرازي - 251:2، الوجيز 199:2، العزيز شرح الوجيز 11: 507، روضة الطالبين 494:7، حلية العلماء 695:7، المغني 564:10، الشرح الكبير 579:10.
4- التوبة: 5.
5- صحيح مسلم 51:1 و 52-32 و 33، و 53-35، سنن أبي داود 3: 44-2640، سنن ابن ماجة 1295:2-3927-3929، سنن النسائي 14:5، سنن الترمذي 3:5-4-2606 و 2607، سنن الدار قطني 9:2-2، سنن الدارمي 218:2، سنن البيهقي 49:9، المستدرك - للحاكم - 522:2، مسند أحمد 4: 576-577-15727، المغني 565:10، الشرح الكبير 579:10-580.

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السّلام في حديث: «سيف على مشركي العرب، قال اللّه تعالى فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ (1)»(2) الحديث.

و قال أبو حنيفة: تقبل من جميع الكفّار إلاّ العرب، لأنّهم يقرّون على دينهم بالاسترقاق فاقرّوا بالجزية، كأهل الكتاب، و أمّا العرب فلا تقبل منهم، لأنّهم رهط النبي عليه السّلام، فلا يقرّون على غير دينه(3).

و الفرق: أنّ أهل الكتاب لهم حرمة بكتابهم، بخلاف غيرهم من الكفّار، و العرب قد بيّنّا أنّهم إن كانوا يهودا أو نصارى أو مجوسا، قبلت منهم الجزية، و إلاّ فلا، و لا فرق بين العرب و العجم، لأنّ الجزية تؤخذ بالدين لا بالنسب.

و قال أحمد: تقبل من جميع الكفّار إلاّ عبدة الأوثان من العرب(4).

و قال مالك: تقبل من جميعهم إلاّ مشركي قريش، لأنّهم ارتدّوا(5).

و قال الأوزاعي و سعيد بن عبد العزيز: إنّها تقبل من جميعهم، لأنّ النبي عليه السّلام كان يبعث السريّة و يوصيهم بالدعاء إلى الإسلام أو الجزية(6).7.

ص: 281


1- التوبة: 5.
2- الكافي 10:5-2، التهذيب 136:6-230.
3- مختصر اختلاف العلماء 484:3-1635، تحفة الفقهاء 307:3، المبسوط - للسرخسي - 7:10، الهداية - للمرغيناني - 160:2، المغني 564:10، الشرح الكبير 579:10، العزيز شرح الوجيز 507:11.
4- المغني 564:10، الشرح الكبير 579:10، المحرّر في الفقه 182:2، الكافي في فقه الإمام أحمد 170:4.
5- المغني 564:10، الشرح الكبير 579:10، حلية العلماء 695:7، العزيز شرح الوجيز 507:11.
6- صحيح مسلم 1357:3-3، سنن أبي داود 37:3-2612، سنن ابن ماجة 2: 953-2858، سنن الدارمي 216:2-217.

و هو عامّ في كلّ كافر(1).

و نمنع العموم، بل الوصيّة في أهل الذمّة.

مسألة 165: من عدا اليهود و النصارى و المجوس لا يقرون بالجزية

بل لا يقبل منهم إلاّ الإسلام و إن كان لهم كتاب، كصحف إبراهيم و صحف آدم و إدريس (و شيث)(2) و زبور داود - و هو أحد قولي الشافعي(3) - لأنّها ليست كتبا منزلة على ما قيل، بل هي وحي يوحى، و لأنّها مشتملة على مواعظ لا على أحكام مشروعة.

و القول الثاني للشافعي: يقرّون بالجزية، لقوله تعالى مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ (4)(5).

و ليس حجّة، لأنّه للعهد.

قال ابن الجنيد من علمائنا: الصابئون تؤخذ منهم الجزية و يقرّون عليها، كاليهود و النصارى - و هو أحد قولي الشافعي(6) - بناء على أنّهم من أهل الكتاب و إنّما يخالفونهم في فروع المسائل لا في أصولها.

و قال أحمد: أنّهم جنس من النصارى. و قال أيضا: أنّهم يسبتون،

ص: 282


1- المغني 564:10، الشرح الكبير 579:10.
2- ما بين القوسين لم يرد في «ق، ك».
3- المهذّب - للشيرازي - 251:2، الوجيز 199:2، العزيز شرح الوجيز 11: 506، الوسيط 60:7، حلية العلماء 697:7، روضة الطالبين 494:7، المغني 564:10، الشرح الكبير 579:10.
4- التوبة: 29.
5- المصادر في الهامش (3).
6- المهذّب - للشيرازي - 251:2، الوجيز 199:2، العزيز شرح الوجيز 11: 508، الوسيط 61:7، حلية العلماء 697:7، روضة الطالبين 495:7.

فهم من اليهود(1).

و قال مجاهد: إنّهم من [اليهود و] [1] النصارى(2).

و قال السدي: إنّهم من أهل الكتاب(3).

و كذا السامرة، و متى كانوا كذلك قبلت منهم الجزية.

و قد قيل عنهم: إنّهم يقولون: إنّ الفلك حيّ ناطق، و إنّ الكواكب السبعة السيّارة آلهة(4). و متى كان الحال كذلك لم يقرّوا على دينهم بالجزية.

و قال المفيد رحمه اللّه: و قد اختلف فقهاء العامّة في الصابئين و من ضارعهم في الكفر سوى من ذكرناه من الثالثة الأصناف.

فقال مالك بن أنس و الأوزاعي: كلّ دين بعد الإسلام سوى اليهوديّة و النصرانيّة فهو مجوسيّة، و حكم أهله حكم المجوس. و روي عن عمر بن عبد العزيز أنّه قال: الصابئون مجوس. و قال الشافعي و جماعة من أهل العراق: حكمهم حكم المجوس. و قال بعض أهل العراق: حكمهم حكم النصارى.

قال: فأمّا نحن فلا نجاوز بإيجاب الجزية إلى غير من عدّدناه، لسنّة7.

ص: 283


1- المغني 558:10، الشرح الكبير 580:10، المحرّر في الفقه 183:2.
2- النكت و العيون (تفسير الماوردي) 133:1، المغني 559:10، الشرح الكبير 580:10.
3- النكت و العيون (تفسير الماوردي) 133:1، المغني 559:10، الشرح الكبير 580:10.
4- الحاوي الكبير 294:14، المغني 559:10، الشرح الكبير 580:10، و انظر الوسيط 61:7.

رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فيهم، و التوقيف الوارد عنه في أحكامهم.

قال: و قد روي عن أمير المؤمنين عليه السّلام أنّه قال: «المجوس إنما ألحقوا باليهود و النصارى في الجزية و الديات، لأنّه كان لهم فيما مضى كتاب» و لو خلّينا و القياس، لكانت المانويّة و المزدقيّة و الديصانيّة عندي بالمجوس أولى من الصابئين، لأنّهم يذهبون في أصولهم مذاهب تقارب المجوسيّة و تكاد تختلط بها.

و أمّا المرقونيّة و الماهانيّة: فإنّهم إلى النصرانيّة أقرب من المجوسيّة، لقولهم في الروح و الكلمة و الابن بقول النصارى و إن كانوا يوافقون الثنويّة في أصول أخر.

و أمّا الكينونيّة [1]: فقولهم يقرب من النصرانيّة لأصلهم [2] في التثليث و إن كان أكثره لأهل الدهر.

و أمّا السمنيّة: فتدخل في حكم مشركي العرب و تضارع مذاهبها قولها [3] في التوحيد للبارئ و عبادتهم سواه تقرّبا إليه و تعظيما فيما زعموا من عبادة الخلق لهم. و قد حكي عنهم ما يدخلهم في جملة الثنويّة.

ثمّ قال: فأمّا الصابئون فمنفردون بمذاهبهم ممّن عددناه، لأنّ جمهورهم يوحّد الصانع في الأزل، و منهم من يجعل معه هيولى في القدم صنع منها العالم، فكانت عندهم الأصل، و يعتقدون في الفلك و ما فيه:

الحياة و النطق و أنّه المدبّر لما في العالم و الدالّ عليه، و عظّموا الكواكب

ص: 284

و عبدوها من دون اللّه تعالى، و سمّاها بعضهم ملائكة، و جعلها بعضهم آلهة، و بنوا لها بيوتا للعبادات، و هؤلاء على طريق القياس إلى مشركي العرب و عبّاد الأوثان أقرب من المجوس، لأنّهم وجّهوا عبادتهم إلى غير اللّه تعالى في التحقيق و على القصد و الضمير، و سمّوا من عداه من خلقه بأسمائه، جلّ عمّا يقول المبطلون.

و المجوس قصدت بالعبادة اللّه تعالى على نيّاتهم في ذلك و ضمائرهم و عقودهم و إن كانت عبادة الجميع على أصولنا غير متوجّهة في الحقيقة إلى القديم، و لم يسمّوا من أشركوا بينه و بين اللّه تعالى في القدم [1] باسم في معنى الإلهيّة و مقتضى العبادة، بل من ألحقهم بالنصارى أقرب في التشبيه [2]، لمشاركتهم إيّاهم في اعتقاد الإلهيّة في غير القديم، و تسميتهم له بذلك، و هما: الروح عندهم، و النطق الذي اعتقدوه [في] [3] المسيح، و ليس هذا موضع الردّ على متفقّهة العامّة فيما اجتنبوه من خلافنا فلنشرحه [4]، و إنّما ذكرنا منه طرفا، لتعلّقه بما تقدّم من وصف مذهبنا في الأصناف و بيّنّاه في التفصيل(1). هذا آخر كلام شيخنا المفيد رحمه اللّه.

و للشافعي في الصابئين و السامرة - و هم عنده مبتدعة النصارى2.

ص: 285


1- المقنعة: 270-272.

و اليهود - قولان(1)الوجيز 199:2، العزيز شرح الوجيز 509:11، الحاوي الكبير 305:9، روضة الطالبين 479:5، و 495:7-496.(2).

و قال بعض أصحابه: إن كانوا كفرة دينهم، فلا يقرّون، و إن كانوا مبتدعة، أقروا، فلو عقدنا له و أسلم منهم عدلان و شهدا بكفره، تبيّن بطلان العقد، و يغتال، لتلبيسه(3).

و المتولّد بين الكتابيّ و الوثنيّ في مناكحته قولان للشافعي، و الصحيح عنده أنّه يقرّر(3).

و لو توثّن نصرانيّ و له ولد صغير امّه نصرانيّة، فله حكم التنصّر، و إن كانت وثنيّة، فهو تابع للتوثّن أو يبقى عليه حكم التنصّر؟ للشافعي وجهان(4).

و لا يغتال إذا بلغ و إن كان يغتال أبوه على الأصحّ عندهم(5).

و لا يحلّ وطء سبايا غور، لأنّهم ارتدّوا بعد الإسلام.

و في استرقاقهم خلاف بينهم، و الظاهر عندهم جواز استرقاق الوثنيّ و سبايا غور أولاد المرتدّين(6).

و أمّا عندنا فإنّ ذبائح أهل الكتاب لا تحلّ إجماعا منّا. فأمّا مناكحتهم ففيه تفصيل يأتي إن شاء اللّه تعالى.

مسألة 166: بنو تغلب بن وائل من العرب من ربيعة بن نزار،

انتقلوا في الجاهليّة إلى النصرانيّة. و انتقل أيضا من العرب قبيلتان أخريان، و هم

ص: 286


1- تقدّمت الإشارة إلى مصادرهما في الهامش
2- من ص 282.
3- الوجيز 199:2، العزيز شرح الوجيز 508:11-509.
4- الوجيز 199:2، العزيز شرح الوجيز 510:11، روضة الطالبين 496:7.
5- الوجيز 199:2، العزيز شرح الوجيز 510:11، روضة الطالبين 496:7.
6- الوجيز 199:2، العزيز شرح الوجيز 511:11.

تنوخ و بهراء، فصارت القبائل الثلاثة من أهل الكتاب، تؤخذ منهم الجزية كافّة [1]، كما تؤخذ من غيرهم - و به قال علي عليه السّلام و عمر بن عبد العزيز(1) - لأنّهم أهل كتاب، فيدخلون تحت عموم الأمر بأخذ الجزية من أهل الكتاب.

و قال أبو حنيفة: لا تؤخذ منهم الجزية، بل تؤخذ منهم الصدقة مضاعفة، فيؤخذ من كلّ خمس من الإبل شاتان، و يؤخذ من كلّ عشرين دينارا دينار، و من كلّ مائتي درهم عشرة دراهم، و من كلّ ما يجب فيه نصف العشر العشر و ما يجب فيه العشر الخمس - و به قال الشافعي و ابن أبي ليلى و الحسن بن صالح بن حيّ و أحمد بن حنبل - لأنّ عمر ضعّف الصدقة عليهم(2).

و هي حكاية حال لا عموم لها، فجاز أن تكون المصلحة للمسلمين في كفّ أذاهم بذلك. و لأنّه كان يأخذ جزية لا صدقة و زكاة. و لأنّه يؤدّي إلى أن يأخذ أقلّ من دينار بأن تكون صدقته أقلّ من ذلك. و لأنّه يلزم أن يقيم بعض أهل الكتاب في بلد الإسلام مؤبّدا بغير عوض بأن لا يكون له زرع و لا ماشية.

و روى العامّة عن علي عليه السّلام أنّه قال: «لئن تفرّغت لبني تغلب ليكوننّ لي فيهم رأي، لأقتلنّ مقاتلتهم، و لأسبيّن ذراريهم، فقد نقضوا العهد، و برئت منهم الذمّة حين نصّروا أولادهم»(3).0.

ص: 287


1- المغني و الشرح الكبير 582:10.
2- المغني و الشرح الكبير 582:10-582، الكافي في فقه الإمام أحمد 172:4، الحاوي الكبير 345:14 و ما بعدها، سنن البيهقي 216:9.
3- الأموال - لأبي عبيد -: 34 ذيل رقم 71، المغني و الشرح الكبير 582:10.

إذا ثبت أنّ المأخوذ جزية، فلا تؤخذ من الصبيان و المجانين و النساء - و به قال الشافعي(1) - لما تقدّم، و لأنّ عمر قال: هؤلاء حمقى رضوا بالمعنى دون الاسم(2).

و قال عمر بن عبد العزيز حيث لم يقبل من نصارى بني تغلب إلاّ الجزية: لا و اللّه إلاّ الجزية، و إلاّ فقد أذنتكم بالحرب(3).

و قال أبو حنيفة: إنّها صدقة تؤخذ مضاعفة من مال من يؤخذ منه الزكاة لو كان مسلما. و به قال أحمد(4).

و على ما قلناه يكون مصرفه مصرف الجزية.

و لو بذل التغلبيّ الجزية و تحطّ عنه الصدقة، قبل منه، لأنّ المأخوذ منه عندنا جزية.

و من قال: إنّه صدقة قال: ليس لهم ذلك، لئلاّ يغيّر الصلح(5).

أمّا الحربي من التغلبيّين فإنّه إذا بذل الجزية، قيل: قبلت منه، لقوله عليه السّلام: «ادعهم إلى إعطاء الجزية، فإن أجابوك فاقبل منهم و كفّ عنهم»(6)(7).0.

ص: 288


1- المهذّب - للشيرازي - 253:2، الوجيز 198:2، العزيز شرح الوجيز 11: 498 و 499 و 501 و 529، الوسيط 62:7-64، روضة الطالبين 490:7 و 492، الحاوي الكبير 307:14، المغني 582:10، الشرح الكبير 583:10.
2- المغني 582:10، الشرح الكبير 583:10، الحاوي الكبير 346:14، العزيز شرح الوجيز 529:11.
3- المغني و الشرح الكبير 582:10.
4- المغني و الشرح الكبير 582:10.
5- المغني و الشرح الكبير 584:10.
6- صحيح مسلم 1356:3-1357-3، سنن أبي داود 37:3-3612، سنن ابن ماجة 953:2-954-2858، سنن الدارمي 216:2-217.
7- المغني و الشرح الكبير 584:10.

و لو أراد الإمام نقض صلحهم و تجديد الجزية عليهم، جاز، خلافا لبعض العامّة(1).

مسألة 167: لا تحلّ ذبائح بني تغلب و لا مناكحتهم كغيرهم من أهل الذمّة

- أمّا من أباح أكل ذبائح أهل الذمّة فقال الشافعي: لا يباح أكل ذبائح أهل الذمّة من العرب كافّة(2) - و نقله العامّة عن علي عليه السّلام و عطاء و سعيد ابن جبير و النخعي(3) ، لأنّهم أهل كتاب [1]، فلا تحلّ ذبائحهم على ما يأتي.

و لما رواه العامّة عن علي عليه السّلام من التحريم(4).

و من طريق الخاصّة: رواية الحلبي - في الصحيح - أنّه سأل الصادق عليه السّلام عن ذبائح نصارى العرب هل تؤكل ؟ فقال: «كان علي عليه السّلام ينهى عن أكل ذبائحهم و صيدهم، و قال: لا يذبح لك يهودي و لا نصراني أضحيتك»(5).

و قال الباقر عليه السّلام: «لا تأكل ذبيحة نصارى العرب»(6).

و قال أبو حنيفة: تحلّ ذبائحهم. و به قال الحسن البصري و الشعبي و الزهري و الحكم و حمّاد و إسحاق(7).

و عن أحمد روايتان(8).

ص: 289


1- المغني و الشرح الكبير 584:10.
2- الامّ 232:2، مختصر المزني: 284، الحاوي الكبير 93:15-94، المهذّب - للشيرازي - 258:1، المغني 587:10، و انظر مختصر اختلاف العلماء 205:3-1304.
3- المغني 587:10.
4- سنن البيهقي 217:9، الامّ 232:2، المهذّب - للشيرازي - 258:1، المغني 587:10.
5- التهذيب 64:9-271، الاستبصار 81:4-82-304.
6- التهذيب 68:9-288، الإستبصار 85:4-320.
7- المغني 587:10، حلية العلماء 421:3.
8- المغني 587:10.
مسألة 168: و تؤخذ الجزية من أهل خيبر.

و ما ذكره بعض أهل الذمّة منهم أنّ معهم كتابا من النبي صلّى اللّه عليه و آله بإسقاطها(1) ، لا يلتفت إليهم، لأنّه لم ينقله أحد من المسلمين.

قال ابن سريج: ذكر أنّهم طولبوا بذلك، فأخرجوا كتابا ذكروا أنّه بخطّ علي عليه السّلام كتبه عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، و كان فيه شهادة سعد بن معاذ و معاوية.

و تاريخه بعد موت سعد و قبل إسلام معاوية، فاستدلّ بذلك على بطلانه(2).

و لو غزا الإمام قوما فادّعوا أنّهم أهل كتاب، سألهم، فإن قالوا: دخلنا أو دخل آباؤنا قبل نزول القرآن في دينهم، أخذ منهم الجزية، و شرط عليهم نبذ العهد، و المقاتلة لهم إن بان كذبهم، و لا يكلّفون البيّنة على ذلك، و يقرّون بأخذ الجزية. فإن بان كذبهم، انتقض عهدهم، و وجب قتالهم.

و يظهر كذبهم باعترافهم بأجمعهم أنّهم [1] عبّاد وثن. فإن اعترف بعضهم و أنكر الآخرون، انتقض عهد المعترف خاصّة دون غيره. و لا تقبل شهادتهم على الآخرين.

فإن أسلم منهم اثنان و عدّلا ثمّ شهدا [2] أنّهم ليسوا أهل ذمّة، انتقض العهد.

و لو دخل عابد وثن في دين أهل الكتاب قبل نزول القرآن و له ابنان صغير و كبير، فأقاما على عبادة الأوثان ثمّ جاء الإسلام و نسخ كتابهم، فإنّ الصغير إذا بلغ و قال: إنّني على دين أبي و أبذل الجزية، أقرّ عليه و أخذ منه

ص: 290


1- الحاوي الكبير 310:14، العزيز شرح الوجيز 511:11.
2- العزيز شرح الوجيز 511:11.

الجزية، لأنّه تبع أبيه في الدين، لصغره. و أمّا الكبير فإن أراد أن يقيم على دين أبيه و يبذل الجزية، لم يقبل، لأنّ له حكم نفسه، و لا يصحّ له الدخول في الدين بعد نسخه.

و لو دخل أبوهما في دين أهل الكتاب ثمّ مات ثمّ جاء الإسلام و بلغ الصبي و اختار دين أبيه ببذل الجزية، أقرّ عليه، لأنّه تبعه في الدين، فلا يسقط بموته. و أمّا الكبير فلا يقرّ بحال، لأنّ حكمه منفرد.

مسألة 169: اختلف علماؤنا في الفقير.

فقال الشيخ رحمه اللّه: لا تسقط عنه الجزية، بل ينظر بها إلى وقت يساره، و يؤخذ منه حينئذ ما يقرّر عليه في كلّ عام حال فقره(1) - و به قال المزني و الشافعي في قول(2) - لعموم حَتّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ (3).

و لقوله عليه السّلام: «خذ من كلّ حالم دينارا»(4) و هو عامّ.

و لأنّ عليّا عليه السّلام وظف على الفقير دينارا(5).

ص: 291


1- المبسوط - للطوسي - 38:2.
2- الامّ 179:4، مختصر المزني: 277، الحاوي الكبير 300:14-301، الوجيز 198:2، العزيز شرح الوجيز 504:11، الوسيط 65:7، المهذّب - للشيرازي - 252:2، روضة الطالبين 496:7، حلية العلماء 698:7، المغني 576:10، الشرح الكبير 589:10.
3- التوبة: 29.
4- أورد نصّه الماوردي في الحاوي الكبير 309:14، و الرافعي في العزيز شرح الوجيز 504:11، و ابن قدامة في المغني 576:10، و الكافي في فقه الإمام أحمد 173:4، و في المصادر الحديثيّة هكذا: عن معاذ أن النبي صلى اللّه عليه و آله و سلّم لمّا وجّهه إلى اليمن أمره أن يأخذه من كلّ حالم دينارا. انظر سنن أبي داود 167:3-3038، و سنن الترمذي 20:3-623، و سنن البيهقي 98:4 و 193:9، و مسند أحمد 304:6-21508، و 309-21532، و 328-21624، و الأموال - لأبي عبيد -: 31-32-64.
5- انظر: المقنعة: 272، و التهذيب 119:4-120-343، و الاستبصار 53:2-54-178.

و قال المفيد و ابن الجنيد منّا: لا جزية عليه [1] - و هو قول آخر للشافعي(1) - لأنّ الجزية حقّ يجب بحؤول الحول، فلا تجب على الفقير، كالزكاة و العقل [2].

و الجواب: أنّ الزكاة و العقل وجبا بطريق المواساة، و الجزية لحقن الدم و السكنى، و لا فرق بين الغني و الفقير في ذلك.

و للشافعي قول ثالث: إنّه يخرج من الدار(2).

إذا ثبت هذا، فالإمام يعقد لهم الذمّة على الجزية، و تكون في ذمّته، فإذا أيسر، طولب بها.

مسألة 170: و تسقط الجزية عن الصبي إجماعا،

لقوله عليه السّلام لمعاذ:

«خذ من كلّ حالم دينارا»(3) دلّ بمفهومه على سقوط الجزية عن غير البالغ.

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السّلام في حديث: «و الشيخ الفاني و المرأة و الولدان في أرض [3] الحرب من أجل ذلك رفعت عنهم الجزية»(4).

و إذا بلغ بالإنبات أو الاحتلام أو بلوغ خمس عشرة سنة و كان من

ص: 292


1- مختصر المزني: 277، الحاوي الكبير 300:14-301، الوجيز 198:2، العزيز شرح الوجيز 504:11، الوسيط 65:7، حلية العلماء 698:7.
2- الوجيز 198:2، العزيز شرح الوجيز 504:11، الوسيط 65:7، روضة الطالبين 497:7.
3- تقدمت الإشارة إلى مصادره في ص 291، الهامش (4).
4- الكافي 29:5-6، الفقيه 28:2-102، التهذيب 156:6-277.

أهل الذمّة، طولب بالإسلام أو بذل الجزية، فإن امتنع منهما، صار حربا، فإن اختار الجزية، عقد معه الإمام ما يراه، و لا عبرة بجزية أبيه، فإذا حال الحول من حين العقد عليه، أخذ ما شرط.

و لو كان الصبي ابن وثنيّ و بلغ، طولب بالإسلام خاصّة.

و لو بلغ مبذّرا، لم يزل الحجر عنه، و يكون ماله في يد وليّه.

و لو أراد عقد الأمان بالجزية أو المصير إلى دار الحرب، أجيب، و ليس لوليّه منعه، لأنّ الحجر لا يتعلّق بحقن دمه و إباحته بل بماله، كما لو أسلم أو ارتدّ.

و لو أراد أن يعقد أمانا ببذل جزية كثيرة، احتمل أن يكون للوليّ منعه، لأنّ حقن دمه يمكن بالأقلّ.

و لو صالح الإمام قوما على أن يؤدّوا الجزية عن أبنائهم غير ما يدفعون عن أنفسهم، فإن كانوا يؤدون الزائد من أموالهم، جاز، و يكون زيادة في جزيتهم، و إن كان من مال أولادهم، لم يجز، لأنّه تضييع لمالهم فيما ليس واجبا عليهم.

و لو بلغ سفيها، لم تسقط عنه الجزية، و لا يقرّ في دار الإسلام بغير عوض، للعموم(1).

و لو منعه وليّه، لم يقبل منه، لأنّ مصلحته بقاء نفسه.

و إن لم يعقد أمانا، نبذناه إلى دار الحرب و صار حربا.

مسألة 171: إذا عقد الإمام الجزية لرجل، دخل هو و أولاده الصغار و أمواله في الأمان،

فإذا بلغ أولاده، لم يدخلوا في ذمّة [1] أبيهم و جزيته إلاّ

ص: 293


1- التوبة: 29.

بعقد مستأنف - و به قال الشافعي(1) - لأنّ الأب عقد الذمّة لنفسه، و إنّما دخل أولاده الصغار لمعنى الصغر، فإذا بلغوا، زال المقتضي للدخول.

و قال أحمد: يدخلون بغير عقد متجدّد، لأنّه عقد دخول فيه الصغير [1]، فإذا بلغ، لزمه، كالإسلام(2).

و الفرق: علوّ الإسلام على غيره من الأديان، فألزم به، بخلاف الكفر.

إذا ثبت هذا، فإنّه يعقد له الأمان من حين البلوغ، و لا اعتبار بجزية أبيه، فإن كان أوّل حول أقاربه، استوفى منه معهم في آخر الحول، و إن كان في أثناء الحول، عقد له الذمّة، فإذا جاء أصحابه و جاء الساعي، فإن أعطى بقدر ما مضى من حوله، أخذ منه، و إن امتنع حتى يحول الحول، لم يجبر على الدفع.

و لو كان أحد أبوي الطفل وثنيّا، فإن كان الأب، لحق به، و لم تقبل منه الجزية بعد البلوغ، بل يقهر على الإسلام، فإن امتنع، ردّ إلى مأمنه في دار الحرب، و صار حربا. و إن كانت الامّ، لحق بالأب، و أقرّ في دار الإسلام بالجزية.

مسألة 172: الجزية تسقط عن المجنون المطبق إجماعا،

لقوله عليه السّلام:

«رفع القلم عن ثلاثة - و عدّ - المجنون حتى يفيق»(3).

ص: 294


1- الوجيز 198:2، العزيز شرح الوجيز 503:11، المهذّب - للشيرازي - 2: 253، روضة الطالبين 493:7، المغني 574:10، الشرح الكبير 590:10.
2- المغني 574:10، الشرح الكبير 590:10، الكافي في فقه الإمام أحمد 4: 173.
3- سنن أبي داود 140:4-4401، و 141-4403، سنن ابن ماجة 1: 658-2041، سنن الدارمي 171:2، مسند أحمد 226:1-1187، و 7: 146-24173 بتفاوت يسير.

و لقول الصادق عليه السّلام: «جرت السنّة أن لا تؤخذ الجزية من المعتوه و لا من المغلوب على عقله»(1).

و لأنّه محقون الدم، و لا مقتضى لوجوب الجزية.

و لو كان الجنون غير مطبق، فإن لم يكن مضبوطا بأن تكون ساعة من أيّام أو من يوم، اعتبر الأغلب، لعدم القدرة على ضبط الإفاقة. و إن كان مضبوطا بأن يجنّ يوما و يفيق يومين أو أقلّ أو أكثر، احتمل اعتبار الأغلب كالأوّل - و به قال أبو حنيفة(2) - لأنّ اعتبار الأصول بالأغلب. و أن تلفّق أيّام إفاقته، فإذا كملت حولا، أخذت منه [1]، و يحتمل أن تؤخذ في آخر كل حول بقدر ما أفاق فيه.

و كذا الاحتمالان لو كان يجنّ ثلث الحول و يفيق ثلثيه أو بالعكس.

و لو تساوت أيّام إفاقته و جنونه بأن يجنّ يوما و يفيق يوما، أو يجنّ نصف الحول و يفيق نصفه [2]، فإنّ إفاقته تلفّق، لتعذّر الأغلب، لعدمه هنا.

و لو كان يجنّ نصف الحول ثمّ يفيق مستمرّا، أو يفيق نصفه ثمّ يجنّ مستمرّا، فعليه في الأوّل من الجزية بقدر ما أفاق من الحول إذا استمرّت الإفاقة بعد الحول. و في الثاني لا جزية عليه، لأنّه لم تتمّ الإفاقة حولا.

مسألة 173: لا تؤخذ الجزية من النساء إجماعا،

لقوله عليه السّلام: «خذ من كلّ حالم»(3) خصّ الذّكر به.

ص: 295


1- الكافي 567:3-3، الفقيه 28:2-101، التهذيب 114:4-334.
2- المغني 575:10، الشرح الكبير 591:10.
3- تقدّمت الإشارة إلى مصادره في ص 291، الهامش (4).

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السّلام: «إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله نهى عن قتل النساء»(1).

و لو بذلت امرأة الجزية، عرّفت أنّه لا جزية عليها، فإن ذكرت أنّها تعلم ذلك و طلبت دفعه إلينا، جاز أخذه هبة لا جزية، و تلزم على شرط لزوم الهبة. و لو شرطت ذلك على نفسها، لم تلزم، بخلاف ما لو قدر الرجل أكثر ممّا قدّره الإمام عليه من الجزية، لأنّه لا حدّ للجزية قلّة و لا كثرة، فلزمه ما التزم به.

و لو بعثت امرأة من دار الحرب تطلب عقد الذمّة و تصير إلى دار الإسلام، مكّنت منه، و عقد لها بشرط التزام أحكام الإسلام، و لا يؤخذ منها شيء إلاّ أن تتبرّع به بعد معرفتها أنّه لا شيء عليها. و إن أخذ منها شيء على غير ذلك، يردّ عليها، لأنّها بذلته معتقدة أنّه عليها.

و لو كان في حصن رجال و نساء و صبيان فامتنع الرجال من أداء الجزية و بذلوا أن يصالحوا على أنّ الجزية على النساء و الولدان، لم يجز، لأنّ النساء و الصبيان مال و المال لا يؤخذ منه الجزية، و لا يجوز أخذ الجزية ممّن لا تجب عليه و يترك من تجب عليه. فإن صالحهم على ذلك، بطل الصلح، و لا يلزم النساء شيء. و لو طلب النساء ذلك و يكون الرجال في أمان، لم يصحّ.

و لو قتل الرجال أو لم يكن في الحصن سوى النساء، فطلبوا عقد الذمّة بالجزية، لم يجز، و يتوصّل إلى فتح الحصن و يسبين، لأنّهنّ أموال للمسلمين.7.

ص: 296


1- الكافي 28:5-29-6، الفقيه 28:2-102، التهذيب 156:6-277.

و قال الشيخ رحمه اللّه: يلزمه عقد الذمّة لهنّ على أن تجري عليهنّ أحكام الإسلام، و لا يأخذ منهنّ شيئا، فإن أخذ منهنّ شيئا، ردّه عليهنّ(1).

و لو دخلت الحربية دار الإسلام بأمان للتجارة، لم يكن عليها أن تؤدّي شيئا و إن أقامت دائما بغير عوض، بخلاف الرجل. و لو طلبت دخول الحجاز على أن تؤدّي شيئا، جاز، لأنّه ليس لها دخول الحجاز.

مسألة 174: تؤخذ الجزية من الشيخ الفاني و الزمن

- و هو أحد قولي الشافعي(2) - للعموم(3).

و الثاني للشافعي: لا تؤخذ(4).

و في رواية حفص عن الصادق عليه السّلام أنّها تسقط عن المقعد و الشيخ الفاني و المرأة و الولدان(5).

قال الشيخ رحمه اللّه: و لو وقعوا في الأسر، جاز للإمام قتلهم(6).

و الأعمى مساو لهما على الأقرب.

و تؤخذ من أهل الصوامع و الرهبان - و هو أحد قولي الشافعي(7) -

ص: 297


1- المبسوط - للطوسي - 40:2.
2- الامّ 176:4، مختصر المزني: 277، الحاوي الكبير 310:14، المهذّب - للشيرازي - 253:2، روضة الطالبين 496:7، العزيز شرح الوجيز 504:11، الوسيط 65:7، المغني 577:10، الشرح الكبير 587:10.
3- التوبة: 29.
4- المهذّب - للشيرازي - 253:2، روضة الطالبين 496:7، الحاوي الكبير 14: 310، الوسيط 65:7، العزيز شرح الوجيز 504:11، المغني 577:10، الشرح الكبير 587:10.
5- الكافي 29:5-6، الفقيه 28:2-102، التهذيب 156:6-277.
6- المبسوط - للطوسي - 42:2.
7- الامّ 176:4، المهذّب - للشيرازي - 253:2، روضة الطالبين 496:7. الحاوي الكبير 310:14، العزيز شرح الوجيز 504:11، الوسيط 65:7، المغني 578:10، الشرح الكبير 589:10.

للعموم(1). و قد فرض عمر بن عبد العزيز على رهبان الديارات الجزية على كلّ راهب دينارين(2). و لأنّه كافر صحيح قادر على الجزية، فوجبت عليه، كالشمّاس [1].

و الثاني للشافعي: لا جزية عليهم، لأنّهم محقونون بدون الجزية، فلا تجب، كالنساء(3).

و نمنع الصغرى.

مسألة 175: اختلف علماؤنا في إيجاب الجزية على المملوك،

فالمشهور: عدم وجوبها عليهم، و هو قول العامّة بأسرهم، لقوله عليه السّلام:

«لا جزية على العبد»(4).

و لأنّه مال، فلا تؤخذ منه الجزية، كغيره من الحيوانات [2].

و قال قوم: لا تسقط، لقول الباقر عليه السّلام و قد سئل عن مملوك نصراني لرجل مسلم عليه جزية ؟ قال: «نعم» قلت: فيؤدّي عنه مولاه المسلم الجزية ؟ قال: «نعم، إنّما هو ماله يفديه إذا أخذ يؤدّي عنه»(5).

ص: 298


1- التوبة: 29.
2- الأموال - لأبي عبيد -: 47-109، المغني 578:10.
3- المهذّب - للشيرازي - 253:2، روضة الطالبين 496:7، الوسيط 65:7، العزيز شرح الوجيز 504:11، الحاوي الكبير 310:14، المغني 578:10، الشرح الكبير 589:10.
4- المغني 577:10، الشرح الكبير 587:10.
5- الفقيه 29:2-106.

و لأنّه مشرك، فلا يجوز أن يستوطن دار الإسلام بغير عوض، كالحرّ.

و لا فرق بين أن يكون العبد لمسلم أو ذمّي إن قلنا بوجوب الجزية عليه، و يؤدّيها مولاه عنه.

و منع بعض الجمهور أخذ الجزية من عبد المسلم، و إلاّ لزم أن يؤدّي المسلم الجزية(1).

و هو ضعيف، لأنّه يؤدّيها عن حقن دم العبد.

و لو كان نصفه حرّا، وجب عليه عن نصفه الحرّ، و في نصفه الرقيق قولان، فإن أوجبناه، أخذ النصيب من مولاه.

و لو أعتق العبد، فإن كان حربيّا، قهر على الإسلام أو يردّ إلى دار الحرب، قاله الشافعي(2).

و قال ابن الجنيد منّا: لا يمكّن من اللحقوق بدار الحرب، بل يسلم أو يحبس، لأنّ في لحوقه بدار الحرب معونة على المسلمين.

و إن كان ذميّا، لم يقرّ في دار الإسلام إلاّ بالجزية، فإن لم يفعل، ردّ إلى مأمنه بدار الحرب، عند الشافعي(3) ، و حبس، عند ابن الجنيد.

و لا خلاف بين العلماء أنّه بعد العتق تلزمه الجزية لما يستقبل، إلاّ ما روي عن أحمد أنّه يقرّ بغير جزية، سواء أعتقه المسلم أو الكافر(4) ، و ما روي عن مالك أنّه قال: لا جزية عليه إن كان المعتق مسلما(5).0.

ص: 299


1- المغني 577:10، الشرح الكبير 587:10.
2- العزيز شرح الوجيز 501:11، روضة الطالبين 491:7.
3- العزيز شرح الوجيز 501:11، روضة الطالبين 491:7.
4- المغني 580:10، الشرح الكبير 588:10.
5- العزيز شرح الوجيز 501:11، المغني 581:10، الشرح الكبير 588:10.
مسألة 176: يجوز للرجل أن يستتبع في عقد الجزية من شاء من الأقارب و إن لم يكن محارم،

دون الأجانب، بأن يشترط، فإن أطلق، لم يتبعه إلاّ صغار أولاده و زوجاته و عبيده، لأنّهم أموال، و لا تتبعه نسوة الأقارب.

و أمّا الأصهار فالأقرب: عدم إلحاقهم بالأجانب.

و للشافعي وجهان(1).

و إذا بلغ الصبي أو أفاق المجنون أو أعتق العبد فاستقلّوا [1]، فإمّا أن يؤدّوا الجزية أو يقتلوا بعد الردّ إلى مأمنهم.

و الأقارب [2]: أنّه يجب على الصبي استئناف عقد لنفسه.

و للشافعيّة وجهان(2).

و إن اكتفي بعقد أبيه، لزمه مثل ما لزم الأب و إن كان فيه زيادة.

و إذا بلغ سفيها، عقد لنفسه بزيادة الدينار لحقن الدم، و يصحّ من الوليّ بذل الدينار الزائد لحقن دمه.

و من يجنّ يوما و يفيق يوما سبق(3) حكمه.

و للشافعي أقوال:

ص: 300


1- الوجيز 198:2، العزيز شرح الوجيز 503:11، الوسيط 64:7، روضة الطالبين 493:7.
2- الوجيز 198:2، العزيز شرح الوجيز 499:11-500، الوسيط 63:7، روضة الطالبين 490:7.
3- سبق في المسألة 172.

أحدها: تلتقط أيّام [إفاقته] [1] و تكمل سنة، و يؤخذ منه دينار.

و الثاني: لا شيء.

و الثالث: كالعاقل.

و الرابع: ينظر إلى الأغلب.

و الخامس: ينظر إلى آخر السنة، كما في تحمّل العقل. و إذا وقع مثله في الأسر، نظر إلى وقت الأسر(1).

البحث الثاني: في مقدار الجزية.
مسألة 177: اختلف علماؤنا في أنّ للجزية قدرا معيّنا لا يجوز تغييره على أقوال ثلاثة:
أحدها: أنّ فيها مقدرا،

و هو ما قدّره عليّ عليه السّلام: على الفقير اثنا عشر درهما، و على المتوسّط أربعة و عشرون، و على الغني ثمانية و أربعون في كلّ سنة(2) - و به قال أبو حنيفة و أحمد في رواية(3) - لما رواه العامّة: أنّ

ص: 301


1- الوجيز 198:2، العزيز شرح الوجيز 498:11، الوسيط 62:7-63، روضة الطالبين 490:7.
2- الفقيه 26:2-95، التهذيب 120:4-343، الاستبصار 53:2-54-178.
3- المبسوط - للسرخسي - 78:10، الهداية - للمرغيناني - 195:2، بدائع الصنائع 112:7، مختصر اختلاف العلماء 486:3-1636، أحكام القرآن - للجصّاص - 96:3، الجامع لأحكام القرآن 112:8، المغني 567:10، الشرح الكبير 593:10، الكافي في فقه الإمام أحمد 171:4، الحاوي الكبير 299:14، حلية العلماء 697:7-698، العزيز شرح الوجيز 520:11، بداية المجتهد 404:1.

النبي عليه السّلام أمر معاذا أن يأخذ من كلّ حالم دينارا(1).

و ما تقدّم(2) من وضع علي عليه السّلام، و كذا وضع عمر(3) ، و لم يخالفهما أحد، فكان إجماعا.

الثاني: أنّه ليس فيها قدر موظّف لا قلّة و لا كثرة،

بل بحسب ما يراه الإمام من قلّة و كثرة بحسب المصلحة، ذهب إليه أكثر علمائنا(4) ، و الثوري و أحمد في رواية(5) ، لأنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله أمر معاذا أن يأخذ من كلّ حالم دينارا(6). و صالح أهل نجران على ألفي حلّة، النصف في صفر، و النصف في رجب(7). و ما وضعه عليّ عليه السّلام و عمر(8). و صالح عمر بني تغلب على مثلي ما على المسلمين من الصدقة(9). و هو يدلّ على عدم التقدير فيه.

ص: 302


1- راجع المصادر المذكورة في الهامش (4) من ص 291.
2- تقدّم في ص 291 و كذا الإشارة إلى مصادره في الهامش (5).
3- الأموال - لأبي عبيد -: 44-45-104، سنن البيهقي 196:9، المغني 10: 566، الشرح الكبير 592:10.
4- منهم: الشيخ الطوسي في الخلاف 545:5، المسألة 9، و سلاّر في المراسم: 141، و ابن حمزة في الوسيلة: 205، و ابن إدريس في السرائر: 110، و المحقّق في شرائع الإسلام 328:1.
5- المغني 566:10، الشرح الكبير 592:10، الكافي في فقه الإمام أحمد 4: 171، الحاوي الكبير 299:14، حلية العلماء 698:7، العزيز شرح الوجيز 520:11، بداية المجتهد 404:1.
6- راجع المصادر المذكورة في الهامش (4) من ص 291.
7- سنن أبي داود 167:3-3041، سنن البيهقي 195:9.
8- راجع المصادر المذكورة في الهامش (5) من ص 291، و الهامش (3) من هذه الصفحة.
9- الأموال - لأبي عبيد -: 33-34-70 و 71، المغني 566:10، الشرح الكبير 592:10-593.

و من طريق الخاصّة: رواية زرارة - الصحيحة - أنّه سأل الصادق عليه السّلام ما حدّ الجزية على أهل الكتاب ؟ و هل عليهم في ذلك شيء موظّف لا ينبغي أن يجاوز إلى غيره ؟ فقال: «ذلك إلى الإمام يأخذ من كلّ إنسان منهم ما شاء على قدر ما يطيق»(1) الحديث.

الثالث: أنّها لا تتقدّر في طرف الزيادة، و تتقدّر في طرف القلّة،

فلا يؤخذ من كلّ كتابيّ أقلّ من دينار - و هو قول ابن الجنيد، و أحمد في رواية(2) - لأنّ عليّا عليه السّلام زاد على ما قرّره رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و لم ينقص منه(3) ، فدلّ على أنّ الزيادة موكولة إلى نظره دون النقصان.

و قال الشافعي: أنّها مقدّرة بدينار على الغني و الفقير لا يجوز النقصان منه، و تجوز الزيادة عليه إن بذلها الذميّ(4).

و قال مالك: هي مقدّرة في حقّ الغني بأربعين درهما، و في حقّ المتوسّط بعشرين درهما، و في حقّ الفقير بعشرة دراهم(5).

ص: 303


1- الفقيه 27:2-98، التهذيب 117:4-337، الاستبصار 53:2-176 بتفاوت و زيادة.
2- المغني 567:10، الشرح الكبير 593:10، الكافي في فقه الإمام أحمد 172:4.
3- راجع المصادر المذكورة في الهامش (3) من ص 301.
4- الامّ 179:4، مختصر المزني: 277، الحاوي الكبير 299:14، الوجيز 2: 200، العزيز شرح الوجيز 519:11 و 520، الوسيط 69:7، حلية العلماء 697:7، المهذّب - للشيرازي - 251:2، روضة الطالبين 500:7، المغني 567:10، الشرح الكبير 593:10، بداية المجتهد 404:1، مختصر اختلاف العلماء 3: 486-1636، أحكام القرآن - للجصّاص - 96:3، الجامع لأحكام القرآن 111:8 و 112.
5- بداية المجتهد 404:1، الكافي في فقه أهل المدينة: 217، الجامع لأحكام القرآن 8: 112، مختصر اختلاف العلماء 486:3-1636، حلية العلماء 698:7، المغني 567:10، الشرح الكبير 593:10، و فيها بعض المقصود.
مسألة 178: تجب الجزية بآخر الحول، و يجوز أخذها سلفا

- و به قال الشافعي(1) - لأنّه مال يتكرّر بتكرّر الحول، و تؤخذ في آخر كلّ حول، فلا تجب بأوّله، كالزكاة و الدية.

و قال أبو حنيفة: تجب بأوّله، و يطالب بها عقيب العقد، و تجب الثانية في أوّل الحول الثاني و هكذا، لقوله تعالى حَتّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ (2)(3).

و المراد التزام إعطائها، لا نفس الأخذ و الإعطاء حقيقة، و لهذا يحرم قتالهم بمجرّد بذل الجزية قبل أخذها إجماعا.

إذا عرفت هذا، فالجزية تؤخذ ممّا تيسّر من أموالهم من الأثمان و العروض على حسب قدرتهم، و لا يلزمهم شيء معيّن، كذهب أو فضّة - و به قال الشافعي(4) - لأنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله لمّا بعث معاذا إلى اليمن أمره أن يأخذ من كلّ حالم دينارا أو عدله معافري [1](5).

و أخذ النبي صلّى اللّه عليه و آله من نصارى نجران ألفي حلّة(6).

ص: 304


1- المهذّب - للشيرازي - 252:2، حلية العلماء 702:7، الهداية - للمرغيناني - 162:2، المغني 568:10، الشرح الكبير 594:10.
2- التوبة: 29.
3- الهداية - للمرغيناني - 162:2، المغني 568:10، الشرح الكبير 594:10، حلية العلماء 702:7، الحاوي الكبير 315:14.
4- المغني 568:10، الشرح الكبير 595:10.
5- تقدّمت الإشارة إلى مصادره في الهامش (4) من ص 291.
6- سنن أبي داود 167:3-3041، سنن البيهقي 195:9، المغني 568:10، الشرح الكبير 595:10.

و كان عليّ عليه السّلام يأخذ الجنس، فيأخذ الحبال من صانعها، و المسال [1] من صانعها، و الإبر من صانعها، ثمّ يدعو الناس فيعطيهم الذهب و الفضّة، فيقتسمونه، ثمّ يقول: «خذوا هذا [2] فاقتسموا» فيقولون: لا حاجة لنا فيه، فيقول: «أخذتم خياره و تركتم شراره لتحملنّه»(1).

و لا تتداخل الجزية، بل إذا اجتمعت عليه جزية سنتين أو أكثر، استوفيت منه أجمع - و به قال الشافعي و أحمد(2) - لأنّه حقّ ماليّ يجب في آخر كلّ حول، فلا تتداخل، كالدية و الزكاة.

و قال أبو حنيفة: تتداخل، لأنّها عقوبة، فتتداخل، كالحدود(3).

و الفرق: ما تقدّم.

مسألة 179: يتخيّر الإمام في وضع الجزية إن شاء على رءوسهم، و إن شاء على أرضيهم.

و هل له أن يجمع بينهما فيأخذ عن رءوسهم شيئا و عن أرضيهم شيئا آخر؟ منع منه الشيخان و ابن إدريس(4) ، لأنّ محمد بن مسلم سأل الصادق عليه السّلام:

ص: 305


1- الأموال - لأبي عبيد -: 49-117، المغني 569:10، الشرح الكبير 10: 595.
2- الوجيز 200:2، العزيز شرح الوجيز 521:11، الوسيط 70:7، الحاوي الكبير 315:14، روضة الطالبين 501:7، المغني 580:10، الشرح الكبير 597:10، الكافي في فقه الإمام أحمد 174:4، المحرّر في الفقه 184:2.
3- الهداية - للمرغيناني - 161:2، بدائع الصنائع 112:7، مختصر اختلاف العلماء 487:3-1637، الوسيط 70:7، العزيز شرح الوجيز 521:11، المغني 580:10، الشرح الكبير 597:10، الحاوي الكبير 316:14.
4- المقنعة: 273، النهاية: 193، المبسوط - للطوسي - 38:2، السرائر: 110.

أ رأيت ما يأخذ هؤلاء من الخمس من أرض الجزية و يأخذون من الدهاقين جزية رءوسهم، أما عليهم في ذلك شيء موظّف ؟ فقال: «كان عليهم ما أجازوا على أنفسهم، و ليس للإمام أكثر من الجزية، إن شاء الإمام وضع على رءوسهم، و ليس على أموالهم شيء، و إن شاء فعلى أموالهم، و ليس على رءوسهم شيء»(1).

و في حديث آخر قال: «فإن أخذ من رءوسهم الجزية فلا سبيل على أراضيهم، و إن أخذ من أراضيهم فلا سبيل على رءوسهم»(2).

و قال أبو الصلاح: يجوز الجمع بينهما(3) ، لعدم تقدّر الجزية قلّة و كثرة، فجاز أن يأخذ من أرضيهم [1] و رءوسهم، كما يجوز أن يضعفها [2] على رءوسهم. و لأنّه أنسب بالصّغار.

و نقول بموجب الحديثين، و نحملهما على ما إذا صالحهم على قدر معيّن، فإن شاء أخذه من رءوسهم، و لا شيء حينئذ على أرضيهم [3]، و بالعكس.

مسألة 180: يجوز أن يشترط عليهم في عقد الذمّة ضيافة من يمرّ بهم من المسلمين إجماعا،

بل تستحبّ، لأنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله ضرب على نصارى أيلة ثلاثمائة دينار - و كانوا ثلاثمائة نفر - في كلّ سنة، و أن يضيفوا من

ص: 306


1- الكافي 566:3-567-1، الفقيه 27:2-98، التهذيب 117:4-337، الاستبصار 53:2-176.
2- التهذيب 118:4-338، الاستبصار 53:2-177.
3- انظر: الكافي في الفقه: 349.

يمرّ [1] بهم من المسلمين ثلاثة أيّام، و لا يغشوا مسلما(1).

و شرط على نصارى نجران إقراء رسله عشرين ليلة فما دونها، و عارية ثلاثين فرسا و ثلاثين بعيرا و ثلاثين درعا مضمونة إذا كان حدث باليمن(2).

و لأنّ الحاجة تدعو إليه، و ربّما امتنعوا من مبايعة المسلمين معاندة و إضرارا.

و لو لم يشترط الضيافة، لم تكن واجبة - و به قال الشافعي(3) - للأصل. و لأنّ أصل الجزية إنّما تثبت بالتراضي، فالضيافة أولى.

و قال بعض العامّة: تجب بغير شرط(4).

و تجوز لجميع الطارقين، و لا تختصّ بأهل الفيء، خلافا لبعض الشافعيّة أنّه لا تجوز لغير المجاهدين(5).

و يجب أن تكون الضيافة زائدة على أقلّ ما يجب عليهم من الجزية - و هو أحد قولي الشافعي(6) - فإنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله شرط زيادة على الدينار الضيافة(7). و الدينار عنده مقدار [2] الجزية(8). و لأنّه لو شرط الضيافة من3.

ص: 307


1- سنن البيهقي 195:9، الحاوي الكبير 303:14، المغني 570:10، الشرح الكبير 599:10.
2- الأموال - لأبي عبيد -: 201-503.
3- المغني 570:10، الشرح الكبير 599:10.
4- المغني 570:10، الشرح الكبير 599:10.
5- الحاوي الكبير 304:14، العزيز شرح الوجيز 523:11، روضة الطالبين 502:7.
6- الحاوي الكبير 303:14-304، حلية العلماء 699:7-700، العزيز شرح الوجيز 523:11، روضة الطالبين 502:7.
7- راجع المصادر المذكورة في الهامش (2).
8- راجع المصادر المذكورة في الهامش (4) من ص 303.

الجزية و لم يمرّ بهم أحد، خرج الحول بغير جزية.

و الثاني للشافعي: تحتسب من الدينار الذي هو قدر الجزية عنده(1)(2).

و يجب أن تكون الضيافة المشترطة معلومة بأن يكون عدد من يطعمونه من المسلمين في كلّ سنة معلوما. و يكون أكثر الضيافة لكلّ أحد ثلاثة أيّام.

و الأقرب عندي: جواز الزيادة مع الشرط.

و يجب أن يعيّن القوت قدرا و جنسا، و عطف الدوابّ كذلك. و لا يكلّفوا الذبيحة، و لا الضيافة بأرفع من طعامهم، إلاّ مع الشرط.

و ينبغي أن تكون الضيافة على قدر الجزية، فيكثرها على الغني، و يقلّلها على الفقير، و يوسّطها على المتوسّط.

و ينبغي أن يكون نزول المسلمين في فواضل منازلهم و في بيعهم و كنائسهم. و يؤمرون بأن يوسّعوا أبواب البيع و الكنائس، و أن يعلوها ليدخلها المسلمون ركبانا، فإن لم تسعهم بيوت الأغنياء، نزلوا في بيوت الفقراء و لا ضيافة عليهم. و إن لم تسعهم، لم يكن لهم إخراج أهلها منها.

و من سبق إلى منزل، كان أحقّ به، و لو اجتمعوا، فالقرعة.

و إذا شرطت الضيافة و امتنع بعضهم منها، اجبر عليها [1]. و لو امتنع الجميع [2]، قهروا و قوتلوا مع الحاجة، فإن قاتلوا، نقضوا العهد و خرقوا7.

ص: 308


1- راجع المصادر المذكورة في الهامش (4) من ص 303.
2- الحاوي الكبير 304:14، حلية العلماء 700:7، العزيز شرح الوجيز 11: 523، روضة الطالبين 502:7.

الذمّة، فإن طلبوا منه بعد ذلك العقد على أقلّ ما يراه الإمام أن يكون جزية لهم، لزمه إجابتهم، و لا يتعيّن الدينار.

مسألة 181: مع أداء الجزية لا يؤخذ سواها، سواء اتّجروا في بلاد الإسلام أو لم يتّجروا،
اشارة

إلاّ في أرض الحجاز على ما يأتي - و به قال الشافعي(1) - لقوله تعالى حَتّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ (2) جعل إباحة الدم ممتدّا إلى إعطاء الجزية، و ما بعد الغاية يخالف ما قبلها.

و ما رواه العامّة من قوله عليه السّلام: «فادعهم إلى الجزية (فإن أطاعوك فاقبل منهم) [1] و كفّ عنهم»(3).

و من طريق الخاصّة: رواية محمد بن مسلم - في الصحيح - عن الباقر عليه السّلام في أهل الجزية أ يؤخذ من أموالهم و مواشيهم شيء سوى الجزية ؟ قال:

«لا»(4).

و قال أحمد: إذا خرج من بلده إلى أيّ بلد كان من بلاد الإسلام تاجرا، أخذ منه نصف العشر، لقوله عليه السّلام: «ليس على المسلمين عشور، إنّما العشور على اليهود و النصارى»(5)(6).

ص: 309


1- الوجيز 201:2، العزيز شرح الوجيز 532:11، روضة الطالبين 507:7، المغني 588:10، الشرح الكبير 615:10.
2- التوبة: 29.
3- صحيح مسلم 1357:3-3، سنن أبي داود 37:3-2612، سنن ابن ماجة 2: 953-954-2858، مسند أحمد 483:6-22469، و 492-22521 بتفاوت يسير.
4- الكافي 568:3-7، الفقيه 28:2-99، التهذيب 118:4-339.
5- سنن البيهقي 199:9 و 211، المصنّف - لابن أبي شيبة - 197:3، مسند أحمد 569:6-22972.
6- المغني 588:10، الشرح الكبير 615:10، الكافي في فقه الإمام أحمد 4: 182.

و يحتمل أن يطلق لفظ العشور على الجزية، أو يحمل على المتّجرين بأرض الحجاز.

تذنيب: مصرف الجزية هو مصرف الغنيمة سواء،

لأنّه مال أخذ بالقهر و الغلبة، فكان مصرفه المجاهدين، كغنيمة دار الحرب.

مسألة 182: اختلف 1 في الصّغار.

فقال ابن الجنيد: إنّه عبارة عن أن يشترط عليهم وقت العقد إجراء أحكام المسلمين عليهم إذا كانت الخصومات بينهم و بين المسلمين أو تحاكموا [2] إلينا في خصوماتهم، و أن تؤخذ منهم و هم قيام على الأرض.

[و] [3] قال الشيخ رحمه اللّه: الصّغار التزام أحكامنا و إجراؤها [4] عليهم(1).

و قال الشافعي: هو أن يطأطئ رأسه عند التسليم، فيأخذ المستوفي بلحيته و يضربه في لهازمه [5]، و هو واجب في أحد قوليه حتى لو وكّل مسلما بالأداء لم يجز. و إن ضمن المسلم الجزية، لم يصحّ. لكن يجوز إسقاط هذه الإهانة مع اسم الجزية عند المصلحة بتضعيف الصدقة. و يجوز ذلك مع العرب و العجم. فيقول الإمام: أبدلت الجزية بضعف الصدقة، فيكون ما يأخذه جزية باسم الصدقة. فيأخذ من خمس من الإبل شاتين، و من خمس و عشرين بنتي مخاض، و ممّا سقت السماء الخمس، و من مائتي درهم

ص: 310


1- المبسوط - للطوسي - 43:2.

عشرة دراهم، و من عشرين دينارا دينارا، و يأخذ من ستّ و ثلاثين بنتي لبون، فإن لم تكن، فبنتي مخاض، و مع كلّ واحدة شاتان أو عشرون درهما. و لا يضعّف الجبران ثانيا. و الإمام أيضا يعطي الجبران.

و هل يحطّ عنهم الوقص ؟ فيه ثلاثة أوجه له: أحدها: لا يحطّ فيأخذ من عشرين شاة شاة، و من مائة درهم خمسة. و الثاني: يحطّ. و الثالث:

لا يحطّ إلاّ إذا أدّى إلى التجزئة، فيأخذ من سبع [1] من الإبل و نصف ثلاث شياه.

ثمّ على الإمام أن ينظر فيما يحصل من الصدقة، فإن لم يف بمال الجزية إذا قوبل بعدد رءوسهم، زاد إلى ثلاثة أضعاف و زيادة، و له أن يقنع بنصف الصدقة [و] [2] إن كان وافيا.

قال الشافعي: و يجوز أخذ العشر من بضاعة تجّار أهل الحرب و تجوز الزيادة إن رأى، و النقصان إلى نصف العشر عن الميرة ترغيبا لهم في التكثير من كلّ ما يحتاج إليه المسلمون. و هل يجوز حطّ أصله ؟ خلاف.

و أمّا الذمّيّ فلا يؤخذ من تجارته شيء إلاّ أن يتّجر في الحجاز، ففيه خلاف.

و لا يؤخذ العشر في السنة أكثر من مرّة، و إنّما يؤخذ هذا من الحربيّ إذا دخل بهذا الشرط، فلو دخل بأمان من غير شرط، فأصحّ الوجهين أنّه لا شيء عليهم.

ص: 311

و أمّا الخراج فإنّما يكون إذا قرّرت أملاكهم عليهم بشرط الخراج، و يسقط بالإسلام، فإن ملّكناها عليهم و رددناها بخراج، فذلك اجرة لا تسقط بالإسلام كأراضي العراق(1).

مسألة 183: إذا مات الذمّي بعد الحول، لم تسقط عنه الجزية،

و أخذت من تركته - و به قال الشافعي و مالك(2) - لأنّه مال استقرّ وجوبه عليه في حال حياته، فلا يسقط بالموت، كسائر الديون.

و قال أبو حنيفة: تسقط - و هو قول عمر بن عبد العزيز، و عن أحمد روايتان - لأنّها عقوبة، فسقطت بالموت(3).

و نمنع أنّها عقوبة و إن استلزمتها، بل معاوضة، لأنّها وجبت لحقن الدماء و المساكنة، و الحدّ يسقط بالموت، لفوات محلّه و تعذّر استيفائه، بخلاف الجزية.

و لو مات في أثناء الحول، ففي مطالبته بالقسط نظر أقربه: المطالبة - و به قال ابن الجنيد - لأنّ الجزية معاوضة عن المساكنة، و إنّما أخّرنا المطالبة إرفاقا، و لو لم يمت لم يطالب في أثناء السنة مع عقد العهد على أخذها في آخر السنة، عملا بالشرط.

ص: 312


1- الوجيز 200:2-201.
2- الحاوي الكبير 312:14، حلية العلماء 702:7-703، الوجيز 200:2، العزيز شرح الوجيز 521:11 و 522، المهذّب - للشيرازي - 252:2، روضة الطالبين 501:7، تحفة الفقهاء 308:3، بدائع الصنائع 112:7، المغني 10: 580، الشرح الكبير 597:10.
3- تحفة الفقهاء 308:3، بدائع الصنائع 112:7، حلية العلماء 703:7، الحاوي الكبير 312:14، العزيز شرح الوجيز 521:11، المغني 580:10، الشرح الكبير 597:10، الكافي في فقه الإمام أحمد 174:4.

و تقدّم الجزية على وصاياه. و الوجه: مساواتها للدّين، فتقسّط التركة عليهما مع القصور.

و لو لم يخلّف شيئا، لم يطالب ورثته بشيء.

و لو مات قبل الحول، لم يؤخذ من تركته شيء أيضا.

و لو أفلس، ضرب الإمام مع الغرماء بقدر الجزية.

و لو مات الذمّيّ و قد استسلف منه عن السنة المقبلة، ردّ على ورثته بقدر ما بقي من السنة.

مسألة 184: لو أسلم الذميّ في أثناء الحول، سقطت الجزية إجماعا منّا.

و إن أسلم بعد الحول، قال الشيخان و ابن إدريس: تسقط(1) - و به قال مالك و الثوري و أبو عبيد و أحمد و أصحاب الرأي(2) - لقوله تعالى حَتّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَ هُمْ صاغِرُونَ (3) أوجب الأخذ حالة الصّغار، و لا يتحقّق في حقّ المسلم، فلا تثبت الجزية أيضا.

و لقوله تعالى قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ (4) و هو عامّ.

ص: 313


1- المقنعة: 279، النهاية: 193، المبسوط - للطوسي - 42:2، السرائر: 110.
2- مقدمات - لابن رشد -: 284، التفريع 363:1، الكافي في فقه الإمام أحمد 4: 174، الكافي في فقه أهل المدينة: 217، المغني 578:10، الشرح الكبير 10: 596، المحرّر في الفقه 184:2، تحفة الفقهاء 308:3، بدائع الصنائع 7: 112، الهداية - للمرغيناني - 161:2، حلية العلماء 703:7، العزيز شرح الوجيز 521:11.
3- التوبة: 29.
4- الأنفال: 38.

و قوله عليه السّلام: «ليس على المسلم جزية»(1).

و أسلم ذمّيّ فطولب بالجزية و قيل له: إنّما أسلمت تعوّذا، قال: إنّ في الإسلام معاذا، فرفع إلى عمر، فقال عمر: إنّ في الإسلام معاذا، و كتب أن لا تؤخذ منه الجزية(2).

و لأن الجزية صغار، فلا تؤخذ، كما لو أسلم قبل الحول.

و للشيخ رحمه اللّه قول آخر: لا تسقط(3) ، و به قال الشافعي و أبو ثور و ابن المنذر، لأنّها دين مستحقّ و استحقّت المطالبة به، فلا يسقط بالإسلام، كالخراج و الدين(4).

و الفرق: أنّها عقوبة بسبب الكفر و صغار، بخلاف الدّين.

و لا فرق بين أن يسلم لتسقط عنه الجزية أو لا لذلك.

و فرّق الشيخ رحمه اللّه، فأوجب الجزية على التقدير الأوّل دون الثاني، كما لو زنى ذمّيّ بمسلمة، لا يسقط عنه القتل بإسلامه(5).

و لو أسلم في أثناء الحول، سقطت عنه الجزية، و هو أحد قولي4.

ص: 314


1- سنن أبي داود 171:3-3053، سنن الدار قطني 156:4 و 157-6 و 7، المصنّف - لابن أبي شيبة - 197:3، مسند أحمد 368:1-1950.
2- الأموال - لأبي عبيد -: 52-122، المغني 579:10، الشرح الكبير 10: 597.
3- الخلاف 547:5، المسألة 11.
4- المهذّب - للشيرازي - 252:2، التنبيه: 238، حلية العلماء 702:7، الحاوي الكبير 315:14، الأحكام السلطانية - للماوردي -: 145، الوجيز 200:2، العزيز شرح الوجيز 521:11، روضة الطالبين 501:7، تحفة الفقهاء 308:3، بدائع الصنائع 112:7، المغني 578:10، الشرح الكبير 596:10.
5- التهذيب 135:4.

الشافعي(1). و الثاني: يؤخذ منه القسط(2).

و لو استسلف منه [الجزية] [1] ثمّ أسلم في أثناء الحول، ردّ عليه قسط باقي الحول.

و هل يردّ لما مضى ؟ الأقرب: عدمه.

و الفرق بين أن يأخذ منه و أن لا يأخذ ظاهر، لتحقّق الصّغار للمسلم في الثاني دون الأوّل.

البحث الثالث: فيما يشترط على أهل الذمّة
مسألة 185: لا يجوز عقد الذمّة المؤبّدة إلاّ بشرطين:

التزام إعطاء الجزية في كلّ حول، و التزام أحكام الإسلام بمعنى وجوب قبولهم لما يحكم به المسلمون من أداء حقّ أو ترك محرّم.

و عقد الذمّة و الهدنة لا يصحّ إلاّ من الإمام أو نائبه إجماعا.

و لو شرط عليهم في الذمّة [شرطا] [2] فاسدا، مثل أن لا جزية عليهم، و أن يظهروا المناكير، أو أن يسكنوا الحجاز، أو يدخلوا الحرم أو المساجد، أو

ص: 315


1- المهذّب - للشيرازي - 252:2، التنبيه: 238، الوجيز 200:2، العزيز شرح الوجيز 521:11، الحاوي الكبير 315:14، روضة الطالبين 501:7، معالم السنن - للخطابي - 255:4.
2- مختصر المزني: 277، الحاوي الكبير 313:14 و 315، المهذّب - للشيرازي - 252:2، التنبيه: 238، العزيز شرح الوجيز 521:11، روضة الطالبين 7: 501، المغني 578:10، الشرح الكبير 596:10.

عدم الالتزام بأحكام الإسلام، لم يصحّ الشرط إجماعا. و الأقرب: فساد العقد أيضا.

و ينبغي للإمام أن يشترط عليهم كلّ ما فيه نفع المسلمين و رفعتهم.

قال ابن الجنيد: اختار أن يشترط عليهم أن لا يظهروا سبّا لنبيّنا عليه السّلام، و لا لأحد من الأنبياء و الملائكة، و لا سبّ أحد من المسلمين، و لا يطعنوا في شيء من الشرائع، و لا يظهروا شركهم في عيسى و العزير، و لا يرعون خنزيرا في شيء من أمصار الإسلام، و لا يمثلوا ببهيمة و لا يذبحوها إلاّ من حيث نصّ لهم في كتبهم على مذبحها، و لا يقرّبوها لصنم و لا لشيء من المخلوقات، و لا يربوا [1] مسلما، و لا يعاملوه في بيع و لا إجارة و لا مساقاة و لا مزارعة معاملة لا يجوز للمسلمين، و لا يسقوا مسلما خمرا، و لا يعطوه محرّما، و لا يقاتلوا مسلما، و لا يعاونوا باغيا، و لا ينقلوا أخبار المسلمين إلى أعدائهم، و لا يدلّوا على عوراتهم، و لا يحيوا من بلاد المسلمين [2] شيئا إلاّ بإذن و إليهم، فإن فعلوا، كان للوالي إخراجه من أيديهم، و لا ينكحوا مسلمة بعقد و لا غيره، و يشترط عليهم أيضا كلّ ما قلنا إنّه ليس بجائز لهم فعله، كدخول الحرم، و سكنى الحجاز، و غيرهما، يقال [3]: فمن فعل شيئا من ذلك فقد نقض عهده، و أحلّ دمه و ماله، و برئت منه ذمّة اللّه و ذمّة رسوله [4] و المؤمنين.

مسألة 186: جملة ما يشترط على أهل الذمّة ينقسم ستّة:
اشارة

ص: 316

الأوّل: ما يجب شرطه، و لا يجوز تركه،

و هو أمران: أحدهما:

شرط الجزية عليهم، و ثانيهما: التزام أحكام الإسلام، و لا بدّ منهما معا لفظا و نطقا، و لا يجوز الإخلال بهما و لا بأحدهما، فإن أغفل أحدهما، لم تنعقد الجزية، لقوله تعالى حَتّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَ هُمْ صاغِرُونَ (1) و الصّغار هو التزام أحكام الإسلام.

و لقول الصادق عليه السّلام: «و لو منع [1] الرجال و أبوا أن يؤدّوا الجزية، كانوا ناقضين للعهد، و حلّت دماؤهم و قتلهم»(2).

الثاني: ما لا يجب شرطه لكنّ الإطلاق يقتضيه،

و هو: أن لا يفعلوا ما ينافي الأمان من العزم على حرب المسلمين أو إمداد المشركين بالإعانة على حرب المسلمين، لأنّهم إذا قاتلونا، وجب علينا قتالهم، و هو ضدّ الأمان.

و هذان القسمان ينتقض العهد بمخالفتهما، سواء شرط ذلك في العقد أو لا.

الثالث: ما ينبغي اشتراطه فيما يجب عليهم الكفّ،

و هو سبعة: ترك الزنا بالمسلمة و عدم إصابتها باسم النكاح، و أن لا يفتنوا مسلما عن دينه، و لا يقطع عليه الطريق، و لا يؤوي عين المشركين، و لا يعين على المسلمين بدلالة أو بكتابة كتاب إلى أهل الحرب بأخبار المسلمين و يطلعهم على عوراتهم، و لا يقتلوا مسلما و لا مسلمة، فإن فعلوا شيئا من ذلك و كان تركه شرطا في العقد، نقضوا العهد، و إلاّ فلا.

ص: 317


1- التوبة: 29.
2- الكافي 29:5-6، الفقيه 28:2-102، التهذيب 156:6-277.

ثمّ إن أوجب ما فعلوه حدّا، حدّهم الإمام، و إن لم يوجبه، عزرهم بحسب ما يراه.

و للشافعي قول آخر: إنّه لا يكون نقضا للعهد مع الشرط، لأنّ كلّ ما لا يكون فعله نقضا للعهد [1] إذا لم يشترط [2] لم يكن نقضا و إن اشترط [3]، كإظهار الخمر و الخنزير(1).

و نمنع الكلّية و ثبوت الحكم في الأصل.

و قال أبو حنيفة: لا ينتقض العهد إلاّ بالامتناع من الإمام على وجه يتعذّر معه أخذ الجزية منهم(2).

و ليس بجيّد، لأنّ الأمان وقع على هذا الشرط، فيبطل ببطلانه.

و لأنّ عمر رفع إليه رجل قد أراد استكراه امرأة مسلمة على الزنا، فقال: ما على هذا صالحناكم. ثمّ أمر به فصلب في بيت المقدس(3).

الرابع: ما فيه غضاضة على المسلمين،

و هو ذكر ربّهم أو كتابهم أو نبيّهم أو دينهم بسوء.

فإن نالوا بالسبّ للّه تعالى أو رسوله، وجب قتلهم، و كان نقضا للعهد.

و إن نالوا بدون السبّ أو ذكروا دين الإسلام أو كتاب اللّه تعالى بما

ص: 318


1- المهذّب - للشيرازي - 258:2، التنبيه: 239، الوسيط 85:7، حلية العلماء 711:7، الحاوي الكبير 317:14-318، العزيز شرح الوجيز 547:11، روضة الطالبين 516:7.
2- المغني 598:10، الشرح الكبير 623:10.
3- المغني 599:10، الشرح الكبير 623:10.

لا ينبغي، فإن كان قد شرط عليهم الكفّ عن ذلك، كان نقضا للعهد، و إلاّ فلا.

و قال بعض الشافعيّة: يجب شرط ذلك، فإن أهمل، فسد عقد الذمّة، لأنّه ممّا يقتضيه الصّغار(1).

الخامس: ما يتضمّن المنكر و لا ضرر فيه على المسلمين،

و هو: أن لا يحدثوا كنيسة و لا بيعة في دار الإسلام، و لا يرفعوا أصواتهم بكتبهم، و لا يضربوا الناقوس، و لا يطيلوا أبنيتهم على بناء المسلمين، و لا يظهروا خمرا و لا خنزيرا في دار الإسلام. فهذا كلّه يجب عليهم الكفّ عنه، سواء شرط عليهم أو لا، فإن خالفوا و كان مشروطا عليهم، انتقض أمانهم، و إلاّ فلا، بل يجب الحدّ أو التعزير، لما رواه العامّة عن عمر، قال: من ضرب مسلما عمدا فقد خلع عهده(2).

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السّلام - في الصحيح -: «إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قبل الجزية من أهل الجزية [1] على أن لا يأكلوا الربا، و لا يأكلوا لحم الخنزير، و لا ينكحوا الأخوات و لا بنات الأخ، فمن فعل ذلك منهم برئت منه ذمّة اللّه و ذمّة رسوله(3) صلّى اللّه عليه و آله، و قال: ليست لهم اليوم ذمّة»(4).

و لأنّه عقد منوط بشرط، فمتى لم يوجد الشرط زال حكم العقد، كما لو امتنع من التزام قبول الجزية.

ص: 319


1- انظر: المهذّب - للشيرازي - 258:2، و حلية العلماء 712:7.
2- المغني 597:10، الشرح الكبير 623:10.
3- في التهذيب و الطبعة الحجريّة: رسول اللّه.
4- الفقيه 27:2-97، التهذيب 158:6-284.

و قال الشيخ رحمه اللّه: لا يكون نقضا للعهد و إن شرط عليهم(1). و به قال الشافعي(2).

قال بعض أصحابه: إنّما لا يكون نقضا، لأنّه لا ضرر على المسلمين فيه(3).

و قال آخرون: لا يكون نقضا، لأنّهم يتديّنون به(4).

إذا عرفت هذا، فكلّ موضع قلنا: إنّه ينتقض عهدهم فأوّل ما يعمل أنّه يستوفي منهم موجب الجرم، ثمّ بعد ذلك يتخيّر الإمام بين القتل و الاسترقاق و المنّ و الفداء.

و يجوز له أن يردّهم إلى مأمنهم في دار الحرب و يكونوا حربا لنا يفعل ذلك ما يراه صلاحا للمسلمين، قاله الشيخ(5) رحمه اللّه.

و للشافعي قولان:

أحدهما: أنّه يردّ إلى مأمنه، لأنّه دخل دار الإسلام بأمان، فوجب ردّه، كما لو دخل بأمان صبي.

و الثاني: يكون للإمام قتله و استرقاقه، لأنّه كافر لا أمان له، فأشبه الحربيّ المتلصّص(6). و هو الأقرب عندي، لأنّه فعل ما ينافي الأمان، بخلاف من أمّنه صبي، فإنّه يعتقده أمانا.7.

ص: 320


1- المبسوط - للطوسي - 44:2.
2- المهذب - للشيرازي - 258:2، روضة الطالبين 515:7، منهاج الطالبين: 314، العزيز شرح الوجيز 545:11.
3- المهذّب - للشيرازي - 258:2، العزيز شرح الوجيز 545:11.
4- المهذّب - للشيرازي - 258:2، العزيز شرح الوجيز 545:11.
5- المبسوط - للطوسي - 44:2.
6- المهذّب - للشيرازي - 258:2، حلية العلماء 712:7-713، العزيز شرح الوجيز 549:11-550، روضة الطالبين 517:7.
السادس: التميز عن المسلمين.

و ينبغي للإمام أن يشترط عليهم في عقد الذمّة التميز عن المسلمين في أربعة أشياء: في لباسهم، و شعورهم، و ركوبهم، و كناهم.

أمّا اللباس: فيلبسوا ما يخالف لونه سائر ألوان الثياب، فعادة اليهود:

العسلي، و عادة النصارى: الأدكن، و المجوس: الأسود. و يكون هذا في ثوب واحد لا في الجميع. و يأخذهم بشدّ الزنّار في وسط النصراني فوق الثياب، و اليهودي بوضع [1] خرقة فوق عمامته أو قلنسوته تخالف في اللون. و يجوز أن يلبسوا العمائم و الطيلسان، فإن لبسوا قلانس [2]، شدّوا في رأسها علما ليخالف قلانس القضاة، و يختم في رقبته خاتم رصاص أو نحاس أو حديد لا من ذهب و فضّة، أو يضع فيه جلجلا أو جرسا ليمتاز به عن المسلمين في الحمّام. و كذا يأمر نساءهم بلبس شيء يفرق بينهنّ و بين المسلمات من شدّ الزنّار تحت الإزار. و يختم في رقبتهنّ. و يغيّروا أحد الخفّين، فيكون أحدهما أحمر و الآخر أبيض. و لا يمنعون من لبس فاخر الثياب.

و أمّا الشعور: فلا يفرّقون شعورهم، لأنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله فرّق شعره(1).

و يحذفون مقاديم رءوسهم، و يجزّون شعورهم.

و أمّا الركوب: فلا يركبون الخيل، لأنّه عزّ. و يركبون ما عداها بغير

ص: 321


1- صحيح مسلم 1817:4-1818-2336، سنن النسائي 184:8، الموطأ 2: 948-3.

سرج. و يركبون عرضا، رجلاه إلى جانب و ظهره إلى آخر. و يمنعون تقليد السيوف و حمل السلاح و اتّخاذه.

و أمّا الكنى: فلا يتكنّوا بكنى المسلمين، كأبي القاسم، و أبي عبد اللّه، و أبي محمد، و أبي الحسن، و شبهها. و لا يمنعون من جميع الكنى، فإنّ [1] النبي صلّى اللّه عليه و آله قال لأسقف نجران: «أسلم أبا الحارث»(1).

مسألة 187: من انتقض أمانه،

يتخيّر الإمام فيه بين المنّ و القتل و الاسترقاق و الفداء على ما بيّنّاه. فإن أسلم قبل اختيار الإمام، سقط ذلك كلّه إلاّ ما يوجب حدّا أو قودا أو استعادة مال.

قال الشيخ رحمه اللّه: فإنّ أصحابنا رووا أنّ إسلامه لا يسقط عنه الحدّ(2) ، لأنّه حقّ ثبت في ذمّته فلا يسقط بإسلامه، كالدّين.

و لو أسلم بعد استرقاقه، لم ينفعه في ترك الاسترقاق، و كذا المفاداة.

و أمّا المستأمن - و هو المعاهد في عرف الفقهاء - فهو الذي له أمان بغير ذمّة، فللإمام أن يؤمنه دون الحول بعوض و غيره. و لو أراد إقامة حول، وجب العوض.

فإذا عقد له الأمان، فإن خاف منه الإمام الخيانة بإيواء عين المشركين و شبهه، نبذ الإمام إليه الأمان، و يردّه إلى دار الحرب، لقوله تعالى وَ إِمّا تَخافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلى سَواءٍ (3) بخلاف أهل الذمّة، فإنّه لا تنقض ذمّتهم بخوف الخيانة، لالتزامهم بأحكام الإسلام من الحدود

ص: 322


1- المصنّف - لعبد الرزّاق - 316:10-19220، المغني 610:10، الشرح الكبير 606:10.
2- المبسوط - للطوسي - 44:2.
3- الأنفال: 58.

و غيرها، فيكون ذلك مانعا لهم عن الخيانة و المعاهدون لا يلزمهم حدّ و لا عقوبة، فلا زاجر لهم عن الخيانة، فجاز لنا نبذ عهدهم مع خوف الخيانة.

و ينبغي للإمام إذا عقد الذمّة أن يكتب أسماءهم و أسماء آبائهم و عددهم و حليتهم، و يعرّف على كلّ عشرة منهم عريفا ليحفظ من يدخل فيهم و يخرج عنهم كأن يبلغ صغير أو يفيق مجنون أو يقدم غائب أو يسلم واحد أو يموت، و يجبي جزيتهم. و إن تولاّه بنفسه، جاز.

مسألة 188: لا يجوز أخذ الجزية ممّا لا يسوغ للمسلمين تملّكه،

كالخمر و الخنزير إجماعا. نعم، يجوز أخذها من ثمن ذلك، فلو باع ذمّيّ خمرا أو خنزيرا [1] على ذمّيّ و قبض الثمن، جاز أخذه من الجزية، لأنّا عقدنا الذمّة على تديّنهم بدينهم.

و لأنّ محمد بن مسلم سأل الصادق عليه السّلام - في الصحيح - عن صدقات أهل الذمّة و ما يؤخذ من جزيتهم من ثمن خمورهم و لحم خنازيرهم و ميتتهم، قال: «عليهم الجزية في أموالهم تؤخذ من ثمن لحم الخنزير أو الخمر، و كلّما أخذوا منهم من ذلك فوزر ذلك عليهم، و ثمنه للمسلمين حلال يأخذونه في جزيتهم»(1).

و إذا عقد لهم الذمّة، عصموا أنفسهم و أموالهم و أولادهم الأصاغر من القتل و الصبي و النهب ما داموا على الذمّة، و لا يتعرّض لكنائسهم و خمورهم و خنازيرهم ما لم يظهروها.

ص: 323


1- الكافي 568:3-5، الفقيه 28:2-100، التهذيب 113:4-114-333 بتفاوت يسير.

و لو ترافعوا إلينا في خصوماتهم، تخيّر الحاكم بين الحكم عليهم بمقتضى شرع الإسلام و بين ردّهم إلى حاكمهم.

و من أراق من المسلمين لهم خمرا أو قتل خنزيرا، فإن كان مع تظاهرهم، فلا شيء عليه، و إلاّ وجب عليه قيمته عند مستحليه.

و إذا مات الإمام و قد ضرب لما قرّره من الجزية أمدا معيّنا أو اشترط الدوام، وجب على القائم بعده إمضاء ذلك إجماعا، لأنّ الإمام معصوم. أمّا نائبه: فلو قرّرهم ثمّ مات المنوب فإن كان ما قرّره صوابا، وجب اتّباعه، و إلاّ فسخ.

إذا ثبت هذا، فإنّ الثاني ينظر في عقدهم، فإن كان صحيحا، أقرّهم عليه، لأنّه مؤبّد. و إن كان فاسدا، غيّره إلى الصحّة، لأنّه منصوب لمصالح المسلمين.

ثمّ إن كان ما عقده الأوّل ظاهرا معلوما، اتّبع، و إن لم يكن معلوما و شهد عدلان به، عمل عليه، و لا تقبل شهادة بعضهم على بعض.

فإن اعترفوا بالجزية و كانت دون الواجب، لم يلتفت إليهم، و طالبهم بالواجب، فإن بذلوه، و إلاّ ردّهم إلى مأمنهم. و إن اعترفوا بالواجب، أقرّهم عليه. و إن اتّهمهم في الزائد، حلّفهم.

و لو قيل باستئناف العقد معهم، لأنّ عقد الأوّل لم يثبت عنده، كان حسنا.

مسألة 189: قد بيّنّا أنّ أقلّ الجزية دينار عند بعض علمائنا قدره اثنا عشر درهما نقرة مسكوكة أو مثقال.

و الدينار في غير الجزية يقابل بعشرة دراهم.

و للإمام أن يماكس بالزيادة ما شاء. و لو لم يبذل إلاّ الدينار، وجب

ص: 324

القبول. و لو بذل الزيادة ثمّ علم عدم الوجوب، لم ينفعه، كالشراء بالعين، إلاّ أن ينبذ العهد ثمّ يرجع إلى بذل دينار.

و قيل: ينفع، كما يجوز ابتداء العقد به(1).

و قال بعض الشافعيّة: الأصل في الجزية الدينار، و لا يقبل الدراهم إلاّ بالسعر و القيمة، كما يجعل أصل نصاب الفضّة ربع دينار، و تقوّم النقرة بالذهب كالسّلع، و لا يجب على الإمام أن يخبرهم عن أقلّ ما يجب عليهم(2).

و على القول بعدم قبول الدينار لو التزموا بالزيادة أوّلا مع جهلهم بعدم اللزوم يكونون ناقضين للعهد عند بعض الشافعيّة(3) ، كما لو امتنعوا من أداء أصل الجزية. و حينئذ يبلغون المأمن أو يقتلون ؟ للشافعي قولان(4).

فإن قلنا: يبلغون، فعادوا فطلبوا العهد [1] بدينار، أجيبوا إليه.

ثمّ إن كان النبذ بعد مضي سنة، لزمه ما التزمه بتمامه. و إن كان في أثناء السنة، لزمه لما مضى قسطه ممّا التزم.

و إذا ضرب على الفقير دينارا، و على المتوسّط دينارين، و على الغني أربعة، كان الاعتبار في هذه الأحوال بوقت الأخذ لا بوقت العقد.

و لو قال بعضهم: أنا فقير أو متوسّط، قبل قوله إلاّ أن تكذّبه البيّنة.

مسألة 190: إذا شرطت الضيافة عليهم ثمّ رأى الإمام نقلها

إلى

ص: 325


1- العزيز شرح الوجيز 520:11، روضة الطالبين 500:7.
2- العزيز شرح الوجيز 519:11، روضة الطالبين 500:7.
3- العزيز شرح الوجيز 520:11، روضة الطالبين 500:7.
4- العزيز شرح الوجيز 520:11، روضة الطالبين 500:7.

الدنانير، لم يجز إلاّ برضاهم، لأنّ الضيافة قد تكون أهون عليهم. و هو أحد قولي الشافعي(1).

و الثاني: يجوز، لأنّ الأصل الدنانير(2).

فعليه إذا ردّت إلى الدنانير، فهل تكون في المصالح العامّة أو تختصّ بأهل الفيء؟ للشافعيّة وجهان، أظهرهما: الثاني، لأنّ القياس في الضيافة الاختصاص أيضا إلاّ أنّ الحاجة اقتضت التعميم، فإذا ردّت إلى الأصل، ثبت الاختصاص، كما في الدينار المضروب ابتداء(3).

و إنّما تشترط الضيافة على الغني و المتوسّط، دون الفقير - و هو أحد وجهي الشافعيّة(4) - لأنّه قد يتعسّر القيام بها. و الثاني: يجوز كالجزية(5).

و على القول بأنّ الضيافة من الجزية يجوز اشتراطها عليه لكن لا يزاد على دينار.

و لو أراد الضيف أن يأخذ منهم ثمن الطعام، لم يلزم. نعم، له أن يأخذ الطعام و يذهب به و لا يأكل عندهم، بخلاف طعام الوليمة، فإنّه لا يجوز إخراجه، لأنّ تلك معاوضة و الوليمة تكرمة.

و لا يطالبهم بطعام الثلاثة في اليوم الأوّل. و لو لم يأتوا بطعام اليوم فللضيف المطالبة به من الغد إن جعلنا الضيافة محسوبة من الدينار.

و لا يلزمهم اجرة الطبيب و الحمّام و ثمن الدواء.

و لو تنازعوا في إنزال الضيف، فالخيار له. و لو تزاحم الضيفان على واحد7.

ص: 326


1- الوجيز 200:2، العزيز شرح الوجيز 523:11، روضة الطالبين 7: 502.
2- الوجيز 200:2، العزيز شرح الوجيز 523:11، روضة الطالبين 7: 502.
3- العزيز شرح الوجيز 524:11، روضة الطالبين 502:7.
4- العزيز شرح الوجيز 524:11، روضة الطالبين 502:7.
5- العزيز شرح الوجيز 524:11، روضة الطالبين 502:7.

من أهل الذمّة، فالخيار للذمّي. و ليكن للضيفان عريف [1] يرتّب أمورهم.

و إذا دفع الذمّيّ الجزية، أخرج يده من جيبه و حنى ظهره و طأطأ رأسه و صبّ ما معه في كفّة الميزان، و يأخذ المستوفي بلحيته، و يضرب في لهزمتيه. و اللّهزمتان في اللّحيين: مجتمع اللحم بين الماضغ و الاذن. و يكفي الضرب في أحد الجانبين و لا يراعى الجمع بينهما بالهيئة المذكورة.

و هل هي واجبة أو مستحبّة ؟ وجهان(1). و ينبني عليهما جواز أن يوكّل الذمّي مسلما بأداء الجزية، و أن يضمن مسلم عن ذمّي، و أن يحيل الذمّيّ على مسلم.

و لو وكّل الذمّيّ ذمّيّا بالأداء، قال الجويني: الوجه طرد الخلاف، لأنّ كلّ واحد منهم يثبت معنى الصّغار في نفسه(2).

و لو وكّل مسلما بعقد الذمّة، جاز، فإنّ الصّغار يثبت عند الأداء دون العقد.

مسألة 191: قد بيّنّا الخلاف فيما لو امتنع قوم من أهل ذمّة الكتاب من أداء الجزية باسمها و بدّلوا أداءها باسم الصدقة،

فقال الشافعي و أبو حنيفة:

يجوز(3). و قال مالك: لا يجوز(4).

و هل تسقط عنهم الإهانة حينئذ؟ منع بعضهم منه(5).

ص: 327


1- الوجهان للشافعيّة، انظر: العزيز شرح الوجيز 527:11، و روضة الطالبين 504:7.
2- العزيز شرح الوجيز 527:11، روضة الطالبين 504:7.
3- المهذّب - للشيرازي - 251:2، الحاوي الكبير 347:14، العزيز شرح الوجيز 11: 528، روضة الطالبين 505:7، المغني 581:10-582، الشرح الكبير 582:10.
4- انظر: العزيز شرح الوجيز 528:11.
5- انظر: العزيز شرح الوجيز 528:11.

و لا فرق في جواز التبديل بين العرب و العجم، فإنّ الحاجة و اقتضاء الصدقة [1] لا يختلف.

و عند الشافعي لا تؤخذ من مال الصبيان و المجانين و النساء، لأنّها جزية في الحقيقة(1) و قال أبو حنيفة: يجوز أخذها من النساء(2).

و ينظر الإمام في تضعيف الصدقة، فإن نقص عن الجزية، زاد إلى ثلاثة أضعاف و أكثر.

و لو كثروا و عسر العدد ليعلم الوفاء، ففي جواز الأخذ بغالب الظنّ وجهان، و الظاهر عند الشافعي المنع، و أنّه لا بدّ و أن يتحقّق أخذ دينار من كلّ رأس(3).

و يجوز الاقتصار على تضعيف الصدقة إذا حصل الوفاء.

و لو شرط [2] ضعف الصدقة و زاد على دينار عن كلّ واحد ثمّ سألوا إسقاط الزيادة و إعادة اسم الجزية، أجيبوا إليه، لأنّ الزيادة أثبتت لتغيّر.

الاسم.

و للشافعيّة وجه آخر: أنّهم لا يجابون إليه(4).7.

ص: 328


1- الحاوي الكبير 347:14، العزيز شرح الوجيز 529:11، روضة الطالبين 7: 505، المغني 582:10، الشرح الكبير 583:10.
2- الحاوي الكبير 347:14، العزيز شرح الوجيز 529:11، المغني و الشرح الكبير 582:10.
3- العزيز شرح الوجيز 529:11، روضة الطالبين 505:7.
4- الحاوي الكبير 348:14، العزيز شرح الوجيز 529:11، و انظر: روضة الطالبين 506:7.

و من ملك مائتين من الإبل، أخذ منه [1] ثمان حقاق أو عشر بنات لبون.

و لا يفرق بأخذ أربع حقاق و خمس بنات لبون، كما لا يفرق في الصدقة عند الشافعي(1).

و يأخذ من ستّين من البقر أربع تبيعات لا ثلاث مسنّات، و لا يجعل كأنّه ملك مائة و عشرين من البقر، كما لا يجعل في مائتين من الإبل كأنّه ملك أربعمائة حتى يجوز التفريق بأخذ أربع حقاق و خمس بنات لبون.

و في تضعيف الجبران عنده وجهان:

أحدهما: يضعّف، فيؤخذ مع [كل بنت مخاض أربع شياه أو أربعون] [2] درهما، لأنّه بعض الصدقة الموجودة.

و أصحّهما: المنع، لما في تضعيف الجبران من تضعيف الضّعف، فيؤخذ مع [كل] [3] بنت مخاض شاتان أو عشرون درهما(2).

و لو لم يوجد في مال صاحب ستّ و ثلاثين بنت لبون، أخذ الإمام حقّتين و يردّ جبرانين.

و لا خلاف بينهم في أنّ الجبران لا يضعّف هنا، و يخرج الإمام الجبران1.

ص: 329


1- العزيز شرح الوجيز 530:11، روضة الطالبين 506:7.
2- العزيز شرح الوجيز 530:11.

من الفيء، كما إذا أخذه، ردّه إلى الفيء(1).

و هل يؤخذ من بعض النصاب قسطه من واجب تمام النصاب، كشاة من عشرين شاة و نصف شاة من عشر؟ فيه للشافعي قولان:

أحدهما: نعم، قضيّة للتضعيف.

و أصحّهما عندهم: المنع، لأنّ الأثر عن عمر ورد في تضعيف ما يجب على المسلم لا في إيجاب ما لا يجب فيه شيء على المسلم(2).

مسألة 192: إذا استأذن الحربيّ في دخول دار الإسلام،

إذن له الإمام إن كان يدخل للرسالة أو حمل ميرة أو متاع تشتد حاجة المسلمين إليه.

و لا يجوز توظيف مال على الرسول و المستجير لسماع كلام اللّه تعالى، فإنّ لهما الدخول من غير إذن.

و إن كان يدخل لتجارة لا تشتدّ الحاجة إليها، فيجوز أن يأذن له، و يشترط عليه عشر ما معه من مال التجارة، لأنّه لمّا ارتفق بالتجارة جعل عليه في مقابلة إرفاقه شيء.

و إنّما يؤخذ العشر من مال التجارة، و لا يعشّر ما معه من ثوب و مركوب.

و للشافعيّة وجهان في أنّه هل يجوز للإمام أن يزيد المشروط على العشر؟ أصحّهما عندهم: الجواز.

و كذا يجوز نقصها، فيردّ العشر إلى نصف العشر فما دون خصوصا فيما تكثر حاجة المسلمين إليه، كالميرة(3).

و لو رأى أن يأذن لهم و يرفع الضريبة أصلا، ففي جوازه وجهان:

ص: 330


1- العزيز شرح الوجيز 530:11، روضة الطالبين 506:7.
2- العزيز شرح الوجيز 530:11، روضة الطالبين 506:7.
3- الوسيط 76:7، العزيز شرح الوجيز 532:11، روضة الطالبين 507:7.

أحدهما: المنع، لئلا يتردّدوا و يرتفقوا بدار الإسلام من غير مال.

و أظهرهما: الجواز لدعاء الحاجة إليه(1).

ثمّ إن شرط الأخذ من تجارة الكافر، أخذ، سواء باع ماله أو لا. و إن شرط الأخذ من الثمن، فلا يؤخذ ما لم يبع.

و أمّا الذمّيّ فله أن يتّجر فيما سوى الحجاز من بلاد الإسلام، و لا يؤخذ من تجارته شيء إلاّ أن يشترط عليه مع الجزية.

ثمّ الذمّيّ في بلد الحجاز كالحربيّ في بلد الإسلام - و لا يؤخذ منهما في كلّ حول إلاّ مرّة واحدة - إذا كان يدور في بلاد الإسلام تاجرا. و يكتب له و للذمّيّ براءة حتى لا يطالب في بلد آخر قبل مضيّ الحول.

و لو رجع الحربيّ إلى دار الحرب ثمّ عاد في الحول، فوجهان:

أحدهما: أنّه يؤخذ في كلّ مرّة، لئلاّ يرتفق بدار الإسلام بلا عوض، بخلاف الذمّيّ، فإنّه في قبضة الإمام.

و الثاني: أنّه لا يؤخذ إلاّ مرّة، لأنّ الضريبة كالجزية(2).

و يتخيّر الإمام فيما يضرب بين أن يستوفيها دفعة واحدة و بين أن يستوفيها في دفعات.

و ما ذكرناه من أخذ المال من تجارة الحربيّ أو الذمّيّ [فيما] [1] إذا شرط عليه ذلك، فأمّا إذا أذن للحربيّ في دخول دار الإسلام أو الذمّيّ في دخول الحجاز بلا شرط، فوجهان:

أحدهما: يؤخذ، حملا للمطلق على المعهود.7.

ص: 331


1- الوسيط 77:7، العزيز شرح الوجيز 532:11، روضة الطالبين 507:7.
2- العزيز شرح الوجيز 533:11، روضة الطالبين 507:7.

و الثاني: المنع، لأنّهم لم يلتزموا(1).

و قال أبو حنيفة: إن كانوا يأخذون من المسلمين إذا دخلوا دارهم تجّارا، أخذ منهم مثل ما يأخذون و إن لم يشترط، و إلاّ فلا يؤخذ منهم(2).

و اعترض عليه بأنّه مجازاة غير الظالم. و لأنّه لو وجب أن نتابعهم في فعلهم، لوجب أن نقتل من أمّنّاه إذا قتلوا من أمّنوه(3).

مسألة 193: إذا صالحنا طائفة من الكفّار على أن تكون أراضيهم لهم

و يؤدّون خراجا عن كلّ جريب في كلّ سنة شيئا، جاز، و يطرد ملكهم.

قال الشافعي: و المأخوذ جزية مصرفه مصرف الفيء، و التوكيل بإعطائه كالتوكيل بإعطاء الجزية(4).

و يشترط أن يكون ما يخصّ كلّ واحد من أهل الجزية قدر دينار إذا وزّع على عدد رءوسهم، و يلزمهم ذلك، زرعوا أو لا.

و لا يؤخذ من أراضي الصبيان و المجانين و النساء.

و لهم بيع تلك الأراضي وهبتها و إجارتها.

و لو استأجر مسلم، فالأجرة للكافر، و الخراج عليه.

و لو باعها من مسلم، انتقل الواجب إلى رقبة البائع، و لا خراج على المشتري.

ص: 332


1- الوسيط 76:7، العزيز شرح الوجيز 533:11، روضة الطالبين 507:7، حلية العلماء 715:7.
2- العزيز شرح الوجيز 533:11، حلية العلماء 716:7، المغني 592:10، الشرح الكبير 616:10.
3- حكى الرافعي الاعتراض عن الشافعيّة في العزيز شرح الوجيز 533:11.
4- الوسيط 77:7، العزيز شرح الوجيز 534:11، روضة الطالبين 508:7.

و عند أبي حنيفة يلزمه الخراج(1).

و قال مالك: لا يصحّ بيعها من مسلم(2).

و لو أسلموا بعد الصلح، سقط عنهم الخراج - خلافا لأبي حنيفة(3) - و عليهم أن يؤدّوا عن الموات الذي يمنعوننا عنه دون ما لا يمنعون عنه.

و لو أحيوا منه شيئا بعد الصلح، لم يلزمهم شيء لما أحيوا إلاّ إذا شرط عليهم أن يؤدّوا عمّا يحيونه.

و لو صالحناهم على أن تكون الأراضي لنا و هم يسكنونها و يؤدّون عن كلّ جريب كذا، فهذا عقد إجارة، و المأخوذ أجرة، فتجب معها الجزية، و لا يشترط أن تبلغ دينارا عن كلّ رأس. و تؤخذ من أراضي النساء و الصبيان و المجانين. و يوكّل المسلم في أدائها. و ليس لهم بيع تلك الأراضي وهبتها، و لهم إجارتها، فإنّ المستأجر يؤجر.

البحث الرابع: في بقايا أحكام المساكن و الأبنية و المساجد.
مسألة 194: قد بيّنّا أنّه لا يجوز للحربيّ دخول دار الإسلام إلاّ بإذن الإمام

خوفا من تضرّر المسلمين بالتجسيس و شراء سلاح و غير ذلك، فإذا أذن لمصلحة كأداء رسالة و تجارة، جاز بعوض و غيره.

فإن دخل بغير أمان، فقال: أتيت لرسالة، قبل قوله، لتعذّر إقامة البيّنة عليه.

ص: 333


1- الهداية - للمرغيناني - 158:2، العزيز شرح الوجيز 534:11.
2- حلية العلماء 730:7، العزيز شرح الوجيز 534:11.
3- الوسيط 78:7، الحاوي الكبير 370:14، العزيز شرح الوجيز 534:11.

و لو قال: أمّنني مسلم، قال الشيخ رحمه اللّه: لا يقبل إلاّ ببيّنة، لإمكان إقامتها(1).

و قال بعض الشافعيّة: يقبل، كما لو قال: لرسالة(2).

و الفرق: إمكان إقامة البيّنة على الثاني دون الأوّل.

و لو دخل و لم يدّع شيئا، كان للإمام قتله و استرقاقه و أخذ ماله، لأنّه حربيّ دخل دارنا بغير أمان و لا عهد، بخلاف الذمّي إذا دخل الحجاز بغير إذن، لأنّ الذمّيّ محقون الدم، فيستصحب الحكم فيه، بخلاف الحربيّ.

مسألة 195: لا يجوز لكافر حربيّ أو ذمّيّ سكنى الحجاز إجماعا،

لقول ابن عباس: أوصى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بثلاثة أشياء، قال: «أخرجوا المشركين من جزيرة العرب، و أجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزهم» (قال:

و سكت عن الثالث) [1].

و قال عليه السّلام: «لا يجتمع دينان في جزيرة العرب»(3).

و المراد بجزيرة العرب في هذه الأخبار الحجاز خاصّة، و نعني بالحجاز مكّة و المدينة و خيبر و اليمامة و ينبع و فدك و مخاليفها [2].

و سمّي حجازا، لأنّه حجز بين نجد و تهامة.

ص: 334


1- المبسوط - للطوسي - 48:2.
2- الحاوي الكبير 340:14، حلية العلماء 715:7، العزيز شرح الوجيز 11: 496، روضة الطالبين 489:7.
3- الموطّأ 892:2-18، سنن البيهقي 208:9، المغني 603:10، الشرح الكبير 612:10.

و جزيرة العرب ما بين عدن إلى ريف العراق طولا، و من جدّة و السواحل إلى أطراف الشام عرضا، قاله الأصمعي و أبو عبيد(1).

و قال أبو عبيدة: هي من حفر أبي موسى [1] إلى اليمن طولا، و من رمل «يبرين» [2] إلى منقطع السماوة عرضا(2).

قال [3] الخليل: إنّما قيل لها جزيرة العرب، لأنّ بحر الحبش و بحر فارس و الفرات أحاطت بها، و نسبت إلى العرب، لأنّها أرضها و مسكنها و معدنها(3).

و إنّما قلنا: إنّ المراد بجزيرة العرب الحجاز خاصّة، لأنّه لولاه لوجب إخراج أهل الذمّة من اليمن، و ليس واجبا، و لم يخرجهم عمر من اليمن و هي من جزيرة العرب، و إنّما أوصى النبي عليه السّلام بإخراج أهل نجران من جزيرة العرب(4) ، لأنّه عليه السّلام صالحهم على ترك الربا، فنقضوا العهد(5).1.

ص: 335


1- غريب الحديث - للهروي - 67:6 «جزر»، سنن البيهقي 209:9، الحاوي الكبير 337:14، العزيز شرح الوجيز 512:11، المغني 604:10، الشرح الكبير 613:10.
2- غريب الحديث - للهروي - 67:2، سنن البيهقي 208:9-209، الحاوي الكبير 337:14، العزيز شرح الوجيز 512:11، المغني 604:10، الشرح الكبير 613:10.
3- العين 62:6 «جزر»، المغني 604:10، الشرح الكبير 613:10.
4- سنن البيهقي 208:9، المصنّف - لابن أبي شيبة - 345:12-13037، مسند أحمد 322:1-1701.
5- سنن أبي داود 167:3-168، الحديث 3041 و ذيله، العزيز شرح الوجيز 514:11.

و يجوز لهم دخول الحجاز بإذن الإمام، و أن يقيموا ثلاثة أيّام، فيجوز (حينئذ أن ينتقل) [1] إلى غيره من بعض مواضع الحجاز، لأنّه لا مانع منه.

و لو مرض بالحجاز، جازت له الإقامة، لمشقّة الانتقال عليه. و لو مات، دفن فيه.

قال الشيخ رحمه اللّه: يجوز له الاجتياز في أرض الحجاز بإذن و غيره(1).

و لو كان له دين، لم يكن له المقام أكثر من ثلاثة أيّام لاقتضائه، بل يوكّل في قبضه.

قال الشيخ رحمه اللّه: و لا يمنعه من ركوب بحر الحجاز، لأنّه ليس بموضع إقامة، و لا له حرمة ببعثة النبي صلّى اللّه عليه و آله منه. و لو كان فيه جزائر و جبال، منعوا من سكناها، و كذا حكم سواحل بحر الحجاز، لأنّها في حكم البلاد(2).

مسألة 196: لا يجوز لهم دخول الحرم لا اجتيازا و لا استيطانا،

قاله الشيخ(3) رحمه اللّه - و به قال الشافعي و أحمد(4) - لقوله تعالى فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ (5) و المراد به الحرم، لقوله تعالى وَ إِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً (6) يريد ضررا بتأخّر الجلب عن الحرم، و لقوله تعالى سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ (7).

ص: 336


1- المبسوط - للطوسي - 48:2.
2- المبسوط - للطوسي - 48:2.
3- المبسوط - للطوسي - 47:2.
4- المهذّب - للشيرازي - 259:2، حلية العلماء 713:7، الحاوي الكبير 14: 334، العزيز شرح الوجيز 515:11، روضة الطالبين 498:7، المغني 10: 605، الشرح الكبير 611:10.
5- التوبة: 28.
6- التوبة: 28.
7- الإسراء: 1.

و قال أبو حنيفة: يجوز [لهم] [1] دخول الحرم و الإقامة فيه مقام المسافر، و لا يستوطنوه، و يجوز لهم دخول الكعبة، لأنّ المنع من الاستيطان لا يمنع الدخول و التصرّف، كالحجاز(1).

و لم نستدلّ نحن بمنع استيطان الحجاز على المنع من دخول الحرم، بل استدللنا بالآية على وقوع الفرق، فيبطل القياس.

إذا عرفت هذا، فإن قدم بميرة لأهل الحرم، منع من الدخول، فإن أراد أهل الحرم الشراء منه، خرجوا إلى الحلّ و اشتروا منه.

و لو جاء رسولا، بعث الإمام ثقة يسمع كلامه، و لو امتنع من أداء الرسالة إلاّ مشافهة، خرج إليه الإمام من الحرم لسماع كلامه، فإن دخل بغير إذن عالما، عزّر، لا جاهلا.

فلو [2] مرض في الحرم، نقله منه، و لو مات، لم يدفنه [3] فيه، بخلاف الحجاز.

فإن دفن في الحرم، قال الشيخ رحمه اللّه: لا ينبش، و يترك مكانه، لعموم ورود منع النبش(2).

و قال الشافعي: ينبش و يخرج إلى الحلّ إلاّ أن يتقطّع(3).6.

ص: 337


1- حلية العلماء 713:7، الحاوي الكبير 334:14، العزيز شرح الوجيز 11: 517، المغني 605:10-606، الشرح الكبير 611:10.
2- المبسوط - للطوسي - 48:2.
3- العزيز شرح الوجيز 516:11، المهذّب - للشيرازي - 259:2، منهاج الطالبين: 313، روضة الطالبين 498:7، التفسير الكبير 26:16.

و لو صالحهم الإمام على دخول الحرم بعوض، قال الشيخ: جاز، و وجب عليه دفع العوض. و إن كان خليفة للإمام و وافقه على عوض فاسد، بطل المسمّى، و له اجرة المثل(1).

و منع الشافعي من ذلك كلّه و أبطل الصلح.

قال: فإن دخلوا إلى الموضع الذي صالحهم عليه، لم يردّ العوض، لأنّه حصل لهم ما صالحهم عليه، و إنّما أوجب ما صالحهم عليه، لأنّه لا يمكنهم الرجوع إلى عوض المثل، فلزمهم المسمّى و إن كان الصلح فاسدا. و لو وصلوا إلى بعض ما صالحهم على دخوله، أخرجهم، و كان عليهم العوض بقدره(2).

و لو صالح الإمام الرجل أو المرأة على الدخول إلى الحجاز بعوض، جاز، لأنّ المرأة كالرجل في المنع.

و لو صالح المرأة على سكنى دار الإسلام غير الحجاز بعوض، لم يلزمها ذلك، لأنّ لها المقام فيها بغير عوض، بخلاف الحجاز.

مسألة 197: المسجد الحرام لا يجوز لمشرك ذمّيّ أو حربيّ دخوله إجماعا،

لقوله تعالى فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ (3).

و أمّا مساجد الحجاز غير الحرم و سائر المساجد بالبلدان فحكمها واحد، فذهبت الإماميّة إلى منعهم من الدخول فيها بإذن مسلم و بغير إذنه، و لا يحلّ للمسلم الإذن فيه - و هو إحدى الروايتين عن أحمد(4) - لأنّه

ص: 338


1- المبسوط - للطوسي - 48:2.
2- المهذّب - للشيرازي - 259:2، الحاوي الكبير 336:14، العزيز شرح الوجيز 516:11، روضة الطالبين 498:7.
3- التوبة: 28.
4- المغني 608:10، الشرح الكبير 614:10، الكافي في فقه الإمام أحمد 180:4.

مسجد، فلا يجوز لهم الدخول إليه، كالحرم.

و لقوله عليه السّلام: «جنّبوا مساجدكم النجاسة» [1].

و لأنّ منعهم كان مشهورا.

دخل أبو موسى على عمر و معه كتاب حساب عمله، فقال عمر: ادع الذي كتبه ليقرأه، قال: إنّه لا يدخل المسجد، قال: و لم لا يدخل ؟ قال:

لأنّه نصرانيّ، فسكت(1). و هو يدلّ على شهرته بينهم.

و لعدم انفكاكهم من حدث الجنابة و الحيض و النفاس، و هذه الأحداث تمنع من المقام في المسجد فحدث الشرك أولى. و لأنّهم ليسوا من أهل المساجد. و لأنّ منعهم من الدخول فيه إذلال لهم و قد أمرنا به.

و قال أكثر العامّة: يجوز لهم الدخول بإذن المسلم(2) ، لأنّ النبي عليه السّلام أنزل وفد ثقيف في المسجد(3). و شدّ ثمامة بن أثال الحنفي في سارية من المسجد(4).

و لو سلّم، لكان في صدر الإسلام.3.

ص: 339


1- المهذّب - للشيرازي - 259:2، الكافي في فقه الإمام أحمد 180:4، المغني 608:10، الشرح الكبير 614:10.
2- أحكام القرآن - لابن العربي - 213:2، العزيز شرح الوجيز 518:11، المغني 607:10، الشرح الكبير 614:10، الكافي في فقه الإمام أحمد 180:4، المجموع 174:2.
3- المغازي - للواقدي - 964:3، السيرة النبويّة - لابن هشام - 184:4، الكامل في التاريخ 284:2، تاريخ الإسلام - للذهبي - 668:2، سنن أبي داود 3: 163-3026، سنن البيهقي 444:2، مسند أحمد 253:5-17454.
4- صحيح البخاري 125:1، و 215:5، صحيح مسلم 1386:3-1764، سنن النسائي 46:2، سنن البيهقي 444:2، مسند أحمد 205:3-9523.

و لو وفد قوم من المشركين إلى الإمام، أنزلهم في فضول منازل المسلمين، فإن لم يكن، جاز أن ينزلهم في دار ضيافة إن كانت، و إن لم تكن، أسكنهم في أفنية الدور و الطرقات، و لا يمكّنهم من الدخول في المساجد بحال.

مسألة 198، البلاد التي ينفذ فيها حكم الإسلام على أقسام ثلاثة:
أحدها: ما أنشأه المسلمون و أحدثوه و اختطّوه،

كالبصرة و بغداد و الكوفة، فلا يجوز إحداث كنيسة فيها و لا بيعة و لا بيت صلاة للكفّار، و لا صومعة راهب إجماعا، لقول ابن عباس: أيّما مصر مصره العرب فليس لأحد من أهل الذمّة أن يبني فيه بيعة، و ما كان قبل ذلك فحقّ على المسلمين أن يقرّ لهم(1).

و في حديث آخر: أيّما مصر مصرته العرب فليس للعجم أن يبنوا فيه بيعة، و لا يضربوا فيه ناقوسا، و لا يشربوا فيه خمرا، و لا يتّخذوا فيه خنزيرا(2).

و لأنّه بلد المسلمين و ملكهم، فلا يجوز لهم أن يبنوا فيه مجامع الكفر.

و لو صالحهم على التمكّن من إحداثها، بطل العقد.

فأمّا ما وجد من البيع و الكنائس في هذه البلاد، مثل كنيسة الروم في بغداد، فإنّها كانت في قرى لأهل الذمّة فأقرّت على حالها، أو كانت في برّيّة فاتّصل بها عمارة المسلمين. فإن عرف إحداث شيء بعد بناء المسلمين و عمارتهم، نقض.

ص: 340


1- سنن البيهقي 201:1 نحوه.
2- سنن البيهقي 202:1، المغني 599:10-600، الشرح الكبير 609:10.
الثاني: ما فتحه المسلمون عنوة، و هو ملك المسلمين قاطبة،

فلا يجوز أيضا إحداث كنيسة و لا بيعة و لا صومعة راهب و لا بيت صلاة للمشركين، لأنّها صارت ملكا للمسلمين.

و أمّا ما كان موجودا قبل الفتح: فإن هدمه المسلمون وقت الفتح، لم يجز استجداده أيضا، لأنّه بمنزلة الأحداث في ملك المسلمين.

و إن لم يهدموه، قال الشيخ رحمه اللّه: لا يجوز إبقاؤه(1). و هو أحد قولي الشافعي(2) ، لأنّ هذه البلاد ملك المسلمين، فلا يجوز أن تكون فيها بيعة، كالبلاد التي أنشأها المسلمون.

و الثاني: يجوز إبقاؤها(3) ، لقول ابن عباس: أيّما مصر مصرته العجم ففتحه اللّه على العرب فنزلوه، فإنّ للعجم ما في عهدهم.

و لأنّ الصحابة فتحوا كثيرا من البلاد عنوة، فلو يهدموا شيئا من الكنائس.

و لحصول الإجماع عليه، فإنّها موجودة في بلاد المسلمين من غير نكير [1].

الثالث: ما فتح صلحا، فإن صالحهم على أنّ الأرض لهم و يأخذ منهم الخراج عليها،

فهنا يجوز إقرارهم على بيعهم و كنائسهم و بيوت نيرانهم و مجتمع عباداتهم و إحداث ما شاءوا من ذلك فيها و إنشائه و إظهار الخمور فيها و الخنازير و ضرب الناقوس و الجهر بقراءة التوراة و الإنجيل،

ص: 341


1- انظر: المبسوط - للطوسي - 46:2.
2- المهذّب - للشيرازي - 256:2، الحاوي الكبير 321:14-322، الوجيز 202:2، العزيز شرح الوجيز 538:11، روضة الطالبين 510:7.
3- المهذّب - للشيرازي - 256:2، الحاوي الكبير 321:14-322، الوجيز 202:2، العزيز شرح الوجيز 538:11، روضة الطالبين 510:7.

لأنّ ذلك لهم، و إنّما يمنعون من الأشياء الستّة السابقة من الزنا و اللواط بالمسلمين و افتتان المسلم عن دينه و قطع الطريق و إيواء عين المشركين و إعانتهم على المسلمين.

و إن صالحهم على أن تكون الأرض للمسلمين و يؤدّون الجزية إلينا بسكناهم فيها، فالحكم في البيع و الكنائس على ما يقع عليه الصلح.

فإن شرطنا لهم إقرارهم على البيع و الكنائس أو على إحداث ذلك و إنشائه، جاز، لأنّه إذا جاز أن يصالحهم على أن تكون الأرض بأجمعها لهم، جاز أن يكون بعض الأرض لهم بطريق الأولى.

و إن شرطنا عليهم أن لا يحدثوا شيئا أو يخربوها، جاز ذلك أيضا.

و لو لم نشترط شيئا، لم يجز لهم تجديد شيء، لأنّ الأرض للمسلمين.

و إذا شرط عليهم التجديد و الإحداث، فينبغي أن يبيّن مواضع البيع و الكنائس.

و أمّا البلاد التي أحدثها الكفّار و حصلت تحت يدهم، فإن أسلم أهلها، كالمدينة و اليمن، فحكمها حكم القسم الأوّل. و إن فتحت عنوة أو صلحا، فقد تقدم إذا عرفت هذا، فكلّ موضع لا يجوز لهم إحداث شيء فيه إذا أحدثوا فيه، جاز نقضه و تخريبه، و كلّ موضع لهم إقراره لا يجوز هدمه.

فلو انهدم هل يجوز إعادته ؟ تردّد الشيخ(1) فيه.

و قال الشافعي: يجوز لهم إعادته - و به قال أبو حنيفة(2) - لأنّهم0.

ص: 342


1- المبسوط - للطوسي - 46:2.
2- الهداية - للمرغيناني - 162:2، مختصر اختلاف العلماء 497:3-1647، العزيز شرح الوجيز 539:11، المغني 602:10، الشرح الكبير 610:10.

يقرّون عليها، و بناؤها كاستدامتها، و لهذا يجوز تشييد حيطانها و رمّ ما تشعّث منها. و لأنّا أقررناهم على التبقية، فلو منعناهم من العمارة لخربت(1).

و قال بعض الشافعيّة: لا يجوز لهم ذلك - و عن أحمد روايتان(2) - لأنّه إحداث للبيع و الكنائس في دار الإسلام، فلم يجز، كما لو ابتدئ بناؤها، و لقول النبي صلّى اللّه عليه و آله: «لا تبنى الكنيسة في دار [1] الإسلام، و لا يجدّد ما خرب منها»(3) بخلاف رمّ ما تشعّث، لأنّه إبقاء و استدامة و هذا إحداث(4).

مسألة 199: ظهر من هذا الاتّفاق على جواز رمّ ما تشعّث ممّا لهم إبقاؤه و إصلاحه.

و هل يجب إخفاء العمارة ؟ للشافعيّة وجهان، أصحّهما عندهم:

العدم، كما يجوز إبقاء الكنيسة، فحينئذ يجوز تطيينها من داخل و خارج و إعادة الجدار الساقط، و على الأوّل يمنعون من التطيين من خارج. و إذا أشرف الجدار على السقوط، بنوا جدارا داخل الكنيسة، و قد تمسّ الحاجة

ص: 343


1- الوجيز 202:2، العزيز شرح الوجيز 539:11، المهذّب - للشيرازي - 2: 256، الوسيط 81:7، حلية العلماء 706:7-707، الحاوي الكبير 14: 323، روضة الطالبين 510:7، المغني 602:10، الشرح الكبير 610:10.
2- الكافي في فقه الإمام أحمد 179:4، المغني 602:10، الشرح الكبير 610:10.
3- الكامل - لابن عدي - 1199:3، المهذّب - للشيرازي - 256:2، المغني 10: 602، الشرح الكبير 610:10.
4- المغني 602:10، الشرح الكبير 610:10، المهذّب - للشيرازي - 256:2، الوجيز 202:2، العزيز شرح الوجيز 539:11، الوسيط 81:7، حلية العلماء 706:7-707، الحاوي الكبير 323:14، روضة الطالبين 510:7.

إلى بناء ثان و ثالث، فينتهي الأمر إلى أن لا يبقى من الكنيسة شيء. و يمكن الجواب [1] بإيقاع العمارة ليلا(1).

و لو انهدمت الكنيسة، فللشافعي في جواز إعادتها وجهان:

أحدهما: المنع، لأنّ الإعادة ابتداء.

و أصحّهما عندهم [2]: الجواز - و به قال أبو حنيفة و أحمد - لأنّ الكنيسة مبقاة لهم، فلهم التصرّف في مكانها(2).

و إذا جوّزنا إعادتها، لم يكن لهم توسيع خطّتها، لأنّ الزيادة كنيسة جديدة متّصلة بالأولى، و هو أصحّ وجهي الشافعي. و الثاني: الجواز(3).

مسألة 200: دور أهل الذمّة على أقسام ثلاثة:
أحدها: دار محدثة،

و هو أن يشتري عرصة و يستأنف فيها بناء، فليس له أن يعلو على بناء المسلمين إجماعا، لقوله عليه السّلام: «الإسلام يعلو و لا يعلى عليه»(4).

و لأنّه يشتمل على اطّلاعهم على عورات المسلمين، و على استكثارهم و ازديادهم عليهم.

و للشافعيّة قول بجوازه(5).

ص: 344


1- العزيز شرح الوجيز 539:11، روضة الطالبين 510:7.
2- راجع المصادر المذكورة في الهوامش (2) من ص 342 و (1 و 2) من ص 343.
3- الوجيز 202:2، العزيز شرح الوجيز 539:11، الوسيط 81:7، روضة الطالبين 510:7.
4- الفقيه 243:4-778. و في صحيح البخاري 117:2، و سنن الدار قطني 3: 252-30، و سنن البيهقي 205:6 و غيرها بدون «عليه».
5- العزيز شرح الوجيز 540:11-541، روضة الطالبين 511:7.

و المراد أن لا يعلو على بناء جيرانه دون غيرهم.

و للشافعيّة قول: إنّه لا يجوز أن يطيل بناءه على بناء أحد من المسلمين في ذلك البلد(1).

و لا فرق بين أن يكون [بناء] الجار [1] معتدلا أو في غاية الانخفاض.

ثمّ المنع لحقّ الدّين لا لمحض حقّ الجار حتى [يمنع] [2] و إن رضي الجار.

و هل يجوز أن يساوي بناء المسلمين ؟ قال الشيخ رحمه اللّه: ليس له ذلك، بل يجب أن يقصر عنه(2) ، لقوله عليه السّلام: «الإسلام يعلو و لا يعلى عليه»(3)الوجيز 202:2، العزيز شرح الوجيز 541:11، المهذّب - للشيرازي - 2:

255، حلية العلماء 705:7، الحاوي الكبير 324:14، روضة الطالبين 7:

511.(4) و لا يتحقّق علوّ الإسلام بالمساواة. و لأنّا منعنا من مساواتهم للمسلمين في اللباس و الركوب فكذا هنا. و هو أحد وجهي الشافعي.

و الثاني: الجواز، لعدم الاستطالة على المسلمين(6).

و ليس بجيّد، لأنّا منعناه المساواة في اللباس و الركوب، و أوجبنا التمييز [3]، فكذا هنا. و لأنّ علوّ الإسلام لا يتحقّق معها.1.

ص: 345


1- المهذّب - للشيرازي - 256:2، الحاوي الكبير 324:14، العزيز شرح الوجيز 541:11، روضة الطالبين 511:7.
2- المبسوط - للطوسي - 46:2.
3- راجع المصادر في الهامش
4- من ص 344.

و لو كان أهل الذمّة في موضع منفرد، كطرف بلدة، منقطع عن العمارات، فلا منع من رفع البناء. و هو أحد وجهي الشافعيّة. و الثاني:

المنع، كما يمنعون من ركوب الخيل(1).

الثاني: دار مبتاعة لها بناء رفيع،

فإنّها تترك على حالها من العلوّ إن كانت أعلى من المسلمين، لأنّه هكذا ملكها، و لا يجب هدمها، لأنّه لم يبنها و إنّما بناها المسلمون، فلم يعل على المسلمين شيئا.

و كذا لو كان للذمّيّ دار عالية فاشترى المسلم دارا إلى جانبها اقصر منها، أو بنى المسلم دارا إلى جانبها أقصر منها، فإنّه لا يجب على الذمّيّ هدم علوّه.

أمّا لو انهدمت دار الذمّيّ، العالية فأراد تجديدها، لم يجز له العلوّ على المسلم إجماعا، و لا المساواة على الخلاف.

و كذا لو انهدم ما علا منها و ارتفع، فإنّه لا يكون له إعادته.

و لو تشعّث منه شيء و لم ينهدم، جاز له رمّه و إصلاحه، لأنّه استدامة و إبقاء لا تجديد.

الثالث: دار مجدّدة،

و حكمها حكم المحدثة سواء، و قد تقدّم(2).

مسألة 201: قد بيّنّا أنّهم يمنعون من ركوب الخيل، لأنّه عزّ و قد ضربت عليهم الذلّة.

و للشافعيّة وجه: أنّهم لا يمنعون، كما لا يمنعون من الثياب النفيسة.

و الأظهر: المنع(3).

ص: 346


1- الوسيط 82:7، الوجيز 202:2، العزيز شرح الوجيز 541:11، حلية العلماء 706:7، روضة الطالبين 511:7.
2- تقدّم في القسم الأوّل.
3- حلية العلماء 705:7، العزيز شرح الوجيز 541:11، روضة الطالبين 512:7.

و استثنى بعضهم عن المنع البراذين الخسيسة(1).

و ألحق بعضهم البغال النفيسة بالخيل، لما في ركوبها من التجمّل(2).

و لا يمنعون من البهائم و إن كانت رفيعة القيمة.

و لا يركبون بالسرج. و تكون ركبهم من الخشب دون الحديد.

و يمنعون من تقليد السيوف و حمل السلاح، و من لجم الذهب و الفضة.

و قال بعض الشافعيّة: هذا كلّه في الذكور البالغين، فأمّا النساء و الصغار فلا يلزمون الصّغار، كما لا تضرب عليهم الجزية(3).

مسألة 202: لا ينبغي تصدير أهل الذمّة في المجالس، و لا بدأتهم بالسلام،

و لا يترك لهم صدر الطريق، بل يلجئون إلى أضيق الطريق إذا كان المسلمون يطرقون، فإن خلت الطرق عن الزحمة، فلا بأس.

قال عليه السّلام: «لا تبدءوا اليهود و النصارى بالسلام، فإذا لقيتم أحدهم في طريق [1] فاضطرّوه إلى أضيقه»(4).

و ليكن التضييق عليه بحيث لا يقع في وهدة، و لا يصدم جدارا.

و لا يوقّرون.

و لا يجوز أن يبدأ من لقيه منهم بالسلام.

ص: 347


1- العزيز شرح الوجيز 541:11، روضة الطالبين 512:7.
2- الوجيز 202:2، العزيز شرح الوجيز 541:11-542، الوسيط 82:7، روضة الطالبين 513:7.
3- العزيز شرح الوجيز 542:11، روضة الطالبين 513:7.
4- صحيح مسلم 1707:4-2167، سنن الترمذي 154:4-1602، و 5: 60-2700.

قال عليه السّلام: «إنّا غادون غدا فلا تبدءوهم بالسلام، و إن سلموا عليكم فقولوا: و عليكم»(1).

قالت عائشة: دخل رهط من اليهود على النبي صلّى اللّه عليه و آله و قالوا: السام عليك، ففهمتها فقلت: و عليك السام و اللعنة و السخط، فقال عليه السّلام: «مهلا يا عائشة، فإنّ اللّه تعالى يحبّ الرفق في الأمور كلّها» فقلت: يا رسول اللّه ألم تسمع ما قالوا؟ فقال: «قولي: و عليكم»(2). فعلى هذا لا ينبغي أن يردّ بأزيد من قوله: و عليكم.

و لا تجوز مودّتهم.

قال اللّه تعالى لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللّهَ وَ رَسُولَهُ (3) الآية.

و منع بعض الشافعيّة من دخول نساء أهل الذمّة الحمّام مع نساء المسلمين، لأنّه احتساب في الدين. و كذا منع من لبس أهل الذمّة الديباج(4).

و الأقرب: عدم المنع، كما لا يمنع من رفيع القطن و الكتّان.

مسألة 203: يجب على أهل الذمّة الانقياد لحكمنا، فإذا فعلوا ما يعتقدون تحريمه،

يجري عليهم حكم اللّه فيه، و لا يعتبر فيه رضاهم، كالزنا و السرقة، فإنّهما محرّمان عندهم كما في شرعنا. و أمّا ما يستحلّونه

ص: 348


1- مسند أحمد 546:7-26694 و 26695، المصنّف - لابن أبي شيبة - 8: 443-5815 باختلاف يسير.
2- صحيح البخاري 14:8، و 70-71، صحيح مسلم 1706:4-2165، سنن الترمذي 60:5-2701 باختلاف في بعض الألفاظ.
3- المجادلة: 22.
4- العزيز شرح الوجيز 544:11، روضة الطالبين 514:7.

و هو محرّم عندنا كالخمر، فإن تظاهروا به، حدّوا عليه، و إلاّ فلا.

و لو نكح واحد من المجوس محرما له، لم يتعرّض له.

و تنتقض الذمّة بقتال المسلمين سواء شرط عليهم الامتناع أو لا، لأنّ عقد الذمّة الكفّ عن القتال، فالقتال يناقضه.

و لو منعوا الجزية و الانقياد للأحكام، انتقض العهد، لأنّ عقد الذمّة بهما يتمّ، و لذلك (يشترط التعرّض للجزية) [1] و الانقياد للأحكام في ابتداء العقد، و هو محمول على منعها مع القدرة، فأمّا العاجز المستمهل فلا ينتقض عهده.

و يحتمل أن يقال في القادر: تؤخذ منه الجزية قهرا، و لا يجعل الامتناع ناقضا، كما لو امتنع عن دين.

و أمّا الامتناع من [2] إجراء الأحكام: فإن امتنع هاربا، احتمل أن لا يكون ناقضا، و ان امتنع راكنا إلى عدوّ و قوّة، دعي إلى الاستسلام، فإن نصب القتال، انتقض عهده بالقتال.

و قال بعضهم: إنّ الامتناع من البذل نقض العهد من الجماعة و من الواحد، و الامتناع من الأداء مع الاستمرار نقض من الجماعة دون الواحد، لأنّه يسهل إجباره عليه(1).

و في قطع الطريق أو القتل الموجب للقصاص للشافعيّة طريقان:6.

ص: 349


1- الحاوي الكبير 317:14، العزيز شرح الوجيز 547:11، روضة الطالبين 7: 515-516.

أحدهما: أنّهما [1] كالقتال، لأنّ شهر السلاح و قصد النفوس و الأموال مجاهرة تناقض الأمان.

و أظهرهما: أنّهما [2] كالزنا بالمسلمة، لأنّه ليس فيهما منابذة للمسلمين [3]. و لا يلتحق [4] بالمنابذة التوثّب على رفقة أو شخص معيّن.

و يجري الطريقان فيما إذا قذف مسلما(1).

و سواء قلنا: ينتقض العهد بها أو لا ينتقض، يقام عليهم بموجب ما فعلوه من حدّ أو تعزير.

فإن قتل الذمّيّ لقتله مسلما أو لزناه و هو محصن، فهل يصير ماله فيئا تفريعا على الحكم بالانتقاض ؟ للشافعية وجهان(2).

و أمّا ذكر الرسول صلّى اللّه عليه و آله بسوء إذا جاهروا به فللشافعيّة فيه طريقان:

أحدهما: أنّه ينتقض العهد به بلا خلاف، كالقتال، لأنّ ما يجب شرطه عليهم إذا خالفوه انتقض العهد.

و أظهرهما عندهم: أنّه كالزنا بالمسلمة، و يجيء فيه الخلاف.

و طعنهم في الإسلام و في القرآن كذكرهم الرسول عليه السّلام بالسوء(3).

و قال بعضهم: إن ذكر النبي عليه السّلام بسوء يعتقده أو يتديّن به بأن قال:

إنّه ليس برسول، و إنّه قتل اليهود بغير حقّ، أو نسبه إلى الكذب، ففيه الخلاف، و أمّا ذكره بما لا يعتقده و لا يتديّن به، كما لو نسبه إلى الزنا، أو7.

ص: 350


1- الوجيز 203:2، العزيز شرح الوجيز 548:11، روضة الطالبين 516:7.
2- العزيز شرح الوجيز 548:11، روضة الطالبين 516:7.
3- الوجيز 203:2، العزيز شرح الوجيز 548:11، روضة الطالبين 516:7.

طعن في نسبه، فإنّه ينتقض به العهد، سواء شرط عليهم الكفّ عنه أو لا(1).

و قال آخرون: إنّ الخلاف فيما إذا طعنوا بما لا يتديّنون به، فأمّا ما هو من قضيّة دينهم، فلا ينتقض العهد بإظهاره بلا خلاف، و من هذا القبيل قولهم في القرآن: إنّه ليس من عند اللّه(2).

و ذكر اللّه تعالى بسوء كذكر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بطريق الأولى لكنّهم [1] جعلوا إظهار الشرك، و قولهم: إنّه ثالث ثلاثة، و معتقدهم في المسيح بمثابة إظهار الخمر و الخنزير، و قالوا: لا ينتقض العهد بها(3) ، مع أنّ جميع ذلك يتضمّن ذكر اللّه تعالى بالسوء، و لا يستمرّ ذلك إلاّ على أنّ السوء الذي يتديّنون به لا ينتقض العهد به.

مسألة 204: حيث حكمنا بانتقاض العهد فهل يبلغهم المأمن ؟

للشافعي قولان:

أحدهما: نعم، لأنّهم دخلوا دار الإسلام بأمان، فيبلغون المأمن، كمن دخل بأمان صبيّ.

و أصحّهما عندهم: المنع، بل يتخيّر الإمام فيمن انتقض عهده بين القتل و الاسترقاق و المنّ و الفداء، لأنّه كافر لا أمان له، كالحربيّ، بخلاف من أمّنه صبيّ، فإنّه يعتقد لنفسه أمانا، و هنا فعل باختياره ما يوجب الانتقاض.

ص: 351


1- العزيز شرح الوجيز 549:11، روضة الطالبين 516:7.
2- العزيز شرح الوجيز 549:11، روضة الطالبين 517:7.
3- العزيز شرح الوجيز 549:11، روضة الطالبين 517:7.

و القولان فيما إذا انتقض الأمان بغير القتال، فأمّا إذا نصبوا القتال، صاروا حربا في دار الإسلام، فلا بدّ من استئصالهم(1).

البحث الخامس: في المهادنة
مسألة 205: المهادنة و الموادعة و المعاهدة ألفاظ مترادفة
اشارة

معناها: وضع القتال و ترك الحرب مدّة بعوض و غير عوض.

و هي جائزة بالنص و الإجماع.

قال اللّه تعالى بَراءَةٌ مِنَ اللّهِ وَ رَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (2) و قال تعالى فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلى مُدَّتِهِمْ (3) و قال تعالى وَ إِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَها (4).

و صالح رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله سهيل بن عمرو بالحديبيّة على وضع القتال عشر سنين(5).

و الإجماع واقع عليه، لاشتداد الحاجة إليه.

و يشترط في صحّة عقد الذمّة أمور أربعة:
الأوّل: أن يتولاّه الإمام أو من يأذن له،

لأنّه من الأمور العظام، لما

ص: 352


1- المهذّب - للشيرازي - 258:2، حلية العلماء 712:7-713، الحاوي الكبير 320:14، العزيز شرح الوجيز 549:11-550، روضة الطالبين 517:7.
2- التوبة: 1.
3- التوبة: 4.
4- الأنفال: 61.
5- المغازي - للواقدي - 611:2، السيرة النبويّة - لابن هشام - 332:3، الكامل في التاريخ 204:2، دلائل النبوّة - للبيهقي - 145:4، سنن أبي داود 3: 86-2766.

فيه من ترك الجهاد على الإطلاق أو في جهة من الجهات. و لأنّه لا بدّ فيه من رعاية مصلحة المسلمين و النظر لهم، و الإمام هو الذي يتولّى الأمور العامّة.

هذا إذا كانت المهادنة مع الكفّار مطلقا أو مع أهل إقليم، كالهند و الروم.

و يجوز لوالي الإقليم المهادنة مع أهل قرية أو بلدة تلي ذلك الإقليم للحاجة، و كأنّه مأذون فيه بتفويض مصلحة الإقليم إليه.

فإن عقد المهادنة واحد من المسلمين، لم يصحّ، فإن دخل قوم ممّن هادنهم دار الإسلام بناء على ذلك العقد، لم يقرّوا و لكن يلحقون مأمنهم، لأنّهم دخلوا على اعتقاد أمان.

الثاني: أن يكون للمسلمين إليه حاجة و مصلحة إمّا لضعفهم عن المقاومة فينتظر الإمام قوّتهم،

و إمّا لرجاء إسلام المشركين، و إمّا لبذل الجزية منهم و التزام أحكام الإسلام.

و لو لم تكن هناك مصلحة للمسلمين بأن يكون في المسلمين قوّة و في المشركين ضعف و يخشى قوّتهم و اجتماعهم إن لم يبادرهم بالقتال، لم تجز له مهادنتهم، بل يقاتلهم إلى أن يسلموا أو يبذلوا الجزية إن كانوا أهل كتاب.

قال اللّه تعالى فَلا تَهِنُوا وَ تَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَ أَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ (1).

و إذا طلب الكفّار الهدنة، فإن كان فيها مضرّة على المسلمين، لم تجز إجابتهم، و إن لم تكن، لم تجب الإجابة أيضا. و يجتهد الإمام و يحافظ على

ص: 353


1- سورة محمد: 35.

الأصلح من الإجابة و الترك فيفعله، بخلاف الجزية، فإنّ الإجابة فيها واجبة.

الثالث: أن يخلو العقد عن شرط فاسد،

و هو حقّ كلّ عقد، فإن عقدها الإمام على شرط فاسد، مثل: أن يشترط ردّ النساء أو مهورهنّ، أو ردّ السلاح المأخوذ منهم، أو دفع المال إليهم مع عدم الضرورة الداعية إلى ذلك، أو أنّ لهم نقض الهدنة متى شاءوا، أو يشترط ردّ الصبيان أو الرجال، أو أن لا ينزع اسراء المسلمين من أيديهم، أو يردّ إليهم المسلم الذي أسروه و أفلت [1] منهم، أو شرط ترك مال مسلم في أيديهم، فهذه الشروط كلّها فاسدة يفسد بها عقد الهدنة، كما يفسد عقد الذمّة باقتران الشروط الفاسدة به، مثل: أن يشترط عدم التزام أحكام المسلمين في أهل الذمّة، أو إظهار الخمور و الخنازير، أو يأخذ الجزية بأقلّ ما يجب عليهم، أو على أن يقيموا بالحجاز، أو يدخلوا الحرم. و يجب على من عقد معهم الصلح إبطاله و نقضه.

الرابع: المدة.

و يجب ذكر المدة التي يهادنهم عليها. و لا يجوز له مهادنتهم مطلقا، لأنه يقتضي التأبيد، و التأبيد باطل، إلاّ أن يشترط الإمام الخيار لنفسه في النقض متى شاء. و كذا لا يجوز إلى مدّة مجهولة، و هذا أحد قولي الشافعيّة(1).

و الثاني: أنّه إذا هادن مطلقا، نزّل الإطلاق عند ضعف المسلمين على عشر سنين(2).

و أمّا عند القوّة فقولان.

أحدهما: أنّه يحمل على أربعة أشهر، تنزيلا على الأقلّ.

ص: 354


1- الوجيز 204:2، العزيز شرح الوجيز 558:11، روضة الطالبين 521:7.
2- الوجيز 204:2، العزيز شرح الوجيز 558:11، روضة الطالبين 521:7.

و الثاني على سنة، تنزيلا على الأكثر(1).

و اعترضه بعضهم بأنّه لا تجوز الهدنة مع القوّة إلى سنة بل أقلّ من سنة(2).

مسألة 206: إذا كان بالمسلمين قوّة و رأى الإمام المصلحة في المهادنة،

هادن أربعة أشهر فما دون إجماعا.

قال اللّه تعالى فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ (3).

و لا يجوز أن يهادن سنة، لأنّها مدّة الجزية، و لا يقرّر الكافر سنة بغير جزية.

و فيما بين الأربعة الأشهر و السنة للشافعي قولان:

الجواز، لأنّها مدة تقصر عن مدّة الجزية كالأربعة.

و أصحّهما عندهم: المنع، لأنّ اللّه تعالى أمر بقتل المشركين(4) مطلقا، و أذن في الهدنة أربعة أشهر(5)(6).

و أمّا إذا كان في المسلمين ضعف، فإنه تجوز الزيادة على السنة بحسب الحاجة إلى عشر سنين، فإن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله هادن قريشا بالحديبيّة عشر سنين(7) ، و كان عليه السّلام قد خرج ليعتمر لا ليقاتل، و كان بمكّة

ص: 355


1- الوجيز 204:2، العزيز شرح الوجيز 558:11 روضة الطالبين 521:7.
2- العزيز شرح الوجيز 558:11، روضة الطالبين 521:7.
3- التوبة: 2.
4- التوبة: 5.
5- التوبة: 2.
6- المهذّب - للشيرازي - 260:2، حلية العلماء 719:7، الحاوي الكبير 14: 351، العزيز شرح الوجيز 557:11، روضة الطالبين 521:7.
7- السيرة النبويّة - لابن هشام - 332:3، الكامل في التاريخ 204:2، تاريخ الطبري 634:2، المغني 510:10، الشرح الكبير 567:10، العزيز شرح الوجيز 557:11.

مستضعفون، فأراد أن يكثروا و يظهر المسلمون، فهادنهم حتى كثروا و أظهر من بمكّة إسلامه.

قال الشعبي: لم يكن في الإسلام فتح قبل صلح الحديبيّة(1).

و لا تجوز الزيادة على عشر سنين عند الشيخ(2) و ابن الجنيد - و به قال الشافعي(3) - فإن اقتضت الحاجة الزيادة، استأنف عقدا.

و قال أبو حنيفة و أحمد: لا تتقدّر الزيادة بعشر، بل تجوز بحسب ما يراه الإمام، لأنّه عقد يجوز في العشر فجاز في الزيادة عليها، كعقد الإجارة(4) و لا بأس به.

و على الأوّل لو صالح على أكثر من عشر سنين، بطل الزائد خاصّة، و صحّ في العشر، و هو أحد قولي الشافعي. و الثاني: يبطل العقد بناء على تفريق الصفقة(5).

مسألة 207: إذا كان في المسلمين قوّة،

لم يجز للإمام أن يهادنهم أكثر من سنة إجماعا، لقوله تعالى فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ (6) و يجوز إلى أربعة أشهر فما دون

ص: 356


1- العزيز شرح الوجيز 557:11.
2- المبسوط - للطوسي - 51:2.
3- مختصر المزني: 279، الحاوي الكبير 351:14، المهذّب - للشيرازي - 2: 261، الوجيز 204:2، العزيز شرح الوجيز 557:11، الوسيط 90:7، روضة الطالبين 521:7.
4- الاختيار لتعليل المختار 190:4، حلية العلماء 720:7، العزيز شرح الوجيز 559:11، المغني 510:10، الشرح الكبير 567:10، الكافي في فقه الإمام أحمد 166:4.
5- الوجيز 204:2، العزيز شرح الوجيز 559:11، الوسيط 91:7، المهذّب - للشيرازي - 261:2، روضة الطالبين 521:7.
6- التوبة: 5.

إجماعا.

و تردّد الشيخ في أكثر من أربعة أشهر و أقلّ من سنة، ثمّ قال: و الظاهر أنّه لا يجوز(1).

و للشافعي قولان(2)المغني 510:10، الشرح الكبير 568:10.(3).

و إذا شرط مدّة معلومة، لم يجز أن يشترط نقضها لمن شاء منهما، لأنّه يفضي إلى ضدّ المقصود.

و هل يجوز أن يشترط الإمام لنفسه دونهم ؟ قال الشيخ(4) و ابن الجنيد: يجوز - و به قال الشافعي(5) - لأنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله لمّا فتح خيبر عنوة بقي حصن منها، فصالحوه على أن يقرّهم ما أقرّهم اللّه تعالى، ففعل(6).

و لأنّه عقد شرّع لمصلحة المسلمين فيتبع مظان المصلحة.

و قال بعض العامّة: لا يجوز لأنّه عقد لازم، فلا يجوز اشتراط نقضه، كالبيع(6).

و نمنع الملازمة و الحكم في الأصل، فإن العقود اللازمة عندنا يدخلها الخيار، و هذا نوع خيار.0.

ص: 357


1- المبسوط - للطوسي - 51:2.
2- راجع المصادر في الهامش
3- من ص 355.
4- المبسوط - للطوسي - 51:2.
5- المهذّب - للشيرازي - 261:2، العزيز شرح الوجيز 559:11، روضة الطالبين 521:7، المغني 509:10-510، الشرح الكبير 568:10.
6- المغازي - للواقدي - 669:2-670، السيرة النبويّة - لابن هشام - 352:3، دلائل النبوّة - للبيهقي - 226:4، المهذّب - للشيرازي - 261:2، المغني 10: 510، الشرح الكبير 568:10، و انظر: صحيح البخاري 252:3، و سنن البيهقي 224:9، و مصابيح السنّة - للبغوي - 116:3-3091.

إذا ثبت هذا، فلو شرط الإمام لهم أن يقرّهم ما أقرّهم اللّه، لم يجز، لانقطاع الوحي بعد النبي صلّى اللّه عليه و آله، و يجوز أن يشترط أن يقرّهم ما شاء.

مسألة 208: الهدنة ليست واجبة على كلّ تقدير،

لكنّها جائزة، لقوله تعالى وَ إِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَها (1) بل المسلم يتخيّر في فعل ذلك برخصة قوله وَ لا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ (2) و بما تقدّم(3) ، و إن شاء، قاتل حتى يلقى اللّه تعالى شهيدا [عملا](4) بقوله تعالى:

وَ قاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقاتِلُونَكُمْ (5) و كذلك فعل مولانا الحسين عليه السّلام، و النفر الذين وجههم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إلى هذيل و كانوا عشرة فقاتلوا مائة حتى قتلوا و لم يفلت منهم أحد إلاّ خبيب، فإنّه أسر و قتل بمكة(6).

و تجوز مهادنتهم على غير مال إجماعا، و كذا على مال يأخذه منهم إجماعا.

أمّا لو [صالحهم] [1] على مال يدفعه إليهم، فإن كان لضرورة، مثل:

أن يكون في أيدي المشركين أسير مسلم يستهان به و يستخدم و يضرب،

ص: 358


1- الأنفال: 61.
2- البقرة: 195.
3- تقدّم في صدر المسألة 205.
4- إضافة يقتضيها السياق.
5- البقرة: 190.
6- السيرة النبويّة - لابن هشام - 178:3-182، تاريخ الطبري 538:2-539، الكامل في التاريخ 167:2-168.

جاز للإمام بذل المال و استنقاذه، للمصلحة، و كذا لو كان المسلمون في حصن و قد أحاط بهم المشركون و أشرفوا على الظفر، أو كانوا خارجين من المصر و قد أحاط بهم العدوّ أو كان مستظهرا، جاز بذل المال.

و إن لم تكن هناك ضرورة، لم يجز بذل المال، بل وجب القتال.

و هل يجب مع الضرورة بذل المال ؟ إشكال، و إذا بذل المال، لم يملكه الآخذ، لأنّه أخذه بغير حقّ.

و يجوز أن يهادنهم عند الحاجة على وضع شيء من حقوق المسلمين في أموال المهادنين، و كذا لو رأى الإمام مع قوّته على العدوّ أن يضع بعض ما يجوز تملّكه من أموال المشركين بالقدرة عليهم حفظا لأصحابه و تحرّزا من دوائر الحروب، جاز.

مسألة 209: إذا عقد الهدنة، وجب عليه حمايتهم من المسلمين و أهل الذمّة،

لأنّه أمّنهم ممّن هو في قبضته و تحت يده، كما أمّن من في يده منهم، فإنّ هذا فائدة العقد.

و لو أتلف مسلم أو ذمّيّ عليهم شيئا، وجبت قيمته.

و لا تجب حمايتهم من أهل الحرب و لا حماية بعضهم من بعض، لأنّ الهدنة هي التزام الكفّ عنهم فقط لا مساعدتهم على عدوّهم.

و لو أغار عليهم قوم من أهل الحرب فسبوهم، لم يجب عليه استنقاذهم.

قال الشافعي: ليس للمسلمين شراؤهم، لأنّهم في عهدهم(1).

و قال أبو حنيفة: يجوز، لأنّه لا يجب أن يدفع عنهم و لا يحرم

ص: 359


1- المغني 514:10، الشرح الكبير 573:10.

استرقاقهم(1).

مسألة 210: لو شرط الإمام ردّ من جاء مسلما من الرجال،

فجاء مسلم فأرادوا أخذه، فإن كان ذا عشيرة و قوّة تحميه و تمنعه عن الافتتان و الدخول في دينهم، جاز ردّه إليهم و لا يمنعهم منه، عملا بالشرط، و عدم الضرر عليه متحقّق، إذ التقدير ذلك بمعنى أنّه لا يمنعهم من أخذه إذا جاءوا في طلبه، و لا يجبره الإمام على المضيّ معهم، و له أن يأمره في السرّ بالهرب منهم و مقاتلتهم.

و إن كان مستضعفا لا يؤمن عليه الفتنة، لم تجز إعادته عندنا، و به قال الشافعي(2).

و قال أحمد: تجوز(3).

و هو غلط، و لهذا لم نوجب على من له قوّة على إظهار دينه و إظهار شعائر الإسلام المهاجرة عن بلاد الشرك، و أوجبناها على المستضعف.

و لو شرط في الصلح ردّ الرجال مطلقا، لم يجز، لأنّه يتناول من لا يؤمن افتتانه و من يؤمن.

و لو جاء صبي و وصف الإسلام، لم يردّ، لأنّه لا يؤمن افتتانه عند بلوغه. و كذا لو قدم مجنون.

فإذا بلغ الصبي أو أفاق المجنون، فإن وصفا الإسلام، كانا مع [1] المسلمين، و إن وصفا الكفر، فإن كان كفرا لا يقرّ أهله عليه، ألزما الإسلام

ص: 360


1- المغني 515:10، الشرح الكبير 573:10.
2- الحاوي الكبير 360:14، العزيز شرح الوجيز 573:11، روضة الطالبين 7: 529، المغني 517:10، الشرح الكبير 571:10.
3- المغني 517:10، الشرح الكبير 571:10.

أو الردّ إلى مأمنهما. و إن كان ممّا يقرّ أهله عليه، ألزمناهما بالإسلام أو الجزية أو الردّ إلى مأمنهما.

و لو جاء عبد، حكمنا بحرّيّته، لأنّه قهر مولاه على نفسه. و لو جاء سيّده، لم يردّ عليه، لأنّه مستضعف لا يؤمن عليه الافتتان، و لا يردّ عليه قيمته.

و للشافعي في ردّ القيمة قولان(1).

مسألة 211: لا يجوز ردّ النساء المهاجرات إلينا عليهم مطلقا إجماعا،

لقوله تعالى إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ مُهاجِراتٍ - إلى قوله - فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفّارِ (2) و سبب ذلك أنّ أمّ كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط جاءت مسلمة، فجاء أخواها يطلبانها، فأنزل اللّه هذه الآية، فقال النبي صلّى اللّه عليه و آله: «إنّ اللّه منع الصلح»(3).

إذا عرفت هذا، فلو صالحناهم على ردّ من جاء من النساء مسلمة، كان الصلح باطلا. و الفرق بينها و بين الرجل من وجوه:

الأوّل: لا يؤمن أن يزوّجها وليّها بكافر فينالها.

الثاني: لا تؤمن، لضعف عقلها من الافتتان في دينها.

الثالث: عجزها عن الهرب و النجاة بنفسها لو طلبته.

و إذا طلبت امرأة أو صبيّة مسلمة الخروج من عند الكفّار، جاز لكلّ

ص: 361


1- الحاوي الكبير 366:14.
2- الممتحنة: 10.
3- المهذّب -: للشيرازي - 261:2، المغني 518:10، الشرح الكبير 569:10، و انظر: المغازي - للواقدي - 631:2، و السيرة النبوية - لابن هشام - 340:3، و دلائل النبوّة - للبيهقي - 171:4، و الجامع لأحكام القرآن 61:18.

مسلم [1] إخراجها، و تعيّن عليه ذلك مع المكنة، لما فيه من استنقاذ المسلم.

مسألة 212: إذا عقد الإمام الهدنة اليوم فإمّا أن يشترط فيه أن لا ردّ لمن جاء مسلما،

أو يطلق، أو يشترط الردّ.

فإن شرط عدم الردّ، فلا ردّ و لا غرم. و كذا لو خصّص النساء بعدم الردّ.

و إن أطلق و لم يشترط الردّ و لا عدمه ثمّ جاءت امرأة مسلمة منهم أو جاءت كافرة ثم أسلمت، لم يجز ردّها إجماعا. ثمّ إن جاء أبوها أو جدّها أو أخوها أو أحد أقاربها يطلبها، لم تدفع إليه لقوله تعالى فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفّارِ (1).

و لو طلب أحدهم مهرها، لم يدفع إليه.

و لو جاء زوجها أو وكيله يطلبها، لم تردّ إليه إجماعا.

و إن طلب [2] مهرها و لم يكن قد سلّمه إليها، فلا شيء له إجماعا.

و إن كان قد سلّمه، ردّ عليه ما دفعه [3]، عند علمائنا - و هو أحد قولي الشافعي(2) - لقوله تعالى وَ آتُوهُمْ ما أَنْفَقُوا (3) و المراد منه الصداق،

ص: 362


1- الممتحنة: 10.
2- مختصر المزني: 279، الحاوي الكبير 361:14، حلية العلماء 721:7، العزيز شرح الوجيز 566:11، المهذّب - للشيرازي - 262:2، روضة الطالبين 524:7، المغني 515:10، الشرح الكبير 570:10، الجامع لأحكام القرآن 64:18.
3- الممتحنة: 10.

و أيضا فإنّ البضع متقوّم و هو حقّه، فإذا حلنا بينه و بين حقّه، لزمنا بدله.

و الثاني: لا يردّ عليه - و به قال أبو حنيفة و مالك و أحمد و المزني - لأنّ بضع المرأة ليس بمال، فلا يدخل في الأمان، و لهذا لو عقد الرجل الأمان لنفسه، دخل فيه أمواله، و لا يدخل فيه زوجته(1).

و هو قياس ضعيف في مقابلة النصّ فلا يسمع، خصوصا مع تأكّد النصّ بعمله عليه السّلام، فإنّه ردّ مهر من جاءت مسلمة في صلح الحديبيّة(2).

و إن شرط الردّ لمن جاء منهم إليهم، لم يجب [1] الردّ، و وجب الغرم لما أنفق من المهر.

و للشافعي قولان(3) أيضا.

مسألة 213: إنّما يجب أن يردّ عليه ما دفعه من المهر لو قدمت المرأة إلى بلد الإمام

أو بلد خليفته و منع من ردّها، فأمّا إذا قدمت إلى غير بلدهما، وجب على المسلمين منعه من أخذها، لأنّه من الأمر بالمعروف.

فإذا منع غير الإمام و غير خليفته من ردّها، لم يلزم الإمام أن يعطيهم شيئا، سواء كان المانع من ردّها العامّة أو رجال الإمام، لأنّ البدل يعطيه الإمام من المصالح و لا تصرّف لغير الإمام و خليفته فيه.

ص: 363


1- مختصر المزني: 279، الحاوي الكبير 361:14 و 362، حلية العلماء 7: 721، المهذّب - للشيرازي - 262:2، العزيز شرح الوجيز 566:11، روضة الطالبين 524:7، الكافي في فقه الإمام أحمد 168:4، المغني 515:10، الشرح الكبير 570:10، الجامع لأحكام القرآن 64:18.
2- المغازي - للواقدي - 631:2، السيرة النبويّة - لابن هشام - 341:3، صحيح البخاري 258:3، سنن البيهقي 228:9.
3- العزيز شرح الوجيز 566:11، روضة الطالبين 524:7.

و لو سمّى مهرا فاسدا و أقبضها إيّاه كخمر أو خنزير، لم تكن له المطالبة به و لا بقيمته، لأنّه ليس بمال و لا قيمة له في شرعنا.

و المغروم هو الذي دفعه الزوج من صداقها، و هو قول أكثر الشافعيّة(1).

و قال بعضهم: المغروم الأقلّ من مهر مثلها و [ما بذله] [1] فإن كان مهر المثل أقلّ، فالزيادة كالموهوب، و إن كان المبذول أقلّ، فهو الذي فات عليه(2).

و لو لم يدفع إلاّ بعضه، لم يستحقّ إلاّ ذلك القدر.

و لو كان أعطاها أكثر ممّا أصدقها أو أهدى إليها هدية أو أنفق في العرس أو أكرمها بمتاع، لم يجب ردّه، لأنّه تطوّع به، فلا يردّ عليه. و لأنّ هذا ليس ببدل عن البضع الذي حيل بينه و بينه، إنّما هو هبة محضة، فلا يرجع بها، كما لا يستحقّ ردّ ما أطعمها.

مسألة 214: لو قدمت مسلمة إلى الإمام فجاء رجل و ادّعى أنّها زوجته،

فإن اعترفت له بالنكاح، ثبت، و إن أنكرت، كان عليه إقامة البيّنة:

شاهدان مسلمان عدلان، و لا يقبل شاهد و امرأتان، و لا شاهد و يمين، لأنه نكاح، فلا يثبت إلاّ بذكرين.

فإذا ثبت النكاح بالبيّنة أو باعترافها فادّعى أنّه سلّم إليها المهر، فإن

ص: 364


1- العزيز شرح الوجيز 567:11، روضة الطالبين 524:7.
2- الحاوي الكبير 364:14-365، العزيز شرح الوجيز 567:11، روضة الطالبين 524:7.

صدّقته، ثبت له، و إن أنكرت، كان عليه البيّنة، و يقبل فيه شاهد و امرأتان، و شاهد و يمين، لأنّه مال، و لا يقبل قول الكفّار في البابين و إن كثروا.

فإن لم تكن له بيّنة، كان القول قولها مع اليمين.

و لا يثبت الغرم بمجرّد قوله: دفعت إليها صداقها أو كذا من صداقها، و هو قول بعض الشافعيّة(1).

و قال بعضهم: لا يمين عليها، لأنّ الصداق على غيرها(2).

و قال بعضهم: يتفحص الإمام عن مهر مثلها، و قد يمكن معرفته من تجّار المسلمين الذين دخلوا دار الحرب، و [1] من الأسارى، ثمّ يحلف الرجل أنّه أصدقها ذلك القدر، و سلّمه(3).

و قال بعض الشافعيّة: لو ادّعى الدفع و صدّقته، لم يعتمد على قولها و لا يجعل حجّة علينا(4).

و قال بعضهم: إقرارها بمثابة البيّنة(5).

مسألة 215: لو قدمت مجنونة، فإن كانت قد أسلمت قبل جنونها و قدمت، لم تردّ،

و يردّ مهرها، لأنّها بحكم العاقلة في تفويت بضعها.

و إن كانت قد وصفت الإسلام و أشكل علينا هل كان إسلامها حال عقلها أو جنونها؟ فإنّها لا تردّ أيضا، لاحتمال أن تكون قد وصفت الإسلام و هي مجنونة، فإن أفاقت فأقرّت بالإسلام، ردّ مهرها عليه، و إن أقرّت بالكفر، ردّت عليه.

ص: 365


1- العزيز شرح الوجيز 567:11، روضة الطالبين 524:7.
2- العزيز شرح الوجيز 567:11، روضة الطالبين 524:7.
3- العزيز شرح الوجيز 567:11، روضة الطالبين 524:7-525.
4- العزيز شرح الوجيز 567:11-568، روضة الطالبين 525:7.
5- العزيز شرح الوجيز 567:11-568، روضة الطالبين 525:7.

و لو جاءت مجنونة و لم يخبر عنها بشيء، لم تردّ عليه، لأنّ الظاهر أنّها إنّما جاءت إلى دار الإسلام لأنّها أسلمت، و لا يردّ مهرها، للشكّ، فيجوز أن تفيق و تقول: إنّها لم تزل كافرة، فتردّ حينئذ، فينبغي أن يتوقّف عن ردّها حتى تفيق و يتبيّن أمرها.

فإن أفاقت، سئلت، فإن ذكرت أنّها أسلمت، أعطي المهر و منع منها، و إن ذكرت أنّها لم تزل كافرة، ردّت عليه.

و ينبغي أن يحال بينه و بينها حال جنونها، لجواز أن تفيق فيصدّها عن الإسلام في أوّل زمان إفاقتها.

و لو جاءت صغيرة و وصفت الإسلام، لم تردّ إليهم، لئلاّ تفتن عند بلوغها عن الإسلام. و لا يجب ردّ المهر بل يتوقّف عن ردّه حتى تبلغ، فإن بلغت و أقامت على الإسلام، ردّ المهر، و ان لم تقم، ردّت هي وحدها - و هو أحد قولي الشافعي(1) - لأنّ إسلامها غير محكوم بصحّته. و إن قلنا بصحّة إسلام الصبي، فظاهر، فلا يجب ردّ مهرها، كالمجنونة إذا لم يعلم إسلامها حال إفاقتها أو حال جنونها، فيحافظ على حرمة الكلمة.

و الثاني للشافعي: أنّه يجب ردّ مهرها، لأنّ وصفها بالإسلام يمنع من ردّها، فوجب ردّ مهرها، كالبالغة.

ثمّ فرّق بينها و بين المجنونة: بأنّ المنع في المجنونة، للشكّ في إسلامها، و في الصغيرة، لوصف الإسلام(2).

و نمنع ذلك، فإنّ وصف الإسلام لا يحكم به فيها، و إنّما منعناه منها، للشكّ في ثباتها عليه بعد بلوغها، فإذا بلغت فإن ثبتت على الإسلام، رددنا1.

ص: 366


1- العزيز شرح الوجيز 570:11.
2- العزيز شرح الوجيز 570:11.

مهرها، و إن وصفت الكفر، رددناها.

مسألة 216: لو قدمت أمة مسلمة إلى الإمام، صارت حرّة،

لأنّها قهرت مولاها على نفسها، فزال ملكه عنها، كما لو قهر عبد حربي سيّده الحربيّ، فإنّه يصير حرّا. و الهدنة إنّما تمنع من في قبضة الإمام من المسلمين و أهل الذمّة.

فإن جاءت سيّدها يطلبها، لم تدفع إليه، لأنّها صارت حرّة، و لأنّها مسلمة. و لا يجب أيضا ردّ قيمتها، كالحرّة في الأصل، و هو أحد قولي الشافعي(1).

و الثاني: تردّ قيمتها عليه، لأنّ الهدنة اقتضت ردّ أموالهم عليهم، و هذه من أموالهم، فعلى هذا تردّ على السيّد قيمتها لا ما اشتراها به(2).

فإن جاء زوجها يطلبها، لم تردّ عليه، لما مضى. و إن طلب مهرها، فإن كان حرّا، ردّ عليه، و ان كان عبدا، لم يدفع إليه المهر حتى يحضر مولاه فيطالب به، لأنّ المال حقّ له.

و لو حضر السيّد دون العبد، لم يدفع إليه شيء، لأنّ المهر يجب للحيلولة بينها و بين الزوج، فإذا حضر الزوج و طالب، ثبت المهر للمولى، فيعتبر حضورهما معا.

و لو أسلمت ثمّ فارقتهم، قال بعض الشافعيّة: لا تصير حرّة، لأنّهم في أمان [منّا] [1] فأموالهم محظورة علينا، فلا يزول الملك عنها بالهجرة،

ص: 367


1- المهذّب - للشيرازي - 263:2، العزيز شرح الوجيز 570:11، روضة الطالبين 527:7.
2- الوجيز 205:2، العزيز شرح الوجيز 570:11، المهذّب - للشيرازي - 2: 263، روضة الطالبين 527:7.

بخلاف ما إذا هاجرت ثمّ أسلمت، فإنّ الهدنة لا توجب أمان بعضهم من بعض، فجاز أن تملك نفسها بالقهر(1).

و لم يتعرّض أكثرهم لهذا التفصيل، و أطلق الحكم بالعتق و إن أسلمت ثمّ فارقتهم، لأنّ الهدنة جرت معنا و لم تجر معها(2).

إذا عرفت هذا، فنقول: إن أوجبنا غرامة المهر و القيمة، نظر، فإن حضر الزوج و السيّد معا، أخذ كلّ واحد منهما حقّه، و إن جاء أحدهما دون الآخر، احتمل أنّا لا نغرم شيئا، لأنّ حقّ الردّ مشترك بينهما و لم يتمّ الطلب، و أنّه نغرم حقّ الطالب، لأنّ كلّ واحد من الحقّين متميّز عن الآخر، و أنّا نغرم للسيّد إن تفرّد بالطلب، و لا نغرم للزوج. و الفرق أنّ حقّ اليد في الأمة المزوّجة للسيّد، فإنّه له أن يسافر بها، و إذا لم ينفرد الزوج باليد، لم يؤثّر طلبه على الانفراد.

و للشافعيّة ثلاثة أقوال(3) كالاحتمالات.

و لو كان زوج الأمة عبدا، فلها خيار الفسخ إذا [عتقت] [1] فإن فسخت النكاح، لم يغرم المهر، لأنّ الحيلولة حصلت بالفسخ، و إن لم تفسخ، غرم المهر.

و لا بدّ من حضور السيّد و الزوج معا و طلب الزوج المرأة و السيّد المهر، فإن انفرد أحدهما، لم يغرم، لأنّ البضع ليس ملك السيّد، و المهر غير مملوك للعبد.7.

ص: 368


1- المهذّب - للشيرازي - 263:2، العزيز شرح الوجيز 570:11، روضة الطالبين 527:7.
2- العزيز شرح الوجيز 570:11، روضة الطالبين 527:7.
3- العزيز شرح الوجيز 571:11، روضة الطالبين 527:7.
مسألة 217: لو قدمت مسلمة ثمّ ارتدّت، وجب عليها أن تتوب،

فإن لم تفعل، حبست دائما، و ضربت أوقات الصلوات، عندنا، و قتلت، عند العامّة على ما سيأتي.

فإن جاء زوجها و طلبها، لم تردّ عليه، لأنّه حكم لها بالإسلام أوّلا ثمّ ارتدّت، فوجب حبسها، و يردّ عليه مهرها، لأنّه حلنا بينه و بينها بالحبس.

و عند العامّة إن جاء قبل القتل، ردّ عليه مهرها، للحيلولة بينه و بينها بالقتل، و إن جاء بعد قتلها، لم يردّ عليه شيء، لأنّا لم نحل بينه و بينها عند طلبه لها(1).

و لو ماتت مسلمة قبل الطلب، فلا غرم، لأنّه لا منع بعد الطلب. و كذا لو مات الزوج قبل طلبها، لأنّ الحيلولة حصلت بالموت لا الإسلام.

و لو مات أحدهما بعد المطالبة، وجب ردّ المهر عليه، لأنّ الموت حصل بعد الحيلولة، فإن كانت هي الميّتة، ردّ المهر عليه، و إن كان هو الميّت، ردّ المهر على ورثته.

و لو قتلت قبل الطلب، فلا غرم، كما لو ماتت، و إن قتلت بعده، ثبت الغرم.

ثمّ قال الجويني: إنّ الغرم على القاتل، لأنّه المانع بالقتل(2).

و فصّل بعضهم بأنّه إن قتلها على الاتّصال بالطلب، فالحكم ما ذكره، و إن تأخّر القتل، فقد استقرّ الغرم علينا بالمنع، فلا أثر للقتل بعده، و في الحالين لا حقّ للزوج فيما على القاتل من القصاص أو الدية، لأنّه

ص: 369


1- العزيز شرح الوجيز 569:11، روضة الطالبين 526:7.
2- العزيز شرح الوجيز 571:11، روضة الطالبين 528:7.

لا يرثها(1).

و لو جرحها جارح قبل الطلب ثمّ طلبها الزوج و قد انتهت إلى حركة المذبوحين، فهو كالطلب بعد الموت.

و إن بقيت فيها حياة مستقرّة، فالغرم على الجارح، لأنّ فواتها يستند إلى الجرح، أو في بيت المال، لحصول المنع في الحياة ؟ للشافعيّة وجهان، أصحّهما: الثاني، و لا يسقط الغرم(2).

و لو طلّقها الزوج بعد قدومها مسلمة، فإن كان بائنا أو خلعا قبل المطالبة، لم يجب ردّ المهر إليه، لأنّ الحيلولة منه بالطلاق لا بالإسلام، فقد تركها باختياره، و إن كان بعد المطالبة، ردّ إليه، لأنه قد استقرّ المهر له بالمطالبة و الحيلولة.

و إن كان رجعيّا، لم يكن له المطالبة بالمهر، لأنّه أجراها إلى البينونة، أمّا لو راجعها، فإنّه يردّ عليه المهر مع المطالبة، لأنّ له الرجعة في الرجعي، و إنّما حال بينهما الإسلام.

و لو ملكها بشرط أن تطلّق نفسها على الفور، فكالطلاق البائن.

و قال بعض الشافعيّة: إنّه لو طلّقها رجعيّا، استحقّ المهر بمجرّد الطلب من غير رجعة، لأنّ الرجعة فاسدة، فلا معنى لاشتراطها(3).

و هو ممنوع، لتضمّن الرجعة قصد الإمساك و إن كانت رجعة الكافر للمسلمة باطلة.

مسألة 218: لو جاءت امرأة مسلمة ثمّ جاء زوجها و أسلم، نظر،

فإن أسلم قبل انقضاء عدّتها، كان على النكاح، لأنّ امرأة مجوسيّة أسلمت قبل

ص: 370


1- العزيز شرح الوجيز 571:11-572، روضة الطالبين 528:7.
2- العزيز شرح الوجيز 572:11، روضة الطالبين 528:7.
3- العزيز شرح الوجيز 572:11، روضة الطالبين 528:7.

زوجها، فقال علي عليه السّلام: «أ تسلم ؟» قال: لا، ففرّق بينهما، ثمّ قال: «إن أسلمت قبل انقضاء عدّتها فهي امرأتك، و إن انقضت عدّتها قبل أن تسلم ثمّ أسلمت فأنت خاطب من الخطّاب»(1).

إذا عرفت هذا، فإن كان قد أخذ مهرها قبل إسلامه ثمّ أسلم في العدة، ردّت إليه، و وجب عليه ردّ مهرها إليها، لأنّ استحقاقه للمهر إنّما كان بسبب الحيلولة و قد زالت.

و لو أسلم بعد انقضاء عدّتها، لم يجمع بينهما و بانت منه.

ثمّ إن كان قد طالب بالمهر قبل انقضاء عدّتها، كان له المطالبة، لأنّ الحيلولة حصلت قبل إسلامه. فإن لم يكن طالب قبل انقضاء العدّة، لم يكن له المطالبة بالمهر، لأنّه التزم حكم الإسلام، و ليس من حكم الإسلام المطالبة بالمهر بعد البينونة.

و لو كانت غير مدخول بها و أسلمت ثمّ أسلم، لم يكن له المطالبة بمهرها، لأنّه أسلم بعد البينونة، و حكم الإسلام يمنع من وجوب المطالبة في هذه الحالة.

مسألة 219: كلّ موضع يجب فيه الردّ فإنّه يجب ردّ أقلّ الأمرين من المسمّى في العقد و المقبوض،
اشارة

فإن كان المقبوض أقلّ من المسمّى، لم تجب الزيادة على ما دفعه، لقوله تعالى وَ آتُوهُمْ ما أَنْفَقُوا (2) و إن كان المقبوض أكثر، كان الزائد هبة، فلا يجب ردّها.

فإن اختلفا في المقبوض، كان القول قولها مع اليمين و عدم البيّنة.

قال الشيخ رحمه اللّه: فإن أعطيناه المهر لما ذكرناه فقامت البيّنة بأنّ

ص: 371


1- التهذيب 301:7-1257، الإستبصار 182:3-661.
2- الممتحنة: 10.

المقبوض كان أكثر، كان له الرجوع بالفضل(1).

و في هذا الإطلاق نظر، فإنّا لو دفعنا ما اعترفت به المرأة مع اليمين، لم يكن له الرجوع بشيء.

تنبيهان:
الأوّل: كلّ موضع حكمنا بوجوب ردّ المهر فإنّه يكون من بيت مال المسلمين المعدّ للمصالح،

لأنّ ذلك من مصالح المسلمين.

و للشافعيّة قولان، أحدهما: محلّ الغرم خمس الخمس المعدّ للمصالح. و الثاني: إن كان للمرأة مال، أخذ منها(2).

الثاني: لو شرطنا في الصلح ردّ من جاء مطلقا، لم يصحّ على ما تقدّم.

فإذا بطل، لم يردّ من جاءنا منهم، رجلا كان أو امرأة، و لا يردّ البدل عنها بحال، لأنّ البدل استحقّ بشرط، و هو مفقود هنا، كما لو جاءنا من غير هدنة.

مسألة 220: لو قدم إلينا عبد فأسلم، صار حرّا، فإذا جاء سيّده يطلبه،

لم يجب ردّه و لا ردّ ثمنه، لأنّه صار حرّا بالإسلام، و لا دليل على وجوب ردّ ثمنه.

و إذا عقد الإمام الهدنة ثمّ مات، وجب على من بعده من الأئمة العمل بموجب ما شرطه الأوّل إلى أن يخرج مدّة الهدنة، و لا نعلم فيه خلافا، لأنّه معصوم فعل مصلحة، فوجب على القائم بعده تقريرها إلى وقت خروج

ص: 372


1- المبسوط - للطوسي - 55:2.
2- المهذّب - للشيرازي - 262:2، العزيز شرح الوجيز 568:11، روضة الطالبين 525:7.

مدّتها.

و إذا نزل الإمام على بلد و عقد معهم صلحا على أن يكون البلد لهم و يضرب على أرضهم خراجا يكون بقدر الجزية و يلتزمون أحكامنا و يجريها عليهم، كان ذلك جائزا، و يكون ذلك في الحقيقة جزية، فإذا أسلم واحد منهم، سقط عنه ما ضرب على أرضه من الصلح، و صارت الأرض عشريّة، لأنّ الإسلام يسقط الجزية.

و لو شرط عليهم أن يأخذ منهم العشر من زرعهم على أنّه متى [1] قصر ذلك عن أقلّ ما تقتضي المصلحة أن يكون جزية، كان جائزا، فإن غلب في ظنّه أنّ العشر لا يفي بما توجبه المصلحة من الجزية، لا يجوز أن يعقد عليه.

و إن أطلق و لا يغلب على ظنّه الزيادة و النقصان، قال الشيخ: الظاهر من المذهب جوازه، لأنّه من فروض الإمام، فإذا فعله، كان صحيحا، لأنّه معصوم(1).

مسألة 221: إذا فسد عقد الهدنة إمّا لزيادة في المدّة أو التزام المال أو غيرهما، لم يمض،

و وجب نقضه، لكن لا يجوز اغتيالهم، بل يجب إنذارهم و إعلامهم أوّلا. و إذا وقع صحيحا، وجب الوفاء بالكفّ عنهم إلى انقضاء المدّة أو صدور خيانة [2] منهم تقتضي الانتقاض.

و لو عقد نائب الإمام عقدا فاسدا، كان على من بعده نقضه.

و قال بعض الشافعيّة: إن كان فساده من طريق الاجتهاد، لم يفسخه،

ص: 373


1- المبسوط - للطوسي - 56:2.

و إن كان بنصّ أو إجماع، فسخه(1).

و ينبغي للإمام إذا عاهد أن يكتب كتابا يشهد عليه على عقد الهدنة ليعمل به من بعده. و لا بأس أن يقول فيه: لكم ذمّة اللّه و ذمّة رسوله و ذمّتي. و مهما صرحوا بنقض العهد و قاتلوا المسلمين أو آووا عينا عليهم أو كاتبوا أهل الحرب بأخبارهم أو قتلوا مسلما أو أخذوا مالا، فقد انتقض عهدهم.

البحث السادس: في تبديل أهل الذمّة دينهم، و نقض العهد.
مسألة 222: إذا انتقل ذمّيّ تقبل منه الجزية - كاليهودي أو النصراني أو المجوسي
اشارة

- إلى دين يقرّ أهله عليه بالجزية، كاليهودي يصير نصرانيّا أو مجوسيّا، أو [1] بالعكس، لعلمائنا قولان:

أحدهما: أنّه يقبل منه ذلك، و لا يجب قتله، بل يجوز إقراره بالجزية، لأنّ الكفر كالملة الواحدة.

و الثاني: لا يقرّ، لقوله عليه السّلام: «من بدّل دينا فاقتلوه»(2) و لقوله تعالى:

وَ مَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ (3) .

ص: 374


1- العزيز شرح الوجيز 560:11، روضة الطالبين 522:7.
2- صحيح البخاري 75:4، المستدرك - للحاكم - 538:3-539، سنن ابن ماجة 848:2-2535، سنن أبي داود 126:4-4351، سنن الترمذي 4: 59-1458، سنن النسائي 104:7، سنن الدار قطني 108:3-90، مسند أبي داود الطيالسي: 350-2689، مسند أحمد 358:1-1874، و 465 - 466-2547 و 2548. و فيها جميعا: «من بدّل دينه..».
3- آل عمران: 85.

فعلى الأوّل قال الشيخ: لو انتقل إلى بعض المذاهب، أقرّ على جميع أحكامه. و إن انتقل إلى المجوسية، فمثل ذلك غير أنّا على أصلنا لا نجوّز مناكحتهم بحال و لا أكل ذبائحهم. و من أجاز أكل ذبائحهم من أصحابنا ينبغي أن يقول: إن انتقل إلى اليهوديّة أو النصرانيّة(1) ، أكلت ذبيحته، و إن انتقل إلى المجوسيّة، لا تؤكل و لا يناكح.

قال: و إذا قلنا: لا يقرّ على ذلك - و هو الأقوى عندي - فإنّه يصير مرتدّا عن دينه(2).

تذنيب: إذا قلنا: لا يقرّ عليه، فبأيّ شيء يطالب ؟

منهم من يقول: إنّه يطالب بالإسلام لا غير، لاعترافه ببطلان ما كان عليه، و ما عدا دين الإسلام باطل، فلا يقرّ عليه(3).

و منهم من يقول: إنّه يطالب بالإسلام أو بدينه الأوّل(4).

و قوّى الشيخ رحمه اللّه الأوّل(5). فعليه إن لم يرجع إلاّ إلى دينه الأوّل، قتل، و لم ينفذ إلى دار الحرب، لما فيه من تقوية أهل الحرب.

و لو انتقل من لا يقرّ على دينه إلى دين من يقرّ أهله عليه، كالوثني ينتقل إلى التهوّد أو التنصّر، الأقوى: ثبوت الخلاف السابق فيه.

و لو انتقل الذمّيّ إلى دين لا يقرّ أهله عليه، لم يقرّ عليه إجماعا.

و ما الذي يقبل منه ؟ قيل: لا يقبل منه إلاّ الإسلام(6) - و قوّاه الشيخ(7) -

ص: 375


1- في «ق، ك» و المصدر: و النصرانيّة.
2- المبسوط - للطوسي - 57:2.
3- الحاوي الكبير 376:14، المهذّب - للشيرازي - 55:2.
4- الحاوي الكبير 376:14، المهذّب - للشيرازي - 55:2.
5- المبسوط - للطوسي - 57:2.
6- الحاوي الكبير 377:14.
7- المبسوط - للطوسي - 57:2.

للآية(1) و الخبر(2)الحاوي الكبير 377:14، المهذّب - للشيرازي - 55:2، حلية العلماء 6:

434-435.(3).

و قيل: يقبل منه الإسلام أو الدين الذي كان عليه، لأنّه انتقل من دين يقرّ أهله عليه إلى ما لا يقرّ أهله عليه، فيقبل منه(3).

و استبعده ابن الجنيد و قال: لا يقبل منه إلاّ الإسلام، لأنّه بدخوله فيما لا يجوز إقراره عليه قد أباح دمه، و صار حكمه حكم المرتدّ.

و قيل: يقبل منه الإسلام، أو الرجوع إلى دينه الأوّل، أو الانتقال إلى دين يقرّ أهله عليه، لأنّ الأديان المخالفة لدين الإسلام ملّة واحدة، لأنّ جميعها كفر. و هو الأظهر عند الشافعيّة(4).

قال الشيخ رحمه اللّه: و أمّا أولاده: فإن كانوا كبارا، أقرّوا على دينهم، و لهم حكم نفوسهم، و إن كانوا صغارا، نظر في الأمّ، فإن كانت على دين يقرّ أهله عليه ببذل الجزية، أقرّ ولده الصغير في دار الإسلام، سواء ماتت الأمّ أو لم تمت، و إن كانت على دين لا يقرّ أهله عليه، كالوثنيّة و غيرها، فإنّهم يقرّون أيضا، لما سبق لهم من الذمّة، و الامّ لا يجب عليها القتل(5).

مسألة 223: إذا عقد الإمام الهدنة، وجب عليه الوفاء

بما عقده ما لم ينقضوها بلا خلاف نعلمه، لقوله تعالى أَوْفُوا بِالْعُقُودِ (6) و قال تعالى فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلى مُدَّتِهِمْ (7).

ص: 376


1- آل عمران: 85.
2- تقدّمت الإشارة إلى مصادره في ص 374، الهامش
3- .
4- الحاوي الكبير 377:14، المهذّب - للشيرازي - 55:2، حلية العلماء 6: 434-435.
5- المبسوط - للطوسي - 57:2-58.
6- المائدة: 1.
7- التوبة: 4.

و قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: «من كان بينه و بين قوم عهد فلا يشدّ عقدة و لا يحلّها حتى ينقضي أمدها أو ينبذ إليهم على سواء»(1).

و لو شرع المشركون في نقض العهد، فإن نقض الجميع، وجب قتالهم، لقوله تعالى فَمَا اسْتَقامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ (2).

و إن نقض بعض، نظر فإن أنكر عليهم الباقون بقول أو فعل ظاهر، أو اعتزلوهم أو راسلوا الإمام بأنّا منكرون لفعلهم مقيمون على العهد، كان العهد [1] باقيا في حقّه.

و إن سكتوا على ما فعل الناقضون و لم يوجد إنكار و لا تبرّ من ذلك، كانوا كلّهم ناقضين للعهد، لأنّ سكوتهم دالّ على الرضا به، كما لو عقد بعضهم الهدنة و سكت الباقون، دلّ على رضاهم، كذا هنا.

فإذا نقض الجميع، غزاهم الإمام و بيّتهم و أغار عليهم، و يصيروا أهل حرب ليس لهم عقد هدنة. و إن كان من بعض، غزا الإمام الناقضين دون الباقين على العهد. و لو كانوا ممتزجين، أمرهم الإمام بالتمييز ليأخذ من نقض. و لو لم يتميّزوا فمن اعترف بأنّه نقض، قتله، و من لم يعترف بذلك، لم يقتله و قبل قوله، لتعذّر معرفته إلاّ منه.

و لو نقضوا العهد ثمّ تابوا عنه، قال ابن الجنيد: أرى القبول منهم.

مسألة 224: لو خاف الإمام من خيانة المهادنين و غدرهم بسبب أو أمارة دلّته على ذلك، جاز له نقض العهد.

ص: 377


1- سنن أبي داود 83:3-2759، سنن البيهقي 231:9، مسند أحمد 5: 522-18943.
2- التوبة: 7.

قال اللّه تعالى وَ إِمّا تَخافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلى سَواءٍ (1) يعني أعلمهم بنقض عهدهم حتى تصير أنت و هم سواء في العلم.

و لا يكفي وقوع ذلك في قلبه حتى يكون عن أمارة تدلّ على ما خافه.

و لا تنتقض الهدنة بنفس الخوف، بل للإمام نقضها، و هذا بخلاف الذمّي إذا خيف منه الخيانة، فإن عقد الذمّة لا ينتقض بذلك، لأنّ عقد الذمّة يعقد لحقّ أهل الكتاب، و لهذا يجب على الإمام إجابتهم عليه، و عقد الهدنة و الأمان لمصلحة المسلمين لا لحقّهم، فافترقا.

و لأن عقد الذمّة آكد، لأنّه عقد معاوضة و مؤبّد، بخلاف الهدنة و الأمان، و لهذا لو نقض بعض أهل الذمّة و سكت الباقون، لم ينتقض عهدهم، و لو كان في الهدنة، انتقض.

و لأنّ أهل الذمّة في قبضة الإمام و لا يخشى الضرر كثيرا من نقضهم، بخلاف أهل الهدنة، فإنّ الإمام يخاف منهم الغارة على المسلمين و الضرر الكثير.

مسألة 225: إذا انتقضت 1 الهدنة لخوف الإمام و نبذ إليهم عهدهم، ردّهم إلى مأمنهم،

و صاروا حربا. فإن لم يبرحوا عن حصنهم، جاز قتالهم بعد النبذ إليهم، لأنّهم في منعتهم [2] كما كانوا قبل العقد. و إن كانوا قد نزلوا فصاروا في عسكر المسلمين، ردّهم الإمام إلى مأمنهم، لأنّهم دخلوا إليه

ص: 378


1- الأنفال: 58.

من مأمنهم، فعليه (أن يردّهم) [1] إليه، و إلاّ لكان خيانة من المسلمين، و اللّه لا يحبّ الخائنين.

فإذا زال عقد الهدنة، نظر فيما زال به، فإن لم يتضمّن وجوب حقّ عليه، مثل أن يأوي لهم عينا أو يخبرهم بخبر المسلمين و يطلعهم على عوراتهم، ردّه إلى مأمنه، و لا شيء عليه. و إن كان يوجب حقّا، فإن كان لآدميّ، كقتل نفس أو إتلاف مال، استوفي ذلك منه، و إن كان للّه تعالى محضا، كحدّ الزنا و الشرب، أقيم عليه أيضا، عندنا، خلافا للعامّة(1) ، و إن كان مشتركا، كالسرقة، أقيم عليه، عندنا. و للعامّة قولان(2).

مسألة 226: إذا عقد الإمام الذمّة للمشركين، كان عليه أن يذبّ عنهم

كلّ من لو قصد المسلمين لزمه أن يذبّ عنهم. و لو عقد الهدنة لقوم منهم، كان عليه أن يكفّ عنهم كلّ [2] من يجري عليه أحكامه من المسلمين و أهل الذمّة، و ليس عليه أن يدفع عنهم أهل الحرب و لا بعضهم عن بعض.

و الفرق: أنّ عقد الذمّة يقتضي جري أحكامنا عليهم، فكانوا كالمسلمين، و الهدنة عقد أمان لا يتضمّن جري الأحكام، فاقتضى أن يأمن من جهته من يجري عليه حكم [3] الإمام دون غيره.

فإن شرط الإمام في عقد الذمّة أن لا يدفع عنهم أهل الحرب، فإن كانوا في وسط بلاد الإسلام - كالعراق - أو في طرف بلاد الإسلام، كان

ص: 379


1- المهذّب - للشيرازي - 264:2، الشرح الكبير 574:10.
2- المهذّب - للشيرازي - 264:2، الشرح الكبير 574:10، حلية العلماء 7: 722-723.

الشرط فاسدا، لأنّه يجب عليه أن يمنع أهل الحرب من دخول دار الإسلام، فلا يجوز أن يشترط خلافه. و إن كانوا في دار الحرب أو بين دار الإسلام و دار الحرب، كان الشرط جائزا، لعدم تضمّنه تمكين أهل الحرب من دار الإسلام.

إذا ثبت هذا، فمتى قصدهم أهل الحرب و لم يدفعهم عنهم حتى مضى حول، فلا جزية عليهم، لأنّ الجزية تستحقّ بالدفع، فإن سباهم أهل الحرب، فعليه أن يردّ ما سبي منهم من الأموال، لأنّ عليه حفظ أموالهم.

فإن كان في جملته خمر أو خنزير، لم تلزمه استعادته [1]، لأنّه لا يحلّ إمساكه.

و إذا أغار أهل الحرب على أهل الهدنة و أخذوا أموالهم و ظفر الإمام بأهل الحرب و استنقذ أموال أهل الهدنة، قال الشافعي: يردّها الإمام عليهم(1).

و كذا إذا اشترى مسلم من أهل الحرب ما أخذوه من أهل الهدنة، وجب ردّه عليهم، لأنّه في عهد منه، فلا يجوز أن يتملّك ما سبي منهم، كأهل الذمّة.

و قال أبو حنيفة: لا يجب ردّ ما أخذوه من أهل الحرب من أموالهم، لأنّه لا يجب عليه أن يدفعهم عنهم، فلا يلزمه ردّ ما استنقذه منهم، كما لو أغار أهل الحرب على أهل الحرب(2).1.

ص: 380


1- المهذّب - للشيرازي - 257:2، العزيز شرح الوجيز 577:11، روضة الطالبين 531:7.
2- المبسوط - للسرخسي - 88:10، العزيز شرح الوجيز 577:11.

و قول أبي حنيفة فيه قوّة.

مسألة 227: إذا انتقض العهد، جاز قصد بلدهم و تبييتهم و الإغارة عليهم في بلادهم

إن علموا أنّ ما أتوا به ناقض للعهد. و إن لم يعلموا، فكذلك الحكم، أو لا يقاتلون إلاّ بعد الإنذار للشافعيّة وجهان(1).

و الأولى أنّه إذا لم يعلموا أنّه خيانة، لا ينتقض العهد إلاّ إذا كان المأتيّ به ممّا لا يشكّ في مضادّته للهدنة، كالقتال.

فأمّا من دخل دارا بأمان أو مهادنة، فلا يغتال و إن انتقض عهده، بل يبلغ المأمن.

و لو(2) نقض السوقة العهد و لم يعلم الرئيس و الأشراف بذلك، احتمل النقض في حقّ السوقة، و عدمه، لأنّه لا اعتبار بعقدهم فكذا بنقضهم.

و للشافعيّة وجهان(3).

و لو نقض الرئيس و امتنع الأتباع و أنكروا، ففي الانتقاض في حقّهم للشافعي قولان، أحدهما: الانتقاض، لأنّه لم يبق العهد في حقّ المتبوع فلا يبقى في حقّ التابع(4).

هذا حكم نقض عهد(5) الهدنة، و أمّا نقض الذمّة: فنقضه من البعض ليس بنقض من الباقين، و قد سلف الفرق.

و المعتبر في إبلاغ الكافر المأمن أن يمنعه من المسلمين و يلحقه بأوّل بلاد الكفر(6) ، و لا يلزم إلحاقه ببلده الذي يسكنه فوق ذلك إلاّ أن يكون بين

ص: 381


1- العزيز شرح الوجيز 560:11، روضة الطالبين 522:7.
2- في «ق»: «و إن» بدل «و لو».
3- العزيز شرح الوجيز 562:11، روضة الطالبين 523:7.
4- العزيز شرح الوجيز 562:11، روضة الطالبين 523:7.
5- كلمة «عهد» لم ترد في «ق، ك».
6- في «ق»: الكفّار.

أوّل بلاد الكفر و بلده الذي يسكنه بلد للمسلمين يحتاج إلى المرور عليه.

و إذا هادنه الإمام مدّة لضعف و خوف ثمّ زال الخوف و قوي المسلمون، وجب البقاء عليه، لقوله تعالى فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلى مُدَّتِهِمْ (1) و إن كانت المدّة عشر سنين.

و يجب على الذين هادنّاهم الكفّ عن قبيح القول و العمل في حقّ المسلمين و بذل الجميل منهما. و لو كانوا يكرمون المسلمين فصاروا يهينونهم، أو يضيفون الرسل و يصلونهم فصاروا يقطعونهم، أو يعظّمون كتاب الإمام فصاروا يستخفّون، أو نقصوا عمّا كانوا يخاطبونه به، سألهم الإمام عن سبب فعلهم، فإن اعتذروا بما يجوز قبول مثله، قبله، و إن لم يذكروا عذرا، أمرهم بالرجوع إلى عادتهم، فإن امتنعوا، أعلمهم بنقض الهدنة و نقضها، عند الشافعيّة(2).

و سبّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله تنتقض به الهدنة كالذمّة، عند الشافعي(3) ، خلافا لأبي حنيفة فيهما(4).

مسألة 228: لو كان تحت كافر عشر زوجات فأسلمن و هاجرن و جاء الزوج يطلبهنّ،

أمر باختيار أربع منهنّ، و يعطى مهورهنّ، سواء اختار الأكثر مهرا أو الأقلّ، و سواء اختار من دفع إليهنّ المهر أو بعضه أو من لم يدفع إليهنّ، فإذا اختار من لم يدفع إليهنّ شيئا، لم يرجع بشيء.

و لو جاءت مستولدة، فهي كالأمة.

ص: 382


1- التوبة: 4.
2- الحاوي الكبير 383:14، العزيز شرح الوجيز 563:11، روضة الطالبين 7: 523-524.
3- الحاوي الكبير 383:14، العزيز شرح الوجيز 563:11.
4- الحاوي الكبير 383:14، العزيز شرح الوجيز 563:11.

و أمّا المكاتبة: فإن اقتضى الحال عتقها، فكذلك، و تبطل الكتابة، و إلاّ فهي على كتابتها. فإن أدّت مال الكتابة، عتقت بالكتابة. قال الشافعي:

و للسيّد الولاء(1). فإن عجزت و رقّت، حسب ما أخذ من مال الكتابة بعد إسلامها من ضمانها، و لا يحسب منه ما أخذ قبل الإسلام.

مسألة 229: لو عقدنا الهدنة بشرط أن يردّوا من جاءهم منّا مرتدّا و يسلّموه إلينا،

وجب عليهم الوفاء بما التزموه، فإن امتنعوا، كانوا ناقضين للعهد.

و إن عقدنا بشرط أن لا يردّوا من جاءهم، ففي الجواز إشكال.

و للشافعي قولان:

أشهرهما: الجواز، لأنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله شرط ذلك في مهادنة قريش(2).

و الثاني: المنع، لإعلاء الإسلام، و إقامة حكم المرتدّين [عليه](3)(4).

و قال بعضهم: هذا الشرط يصحّ في حقّ الرجال دون النساء كما لو شرط ردّ من جاءنا مسلما، لأنّ الإبضاع يحتاط لها، و يحرم على الكافر من المرتدّة ما يحرم على المسلم(5).

فإن أوجبنا الردّ، فالذي عليهم التمكين و التخلية دون التسليم.

ص: 383


1- الحاوي الكبير 366:14، العزيز شرح الوجيز 574:11، روضة الطالبين 7: 530.
2- المغازي - للواقدي - 611:2، السيرة النبويّة - لابن هشام - 332:3، دلائل النبوّة - للبيهقي - 147:4، صحيح البخاري 242:3، صحيح مسلم 3: 1411-1784.
3- بدل ما بين المعقوفين في «ق، ك» و الطبعة الحجريّة: حكمهم. و ما أثبتناه من المصادر.
4- الحاوي الكبير 367:14، العزيز شرح الوجيز 575:11، روضة الطالبين 530:7.
5- الحاوي الكبير 367:14، العزيز شرح الوجيز 575:11، روضة الطالبين 530:7.

و كذا الحكم لو جرت المهادنة مطلقا من غير تعرّض لردّ من ارتدّ بالنفي و الإثبات.

و حيث لا يجب عليهم التمكين و لا التسليم فعليهم مهر من ارتدّ من نساء المسلمين، و قيمة من ارتدّ من رقيقهم، و لا يلزمهم غرم من ارتدّ من الرجال الأحرار.

و لو عاد المرتدّون إلينا، لم نردّ المهر، و رددنا القيمة، لأن الرقيق بدفع القيمة يصير ملكا لهم و النساء لا يصرن زوجات.

و حيث يجب التمكين دون التسليم فمكّنوا، فلا غرم عليهم سواء وصلنا إلى المطلوبين أو لم نصل. و حيث يجب التسليم فنطالبهم به عند الإمكان.

فإن فات التسليم بالموت، فعليهم الغرم.

و إن هربوا نظر إن هربوا قبل القدرة على التسليم، فلا يغرمون، أو بعدها، فيغرمون.

و لو هاجرت إلينا امرأة منهم مسلمة و طلبها زوجها و جاءتهم امرأة منّا مرتدّة، لا نغرم لزوج المسلمة المهر، و لكن نقول له: واحدة بواحدة، و نجعل المهرين قصاصا، و يدفع الإمام المهر إلى زوج المرتدّة، و يكتب إلى زعيمهم ليدفع مهرها إلى زوج المهاجرة المسلمة.

هذا إن تساوى القدران، و لو كان مهر المهاجرة أكثر، صرفنا مقدار مهر المرتدّة منه إلى زوجها و الباقي إلى زوج المهاجرة. و إن كان مهر المرتدّة أكثر، صرفنا مقدار مهر المهاجرة إلى زوجها و الباقي إلى زوج المرتدّة.

ص: 384

و بهذه المقاصّة فسّر أكثر الشافعيّة(1) قوله تعالى وَ إِنْ فاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْواجِكُمْ إِلَى الْكُفّارِ فَعاقَبْتُمْ فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْواجُهُمْ مِثْلَ ما أَنْفَقُوا (2).

و لو قال زوج المسلمة: لا ذنب لي في التحاق المرتدّة بدار المهادنين فلم منعتموني حقّي، قلنا: ليس لك حقّ على قياس أعواض المتلفات، و إنّما نغرم لك بحكم المهادنة، و أهل المهادنة في موجب المهادنة كالشخص الواحد.

البحث السابع: في الحكم بين المعاهدين و المهادنين.
مسألة 230: إذا تحاكم إلينا أهل الذمّة بعضهم مع بعض، تخيّر الحاكم

بين الحكم بينهم على مقتضى حكم الإسلام و بين الإعراض عنهم - و به قال مالك(3) - لقوله تعالى فَإِنْ جاؤُكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ (4).

و لقول الباقر عليه السّلام: «إنّ الحاكم إذا أتاه أهل التوراة و أهل الإنجيل يتحاكمون إليه، كان ذلك إليه إن شاء حكم بينهم و إن شاء تركهم»(5).

و لأنّهما لا يعتقدان صحّة الحكم، فأشبها المستأمنين.

و قال المزني: يجب الحكم - و للشافعي قولان - لقوله تعالى:

ص: 385


1- العزيز شرح الوجيز 576:11، روضة الطالبين 531:7.
2- الممتحنة: 11.
3- أحكام القرآن - لابن العربي - 620:2، الجامع لأحكام القرآن 184:6، العزيز شرح الوجيز 103:8.
4- المائدة: 42.
5- التهذيب 300:6-839.

وَ أَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللّهُ (1) و الأمر للوجوب.

و لأنّ دفع الظلم عنهم واجب على الإمام، و الحكم بينهم دفع لذلك عنهم، فلزمهم [1] كالمسلمين(2).

و آيتنا أخصّ، و القياس باطل، لأنّ المسلمين يعتقدون صحّة الحكم.

و لو تحاكم إلينا ذمّيّ مع مسلم أو مستأمن مع مسلم، وجب على الحاكم أن يحكم بينهما على ما يقتضيه حكم الإسلام، لأنّه يجب عليه حفظ المسلم من ظلم الذمّي، و بالعكس.

و لو تحاكم إلينا مستأمنان حربيّان من غير أهل الذمّة، لم يجب على الحاكم أن يحكم بينهما إجماعا، لأنّه لا يجب على الإمام دفع بعضهم عن بعض، بخلاف أهل الذمّة. و لأنّ أهل الذمّة آكد حرمة، فإنّهم يسكنون دار الإسلام على التأبيد.

مسألة 231: إذا استعدى أحد الخصمين إلى الإمام، أعداه على الآخر

في كلّ موضع يلزم الحاكم الحكم بينهما، فإذا استدعى خصمه، وجب عليه الحضور إلى مجلس الحكم، لأنّ هارون بن حمزة سأل الصادق عليه السّلام:

رجلان من أهل الكتاب نصرانيّان أو يهوديّان كان بينهما خصومة، فقضى بينهما حاكم من حكّامهما بجوز فأبى الذي قضي عليه أن يقبل، و سأل أن يردّ إلى حكم المسلمين، قال: «يردّ إلى حكم المسلمين»(3).

ص: 386


1- المائدة: 49.
2- الحاوي الكبير 385:14-386، الوجيز 15:2، العزيز شرح الوجيز 8: 103، الوسيط 138:5-139، روضة الطالبين 490:5-491، المغني 10: 190، التفسير الكبير 235:11، الجامع لأحكام القرآن 184:6.
3- التهذيب 301:6-842.

و يجب إذا حكم بينهم أن يحكم بحكم المسلمين، لقوله تعالى:

وَ إِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ (1) و قال تعالى وَ أَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللّهُ وَ لا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ (2).

و لو جاءت ذمّيّة تستعدي على زوجها الذمّيّ في طلاق أو ظهار أو إيلاء، تخيّر في الحكم بينهم و الردّ إلى أهل نحلتهم ليحكموا بينهم بمذهبهم. فإن حكم بينهم، حكم بحكم الإسلام، و يمنعه في الظهار من أن يقربها حتى يكفّر. و لا يجوز له أن يكفّر بالصوم، لافتقاره إلى نيّة القربة، و لا بالعتق، لتوقفه على ملك المسلم، و هو لا يتحقّق في طرفه إلاّ أن يسلم في يده أو يرثها، بل بالإطعام.

مسألة 232: يجوز للمسلم أخذ مال من نصرانيّ مضاربة،

و لا يكره ذلك، لأنّ المسلم لا يتصرّف إلاّ فيما يسوغ.

و يكره للمسلم أن يدفع إلى المشرك مالا مضاربة، لأنّ الكافر قد يتصرّف بما لا يسوغ في الشرع، فإن فعل، صحّ القراض.

و ينبغي له إذا دفع إليه المال أن يشترط عليه أن لا يتصرّف إلاّ بما يسوغ في شرعنا، فإن شرط عليه ذلك فابتاع خمرا أو خنزيرا، فالشراء باطل، سواء ابتاعه بعين المال أو في الذمّة، لأنّه خالف الشرط. و لا يجوز له أن يقبض الثمن، فإن قبض الثمن، ضمنه.

و إن لم يشترط عليه ذلك بل دفع المال إليه مطلقا فابتاع ما لا يجوز ابتياعه، فالبيع باطل، فإن دفع الثمن، فعليه الضمان أيضا، لأنّه ابتاع ما ليس بمباح عندنا.

و إطلاق العقد يقتضي أن يبتاع لربّ المال ما يملكه ربّ المال،

ص: 387


1- المائدة: 42.
2- المائدة: 49.

فإذا [1] خالف، ضمن.

فإن باع المضارب و نضّ المال، فإن علم ربّ المال أنّه تصرّف في محظور، أو خالط محظورا، لم يجز له قبضه، كما لو اختلطت أخته بأجنبيّات، و إن علم أنّه عين المباح، قبضه، و إن شكّ، جاز على كراهة.

و لو أكرى نفسه من ذمّيّ، فإن كانت الإجارة في الذمّة، صحّ، لأنّ الحقّ ثابت في ذمّته. و إن كانت معيّنة، فإن استأجره ليخدمه شهرا أو يبني له شهرا، صحّ أيضا. و تكون أوقات العبادة مستثناة منها.

مسألة 233: لو فعل الذمّيّ ما لا يجوز في شرع الإسلام و لا في شرعهم

- كالزنا و اللواط و السرقة و القتل و القطع - كان الحكم في ذلك كالحكم بين المسلمين في إقامة الحدود، لأنّهم عقدوا الذمّة بشرط أن يجرى عليهم أحكام المسلمين.

و إن كان ما يجوز في شرعهم - كشرب الخمر و أكل لحم الخنزير و نكاح المحارم - لم يتعرّض لهم ما لم يظهروه، لأنّا نقرّهم عليه، و ترك التعرّض لهم فيه، لأنّهم عقدوا الذمّة و بذلوا الجزية على هذا. فإن أظهروا ذلك و أعلنوه، منعهم الإمام و أدّبهم على إظهاره.

قال الشيخ: و قد روى أصحابنا أنّه يقيم عليهم الحدّ بذلك، و هو الصحيح(1).

و لو جاء نصرانيّ باع من مسلم خمرا أو اشترى منه خمرا، أبطلناه بكلّ حال تقابضا أو لا، و رددنا الثمن إلى المشتري. فإن كان مسلما، استرجع الثمن، و أرقنا الخمر، لأنّا لا نقضي على المسلم بردّ الخمر، و جاز إراقتها، لأنّ الذمّيّ عصى بإخراجها إلى المسلم، فيعاقب بإراقتها عليه. و إن

ص: 388


1- المبسوط - للطوسي - 61:2.

كان المشتري المشرك، رددنا إليه الثمن، و لا نأمر الذمّيّ بردّ الخمر، بل يريقها، لأنّها ليست كمال الذمّيّ.

و نمنع المشرك من شراء المصاحف إعزازا للقرآن، فإن اشترى، لم يصح البيع.

و قال بعض الشافعيّة: يملكه و يلزم البيع(1).

و الأوّل أنسب بإعظام القرآن.

قال الشيخ: و كذا حكم الدفاتر التي فيها أحاديث رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و آثار السلف و أقاويلهم - و الأقوى عندي الكراهة - أمّا كتب النحو و اللغة و الشعر و باقي الأدب: فإنّ شراءها جائز لهم، إذ لا حرمة لها(2).

مسألة 234: لو أوصى مسلم لذمّي بعبد مسلم، لم تصحّ الوصيّة،

لأنّ المشرك لا يملك المسلم.

و قال بعض الناس(3): تصحّ الوصيّة، و تلزم برفع اليد عنه، كما لو ابتاعه.

فعلى هذا لو أسلم و قبل الوصيّة، صحّ، و ملكه بعد موت الموصي.

و على الأوّل لا يملكه و إن أسلم في حياة الموصي، لأنّ الوصيّة وقعت في الأصل باطلة.

و لو كان العبد مشركا فأسلم العبد قبل موت الموصي ثمّ مات، فقبله الموصى له، لم يملكه، لأنّ الاعتبار في الوصيّة حال اللزوم، و هي حالة الوفاة.

و على القول الثاني يملكه و يرفع يده عنه.

و لو أوصى الذمّي ببناء كنيسة أو بيعة أو موضع عبادة لهم، لم تصحّ،

ص: 389


1- الوجيز 133:1، العزيز شرح الوجيز 17:4، حلية العلماء 118:4، المهذّب - للشيرازي - 274:1، المجموع 355:9، روضة الطالبين 11:3.
2- المبسوط - للطوسي - 62:2.
3- كما في المبسوط - للطوسي - 62:2، و انظر: الحاوي الكبير 393:14، و العزيز شرح الوجيز 17:4، و روضة الطالبين 11:3.

لأنّها في معصية.

و كذا لو أوصى أن يستأجر خدما للبيعة و الكنيسة، أو يعمل صلبانا، أو يشتري مصباحا أو يشتري أرضا فيوقف عليها.

و لو أوصى الذمّيّ ببناء كنيسة تنزلها المارّة من أهل الذمّة أو من غيرهم، أو وقفها على قوم يسكنونها، أو جعل أجرتها للنصارى، جازت الوصيّة، لأنّ نزولهم ليس بمعصية، إلاّ أن تبنى لصلواتهم.

و كذا لو أوصى للرهبان بشيء، صحّت الوصيّة، لجواز صدقة التطوّع عليهم.

و لو أوصى أن يكون لنزول المارّة للصلاة فيه، قيل: تبطل الوصيّة في الصلاة، و تصحّ (في نزول) [1] المارّة، فتبنى كنيسة بنصف الثلث لنزول المارّة خاصّة، فإن لم يمكن ذلك، بطلت الوصيّة [2].

و قيل: تبنى الكنيسة بالثلث، و تكون لنزول المارّة، و يمنعون من الاجتماع للصلاة فيها [3].

و لو أوصى بشيء تكتب به التوراة أو الإنجيل أو الزبور أو غير ذلك من الكتب القديمة، بطلت الوصيّة، لأنّها كتب محرّفة مبدّلة منسوخة.

و خرج رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يوما من داره فوجد في يد عمر صحيفة، فقال:

«ما هي ؟» فقال: من التوراة، فغضب عليه و رماها من يده، و قال: «لو كان موسى أو عيسى حيّين لما وسعهما إلاّ اتّباعي»(1).

إذا ثبت [4] هذا، فإنّه يكره للمسلم اجرة رمّ ما يستهدم من الكنائس و البيع من بناء و نجارة و غير ذلك، و ليس محرّما.ر.

ص: 390


1- الجامع لأحكام القرآن 355:13 باختصار.

الفصل السادس: في قتال أهل البغي

اشارة

الأصل في ذلك قول اللّه تعالى وَ إِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَى الْأُخْرى فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتّى تَفِيءَ إِلى أَمْرِ اللّهِ (1).

قيل: وردت في طائفتين من الأنصار وقع بينهم [قتال] [1] فلمّا نزلت، قرأها عليهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فأقلعوا. و ليس فيها تعرّض للخروج و البغي على الإمام، و لكن إذا أمرنا بقتال طائفة بغت على طائفة أخرى، فلأن نقاتل الذين بغوا على الإمام إلى أن يفيئوا إلى أمر اللّه أولى(2).

و المراد بالباغي في عرف الفقهاء: المخالف للإمام العادل، الخارج عن طاعته بالامتناع عن أداء ما وجب عليه بالشرائط الآتية. و سمّي باغيا إمّا لتجاوزه الحدّ المرسوم له، و البغي: مجاوزة الحدّ.

و قيل: لأنّه ظالم بذلك، و البغي: الظلم. قال اللّه تعالى ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ (3) أي: ظلم(4).

و قيل: لطلبه الاستعلاء على الإمام، من قولهم: بغى الشيء، أي: طلبه(5).

مسألة 235: قتال أهل البغي واجب بالنصّ و الإجماع.

ص: 391


1- الحجرات: 9.
2- كما في العزيز شرح الوجيز 69:11-70.
3- الحجّ: 60.
4- كما في العزيز شرح الوجيز 69:11.
5- كما في العزيز شرح الوجيز 69:11.

قال اللّه تعالى فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي (1).

و روى العامّة عن النبي صلّى اللّه عليه و آله قال: «من حمل علينا السلاح فليس منّا»(2).

و من طريق الخاصّة: قول علي عليه السّلام: «القتال قتالان: قتال لأهل الشرك لا ينفر عنهم حتى يسلموا أو يؤدّوا الجزية عن يد و هم صاغرون، و قتال لأهل الزيغ لا ينفر عنهم حتى يفيئوا إلى أمر اللّه أو يقتلوا»(3).

و لا خلاف بين المسلمين كافّة في وجوب جهاد البغاة، و قد قاتل علي عليه السّلام ثلاث طوائف: أهل البصرة يوم الجمل: عائشة و طلحة و الزبير و عبد اللّه بن الزبير و غيرهم، و هم الناكثون الذين بايعوه و نكثوا بيعته. و قاتل أهل الشام معاوية و من تابعه، و هم القاسطون، أي: الجائرون. و قاتل أهل النهروان: الخوارج، و هم المارقون، و قد أخبره رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، فقال:

«تقاتل الناكثين و القاسطين و المارقين»(4).

قال الشيخ رحمه اللّه: و هؤلاء كلّهم عندنا محكوم بكفرهم، لكن ظاهرهم الإسلام. و عند الفقهاء أنّهم مسلمون لكن قاتلوا الإمام العادل، فإنّ الإمامة كانت لعليّ عليه السّلام بعد عثمان عندهم(5).

و الأصل في ذلك: أنّ الإمامة عندنا من شرائط الإيمان، فلا يستحقّ7.

ص: 392


1- الحجرات: 9.
2- صحيح البخاري 62:9، صحيح مسلم 98:1 و 99-98 و 100 و 101، سنن ابن ماجة 860:2-2575، مسند أحمد 144:3-9129.
3- التهذيب 114:4-335، و 144:6-247.
4- المستدرك - للحاكم - 140:3.
5- المبسوط - للطوسي - 264:7.

الثواب الدائم إلاّ به.

مسألة 236: قد جرت العادة بين الفقهاء أن يذكروا الإمامة في هذا الموضع
اشارة

ليعرف الإمام الذي يجب اتّباعه، و يصير الإنسان باغيا بالخروج عليه، و ليست من علم الفقه، بل هي من علم الكلام، فلنذكر كلاما مختصرا، فنقول

يشترط في الإمام أمور:
الأوّل: أن يكون مكلّفا،

فإنّ غيره مولّى عليه في خاصّة نفسه، فكيف يلي أمر الأمّة!

الثاني: أن يكون مسلما ليراعي مصلحة المسلمين و الإسلام،

و ليحصل الوثوق بقوله، و يصحّ الركون إليه، فإنّ غير المسلم ظالم و قد قال اللّه تعالى وَ لا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا (1).

الثالث: أن يكون عدلا، لما تقدّم،

فإنّ الفاسق ظالم و لا يجوز الركون إليه و المصير إلى قوله، للنهي عنه في قوله تعالى وَ لا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا (2). و لأنّ الفاسق ظالم، فلا ينال مرتبة الإمامة، لقوله تعالى:

لا يَنالُ عَهْدِي الظّالِمِينَ (3) .

الرابع: أن يكون حرّا،

فإنّ العبد مشغول بخدمة مولاه لا يتفرّغ للنظر في مصالح المسلمين. و لأنّ الإمامة رئاسة عامّة و العبد مرءوس، و هي من المناصب الجليلة، فلا تليق به.

الخامس: أن يكون ذكرا ليهاب،

و ليتمكّن من مخالطة الرجال،

ص: 393


1- هود: 113.
2- هود: 113.
3- البقرة: 124.

و يتفرّغ للنظر، فإنّ المرأة ناقصة العقل.

السادس: أن يكون عالما،

ليعرف الأحكام و يعلّم الناس، فلا يفوت الأمر عليه بالاستفتاء و المراجعة.

السابع: أن يكون شجاعا،

ليغزو بنفسه، و يعالج الجيوش، و يقوى على فتح البلاد، و يحمي بيضة الإسلام.

الثامن: أن يكون ذا رأي و كفاية،

لافتقار قيام نظام النوع إليه.

التاسع: أن يكون صحيح السمع و البصر و النطق،

ليتمكّن من فصل الأمور. و هذه الشرائط غير مختلف فيها.

العاشر: أن يكون صحيح الأعضاء،

كاليد و الرّجل و الاذن. و بالجملة اشتراط سلامة الأعضاء من نقص يمنع من استيفاء الحركة و سرعة النهوض. و هو أولى قولي الشافعيّة(1).

الحادي عشر: أن يكون من قريش،

لقوله عليه السّلام: «الأئمة من قريش»(2) و هو أظهر قولي الشافعيّة(3).

و خالف فيه الجويني(4) ، مع أنّه لا خلاف في أنّ أبا بكر احتجّ على

ص: 394


1- الأحكام السلطانيّة - للماوردي -: 6، العزيز شرح الوجيز 71:11، روضة الطالبين 263:7.
2- المستدرك - للحاكم - 76:4، المصنّف - لابن أبي شيبة - 169:12-170-12438، المعجم الكبير - للطبراني - 252:1-725، سنن البيهقي 121:3، و 144:8، مسند أحمد 29:4-12489، و 579:5-19278.
3- الأحكام السلطانية - للماوردي -: 6، العزيز شرح الوجيز 71:11، روضة الطالبين 262:7.
4- الأحكام السلطانيّة - للماوردي -: 6، العزيز شرح الوجيز 71:11.

الأنصار يوم السقيفة به(1) ، و بذلك أخذت الصحابة بعده.

قالت الشافعيّة: فإن لم يوجد في قريش من يستجمع الصفات المعتبرة، نصب كنانيّ، فإن لم يوجد، فرجل من ولد إسماعيل عليه السّلام(2).

و هو باطل عندنا، لأنّ الإمامة عندنا محصورة في الاثني عشر عليهم السّلام على ما يأتي.

ثمّ إنّ قريشا ولد النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة، فعلى قولهم: «إذا لم يوجد قرشي، ينبغي نصب كنانيّ» ينبغي أنّه إذا لم يوجد كنانيّ، نصب خزيميّ و هكذا يرتقي إلى أب بعد أب إلى أن ينتهي إلى إسماعيل عليه السّلام.

فإن لم يوجد من ولد إسماعيل من يصلح لذلك، قال بعضهم: يولّى رجل من العجم(3).

و قال بعضهم: يولّى جرهميّ، و جرهم أصل العرب، و فيهم تزوّج إسماعيل عليه السّلام حين أنزله أبوه عليه السّلام أرض مكة. فإن لم يوجد جرهميّ، فرجل من نسل إسحاق(4).

و لا يشترط أن يكون هاشميّا عندهم(5).

الثاني عشر: يجب أن يكون الإمام معصوما عند الشيعة،

لأنّ المقتضي لوجوب الإمامة و نصب الإمام جواز الخطأ على الأمّة، المستلزم لاختلال النظام، فإنّ الضرورة قاضية بأنّ الاجتماع مظنّة التنازع و التغالب، فإنّ كلّ

ص: 395


1- العزيز شرح الوجيز 71:11، و انظر: تاريخ الطبري 220:3، و الكامل في التاريخ 325:2.
2- العزيز شرح الوجيز 72:11، روضة الطالبين 263:7.
3- العزيز شرح الوجيز 72:11، روضة الطالبين 263:7.
4- العزيز شرح الوجيز 72:11، روضة الطالبين 263:7.
5- العزيز شرح الوجيز 72:11، روضة الطالبين 263:7.

واحد من بني النوع يشتهي ما يحتاج إليه، و يغضب على من يزاحمه في ذلك، و تدعوه شهوته و غضبه إلى الجور على غيره، فيقع من ذلك الهرج و المرج، و يختلّ أمر الاجتماع، مع أنّ الاجتماع ضروريّ لنوع الإنسان، فإنّ كلّ شخص لا يمكنه أن يعيش وحده، لافتقاره إلى غذاء و ملبوس و مسكن، و كلّها صناعيّة لا يمكن أن تصدر عن صانع واحد إلاّ في مدّة لا يمكن أن يعيش تلك المدّة فاقدا لها، أو يتعسر إن أمكن، و إنّما يتيسّر لجماعة يتعاونون و يتشاركون في تحصيلها، يفرغ كلّ واحد منهم لصاحبه عن بعض ذلك، فيتمّ النظام بمعاوضة عمل بعمل و معاوضة عمل بأجرة، فلهذا قيل: الإنسان مدنيّ بالطبع، فلا بدّ حينئذ من سلطان قاهر، مطاع، نافذ الأمر، متميّز عن غيره من بني النوع، و ليس نصبه مفوضا إليه، و إلاّ وقع المحذور، و لا إلى العامّة، لذلك أيضا، بل يكون من عند اللّه تعالى.

و لا يجوز وقوع الخطأ منه، و إلاّ لوجب أن يكون له إمام آخر، و يتسلسل، فلهذا وجب أن يكون معصوما.

و لأنّه تعالى أوجب علينا طاعته و امتثال أوامره، لقوله تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ (1) و ذلك عامّ في كلّ شيء، فلو لم يكن معصوما، لجاز أن يأمر بالخطإ، فإن وجب علينا اتّباعه، لزم الأمر بالضدّين، و هو محال، و إن لم يجب، بطل العمل بالنصّ.

و يجب عندهم أن يكون معصوما من أوّل عمره إلى آخره، لسقوط محلّه9.

ص: 396


1- النساء: 59.

عند الناس لولاه.

الثالث عشر: أن يكون منصوصا عليه من اللّه تعالى، أو من النبي صلّى اللّه عليه و آله،

أو ممّن ثبتت إمامته بالنصّ فيهما، لأنّ العصمة من الأمور الخفيّة التي لا يمكن الاطّلاع عليها، فلو لم يكن منصوصا عليه، لزم تكليف ما لا يطاق. و النصّ من اللّه تعالى يعلم إمّا بالوحي على نبيّه عليه السّلام، أو بخلق معجز [1] على يده عقيب ادّعائه الإمامة.

الرابع عشر: أن يكون أفضل أهل زمانه، ليتحقّق التميز عن غيره.

و لا يجوز عندنا تقديم المفضول على الفاضل - خلافا لكثير من العامّة(1) - للعقل و النقل.

أمّا العقل: فإنّ الضرورة قاضية بقبحه.

و أمّا النقل: فقوله تعالى أَ فَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلاّ أَنْ يُهْدى فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (2) و هذه صيغة تعجّب من اللّه تعالى، دالّة على شدّة الإنكار، لامتناعه في حقّه تعالى.

و الأفضليّة تتحقّق بالعلم و الزهد و الورع و شرف النسب و الكرم و الشجاعة و غير ذلك من الأخلاق الحميدة [2].

الخامس عشر: أن يكون منزّها عن القبائح، لدلالة العصمة عليه.

و لأنّه يكون مستحقّا للإهانة و الإنكار عليه، فيسقط محلّه من قلوب العامّة، فتبطل فائدة نصبه. و أن يكون منزّها عن الدناءات و الرذائل، كاللعب

ص: 397


1- انظر: الأحكام السلطانيّة - للماوردي - 8، و العزيز شرح الوجيز 72:11، و روضة الطالبين 263:7.
2- يونس: 35.

و الأكل في الأسواق و كشف الرأس بين الناس و غير ذلك ممّا يسقط محلّه و يوهن مرتبته. و أن يكون منزّها عن دناءة الآباء و عهر الأمّهات.

و قد خالفت العامّة في ذلك كلّه.

مسألة 237: و إنّما تنعقد الإمامة بالنصّ عندنا على ما سبق.
اشارة

و لا تنعقد بالبيعة، خلافا للعامّة بأسرهم، فإنّهم أثبتوا إمامة أبي بكر بالبيعة، و وافقونا على صحّة الانعقاد بالنصّ،

لكنّهم جوّزوا انعقادها بأمور:
أحدها: البيعة

أحدها: البيعة(1).

و اختلفوا في عدد الذين تنعقد الإمامة ببيعتهم.

فقال بعضهم: لا بدّ من أربعين، لأنّ عهد الإمامة أعظم خطرا من عقد الجمعة، و هذا العدد معتبر في الجمعة عند الشافعيّة ففي البيعة أولى(2).

و قال بعض الشافعيّة: إنّه يكفي أربعة، لأنّه أكمل نصب الشهادات(3).

و قال بعضهم: ثلاثة، لأنّ الثلاثة مطلق الجمع، فإذا اتّفقوا، لم يجز مخالفة الجماعة(4).

و قال بعضهم: اثنان، لأنّ أقلّ الجمع اثنان(5).

و قال بعضهم: واحد، لأنّ عمر بن الخطّاب بايع أبا بكر أوّلا ثمّ وافقه الصحابة(6).

و قال بعضهم: يعتبر بيعة أهل الحلّ و العقد من العلماء و الرؤساء و وجوه الناس الذين يسهل حضورهم، و لا يشترط اتّفاق أهل الحلّ و العقد في سائر البلاد، بل إذا وصل الخبر إلى أهل البلاد البعيدة، فعليهم الموافقة و المتابعة [1]. و على هذا فلا يتعيّن للاعتبار عدد، بل لا يشترط العدد، فلو تعلّق الحلّ و العقد بواحد مطاع، كفت بيعته لانعقاد الإمامة(7).

ص: 398


1- العزيز شرح الوجيز 72:11-73، روضة الطالبين 263:7.
2- العزيز شرح الوجيز 72:11-73، روضة الطالبين 263:7.
3- العزيز شرح الوجيز 72:11-73، روضة الطالبين 263:7.
4- العزيز شرح الوجيز 72:11-73، روضة الطالبين 263:7.
5- العزيز شرح الوجيز 72:11-73، روضة الطالبين 263:7.
6- العزيز شرح الوجيز 72:11-73، روضة الطالبين 263:7.
7- العزيز شرح الوجيز 73:11، روضة الطالبين 264:7.

قالوا: و لا بد و أن يكون الذين يبايعون بصفات الشهود حتى لو كان واحدا، شرط ذلك فيه.

و هل يشترط في البيعة حضور شاهدين ؟ وجهان للشافعيّة.

و يشترط في انعقاد البيعة أن يجيب الذين يبايعونه، فإن امتنع، لم تنعقد إمامته(1).

الأمر الثاني: استخلاف الإمام قبله، و عهده إليه،

كما عهد أبو بكر إلى عمر. و انعقد الإجماع بينهم على جوازه(2).

قالوا: و الاستخلاف أن يجعله خليفة في حياته ثمّ يخلفه بعد موته(3).

و لو أوصى له بالإمامة من بعده، ففيه وجهان عندهم، لأنّه بالموت يخرج عن الولاية، فلا يصحّ منه تولية الغير(4).

و يشكل بأنّ مرادهم بجعله خليفة في حياته إن كان استنابه، فلا يكون عهدا إليه بالإمامة، أو جعله إماما في الحال، فهذا إمّا خلع لنفسه أو اجتماع إمامين في وقت واحد، أو جعله إماما بعد موته، و هذا معنى لفظ الوصيّة(5).

و لو جعل الأمر شورى بين اثنين فصاعدا بعده، كان كالاستخلاف، إلاّ أنّ المستخلف غير معيّن، فيحتاج إلى تشاورهم اتّفاقهم على جعل واحد منهم خليفة، كقضيّة عمر حيث جعل الأمر شورى في ستّة(6).

ثمّ اختلفوا في أنّه هل يشترط في المولّى شروط الإمامة من وقت العهد إليه حتى لو كان صغيرا أو فاسقا عند العهد، بالغا عدلا عند موت المولّي، لم ينصب إماما إلاّ أن يبايعه أهل الحلّ و العقد؟(7) و بعضهم لم يشترط ذلك(8).

ص: 399


1- العزيز شرح الوجيز 73:11، روضة الطالبين 264:7.
2- العزيز شرح الوجيز 73:11، روضة الطالبين 264:7.
3- العزيز شرح الوجيز 73:11، روضة الطالبين 264:7.
4- العزيز شرح الوجيز 73:11، روضة الطالبين 264:7.
5- العزيز شرح الوجيز 73:11-74.
6- العزيز شرح الوجيز 74:11، روضة الطالبين 264:3-265.
7- العزيز شرح الوجيز 74:11، روضة الطالبين 265:7.
8- العزيز شرح الوجيز 74:11، روضة الطالبين 265:7.

و لو عهد إلى غائب مجهول الحياة، لم يصحّ. و لو كان معلوم الحياة، صحّ.

فإن مات المستخلف و هو غائب بعد [استقدمه] [1] أهل الاختيار، فإن بعدت غيبته و استضرّ المسلمون بتأخير النظر في أمورهم، اختار أهل الحلّ و العقد نائبا له يبايعونه بالنيابة دون الخلافة، فإذا قدم، انعزل النائب(1).

و لو خلع الخليفة نفسه، كان كما لو مات، فتنتقل الخلافة إلى وليّ العهد على خلاف(2).

و يجوز أن يفرق بين أن يقول: الخلافة بعد موتي لفلان، أو بعد خلافتي(3).

و اختلفوا في أنّه هل يجوز العهد إلى الوالد و الولد كما يجوز إلى غيرهما؟ فقال بعضهم بالمنع كالتزكية و الحكم لهما عندهم(4).

و قال آخرون بالفرق بين الوالد و الولد، لأنّ الميل إلى الولد أشدّ(5).

و اختلفوا في أنّ وليّ العهد لو أراد أن ينقل ما إليه من ولاية العهد إلى غيره، لم يجز، لأنّه إنّما يجوز له النظر و تثبت الولاية بعد موت المولي.

و لو عهد إلى اثنين أو أكثر على الترتيب، فقال: الخليفة بعدي فلان،7.

ص: 400


1- العزيز شرح الوجيز 74:11، روضة الطالبين 265:7.
2- العزيز شرح الوجيز 74:11، روضة الطالبين 265:7.
3- العزيز شرح الوجيز 74:11، روضة الطالبين 265:7.
4- الأحكام السلطانيّة - للماوردي -: 10، العزيز شرح الوجيز 74:11، روضة الطالبين 265:7.
5- العزيز شرح الوجيز 74:11، روضة الطالبين 265:7.

و بعد موته فلان، جاز، و انتقلت الخلافة إليهم على ما رتّب.

و لو مات الأوّل في حياة الخليفة، فالخلافة بعده للثاني. و لو مات الأوّل و الثاني في حياته، [فهي](1) للثالث على خلاف، لأنّ المفهوم من اللفظ جعل الثاني خليفة بعد خلافة الأوّل(2).

و لو مات الخليفة و الثلاثة أحياء و صارت الخلافة إلى الأوّل فأراد أن يعهد بها إلى غير الآخرين، فالظاهر من مذهب الشافعي جوازه، لأنّه إذا انتهت الخلافة إليه، صار أملك بها و يوصلها إلى من شاء، بخلاف ما إذا مات و لم يعهد بها إلى أحد، ليس لأهل البيعة أن يبايعوا غير الثاني، و يقدّم عهد الأوّل على اختيارهم.

و ليس لأهل الشورى أن يعيّنوا واحدا منهم في حياة الخليفة إلاّ أن يأذن لهم في ذلك، فإن خافوا انتشار الأمر بعده، استأذنوه، فإن أذن، فعلوا.

و أنّه يجوز للخليفة أن ينصّ على من يختار الخليفة بعده، كما يجوز له أن يعهد إلى غيره حتى لا يصحّ إلاّ اختيار من نصّ عليه، كما لا يصحّ إلاّ تقليد من عهد إليه، لأنّهما من حقوق خلافته.

و إذا عهد بالخلافة إلى غيره، فالعهد موقوف على قبول المولّى(3).

و اختلفوا في وقت القبول.

فقيل: بعد موت المولّي، لأنّه وقت نظره و قيامه بالأمور(4).

و الأصحّ عندهم: أنّ وقته ما بين عهد المولّي و موته(5).66

ص: 401


1- بدل ما بين المعقوفين في «ق، ك» و الطبعة الحجريّة: فهو. و ما أثبتناه أنسب بسياق العبارة.
2- العزيز شرح الوجيز 74:11، روضة الطالبين 265:7.
3- العزيز شرح الوجيز 74:11-75، روضة الطالبين 265:7-266
4- العزيز شرح الوجيز 74:11-75، روضة الطالبين 265:7-266
5- العزيز شرح الوجيز 74:11-75، روضة الطالبين 265:7-266

و قيل: إذا امتنع المولى من القبول فيبايع غيره، فكأنّه لا تولية(1).

و كذا إذا جعل الأمر شورى فترك القوم الاختيار، لا يجبرون عليه، فكأنّه ما جعل الأمر إليهم(2).

الأمر الثالث: القهر و الاستيلاء.

فإذا مات الإمام فتصدّى للإمامة من يستجمع شرائطها من غير استخلاف و بيعة، و قهر الناس بشوكته و جنوده، انعقدت الخلافة، لانتظام الشمل بما فعل(3).

و لو لم يكن مستجمعا للشرائط بل كان فاسقا أو جاهلا، فللشافعيّة وجهان، أظهرهما: أنّ الحكم كذلك و إن كان عاصيا بما فعل(4).

و هذا من أغرب الأشياء إيجاب المعصية(5) ، فهذا كلّه ساقط عندنا، لأنّا قد بيّنّا أنّ الإمامة لا تثبت إلاّ بالنصّ، لوجوب العصمة، و أنّ البيعة لا تصلح للتعيين. قال اللّه تعالى ما كانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ (6) و الأمر الثالث أبلغ في المنع و البطلان.

مسألة 238: تجب طاعة الإمام عندنا و عند كلّ أحد أوجب نصب الإمام ما لم يخالف المشروع

- و هذا القيد يفتقر إليه غيرنا حيث جوّزوا إمامة الفاسق - لقوله تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ (7).

و قال عليه السّلام: «من نزع يده من طاعة إمامه فإنّه يأتي يوم القيامة و لا حجّة

ص: 402


1- العزيز شرح الوجيز 75:11، روضة الطالبين 266:7.
2- العزيز شرح الوجيز 75:11، روضة الطالبين 266:7.
3- العزيز شرح الوجيز 75:11، روضة الطالبين 266:7.
4- العزيز شرح الوجيز 75:11، روضة الطالبين 266:7.
5- كذا في «ق، ك» و الطبعة الحجريّة.
6- القصص: 68.
7- النساء: 59.

له»(1).

و لا فرق عندهم بين أن يكون عادلا أو جائرا(2).

و لا يجوز عندهم نصب إمامين في وقت واحد، لما فيه من اختلاف الرأي و تفرّق الشمل(3).

و جوّز أبو إسحاق من الشافعيّة نصب إمامين في إقليمين، لأنّه قد يحدث في أحد الإقليمين ما يحتاج إلى نظر الإمام و يفوت المقصود بسبب البعد(4).

فإن عقدت البيعة لرجلين معا، فالبيعتان باطلتان. و إن ترتّبتا، فالثانية باطلة. و ينظر إن جهل الثاني و من بايعه تقدم بيعة الأوّل، لم يعزّر، و إلاّ عزّر(5).

و لما روي من قوله عليه السّلام: «إذا بويع الخليفتان فاقتلوا الأخير منهما»(6).

و تأوّله بعضهم بما إذا أصرّ و لم يبايع الأوّل، فإنّه يكون باغيا يقاتل(7).

و قال بعضهم: لا تطيعوه و لا تقبلوا قوله، فيكون كمن مات أو قتل(8).

و لو عرف سبق أحدهما و لم يتعيّن، أو لم يعلم أوقعا معا أو على التعاقب، فالحكم كالجمعتين.1.

ص: 403


1- أورده الرافعي في العزيز شرح الوجيز 75:11، و في مسند أحمد 2: 223-5643، و 229-5685 نحوه.
2- العزيز شرح الوجيز 75:11، روضة الطالبين 267:7.
3- الأحكام السلطانيّة - للماوردي -: 9، العزيز شرح الوجيز 75:11-76، روضة الطالبين 267:7.
4- العزيز شرح الوجيز 76:11، روضة الطالبين 267:7.
5- العزيز شرح الوجيز 76:11، روضة الطالبين 267:7.
6- صحيح مسلم 1480:3-1853، المستدرك - للحاكم - 156:2، سنن البيهقي 144:8 بتفاوت يسير.
7- العزيز شرح الوجيز 76:11.
8- العزيز شرح الوجيز 76:11.

و لو سبق أحدهما على التعيين و اشتبه السابق، وقف الأمر إلى أن ينكشف الحال، فإن طالت المدّة أو لم يمكن الانتظار، قال بعض الشافعيّة: تبطل البيعتان، و تستأنف بيعة أحدهما(1). و في جواز العدول إلى غيرهما خلاف(2).

و ذكر أنّه لو ادّعى كلّ منهما أنّه الأسبق، لم تسمع الدعوى و لم يحلف [الآخر] [1] لأنّ الحقّ يتعلّق بجميع المسلمين. و أنّه لو قطعا التنازع و سلّم أحدهما [الأمر] [2] إلى الآخر، لم تستقرّ الإمامة له، بل لا بدّ من بيّنة تشهد بتقدّم بيعته. و أنّه لو أقرّ أحدهما للآخر بتقدّم بيعته، خرج منها المقرّ، و لا بدّ من البيّنة ليستقرّ الأمر للآخر، فإن شهد له المقرّ مع آخر، قبلت شهادته إن كان يدّعي اشتباه الأمر قبل الإقرار، و إن كان يدّعي التقدّم، لم تسمع، لما في القولين من التكاذب(3).

و إذا ثبتت الإمامة بالقهر و الغلبة فجاء آخر فقهره، انعزل، و صار القاهر إماما.

و لا يجوز خلع الإمام بلا سبب و لو خلعوه، لم ينفذ، لأنّ الآراء تتغيّر، فلا نأمن تكرّر التولية و العزل، و في ذلك سقوط الهيبة و الوقع من القلب.

و لو عزل الإمام نفسه، نظر إن عزل للعجز عن القيام بأمور المسلمين من7.

ص: 404


1- الأحكام السلطانيّة - للماوردي -: 9، العزيز شرح الوجيز 76:11، روضة الطالبين 267:7.
2- العزيز شرح الوجيز 76:11، روضة الطالبين 267:7.
3- الأحكام السلطانيّة - للماوردي -: 9، العزيز شرح الوجيز 76:11، روضة الطالبين 267:7.

هرم أو مرض، انعزل عندهم. ثمّ إن ولّى غيره، انعقدت الإمامة لمن ولاّه، و إلاّ بايع الناس غيره.

و إن عزل نفسه من غير عذر، ففي انعزاله وجهان:

أحدهما: ينعزل، و لا يكلّف أن يترك مصلحة نفسه محافظة على مصلحة غيره، و صار كما لو لم يجب إلى المبايعة ابتداء.

و الثاني: المنع، لما روي أنّ أبا بكر قال: أقيلوني(1). و لو تمكّن من عزل نفسه، لما طلب الإقالة(2).

و قال بعضهم: للإمام أن يعزل وليّ العهد، لأنّ الخلافة لم تنتقل إليه، فلا يخشى من تبديله الفساد و الفتنة(3).

و قال بعضهم: ليس له ذلك ما لم يتغيّر حاله و إن جاز له عزل من استنابه في إشغاله في الحال، لأنّه يستنيبه لنفسه، و استخلاف وليّ العهد يتعلّق بالمسلمين عامّة، فصار كأهل البيعة يبايعون، و لا يعزلون من بايعوه(4).

مسألة 239: الإمام عندنا لا يتحقّق منه صدور الفسق، لأنّه واجب العصمة من أوّل عمره إلى آخره.

أمّا من لم يشترط عصمته، فالأظهر عند الشافعيّة منهم: أنّ الإمام لا ينعزل بالفسق، لأنّهم يجوزون إمامة الفاسق(5) ، فإذا كان لا يمنع الفسق من الابتداء فأولى أن لا يمنع من الاستدامة. و لا ينعزل بالإغماء، لأنّه

ص: 405


1- شرح نهج البلاغة - لابن أبي الحديد - 169:1.
2- العزيز شرح الوجيز 76:11-77، روضة الطالبين 267:7-268.
3- العزيز شرح الوجيز 77:11، روضة الطالبين 268:7.
4- الأحكام السلطانيّة - للماوردي -: 11، العزيز شرح الوجيز 77:11، روضة الطالبين 268:7.
5- العزيز شرح الوجيز 72:11، روضة الطالبين 263:7.

متوقّع الزوال.

قالوا: و ينعزل بالمرض الذي ينسيه العلوم، و بالجنون(1).

و قال بعضهم: لو كان الجنون منقطعا و كان زمان الإفاقة أكثر و تمكّن معه من القيام بالأمور، لم ينعزل. و ينعزل بالعمى و الصمم و الخرس، و لا ينعزل بثقل السمع و تمتمة اللسان(2).

و بينهم خلاف في أنّهم هل يمنعان ابتداء التولية ؟ و في أنّ قطع إحدى اليدين أو الرّجلين هل يؤثّر في الدوام(3).

مسألة 240:
يثبت وصف البغي بشرائط ثلاثة:
أحدها: أن يكونوا في كثرة و منعة لا يمكن كفّهم و تفريق جمعهم

إلاّ بإنفاق و تجهيز جيوش و قتال، فأمّا إن كانوا نفرا يسيرا كالواحد و الاثنين و العشرة و كيدها كيد ضعيف. فليسوا أهل بغي [1]، و كانوا قطّاع طريق، ذهب إليه الشيخ في المبسوط(4) و ابن إدريس(5) ، و هو مذهب الشافعي(6) لأنّ عبد الرحمن بن ملجم لعنه اللّه لمّا جرح عليّا عليه السّلام، قال لابنه الحسن عليه السّلام: «إن برئت رأيت رأيي، و إن مت فلا تمثلوا به»(7).

ص: 406


1- العزيز شرح الوجيز 77:11، روضة الطالبين 268:7.
2- الأحكام السلطانيّة - للماوردي -: 18، العزيز شرح الوجيز 77:11، روضة الطالبين 268:7.
3- الأحكام السلطانيّة - للماوردي -: 18-19، العزيز شرح الوجيز 77:11، روضة الطالبين 268:7.
4- المبسوط - للطوسي - 264:7.
5- السرائر: 158.
6- العزيز شرح الوجيز 80:11، روضة الطالبين 272:7، المغني 47:10، الشرح الكبير 49:10.
7- الكامل في التاريخ 391:3، المغني 47:10، الشرح الكبير 49:10.

و قال بعض الجمهور: يثبت لهم حكم البغاة إذا خرجوا عن قبضة الإمام(1). و فيه قوّة.

الثاني: أن يخرجوا عن قبضة الإمام منفردين عنه في بلد أو بادية،

أمّا لو كانوا معه و في قبضته، فليسوا أهل بغي [1]، لأنّ عليّا عليه السّلام كان يخطب، فقال رجل بباب المسجد: لا حكم إلاّ للّه، تعريضا بعليّ عليه السّلام أنّه حكم في دين اللّه، فقال عليّ عليه السّلام: «كلمة حقّ أريد بها باطل، لكم علينا ثلاث: أن لا نمنعكم مساجد اللّه أن تذكروا اسم اللّه فيها، و لا نمنعكم الفيء ما دامت أيديكم معنا، و لا نبدؤكم بقتال»(2) فقوله عليه السّلام: «ما دامت أيديكم معنا» يعني لستم منفردين.

الثالث: أن يكونوا على المباينة بتأويل سائغ عندهم

بأن تقع لهم شبهة تقتضي الخروج على الإمام، فأمّا إذا لم يكن لهم تأويل سائغ و باينوا، فهم قطّاع طريق حكمهم حكم المحارب.

و الشافعيّة اعتبروا في أهل البغي صفتين:
إحداهما: أن يكون لهم تأويل يعتقدون بسببه جواز الخروج على الإمام،

أو منع الحقّ المتوجّه عليهم، لأنّ من خالف الإمام [2] من غير تأويل، كان معاندا، و من يتمسّك بالتأويل، يطلب الحقّ على اعتقاده، و لا يكون معاندا، فيثبت له نوع حرمة، كما في حقّ من خرج على عليّ عليه السّلام حيث اعتقدوا أنّه يعرف قتلة عثمان، و يقدر عليهم و لا يقتصّ منهم، لرضاه

ص: 407


1- المغني 47:10، الشرح الكبير 49:10.
2- تاريخ الطبري 73:5، الكامل في التاريخ 335:3، سنن البيهقي 184:8، الأحكام السلطانية - للماوردي -: 58، العزيز شرح الوجيز 79:11.

بقتله و مواطأتهم إيّاه.

و كذا مانعو أبي بكر عن الزكاة، حيث قالوا: أمرنا بدفع الزكاة إلى من صلاته سكن(1) لنا، و هو رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، و أنت لست كذلك.

و التأويل المشروط في أهل البغي إذا كان بطلانه مظنونا، فهو معتبر. و إن كان بطلانه مقطوعا به، فوجهان:

أظهرهما: أنّه لا يعتبر، كتأويل أهل الردّة.

و الثاني: يعتبر، و يكتفى بغلطهم فيه(2).

قالوا: و لهذا كان معاوية و أصحابه بغاة. و استدلّوا عليه: بقوله عليه السّلام: «إنّ عمّارا تقتله الفئة الباغية»(3).

ثمّ قالوا: إن شرطنا في البغي أن يكون بطلان التأويل مظنونا، كان معاوية [مبطلا] [1] فيما ذهب إليه ظنّا، و إن شرطنا العلم، قلنا: إنّ معاوية كان مبطلا قطعا(4).

و أمّا الخوارج: فهم صنف مشهور من المبتدعة يعتقدون تكفير أصحاب الكبائر و استحقاق الخلود في النار بها، كشرب الخمر و الزنا و القذف، و يستحلّون دماء المسلمين و أموالهم، إلاّ من خرج معهم، و طعنوا في1.

ص: 408


1- إشارة إلى الآية 103 من سورة التوبة.
2- العزيز شرح الوجيز 78:11-79، روضة الطالبين 271:7-272.
3- صحيح مسلم 2236:4-73، المستدرك - للحاكم - 149:2، 155، 156، و 386:3، 387، 397، سنن البيهقي 189:8، المعجم الكبير - للطبراني - 4: 85-3720، المصنّف - لابن أبي شيبة - 291:15-19691، الطبقات الكبرى - لابن سعد - 252:3، مسند أحمد 350:2-6502، و 400:3-10782، و 5: 221-17312، و 281:6-21366.
4- العزيز شرح الوجيز 79:11.

عليّ عليه السّلام و عثمان، و لا يجتمعون معهم في الجمعات و الجماعات.

و للشافعيّة خلاف في تكفيرهم(1).

و هل حكمهم إذا لم يكفّروهم حكم أهل البغي، أو حكم أهل الردّة ؟ الأصحّ عندهم: الثاني(2) ، و على هذا تنفذ أحكامهم، بخلاف أحكام البغاة.

و أكثر الشافعيّة: [على](3) أنّه إن أظهر قوم رأي الخوارج و تجنّبوا الجماعات و كفّروا الإمام و من معه، فإن لم يقاتلوا و كانوا في قبضة الإمام، فلا يقتلون و لا يقاتلون(4) ، لقول عليّ عليه السّلام للخارجيّ: «لكم علينا ثلاث: أن لا نمنعكم مساجد اللّه أن تذكروا فيها اسم اللّه، و لا نمنعكم الفيء ما دامت أيديكم معنا، و لا نبدؤكم بقتال»(5).

ثمّ إنّهم إن صرّحوا بسبّ الإمام أو غيره من أهل العدل، عزّروا، و إن عرّضوا، فوجهان(6).

و عندنا: أنّ الخوارج كفّار و أنّ من سبّ الإمام وجب قتله.

و لو بعث الإمام إليهم واليا فقتلوه، فعليهم القصاص.

و هل يتحتّم قتل قاتله، كقاطع الطريق، لأنّه شهر السلاح، أو لا، لأنّه لا يقصد إخافة الطريق ؟ للشافعيّة أقوال ثلاثة(7) ، أحدها: فيه وجهان(8).7.

ص: 409


1- العزيز شرح الوجيز 79:11، روضة الطالبين 272:7.
2- العزيز شرح الوجيز 79:11، روضة الطالبين 272:7.
3- أضفناها لأجل السياق.
4- العزيز شرح الوجيز 79:11، روضة الطالبين 272:7.
5- تقدّمت الإشارة إلى مصادره في ص 406، الهامش (3).
6- العزيز شرح الوجيز 79:11-80، روضة الطالبين 272:7.
7- كلمة «ثلاثة» لم ترد في «ق، ك».
8- العزيز شرح الوجيز 80:11، روضة الطالبين 272:7.
الصفة الثانية: أن يكون لهم شوكة و عدد بحيث يحتاج الإمام في ردّهم إلى الطاعة

إلى كلفة ببذل مال و إعداد رجال و نصب قتال(1).

و شرط جماعة من الشافعيّة في الشوكة أن ينفردوا ببلدة أو قرية أو موضع من الصحراء. و ربما قالوا: ينبغي أن يكونوا بحيث لا يحيط بهم أجناد الإمام(2).

و المحقّقون لم يعتبروا ذلك، بل اعتبروا استعصاءهم و خروجهم عن قبضة الإمام حتى لو تمكّنوا من المقاومة - مع كونهم محفوفين بجند الإمام - قاوموهم(3).

و هل يشترط أن يكون بينهم إمام منصوب أو منتصب ؟ قولان: الأكثر على المنع - و هو قول أكثر الشافعيّة(4) - لأنّه ثبت لأهل الجمل و أهل النهروان حكم البغاة و لم يكن فيما بينهم إمام.

و قال بعضهم: يعتبر في أهل البغي وراء ما سبق أمران: أن يمتنعوا من حكم الإمام، و أن يظهروا لأنفسهم حكما. و لا يعتبر أن يكون عددهم عدد أجناد الإمام، بل يكفي أن يتوقّعوا الظفر(5).

مسألة 241: كلّ من خرج على إمام عادل ثبتت إمامته بالنصّ عندنا،

و الاختيار عند العامّة وجب قتاله إجماعا، و إنّما يجب قتاله بعد البعث إليه و السؤال عن سبب خروجه و إيضاح ما عرض له من الشبهة و حلّها له و كشف الصواب إلاّ أن يخاف كلبهم و لا يمكنه ذلك في حقّهم، أمّا

ص: 410


1- العزيز شرح الوجيز 80:11، روضة الطالبين 272:7.
2- العزيز شرح الوجيز 80:11، روضة الطالبين 272:7.
3- العزيز شرح الوجيز 80:11، روضة الطالبين 272:7.
4- الحاوي الكبير 102:13، العزيز شرح الوجيز 81:11، روضة الطالبين 7: 273.
5- العزيز شرح الوجيز 81:11، روضة الطالبين 273:7.

إذا أمكنه تعريفهم، وجب عليه أن يعرّفهم.

فإذا عرّفهم، فإن رجعوا، فلا بحث، و إن لم يرجعوا، قاتلهم، لأنّ اللّه تعالى أمر بالصلح، فقال فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما (1) قبل الأمر بالقتال.

و لأنّ الغرض كفّهم و دفع شرّهم، فإذا أمكن بمجرّد القول، لم يعدل إلى القتل، و إذا أمكن بالإثخان، لم يعدل إلى التذفيف، فإن التحم القتال و اشتدّ الحرب، خرج الأمر عن الضبط.

و لمّا أراد أمير المؤمنين عليّ عليه السّلام قتل [1] الخوارج، بعث إليهم عبد اللّه بن عباس ليناظرهم فلبس حلّة حسنة و مضى إليهم، فقال: هذا عليّ بن أبي طالب ابن عمّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، و زوج ابنته فاطمة عليها السلام، و قد عرفتم فضله، فما تنقمون منه ؟ قالوا: ثلاثا: إنّه حكّم في دين اللّه، و قتل و لم يسب، فإمّا أن يقتل و يسبي أو لا يقتل و لا يسبي، إذا حرمت أموالهم حرمت دماؤهم، و الثالث: محا اسمه من الخلافة. فقال ابن عباس: إن خرج عنها رجعتم إليه ؟ قالوا: نعم.

قال ابن عباس: أمّا قولكم: حكّم في دين اللّه تعنون الحكمين بينه و بين معاوية، و قد حكّم اللّه في الدين، فقال وَ إِنْ خِفْتُمْ شِقاقَ بَيْنِهِما فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَ حَكَماً مِنْ أَهْلِها (2) و قال يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ (3) فحكم في أرنب قيمته درهم، فبأن يحكم في هذا الأمر العظيم أولى. فرجعوا عن هذا.5.

ص: 411


1- الحجرات: 9.
2- النساء: 35.
3- المائدة: 95.

قال: و أمّا قولكم: كيف قتل و لم يسب! فأيّكم لو كان معه فوقع في سهمه عائشة زوج النبي صلّى اللّه عليه و آله، فكيف يصنع و قد قال اللّه تعالى وَ لا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْواجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً (1) ؟ قالوا: رجعنا عن هذا.

قال: و قولكم: محا اسمه من الخلافة، تعنون أنّه لمّا وقعت المواقفة بينه و بين معاوية كتب بينهم: هذا ما واقف عليه أمير المؤمنين عليّ معاوية، قال له: لو كنت أمير المؤمنين ما نازعناك، فمحا اسمه، فقال ابن عباس: إن كان محا اسمه من الخلافة، فقد محا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله اسمه من النبوّة لمّا قاضى سهيل بن عمرو بالحديبيّة كتب الكتاب علي: هذا ما قاضى عليه رسول اللّه سهيل بن عمرو، فقالوا له: لو كنت نبيّا ما خالفناك، فقال النبي صلّى اللّه عليه و آله لعليّ: «امحه» فلم يفعل فقال لعليّ: «أرنيه» فأراه إيّاه، فمحاه النبي صلّى اللّه عليه و آله بإصبعه، و قال: «ستدعى إلى مثلها» فرجع بعضهم، و بقي منهم أربعة آلاف لم يرجعوا، فقاتلهم عليّ عليه السّلام فقتلهم(2).

مسألة 242: و يجب قتال أهل البغي على كلّ من ندبه الإمام لقتالهم عموما أو خصوصا أو من نصبه الإمام.

و التأخير عن قتالهم كبيرة.

و يجب على الكفاية إذا قام به البعض سقط عن الباقين ما لم يستنهضه الإمام على التعيين فيجب عليه، و لا يكفيه قيام غيره، كما قلنا في جهاد المشركين.

ص: 412


1- الأحزاب: 53.
2- الحاوي الكبير 102:13-104، المبسوط - للطوسي - 265:7-266، و انظر: السيرة النبويّة - لابن هشام - 331:3-332، و سنن البيهقي 42:7، و دلائل النبوّة - للبيهقي - 146:4 و 147، و صحيح البخاري 242:3، و 4: 126، و مسند أحمد 370:5-18095.

و الفرار في حربهم كالفرار في حرب المشركين، تجب مصابرتهم حتى يفيئوا إلى الحقّ و يرجعوا إلى طاعة الإمام أو يقتلوا، بغير خلاف في ذلك. فإذا رجعوا، حرم قتالهم، لقوله تعالى حَتّى تَفِيءَ إِلى أَمْرِ اللّهِ (1) و كذا إن ألقوا السلاح و تركوا القتال، أمّا لو انهزموا، فإنّه يجب قتالهم إن كان لهم فئة يرجعون إليها.

و لو استعان أهل البغي بنسائهم و صبيانهم و عبيدهم في القتال و قاتلوا معهم أهل العدل، قوتلوا مع الرجال و إن أتى القتل عليهم، لأنّ العادل يقصد بقتاله الدفع عن نفسه و ماله.

و لو أرادت امرأة أو صبي قتل إنسان، كان له قتالهما و دفعهما عن نفسه و إن أتى على أنفسهما.

مسألة 243: لو استعان أهل البغي بأهل الحرب و عقدوا لهم ذمّة أو أمانا على هذا،

كان باطلا، و لا ينعقد لهم أمان و لا ذمّة، لأنّ من شرط عقد الذمّة و الأمان أن لا يجتمعوا على قتال المسلمين، فحينئذ يقاتل الإمام و أهل العدل المشركين مقبلين و مدبرين، كالمنفردين عن أهل البغي.

و إذا وقعوا في الأسر، تخيّر الإمام فيهم بين المنّ و الفداء و الاسترقاق و القتل.

و ليس لأهل البغي أن يتعرّضوا لهم - قاله الشيخ(2) رحمه اللّه - من حيث إنّهم بذلوا لهم الأمان و إن كان فاسدا، فلزمهم الكفّ عنهم، لاعتمادهم على قولهم، لا من حيث صحّة أمانهم.

فإن استعانوا بأهل الذمّة فعاونوهم و قاتلوا معهم أهل العدل، راسلهم

ص: 413


1- الحجرات: 9.
2- المبسوط - للطوسي - 272:7-273.

الإمام و سألهم عن فعلهم، فإن ادّعوا الشبهة المحتملة بأن يدّعوا الجهل و اعتقاد أنّ الطائفة من المسلمين إذا طلبوا المعونة جازت معونتهم، أو ادّعوا الإكراه على ذلك، كانت ذمّتهم باقية، و قبل قولهم، و لم يكن ذلك نقضا للعهد.

و إن لم يدّعوا شيئا من ذلك، انتقض عهدهم، و خرقوا الذمّة - و هو أحد قولي الشافعي(1) - لأنّهم لو انفردوا و قاتلوا الإمام خرقوا الذمّة، و انتقض عهدهم، فكذا إذا قاتلوا مع أهل البغي.

و الثاني للشافعي: لا يكون نقضا، لجهل أهل الذمّة بالمحقّ، فيكون شبهة(2).

و ليس جيّدا، لاعتقادهم بطلان الطائفتين.

إذا عرفت هذا، فإنّه بمجرّد قتالهم مع أهل البغي من غير شبهة يجوز قتلهم مقبلين و مدبرين. و لو أتلفوا أموالا و أنفسا، ضمنوها عندنا.

و أمّا الشافعي في أحد قوليه: فإنّه لا يجعل القتال نقضا، فيكون حكمهم حكم أهل البغي في قتالهم مقبلين لا مدبرين(3).

و أمّا ضمان الأموال: فإنّ أهل الذمّة يضمنونها عنده قولا واحدا(4). و أمّا أهل البغي: فقولان، و فرّق بأمرين:

أحدهما: أنّ لأهل البغي شبهة دون أهل الذمّة.

الثاني: أنّا أسقطنا الضمان عن أهل البغي لئلاّ تحصل لهم نفرة عن7.

ص: 414


1- المهذّب - للشيرازي - 221:2، العزيز شرح الوجيز 94:11، روضة الطالبين 280:7.
2- المهذّب - للشيرازي - 221:2، العزيز شرح الوجيز 94:11، روضة الطالبين 280:7.
3- المهذّب - للشيرازي - 221:2، العزيز شرح الوجيز 95:11، روضة الطالبين 281:7.
4- المهذّب - للشيرازي - 221:2، العزيز شرح الوجيز 95:11، روضة الطالبين 281:7.

الرجوع إلى الحقّ، و أمّا أهل الذمّة فلا يتحقّق هذا المعنى فيهم(1).

و أمّا نحن: فلا فرق بينهما في وجوب الضمان عليهما.

و إن استعانوا بالمستأمنين، انتقض أمانهم، و صاروا حربا لا أمان لهم.

فإن ادّعوا الإكراه، قبل بالبيّنة لا بمجرّد الدعوى، بخلاف أهل الذمّة، لأنّ الذمّة أقوى حكما.

مسألة 244: يجوز للإمام أن يستعين بأهل الذمّة على حرب أهل البغي،

و به قال أصحاب الرأي(2).

و قال الشيخ رحمه اللّه في المبسوط: ليس له ذلك(3). و هو خلاف ما عليه الأصحاب.

و الشافعي خرّج ذلك أيضا، لأنّ أهل الذمّة يجوّزون قتل أهل البغي مقبلين و مدبرين و ذلك لا يجوز(4).

و هو ممنوع على ما يأتي تفصيله.

أمّا لو استعان من المسلمين بمن يرى قتلهم مقبلين و مدبرين في موضع لا يجوز ذلك، لم يجز إلاّ بأمرين: أحدهما: فقد من يقوم مقامهم.

الثاني: أن يكون مع الإمام قوّة متى علم منهم قتلهم مدبرين كفّهم عنه.

مسألة 245: إذا افترق أهل البغي طائفتين ثمّ اقتتلوا، فإن كان للإمام قوّة على قهرهما،

فعل، و لم يكن له معاونة إحداهما على الأخرى، لأنّ كلّ

ص: 415


1- المهذّب - للشيرازي - 221:2، العزيز شرح الوجيز 95:11، روضة الطالبين 281:7، المغني 58:10، الشرح الكبير 60:10.
2- المغني 55:10، الشرح الكبير 56:10.
3- المبسوط - للطوسي - 274:7.
4- المهذّب - للشيرازي - 220:2، العزيز شرح الوجيز 93:11، روضة الطالبين 279:7-280، المغني 55:10، الشرح الكبير 56:10.

واحدة على خطأ، و الإعانة على الخطأ من غير حاجة خطأ، بل يقاتلهما معا حتى يعودوا إلى طاعته، و إن لم يتمكّن من ذلك، تركهما، فأيّهما قهرت الأخرى دعاها إلى الطاعة، فإن أبت، قاتلهم.

و إن ضعف عنهما و خاف من اجتماعهما عليه، جاز أن يضمّ إحداهما إليه و يقاتل الأخرى، و يقصد كسرها و منعها عن البغي، لا معاونة من يقاتل معها. و ينبغي أن يعاون التي هي إلى الحقّ أقرب.

فإن انهزمت التي قاتلها أو رجعت إلى طاعته، كفّ عنها، و لم يجز له قتال الطائفة الأخرى التي ضمّها إليه إلاّ بعد دعائها إلى طاعته، لأنّ ضمّها إليه يجري مجرى أمانه إيّاها.

مسألة 246: إذا لم يمكن دفع البغاة إلاّ بالقتل، وجب،

و لا يقاتلون بما يعمّ إتلافه، كالنار و المنجنيق و التغريق، لأنّ القصد بقتالهم [1] فلجمعهم و رجوعهم إلى الطاعة، و النار تهلكهم و تقع على المقاتل و غيره، و لا يجوز قتل من لا يقاتل.

و لو احتاج أهل العدل إلى ذلك و اضطرّوا إليه بأن يكون قد أحاط بهم البغاة من كلّ جانب و خافوا اصطدامهم، و لا يمكنهم التخلّص إلاّ برمي النار أو المنجنيق، جاز ذلك. و كذا إن رماهم أهل البغي بالنار أو المنجنيق، جاز لأهل العدل رميهم به.

إذا عرفت هذا، فلا إثم على قاتلي أهل البغي إذا لم يندفعوا إلاّ به، و لا ضمان مال و لا كفّارة، لأنّه امتثل الأمر بقتل مباح الدم، لقوله تعالى:

فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي (1) و إذا لم يضمنوا النفوس فالأموال أولى بعدم الضمان.

ص: 416


1- الحجرات: 9.

و القتيل من أهل العدل شهيد، لأنّه قتل في قتال أمر اللّه تعالى به، و لا يغسّل و لا يكفّن، و يصلّى عليه، عندنا، لأنّه شهيد معركة أمر بالقتال فيها، فأشبه معركة الكفّار.

و قال الأوزاعي و ابن المنذر: يغسّل و يصلّى عليه، لأنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله أمر بالصلاة على من قال: لا إله إلاّ اللّه(1)(2).

و نحن نقول بموجبه، لأنّا نوجب الصلاة على الشهيد، و ليس في الخبر الأمر بالغسل و التكفين.

إذا ثبت هذا، فإنّ ما يتلفه أهل العدل من أموال أهل البغي حال الحرب غير مضمون، لأنّه مأمور بالقتال، فلا يضمن ما يتولّد منه. و لا نعلم فيه خلافا، لأنّ أبا بكر قال للذين قاتلهم بعد ما تابوا: تدون قتلانا، و لا ندي قتلاكم(3).

و لأنّهما فرقتان من المسلمين: محقّة و مبطلة، فلا تستويان في سقوط الغرم، كقطّاع الطريق.

و أمّا ما يتلفه أهل العدل من أموال أهل البغي قبل الشروع في القتال أو بعد تقضّي الحرب: فإنّه يكون مضمونا، لأنّه ليس لأهل العدل ذلك، فكان إتلافا بغير حق، فوجب عليهم الضمان.

و يحتمل أن يقال: إن احتاج أهل العدل إلى قتل أو إتلاف مال في تفرّقهم و تبديل كلمتهم، جاز لهم ذلك، و لا ضمان.1.

ص: 417


1- سنن الدار قطني 56:2-3 و 4، المعجم الكبير - للطبراني - 447:12-13622، حلية الأولياء 320:10.
2- المغني 57:10، الشرح الكبير 59:10.
3- المغني 58:10، الشرح الكبير 59:10، العزيز شرح الوجيز 86:11.

و لو أتلف أهل البغي مال أهل العدل أو نفسه قبل الشروع في القتال أو بعد تقضّيه، فإنّه يضمنه إجماعا.

و أمّا ما يتلفه الباغي على العادل من مال و نفس حالة الحرب: فإنّه مضمون عليه عندنا بالغرامة و الدية - و هو قول مالك و أحد قولي الشافعي(1) - لقوله تعالى وَ جَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها (2).

و لأنّها أموال معصومة و أنفس معصومة أتلفت بغير حقّ و لا ضرورة، فوجب ضمانها، كالتالف في غير الحرب.

و قال أبو حنيفة و أحمد و الشافعي في الثاني: لا يكون مضمونا لا في المال و لا في النفس، لأنّه لم ينقل عن عليّ عليه السّلام أنّه ضمّن أحدا من أهل البصرة و لا أهل الشام ما أتلفوه. و لأنّ فيه تنفيرا عن طاعة الإمام، فأشبه أهل الحرب(3).

و نمنع أنّه عليه السّلام لم يضمّن فجاز [أنّه عليه السّلام ضمّن] [1] و لم ينقل، أو لم يحصل إتلاف مال، أو جهل المتلف. و عدم الغرم يفضي إلى كثرة الفساد بإتلاف أموال أهل العدل، مع أنّ الآية - و هي قوله تعالى:7.

ص: 418


1- المغني 58:10، الشرح الكبير 60:10، حلية العلماء 619:7، المهذّب - للشيرازي - 221:2، الحاوي الكبير 106:13، الوجيز 164:2، العزيز شرح الوجيز 86:11، روضة الطالبين 275:7، بدائع الصنائع 141:7.
2- الشورى: 40.
3- بدائع الصنائع 141:7، الهداية - للمرغيناني - 172:2، المغني 58:10، الشرح الكبير 60:10، الوجيز 164:2، العزيز شرح الوجيز 86:11، حلية العلماء 619:7، المهذّب - للشيرازي - 221:2، الحاوي الكبير 106:13، روضة الطالبين 275:7.

اَلنَّفْسَ بِالنَّفْسِ (1) و قوله تعالى وَ مَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً (2) - تدلّ على وجوب الضمان.

و لأنّ الضمان يتعلّق بأهل البغي قبل الحرب و بعده، فكذا حالة الحرب، لأنّها أكثر الحالات معصية، فلا تتعقّب سقوط العقاب.

مسألة 247: لو قتل الباغي واحدا من أهل العدل، وجب عليه القصاص،

لما تقدّم [1] من الآيات. و لعموم قوله عليه السّلام: «لو قتله ربيعة و مضر لأقدتهم به» [2].

و للشافعيّة طريقان، أظهرهما: طرد القولين في وجوب المال. و الثاني:

القطع بالمنع، لأنّ القصاص سقط بالشبهة، و تأويلهم موجب للشبهة(3).

و على القول بوجوب القصاص لو آل الأمر إلى المال، فهو في مال الباغي. و على القول بعدمه فهل سبيله سبيل دية العمد حتى تجب في مال القاتل و لا تتأجّل، أو دية شبيه العمد حتى تكون على العاقلة و تتأجّل ؟ لهم خلاف(4).

و تجب الكفّارة على الباغي عندنا و عند الشافعي [3] على تقدير حكمه [بوجوب] [4] القصاص أو الدية، و إلاّ فوجهان، أشبههما عندهم [5]:

ص: 419


1- المائدة: 45.
2- الإسراء: 33.
3- المهذّب - للشيرازي - 221:2، العزيز شرح الوجيز 86:11، روضة الطالبين 275:7، المغني 58:10، الشرح الكبير 60:10.
4- العزيز شرح الوجيز 86:11، روضة الطالبين 275:7.

المنع، لأنّ الكفّارة حقّ اللّه تعالى، و هو أولى بالتساهل(1).

و لو استولى باغ على أمة أو مستولدة لأهل العدل فوطئها، فعليه الحدّ، و الولد رقيق بغير نسب.

و في وجوب المهر مع إكراهها قولان للشافعي(2).

قال الشيخ رحمه اللّه: لا خلاف في أنّ الحربيّ إذا أتلف شيئا من أموال المسلمين و نفوسهم ثمّ أسلم، فإنّه لا يضمن و لا يقاد به(3).

و أمّا المرتدّ: فإنّه يضمن عندنا ما أتلفه حالة الحرب أو قبلها أو بعدها.

و أمّا الشافعي و أبو حنيفة: فأسقطا ضمان ما يتلفه حالة الحرب من مال و نفس(4).

و أمّا الذين يخالفون الإمام بتأويل يعتقدونه و لا شوكة لهم و لا امتناع، لقلّة عددهم، فإنّه يلزمهم ضمان ما أتلفوا من نفس و مال إن كان على صورة القتال. و إن لم يكن قتال، فكذلك عندنا، خلافا للشافعي في أحد القولين(5).

و هو غلط، إذ لا تعجز كلّ شرذمة تريد إتلاف نفس أو مال أن تبدي تأويلا و تفعل من الفساد ما تشاء، و ذلك يفضي إلى إبطال السياسات.

و أمّا الذين لهم كثرة و شوكة و لا تأويل لهم: ففي ضمان ما أتلفوا من المال طريقان للشافعيّة:1.

ص: 420


1- العزيز شرح الوجيز 86:11، روضة الطالبين 275:7.
2- العزيز شرح الوجيز 87:11، روضة الطالبين 276:7.
3- المبسوط - للطوسي - 267:7.
4- انظر: الوجيز 165:2، و العزيز شرح الوجيز 88:11، و روضة الطالبين 7: 276، و الهداية - للمرغيناني - 177:2، و المغني 70:10.
5- العزيز شرح الوجيز 88:11.

أحدهما: القطع بوجوبه، لأنّهم ليسوا بأهل البغي، كالذين لهم التأويل دون الشوكة.

و أظهرهما عندهم: طرد القولين في الباغي(1).

و عندنا يجب عليهم الضمان.

مسألة 248: قد بيّنّا أنّه ينبغي للإمام وعظ أهل البغي و أمرهم بالطاعة

لتكون كلمة أهل الدين واحدة، فإن امتنعوا، آذنهم بالقتال، فإن طلبوا الإنظار، بحث الإمام عن حالهم و اجتهد، فإن عرف عزمهم على الطاعة و طلب الإنظار لحلّ الشبهة، أنظرهم. و إن ظهر له أنّهم يقصدون استلحاق مدد، لم ينظرهم. و إن سألوا ترك القتال أبدا، لم يجبهم.

و حيث لا يجوز الإنظار لو بذلوا مالا أو رهنوا الأولاد و النساء، لم يلتفت إليهم، لأنّهم قد يقوون في المدّة، و يتغلّبون على أهل العدل، و يستردّون ما بذلوا.

و لو كان بأهل العدل ضعف، أخّر الإمام القتال، و لا يخطر بالناس.

مسألة 249: أهل البغي قسمان:
أحدهما: أن لا يكون لهم فئة يرجعون إليها

و لا رئيس يلجئون [1] إليه، كأهل البصرة، و أصحاب الجمل.

و الثاني: أن يكون لهم فئة يرجعون إليها و رئيس يعتضدون به و يجيش لهم الجيوش،

كأهل الشام، و أصحاب معاوية بصفّين.

فالأوّل لا يجاز على جريحهم، و لا يتبع مدبرهم، و لا يقتل أسيرهم و الثاني يجاز على جريحهم، و يتبع مدبرهم، و يقتل أسيرهم، سواء

ص: 421


1- العزيز شرح الوجيز 88:11، روضة الطالبين 276:7.

كانت الفئة حاضرة أو غائبة، قريبة أو بعيدة [1]، ذهب إلى هذا التفصيل علماؤنا أجمع - و به قال ابن عباس و أبو حنيفة و أبو إسحاق من الشافعيّة(1) - لأنّا لو لم نقتلهم لم نأمن عودهم [2] و قتالهم.

[و] [3] لأنّ حفص بن غياث سأله عن طائفتين، إحداهما باغية، و الأخرى عادلة، فهزمت العادلة الباغية، قال: «ليس لأهل العدل أن يتبعوا مدبرا، و لا يقتلوا أسيرا، و لا يجيزوا [4] على جريح»(2).

هذا إذا لم يبق من أهل البغي أحد و لم تكن لهم فئة يرجعون إليها، فإذا كانت لهم فئة يرجعون إليها، فإنّ أسيرهم يقتل، و مدبرهم يتبع، و جريحهم يجاز عليه.

و قال الشافعي: لا يجاز على جريح الفريقين معا، و لا يتبع مدبرهم، و لا يقتل أسيرهم(3) ، لقول عليّ عليه السّلام: «لا يذفّف على جريح، و لا يتبع مدبر»(4).

و نقول بموجبه، لأنّه قاله في الفئة التي لا رئيس لها.8.

ص: 422


1- المغني 60:10، الشرح الكبير 57:10، المبسوط - للسرخسي - 126:10، بدائع الصنائع 140:7-141، الهداية - للمرغيناني - 171:2، العزيز شرح الوجيز 91:11.
2- التهذيب 144:6-246، الكافي 32:5-2 و فيه عن الإمام الصادق عليه السّلام.
3- المهذّب - للشيرازي - 219:2 و 220، حلية العلماء 616:7 و 617، العزيز شرح الوجيز 90:11 و 91، روضة الطالبين 278:7، الهداية - للمرغيناني - 2: 171، المغني 60:10، الشرح الكبير 58:10.
4- سنن البيهقي 181:8.
مسألة 250: لو وقع أسير من أهل البغي في يد أهل العدل و كان شابّا من أهل القتال،

جلدا، حبس و عرض عليه المبايعة، فإن بايع على الطاعة و الحرب قائمة، قبل منه و أطلق. و إن لم يبايع، ترك في الحبس.

فإذا انقضت الحرب فإن تابوا و طرحوا السلاح و تركوا القتال أو ولّوا مدبرين إلى غير فئة، أطلق. و إن ولّوا مدبرين إلى فئة، لم يطلق عندنا في الحال.

و قال بعضهم: يطلق، لأنّه لا يتبع مدبرهم(1). و قد بيّنّا خلافه.

و هل يجوز قتله ؟ الذي يقتضيه مذهبنا: التفصيل، فإن كان ذا فئة، جاز قتله، و إلاّ فلا - و به قال أبو حنيفة(2) - لأنّ في ذلك كسرا لهم.

و قال الشافعي: لا يجوز قتله(3) ، لأنّ ابن مسعود قال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:

«يا بن أمّ عبد ما حكم من بغى من أمّتي ؟» قلت: اللّه و رسوله أعلم، قال:

«لا يتبع مدبرهم، و لا يجاز على جريحهم، و لا يقتل أسيرهم، و لا يقسم فيئهم»(4).

و هو محمول على ما إذا لم تكن له فئة.

و لو كان الأسير صبيّا أو عبدا أو امرأة أطلقوا، لأنّهم لا يطالبون بالبيعة، لأنّهم ليسوا من أهل الجهاد، و إنّما يبايعون على الإسلام خاصّة.

و قال بعضهم: يحبسون كالرجال، لأنّ فيه كسر قلوبهم(5).

ص: 423


1- انظر: العزيز شرح الوجيز 91:11، و روضة الطالبين 278:7.
2- بدائع الصنائع 140:7-141، المغني 60:10، الشرح الكبير 57:10.
3- المهذّب - للشيرازي - 220:2، حلية العلماء 617:7، العزيز شرح الوجيز 11: 91، روضة الطالبين 278:7، المغني 60:10، الشرح الكبير 57:10.
4- سنن البيهقي 182:8، المهذّب - للشيرازي - 219:2، المغني 60:10-61، الشرح الكبير 57:10-58.
5- الحاوي الكبير 122:13، المهذّب - للشيرازي - 220:2، العزيز شرح الوجيز 91:11، روضة الطالبين 279:7.

و كذا الزّمن و الشيخ الفاني.

و لو أسر كلّ من الفريقين أسارى من الآخر، جاز فداء أسارى أهل العدل بأسارى أهل البغي.

و لو امتنع أهل البغي من المفاداة و حبسوهم، جاز لأهل العدل حبس من معهم، توصّلا إلى تخليص أساراهم.

و قال بعض العامّة: لا يجوز، لأنّ الذنب في حبس أسارى أهل العدل لغيرهم(1).

و لو قتل أهل البغي أسارى أهل العدل، لم يجز لأهل العدل قتل أساراهم إذا لم تكن لهم فئة، لأنّهم لا يقتلون بجناية غيرهم.

مسألة 251: أموال أهل البغي، التي لم يحوها العسكر لا تخرج عن ملكهم،

و لا تجوز قسمتها [1] بحال.

أمّا ما حواه العسكر من السلاح و الكراع و الدوابّ و الأثاث و غير ذلك:

فللشيخ قولان:

أحدهما: أنّها تقسّم بين أهل العدل، و تكون غنيمة، كأموال المشركين، للفارس سهمان، و للراجل سهم، و لذي الأفراس ثلاثة(2). و به قال ابن الجنيد.

و الثاني: أنّه لا تحلّ قسمتها، بل هي باقية على ملكهم لا تجوز قسمتها و لا استغنامها(3) ، و به قال السيّد المرتضى(4) و ابن إدريس(5) و كافّة

ص: 424


1- المغني 62:10، الشرح الكبير 59:10.
2- النهاية: 297.
3- المبسوط - للطوسي - 266:7.
4- مسائل الناصريّات: 443، المسألة 206.
5- السرائر: 159.

العلماء، لما رواه العامّة عن أبي أمامة، قال: شهدت صفّين و كانوا لا يجيزون [1] على جريح، و لا يقتلون مولّيا، و لا يسلبون قتيلا(1).

و عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال: «و لا يقسم فيئهم»(2).

و من طريق الخاصّة: قول مروان بن الحكم: لمّا هزمنا عليّ - عليه السلام - بالبصرة ردّ على الناس أموالهم، من أقام بيّنة أعطاه، و من لم يقم بيّنة أحلفه. قال: فقال له قائل: يا أمير المؤمنين اقسم الفيء بيننا و السبي.

[قال:] [2] فلمّا أكثروا عليه قال: «أيّكم يأخذ أمّ المؤمنين في سهمه ؟» فكفّوا(3).

و قول الصادق عليه السّلام: «كان في قتال عليّ عليه السّلام على أهل القبلة بركة، و لو لم يقاتلهم عليّ لم يدر أحد بعده كيف يسير فيهم»(4).

احتجّ الشيخ رحمه اللّه: بسيرة عليّ عليه السّلام، و لأنّهم أهل قتال فحلّت أموالهم، كأهل الحرب.

و السيرة معارضة بمثلها، و الفرق ما تقدّم.

و لا استبعاد في الجمع بين القولين و تصديق نقلة السيرتين، فيقال بالقسمة للأموال إذا كان لهم فئة يرجعون إليها إضعافا لهم و حسما لمادّة0.

ص: 425


1- سنن البيهقي 182:8، المهذّب - للشيرازي - 219:2، المغني 60:10، الشرح الكبير 57:10.
2- سنن البيهقي 182:8، المهذّب - للشيرازي - 219:2، المغني 60:10-61، الشرح الكبير 57:10-58.
3- التهذيب 155:6-273.
4- التهذيب 145:6-250.

فسادهم، و بعدمها فيما إذا لم تكن لهم فئة، لحصول الغرض فيهم من تفريق كلمتهم و تبدد شملهم. و هذا هو الذي أعتمده.

إذا عرفت هذا، فإنّه لا يجوز سبي ذراري الفريقين من أهل البغي و لا تملّك نسائهم بلا خلاف بين الأمّة في ذلك.

و لا يجوز لأهل العدل الانتفاع بكراع أهل البغي و لا بسلاحهم بحال، إلاّ في حال الضرورة، كما لو خاف بعض أهل العدل على نفسه، و ذهب سلاحه، فإنّه يجوز أن يدفع عن نفسه بسلاحهم. و كذا يركب دوابّهم مع الحاجة، و هذا في الموضع الذي منعنا من قسمة أموالهم فيه، أمّا في غيره فالجواز أظهر.

مسألة 252: لو غلب أهل البغي على بلد فأخذوا الصدقات و الجزية و الخراج،

لم يقع ذلك موقعه، لكن للإمام أن يجيز ذلك، لأنّهم أخذوه ظلما و عدوانا، فلا يتعيّن في إبراء ذمّتهم، كما لو غصبوهم مالا غير الجزية و الصدقات.

و قال الشافعي و أبو ثور من أصحاب الرأي [1]: يقع ذلك موقعه، فإذا ظهر أهل العدل بعد ذلك عليه، لم يكن لهم مطالبتهم بإعادة ذلك، لأنّ عليّا عليه السّلام لمّا ظهر على البصرة، لم يطالب بشيء ممّا جبوه(1).

و لا حجّة فيه، لما بيّنّا من أنّ للإمام إجازة ذلك، للمشقّة الحاصلة من تكليف إعادة ذلك من الناس خصوصا إذا أقاموا في البلد سنين متطاولة.

ص: 426


1- مختصر المزني: 258، الحاوي الكبير 133:13، المهذّب - للشيرازي - 2: 221، الوجيز 164:2، العزيز شرح الوجيز 83:11-84، روضة الطالبين 7: 274، المغني 66:10-67، الشرح الكبير 63:10، الهداية - للمرغيناني - 171:2.

و أمّا الحدود إذا أقاموها: قال الشيخ: لا تعاد عليهم مرّة أخرى، للمشقّة(1).

مسألة 253: إذا زالت يد أهل البغي عن البلد و ملكه أهل العدل فطالبهم العادل

بالصدقات فذكروا أنّهم استوفوا منهم، فإن لم يجز الإمام ذلك، طالبهم به مرّة ثانية و إن أجازه، فالأقرب: قبول قولهم بغير بيّنة، لأنّ ربّ المال إذا ادّعى إخراج زكاته، قبلت دعواه بغير بيّنة.

و هل يحتاج إلى اليمين ؟ قال بعض الشافعيّة: نعم(2) ، لأنّه مدّع، فلا تقبل دعواه بغير بيّنة، لكن لمّا تعسّر إثبات البينة، افتقر إلى اليمين، فإن نكل، أخذت الزكاة، لا بمجرّد النكول، بل بظاهر الوجوب عليه.

أمّا لو ادّعى أداء الخراج، قال الشيخ رحمه اللّه: لا يقبل قوله، بخلاف الزكاة، لأنّها تجب على سبيل المواساة، و أداؤها عبادة، فلهذا قبل قوله في أدائها، بخلاف الخراج، فإنّه معاوضة، لأنّه ثمن أو اجرة، فلا يقبل قوله في أدائه، كغيره من المعاوضات(3).

و لو ادّعى أهل الذمّة أداء الجزية إلى أهل البغي، لم تقبل منهم، لكفرهم، و لأنّها معاوضة عن المساكنة و حقن الدماء، فلا يقبل قولهم فيه.

مسألة 254: أهل البغي عندنا فسّاق و بعضهم كفّار،

فلا تقبل شهادتهم و إن كان عدلا في مذهبه، لقوله تعالى إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا (4)

ص: 427


1- المبسوط - للطوسي - 276:7.
2- الامّ 220:4، المهذّب - للشيرازي - 221:2-222، العزيز شرح الوجيز 11: 84، روضة الطالبين 275:7.
3- المبسوط - للطوسي - 277:7.
4- الحجرات: 6.

و لقوله تعالى وَ لا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا (1).

و سواء في ذلك أن يشهد لهم أو عليهم، و سواء كان على طريق التديّن أو لا على وجه التديّن.

و قال أبو حنيفة: تقبل شهادتهم، و هم فسّاق، لأنّ أهل البغي بخروجهم عن طاعة الإمام و البغي قد فسقوا و لكن تقبل شهادتهم، لأنّ فسقهم من جهة الدين، فلا تردّ به الشهادة، و قد قبل شهادة الكفّار بعضهم على بعض(2).

و أطبق الجمهور كافّة على قبول شهادتهم(3).

و قال أكثر العامّة: أقبل شهادته إذا كان ممّن لا يرى أنّه يشهد لصاحبه بتصديقه كالخطّابيّة، فإنّهم يعتقدون تحريم الكذب و الإقدام على اليمين الكاذبة، فإذا كان لبعضهم حقّ على من يجحده و لا شاهد له به فذكر ذلك لبعض أهل مذهبه و حلف له أنّه صادق فيما يدّعيه، ساغ له في مذهبه أن يشهد له بدعواه(4) و عندنا لا تقبل شهادة من خالف الحقّ من سائر الفرق على ما يأتي.

و أمّا الحكم و القضاء بين الناس: فإنّه لا يجوز عندنا إلاّ بإذن الإمام أو من نصبه الإمام، فإذا نصب أهل البغي قاضيا، لم ينفذه قضاؤه مطلقا، سواء1.

ص: 428


1- هود: 113.
2- المغني 65:10، الشرح الكبير 62:10، الحاوي الكبير 136:13.
3- المغني 65:10، الشرح الكبير 62:10، الوجيز 164:2، العزيز شرح الوجيز 82:11، مختصر المزني: 258، الحاوي الكبير 136:13، روضة الطالبين 7: 273.
4- انظر: الحاوي الكبير 136:13، و العزيز شرح الوجيز 82:11، و 130:13 - 131.

حكم بحق أو باطل، لأنّه فاسق بمجرّد التولية، و العدالة عندنا شرط في القضاء.

و قال أبو حنيفة: إن كان قاضيهم - الذي نصبوه - من أهل العدل، نفذ قضاؤه، و إن كان من أهل البغي، لم ينفذ(1).

و قال الشافعي: ينفذ مطلقا، سواء كان من أهل البغي أو من أهل العدل إذا لم يستحلّ دماء أهل العدل و لا أموالهم. و إن استحلّ ذلك، لم ينفذ حكمه إجماعا(2).

و قال بعض الشافعيّة: ينفذ قضاء أهل البغي مطلقا رعاية لمصلحة الرعايا(3).

و قال آخرون منهم: من ولاّه صاحب الشوكة نفذ قضاؤه و إن كان جاهلا أو فاسقا(4).

و لو كتب قاضي البغاة كتابا، لم يجز لأحد من القضاة إنفاذه عندنا، خلافا لبعض الشافعيّة(5).

و قال بعضهم: يستحبّ أن لا يقبل، استخفافا لهم و إهانة(6).

و لو كتب قاضيهم بسماع البيّنة دون الحكم المبرم، لم يحكم به قاضينا.7.

ص: 429


1- الحاوي الكبير 135:13، حلية العلماء 620:7، العزيز شرح الوجيز 11: 83، المغني 68:10، الشرح الكبير 64:10.
2- المهذّب - للشيرازي - 221:2، حلية العلماء 620:7، الحاوي الكبير 13: 135، روضة الطالبين 273:7، المغني 68:10، الشرح الكبير 64:10.
3- العزيز شرح الوجيز 82:11، روضة الطالبين 273:7.
4- العزيز شرح الوجيز 82:11.
5- المهذّب - للشيرازي - 221:2، العزيز شرح الوجيز 83:11، روضة الطالبين 274:7.
6- المهذّب - للشيرازي - 221:2، العزيز شرح الوجيز 83:11، روضة الطالبين 274:7.

و للشافعي قولان:

أحدهما كما قلنا، لما فيه من معاونة أهل البغي و إقامة مناصبهم.

و أصحّهما عنده: نعم، لأنّ الكتاب الذي يرد يتعلّق برعايانا، و إذا نفذ حكم قاضيهم لمصلحة رعاياهم فلأن تراعى مصالح رعايانا أولى(1).

مسألة 255: من قتل من أهل العدل في المعركة لا يغسّل و لا يكفّن، و يصلى عليه، عندنا.

و من قتل من أهل البغي لا يغسّل و لا يكفّن و لا يصلّى عليه، عندنا، لأنّه كافر.

و قال مالك و الشافعي و أحمد: يغسّل و يكفّن و يصلّى عليه، لقوله عليه السّلام:

«صلّوا على من قال: لا إله إلاّ اللّه»(2)(3).

و ليس عامّا عندهم، لخروج الشهيد عنه. و لأنّ من لم يعترف بالنبوّة مخرج عنه.

و قال أصحاب الرأي: إن لم تكن لهم فئة، صلّي عليهم. و إن كان لهم فئة، لم يصلّ عليهم، لأنّه يجوز قتلهم في هذه الحالة، فأشبهوا الكفّار(4).

و قال أحمد: لا يصلّى على الخوارج، كالشهيد(5).

ص: 430


1- العزيز شرح الوجيز 83:11، روضة الطالبين 274:7، منهاج الطالبين: 291.
2- سنن الدار قطني 56:2-3 و 4، المعجم الكبير - للطبراني - 447:12-13622، حلية الأولياء 320:10.
3- المغني 64:10، الشرح الكبير 61:10، الوجيز 75:1، العزيز شرح الوجيز 424:2، المهذّب - للشيرازي - 142:1، المجموع 267:5، روضة الطالبين 634:1.
4- المغني 64:10، الشرح الكبير 61:10.
5- المغني 64:10، الشرح الكبير 61:10.

و قال مالك: لا يصلّى على الأباضيّة و لا القدريّة و سائر [أهل] [1] الأهواء(1).

مسألة 256: إذا فعل أهل البغي حال امتناعهم ما يوجب الحدّ،

أقيم عليهم مع القدرة - و به قال مالك و الشافعي و أحمد و ابن المنذر(2) - لعموم الآيات و الأحاديث الدالّة على وجوب الحدّ مطلقا.

و قال أصحاب الرأي: إذا امتنعوا بدار الحرب، لم يجب الحدّ عليهم و لا على من عندهم من تاجر أو أسير، لأنّهم خرجوا عن دار الإمام، فأشبهوا أهل دار الحرب(3).

و نمنع ثبوت الحكم في الأصل إن كان مسلما، فإنّا نوجب عليه الحدّ لكن تكره إقامته في دار الحرب، فإذا جاء إلى دار الإسلام، أقيم عليه.

و لأنّ كلّ موضع تجب فيه العبادات في أوقاتها تجب الحدود فيه عند وجود أسبابها، كدار العدل.

مسألة 257: يجوز للعادل قصد الباغي بالقتل، لأنّه محكوم بكفره،

فجاز قصده بالقتل، كالحربيّ، خلافا لبعض العامّة، حيث منعوا منه، بل يقصد دفعهم و تفريق جمعهم(4).

قال ابن الجنيد: لا يستحبّ أن يبدأ و الي المسلمين أهل البغي بحرب و إن كان قد استحقّوا بفعلهم المتقدّم القتل، إلاّ أن يبدؤونا هم بالقتال،

ص: 431


1- المدوّنة الكبرى 182:1، المغني 65:10، الشرح الكبير 61:10.
2- المغني 69:10، الشرح الكبير 65:10، حلية العلماء 618:7.
3- المغني 69:10، الشرح الكبير 65:10.
4- العزيز شرح الوجيز 89:11.

لجواز حدوث إرادة التوبة، فإنّ أمير المؤمنين عليه السّلام كان يقول في كلّ موطن: «لا تقاتلوا القوم حتى يبدؤوكم فإنّكم بحمد اللّه على حجّة و ترككم إيّاهم حتى يبدؤوكم حجّة أخرى»(1).

قال: و لا يستحبّ بيات أحد من أهل البغي و لا قتاله غيلة و لا على غرّة حتى يبدروا، و قد وصّى أمير المؤمنين عليه السّلام الأشتر بذلك(2).

قال الشيخ رحمه اللّه: يكره للعادل القصد إلى أبيه الباغي أو ذي رحمه(3).

و هو قول أكثر العلماء(4) ، لقوله تعالى وَ إِنْ جاهَداكَ (5) الآية.

و لأنّ أبا بكر أراد قتل ابنه [1] يوم أحد، فنهاه النبي صلّى اللّه عليه و آله عن ذلك، و قال:

«دعه ليلي قتله غيرك»(6).

و قال بعض العامّة: لا يكره، لأنّه قتل بحقّ، فأشبه إقامة الحدود(7).

و الفرق: بإمكان الرجوع هنا، بخلاف استيفاء الحدّ، فإنّه يجب و إن تاب.

إذا عرفت هذا، فإن خالف و قتله، كان جائزا، لأنه مباح الدم، فجاز0.

ص: 432


1- الكافي 38:5-3.
2- شرح نهج البلاغة - لابن ميثم البحراني - 381:4-382.
3- المبسوط - للطوسي - 278:7.
4- المغني 66:10، الشرح الكبير 62:10، مختصر المزني: 258، الحاوي الكبير 138:13، المهذّب - للشيرازي - 220:2، روضة الطالبين 282:7.
5- لقمان: 15.
6- المبسوط - للطوسي - 279:7، المغازي - للواقدي - 257:1، الكامل في التاريخ 156:2، الحاوي الكبير 138:13، و ليس فيما عدا المبسوط مقالة الرسول صلّى اللّه عليه و آله.
7- المغني 66:10، الشرح الكبير 62:10.

قتله، كالكافر.

و لا يمنع العادل [1] من ميراثه - و به قال أبو حنيفة(1) - لأنّه قتله بحقّ، فأشبه القصاص.

و قال الشافعي: لا يرثه - و عن أحمد روايتان - لعموم قوله عليه السّلام: «ليس لقاتل شيء»(2)(3).

و المراد ظلما، لأنّ القاتل حدّا أو قصاصا يرث إجماعا.

و لو قتل الباغي العادل، منع من الميراث - و به قال الشافعي و أحمد(4) - لأنّه قتله بغير حقّ، فلا يرثه، كالعمد.

و قال أبو حنيفة: لا يمنع من الميراث، لأنّه قتله بتأويل، فأشبه قتل العادل الباغي(5).

و الفرق: بأنّ العادل قتل الباغي بحق، بخلاف العكس.

مسألة 258: من سبّ اللّه تعالى أو أحدا من أنبيائه أو ملائكته أو الإمام، وجب قتله،
اشارة

عندنا، لأنّه كافر بذلك. و قال الجمهور: يستتاب و يعزّر.

و سيأتي البحث فيه.

ص: 433


1- الهداية - للمرغيناني - 172:2، بدائع الصنائع 142:7، المبسوط - للسرخسي - 131:10، الحاوي الكبير 139:13، المغني 66:10، الشرح الكبير 63:10.
2- الموطّأ 867:2-10، سنن الدار قطني 95:4-96-84، سنن البيهقي 38:8، مسند أحمد 80:1-349 و 350.
3- الحاوي الكبير 140:13، المغني 66:10، الشرح الكبير 63:10.
4- مختصر المزني: 258، العزيز شرح الوجيز 518:6، روضة الطالبين 33:5، المغني 10: 66، الشرح الكبير 63:10.
5- المبسوط - للسرخسي - 131:10-132، الهداية - للمرغيناني - 172:2، المغني 66:10، الشرح الكبير 63:10.
و أمّا الردّة:

فهي الخروج عن الملّة بالكفر، فمانع الزكاة ليس بمرتد، و يجب قتاله حتى يدفع الزكاة، فإن دفعها، و إلاّ قتل.

و لو منعها مستحلاّ للمنع، كان مرتدّا. و كذا كلّ من اعتقد عدم وجوب ما علم من الدين ثبوته بالضرورة.

و قال بعض العامّة: إنّ مانع الزكاة مرتدّ و إن كان مسلما(1). و ليس بمعتمد.

فإذا أتلف المرتدّ مالا أو نفسا حال ردّته، ضمن، سواء تحيّز به و صار في منعة أو لا، لقوله تعالى فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ (2).

و ما رواه العامّة عن أبي بكر أنّه قال لأهل الردّة حين رجعوا: تردّون علينا ما أخذتم منّا، و لا نردّ عليكم ما أخذنا منكم، و أن تدوا قتلانا، و لا ندي قتلاكم، قالوا: نعم(3).

و قال الشافعي: لا ضمان عليه - و به قال أحمد في الأنفس، و قال في الأموال بقولنا - لأنّ تضمينهم يؤدّي إلى تنفيرهم عن الرجوع إلى الإسلام، فأشبهوا أهل البغي(4).

و نمنع الحكم في الأصل، و لأنّه يؤدّي إلى كثرة الفساد.

و لو قصد رجل رجلا أو امرأة، يريد نفسه أو ماله أو حريمه أو الفساد به، فله أن يقاتله و يدفعه عن نفسه بأقّل ما يمكنه دفعه به إجماعا و إن أتى ذلك على نفسه، لقوله عليه السّلام: «من قتل دون ماله فهو شهيد»(5).

ص: 434


1- انظر: المغني 435:2.
2- البقرة: 194.
3- المغني 70:10، الشرح الكبير 60:10.
4- المغني 70:10، الشرح الكبير 60:10.
5- صحيح البخاري 179:3، سنن ابن ماجة 861:2-2580، سنن الترمذي 4: 28-1418، و 29-1419، سنن النسائي 115:7-116، سنن البيهقي 3: 265-266، و 187:8، 335، مسند أحمد 127:1-591.

و الأقوى عندي: أنّه إن ظنّ التلف، وجب دفع المال و التوقّي به.

و لو قتل القاصد، لم يجب على القاتل قود و لا دية و لا كفّارة.

و هل يجب عليه أن يدفع عن نفسه ؟ الحقّ عندنا ذلك، لقوله تعالى:

وَ لا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ (1) و هو أحد قولي الشافعي(2).

و الثاني: لا يجب، لأنّ عثمان بن عفّان استسلم للقتال مع القدرة على الدفع(3).

و الثانية ممنوعة، مع أنّ فعله ليس حجّة.

أمّا المال فلا يجب الدفاع عنه.

و المرأة و الصبي يجب عليهما الدفاع عن فرجهما، لأنّ التمكين منهما محرّم، و في ترك الدفع نوع تمكين.

ثمّ المدافع عن نفسه و ماله و فرجه إن أمكنه التخلّص بالهرب، وجب - و هو أحد قولي الشافعي(4) - لأنّه أسهل طريق إلى الدفع.

و الثاني: لا يلزمه، لأنّ إقامته في مكانه مباح له، فلا يلزمه أن ينصرف عنه لأجل غيره(5).

و ليس بجيّد، لأنّ في الانصراف حفظ النفس، فوجب.

و كذا المضطرّ إلى أكل ميتة أو نجاسة أو شرب نجس يجب عليه7.

ص: 435


1- البقرة: 195.
2- الحاوي الكبير 455:13-456، الوجيز 185:2، العزيز شرح الوجيز 11: 314-315، روضة الطالبين 393:7.
3- الحاوي الكبير 455:13-456، الوجيز 185:2، العزيز شرح الوجيز 11: 314-315، روضة الطالبين 393:7.
4- الوجيز 185:2، العزيز شرح الوجيز 320:11، روضة الطالبين 393:7.
5- الوجيز 185:2، العزيز شرح الوجيز 320:11، روضة الطالبين 393:7.

تناوله لحفظ الرمق. و هو أحد وجهي الشافعي(1).

و الثاني: لا يجب، لأنّه يتوقّى النجاسة(2).

و ليس بجيّد، لأنّ النجاسة حكم شرعي و قد عفي عنه، فلا يتلف نفسه لذلك.9.

ص: 436


1- الوجيز 217:2، العزيز شرح الوجيز 158:12-159، روضة الطالبين 2: 548-549.
2- الوجيز 217:2، العزيز شرح الوجيز 158:12-159، روضة الطالبين 2: 548-549.

الفصل السابع: في الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر

مقدّمة: الأمر طلب الفعل بالقول على جهة الاستعلاء،

و النهي نقيضه. و لا يشترط العلوّ. و المعروف هو الفعل الحسن المختصّ بوصف زائد على حسنه إذا عرف فاعله ذلك أو دلّ عليه. و المنكر هو الفعل القبيح إذا عرف فاعله ذلك أو دلّ عليه.

و الحسن ما للقادر عليه المتمكّن منه و من العلم بحسنه أن يفعله، و أيضا ما لم يكن على صفة تؤثّر في استحقاق الذمّ. و القبيح هو الذي ليس للمتمكّن منه و من العلم بقبحه أن يفعله، أو الذي على صفة لها تأثير في استحقاق الذمّ.

و الحسن شامل للمباح و المندوب و الواجب و المكروه، و القبيح هو الحرام، و قد يطلق في العرف الحسن على ماله مدخل في استحقاق المدح، فيتناول الواجب و المندوب خاصّة.

مسألة 259: في الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر فضل عظيم و ثواب جزيل.

قال اللّه تعالى كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَ تَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ (1) و قال تعالى لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى لِسانِ داوُدَ وَ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذلِكَ بِما عَصَوْا وَ كانُوا يَعْتَدُونَ. كانُوا لا يَتَناهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ ما كانُوا يَفْعَلُونَ (2).

ص: 437

قال اللّه تعالى كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَ تَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ (1) و قال تعالى لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى لِسانِ داوُدَ وَ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذلِكَ بِما عَصَوْا وَ كانُوا يَعْتَدُونَ. كانُوا لا يَتَناهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ ما كانُوا يَفْعَلُونَ (2).

و قال الصادق عليه السّلام: «إنّ رجلا من خثعم جاء إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، فقال: يا رسول اللّه أخبرني ما أفضل الإسلام ؟ قال: الإيمان باللّه، قال: ثمّ ما ذا؟ قال: صلة الرحم، قال: ثمّ ما ذا؟ قال: الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر، قال: فقال الرجل: فأيّ الأعمال أبغض إلى اللّه عزّ و جلّ؟ قال:

الشرك باللّه، قال: ثم ما ذا؟ قال: قطيعة الرحم، قال: ثمّ ما ذا؟ قال: ترك الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر [1]»(3).

و قد حذّر اللّه تعالى في كتابه عن ترك الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر في قوله لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا (4) الآية، و قوله تعالى لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْواهُمْ إِلاّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النّاسِ (5).

و قال أبو الحسن عليه السّلام: «لتأمرنّ [2] بالمعروف و لتنهنّ [3] عن المنكر أو4.

ص: 438


1- آل عمران: 110.
2- المائدة: 78 و 79.
3- الكافي 58:5-9، التهذيب 176:6-355.
4- المائدة: 78.
5- النساء: 114.

ليستعملنّ عليكم شراركم فيدعو خياركم فلا يستجاب لهم»(1).

و قال الباقر عليه السّلام: «ويل لقوم لا يدينون اللّه بالأمر بالمعروف و النهي عن المنكر»(2).

و قال الصادق عليه السّلام: «ما قدست امّة لم تأخذ [1] لضعيفها من قويّها بحقّه غير مضيع [2]»(3).

و قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: «لا يزال الناس بخير ما أمروا بالمعروف و نهوا عن المنكر و تعاونوا على البرّ، فإذا لم يفعلوا ذلك نزعت منهم البركات، و سلّط بعضهم على بعض، و لم يكن لهم ناصر في الأرض و لا في السماء»(4).

و قال الصادق عليه السّلام لقوم من أصحابه: «إنّه قد حقّ لي أن آخذ البريء منكم بالسقيم، و كيف لا يحقّ لي ذلك!؟ و أنتم يبلغكم عن الرجل منكم القبيح فلا تنكرون عليه و لا تهجرونه و لا تؤذونه حتى يتركه»(5).

مسألة 260: المعروف قسمان: واجب و ندب، فالأمر بالواجب واجب،

و بالمندوب ندب. و أمّا المنكر فكلّه حرام، فالنهي عنه واجب، و لا خلاف في ذلك.

ص: 439


1- الكافي 56:5-3، التهذيب 176:6-352.
2- الكافي 56:5-57-4، التهذيب 176:6-353، و فيهما عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه عليهما السلام.
3- الكافي 56:5-2، التهذيب 180:6-371.
4- التهذيب 181:6-373، و فيه: «.. على البرّ و التقوى..».
5- التهذيب 181:6-182-375.

قال اللّه تعالى وَ تَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَ التَّقْوى وَ لا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَ الْعُدْوانِ (1) و قال خُذِ الْعَفْوَ وَ أْمُرْ بِالْعُرْفِ وَ أَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ (2).

و قال الباقر عليه السّلام: «يكون في آخر الزمان قوم يتبع [1] فيهم قوم مراءون يتقرّؤون و يتنسّكون حدثاء سفهاء لا يوجبون أمرا بمعروف و لا نهيا عن منكر إلاّ إذا أمنوا الضرر، يطلبون لأنفسهم الرخص و المعاذير، يتبعون زلاّت العلماء و فساد علمهم [2]، يقبلون على الصلاة و الصيام و ما لا يكلمهم في نفس و لا مال، و لو أضرّت الصلاة بسائر ما يعملون بأموالهم و أبدانهم لرفضوها كما رفضوا أتمّ الفرائض و أشرفها، إنّ الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر فريضة عظيمة بها تقام الفرائض، هناك يتمّ غضب اللّه عليهم فيعمّهم بعقابه فيهلك الأبرار في دار الفجّار و الصغار في دار الكبار، إنّ الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر سبيل لأنبياء و منهاج الصالحين، فريضة عظيمة بها تقام الفرائض، و تأمن المذاهب، و تحلّ المكاسب، و تردّ المظالم، و تعمر الأرض، و ينتصف من الأعداء، و يستقيم الأمر، فأنكروا بقلوبكم، و ألفظوا بألسنتكم، و صكّوا بها جباههم، و لا تخافوا في اللّه لومة لائم، فإن اتّعظوا و إلى الحقّ رجعوا، فلا سبيل عليهم إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النّاسَ وَ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (3) هنالك فجاهدوهم2.

ص: 440


1- المائدة: 2.
2- الأعراف: 199.
3- الشورى: 42.

بأبدانكم، و أبغضوهم بقلوبكم غير طالبين سلطانا و لا باغين مالا و لا مريدين بالظلم ظفرا حتى يفيئوا إلى أمر اللّه و يمضوا على طاعته».

قال: «أوحى اللّه تعالى إلى شعيب النبي صلّى اللّه عليه و آله إنّي لمعذّب من قومك مائة ألف، أربعين ألفا من شرارهم، و ستّين ألفا من خيارهم، فقال: يا ربّ هؤلاء الأشرار فما بال الأخيار؟ فأوحى اللّه عزّ و جلّ إليه: داهنوا أهل المعاصي و لم يغضبوا لغضبي»(1).

مسألة 261: اختلف علماؤنا في وجوبهما.

فقال بعضهم(2): إنّه عقليّ، فإنّا كما نعلم وجوب ردّ الوديعة و قبح الظلم نعلم وجوب الأمر بالمعروف الواجب، و وجوب النهي عن المنكر.

و قال بعضهم(3): إنّه سمعيّ، لأنّه معلوم من دين النبي صلّى اللّه عليه و آله، و قد دلّ السمع عليهما كما تقدّم، و لو وجبا بالعقل، لما ارتفع معروف و لما وقع منكر، أو كان اللّه تعالى مخلاّ بالواجب، و التالي بقسميه باطل فالمقدّم مثله.

بيان الشرطيّة: أنّ الأمر بالمعروف هو الحمل على فعل المعروف، و النهي عن المنكر هو المنع منه، فلو كانا واجبين بالعقل، لكانا واجبين على اللّه تعالى، لأنّ كلّ واجب عقليّ فإنّه يجب على كلّ من حصل فيه وجه الوجوب، و لو وجبا على اللّه تعالى، لزم أحد الأمرين.

و أمّا بطلانهما فظاهر.

ص: 441


1- الكافي 55:5-56-1، التهذيب 180:6-181-372.
2- كالشيخ الطوسي في الاقتصاد: 146-147 و قوّى القول الثاني.
3- كالسيّد المرتضى و ابن إدريس في السرائر: 160، و الشيخ الطوسي في التبيان 2: 549، و أبي الصلاح الحلبي في الكافي في الفقه: 264.

أمّا الأوّل: فلأنّه يلزم منه الإلجاء.

و أمّا الثاني: فلأنّه تعالى حكيم يستحيل منه فعل القبيح و الإخلال بالواجب.

لا يقال: الإلجاء وارد عليكم لو وجبا على المكلّف، لأنّ الأمر هو الحمل، و النهي هو المنع، و لا فرق بين صدورهما من اللّه تعالى أو المكلّف في اقتضائهما الإلجاء، و هو يبطل التكليف.

لأنّا نقول: منع المكلّف لا يقتضي الإلجاء، لأنّه لا يقتضي الامتناع، بل هو مقرّب، و هو يجري مجرى الحدود في اللطفيّة، و لهذا تقع القبائح مع حصول الإنكار.

مسألة 262: اختلف علماؤنا في وجوبهما على الأعيان أو على الكفاية ؟

فقال السيّد المرتضى: إنّهما على الكفاية(1).

و قال الشيخ: إنّهما على الأعيان(2) ، لقوله عليه السّلام: «لتأمرنّ بالمعروف و لتنهنّ عن المنكر»(3) و هو عامّ.

و نقول بموجبه، فإنّ الواجب على الكفاية يخاطب به الكلّ، و يسقط بفعل البعض.

احتجّ السيّد: بأنّ الغرض وقوع المعروف و ارتفاع المنكر، فمتى حصلا صار التعاطي لهما عبثا.

مسألة 263: شرائط وجوبه أربعة:
اشارة

ص: 442


1- حكاه عنه ابن إدريس في السرائر: 160.
2- النهاية: 299، الاقتصاد: 147.
3- الكافي 56:5-3، و في التهذيب 176:6-352 بتفاوت يسير، و الحديث فيهما عن أبي الحسن عليه السّلام.
الأوّل: أن يعلم الآمر و الناهي المعروف معروفا و المنكر منكرا

لئلاّ يغلط فيأمر بالمنكر و ينهى عن المعروف.

الثاني: أن يجوّز تأثير إنكاره،

فلو غلب على ظنّه أو علم أنّه لا يؤثر، لا يجب الأمر بالمعروف و لا النهي عن المنكر. و هو شرط في الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر باللسان و اليد(1) دون القلب.

قال الصادق عليه السّلام لمّا سئل عن الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر أ واجب هو على الأمّة جميعا؟ فقال: «لا» فقيل: و لم ؟ قال: «إنّما هو على القويّ المطاع العالم بالمعروف من المنكر لا على الضّعفة الذين لا يهتدون سبيلا»(2).

و قال الصادق عليه السّلام: «إنّما يؤمر بالمعروف و ينهى عن المنكر مؤمن فيتّعظ أو جاهل فيتعلّم، فأما صاحب سيف و سوط فلا»(3).

الثالث: أن يكون المأمور أو المنهي مصرّا على الاستمرار،

فلو ظهر منه الإقلاع، سقط الوجوب، لزوال علّته.

الرابع: أن لا يكون في الإنكار مفسدة على الآمر و لا على أحد من المؤمنين بسببه،

فلو ظنّ توجّه الضرر إليه أو إلى ماله أو إلى أحد من المسلمين، سقط الوجوب.

مسألة 264: مراتب الإنكار ثلاثة:
الأولى: بالقلب،

و هو يجب مطلقا، و هو أوّل المراتب، فإنّه إذا علم أنّ فاعله ينزجر بإظهار الكراهة، وجب عليه ذلك. و كذا لو عرف أنّه

ص: 443


1- في الطبعة الحجريّة: باليد و اللسان.
2- التهذيب 177:6-360، و في الكافي 59:5-16 بتفاوت في بعض الألفاظ.
3- الكافي 60:5-2، التهذيب 178:6-362 بتفاوت يسير.

لا يكفيه ذلك و عرف الاكتفاء بنوع من الإعراض عنه و الهجر، وجب عليه ذلك، لقول الصادق عليه السّلام في الحديث السابق(1): «و كيف لا يحقّ لي ذلك!؟ و أنتم يبلغكم عن الرجل منكم القبيح فلا تنكرون عليه و لا تهجرونه و لا تؤذونه حتى يتركه».

الثانية: باللسان،

فإذا لم ينزجر بالقلب و الإعراض و الهجر، أنكر باللسان بأن يعظه و يزجره و يخوّفه، و يتدرج في الإنكار بالأيسر من القول إلى الأصعب.

الثالثة: باليد،

فإذا لم ينجع [1] القول و الوعظ و الشتم، أمر و نهى باليد بأن يضرب عليهما، لقول الصادق عليه السّلام: «ما جعل اللّه عزّ و جلّ بسط اللسان و كفّ اليد و لكن جعلهما يبسطان معا و يكفّان معا»(2).

و لو افتقر إلى الجراح و القتل، قال السيّد المرتضى: يجوز ذلك بغير إذن الامام(3).

و قال الشيخ رحمه اللّه: ظاهر مذهب شيوخنا الإماميّة أنّ هذا الجنس من الإنكار لا يكون إلاّ للأئمّة أو لمن يأذن له الإمام فيه.

قال رحمه اللّه: و كان المرتضى رحمه اللّه يخالف في ذلك و يقول: يجوز فعل ذلك بغير إذنه، لأنّ ما يفعل بإذنه يكون مقصودا، و هذا بخلاف ذلك، لأنّه غير مقصود، و إنّما قصده المدافعة و الممانعة، فإن وقع ضرر، فهو غير

ص: 444


1- سبق في ص 439.
2- الكافي 55:5-1، التهذيب 169:6-325.
3- حكاه عنه الشيخ الطوسي في الاقتصاد: 150.

مقصود(1). و قد أفتى الشيخ بذلك أيضا في كتاب التبيان(2).

مسألة 265: لا يجوز لأحد إقامة الحدود إلاّ الإمام 1 أو من نصبه الإمام لإقامتها،

و لا يجوز لأحد سواهما إقامتها على حال.

و قد رخص في حال غيبة الإمام أن يقيم الإنسان الحدّ على مملوكه إذا لم يخف ضررا على نفسه و ماله و غيره من المؤمنين، و أمن بوائق الظالمين.

قال الشيخ: و قد رخص أيضا في حال الغيبة إقامة الحدّ على ولده و زوجته إذا أمن الضرر(3).

و منع ابن إدريس ذلك في الولد و الزوجة، و سلّمه في العبد(4).

و في رواية حفص بن غياث أنّه سأل الصادق عليه السّلام: من يقيم الحدود؟ السلطان أو القاضي ؟ فقال: «إقامة الحدود إلى من إليه الحكم»(5). و هل يجوز للفقهاء إقامة الحدود في حال الغيبة ؟ جزم به الشيخان(6) ، عملا بهذه الرواية، كما يأتي(7) أنّ للفقهاء الحكم بين الناس، فكان إليهم إقامة الحدود، و لما في تعطيل الحدود من الفساد.

و قد روي أنّ من استخلفه سلطان ظالم على قوم و جعل إليه إقامة

ص: 445


1- الاقتصاد: 150.
2- التبيان 549:2 و 566.
3- النهاية: 301.
4- السرائر: 161.
5- الفقيه 51:4-179، التهذيب 155:10-621.
6- المقنعة: 810، النهاية: 302.
7- يأتي في المسألة التالية (266).

الحدود، جاز له أن يقيمها عليهم على الكمال، و يعتقد أنّه إنّما يفعل ذلك بإذن سلطان الحقّ لا بإذن سلطان الجور، و يجب على المؤمنين معونته و تمكينه من ذلك ما لم يتعدّ الحقّ في ذلك و ما هو مشروع في شريعة الإسلام، فإن تعدّى من جعل إليه الحقّ، لم يجز له القيام به و لا لأحد معونته على ذلك(1).

و منع ابن إدريس(2) ذلك [1].

نعم، لو خاف الإنسان على نفسه من ترك إقامتها، جاز له ذلك، للتقيّة ما لم يبلغ قتل النفوس، فإن بلغ الحال ذلك، لم يجز فعله، و لا تقيّة فيها على حال.

مسألة 266: الحكم و الفتيا بين الناس منوط بنظر الإمام،

فلا يجوز لأحد التعرّض له إلاّ بإذنه. و قد فوّض الأئمّة عليهم السلام ذلك إلى فقهاء شيعتهم، المأمونين المحصّلين [2] العارفين بالأحكام و مداركها، الباحثين عن مأخذ الشريعة، القيّمين بنصب الأدلّة و الأمارات، لأنّ عمر بن حنظلة سأل الصادق عليه السّلام عن رجلين من أصحابنا تكون بينهما منازعة في دين أو ميراث فتحاكما إلى الطاغوت أو إلى السلطان أ يحلّ ذلك ؟ فقال: «من تحاكم إلى الطاغوت [3] فحكم له فإنّما يأخذ سحتا و إن كان حقّه ثابتا، لأنّه أخذ بحكم الطاغوت و قد أمر اللّه تعالى أن يكفر به» قلت: كيف يصنعان ؟ قال «انظروا إلى من كان منكم قد روى حديثنا و نظر في

ص: 446


1- النهاية - للطوسي - 301، و السرائر: 161.
2- السرائر: 161.

حلالنا و حرامنا و عرف أحكامنا فلترضوا به حاكما فإنّي قد جعلته عليكم حاكما، فإذا حكم بحكمنا فلم يقبل منه فإنّما بحكم اللّه استخفّ و علينا ردّ، و الرادّ علينا رادّ على اللّه و هو على حدّ الشرك باللّه عزّ و جلّ»(1).

و روى أبو خديجة عن الصادق عليه السّلام، قال: «إيّاكم أن يحاكم بعضكم بعضا إلى أهل الجور و لكن انظروا إلى رجل منكم يعلم شيئا من قضائنا [1] فاجعلوه بينكم فإنّي جعلته قاضيا فتحاكموا إليه»(2).

إذا عرفت هذا، فينبغي لمن عرف الأحكام و مأخذها من الشيعة الحكم و الإفتاء و له بذلك أجر عظيم ما لم يخف في ذلك على نفسه أو على أحد من المؤمنين، فإن خاف شيئا من ذلك، لم يجز له التعرّض بحال.

مسألة 267: لو طلب أحد الخصمين المرافعة إلى قضاة الجور، كان متعدّيا للحقّ،

مرتكبا للإثم، مخالفا للإمام، لقول الصادق عليه السّلام - في الصحيح -: «أيّما مؤمن قدّم مؤمنا في خصومة إلى قاض أو سلطان جائر فقضى عليه بغير حكم اللّه فقد شركه في الإثم»(3).

و يجب على كلّ متمكّن منع الطالب لقضاة الجور، و مساعدة غريمه على المرافعة إلى قضاة الحقّ بلا خلاف.

و إذا ترافع إلى الفقيه - العارف بالأحكام، الجامع لشرائط الحكم - خصمان، وجب عليه الحكم بينهما على مذهب أهل الحقّ، و لا يجوز له أن يحكم بما يخالف الحقّ من المذاهب، لقوله تعالى:

ص: 447


1- الكافي 412:7-5، التهذيب 218:6-514 بتفاوت في بعض الألفاظ.
2- الكافي 412:7-4، التهذيب 219:6-516.
3- الكافي 411:7-1، الفقيه 3-4، التهذيب 218:6-219-515.

وَ مَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ (1) .

و قول الصادق عليه السّلام - في الصحيح -: «من حكم في درهمين بغير ما أنزل اللّه عزّ و جلّ فهو كافر باللّه العظيم»(2).

إذا ثبت هذا، فلو اضطرّ إلى الحكم بمذهب أهل الخلاف بأن يكون قد اضطرّ إلى الولاية من قبلهم و لم يتمكّن من إنفاذ الحكم بالحق، جاز له ذلك ما لم يبلغ إلى الدماء، فإنّه لا تقيّة فيها، و يجتهد في تنفيذ الأحكام على الوجه الحقّ ما أمكن، للضرورة الداعية إليه.

و لقول زين العابدين عليه السّلام: «إذا كنتم في أئمّة جور فاقضوا في أحكامهم و لا تشهروا أنفسكم فتقتلوا، و إن تعاملتم بأحكامنا كان خيرا لكم»(3).

إذا ثبت هذا، فلو تمكّن من إنفاذ الحكم بالحقّ و حكم بحكم أهل الخلاف، كان آثما ضامنا، لأنّ عليّا عليه السّلام اشتكى عينه فعاده رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فإذا عليّ عليه السّلام يصيح، فقال له النبي صلّى اللّه عليه و آله: «أجزعا أم وجعا يا عليّ؟» فقال:

«يا رسول اللّه ما وجعت وجعا أشدّ منه» قال: «يا عليّ إنّ ملك الموت إذا نزل ليقبض روح الفاجر أنزل معه سفّودا [1] من نار فيقبض روحه به، فتصيح [2] جهنّم» فاستوى عليّ عليه السّلام جالسا فقال: «يا رسول اللّه أعد عليّ حديثك فقد أنساني وجعي ما قلت، فهل يصيب ذلك أحدا من أمّتك ؟» فقال: «نعم، حكّاما جائرين، و آكل مال اليتيم، و شاهد الزور»(4).ظ.

ص: 448


1- المائدة: 44.
2- الكافي 408:7-2، التهذيب 221:6-523.
3- الفقيه 3:3-3، التهذيب 225:6-540.
4- التهذيب 224:6-537 بتفاوت في بعض الألفاظ.
مسألة 268: يجوز لفقهاء الشيعة، العارفين بمدارك الأحكام، الجامعين لشرائط الحكم الإفتاء بين الناس.

و يجب عليهم ذلك حال غيبة الإمام عليه السّلام إذا أمنوا الضرر و لم يخافوا على أنفسهم و لا على أحد من المؤمنين.

قال اللّه تعالى إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ (1) الآية، و قال تعالى فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَ لِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ (2).

و قال الباقر عليه السّلام: «لعن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله من نظر إلى فرج امرأة لا تحلّ له، و رجلا خان أخاه في امرأته، و رجلا احتاج الناس إليه لفقهه فسألهم الرشوة»(3).

إذا عرفت هذا، فإنّه يجب على المفتي الإفتاء عن معرفة لا عن تقليد. و إنّما يحلّ له الإفتاء بعد المعرفة بالأحكام و مداركها و الأصول و النحو الذي يحتاج إليه في ذلك، و اللغة المحتاج إليها فيه، و لا يحلّ له الإفتاء بغير علم، لقول الباقر عليه السّلام - في الصحيح -: «من أفتى الناس بغير علم و لا هدى من اللّه لعنته ملائكة الرحمة و ملائكة العذاب، و لحقه وزر من عمل بفتياه»(4).

و لو خاف على نفسه من الإفتاء بالحقّ، جاز له - مع الضرر و خوفه - الإفتاء بمذاهب أهل الخلاف و السكوت، لأنّا جوّزنا الحكم بمذهب

ص: 449


1- البقرة: 159.
2- التوبة: 122.
3- التهذيب 224:6-534.
4- الكافي 409:7-2، التهذيب 223:6-531.

الخلاف للضرورة فالإفتاء أولى.

و يجوز لفقهاء الحقّ أن يجمّعوا بين الناس في الصلوات، و يستحبّ ذلك استحبابا مؤكّدا مع الأمن.

و قد اختلف علماؤنا في الجمعة حال الغيبة و الأمن و التمكّن من الخطبتين على ما يسوغ، فجوّزه بعض(1) علمائنا، و منعه آخرون(2).

و لا يجوز لأحد أن يعرّض نفسه للتولّي من قبل الظالمين، إلاّ أن يعلم أنّه لا يتعدّى الواجب و لا يرتكب القبيح و يتمكّن من وضع الأشياء مواضعها، فإن علم أو ظنّ أنّه يخلّ بشيء من ذلك، لم يجز له التعرّض لذلك مع الاختيار، فإن أكره، جاز له، و يجتهد في تنفيذ الأحكام على مذهب الحقّ ما أمكن.1.

ص: 450


1- كالشيخ الطوسي في النهاية: 302، و أبي الصلاح الحلبي في الكافي في الفقه: 151.
2- منهم سلاّر في المراسم: 261، و ابن إدريس في السرائر: 161.

الفصل الثامن: في الرباط

اشارة

الرباط فيه فضل كثير و ثواب عظيم.

قال سلمان: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقول: «رباط ليلة في سبيل اللّه خير من صيام شهر و قيامه، فإن مات جرى عليه عمله الذي كان يعمل، و اجري عليه رزقه، و أمن الفتّان»(1).

و معنى الرباط الإقامة عند الثغر لحفظ بيضة الإسلام. و أقلّه ثلاثة أيّام، و أكثره أربعون يوما، فإن زاد، كان جهادا ثوابه ثواب المجاهدين.

و قال أحمد: لا طرف له في القلّة(2).

و ليس جيّدا، لأنّه لا يصدق على المجتاز في الثغر أنّه مرابط.

و لقول الباقر و الصادق عليهما السلام: «الرباط ثلاثة أيّام، و أكثره أربعون يوما، فإذا جاز [1] ذلك فهو جهاد»(3).

و الرباط حال ظهور الإمام أشدّ استحبابا، أمّا حال الغيبة فلا يتأكّد استحبابها و إن كانت مستحبّة، لأنّها لا تتضمّن قتالا، بل حفظا و إعلاما.

و أفضل الرباط المقام بأشدّ الثغور خوفا، لشدّة الحاجة هناك، و كثرة النفع بمقامه به.

ص: 451


1- أورده ابنا قدامة في المغني 370:10، و الشرح الكبير 369:10. و في صحيح مسلم 1520:3-1913، و سنن البيهقي 38:9، و المعجم الكبير - للطبراني - 6: 266-6177، و 267-6178 بتفاوت.
2- المغني 370:10، الشرح الكبير 369:10.
3- التهذيب 125:6-218.

فإن رابط حال ظهور الإمام بإذنه و سوّغ له القتال، جاز له، و إن كان مستترا أو لم يسوّغ له القتال، لم يجز القتال ابتداء، بل يمنع الكفّار من الدخول إلى دار الإسلام، و يعلم المسلمين بأحوالهم، فإن قاتلوه، جاز له مقاتلتهم، و يقصد بذلك الدفع عن نفسه و عن بيضة الإسلام.

مسألة 269: تستحبّ المرابطة بنفسه و غلامه و فرسه.

و يكره له نقل الذرّيّة و الأهل إلى الثغور المخوفة، لجواز استيلاء الكفّار عليهم، و ظفر العدوّ بالذراري و النسوان مع ضعفهم عن الهرب.

و لو عجز عن المرابطة بنفسه، رابط فرسه أو غلامه أو جاريته، أو أعان المرابطين.

و ينبغي لأهل الثغور أن يجتمعوا في المساجد للصلوات، لأنّه ربما جاءهم الكفّار دفعة فخافوا بسبب كثرتهم.

و يستحبّ الحرس في سبيل اللّه.

قال ابن عباس: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقول: «عينان لا تمسّهما النار: عين بكت من خشية اللّه، و عين باتت تحرس في سبيل اللّه»(1).

مسألة 270: لو نذر المرابطة، وجب عليه الوفاء به،

سواء كان الإمام ظاهرا أو غائبا، لأنّه نذر في طاعة، فيجب الوفاء به، كغيره من الطاعات، إلاّ أنّه لا يبدأ العدوّ بالقتال و لا يجاهدهم إلاّ دفعا عن الإسلام و النفس، لقول [أبي الحسن] [1] عليه السّلام: «يرابط و لا يقاتل، فإن خاف على بيضة الإسلام

ص: 452


1- سنن الترمذي 175:4-1639، و عنه في المغني 375:10، و الشرح الكبير 373:10.

و المسلمين قاتل، فيكون قتاله لنفسه لا للسلطان، لأنّ في درس الإسلام درس ذكر محمد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله»(1).

و لو نذر أن يصرف شيئا من ماله إلى المرابطين، وجب الوفاء به، سواء كان الإمام ظاهرا أو مستترا، لأنّه نذر في طاعة، فوجب الوفاء به، كغيره من الطاعات.

و قال الشيخ رحمه اللّه: إن كان في حال ظهور الإمام، وجب الوفاء به، و إلاّ لم يجب، إلاّ أن يخاف الشنعة من تركه، فيجب عليه حينئذ صرفه في المرابطة. و إذا لم يخف، صرف في أبواب البرّ(2) ، لرواية علي بن مهزيار(3).

مسألة 271: لو آجر نفسه لينوب عن غيره في المرابطة، وجب عليه الوفاء،

لأنّها إجارة على فعل طاعة، فلزمت، كالجهاد. و لا فرق بين حال ظهور الإمام و غيبته.

و قال الشيخ رحمه اللّه بذلك حال ظهور الإمام، و أمّا حال غيبته فلا يلزمه الوفاء بالعقد، و يردّ على المؤجر ما أخذه منه، فإن لم يجده، فعلى ورثته، فإن لم يكن له ورثة، لزمه الوفاء به(4).

و المعتمد: ما قلناه، غير أنّه لا يقصد بالجهاد الدعاء إلى الإسلام، لأنّه مخصوص بالإمام و نائبه، بل يقصد الدفاع عن نفسه و عن الإسلام. و متى قتل المرابط، كان شهيدا.

ص: 453


1- التهذيب 125:6-219 بتفاوت يسير.
2- النهاية: 291، المبسوط - للطوسي - 8:2-9.
3- التهذيب 126:6-221.
4- المبسوط - للطوسي - 9:2.

تمّ الجزء السادس [1] من كتاب تذكرة الفقهاء بحمد اللّه و منّه على يد مصنّفه العبد الفقير إلى اللّه تعالى، حسن بن يوسف بن المطهّر الحلّي أعانه اللّه على طاعته.

و فرغ من تصنيفه و كتابته في ثاني عشري شهر ربيع الأوّل من سنة تسع عشرة و سبعمائة بالحلّة. و يتلوه في الجزء السابع [2] بتوفيق اللّه تعالى:

القاعدة الثانية في العقود، و فيه كتب: كتاب البيع، و فيه مقاصد: الأوّل: في أركانه، و فيه فصول.

و الحمد للّه وحده، و صلّى اللّه على سيّدنا محمد و آله الطاهرين [3].

ص: 454

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.