تذكره الفقهاء المجلد 8

اشارة

سرشناسه : علامه حلي حسن بن يوسف ق 726 - 648

عنوان و نام پديدآور : تذكره الفقهاء/ تاليف العلامه الحلي الحسن بن يوسف بن المطهر؛ تحقيق موسسه آل البيت عليهم السلام لاحياآ التراث مشخصات نشر : قم موسسه آل البيت عليهم السلام لاحياآ التراث 1400ق = 1300.

مشخصات ظاهري : ج 22

فروست : (موسسه آل البيت عليهم السلام لاحياآ التراث 127؛ 129؛ 130134)

شابك : 964-5503-33-7 (دوره ؛ 964-5503-44-2 2900ريال (ج 4) ؛ 964-5503-46-9 (ج 6) ؛ 964-319-007-2 (ج 7) ؛ 964-319-224-5 8000ريال (ج 11)

يادداشت : عربي يادداشت : فهرست نويسي براساس جلد چهارم 1414ق = 1372

يادداشت : ج 1 (چاپ اول 1420ق = 1378)؛ 8000 ريال ج 1) :ISBN 964-319-197-4

يادداشت : ج 8 (چاپ اول 1417ق = 1376)؛ 6500 ريال ج )8ISBN 964-319-051-x

يادداشت : ج 9 (چاپ اول 1419ق = 1377)8000 ريال :(ج )9ISBN 964-319-008-0

يادداشت : ج 13 (چاپ اول 1423ق = 1381)9500 ريال :ISBN 964-319-389-6

يادداشت : كتابنامه مندرجات : (ج )7) ISBN 964-319-007-2 ج 12) 1422ق = 8500 :1380 ريال موضوع : فقه جعفري -- قرن ق 8

شناسه افزوده : موسسه آل البيت عليهم السلام لاحياآ التراث رده بندي كنگره : BP182/3 /ع8ت4 1300ي

رده بندي ديويي : 297/342

شماره كتابشناسي ملي : م 73-2721

ص: 1

اشارة

ص: 2

ص: 3

ص: 4

الجزء الثامن

تتمة القاعدة الأولى في العبادات

تتمة كتاب الحج

تتمة المقصد الثاني في أعمال العمرة المتمتع بها إلى الحج

تتمة الفصل الأول في الإحرام
تتمة المطلب الرابع في كفارات الإحرام
الباب الثاني فيما يجب في باقي المحظورات
اشارة

و فيه مباحث:

الأوّل: فيما يجب باللّبس
مسألة 382: من لبس ثوبا لا يحلّ له لبسه وجب عليه دم شاة،

و هو قول العلماء.

سأل سليمان بن العيص(1) الصادق عليه السّلام: عن المحرم يلبس القميص متعمّدا، قال: «عليه دم»(2).

و لأنّه ترفّه بمحظور في إحرامه، فلزمه الفدية، كما لو ترفّه بحلق شعره.

و لا فرق في وجوب الدم بين قليل اللّبس و كثيره، عند علمائنا أجمع - و به قال الشافعي و أحمد(3) - لأنّ صدق اللّبس المطلق على القليل و الكثير

ص: 5


1- في النسخ الخطية و الطبعة الحجرية: محمد بن مسلم. و ما أثبتناه من المصدر، علما بأنّ «محمد بن مسلم» في المصدر واقع في سند الحديث اللاحق.
2- التهذيب 384:5-1339.
3- الام 154:2، فتح العزيز 440:7-441، المجموع 259:7، المغني 3: 533، الشرح الكبير 353:3.

واحد، فلا يتخصّص الحكم المتعلّق عليه بأحد جزئيّاته.

و قال أبو حنيفة: إنّما يجب الدم بلباس يوم و ليلة، و لا يجب فيما دون ذلك، لأنّه لم يلبس لبسا معتادا، فأشبه ما لو اتّزر بالقميص(1).

و نمنع عدم اعتياده. و لأنّ ما ذكره تقدير، و التقديرات إنّما تثبت بالنصّ. و التقدير بيوم و ليلة تحكّم محض.

مسألة 383: استدامة اللّبس كابتدائه،

فلو لبس المحرم قميصا ناسيا ثم ذكر، وجب عليه خلعه إجماعا، لأنّه فعل محظور، فلزمه إزالته و قطع استدامته، كسائر المحظورات.

و ينزعه من أسفل، و لو لم ينزعه، وجب الفداء، لأنّه ترفّه بمحظور في إحرامه، فوجبت الفدية.

و قال الشافعي: ينزعه من رأسه(2).

و هو غلط، لاشتماله على تغطية الرأس، المحرّمة. و لأنّه قول بعض التابعين(3).

و يجب به الفدية إن قلنا: إنّه تغطية.

و لو لبس ذاكرا، وجبت الفدية بنفس اللّبس، سواء استدامة أو لم يستدمه، و به قال الشافعي(4).

ص: 6


1- المبسوط - للسرخسي - 125:4، بدائع الصنائع 187:2، فتح العزيز 7: 441، المغني 533:3، الشرح الكبير 353:3.
2- المجموع 340:7، حلية العلماء 301:3.
3- حكاه الشيخ الطوسي في الخلاف 301:2، المسألة 85، و انظر: المجموع 7: 340، و حلية العلماء 301:3.
4- الام 154:2، فتح العزيز 440:7-441، المجموع 254:7، و حكاه عنه الشيخ الطوسي في الخلاف 301:2، المسألة 86.

و قال أبو حنيفة أوّلا: إن استدام اللّبس أكثر النهار، وجبت الفدية، و إن كان أقلّ، فلا.

و قال أخيرا: إن استدامة طول النهار، وجبت الفدية، و إلاّ فلا، لكن فيه صدقة(1).

و عن أبي يوسف روايتان(2) ، كقولي أبي حنيفة.

و الحقّ ما قلناه، لقوله تعالى فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ (3) معناه: فمن كان منكم مريضا فلبس أو تطيّب أو حلق بلا خلاف، فعلّق الفدية بنفس الفعل دون الاستدامة.

مسألة 384: لو لبس عامدا، وجبت الفدية على ما تقدّم،

سواء كان مختارا أو مضطرّا، لأنّه ترفّه بمحظور لحاجته، فكان عليه الفداء، كما لو حلق لأذى.

أمّا لو اضطرّ إلى لبس الخفّين و الجور بين، فليلبسهما، و لا شيء عليه، لقول الصادق عليه السّلام: «و أيّ محرم هلكت نعلاه فلم يكن له نعلان فله أن يلبس الخفّين إذا اضطرّ إلى ذلك، و الجوربين يلبسهما إذا اضطرّ إلى لبسهما»(4).

ص: 7


1- الهداية - للمرغيناني - 161:1، المبسوط - للسرخسي - 125:4-126، بدائع الصنائع 186:2-187، و حكاه عنه الشيخ الطوسي في الخلاف 301:2، المسألة 86.
2- بدائع الصنائع 187:2، المبسوط - للسرخسي - 125:4، الهداية - للمرغيناني - 161:1، و حكاهما عنه الشيخ الطوسي في الخلاف 301:2، المسألة 86.
3- البقرة: 196.
4- التهذيب 384:5-1341.

و لو لبس قميصا و عمامة و خفّين و سراويل، وجب عليه لكلّ واحد فدية، لأنّ الأصل عدم التداخل، خلافا لأحمد(1).

و لو لبس ثم صبر ساعة، ثم لبس شيئا آخر، ثم لبس بعد ساعة أخرى، وجب عليه عن كلّ لبسة كفّارة، سواء كفّر عن المتقدّم أو لم يكفّر، قاله الشيخ(2) رحمه اللّه، لأنّ كلّ لبسة تستلزم كفّارة إجماعا، و التداخل يحتاج إلى دليل.

و قال الشافعي: إن كفّر عن الأول لزمه كفّارة ثانية قولا واحدا، و إن لم يكفّر، فقولان: في القديم: تتداخل، و به قال محمّد، و الجديد: تتعدّد، و به قال أبو حنيفة و أبو يوسف(3).

تذنيب: لو لبس ثيابا كثيرة دفعة واحدة، وجب عليه فداء واحد.

و لو كان في مرّات متعدّدة، وجب عليه لكلّ ثوب دم، لأنّ لبس كلّ ثوب يغاير لبس الثوب الآخر، فيقتضي كلّ واحد مقتضاه من غير تداخل.

و لأنّ محمد بن مسلم سأل الباقر عليه السّلام: عن المحرم إذا احتاج إلى ضروب من الثياب فلبسها، قال: «عليه لكلّ صنف منها فداء»(4).

مسألة 385: لو لبس ناسيا أو جاهلا ثم ذكر أو علم فنزع، لم يكن عليه شيء،

قاله علماؤنا، و به قال عطاء و الثوري و الشافعي و أحمد و إسحاق و ابن المنذر(5).

ص: 8


1- المغني 534:3، الشرح الكبير 353:3.
2- الخلاف 299:2، المسألة 83.
3- الحاوي الكبير 103:4، المهذّب - للشيرازي - 221:1، المجموع 379:7، الوجيز 127:1، فتح العزيز 484:7، بدائع الصنائع 189:2، و حكى الأقوال الشيخ الطوسي في الخلاف 299:2-300، المسألة 83.
4- التهذيب 384:5-1340.
5- المغني 535:3، الشرح الكبير 353:3، الام 203:2، المجموع 338:7، حلية العلماء 300:3.

لما رواه العامّة عن يعلى بن أميّة أنّ رجلا أتى النبي صلّى اللّه عليه و آله، و هو بالجعرانة و عليه جبّة و عليه أثر خلوق، أو قال: أثر صفرة، فقال: يا رسول اللّه كيف تأمرني أن أصنع في عمرتي ؟ قال: (اخلع عنك هذه الجبّة، و اغسل عنك أثر الخلوق - أو قال: أثر الصفرة - و أصنع في عمرتك كما تصنع في حجّتك)(1).

و في رواية أخرى: يا رسول اللّه أحرمت بالعمرة و عليّ هذه الجبّة(2) ، فلم يأمره بالفدية.

و من طريق الخاصّة: قول الباقر عليه السّلام - في الصحيح -: «من نتف إبطه أو قلّم ظفره أو حلق رأسه أو لبس ثوبا لا ينبغي له لبسه أو أكل طعاما لا ينبغي له أكله و هو محرم، ففعل ذلك ناسيا أو جاهلا فليس عليه شيء، و من فعله متعمّدا فعليه دم شاة»(3).

و لأنّ الحجّ عبادة تجب بإفسادها الكفّارة، فكان من محظوراته ما يفرّق بين عمده و سهوه، كالصوم.

و لأنّ الكفّارة عقوبة تستدعي ذنبا، و لا ذنب مع النسيان.

و قال أبو حنيفة و الليث و الثوري و مالك و أحمد في رواية: عليه الفدية، لأنّه هتك حرمة الإحرام، فاستوى عمده و سهوه، كحلق الشعر و تقليم الأظفار و قتل الصيد(4).3.

ص: 9


1- صحيح مسلم 836:2-1180، سنن أبي داود 164:2-1819، و أورده ابنا قدامة في المغني 536:3، و الشرح الكبير 354:3.
2- أوردها ابنا قدامة في المغني 536:3، و الشرح الكبير 354:3، و في صحيح مسلم 836:2-837-7 بتفاوت.
3- التهذيب 369:5-370-1287.
4- بدائع الصنائع 188:2، المغني 535:3، الشرح الكبير 354:3، حلية العلماء 300:3.

و نمنع الهتك و وجود الحكم في غير الصيد.

و الفرق: بأنّ الأصل يضمن، للإتلاف، بخلاف صورة النزاع، فإنّه ترفّه يمكن إزالته.

و المكره حكمه حكم الناسي و الجاهل، لأنّه غير مكلّف، فلا يحصل منه ذنب، فلا يستحقّ عقوبة.

و لقوله عليه السّلام: (رفع عن أمّتي الخطأ و النسيان و ما استكرهوا عليه)(1) و لو علم الجاهل، كان حكمه حكم الناسي إذا ذكر.

و لو اضطرّ المحرم إلى لبس المخيط لاتّقاء الحرّ أو البرد، لبس، و عليه شاة، للضرورة الداعية إليه، فلو لا إباحته، لزم الحرج، و أمّا الكفّارة:

فللترفّه بالمحظور، فكان كحلق الرأس لأذى.

و لقول الباقر عليه السّلام - في الصحيح -: في المحرم إذا احتاج إلى ضروب من الثياب فلبسها، قال: «عليه لكلّ صنف منها فداء»(2).

مسألة 386: من غطّى رأسه وجب عليه دم شاة إجماعا،

و كذا لو ظلّل على نفسه حال سيره - خلافا لبعض العامّة، و قد تقدّم(3) - لأنّه ترفّه بمحظور، فلزمه الفداء، كما لو حلق رأسه.

و لأنّ محمد بن إسماعيل روى - في الصحيح - قال: سألت أبا الحسن عليه السّلام: عن الظلّ للمحرم من أذى مطر أو شمس، فقال: «أرى أن يفديه بشاة يذبحها بمنى»(4).

ص: 10


1- كنز العمّال 233:4-10307 نقلا عن الطبراني في المعجم الكبير.
2- التهذيب 384:5-1340.
3- تقدّم في ج 7 ص 341 ذيل المسألة 259.
4- التهذيب 334:5-1151.

و لو فعل ذلك للحاجة أو للضرورة، وجب عليه الفداء، لأنّه ترفّه بمحظور، فأشبه حلق الرأس لأذى.

و لا فرق بين أن يغطّي رأسه بمخيط، كالقلنسوة، أو غيره، كالعمامة و الخرقة و لو بطين، أو يستره بستر و غيره.

و لو فعل ذلك ناسيا، أزاله إذا ذكر، و لا شيء عليه، لأنّ حريزا سأل الصادق عليه السّلام: عن محرم غطّى رأسه ناسيا، قال: «يلقي القناع عن رأسه، و يلبّي، و لا شيء عليه»(1).

و لا فرق بين أن تمسّ المظلّة رأسه أو لا.

و لو توسّد بوسادة أو بعمامة مكورة، فلا بأس.

البحث الثاني: فيما يجب بالطيب و الادّهان.
مسألة 387: أجمع العلماء على أنّ المحرم إذا تطيّب عامدا، وجب عليه دم،

لأنّه ترفّه بمحظور، فلزمه الدم، كما لو ترفّه بالحلق.

و لقول الباقر عليه السّلام: «من أكل زعفرانا متعمّدا أو طعاما فيه طيب فعليه دم، و إن كان ناسيا فلا شيء عليه، و يستغفر اللّه و يتوب إليه»(2).

و لا فرق بين أن يستعمل الطيب أكلا أو إطلاء أو صبغا أو بخورا، أو في طعام إجماعا.

و لا بأس بخلوق الكعبة و إن كان فيه زعفران، لأنّ يعقوب بن شعيب سأل - في الصحيح - الصادق عليه السّلام: المحرم يصيب ثيابه الزعفران من

ص: 11


1- التهذيب 307:5-1050، الإستبصار 184:2-613.
2- الكافي 354:4-3، الفقيه 223:2-1046.

الكعبة، قال: «لا يضرّه و لا يغسله»(1).

مسألة 388: لا فرق بين الابتداء و الاستدامة في وجوب الكفّارة،

فلو تطيّب ناسيا ثم ذكر، وجب عليه إزالة الطيب، فإن لم يفعل مع القدرة، وجب عليه الدم، لأنّ الترفّه يحصل بالاستدامة كالابتداء.

و الكفّارة تجب بنفس الفعل، فلو تطيّب عامدا ثم أزاله بسرعة، وجبت الكفّارة و إن لم يستدم الطيب، و لا نعلم فيه خلافا، و وافقنا هنا(2) أبو حنيفة و إن كان قد نازعنا في اللّبس(3).

و لا فرق في وجوب الكفّارة بين الطعام الذي فيه طيب مسّته النار أو لم تمسّه.

و قال مالك: إن مسّته النار، فلا فدية(4).

و سواء بقي الطعام على وصفه من طعم أو لون أو ريح أو لم يبق.

و قال الشافعي: إن كانت أوصافه باقية من طعم أو لون أو رائحة، فعليه الفدية، و إن بقي له وصف و معه رائحة، ففيه الفدية قولا واحدا، و إن لم يبق غير لونه و لم يبق ريح و لا طعم، قولان: أحدهما كما قلناه، و الثاني: لا فدية فيه(5).

ص: 12


1- التهذيب 69:5-226.
2- في «ف» و الطبعة الحجرية: فيه، بدل هنا.
3- الهداية - للمرغيناني - 160:1 و 161، بدائع الصنائع 187:2 و 189، الاختيار 212:1 و 213، المغني 533:3، الشرح الكبير 353:3.
4- حكاه عنه الشيخ الطوسي في الخلاف 304:2، المسألة 91، و انظر: الموطأ 330:1، و المدوّنة الكبرى 457:1، و المنتقى 304:3، و التفريع 327:1، و المغني 304:3، و الشرح الكبير 289:3، و حلية العلماء 289:3.
5- حكاه عنه أيضا الشيخ الطوسي في الخلاف 304:2-305، المسألة 91، و انظر: المهذّب - للشيرازي - 216:1، و فتح العزيز 458:7، و حلية العلماء 3: 288-289، و المغني 304:3، و الشرح الكبير 289:3.

و إذا تطيّب عامدا أو ناسيا و ذكر، وجب عليه غسله، و يستحب له أن يستعين في غسله بحلال، و لو غسله بيده، جاز، لأنّه ليس بمتطيّب، بل تارك للطيب، كالغاصب إذا خرج من الدار المغصوبة على عزم الترك للغصب.

و لأنّ النبي عليه السّلام قال للذي رأى عليه طيبا: (اغسل عنك الطيب)(1) و لو لم يجد ماء يغسله به و وجد ترابا، مسحه به أو بشيء من الحشيش أو ورق الشجر، لأنّ الواجب إزالته بقدر الإمكان.

و يقدّم غسل الطيب على الطهارة لو قصر عنهما و تيمّم، لأنّ للطهارة بدلا.

و لو أمكنه قطع رائحة الطيب بشيء غير الماء، فعله و توضّأ بالماء.

و يجوز له شراء الطيب و بيعه إذا لم يشمّه، و لا يلمسه، كما يجوز له شراء المخيط و الإماء.

مسألة 389: إنّما تجب الفدية باستعمال الطيب عمدا،

فلو استعمله ناسيا أو جاهلا بالتحريم، لم يكن عليه فدية، ذهب إليه علماؤنا، و به قال الشافعي(2) ، لما رواه العامّة: أنّ أعرابيّا جاء إلى النبي صلّى اللّه عليه و آله بالجعرانة و عليه مقطّعة [1] له و هو متضمّخ بالخلوق، فقال: يا رسول اللّه أحرمت و عليّ هذه، فقال له النبي صلّى اللّه عليه و آله: (انزع الجبّة و اغسل الصفرة)(3) و لم يأمره بالفدية.

ص: 13


1- أورده ابنا قدامة في المغني 534:3، و الشرح الكبير 353:3.
2- الام 154:2، فتح العزيز 361:7، المهذّب - للشيرازي - 220:1، المجموع 340:7 و 343.
3- سنن النسائي 142:5-143، مسند أحمد 224:4، المغني 536:3 بتفاوت في اللفظ.

و من طريق الخاصّة: قول الباقر عليه السّلام: «من أكل زعفرانا متعمّدا أو طعاما فيه طيب فعليه دم، و إن كان ناسيا فلا شيء عليه، و يستغفر اللّه، و يتوب إليه»(1).

مسألة 390: لو استعمل دهنا طيّبا، وجب عليه دم شاة،

و لا شيء على الناسي، لأنّ معاوية بن عمّار روى - في الصحيح - في محرم كانت به قرحة، فداواها بدهن بنفسج، قال: «إن كان فعله بجهالة فعليه طعام مسكين، و إن كان تعمّد فعليه دم شاة يهريقه»(2) و معاوية ثقة لا يقول ذلك إلاّ تلقينا.

البحث الثالث: فيما يجب بالحلق و قصّ الظفر.
مسألة 391: أجمع العلماء على وجوب الفدية بحلق المحرم رأسه متعمّدا.

قال اللّه تعالى وَ لا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ (3).

و روى العامّة عن النبي صلّى اللّه عليه و آله أنّه قال لكعب بن عجرة: (لعلّك آذاك هوامّك) قال: نعم يا رسول اللّه، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: (احلق رأسك، و صم ثلاثة أيام، أو أطعم ستّة مساكين، أو أنسك شاة)(4).

ص: 14


1- الفقيه 223:2-1046.
2- التهذيب 304:5-1038.
3- البقرة: 196.
4- صحيح البخاري 12:3-13، الموطّأ 417:1-238، المغني 525:3، الشرح الكبير 269:3.

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السّلام: «مرّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله على كعب بن عجرة الأنصاري و القمل يتناثر من رأسه، فقال: أ تؤذيك هوامّك ؟ فقال: نعم، قال: فأنزلت هذه الآية فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ (1) فأمره رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، فحلق رأسه، و جعل عليه الصيام ثلاثة أيّام، و الصدقة على ستة مساكين لكلّ مسكين مدّان، و النسك شاة»(2).

مسألة 392: الفدية تتعلّق بحلق الرأس،

سواء كان لأذى أو غيره، لدلالة الآية(3) على وجوبها في الأذى، ففي غيره أولى.

هذا إذا كان عالما عامدا، و إن كان جاهلا أو ناسيا، فلا شيء عندنا - و به قال إسحاق و ابن المنذر(4) - لقوله عليه السّلام: (رفع عن أمّتي الخطأ و النسيان و ما استكرهوا عليه)(5).

و من طريق الخاصّة: قول الباقر عليه السّلام - في الصحيح -: «من نتف إبطه أو قلّم ظفره أو حلق رأسه أو لبس ثوبا لا ينبغي له لبسه أو أكل طعاما لا ينبغي له أكله و هو محرم، ففعل ذلك ناسيا أو جاهلا، فليس عليه شيء، و من فعله متعمّدا فعليه دم شاة»(6).

و قال الشافعي: تجب عليه الفدية، لأنّه إتلاف، فاستوى عمده

ص: 15


1- البقرة: 196.
2- التهذيب 333:5-1147، الإستبصار 195:2-656.
3- البقرة: 196.
4- المغني 525:3، الشرح الكبير 270:3.
5- كنز العمّال 233:4-10307 نقلا عن الطبراني في المعجم الكبير.
6- التهذيب 369:5-370-1287.

و خطؤه، كقتل الصيد(1).

و الفرق: أنّ قتل الصيد مشتمل - مع التحريم المشترك - على إضاعة المال و إتلاف الحيوان لغير فائدة.

إذا عرفت هذا، فقد قال الشيخ رحمه اللّه: الجاهل يجب عليه الفداء(2).

و المعتمد: ما قلناه، لحديث الباقر عليه السّلام(3).

و أمّا النائم فهو كالساهي، فلو قلع النائم شعره، أو قرّبه من النار فأحرقه، فلا شيء عليه، خلافا للشافعي(4).

مسألة 393: الكفّارة إمّا صيام ثلاثة أيّام، أو صدقة على ستّة مساكين لكلّ مسكين نصف صاع، و إمّا نسك،

و هو: شاة يذبحها، و يتصدّق بلحمها على المساكين.

و هي مخيّرة عند علمائنا - و به قال مالك و الشافعي(5) - للآية(6).

و قال أبو حنيفة: إنّها مخيّرة إن كان الحلق لأذى، و إن كان لغيره، وجب الدم عينا - و عن أحمد روايتان - لأنّ اللّه تعالى خيّر بشرط العذر، فإذا عدم الشرط، وجب زوال التخيير(7).

ص: 16


1- المهذّب - للشيرازي - 220:1، المجموع 340:7، الحاوي الكبير 105:4 و 114، فتح العزيز 468:7، المغني 525:3، الشرح الكبير 270:3.
2- الخلاف 311:2، المسألة 102.
3- تقدّم في ص 15.
4- لم نعثر عليه، و القول موجود في المغني 526:3، و الشرح الكبير 270:3 من دون نسبة.
5- المغني 526:3، الشرح الكبير 337:3، المهذّب - للشيرازي - 221:1، المجموع 367:7-368 و 376، حلية العلماء 306:3.
6- البقرة: 196.
7- المغني 526:3، الشرح الكبير 337:3، بدائع الصنائع 192:2، المجموع 376:7، حلية العلماء 306:3.

و الجواب: الشرط لجواز الحلق لا للتخيير.

و لأنّ الحكم ثبت في غير المعذور بطريق التنبيه تبعا له، و التبع لا يخالف أصله.

و لا تجب الزيادة في الصيام على ثلاثة أيّام عند عامّة أهل العلم(1) ، لما رواه العامّة في حديث كعب بن عجرة: (احلق رأسك و صم ثلاثة أيّام)(2).

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السّلام: «فالصيام ثلاثة أيّام»(3).

و قال الحسن البصري و عكرمة: الصيام عشرة أيّام. و هو قول الثوري و أصحاب الرأي(4).

و أمّا الصدقة: فهو إطعام البرّ أو الشعير أو الزبيب أو التمر على ستّة مساكين لكلّ مسكين نصف صاع في المشهور - و به قال مجاهد و النخعي و مالك و الشافعي و أصحاب الرأي(5) - لما رواه العامّة في حديث كعب بن عجرة (أو أطعم ستّة مساكين لكلّ مسكين نصف صاع)(6).

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السّلام: «أو يتصدّق على ستّة مساكين، و الصدقة نصف صاع لكلّ مسكين»(7).8.

ص: 17


1- المغني 527:3، الشرح الكبير 337:3، أحكام القرآن - للجصّاص - 1: 281، زاد المسير في علم التفسير 206:1، تفسير القرطبي 383:2.
2- الموطأ 417:1-238، صحيح البخاري 12:3-13، المعجم الكبير - للطبراني - 109:19-220.
3- التهذيب 334:5-1548، الإستبصار 199:2-657.
4- المغني 527:3، الشرح الكبير 337:3-338، أحكام القرآن - للجصّاص - 281:1، زاد المسير في علم التفسير 206:1، تفسير القرطبي 383:2، المحلّى 212:7.
5- المغني 527:3، الشرح الكبير 337:3.
6- صحيح البخاري 13:3، المغني 527:3، الشرح الكبير 337:3.
7- التهذيب 334:5-1149، الاستبصار 196:2-658.

و في رواية أخرى لنا - و هو قول بعض علمائنا(1) ، و الحسن و عكرمة و الثوري و أصحاب الرأي(2) - أنّ الصدقة على عشرة مساكين، لقول الصادق عليه السّلام: «و الصدقة على عشرة مساكين يشبعهم من الطعام»(3).

و الرواية مرسلة(4).

و لا فرق بين شعر الرأس و بين شعر سائر البدن في وجوب الفدية و إن اختلف مقدارها على ما يأتي، و به قال الشافعي(5).

و قالت الظاهرية: لا فدية في شعر غير الرأس(6) ، لقوله تعالى:

وَ لا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ (7) .

و هو يدلّ بمفهوم اللقب و لا حجّة فيه، و القياس يدلّ عليه، و هو من أصول الأدلّة عندهم، فإنّ إزالة شعر الرأس و شعر غيره اشتركا في الترفّه.

مسألة 394: لو نتف إبطيه جميعا، وجب عليه دم شاة،

و في نتف الواحد إطعام ثلاثة مساكين، لأنّ الدم في الرأس إنّما يجب بحلقه أو بما يسمّى حلق الرأس، و هو غالبا مساو للإبطين.

و لقول الباقر عليه السّلام: «من حلق رأسه أو نتف إبطه ناسيا أو ساهيا أو جاهلا فلا شيء عليه، و من فعله متعمّدا فعليه دم»(8).

ص: 18


1- المحقّق في شرائع الإسلام 296:1.
2- المغني 527:3، الشرح الكبير 337:3-338، المحلّى 212:7، تفسير القرطبي 383:2.
3- التهذيب 333:5-334-1148، الاستبصار 196:2-657.
4- كذا، و الحديث مسند، و انظر منتهى المطلب 815:2.
5- المهذّب - للشيرازي - 214:1، المجموع 247:7، حلية العلماء 283:3.
6- الحاوي الكبير 115:4، المجموع 248:7، حلية العلماء 283:3.
7- البقرة: 196.
8- الكافي 361:4-8، التهذيب 339:5-1174، الاستبصار 199:2-672.

و قال الصادق عليه السّلام: في محرم نتف إبطه: «يطعم ثلاثة مساكين»(1).

قال الشيخ رحمه اللّه: إنّه محمول على من نتف إبطا واحدا، و الأوّل على من نتف إبطيه جميعا(2).

و لو مسّ رأسه أو لحيته فسقط منهما شيء من الشعر، أطعم كفّا من طعام، و لو فعل ذلك في وضوء الصلاة، فلا شيء عليه، لقول الصادق عليه السّلام:

في المحرم إذا مسّ لحيته، فوقع منها شعر: «يطعم كفّا من طعام أو كفّين»(3).

و سأل رجل الصادق عليه السّلام: إنّ المحرم يريد إسباغ الوضوء فتسقط من لحيته الشعرة و الشعرتان، فقال: «ليس عليه شيء ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ (4)»(5).

مسألة 395: لو حلق لأذى، أبيح له ذلك،

و يتخيّر بين التكفير قبل الحلق و بعده، لما رواه العامّة عن الحسين بن علي عليهما السّلام: اشتكى رأسه فأتى علي عليه السّلام، فقيل له: هذا الحسين يشير إلى رأسه، فدعا بجزور فنحرها ثم حلقه و هو بالسعيا [1](6).

و لأنّها كفّارة، فجاز تقديمها، كالظهار.

و لو خلّل شعره فسقطت شعرة، فإن كانت ميتة، فالوجه: عدم الفدية، و لو كانت ثابتة، وجبت الفدية، و لو شكّ، فالأصل عدم الضمان.

ص: 19


1- التهذيب 340:5-1178، الإستبصار 200:2-676.
2- الاستبصار 200:2 ذيل الحديث 676.
3- التهذيب 338:5-1169، الاستبصار 198:2-667.
4- الحج: 78.
5- التهذيب 339:5-1172، الاستبصار 198:2-670.
6- المغني 531:3.

و لو قلع جلدة عليها شعر، لم يكن عليه ضمان، لأنّ زوال الشعر بالتبعية، فلا يكون مضمونا، كما لو قطع أشفار عيني غيره، فإنّه لا يضمن أهدابهما.

مسألة 396: اختلف قول الشيخ - رحمه اللّه - في المحرم هل له أن يحلق رأس المحلّ؟ فجوّزه في الخلاف

و لا ضمان - و به قال الشافعي و عطاء و مجاهد و إسحاق و أبو ثور(1) - لأصالة براءة الذمّة(2).

و قال في التهذيب: لا يجوز - و به قال مالك و أبو حنيفة، و أوجبا عليه الضمان، و هو عند أبي حنيفة صدقة(3) - لقول الصادق عليه السّلام:

«لا يأخذ الحرام من شعر الحلال»(4).

إذا عرفت هذا، فالشاة تصرف إلى المساكين، و لا يجوز له أن يأكل من اللحم شيئا، لأنّها كفّارة، فيجب دفعها إلى المساكين، كغيرها من الكفّارات.

و لما رواه ابن بابويه عن النبي صلّى اللّه عليه و آله في حديث كعب (و النسك شاة لا يطعم منها أحد إلاّ المساكين)(5).

مسألة 397: أجمع علماء الأمصار على أنّ المحرم ممنوع من قصّ أظفاره،

و تجب فيه الفدية عند عامّة أهل العلم(6) - و به قال حمّاد و مالك

ص: 20


1- الام 206:2، الحاوي الكبير 118:4، فتح العزيز 469:7، المجموع 7: 248 و 350، حلية العلماء 304:3، المغني 529:3، الشرح الكبير 274:3، بدائع الصنائع 193:2، المبسوط - للسرخسي - 72:4.
2- الخلاف 311:2-312، المسألة 103.
3- المدوّنة الكبرى 428:1، بدائع الصنائع 193:2، المبسوط - للسرخسي - 4: 72، الحاوي الكبير 118:4، فتح العزيز 469:7، المجموع 248:7 و 350، المغني 529:3، الشرح الكبير 274:3، حلية العلماء 304:3.
4- التهذيب 340:5-341 ذيل الحديث 1178 و الحديث 1179.
5- الفقيه 228:2-229 ذيل الحديث 1084.
6- المغني 531:3-532، الشرح الكبير 272:3.

و الشافعي و أحمد و أبو ثور و أصحاب الرأي و عطاء في إحدى الروايتين(1) - لأنّه أزال ما منع من إزالته لأجل التنظيف و الترفّه، فوجبت الفدية، كحلق الشعر.

و في الرواية الأخرى عن عطاء: أنّه لا كفّارة، لأنّ الشرع لم يرد فيه بفدية(2).

و نمنع عدم ورود الشرع على ما يأتي، و القياس يدلّ عليه.

إذا عرفت هذا، فإنّه يجب في الظفر الواحد مدّ من طعام عند علمائنا أجمع - و به قال أحمد و الشافعي في أحد أقواله(3) - لأنّ أبا بصير سأل الصادق عليه السّلام - في الصحيح -: عن رجل قلّم ظفرا من أظافيره و هو محرم، قال: «عليه في كلّ ظفر قيمة مدّ من طعام حتى يبلغ عشرة»(4).

و الثاني للشافعي: عليه درهم.

و الثالث: ثلث دم، لأنّ الدم عنده يجب في ثلاثة أظفار(5).

إذا ثبت هذا، ففي الظفرين مدّان، و في الثلاثة ثلاثة أمداد، و هكذا يزيد في كلّ ظفر مدّ إلى أن يستوعب القصّ أظفار يديه معا، فيجب عليه دم شاة عند علمائنا، لأصالة البراءة من الدم، فلا يثبت إلاّ بدليل.

و لقول الصادق عليه السّلام: «فإن قلّم أصابع يديه كلّها فعليه دم شاة»(6).5.

ص: 21


1- المغني 531:3-532، الشرح الكبير 272:3، بداية المجتهد 367:1، الحاوي الكبير 117:4، المجموع 248:7 و 376، بدائع الصنائع 194:2، المبسوط - للسرخسي - 77:4.
2- المغني 532:3، المبسوط - للسرخسي - 77:4.
3- المغني 532:3، الام 206:2، فتح العزيز 467:7، المجموع 371:7 و 376.
4- التهذيب 332:5-1141، الاستبصار 194:2-651، و الفقيه 227:2-1075.
5- فتح العزيز 467:7، المجموع 371:7 و 376.
6- التهذيب 332:5-1141، الاستبصار 194:2-651، و الفقيه 227:2-1075.

و في حديث الحلبي عنه عليه السّلام «مدّ في كلّ إصبع، فإن هو قلّم أظافيره عشرتها فإنّ عليه دم شاة»(1).

و قال أبو حنيفة: إن: قلّم خمس أصابع من يد واحدة، لزمه الدم، و لو قلّم من كلّ يد أربعة أظفار، لم يجب عليه دم، بل الصدقة. و كذا لو قلّم يدا واحدة إلاّ بعض الظفر لم يجب الدم.

و بالجملة: فالدم عنده إنّما يجب بتقليم أظفار يد واحدة كاملة - و هو رواية لنا(2) - لأنّه لم يستكمل منفعة اليد من التزيين و الإرفاق الكامل، بل تحصل بالشين في أعين الناس، بخلاف اليد الواحدة(3).

و هو حجّة لنا، فإنّ الإرفاق و التزيين إنّما يحصلان بتقليم اليدين معا أو الرّجلين معا، لا بإحدى اليدين أو إحدى الرّجلين.

و قال الشافعي: إن قلّم ثلاثة أظافير في مجلس واحد، وجب الدم، و لو كانت في ثلاثة أوقات متفرّقة، ففي كلّ ظفر الأقوال الثلاثة. و لا يقول:

إنّه يجب الدم عند التكامل، و في أصحابه من قال: عليه دم. و ليس هو المذهب عندهم، لأنّ الثلاثة جمع يقع عليها اسمه، فأشبه ما لو قلّم خمسا من كلّ واحدة أو العشرة(4).1.

ص: 22


1- التهذيب 332:5-1142، الاستبصار 194:2-652.
2- كما في الخلاف - للشيخ الطوسي - 309:2، المسألة 100.
3- الهداية - للمرغيناني - 163:1، المبسوط - للسرخسي - 77:4، بدائع الصنائع 194:2، المغني 532:3، الشرح الكبير 272:3، الحاوي الكبير 4: 117، حلية العلماء 308:3، المجموع 376:7، و حكاه عنه الشيخ الطوسي في الخلاف 309:2، المسألة 100.
4- انظر: المغني 532:3، و الشرح الكبير 272:3، و الحاوي الكبير 117:4، و المجموع 369:7 و 376، و 380-381، و حكاه عنه الشيخ الطوسي في الخلاف 309:2 و 310، المسألتان 100 و 101.

و نمنع تعلّق الدم بما يقع عليه اسم الجمع، و لا عبرة به مع النصّ.

و قال محمّد: إذا قصّ خمسة أظفار من يدين أو رجلين أو منهما أو من واحدة منهما، وجب الدم، لأنّه ربع و زيادة، فأشبه قصّ يد واحدة أو رجل واحدة(1).

و نمنع ثبوت الحكم في الأصل.

فروع:

أ - الكفّارة تجب على كلّ من قلّم متعمّدا،

و لا شيء على الناسي و لا الجاهل عند علمائنا - و به قال إسحاق و ابن المنذر و أحمد(2) - لما تقدّم.

و لقول الصادق عليه السّلام: «و ليس عليك فداء شيء أتيته و أنت محرم جاهلا به إذا كنت محرما في حجّك و لا عمرتك إلاّ الصيد عليك الفداء بجهل كان أو عمد»(3) الحديث.

ب - لو قصّ بعض الظفر،

وجب عليه ما يجب في جميعه.

ج - لو قصّ أظفار يديه و رجليه معا، فإن اتّحد المجلس، وجب دم واحد،

و إن كان في مجلسين، وجب دمان.

روى أبو بصير - في الصحيح - عن الصادق عليه السّلام، قلت له: فإن قلّم أظافير رجليه و يديه جميعا، قال: «إن كان فعل ذلك في مجلس واحد، فعليه دم، و إن كان فعله متفرّقا في مجلسين، فعليه دمان»(4).1.

ص: 23


1- بدائع الصنائع 194:2، المجموع 376:7.
2- الشرح الكبير 352:3.
3- التهذيب 370:5-1288.
4- التهذيب 332:5-1141، الاستبصار 194:2-651.

د - من أفتى غيره بتقليم ظفره، فقلّمه فأدماه، وجب على المفتي دم شاة،

لأنّه الأصل في إراقة الدم.

و لأنّ إسحاق الصيرفي سأل الكاظم عليه السّلام: أنّ رجلا أحرم فقلّم أظفاره، و كانت إصبع له عليلة فترك ظفرها لم يقصّه، فأفتاه رجل بعد ما أحرم، فقصّه فأدماه، قال: «على الذي أفتاه شاة»(1).

البحث الرابع: في جزاء قتل هوامّ الجسد و قطع الشجر.
مسألة 398: يجب برمي القملة عن جسد المحرم أو قتلها كفّ من طعام

- و به قال عطاء(2) - لأنّه حصل به الترفّه و التنظّف، فوجب عليه الفداء، كحلق الرأس.

و لقول الصادق عليه السّلام: «المحرم لا ينزع القملة من جسده و لا من ثوبه متعمّدا، و إن فعل(3) شيئا من ذلك خطأ فليطعم مكانها طعاما قبضة بيده»(4).

و قال أصحاب الرأي: يتصدّق بمهما كان(5).

و قال إسحاق: يتصدّق بتمرة(6).

ص: 24


1- التهذيب 333:5-1146.
2- المغني 274:3، المجموع 334:7.
3- في المصدر: «و إن قتل».
4- التهذيب 336:5-1160، الإستبصار 196:2-197-661.
5- بدائع الصنائع 196:2، المغني 273:3، الشرح الكبير 312:3، المجموع 334:7.
6- المغني 273:3، الشرح الكبير 312:3، المجموع 334:7.

و قال مالك: حفنة من طعام(1).

و قال طاوس و سعيد بن جبير و أبو ثور و ابن المنذر و أحمد في إحدى الروايتين: لا شيء عليه، لأنّ ابن عباس سئل: عن محرم ألقى قملة ثم طلبها فلم يجدها، فقال: تلك ضالّة لا تبتغى(2).

و لا دلالة فيه على عدم الفدية.

إذا عرفت هذا، فإنّ الكفّارة تجب في العمد و السهو و الخطأ، كالصيد. و للرواية(3).

مسألة 399: يحرم قطع شجرة الحرم في قول العلماء كافّة،

و تجب في الكبيرة بقرة، و في الصغيرة شاة، و في أبعاضها قيمة، قاله الشيخ(4) رحمه اللّه.

و أوجب الشافعي و أحمد و أصحاب الرأي الضمان، و هو مروي عن ابن عباس و عطاء(5).

لقوله عليه السّلام: (و لا يعضد شجرها)(6).

و لقول ابن عباس: في الدوحة بقرة، و في الجزلة شاة(7).

و من طريق الخاصّة: قول أحدهما عليهما السّلام: «إذا كان في دار الرجل

ص: 25


1- المغني 273:3-274، الشرح الكبير 312:3، المجموع 334:7.
2- المغني 273:3، الشرح الكبير 312:3، المجموع 334:7.
3- تقدّمت في صدر المسألة.
4- المبسوط - للطوسي - 354:1.
5- الام 208:2، مختصر المزني: 71، المجموع 494:7 و 496، فتح العزيز 511:7، حلية العلماء 322:3، فتح الباري 35:4، المغني 367:3، الشرح الكبير 380:3، بدائع الصنائع 210:2، بداية المجتهد 365:1.
6- صحيح البخاري 18:3، صحيح مسلم 989:2-448، سنن أبي داود 2: 212-2017، سنن النسائي 211:5، سنن البيهقي 195:5.
7- المهذّب - للشيرازي - 226:1، المغني 367:3، الشرح الكبير 380:3.

شجرة من شجر الحرم و لم تنزع، فإن أراد نزعها، نزعها، و كفّر بذبح بقرة يتصدّق بلحمها على المساكين»(1).

و الرواية مرسلة.

و قال مالك: لا ضمان فيه، لأنّ قطع شجر الحلّ لا يوجب الجزاء على المحرم، فكذا قطع شجر الحرم، لأنّ ما حرم بالإحرام لا يتفاوت، كالصيد(2).

و الجواب: أنّ هتك حرمة الحرم يحصل في الفرع(3) دون الأصل، فافترقا.

إذا عرفت هذا، فالضمان ما قلناه عندنا و عند من أوجبه من العامّة، إلاّ أصحاب الرأي، فإنّهم أوجبوا القيمة في الجميع، لأنّه لا مقدّر فيه، فأشبه الحشيش(4).

و نمنع الصغرى.

البحث الخامس: فيما يجب بالفسوق و الجدال.
مسألة 400: المحرم إذا جادل صادقا مرّة أو مرّتين، لم يكن عليه شيء من الكفّارة،

للأصل، و يتوب، فإن جادل ثلاثا صادقا، وجب عليه دم شاة، لارتكابه المحظور و المنهي عنه في قوله تعالى وَ لا جِدالَ (5) و هو يتناول الصادق و الكاذب، لقول الصادق عليه السّلام: «إذا جادل فوق مرّتين

ص: 26


1- التهذيب 381:5-1331.
2- بداية المجتهد 365:1، المغني 367:3، الشرح الكبير 380:3، فتح العزيز 511:7، حلية العلماء 322:3، فتح الباري 35:4.
3- الفرع هنا شجر الحرم باعتبار أنّه جعل مقيسا على الأصل و هو شجر الحلّ.
4- بدائع الصنائع 210:2، المغني 368:3، الشرح الكبير 380:3، المجموع 496:7.
5- البقرة: 197.

فعلى المصيب دم يهريقه و على المخطئ بقرة»(1).

و لو جادل مرّة كاذبا، وجب عليه دم شاة، فإن جادل مرّتين، كان عليه بقرة، فإن جادل ثلاثا كاذبا، كان عليه جزور، لقول الصادق عليه السّلام: «إذا جادل الرجل و هو محرم و كذب متعمّدا فعليه جزور»(2).

هذا كلّه إذا فعله متعمّدا، فإن فعله ساهيا، لم يكن عليه شيء.

مسألة 401: الجدال: قول الرجل: لا و اللّه و بلى و اللّه،

لأنّ معاوية بن عمّار روى - في الصحيح - أنّه سأل الصادق عليه السّلام: عن الرجل يقول:

لا لعمري، و هو محرم، قال: «ليس بالجدال، إنّما الجدال قول الرجل:

لا و اللّه و بلى و اللّه، و أمّا قوله: لاها، فإنّما طلب الاسم، و قوله: يا هناه، فلا بأس به، و أمّا قوله: لا بل شانيك، فإنّه من قول الجاهلية»(3).

إذا عرفت هذا، فهل الجدال مجموع اللفظتين، أعني «لا و اللّه» و «بلى و اللّه» أو إحداهما؟ الأقرب: الثاني.

و أمّا الفسوق: فهو الكذب، و لا شيء فيه، للأصل.

و لأنّ محمّد بن مسلم و الحلبي قالا للصادق عليه السّلام: أ رأيت من ابتلى بالفسوق ما عليه ؟ قال: «لم يجعل اللّه له حدّا، يستغفر اللّه و يلبّي»(4).

البحث السادس: فيما يجب بالاستمتاع.
مسألة 402: من وطئ امرأته و هو محرم عالما بالتحريم

عامدا قبل

ص: 27


1- الكافي 337:4-1، الفقيه 212:2-968.
2- التهذيب 335:5-1155.
3- التهذيب 336:5-1157.
4- الفقيه 212:2-968.

الوقوف بالموقفين فسد حجّه بإجماع العلماء كافّة، لما رواه العامّة عن ابن عباس: أنّ رجلا سأله، فقال: إنّي واقعت بامرأتي و نحن محرمان، فقال:

أفسدت حجّك، انطلق أنت و أهلك مع الناس فاقضوا ما يقضون، و حلّ إذا أحلّوا، فإذا كان العام المقبل فاحجج أنت و امرأتك، و أهديا هديا، فإن لم تجدا، فصوما ثلاثة أيّام في الحجّ و سبعة إذا رجعتم(1).

[و في حديث ابن عباس](2): و يتفرّقان من حيث يحرمان حتى يقضيا حجّهما(3).

قال ابن المنذر: قول ابن عباس أعلى شيء روي فيمن وطئ في حجّه(4).

و من طريق الخاصّة: ما رواه زرارة، قال: سألته عن محرم غشي امرأته و هي محرمة، فقال: «جاهلين أو عالمين ؟» قلت: أجبني عن الوجهين جميعا، فقال: «إن كانا جاهلين، استغفرا ربّهما، و مضيا على حجّهما، و ليس عليهما شيء، و إن كانا عالمين، فرّق بينهما من المكان الذي أحدثا فيه، و عليهما بدنة، و عليهما الحجّ من قابل، فإذا بلغا المكان الذي أحدثا فيه، فرّق بينهما حتى يقضيا مناسكهما و يرجعا إلى المكان الذي أصابا فيه ما أصابا» قلت: فأيّ الحجّتين لهما؟ قال: «الأولى التي أحدثا فيها ما أحدثا، و الأخرى عليهما عقوبة»(5).

إذا عرفت هذا، فإنّه يجب عليه إتمام الحجّ الفاسد، و الحجّ من قابل،2.

ص: 28


1- المغني 323:3، الشرح الكبير 321:3.
2- أضفناها من المصدر.
3- المغني 323:3، الشرح الكبير 321:3.
4- المغني 323:3-324، الشرح الكبير 321:3.
5- الكافي 373:4-1، التهذيب 317:5-1092.

و يكفّر ببدنة، و إذا انتهيا إلى المكان الذي أحدثا فيه ما أحدثا، فرّق بينهما بأن لا يخلوا بأنفسهما إلاّ و معهما ثالث محترم حتى يقضيا مناسك القضاء إن حجّا على ذلك الطريق - و ممّن قال بوجوب الفدية: ابن عباس و طاوس و عطاء و مجاهد و مالك و الشافعي و أحمد بن حنبل و أبو ثور(1) لأنّه وطئ في إحرام تامّ عامدا، فوجب به عليه بدنة، كما لو وطئ بعد الوقوف بالموقفين.

و لرواية معاوية بن عمّار - في الصحيح - عن الصادق عليه السّلام، قال:

سألته عن رجل محرم وقع على أهله، فقال: «إن كان جاهلا فليس عليه شيء، و إن لم يكن جاهلا فإنّ عليه أن يسوق بدنة، و يفرّق بينهما حتى يقضيا المناسك و يرجعا إلى المكان الذي أصابا فيه ما أصابا، و عليهما الحجّ من قابل»(2).

و قال أبو حنيفة: تجب عليه شاة - و قال الثوري و إسحاق: تجب عليه بدنة، فإن لم يجد، فشاة(3) - لأنّه معنى يتعلّق به وجوب القضاء، فلا يتعلّق به وجوب البدنة، كالفوات(4).

و هو باطل، للفرق، فإنّ الفوات لا تجب فيه الشاة بالإجماع، بخلاف الإفساد، و إذا ثبت الفرق، بطل الإلحاق.

مسألة 403: يجب عليه إتمام الحجّ الفاسد

عند علمائنا - و هو قول

ص: 29


1- المغني 324:3-325، الشرح الكبير 322:3، المجموع 387:7 و 414 و 416، الحاوي الكبير 215:4-216، بدائع الصنائع 217:2.
2- التهذيب 318:5-1095.
3- المغني 325:3، الشرح الكبير 322:3، المجموع 416:7.
4- المغني 325:3، الشرح الكبير 322:3، بدائع الصنائع 217:2، فتح العزيز 472:7، حلية العلماء 310:3، المجموع 414:7، الحاوي الكبير 215:4-216.

عامّة العلماء(1) - لقوله تعالى وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلّهِ (2) و هو يتناول الفاسد.

و لما رواه العامّة عن علي عليه السّلام، و عمر و ابن عباس و أبي هريرة أنّهم قالوا: من أفسد حجّه يمضي في فاسدة، و يقضي من قابل(3). و لم يعرف لهم مخالف، فكان إجماعا.

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السّلام: «و يفرّق بينهما حتى يقضيا المناسك»(4).

و قالت الظاهرية: يخرج من إحرامه، و لا يجب عليه الإتمام، لقوله عليه السّلام:

(من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو مردود)(5)(6).

و الجواب: المضيّ في الفاسد مأمور به.

إذا عرفت هذا، فإنّه يجب عليه القضاء في السنة المقبلة على الفور وجوبا عند علمائنا - و به قال الشافعي(7) - لما رواه العامّة: أنّ رجلا أفسد حجّه، فسأل عمر، فقال: يقضي من قابل، و سأل ابن عباس، فقال كذلك،3.

ص: 30


1- الشرح الكبير 323:3، الحاوي الكبير 215:4-216، المجموع 388:7 و 414.
2- البقرة: 196.
3- الحاوي الكبير 216:4، المهذّب - للشيرازي - 222:1، فتح العزيز 472:7، المغني و الشرح الكبير 323:3، المحلّى 190:7، سنن البيهقي 167:5.
4- التهذيب 318:5-1095.
5- كتاب السّنة - لابن أبي عاصم - 28:1-52، و بتفاوت في صحيح البخاري 3: 91، و صحيح مسلم 1343:3-1344-18، و مسند أحمد 146:6 و 180 و 256.
6- المحلّى 189:7، الحاوي الكبير 216:4، المجموع 388:7 و 414.
7- الحاوي الكبير 221:4، فتح العزيز 473:7-474، المجموع 389:7، حلية العلماء 310:3.

و سأل ابن عمر، فقال كذلك(1) ، و لم يوجد لهم مخالف، فكان إجماعا.

و من طريق الخاصّة: ما تقدّم في المسألة السابقة(2).

و لأنّه لمّا دخل في الإحرام تعيّن عليه، فيجب أن يكون قضاؤه متعيّنا.

و لأنّ الحجّ واجب على الفور، و التقدير أنّه لم يقع، إذ الفاسد لا يخرج المكلّف عن عهدة التكليف.

و اختلف أصحاب الشافعي على قولين:

أحدهما كما قلناه.

و الثاني أنّه على التراخي، لأنّ الأداء واجب على التراخي، فالقضاء أولى، فإنّ الصوم يجب على الفور، و قضاؤه على التراخي(3).

و نمنع التراخي في الأداء، و قد سبق(4).

مسألة 404: المرأة الموطوءة إذا كانت محرمة، فإن طاوعت الزوج، فسد حجّها،

و وجب إتمامه و بدنة و الحجّ من قابل، و إن أكرهها، لم يكن عليها شيء، و تحمّل عنها البدنة خاصّة - و به قال ابن عباس و سعيد بن المسيّب و النخعي و الضحّاك و مالك و الحكم و أحمد(5) - لوجود المقتضي - و هو الإفساد - في حقّها، كوجوده في حقّه، فتساويه في العقوبة.

و لما رواه علي بن أبي حمزة، قال: سألت أبا الحسن عليه السّلام: عن

ص: 31


1- الحاوي الكبير 216:4، المغني 323:3، الشرح الكبير 321:3.
2- من رواية زرارة.
3- الحاوي الكبير 221:4، فتح العزيز 473:7، حلية العلماء 310:3، المهذّب - للشيرازي - 222:1، المجموع 389:7.
4- سبق في ج 7 ص 17، المسألة 8.
5- المغني 326:3، الشرح الكبير 347:3، بداية المجتهد 371:1.

رجل محرم واقع أهله، فقال: «قد أتى عظيما» قلت: أفتني، قال:

«استكرهها أو لم يستكرهها؟» قلت: أفتني فيهما جميعا، فقال: «إن كان استكرهها، فعليه بدنتان، و إن لم يكن استكرهها، فعليه بدنة، و عليها بدنة، و يفترقا من المكان الذي كان فيه ما كان حتّى ينتهيا إلى مكّة، و عليهما الحجّ من قابل لا بدّ منه»(1).

و قال الشافعي: يجزئهما هدي واحد - و به قال عطاء و أحمد في إحدى الروايتين - لأنّه جماع واحد، فلم يوجب أكثر من بدنة، كرمضان(2).

و نمنع الحكم في الأصل، لقول ابن عباس: أهد ناقة، و لتهد ناقة(3).

و لأنّها أحد المجامعين من غير إكراه، فلزمها بدنة، كالرجل.

فروع:

أ - لو كانت المرأة محلّة، لم يتعلّق بها شيء،

و لا يجب عليها كفّارة و لا حجّ، و لا على الرجل بسببها، لأنّه لم تحصل منها جناية في إحرام، فلا عقوبة عليها.

ب - لو أكرهها - و هي محرمة - على الجماع، وجب عليه بدنتان:

إحداهما عن نفسه، و الأخرى عنها، لأنّ البدنتين عقوبة هذا الذنب، و قد صدر بالحقيقة عنه، فكانت العقوبة عليه، و به قال عطاء و مالك و أحمد في إحدى الروايتين(4).1.

ص: 32


1- الكافي 374:4-5، التهذيب 317:5-318-1093.
2- الحاوي الكبير 221:4، فتح العزيز 475:7، المجموع 395:7، المغني 3: 326، الشرح الكبير 347:3.
3- المغني 326:3، الشرح الكبير 347:3.
4- المغني 326:3، الشرح الكبير 347:3، بداية المجتهد 371:1.

و قال في الأخرى: لا شيء عليه عنها. و به قال إسحاق و أبو ثور و ابن المنذر(1).

و عنه ثالثة: أنّ البدنة عليها(2).

و هو خطأ، لما مرّ.

و لا يجب عليها حجّ ثان و لا عليه عنها، بل يحجّ عن نفسه في القابل، لبقاء حجّتها على الصحّة.

ج - إذا كانت مطاوعة، وجب عليها قضاء الحجّ،

لما قلناه.

و نفقة الحجّ عليها لا على الزوج.

و للشافعية وجهان: هذا أحدهما، و الثاني: أنّ عليه غرامة الحجّ لها(3).

و هو غلط، فإنّ نفقة الأداء لم تكن عليه، فكذا القضاء.

احتجّوا: بأنها غرامة تعلّقت بالوطء، فكانت على الزوج كالمهر(4).

و الجواب: أنّ المهر عوض بضعها، أمّا الكفّارة فإنّها عقوبة.

و على هذا فثمن ماء غسلها عليها خاصّة، خلافا لهم(5).

مسألة 405: يجب عليهما أن يفترقا في القضاء إذا بلغا المكان الذي وطئها فيه إلى أن يقضيا المناسك

إن حجّا على ذلك الطريق - و به قال الشافعي في القديم، و أحمد(6) - لما رواه العامّة عن علي عليه السّلام، و عمر

ص: 33


1- المغني 326:3، الشرح الكبير 347:3.
2- المغني 326:3، الشرح الكبير 347:3.
3- المهذّب - للشيرازي - 222:1، الحاوي الكبير 221:4.
4- المهذّب - للشيرازي - 222:1، الحاوي الكبير 221:4.
5- المهذّب - للشيرازي - 222:1، المجموع 398:7، حلية العلماء 311:3.
6- الحاوي الكبير 222:4، فتح العزيز 476:7، المجموع 399:7، المغني 3: 385، الشرح الكبير 324:3، بداية المجتهد 371:1، بدائع الصنائع 218:2.

و عثمان و ابن عباس(1) ، و لا مخالف لهم، فكان إجماعا.

و من طريق الخاصّة: ما تقدّم(2) في حديث زرارة: «و إن كانا عالمين فرّق بينهما من المكان الذي أحدثا فيه حتى يقضيا مناسكهما و يرجعا إلى المكان الذي أصابا فيه ما أصابا».

و اختلف أصحاب الشافعي على وجهين: أحدهما كما قلنا، و الثاني:

أنّه مستحب(3).

و قال مالك: يفترقان من حيث يحرمان - و نقله في الموطّأ(4) عن علي عليه السّلام - لأنّ التفريق إنّما يكون لخوف مواقعة الوطء، و ذلك يوجد بإحرامهما(5).

و الجواب: أنّ التفريق في جميع المسافة مشقّة عظيمة، فاقتصر على موضع مواقعة المحظور، لأنّه الذي به يحصل الداعي إلى الوطء.

و قال أبو حنيفة: لا أعرف هذه التفرقة، لأنّه لو وطئها في رمضان، لم يجب التفريق بينهما في قضائه، فكذا هنا(6).

و الجواب: التفريق في الصوم مشقّة، لأنّ السكنى يجمعهما.4.

ص: 34


1- المغني 385:3، الشرح الكبير 324:3، الحاوي الكبير 222:4، فتح العزيز 476:7، سنن البيهقي 167:5.
2- تقدّم في المسألة 402.
3- فتح العزيز 476:7، الحاوي الكبير 223:4، المجموع 399:7، حلية العلماء 311:3.
4- الموطّأ 381:1-382-151.
5- المدوّنة الكبرى 454:1، بداية المجتهد 371:1، فتح العزيز 476:7، حلية العلماء 311:3، المغني 385:3، الشرح الكبير 324:3.
6- بدائع الصنائع 218:2، الاختيار لتعليل المختار 217:1، حلية العلماء 3: 311، فتح العزيز 476:7، الحاوي الكبير 222:4.

و لأنّ القضاء في رمضان لا يتعيّن، و هنا متعيّن.

و لأنّ مشقّة إفساد قضاء رمضان أقلّ كثيرا من المشقّة هنا، فكان الاحتراز هنا عمّا يفسده أشدّ من الاحتراز هناك.

إذا عرفت هذا، فإنّ التفريق ينبغي أن يكون في القضاء من المكان الذي أحدثا فيه ما أحدثا حتى يقضيا المناسك.

و الروايات تعطي التفريق أيضا في الحجّة الاولى من ذلك المكان حتى يأتيها بها فاسدة أيضا.

و هو جيّد، لأنّ التحريم في الفاسد ثابت كالصحيح، فوجبت التفرقة.

و حدّ الافتراق أن لا يخلوا بأنفسهما، بل متى اجتمعا كان معهما ثالث محترم، لأنّ وجود الثالث يمنع من الإقدام على المواقعة، كمنع التفريق.

و لقول الصادق عليه السّلام: في المحرم يقع على أهله، قال: «يفرّق بينهما، و لا يجتمعان في خباء إلاّ أن يكون معهما غيرهما حتى يبلغ الهدي محلّه»(1).

مسألة 406: لو وطئ ناسيا أو جاهلا بالتحريم، لم يفسد حجّه،

و لا شيء عليه - و به قال الشافعي في الجديد(2) - لقوله عليه السّلام: (رفع عن أمّتي الخطأ و النسيان)(3).

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السّلام: «إن كانا جاهلين استغفرا ربّهما، و مضيا على حجّهما، و ليس عليهما شيء»(4).

ص: 35


1- التهذيب 319:5-1100.
2- فتح العزيز 478:7، المجموع 341:7، الحاوي الكبير 219:4، المغني 339:3، الشرح الكبير 322:3، بدائع الصنائع 217:2، المبسوط - للسرخسي - 121:4.
3- كنز العمّال 233:4-10307 نقلا عن الطبراني في المعجم الكبير.
4- الكافي 373:4-1، التهذيب 317:5-1092.

و لأنّها عبادة تجب بإفسادها الكفّارة، فافترق وطء العامد و الناسي فيها، كالصوم.

و قال الشافعي في القديم: يفسد حجّه، و تجب الفدية كالعامد - و به قال مالك و أحمد و أصحاب الرأي - لأنّه سبب يتعلّق به وجوب القضاء، فاستوى عمده و سهوه كالفوات.

و لأنّه من محظورات الإحرام، فاستوى عمده و سهوه، كقتل الصيد(1).

و الفرق: أنّ الفوات ترك ركن، فاستوى عمده و سهوه، كغيره من الأصول.

و جزاء الصيد ضمان الإتلاف، و ذلك يستوي في الأصول عمده و سهوه.

تذنيب: لو اكره على الجماع، لم يفسد حجّه،

و لا كفّارة عليه عندنا - و للشافعي قولان كالناسي(2) - لقوله عليه السّلام: (و ما استكرهوا عليه)(3).

و لأنّ الإكراه يرفع الفساد في حقّ المرأة، فكذا في حقّ الرجل، لعدم الفرق بينهما.

مسألة 407: لا فرق بين الوطء في القبل و الدّبر من المرأة و الغلام في وجوب الكفّارة و إفساد الحجّ

- و به قال الشافعي و مالك و أحمد و أبو يوسف

ص: 36


1- الحاوي الكبير 219:4، المجموع 341:7، بداية المجتهد 371:1، المغني 338:3-339، الشرح الكبير 322:3، بدائع الصنائع 217:2، المبسوط - للسرخسي - 121:4.
2- المجموع 341:7-342، فتح العزيز 478:7.
3- كنز العمّال 233:4-10307 نقلا عن الطبراني في المعجم الكبير.

و محمّد(1) - لأنّه وطء في فرج يوجب الغسل، فيوجب الإفساد، كالقبل.

و للروايات الدّالة على إيجاب ما ذكرنا على من واقع أو غشي امرأته، و هو صادق في المتنازع.

و قال أبو حنيفة: لا يفسد بالوطء في الدّبر - رواه عنه أبو ثور - لأنّه وطء لا يتعلّق به الإحصان و الإحلال، فأشبه الوطء فيما دون الفرج(2).

و الفرق: أنّ وطء ما دون الفرج لا يوجب الغسل، و ليس كبيرة في حقّ الأجنبية، و لا يوجب مهرا و لا حدّا و لا عدّة، بخلاف المتنازع.

قال الشيخ رحمه اللّه: من أصحابنا من قال: إتيان البهيمة و اللواط بالرجال و النساء بإتيانها في دبرها كلّ ذلك يتعلّق به فساد الحجّ. و به قال الشافعي(3).

و منهم من قال: لا يتعلّق الفساد إلاّ بالوطء في قبل المرأة.

و قال أبو حنيفة: إتيان البهيمة لا يفسده، و الوطء في الدّبر على روايتين: المعروف: أنّه يفسده.

و استدلّ على الأوّل: بطريقة الاحتياط، و على الثاني: ببراءة الذمّة(4).

و هو يدلّ على تردّد الشيخ في تعلّق الإفساد بوطء دبر المرأة و الغلام.

و جزم في المبسوط بتعلّق الفساد بوطء دبر المرأة(5).1.

ص: 37


1- الحاوي الكبير 224:4، المجموع 409:7، حلية العلماء 314:3، المغني 327:3، الشرح الكبير 322:3.
2- بدائع الصنائع 217:2، المغني 327:3، الشرح الكبير 322:3، حلية العلماء 314:3.
3- في الطبعة الحجرية زيادة: و منهم من قال: لا يتعلّق به فساد الحجّ. و في النسخ «ف، ط، ن» مضافا إلى ذلك زيادة: و به قال الشافعي. و لم ترد في المصدر.
4- الخلاف 370:2-371، المسألة 210.
5- المبسوط - للطوسي - 336:1.

و أمّا إتيان البهائم: فقال مالك و أبو حنيفة: لا يفسد به الحجّ، لأنّه انعقد صحيحا، فلا يفسده إلاّ دليل شرعي، و لم يثبت(1).

و قال الشافعي: يفسد الحجّ(2).

مسألة 408: لو استمنى بيده، قال الشيخ رحمه اللّه: حكمه حكم المجامع،

إن كان قبل الوقوف بالموقفين، فسد حجّه، و وجب عليه بدنة(3) ، لأنّ إسحاق بن عمّار سأل أبا الحسن عليه السّلام: ما تقول في محرم عبث بذكره فأمنى، قال: «أرى عليه مثل ما على من أتى أهله و هو محرم: بدنة و الحجّ من قابل»(4).

و لأنّه هتك حرمة الإحرام بالإنزال على وجه أبلغ من الوطء، لاقترانه(5) في القبح، فكان مساويا له في العقوبة.

و قال ابن إدريس: لا يفسد الحجّ، و تجب البدنة، للأصل الدالّ على براءة الذمّة، خرج وجوب الكفّارة، للإجماع، فيبقى الباقي على أصله(6).

مسألة 409: لو وطئ فيما دون الفرج و أنزل، وجب عليه بدنة،

و لا يفسد حجّه و إن كان قبل الموقفين - و به قال أحمد في إحدى الروايتين(7) - لأنّه جماع، فوجبت الفدية، كالفرج.

ص: 38


1- المغني 327:3، الشرح الكبير 322:3، فتح العزيز 471:7، المجموع 7: 421، الحاوي الكبير 224:4، حلية العلماء 314:3، بدائع الصنائع 216:2.
2- فتح العزيز 471:7، الحاوي الكبير 224:4، المهذّب - للشيرازي - 223:1، المجموع 409:7 و 421، حلية العلماء 314:3، المغني 327:3، الشرح الكبير 322:3.
3- النهاية: 231، التهذيب 324:5 ذيل الحديث 1112.
4- التهذيب 324:5-1113.
5- الظاهر - كما في هامش الطبعة الحجرية -: لمشابهته إيّاه.
6- السرائر: 129.
7- المغني 331:3، الشرح الكبير 328:3.

و لأنّ معاوية بن عمّار سأل الصادق عليه السّلام - في الصحيح - عن رجل وقع على أهله فيما دون الفرج، قال: «عليه بدنة، و ليس عليه الحجّ من قابل»(1).

و في الصحيح عن معاوية بن عمّار عن الصادق عليه السّلام: في المحرم يقع على أهله، قال: «إن كان أفضى إليها، فعليه بدنة، و الحجّ من قابل، و إن لم يكن أفضى إليها، فعليه بدنة، و ليس عليه الحجّ من قابل»(2).

و لأنّه استمتاع لا يجب بنوعه الحجّ، فلم يفسد الحج، كالتقبيل.

و قال أحمد في الرواية الأخرى: تجب عليه بدنة، و يفسد حجّه - و به قال الحسن و عطاء و مالك و إسحاق - لأنّها عبادة يفسدها الوطء، فأفسدها الإنزال عن مباشرة، كالصيام(3).

و الفرق: أنّ الصوم يخالف الحجّ في المفسدات.

و قال الشافعي و أصحاب الرأي: عليه شاة، لأنّه مباشرة فيما دون الفرج، فأشبه القبلة(4).

و الفرق: أنّه أفحش ذنبا من القبلة، فالعقوبة فيه أشدّ.

و لو لم ينزل، قال العامّة: تجب الشاة(5).3.

ص: 39


1- التهذيب 318:5-319-1097، الإستبصار 192:2-644.
2- الكافي 373:4-374-3، التهذيب 319:5-1098، الإستبصار 2: 192-645.
3- المغني 330:3-331، الشرح الكبير 328:3، بداية المجتهد 371:1، حلية العلماء 315:3، فتح العزيز 480:7.
4- الحاوي الكبير 223:4، فتح العزيز 480:7، حلية العلماء 315:3، المجموع 291:7، المبسوط - للسرخسي - 120:4، المغني 331:3، الشرح الكبير 328:3.
5- المغني 330:3.
مسألة 410: لو وطئ قبل التلبية أو الإشعار أو التقليد، لم يكن عليه شيء

و إن تلبّس بالإحرام، لأنّ انعقاد الإحرام بأحد الثلاثة، فإذا وطئ قبلها، لم يصادف إحراما منعقدا، لأنّ حريزا روى - في الحسن - عن الصادق عليه السّلام:

«في الرجل إذا تهيّأ للإحرام فله أن يأتي النساء ما لم يعقد التلبية أو يلبّي»(1).

مسألة 411: لو جامع بعد الوقوف بالموقفين، لم يفسد حجّه،

و عليه بدنة لا غير، عند علمائنا - و به قال أبو حنيفة(2) - لما رواه العامّة عن النبي صلّى اللّه عليه و آله، أنّه قال: (من أدرك عرفة فقد تمّ حجّه)(3).

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السّلام - في الصحيح -: «إذا واقع الرجل دون المزدلفة أو قبل أن يأتي مزدلفة، فعليه الحجّ من قابل»(4) دلّ بمفهومه على عدم وجوب الحجّ لو جامع بعد الوقوف بالمزدلفة.

و قال الشافعي: لا فرق بين الجماع قبل الوقوف و بعده في الإفساد إذا كان قبل التحلّل الأوّل، و لو كان بعد التحلّل الأوّل بالرمي و الحلق، لم يفسد إحرامه الماضي، و يأتي بالطواف، و عليه الكفّارة، لأنّه وطء عمد صادف إحراما تامّا، فأفسده، كما لو كان قبل الوقوف(5).

ص: 40


1- الكافي 330:4-7، التهذيب 316:5-317-1090، الاستبصار 2: 190-637.
2- النتف 213:1، الاختيار لتعليل المختار 218:1، المغني 324:3 و 325 و 516 و 517، الشرح الكبير 321:3، المجموع 414:7.
3- المغني 516:3.
4- التهذيب 319:5-1099.
5- الحاوي الكبير 217:4، فتح العزيز 471:7، المجموع 387:7-388 و 414، المغني 516:3.

و الفرق: أنّ الوطء قبل الوقوف يكون أكثر أفعال الحجّ لم يقع بعد، بخلاف ما بعده.

و قال مالك و أحمد: يفسد حجّه إن كان قبل التحلّل الأوّل، و إن كان بعد التحلّل الأوّل بالرمي و الحلق، لم يفسد إحرامه الماضي، و يفسد ما بقي من إحرامه، و يجب عليه أن يحرم بعمرة و يأتي بالطواف في إحرام صحيح، و تلزمه شاة(1).

مسألة 412: لو كان الوطء بعد الوقوف بعرفة قبل الوقوف بمزدلفة، فسد حجّه

أيضا، قاله أكثر العلماء(2) ، لما رواه العامّة عن ابن عباس أنّه قال: من وطئ بعد التحلّل فقد تمّ حجّه، و عليه بدنه(3).

و الظاهر أنّه قاله نقلا عن الرسول عليه السّلام، و هو يدلّ بمفهومه على عدم التمام لو وطئ قبل التحلّل.

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السّلام: «إذا وقع الرجل بامرأته دون المزدلفة، أو قبل أن يأتي مزدلفة، فعليه الحجّ من قابل»(4).

و قال أبو حنيفة: لا يفسد، و يجب عليه بدنة، لما روي عن النبي صلّى اللّه عليه و آله، أنّه قال: (الحجّ عرفة من وقف بعرفة فقد تمّ حجّه)(5).

ص: 41


1- المغني 516:3 و 519-520، الشرح الكبير 321:3 و 326-328، المجموع 407:7-408، و 414، فتح العزيز 471:7، الحاوي الكبير 219:4.
2- المغني 516:3 و 323-324، الشرح الكبير 321:3، الحاوي الكبير 4: 217، الاستذكار 294:12، فتح العزيز 471:7، المجموع 414:7.
3- الحاوي الكبير 219:4.
4- التهذيب 319:5-1099.
5- المبسوط - للسرخسي - 119:4، بدائع الصنائع 217:2، النتف 213:1، الاختيار لتعليل المختار 218:1، المغني 324:3، الشرح الكبير 321:3، الحاوي الكبير 217:4، فتح العزيز 471:7، المجموع 414:7، الاستذكار 294:12، و الرواية في الاختيار و البدائع.

و هو لا يدلّ على المطلوب إلاّ بالمفهوم، و هو لا يقول به.

مسألة 413: لو كرّر الوطء و هو محرم، وجب

مسألة 413: لو كرّر الوطء و هو محرم، وجب(1) عليه بكلّ وطء كفّارة،

و هي بدنة، سواء كفّر عن الأوّل أو لا - و هو إحدى الروايتين عن أحمد(2) - لأنّه وطء صادف إحراما لم يتحلّل منه، فوجب به البدنة، كما لو كان الإحرام صحيحا.

و لأنّ الإحرام الفاسد كالصحيح في سائر الكفّارات.

و قال الشافعي: إن وطئ بعد أن كفّر عن الأوّل، وجب عليه الكفّارة.

و هل الكفّارة الثانية شاة أو بدنة ؟ قولان.

و إن وطئ قبل أن يكفّر، فأقوال ثلاثة: أحدها: لا شيء عليه. و الثاني:

شاة. و الثالث: بدنة(3).

و قال أبو حنيفة: تجب عليه شاة، سواء كفّر عن الأوّل أو لا، إلاّ أن يتكرّر الوطء في مجلس واحد على وجه الرفض للإحرام، بأن ينوي به رفض الإحرام، لأنّه وطء صادف إحراما نقضت حرمته، فلم تجب به الفدية، كما لو وطئ بعد التحلّل(4).

و الفرق: أنّ الوطء بعد التحلّل لم يصادف الإحرام، أو قد تحلّل من

ص: 42


1- في «ن» و الطبعة الحجرية: كان.
2- المغني 328:3، الشرح الكبير 350:3.
3- الحاوي الكبير 220:4، فتح العزيز 472:7-473، المجموع 407:7، و حكاه عنه الشيخ الطوسي في الخلاف 366:2، المسألة 204.
4- المغني 328:3-329، الشرح الكبير 351:3، و انظر: فتح العزيز 473:7، و المجموع 420:7، و بداية المجتهد 371:1.

معظم محظوراته، بخلاف الوطء في الإحرام الكامل.

و قال مالك: لا يجب عليه بالوطء الثاني شيء، لأنّه وطء لا يتعلّق به إفساد الحج، فلا تجب به الكفّارة، كما لو كان في مجلس واحد(1).

و الجواب: أنّ عدم تعلّق الإفساد به لا يمنع وجوب الكفّارة، كقتل الصيد و لبس الثوب و غيرهما من أنواع المحظورات.

و قال أحمد في الرواية الثانية: إن كفّر عن الأوّل، وجب عليه عن الثاني بدنة، لأنّه وطئ في إحرام لم يتحلّل منه، و لا أمكن تداخل كفّارته في غيره، فأشبه الوطء الأوّل(2).

و الشيخ - رحمه اللّه - تردّد في الخلاف في تكرّر الكفّارة مع عدم التكفير في الأوّل(3) ، و جزم في المبسوط بالتكرّر مطلقا(4).

مسألة 414: لو جامع بعد الموقفين قبل طواف الزيارة، وجب عليه جزور

إن كان موسرا، فإن عجز، وجب عليه بقرة، فإن عجز، فشاة، لما تقدّم من أنّ من جامع بعد التحلّل الأوّل وجب عليه بدنة، و قد سبق(5) الخلاف فيه.

و لما رواه معاوية بن عمّار - في الحسن - عن الصادق عليه السّلام، أنّه سأله: عن متمتّع وقع على أهله و لم يزر، قال: «ينحر جزورا»(6).

ص: 43


1- بداية المجتهد 371:1، المغني 329:3، الشرح الكبير 351:3، فتح العزيز 473:7.
2- المغني 328:3-329، الشرح الكبير 350:3.
3- الخلاف 366:2-367، المسألة 204.
4- المبسوط - للطوسي - 337:1.
5- سبق في المسألة 411.
6- الكافي 378:4-3، التهذيب 321:5-1104.

و سأله عيص بن القاسم: عن رجل واقع أهله حين ضحّى قبل أن يزور البيت، قال: «يهريق دما»(1).

و لو جامع بعد أن طاف من طواف الزيارة شيئا، وجب عليه الكفّارة:

بدنة. و كذا لو أتمّ طوافه ثم جامع بعد أن سعى شيئا من سعيه، وجبت البدنة. و كذا لو كان بعد تمام السعي قبل طواف النساء، وجب عليه البدنة، و حجّه صحيح، لأنّه وطئ في إحرام، فكان عليه بدنة، كما لو جامع بعد الموقفين قبل طواف الزيارة.

و لما رواه معاوية بن عمّار - في الصحيح - أنّه سأل الصادق عليه السّلام: عن رجل وقع [على](2) امرأته قبل أن يطوف طواف النساء، قال: «عليه جزور سمينة، و إن كان جاهلا، فليس عليه شيء»(3).

إذا عرفت هذا، فلو جامع قبل طواف الزيارة أو بعده قبل طواف النساء جاهلا بالتحريم أو ناسيا، لم تجب عليه كفّارة، لأنّهما عذران يسقطان الكفّارة في الوطء قبل الموقفين، فهنا أولى.

مسألة 415: لو جامع بعد أن طاف شيئا من طواف النساء، قال الشيخ رحمه اللّه:

إن كان قد طاف أكثر من النصف، بنى عليه بعد الغسل،

و لا شيء عليه، و إن كان أقلّ من النصف، وجب عليه الكفّارة و إعادة الطواف(4) ، لموافقته الأصل، و هو: براءة الذمّة.

و لأنّ معظم الشيء يعطي حكم ذلك الشيء غالبا.

ص: 44


1- الكافي 379:4-4، التهذيب 321:5-1105.
2- أضفناها من المصدر.
3- الكافي 378:4 ذيل الحديث 3، التهذيب 323:5-1109.
4- النهاية: 231، المبسوط - للطوسي - 337:1.

و لأنّ حمران بن أعين سأل الباقر عليه السّلام: عن رجل كان عليه طواف النساء وحده، فطاف منه خمسة أشواط ثم غمزه بطنه فخاف أن يبدره فخرج إلى منزله فنقض ثم غشي جاريته، قال: «يغتسل ثم يرجع فيطوف بالبيت طوافين تمام ما كان بقي عليه من طوافه، و يستغفر ربّه و لا يعود، و إن كان طاف طواف النساء فطاف منه ثلاثة أشواط ثم خرج فغشي فقد أفسد حجّه، و عليه بدنة، و يغتسل ثم يعود فيطوف أسبوعا»(1).

مسألة 416: و لا فرق في الوطء بين أن يطأ في إحرام حجّ واجب أو مندوب،

لأنّه بعد التلبّس بالإحرام يصير المندوب واجبا، و يجب عليه إتمامه، كما يجب عليه إتمام الحجّ الواجب.

و لأنّ الحجّ الفاسد يجب عليه إتمامه، فالمندوب أولى.

إذا عرفت هذا، فكلّ موضع قلنا: إنّه يفسد الحجّ الواجب فيه، كالوطء قبل الموقفين، فإنّه يفسد الحجّ المندوب فيه أيضا، فلو وطئ قبل الوقوف بالموقفين في الحجّ المندوب، فسد حجّه، و وجب عليه إتمامه و بدنة و الحجّ من قابل، و لو كان بعد الموقفين، وجب عليه بدنة لا غير.

و كذا لا فرق بين أن يطأ امرأته الحرّة أو جاريته المحرمة أو المحلّة إذا كان محرما، فإنّ الحكم في الجميع واحد.

فإن كانت أمته محرمة بغير إذنه، أو محلّة، فإنّه لا تتعلّق بها كفّارة و لا به عنها.

و لو كانت محرمة بإذنه، فطاوعته، فالأقرب: وجوب الكفّارة، كما في العبد المأذون إذا أفسد.

ص: 45


1- الكافي 379:4-6، التهذيب 323:5-1110.

و لو أكرهها، فإن قلنا في المطاوعة بوجوب الكفّارة عنها، تحمّلها السيّد، و إلاّ فلا.

مسألة 417: لو وطئ أمته و هو محلّ و هي محرمة، فإن كان إحرامها بغير إذنه، فلا عبرة به،

و لا كفّارة عليه، و إن كان بإذنه، وجب عليه بدنة أو بقرة أو شاة، فإن لم يجد، فشاة أو صيام ثلاثة أيّام، لأنّه هتك إحراما صحيحا.

و لرواية إسحاق بن عمّار عن الكاظم عليه السّلام، قال: سألته عن رجل محلّ وقع على أمة محرمة، قال: «موسرا أو معسرا؟» قلت: أجبني عنهما، قال: «هو أمرها بالإحرام أو لم يأمرها أو أحرمت من قبل نفسها؟» قلت: أجبني عنها، قال: «إن كان موسرا و كان عالما أنّه لا ينبغي له و كان هو الذي أمرها بالإحرام، فعليه بدنة، و إن شاء بقرة، و إن شاء شاة، و إن لم يكن أمرها بالإحرام، فلا شيء عليه موسرا كان أو معسرا، و إن كان أمرها و هو معسر، فعليه دم شاة أو صيام»(1).

إذا ثبت هذا، فلو كانا محرمين أو كان هو محرما، وجبت عليه الكفّارة.

و لو كان هو محلاّ و هي محرمة بإذنه، وجبت عليه البدنة لا غير، سواء كان قبل الوقوف بالموقفين أو بعده، و سواء طاوعته أو أكرهها، لكن لو طاوعته، فسد حجّها، و وجب عليه أن يأذن لها في القضاء، لأنّه أذن لها في الابتداء و أحرمت إحراما صحيحا، و كان الفساد منه، فوجب عليه الإذن في القضاء، كالصيام.

ص: 46


1- الكافي 374:4-375-6، التهذيب 320:5-1102، الاستبصار 190:2-639.

و لو زنى بامرأة، تعلّق به من الأحكام ما يتعلّق بالوطء الصحيح، لأنّه أبلغ في هتك الإحرام، فكانت العقوبة واجبة عليه.

مسألة 418: من وجب عليه بدنة في إفساد الحجّ فلم يجد، كان عليه بقرة،

فإن لم يجد، فسبع شياه على الترتيب، فإن لم يجد، فقيمة البدنة دراهم أو ثمنها طعاما يتصدّق به، فإن لم يجد، صام عن كلّ مدّ يوما، و به قال الشافعي(1).

و في [أصحابه] من قال: هو مخيّر(2).

و استدلّ عليه الشيخ - رحمه اللّه - بإجماع الفرقة و أخبارهم و طريقة الاحتياط(3).

و ابن بابويه قال: من وجبت عليه بدنة في كفّارة فلم يجد، فعليه سبع شياه، فإن لم يقدر، صام ثمانية عشر يوما بمكّة أو في منزله(4).

و عن أحمد روايتان، إحداهما: أنّها على التخيير إن شاء أخرج أيّ هذه الخمسة(5) ، التي ذكرناها، أعني: البدنة و البقرة و سبع شياه و قيمة البدنة و الصيام.

لنا: أنّ الصحابة و الأئمّة عليهم السّلام أوجبوا البدنة في الإفساد، و ذلك

ص: 47


1- الام 218:2، فتح العزيز 75:8-76، المجموع 401:7 و 416، حلية العلماء 311:3، الحاوي الكبير 224:4.
2- الكلام من بداية المسألة إلى هنا من كلام الشيخ الطوسي في الخلاف، و نقله المصنّف في المنتهى 841:2 مصدّرا بقوله: قال الشيخ. و ما بين المعقوفين أثبتناه من الخلاف، و في «ف» و الطبعة الحجرية: (و في أصحابنا) أمّا في «ط، ن» فلم يتبيّن لنا اللفظ، لسقوطه.
3- الخلاف 372:2، المسألة 213.
4- المقنع: 78.
5- حلية العلماء 312:3، المجموع 416:7.

يقتضي تعيّنها، و البقرة دونها جنسا و قيمة.

و لقوله عليه السّلام: (من راح في الساعة الأولى فكأنّما قرّب بدنة، و من راح في الثانية فكأنّما قرّب بقرة)(1) يعني إلى الجمعة.

و لأنّ ذلك سبب يجب به القضاء، فكانت كفّارته على الترتيب، كالفوات.

و أحمد قاس على قتل النعامة.

و الفرق: أنّ الانتقال في قتل النعامة إلى القيمة، فكان مخيّرا فيها، و هنا ينتقل إلى ما هو دونها.

مسألة 419: لو وطئ في العمرة قبل السعي، فسدت عمرته،

و وجب عليه بدنة و قضاؤها - و به قال الشافعي(2) - لأنّها عبادة تشتمل على طواف و سعي، فوجب بالوطء فيها بدنة، كالحجّ.

و لرواية مسمع عن الصادق عليه السّلام: في الرجل يعتمر عمرة مفردة فيطوف بالبيت طواف الفريضة ثم يغشى أهله قبل أن يسعى بين الصفا و المروة، قال: «قد أفسد عمرته، و عليه بدنة، و يقيم بمكّة محلاّ حتى يخرج الشهر الذي اعتمر فيه ثم يخرج إلى الوقت الذي وقّته رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لأهل بلاده، فيحرم منه و يعتمر»(3).

و قال أبو حنيفة: إذا وطئ قبل أن يطوف أربعة أشواط، فسدت

ص: 48


1- صحيح البخاري 3:2، صحيح مسلم 582:2-850، الموطّأ 101:1-1، سنن أبي داود 96:1-351، سنن النسائي 99:3، سنن الترمذي 372:2-499.
2- الحاوي الكبير 232:4-233، فتح العزيز 471:7، المجموع 422:7، الشرح الكبير 325:3.
3- الكافي 538:4-539-2، الفقيه 275:2-1344، التهذيب 323:5 - 324-1111.

عمرته، و وجب عليه القضاء و شاة، لأنّها عبادة لا تتضمّن الوقوف، و لا يجب عليه بالوطء فيها بدنة، كما لو قرنها بحجّه(1).

و نمنع حكم الأصل.

و قال أحمد: يجب بالوطء القضاء و شاة إذا وجد في الإحرام(2).

إذا عرفت هذا، فالبدنة و الإفساد يتعلّقان بالوطء في إحرام العمرة قبل السعي و لو كان بعد الطواف - و به قال الشافعي(3) - لرواية مسمع عن الصادق عليه السّلام(4).

و قال أبو حنيفة: إذا وطئ بعد أربعة أشواط، لم تفسد عمرته، و وجبت الشاة، لأنّه وطئ بعد ما أتى بركن العبادة، فأشبه ما إذا وطئ بعد الوقوف في الحج، و إنّما وجبت الشاة، لأنّ الشاة تقوم مقام الطواف و السعي في حقّ المحصر، فقامت مقام بعض ذلك هنا(5).

و الجواب: أنّ محظورات الإحرام سواء مثل الطيب و اللباس و الصيد تستوي قبل الإتيان بأكثر الطواف و بعده، كذلك الوطء.

مسألة 420: القارن عندنا هو الذي يسوق إلى إحرامه هديا،

و عندهم هو من يقرن الإحرامين على ما مضى(6) الخلاف فيه، فلو أفسد القارن

ص: 49


1- الهداية - للمرغيناني - 165:1، المغني 518:3، الشرح الكبير 325:3، حلية العلماء 315:3.
2- المغني 518:3، الشرح الكبير 325:3، حلية العلماء 315:3.
3- الحاوي الكبير 232:4-233، المجموع 422:7.
4- تقدّمت الرواية في صدر المسألة.
5- بدائع الصنائع 219:2، المبسوط - للسرخسي - 58:4، المغني 518:3، الشرح الكبير 325:3، حلية العلماء 315:3، المجموع 422:7.
6- مضى في ج 7 ص 125، المسألة 95.

حجّه، وجب عليه بدنة، و ليس عليه دم القرآن، و يجب عليه القضاء، لأنّه أفسد حجّا، فكان عليه بدنة، كالمتمتّع و المفرد.

و قال الشافعي: إذا وطئ القارن - على تفسيرهم - لزمه بدنة بالوطء و دم القران، و يقضي قارنا، و يلزمه دم القران في القضاء أيضا، فإن قضى مفردا، جاز، و لا يسقط عنه دم القران الذي يلزمه في القضاء(1). و به قال أحمد إلاّ أنّه قال: إذا قضى مفردا، لم يجب دم القران(2).

و قال أبو حنيفة: يفسد إحرامه، و تجب عليه شاة لإفساد الحجّ، و شاة لإفساد العمرة، و شاة القران، إلاّ أن يكون قد وطئ بعد ما طاف في العمرة أربعة أشواط(3).

مسألة 421: إذا قضى الحاجّ و المعتمر، فعليه في قضاء الحجّ الإحرام من الميقات،

و عليه في إحرام العمرة الإحرام من أدنى الحلّ - و به قال أبو حنيفة و مالك(4) - لأنّه لا يجوز الإحرام قبل الميقات على ما تقدّم(5) ، فلا يجوز في القضاء، لأنّه تابع.

و أمّا في العمرة: فلأنّ الإحرام من أدنى الحلّ هو الواجب في الأداء، فكذا في القضاء.

ص: 50


1- فتح العزيز 476:7-477، المجموع 416:7، المغني 518:3، الشرح الكبير 326:3.
2- المغني 518:3، الشرح الكبير 326:3.
3- انظر: بدائع الصنائع 219:2، و المبسوط - للسرخسي - 119:4، و فتح العزيز 477:7، و المجموع 416:7، و المغني 499:3 و 518، و الشرح الكبير 3: 325 و 326.
4- المجموع 415:7-416، فتح العزيز 475:7، الحاوي الكبير 233:4.
5- تقدّم في ج 7 ص 195، المسألة 149.

و لأنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله أمر عائشة أن تقضي عمرتها من التنعيم(1).

و قال الشافعي: إذا أفسد الحجّ و العمرة، لزمه القضاء من حيث أحرم بالأداء - و به قال أحمد - لأنّ كلّ مسافة وجب عليه قطعها محرما في الأداء وجب عليه في القضاء، كما لو أحرم قبل الميقات(2).

و نحن نقول بموجبه، لأنّه لا يجب عليه قطع المسافة محرما إلاّ من الميقات.

و ينتقض: بأنّه لا يجب عليه في القضاء سلوك طريق الأداء إجماعا، لكنّ الشافعي أوجب الإحرام من المحاذي للأوّل(3).

مسألة 422: إذا أفسد في القضاء، وجب عليه بدنة أخرى، و إتمام القضاء، و القضاء من قابل،

للعمومات، و يلزمه أن يأتي بالقضاء، و لا يتكرّر عليه، بل إذا أتى بحجّة واحدة، كفاه.

و كذلك إن تكرّر إفساد القضاء، كفاه قضاء واحد، لأنّ الحجّ الواجب واحد، فإذا لم يأت به على وجهه، وجب عليه الإتيان به على وجهه.

و لا يجب عليه أن يأتي بقضاء آخر عوضا عن إفساد القضاء بمفرده، بل إذا أتى في السنة الثالثة بحجّة صحيحة، كفاه عن الفاسد ابتداء و قضاء.

و لو أفسد الثالث، كفاه في الرابعة إتيان حجّة صحيحة عن جميع ما تقدّمه، لأنّ الفاسد إذا انضمّ إليه القضاء، أجزأ عمّا كان يجزئ عنه الأداء لو لم يفسده، فهذا القضاء الذي أفسده إذا أتى بعده بالقضاء، أجزأ عمّا كان

ص: 51


1- صحيح البخاري 4:3، صحيح مسلم 880:2-135، سنن ابن ماجة 2: 997-999، سنن الترمذي 273:3-924.
2- الحاوي الكبير 233:4، فتح العزيز 474:7، المجموع 389:7-390 و 415، حلية العلماء 310:3، المغني 384:3-386، الشرح الكبير 324:3.
3- المجموع 390:7.

يجزئ عنه الفاسد لو كان صحيحا، و لو كان صحيحا، سقط به قضاء الأوّل، كذلك إذا قضاه، و هذا يقتضي أن يكون هذا القضاء عن القضاء الفاسد.

مسألة 423: لو عقد المحرم لمحرم على امرأة و دخل المحرم، وجبت على العاقد الكفّارة،

كما تجب على الواطئ. و كذا لو كان العاقد محلاّ، لرواية سماعة عن الصادق عليه السّلام، قال: «لا ينبغي للرجل الحلال أن يزوّج محرما يعلم أنّه لا يحلّ له» قلت: فإن فعل فدخل بها المحرم، قال: «إن كانا عالمين فإنّ على كلّ واحد منهما بدنة، و على المرأة إن كانت محرمة، و إن لم تكن محرمة، فلا شيء عليها إلاّ أن تكون قد علمت أنّ الذي تزوّجها محرم، فإن كانت علمت ثم تزوّجته فعليها بدنة»(1).

مسألة 424: لو نظر إلى غير أهله فأمنى، لم يفسد حجّه،

و وجب عليه بدنة، فإن عجز، فبقرة، فإن عجز، فشاة، عند علمائنا - و بعدم الإفساد قال ابن عباس و أبو حنيفة و الشافعي و أحمد(2) - لأنّه إنزال عن غير مباشرة، فأشبه الإنزال عن الفكر و الاحتلام.

و قال مالك: إن ردّد النظر حتى أمنى، وجب عليه الحجّ من قابل - و به قال الحسن البصري و عطاء - لأنّه إنزال بفعل محظور، فأشبه الإنزال بالمباشرة(3).

و الفرق: أنّ المباشرة أبلغ في اللذّة، و آكد في استدعاء الشهوة، و الفاحشة فيها أعظم.

و لو نظر إلى غير أهله و لم يكرّر النظر أو كرّره حتى أمنى، وجب عليه البدنة عندنا، لأنّه إنزال بفعل محظور، فأوجب البدنة، كالجماع فيما

ص: 52


1- الكافي 372:4-5، التهذيب 330:5-331-1138.
2- المغني 335:3، الشرح الكبير 329:3، المجموع 413:7.
3- المغني 335:3، الشرح الكبير 329:3، المجموع 413:7.

دون الفرج.

و لقول الباقر عليه السّلام في رجل محرم نظر إلى غير أهله فأنزل: «عليه جزور أو بقرة، فإن لم يجد فشاة»(1).

و قال ابن عباس و أحمد في إحدى الروايتين: إن كرّر النظر، وجبت بدنة، و إن لم يكرّر، فشاة(2).

و قال في الأخرى: تجب شاة مطلقا. و هو قول سعيد بن جبير و إسحاق(3).

و قال أبو ثور: لا شيء عليه مطلقا(4). و به قال أبو حنيفة - حكاية(5) عنه - [و](6) الشافعي(7).

و لو كرّر النظر حتى أمذى، لم يجب عليه شيء، لأصالة براءة الذمّة.

و قال أحمد: يجب به دم، لأنّه جزء من المني(8). و ليس بشيء.

و لو كرّر النظر و لم يقترن به مني و لا مذي، لم يكن عليه شيء، و لا نعلم فيه خلافا، إلاّ رواية عن أحمد أنّه من جرّد امرأته و لم يكن منه غير التجريد: أنّ عليه شاة(9). و ليس بشيء.

و لو فكّر فأنزل، لم يكن عليه شيء، لأنّ الفكر يعرض الإنسان من0.

ص: 53


1- التهذيب 325:5-1116.
2- المغني 336:3، الشرح الكبير 349:3، المجموع 413:7.
3- المغني 336:3، الشرح الكبير 349:3، المجموع 413:7.
4- المغني 336:3، الشرح الكبير 349:3، المجموع 413:7.
5- «حكاية»: صحّفت في «ف، ط» و الطبعة الحجرية إلى «حكاه» و سقطت في «ن» و الصحيح ما أثبتناه اعتمادا على منتهى المطلب - للمصنّف - 842:2 و المغني 336:3، و الشرح الكبير 349:3.
6- أضفناها لأجل السياق.
7- المغني 336:3، الشرح الكبير 349:3، المجموع 413:7.
8- المغني 337:3، الشرح الكبير 349:3.
9- المغني 337:3، الشرح الكبير 349:3-350.

غير اختيار، فلا تتعلّق به عقوبة.

مسألة 425: لو نظر إلى أهله من غير شهوة، لم يكن عليه شيء،

سواء أمنى أو لا، لأنّ النظر إلى الزوجة سائغ، بخلاف الأجنبية.

و لأنّ معاوية بن عمّار سأل الصادق عليه السّلام - في الصحيح - عن محرم نظر إلى امرأته فأمنى أو أمذى و هو محرم، قال: «لا شيء عليه»(1).

و إن نظر إليها بشهوة فأمنى، كان عليه بدنة، عند علمائنا - و لم يفرّق العامّة بين الزوجة و الأجنبية، بل حكموا بما قلناه عنهم أوّلا(2) مطلقا - لقول الصادق عليه السّلام - في الصحيح -: «و من نظر إلى امرأته نظرة بشهوة فأمنى فعليه جزور»(3).

مسألة 426: لو مسّ امرأته بشهوة، فعليه شاة،

سواء أمنى أو لم يمن، و إن كان بغير شهوة، لم يكن عليه شيء، سواء أمنى أو لم يمن، و يكون حجّه صحيحا على كلّ تقدير، سواء كان ذلك قبل الوقوف بالموقفين أو بعده، عند علمائنا - و به قال الشافعي و أبو حنيفة(4) - لأنّه استمتاع لا يجب بنوعه الحدّ، فلا يفسد الحجّ، كما لو أنزل. و إنّما وجبت الشاة، لأنّه فعل محرّما في إحرامه، فوجبت الفدية.

و لأنّ محمّد بن مسلم سأل الصادق عليه السّلام - في الصحيح - عن رجل حمل امرأته و هو محرم فأمنى أو أمذى، فقال: «إن حملها أو مسّها بشهوة فأمنى أو لم يمن، أمذى أو لم يمذ، فعليه دم يهريقه، فإن حملها أو مسّها

ص: 54


1- الكافي 375:4-1، التهذيب 325:5-1117، الإستبصار 191:2-642.
2- في المسألة السابقة.
3- الكافي 376:4-4، التهذيب 326:5-1121، الاستبصار 191:2-641.
4- المجموع 411:7، بدائع الصنائع 195:2، المغني 331:3، الشرح الكبير 328:3.

بغير شهوة فأمنى أو لم يمن، فليس عليه شيء»(1).

و قال مالك: إذا أنزل مع المسّ، فسد حجّه - و هو إحدى الروايتين عن أحمد - لأنّها عبادة يفسدها الوطء، فأفسدها الإنزال عن المباشرة، كالصوم(2).

و الفرق: أنّ الصوم يفسد بفعل جميع ما وجب الإمساك عنه لأجله، بخلاف الحجّ.

مسألة 427: لو قبّل امرأته، فإن كان بشهوة، كان عليه جزور،

و إن كان بغير شهوة، كان عليه شاة، و لا يفسد حجّه على كلّ تقدير، و سواء كان قبل الوقوف بالموقفين أو بعده - و وافقنا على عدم الإفساد سعيد بن المسيّب و عطاء و ابن سيرين و الزهري و قتادة و الثوري و الشافعي و أبو ثور و أصحاب الرأي(3) - لأنّه إنزال بغير وطء، فلم يفسد به الحجّ، كالإنزال عن نظر.

و قال مالك: إن أنزل، فسد حجّه - و هو إحدى الروايتين عن أحمد، و رواية عن سعيد بن جبير - لأنّه إنزال عن سبب محرّم، فأفسد الحجّ، كالإنزال عن الجماع(4).

و الفرق ظاهر، فإنّ الجماع أبلغ أنواع الاستمتاع، و لهذا أفسد الحجّ مع الإنزال و عدمه.

إذا عرفت هذا، فالشيخ - رحمه اللّه - أوجب الشاة في التقبيل بغير شهوة

ص: 55


1- التهذيب 326:5-1120.
2- المغني 331:3، الشرح الكبير 328:3، فتح العزيز 480:7.
3- المغني 334:3، الشرح الكبير 328:3، حلية العلماء 315:3، المجموع 421:7، بدائع الصنائع 216:2.
4- المغني 332:3 و 334، الشرح الكبير 328:3، فتح العزيز 480:7، حلية العلماء 315:3.

مطلقا، و البدنة فيه مع الشهوة مطلقا(1) ، و لم يعتبر الإنزال، لأنّ علي بن أبي حمزة سأل الكاظم عليه السّلام: عن رجل قبّل امرأته و هو محرم، قال: «عليه بدنة و إن لم ينزل، و ليس له أن يأكل منه»(2).

و قال ابن إدريس: إن قبّل بشهوة و أنزل، وجبت البدنة، و إن لم ينزل، وجبت الشاة(3) ، للأصل.

و لما رواه مسمع - في الصحيح - عن الصادق عليه السّلام: «إنّ حال المحرم ضيّقة، إن قبّل امرأته على غير شهوة و هو محرم، فعليه دم شاة، و من قبّل امرأته على شهوة، فعليه جزور، و يستغفر اللّه»(4).

و هو الأقرب.

و يجوز للمحرم أن يقبّل امّه حال الإحرام، لأنّ الحسين بن حمّاد سأل الصادق عليه السّلام: عن المحرم يقبّل امّه، قال: «لا بأس به، هذه قبلة رحمة، إنّما تكره قبلة الشهوة»(5).

و لو لاعب امرأته و هو محرم فأمنى، كان عليه بدنة، لأنّه إنزال عن سبب محرّم، فوجبت البدنة، كما لو أنزل عن نظر.

و هل يجب عليها الكفّارة ؟ نصّ الشيخ في التهذيب و المبسوط عليه(6) ، لأنّه أنزل بملاعبة منها له، فوجب عليها بدنة، كالجماع.

و لأنّ عبد الرحمن بن الحجّاج سأل الصادق عليه السّلام: عن الرجل يعبث1.

ص: 56


1- المبسوط - للطوسي - 338:1.
2- الكافي 376:4-3، التهذيب 327:5-1123.
3- السرائر: 130.
4- الكافي 376:4-4، التهذيب 326:5-1121، الإستبصار 191:2-641.
5- الكافي 377:4-9، التهذيب 328:5-1127.
6- التهذيب 327:5 ذيل الحديث 1123، المبسوط 338:1.

بامرأته حتى يمني و هو محرم من غير جماع، أو يفعل ذلك في شهر رمضان، ما ذا عليهما؟ فقال: «عليهما جميعا الكفّارة مثل ما على الذي يجامع»(1).

و لو سمع كلام امرأة أو استمع على من يجامع من غير رؤية لهما فتشاهى فأمنى، لم يكن عليه شيء، لتعذّر التحرّز عن مثل ذلك، فلو وجبت العقوبة لزمه الحرج.

أمّا لو كان برؤية، فإنّه تجب عليه الكفّارة على ما تقدّم، لأنّ أبا بصير سأل الصادق عليه السّلام - في الحسن - عن رجل سمع كلام امرأة من خلف حائط و هو محرم فتشاهى حتى أنزل، قال: «ليس عليه شيء»(2).

و سأله سماعة بن مهران في محرم استمع على رجل يجامع أهله فأمنى، قال: «ليس عليه شيء»(3).

قال المفيد رحمه اللّه: لو قبّل امرأته و هو محرم، فعليه بدنة، أنزل أو لم ينزل، فإن هوت المرأة ذلك، كان عليها مثل ما عليه(4).

مسألة 428: قد بيّنّا أنّه إذا أفسد حجّه، وجب عليه إتمامه،

خلافا لجماعة الظاهرية(5).

و قال مالك: يجعل الحجّة عمرة، و لا يقيم على الحجّ الفاسد(6).

ص: 57


1- الكافي 376:4-5، التهذيب 327:5-1124.
2- الكافي 377:4-10، التهذيب 327:5-328-1125.
3- التهذيب 328:5-1126.
4- المقنعة: 68.
5- المحلّى 189:7-190، المجموع 414:7، حلية العلماء 310:3، الشرح الكبير 323:3.
6- الشرح الكبير 323:3.

و ليس بجيّد، لما تقدّم.

و لا يحلّ من الفاسد، بل يجب عليه أن يفعل بعد الفساد كلّ ما يفعله لو كان صحيحا، و لا يسقط عنه توابع الوقوف من المبيت بالمزدلفة و الرمي و غيرهما.

و يحرم عليه بعد الفساد كلّ ما كان محرّما عليه قبله من الوطء ثانيا و غيره من المحرّمات.

و لو جنى في الإحرام الفاسد، وجب عليه ما يجب في الإحرام الصحيح.

و يجب عليه القضاء من قابل، سواء كانت الفاسدة واجبة بأصل الشرع أو النذر، أو كانت تطوّعا، و لا نعلم فيه خلافا. و يجب على الفور.

و لو أفسد القضاء، لم يجب قضاؤه، و إنّما يقضي عن الحجّ الأوّل.

و لو أحصر في حجّ فاسد، فله التحلّل إجماعا، لأنّه يباح له في الصحيح ففي الفاسد أولى.

فلو أحلّ فزال الحصر و في الوقت سعة، فله أن يقضي في ذلك العام، و لا يتصوّر القضاء في عام الإفساد في غير هذه الصورة.

و لو حجّ تطوّعا فأفسده ثم أحصر، كان عليه بدنة للإفساد و دم للإحصار، و يكفيه قضاء واحد في القابل، لأنّ المقضي واحد.

و يجب القضاء على الفور - و هو أحد قولي الشافعي(1) - لأنّه لزم و تضيّق بالشروع.

و لقول الصحابة و الأئمّة عليهم السّلام: إنّه يقضي من قابل.

و للشافعي قول آخر: إنّه على التراخي، كالأصل.4.

ص: 58


1- فتح العزيز 473:7-474.

و لأنّ الوقت قد فات، و استوت بعده الأوقات(1).

و قد بيّنّا فساده.

و له ثالث: إنّه إن وجبت الكفّارة بعدوان فعل، فعلى الفور، لأنّ التراخي نوع [ترفيه](2) و إن لم يكن بعدوان، فعلى التراخي(3).

و أجرى الجويني الخلاف في التعدّي بترك الصوم هل هو على الفور أو على التراخي ؟ و كذا الصلاة.

أمّا ما يجب فيه القتل، كترك الصلاة عمدا مع تخلّل التعزير ثلاث مرّات، فإنّه يجب فيه الفور(4) و أمّا ما لا عدوان فيه، فللشافعي وجهان تقدّما:

أحدهما: الفور، لقوله عليه السّلام: (فليصلّها إذا ذكرها).

و الثاني: جواز التأخير، لما رووه عن النبي صلّى اللّه عليه و آله، أنّه فاتته صلاة الصبح، فلم يصلّها حتى خرج من الوادي.

و قد عرفت أنّه يحرم في القضاء من الميقات.

و قال الشافعي: إن أحرم قبل الميقات، أحرم في القضاء من ذلك المكان. و قد سبق(5).

و لو جاوزه، أراق دما، كما لو جاوز الميقات الشرعي.

و إن كان قد أحرم من الميقات، فعليه في القضاء مثله.

و إن كان قد أحرم بعد مجاوزة الميقات، فإن كان مسيئا بتجاوزه،1.

ص: 59


1- فتح العزيز 473:7.
2- «ترفيه»: صحّفت في «ف» و الطبعة الحجرية ب «تفرقة» و لم يتبيّن لنا اللفظ في «ط، ن» لسقوطه فيهما، و ما أثبتناه من المصدر.
3- فتح العزيز 474:7.
4- فتح العزيز 474:7.
5- سبق في المسألة 421.

لزمه في القضاء أن يحرم من الميقات، و ليس له أن يسيء ثانيا، و إن جاوزه غير مسيء بأن لم يرد النسك ثم بدا له فأحرم ثم أفسد، فوجهان:

أحدهما: أنّه يحرم في القضاء من الميقات الشرعي، لأنّه الواجب في الأصل.

و أصحّهما عندهم: أنّه يحرم من ذلك الموضع، و لا يلزمه الميقات الشرعي، سلوكا بالقضاء مسلك الأداء.

و لهذا لو اعتمر المتمتّع من الميقات ثم أحرم بالحجّ من مكّة و أفسده، لا يلزمه في القضاء أن يحرم من الميقات، بل يكفيه أن يحرم من جوف مكّة(1).

و لو أفرد الحج ثم أحرم بالعمرة من أدنى الحلّ ثم أفسدها، يكفيه أن يحرم في قضائها من أدنى الحلّ.

و الوجهان(2) مفروضان فيما إذا لم يرجع إلى الميقات فما فوقه، أمّا إذا رجع ثم عاد، فلا بدّ من الإحرام من الميقات.

و إذا خرجت المرأة للقضاء، ففي وجوب ما زاد من النفقة بسبب السفر على الزوج وجهان(3).

و إذا خرجا معا للقضاء، فليفترقا في الموضع الذي اتّفقت الإصابة فيه.

و للشافعي قولان في وجوبه:

ففي القديم: نعم - و به قال أحمد(4) - لقول ابن عباس: فإذا أتيا المكان الذي أصابا فيه ما أصابا تفرّقا(5).7.

ص: 60


1- فتح العزيز 474:7.
2- الوجهان في فتح العزيز 475:7 و 476.
3- الوجهان في فتح العزيز 475:7 و 476.
4- المغني 385:3، الشرح الكبير 324:3.
5- سنن البيهقي 165:5، المغني 385:3، الشرح الكبير 324:3، فتح العزيز 476:7.

و الجديد: لا - و به قال أبو حنيفة(1) - كما لا يجب في سائر المنازل.

و يستحب أن يفترقا من حين الإحرام.

و قال مالك بوجوبه(2).

مسألة 429: لو عرضت الردّة في خلال الحجّ و العمرة، فالوجه: فساد النسك

إن كان قبل فعل ما يبطل الحجّ تركه عمدا.

و للشافعية وجهان:

أحدهما: أنّه لا تفسدهما، لكن لا يعتدّ بالمأتي به في زمان الردّة على ما مرّ نظيره في الوضوء و الأذان.

و أصحّهما عندهم: الفساد، كما تفسد الصوم و الصلاة.

و لا فرق على الوجهين بين أن يطول زمانها أو يقصر.

و على القول بالفساد فوجهان:

أظهرهما: أنّه يبطل النسك بالكلّية حتى لا يمضي فيه لا في الردّة و لا إذا عاد إلى الإسلام، [لأنّ الردّة محبطة للعبادة.

و الثاني: أنّ سبيل الفساد هاهنا كسبيله عند الجماع، فيمضي فيه لو عاد إلى الإسلام](3) لكن لا تجب الكفّارة، كما أنّ فساد الصوم بالردّة لا تتعلّق به الكفّارة.

و من قال بالأوّل فرّق [بينها و بين الجماع بمعنى الإحباط.

و أيضا فإنّ ابتداء الإحرام لا ينعقد مع الردّة بحال.

و في انعقاده مع الجماع](4) ثلاثة أوجه:

ص: 61


1- بدائع الصنائع 218:2.
2- فتح العزيز 476:7، المجموع 399:7، المغني 385:3، الشرح الكبير 3: 324، حلية العلماء 311:3، بداية المجتهد 371:1.
3- ما بين المعقوفين من فتح العزيز.
4- ما بين المعقوفين من فتح العزيز.

أحدها: أنّه ينعقد على الصحة، فإن نزع في الحال، فذاك، و إلاّ فسد نسكه، و عليه البدنة، و القضاء، و المضيّ في الفاسد.

و الثاني: أنّه ينعقد فاسدا، و عليه القضاء، و المضيّ فيه، مكث أو نزع [و لا تجب الفدية إن نزع](1) في الحال، و إن مكث، وجبت الكفّارة.

و هل هي بدنة أو شاة ؟ يخرّج على القولين في نظائر هذه الصورة.

الثالث: لا ينعقد أصلا، كما لا تنعقد الصلاة مع الحدث(2).

البحث السابع: في اللواحق.
مسألة 430: يجوز لبس السلاح للمحرم إذا خاف العدوّ، و لا كفّارة،

لقول الصادق عليه السّلام - في الصحيح - أ يحمل المحرم السلاح ؟ فقال: «إذا خاف المحرم عدوّا أو سرقا فليلبس السلاح»(3).

و يجوز للمحرم أن يؤدّب غلامه و هو محرم عند الحاجة، لقول الصادق عليه السّلام - في الصحيح -: «لا بأس أن يؤدّب المحرم عبده ما بينه و بين عشرة أسواط»(4).

و لو اقتتل اثنان في الحرم، لزم كلّ واحد منهما دم، لقول الصادق عليه السّلام، في رجلين اقتتلا و هما محرمان: «سبحان اللّه بئس ما صنعا» قلت: قد فعلا، ما الذي يلزمهما؟ قال: «على كلّ واحد منهما دم»(5).

مسألة 431: إذا اجتمعت أسباب مختلفة، كاللّبس و القلم و الطيب،

ص: 62


1- ما بين المعقوفين من فتح العزيز.
2- فتح العزيز 479:7.
3- التهذيب 387:5-1352.
4- التهذيب 387:5-1353.
5- الكافي 367:4-9، التهذيب 463:5-464-1618.

لزمه عن كلّ واحد كفّارة، سواء اتّحد الوقت أو تعدّد، كفّر عن الأوّل أو لا، لأنّ كلّ واحد منها سبب مستقلّ في إيجاب الكفّارة، و الحقيقة باقية عند الاجتماع، فيوجد أثرها.

و لو اتّحد نوع الفعل، فأقسامه ثلاثة:

الأوّل: إتلاف على وجه التعديل، كقتل الصيد، فإنّه يعدل به، و يجب فيه مثله، و يختلف بالصغر و الكبر، فعلى أيّ وجه فعله وجب عليه الجزاء.

و لو تكرّر تكرّرت إجماعا، لأنّ المثل واجب، و هو إنّما يتحقّق بالتعدّد لو تعدّدت الجناية.

الثاني: إتلاف مضمون لا على وجه التعديل، كحلق الشعر و تقليم الأظفار، فهما جنسان، فإن حلق أو قلّم دفعة واحدة، كان عليه فدية واحدة، و إن فعل ذلك في أوقات، كأن يحلق بعض رأسه غدوة و بعضه عشيّة، تعدّدت الكفّارة عليه، و إن كان في دفعة واحدة و وقت واحد، وجبت فدية واحدة.

الثالث: الاستمتاع باللّبس و الطيب و القبلة، فإن فعله دفعة بأن لبس كلّ ما يحتاج إليه دفعة، أو تطيّب بأنواع الطيب دفعة واحدة، أو قبّل و أكثر منه، لزمه كفّارة واحدة، و إن فعل ذلك في أوقات متفرّقة، لزمه عن كلّ فعل كفّارة، سواء كفّر عن الأوّل أو لم يكفّر - و به قال أبو حنيفة(1) - لأنّه مع تعدّد الوقت يتعدّد الفعل، و قد كان كلّ واحد سببا تامّا في إيجاب الكفّارة، فكذا مع الاجتماع.3.

ص: 63


1- المغني 529:3، الشرح الكبير 351:3، فتح العزيز 484:7، حلية العلماء 309:3.

و قال الشافعي: إن كفّر عن الأوّل، لزمه كفّارة أخرى عن الثاني، و إن لم يكفّر، لم يكن عليه سوى كفّارة واحدة(1).

و هو إحدى الروايتين عن أحمد، و في الأخرى: إن كان السبب واحدا، اتّحدت الكفّارة، كمن لبس ثوبين للحرّ، و إن تعدّد، تعدّدت، كمن لبس ثوبا للحرّ و ثوبا للمرض(2).

و قال مالك: تتداخل كفّارة الوطء دون غيره(3).

مسألة 432: لو جنّ بعد إحرامه ففعل ما يفسد به الحجّ من الوطء قبل الوقوف بالموقفين، لم يفسد حجّة،

لأنّ العاقل لو فعل ذلك ناسيا، لم يبطل حجّه، فهنا أولى.

و لقوله عليه السّلام: (رفع القلم عن المجنون حتى يفيق)(4).

و أمّا الصيد فيضمنه بإتلافه، لأنّ حكم العمد و السهو فيه واحد.

و أمّا الصبي فإذا قتل صيدا، ضمنه، كالبالغ.

و إن تطيّب أو لبس، فإن كان ناسيا، لم يكن عليه شيء، و إن كان عامدا، فإن قلنا: إنّ عمده و خطأه واحد، فلا شيء عليه أيضا، و إن قلنا: إنّ عمده في غير القصاص عمد، وجبت الكفّارة قال الشيخ رحمه اللّه: الظاهر أنّ الكفّارة تتعلّق به على وليّه و إن قلنا:

إنّه لا يتعلّق به شيء، لما روي عنهم عليهم السّلام من أنّ عمد الصبي

ص: 64


1- فتح العزيز 484:7، المجموع 378:7، المغني 528:3، الشرح الكبير 3: 351.
2- المغني 528:3، الشرح الكبير 350:3-351.
3- المغني 529:3، الشرح الكبير 351:3.
4- سنن أبي داود 140:4-4400، سنن ابن ماجة 658:1-2041، سنن النسائي 156:6، سنن البيهقي 325:4 و 317:10.

و خطأه سواء، و الخطأ في هذه الأشياء لا تتعلّق به الكفّارة من البالغين، كان قويّا(1).

و أمّا قتل الصيد: فإنّه يضمنه على كلّ حال.

و أمّا الحلق و تقليم الأظفار، فإنّ حكمهما عندنا كحكم اللّبس و الطيب من أنّ عمده مخالف لخطئه.

و أمّا إذا وطئ بشهوة، فإنّه قد يحصل من الصبي قبل بلوغه فإنّما يبلغ بالإنزال لا بالوطء و شهوته، فإذا فعل، فإن كان ناسيا أو جاهلا، لم يكن عليه شيء، كالبالغ.

و إن كان عامدا و اعتبرنا عمده، فسد حجّه إن وطئ قبل الوقوف بالموقفين، و وجبت البدنة.

و إن كان خطأ، لم يكن عليه شيء.

و إذا وجبت البدنة على تقدير العمد، ففي محلّ وجوبها وجهان:

أحدهما: عليه.

و الثاني: على وليّه.

و إذا قلنا بفساد الحجّ، فهل يجب عليه القضاء؟ وجهان:

أحدهما: الوجوب، لأنّه وطئ عمدا قبل الوقوف بالموقفين، فوجب القضاء، عملا بالعموم.

و لأنّ كلّ من وجبت البدنة في حقّه للإفساد وجب عليه القضاء، كالبالغ.

و الثاني: عدم الوجوب، لأنّه غير مكلّف، فلا يتوجّه عليه الأمر1.

ص: 65


1- المبسوط - للطوسي - 329:1.

بالوجوب في القضاء، كما لا يتوجّه في الأداء. و هو الأقوى.

و إذا أوجبنا عليه القضاء، هل يجزئه أن يقضيه في حال صغره أم لا؟ فيه تردّد.

قال مالك و أحمد: لا يجزئه، لأنّها حجّة واجبة، فلم تقع منه في صغره، كحجة الإسلام(1).

و قال الشافعي في أحد القولين: يجزئه، لأنّ أداء هذه العبادة يصحّ منه في حال الصغر، كذلك قضاؤها، بخلاف حجّة الإسلام(2).

و إذا أوجبنا على الصبي القضاء فقضى في حال بلوغه، فهل يجزئه عن حجّة الإسلام ؟ الوجه: التفصيل، و هو أن يقال: إن كانت الحجّة التي أفسدها لو صحّت أجزأته - بأن يكون قد بلغ قبل مضيّ وقت الوقوف - أجزأه القضاء، و إن كان لو بلغ فيها بعد الوقوف، لم يجزئه القضاء، و وجب عليه حجّة أخرى للإسلام.

تذنيب: لو خرجت قافلة إلى الحج فأغمي على واحد منهم، لم يصر محرما بإحرام غيره عنه

- و به قال الشافعي و أبو يوسف و محمد(3) - لأنّه بالغ، فلا يصير محرما بإحرام غيره عنه، كالنائم.

و لأنّه لو أذن في ذلك و أجازه لم يصح.

و قال أبو حنيفة: يصير محرما بإحرام بعض الرفقة، لأنّه علم ذلك من3.

ص: 66


1- فتح العزيز 426:7.
2- فتح العزيز 426:7، المجموع 35:7.
3- المجموع 38:7، المبسوط - للسرخسي - 160:4، المغني 211:3، الشرح الكبير 173:3.

قصده، و تلحقه المشقّة في ترك ذلك، فأجزأ عنه إحرام غيره(1).

و الجواب: أنّا قد بيّنّا أنّه لو أذن له فيه لم يصح، فكيف مع علم القصد المجرّد عن الإذن!؟

مسألة 433: لو قبّل امرأته بعد طواف النساء، فإن كانت هي قد طافت، لم يكن عليهما شيء،

لأنّه بعد طواف النساء تحلّ له النساء، و إن كانت لم تطف، فقد روي أنّ عليه دما يهريقه، لأنّ القبلة بالنسبة إليها حرام، و قد فعلها هو، فكانت عليه العقوبة، لقول الصادق عليه السّلام - في الحسن - عن رجل قبّل امرأته و قد طاف طواف النساء و لم تطف هي:

«عليه دم يهريقه من عنده»(2).

و لو قلع ضرسه مع الحاجة إليه، لم يكن عليه شيء، و إن كان لا مع الحاجة، وجب عليه دم شاة، قاله الشيخ(3) رحمه اللّه، لرواية(4) مرسلة.

مسألة 434: لو أحصر فبعث بهديه ثم احتاج إلى حلق رأسه لأذى قبل أن يبلغ الهدي محلّه، جاز له أن يحلقه، و يتصدّق

بالنسك أو الإطعام أو الصيام على ما قلناه، لأنّ غير المحصر كذلك، فكذا المحصر.

و لقول الصادق عليه السّلام: «إذا أحصر الرجل فبعث بهديه فأذاه رأسه قبل أن ينحر هديه فإنّه يذبح شاة مكان الذي أحصر فيه أو يصوم أو يتصدّق على ستة مساكين، و الصوم ثلاثة أيّام و الصدقة نصف صاع لكلّ مسكين»(5).

ص: 67


1- المبسوط - للسرخسي - 160:4، المجموع 38:7، المغني 211:3، الشرح الكبير 173:3.
2- الكافي 378:4-3، التهذيب 323:5-1109.
3- النهاية: 235، المبسوط - للطوسي - 350:1، التهذيب 385:5 ذيل الحديث 1343.
4- التهذيب 385:5-1344.
5- التهذيب 334:5-1149، الاستبصار 196:2-658.
المطلب الخامس في أحكام الإحرام
مسألة 435: الإحرام ركن في الحجّ إذا أخلّ به عامدا، بطل الحجّ،

و إن كان ناسيا حتى أكمل المناسك، قال الشيخ رحمه اللّه: يصحّ حجّه إذا كان قد عزم على فعله أوّلا(1) ، كما لو نسي الطواف أو السعي.

و قوله عليه السّلام: (رفع عن أمّتي الخطأ و النسيان)(2).

و لأنّ علي بن جعفر سأل أخاه الكاظم عليه السّلام - في الصحيح - عن رجل نسي الإحرام بالحجّ، فذكره و هو بعرفات، ما حاله ؟ قال: «يقول: اللّهم على كتابك و سنّة نبيّك، فقد تمّ إحرامه»(3).

فإن جهل أن يحرم يوم التروية بالحجّ حتى يرجع إلى بلده، فإن كان قد قضى مناسكه كلّها، فقد تمّ حجّه.

و روى جميل بن درّاج عن بعض أصحابنا عن أحدهما عليهما السّلام: في رجل نسي أن يحرم أو جهل و قد شهد المناسك كلّها و طاف و سعى، قال:

«يجزئه إذا كان قد نوى ذلك فقد تمّ حجّه و إن لم يهلّ»(4).

و قال ابن إدريس من علمائنا: تجب عليه الإعادة، لقوله عليه السّلام:

(لا عمل إلاّ بنيّة)(5) و هذا عمل بغير نيّة(6). و ليس بشيء.

ص: 68


1- النهاية: 211، المبسوط - للطوسي - 314:1.
2- كنز العمّال 233:4-10307 نقلا عن الطبراني في المعجم الكبير.
3- التهذيب 175:5-586 و 476-1678.
4- الكافي 325:4-8، التهذيب 61:5-192.
5- أمالي الطوسي 303:2.
6- السرائر: 124.
مسألة 436: لا يقع الإحرام إلاّ من محلّ،

فلو كان محرما بالحجّ، لم يجز له أن يحرم بالعمرة، و هو أصحّ قولي الشافعي [و الثاني: جواز إدخال العمرة على الحج](1)(2) و به قال أبو حنيفة(3).

و كذا لا يجوز إدخال الحجّ على العمرة.

و قال جميع العامّة بجوازه(4).

و يبطله قوله تعالى وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلّهِ (5) و مع الإدخال لا يتحقّق الإتمام.

و قد جوّز علماؤنا للمفرد فسخ حجّه إلى التمتّع و بالعكس لمن ضاق عليه الوقت، أو منعه عذر الحيض و المرض و شبهه، كما أمر النبي صلّى اللّه عليه و آله أصحابه بالأوّل(6) ، و عائشة بالثاني(7).

و ليس للقارن نقل حجّه إلى التمتّع، لأنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله أمر أصحابه بأنّ

ص: 69


1- أضفناها اعتمادا على المصادر التالية و على حكاية المصنّف لقولي الشافعي في ج 7 ص 179، المسألة 132، و منتهى المطلب 685:2.
2- فتح العزيز 125:7، و المجموع 173:7، الحاوي الكبير 38:4، و كما في الخلاف 262:2، المسألة 27، و المعتبر: 338 و 441.
3- تحفة الفقهاء 413:1، فتح العزيز 125:7، المغني 515:3، الشرح الكبير 245:3، و كما في الخلاف 262:2، المسألة 27، و المعتبر: 338 و 441.
4- كما في الخلاف 262:2، المسألة 27، و المعتبر: 338، و انظر: الحاوي الكبير 38:4، و فتح العزيز 121:7-122، و المجموع 127:7، و المغني 514:3، و الشرح الكبير 245:3.
5- البقرة: 196.
6- صحيح البخاري 176:2، صحيح مسلم 885:2-143، سنن البيهقي 4: 356 و 3:5، المعجم الكبير - للطبراني - 145:7-6571.
7- صحيح البخاري 172:2 و 4:3، صحيح مسلم 870:2-1211، سنن أبي داود 153:2-1781، سنن النسائي 166:5، سنن البيهقي 353:4.

من لم يكن معه هدي فليحلّ، و تأسّف النبي صلّى اللّه عليه و آله على فوات المتعة(1)كما في الخلاف 264:2-265، المسألة 30.(2) ، و لو جاز العدول كالمفرد، لفعلها عليه السّلام، لأنّها الأفضل.

و لا يجوز أن يقرن إحراما واحدا للنسكين، فلو قرن بين الحجّ و العمرة في إحرامه، لم ينعقد إحرامه إلاّ بالحجّ، قاله الشيخ في الخلاف(3) ، فإن أتي بأفعال الحجّ، لم يلزمه دم.

و إن أراد أن يأتي بأفعال العمرة و يحلّ و يجعلها متعة، جاز ذلك، و يلزمه الدم - و به قال الشافعي و مالك و الأوزاعي و الثوري و طاوس و أبو حنيفة و أصحابه(4) - لأصالة براءة الذمّة من الدم لو أتى بأفعال الحجّ بانفراده، فيقف شغلها على دليل، و لم يثبت.

و قال الشعبي: عليه بدنة(5).

و قال داود: لا شيء عليه(6).

و استفتي محمد - ابنه - عن هذا بمكّة، فأفتى بمذهب أبيه، فجرّوا برجله(6).

مسألة 437: يجوز للقارن و المفرد إذا قدما مكّة الطواف،

لكنّهما يجدّدان التلبية، ليبقيا على إحرامهما.

و لو لم يجدّد التلبية، قال الشيخ رحمه اللّه: أحلاّ و صارت حجّتهما مفردة(7).

و قال في التهذيب: إنّما يحلّ المفرد لا القارن(8).

و أنكر ابن إدريس ذلك، و قال: إنّما يحلاّن بالنيّة لا بمجرّد الطواف

ص: 70


1- المصادر في الهامش
2- من ص 69.
3- الخلاف 264:2، المسألة 30، و تقدّم في ج 7 ص 179، المسألة 133.
4- كما في الخلاف 264:2-265، المسألة 30.
5- كما في الخلاف 264:2-265، المسألة 30.
6- كما في الخلاف 264:2-265، المسألة 30.
7- النهاية: 208 و 209.
8- التهذيب 44:5 ذيل الحديث 131.

و السعي(1).

و الشيخ - رحمه اللّه - استدلّ: بما رواه العامّة عن ابن عباس، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: (إذا أهلّ الرجل بالحجّ ثم قدم مكّة و طاف بالبيت و سعى بين الصفا و المروة فقد حلّ و هي عمرة)(2).

و من طريق الخاصّة: ما رواه معاوية بن عمّار - في الصحيح - عن الصادق عليه السّلام، قال: سألته عن المفرد للحجّ هل يطوف بالبيت بعد طواف الفريضة ؟ قال: «نعم ما شاء، و يجدّد التلبية بعد الركعتين، و القارن بتلك المنزلة يعقدان ما أحلاّ من الطواف بالتلبية»(3).

قال الشيخ: فقه هذا الحديث: أنّه قد رخص للقارن و المفرد أن يقدّما طواف الزيارة قبل الوقوف بالموقفين، فمتى فعلا ذلك فإن لم يجدّدا التلبية، يصيرا محلّين، و لا يجوز ذلك، فلأجله أمر المفرد و السائق بتجديد التلبية مع أنّ السائق لا يحلّ و إن كان قد طاف، لسياقه الهدي(4).

مسألة 438: إذا أتمّ المتمتّع أفعال عمرته و قصّر، فقد أحلّ،

و إن كان قد ساق هديا، لم يجز له التحلّل، و كان قارنا - قاله الشيخ في الخلاف(5) ، و به قال ابن أبي عقيل(6) - لقوله صلّى اللّه عليه و آله: (من لم يكن ساق الهدي فليتحلّل)(7)

ص: 71


1- السرائر: 123.
2- سنن أبي داود 156:2-1791، جامع الأصول 315:3-1622.
3- التهذيب 44:5-131.
4- التهذيب 44:5 ذيل الحديث 131.
5- الخلاف 282:2، المسألة 57.
6- حكاه عنه المحقّق في المعتبر: 339.
7- أورده المحقّق في المعتبر: 339 بتفاوت يسير في اللفظ، و نحوه في صحيح مسلم 907:2-1236، و سنن النسائي 246:5 و سنن البيهقي 18:5، و مسند أحمد 292:3.

شرط في التحلّل عدم السياق.

شرط في التحلّل عدم السياق.

و قال الشافعي: يتحلّل، سواء ساق هديه أو لم يسق(1).

و قال أبو حنيفة: إن لم يكن ساق، تحلّل، و إن كان ساق، لم يتحلّل، و استأنف إحراما للحجّ، و لا يحلّ حتى يفرغ من مناسكه(2).

و هو باطل، لأنّ تجديد الإحرام إنّما يمكن مع الإحلال، أمّا المحرم فهو باق على إحرامه، فلا وجه لتجديد الإحرام.

و لأنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله لم يتحلّل، و علّل بأنّه ساق الهدي(3) ، و قال عليه السّلام:

(لا يتحلّل سائق الهدي حتى يبلغ الهدي محلّه)(4).

مسألة 439: إذا فرغ المتمتّع من عمرته و أحلّ ثم أحرم بالحجّ، فقد استقرّ دم التمتّع بإحرام الحجّ عليه

- و به قال أبو حنيفة و الشافعي(5) - لقوله تعالى فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ (6) فجعل الحجّ غاية لوجوب الهدي، و الغاية وجود أوّل الحجّ دون إكماله، كما في قوله تعالى ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ (7).

ص: 72


1- فتح العزيز 127:7، المجموع 180:7، حلية العلماء 267:3، الشرح الكبير 256:3، و حكى قولهما المحقّق في المعتبر: 339.
2- فتح العزيز 127:7، المجموع 180:7، حلية العلماء 267:3، الشرح الكبير 256:3، و حكى قولهما المحقّق في المعتبر: 339.
3- صحيح مسلم 888:2-1218، سنن أبي داود 184:2-1905، سنن ابن ماجة 1023:2-374، سنن الدارمي 46:2، المحرّر في الحديث 1: 397-685، و كما في المعتبر: 339.
4- أورده المحقّق في المعتبر: 339 بتفاوت يسير في اللفظ.
5- المغني 506:3، الشرح الكبير 251:3، حلية العلماء 262:3، فتح العزيز 168:7، المهذّب - للشيرازي - 209:1، المجموع 184:7، و حكاه عنهما الشيخ الطوسي في الخلاف 273:2، المسألة 44.
6- البقرة: 196.
7- البقرة: 187.

و ما رواه العامّة عن ابن عمر قال: تمتّع الناس على عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، فقال: (من كان معه هدي فإذا أهلّ بالحجّ فليهد، و من لم يكن معه هدي فليصم ثلاثة أيّام في الحجّ و سبعة إذا رجع إلى أهله)(1).

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السّلام: «من تمتّع في أشهر الحجّ ثم أقام بمكة حتى يحضر الحج فعليه شاة، و من تمتّع في غير أشهر الحجّ ثم جاوز حتى يحضر الحج فليس عليه دم، إنّما هي حجّة مفردة، و إنّما الأضحى على أهل الأمصار»(2).

مسألة 440: المتمتّع إذا طاف و سعى للعمرة ثم أحرم بالحجّ قبل أن يقصّر، قال الشيخ: بطلت متعته

و كانت حجّته مبتولة، و إن فعل ذلك ناسيا فليمض فيما أخذ فيه، و قد تمّت متعته، و ليس عليه شيء(3).

لرواية العلاء بن الفضيل، قال: سألته عن رجل تمتّع فطاف ثم أهلّ بالحجّ قبل أن يقصّر، قال: «بطلت متعته، و هي حجّة مبتولة»(4).

و دلّ على حال النسيان: ما رواه عبد اللّه بن سنان - في الصحيح - عن الصادق عليه السّلام: عن رجل متمتّع نسي أن يقصّر حتى أحرم بالحجّ، قال:

«يستغفر اللّه»(5).

ص: 73


1- أورده كما في المتن الشيخ الطوسي في الخلاف 273:2، المسألة 44، و في صحيح مسلم 901:2-1227 و سنن أبي داود 160:2-1805، و سنن النسائي 151:5، و سنن البيهقي 17:5 بتفاوت يسير.
2- الكافي 487:4 (باب من يجب عليه الهدي..) الحديث 1، التهذيب 5: 199-662، الإستبصار 259:2-913.
3- النهاية: 215.
4- التهذيب 90:5-296، الإستبصار 175:2-176-580.
5- الكافي 440:4-1، التهذيب 90:5-297، الاستبصار 175:2-577.

و قال بعض علمائنا في الناسي: عليه دم(1).

و قال بعضهم: يبطل الإحرام الثاني، سواء وقع عمدا أو سهوا، و يبقى على إحرامه الأوّل(2).

مسألة 441: قد تقدّم

مسألة 441: قد تقدّم(3) أنّ إحرام المتمتّع و المفرد ينعقد بالتلبية،

و أنّ إحرام القارن ينعقد بها أو بالإشعار أو التقليد، فإن عقد بالتلبية، استحبّ له الإشعار أو التقليد - و به قال الشافعي و مالك(4) ، إلاّ أنّ الشافعي قال: الإحرام ينعقد بمجرّد النيّة و إن لم يلبّ و لا أشعر و لا قلّد(5) - لما رواه العامّة عن ابن عباس: أنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله دعا ببدنة فأشعرها في صفحة سنامها الأيمن ثم سلت الدم(6) عنها(7).

و عن عروة [عن المسور](8) بن مخرمة و مروان، قالا: خرج

ص: 74


1- كالشيخ الطوسي في الجمل و العقود (ضمن الرسائل العشر): 232، و القاضي ابن البرّاج في المهذّب 223:1-225، و ابن حمزة في الوسيلة: 168.
2- ابن إدريس في السرائر: 136.
3- تقدّم في ج 7 ص 248، المسألة 186.
4- الام 216:2، مختصر المزني: 73-74، الحاوي الكبير 372:4، حلية العلماء 363:3، المجموع 358:8، المغني 591:3، المحلّى 112:7، بداية المجتهد 377:1، الكافي في فقه أهل المدينة: 162، المنتقى - للباجي - 312:2، التفريع 332:1، و حكاه عنهما الشيخ الطوسي في الخلاف 439:2، المسألة 337، و المحقّق في المعتبر: 339.
5- الحاوي الكبير 81:4، المهذّب - للشيرازي - 212:1، المجموع 224:7 و 225، الوجيز 116:1، فتح العزيز 201:7-202، المغني 246:3-247، الشرح الكبير 237:3، بداية المجتهد 337:1.
6- سلت الدم: أي إماطة. النهاية - لابن الأثير - 387:2 «سلت».
7- صحيح مسلم 912:2-1243، سنن أبي داود 146:2-1752، سنن الدارمي 66:2.
8- أضفناها من المصادر.

رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، فلمّا كان بذي الحليفة قلّد الهدي و أشعره(1).

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السّلام: «من أشعر بدنته فقد أحرم و إن لم يتكلّم بقليل و لا كثير»(2).

و قال أبو حنيفة: الإشعار مثلة و بدعة و تعذيب للحيوان، و لم يعرف تقليد الغنم(3).

و هو مدفوع بما تقدّم(4).

و بما رواه العامّة عن جابر الأنصاري قال: كان هدايا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله غنما مقلّدة(5).

و عن عائشة أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أهدى غنما مقلّدة(6).

مسألة 442: إذا قصّر المتمتّع من عمرته، أحرم للحجّ من مكّة،

و فعل حالة الإحرام يوم التروية كما فعله أوّلا عند الميقات من أخذ الشارب و قلم الأظفار و الاغتسال و غير ذلك، لأنّه أحد الإحرامين، فاستحبّ فيه ما استحبّ في الآخر.

ص: 75


1- صحيح البخاري 207:2، سنن أبي داود 146:2-1754، سنن النسائي 5: 170، سنن البيهقي 131:5.
2- التهذيب 44:5-130.
3- المجموع 358:8، صحيح مسلم بشرح النووي هامش إرشاد الساري 364:5، معالم السنن - للخطابي - 291:2، الحاوي الكبير 372:4، حلية العلماء 3: 364، المغني 591:3، الشرح الكبير 579:3، و حكاه عنه الشيخ الطوسي في الخلاف 439:2، المسألة 337، و المحقّق في المعتبر: 339.
4- تقدّم آنفا.
5- أورده الشيخ الطوسي في الخلاف 440:2 ذيل المسألة 338، و المحقّق في المعتبر: 339.
6- سنن أبي داود 146:2-1755، و أورده الشيخ الطوسي في الخلاف 440:2 ذيل المسألة 338، و المحقّق في المعتبر: 339.

و لقول الصادق عليه السّلام: «إذا أردت أن تحرم يوم التروية فاصنع كما صنعت حين أردت أن تحرم»(1) الحديث، إلاّ أنّه هنا يلبّي بالحجّ.

مسألة 443: إحرام المرأة كإحرام الرجل إلاّ في أمرين:

رفع الصوت بالتلبية، و قد تقدّم(2) ، و لبس المخيط، فإنّه جائز لهنّ، لما رواه العامّة عن النبي صلّى اللّه عليه و آله أنّه نهى النساء في إحرامهنّ عن القفّازين و النقاب و ما مسّه الورس من الثياب، و لتلبس بعد ذلك ما أحبّته من ألوان الثياب(3).

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السّلام: «المرأة المحرمة تلبس ما شاءت من الثياب غير الحرير و القفّازين» وكره النقاب و قال: «تسدل الثوب على وجهها» قال: حدّ ذلك إلى أين ؟ قال: «إلى طرف الأنف قدر ما تبصر»(4).

مسألة 444: إحرام المرأة في وجهها،

فلا تخمره، و لا يجوز لها أن تغطّيه بمخيط و لا بغيره بإجماع العلماء، لما رواه العامّة عن النبي صلّى اللّه عليه و آله قال: (لا تتنقّب المرأة و لا تلبس القفّازين)(5).

و من طريق الخاصّة: قول الباقر عليه السّلام: «المحرمة لا تتنقّب لأنّ إحرام المرأة في وجهها و إحرام الرجل في رأسه»(6).

إذا عرفت هذا، فإنّه يجوز لها أن تسدل الثوب على رأسها إلى طرف

ص: 76


1- الكافي 454:4-2، التهذيب 168:5-559، الاستبصار 251:2-881.
2- تقدّم في ج 7 ص 250-251، المسألة 188.
3- سنن أبي داود 166:2-1827، سنن البيهقي 52:5.
4- الكافي 344:4-1، التهذيب 73:5-74-243.
5- صحيح البخاري 19:3، سنن أبي داود 165:2-1825، سنن الترمذي 3: 194-195-833، سنن النسائي 135:5-136، سنن البيهقي 46:5.
6- الكافي 346:4-7، الفقيه 219:2-1009.

أنفها، و تستر المحرمة سائر جسدها إلاّ وجهها، و لها سدل الثوب على وجهها بحيث لا يمسّه، لأنّه ليس بستر حقيقة، و لهذا جاز للمحرم أن يظلّل على نفسه حالة النزول.

و لو أصاب الثوب وجهها، قال بعض العامّة: إن إزالته في الحال، فلا شيء عليها، و إلاّ وجب عليها دم(1).

و لا يجوز لها لبس البرقع، للرواية(2).

و يجوز لها لبس السراويل، لأنّ الحلبي سأل الصادق عليه السّلام: عن المرأة إذا أحرمت أ تلبس السراويل ؟ قال: «نعم إنّما تريد بذلك الستر»(3).

و يجوز لها أن تلبس الغلالة إذا كانت حائضا لتحفظ ثيابها من الدم، لأنّ الصادق عليه السّلام قال: «تلبس المرأة المحرمة الحائض تحت ثيابها غلالة»(4).1.

ص: 77


1- المغني 312:3، الشرح الكبير 330:3.
2- الكافي 345:4-6، التهذيب 75:5-247، الإستبصار 309:2-1101.
3- الكافي 346:4-11، الفقيه 219:2-1013، التهذيب 76:5-252.
4- الفقيه 219:2-1011، التهذيب 76:5-251.

ص: 78

الفصل الثاني في دخول مكّة
اشارة

إذا فرغ المتمتّع من إحرام العمرة من الميقات ثم صار إلى مكّة فقارب الحرم، استحبّ له أن يغتسل قبل دخوله، لأنّ أبان بن تغلب كان مع الصادق عليه السّلام، لمّا انتهى إلى الحرم نزل و اغتسل و أخذ نعليه بيديه ثم دخل الحرم حافيا، فصنعت مثل ما صنع، فقال: «يا أبان من صنع مثل ما رأيتني صنعت تواضعا للّه عزّ و جلّ محا اللّه عنه مائة ألف سيّئة، و كتب له مائة ألف حسنة، و بنى له مائة ألف درجة، و قضى له مائة ألف حاجة»(1).

و لو لم يتمكّن من الغسل عند دخول الحرم، جاز له أن يؤخّره إلى قبل دخول مكة، فإن لم يتمكّن، فبعد دخولها، للرواية(2).

مسألة 445: يستحب له مضغ شيء من الإذخر عند دخول الحرم،

ليطيب فمه.

و لقول الصادق عليه السّلام: «إذا دخلت الحرم فتناول من الإذخر فامضغه» و كان يأمر أمّ فروة بذلك(3).

و يستحب له الدعاء عند دخول الحرم بالمنقول، فإذا نظر إلى بيوت مكة، قطع التلبية، و حدّها عقبة المدينين. و لو أخذ على طريق المدينة، قطع التلبية إذا نظر إلى عريش مكة، و هي عقبة ذي طوى - و هو من سواد

ص: 79


1- الكافي 398:4-1، التهذيب 97:5-317.
2- الكافي 398:4-5، و 400-4، التهذيب 97:5-98-318 و 319.
3- الكافي 398:4-3، التهذيب 98:5-320.

مكة قريب منها - بضم الطاء، و قد تفتح و تكسر.

و يستحب له أن يدخل مكة من أعلاها إذا كان داخلا من طريق المدينة، و يخرج من أسفلها، لأنّ يونس بن يعقوب سأل الصادق عليه السّلام:

من أين أدخل مكة و قد جئت من المدينة ؟ قال: «ادخل من أعلى مكة، و إذا خرجت تريد المدينة فاخرج من أسفل مكة»(1).

و روى العامّة: أنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله كان يدخل من الثنيّة العليا و يخرج من الثنيّة السفلى(2).

و هذا في حقّ من يجيء من المدينة و الشام، فأمّا الذين يجيئون من سائر الأقطار فلا يؤمرون بأن يدوروا ليدخلوا من تلك الثنيّة. و كذا في الاغتسال بذي طوى.

و قيل: بل هو عام، ليحصل التأسّي بالنبي صلّى اللّه عليه و آله.

و يستحب له أن يغتسل لدخول مكّة من بئر ميمون أو فخّ، لما روى العامّة أنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله فعله(3).

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السّلام: «إنّ اللّه عزّ و جلّ يقول في كتابه طَهِّرا بَيْتِيَ لِلطّائِفِينَ وَ الْعاكِفِينَ وَ الرُّكَّعِ السُّجُودِ (4) و ينبغي للعبد أن لا يدخل مكة إلاّ و هو طاهر قد غسل عرقه و الأذى و تطهّر»(5).2.

ص: 80


1- الكافي 399:4 (باب دخول مكة) الحديث 1، التهذيب 98:5-321.
2- صحيح البخاري 178:2، صحيح مسلم 918:2-1257، سنن ابن ماجة 2: 981-2940، سنن أبي داود 174:2-1866، سنن النسائي 200:5، سنن الترمذي 209:3-853.
3- صحيح مسلم 919:2-227، سنن الترمذي 208:3-852، سنن البيهقي 71:5.
4- البقرة: 125.
5- الكافي 400:4-3، التهذيب 98:5-99-322.

و لو اغتسل ثم نام قبل دخولها، استحب إعادته، لأنّ عبد الرحمن بن الحجّاج سأل الكاظم عليه السّلام - في الصحيح - عن الرجل يغتسل لدخول مكة ثم ينام [فيتوضّأ](1) قبل أن يدخل الحرم، قال: «لا يجزئه، لأنّه إنّما دخل بوضوء»(2).

و يستحب له أن يدخل مكة بسكينة و وقار حافيا، لأنّه أبلغ في الطاعة.

و لأنّ الصادق عليه السّلام فعله(3).

مسألة 446: دخول مكة واجب للمتمتّع،

أوّلا يطوف بالبيت و يسعى و يقصّر ثم ينشئ إحرام الحجّ، أمّا القارن و المفرد فلا يجب عليهما ذلك، لأنّ الطواف و السعي إنّما يجب عليهما بعد الموقفين و نزول منى و قضاء بعض مناسكها، لكن يجوز لهما أيضا دخول مكة و المقام بها على إحرامهما حتى يخرجا إلى عرفات، فإن أرادا الطواف بالبيت استحبابا، جاز، غير أنّهما يجدّدان التلبية عقيب كلّ طواف و سعي حتى يخرجا إلى عرفات.

و قد بيّنّا أنّ كلّ من دخل مكة يجب أن يكون محرما، إلاّ المتكرّر، كالحطّاب و المرضى و الرّعاة و المقاتل شرعا، و العبد، لأنّ السيّد لم يأذن له بالتشاغل عن خدمته.

و من يجب عليه دخول مكة بإحرام لو دخلها بغير إحرام، لم يجب عليه القضاء - و به قال الشافعي(4) - لأصالة البراءة.

ص: 81


1- أضفناها من المصدر.
2- الكافي 400:4-8، التهذيب 99:5-325.
3- الكافي 398:4-1، التهذيب 97:5-317.
4- الحاوي الكبير 242:4، المهذّب - للشيرازي - 202:1، المجموع 13:7 و 16، المغني 229:3، الشرح الكبير 224:3.

و قال أبو حنيفة: عليه أن يأتي بحجّة أو عمرة، فإن فعل في سنته لحجّة الإسلام أو منذورة أو عمرة منذورة، أجزأه ذلك عن عمرة الدخول [استحسانا](1) ، و إن لم يحجّ من سنته، استقرّ القضاء(2).

مسألة 447: الحائض و النفساء يستحب لهما الاغتسال لدخول مكّة،

لأنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أمر عائشة لمّا حاضت: (افعلي ما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت)(3).

و يجوز دخول مكّة ليلا و نهارا إجماعا، للأصل.

و حكي عن عطاء أنّه كره دخولها ليلا(4).

و قال إسحاق: دخولها نهارا أولى(5). و حكي ذلك عن النخعي(6).

و الأصل أنّه عليه السّلام دخلها تارة ليلا و تارة نهارا(7).

مسألة 448: إذا أراد دخول المسجد الحرام، استحبّ له أن يغتسل،

لما تقدّم(8). و أن يدخله على سكينة و وقار حافيا بخشوع و خضوع من باب بني شيبة، لأنّ هبل الصنم مدفون تحت عتبة باب بني شيبة، فاستحبّ الدخول منها ليطأه الداخل برجله. و يدعو بالمنقول.

ص: 82


1- في «ف، ط، ن» و الطبعة الحجرية: استحبابا. و الصحيح ما أثبتناه من المغني و الشرح الكبير.
2- المغني 229:3، الشرح الكبير 224:3.
3- صحيح البخاري 84:1 و 195:2، صحيح مسلم 873:2-874-120، سنن البيهقي 3:5 و 86، سنن الدارمي 44:2.
4- كما في الخلاف 319:2، المسألة 121، و في المجموع 7:8: و ممّن استحب دخولها نهارا:.. عطاء.
5- الحاوي الكبير 131:4، حلية العلماء 325:3، المجموع 7:8.
6- الحاوي الكبير 131:4، حلية العلماء 325:3، المجموع 7:8.
7- انظر: صحيح مسلم 919:2-226 و 227، و سنن أبي داود 174:2-1865، و سنن النسائي 199:5، و سنن الدارمي 70:2، و سنن البيهقي 72:5.
8- تقدّم في المسألة 445.
الفصل الثالث في الطواف
اشارة

و فيه مباحث:

الأوّل: في مقدّماته.
مسألة 449: الطهارة شرط في الطواف الواجب،

فلا يصحّ طواف المحدث عند علمائنا - و به قال مالك و الشافعي(1) - لما رواه العامّة: أنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله، قال: (الطواف بالبيت صلاة إلاّ أنّكم تتكلّمون فيه)(2).

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السّلام - في الصحيح -: «لا بأس أن تقضي المناسك كلّها على غير وضوء إلاّ الطواف بالبيت، و الوضوء أفضل»(3).

و لو شرع في الطواف الواجب على غير طهارة فذكر، إعادة، لأنّ زرارة سأل الباقر عليه السّلام: عن الرجل يطوف بغير وضوء أ يعتدّ بذلك الطواف ؟ قال: «لا»(4) و هو يتناول العامد و الساهي.

و لو ذكر في الأثناء أنّه محدث، أعاد الطواف من أوّله، لأنّ علي بن جعفر سأل الكاظم - في الصحيح -: عن رجل طاف بالبيت و هو جنب فذكر

ص: 83


1- بداية المجتهد 343:1، الحاوي الكبير 144:4، الوجيز 118:1، فتح العزيز 286:7، المهذّب - للشيرازي - 228:1، المجموع 15:7 و 17، المغني 3: 397، الشرح الكبير 409:3.
2- أورده ابنا قدامة في المغني 397:3، و الشرح الكبير 409:3، و بتفاوت يسير في سنن الترمذي 293:3-960، و سنن البيهقي 87:5.
3- الفقيه 250:2-1201.
4- الكافي 420:4-1، التهذيب 116:5-378، الاستبصار 221:2-762

و هو في الطواف، فقال: «يقطع طوافه و لا يعتدّ به»(1).

و قال أبو حنيفة: ليست الطهارة شرطا(2). و اختلف أصحابه، فقال بعضهم بالأوّل(3) ، و بعضهم بالثاني(4).

و عن أحمد روايتان: إحداهما كقولنا، و الثاني: أنّ الطهارة ليست شرطا. فمتى طاف للزيارة غير متطهّر، أعاد ما دام مقيما بمكّة، فإن خرج إلى بلده، جبره بدم(5).

مسألة 450: لا تشترط الطهارة في طواف النافلة و إن كانت أفضل،

لقول الصادق عليه السّلام: في رجل طاف على غير وضوء: «إن كان تطوّعا فليتوضّأ و ليصلّ»(6).

و سأل عبيد بن زرارة الصادق عليه السّلام: إنّي أطوف طواف النافلة و إنّي على غير وضوء، فقال: «توضّأ و صلّ و إن كنت(7) متعمّدا»(8).

مسألة 451: يشترط خلوّ البدن و الثوب من النجاسة

في صحّة

ص: 84


1- الكافي 420:4-4، التهذيب 117:5-381، و فيهما: «.. و لا يعتدّ بشيء ممّا طاف».
2- المبسوط - للسرخسي - 38:4، بدائع الصنائع 129:2، المغني 379:3، الشرح الكبير 409:3، بداية المجتهد 343:1، الحاوي الكبير 144:4، المجموع 17:8، حلية العلماء 326:3.
3- أي: اشتراط الطهارة.
4- المبسوط - للسرخسي - 38:4، بدائع الصنائع 129:2، المغني 379:3، الشرح الكبير 409:3، حلية العلماء 326:3-327.
5- المغني 397:3، الشرح الكبير 409:3، حلية العلماء 326:3، المجموع 17:8.
6- التهذيب 117:5-382، الإستبصار 222:2-766.
7- في النسخ الخطّية «ط، ف، ن» و الطبعة الحجرية: «كان» بدل «كنت» و ما أثبتناه من المصدر.
8- التهذيب 117:5-383، الاستبصار 222:2-767.

الطواف، سواء كانت النجاسة دما أو غيره، قلّت أو كثرت، لقوله عليه السّلام:

(الطواف بالبيت صلاة)(1).

و لأنّها شرط في الصلاة، فتكون شرطا في الطواف.

[و الستر شرط في الطواف](2) - و الخلاف فيه كما تقدّم - لقوله عليه السّلام:

(الطواف بالبيت صلاة)(3).

و قوله عليه السّلام: (لا يحجّ بعد العام مشرك و لا عريان)(4).

و لأنّها عبادة متعلّقة بالبدن، فكانت الستارة شرطا فيها، كالصلاة.

و الختان شرط في الطواف للرجل مع القدرة دون المرأة، لقول الصادق عليه السّلام - في الصحيح -: «الأغلف لا يطوف بالبيت و لا بأس أن تطوف المرأة»(5).

مسألة 452: يستحب أن يغتسل لدخول المسجد

و يدخل من باب بني شيبة بعد أن يقف عندها، لأنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله دخل منها(6).

و يسلّم على النبي صلّى اللّه عليه و آله، و يدعو بالمأثور.

و يكون دخوله بخضوع و خشوع، و عليه سكينة و وقار، و يقول إذا نظر إلى الكعبة: الحمد للّه الذي عظّمك و شرّفك و كرّمك و جعلك مثابة للناس و آمنا مباركا و هدى للعالمين.

ص: 85


1- سنن النسائي 222:5، سنن الدارمي 44:2، سنن البيهقي 85:5 و 87، المستدرك - للحاكم - 459:1 و 267:2، المعجم الكبير - للطبراني - 34:11-10955.
2- أضفناها من منتهى المطلب 690:2 - للمصنّف - لأجل السياق.
3- المصادر في الهامش (1).
4- صحيح البخاري 188:2، صحيح مسلم 982:2-1347، سنن النسائي 5: 234، سنن البيهقي 87:5-88، و فيها (.. و لا يطوف بالبيت عريان).
5- التهذيب 126:5-413.
6- سنن البيهقي 72:5.
البحث الثاني: في كيفية الطواف.
مسألة 453: يجب في الطواف: النيّة،

و هي شرط، لقوله عليه السّلام: (لا عمل إلاّ بالنيّة)(1).

و هو أن ينوي الطواف للحجّ أو العمرة واجبا أو ندبا قربة إلى اللّه تعالى.

و يجب أن يبتدئ في الطواف من الحجر الأسود الذي في الركن العراقي، فإنّ البيت له أربعة أركان: ركنان يمانيّان، و ركنان شاميّان، و كان لاصقا بالأرض، و له بابان: شرقيّ و غربيّ، فهدمه السيل قبل مبعث رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بعشر سنين، و أعادت قريش عمارته على الهيئة التي هو عليها اليوم، و قصرت الأموال الطيّبة و الهدايا و النذور عن عمارته، فتركوا من جانب الحجر بعض البيت.

روت عائشة: أنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله قال: (ستّة أذرع من الحجر من البيت)(2) فتركوا بعض البيت من جانب الحجر خارجا، لأنّ النفقة كانت تضيق عن العمارة، و خلّفوا الركنين الشاميّين عن قواعد إبراهيم عليه السّلام، و ضيّقوا عرض الجدار من الركن الأسود إلى الشامي الذي يليه، فبقي من الأساس شبه الدكان مرتفعا، و هو الذي يسمّى: الشاذروان.

و روي أنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله قال لعائشة: (لو لا حدثان قومك بالشرك

ص: 86


1- أمالي الطوسي 203:2.
2- صحيح مسلم 969:2-970-401 و فيه أنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله قال لعائشة (.. و زدت فيها ستة أذرع من الحجر..) و كذا في سنن البيهقي 89:5.

لهدمت البيت و بنيته على قواعد إبراهيم عليه السّلام، فألصقته بالأرض، و جعلت له بابين شرقيّا و غربيّا)(1).

ثم هدمه ابن الزبير أيّام ولايته، و بناه على قواعد إبراهيم عليه السّلام، كما تمنّاه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله.

ثم لمّا استولى عليه الحجّاج، هدمه، و أعاده على الصورة التي عليه اليوم، و هي بناء قريش و الركن الأسود، و الباب في صوب الشرق و الأسود، و هو أحد الركنين اليمانيّين، و الباب بينه و بين أحد الشاميّين، و هو الذي يسمّى عراقيّا أيضا، و الباب إلى الأسود أقرب منه إليه، و يليه الركن الآخر الشامي، و الحجر بينهما، و الميزاب بينهما، و يلي هذا الركن اليماني الآخر الذي عن يمين الأسود.

مسألة 454: و يجب أن يحاذي بجميع بدنه الحجر الأسود

في مروره(2) حين الابتداء به في الطواف، فلو ابتدأ الطائف من غير الحجر الأسود، لم يعتد بما فعله حتى ينتهي إلى الحجر الأسود، فيكون منه ابتداء طوافه إن جدّد النيّة عنده أو استصحبها فعلا.

و لو نسيها و استمرّ على نيّته الأولى، لم يعتد بذلك الشوط، فإن جدّد النيّة في ابتداء الشوط الثاني، و إلاّ بطل طوافه.

و ينبغي أن يمرّ عند الابتداء بجميع بدنه على الحجر الأسود بأن لا يقدّم جزءا من الحجر، فلو حاذاه ببعض البدن، لم يعتد بذلك الطواف،

ص: 87


1- أورده نصّا الرافعي في فتح العزيز 290:7، و بتفاوت يسير في صحيح مسلم 2: 969-970-401، و سنن النسائي 216:5، و سنن البيهقي 89:5.
2- في «ف، ن» و الطبعة الحجرية: بروزه. و الأنسب ما أثبتناه، علما بأنّ الكلمة على اختلافها لم ترد في «ط» لسقوطها.

و هو الجديد للشافعي(1) - و قال في القديم: يعتد به(2) - لما رواه العامّة عن جابر أنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله بدأ بالحجر، فاستلمه، و فاضت عيناه من البكاء(3).

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السّلام - في الصحيح -: «من اختصر في الحجر الطواف فليعد طوافه من الحجر الأسود»(4) و الأمر للوجوب، و لا نعلم فيه خلافا.

مسألة 455: و كما يجب الابتداء بالحجر الأسود يجب الختم به

هكذا سبعة أشواط، فلو ترك و لو خطوة منها، لم يجزئه، و لا تحلّ له النساء حتى يعود إليها، فيأتي بها، لأنّ رعاية العدد شرط في صحة الطواف عندنا - و به قال الشافعي و مالك و أحمد(5) - لأنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله طاف بالبيت سبعا(6).

و قال عليه السّلام: (خذوا عنّي مناسككم)(7).

و من طريق الخاصّة: ما رواه الحلبي - في الصحيح - عن الصادق عليه السّلام، قال: قلت: رجل طاف بالبيت فاختصر شوطا واحدا في الحجر، قال: «يعيد ذلك الشوط»(8).

ص: 88


1- الوجيز 118:1، فتح العزيز 293:7، المهذّب - للشيرازي - 229:1، المجموع 32:8، حلية العلماء 329:3، الحاوي الكبير 134:4-135.
2- الوجيز 118:1، فتح العزيز 293:7، المهذّب - للشيرازي - 229:1، المجموع 32:8، حلية العلماء 329:3، الحاوي الكبير 134:4-135.
3- سنن البيهقي 74:5.
4- الكافي 419:4-2، الفقيه 249:2-1198.
5- الوجيز 118:1، فتح العزيز 303:7، المهذّب - للشيرازي - 228:1، المجموع 21:8، الحاوي الكبير 151:4، حلية العلماء 328:3، المغني 3: 496، الشرح الكبير 511:3.
6- صحيح البخاري 189:2، سنن ابن ماجة 986:2-2959، سنن النسائي 5: 225 و 235، سنن البيهقي 73:5-74.
7- سنن البيهقي 125:5.
8- التهذيب 109:5-353.

و لأنّها عبادة واجبة ذات عدد فلا يقوم أكثر عددها مقام كلّها، كالصلاة.

و لأنّه مأمور بعدد، فلا يخرج عن العهدة ببعضه، إذ الفائت لا بدل له مطلقا.

و قال أبو حنيفة: إذا طاف أربعة أشواط، فإن كان بمكة، لزمه إتمام الطواف، و إن خرج، لزمه جبرها بدم، لأنّ أكثر الشيء يقوم مقام الجميع، فإنّ من أدرك ركوع الإمام أدرك ركعته، لأنّه أدرك أكثرها(1).

و هو خطأ، فإنّ الفائت هو القراءة و الإمام ينوب فيها، بخلاف صورة النزاع.

مسألة 456: و يجب أن يطوف على يساره

بأن يجعل البيت عن يساره، و يطوف على يمين نفسه، فلو نكس و جعل البيت عن يمينه و مرّ على وجهه نحو الركن اليماني و طاف، لم يجزئه، و وجب عليه الإعادة عند علمائنا - و به قال الشافعي و مالك و أحمد(2) - لأنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله ترك البيت في طوافه على جانبه اليسار(3).

و قال عليه السّلام: (خذوا عنّي مناسككم)(4) فيجب اتّباعه.

ص: 89


1- الهداية - للمرغيناني - 166:1، حلية العلماء 328:3، فتح العزيز 303:7 - 304، الحاوي الكبير 151:4، المجموع 22:8، المغني 496:3، الشرح الكبير 511:3.
2- الحاوي الكبير 150:4، فتح العزيز 292:7، المهذّب - للشيرازي - 229:1، المجموع 32:8، حلية العلماء 327:3، الكافي في فقه أهل المدينة: 139، المغني 403:3، الشرح الكبير 407:3، المبسوط - للسرخسي - 44:4.
3- صحيح مسلم 893:2-150، سنن الترمذي 311:3-856، سنن البيهقي 5: 90.
4- سنن البيهقي 125:5.

و قال أبو حنيفة: يعيد الطواف ما دام بمكة، فإن فارقها، أجزأه دم شاة، لأنّه أتى بالطواف، و إنّما ترك هيئة من هيئاته، فلا يمنع إجزاءه كما لو ترك الرمل(1).

و الفرق ندبية الرمل.

مسألة 457: و يجب أن يجعل البيت على جانبه الأيسر

و يطوف كذلك الأشواط السبعة، فلو استقبل البيت بوجهه و طاف معترضا، لم يصح - و هو أحد وجهي الشافعيّة(2) - لأنّه لم يولّ الكعبة شقّه الأيسر، كما أنّ المصلّي لمّا أمر بأن يولّي الكعبة صدره و وجهه، لم يجز له أن يولّيها شقّه.

و الوجه الثاني للشافعية: الجواز، لحصول الطواف في يسار البيت(3).

و كذا يجري الخلاف فيما لو ولاّها(4) بشقّه الأيمن و مرّ القهقرى نحو الباب أو استدبر و مرّ معترضا.

و من صحّح الطواف فالمعتبر عنده أن يكون تحرّك الطائف و دورانه في يسار البيت.

مسألة 458: و يجب أن يكون بجميع بدنه خارجا من البيت،

فلا يجوز أن يمشي على شاذروان البيت، لأنّه من البيت، و الطواف المأمور به هو الطواف بالبيت.

قال اللّه تعالى وَ لْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ (5) و إنّما يكون طائفا به لو كان خارجا عنه، و إلاّ كان طائفا فيه.

ص: 90


1- المبسوط - للسرخسي - 44:4، فتح العزيز 292:7، الحاوي الكبير 4: 150، حلية العلماء 327:3، المغني 403:3، الشرح الكبير 407:3.
2- فتح العزيز 292:7، المجموع 32:8.
3- فتح العزيز 292:7، المجموع 32:8.
4- في «ط، ف، ن» و الطبعة الحجرية: لو لاقاها. و الصحيح ما أثبتناه.
5- الحج: 29.

و يجب أن يدخل الحجر في طوافه، و هو الذي بين الركنين الشاميّين، و هو موضع محوّط عليه بجدار قصير بينه و بين كلّ واحد من الركنين فتحة، و الميزاب منصوب عليه، فلو مشى على حائطه أو دخل من إحدى الفتحتين و خرج من الأخرى و سلك الحجر، لم يجزئ، لأنّه يكون ماشيا في البيت، بل يجب أن يطوف حول الحجر - و هو أحد قولي الشافعي(1) - لأنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله كذا طاف(2).

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السّلام: «من اختصر في الحجر الطواف فليعد طوافه من الحجر الأسود»(3).

و كتب إبراهيم بن سفيان إلى الرضا عليه السّلام: امرأة طافت طواف الحج، فلمّا كانت في الشوط السابع اختصرت، فطافت في الحجر، و صلّت ركعتي الفريضة، وسعت و طافت طواف النساء، ثم أتت منى، فكتب: «تعيد»(4).

و القول الثاني للشافعي: إنّ الذي هو من البيت من الحجر قدر ستّة أذرع تتّصل بالبيت، لأنّ عائشة قالت: نذرت أن أصلّي ركعتين في البيت، فقال النبي صلّى اللّه عليه و آله: (صلّي في الحجر، فإنّ ستّة أذرع منه من البيت)(5)(6).

و منهم من يقول: ستّة أو سبعة أذرع، بنوا الأمر فيه على التقريب(7).

و قال أبو حنيفة: إذا سلك الحجر، أجزأه(8). و ليس بجيّد.2.

ص: 91


1- الوجيز 118:1، فتح العزيز 295:7، المهذّب - للشيرازي - 228:1، المجموع 25:8 و 26.
2- سنن البيهقي 90:5.
3- الكافي 419:4-2، الفقيه 249:2-1198.
4- الفقيه 249:2-1199.
5- أورده الرافعي في فتح العزيز 296:7.
6- فتح العزيز 296:7، المجموع 25:8.
7- فتح العزيز 296:7، المجموع 25:8.
8- حكاه عنه الشيخ الطوسي في الخلاف 324:2، المسألة 132.

و لو دخل إحدى الفتحتين و خرج من الأخرى، لم يحسب له - و به قال الشافعي في أحد قوليه(1) - و لا طوافه بعده حتى ينتهي إلى الفتحة التي دخل منها.

و لو خلّف القدر الذي هو من البيت ثم اقتحم الجدار و تخطّى الحجر، ففي صحّة طوافه للشافعية وجهان(2) ، و عندنا لا يصحّ، لما تقدّم.

مسألة 459: لو كان يطوف و يمسّ الجدار بيده في موازاة الشاذروان أو أدخل يده في موازاة ما هو من البيت من الحجر، فالأقرب عدم الصحّة

- و هو أحد وجهي الشافعية(3) - لأنّ بعض بدنه في البيت، و نحن شرطنا خروج بدنه بأسره من البيت.

و الثاني للشافعية: الجواز، لأنّ معظم بدنه خارج، و حينئذ يصدق أن يقال: إنّه طائف بالبيت(4).

و هو ممنوع، لأنّ بعض بدنه في البيت، كما لو كان يضع إحدى رجليه أحيانا على الشاذروان و يقف بالأخرى.

مسألة 460: و يجب أن يكون الطواف

مسألة 460: و يجب أن يكون الطواف(5) داخل المسجد،

فلا يجوز الطواف خارج المسجد، كما يجب أن لا يكون خارج مكّة و الحرم.

إذا عرفت هذا، فإنّه يجب عندنا أن يكون الطواف بين البيت و المقام و يدخل الحجر في طوافه، فلو طاف في المسجد خلف المقام، لم يصح طوافه، لأنّه خرج بالتباعد عن القدر الواجب، فلم يكن مجزئا.

ص: 92


1- فتح العزيز 296:7-297، المجموع 25:8.
2- الموجود في فتح العزيز 297:7، و المجموع 25:8 صحّة طوافه.
3- فتح العزيز 297:7-298، المجموع 24:8.
4- فتح العزيز 297:7-298، المجموع 24:8.
5- في «ط، ف، ن»: أن يطوف.

روى محمد بن مسلم، قال: سألته عن حدّ الطواف بالبيت الذي من خرج منه لم يكن طائفا بالبيت، قال: «كان [الناس](1) على عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يطوفون بالبيت و المقام، و أنتم اليوم تطوفون ما بين المقام و بين البيت، فكان الحدّ من موضع المقام اليوم، فمن جازه فليس بطائف، فالحدّ قبل اليوم و اليوم واحد قدر ما بين المقام و بين البيت و من نواحي البيت كلّها، فمن طاف فتباعد من نواحيه أكثر من مقدار ذلك كان طائفا بغير البيت بمنزلة من طاف بالمسجد، لأنّه طاف في غير حدّ، و لا طواف له»(2).

و قد روى الصدوق عن أبان عن محمد الحلبي عن الصادق عليه السّلام، قال: سألته عن الطواف خلف المقام، قال: «ما أحبّ ذلك و ما أرى به بأسا فلا تفعله إلاّ أن لا تجد منه بدّا»(3).

و هو يعطي الجواز مع الحاجة كالزحام.

و قال الشافعي: لا بأس بالحائل بين الطائف و البيت، كالسقاية و السواري، و لا بكونه في آخر باب المسجد و تحت السقف و على الأروقة و السطوح إذا كان البيت أرفع بناء على ما هو اليوم، فإن جعل سقف المسجد أعلى، لم يجز الطواف على سطحه، و يستلزم أنّه لو انهدمت الكعبة - و العياذ باللّه - لم يصح الطواف حول عرصتها، و هو بعيد.

و لو اتّسعت خطّة المسجد، اتّسع المطاف، و قد جعلته العبّاسية أوسع ممّا كان في عهد النبي صلّى اللّه عليه و آله(4).8.

ص: 93


1- أضفناها من المصدر.
2- الكافي 413:4 (باب حدّ موضع الطواف) الحديث 1، التهذيب 5: 108-351.
3- الفقيه 249:2-250-120.
4- فتح العزيز 301:7-302، المجموع 39:8.

و هذا كلّه عندنا باطل.

مسألة 461: إذا فرغ من طواف سبعة أشواط تامّة، صلّى ركعتي الطواف في مقام إبراهيم عليه السّلام

حيث هو الآن - و هو سنة ثمان عشرة و سبعمائة - لأنّ إبراهيم بن أبي محمود قال للرضا عليه السّلام: أصلّي ركعتي طواف الفريضة خلف المقام حيث هو الساعة أو حيث كان على عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ؟ قال: «حيث هو الساعة»(1).

فإن كان الطواف مستحبّا، كانت هاتان الركعتان مستحبّتين، و إن كان الطواف فرضا، كانت الركعتان فرضا عند أكثر علمائنا(2) - و به قال أبو حنيفة و الشافعي في أحد قوليه(3) - لقوله تعالى وَ اتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى (4).

و لأنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله صلاّهما، و تلا قوله تعالى وَ اتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى (5) فأفهم الناس أنّ هذه الآية أمر بهذه الصلاة، و الأمر للوجوب.

و لأنّه عليه السّلام فعلهما و قال: (خذوا عنّي مناسككم)(6).

ص: 94


1- الكافي 423:4-424-4، التهذيب 137:5-453.
2- منهم: الشيخ الطوسي في النهاية: 242، و المبسوط 360:1، و الخلاف 2: 327، المسألة 138، و ابن إدريس في السرائر: 135، و المحقّق في شرائع الإسلام 267:1.
3- بدائع الصنائع 148:2، الوجيز 118:1، فتح العزيز 306:7، حلية العلماء 334:3، الحاوي الكبير 153:4، المهذّب - للشيرازي - 230:1، المجموع 51:8، المغني 405:3، الشرح الكبير 414:3.
4- البقرة: 125.
5- سنن الترمذي 211:3-856، سنن النسائي 235:5.
6- سنن البيهقي 125:5.

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السّلام - في الصحيح -: «إذا فرغت من طوافك فأت مقام إبراهيم عليه السّلام، فصلّ ركعتين، و اجعله أمامك، و اقرأ فيهما سورة التوحيد قُلْ هُوَ اللّهُ أَحَدٌ . و في الثانية قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ ، تم تشهّد و احمد اللّه و أثن عليه و صلّ على النبي صلّى اللّه عليه و آله، و سله أن يتقبّل منك، و هاتان الركعتان هما الفريضة ليس يكره أن تصلّيهما أيّ الساعات شئت: عند طلوع الشمس و عند غروبها، و لا تؤخّرها ساعة تطوف و تفرغ فصلّهما»(1).

و قال مالك و الشافعي في القول الثاني، و أحمد: أنّهما مستحبّتان - و هو قول شاذّ من علمائنا(2) - لأنّها صلاة لم يشرع لها أذان و لا إقامة، فلا تكون واجبة(3).

قلنا: تكون واجبة، و لا يسنّ لها الأذان، و كذا العيد الواجب و الكسوف.

مسألة 462: يجب أن يصلّي هاتين الركعتين في المقام

- عند أكثر علمائنا(4) - في طواف الفريضة، و في النفل يصلّيهما حيث كان من المسجد، لقول أحدهما عليهما السّلام: «لا ينبغي أن تصلّي ركعتي طواف الفريضة إلاّ عند مقام إبراهيم، فأمّا التطوّع فحيثما شئت من المسجد»(5).

ص: 95


1- الكافي 423:4-1، التهذيب 136:5-450.
2- كما في السرائر: 135.
3- بداية المجتهد 341:1، الحاوي الكبير 153:4، الوجيز 118:1، فتح العزيز 307:7، المهذّب - للشيرازي - 230:1، المجموع 51:8 و 62، حلية العلماء 334:3، المغني 405:3، الشرح الكبير 414:3-415.
4- منهم: الشيخ الطوسي في النهاية: 242، و المبسوط 360:1، و ابن إدريس في السرائر: 135، و المحقّق في شرائع الإسلام 268:1.
5- الكافي 424:4-8، التهذيب 137:5-452.

و به قال الثوري و مالك(1) ، لما تقدّم(2) من الآية و الأحاديث.

و لقول الصادق عليه السّلام: «ليس لأحد أن يصلّي ركعتي طواف الفريضة إلاّ خلف المقام، لقول اللّه تعالى وَ اتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى (3) فإن صلّيتهما في غيره فعليك إعادة الصلاة»(4).

و قال الشيخ في الخلاف: يستحب فعلهما خلف المقام، فإن لم يفعل و فعل في غيره، أجزأه(5). و به قال الشافعي، لأنّها صلاة، فلا تختص بمكان كغيرها من الصلوات(6).

و القياس لا يعارض القرآن و السنّة.

إذا عرفت هذا، فلو كان هناك زحام، صلّى خلف المقام، فإن لم يتمكّن، صلّى حياله على أحد جانبيه، لأنّ الحسين بن عثمان قال:

رأيت أبا الحسن عليه السّلام يصلّي ركعتي الفريضة بحيال المقام قريبا من الظلال لكثرة الناس(7).

و قال الشافعي: يستحب أن يصلّيهما خلف المقام، فإن لم يفعل، ففي الحجر، فإن لم يفعل، ففي المسجد، فإن لم يفعل، ففي أيّ موضع4.

ص: 96


1- المجموع 62:8، حلية العلماء 334:3، و انظر: الحاوي الكبير 154:4، و الخلاف - للشيخ الطوسي - 327:2، المسألة 139.
2- تقدّم في المسألة السابقة.
3- البقرة: 125.
4- التهذيب 137:5-451.
5- الخلاف 327:2، المسألة 139.
6- المهذّب - للشيرازي - 230:1، المجموع 53:8، الحاوي الكبير 153:4، فتح العزيز 309:7.
7- التهذيب 140:5-464.

شاء من الحرم و غيره(1).

و القرآن(2) يبطله.

و لا تجزئ الفريضة عن هاتين الركعتين.

و قال الشافعي: إن قلنا بعدم وجوبهما، فلو صلّى فريضة بعد الطواف، حسبت عن ركعتي الطواف اعتبارا بتحيّة المسجد، ذكره في القديم(3) ، و استبعده الجويني(4).

مسألة 463: قد بيّنّا أنّ ركعتي طواف المندوب مندوبتان.

و للشافعية طريقان: أحدهما: القطع بعدم الوجوب، لأنّ أصل الطواف ليس بواجب فكيف يكون تابعه واجبا!؟ و الثاني: طرد القولين.

و لا يبعد اشتراك الفرض و النفل في الشرائط كاشتراك صلاة الفرض و التطوّع في الطهارة و ستر العورة، و كذا يشتركان في الأركان كالركوع و السجود(5).

مسألة 464: لو نسي ركعتي طواف الفريضة، رجع إلى المقام، و صلاّهما فيه

مع القدرة، فإن شقّ عليه الرجوع، صلّى حيث ذكر، لأنّ محمد بن مسلم روى - في الصحيح - عن أحدهما عليهما السّلام، قال: سئل عن رجل طاف طواف النساء و لم يصلّ لذلك الطواف حتى ذكر و هو بالأبطح،

ص: 97


1- المهذّب - للشيرازي - 230:1، المجموع 53:8، فتح العزيز 309:7، حلية العلماء 334:3.
2- البقرة: 125.
3- فتح العزيز 310:7، المجموع 52:8.
4- فتح العزيز 310:7.
5- فتح العزيز 311:7، المجموع 51:8.

قال: «يرجع إلى المقام فيصلّي الركعتين»(1).

و سأل أبو بصير - في الصحيح - الصادق عليه السّلام: عن رجل نسي أن يصلّي ركعتي طواف الفريضة خلف المقام و قد قال اللّه تعالى وَ اتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى (2) قال: «فإن كان ارتحل فإنّي لا أشقّ عليه و لا آمره أن يرجع و لكن يصلّي حيث ذكر»(3).

و لو صلّى في غير المقام ناسيا ثم ذكر، تداركه، و رجع إلى المقام، و أعاد الصلاة، لأنّ المأمور به لم يقع، فيبقى في العهدة.

و لأنّ عبد اللّه الأبزاري سأل الصادق عليه السّلام: عن رجل نسي فصلّى ركعتي طواف الفريضة في الحجر، قال: «يعيدهما خلف المقام، لأنّ اللّه تعالى يقول وَ اتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى يعني بذلك ركعتي [طواف](4) الفريضة»(5).

و لو لم يتمكّن من الرجوع، استناب من يصلّي عنه في المقام، لأنّ ابن مسكان قال: حدّثني من سأله عن الرجل ينسى ركعتي طواف الفريضة حتى يخرج، فقال: «يوكّل»(6).

و قد اختصّت هذه الصلاة عن غيرها من الصلوات بجريان النيابة فيها، فإنّ الأجير يؤدّيها عن المستأجر.

مسألة 465: وقت ركعتي الطواف وقت فراغه منه

و إن كان أحد

ص: 98


1- الكافي 426:4-6، التهذيب 138:5-455، و ليس فيهما «الركعتين».
2- البقرة: 125.
3- التهذيب 140:5-461، الإستبصار 235:2-236-818.
4- أضفناها من المصدر.
5- التهذيب 138:5-454.
6- التهذيب 140:5-463، الإستبصار 234:2-813.

الأوقات المكروهة إن كان الطواف فرضا، و إن كان ندبا، أخّرهما إلى بعد طلوع الشمس أو بعد المغرب، لقول الصادق عليه السّلام: «صلّ ركعتي طواف الفريضة بعد الفجر كان أو بعد العصر»(1).

و أمّا التأخير في النفل: فلما رواه محمد بن مسلم - في الصحيح - عن أحدهما عليهما السّلام: عن الرجل يدخل مكة بعد الغداة أو بعد العصر، قال:

«يطوف و يصلّي الركعتين ما لم يكن عند طلوع الشمس أو عند احمرارها»(2).

و لو طاف في وقت فريضة، قال الشيخ رحمه اللّه: قدّم الفريضة على صلاة الطواف(3).

و لو صلّى المكتوبة بعد الطواف، لم تجزئه عن الركعتين - و به قال الزهري و مالك و أصحاب الرأي(4) - لأنّها فريضة، فلا يجزئ غيرها عنها، كغيرها من الفرائض المتعدّدة. و طواف النافلة(5) سنّة، فلا تجزئ الفريضة عنه، كركعتي الفجر.

و روي عن ابن عباس و عطاء و جابر بن زيد و الحسن و سعيد بن جبير و إسحاق: أنّ الفريضة تجزئه - و عن أحمد روايتان(6) - لأنّهما ركعتان شرّعتا للنسك، فأجزأت عنهما المكتوبة، كركعتي الإحرام(7).

و الجواب: النافلة(8) في الإحرام بدل عن الإحرام عقيب الفريضة،ة.

ص: 99


1- التهذيب 141:5-465، الاستبصار 236:2-819.
2- التهذيب 141:5-468، الإستبصار 237:2-823.
3- الاستبصار 237:2-238 ذيل الحديث 826.
4- المغني 405:3، الشرح الكبير 415:3، المجموع 63:8.
5- قوله: «و طواف النافلة..» كذا في النسخ الخطية و الحجرية.
6- المغني 405:3، الشرح الكبير 415:3.
7- المجموع 63:8، المغني 405:3، الشرح الكبير 415:3.
8- قوله: «النافلة..» كذا في النسخ الخطية و الحجرية.

بخلاف صورة النزاع.

مسألة 466: يستحب أن يقرأ في الأولى بعد الحمد: التوحيد، و في الثانية: الجحد

- و روي العكس(1) - رواه العامّة عن النبي(2) صلّى اللّه عليه و آله، و الخاصّة عن الصادق(3) عليه السّلام.

و أن يدعو عقيب الركعتين بالمنقول.

و لو نسي الركعتين حتى مات، قضى عنه وليّه واجبا إن كان الطواف واجبا، و إلاّ ندبا، لقول الصادق عليه السّلام: «من نسي أن يصلّي ركعتي طواف الفريضة حتى يخرج من مكة فعليه أن يقضي، أو يقضي عنه وليّه، أو رجل من المسلمين»(4).

و لو نسيهما حتى شرع في السعي، قطع السعي، و عاد إلى المقام، فصلّى الركعتين، ثم عاد فتمّم السعي، لما رواه محمد بن مسلم - في الصحيح - عن أحدهما عليهما السّلام، قال: سألته عن رجل يطوف بالبيت ثم ينسى أن يصلّي الركعتين حتى يسعى بين الصفا و المروة خمسة أشواط أو أقلّ من ذلك، قال: «ينصرف حتى يصلّي الركعتين ثم يأتي مكانه الذي كان فيه فيتمّ سعيه»(5).

و يستحب أن يدعو عقيب الركعتين بالمنقول.

مسألة 467: يستحب للحاج و المعتمر إذا دخل المسجد للطواف

أن

ص: 100


1- سنن الترمذي 221:3-869، سنن النسائي 236:5، سنن البيهقي 91:5.
2- سنن الترمذي 221:3-870، سنن البيهقي 91:5.
3- الكافي 423:4-1، التهذيب 136:5-450، و 286-973.
4- التهذيب 143:5-473.
5- التهذيب 143:5-474.

لا يتشاغل بشيء حتى يطوف، لقوله تعالى فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ (1).

و لأنّ الطواف تحيّة المسجد، فاستحبّ التبادر إليه.

و روى جابر أنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله دخل مكة ارتفاع الضحى، فأناخ راحلته عند باب بني شيبة، و دخل إلى المسجد، و استلم الحجر و طاف(2).

و لو دخل المسجد و الإمام مشتغل بالفريضة، صلّى معه المكتوبة، و لا يشتغل بالطواف، فإذا فرغ من الصلاة، طاف حينئذ، تحصيلا لفضيلة الجماعة، و تقديما للفائت وقته، و هو الجماعة، دون ما لا يفوت، و هو الطواف، و كذا لو قربت إقامة الصلاة.

مسألة 468: و لا يستحب رفع اليدين عند مشاهدة البيت.

قال الشيخ: إنّه لا يعرفه أصحابنا(3).

و أنكر مالك استحبابه(4).

و قال الشافعي: لا أكرهه و لا أستحبّه(5).

و قال أحمد: إنّه مستحب. و هو مروي عن ابن عباس و ابن عمر و الثوري و ابن المبارك(6).

لما رواه العامّة عن المهاجر المكّي، قال: سئل جابر بن عبد اللّه: عن الرجل يرى البيت أ يرفع يديه ؟ قال: ما كنت أظنّ أنّ أحدا يفعل هذا

ص: 101


1- البقرة: 148، المائدة: 48.
2- المستدرك - للحاكم - 454:1-455، سنن البيهقي 74:5.
3- الخلاف 320:2، المسألة 123.
4- حلية العلماء 325:3، المجموع 9:8، المغني 388:3، الشرح الكبير 3: 389.
5- المجموع 8:8.
6- المغني 388:3، الشرح الكبير 389:3، المجموع 9:8.

إلاّ اليهود، حججنا مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، فلم يكن يفعله(1).

احتجّ: بما روي عن النبي صلّى اللّه عليه و آله، قال: (لا ترفع الأيدي إلاّ في سبع مواطن: افتتاح الصلاة و استقبال البيت، و على الصفا و المروة، و على الموقفين و الجمرتين)(2).

و هو محمول على الرفع عند الدعاء.

مسألة 469: يستحب أن يقف عند الحجر الأسود و يدعو و يكبّر عند محاذاة الحجر

و يرفع يديه و يحمد اللّه و يثني عليه، لما رواه العامّة: أنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله، استقبل الحجر و استلمه و كبّر(3).

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السّلام: «إذا دنوت من الحجر الأسود فارفع يديك و احمد اللّه و أثن عليه»(4) الحديث.

و يستحب له أن يستلم الحجر و يقبّله إجماعا، لما رواه العامّة: أنّ عمر بن الخطّاب انكبّ على الحجر و قال: أما إنّي أعلم أنّك حجر لا تضرّ و لا تنفع، و لو لا أنّي رأيت رسول اللّه يقبّلك لما قبّلتك(5).

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السّلام: «قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:

استلموا الركن، فإنّه يمين اللّه في خلقه يصافح بها خلقه مصافحة العبد أو الدخيل، و يشهد لمن استلمه بالموافاة»(6).

إذا عرفت هذا، فإن لم يتمكّن من الاستلام، استلمه بيده و قبّل يده،

ص: 102


1- سنن أبي داود 175:2-1870، و سنن النسائي 212:5، و فيه:.. فلم نكن نفعله.
2- أورده ابنا قدامة في المغني 388:3، و الشرح الكبير 389:3.
3- المستدرك - للحاكم - 454:1، و ليس فيه تكبير النبي صلّى اللّه عليه و آله.
4- الكافي 402:4-403-1، التهذيب 101:5-329.
5- صحيح مسلم 925:2-250، سنن ابن ماجة 981:2-2943، سنن البيهقي 74:5.
6- التهذيب 102:5-331، و بتفاوت يسير في الكافي 406:4-9.

فإن لم يتمكّن من ذلك، أشار إليه بيده - و به قال الشافعي(1) - لقول الصادق عليه السّلام: «فإن وجدته خاليا و إلاّ فسلّم من بعيد»(2).

و سئل الرضا عليه السّلام: عن الحجر الأسود أ يقاتل عليه الناس إذا كثروا؟ قال: «إذا كان كذلك فأوم بيدك»(3).

و ليس الاستلام واجبا، لأصالة البراءة.

و لأنّ معاوية بن عمّار سأل الصادق عليه السّلام - في الصحيح - عن رجل حجّ فلم يستلم الحجر و لم يدخل الكعبة، قال: «هو من السنّة، فإن لم يقدر فاللّه أولى بالعذر»(4).

و مقطوع اليد يستلم الحجر بموضع القطع، و لو قطعت من المرفق، استلم بشماله، لقول علي عليه السّلام و قد سئل عن الأقطع كيف يستلم ؟: «يستلم الحجر من حيث القطع، فإن كانت مقطوعة من المرفق استلم الحجر بشماله»(5).

مسألة 470: و يستحب أن يستلم الركن اليماني
اشارة

و يقبّله، فإن لم يتمكّن، استلمه بيده و قبّل يده - و به قال أحمد(6) - لما رواه العامّة عن ابن عباس، قال: رأيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إذا استلم الركن، قبّله، و وضع خدّه الأيمن عليه(7).

و قال ابن عمر: إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كان لا يستلم إلاّ الحجر و الركن

ص: 103


1- فتح العزيز 318:7-319، المهذّب - للشيرازي - 229:1، المجموع 8: 33، حلية العلماء 329:3.
2- الكافي 405:4-3، التهذيب 103:5-333.
3- التهذيب 103:5-336.
4- الكافي 405:4-4، التهذيب 103:5-334.
5- الكافي 410:4-18، التهذيب 106:5-107-345.
6- المغني 399:3، الشرح الكبير 394:3، حلية العلماء 330:3.
7- المغني 400:3، الشرح الكبير 395:3، و بتفاوت يسير في المستدرك - للحاكم - 456:1، و سنن البيهقي 76:5.

اليماني(1).

و من طريق الخاصّة: ما رواه الشيخ عن غياث بن إبراهيم [عن جعفر](2) عن أبيه [عليهما السّلام](3) قال: «كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لا يستلم الركن إلاّ الركن الأسود و اليماني، و يقبّلهما، و يضع خدّه عليهما»(4).

و قال الشافعي: يستحب أن يستلمه بيده و يقبّل يده و لا يقبّله(5).

و قال أبو حنيفة: لا يستلمه(6).

و قال مالك: يستلمه و لا يقبّل يده، و إنّما يضعها على فيه(7).

قال ابن عبد البرّ: أجمع أهل العلم على استلام الركنين، و إنّما اختلفوا في التقبيل، فشرّكه قوم بينهما و خصّ قوم الحجر به(8).

إذا عرفت هذا، فإنّه يستحب استلام الأركان كلّها، و آكدها ركن الحجر و اليماني، ذهب إليه علماؤنا - و به قال ابن عباس و جابر و ابن الزبير(9) - لما رواه العامّة أنّه لمّا قدم معاوية مكة و ابن عباس بها، فاستلم1.

ص: 104


1- صحيح مسلم 924:2-244، سنن النسائي 231:5، سنن البيهقي 76:5، المغني 400:3، الشرح الكبير 395:3.
2- أضفناها من المصدر.
3- أضفناها من المصدر.
4- التهذيب 105:5-106-341، الإستبصار 216:2-217-774.
5- الام 170:2، المجموع 35:8 و 58، فتح العزيز 319:7، حلية العلماء 3: 330، المبسوط - للسرخسي - 49:4.
6- فتح العزيز 319:7، المجموع 58:8، حلية العلماء 330:3، المغني 3: 399-400، الشرح الكبير 394:3-395.
7- المدوّنة الكبرى 363:1-364، المنتقى - للباجي - 287:2-288، فتح العزيز 320:7، حلية العلماء 330:3، المجموع 58:8.
8- المغني 400:3، الشرح الكبير 395:3.
9- المغني 400:3، الشرح الكبير 395:3، المجموع 58:8، حلية العلماء 3: 330-331.

ابن عباس الأركان كلّها، فقال معاوية: ما كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يستلم إلاّ الركنين اليمانيّين، فقال ابن عباس: ليس من البيت شيء مهجور(1).

و من طريق الخاصّة: ما رواه إبراهيم بن أبي محمود، قال: قلت للرضا عليه السّلام: أستلم اليماني و الشامي و الغربي ؟ قال: «نعم»(2).

و لأنّهما ركنان، فاستحبّ استلامهما، كاليمانيّين.

و أنكر الفقهاء الأربعة ذلك(3) ، لقول ابن عمر: أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كان يستلم الركن اليماني و الأسود في كلّ طوفة، و لا يستلم الركنين اللذين يليان الحجر(4).

قال ابن عمر: ما أراه لم يستلم الركنين اللذين يليان الحجر إلاّ لأنّ البيت لم يتمّ على قواعد إبراهيم عليه السّلام(5).

و الجواب: رواية الإثبات مقدّمة.

و يحتمل: أنّه كان يقف عند اليمانيّين أكثر.

تنبيه: في الاستلام لغتان: الهمز و عدمه.

ص: 105


1- مسند أحمد 94:4-95 بتفاوت، و في ذيله ما يشعر باختلاف الناس في هذه الرواية، فمنهم من قال بأنّ المجيب هو معاوية. و انظر: صحيح البخاري 2: 186، و سنن الترمذي 213:3-858، و سنن البيهقي 77:5، و مسند أحمد 1: 217.
2- التهذيب 106:5-343، الإستبصار 216:2-743.
3- المدوّنة الكبرى 363:1، المجموع 58:8، حلية العلماء 330:3، بدائع الصنائع 148:2، المغني 399:3، الشرح الكبير 395:3.
4- فتح العزيز 319:7، و بتفاوت في صحيح البخاري 186:2، و صحيح مسلم 924:2-244، و مسند أحمد 18:2.
5- المغني 400:3، الشرح الكبير 395:3، و بتفاوت في صحيح مسلم 2: 969-399، و صحيح البخاري 179:2، و سنن البيهقي 77:5.

فعلى الثاني قال السيّد المرتضى: إنّه افتعال من السّلام، و هي الحجارة(1).

فإذا مسّ الحجر بيده و مسحه بها، قيل: استلم، أي مسّ السّلام بيده.

و قيل: إنّه مأخوذ من السّلام(2) ، أي أنّه يحيّي نفسه عن الحجر، إذ ليس الحجر ممّن يحيّيه، و هذا كما يقال: اختدم: إذا لم يكن له خادم سوى نفسه.

و حكى ثعلب: الهمز، و فسّره بأنّه اتّخذه جنّة و سلاحا من اللأمة(3) ، و هي الدرع(4). و هو حسن.

مسألة 471: يستحب الاستلام في كلّ شوط،

لأنّ النبي عليه السّلام كان يستلم الركن اليماني و الأسود في كلّ طوفة(5).

و يستحب الدعاء في الطواف بالمنقول، و الوقوف عند اليماني و الدعاء عنده.

و يستحب له أن يلتزم المستجار في الشوط السابع، و يبسط يديه على حائطه، و يلصق به بطنه و خدّه، و يدعو بالمأثور، و يعترف بذنوبه.

قال الصادق عليه السّلام: «ثم أقرّ لربّك بما عملت من الذنوب فإنّه ليس عبد مؤمن يقرّ لربّه بذنوبه في هذا المكان إلاّ غفر له»(6).

و لو نسي الالتزام حتى جاز موضعه في مؤخّر الكعبة مقابل الباب

ص: 106


1- رسائل الشريف المرتضى 275:3.
2- تهذيب اللغة 451:12.
3- اللأمة: الهول. لسان العرب 557:12 «لوم».
4- كما في رسائل الشريف المرتضى 275:3.
5- تقدّمت الإشارة إلى مصادره في ص 105، الهامش (4).
6- الكافي 411:4-5، التهذيب 107:5-108-349.

دون الركن اليماني بقليل، فلا إعادة عليه.

و لو ترك الاستلام، لم يكن عليه شيء، و به قال عامّة الفقهاء، لأنّه مستحب، فلا يتعقّب بتركه جناية.

و حكي عن الحسن البصري و الثوري و عبد الملك بن الماجشون أنّ عليه دما(1) ، لقول النبي صلّى اللّه عليه و آله: (من ترك نسكا فعليه دم)(2).

و ليس حجّة، لأنّه مخصوص بالواجب.

قال الشيخ في المبسوط: قد روي أنّه يستحب الاضطباع، و هو أن يدخل إزاره تحت منكبه الأيمن و يجعله على منكبه الأيسر(3).

و هو مأخوذ من الضّبع، و هو عضد الإنسان، و أصله التاء قلبوها طاء، لأنّ التاء متى وقعت بعد صاد أو ضاد أو طاء ساكنة قلبت طاء.

إذا ثبت هذا، فأكثر العلماء على استحبابه(4) ، لقول ابن عباس: لمّا دخل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله على قريش، فاجتمعت نحو الحجر، اضطبع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله(5).

قال الشافعي: و يبقى مضطبعا حتى يتمّ السعي بين الصفا و المروة و يتركه عند الصلاة للطواف(6).8.

ص: 107


1- أنظر: المجموع 59:8، و في حلية العلماء 331:3، و المغني 396:3، و الشرح الكبير 398:3 حكاية القول بذلك عنهم في ترك الرمل لا ترك الاستلام، فلاحظ.
2- أورده الرافعي في فتح العزيز 364:7، و الشيرازي في المهذّب 233:1، و الماوردي في الحاوي الكبير 174:4 و ابنا قدامه في المغني 396:3، و الشرح الكبير 398:3.
3- المبسوط 356:1.
4- المغني 391:3-392، الشرح الكبير 391:3.
5- مسند أحمد 305:1.
6- فتح العزيز 338:7-339، المجموع 20:8.

و قال أحمد: لا يضطبع في السعي(1).

و قال مالك: إنّه ليس بمستحب. قال: و لم أسمع أحدا من أهل العلم ببلدنا يذكر أنّ الاضطباع سنّة(2).

مسألة 472: يستحب له أن يقصد في مشيه بأن يمشي مستويا بين السّرع و الإبطاء،

قاله الشيخ - رحمه اللّه - في بعض كتبه(3).

و قال في المبسوط: يستحب أن يرمل ثلاثا، و يمشي أربعا في طواف القدوم خاصّة، اقتداء برسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله(4).

و اتّفقت العامّة على استحباب الرمل في الأشواط الثلاثة الأول، و المشي في الأربعة في طواف القدوم، لما رواه الصادق عليه السّلام عن جابر أنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله رمل ثلاثا و مشى أربعا(5).

و السبب فيه قول ابن عباس: قدم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله مكة، فقال المشركون: إنّه يقدم عليكم قوم تنهكهم [1] الحمّى و لقوا منها شرّا، فأمرهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أن يرملوا الأشواط الثلاثة، و أن يمشوا بين الركنين، فلمّا رأوهم قالوا: ما نراهم إلاّ كالغزلان(6).

و لو ترك الرمل، لم يكن عليه شيء، لأنّه مستحب، و هو قول عامّة

ص: 108


1- المغني و الشرح الكبير 392:3، حلية العلماء 332:3.
2- المغني 392:3، الشرح الكبير 391:3، حلية العلماء 331:3، المجموع 8: 21.
3- النهاية: 237.
4- المبسوط 356:1.
5- صحيح مسلم 887:2-1218، سنن أبي داود 183:2-195، سنن الترمذي 212:3-857، سنن ابن ماجة 983:2-2951 و 1023-3074.
6- انظر: سنن أبي داود 178:2-1886 و 179-1889.

الفقهاء(1).

و قال الحسن البصري: إنّ عليه دما. و هو محكي عن الثوري و عبد الملك بن الماجشون(2) ، لقوله عليه السّلام: (من ترك نسكا فعليه دم)(3).

و جوابه: المراد من النسك الواجب.

و يعارضه ما رواه العامّة عن ابن عباس أنّه قال: ليس على من ترك الرمل شيء(4).

و من طريق الخاصّة: رواية سعيد الأعرج، أنّه سأل الصادق عليه السّلام عن المسرع و المبطئ في الطواف، فقال: «كلّ واسع ما لم يؤذ أحدا»(5).

و لو تركه في الثلاثة الأول، لم يقض في الأربع الباقية، لأنّها هيئة في الأول، فإذا فات موضعها، سقطت، و لزم سقوط هيئة البواقي.

و إذا قلنا باستحباب الرمل في الثلاثة الأول، استحبّ من الحجر إليه - و هو قول أكثر العلماء(6) - لما رواه العامّة: أنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله رمل من الحجر إلى الحجر(7).

و قال طاوس و عطاء و الحسن و سعيد بن جبير: يمشي ما بين الركنين، لأنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله أمر أصحابه بأن يرملوا الأشواط الثلاثة و يمشوا ما1.

ص: 109


1- المغني 396:3، الشرح الكبير 398:3، المجموع 59:8، حلية العلماء 331:3.
2- المغني 396:3، الشرح الكبير 398:3، المجموع 59:8، حلية العلماء 331:3.
3- أورده الرافعي في فتح العزيز 364:7، و الشيرازي في المهذّب 233:1، و الماوردي في الحاوي الكبير 174:4 و ابنا قدامة في المغني 396:3، و الشرح الكبير 398:3.
4- المغني 396:3-397، الشرح الكبير 398:3.
5- الفقيه 255:2-1238.
6- المغني 393:3، الشرح الكبير 396:3-397، المجموع 98:8.
7- صحيح مسلم 921:2-233-236، سنن الترمذي 212:3-857، سنن أبي داود 179:2-1891.

بين الركنين ليرى المشركون جلدهم [1] لمّا وهنتهم [2] الحمّى حتى قال المشركون: هؤلاء أجلد منّا(1).

و لو ترك الرمل في أوّل شوط، رمل في الاثنين، و إن تركه في الاثنين، رمل في الثالث خاصّة.

و لو تركه في طواف القدوم، لم يستحب قضاؤه في طواف الحجّ، لأنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله إنّما رمل في طواف القدوم(2) ، خلافا لبعض العامّة(3).

و قال بعض العامّة: ليس على أهل مكّة رمل - و قاله ابن عباس و ابن عمر - لأنّه شرّع في الأصل لإظهار الجلد و القوّة لأهل البلد(4).

و لا يستحب للنساء الرمل و لا الاضطباع.

و يرمل الحامل للمريض و الصبي، و الراكب يحثّ دابّته.

و للشافعي قول آخر في أنّ الحامل للمريض لا يرمل به(5).

مسألة 473: يستحب التداني من البيت في الطواف،

لأنّه المقصود، فالدنوّ منه أولى و لو كان بالقرب زحام لا يمكنه أن يرمل فيه، فإن كان يعلم أنّه إن وقف وجد فرجة، وقف، فإذا وجد فرجة، رمل، و إن كان يعلم أنّه لا يجد فرجة لكثرة الزحام و علم أنّه إن خرج إلى حاشية الناس

ص: 110


1- المغني 393:3، الشرح الكبير 397:3، المجموع 58:8.
2- صحيح مسلم 887:2-1218، سنن ابن ماجة 1023:2-3074، سنن أبي داود 183:2-1905، سنن الدارمي 46:2.
3- المغني 395:3، الشرح الكبير 403:3.
4- المغني 396:3، الشرح الكبير 402:3.
5- المجموع 44:8.

يمكن الرمل، خرج و رمل، و كان أفضل من التداني، و إن لم يتمكّن من الخروج، طاف من غير رمل، و لو تباعد حتى طاف بالسقاية و زمزم، لم يجزئ - خلافا للشافعي(1) - لأنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كذا فعل، و قال: (خذوا عنّي مناسككم)(2).

مسألة 474: يستحب أن يطوف ماشيا مع القدرة،

و لو ركب معها، أجزأه، و لا يلزمه دم - و به قال الشافعي(3) - لأنّ جابرا قال: طاف رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في حجّة الوداع على راحلته بالبيت و بالصفا و المروة ليراه الناس و ليشرف عليهم ليسألوه، فإنّ الناس غشوه(4).

و قال مالك و أبو حنيفة و أحمد: إن طاف راكبا لعذر، فلا شيء عليه، و إن كان لغير عذر، فعليه دم، لأنّها عبادة واجبة تتعلّق بالبيت، فلا يجوز فعلها لغير عذر راكبا، كالصلاة(5).

و الفرق: أنّ الصلاة لا تصحّ راكبا و هنا تصحّ.

مسألة 475: يستحب طواف ثلاثمائة و ستّين طوافا،

فإن لم يتمكّن فثلاثمائة و ستّين شوطا، و يلحق الزيادة بالطواف الأخير بأن يطوف أسبوعا، ثم يصلّي ركعتين، و هكذا.

و يجوز القرآن في النوافل على ما يأتي، فيؤخّر الصلاة فيها إلى حين

ص: 111


1- الام 177:2، فتح العزيز 301:7، المجموع 39:8.
2- سنن البيهقي 125:5.
3- فتح العزيز 315:7، حلية العلماء 328:3، المجموع 27:8، المغني 3: 420، الشرح الكبير 404:3.
4- صحيح مسلم 927:2-255، سنن البيهقي 100:5.
5- المبسوط - للسرخسي - 44:4-45، بدائع الصنائع 130:2، المغني 3: 420، الشرح الكبير 404:3، حلية العلماء 328:3، المجموع 27:8.

الفراغ.

و إن لم يستطع، طاف ما يمكن منه.

قال الصادق عليه السّلام: «يستحب أن تطوف ثلاثمائة و ستّين أسبوعا عدد أيّام السنة، فإن لم تستطع فثلاثمائة و ستّين شوطا، فإن لم تستطع فما قدرت عليه من الطواف»(1).

البحث الثالث: في الأحكام.
مسألة 476: قد بيّنّا وجوب الطهارة من الحدث و الخبث في الثوب و البدن،

و وجوب الستر، فلو طاف جنبا أو محدثا أو عاريا، أو طافت المرأة حائضا أو نفساء، أو طاف و على ثوبه أو بدنه نجاسة عالما أو ناسيا في طواف الفريضة، لم يعتد بذلك الطواف، و كذا لو كان يطأ في مطافه النجاسات المتعدّية إلى بدنه أو ثوبه.

و لو أحدث في خلال الطواف، فإن كان بعد طواف أربعة أشواط، تطهّر و أتمّ طوافه، و إن كان قبل ذلك، تطهّر و استأنف الطواف من أوّله، لقول أحدهما عليهما السّلام: في الرجل يحدث في طواف الفريضة و قد طاف بعضه، قال: «يخرج و يتوضّأ، فإن كان جاز النصف بنى على طوافه، و إن كان أقلّ من النصف أعاد الطواف»(2).

و لم يفصّل العامّة ذلك، بل قالوا: إن تعمّد الحدث، فللشافعي قولان: أحدهما: أنّه يستأنف، كالصلاة. و أصحّهما: البناء. و يحتمل فيه ما لا يحتمل في الصلاة، كالفعل الكثير و الكلام.

ص: 112


1- الكافي 429:4-14، الفقيه 255:2-1236، التهذيب 135:5-445.
2- الكافي 414:4-2، التهذيب 118:5-384.

و إن سبقه الحدث، فإن قلنا: يبني في العمد، فهنا أولى، و إن قلنا:

يستأنف، فقولان: أصحّهما: البناء.

هذا إذا لم يطل الفصل، و إن طال، بنى(1).

و لو كان الطواف نفلا، لم يجب عليه الاستئناف و لا إتمامه بطهارة.

و لو ذكر أنّه طاف محدثا، فإن كان طواف فريضة، استأنف الطواف و الصلاة إن كان قد صلّى بحدثه.

و لو كان الطواف نفلا و صلّى، أعاد الصلاة خاصّة بعد الطهارة، لرواية حريز - في الصحيح - عن الصادق عليه السّلام: في رجل طاف تطوّعا و صلّى ركعتين و هو على غير وضوء، فقال: «يعيد الركعتين و لا يعيد الطواف»(2).

و لو شكّ في الطهارة، فإن كان في أثناء الطواف، تطهّر و استأنف، لأنّه شكّ في العبادة قبل فراغها، فيعيد، كالصلاة، و لو شكّ بعد الفراغ، لم يستأنف.

مسألة 477: لو طاف ستّة أشواط ناسيا و انصرف ثم ذكر، فليضف إليها شوطا آخر،

و لا شيء عليه، و إن لم يذكر حتى يرجع إلى أهله، أمر من يطوف عنه.

و قال أبو حنيفة: يجبره بدم(3).

لنا: أصالة البراءة من الدم، و بقاء عهدة التكليف في الشوط المنسي إلى أن يأتي به.

ص: 113


1- فتح العزيز 287:7، المجموع 48:8، حلية العلماء 333:3.
2- التهذيب 118:5-385.
3- المبسوط - للسرخسي - 46:4، المغني 496:3، الشرح الكبير 511:3، المجموع 22:8.

و لرواية الحلبي - في الصحيح - عن الصادق عليه السّلام، قال: قلت: رجل طاف بالبيت فاختصر شوطا واحدا في الحجر، قال: «يعيد ذلك الشوط»(1).

و سأل سليمان بن خالد الصادق عليه السّلام: عمّن فاته شوط واحد حتى أتى أهله، قال: «يأمر من يطوف عنه»(2).

و لو ذكر أنّه طاف أقلّ من سبعة أشواط و هو في السعي، قطع السعي، و تمّم الطواف، ثم رجع فتمّم السعي، لأنّ السعي تابع، فلا يفعل قبل تحقّق متبوعه، و إنّما يتحقّق بأجزائه.

و لأنّ إسحاق بن عمّار سأل الصادق عليه السّلام: عن رجل طاف بالبيت ثم خرج إلى الصفا فطاف بين الصفا و المروة، فبينا هو يطوف إذ ذكر أنّه قد نقص من طوافه بالبيت، قال: «يرجع إلى البيت فيتمّ طوافه ثم يرجع إلى الصفا و المروة فيتمّ ما بقي»(3).

مسألة 478: لو قطع طوافه بدخول البيت أو بالسعي في حاجة له أو لغيره في الفريضة، فإن كان قد جاز النصف، بنى، و إن لم يكن جازه، أعاد.

و إن كان طواف نافلة، بنى عليه مطلقا، لأنّه مع تجاوز النصف يكون قد فعل الأكثر، فيبني عليه، كالجميع.

و لرواية الحلبي - في الصحيح - قال: سألت الصادق عليه السّلام: عن رجل طاف بالبيت ثلاثة أشواط ثم وجد من البيت خلوة فدخله، كيف يصنع ؟ قال: «يعيد طوافه، و خالف السنّة»(4).

ص: 114


1- التهذيب 109:5-353.
2- الكافي 418:4-9، الفقيه 248:2-249-1194، التهذيب 109:5-354.
3- الكافي 418:4-8، الفقيه 248:2-1190، التهذيب 109:5-110-355.
4- التهذيب 118:5-386، الاستبصار 223:2-768.

و عن أبي الفرج قال: طفت مع الصادق عليه السّلام خمسة أشواط ثم قلت:

إنّي أريد أن أعود مريضا، فقال: «احفظ مكانك ثم اذهب فعده ثم ارجع فأتمّ طوافك»(1).

و لأنّ الصادق عليه السّلام أمر أبان بن تغلب، فقال: «اقطع طوافك و انطلق معه في حاجته» فقلت: و إن كان فريضة ؟ قال: «نعم و إن كان فريضة»(2).

و في حديث آخر: جواز القعود و الاستراحة ثم يبني(3).

و لو دخل عليه وقت فريضة، قطع الطواف، و صلّى الفريضة، ثم عاد فتمّم طوافه من حيث قطع، و هو قول العامّة، إلاّ مالكا، فإنّه قال: يمضي في طوافه إلاّ أن يخاف فوات الفريضة(4).

و هو باطل، لما رواه العامّة عن النبي صلّى اللّه عليه و آله، قال: (إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلاّ المكتوبة)(5) و الطواف صلاة.

و لأنّ وقت الحاضرة أضيق من وقت الطواف، فكانت أولى.

و لأنّ عبد اللّه بن سنان سأل الصادق عليه السّلام: عن رجل كان في طواف النساء و أقيمت الصلاة، قال: «يصلّي - يعني الفريضة - فإذا فرغ بنى من حيث قطع»(6).6.

ص: 115


1- التهذيب 119:5-390، الاستبصار 223:2-224-772.
2- التهذيب 120:5-392.
3- الفقيه 247:2-1185، التهذيب 120:5-121-394، الإستبصار 2: 224-225-774.
4- المغني 417:3، الشرح الكبير 413:3.
5- صحيح مسلم 493:1-710، سنن أبي داود 22:2-1266، سنن الترمذي 282:2، 421، سنن النسائي 117:2، سنن ابن ماجة 364:1-1151، سنن البيهقي 482:2، مسند أحمد 455:2.
6- التهذيب 121:5-396.

إذا عرفت هذا، فإنّه يبني بعد فراغه من الفريضة، و يتمّ طوافه، و هو قول العلماء إلاّ الحسن البصري، فإنّه قال: يستأنف(1).

و الأصل خلافه.

و كذا البحث في صلاة الجنازة، فإنّها تقدّم.

و هل يبني من حيث قطع أو من الحجر؟ دلالة ظاهر الحديث على الأوّل.

و لو خاف فوات الوتر، قطع الطواف و أوتر ثم بنى على ما مضى من طوافه، لأنّها نافلة متعلّقة بوقت، فتكون أولى من فعل ما لا يفوت وقته.

و لقول الكاظم عليه السّلام - في الصحيح -: «ابدأ بالوتر و اقطع الطواف»(2).

مسألة 479: لو حاضت المرأة و قد طافت أربعة أشواط، قطعت الطواف و سعت،

فإذا فرغت من المناسك، أتمّت الطواف بعد طهرها، و لو كان دون أربعة، أبطلت الطواف و انتظرت عرفة، فإن طهرت و تمكّنت من باقي أفعال العمرة و الخروج إلى الموقف، فعلت، و إلاّ صارت حجّتها مفردة، لأنّ الصادق عليه السّلام سئل عن امرأة طافت أربعة أشواط و هي معتمرة ثم طمثت، قال: «تتمّ طوافها، و ليس عليها غيره، و متعتها تامّة، و لها أن تطوف بين الصفا و المروة، لأنّها زادت على النصف و قد قضت متعتها، و لتستأنف بعد الحجّ، و إن هي لم تطف إلاّ ثلاثة أشواط فلتستأنف الحجّ، فإن أقام بها جمّالها بعد الحجّ لتخرج إلى الجعرانة أو إلى التنعيم فلتعتمر»(3).

ص: 116


1- المغني 417:3، الشرح الكبير 413:3.
2- الكافي 415:4-2، الفقيه 247:2-1186، التهذيب 122:5-397.
3- الفقيه 241:2-242-1155، و في التهذيب 393:5-1371، و الاستبصار 313:2-1112 إلى قوله عليه السّلام: «و لتستأنف بعد الحجّ».
مسألة 480: الطواف ركن من تركه عامدا بطل حجّه،

و لو تركه ناسيا، قضاه و لو بعد المناسك، فإن تعذّر العود، استناب فيه.

روى علي بن جعفر - في الصحيح - عن أخيه الكاظم عليه السّلام، قال:

سألته عن رجل نسي طواف الفريضة حتى قدم بلاده و واقع النساء كيف يصنع ؟ قال: «يبعث بهدي إن كان تركه في حجّ بعثه في حجّ، و إن تركه في عمرة بعثه في عمرة، و وكّل من يطوف عنه ما ترك من طوافه»(1).

قال الشيخ رحمه اللّه: هذا محمول على طواف النساء، لأنّ من ترك طواف النساء ناسيا جاز له أن يستنيب غيره مقامه في طوافه، و لا يجوز له ذلك في طواف الحجّ، بل يجب عليه إعادة الحجّ و بدنة(2) ، لما رواه علي بن جعفر - في الصحيح - أنّه سأل الكاظم عليه السّلام: عن رجل جهل أن يطوف بالبيت طواف الفريضة، قال: «إن كان على وجه جهالة في الحجّ أعاد و عليه بدنة»(3).

و استدلّ الشيخ على الجميع برواية معاوية بن عمّار، قال: قلت للصادق عليه السّلام: رجل نسي طواف النساء حتى دخل أهله، قال: «لا تحلّ له النساء حتى يزور البيت». و قال: «يأمر أن يقضى عنه إن لم يحج، فإن توفّي قبل أن يطاف عنه فليقض عنه وليّه»(4).

مسألة 481: لو شكّ في عدد الطواف، فإن كان بعد فراغه، لم يلتفت،

و إن كان في أثنائه، فإن كان شكّه في الزيادة، قطع و لا شيء

ص: 117


1- التهذيب 128:5-421، الاستبصار 228:2-788.
2- التهذيب 128:5 ذيل الحديث 421، و الاستبصار 228:2 ذيل الحديث 788.
3- التهذيب 127:5-128-420، الاستبصار 228:2-787 و فيه عن علي بن يقطين.
4- التهذيب 128:5-422، الاستبصار 228:2-789.

عليه، و إن كان في النقصان، مثل: أن يشكّ بين الستّة و السبعة أو الخمسة و الستّة، فإن كان طواف الفريضة، أعاده من أوّله، لأنّ الزيادة و النقصان محظوران.

و لرواية معاوية بن عمّار - في الصحيح - عن الصادق عليه السّلام: في رجل لم يدر ستّة طاف أم سبعة، قال: «يستقبل»(1).

و سأل حنّان بن سدير الصادق عليه السّلام: في رجل طاف فأوهم قال:

طفت أربعة و قال: طفت ثلاثة، فقال الصادق عليه السّلام: «أيّ الطوافين: طواف نافلة أو طواف فريضة ؟» ثم قال: «إن كان طواف فريضة فليلق ما في يديه و ليستأنف، و إن كان طواف نافلة و استيقن الثلاث و هو في شكّ من الرابع أنّه طاف فليبن على الثالث فإنّه يجوز له»(2).

و يجوز البناء على الأكثر في النافلة، لما رواه رفاعة عن الصادق عليه السّلام أنّه قال في رجل لا يدري ثلاثة طاف أو أربعة، قال: «طواف نافلة أو فريضة ؟» قال: أجبني فيهما، قال: «إن كان طواف نافلة فابن على ما شئت، و إن كان طواف فريضة فأعد الطواف»(3).

و يجوز التعويل على غيره في عدد الطواف، كالصلاة، لأنّ سعيد الأعرج سأل الصادق عليه السّلام: عن الطواف أ يكتفي الرجل بإحصاء صاحبه ؟ قال: «نعم»(4).

مسألة 482: لا يجوز الزيادة على سبعة أشواط في طواف الفريضة،

فلو طاف ثمانية، أعاد، و لو كان سهوا، استحبّ له أن يتمّم أربعة عشر

ص: 118


1- الكافي 417:4-3، التهذيب 110:5-357.
2- الكافي 417:4-418-7، التهذيب 111:5-360.
3- الفقيه 249:2-1196.
4- الكافي 427:4-2، الفقيه 255:2-1234، التهذيب 134:5-440.

شوطا، لأنّها فريضة ذات عدد فتبطلها الزيادة مع العمد كالصلاة.

و لقول الصادق عليه السّلام و قد سأله أبو بصير: عن رجل طاف بالبيت ثمانية أشواط المفروض، قال: «يعيد حتى يستتمّه»(1).

و في الصحيح عن الصادق عليه السّلام، قال: «من طاف بالبيت فوهم حتى يدخل في الثامن فليتمّ أربعة عشر شوطا ثم ليصلّ ركعتين»(2).

و في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السّلام، قال: سألته عن رجل طاف طواف الفريضة ثمانية، قال: «يضيف إليها ستّة»(3).

إذا عرفت هذا، فإذا كمّل أربعة عشر شوطا، صلّى ركعتي طواف الفريضة و سعى ثم عاد إلى المقام و صلّى ركعتي النفل.

و لو ذكر في الشوط الثامن قبل أن يبلغ الركن أنّه قد طاف سبعا، فليقطع الطواف، و لا شيء عليه، لأنّه أتى بالواجب، و إن لم يذكر حتى يجوزه، تمّم أربعة عشر شوطا، لأنّ أبا كهمس سأل الصادق عليه السّلام: عن رجل نسي فطاف ثمانية أشواط، قال: «إن كان ذكر قبل أن يأتي الركن فليقطعه و قد أجزأ عنه، و إن لم يذكر حتى يبلغه فليتمّ أربعة عشر شوطا و ليصلّ أربع ركعات»(4).

مسألة 483: لا يجوز القرآن في طواف الفريضة عند أكثر علمائنا

مسألة 483: لا يجوز القرآن في طواف الفريضة عند أكثر علمائنا(5)

ص: 119


1- التهذيب 111:5-361، الاستبصار 217:2-746.
2- التهذيب 112:5-364، الاستبصار 218:2-750.
3- التهذيب 111:5-112-362، الاستبصار 218:2-748.
4- التهذيب 113:5-367، الاستبصار 219:2-753 و فيه و في نسخة «ن»: أبا كهمش.
5- منهم: الشيخ الطوسي في النهاية: 238، و المبسوط 357:1، و القاضي ابن البرّاج في المهذّب 232:1، و الفاضل الآبي في كشف الرموز 373:1.

- و كرهه ابن عمر و الحسن البصري و الزهري و مالك و أبو حنيفة(1) - لأنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله لم يفعله، فلا يجوز فعله، لقوله عليه السّلام: (خذوا عنّي مناسككم)(2).

و لأنّها فريضة ذات عدد، فلا تجوز الزيادة عليه، كالصلاة.

و لأنّ الكاظم عليه السّلام سئل عن الرجل يطوف يقرن بين أسبوعين، فقال:

«لا تقرن بين أسبوعين، كلّما طفت أسبوعا فصلّ ركعتين»(3).

و قال عطاء و طاوس و سعيد بن جبير و أحمد و إسحاق: لا بأس به، لأنّ عائشة فعلته(4).

و لا حجّة فيه. و يحتمل أن يكون قد فعلته في الندب.

إذا عرفت هذا، فيجوز القران بين الطوافين في النافلة، لقول الصادق عليه السّلام: «إنّما يكره أن يجمع الرجل بين السبوعين و الطوافين في الفريضة، فأمّا في النافلة فلا»(5).

و إذا جمع بين طوافين، استحبّ أن ينصرف على وتر، فلا ينصرف على أسبوعين و لا على أربعة و لا على ستّة و هكذا، بل على خمسة أو ثلاثة(6) و هكذا، لأنّ الباقر عليه السّلام كان يكره أن ينصرف في الطواف إلاّ علىة.

ص: 120


1- المغني 406:3، الشرح الكبير 415:3، المدوّنة الكبرى 407:1، المنتقى - للباجي - 289:2، المبسوط - للسرخسي - 47:4، بدائع الصنائع 150:2.
2- سنن البيهقي 125:5.
3- الكافي 418:4-419-2، التهذيب 115:5-374، الإستبصار 220:2 - 221-759.
4- المغني 406:3، الشرح الكبير 415:3.
5- الكافي 418:4-1، التهذيب 115:5-372، الاستبصار 220:2-757، و فيها: «.. فلا بأس».
6- كذا، و الأنسب: بل على ثلاثة أو خمسة.

وتر من طوافه(1).

مسألة 484: لو شكّ هل طاف سبعة أو ثمانية، قطع و لا شيء عليه،
اشارة

لأنّه يتيقّن حصول السبع.

و لأنّ الحلبي سأل الصادق عليه السّلام - في الصحيح - عن رجل طاف بالبيت طواف الفريضة فلم يدر سبعة طاف أو ثمانية، فقال: «أمّا السبع فقد استيقن، و إنّما وقع و همه على الثامن فليصلّ ركعتين»(2).

و لو شكّ فلم يدر ستّة طاف أو سبعة أو ثمانية، فإن كان طواف الفريضة، أعاد، لأنّه لم يتيقّن حصول السبعة.

و لو طاف أقلّ من سبعة ناسيا، عاد، و تمّم طوافه إن كان قد طاف أربعة أشواط، و إن كان قد طاف دونها، أعاد من أوّله.

و لو لم يذكر حتى رجع إلى أهله، أمر من يطوف عنه سبعة أشواط إن كان قد طاف أقلّ من أربعة، و إن كان قد طاف أربعة، تمّمه.

و كذا لو أحدث في طواف الفريضة، فإن كان قد جاوز النصف، تطهّر و بنى، و إن لم يبلغه، استأنف.

و لو طاف و على ثوبه نجاسة عامدا، أعاد، و لو كان ناسيا و ذكر في أثناء الطواف، قطعه و أزال النجاسة أو نزع الثوب و تمّم طوافه، و لو لم يذكر حتى فرغ منه، نزع الثوب أو غسله و صلّى الركعتين، لأنّ يونس بن يعقوب سأل الصادق عليه السّلام: عن رجل يرى في ثوبه الدم و هو في الطواف، قال: «ينظر الموضع الذي يرى فيه الدم فيعرفه ثم يخرج فيغسله ثم يعود فيتمّ طوافه»(3).

ص: 121


1- التهذيب 116:5-377.
2- التهذيب 114:5-370، الاستبصار 220:2-756.
3- التهذيب 126:5-415.
تذنيب: و لو تحلّل من إحرام العمرة ثم أحرم بالحجّ و طاف و سعى له

ثم ذكر أنّه طاف محدثا أحد الطوافين و لم يعلم هل هو طواف عمرة التمتّع أو طواف الحجّ، قيل: يطوف للحجّ و يسعى له ثم يعتمر بعد ذلك عمرة مفردة، و يصير حجّة مفردة، لاحتمال أن يكون في طواف العمرة فيبطل و قد فات وقتها، و أن يكون للحجّ، فيعيد، فلهذا أوجبنا عليه إعادة طواف الحجّ و سعيه و الإتيان بعمرة مفردة بعد الحجّ، لبطلان متعته، قاله بعض العامّة.

و الوجه: أنّه يعيد الطوافين، لأنّ العمرة لا تبطل بفوات الطواف.

مسألة 485: المريض لا يسقط عنه الطواف،

فإن تمكّن من الطواف بطهارة، طيف به إذا لم يتمكّن من المشي أو الركوب، و إن لم يتمكّن، انتظر به يوم أو يومان و أزيد مع السعة، فإن برأ، طاف بنفسه، و إلاّ طيف عنه، لأنّ الصادق عليه السّلام طيف به في محمل و هو شديد المرض(1).

و سأل إسحاق بن عمّار - في الصحيح - الكاظم عليه السّلام: عن المريض يطاف عنه بالكعبة، قال: «لا، و لكن يطاف به»(2).

و في الصحيح عن الصادق عليه السّلام، قال: «المريض المغلوب و المغمى عليه يرمى عنه و يطاف به»(3).

و لقول الصادق عليه السّلام - في الصحيح -: «المبطون و الكسير يطاف عنهما و يرمى عنهما»(4).

ص: 122


1- الكافي 422:4-1، التهذيب 122:5-398.
2- التهذيب 123:5-399، الاستبصار 225:2-775.
3- التهذيب 123:5-400، الإستبصار 225:2-776.
4- الكافي 422:4-2، التهذيب 124:5-404، الاستبصار 226:2-780.

و هذا محمول على أنّ الكسير لا يستمسك الطهارة، و لو كان يستمسك، طيف به، لقول الصادق عليه السّلام - في الصحيح -: «الكسير يحمل فيطاف به، و المبطون يرمى و يطاف عنه و يصلّى عنه»(1).

و لو مرض في الأثناء، فإن تمكّن من الإتمام، أتمّه، و إلاّ انتظر إلى البرء ثم يتمّه إن كان قد تجاوز النصف، و إلاّ استأنف. هذا مع سعة الوقت، فإن ضاق، طيف به.

مسألة 486: لو حمل محرم محرما و طاف به و نوى كلّ واحد منهما الطواف، أجزأ عنهما

- و به قال أبو حنيفة(2) - لحصول الطواف من كلّ واحد منهما.

و لأنّ حفص بن البختري سأل الصادق عليه السّلام: في المرأة تطوف بالصبي و تسعى به هل يجزئ ذلك عنها و عن الصبي ؟ فقال: «نعم»(3).

و للشافعي قولان: أحدهما: أنّه يجزئ عن المحمول. و الثاني: أنّه يجزئ عن الحامل دون المحمول، لأنّه فعل واحد، فإذا وقع عن الحامل لم يقع عن المحمول، لأنّ الفعل الواحد لا يقع عن اثنين(4).

و نمنع اتّحاد الفعل، لأنّ اختلاف السبب و تغاير الأمكنة ثابت في حقّ كلّ واحد منهما، لكن لأحدهما بالذات و ليس شرطا، لأنّه وافقنا على جواز

ص: 123


1- التهذيب 125:5-409.
2- المغني 211:3، الشرح الكبير 406:3، حلية العلماء 328:3، المجموع 8: 28، الحاوي الكبير 152:4.
3- الكافي 429:4-13، التهذيب 125:5-411.
4- المهذّب - للشيرازي - 229:1، المجموع 28:8، روضة الطالبين 364:2، فتح العزيز 341:7، حلية العلماء 328:3، الحاوي الكبير 152:4-153، المغني 211:3، الشرح الكبير 406:3.

الركوب(1).

و ينتقض بالواقف بعرفة إذا حمل غيره، فإنّه وافقنا على تجويزه(2).

مسألة 487: يجوز الكلام بالمباح في الطواف إجماعا،
اشارة

لما رواه العامّة من قوله عليه السّلام: (الطواف بالبيت صلاة إلاّ أنّكم تتكلّمون فيه)(3).

و من طريق الخاصّة: رواية علي بن يقطين - في الصحيح - عن الرضا عليه السّلام، قال: سألته عن الكلام في الطواف و إنشاد الشعر و الضحك في الفريضة أو غير الفريضة أ يستقيم ذلك ؟ قال: «لا بأس به»(4).

و يستحب قراءة القرآن في الطواف و لا يكره عند علمائنا - و به قال عطاء و مجاهد و الثوري و ابن المبارك و الشافعي و أبو ثور و أصحاب الرأي(5) - لما رواه العامّة أنّ عائشة روت أنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله كان يقول في طوافه رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَ فِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَ قِنا عَذابَ النّارِ (6)(7) و هو من القرآن.

و من طريق الخاصّة: قول الجواد عليه السّلام: «و طواف الفريضة لا ينبغي أن تتكلّم فيه إلاّ بالدعاء و ذكر اللّه و قراءة القرآن»(8).

ص: 124


1- الحاوي الكبير 151:4، فتح العزيز 315:7، المجموع 27:8، حلية العلماء 328:3، المغني 420:3، الشرح الكبير 404:3.
2- لم نجده في مظانّه.
3- أورده ابنا قدامة في المغني 397:3، و الشرح الكبير 409:3 نقلا عن الترمذي و الأثرم، و في سنن الترمذي 293:3-960 بتفاوت.
4- التهذيب 127:5-418، الإستبصار 227:2-784.
5- المغني 397:3، الشرح الكبير 401:3، الحاوي الكبير 143:4، فتح العزيز 7: 324، حلية العلماء 332:3، المجموع 44:8، المبسوط - للسرخسي - 48:4، بدائع الصنائع 131:2.
6- البقرة: 201.
7- المغني 398:3، الشرح الكبير 401:3.
8- التهذيب 127:5-417، الاستبصار 227:2-785.

و قال مالك: أنّها مكروهة. و هو مروي عن عروة و الحسن(1).

و عن أحمد روايتان(2).

و يستحب الدعاء في أثناء الطواف و الإكثار من ذكر اللّه تعالى.

و يجوز له الشرب في الطواف، لما رواه العامّة: أنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله شرب في الطواف(3).

و من طريق الخاصّة: رواية يونس بن يعقوب عن الصادق عليه السّلام: هل نشرب و نحن في الطواف ؟ قال: «نعم»(4).

تذنيب: قال الشيخ في الخلاف: الأفضل أن يقال: طواف و طوافان و ثلاثة أطواف،

و إن قال: شوطا و شوطين و ثلاثة أشواط، جاز. و قال الشافعي: أكره ذكر الشوط. و به قال مجاهد(5).

مسألة 488: لا يجوز الطواف و على الطائف برطلّة

مسألة 488: لا يجوز الطواف و على الطائف برطلّة(6) في طواف العمرة،

لاشتماله على تغطية الرأس و هو محرم، أمّا في طواف الحجّ فإنّه مكروه، لقول الصادق عليه السّلام: «لا تطوفنّ بالبيت و عليك برطلّة»(7).

و قال الصادق عليه السّلام ليزيد بن خليفة: «قد رأيتك تطوف حول الكعبة

ص: 125


1- المنتقى - للباجي - 298:2، حلية العلماء 332:3، الحاوي الكبير 143:4، المغني 397:3، الشرح الكبير 401:3.
2- المغني 397:3، الشرح الكبير 401:3.
3- الحاوي الكبير 144:4، سنن البيهقي 85:5.
4- الكافي 429:4-15، التهذيب 135:5-444.
5- الخلاف 322:2، المسألة 128، و انظر: الام 176:2، و المجموع 41:8 و 55، و المنتقى - للباجي - 285:2.
6- البرطلّة: قلنسوة. لسان العرب 51:11. «برطل».
7- الكافي 427:4-4، التهذيب 134:5-442.

و عليك برطلّة، لا تلبسها حول الكعبة فإنّها من زيّ اليهود»(1).

و الشيخ - رحمه اللّه - أطلق المنع(2) ، و التفصيل الذي ذكرناه أجود.

مسألة 489: من نذر أن يطوف على أربع، قال: الشيخ رحمه اللّه: يجب عليه طوافان:

أسبوع ليديه، و أسبوع لرجليه(3) ، لقول الصادق عليه السّلام: «قال أمير المؤمنين عليه السّلام في امرأة نذرت أن تطوف على أربع، قال: تطوف أسبوعا ليديها و أسبوعا لرجليها»(4).

و في الطريق ضعف.

و قال ابن إدريس: يبطل النذر، لأنّه غير مشروع، فلا ينعقد(5). و هو حسن.

مسألة 490: طواف الحجّ ركن فيه، و هو واجب بالإجماع.

قال اللّه تعالى وَ لْيَطَّوَّفُوا (6).

قال ابن عبد البرّ: أجمع العلماء على أنّ هذه الآية فيه(7).

و ما رواه العامّة: أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال عن صفيّة لمّا حاضت:

(أ حابستنا هي ؟) قالوا: يا رسول اللّه إنّها قد أفاضت يوم النحر، قال:

(اخرجوا)(8) فدلّ على وجوب الطواف، و أنّه حابس لمن لم يأت به.

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السّلام: «على المتمتّع بالعمرة إلى

ص: 126


1- التهذيب 134:5-443.
2- النهاية: 242، المبسوط - للطوسي - 359:1.
3- النهاية: 242، المبسوط - للطوسي - 360:1، التهذيب 135:5 ذيل الحديث 445.
4- التهذيب 135:5-446، و الكافي 430:4-18.
5- السرائر: 135.
6- الحجّ: 29.
7- المغني 473:3، الشرح الكبير 475:3.
8- المغني 473:3، الشرح الكبير 475:3.

الحجّ ثلاثة أطواف بالبيت و سعيان بين الصفا و المروة»(1).

و لأنّه أحد النسكين، فكان الطواف فيه ركنا، كالعمرة.

إذا عرفت هذا، فإن أخلّ به عامدا، بطل حجّه، و إن أخلّ به ناسيا، وجب عليه أن يعود و يقضيه، فإن لم يتمكّن، استناب فيه.

و قال الشافعي: إن كان قد طاف طواف الوداع، أجزأ عنه، و إلاّ وجب عليه الرجوع، و لا تحلّ له النساء حتى يطوفه و إن طال زمانه و خرج وقته(2).

إذا ثبت هذا، فلو نسي طواف النساء، لم تحلّ له النساء حتى يزور البيت و يأتي به، و يجوز له أن يستنيب فيه، لما رواه معاوية بن عمّار - في الحسن - عن الصادق عليه السّلام، قال: قلت له: رجل نسي طواف النساء حتى دخل أهله، قال: «لا تحلّ له النساء حتى يزور البيت» و قال: «يأمر أن يقضى عنه إن لم يحجّ، فإن توفّي قبل أن يطاف عنه فليقض عنه وليّه أو غيره»(3).9.

ص: 127


1- الكافي 295:4 (باب ما على المتمتّع من الطواف..) الحديث 1، التهذيب 35:5-104.
2- فتح العزيز 381:7-382، الحاوي الكبير 192:4، المجموع 220:8.
3- الكافي 513:4-5، التهذيب 128:5-422، الاستبصار 228:2-789.

ص: 128

الفصل الرابع في السعي و التقصير
اشارة

و فيه مباحث:

الأوّل: في مقدّماته،
اشارة

و هي عشرة(1) كلّها مندوبة:

الأوّل: الطهارة، و هي مستحبّة في السعي غير واجبة،

عند علمائنا - و هو قول عامّة العلماء(2) - للأصل.

و لما رواه العامّة: أنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله قال لعائشة حين حاضت: (اقضي ما يقضي الحاجّ غير أن لا تطوفي بالبيت)(3).

و عن عائشة و أمّ سلمة قالتا: إذا طافت المرأة بالبيت و صلّت ركعتين ثم حاضت فلتطف بالصفا و المروة(4).

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السّلام - في الصحيح -: «لا بأس أن تقضي المناسك كلّها على غير وضوء إلاّ الطواف، فإنّ فيه صلاة، و الوضوء أفضل»(5).

الثاني: استلام الحجر الأسود قبل السعي

إذا صلّى ركعتي الطواف

ص: 129


1- عدّد المصنّف - قدّس سرّه - منها هنا ستّة أمور.
2- المغني 416:3، الشرح الكبير 420:3-421.
3- صحيح البخاري 81:1، صحيح مسلم 873:2-119، سنن النسائي 1: 180، مسند أحمد 39:6، شرح معاني الآثار 201:2، المغني 416:3، الشرح الكبير 421:3.
4- المغني 416:3، الشرح الكبير 421:3 نقلا عن الأثرم.
5- التهذيب 154:5-509، الإستبصار 241:2-841.

إجماعا، لما رواه العامّة: أنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله فعل ذلك(1).

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السّلام: «فإذا فرغت من الركعتين فائت الحجر الأسود فقبّله و استلمه أو(2) أشر إليه فإنّه لا بدّ من ذلك»(3).

الثالث: الشرب من ماء زمزم و صبّ الماء على الجسد من الدلو المقابل للحجر الأسود، و الدعاء،

لقول الصادق عليه السّلام - في الصحيح -: «إذا فرغ الرجل من طوافه و صلّى ركعتين فليأت زمزم فيستقي منه ذنوبا أو ذنوبين فليشرب منه و ليصبّ على رأسه و ظهره و بطنه، و يقول حين يشرب: اللهم اجعله علما نافعا و رزقا واسعا و شفاء من كلّ داء و سقم، ثم يعود إلى الحجر الأسود»(4).

و عن الصادق و الكاظم عليهما السّلام - في الصحيح -: «و ليكن ذلك من الدلو الذي بحذاء الحجر»(5).

الرابع: الخروج إلى الصفا من الباب المقابل للحجر الأسود بالسكينة و الوقار،

و لا نعلم فيه خلافا.

روى الشيخ - في الصحيح - عن الصادق عليه السّلام: «ثم اخرج إلى الصفا من الباب الذي خرج منه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، و هو الباب الذي يقابل الحجر الأسود حتى تقطع الوادي، و عليك السكينة و الوقار»(6).

الخامس: الصعود على الصفا إجماعا،

إلاّ من شذّ ذهب إلى وجوبه،

ص: 130


1- سنن النسائي 228:5-229.
2- في النسخ الخطية و الحجرية: و. و ما أثبتناه من المصدر.
3- الكافي 430:4-1، التهذيب 144:5-476.
4- الكافي 430:4-2، التهذيب 144:5-477.
5- التهذيب 145:5-478.
6- التهذيب 146:5-481.

فإنّه لا يصحّ السعي حتى يصعد إلى الصفا و المروة بقدر ما يستوفي السعي بينهما، لأنّه لا يمكنه استيفاء ما بينهما إلاّ بذلك، فيجب كوجوب غسل جزء من الرأس و صيام جزء من الليل(1).

و هو خطأ، لأنّه يمكنه الاستيفاء بأن يجعل عقبه ملاصقا للصفا و أصابع رجليه ملاصقة للمروة و بالعكس في الرجوع.

و استحبابه، لقول الصادق عليه السّلام - في الصحيح -: «فاصعد الصفا حتى تنظر إلى البيت، و تستقبل الركن الذي فيه الحجر الأسود، فاحمد اللّه و أثن عليه»(2) الحديث.

السادس: حمد اللّه على الصفا و الثناء عليه و استقبال الكعبة و رفع يديه و الدعاء و إطالة الوقوف على الصفا،

لقول الصادق عليه السّلام - في الصحيح -: «و احمد اللّه و أثن عليه و اذكر من آلائه و بلائه و حسن ما صنع إليك»(3) الحديث.

قال الصادق عليه السّلام: «و إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كان يقف على الصفا بقدر ما يقرأ سورة البقرة مترسّلا»(4).

و عن علي بن النعمان - رفعه - قال: «كان أمير المؤمنين عليه السّلام إذا صعد الصفا استقبل الكعبة ثم يرفع يديه ثم يقول»(5) و ذكر الدعاء.

و قال الصادق عليه السّلام: «إذا أردت أن يكثر مالك فأكثر الوقوف على الصفا»(6).

ص: 131


1- الحاوي الكبير 159:4، فتح العزيز 345:7، المجموع 64:8-65، حلية العلماء 336:3.
2- الكافي 431:4-1، التهذيب 146:5-481.
3- الكافي 431:4-1، التهذيب 146:5-481.
4- الكافي 432:4-1، التهذيب 146:5-481.
5- الكافي 432:4-5، التهذيب 147:5-482.
6- التهذيب 147:5-483، الاستبصار 238:2-827.

و لو لم يتمكّن من إطالة الوقوف و الدعاء بالمنقول، دعا بما تيسّر.

قال بعض أصحابنا: كنت في قفاء الكاظم عليه السّلام على الصفا أو على المروة و هو لا يزيد على حرفين: «اللّهم إنّي أسألك حسن الظنّ بك على كلّ حال، و صدق النيّة في التوكّل عليك»(1).

البحث الثاني: في الكيفية.
مسألة 491: يجب في السعي النيّة، لأنّه عبادة

و قد قال اللّه تعالى:

وَ ما أُمِرُوا إِلاّ لِيَعْبُدُوا اللّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ (2) .

و لقوله عليه السّلام: (لا عمل إلاّ بنيّة)(3).

و هي شرط فيه يبطل السعي بالإخلال بها عمدا و سهوا.

و يجب فيها تعيين الفعل و أنّه سعي عمرة متمتّع بها أو مفردة أو سعي الحجّ الواجب أو الندب، حجّة الإسلام أو غيرها، و التقرّب إلى اللّه تعالى.

مسألة 492: يجب فيه الترتيب بأن يبدأ بالصفا و يختم بالمروة

إجماعا - إلاّ من أبي حنيفة(4) - لما رواه العامّة عن جعفر الصادق عليه السّلام عن جابر في صفة حجّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: و بدأ بالصفا، و قال: (ابدءوا بما بدأ اللّه تعالى به)(5).

ص: 132


1- الكافي 433:4-9، التهذيب 148:5-486، الإستبصار 238:2-828.
2- البيّنة: 5.
3- أمالي الطوسي 203:2.
4- بدائع الصنائع 134:2، فتح العزيز 347:7، المجموع 78:8، حلية العلماء 336:3.
5- الحاوي الكبير 158:4، و بتفاوت يسير في صحيح مسلم 888:2-1218، و سنن الترمذي 216:3-862، و سنن أبي داود 184:2-1905، و سنن الدار قطني 254:3-81، و سنن ابن ماجة 1023:2-3074، و سنن البيهقي 5: 93.

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السّلام: «إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله حين فرغ من طوافه و ركعتيه قال: ابدءوا بما بدأ اللّه به، إنّ اللّه عزّ و جلّ يقول:

إِنَّ الصَّفا وَ الْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللّهِ (1) »(2).

و قال الصادق عليه السّلام: «تبدأ بالصفا و تختم بالمروة»(3).

مسألة 493: يجب أن يسعى بين الصفا و المروة سبعة أشواط

يحتسب ذهابه من الصفا إلى المروة شوطا و عوده من المروة إلى الصفا آخر، هكذا سبع مرّات، عند علمائنا أجمع - و هو قول عامّة العلماء(4) - لما رواه العامّة عن الصادق عن الباقر عليهما السّلام عن جابر في صفة حجّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: ثم نزل إلى المروة حتى إذا انصبّت(5) قدماه رمل في بان الوادي حتى إذا صعدتا مشى حتى أتى المروة، ففعل على المروة كما فعل على الصفا، فلمّا كان آخر طوافه على المروة، ففعل على المروة كما فعل على الصفا، فلمّا كان آخر طوافه على المروة قال: (لو استقبلت من أمري ما استدبرت لم أسق الهدي و جعلتها عمرة)(6) و هذا يقتضي أنّه آخر طوافه.

و من طريق الخاصّة: ما رواه الشيخ: «طف بينهما سبعة أشواط تبدأ بالصفا و تختم بالمروة»(7).

و قال أبو بكر الصيرفي من الشافعية: يحتسب سعيه من الصفا إلى

ص: 133


1- البقرة: 158.
2- التهذيب 145:5-481.
3- الكافي 434:4-435-6، التهذيب 148:5-487.
4- الحاوي الكبير 159:4، المجموع 71:8، الشرح الكبير 419:3، فتح العزيز 347:7.
5- أي: انحدرت. النهاية - لابن الأثير - 3:3 «نصب».
6- صحيح مسلم 888:2-1218، سنن ابن ماجة 1023:2-3074، سنن أبي داود 184:2-1905، سنن الدارمي 46:2.
7- التهذيب 148:5-487.

المروة و منها إلى الصفا شوطا واحدا(1).

مسألة 494: يجب السعي بين الصفا و المروة في المسافة التي بينهما،

فلا يجوز الإخلال بشيء منها، بل يلصق عقبه بالصفا في الابتداء و أصابع رجليه به في العود و بالعكس في المروة. و لا تحلّ له النساء حتى يكمله.

و لا يجب الصعود على الصفا و لا المروة - خلافا لبعض الشافعية، و قد تقدّم(2) - لقوله تعالى فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما (3).

قال المفسّرون: أراد بينهما. و هو يصدق و إن لم يصعد عليهما.

و يستحب له أن يسعى ماشيا، و يجوز الركوب إجماعا.

و لما رواه العامّة: أنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله طاف راكبا بالبيت و بالصفا و المروة(4).

و من طريق الخاصّة: رواية الحلبي - الحسنة - أنّه سأل الصادق عليه السّلام:

عن السعي بين الصفا و المروة على الدابّة، قال: «نعم و على المحمل»(5).

و قال معاوية بن عمّار: سألت الصادق عليه السّلام: عن الرجل يسعى بين الصفا و المروة راكبا، قال: «لا بأس و المشي أفضل»(6).

مسألة 495: يستحب أن يمشي من الصفا إلى المنارة،

و أن يهرول ما بين المنارة و زقاق العطّارين ثم يمشي من زقاق العطّارين إلى المروة، و لو

ص: 134


1- الحاوي الكبير 159:4، فتح العزيز 347:7، المجموع 71:8، حلية العلماء 336:3.
2- تقدّم في الأمر الخامس من مندوبات السعي في ص 130.
3- البقرة: 158.
4- سنن أبي داود 176:2-177-1879 و 1880، سنن البيهقي 100:5.
5- الكافي 437:4-1، التهذيب 155:5-511.
6- الكافي 437:4-2، التهذيب 155:5-512.

كان راكبا، حرّك دابّته في موضع الهرولة إجماعا.

روى العامّة أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله سعى بين الصفا و المروة(1).

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السّلام: «ثم انحدر ماشيا و عليك السكينة و الوقار حتى تأتي المنارة، و هي طرف المسعى، واسع ملأ فروجك و قل: بسم اللّه اللّه أكبر و صلّى اللّه على محمد و آله، و قل: اللّهم اغفر و ارحم و اعف عمّا تعلم و أنت الأعزّ الأكرم، حتى تبلغ المنارة الأخرى، و كان المسعى أوسع ممّا هو اليوم، و لكنّ الناس ضيّقوه، ثم امش و عليك السكينة و الوقار حتى تأتي المروة»(2) الحديث.

و لأنّ موضع الرمل من وادي محسّر، فاستحبّ قطعه بالهرولة، كما يستحب قطع وادي محسّر. و يستحب الدعاء حالة السعي.

و لو ترك الرمل، لم يكن عليه شيء إجماعا.

روى العامّة عن ابن عمر، قال: إن أسع بين الصفا و المروة فقد رأيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يسعى، و إن أمش فقد رأيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يمشي و أنا شيخ كبير(3).

و من طريق الخاصّة: قول سعيد الأعرج: سألت الصادق عليه السّلام: عن رجل ترك شيئا من الرمل في سعيه بين الصفا و المروة، قال: «لا شيء عليه»(4).4.

ص: 135


1- صحيح البخاري 195:2، سنن الترمذي 217:3-863، سنن الدار قطني 2: 255-86، سنن البيهقي 98:5.
2- التهذيب 148:5-487.
3- سنن ابن ماجة 995:2-2988، سنن البيهقي 99:5، و في سنن أبي داود 2: 182-1904 بتقديم و تأخير.
4- الكافي 436:4-9، التهذيب 150:5-151-494.

و ليس على النساء رمل و لا صعود على الصفا و المروة، لأنّ ترك ذلك أستر.

و لو نسي الرجل الرمل حتى يجوز موضعه ثم ذكر، فليرجع القهقرى إلى المكان الذي يرمل فيه.

البحث الثالث: في الأحكام.
مسألة 496: السعي واجب و ركن من أركان الحجّ و العمرة

يبطلان بالإخلال به عمدا، عند علمائنا أجمع - و به قال عروة و مالك و الشافعي و أحمد في إحدى الروايتين(1) - لما رواه العامّة عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، قال:

(اسعوا فإنّ اللّه كتب عليكم السعي)(2).

و من طريق الخاصّة: رواية الحسن(3) بن علي الصيرفي عن بعض أصحابنا قال: سئل أبو عبد اللّه عليه السّلام: عن السعي بين الصفا و المروة فريضة أو سنّة ؟ فقال: «فريضة»(4).

و في الصحيح عن معاوية بن عمّار عن الصادق عليه السّلام: في رجل ترك السعي متعمّدا، قال: «لا حجّ له»(5).

ص: 136


1- المغني 410:3، الحاوي الكبير 155:4، فتح العزيز 348:7، حلية العلماء 335:3، أحكام القرآن - لابن العربي - 48:1، تفسير القرطبي 183:2، المبسوط - للسرخسي - 50:4.
2- سنن الدار قطني 255:2-86.
3- في التهذيب: الحسين.
4- الكافي 435:4-8، التهذيب 149:5-490.
5- الكافي 436:4-10، التهذيب 150:5-491، و فيهما: «عليه الحجّ من قابل» بدل «لا حجّ له».

و قال أحمد في الرواية الأخرى: إنّه مستحب لا يجب بتركه دم. و هو مروي عن ابن الزبير و ابن سيرين(1).

و قال أبو حنيفة: هو واجب و ليس بركن إذا تركه وجب عليه دم - و هو مذهب الحسن البصري و الثوري - لقوله تعالى فَلا جُناحَ (2) و رفع الجناح دليل عدم وجوبه(3).

و هو غلط، فإنّ رفع الجناح لا يستلزم عدم الوجوب.

و لو ترك السعي ناسيا، أعاده لا غير، و لا شيء عليه، فإن كان قد خرج من مكّة، عاد للسعي، فإن لم يتمكّن، أمر من يسعى عنه، لأنّ معاوية بن عمّار سأل الصادق عليه السّلام: رجل نسي السعي بين الصفا و المروة، قال: «يعيد السعي» قلت: فإنّه خرج، قال: «يرجع فيعيد السعي إنّ هذا ليس كرمي الجمار، الرمي سنّة و السعي بين الصفا و المروة فريضة»(4).

و سأل زيد الشحّام الصادق عليه السّلام: عن رجل نسي أن يطوف بين الصفا و المروة حتى يرجع إلى أهله، فقال: «يطاف عنه»(5).

مسألة 497: قد سبق

مسألة 497: قد سبق(6) وجوب ترتيب السعي بأن يبدأ بالصفا و يختم بالمروة،

فلو عكس فبدأ بالمروة و ختم بالصفا، أعاد السعي، لأنّه لم يأت بالمأمور به على وجهه، فيبقى في عهدة التكليف.

ص: 137


1- المغني 410:3، المجموع 77:8، حلية العلماء 335:3.
2- البقرة: 158.
3- المبسوط - للسرخسي - 50:4، المغني 410:3 و 411، المجموع 77:8، الحاوي الكبير 155:4، حلية العلماء 335:3، تفسير القرطبي 183:2.
4- التهذيب 150:5-492، الاستبصار 238:2-829.
5- التهذيب 150:5-493.
6- سبق في المسألة: 492.

و ما رواه معاوية بن عمّار - في الصحيح - عن الصادق عليه السّلام، قال:

«من بدأ بالمروة قبل الصفا فليطرح ما سعى و يبدأ بالصفا قبل المروة»(1).

إذا عرفت هذا، فلو طاف سبعة أشواط و شكّ فيما بدأ به، فإن كان في آخر السابع على الصفا، أعاد السعي من أوّله، لأنّه يكون قد بدأ من المروة.

و قالت العامّة: يسقط الشوط الأوّل، و يبني على أنّه بدأ من الصفا، فيضيف إليه آخر(2).

و هو غلط، لما بيّنّا من الأخبار الدالّة على وجوب البدأة بالصفا، و الإعادة على من بدأ بالمروة.

و كذا لو تيقّن عدد الأشواط فيما دون السبعة و شكّ في المبدأ، فإن كان في المزدوج على الصفا، صحّ سعيه، لأنّه يكون قد بدأ به، و إن كان على المروة، أعاد، و ينعكس الحكم مع انعكاس الفرض.

مسألة 498: لو سعى أقلّ من سبعة أشواط و لو خطوة، وجب عليه الإتيان بها،

و لا يحلّ له ما يحرم على المحرم قبل الإتيان به، فإن رجع إلى بلده، وجب عليه العود مع المكنة و إتمام السعي، لأنّ الموالاة لا تجب فيه إجماعا.

و لو لم يذكر حتى واقع أهله أو قصّر أو قلّم، كان عليه دم بقرة و إتمام السعي، لما رواه سعيد بن يسار، قال: سألت الصادق عليه السّلام: رجل متمتّع سعى بين الصفا و المروة ستّة أشواط ثم رجع إلى منزله و هو يرى أنّه

ص: 138


1- التهذيب 151:5-495.
2- المغني 409:3، الشرح الكبير 420:3، المجموع 70:8، الحاوي الكبير 4: 160.

قد فرغ منه و قلّم أظافيره و أحلّ ثم ذكر أنّه سعى ستّة أشواط، فقال لي:

«يحفظ أنّه قد سعى ستّة أشواط؟ فإن كان يحفظ أنّه قد سعى ستّة أشواط فليعد و ليتمّ شوطا و ليرق دما» فقلت: دم ما ذا؟ قال: «بقرة» قال: «و إن لم يكن حفظ أنّه سعى ستّة أشواط فليبتدئ السعي حتى يكمله سبعة أشواط ثم ليرق [دم](1) بقرة»(2).

و لو لم يحصّل عدد الأشواط، استأنف السعي.

مسألة 499: لا يجوز الزيادة على سبعة أشواط،

فإن زاد عمدا، استأنف السعي، و إن كان سهوا، طرح الزيادة و اعتدّ بالسبعة، و إن شاء أكمل أربعة عشر شوطا، لأنّها عبادة ذات عدد، فأبطلتها الزيادة عمدا، كالصلاة و الطواف.

و لقول الكاظم عليه السّلام: «الطواف المفروض إذا زدت عليه مثل الصلاة، فإذا زدت عليها فعليك الإعادة و كذلك السعي»(3).

و يدلّ على طرح الزيادة مع السهو: قول الكاظم عليه السّلام - في الصحيح - عن رجل سعى بين الصفا و المروة ثمانية أشواط ما عليه ؟ فقال: «إن كان خطأ طرح واحدا و اعتدّ بسبعة»(4).

و على جواز إتمام أربعة عشر شوطا: قول أحدهما عليهما السّلام - في الصحيح -: «و كذلك إذا استيقن أنّه سعى ثمانية أضاف إليها ستّة»(5).

مسألة 500: يجوز أن يجلس الإنسان في أثناء السعي للاستراحة

ص: 139


1- أضفناها من المصدر.
2- التهذيب 153:5-504.
3- التهذيب 151:5-498، الإستبصار 239:2-831.
4- الكافي 436:4-2، التهذيب 152:5-499، الاستبصار 239:2-832.
5- التهذيب 152:5-153-502، الاستبصار 240:2-835.

- و هو قول أحمد في إحدى الروايتين(1) - لما رواه العامّة: أنّ سودة بنت عبد اللّه بن عمر امرأة عروة بن الزبير(2) سعت بين الصفا و المروة فقضت طوافها في ثلاثة أيّام و كانت ضخمة(3)(4).

و من طريق الخاصّة: رواية الحلبي - في الصحيح - عن الصادق عليه السّلام، قال: سألته عن الرجل يطوف بين الصفا و المروة، يستريح ؟ قال: «نعم إن شاء جلس على الصفا و المروة و بينهما فيجلس»(5).

و قال أحمد في الرواية الأخرى: لا يجوز. و يجعل الموالاة شرطا في السعي، قياسا على الطواف(6).

و الفرق: أنّ الطواف يتعلّق بالبيت و هو صلاة، و يشترط له الطهارة و الستر، فيشترط له الموالاة، كالصلاة، بخلاف السعي.

و كذا يجوز أن يقطع السعي لقضاء حاجة له أو لبعض إخوانه ثم يعود فيتمّ ما قطع عليه، لأنّ أبا الحسن عليه السّلام سئل عن الرجل يدخل في السعي بين الصفا و المروة فيسعى ثلاثة أشواط أو أربعة ثم يلقاه الصديق فيدعوه إلى الحاجة أو إلى الطعام، قال: «إن أجابه فلا بأس»(7).

و عن أحمد روايتان(8).ر.

ص: 140


1- المغني 418:3، الشرح الكبير 421:3.
2- في النسخ الخطية و الحجرية: عبد اللّه بن الزبير. و ما أثبتناه من المغني و الشرح الكبير و طبقات ابن سعد 178:5، و سير أعلام النبلاء 432:4.
3- في النسخ الخطّية و الحجرية: صحيحة. و ما أثبتناه من المغني و الشرح الكبير.
4- أورده ابنا قدامة عن الأثرم في المغني 418:3 و الشرح الكبير 421:3-422.
5- الكافي 437:4-3، التهذيب 156:5-516.
6- المغني 418:3، الشرح الكبير 421:3.
7- التهذيب 157:5-520.
8- لم نعثر عليه فيما بين أيدينا من المصادر.

و لو دخل وقت فريضة و هو في أثناء السعي، قطعه، و ابتدأ بالصلاة، فإذا فرغ منها تمّم سعيه، و لا نعلم فيه خلافا، لأنّ معاوية بن عمّار سأل الصادق عليه السّلام - في الصحيح - الرجل يدخل في السعي بين الصفا و المروة فيدخل وقت الصلاة، أ يخفّف أو يقطع و يصلّي ثم يعود أو يثبت كما هو على حاله حتى يفرغ ؟ قال: «لا، بل يصلّي ثم يعود أو ليس عليهما مسجد؟»(1).

مسألة 501: إذا طاف، جاز له أن يؤخّر السعي إلى بعد ساعة،

و لا يجوز إلى غد يومه - و به قال أحمد و عطاء و الحسن و سعيد بن جبير(2) - لأنّ الموالاة إذا لم تجب في نفس السعي ففيما بينه و بين الطواف أولى.

و لأنّ عبد اللّه بن سنان سأل - في الصحيح - الصادق عليه السّلام: عن الرجل يقدم مكّة و قد اشتدّ عليه الحرّ، فيطوف بالكعبة فيؤخّر السعي إلى أن يبرد، فقال: «لا بأس به، و ربما فعلته» قال: و ربما رأيته يؤخّر السعي إلى الليل(3).

و سأل محمد بن مسلم - في الصحيح - أحدهما عليهما السّلام: عن رجل طاف بالبيت فأعيا، أ يؤخّر الطواف بين الصفا و المروة إلى غد؟ قال: «لا»(4).

مسألة 502: السعي تبع للطواف لا يصحّ تقديمه عليه
اشارة

- و به قال مالك و الشافعي و أصحاب الرأي و أحمد في إحدى الروايتين(5) - لما رواه العامّة:

ص: 141


1- التهذيب 156:5-519.
2- المغني 411:3-412، الشرح الكبير 422:3.
3- التهذيب 128:5-129-423، الاستبصار 229:2-790.
4- الفقيه 253:2-1220.
5- بداية المجتهد 346:1، فتح العزيز 346:7، الحاوي الكبير 157:4، المجموع 78:8، المبسوط - للسرخسي - 51:4، المغني 411:3، الشرح الكبير 422:3.

أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله سعى بعد طوافه(1) ، و قال: (خذوا عنّي مناسككم)(2).

و من طريق الخاصّة: رواية منصور بن حازم - في الصحيح - أنّه سأل الصادق عليه السّلام: عن رجل طاف بين الصفا و المروة قبل أن يطوف بالبيت، فقال: «يطوف بالبيت ثم يعود إلى الصفا و المروة فيطوف بينهما»(3).

و لو طاف بعض الطواف ثم مضى إلى السعي ناسيا، فذكر في أثناء السعي نقص الطواف، رجع فأتمّ طوافه ثم عاد إلى السعي فأتمّ سعيه، لأنّ إسحاق بن عمّار سأل الصادق عليه السّلام: عن رجل طاف بالبيت ثم خرج إلى الصفا فطاف به ثم ذكر أنّه قد بقي عليه من طوافه شيء، فأمره أن يرجع إلى البيت فيتمّ ما بقي من طوافه ثم يرجع إلى الصفا فيتمّ ما بقي فقلت له:

فإنّه طاف بالصفا و ترك البيت، قال: «يرجع إلى البيت، قال: «يرجع إلى البيت فيطوف به ثم يستقبل طواف الصفا» فقلت: ما فرق بين هذين ؟ قال: «لأنّه قد دخل في شيء من الطواف، و هذا لم يدخل في شيء منه»(4).

تذنيب: لو سعى بعد طوافه ثم ذكر أنّه طاف بغير طهارة، لم يعتد بطوافه و لا بسعيه،

لأنّه تبع له.

مسألة 503: السعي واجب في الحجّ و العمرة، و لا يجزئ السعي في أحدهما عن الآخر،

عند علمائنا، لأنّ كلّ واحد منهما نسك يشترط فيه الطواف، فيشترط فيه السعي، كالآخر.

ص: 142


1- صحيح مسلم 887:2-888-1218، سنن ابن ماجة 1023:2-3074، سنن أبي داود 183:2-184-1905، سنن الدارمي 46:2، المغني 411:3، الشرح الكبير 422:3.
2- سنن البيهقي 125:5.
3- الكافي 421:4-2، التهذيب 129:5-426.
4- التهذيب 130:5-428.

و لقول الصادق عليه السّلام: «على المتمتّع بالعمرة إلى الحجّ ثلاثة أطواف بالبيت، و يصلّي لكلّ طواف ركعتين، و سعيان بين الصفا و المروة»(1).

و قال بعض العامّة: لو سعى القارن و المفرد بعد طواف القدوم، لم يلزمهما بعد ذلك سعي، و إن لم يسعيا معه، لزمهما السعي مع طواف الزيارة(2).

مسألة 504: لا يجوز تقديم طواف النساء على السعي، فإن فعله متعمّدا، أعاد طواف النساء،

و إن كان ناسيا، فلا شيء عليه، لأنّ أحمد بن محمد روى عمّن ذكره، قال: قلت لأبي الحسن عليه السّلام: جعلت فداك متمتّع زار البيت فطاف طواف الحجّ ثم طاف طواف النساء ثم سعى، فقال:

«لا يكون السعي إلاّ قبل طواف النساء» فقلت: عليه شيء؟ فقال:

«لا يكون سعي إلاّ قبل طواف النساء»(3).

و لا يجوز للمتمتّع أن يقدّم طواف الحجّ و سعيه على المضيّ إلى عرفات اختيارا، قاله العلماء كافّة.

روى أبو بصير، قال: قلت: رجل كان متمتّعا فأهلّ بالحجّ، قال:

«لا يطوف بالبيت حتى يأتي عرفات، فإن هو طاف قبل أن يأتي منى من غير علّة فلا يعتدّ بذلك الطواف»(4).

إذا عرفت هذا، فإنّ التقديم للضرورة - كالشيخ الكبير و المريض و خائفة الحيض - جائز، لقول الصادق عليه السّلام: «لا بأس أن يعجّل الشيخ

ص: 143


1- الكافي 295:4-3، التهذيب 36:5-106.
2- المغني 411:3، الشرح الكبير 422:3.
3- الكافي 512:4-5، التهذيب 133:5-438، الإستبصار 231:2-799.
4- الاستبصار 229:2-793.

الكبير و المريض و المرأة و المعلول طواف الحجّ قبل أن يخرج(1) إلى منى»(2).

و كذا يجوز تقديم طواف النساء على الموقفين مع العذر لا مع الاختيار، لأنّ الحسن بن علي روى عن أبيه عن الكاظم عليه السّلام، قال:

«لا بأس بتعجيل طواف الحجّ و طواف النساء قبل الحجّ يوم التروية قبل خروجه إلى منى، و كذلك لمن خاف أن لا يتهيّأ(3) له الانصراف إلى مكّة أن يطوف و يودّع البيت ثم يمرّ كما هو(4) من منى إذا كان خائفا»(5).

و سيأتي تمام ذلك إن شاء اللّه تعالى.

قال الشيخ رحمه اللّه: يجوز للقارن و المفرد تقديم طوافهما و سعيهما على المضيّ إلى عرفات لضرورة و غيرها(6) ، لأنّ حماد بن عثمان روى - في الصحيح - قال: سألت الصادق عليه السّلام عن مفرد الحجّ أ يعجّل طوافه أو يؤخّره ؟ قال: «هو و اللّه سواء عجّله أو أخّره»(7).

و سأل إسحاق بن عمّار الكاظم عليه السّلام: عن رجل يحرم بالحجّ من مكّة ثم يرى البيت خاليا فيطوف قبل أن يخرج، عليه شيء؟ قال: «لا»(8).

قال الشيخ(9): و يجدّدان التلبية لو قدّما الطواف، ليبقيا على إحرامهما، و لو لم يجدّداها، انقلبت الحجّة عمرة.1.

ص: 144


1- في التهذيبين: يخرجوا.
2- الكافي 458:4-5، التهذيب 131:5-431، الإستبصار 230:2-795.
3- في المصدر: «لمن خاف أمرا لا يتهيّأ..».
4- في النسخ الخطية و الحجرية: «كما مرّ» و ما أثبتناه من المصدر.
5- التهذيب 133:5-437، الإستبصار 230:2-231-798.
6- النهاية: 241، المبسوط - للطوسي - 359:1.
7- الكافي 459:4-2، التهذيب 45:5-135، و 132-434.
8- الفقيه 244:2-1169.
9- انظر: التهذيب 44:5 ذيل الحديث 131.

و أنكر ابن إدريس(1) و كافّة العامّة ذلك.

البحث الرابع: في التقصير.
مسألة 505: إذا فرغ المتمتّع من السعي، قصّر من شعره

و قد أحلّ من كلّ شيء أحرم منه إلاّ الصيد، لكونه في الحرم، فلو خرج منه، كان مباحا له، و يحلّ له أكل ما ذبح في الحلّ في الحرم إجماعا.

روى العامّة عن ابن عمر قال: تمتّع الناس مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بالعمرة إلى الحجّ، فلمّا قدم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله مكة قال للناس: (من كان معه هدي فإنّه لا يحلّ من شيء أحرم منه حتى يقضي حجّته، و من لم يكن معه هدي فليطف بالبيت و بالصفا و المروة و ليقصّر و ليحلل)(2).

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السّلام - في الصحيح -: «إذا فرغت من سعيك و أنت متمتّع فقصّر من شعرك من جوانبه و لحيتك و خذ من شاربك و قلّم من أظفارك و أبق منها لحجّك، فإذا فعلت ذلك فقد أحللت من كلّ شيء يحلّ منه المحرم و أحرمت منه، و طف بالبيت تطوّعا ما شئت»(3).

مسألة 506: التقصير نسك في العمرة،

فلا يقع الإحلال إلاّ به أو بالحلق، عند علمائنا أجمع - و به قال مالك و أبو حنيفة و أحمد و الشافعي في أحد القولين(4) - لما رواه العامّة عن النبي صلّى اللّه عليه و آله قال: (رحم اللّه

ص: 145


1- السرائر: 135.
2- المغني 412:3، الشرح الكبير 423:3، صحيح مسلم 901:2-1227، سنن أبي داود 160:2-1805، سنن النسائي 151:5، سنن البيهقي 23:5.
3- الكافي 438:4-439-1، التهذيب 157:5-521.
4- فتح العزيز 374:7-375، الحاوي الكبير 161:4، المجموع 232:8، بدائع الصنائع 140:2، المغني 414:3 و 467، الشرح الكبير 467:3.

المحلّقين) قيل: يا رسول اللّه و المقصّرين، فقال: (رحم اللّه المحلّقين) إلى أن قال في الثالثة أو الرابعة: (رحم اللّه المقصّرين)(1) و هو يدلّ على أنّه نسك.

و من طريق الخاصّة: الأحاديث الدالّة على الأمر بالتقصير(2) ، فيكون واجبا.

و قال الشافعي في الآخر: إنّه إطلاق محظور، بأنّ كلّ ما كان محرّما في الإحرام فإذا جاز له، كان إطلاق محظور(3).

و نمنع الكلّيّة.

و لا يستحب له تأخير التقصير، فإن أخّره، لم تتعلّق به كفّارة.

مسألة 507: لو أخلّ بالتقصير عامدا حتى أهلّ بالحجّ، بطلت عمرته، و كانت حجّته مفردة.

و لا تدخل أفعال الحجّ في أفعال العمرة - و به قال علي عليه السّلام و ابن مسعود و الشعبي و النخعي و أبو حنيفة و أصحابه(4) - لقوله تعالى وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلّهِ (5).

و قال الشافعي: إذا قرن، تدخل أفعال العمرة في أفعال الحجّ، و اقتصر على أفعال الحجّ فقط، يجزئه طواف واحد و سعي واحد عنهما.

ص: 146


1- صحيح مسلم 946:2-318، سنن ابن ماجة 1012:2-3044، سنن الترمذي 256:3-913، سنن البيهقي 103:5، سنن الدارمي 64:2.
2- منها ما تقدّم عن الإمام الصادق عليه السّلام في المسألة السابقة.
3- الحاوي الكبير 161:4، فتح العزيز 374:7-375.
4- المجموع 61:8، صحيح مسلم بشرح النووي 141:8، المغني 497:3، الحاوي الكبير 164:4.
5- البقرة: 196.

و به قال جابر و ابن عمر و عطاء و طاوس و الحسن البصري و مجاهد و ربيعة و مالك و أحمد و إسحاق(1).

و يبطل بما رواه العامّة عن عمران بن الحصين: أنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله قال:

(من جمع الحجّ إلى العمرة فعليه طوافان)(2).

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السّلام: «إذا طاف و سعى ثم لبّى قبل أن يقصّر فليس له أن يقصّر، و ليس له متعة»(3).

و لو أخلّ بالتقصير ناسيا، صحّت متعته، و وجب عليه دم - قاله الشيخ(4) رحمه اللّه - لأنّ إسحاق بن عمّار روى - في الصحيح - عن الكاظم عليه السّلام:

الرجل يتمتّع و ينسى أن يقصّر حتى يهلّ بالحجّ، فقال: «عليه دم يهريقه»(5).

و حمله الصدوق على الاستحباب(6) ، لأنّ معاوية بن عمّار سأل الصادق عليه السّلام: عن رجل أهلّ بالعمرة و نسي أن يقصّر حتى دخل الحجّ، قال: «يستغفر اللّه و لا شيء عليه و تمّت عمرته»(7).

مسألة 508: لو جامع امرأته قبل التقصير، وجب عليه جزور

إن كان

ص: 147


1- المجموع 61:8، صحيح مسلم بشرح النووي 141:8، المغني 497:3، الحاوي الكبير 164:4.
2- أورده الشيخ الطوسي في الخلاف 333:2 ذيل المسألة 148، و نقله الماوردي في الحاوي الكبير 164:4 بلفظ: (من جمع بين الحجّ و العمرة..).
3- التهذيب 159:5-529، الاستبصار 243:2-846.
4- التهذيب 158:5 ذيل الحديث 526.
5- التهذيب 158:5-159-527، الاستبصار 242:2-844، و الفقيه 2: 237-1128.
6- الفقيه 237:2 ذيل الحديث 1129.
7- التهذيب 159:5-528، الاستبصار 242:2-243-845.

موسرا، و إن كان متوسّطا، فبقرة، و إن كان فقيرا، فشاة إن كان عامدا عالما، و إن كان جاهلا أو ناسيا، لم يكن عليه شيء، لأنّ الحلبي سأل الصادق عليه السّلام - في الصحيح -: عن متمتّع وقع على امرأته قبل أن يقصّر، قال: «ينحر جزورا و قد خشيت أن يكون قد ثلم حجّه»(1).

و في الحسن عن معاوية بن عمّار أنّه سأل الصادق عليه السّلام: عن متمتّع وقع على امرأته و لم يقصّر، فقال: «ينحر جزورا و قد خفت أن يكون قد ثلم حجّه إن كان عالما، و إن كان جاهلا فلا شيء عليه»(2).

أمّا لو واقعها بعد التقصير، فلا شيء عليه إجماعا.

و لو قبّل امرأته قبل التقصير، وجب عليه دم شاة - قاله الشيخ(3) - لرواية الحلبي - في الصحيح - أنّه سأل الصادق عليه السّلام: عن متمتّع طاف بالبيت و بين الصفا و المروة فقبّل امرأته قبل أن يقصّر من رأسه، قال: «عليه دم يهريقه، و إن كان الجماع فعليه جزور أو بقرة»(4).

إذا عرفت هذا، فإنّ عمرته لا تبطل - و به قال مالك و أحمد و أصحاب الرأي(5) - لما رواه العامّة عن ابن عباس أنّه سئل عن امرأة معتمرة وقع بها زوجها قبل أن تقصّر، قال: من ترك من مناسكه شيئا أو نسيه فليرق دما،2.

ص: 148


1- التهذيب 161:5-536، و فيه إلى قوله: «جزورا». و قوله: «و قد خشيت.. حجّه» من تتمّة رواية معاوية بن عمّار عن الإمام الصادق عليه السّلام، التي وردت بعد رواية الحلبي، و فيها: «و قد خفت..».
2- الكافي 440:4-441-5، التهذيب 161:5-539.
3- التهذيب 160:5 ذيل الحديث 534.
4- التهذيب 160:5-161-535.
5- الكافي في فقه أهل المدينة: 160، المغني 414:3، الشرح الكبير 425:3، الهداية - للمرغيناني - 165:1، بدائع الصنائع 228:2.

قيل: إنّها موسرة، قال: فلتنحر ناقة(1).

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السّلام: «و قد خفت أن يكون قد ثلم حجّه»(2) و هو يدلّ على الصحّة.

و قال الشافعي: تفسد عمرته(3).

إذا عرفت هذا، فإن طاوعته، كفّرت أيضا، و إن أكرهها، تحمّل عنها.

مسألة 509: التقصير في إحرام العمرة أولى من الحلق،

قاله الشيخ في الخلاف(4).

و منع في غيره من الحلق، و أوجب به دم شاة مع العمد(5).

و قال أحمد: التقصير أفضل(6) ، لما رواه العامّة عن جعفر بن محمد عن أبيه عليهما السّلام عن جابر لمّا وصف حجّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و قال لأصحابه:

(حلّوا من إحرامكم بطواف بين الصفا و المروة و قصّروا)(7).

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السّلام: عن المتمتّع أراد أن يقصّر فحلق رأسه، قال: «عليه دم يهريقه»(8).

و سأل جميل بن درّاج الصادق عليه السّلام: عن متمتّع حلق رأسه بمكة،

ص: 149


1- المغني 414:3، الشرح الكبير 425:3.
2- تقدّمت الإشارة إلى مصدره في ص 148، الهامش (2).
3- فتح العزيز 376:7، المجموع 388:7، حلية العلماء 310:3، المغني 3: 414، الشرح الكبير 425:3.
4- الخلاف 330:2، المسألة 144.
5- النهاية: 246، المبسوط - للطوسي - 363:1، الجمل و العقود (ضمن الرسائل العشر): 232.
6- المغني 413:3-414، الشرح الكبير 424:3.
7- أورده ابنا قدامة عن جابر فقط في المغني 414:3، و الشرح الكبير 424:3.
8- التهذيب 158:5-525، الاستبصار 242:2-842.

قال: «إن كان جاهلا فليس عليه شيء»(1).

و قال الشافعي: الحلق أفضل(2) ، لقوله تعالى مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ وَ مُقَصِّرِينَ (3). بدأ بالأهمّ.

و هو لا يعارض ما تقدّم.

مسألة 510: أدنى التقصير أن يقصّر شيئا من شعر رأسه

و لو كان يسيرا، و أقلّه ثلاث شعرات، لحصول الامتثال به، هذا قول علمائنا، و به قال الشافعي(4).

و قال أبو حنيفة: الربع(5).

و قال مالك: يقصّر من جميع رأسه أو يحلقه أجمع. و به قال أحمد في إحدى الروايتين - و في الأخرى كقولنا(6) - لأنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله حلق جميع رأسه(7). و لأنّه نسك يتعلّق بالرأس، فيجب استيعابه، كالمسح(8).

و فعل النبيّ صلّى اللّه عليه و آله بيان للحلق في الحجّ، و نمنع حكم أصل قياسهم.

إذا عرفت هذا، فلو قصّر الشعر بأيّ شيء كان، أجزأه، و كذا لو نتفه

ص: 150


1- الكافي 441:4-7، التهذيب 158:5-526، الإستبصار 242:2-843.
2- الحاوي الكبير 162:4، فتح العزيز 375:7 و 377، المجموع 209:8، حلية العلماء 344:3.
3- الفتح: 27.
4- الحاوي الكبير 163:4، فتح العزيز 378:7، المجموع 214:8، المغني 3: 415، الشرح الكبير 463:3.
5- بدائع الصنائع 141:2، فتح العزيز 378:7، المجموع 215:8، حلية العلماء 344:3.
6- المغني 414:3-415، الشرح الكبير 463:3.
7- سنن أبي داود 203:2-1981، سنن البيهقي 134:5.
8- المدوّنة الكبرى 425:1، المنتقى - للباجي - 29:3، المغني 414:3 - 415، الشرح الكبير 463:3.

أو أزاله بالنورة.

و لو قصّر من الشعر النازل عن حدّ الرأس أو ما يحاذيه، أجزأه.

و لو قصّر من أظفاره، أجزأه، و كذا لو أخذ من شاربه أو حاجبيه أو لحيته، لأنّ الصادق عليه السّلام سأله حفص و جميل و غيرهما: عن محرم يقصّر من بعض و لا يقصّر من بعض، قال: «يجزئه»(1).

مسألة 511: ليس في إحرام عمرة التمتّع طواف النساء،

بل في إحرام العمرة المبتولة، لأنّ أبا القاسم مخلد بن موسى الرازي كتب [إلى الرجل](2) يسأله عن العمرة المبتولة هل على صاحبها طواف النساء؟ و عن العمرة التي يتمتّع بها إلى الحجّ، فكتب «أمّا العمرة المبتولة فعلى صاحبها طواف النساء، و أمّا التي يتمتّع بها إلى الحجّ فليس على صاحبها طواف النساء»(3).

إذا عرفت هذا، فينبغي للمتمتّع بعد التقصير أن يتشبّه بالمحرمين في ترك لبس المخيط، لقول الصادق عليه السّلام: «ينبغي للمتمتّع بالعمرة إلى الحجّ إذا أحلّ أن لا يلبس قميصا و ليتشبّه بالمحرمين»(4).

مسألة 512: يكره له أن يخرج من مكة قبل قضاء مناسكه كلّها،

إلاّ لضرورة، فإن اضطرّ إلى الخروج، خرج إلى حيث لا يفوته الحجّ، و يخرج محرما بالحجّ، فإن أمكنه الرجوع إلى مكة، و إلاّ مضى على إحرامه إلى عرفات.

و لو خرج بغير إحرام ثم عاد، فإن كان في الشهر الذي خرج فيه،

ص: 151


1- الكافي 439:4-4، الفقيه 238:2-1136.
2- أضفناها من المصادر.
3- الكافي 538:4-9، التهذيب 254:5-861، الإستبصار 232:2-804.
4- الكافي 441:4-8، التهذيب 160:5-532.

لم يضرّه أن يدخل مكة بغير إحرام، و إن دخل في غير الشهر الذي خرج فيه، دخلها محرما بالعمرة إلى الحجّ، و تكون عمرته الأخيرة هي التي يتمتّع بها إلى الحجّ، لقول الصادق عليه السّلام: «من دخل مكة متمتّعا في أشهر الحجّ لم يكن له أن يخرج حتى يقضي الحجّ، فإن عرضت له الحاجة إلى عسفان أو إلى الطائف أو إلى ذات عرق، خرج محرما، و دخل ملبّيا بالحجّ، فلا يزال على إحرامه، فإن رجع إلى مكة رجع محرما، و لم يقرب البيت حتى يخرج مع الناس إلى منى» قلت: فإن جهل فخرج إلى المدينة و إلى نحوها بغير إحرام ثم رجع في إبّان الحجّ في أشهر الحجّ يريد الحجّ أ يدخلها محرما أو بغير إحرام ؟ فقال: «إن رجع في شهره دخل بغير إحرام، و إن دخل في غير الشهر دخل محرما» قلت: فأيّ الإحرامين و المتعتين متعته ؟ الأولى أو الأخيرة ؟ قال: «الأخيرة هي عمرته، و هي المحتبس بها التي وصلت بحجّه»(1).

إذا عرفت هذا، فلو خرج من مكة بغير إحرام و عاد في الشهر الذي خرج فيه، استحبّ له أن يدخلها محرما بالحجّ، و يجوز له أن يدخلها بغير إحرام على ما تقدّم.

مسألة 513: لو دخل المحرم مكة و قدر على إنشاء الإحرام للحجّ بعد طوافه و سعيه و تقصيره، و إدراك عرفات و المشعر، جاز له ذلك

و إن كان بعد زوال الشمس من يوم التروية أو ليلة عرفة أو يومها قبل الزوال أو بعده إذا علم إدراك الموقفين - اختاره الشيخ(2) رحمه اللّه - لأنّ هشام بن سالم [روى](3) - في الصحيح - [عن](4) الصادق عليه السّلام: في الرجل المتمتّع يدخل

ص: 152


1- الكافي 441:4-442-1، التهذيب 163:5-164-546.
2- المبسوط - للطوسي - 364:1.
3- ما بين المعقوفين لأجل السياق.
4- ما بين المعقوفين لأجل السياق.

ليلة عرفة فيطوف و يسعى ثم يحرم فيأتي منى، فقال: «لا بأس»(1).

و قال المفيد رحمه اللّه: إذا زالت الشمس من يوم التروية و لم يكن أحلّ من عمرته، فقد فاتته المتعة، و لا يجوز له التحلّل منها، بل يبقى على إحرامه، و تكون حجّته مفردة [1].

و ليس بجيّد.

قال موسى بن القاسم: روى لنا الثقة من أهل البيت عن أبي الحسن موسى عليه السّلام، أنّه قال: «أهلّ بالمتعة بالحجّ» يريد يوم التروية زوال الشمس و بعد العصر و بعد المغرب و بعد العشاء، ما بين ذلك كلّه واسع(2).

احتجّ المفيد - رحمه اللّه - بقول الصادق عليه السّلام: «إذا قدمت مكة يوم التروية و قد غربت الشمس فليس لك متعة، و امض كما أنت بحجّك»(3).

و هو محمول على خائف فوات الموقف، لأنّ الحلبي سأل - في الصحيح - الصادق عليه السّلام: عن رجل أهلّ بالحجّ و العمرة جميعا ثم قدم مكة و الناس بعرفات، فخشي إن هو طاف و سعى بين الصفا و المروة أن يفوته الموقف، فقال: «يدع العمرة، فإذا أتمّ حجّه صنع كما صنعت عائشة، و لا هدي عليه»(4).9.

ص: 153


1- الكافي 443:4-1، الفقيه 242:2-1156، التهذيب 171:5-172-571، الاستبصار 247:2-866.
2- التهذيب 172:5-173-578، الاستبصار 248:2-873.
3- التهذيب 173:5-583، الاستبصار 249:2-878.
4- التهذيب 174:5-584، الاستبصار 250:2-879.

و التقييد بخوف الفوات هنا يقتضي تقييده في الأحاديث المطلقة، حملا للمطلق على المقيّد.

تمّ الجزء الخامس(1) من كتاب تذكرة الفقهاء في سادس شهر رمضان المبارك من سنة ثمان عشرة و سبعمائة بالحلّة على يد مصنّف الكتاب حسن ابن يوسف بن المطهّر الحلّي أعانه اللّه تعالى على طاعته.

و يتلوه في الجزء السادس بعون اللّه تعالى: المقصد الثالث في أفعال الحجّ، و فيه فصول: الأوّل: في إحرام الحجّ.

و الحمد للّه وحده، و صلّى اللّه على سيّدنا محمد النبي و آله الطاهرين [1].ة.

ص: 154


1- حسب تجزئة المصنّف قدّس اللّه نفسه الزكية.

بسم اللّه الرحمن الرحيم وفّق اللّهم لإكماله بمحمد و كرام آله

ص: 155

ص: 156

المقصد الثالث في أفعال الحجّ

اشارة

و فيه فصول

ص: 157

ص: 158

الأوّل في إحرام الحجّ
مسألة 514: إذا فرغ المتمتّع من عمرته و أحلّ من إحرامها، وجب عليه الإتيان بالحجّ مبتدئا بالإحرام للحجّ من مكة.

و يستحب أن يكون يوم التروية، و هو ثامن ذي الحجّة، إجماعا.

روى العامّة عن جابر في صفة حجّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: فلمّا كان يوم التروية توجّهوا إلى منى فأهلّوا بالحجّ(1).

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السّلام: «إذا كان يوم التروية إن شاء اللّه فاغتسل ثم البس ثوبيك و ادخل المسجد حافيا و عليك السكينة و الوقار، ثم صلّ ركعتين عند مقام إبراهيم عليه السّلام أو في الحجر، ثم اقعد حتى تزول الشمس فصلّ المكتوبة، ثم قل في دبر صلاتك كما قلت حين أحرمت من الشجرة، فأحرم بالحجّ ثم امض و عليك السكينة و الوقار، فإذا انتهيت إلى الرقطاء دون الرّدم فلبّ، فإذا انتهيت إلى الرّدم و أشرفت على الأبطح فارفع صوتك بالتلبية حتى تأتي منى»(2).

أمّا المكّي: فذهب مالك إلى أنّه يستحب أن يهلّ بالحجّ من المسجد لهلال ذي الحجّة(3).

ص: 159


1- صحيح مسلم 889:2-1218، سنن ابن ماجة 1024:2-3074، سنن أبي داود 184:2-1905.
2- التهذيب 167:5-557.
3- المدوّنة الكبرى 401:1، المغني و الشرح الكبير 430:3.

و روي عن ابن عمر و ابن عباس و طاوس و سعيد بن جبير استحباب إحرامه يوم التروية أيضا، و هو قول أحمد، لأنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله أمر بالإهلال يوم التروية(1).

و لأنّه ميقات للإحرام، فاستوى فيه أهل مكة و غيرهم، كميقات المكان، و لأنّه لو أحرم المتمتّع بحجّة أو المكّي قبل ذلك في أيّام الحجّ فإنّه يجزئه(2).

مسألة 515: و يحرم من مكة، و الأفضل أن يكون من تحت الميزاب

أو من مقام إبراهيم عليه السّلام، و يجوز أن يحرم من أيّ موضع شاء من مكة إجماعا.

روى العامّة عن النبي صلّى اللّه عليه و آله: (حتى أهل مكة يهلّون منها)(3).

و من طريق الخاصّة: ما رواه عمرو بن حريث الصيرفي أنّه سأل الصادق عليه السّلام: من أين أهلّ بالحجّ؟ فقال: «إن شئت من رحلك و إن شئت من الكعبة و إن شئت من الطريق»(4).

و يستحب أن يفعل هنا كما فعل في إحرام العمرة من الإطلاء و الاغتسال و التنظيف بإزالة الشعر و الدعاء و الاشتراط، لما تقدّم(5) من الأخبار.

و يستحب أن يكون إحرامه عند الزوال يوم التروية بعد أن يصلّي

ص: 160


1- تقدّمت الإشارة إلى مصادره في ص 159، الهامش (1).
2- المغني و الشرح الكبير 430:3.
3- صحيح مسلم 839:2-1181، صحيح البخاري 165:2، سنن أبي داود 2: 143-1738، سنن النسائي 126:5.
4- الكافي 455:4-4، التهذيب 166:5-555.
5- تقدّم في ج 7 ص 222 و 223 و 259، المسائل 166 و 167 و 197.

الفرضين، لما تقدّم في المسألة الاولى(1) من كلام الصادق عليه السّلام.

و يجوز أن يحرم أيّ وقت شاء من أيّام الحجّ بعد فراغ عمرته بعد أن يعلم أنّه يلحق عرفات، ثم يفعل ما فعل عند الإحرام الأوّل من الغسل و التنظيف و أخذ الشارب و تقليم الأظفار و غير ذلك، ثم يلبس ثوبي إحرامه و يدخل المسجد حافيا، عليه السكينة و الوقار، و يصلّي ركعتين عند المقام أو في الحجر، و إن صلّى ست ركعات، كان أفضل. و إن صلّى فريضة الظهر و أحرم عقيبها، كان أفضل، فإذا صلّى ركعتي الإحرام، أحرم بالحجّ مفردا، و يدعو بما دعا به عند الإحرام الأوّل، غير أنّه يذكر الحجّ مفردا، لأنّ عمرته قد مضت.

و يلبّي إن كان ماشيا من موضعه الذي صلّى فيه، و إن كان راكبا، فإذا نهض به بعيره، فإذا انتهى إلى الردم و أشرف على الأبطح، رفع صوته بالتلبية، لما تقدّم(2).

مسألة 516: و لا يسنّ له الطواف بعد إحرامه،

و به قال ابن عباس و عطاء و مالك و إسحاق و أحمد(3). و لو فعل ذلك لغير عذر، لم يجزئه عن طواف الحجّ و كذا السعي، أمّا لو حصل عذر، مثل مرض أو خوف حيض، فإنّه يجوز الطواف قبل المضيّ إلى عرفات، لأنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله أمر أصحابه أن يهلّوا بالحجّ إذا خرجوا إلى منى(4).

ص: 161


1- أي: المسألة 514.
2- تقدّم في المسألة السابقة من كلام الإمام الصادق عليه السّلام.
3- المغني و الشرح الكبير 431:3.
4- كما في المغني و الشرح الكبير 431:3، و راجع: صحيح مسلم 889:2-1218، و سنن أبي داود 184:2-1905، و سنن ابن ماجة 1024:2-3074، و سنن البيهقي 112:5.

و قال الشافعي: يجوز مطلقا(1).

مسألة 517: قد بيّنّا أنّه يجب أن يحرم بالحجّ، فإن أحرم بالعمرة سهوا و هو يريد الحجّ، أجزأه،

لأنّ علي بن جعفر سأل أخاه الكاظم عليه السّلام - في الصحيح - عن رجل دخل قبل التروية بيوم فأراد الإحرام بالحجّ فأخطأ، فقال: العمرة، قال: «ليس عليه شيء، فليعد الإحرام بالحجّ»(2).

و لو نسي الإحرام يوم التروية بالحجّ حتى حصل بعرفات، فليحرم من هناك، فإن لم يذكر حتى يرجع إلى بلده فقد تمّ حجّه، و لا شيء عليه، قاله الشيخ(3) رحمه اللّه، لما رواه علي بن جعفر - في الصحيح - عن أخيه الكاظم عليه السّلام، قال: سألته عن رجل نسي الإحرام بالحجّ فذكره و هو بعرفات ما حاله ؟ قال: «يقول: اللهم على كتابك و سنّة نبيّك، فقد تمّ إحرامه، فإن جهل أن يحرم يوم التروية بالحجّ حتى رجع إلى بلده إن كان قضى مناسكه كلّها فقد تمّ حجّه»(4).

ص: 162


1- المجموع 84:8، المغني و الشرح الكبير 431:3.
2- التهذيب 169:5-562.
3- التهذيب 174:5 ذيل الحديث 585.
4- التهذيب 175:5-586.
الفصل الثاني في الوقوف بعرفات
اشارة

و فيه مباحث:

الأوّل: في الخروج إلى منى.
اشارة

يستحب لمن أراد الخروج إلى منى أن لا يخرج من مكة حتى يصلّي الظهرين يوم التروية بها ثم يخرج إلى منى إلاّ الإمام خاصّة، فإنّه يستحب له أن يصلّي الظهر و العصر بمنى يوم التروية، و يقيم بها إلى طلوع الشمس.

و أطلق العامّة على استحباب الخروج للإمام و غيره من مكة قبل الظهر و أن يصلّوا بمنى يوم التروية(1).

لنا: ما رواه العامّة عن ابن الزبير أنّه صلّى بمكة(2).

و عن عائشة أنّها تخلّفت ليلة التروية حتى ذهب ثلثا الليل(3).

و من طريق الخاصّة: رواية معاوية بن عمّار - الصحيحة - عن الصادق عليه السّلام، أنّه يصلّي الظهر بمكة(4).

و أمّا الإمام: فإنّه يستحب له الخروج قبل الزوال ليصلّي الظهرين يوم التروية بمنى، لما رواه جميل بن درّاج - في الصحيح - عن الصادق عليه السّلام، قال: «لا ينبغي للإمام أن يصلّي الظهر إلاّ بمنى يوم التروية و يبيت بها

ص: 163


1- المغني و الشرح الكبير 431:3-432، الحاوي الكبير 167:4، المجموع 8: 83، حلية العلماء 336:3، المبسوط - للسرخسي - 52:4.
2- المغني و الشرح الكبير 432:3، المجموع 92:8.
3- المغني و الشرح الكبير 432:3، المجموع 92:8.
4- الكافي 454:4-1، التهذيب 167:5-557 نقلا بالمعنى.

و يصبح حتى تطلع الشمس و يخرج»(1).

مسألة 518: يجوز للشيخ الكبير و المريض و المرأة و خائف الزحام المبادرة إلى الخروج قبل الظهر بيوم أو يومين أو ثلاثة،

للضرورة.

و لرواية إسحاق بن عمّار - الصحيحة - قال: سألت الكاظم عليه السّلام: عن الرجل يكون شيخا كبيرا أو مريضا يخاف ضغاط الناس و زحامهم يحرم بالحجّ و يخرج إلى منى قبل يوم التروية ؟ قال: «نعم» قلت: فيخرج الرجل الصحيح يلتمس مكانا أو يتروّح بذلك ؟ قال: «لا» قلت: يتعجّل بيوم ؟ قال: «نعم» قلت: يتعجّل بيومين ؟ قال: «نعم» قلت: ثلاثة ؟ قال: «نعم» قلت: أكثر من ذلك، قال: «لا»(2).

مسألة 519: يستحب له عند التوجّه إلى منى الدعاء بالمنقول،

و إذا نزل منى، دعا بالمأثور.

قال الصادق عليه السّلام له(3) - في الصحيح -: «إذا انتهيت إلى منى فقل:

اللهم هذه منى، و هي ممّا مننت به علينا من المناسك، فأسألك أن تمنّ عليّ بما مننت به على أنبيائك، فإنّما أنا عبدك و في قبضتك، ثم تصلّي بها الظهر و العصر و المغرب و العشاء الآخرة و الفجر و الإمام يصلّي بها الظهر الظهر و العصر و المغرب و العشاء الآخرة و الفجر و الإمام يصلّي بها الظهر لا يسعه إلاّ ذلك و موسّع أن تصلّي بغيرها إن لم تقدر ثم تدركهم بعرفات» قال: «و حدّ منى من العقبة إلى وادي محسّر»(4).

ص: 164


1- الاستبصار 254:2-892، التهذيب 177:5-592 بتفاوت يسير في اللفظ في الأخير.
2- التهذيب 176:5-589، الإستبصار 253:2-889.
3- أي: للسائل.
4- الكافي 461:4 (باب نزول منى و حدودها) الحديث 1، التهذيب 177:5 - 178-596.

و لو صادف يوم التروية يوم الجمعة، فمن أقام بمكة حتى تزول الشمس ممّن تجب عليه الجمعة، لم يجز له الخروج حتى يصلّي الجمعة، لأنّها فرض، و الخروج في هذا الوقت ندب.

أمّا قبل الزوال فإنّه يجوز له الخروج - و هو أحد قولي الشافعي(1) - لأنّ الجمعة الآن غير واجبة. و الثاني للشافعي: لا يجوز(2).

إذا عرفت هذا، فإنّ الشيخ - رحمه اللّه - قال: يستحب للإمام أن يخطب أربعة أيّام من ذي الحجّة: يوم السابع منه و يوم عرفة و يوم النحر بمنى و يوم النفر الأوّل، يعلم الناس ما يجب عليهم فعله من مناسكهم(3) ، لما روى جابر أنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله صلّى الظهر بمكة يوم السابع و خطب [1].

و يأمر الناس في خطبته بالغدوّ إلى منى و يعلمهم ما بين أيديهم من المناسك، و به قال الشافعي(4).

و قال أحمد: لا يخطب يوم السابع(5).

و لو وافق يوم الجمعة، خطب للجمعة و صلاّها ثم خطب هذه الخطبة ثم يخرج بهم يوم الثامن - و هو يوم التروية - إلى منى.

مسألة 520: يستحب المبيت ليلة عرفة بمنى للاستراحة،

و ليس بنسك، فلا يجب بتركه شيء، و يبيت إلى طلوع الفجر من يوم عرفة،

ص: 165


1- فتح العزيز 353:7، المجموع 84:8.
2- فتح العزيز 353:7، المجموع 84:8.
3- المبسوط - للطوسي - 365:1.
4- فتح العزيز 351:7-352، المجموع 81:8-82، الحاوي الكبير 167:4.
5- فتح العزيز 352:7، المجموع 89:8.

و يكره الخروج قبل الفجر إلاّ لضرورة، كالمريض و الخائف، لما رواه الشيخ - في الصحيح - عن معاوية بن عمّار عن الصادق عليه السّلام من قوله: «ثم تصلّي بها الظهر و العصر و المغرب و العشاء الآخرة»(1).

إذا ثبت هذا، فالأفضل له أن يصبر حتى تطلع الشمس، فلو خرج قبل طلوعها بعد طلوع الفجر، جاز ذلك، لكن ينبغي له أن لا يجوز وادي محسّر إلاّ بعد طلوع الشمس، لقول الصادق عليه السّلام: «لا تجوز وادي محسّر حتى تطلع الشمس»(2).

أمّا الإمام فلا يخرج من منى إلاّ بعد طلوع الشمس، لقول الصادق عليه السّلام:

«من السنّة أن لا يخرج الإمام من منى إلى عرفة حتى تطلع الشمس»(3).

و يجوز للمعذور - كالمريض و خائف الزحام و الماشي - الخروج قبل أن يطلع الفجر و يصلّي الفجر في الطريق للضرورة، رواه الشيخ عن عبد الحميد الطائي أنّه قال للصادق عليه السّلام: إنّا مشاة فكيف نصنع ؟ قال: «أمّا أصحاب الرحال فكانوا يصلّون الغداة بمنى، و أمّا أنتم فامضوا حيث تصلّوا في الطريق»(4).

و للشافعي قولان: أحدهما: أنّهم يخرجون إلى عرفات بعد الفجر، و الثاني: بعد الظهر في غير الجمعة.

و أمّا إذا كان يوم التروية يوم الجمعة، فالمستحب عنده الخروج قبل طلوع الفجر، لأنّ الخروج إلى السفر يوم الجمعة إلى حيث لا تصلّى9.

ص: 166


1- التهذيب 177:5-178-596.
2- التهذيب 178:5-597.
3- الكافي 161:4 (باب الغدوّ إلى عرفات..) الحديث 1، التهذيب 5: 178-598.
4- التهذيب 179:5-599.

الجمعة حرام أو مكروه، و هم لا يصلّون الجمعة بمنى، و كذا لا يصلّونها بعرفة لو كان يوم عرفة يوم الجمعة، لأنّ الجمعة إنّما تقام في دار الإقامة(1).

إذا عرفت هذا، فيستحب الدعاء عند الخروج إلى عرفة بالمنقول، و يضرب خباءه بنمرة و هي بطن عرنة دون الموقف و دون عرفة، لما رواه العامّة أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله مكث حتى طلعت الشمس ثم ركب و أمر بقبّة من شعر أن تضرب له بنمرة فنزل بها(2).

و من طريق الخاصّة: ما رواه معاوية بن عمّار - في الصحيح - عن الصادق عليه السّلام، قال: «إذا غدوت إلى عرفة فقل و أنت متوجّه إليها: اللّهم إليك صمدت و إيّاك اعتمدت و وجهك أردت، أسألك أن تبارك لي في رحلتي و أن تقضي لي حاجتي و أن تجعلني ممّن تباهي به اليوم من هو أفضل منّي، ثم تلبّي و أنت غاد إلى عرفات، فإذا انتهيت إلى عرفات فاضرب خباءك بنمرة و هي بطن عرنة دون الموقف و دون عرفة، فإذا زالت الشمس يوم عرفة فاغتسل و صلّ الظهر و العصر بأذان واحد و إقامتين و إنّما تعجّل العصر و تجمع بينهما لتفرغ نفسك للدعاء فإنّه يوم دعاء و مسألة» قال: «و حدّ عرفة من بطن عرنة و ثويّة و نمرة إلى ذي المجاز، و خلف الجبل موقف»(3).

إذا عرفت هذا، فإنّه يستحب أن يجمع الإمام بين الظهر و العصر بأذان واحد و إقامتين، عند علمائنا، لهذه الرواية، و به قال الشافعي، لأنّ0.

ص: 167


1- فتح العزيز 352:7-353.
2- صحيح مسلم 889:2-1218، سنن ابن ماجة 1024:2-3074، سنن أبي داود 185:2-1905.
3- التهذيب 179:5-600.

رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله هكذا فعل في حجّة الوداع(1)(2).

و عند أبي حنيفة لا إقامة للعصر(3).

مسألة 521: إذا زالت الشمس يوم عرفة، خطب الإمام بالناس،

و بيّن لهم ما بين أيديهم من المناسك، و يحرّضهم على إكثار الدعاء و التهليل بالموقف، ثم يصلّي بالناس الظهر بأذان و إقامة، ثم يقيمون فيصلّي بهم العصر.

و إذا كان الإمام مسافرا، وجب عليه التقصير.

و قال الشافعي: السنّة له التقصير(4).

و أمّا أهل مكة و من حولها فلا يقصّرون، و به قال الشافعي(5) ، خلافا لمالك(6).

و ليقل الإمام إذا سلّم: أتمّوا يا أهل مكة فإنّا قوم سفر، كما قاله رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله(7).

إذا عرفت هذا، فإنّ نمرة ليست من عرفة، بل هي حدّ لها.

ص: 168


1- صحيح مسلم 890:2-1218، سنن أبي داود 185:2-1905، سنن ابن ماجة 1025:2-3074، سنن الدارمي 48:2، سنن البيهقي 114:5.
2- الحاوي الكبير 169:4، فتح العزيز 354:7، المجموع 87:8 و 92، حلية العلماء 337:3، المغني و الشرح الكبير 433:3.
3- فتح العزيز 354:7.
4- فتح العزيز 354:7، المجموع 87:8.
5- فتح العزيز 354:7-355، الحاوي الكبير 169:4، المجموع 91:8، المغني و الشرح الكبير 435:3، بداية المجتهد 348:1.
6- بداية المجتهد 347:1-348، فتح العزيز 355:7، المغني و الشرح الكبير 435:3، المجموع 91:8، الحاوي الكبير 169:4.
7- سنن البيهقي 135:3-136.

و للشافعية قولان: هذا أحدهما، و الثاني: أنّها منها(1).

البحث الثاني: في الكيفية.
مسألة 522: يستحب الاغتسال للوقوف بعرفة،

لأنّها عبادة، فشرّع لها الاغتسال، كالإحرام - و رواه العامّة عن علي عليه السّلام، و به قال الشافعي و إسحاق و أبو ثور و أحمد و ابن المنذر(2) - لأنّها مجمع الناس، فاستحبّ الاغتسال لها، كالجمعة و العيدين.

و من طريق الحاصّة: ما تقدّم(3) في حديث معاوية بن عمّار عن الصادق عليه السّلام.

ثم يقف مستقبل القبلة، لأنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله وقف و استقبل القبلة(4).

و هل الوقوف راكبا أفضل أو ماشيا؟ للشافعي قولان: أحدهما: أنّهما سواء [قاله](5) في الأم، و أظهرهما - و به قال أحمد(6) - أنّ الوقوف راكبا أفضل، اقتداء برسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، و ليكون أقوى على الدعاء(7).

و عندنا أنّ الركوب و القعود مكروهان، بل يستحب قائما داعيا

ص: 169


1- فتح العزيز 355:7.
2- المغني 436:3، الشرح الكبير 435:3، فتح العزيز 243:7، المجموع 110:8.
3- تقدّم في المسألة 520.
4- صحيح مسلم 890:2-1218، سنن ابن ماجة 1025:2-3074، سنن أبي داود 185:2-1905، سنن البيهقي 114:5-115.
5- أضفناها من المصادر.
6- المغني 436:3، الشرح الكبير 436:3-437، فتح العزيز 358:7، حلية العلماء 339:3.
7- فتح العزيز 358:7، الحاوي الكبير 173:4، المجموع 111:8، حلية العلماء 339:3.

بالمأثور.

مسألة 523: يجب في الوقوف النيّة،

عند علمائنا - خلافا للعامّة(1) - لأنّ الوقوف عبادة، و كلّ عبادة بنيّة، لقوله تعالى وَ ما أُمِرُوا إِلاّ لِيَعْبُدُوا اللّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ (2).

و لأنّه عمل، فيفتقر إلى النيّة، لقوله عليه السّلام: (الأعمال بالنيّات و إنّما لكل امرئ ما نوى)(3).

و قال عليه السّلام: (لا عمل إلاّ بنيّة)(4).

و لأنّ الواجب إيقاعها على جهة الطاعة، و هو إنّما يتحقّق بالنيّة.

و يجب في النيّة اشتمالها على نيّة الوجوب و الوقوف لحجّ التمتّع حجّة الإسلام أو غيرها، و التقرّب إلى اللّه تعالى.

مسألة 524: يجب الكون بعرفة إلى غروب الشمس من يوم عرفة

إجماعا.

روى العامّة عن جابر أنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله وقف بعرفة حتى غابت الشمس(5).

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السّلام - في الصحيح -: «إنّ المشركين كانوا يفيضون قبل أن تغيب الشمس، فخالفهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله،

ص: 170


1- المغني 444:3، الشرح الكبير 442:3، المجموع 103:8.
2- البيّنة: 5.
3- صحيح البخاري 2:1، سنن ابن ماجة 1413:2-4227، سنن أبي داود 2: 262-2201، سنن البيهقي 341:7، مسند أحمد 25:1.
4- أمالي الطوسي 203:2، بصائر الدرجات: 31-4.
5- صحيح مسلم 890:2-1218، سنن ابن ماجة 1025:2-1026-3074، سنن أبي داود 185:2-1905.

فأفاض بعد غروب الشمس»(1).

و سأل يونس بن يعقوب، الصادق عليه السّلام: متى نفيض من عرفات ؟ فقال: «إذا ذهبت الحمرة من هاهنا» و أشار بيده إلى المشرق و إلى مطلع الشمس(2).

إذا عرفت هذا، فكيفما حصل بعرفة أجزأه، قائما و جالسا و راكبا و مجتازا.

و بالجملة لا فرق في الإجزاء بين أن يحضرها و يقف، و بين أن يمرّ بها، لقوله صلّى اللّه عليه و آله: (الحجّ عرفة فمن أدرك عرفة فقد أدرك الحجّ)(3) إلاّ أنّ الأفضل القيام، لأنّه أشقّ، فيكون أفضل، لقوله عليه السّلام: (أفضل الأعمال أحمزها)(4).

و لأنّه أخفّ على الراحلة.

مسألة 525: لا بدّ من قصد الوقوف بعرفة،

و هو يستلزم معرفة أنّها عرفة، فلو مرّ بها مجتازا و هو لا يعلم أنّها عرفة، لم يجزئه - و به قال أبو ثور(5) - لأنّ الوقوف إنّما يتحقّق استناده إليه بالقصد و الإرادة، و هي غير متحقّقة هنا. و لأنّا شرطنا النيّة، و هي متوقّفة على الشعور.

و قال الفقهاء الأربعة بالإجزاء(6) ، لقوله عليه السّلام: (من أدرك صلاتنا هذه

ص: 171


1- الكافي 467:4-2، التهذيب 186:5-619.
2- التهذيب 186:5-618.
3- أورده الرافعي في فتح العزيز 361:7، و بتفاوت في سنن الدار قطني 240:2 - 241-19، و سنن النسائي 256:5.
4- النهاية - لابن الأثير - 440:1.
5- المغني 443:3-444، الشرح الكبير 441:3.
6- فتح العزيز 361:7، المجموع 103:8، المبسوط - للسرخسي - 55:4، المغني 443:3-444، الشرح الكبير 441:3.

- يعني صلاة الصبح يوم النحر - و أتى عرفات قبل ذلك ليلا أو نهارا فقد تمّ حجّه و قضى تفثه)(1) و لم يفصّل بين الشاعر و غيره.

و لا حجّة فيه، لأنّ قوله عليه السّلام: (و أتى عرفات) إنّما يتحقّق مع القصد.

مسألة 526: النائم يصحّ وقوفه - إذا سبقت منه النيّة للوقوف - بعد الزوال

و إن استمرّ نومه إلى الليل، أمّا لو لم تسبق منه النيّة و اتّفق نومه قبل الدخول إلى عرفة و استمرّ إلى خروجه منها، فإنّه لا يجزئه، خلافا للعامّة، فإنّهم قالوا بإجزائه(2). إلاّ عند بعض الشافعية(3).

و الأصل في الخلاف بينهم البناء على أنّ كلّ ركن من أركان الحجّ هل يجب إفراده بنيّة، لانفصال بعضها عن بعض، أو تكفيها النيّة السابقة(4) ؟ و الصحيح ما قلناه من أنّ النيّة معتبرة و لا تصحّ من النائم.

و احتجّوا بالقياس على النائم طول النهار، فإنّه يجزئه الصوم(5).

و هو ممنوع إن لم تسبق منه النيّة في ابتدائه.

و لو حصل بعرفات و هو مغمى عليه و لم تسبق منه النيّة في وقتها و خرج بعد الغروب و هو مغمى عليه، لم يصح وقوفه، لفوات أهليّته للعبادة، و لهذا لا يجزئه الصوم لو كان مغمى عليه طول نهاره، و هو قول

ص: 172


1- سنن أبي داود 196:2-197-1950، سنن الدار قطني 239:2-240-17، سنن البيهقي 116:5 بتفاوت يسير.
2- المغني 443:3-444، الشرح الكبير 441:3، حلية العلماء 338:3، فتح العزيز 361:7، المجموع 103:8.
3- فتح العزيز 361:7، حلية العلماء 339:3، المجموع 103:8.
4- فتح العزيز 361:7، المجموع 103:8-104.
5- فتح العزيز 361:7.

الشافعي(1).

و لأصحابه وجه: أنّه يجزئه اكتفاء منه بالحضور(2).

و السكران الذي لا يحصّل شيئا كالمغمى عليه.

و لو حضر و هو مجنون قبل النيّة و استوعب الوقت، لم يجزئه.

قال بعض الشافعية: إنّه يقع نفلا كحجّ الصبي غير المميّز(3).

و لهم وجه بالإجزاء، كما في المغمى عليه(4) ، و قد سبق.

و بما اخترناه في المغمى عليه و المجنون قال الحسن البصري و الشافعي و أبو ثور و إسحاق و ابن المنذر(5).

و قال عطاء: المغمى عليه يجزئه - و به قال مالك و أصحاب الرأي(6) ، و توقّف أحمد(7) - لأنّه لا يشترط فيه الطهارة، فلا يشترط فيه النيّة، فصحّ من المغمى عليه كالمبيت بمزدلفة(8).

و نمنع حكم الأصل.

و حكم من غلب على عقله بمرض أو غيره حكم المغمى عليه.

و لو كان السكران يحصّل ما يقع منه، صحّ طوافه.3.

ص: 173


1- فتح العزيز 362:7، حلية العلماء 338:3، المجموع 104:8، المغني 3: 444، الشرح الكبير 442:3، الاستذكار 39:13-40.
2- فتح العزيز 362:7، حلية العلماء 339:3، المجموع 104:8.
3- فتح العزيز 362:7.
4- فتح العزيز 362:7، حلية العلماء 339:3، المجموع 104:8.
5- المغني 444:3، الشرح الكبير 442:3، فتح العزيز 362:7، المجموع 8: 118، حلية العلماء 338:3.
6- المدوّنة الكبرى 413:1، المبسوط - للسرخسي - 56:4، المجموع 8: 118، المغني 444:3، الشرح الكبير 442:3.
7- المغني 444:3، الشرح الكبير 442:3.
8- المغني 444:3، الشرح الكبير 442:3.

و لا يشترط الطهارة و لا الستر و لا الستر و لا الاستقبال إجماعا، لقول النبي صلّى اللّه عليه و آله لعائشة: (افعلي ما يفعل الحاج غير الطواف بالبيت)(1) و كانت حائضا.

نعم تستحب الطهارة إجماعا.

و لو حضر بعرفة في طلب غريم له أو دابّة، فإن نوى النسك في الأثناء، صحّ وقوفه، و إلاّ فلا، و للشافعيّة مع عدم النيّة وجهان(2) ، بخلاف ما لو صرف الطواف إلى غير النسك، فإنّه لا يجزئه إجماعا. و الفرق عندهم أنّ الطواف قربة برأسها، بخلاف الوقوف، على أنّ بعضهم طرّد الخلاف هنا(3).

مسألة 527: عرفة كلّها موقف

في أيّ موضع منها وقف أجزأه، و هو قول علماء الإسلام.

روى العامّة عن علي بن أبي طالب عليه السّلام أنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله وقف بعرفة و قد أردف أسامة بن زيد، فقال: (هذا الموقف، و كلّ عرفة موقف)(4).

و قال عليه السّلام: (عرفة كلّها موقف، و ارتفعوا عن وادي عرنة، و المزدلفة كلّها موقف، و ارتفعوا عن بطن محسّر)(5).

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السّلام: «إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله وقف بعرفات، فجعل النّاس يبتدرون أخفاف ناقته يقفون إلى جانبها، فنحّاها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، ففعلوا مثل ذلك فقال: أيّها الناس إنّه ليس موضع أخفاف

ص: 174


1- أورده ابنا قدامة في المغني 445:3، و الشرح الكبير 442:3، و بتفاوت يسير في صحيح مسلم 874:2-120 و صحيح البخاري 84:1 و 195:2، و سنن البيهقي 3:5، و سنن الدارمي 44:2، و مشكل الآثار 157:3.
2- فتح العزيز 362:7.
3- فتح العزيز 362:7.
4- سنن الترمذي 232:3-885.
5- الموطّأ 388:1-166، سنن البيهقي 115:5.

ناقتي بالموقف، و لكن هذا كلّه موقف، و أشار بيده إلى الموقف، فتفرّق الناس، و فعل ذلك بالمزدلفة»(1).

و قال عليه السّلام: (عرفة كلّها موقف، و لو لم يكن إلاّ ما تحت خفّ ناقتي لم يسع الناس ذلك)(2).

مسألة 528: و حدّ عرفة من بطن عرنة و ثويّة و نمرة إلى ذي المجاز،

فلا يجوز الوقوف في هذه الحدود و لا تحت الأراك، فإنّ هذه المواضع ليست من عرفات، فلو وقف بها، بطل حجّه، و به قال الجمهور كافّة(3) ، إلاّ ما حكي عن مالك أنّه لو وقف ببطن عرنة أجزأه، و لزمه الدم(4).

و قال ابن عبد البر: أجمع الفقهاء على أنّه لو وقف ببطن عرنة، لم يجزئه(5).

و حدّ الشافعي عرفة، فقال: هي ما جاوز وادي عرنة إلى الجبال المقابلة ممّا يلي بساتين بني عامر، و ليس وادي عرنة من عرفة، و هو على منقطع عرفة ممّا يلي منى و صوب مكة(6).

و قول مالك باطل، لما رواه العامّة عن النبي صلّى اللّه عليه و آله قال: (عرفة كلّها

ص: 175


1- التهذيب 180:5-604.
2- الفقيه 281:2-1377.
3- المغني و الشرح الكبير 436:3، المجموع 109:8 و 120، الحاوي الكبير 4: 172.
4- الاستذكار 12:13، الحاوي الكبير 172:4، المجموع 109:8 و 120، المغني و الشرح الكبير 436:3، حلية العلماء 337:3، شرح السنّة - للبغوي - 321:4.
5- المغني و الشرح الكبير 436:3.
6- فتح العزيز 362:7، الحاوي الكبير 171:4، المجموع 105:8-106، الاستذكار 11:13، حلية العلماء 337:3.

موقف، و ارتفعوا عن بطن عرنة)(1).

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السّلام - في الصحيح -: «و حدّ عرفة من بطن عرنة و ثويّة و نمرة إلى ذي المجاز، و خلف الجبل موقف»(2).

و عن الصادق عليه السّلام قال: «و اتّق الأراك و نمرة، و هي بطن عرنة، و ثويّة و ذا المجاز، فإنّه ليس من عرفة فلا تقف فيه»(3).

مسألة 529: يستحب أن يضرب خباءه بنمرة

- و هي بطن عرنة - اقتداء برسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله(4).

و قال الصادق عليه السّلام - في الصحيح -: «فاضرب خباءك بنمرة، و هي بطن عرنة دون الموقف و دون عرفة»(5).

و يجوز النزول تحت الأراك إلى أن تزول الشمس ثم يمضي إلى الموقف فيقف فيه، لقول الصادق عليه السّلام: «لا ينبغي الوقوف تحت الأراك، فأمّا النزول تحته حتى تزول الشمس و تنهض إلى الموقف فلا بأس»(6).

و ينبغي أن يقف على السهل.

و يستحب أن يقف على ميسرة الجبل و لا يرتفع إلى الجبل، إلاّ عند الضرورة إلى ذلك، لأنّ إسحاق بن عمّار سأل الكاظم عليه السّلام: عن الوقوف بعرفات فوق الجبل أحبّ إليك أم على الأرض ؟ فقال: «على الأرض»(7).

ص: 176


1- الموطّأ 388:1-166، سنن البيهقي 115:5.
2- الكافي 461:4-462-3، التهذيب 179:5-600.
3- التهذيب 180:5-181-604.
4- صحيح مسلم 889:2-1218، سنن أبي داود 185:2-1905، سنن ابن ماجة 1024:2-3074، سنن الدارمي 47:2.
5- الكافي 461:4-462-3، التهذيب 179:5-600.
6- التهذيب 181:5-605.
7- التهذيب 180:5-603.

و لأنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله وقف بعرفة في ميسرة الجبل(1).

و روى سماعة بن مهران، قال: سألت الصادق عليه السّلام: إذا أكثر الناس بمنى و ضاقت عليهم كيف يصنعون ؟ قال: «يرتفعون إلى وادي محسّر» قلت: فإذا كثروا بجمع و ضاقت عليهم كيف يصنعون ؟ قال: «يرتفعون إلى المأزمين» قلت:

فإذا كانوا بالموقف و كثروا كيف يصنعون ؟ فقال: «يرتفعون إلى الجبل»(2).

و يستحب له إن وجد خللا أن يسدّه بنفسه و رحله.

قال اللّه تعالى كَأَنَّهُمْ بُنْيانٌ مَرْصُوصٌ (3) فوصفهم بالاجتماع.

و قال الصادق عليه السّلام: «و إذا رأيت خللا فتقدّم فسدّه بنفسك و راحلتك، فإنّ اللّه يحبّ أن تسدّ تلك الخلال»(4).

و يستحب أن يقرب إلى الجبل، لقول الصادق عليه السّلام: «و ما قرب من الجبل فهو أفضل»(5).

مسألة 530: يستحب للإمام أن يخطب بعرفة قبل الأذان

على ما تقدّم(6) ، فإذا أذّن المؤذّن و أقام، صلّى بالناس الظهر و العصر بأذان واحد و إقامتين يجمع بينهما على هذه الصفة.

و باستحباب الأذان في الأولى قال الشافعي و أبو ثور و أصحاب الرأي و مالك و أحمد في إحدى الروايتين(7) ، لأنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله خطب إلى أن

ص: 177


1- الفقيه 281:2-1377.
2- التهذيب 180:5-604.
3- الصف: 4.
4- التهذيب 180:5-181-604.
5- التهذيب 184:5-613.
6- تقدّم في المسألة 521.
7- الحاوي الكبير 169:4، فتح العزيز 354:7، المجموع 87:8 و 92، حلية العلماء 337:3، الاستذكار 138:13، بداية المجتهد 347:1، المغني و الشرح الكبير 433:3.

أذّن المؤذّن، فنزل و صلّى بالناس(1).

و في الرواية الثانية لأحمد: يتخيّر بين الأذان لها و عدمه(2).

و قال مالك: أذان العصر مستحب كغيرها من الصلوات(3).

و يبطل بما رواه العامّة في حديث جابر: ثم أذّن بلال ثم أقام فصلّى الظهر ثم أقام فصلّى العصر(4).

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السّلام - في الصحيح -: «فإذا زالت الشمس يوم عرفة فاغتسل و صلّ الظهر و العصر بأذان واحد و إقامتين»(5).

و الفرق: أنّ التعجيل هنا لأجل الدعاء.

مسألة 531: إذا صلّى مع الإمام، جمع معه كما يجمع الإمام

إجماعا.

و لو كان منفردا، جمع أيضا بأذان واحد و إقامتين، عند علمائنا - و به قال الشافعي و عطاء و مالك و أحمد و إسحاق و أبو ثور و أبو يوسف و محمّد(6) - لما رواه العامّة عن ابن عمر أنّه كان إذا فاته الجمع بين الظهر و العصر مع الإمام بعرفة جمع بينهما منفردا(7).

ص: 178


1- سنن أبي داود 185:2-1905، سنن ابن ماجة 1025:2-3074، سنن الدارمي 48:2، سنن البيهقي 114:5.
2- المغني و الشرح الكبير 433:3.
3- المدوّنة الكبرى 412:1، الاستذكار 138:13، بداية المجتهد 347:1، المغني و الشرح الكبير 433:3، الحاوي الكبير 169:4، المجموع 92:8.
4- المصادر في الهامش (1).
5- الكافي 461:4-462-3، التهذيب 179:5-600.
6- الحاوي الكبير 170:4، المجموع 88:8 و 92، حلية العلماء 337:3، المغني 433:3، المبسوط - للسرخسي - 15:4، الاستذكار 137:13 و 138.
7- سنن البيهقي 114:5، المغني 433:3.

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السّلام: «و صلّ الظهر و العصر بأذان واحد و إقامتين»(1).

و لأنّ الغرض التفرّغ للدعاء، و هو مشترك بين المنفرد و غيره.

و قال النخعي و الثوري و أبو حنيفة: لا يجوز له أن يجمع إلاّ مع الإمام، لأنّ لكلّ صلاة وقتا محدودا، و إنّما ترك في الجمع مع الإمام، فإذا لم يكن إمام، رجعنا إلى الأصل(2).

و قد بيّنّا أنّ الوقت مشترك، و العلّة مع الإمام موجودة مع المنفرد.

و يجوز الجمع لكلّ من بعرفة من مكّيّ و غيره، و قد أجمع علماء الإسلام على أنّ الإمام يجمع بين الظهر و العصر بعرفة، و كذا من صلّى معه.

و قال أحمد: لا يجوز الجمع إلاّ لمن بينه و بين وطنه ستّة عشر فرسخا إلحاقا له بالقصر(3).

و يبطل بأنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله جمع فجمع معه من حضر من أهل مكة و غيرها، و لم يأمرهم بترك الجمع كما أمرهم بترك القصر حين قال: (أتمّوا فأنّا سفر)(4) و لو كان حراما لبيّنه.

و لو كان الإمام مقيما، أتمّ و قصّر من خلفه من المسافرين و أتمّ المقيمون، عند علمائنا أجمع.

و قال الشافعي: يتمّ المسافرون(5).4.

ص: 179


1- الكافي 461:4-462-3، التهذيب 179:5-600.
2- المغني 433:3، الحاوي الكبير 170:4، المجموع 92:8، حلية العلماء 3: 337، المبسوط - للسرخسي - 15:4، الاستذكار 137:13-138.
3- المغني 434:3-435، الشرح الكبير 434:3.
4- سنن البيهقي 135:5-136.
5- الحاوي الكبير 169:4.

و هو غلط، لأنّ القصر عزيمة، فلا يجوز خلافه.

و لقول النبي صلّى اللّه عليه و آله: (يا أهل مكّة لا تقصروا في أقلّ من أربعة برد)(1).

و لو كان الإمام مسافرا قصّر و قصّر من خلفه من المسافرين و أتمّ المقيمون خلفه، عند علمائنا، و كذا أهل مكة يتمّون، لنقص المسافة عن مسافة القصر - و به قال عطاء و مجاهد و الزهري و الثوري و الشافعي و أحمد و أصحاب الرأي و ابن المنذر(2) - لأنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله نهى أهل مكة عن القصر(3).

و قال مالك و الأوزاعي: لهم القصر، لأنّ لهم الجمع، فكان لهم القصر كغيرهم(4).

و الفرق: السفر.

و يستحب تعجيل الصلاة حين تزول الشمس، و أن يقصّر الخطبة ثم يتروّح إلى الموقف، لأنّ التطويل يمنع من التعجيل إلى الموقف.

و لأنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله غدا من منى حين صلّى الصبح صبيحة يوم عرفة حتى أتى عرفة فنزل بنمرة حتى إذا كان عند صلاة الظهر راح رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله مهجرا، فجمع بين الظهر و العصر، ثم خطب الناس، ثم راح فوقف على الموقف من عرفة(5).3.

ص: 180


1- سنن الدار قطني 387:1-1، سنن البيهقي 137:3، المعجم الكبير - للطبراني - 96:11-97-1162.
2- الحاوي الكبير 169:4، فتح العزيز 354:7-355، المجموع 91:8، المغني و الشرح الكبير 435:3، بداية المجتهد 348:1.
3- المصادر في الهامش (1).
4- بداية المجتهد 347:1-348، الحاوي الكبير 169:4، فتح العزيز 355:7، المجموع 91:8، المغني و الشرح الكبير 435:3.
5- سنن أبي داود 188:2-1913.

و لا خلاف في هذا بين علماء الإسلام.

مسألة 532: إذا فرغ من الصلاتين، جاء إلى الموقف فوقف،

و يستحب له الاغتسال للموقف.

قال الصادق عليه السّلام: «الغسل يوم عرفة إذا زالت الشمس»(1).

و يقطع التلبية عند زوال الشمس من يوم عرفة، لأنّ عبد اللّه بن سنان(2) سأل - في الصحيح - الصادق عليه السّلام: عن تلبية المتمتّع متى يقطعها؟ قال: «إذا رأيت بيوت مكة، و يقطع تلبية الحج عند زوال الشمس يوم عرفة»(3).

و يقطع تلبية العمرة المبتولة حين تقع أخفاف الإبل في الحرم.

فإذا جاء إلى الموقف بسكينة و وقار، حمد اللّه و أثنى عليه و كبّره و هلّله و دعا و اجتهد.

قال الصادق عليه السّلام - في الصحيح -: «و إنّما تعجّل الصلاة و تجمع بينهما لتفرغ نفسك للدعاء، فإنّه يوم دعاء و مسألة، ثم تأتي الموقف بالسكينة و الوقار، فاحمد اللّه و هلّله و مجّده و أثن عليه و كبّره مائة مرّة و احمد اللّه مائة مرّة و سبّح مائة مرّة و اقرأ قل هو اللّه أحد مائة مرّة، و تخيّر لنفسك من الدعاء ما أحببت فإنّه يوم دعاء، و تعوّذ باللّه من الشيطان فإنّ الشيطان لن يذهلك في موطن قطّ أحبّ إليه من أن يذهلك في ذلك الموطن، و إيّاك أن تشتغل بالنظر إلى الناس و أقبل قبل نفسك»(4) الحديث.

ص: 181


1- الكافي 462:4-4، التهذيب 181:5-607.
2- في المصدر: عبد اللّه بن مسكان.
3- التهذيب 182:5-609.
4- التهذيب 182:5-611 بتفاوت يسير.

و يستحب فيه الدعاء الذي دعا به زين العابدين عليه السّلام في الموقف(1) ، و أن يكثر من الدعاء لإخوانه المؤمنين و يؤثرهم على نفسه.

قال إبراهيم بن هاشم: رأيت عبد اللّه بن جندب بالموقف فلم أر موقفا كان أحسن من موقفه، ما زال مادّا يديه إلى السماء و دموعه تسيل على خدّيه حتى تبلغ الأرض، فلمّا صرف الناس قلت: يا أبا محمد ما رأيت موقفا قطّ أحسن من موقفك، قال: و اللّه ما دعوت فيه إلاّ لإخواني، و ذلك لأنّ أبا الحسن موسى عليه السّلام أخبرني أنّه «من دعا لأخيه بظهر الغيب نودي من العرش و لك مائة ألف ضعف مثله» فكرهت أن أدع مائة ألف ضعف مضمونة لواحد لا أدري يستجاب أم لا(2).

إذا عرفت هذا، فهذه الأدعية و غيرها ليست واجبة، و إنّما الواجب اسم الحضور في جزء من أجزاء عرفة و لو مجتازا مع النيّة.

مسألة 533: أوّل وقت الوقوف بعرفة زوال الشمس من يوم عرفة،

عند علمائنا أجمع - و به قال الشافعي و مالك(3) - لأنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله وقف بعد الزوال(4) ، و قال: (خذوا عنّي مناسككم)(5) و وقف الصحابة كذلك، و أهل الأعصار من زمن النبي صلّى اللّه عليه و آله إلى زماننا هذا مطبقون على الابتداء في

ص: 182


1- انظر: مصباح المتهجّد: 630-640.
2- الكافي 465:4-7، التهذيب 184:5-615.
3- الحاوي الكبير 172:4، فتح العزيز 363:7، حلية العلماء 337:3، شرح السنّة - للبغوي - 319:4 و 409، المهذّب - للشيرازي - 233:1، المجموع 8: 101 و 120، المغني 443:3، الشرح الكبير 441:3، بداية المجتهد 348:1، الكافي في فقه أهل المدينة: 143.
4- صحيح مسلم 890:2-1218، سنن ابن ماجة 1025:2-3074، سنن أبي داود 185:2-1905، سنن الدارمي 48:2.
5- سنن البيهقي 125:5.

الوقوف بعد زوال الشمس، و لو كان جائزا قبل ذلك لفعله بعضهم.

قال ابن عبد البرّ: أجمع العلماء على أنّ أوّل الوقوف بعرفة بعد زوال الشمس(1).

و قال الصادق عليه السّلام - في الصحيح -: «ثم تأتي الموقف» بعد الصلاتين(2) ، و الأمر للوجوب.

و قال أحمد: أوّله طلوع الفجر من يوم عرفة، لقوله صلّى اللّه عليه و آله: (من صلّى معنا هذه الصلاة - يعني صلاة الصبح يوم النحر - و أتى عرفات قبل ذلك ليلا أو نهارا فقد تمّ حجّه و قضى تفثه)(3) و لم يفصّل قبل الزوال و بعده(4).

و هو محمول على ما بعد الزوال استنادا إلى فعله عليه السّلام.

مسألة 534: آخر الوقت الاختياري غروب الشمس من يوم عرفة.

روى العامّة عن عليّ عليه السّلام و أسامة بن زيد أنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله دفع حين غربت الشمس(5).

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السّلام - في الصحيح -: «فأفاض رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بعد غروب الشمس»(6).

و سأل يونس بن يعقوب الصادق عليه السّلام: متى نفيض من عرفات ؟

ص: 183


1- الاستذكار 28:13-29، المغني 443:3، الشرح الكبير 441:3.
2- التهذيب 182:5-611.
3- سنن الترمذي 239:3-891، سنن النسائي 263:5 و 264، سنن البيهقي 5: 116، المستدرك - للحاكم - 463:1 بتفاوت يسير.
4- المغني 443:3، الشرح الكبير 441:3، الحاوي الكبير 172:4، المجموع 120:8.
5- المغني 441:3، سنن الترمذي 232:3-885، سنن أبي داود 2: 191-1924.
6- التهذيب 186:5-619.

قال: «إذا ذهبت الحمرة من هاهنا» و أشار بيده إلى المشرق و إلى مطلع الشمس(1).

مسألة 535: لو لم يتمكّن من الوقوف بعرفة نهارا و أمكنه أن يقف بها ليلا و لو قليلا إلى أن يطلع الفجر أو قبله، وجب عليه،

و أجزأه إذا أدرك المشعر قبل طلوع الشمس يوم النحر، و لا نعلم في ذلك خلافا، لما رواه العامّة أنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله قال: (و أتى عرفات قبل ذلك ليلا أو نهارا فقد تمّ حجّه و قضى تفثه)(2)التهذيب 289:5-981، الاستبصار 301:2-1076، و ما بين المعقوفين من المصدر.(3).

و من طريق الخاصّة: رواية الحلبي - الصحيحة - عن الصادق عليه السّلام، قال: سألته عن الرجل يأتي بعد ما يفيض الناس من عرفات، فقال: «إن كان في مهل حتى يأتي عرفات من ليلته فيقف بها ثم يفيض فيدرك الناس في المشعر قبل أن يفيضوا فلا يتمّ حجّه حتى يأتي عرفات، و إن قدم و قد فاتته عرفات فليقف بالمشعر الحرام، فإنّ اللّه تعالى أعذر لعبده، و قد تمّ حجّه إذا أدرك المشعر الحرام قبل طلوع الشمس و قبل أن يفيض الناس، فإن لم يدرك المشعر الحرام فقد فاته الحجّ فليجعلها عمرة [مفردة]، و عليه الحجّ من قابل»(3).

البحث الثالث: في الأحكام.
مسألة 536: الوقوف بعرفة ركن في الحجّ يبطل الحجّ بتركه عمدا،

عند علماء الإسلام.

ص: 184


1- التهذيب 186:5-618.
2- تقدّمت الإشارة إلى مصادره في ص 183، الهامش
3- .

روى العامّة عن عبد الرحمن بن يعمر الدئلي(1) ، قال: أتيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بعرفة، فجاءه نفر من أهل نجد، فقالوا: يا رسول اللّه كيف الحجّ؟ قال: (الحجّ عرفة، فمن جاء قبل صلاة الفجر ليلة جمع(2) فقد تمّ حجّه) و أمر رجلا ينادي: الحجّ عرفة(3).

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السّلام: «قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:

أصحاب الأراك لا حجّ لهم»(4) و إذا انتفى الحجّ مع الوقوف بحدّ عرفة فمع عدم الوقوف أولى.

و لو ترك وقوف عرفة سهوا أو لعذر، تداركه و لو قبل الفجر من يوم النحر إذا علم أنّه يلحق المشعر قبل طلوع الشمس، فإن لم يلحق عرفات إلاّ ليلا و لم يلحق المشعر إلاّ بعد طلوع الشمس، فقد فاته الحجّ.

روى الحلبي - في الصحيح - أنّه سأل الصادق عليه السّلام: عن الرجل يأتي بعد ما يفيض الناس من عرفات، فقال: «إن كان في مهل حتى يأتي عرفات من ليلته فيقف بها ثم يفيض فيدرك الناس في المشعر قبل أن يفيضوا فلا يتمّ حجّه حتى يأتي عرفات، و إن قدم و قد فاتته عرفات فليقف9.

ص: 185


1- في الطبعة الحجرية: عبد الرحمن بن نعيم الديلمي. و في نسخة بدل منها و أيضا في «ق، ك»: عبد الرحمن بن نعم الديلمي، و كذا في المغني لابن قدامة، إلاّ أنّ فيه: الديلي. و ما أثبتناه من الطبقات - لابن سعد - 367:7، و أسد الغابة 3: 328، و تهذيب التهذيب 270:6-589، و الإصابة 245:2، و المصادر الحديثية.
2- في «ق، ك» و الطبعة الحجرية: ليلة الحج. و الصحيح ما أثبتناه من المصادر.
3- سنن أبي داود 196:2-1949، سنن ابن ماجة 1003:2-3015، سنن الترمذي 237:3-889، سنن النسائي 256:5، سنن البيهقي 173:5، المغني 437:3.
4- التهذيب 287:5-976، الاستبصار 302:2-1079.

بالمشعر الحرام فإنّ اللّه تعالى أعذر لعبده و قد تمّ حجّه إذا أدرك المشعر الحرام قبل طلوع الشمس و قبل أن يفيض الناس، فإن لم يدرك المشعر الحرام فقد فاته الحجّ فليجعلها عمرة مفردة، و عليه الحجّ من قابل»(1).

مسألة 537: لعرفة وقتان:

اختياري من زوال الشمس يوم عرفة إلى غروبها، و اضطراري من الغروب إلى طلوع الفجر من يوم النحر، عند علمائنا.

و وافقنا الشافعي في المبدأ و أنّه يدخل بزوال الشمس يوم عرفة، و خالفنا في آخره، فجعله طلوع الفجر يوم النحر(2).

فلو اقتصر على الوقوف ليلا، كان مدركا للحجّ على المذهب المشهور عندهم(3).

و لهم ثلاثة أوجه، أحدها - و هو الصحيح عندهم -: أنّ المقتصر على الوقوف ليلا مدرك، سواء أنشأ الإحرام قبل ليلة العيد أو فيها. و الثاني: أنّه ليس بمدرك على التقديرين. و الثالث: أنّه يدرك بشرط تقديم الإحرام عليها(4).

و لو اقتصر على الوقوف نهارا، صحّ وقوفه بالإجماع.

مسألة 538: يجب أن يقف إلى غروب الشمس بعرفة،

فإن أفاض قبله عامدا، وجب عليه بدنة، فإن عجز عن البدنة، صام ثمانية عشر يوما

ص: 186


1- التهذيب 289:5-981، الإستبصار 301:2-1076.
2- الحاوي الكبير 172:4، فتح العزيز 363:7، حلية العلماء 337:3، المهذب - للشيرازي - 233:1، المجموع 101:8 و 120، شرح السنّة - للبغوي - 4: 319 و 409.
3- فتح العزيز 363:7.
4- فتح العزيز 363:7.

بمكّة أو في الطريق أو في أهله، و صحّ حجّه، عند علمائنا، و به قال ابن جريج و الحسن البصري(1).

و قال باقي العامّة - إلاّ مالكا -: يجب عليه دم(2).

و للشافعي قول باستحباب الدم(3).

و قال مالك: يبطل حجّه(4).

لنا على صحّة الحجّ: ما رواه العامّة عن عروة بن مضرّس بن أوس ابن حارثة بن لام الطائي، قال: أتيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بمزدلفة حين خرج إلى الصلاة، فقلت: يا رسول اللّه إنّي جئت من جبلي طيّء، أكللت راحلتي، و أتعبت نفسي، و اللّه ما تركت من جبل إلاّ وقفت عليه، فهل لي حجّ؟ فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: (من شهد صلاتنا هذه و وقف معنا حتى ندفع و قد وقف بعرفة قبل ذلك ليلا أو نهارا فقد تمّ حجّه و قضى تفثه)(5).

و من طريق الخاصّة: ما رواه محمد بن سنان عن الكاظم عليه السّلام، قال:

سألته عن الذي إن أدركه الإنسان فقد أدرك الحجّ، فقال: «إذا أتى جمعا و الناس في المشعر الحرام قبل طلوع الشمس فقد أدرك الحجّ و لا عمرة له،5.

ص: 187


1- الاستذكار 30:13، المغني 442:3، الشرح الكبير 444:3.
2- الامّ 212:2، المهذّب - للشيرازي - 233:1، المجموع 102:8 و 119، الحاوي الكبير 174:4، الاستذكار 29:13-30، المغني 442:3، الشرح الكبير 444:3، المبسوط - للسرخسي - 55:4-56، حلية العلماء 339:3.
3- الحاوي الكبير 174:4، المهذّب - للشيرازي - 233:1، المجموع 102:8، حلية العلماء 339:3.
4- بداية المجتهد 348:1، الاستذكار 29:13، المغني 441:3، الشرح الكبير 443:3، فتح العزيز 364:7.
5- سنن الترمذي 238:3-239-891، سنن أبي داود 196:2-1950، سنن النسائي 263:5-264، سنن البيهقي 173:5.

و إن أدرك جمعا بعد طلوع الشمس فهي عمرة مفردة و لا حجّ له، فإن شاء أن يقيم بمكّة أقام، و إن شاء أن يرجع إلى أهله رجع، و عليه الحجّ من قابل»(1).

احتجّ مالك: بما رواه ابن عمر: أنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله قال: (من أدرك عرفات بليل فقد أدرك الحجّ، و من فاته عرفات بليل فقد فاته الحجّ، فليحلّ بعمرة، و عليه الحجّ من قابل)(2).

و الجواب: إنّما خصّ الليل لأنّ الفوات يتعلّق به إذا كان يوجد بعد النهار فهو آخر وقت الوقوف، كقوله صلّى اللّه عليه و آله: (من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدركها)(3).

و على وجوب البدنة: ما رواه العامّة عن النبي صلّى اللّه عليه و آله قال: (من ترك نسكا فعليه دم)(4). و الأحوط البدنة، لحصول يقين البراءة معها.

و من طريق الخاصّة: ما رواه ضريس عن الباقر عليه السّلام، قال: سألته عمّن أفاض من عرفات قبل أن تغيب الشمس، قال: «عليه بدنة ينحرها يوم النحر، فإن لم يقدر صام ثمانية عشر يوما بمكّة أو في الطريق أو في أهله»(5).

و لو أفاض قبل الغروب ساهيا، لم يكن عليه شيء، و كذا الجاهل، لأصالة البراءة.0.

ص: 188


1- الاستبصار 303:2-1082، و التهذيب 290:5-984.
2- المغني 441:3، الشرح الكبير 443:3.
3- المغني 442:3، الشرح الكبير 444:3.
4- أورده الرافعي في فتح العزيز 364:7، و الشيرازي في المهذّب 233:1، و الماوردي في الحاوي الكبير 174:4، و ابنا قدامة في المغني 396:3 و الشرح الكبير 398:3.
5- الكافي 467:4-68-4، التهذيب 186:5-620.

و لقول الصادق عليه السّلام في رجل أفاض من عرفات قبل غروب الشمس، قال: «إذا كان جاهلا فلا شيء عليه، و إن كان متعمّدا فعليه بدنة»(1).

مسألة 539: لو أفاض قبل الغروب عامدا عالما ثم عاد إلى الموقف نهارا فوقف حتى غربت الشمس، فلا دم عليه

- و به قال مالك و الشافعي تفريعا على الوجوب عنده، و أحمد(2) - لأنّه أتى بالواجب، و هو الجمع بين الوقوف في الليل و النهار، فلم يجب عليه دم، كمن تجاوز الميقات و هو [غير](3) محرم ثم رجع فأحرم منه.

و لأنّ الواجب عليه الوقوف حالة الغروب و قد فعله.

و لأنّه لو لم يقف أوّلا ثم أتى قبل غروب الشمس و وقف حتى تغرب الشمس، لم يجب عليه شيء، كذا هنا.

و قال الكوفيّون و أبو ثور: عليه دم(4).

و لو كان عوده بعد الغروب، لم يسقط عنه الدم - و به قال أحمد(5) - لأنّ الواجب عليه الوقوف حالة الغروب و قد فاته.

و قال الشافعي: يسقط الدم(6).

ص: 189


1- التهذيب 187:5-621.
2- فتح العزيز 363:7-364، المجموع 102:8، الحاوي الكبير 174:4، الاستذكار 29:13، المغني 442:3، الشرح الكبير 444:3.
3- أضفناها لأجل السياق.
4- المغني 442:3، الشرح الكبير 444:3، الاستذكار 30:13، شرح السنّة - للبغوي - 321:4.
5- المغني 442:3، الشرح الكبير 444:3، فتح العزيز 364:7، حلية العلماء 339:3.
6- الام 212:2، الحاوي الكبير 174:4، فتح العزيز 364:7 و 366، المهذّب - للشيرازي - 233:1، المجموع 102:8 و 119، حلية العلماء 339:3.

و لو فاته الوقوف بعرفة نهارا و جاء بعد غروب الشمس و وقف بها، صحّ حجّه، و لا شيء عليه إجماعا، لقول النبي صلّى اللّه عليه و آله: (من أدرك عرفات بليل فقد أدرك الحجّ)(1).

و يجوز له أن يدفع من عرفات أيّ وقت شاء، و لا دم عليه إجماعا.

لا يقال: إنّه وقف أحد الزمانين، فوجب الدم، كما قلتم إذا وقف نهارا و أفاض قبل الليل.

لأنّا نقول: الفرق: أنّ من أدرك النهار أمكنه الوقوف إلى الليل و الجمع بين الليل و النهار، فتعيّن ذلك عليه، فإذا تركه، لزمه الدم، و من أتاها ليلا لا يمكنه الوقوف نهارا، فلم يتعيّن عليه، فلا يجب الدم بتركه.

مسألة 540: لو غمّ الهلال ليلة الثلاثين من ذي القعدة، فوقف الناس تاسع ذي الحجة، ثم قامت البيّنة أنّه العاشر، فالوجه: فوات الحجّ
اشارة

إذا لم يتّفق له الحضور بعرفة و لا المشعر قبل طلوع الشمس، لقوله عليه السّلام:

(الحجّ عرفة)(2) و لم يدركها.

و قال الشافعي: يجزئهم، لقول النبي صلّى اللّه عليه و آله: (حجّكم يوم تحجّون).

و لأنّ ذلك لا يؤمن مثله في القضاء مع اشتماله على المشقّة العظيمة الحاصلة من السفر الطويل و إنفاق المال الكثير(3).

قال: و لو وقفوا يوم التروية، لم يجزئهم، لأنّه لا يقع فيه الخطأ، لأنّ نسيان العدد لا يتصوّر من العدد الكثير - و العدد القليل يعذرون في ذلك -

ص: 190


1- أورده ابنا قدامة في المغني 442:3، و الشرح الكبير 444:3.
2- سنن ابن ماجة 1003:2-3015، سنن الترمذي 237:3-889، سنن النسائي 256:5، سنن البيهقي 173:5، سنن الدار قطني 240:2-241-19.
3- فتح العزيز 364:7-365، المجموع 292:8.

لأنّهم مفرطون، و يأمنون ذلك في القضاء(1).

و لو شهد اثنان عشيّة عرفة برؤية الهلال و لم يبق من النهار و الليل ما يمكن الإتيان إلى عرفة، اجتزأ بالمزدلفة.

و قال الشافعي: يقفون من الغد(2).

و لو أخطأ الناس أجمع في العدد فوقفوا غير يوم(3) عرفة، لم يجزئهم.

و قال بعض العامّة: يجزئهم، لأنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله قال: (يوم عرفة الذي يعرف الناس فيه)(4)(5).

و إن اختلفوا فأصاب بعضهم و أخطأ بعض، لم يجزئهم، لأنّهم غير معذورين في هذا.

و لو شهد واحد أو اثنان برؤية هلال ذي الحجّة و ردّ الحاكم شهادتهما، وقفوا يوم التاسع على وفق رؤيتهم و إن وقف الناس يوم العاشر عندهما، و به قال الشافعي(6).

و قال محمد بن الحسن: لا يجزئه حتى يقف مع الناس يوم العاشر(7) ، لأنّ الوقوف لا يكون في يومين، و قد ثبت في حقّ الجماعة يوم العاشر.3.

ص: 191


1- انظر: فتح العزيز 366:7، المجموع 293:8.
2- فتح العزيز 365:7، المجموع 292:8.
3- في «ق، ك» و الطبعة الحجرية: ليلة. و الصحيح ما أثبتناه.
4- سنن الدار قطني 223:2-224-33، سنن البيهقي 176:5.
5- فتح العزيز 364:7-365.
6- فتح العزيز 366:7، المجموع 292:8، حلية العلماء 339:3.
7- المجموع 292:8، حلية العلماء 239:3.

و نمنع كونه لا يقع في يومين مطلقا، لإمكانه بالنسبة إلى شخصين، لاختلاف سبب الوجوب في حقّهما، و الأصل فيه أنّ الوقوف في نفس الأمر واحد و تعدّد بالاشتباه، كالصلاة المنسيّة.

تذنيب: لو غلطوا في المكان فوقفوا بغير عرفة،

لم يصحّ حجّهم.

ص: 192

الفصل الثالث في الوقوف بالمشعر الحرام
اشارة

و فيه مباحث:

الأوّل: في مقدّماته
مسألة 541: إذا غربت الشمس في عرفات، فليفض منها قبل الصلاة إلى المشعر و يدعو بالمنقول،

و يستحب أن يقتصد في السير، فيسير سيرا جميلا بسكينة و وقار، و يستغفر اللّه تعالى و يكثر منه، لما رواه العامّة عن جعفر الصادق عليه السّلام عن أبيه عليه السّلام عن جابر عن النبي صلّى اللّه عليه و آله - في حديث طويل -: حتى دفع و قد شنق القصواء(1) بالزّمام حتى أنّ رأسها ليصيب مورك رحله(2) و يقول بيده اليمنى: (أيّها الناس السكينة السكينة)(3).

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السّلام - في الصحيح -: «إذا غربت الشمس فأفض مع الناس و عليك السكينة و الوقار، و أفض من حيث أفاض الناس و استغفر اللّه إنّ اللّه غفور رحيم، فإذا انتهيت إلى الكثيب الأحمر عن

ص: 193


1- يقال: شنقت البعير: إذا كففته بزمامه و أنت راكب. و القصواء لقب ناقة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله. النهاية - لابن الأثير - 506:2 و 75:4 «شنق» «قصا».
2- المورك: المرفقة التي تكون عند قادمة الرّحل يضع الراكب رجله عليها ليستريح من وضع رجله في الركاب. أراد أنّه كان قد بلغ في جذب رأسها إليه ليكفّها عن السير. النهاية - لابن الأثير - 176:5-177 «ورك».
3- صحيح مسلم 890:2-891-1218، سنن أبي داود 185:2-186-1905، سنن ابن ماجة 1026:2-3074، سنن الدارمي 48:2.

يمين الطريق فقل(1): اللّهم ارحم موقفي»(2) الحديث.

مسألة 542: لا ينبغي أن يلبّي في سيره،

لما تقدّم(3) من أنّ الحاج يقطع التلبية يوم عرفة، خلافا لأحمد، فإنّه استحبّها(4).

و يستحب أن يمضي على طريق المأزمين، لأنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله سلكها(5).

و يستحب له الإكثار من ذكر اللّه تعالى.

قال عزّ و جلّ فَإِذا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفاتٍ فَاذْكُرُوا اللّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرامِ (6).

و يستحب له أن يصلّي المغرب و العشاء بالمزدلفة و إن ذهب ربع الليل أو ثلثه، بإجماع العلماء.

و رواه العامّة عن جعفر الصادق عليه السّلام عن أبيه عليه السّلام عن جابر أنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله جمع بمزدلفة(7).

و من طريق الخاصّة: قول أحدهما عليهما السّلام - في الصحيح -: «لا تصلّ المغرب حتى تأتي جمعا و إن ذهب ثلث الليل»(8).

مسألة 543: يستحب أن يؤذّن للمغرب و يقيم

و يصلّيها ثم يقيم للعشاء من غير أذان و يصلّيها، عند علمائنا - و هو أحد أقوال الشافعي،

ص: 194


1- في «ق، ك» و الطبعة الحجرية: «فإذا انتهى.. فليقل» و ما أثبتناه من المصدر.
2- التهذيب 187:5-623.
3- تقدّم في المسألة 532.
4- المغني 446:3، الشرح الكبير 445:3.
5- الحاوي الكبير 176:4، المغني 446:3، الشرح الكبير 445:3.
6- البقرة: 198.
7- صحيح مسلم 891:2-1218، سنن أبي داود 186:2-1905، سنن ابن ماجة 1026:2-3074، سنن البيهقي 121:5.
8- التهذيب 188:5-625، الاستبصار 254:2-895.

و اختاره أبو ثور و ابن المنذر و أحمد في إحدى الروايات(1) - لما رواه العامّة عن الصادق جعفر بن محمد عليهما السّلام عن جابر في صفة حجّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، و أنّه جمع بين المغرب و العشاء بأذان واحد و إقامتين(2)شرح معاني الآثار 214:2، المغني 447:3، الشرح الكبير 446:3، الاستذكار 150:13.(3).

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السّلام - في الصحيح -: «صلاة المغرب و العشاء بجمع بأذان واحد و إقامتين، و لا تصلّ بينهما شيئا» و قال:

«هكذا صلّى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله»(4).

و قال الشافعي: يقيم لكلّ صلاة إقامة(5). و هو رواية عن أحمد(6) ، و به قال إسحاق و سالم و القاسم بن محمد، و هو قول ابن عمر(7).

و قال الثوري: يقيم للأولى من غير أذان، و يصلّي الأخرى بغير أذان و لا إقامة(7). و هو مروي عن ابن عمر أيضا و أحمد(8).

و قال مالك: يجمع بينهما بأذانين و إقامتين(9).4.

ص: 195


1- الحاوي الكبير 176:4، المجموع 134:8 و 149، حلية العلماء 339:3، الاستذكار 150:3، المغني و الشرح الكبير 447:3.
2- انظر المصادر في ص 194، الهامش
3- .
4- التهذيب 190:5-630، الإستبصار 255:2-899.
5- الحاوي الكبير 176:4، المجموع 134:8، حلية العلماء 339:3، شرح السنّة - للبغوي - 329:4، المغني 447:3، الشرح الكبير 446:3، الاستذكار 150:13.
6- المغني 447:3، الشرح الكبير 446:3، المجموع 149:8، حلية العلماء 3: 339.
7- المغني 447:3، الشرح الكبير 446:3، المجموع 149:8، شرح السنّة - للبغوي - 329:4.
8- المغني 447:3، الشرح الكبير 446:3.
9- الكافي في فقه أهل المدينة: 143، الاستذكار 150:3، المجموع 149:8، شرح السنّة - للبغوي - 329:4.

احتجّ أحمد: بما رواه أسامة بن زيد، قال: دفع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله من عرفة حتى إذا كان بالشعب نزل فبال، ثم توضّأ، فقلت له: الصلاة يا رسول اللّه، فقال: (الصلاة أمامك) فركب فلمّا جاء مزدلفة نزل فتوضّأ فأسبغ الوضوء ثم أقيمت الصلاة فصلّى المغرب ثم أناخ كلّ إنسان بعيره في مبركه(1) ثم أقيمت الصلاة فصلّى و لم يصلّ بينهما(2)(3).

و احتجّ الثوري: بما رواه ابن عمر، قال: جمع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بين المغرب و العشاء بجمع، صلّى المغرب ثلاثا و العشاء ركعتين بإقامة واحدة(4).

و احتجّ مالك: بأنّ عمر و ابن مسعود أذّنا أذانين و إقامتين(5).

و الجواب: أنّ روايتنا تضمّنت الزيادة، فكانت أولى، و قول مالك مخالف للإجماع.

قال ابن عبد البرّ: لا أعلم فيما قاله مالك حديثا مرفوعا بوجه من الوجوه(6).

و أمّا عمر فإنّما أمر بالتأذين للثانية، لأنّ الناس كانوا قد تفرّقوا لعشائهم، فأذّن لجمعهم(7).3.

ص: 196


1- في المصادر: منزله.
2- صحيح مسلم 939:2-1280، صحيح البخاري 47:1، سنن أبي داود 2: 191-1925، سنن البيهقي 122:5، الموطّأ 400:1-401-197، شرح معاني الآثار 214:2.
3- المغني 447:3، الشرح الكبير 446:3.
4- صحيح مسلم 938:2-290، المغني 447:3، الشرح الكبير 446:3.
5- المغني 447:3-448، الشرح الكبير 447:3.
6- المغني 448:3، الشرح الكبير 447:3.
7- شرح معاني الآثار 211:2، الاستذكار 159:13، المغني 448:3، الشرح الكبير 447:3.

و لا ينبغي أن يصلّي بينهما شيئا من النوافل إجماعا، لحديث جابر(1) و أسامة(2) من طريق العامّة.

و من طريق الخاصّة: قول عنبسة بن مصعب: قلت للصادق عليه السّلام: إذا صلّيت المغرب بجمع أصلّي الركعات بعد المغرب ؟ قال: «لا، صلّ المغرب و العشاء ثم تصلّي الركعات بعد»(3).

و لو صلّى بينهما شيئا من النوافل، لم يكن مأثوما، لأنّ الجمع مستحبّ، فلا يترتّب على تركه إثم.

و ما رواه العامّة عن ابن مسعود أنّه كان يتطوّع بينهما، و رواه عن النبي صلّى اللّه عليه و آله(4).

و من طريق الخاصّة: قول أبان بن تغلب - في الصحيح -: صلّيت خلف الصادق عليه السّلام المغرب بالمزدلفة، فقام فصلّى المغرب ثم صلّى العشاء الآخرة و لم يركع فيما بينهما، ثم صلّيت خلفه بعد ذلك بسنة فلمّا صلّى المغرب قام فتنفّل بأربع ركعات(5).

مسألة 544: لو ترك الجمع فصلّى المغرب في وقتها، و العشاء في وقتها، صحّت صلاته،

و لا إثم عليه، ذهب إليه علماؤنا - و به قال عطاء و عروة و القاسم بن محمد و سعيد بن جبير و مالك و الشافعي و إسحاق و أبو ثور و أحمد و أبو يوسف و ابن المنذر(6) - لأنّ كلّ صلاتين جاز الجمع

ص: 197


1- تقدّمت الإشارة إلى مصادره في ص 194، الهامش (7).
2- تقدّمت الإشارة إلى مصادره في ص 196، الهامش (2).
3- التهذيب 190:5-631، الإستبصار 255:2-900.
4- المغني 448:3، الشرح الكبير 447:3.
5- التهذيب 190:5-632، الإستبصار 256:2-901.
6- المغني 449:3، الشرح الكبير 447:3، الحاوي الكبير 176:4، المهذّب - للشيرازي - 233:1-234، المجموع 134:8.

بينهما جاز التفريق بينهما، كالظهر و العصر بعرفة.

و ما تقدّم من الأخبار.

احتجّوا(1) بأنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله جمع بين الصلاتين، فكان نسكا، و قال:

(خذوا عنّي مناسككم)(2).

و لأنّه قال عليه السّلام لأسامة: (الصلاة أمامك)(3).

و هو محمول على الاستحباب، لئلاّ يقطع سيره.

و لو فاته مع الإمام الجمع، جمع منفردا إجماعا، لأنّ الثانية منهما تصلّى في وقتها، بخلاف الظهر مع العصر(4) عند العامّة(5).

و لو عاقه في الطريق عائق و خاف أن يذهب أكثر الليل، صلّى في الطريق، لئلاّ يفوت الوقت، لقول الصادق عليه السّلام - في الصحيح -: «لا بأس أن يصلّي الرجل المغرب إذا أمسى بعرفة»(6).

و ينبغي أن يصلّي نوافل المغرب بعد العشاء، و لا يفصل بين الصلاتين، و لو فعل، جاز، لكنّ الأوّل أولى، لرواية أبان(7).

و ينبغي أن يصلّي قبل حطّ الرحال، لأنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله كذا فعل(8).7.

ص: 198


1- كذا من غير سبق لذكر قول المخالف، و في المغني 449:3 و الشرح الكبير 3: 447 ورد هكذا: و قال أبو حنيفة و الثوري: لا يجزئه، لأنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله جمع بين الصلاتين، إلى آخر ما جاء في المتن.
2- سنن البيهقي 125:5.
3- تقدّمت الإشارة إلى مصادره في ص 196، الهامش (2).
4- كذا، و الأنسب: بخلاف العصر مع الظهر.
5- المغني 448:3.
6- التهذيب 189:5-629، الاستبصار 255:2-898.
7- تقدّمت الرواية مع الإشارة إلى مصدرها في ص 197 الهامش (5).
8- صحيح البخاري 47:1، صحيح مسلم 939:2-1280، سنن أبي داود 2: 191-1925، شرح معاني الآثار 214:2، سنن البيهقي 122:5، الموطّأ 1: 400-401-197.

و يبيت تلك الليلة بمزدلفة، و يكثر فيها من ذكر اللّه تعالى و الدعاء و التضرّع و الابتهال إلى اللّه تعالى.

قال الصادق عليه السّلام - في الحسن -: «لا تجاوز الحياض ليلة المزدلفة و تقول: اللّهم هذه جمع» إلى آخره، قال عليه السّلام: «و إن استطعت أن تحيي تلك الليلة فافعل، فإنّه بلغنا أنّ أبواب السماء لا تغلق تلك الليلة لأصوات المؤمنين، لهم دويّ كدويّ النحل، يقول اللّه عزّ و جلّ ثناؤه: أنا ربّكم و أنتم عبادي أدّيتم حقّي، و حقّ عليّ أن أستجيب لكم، فيحطّ تلك الليلة عمّن أراد أن يحطّ عنه ذنوبه، و يغفر لمن أراد أن يغفر له»(1).

و المبيت بمزدلفة ليس ركنا و إن كان الوقوف بها ركنا، لما رواه العامّة عن عروة بن مضرّس، قال: أتيت النبي صلّى اللّه عليه و آله بجمع، فقال: (من صلّى معنا هذه الصلاة و أتى عرفات قبل ذلك ليلا أو نهارا فقد تمّ حجّه)(2).

و لأنّه مبيت في مكان، فلا يكون ركنا، كالمبيت بمنى.

و حكي عن الشعبي و النخعي أنّهما قالا: المبيت بمزدلفة ركن(3) ، لقوله عليه السّلام: (من ترك المبيت بالمزدلفة فلا حجّ له)(4).

و جوابه - بعد تسليمه - أنّ المراد من لم يبت بها و لم يقف وقت7.

ص: 199


1- الكافي 468:4-469-1، التهذيب 188:5-189-626.
2- سنن أبي داود 196:2-197-1950، سنن النسائي 263:5-264، سنن الترمذي 238:3-239-891، سنن البيهقي 173:5.
3- المجموع 150:8، المغني 450:3، الشرح الكبير 449:3.
4- أورده الرافعي في فتح العزيز 367:7.

الوقوف، جمعا بين الأدلّة.

البحث الثاني: في الكيفيّة.
مسألة 545: يجب في الوقوف بالمشعر شيئان:

النيّة، لأنّه عبادة، فلا يصحّ بدونها. و للآية(1) و الأخبار(2).

و يشترط فيها التقرّب إلى اللّه تعالى، و نيّة الوجوب، و أنّ وقوفه لحجّة الإسلام أو غيرها.

الثاني: الوقوف بعد طلوع الفجر الثاني، لما رواه العامّة أنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله صلّى الصبح حين تبيّن له الصبح(3).

قال جابر: إنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله لم يزل واقفا حتى أسفر جدّا(4).

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السّلام: «أصبح على طهر بعد ما تصلّي الفجر فقف إن شئت قريبا من الجبل و إن شئت حيث تبيت(5)»(6).

و لأنّ الكفّارة تجب لو أفاض قبل الفجر على ما يأتي، و هي مرتّبة على الذنب.

و قال الشافعي: يجوز أن يدفع بعد نصف الليل و لو بجزء قليل(7).

ص: 200


1- البيّنة: 5.
2- صحيح البخاري 2:1، سنن أبي داود 262:2-2201، سنن ابن ماجة 2: 1413-4227، سنن البيهقي 341:7، أمالي الطوسي 203:2.
3- صحيح مسلم 891:2-1218، سنن ابن ماجة 1026:2-3074، سنن أبي داود 186:2-1905، سنن البيهقي 124:5.
4- صحيح مسلم 891:2-1218، سنن ابن ماجة 1026:2-3074، سنن أبي داود 186:2-1905، سنن البيهقي 124:5.
5- في الكافي: «حيث شئت».
6- التهذيب 191:5-635، الكافي 469:4-4.
7- الحاوي الكبير 177:4، المهذّب - للشيرازي - 234:1، المجموع 135:8، فتح العزيز 367:7-368، الاستذكار 37:13، المغني 451:3، الشرح الكبير 449:3.

فأوجب الوقوف في النصف الثاني من الليل، لأنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله أمر أمّ سلمة، فأفاضت في النصف الأخير من المزدلفة(1).

و نحن نقول بموجبه، فإنّ المعذورين - كالنساء و الصبيان و الخائف - يجوز لهم الإفاضة قبل طلوع الفجر.

مسألة 546: يستحب أن يقف بعد أن يصلّي الفجر، و لو وقف قبل الصلاة بعد طلوع الفجر، أجزأه،

لأنّه وقت مضيّق، فاستحبّ البدأة بالصلاة.

و يستحب الدعاء بالمنقول، ثم يفيض حين يشرق ثبير(2) ، و ترى الإبل مواضع أخفافها في الحرم، رواه معاوية بن عمّار - في الصحيح - عن الصادق عليه السّلام(3).

و يستحب أن يكون متطهّرا.

قال الصادق عليه السّلام: «أصبح على طهر بعد ما تصلّي الفجر فقف إن شئت قريبا من الجبل، و إن شئت حيث تبيت»(4) الحديث.

و لو وقف جنبا أو محدثا، أجزأه إجماعا.

و يستحبّ له أن يصلّي الفجر في أوّل وقته، لازدحام الناس طلبا للوقوف و الدعاء، بخلاف الحصر.

مسألة 547: يستحب للصرورة أن يطأ المشعر الحرام.

قال الشيخ رحمه اللّه: المشعر الحرام جبل هناك يسمّى قزح(5).

ص: 201


1- سنن أبي داود 194:2-1942.
2- ثبير: جبل بمكة. معجم البلدان 73:2.
3- الكافي 469:4-4، التهذيب 191:5-635.
4- الكافي 469:4-4، التهذيب 191:5-635.
5- المبسوط - للطوسي - 368:1، و فيه: فراخ، و هي تصحيف.

و يستحب الصعود عليه و ذكر اللّه تعالى عنده.

قال اللّه تعالى فَإِذا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفاتٍ فَاذْكُرُوا اللّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرامِ (1).

و أردف رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، الفضل بن العباس و وقف على قزح، و قال: (هذا قزح، و هو الموقف، و جمع كلّها موقف) [1].

و روى العامّة عن جعفر بن محمد عليه السّلام عن أبيه عليه السّلام عن جابر أنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله ركب القصواء حتى أتى المشعر الحرام، فرقي عليه و استقبل القبلة فحمد اللّه و هلّله و كبّره و وحّده، فلم يزل واقفا حتى أسفر جدّا(2).

قال الصادق عليه السّلام: «يستحب للصرورة أن يطأ المشعر الحرام، و أن يدخل البيت»(3).

البحث الثالث: في الأحكام.
مسألة 548: الوقوف بالمشعر الحرام ركن من أركان الحجّ يبطل الحجّ بتركه عمدا،

عند علمائنا، و هو أعظم من الوقوف بعرفة، عند علمائنا - و به

ص: 202


1- البقرة: 198.
2- صحيح مسلم 891:2-1218، سنن أبي داود 186:2-1905، سنن ابن ماجة 1026:2-3074، سنن البيهقي 124:5.
3- الكافي 469:4-3، التهذيب 191:5-636.

قال علقمة و الشعبي و النخعي(1) - لقوله تعالى فَاذْكُرُوا اللّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرامِ (2).

و ما رواه العامّة عن النبي صلّى اللّه عليه و آله أنّه قال: (من ترك المبيت بالمزدلفة فلا حجّ له)(3).

و من طريق الخاصّة: رواية الحلبي - في الصحيح - عن الصادق عليه السّلام «و إن قدم و قد فاتته عرفات فليقف بالمشعر الحرام، فإنّ اللّه تعالى أعذر لعبده، و قد تمّ حجّه إذا أدرك المشعر الحرام قبل طلوع الشمس و قبل أن يفيض الناس، فإن لم يدرك المشعر الحرام فقد فاته الحجّ، فليجعلها عمرة مفردة و عليه الحجّ من قابل»(4).

و قال باقي العامّة: إنّه نسك و ليس بركن(5) ، لقوله عليه السّلام بجمع: (من صلّى معنا هذه الصلاة و أتى عرفات قبل ذلك ليلا أو نهارا فقد تمّ حجّه)(6).

و لأنّه مبيت في مكان، فلا يكون ركنا، كالمبيت بمنى.

و الحديث حجّة لنا، لأنّها كانت صلاة الفجر في جمع، و إذا علّق تمام الحجّ على وقوف المشعر، انتفى عند عدمه، و هو المطلوب.).

ص: 203


1- الحاوي الكبير 177:4، الاستذكار 35:13، حلية العلماء 340:3، المجموع 150:8، أحكام القرآن - لابن العربي - 138:1، المغني 450:3، الشرح الكبير 449:3.
2- البقرة: 198.
3- أورده الرافعي في فتح العزيز 367:7.
4- التهذيب 289:5-981، الإستبصار 301:2-1076.
5- المغني 450:3، الشرح الكبير 449:3، الحاوي الكبير 177:4، الاستذكار 36:13، فتح العزيز 367:7، المجموع 150:8، المبسوط - للسرخسي - 4: 63، حلية العلماء 340:3.
6- تقدّمت الإشارة إلى مصادره في ص 183، الهامش (3).

و القياس باطل، و معارض بقياسنا، فيبقى دليلنا سالما.

على أنّا لا نوجب المبيت و لا نجعله ركنا كما تقدّم، بل الوقوف الاختياري.

مسألة 549: يجب الوقوف بالمشعر بعد طلوع الفجر،

فلو أفاض قبل طلوعه مختارا عامدا بعد أن وقف به ليلا، جبره بشاة.

و قال أبو حنيفة: يجب الوقوف بعد طلوع الفجر(1) ، كقولنا.

و قال باقي العامّة: يجوز الدفع بعد نصف الليل(2).

و هو غلط، لأنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله أفاض قبل طلوع الشمس(3) ، و كانت الجاهلية تفيض بعد طلوعها(4) ، فدلّ على أنّ ذلك هو الواجب.

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السّلام: في رجل وقف مع الناس بجمع ثم أفاض قبل أن يفيض الناس، قال: «إن كان جاهلا فلا شيء عليه، و إن كان أفاض قبل طلوع الفجر فعليه دم شاة»(5).

و لأنّه أحد الموقفين، فيجب فيه الجمع بين الليل و النهار، كعرفة.

احتجّوا: بأنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله أمر أمّ سلمة، فأفاضت في النصف الأخير من المزدلفة(6).

ص: 204


1- بدائع الصنائع 136:2، الهداية - للمرغيناني - 146:1، تحفة الفقهاء 407:1.
2- المغني 451:3، الشرح الكبير 449:3، المهذّب - للشيرازي - 234:1، المجموع 135:8، فتح العزيز 367:7-368، الحاوي الكبير 177:4، بدائع الصنائع 136:2، تفسير القرطبي 425:2.
3- صحيح البخاري 204:2، سنن ابن ماجة 1006:2-3022، سنن الترمذي 241:3-895 و 242-896، سنن البيهقي 124:5-125، المغني و الشرح الكبير 452:3.
4- صحيح البخاري 204:2، سنن ابن ماجة 1006:2-3022، سنن الترمذي 241:3-895 و 242-896، سنن البيهقي 124:5-125، المغني و الشرح الكبير 452:3.
5- التهذيب 193:5-642، الاستبصار 256:2-902.
6- سنن أبي داود 194:2-1942، المغني 451:3، الشرح الكبير 450:3.

و نحن نقول بموجبه، لجوازه للمعذورين.

و إن كان ناسيا، فلا شيء عليه، قاله الشيخ رحمه اللّه(1) ، و به قال أبو حنيفة [1].

و قال ابن إدريس: لو أفاض قبل الفجر عامدا، بطل حجّه(2).

مسألة 550: يجوز للخائف و النساء و غيرهم من أصحاب الأعذار و الضرورات الإفاضة قبل طلوع الفجر من مزدلفة

إجماعا، لما رواه العامّة عن ابن عباس: أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كان يقدّم ضعفة أهله في النصف الأخير من المزدلفة(3).

و قال: قدمنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أغيلمة(4) بني عبد المطّلب(5).

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السّلام - في الصحيح -: «رخّص رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله للنساء و الصبيان أن يفيضوا بليل، و يرموا الجمار بليل، و أن يصلّوا الغداة في منازلهم، فإن خفن الحيض مضين إلى مكة، و وكّلن من يضحّي عنهنّ»(6).

ص: 205


1- النهاية: 253، المبسوط - للطوسي - 368:1.
2- السرائر: 138-139.
3- انظر: صحيح البخاري 202:2، و صحيح مسلم 941:2-1293، و سنن الترمذي 240:3-893، و سنن البيهقي 123:5.
4- أغيلمة تصغير أغلمة. و المراد الصبيان.
5- سنن ابن ماجة 1007:2-3025.
6- الاستبصار 257:2-906، و التهذيب 194:5-646.

و عن أحدهما عليهما السّلام، قال: «أيّ امرأة و رجل خائف أفاض من المشعر الحرام ليلا فلا بأس»(1) الحديث.

مسألة 551: يستحب لغير الإمام أن يكون طلوعه من المزدلفة قبل طلوع الشمس بقليل، و للإمام بعد طلوعها،

لما رواه العامّة: أنّ المشركين كانوا لا يفيضون حتى تطلع الشمس، و يقولون: أشرق ثبير كيما نغير، و أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله خالفهم فأفاض قبل أن تطلع الشمس(2).

و من طريق الخاصّة: أنّ الكاظم عليه السّلام سئل أيّ ساعة أحبّ إليك أن نفيض من جمع ؟ فقال: «قبل أن تطلع الشمس بقليل هي أحبّ الساعات إليّ» قلت: فإن مكثنا حتى تطلع الشمس ؟ قال: «ليس به بأس»(3).

إذا عرفت هذا، فإنّه تستحبّ الإفاضة بعد الإسفار قبل طلوع الشمس بقليل - و به قال الشافعي و أحمد و أصحاب الرأي(4) - لما رواه العامّة في حديث جابر: أنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله لم يزل واقفا حتى أسفر جدّا، فدفع قبل أن تطلع الشمس(5).

ص: 206


1- الاستبصار 256:2-257-904، و التهذيب 194:5-644.
2- صحيح البخاري 204:2، سنن ابن ماجة 1006:2-3022، سنن الترمذي 3: 241-242-895 و 896، سنن البيهقي 124:5-125، المغني و الشرح الكبير 452:3.
3- الاستبصار 257:2-908، و بتفاوت يسير في بعض الألفاظ في الكافي 4: 470-5، و التهذيب 192:5-193-639.
4- المغني و الشرح الكبير 452:3، المهذّب - للشيرازي - 234:1، المجموع 8: 125، بدائع الصنائع 136:2.
5- صحيح مسلم 891:2-1218، سنن ابن ماجة 1026:2-3074، سنن أبي داود 186:2-1905، سنن البيهقي 124:5، سنن الدارمي 48:2-49، المغني 452:3.

و من طريق الخاصّة: ما تقدّم(1) في حديث الكاظم عليه السّلام.

و لو دفع قبل الإسفار بعد الفجر أو بعد طلوع الشمس، لم يكن مأثوما إجماعا.

مسألة 552: حدّ المزدلفة: ما بين مأزمي 1 عرفة إلى الحياض إلى وادي محسّر

يجوز الوقوف في أيّ موضع شاء منه إجماعا، لما رواه العامّة عن الصادق عليه السّلام عن أبيه الباقر عليه السّلام عن جابر: أنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله قال: (وقفت هاهنا بجمع، و جمع كلّها موقف)(2).

و من طريق الخاصّة: قول زرارة - في الصحيح -: إنّ الباقر عليه السّلام قال للحكم بن عيينة: «ما حدّ المزدلفة ؟» فسكت، فقال الباقر عليه السّلام: «حدّها ما بين المأزمين إلى الجبل إلى حياض وادي محسّر»(3).

و في الصحيح عن معاوية بن عمّار، قال: «حدّ المشعر الحرام من المأزمين إلى الحياض و إلى وادي محسّر»(4).

إذا عرفت هذا، فلو ضاق عليه الموقف، جاز له أن يرتفع إلى الجبل، لقول الصادق عليه السّلام: فإذا كثروا بجمع و ضاقت عليهم كيف يصنعون ؟ فقال: «يرتفعون إلى المأزمين»(5).

مسألة 553: للوقوف بالمشعر وقتان:

اختياريّ من طلوع الفجر إلى

ص: 207


1- تقدّم في ص 206.
2- صحيح مسلم 893:2-149، سنن أبي داود 193:2-1936، سنن البيهقي 115:5، المغني 450:3، الشرح الكبير 451:3.
3- التهذيب 190:5-191-634، و فيه الحكم بن عتيبة.
4- التهذيب 190:5-633.
5- التهذيب 180:5-604.

طلوع الشمس يوم النحر، و اضطراريّ بعد طلوع الشمس إلى زوالها، فإذا أدرك الحاج الاختياريّ من وقت عرفة - و هو من زوال الشمس إلى غروبها من يوم عرفة - و اضطراريّ المشعر، أو أدرك اضطراريّ عرفة و اختياريّ المشعر، صحّ حجّه إجماعا.

و كذا لو أدرك اختياريّ أحدهما وفاته الآخر اضطراريّا و اختياريّا على إشكال لو كان الفائت هو المشعر.

أمّا لو أدرك الاضطراريّين معا و لم يدرك اختياريّ أحدهما، فقد قيل:

يبطل حجّه(1). و قيل: يصحّ(2).

و لو ورد الحاجّ ليلا و علم أنّه إذا مضى إلى عرفات وقف بها قليلا ثم عاد إلى المشعر قبل طلوع الشمس، وجب عليه المضيّ إلى عرفات، و الوقوف بها، ثم يجيء إلى المشعر.

و لو غلب على ظنّه أنّه إن مضى إلى عرفات، لم يلحق المشعر قبل طلوع الشمس، اقتصر على الوقوف بالمشعر، و قد تمّ حجّه، و ليس عليه شيء.

و لو وقف بعرفات ليلا ثم أفاض إلى المشعر فأدركه ليلا أيضا و لم يتّفق له الوقوف إلى طلوع الفجر بل أفاض منه قبل طلوعه، ففي إلحاقه بإدراك الاضطراريّين نظر، فإن قلنا به، جاء فيه الخلاف.

و أمّا العامّة فقالوا: إذا فاته الوقوف بعرفات، فقد فاته الحجّ مطلقا، سواء وقف بالمشعر أو لا(3).2.

ص: 208


1- انظر: شرائع الإسلام 254:1.
2- انظر: شرائع الإسلام 254:1.
3- الشرح الكبير 443:3، المجموع 102:8، بداية المجتهد 346:1، بدائع الصنائع 127:2.

و يدلّ على إدراك الحجّ بإدراك الاضطراريّين: ما رواه الحسن العطّار - في الصحيح - عن الصادق عليه السّلام، قال: «إذا أدرك الحاجّ عرفات قبل طلوع الفجر فأقبل من عرفات و لم يدرك الناس بجمع و وجدهم قد أفاضوا فليقف قليلا بالمشعر و ليلحق الناس بمنى و لا شيء عليه»(1).

مسألة 554: يستحب أخذ حصى الجمار من المزدلفة،

و هو سبعون حصاة، عند علمائنا - و هو قول ابن عمر و سعيد بن جبير و الشافعي(2) - لأنّ الرمي تحيّة لموضعه، فينبغي له أن يلتقطه من المشعر، لئلاّ يشتغل عند قدومه بغيره، كما أنّ الطواف تحيّة المسجد، فلا يبدأ بشيء قبله.

و ما رواه العامّة عن ابن عمر أنّه كان يأخذ الحصى من جمع، و فعله سعيد بن جبير، و قال: كانوا يتزوّدون الحصى من جمع(3).

و من طريق الخاصّة: ما رواه معاوية بن عمّار - في الحسن - قال:

«خذ حصى الجمار من جمع، و إن أخذته من رحلك بمنى أجزأك»(4).

و يجوز أخذ حصى الجمار من الطريق في الحرم و من بقيّة مواضع الحرم عدا المسجد الحرام و مسجد الخيف، و من حصى الجمار إجماعا، لما رواه العامّة عن ابن عباس، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله غداة العقبة و هو على ناقته: (القط لي حصى الجمار) فلقطت له سبع حصيات هي حصى الخذف، فجعل يقبضهنّ(5) في كفّه و يقول: (أمثال هؤلاء فارموا) ثم قال:

ص: 209


1- التهذيب 292:5-990، الإستبصار 305:2-1088.
2- المغني و الشرح الكبير 454:3، فتح العزيز 369:7، المجموع 137:8، الحاوي الكبير 178:4.
3- المغني و الشرح الكبير 454:3، و سنن البيهقي 128:5.
4- الكافي 477:4-1، التهذيب 195:5-196-650.
5- كذا في «ق، ك» و الطبعة الحجرية و المغني و الشرح الكبير، و في سنن ابن ماجة: ينفضهنّ، و في سنن البيهقي: فوضعتهنّ في يده.

(أيّها الناس إيّاكم و الغلوّ في الدين، فإنّما أهلك من كان قبلكم الغلوّ في الدين)(1).

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السّلام: «يجوز أخذ حصى الجمار من جميع الحرم إلاّ من المسجد الحرام و مسجد الخيف»(2).

إذا عرفت هذا، فلا يجوز أخذ الحصى من حصى الجمار و لا من غير الحرم، لقول الصادق عليه السّلام - في الحسن -: «حصى الجمار إن أخذته من الحرم أجزأك، و إن أخذته من غير الحرم لم يجزئك» قال: و قال: «و لا ترم الجمار إلاّ بالحصى»(3).

و قال الصادق عليه السّلام: «و لا يأخذ من حصى الجمار»(4).

و قال بعض علمائنا: لا يؤخذ الحصى من جميع المساجد(5).

و لا بأس به، لما ورد من تحريم إخراج الحصى من المساجد(6).8.

ص: 210


1- المغني و الشرح الكبير 454:3، و سنن ابن ماجة 1008:2-3029، و سنن البيهقي 127:7.
2- الكافي 478:4-8، التهذيب 196:5-652.
3- الكافي 477:4-5، التهذيب 196:5-654.
4- الكافي 483:4-3، التهذيب 266:5-906.
5- المحقّق في شرائع الإسلام 257:1.
6- انظر: الكافي 229:4-4، و الفقيه 154:1-718، و 165:2-713، و علل الشرائع: 320، الباب 9، الحديث 1، و التهذيب 256:3-711، و 5: 449-1568.
الفصل الرابع في نزول منى و قضاء مناسكها
اشارة

و فيه أبواب:

الأوّل: في الرمي و مقدّمته.
اشارة

و فيه مباحث:

الأوّل: في الإفاضة إلى منى.
مسألة 555: يستحب له الدفع من مزدلفة إلى منى إذا أسفر الصبح

قبل طلوع الشمس تأسّيا برسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله(1).

و يستحب أن يفيض بالسكينة و الوقار ذاكرا للّه تعالى مستغفرا داعيا، لما رواه العامّة عن ابن عباس، قال: ثم أردف رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله الفضل بن عباس و قال: (أيّها الناس إنّ البرّ ليس بإيجاف الخيل و الإبل، فعليكم بالسكينة) فما رأيتها رافعة يديها حتى أتى منى(2).

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السّلام: «فأفاض رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله خلاف ذلك بالسكينة و الوقار و الدعة، فأفض بذكر اللّه و الاستغفار، و حرّك

ص: 211


1- صحيح مسلم 891:2-1218، سنن ابن ماجة 1026:2-3074، سنن أبي داود 186:2-1905، سنن البيهقي 124:5، سنن الدارمي 49:2.
2- المغني 453:3، و سنن أبي داود 190:2-1920، و سنن البيهقي 126:5.

به لسانك»(1).

مسألة 556: فإذا بلغ وادي محسّر - و هو واد عظيم بين جمع و منى، و هو إلى منى أقرب - أسرع في مشيه

إن كان ماشيا، و إن كان راكبا حرّك دابّته، و لا نعلم فيه خلافا، لما رواه العامّة عن الصادق عليه السّلام: في صفة حجّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: لمّا أتى وادي محسّر حرّك قليلا، و سلك الطريق الوسطى(2).

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السّلام: «فإذا مررت بوادي محسّر - و هو واد عظيم بين جمع و منى، و هو إلى منى أقرب - فاسع فيه حتى تجاوزه، فإنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله حرّك ناقته»(3).

و لا نعلم خلافا في استحباب الإسراع فيه.

و لو ترك الهرولة فيه، استحبّ له أن يرجع و يهرول، لأنّها كيفية مستحبّة، و لا يمكن فعلها إلاّ بإعادة الفعل، فاستحبّ له تداركها، كناسي الأذان.

و قول ابن بابويه: ترك رجل السعي في وادي محسّر، فأمره الصادق عليه السّلام بعد الانصراف إلى مكة فرجع فسعى(4).

و قد قيل: إنّ النصارى كانت تقف ثمّ، فرأوا مخالفتهم(5).

و يستحبّ له الدعاء حالة السعي في وادي محسّر، لقول الصادق عليه السّلام

ص: 212


1- التهذيب 192:5-637.
2- صحيح مسلم 891:2-1218، سنن أبي داود 186:2-1905، سنن ابن ماجة 1026:2-3074، سنن النسائي 267:5، سنن الدارمي 49:2.
3- الكافي 470:4-471-3، الفقيه 282:2-1384، التهذيب 192:5-637.
4- الفقيه 282:2-1387، و فيه: أن يرجع و يسعى.
5- كما في فتح العزيز 370:7.

- في الصحيح -: «إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال: اللّهم سلّم عهدي، و اقبل توبتي، و أجب دعوتي، و اخلفني بخير فيمن تركت بعدي»(1).

و في رواية عن الكاظم عليه السّلام: «الحركة في وادي محسّر مائة خطوة»(2).

و في حديث آخر «مائة ذراع»(3).

و أمّا الجمهور: فاستحبّوا الإسراع قدر رمية حجر(4).

و إذا أفاض من المشعر قبل طلوع الشمس، فلا يجوز وادي محسّر حتى تطلع الشمس مستحبّا.

و روي عن الباقر عليه السّلام أنّه يكره(5) أن يقيم عند المشعر بعد الإفاضة(6).

إذا عرفت هذا، فإنّه يجب يوم النحر بمنى ثلاثة مناسك: رمي جمرة العقبة، و الذبح، و الحلق أو التقصير، و يجب عليه بعد عوده من مكّة إلى منى يوم النحر أو ثانيه رمي الجمار الثلاث و المبيت بمنى.

البحث الثاني: في رمي جمرة العقبة.
مسألة 557: إذا ورد منى يوم النحر، وجب عليه فيه رمي جمرة العقبة،

و هي آخر الجمار ممّا يلي منى، و أوّلها ممّا يلي مكّة، و هي عند

ص: 213


1- الفقيه 282:2-1384.
2- الفقيه 282:2-1385.
3- الفقيه 282:2-1386.
4- المغني و الشرح الكبير 453:3، المهذّب - للشيرازي - 234:1، المجموع 8: 143، فتح العزيز 370:7.
5- في المصدر: كره.
6- الفقيه 282:2-1383.

العقبة، و لذلك سمّيت جمرة العقبة [و هي](1) في حضيض الجبل مترقّية عن الجادّة.

و لا نعلم خلافا في وجوب رمي جمرة العقبة، لأنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله رماها(2) ، و قال: (خذوا عنّي مناسككم)(3).

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السّلام - في الصحيح -: «خذ حصى الجمار ثم ائت الجمرة القصوى التي عند العقبة، فارمها من قبل وجهها، و لا ترمها من أعلاها»(4).

إذا عرفت هذا، فإنّه يستحب له إذا دخل منى بعد طلوع الشمس رمي جمرة العقبة حالة وصوله.

مسألة 558: لا يجوز الرمي في هذا اليوم و لا باقي الأيّام إلاّ بالحجارة،

عند علمائنا - و به قال الشافعي و مالك و أحمد(5) - لما رواه العامّة أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله رمى بالأحجار، و قال: (بمثل هذا فارموا)(6).

و قال عليه السّلام: (عليكم بحصى الخذف)(7).

ص: 214


1- أضفناها لأجل السياق.
2- صحيح مسلم 892:2-1218، سنن أبي داود 186:2-1905، سنن ابن ماجة 1026:2-3074، سنن النسائي 267:5-268، سنن الدارمي 49:2.
3- سنن البيهقي 125:5.
4- الكافي 478:4-479-1، التهذيب 198:5-661.
5- المغني 455:3، الشرح الكبير 459:3، الام 213:2، مختصر المزني: 68، الحاوي الكبير 179:4، الوجيز 122:1، فتح العزيز 397:7، المهذّب - للشيرازي - 235:1، المجموع 170:8 و 186، حلية العلماء 340:3، شرح السنّة - للبغوي - 337:4، بدائع الصنائع 158:2.
6- سنن البيهقي 128:5.
7- صحيح مسلم 931:2-932-1282، سنن النسائي 267:5 و 269، سنن البيهقي 127:5.

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السّلام - في الصحيح -: «خذ حصى الجمار ثم ائت الجمرة القصوى التي عند العقبة فارمها من قبل وجهها»(1)الحاوي الكبير 179:4، حلية العلماء 340:3.(2) و الأمر للوجوب.

و قال أبو حنيفة: يجوز بكلّ ما كان من جنس الأرض، كالكحل و الزرنيخ و المدر، فأمّا ما لم يكن من جنس الأرض فلا يجوز(3).

و قال داود: يجوز الرمي بكلّ شيء حتى حكي عنه أنّه قال: لو رمى بعصفور ميّت، أجزأه، لقوله عليه السّلام: (إذا رميتم و حلقتم فقد حلّ لكم كلّ شيء)(4)(4) و لم يفصّل.

و عن سكينة بنت الحسين أنّها رمت الجمرة و رجل يناولها الحصى تكبّر مع كلّ حصاة، فسقطت حصاة فرمت بخاتمها(5).

و لأنّه رمى بما هو من جنس الأرض فأجزأه، كالحجارة.

و الجواب: لم يذكر في الحديث كيفية المرميّ به، و بيّنه بفعله، فيصرف ما ذكره إلى المعهود من فعله، كغيره من العبادات.

و فعل سكينة عليها السّلام نقول به، لجواز أن يكون فصّ الخاتم حجرا.

و ينتقض قياس أبي حنيفة بالدراهم.

مسألة 559: و اختلف قول الشيخ رحمه اللّه.

ص: 215


1- تقدّمت الإشارة إلى مصادره في ص 214، الهامش
2- .
3- المبسوط - للسرخسي - 66:4، بدائع الصنائع 157:2، الهداية - للمرغيناني - 147:1، الحاوي الكبير 179:4، فتح العزيز 398:7، المغني 455:3، الشرح الكبير 459:3، حلية العلماء 340:3، المجموع 186:8.
4- مسند أحمد 143:6.
5- المغني 455:3، الشرح الكبير 459:3، الحاوي الكبير 179:4.

فقال في أكثر كتبه: لا يجوز الرمي إلاّ بالحصى(1). و اختاره ابن إدريس(2) و أكثر علمائنا(3).

و قال في الخلاف: لا يجوز الرمي إلاّ بالحجر و ما كان من جنسه من البرام و الجوهر و أنواع الحجارة، و لا يجوز بغيره، كالمدر و الآجر و الكحل و الزرنيخ و الملح و غير ذلك من الذهب و الفضة، و به قال الشافعي(4).

و الوجه: الأوّل، لما رواه العامّة عن النبي صلّى اللّه عليه و آله أنّه قال لمّا لقط له الفضل بن العباس حصى الخذف قال: (بمثلها فارموا)(5).

و من طريق الخاصّة: رواية زرارة - الحسنة - عن الصادق عليه السّلام، قال:

«لا ترم الجمار إلاّ بالحصى»(6).

و لحصول يقين البراءة بالرمي بالحصى دون غيره، فيكون أولى.

مسألة 560: و يجب أن يكون الحصى أبكارا،

فلو رمى بحصاة رمى بها هو أو غيره، لم يجزئه عند علمائنا - و به قال أحمد(7) - لأنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله لمّا أخذ الحجارة قال: (بأمثال هؤلاء فارموا)(8) و إنّما تتحقّق المماثلة بما

ص: 216


1- النهاية: 253، المبسوط - للطوسي - 369:1، الجمل و العقود (ضمن الرسائل العشر): 234.
2- السرائر: 139.
3- منهم: القاضي ابن البرّاج في المهذّب 254:1، و ابن زهرة في الغنية (ضمن الجوامع الفقهية): 519، و ابن حمزة في الوسيلة: 188، و الكيدري في إصباح الشيعة: 160.
4- الخلاف 342:2، المسألة 163.
5- سنن ابن ماجة 1008:2-3029، سنن النسائي 268:5، سنن البيهقي 5: 127 بتفاوت يسير.
6- الكافي 477:4-5، التهذيب 196:5-654.
7- المغني 455:3، الشرح الكبير 459:3.
8- سنن ابن ماجة 1008:2-3029.

ذكرناه.

و لأنّه عليه السّلام أخذ الحصى من غير المرمى، و قال: (خذوا عنّي مناسككم)(1).

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السّلام: «و لا يأخذ من حصى الجمار»(2).

و قال الشافعي: إنّه مكروه و يجزئه(3).

و قال المزني: إن رمى بما رمى به هو، لم يجزئه، و إن رمى بما رمى به غيره، أجزأه، لأنّه رمى بما يقع عليه اسم الحجارة فأجزأه، كما لو لم يرم به قبل ذلك(4).

و الجواب: ليس المطلق كافيا، و إلاّ لما احتاج الناس إلى نقل الحصى إلى الجمار، و قد أجمعنا على خلافه.

و لا فرق في عدم الإجزاء بين جميع العدد و بعضه، فلو رمى بواحدة قد رمي بها و أكمل العدد بالأبكار، لم يجزئه.

و لو رمى بخاتم فصّه حجر، فالأقرب الإجزاء، خلافا لبعض العامّة، فإنّه منع منه، لأنّ الحجر هنا تبع(5).

مسألة 561: يجب أن يكون الحصى من الحرم،

فلا يجزئه لو أخذه من غيره، لقول الصادق عليه السّلام: «إن أخذته من الحرم أجزأك، و إن أخذته

ص: 217


1- سنن البيهقي 125:5، المغني 455:3.
2- التهذيب 266:5-906.
3- الام 213:2، مختصر المزني: 68، الحاوي الكبير 179:4-180، فتح العزيز 369:7، المجموع 172:8 و 185، حلية العلماء 341:3، المغني 3: 455، الشرح الكبير 459:3.
4- الحاوي الكبير 180:4، حلية العلماء 341:3، المجموع 172:8 و 185.
5- المغني 456:3، الشرح الكبير 460:3.

من غير الحرم لم يجزئك»(1) و هذا نصّ في الباب.

و يكره أن تكون صمّا(2) بل تكون رخوة، و يستحب أن تكون برشا(3) منقّطة كحليّة بقدر الأنملة، لأنّ الصادق عليه السّلام كره الصمّ منها، و قال: «خذ البرش»(4).

و قال الرضا عليه السّلام: «حصى الجمار تكون مثل الأنملة، و لا تأخذها سودا و لا بيضا و لا حمرا، خذها كحليّة منقّطة تخذفهنّ خذفا و تضعها [على الإبهام](5) و تدفعها بظفر السبّابة» قال: «و ارمها من بطن الوادي، و اجعلهنّ على يمينك كلّهنّ، و لا ترم على(6) الجمرة، و تقف عند الجمرتين الأوّلتين، و لا تقف عند جمرة العقبة»(7).

و يكره أن تكون نجسة، و تجزئه، للامتثال.

مسألة 562: يستحب أن تكون الحصى ملتقطة،

و يكره أن تكون مكسّرة - و به قال الشافعي و أحمد(8) - لأنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله أمر الفضل، فلقط له حصى الخذف، و قال: (بمثلها فارموا)(9).

ص: 218


1- الكافي 477:4-5، التهذيب 196:5-654.
2- أي صلبا، أنظر لسان العرب 343:12 «صمم».
3- البرش و البرشة: لون مختلف، نقطة حمراء و اخرى سوداء أو غبراء أو نحو ذلك. لسان العرب 264:6 «برش».
4- الكافي 477:4-6، التهذيب 197:5-655.
5- أضفناها من المصدر.
6- في التهذيب: أعلى.
7- الكافي 478:4-7، التهذيب 197:5-656.
8- الحاوي الكبير 178:4، المجموع 139:8 و 153، المغني و الشرح الكبير 3: 454.
9- سنن ابن ماجة 1008:2-3029، سنن النسائي 268:5، سنن البيهقي 5: 127 بتفاوت يسير.

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السّلام: «التقط الحصى، و لا تكسر منها شيئا»(1).

و يستحب أن تكون صغارا قدر كلّ واحدة منها مثل الأنملة، لأنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله أمر بحصى الخذف(2) ، و الخذف إنّما يكون بأحجار صغار.

و من طريق الخاصّة: قول الرضا عليه السّلام: «حصى الجمار تكون مثل الأنملة»(3).

و قال الشافعي: أصغر من الأنملة طولا و عرضا. و منهم من قال: كقدر النواة. و منهم من قال: مثل الباقلاء(4). و هذه المقادير متقاربة.

و لو رمى بأكبر، أجزأه، للامتثال.

و في إحدى الروايتين عن أحمد أنّه لا يجزئه، لأنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله أمر بهذا القدر(5)(6).

البحث الثالث: في رمي الجمار و كيفيّته.
مسألة 563: يجب في الرمي النيّة،

لأنّه عبادة و عمل.

و يجب أن يقصد وجوب الرمي إمّا لجمرة العقبة أو لغيرها، لوجوبه قربة إلى اللّه تعالى، إمّا لحجّ الإسلام أو لغيره.

ص: 219


1- التهذيب 197:5-657.
2- صحيح مسلم 931:2-932-1282، سنن النسائي 267:5 و 269، سنن البيهقي 127:5.
3- الكافي 478:4-7، التهذيب 197:5-656.
4- الام 214:2، الحاوي الكبير 178:4، فتح العزيز 398:7، المهذّب - للشيرازي - 235:1، المجموع 171:8.
5- المصادر في الهامش (2).
6- المغني 454:3-455، الشرح الكبير 455:3.

و يجب فيه العدد، و هو سبع حصيات في يوم النحر لرمي جمرة العقبة، فلا يجزئه لو أخلّ و لو بحصاة، بل يجب عليه الإكمال، و لا نعلم فيه خلافا، لأنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله و الأئمّة عليهم السّلام كذا فعلوا.

و يجب إيصال كلّ حصاة إلى الجمرة بما يسمّى رميا بفعله، فلو وضعها بكفّه في المرمى، لم يجزئه إجماعا، لأنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله أمر بالرمي(1) ، و هذا لا يسمّى رميا، فلا يكون مجزئا.

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السّلام: «خذ حصى الجمار ثم ائت الجمرة القصوى التي عند العقبة فارمها»(2).

و لو طرحها طرحا، قال بعض العامّة: لا يجزئه(3).

و قال أصحاب الرأي: يجزئه، لصدق الاسم(4).

و الضابط تبعية الاسم، فإن سمّي رميا، أجزأه، و إلاّ فلا.

و يجب أن يقع الحصى في المرمى، فلو وقع دونه، لم يجزئه إجماعا.

قال الصادق عليه السّلام: «فإن رميت بحصاة فوقعت في محمل فأعد مكانها»(5).

مسألة 564: يجب أن تكون إصابة الجمرة بفعله،

لأنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله كذا

ص: 220


1- سنن أبي داود 200:2-1966، سنن ابن ماجة 1006:2-3023 و 1008-3028 و 3029، سنن النسائي 272:5، سنن البيهقي 127:5.
2- الكافي 478:4-1، التهذيب 198:5-661.
3- المغني 460:3، الشرح الكبير 458:3.
4- المبسوط - للسرخسي - 67:4، المغني 460:3، الشرح الكبير 457:3 - 458.
5- الكافي 483:4-5، الفقيه 285:2-1399، التهذيب 266:5-267-907.

فعل، و قال: «خذوا عنّي مناسككم»(1).

و لقوله عليه السّلام: (بمثلها فارموا)(2) أوجب استناد الرمي إلينا.

و لو رمى بحصاة فوقعت على الأرض ثم مرّت على سننها أو أصابت شيئا صلبا كالمحمل و شبهه ثم وقعت في المرمى بعد ذلك، أجزأه، لأنّ وقوعها في المرمى بفعله و رميه، بخلاف المزدلف في المسابقة، فإنّه لا يعتدّ به في الإصابة، لأنّ القصد إبانة الحذق، فإذا ازدلف السهم فقد عدل عن السنن، فلم تدلّ الإصابة على حذقه، فلهذا لم يعتد به، بخلاف الحصاة، فإنّ الغرض إصابة الجمرة بفعله كيف كان.

أمّا لو وقعت الحصاة على ثوب إنسان فنفضها فوقعت في المرمى، فإنّه لا يجزئه - و به قال الشافعي(3) - لأنّه لم يمتثل أمر الإصابة بفعله.

و قال أحمد: يجزئه، لأنّ ابتداء الرمي من فعله، فأشبه ما لو أصاب موضعا صلبا ثم وقعت في المرمى(4).

و ليس بجيّد، لأنّ المأخوذ عليه الإصابة بفعله و لم تحصل، فأشبه ما لو وقعت في غير المرمى فأخذها غيره فرمى بها في المرمى.

و كذا لو وقعت على ثوب إنسان فتحرّك فوقعت في المرمى، أو على عنق بعير فتحرّك فوقعت في المرمى، لإمكان استناد الإصابة إلى حركة3.

ص: 221


1- سنن البيهقي 125:5.
2- سنن ابن ماجة 1008:2-3029، سنن النسائي 268:5، سنن البيهقي 5: 127، بتفاوت يسير.
3- الام 213:2، مختصر المزني: 68، الحاوي الكبير 180:4، فتح العزيز 7: 399، المهذّب - للشيرازي - 235:1، المجموع 174:8، حلية العلماء 3: 341.
4- المغني 460:3، الشرح الكبير 458:3، فتح العزيز 399:7، حلية العلماء 341:3.

البعير و الإنسان.

و لو رماها نحو المرمى و لم يعلم هل حصلت في المرمى أم لا، فالوجه أنّه لا يجزئه - و هو قول الشافعي في الجديد(1) - لأصالة البقاء، و عدم يقين البراءة.

و قال في القديم: يجزئه، بناء على الظاهر(2).

و لو رمى حصاة فوقعت على حصاة فطفرت الثانية في المرمى، لم يجزئه، لأنّ التي رماها لم تحصل في المرمى، و التي حصلت لم يرمها ابتداء.

و لو رمى إلى غير المرمى فوقع في المرمى، لم يجزئه، لأنّه لم يقصده، بخلاف ما لو رمى إلى صيد فوقع في غيره، صحّت تذكيته، لعدم القصد في الذكاة، و الرمي يعتبر فيه القصد.

و لو وقعت على مكان أعلى من الجمرة فتدحرجت في المرمى، فالأقرب الإجزاء، لحصولها في المرمى بفعله، خلافا لبعض الشافعيّة(3).

و لو رمى بحصاة فالتقمها طائر قبل وصولها، لم يجزئه، سواء رماها الطائر في المرمى أو لا، لأنّ حصولها في المرمى لم يكن بفعله.

و لو رمى بحصاة كان قد رماها فأصابت غير المرمى فأصاب المرمى ثانيا، صحّ.

و لو أصابت الحصاة إنسانا أو غيره ثم وقعت على المرمى، أجزأه، لقول الصادق عليه السّلام - في الصحيح -: «و إن أصابت إنسانا أو جملا ثم وقعت2.

ص: 222


1- الامّ 213:2، الحاوي الكبير 181:4، فتح العزيز 398:7، حلية العلماء 3: 341، المجموع 175:8.
2- الحاوي الكبير 181:4، المجموع 175:8.
3- الحاوي الكبير 181:4، المهذّب - للشيرازي - 235:1، حلية العلماء 3: 342.

على الجمار أجزأك»(1).

مسألة 565: و يرمي كلّ حصاة بانفرادها،

فلو رمى الحصيات دفعة واحدة، لم يجزئه، لأنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله رمى متفرّقا(2) ، و قال: (خذوا عنّي مناسككم)(3) و به قال مالك و الشافعي و أحمد و أصحاب الرأي(4).

و قال عطاء: يجزئه(5).

و هو مخالف لما فعله النبي صلّى اللّه عليه و آله.

و يرمي جمرة العقبة من بطن الوادي من قبل وجهها مستحبّا إجماعا، لما روى العامّة أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله رمى الجمرة من بطن الوادي و هو راكب يكبّر مع كلّ حصاة(6).

و من طريق الخاصّة: قول الرضا عليه السّلام: «و ارمها من بطن الوادي، و اجعلهنّ على يمينك كلّهنّ»(7).

و يستحب أن يرميها مستقبلا لها مستدبرا للكعبة، بخلاف غيرها من الجمار، و هو قول أكثر العلماء، لما روى العامّة عن النبي صلّى اللّه عليه و آله أنّه رمى جمرة العقبة مستدبرا للقبلة(8).

ص: 223


1- الكافي 483:4-484-5، الفقيه 285:2-1399، التهذيب 266:5-267-907.
2- صحيح مسلم 892:2-1218، سنن ابن ماجة 1008:2-3031 و 1026-3074، سنن أبي داود 186:2-1905، سنن الدارمي 49:2، سنن البيهقي 129:5.
3- سنن البيهقي 125:5.
4- المدوّنة الكبرى 421:1، الام 213:2، المهذّب - للشيرازي - 235:1، فتح العزيز 399:7، المجموع 185:8، المغني 460:3-461، الشرح الكبير 457:3.
5- المغني 461:3، الشرح الكبير 457:3، المجموع 185:8.
6- سنن أبي داود 200:2-1966، سنن البيهقي 130:5.
7- الكافي 478:4-7، التهذيب 197:5-656.
8- الكامل في الضعفاء - لابن عدي - 1878:5، و أورده الشيخ الطوسي في المبسوط 369:1.

و ينبغي أن يرميها من قبل وجهها، و لا يرميها من أعلاها، لقول الصادق عليه السّلام - في الحسن -: «ثم ائت الجمرة القصوى التي عند العقبة فارمها من قبل وجهها و لا ترمها من أعلاها»(1).

قال الشيخ رحمه اللّه: جميع أفعال الحجّ يستحب أن تكون مستقبل القبلة من الوقوف بالموقفين و رمي الجمار إلاّ جمرة العقبة يوم النحر، فإنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله رماها مستقبلها مستدبرا للكعبة(2).

إذا عرفت هذا، فلا ينبغي أن يرميها من أعلاها.

و روى العامّة أنّ عمر جاء و الزحام عند الجمرة فصعد فرماها من فوقها(3).

و هو ممنوع، لما رووه عن عبد الرحمن بن يزيد(4) أنّه مشى مع عبد اللّه بن مسعود و هو يرمي الجمرة، فلمّا كان في بطن الوادي اعترضها فرماها، فقيل له: إنّ ناسا يرمونها من فوقها، فقال: من هاهنا - و الذي لا إله غيره - رأيت الذي نزلت عليه سورة البقرة رماها(5).

و من طريق الخاصّة: قول الرضا عليه السّلام: «و لا ترم أعلى الجمرة»(6).

و قول الصادق عليه السّلام: «و لا ترمها من أعلاها»(7).).

ص: 224


1- الكافي 478:4-479-1، التهذيب 198:5-661.
2- المبسوط - للطوسي - 369:1.
3- المغني 457:3، الشرح الكبير 456:3، الحاوي الكبير 184:4.
4- في «ق، ك» و الطبعة الحجرية: عبد اللّه بن سويد، بدل عبد الرحمن بن يزيد، و ما أثبتناه من المصادر.
5- صحيح البخاري 217:2-218، صحيح مسلم 943:2-944-305-309، سنن الترمذي 245:3-246-901، سنن البيهقي 129:5، المغني 457:3، الشرح الكبير 456:3.
6- التهذيب 197:5-656.
7- المصدر في الهامش (1).
مسألة 566: و يستحب له أن يرميها خذفا

بأن يضع كلّ حصاة على بطن إبهامه و يدفعها بظفر السبّابة، لقول الرضا عليه السّلام: قال: «تخذفهنّ خذفا و تضعها [على الإبهام](1) و تدفعها بظفر السبّابة»(2).

و لو رماها على غير هذه الصفة أجزأ.

و يستحب أن يكون بينه و بين الجمرة قدر عشرة أذرع إلى خمسة عشر ذراعا، لقول الصادق عليه السّلام: «و ليكن فيما بينك و بين الجمرة قدر عشرة أذرع أو خمسة عشر ذراعا»(3).

و يستحبّ أن يكبّر مع كلّ حصاة، و يدعو بالمنقول.

قال الشافعي: و يقطع التلبية إذا ابتدأ بالرمي، لأنّ التلبية شعار الإحرام، و الرمي أخذ في التحليل(4).

و قال القفّال: إذا رحلوا من مزدلفة، مزجوا التلبية بالتكبير في ممرّهم، فإذا انتهوا إلى الجمرة و افتتحوا الرمي، محضوا التكبير(5).

البحث الرابع: في الأحكام.
مسألة 567: يجب الإتيان إلى منى لقضاء المناسك بها

من الرمي و الذبح و الحلق أو التقصير.

و ينبغي أن يأخذ على الطريق الوسطى التي تخرج على الجمرة

ص: 225


1- أضفناها من المصدر.
2- الكافي 478:4-7، التهذيب 197:5-656.
3- الكافي 478:4-479-1، التهذيب 198:5-661.
4- فتح العزيز 370:7، المهذّب - للشيرازي - 235:1، المجموع 169:8، الحاوي الكبير 184:4، حلية العلماء 340:3، المغني 461:3، الشرح الكبير 458:3.
5- فتح العزيز 370:7-371، المجموع 169:8.

الكبرى، لأنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله سلكها(1).

و حدّ منى من العقبة إلى وادي محسّر، لقول الصادق عليه السّلام: «حدّ منى من العقبة إلى وادي محسّر»(2).

و هو قول عطاء و الشافعي(3).

مسألة 568: لا يشترط في الرمي الطهارة

و إن كانت أفضل، فيجوز للمحدث و الجنب و الحائض و غيرهم الرمي إجماعا، لما رواه العامّة عن النبي صلّى اللّه عليه و آله أنّه أمر عائشة بالإتيان بأفعال الحجّ سوى الطواف، و كانت حائضا(4).

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السّلام - في الحسن -: «و يستحب أن يرمي الجمار على طهر»(5).

و يجوز الرمي راجلا و راكبا، و الأوّل أفضل، لما رواه العامّة عن النبي صلّى اللّه عليه و آله أنّه كان لا يأتيها - يعني جمرة العقبة - إلاّ ماشيا ذاهبا و راجعا(6).

و من طريق الخاصّة: قول الكاظم عليه السّلام - في الصحيح - عن آبائه عليهم السّلام، قال: «كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يرمي الجمار ماشيا»(7).

ص: 226


1- صحيح مسلم 891:2-892-1218، سنن ابن ماجة 1026:2-3074، سنن أبي داود 186:2-1905، سنن الدارمي 49:2، سنن البيهقي 129:5.
2- الفقيه 280:2-1375.
3- المغني 456:3، الشرح الكبير 455:3، الام 215:2، الحاوي الكبير 4: 183، المجموع 130:8.
4- صحيح البخاري 84:1، صحيح مسلم 873:2-874-119-121، سنن ابن ماجة 988:2-2963، سنن الترمذي 281:3-945، سنن الدارمي 44:2.
5- الكافي 478:4-479-1، التهذيب 198:5-661.
6- سنن أبي داود 200:2-201-1969، سنن الترمذي 244:3-245-900، سنن البيهقي 131:5.
7- التهذيب 267:5-912، الاستبصار 298:2-106.

و قد روى العامّة عن جعفر الصادق عليه السّلام عن أبيه الباقر عليه السّلام عن جابر، قال: رأيت النبي صلّى اللّه عليه و آله يرمي على راحلته يوم النحر، و يقول:

(لتأخذوا عنّي مناسككم فإنّي لا أدري لعلّي لا أحجّ بعد حجّتي هذه)(1).

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السّلام - في الصحيح - و قد سأله معاوية بن عمّار عن رجل رمى الجمار و هو راكب، فقال: «لا بأس به»(2).

و يستحب أن يرفع يده في الرمي حتى يرى بياض إبطه، قاله بعض العامّة(3) ، لأنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله فعله(4).

و أنكر ذلك مالك(5).

و يستحب أن لا يقف عند جمرة العقبة، و لا نعلم فيه خلافا، لأنّ ابن عباس و ابن عمر رويا أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كان إذا رمى جمرة العقبة انصرف و لم يقف(6).

و من طريق الخاصّة: قول الرضا عليه السّلام: «و لا تقف عند جمرة العقبة»(7).

مسألة 569: يجوز الرمي من طلوع الشمس إلى غروبها.

قال ابن عبد البرّ: أجمع علماء المسلمين على أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله رماها ضحى ذلك اليوم(8).

ص: 227


1- صحيح مسلم 934:2-1297، سنن أبي داود 201:2-1970، سنن النسائي 270:5، سنن البيهقي 130:5.
2- التهذيب 267:5-911، الإستبصار 298:2-1065.
3- المغني 461:3، الحاوي الكبير 195:4، المجموع 170:8.
4- صحيح البخاري 219:2.
5- المدوّنة الكبرى 423:1.
6- صحيح البخاري 218:2، سنن ابن ماجة 1009:2-3032 و 3033.
7- الكافي 478:4-7، التهذيب 197:5-656.
8- المغني 458:3، الشرح الكبير 460:3.

و قال جابر: رأيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يرمي الجمرة ضحى يوم النحر وحده(1).

و قال ابن عباس: قدمنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أغيلمة بني عبد المطلب على حمرات لنا من جمع فجعل يلطح [1] أفخاذنا [و يقول:](2) (ابينيّ [2] لا ترموا الجمرة حتى تطلع الشمس)(3).

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السّلام: «الرمي(4) ما بين طلوع الشمس إلى غروبها»(5).

و قد رخّص للمعذور - كالخائف و العاجز و المرأة و الراعي و العبد - في الرمي ليلا من نصفه، للعذر، أمّا غيرهم فليس لهم الرمي إلاّ بعد طلوع الشمس - و به قال مجاهد و الثوري و النخعي(6) - لما رواه العامّة: أنّ4.

ص: 228


1- أورده ابنا قدامة في المغني 458:3، و الشرح الكبير 460:3، و في صحيح مسلم 945:2-314، و سنن ابن ماجة 1014:2-3053، و سنن النسائي 5: 270، و سنن الترمذي 241:3-894، و سنن البيهقي 131:5 بتفاوت يسير.
2- أضفناها من المصادر.
3- سنن ابن ماجة 1007:2-3025، سنن النسائي 271:5-272، سنن البيهقي 132:5، المغني 459:3.
4- في المصدر: «رمي الجمار».
5- التهذيب 262:5-890، الإستبصار 296:2-1054.
6- المغني 459:3، الشرح الكبير 460:3، حلية العلماء 342:3، الحاوي الكبير 185:4.

النبي صلّى اللّه عليه و آله أمر أمّ سلمة ليلة النحر، فرمت جمرة العقبة قبل الفجر ثم مضت فأفاضت(1).

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السّلام: «لا بأس بأن يرمي الخائف بالليل و يضحّي و يفيض بالليل»(2).

و جوّز الشافعي و عطاء و ابن أبي ليلى و عكرمة بن خالد الرمي ليلا من نصفه الأخير للمعذور و غيره(3).

و عن أحمد أنّه لا يجوز الرمي إلاّ بعد طلوع الفجر، و هو قول مالك و أصحاب الرأي و إسحاق و ابن المنذر(4).

مسألة 570: يجوز تأخير الرمي إلى قبل الغروب بمقدار أداء المناسك.

قال ابن عبد البرّ: أجمع أهل العلم على أنّ من رماها يوم النحر قبل المغيب فقد رماها في وقت لها و إن لم يكن ذلك مستحبّا(5) ، لأنّ ابن عباس قال: كان النبي صلّى اللّه عليه و آله يسأل يوم النحر بمنى، قال رجل: رميت بعد ما أمسيت، فقال: (لا حرج)(6).

ص: 229


1- سنن أبي داود 194:2-1942، سنن البيهقي 133:5.
2- التهذيب 263:5-895.
3- الحاوي الكبير 185:4، فتح العزيز 381:7، حلية العلماء 342:3، المجموع 180:8، المغني 459:3، الشرح الكبير 460:3.
4- المغني 459:3، الشرح الكبير 460:3، المدوّنة الكبرى 418:1، الكافي في فقه أهل المدينة: 144، الحاوي الكبير 185:4، فتح العزيز 381:7، حلية العلماء 342:3.
5- المغني 459:3، الشرح الكبير 461:3.
6- صحيح البخاري 214:2-215، سنن النسائي 272:5، سنن الدار قطني 2: 253-254-77، سنن البيهقي 150:5.

إذا عرفت هذا، فلو غابت الشمس فقد فات الرمي، فليرم من غده - و به قال أبو حنيفة و أحمد(1) - لما رواه العامّة عن ابن عمر، قال: من فاته الرمي حتى تغيب الشمس فلا يرم حتى تزول الشمس من الغد(2).

و من طريق الخاصّة: ما رواه عبد اللّه بن سنان - في الصحيح - عن الصادق عليه السّلام، قال: سألته عن رجل أفاض من جمع حتى انتهى إلى منى، فعرض له [عارض](3) فلم يرم حتى غابت الشمس، قال: «يرمي إذا أصبح مرّتين: مرّة لما فاته، و الأخرى ليومه الذي يصبح فيه، و ليفرّق بينهما تكون إحداهما بكرة و هو للأمس و الأخرى عند زوال الشمس»(4).

و قال الشافعي و محمد و ابن المنذر و يعقوب: يرمي ليلا(5) ، لقوله عليه السّلام: (ارم و لا حرج)(6).

و جوابه: أنّه إنّما كان في النهار، لأنّه سأله في يوم النحر، و لا يكون اليوم إلاّ قبل الغروب.

و قال مالك: يرمي ليلا. ثم اضطرب قوله، فتارة أوجب الدم حينئذ، و تارة أسقطه(7).3.

ص: 230


1- المغني 459:3-460، الشرح الكبير 461:3.
2- المغني 460:3، الشرح الكبير 461:3 و في سنن البيهقي 150:5 بتفاوت يسير.
3- أضفناها من المصدر.
4- التهذيب 262:5-893.
5- الام 214:2، المغني 460:3، الشرح الكبير 461:3.
6- صحيح البخاري 31:1 و 43 و 215:2، صحيح مسلم 948:2-1306، سنن الترمذي 233:3-885 و 258-916، سنن أبي داود 211:2-2014، سنن الدار قطني 254:2-78.
7- المنتقى - للباجي - 52:3، الكافي في فقه أهل المدينة: 167، المغني 3: 52، الشرح الكبير 461:3.
مسألة 571: يستحب الرمي عند زوال الشمس،

لقول الصادق عليه السّلام - في الصحيح -: «ارم في كلّ يوم عند زوال الشمس»(1).

و يستحب أن لا يقف عند جمرة العقبة إجماعا، لقول الصادق عليه السّلام - في الصحيح -: «ثم تمضي إلى الثالثة و عليك السكينة و الوقار.. و لا تقف عندها»(2).

و لأنّ يعقوب بن شعيب سأل - في الصحيح - الصادق عليه السّلام: عن الجمار، فقال: «قم عند الجمرتين و لا تقم عند جمرة العقبة» فقلت: هذا من السنّة ؟ قال: «نعم» قلت: ما ذا أقول إذا رميت ؟ قال: «كبّر مع كلّ حصاة»(3).

قال الشيخ رحمه اللّه: وقت الاستحباب لرمي جمرة العقبة بعد طلوع الشمس من يوم النحر بلا خلاف، و وقت الإجزاء من طلوع الفجر اختيارا، فإن رمى قبل ذلك، لم يجزئه، و لصاحب العذر الرمي ليلا.

و بمثل ما قلناه قال مالك و أبو حنيفة و أحمد و إسحاق.

و قال الشافعي: أوّل وقت الإجزاء إذا انتصفت ليلة النحر. و به قال عطاء و عكرمة(4).

مسألة 572: قدر حصى الجمار سبعون حصاة:

سبع منها لجمرة العقبة ترمى يوم النحر خاصّة، و يرمى كلّ يوم من أيّام التشريق الجمار الثلاث كلّ جمرة بسبع حصيات يبدأ بالأولى - و هي العظمى - ثم الوسطى ثم جمرة

ص: 231


1- الكافي 480:4-1، التهذيب 261:5-888، الإستبصار 296:2-1057.
2- الكافي 480:4-481-1، التهذيب 261:5-888.
3- الكافي 481:4-2، التهذيب 261:5-262-889.
4- الخلاف 344:2-345، المسألة 167.

العقبة إجماعا.

و يستحب غسل الحصى - و به قال ابن عمر و طاوس(1) - لأنّ ابن عمر غسله(2) ، و الظاهر أنّه توقيف.

و لاحتمال ملاقاته لنجاسة، فمع الغسل يزول الاحتمال و إن لم يكن معتبرا شرعا.

و لو كان الحجر نجسا، استحبّ له غسله، فإن لم يغسله و رمى به، أجزأه، لحصول الامتثال.

و قال عطاء و مالك: لا يستحب(3). و عن أحمد روايتان(4).

و سيأتي باقي مباحث الرمي إن شاء اللّه تعالى.

الباب الثاني: في الذبح.
اشارة

و فيه مباحث:

الأوّل: الهدي.
مسألة 573: إذا فرغ من جمرة العقبة، ذبح هديه أو نحره

إن كان من الإبل، لما رواه العامّة عن النبي صلّى اللّه عليه و آله: أنّه رمى من بطن الوادي ثم انصرف إلى المنحر فنحر ثلاثا و ستّين بدنة بيده ثم أعطى عليّا عليه السّلام فنحر ما غبر(5) و أشركه في هديه(6).

ص: 232


1- المغني 456:3، الشرح الكبير 455:3.
2- المغني 456:3، الشرح الكبير 455:3.
3- المغني 456:3، الشرح الكبير 455:3.
4- المغني 456:3، الشرح الكبير 455:3.
5- أي: ما بقي. النهاية - لابن الأثير - 337:3 «غبر».
6- صحيح مسلم 892:2-1218، سنن أبي داود 186:2-1905، سنن ابن ماجة 1026:2-1027-3074، سنن الدارمي 49:2.

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السّلام - في الصحيح - في صفة حجّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: «فلمّا أضاء له النهار أفاض حتى انتهى إلى منى، فرمى جمرة العقبة، و كان الهدي الذي جاء به رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أربعا و ستّين أو ستّا و ستّين، و جاء علي عليه السّلام بأربع و ثلاثين أو ستّ و ثلاثين، فنحر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ستّا و ستّين، و نحر علي عليه السّلام أربعا و ثلاثين بدنة»(1).

مسألة 574: هدي التمتّع واجب بإجماع العلماء.

قال اللّه تعالى فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ (2).

و روى العامّة عن ابن عمر، قال: تمتّع الناس مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بالعمرة إلى الحجّ، فلمّا قدم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال للناس: (من لم يسق الهدي فليطف بالبيت و بالصفا و المروة و ليقصّر ثم ليهلّ بالحجّ و يهدي، فمن لم يجد الهدي فليصم ثلاثة أيّام في الحجّ و سبعة إذا رجع إلى أهله)(3).

و من طريق الخاصّة: قول الباقر عليه السّلام - في الصحيح - في المتمتّع «و عليه الهدي» فقلت: و ما الهدي ؟ فقال: «أفضله بدنة، و أوسطه بقرة و أخسّه شاة»(4).

و لا فرق بين المكّي و غيره، فلو تمتّع المكّي، وجب عليه الهدي، للعموم.

ص: 233


1- التهذيب 454:5-457-1588.
2- البقرة: 196.
3- صحيح مسلم 901:2-1227، سنن أبي داود 160:2-1805، سنن النسائي 151:5، سنن البيهقي 17:5 و 23.
4- التهذيب 36:5-107، و فيه: «.. و أخفضه شاة».
مسألة 575: و إنّما يجب الهدي على غير أهل مكّة و حاضريها،

لأنّ فرضهم التمتّع، أمّا أهل مكّة و حاضروها: فليس لهم أن يتمتّعوا، لأنّ فرضهم القران أو الإفراد، فلا يجب عليهم الهدي إجماعا، لأنّ اللّه تعالى قال ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ (1).

و قال الصادق عليه السّلام - في الحسن - عن المفرد، قال: «ليس عليه هدي و لا أضحية»(2).

و أمّا القارن: فإنّه يكفيه ما ساقه إجماعا، و تستحب له الأضحية، لأصالة براءة الذمّة.

و قال الشافعي و مالك و أبو حنيفة: إذا قرن بين الحجّ و العمرة، لزمه دم(3).

و قال الشعبي: تلزمه بدنة(4).

و قال داود: لا يلزمه شيء(5).

مسألة 576: قد بيّنّا أنّ فرض المكّي القران أو الإفراد،

فلو تمتّع قال الشيخ: يسقط عنه الفرض، و لا يلزمه دم. و قال الشافعي: يصحّ تمتّعه و قرانه، و ليس عليه دم. و قال أبو حنيفة: يكره له التمتّع و القران، فإن خالف و تمتّع، فعليه دم المخالفة دون التمتّع و القران.

و استدلّ الشيخ بقوله تعالى فَمَنْ تَمَتَّعَ - إلى قوله -

ص: 234


1- البقرة: 196.
2- التهذيب 41:5-42-122.
3- الامّ 133:2، الحاوي الكبير 39:4، المجموع 190:7، حلية العلماء 3: 260، المدوّنة الكبرى 378:1، النتف 212:1.
4- الحاوي الكبير 39:4، حلية العلماء 260:3.
5- حلية العلماء 260:3، المجموع 191:7، الشرح الكبير 252:3.

ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ (1) .

قال: معناه أنّ الهدي لا يلزم إلاّ من لم يكن من حاضري المسجد، و يجب أن يكون قوله ذلِكَ راجعا إلى الهدي لا إلى التمتّع، لأنّ من قال: من دخل داري فله درهم ذلك لمن لم يكن غاصبا، فهم منه الرجوع إلى الجزاء لا إلى الشرط.

ثم قال: و لو قلنا: إنّه راجع إليهما، و قلنا: إنّه لا يصحّ منهم التمتّع أصلا، كان قويّا(2).

مسألة 577: دم التمتّع نسك عند علمائنا

- و به قال أصحاب الرأي(3) - لقوله تعالى وَ الْبُدْنَ جَعَلْناها لَكُمْ مِنْ شَعائِرِ اللّهِ لَكُمْ فِيها خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللّهِ عَلَيْها صَوافَّ فَإِذا وَجَبَتْ جُنُوبُها فَكُلُوا مِنْها (4) أخبر بأنّه جعلها من الشعائر، و أمر بالأكل منها، فلو كان جبرانا، لما أمرنا بالأكل منها.

و قال الشافعي: إنّه جبران، لإخلاله بالإحرام من الميقات، لأنّه مرّ به و هو مريد للحجّ و العمرة و حجّ من سنته(5).

و هو ممنوع، فإنّ ميقات حجّ التمتّع عندنا مكّة و قد أحرم منه.

و المتمتّع إذا أحرم بالحجّ من مكّة لزمه الدم إجماعا، أمّا عندنا: فلأنّه نسك، و أمّا عند المخالف: فلأنّه أخلّ بالإحرام من المواقيت.

فلو أتى الميقات و أحرم منه، لم يسقط عنه الدم عندنا.

ص: 235


1- البقرة: 196.
2- الخلاف 272:2، المسألة 42.
3- الهداية - للمرغيناني - 186:1، التفسير الكبير 168:5، المجموع 176:7.
4- الحجّ: 36.
5- الحاوي الكبير 45:4-46، المجموع 176:7، التفسير الكبير 168:5.

و قالت العامّة بسقوطه(1).

و يبطل بقوله تعالى فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ (2).

و لو أحرم المفرد بالحجّ و دخل مكّة، جاز له أن يفسخه، و يجعله عمرة يتمتّع بها، قاله علماؤنا، خلافا لأكثر العامّة، و ادّعوا أنّه منسوخ(3).

و ليس بجيّد، لثبوت مشروعيّته، فإنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله أمر أصحابه بذلك(4) ، و لم يثبت النسخ.

و يجب عليه الدم، لثبوت التمتّع المقتضي له.

مسألة 578: إذا أحرم بالعمرة و أتى بأفعالها في غير أشهر الحجّ ثم أحرم بالحجّ في أشهره، لم يكن متمتّعا،

و لا يجب عليه الدم، لأنّه لم يأت بالعمرة في زمان الحجّ، فكان كالمفرد، فإنّ المفرد إذا أتى بالعمرة بعد أشهر الحجّ، لم يجب عليه الدم إجماعا.

و لو أحرم بالعمرة في غير أشهر الحجّ و أتى بأفعالها في أشهره من الطواف و غيره و حجّ من سنته، لم يكن متمتّعا، قاله الشيخ(5) ، و لا يلزمه دم - و هو أحد قولي الشافعي، و به قال أحمد(6) - لأنّه أتى بركن من أركان

ص: 236


1- المغني و الشرح الكبير 225:3.
2- البقرة: 196.
3- الشرح الكبير 254:3، المجموع 166:7-167، حلية العلماء 268:3، أحكام القرآن - للجصّاص - 291:1.
4- صحيح مسلم 888:2-1218، سنن أبي داود 184:2-1905، سنن ابن ماجة 1023:2-1024-3074، سنن الدارمي 46:2.
5- الخلاف 270:2، المسألة 38، المبسوط - للطوسي - 307:1.
6- المهذّب - للشيرازي - 208:1، المجموع 176:7، فتح العزيز 138:7 - 140، حلية العلماء 260:3-261، المغني 502:3، الشرح الكبير 246:3.

العمرة في غير أشهر الحجّ، و هو يستلزم إيقاع أركانها فيه.

و قال الشافعي في القول الثاني: يجب به الدم، و يكون متمتّعا، لأنّه أتى بأفعال العمرة في أشهر الحجّ، و استدامة الإحرام بمنزلة ابتدائه، فهو كما لو ابتدأ بالإحرام في أشهر الحجّ(1).

و قال مالك: إذا لم يتحلّل من إحرام العمرة حتى دخلت أشهر الحجّ، صار متمتّعا(2).

و قال أبو حنيفة: إذا أتى بأكثر أفعال العمرة في أشهر الحجّ، صار متمتّعا(3).

مسألة 579: إذا أحرم المتمتّع من مكّة بالحجّ و مضى إلى الميقات ثم منه إلى عرفات، لم يسقط عنه الدم،

للآية(4) ، و قد بيّنّا أنّ الدم نسك لا جبران.

و قال الشافعي: إن مضى من مكّة إلى عرفات، لزمه الدم قولا واحدا، و إن مضى إلى الميقات ثم منه إلى عرفات، فقولان: أحدهما: لا دم عليه، لأنّه لو أحرم من الميقات، لم يجب الدم، فإذا عاد إليه محرما قبل التلبّس بأفعال الحجّ، صار كأنّه أحرم منه. و الثاني: لا يسقط، كما قلناه - و به قال مالك(5) - لأنّ له ميقاتين يجب مع الإحرام من أحدهما الدم، فإذا أحرم منه، وجب الدم، و لم يسقط بعد ذلك، كما لو عاد بعد التلبّس بشيء من المناسك(6).

ص: 237


1- فتح العزيز 138:7-139، حلية العلماء 260:3-261، المهذّب - للشيرازي - 208:1، المجموع 176:7.
2- حلية العلماء 261:3، المنتقى - للباجي - 228:2.
3- الهداية - للمرغيناني - 158:1، فتح العزيز 142:7، حلية العلماء 261:3، المغني 502:3، الشرح الكبير 247:3.
4- البقرة: 196.
5- حلية العلماء 261:3، الحاوي الكبير 73:4.
6- المهذّب - للشيرازي - 208:1، المجموع 177:7 و 207، الحاوي الكبير 4: 73، حلية العلماء 261:3.

و قال أبو حنيفة: لا يسقط الدم حتى يعود إلى بلده(1) ، لأنّه لم يلمّ(2) بأهله، فلم يسقط دم التمتّع، كما لو رجع إلى ما دون الميقات. و ليس بجيّد، لأنّ بلده موضع لا يجب عليه الإحرام منه بابتداء الشرع، فلا يتعلّق سقوط دم التمتّع بالعود إليه، كسائر البلاد، و دون الميقات ليس ميقات بلده.

مسألة 580: قد بيّنّا أنّ ميقات حجّ التمتّع مكّة،

فإذا فرغ المتمتّع من أفعال العمرة، أنشأ الإحرام بالحجّ من مكّة، فإن خالف و أحرم من غيرها، وجب عليه أن يرجع إلى مكّة، و يحرم منها، سواء أحرم من الحلّ أو من الحرم إذا أمكنه، فإن لم يمكنه، مضى على إحرامه، و تمّم أفعال الحجّ، و لا يلزمه دم لهذه المخالفة، لأنّ الدم يجب للتمتّع، فإيجاب غيره منفيّ بالأصل.

و قال الشافعي: إن أحرم من خارج مكّة و عاد إليها، فلا شيء عليه، و إن لم يعد إليها و مضى على وجهه إلى عرفات، فإن كان أنشأ الإحرام من الحلّ، فعليه دم قولا واحدا، و إن أنشأ من الحرم، ففي وجوب الدم قولان:

أحدهما: لا يجب، لأنّ الحكم إذا تعلّق بالحرم و لم يختص ببقعة منه، كان الجميع فيه سواء، كذبح الهدي.

و الثاني: يجب، لأنّ ميقاته البلد الذي هو مقيم فيه، فإذا ترك ميقاته، وجب عليه الدم و إن كان ذلك كلّه من حاضري المسجد الحرام(3).

مسألة 581: يشترط في التمتّع: النيّة،

على ما سبق، فلو لم ينوه، لم يكن متمتّعا و لم يجب الدم، و هو أحد قولي الشافعي.

و في الآخر: يكون متمتّعا و يجب الدم، لأنّه إذا أحرم بالعمرة من

ص: 238


1- حلية العلماء 261:3.
2- لمّ به و ألمّ و التمّ: نزل. لسان العرب 550:12 «لمم».
3- حكاه عنه الشيخ الطوسي في الخلاف 265:2، المسألة 31.

الميقات و حجّ من سنته، فقد صار جامعا بينهما فيجب الدم(1).

و الحقّ خلافه.

و القارن و المفرد إذا أكملا حجّهما، وجب عليهما الإتيان بعمرة مفردة بعد الحجّ يحرمان بها من أدنى الحلّ، فلو أحرما من الحرم، لم يصح، و لو طافا و سعيا، لم يكونا معتمرين، و لا يلزمهما دم.

و للشافعي قولان: أحدهما كما قلناه، لكن خلاف الشافعي في المفرد خاصّة، و الثاني: تكون عمرة صحيحة، و يجب الدم(2).

لنا: أنّه يجب أن يقدّم الخروج إلى الحلّ قبل الطواف و السعي ثم يعود و يطوف و يسعى، ليكون جامعا في نسكه بين الحلّ و الحرم، بخلاف المتمتّع حيث كان له أن يحرم من مكّة، لأنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله لمّا فسخ على أصحابه الحجّ إلى العمرة، أمرهم أن يحرموا بالحجّ من جوف مكّة(3).

و لأنّ الحاجّ لا بدّ له من الخروج إلى الحلّ للوقوف، فيكون جامعا في إحرامه بين الحلّ و الحرم، بخلاف المتمتّع.

احتجّ: بأنّه ترك قطع مسافة لزمه قطعها بإحرام، و ذلك لا يمنع من الاحتساب بأفعال العبادة.

و الجواب: أنّه لم يأت بالعبادة على وجهها، فلا تكون مجزئة.

و لو أفرد الحجّ عن نفسه فلمّا فرغ من الحجّ خرج إلى أدنى الحرم فاعتمر لنفسه و لم يعد إلى الميقات، لا دم عليه. و كذا من تمتّع ثم اعتمر5.

ص: 239


1- فتح العزيز 161:7، حلية العلماء 262:3، المهذّب - للشيرازي - 208:1، المجموع 178:7-179.
2- حكاهما عنه الشيخ الطوسي في الخلاف 266:2، المسألة 32.
3- انظر: صحيح البخاري 205:2-206، و سنن أبي داود 160:2-1805، و سنن البيهقي 17:5.

بعد ذلك من أدنى الحرم. و كذا لو أفرد عن غيره أو تمتّع أو قرن ثم اعتمر من أدنى الحلّ، كلّ هذا لا دم عليه، لتركه الإحرام من الميقات بلا خلاف.

و أمّا إن أفرد عن غيره ثم اعتمر لنفسه من خارج الحرم دون الحلّ، قال الشافعي في القديم: عليه دم(1).

و قال أصحابه: على هذا لو اعتمر عن غيره ثم حجّ عن نفسه فأحرم بالحجّ من جوف مكّة، فعليه دم، لتركه الإحرام من الميقات(2).

و عندنا أنّه لا دم عليه، للأصل.

و لو اعتمر في أشهر الحجّ و لم يحج في ذلك العام بل حجّ من العام المقبل مفردا له عن العمرة، لم يجب الدم، لأنّه لا يكون متمتّعا، و هو قول عامّة العلماء، إلاّ قولا شاذّا عن الحسن البصري فيمن اعتمر في أشهر الحجّ فهو متمتّع حجّ أو لم يحجّ(3).

و أهل العلم كافّة على خلافه، لقوله تعالى فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ (4) و هو يقتضي الموالاة بينهما.

و لأنّ الإجماع واقع على أنّ من اعتمر في غير أشهر الحجّ ثم حجّ من عامه ذلك، فليس بمتمتّع، فهذا أولى، لكثرة التباعد بينهما.

مسألة 582: قد بيّنّا أنّ المتمتّع بعد فراغه من العمرة لا ينبغي له أن يخرج من مكّة حتى يأتي بالحجّ،

لأنّه صار مرتبطا به، لدخولها فيه، لقوله عليه السّلام: (دخلت العمرة في الحجّ هكذا) و شبّك بين أصابعه(5).

ص: 240


1- حكاه الشيخ الطوسي في الخلاف 281:2، المسألة 56.
2- حكاه الشيخ الطوسي في الخلاف 281:2، المسألة 56.
3- المغني 502:3، الشرح الكبير 247:3.
4- البقرة: 196.
5- صحيح مسلم 888:2-1218، سنن أبي داود 184:2-1905، سنن ابن ماجة 1024:2-3074، سنن الدارمي 46:2-47.

و قال اللّه تعالى وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلّهِ (1).

فلو خرج من مكّة بعد إحلاله ثم عاد في الشهر الذي خرج منه، صحّ له أن يتمتّع، و لا يجب عليه تجديد عمرة، و إن عاد(2) في غير الشهر، اعتمر أخرى، و تمتّع بالأخيرة، و وجب عليه الدم بالأخيرة.

و لا يسقط عنه الدم، لقوله تعالى فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ (3) و ما تقدّم من الأحاديث الدالّة على صحّة العمرة إن رجع في الشهر الذي خرج فيه، و وجوب إعادتها إن رجع في غيره، و على التقديرين يجب الدم.

و قال عطاء و المغيرة و أحمد و إسحاق: إذا خرج إلى سفر بعيد تقصر الصلاة في مثله، سقط عنه الدم، لقول عمر: إذا اعتمر في أشهر الحجّ ثم أقام، فهو متمتّع، فإن خرج و رجع، فليس بمتمتّع(4).

و هو محمول على من رجع في غير الشهر الذي خرج فيه، جمعا بين الأدلّة.

و قال الشافعي: إن رجع إلى الميقات، فلا دم عليه(5).

و قال أصحاب الرأي: إن رجع إلى مصره، بطلت متعته، و إلاّ فلا(6).

و قال مالك: إن رجع إلى مصره أو إلى غيره أبعد من مصره، بطلت متعته، و إلاّ فلا(7).3.

ص: 241


1- البقرة: 196.
2- في «ق، ك»: و إن دخل.
3- البقرة: 196.
4- المغني 502:3 و 503، الشرح الكبير 248:3.
5- المهذّب - للشيرازي - 208:1، المجموع 177:7، فتح العزيز 147:7، المغني 502:3، الشرح الكبير 248:3.
6- المغني 502:3، الشرح الكبير 248:3.
7- المنتقى - للباجي - 232:2، المغني 502:3-503، الشرح الكبير 248:3.

و قال الحسن: هو متمتّع و إن رجع إلى بلده. و اختاره ابن المنذر(1).

مسألة 583: إنّما يجب الدم على من أحلّ من إحرام العمرة،

فلو لم يحلّ و أدخل إحرام الحجّ عليها، بطلت المتعة، و سقط الدم، و به قال أحمد(2).

قالت عائشة: خرجنا مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عام حجّة الوداع، فأهللنا بعمرة، فقدمت مكّة و أنا حائض لم أطف بالبيت و لا بين الصفا و المروة، فشكوت ذلك إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، فقال: (انقضى رأسك و امتشطي و أهلّي بالحجّ و دعي العمرة) قالت: ففعلت فلمّا قضينا الحجّ أرسلنا مع عبد الرحمن بن أبي بكر إلى التنعيم فاعتمرت معه، فقال: هذا مكان عمرتك(3).

قال عروة: فقضى اللّه حجّها و عمرتها و لم يكن في شيء من ذلك هدي و لا صوم و لا صدقة(4).

و لأنّ الهدي إنّما يجب على المتمتّع، و التقدير بطلان متعته.

أمّا المكّي لو تمتّع و جوّزناه فإنّه يجب عليه الهدي.

و لو دخل الآفاقي متمتّعا إلى مكّة ناويا للإقامة بها بعد تمتّعه، فعليه دم المتعة، أجمع عليه العلماء، للآية(5) ، و بالعزم على الإقامة لا يثبت له حكمها.

ص: 242


1- المغني 503:3، الشرح الكبير 248:3، المنتقى - للباجي - 232:2.
2- المغني 503:3، الشرح الكبير 248:3.
3- صحيح البخاري 221:5، صحيح مسلم 870:2-1211، سنن أبي داود 2: 153-1781، سنن البيهقي 346:4-347، المغني 503:3، الشرح الكبير 3: 248.
4- المغني 503:3، الشرح الكبير 248:3، و انظر صحيح مسلم 872:2 ذيل الحديثين 115 و 117.
5- البقرة: 196.

و لو كان مولده و منشؤه بمكّة، فخرج منتقلا مقيما بغيرها ثم عاد إليها متمتّعا ناويا للإقامة أو غير ناو لها، فعليه دم المتعة - و به قال مالك و الشافعي و أحمد و إسحاق(1) - لأنّ حضور المسجد الحرام إنّما يحصل بنيّة الإقامة و فعلها، و هذا إنّما نوى الإقامة إذا فرغ من أفعال الحجّ، لأنّه إذا فرغ من عمرته فهو ناو للخروج إلى الحجّ، فكأنّه إنّما نوى أن يقيم بعد أن يجب الدم.

مسألة 584: الآفاقي إذا ترك الإحرام من الميقات، وجب عليه الرجوع إليه و الإحرام منه

مع القدرة، فإن عجز، أحرم من دونه لعمرته، فإذا أحلّ، أحرم بالحجّ من عامه و هو متمتّع، و عليه دم المتعة، و لا دم عليه لإحرامه من دون الميقات، لأنّه تركه للضرورة.

قال ابن المنذر و ابن عبد البرّ: أجمع العلماء على أنّ من أحرم في أشهر الحجّ بعمرة و أحلّ منها و لم يكن من حاضري المسجد الحرام ثم أقام بمكة حلالا ثم حجّ من عامه أنّه متمتّع عليه دم المتعة(2).

و قال بعض العامّة: إذا تجاوز الميقات حتى صار بينه و بين مكّة أقلّ من مسافة القصر فأحرم منه، فلا دم عليه للمتعة، لأنّه من حاضري المسجد الحرام(3).

و ليس بجيّد، فإنّ حضور المسجد إنّما يحصل بالإقامة به و نيّة الإقامة، و هذا لم تحصل منه الإقامة و لا نيّتها.

ص: 243


1- المنتقى - للباجي - 231:2، فتح العزيز 128:7 و 130-131، المجموع 7: 175، المغني 504:3-505، الشرح الكبير 250:3.
2- المغني 505:3، الشرح الكبير 250:3.
3- المغني 505:3، الشرح الكبير 250:3-251.

و لقوله تعالى ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ (1) و هو يقتضي أن يكون المانع من الدم السكنى به، و هذا ليس بساكن.

مسألة 585: الهدي إنّما يجب على المتمتّع،

و هو المحرم بالعمرة في أشهر الحجّ، فإن أحرم بها في غيرها، فليس بمتمتّع، و لا دم عليه إجماعا لا نعلم فيه خلافا إلاّ قولين نادرين:

أحدهما: قول طاوس: إذا اعتمر في غير أشهر الحجّ ثم أقام حتى يحضر الحجّ، فهو متمتّع(2).

و الثاني: قول الحسن: من اعتمر بعد النحر فهي عمرة تمتّع(3).

قال ابن المنذر: لا نعلم أحدا قال بواحد من هذين القولين(4).

أمّا لو أحرم في غير أشهر الحجّ ثم أحلّ منها في أشهره، فلذلك لا يصحّ له التمتّع بتلك العمرة، و به قال أحمد و جابر و إسحاق و الشافعي في أحد القولين(5).

و قال في الآخر: عمرته في الشهر الذي يطوف فيه. و به قال الحسن و الحكم و ابن شبرمة و الثوري(6).

و قال طاوس: عمرته في الشهر الذي يدخل فيه الحرم(7).

و قال عطاء: عمرته في الشهر الذي يحلّ فيه. و به قال مالك(8).

ص: 244


1- البقرة: 196.
2- المغني 501:3، الشرح الكبير 247:3.
3- المغني 501:3، الشرح الكبير 247:3.
4- المغني 501:3-502، الشرح الكبير 247:3.
5- المغني 502:3، الشرح الكبير 247:3.
6- المغني 502:3، الشرح الكبير 247:3.
7- المغني 502:3، الشرح الكبير 247:3.
8- المغني 502:3، الشرح الكبير 247:3، بداية المجتهد 334:1، المنتقى - للباجي - 228:2.

و قال أبو حنيفة: إن طاف للعمرة أربعة أشواط في غير أشهر الحجّ، فليس بمتمتّع، و إن طاف الأربعة في أشهر الحجّ، فهو متمتّع(1).

و الحقّ ما قلناه، لأنّه أتى بنسك لا تتمّ العمرة إلاّ به في غير أشهر الحجّ، فلا يكون متمتّعا، كما لو طاف في غير أشهر الحجّ أو طاف دون الأربعة فيها.

و لقول الصادق عليه السّلام: «من تمتّع في أشهر الحجّ ثم أقام بمكّة حتى يحضر الحجّ فعليه شاة، و من تمتّع في غير أشهر الحجّ ثم جاور حتى يحضر الحجّ فليس عليه دم، إنّما هي حجّة مفردة»(2).

مسألة 586: المملوك إذا حجّ بإذن مولاه متمتّعا، لم يجب عليه الهدي

و لا على مولاه إجماعا، لقوله تعالى عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ (3).

و في قول شاذّ للشافعي: يجب على مولاه أن يهدي عنه، لتضمّن إذنه لذلك(4).

و ليس بجيّد، لأنّ فرض غير الواجد الصوم، و لا فاقد كالعبد.

و لأنّ الحسن العطّار سأل الصادق عليه السّلام: عن رجل أمر مملوكه أن يتمتّع بالعمرة إلى الحجّ أ عليه أن يذبح عنه ؟ قال: «لا، لأنّ اللّه تعالى يقول عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ (5)»(6).

ص: 245


1- المغني 502:3، الشرح الكبير 247:3.
2- الكافي 487:4 (باب من يجب عليه الهدي..) الحديث 1، التهذيب 5: 288-980، الاستبصار 259:2-913.
3- النحل: 75.
4- المجموع 54:7.
5- النحل: 75.
6- التهذيب 200:5-665، و 482-1713، الاستبصار 262:2-923.

إذا ثبت هذا، فإنّ المولى يتخيّر بين أن يذبح عنه أو يأمره بالصوم، عند علمائنا - و هو إحدى الروايتين عن أحمد(1) - لقوله تعالى فَمَا اسْتَيْسَرَ (2) و بتقدير تمليك المولى يصير موسرا.

و لأنّ جميل بن دراج قال - في الصحيح -: سأل رجل الصادق عليه السّلام:

عن رجل أمر مملوكه أن يتمتّع، قال: «فمره فليصم و إن شئت فاذبح عنه»(3).

و في الرواية الأخرى عن أحمد: لا يجزئه الذبح عنه، و يلزمه الصوم عينا - [و به](4) قال الثوري و الشافعي و أصحاب الرأي - لأنّه غير مالك، و لا سبيل له إلى التملّك، لأنّه لا يملك بالتمليك، فصار كالعاجز الذي يتعذّر عليه الهدي، فيلزمه الصوم(5).

مسألة 587: الواجب على المملوك من الصوم ثلاثة أيّام في الحجّ و سبعة إذا رجع إلى أهله،

كالحرّ - و به قال الشافعي و أحمد في إحدى الروايتين(6) - لعموم قوله تعالى فَمَنْ لَمْ يَجِدْ (7) و لأنّه صوم وجب لحلّه من إحرامه قبل إتمامه، فكان عشرة أيّام، كصوم الحرّ.

و قال أحمد في الرواية الأخرى: يصوم عن كلّ مدّ من قيمة الشاة

ص: 246


1- المغني 570:3-571، الشرح الكبير 529:3.
2- البقرة: 196.
3- التهذيب 200:5-201-667، الإستبصار 262:2-925.
4- أضفناها لأجل السياق.
5- المغني 570:3، الشرح الكبير 528:3-529، مختصر المزني: 70، المجموع 54:7.
6- المغني 571:3، الشرح الكبير 529:3.
7- البقرة: 196.

يوما، و المعسر في الصوم كالعبد يجب عليه ثلاثة في الحجّ و سبعة إذا رجع(1).

و قال بعض العامّة: يجب لكل مدّ من قيمة الشاة يوم(2).

و يبطل بالآية(3). و بقول عمر لهبّار بن الأسود: فإن وجدت سعة فاهد، و إن لم تجد سعة فصم ثلاثة أيّام في الحجّ و سبعة إذا رجعت(4).

و لو لم يذبح مولى المملوك عنه، تعيّن عليه الصوم، و لا يجوز لمولاه منعه عن الصوم، لأنّه صوم واجب، فلا يحلّ له منعه عنه، كرمضان.

و لو أعتق المملوك قبل الوقوف بالموقفين، أجزأ عن حجّة الإسلام، و وجب عليه الهدي إن تمكّن، و إلاّ الصوم.

و لو لم يصم العبد إلى أن تمضي أيّام التشريق، فالأفضل لمولاه أن يهدي عنه، و لا يأمره بالصوم، و لو أمره به، لم يكن به بأس.

مسألة 588: إنّما يجب الهدي على المتمكّن منه أو من ثمنه

إذا وجده بالشراء، و لا يجب بيع ثياب التجمّل في الهدي على المتمكّن منه أو من ثمنه إذا وجده بالشراء، و لا يجب بيع ثياب التجمّل في الهدي، بل ينتقل إلى الصوم، لأنّ رجلا سأل الرضا عليه السّلام: عن رجل تمتّع بالعمرة إلى الحجّ و في عيبته ثياب، له أن يبيع من ثيابه شيئا و يشتري بدنة ؟ قال: «لا، هذا يتزيّن به المؤمن، يصوم و لا يأخذ من ثيابه شيئا»(5).

إذا عرفت هذا، فإنّ القدرة تعتبر في موضعه، فمتى عدمه في

ص: 247


1- المغني 571:3، الشرح الكبير 529:3.
2- الشرح الكبير 529:3.
3- البقرة: 196.
4- المغني 571:3، الشرح الكبير 529:3.
5- الكافي 508:4-5، التهذيب 238:5-802 بتفاوت يسير.

موضعه، جاز له الانتقال إلى الصيام و إن كان قادرا عليه في بلده، و لا نعلم فيه خلافا، لأنّ وجوبه موقّت، و ما كان وجوبه موقّتا اعتبرت القدرة عليه في موضعه، كالماء في الطهارة إذا عدم في مكانه انتقل إلى التراب.

و لو تمتّع الصبي، وجب على وليّه أن يذبح عنه، للعموم، فإن لم يجد، فليصم عنه عشرة أيّام، للآية(1).

و لقول أبي نعيم: تمتّعنا فأحرمنا و معنا صبيان، فأحرموا و لبّوا كما لبّينا و لم يقدروا(2) على الغنم، قال: «فليصم عن كلّ صبي وليّه»(3).

البحث الثاني: في كيفية الذبح.
مسألة 589: يجب في الذبح و النحر النيّة،

لأنّه عبادة، و كلّ عبادة بنيّة، لقوله تعالى وَ ما أُمِرُوا إِلاّ لِيَعْبُدُوا اللّهَ مُخْلِصِينَ (4).

و لأنّ جهات إراقة الدم متعدّدة، فلا يتخلّص المذبوح هديا إلاّ بالقصد.

و يجب اشتمالها على جنس الفعل و جهته من كونه هديا أو كفّارة أو غير ذلك، و صفته من وجوب أو ندب، و التقرّب إلى اللّه تعالى.

و يجوز أن يتولاّها عنه الذابح، لأنّه فعل تدخله النيابة، فيدخل في شرطه كغيره من الأفعال.

مسألة 590: و تختصّ الإبل بالنحر، فلا يجوز ذبحها، و البقر و الغنم بالذبح، فلا يجوز نحرها،

لقول الصادق عليه السّلام: «كلّ منحور مذبوح حرام،

ص: 248


1- البقرة: 196.
2- في المصدر: و لم نقدر.
3- التهذيب 237:5-238-801 و فيه:.. عن أبي نعيم عن عبد الرحمن بن أعين قال: تمتّعنا، إلى آخره.
4- البيّنة: 5.

و كلّ مذبوح منحور حرام»(1).

و يستحب أن يتولّى الحاجّ بنفسه الذبح أو النحر، لأنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله نحر هديه بنفسه(2).

و لما رواه العامّة عن غرفة بن الحارث الكندي، قال: شهدت مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في حجّة الوداع و أتي بالبدن، فقال: (ادع لي أبا حسن) فدعي له علي عليه السّلام، فقال: (خذ بأسفل الحربة) و أخذ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بأعلاها، ثم طعنا بها البدن(3). و إنّما فعلا ذلك، لأنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله أشرك عليّا عليه السّلام في هديه(4).

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السّلام في صفة حجّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، قال: «و كان الهدي الذي جاء به رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أربعا و ستّين أو ستّا و ستّين، و جاء علي عليه السّلام بأربع و ثلاثين أو ستّ و ثلاثين، فنحر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله منها ستّا و ستّين، و نحر علي عليه السّلام أربعا و ثلاثين»(5).

و في رواية: «ساق النبي صلّى اللّه عليه و آله مائة بدنة، فجعل لعليّ عليه السّلام منها أربعا و ثلاثين و لنفسه ستّا و ستّين، و نحرها كلّها بيده، ثم أخذ من كلّ بدنة جذوة طبخها في قدر، و أكلا منها و تحسّيا من المرق، و افتخر علي عليه السّلام على أصحابه و قال: من فيكم مثلي و أنا شريك رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في هديه ؟ من فيكم مثلي و أنا الذي ذبح رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله هديي بيده ؟»(6).5.

ص: 249


1- الفقيه 299:2-1485.
2- صحيح مسلم 892:2-1218، سنن ابن ماجة 1026:2-1027-3074، سنن أبي داود 186:2-1905، سنن الدارمي 49:2.
3- سنن أبي داود 149:2-1766.
4- المصادر في الهامش (2).
5- التهذيب 457:5-1588، و في الكافي 247:4-4 بتفاوت يسير.
6- الفقيه 153:2-154-665.

و لو لم يحسن الذباحة، ولاّها غيره، و استحبّ له أن يجعل يده مع يد الذابح، و ينوي الذابح عن صاحبها، لأنّه فعل تدخله النيابة، فيدخل في شرطه. و يستحب له أن يذكره بلسانه، فيقول بلسانه: أذبح عن فلان بن فلان، عند الذبح، و الواجب القصد بالنيّة.

و لو نوى بقلبه عن صاحبها و أخطأ فتلفّظ بغيره، كان الاعتبار بالنيّة، لأنّ علي بن جعفر سأل أخاه الكاظم عليه السّلام - في الصحيح - عن الضحيّة يخطئ الذي يذبحها فيسمّي غير صاحبها، أ تجزئ عن صاحب الضحيّة ؟ فقال: «نعم إنّما له ما نوى»(1).

مسألة 591: يستحب نحر الإبل قائمة من الجانب الأيمن

قد ربطت يدها ما بين الخفّ إلى الركبة ثم يطعن في لبّتها، و هي الوهدة التي بين أصل العنق و الصدر - و به قال مالك و الشافعي و أحمد و إسحاق و ابن المنذر(2) - لقوله تعالى فَإِذا وَجَبَتْ جُنُوبُها (3).

و قال المفسّرون في قوله تعالى فَاذْكُرُوا اسْمَ اللّهِ عَلَيْها صَوافَّ (4): أي قياما(5).

و ما رواه العامّة أنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله و أصحابه كانوا ينحرون البدنة معقولة اليسرى قائمة على ما بقي من قوائمها(6).

ص: 250


1- الفقيه 296:2-1469، التهذيب 222:5-748 بتفاوت يسير.
2- أحكام القرآن - لابن العربي - 1289:3، المهذّب - للشيرازي - 259:1، المجموع 85:9، المغني 462:3 و 46:11، الشرح الكبير 551:3 و 11: 54.
3- الحجّ: 36.
4- الحجّ: 36.
5- تفسير الطبري 118:17، مجمع البيان 86:4، تفسير القرطبي 61:12.
6- سنن أبي داود 149:2-1767.

و من طريق الخاصّة: قول أبي الصباح الكناني: سألت الصادق عليه السّلام:

كيف تنحر البدنة ؟ قال: «تنحر و هي قائمة من قبل اليمين»(1).

و عن أبي خديجة قال: رأيت الصادق عليه السّلام و هو ينحر بدنة معقولة يدها اليسرى، ثم يقوم من جانب يدها اليمنى و يقول: «بسم اللّه و اللّه أكبر، هذا منك و لك، اللّهم تقبّل منّي» ثم يطعن في لبّتها ثم يخرج السكّين بيده، فإذا وجبت جنوبها قطع موضع الذبح بيده(2).

و هذا القيام مستحب لا واجب إجماعا.

و لو خاف نفورها، أناخها و نحرها باركة.

مسألة 592: يجب توجيه الذبيحة إلى القبلة،

خلافا للعامّة(3) ، و سيأتي في موضعه. و يستحب الدعاء بالمنقول. و يمرّ السكّين، و لا ينخعها حتى تموت.

و تجب التسمية عند علمائنا، لقوله تعالى فَاذْكُرُوا اسْمَ اللّهِ عَلَيْها صَوافَّ (4) و قوله تعالى وَ لا تَأْكُلُوا مِمّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللّهِ عَلَيْهِ (5).

و لو نسي التسمية، حلّ أكله، لرواية ابن سنان - الصحيحة - عن الصادق عليه السّلام، قال: سمعته يقول: «إذا ذبح المسلم و لم يسمّ و نسي فكل من ذبيحته و سمّ اللّه على ما تأكل»(6).

ص: 251


1- الكافي 497:4-2، الفقيه 299:2-1488، و في التهذيب 221:5-744 بتفاوت يسير.
2- الكافي 498:4-8، التهذيب 221:5-745 بتفاوت يسير.
3- المغني 463:3، المجموع 408:8، الكافي في فقه أهل المدينة: 180.
4- الحجّ: 36.
5- الأنعام: 121.
6- التهذيب 222:5-747.
مسألة 593: يجب النحر أو الذبح في هدي التمتّع بمنى،

عند علمائنا، لما رواه العامّة عن النبي صلّى اللّه عليه و آله قال: (منى كلّها منحر)(1) و التخصيص بالذكر يدلّ على التخصيص في الحكم.

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السّلام في رجل قدم بهديه مكّة في العشر، فقال: «إن كان هديا واجبا فلا ينحره إلاّ بمنى، و إن كان ليس بواجب فلينحره بمكّة إن شاء، و إن كان قد أشعره أو قلّده فلا ينحره إلاّ يوم الأضحى»(2).

و قال أكثر العامّة: إنّه مستحب، و إنّ الواجب نحره بالحرم - و قال بعض العامّة: لو ذبحه في الحلّ و فرّقه في الحرم، أجزأه(3) - لقوله عليه السّلام:

(كلّ منى منحر، و كلّ فجاج مكّة منحر و طريق)(4)(5).

و نحن نقول بموجبه، لأنّ بعض الدماء ينحر بمكّة، و بعضها ينحر بمنى.

و لو ساق هديا في الحجّ، نحره أو ذبحه بمنى، و إن كان قد ساقه في العمرة، نحره أو ذبحه بمكّة قبالة الكعبة بالموضع المعروف بالحزورة، لأنّ

ص: 252


1- سنن أبي داود 193:2-1935 و 1936، سنن البيهقي 239:5، سنن ابن ماجة 2: 1013-3048، مسند أحمد 326:3.
2- الكافي 488:4-3، التهذيب 201:5-202-670، الاستبصار 2: 263-928.
3- فتح العزيز 86:8.
4- سنن أبي داود 193:2-194-1937، سنن ابن ماجة 1013:2-3048، سنن البيهقي 239:5، مسند أحمد 326:3 بتفاوت يسير، و نصّه في المغني و الشرح الكبير. انظر الهامش التالي.
5- المغني 465:3، الشرح الكبير 462:3، فتح العزيز 86:8، المجموع 8: 190.

شعيب العقرقوفي سأل الصادق عليه السّلام: سقت في العمرة بدنة فأين أنحرها؟ قال: «بمكّة» قلت: فأيّ شيء أعطي منها؟ قال: «كل ثلثا و اهد ثلثا و تصدّق بثلث»(1).

و أمّا ما يلزم المحرم من فداء عن صيد أو غيره، يذبحه أو ينحره بمكّة إن كان معتمرا، و بمنى إن كان حاجّا، لقوله تعالى ثُمَّ مَحِلُّها إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ (2) و قال تعالى هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ (3) في جزاء الصيد.

و قال أحمد: يجوز في موضع السبب - و قال الشافعي: لا يجوز إلاّ في الحرم(4) - لأنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله أمر كعب بن عجرة بالفدية بالحديبيّة(5) ، و لم يأمره ببعثه إلى الحرم(6).

و روى الأثرم و أبو إسحاق الجوزجاني في كتابيهما عن أبي أسماء مولى عبد اللّه بن جعفر، قال: كنت مع عليّ و الحسين بن عليّ عليهما السّلام، فاشتكى حسين بن عليّ عليهما السّلام بالسقيا، فأومأ بيده إلى رأسه، فحلقه علي عليه السّلام، و نحر عنه جزورا بالسقيا(7).

و أمر النبي صلّى اللّه عليه و آله في الحديبيّة لا يستلزم الذبح بها. و نمنع الرواية الثانية.

و ما وجب نحره بالحرم وجب تفرقة لحمه به، و به قال الشافعي3.

ص: 253


1- الكافي 488:4-5، التهذيب 202:5-672.
2- الحجّ: 33.
3- المائدة: 95.
4- فتح العزيز 87:8-88، المغني 587:3، الشرح الكبير 357:3.
5- صحيح البخاري 13:3، سنن أبي داود 172:2-1856.
6- المغني 587:3، الشرح الكبير 357:3.
7- المغني 587:3-588، الشرح الكبير 357:3.

و أحمد(1).

و قال مالك و أبو حنيفة: إذا ذبحها في الحرم، جاز تفرقة لحمها في الحلّ(2).

و هو ممنوع، لأنّه أحد مقصودي النسك، فلم يجز في الحلّ، كالذبح. و لأنّ المقصود من ذبحه بالحرم التوسعة على مساكينه، و هذا لا يحصل بإعطاء غيرهم. و لأنّه نسك يختصّ بالحرم، فكان جميعه مختصّا به، كالطواف و سائر المناسك.

مسألة 594: وقت استقرار وجوب الهدي إحرام المتمتّع بالحجّ

- و به قال أبو حنيفة و الشافعي و أحمد في إحدى الروايتين(3) - لقوله تعالى:

فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ (4) .

و لأنّ المجعول غاية يكفي وجود أوّله، لقوله تعالى ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ (5).

و قال مالك: يجب إذا وقف بعرفة - و هو قول أحمد في الرواية الأخرى - لأنّ التمتّع بالعمرة إلى الحجّ إنّما يحصل بعد وجود الحجّ منه، و لا يحصل ذلك إلاّ بالوقوف، لقول النبي صلّى اللّه عليه و آله: (الحجّ عرفة)(6).

ص: 254


1- فتح العزيز 86:8، المغني 588:3، الشرح الكبير 356:3.
2- المغني 588:3، الشرح الكبير 356:3، المبسوط - للسرخسي - 75:4.
3- المغني 506:3، الشرح الكبير 251:3، فتح العزيز 168:7، المهذّب - للشيرازي - 209:1، المجموع 183:7.
4- البقرة: 196.
5- البقرة: 187.
6- سنن الترمذي 237:3-889، سنن النسائي 256:5، سنن الدار قطني 2: 240-241-19، سنن البيهقي 173:5، المستدرك - للحاكم - 464:1 و 2: 278.

و لأنّه قبل ذلك معرّض للفوات، فلا يحصل التمتّع(1).

و قال عطاء: يجب إذا رمى جمرة العقبة - و هو مروي عن مالك - لأنّه وقت ذبحه فكان وقت وجوبه(2).

و نمنع كون التمتّع إنّما يحصل بالوقوف، بل بالإحرام يتلبّس بالحجّ.

على أنّ قوله عليه السّلام: (دخلت العمرة في الحجّ هكذا) و شبّك بين أصابعه(3) ، يعطي التلبّس به من أوّل أفعال العمرة.

و التعريض للفوات لا يقتضي عدم الإيجاب. و كون وقت الذبح بعد رمي جمرة العقبة لا يستلزم كون وقت وجوبه ذلك.

إذا عرفت هذا، فوقت ذبحه أو نحره يوم النحر - و به قال أبو حنيفة و مالك و أحمد في رواية(4) - لأنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله نحر يوم النحر و كذا أصحابه(5) ، و قال عليه السّلام: (خذوا عنّي مناسككم)(6).

و لأنّ ما قبل يوم النحر لا يجوز فيه الأضحية، فلا يجوز فيه ذبح هدي التمتّع كقبل التحلّل من العمرة.

أمّا من ساق هديا في العشر، فإن كان قد أشعره أو قلّده، فلا ينحره5.

ص: 255


1- المغني 506:3، الشرح الكبير 251:3.
2- المغني 506:3، الشرح الكبير 252:3، فتح العزيز 168:7، المجموع 7: 184.
3- صحيح مسلم 888:2-1218، سنن أبي داود 184:2-1905، سنن ابن ماجة 1024:2-3074، سنن الدارمي 46:2-47.
4- المبسوط - للسرخسي - 146:4، بداية المجتهد 378:1، المغني 506:3، الشرح الكبير 252:3.
5- صحيح البخاري 209:2، صحيح مسلم 892:2-1218، سنن أبي داود 2: 186-1905، سنن ابن ماجة 1026:2-1027-3074، سنن البيهقي 5: 134، سنن الدارمي 49:2.
6- سنن البيهقي 125:5.

إلاّ بمنى يوم النحر، و إن لم يكن قد أشعره و لا قلّده، فإنّه ينحره بمكّة إذا قدم في العشر، لما رواه مسمع - في الصحيح - عن الصادق عليه السّلام، قال:

«إذا دخل بهديه في العشر، فإن كان أشعره و قلّده فلا ينحره إلاّ يوم النحر بمنى، و إن لم يقلّده و لم يشعره فينحره بمكّة إذا قدم في العشر»(1).

و كذا لو كان تطوّعا، فإنّه ينحره بمكّة، لقول الصادق عليه السّلام: «إن كان واجبا نحره بمنى، و إن كان تطوّعا نحره بمكّة، و إن كان قد أشعره و قلّده فلا ينحره إلاّ يوم الأضحى»(2).

و لأنّا قد بيّنّا أنّ الذبح إنّما يجب بمنى، و هو إنّما يكون يوم النحر.

و قال عطاء و أحمد في رواية: يجوز له نحره في شوّال، و إن قدم في العشر، لم ينحره إلاّ بمنى يوم النحر(3).

و قال الشافعي: يجوز نحره بعد الإحرام قولا واحدا، و فيما قبل ذلك بعد حلّه من العمرة قولان:

أحدهما: المنع، لأنّ الهدي يتعلّق به عمل البدن، و هو تفرقة اللحم، و العبادات البدنية لا تقدّم على وقت وجوبها.

و أصحّهما عندهم: الجواز، لأنّه حقّ ماليّ تعلّق بشيئين: الفراغ من العمرة و الشروع في الحجّ، فإذا وجد أحدهما، جاز إخراجه، كالزكاة.

و لا خلاف بين الشافعية في أنّه لا يجوز تقديمه على العمرة(4).3.

ص: 256


1- التهذيب 237:5-799 بتفاوت يسير و تقديم و تأخير في بعض الألفاظ.
2- الكافي 488:4-3، التهذيب 201:5-202-670، الاستبصار 2: 263-928 بتفاوت.
3- المغني 507:3، الشرح الكبير 252:3.
4- فتح العزيز 168:7-169، المهذّب - للشيرازي - 209:1، المجموع 7: 183، الحاوي الكبير 51:4-52، المغني 507:3، الشرح الكبير 252:3.
مسألة 595: أيّام النحر بمنى أربعة أيّام:
اشارة

يوم النحر و ثلاثة بعده، و في غيرها من الأمصار ثلاثة أيام: يوم النحر و يومان بعده - و به قال علي عليه السّلام، و الحسن و عطاء و الأوزاعي و الشافعي و ابن المنذر(1) - لما رواه العامّة أنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله قال: (أيّام [التشريق](2) كلّها منحر)(3).

و من طريق الخاصّة: رواية علي بن جعفر - في الصحيح - عن الكاظم عليه السّلام، قال: سألته عن الأضحى كم هو بمنى ؟ فقال: «أربعة أيّام» و سألته عن الأضحى في غير منى ؟ فقال: «ثلاثة أيّام» فقلت: ما تقول في رجل مسافر قدم بعد الأضحى بيومين، إله أن يضحّي في اليوم الثالث ؟ قال: «نعم»(4).

و قال سعيد بن جبير و جابر بن زيد: في الأمصار يوم واحد، و بمنى ثلاثة(5).

و قال أحمد: يوم النحر و يومان بعده - و به قال مالك و الثوري، و روي عن ابن عباس و ابن عمر - لأنّ اليوم الرابع لا يصلح للرمي، فلا يصلح للذبح(6).

ص: 257


1- المغني 464:3، الشرح الكبير 556:3، المهذّب - للشيرازي - 244:1، المجموع 390:8، حلية العلماء 370:3، بداية المجتهد 436:1، المنتقى - للباجي - 99:3.
2- بدل ما بين المعقوفين في «ق، ك» و الطبعة الحجرية: «العشر» و ما أثبتناه من المصدر، و كما في منتهى المطلب - للمصنّف رحمه اللّه - 739:2.
3- سنن البيهقي 239:5 و 296:9، و في الموضعين منه: «ذبح» بدل «منحر».
4- التهذيب 202:5-203-673، الإستبصار 264:2-930.
5- المغني 464:3، الشرح الكبير 556:3، المجموع 390:8، حلية العلماء 3: 370.
6- المغني 464:3، الشرح الكبير 556:3، حلية العلماء 370:3، المجموع 8: 390، بداية المجتهد 436:1، المنتقى - للباجي - 99:3.

و الملازمة ممنوعة.

فرعان:

أ: يجب تقديم الذبح على الحلق بمنى،

لقول الصادق عليه السّلام: «يبدأ بمنى بالذبح قبل الحلق، و في العقيقة بالحلق قبل الذبح»(1).

و لو أخّره ناسيا، فلا شيء عليه، و لو كان عامدا، أثم و أجزأ، و كذا لو ذبحه في بقية ذي الحجّة جاز.

ب: قال أكثر فقهاء العامّة: يجزئ ذبح الهدي في الليالي المتخلّلة

لأيّام النحر(2).

البحث الثالث: في صفات الهدي.
مسألة 596: يجب أن يكون الهدي من بهيمة الأنعام:

الإبل أو البقر أو الغنم، إجماعا.

قال تعالى فَكُلُوا مِنْها وَ أَطْعِمُوا الْبائِسَ الْفَقِيرَ (3).

و أفضله البدن ثم البقر ثم الغنم، لما رواه العامّة عن أبي هريرة عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال: (من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة ثم راح فكأنّما قرّب بدنة، و من راح في الساعة الثانية فكأنّما قرّب بقرة، و من راح في الساعة الثالثة فكأنّما قرّب كبشا أقرن، و من راح في الساعة الرابعة فكأنّما قرّب دجاجة، و من راح في الساعة الخامسة فكأنّما قرّب بيضة)(4).

ص: 258


1- الكافي 498:4-7، و فيه: «تبدأ..» التهذيب 222:5-749.
2- المغني 464:3، الشرح الكبير 557:3-558، المجموع 391:8.
3- الحجّ: 28.
4- صحيح البخاري 3:2-4، صحيح مسلم 582:2-850، الموطّأ 101:1-1.

و من طريق الخاصّة: قول الباقر عليه السّلام - في الصحيح - في المتمتّع:

«و عليه الهدي» فقلت: و ما الهدي ؟ فقال: «أفضله بدنة، و أوسطه بقرة و أخسّه شاة»(1).

و لأنّ الأكثر لحما أكثر نفعا، و لهذا أجزأت البدنة عن سبع شياه.

مسألة 597: و لا يجزئ في الهدي إلاّ الجذع من الضأن و الثنيّ من غيره.

و الجذع من الضأن هو الذي له ستة أشهر، و ثنيّ المعز و البقر ما له سنة و دخل في الثانية، و ثنيّ الإبل ما له خمس و دخل في السادسة - و به قال مالك و الليث و الشافعي و أحمد و إسحاق و أبو ثور و أصحاب الرأي(2) - لما رواه العامّة عن أم بلال بنت هلال عن أبيها أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال:

(يجوز الجذع من الضأن أضحية)(3).

و عن أبي بردة بن نيار(4) ، قال: يا رسول اللّه إنّ عندي عناقا جذعا هي خير من شاتي لحم ؟ فقال: (تجزئك و لا تجزئ عن أحد بعدك)(5).

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السّلام - في الصحيح -: «يجزئ من الضأن الجذع، و لا يجزئ من المعز إلاّ الثنيّ»(6).

و سأل حمّاد بن عثمان الصادق عليه السّلام - في الصحيح - عن أدنى ما

ص: 259


1- التهذيب 36:5-107، و فيه: «.. و أخفضه شاة».
2- المغني 595:3، الشرح الكبير 542:3، بداية المجتهد 433:1، المهذّب - للشيرازي - 245:1، المجموع 393:8، حلية العلماء 372:3.
3- سنن ابن ماجة 1049:2-3139، مسند أحمد 368:6.
4- في «ق، ك» و الطبعة الحجرية: أبي بردة بن يسار. و ما أثبتناه هو الصحيح و كما في المصادر.
5- المغني 595:3، سنن أبي داود 96:3-2800، سنن النسائي 223:7 بتفاوت في اللفظ فيهما.
6- التهذيب 206:5-689.

يجزئ من أسنان الغنم في الهدي، فقال: «الجذع من الضأن» قلت:

فالمعز؟ قال: «لا يجوز الجذع من المعز» قلت: و لم ؟ قال: «لأنّ الجذع من الضأن يلقح، و الجذع من المعز لا يلقح»(1).

مسألة 598: و يجب أن يكون تامّا،

فلا تجزئ العوراء، و لا العرجاء البيّن عرجها، و لا المريضة البيّن مرضها، و لا الكسيرة(2) التي لا تنقي(3) ، و قد وقع الاتّفاق بين العلماء على اعتبار هذه الصفات الأربع في المنع.

روى العامّة عن البراء بن عازب، قال: قام رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، فقال:

(أربع لا تجوز في الأضاحي: العوراء البيّن عورها، و المريضة البيّن مرضها، و العرجاء البيّن عرجها، و الكسيرة التي لا تنقي)(4) أي التي لا مخّ لها لهزالها.

و أمّا المريضة فقيل: هي الجرباء، لأنّ الجرب يفسد اللحم(5).

و الوجه: اعتبار كلّ مرض يؤثّر في هزالها و فساد لحمها، و معنى البيّن عورها: أي التي انخسفت عينها و ذهبت، فإنّ ذلك ينقصها، لأنّ شحمة العين عضو يستطاب أكله(6). و البيّن عرجها: لا تتمكّن من السير مع الغنم و لا تشاركها في العلف و الرعي فتهزل.

ص: 260


1- التهذيب 206:5-690.
2- في «ق، ك» و الطبعة الحجرية: الكبيرة، و كذا في نظيرها الآتي في رواية البراء ابن عازب. و ما أثبتناه من المصدر.
3- أي: التي لا مخّ لها لضعفها و هزالها، كما سيأتي، و النقي: المخّ. النهاية - لابن الأثير - 110:5 «نقا».
4- سنن أبي داود 97:3-2802.
5- القائل هو الخرقي من الحنابلة. انظر الشرح الكبير 548:3.
6- في الطبعة الحجريّة: أكلها.

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السّلام عن أبيه عن آبائه عليهم السّلام، قال: «قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: لا يضحّى بالعرجاء البيّن عرجها، و لا بالعوراء البيّن عورها، و لا بالعجفاء، و لا بالجرباء(1) ، و لا بالجذّاء، و هي المقطوعة الاذن، و لا بالعضباء، و هي المكسورة القرن»(2).

و لو كانت العوراء غير مخسوفة العين، احتمل المنع، لعموم الخبر، و كما وقع الاتّفاق على منع ما اتّصف بواحدة من الأربع فكذا ينبغي على ما فيه نقص أكثر، كالعمياء.

و لا يعتبر مع العمى انخساف العين إجماعا، لأنّه يخلّ بالمشي مع الغنم(3) و المشاركة في العلف أكثر من إخلال العور.

مسألة 599: العضباء - و هي مكسورة القرن - لا تجزئ

إلاّ إذا كان القرن الداخل صحيحا، فإنّه يجوز التضحية به - و به قال علي عليه السّلام، و عمّار و سعيد بن المسيّب و الحسن(4) - لما رواه العامّة عن علي عليه السّلام و عمّار(5) ، و لم يظهر لهما مخالف من الصحابة.

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السّلام في المقطوعة القرن أو المكسورة القرن: «إذا كان القرن الداخل صحيحا فلا بأس و إن كان القرن الظاهر الخارج مقطوعا»(6).

و لأنّ ذلك لا يؤثّر في اللحم، فأجزأت، كالجمّاء.

و قال باقي العامّة: لا تجزئ - و قال مالك: إن كان يدمي، لم يجز،

ص: 261


1- في المصدر: و لا بالخرماء.
2- التهذيب 213:5-716.
3- في «ق، ك»: النعم.
4- المغني 597:3، الشرح الكبير 548:3.
5- المغني 597:3، الشرح الكبير 548:3.
6- التهذيب 213:5-717.

و إلاّ جاز(1) - لما رووه عن علي عليه السّلام، قال: «نهى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أن يضحّى بأعضب الاذن و القرن»(2)(3).

و هو محمول على ما كسر داخله.

و أمّا العضباء - و هي التي ذهب نصف اذنها أو قرنها - فلا تجزئ، و به قال أبو يوسف و محمد و أحمد في إحدى الروايتين(4).

و كذا لا تجزئ عندنا ما قطع ثلث اذنها - و به قال أبو حنيفة و أحمد في الرواية الأخرى(5) - لأنّ ما قطع بعض اذنها يصدق عليها أنّها مقطوعة الأذن، فتدخل تحت النهي.

مسألة 600: لا بأس بمشقوقة الاذن أو مثقوبتها

إذا لم يكن قد قطع من الاذن شيء، لما رواه العامّة عن علي عليه السّلام، قال: «أمرنا أن نستشرف العين و الاذن [1] و لا نضحّي بمقابلة و لا مدابرة و لا خرقاء و لا شرقاء».

قال زهير: قلت لأبي إسحاق: ما المقابلة ؟ قال: يقطع طرف الاذن، قلت: فما المدابرة ؟ قال: يقطع من مؤخّر الاذن، قلت: فما الخرقاء؟ قال:

تشقّ الاذن، قلت: فما الشرقاء؟ قال: تشقّ اذنها للسمة(6).

ص: 262


1- المغني 597:3، الشرح الكبير 548:3.
2- سنن ابن ماجة 1051:2-3145، سنن الترمذي 90:4-1504، سنن أبي داود 98:3-2805، المستدرك - للحاكم - 224:4، مسند أحمد 83:1.
3- المغني 596:3 و 597، الشرح الكبير 548:3.
4- تحفة الفقهاء 85:3، المغني 596:3، الشرح الكبير 548:3.
5- النتف 240:1، تحفة الفقهاء 85:3، المغني 596:3، الشرح الكبير 3: 548.
6- المغني 597:3-598، الشرح الكبير 549:3، سنن أبي داود 97:3 - 98-2804، و في سنن النسائي 216:7 و 217 بدون الذيل.

و من طريق الخاصّة: قول علي عليه السّلام: «أمرنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في الأضاحي أن نستشرف العين و الاذن، و نهانا عن الخرقاء و الشرقاء و المقابلة و المدابرة»(1).

يقال: استشرفت الشيء: إذا رفعت بصرك تنظر إليه، و بسطت كفّك فويق حاجبك كأنّك تستظلّ من الشمس.

و سئل أحدهما عليهما السّلام عن الأضاحي إذا كانت الأذن مشقوقة أو مثقوبة بسمة، فقال: «ما لم يكن مقطوعا فلا بأس»(2).

مسألة 601: لا يجزئ الخصيّ عند علمائنا،

لما رواه العامّة عن أبي بردة أنّه قال: يا رسول اللّه عندي جذعة من المعز، فقال: (تجزئك و لا تجزئ أحدا بعدك)(3).

قال أبو عبيد: قال إبراهيم الحربي: إنّما يجزئ الجذع من الضأن في الأضاحي دون الجذع من المعز، لأنّ جذع الضأن يلقح، بخلاف جذع المعز(4) و هذا المقتضي موجود في الخصي.

و من طريق الخاصّة: رواية محمد بن مسلم - الصحيحة - عن أحدهما عليهما السّلام، قال: سألته عن الأضحية بالخصي، قال: «لا»(5).

و لأنّه ناقص، فلا يكون مجزئا.

و قال بعض العامّة: إنّه يجزئه(6).

ص: 263


1- الفقيه 293:2-1449، و التهذيب 212:5-715.
2- التهذيب 213:5-718.
3- سنن أبي داود 96:3-97-2800 و 2801، المغني 595:3 نقلا بالمعنى.
4- المغني 595:3، الشرح الكبير 543:3.
5- التهذيب 210:5-211-707.
6- المغني 597:3، الشرح الكبير 550:3، المبسوط - للسرخسي - 11:12، المجموع 401:8.

قال الشيخ: لو ضحّى بالخصيّ، وجب عليه الإعادة إذا قدر عليه(1) ، لأنّه غير المأمور به، فلا يخرج به عن العهدة.

و لأنّ عبد الرحمن بن الحجّاج سأل - في الصحيح - الكاظم عليه السّلام عن الرجل يشتري الهدي، فلمّا ذبحه إذا هو خصيّ مجبوب و لم يكن يعلم أنّ الخصيّ لا يجوز في الهدي هل يجزئه أم يعيد؟ قال: «لا يجزئه إلاّ أن يكون لا قوّة به عليه»(2).

و يكره الموجوء - و هو مرضوض الخصيتين - لما روي أنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله ضحّى بكبشين أملحين موجوءين، رواه العامّة(3).

و أمّا مسلول البيضتين: فالأقوى أنّه كالخصيّ.

و أمّا الجمّاء - و هي التي لم يخلق لها قرن - تجزئ.

قال بعض العامّة: لا تجزئ، لأنّ عدم القرن أكثر من ذهاب بعضه(4).

و نمنع الحكم في الأصل.

و الأقرب: إجزاء البتراء، و هي مقطوعة الذنب، و كذا الصمعاء، و هي التي لم يخلق لها اذن، أو كان لها اذن صغيرة، لأنّ فقد هذه الأعضاء لا يوجب نقصا في قيمة الشاة و لا في لحمها.

مسألة 602: المهزولة - و هي التي ليس على كليتها شيء من الشحم - لا تجزئ،

لأنّه قد منع من العرجاء لأجل الهزال فالمهزولة أولى بالمنع.

و لقول الصادق عليه السّلام: «و إن اشتراه و هو يعلم أنّه مهزول لم يجزئ

ص: 264


1- التهذيب 211:5، النهاية: 258، المبسوط - للطوسي - 373:1.
2- التهذيب 211:5-708.
3- المغني 597:3، سنن أبي داود 95:3-2795، سنن ابن ماجة 1043:2 - 1044-3122.
4- المغني 597:3، الشرح الكبير 550:3.

عنه»(1).

و روى الفضيل، قال: حججت بأهلي سنة، فعزّت الأضاحي، فانطلقت فاشتريت شاتين بالغلاء، فلمّا ألقيت إهابهما ندمت ندامة شديدة لما رأيت بهما من الهزال، فأتيته فأخبرته ذلك، فقال: «إن كان على كليتيها شيء من الشحم أجزأت»(2).

و يستحب أن تكون سمينة تنظر في سواد و تمشي في سواد و تبرك في سواد - قيل: أن تكون هذه المواضع منها سودا، و قيل: يكون سمينا له ظلّ يمشي فيه و يأكل فيه و ينظر فيه - لأنّ محمد بن مسلم روى - في الصحيح - عن أحدهما عليهما السّلام، قال: «إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كان يضحّي بكبش أقرن عظيم سمين فحل يأكل في سواد و ينظر في سواد»(3).

إذا عرفت هذا، فلو اشترى هديا على أنّه سمين فوجده مهزولا، أجزأ عنه، و كذا لو اشتراه على أنّه مهزول فخرج سمينا، أجزأه أيضا، للامتثال.

و لقول الصادق عليه السّلام: «و إن اشترى الرجل هديا و هو يرى أنّه سمين، أجزأ عنه و إن لم يجده سمينا، و إن اشترى و هو يرى أنّه مهزول فوجده سمينا، أجزأ عنه، و إن اشتراه و هو يعلم أنّه مهزول، لم يجزئ عنه»(4).

و لو اشترى هديا ثم أراد(5) أن يشتري أسمن منه، فليشتره و ليبع الأوّل إن أراد، لأنّه لم يتعيّن للذبح.د.

ص: 265


1- التهذيب 211:5-212-712.
2- التهذيب 212:5-714 بتفاوت يسير.
3- التهذيب 205:5-686.
4- التهذيب 211:5-212-712.
5- في الطبعة الحجرية: ثم عنّ له، بدل ثم أراد.

و لقول الصادق عليه السّلام - في الحسن - في رجل اشترى شاة ثم أراد أن يشتري أسمن منها، قال: «يشتريها، فإذا اشترى باع الاولى» و لا أدري شاة قال أو بقرة(1).

و لو اشترى هديا ثم وجد به عيبا، لم يجزئ عنه(2) ، قاله الشيخ في التهذيب(3) ، لأنّ علي بن جعفر سأل أخاه الكاظم عليه السّلام - في الصحيح - عن الرجل يشتري الأضحية عوراء فلا يعلم إلاّ بعد شرائها هل يجزئ عنه ؟ قال: «نعم إلاّ أن يكون هديا واجبا فإنّه لا يجوز ناقصا»(4).

إذا عرفت هذا، فلو اشتراه على أنّه تامّ فوجده ناقصا، لم يجزئ عنه.

مسألة 603: الإناث من الإبل و البقر أفضل من الذكران، و الذكران من الضأن و المعز أولى،
اشارة

و لا خلاف في جواز العكس في البابين، إلاّ ما روي عن ابن عمر أنّه قال: ما رأيت أحدا فاعلا ذلك، و إن أنحر أنثى أحبّ إليّ(5).

و لا تصريح فيه بالمنع، و الآية عامّة في قوله تعالى وَ الْبُدْنَ جَعَلْناها لَكُمْ مِنْ شَعائِرِ اللّهِ (6).

و روى العامّة أنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله أهدى جملا لأبي جهل في أنفه برة(7) من فضّة(8).

ص: 266


1- التهذيب 212:5-713.
2- في «ق، ك»: لم يجزئه.
3- التهذيب 213:5 ذيل الحديث 718.
4- التهذيب 213:5-214-719.
5- المغني 593:3، الشرح الكبير 541:3.
6- الحجّ: 36.
7- البرة: حلقة تجعل في لحم الأنف. النهاية - لابن الأثير - 122:1 «بره».
8- سنن أبي داود 145:2-1749، سنن البيهقي 230:5.

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السّلام - في الصحيح -: «أفضل البدن ذوات الأرحام من الإبل و البقر»(1).

و قد تجزئ الذكورة من البدن و الضحايا من الغنم الفحولة.

و يكره التضحية بالجاموس و بالثور، لقول لأبي بصير: سألته عن الأضاحي، فقال: «أفضل الأضاحي في الحجّ الإبل و البقر ذوو الأرحام، و لا يضحّى بثور و لا جمل»(2).

و يستحب أن يكون الهدي ممّا عرّف به - و هو الذي أحضر عرفة عشيّة عرفة - إجماعا، لقول الصادق عليه السّلام: «لا يضحّى إلاّ بما قد عرّف به»(3).

و منع ابن عمر و سعيد بن جبير من التضحية بما لم يعرّف به(4).

و الأصل عدم الوجوب، و سأل سعيد بن يسار الصادق عليه السّلام: عمّن اشترى شاة لم يعرّف بها، قال: «لا بأس عرّف بها أو لم يعرّف»(5).

و لو أخبر البائع بالتعريف، قبل منه، لأنّ سعيد بن يسار سأل الصادق عليه السّلام: إنّا نشتري الغنم بمنى و لسنا ندري هل عرّف بها أم لا؟ فقال: «إنّهم لا يكذبون، لا عليك ضحّ بها»(6).

تذنيب: قال مالك في هدي المجامع: إن لم يكن ساقه، فليشتره من مكّة ثم ليخرجه إلى الحلّ، و ليسقه إلى مكّة

تذنيب: قال مالك في هدي المجامع: إن لم يكن ساقه، فليشتره من مكّة ثم ليخرجه إلى الحلّ، و ليسقه إلى مكّة(7).

فاشترط فيه الجمع بين

ص: 267


1- التهذيب 204:5-680.
2- التهذيب 204:5-682.
3- التهذيب 206:5-207-691، الاستبصار 265:2-936.
4- انظر: الشرح الكبير 579:3.
5- التهذيب 207:5-693، الاستبصار 265:2-936.
6- التهذيب 207:5-694، الاستبصار 265:2-939.
7- الشرح الكبير 579:3.

الحلّ و الحرم، و لم يوافقه أحد.

لنا: الأصل براءة الذمّة، و لأنّ القصد اللحم و نفع المساكين به، و هو لا يقف على ما ذكره، و لا دليل على قوله.

البحث الرابع: في البدل.
مسألة 604: إذا لم يجد الهدي و لا ثمنه، انتقل إلى البدل عنه،

و هو صوم عشرة أيّام: ثلاثة أيّام في الحجّ متتابعات، و سبعة إذا رجع إلى أهله، بالنصّ و الإجماع.

قال اللّه تعالى فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيّامٍ فِي الْحَجِّ وَ سَبْعَةٍ إِذا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كامِلَةٌ (1).

و تعتبر القدرة على الهدي في مكانه، فمتى عدمه في موضعه، انتقل إلى الصوم و إن كان قادرا عليه في بلده، لأنّ وجوبه موقّت، و ما كان ذلك اعتبرت القدرة عليه في موضعه، كالماء في الطهارة إذا عدمه في موضعه، و لا نعلم فيه خلافا.

مسألة 605: و لو لم يجد الهدي و وجد ثمنه، فأكثر علمائنا

مسألة 605: و لو لم يجد الهدي و وجد ثمنه، فأكثر علمائنا(2) على أنّه يضع الثمن عند من يثق به

من أهل مكّة ليشتري له به هديا و يذبحه عنه في بقية ذي الحجّة، فإن خرج ذو الحجّة و لم يجد، اشترى له في ذي الحجّة في العام المقبل، لأنّ وجدان الثمن بمنزلة وجدان العين، كواجد ثمن الماء، مع أنّ النصّ ورد: فإن لم تجدوا ماء(3)

ص: 268


1- البقرة: 196.
2- منهم ابنا بابويه كما في الفقيه 304:2، و الشيخ المفيد في المقنعة: 61، و السيّد المرتضى في الانتصار: 93، و الشيخ الطوسي في النهاية: 254، و المبسوط 370:1.
3- الآية في سورتي النساء: 43 و المائدة: 6 فَلَمْ تَجِدُوا ماءً.

و كذا وجدان ثمن الرقبة في العتق، لأنّ التمكّن يحصل باعتبار الثمن هناك، و يصدق عليه أنّه واجد للثمن، فكذا هنا.

و لقول الصادق عليه السّلام في متمتّع يجد الثمن و لا يجد الغنم، قال:

«يخلّف الثمن عند بعض أهل مكّة و يأمر من يشتري له و يذبح عنه و هو يجزئ عنه، فإن مضى ذو الحجّة أخّر ذلك إلى قابل [من] ذي الحجّة»(1).

مسألة 606: لو فقد الهدي و الثمن، انتقل إلى الصوم،

و يستحب أن تكون الثلاثة في الحجّ يوما قبل التروية و يوم التروية و يوم عرفة، عند علمائنا - و به قال عطاء و طاوس و الشعبي و مجاهد و الحسن و النخعي و سعيد بن جبير و علقمة و عمرو بن دينار و أصحاب الرأي(2) - لأنّ هذه الأيّام أشرف من غيرها، و يوم عرفة أفضل من غيره من أيّام ذي الحجّة، فكان صومه أولى.

و لقول الصادق عليه السّلام في متمتّع لا يجد الهدي: «فليصم قبل التروية و يوم التروية و يوم عرفة»(3) و لرواية محمد بن مسلم - الصحيحة - عن الصادق عليه السّلام، قال: «صوم الثلاثة الأيّام إن صامها فآخرها يوم عرفة»(4).

و قال الشافعي: آخرها يوم التروية - و هو محكي عن ابن عمر

ص: 269


1- الكافي 508:4-6، التهذيب 37:5-109، الاستبصار 260:2-916، و ما بين المعقوفين من المصدر.
2- المغني 507:3، الشرح الكبير 341:3-342، تفسير القرطبي 399:2.
3- التهذيب 38:5-39-114.
4- التهذيب 234:5-791، الاستبصار 283:2-1003، و فيهما عن محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السّلام.

و عائشة، و مرويّ عن أحمد - لأنّ صوم يوم عرفة بعرفة غير مستحب(1).

و جوابه: أنّ ذلك لموضع الحاجة.

مسألة 607: لو فاته هذه الثلاثة، صامها بعد أيّام منى،

و لا يسقط عنه الصوم لفواته في العشر - و به قال علي عليه السّلام، و ابن عمر و عائشة و عروة بن الزبير و الحسن و عطاء و الزهري و مالك و الشافعي و أحمد و أصحاب الرأي(2) - لأنّه صوم واجب، فلا يسقط بفوات وقته، كرمضان.

و لرواية رفاعة، قال: سألت الصادق عليه السّلام: فإنّه قدم يوم التروية، قال: «يصوم ثلاثة أيّام بعد أيّام التشريق» قلت: لم يقم عليه جمّاله، قال:

«يصوم يوم الحصبة و بعده يومين» قال: قلت: و ما الحصبة ؟ قال: «يوم نفره» قلت: يصوم و هو مسافر!؟ قال: «نعم أ فليس هو يوم عرفة مسافرا؟ إنّا أهل البيت نقول ذلك، لقول اللّه عزّ و جلّ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيّامٍ فِي الْحَجِّ (3) يقول: في ذي الحجّة»(4).

و قال ابن عباس و سعيد بن جبير و طاوس و مجاهد: إذا فاته الصوم في العشر، لم يصمه بعده، و استقرّ الهدي في ذمّته، لقوله تعالى فِي الْحَجِّ (5).

و لأنّه بدل موقّت، فيسقط بخروج وقته، كالجمعة(6).

ص: 270


1- الحاوي الكبير 53:4، المجموع 186:7، المغني 507:3-508، الشرح الكبير 342:3، أحكام القرآن - للجصّاص - 293:1، تفسير القرطبي 399:2.
2- المغني 509:3، الشرح الكبير 343:3، المجموع 186:7 و 193، تفسير القرطبي 400:2، أحكام القرآن - للجصّاص - 295:1.
3- البقرة: 196.
4- الكافي 506:4-507-1، التهذيب 38:5-39-114.
5- البقرة: 196.
6- المغني 509:3، الشرح الكبير 343:3، أحكام القرآن - للجصّاص - 1: 295، تفسير القرطبي 401:2.

و الآية تدلّ على وجوبه في الحجّ، أي في أشهر الحجّ، و ذو الحجّة كلّه من أشهر الحجّ.

و قياسهم باطل، لأنّ الجمعة ليست بدلا، و سقطت، لأنّ الوقت جعل شرطا لها كالجماعة.

مسألة 608: و يجوز صوم الثلاثة قبل الإحرام بالحجّ،

و قد وردت رخصة في جواز صومها من أوّل العشر إذا تلبّس بالمتعة - و به قال الثوري و الأوزاعي(1) - لأنّ إحرام العمرة أحد إحرامي التمتّع، فجاز الصوم بعده و بعد الإحلال منه، كإحرام الحجّ.

و قد روى زرارة عن الصادق عليه السّلام أنّه قال: «من لم يجد الهدي و أحبّ أن يصوم الثلاثة الأيّام في أوّل العشر فلا بأس بذلك»(2).

و قال أبو حنيفة: يجوز صومها إذا أحرم بالعمرة. و هو رواية عن أحمد(3).

و عنه رواية أخرى: إذا أحلّ من العمرة(4).

و قال مالك و الشافعي: لا يجوز إلاّ بعد الإحرام بالحجّ - و به قال إسحاق و ابن المنذر، و هو مروي عن ابن عمر - لقوله تعالى ثَلاثَةِ أَيّامٍ فِي الْحَجِّ (5).

و لأنّه صوم واجب، فلا يجوز تقديمه على وقت وجوبه،

ص: 271


1- المغني 508:3، الشرح الكبير 342:3، تفسير القرطبي 399:2.
2- التهذيب 235:5-793، الإستبصار 283:2-1005.
3- المغني 508:3، الشرح الكبير 342:3، المجموع 193:7، أحكام القرآن - للجصّاص - 295:1، التفسير الكبير 169:5، تفسير القرطبي 399:2.
4- المغني 508:3، الشرح الكبير 342:3.
5- البقرة: 196.

كرمضان(1).

و الآية لا بدّ فيها من تقدير، فإنّ الحجّ أفعال لا يصام فيها، إنّما يصام في وقتها أو في أشهرها، لقوله تعالى اَلْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ (2).

و التقديم جائز إذا وجد السبب، كتقديم التكفير على الحنث عنده.

إذا عرفت هذا، فلا يجوز تقديم صومها على إحرام العمرة إجماعا، إلاّ ما روي عن أحمد أنّه يجوز تقديم صومها على إحرام العمرة(3).

و هو خطأ، لأنّه تقديم للواجب على وقته و سببه، و مع ذلك فهو خلاف الإجماع.

مسألة 609: و لا يجوز أن يصوم أيّام التشريق بمنى في بدل الهدي و غيره، عند علمائنا

- و به قال علي عليه السّلام، و الحسن و عطاء و ابن المنذر و أحمد في إحدى الروايتين، و الشافعي في الجديد(4) - لما رواه العامّة عن أبي هريرة أنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله نهى عن صيام ستّة أيّام: يوم الفطر و الأضحى و أيّام التشريق و اليوم الذي يشكّ فيه من رمضان(5).

و من طريق الخاصّة: ما رواه الصدوق عن النبي صلّى اللّه عليه و آله أنّه بعث بديل ابن ورقاء الخزاعي على جمل أورق، و أمره أن يتخلّل الفساطيط و ينادي

ص: 272


1- المغني 508:3، الشرح الكبير 342:3، المجموع 193:7، تفسير القرطبي 399:2، التفسير الكبير 169:5.
2- البقرة: 197.
3- المغني 508:3، الشرح الكبير 342:3.
4- المغني 510:3، الشرح الكبير 343:3، الوجيز 103:1، فتح العزيز 6: 410-411، المهذّب - للشيرازي - 196:1، المجموع 443:6 و 445، الحاوي الكبير 54:4، تفسير القرطبي 400:2.
5- سنن الدار قطني 157:2-6.

في الناس أيّام منى: «ألا لا تصوموا، إنّها أيّام أكل و شرب و بعال»(1).

و سأل معاوية بن عمّار الصادق عليه السّلام عن الصيام أيّام التشريق، فقال:

«أمّا بالأمصار فلا بأس به، و أمّا بمنى فلا»(2).

و قال الشافعي في القديم: يجوز صيامها. و هو رواية عن أحمد، و به قال ابن عمر و عائشة و مالك و إسحاق(3) ، لما رواه ابن عمر أنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله رخّص للمتمتّع إذا لم يجد الهدي أن يصوم أيّام التشريق(4).

و هو ضعيف السند.

مسألة 610: لو لم يصمها بعد أيّام التشريق، جاز صيامها طول ذي الحجّة أداء لا قضاء

- و به قال الشافعي و مالك(5) - لأنّه صوم واجب، فلا يسقط بفوات وقته كرمضان.

و لرواية زرارة - الصحيحة - عن الصادق عليه السّلام، قال: «من لم يجد ثمن الهدي فأحبّ أن يصوم الثلاثة الأيّام في العشر الأواخر فلا بأس بذلك»(6).

و قال أبو حنيفة: إذا فاته الصوم بخروج يوم عرفة، سقط الصوم و استقرّ الهدي في ذمّته، لقوله تعالى فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيّامٍ فِي الْحَجِّ (7)(8).

ص: 273


1- الفقيه 302:2-303-1504.
2- التهذيب 297:4-897، الإستبصار 132:2-429.
3- الحاوي الكبير 53:4، فتح العزيز 410:6، المهذّب - للشيرازي - 196:1، المجموع 443:6 و 445، المغني 510:3، الشرح الكبير 343:3.
4- سنن الدار قطني 186:2-29.
5- فتح العزيز 173:7-174، المجموع 193:7، تفسير القرطبي 400:2.
6- الفقيه 303:2-1508.
7- البقرة: 196.
8- أحكام القرآن - للجصّاص - 295:1، فتح العزيز 174:7.

و ليس حجّة، لدلالتها على الوجوب في أشهر الحجّ، لا على السقوط بعد انقضاء عرفة.

و لا يجوز صوم هذه الأيّام الثلاثة إلاّ في ذي الحجّة بعد التلبّس بالمتعة.

و لو خرج ذو الحجّة و أهلّ المحرّم، سقط فرض الصوم، و استقرّ الهدي في ذمّته - و به قال أبو حنيفة(1) - لأنّه صوم فات وقته، فيسقط إلى مبدله، كالجمعة.

و لما رواه منصور - في الحسن - عن الصادق عليه السّلام، قال: «من لم يصم في ذي الحجّة حتّى يهلّ هلال المحرّم فعليه دم شاة، و ليس له صوم، و يذبح بمنى»(2).

و قال الشافعي: لا يسقط الصوم، و لا تجب الشاة، لأنّه صوم يجب بفواته القضاء، فلم تجب به كفّارة، كصوم رمضان(3).

و نمنع وجوب القضاء.

و قال أحمد: يجوز الصوم، و لا يسقط بفوات وقته، لكن يجب عليه دم شاة(4).

مسألة 611: يجب صوم الثلاثة متتابعا إلاّ في صورة واحدة،

و هي أنّه إذا فاته قبل يوم التروية، فإنّه يصوم يوم التروية و عرفة و يفطر يوم العيد ثم

ص: 274


1- انظر أحكام القرآن - للجصّاص - 295:1، و فتح العزيز 174:7.
2- التهذيب 39:5-116، الاستبصار 278:2-989.
3- فتح العزيز 173:7-174، المجموع 193:7، المغني 510:3، الشرح الكبير 344:3.
4- المغني 510:3، الشرح الكبير 343:3-344، فتح العزيز 174:7، المجموع 193:7.

يصوم يوما آخر بعد انقضاء أيّام التشريق.

و لو صام غير هذه الأيّام، وجب فيها تتابع الثلاثة، و لا يجوز تخلّل الإفطار بين اليومين و الثالث إلاّ في الصورة التي ذكرناها.

و لم يوجب العامّة(1) التتابع.

و الاحتياط ينافيه، لأنّ الأمر ينبغي المسارعة إليه بقدر الإمكان، و هو إنّما يتحقّق بالتتابع.

و لقول الصادق عليه السّلام: «لا يصوم الثلاثة الأيّام متفرّقة»(2).

و قال عليه السّلام فيمن صام يوم التروية و يوم عرفة: «يجزئه أن يصوم يوما آخر»(3).

و أمّا السبعة: فلا خلاف في جواز تفريقها، لأنّ إسحاق بن عمّار سأل الكاظم عليه السّلام: عن صوم السبعة أفرّقها؟ قال: «نعم»(4).

مسألة 612: أوجب علماؤنا التفريق بين الثلاثة و السبعة،

لأنّهم أوجبوا صوم ثلاثة أيّام في الحجّ و سبعة في بلده - و به قال الشافعي في حرملة، و نقله المزني عنه(5) - لقوله تعالى فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيّامٍ فِي الْحَجِّ وَ سَبْعَةٍ إِذا رَجَعْتُمْ (6).

ص: 275


1- المغني 509:3، الشرح الكبير 344:3، فتح العزيز 190:7، المجموع 7: 198، بدائع الصنائع 76:2.
2- التهذيب 232:5-784، الاستبصار 280:2-994.
3- التهذيب 231:5-780، الاستبصار 279:2-991.
4- التهذيب 233:5-787، الاستبصار 281:2-998.
5- فتح العزيز 174:7-175، المهذّب - للشيرازي - 209:1، المجموع 7: 187، حلية العلماء 265:3، تحفة الفقهاء 412:1، مختصر المزني: 64.
6- البقرة: 196.

و ما رواه العامّة عن النبي صلّى اللّه عليه و آله في حديث طويل: (فمن لم يجد هديا فليصم ثلاثة أيّام في الحجّ و سبعة إذا رجع إلى أهله)(1).

و من طريق الخاصّة: رواية علي بن جعفر - في الصحيح - عن الكاظم عليه السّلام، قال: «و لا يجمع الثلاثة و السبعة جميعا»(2).

و القول الثاني للشافعي: يصوم إذا فرغ من أيّام الحجّ. و به قال أبو حنيفة و أحمد - و حكي عن الشافعي أنّه يصوم إذا خرج من مكّة سائرا في الطريق، و به قال مالك - لأنّ كلّ من لزمه صوم و جاز له أن يؤدّيه إذا رجع إلى وطنه جاز قبل ذلك، كقضاء رمضان(3).

و القياس لا يعارض الكتاب و الحديث.

مسألة 613: هذه السبعة تصام إذا رجع إلى أهله،

و إن أقام بمكّة، انتظر وصول الناس إلى بلده، أو مضيّ شهر ثم يصومها، لما رواه معاوية بن عمّار - في الصحيح - قال: «قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: من كان متمتّعا فلم يجد هديا فليصم ثلاثة أيّام في الحجّ و سبعة إذا رجع إلى أهله، فإن فاته ذلك و كان له مقام بمكّة و أراد أن يصوم السبعة ترك الصيام بقدر مسيره إلى أهله أو شهرا ثم صام»(4).

و قال مالك و أبو حنيفة: يصوم بعد مضيّ أيّام التشريق(5).

ص: 276


1- صحيح البخاري 205:2-206، صحيح مسلم 901:2-1227، سنن النسائي 151:5، سنن البيهقي 17:5 و 23.
2- التهذيب 315:4-957، الاستبصار 281:2-999.
3- فتح العزيز 176:7-177، المجموع 187:7، حلية العلماء 265:3، المغني 509:3، الشرح الكبير 342:3-343.
4- التهذيب 234:5-790، الإستبصار 282:2-283-1002.
5- المغني 509:3، الشرح الكبير 342:3، أحكام القرآن - لابن العربي - 1: 131، أحكام القرآن - للجصّاص - 298:1-299، تفسير القرطبي 401:2.

و قال عطاء و مجاهد: يصومها في الطريق. و هو قول إسحاق(1).

و قال ابن المنذر: يصومها إذا رجع إلى أهله(2). و للشافعي ثلاثة أقوال تقدّمت في المسألة السابقة.

إذا عرفت هذا، فإنّ التفريق بين صوم الثلاثة و السبعة واجب، لما تقدّم.

و لو لم يصم الثلاثة و أقام بمكة حتى مضى شهر، أو وصل أصحابه إلى بلده، لم يجب عليه التفريق، و هو أحد قولي الشافعي، و في الثاني:

يجب عليه التفريق.

و في كيفيّته أربعة أقوال: أحدها: يفصل بقدر المسافة و أربعة أيّام، و ثانيها: بأربعة أيّام، و ثالثها: قدر المسافة، و رابعها: يفصل بيوم(3).

مسألة 614: لو مات من وجب عليه الصوم و لم يصم، فإن لم يكن قد تمكّن من صيام شيء من العشرة، سقط الصوم،

و لا يجب على وليّه القضاء عنه، و لا الصدقة عنه - و هو قول أكثر العامّة و الشافعي في أحد القولين(4) - لأنّه غير واجد للهدي، فلا يجب عليه، و لا قادر على الصوم، فلا يجب أيضا عليه. نعم يستحب للوليّ القضاء عنه.

و لو تمكّن من صيام العشرة و أهمل، قال الشيخ رحمه اللّه: يقضي الوليّ عنه ثلاثة أيّام وجوبا، و لا يجب قضاء السبعة(5).

ص: 277


1- المغني 509:3، الشرح الكبير 342:3-343.
2- المغني 509:3، الشرح الكبير 343:3، أحكام القرآن - للجصّاص - 1: 298، تفسير القرطبي 401:2.
3- فتح العزيز 183:7-185، المجموع 188:7-189.
4- فتح العزيز 193:7، المجموع 192:7، المغني 512:3، الشرح الكبير 345:3.
5- المبسوط - للطوسي - 370:1.

و قال ابن إدريس: يجب قضاء السبعة أيضا(1). و هو المعتمد - و هو أحد قولي الشافعي(2) - لأنّه صوم واجب لم يفعله، فوجب على وليّه القضاء عنه، كرمضان.

و لرواية معاوية بن عمّار، قال: «من مات و لم يكن له هدي لمتعته فليصم عنه وليّه»(3).

و لو لم يتمكّن من صيام السبعة، لم يجب على الوليّ قضاؤها.

و في القول الثاني للشافعي: يتصدّق الوليّ عنه(4) ، و هو قول العامّة.

إذا عرفت هذا، فلو تمكّن الحاجّ من صوم السبعة بعد رجوعه إلى أهله، وجب عليه صيامها، و لا تجزئ الصدقة عنها، لأنّ الصدقة بدل، فلا تجزئ مع التمكّن من فعل المبدل عنه، كالتيمّم.

مسألة 615: لو تلبّس بالصوم ثم أيسر أو وجد الهدي، لم يجب عليه الهدي،

بل استحبّ له - و به قال الحسن و قتادة و مالك و الشافعي و أحمد في إحدى الروايتين(5) - لقوله تعالى فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيّامٍ (6) مقتضاه وجوب الصوم على غير الواجد، و هذا غير واجد، و الانتقال إلى الهدي يحتاج إلى دليل.

ص: 278


1- السرائر: 139.
2- فتح العزيز 193:7-194، المجموع 192:7.
3- الكافي 509:4-12، التهذيب 40:5-117، الاستبصار 261:2-921.
4- فتح العزيز 193:7-194، المجموع 192:7.
5- المغني 511:3، الشرح الكبير 345:3، بداية المجتهد 369:1، تفسير القرطبي 401:2، الحاوي الكبير 55:4، حلية العلماء 265:3، الوجيز 1: 116، فتح العزيز 191:7، المهذّب - للشيرازي - 209:1، المجموع 7: 190، أحكام القرآن - للجصّاص - 297:1، المحلّى 145:7.
6- البقرة: 196.

و ظاهر كلام الشيخ: اشتراط صيام ثلاثة أيّام(1) ، و به قال حمّاد و الثوري(2).

و قال أبو حنيفة: يجب عليه الانتقال إلى الهدي، و كذا إذا وجد الهدي بعد أن صام ثلاثة أيّام قبل يوم النحر [و](3) إن وجده بعد أن مضت أيّام النحر، أجزأه الصوم و إن لم يتحلّل، لأنّه قد مضى زمان التحلّل، لأنّه وجد المبدل قبل فراغه من البدل، فأشبه المتيمّم إذا وجد الماء في أثناء تيمّمه، و إذا وجد الهدي قبل يوم النحر فقد وجد المبدل قبل حصول المقصود بالبدل، و هو التحلّل(4).

و الفرق: أنّ المقصود من التيمّم الصلاة، و ليس مقصودا في نفسه، و الصوم عبادة مقصودة يجب ابتداء بالشرع لا كغيرها.

مسألة 616: لو أحرم بالحجّ و لم يصم ثم وجد الهدي، تعيّن عليه الذبح،

و لا يجزئه الصوم - و به قال أحمد في إحدى الروايتين، و الشافعي في بعض أقواله(5) - لأنّه قدر على المبدل قبل شروعه في البدل، فلزمه الانتقال إليه، كالمتيمّم إذا وجد الماء، و لحصول يقين البراءة مع الذبح، بخلاف الصوم.

و قال الشافعي في بعض أقواله: فرضه الصوم، و إن أهدى كان

ص: 279


1- النهاية: 256، المبسوط - للطوسي - 371:1.
2- المغني 511:3، الشرح الكبير 345:3، تفسير القرطبي 401:2.
3- أضفناها لأجل السياق.
4- أحكام القرآن - للجصّاص - 297:1، حلية العلماء 265:3، المحلّى 145:7، فتح العزيز 191:7، تفسير القرطبي 401:2، بداية المجتهد 369:1.
5- المغني 512:3، الشرح الكبير 345:3، فتح العزيز 191:7-192، المجموع 190:7، المحلّى 145:7.

أفضل(1).

و له قول ثالث: إنّ عليه الهدي لا غير، و لا يجزئه الصيام، و هو الرواية الثانية لأحمد(2).

و الشافعي بنى أقواله على أقواله في الكفّارات هل الاعتبار بحال الوجوب أو الأداء؟ فإن قلنا بحال الوجوب، أجزأه الصيام، و إن قلنا بحال الأداء أو بأغلظ الحالين، لزمه الهدي(3).

مسألة 617: لو تعيّن عليه الصوم و خاف الضعف عن المناسك يوم عرفة، أخّر الصوم إلى بعد انقضاء أيّام التشريق،

و لو خرج عقيب أيّام التشريق و لم يصم الثلاثة، صامها في الطريق أو إذا رجع إلى أهله، للرواية(4) الصحيحة عن الصادق عليه السّلام. و الأفضل المبادرة إلى صومها في الطريق، إذ ليس السفر مانعا.

هذا إذا لم يهلّ المحرّم، فإذا أهلّ قبل صومها، تعيّن عليه الهدي.

قال الشيخ: و لو لم يصم الثلاثة لا بمكّة و لا في الطريق و رجع إلى بلده و كان متمكّنا من الهدي، بعث به، فإنّه أفضل من الصوم.

قال: و الصوم بعد أيّام التشريق يكون أداء لا قضاء، فلو أحرم بالحجّ و لم يكن صام ثم وجد الهدي، لم يجز له الصوم، و تعيّن عليه الهدي، فلو مات، اشتري الهدي من صلب ماله، لأنّه دين(5).

ص: 280


1- المهذّب - للشيرازي - 209:1، فتح العزيز 191:7-192.
2- المهذّب - للشيرازي - 209:1، المغني 512:3، الشرح الكبير 345:3.
3- المهذّب - للشيرازي - 209:1، المجموع 190:7، فتح العزيز 191:7 - 192.
4- الكافي 507:4-508-3، التهذيب 39:5-115.
5- المبسوط - للطوسي - 371:1.

و لو مات من وجب عليه الهدي، أخرج من صلب التركة، لأنّه دين.

مسألة 618: من وجب عليه بدنة في كفّارة أو نذر و لم يجد، كان عليه سبع شياه على الترتيب عندنا

- و هو إحدى الروايتين عن أحمد(1) - لما رواه العامّة عن النبي صلّى اللّه عليه و آله أنّه أتاه رجل فقال: إنّ عليّ بدنة و أنا موسر لها و لا أجدها فأشتريها؟ فأمره النبي صلّى اللّه عليه و آله أن يبتاع سبع شياه فيذبحهنّ(2)(3).

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السّلام: في الرجل يكون عليه بدنة واجبة في فداء، قال: «إذا لم يجد بدنة فسبع شياه، فإن لم يقدر صام ثمانية عشر يوما بمكّة أو في منزله»(4) و الترتيب على عدم الوجدان يدلّ على الترتيب.

و قال أحمد في الرواية الأخرى: إنّها على التخيير، لأنّ الشاة معدولة بسبع بدنة و هي أطيب لحما، فكانت أولى(5).

و نمنع المعادلة.

إذا عرفت هذا، فلو لم يتمكّن من سبع شياه، صام ثمانية عشر يوما، للرواية(6) عن الصادق عليه السّلام. و لو وجب عليه سبع شياه، لم تجزئه بدنة.

و فرّق أحمد بين وجوب السبع من(7) جزاء الصيد و بين وجوبها في كفّارة محظور، فذهب إلى الجواز في الثاني، لأنّ الواجب ما استيسر من

ص: 281


1- المغني 593:3.
2- في «ق، ك» و الطبعة الحجرية: فذبحهنّ. و ما أثبتناه من المصدر.
3- سنن ابن ماجة 1048:2-3136، مسند أحمد 311:1.
4- التهذيب 237:5-800 و 481-1711.
5- المغني 593:3-594.
6- المصدر في الهامش (4).
7- كذا، و الظاهر: في، بدل من.

الهدي، و هو شاة أو سبع بدنة، و قد كان أصحاب النبي صلّى اللّه عليه و آله يشترك السبعة منهم في البقرة أو البدنة(1). و ذهب إلى المنع في الأوّل، لأنّ سبعا من الغنم أطيب لحما من البدنة، فلا يعدل إلى الأدنى(2).

و لو وجب عليه بقرة، فالأقرب إجزاء بدنة، لأنّها أكثر لحما و أوفر.

و لو لزمه بدنة في غير النذر و جزاء الصيد، قال أحمد: تجزئه بقرة، لأنّ جابرا قال: كنّا ننحر البدنة عن سبعة، فقيل له: و البقرة ؟ فقال: و هل هي إلاّ من البدن ؟(3)(4).

و الحقّ خلافه.

أمّا النذر: فإن عيّن شيئا، انصرف إليه، و إن أطلق في النيّة و اللفظ، أجزأه أيّهما كان، و هو إحدى الروايتين عن أحمد، و في الثانية: تتعيّن البدنة، و هو قول الشافعي(5).

البحث الخامس: في الأحكام.
مسألة 619: قال الشيخ:

مسألة 619: قال الشيخ:(6) الهدي إن كان واجبا، لم يجزئ الواحد إلاّ عن واحد

حالة الاختيار(7). و كذا مع الضرورة على الأقوى، و به قال مالك(8).

ص: 282


1- صحيح مسلم 955:2-351 و 956-355.
2- المغني 594:3.
3- صحيح مسلم 955:2-353 نحوه.
4- المغني 594:3.
5- المغني 594:3.
6- زيادة يقتضيها السياق و كما في منتهى المطلب - للمصنّف - 748:2.
7- الخلاف، كتاب الضحايا، المسألة 27.
8- المدوّنة الكبرى 469:1، المجموع 398:8، المغني 594:3، الحاوي الكبير 374:4.

و يتعيّن الصوم على الفاقد منهم، للاحتياط، و لقول الصادق عليه السّلام - في الصحيح -: «تجزئ البقرة و البدنة في الأمصار عن سبعة، و لا تجزئ بمنى إلاّ عن واحد»(1).

و للشيخ - رحمه اللّه - قول آخر: إنّه تجزئ مع الضرورة عن سبعة و عن سبعين(2) ، لما رواه العامّة عن جابر، قال: كنّا نتمتّع مع النبي صلّى اللّه عليه و آله، فنذبح البقرة عن سبعة نشترك فيها(3).

و من طريق الخاصّة: ما رواه حمران - في الحسن - قال: عزّت البدن سنة بمنى حتى بلغت البدنة مائة دينار، فسئل الباقر عليه السّلام عن ذلك، فقال:

«اشتركوا فيها» قال: قلت: كم ؟ قال: «ما خفّ فهو أفضل» فقال: قلت:

عن كم تجزئ ؟ فقال: «عن سبعين»(4).

و يحتمل أن يقال: إن ملك واحد الثمن، وجب عليه أن يهدي عن نفسه و يأمر العاجز عن الثمن و بعضه بالصوم. و لو تمكّن كلّ واحد منهم على بعض الثمن بحيث يحصل الهدي، جاز الاشتراك، لأنّه أنفع للفقراء من الصوم.

و قال سوادة القطان للصادق عليه السّلام: إنّ الأضاحي قد عزّت علينا، قال:

«فاجتمعوا فاشتروا جزورا فانحروها فيما بينكم» قلنا: فلا تبلغ نفقتنا ذلك، قال: «فاجتمعوا فاشتروا بقرة فيما بينكم» قلنا: فلا تبلغ نفقتنا ذلك، قال:

«فاجتمعوا فاشتروا شاة فاذبحوها فيما بينكم» قلنا: تجزئ عن سبعة ؟ قال:8.

ص: 283


1- التهذيب 207:5-208-695، الإستبصار 266:2-940.
2- النهاية: 258، المبسوط - للطوسي - 372:1، الجمل و العقود (ضمن الرسائل العشر): 235.
3- صحيح مسلم 956:2-355، سنن البيهقي 234:5.
4- الكافي 496:4-497-4، التهذيب 209:5-703، الاستبصار 267:2-948.

«نعم و عن سبعين»(1).

و قال الشافعي: يجوز للسبعة أن يشتركوا في بدنة أو بقرة، سواء كان واجبا أو تطوّعا، و سواء أراد جميعهم القربة، أو بعضهم و أراد الباقون اللحم(2).

و قال أبو حنيفة: يجوز اشتراك السبعة في البدنة و البقرة إذا كانوا متقرّبين كلّهم، تطوّعا كان أو فرضا، و لا يجوز إذا لم يرد بعضهم القربة(3).

و الشيخ - رحمه اللّه - اشترط في الخلاف اجتماعهم على قصد التقرّب، سواء كانوا متطوّعين أو مفترضين أو بالتفريق، و سواء اتّفقت مناسكهم بأن كانوا متمتّعين أو قارنين أو افترقوا(4).

إذا عرفت هذا، فقد شرط علماؤنا في المشتركين أن يكونوا أهل خوان واحد، لقول الصادق عليه السّلام: «تجزئ البقرة عن خمسة بمنى إذا كانوا أهل خوان واحد»(5).

و أمّا التطوّع: فيجزئ الواحد عن سبعة و عن سبعين حال الاختيار، سواء كان من الإبل أو البقر أو الغنم إجماعا.

مسألة 620: الهدي إمّا تطوّع،

كالحاجّ أو المعتمر إذا ساق معه هديا

ص: 284


1- التهذيب 209:5-702، الإستبصار 267:2-947.
2- الأمّ 222:2، مختصر المزني: 74، الحاوي الكبير 374:4-375، فتح العزيز 65:8-66، المهذّب - للشيرازي - 247:1، المجموع 398:8، حلية العلماء 379:3.
3- المبسوط - للسرخسي - 131:4-132 و 144، المغني 594:3-595، الشرح الكبير 545:3، الحاوي الكبير 374:4، فتح العزيز 66:8، المجموع 398:8، حلية العلماء 379:3.
4- الخلاف 441:2-442، المسألة 341.
5- التهذيب 208:5-697، الإستبصار 266:2-942.

بنيّة أنّه ينحره بمنى أو بمكّة من غير أن يشعره أو يقلّده، فهذا لم يخرج عن ملك صاحبه، بل له التصرّف فيه كيف شاء من بيع أو غيره. و لو تلف، لم يكن عليه شيء.

و إمّا واجب، و هو قسمان: أحدهما: واجب بنذر أو عهد أو يمين، و الثاني واجب، و هو قسمان: أحدهما: واجب بنذر أو عهد أو يمين، و الثاني واجب بغيرها، كهدي التمتّع و ما وجب بترك واجب أو فعل محظور.

و الواجب بالنذر و شبهه قسمان:

أحدهما: أن يطلق النذر، فيقول: للّه عليّ أن أهدى بدنة، مثلا، و يكون حكمه حكم ما وجب بغير النذر.

و الثاني: أن يعيّنه، مثل: للّه عليّ أن أهدى هذه البدنة، فيزول ملكه عنها، و ينقطع تصرّفه عنها، و هي أمانة للمساكين في يده، و عليه أن يسوقها إلى المنحر.

و يتعلّق الوجوب بعين المنذور دون ذمّة الناذر، بل يجب عليه حفظه و إيصاله إلى المحلّ، فإن تلف بغير تفريط أو سرق، أو ضلّ كذلك، فلا ضمان.

و أمّا الواجب المطلق - كهدي التمتّع و جزاء الصيد و النذر غير المعيّن - فإمّا أن يسوقه و ينوي به الواجب من غير أن يعيّنه بالقول، فهذا لا يزول ملكه عنه إلاّ بذبحه و دفعه إلى أهله، و له التصرّف فيه بما شاء من أنواع التصرّف، كالبيع و الهبة و الأكل و غير ذلك، لعدم تعلّق حقّ الغير به.

فإن عطب، تلف من ماله، و إن عاب، لم يجزئه ذبحه، و عليه الهدي الذي كان واجبا عليه، لشغل ذمّته، فلا تبرأ إلاّ بإيصاله إلى مستحقّه،

ص: 285

كالمديون إذا حمل الدّين إلى صاحبه فتلف قبل وصوله إليه.

و إمّا أن يعيّن الواجب عليه بالقول، فيقول: هذا الواجب عليّ، فإنّه يتعيّن الوجوب فيه من غير أن تبرأ الذمّة منه، و يكون مضمونا عليه، فإن عطب أو سرق أو ضلّ، عاد الواجب إلى ذمّته، كالمديون إذا باع صاحب الدّين سلعة به فتلفت قبل التسليم، فإنّ الدّين يعود إلى ذمّته.

و إذا ثبت أنّه يتعيّن بالقول فإنّه يزول ملكه عنه و ينقطع تصرّفه، و عليه أن يسوقه إلى المنحر، و لا يجوز له بيعه و لا إخراج بدله، فإن وصل نحره، و إلاّ سقط التعيين، و وجب(1) عليه إخراج الذي في ذمّته، و لا نعلم خلافا في ذلك كلّه، إلاّ من أبي حنيفة: فإنّه قال: يجوز له إخراج بدله(2) ، لأنّ القصد نفع المساكين.

و يبطل بأنّه يرجع إلى أصله بالإبطال.

و سأل محمد بن مسلم - في الصحيح - أحدهما عليهما السّلام: عن الهدي الذي يقلّد أو يشعر ثم يعطب، قال: «إن كان تطوّعا فليس عليه غيره، و إن كان جزاء أو نذرا فعليه بدله»(3).

مسألة 621: لو ذبح الواجب غير المعيّن فسرق أو غصب بعد الذبح، فالأقرب: الإجزاء

- و به قال أحمد و الثوري و بعض أصحاب مالك، و أصحاب الرأي(4) - لأنّه أدّى الواجب عليه، فبرئ منه، كما لو فرّقه، لأنّ

ص: 286


1- في الطبعة الحجرية: و يجب.
2- المغني 580:3، المجموع 367:8-368.
3- التهذيب 215:5-724، الإستبصار 269:2-955.
4- المغني و الشرح الكبير 575:3.

الواجب هو الذبح، و التفرقة ليست واجبة، لأنّه لو خلّي بينه و بين الفقراء أجزأه و إن لم يفرّقه عليهم، و لهذا قال النبي صلّى اللّه عليه و آله لمّا نحر: (من شاء فليقتطع)(1).

و قال الشافعي: عليه الإعادة، لأنّه لم يوصل الحقّ إلى مستحقّه، فأشبه ما لو لم يذبحه(2).

و الفرق ظاهر، فإنّه مع الذبح و التخلية يحصل فعل الواجب، بخلاف المقيس عليه.

و لو عيّن بالقول الواجب غير المعيّن، تعيّن، فإن عطب أو عاب، لم يجزئه، لأنّ الواجب في الذمّة هدي سليم و لم يوجد، فيرجع الهدي إلى ملكه يصنع به ما شاء من بيع و هبة و أكل و غيرها - و به قال الشافعي و أحمد و إسحاق و أبو ثور و أصحاب الرأي(3) - لما رواه العامّة عن ابن عباس، قال:

و إذا أهديت هديا واجبا فعطب فانحره بمكانه إن شئت، و اهده إن شئت، و بعه إن شئت و تقوّ به في هدي آخر(4).

و من طريق الخاصّة: رواية الحلبي - الحسنة - قال: سألته عن الهدي الواجب إذا أصابه كسر أو عطب أ يبيعه صاحبه و يستعين بثمنه في هدي3.

ص: 287


1- المستدرك - للحاكم - 221:4، مسند أحمد 350:4، سنن البيهقي 241:5، شرح معاني الآثار 50:3، مشكل الآثار 132:2، المغني 575:3-576، الشرح الكبير 575:3 و فيها: (اقتطع) بدل (فليقتطع).
2- المجموع 501:7، المغني و الشرح الكبير 575:3.
3- المجموع 377:8-378، حلية العلماء 368:3، المغني 576:3، الشرح الكبير 575:3-576، الهداية - للمرغيناني - 188:1، الاختيار لتعليل المختار 232:1، المبسوط - للسرخسي - 145:4.
4- المغني 576:3.

آخر؟ قال: «يبيعه و يتصدّق بثمنه و يهدي هديا آخر»(1).

و قال مالك: يأكل و يطعم من أحبّ من الأغنياء و الفقراء، و لا يبيع منه شيئا(2).

و الأولى ذبحه و ذبح ما وجب في ذمّته معا، فإن باعه، تصدّق بثمنه، لرواية محمد بن مسلم - الصحيحة - عن أحدهما عليهما السّلام، قال:

سألته عن الهدي الواجب إذا أصابه كسر أو عطب أ يبيعه صاحبه و يستعين بثمنه في هديه ؟ قال: «لا يبيعه، و إن باعه تصدّق بثمنه و ليهد آخر»(3).

و أوجب أحمد في رواية ذبحه(4).

و الأقرب: حمل الرواية على الاستحباب.

و لو عيّن معيبا عمّا في ذمّته عيبا لا يجزئه، لم يجزئه، لأنّ الواجب السليم، فلا يخرج عن العهدة بدونه، و لا يلزمه ذبحه، بخلاف ما لو عيّن السليم.

إذا عرفت هذا، فإنّ تعيين الهدي يحصل بقوله: هذا هدي، أو بإشعاره و تقليده مع نيّة الهدي، و به قال الثوري و إسحاق(5). و لا يحصل بالشراء مع النيّة و لا بالنيّة المجرّدة في قول أكثر العلماء(6).

و قال أبو حنيفة: يجب الهدي و يتعيّن بالشراء مع النيّة(7).3.

ص: 288


1- التهذيب 217:5-730.
2- المغني و الشرح الكبير 576:3.
3- التهذيب 217:5-731 بتفاوت يسير.
4- المغني و الشرح الكبير 576:3.
5- المغني 577:3، الشرح الكبير 560:3.
6- المغني 577:3، الشرح الكبير 560:3.
7- المغني 577:3.

و ليس بجيّد، لأصالة عدم التعيين.

مسألة 622: لو سرق الهدي من حرز، أجزأ عن صاحبه،

و إن أقام بدله فهو أفضل، لأنّ معاوية بن عمّار سأل - في الصحيح - الصادق عليه السّلام: عن رجل اشترى أضحية فماتت أو سرقت قبل أن يذبحها، قال: «لا بأس و إن أبدلها فهو أفضل، و إن لم يشتر فليس عليه شيء»(1).

و لو عطب الهدي في مكان لا يجد من يتصدّق عليه فيه، فلينحره، و ليكتب كتابا و يضعه عليه ليعلم المارّ به أنّه صدقة، لأنّ عمر بن حفص الكلبي سأل الصادق عليه السّلام: عن رجل ساق الهدي فعطب في موضع لا يقدر على من يتصدّق به عليه و لا من يعلمه أنّه هدي، قال: «ينحره و يكتب كتابا و يضعه عليه ليعلم من يمرّ به أنّه صدقة»(2).

و لأنّ تخليته بغير ذبح تضييع له.

و لو ضلّ الهدي فاشترى مكانه غيره ثم وجد الأوّل، تخيّر بين ذبح أيّهما شاء، فإن ذبح الأوّل، جاز له بيع الأخير، و إن ذبح الأخير، لزمه ذبح الأوّل أيضا إن كان قد أشعره، و إن لم يكن أشعره، جاز له بيعه - و به قال عمر و ابنه و ابن عباس و مالك و الشافعي و إسحاق(3) - لما رواه العامّة عن عائشة أنّها أهدت هديين فأضلّتهما، فبعث إليها ابن الزبير هديين، فنحرتهما، ثم عاد الضالاّن فنحرتهما، و قالت: هذه سنّة الهدي(4).

ص: 289


1- الكافي 493:4-494-2، التهذيب 217:5-218-733.
2- التهذيب 218:5-736.
3- المغني 576:3، الشرح الكبير 577:3، المجموع 378:8.
4- المغني 576:3، الشرح الكبير 577:3، و بتفاوت في اللفظ في سنن الدار قطني 242:2-29 و سنن البيهقي 244:5.

و من طريق الخاصّة: رواية أبي بصير أنّه سأل الصادق عليه السّلام: عن رجل اشترى كبشا فهلك منه، قال: «يشتري مكانه آخر» قلت: [فإن اشترى مكانه آخر](1) ثم وجد الأوّل ؟ قال: «إن كانا جميعا قائمين فليذبح الأوّل و ليبع الأخير، و إن شاء ذبحه، و إن كان قد ذبح الأخير ذبح الأوّل معه»(2).

و قال أصحاب الرأي: يصنع بالأوّل ما شاء(3).

و أمّا نحر الأوّل مع الإشعار: فلرواية الحلبي - الصحيحة - عن الصادق عليه السّلام: في الرجل يشتري البدنة ثم تضلّ قبل أن يشعرها أو يقلّدها فلا يجدها حتى يأتي منى فينحر و يجد هديه، قال: «إن لم يكن أشعرها فهي من ماله إن شاء نحرها و إن شاء باعها و إن كان أشعرها نحرها»(4).

مسألة 623: لو غصب شاة فذبحها عن الواجب عليه، لم يجزئه،

سواء رضي المالك أو لم يرض، و سواء عوّضه عنها أو لم يعوّضه، لأنّه لم يكن ذبحه قربة، بل كان منهيّا عنه، فلا يكون خارجا عن العهدة به.

و قال أبو حنيفة: يجزئه مع رضى المالك(5).

و لو ضلّ الهدي فوجده غيره، فإن ذبحه عن نفسه، لم يجزئ عن واحد منهما، لعدم النيّة من صاحبه، و لا يجزئ عنه و لا عن الذابح، لأنّه منهيّ عنه.

ص: 290


1- ما بين المعقوفين من المصدر.
2- التهذيب 218:5-219-737، الإستبصار 271:2-961.
3- المغني 576:3، الشرح الكبير 577:3.
4- التهذيب 219:5-738، الإستبصار 271:2-272-962.
5- المغني و الشرح الكبير 577:3.

و إن ذبحه عن صاحبه، فإن ذبحه بمنى، أجزأ عنه، و بغيرها لا يجزئ، لرواية منصور بن حازم - الصحيحة - عن الصادق عليه السّلام: في رجل يضلّ هديه فيجده رجل آخر فينحره، قال: «إن كان نحره بمنى، فقد أجزأ عن صاحبه الذي ضلّ عنه، و إن كان نحره في غير منى، لم يجزئ عن صاحبه»(1).

و ينبغي لواجد الضالّ أن يعرّفه ثلاثة أيّام، فإن عرفه صاحبه، و إلاّ ذبحه عنه، لرواية محمد بن مسلم - الصحيحة - عن أحدهما عليهما السّلام، قال:

«إذا وجد الرجل هديا فليعرّفه يوم النحر و اليوم الثاني و الثالث ثم ليذبحها عن صاحبها عشيّة الثالث»(2).

و لو اشترى هديا و ذبحه فعرفه غيره و ذكر أنّه هديه ضلّ عنه، و أقام بيّنة بذلك، كان له لحمه، و لا يجزئ عن واحد منهما، أمّا عن صاحبه:

فلعدم النيّة منه و من الذابح، و أمّا عن المشتري: فلانتفاء ملكه، و لصاحبه الأرش، للرواية(3).

و إذا عيّن هديا صحيحا عمّا في ذمّته فهلك، أو عاب عيبا يمنع الإجزاء بغير تفريط، لم يلزمه أكثر ممّا كان واجبا في ذمّته، لأنّ الزائد لم يجب في الذمّة، و إنّما تعلّق بالعين، فسقط بتلفها.

و لو أتلفه أو فرّط فتلف، قال قوم: يجب مثل المعيّن، لأنّ الزائد تعلّق به حقّ اللّه تعالى، فإذا فوّته، لزمه ضمانه، كالهدي المعيّن ابتداء(4).7.

ص: 291


1- الكافي 495:4-8، التهذيب 219:5-739، الاستبصار 272:2-963.
2- التهذيب 217:5-731.
3- الكافي 495:4-9، التهذيب 220:5-740، الإستبصار 272:2-964.
4- المغني 577:3، الشرح الكبير 576:3-577.

و فيه نظر.

مسألة 624: إذا ولدت الهدية، وجب نحر ولدها أو ذبحه،

سواء عيّنه ابتداء أو عيّنه بدلا عن الواجب في ذمّته، لما رواه العامّة عن علي عليه السّلام أنّه أتاه رجل ببقرة قد أولدها، فقال: «لا تشرب من لبنها إلاّ ما فضل عن ولدها، فإذا كان يوم الأضحى ضحّيت بها و ولدها عن سبعة»(1).

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السّلام: «إن نتجت بدنتك فاحلبها ما لم يضرّ بولدها ثم انحرهما جميعا» قلت: أشرب من لبنها و أسقي، قال:

«نعم»(2).

و لو تلفت المعيّنة ابتداء أو بتعيينه، وجب إقامة بدلها، و وجب ذبح الولد، لأنّه تبعها في الوجوب حالة اتّصاله بها، و لم يتبعها في زواله، لأنّه منفصل عنها، فكان كولد المعيبة إذا ردّها المشتري بالعيب، لم يبطل البيع في الولد.

مسألة 625: يجوز ركوب الهدي بحيث لا يتضرّر به

- و به قال الشافعي و ابن المنذر و أصحاب الرأي و أحمد في إحدى الروايتين(3) - لما رواه العامّة أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال: (أركبها بالمعروف إذا ألجئت إليها حتى تجد ظهرا)(4).

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السّلام في قول اللّه عزّ و جلّ:

ص: 292


1- المغني 581:3 نقلا عن سعيد و الأثرم، و نحوه في سنن البيهقي 237:5.
2- التهذيب 220:5-741.
3- الام 216:2، الحاوي الكبير 376:4-377، المجموع 368:8، المغني 3: 581-582، الشرح الكبير 563:3.
4- صحيح مسلم 961:2-375، سنن أبي داود 147:2-1761، سنن النسائي 177:5، سنن البيهقي 236:5.

لَكُمْ فِيها مَنافِعُ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى (1) قال: «إن احتاج إلى ظهرها(2) ركبها من غير أن يعنف بها، و إن كان لها لبن حلبها حلابا لا ينهكها»(3).

و قال أحمد في الرواية الأخرى: لا يجوز، لتعلّق حقّ الفقراء بها(4).

و نمنع عموم التعلّق.

إذا عرفت هذا، فإنّه يجوز له شرب لبنها ما لم يضرّ بها و لا بولدها، لرواية العامّة عن علي عليه السّلام: «و لا تشرب [من] لبنها إلاّ ما فضل عن ولدها»(5).

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السّلام: «و إن كان لها لبن حلبها حلابا لا ينهكها»(6).

و لأنّ بقاء اللبن في الضرع مضرّ له.

و لو شرب ما يضرّ بالأم أو بالولد، ضمن.

و لو كان بقاء الصوف على ظهرها يضرّ بها، أزاله، و تصدّق به على الفقراء، و ليس له التصرّف فيه، بخلاف اللبن، لأنّ اللبن لم يكن موجودا وقت التعيين، فلا يدخل فيه، كالركوب و غيره من المنافع.

مسألة 626: هدي التمتّع من السنّة أن يأكل صاحبه منه

- و به قال ابن عمر و عطاء و الحسن و إسحاق و مالك و أحمد و أصحاب الرأي(7) - لقوله

ص: 293


1- الحجّ: 33.
2- في «ق، ك» و الطبعة الحجرية: ظهورها. و ما أثبتناه من المصدر.
3- الكافي 492:4-493-1، التهذيب 220:5-742.
4- المغني 582:3، الشرح الكبير 463:3.
5- المغني 581:3 نقلا عن سعيد و الأثرم، و نحوه في سنن البيهقي 237:5.
6- الكافي 492:4-493-1، التهذيب 220:5-742.
7- المغني و الشرح الكبير 583:3، بداية المجتهد 379:1، حلية العلماء 3: 365، بدائع الصنائع 226:2.

تعالى فَكُلُوا مِنْها وَ أَطْعِمُوا الْقانِعَ وَ الْمُعْتَرَّ (1).

و ما رواه العامّة عن مسلم أنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله أمر من كلّ بدنة ببضعة، فجعلت في قدر فأكل هو و علي عليه السّلام من لحمها و شربا من مرقها(2).

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السّلام: «إذا ذبحت أو نحرت فكل و أطعم كما قال اللّه تعالى فَكُلُوا مِنْها وَ أَطْعِمُوا الْقانِعَ وَ الْمُعْتَرَّ (3)»(4).

و قال الشافعي: لا يأكل منه، لأنّه هدي وجب بالإحرام، فلم يجز الأكل منه، كدم الكفّارة(5).

و هو قياس فلا يعارض القرآن، مع الفرق، فإنّ دم التمتّع دم نسك، بخلاف الكفّارة.

و ينبغي أن يقسّم أثلاثا: يأكل ثلثه، و يهدي ثلثه، و يتصدّق على الفقراء بثلثه، و لو أكل دون الثلث جاز.

و قد روى سيف التمّار - في الصحيح - عن الصادق عليه السّلام: «إنّ سعد ابن عبد الملك قدم حاجّا فلقي أبي، فقال: إنّي سقت [هديا](6) فكيف أصنع ؟ فقال له أبي: أطعم أهلك ثلثا، و أطعم القانع و المعترّ ثلثا، و أطعم المساكين ثلثا»(7) الحديث.

و اختلف علماؤنا في وجوب الأكل و استحبابه، و على الوجوب3.

ص: 294


1- الحجّ: 36.
2- المغني و الشرح الكبير 584:3، و صحيح مسلم 892:2-1218.
3- الحجّ: 36.
4- التهذيب 223:5-751.
5- الام 217:2، المجموع 417:8، المغني 583:3-584، الشرح الكبير 3: 583، بداية المجتهد 379:1، أحكام القرآن - لابن العربي - 1290:3.
6- أضفناها من المصدر.
7- التهذيب 223:5-753.

لا يضمن بتركه، بل بترك الصدقة، لأنّه المطلوب الأصلي من الهدي.

و لو أخلّ بالإهداء، فإن كان بسبب أكله، ضمن، و إن كان بسبب الصدقة، فلا.

مسألة 627: لا يجوز له الأكل من كلّ هدي واجب غير هدي التمتّع،

بإجماع علمائنا - و به قال الشافعي(1). لأنّ جزاء الصيد بدل، و النذر جعل للّه تعالى، و الكفّارة عقوبة، و كلّ هذه لا تناسب جواز التناول.

و للرواية: قال الصادق عليه السّلام: «كلّ هدي من نقصان الحجّ فلا تأكل [منه](2) و كلّ هدي من تمام الحجّ فكل»(3).

و عن أحمد رواية تناسب مذهبنا، لأنّه جوّز الأكل من دم المتعة و القران(4).

و دم القران عندنا غير واجب، فيجوز الأكل منه، و هو قول أصحاب الرأي(5).

و عن أحمد رواية ثالثة: أنّه لا يأكل من النذر و جزاء الصيد، و يأكل ممّا سواهما، و به قال ابن عمر و عطاء و الحسن البصري و إسحاق(6).

و قال ابن أبي موسى: لا يأكل أيضا من الكفّارة، و يأكل ممّا سوى هذه الثلاثة(7). و هو قول مالك(8).

ص: 295


1- الامّ 217:2، المجموع 417:8، بداية المجتهد 379:1، أحكام القرآن - لابن العربي - 1290:3.
2- أضفناها من المصدر.
3- التهذيب 224:5-225-758، الإستبصار 273:2-967.
4- المغني و الشرح الكبير 583:3.
5- بدائع الصنائع 226:2، أحكام القرآن - لابن العربي - 1290:3، المحلّى 7: 271، بداية المجتهد 379:1، المغني و الشرح الكبير 583:3.
6- المغني و الشرح الكبير 583:3، المحلّى 271:7.
7- المغني و الشرح الكبير 583:3.
8- بداية المجتهد 379:1، أحكام القرآن - لابن العربي - 1290:3، المحلّى 7: 271، المغني و الشرح الكبير 583:3.

و أمّا هدي التطوّع: فيستحب الأكل منه إجماعا، للآية(1).

و لأنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله أكل هو و علي عليه السّلام من هديهما(2).

و لقول الباقر عليه السّلام: «إذا أكل الرجل من الهدي تطوّعا فلا شيء عليه»(3).

و ينبغي أن يأكل ثلثه و يهدي ثلثه و يتصدّق بثلثه، كهدي التمتّع، و هو القديم للشافعي، و له آخر: أنّه يأكل النصف و يتصدّق بالنصف(4).

و الآية(5) تقتضي الأكل و إطعام صنفين، فاستحبّت التسوية.

و لو أكل الجميع في التطوّع، لم يضمن، و هو قول بعض الشافعيّة(6).

و قال باقيهم: يضمن. و اختلفوا، فقال بعضهم: يضمن القدر الذي لو تصدّق به أجزأه. و قال بعضهم: يضمن قدر النصف أو الثلث على الخلاف(7).

و لو لم يأكل من التطوّع، لم يكن به بأس إجماعا.

و لو أكل ما منع من الأكل منه، ضمنه بمثله لحما، لأنّ الجملة مضمونة بمثلها من الحيوانات فكذا أبعاضها.3.

ص: 296


1- الحجّ: 36.
2- صحيح مسلم 892:2-1218، سنن أبي داود 186:2-1905، سنن ابن ماجة 1027:2-3074، سنن الدارمي 49:2.
3- التهذيب 225:5-761، الإستبصار 273:2-970.
4- الحاوي الكبير 380:4، و انظر: حلية العلماء 376:3، و المهذّب - للشيرازي - 246:1، و المجموع 415:8، و المغني 109:11، و الشرح الكبير 587:3.
5- الحجّ: 36.
6- المهذّب - للشيرازي - 247:1، المجموع 416:8، حلية العلماء 376:3.
7- الحاوي الكبير 380:4، المهذّب - للشيرازي - 247:1، المجموع 416:8، حلية العلماء 376:3.

و لو أطعم غنيّا ممّا له الأكل منه، كان جائزا، لأنّه يسوغ له أكله، فيسوغ له إهداؤه.

و لو باع منه شيئا أو أتلفه، ضمنه بمثله، لأنّه ممنوع من ذلك، كما منع من عطيّة الجزّار.

و لو أتلف أجنبي منه شيئا، ضمنه بقيمته، لأنّ المتلف من غير ذوات الأمثال، فلزمته قيمته.

مسألة 628: الدماء الواجبة بنصّ القرآن أربعة:

دم التمتّع، قال اللّه تعالى فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ (1) و دم الحلق، و هو مخيّر، قال اللّه تعالى فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ (2) و هدي الجزاء على التخيير، قال اللّه تعالى وَ مَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ (3) و هدي الإحصار، قال اللّه تعالى فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ (4) و لا بدل له، للأصل.

مسألة 629: قد سلف أنّ ما يساق في إحرام الحجّ يذبح أو ينحر بمنى،

و ما يساق في إحرام العمرة ينحر أو يذبح بمكّة، و ما يلزم من فداء ينحر بمكّة إن كان معتمرا، و بمنى إن كان حاجّا.

و تجب تفرقته على مساكين الحرم، و هو من كان في الحرم من أهله أو من غيره من الحاجّ و غيرهم ممّن يجوز دفع الزكاة إليه. و كذا الصدقة

ص: 297


1- البقرة: 196.
2- البقرة: 196.
3- المائدة: 95.
4- البقرة: 196.

مصرفها مساكين الحرم. أمّا الصوم فلا يختصّ بمكان دون غيره إجماعا.

و لو دفع إلى من ظاهره الفقر فبان غنيّا، فالوجه: الإجزاء، و هو أحد قولي الشافعي(1).

و ما يجوز تفريقه في غير الحرم لا يجوز دفعه إلى فقراء أهل الذمّة - و به قال الشافعي و أحمد و أبو ثور(2) - لأنّه كافر فيمنع من الدفع إليه، كالحربي.

و قال أصحاب الرأي: يجوز(3).

و لو نذر هديا مطلقا أو معيّنا و أطلق مكانه، وجب صرفه في فقراء الحرم.

و جوّز أبو حنيفة ذبحه حيث شاء، كما لو نذر الصدقة بشاة(4).

و هو باطل، لقوله تعالى ثُمَّ مَحِلُّها إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ (5).

و لأنّ إطلاق النذر ينصرف إلى المعهود شرعا، و هو الحرم.

و لو عيّن موضعه غير الحرم ممّا ليس فيه صنم أو شيء من أنواع الكفر، كبيوت البيع و الكنائس، جاز، لما رواه العامّة أنّ رجلا جاء إلى النبي صلّى اللّه عليه و آله، فقال: إنّي نذرت أن أنحر ببوانة(6) ، قال: (أ بها صنم ؟) قال:

لا، قال: (أوف بنذرك)(7).

و من طريق الخاصّة: قول الكاظم عليه السّلام في رجل جعل للّه عليه بدنة6.

ص: 298


1- المغني 589:3.
2- المغني 589:3.
3- المغني 589:3.
4- بدائع الصنائع 225:2، المغني 590:3، الشرح الكبير 581:3.
5- الحجّ: 33.
6- بوانة: هضبة وراء ينبع، قريبة من ساحل البحر. معجم البلدان 505:1.
7- المغني 590:3، الشرح الكبير 582:3، و بتفاوت في اللفظ في سنن أبي داود 238:3-3313، و سنن ابن ماجة 688:1-2131، و مسند أحمد 366:6.

ينحرها بالكوفة في شكره، فقال: «عليه أن ينحرها حيث جعل اللّه عليه و إن لم يكن سمّى موضعا نحرها في فناء الكعبة»(1).

و لو كان إلى موضع منهيّ عنه، لم يجب عليه، لأنّه نذر في معصية.

و لو لم يتمكّن من إيصاله إلى المساكين بالحرم، لم يلزمه إيصاله إليهم. و لو تمكّن من إنفاذه، وجب.

مسألة 630: يستحب إشعار الإبل

بأن يشقّ صفحة سنامها من الجانب الأيمن و يلطخه بالدم ليعلم أنّه صدقة، ذهب إليه علماؤنا أجمع.

و قال عامّة أهل العلم بمشروعية إشعار الإبل و البقر(2) أيضا.

لما رواه العامّة عن عائشة، قالت: فتلت قلائد هدي النبي صلّى اللّه عليه و آله، ثم أشعرها و قلّدها(3).

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السّلام في كيفية إشعار البدن: «تشعر و هي باركة يشقّ سنامها الأيمن»(4).

و قال أبو حنيفة: لا يجوز الإشعار، لأنّه مثلة، و لاشتماله على إيلام الحيوان(5).

و لا حجّة فيه، لأنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله فعله لغرض صحيح، فأشبه الكي

ص: 299


1- التهذيب 239:5-806 بتفاوت في اللفظ.
2- المغني 591:3، الشرح الكبير 579:3، المهذّب - للشيرازي - 242:1 - 243، المجموع 358:8، فتح العزيز 93:8، بداية المجتهد 377:1، الحاوي الكبير 372:4.
3- المغني 591:3، الشرح الكبير 580:3، و صحيح البخاري 207:2.
4- الفقيه 209:2-955 بتفاوت يسير.
5- المغني 591:3، الشرح الكبير 579:3، حلية العلماء 364:3، الحاوي الكبير 372:4، فتح العزيز 93:8، المجموع 358:8، المنتقى - للباجي - 2: 312، الاستذكار 269:12-17586.

و الوسم و الفصد، و الغرض عدم اختلاطها بغيرها، و إباحة المساكين إذا ضلّت، و امتناع اللصوص منها.

و قال مالك: إن كانت البقرة ذات سنام، فلا بأس بإشعارها، و إلاّ فلا(1).

و يستحب تقليد الهدي بأن يجعل في رقبته نعل قد صلّى فيه، و هو مشترك بين الإبل و البقر و الغنم - و به قال أحمد(2) - لما رواه العامّة عن عائشة، قالت: كنت أفتل القلائد للنبي صلّى اللّه عليه و آله، فيقلّد الغنم، و يقيم في أهله حلالا(3).

و من طريق الخاصّة: قول الباقر عليه السّلام - في الصحيح -: «كان الناس يقلّدون الغنم و البقر، و إنّما تركه الناس حديثا»(4).

و قال أبو حنيفة و مالك: لا يسنّ تقليد الغنم، و إلاّ لنقل(5). و قد بيّنّا النقل.

إذا عرفت هذا، فإنّ الإشعار يكون في صفحة السنام من الجانب الأيمن، عند علمائنا - و به قال الشافعي و أحمد و أبو ثور(6) - لما رواه العامّة3.

ص: 300


1- المنتقى - للباجي - 313:2، المغني 591:3، الشرح الكبير 579:3.
2- المغني 591:3، الشرح الكبير 580:3، بداية المجتهد 377:1، الاستذكار 266:12-17563 و 17564.
3- المغني 591:3، و صحيح البخاري 208:2.
4- الفقيه 209:2-952.
5- المبسوط - للسرخسي - 137:4، المغني 591:3، الشرح الكبير 580:3، فتح العزيز 94:8-95، بداية المجتهد 377:1، المجموع 360:8، الاستذكار 265:12-17563.
6- الحاوي الكبير 373:4، فتح العزيز 93:8، المهذّب - للشيرازي - 242:1 - 243، المجموع 358:8 و 360، بداية المجتهد 377:1، الاستذكار 12: 269-17681، المغني 592:3، الشرح الكبير 580:3.

أنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله صلّى بذي الحليفة ثم دعا ببدنة فأشعرها من صفحة سنامها الأيمن، و سلت الدم عنها بيده(1).

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السّلام: «و يشقّ سنامها الأيمن»(2).

و لأنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله كان يحبّ التيامن في شأنه كلّه(3).

و قال مالك و أبو يوسف: تشعر في صفحتها اليسرى - و هو رواية عن أحمد - لأنّ ابن عمر فعله(4).

و فعل النبي صلّى اللّه عليه و آله أولى.

و لو كانت البدن كثيرة، دخل بينها و شقّ سنام إحداهما من الأيمن و الأخرى الأيسر.

مسألة 631: لا ينبغي أن يأخذ من جلود الهدايا شيئا،

بل يتصدّق بها، و لا يعطيها الجزّار، لقول الصادق عليه السّلام: «ذبح رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عن أمّهات المؤمنين بقرة بقرة، و نحر هو ستّا و ستّين بدنة، و نحر علي عليه السّلام أربعا و ثلاثين بدنة، و لم يعط الجزّارين من جلالها و لا قلائدها و لا جلودها و لكن تصدّق به»(5).

و في رواية صحيحة عن الصادق عليه السّلام، قال: «نهى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أن يعطى جلالها و جلودها و قلائدها الجزّارين، و أمر أن يتصدّق بها»(6).

ص: 301


1- صحيح مسلم 912:2-1243، سنن أبي داود 146:2-1752، سنن الدارمي 2: 66، سنن البيهقي 232:5، و مسند أحمد 254:1 و 280 و 339 و 347 بتفاوت يسير.
2- الفقيه 209:2-955 بتفاوت يسير.
3- صحيح مسلم 226:1-67 و فيه.. التيمّن..
4- بداية المجتهد 377:1، الاستذكار 269:12-17582، المغني 592:3، الشرح الكبير 580:3، فتح العزيز 93:8-94، المجموع 360:8، الحاوي الكبير 373:4.
5- التهذيب 227:5-770، الاستبصار 275:2-276-979.
6- التهذيب 228:5-771، الإستبصار 276:2-980.
مسألة 632: روى جميل بن دراج - في الحسن - عن الصادق عليه السّلام، قال: سألته عن الرجل يزور البيت قبل أن يحلق، قال: «لا ينبغي إلاّ أن يكون ناسيا»

ثم قال: «إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أتاه أناس يوم النحر، فقال بعضهم: يا رسول اللّه حلقت قبل أن أذبح، و قال بعضهم: حلقت قبل أن أرمي، فلم يتركوا شيئا كان ينبغي أن يؤخّر إلاّ قدّموه، فقال: لا حرج»(1).

إذا عرفت هذا، فلا يجوز أن يحلق و لا أن يزور البيت إلاّ بعد الذبح أو أن يبلغ الهدي محلّه و هو منى يوم النحر بأن يشتريه و يجعله في رحله بمنى، لأنّ وجوده في رحله في ذلك الموضع بمنزلة الذبح.

و قال الشيخ: من تمتّع عن امّه و أهلّ بحجّة عن أبيه فهو بالخيار في الذبح إن فعل فهو أفضل، و إن لم يفعل فليس عليه شيء(2) ، لقول الصادق عليه السّلام في رجل تمتّع عن امّه و أهلّ بحجّة عن أبيه، قال: «إن كان ذبح فهو خير له، و إن لم يذبح فليس عليه شيء، لأنّه إنّما تمتّع عن امّه و أهلّ بحجّة عن أبيه»(3).

مسألة 633: المتمتّع الواجد للهدي إذا مات قبل الفراغ من الحجّ، لم يسقط عنه الدم،

بل يخرج من تركته - و هو أصحّ قولي الشافعي(4) - لأنّه وجب بالإحرام بالحجّ و التمتّع بالعمرة إلى الحجّ، و أنّه موجود.

و الثاني: لا يجب، لأنّ الكفّارة إنّما تجب عند تمام النسكين على سبيل الرفاهية و ربح أحد النفرين، و إذا مات قبل الفراغ لم يحصل هذا الغرض(5).

و أمّا الصوم: فإن مات قبل التمكّن منه، سقط عنه، و قد سبق - و هو

ص: 302


1- الكافي 504:4-1، الفقيه 301:2-1496، التهذيب 236:5-797، الاستبصار 285:2-1009.
2- التهذيب 239:5 ذيل الحديث 806.
3- التهذيب 239:5-807.
4- الوجيز 116:1، فتح العزيز 192:7، المجموع 191:7.
5- الوجيز 116:1، فتح العزيز 192:7، المجموع 191:7.

أصحّ قولي الشافعي(1) - لأنّه صوم لم يتمكّن من الإتيان به، فأشبه رمضان.

و الثاني: يهدي عنه، لأنّ الصوم قد وجب بالشروع في الحجّ، فلا يسقط من غير بدل(2).

و أمّا إن تمكّن من الصوم و لم يصم حتى مات، وجب على وليّه القضاء - و هو القديم للشافعي(3) - لأنّه صوم مفروض فاته بعد القدرة عليه.

و في الجديد: يطعم عنه وليّه من تركته لكلّ مسكين مدّ، فإن تمكّن من جميع العشرة، فعشرة أمداد، و إلاّ فبالقسط.

و هل يجب صرفه إلى فقراء الحرم أم يجوز صرفه إلى غيرهم ؟ قولان.

و له قول آخر: إنّه يجب في فوات ثلاثة أيّام إلى العشرة شاة، و في يوم ثلث شاة، و في يومين ثلثا شاة(4).

البحث السادس: في الضحايا.
مسألة 634: الضحيّة مستحبّة،

قال اللّه تعالى فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَ انْحَرْ (5) قيل في التفسير: أنّه الأضحية بعد صلاة العيد(6).

و روى أنس عن النبي صلّى اللّه عليه و آله أنّه ضحّى بكبشين أقرنين أملحين(7).

ص: 303


1- فتح العزيز 193:7، المجموع 191:7.
2- فتح العزيز 193:7، المجموع 191:7.
3- فتح العزيز 194:7، المجموع 192:7.
4- فتح العزيز 194:7-195، المجموع 192:7.
5- الكوثر: 2 و 3.
6- كما في المغني 95:11، و انظر الحاوي الكبير 70:15.
7- سنن أبي داود 95:3-2794، و في صحيح مسلم 1556:3-17 و 1557-17 و 18، و سنن الترمذي 84:4-1494، و سنن النسائي 220:7، و سنن الدارمي 75:2 بتقديم و تأخير.

و الأقرن: ما له قرنان، و الأملح: ما فيه سواد و بياض و البياض أغلب.

و في رواية: أنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله أمر بكبش أقرن يطأ في سواد و ينظر في سواد و يبرك في سواد، فاتي به فضحّى به، فأضجعه و ذبحه، و قال: (بسم اللّه، اللّهم اقبل من محمد و آل محمد و من أمّة محمد)(1).

و من طريق الخاصّة: ما رواه ابن بابويه عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أنّه ضحّى بكبشين ذبح واحدا بيده، فقال: (اللّهم هذا عنّي و عن من لم يضحّ من أهل بيتي) و ذبح الآخر و قال: (اللّهم هذا عنّي و عن من لم يضحّ من أمّتي) و كان أمير المؤمنين عليه السّلام يضحّي عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كلّ سنة بكبش و يذبح كبشا آخر عن نفسه(2).

مسألة 635: الأضحية مستحبّة و سنّة مؤكّدة ليست واجبة

- و به قال أبو بكر و عمر و ابن مسعود البدري و ابن عباس و ابن عمر و بلال و سويد بن غفلة و سعيد بن جبير(3) و عطاء و علقمة و الأسود و أحمد و إسحاق و أبو ثور و الشافعي و المزني و ابن المنذر(4) - لقول النبي صلّى اللّه عليه و آله: (كتب عليّ النحر و لم يكتب عليكم)(5).

ص: 304


1- صحيح مسلم 1557:3-1967، سنن أبي داود 94:3-2792، سنن البيهقي 267:9، مسند أحمد 78:6، شرح معاني الآثار 176:4-177.
2- الفقيه 293:2-1448.
3- في المجموع و المغني و الشرح الكبير و الاستذكار: «سعيد بن المسيّب» بدل «سعيد بن جبير». و لم يرد كلّ منهما في بقية المصادر في الهامش التالي.
4- المغني 95:11، الشرح الكبير 585:3، المهذّب - للشيرازي - 244:1، المجموع 383:8 و 385، بداية المجتهد 429:1، المبسوط - للسرخسي - 8:12، الوجيز 211:2، حلية العلماء 369:3، الحاوي الكبير 71:15، الاستذكار 156:15-157-21379-21381 و 21383 و 21384.
5- سنن الدار قطني 282:4-42، سنن البيهقي 264:9، مسند أحمد 317:1، المعجم الكبير - للطبراني - 301:11-11803.

و قال ربيعة و مالك و الثوري و الأوزاعي و الليث بن سعد و أصحاب الرأي: إنّها واجبة، لما روي عن النبي صلّى اللّه عليه و آله أنّه قال: (على أهل كلّ بيت في كلّ عام أضحية و عتيرة)(1)(2).

و قد ضعّفه المحدّثون(3) ، و يظهر ضعفه بإيجاب العتيرة، و هي ذبيحة كانت الجاهلية تذبحها في رجب.

و الهدي يجزئ عن الأضحية. و الجمع بينهما أفضل، لأنّه دم ذبح للنسك في وقت الأضحية، فكان مجزئا عنها.

و لقول الباقر عليه السّلام - في الصحيح -: «يجزئك من الأضحية هديك»(4).

مسألة 636: أيّام الأضاحي بمنى أربعة: يوم النحر و ثلاثة أيّام بعده،

و في غيرها من الأمصار ثلاثة: يوم النحر و يومان بعده، عند علمائنا أجمع - و به قال سعيد بن جبير(5) - لما رواه العامّة عن النبي صلّى اللّه عليه و آله أنّه قال: (عرفة كلّها موقف و ارتفعوا عن بطن عرنة، و أيّام منى كلّها منحر)(6).

ص: 305


1- سنن أبي داود 93:3-2788، سنن الترمذي 99:4-1518.
2- المغني 95:11، الشرح الكبير 585:3، بداية المجتهد 429:1، الحاوي الكبير 71:15، المجموع 385:8، حلية العلماء 369:3، المبسوط - للسرخسي - 8:12، الاستذكار 155:15-156-21377 و 21378 و 21382.
3- انظر على سبيل المثال: معالم السنن - للخطابي - 94:4، و كما في المغني 95:11، و الشرح الكبير 585:3.
4- التهذيب 238:5-803، و فيه: «يجزئه.. هديه».
5- ما نسب إليه في المغني 464:3، و الشرح الكبير 556:3، و الاستذكار 15: 201-21580، و تفسير القرطبي 43:12 هو أنّه قال: النحر في الأمصار يوم واحد، و في منى ثلاثة أيّام. و ما هو موجود في حلية العلماء 370:3 أنّه قال: يجوز لأهل الأمصار يوم النحر خاصّة، و لأهل السواد فيه و في أيّام التشريق. و كذلك في المجموع 390:8.
6- سنن البيهقي 115:5 بتفاوت.

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السّلام لمّا سأله عمّار الساباطي عن الأضحى بمنى، قال: «أربعة أيّام» و عن الأضحى في سائر البلدان، قال:

«ثلاثة أيّام»(1).

و قال الحسن و عطاء: أنّها أربعة أيّام مطلقا. و به قال الشافعي(2).

و قال أبو حنيفة و مالك و الثوري: ثلاثة أيّام: يوم النحر و يومان بعده مطلقا(3).

و قال محمد بن سيرين: لا تجوز الأضحية إلاّ في يوم الأضحى خاصّة، لأنّ يوم الأضحى اختصّ بتسمية الأضحى دون غيره، فاختصّ بها(4).

و الاختصاص بالتسمية لا يوجب ذلك.

و لو فاتت هذه الأيّام، فإن كانت الأضحية واجبة بالنذر و شبهه، لم تسقط، و وجب قضاؤها، لأنّ لحمها مستحقّ للمساكين، فلا يسقط حقّهم بفوات الوقت، و إن كانت تطوّعا، فات ذبحها، فإن ذبحها، لم تكن أضحية، فإن فرّق لحمها على المساكين، استحقّ الثواب على التفرقة دون الذبح.2.

ص: 306


1- الفقيه 291:2-1439، التهذيب 203:5-674، الإستبصار 264:2-931.
2- المغني 464:3، الشرح الكبير 556:3، الحاوي الكبير 124:15، المجموع 390:8، بداية المجتهد 436:1، المبسوط - للسرخسي - 9:12، تفسير القرطبي 43:12، الاستذكار 202:15-21586 و 21587.
3- المبسوط - للسرخسي - 9:12، المغني 464:3، الشرح الكبير 556:3، حلية العلماء 370:3، الحاوي الكبير 124:15، المجموع 390:8، بداية المجتهد 436:1، الاستذكار 201:15-21581، تفسير القرطبي 43:12.
4- المغني 464:3، الشرح الكبير 556:3، حلية العلماء 370:3، المجموع 390:8، الاستذكار 200:15-21579، تفسير القرطبي 43:12.
مسألة 637: وقت الأضحية إذا طلعت الشمس و مضى قدر صلاة العيد و الخطبتين،

سواء صلّى الإمام أو لم يصلّ.

و قال الشافعي: يعتبر قدر صلاة النبي صلّى اللّه عليه و آله، و كان عليه السّلام يصلّي في الأولى ب ق و في الثانية ب اِقْتَرَبَتِ السّاعَةُ (1).

و قال عطاء: وقتها إذا طلعت الشمس(2).

و قال أبو حنيفة و مالك و أحمد: من شرط الأضحية أن يصلّي الإمام و يخطب، إلاّ أنّ أبا حنيفة يقول: أهل السواد يجوز لهم الأضحية إذا طلع الفجر، لأنّ عنده لا عيد لهم(3).

مسألة 638: الأيّام المعدودات أيّام التشريق

إجماعا، و الأيّام المعلومات عشرة أيّام من ذي الحجّة آخرها غروب الشمس من يوم النحر، عند علمائنا، و به قال علي عليه السّلام و ابن عباس و ابن عمر و الشافعي(4).

ص: 307


1- الحاوي الكبير 85:15، المهذّب - للشيرازي - 244:1، المجموع 387:8 و 389، حلية العلماء 370:3، الاستذكار 154:15-155، و انظر: صحيح مسلم 607:2-891، و سنن الترمذي 414:2-533، و سنن أبي داود 1: 300-1154.
2- المغني 114:11، الشرح الكبير 555:3، الحاوي الكبير 85:15، حلية العلماء 370:3.
3- المبسوط - للسرخسي - 10:12، الحاوي الكبير 85:15، الاستذكار 15: 154-155، المجموع 389:8، حلية العلماء 370:3، المغني 144:11، الشرح الكبير 554:3-555، تفسير القرطبي 42:12-43، بداية المجتهد 1: 425، الكافي في فقه أهل المدينة: 176.
4- الحاوي الكبير 366:4، الاستذكار 199:15-21566-21569، مختصر المزني: 73، الوجيز 132:1، فتح العزيز 89:8، المجموع 381:8، تفسير القرطبي 2:3 و 3، أحكام القرآن - للجصّاص - 233:3، سنن البيهقي 228:5، و حكاه عنهم الشيخ الطوسي في الخلاف 435:2-436، المسألة 332.

و قال مالك: ثلاثة أيّام أوّلها يوم النحر(1). فجعل أوّل أيّام التشريق و ثانيها من المعدودات و المعلومات.

و قال أبو حنيفة: ثلاثة أيّام أوّلها يوم عرفة و آخرها أوّل أيّام التشريق(2). فجعل أوّل التشريق من المعدودات و المعلومات.

و قال سعيد بن جبير: المعدودات: هي المعلومات(3).

و الحقّ المغايرة، لدلالة اختلاف الاسمين على تغاير معنييهما، إلاّ أنّ الترادف على خلاف الأصل.

إذا عرفت هذا، فإنّه يجوز الذبح عندنا في اليوم الثالث من أيّام التشريق، و به قال الشافعي(4).

و قال أبو حنيفة و مالك: لا يجوز، لأنّه ليس من المعلومات(5).

و ليس بمعتمد، لأنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله نهى عن صيام أيّام التشريق، و قال:3.

ص: 308


1- بداية المجتهد 436:1، الاستذكار 200:15-21573 و 21575 و 21576، الحاوي الكبير 366:4، فتح العزيز 89:8، المجموع 381:8 و عنه في الخلاف 436:2، المسألة 332.
2- فتح العزيز 89:8، الحاوي الكبير 366:4، المجموع 381:8، و عنه في الخلاف 436:2، المسألة 332.
3- انظر: الاستذكار 198:15-21563، و عنه في الخلاف 436:2، المسألة 332.
4- المجموع 381:8 و 387-388 و 390، حلية العلماء 370:3، المغني 3: 464، الشرح الكبير 556:3، المبسوط - للسرخسي - 9:12، تحفة الفقهاء 3: 83، الهداية - للمرغيناني - 73:1، تفسير القرطبي 43:12، و عنه في الخلاف 437:2، المسألة 333.
5- المبسوط - للسرخسي - 9:12، تحفة الفقهاء 83:3-84، المجموع 8: 381 و 390، الكافي في فقه أهل المدينة: 176، و عنهما في الخلاف 437:2، المسألة 333.

(إنّها أيّام أكل و شرب و بعال)(1).

و في رواية: (أنّها أيّام أكل و شرب)(2).

و في اخرى: (إنّها أيّام أكل و شرب [و ذكر](3) و ذبح)(4).

فثبت بذلك أنّ الثالث من أيّام الذكر و الذبح معا.

و عند أبي حنيفة: أنّه ليس من أيّام الذكر و لا الذبح(5).

مسألة 639: يجوز لمن دخل عليه عشر ذي الحجّة و أراد أن يضحّي أن يحلق رأسه أو يقلّم أظفاره

من غير كراهة و لا تحريم، لأنّه لا يحرم عليه الوطء و لا الطيب و لا اللباس فكذا حلق الشعر و قلم الأظفار، و به قال أبو حنيفة(6).

و قال الشافعي: يكره(7).

و قال أحمد و إسحاق: يحرم عليه، لما روته أمّ سلمة أنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله قال: (إذا دخل العشر و أراد أحدكم أن يضحّي فلا يمسّ من شعره و لا من بشره شيئا)(8) و النهي يقتضي التحريم(9).

و هو ممنوع و معارض بقول عائشة: كنت أفتل قلائد هدي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، ثم يقلّدها هو بيده ثم يبعث بها مع أبي بكر، فلا يحرم

ص: 309


1- شرح معاني الآثار 244:2 و 246.
2- سنن الدار قطني 212:2-33، شرح معاني الآثار 244:2-246.
3- أضفناها لأجل السياق من كتاب الخلاف للشيخ الطوسي رحمه اللّه.
4- أوردها الشيخ الطوسي في الخلاف 437:2 ذيل المسألة 333.
5- كما في كتاب الخلاف - للشيخ الطوسي - 437:2، المسألة 333.
6- المغني 96:11، الشرح الكبير 591:3، المجموع 392:8.
7- المجموع 392:8، المغني 96:11، الشرح الكبير 591:3.
8- صحيح مسلم 1565:3-1977، سنن النسائي 212:7، سنن البيهقي 266:9.
9- المغني 96:11، الشرح الكبير 591:3، حلية العلماء 372:3، المجموع 8: 392.

عليه شيء أحلّه اللّه له حتى ينحر الهدي(1).

و قد روى علماؤنا أنّ من أنفذ هديا من أفق من الآفاق يواعد أصحابه يوما يقلّدونه فيه أو يشعرونه و يجتنب هو ما يجتنبه المحرم، فإذا كان يوم الميعاد، حلّ ما يحرم منه(2). و هو مروي عن ابن عباس(3). و خالفت العامّة ذلك(4).

و قد رواه ابن بابويه - في الصحيح - عن معاوية بن عمّار، قال:

سألت الصادق عليه السّلام: عن الرجل يبعث بالهدي تطوّعا و ليس بواجب، فقال: «يواعد أصحابه يوما يقلّدونه، فإذا كان تلك الساعة اجتنب ما يجتنبه المحرم إلى يوم النحر، فإذا كان يوم النحر أجزأ عنه، فإنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله حين صدّه المشركون يوم الحديبية نحر و أحلّ و رجع إلى المدينة»(5).

و قال الصادق عليه السّلام: «ما يمنع أحدكم من أن يحجّ كلّ سنة» فقيل:

لا يبلغ ذلك أموالنا، فقال: «أما يقدر أحدكم إذا خرج أخوه أن يبعث معه بثمن أضحية و يأمره أن يطوف عنه أسبوعا بالبيت و يذبح عنه، فإذا كان يوم عرفة لبس ثيابه و أتى المسجد فلا يزال في الدعاء حتى تغرب الشمس»(6).

مسألة 640: لا تختصّ الأضحية بمكان،

بل يجوز أن يضحّي حيث

ص: 310


1- صحيح البخاري 207:2-208، صحيح مسلم 959:2-369، سنن البيهقي 234:5 و 267:9، شرح معاني الآثار 264:2-265 بتفاوت.
2- النهاية - للطوسي -: 283، الخلاف 441:2، المسألة 340.
3- صحيح البخاري 207:2، صحيح مسلم 959:2-369، شرح معاني الآثار 2: 264، المجموع 360:8، و كما في الخلاف 441:2، المسألة 340.
4- كما في الخلاف 441:2، المسألة 340، و انظر: المجموع 360:8.
5- الفقيه 306:2-1517.
6- الفقيه 306:2-1518.

شاء من الأمصار، و لا نعلم فيه خلافا، لأنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله ضحّى بالمدينة بكبشين أملحين(1).

و الفرق بينه و بين الهدي: أنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله بعث بدنه إلى الحرم و ضحّى بالمدينة(2) ، و لأنّ الهدي له تعلّق بالإحرام، بخلاف الأضحية.

مسألة 641: و تختصّ الأضحية بالنّعم:

الإبل و البقر و الغنم، بإجماع علماء الإسلام.

قال اللّه تعالى لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللّهِ عَلى ما رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعامِ (3) قال المفسّرون: هي الإبل و البقر و الغنم(4).

و لا يجزئ إلاّ الثنيّ من الإبل و البقر و المعز، و يجزئ من الضأن الجذع، و هو قول أكثر العلماء(5).

و قال الزهري: لا يجزئ الجذع من الضأن أيضا(6).

و يبطل بما رواه العامّة عن عقبة بن عامر أنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله قسّم ضحايا بين أصحابنا، فأعطاني جذعا فرجعت إليه، فقلت: يا رسول اللّه إنّه جذع، فقال النبي صلّى اللّه عليه و آله: (ضحّ به)(7).

ص: 311


1- صحيح البخاري 210:2.
2- صحيح مسلم 957:2-1321، سنن أبي داود 147:2-1757.
3- الحج: 34.
4- انظر تفسير القرطبي 44:12، و التبيان 314:7، و مجمع البيان 81:4.
5- المبسوط - للسرخسي - 9:12، المهذّب - للشيرازي - 245:1، المجموع 8: 394، حلية العلماء 372:3، الحاوي الكبير 76:15، المغني 100:11، الشرح الكبير 542:3.
6- الحاوي الكبير 76:5، حلية العلماء 372:3، المجموع 394:8، المغني 100:11، الشرح الكبير 542:3.
7- صحيح مسلم 1556:3-16، سنن الترمذي 88:4-1500، سنن النسائي 7: 218، سنن البيهقي 269:9 بتفاوت يسير.

و قال الأوزاعي: يجزئ الجذع من جميع الأجناس(1).

و يبطل بما رواه العامّة عن البراء بن عازب أنّ رجلا يقال له: أبو بردة ابن نيار، ذبح قبل الصلاة، فقال له النبي صلّى اللّه عليه و آله: (شاتك شاة لحم) فقال:

يا رسول اللّه عندي جذعة من المعز، فقال صلّى اللّه عليه و آله: (ضحّ بها و لا تصلح لغيرك)(2).

و في رواية: (تجزئك و لا تجزئ أحدا بعدك)(3).

و هو نصّ في عدم إجزاء المعز لغير أبي بردة، فلا يجزئ من غير المعز، لعدم القائل بالفرق.

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السّلام - في الصحيح - عن علي عليه السّلام، أنّه كان يقول: «الثنيّة من الإبل و الثنيّة من البقر و من المعز، و الجذعة من الضأن»(4).

إذا عرفت هذا، فالثنيّ من البقر و المعز ما له سنة، و دخل في الثانية، و من الإبل ما له خمس سنين، و دخل في السادسة، و جذع الضأن هو الذي له ستّة أشهر.

مسألة 642: الأفضل الثنيّ من الإبل ثم الثنيّ من البقر ثم الجذع من الضأن

- و به قال الشافعي و أبو حنيفة و أحمد(5) - لما رواه العامّة عن

ص: 312


1- الحاوي الكبير 76:15، حلية العلماء 372:3، الشرح الكبير 542:3 - 543.
2- صحيح البخاري 131:7، سنن أبي داود 96:3-97-2801 بتفاوت يسير.
3- صحيح البخاري 21:2-22، سنن البيهقي 283:3-284 بتفاوت يسير.
4- التهذيب 206:5-688.
5- المهذّب - للشيرازي - 245:1، المجموع 398:8، حلية العلماء 372:3، المغني 99:11، الشرح الكبير 540:3.

النبي صلّى اللّه عليه و آله أنّه قال في الجمعة: (من راح في الساعة الأولى فكأنّما قرّب بدنة، و من راح في الساعة الثانية فكأنّما فكأنّما قرّب بقرة، و من راح في الساعة الثالثة فكأنّما قرّب كبشا»(1).

و من طريق الخاصّة: قول الباقر عليه السّلام في الهدي: «أفضله بدنة، و أوسطه بقرة، و أخسّه شاة»(2).

و قال مالك: الأفضل الجذع من الضأن ثم الثنيّ من البقر ثم الثنيّ من الإبل(3) ، لقول النبي صلّى اللّه عليه و آله: (أفضل الذبح الجذع من الضأن، و لو علم اللّه خيرا منه لفدى به إسحاق عليه السّلام)(4).

و هو محمول على أنّه أفضل من باقي أسنان الغنم.

و الجذعة من الغنم أفضل من إخراج سبع بدنة، لأنّ إراقة الدم مقصودة في الأضحية، و إذا ضحّى بالشاة، حصلت إراقة الدم جميعه.

مسألة 643: يستحب أن يكون أملح سمينا.

قال ابن عباس في قوله تعالى وَ مَنْ يُعَظِّمْ شَعائِرَ اللّهِ فَإِنَّها مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ (5) قال: تعظيمها استسمان الهدي و استحسانه(6).

و ينبغي أن يكون تامّا، فلا تجزئ في الضحايا العوراء البيّن عورها،

ص: 313


1- صحيح مسلم 582:2-850، سنن الترمذي 372:3-499، سنن النسائي 3: 99، سنن البيهقي 226:3.
2- التهذيب 36:5-107 و فيه: «.. و أخفضه شاة».
3- التفريع 390:1، حلية العلماء 373:3، المغني 99:11، الشرح الكبير 3: 540.
4- لم نجده في المصادر الحديثية، و انظر: المغني 99:11، و الشرح الكبير 3: 540.
5- الحج: 32.
6- تفسير الطبري 113:17، المغني 99:11، الشرح الكبير 542:3.

و لا العرجاء البيّن عرجها، و لا المريضة البيّن مرضها، و لا العجفاء التي لا تنقى.

و نهى النبي صلّى اللّه عليه و آله أن يضحّى بالمصفرة و البخقاء و المستأصلة و المشيّعة و الكسراء(1).

فالمصفرة: مقطوعة الأذنين من أصلهما حتى بدا صماخهما، و الأذن عضو مستطاب، و البخقاء: العمياء، و المستأصلة: التي استؤصل قرناها، و المشيّعة: التي تتأخّر عن الغنم لهزالها، و الكسراء كالعرجاء.

و تكره الجلحاء، و هي المخلوقة بغير قرن، و هي الجمّاء، و العضباء لا تجزئ.

و قال علي عليه السّلام: «أمرنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله باستشراف العين و الاذن، و لا نضحّي بعوراء و لا مقابلة و لا مدابرة و لا خرقاء و لا شرقاء»(2).

فالمقابلة: أن تقطع من مقدّم الاذن أو يبقى معلّقا فيها، كالزنمة، و المدابرة: أن تقطع من مؤخّر الاذن، و الخرقاء: أن تكون مثقوبة من السمة، فإنّ الغنم توسم في آذانها، فتنثقب بذلك، و الشرقاء: أن تشقّ اذنها، فتصير كالشاختين(3).ه.

ص: 314


1- سنن أبي داود 97:3-2803، سنن البيهقي 275:5، مسند أحمد 185:4، المستدرك - للحاكم - 469:1.
2- سنن أبي داود 97:3-98-2804، سنن الدارمي 77:2، سنن البيهقي 9: 275.
3- كذا في الطبعة الحجرية، و في «ق، ك» بالسين المهملة، و ليس لكلا اللفظين أصل لغوي، و الصواب بالسين و الدال، أو الشين و الدال بلا فرق، من سدخ الغرّة أو شدخها، كما في لسان العرب 28:3. و المراد: تدلّي الاذن عند شدخها على الوجه.
مسألة 644: يستحب التضحية بذوات الأرحام من الإبل و البقر و الفحولة من الغنم،

لقول الصادق عليه السّلام: «أفضل البدن ذوات الأرحام من الإبل و البقر، و قد يجزئ الذكورة من البدن و الضحايا من الغنم الفحولة»(1).

و لا يجوز التضحية بالثور و لا بالجمل بمنى، و يجوز ذلك في الأمصار.

قال الصادق عليه السّلام - في الصحيح -: «يجوز ذكورة الإبل و البقر في البلدان إذا لم يجد(2) الإناث، و الإناث أفضل»(3).

و لا يجوز التضحية بالخصي، لنقصانه، لرواية محمد بن مسلم - في الصحيح - عن أحدهما عليهما السّلام، قال: سألته أ يضحّى بالخصي ؟ قال: «لا»(4).

مسألة 645: يجب ذبح البقر و الغنم، فلا يجوز نحرهما،

و يجب نحر الإبل، فلا يجوز ذبحها، فإن خالف، حرم الحيوان، عند علمائنا، و به قال مالك(5).

و جوّز الشافعي الذبح و النحر في جميع الحيوان(6).

و تجب التذكية بإزهاق الروح، و إنّما يكون بقطع الأعضاء الأربعة:

الحلقوم - و هو مجرى النفس - و المري - و هو مجرى الطعام و الشراب - و الودجان - و هما عرقان يحيطان بالحلقوم - عند علمائنا أجمع، و به قال

ص: 315


1- التهذيب 204:5-680.
2- في المصدر: «لم يجدوا».
3- التهذيب 205:5-683.
4- التهذيب 205:5-686.
5- بداية المجتهد 444:1، حلية العلماء 424:3.
6- روضة الطالبين 475:2، حلية العلماء 424:3، بداية المجتهد 444:1، المغني 48:11، الشرح الكبير 54:11.

مالك و أبو يوسف(1) ، لقول النبي صلّى اللّه عليه و آله: (ما أنهر الدم و فرى الأوداج فكل)(2).

و قال أبو حنيفة: يجب قطع ثلاثة من الأربع أيّها قطع(3).

و قال محمد بن الحسن: يجب قطع أكثر كلّ واحد من الأربعة(4).

و قال الشافعي: الواجب قطع الحلقوم و المري، و استحبّ قطع الودجين(5).

مسألة 646: يستحب أن يتولّى ذبح أضحيته بنفسه،

اقتداء بالنبي(6) صلّى اللّه عليه و آله، فإن لم يحسن الذباحة، جعل يده مع يد الذابح.

و يجوز استنابة المسلم، و لو استناب كافرا، لم يجزئ، عند علمائنا، و به قال الشافعي إلاّ أن يكون ذمّيّا عنده(7).

و مالك و إن جوّزه إلاّ أنّه قال: يكون لحم شاة لا أضحية(8).

ص: 316


1- بداية المجتهد 445:1، حلية العلماء 423:3، المغني 46:11، الشرح الكبير 53:11، الحاوي الكبير 88:15.
2- أورده السرخسي في المبسوط 2:12، و الكاساني في بدائع الصنائع 41:5.
3- المبسوط - للسرخسي - 2:12، تحفة الفقهاء 68:3، بدائع الصنائع 41:5، النتف 226:1-227، الحاوي الكبير 88:15.
4- الاختيار لتعليل المختار 15:5، بدائع الصنائع 41:5، المبسوط - للسرخسي - 2:12-3.
5- الام 236:2-237، روضة الطالبين 470:2 و 471، الحاوي الكبير 15: 87-88، الوجيز 212:2، المغني 46:11، الشرح الكبير 53:11، المبسوط - للسرخسي - 3:12، تحفة الفقهاء 69:3.
6- انظر: صحيح مسلم 1556:3-1966، و سنن البيهقي 259:9 و 285، و سنن الدارمي 75:2.
7- الحاوي الكبير 91:15، روضة الطالبين 468:2، المهذّب - للشيرازي - 1: 246، المغني 117:11، الشرح الكبير 553:3.
8- المنتقى - للباجي - 89:3، المجموع 404:8، الحاوي الكبير 91:15.

و الحقّ ما قلناه، لقوله عليه السّلام: (لا يذبح ضحاياكم إلاّ طاهر)(1).

و لأنّ عليّا عليه السّلام و عمر منعا من أكل ذبائح نصارى العرب(2).

و يجوز ذبيحة الصبيان مع معرفتهم بشرائط الذبح، و يجوز ذباحة الأخرس و إن لم ينطق، نعم يجب تحريك لسانه بالتسمية.

و يجوز ذباحة النساء إجماعا، لما رواه ابن عمر أنّ جارية لآل كعب كانت ترعى غنما فرأت بشاة منها ربوا(3) ، فأخذت حجرا فكسرته و ذبحتها به، فذكر ذلك لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، فقال: (تؤكل)(4).

و هو يدلّ على جواز ذبح المرأة و إن كانت حائضا، لأنّ ترك الاستفصال يشعر به، و صحّة(5) ذكاة شاة الغير بغير إذنه، و جواز الذبح بالحجر، و ذبح الحيوان إذا خيف موته.

و يجوز ذبح السكران و المجنون، للحكم بإسلامهما، لكن يكره، لعدم معرفتهما بمحلّ الذكاة، فربما قطعا غير المشترط.

و يستحب أن يتولّى الذبيحة المسلم البالغ العاقل الفقيه، لأنّه أعرف بشرائط الذبح و وقته، فإن فقد الرجل، فالمرأة، فإن فقدت، فالصبي، فإن فقد، فالسكران و المجنون.

مسألة 647: يجب استقبال القبلة عند الذبح و توجيه الذبيحة إليها،

ص: 317


1- أورده الماوردي في الحاوي الكبير 91:15، و ابن قدامة في المغني 117:11، و في الفردوس 148:5-7779 بتفاوت يسير.
2- المهذّب - للشيرازي - 258:1، سنن البيهقي 284:9.
3- الرّبو: النّفس العالي. لسان العرب 305:14 «ربا» و المراد: ما أشفى على الموت.
4- صحيح البخاري 119:7، سنن البيهقي 281:9 نحوه.
5- «و صحّة» عطف على مدخول حرف الجرّ. و كذا ما بعدها.

لأنّه عليه السّلام ضحّى بكبشين، فلمّا وجّههما قرأ وَجَّهْتُ وَجْهِيَ (1)(2).

و تجب فيها التسمية، لقوله تعالى وَ لا تَأْكُلُوا مِمّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللّهِ عَلَيْهِ (3).

و لا تكره الصلاة على النبي صلّى اللّه عليه و آله عند الذبيحة مع التسمية، بل هي مستحبّة - و به قال الشافعي(4) - لأنّه شرّع فيه ذكر اللّه تعالى فشرّع فيه ذكر رسوله صلّى اللّه عليه و آله، كالأذان.

و قال أحمد: ليس بمشروع(5).

و قال أبو حنيفة و مالك: إنّه مكروه(6) ، لما روي عن النبي صلّى اللّه عليه و آله، أنّه قال: (موطنان لا أذكر فيهما: عند الذبيحة و عند العطاس)(7).

و مراده لا اذكر فيهما مع اللّه تعالى على الوجه الذي يذكر معه في غيرهما، فإنّ في الأذان يشهد للّه بالتوحيد، و يشهد للنبي بالرسالة، و كذا في شهادة الإسلام و الصلاة، و هنا يسمّي اللّه تعالى، و يصلّي على النبي صلّى اللّه عليه و آله، و الصلاة ليست من جنس التسمية و كذا العطاس، فإنّ المروي فيه أنّه يسمّي5.

ص: 318


1- الأنعام: 79.
2- سنن أبي داود 95:3-2795، سنن ابن ماجة 1043:2-3121، سنن البيهقي 285:9.
3- الأنعام: 121.
4- الام 239:2، الحاوي الكبير 95:15-96، حلية العلماء 375:3، المجموع 410:8، المغني 6:11.
5- المغني 6:11، حلية العلماء 375:3.
6- الحاوي الكبير 96:15، المجموع 410:8، حلية العلماء 375:3، المدوّنة الكبرى 66:2.
7- أورده ابن قدامة في المغني 6:11، و الماوردي في الحاوي الكبير 96:15.

اللّه تعالى و يصلّي على النبي صلّى اللّه عليه و آله(1).

و يستحب الدعاء بالمنقول.

و لو نسي التسمية، لم تحرم، و يستحب أن يسمّي عند أكله.

قال ابن سنان - في الصحيح -: سمعت الصادق عليه السّلام يقول: «إذا ذبح المسلم و لم يسمّ و نسي فكل من ذبيحته، و سمّ اللّه على ما تأكل»(2).

مسألة 648: إذا ذبحها، قطع الأعضاء الأربعة السابقة، و لا يقطع رأسها

إلى أن تموت، فإن قطعه، فقولان:

أحدهما: التحريم - و به قال سعيد بن المسيّب(3) - لأنّها ماتت من جرحين: أحدهما مبيح، و الآخر محرّم، فلا تحلّ.

و لقول الصادق عليه السّلام: «و لا تنخعها حتى تموت»(4).

و الآخر: الحلّ، لأنّها بقطع الأعضاء الأربعة تكون مذكّاة، فلا أثر للزائدة، لحصوله و الحياة غير مستقرّة.

و لو ذبحها من قفاها، سمّيت القفية، فإن بقيت حياتها مستقرّة بعد قطع قفاها ثم قطعت الأعضاء، حلّت، و إلاّ فلا، و به قال الشافعي(5).

و قال مالك و أحمد: لا تحلّ(6).

ص: 319


1- الكافي 479:2-9، و 480-17 و 22.
2- التهذيب 222:5-747.
3- الحاوي الكبير 98:15، و حكاه عنه الشيخ الطوسي في الخلاف 53:6، المسألة 13.
4- الكافي 498:4-6، الفقيه 299:2-300-1489، التهذيب 221:5-746.
5- الحاوي الكبير 99:15، روضة الطالبين 471:2، المهذّب - للشيرازي - 1: 259، المجموع 87:9 و 91، حلية العلماء 424:3، المغني 51:11، الشرح الكبير 56:11.
6- الحاوي الكبير 99:15، حلية العلماء 424:3، المغني 51:11، الشرح الكبير 56:11.

و روى العامّة عن علي عليه السّلام أنّه إن كان سهوا حلّت، و إلاّ فلا(1).

و يعرف استقرار الحياة بوجود الحركة القويّة بعد قطع العنق قبل قطع المري و الودجين و الحلقوم، و لو كانت ضعيفة أو لم تتحرّك، لم تحلّ، لاجتماع فعل يدلّ على الإباحة و آخر يدلّ على التحريم، و لأنّ الظاهر من حال الحيوان إذا قطع رأسه من قفاه لا تبقى فيه حياة مستقرّة قبل قطع الأعضاء الأربعة.

و تكره الذباحة ليلا في الأضحية و غيرها، لنهيه عليه السّلام عنها(2) ، و لا نعلم فيه خلافا، فلو ذبحها ليلا، أجزأه، لأنّ الليل محلّ الرمي، فكان محلّ الذبح، كالنهار.

و قال مالك: لا تجزئه و يكون لحم شاة(3) ، لقوله تعالى وَ يَذْكُرُوا اسْمَ اللّهِ فِي أَيّامٍ مَعْلُوماتٍ عَلى ما رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعامِ (4) و الأيّام تطلق على بياض النهار دون الليل.

و هو ممنوع، فإنّ الأيّام إذا اجتمعت، دخلت الليالي فيها، و لهذا تدخل في الاعتكاف لو نذر ثلاثة أيّام.

مسألة 649: يستحب الأكل من الأضحية

إجماعا.

و قال بعضهم بوجوبه(5) ، للآية(6) ، فإنّه قرن الأكل بالإطعام.

ص: 320


1- الحاوي الكبير 99:15.
2- كما في المغني 116:11، و الشرح الكبير 557:3.
3- المدوّنة الكبرى 73:2، الحاوي الكبير 114:15، المجموع 391:8، المغني 115:11، الشرح الكبير 557:3.
4- وردت في نسختي «ق، ك» و الطبعة الحجرية الآية 34 من سورة الحج، و هي لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللّهِ عَلى ما رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعامِ و أثبتنا في المتن الآية 28 من نفس السورة، لأجل السياق.
5- المغني 110:11، الحاوي الكبير 117:15، روضة الطالبين 492:2، المجموع 414:8، حلية العلماء 375:3.
6- الحج: 28.

و هو غير دالّ على الوجوب كما في قوله تعالى كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذا أَثْمَرَ وَ آتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ (1) فالإيتاء واجب دون الأكل.

و يجوز أن يأكل الأكثر، و يتصدّق بالأقلّ.

قال الشيخ: فإن أكل الجميع، ضمن الفقراء قدر المجزئ(2). و به قال الشافعي(3) ، للآية(4).

و قال بعض الشافعية: لا يضمن، و تكون القربة في الذبح خاصّة(5).

و يستحب أن يأكل الثلث، و يتصدّق بالثلث، و يهدي الثلث - و هو الجديد للشافعي(6) - لقوله تعالى فَكُلُوا مِنْها وَ أَطْعِمُوا الْقانِعَ وَ الْمُعْتَرَّ (7) القانع: السائل، و المعترّ: غير السائل.

و في القديم: يأكل النصف، و يتصدّق بالنصف(8) ، لقوله تعالى:

فَكُلُوا مِنْها وَ أَطْعِمُوا الْبائِسَ الْفَقِيرَ (9) .8.

ص: 321


1- الأنعام: 141.
2- المبسوط - للطوسي - 393:1.
3- الحاوي الكبير 118:15، المهذّب - للشيرازي - 247:1، روضة الطالبين 2: 491، المجموع 416:8، حلية العلماء 376:3.
4- الحج: 28.
5- المهذّب - للشيرازي - 247:1، المجموع 416:8، روضة الطالبين 491:2، الحاوي الكبير 118:15، حلية العلماء 376:3.
6- الام 217:2، المهذّب - للشيرازي - 246:1، المجموع 415:8، روضة الطالبين 492:2، الحاوي الكبير 116:15، حلية العلماء 376:3، الشرح الكبير 587:3.
7- الحج: 36.
8- المهذّب - للشيرازي - 246:1، المجموع 415:8، روضة الطالبين 492:2، الحاوي الكبير 117:15، حلية العلماء 376:3، الشرح الكبير 587:3.
9- الحج: 28.

و لا ينافي الإهداء الثابت بالآية الأخرى.

مسألة 650: لا يجوز بيع لحم الأضاحي

- و به قال الشافعي و أكثر العامّة(1) - لأنّه بذبحه خرجت عن ملكه، و استحقّها المساكين.

و قال أبو حنيفة: يجوز بيعه و شراؤه(2).

و يكره بيع جلودها و إعطاؤها الجزّارين، فإن باعها، تصدّق بثمنه.

و منع الشافعي من بيعه(3) ، و به قال أبو هريرة(4).

و قال عطاء: لا بأس ببيع أهب الأضاحي(5).

و قال الأوزاعي: يجوز بيعها بآلة البيت التي تصلح للعارية، كالقدر و القدوم(6) و المنخل و الميزان(7).

لنا: ما رواه العامّة عن علي عليه السّلام، قال: «أمرني رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أن أقوم على بدنه و أقسّم جلودها و جلالها و لا اعطي الجزّارين منها شيئا»(8).

و من طريق الخاصّة: قول معاوية بن عمّار - في الصحيح - أنّه سأل

ص: 322


1- المهذّب - للشيرازي - 247:1، المجموع 419:8-420، روضة الطالبين 2: 490، الحاوي الكبير 119:15، حلية العلماء 378:3، المغني 112:11.
2- تحفة الفقهاء 88:3، حلية العلماء 379:3، المجموع 420:8، المغني 11: 112.
3- المجموع 420:8، روضة الطالبين 493:2، الحاوي الكبير 120:15، حلية العلماء 378:3، المغني 112:11، الشرح الكبير 567:3.
4- المغني 112:11، الشرح الكبير 567:3.
5- الحاوي الكبير 120:15، حلية العلماء 379:3.
6- القدوم: التي ينحت بها. لسان العرب 471:12 «قدم».
7- المجموع 420:8، حلية العلماء 379:3، الحاوي الكبير 120:15، المغني 112:11، الشرح الكبير 567:3.
8- صحيح البخاري 210:2-211، صحيح مسلم 954:2-1317، سنن البيهقي 241:5 بتفاوت يسير.

الصادق عليه السّلام: عن الإهاب، فقال: «تصدّق به أو تجعله مصلّى ينتفع به في البيت و لا يعطى الجزّارين»(1).

و روى علي بن جعفر - في الصحيح - عن الكاظم عليه السّلام، قال: سألته عن جلود الأضاحي هل يصلح لمن ضحّى بها أن يجعلها جرابا؟ قال:

«لا يصلح أن يجعلها جرابا إلاّ أن يتصدّق بثمنها»(2).

و لا يجوز أن يعطى الجزّار لجزارته، لأنّ التضحية واجبة عليه مع وجوبها، فكانت الأجرة عليه، و يوصل ذلك إلى الفقراء، و لو كان الجزّار فقيرا، جاز أن يأخذ منها شيئا لفقره، لأنّه من المستحقّين.

مسألة 651: يجوز أكل لحوم الأضاحي بعد ثلاثة أيّام و ادّخارها،

و قد نسخ بذلك النهي عنها.

روى العامّة عن جابر بن عبد اللّه الأنصاري، قال: أمرنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أن لا نأكل لحم الأضاحي بعد ثلاث، ثم أذن لنا أن نأكل و نقدّد و نهدي إلى أهالينا(3).

و من طريق الخاصّة: قول الباقر و الصادق عليهما السّلام: «نهى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عن لحوم الأضاحي بعد ثلاثة أيّام ثم أذن فيها، قال: كلوا من لحوم الأضاحي بعد ذلك و ادّخروا»(4).

و يكره أن يخرج شيئا ممّا يضحّيه عن منى، بل يفرّق بها، لقول أحدهما عليهما السّلام - في الصحيح -: «لا يخرج منه شيء إلاّ السنام بعد ثلاثة أيّام»(5).

ص: 323


1- التهذيب 228:5-771، الاستبصار 276:2-980.
2- التهذيب 228:5-773، الاستبصار 276:2-982.
3- الموطّأ 484:2-6، صحيح مسلم 1562:3-29، سنن البيهقي 291:9 نحوه.
4- التهذيب 226:5-763، الاستبصار 274:2-972 بتفاوت يسير.
5- التهذيب 226:5-765، الاستبصار 274:2-974.

و قال الصادق عليه السّلام - في الصحيح -: «لا تخرجنّ شيئا من لحم الهدي»(1).

و لا بأس بإخراج لحم ما ضحّاه غيره إذا اشتراه منه أو أهداه إليه.

و يكره أن يضحّي بما يربّيه.

مسألة 652: إذا تعذّرت الأضحية، تصدّق بثمنها،

فإن اختلفت أثمانها جمع الأعلى و الأوسط و الأدون، و تصدّق بثلث الجميع، لأنّ أبا الحسن عليه السّلام وقّع إلى هشام المكاري: «انظروا إلى الثمن الأوّل و الثاني و الثالث فأجمعوا ثم تصدّقوا بمثل ثلثه»(2).

و إذا اشترى شاة تجزئ في الأضحية بنيّة أنّها أضحية، قال الشيخ:

تصير أضحية بذلك، و لا يحتاج إلى قوله: إنّها أضحية، و لا إلى نيّة مجدّدة، و لا إلى إشعار و لا تقليد(3) - و به قال أبو حنيفة و مالك(4) - لأنّه مأمور بشراء الأضحية، فإذا اشتراها بالنيّة، وقعت عنها، كالوكيل إذا اشترى لموكّله بأمره.

و قال الشافعي في الجديد: لا تصير أضحية إلاّ بقوله: قد جعلتها أضحية، أو: هي أضحية، و ما أشبهه - و في القديم: تصير أضحية بالنيّة مع الإشعار أو التقليد - لأنّها إزالة ملك على وجه القربة، فلا تؤثّر فيها النيّة المقارنة للشراء، كما لو اشترى عبدا بنيّة العتق(5).

إذا ثبت هذا، فإذا عيّن الأضحية بما يصحّ به التعيين، زال ملكه عنها.

ص: 324


1- التهذيب 226:5-766، الاستبصار 275:2-975.
2- التهذيب 238:5-239-805.
3- المبسوط - للطوسي - 390:1.
4- حلية العلماء 374:3، المجموع 426:8، المغني 107:11، الشرح الكبير 560:3.
5- روضة الطالبين 477:2، المجموع 423:8 و 425، الحاوي الكبير 100:15 - 101، المغني 107:11، الشرح الكبير 560:3.

و هل له إبدالها؟ قال أبو حنيفة و محمد: نعم له ذلك، و لا يزول ملكه عنها(1).

و قال الشافعي: لا يجوز له إبدالها، و قد زال ملكه عنها(2). و به قال أبو يوسف و أبو ثور(3) ، و هو ظاهر كلام الشيخ(4) ، لما روي عن علي عليه السّلام أنّه قال: «من عيّن أضحية فلا يستبدل بها»(5).

و احتجّ أبو حنيفة: بأنّ النبي عليه السّلام أهدى هدايا فأشرك عليّا عليه السّلام فيها(6) ، و هو إنّما يكون بنقلها إليه.

و يجوز أن يكون عليه السّلام وقت السياق نوى أنّها عنه و عن علي عليه السّلام.

فعلى قول التعيين يزول ملكها عن المالك، و يفسد بيعها، و يجب ردّها مع بقائها، و إن تلفت، فعلى المشتري قيمتها أكثر ما كانت من حين قبضها إلى حين التلف، و على البائع أكثر الأمرين من قيمتها إلى حين التلف أو مثلها يوم التضحية. و كذا لو أتلفها أو فرّط في حفظها فتلفت، أو ذبحها قبل وقت الأضحية. هذا اختيار الشافعي(7).3.

ص: 325


1- المبسوط - للسرخسي - 13:12، المغني 112:11، الشرح الكبير 561:3، الحاوي الكبير 101:15.
2- روضة الطالبين 479:2، الحاوي الكبير 101:15، المغني 113:11، الشرح الكبير 562:3.
3- الحاوي الكبير 101:15، المغني 113:11، الشرح الكبير 562:3.
4- الخلاف 55:6، المسألة 16، المبسوط - للطوسي - 391:1.
5- أورده الشيخ الطوسي في الخلاف، كتاب الضحايا، ذيل المسألة 16، و الماوردي في الحاوي الكبير 102:15.
6- صحيح مسلم 892:2-1218، سنن أبي داود 186:2-1905، سنن ابن ماجة 1027:2-3074.
7- الحاوي الكبير 105:15، روضة الطالبين 481:2، المجموع 371:8، المغني 104:11، الشرح الكبير 570:3.

و قال الشيخ رحمه اللّه: قيمتها يوم التلف(1). و به قال أبو حنيفة(2) ، لأنّه أتلف الأضحية، فلزمه قيمتها، كالأجنبي.

و احتجّ الشافعي: بأنّها أضحية مضمونة عليه لحقّ اللّه تعالى و حقّ المساكين، لوجوب نحرها و تفرقة لحمها، و لا يجزئه دفعها إليهم قبل ذلك، فلو كانت قيمتها يوم التلف عشرة ثم زادت قيمة الأضاحي فصارت عشرين، وجب شراء أضحية لعشرين ليوفي حقّ اللّه تعالى و هو نحرها، بخلاف الأجنبي، فإنّه لا يلزمه حقّ اللّه تعالى فيها. و فيه قوّة.

فإن أمكنه أن يشتري بها أضحيتين، كان عليه إخراجهما معا.

و لو فضل جزء حيوان يجزئ في الأضحية - كالسّبع - فعليه شراؤه، لإمكان صرفه في الأضحية، فلزمه، كما لو أمكنه أن يشتري به جميعا. و لو تصدّق بالفاضل، جاز، لكنّ الأوّل أفضل. و لو قصر الفاضل عن السّبع، تصدّق به.

و لو كان المتلف أجنبيّا، فعليه القيمة يوم الإتلاف، فإن أمكن أن يشتري بها أضحية أو أكثر، فعلى ما تقدّم، و إلاّ جاز شراء جزء حيوان الأضحية، فإن قصر، تصدّق به، و لا شيء على المضحّي، لأنه غير مفرّط.

و لو تلفت الأضحية في يده أو سرقت من غير تفريط، لم يضمن، و قد سأل معاوية بن عمّار الصادق عليه السّلام - في الصحيح - عن رجل اشترى أضحية فماتت أو سرقت قبل أن يذبحها، قال: «لا بأس و إن أبدلها فهو أفضل، و إن لم يشتر فليس عليه شيء»(3).3.

ص: 326


1- المبسوط - للطوسي - 391:1.
2- المغني 104:11، الشرح الكبير 570:3، الحاوي الكبير 105:15، المجموع 371:8.
3- الكافي 493:4-494-2، التهذيب 217:5-218-733.

و الفرق بينه و بين منذور العتق لو أتلفه أو تلف بتفريطه، فإنّه ظاهر لا يضمنه، لأنّ الحقّ في الأضحية للفقراء و هم باقون بعد تلفها، و الحقّ في عتق العبد له، فإذا تلف، لم يبق مستحقّ لذلك، فسقط الضمان، فافترقا.

و لو اشترى شاة و عيّنها للأضحية ثم وجد بها عيبا، لم يكن له ردّها، لزوال ملكه عنها، و يرجع بالأرش، فيصرفه في المساكين، و لو أمكنه أن يشتري به حيوانا أو جزءا منه مجزيا في الأضحية، كان أولى.

مسألة 653: إذا عيّن أضحيّة، ذبح معها ولدها،

سواء كان حملا حال التعيين أو حدث بعد ذلك، لأنّ التعيين معنى يزيل الملك عنها، فاستتبع الولد، كالعتق.

و لقول الصادق عليه السّلام: «إن نتجت بدنتك فاحلبها ما لا يضرّ بولدها ثم انحرهما جميعا»(1).

إذا عرفت هذا، فإنّه يجوز له شرب لبنها ما لم يضرّ بولدها، عند علمائنا، و به قال الشافعي(2) ، لما رواه العامّة عن علي عليه السّلام لمّا رأى رجلا يسوق بدنة معها ولدها، فقال: «لا تشرب من لبنها إلاّ ما فضل عن ولدها»(3).

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السّلام: «فاحلبها ما لا يضرّ بولدها»(4).

ص: 327


1- الكافي 493:4-2، التهذيب 220:5-741.
2- حلية العلماء 364:3-365، الحاوي الكبير 108:15، روضة الطالبين 2: 494، المجموع 367:8، المغني 106:11، الشرح الكبير 565:3.
3- المهذّب - للشيرازي - 243:1، الحاوي الكبير 108:15، سنن البيهقي 9: 288.
4- الكافي 493:4-2، التهذيب 220:5-741.

و قال أبو حنيفة: لا يحلبها، و يرشّ على الضرع الماء حتى ينقطع اللبن، لأنّ اللبن متولّد من الأضحية، فلم يجز للمضحّي الانتفاع به، كالولد(1).

و الفرق: إمكان حمل الولد إلى محلّه، بخلاف اللبن.

و الأفضل أن يتصدّق به.

و يجوز له ركوب الأضحية، لقوله تعالى لَكُمْ فِيها مَنافِعُ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى (2).

مسألة 654: إذا أوجب أضحية بعينها و هي سليمة فعابت عيبا يمنع الإجزاء من غير تفريط، لم يجب إبدالها،

و أجزأه ذبحها، و كذا حكم الهدايا، لأصالة براءة الذمّة. و لأنّها لو تلفت لم يضمنها فكذا أبعاضها.

و قال أبو حنيفة: لا تجزئه(3).

و لو كانت واجبة عليه على التعيين ثم حدث بها عيب لمعالجة الذبح، أجزأه أيضا، و به قال أبو حنيفة استحسانا(4).

و قال الشافعي: لا يجزئه(5).

أمّا لو نذر أضحية مطلقة فإنّه تلزمه سليمة من العيوب، فإن عيّنها في شاة بعينها، تعيّنت، فإن عابت قبل أن ينحرها عيبا يمنع الإجزاء - كالعور - لم تجزئه عن التي في ذمّته، و عليه إخراج ما في ذمّته سليما من العيوب.

ص: 328


1- الحاوي الكبير 108:15، المغني 106:11، الشرح الكبير 565:3.
2- الحجّ: 33.
3- المغني 104:11، الشرح الكبير 573:3، حلية العلماء 380:3.
4- المبسوط - للسرخسي - 17:12، المجموع 404:8، المغني 104:11، الشرح الكبير 574:3.
5- المجموع 404:8، المغني 104:11، الشرح الكبير 574:3.

و لو عيّن أضحية ابتداء و بها ما يمنع من الأضحية الشرعية - كالعور - أخرجها على عيبها، لزوال ملكه عنها بالنذر و لم تكن أضحية، بل صدقة واجبة، فيجب ذبحها، و يتصدّق بلحمها، و يثاب على الصدقة لا على الأضحية.

و لو عيّنها معيبة ثم زال عيبها بأن سمنت بعد العجاف، فإنّها لا تقع موقع الأضحية، لأنّه أوجب ما لا يجزئ عن الأضحية، فزال ملكه عنها، و انقطع تصرّفه حال كونها غير أضحية، فلا تجزئ، لأنّ الاعتبار حالة الإيجاب، لزوال الملك به، و لهذا لو عابت بعد التعيين، لم يضرّه ذلك، و أجزأ عنه. و كذا لو كانت معيبة فزال عيبها، لم تجزئه.

مسألة 655: لو ضلّت الأضحية المعيّنة من غير تفريط، لم يضمن،

لأنّها أمانة، فإن عادت قبل فوات أيّام التشريق، ذبحها، و كانت أداء، و بعد فواتها يذبحها قضاء، قاله الشيخ(1) ، و به قال الشافعي(2).

و قال أبو حنيفة: لا يذبحها بل يسلّمها إلى الفقراء، فإن ذبحها، فرّق لحمها، و عليه أرش النقصان بالذبح(3).

و ليس بجيّد، لأنّ الذبح أحد مقصودي الهدي، و لهذا لا يكفي شراء اللحم، فلا يسقط بفوات وقته، كتفرقة اللحم، و ذلك بأن يذبحها في أيّام التشريق ثم يخرج قبل تفريقها، فإنّه يفرّقها بعد ذلك.

احتجّ: بأنّ الذبح موقّت، فسقط بفوات وقته، كالرمي و الوقوف(4).

ص: 329


1- المبسوط - للطوسي - 392:1، و انظر: الخلاف 59:6، المسألة 20.
2- الحاوي الكبير 110:15-111، روضة الطالبين 487:2، المجموع 8: 397.
3- المغني 116:11، الحاوي الكبير 111:15.
4- انظر: المغني 116:11.

و الفرق: أنّ الأضحية لا تسقط بفوات الوقت، بخلاف الرمي و الوقوف.

و لو أوجب أضحية في عام فأخّرها إلى قابل، كان عاصيا، و أخرجها قضاء.

و لو ذبح أضحية غيره، المعيّنة، أجزأت عن صاحبها، و ضمن الأرش - و به قال الشافعي(1) - لأنّ الذبح أحد مقصودي الهدي، فإذا فعله شخص بغير إذن المضحّي، ضمن، كتفرقة اللحم.

و قال أبو حنيفة: لا يجب عليه شيء، لأنّ الأضحية أجزأت عنه و وقعت موقعها، فلم يجب على الذابح ضمان الذبح، كما لو أذن له(2).

و الفرق: أنّ مع عدم الإذن يعصي فيضمن.

و قال مالك: لا تقع موقعها، و تكون شاة لحم يلزم صاحبها بدلها، و يكون له أرشها، لأنّ الذبح عبادة، فإذا فعلها غيره بغير إذنه، لم تصح، كالزكاة(3).

و نمنع احتياجها إلى نيّة كإزالة النجاسة، بخلاف الزكاة، و لأنّ القدر المخرج في الزكاة لم يتعيّن إلاّ بإخراج المالك، بخلاف المعيّنة.

و إذا أخذ الأرش، صرفه إلى الفقراء، لأنّه وجب لنقص في الأضحية المتعيّنة لهم، و يتخيّر بين الصدقة به و شراء حيوان أو جزء للأضحية.

مسألة 656: تجزئ الأضحية عن سبعة،

و كذا الهدي المتطوّع به، سواء كان الجميع متقرّبين أو بعضهم يريد اللحم، و سواء كانوا أهل بيت

ص: 330


1- الحاوي الكبير 112:15، روضة الطالبين 482:2-483، المغني 118:11.
2- المغني 118:11، الحاوي الكبير 112:15.
3- المغني 118:11، الحاوي الكبير 112:15-113، حلية العلماء 367:3.

واحد أو لم يكونوا، و به قال الشافعي و مالك، إلاّ أنّ مالكا اشترط كونهم أهل بيت واحد(1).

و قال أبو حنيفة: يجوز إذا كانوا كلّهم متقرّبين(2). و قد سلف(3).

و العبد القنّ و المدبّر و أمّ الولد و المكاتب المشروط لا يملكون شيئا، فإن ملّكهم مولاهم شيئا، ففي ثبوت ذلك قولان: الأقوى: العدم، فلا تجوز لهم أضحية.

و على قول ثبوته يجوز لهم أن يضحّوا، و لو ضحّوا من غير إذن سيّدهم، لم يجز.

و لو انعتق بعضه و ملك بجزء الحرّيّة أضحية، جاز له أن يضحّي بها من غير إذن.9.

ص: 331


1- المهذّب - للشيرازي - 247:1، المجموع 398:8، روضة الطالبين 467:2، حلية العلماء 379:3، الحاوي الكبير 123:15، المغني 119:11.
2- المبسوط - للسرخسي - 144:4، المغني 119:11-120، حلية العلماء 3: 379، الحاوي الكبير 123:15.
3- تقدّم في ص 282، المسألة 619.

ص: 332

الفصل السادس في الحلق و التقصير
مسألة 657: إذا ذبح الحاجّ هديه، وجب عليه الحلق أو التقصير بمنى يوم النحر،

عند علمائنا، و هو نسك عندنا - و به قال مالك و أبو حنيفة و الشافعي في أحد القولين، و أحمد في إحدى الروايتين(1) - لقوله تعالى:

مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ وَ مُقَصِّرِينَ (2) و لو لم يكن نسكا، لم يصفهم اللّه تعالى به، كالطيب و اللّبس.

و لما رواه العامّة عن جابر أنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله قال: (أحلّوا من إحرامكم بطواف البيت و بين الصفا و المروة و قصّروا)(3) و الأمر للوجوب.

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السّلام: «إذا ذبحت أضحيتك فاحلق رأسك»(4) و الأمر للوجوب أو للقدر الدالّ على استحقاق الثواب، فيكون عبادة لا مباحا صرفا.

و لأنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله داوم عليه هو و أصحابه و فعلوه في حجّهم و عمرتهم، و لو لم يكن نسكا لم يداوموا عليه و لا خلوا به في أكثر الأوقات

ص: 333


1- المنتقى - للباجي - 31:3، المبسوط - للسرخسي - 70:4، بدائع الصنائع 2: 140، الوجيز 121:1، فتح العزيز 374:7، المهذّب - للشيرازي - 235:1، المجموع 205:8 و 208، الحاوي الكبير 161:4، روضة الطالبين 381:2، المغني و الشرح الكبير 467:3.
2- الفتح: 27.
3- صحيح البخاري 176:2، سنن البيهقي 356:4، الشرح الكبير 468:3.
4- التهذيب 240:5-808.

و لم يفعلوه إلاّ نادرا، لأنّه لم يكن عبادة لهم فيداوموا عليه، و لا فيه فضل فيفعلوه.

و قال الشافعي و أحمد [في الرواية الأخرى](1): أنّه إطلاق محظور لا نسك، لقوله عليه السّلام لمّا سعى بين الصفا و المروة: (من كان منكم ليس معه هدي فليحلّ و ليجعلها عمرة)(2) و أمره بالحلّ عقيب السعي يقتضي عدم وجوب الحلق و التقصير(3).

و هو ممنوع، لأنّ المعنى: فليحلّ بالتقصير أو الحلق.

مسألة 658: يتخيّر الحاجّ بين الحلق و التقصير أيّهما فعل أجزأه،

عند أكثر علمائنا(4) - و به قال أبو حنيفة(5) - لقوله تعالى مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ وَ مُقَصِّرِينَ (6) و الجمع غير مراد، فيتعيّن التخيير.

و ما رواه العامّة من أنّه كان مع النبي صلّى اللّه عليه و آله من قصّر و لم ينكر عليه السّلام عليه(7).

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السّلام - في الصحيح -: «قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يوم الحديبية: اللّهم اغفر للمحلّقين، مرّتين، قيل: و للمقصّرين

ص: 334


1- أضفناها لأجل السياق.
2- صحيح مسلم 888:2-1218، سنن أبي داود 184:2-1905، سنن ابن ماجة 1023:2-1024-3074.
3- المهذّب - للشيرازي - 235:1، المجموع 205:8 و 208، فتح العزيز 374:7، الحاوي الكبير 161:4، روضة الطالبين 381:2، المغني و الشرح الكبير 467:3.
4- منهم ابن إدريس في السرائر: 141، و المحقّق في المختصر النافع: 92.
5- المغني 467:3، الشرح الكبير 464:3.
6- الفتح: 27.
7- صحيح البخاري 213:2، صحيح مسلم 945:2-1301، سنن الترمذي 3: 256-913، سنن البيهقي 103:5.

يا رسول اللّه ؟ قال: و للمقصّرين»(1).

و قال الشيخان رحمهما اللّه: إن كان الحاجّ صرورة، وجب الحلق، و كذا من لبّد شعره في الإحرام و إن لم يكن صرورة(2). و به قال الحسن البصري و مالك و الشافعي و النخعي و أحمد و إسحاق(3) ، لما رواه العامّة: أنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله قال:

(من لبّد فليحلق)(4).

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السّلام: «على الصرورة أن يحلق رأسه و لا يقصّر، إنّما التقصير لمن حجّ حجّة الإسلام»(5).

و هو محمول على الندب.

و قال ابن عباس: من لبّد أو ضفر أو عقّد أو فتل أو عقص فهو على ما نوى، يعني أنّه إن نوى الحلق فليحلق، و إلاّ فلا يلزمه(6).

و تلبيد الشعر في الإحرام: أن يأخذ عسلا أو صمغا، و يجعله في رأسه لئلاّ يقمل أو يتّسخ.

إذا عرفت هذا، فالحلق أفضل إجماعا، لأنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله قال: (رحم اللّه المحلّقين) ثلاثا، ثم قال: (و المقصّرين) مرّة(7). و زيادة الترحّم تدلّ على الأولويّة.4.

ص: 335


1- التهذيب 243:5-822.
2- المقنعة: 66، النهاية: 262-263.
3- المغني 467:3، الشرح الكبير 464:3، المدوّنة الكبرى 402:1، المنتقى - للباجي - 34:3، المجموع 206:8 و 218.
4- المغني 467:3، الشرح الكبير 464:3، سنن البيهقي 135:5، الكامل - لابن عدي - 1870:5.
5- الكافي 503:4-7، التهذيب 243:5-819.
6- المغني 467:3، الشرح الكبير 464:3.
7- صحيح مسلم 946:2-318، سنن ابن ماجة 1012:2-3044.

و الحلق للملبّد و الصرورة آكد فضلا من غيرهما.

و المرأة لا حلق عليها، و يجزئها من التقصير قدر الأنملة، لما رواه العامّة عن علي عليه السّلام، قال: «نهى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أن تحلق المرأة رأسها»(1).

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السّلام: «تقصّر المرأة من شعرها لمتعتها(2) مقدار الأنملة»(3).

و يجزئ من التقصير ما يقع عليه اسمه، لأصالة براءة الذمة، و سواء قصّر من شعر رأسه أو من لحيته أو من شاربه.

مسألة 659: يجب في الحلق و التقصير: النيّة،

لأنّه نسك عندنا لا إطلاق محظور.

و يستحب لمن يحلق أن يبدأ بالناصية من القرن الأيمن و يحلق إلى العظمين إجماعا، لما رواه العامّة: أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله دعا بالحلاّق، فأخذ شقّ رأسه الأيمن فحلقه، فجعل يقسم بين من يليه الشعرة و الشعرتين ثم أخذ شقّ رأسه الأيسر فحلقه، ثم قال: (هاهنا أبو طلحة ؟) فدفعه إلى أبي طلحة(4).

و من طريق الخاصّة: عن الباقر عليه السّلام - في الصحيح -: أنّه أمر الحلاّق أن يدع الموسى على قرنه الأيمن ثم أمره أن يحلق و سمّى هو و قال:

«اللّهم أعطني بكلّ شعرة نورا يوم القيامة»(5).

ص: 336


1- سنن الترمذي 257:3-914، سنن النسائي 130:8.
2- في المصدر: لعمرتها.
3- التهذيب 244:5-824.
4- سنن أبي داود 203:2-1981.
5- التهذيب 244:5-826.
مسألة 660: من لا شعر على رأسه لا حلق عليه إجماعا،

بل يمرّ الموسى على رأسه إجماعا.

و لأنّ رجلا من خراسان قدم حاجّا و كان أقرع الرأس لا يحسن أن يلبّي، فاستفتي له الصادق عليه السّلام، فأمر أن يلبّى عنه و يمرّ الموسى على رأسه فإنّ ذلك يجزئ عنه(1).

إذا عرفت هذا، فقال أبو حنيفة: إنّ هذا الإمرار واجب، لقوله عليه السّلام:

(إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم)(2) و هذا لو كان له شعر، لوجب عليه إزالته و إمرار الموسى على رأسه، فلا يسقط الأخير بفوات الأوّل(3).

و قول الصادق عليه السّلام يدلّ عليه، فإنّ الإجزاء إنّما يستعمل في الواجب.

و قال أكثر العامّة: إنّه للاستحباب، لأنّ محلّ الحلق الشعر، فيسقط بفوات محلّه(4).

مسألة 661: لو ترك الحلق و التقصير معا حتى زار البيت، فإن كان عامدا، وجب عليه دم شاة، و إن كان ناسيا، فلا شيء عليه،

و عليه إعادة الطواف و السعي، لأنّه نسك أخّره عمدا عن محلّه، فلزمه الدم.

و لأنّ محمد بن مسلم سأل الباقر عليه السّلام: في رجل زار البيت قبل أن يحلق، فقال: «إن كان زار البيت قبل أن يحلق و هو عالم أنّ ذلك لا ينبغي فإنّ عليه دم شاة»(5).

ص: 337


1- الكافي 504:4-13، التهذيب 244:5-828.
2- صحيح البخاري 117:9، سنن الدار قطني 281:2-204، مسند أحمد 508:2.
3- المبسوط - للسرخسي - 70:4، بدائع الصنائع 140:2، المغني 469:3، الشرح الكبير 465:3، فتح العزيز 379:7، المجموع 212:8.
4- المغني 469:3، الشرح الكبير 465:3، فتح العزيز 378:7، المجموع 212:8.
5- التهذيب 240:5-809.

و سأل محمّد بن حمران الصادق عليه السّلام: عن رجل زار البيت قبل أن يحلق، قال: «لا ينبغي إلاّ أن يكون ناسيا»(1).

و سأل علي بن يقطين - في الصحيح - الكاظم عليه السّلام: عن المرأة رمت و ذبحت و لم تقصّر حتى زارت البيت و طافت وسعت من الليل ما حالها؟ و ما حال الرجل إذا فعل ذلك ؟ قال: «لا بأس يقصّر و يطوف للحجّ ثم يطوف للزيارة ثم قد حلّ من كلّ شيء»(2).

مسألة 662: لو رحل من منى قبل الحلق، رجع و حلق بها أو قصّر

واجبا مع الاختيار، و لو لم يتمكّن من الرجوع، حلق مكانه، و ردّ شعره إلى منى ليدفن هناك، و لو لم يتمكّن، لم يكن عليه شيء، لأنّه قد ترك نسكا واجبا، فيجب عليه الإتيان به و تداركه مع المكنة.

و سأل الحلبي - في الصحيح - الصادق عليه السّلام: عن رجل نسي أن يقصّر من شعره أو يحلقه حتى ارتحل من منى، قال: «يرجع إلى منى حتى يلقي شعره بها حلقا كان أو تقصيرا»(3).

[و عن أبي بصير، قال: سألته عن رجل جهل أن يقصّر من رأسه أو يحلق حتى ارتحل من منى، قال: «فليرجع إلى منى حتى يحلق شعره بها أو يقصّر،](4) و على الصرورة أن يحلق»(5).

ص: 338


1- التهذيب 240:5-810.
2- التهذيب 241:5-811.
3- التهذيب 241:5-812، الاستبصار 285:2-1011.
4- حيث إنّ قوله عليه السّلام الآتي: «و على الصرورة أن يحلق» ليس من تتمّة رواية الحلبي، السابقة، و إنّما من تتمّة رواية أبي بصير، فلذلك أثبتنا صدرها في المتن من التهذيب و الاستبصار.
5- التهذيب 241:5-813، الاستبصار 285:2-1012.

و قال الصادق عليه السّلام في رجل زار و لم يحلق رأسه، قال: «يحلقه بمكّة، و يحمل شعره إلى منى، و ليس عليه شيء»(1).

إذا عرفت هذا، فإذا حلق رأسه بمنى، استحبّ له أن يدفن شعره بها، لقول الصادق عليه السّلام - في الصحيح -: «كان علي بن الحسين - عليهما السّلام - يدفن شعره في فسطاطه بمنى و يقول: كانوا يستحبّون ذلك»، قال: و كان الصادق عليه السّلام يكره أن يخرج الشعر من منى و يقول: «من أخرجه فعليه أن يردّه»(2).

مسألة 663: يستحب لمن حلق رأسه أو قصّر أن يقلّم أظفاره و يأخذ من شاربه،

و لا نعلم فيه خلافا.

قال ابن المنذر: ثبت أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لمّا حلق رأسه قلّم أظفاره(3).

و قال الصادق عليه السّلام: «إذا ذبحت أضحيتك فاحلق رأسك و اغتسل و قلّم أظفارك و خذ من شاربك»(4).

و وقت الحلق يوم النحر إجماعا، فلا يجوز قبله.

قال اللّه تعالى وَ لا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ (5).

و يجب أن يؤخّره عن الذبح و الرمي، فيبدأ بالرمي ثم الذبح ثم الحلق واجبا، عند أكثر علمائنا(6) - و به قال مالك و الشافعي في أحد القولين، و أبو حنيفة و أحمد(7) - لقوله تعالى:

ص: 339


1- التهذيب 242:5-817، الاستبصار 286:2-1016.
2- التهذيب 242:5-815، الإستبصار 286:2-1014.
3- المغني 470:3، الشرح الكبير 466:3، المجموع 218:8.
4- التهذيب 240:5-808.
5- البقرة: 196.
6- منهم: ابن حمزة في الوسيلة: 180، و المحقّق في المختصر النافع: 92.
7- انظر حلية العلماء 343:3، و المجموع 207:8، و فتح العزيز 381:7، و المغني 479:3، و الشرح الكبير 470:3.

اَلْهَدْيُ مَحِلَّهُ (1) .

و ما رواه العامّة: أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله رتّب هذه المناسك(2) ، و قال:

(خذوا عنّي مناسككم)(3).

و من طريق الخاصّة: رواية موسى بن القاسم عن علي قال: «لا يحلق رأسه و لا يزور حتى يضحّي فيحلق رأسه و يزور متى شاء»(4).

و للشيخ - رحمه اللّه - قول آخر في الخلاف: ترتيب هذه المناسك مستحب و ليس بفرض(5) ، و به قال أبو الصلاح(6) ، و هو القول الثاني للشافعي(7) ، لما رواه العامّة عن ابن عباس قال: جاء رجل إلى النبي صلّى اللّه عليه و آله بمنى يوم النحر، فقال له: زرت قبل أن أرمي، فقال له: (ارم و لا حرج) فقال: ذبحت قبل أن أرمي، فقال: (ارم و لا حرج) فما سئل يومئذ عن شيء قدّمه رجل و لا أخّره إلاّ قال له: (افعل و لا حرج)(8) و لم يفصّل بين العالم و الجاهل، فدلّ على عدم الوجوب.

و من طريق الخاصّة: رواية أحمد بن محمد بن أبي نصر عن الجواد عليه السّلام، قال له: جعلت فداك إنّ رجلا من أصحابنا رمى الجمرة يوم النحر و حلق قبل أن يذبح، فقال: «إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أتاه طوائف من المسلمين،ة.

ص: 340


1- البقرة: 196.
2- سنن أبي داود 203:2-1981، المغني 479:3، الشرح الكبير 470:3.
3- سنن البيهقي 125:5.
4- التهذيب 236:5-795، الاستبصار 284:2-1006.
5- الخلاف 345:2، المسألة 168.
6- الكافي في الفقه: 200-201.
7- الامّ 215:2، مختصر المزني: 68، الحاوي الكبير 186:4، فتح العزيز 7: 379-380، روضة الطالبين 383:2، المجموع 207:8، حلية العلماء 343:3.
8- صحيح البخاري 212:2، سنن الدار قطني 254:2-78، سنن البيهقي 5: 142 و 143، شرح معاني الآثار 238:2 بتفاوت و نقيصة.

فقالوا: يا رسول اللّه ذبحنا من قبل أن نرمي و حلقنا من قبل أن نذبح، فلم يبق شيء ممّا ينبغي أن يقدّموه إلاّ أخّروه، و لا شيء ممّا ينبغي أن يؤخّروه إلاّ قدّموه، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: لا حرج»(1).

و هو محمول على الناسي.

و على القول بوجوب الترتيب فإنّه ليس شرطا و لا تجب بالإخلال به كفّارة، لأصالة البراءة، و لما تقدّم في الأحاديث السابقة.

و قال الشافعي: إن قدّم الحلق على الذبح، جاز، و إن قدّم الحلق على الرمي، وجب الدم إن قلنا: إنّه إطلاق محظور، لأنّه حلق قبل أن يتحلّل، و إن قلنا: إنّه نسك، فلا شيء عليه، لأنّه أحد ما يتحلّل به(2).

و قال أبو حنيفة: إن قدّم الحلق على الذبح، لزمه دم إن كان قارنا أو متمتّعا، و لا شيء عليه إن كان مفردا(3).

و قال مالك: إن قدّم الحلق على الذبح، فلا شيء عليه، و إن قدّمه على الرمي، وجب الدم(4).

مسألة 664: لو بلغ الهدي محلّه و لم يذبح، قال الشيخ: يجوز له أن يحلق

مسألة 664: لو بلغ الهدي محلّه و لم يذبح، قال الشيخ: يجوز له أن يحلق(5) ،

لقوله تعالى وَ لا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ (6)

ص: 341


1- الكافي 504:4-2، التهذيب 236:5-796، الاستبصار 284:2-1008، و فيها بزيادة «لا حرج» مكرّرا.
2- فتح العزيز 380:7-381، الحاوي الكبير 186:4 و 187، روضة الطالبين 383:2، حلية العلماء 343:3، المجموع 207:8 و 216.
3- حلية العلماء 343:3، المجموع 216:8.
4- المدوّنة الكبرى 418:1، بداية المجتهد 352:1، حلية العلماء 343:3، المجموع 216:8، المغني 481:3، الشرح الكبير 472:3.
5- المبسوط - للطوسي - 374:1.
6- البقرة: 196.

و قال تعالى ثُمَّ مَحِلُّها إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ (1).

و قال الصادق عليه السّلام: «إذا اشتريت أضحيتك و قمطتها(2) و صارت في جانب رحلك فقد بلغ الهدي محلّه، فإن أحببت أن تحلق فاحلق»(3).

قال أبو الصلاح: يجوز له تأخير الحلق إلى آخر أيّام التشريق(4) - و هو حسن، لكن لا يجوز له أن يقدّم زيارة البيت عليه - و به قال عطاء و أبو ثور و أبو يوسف(5) ، لأنّ اللّه تعالى بيّن أوّله بقوله حَتّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ (6) و لم يبيّن آخره، فمتى فعله أجزأه، كالطواف للزيارة و السعي.

مسألة 665: يوم الأكبر هو يوم النحر.

قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في خطبته يوم النحر: (هذا يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ) (7).

و سأل معاوية بن عمّار الصادق عليه السّلام - في الصحيح - عن يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ ، قال: «هو يوم النحر، و الأصغر العمرة»(8).

و سمّي بالأكبر، لكثرة أفعال الحجّ فيه من الوقوف بالمشعر و الدفع منه إلى منى و الرمي و النحر و الحلق و طواف الإفاضة و الرجوع إلى منى للمبيت بها، و ليس في غيره من الأيّام مثل ذلك، و هو مع ذلك يوم عيد

ص: 342


1- الحج: 33.
2- قمطتها: أي شددتها بالقماط، و هو: حبل يشدّ به قوائم الشاة للذبح. مجمع البحرين 270:4 «قمط».
3- التهذيب 235:5-236-794، الإستبصار 284:2-1007.
4- الكافي في الفقه: 201.
5- المغني 469:3، المجموع 209:8.
6- البقرة: 196.
7- صحيح البخاري 217:2، المستدرك - للحاكم - 331:2، سنن ابن ماجة 2: 1016-3058، سنن أبي داود 195:2-1945، سنن البيهقي 139:5.
8- الكافي 290:4-1، الفقيه 292:2-1443، التهذيب 450:5-1571.

و يوم الإحلال من إحرام الحجّ.

إذا عرفت هذا، فإنّه يستحب للإمام أن يخطب فيه، و يعلّم الناس ما فيه من المناسك من النحر و الإفاضة و الرمي - و به قال الشافعي و ابن المنذر و أحمد(1) - لما رواه العامّة عن ابن عباس: أنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله خطب الناس يوم النحر بمنى(2).

و من طريق الخاصّة: خطبة علي عليه السّلام يوم الأضحى(3).

مسألة 666: قد عرفت فيما سبق محظورات الإحرام، فإذا حلق أو قصّر، حلّ له كلّ شيء

إن كان الإحرام للعمرة، و إن كان للحجّ، حلّ له كلّ شيء إلاّ الطيب و النساء و الصيد، عند علمائنا - و به قال مالك(4) - لأنّ النساء محرّمة عليه إجماعا، فيحرم عليه الطيب، لأنّه من دواعي الجماع، فكان حراما، كالقبلة، فيحرم عليه الصيد، لقوله تعالى لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَ أَنْتُمْ حُرُمٌ (5) و الإحرام متحقّق بتحريم هذين.

و ما رواه العامّة عن عمر، قال: إذا رميتم الجمرة بسبع حصيات و ذبحتم و حلقتم فقد حلّ لكم كلّ شيء إلاّ الطيب و النساء(6).

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السّلام: «اعلم أنّك إذا حلقت رأسك

ص: 343


1- فتح العزيز 356:7، المهذّب - للشيرازي - 236:1، المجموع 82:8 و 218-219، روضة الطالبين 356:2، الحاوي الكبير 191:4، المغني 3: 478، الشرح الكبير 473:3.
2- صحيح البخاري 215:2، المغني 478:3، الشرح الكبير 473:3.
3- نهج البلاغة - بشرح محمد عبده - 98:1، مصباح المتهجّد: 607.
4- المنتقى - للباجي - 30:3، الاستذكار 227:13-18671، المغني 471:3، الشرح الكبير 467:3، الحاوي الكبير 189:4.
5- المائدة: 95.
6- سنن البيهقي 135:5، المغني 471:3، الشرح الكبير 467:3.

فقد حلّ لك كلّ شيء إلاّ النساء و الطيب»(1).

و قال الشافعي و أبو حنيفة و أحمد: يحلّ له كلّ شيء إلاّ النساء. و به قال ابن الزبير و علقمة و سالم و طاوس و النخعي و أبو ثور(2).

و قال ابن عمر و عروة بن الزبير: يحلّ له كلّ شيء إلاّ النساء و الطيب(3).

إذا عرفت هذا، فإذا طاف طواف الزيارة، حلّ له الطيب، و إذا طاف طواف النساء، حلّت له النساء، فثبت أنّ مواطن التحلّل ثلاثة:

الأوّل: إذا حلق أو قصّر، حلّ له كلّ شيء أحرم منه، إلاّ النساء و الطيب و أكل الصيد.

الثاني: إذا طاف طواف الزيارة، حلّ له الطيب.

الثالث: إذا طاف طواف النساء، حللن له.

مسألة 667: يستحب لمن حلق رأسه أن يتشبّه بالمحرمين قبل طواف الزيارة
اشارة

في ترك لبس المخيط إلى أن يطوف طواف الزيارة، لأنّ محمد بن مسلم سأل الصادق عليه السّلام - في الصحيح - عن رجل تمتّع بالعمرة فوقف بعرفات و وقف بالمشعر و رمى الجمرة و ذبح و حلق أ يغطّي رأسه ؟ قال:

«لا، حتى يطوف بالبيت و بالصفا و المروة» قيل له: فإن كان قد فعل ؟ قال:

«ما أرى عليه شيئا»(4).

ص: 344


1- التهذيب 245:5-831، الإستبصار 287:2-1020.
2- الحاوي الكبير 189:4، المهذّب - للشيرازي - 237:1، المجموع 233:8، روضة الطالبين 384:2-385، فتح العزيز 384:7، حلية العلماء 346:3، المبسوط - للسرخسي - 22:4، بدائع الصنائع 195:2، المغني 470:3، الشرح الكبير 466:3، الاستذكار 228:13-18674.
3- المغني 470:3، الشرح الكبير 466:3.
4- التهذيب 247:5-837، الاستبصار 289:2-1026.

و النهي هنا للكراهة، لأنّ العلاء سأل الصادق عليه السّلام - في الصحيح - إنّي حلقت رأسي و ذبحت و أنا متمتّع اطلي رأسي بالحنّاء؟ فقال: «نعم من غير أن تمسّ شيئا من الطيب» قلت: و ألبس القميص و أتقنّع ؟ قال: «نعم» قلت: قبل أن أطوف بالبيت ؟ قال: «نعم»(1).

و يستحب لمن طاف طواف الزيارة أن لا يمسّ شيئا من الطيب حتى يطوف طواف النساء، لئلاّ يشتغل به عن أداء المناسك. و لأنّه من دواعي شهوة النساء.

و لأنّ محمد بن إسماعيل - في الصحيح - قال: كتبت إلى الرضا عليه السّلام:

هل يجوز للمحرم المتمتّع أن يمسّ الطيب قبل أن يطوف طواف النساء؟ فقال: «لا»(2) و هذا النهي للكراهة، كما تقدّم.

تذنيب: إنّما يحصل التحلّل بالرمي و الحلق.

و قال بعض الشافعية: يتحلّل بدخول وقت الرمي و إن لم يرم، كما لو فاته الوقت فإنّه يتحلّل(3).

و ليس بجيّد، لقول النبي صلّى اللّه عليه و آله: (إذا رميتم و حلقتم فقد حلّ لكم كلّ شيء إلاّ النساء)(4) علّق ذلك بالرمي دون وقته.

ص: 345


1- التهذيب 247:5-836، الاستبصار 289:2-1025.
2- التهذيب 248:5-840، الاستبصار 290:2-1029.
3- المهذّب - للشيرازي - 237:1، المجموع 230:8، روضة الطالبين 384:2، الحاوي الكبير 190:4، حلية العلماء 346:3.
4- سنن الدار قطني 276:2-186 و 187، سنن البيهقي 136:5، مسند أحمد 6: 143، الفردوس 270:1-1050، المغني 471:3، الشرح الكبير 466:3 - 467.

ص: 346

الفصل السابع في بقايا أفعال الحجّ
اشارة

و فيه مباحث:

البحث الأوّل: في زيارة البيت
مسألة 668: إذا قضى الحاجّ مناسكه بمنى من رمي جمرة العقبة و ذبح الهدي و الحلق أو التقصير، رجع إلى مكّة

لطواف الزيارة، و سمّي بذلك، لأنّه يرجع من منى لزيارة البيت، و لا يقيم بمكّة، بل يرجع منها إلى منى، و هو ركن في الحجّ، و يسمّى طواف الحجّ، و لا يتمّ إلاّ به إجماعا.

قال اللّه تعالى وَ لْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ (1).

و روى العامّة عن عائشة قالت: حججنا مع النبي صلّى اللّه عليه و آله فأفضنا يوم النحر فحاضت صفيّة، فأراد النبي صلّى اللّه عليه و آله ما يريد الرجل من أهله، فقلت:

يا رسول اللّه إنّها حائض، قال: (أ حابستنا هي ؟) قالوا: يا رسول اللّه إنّها قد أفاضت يوم النحر، قال: (اخرجوا)(2) فدلّ على وجوب هذا الطواف و أنّه حابس لمن لم يأت به.

و يسمّى أيضا طواف الإفاضة، لقولهم: إنّها قد أفاضت يوم النحر، يعني طافت طواف الزيارة. و سمّي بذلك، لأنّه يأتي به عند إفاضته من منى إلى مكة.

ص: 347


1- الحجّ: 29.
2- أوردها كما في المتن ابنا قدامة في المغني 473:3، و الشرح الكبير 475:3، و بتفاوت في اللفظ في صحيح البخاري 220:2، و سنن أبي داود 2: 208-3003، و سنن البيهقي 162:5، و الموطّأ 412:1-225.

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السّلام: «و زر البيت و طف به أسبوعا تفعل كما صنعت يوم قدمت مكة»(1).

و لأنّ الحجّ أحد النسكين، فوجب فيه طواف، كالعمرة.

مسألة 669: و هذا الطواف - كالأوّل - تجب فيه الطهارة، و النيّة شرط فيه،

كما هي شرط في طواف القدوم و في كلّ عبادة - و به قال إسحاق و ابن المنذر(2) - لأنّه عبادة و عمل و قد قال اللّه تعالى مُخْلِصِينَ (3).

و قال عليه السّلام: (الأعمال بالنيّات و إنّما لامرئ ما نوى)(4).

و قال عليه السّلام: (الطواف بالبيت صلاة)(5).

و قال الثوري و الشافعي و أصحاب الرأي: يجزئه و إن لم ينو الفرض الذي عليه(6).

و يستحبّ الإتيان به يوم النحر بعد قضاء مناسك منى، لما رواه العامّة عن جابر في صفة حجّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يوم النحر: فأفاض إلى البيت فصلّى بمكة الظهر(7).

ص: 348


1- التهذيب 250:5-848.
2- المغني 474:3، الشرح الكبير 474:3-475.
3- البيّنة: 5.
4- صحيح البخاري 2:1، و 29:9، صحيح مسلم 1515:3-1516-1907، سنن أبي داود 262:2-2201، سنن ابن ماجة 1413:2-4227، سنن النسائي 58:1-59، و 13:7، مسند أحمد 25:1، بتفاوت يسير.
5- سنن النسائي 222:5، سنن البيهقي 87:5، سنن الدارمي 44:2، المعجم الكبير - للطبراني - 34:11-10955.
6- المغني 474:3، الشرح الكبير 475:3.
7- صحيح مسلم 892:2-1218، سنن أبي داود 186:2-1905، سنن ابن ماجة 1027:2-3074.

و من طريق الخاصّة: قول الباقر عليه السّلام - في الصحيح - و قد سأله محمد ابن مسلم عن المتمتّع متى يزور؟ قال: «يوم النحر»(1).

و في الصحيح عن الصادق عليه السّلام، قال: «لا يبيت المتمتّع يوم النحر حتى يزور»(2).

و لو أخّره إلى الليل، جاز، لما رواه العامّة: أنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله أخّر طواف الزيارة إلى الليل(3).

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السّلام - في الصحيح -: «ينبغي للمتمتّع أن يزور البيت يوم النحر و من ليلته لا يؤخّر ذلك اليوم»(4).

مسألة 670: أوّل وقت هذا الطواف: طلوع الفجر من يوم النحر

- و به قال أبو حنيفة(5) - لوجوب فعله بعد أداء المناسك المتعلّقة بيوم النحر، فلا يتحقّق له وقت قبله.

و آخر وقته: اليوم الثاني من أيّام النحر للمتمتّع، عند علمائنا، و لا يجوز له التأخير عن ذلك.

و قال أبو حنيفة: آخر وقته آخر أيّام النحر(6).

و قال باقي العامّة: لا تحديد لآخره(7).

ص: 349


1- التهذيب 249:5-841، الاستبصار 290:2-1030.
2- التهذيب 249:5-842، الاستبصار 290:2-291-1031.
3- سنن ابن ماجة 1017:2-3059، سنن الترمذي 262:3-920.
4- التهذيب 249:5-843، الإستبصار 291:2-1032.
5- بدائع الصنائع 132:2، المغني 474:3، الشرح الكبير 476:3، حلية العلماء 345:3، المجموع 282:8.
6- بدائع الصنائع 132:2، المغني 474:3، الشرح الكبير 476:3.
7- المغني 474:3، الشرح الكبير 476:3، حلية العلماء 345:3، المجموع 8: 220، بدائع الصنائع 132:2.

و قال الشافعي: أوّل وقته من نصف ليلة النحر(1).

و لنا: أنّه نسك في الحجّ، فكان آخره محدودا، كالوقوف و الرمي.

و سأل معاوية بن عمّار - في الصحيح - الصادق عليه السّلام: عن المتمتّع متى يزور البيت ؟ قال: «يوم النحر أو من الغد، و لا يؤخّر، و المفرد و القارن ليسا سواء موسّع عليهما»(2).

و لو أخّر المتمتّع زيارة البيت عن اليوم الثاني من يوم النحر، أثم و لا كفّارة عليه، و كان طوافه صحيحا.

أمّا القارن و المفرد: فيجوز لهما تأخير طواف الزيارة و السعي إلى آخر ذي الحجّة، لأنّ إسحاق بن عمّار سأل الكاظم عليه السّلام: عن زيارة البيت تؤخّر إلى اليوم الثالث، قال: «تعجيلها أحبّ إليّ، و ليس به بأس إن أخّره»(3).

و في رواية أخرى: «موسّع للمفرد أن يؤخّره»(4).

إذا عرفت هذا، فقد وردت رخصة في جواز تقديم الطواف و السعي على الخروج إلى منى و عرفات - و به قال الشافعي(5) - لما رواه العامّة عن النبي صلّى اللّه عليه و آله، قال: (من قدّم شيئا قبل شيء فلا حرج)(6).

و من طريق الخاصّة: رواية يحيى الأزرق(7) أنّه سأل أبا الحسن عليه السّلام:ق.

ص: 350


1- الحاوي الكبير 192:4، المهذّب - للشيرازي - 237:1، المجموع 220:8 و 282، حلية العلماء 345:3، المغني 474:3، الشرح الكبير 476:3، بدائع الصنائع 132:2.
2- التهذيب 249:5-844، الاستبصار 291:2-1036.
3- التهذيب 250:5-845، الإستبصار 291:2-1033.
4- الكافي 511:4-4، التهذيب 251:5-252-853، الإستبصار 292:2-1037.
5- المغني 481:3، الشرح الكبير 472:3.
6- أورده ابنا قدامة في المغني 481:3، و الشرح الكبير 472:3 نقلا عن سعيد في سننه.
7- في المصدر: صفوان بن يحيى الأزرق.

عن امرأة تمتّعت بالعمرة إلى الحجّ ففرغت من طواف العمرة و خافت الطمث قبل يوم النحر، أ يصلح لها أن تعجّل طوافها طواف الحجّ قبل أن تأتي منى ؟ قال: «إذا خافت أن تضطرّ إلى ذلك فعلت»(1).

إذا ثبت هذا، فالأولى التقييد للجواز بالعذر.

مسألة 671: يستحب أن يغتسل و يقلّم أظفاره و يأخذ من شاربه و يدعو إذا وقف على باب المسجد،

كطواف القدوم، و غير ذلك من المستحبّات، لقول الصادق عليه السّلام: «إذا ذبحت أضحيتك فاحلق رأسك و اغتسل و قلّم أظفارك و خذ من شاربك و زر البيت و طف به أسبوعا تفعل كما صنعت يوم قدمت مكّة»(2).

و يجوز أن يغتسل من منى و يأتي مكّة، فيطوف بذلك الغسل، للرواية(3) ، و أن يغتسل نهارا و يطوف ليلا ما لم ينقضه بحدث أو نوم، فإن نقضه، أعاده مستحبّا ليطوف على غسل، للرواية(4).

و يستحبّ الغسل للمرأة، كالرجل، لأنّ الحلبي سأل الصادق عليه السّلام - في الصحيح - أ تغتسل النساء إذا أتين البيت ؟ فقال: «نعم إنّ اللّه تعالى يقول طَهِّرا بَيْتِيَ لِلطّائِفِينَ وَ الْعاكِفِينَ وَ الرُّكَّعِ السُّجُودِ (5) فينبغي للعبد أن لا يدخل إلاّ و هو طاهر قد غسل عنه العرق و الأذى و تطهّر»(6).

ص: 351


1- التهذيب 398:5-1384.
2- التهذيب 240:5 و 250-808 و 848.
3- التهذيب 250:5-251-849.
4- التهذيب 251:5-850.
5- إنّ الآية في سورة البقرة: 125 هكذا أَنْ طَهِّرا بَيْتِيَ إلى آخر ما في المتن، و في سورة الحج: 26 هكذا وَ طَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطّائِفِينَ وَ الْقائِمِينَ وَ الرُّكَّعِ السُّجُودِ.
6- التهذيب 251:5-852.

ثم يقف على باب المسجد و يدعو بالمنقول و يدخل المسجد و يأتي الحجر الأسود فيستلمه و يقبّله، فإن لم يستطع، استلمه بيده و قبّل يده، فإن لم يتمكّن، استقبله و كبّر و دعا كما تقدّم في طواف القدوم، كلّ ذلك مستحبّ، ثم يطوف واجبا سبعة أشواط طواف الزيارة يبدأ بالحجر و يختم به، فإذا أكمله، صلّى ركعتي الطواف واجبا في مقام إبراهيم عليه السّلام، ثم يرجع إلى الحجر الأسود، فيستلمه إن استطاع، و إلاّ استقبله و كبّر مستحبّا، ثم يخرج إلى الصفا واجبا، و يسعى بينه و بين المروة كما صنع في وقت قدومه في الكيفية، فإذا فرغ من السعي، أحلّ من كلّ شيء أحرم منه إلاّ النساء، ثم يرجع إلى البيت فيطوف طواف النساء أسبوعا - كما تقدّم - واجبا، و يصلّي ركعتيه في مقام إبراهيم عليه السّلام واجبا، فإذا أكمله، حلّت له النساء، و لهذا سمّي طواف النساء.

مسألة 672: السعي عقيب طواف الحجّ ركن في الحجّ عندنا

واجبا فيه، لما تقدّم.

و لقول الصادق عليه السّلام - في الحسن - قلت: فرجل نسي السعي بين الصفا و المروة، قال: «يعيد السعي» قلت: فاته ذلك حتى خرج(1) ، قال:

«يرجع فيعيد السعي، إنّ هذا ليس كرمي الجمار، إنّ الرمي سنّة، و السعي بين الصفا و المروة فريضة»(2).

و بين العامّة خلاف في وجوبه و استحبابه(3).

و هل يشترط في التحلّل الثاني السعي ؟ أو يحصل عقيب طواف

ص: 352


1- في الاستبصار و الموضع الأوّل من التهذيب: قلت: فإنّه يخرج (خرج).
2- التهذيب 150:5-492، و 286-974، الاستبصار 238:2-829.
3- انظر: المغني 410:3.

الزيارة قبله ؟ الأقرب: عدم الاشتراط، لأنّهم عليهم السّلام علّلوا التحلّل بطواف الزيارة(1) ، و ليس السعي جزءا من مسمّاه.

و بين العامّة خلاف، فمن قال: إنه فرض، لم يحصل التحلّل إلاّ به، و من قال: إنه سنّة، ففي التحلّل قبله وجهان: أحدهما: التحلّل، لأنه لم يبق شيء من واجبات الحجّ عندهم، و الثاني: عدمه، لأنه من أفعال الحجّ، فيأتي به في إحرام الحجّ، كالسعي في العمرة(2).

مسألة 673: طواف النساء واجب - عند علمائنا

أجمع - على الرجال و النساء و الخصيان من البالغين و غيرهم - و أطبقت العامّة على عدم وجوبه(3) - لما رواه العامّة عن عائشة قالت: فطاف الذين أهلّوا بالعمرة و بين الصفا و المروة ثم حلّوا ثم طافوا طوافا آخر(4).

و من طريق الخاصّة: قول الرضا عليه السّلام في قول اللّه عزّ و جلّ:

وَ لْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ (5) قال: «هو طواف النساء»(6).

و هذا الطواف واجب في الحجّ و العمرة المبتولة، عند علمائنا أجمع، لأنّ إسماعيل بن رباح سأل أبا الحسن عليه السّلام: عن مفرد العمرة عليه طواف النساء؟ قال «نعم»(7).

ص: 353


1- انظر على سبيل المثال: التهذيب 252:5-853.
2- المغني 475:3، الشرح الكبير 477:3.
3- كما في الخلاف 363:2، المسألة 199.
4- سنن أبي داود 153:2، ذيل الحديث 1781، سنن البيهقي 105:5، المغني 475:3، الشرح الكبير 478:3.
5- الحجّ: 29.
6- ورد الحديث كما في المتن عن الإمام الصادق عليه السّلام في التهذيب 253:5-855، و بتفاوت عن الإمام أبي الحسن عليه السّلام في التهذيب 252:5-253-854.
7- الكافي 538:4-8، التهذيب 253:5-858، الاستبصار 231:2-801.

و لا فرق بين الخصيّ و المرأة و الرجل في وجوب طواف النساء، لأنّ الحسين بن يقطين(1) سأل الكاظم عليه السّلام عن الخصيان و المرأة الكبيرة أ عليهم طواف النساء؟ قال: «نعم عليهم الطواف كلّهم»(2).

إذا عرفت هذا، فكلّ إحرام يجب فيه طواف النساء إلاّ إحرام العمرة غير المفردة، و كلّ طواف لا بدّ له من سعي يتعقّبه إلاّ طواف النساء.

مسألة 674: و لو ترك الحاجّ أو المعتمر مفردا طواف النساء، لم يحللن له،

و يجب عليه العود مع المكنة ليطوفه، فإن لم يتمكّن، أمر من يطوف عنه طواف النساء، فإذا طاف النائب عنه، حلّت له النساء.

و لو مات قبل طوافه، طاف عنه وليّه بعد موته، لأنّه أحد المناسك الواجبة، فيأتي به.

و لأنّ معاوية بن عمّار سأل الصادق عليه السّلام - في الصحيح - عن رجل نسي طواف النساء حتى يرجع إلى أهله، قال: «يرسل فيطاف عنه فإن توفّي قبل أن يطاف عنه فليطف عنه وليّه»(3).

و إنّما قلنا بالاستنابة مع تعذّر إمكان الرجوع، لأنّ معاوية بن عمّار سأل الصادق عليه السّلام - في الصحيح -: عن رجل نسي طواف النساء حتى أتى الكوفة، قال: «لا تحلّ له النساء حتى يطوف بالبيت» قلت: فإن لم يقدر؟ قال: «يأمر من يطوف عنه»(4).

و على تحريم النساء قبل فعله رواية معاوية بن عمّار - الصحيحة - عن الصادق عليه السّلام، قال: سألته عن رجل نسي طواف النساء حتى يرجع إلى

ص: 354


1- في المصدر: الحسين بن علي بن يقطين.
2- الكافي 513:4-4، التهذيب 255:5-864.
3- التهذيب 255:5-256-866، الاستبصار 233:2-808.
4- التهذيب 256:5-867، الإستبصار 233:2-809.

أهله، قال: «لا تحلّ له النساء حتى يزور البيت، فإن هو مات فليقض عنه وليّه أو غيره، فأمّا ما دام حيّا فلا يصحّ أن يقضى عنه، و إن نسي الجمار فليسا سواء، لأنّ الرمي سنّة و الطواف فريضة»(1).

البحث الثاني: في الرجوع إلى منى
مسألة 675: إذا قضى الحاجّ مناسكه بمكّة من طواف الزيارة و صلاة ركعتيه و السعي و طواف النساء و صلاة ركعتيه، وجب أن يرجع إلى منى

للمبيت بها ليالي التشريق، و هي ليلة الحادي عشر و الثاني عشر و الثالث عشر، عند علمائنا - و به قال عطاء و عروة و إبراهيم و مجاهد و مالك و الشافعي و أحمد في إحدى الروايتين(2) - لما رواه العامّة: أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله رخّص للعباس بن عبد المطّلب أن يبيت بمكة ليالي منى من أجل سقايته(3).

قال ابن عباس: لم يرخّص النبي صلّى اللّه عليه و آله لأحد يبيت بمكّة إلاّ للعباس من أجل سقايته(4).

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السّلام - في الصحيح -: «إذا فرغت من طوافك للحجّ و طواف النساء فلا تبيت إلاّ بمنى إلاّ أن يكون شغلك في

ص: 355


1- التهذيب 255:5-865، الإستبصار 233:2-807.
2- المغني و الشرح الكبير 482:3، الحاوي الكبير 205:4، روضة الطالبين 2: 385، المهذّب - للشيرازي - 238:1، المجموع 247:8، الوجيز 121:1، فتح العزيز 388:7، الكافي في فقه أهل المدينة: 145.
3- صحيح البخاري 217:2، صحيح مسلم 953:2-1315، سنن ابن ماجة 2: 1019-3065، سنن أبي داود 199:2-1959، سنن الدارمي 75:2، سنن البيهقي 153:5، المغني و الشرح الكبير 482:3.
4- سنن ابن ماجة 1019:2-3066، المغني 482:3، الشرح الكبير 482:3 - 483.

نسكك، و إن خرجت بعد نصف الليل فلا يضرّك أن تبيت في غير منى»(1).

و قال أحمد في الرواية الأخرى: إنّه مستحب لا واجب - و به قال الحسن البصري(2) - لقول ابن عباس: إذا رميت الجمرة فبت حيث شئت(3).

و لأنّه قد حلّ من حجّه، فلم يجب عليه المبيت بموضع معيّن، كليلة الحصبة(4).

و لا حجّة في قول ابن عباس خصوصا و قد نقل عنه: لا يبيتنّ أحد من وراء العقبة من منى ليلا(5).

و الفرق بين ليلة الحصبة و غيرها، لبقاء بعض المناسك عليه في غيرها.

مسألة 676: لو ترك المبيت بمنى، وجب عليه عن كلّ ليلة شاة

إلاّ أن يخرج من منى بعد نصف الليل أو يبيت بمكّة مشتغلا بالعبادة، فلو ترك المبيت ليلة، وجب عليه شاة، فإن ترك ليلتين، وجب شاتان، فإن ترك الثالثة و كان ممّن اتّقى، لم يكن عليه شيء، لأنّ له النفر في الأوّل، إلاّ أن تغرب الشمس يوم الثاني عشر و هو بمنى.

و لو لم يكن قد اتّقى أو نفر بعد الغروب، وجب عليه شاة أخرى، لما رواه العامّة عن النبي صلّى اللّه عليه و آله، قال: (من ترك نسكا فعليه دم)(6) و قد بيّنّا أنّ المبيت بمنى نسك.

و من طريق الخاصّة: رواية جعفر بن ناجية، قال: سألت الصادق عليه السّلام:

ص: 356


1- التهذيب 256:5-868.
2- المغني و الشرح الكبير 482:3.
3- المغني و الشرح الكبير 482:3.
4- المغني و الشرح الكبير 482:3.
5- المغني 482:3.
6- أورده أبو إسحاق الشيرازي في المهذّب 233:1، و ابنا قدامة في المغني 3: 396، و الشرح الكبير 398:3.

عمّن بات ليالي منى بمكّة، فقال: «عليه ثلاثة من الغنم يذبحهنّ»(1).

و قال أبو حنيفة: لا شيء عليه إذا ترك المبيت(2).

و قال الشافعي: إذا ترك المبيت ليلة واحدة، وجب عليه مدّ. و فيه قولان: أحدهما: يجب عليه درهم، و الآخر: ثلث دم. و هل الدم واجب أو مستحبّ؟ قولان(3).

و يجوز النفر في اليوم الثاني من أيّام التشريق لمن اتّقى، فلا يجب المبيت الليلة الثالثة.

و الاتّقاء: اجتناب النساء و الصيد في إحرامه.

إذا عرفت هذا، فلو أراد المتّقي في الأوّل، جاز له ما لم تغرب الشمس و هو بمنى - و به قال الشافعي(4) - لقوله تعالى فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ (5).

أمّا لو غربت الشمس، وجب عليه المبيت و الرمي في الثالث، و به قال الشافعي و مالك و أحمد(6).4.

ص: 357


1- الفقيه 286:2-1406، التهذيب 257:5-872، الإستبصار 292:2-1039.
2- الحاوي الكبير 206:4، فتح العزيز 391:7، المغني 482:3.
3- الحاوي الكبير 205:4 و 206، فتح العزيز 390:7، المهذّب - للشيرازي - 1: 238، المجموع 247:8، روضة الطالبين 385:2.
4- فتح العزيز 395:7، المهذّب - للشيرازي - 238:1، المجموع 248:8 و 282، روضة الطالبين 387:2، الحاوي الكبير 199:4.
5- البقرة: 203.
6- الوجيز 122:1، فتح العزيز 396:7، المهذّب - للشيرازي - 238:1، المجموع 248:8 و 282، روضة الطالبين 387:2، المنتقى - للباجي - 47:3، المغني 487:3، الشرح الكبير 497:3، الحاوي الكبير 200:4.

و قال أبو حنيفة: يسوغ النفر ما لم يطلع الفجر(1).

إذا ثبت هذا، فالواجب الكون ليالي التشريق، و لا عبادة عليه زائدة على غيرها من الليالي إجماعا.

و الأفضل أن لا يخرج من منى إلاّ بعد طلوع الفجر. و يجوز له أن يأتي مكة أيّام منى لزيارة البيت تطوّعا.

و الأفضل المقام بمنى إلى انقضاء أيّام التشريق، لأنّ ليث المرادي سأل الصادق عليه السّلام: عن الرجل يأتي مكّة أيّام منى بعد فراغه من زيارة البيت، فيطوف بالبيت تطوّعا، فقال: «المقام بمنى أفضل و أحبّ إليّ»(2).

مسألة 677: رخّص للرعاة المبيت في منازلهم و ترك المبيت بمنى

ما لم تغرب الشمس عليهم في منى، فإنّه يلزمهم المبيت بها إجماعا روى العامّة: أنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله رخّص للرعاة أن يتركوا المبيت بمنى و يرموا يوم النحر جمرة العقبة ثم يرموا يوم النفر(3).

و كذلك أهل سقاية العباس، لأنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله رخّص لأهل سقاية العباس أن يدعوا المبيت بمنى.

و قد قيل: إنّه إذا غربت الشمس على أهل سقاية العباس بمنى أن يدعوا المبيت بمنى، بخلاف الرعاة، لأنّ شغل أهل السقاية ثابت ليلا و نهارا، و شغل الرعاة بالنهار(4).

ص: 358


1- المبسوط - للسرخسي - 68:4، الحاوي الكبير 200:4، فتح العزيز 7: 396، المجموع 282:8، المغني 487:3، الشرح الكبير 497:3.
2- الكافي 515:4-1، التهذيب 261:5-887، الاستبصار 295:2-1053.
3- فتح العزيز 393:7، و في سنن أبي داود 202:2-1975، و سنن الترمذي 3: 289-290-955، و سنن ابن ماجة 1010:2-3037، و سنن البيهقي 150:5 نحوه.
4- فتح العزيز 394:7، المجموع 248:8.

و الأقرب: أنّ من شاركهم في العذر - كمن له مريض بمكّة يحتاج أن يعلّله، أو مال بها يخاف ضياعه - يترخّص كترخّصهم.

و للشافعي وجهان(1).

[و](2) الأقرب: أنّه لا تختصّ رخصة أهل السقاية بالعبّاسيّة - و به قال الشافعي(3) - لأنّ المعنى يعمّهم و غيرهم.

و قال مالك و أبو حنيفة: إنّها تختصّ بأولاد العباس(4).

البحث الثالث: في الرمي.
مسألة 678: يجب على الحاجّ الرمي في كلّ يوم من أيّام التشريق الجمار الثلاث

كلّ جمرة بسبع حصيات من الجمار الملتقط من المشعر.

فأوّل وقت الرمي يوم النحر، و هو مختصّ بجمرة العقبة خاصّة قبل الذبح، كما تقدّم.

و أمّا الجمار الثلاث: فأوّل وقت رميها الحادي عشر من شهر ذي الحجّة، و هو أوّل أيّام التشريق، ثم في الثاني عشر، ثم في الثالث عشر، و هو ثالث أيّام التشريق، فيرمي في كلّ يوم بإحدى و عشرين حصاة. و يبدأ بالأولى من الجمرات، و هي أبعد الجمرات من مكّة.

و يستحب أن يرميها عن يسارها من بطن المسيل بسبع حصيات يرميهنّ خذفا، و يكبّر مع كلّ حصاة، و يدعو، ثم يقوم عن يسار الطريق و يستقبل القبلة و يحمد اللّه و يثني عليه و يصلّي على النبي صلّى اللّه عليه و آله، ثم يتقدّم

ص: 359


1- فتح العزيز 394:7، المجموع 248:8، حلية العلماء 350:3.
2- أضفناها لأجل السياق.
3- فتح العزيز 394:7، المجموع 248:8، روضة الطالبين 386:2.
4- فتح العزيز 394:7.

قليلا و يدعو، ثم يقوم عن يسار الطريق و يستقبل القبلة و يحمد اللّه و يثني عليه و يصلّي على النبي صلّى اللّه عليه و آله، ثم يتقدّم قليلا و يدعو، ثم يرمي الجمرة الثانية الوسطى، و يصنع عندها كما صنع عند الاولى، و يقف و يدعو بعد الحصاة السابعة، ثم يمضي إلى الثالثة - و هي جمرة العقبة - يختم بها الرمي، فيرميها كالأوّلتين، إلاّ أنّه لا يقف عندها، و لا نعلم فيه خلافا.

روى العامّة عن عائشة، قالت: أفاض رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله من آخر يومه حين صلّى الظهر ثم رجع إلى منى فمكث بها ليالي التشريق يرمي الجمرة إذا زالت الشمس كلّ جمرة بسبع حصيات يكبّر مع كلّ حصاة، و يقف عند الاولى و الثانية، فيطيل القيام و يتضرّع، و يرمي الثالثة و لا يقف عندها(1).

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السّلام - في الصحيح -: «ارم في كلّ يوم عند زوال الشمس و قل كما قلت حين رميت جمرة العقبة، و ابدأ بالجمرة الاولى، و ارمها عن يسارها في بطن المسيل و قل كما قلت يوم النحر ثم قم عن يسار الطريق، فاستقبل القبلة و احمد اللّه و أثن عليه و صلّ على النبي صلّى اللّه عليه و آله، ثم تقدّم قليلا، فتدعو و تسأله أن يتقبّل منك، ثم تقدّم أيضا و افعل ذلك عند الثانية و اصنع كما صنعت بالأولى و تقف و تدعو اللّه كما دعوت، ثم تمضي إلى الثالثة و عليك السكينة و الوقار و لا تقف عندها»(2).

مسألة 679: أوّل وقت الرمي في هذه الأيّام كلّها من طلوع الشمس إلى غروبها،

قاله أكثر علمائنا(3) - و به قال طاوس و عكرمة(4) - لما رواه

ص: 360


1- سنن أبي داود 201:2-1973، سنن البيهقي 148:5.
2- الكافي 480:4-481-1، التهذيب 261:5-888.
3- منهم: الشيخ المفيد في المقنعة: 66، و الشيخ الطوسي في النهاية: 266، و المبسوط 378:1، و المحقّق في شرائع الإسلام 275:1.
4- الحاوي الكبير 194:4.

العامّة: أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كان يرمي الجمار إذا زالت الشمس قدر ما إذا فرغ من رميه صلّى الظهر(1) ، و معلوم أنّه عليه السّلام كان يبادر إلى فعل الفريضة في أوّل وقتها، فدلّ على أنّ الرمي قبل الزوال.

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السّلام - في الصحيح -: «الرمي ما بين طلوع الشمس إلى غروبها»(2).

و للشيخ - رحمه اللّه - قول آخر في الخلاف: لا يجوز الرمي إلاّ بعد الزوال(3) ، و هو قول الفقهاء الأربعة(4) ، إلاّ أنّ أبا حنيفة جوّز الرمي يوم النفر قبل الزوال استحسانا(5).

إذا ثبت هذا، فالرمي عند الزوال أفضل، لقول الصادق عليه السّلام: «ارم في كلّ يوم عند الزوال»(6) و بعد الزوال في الأداء أفضل.

و رخّص للعليل و الخائف و الرعاة و العبيد الرمي ليلا لحاجتهم.

و قال الصادق عليه السّلام - في الصحيح -: «لا بأس أن يرمي الخائف بالليل و يضحّي و يفيض بالليل»(7).

و في الموثّق عنه عليه السّلام «رخّص للعبد و الخائف و الراعي في الرمي ليلا»(8).6.

ص: 361


1- سنن ابن ماجة 1014:2-3054.
2- الاستبصار 296:2-1054، و التهذيب 262:5-891، و فيه: «رمي الجمار..» بدل «الرمي..».
3- الخلاف 351:2، المسألة 176.
4- المدوّنة الكبرى 423:1، الوجيز 122:1، فتح العزيز 396:7-397، المجموع 239:8، الحاوي الكبير 194:4.
5- الحاوي الكبير 194:4.
6- الكافي 480:4-1، التهذيب 261:5-888، الاستبصار 296:2-1057.
7- التهذيب 263:5-895.
8- التهذيب 263:5-896.
مسألة 680: يجب الترتيب بين الجمار الثلاث،

فلو نكس فبدأ بجمرة العقبة ثم الوسطى ثم الأولى، أعاد على الوسطى و جمرة العقبة. و كذا لو بدأ بالوسطى و رمى الثلاث، لم يجزئه إلاّ الاولى. و لو رمى جمرة العقبة ثم الاولى ثم الوسطى، أعاد على جمرة العقبة خاصّة. و بالجملة يعيد على ما يحصل به الترتيب عند علمائنا - و به قال مالك و الشافعي و أحمد(1) - لأنّ النبي عليه السّلام رتّبها في الرمي، و قال: (خذوا عنّي مناسككم)(2).

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السّلام - في الصحيح - في رجل رمى الجمار منكوسة: «يعيد على الوسطى و جمرة العقبة»(3).

و لأنّه نسك متكرّر، فيشترط فيه الترتيب، كالسعي.

و قال الحسن البصري و عطاء و أبو حنيفة: لا يجب الترتيب، لأنّها مناسك متكرّرة في أمكنة متفرّقة في وقت واحد ليس بعضها تابعا لبعض، فلا يشترط فيها الترتيب، كالرمي و الذبح(4).

و نمنع حكم الأصل، و يبطل بالطواف و السعي.

مسألة 681: يجب أن يرمي كلّ جمرة بسبع حصيات كملا،

فلا يجوز له الإخلال بواحدة منها - و به قال الشافعي و أصحاب الرأي و أحمد في إحدى الروايتين(5) - لما رواه العامّة: أنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله رمى بسبع حصيات(6).

ص: 362


1- المغني 485:3، الشرح الكبير 487:3، الحاوي الكبير 194:4.
2- سنن البيهقي 125:5، و انظر: المغني 485:3، و الشرح الكبير 488:3.
3- الكافي 483:4-2، التهذيب 265:5-903.
4- المغني 485:3، الشرح الكبير 487:3، الحاوي الكبير 194:4.
5- الحاوي الكبير 194:4، المجموع 239:8، المغني 486:3، الشرح الكبير 488:3.
6- سنن ابن ماجة 1008:2-3030، سنن البيهقي 129:5، المغني 486:3، الشرح الكبير 488:3.

و من طريق الخاصّة: رواية عبد الأعلى عن الصادق عليه السّلام، قال: قلت له: رجل رمى الجمرة بست حصيات و وقعت واحدة، قال: «يعيدها إن شاء من ساعته و إن شاء من الغد إذا أراد الرمي، و لا يأخذ من حصى الجمار»(1).

و قال أحمد في الرواية الثانية: يجوز أن ينقص حصاة أو حصاتين لا أزيد(2) - و به قال مجاهد و إسحاق(3) - لما رواه ابن أبي نجيح، قال: سئل طاوس عن رجل ترك حصاة، قال: يتصدّق بتمرة أو لقمة، فذكرت ذلك لمجاهد، فقال: إنّ أبا عبد الرحمن لم يسمع قول سعد، قال سعد: رجعنا من الحجّة مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بعضنا يقول: رميت بست، و بعضنا يقول:

رميت بسبع، فلم يعب ذلك بعضنا على بعض(4).

و لا حجّة فيه، لجواز أن يكون الترك لسهو، و حكاية الحال لا عموم لها.

مسألة 682: قد بيّنّا وجوب الترتيب في رمي الجمار،

فلو رمى الاولى بأقلّ من أربع حصيات ثم رمي الثانية و الثالثة، لم يحصل الترتيب، سواء كان عمدا أو سهوا.

و كذا لو رمى الاولى بسبع ثم رمى الثانية بثلاث ثم أكمل الثالثة، فيجب أن يكمل الناقصة ثم يعيد على الأخرى.

و لو رمى السابقة بأربع فما زاد ثم رمى ما بعدها سهوا، حصل له الترتيب، و وجب عليه إكمال ما نسيه في السابقة.

ص: 363


1- الكافي 483:4-3، التهذيب 266:5-906.
2- المغني 485:3-486، الشرح الكبير 488:3.
3- المغني 485:3-486، الشرح الكبير 488:3.
4- المغني 486:3، الشرح الكبير 489:3، و انظر سنن النسائي 275:5.

و لو كان النقص عمدا، بطل الترتيب و إن كان قد رمى أربعا فما زاد، لأنّ الأكثر يقوم مقام الشيء مع النسيان.

و قول الصادق عليه السّلام - في الصحيح - في رجل رمى الجمرة الأولى بثلاث و الثانية بسبع و الثالثة بسبع، قال: «يعيد رميهنّ جميعا بسبع سبع» [قلت:](1) فإن رمى الاولى بأربع و الثانية بثلاث و الثالثة بسبع، قال: «يرمي الجمرة الأولى بثلاث و الثانية بسبع، و يرمي جمرة العقبة بسبع» قلت: فإنّه رمى الجمرة الأولى بأربع و الثانية بأربع و الثالثة بسبع، قال: «يعيد فيرمي الأولى بثلاث و الثانية بثلاث، و لا يعيد على الثالثة»(2).

إذا ثبت هذا، فلو رمى بستّ و ضاعت واحدة، فليعدها و إن كان من الغد، و لا يسقط وجوبها، للرواية(3).

و لو علم أنّه قد أخلّ بحصاة و لم يعلم من أيّ الجمار هي، فليرم الثلاث بثلاث حصيات، ليحصل يقين البراءة.

و لقول الصادق عليه السّلام - في الصحيح - في رجل أخذ إحدى و عشرين حصاة فرمى بها فزاد واحدة فلم يدر من أيّهنّ نقص، قال: «فليرجع فليرم كلّ واحدة بحصاة» و إن سقطت من رجل حصاة فلم يدر أيّتهنّ هي، قال:

«يأخذ من تحت قدميه حصاة يرمي بها» قال: «فإن رميت بحصاة فوقعت في محمل، فأعد مكانها، و إن هي أصابت إنسانا أو جملا ثم وقعت في الجمار أجزأك»(4).7.

ص: 364


1- أضفناها من المصدر.
2- التهذيب 265:5-266-904.
3- الكافي 483:4-3، التهذيب 266:5-906.
4- الكافي 483:4-484-5، التهذيب 266:5-267-907.

و يجب أن يرمي السبع في سبع مرّات، فإن رماها دفعة أو أقلّ من سبعة، لم يجزئه، لأنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله رمى بسبع حصيات في سبع مرّات و قال:

(خذوا عنّي مناسككم)(1).

مسألة 683: يجوز الرمي راكبا و المشي أفضل،

لأنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله رمى الجمار راكبا(2) ، و كذا أبو جعفر الثاني الجواد عليه السّلام(3).

و قال الشافعي: يرمي في اليوم الأخير راكبا، و في الأوّلين ماشيا(4) ، لأنّ النفر يتعقّب الرمي في الثالث، فإذا كان راكبا، مضى عقيب الرمي و في الأوّلين يكون مقيما.

و يستحب أن يأخذ الحصى في كفّه و يأخذ منها و يرمي، و يكبّر عند رمي كلّ حصاة، و المقام بمنى أيّام التشريق، و أن يرمي الجمرة الأولى عن يمينه، و يقف و يدعو، و كذا الثانية، و يرمي الثالثة مستدبرا للقبلة مقابلا لها، و لا يقف عندها، فلو أخلّ بشيء من ذلك، لم يكن عليه شيء، لا نعلم فيه خلافا إلاّ ما نقل عن الثوري: أنّه لو ترك الوقوف و الدعاء، أطعم شيئا، و إن أراق دما، كان أحبّ(5).

مسألة 684: يجوز الرمي عن كلّ ذي عذر،

كالعليل و المبطون و المغمى عليه و الصبي و من أشبههم، لقول الصادق عليه السّلام - في الحسن -:

ص: 365


1- سنن البيهقي 125:5.
2- التهذيب 267:5-909، الاستبصار 298:2-1063، صحيح مسلم 2: 943-1297، سنن الترمذي 244:3-899.
3- التهذيب 267:5-908، الاستبصار 298:2-1062.
4- فتح العزيز 406:7، المجموع 183:8، صحيح مسلم بشرح النووي هامش إرشاد الساري 421:5.
5- المجموع 283:8، المغني 485:3، الشرح الكبير 486:3.

«الكسير و المبطون يرمى عنهما» قال: «و الصبيان يرمى عنهم»(1).

و في الصحيح عن الصادق عليه السّلام: في رجل أغمي عليه، فقال: «يرمى عنه الجمار»(2).

و قال الكاظم عليه السّلام في المريض لا يستطيع أن يرمي الجمار: «يرمى عنه»(3).

و سأل إسحاق بن عمّار الكاظم عليه السّلام: عن المريض يرمى عنه الجمار؟ قال: «نعم يحمل إلى الجمرة و يرمى عنه»(4).

مسألة 685: لو نسي رمي يوم بعض الجمرات أو جميعها، أعاده من الغد،

لأنّ عبد اللّه بن سنان سأل الصادق عليه السّلام - في الصحيح - عن رجل أفاض من جمع حتى انتهى إلى منى فعرض له عارض فلم يرم حتى غابت الشمس، قال: «يرمي إذا أصبح مرّتين مرّة لما فاته، و الأخرى ليومه الذي يصبح فيه، و ليفرّق بينهما تكون إحداهما بكرة، و هي للأمس، و الأخرى عند زوال الشمس»(5).

و للشافعي قولان: أحدهما: أنّ رمي كلّ يوم محدود الأوّل و الآخر، ففي السقوط بفوات وقته وجهان: أحدهما: السقوط، لأنّ فوات الوقت المحدود يسقط الفعل المتعلّق به.

و الثاني: أنّ الجميع كاليوم الواحد، فيعيد في اليوم الثاني و الثالث ما

ص: 366


1- الكافي 485:4-1، الفقيه 286:2-1404، التهذيب 286:5-914.
2- التهذيب 268:5-916.
3- التهذيب 268:5-917.
4- الكافي 485:4-2، الفقيه 286:2-1405، التهذيب 268:5-919.
5- التهذيب 262:5-893.

فاته قبله(1).

و نمنع التحديد أوّلا، لأنّهم رووا عن النبي صلّى اللّه عليه و آله أنّه رخّص للرعاة أن يتركوا المبيت بمنى، و يرموا يوم النحر جمرة العقبة ثم يرموا يوم النفر(2) ، و لو كان محدودا، لما سوّغ التأخير حتى يصير قضاء.

و أمّا إذا فاته رمي يوم كملا، فقد قلنا بوجوب قضائه في غده.

و للشافعي ثلاثة أقوال: أحدها: السقوط إلى الدم. و الثاني: القضاء و الدم، كقضاء رمضان إذا أخّره إلى رمضان آخر. و الثالث: القضاء و لا شيء عليه، كالوقوف إذا أخّره إلى الليل(3).

و الأصل براءة الذمّة من الدم.

و يستحب أن يرمي ما فاته بالأمس بكرة، للمبادرة إلى القضاء، و الذي ليومه عند الزوال، لأنّه وقت الفضيلة.

و يجب الترتيب يبدأ بقضاء الفائت ثم يعقب بالحاضر، فلو بدأ برمي يومه، لم يقع الذي لأمسه، لعدم إرادته، و لا الذي ليومه، لوجوب الترتيب، و هو أحد قولي الشافعي، و الثاني: سقوط الترتيب(4).

و لو رمى جمرة واحدة بأربع عشرة حصاة: سبعا ليومه، و سبعا لأمسه، بطلت الاولى.

و لو فاته رمي يومين، قضاه يوم الثالث مرتّبا. و لو فاته حصاة أو8.

ص: 367


1- الحاوي الكبير 196:4، فتح العزيز 402:7-403، المهذّب - للشيرازي - 1: 237، المجموع 240:8.
2- فتح العزيز 393:7.
3- فتح العزيز 406:7، المهذّب - للشيرازي - 237:1، المجموع 241:8، حلية العلماء 349:3.
4- فتح العزيز 403:7، المجموع 240:8.

حصاتان أو ثلاث حتى خرجت أيّام التشريق، لم يكن عليه شيء، و إن رماها في القابل، كان أحوط.

و قال الشافعي: إن ترك واحدة، فعليه مدّ، و إن ترك اثنتين، فمدّان، و إن ترك ثلاثا، فدم إن كان ذلك من الجمرة الأخيرة، و إن كان من الأوّلتين، بطل الرمي(1).

و الأصل براءة الذمّة.

مسألة 686: لو نسي الجمار كلّها في الأيّام بأجمعها حتى جاء مكّة، وجب عليه الرجوع إلى منى و إعادة الرمي

إن كانت أيّام التشريق لم تخرج، و إن خرجت، قضاه من قابل في أيّام التشريق، أو يأمر من يقضي عنه الرمي، و لا دم عليه، لأنّه مكلّف بالرمي، فلا يخرج عن العهدة إلاّ به، و لا كفّارة، لأصالة البراءة.

و لقول الصادق عليه السّلام: «من أغفل رمي الجمار أو بعضها حتى تمضي أيّام التشريق فعليه أن يرميها من قابل، فإن لم يحجّ رمى عنه وليّه، فإن لم يكن له وليّ، استعان رجلا من المسلمين يرمي عنه، فإنّه لا يكون رمي الجمار إلاّ أيّام التشريق»(2).

و لو أخّر رمي جمرة العقبة يوم النحر، أعادها في ثاني أيّام النحر - و هو أحد قولي الشافعي(3) - لأنّه رمي فات وقته، فكان عليه قضاؤه، كرمي أيّام التشريق.

ص: 368


1- فتح العزيز 408:7، حلية العلماء 349:3، المهذّب - للشيرازي - 238:1، المجموع 241:8.
2- التهذيب 264:5-900، الاستبصار 297:2-1060.
3- المهذّب - للشيرازي - 238:1، المجموع 241:8، فتح العزيز 404:7، الحاوي الكبير 197:4.

و لأنّ عبد اللّه بن سنان سأل الصادق عليه السّلام - في الصحيح - عن رجل أفاض من جمع حتى انتهى إلى منى، فعرض له [عارض](1) فلم يرم حتى غابت الشمس، قال: «يرمي إذا أصبح مرّتين: مرّة لما فاته، و الأخرى ليومه الذي يصبح فيه»(2).

و الثاني: السقوط، و لا تكون أيّام التشريق وقتا له، لأنّه يخالفها، فلا يتعلّق رمي يوم النحر إلاّ بجمرة العقبة، فهو كجنس آخر، بخلاف بعض الأيّام مع بعض(3).

و يستحب للنائب في الرمي عن المريض و الصبي و شبهه أن يضع الحصى في كفّ المنوب.

و المغمى عليه إن كان قد أذن لغيره في الرمي قبل إغمائه، لم يبطل إذنه، و لو زال عقله قبل الإذن، جاز له أن يرمي عنه أيضا، للعموم. فإن زال العذر و الوقت باق، فالأقرب عدم وجوب الإعادة.

و وقت الرمي في الأداء و القضاء للمختار بعد طلوع الشمس إلى غروبها.

مسألة 687: يستحب التكبير بمنى أيّام التشريق عقيب خمس عشرة صلاة و في غيرها عقيب عشر

أوّلها ظهر يوم النحر، لاشتغاله قبل ذلك بالتلبية، و يستوي هو و الحلال في ابتداء المدّة، إلاّ أنّ المحرم يكبّر عقيب خمس عشرة صلاة، و المحلّ عقيب عشر على ما قلناه.

قال اللّه تعالى وَ لِتُكَبِّرُوا اللّهَ عَلى ما هَداكُمْ (4).

ص: 369


1- أضفناها من المصدر.
2- التهذيب 262:5-893.
3- المهذّب - للشيرازي - 238:1، المجموع 241:8، فتح العزيز 404:7، الحاوي الكبير 197:4.
4- البقرة: 185.

و اختلف علماؤنا في وجوبه، فقال به السيّد المرتضى(1) ، للأمر (به، و الأمر للوجوب)(2).

و لقول الصادق عليه السّلام: «التكبير واجب في دبر كلّ صلاة فريضة أو نافلة أيّام التشريق»(3).

و قال الشيخ رحمه اللّه: إنّه مستحب(4) ، للأصل.

و لقول الصادق عليه السّلام في الرجل ينسى أن يكبّر أيّام التشريق، قال:

«إن نسي حتى قام من موضعه فليس عليه شيء»(5).

إذا ثبت هذا، فلا تكبير عقيب النوافل، لقول الصادق عليه السّلام: «التكبير في كلّ فريضة، و ليس في النافلة تكبير أيّام التشريق»(6).

و الرواية الأولى ضعيفة السند.

و صورة التكبير هنا أن يقول: «اللّه أكبر اللّه أكبر، لا إله إلاّ اللّه و اللّه أكبر على ما هدانا، اللّه أكبر على ما رزقنا من بهيمة الأنعام» رواه زرارة في الصحيح عن الباقر(7) عليه السّلام.

و في الصحيح عن الصادق عليه السّلام: «اللّه أكبر اللّه أكبر، لا إله إلاّ اللّه و اللّه أكبر و للّه الحمد، اللّه أكبر على ما هدانا، اللّه أكبر على ما رزقنا من بهيمة الأنعام، و الحمد للّه على ما أبلانا»(8).2.

ص: 370


1- جمل العلم و العمل (ضمن رسائل الشريف المرتضى) 45:3.
2- ما بين القوسين من الطبعة الحجرية.
3- التهذيب 270:5-923، الاستبصار 299:2-1070.
4- المبسوط - للطوسي - 380:1.
5- التهذيب 270:5-924، الاستبصار 299:2-1071.
6- التهذيب 270:5-925، الاستبصار 300:2-1072.
7- التهذيب 269:5-921.
8- الكافي 517:4-4، التهذيب 270:5-922.
مسألة 688: يستحب للإمام أن يخطب بعد الظهر يوم الثالث من أيّام النحر،

و هو الثاني من أيّام التشريق، و هو النفر الأوّل، فيودّع الحاج و يعلمهم أنّ من أراد التعجيل ممّن اتّقى فله ذلك - و به قال الشافعي و أحمد و ابن المنذر(1) - لأنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله خطب وسط أيّام التشريق(2) ، يعني يوم النفر الأوّل.

و قال أبو حنيفة: لا يستحب ذلك، لأنّه من أيّام التشريق، فلا يستحب فيه كغيره من اليومين(3).

و الفرق: حاجة الناس إلى معرفة التعجيل، و أنّ من تأخّر حتى تغيب الشمس يلزمه المبيت و الوداع و كيفيّته، بخلاف اليومين.

البحث الرابع: في النفر من منى.
مسألة 689: إذا رمى الحاجّ الجمار الثلاث في اليوم الأوّل من أيّام التشريق و في الثاني، جاز له النفر من منى،

و يسقط عنه رمي الثالث إن كان قد اتّقى النساء و الصيد في إحرامه، بإجماع العلماء.

و لا فرق في جواز النفر الأوّل بين أهل مكّة و غيرهم ممّن يريد المقام بمكّة أو لا يريد، و هو قول عامّة العلماء(4) ، لعموم الآية(5).

ص: 371


1- الحاوي الكبير 198:4، فتح العزيز 356:7، المهذّب - للشيرازي - 238:1، المجموع 249:8، روضة الطالبين 374:2، حلية العلماء 351:3، المغني 3: 488، الشرح الكبير 496:3.
2- سنن أبي داود 197:2-1952، سنن الدار قطني 227:2-49، سنن البيهقي 151:5.
3- المغني 488:3، الشرح الكبير 496:3، حلية العلماء 351:3، الحاوي الكبير 198:4.
4- المغني 487:3، الشرح الكبير 497:3، المجموع 284:8، تفسير القرطبي 13:3.
5- البقرة: 203.

و لما رواه العامّة عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، أنّه قال: (أيّام منى ثلاثة، فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ، وَ مَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ) (1).

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السّلام: «إذا أردت أن تنفر في يومين فليس لك أن تنفر حتى تزول الشمس، فإن تأخّرت إلى آخر أيّام التشريق و هو يوم النفر الأخير فلا عليك أيّ ساعة نفرت و رميت قبل الزوال أو بعده»(2).

و لأنّه دفع من مكان، فاستوى فيه أهل مكّة و غيرهم، كالدفع من عرفة و مزدلفة.

و قال أحمد: لا ينبغي لمن أراد المقام بمكة أن يتعجّل(3).

و قال مالك: من كان من أهل مكّة و له عذر، فله أن يتعجّل في يومين، فإذا أراد التخفيف عن نفسه من أمر الحجّ، فلا، لقول عمر: من شاء من الناس كلّهم أن ينفر في النفر الأوّل إلاّ آل خزيمة فلا ينفروا إلاّ في النفر الأخير(4).

و قول عمر ليس حجّة، و يحمل على أنّهم لم يتّقوا، لا على أنّهم من أهل مكّة.

مسألة 690: إنّما يجوز النفير في النفر الأوّل لمن اتّقى النساء و الصيد في إحرامه،

فلو جامع في إحرامه أو قتل صيدا فيه، لم يجز له أن ينفر في الأوّل، و وجب عليه المقام بمنى و النفر في الثالث من أيّام التشريق، لأنّه تعالى شرط الاتّقاء(5).

ص: 372


1- سنن أبي داود 196:2-1949، سنن ابن ماجة 1003:2-3015، سنن البيهقي 152:5، مسند أحمد 309:4-310، المغني 487:3، الشرح الكبير 497:3.
2- الكافي 520:4-3، الفقيه 287:2-288-1414، التهذيب 271:5-926، الإستبصار 300:2-1073.
3- المغني 486:3، الشرح الكبير 496:3، تفسير القرطبي 13:3.
4- المغني 486:3، الشرح الكبير 496:3، تفسير القرطبي 13:3.
5- البقرة: 203.

و لقول الصادق عليه السّلام: «من أتى النساء في إحرامه لم يكن له أن ينفر في النفر الأوّل»(1).

و في الصحيح عن الصادق عليه السّلام، في قوله تعالى فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَ مَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقى (2) قال: «يتّقي الصيد حتى ينفر أهل منى في النفر الأخير»(3).

و في رواية عن الباقر عليه السّلام أنّه «لِمَنِ اتَّقى الرفث و الفسوق و الجدال و ما حرّم اللّه عليه في إحرامه»(4).

إذا عرفت هذا، فإذا نفر في الأوّل نفر بعد الزوال، و لا ينفر قبله، إلاّ لضرورة أو حاجة، لقول الصادق عليه السّلام - في الصحيح -: «إذا أردت أن تنفر في يومين فليس لك أن تنفر حتى تزول الشمس، و إن تأخّرت إلى آخر أيّام التشريق و هو يوم النفر الأخير فلا عليك أيّ ساعة نفرت و رميت قبل الزوال أو بعده»(5).

و الأقرب أنّه على الاستحباب.

أمّا النفر الثاني: فيجوز قبل الزوال إجماعا.

و إنّما يجوز النفر في الأوّل إذا لم تغرب الشمس و هو بمنى، فإن غربت يوم النفر الأوّل و هو بمنى، وجب عليه المبيت تلك الليلة بمنى، عند علمائنا - و به قال ابن عمر و جابر بن زيد و عطاء و طاوس و مجاهد و أبان بن عثمان3.

ص: 373


1- الكافي 523:4-11، التهذيب 273:5-932.
2- البقرة: 203.
3- الفقيه 288:2-1415.
4- الفقيه 288:2-1416.
5- الكافي 520:4-3، الفقيه 287:2-288-1414، التهذيب 271:5-926، الاستبصار 300:2-1073.

و مالك و الشافعي و الثوري و إسحاق و أحمد و ابن المنذر(1) - لقوله تعالى:

فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ (2) و اليوم اسم النهار، فمن أدركه الليل لم يتعجّل في يومين.

و ما رواه العامّة عن عمر: من أدركه المساء في اليوم الثاني فليقم إلى الغد حتى ينفر الناس(3).

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السّلام - في الصحيح -: «إذا جاء الليل بعد النفر الأوّل فبتّ [بمنى](4) فليس لك أن تخرج منها حتى تصبح»(5).

و قال أبو حنيفة: له أن ينفر ما لم يطلع فجر اليوم الثالث، لأنّه لم يدخل وقت رمي اليوم الأخير، فجاز له النفر، كما قبل الغروب(6).

و الفرق أنّه قبل الغروب يتعجّل في اليومين، و هاهنا بعد خروجهما.

و لو دخل عليه وقت العصر، جاز له أن ينفر في الأوّل.

و منع الحسن البصري منه(7). و ليس بجيّد.

و لو رحل من منى فغربت الشمس و هو راحل قبل انفصاله منها، فالأقرب: عدم وجوب المبيت، لمشقّة الرفع و الحطّ. و لو كان مشغولا8.

ص: 374


1- المغني 487:3، الشرح الكبير 497:3، المجموع 249:8.
2- البقرة: 203.
3- فتح العزيز 396:7، المجموع 284:8، المغني 487:3، الشرح الكبير 3: 498 و فيها:.. حتى ينفر مع الناس.
4- أضفناها من المصدر.
5- الكافي 521:4-7، التهذيب 272:5-930.
6- المغني 487:3، الشرح الكبير 497:3.
7- المجموع 284:8.

بالتأهّب فغربت الشمس، فالأقرب: لزوم المقام.

و لو رحل قبل الغروب ثم عاد لأخذ متاع، أو اجتياز، أو زيارة، لم يلزمه المقام، فلو بات بمنى، احتمل لزوم الرمي، لدخوله عليه فيها.

و يجوز لمن نفر في الأوّل إتيان مكّة و الإقامة بها، لعموم الترخّص.

و قول الصادق عليه السّلام - في الصحيح -: «لا بأس أن ينفر الرجل في النفر الأوّل ثم يقيم بمكّة»(1).

و ينبغي للإمام أن ينفر قبل الزوال في النفر الأخير، و يصلّي الظهر بمكّة ليعلم الناس كيفية الوداع، و لا بأس أن يقيم الإنسان بمنى بعد النفر، لأنّه فرغ من أداء مناسكه، و لا يلزمه إتيان مكّة، لكن يستحب ليطوف للوداع. و إذا نفر في الأوّل، سقط عنه رمي الثالث إجماعا.

و يستحب له دفن الحصى المختصّ بذلك اليوم بمنى.

و أنكره الشافعي(2).

مسألة 691: يستحب للحاج أن يصلّي في مسجد الخيف بمنى،

و سفح كلّ جبل يسمّى خيفا، و كان مسجد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عند المنارة التي في وسط المسجد، و فوقها إلى القبلة نحوا من ثلاثين ذراعا، و عن يمينها و يسارها كذلك، فمن استطاع أن يكون مصلاّه فيه فليفعل.

و يستحب أن يصلّي فيه ست ركعات.

قال الصادق عليه السّلام: «صلّ ستّ ركعات في مسجد منى في أصل الصومعة»(3).

ص: 375


1- الكافي 521:4-6، الفقيه 289:2-1425، التهذيب 274:5-938.
2- فتح العزيز 396:7، المجموع 249:8.
3- الكافي 519:4-6، التهذيب 274:5-940.

و يستحب لمن ينفر في النفر الثاني أن يأتي المحصّب، و ينزل به، و يصلّي في مسجد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فيه، و يستريح فيه قليلا، و يستلقي على قفاه، و ليس للمسجد اليوم أثر، فيستحب نزول المحصّب و الاستراحة فيه قليلا، لأنّ العامّة رووا عن النبي صلّى اللّه عليه و آله أنّه نزل فيه و صلّى الظهر و العصر و المغرب و العشاء و هجع هجعة(1).

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السّلام: «كان أبي ينزلها ثم يرتحل»(2).

و اختلفوا في أنّه نسك(3) ، و النزاع لفظي، للإجماع على أنّه يثاب عليه، و أنّه لا يعاقب بتركه.

البحث الخامس: في الرجوع إلى مكّة.
مسألة 692: إذا قضى الحاجّ مناسكه بمنى، استحبّ له العود إلى مكّة لطواف الوداع،

و يستحب له دخول الكعبة.

قال الباقر عليه السّلام: «الدخول فيها دخول في رحمة اللّه، و الخروج منها خروج من الذنوب، معصوم فيما بقي من عمره، مغفور ما سلف من ذنوبه»(4).

و يستحب لمريد دخول الكعبة الاغتسال و الدعاء و التحفّي.

قال الصادق عليه السّلام - في الصحيح -: «إذا أردت دخول الكعبة فاغتسل قبل أن تدخلها و لا تدخلها بحذاء، و تقول» إلى آخر الدعاء(5).

ص: 376


1- سنن أبي داود 210:2-2013.
2- التهذيب 275:5-941.
3- انظر: المجموع 252:8-253، و المغني 489:3، و الشرح الكبير 498:3 - 499.
4- الكافي 527:4-2، التهذيب 275:5-276-944.
5- الكافي 528:4-3، التهذيب 276:5-945.

ثم يصلّي بين الأسطوانتين على الرخامة الحمراء ركعتين يقرأ في الأولى حم، و في الثانية عدد آياتها من القرآن، و يصلّي في زوايا البيت و يدعو بالمنقول قائما مستقبل الحائط بين الركن اليماني و الغربي يرفع يديه و يلتصق به، ثم يتحوّل إلى الركن اليماني فيفعل مثل ذلك ثم يفعل ذلك بباقي الأركان ثم ليخرج.

و يتأكّد استحباب دخولها للصرورة، فلا ينبغي له تركه، و يدخله بسكينة و وقار.

و تكره الفريضة جوف الكعبة.

روى معاوية بن عمّار - في الصحيح - عن الصادق عليه السّلام قال:

«لا تصلّ المكتوبة في الكعبة، فإنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله لم يدخل الكعبة في حجّ و لا عمرة و لكنّه دخلها في الفتح فتح مكة، و صلّى ركعتين بين العمودين و معه أسامة بن زيد»(1).

و يستحب الدعاء عند الخروج من الكعبة بالمنقول.

مسألة 693: يستحب وداع البيت إجماعا.

روى العامّة عن النبي صلّى اللّه عليه و آله، قال: (لا ينفرنّ أحد حتى يكون آخر عهده بالبيت)(2).

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السّلام: «إذا أردت أن تخرج من مكّة و تأتي أهلك فودّع البيت»(3).

هذا إذا أراد الخروج من مكّة، و لو نوى الإقامة، فلا وداع عليه.

ص: 377


1- التهذيب 279:5-953، الاستبصار 298:1-1101.
2- صحيح مسلم 963:2-1327، سنن ابن ماجة 1020:2-3070، سنن أبي داود: 208:2-2002، سنن الدارمي 72:2، مسند أحمد 222:1.
3- الكافي 530:4-1، التهذيب 280:5-957.

و اختلفت العامّة، فقال الشافعي و أحمد: لا وداع عليه، سواء نوى الإقامة قبل النفر أو بعده، لأنّه غير مفارق(1).

و قال أبو حنيفة: إن نوى الإقامة بعد أن حلّ له النفر، لم يسقط عنه طواف الوداع(2).

و الوجه: الأوّل، لقول الصادق عليه السّلام: «إذا أردت أن تخرج من مكّة و تأتي أهلك فودّع البيت»(3).

مسألة 694: يستحب الوداع بطواف سبعة أشواط،

و ليس هذا الطواف واجبا، و لا يجب بتركه دم، عند علمائنا - و هو أحد قولي الشافعي(4) - لأصالة البراءة، و لسقوطه عن الحائض، فلا يكون واجبا.

و لأنّ هشام بن سالم سأل الصادق عليه السّلام - في الصحيح - عمّن نسي زيارة البيت حتى رجع إلى أهله، فقال: «لا يضرّه إذا كان قد قضى مناسكه»(5).

و القول الثاني للشافعي: أنّه نسك واجب يجب بتركه الدم(6) - و به قال الحسن و الحكم و حماد و الثوري و إسحاق و أحمد و أبو ثور(7) - لقول ابن عباس: أمر الناس أن يكون آخر عهدهم البيت إلاّ أنّه خفّف عن المرأة الحائض(8).

ص: 378


1- المجموع 254:8، الحاوي الكبير 212:4، المغني 489:3، الشرح الكبير 500:3.
2- المغني 489:3، الشرح الكبير 500:3.
3- الكافي 530:4-1، التهذيب 280:5-957.
4- الحاوي الكبير 212:4، المجموع 254:8، المغني 490:3، الشرح الكبير 501:3.
5- التهذيب 282:5-961.
6- الحاوي الكبير 212:4-213، المجموع 254:8، تفسير القرطبي 52:12.
7- المغني 490:3، الشرح الكبير 501:3.
8- صحيح مسلم 963:2-1328، المغني 490:3، الشرح الكبير 501:3.

و الأمر هنا للاستحباب، جمعا بين الأدلّة.

و لا خلاف في أنّه ليس بركن في الحجّ، و لهذا سقط عن الحائض، بخلاف طواف الزيارة.

و وقته بعد فراغ المرء من جميع إشغاله ليكون البيت آخر عهده.

و إذا طاف للوداع و صلّى ركعتيه، فإن انصرف، فلا بحث، و إن أقام بعد ذلك على زيارة صديق أو شراء متاع أو شبه ذلك، قال الشافعي:

لا يجزئه الأوّل، و يعيد طوافا آخر، و إن قضى حاجة في طريقه من أخذ الزاد و شبهه، لم يؤثّر ذلك في وداعه - و به قال أحمد و عطاء و مالك و الثوري و أبو ثور - لأنّه بالإقامة يخرج عن كون فعله وداعا(1).

و قال أبو حنيفة: لا يعيد الوداع و إن أقام شهرين و أكثر، لأنّه طاف للوداع بعد ما حلّ له النفر، فأجزأه، كما لو نفر عقيبه(2).

و هذا البحث عندنا ساقط، لأنّه مستحبّ عندنا.

و لو كان منزله في الحرم، قال أبو ثور: عليه الوداع(3). و هو قياس قول مالك(4) و ظاهر مذهبنا، لأنّهم ينفرون و يخرجون من مكة، فاستحبّ لهم الوداع كغيرهم.

و قال أصحاب الرأي: لا وداع عليهم. و هو إحدى الروايتين عن أحمد(5).

و لو أخّر طواف الزيارة حتى يخرج، لم يسقط استحباب طواف3.

ص: 379


1- الحاوي الكبير 212:4، فتح العزيز 413:7، المجموع 255:8، المغني 3: 491، الشرح الكبير 502:3.
2- فتح العزيز 313:7، الحاوي الكبير 212:4، المغني 491:3، الشرح الكبير 502:3.
3- المغني 490:3.
4- المغني 490:3.
5- المغني 490:3.

الوداع، لأنّهما عبادتان، فلا يتداخلان. و من أوجب الدم بترك طواف الوداع من العامّة اختلفوا، فالأكثر أنّ القريب - و هو ما نقص عن مسافة التقصير - يرجع و يطوف للوداع، و البعيد يبعث بالدم.

و لو رجع البعيد و طاف للوداع، قال بعضهم: لا يسقط الدم، لاستقراره ببلوغ مسافة القصر. و قال بعضهم: يسقط، لأنّه واجب أتي به، فلا يجب بدله(1).

و لو خرج من مكّة و لم يودّع، يكون قد ترك الأفضل عندنا، فلو رجع لطواف الوداع، كان له ذلك إجماعا، فإن رجع و هو قريب لم يخرج من الحرم، فلا بحث، و إن خرج و قد بعد عن الحرم، لم يجز له أن يتجاوز الميقات إلاّ محرما، لأنّه ليس من أهل الأعذار، فحينئذ يطوف للعمرة لإحرامه و يسعى، و لا يجب عليه طواف الوداع عندنا. و لو رجع من دون الميقات، أحرم من موضعه.

مسألة 695: و طواف الوداع سبعة أشواط كغيره،

و يستلم الحجر الأسود و اليماني في كلّ شوط، فإن تعذّر، افتتح به و ختم به، و يأتي المستجار، و يصنع عنده كما صنع يوم قدوم مكّة، و يدعو و يلصق بطنه بالبيت، و يحمد اللّه و يثني عليه، و يدعو بالمنقول، ثم يصلّي ركعتي الطواف.

و قال الصادق عليه السّلام: «ليكن آخر عهدك بالبيت أن تضع يدك على الباب و تقول: المسكين على بابك فتصدّق عليه بالجنّة»(2).

ص: 380


1- المغني 491:3-492، الشرح الكبير 504:3-505.
2- الكافي 533:4-5، التهذيب 282:5-962.

و يستحب له أن يشرب من زمزم إجماعا، لما رواه العامّة: أنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله لمّا أفاض نزع [1] هو لنفسه بدلو من بئر زمزم و لم ينزع معه أحد، فشرب ثم أفرغ باقي الدلو في البئر [2].

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السّلام: «ثم ائت زمزم فاشرب منها ثم اخرج»(1).

مسألة 696: الحائض لا طواف عليها للوداع و لا فدية عليها

بإجماع فقهاء الأمصار. و يستحب لها أن تودّع من أدنى باب من أبواب المسجد، و لا تدخله إجماعا.

و روي عن عمر و ابنه أنّهما قالا: تقيم الحائض لطواف الوداع(2).

و ليس بمعتمد، لما رواه العامّة: أنّ أم سليم بنت ملحان استفتت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و قد حاضت أو ولدت بعد ما أفاضت يوم النحر، فأذن لها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، فخرجت(3).

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السّلام: «إذا أرادت الحائض أن تودّع البيت فلتقف على أدنى باب من أبواب المسجد فلتودّع البيت»(4).

ص: 381


1- الكافي 530:4-531-1، التهذيب 280:5-281-957.
2- المغني 492:3، الشرح الكبير 505:3.
3- الموطّأ 413:1-229.
4- الكافي 450:4-2، التهذيب 398:5-1383.

و لأنّ إلزامها بالمقام مشقّة عظيمة.

و المستحاضة تودّع بطواف، و لو فقدت الماء تيمّمت و طافت.

و لو طهرت الحائض قبل مفارقة بنيان مكّة، استحبّ لها العود و الاغتسال و الطواف. و أوجبه الموجبون، و إن كان بعد مفارقة البنيان، لم تعد إجماعا، للمشقّة، بخلاف من خرج متعمّدا، فإنّه يعود ما لم يبلغ مسافة القصر، لأنه ترك واجبا، فلا يسقط بمفارقة البنيان، و ها هنا لم يجب، فلا يجب بعد الانفصال إذا أمكن، كما يجب على المسافر إتمام الصلاة في البنيان، و لا يجب بعد الانفصال.

مسألة 697: يستحبّ لمن أراد الخروج من مكّة أن يشتري بدرهم تمرا يتصدّق به

ليكون كفّارة لما دخل عليه حال الإحرام من فعل حرام أو مكروه.

قال الصادق عليه السّلام - في الصحيح -: «يستحبّ للرجل و المرأة أن لا يخرجا من مكّة حتى يشتريا بدرهم تمرا يتصدّقان به لما كان منهما في إحرامهما، و لما كان في حرم اللّه عزّ و جلّ»(1).

ص: 382


1- الفقيه 290:2-1430.

المقصد الرابع في اللواحق

اشارة

و فيه فصول

ص: 383

ص: 384

الأول في الحصر و الصدّ
اشارة

و فيه مباحث:

الأوّل: في الصدّ.
مسألة 698: الحصر عندنا هو المنع من تتمّة أفعال الحجّ بالمرض خاصّة، و الصدّ بالعدوّ،

و عند العامّة هما واحد من جهة العدوّ(1). و الأصل عدم الترادف.

قال الصادق عليه السّلام - في الصحيح -: «المحصور غير المصدود، فإنّ المحصور هو المريض، و المصدود هو الذي يردّه المشركون كما ردّوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، ليس من مرض، و المصدود تحلّ له النساء، و المحصور لا تحلّ له»(2).

و القارن إذا أحصر، فليس له أن يتمتّع في القابل، بل يفعل مثل ما دخل فيه.

مسألة 699: إذا أحرم الحاجّ، وجب عليه إكمال ما أحرم له من حجّ أو عمرة،

فإذا صدّه المشركون أو غيرهم عن الوصول إلى مكّة بعد إحرامه، و لا طريق له سوى موضع الصدّ، أو كان له طريق لا تفي نفقته بسلوكه، تحلّل بالإجماع.

ص: 385


1- المغني 374:3، الشرح الكبير 530:3، تفسير القرطبي 371:2.
2- التهذيب 423:5-1467.

قال اللّه تعالى فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ (1) أي: إذا أحصرتم فتحلّلتم أو أردتم التحلّل فما استيسر من الهدي، لأنّ نفس الإحصار لا يوجب هديا.

و روى العامّة: أنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله أمر أصحابه يوم حصروا في الحديبية - و هي اسم بئر خارج الحرم - أن ينحروا و يحلقوا و يحلّوا(2).

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السّلام: «المصدود تحلّ له النساء»(3).

و سواء كان الإحرام للحجّ أو العمرة و بأيّ أنواع الحجّ أحرم جاز له التحلّل مع الصدّ، عند علمائنا - و به قال أبو حنيفة و الشافعي و أحمد(4) - لعموم الآية(5).

و لأنّها نزلت في صدّ الحديبيّة، و كان النبي صلّى اللّه عليه و آله و أصحابه محرمين بعمرة فتحلّلوا جميعا.

و قال مالك: المعتمر لا يتحلّل، لأنّه لا يخاف الفوات(6).

و لو كان له طريق غير موضع الصدّ، فإن كان معه نفقة تكفيه، لم يكن له التحلّل، و استمرّ على إحرامه، و وجب عليه سلوكها و إن بعدت، سواء خاف الفوات أو لا.5.

ص: 386


1- البقرة: 196.
2- صحيح البخاري 12:3، المغني 374:3.
3- الكافي 369:4-3، الفقيه 304:2-305-1512، التهذيب 423:5-1467.
4- المغني 374:3، الشرح الكبير 530:3، الامّ 162:2، مختصر المزني: 72، الحاوي الكبير 345:4-346، المجموع 294:8، بدائع الصنائع 177:2.
5- البقرة: 196.
6- المغني 374:3، الشرح الكبير 530:3، فتح العزيز 4:8، المجموع 8: 355.

فإن كان محرما بعمرة لم تفت، فلا يجوز له التحلّل، و إن كان بحجّ، صبر حتى يتحقّق الفوات ثم يتحلّل بعمرة، و ليس له قبله التحلّل و الإتيان بالعمرة بمجرّد خوف الفوات، لأنّ التحلّل إنّما يجوز بالحصر لا بخوف الفوات، و هذا غير مقصود هنا، فإنّه يجب أن يمضي على إحرامه في ذلك الطريق، فإذا أدرك الحجّ، أتمّه، و إن فاته، تحلّل بعمرة و قضاه.

و لو قصرت نفقته، جاز له التحلّل، لأنّه ممنوع مصدود و لا طريق له سوى موضع المنع لعجزه عن الباقي، فيتحلّل و يرجع إلى بلده.

قال الصادق عليه السّلام - في الصحيح -: «إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله حيث صدّه المشركون يوم الحديبيّة نحر بدنة و رجع إلى المدينة»(1).

مسألة 700: المصدود يتحلّل بالهدي و نيّة التحلّل خاصّة.

أمّا الهدي: فعليه فتوى أكثر العلماء(2) ، للآية(3).

قال الشافعي: لا خلاف بين المفسّرين في أنّ قوله تعالى فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ (4) نزلت في حصر الحديبيّة(5).

و لأنّه عليه السّلام حيث صدّه المشركون يوم الحديبيّة نحر بدنة، و رجع إلى المدينة(6) ، و فعله بيان للواجب.

و لأنّه أبيح له التحلّل قبل أداء نسكه، فكان عليه الهدي، كالفوات.

و قال ابن إدريس من علمائنا: الهدي مختصّ بالمحصور لا بالصدّ(7) ،

ص: 387


1- التهذيب 424:5-1472.
2- المغني 374:3، الشرح الكبير 530:3.
3- البقرة: 196.
4- البقرة: 196.
5- المغني 374:3، الشرح الكبير 530:3.
6- التهذيب 424:5-1472.
7- كذا، و الظاهر: المصدود.

لأصالة البراءة، و لقوله تعالى فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ (1) أراد: بالمرض، لأنّه يقال: أحصره المرض و حصره العدوّ(2). و به قال مالك، لأنّه تحلّل أبيح له من غير تفريط فأشبه من أتمّ حجّه(3).

و الفرق: أنّ من أتمّ حجّه لم يبق عليه شيء من النسك، فتحلّله لأداء مناسكه، بخلاف المصدود الذي لم يتم نسكه.

و أمّا النيّة: فلأنّه خروج من إحرام، فيفتقر إليها، كالداخل فيه. و لأنّ الذبح إنّما يختصّ بالتحلّل بالنيّة. و لأنّه عمل فيفتقر إلى النيّة، و به قال الشافعي(4).

و لو نوى التحلّل قبل الهدي، لم يتحلّل، و كان على إحرامه حتى ينحر الهدي، لأنّه أقيم مقام أفعال الحجّ، فلا يحلّ له، كما لا يتحلّل القادر على أفعال الحجّ قبل فعلها، و لا فدية عليه في نيّة التحلّل، لعدم تأثيرها في العبادة، فإن فعل شيئا من محظورات الإحرام قبل الهدي، فعليه الفداء، لأنّه محرم فعل محظورا في إحرام صحيح، فكان عليه فديته، كالقادر.

مسألة 701: لا بدل لهدي التحلّل،

فلو عجز عنه و عن ثمنه، لم ينتقل إلى غيره، و يبقى على إحرامه، و لو تحلّل لم يحلّ - و به قال مالك و أبو حنيفة و الشافعي في أحد القولين(5) - لقوله تعالى:

ص: 388


1- البقرة: 196.
2- السرائر: 151.
3- بداية المجتهد 355:1 و 357، تفسير القرطبي 373:2، المغني 374:3، الشرح الكبير 530:3، الحاوي الكبير 350:4.
4- فتح العزيز 16:8، المهذّب - للشيرازي - 241:1، المجموع 304:8.
5- تفسير القرطبي 373:2، بدائع الصنائع 180:2، المغني 379:3، الشرح الكبير 534:3، فتح العزيز 80:8، الحاوي الكبير 354:4، المهذّب - للشيرازي - 1: 241، المجموع 303:8، روضة الطالبين 456:2، حلية العلماء 356:3-357.

فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَ لا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ (1) و لو كان الصوم أو الإطعام بدلا، لجاز الحلق قبل الهدي.

و لأنّ الهدي أقيم مقام الأعمال و لو قدر على الأعمال لم يتحلّل إلاّ بها، فإذا عجز لا يتحلّل إلاّ ببدلها.

و القول الثاني للشافعي - و هو الصحيح عندهم -: إنّه يتحلّل في الحال، فينتقل إلى صوم التعديل في قول، و في آخر: إلى الإطعام، و في ثالث: إلى الصوم، و يحلّ به، و هو أن يقوّم شاة وسط بالطعام، فيصوم بإزاء كلّ مدّ يوما، و في رابع: يتخيّر بين الإطعام و الصيام(2).

و على قوله الأوّل بعدم الانتقال يكون في ذمّته، ففي جواز التحلّل حينئذ له قولان: أحدهما: أنّه يبقى محرما إلى أن يهدي، و الثاني - و هو الأشبه - أنّه يحلّ ثم يهدي إذا وجد(3).

و قال أحمد: إنّه ينتقل إلى صيام عشرة أيّام(4).

إذا عرفت هذا، فإذا ذبح هل يجب عليه الحلق أو التقصير أم لا؟ قال أحمد في إحدى الروايتين: لا بدّ من أحدهما، لأنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله حلق يوم الحديبيّة(5)(6).3.

ص: 389


1- البقرة: 196.
2- فتح العزيز 80:8، الحاوي الكبير 354:4-355، المهذّب - للشيرازي - 1: 241، المجموع 303:8، روضة الطالبين 456:2، حلية العلماء 357:3.
3- الحاوي الكبير 354:4-355، حلية العلماء 357:3، المهذّب - للشيرازي - 241:1، المجموع 304:8.
4- المغني 379:3، الشرح الكبير 534:3، فتح العزيز 80:8.
5- صحيح البخاري 12:3، سنن البيهقي 214:5.
6- المغني 380:3، الشرح الكبير 535:3.

و يحتمل العدم، لأنّه تعالى ذكر الهدي وحده، و لم يشرط سواه.

إذا ثبت هذا، فلو كان المصدود قد ساق هديا في إحرامه قبل الصدّ ثم صدّ، ففي الاكتفاء بهدي السياق عن هدي التحلّل قولان: أحدهما:

الاكتفاء، لقوله تعالى فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ (1).

و قيل: لا بدّ من هدي آخر للسياق كما لو لم يسق.

مسألة 702: لا يختصّ مكان و لا زمان لنحر هدي التحلّل

و ذبحه في المصدود، بل يجوز نحره في موضع الصدّ، سواء الحلّ و الحرم، و متى صدّ جاز له الذبح في الحال، و الإحلال لقوله تعالى فَمَا اسْتَيْسَرَ (2) و لم يعيّن زمانا خصوصا مع الإتيان بالفاء - و به قال مالك و الشافعي(3) - لأنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله نحر بالحديبيّة(4) ، و هي خارج الحرم.

و لأنّه يؤدّي إلى تعذّر الحلّ، لتعذّر وصول الهدي محلّه مع مقاومة العدوّ.

و قال الصادق عليه السّلام: «المحصور و المضطرّ ينحران بدنتهما في المكان الذي يضطرّان فيه»(5).

و قال الحسن و ابن مسعود و الشعبي و النخعي و عطاء و أبو حنيفة:

لا ينحر إلاّ بالحرم يبعث به و يواطئ من بعثه معه على نحره في وقت يتحلّل فيه، لقوله تعالى وَ لا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ (6) ثمّ

ص: 390


1- البقرة: 196.
2- البقرة: 196.
3- بداية المجتهد 355:1، التمهيد 150:12 و 214:15، فتح العزيز 17:8، المجموع 355:8، الحاوي الكبير 350:4.
4- صحيح البخاري 12:3، سنن البيهقي 214:5 و 217.
5- الفقيه 305:2-1513.
6- البقرة: 196.

قال ثُمَّ مَحِلُّها إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ (1)(2).

و الآية في حقّ غير المصدود، و لا يمكن قياس المصدود عليه، لأنّ تحلّله في الحلّ، و تحلّل غيره في الحرم.

مسألة 703: لو صدّ عن مكّة قبل الموقفين، فهو مصدود

إجماعا، يجوز له التحلّل. و لو صدّ عن الموقفين، فكذلك عندنا - و به قال الشافعي(3) - لعموم الآية(4).

و قال أبو حنيفة و مالك: ليس له أن يتحلّل، و ليس بمصدود، بل إن قدر على الأداء، أدّى، و إن دام العجز حتى مضى الوقت، فحكمه حكم من فاته الحجّ يتحلّل بأفعال العمرة، لأنّ العجز في الحرم ليس مثل العجز خارج الحرم(5).

و يبطل بقوله [تعالى] فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ (6) و هو عامّ.

و لو منع عن أحد الموقفين، قال الشيخ رحمه اللّه: إنّه مصدود(7) أيضا.

و لو منع بعد الوقوف بالموقفين عن العود إلى منى لرمي الجمار و المبيت بها فلا صدّ، و قد تمّ حجّه فيتحلّل و يستنيب من يرمي عنه.

ص: 391


1- الحج: 33.
2- المغني 376:3-377، الشرح الكبير 533:3، بداية المجتهد 355:1، التمهيد 150:12 و 214:15، حلية العلماء 356:3، الحاوي الكبير 350:4 - 351، المجموع 355:8، بدائع الصنائع 179:2، أحكام القرآن - للجصّاص - 272:1.
3- فتح العزيز 60:8، المجموع 301:8، الحاوي الكبير 349:4.
4- البقرة: 196.
5- فتح العزيز 60:8، حلية العلماء 356:3، الحاوي الكبير 349:4.
6- البقرة: 196.
7- المبسوط - للطوسي - 333:1.

و لو صدّ بعد الوقوف بالموقفين قبل طواف الزيارة و السعي، تحلّل أيضا، لأنّ الصدّ يفيد التحلّل من جميعه فمن بعضه أولى. و له أن يبقى على إحرامه، فإن لحق أيّام منى، رمى و حلق و ذبح، و إن لم يلحق، أمر من ينوب عنه في ذلك، فإذا تمكّن، أتى مكة فطاف طواف الحجّ و سعى و تمّ حجّه أيضا، و لا قضاء عليه، و إن لم يقم على إحرامه حتى يطوف و يسعى و تحلّل، كان عليه الحجّ من قابل ليأتي بأركان الحجّ من الطواف و السعي، أمّا لو طاف و سعى و منع من المبيت بمنى و الرمي، فإنّ حجّه تامّ، لما تقدّم.

و لو تمكّن من المبيت(1) و صدّ عن الموقفين أو عن أحدهما، جاز له التحلّل، للعموم(2) ، فإن لم يتحلّل و أقام على إحرامه حتى فاته الوقوف، فقد فاته الحجّ، و عليه التحلّل(3) بعمرة، و لا دم عليه لفوات الحجّ.

و هل يجوز له فسخ نيّة الحجّ إلى العمرة قبل الفوات ؟ إشكال، قال به بعض الجمهور(4) ، لأنّا أبحنا له ذلك من غير صدّ، فمعه أولى. و لا دم عليه.

و لو طاف و سعى للقدوم ثم صدّ حتى فاته الحجّ، طاف و سعى ثانيا لعمرة أخرى، و لا يجتزئ بالأوّل، لأنّه لم يقصد به طواف العمرة و لا سعيها بل يجتزئ بالإحرام الأوّل، و لا يجدّد إحراما آخر، و به قال أحمد و الشافعي و أبو ثور(5).3.

ص: 392


1- أي: المبيت بمنى. و الظاهر أنّها تصحيف البيت.
2- البقرة: 196.
3- في الطبعة الحجرية: و عليه أن يتحلّل.
4- المغني 379:3، الشرح الكبير 536:3.
5- المغني 379:3، الشرح الكبير 536:3.

و قال مالك: يخرج إلى الحلّ، فيفعل ما يفعله المعتمر(1).

و قال الزهري: لا بدّ أن يقف بعرفة(2).

و قال محمد بن الحسن: لا يكون محصرا بمكّة(3).

مسألة 704: إذا تحلّل و فاته الحجّ، وجب عليه القضاء في القابل

إن كان الحجّ الفائت واجبا، كحجّة الإسلام و النذر و غيره، و لا يجب قضاء النفل عند علمائنا. و كذا العمرة يجب قضاء الواجب منها، كعمرة الإسلام و النذر و غيره، و لو كانت نفلا، لم يجب القضاء، لأصالة براءة الذمّة.

و قال الشافعي: لا قضاء عليه بالتحلّل، فإن كانت حجّة تطوّع أو عمرة تطوّع، لم يلزمه قضاؤها بالتحلّل، و إن كانت حجّة الإسلام أو عمرته و كانت قد استقرّت في ذمّته قبل هذه السنة، فإذا خرج منها بالتحلّل، فكأنّه لم يفعلها، و كان باقيا في ذمّته على ما كان عليه، و إن وجبت في هذه السنة، سقط وجوبها و لم يستقرّ، لفقدان بعض شرائط الحجّ، فحينئذ التحلّل بالصدّ لا يوجب القضاء بحال(4). و به قال مالك و أحمد في إحدى الروايتين(5).

و قال أبو حنيفة: إذا تحلّل، لزمه القضاء، ثم إن كان إحرامه بعمرة مندوبة، قضاها واجبا، و إن كان بحجّة مندوبة فأحصر، تحلّل، و عليه أن يأتي بحجّة و عمرة، و إن كان قرن بينهما فأحصر و تحلّل، لزمه حجّة

ص: 393


1- المغني 379:3، الشرح الكبير 537:3.
2- المغني 379:3، الشرح الكبير 536:3.
3- المغني 379:3، الشرح الكبير 536:3.
4- فتح العزيز 56:8-57، المجموع 306:8، روضة الطالبين 450:2، حلية العلماء 358:3، المغني 375:3، الشرح الكبير 536:3، و حكاه عنه الشيخ الطوسي في الخلاف 426:2، المسألة 319.
5- المغني 375:3، الشرح الكبير 536:3، فتح العزيز 56:8، المجموع 355:8.

و عمرتان: عمرة لأجل العمرة، و حجّة و عمرة لأجل الحجّ(1).

و يجيء على مذهبه: إذا أحرم بحجّتين، فإنّه ينعقد بهما، و إنّما ينتقص عن أحدهما إذا أخذ في السير، فإن أحصر قبل أن يسير، تحلّل منهما، و لزمه حجّتان و عمرتان(2).

مسألة 705: لا فرق بين الصدّ العامّ - و هو الذي يصدّه المشركون و أصحابه - و بين الصدّ الخاصّ،

كالمحبوس بغير حقّ و مأخوذ اللصوص وحده، لعموم النّص(3) ، و وجود المقتضي لجواز التحلّل، و كذا يجب القضاء في كلّ موضع يجب فيه الصدّ العامّ، و ما لا يجب هناك لا يجب هنا - و هو أحد قولي الشافعي(4) - لأصالة البراءة، و العمومات. و في الثاني:

يجب القضاء(5).

و المحبوس بدين إن كان قادرا على أدائه، فليس بمصدود، و ليس له التحلّل، و إن كان عاجزا، تحلّل. و كذا يتحلّل لو حبس ظلما.

و لو كان عليه دين مؤجّل يحلّ قبل قدوم الحاجّ فمنعه صاحبه من الحجّ، كان له التحلّل، لأنّه معذور، لعجزه.

و لو أحرم العبد مطلقا أو الزوجة تطوّعا بغير إذن السيّد و الزوج، كان لهما منعهما من الإتمام، و تحلّلا من غير دم.

ص: 394


1- بدائع الصنائع 182:2-183، فتح العزيز 56:8، المجموع 355:8، حلية العلماء 358:3، الحاوي الكبير 352:4، المغني 375:3، الشرح الكبير 3: 536، و حكاه عنه الشيخ الطوسي في الخلاف 426:2، المسألة 319.
2- كما في الخلاف 426:2، المسألة 319.
3- البقرة: 196.
4- الوجيز 130:1، فتح العزيز 59:8، المهذّب - للشيرازي - 241:1، المجموع 306:8، حلية العلماء 358:3.
5- الوجيز 130:1، فتح العزيز 59:8، المهذّب - للشيرازي - 241:1، المجموع 306:8، حلية العلماء 358:3.

و كلّ موضع جوّزنا فيه التحلّل من إحرام الحجّ يجوز التحلّل من إحرام العمرة، و هو قول أكثر العلماء(1) ، خلافا لمالك، فإنّه قال: لا يحلّ من إحرام العمرة، لأنّها لا تفوت(2).

مسألة 706: يستحب له تأخير الإحلال، لجواز زوال العذر، فإذا أخّر و زال العذر قبل تحلّله، وجب عليه إتمام نسكه

إجماعا، لقوله تعالى:

وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلّهِ (3) .

و لو خشي الفوات، لم يتحلّل، و صبر حتى يتحقّق ثم يتحلّل بعمرة.

فلو صابر ففات الحجّ، لم يكن له التحلّل بالهدي بل بعمرة، و يقضي واجبا إن كان واجبا، و إلاّ فلا.

و لو فات الحجّ ثم زال الصدّ بعده، قال بعض العامّة: يتحلّل بالهدي، و عليه هدي آخر للفوات(4).

و قال الشيخ رحمه اللّه: يتحلّل بعمرة، و لا يلزمه دم لفوات الحجّ(5).

و لو غلب على ظنّه انكشاف العدوّ قبل الفوات، جاز له أن يتحلّل، للعموم(6) ، لكنّ الأفضل البقاء على إحرامه، فإن فات الوقوف، أحلّ بعمرة.

و لو أفسد حجّه فصدّ، كان عليه بدنة، و دم التحلّل، و الحجّ من قابل.

و لو انكشف العدوّ في وقت يتّسع لاستئناف القضاء، وجب، و هو

ص: 395


1- المبسوط - للسرخسي - 109:4، فتح العزيز 4:8، المجموع 355:8، حلية العلماء 356:3، الحاوي الكبير 345:4، المغني 374:3، الشرح الكبير 530:3.
2- المبسوط - للسرخسي - 109:4، فتح العزيز 4:8، المجموع 355:8، حلية العلماء 356:3، المغني 374:3، الشرح الكبير 530:3.
3- البقرة: 196.
4- المغني 378:3، الشرح الكبير 534:3.
5- المبسوط - للطوسي - 333:1.
6- البقرة: 196.

حجّ يقضي لسنته، و لو ضاق الوقت، قضى من قابل.

و إن لم يتحلّل من الفاسد، فإن زال الصدّ و الحجّ لم يفت، مضى في الفاسد، و تحلّل، كالصحيح، و إن فاته، تحلّل بعمرة، و تلزمه بدنة للإفساد، و لا شيء عليه للفوات. و القضاء من قابل واجب، سواء كان الحجّ واجبا أو ندبا.

و لو كان العدوّ باقيا، فله التحلّل، فإذا تحلّل، لزمه دم التحلّل و بدنة الإفساد، و القضاء من قابل، و ليس عليه أكثر من قضاء واحد.

و لو صدّ فأفسد حجّه، جاز له التحلّل، للعموم(1) ، و عليه دم التحلّل، و بدنة للإفساد، و الحجّ، و يكفيه قضاء واحد.

مسألة 707: ينبغي للمحرم أن يشترط على ربّه حالة الإحرام

- خلافا لمالك(2) - فإذا شرط في ابتداء إحرامه أن يحلّ متى مرض، أو ضاعت نفقته أو نفدت، أو منعه ظالم، أو غير ذلك من الموانع، فإنّه يحلّ متى وجد ذلك المانع.

و في سقوط هدي التحلّل قولان.

و الشرط لا يؤثّر في سقوط القضاء إن كان الحجّ واجبا، خلافا لبعض العامّة(3).

و ينبغي أن يشترط ما له فائدة. و لو قال: أن تحلّني حيث شئت، فليس له ذلك.

و لو قال: أنا أرفض إحرامي و أحلّ، فلبس و ذبح الصيد [و عمل

ص: 396


1- البقرة: 196.
2- تفسير القرطبي 375:2، المغني 249:3، الشرح الكبير 238:3.
3- المغني 382:3، الشرح الكبير 539:3.

غيرهما](1) من تروك الإحرام من غير صدّ أو حصر، لم يحلّ، و وجبت الكفّارة، لأنّ الإحرام لا يفسد برفضه، لأنّه عبادة لا يخرج منها بالفساد، فلا يخرج منها برفضها، بخلاف سائر العبادات التي يخرج منها بإفسادها، كالصلاة.

و إن وطئ قبل الموقفين، أفسد حجّه، و وجب إتمامه، و بدنة، و الحجّ من قابل، سواء كان الوطء قبل ما فعله من الجنايات أو بعده، فإنّ الجناية على الإحرام الفاسد توجب الجزاء، كالجناية على الإحرام الصحيح، و ليس عليه لرفضه شيء، لأنّه مجرّد نيّة لم تؤثّر شيئا.

مسألة 708: العدوّ الصادّ إن كان مسلما، فالأولى الانصراف عنه،

لأنّ في قتاله مخاطرة بالنفس و المال، إلاّ أن يدعوهم الإمام أو نائبه إلى قتالهم، و يجوز قتالهم، لأنّهم تعدّوا على المسلمين بمنعهم الطريق. و إن كانوا مشركين، لم يجب على الحاجّ قتالهم.

قال الشيخ رحمه اللّه: و إذا لم يجب قتالهم، لم يجز، سواء كانوا قليلين أو كثيرين(2).

و للشافعي قول بوجوب القتال(3) إذا لم يزد عدد الكفّار على الضّعف(4).

و الوجه: أنّه إذا(5) غلب ظنّ المسلمين بالغلبة، جاز قتالهم، و يجوز

ص: 397


1- بدل ما بين المعقوفين في «ق، ك» و الطبعة الحجرية: و غيره. و ما أثبتناه يقتضيه السياق.
2- المبسوط - للطوسي - 334:1.
3- في الطبعة الحجرية: قتالهم.
4- فتح العزيز 5:8، المجموع 295:8.
5- في «ق، ك»: إن.

تركه، فيتحلّل الحاجّ.

و لو ظنّ المسلمون الانقهار، لم يجز قتالهم، لئلاّ يغزوا بالمسلمين، فلو احتاج الحاجّ إلى لبس السلاح و ما تجب فيه الفدية لأجل الحرب، جاز، و عليهم الفدية، كما لو لبسوا(1) لدفع الحرّ و البرد. و لو قتلوا أنفسا(2) و أتلفوا مالا، لم يضمنوا.

و لو قتل المسلمون صيد الكفّار، كان عليهم الجزاء للّه، و لا قيمة للكفّار، إذ لا حرمة لهم.

و لو بذل العدوّ الطريق و كانوا معروفين بالغدر، جاز التحلّل و الرجوع، و إلاّ فلا. و لو طلب العدوّ مالا لتخلية الطريق، فإن لم يوثق بهم، لم يجب بذله إجماعا، لبقاء الخوف، و إن كانوا مأمونين، فإن كثر، لم يجب، بل يكره إن كان العدوّ كافرا، لما فيه من الصغار و تقوية الكفّار، و إن قلّ، قال الشيخ: لا يجب بذله(3) ، كما لا يجب في ابتداء الحجّ بذل مال، بل يتحلّل.

مسألة 709: إذا تحلّل المصدود بالهدي، فإن كان الحجّ واجبا، قضى ما تحلّل منه،

إن كان حجّا، وجب عليه حجّ لا غير - و به قال الشافعي(4) - لأنّه أحصر عن الحجّ، فلا يلزمه غيره، كمن أحصر عن العمرة لا يلزمه غيرها.

و قال أبو حنيفة: يجب عليه حجّ و عمرة معا، لأنّ المصدود فائت

ص: 398


1- في الطبعة الحجرية: لبس.
2- كذا، و الظاهر: نفسا.
3- المبسوط - للطوسي - 334:1.
4- مختصر المزني: 72، الحاوي الكبير 352:4، فتح العزيز 57:8، المجموع 8: 306.

الحجّ، و فائت الحجّ يتحلّل بأفعال العمرة، فإذا لم يأت بأفعال العمرة في الحال، يجب عليه قضاؤها(1).

و نمنع مساواة الصدّ لفائت الحجّ.

و الصدّ قد يتحقّق في العمرة - و به قال أبو حنيفة(2) - لقوله تعالى:

وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ (3) ذكر ذلك عقيبهما، فينصرف إلى كلّ منهما.

و سئل ابن مسعود عن معتمر لدغ، فقال: ابعثوا عنه هديا، فإذا ذبح عنه فقد حلّ(4).

و لأنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله لمّا صدّ كان معتمرا(5).

و قال مالك: لا يتحقّق، لأنّه ليس للعمرة وقت معلوم، فيمكنه اللبث إلى أن يزول الإحصار ثم يؤدّي(6).

و هو يستلزم الحرج، لعدم العلم بالغاية.

مسألة 710: إذا صدّ عن المضيّ إلى مكّة أو الموقفين، كان له التحلّل بالهدي

على ما تقدّم(7).

هذا إذا منع من المضيّ، دون الرجوع و السير في صوب آخر، و أمّا إذا أحاط العدوّ بهم من جميع الجهات كلّها، فكذلك عندنا - و هو أصحّ

ص: 399


1- المبسوط - للسرخسي - 107:4، بدائع الصنائع 182:2، الاختيار لتعليل المختار 224:1، بداية المجتهد 355:1، تفسير القرطبي 376:2.
2- المبسوط - للسرخسي - 109:4، بدائع الصنائع 177:2.
3- البقرة: 196.
4- شرح معاني الآثار 251:2، سنن البيهقي 221:5.
5- فتح العزيز 4:8، و سنن البيهقي 216:5.
6- انظر: فتح العزيز 4:8، و المغني 374:3، و الشرح الكبير 530:3.
7- تقدّم في المسألة 703.

قولي الشافعي(1) - لأنّهم يستفيدون به الأمن من العدوّ الذي بين أيديهم.

و الثاني: ليس لهم التحلّل، لأنّهم لا يستفيدون به أمنا، فأشبه المريض ليس له التحلّل(2).

و الأصل ممنوع.

و لا بدل لهدي التحلّل على ما تقدّم(3) ، خلافا للشافعي في أحد قوليه(4) ، و على القولين لا بدّ من نيّة التحلّل(5).

و هل يجب الحلق ؟ للشافعي قولان: إن قلنا: إنّه نسك، فنعم، و إلاّ فلا، فخرج من هذا أنّا إذا اعتبرنا الذبح و الحلق مع النيّة، فالتحلّل يحصل بثلاثتها، و إن أخرجنا الذبح عن الاعتبار، فالتحلّل يحصل بالحلق مع النيّة أو بمجرّد النيّة ؟ فيه وجهان(6).

مسألة 711: إحرام العبد منعقد، سواء كان بإذن السيّد أو بدونه.

ثمّ إن أحرم بإذنه، لم يكن له تحليله، سواء بقي نسكه صحيحا أو أفسده. و لو باعه و الحال هذه، لم يكن للمشتري تحليله، لكن له الخيار مع جهله بإحرامه.

و إن أحرم بغير إذنه، يستحب له الإذن في الإتمام، و له تحليله، لأنّ

ص: 400


1- فتح العزيز 7:8-8، المجموع 296:8، الحاوي الكبير 358:4.
2- فتح العزيز 7:8-8، المجموع 296:8، الحاوي الكبير 358:4.
3- تقدّم في المسألة 701.
4- فتح العزيز 80:8، الحاوي الكبير 354:4، المهذّب - للشيرازي - 241:1، المجموع 303:8، روضة الطالبين 456:2، حلية العلماء 357:3.
5- فتح العزيز 16:8، المجموع 304:8.
6- فتح العزيز 16:8، المجموع 304:8.

تقريره على الحجّ إبطال لمنافعه عليه، و به قال الشافعي(1).

و قال أبو حنيفة: له تحليله، سواء أحرم بإذنه أو بغير إذنه(2).

و لو أذن له في الإحرام، فله الرجوع قبل أن يحرم، فإن رجع و لم يعلم به العبد فأحرم، فله تحليله.

و للشافعي وجهان(3).

و لو أذن له في العمرة فأحرم بالحجّ، فله تحليله، و لو كان بالعكس، لم يكن له تحليله، لأنّ العمرة دون الحجّ، قاله الشافعي(4). و فيه نظر.

و لو أذن له في التمتّع، فله منعه من الحجّ بعد ما تحلّل عن العمرة، قاله الشافعي(5). و فيه إشكال. و ليس له تحليله من العمرة و لا من الحجّ بعد تلبّسه به.

و لو أذن له في الحجّ أو في التمتّع، فقرن، قال الشافعي: ليس له تحليله(6).

و لو أذن له أن يحرم في ذي القعدة فأحرم في شوّال، فله تحليله قبل ذي القعدة لا بعده.

البحث الثاني: في المحصور
مسألة 712: إذا تلبّس الحاجّ بالإحرام ثم مرض بحيث لا يتمكّن معه

ص: 401


1- المهذّب - للشيرازي - 242:1، المجموع 43:7-44، فتح العزيز 22:8 - 23، حلية العلماء 358:3، الحاوي الكبير 362:4.
2- المبسوط - للسرخسي - 165:4، بدائع الصنائع 181:2، فتح العزيز 23:8.
3- فتح العزيز 23:8، المجموع 44:7.
4- فتح العزيز 23:8-24، المجموع 45:7.
5- فتح العزيز 24:8، المجموع 46:7.
6- فتح العزيز 24:8، المجموع 46:7.

من المضي إلى مكّة أو إلى الموقفين، بعث بهديه مع أصحابه ليذبحوه عنه في موضع الذبح، فإن كان قد ساق هديا، بعث ما ساقه، و إن لم يكن ساق، بعث هديا أو ثمنه.

و لا يحلّ حتى يبلغ الهدي محلّه، و هو منى إن كان حاجّا، و مكّة إن كان معتمرا. فإذا بلغ الهدي محلّه، أحلّ من كلّ شيء إلاّ من النساء إلى أن يطوف في القابل أو يأمر من يطوف عنه، فتحلّ له النساء حينئذ - هذا مذهب علمائنا، و به قال ابن مسعود و عطاء و الثوري و النخعي و أصحاب الرأي و أحمد في إحدى الروايتين، إلاّ أنّ أصحاب الرأي لم يعتبروا طواف النساء، بل قالوا: يحلّ بالبلوغ إلى المحلّ(1) - لقوله تعالى فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ (2).

و ما رواه العامّة عن النبي صلّى اللّه عليه و آله، قال: (من كسر أو عرج فقد حلّ و عليه حجّة أخرى)(3).

و في رواية (و عليه الحجّ من قابل)(4).

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السّلام في رجل أحصر [فبعث بالهدي](5) قال: «يواعد أصحابه ميعادا، فإن كان في حجّ فمحلّ الهدي [يوم](6)ر.

ص: 402


1- المغني 382:3، الشرح الكبير 538:3، المبسوط - للسرخسي - 107:4، فتح العزيز 8:8-9، المجموع 355:8، تفسير القرطبي 375:2، و انظر أيضا: الخلاف - للطوسي - 428:2، المسألة 322.
2- البقرة: 196.
3- سنن النسائي 199:5، سنن ابن ماجة 1028:2-3077، سنن الترمذي 3: 277-940.
4- سنن ابن ماجة 1028:2-3078، سنن النسائي 199:5، سنن أبي داود 2: 173-1862، سنن البيهقي 220:5.
5- أضفناها من المصدر.
6- أضفناها من المصدر.

النحر»(1) الحديث.

و قال الشافعي: لا يجوز له التحلّل أبدا إلى أن يأتي به، فإن فاته الحجّ، تحلّل بعمرة - و به قال ابن عمر و ابن عباس و مالك و أحمد في الرواية الأخرى - لأنّه لا يستفيد بالإحلال الانتقال من حاله و لا التخلّص من الأذى الذي به، بخلاف حصر العدوّ(2).

و نمنع عدم الانتقال، و عدم المخلص من الأذى لا يمنع من التحلّل.

مسألة 713: إذا بعث الهدي، انتظر وصوله إلى المحلّ،

فإذا كان يوم المواعدة، قصّر من شعر رأسه، و أحلّ من كلّ شيء أحرم منه إلاّ النساء، فإنّهنّ لا يحللن له حتى يحجّ من قابل، و يطوف طواف النساء إن كان الحجّ واجبا، أو يطاف عنه في القابل إن كان تطوّعا، قاله علماؤنا، و لم يعتبر الجمهور ذلك، بل حكم بعضهم بجواز الإحلال مطلقا، و آخرون بالمنع مطلقا(3) ، و قد قال الصادق عليه السّلام - في الصحيح -: «المحصور لا تحلّ له النساء»(4).

و لو وجد من نفسه خفّة بعد بعث هديه و أمكنه اللحوق بأصحابه، لحق، لأنّه محرم بأحد النسكين، فيجب عليه إتمامه، للآية(5) ، فإن أدرك أحد الموقفين، أدرك الحجّ، و إن فأتاه معا، فاته الحجّ، و كان عليه الحجّ من قابل، للرواية الصحيحة عن الباقر عليه السّلام، قال: «إذا أحصر الرجل بعث

ص: 403


1- التهذيب 421:5-422-1465.
2- فتح العزيز 8:8، المجموع 310:8، المنتقى - للباجي - 276:2، المغني 382:3، الشرح الكبير 538:3.
3- انظر: ما تقدّم في المسألة السابقة (712).
4- الكافي 369:4-3، الفقيه 304:2-305-1512، التهذيب 423:5-1467.
5- البقرة: 196.

هديه، فإن أفاق و وجد من نفسه خفّة فليمض إن ظنّ أن يدرك هديه قبل أن ينحر، فإن قدم مكّة قبل أن ينحر هديه فليقم على إحرامه حتى يقضي المناسك و ينحر هديه و لا شيء عليه، و إن قدم مكّة و قد نحر هديه، فإنّ عليه الحجّ من قابل و العمرة» قلت: فإن مات قبل أن ينتهي إلى مكّة ؟ قال:

«إن كانت حجّة الإسلام يحجّ عنه و يعتمر فإنّما هو شيء عليه»(1).

مسألة 714: لو تحلّل يوم الميعاد ثم ظهر أنّ أصحابه لم يذبحوا عنه، لم يبطل تحلّله،

و وجب عليه أن يبعث به في القابل ليذبح عنه في موضع الذبح، لأنّ تحلّله وقع مشروعا.

و قال الصادق عليه السّلام - في الصحيح -: «فإن ردّوا عليه الدراهم و لم يجدوا هديا ينحرونه و قد أحلّ لم يكن عليه شيء و لكن يبعث من قابل و يمسك أيضا»(2).

قال الشيخ رحمه اللّه: إذا بعث في العام المقبل، وجب عليه أن يمسك ممّا يمسك عنه المحرم إلى أن يذبح عنه(3) ، لهذه الرواية.

و منعه ابن إدريس(4) ، للأصل، و لأنّه ليس بمحرم فكيف يحرم عليه شيء و هو غير محرم و لا في الحرم!؟ و كذا من بعث هديا تطوّعا من أفق من الآفاق، قال الشيخ رحمه اللّه: يواعد أصحابه يوما بعينه، ثم يجتنب ما يجتنبه المحرم من الثياب و النساء و الطيب و غير ذلك، إلاّ أنّه لا يلبّي، فإن فعل ما يحرم على المحرّم، كان عليه

ص: 404


1- التهذيب 422:5-423-1466.
2- التهذيب 421:5-422-1465.
3- النهاية: 282.
4- السرائر: 151.

الكفّارة، كما تجب على المحرم سواء، فإذا كان اليوم الذي و أعدهم، أحلّ، و إن بعث بالهدي من أفق من الآفاق يواعدهم يوما بعينه بإشعاره و تقليده، فإذا كان ذلك اليوم، اجتنب ما يجتنبه المحرم إلى أن يبلغ الهدي محلّه، ثم إنّه أحلّ من كلّ شيء أحرم منه(1).

لقول الصادق عليه السّلام - في الصحيح - في الرجل يرسل بالهدي تطوّعا، قال: «يواعد أصحابه يوما يقلّدون فيه، فإذا كان تلك الساعة من ذلك اليوم اجتنب ما يجتنبه المحرم، فإذا كان يوم النحر أجزأ عنه، فإنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله حيث صدّه المشركون يوم الحديبيّة نحر بدنته و رجع إلى المدينة»(2) و غيرها من الروايات.

و منع ابن إدريس(3) من ذلك.

مسألة 715: الحاجّ و المعتمر في ذلك سواء،

إذا أحصر المعتمر، فعل ما ذكرناه، و كانت عليه العمرة في الشهر الداخل واجبة إن كانت العمرة واجبة، و إلاّ نفلا.

و لو احتاج المحصر إلى حلق رأسه لأذى، ساغ له ذلك و يفدي، لقول الباقر عليه السّلام: «إذا أحصر الرجل فبعث بهديه و أذاه رأسه قبل أن ينحر فحلق رأسه فإنّه يذبح في المكان الذي أحصر فيه أو يصوم أو يطعم ستّة مساكين»(4).

و لو كان المحصر قد أحرم بالحجّ قارنا، قال الشيخ: لم يجز له أن

ص: 405


1- النهاية: 283.
2- التهذيب 424:5-1473.
3- السرائر: 152.
4- التهذيب 423:5-1469.

يحجّ في القابل إلاّ قارنا، و ليس له التمتّع بل يدخل في مثل ما خرج منه(1) ، لقول الباقر و الصادق عليهما السّلام: «القارن يحصر و قد قال و اشترط فحلّني حيث حبستني يبعث بهديه» قلنا: هل يستمتع(2) من قابل ؟ قال: «لا، و لكن يدخل بمثل ما خرج منه»(3).

و الوجه: أنّه إن كان القران واجبا، وجب عليه القران، و إلاّ فلا.

مسألة 716: قال ابن بابويه و أبوه: إذا قرن الرجل الحجّ و العمرة و أحصر، بعث هديا مع هديه،

و لا يحلّ حتى يبلغ الهدي محلّه(4). فأوجبا هديا مع هدي السياق. و قوّاه ابن إدريس(5) ، لقوله تعالى فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ (6) فأوجب هديا للإحصار.

و أصحابنا قالوا: يبعث بهديه الذي ساقه(7) ، و لم يوجبوا بعث هدي آخر.

و قال ابن إدريس: معنى قولهما: إذا قرن الحجّ و العمرة أن يقرن مع كلّ واحد منهما على الانفراد هديا يشعره أو يقلّده، فيخرج من ملكه بذلك و إن لم يكن ذلك واجبا عليه بنذر، و لم يقصد أن يحرم بهما جميعا و يقرن بينهما في الإحرام، لأنّ ذلك مذهب من خالفنا في حدّ القران(8).

مسألة 717: إذا اشترط في إحرامه، فله التحلّل من دون إنفاذ هدي

إلاّ

ص: 406


1- المبسوط - للطوسي - 235:1.
2- كذا، و في المصدر: يتمتّع.
3- التهذيب 423:5-1468.
4- الفقيه 305:2 ذيل الحديث 1512، و حكاه عن علي بن بابويه ابن إدريس في السرائر: 151.
5- السرائر: 151.
6- البقرة: 196.
7- كما في السرائر: 151.
8- السرائر: 151.

أن يكون ساقه و أشعره أو قلّده، فإن كان فلينفذه، و إن لم يكن ساق بل اشترط، فله التحلّل إذا بلغ الهدي محلّه، و هو يوم النحر، فإذا كان يوم النحر فليتحلّل من جميع ما أحرم منه إلاّ النساء.

و روى المفيد عن الصادق عليه السّلام: «المحصور بالمرض إن كان ساق هديا أقام على إحرامه حتى يبلغ الهدي محلّه ثم يحلّ، و لا يقرب النساء حتى يقضي المناسك من قابل، هذا إذا كان في حجّة السلام، فأمّا حجّة التطوّع فإنّه ينحر هديه و قد حلّ ممّا كان أحرم منه، فإن شاء حجّ من قابل، و إن لم يشأ لم يجب عليه الحجّ»(1).

قال ابن إدريس: المحصور يفتقر إلى نيّة التحلّل كما دخل في الإحرام بنيّة(2). و هو حسن.

البحث الثالث: في حكم الفوات.
مسألة 718: من لم يقف بالموقفين في وقتهما فاته الحجّ إجماعا،

فيتحلّل بطواف و سعي و حلاق، و يسقط عنه بقية أفعال الحجّ من الرمي و المبيت، عند علمائنا - و به قال عمر و ابنه و زيد بن ثابت و ابن عباس و ابن الزبير و مالك و الثوري و الشافعي و أحمد في إحدى الروايتين و أصحاب الرأي(3) - لأنّ باقي أفعال الحجّ تترتّب على الوقوف و قد فاته(4) ، فتفوت

ص: 407


1- المقنعة: 70.
2- السرائر: 152.
3- المغني 566:3، الشرح الكبير 523:3، فتح العزيز 48:8-49، المهذّب - للشيرازي - 240:1، المجموع 286:8 و 290، روضة الطالبين 452:2، الحاوي الكبير 236:4.
4- في «ق، ك»: فات.

هي بفواته.

و ما رواه العامّة عن عمر، أنّه قال لأبي أيّوب حين فاته الحجّ: اصنع ما يصنع المعتمر ثم قد حللت، فإن أدركت الحجّ قابلا فحجّ و أهد ما استيسر من الهدي(1).

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السّلام في رجل جاء حاجّا ففاته الحجّ و لم يكن طاف، قال: «يقيم مع الناس حراما أيّام التشريق و لا عمرة فيها، فإذا انقضت طاف بالبيت و سعى بين الصفا و المروة و أحلّ، و عليه الحجّ من قابل يحرم من حيث أحرم»(2).

و قال أحمد في الرواية الأخرى: يمضي في حجّ فاسد. و به قال المزني، قال: يلزمه جميع أفعال الحجّ إلاّ الوقوف(3).

و قال مالك في رواية أخرى عنه: لا يحلّ، بل يقيم على إحرامه حتى إذا كان من قابل أتى بالحجّ، فوقف و أكمل الحجّ(4).

و في رواية ثالثة عنه: أنّه يحلّ بعمرة مفردة، و لا يجب عليه القضاء(5).

و قول المزني باطل، لأنّ الإتيان بالأفعال الباقية لا يخرجه عن4.

ص: 408


1- ترتيب مسند الشافعي 384:1-990، سنن البيهقي 174:5.
2- التهذيب 295:5-999.
3- المغني 566:3، الشرح الكبير 525:3، مختصر المزني: 69، الحاوي الكبير 236:4، الخلاف - للشيخ الطوسي - 375:2 ذيل المسألة 219.
4- حلية العلماء 355:3، الحاوي الكبير 236:4، الخلاف - للشيخ الطوسي - 375:2، ذيل المسألة 219.
5- حكاه عنه الشيخ الطوسي في الخلاف 375:2 ذيل المسألة 219، و انظر: المغني 568:3، و الشرح الكبير 525:3، و الحاوي الكبير 238:4.

العهدة، فلا فائدة فيها. و قياسه على المفسد باطل، لأنّ الجناية وقعت هناك من المفسد، فكان التفريط من قبله، بخلاف الفوات.

و قول مالك يشتمل على ضرر عظيم، فيكون منفيّا.

مسألة 719: إذا فاته الحجّ جعل حجّه عمرة مفردة،

فيطوف و يسعى و يحلق، عند علمائنا أجمع - و به قال ابن عباس و ابن الزبير و عطاء و أحمد و أصحاب الرأي(1) - لما رواه العامّة عن النبي صلّى اللّه عليه و آله، قال: (من فاته الحجّ فعليه دم، و ليجعلها عمرة، و ليحجّ من قابل)(2).

و من طريق الخاصّة: قول الرضا عليه السّلام في الذي إذا (أدركه الإنسان فقد أدرك الحجّ)(3) فقال: «إذا أتى جمعا و الناس بالمشعر الحرام قبل طلوع الشمس فقد أدرك الحجّ و لا عمرة له، و إن أدرك جمعا بعد طلوع الشمس فهي عمرة مفردة و لا حجّ له، و إن شاء أن يقيم بمكّة أقام، و إن شاء أن يرجع إلى أهله رجع، و عليه الحجّ من قابل»(4).

و قال الصادق عليه السّلام - في الصحيح -: «أيّما حاجّ سائق للهدي أو مفرد للحجّ أو متمتّع بالعمرة إلى الحجّ قدم و قد فاته الحجّ فليجعلها عمرة و عليه الحجّ من قابل»(5).

و قال مالك و الشافعي: لا يصير إحرامه بعمرة، بل يتحلّل بطواف

ص: 409


1- المغني 566:3-567، الشرح الكبير 523:3-524، المبسوط - للسرخسي - 174:4، فتح العزيز 52:8، المجموع 290:8.
2- أورده ابنا قدامة في المغني 567:3، و الشرح الكبير 524:3.
3- بدل ما بين القوسين في الطبعة الحجرية و «ق، ك»: أدرك الناس، و ما أثبتناه هو الموافق للمصدر.
4- التهذيب 294:5-997، الاستبصار 306:2-307-1094.
5- التهذيب 294:5-998، الاستبصار 307:2-1095.

و سعي و حلاق، لأنّه أحرم بأحد النسكين لا ينقلب إلى الآخر، كما لو أحرم بالعمرة(1).

و الفرق: فوات الحجّ، و إمكان الإتيان بالعمرة من غير فوات فيها، فلا حاجة إلى انقلاب إحرامها.

و لا بدّ من نيّة الاعتمار، خلافا لبعض العامّة، و أوجبوا الإتيان بأفعالها(2).

مسألة 720: إذا فاته الحجّ، استحبّ له المقام بمنى إلى انقضاء أيّام التشريق،

و ليس عليه شيء من أفعال الحجّ و لا حلق و لا تقصير، بل يقصّر إذا تحلّل بعمرة بعد طوافها و سعيها.

و هل يجب على من فاته الحجّ الهدي ؟ الأقرب: المنع - و هو قول أصحاب الرأي(3) - لأصالة براءة الذمّة، و لأنّه لو كان الفوات سببا لوجوب الهدي، لوجب على المحصر هديان: واحد للفوات، و آخر للإحصار.

و نقل الشيخ - رحمه اللّه - عن بعض علمائنا وجوب الهدي(4) - و به قال الشافعي و أكثر الفقهاء(5). و عن أحمد روايتان(6) - لقول الصادق عليه السّلام في

ص: 410


1- المغني 567:3، الشرح الكبير 524:3، فتح العزيز 52:8، المجموع 8: 287 و 290، روضة الطالبين 452:2، الحاوي الكبير 236:4.
2- المغني 567:3، الشرح الكبير 524:3.
3- الكتاب بشرح اللباب 221:1، المغني 568:3، الشرح الكبير 526:3، حلية العلماء 354:3، فتح العزيز 54:8، المجموع 290:8، الحاوي الكبير 4: 239.
4- الخلاف 374:2، المسألة 219.
5- الوجيز 131:1، فتح العزيز 54:8، الحاوي الكبير 239:4، المجموع 8: 287 و 290، روضة الطالبين 452:2، حلية العلماء 354:3، المغني 3: 568، الشرح الكبير 526:3.
6- المغني 568:3، الشرح الكبير 526:3.

نفر فاتهم الحجّ: «عليهم أن يهريق كلّ واحد(1) منهم دم شاة»(2).

و لأنّه حلّ من إحرامه قبل إتمامه، فلزمه الهدي، كالمحصر.

و الخبر محمول على الاستحباب. و نمنع الحلّ قبل إتمامه، و إنّما نقله إلى العمرة، و النقل جائز.

و لو كان قد ساق هديا، نحره بمكّة، لأنّه تعيّن للإهداء، فلا يسقط بالفوات، فإن قلنا بوجوب الهدي، ذبحه في ذلك العام، و لا يجوز له تأخيره إلى القابل - [و هو أحد قولي الشافعي](3)(4) - كالمدرك لأفعال الحجّ، و لأنّ الهدي واجب على الفور، لأنّه جزء من الحجّ.

و الثاني للشافعي: يجوز(5).

و على الأوّل لو أخّره، عصى، و وجب عليه ذبحه، و لا يجزئه عن هدي القضاء، لأنّ القضاء إحرام، فيجب فيه الهدي، للآية(6).

مسألة 721: إذا كان الفائت واجبا، كحجّة الإسلام و المنذورة و غيرهما، وجب القضاء،

و لا تجزئه العمرة التي فعلها للتحلّل، و إن لم يكن الحجّ واجبا، لم يجب عليه القضاء - و به قال عطاء و أحمد في

ص: 411


1- في «ق، ك» و الفقيه: رجل، بدل واحد.
2- الكافي 475:4-1، الفقيه 284:2-1395، التهذيب 295:5-1000، الإستبصار 307:2-1097.
3- أضفناها لأجل السياق.
4- المهذّب - للشيرازي - 240:1، المجموع 287:8، حلية العلماء 3: 355، الحاوي الكبير 239:4.
5- المهذّب - للشيرازي - 240:1، المجموع 287:8، حلية العلماء 3: 355، الحاوي الكبير 239:4.
6- البقرة: 196.

إحدى الروايتين، و مالك في أحد القولين(1) - لأنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله لمّا سئل عن الحجّ أكثر من مرّة، قال: (بل مرّة واحدة)(2) و لو أوجبنا القضاء، كان أكثر من مرّة.

و عن الصادق عليه السّلام في القوم الذين فاتهم الحجّ قال: «ليس عليهم من قابل»(3) و لا يمكن ذلك في الواجب فيحمل على النفل.

و لأنّه معذور في ترك إتمام حجّه، فلا يلزمه القضاء، كالمحصر.

و لأنّها عبادة غير واجبة، فلا يجب قضاؤها بالفوات، كسائر العبادات.

و قال الشافعي: يجب القضاء و إن كان الحجّ تطوّعا - و به قال ابن عباس و ابن الزبير و أصحاب الرأي و مالك في القول الثاني و أحمد في الرواية الثانية - لقول النبي صلّى اللّه عليه و آله: (من فاته عرفات فقد فاته الحجّ فليتحلّل(4) بعمرة و عليه الحجّ من قابل)(5).

و لأنّه يجب بالشروع فيه(6).

و تحمل الرواية على الحجّ الواجب، و إنّما يجب بالشروع مع إمكانه.

و إن كان الفائت حجّة الإسلام، وجب قضاؤها إجماعا على الفور3.

ص: 412


1- المغني 568:3، الشرح الكبير 525:3، فتح العزيز 53:8، الحاوي الكبير 238:4.
2- المستدرك - للحاكم - 293:2، سنن ابن ماجة 963:2-2886، مصنّف ابن أبي شيبة 85:4، المغني 568:3، الشرح الكبير 525:3.
3- الكافي 475:4-476-1، الفقيه 284:2-1395، التهذيب 295:5-1000، الإستبصار 307:2-1097.
4- في المصادر: فليحلّ.
5- سنن الدار قطني 241:2-22، المغني 568:3، الشرح الكبير 525:3.
6- فتح العزيز 53:8، المجموع 287:8، روضة الطالبين 452:2، الحاوي الكبير 238:4، المغني 568:3، الشرح الكبير 525:3.

عندنا - و هو ظاهر مذهب الشافعي(1) - لأنّ القضاء كالأداء، و قد بيّنّا وجوب الأداء على الفور و كذا قضاؤه.

و من الشافعية من قال: إنّها على التراخي(2).

و إذا قضاه في العام المقبل، أجزأه عن الحجّة الواجبة إجماعا.

و إذا فاته الحجّ، نقل إحرامه إلى العمرة، و لا يحتاج إلى تجديد إحرام آخر للعمرة، و هذه العمرة المأتي بها للتحلّل لا تسقط وجوب العمرة التي للإسلام إن كانت الفائتة حجّة الإسلام، لوجوب الإتيان بالحجّ و العمرة في سنة واحدة.

و هل يجب على فائت الحجّ التحلّل ؟ الأقرب ذلك، فلو أراد البقاء على إحرامه إلى القابل ليحجّ من قابل، فالظاهر من الروايات المنع، لأنّهم عليهم السّلام أوجبوا عليه الإتيان بطواف و سعي(3) ، و حكموا بانقلاب الحجّ إلى العمرة(4) ، و به قال الشافعي و أصحاب الرأي و ابن المنذر(5) ، لقوله عليه السّلام: (من فاته الحجّ فعليه دم و ليجعلها عمرة)(6).

و قال مالك: يجوز، لأنّ تطاول المدّة بين الإحرام و فعل النسك لا يمنع عن إتمامه، كالعمرة(7).3.

ص: 413


1- فتح العزيز 473:7 و 53:8، المهذّب - للشيرازي - 222:1 و 240، المجموع 389:7 و 287:8، الحاوي الكبير 221:4.
2- فتح العزيز 473:7 و 53:8، المهذّب - للشيرازي - 222:1 و 240، المجموع 389:7 و 287:8، الحاوي الكبير 221:4.
3- التهذيب 295:5-999.
4- الكافي 476:4-2، التهذيب 294:5-998، الإستبصار 307:2-1095.
5- المغني 569:3، الشرح الكبير 527:3.
6- أورده ابنا قدامة في المغني 567:3، و الشرح الكبير 524:3.
7- المنتقى - للباجي - 278:2، التفريع 351:1، حلية العلماء 355:3، المغني 569:3، الشرح الكبير 527:3.

و لا فرق بين المكّي و غيره في وجوب الهدي بالفوات.

و أمّا العمرة المفردة: فلا يفوت وقتها، لأنّ وقتها جميع السنة، أمّا المتمتّع بها فيفوت بفوات الحجّ، لتعيّن وقتها.

ص: 414

الفصل الثاني في بقايا مسائل تتعلّق بالنساء و العبيد و الصبيان و النائب في الحجّ
مسألة 722: قد بيّنّا وجوب الحجّ على النساء كوجوبه على الرجال،

و ليس للزوج منعها عن حجّة الإسلام و لا ما وجب عليها، فإن أحرمت في الواجب، مضت فيه و إن كره الزوج، و ليس له منعها من إتمامه.

و له منعها عن حجّ التطوّع إجماعا، لما فيه من منع الزوج عن حقّه.

و لو أذن لها في التطوّع، جاز له الرجوع فيه ما لم تتلبّس بالإحرام إجماعا، فإن أحرمت بعد رجوعه، كان له أن يحلّلها.

و الأقرب أنّه لا دم عليها، خلافا لبعض العامة(1).

و لو أحرمت قبل رجوعه، لم يكن له تحليلها، لوجوب الإتمام عليها.

و لو كان إحرامها بغير إذنه في التطوّع، كان له تحليلها، خلافا لبعض العامّة(2).

و لو خرجت لحجّة الإسلام و لم تكمل شرائطها، كان له منعها. و لو أحرمت من غير إذنه، كان له تحليلها.

و لو نذرت الحجّ بغير إذن زوجها، لم ينعقد، و لو أذن، وجب النذر.

ص: 415


1- المغني 573:3-574.
2- فتح العزيز 39:8، المجموع 332:8-333، المغني 572:3، الشرح الكبير 175:3.

و كذا لو نذرت قبل التزويج. و المطلّقة رجعيّا في العدّة كالزوجة.

مسألة 723: جميع ما يجب على الرجل من أفعال الحجّ و تروكه فهو واجب على المرأة،

إلاّ تحريم لبس المخيط، و الحائض تحرم كالرجل إلاّ أنّها تحتشي و تستثفر و تتوضّأ وضوء الصلاة و لا تصلّي، للحيض، لأنّ الإحرام عبادة لا يشترط فيها الطهارة، فجاز وقوعه من الحائض.

قال الصادق عليه السّلام عن الحائض تريد الإحرام: «تغتسل و تستثفر و تحتشي بالكرسف و تلبس ثوبا دون ثيابها لإحرامها و تستقبل القبلة و لا تدخل المسجد ثم تهلّ بالحجّ بغير صلاة»(1).

و المستحاضة تفعل ما يلزمها من الأغسال إن وجبت ثم تحرم عند الميقات، و كذا النفساء.

و لو تركت الإحرام ظنّا منها أنّه لا يجوز فعله للحائض أو المستحاضة أو النفساء، أو نسيانا، وجب عليها الرجوع إلى الميقات و الإحرام منه إن تمكّنت، و ان لم تتمكّن أو ضاق الوقت عليها، خرجت إلى خارج الحرم و أحرمت منه، فإن لم تتمكّن، أحرمت من موضعها، لرواية معاوية بن عمّار - الصحيحة - عن الصادق عليه السّلام، قال: سألته عن المرأة كانت مع قوم فطمثت فأرسلت إليهم فسألتهم، فقالوا: ما ندري هل عليك إحرام أم لا و أنت حائض، فتركوها حتى دخلت [الحرم](2) قال: «إن كان عليها مهلة فلترجع إلى الوقت فلتحرم منه، و إن لم يكن عليها مهلة فلترجع ما قدرت عليه بعد ما تخرج من الحرم بقدر ما لا يفوتها الحجّ فتحرم»(3).

ص: 416


1- التهذيب 388:5-1355.
2- ما بين المعقوفين من المصدر.
3- التهذيب 389:5-390-1362.
مسألة 724: نفقة الحجّ الواجب إن زادت عن نفقة الحضر، كان الزائد على المرأة

لا على الزوج، لأنّ أداء الحجّ واجب عليها، و أمّا قدر نفقة الحضر فيجب على الزوج، كالحضر، سواء حجّت بإذن الزوج أو بغير إذنه، لأنّها غير ناشز بالحجّ الواجب، فلا تسقط نفقتها في الحضر. و لو كان الحجّ تطوّعا بإذنه فكذلك، أمّا لو كان بغير إذنه، فهي ناشز، فلا نفقة لها، لنشوزها.

و لو أفسدت الحجّ الواجب بأن مكّنت زوجها من وطئها مختارة قبل الموقفين، لزمها القضاء، و كانت قدر نفقتها في الحضر واجبة على الزوج في القضاء، و الزائد عليها في مالها. و كذا ما يلزمها من الكفّارة يجب عليها في مالها خاصّة.

مسألة 725: إذا حاضت المرأة بعد الإحرام قبل الطواف، لم يكن لها أن تطوف إجماعا،

لأنّها ممنوعة من الدخول في المسجد، بل تنتظر إلى وقت الوقوف، فإن طهرت و تمكّنت من الطواف و السعي و التقصير و إنشاء إحرام الحجّ و إدراك عرفة، صحّ لها التمتّع، و إن لم تدرك ذلك و ضاق الوقت، بطلت متعتها، و صارت حجّتها مفردة، عند علمائنا - و به قال أبو حنيفة(1) - لما رواه العامّة عن عائشة، قالت: أهللنا بعمرة، فقدمت مكّة و أنا حائض لم أطف بالبيت و لا بين الصفا و المروة، فشكوت ذلك إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، فقال: (انقضي رأسك و امتشطي و أهلّي بالحجّ و دعي العمرة) قالت: ففعلت ذلك، فلمّا قضينا الحجّ أرسلني رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله مع عبد الرحمن ابن أبي بكر إلى التنعيم، فاعتمرت معه، فقال: (هذه عمرة مكان عمرتك)(2).

ص: 417


1- المغني 513:3، الشرح الكبير 258:3.
2- صحيح مسلم 870:2-111، سنن النسائي 166:5، المغني 513:3، الشرح الكبير 258:3.

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السّلام - في الصحيح - عن المرأة الحائض إذا قدمت مكّة يوم التروية، قال: «تمضي كما هي إلى عرفات فتجعلها حجّة ثم تقيم حتى تطهر فتخرج إلى التنعيم فتحرم فتجعلها عمرة»(1).

و قال باقي العامّة: تحرم بالحجّ مع عمرتها، و تصير قارنة تجمع بين الحجّ و العمرة(2). و قد سلف بطلانه.

و اعلم أنّ كلّ متمتّع خشي فوات الحجّ باشتغاله بالعمرة يرفض عمرته و يبطلها، و تصير حجّة مفردة.

و لا يجب عليها تجديد إحرام، بل تخرج بإحرامها ذلك إلى عرفات، و لا يجب عليها الدم.

و لو حاضت في أثناء طواف المتعة، فإن كان الحيض بعد طواف أربعة أشواط، قطعته، وسعت و قصّرت ثم أحرمت بالحجّ، و قد تمّت متعتها، فإذا فرغت من المناسك و طهرت، تمّمت طوافها، و صلّت ركعتيه.

و إن كانت قد طافت أقلّ من أربعة أشواط، كان حكمها حكم من لم يطف، لأنّها مع طواف أربعة أشواط تكون قد طافت أكثر الأشواط، و حكم معظم الشيء حكم الشيء غالبا.

و لقول الصادق عليه السّلام: «المتمتّعة إذا طافت بالبيت أربعة أشواط ثم حاضت فمتعتها تامّة، و تقضي ما فاتها من الطواف بالبيت و بين الصفا و المروة، و تخرج إلى منى قبل أن تطوف الطواف الآخر»(3).1.

ص: 418


1- التهذيب 390:5-1363.
2- المغني 513:3، الشرح الكبير 257:3-258.
3- التهذيب 393:5-1370، الاستبصار 313:2-1111.

و إذا طافت أقلّ من أربعة، تركت السعي، لأنّه تبع الطواف.

و لقول الصادق عليه السّلام - في الصحيح - في الطامث، قال: «تقضي المناسك كلّها غير أنّها لا تطوف بين الصفا و المروة»(1).

و لو حاضت بعد الطواف قبل الركعتين، تركتهما وسعت و قضتهما بعد الطهارة.

و لو حاضت في إحرام الحجّ، فإن كان قبل طواف الزيارة، وجب عليها المقام حتى تطهر ثم تطوف و تسعى، و إن كان بعده قبل طواف النساء، فكذلك.

و إن كانت قد طافت من طواف النساء أربعة أشواط، جاز لها الخروج من مكّة، فإنّ في تخلّفها عن الحاجّ ضررا عظيما، و قد طافت معظمه، فجاز لها الخروج قبل الإكمال.

و لو فرغت المتمتّعة من عمرتها و خافت الحيض، جاز لها تقديم طواف الحجّ، عند علمائنا أجمع - و به قال الشافعي(2) - لما روى العامّة عن النبي صلّى اللّه عليه و آله، أنّه سأله رجل، فقال: أفضت قبل أن أرمي، قال: (ارم و لا حرج)(3).

و من طريق الخاصّة: رواية يحيى الأزرق(4) عن أبي الحسن عليه السّلام، قال: سألته عن امرأة تمتّعت بالعمرة إلى الحجّ ففرغت من طواف العمرة و خافت الطمث قبل يوم النحر، يصلح لها أن تعجّل طوافها طواف الحجّ قبل أن تأتي منى ؟ قال: «إذا خافت أن تضطرّ إلى ذلكق.

ص: 419


1- التهذيب 393:5-1372، الاستبصار 313:2-1113.
2- لم نجده في مظانّه من المصادر المتوفّرة لدينا.
3- صحيح مسلم 949:2-950-333، سنن الدار قطني 252:2-72.
4- في المصدر: صفوان بن يحيى الأزرق.

فعلت»(1).

مسألة 726: العليلة كالرجل العليل يطاف بها،

و تستلم مستحبّا إن تمكّنت منه، و لو تعذّر الطواف بها، طيف عنها.

و المستحاضة تطوف بالبيت و تفعل ما تفعله الطاهر من الصلاة فيه و السعي و غيره إذا فعلت ما تفعله المستحاضة. و يكره لها دخول الكعبة.

و إذا كانت عليلة لا تعقل وقت الإحرام، أحرم عنها و ليّها، و جنّبها ما يجتنب المحرم.

قال الشيخ رحمه اللّه: إذا أحرمت بالحجّ ثم طلّقها زوجها و وجبت عليها العدّة، فإن ضاق الوقت و خافت فوت الحجّ إن أقامت، خرجت و قضت حجّتها ثم تعود فتقضي باقي العدّة إن بقي عليها شيء، و إن كان الوقت متّسعا أو كانت محرمة بعمرة، فإنّها تقيم و تقضي عدّتها ثم تحجّ و تعتمر(2).

أمّا المتوفّى عنها زوجها: فإنّه يجوز لها أن تخرج في الحجّ مطلقا، لوجوب الحجّ على الفور على عامّة المكلّفين.

و لقول الصادق عليه السّلام في المتوفّى عنها زوجها، قال: «تحجّ و إن كانت في عدّتها»(3).

و قال أحمد: ليس لها أن تخرج في حجّة الإسلام، لأنّ العدّة تفوت، بخلاف الحجّ(4).

و نمنع عدم الفوات، فإنّ الفورية في الحجّ واجبة، و هي تفوت

ص: 420


1- التهذيب 398:5-1384.
2- المبسوط - للطوسي - 259:5.
3- التهذيب 402:5-1400.
4- المغني 196:3 و 184:9 و 186، الشرح الكبير 177:3 و 169.

بالعدّة.

مسألة 727: العبد لا يجب عليه الحجّ

و إن أذن له مولاه فيه، و لا يجزئه لو حجّ بإذنه إلاّ أن يدركه العتق قبل فوات الموقفين، و سواء كان قنّا أو مدبّرا أو مكاتبا، انعتق بعضه أو لا.

و لو هاياه مولاه على أيّام معيّنة تكون بقدر ما انعتق منه و أمكنه وقوع الحجّ فيها، قال الشيخ رحمه اللّه: لا يمتنع أن نقول: ينعقد إحرامه فيها، و يصحّ حجّة بغير إذن سيّده(1).

و الزوجة الأمة لا يصحّ حجّها إلاّ بإذن سيّدها و زوجها، و لا يكفي إذن أحدهما. و لو أذنا معا، صحّ حجّها و لا يجزئها عن حجّة الإسلام إلاّ أن يدركها العتق قبل الموقفين. و لو حجّت بغير إذن زوجها، لم يجزئها عن حجّة الإسلام و إن أعتقت قبل الموقفين.

مسألة 728: لو أحرم الصبي أو العبد بإذن مولاه، صحّ إحرامهما.

ثمّ إن بلغ الصبي أو أعتق العبد بعد فوات الموقفين، مضيا على الإحرام، و كان الحجّ تطوّعا، و لا يجزئ عن حجّة الإسلام، و لو كملا قبل الموقفين، تعيّن إحرام كلّ منهما بالفرض، و أجزأه عن حجّة الإسلام. و به قال الشافعي(2).

و قال أبو حنيفة: الصبي يحتاج إلى تجديد إحرام، لأنّ إحرامه عنده

ص: 421


1- المبسوط - للطوسي - 327:1.
2- فتح العزيز 429:7، المهذّب - للشيرازي - 203:1، المجموع 57:7-58 و 61، روضة الطالبين 400:2، الحاوي الكبير 244:4-245، المغني 3: 204، الشرح الكبير 168:3، و حكاه عنه الشيخ الطوسي في الخلاف 378:2 - 379، المسألة 226.

لا يصحّ، و العبد يمضي على إحرامه تطوّعا، و لا ينقلب فرضا(1).

و قال مالك: الصبي و العبد معا يمضيان في الحجّ، و يكون تطوّعا(2).

و إن كان البلوغ و العتق بعد الوقوف و قبل فوات وقته بأن يكملا قبل طلوع فجر النحر، رجعا إلى عرفات و المشعر إن أمكنهما، فإن لم يمكنهما، رجعا إلى المشعر و وقفا و قد أجزأهما، و لو لم يعودا، لم يجزئهما عن حجّة الإسلام.

و قال الشافعي: إن لم يعودا إلى عرفات، لم يجزئهما عن حجّة الإسلام(3).

و كلّ موضع قلنا: إنّه يجزئهما عن حجّة الإسلام، فإنّه يلزمهما فيه الدم إن كانا متمتّعين، و إلاّ فلا.

و قال الشافعي: عليه(4) دم(5).

و قال في موضع آخر: لا يبيّن لي أنّ عليهما شيئا(6).8.

ص: 422


1- المبسوط - للسرخسي - 174:4، بدائع الصنائع 121:2، الهداية - للمرغيناني - 136:1، الحاوي الكبير 244:4-245، المجموع 58:7 و 61، المغني 3: 204، الشرح الكبير 168:3، و حكاه عنه الشيخ الطوسي في الخلاف 379:2، المسألة 226.
2- المدوّنة الكبرى 380:1-381، التفريع 353:1، المغني 204:3، الشرح الكبير 168:3، و حكاه عنه الشيخ الطوسي في الخلاف 379:2، المسألة 266.
3- فتح العزيز 429:7، المجموع 58:7، روضة الطالبين 400:2، الحاوي الكبير 246:4، و حكاه عنه الشيخ الطوسي في الخلاف 379:2، المسألة 227.
4- كذا، و الظاهر: عليهما.
5- مختصر المزني: 70، فتح العزيز 429:7، المجموع 59:7، و حكاه عنه الشيخ الطوسي في الخلاف 380:2، المسألة 228.
6- مختصر المزني: 70، و حكاه عنه أيضا الشيخ الطوسي في الخلاف 380:2، المسألة 228.

و الآية(1) تدلّ على وجوبه على المتمتّع، و أصالة البراءة تدلّ على عدمه في حقّ غيره.

مسألة 729: الكافر يجب عليه الحجّ لكن لا يصحّ منه

إلاّ إذا قدّم الإسلام، فإن مات بعد إحرامه كافرا، فلا حكم له.

و إن أسلم بعد فوات الوقوف، لم يجب عليه الحجّ، لأنّه أسلم بعد فوات وقته، و ما مضى في حال كفره معفوّ عنه.

و إن أسلم قبل الوقوف، وجب عليه الحجّ، لإمكانه، و يتعيّن عليه في تلك السنة، لوجوب الفوريّة، خلافا للشافعي(2).

و يجدّد إحراما غير الأوّل، لعدم الاعتداد به، فإن لم يجدّده، فإن تمكّن من الرجوع إلى الميقات و الإحرام منه، وجب، و إلاّ أحرم حيث أمكن، و لا دم عليه، لعدم الاعتداد بالإحرام الأوّل، و به قال أبو حنيفة و أحمد(3) ، خلافا للشافعي، قياسا على المسلم حيث جاوز الميقات مريدا للنسك و أحرم من دونه و لم يعد إليه، فوجب الدم كالمسلم(4).

و ليس بجيّد، لأنّه مرّ على الميقات و ليس من أهل النسك.

مسألة 730: المخالف إذا حجّ ثم استبصر فإن لم يخلّ بشيء من أركان الحجّ، صحّ حجّه

و أجزأ عنه، و استحبّ له إعادته، و إن كان قد أخلّ،

ص: 423


1- البقرة: 196.
2- فتح العزيز 430:7، المجموع 61:7، روضة الطالبين 401:2، الحاوي الكبير 246:4-247.
3- المغني 228:3، الشرح الكبير 223:3، فتح العزيز 430:7، الحاوي الكبير 247:4.
4- فتح العزيز 430:7، روضة الطالبين 401:2، المجموع 61:7، الحاوي الكبير 247:4، المغني 228:3، الشرح الكبير 223:3.

وجب عليه إعادة الحجّ، لأنّه مسلم أتى بالأركان فأجزأ عنه، كغيره من المسلمين، و مع الإخلال لم يأت بالمأمور به على وجهه، فيبقى في عهدة التكليف.

و لرواية بريد بن معاوية - الصحيحة - أنّه سأل الصادق عليه السّلام: عن رجل حجّ و هو لا يعرف هذا الأمر ثم منّ اللّه عليه بمعرفته و الدينونة به أ يجب عليه حجّة الإسلام أو قد قضى فريضته ؟ فقال: «قد قضى فريضته، و لو حجّ كان أحبّ إليّ»(1).

إذا عرفت هذا، فغير الحجّ من العبادات إذا أوقعها على وجهها، لا يجب عليه إعادتها، للأصل، إلاّ الزكاة، فإنّه إذا سلّمها إلى غير المؤمن، وجب عليه إعادتها.

قال بريد بن معاوية العجلي - في الصحيح -: سألت الصادق عليه السّلام:

عن رجل حجّ و هو لا يعرف هذا الأمر ثم منّ اللّه عليه بمعرفته و الدينونة به يجب عليه حجّة الإسلام أو قد قضى فريضته ؟ فقال: «قد قضى فريضته و لو حجّ لكان أحبّ إليّ» قال: و سألته عن رجل حجّ و هو في بعض هذه الأصناف من أهل القبلة ناصب مستتر(2) ثم منّ اللّه عليه فعرف هذا الأمر، يقضي حجّة الإسلام ؟ قال: «يقضي أحبّ إليّ» و قال: «كلّ عمل عمله و هو في حال نصبه و ضلالته ثم منّ اللّه عليه و عرّفه الولاية، فإنّه يؤجر عليه إلاّ الزكاة، فإنّه يعيدها، لأنّه وضعها في غير مواضعها، لأنّها لأهل الولاية، و أمّا الصلاة و الحجّ و الصيام فليس عليه قضاء»(3).ر.

ص: 424


1- التهذيب 9:5-23، الإستبصار 145:2-472.
2- في المصدر: متديّن، بدل مستتر.
3- نفس المصدر.
مسألة 731: السكران إذا شهد المناسك في حال سكره، فإن لم يحصّل شيئا، لم يجزئه ما فعله،

و وجب عليه إعادة الحجّ، و إن حصّل ما يفعله و فعله على وجهه، صحّ حجّه.

و الشيخ - رحمه اللّه - أطلق فقال: من شهد المناسك كلّها و رتّبها في مواضعها إلاّ أنّه كان سكران، فلا حجّ له، و كان عليه إعادة الحجّ من قابل(1).

و قد روى أبو علي بن راشد، قال: كتبت إليه أسأله عن رجل محرم سكر و شهد المناسك و هو سكران أ يتمّ حجّه على سكره ؟ فكتب «لا يتمّ حجّه»(2).

مسألة 732: واجد الاستطاعة المتمكّن من مباشرة الحجّ لا يجوز له أن يستأجر غيره في حجّة الإسلام

إجماعا، و كذا المنذور و شبهه.

و بالجملة كلّ حجّ واجب عليه إذا تمكّن من الإتيان به مباشرة لا يجوز له الاستئجار فيه.

و أمّا التطوّع: فإن كان المستأجر لم يحج حجّة الإسلام، فالأقرب أنّه يجوز له أن يستأجر غيره ليحجّ عنه تطوّعا، للأصل.

و منع أحمد من ذلك، لأنّ هذا التطوّع لا يجوز له فعله بنفسه، فنائبه أولى بالمنع(3).

و الفرق: أنّ فعله مباشرة يمنع من أداء الواجب، بخلاف فعل النائب.

و لو كان الاستئجار يمنع من أداء الواجب بأن تقصر نفقته باعتبار دفع

ص: 425


1- النهاية: 274.
2- التهذيب 296:5-1002.
3- المغني 185:3، الشرح الكبير 211:3.

مال الإجارة، لم يجز له الاستئجار.

و لو لم يكن السرب مخلّى، جاز له أن يستأجر من يحجّ عنه تطوّعا، سواء قصرت نفقته بمال الإجازة أم لا.

و لو كان قد حجّ حجّة الإسلام ثم عجز عن مباشرة حجّ التطوّع، فإنّه يجوز له الاستنابة إجماعا.

و لو كان قد أدّى حجّة الإسلام و هو متمكّن من مباشرة حجّ التطوّع، فإنّه يجوز له أن يستنيب غيره، عند علمائنا - و به قال أبو حنيفة(1) - لأنّه حجّ غير واجب عليه، فجاز له أن يستنيب فيه، كالمعضوب.

و قال الشافعي: لا يجوز - و عن أحمد روايتان(2) - لأنّه يقدر عليه بنفسه، فلا يجوز له النيابة فيه، كالفرض(3).

و الفرق ظاهر.

أمّا لو كان عاجزا عن التطوّع في هذا العام عجزا يرجى زواله، كالمحبوس، فإنّه يجوز له أن يستنيب عندنا و عند الشافعي(4).

و فرق في هذه الصورة بينها و بين الفرض، لأنّ الفرض عبادة العمر، فلا يفوت بتأخيره عن هذا العام، و التطوّع مشروع في كلّ عام، فيفوت حجّ هذا العام بتأخيره.

مسألة 733: الصرورة إذا فقد الاستطاعة و تمكّن من الحجّ تطوّعا، جاز

ص: 426


1- المبسوط - للسرخسي - 152:4، المغني 185:3، الشرح الكبير 211:3.
2- المغني 185:3، الشرح الكبير 211:3.
3- المغني 185:3، الشرح الكبير 212:3.
4- لم نعثر على قول الشافعي في مظانّه من المصادر المتوفّرة لدينا، و القول بجواز الاستنابة مذهب بعض الحنابلة أيضا. انظر: المغني 185:3-186، و الشرح الكبير 212:3.

له ذلك، و يقع عن التطوّع، عند علمائنا - و به قال أبو حنيفة و مالك و الثوري و إسحاق و ابن المنذر(1) - لأنّه نوى التطوّع و لم ينو الفرض، فلا يقع عن الفرض، لقوله عليه السّلام: (إنّما الأعمال بالنيّات و إنّما لا مريء ما نوى)(2).

و لأنّها عبادة تنقسم إلى فرض و نفل، فجاز إيقاع نفلها قبل فرضها، كالصلاة. و لأنّه زمان لا يجب عليه الحجّ فرضا، فجاز إيقاع نفله فيه، كما بعد الحجّ.

و قال الشافعي: يقع عن حجّة الإسلام - و به قال ابن عمر و أنس، و عن أحمد روايتان - لأنّه أحرم بالحجّ و عليه فرضه، فوجب أن يقع عن فرضه، كما لو كان مطلقا(3).

و نمنع أنّ عليه فرضه، و الفرق أنّ النفل و الفرض متنافيان، فنيّة أحدهما [لا تجامع](4) نيّة الآخر و لا فعله، لوقوع النفل بحسب النيّة، بخلاف المطلق الذي هو جزء الفرض، فنيّته لا تنافي نيّة الفرض.

مسألة 734: لو نوى فاقد الاستطاعة حجّا منذورا عليه، أجزأه عن النذر

عندنا، لقوله عليه السّلام: (الأعمال بالنيّات)(5).

و قال الشافعي: يقع عن حجّة الإسلام(6).

ص: 427


1- المغني 202:3، الشرح الكبير 209:3، الحاوي الكبير 22:4.
2- سنن البيهقي 215:1.
3- مختصر المزني: 62، الحاوي الكبير 22:4، المهذّب - للشيرازي - 207:1، المغني 202:3، الشرح الكبير 209:3.
4- ورد بدل ما بين المعقوفين في «ق، ك» و الطبعة الحجرية: تنافي. و ما أثبتناه يقتضيه السياق.
5- صحيح البخاري 2:1، سنن أبي داود 262:2-2201، سنن ابن ماجة 2: 1413-4227، سنن البيهقي 215:1 و 341:7.
6- لم نعثر عليه في مظانّه.

و كذا الخلاف لو مات و عليه حجّة الإسلام و اخرى منذورة، فاستؤجر رجل ليحجّ عنه المنذورة، فأحرم بها، وقع عن النذر عندنا إذا استؤجر آخر ليحجّ حجّة الإسلام أو لم يمكن ذلك.

و قال الشافعي: يقع عن حجّة الإسلام(1).

و لو كان عليه منذورة، فأحرم بحجّة التطوّع، قال الشافعي: يقع عن المنذورة(2).

و الوجه: أنّ النذر إن تعلّق بزمان معيّن، لم يجز إيقاع التطوّع فيه، فإن أوقعه بنيّة التطوّع، بطل، و لم يجزئ عن المنذورة، لعدم القصد، و إن لم يتعلّق بزمان معيّن، لم يقع عن المنذورة أيضا، لعدم القصد، و لا عن التطوّع، لوجوب تقديم النذر.

مسألة 735: من حجّ عن غيره وصل ثواب ذلك إليه، و حصل للحاجّ ثواب عظيم أيضا.

روى العامّة عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أنّه قال: (إذا حجّ الرجل عن و الدية تقبّل اللّه منه و منهما، و استبشرت أرواحهما في السماء، و كتب عند اللّه برّا)(3).

و عنه صلّى اللّه عليه و آله أنّه قال: (من حجّ عن أبويه أو قضى عنهما مغرما بعث يوم القيامة مع الأبرار)(4).

و من طريق الخاصّة: رواية معاوية بن عمّار - الصحيحة - عن الصادق عليه السّلام. قال: قلت له: إنّ أبي قد حجّ و إنّ والدتي قد حجّت و إنّ

ص: 428


1- لم نعثر عليه في مظانّه.
2- لم نعثر عليه في مظانّه.
3- سنن الدار قطني 259:2-260-109.
4- سنن الدار قطني 260:2-110.

أخويّ قد حجّا و قد أردت أن أدخلهم في حجّتي، فإنّي قد أحببت أن يكونوا معي، فقال: «اجعلهم معك، فإنّ اللّه عزّ و جلّ جاعل لهم حجّا و لك حجّا، و لك أجرا بصلتك إيّاهم» و قال عليه السّلام: «يدخل على الميّت في قبره الصلاة و الصوم و الحجّ و الصدقة و العتق»(1).

و الأخبار في ذلك كثيرة.

و لو كان الحجّ واجبا على أحدهما خاصّة، كان الأفضل الإتيان بالواجب عمّن وجب عليه، لأنّ فيه إبراء الذمّة، و تخليصا من العذاب. و لو لم يجب على أحدهما، قيل: ينبغي أن يبدأ بالحجّ عن الامّ(2) ، لما رواه أبو هريرة أنّ رجلا جاء إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، قال: من أحقّ الناس بحسن صحابتي ؟ قال: (أمّك) قال: ثم من ؟ قال: (أمّك) قال: ثم من ؟ قال:

(أمّك) قال: ثم من ؟ قال: (أبوك)(3).

مسألة 736: من وجب عليه الحجّ و فرّط في أدائه مع قدرته ثم عجز من أدائه بنفسه أو بنائبه إن قلنا بوجوب الاستنابة، وجب عليه أن يوصي به،

لأنّه حقّ واجب و دين ثابت، فتجب الوصيّة به، كغيره من الديون.

قال اللّه تعالى كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ (4).

و لو لم يوص، وجب على ورثته أن يخرجوا من صلب تركته ما يحجّ به عنه - و لو كان له مال وديعة عند غيره و علم المستودع وجوب الحجّ في

ص: 429


1- الفقيه 279:2-1369.
2- المغني و الشرح الكبير 200:3.
3- صحيح البخاري 2:8، صحيح مسلم 1974:4-2548.
4- البقرة: 180.

ذمّته و عدم قيام الورثة به، وجب عليه إخراج ما يحجّ به عنه، و يدفع الفاضل إلى الورثة - لأنّه دين عليه، فلا يسقط عن ذمّته بموته، و لا يترك الوصيّة به.

و ما رواه العامّة من خبر الخثعميّة(1).

و من طريق الخاصّة: رواية سماعة بن مهران عن الصادق عليه السّلام، قال:

سألته عن الرجل يموت و لم يحج حجّة الإسلام و لم يوص بها و هو موسر، فقال: «يحجّ عنه من صلب ماله لا يجوز غير ذلك»(2).

و قال أبو حنيفة: يسقط الحجّ بوفاته، بمعنى أنّه لا يفعل عنه بعد وفاته، و حسابه على اللّه تعالى يلقاه و الحجّ في ذمّته، أمّا لو أوصى، اخرج من الثلث، و يكون تطوّعا لا يسقط به الفرض.

و كذا يقول في الزكوات و الكفّارات و جزاء الصيد كلّ ذلك يسقط بوفاته، فلا يفعل عنه بوجه(3).

إذا عرفت هذا، فلو لم يوص بحجّة الإسلام مع وجوبها عليه، استؤجر من تركته على ما قلناه، فإن لم يخلّف شيئا، استحبّ للورثة قضاؤها عنه.

و كذا لو خلّف ما لا و تبرّع بعض الورثة أو أجنبي بقضائها عنه، برئت ذمّة الميّت.

و لو لم يكن عليه حجّ واجب، فأوصى أن يحجّ عنه تطوّعا، صحّت3.

ص: 430


1- سنن النسائي 118:5.
2- التهذيب 404:5-1406.
3- تحفة الفقهاء 426:1-427، الاختيار لتعليل المختار 228:1، بدائع الصنائع 221:2، فتح العزيز 44:7، الحاوي الكبير 16:4، المغني 198:3، الشرح الكبير 196:3.

الوصيّة، و أخرجت من الثلث، عند علمائنا، لأنّها عبادة تصحّ الوصيّة بواجبها فتصحّ بمندوبها.

و للشافعي قولان: هذا أحدهما، و الثاني: بطلان الوصيّة(1).

مسألة 737: لو أوصى أن يحجّ عنه و لم يعيّن المرّات، قال الشيخ رحمه اللّه:

وجب أن يحجّ عنه ما بقي من ثلثه شيء(2).

و الأقرب أن يقال: إن علم منه قصد التكرار، فالحقّ ما قاله الشيخ، و إلاّ اكتفي بالمرّة الواحدة، لأصالة براءة الذمّة، و لعدم اقتضاء الأمر التكرار.

احتجّ الشيخ: بما رواه محمد بن الحسين بن أبي خالد، قال: سألت أبا جعفر عليه السّلام: عن رجل أوصى أن يحجّ عنه، مبهما، قال: «يحجّ عنه ما بقي من ثلثه شيء»(3).

و هو محمول على ما إذا علم منه قصد التكرار، أو نقول: تقديره:

يحجّ عنه بحسب الوصيّة إمّا مرّة واحدة أو أكثر إذا بقي من ثلثه شيء يفي بالحجّة الواحدة أو الأزيد، إذا الوصية تحمل على الثلث.

مسألة 738: النذر و اليمين و العهد أسباب في وجوب الحجّ و العمرة

إذا تعلّقت بهما مع الشرائط السابقة بلا خلاف.

قال اللّه تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ (4) و قال اللّه تعالى يُوفُونَ بِالنَّذْرِ (5).

و إذا نذر الحجّ في سنة معيّنة فأهمل مع قدرته، كفّر و قضى، و مع

ص: 431


1- الام 122:2، الوجيز 278:1، الحاوي الكبير 17:4، حلية العلماء 87:6.
2- النهاية: 284.
3- التهذيب 408:5-1420، الإستبصار 319:2-1129.
4- المائدة: 1.
5- الإنسان: 7.

عدم المكنة يقضي و لا كفّارة.

و لو نذر المشي فيها فأخلّ بالصفة مع القدرة، كفّر و قضى ماشيا، و مع العجز لا قضاء و لا كفّارة.

قال الشيخ رحمه اللّه: إذا ركب مع العجز، ساق بدنة، كفّارة لركوبه(1) - و هو أحد قولي الشافعي، و إحدى الروايتين عن أحمد(2) - لما رواه الحلبي - في الصحيح - عن الصادق عليه السّلام، قال: قلت له: رجل نذر أن يمشي إلى بيت اللّه و عجز أن يمشي، قال: «فليركب و ليسق بدنة، فإنّ ذلك يجزئ عنه إذا عرف اللّه منه الجهد»(3).

و هو محمول على الاستحباب، لقول الباقر عليه السّلام: «إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أمر أخت عقبة بن عامر بالركوب»(4) و لم يوجب عليها شيئا، و لو كان واجبا لبيّنه.

مسألة 739: لو نذر الحجّ، لم تجب العمرة.

و كذا لو نذر العمرة، لم يجب الحجّ، لأصالة البراءة، أمّا لو نذر حجّ التمتّع، فإنّه يجب عليه الحجّ و عمرة التمتّع.

ص: 432


1- النهاية: 205، المبسوط - للطوسي - 303:1.
2- المهذّب - للشيرازي - 253:1، المجموع 492:8، حلية العلماء 398:3، المغني 346:11-347، الشرح الكبير 360:11-361.
3- التهذيب 13:5-36، الإستبصار 149:2-489.
4- الاستبصار 150:2-491، و في التهذيب 13:5-14-37 عن الإمام الصادق عليه السّلام.
الفصل الثالث في العمرة
مسألة 740: العمرة واجبة - كالحجّ - على كلّ مكلّف حصل له شرائط الحجّ،

بأصل الشرع مرّة واحدة في العمر، كما سبق(1).

و تجزئ عمرة التمتّع عن المفردة إجماعا.

قال الصادق عليه السّلام: «إذا تمتّع الرجل بالعمرة فقد قضى ما عليه من فريضة العمرة»(2).

و سأل أحمد بن محمد بن أبي نصر، الرضا عليه السّلام: عن العمرة أ واجبة هي ؟ قال: «نعم» قلت: فمن تمتّع يجزئ عنه ؟ قال: «نعم»(3).

إذا عرفت هذا، فإذا أحرم الإنسان بعمرة مفردة في غير أشهر الحجّ، لم يجز له أن يتمتّع بها إلى الحجّ، فإن أراد التمتّع، اعتمر عمرة أخرى في أشهر الحجّ.

و إن دخل مكّة بعمرة مفردة في أشهر الحجّ، جاز له أن ينقلها إلى عمرة التمتّع، و يقيم حتى يحجّ، بل هو الأفضل. و إن لم ينقلها إلى التمتّع و أتمّها مفردة، جاز له أن يخرج إلى أهله من غير حجّ إذا لم يكن الحجّ واجبا عليه، لقول الصادق عليه السّلام - في الصحيح -: «لا بأس بالعمرة المفردة

ص: 433


1- سبق في ج 7 ص 15، المسألة 6.
2- الكافي 533:4 (باب ما يجزئ من العمرة المفروضة) الحديث 1، التهذيب 433:5-1503، الإستبصار 325:2-1150.
3- الكافي 533:4 (باب ما يجزئ من..) الحديث 2، التهذيب 5: 434-1506، الإستبصار 325:2-326-1153.

في أشهر الحجّ ثم يرجع إلى أهله»(1).

أمّا لو اعتمر للتمتّع، فإنّه يجب عليه الإتيان بالحجّ، لدخولها فيه.

مسألة 741: جميع أوقات السنة صالح للمفردة، لكن أفضل أوقاتها رجب.

و هي تلي الحجّ في الفضل، لأنّ معاوية بن عمّار روى - في الصحيح - عن الصادق عليه السّلام: أيّ العمرة أفضل ؟ عمرة في رجب أو عمرة في شهر رمضان ؟ فقال: «لا، بل عمرة في رجب أفضل»(2).

و تدرك فضيلة العمرة في رجب بإدراك إحرامها في آخر أيّامه، لقول الصادق عليه السّلام - في الصحيح -: «إذا أحرمت و عليك من رجب يوم و ليلة فعمرتك رجبيّة»(3).

و لا تكره العمرة في شيء من أوقات السنة، لما رواه العامّة عن النبي صلّى اللّه عليه و آله، قال: (عمرة في شهر رمضان تعدل حجّة)(4).

و روي عنه أنّه اعتمر في شوّال و في ذي القعدة(5).

و اعتمرت عائشة من التنعيم ليلة المحصّب(6) ، و هي الليلة التي يرجعون فيها من منى إلى مكّة.

ص: 434


1- الكافي 534:4 (باب العمرة المبتولة في..) الحديث 1، التهذيب 5: 436-1515، الاستبصار 327:2-1159.
2- الفقيه 276:2-1347.
3- الفقيه 276:2-1349.
4- سنن ابن ماجة 996:2-2991-2995، سنن الترمذي 276:3-939، سنن البيهقي 346:4، سنن الدارمي 52:2، مسند أحمد 352:3، المعجم الكبير - للطبراني - 142:11-1299 و 176-11410.
5- سنن أبي داود 205:2-1991، دلائل النبوّة - للبيهقي - 455:5.
6- كما في فتح العزيز 76:7.

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السّلام: «السنة اثنا عشر شهرا، لكلّ شهر عمرة»(1).

و بهذا قال الشافعي و أحمد(2).

و قال أبو حنيفة: تكره في خمسة أيّام: يوم عرفة، و يوم النحر، و أيّام التشريق، لقول عائشة: السنة كلّها وقت للعمرة إلاّ خمسة أيّام: يوم عرفة و يوم النحر و أيّام التشريق(3).

و لأنّها عبادة غير موقّتة، فانقسم وقتها إلى مكروه و غيره، كصلاة التطوّع.

و الحديث محمول على ما إذا كان متلبّسا بإحرام الحجّ.

و الفرق: أنّ صلاة التطوّع كان فيها ما هو موقّت، بخلاف العمرة، على أنّ اعتبار العمرة بالطواف المجرّد أولى من اعتباره بالصلاة.

و قال أبو يوسف: تكره في أربعة أيّام: يوم النحر و أيّام التشريق(4).

مسألة 742: و اختلف علماؤنا في أقلّ ما يكون بين العمرتين.

فقال بعضهم(5): لا قدر له، بل يجوز في كلّ يوم، لأنّها عبادة مكرّرة

ص: 435


1- الفقيه 278:2-1362.
2- الوجيز 113:1، فتح العزيز 76:7، الحاوي الكبير 30:4، المجموع 7: 148، حلية العلماء 252:3، الشرح الكبير 230:3، المحرّر في الفقه 1: 236، التمهيد 20:20.
3- بدائع الصنائع 227:2، تحفة الفقهاء 392:1، المبسوط - للسرخسي - 4: 178، فتح العزيز 76:7، التمهيد 19:20، بداية المجتهد 326:1، حلية العلماء 253:3، الشرح الكبير 230:3.
4- المبسوط - للسرخسي - 178:4، فتاوى قاضى خان 301:1، حلية العلماء 3: 253، التمهيد 19:20، و عنه في الخلاف - للطوسي - 260:2، المسألة 25.
5- كابن إدريس في السرائر: 127.

غير مختصّة بوقت، فلا قدر لما بينهما، كالصلاة.

و لما رواه العامّة عن عائشة أنّها اعتمرت في شهر مرّتين بأمر النبي صلّى اللّه عليه و آله عمرة مع قرانها، و عمرة بعد حجّها(1).

و قال عليه السّلام: (العمرة إلى العمرة كفّارة لما بينهما)(2).

و قال بعضهم(3): يستحبّ في كلّ شهر عمرة واحدة. و به قال علي عليه السّلام و ابن عمر و ابن عباس و أنس و عائشة و عطاء و طاوس و عكرمة و الشافعي و أحمد(4) ، لما رواه العامّة عن علي عليه السّلام قال: «في كلّ شهر مرّة»(5).

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السّلام - في الصحيح -: «كان علي عليه السّلام يقول: لكلّ شهر عمرة»(6).

و كره العمرة في السنة مرّتين الحسن البصري و ابن سيرين و مالك و النخعي، لأنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله لم يفعله(7).

و لقول الباقر عليه السّلام - في الصحيح -: «لا تكون عمرتان في سنة»(8).7.

ص: 436


1- الام 135:2، المغني 178:3.
2- الموطّأ 346:1-65، صحيح البخاري 2:3، صحيح مسلم 983:2-1349، سنن النسائي 115:5، المغني 178:3.
3- كالقاضي ابن البرّاج في المهذّب 211:1.
4- المغني 178:3، فتح العزيز 76:7، الحاوي الكبير 31:4.
5- المغني 178:3.
6- الكافي 534:4 (باب العمرة المبتولة) الحديث 1، التهذيب 435:5-1509، الإستبصار 326:2-1154.
7- المغني 178:3، المجموع 149:7، التفريع 352:1، بداية المجتهد 1: 326، التمهيد 19:20.
8- التهذيب 435:5-1512، الاستبصار 326:2-1157.

و عدم الفعل لا يدلّ على الكراهة، خصوصا مع نقلهم عن عائشة أمره عليه السّلام به(1).

و قد روى ابن بابويه أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله اعتمر ثلاث عمر متفرّقات كلّها في ذي القعدة(2).

و حديث الباقر عليه السّلام محمول على عمرة التمتّع.

إذا عرفت هذا، فيستحبّ أن يعتمر في كلّ عشرة أيّام عمرة مع التمكّن - و به قال عطاء و أحمد(3) - لأنّها زيارة البيت، فاستحبّ تكرارها في الشهر الواحد.

و لأنّ علي بن أبي حمزة سأل أبا الحسن عليه السّلام: عن رجل يدخل مكّة في السنة المرّة و المرّتين و الأربع كيف يصنع ؟ قال: «إذا دخل فليدخل ملبّيا، و إذا خرج فليخرج محلاّ» قال: «و لكلّ شهر عمرة» فقلت: تكون أقلّ؟ فقال: «تكون لكلّ عشرة أيّام عمرة»(4).

مسألة 743: ميقات العمرة هو ميقات الحجّ

إن كان خارجا من المواقيت إذا قصد مكّة، أمّا أهل مكّة أو من فرغ من الحجّ ثم أراد الاعتمار، فإنّه يخرج إلى أدنى الحلّ.

و ينبغي أن يكون من أحد المواقيت التي وقّتها النبي صلّى اللّه عليه و آله للعمرة المبتولة، و هي ثلاثة: التنعيم: و الحديبيّة، و الجعرانة.

روى ابن بابويه أنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله اعتمر ثلاث عمر متفرّقات كلّها في

ص: 437


1- المغني 178:3.
2- الفقيه 275:2-1341.
3- المغني 178:3،
4- الكافي 534:4-3، التهذيب 434:5-435-1508، الإستبصار 326:2 - 327-1158.

ذي القعدة: عمرة أهلّ بها من عسفان، و هي عمرة الحديبيّة، و عمرة القضاء أحرم بها من الجحفة، و عمرة أهلّ فيها من الجعرانة، و هي بعد أن رجع من الطائف من غزاة حنين(1)(2).

مسألة 744: صورة العمرة المفردة أن يحرم من الميقات

الذي يسوغ له الإحرام منه ثم يدخل مكّة فيطوف ثم يصلّي ركعتيه ثم يسعى بين الصفا و المروة ثم يقصّر أو يحلق ثم يطوف طواف النساء ثم يصلّي ركعتيه و قد أحلّ من كلّ شيء أحرم منه.

و هكذا عمرة التمتّع إلاّ أنّه لا يطوف للنساء فيها و لا يصلّي ركعتيه، بل يحلّ من كلّ شيء أحرم منه عند التقصير.

و شرائط وجوب العمرة المفردة هي شرائط وجوب الحجّ.

و تجب في العمر مرّة بأصل الشرع، و قد تجب باليمين و النذر و العهد و الاستئجار و الإفساد و الفوات و الدخول إلى مكّة مع انتفاء العذر و عدم تكرار الدخول. و يتكرّر وجوبها بتكرّر السبب.

و الفرق بينها و بين المتمتّع بها: أنّ المتمتّع بها إنّما تجب على من ليس من حاضري المسجد الحرام، و لا يصحّ فعلها و لا الإحرام بها إلاّ في أشهر الحجّ، و يلزم فيها التقصير، و لا يجوز الحلق، فإن حلق رأسه، لزمه دم، و لا يجب فيها طواف النساء. و المفردة تلزم حاضري المسجد الحرام، و تصحّ في جميع أيّام السنة، و يجب فيها طواف النساء، و يجوز فيها الحلق، و تسقط المفردة مع الإتيان بعمرة التمتّع.

ص: 438


1- في «ق، ك» و الطبعة الحجرية: خيبر. و الصحيح ما أثبتناه من المصدر. و انظر: المغازي - للواقدي - 958:3-959.
2- الفقيه 275:2-1341.

و لو أحرم بالمفردة و دخل مكّة، جاز أن ينوي التمتّع، و يلزمه دمه إذا كان في أشهر الحجّ، و لو كان في غير أشهره، لم يجز.

و لو دخل مكّة متمتّعا، لم يجز له الخروج حتى يأتي بالحجّ، لأنّه مرتبط به. نعم لو خرج بحيث لا يحتاج إلى استئناف إحرام، جاز. و لو خرج فاستأنف عمرة، تمتّع بالأخيرة.

و الحلق في المفردة أفضل من التقصير، فإذا فعل أحدهما، أحلّ من كلّ شيء أحرم منه إلاّ النساء، فإذا طاف طواف النساء، حللن له.

و طواف النساء واجب في العمرة المفردة على كلّ حاجّ من ذكر أو أنثى أو خنثى أو خصيّ أو صبيّ.

و لا يجب في المفردة هدي، فلو ساق هديا، نحره - قبل أن يحلق - بفناء الكعبة بالموضع المعروف بالحزورة، لقول الصادق عليه السّلام - في الصحيح -: «من ساق هديا في عمرة فلينحره قبل أن يحلق» قال: «و من ساق هديا و هو معتمر نحر هديه عند المنحر و هو بين الصفا و المروة، و هي الحزورة»(1).

و لو جامع قبل السعي، فسدت عمرته، و وجب عليه قضاؤها و الكفّارة، لقول الصادق عليه السّلام في الرجل يعتمر عمرة مفردة ثم يطوف بالبيت طواف الفريضة ثم يغشى امرأته قبل أن يسعى بين الصفا و المروة، قال:

«قد أفسد عمرته و عليه بدنة، و يقيم بمكّة حتى يخرج الشهر الذي اعتمر فيه، ثم يخرج إلى الميقات الذي وقّته رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لأهله فيحرم منه و يعتمر»(2).ظ.

ص: 439


1- الكافي 539:4-5، الفقيه 275:2-1343.
2- الكافي 538:4-539-2، الفقيه 275:2-1344، التهذيب 323:5 - 324-1111 بتفاوت يسير في بعض الألفاظ.

و لا يجوز لمن وجب عليه العمرة أن يعتمر عن غيره، كالحجّ، و ينبغي إذا أحرم المعتمر أن يذكر في دعائه أنّه محرم بالعمرة المفردة، فإذا دخل الحرم، قطع التلبية.

ص: 440

الفصل الرابع في التوابع و المزار
اشارة

و فيه بحثان:

الأوّل: في التوابع.
مسألة 745: من أحدث حدثا في غير الحرم فالتجأ إلى الحرم، ضيّق عليه في المطعم و المشرب حتى يخرج، فيقام عليه الحدّ،

لقوله تعالى:

وَ مَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً (1) .

و لو أحدث في الحرم، قوبل بالجناية فيه، لأنّه هتك حرمته، فيقابل بفعله.

و لما رواه معاوية بن عمّار - في الصحيح - عن الصادق عليه السّلام، قال:

قلت له: رجل قتل رجلا في الحلّ ثم دخل الحرم، قال: «لا يقتل و لكن لا يطعم و لا يسقى و لا يبايع و لا يؤوى حتى يخرج من الحرم فيؤخذ فيقام عليه الحدّ» قال: قلت: فرجل قتل رجلا في الحرم و سرق في الحرم، فقال: «يقام عليه الحدّ و صغار له، لأنّه لم ير للحرم حرمة، و قد قال اللّه عزّ و جلّ فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ (2) يعني في الحرم، و قال فَلا عُدْوانَ إِلاّ عَلَى الظّالِمِينَ (3)»(4).

ص: 441


1- آل عمران: 97.
2- البقرة: 194.
3- البقرة: 193.
4- التهذيب 419:5-420-1456، و في الكافي 227:4-228-4 بتفاوت.

و في الصحيح عن الحلبي، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام: عن قول اللّه عزّ و جلّ وَ مَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ (1) فقال:

«كلّ الظلم فيه إلحاد حتى لو ضربت خادمك ظلما خشيت أن يكون إلحادا، فلذلك كان الفقهاء يكرهون سكنى مكّة»(2).

مسألة 746: يكره لأهل مكّة منع الحاجّ شيئا من دورها و منازلها،

لما روي عن الصادق عليه السّلام - في الصحيح - أنّه ذكر هذه الآية سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ وَ الْبادِ (3) فقال: «كانت مكّة ليس على شيء منها باب، و كان أوّل من علق على بابه المصراعين معاوية بن أبي سفيان، و ليس ينبغي لأحد أن يمنع الحاجّ شيئا من الدّور و منازلها»(4).

و يكره أن يرفع أحد بناء فوق الكعبة احتراما للبيت.

قال الباقر عليه السّلام - في الصحيح -: «لا ينبغي لأحد أن يرفع بناء فوق الكعبة»(5).

مسألة 747: لا يجوز أخذ لقطة الحرم،

فإن أخذها، عرّفها سنة، فإن جاء صاحبها، دفعها إليه، و إلاّ تخيّر بين الحفظ لصاحبها دائما كما يحفظ الوديعة و بين الصدقة بها عن صاحبها بشرط الضمان إن لم يرض صاحبها بالصدقة، لأنّ الفضيل بن يسار سأل الباقر عليه السّلام: عن لقطة الحرم، فقال:

«لا تمسّ أبدا حتى يجيء صاحبها فيأخذها» قلت: فإن كان (مالا كثيرا؟)(6)

ص: 442


1- الحجّ: 25.
2- التهذيب 420:5-1457.
3- الحجّ: 25.
4- التهذيب 420:5-1458.
5- الكافي 230:4 (باب كراهية المقام بمكّة) الحديث 1، التهذيب 463:5-1616.
6- ورد بدل ما بين القوسين في «ق، ك» و الطبعة الحجرية: له مال كثير. و المثبت من المصدر.

قال: «فإن لم يأخذها إلاّ مثلك فليعرّفها»(1).

و سأل عليّ بن أبي حمزة العبد الصالح عليه السّلام: عن رجل وجد دينارا في الحرم فأخذه، قال: «بئس ما صنع، ما كان ينبغي له أن يأخذه» قلت:

ابتلي بذلك، قال: «يعرّفه» قلت: فإنّه قد عرّفه فلم يجد له باغيا، قال:

«يرجع به إلى بلده فيتصدّق به على أهل بيت من المسلمين، فإن جاء طالبه فهو له ضامن»(2).

و لأنّ الصدقة تصرّف في مال الغير بغير إذنه، فيكون ضامنا له.

و للشيخ - رحمه اللّه - قول آخر(3): إنّه لا يضمن مع الصدقة(4).

و أمّا لقطة غير الحرم: فإنّها تعرّف سنة، فإن جاء صاحبها، أخذها، و إلاّ فهي كسبيل ماله، لأنّ يعقوب بن شعيب سأل الصادق عليه السّلام: عن اللقطة و نحن يومئذ بمنى، فقال: «أمّا بأرضنا هذه فلا يصلح، و أمّا عندكم فإنّ صاحبها الذي يجدها يعرّفها سنة في كلّ مجمع ثم هي كسبيل ماله»(5).

مسألة 748: يكره الحجّ و العمرة على الإبل الجلاّلات،

و هي التي تغتذي بعذرة الإنسان خاصّة، لأنّها محرّمة، فكره الحجّ عليها.

و لقول الباقر عليه السّلام: «إنّ عليّا عليه السّلام كان يكره الحجّ و العمرة على الإبل الجلاّلات»(6).

و تكره الصلاة في أربعة مواطن في طريق مكّة: البيداء و ذات

ص: 443


1- التهذيب 421:5-1461.
2- التهذيب 421:5-1462.
3- كذا، حيث لم يسبق للشيخ الطوسي - رحمه اللّه - قول.
4- النهاية: 320.
5- التهذيب 421:5-1463.
6- التهذيب 439:5-1525.

الصلاصل و ضجنان و وادي الشقرة.

قال الصادق عليه السّلام: «اعلم أنّه تكره الصلاة في ثلاثة أمكنة من الطريق:

البيداء، و هي: ذات الجيش، و ذات الصلاصل، و ضجنان» قال: «و لا بأس أن يصلّى بين الظواهر، و هي الجوادّ جوادّ الطريق، و يكره أن يصلّى في الجواد»(1).

مسألة 749: يستحبّ أن يبدأ الحاجّ على طريق العراق بزيارة النبي صلّى اللّه عليه و آله بالمدينة

حذرا من العائق.

و سأل العيص بن القاسم الصادق عليه السّلام - في الصحيح - عن الحاجّ من الكوفة يبدأ بالمدينة أفضل أو بمكّة ؟ قال: «بالمدينة»(2).

إذا عرفت هذا، فلو ترك الناس الحجّ، أجبرهم الإمام عليه، لوجوبه.

و لو تركوا زيارة النبي صلّى اللّه عليه و آله، قال الشيخ رحمه اللّه: يجبرهم الإمام عليها(3).

و منعه بعض(4) علمائنا، لأنّها مستحبّة، فلا يجب إجبارهم عليها.

و الوجه: ما قاله الشيخ رحمه اللّه، لما فيه من الجفاء المحرّم.

مسألة 750: يستحبّ للمسافر الإتمام في حرم مكّة و حرم المدينة و جامع الكوفة و الحائر على ساكنه السلام

و إن لم ينو المقام عشرة أيّام، لأنّ عبد الرحمن بن الحجّاج سأل الصادق عليه السّلام - في الصحيح - عن التمام بمكّة و المدينة، قال: «أتمّ و إن لم تصلّ فيهما إلاّ صلاة واحدة»(5).

و قال الصادق عليه السّلام: «من مخزون علم اللّه الإتمام في أربعة مواطن:

ص: 444


1- التهذيب 425:5-1475.
2- التهذيب 439:5-1526، الإستبصار 328:2-1165.
3- النهاية: 285.
4- ابن إدريس في السرائر: 153.
5- التهذيب 426:5-1481، الاستبصار 331:2-1177.

حرم اللّه، و حرم رسوله و حرم أمير المؤمنين و حرم الحسين عليهم السّلام»(1).

مسألة 751: من جعل جاريته أو عبده هديا لبيت اللّه تعالى، بيع و صرف في الحاجّ و الزائرين،

لأنّ عليّ بن جعفر سأل الكاظم عليه السّلام: عن رجل جعل جاريته هديا للكعبة، قال «مر مناديا يقوم على الحجر فينادي ألا من قصرت نفقته أو قطع به أو نفد طعامه فليأت فلان بن فلان، و أمره أن يعطي أوّلا فأوّلا حتى ينفد ثمن الجارية»(2).

و يستحبّ لمن انصرف من الحجّ العزم على العود، و سؤال اللّه تعالى ذلك، لأنّه من الطاعات الجليلة، فالعزم عليها طاعة.

و يكره ترك العزم.

روى محمد بن أبي حمزة رفعه، قال: «من خرج من مكّة و هو لا يريد العود إليها فقد قرب أجله و دنا عذابه»(3).

و يستحبّ الدعاء للقادم من مكّة بالمنقول.

و ينبغي للحاجّ انتظار الحائض حتى تقضي مناسكها.

قال الكاظم عليه السّلام: «أميران و ليسا بأميرين: صاحب الجنازة ليس لمن يتبعها أن يرجع حتى يأذن له، و امرأة حجّت مع قوم فاعتلّت بالحيض، فليس لهم أن يرجعوا و يدعوها حتى تأذن لهم»(4).

مسائل:
752 الأولى: الطواف للمجاور بمكّة أفضل من الصلاة

ما لم يجاور

ص: 445


1- التهذيب 430:5-1494، الاستبصار 334:2-335-1191.
2- التهذيب 440:5-1529.
3- التهذيب 444:5-1545.
4- التهذيب 444:5-1548.

ثلاث سنين، فإن جاورها أو كان من أهل مكّة، كانت الصلاة أفضل، لقول الصادق عليه السّلام - في الصحيح -: «إذا أقام الرجل بمكّة سنة فالطواف أفضل، و إذا أقام سنتين خلط من هذا و هذا، فإذا أقام ثلاث سنين فالصلاة أفضل»(1).

753 الثانية: ينبغي لأهل مكّة أن يتشبّهوا بالمحرمين

في ترك لبس المخيط، لأنّه شعار المسلمين في ذلك الوقت و المكان.

و لقول الصادق عليه السّلام: «لا ينبغي لأهل مكّة أن يلبسوا القميص و أن يتشبّهوا(2) بالمحرمين شعثا غبرا» و قال: «ينبغي للسلطان أن يأخذهم بذلك»(3).

754 الثالثة: الأيّام المعدودات: عشر ذي الحجّة، و المعلومات: أيّام التشريق.

قال الصادق عليه السّلام - في الصحيح -: «قال أبي: قال علي عليه السّلام: اُذْكُرُوا اللّهَ فِي أَيّامٍ مَعْدُوداتٍ ، قال: عشر ذي الحجّة، و أيّام معلومات، قال: أيّام التشريق»(4).

755 الرابعة: يستحبّ للنساء دخول الكعبة،

و ليس متأكّدا، كما في الرجال، لأنّ الصادق عليه السّلام سئل - في الصحيح - عن دخول النساء الكعبة، فقال: «ليس عليهنّ، فإن فعلن فهو أفضل»(5).

ص: 446


1- التهذيب 447:5-1556.
2- كذا، و قال المجلسي - رحمه اللّه - في ملاذ الأخيار 479:8-480: قال الفاضل التستري رحمه اللّه: كأنّ المراد ينبغي أن يتشبّهوا. انتهى. و يمكن تقدير «عليهم»، إذ ظاهر آخر الخبر الوجوب. انتهى.
3- التهذيب 447:5-1557.
4- في التهذيب 447:5-1558 هكذا: «قال علي عليه السّلام: اذكروا اللّه في أيّام معلومات.. و أيّام معدودات..» و في النهاية - للشيخ الطوسي -: 286 كما في المتن، فلاحظ.
5- التهذيب 448:5-1561.
756 الخامسة: يكره المجاورة بمكّة، و يستحبّ الخروج منها بعد أداء المناسك،

لقول الباقر عليه السّلام - في الصحيح -: «لا ينبغي للرجل أن يقيم بمكّة سنة» قلت: كيف يصنع ؟ قال: «يتحوّل عنها»(1).

757 السادسة: لا ينبغي للموسر المتمكّن أن يترك الحجّ أكثر من خمس سنين،

لأنّه طاعة عظيمة.

قال الصادق عليه السّلام: «من مضت له خمس سنين فلم يفد إلى ربّه و هو موسر انّه لمحروم»(2).

و قال إسحاق بن عمّار للصادق عليه السّلام: إنّ رجلا استشارني في الحجّ و كان ضعيف الحال، فأشرت عليه أن لا يحجّ، قال: «ما أخلقك أن تمرض [سنة]» قال: فمرضت سنة(3).

758 السابعة: يكره الخروج من الحرمين بعد ارتفاع النهار

قبل أن يصلّي الظهرين بهما، لأنّ إبراهيم بن عبد الحميد قال: سمعته يقول: «من خرج من الحرمين بعد ارتفاع النهار قبل أن يصلّي الظهر و العصر نودي من خلفه: لا صحبك اللّه»(4).

759 الثامنة: من أخرج شيئا من حصى المسجد، كان عليه ردّه،

لأنّ زيدا الشحّام سأل الصادق عليه السّلام: أخرج من المسجد في ثوبي حصاة،

ص: 447


1- الكافي 230:4 (باب كراهة المقام بمكّة) الحديث 1، الفقيه 165:2-714، التهذيب 448:5-1563.
2- الكافي 278:4 (باب من لم يحجّ بين خمس سنين) الحديث 1، التهذيب 5: 450-1570.
3- الكافي 271:4 (باب نادر) الحديث 1، الفقيه 143:2-624، التهذيب 5: 450-1569، و ما بين المعقوفين من المصادر.
4- الكافي 543:4-17، التهذيب 452:5-1577.

قال: «تردّها أو(1) اطرحها في مسجد»(2).

و لقول الصادق عليه السّلام - في الصحيح -: «ليس ينبغي لأحد أن يأخذ من تربة ما حول البيت، و إن أخذ من ذلك شيئا، ردّه»(3).

و أمّا ثياب الكعبة: فقد روى الشيخ - أنّه ينبغي لمن تصل إليه أن يتّخذها للمصاحف أو الصبيان أو المخدّة للبركة - عن عبد الملك بن عتبة، قال: سألت الصادق عليه السّلام عن شيء يصل إلينا من ثياب الكعبة هل يصلح لنا أن نلبس شيئا منها؟ فقال: «يصلح للصبيان و المصاحف و المخدّة يبتغي بذلك البركة إن شاء اللّه»(4).

760 التاسعة: يستحبّ الطواف عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله،

و عن الأئمة عليهم السّلام، و عن فاطمة عليها السّلام، للرواية(5). و كذا يستحبّ عن المؤمنين: الأحياء و الأموات.

761 العاشرة: لو حجّ المؤمن ثم ارتدّ، صحّ حجّه، و لم تجب إعادته،

لقول الباقر عليه السّلام - في الموثّق -: «من كان مؤمنا فحجّ و عمل في إيمانه ثم أصابته في إيمانه فتنة فكفر ثم تاب و آمن يحسب له كلّ عمل صالح عمله في إيمانه، و لا يبطل منه شيء»(6).

762 الحادية عشرة: يجب تقديم الاختتان - على البالغ - على الحجّ،

لقول الصادق عليه السّلام في الرجل الذي يسلم و يريد أن يختتن و قد حضر الحجّ أ يحجّ أو يختتن ؟ قال: «لا يحجّ حتى يختتن»(7).

ص: 448


1- في «ق، ك» و الطبعة الحجرية: «و» بدل «أو» و المثبت من المصدر.
2- التهذيب 449:5-1568.
3- التهذيب 453:5-1582.
4- التهذيب 449:5-1567.
5- الكافي 314:4-2، التهذيب 450:5-451-1572.
6- التهذيب 459:5-460-1597.
7- الفقيه 251:2-1206، التهذيب 469:5-470-1646.
763 الثانية عشرة: يجوز القران في طواف النافلة.

روى زرارة - في الصحيح - قال: طفت مع أبي جعفر الباقر عليه السّلام ثلاثة عشر أسبوعا قرنها جميعا و هو آخذ بيدي ثم خرج فتنحّى ناحية، فصلّى ستّا و عشرين ركعة و صلّيت معه(1).

764 الثالث عشرة: يستحبّ طواف ثلاثمائة و ستّين أسبوعا.

روى معاوية بن عمّار - في الصحيح - عن الصادق عليه السّلام، قال:

«يستحبّ أن تطوف ثلاثمائة و ستّين أسبوعا عدد أيّام السنة، و إن لم تستطع فما قدرت عليه من الطواف»(2).

765 الرابع عشرة: يستحبّ الشرب من ماء زمزم و إهداؤه،

لقول الباقر عليه السّلام: «كان النبي صلّى اللّه عليه و آله يستهدي من ماء زمزم و هو بالمدينة»(3).

البحث الثاني: في المزار.
مقدّمة: يشترط في الزيارات كلّها النيّة،

لأنّها عبادة. و يستحبّ الطهارة و الغسل و التنظيف و لبس الثياب الطاهرة و الخضوع و الدعاء بالمنقول.

مسألة 766: تستحبّ زيارة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله.

قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: «من زار قبري بعد موتي [كان] كمن هاجر إليّ في حياتي، فإن لم تستطيعوا فابعثوا إليّ بالسلام، فإنّه يبلغني»(4).

ص: 449


1- التهذيب 470:5-1650.
2- التهذيب 471:5-1656.
3- التهذيب 471:5-472-1657.
4- التهذيب 3:6-1، و ما بين المعقوفين من المصدر.

و يستحبّ أن يزوره بالمنقول، فإذا فرغ من زيارته، أتى المنبر فمسحه و مسح رمّانتيه، و أن يصلّي بين القبر و المنبر ركعتين، للرواية(1).

و يسأل اللّه حاجته، ثم يأتي مقام جبرئيل عليه السّلام، و هو تحت الميزاب، و يدعو بالمنقول.

و يستحبّ وداعه عند الخروج من المدينة بالمنقول.

و يستحبّ الإكثار من الصلاة في مسجد النبي صلّى اللّه عليه و آله.

قال الصادق عليه السّلام: «صلّ ثمان ركعات عند زوال الشمس، فإنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال: الصلاة في مسجدي كألف في غيره، إلاّ المسجد الحرام فإنّ صلاة في المسجد الحرام تعدل ألف صلاة في مسجدي»(2).

و يستحبّ لمن أقام بالمدينة ثلاثة أيّام أن يصومها للحاجة، و يكون معتكفا فيها، و يكون الأربعاء و الخميس و الجمعة، و يصلّي ليلة الأربعاء عند أسطوانة أبي لبابة، و هي أسطوانة التوبة، و يقيم عندها يوم الأربعاء، و يأتي ليلة الخميس الأسطوانة التي تلي مقام رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و مصلاّه، و يصلّي عندها، و يصلّي ليلة الجمعة عند مقام النبي صلّى اللّه عليه و آله.

و يستحبّ لمن جاء إلى المدينة النزول بالمعرّس و الاستراحة فيه و الصلاة، اقتداء برسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله.

و يستحبّ إتيان المساجد كلّها بالمدينة، مثل مسجد قبا، و مشربة أمّ إبراهيم، و مسجد الأحزاب و هو مسجد الفتح، و مسجد الفضيخ، و قبور الشهداء كلّهم خصوصا قبر حمزة عليه السّلام بأحد.

قال الصادق عليه السّلام - في الصحيح -: «بلغنا أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كان إذا0.

ص: 450


1- الكافي 553:4-1، التهذيب 7:6-12.
2- التهذيب 14:6-15-30.

أتى قبور الشهداء قال: السلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار»(1).

و سأل عقبة بن خالد الصادق عليه السّلام: إنّا نأتي المساجد التي حول المدينة فبأيّها أبدأ؟ فقال: «ابدأ بقبا، فصلّ فيه و أكثر فإنّه أوّل مسجد صلّى فيه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في هذه العرصة، ثم ائت مشربة أمّ إبراهيم، فصلّ فيه فهو مسكن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و مصلاّه، ثم [تأتي](2) مسجد الفضيخ فتصلّي فيه و قد صلّى فيه نبيّك، فإذا قضيت هذا الجانب تأتي جانب أحد، فبدأت بالمسجد الذي دون الحرّة، فصلّيت فيه، ثم مررت بقبر حمزة بن عبد المطّلب، فسلّمت عليه، ثم مررت بقبور الشهداء فقمت عندهم فقلت:

السلام عليكم يا أهل الديار، أنتم لنا فرط و إنّا بكم لاحقون، ثم تأتي المسجد الذي في المكان الواسع إلى جنب الجبل عن يمينك حين تدخل أحدا، فتصلّي فيه فعنده خرج النبي صلّى اللّه عليه و آله إلى أحد حيث لقي المشركين فلم يبرحوا حتى حضرت الصلاة فصلّى فيه، ثم مرّ أيضا حتى ترجع فتصلّي عند قبور الشهداء ما كتب اللّه لك، ثم امض على وجهك حتى تأتي مسجد الأحزاب فتصلّي فيه و تدعو فيه، فإنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله دعا فيه يوم الأحزاب و قال: يا صريخ المكروبين و يا مجيب المضطرّين و يا مغيث المهمومين اكشف همّي و كربي و غمّي فقد ترى حالي و حال أصحابي»(3).

و تستحبّ الصلاة في مسجد غدير خمّ.

قال الصادق عليه السّلام: «تستحبّ الصلاة في مسجد الغدير، لأنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله أقام فيه أمير المؤمنين عليه السّلام، و هو موضع أظهر اللّه فيه الحقّ»(4).2.

ص: 451


1- الكافي 560:4-1، التهذيب 17:6-38.
2- أضفناها من المصدر.
3- الكافي 560:4-2، التهذيب 17:6-18-39.
4- الكافي 567:4-3، الفقيه 335:2-1556، التهذيب 19:6-42.
مسألة 767: تستحبّ زيارة فاطمة عليها السّلام،

فقد روى الشيخ - رحمه اللّه - بإسناده عنها عليها السّلام، قالت: «أخبرني أبي و هو ذا، هو أنّه من سلّم عليه و عليّ ثلاثة أيّام أوجب اللّه له الجنّة» قلت لها: في حياته و حياتك، قالت: «نعم و بعد موتنا»(1).

و اختلف في موضع قبرها عليها السّلام.

فقيل: في الروضة بين القبر و المنبر(2).

و قيل: في بيتها، فلمّا زاد بنو أمية في المسجد صار من جملة المسجد و قيل: إنّها مدفونة في البقيع(3).

قال الشيخ رحمه اللّه: الروايتان الأوّلتان متقاربتان، و أمّا من قال: إنّها دفنت بالبقيع فبعيد من الصواب(4).

قال ابن بابويه: الصحيح عندي أنّها دفنت في بيتها(5).

و تستحبّ الزيارة بالمنقول خصوصا ما روى الشيخ - رحمه اللّه - أنّها مرويّة لفاطمة عليها السّلام عن محمد العريضي [1]، قال: حدّثني أبو جعفر [عليه السّلام] ذات يوم، قال: «إذا صرت إلى قبر جدّتك فقل: يا ممتحنة امتحنك الذي خلقك قبل أن يخلقك، فوجدك لما امتحنك به صابرة، و زعمنا أنّا لك أولياء و مصدّقون و صابرون لكلّ ما أتانا به أبوك صلّى اللّه عليه و آله و أتى به وصيّه عليه السّلام، فإنّا نسألك إن كنّا صدّقناك إلاّ ألحقتنا بتصديقنا لهما(6) لنبشر أنفسنا بأنّا قد

ص: 452


1- التهذيب 9:6-18.
2- كما في التهذيب 9:6، و الفقيه 341:2-1573-1575.
3- كما في التهذيب 9:6، و الفقيه 341:2-1573-1575.
4- التهذيب 9:6.
5- الفقيه 341:2 ذيل الحديث 1575.
6- في «ق، ك» و الطبعة الحجرية: بهما. و ما أثبتناه من المصدر، و فيه زيادة: «بالبشرى».

طهرنا بولايتك(1)»(2).

مسألة 768: تستحبّ زيارة أمير المؤمنين عليه السّلام،

لقول الصادق عليه السّلام لعبد اللّه ابن طلحة: «أما تزور قبر أبي حسين ؟» قلت: بلى إنّا لنأتيه، قال:

«تأتونه كلّ جمعة ؟» قلت: لا، قال: «فتأتونه في كلّ شهر؟» قلت: لا، قال: «ما أجفاكم إنّ زيارته تعدل حجّة و عمرة و زيارة أبي علي عليه السّلام تعدل حجّتين و عمرتين»(3).

و تستحب الزيارة بالمنقول و الوداع به.

مسألة 769: تستحبّ زيارة أبي محمد الحسن عليه السّلام.

قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله للحسين عليه السّلام: «من زارني حيّا أو ميّتا أو زار أباك حيّا أو ميّتا أو زار أخاك حيّا أو ميّتا، أو زارك حيّا أو ميّتا، كان حقّا عليّ أن استنقذه يوم القيامة»(4).

و تستحب الزيارة بالمنقول و الوداع به.

مسألة 770: تستحبّ زيارة الحسين عليه السّلام،

لقول الباقر عليه السّلام: «مروا شيعتنا بزيارة قبر الحسين عليه السّلام، فإنّ إتيانه يزيد في الرزق و يمدّ في العمر و يدفع مواقع السوء، و إتيانه مفترض على كلّ مؤمن يقرّ [له] بالإمامة من اللّه»(5).

و عن الكاظم عليه السّلام: «من أتى قبر الحسين عليه السّلام في السنة ثلاث مرّات

ص: 453


1- في «ق، ك» و الطبعة الحجرية: بولايتهم. و ما أثبتناه من المصدر.
2- التهذيب 9:6-10-19.
3- التهذيب 21:6-47.
4- التهذيب 40:6-83.
5- التهذيب 42:6-86، و ما بين المعقوفين من المصدر.

أمن من الفقر»(1).

و تستحبّ زيارته في يوم عرفة و في أوّل يوم من رجب و نصفه و نصف شعبان و ليلة القدر و ليلة الفطر و ليلة الأضحى و يوم عاشوراء و يوم العشرين من صفر و في كلّ شهر، للروايات(2) المتواترة فيه.

و تستحب الزيارة بالمنقول و الوداع به.

مسألة 771: تستحبّ زيارة الأئمّة عليهم السّلام بالبقيع

و في ضريح واحد، أربعة منهم: الحسن بن علي عليه السّلام و علي بن الحسين زين العابدين عليه السّلام و محمد بن علي الباقر عليه السّلام و جعفر بن محمد الصادق عليه السّلام.

قال الصادق عليه السّلام: «من زارني غفرت له ذنوبه و لم يمت فقيرا»(3).

و تستحبّ زيارتهم بالمنقول و الوداع به.

مسألة 772: تستحبّ زيارة الإمام موسى بن جعفر الكاظم عليه السّلام ببغداد في المقبرة المعروفة بمقابر قريش.

قال الحسن بن علي الوشّاء: سألت الرضا عليه السّلام: عن زيارة قبر أبي الحسن عليه السّلام مثل زيارة الحسين عليه السّلام، قال: «نعم»(4).

و كذا تستحبّ زيارة محمد بن علي الجواد عليه السّلام ببغداد عند قبر جدّه الكاظم عليه السّلام.

قال إبراهيم بن عقبة: كتبت إلى أبي الحسن الثالث عليه السّلام: أسأله عن زيارة أبي عبد اللّه عليه السّلام و زيارة أبي الحسن و أبي جعفر عليهما السّلام، فكتب إليّ

ص: 454


1- التهذيب 48:6-106.
2- انظر: التهذيب 49:6-113، و 48-107، 108، و 49-111، 112، و 51-120، 121، و 52-122، 123، و المزار - للمفيد -: 48-62.
3- التهذيب 78:6-153.
4- الكافي 583:4-2، الفقيه 348:2-1597، التهذيب 81:6-158.

«أبو عبد اللّه المقدّم، و هذا أجمع و أعظم أجرا»(1).

و تستحبّ زيارتهما عليهما السّلام بالمنقول و الوداع لهما به.

مسألة 773: تستحبّ زيارة مولانا الإمام علي بن موسى الرضا عليه السّلام،

لأنّ علي بن مهزيار سأل - في الصحيح - أبا جعفر عليه السّلام: جعلت فداك زيارة الرضا عليه السّلام أفضل أم زيارة أبي عبد اللّه الحسين عليه السّلام ؟ قال: «زيارة أبي أفضل، و ذلك أنّ أبا عبد اللّه يزوره كلّ الناس، و أبي لا يزوره إلاّ الخواصّ من الشيعة»(2).

و قال الرضا عليه السّلام: «من زارني على بعد داري و مزاري أتيته يوم القيامة في ثلاثة مواطن حتّى أخلصه من أهوالها: إذا تطايرت الكتب يمينا و شمالا، و عند الصراط و الميزان»(3).

و تستحبّ زيارته بالمنقول و الوداع به.

مسألة 774: تستحبّ زيارة الإمام أبي الحسن علي بن محمد الهادي عليهما السّلام و ولده الإمام أبي محمد الحسن بن علي العسكري عليهما السّلام.

قال أبو هاشم الجعفري: قال أبو محمد الحسن بن علي عليه السّلام: «قبري بسرّ من رأى أمان لأهل الجانبين»(4).

و تستحبّ زيارتهما بالمنقول و الوداع به.

مسألة 775: تستحبّ زيارة مولانا الإمام المنتظر القائم محمد بن الحسن عليه السّلام

بسرّ من رأى بالمنقول و وداعه به.

ص: 455


1- الكافي 583:4-584-3، التهذيب 91:6-172.
2- الكافي 584:4-1، الفقيه 348:2-349-1598، التهذيب 84:6-165.
3- الفقيه 350:2-1606، التهذيب 85:6-169.
4- التهذيب 93:6-176.

قال المفيد رحمه اللّه: إذا أردت زيارة الإمامين بسرّ من رأى فقف بظاهر الشباك(1).

قال الشيخ الطوسي رحمه اللّه: هذا الذي ذكره من المنع من دخول الدار هو الأحوط، فإنّ الدار ملك الغير، فلا يجوز التصرّف فيها إلاّ بإذنه، و لو أنّ أحدا يدخلها لم يكن مأثوما، خصوصا إذا تأوّل في ذلك ما روي عنهم عليهم السّلام من أنّهم جعلوا شيعتهم في حلّ ممّا لهم، و ذلك على عمومه(2).

مسألة 776: تستحبّ زيارة سلمان الفارسي - رضى اللّه عنه

- بالمنقول، و زيارة أبواب الإمام المنتظر عليه السّلام، كعثمان بن سعيد و السمري.

و كذا تستحبّ زيارة المؤمنين.

روى محمد بن أحمد بن يحيى - في الصحيح - قال: مشيت مع ابن بلال إلى قبر محمد بن إسماعيل بن بزيع، قال: فقال لي علي بن بلال:

قال صاحب هذا القبر عن الرضا عليه السّلام: «من أتى قبر أخيه المؤمن من أيّ ناحية يضع يده و قرأ إِنّا أَنْزَلْناهُ سبع مرّات أمن من الفزع الأكبر»(3).

و قال أبو الحسن عليه السّلام: «من لم يقدر على زيارتنا فليزر صالحي إخوانه يكتب له ثواب زيارتنا، و من لم يقدر أن يصلنا فليصل صالحي إخوانه يكتب له ثواب صلتنا»(4).

قال عمرو بن أبي المقدام عن أبيه، قال: مررت مع أبي جعفر عليه السّلام بالبقيع، فمررنا بقبر رجل من أهل الكوفة من الشيعة، فقلت لأبي

ص: 456


1- المقنعة: 75.
2- التهذيب 94:6.
3- التهذيب 104:6-182.
4- التهذيب 104:6-181.

جعفر عليه السّلام: جعلت فداك هذا قبر رجل من الشيعة، قال: فوقف عليه السّلام عليه ثم قال: «اللّهم ارحم غربته، و صل وحدته، و آنس وحشته، و أسكن إليه من رحمتك رحمة يستغني بها عن رحمة من سواك، و ألحقه بمن كان يتولاّه» ثم قرأ إِنّا أَنْزَلْناهُ سبع مرّات(1).

و الزيارات و كيفيّاتها طويلة، لها كتب منفردة نقلها علماؤنا رضي اللّه عنهم، فلتطلب من هناك.3.

ص: 457


1- التهذيب 105:6-183.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.