تذكره الفقهاء المجلد 7

اشارة

سرشناسه : علامه حلي حسن بن يوسف ق 726 - 648

عنوان و نام پديدآور : تذكره الفقهاء/ تاليف العلامه الحلي الحسن بن يوسف بن المطهر؛ تحقيق موسسه آل البيت عليهم السلام لاحياآ التراث مشخصات نشر : قم موسسه آل البيت عليهم السلام لاحياآ التراث 1400ق = 1300.

مشخصات ظاهري : ج 22

فروست : (موسسه آل البيت عليهم السلام لاحياآ التراث 127؛ 129؛ 130134)

شابك : 964-5503-33-7 (دوره ؛ 964-5503-44-2 2900ريال (ج 4) ؛ 964-5503-46-9 (ج 6) ؛ 964-319-007-2 (ج 7) ؛ 964-319-224-5 8000ريال (ج 11)

يادداشت : عربي يادداشت : فهرست نويسي براساس جلد چهارم 1414ق = 1372

يادداشت : ج 1 (چاپ اول 1420ق = 1378)؛ 8000 ريال ج 1) :ISBN 964-319-197-4

يادداشت : ج 8 (چاپ اول 1417ق = 1376)؛ 6500 ريال ج )8ISBN 964-319-051-x

يادداشت : ج 9 (چاپ اول 1419ق = 1377)8000 ريال :(ج )9ISBN 964-319-008-0

يادداشت : ج 13 (چاپ اول 1423ق = 1381)9500 ريال :ISBN 964-319-389-6

يادداشت : كتابنامه مندرجات : (ج )7) ISBN 964-319-007-2 ج 12) 1422ق = 8500 :1380 ريال موضوع : فقه جعفري -- قرن ق 8

شناسه افزوده : موسسه آل البيت عليهم السلام لاحياآ التراث رده بندي كنگره : BP182/3 /ع8ت4 1300ي

رده بندي ديويي : 297/342

شماره كتابشناسي ملي : م 73-2721

ص: 1

اشارة

ص: 2

ص: 3

ص: 4

الجزء السابع

تتمة القاعدة الأولى في العبادات

كتاب الحجّ و العمرة

اشارة

ص: 5

ص: 6

و فيه مقدّمة و مقاصد.

أمّا المقدّمة ففيها مسائل:

مسألة 1:

الحجّ لغة: القصد(1) ، و لهذا سمّي الطريق محجّة، لأنّه يوصل إلى المقصود.

و قال الخليل: الحجّ: كثرة القصد إلى من تعظّمه(2).

و سمّي الحجّ حجّا، لأنّ الحاجّ يأتي قبل الوقوف بعرفة إلى البيت ثم يعود إليه لطواف الزيارة ثم ينصرف إلى منى ثم يعود إليه لطواف الوداع.

و فيه لغتان: بفتح الحاء و كسرها(3).

و أمّا في عرف الشرع فقال الشيخ رحمه اللّه: إنّه كذلك إلاّ أنّه اختصّ بقصد البيت الحرام لأداء مناسك مخصوصة عنده متعلّقة بزمان مخصوص(4).

و قال ابن إدريس: الحجّ في الشريعة: القصد إلى مواضع مخصوصة لأداء مناسك مخصوصة عندها متعلّقة بزمان مخصوص ليدخل الوقوف بعرفة

ص: 7


1- الصحاح 303:1، القاموس المحيط 182:1.
2- العين 9:3.
3- العين 9:3.
4- المبسوط - للطوسي - 296:1، الجمل و العقود (ضمن الرسائل العشر): 223.

و المشعر و منى(1).

و هو غير وارد على الشيخ رحمه اللّه، لأنّ كلّ واحد من الوقوفين قد يسقط بصاحبه، و كذا قصد منى مع بقاء حقيقة الحجّ، بخلاف قصد البيت، فإنّه لا يصدق مسمّى الحجّ إلاّ به.

و قال بعض العامّة: الحجّ في الشرع اسم لأفعال مخصوصة(2).

و ما ذكرناه أولى، لأنّ التخصيص أولى من النقل [1].

و أمّا العمرة فهي في اللغة عبارة عن الزيارة(3) ، و في الشرع عبارة عن زيارة البيت الحرام لأداء مناسك عنده، و لا تختص المبتولة بزمان، بخلاف المتمتّع بها، فإنّ وقتها وقت الحجّ.

و النسك بإسكان السين: اسم لكلّ عبادة، و بضمّها: اسم للذبح، و المنسك موضع الذبح، و قد يراد به موضع العبادة.

مسألة 2:

الحجّ فريضة من فرائض الإسلام و من أعظم أركانه بالنصّ و الإجماع.

قال اللّه تعالى وَ لِلّهِ عَلَى النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَ مَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ (4) قال ابن عباس: من كفر باعتقاده أنّه غير واجب(5).

و سأل علي بن جعفر أخاه الكاظم عليه السلام، عن قوله تعالى:

وَ مَنْ كَفَرَ قال: قلت: و من لم يحجّ منّا فقد كفر؟ قال: «لا، و لكن من

ص: 8


1- السرائر: 118.
2- المغني و الشرح الكبير 164:3.
3- القاموس المحيط 95:2.
4- آل عمران: 97.
5- المغني و الشرح الكبير 164:3.

قال ليس هذا هكذا فقد كفر»(1).

و قال تعالى وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلّهِ (2).

و ما رواه العامّة عن النبي صلّى اللّه عليه و آله، قال: (بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلاّ اللّه و أنّ محمّدا رسول اللّه و إقام الصلاة و إيتاء الزكاة و صوم شهر رمضان و حجّ البيت)(3) ذكر فيها الحجّ.

و عن ابن عباس قال: خطبنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، فقال: (يا أيّها الناس إن اللّه كتب عليكم الحجّ) فقام الأقرع بن حابس فقال: أ في كلّ عام يا رسول اللّه ؟ فقال: (لو قلتها لوجبت و لو وجبت لم تعملوا بها، الحجّ مرّة فمن زاد فتطوّع)(4).

و من طريق الخاصة: ما رواه الحلبي - في الصحيح - عن الصادق عليه السلام، قال: «إذا قدر الرجل على ما يحجّ به ثم دفع ذلك و ليس له شغل يعذره به فقد ترك شريعة من شرائع الإسلام»(5).

و عن ذريح المحاربي - في الصحيح - عن الصادق عليه السلام، قال:

«من مات و لم يحجّ حجّة الإسلام و لم تمنعه من ذلك حاجة تجحف به أو مرض لا يطيق فيه الحجّ أو سلطان يمنعه فليمت يهوديّا أو نصرانيّا»(6).

و قد أطبقت الأمّة كافّة على وجوب الحجّ على جامع الشرائط في العمر مرّة واحدة.

مسألة 3:

و الحجّ فيه ثواب عظيم و أجر جزيل.

ص: 9


1- الكافي 265:4-266-5، التهذيب 16:5-48، الإستبصار 149:2-488.
2- البقرة: 196.
3- سنن الترمذي 5:5-2609، سنن البيهقي 81:4، مسند أحمد 93:2، 120.
4- سنن البيهقي 326:4، المستدرك - للحاكم - 293:2.
5- التهذيب 18:5-54.
6- الكافي 268:4-1، الفقيه 273:2-1333، التهذيب 462:5-1610.

روى معاوية بن عمّار - في الصحيح - عن الصادق عليه السلام عن أبيه عن آبائه عليهم السلام: «أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لقيه أعرابي، فقال له: يا رسول اللّه إنّي خرجت أريد الحجّ ففاتني، و إنّي رجل ميّل [1]، فمرني أن أصنع في مالي ما أبلغ به مثل أجر الحاج، قال: فالتفت إليه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، فقال له: انظر إلى أبي قبيس فلو أنّ أبا قبيس لك ذهبة حمراء أنفقته في سبيل اللّه ما بلغت به مبلغ الحاج».

ثم قال: «إنّ الحاج إذا أخذ في جهازه لم يرفع شيئا و لم يضعه إلاّ كتب اللّه له عشر حسنات و محي عنه عشر سيّئات و رفع له عشر درجات، فإذا ركب بعيره لم يرفع خفّا و لم يضعه إلاّ كتب له مثل ذلك، فإذا طاف بالبيت خرج من ذنوبه، فإذا سعى بين الصفا و المروة خرج من ذنوبه، فإذا وقف بعرفات خرج من ذنوبه، فإذا وقف بالمشعر الحرام خرج من ذنوبه، فإذا رمى الجمار خرج من ذنوبه».

قال: «فعدّد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كذا و كذا موقفا إذا وقفها الحاج خرج من ذنوبه، ثم قال: أنّى لك أن تبلغ ما بلغ [2] الحاج».

قال أبو عبد اللّه عليه السلام: «و لا تكتب عليه الذنوب أربعة أشهر، و تكتب له الحسنات إلاّ أن يأتي بكبيرة»(1).

و في الصحيح عن معاوية بن عمّار عن الصادق عليه السلام، قال:

«الحاج يصدرون على ثلاثة أصناف: فصنف يعتقون من النار، و صنف يخرج من ذنوبه كيوم ولدته امّه، و صنف يحفظ في أهله و ماله، فذاك أدنى ما يرجع به الحاج»(2).9.

ص: 10


1- التهذيب 19:5-20-56، و في الكافي 258:4-25 صدرها بتفاوت.
2- التهذيب 21:5-59.

و في الصحيح عن معاوية بن عمّار عن الصادق عليه السلام، قال:

«قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: الحجّ و العمرة تنفيان الفقر و الذنوب كما ينفي الكير [1] خبث الحديد» قال معاوية: فقلت له: حجّة أفضل أو عتق رقبة ؟ قال: «حجّة أفضل» قلت: فثنتين ؟ قال: «فحجّة أفضل» قال معاوية:

فلم أزل أزيده و يقول: «حجّة أفضل» حتى بلغت ثلاثين رقبة، قال:

«حجّة أفضل»(1).

و عن الصادق عليه السلام قال: «الحاج و المعتمر وفد اللّه إن سألوه أعطاهم، و إن دعوه أجابهم، و إن شفعوا شفّعهم، و إن سكتوا بدأ بهم [2]، و يعوّضون بالدرهم ألف ألف درهم»(2).

مسألة 4:

و العمرة واجبة - كالحجّ في وجوبه و هيئة وجوبه - على من يجب عليه الحجّ عند علمائنا أجمع - و به قال علي عليه السلام، و عمر و ابن عباس و زيد بن ثابت و ابن عمر و سعيد بن المسيّب و سعيد بن جبير و عطاء و طاوس و مجاهد و الحسن البصري و ابن سيرين و الشعبي و الثوري و إسحاق و الشافعي في الجديد، و أحمد في إحدى الروايتين(3) - لقوله تعالى وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلّهِ (4) و الأمر للوجوب، و العطف بالواو يقتضي التشريك في الحكم.

و ما رواه العامة: أنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله، جاء إليه رجل فقال:

ص: 11


1- التهذيب 21:5-60.
2- الكافي 255:4-14، التهذيب 24:5-71.
3- المغني 174:3، الشرح الكبير 165:3، الوجيز 111:1، فتح العزيز 47:7-48، المجموع 7:7، حلية العلماء 230:3.
4- البقرة: 196.

أوصني، قال: (تقيم الصلاة و تؤتي الزكاة و تحجّ و تعتمر)(1).

و قال عليه السلام: (الحجّ و العمرة فريضتان)(2).

و من طريق الخاصة: عن زرارة - في الصحيح - عن الباقر عليه السلام، قال: «العمرة واجبة على الخلق بمنزلة الحجّ، لأنّ اللّه تعالى يقول وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلّهِ »(3) و الأخبار في ذلك متواترة.

و قال الشافعي في القديم و أحمد في الرواية الثانية: إنّ العمرة ليست واجبة - و هو مروي عن ابن مسعود، و به قال مالك و أبو ثور و أصحاب الرأي - لما رواه جابر: أنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله سئل عن العمرة أ واجبة هي ؟ قال:

(لا، و أن تعتمر فهو أفضل)(4).

و لأنّه نسك غير مؤقّت فلم يكن واجبا كالطواف المجرّد(5).

و الحديث نقله الترمذي عن الشافعي أنّه ضعيف لا تقوم بمثله الحجّة، و ليس في العمرة شيء ثابت بأنّها تطوّع(6).

و قال ابن عبد البرّ: روي ذلك بأسانيد لا تصح و لا تقوم بمثلها الحجة.3.

ص: 12


1- أوردها ابنا قدامة في المغني 175:3، و الشرح الكبير 166:3.
2- المستدرك - للحاكم - 471:1، سنن الدار قطني 284:2-217، سنن البيهقي 4: 350.
3- التهذيب 433:5-1502.
4- سنن الترمذي 270:3-931، و فيه: (.. و أن تعتمروا..).
5- المغني 174:3، الشرح الكبير 165:3، فتح العزيز 47:7-48، الحاوي الكبير 4: 34، المجموع 7:7، حلية العلماء 230:3، التفريع 352:1، الكافي في فقه أهل المدينة: 171-172، مقدّمات ابن رشد: 304.
6- سنن الترمذي 271:3 ذيل الحديث 931، و راجع: المغني 175:3، و الشرح الكبير 166:3.

ثم نحمله على المعهود، و هي العمرة التي قضوها حين أحصروا في الحديبية، أو على العمرة التي اعتمروها مع حجّتهم مع النبي صلّى اللّه عليه و آله، فإنّها لم تكن واجبة على من اعتمر، أو نحمله على من زاد على العمرة الواحدة.

و قياسهم باطل بالفرق، فإنّ الإحرام شرط في العمرة و ليس شرطا في الطواف.

مسألة 5:

و لا فرق بين أهل مكة و غيرهم في وجوبها عليهم بإجماع علمائنا، لعموم الأدلّة، فالقرآن عمّم الحكم في الحجّ و العمرة على الجمع المعرّف بلام الجنس، و الأخبار دالّة على العموم أيضا.

و قال أحمد: ليس على أهل مكة عمرة، و قال: كان ابن عباس يرى العمرة واجبة و يقول: يا أهل مكة ليس عليكم عمرة، إنّما عمرتكم طوافكم بالبيت(1) ، و به قال عطاء و طاوس(2).

قال عطاء: ليس أحد من خلق اللّه إلاّ عليه حجّ و عمرة واجبان لا بدّ منهما لمن استطاع إليهما سبيلا إلاّ أهل مكة، فإنّ عليهم حجّة، و ليس عليهم عمرة من أجل طوافهم بالبيت(3).

و لأنّ ركن العمرة و معظمها الطواف بالبيت و هم يفعلونه، فأجزأ عنهم(4).

و هو غلط، لأنّه قول مجتهد مخالف لعموم القرآن، فلا يكون حجّة، و ستأتي مباحث العمرة بعد ذلك إن شاء اللّه تعالى.

ص: 13


1- المغني 176:3، الشرح الكبير 166:3.
2- المغني 176:3، الشرح الكبير 166:3.
3- المغني 176:3، الشرح الكبير 166:3.
4- المغني 176:3، الشرح الكبير 166:3.

ص: 14

و أمّا المقاصد فيشتمل الأول منها على فصول

المقصد الأول

الفصل الأول في كيفية الوجوب
مسألة 6:

الحجّ يجب بأصل الشرع مرّة واحدة، و كذا العمرة، و لا يجب أزيد منها و هو قول عامّة أهل العلم(1).

و حكي عن بعض الناس أنّه قال: يجب في كلّ سنة مرّة(2). و هو خلاف النصّ:

قال اللّه تعالى وَ لِلّهِ عَلَى النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ (3) و مقتضى الأمر لا يقتضي التكرار، فإيجابه مخالفة له.

و ما رواه العامّة في حديث ابن عباس، و قد سبق(4).

و عن أبي هريرة قال: خطبنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، فقال: (يا أيّها الناس قد فرض اللّه عليكم الحجّ فحجّوا) فقال رجل: أ كلّ عام يا رسول اللّه ؟ فسكت حتى قالها ثلاثا، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: (لو

ص: 15


1- المغني و الشرح الكبير 165:3، المجموع 9:7، فتح العزيز 3:7، حلية العلماء 3: 231.
2- حلية العلماء 232:3، المجموع 9:7.
3- آل عمران: 97.
4- سبق في المسألة 2.

قلت: نعم، لوجبت و لما استطعتم) ثم قال: (ذروني ما تركتكم فإنّما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم و اختلافهم على أنبيائهم، فإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم، و إذا نهيتكم عن شيء فدعوه)(1).

و من طريق الخاصة: ما رواه الحلبي - في الحسن - عن الصادق عليه السلام، قال: «إذا تمتّع الرجل بالعمرة فقد قضى ما عليه من فريضة العمرة»(2).

و قال الصادق عليه السلام، في رجل أعتق عشيّة عرفة عبدا له، قال:

«يجزئ عن العبد حجّة الإسلام، و يكتب للسيد أجران [1]: ثواب العتق و ثواب الحجّ»(3).

و لا خلاف بين المسلمين كافّة في ذلك، و لا عبرة بقول من شذّ من العامّة.

إذا عرفت هذا، فما زاد على ذلك مستحب إلاّ ما يجب بسبب، كالنذر و شبهه، و الإفساد و القضاء، و كما يجب الإحرام بحجّ أو عمرة لدخول مكة على ما يأتي، و الاستئجار، و سيأتي.

و ما ورد في أخبارنا من وجوبه على أهل الجدة [2] في كلّ عام(4) ، فمحمول على وجوبه على البدل، على معنى أنّه إذا لم يفعله في أول عام تمكّنه، وجب عليه في ثاني العام و الثالث و هكذا، كما نقول: إنّ خصال الكفّارة كلّها واجبة على هذا المنهاج.8.

ص: 16


1- صحيح مسلم 975:2-1337.
2- الكافي 533:4-1، التهذيب 433:5-1503، الاستبصار 325:2-1150.
3- الفقيه 265:2-1289.
4- راجع: الكافي 265:4-266، الأحاديث 5 و 6 و 8 و 9، و التهذيب 5: 16-46-48، و الاستبصار 148:2-149-486-488.

و أيضا فإنّ السند لا يخلو من ضعف، فإنّ الحديث الذي رواه حذيفة بن منصور عن الصادق عليه السلام، قال: «أنزل اللّه فرض الحجّ على أهل الجدة في كلّ عام»(1) في طريقه محمد بن سنان و فيه قول.

مسألة 7:

قد بيّنّا أنّ الواجب بأصل الشرع مرّة واحدة في الحجّ و العمرة، و ما عداها مستحب مندوب إليه إلاّ لعارض يقتضي وجوبه، كالاستئجار و غيره ممّا تقدّم ذكره، و يتكرّر الوجوب بتكرّر السبب.

و ليس من العوارض الموجبة: الردّة و الإسلام بعدها، فمن حجّ أو اعتمر ثم ارتدّ ثم عاد إلى الإسلام لم يلزمه الحجّ عند علمائنا، و به قال الشافعي(2) ، خلافا لأبي حنيفة(3).

و مأخذ الخلاف: أنّ الردّة عنده(4) محبطة للعمل، و عندنا و عند الشافعي(5) أنّها إنّما تحبطه بشرط أن يموت عليها.

قال اللّه تعالى وَ مَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَ هُوَ كافِرٌ (6) الآية.

و أحمد وافق أبا حنيفة في المسألة لكن لا من جهة هذا المأخذ(7).

مسألة 8:

و وجوب الحجّ و العمرة على الفور لا يحلّ للمكلّف بهما تأخيره عند علمائنا أجمع - و به قال علي عليه السلام، و مالك و أحمد و المزني و أبو يوسف(8) ، و ليس لأبي حنيفة فيه نصّ(9) ، و من أصحابه من قال: هو

ص: 17


1- الكافي 266:4-6، التهذيب 16:5-46، الاستبصار 148:2-486.
2- المجموع 9:7، فتح العزيز 5:7.
3- المجموع 9:7، فتح العزيز 5:7.
4- المجموع 9:7، فتح العزيز 5:7.
5- المجموع 9:7، فتح العزيز 5:7.
6- البقرة: 217.
7- كما في فتح العزيز 5:7.
8- مقدّمات ابن رشد 288:1، الكافي في فقه الإمام أحمد 467:1، المغني 196:3، الشرح الكبير 182:3، الحاوي الكبير 24:4، المجموع 102:7 و 103، فتح العزيز 31:7، تحفة الفقهاء 380:1، بدائع الصنائع 119:2، الهداية - للمرغيناني - 134:1.
9- كما في الحاوي الكبير 24:4، و المجموع 103:7.

قياس مذهبه(1) - لقوله تعالى وَ لِلّهِ عَلَى النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ (2) الآية، مقتضاه الأمر، و هو للفور عند بعضهم(3).

و ما رواه العامّة عن ابن عباس عن النبي صلّى اللّه عليه و آله، أنّه قال:

تعجّلوا الحجّ فإنّ أحدكم لا يدري ما يعرض له(4).

و عن علي عليه السلام عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، أنّه قال:

من وجد زادا و راحلة تبلّغه البيت فلم يحج فلا عليه أن يموت يهوديّا أو نصرانيّا [1].

و من طريق الخاصة: ما رواه الحلبي - في الصحيح - عن الصادق عليه السلام، قال: «إذا قدر الرجل على ما يحجّ به ثم دفع ذلك و ليس له شغل يعذره به فقد ترك شريعة من شرائع الإسلام»(5).

و لأنّها عبادة لها وقت معلوم لا يفعل في السنة إلاّ مرّة واحدة، فيجب على الفور كالصوم.

و قال الشافعي: إنّه لا يجب على الفور، بل يجوز له تأخيره إلى أيّ وقت شاء - و نقله العامّة عن ابن عباس و جابر و أنس، و من التابعين: عطاء و طاوس، و من الفقهاء: الأوزاعي و الثوري - لأنّ فريضة الحجّ نزلت سنة ست من الهجرة، و قيل: سنة خمس، و أخّره النبي صلّى اللّه عليه و آله من غير مانع، فإنّه خرج إلى مكة سنة سبع لقضاء العمرة و لم يحج، و فتح مكة سنة4.

ص: 18


1- الحاوي الكبير 24:4.
2- آل عمران: 97.
3- إحكام الفصول في أحكام الأصول: 102، الإحكام في أصول الأحكام 387:1، أصول السرخسي 26:1.
4- مسند أحمد 314:1، و أوردها الماوردي في الحاوي الكبير 24:4.
5- التهذيب 18:5-54.

ثمان، و بعث الحاج سنة تسع، و حجّ هو عليه السلام سنة عشر، و عاش بعدها ثمانين يوما، ثم قبض صلّى اللّه عليه و آله(1).

و الجواب: المنع أوّلا من تمكّنه من الحجّ، فإنّه عليه السلام أحرم بالعمرة عام الحديبية فأحصر(2).

و ثانيا بالمنع من تأخير النبي عليه السلام عن عام الوجوب، فإنّ الآية نزلت - و هي قوله تعالى وَ لِلّهِ عَلَى النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً (3) الآية - سنة تسع(4) ، و قيل: سنة عشر(5) ، فبادر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بالحجّ من غير تأخير.

مسألة 9:

الحجّ واجب على كلّ جامع للشرائط الآتية، من ذكر و أنثى و خنثى.

و إن كان أعمى فإن افتقر إلى قائد و تمكّن من تحصيله و الاستعانة به على حجّة إمّا بإجارة أو غيرها، وجب عليه الحجّ بنفسه، و ليس له أن يستأجر من يحجّ عنه - و به قال الشافعي و أحمد(6) - لعموم الآية(7) و الأخبار.

و قال أبو حنيفة: لا يلزمه فرض الحجّ بنفسه، فإن استأجر من يحجّ عنه، جاز - و روى الكرخي عنه أنّه لا حجّ عليه(8) - لأنّ الحجّ عبادة تعلّقت

ص: 19


1- الحاوي الكبير 24:4-25، فتح العزيز 31:7، المجموع 102:7 و 103، المغني 196:3، الشرح الكبير 182:3، حلية العلماء 243:3.
2- كما في الحاوي الكبير 25:4.
3- آل عمران: 97.
4- كما في الحاوي الكبير 25:4.
5- كما في الحاوي الكبير 25:4.
6- الحاوي الكبير 14:4، المجموع 85:7، الوجيز 110:1، فتح العزيز 27:7، حلية العلماء 240:3.
7- آل عمران: 97.
8- فتح العزيز 27:7.

بقطع مسافة، فوجب أن لا تلزم الأعمى كالجهاد(1).

و هو خطأ، لأنّ العمى ليس فيه أكثر من فقد الهداية بالطريق و مواضع النسك، و الجهل بذلك لا يسقط وجوب القصد، كالبصير يستوي حكم العالم به و الجاهل إذا وجد دليلا، فكذا الأعمى.

و لأنّه فقد حاسّة، فلم يسقط بها فرض الحجّ بنفسه، كالأصمّ.

مسألة 10:

مقطوع اليدين أو الرّجلين إذا استطاع التثبّت على الراحلة من غير مشقّة إمّا مع قائد أو معين إن احتاج إليه و وجده، أو بدونهما إذا استغنى عنهما، وجب عليه الحجّ - و به قال الشافعي(2) - لعموم قوله تعالى وَ لِلّهِ عَلَى النّاسِ (3) الآية، و غيرها من الأدلّة.

و قال أبو حنيفة: لا يلزمه كالأعمى(4). و الخلاف فيهما [1] واحد.

مسألة 11:

المحجور عليه للسفه يجب عليه الحجّ كغيره مع الشرائط، للعموم، إلاّ أنّه لا يدفع المال إليه، لأنّه ممنوع من التصرّف فيه، لتبذيره، بل يخرج الولي معه من ينفق عليه بالمعروف و يكون قيّما عليه.

و لو احتاج إلى زيادة نفقة لسفره، كان الزائد في ماله ينفق القيّم عليه منه، بخلاف الصبي و المجنون إذا أحرم بهما الولي، فإنّ نفقتهما الزائدة بالسفر في مال الولي - خلافا للشافعي في أحد القولين(5) - لأنّه لا وجوب عليهما، و إذا زال عذرهما، لزمهما حجة الإسلام، بخلاف المبذّر.

و لو شرع السفيه في حجّ الفرض أو في حجّ نذره قبل الحجر بغير إذن

ص: 20


1- المبسوط - للسرخسي - 154:4، بدائع الصنائع 121:2، الهداية - للمرغيناني - 1: 134، تحفة الفقهاء 384:1، فتح العزيز 27:7.
2- الحاوي الكبير 14:4-15، المجموع 85:7.
3- آل عمران: 97.
4- الحاوي الكبير 15:4، المجموع 85:7.
5- فتح العزيز 27:7.

الولي، لم يلزمه أن يحلله، و يلزمه أن ينفق عليه إلى أن يفرغ، لأنّه شرع في واجب عليه، فلزمه الإتمام.

و لو شرع في حجّ تطوّع ثم حجر الحاكم عليه، فكذلك، لأنّه بدخوله فيه وجب عليه الإكمال.

أمّا لو شرع فيه بعد الحجر، فإن استوت نفقته سفرا و حضرا، أو كان يتكسّب في طريقه بقدر حاجته، لم يكن له أن يحلله، و إن زادت نفقة السفر و لم يكن له كسب، كان له إحلاله.

مسألة 12:

الحجّ و العمرة إنّما يجبان بشروط خمسة في حجّة الإسلام و عمرته: التكليف و الحرّية و الاستطاعة و مئونة سفره و مئونة عياله و إمكان المسير.

و شرائط النذر و شبهه من اليمين و العهد أربعة: التكليف و الحرّية و الإسلام و إذن الزوج و المولى.

و شرائط حجّ النيابة ثلاثة: الإسلام، و التكليف، و أن لا يكون عليه حجّ واجب بالأصالة أو بالنذر المضيّق أو الاستئجار المضيّق أو الإفساد.

و لو وجب عليه الحجّ وجوبا مستقرّا فعجز عن أدائه و لو مشيا صحّ أن يكون نائبا عن غيره.

و شرط المندوب أن لا يكون عليه حجّ واجب، و إذن الولي - كالزوج و المولى و الأب - على من له عليه ولاية، كالزوجة و العبد و الولد، و سيأتي تفصيل ذلك كلّه إن شاء اللّه تعالى.

ص: 21

ص: 22

الفصل الثاني في تفصيل هذه الشرائط
اشارة

و فيه مطلبان:

المطلب الأول: في شرائط حجة الإسلام.
اشارة

و فيه مباحث:

البحث الأول: البلوغ و العقل
مسألة 13:

لا خلاف بين العلماء كافة في أنّ الصبي لا يجب عليه الحجّ، لفقد شرط التكليف فيه.

و ما رواه العامة عن علي عليه السلام، قال: (قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، و عن الصبي حتى ينبت [1]، و عن المعتوه حتى يعقل)(1).

و من طريق الخاصة: ما رواه مسمع بن عبد الملك عن الصادق عليه السلام، قال: «لو أنّ غلاما حجّ عشر سنين ثم احتلم كانت عليه فريضة

ص: 23


1- سنن الترمذي 32:4-1423، و أوردها عنه ابنا قدامة في المغني 165:3، و الشرح الكبير 166:3-167.

الإسلام»(1).

و عن شهاب قال: سألته عن ابن عشر سنين يحجّ، قال: «عليه حجّة الإسلام إذا احتلم، و كذلك الجارية عليها الحجّ إذا طمثت»(2) فلو كان الصبي من أهل الحج لسقطت الإعادة عنه بعد بلوغه.

مسألة 14:

الصبي إن كان مميّزا، صحّ إحرامه و حجّه إذا أذن له الولي.

و الأقرب: أنّه ليس للولي أن يحرم عن المميّز. و للشافعية وجهان(3).

و إن كان غير مميّز، جاز لوليّه أن يحرم عنه، و يكون إحرامه شرعيا.

و إن فعل ما يوجب الفدية، كان الفداء على الولي.

و أكثر الفقهاء على صحة إحرامه و حجّه إن كان مميّزا، و إن كان غير مميّز، أحرم عنه وليّه، فيصير محرما بذلك، و به قال الشافعي و مالك و أحمد، و هو مروي عن عطاء و النخعي(4).

لما رواه العامة عن النبي صلّى اللّه عليه و آله أنه مرّ بامرأة و هي في محفّتها، فقيل لها: هذا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، فأخذت بعضد صبيّ كان معها و قالت: أ لهذا حجّ؟ قال: (نعم و لك أجر)(5).

و من طريق الخاصة: ما رواه عبد اللّه بن سنان - في الصحيح - عن الصادق عليه السلام، قال: سمعته يقول: «مرّ رسول اللّه برويثة [1] و هو

ص: 24


1- التهذيب 6:5-15، الاستبصار 146:2-477، و الكافي 278:4-18.
2- الكافي 276:4-8، التهذيب 6:5-14، الإستبصار 146:2-476.
3- الحاوي الكبير 209:4، الوجيز 123:1، فتح العزيز 421:7، المجموع 23:7.
4- الحاوي الكبير 206:4، فتح العزيز 421:7، حلية العلماء 233:3-234، المجموع 22:7-23، بداية المجتهد 319:1، المغني 208:3، الشرح الكبير 169:3.
5- موطّإ مالك 422:1-244، و أوردها الماوردي في الحاوي الكبير 206:4.

حاج، فقامت إليه امرأة و معها صبي لها، فقالت: يا رسول اللّه أ يحجّ عن مثل هذا؟ قال: «نعم و لك أجره»(1).

و لأنّ الحجّ عبادة تجب ابتداء بالشرع عند وجود مال، فوجب أن ينوب الولي فيها عن الصغير، كصدقة الفطر.

و قال أبو حنيفة: إحرام الصبي غير منعقد، و لا فدية عليه فيما يفعله من المحظورات، و لا يصير محرما بإحرام وليّه، لقوله عليه السلام: (رفع القلم عن ثلاث: عن الصبي حتى يبلغ)(2).

و لأنّ كلّ من لا يلزمه الحج بقوله لا يلزمه بفعله، كالمجنون، و لأنّها عبادة على البدن، فوجب أن لا ينوب الكبير فيها عن الصغير، كالصوم و الصلاة، و لأنّ الإحرام سبب يلزم به حكم، فلم يصح من الصبي، كالنذر(3).

و الجواب: القول بموجب الحديث، فإنّ الصبي لا يجب عليه الحجّ، و هو معنى رفع القلم عنه، و ذلك لا يقتضي نفي صحته منه.

و القياس باطل، مع أنّا نقول بموجب العلّة، فإنّ الحج لا يلزمه بفعله كما لا يلزمه بقوله، و إنّما يلزمه بإذن وليّه.

و الفرق ظاهر، فإنّ الجنون مرجوّ الزوال عن المجنون في كلّ وقت، فلم يجز أن يحرم عنه وليّه، لجواز أن يفيق فيحرم بنفسه، و أمّا البلوغ فغير مرجوّ إلاّ في وقته، فجاز أن يحرم عنه وليّه، إذ لا يرجى بلوغه في هذا الوقت حتى يحرم بنفسه.

و لأنّ الصبي يقبل منه الإذن في دخول الدار و قبول الهدية منه إذا كان7.

ص: 25


1- التهذيب 6:5-7-16، الإستبصار 146:2-147-478.
2- أورده الماوردي في الحاوي الكبير 206:4.
3- الحاوي الكبير 206:4، المغني 208:3، الشرح الكبير 169:3، بداية المجتهد 1: 319، فتح العزيز 420:7.

رسولا فيها، بخلاف المجنون فافترقا.

و الفرق: أنّ الصلاة لا تجوز فيها النيابة عن الحي، بخلاف الحج.

و وافقنا أبو حنيفة على أنّه يجنّب ما يجتنبه المحرم(1) ، و من جنّب ما يجتنبه المحرم كان إحرامه صحيحا، و النذر لا يجب به شيء، بخلاف مسألتنا.

مسألة 15:

الصبي المميّز لا يصحّ حجّة إلاّ بإذن وليّه، فإذا كان مراهقا مطيقا، أذن له الولي في الإحرام، و إن كان طفلا غير مميّز، أحرم عنه الولي.

فإن أحرم الصبي المميّز بغير إذن وليّه، لم يصحّ إحرامه، لأنّ الصبي ممنوع من التصرّف في المال، و الإحرام يتضمّن إنفاق المال و التصرّف فيه، لأنّ الإحرام عقد يؤدّي إلى لزوم مال، فجرى مجرى سائر أمواله و سائر عقوده التي لا تصحّ إلاّ بإذن وليّه، و هو أصحّ وجهي الشافعية، و الثاني: أنّ إحرامه منعقد، كإحرامه بالصلاة(2).

و الفرق: أنّ إحرام الصلاة لا يتضمّن إنفاق المال، و إحرام الحجّ يتضمّنه، فعلى الثاني للولي تحليله و ليس له الإحرام عنه، و على الأول للولي أن يحرم عنه - و هو أحد وجهي الشافعية(3) - لأنّه مولّى عليه، و الثاني: المنع، لاستقلاله بعبادته(4).

مسألة 16:

أولياء الأطفال على ثلاثة أقسام: أنساب و أمناء الحكّام و أوصياء الآباء، فالأنساب إمّا آباء و أجداد لهم أو أمّ أو غيرهم.

و الآباء و الأجداد للآباء لهم ولاية الإحرام بإجماع من سوّغ الحجّ

ص: 26


1- المغني 208:3، الشرح الكبير 170:3.
2- الحاوي الكبير 207:4، الوجيز 123:1، فتح العزيز 421:7، المهذّب - للشيرازي - 202:1، المجموع 22:7، حلية العلماء 233:3.
3- فتح العزيز 421:7.
4- فتح العزيز 421:7.

للصبيان - و هو قول علمائنا أجمع، و به قال الشافعي(1) - لأنّ للأب و الجدّ للأب ولاية المال على الطفل، فكان له ولاية الإذن في الحجّ.

و لا يشترط في ولاية الجدّ عدم الأب، و هو أحد وجهي الشافعية تخريجا ممّا إذا أسلم الجدّ، و الأب كافر، يتبعه الطفل على رأي(2).

و أمّا الأم فقال الشيخ رحمه اللّه: إنّ لها ولاية بغير تولية، و يصحّ إحرامها عنه، لحديث المرأة التي سألت النبي صلّى اللّه عليه و آله عن ذلك(3).

و هو أحد قولي الشافعية، و الثاني: المنع، و هو ظاهر كلام أحمد(4).

و أمّا من عدا هؤلاء من الأنساب الذكور و الإناث فلا يصحّ إذنهم، و لا ولاية لهم في الحجّ و الإحرام، كما أنّه لا ولاية لهم في المال، و ليس لأمناء الحكّام الإذن.

و قال الشيخ رحمه اللّه: الأخ و ابن الأخ و العمّ و ابن العمّ إن كان وصيّا أو له ولاية عليه وليها، فهو بمنزلة الأب، و إن لم يكن وليّا و لا وصيّا، فلا ولاية له عليه، و هو و الأجنبي سواء(5).

و هذا القول يعطي أنّ لأمين الحاكم الولاية، كما في الحاكم، لأنّ قوله: أو له ولاية عليه وليها، لا مصرف له إلاّ ذلك.

و الشافعية اتّفقوا على ثبوت الولاية للأب و الجدّ للأب، و على انتفائها عمّن لا ولادة فيه و لا تعصيب، كالإخوة للأم و الأعمام للأم و العمّات من الأب و الام، و الأخوال و الخالات من قبل الأب و الام و إن كانت لهم ولاية في9.

ص: 27


1- فتح العزيز 421:7، المجموع 24:7، الحاوي الكبير 207:4.
2- فتح العزيز 421:7، المجموع 24:7.
3- المبسوط - للطوسي - 329:1.
4- الحاوي الكبير 208:4، فتح العزيز 421:7، المجموع 25:7، حلية العلماء 3: 234، المغني 209:3، الشرح الكبير 170:3.
5- المبسوط - للطوسي - 328:1-329.

الحضانة.

و أمّا من عدا هذين القسمين فقد اختلفوا على ثلاثة مذاهب بناء على اختلافهم في معنى إذن الأب و الجدّ له.

أحدها: أنّ المعنى في إذن الأب و الجدّ له: استحقاق الولاية على ماله، فعلى هذا لا يصحّ إذن الجدّ من الام و لا إذن الأخ و العمّ، لأنّهم لا يستحقّون الولاية عليه في ماله.

و أمّا الأم و الجدّة فالصحيح من مذهب الشافعي أنّه لا ولاية لها عليه بنفسها، فلا يصحّ إذنها له.

و على قول بعض الشافعية: إنّها تلي عليه بنفسها، فعلى هذا يصحّ إذنها له، لقوله عليه السلام لام الصبي: (و لك أجره) و معلوم أنّ الأجر ثبت لها لإذنها له و نيابتها عنه.

الثاني: أنّ المعنى في إذن الأب و الجدّ ما فيه من الولادة و العصبة، فعلى هذا يصحّ إذن سائر الآباء و الأمّهات، لوجود الولادة فيهم.

الثالث: أنّ المعنى في إذن الأب و الجدّ وجود التعصيب فيهما، فعلى هذا يصحّ إذن سائر العصبات من الإخوة و الأعمام و أولادهما، و لا يصحّ إذن الام و لا الجدّ لها، لعدم التعصيب.

و أمّا أمناء الحكّام فقد اتّفقوا على أنّه لا يصح إذنهم، لاختصاص ولايتهم بماله دون بدنه، فكانوا فيما سوى المال كالأجانب.

و لهم وجه آخر بعيد: الصحة، لأنّهم يتصرّفون في المال.

و أمّا أوصياء الآباء فلهم وجهان في صحة إذنهم:

أحدهما: الصحة كالآباء لنيابتهم عنه.

و الثاني - و هو الأصحّ عندهم - أنّ إذنهم لا يصحّ كامناء الحكّام(1).8.

ص: 28


1- الحاوي الكبير 207:4-208.
مسألة 17:

الصبي إن كان مراهقا مميّزا يطيق على الأفعال، أذن له الولي فيها، فإذا أذن له، فعل الحجّ بنفسه، كالبالغ.

و إن كان طفلا لا يميّز، فإن صحّ من الطفل من غير نيابة، كالوقوف بعرفة و المبيت بمزدلفة، أحضره الولي فيهما، و إن لم يصحّ من الطفل إلاّ بنيابة الولي عنه، فهو كالإحرام يفعله الولي عنه.

قال جابر: خرجنا مع النبي صلّى اللّه عليه و آله حجّاجا و معنا النساء و الصبيان، فأحرمنا عن الصبيان فلبّينا عن الصبيان و رمينا عنهم(1).

و يجرّد الصبي من ثيابه إذا قرب من الحرم - و روى علماؤنا من فخ(2) - و إن صحّ منه بمعونة الولي، فإذا أحرم الولي عن الطفل، جاز.

و هل يجوز أن يكون الولي محرما؟ للشافعية وجهان:

أحدهما: المنع، فليس للولي أن يحرم عن الطفل إلاّ أن يكون حلالا، لأنّ من كان في نسك لا يصحّ أن يفعله عن غيره.

و الثاني: يصح إحرام الولي عنه و إن كان محرما - و لا فرق بين أن يكون عليه حجّة الإسلام أو قد حجّ عن غيره، و غيره - لأنّ الولي ليس يتحمّل الإحرام عنه فيصير به محرما حتى يمتنع من فعله إذا كان محرما، و إنّما يعقد الإحرام عن الصبي، فيصير الصبي محرما، فجاز أن يفعل الولي ذلك و إن كان محرما(3).

و الأخير أقرب.

فعلى الأول يقول عند الإحرام: اللّهم إنّي قد أحرمت عن ابني، و على هذا يجوز أن يكون غير مواجه للصبي بالإحرام و لا مشاهد له إذا كان الصبي

ص: 29


1- سنن ابن ماجة 1010:2-3038، و أورده ابنا قدامة في المغني 209:3، و الشرح الكبير 170:3-171 نقلا عن سنن سعيد بن منصور.
2- الكافي 303:4-2، الفقيه 265:2-1292، التهذيب 409:5-1421.
3- الحاوي الكبير 209:4.

حاضرا في الميقات. و على قول آخر: إنّه لا يشترط حضوره.

و على الثاني يقول عند الإحرام: اللّهم إنّي قد أحرمت بابني، و على هذا لا يصحّ أن يكون غير مواجه للصبي بالإحرام، فإذا فعل ذلك، صار الصبي محرما دون الولي، فيلبسه ثوبين، و يجنّبه ما يجتنبه المحرم، و على وليّه أن يحضره الوقوف بالموقفين و منى ليشهدها بنفسه.

و أمّا الرمي فإن أمكن من وضع الحصى في كفّه و رميها في الجمرة من يده، فعل، و إن عجز الصبي عن ذلك، أحضره الجمار و رمى الولي عنه، و يستحب للولي أن يضع الحصى في كفّ الصبي و أخذها من يده.

قال ابن المنذر: كلّ من نحفظ عنه من أهل العلم يرى الرمي عن الصبي الذي لا يقدر على الرمي، و به قال عطاء و الزهري و مالك و الشافعي و إسحاق(1).

و أمّا الطواف و السعي فعلى وليّه أن يحمله و يطوف به و يسعى، و عليه أن يتوضّأ للطواف و يوضّئه.

فإن كانا غير متوضّئين، لم يجزئه الطواف.

و إن كان الصبي متطهّرا و الولي محدثا، لم يجزئه أيضا، لأنّ الطواف بمعونة الولي يصحّ، و الطواف لا يصحّ إلاّ بطهارة.

و إن كان الوليّ متطهّرا و الصبي محدثا، لم يجزئه أيضا، لأنّ الطواف بمعونة الولي يصحّ، و الطواف لا يصحّ إلاّ بطهارة.

و إن كان الوليّ متطهّرا و الصبي محدثا، فللشافعية وجهان:

أحدهما: لا يجزئ، لأنّ الطواف بالصبي أخصّ منه بالولي، فإذا لم يجز أن يكون الولي محدثا فأولى أن لا يكون الصبي محدثا.

و الثاني: أنّه يجزئ، لأنّ الصبي إذا لم يكن مميّزا ففعل الطهارة لا يصحّ منه، فتكون طهارة الولي نائبة عنه، كما أنّه لمّا لم يصح منه الإحرام صحّ إحرام الوليّ عنه(2).4.

ص: 30


1- المغني 209:3، الشرح الكبير 171:3.
2- الحاوي الكبير 209:4.

و يصلّي الوليّ عنه ركعتي الطواف إن لم يكن مميّزا، و إن كان مميّزا صلاّهما بنفسه.

و لو أركبه الولي دابّة ليطوف به، وجب أن يكون الوليّ معه سائقا أو قائدا، لأنّ الصبي غير مميّز و لا قاصد، و الدابّة لا تصحّ منها عبادة.

و يرمل به في موضع الرمل.

و للشافعية في الرمل به وجهان(1).

مسألة 18:

لو كان على الولي طواف، حمل الصبي و طاف به، و نوى بطوافه ما يختص به، و ينوي بطواف الصبي طوافه.

و قال الشافعي: يجب عليه أن يطوف عن نفسه أوّلا ثم يطوف بالصبي ثانيا، فينوي الطواف عن نفسه دون الصبي ثم يطوف بالصبي ناويا عنه.

فإن نوى الطواف عن الصبي دون نفسه فله قولان:

أحدهما: أن يكون على الولي الحامل دون الصبي المحمول، لأنّ من وجب عليه ركن من أركان الحجّ فتطوّع به عن نفسه أو عن غيره، انصرف إلى واجبة، كالحجّ عن نفسه.

و الثاني: أنّه يكون عن الصبي المحمول دونه، لأنّ الحامل كالآلة للمحمول، فكان ذلك واقعا عن المحمول دون الحامل.

و إن نوى الطواف عن نفسه و عن الصبي المحمول، أجزأه عن طوافه.

و هل يجزئ عن الصبي ؟ وجهان مخرّجان من القولين.

و إن لم تكن له نية، انصرف إلى طواف نفسه، لوجوده على الصفة الواجبة عليه، و عدم القصد المخالف له(2).

و قد بيّنّا نحن الصحيح عندنا.

مسألة 19:

مئونة حجّ الصبي و نفقته الزائدة في سفره تلزم الولي، مثل

ص: 31


1- الحاوي الكبير 210:4.
2- الحاوي الكبير 210:4.

آلة سفره و اجرة مركبة و جميع ما يحتاج إليه في سفره ممّا كان مستغنيا عنه في حضره - و هو ظاهر مذهب الشافعي، و به قال مالك و أحمد(1) - لأنّ الحجّ غير واجب على الصبي، فيكون متبرّعا، و سببه الولي، فيكون ضامنا.

و ليس للولي صرف مال الطفل في ما لا يحتاج إليه و هو غير محتاج حال صغره إلى فعل الحج، لوجوبه عليه حال كبره، و عدم إجزاء ما فعله في صغره عمّا يجب عليه في كبره.

و له قول آخر: إنّه في مال الصبي، لأنّ ذلك من مصلحته كاجرة معلّمه و مئونة تأديبه، و لأنّ الحجّ يحصل له، فكان كما لو قبل له النكاح يكون المهر عليه(2).

و الفرق ظاهر، فإنّ التعلّم الذي إن فاته في صغره قد لا يدركه في كبره، و يخالف النكاح، فإنّ المنكوحة قد تفوت، و الحج يمكن تأخيره.

مسألة 20:

يحرم على الصبي كلّ ما يحرم على البالغ من محظورات الإحرام، لأنّ إحرامه شرعي على ما تقدّم، فتترتّب عليه أحكامه، لا بمعنى أنّه مخاطب بالتحريم و أنّ العقاب يترتّب على فعله، بل بمعنى أنّ الولي يجنّبه جميع ما يجتنبه المحرم.

فإن فعل الصبي شيئا من المحظورات فإن وجب به الفداء على البالغ في حالتي عمده و خطئه كالصيد، وجب عليه الجزاء، لأنّ عمد الصبي كخطإ البالغ.

و يجب في مال الصبي، لأنّه مال وجب بجنايته، فوجب أن يجب في

ص: 32


1- الحاوي الكبير 210:4، فتح العزيز 423:7، المجموع 30:7، حلية العلماء 3: 235، الكافي في فقه أهل المدينة: 169، التفريع 353:1، المغني 210:3، الشرح الكبير 172:3.
2- الحاوي الكبير 210:4، فتح العزيز 423:7، المجموع 30:7، حلية العلماء 3: 235.

ماله، كما لو استهلك مال غيره.

و هو أحد وجهي الشافعية، و الثاني: أنّه يجب في مال الولي - و هو الذي نصّ عليه الشافعي في الإملاء - لأنّ الولي هو الذي ألزمه الحجّ بإذنه، فكان ذلك من جهته و منسوبا إلى فعله(1) و إن اختلف حكم عمده و سهوه في البالغ، كالطيب و اللبس، فإن فعله الصبي ناسيا، فلا فدية فيه، لأنّها لا تجب في حق البالغ ففي الصبي أولى.

و إن فعله عمدا، قال الشيخ رحمه اللّه: الظاهر أنّه تتعلّق به الكفّارة على وليّه.

و إن قلنا: لا يتعلّق به شيء، لما روي عنهم عليهم السلام من أنّ «عمد الصبي و خطأه واحد»(2) و الخطأ في هذه الأشياء لا تتعلّق به كفّارة من البالغين، كان قويّا(3).

و للشافعي قولان مبنيان على اختلاف قوله في عمد الصبي هل يجري مجرى الخطأ أو مجرى العمد من العاقل ؟ على قولين:

أحدهما: أنّه يجري مجرى الخطأ، فلا فدية فيه، كالبالغ الناسي.

و الثاني: أنّه عمد صحيح، فالفدية واجبة(4).

و أين تجب ؟ على الوجهين:

أحدهما: أنّه على الصبي، لأنّ الوجوب بسبب ما ارتكبه.

و أصحّهما في مال الولي - و به قال مالك - لأنّه الذي أوقعه و غرّر بماله(5).7.

ص: 33


1- الحاوي الكبير 210:4-211، فتح العزيز 245:7، المجموع 32:7.
2- التهذيب 233:10-920.
3- المبسوط - للطوسي - 329:1.
4- الحاوي الكبير 211:4، فتح العزيز 424:7، المجموع 31:7.
5- الحاوي الكبير 211:4، فتح العزيز 425:7، المجموع 32:7.

لكن لو طيّبه الولي كانت الفدية في ماله لا [1] في مال الصبي وجها واحدا(1).

هذا كلّه إذا أحرم بإذن الولي، و إن أحرم بغير إذنه، فلا فدية، و هو أحد وجهي الشافعية.

و لهم آخر: أنّه يجوز إحرامه، فالفدية في ماله(2).

مسألة 21:

إذا وجبت الفدية في مال الصبي، فإن كانت مترتّبة، فحكمها حكم كفّارة القتل، و إلاّ فهل يجزئ أن يفتدي بالصوم في الصغر؟ للشافعية وجهان مبنيان على أنّه إذا أفسد الحجّ هل يجزئه قضاؤه في الصغر؟ و ليس [2] للولي و الحال هذه أن يفدي عنه بالمال، لأنّه غير متعيّن.

و لهم وجه آخر: أنّه إذا أحرم به الأب أو الجدّ، فالفدية في مال الصبي، فإن أحرم به غيرهما فهي عليه(3).

مسألة 22:

لو وطأ الصبي في الفرج ناسيا، لم يكن عليه شيء، و لا يفسد حجّه، كالبالغ سواء.

و إن كان عمدا، قال الشيخ رحمه اللّه: على ما قلناه من أنّ عمده و خطأه سواء لا يتعلّق به أيضا فساد الحجّ.

و لو قلنا: إنّ عمده عمد، لعموم الأخبار في من وطأ عامدا في الفرج من أنّه يفسد حجّه، فقد فسد حجّه، و عليه الإتمام، و لزمه القضاء.

قال: و الأقوى الأول، لأنّ إيجاب القضاء يتوجّه إلى المكلّف و هذا

ص: 34


1- الحاوي الكبير 211:4، المجموع 33:7.
2- فتح العزيز 425:7، المجموع 32:7.
3- فتح العزيز 425:7-426، المجموع 33:7.

ليس بمكلّف(1).

و قالت الشافعية: إذا جامع ناسيا أو عامدا و قلنا: إنّ عمده خطأ، ففي فساد حجّه قولان، كالبالغ إذا جامع ناسيا.

و الأظهر أنّه لا يفسد.

و إن قلنا: إنّ عمده عمد، فسد حجّه.

و إذا فسد فهل عليه القضاء؟ فيه قولان:

أحدهما: لا، لأنّه ليس أهلا لوجوب العبادات البدنية.

و أصحّهما: نعم، لأنّه إحرام صحيح، فيوجب إفساده القضاء، كحجّ التطوّع(2).

إذا عرفت هذا، فإن أوجبنا القضاء فإنّه لا يجزئه حالة الصبا، بل يجب عليه بعد بلوغه.

و للشافعي قولان في إجزاء القضاء قبل البلوغ:

أصحّهما: نعم، اعتبارا بالأداء.

و الثاني: لا - و به قال مالك و أحمد - لأنّه فرض و الصبي ليس أهلا لأداء فرض الحج(3).

و على هذا القول لو لم يقض حتى بلغ، نظر في ما أفسده، إن كانت بحيث لو سلمت عن الإفساد، أجزأت عن حجة الإسلام، فإن بلغ قبل فوات الوقوف، أجزأ القضاء عن حجة الإسلام، و إن كانت لا تجزئ لو سلمت عن الإفساد، لم تجزئ عن حجة الإسلام، و عليه أن يبدأ بحجة الإسلام ثم يقضي(4).6.

ص: 35


1- المبسوط - للطوسي - 329:1.
2- فتح العزيز 426:7، الحاوي الكبير 211:4، المجموع 34:7-35.
3- فتح العزيز 426:7، المجموع 35:7، حلية العلماء 234:3-235.
4- فتح العزيز 426:7، المجموع 35:7-36.

فإن نوى القضاء أوّلا، قالت الشافعية: انصرف إلى حجة الإسلام(1).

و فيه إشكال.

و على تقدير تجويز القضاء في الصّغر لو شرع فيه و بلغ قبل الوقوف، انصرف إلى حجة الإسلام، و عليه القضاء(2).

و إذا فسد حجّه و أوجبنا القضاء، وجبت الكفّارة أيضا، و إن لم نوجب القضاء، ففي الكفّارة للشافعية وجهان، و الأصحّ عندهم: الوجوب(3).

و إذا وجبت الكفّارة فهي على الولي أو في مال الصبي ؟ فيه الخلاف(4).

مسألة 23:

لو فعل الولي في الصبي ما يحرم على الصبي مباشرته، كما لو طيّبه أو ألبسه مخيطا أو حلق رأسه، فإن فعل ذلك لحاجة الصبي، كما لو طيّبه تداويا، فالأقرب أنّه كمباشرة الصبي، لأنّه وليّه، و قد فعل شيئا لمصلحته، فيكون ما ترتّب عليه لازما للصبي.

و هو أصحّ وجهي الشافعية، و الثاني: أنّ الفدية على الولي، لأنّ المباشرة وقعت منه(5).

و الأقرب الأول

مسألة 24:

أجمع علماء الأمصار على أنّ الصبي إذا حجّ في حال صغره، و العبد إذا حجّ في حال رقّه، ثم بلغ الصبي و عتق العبد، وجب عليهما حجة الإسلام إذا جمعا الشرائط.

قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على ذلك إلاّ من شذّ عنهم ممّن لا يعدّ قوله خلافا(6).

ص: 36


1- فتح العزيز 427:7، المجموع 36:7.
2- فتح العزيز 427:7، المجموع 36:7.
3- فتح العزيز 427:7، المجموع 36:7-37.
4- فتح العزيز 427:7، المجموع 37:7.
5- فتح العزيز 430:7، المجموع 34:7.
6- المغني 203:3، الشرح الكبير 167:3.

و به قال ابن عباس و عطاء و الحسن البصري و النخعي و الثوري و مالك و الشافعي و إسحاق و أبو ثور و أصحاب الرأي(1).

لما رواه العامة عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، أنّه قال: (إنّي أريد أن اجدّد في صدور المؤمنين عهدا: أيّما صبي حجّ به أهله فمات أجزأت عنه، فإن أدرك فعليه الحج، و أيّما مملوك حجّ به فمات أجزأت عنه، فإن أعتق فعليه الحجّ)(2).

و من طريق الخاصة: ما رواه مسمع بن عبد الملك عن الصادق عليه السلام، قال: «لو أنّ غلاما حجّ عشر سنين ثم احتلم، كانت عليه فريضة الإسلام، و لو أنّ مملوكا حجّ عشر حجج ثم أعتق، كانت عليه فريضة الإسلام إذا استطاع إليه سبيلا»(3).

و لأنّ الحج عبادة بدنية فعلها قبل وقت وجوبها، فلا تقع مجزئة، كما لو صلّى قبل الوقت.

مسألة 25:

لو حجّ الصبي أو العبد فبلغ أو أعتق في أثناء الحجّ، فإن كان زوال العذر بعد الوقوف بالمشعر الحرام لم تجزئهما عن حجّة الإسلام - و هو قول العلماء - لأنّ معظم العبادة وقع حالة النقصان.

و ما رواه معاوية بن عمّار عن الصادق عليه السلام، قال: قلت له:

مملوك أعتق يوم عرفة، قال: «إذا أدرك أحد الموقفين فقد أدرك الحج»(4) دلّ بمفهومه على عدم إدراكه للحج إذا لم يدركهما معتقا.

و لا فرق بين أن يكون وقت الوقوف باقيا و لم يقف فيه أو قد فات، و هو

ص: 37


1- المغني 203:3، الحاوي الكبير 244:4، المجموع 57:7، بدائع الصنائع 2: 120.
2- أورده ابنا قدامة في المغني 203:3، و الشرح الكبير 167:3 نقلا عن سعيد في سننه.
3- الكافي 278:4-18، التهذيب 6:5-15.
4- الفقيه 265:2-1290، التهذيب 5:5-13، الاستبصار 148:2-485.

قول أكثر الشافعية(1).

و قال ابن سريج: إذا بلغ و وقت الوقوف باق، يجزئه عن حجة الإسلام و إن لم يعد إلى الموقف(2).

و إن بلغ الصبي أو أعتق العبد قبل الوقوف بالمشعر فوقف به أو بعرفة معتقا و فعل باقي الأركان، أجزأ عن حجة الإسلام، و كذا لو بلغ أو أعتق و هو واقف عند علمائنا أجمع - و به قال ابن عباس، و هو مذهب الشافعي و أحمد و إسحاق(3) - لما قدّمناه في الحديث عن الصادق(4) عليه السلام.

و قال الحسن البصري في العبد: يجزئ(5).

و قال مالك: لا يجزئهما. و هو قول ابن المنذر(6).

و قال أصحاب الرأي: لا يجزئ العبد، فأمّا الصبي فإن جدّد إحراما بعد احتلامه قبل الوقوف أجزأه، و إلاّ فلا، لأنّ إحرامهما لم ينعقد واجبا، فلا يجزئ عن الواجب، كما لو بقيا على حالهما(7).

و يعارض: بأنّه أدرك الوقوف حرّا بالغا، فأجزأه، كما لو أحرم تلك الساعة، و لا خلاف في أنّ الصبي لو بلغ أو العبد لو أعتق بعرفة و هما غير محرمين فأحرما و وقفا بعرفة و قضيا المناسك، فإنّه يجزئهما عن حجّة الإسلام.

و نقل عن ابن عباس أنه إذا أعتق العبد بعرفة أجزأت عنه حجّته، و إن3.

ص: 38


1- فتح العزيز 429:7، الحاوي الكبير 246:4، المجموع 58:7، حلية العلماء 3: 360.
2- فتح العزيز 429:7، الحاوي الكبير 246:4، المجموع 58:7، حلية العلماء 3: 360.
3- فتح العزيز 429:7، المجموع 58:7، حلية العلماء 360:3، الحاوي الكبير 4: 246، المغني 204:3، الشرح الكبير 168:3.
4- تقدّم آنفا.
5- المغني 204:3، الشرح الكبير 168:3.
6- المغني 204:3، الشرح الكبير 168:3، حلية العلماء 360:3.
7- المغني 204:3، الشرح الكبير 168:3.

أعتق بجمع، لم تجزئ عنه(1).

و قد تلخّص من هذا أنّ مالكا شرط في الصبي و العبد وقوع جميع الحجّ في حالة التكليف(2) ، و أبو حنيفة لا يعتدّ بإحرام الصبي(3).

و لا يجب عليه إعادة السعي لو كان قد سعى عقيب طواف القدوم قبل البلوغ - و هو أحد وجهي الشافعيّة(4) - لأنّه لا بأس بتقدّم السعي كتقدّم الإحرام.

و أصحّهما عندهم: وجوب الإعادة، لوقوعه في حالة النقص، و يخالف الإحرام، فإنّه يستدام بعد البلوغ، و السعي لا استدامة له(5).

و الأصل براءة الذمة.

و قد بنى الشافعية الوجهين على أنّه إذا وقع حجّه عن حجّة الإسلام فكيف تقدير إحرامه ؟ هل تبيّن انعقاده في الأصل فرضا أو نقول بأنّه انعقد نفلا ثم انقلب فرضا؟ فإن قلنا بالأول، فلا حاجة إلى الإعادة، و إن قلنا بالثاني فلا بدّ منها(6).

مسألة 26:

إذا أجزأ حجّهما عن حجّة الإسلام بأن يدركا أحد الموقفين كاملين، لم يكن عليهما دم مغاير لدم الهدي.

و للشافعية طريقان، أظهرهما: أنّه على قولين:

أحدهما: نعم، لأنّ إحرامه من الميقات ناقص، لأنّه ليس بفرض.

و أصحّهما: لا، لأنّه أتى بما في وسعه، و لم تصدر منه إساءة(7).

ص: 39


1- كما في المغني 204:3، و الشرح الكبير 168:3.
2- كما في فتح العزيز 429:7.
3- فتح العزيز 429:7.
4- فتح العزيز 429:7، الحاوي الكبير 246:4، المجموع 58:7-59.
5- فتح العزيز 429:7، الحاوي الكبير 246:4، المجموع 58:7-59.
6- فتح العزيز 429:7، المجموع 60:7.
7- فتح العزيز 429:7، المجموع 59:7.

و بنى بعضهم القولين على أصل التبيّن، فإن قلنا به، فلا دم عليه، و إن قلنا بانعقاد إحرامه نفلا ثم انقلب فرضا، لزم الدم(1).

و الطريق الثاني: أنّه لا دم عليه(2).

و هذا الخلاف عندهم فيما إذا لم يعد بعد البلوغ إلى الميقات، فإن عاد إليه، لم يلزمه الدم بحال، لأنّه أتى بالممكن أوّلا و أخيرا، و بذل ما في وسعه(3).

و قد بيّنّا مذهبنا في ذلك.

مسألة 27:

لو بلغ الصبي أو أعتق العبد قبل الوقوف أو في وقته و أمكنهما الإتيان بالحجّ، وجب عليهما ذلك، لأنّ الحجّ واجب على الفور، فلا يجوز لهما تأخيره مع إمكانه كالبالغ الحرّ، خلافا للشافعي(4).

و متى لم يفعلا الحجّ مع إمكانه، فقد استقرّ الوجوب عليهما، سواء كانا موسرين أو معسرين، لأنّ ذلك وجب عليهما بإمكانه في موضعه، فلم يسقط بفوات القدرة بعده.

مسألة 28:

المجنون لا يجب عليه الحجّ بالإجماع، لأنّه ليس محلاّ للتكليف، لما رواه العامة عن علي عليه السلام أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، قال: (رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، و عن الصبي حتى ينبت، و عن المعتوه حتى يعقل) [1].

و من طريق الخاصة: ما رواه محمد بن يحيى الخثعمي، قال: سأل

ص: 40


1- فتح العزيز 429:7-430.
2- فتح العزيز 430:7، المجموع 59:7.
3- فتح العزيز 430:7، المجموع 59:7.
4- الحاوي الكبير 24:4، المجموع 102:7 و 103، حلية العلماء 243:3.

حفص الكناسي أبا عبد اللّه عليه السلام - و أنا عنده - عن قول اللّه عزّ و جلّ:

وَ لِلّهِ عَلَى النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً (1) ما يعني بذلك ؟ قال:

«من كان صحيحا في بدنه مخلّى سربه، له زاد و راحلة فهو ممّن يستطيع الحجّ»(2) و المجنون غير صحيح، فلا يندرج تحت الخطاب.

إذا عرفت هذا، فلو حجّ حالة جنونه، لم يجزئه إجماعا.

و لو أحرم به الوليّ، صحّ إحرامه كالطفل، فإن عاد عقله قبل الوقوف بالمشعر الحرام فوقف به، أجزأه عن حجّة الإسلام، و إن كان بعد الوقوف، لم يجزئه، و وجب عليه إعادة الحجّ مع إفاقته و كمال الشرائط.

و لو كان المجنون يعتوره أدوارا، فإن وسع الوقت في نوبة العقل لأداء الحجّ من بلده و إكماله و عوده، وجب عليه الحجّ، لأنّه عاقل مكلّف مستطيع، و إن قصر الوقت عن ذلك، سقط عنه الوجوب، و حكم المجنون حكم الصبي غير المميّز في جميع ما تقدّم.

و لو خرج الوليّ بالمجنون بعد ما استقرّ فرض الحجّ عليه و أنفق عليه من ماله، فإن لم يفق حتى فات الوقوف غرم له الولي زيادة نفقة السفر، و إن أفاق و أحرم و حجّ، فلا غرم عليه، لأنّه قضى ما وجب عليه.

و شرطت الشافعية إفاقته عند الإحرام و الوقوف و الطواف و السعي(3) ، و لم يتعرّضوا لحالة الحلق، و قياس كونه منسكا عندهم اشتراط الإفاقة كسائر الأركان(4).

و حكم المغمى عليه حكم المجنون لا يجب عليه الحجّ، و لا يحرم عنه غيره على إشكال - و به قال الشافعي و أبو يوسف و محمد(5) - لأنّه ليس أهلا2.

ص: 41


1- آل عمران: 97.
2- الكافي 267:4-2، التهذيب 3:5-2.
3- فتح العزيز 428:7، المجموع 38:7.
4- فتح العزيز 428:7، المجموع 38:7.
5- المغني 211:3، الشرح الكبير 173:3، المجموع 38:7، حلية العلماء 235:3، بدائع الصنائع 161:2.

للخطاب حالة الإغماء.

و قال أبو حنيفة: يحرم عنه رفيقه، فيصير محرما بإحرامه استحسانا(1).

و قد علم من ذلك أنّ التكليف شرط الوجوب دون الصحة، إذ يصح من غير المكلّف.

البحث الثاني: في شرط الحرّية
مسألة 29:

لا خلاف بين علماء الأمصار أنّ الحرّية شرط في وجوب الحجّ و العمرة، و قد سبق البحث في ذلك.

و يصح من العبد الحجّ بإذن مولاه، و لا يجزئه عن حجّة الإسلام بعد عتقه لو وجبت عليه إلاّ أن يدرك أحد الموقفين معتقا على ما تقدّم.

و ليس له أن يحرم بحجّ أو عمرة إلاّ بإذن مولاه بلا خلاف، لأنّ منافعه مستحقّة لمولاه، و يجب عليه صرف زمانه في إشغاله، فلا يجوز أن يفوّت حقوق مولاه الواجبة عليه بالتزام ما ليس بلازم عليه، فإن أحرم بغير إذن مولاه، لم ينعقد إحرامه.

و للسيّد منعه منه. و لا يلزمه الهدي و لا بد له، لأنّ إحرامه لم ينعقد، و لأنّه لا يملك أن يحرم، لقوله تعالى عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ (2).

و لما رواه الشيخ عن آدم عن أبي الحسن عليه السلام قال: «ليس على المملوك حجّ و لا جهاد، و لا يسافر إلاّ بإذن مالكه»(3) و النهي في العبادة يدلّ

ص: 42


1- المغني 211:3، الشرح الكبير 173:3، المجموع 38:7، حلية العلماء 235:3، بدائع الصنائع 161:2.
2- النحل: 75.
3- التهذيب 4:5-5.

على الفساد.

و قال أحمد: إنّ إحرامه ينعقد صحيحا، لأنّه عبادة بدنية يصحّ من العبد الدخول فيها بغير إذن سيّده.

و لسيّده أن يحلّله - في إحدى الروايتين عنه - لأنّ في بقائه عليه تفويتا لحقّه من المنافع بغير إذنه، فلم يلزم ذلك سيّده كالصوم المضرّ ببدنه، و إذا حلّله منه، كان حكمه حكم المحصر.

و الثانية: ليس له تحليله، لأنّه لا يملك التحلّل من تطوّعه فلم يملك تحليل عبده. و الأول أصح، لأنّه التزم التطوّع باختيار نفسه، فنظيره أن يحرم عبده بإذنه، و في مسألتنا يفوت حقّه الواجب بغير اختياره(1).

مسألة 30:
اشارة

لو أذن السيد في الإحرام فأحرم، انعقد إحرامه، و صحّ إجماعا، لما رواه إسحاق بن عمّار عن الكاظم عليه السلام، قال: سألته عن أمّ الولد تكون للرجل يكون قد أحجّها أ يجوز [1] ذلك عنها من حجّة الإسلام ؟ قال: «لا» قلت: لها أجر في حجّتها؟ قال: «نعم»(2).

إذا عرفت هذا، فهل لسيّده بعد إذنه الرجوع ؟ إن لم يكن قد أحرم كان له الرجوع قطعا، و إن كان المملوك قد تلبّس بالإحرام، لم يكن للمولى الرجوع فيه و لا تحليله، لأنّه إحرام انعقد صحيحا فلم يكن له إبطاله كالصلاة، و به قال الشافعي و أحمد، لأنّه عقد لازم عقده بإذن سيده فلم يكن لسيده منعه، كالنكاح(3).

و قال أبو حنيفة: له تحليله، لأنّه ملك منافع نفسه، فكان له الرجوع،

ص: 43


1- المغني 205:3، الشرح الكبير 173:3.
2- الفقيه 265:2-1288، التهذيب 5:5-10، الاستبصار 147:2-482.
3- فتح العزيز 22:8، المجموع 45:7، الحاوي الكبير 251:4، المغني 3: 205-206، الشرح الكبير 173:3.

كالمعير يرجع في العارية(1).

و الفرق ظاهر، فإنّ العارية ليست لازمة، و لو أعاره شيئا ليرهنه فرهنه، لم يكن له الرجوع فيه.

فروع:

[الأول]

أ - لو أذن له سيّده في الإحرام ثم رجع و علم العبد رجوعه قبل الإحرام، بطل إحرامه، و صار كمن لم يؤذن له.

و لو لم يعلم حتى أحرم فهل للمولى تحليله ؟ قال الشيخ رحمه اللّه:

الأولى أن نقول: ينعقد إحرامه، غير أنّ للسيّد منعه منه، و قد قيل: إنّه لا ينعقد إحرامه أصلا(2).

و للعامّة في أنّه هل يكون حكمه حكم من أحرم بإذن سيّده ؟ وجهان(3).

[الثاني]

ب - لو باعه سيّده بعد ما أحرم فحكم مشتريه في تحليله حكم بائعه سواء، لأنّه اشتراه مسلوب المنفعة، فأشبه بيع الأمة المزوّجة أو المستأجرة، فإن علم المشتري بذلك، فلا خيار له، لأنّه دخل على علم، فأشبه ما لو اشترى معيبا علم بعيبه.

و إن لم يعلم، فله فسخ البيع، لأنّه يتضرّر بمضيّ العبد في الحجّ، لفوات منافعه و عجزه عن تحليله [1]، و هو نقص يوجب الردّ، إلاّ في إحرام يكون لسيّده تحليله، فلا يملك الفسخ، لأنّه يمكنه رفع الضرر عنه.

[الثالث]

ج - إذا باعه مولاه في إحرام له تحليله فيه، لم يكن ذلك تحليلا له و لا مقتضيا لذلك، و يكون حكم المشتري حكمه في جواز التحليل، فإن أمره

ص: 44


1- فتح العزيز 23:8، المجموع 45:7، الحاوي الكبير 251:4، المغني 205:3، الشرح الكبير 173:3.
2- المبسوط - للطوسي - 327:1.
3- المغني 206:3، الشرح الكبير 173:3.

البائع بالمضيّ في إحرامه و إتمام حجّه بعد البيع، لم يعتدّ بهذا الأمر و إن كان في زمن خياره، و لو أمره المشتري، لم يكن له تحليله و لا لبائعه و إن كان في زمن خياره.

مسألة 31:

لو أحرم العبد بغير إذن سيّده ثم أعتقه قبل الموقفين، لم يجزئه إحرامه، و وجب عليه الرجوع إلى الميقات و الإحرام منه إن أمكنه، و إن لم يمكنه، أحرم من موضعه، فإن فاته المشعر الحرام، فقد فاته الحجّ.

و إن أحرم بإذن سيّده، لم يلزمه الرجوع إلى الميقات، لأنّ إحرامه صحيح منعقد، فإن أدرك المشعر الحرام بعد العتق فقد أدرك حجّة الإسلام، و إن لم يدركه معتقا، لم يجزئه، و كان عليه الحجّ مع الشرائط.

و إذا أحرم بغير إذن سيّده ثم أفسد الحجّ، لم يتعلّق به حكم، لأنّ إحرامه غير منعقد.

و إن أحرم بإذن سيّده ثم أفسده، لزمه المضيّ في فاسدة، كالحرّ، و ليس لسيّده إخراجه منه، لأنّه ليس له منعه من صحيحه فلم يكن له منعه من فاسدة.

و قالت العامّة: إن كان إحرامه بغير إذن سيّده، كان له تحليله منه، لأنّه يملك تحليله من صحيحه فالفاسد أولى(1).

و الحقّ ما قلناه.

مسألة 32:

إذا أفسد العبد حجّه، فإن كان مأذونا فيه، وجب عليه القضاء و المضيّ فيه، كالحرّ، لأنّه حجّ صحيح و إحرام معتدّ به، فيترتّب عليه أحكامه.

و يصحّ القضاء في حال رقّه، لأنّه وجب في حال الرقّ فيصحّ به، كالصلاة و الصيام، و ليس لسيّده منعه من القضاء، لأنّ إذنه في الحجّ الأول

ص: 45


1- المغني 207:3، الشرح الكبير 175:3.

إذن في موجبه و مقتضاه، و من مقتضياته القضاء لما أفسده.

و إن لم يكن الأول [1] مأذونا فيه، كان للمولى منعه من القضاء، لأنّه يملك منعه من الحجّ الذي شرع فيه بغير إذنه فكذلك قضاؤه، و هو قول بعض العامّة(1).

و قال بعضهم: لا يملك منعه من قضائه، لأنّه واجب، و ليس للسيّد [2] منعه من الواجبات(2).

و هو خطأ، لأنّا نمنع وجوبه، بل نمنع صحته فضلا عن وجوبه.

مسألة 33:

إذا أفسد العبد الحجّ و لزمه القضاء، فأعتقه مولاه، فإن كان عتقه بعد الوقوف بالمشعر الحرام، كان عليه أن يتمّ هذه الحجّة، و يلزمه حجّة الإسلام و حجّة القضاء، و يجب عليه البدأة بحجّة الإسلام ثم يأتي بحجّة القضاء، و كذلك إذا بلغ و عليه قضاء، و لا يقضي قبل حجّة الإسلام، فإن فعل حجّة الإسلام بقي عليه حجّة القضاء، و إن أحرم بالقضاء، انعقد بحجّة الإسلام، لأنّها آكد، و كان القضاء في ذمّته، قاله الشيخ(3) رحمه اللّه، و هو مذهب العامة(4).

ثم قال الشيخ: و إن قلنا: لا يجزئ عن واحد منهما، كان قويّا(5).

و أطلق.

و الوجه: ما قوّاه الشيخ إن كان قد استطاع أو استقرّ الحجّ في ذمّته، و إلاّ فالوجه: الإجزاء عن القضاء.

ص: 46


1- المغني 207:3، الشرح الكبير 175:3.
2- المغني 207:3، الشرح الكبير 175:3.
3- المبسوط - للطوسي - 327:1-328.
4- المغني 207:3، الشرح الكبير 175:3.
5- المبسوط - للطوسي - 328:1.

و إن أعتق قبل الوقوف بالمشعر، فلا فصل بين أن يفسد بعد العتق أو قبله، فإنّه يمضي في فاسدة، و لا تجزئه الفاسدة عن حجّة الإسلام، و يلزمه القضاء في القابل، و يجزئه القضاء عن حجّة الإسلام، لأنّ ما أفسده لو لم يفسده لكان يجزئه عن حجّة الإسلام و هذه قضاء عنها.

مسألة 34:

إذا أحرم العبد بإذن مولاه فارتكب محظورا يلزمه به الدم، كالتطيّب و اللبس و حلق الشعر و تقليم الأظفار و اللمس بشهوة و الوطء في الفرج أو في ما دونه و قتل الصيد أو أكله، ففرضه الصوم، و ليس عليه دم، كالمعسر.

و إن تحلّل بحصر عدوّ، فعليه الصوم، و لا يتحلّل قبل فعله، كالحرّ.

قال الشيخ رحمه اللّه: و لسيّده منعه منه، لأنّه فعله بغير إذنه، و إن ملّكه سيّده هديا ليخرجه فأخرجه، جاز، و إن أذن له فصام، جاز أيضا، و إن مات قبل الصيام، جاز لسيّده أن يطعم عنه(1).

و قالت العامّة: ليس للسيّد أن يحول بينه و بين الصوم مطلقا(2).

و الوجه: ذلك إن أذن له في الإحرام، لأنّه صوم وجب عليه، فأشبه صوم رمضان.

و إن ملّكه السيد هديا و أذن له في إهدائه و قلنا: إنه يملكه، فهو كالواجد للهدي لا يتحلّل إلاّ به، و إن قلنا: لا يملكه، ففرضه الصيام.

و إن أذن له سيّده في تمتّع أو قران، فعليه الصيام بدلا عن الهدي الواجب.

و قال بعض العامّة: على سيّده تحمّل ذلك عنه، لأنّه بإذنه، فكان على من أذن فيه، كما لو فعله النائب بإذن المستنيب(3).

و ليس بجيّد، لأنّ الحجّ للعبد و هذا من موجباته فيكون عليه، كالمرأة

ص: 47


1- المبسوط - للطوسي - 328:1.
2- المغني 206:3، الشرح الكبير 174:3.
3- المغني 207:3، الشرح الكبير 174:3.

إذا حجّت بإذن زوجها، بخلاف النائب فإنّ الحجّ للمنوب، فموجبه عليه.

و عندنا أنّ للسيّد الخيار بين أن يأمره بالصوم أو يهدي عنه.

و إن تمتّع أو قرن بغير إذن سيّده، لم يعتدّ به.

و قالت العامّة: إنّ عليه الصوم(1).

و إن أفسد حجّه، فعليه أن يصوم كذلك، فإنه لا مال له، فهو كالمعسر من الأحرار.

مسألة 35:

إذا نذر العبد الحجّ، فلا يخلو إمّا أن يكون مولاه قد أذن له في النذر أو لا، فإن كان قد أذن له، فلا يخلو النذر إمّا أن يكون مقيّدا بوقت أو مطلقا، فإن كان مقيّدا بوقت، وجب عليه الوفاء به مع قدرته، و لا يجوز لمولاه منعه منه، لأنّه واجب عليه، و كان كما لو أذن له في الإحرام و تلبّس به.

و هل يجب على مولاه دفع ما يحتاج إليه العبد زائدا عن نفقة الحضر؟ الأقرب: المنع، لأصالة البراءة.

و يحتمل وجوبه، كالإذن في الدّين.

و لو قدر العبد على المشي، لم يجب على المولى بذل الراحلة.

و لو كان مطلقا، أو مقيّدا و فرّط العبد، أو المولى يمنعه عن المبادرة حتى صار قضاء، فالأقرب: عدم وجوبه على الفور، لأنّ حقّ السيّد مضيّق، و النذر المطلق و قضاء النذر المقيّد غير مضيّق، لأصالة البراءة.

فلو شرع العبد و بادر معجّلا فأحرم بغير إذن مولاه، فالأقرب أنّه ليس للمولى تحليله، لأنّه إحرام حجّ أذن له فيه مولاه، فلم يملك تحليله، كما لو تلبّس بالإحرام بعد إذن مولاه.

و إن لم يكن مولاه قد أذن له في النذر، فالمشهور بين علمائنا: عدم انعقاده، لأنّ أوقاته مستحقّة للمولى.

ص: 48


1- المغني 207:3، الشرح الكبير 174:3.

و قال بعض العامة: يصحّ نذره، لأنّه مكلّف، فانعقد نذره، كالحرّ، و لسيده منعه من المضيّ فيه، لما فيه من تفويت حقّ سيّده الواجب، فيمنع منه، كما لو لم ينذر(1).

و روي عن أحمد أنّه لا يمنع من الوفاء به، لما فيه من أداء الواجب(2).

و اختلف أصحابه على قولين:

أحدهما: أنّ ذلك على الكراهية دون التحريم.

و الثاني: التحريم، لأنّه واجب فلم يملك منعه كسائر الواجبات(3).

و هو غلط، لأنّا نمنع وجوبه.

فإن أعتق، وجب عليه الوفاء بما نذره بإذن مولاه، و في غيره الخلاف.

و تقدّم حجّة الإسلام مع وجوبها، و إطلاق النذر أو تقييده بزمان متأخّر عن الاستطاعة.

البحث الثالث: في الاستطاعة
مسألة 36:

الاستطاعة شرط في وجوب الحجّ و العمرة، بإجماع العلماء و بالنصّ:

قال اللّه تعالى وَ لِلّهِ عَلَى النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً (4) دلّ بمفهومه على سقوطه عن غير المستطيع.

و لا نعلم في ذلك خلافا، و لقضاء الضرورة بقبح تكليف غير القادر.

إذا عرفت هذا، فنقول: الاستطاعة المشترطة في الآية هي الزاد و الراحلة، بإجماع علمائنا، و به قال الحسن البصري و مجاهد و سعيد بن جبير و الشافعي و أحمد و إسحاق(5).

ص: 49


1- المغني 206:3، الشرح الكبير 174:3.
2- المغني 206:3، الشرح الكبير 174:3.
3- المغني 206:3، الشرح الكبير 174:3.
4- آل عمران: 97.
5- المغني 168:3، الشرح الكبير 178:3.

قال الترمذي: و العمل عليه عند أهل العلم(1).

لما رواه العامّة أنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله، سئل ما السبيل ؟ قال:

(الزاد و الراحلة)(2).

و من طريق الخاصة: ما رواه محمد بن يحيى الخثعمي، قال: سأل حفص الكناسي الصادق عليه السلام - و أنا عنده - عن قول اللّه عزّ و جلّ وَ لِلّهِ عَلَى النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً قال: ما يعني بذلك ؟ قال:

«من كان صحيحا في بدنه مخلّى سربه، له زاد و راحلة، فهو ممّن يستطيع الحجّ»(3).

و لأنّها عبادة تتعلّق بقطع مسافة بعيدة، و اشترط لوجوبها الزاد و الراحلة، كالجهاد.

و قال عكرمة: الاستطاعة هي الصحة(4).

و قال الضحّاك: إن كان شابّا فليؤاجر نفسه بأكله و عقبه [1] حتى يقضي نسكه(5).

و قال مالك: إن كان يمكنه المشي و عادته سؤال الناس، لزمه الحجّ، لأنّ هذه الاستطاعة في حقّه، فهو كواجد الزاد و الراحلة(6).

و ليس بجيّد، لأنّ هذا فعل شاقّ، فليس استطاعة و إن كان عادة،3.

ص: 50


1- سنن الترمذي 177:3 ذيل الحديث 813، و حكاه عنه ابنا قدامة في المغني 168:3، و الشرح الكبير 178:3.
2- سنن الترمذي 225:5-2998، سنن الدار قطني 217:2 و 218-11 و 12، سنن البيهقي 327:4 و 330، المستدرك - للحاكم - 442:1.
3- الكافي 267:4-2، التهذيب 3:5-2، الإستبصار 139:2-454.
4- المغني 168:3، الشرح الكبير 178:3.
5- المغني 168:3، الشرح الكبير 178:3.
6- بداية المجتهد 319:1، المغني 168:3، الشرح الكبير 178:3.

و الشارع اعتبر عموم الأحوال دون خصوصها، كما في مشقّة السفر، فإنّها غير معتبرة، بل المظنّة و إن كانت المشقّة منتفية.

مسألة 37: الراحلة إنّما هي شرط في حقّ البعيد عن مكة،

و أمّا أهل مكة فلا تشترط الراحلة فيهم، و كذا من كان بينه و بين مكة [مكان] [1] قريب لا يحتاج إلى الراحلة، و إنّما تعتبر الراحلة في حقّه، لأنّها مسافة قريبة يمكنه المشي إليها فلزمه، كالسعي إلى الجمعة، و لو لم يتمكّن من المشي، اشترط في حقّه وجود المحمولة، لأنّه عاجز عن المشي، فأشبه البعيد.

و أمّا الزاد فلا بدّ من اشتراطه في حقّ القريب و البعيد، فإن لم يجد زادا لم يلزمه الحج، لعجزه(1).

مسألة 38: الراحلة شرط في الحجّ للقادر على المشي و العاجز عنه،
اشارة

و به قال الشافعي(2) ، لقوله عليه السلام لمّا سئل عن تفسير السبيل: (زاد و راحلة)(3).

و يعتبر راحلة مثله، فإن كان يستمسك على الراحلة من غير محمل و لا يلحقه ضرر و لا مشقّة شديدة، فلا يعتبر في حقّه إلاّ وجدان الراحلة لحصول الاستطاعة معها، و إن كان لا يستمسك على الراحلة بدون المحمل أو يجد مشقّة عظيمة، اعتبر مع وجود الراحلة وجود المحمل، و لو كان يجد مشقّة عظيمة

ص: 51


1- المغني 170:3، الشرح الكبير 179:3.
2- فتح العزيز 10:7.
3- سنن الدار قطني 218:2-13، سنن البيهقي 330:4.

في ركوب المحمل، اعتبر في حقّه الكنيسة [1].

و لا فرق بين الرجل و المرأة في ذلك.

و قال بعض الشافعية: إنّ المحمل معتبر في حقّ المرأة مطلقا(1).

و ليس بمعتمد، و الستر يحصل بالملحفة.

فروع:

أ - لا يشترط وجود عين الزاد و الراحلة،

بل المعتبر التمكّن منهما تملّكا أو استئجارا.

ب - إنّما يشترط الزاد و الراحلة في حقّ المحتاج إليهما لبعد المسافة،

أمّا القريب فيكفيه اليسير من الأجرة بنسبة حاجته، و المكّي لا تعتبر الراحلة في حقّه، و يكفيه التمكّن من المشي.

ج - إذا وجد شقّ محمل و وجد شريكا يجلس في الجانب الآخر،

لزمه الحجّ، فإن لم يجد الشريك و لم يتمكّن إلاّ من مئونة الشقّ، سقط عنه الحجّ مع حاجته إلى المحمل، و إن تمكّن من المحمل بتمامه، احتمل وجوب الحجّ، لأنّه مستطيع، و عدمه، لأنّ بذل الزيادة خسران لا مقابل له.

د - القريب إلى مكة إذا شقّ عليه المشي أو الركوب بغير محمل،

اشترطت الراحلة و المحمل في حقّه، كالبعيد، و لا يؤمر بالزحف(2) و إن أمكن.

ه - يجب شراء الراحلة و المحمل مع الحاجة إليهما أو استيجارهما بثمن المثل و أجرته،

فإن زاد فإن لم يتمكّن من الزيادة، سقط الحج، و إن تمكّن منها، وجب، لأنّه مستطيع.

ص: 52


1- فتح العزيز 11:7، المجموع 67:7.
2- الزحف: المشي. لسان العرب 129:9.

و قيل: لا يجب(1). و ليس بمعتمد.

مسألة 39: الزاد شرط في وجوب الحجّ، لعدم التمكّن بدونه.

و المراد منه أن يملك ما يبلغه إلى الحجّ إمّا عين الزاد أو ثمنه مع وجود بائعه بقدر كفايته مدّة سفره و عوده إلى وطنه، سواء كان له أهل و عشيرة يأوي إليهم أو لم يكن، و هو أحد وجهي الشافعية(2).

و الثاني لهم: أنّه لا يشترط في حقّ من لا أهل له و لا عشيرة مئونة الإياب، لأنّ البلاد بالنسبة إليه متساوية(3).

و ليس بجيّد، لأنّ النفوس تطلب الأوطان.

و لا فرق أيضا بين أن يملك في بلدته مسكنا أو لا.

و خصّص الجويني الوجهين بمن له ملك في البلد(4).

و يجري الوجهان لهم في الراحلة(5).

و لهم وجه آخر ضعيف عندهم: أنّه لا يعتبر مئونة الإياب مطلقا(6).

إذا عرفت هذا، فالمشترط في الراحلة و الزاد راحلة مثله و زاد مثله، لتفاوت الأشخاص في خشونة العيش و نعومته، فيعتبر في حقّ الرفيع زيادة على ما يحتاج إليه غيره ممّا يناسبه.

مسألة 40: يشترط أن يكون الزاد و الراحلة فاضلين عن نفقته

و نفقة من تلزمه نفقته مدّة ذهابه و رجوعه و دست ثوب يليق به.

و هل يشترط أن يكونا فاضلين عن مسكنه و عبده الذي يحتاج إلى خدمته لعجزه أو لمنصبه ؟ الوجه: ذلك، كما في الكفّارة، و هو أظهر وجهي الشافعيّة.

ص: 53


1- كما في شرائع الإسلام 226:1، و راجع: المبسوط - للطوسي - 300:1.
2- المهذب - للشيرازي - 204:1، فتح العزيز 13:7، المجموع 68:7.
3- المهذب - للشيرازي - 204:1، فتح العزيز 13:7، المجموع 68:7.
4- فتح العزيز 13:7.
5- فتح العزيز 13:7، المجموع 68:7.
6- فتح العزيز 13:7، المجموع 68:7.

و الثاني: لا يشترط، بل يباعان في المئونة - و به قال مالك - لأنّ الاستطاعة في الخبر [1] مفسّرة بالزاد و الراحلة و هو واجد لهما(1).

و الوجه: الأول، لحاجته إلى المسكن و العبد، فأشبها ثياب بدنه.

فعلى هذا إذا كانت الدار مستغرقة لحاجته و كانت سكنى مثله و العبد عبد مثله، لم يبع شيئا منهما، و إن كانت الدار فاضلة عن حاجته و أمكن بيع بعضها أو كانت نفيسة أو العبد كذلك و أمكن شراء أدون منه ممّا تندفع به حاجته، احتمل وجوب البيع و الاقتصار على الأدون، و عدمه، كما في الكفّارة.

و ربما يفرّق بين الحجّ و الكفّارة بأنّ الحجّ لا بدل له و العتق في الكفّارة له بدل.

إذا ثبت هذا، فالزاد الذي يشترط القدرة عليه هو ما يحتاج إليه في ذهابه و عوده من مأكول و مشروب و كسوة، فإن كان يملك ذلك أو وجده يباع بثمن المثل في الغلاء و الرخص أو بزيادة يسيرة لا تجحف بماله، لزمه شراؤه، و إن كانت تجحف بماله، لم يلزمه شراؤه و إن تمكّن على إشكال، كما قلنا في شراء الماء للوضوء، و إذا كان يجد الزاد في كلّ منزل، لم يلزمه حمله، و إن لم يجده كذلك، لزمه حمله.

و أمّا الماء و علف البهائم فإن كان يوجد في المنازل التي ينزلها على حسب العادة، فلا كلام، و إن لم يوجد، لم يلزمه حمله من بلده و لا من أقرب البلدان إلى مكة كأطراف الشام و نحوها، لما فيه من عظم المشقة و عدم جريان العادة به، و لا يتمكّن من حمل الماء لدوابّه في جميع الطريق، و الطعام بخلاف ذلك.

مسألة 41: كما تعتبر قدرته على المطعوم و المشروب

و التمكّن من

ص: 54


1- فتح العزيز 13:7.

حمله من بلده كذا تعتبر قدرته على الآلات و الأوعية التي يحتاج إليها كالغرائر [1] و نحوها، و أوعية الماء من القرب و غيرها، و جميع ما يحتاج إليه، كالسّفرة و شبهها، لأنّه ممّا لا يستغني عنه، فأشبه علف البهائم.

و كذا يشترط وجود راحلة تصلح لمثله على ما بيّنّا إمّا بشراء أو بأجرة لذهابه و عوده، و يجد ما يحتاج إليه من آلتها التي تصلح لمثله.

فإن كان ممّن يكفيه الرحل و القتب و لا يخشى السقوط، أجزأ وجود ذلك، و إن كان ممّن لم تجر عادته بذلك و يخشى السقوط عنهما، يعتبر وجود محمل و ما أشبهه ممّا لا مشقّة في ركوبه و لا يخشى السقوط عنه، لأنّ الراحلة إنّما اعتبرت في حقّ القادر على المشي لدفع المشقّة عنه، فيجب أن يعتبر هنا ما تندفع به المشقّة.

و إن كان ممّن لا يقدر على خدمة نفسه و القيام بأمره، اعتبرت القدرة على من يخدمه، لأنّه من سبيله.

مسألة 42: يعتبر أن تكون هذه الأشياء التي ذكرناها فاضلة عمّا يحتاج إليه
اشارة

لنفقة عياله الذين تلزمه مؤونتهم في سفره ذاهبا و عائدا، لما رواه العامة عن النبي صلّى اللّه عليه و آله، أنّه قال: (كفى بالمرء إثما أن يضيع من يقوت)(1).

و من طريق الخاصة: ما رواه أبو الربيع الشامي، قال: سئل أبو عبد اللّه عليه السلام عن قول اللّه عزّ و جلّ وَ لِلّهِ عَلَى النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً فقال: «ما يقول الناس ؟» قال: فقيل له: الزاد و الراحلة، قال: فقال أبو عبد اللّه عليه السلام: «قد سئل أبو جعفر عليه السلام عن هذا، فقال: هلك الناس إذن، لئن كان كلّ من له زاد و راحلة قدر ما يقوت

ص: 55


1- سنن أبي داود 132:2-1692، سنن البيهقي 467:7 و 25:9، المعجم الكبير - للطبراني - 382:12-13414، مسند أحمد 160:12.

عياله و يستغني به عن الناس ينطلق فيسلبهم إيّاه لقد هلكوا إذن» فقيل له: ما السبيل ؟ قال: فقال: «السعة في المال إذا كان يحجّ ببعض و يبقى بعض لقوت عياله، أ ليس قد فرض اللّه الزكاة، فلم يجعلها إلاّ على من ملك مائتي درهم»(1).

و لأنّ النفقة متعلّقة بحقوق الآدميّين و هم أحوج و حقّهم آكد.

و يشترط أيضا أن تكون فاضلة عمّا يحتاج هو و أهله إليه من مسكن و خادم و ما لا بدّ منه من ثياب و غيرها، و أن يكون فاضلا عن قضاء دينه، لأنّ قضاء الدّين من حوائجه الأصلية، و تتعلّق به حقوق الآدميّين فهو آكد، و لهذا منع الخمس مع تعلّق حقوق الفقراء من ذوي القربى به، و حاجتهم إليها، فالحجّ الذي هو خالص حقّ اللّه تعالى أولى.

و لا فرق بين أن يكون الدّين لآدمي معيّن أو من حقوق اللّه تعالى، كزكاة في ذمّته أو كفّارات و شبهها.

و لا فرق أيضا بين أن يكون الدّين حالاّ أو مؤجّلا محلّه قبل عرفة أو بعدها في منع الوجوب، لأنّه غير موصوف بالاستطاعة.

و للشافعية في وجوب الحجّ على المديون إذا كان الدّين يحلّ بعد عرفة وجهان:

أحدهما كما قلناه.

و الثاني: الوجوب، لأنّ الدّين المؤجّل غير مستحقّ عليه قبل حلوله(2).

و هو ممنوع.

تذنيب: لو احتاج إلى النكاح و خاف على نفسه العنت،

قدّم الحجّ، لأنّه واجب و النكاح تطوّع، و يلزمه الصبر.

ص: 56


1- الكافي 267:4-3، الفقيه 258:2-1255، التهذيب 2:5-3-1، الإستبصار 139:2-453.
2- الحاوي الكبير 13:4.

و قال بعض العامّة: يقدّم النكاح، لأنّه واجب عليه، و لا غنى به عنه، فهو كنفقته(1).

و نمنع الوجوب.

و لو لم يخف العنت، قدّم الحجّ إجماعا.

تذنيب آخر: لو حجّ من تلزمه هذه الحقوق و ضيّعها،

قال بعض العامة: يصح حجّة، لأنّها متعلّقة بذمّته، فلا تمنع صحة فعله(2).

و فيه نظر، لأنّه مأمور بصرف المال إلى نفقة العيال مثلا، فإذا صرفه في غيره، كان قد فعل المنهي عنه، و النهي يدلّ على الفساد في العبادات.

البحث الرابع: المئونة.
اشارة

و يشترط أن يكون له مال يصرفه في مئونة سفره ذهابا و عودا، و مئونة عياله الذين تلزمه نفقتهم على الاقتصاد.

و هل يشترط الرجوع إلى كفاية من مال أو حرفة أو صناعة في وجوب الحجّ بعد وجدان ما ذكر؟ قال الشيخ: نعم(3).

فلو كان له زاد و راحلة و نفقة له و لعياله بقدر ذهابه و عوده و جميع ما تقدّم و ليس له ما يرجع إليه من مال أو ملك أو صناعة و حرفة يرجع إليها عند عوده من حجّه، سقط عنه فرض الحجّ - و به قال أبو العباس بن سريج من الشافعية(4) - خوفا من فقره و حاجته إلى المسألة، و في ذلك أعظم مشقّة.

ص: 57


1- المغني 172:3، الشرح الكبير 180:3.
2- المغني 173:3، الشرح الكبير 180:3.
3- المبسوط - للطوسي - 297:1، الخلاف 245:2، المسألة 2.
4- الحاوي الكبير 13:4، فتح العزيز 14:7، حلية العلماء 236:3، المهذّب - للشيرازي - 204:1، المجموع 73:7.

و لرواية أبي الربيع الشامي عن الباقر [1] عليه السلام.

و قال أكثر علمائنا: لا يشترط الرجوع إلى كفاية(1) - و هو قول الشافعي(2) - و هو المعتمد، لأنّه مستطيع بوجود الزاد و الراحلة و نفقته و نفقة عياله ذهابا و عودا.

و رواية أبي الربيع لا حجّة فيها على ما قالوه، و المشقّة ممنوعة، فإنّ اللّه هو الرزّاق.

فروع:
أ - لو كان له عقار يحتاج إليه لسكناه أو سكنى عياله،

أو يحتاج إلى أجرته لنفقة نفسه أو نفقة عياله، أو سائمة يحتاجون إليها، لم يلزمه الحجّ.

و لو كان له شيء من ذلك فاضل عن حاجته، لزمه بيعه و صرفه في الحجّ.

و لو كان مسكنه واسعا يكفيه للسكنى بعضه، وجب بيع الفاضل و صرفه في الحجّ إذا كان بقدر الاستطاعة.

و كذا لو كان له كتب يحتاج إليها، لم يلزمه بيعها في الحجّ، و لو استغنى عنها، وجب البيع.

و لو كان له بكتاب نسختان يستغني بإحداهما، وجب بيع الفاضل.

و لو كان له دار نفيسة أو عبد نفيس أو كتب نفيسة و أمكنه بيعها و شراء أقلّ من ثمنها و كان مسكن مثله أو عبد مثله و الحجّ بالفاضل عن مئونته من ثمنها، فالأقرب وجوب البيع و شراء الأدون ممّا تقوم به كفايته.

ص: 58


1- منهم: ابن إدريس في السرائر: 118، و المحقّق في المعتبر: 329، و شرائع الإسلام 1: 228، و المختصر النافع: 76، و الفاضل الآبي في كشف الرموز 325:1-326.
2- الحاوي الكبير 13:4، المهذب - للشيرازي - 204:1، المجموع 73:7، فتح العزيز 14:7.
ب - لو كان له دين على باذل له يكفيه للحجّ، لزمه،

لأنّه مستطيع، و لو كان على معسر أو تعذّر استيفاؤه أو كان مؤجّلا، لم يلزمه الحجّ، لعدم الاستطاعة.

ج - لو كان له رأس مال يتّجر به و ينفق من ربحه و لو صرفه في الحج لبطلت تجارته، وجب عليه الحج

- و هو أصحّ وجهي الشافعية، و به قال أبو حنيفة(1) - لأنّه واجد.

و الثاني للشافعية: أنّه لا يكلّف الصرف إليه - و به قال أحمد - لئلاّ يلتحق بالمساكين، و كالعبد و المسكن(2).

و ليس بجيّد، لأنّ العبد و المسكن يحتاج إليهما في الحال، و هذا إمساك ذخيرة للمستقبل.

د - لو لم يجد الزاد و وجد الراحلة و كان كسوبا يكتسب ما يكفيه و قد عزل نفقة أهله مدّة ذهابه و عوده،

فإن كان السفر طويلا، لم يلزمه الحجّ، لما في الجمع بين السفر و الكسب من المشقّة العظيمة، و لأنّه قد ينقطع عن الكسب لعارض فيؤدّي إلى هلاك نفسه.

و إن كان السفر قصيرا، فإن كان تكسّبه في كلّ يوم بقدر كفاية ذلك اليوم من غير فضل، لم يلزمه الحجّ، لأنّه قد ينقطع عن كسبه في أيّام الحجّ فيتضرّر.

و إن كان كسبه في كلّ يوم يكفيه لأيّامه، لم يلزمه الحجّ أيضا، للمشقّة، و لأنّه غير واجد لشرط الحجّ، و هو أحد وجهي الشافعية، و الثاني:

الوجوب - و به قال مالك - مطلقا(3).

ه - لو كان له مال فباعه نسيئة عند قرب وقت الخروج

إلى أجل يتأخّر

ص: 59


1- فتح العزيز 14:7.
2- فتح العزيز 14:7.
3- فتح العزيز 14:7-15.

عنه، سقط الفور في تلك السنة عنه، لأنّ المال إنّما يعتبر وقت خروج الناس، و قد يتوسّل المحتال بهذا إلى دفع الحجّ.

مسألة 43: لو كان له مال يكفيه لذهابه و عوده دون نفقة عياله،

سقط عنه فرض الحجّ، لما تقدّم من الأمر بالنفقة على العيال، و لأنّ نفقة العيال تتعلّق بالفاضل عن قوته، و فرض الحجّ [1] يتعلّق بالفاضل عن كفايته، فكان الإنفاق على العيال أولى من الحجّ.

و المراد بالعيال هنا من تلزمه النفقة عليه دون من تستحب.

مسألة 44: لو لم يكن له زاد و راحلة أو كان و لا مئونة له لسفره أو لعياله،
اشارة

فبذل له باذل الزاد و الراحلة و مئونته ذاهبا و عائدا و مئونة عياله مدّة غيبته، وجب عليه الحجّ عند علمائنا، سواء كان الباذل قريبا أو بعيدا، لأنّه مستطيع للحجّ.

و لأنّ الباقر و الصادق عليهما السلام سئلا عمّن عرض عليه ما يحجّ به فاستحيى من ذلك، أ هو ممّن يستطيع إلى ذلك سبيلا؟ قال: «نعم»(1).

و للشافعي قولان في وجوب الحجّ إذا كان الباذل ولدا:

أحدهما: الوجوب، لأنّ الابن يخالف غيره في باب المنّة.

و الثاني: عدم الوجوب، لأنّه لا يلزمه القبول، لاشتماله على المنّة.

و إن لم يكن ولدا، لم يجب القبول(2).

و قال أحمد: لا يجب الحجّ مطلقا، سواء بذل له الركوب و الزاد أو بذل له مال، لأنّه غير مالك للزاد و الراحلة و لا لثمنهما، فسقط عنه فرض الحجّ(3).

ص: 60


1- الكافي 266:4-267-1، التهذيب 3:5-4-3 و 4، الاستبصار 140:2-455 و 456.
2- الوجيز 111:1، فتح العزيز 45:7-46.
3- المغني 169:3، الشرح الكبير 181:3.

و نمنع ثبوت المنّة و عدم الملك المشروط في الاستطاعة.

فروع:

[الأول]

أ - لو بذل له مال يتمكّن به من الحجّ و يكفيه في مئونته و مئونة عياله، لم يجب عليه القبول، سواء كان الباذل له ولدا أو أجنبيا، لاشتماله على المنّة في قبول الطاعة.

و لأنّ في قبول المال و تملّكه إيجاب سبب يلزم به الفرض، و هو:

القبول، و ربما حدثت عليه حقوق كانت ساقطة، فيلزمه صرف المال إليها من وجوب نفقة و قضاء دين.

و لأنّ تحصيل شرط الوجوب غير واجب، كما في تحصيل مال الزكاة.

[الثاني]

ب - لو وجد بعض ما يلزمه الحجّ به و عجز عن الباقي فبذل له ما عجز عنه، وجب عليه الحجّ، لأنّه ببذل الجميع مع عدم تمكّنه من شيء أصلا يجب عليه فمع تمكّنه من البعض يكون الوجوب أولى.

[الثالث]

ج - لو طلب من فاقد الاستطاعة إيجار نفسه للمساعدة في السفر بما تحصل به الاستطاعة، لم يجب القبول، لأنّ تحصيل شرط الوجوب ليس بواجب.

نعم لو آجر نفسه بمال تحصل به الاستطاعة أو ببعضه إذا كان مالكا للباقي، وجب عليه الحجّ.

و كذا لو قبل مال الهبة، لأنّه صار الآن مالكا للاستطاعة.

[الرابع]

د - قال ابن إدريس من علمائنا: إنّ من يعرض عليه بعض إخوانه ما يحتاج إليه من مئونة الطريق يجب عليه الحجّ بشرط أن يملّكه ما يبذل له و يعرض عليه، لا وعدا بالقول دون الفعل، و كذا فيمن حجّ به بعض إخوانه(1).

ص: 61


1- السرائر: 121.

و التحقيق أن نقول: البحث هنا في أمرين:

الأول: هل يجب على الباذل بالبذل الشيء المبذول أم لا؟ فإن قلنا بالوجوب أمكن وجوب الحج على المبذول له، لكن في إيجاب المبذول بالبذل إشكال أقربه عدم الوجوب.

و إن قلنا بعدم وجوبه، ففي إيجاب الحجّ إشكال، أقربه: العدم، لما فيه من تعليق الواجب بغير الواجب.

الثاني: هل بين بذل المال و بذل الزاد و الراحلة و مئونته و مئونة عياله فرق أم لا؟ الأقرب: عدم الفرق، لعدم جريان العادة بالمسامحة في بذل الزاد و الراحلة و المؤن بغير منّة كالمال.

[الخامس]

ه - لو وهب المال، فإن قبل، وجب الحجّ، و إلاّ فلا، و لا يجب عليه قبول الاتّهاب، و كذا الزاد و الراحلة، لأنّ في قبول عقد الهبة تحصيل شرط الوجوب و ليس واجبا.

[السادس]

و - لا يجب الاقتراض للحجّ إلاّ أن يحتاج إليه و يكون له مال بقدره يفضل عن الزاد و الراحلة و مئونته و مئونة عياله ذهابا و عودا، فلو لم يكن له مال، أو كان له ما يقصر عن ذلك، لم يجب عليه الحجّ، لأصالة البراءة، و لأنّ تحصيل شرط الوجوب ليس واجبا.

[السابع]

ز - لو كان له ولد له مال، لم يجب عليه بذله لأبيه في الحجّ و لا إقراضه له، سواء كان الولد كبيرا أو صغيرا، و لا يجب على الأب الحجّ بذلك المال.

و قال الشيخ رحمه اللّه: و قد روى أصحابنا أنّه إذا كان له ولد له مال، وجب أن يأخذ من ماله ما يحجّ به، و يجب عليه إعطاؤه(1).

و نحن نحمل ما رواه الشيخ على الاستحباب.

[الثامن]

ج - لو حجّ فاقد الزاد و الراحلة ماشيا أو راكبا، لم يجزئه عن حجّة8.

ص: 62


1- الخلاف 250:2، المسألة 8.

الإسلام، لأنّ الحج على هذه الحالة غير واجب عليه، فلم يكن ما أوقعه واجبا عليه، فإذا حصل شرط الوجوب الذي هو كالوقت له، وجب عليه الحجّ، لأنّ الفعل أوّلا كان فعلا للواجب قبل وقته، فلم يكن مجزئا كالصلاة.

مسألة 45:

لا تباع داره التي يسكنها في ثمن الزاد و الراحلة، و لا خادمه و لا ثياب بدنه و لا فرس ركوبه بإجماع العلماء، لأنّ ذلك ممّا تمسّ الحاجة إليه، و يجب عليه بيع ما زاد على ذلك من ضياع و عقار و غير ذلك من الذخائر و الأثاث التي له منها بدّ إذا حصلت الاستطاعة معه.

مسألة 46:

لو [1] فقد الاستطاعة فغصب مالا فحجّ به، أو غصب حمولة فركبها حتى أوصلته، أثم بذلك، و عليه أجرة الحمولة و ضمان المال، و لم يجزئه عن الحجّ.

أمّا لو كان واجدا للزاد و الراحلة و المئونة فغصب و حجّ بالمغصوب، أجزأه ذلك - و به قال الشافعي(1) - لأنّ الحجّ عبادة بدنيّة، و المال و المحمولة يرادان للتوصّل إليه، فإذا فعله لم يقدح فيه ما يوصل به إليه.

نعم لو طاف أو سعى على الدابة المغصوبة، لم يصحّا.

و لو وقف عليها فالأقوى: الصحّة، لأنّ الواجب هو الكون في الموقف و قد حصل.

و قال أحمد: إذا حجّ بالمال المغصوب، لم يصح، و كذا لو غصب حمولة فركبها حتى أوصلته(2) ، لأنّ الزاد و الراحلة من شرائط الحجّ و لم يوجد على الوجه المأمور به، فلا يخرج به عن العهدة.

و ليس بجيّد، لأنّ الشرط [2] ليس تملّك عين الزاد و الراحلة، بل هما أو

ص: 63


1- المجموع 62:7.
2- المجموع 62:7.

ثمنهما، و البحث في القادر.

مسألة 47:
اشارة

الفقير الزمن لا يجب عليه الحجّ إجماعا، فلو بذل له غيره الحجّ عنه بأن ينوبه، لم يجب عليه أيضا - و به قال مالك و أبو حنيفة(1) - لقوله عليه السلام: (السبيل زاد و راحلة)(2).

و لأنّ الحجّ عبادة بدنيّة فوجب أن لا يجب عليه ببذل الغير النيابة عنه فيها، كالصلاة و الصوم.

و لأنّ العبادات ضربان:

منها: ما يتعلّق بالأبدان، فتجب بالقدرة عليها، كالصلاة و الصيام.

و منها: ما يتعلّق بالأموال، فيعتبر في وجوبها ملك المال، كالزكاة، و لم يعهد في الأصول وجوب عبادة ببذل الطاعة [1].

و قال الشافعي: يجب، لما روي أنّ امرأة من خثعم قالت: يا رسول اللّه إنّ فريضة اللّه في الحجّ على عباده أدركت أبي شيخا كبيرا لا يستطيع أن يستمسك على الراحلة، فهل ترى أن أحجّ عنه ؟ فقال: (نعم) فقالت: أو ينفعه ؟ فقال: (أ رأيت لو كان على أبيك دين فقضيته أ كان ينفعه ؟) فقالت:

نعم، قال: (فدين اللّه أحقّ أن يقضى)(3).

وجه الدلالة: أنّها بذلت الطاعة لأبيها، فأمرها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بالحجّ عنه من غير أن يجري للمال ذكر، فدلّ على أنّ الفرض وجب ببذل الطاعة.

ص: 64


1- بداية المجتهد 319:1-320، الحاوي الكبير 9:4، المجموع 101:7.
2- سنن الدار قطني 218:2-13، سنن البيهقي 330:4.
3- صحيح مسلم 973:2-1334، سنن ابن ماجة 971:2-2909، سنن البيهقي 4: 328 بتفاوت و اختصار.

و لأنّ المغصوب [1] الموسر يجب عليه الحجّ بالاستنابة للغير بالمال، و هذا في حكمه، لأنّه قادر على فعل الحجّ عن نفسه فلزمه، كالقادر بنفسه(1).

و الحديث لا يدلّ على الوجوب، و لهذا شبّهه عليه السلام بالدّين مع أنّ الولد لا يجب عليه قضاء ما وجب على أبيه من الدّين، بل يستحب له، فكذا هنا.

و نمنع وجوب الاستنابة على المعضوب، و سيأتي(2) إن شاء اللّه.

تنبيه:

شرط الشافعية في وجوب الحجّ ببذل الطاعة سبعة شرائط، ثلاثة في الباذل:

أ - أن يكون الباذل من أهل الحجّ، فيجمع البلوغ و العقل و الحرّية و الإسلام، لأنّ من لا يصح منه أداء الحجّ عن نفسه لا تصح منه النيابة فيه عن غيره.

ب - أن لا تكون عليه حجة الإسلام ليصحّ إحرامه [2] بالحجّ عن غيره.

ج - أن يكون واجدا للزاد و الراحلة، لأنّه لمّا كان ذلك معتبرا في المبذول له كان اعتباره في الباذل أولى، إذ ليس حال الباذل أوكد في إلزام الفرض من المبذول له.

و بعض الشافعية لا يعتبر هذا الشرط في بذله للطاعة و إن اعتبره في فرض نفسه، لأنّه التزم الطاعة باختياره، فصار كحجّ النذر المخالف للفرض بالأصالة.

ص: 65


1- الحاوي الكبير 9:4، فتح العزيز 46:7، المهذب - للشيرازي - 205:1، المجموع 97:7 و 101.
2- يأتي في المسألة 99.

و أربعة في المبذول له:

أ - أن يكون المبذول له واثقا بطاعة الباذل عالما أنّه متى أمره بالحجّ امتثل أمره، لأنّ قدرة الباذل قد أقيمت مقام قدرته، فافتقر إلى الثقة بطاعته.

ب - أن يكون الفرض غير ساقط عنه.

ج - أن يكون معضوبا آيسا من أن يفعل بنفسه.

د - أن لا يكون له مال، لأنّ ذا المال يجب عليه الحجّ بماله.

فإذا اجتمعت الشروط نظر في الباذل، فإن كان من غير ولد و لا والد، ففي لزوم الفرض ببذله وجهان:

أحدهما - و هو الصحيح عندهم و نصّ عليه الشافعي -: أنّه كالولد في لزوم الفرض ببذل طاعته، لكونه مستطيعا للحجّ في الحالين.

و الثاني: أنّ الفرض لا يلزمه ببذل غير ولده، لما يلحقه من المنّة في قبوله، و لأنّ حكم الولد مخالف لغيره في القصاص و حدّ القذف و الرجوع في الهبة، فخالف غيره في بذل الطاعة.

و إذا كملت الشرائط التي يلزم بها فرض الحج ببذل الطاعة فعلى المبذول له الطاعة أن يأذن للباذل أن يحجّ عنه، لوجوب الفرض عليه، و إذا أذن له و قبل الباذل إذنه فقد لزمه أن يحجّ عنه متى شاء، و ليس له الرجوع بعد القبول.

إذا تقرّر هذا فعلى المبذول له أن يأذن و على الباذل أن يحجّ.

فإن امتنع المبذول له من الإذن فهل يقوم الحاكم مقامه في الإذن للباذل ؟ وجهان:

أحدهما: القيام فيأذن للباذل في الحجّ، لأنّ الإذن قد لزمه، و متى امتنع من فعل ما وجب عليه قام الحاكم مقامه في استيفاء ما لزمه، كالديون.

و الثاني - و هو الصحيح عندهم -: أنّ إذن الحاكم لا يقوم مقام إذنه، لأنّ البذل كان لغيره، فإن أذن المبذول له قبل وفاته، انتقل الفرض عنه إلى

ص: 66

الباذل، و إن لم يأذن حتى مات، لقي اللّه تعالى و فرض الحجّ واجب عليه.

فلو حجّ الباذل بغير إذن المبذول له، كانت الحجّة واقعة عن نفسه، لأنّ الحجّ عن الحي لا يصحّ بغير إذنه، و كان فرض الحجّ باقيا على المبذول له(1).

و هذا كلّه ساقط عندنا.

البحث الخامس: في إمكان المسير
اشارة

و يشتمل على أمور أربعة: الصحة، و التثبّت على الراحلة، و أمن الطريق في النفس و البضع و المال، و اتّساع الوقت، فالنظر هنا في أربعة:

النظر الأول: الصحة
مسألة 48:

أجمع علماء الأمصار في جميع الأعصار على أنّ القادر على الحجّ بنفسه الجامع لشرائط وجوب حجّة الإسلام يجب عليه إيقاعه مباشرة، و لا تجوز له الاستنابة فيه، فإن استناب غيره لم يجزئه، و وجب عليه أن يحجّ بنفسه.

فإن مات بعد استطاعته و استنابته و استقرار الحجّ في ذمّته، وجب أن يخرج عنه اجرة المثل من صلب ماله، لأنّ ما فعله أوّلا لم يفده براءة ذمّته، فيكون بمنزلة التارك للحجّ بعد استقراره في الذمّة من غير إجارة.

أمّا المريض مرضا لا يتضرّر بالسفر و الركوب فإنّه كالصحيح يجب عليه مباشرة الحجّ بنفسه، فإن وجد مشقّة أو احتاج إلى ما يزيد على مئونة سفر الصحيح مع عجزه عنه، سقط عنه فرض المباشرة، و لو احتاج إلى الدواء

ص: 67


1- الحاوي الكبير 10:4-11، المهذب - للشيرازي - 205:1، المجموع 95:7 و 96 و 100، فتح العزيز 46:7.

فكالزاد.

مسألة 49:

المريض الذي يتضرّر بالركوب أو بالسفر إن كان مرضه لا يرجى زواله و كان مأيوسا من برئه لزمانة أو مرض لا يرجى زواله أو كان معضوبا نضو [1] الخلقة لا يقدر على التثبّت على الراحلة إلاّ بمشقّة غير محتملة أو كان شيخا فانيا و ما أشبه ذلك إذا كان واجدا لشرائط الحج من الزاد و الراحلة و غيرهما، لا تجب عليه المباشرة بنفسه إجماعا، لما فيه من المشقّة و الحرج و قد قال تعالى ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ (1).

و لما رواه العامة عن النبي صلّى اللّه عليه و آله، قال: (من لم تمنعه من الحج حاجة أو مرض حابس أو سلطان جائر فمات فليمت يهوديّا أو نصرانيّا)(2).

و من طريق الخاصة قول الصادق عليه السلام: «من مات و لم يحجّ حجّة الإسلام و لم تمنعه من ذلك حاجة تجحف به أو مرض لا يطيق معه الحجّ أو سلطان يمنعه فليمت يهوديّا أو نصرانيا»(3).

و هل تجب عليه الاستنابة ؟ قال الشيخ: نعم(4) ، و به قال في الصحابة: علي عليه السلام، و في التابعين: الحسن البصري، و من الفقهاء: الشافعي و الثوري و أحمد و إسحاق(5).

لما رواه العامة عن علي عليه السلام أنّه سئل عن شيخ يجد الاستطاعة،

ص: 68


1- الحج: 78.
2- حلية الأولياء 251:9، سنن الدارمي 28:2.
3- الكافي 268:4-1، الفقيه 273:2-1333، التهذيب 17:5-49.
4- المبسوط - للطوسي - 299:1، الخلاف 248:2، المسألة 6.
5- الحاوي الكبير 8:4، فتح العزيز 44:7، المجموع 94:7 و 100، المغني 181:3، الشرح الكبير 183:3، تفسير القرطبي 151:4.

فقال: «يجهّز من يحجّ عنه»(1).

و لحديث الخثعمية(2)قاله ابن إدريس في السرائر: 120.(3).

و من طريق الخاصة: ما رواه معاوية بن عمّار - في الصحيح - عن الصادق عليه السلام قال: «إنّ عليّا عليه السلام رأى شيخا لم يحج قطّ و لم يطق الحجّ من كبره، فأمر أن يجهّز رجلا فيحجّ عنه»(4).

و لأنّها عبادة تجب بإفسادها الكفّارة فجاز أن يقوم غير فعله مقام فعله فيها، كالصوم إذا عجز عنه.

و قال بعض علمائنا: لا تجب الاستنابة(4) ، و به قال مالك، لأنّ الاستطاعة غير موجودة، لعدم التمكّن من المباشرة، و النيابة فرع الوجوب و الوجوب ساقط، لعدم شرطه، فإنّ اللّه تعالى قال مَنِ اسْتَطاعَ و هذا غير مستطيع.

و لأنّها عبادة لا تدخلها النيابة مع القدرة فلا تدخلها مع العجز، كالصوم و الصلاة(5).

و نمنع عدم الاستطاعة، لأنّ الصادق عليه السلام فسّرها بالزاد و الراحلة(6) ، و هي موجودة، و القياس ضعيف، و هذا القول لا بأس به أيضا.

قال مالك: و لا يجوز أن يستأجر من يحجّ عنه في حال حياته، فإن وصّى أن يحجّ عنه بعد وفاته، جاز(7).1.

ص: 69


1- تفسير القرطبي 151:4، المغني 182:3، الشرح الكبير 184:3.
2- تقدّمت الإشارة إلى مصادره في الصفحة 64، الهامش
3- .
4- التهذيب 14:5-38.
5- الحاوي الكبير 9:4، المجموع 100:7، المغني 181:3، الشرح الكبير 183:3، تفسير القرطبي 150:4.
6- الكافي 268:4-5.
7- الحاوي الكبير 9:4، الكافي في فقه أهل المدينة: 133، تفسير القرطبي 150:4-151.

و قال أبو حنيفة: إن قدر على الحجّ قبل زمانته، لزمه الحجّ، و إن لم يقدر عليه، فلا حجّ عليه(1).

مسألة 50:

لو لم يجد هذا المريض الذي لا يرجى برؤه مالا يستنيب به، لم يكن عليه حجّ إجماعا، لأنّ الصحيح لو لم يجد ما يحجّ به لم يجب عليه فالمريض أولى، و إن وجد مالا و لم يجد من ينوب عنه لم يجب عليه أيضا، لعدم تمكّنه من الاستئجار.

و عن أحمد روايتان في إمكان المسير هل هو من شرائط الوجوب أو من شرائط لزوم السعي، فإن قلنا: من شرائط لزوم السعي، ثبت الحجّ في ذمّته يحجّ عنه بعد موته، و إن قلنا: من شرائط الوجوب، لم يجب عليه شيء(2).

و هذا ساقط عندنا.

مسألة 51: المريض الذي لا يرجى برؤه لو استناب من حجّ عنه ثم عوفي،

و المعضوب إذا تمكّن من المباشرة بعد أن أحجّ عن نفسه، وجب عليه أن يحجّ بنفسه مباشرة.

قال الشيخ رحمه اللّه: لأنّ ما فعله كان واجبا في ماله و هذا يلزمه في نفسه(3).

و به قال الشافعي و أصحاب الرأي و ابن المنذر، لأنّ هذا بدل إياس فإذا برأ تبيّنّا أنّه لم يكن مأيوسا منه، فلزمه الأصل كالآيسة إذا اعتدت بالشهور ثم حاضت لا تجزئها تلك العدّة(4).

ص: 70


1- الحاوي الكبير 8:4-9.
2- المغني 182:3، الشرح الكبير 184:3.
3- المبسوط - للطوسي - 299:1.
4- الأم 114:2 و 123، المهذّب - للشيرازي - 206:1، المغني 182:3، الشرح الكبير 184:3.

و قال أحمد و إسحاق: لا يجب عليه حجّ آخر، لأنّه فعل المأمور به، فخرج عن العهدة، كما لو لم يبرأ، و لأنّه أدّى حجة الإسلام بأمر الشارع، فلم يلزمه حجّ ثان، كما لو حجّ بنفسه، و لإفضائه إلى إيجاب حجّتين و ليس عليه إلاّ حجّة واحدة(1).

و نمنع فعله للمأمور به، و الفرق بينه و بين عدم البرء ظاهر، و نمنع أداء حجّة الإسلام بل بدلها المشروط بعدم القدرة على المباشرة، و نمنع أنّه ليس عليه إلاّ حجّة واحدة.

إذا عرفت هذا، فلو عوفي قبل فراق النائب من الحجّ، قال بعض العامة: لم يجزئه الحجّ، لأنّه قدر على الأصل قبل تمام البدل فلزمه، كالصغيرة و من ارتفع حيضها إذا حاضتا قبل تمام عدّتهما بالشهور، و كالمتيمّم إذا رأى الماء في صلاته.

و يحتمل الاجزاء، كالمتمتّع إذا شرع في الصيام ثم قدر على الهدي، و المكفّر إذا قدر على الأصل بعد الشروع في البدل، و إن برأ قبل إحرام النائب، لم يجزئه بحال(2).

و هذا كلّه ساقط عندنا.

مسألة 52:

المريض إذا كان مرضه يرجى زواله و البرء منه، و المحبوس و نحوه إذا وجد الاستطاعة و تعذّر عليه الحجّ، يستحب أن يستنيب، قاله الشيخ(3) رحمه اللّه.

و منع منه الشافعي و أحمد، فإن استناب غيره، لم يجزئه كالصحيح، سواء برأ من مرضه أو لم يبرأ، لأنّه يرجو القدرة على الحجّ بنفسه، فلم تكن

ص: 71


1- المغني 182:3-183، الشرح الكبير 184:3.
2- المغني 183:3، الشرح الكبير 185:3.
3- المبسوط - للطوسي - 299:1.

له الاستنابة، و لا يجزئه إن فعل، كالفقير(1).

و قال أبو حنيفة: يجوز له ان يستنيب، و يكون ذلك مراعى، فإن قدر على الحج بنفسه، لزمه، و إلاّ أجزأه ذلك، لأنّه عاجز عن الحج بنفسه، فأشبه المأيوس من برئه(2).

و فرّق الشافعية بأنّ المأيوس عاجز على الإطلاق، آيس من القدرة على الأصل فأشبه الميت، و لأنّ النصّ إنّما ورد في الحجّ عن الشيخ الكبير و هو ممّن لا يرجى منه مباشرة الحج، فلا يقاس عليه إلاّ ما يشابهه(3).

و المعتمد: ما قاله الشيخ، لقول الباقر عليه السلام: «كان علي عليه السلام يقول: لو أنّ رجلا أراد الحجّ فعرض له مرض أو خالطه سقم فلم يستطع الخروج، فليجهّز رجلا من ماله ثم ليبعثه مكانه»(4) و هو عام.

و لأنّه غير قادر على الحجّ بنفسه، فجاز له الاستنابة، كالمعضوب.

إذا ثبت هذا، فلو استناب من يرجو القدرة على الحجّ بنفسه ثم صار مأيوسا من برئه، فعليه أن يحجّ عن نفسه مرّة أخرى، لأنّه استناب في حال لا تجوز الاستنابة فيها، فأشبه الصحيح.

قال الشيخ: و لأنّ تلك الحجّة كانت عن ماله و هذه عن بدنه(5).

و لو مات سقط الحج عنه مع الاستنابة و بدونها، لأنّه غير مستطيع للحجّ.

و للشافعي وجهان مع الاستنابة:1.

ص: 72


1- المهذّب - للشيرازي - 206:1، المجموع 94:7 و 116، فتح العزيز 40:7، حلية العلماء 246:3، الحاوي الكبير 14:4، المغني 184:3، الشرح الكبير 185:3.
2- المبسوط - للسرخسي - 152:4، المغني 184:3، الشرح الكبير 185:3، الحاوي الكبير 14:4، حلية العلماء 246:3.
3- راجع: المغني 182:3، و الشرح الكبير 185:3.
4- الكافي 273:4-4، التهذيب 14:5-15-40.
5- المبسوط - للطوسي - 299:1.

أحدهما: عدم الإجزاء، لأنّه استناب و هو غير مأيوس منه، فأشبه ما إذا برأ.

و الثاني: الإجزاء، لأنّا تبيّنّا أنّ المرض كان مأيوسا منه حيث اتّصل الموت به(1).

مسألة 53:

قد بيّنّا أنّ من بذل طاعة الحج لغيره لا يجب على ذلك الغير القبول، خلافا للشافعي حيث أوجب القبول و الإذن للمطيع في الحجّ عنه.

و لو مات المطيع قبل أن يأذن له، فإن كان قد أتى من الزمان ما يمكنه فعل الحجّ فيه، استقرّ في ذمّته، و إن كان قبل ذلك، لم يجب عليه، لأنّه قد بان أنّه لم يكن مستطيعا.

و هل يلزم الباذل ببذله ؟ قال: إن كان قد أحرم لزم المضيّ فيه، و إلاّ فلا، لأنّه لا يجب عليه البذل، فلا يلزمه به حكم، لأنّه متبرّع به(2).

و هذه كلّها ساقطة عندنا، لأنّها مبنية على وجوب الحج بالطاعة، و هو باطل، لأنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله سئل ما يوجب الحجّ؟ فقال: (الزاد و الراحلة)(3).

و لو كان على المعضوب حجّتان: منذورة و حجة الإسلام، جاز له أن يستنيب اثنين في سنة واحدة، لأنّهما فعلان متباينان لا ترتيب بينهما، و لا يؤدّي ذلك إلى وقوع المنذورة دون حجّة الإسلام، بل يقعان معا، فأجزأ ذلك، بخلاف ما إذا ازدحم الفرضان على واحد.

ص: 73


1- الحاوي الكبير 14:4، المهذّب - للشيرازي - 206:1، المجموع 116:7، فتح العزيز 42:7.
2- فتح العزيز 45:7 و 46، المجموع 95:7 و 96، الحاوي الكبير 11:4.
3- سنن الترمذي 177:3-813، سنن ابن ماجة 967:2-2896، سنن الدار قطني 2: 215-3.

و للشافعي وجهان(1).

تذنيبان:

الأول: قال الشيخ: المعضوب إذا وجب عليه حجّة بالنذر أو بإفساد حجّه، وجب عليه أن يحجّ غيره عن نفسه، و إن برأ فيما بعد، وجب عليه الإعادة(2).

و فيه نظر.

الثاني: يجوز استنابة الصرورة و غير الصرورة على ما يأتي(3).

مسألة 54:

يجوز للصحيح الذي قضى ما عليه من حجّة الإسلام أن يستنيب في حجّ التطوّع و إن تمكّن من مباشرة الحجّ بنفسه عند علمائنا - و به قال أبو حنيفة و أحمد في إحدى الروايتين(4) - لأنّها حجّة لا تلزمه بنفسه، فجاز أن يستنيب فيها، كالمعضوب.

و قال الشافعي: لا يجوز - و هو الرواية الثانية عن أحمد - لأنّه غير آيس من الحجّ بنفسه قادر عليه، فلم يجز أن يستنيب فيه كالفرض(5).

و هو خطأ، للفرق، فإنّ الفرض لم يؤدّه مباشرة و هنا قد أدّاه، فافترقا.

و لو لم يكن قد حجّ حجّة الإسلام، جاز له أن يستنيب أيضا في حجّ التطوّع، سواء وجب عليه الحجّ قبل ذلك أو لا، و سواء تمكّن من أداء الواجب أو لا، لعدم المنافاة بينهما.

و لو كان قد أدّى حجّة الإسلام و عجز عن الحجّ بنفسه، صحّ أن يستنيب

ص: 74


1- فتح العزيز 36:7، المهذب - للشيرازي - 207:1.
2- المبسوط - للطوسي - 299:1.
3- يأتي في المسألة 84.
4- المبسوط - للسرخسي - 152:4، المغني 185:3، الشرح الكبير 211:3، المجموع 116:7.
5- المجموع 116:7، المغني 185:3، الشرح الكبير 212:3.

في التطوّع، لأنّ ما جازت الاستنابة في فرضه جازت في نفله، كالصدقة.

مسألة 55:

يجوز الاستئجار على الحجّ، و به قال مالك و الشافعي و ابن المنذر و أحمد في إحدى الروايتين(1) ، و منع في الرواية الأخرى منه و من الاستئجار على الأذان و تعليم القرآن و الفقه و نحوه ممّا يتعدّى نفعه و يختصّ فاعله أن يكون من أهله القربة(2).

و جوّز ذلك كلّه الشافعي و مالك، لأنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله قال:

(أحقّ ما أخذتم عليه أجرا كتاب اللّه)(3).

و أخذ أصحاب النبي صلّى اللّه عليه و آله الجعل على الرقية بكتاب اللّه، و أخبروا النبي صلّى اللّه عليه و آله بذلك فصوّبهم.

و لأنّه تجوز النفقة عليه فجاز الاستئجار عليه كبناء المساجد و القناطر(4).

و احتجّ المانعون: بأنّ عبادة بن الصامت كان يعلّم رجلا القرآن، فأهدى له قوسا، فسأل النبي صلّى اللّه عليه و آله عن ذلك، فقال له: (إن سرّك أن تتقلّد قوسا من نار فتقلّدها)(5).

و قال النبي صلّى اللّه عليه و آله لعثمان بن أبي العاص: (و اتّخذ مؤذّنا لا يأخذ على أذانه أجرا)(6).

ص: 75


1- الكافي في فقه أهل المدينة: 166، المنتقى - للباجي - 271:2، الام 124:2، فتح العزيز 49:7، الحاوي الكبير 14:4 و 257، المجموع 120:7 و 139، المغني و الشرح الكبير 186:3.
2- المغني 186:3، الشرح الكبير 185:3، فتح العزيز 49:7.
3- صحيح البخاري 121:3، سنن البيهقي 430:1.
4- الام 124:2، فتح العزيز 198:3 و 49:7، المجموع 127:3 و 120:7 و 139، الحاوي الكبير 257:4، المدوّنة الكبرى 62:1 و 419:4، الكافي في فقه أهل المدينة: 166 و 374 و 375، المغني و الشرح الكبير 186:3.
5- أورده ابن قدامة في المغني 186:3، و في سنن البيهقي 125:6، و مسند أحمد 315:5، و تفسير القرطبي 335:1 بتفاوت.
6- سنن أبي داود 146:1-531، سنن الترمذي 409:1-410-209، سنن النسائي 23:2، سنن البيهقي 429:1، المستدرك - للحاكم - 199:1، مسند أحمد 4: 21.

و لأنّها عبادة يختص فاعلها أن يكون من أهل القربة، فلم يجز أخذ الأجرة عليها، كالصلاة و الصوم.

و الرقية قضية في عين، فتختص بها.

و أمّا بناء المساجد فلا يختص فاعله أن يكون من أهل القربة، و يجوز أن يقع قربة و غير قربة، فإذا وقع بأجرة لم يكن قربة و لا عبادة، و لا يصح هنا أن يكون غير عبادة، و لا يجوز الاشتراك في العبادة، فمتى فعله من أجل الأجرة خرج عن كونه عبادة، فلم يصح.

و لا يلزم من جواز أخذ النفقة جواز أخذ الأجرة، كالقضاء و الشهادة و الإمامة يؤخذ عليها الرزق من بيت المال، و هو نفقة في المعنى، و لا يجوز أخذ الأجرة عليها(1).

و نمنع أنّه إذا فعل من أجل أخذ الأجرة خرج عن كونه عبادة، و إنّما يتحقّق ذلك لو لم يقصد سوى أخذ الأجرة، أمّا إذا جعله جزءا لمقصود فلا.

و فائدة الخلاف: أنّه متى لم يجز أخذ الأجرة عليها فلا يكون إلاّ نائبا محضا، و ما يدفع إليه من المال يكون نفقة لطريقة، فلو مات أو أحصر أو مرض أو ضلّ الطريق، لم يلزمه الضمان لما أنفق، لأنّه إنفاق بإذن صاحب المال، قاله أحمد(2) ، فأشبه ما لو أذن له في سدّ بثق فانفتق و لم ينسد.

و إذا ناب عنه آخر، فإنّه يحجّ من حيث بلغ النائب الأول من الطريق، لأنّه حصل قطع هذه المسافة بمال المنوب عنه، فلم يكن عليه الإنفاق دفعة اخرى، كما لو خرج بنفسه فمات في بعض الطريق، فإنّه يحجّ عنه من حيث انتهى، و ما فضل معه من المال ردّه إلاّ أن يؤذن له في أخذه، و ينفق على نفسه3.

ص: 76


1- المغني 186:3-187، الشرح الكبير 186:3.
2- المغني 187:3، الشرح الكبير 186:3.

بقدر الحاجة من غير إسراف و لا تقتير، و ليس له التبرّع بشيء منه إلاّ أن يؤذن له في ذلك.

و على القول بجواز الاستئجار للحجّ يجوز أن يدفع إلى النائب من غير استئجار، فيكون الحكم فيه على ما مضى.

و إن استأجره ليحجّ عنه أو عن ميت، اعتبرت فيه شرائط الإجارة من معرفة الأجرة و عقد الإجارة، و ما يأخذه أجرة له يملكه و يباح له التصرّف فيه و التوسّع في النفقة و غيرها، و ما فضل فهو له.

و إن أحصر أو ضلّ الطريق أو ضاعت النفقة منه، فهو في ضمانه، و الحجّ عليه، و إن مات، انفسخت الإجارة، لأنّ المعقود عليه تلف فانفسخ العقد، كما لو ماتت البهيمة المستأجرة، و يكون الحجّ أيضا من موضع بلغ إليه النائب.

و ما يلزمه من الدماء فعليه، لأنّ الحجّ عليه.

النظر الثاني: التثبّت على الراحلة

التثبّت على الراحلة شرط في وجوب الحجّ، فالشيخ الهمّ و المعضوب الذي لا يتمكّن من الاستمساك على الراحلة لا يجب عليه الحجّ.

و كذا لو كان يتثبّت على الراحلة لكن بمشقّة عظيمة، يسقط عنه فرض عامه، لقوله عليه السلام: (من لم يحبسه مرض أو حاجة ظاهرة أو سلطان جائر و لم يحج فليمت إن شاء يهوديّا أو نصرانيّا)(1).

إذا عرفت هذا، فمقطوع اليدين أو الرّجلين إذا أمكنه الثبوت على الراحلة من غير مشقّة شديدة يجب عليه مباشرة الحجّ، و لا تجوز الاستنابة.

و لو احتاج المعضوب إلى حركة عنيفة يعجز عنها، سقط في عامه، فإن

ص: 77


1- سنن البيهقي 334:4.

مات قبل التمكّن، سقط.

النظر الثالث: أمن الطريق
اشارة

و هو شرط في وجوب الحجّ، فلو كان الطريق مخوفا أو كان فيه مانع من عدوّ و شبهه، سقط فرض الحجّ في ذلك العام و إن حصلت باقي الشرائط، عند علمائنا - و به قال أبو حنيفة و الشافعي و أحمد في إحدى الروايتين(1) - لأنّ اللّه تعالى إنّما فرض الحجّ على المستطيع و هذا غير مستطيع.

و لأنّ هذا يتعذّر معه فعل الحجّ، فكان شرطا، كالزاد و الراحلة.

و لأنّ حفص الكناسي سأل الصادق عليه السلام عن قول اللّه عزّ و جلّ:

وَ لِلّهِ عَلَى النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً (2) ما يعني بذلك ؟ قال:

«من كان صحيحا في بدنه، مخلّى سربه، له زاد و راحلة فهو ممّن يستطيع الحج»(3).

و قال أحمد في الرواية الأخرى: إنّه ليس شرطا للوجوب، بل هو شرط لزوم السعي، فلو كملت شرائط الحج ثم مات قبل وجود هذا الشرط، حجّ عنه بعد موته، و إن أعسر قبل وجوده، بقي في ذمته، لأنّ النبي عليه السلام لمّا سئل ما يوجب الحج ؟ قال: (الزاد و الراحلة)(4) و هذا له زاد و راحلة.

و لأنّ هذا عذر يمنع نفس الأداء، فلم يمنع الوجوب، كالعضب.

و لأنّ إمكان الأداء ليس شرطا في وجوب العبادات بدليل ما لو طهرت الحائض أو بلغ الصبي أو أفاق المجنون و لم يبق من وقت الصلاة ما يمكن

ص: 78


1- بدائع الصنائع 123:2، الحاوي الكبير 13:4، المهذب - للشيرازي - 204:1، الوجيز 109:1، فتح العزيز 17:7، المغني 166:3، الشرح الكبير 195:3.
2- آل عمران: 97.
3- الكافي 267:4-2، التهذيب 3:5-2، الاستبصار 139:2-454.
4- تقدّمت الإشارة إلى مصادره في المسألة 36.

أداؤها فيه(1).

و ليس بجيّد، لأنّ تكليف الخائف بالسعي تكليف بالمنهي عنه، فإنّ اللّه تعالى قال وَ لا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ (2) و هو قبيح.

و المراد بقوله عليه السلام: (الزاد و الراحلة) ليس على إطلاقه، بل مع حصول باقي الشرائط قطعا.

و نمنع الوجوب في حقّ المعضوب، و قد تقدّم(3).

و للفرق: بأنّ المعضوب يتمكّن من الاستنابة، بخلاف المتنازع، فإنّه غير متمكّن من الاستئجار، فإنّ الأجير لا يتمكّن المضيّ مع الخوف.

مسألة 56:

أمن الطريق على النفس و البضع و المال شرط في وجوب الحجّ، فلو خاف على نفسه من سبع أو عدوّ في الطريق، لم يلزمه الحجّ، و لهذا جاز التحلّل عن الإحرام بمثل ذلك على ما يأتي في باب الإحصار، و قد تقدّم الخلاف فيه.

هذا إذا لم يجد طريقا سواه، فإن وجد طريقا آخر آمنا، لزمه سلوكه و إن كان أبعد إذا وجد النفقة المحتاج إليها في سلوكه و اتّسع الزمان، و هو قول الشافعية(4).

و لهم وجه آخر: إنّه لا يلزمه، كما لو احتاج إلى بذل مئونة زائدة في ذلك الطريق(5).

و ليس بجيّد، لأنّه مستطيع، و ليس للطريق ضابط.

مسألة 57:

لو كان في الطريق بحر، و كان له في البرّ طريق آخر، فإن استويا في الأمن، تخيّر في سلوك أيّهما شاء، و إن اختصّ أحدهما بالأمن دون

ص: 79


1- المغني 166:3-167، الشرح الكبير 195:3.
2- البقرة: 195.
3- تقدّم في المسألة 47.
4- فتح العزيز 17:7، المجموع 81:7.
5- فتح العزيز 17:7، المجموع 81:7.

الآخر، تعيّن الآمن، لأنّه مستطيع، و لو استويا في عدم الأمن، سقط فرض الحجّ في ذلك العام، لانتفاء شرط الوجوب، و لا تجب الاستنابة على ما تقدّم.

و لو خاف من ركوب البحر و لا طريق آمنا سواه، سقط الفرض في ذلك العام، و لو لم يخف من ركوبه، وجب عليه الحجّ.

و للشافعي قولان:

أحدهما قوله في المختصر: لم يبن لي أن أوجب ركوب البحر.

و نصّ في الأم على أنّه لا يجوز.

و قال في الإملاء: إن كان أكثر عيشه في البحر، وجب، فانقسم أصحابه قسمين: أحدهما أثبت الخلاف في المسألة، و الثاني نفاه.

و للمثبتين طريقان:

أحدهما: أنّ المسألة على قولين مطلقا:

أحدهما: أنّه يلزمه الركوب، للظواهر المطلقة في الحجّ.

و الثاني: لا يلزمه، لما فيه من الخوف و الخطر.

و أظهرهما: أنّه إن كان الغالب منه الهلاك إمّا باعتبار خصوص ذلك البحر، أو لهيجان الأمواج في بعض الأحوال، لم يلزم الركوب، و إن كان الغالب فيه السلامة، فقولان:

أظهرهما: اللزوم، لسلوك طريق البرّ عند غلبة السلامة.

و الثاني: المنع، لأنّ عوارض البحر عسرة الدفع.

و على هذا فلو اعتدل الاحتمال فيلحق بغلبة السلامة أو بغلبة الهلاك، تردّد فيه الشافعية(1).2.

ص: 80


1- فتح العزيز 17:7-18، و راجع: المهذب - للشيرازي - 204:1، و المجموع 83:7، و مختصر المزني: 62.

و أمّا النافون للخلاف فلهم طرق:

أحدها: القطع بعدم اللزوم و حمل نصّه في الإملاء على ما إذا ركبه لبعض الأغراض، فصار أقرب إلى الشط الذي يلي مكة.

و الثاني: القطع باللزوم.

و الثالث: أنّه إن كان الغالب الهلاك، لم يلزم، و إن كان الغالب السلامة، لزم، و اختلاف القولين محمول على حالين، و به قال أبو حنيفة و أحمد(1).

و الرابع: تنزيل القولين على حالين من وجه آخر: إن كان الرجل ممّن اعتاد ركوب البحر كالملاّحين و أهل الجزائر، لزمه، و إلاّ فلا، لصعوبته عليه.

و نقل الجويني عن بعض الشافعية: اللزوم عند جرأة الراكب، و عدمه عند استشعاره.

و من الشافعية من قال: لا يجب على المستشعر، و في غيره قولان.

و منهم من قال: يجب على غير المستشعر، و فيه قولان.

و على القول بعدم وجوب ركوبه هل يستحب ؟ فيه وجهان لهم:

أحدهما: لا، لما فيه من التغرير بالنفس.

و أظهرهما: نعم، كما يستحب ركوبه للغزو.

و الوجهان فيما إذا كان الغالب السلامة، أمّا إذا كان الغالب الهلاك، فيحرم الركوب، نقله الجويني، و حكى تردّد الشافعية فيما إذا اعتدل الاحتمال.

و إذا لم نوجب الركوب، فلو توسّط البحر هل له الانصراف أم عليه التمادي ؟ فيه قولان مبنيان على القولين في المحصر إذا أحاط العدوّ به من3.

ص: 81


1- فتح العزيز 19:7، المغني 167:3.

الجوانب هل يجوز له التحلّل ؟ إن قلنا: له التحلّل، فله الانصراف، و إن قلنا: لا - لأنّه لا يستفيد الخلاص - فليس له الانصراف.

و الوجهان فيما إذا استوى ما بين يديه و ما خلفه في غالب الظنّ، فإن كان فيما بين يديه أكثر، لم يلزمه التمادي، و إن كان أقلّ، لزم.

قالوا: هذا في حقّ الرجل، أمّا المرأة ففيها خلاف بينهم مرتّب على الرجل، و أولى بعدم الوجوب، لأنّها أشدّ تأثّرا بالأهوال، و لأنّها عورة و ربما تنكشف للرجال، لضيق المكان، و إذا قلنا بعدم الوجوب فنقول بعدم الاستحباب أيضا.

و منهم من طرّد الخلاف.

و ليست الأنهار العظيمة - ك «جيحون» - في معنى البحر، لأنّ المقام فيها لا يطول، و الخطر فيها لا يعظم(1).

مسألة 58:

المرأة كالرجل متى خافت على نفسها أو المكابرة على فرجها سقط الفرض عنها، فإن احتاجت إلى المحرم و تعذّر، سقط الفرض عنها أيضا، لعدم استطاعتها بدونه.

و ليس المحرم شرطا في وجوب الحجّ عليها مع الاستغناء عنه، عند علمائنا، و به قال ابن سيرين و مالك و الأوزاعي و الشافعي و أحمد في إحدى الروايات(2).

قال ابن سيرين: تخرج مع رجل من المسلمين لا بأس به(3).

و قال مالك: تخرج مع جماعة النساء(4).

ص: 82


1- فتح العزيز 18:7-22، المجموع 83:7-85.
2- المغني 192:3، الشرح الكبير 201:3، بداية المجتهد 322:1، المجموع 8: 343، بدائع الصنائع 123:2.
3- المغني 192:3، الشرح الكبير 201:3.
4- الموطّأ 426:1 ذيل الحديث 254، المنتقى - للباجي - 82:3، المغني 192:3، الشرح الكبير 201:3، معالم السنن - للخطّابي - 276:2، الحاوي الكبير 363:4، المجموع 343:8.

و قال الشافعي: تخرج مع حرة مسلمة ثقة(1).

و قال الأوزاعي: تخرج مع قوم عدول تتّخذ سلّما تصعد عليه و تنزل، و لا يقربها رجل إلاّ أنّه يأخذ رأس البعير و تضع رجلها [1] على ذراعه(2).

قال ابن المنذر: تركوا القول بظاهر الحديث، و اشترط كلّ واحد منهم شرطا لا حجّة معه عليه(3).

و الأصل في ذلك: أنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله فسّر الاستطاعة بالزاد و الراحلة(4) و قال لعدي بن حاتم: (يوشك أن تخرج الظعينة [2] من الحيرة يوم تؤمّ البيت لا جوار معها لا تخاف إلاّ اللّه) [3] رواه العامّة(5).

و من طريق الخاصة: قول الصادق عليه السلام: «من كان صحيحا في بدنه، مخلّى سربه، له زاد و راحلة، فهو ممّن يستطيع الحج»(6).4.

ص: 83


1- الحاوي الكبير 363:4، المجموع 343:8، معالم السنن - للخطّابي - 276:2، المغني 192:3، الشرح الكبير 201:3.
2- المغني 192:3، الشرح الكبير 201:3.
3- المغني 192:3، الشرح الكبير 201:3.
4- أورده ابنا قدامة في المغني 192:3، و الشرح الكبير 201:3.
5- أورده ابنا قدامة في المغني 192:3، و الشرح الكبير 201:3، و بتفاوت في سنن الدار قطني 222:2-28.
6- الكافي 267:4-2، التهذيب 3:5-2، الاستبصار 139:2-454.

و عن أبي بصير عن الصادق عليه السلام، قال: سألته عن المرأة تحجّ بغير وليها، قال: «نعم إذا كانت امرأة مأمونة تحجّ مع أخيها المسلم»(1).

و في الصحيح عن عبد الرحمن بن الحجّاج عن الصادق عليه السلام، قال: سألته عن المرأة تحجّ بغير محرم، فقال: «إذا كانت مأمونة و لم تقدر على محرم فلا بأس بذلك»(2).

و لأنّه سفر واجب، فلا يشترط فيه المحرم، كالمسلمة إذا تخلّصت من أيدي الكفّار.

و قال أحمد في رواية أخرى: المحرم من السبيل، و إنّ المرأة الموسرة إذا لم يكن لها محرم لا يجب عليها الحجّ - و به قال الحسن البصري و النخعي و إسحاق و ابن المنذر و أصحاب الرأي - فلو لم يكن محرم لم يجز لها الخروج إلاّ أن يكون بينها و بين مكة مسير ما دون ثلاثة أيام، لما رواه أبو هريرة قال:

قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: (لا يحلّ لامرأة تؤمن باللّه و اليوم الآخر أن تسافر مسيرة يوم إلاّ و معها ذو محرم)(3).

و لأنّها أنشأت سفرا في دار الإسلام، فلم يجز بغير محرم، كحجّ التطوّع(4).

و الحديث مخصوص بالمتخلّصة من أيدي الكفّار، فيكون مخصوصا بالحجّ، لاشتراكهما في الوجوب.

و يحمل أيضا على السفر في غير الحجّ الواجب.2.

ص: 84


1- التهذيب 400:5-401-1393.
2- التهذيب 401:5-1394.
3- صحيح مسلم 977:2-420، سنن البيهقي 227:5.
4- المغني 192:3-193، الشرح الكبير 201:3-202، معالم السنن - للخطّابي - 2: 276، بداية المجتهد 322:1، بدائع الصنائع 123:2، النتف 204:1، أحكام القرآن - للجصّاص - 24:2.

و نمنع اشتراط المحرم في حجّ التطوّع، فإنّ الزوج إذا أذن لزوجته في الحجّ، جاز لها المضيّ فيه و إن لم يصحبها.

تذنيبات:

المحرم عند المشترطين له هو الزوج أو من تحرم عليه على التأبيد إمّا بنسب أو بسبب مباح كأبيها و ابنها و أخيها من نسب أو رضاع، لما رووه عن النبي صلّى اللّه عليه و آله أنّه قال: (لا يحلّ لامرأة تؤمن باللّه و اليوم الآخر أن تسافر سفرا يكون ثلاثة أيام فصاعدا إلاّ و معها أبوها أو ابنها أو زوجها أو ذو محرم منها)(1)(2).

قال أحمد: و يكون زوج أمّ المرأة محرما لها يحجّ بها، و يسافر الرجل مع أمّ ولد جدّه، فإذا كان أخوها من الرضاعة خرجت معه(3).

و قال في أمّ امرأته: يكون محرما لها في حجّ الفرض دون غيره(4).

و أمّا من لا تحرم عليه مؤبّدا فليس بمحرم، كعبدها و زوج أختها، لأنّهما غير مأمونين عليها، و لا تحرم عليهما مؤبّدا، فهما كالأجنبي، قاله أحمد(5).

و قال الشافعي: عبدها محرم لها، لأنّه مباح له النظر إليها، فكان محرما لها، كذي رحمها(6).

و هو غلط، فإنّا نمنع إباحة نظره إليها، و سيأتي [1].

و أمّا أمّ الموطوءة بشبهة أو المزني بها أو ابنتها فليس بمحرم لهما، لأنّ تحريمهما بسبب غير مباح، فلم يثبت به حكم المحرمية، كالتحريم الثابت باللعان، و ليس له الخلوة بهما و لا النظر إليهما كذلك.3.

ص: 85


1- صحيح مسلم 977:2-1340، سنن الترمذي 472:3-1169.
2- المغني 193:3-194، الشرح الكبير 203:3-204.
3- المغني 194:3، الشرح الكبير 204:3.
4- المغني 194:3، الشرح الكبير 204:3.
5- المغني 194:3، الشرح الكبير 204:3، الكافي في فقه الإمام أحمد 470:1.
6- المهذب - للشيرازي - 36:2، المغني 194:3، الشرح الكبير 204:3.

قال أحمد: و الكافر ليس محرما للمسلمة و إن كانت ابنته(1).

و قال أبو حنيفة و الشافعي: هو محرم لها، لأنّها محرّمة عليه على التأبيد(2).

و قول أحمد لا بأس به في كافر يعتقد حلّها، كالمجوسي.

و قال أحمد: يشترط في المحرم أن يكون بالغا عاقلا، لأنّ الصبي لا يقوم بنفسه قبل الاحتلام فكيف يخرج مع امرأة، و لأنّ المقصود بالمحرم حفظ المرأة، و لا يحصل إلاّ من البالغ العاقل(3).

و نفقة المحرم في الحجّ عليها، لأنّه من سبيلها، فكان عليها نفقته كالراحلة، فعلى هذا يعتبر في استطاعتها أن تملك زادا و راحلة لها و لمحرمها، فإن امتنع محرمها من الحجّ معها مع بذلها له نفقته، فهي كمن لا محرم لها.

و هل تلزمه إجابتها إلى ذلك ؟ عن أحمد روايتان(4).

و الصحيح: أنّه لا يلزمه الحجّ معها، لما في الحجّ من المشقّة الشديدة و الكلفة العظيمة، فلا يلزم أحدا لأجل غيره، كما لم يلزمه أن يحجّ عنها إذا كانت مريضة.

و لو مات محرم المرأة في الطريق، قال أحمد: إذا تباعدت، مضت فقضت الحجّ(5).

مسألة 59:

لا يجوز للرجل منع زوجته الموسرة من حجّة الإسلام إذا حصلت الشرائط، عند علمائنا - و به قال النخعي و إسحاق و أبو ثور و أحمد و أصحاب الرأي و الشافعي في أصحّ قوليه(6) - لما رواه العامة عن النبي صلّى

ص: 86


1- المغني 194:3، الشرح الكبير 205:3.
2- المغني 194:3، الشرح الكبير 205:3.
3- المغني 194:3، الشرح الكبير 205:3-206.
4- المغني 195:3، الشرح الكبير 206:3، الكافي في فقه الإمام أحمد 470:1.
5- المغني 195:3، الشرح الكبير 206:3، الكافي في فقه الإمام أحمد 470:1.
6- المغني 195:3، الشرح الكبير 176:3، الكافي في فقه الإمام أحمد 470:1، الحاوي الكبير 363:4، المهذب - للشيرازي - 242:1، المجموع 327:8، الهداية - للمرغيناني - 135:1.

اللّه عليه و آله قال: (لا تمنعوا إماء اللّه عن مساجد اللّه)(1).

و من طريق الخاصة: رواية محمد بن مسلم - في الصحيح - عن الباقر عليه السلام، قال: سألته عن امرأة لم تحجّ و لها زوج و أبى أن يأذن لها في الحجّ فغاب زوجها فهل لها أن تحجّ؟ قال: «لا طاعة له عليها في حجّة الإسلام»(2).

و لأنّه فرض، فلم يكن له منعها منه، كالصوم و الصلاة الواجبين.

و قال الشافعي في الآخر: له منعها منه، لأنّ الحجّ على التراخي(3).

و هو ممنوع.

إذا عرفت هذا، فيستحب أن تستأذنه في ذلك، فإن أذن و إلاّ خرجت بغير إذنه.

و أمّا حجّ التطوّع فله منعها.

قال ابن المنذر: أجمع كلّ من يحفظ عنه من أهل العلم أنّ له منعها من الخروج إلى حجّ التطوّع، لأنّ حقّ الزوج واجب، فليس لها تفويته بما ليس بواجب، كالسيد مع عبده(4).

و لما رواه إسحاق بن عمّار عن الرضا عليه السلام، قال: سألته عن المرأة5.

ص: 87


1- صحيح البخاري 7:2، صحيح مسلم 327:1-136، سنن أبي داود 155:1-565 و 566، سنن البيهقي 132:3، المعجم الكبير - للطبراني - 363:12-13350 و 425-13565، مصنّف ابن أبي شيبة 383:2، مسند أبي عوانة 59:2، مسند الحميدي 431:2-432، مسند احمد 438:2.
2- التهذيب 400:5-1391، الإستبصار 318:2-1126.
3- الحاوي الكبير 363:4، المهذب - للشيرازي - 242:1، المجموع 327:8 و 328، المغني 195:3، الشرح الكبير 176:3، الهداية - للمرغيناني - 135:1.
4- المغني 195:3، الإجماع - لابن المنذر - 16-135.

الموسرة قد حجّت حجّة الإسلام تقول لزوجها: حجّني من مالي، أ له أن يمنعها من ذلك ؟ قال: «نعم و يقول لها: حقّي عليك أعظم من حقّك عليّ في هذا»(1).

و أمّا الحجّة المنذورة، فإن كانت قد نذرت الحجّ المعيّن بزمان معيّن حالة خلوّها من الزوج، أو قيّدت النذر بزمان معيّن بإذنه لو كانت مزوّجة به، فإنّه ليس له منعها منه، لأنّه واجب عليها، فأشبه حجّة الإسلام.

و إن نذرت حال الزوجية به، فإن أذن لها في النذر و كان مطلقا، فالوجه: أنّه يجوز له منعها في ذلك العام، لأنّه واجب مطلق.

و يحتمل عدم المنع، لأنّه أداء الواجب.

تذنيب:

حكم العبد حكم المزوّجة، فإن أعتق فكالمطلّقة بائنا، و الأمة المزوّجة يشترط في حجّها التطوّع و نذره إذن المولى و الزوج.

مسألة 60:

المعتدة عدّة رجعية كالزوجة، لأنّ للزوج الرجوع في طلاقها و الاستمتاع بها، و الحجّ يمنعه عن ذلك لو راجع، فيقف على إذنه.

و لأنّ الصادق عليه السلام قال: «المطلّقة إن كانت صرورة، حجّت في عدّتها، و إن كانت حجّت، فلا تحجّ حتى تقضي عدّتها»(2).

و لها أن تخرج في حجّة الإسلام من غير إذن الزوج، لأنّ الزوجة لها ذلك فالمطلّقة أولى، لقول أحدهما عليهما السلام: «المطلّقة تحجّ في عدّتها»(3).

أمّا التطوّع فليس لها ذلك إلاّ بإذنه، لما تقدّم.

و لما رواه معاوية بن عمّار عن الصادق عليه السلام، قال: «لا تحجّ

ص: 88


1- التهذيب 400:5-1392، و الفقيه 268:2-1307.
2- التهذيب 402:5-1399، الاستبصار 318:2-1125.
3- التهذيب 402:5-1398، الاستبصار 317:2-1124، و الفقيه 269:2-1311.

المطلّقة في عدّتها»(1) و حملناه على التطوّع، جمعا بين الأدلّة.

أمّا المطلّقة طلاقا بائنا فإنّها تخرج في الواجب و التطوّع من غير إذن الزوج، لانقطاع سلطنته عليها و صيرورته أجنبيا لا اعتبار بإذنه.

و أمّا المعتدّة عدّة الوفاة فإنّها تخرج في حجّ الإسلام عند علمائنا، لانقطاع العصمة.

و لما رواه زرارة - في الصحيح - قال: سألت الصادق عليه السلام عن التي يتوفّى عنها زوجها أ تحجّ في عدّتها؟ قال: «نعم»(2).

و قال أحمد: لا يجوز لها أن تخرج، و تقدّم ملازمة المنزل على الحجّ، لأنّه يفوت(3).

و الحقّ: اتّباع النقل.

مسألة 61:

لو كان في الطريق عدوّ يخاف منه على ماله، سقط فرض الحجّ، عند علمائنا - و به قال الشافعي و أحمد في إحدى الروايتين(4) - لأنّ بذل المال تحصيل لشرط الوجوب و هو غير واجب، فلا يجب ما يتوقّف عليه.

و في الرواية الأخرى عن أحمد: أنّه لا يسقط فرض الحجّ، و يجب أن يستنيب(5).

و ليس بمعتمد.

و لا فرق بين أن يكون المال قليلا أو كثيرا.

و يحتمل أن يقال بالوجوب مع القلّة إذا لم يتضرّر.

ص: 89


1- التهذيب 401:5-1396، الاستبصار 317:2-1122.
2- الفقيه 269:2-1312، و التهذيب 402:5-1401 بتفاوت يسير فيه.
3- المغني 196:3، الشرح الكبير 177:3، الكافي في فقه الإمام أحمد 470:1.
4- فتح العزيز 24:7، المجموع 81:7-82، الحاوي الكبير 13:4، المغني 3: 166.
5- المغني 166:3-167.

و لو لم يندفع العدوّ إلاّ بمال أو خفارة، قال الشيخ رحمه اللّه: لا يجب، لأنّه لم تحصل التخلية(1).

و لو قيل بالوجوب مع إمكان الدفع من غير إجحاف، أمكن، لأنّه كأثمان الآلات.

و لو بذل باذل المطلوب فانكشف العدوّ، لزمه الحجّ، و ليس له منع الباذل، لتحقّق الاستطاعة.

أمّا لو قال الباذل: أقبل المال و ادفع أنت، لم يجب.

و لا فرق بين أن يكون الذي يخاف منه مسلمين أو كفّارا.

و لو تمكّن من محاربتهم بحيث لا يلحقه ضرر و لا خوف فهو مستطيع.

و يحتمل عدم الوجوب، لأنّ تحصيل الشرط ليس بواجب.

أمّا لو خاف على نفسه أو ماله من قتل أو جرح أو نهب، لم يجب.

و لو كان العدوّ كفّارا و قدر الحاج على محاربتهم من غير ضرر، استحب قتالهم، لينالوا ثواب الجهاد و الحجّ معا، أمّا لو كانوا مسلمين، فإنّه لا يستحب الحجّ، لما فيه من قتل المسلم، و ليس محرّما.

و لو كان على المراصد من يطلب مالا، لم يلزمه الحجّ.

و كره الشافعية بذل المال لهم، لأنّهم يحرضون بذلك على التعرّض للناس(2).

و لو بعثوا بأمان الحجيج و كان أمانهم موثوقا به، أو ضمن لهم أمير [ما يطلبونه] [1] و أمن الحجيج، لزمهم الخروج.

و لو وجدوا من يبذرقهم [2] بأجرة و لو استأجروا لأمنوا غالبا، احتمل وجوب7.

ص: 90


1- المبسوط - للطوسي - 301:1.
2- فتح العزيز 24:7، المجموع 82:7.

الاستئجار - و هو أحد وجهي الشافعية(1) - لأنّ بذل الأجرة بذل مال [بحقّ] [1] و المبذرق أهبة الطريق، كالراحلة و غيرها.

و يحتمل عدم الوجوب - و هو الوجه الثاني للشافعية(2) - لأنّه خسران لدفع الظلم، فأشبه التسليم إلى الظالم.

مسألة 62:

يشترط لوجوب الحجّ وجود الزاد و الماء في المواضع التي جرت العادة بحمل الزاد و الماء منها، فإن كان العام عام جدب و خلا بعض تلك المنازل عن أهلها أو انقطعت المياه، لم يلزمه الحجّ، لأنّه إن لم يحمل معه، خاف على نفسه، و إن حمله، لحقته مئونة عظيمة.

و كذلك الحكم لو كان يوجد الزاد و الماء فيها لكن بأكثر من ثمن المثل و هو القدر اللائق في ذلك المكان و الزمان.

و إن وجدهما بثمن المثل، لزم التحصيل، سواء كانت الأسعار رخيصة أو غالية إذا و في ماله.

و يحمل منها قدر ما جرت العادة به في طريق مكة كحمل الزاد من الكوفة و الماء مرحلتين أو ثلاثا إذا قدر عليه و وجد آلات الحمل.

و أمّا علف الدواب فيشترط وجوده في كلّ مرحلة.

و يشترط أيضا في الوجوب: وجود الرفقة إن احتاج إليها، فإن حصلت له الاستطاعة و حصل بينه و بين الرفقة مسافة لا يمكنه اللحاق أو يحتاج أن يتكلّف إمّا بمناقلة [2] أو بجعل منزلين منزلا، لم يلزمه الحج تلك السنة، فإن بقي حالته في إزاحة العلّة إلى السنة المقبلة، لزمه، و إن مات قبل ذلك لا يجب أن يحجّ عنه، فإن فاتته السنة المقبلة و لم يحج، وجب حينئذ أن يحجّ

ص: 91


1- الوجيز 109:1، فتح العزيز 25:7، المجموع 82:7.
2- المصادر في الهامش (1).

عنه، و لو احتاج إلى حركة عنيفة يعجز عنها، سقط في عامه، فإن مات قبل التمكّن، سقط.

النظر الرابع: في اتّساع الوقت
مسألة 63:

اتّساع الوقت شرط في الوجوب، و هو أن يكمل فيه هذه الشرائط و الزمان يتّسع للخروج و لحوق المناسك، فلو حصلت الشرائط و قد ضاق الوقت بحيث لو شرع في السير لم يصل إلى مكة، لم يجب الحج في ذلك العام عند علمائنا - و به قال أبو حنيفة و الشافعي و أحمد في إحدى الروايتين(1) - لأنّ اللّه تعالى إنّما فرض الحجّ على المستطيع و هذا غير مستطيع، و لأنّ هذا يتعذّر معه فعل الحج، فكان شرطا، كالزاد و الراحلة.

و قال أحمد في الرواية الثانية: إنّه ليس شرطا في الوجوب، و إنّما هو شرط للزوم الحج، لأنّه عليه السلام فسّر الاستطاعة بالزاد و الراحلة(2).

و هو ضعيف و قد سلف(3).

و لو مات حينئذ، لم يقض عنه، و لو علم الإدراك لكن بعد طيّ المنازل و عجزه عن ذلك، لم يجب، و لو قدر، وجب.

تتمّة تشتمل على مسائل:

الأولى: هذه الشرائط التي ذكرناها منها ما هو شرط في الصحة و الوجوب، و هو: العقل، لعدم الوجوب على المجنون و عدم الصحة منه، و منها ما هو شرط في الصحة دون الوجوب، و هو: الإسلام، فإنّ الكافر يجب عليه الحج و غيره من فروع العبادات عند علمائنا أجمع، و به قال الشافعي في

ص: 92


1- الحاوي الكبير 16:4، المجموع 88:7-89، فتح العزيز 29:7، المغني 3: 166، الشرح الكبير 195:3، الكافي في فقه الإمام أحمد 466:1.
2- المغني 166:3-167، الشرح الكبير 195:3، الكافي في فقه الإمام أحمد 466:1، المجموع 89:7، فتح العزيز 30:7.
3- راجع: بداية مبحث أمن الطريق.

أحد الوجهين.

و في الآخر: إنّه غير واجب عليه. و جعل الإسلام شرطا في الوجوب.

و به قال أبو حنيفة(1).

لنا: عموم قوله تعالى وَ لِلّهِ عَلَى النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ (2) و العارض - و هو الكفر - لا يصلح للمانعية، كما لا يمنع من الخطاب بالإسلام.

و احتجاج أبي حنيفة: بأنّ الكافر إمّا أن يجب عليه حال كفره أو بعد إسلامه، و الأول باطل، لأنّه لو وجب عليه، لصحّ منه، و إلاّ لزم التكليف بالمحال، و الثاني باطل، لقوله عليه السلام: (الإسلام يجبّ ما قبله)(3).

و هو غلط، لأنّ الوجوب حالة الكفر يستلزم الصحة العقلية، أمّا الشرعية فإنّها موقوفة على شرط هو قادر عليه و هو: الإسلام، فكان كالمحدث المخاطب بالصلاة.

إذا عرفت هذا، فلو أحرم و هو كافر، لم يصح إحرامه، فإذا أسلم قبل فوات الوقوف بالمشعر، وجب عليه الرجوع إلى الميقات و إنشاء الإحرام منه، و إن لم يتمكّن، أحرم من موضعه، و لو أسلم بعد فوات الوقوف بالمشعر، وجب عليه في المقبل.

مسألة 64:

المرتدّ إذا كان قد حجّ حالة إسلامه ثم حصل الارتداد بعد قضاء مناسكه، لم يعد الحجّ بعد التوبة - و به قال الشافعي(4) - لما رواه العامّة من قوله صلّى اللّه عليه و آله، لمّا سئل أحجّتنا هذه لعامنا أم للأبد؟ فقال:

(للأبد)(5).

ص: 93


1- شرح البدخشي 207:1-208، المجموع 4:3 و 19:7، بدائع الصنائع 120:2.
2- آل عمران: 97.
3- أورده الماوردي في الحاوي الكبير 313:14، و في مسند أحمد 199:4 و 204 و 205، و دلائل النبوة - للبيهقي - 351:4، و الطبقات الكبرى - لابن سعد - 497:7 بتفاوت.
4- فتح العزيز 5:7، المجموع 9:7.
5- أورده الماوردي في الحاوي الكبير 6:4.

و من طريق الخاصة: قول الباقر عليه السلام: «من كان مؤمنا فحجّ ثم أصابته فتنة فكفر ثم تاب يحسب له كلّ عمل صالح عمله و لا يبطل منه شيء»(1).

و لأنّه أوقع الحجّ بشروطه، فخرج عن العهدة، لعدم وجوب التكرّر.

و تردّد الشيخ رحمه اللّه، و قوّى الإعادة(2) و جزم بها أبو حنيفة(3) ، لقوله تعالى وَ مَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ (4).

و هو ممنوع، فإنّ الإحباط مشروط بالموافاة.

تذنيب:

المخالف إذا حجّ على معتقده و لم يخلّ بشيء من أركان الحجّ، لم تجب عليه الإعادة، لأنّ الصادق عليه السلام سئل عن رجل حجّ و هو لا يعرف هذا الأمر ثم منّ اللّه عليه بمعرفته و الدينونة به تجب عليه حجّة الإسلام أو قد قضى فريضة ؟ قال: «قد قضى فريضة، و لو حجّ كان أحبّ إليّ»(5). الحديث.

[تذنيب] آخر:

لو أحرم ثم ارتدّ ثم عاد إلى الإسلام، كان إحرامه باقيا و بنى عليه.

و للشافعي وجهان: أحدهما: الإبطال(6).

و ليس بجيّد، لأنّ الإحرام لا يبطل بالموت و الجنون، فلا يبطل بالردّة.

و منها: ما هو شرط في الوجوب دون الصحة، و هو: البلوغ و الحرّية و الاستطاعة و إمكان المسير، لأنّ الصبي و المملوك و من ليس معه زاد و لا راحلة3.

ص: 94


1- التهذيب 459:5-460-1597.
2- المبسوط - للطوسي - 305:1.
3- فتح العزيز 5:7، المجموع 9:7.
4- المائدة: 5.
5- الكافي 275:4-4، الفقيه 263:2-1281، التهذيب 10:5-25، الاستبصار 146:2-475.
6- المهذب - للشيرازي - 242:1، المجموع 354:8، حلية العلماء 233:3.

و ليس بمخلّى السرب و لا يمكنه المسير لو تكلّفوا الحج لصحّ منهم و إن لم يكن واجبا عليهم و لا يجزئهم عن حجّة الإسلام.

مسألة 65:

جامع الشرائط إذا قدر على المشي، كان المشي أفضل من الركوب مع عدم الضعف عن أداء الفرائض، و لو خاف الضعف عن إكمال الفرائض و استيفاء الشرائط و الدعاء، كان الركوب أفضل، لقول الصادق عليه السلام: «ما عبد اللّه بشيء أشدّ من المشي و لا أفضل»(1).

و سئل الصادق عليه السلام عن فضل المشي، فقال: «الحسن بن علي عليهما السلام قاسم ربّه ثلاث مرّات حتى نعلا و نعلا و ثوبا و ثوبا و دينارا و دينارا، و حجّ عشرين حجّة ماشيا على قدمه»(2).

و قد روي أنّ الصادق عليه السلام سئل: الركوب أفضل أم المشي ؟ فقال: «الركوب أفضل من المشي لأنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ركب»(3).

و هو محمول على التفصيل الذي ذكرناه، لما روي عنه عليه السلام أيّ شيء أحبّ إليك نمشي أو نركب ؟ فقال: «تركبون أحبّ إليّ، فإنّ ذلك أقوى على الدعاء و العبادة»(4).

تذنيب:

لو نذر أن يحجّ حجّة الإسلام ماشيا، وجب عليه الوفاء به مع القدرة، لأنّه نذر في طاعة، و لو عجز عن المشي، وجب الركوب.

و لو نذر أن يحجّ ماشيا غير حجّة الإسلام، فإن قيّده بوقت، تعيّن مع القدرة، فإن عجز في تلك السنة، احتمل وجوب الركوب مع القدرة، و عدمه، للعجز عن النذر فيسقط، و لو لم يكن مقيّدا، توقّع المكنة.

ص: 95


1- التهذيب 11:5-28، الاستبصار 141:2-460.
2- التهذيب 11:5-12-29، الاستبصار 141:2-142-461.
3- التهذيب 12:5-31، الاستبصار 142:2-463.
4- التهذيب 12:5-32، الإستبصار 142:2-464.
مسألة 66:

إذا كملت شرائط الحج فأهمل، أثم، فإن حجّ في السنة المقبلة، برئت ذمته، و يجب عليه المبادرة على الفور و لو مشيا.

و إن مات، وجب أن يخرج عنه حجّة الإسلام و عمرته من صلب المال، و لا تسقط بالموت عند علمائنا أجمع - و به قال الحسن و طاوس و الشافعي(1) - لما رواه العامّة عن ابن عباس أنّ امرأة سألت النبي صلّى اللّه عليه و آله عن أبيها مات و لم يحج، قال: (حجّي عن أبيك)(2).

و من طريق الخاصة: ما رواه سماعة بن مهران، قال: سألت الصادق عليه السلام عن الرجل يموت و لم يحج حجّة الإسلام و لم يوص بها و هو موسر، فقال: «يحجّ عنه من صلب ماله لا يجوز غير ذلك»(3).

و لأنّه حقّ استقرّ عليه تدخله النيابة فلم يسقط بالموت كالدّين.

و قال أبو حنيفة و مالك: تسقط بالموت، فإن وصّى بها، فهي من الثلث - و به قال الشعبي و النخعي - لأنّها عبادة بدنية تسقط بالموت، كالصلاة(4).

و الفرق: أنّ الصلاة لا تدخلها النيابة.

مسألة 67:

و في وجوب الاستئجار من البلد الذي وجب على الميت الحج فيه إمّا من بلده أو من الموضع الذي أيسر فيه قولان:

أحدهما هذا، و به قال الحسن البصري و إسحاق و مالك في النذر(5).

و الثاني: أنّه يجب من أقرب الأماكن إلى مكة و هو الميقات - و به قال

ص: 96


1- مختصر المزني: 62، فتح العزيز 31:7، المهذب - للشيرازي - 206:1، المجموع 109:7 و 112، الحاوي الكبير 16:4، حلية العلماء 244:3، المغني 198:3، الشرح الكبير 196:3.
2- سنن النسائي 117:5، المعجم الكبير - للطبراني - 284:18-272.
3- التهذيب 15:5-41.
4- حلية العلماء 244:3، المغني 198:3، الشرح الكبير 196:3، الكافي في فقه أهل المدينة: 133، التفريع 315:1.
5- المغني 198:3، الشرح الكبير 196:3.

الشافعي(1) - و هو الأقوى عندي، لأنّ الواجب أداء المناسك في المشاعر المخصوصة، و لهذا لو خرج بنيّة التجارة ثم جدّد نيّة الحجّ عند المواقيت، أجزأه فعله، فعلمنا أنّ قطع المسافة غير مطلوب للشرع.

و لما رواه حريز بن عبد اللّه عن الصادق عليه السلام، قال: سألته عن رجل أعطى رجلا حجّة يحجّ عنه من الكوفة فحجّ عنه من البصرة، قال: «لا بأس إذا قضى جميع المناسك فقد تمّ حجّه»(2).

و سأل علي بن رئاب، الصادق عليه السلام عن رجل أوصى أن يحجّ عنه حجّة الإسلام فلم يبلغ جميع ما ترك إلاّ خمسين درهما، قال: «يحجّ عنه من بعض المواقيت الذي وقّت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله من قرب»(3) و لم يستفصل الإمام عليه السلام في الجواب هل يمكن أن يحجّ بها من أبعد من الميقات أم لا؟ احتجّ الآخرون: بأنّ الحجّ وجب على الميّت من بلده فوجب أن ينوب عنه منه، لأنّ القضاء يكون على وفق الأداء، كقضاء الصلاة و الصيام(4).

و نحن نمنع الوجوب من البلد، و إنّما ثبت اتّفاقا، و لهذا لو اتّفق له اليسار في الميقات، لم يجب عليه الرجوع إلى بلده لإنشاء الإحرام منه، فدلّ على أنّ قطع المسافة ليس مرادا للشارع.

تذنيبات:

لو كان له موطنان، قال الموجبون للاستنابة من بلده: يستناب من أقربهما(5). فإن وجب عليه الحجّ بخراسان و مات ببغداد، أو وجب عليه3.

ص: 97


1- المغني 198:3، الشرح الكبير 196:3.
2- التهذيب 415:5-1445.
3- الاستبصار 318:2-1128، و التهذيب 405:5-1411.
4- المغني 198:3-199، الشرح الكبير 197:3.
5- المغني 196:3، الشرح الكبير 197:3.

ببغداد فمات بخراسان، قال أحمد: يحجّ عنه من حيث وجب عليه لا من حيث موته(1).

و يحتمل أن يحجّ عنه من أقرب المكانين، لأنّه لو كان حيّا في أقرب المكانين لم يجب عليه الحجّ من أبعد منه فكذا نائبه.

فإن خرج للحجّ فمات في الطريق، حجّ عنه من حيث مات، لأنّه أسقط بعض ما وجب عليه، فلم يجب ثانيا، و كذا إن مات نائبه استنيب من حيث مات كذلك.

قال أحمد: و لو أحرم بالحج ثم مات، صحّت النيابة عنه فيما بقي من النسك، سواء كان إحرامه لنفسه أو لغيره، لأنّها عبادة تدخلها النيابة، فإذا مات بعد فعل بعضها، قضي عنه باقيها، كالزكاة(2).

و لو لم يخلّف تركة تفي بالحج من بلده، حجّ عنه من حيث تبلغ، و إن كان عليه دين لآدمي، تحاصّا، و يؤخذ للحجّ حصّته فيستأجر بها من حيث تبلغ.

و لو أوصى أن يحجّ عنه و لم تبلغ النفقة، قال أحمد: يحجّ عنه من حيث تبلغ النفقة للراكب من غير مدينته، لقوله عليه السلام: (إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم)(3).

و لأنّه قدر على أداء بعض الواجب فلزمه، كالزكاة(4).

و عنه رواية اخرى أنّ الحجّ يسقط عمّن عليه دين، لأنّ حقّ الآدمي المعيّن أولى بالتقديم(5).3.

ص: 98


1- المغني 199:3، الشرح الكبير 197:3.
2- المغني 199:3، الشرح الكبير 198:3، الكافي في فقه الإمام أحمد 471:1.
3- صحيح البخاري 117:9، مسند أحمد 508:2.
4- المغني 199:3، الشرح الكبير 198:3.
5- المغني 200:3، الشرح الكبير 199:3.

و هو باطل، لقوله عليه السلام: (دين اللّه أحقّ أن يقضى)(1).

و لو أوصى بحجّ تطوّع بثلث ماله فلم يف الثلث بالحج من بلده، حجّ به من حيث يبلغ.

و يستناب عن الميت ثقة بأقلّ ما يوجد إلاّ أن يرضى الورثة بزيادة أو يكون قد أوصى بشيء فيجوز ما أوصى به ما لم يزد على الثلث.

مسألة 68:

إذا أوصى أن يحجّ عنه فإمّا أن يكون بحجّ واجب أو مندوب، أو لا يعلم وجوبه و ندبه، فإن كان بواجب فلا يخلو إمّا أن يعيّن قدرا أو لا، و إن عيّن فإن كان بقدر اجرة المثل، أخرجت من الأصل، و إن زادت عن اجرة المثل، أخرجت أجرة المثل من الأصل و الباقي من الثلث، و إن لم يعيّن، أخرجت أجرة المثل من أصل المال.

و إن كان مندوبا، اخرج ما يعيّنه من الثلث إن عيّن قدرا، و إلاّ اجرة المثل، و إن لم يعلم، اخرج من الثلث اجرة المثل أو ما عيّنه، حملا للإطلاق على الندب، لأصالة البراءة.

و لو أوصى بالحجّ عنه دائما، حجّ عنه بقدر ثلث ماله إمّا مرّة واحدة أو أزيد.

و لو أوصى بالحجّ و لم يبلغ الثلث قدر ما يحجّ عنه من أقرب الأماكن و لم يوجد راغب فيه و كان عليه دين، صرف في الدّين، فإن فضل منه فضلة أو لم يكن دين، فالأولى الصدقة به، لخروجه بالوصية عن ملك الورثة.

و يحتمل صرفه إلى الميراث، لأنّه لمّا تعذّر الوجه الموصى به رجع إلى الورثة كأنّه لا وصية.

مسألة 69:

من مات قبل الحجّ فإمّا أن يكون قد وجب عليه الحجّ أو

ص: 99


1- صحيح البخاري 46:3، صحيح مسلم 804:2-155، المعجم الكبير - للطبراني - 15:12-12332.

لا، فإن كان قد وجب عليه الحجّ فإمّا أن يكون قد استقرّ عليه أو لا، فإن كان قد استقرّ عليه أوّلا ثم أهمل و تمكّن من الإتيان به و لم يفعل، وجب عليه القضاء، لما رواه الحلبي - في الصحيح - عن الصادق عليه السلام قال:

«يقضى عن الرجل حجّة الإسلام من جميع ماله»(1).

و إن لم يكن قد استقرّ عليه بل حال ما تحقّق الوجوب أدركته الوفاة، فإنّه يسقط عنه فرض الحجّ، و لا يجب الاستئجار، و كذا لو لم يجب عليه الحج لم يجب الاستئجار، لكن يستحب فيهما خصوصا الأبوين، رواه العامة(2) ، لأنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أمر أبا رزين فقال: (حجّ عن أبيك و اعتمر)(3).

و من طريق الخاصة: ما رواه عمّار بن عمير، قال: قلت للصادق عليه السلام: بلغني عنك أنّك قلت: لو أنّ رجلا مات و لم يحج حجة الإسلام فأحجّ عنه بعض أهله أجزأ ذلك عنه، فقال: «أشهد على أبي أنّه حدّثني عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أنّه أتاه رجل فقال: يا رسول اللّه إنّ أبي مات و لم يحج حجّة الإسلام، فقال: حجّ عنه فإنّ ذلك يجزئ عنه»(4).

و في الصحيح عن معاوية بن عمّار، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل مات و لم يكن له مال و لم يحج حجة الإسلام فأحجّ عنه بعض إخوانه هل يجزئ عنه ؟ أو هل هي ناقصة ؟ فقال: «بل هي حجة تامة»(5).

و لو أراد أن يحج عن أبويه، قال أحمد: ينبغي أن يقدّم الحج عن الام، لأنّها مقدّمة في البرّ.8.

ص: 100


1- التهذيب 403:5-404-1405.
2- المغني 200:3، الشرح الكبير 199:3.
3- سنن النسائي 117:5، سنن الترمذي 270:3-930، سنن ابن ماجة 2: 970-2906، سنن البيهقي 329:4، مسند أحمد 10:4.
4- التهذيب 404:5-1407.
5- التهذيب 404:5-1408.

قال أبو هريرة: جاء رجل إلى النبي صلّى اللّه عليه و آله، فقال: من أحقّ الناس بحسن صحابتي ؟ قال: (أمّك) قال: ثمّ من ؟ قال: (أمّك) قال: ثمّ من ؟ قال: (أبوك)(1).

و لو كان الحج واجبا على الأب دونها، بدأ به، لأنّه واجب فكان أولى من التطوّع(2).

مسألة 70:

من وجب عليه الحج فخرج لأدائه فمات في الطريق، فإن لم يفرّط بالتأخير بل خرج حالة وجوب الحج، لم يجب إخراج شيء من تركته في الحج، سواء دخل الحرم و أحرم أو لا.

و إن كان الحج قد استقرّ في ذمّته بأن وجب عليه الحج في سنة فلم يخرج فيها و أخّر إلى سنة أخرى فخرج فمات في الطريق، فإن كان قد أحرم و دخل الحرم فقد أجزأه عمّا وجب عليه، و سقط الحج عنه، سواء كان وجب عليه الحج عن نفسه أو عن غيره بأن استؤجر للحج فمات بعد الإحرام و دخول الحرم، و تبرأ أيضا ذمّة المنوب، و إن مات قبل ذلك، وجب أن يقضى عنه من صلب ماله.

و قال أحمد: يستأجر عنه عمّا بقي من أفعاله(3). و لم يفصّل كما فصّلناه.

و نحن اعتمدنا في ذلك على ما رواه الخاصة عن أهل البيت عليهم السلام:

روى بريد بن معاوية العجلي - في الصحيح - عن الصادق عليه السلام، قال: سألته عن رجل خرج حاجّا و معه جمل و نفقة و زاد فمات في الطريق، فقال: «إن كان صرورة فمات في الحرم فقد أجزأت عنه حجة

ص: 101


1- صحيح البخاري 2:8، صحيح مسلم 1974:4-2548.
2- المغني و الشرح الكبير 200:3.
3- المغني 199:3، الشرح الكبير 198:3، الكافي في فقه الإمام أحمد 471:1.

الإسلام، و إن مات قبل أن يحرم و هو صرورة جعل جمله و زاده و نفقته في حجة الإسلام، فإن فضل من ذلك شيء فهو لورثته» قلت: أ رأيت إن كانت الحجة تطوّعا فمات في الطريق قبل أن يحرم لمن يكون جمله و نفقته و ما تركه ؟ قال:

«لورثته إلاّ أن يكون عليه دين فيقضى دينه، أو يكون أوصى بوصية فينفذ ذلك لمن أوصى و يجعل ذلك من الثلث»(1).

تذنيب:

استقرار الحج في الذمّة يحصل بالإهمال بعد حصول الشرائط بأسرها و مضيّ زمان جميع أفعال الحجّ، و يحتمل مضيّ زمان يتمكّن فيه من الإحرام و دخول الحرم.

[تذنيب] آخر:

الكافر يجب عليه الحج على ما تقدّم، و لا يصح منه قبل الإسلام، فإن وجد الاستطاعة حالة الكفر فلم يحج و مات، أثم، و لم يقض عنه، و لو أسلم، وجب عليه الإتيان به إن استمرّت الاستطاعة، و لو فقدت بعد إسلامه، لم يجب عليه بالاستطاعة السابقة حال كفره، و لو فقد الاستطاعة بعد الإسلام و مات قبل عودها، لم يقض عنه، و لو أحرم حال كفره، لم يعتد به، و أعاده بعد الإسلام، و لو استطاع المرتدّ حال ردّته، وجب عليه و صحّ منه إن تاب، و لو مات اخرج من صلب تركته و إن لم يتب على إشكال.

مسألة 71:

من وجب عليه حجة الإسلام فنذر الإتيان بها صحّ نذره، لأنّ متعلّقه طاعة، و لا يجب عليه الإتيان بحجة اخرى، و فائدة النذر: وجوب الكفّارة لو أهمل.

و لو نذر حجّة أخرى وجب عليه النذر مغايرا لحجة الإسلام.

و لو أطلق النذر و لم ينو حجة الإسلام و لا المغايرة، وجب عليه حجّ آخر غير حجة الإسلام، و لا تجزئ إحداهما عن الأخرى.

و قال بعض علمائنا: إن حجّ و نوى النذر أجزأ عن حجة الإسلام، و إن

ص: 102


1- التهذيب 407:5-1416.

نوى حجة الإسلام، لم يجز عن النذر(1) ، لما رواه رفاعة بن موسى - في الصحيح - عن الصادق عليه السلام، قال: سألته عن رجل نذر أن يمشي إلى بيت اللّه هل يجزئه ذلك عن حجة الإسلام ؟ قال: «نعم»(2).

و لا دلالة فيه، لاحتمال أن يقصد بالنذر حجة الإسلام.

مسألة 72:

لو نذر الحجّ ماشيا، انعقد نذره، و وجب المشي إلى بيت اللّه تعالى، و أداء المناسك، فلو احتاج إلى عبور نهر عظيم في سفينة، قيل:

يقوم في السفينة(3).

و الوجه: الاستحباب.

و لو ركب طريقه بأسرها مختارا، قضاه إلاّ أن يكون معذورا بعجز و شبهه، فيركب و لا شيء عليه.

و لا يسقط عنه الحج لأنّ نذر الحج ماشيا نذر للمركّب فيستلزم نذر أجزائه، و بالعجز عن البعض لا يسقط الباقي، لما رواه رفاعة بن موسى - في الصحيح - عن الصادق عليه السلام، قال: سألته عن رجل نذر أن يمشي إلى بيت اللّه، قال: «فليمش» قلت: فإنّه تعب، قال: «فإذا تعب ركب»(4).

و لو ركب البعض مختارا و مشى البعض، قال بعض علمائنا: يجب القضاء ماشيا، لإخلاله بالصفة(5).

و قال بعضهم: يقضي و يمشي في القضاء ما ركبه و يركب فيه ما مشاة أوّلا(6).

ص: 103


1- النهاية: 205.
2- التهذيب 13:5-35، و الكافي 277:4-12.
3- القائل هو الشيخ الطوسي في النهاية: 205 و 566، و المبسوط 303:1، و المحقّق الحلّي في شرائع الإسلام 231:1.
4- التهذيب 403:5-1402، الاستبصار 150:2-492.
5- ابن إدريس في السرائر: 357.
6- الشيخ الطوسي في المبسوط 303:1، و النهاية: 565-566.

و لو عجز عن المشي، قال بعض علمائنا: يركب و يسوق بدنة(1) ، لما رواه ذريح المحاربي، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل حلف ليحجنّ ماشيا، فعجز عن ذلك فلم يطقه، قال: «فليركب و ليسق الهدي»(2).

و قال بعض علمائنا: يركب و لا هدي عليه(3).

و قال بعضهم: إن كان النذر مطلقا، توقّع المكنة، و إن كان مقيّدا، سقط، للعجز عن فعل ما نذره(4).

مسألة 73:

لو مات و عليه حجة الإسلام و اخرى منذورة مستقرّتان، وجب أن يخرج عنه من صلب ماله اجرة الحجّتين، لأنّهما كالدّين.

و للشيخ - رحمه اللّه - قول: إنّ حجّة الإسلام تخرج من أصل المال، و ما نذره من الثلث(5) ، لوجوب تلك بالأصالة و وجوب هذه بالعرض، لأنّها كالمتبرّع بها، فأشبهت الندب.

و لما رواه ضريس بن أعين، أنّه سأل الباقر عليه السلام عن رجل عليه حجّة الإسلام و نذر في شكر ليحجّنّ رجلا، فمات الرجل الذي نذر قبل أن يحجّ حجّة الإسلام و قبل أن يفي للّه بنذره، فقال: «إن كان ترك مالا، حجّ عنه حجّة الإسلام من جميع ماله، و يخرج من ثلثه ما يحج به عنه للنذر، و إن لم يكن ترك مالا إلاّ بقدر حجّة الإسلام، حجّ عنه حجّة الإسلام في ما ترك، و حجّ عنه وليّه النذر، فإنّما هو دين عليه»(6).

ص: 104


1- الشيخ الطوسي في النهاية: 205، و المبسوط 303:1.
2- التهذيب 403:5-1403، الاستبصار 149:2-490.
3- الشيخ المفيد في المقنعة: 69، و ابن إدريس في السرائر: 121 و 357.
4- كما في شرائع الإسلام 231:1.
5- المبسوط - للطوسي - 306:1.
6- التهذيب 406:5-1413.

قال الشيخ: قوله عليه السلام: «فليحجّ عنه وليّه ما نذر» على جهة التطوّع و الاستحباب دون الفرض و الإيجاب(1).

و الوجه: ما تقدّم.

تذنيب:

لو أوصى بحجّ و غيره من الطاعات، فإن كان فيها واجب، قدّم، و لو كان الجميع واجبا و قصرت التركة، بسطت على الجميع بالحصص، فإن لم يمكن الاستئجار بما جعل في نصيب الحج، صرف في الباقي.

و قال بعض علمائنا: يقدّم الحجّ(2) ، لأولويته، و للرواية [1].

و الوجه: ما قلناه.

[تذنيب] آخر:

لو أوصى أن يحجّ عنه عن كلّ سنة بمال معيّن، فلم يسع ذلك القدر للحجّة، جعل مال سنتين لسنة، و لو قصرا، جعل نصيب ثلاث سنين، و هكذا، لما رواه إبراهيم بن مهزيار، قال: كتب إليه علي بن محمد الحصيني [2] أنّ ابن [عمّي] [3] أوصى أن يحجّ عنه بخمسة عشر دينارا في كلّ سنة فليس يكفي، فما تأمر في ذلك ؟ فكتب عليه السلام «يجعل حجّتين حجّة، فإنّ اللّه تعالى عالم بذلك»(3).

مسألة 74:

لو كان عنده وديعة و مات صاحبها و عليه حجّة الإسلام و عرف أنّ الورثة لا يؤدّون الحجّة عنه، فليستأجر من يحجّ عنه، و ليدفع الوديعة في الإجارة بأجرة المثل، لأنّه مال خارج عن الورثة، و يجب صرفه في الحجّ،

ص: 105


1- التهذيب 406:5 ذيل الحديث 1413.
2- القاضي ابن البرّاج في المهذّب 112:2.
3- الكافي 310:4 باب بعد باب الحج، الحديث 2، التهذيب 408:5-1418.

فليصرف فيه.

و لما رواه بريد العجلي - في الصحيح - عن الصادق عليه السلام، قال: سألته عن رجل استودعني مالا فهلك و ليس لولده شيء و لم يحجّ حجّة الإسلام، قال: «حجّ عنه، و ما فضل فأعطهم»(1).

إذا ثبت هذا، فإنّما يسوغ له ذلك بشروط:

أ - علمه بأنّ الورثة لا يحجّون عنه إذا دفع المال إليهم.

ب - أمن الضرر، فلو خاف على نفسه أو ماله، لم يجز له ذلك.

ج - أن لا يتمكّن من الحاكم، فإن تمكّن منه بأن يشهد له عدلان عنده بذلك أو بغير ذلك من الأسباب بثبوت الحج في ذمّته و امتناع الورثة من الاستئجار، لم يجز له الاستقلال به، و لو عجز عن إثبات ذلك عند الحاكم، جاز له الاستبداد بالاستئجار.

مسألة 75:

إذا نذر الحجّ مطلقا، لم يتعيّن الفور، بل يجوز التأخير إلى أن يغلب على الظنّ الوفاة لو لم يفعله، فإن مضى زمان يمكنه فيه فعل الحجّ و لم يفعله حتى مات، وجب أن يقضى عنه من أصل التركة، لأنّه قد وجب عليه بالنذر، و استقرّ بمضيّ زمان التمكّن، و لا يسقط عنه بعدم وجوب الفورية.

أمّا لو منعه مانع عن الفورية، فإنّه يصبر حتى يزول المانع فإن مات قبل زوال المانع، لم يجب القضاء عنه، لفوات شرط الوجوب، و هو: القدرة.

و لو عيّن الوقت فأخلّ مع القدرة، قضي عنه. و إن منعه عارض - كمرض أو عدوّ - حتى مات، لم يجب قضاؤه عنه.

و لو نذر الحجّ أو أفسد حجّا و هو معضوب، فالأقرب وجوب الاستنابة، كحجّة الإسلام.

ص: 106


1- الكافي 306:4-6، الفقيه 272:2-1328، التهذيب 416:5-1448.
مسألة 76:

لا يجوز لمن وجب عليه الحجّ و استقرّ أن يحجّ تطوّعا و لا نذرا لم يتضيّق وقته، فإن أحرم بتطوّع، قال الشيخ رحمه اللّه: يقع عن حجّة الإسلام(1). و به قال الشافعي و أحمد، و هو قول ابن عمر و أنس، لأنّه أحرم بالحجّ و عليه فرضه فوقع عن فرضه كالمطلق(2).

و قال مالك و الثوري و أبو حنيفة و إسحاق و ابن المنذر: يقع ما نواه. و هو رواية أخرى عن أحمد(3).

و التحقيق أن نقول: إن كان قد وجب عليه و استقرّ، لم يجزئه عن أحدهما.

أمّا عن حجّ الإسلام: فلأنّه لم ينوه.

و أمّا عن حجّ التطوّع: فلأنّه لم يحصل شرطه، و هو: خلوّ الذمّة عن حجّ واجب.

و إن كان الحجّ لم يجب عليه، وقع عن التطوّع.

تذنيب:

لو كان عليه حجّة منذورة فأحرم بتطوّع، لم يصح.

و هل يقع عن المنذورة ؟ الأقرب: المنع، لأنّ المنذورة واجبة، فهي كحجّة الإسلام.

و قال أحمد: يقع عن المنذورة، لأنّها واجبة، فهي كحجّة الإسلام(4).

[تذنيب] آخر:

العمرة كالحجّ فيما ذكرنا، لأنّها أحد النسكين، فأشبهت الآخر.

مسألة 77:

لو نذر الحجّ فإن أطلق الزمان، صحّ النذر، سواء كان قد

ص: 107


1- المبسوط - للطوسي - 302:1.
2- الحاوي الكبير 22:4، حلية العلماء 249:3، المغني 202:3، الشرح الكبير 3: 209، الكافي في فقه الإمام أحمد 472:1.
3- الحاوي الكبير 22:4، حلية العلماء 249:3، المغني 202:3، الشرح الكبير 3: 209، الكافي في فقه الإمام أحمد 472:1.
4- المغني 202:3، الشرح الكبير 209:3.

استقرّ عليه حجّة الإسلام أو لا، لعدم الفورية فيه على الأقوى.

و إن قيّد النذر بزمان، فإن لم يكن جامعا لشرائط حجّة الإسلام، انعقد نذره و إن كان صرورة.

ثمّ إن استطاع بعد ذلك ففي وجوب تقديم حجّة الإسلام نظر أقربه:

المنع، لأنّ الزمان قد استحق صرفه بالنذر إلى غير حجّة الإسلام، فلو قدّم حجّة النذر، أجزأ إن لم نوجب تقديم حجّة الإسلام، و إن أوجبنا التقديم، احتمل البطلان و وقوع الحجّ عن حجّة الإسلام على ما تقدّم البحث فيه.

و مع إطلاق الزمان في النذر لو كان مستطيعا، وجب أن يبدأ بحجّة الإسلام، و كذا لو تجدّدت الاستطاعة قبل فعل المنذورة.

تذنيب:

لو أحرم بالمنذورة من عليه حجّة الإسلام فوقعت عن حجة الإسلام - كما اختاره بعض علمائنا(1) - لم تسقط المنذورة - و هو قول ابن عمر و أنس و عطاء و أحمد(2) - لأنّها حجّة واحدة، فلا تجزئ عن حجّتين، كما لو نذر حجّتين فحجّ واحدة.

و قال أحمد في رواية أخرى عنه: إنّها تجزئ عن المنذورة، لأنّه قد أتى بالحجّة ناويا بها نذره، فأجزأته، كما لو كان ممّن أسقط فرض الحجّ عن نفسه، و هذا كما لو نذر صوم يوم قدوم فلان، فقدم في يوم من رمضان، فنواه عن فرضه و نذره(3). و هو قول ابن عباس و عكرمة(4).

و روى سعيد بإسناده عن ابن عباس و عكرمة أنّهما قالا في رجل نذر أن يحجّ و لم يكن حجّ الفريضة، قال: يجزئ لهما جميعا(5).

و سئل عكرمة عن ذلك، فقال: يقضي حجّة عن نذره و عن حجّة الإسلام، أ رأيتم لو أنّ رجلا نذر أن يصلّي أربع ركعات فصلّى العصر أ ليس3.

ص: 108


1- راجع: النهاية - للطوسي -: 205.
2- المغني 203:3، الشرح الكبير 208:3.
3- المغني 203:3، الشرح الكبير 209:3.
4- المغني 203:3، الشرح الكبير 209:3.
5- المغني 203:3، الشرح الكبير 209:3.

ذلك يجزئه من العصر و من النذر؟ قال: و ذكرت قولي لابن عباس، فقال: أصبت و أحسنت(1).

و قد روى علماؤنا مثل ذلك عن الصادق(2) عليه السلام، و قد سلف(3).

المطلب الثاني: في شرائط باقي أقسام الحج.
اشارة

و فيه بحثان:

البحث الأول: في شرائط حجّ النذر و شبهه
مسألة 78:

يشترط في انعقاد النذر و اليمين و العهد: التكليف و الحرّية و الإسلام و إذن الزوج خاصة، فلا ينعقد نذر الصبي و إن كان مراهقا، و لا المجنون المطبق، و لا من يأخذه أدوارا إذا وقع حالة جنونه، و لا السكران و لا المغمى عليه و لا الساهي و لا الغافل و لا النائم و لا العبد إلاّ بإذن مولاه، فإن أذن له في النذر، لم يكن له منعه، و لا الزوجة إلاّ بإذن الزوج، و مع إذنه في النذر ليس له منعها منه. و للأب حلّ يمين الولد.

و لو نذر الكافر، لم ينعقد نذره و إن أسلم.

و لا يشترط في النذر شرائط حجّة الإسلام، لأنّ غير المستطيع بالزاد و الراحلة ينعقد نذره، و كذا المريض، و إذا صحّ النذر، وجب الوفاء به إن قيّده بوقت، و إلاّ لم يجب الفور.

نعم لو تمكّن بعد وجوبه و مات، لم يأثم، و يقضى من صلب التركة.

و لو كان عليه حجّة الإسلام، قسّمت التركة بينهما، لتساويهما في الوجوب، و لو اتّسعت لإحداهما خاصّة، قدّمت حجّة الإسلام، لأنّ وجوبها بالأصالة. و لو لم يتمكّن من أدائها و مات، سقط النذر.

ص: 109


1- المغني 203:3، الشرح الكبير 209:3.
2- الكافي 277:4-12، التهذيب 13:5-35.
3- سلف في المسألة 71.

و لو قيّده بوقت فأخلّ به مع القدرة، أثم، و قضي عنه - لو مات - من صلب المال، و لو أخلّ لا مع القدرة لمرض و عدوّ و شبههما، سقط.

و لو نذر أو أفسد و هو معضوب، قيل: وجبت الاستنابة(1).

البحث الثاني: في شرائط النيابة
مسألة 79:

يشترط في النائب: كمال العقل و إسلام النائب و المنوب عنه و عدم شغل ذمّته بحجّ واجب، فلا تصح نيابة المجنون و لا الصبي غير المميّز، لارتفاع تحقّق القصد منهما.

و لو كان الصبي مميّزا، قيل(2): لا يصح أن يكون نائبا، لأنّه ليس بمكلّف، فلا تصحّ منه العبادة و لا نيّة القربة، و لأنّه يعلم من نفسه أنّه غير مكلّف و لا مؤاخذ بما يصدر عنه، فلا تحصل الثقة بأفعاله.

و قيل(3): تصحّ، لأنّ حجّه عن نفسه صحيح فكذا عن غيره.

و يحتمل الفرق، لأنّ الصحة لا تقتضي الإجزاء فجاز أن تكون النيابة غير مجزئة، كما لا تجزئ المباشرة عن حجّة الإسلام.

مسألة 80:

الإسلام شرط في النائب، فلو حجّ الكافر عن غيره الكافر أو المسلم، لم يصح، سواء استؤجر أو استنيب من غير إجارة، أو تطوّع بالتبرّع، لأنّه لا تصحّ منه نية القربة التي هي شرط في صحة الفعل.

و كذا هو شرط في المنوب عنه، فليس للمسلم أن يحجّ عن الكافر، لقوله تعالى ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَ الَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَ لَوْ كانُوا أُولِي قُرْبى (4).

و لأنّ ثواب الحج مقارن للتعظيم و الإجلال، و هو ممتنع في حقّ الكافر،

ص: 110


1- القائل هو الشيخ الطوسي في المبسوط 299:1.
2- كما في شرائع الإسلام 232:1.
3- كما في شرائع الإسلام 232:1.
4- التوبة: 113.

لاستحقاقه في الآخرة الخزي و العذاب و الاستخفاف، و إذا انتفى استحقاق الثواب، انتفى ملزومه و هو صحة الفعل عنه.

مسألة 81:

قال الشيخ رحمه اللّه: لا يجوز لأحد أن يحجّ عن غيره إذا كان مخالفا له في الاعتقاد، إلاّ أن يكون أباه، فإنّه يجوز له أن يحجّ عنه(1).

و منع ابن إدريس هذا الاستثناء، و قال: لا يجوز أن يحجّ عن المخالف سواء كان أباه أو غيره(2).

و الشيخ - رحمه اللّه - عوّل على ما رواه وهب بن عبد ربه - في الصحيح - عن الصادق عليه السلام، قال: قلت له: أ يحجّ الرجل عن الناصب ؟ قال: «لا» قلت: فإن كان أبي ؟ قال: «إن كان أبوك [1] فنعم»(3) و الاحتجاج بالرواية أولى.

و لاشتمال ذلك على البرّ بالأبوين.

إذا عرفت هذا، فالرواية مخصوصة بالناصب، و هو الذي يتظاهر بالعداوة لأهل البيت عليهم السلام، و قول الأصحاب أعمّ، لأنّ الذي يستحقّ به الثواب الدائم هو الإيمان، فغير المؤمن لا يستحقّ ثوابا.

أمّا المخالف فيجوز أن ينوب عن المؤمن، و يجزئ عن المنوب إذا لم يخلّ بركن، لأنّها تجزئ عنه، و لا تجب عليه الإعادة لو استبصر، فدلّ ذلك على أنّ عبادته معتبرة في نظر الشرع يستحقّ بها الثواب إذا رجع إلى الإيمان إلاّ الزكاة، لأنّه دفعها إلى غير مستحقّها.

و يدلّ على ذلك كلّه: ما رواه بريد بن معاوية العجلي عن الصادق عليه السلام، قال: سألته عن رجل حجّ و هو لا يعرف هذا الأمر، ثم منّ اللّه عليه

ص: 111


1- المبسوط - للطوسي - 326:1، النهاية: 280.
2- السرائر: 149.
3- الكافي 309:4 (باب الحج عن المخالف) الحديث 1، التهذيب 414:5-1441.

بمعرفته و الدينونة به، عليه حجّة الإسلام أو قد قضى فريضته ؟ فقال: «قد قضى فريضته، و لو حجّ لكان أحبّ إليّ».

قال: و سألته عن رجل و هو في بعض هذه الأصناف من أهل القبلة ناصب منذ برهة(1) منّ اللّه عليه بمعرفة هذا الأمر يقضي حجّة الإسلام ؟ فقال:

«يقضي أحبّ إليّ» و قال: «كلّ عمل عمله و هو في حال نصبه و ضلالته ثم منّ اللّه عليه و عرّفه الولاية، فإنّه يؤجر عليه إلاّ الزكاة، فإنّه يعيدها، لأنّه قد وضعها في غير مواضعها، لأنّها لأهل الولاية، و أمّا الصلاة و الحجّ و الصيام فليس عليه قضاء»(2).

مسألة 82:

يشترط في النائب خلوّ ذمّته عن حجّ واجب عليه بالأصالة أو بالنذر أو الاستئجار أو الإفساد، فلو وجب عليه حجّ بسبب أحد هذه، لم يجز له أن ينوب عن غيره إلاّ بعد أداء فرضه، لما رواه العامة عن ابن عباس أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله سمع رجلا يقول: لبّيك عن شبرمة، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: (من شبرمة ؟) قال: قريب لي، قال: (حججت قطّ؟) قال: لا، قال: (فاجعل هذه عن نفسك ثم احجج عن شبرمة)(3).

و من طريق الخاصة: ما رواه سعد بن أبي خلف - في الصحيح - عن الكاظم عليه السلام، قال: سألته عن الرجل الصرورة يحجّ عن الميت ؟ قال: «نعم إذا لم يجد الصرورة ما يحجّ به عن نفسه، فإن كان له ما يحجّ به عن نفسه فليس يجزئ عنه حتى يحجّ من ماله، و هي تجزئ عن الميت إن كان للصرورة مال و إن لم يكن له مال»(4).

ص: 112


1- في المصدر: متدين، بدل منذ برهة.
2- التهذيب 9:5-23، الاستبصار 145:2-472.
3- سنن ابن ماجة 969:2-2903، سنن أبي داود 162:2-1811، المغني 201:3.
4- الكافي 305:4-2، التهذيب 410:5-411-1427، الاستبصار 2: 319-320-1131.

و لأنّ ذمّته مشغولة بصرف الزمان في الحجّ عن نفسه فلا يجوز صرفه في غيره، لاستلزامه ترك الواجب، لتضادّهما.

مسألة 83:

لو وجب عليه حجّ الإسلام و استقرّ بأن مضى زمان يمكنه إيقاعه فيه فأهمل، أو لم يستقرّ بأن كملت الشرائط في ذلك العام فحجّ عن غيره استئجارا أو نيابة، لم يصح حجّه عن غيره، و لا تقع النية عن نفسه، بل يقع باطلا، قاله الشيخ(1) رحمه اللّه - و به قال أبو بكر بن عبد العزيز، و هو مروي عن ابن عباس(2) - لأنّ الحجّ لا يقع عن نفسه، لعدم نيّته، و لا عن غيره، لوجوب صرف هذا الزمان إلى حجّه، فكان صرفه إلى حجّ غيره منهيا عنه، و النهي في العبادات يدلّ على الفساد.

و لأنّه لمّا كان من شرط طواف الزيارة تعيين النيّة، فمتى نواه لغيره لم يقع لنفسه، و لهذا لو طاف حاملا لغيره و لم ينو لنفسه، لم يقع عن نفسه.

و لرواية سعد، فإنّ قول الكاظم عليه السلام: «فإن كان له ما يحجّ به عن نفسه فليس يجزئ عنه حتى يحجّ من ماله»(3).

و لما رواه إبراهيم بن عقبة، قال: كتبت إليه أسأله عن رجل صرورة لم يحجّ قطّ حجّ عن صرورة لم يحجّ قطّ أ تجزئ كلّ واحد منهما تلك الحجة عن حجة الإسلام أو لا؟ بيّن لي ذلك يا سيدي إن شاء اللّه، فكتب عليه السلام:

«لا يجوز ذلك»(4).

قال الشيخ: إنّه محمول على أنّه إذا كان للصرورة مال فإنّ تلك الحجّة لا تجزئ عنه(5).

ص: 113


1- المبسوط - للطوسي - 302:1.
2- المغني 201:3، الشرح الكبير 207:3.
3- تقدّمت الإشارة إلى مصادره في المسألة 82.
4- التهذيب 411:5-1430، الاستبصار 320:2-1134.
5- التهذيب 411:5 ذيل الحديث 1430، الاستبصار 320:2 ذيل الحديث 1134.

و قال الأوزاعي و الشافعي و أحمد في إحدى الروايتين و إسحاق: يقع إحرامه و حجّه عن نفسه عن حجّة الإسلام، لحديث شبرمة، و لأنّه حجّ عن غيره قبل الحجّ عن نفسه، فلم يقع عن الغير، كما لو كان صبيّا(1).

و حديث شبرمة لا دلالة فيه، لأنّه لم يعقد إحرامه بالتلبيات الأربع، فأمره النبي صلّى اللّه عليه و آله بإنشاء الإحرام عن نفسه، و رفض ما قاله من التلبية حيث لم يكمل إحرامه، و لو فرضنا إكمال إحرامه فإنّه أمره بالحجّ عن نفسه، و هو يكون بتجديد نيّة أخرى و إبطال الاولى، فلا يدلّ على صحته و وقوعه عن نفسه.

إذا عرفت هذا، فلو وجب عليه الحجّ و لم يستقرّ فخرج نيابة عن الغير، لم يجزئ عن أحدهما، فلو فقد الاستطاعة بعد ذلك و الوقت باق وجب عليه أداء حجّة الإسلام، و يجب عليه تجديد الإحرام، لأنّ الأول وقع باطلا، و لو أكمل حجّة عن الغير لم تقع عن أحدهما على ما تقدّم، ثم يجب عليه الابتداء في العام المقبل بحجّة الإسلام عن نفسه إذا تمكّن منه و لو مشيا، و لا يشترط الزاد و الراحلة مع القدرة على التسكّع و الحجّ.

و لو وجب عليه حجّة الإسلام و لم يفرّط في المضيّ ثم حدث ما يمنعه من المضيّ و لم يتمكّن منه ثم لم يقدر على الحجّ فيما بعد و لا حصلت له شرائطه، فإنّه يجوز له أن يحجّ عن غيره، لأنّه لم يستقرّ في ذمّته، و لو كان الحجّ قد استقرّ في ذمّته بأن فرّط فيه، لم يجز أن يحجّ عن غيره، سواء عجز فيما بعد أو لم يعجز، تمكّن من المضيّ أو لم يتمكّن.

مسألة 84:

الصرورة إذا لم يجب عليه حجّة الإسلام أو وجب و لم يستقرّ بأن خرج في عام تمكّنه فتجدّد عجزه، يجوز له أن يحجّ نائبا عن غيره

ص: 114


1- المهذب - للشيرازي - 207:1، المجموع 118:7، حلية العلماء 247:3، المغني 201:3، الشرح الكبير 207:3-208.

عند علمائنا - و به قال الحسن البصري و إبراهيم النخعي و أيوب السجستاني، و نقله العامّة عن الصادق جعفر بن محمّد عليهما السلام، و به قال مالك و أبو حنيفة، و هو رواية أخرى عن أحمد، و هو قول الثوري أيضا(1) - لأنّ الحجّ ممّا تدخله النيابة، فجاز أن يؤدّيه عن غيره من لم يسقط فرضه عن نفسه، كالزكاة، لما تقدّم(2) في حديث سعد عن الكاظم عليه السلام.

و لما رواه معاوية بن عمّار - في الحسن - عن الصادق عليه السلام، في رجل صرورة مات و لم يحج حجّة الإسلام و له مال: [قال] «يحجّ عنه صرورة لا مال له»(3) و في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام، قال:

«لا بأس أن يحجّ الصرورة عن الصرورة»(4).

و قال الأوزاعي و الشافعي و أحمد في رواية، و إسحاق: لا يجوز لمن لم يحج حجّة الإسلام أن يحجّ عن غيره، فإن فعل، وقع إحرامه عن حجّة الإسلام، لحديث شبرمة(5).

و لا دلالة فيه، و قد تقدّم(6).

مسألة 85:

لو كان الرجل قد أسقط فرض أحد النسكين عنه دون الآخر جاز أن ينوب عن غيره في ما أسقط فرضه عنه بأدائه، فلو كان على إنسان حجّ و عمرة فحجّ، جاز أن يحجّ عن غيره، لسقوط فرض الحجّ عنه، و ليس له أن

ص: 115


1- المغني 201:3، الشرح الكبير 207:3-208، المجموع 118:7، حلية العلماء 248:3.
2- تقدم في المسألة 82.
3- الكافي 306:4-3، التهذيب 411:5-1428، الاستبصار 320:2-1132.
4- التهذيب 411:5-1429، الاستبصار 320:2-1133.
5- المهذب - للشيرازي - 206:1-207، المجموع 118:7، حلية العلماء 247:3، المغني 201:3، الشرح الكبير 207:3 و 208.
6- تقدّم في المسألة السابقة.

يعتمر قبل أن تبرأ ذمّته من العمرة.

و لو كان قد اعتمر و لم يحج جاز أن ينوب عن غيره في الاعتمار دون الحجّ.

مسألة 86:

الأقرب عندي جواز نيابة العبد عن الحرّ بإذن مولاه، لأنّه مكلّف مسلم لا حجّ عليه، فجاز أن ينوب عن غيره كالحرّ.

و منع أحمد من نيابة العبد و الصبي في الفرض، لأنّهما لم يسقطا فرض الحجّ عن أنفسهما، فهما كالحرّ البالغ في ذلك و أولى منه.

قال: و يحتمل أنّ لهما النيابة في حجّ التطوّع دون الفرض، لأنّهما من أهل التطوّع دون الفرض، و لا يمكن أن تقع الحجّة التي نابا فيها عن فرضهما، لكونهما ليسا من أهله فبقيت لمن فعلت عنه، فلا يلزمهما ردّ ما أخذا لذلك، كالبالغ الحرّ الذي قد حجّ عن نفسه(1).

و ليس بجيّد، فإنّ الحرّ البالغ له أهلية استحقاق وجوب الحجّ عليه، بخلافهما، بل حملهما على من أسقط فرضه بالحجّ أولى.

مسألة 87:

إذا حجّ الصرورة العاجز عن غيره، فقد بيّنّا صحته، و أنّه يجزئ عن المنوب، أمّا النائب فلا يجزئه ما فعله في النيابة عن حجّة الإسلام إن كانت قد وجبت عليه أوّلا ثم عجز عنها، أو لم يتحقّق بعد وجوبها عليه.

أمّا الإجزاء عن الميّت: فلما تقدّم(2) في حديث محمد بن مسلم - في الصحيح - عن أحدهما عليهما السلام، قال: «لا بأس أن يحجّ الصرورة عن الصرورة».

و أمّا عدم الإجزاء عن النائب: فلأنّه على تقدير عدم وجوب الحج عليه أوّلا بريء الذمّة من الحجّ، فلا يتحقّق عليه وجوب، فلا يتحقّق فيه أجزاء،

ص: 116


1- المغني 202:3، الشرح الكبير 210:3.
2- تقدم في المسألة 84.

و أمّا إذا كان قد وجب عليه أوّلا: فلأنّه لم يأت بالواجب فيبقى في عهدة التكليف، لأنّ الحجّ الذي أتى به كان عن المنوب، فيبقى ما ثبت عليه أوّلا.

و قد روى معاوية بن عمّار - في الصحيح - عن الصادق عليه السلام، قال: «حجّ الصرورة يجزئ عنه و عمّن حجّ عنه»(1).

قال الشيخ رحمه اللّه: معنى قوله: «يجزئ عنه» ما دام معسرا لا مال له، فإذا أيسر، وجب عليه الحجّ(2).

أقول: و يحتمل أن يكون المراد: أنّه يجزئ عنه عمّا وجب عليه بالاستئجار.

مسألة 88:

النائب كالمنوب، قاله أحمد، فلو أحرم النائب بتطوّع أو نذر عمّن لم يحجّ حجّة الإسلام، وقع عن حجّة الإسلام، لأنّ النائب يجري مجرى المنوب عنه(3).

و التحقيق أن نقول: إن كان النائب قد استؤجر لإيقاع حجّ تطوّع أو نذر، ففعل ما استؤجر له، أجزأ عنه، و لا يجزئ عن المنوب إن كان عليه حجّة الإسلام، لأنّه لم ينوها. و إن تبرّع النائب بالحجّ عنه في أحد النسكين: إمّا النذر أو التطوّع، لم ينقلب إلى حجّة الإسلام أيضا.

و إن كان النائب قد استؤجر لإيقاع حجّة الإسلام، فنوى التطوّع عنه أو عن المنوب، أو النذر كذلك، لم يجزئه، لأنّه لم يفعل ما وقع عليه عقد الإجارة.

مسألة 89:

لو استناب رجلين في حجّة الإسلام و منذورة أو تطوّع في عام، فأيّهما سبق بالإحرام وقعت حجّته عن حجّة الإسلام، و تقع الأخرى تطوّعا أو عن النذر - قاله أحمد - لأنّه لا يقع الإحرام عن غير حجّة الإسلام ممّن

ص: 117


1- التهذيب 411:5-412-1432، الاستبصار 320:2-1136.
2- التهذيب 412:5، الإستبصار 321:2.
3- المغني 202:3، الشرح الكبير 209:3-210.

هي عليه فكذا من نائبه(1). و فيه إشكال.

و الأقرب: أنّه إذا اتّفق الزمان، صحّ العقد، فإذا حجّا في ذلك العام، أجزأ حجّهما، و لا اعتبار بتقديم إحرام أحدهما على إحرام الآخر، بل إن كان السابق إحرام الواجب، فلا بحث، و إن كان إحرام المنذورة أو التطوّع، أجزأ أيضا، لأنّ الحجّتين تقعان في ذلك العام.

و لو صدّ النائب في حجّة الإسلام أو أحصر و لم يتمكّن النائب فيها من إتمامها في ذلك العام، فالأقوى صحة حجّة التطوّع.

و لو تعدّد العام، فإن استأجر لحجّ التطوّع أوّلا، فإن تمكّن من الاستئجار عن حجّة الإسلام، فالوجه: عدم الصحة، لكن لو حجّ النائب مع جهله، استحقّ الأجرة.

و لو لم يكن قد تمكّن من الاستئجار لحجّة الإسلام، فالأقرب:

الصحة، ثم يستأجر في العام المقبل لحجّة الإسلام.

مسألة 90:

إذا استؤجر ليحجّ عن غيره، و كان الحجّ لا يقع عن ذلك الغير، وجب عليه ردّ ما أخذه من مال الإجارة مع علمه بذلك، لأنّه استؤجر لفعل لا يصح منه إيقاعه، فوجب عليه ردّ مال الإجارة.

و لو كان جاهلا، فالأقرب عدم وجوب الردّ - و يحتمل وجوب ردّ ما فضل عن اجرة المثل - لتعبه، فحينئذ يحتمل أن يرجع هو بما أعوز.

مسألة 91:

يجوز أن ينوب الرجل عن الرجل و عن المرأة، و أن تنوب المرأة عن المرأة و عن الرجل في قول عامة أهل العلم(2) ، لا نعلم فيه مخالفا إلاّ الحسن بن صالح بن حي، فإنّه كره حجّ المرأة عن الرجل(3).

قال ابن المنذر: و هذه غفلة عن ظاهر السنّة، فإنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله أمر المرأة أن تحجّ عن أبيها(4).

ص: 118


1- المغني 202:3، الشرح الكبير 210:3.
2- المغني و الشرح الكبير 189:3.
3- المغني و الشرح الكبير 189:3.
4- المغني و الشرح الكبير 189:3.

و هذا هو الحقّ، لما رواه العامّة عن ابن عباس، قال: أتت امرأة من خثعم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، فقالت: يا رسول اللّه أبي أدركته فريضة الحجّ و هو شيخ كبير لا يستطيع أن يثبت على دابّته، فقال لها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: (فحجّي عن أبيك)(1).

و من طريق الخاصة: ما رواه رفاعة عن الصادق عليه السلام - في الصحيح - قال: «تحجّ المرأة عن أخيها و عن أختها» و قال: «تحجّ المرأة عن أبيها»(2).

و في الحسن عن معاوية بن عمّار عن الصادق عليه السلام، قال: قلت له: المرأة تحجّ عن الرجل ؟ قال: «لا بأس»(3).

إذا عرفت هذا، فقد شرط الشيخ - رحمه اللّه - في حجّ المرأة عن الرجل شرطين:

أحدهما: أن تكون عارفة بمناسك الحج.

و الثاني: أن تكون قد حجّت أوّلا(4).

لما رواه مصادف عن الصادق عليه السلام، قال: سألته تحجّ المرأة عن الرجل ؟ قال: «نعم إذا كانت فقيهة مسلمة و كانت قد حجّت، ربّ امرأة خير من رجل»(5).

و عن زيد الشحّام عن الصادق عليه السلام، قال: سمعته يقول:

«يحجّ الرجل الصرورة عن الرجل الصرورة، و لا تحجّ المرأة الصرورة عن2.

ص: 119


1- مسند أحمد 212:1.
2- التهذيب 413:5-414-1438، الإستبصار 322:2-1140.
3- الكافي 307:4-2، التهذيب 413:5-1437، الاستبصار 322:2-1141.
4- التهذيب 414:5 ذيل الحديث 1438، الاستبصار 322:2 ذيل الحديث 1142، و النهاية: 279-280.
5- التهذيب 413:5-1436، الاستبصار 322:2-1142.

الرجل الصرورة»(1).

و ابن إدريس أنكر ذلك(2) إنكارا عظيما، و نحن نحمل هذه الروايات على الاستحباب دون أن يكون ذلك شرطا، و لهذا قال عليه السلام: «ربّ امرأة خير من رجل» و لا شك في جواز ذلك من الرجل فجاز من المرأة.

مسألة 92:

يجوز أن يحجّ النائب عن غيره إذا كان المنوب ميّتا من غير إذن، سواء كان واجبا أو تطوّعا، و لا نعلم فيه خلافا، لأنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله أمر بالحجّ عن الميّت(3) ، و معلوم استحالة الإذن في حقّه، و ما جاز فرضه جاز نفله، كالصدقة.

و أمّا الحيّ: فمنع بعض العامّة من الحجّ عنه إلاّ بإذنه، فرضا كان أو تطوّعا، لأنّها عبادة تدخلها النيابة، فلم تجز عن البالغ العاقل إلاّ بإذنه، كالزكاة(4).

و علّيّة المشترك و ثبوت الحكم في الأصل ممنوعان.

مسألة 93:

قد بيّنّا أنّه لا يجوز لمن استقرّ الحجّ في ذمّته أن يحجّ تطوّعا و لا نذرا و لا نيابة حتى يؤدّي حجّة الإسلام، و يحصل الاستقرار بمضيّ زمان يمكنه فيه الحجّ مع الإهمال و اجتماع الشرائط.

و لو حصلت الشرائط فتخلّف عن الرفقة ثم مات قبل حجّ الناس، تبيّن عدم الاستقرار، لظهور عدم الاستطاعة و انتفاء الإمكان، و هو مذهب أكثر الشافعية(5).

و قال بعضهم: يستقرّ الحجّ عليه(6).

ص: 120


1- التهذيب 414:5-1439، الإستبصار 323:2-1143.
2- السرائر: 149.
3- سنن الترمذي 269:3-929، سنن النسائي 117:5، سنن البيهقي 335:4.
4- المغني و الشرح الكبير 189:3.
5- المجموع 109:7، فتح العزيز 31:7.
6- المجموع 109:7، فتح العزيز 31:7.

و لو مات بعد ما حجّ الناس، استقرّ الوجوب عليه، و وجب الاستئجار عنه من صلب تركته، و ليس رجوع القافلة شرطا حتى لو مات بعد انتصاف ليلة النحر و مضيّ زمان يمكنه المسير إلى منى و الرمي بها و إلى مكة و الطواف للنساء، استقرّ الفرض عليه. و يحتمل مضيّ زمان يمكنه فيه الإحرام و دخول الحرم.

و لو ذهب ماله بعد رجوع الحاج أو مضيّ إمكان الرجوع، استقرّ الحجّ.

و لو تلف المال بعد الحجّ قبل عودهم و قبل مضيّ إمكان عودهم، لم يستقرّ الحجّ أيضا، لأنّ نفقة الرجوع لا بدّ منها في الشرائط.

و للشافعية وجهان: هذا أحدهما، و الثاني: الاستقرار، كما في الموت(1).

و ليس بجيّد، لما بيّنّا من اشتراط نفقة الرجوع هنا، بخلاف الميّت، فإنّه لا رجوع في طرفه، إذ بموته استغني عن المال للرجوع، و هنا نفقة الرجوع لا بدّ منها.

و لو أحصر الذين يمكنه الخروج معهم فتحلّلوا، لم يستقرّ الفرض عليه، و لو سلكوا طريقا آخر فحجّوا، استقرّ، و كذا إذا حجّوا في السنة التي بعدها إذا عاش و بقي ماله.

و إذا دامت الاستطاعة و تحقّق الإمكان و لم يحج حتى مات، عصى عندنا، و وجب القضاء من صلب ماله، لأنّ الحج مضيّق، خلافا للشافعي حيث لم يوجب الفورية عليه(2).

و لأصحابه وجهان:

أحدهما: أنّه يعصي، و إلاّ لارتفع الحكم بالوجوب، و المجوّز إنّما هو7.

ص: 121


1- المجموع 109:7، فتح العزيز 31:7-32.
2- المجموع 103:7 و 111، فتح العزيز 31:7.

التأخير دون التفويت.

و الثاني: لا يعصي، لأنّا جوّزنا له التأخير(1).

قالوا: و الأظهر أنّه لو مات في وسط وقت الصلاة قبل أدائها، لم يعص.

و الفرق: أنّ وقت الصلاة معلوم، فلا ينسب إليه التقصير ما لم يؤخّر عنه، و في الحج أبيح له التأخير بشرط أن لا يبادر الموت، فإذا مات قبل الفعل، أشعر الحال بالتواني و التقصير.

و يجري الوجهان فيما إذا كان صحيح البدن و لم يحجّ حتى طرأ العضب.

و الأظهر: المعصية، و لا نظر إلى إمكان الاستنابة، فإنّها في حكم بدل، و الأصل المباشرة، فلا يجوز ترك الأصل مع القدرة عليه.

و قال بعض الشافعية: إن كان من وجب عليه الحجّ شيخا، مات عاصيا، و إن كان شابا فلا(2).

و هل تتضيّق الاستنابة عليه لو صار معضوبا؟ الوجه عندنا: ذلك، لوجوب الفورية في الأصل، فكذا في بدله.

و للشافعي وجهان:

هذا أحدهما، لخروجه بتقصيره عن استحقاق الترفّه.

و الثاني: له التأخير، كما لو بلغ معضوبا عليه الاستنابة على التراخي(3).

و في قضاء الصوم إذا تعدّى بتفويته هذان الوجهان هل هو على الفور أو لا؟(4).3.

ص: 122


1- المجموع 103:7 و 110-111، فتح العزيز 32:7.
2- المجموع 111:7، فتح العزيز 32:7.
3- المجموع 111:7، فتح العزيز 32:7.
4- فتح العزيز 32:7-33.

و على ما اخترناه من وجوب الفورية لو امتنع، أجبره القاضي على الاستنابة، كما لو امتنع من أداء الزكاة، و هو أحد وجهي الشافعية، و الثاني:

لا يجبره، لأنّ الأمر في ذلك موكول إلى دين الرجل(1).

و على ما اخترناه من وجوب الفورية يحكم بعصيانه من أول سنة الإمكان، لاستقرار الفرض عليه يومئذ.

و للشافعية وجهان:

هذا أحدهما، و أظهرهما: من آخر سنة الإمكان، لجواز التأخير إليها(2).

و فيه وجه ثالث لهم: الحكم بكونه عاصيا من غير أن يسند إلى وقت معيّن.

و تظهر الفائدة بكونه عاصيا: أنّه لو كان قد شهد عند الحاكم و لم يقض بشهادته حتى مات لا يقضي، كما لو بان فسقه(3).

و لو قضى بشهادته بين الاولى من سني الإمكان و آخرها، نقض الحكم عندنا.

و للشافعي قولان:

فإن حكم بعصيانه من آخرها، لم ينقض ذلك الحكم بحال، و إن حكم بعصيانه من أولها، ففي نقضه قولان مبنيّان على ما إذا بان فسق الشهود(4).

مسألة 94:

يجب الترتيب في الحج، فيبدأ بحجّة الإسلام ثم بالقضاء ثم بالنذر ثم بالتطوّع، فلو غيّر الترتيب، وقع على هذا الترتيب، و لغت نيّته عند الشافعي(5).

و الوجه: البطلان على ما سبق.

ص: 123


1- المجموع 111:7، فتح العزيز 33:7.
2- المجموع 111:7، فتح العزيز 33:7.
3- المجموع 111:7، فتح العزيز 33:7.
4- المجموع 111:7، فتح العزيز 33:7.
5- الوجيز 110:1، فتح العزيز 33:7.

و صورة اجتماع حجّة الإسلام و القضاء عند الشافعية أن يفسد الرقيق حجّه ثم يعتق، فعليه القضاء، و لا يجزئه عن حجّة الإسلام(1) ، و كذا عندنا، و أيضا لو استؤجر الصرورة أو حجّ تطوّعا فأفسد.

و كذا تقدّم حجّة الإسلام على حجّة النذر، لأنّ حجّة الإسلام واجبة بالأصالة الشرعية، بخلاف حجّة النذر الواجبة تبرّعا من المكلّف.

و لو اجتمع القضاء و النذر و التطوّع و حجّة الإسلام، قدّمت حجّة الإسلام ثم القضاء الواجب بأصل الشرع.

و من عليه حجّة الإسلام أو النذر أو القضاء لا يجوز أن يحجّ عن غيره مع تمكّنه عندنا، و مطلقا عند الشافعي(2).

و أبو حنيفة و مالك(3) وافقا على ما قلناه.

و لو استؤجر الصرورة فنوى الحجّ عن المنوب، فإن كان النائب قد وجب عليه الحجّ و تمكّن من فعله، بطلت حجّته عن نفسه و عن المنوب.

و عند الشافعية تقع عن المنوب، و تلغو نيّته عن نفسه(4).

و لو نذر الصرورة أن يحجّ في هذه السنة ففعل، فإن كان قد تمكّن، بطل حجّه، و لم يجزئه عن حجّة الإسلام، لعدم نيّتها، و لا عن النذر، لوجوب صرف الزمان إلى حجّة الإسلام.

و قال الشافعي: يقع عن حجّة الإسلام، و خرج عن نذره، لأنّه ليس في نذره إلاّ تعجيل ما كان له أن يؤخّره(5).

و لو استؤجر الصرورة للحج في الذمّة، جاز، ثم يجب أن يبدأ بالحجّ عن نفسه إن تمكّن و حصلت الاستطاعة، ثم يحجّ عن المنوب في السنة7.

ص: 124


1- فتح العزيز 33:7.
2- فتح العزيز 34:7، المجموع 118:7.
3- فتح العزيز 34:7، حلية العلماء 248:3.
4- فتح العزيز 35:7.
5- فتح العزيز 35:7.

الأخرى.

أمّا لو استؤجر معيّنا لهذه السنة و هو مستطيع، لم يصح، لأنّ هذه السنة يجب صرفها في حجّة الإسلام.

و لو استؤجر للسنة الثانية، جاز عندنا، خلافا للشافعي حيث يشترط اتّصال مدّة الإجارة بمدّة العقد(1) ، و سيأتي البحث معه.

و إذا فسدت الإجارة، فإن كان المستأجر ظنّ أنّه قد حجّ فبان صرورة، لم يستحقّ الأجير أجره، لتغريره.

و إن علم أنّه صرورة و قال: يجوز في اعتقادي أن يحجّ الصرورة عن غيره، قال الشافعي: صحّ حجّ الأجير، و يقع لنفسه، و لكن في استحقاقه اجرة المثل قولان(2).

مسألة 95:

القران عندنا أن يقرن إلى إحرامه سياق الهدي، و لا يجوز أن يقرن في إحرامه بين حجّتين و لا بين عمرتين و لا بين حجّة و عمرة، خلافا للعامّة(3) ، فلو استؤجر من حجّ و لم يعتمر للحجّ، أو للعمرة من اعتمر و لم يحجّ، فقرن الأجير و أحرم بالنسكين جميعا عن المستأجر، أو أحرم بما استؤجر له عن المستأجر و بالآخر عن نفسه، لم يصح عندنا، و لا يستحقّ أجرا، لفساد الفعل.

و للشافعي قولان:

الجديد: أنّهما يقعان عن الأجير، لأنّ نسكي القران لا يفترقان، و لا يمكن صرف ما لم يأمر به المستأجر إليه.

و الثاني: أنّ ما استؤجر له يقع عن المستأجر و الآخر عن الأجير.

ص: 125


1- فتح العزيز 35:7.
2- فتح العزيز 36:7، حلية العلماء 248:3.
3- المغني 251:3، الشرح الكبير 243:3، فتح العزيز 118:7، المجموع 171:7، المبسوط - للسرخسي - 25:4، بداية المجتهد 334:1.

و على القولين لو استأجر رجلان من حجّ و اعتمر، أحدهما ليحجّ عنه و الآخر ليعتمر عنه، فقرن عنهما، فعلى الأول يقعان عن الأجير، و على الثاني يقع عن كلّ واحد منهما ما استأجره له(1).

و لو استأجر المعضوب رجلين ليحجّا عنه في سنة واحدة أحدهما حجّة الإسلام و الآخر حجّة القضاء أو النذر، صحّ عندنا.

و للشافعية وجهان:

أحدهما: لا يجوز، لأنّ حجّة الإسلام لم تتقدّم على غيرها.

و الأظهر: الجواز، لأنّ غيرها لم يتقدّم عليها، و هذا القدر كاف في الترتيب.

فعلى أول الوجهين لو اتّفق إحرام الأجيرين في الزمان، انصرف إحرامهما إلى نفسهما، و إن سبق إحرام أحدهما، وقع ذلك عن حجّة الإسلام عن المستأجر، و انصرف إحرام الآخر إلى نفسه(2).

و لو أحرم الأجير عن المستأجر ثم نذر حجّا، نظر إن نذر بعد الوقوف، لم ينصرف حجّه إليه، و وقع عن المستأجر، و إن نذر قبله، فوجهان:

أظهرهما: انصرافه إلى الأجير(3).

و الحقّ عندنا وقوعه عن المستأجر.

و لو أحرم الرجل بحجّ تطوّعا ثم نذر حجّا بعد الوقوف، لم ينصرف إلى النذر، و إن كان قبله فعلى الوجهين(4).

مسألة 96:

العبادات قد تقبل النيابة على بعد، لكن جازت في الحجّ عند العجز عن المباشرة إمّا بموت أو كبر لا يتمكن معه من الركوب و التثبّت على

ص: 126


1- فتح العزيز 36:7، المجموع 118:7-119، حلية العلماء 250:3.
2- فتح العزيز 36:7.
3- فتح العزيز 36:7، المجموع 119:7.
4- فتح العزيز 36:7، المجموع 119:7.

الدابّة، أو زمانة أو عضب كذلك، أو مرض لا يرجى زواله.

أمّا الموت: فلما روي أنّ امرأة أتت النبي صلّى اللّه عليه و آله، فقالت: إنّ أمّي ماتت و لم تحجّ، فقال: (حجّي عن أمّك)(1).

و روى ابن عباس أنّ رجلا قال: يا رسول اللّه إنّ أختي نذرت أن تحجّ و ماتت قبل أن تحجّ، أ فأحجّ عنها؟ فقال عليه السلام: (لو كان على أختك دين أ كنت قاضيه ؟) قال: نعم، قال: (فاقضوا حقّ اللّه فهو أحقّ بالقضاء)(2).

و قال أبو حنيفة و مالك: إن لم يوص، لا يحجّ عنه، و يسقط فرضه بالموت(3).

و نحن نقول: إن كان الميت قد وجب عليه الحج و استقرّ و فرّط في أدائه، وجب أن يستأجر عنه، سواء أوصى به أو لم يوص، و يستوي فيه الوارث و الأجنبي، كقضاء الدين، و هو قول الشافعي(4).

و أمّا الكبر: فلما رواه ابن عباس أنّ امرأة من خثعم قالت: يا رسول اللّه إنّ فريضة اللّه على عباده في الحجّ أدركت أبي شيخا كبيرا لا يستطيع أن يستمسك على الراحلة، فأحجّ عنه ؟ قال: (نعم)(5).

و المعتبر أن لا يثبت على الراحلة أصلا، أو لا يثبت إلاّ بمشقّة شديدة.

و مقطوع اليدين أو الرجلين إذا أمكنه التثبّت على الراحلة من غير مشقّةر.

ص: 127


1- مسند أحمد 259:5، ترتيب مسند الشافعي 388:1-996.
2- صحيح البخاري 177:8، سنن النسائي 116:5، مسند أبي داود الطيالسي: 341-2621.
3- فتح العزيز 44:7، المجموع 112:7، الكافي في فقه أهل المدينة: 133، المنتقى - للباجي - 271:2.
4- فتح العزيز 44:7، المجموع 112:7.
5- صحيح البخاري 163:2، صحيح مسلم 973:2-1334، سنن النسائي 117:5، سنن البيهقي 328:4 بتفاوت يسير.

شديدة لا تجوز النيابة عنه، لأنّه ربما يفيق فيحجّ بنفسه.

و هذا كلّه في حجّة الإسلام، و في معناها حجّة النذر و القضاء.

مسألة 97:

تجوز استنابة المعضوب في التطوّع.

و للشافعي قولان(1).

و كذا تجوز استنابة الوارث للميّت فيه.

و للشافعي قولان:

أصحّهما: الجواز - و به قال أبو حنيفة و مالك و أحمد - لأنّ النيابة تدخل في فرضه فتدخل في نفله، كأداء الزكاة.

و الثاني: المنع، لبعد العبادات البدنية عن قبول النيابة، و إنّما جوّز في الفرض، للضرورة(2).

و لو لم يكن الميّت قد حجّ و لا وجب عليه، لعدم الاستطاعة، ففي جواز الاستنابة عنه للشافعية طريقان:

أحدهما: طرد القولين، لأنّه لا ضرورة إليه.

و الثاني: القطع بالجواز، لوقوعه عن حجّة الإسلام.

فإن جوّزنا الاستئجار للتطوّع، فللأجير الأجرة المسمّاة، و يجوز أن يكون الأجير عبدا أو صبيّا، بخلاف حجّة الإسلام، فإنّه لا يجوز استئجارهما عندهم، و وقع الحجّ عن الأجير، و لا يستحقّ المسمّى.

و على هذا فالأصح أنّ الأجير يستحقّ اجرة المثل، لأنّ الأجير دخل في العقد طامعا في الأجرة، و تلفت منفعته عليه و إن لم ينتفع منها المستأجر، فصار كما لو استأجره لحمل طعام مغصوب فحمل، يستحقّ الأجرة.

و الثاني: لا يستحق، لوقوع الحجّ عنه(3).

ص: 128


1- فتح العزيز 40:7، المجموع 114:7.
2- فتح العزيز 40:7، المجموع 114:7.
3- فتح العزيز 40:7، المجموع 114:7-115.

إذا عرفت هذا، فإنّ الاستنابة في التطوّع لا تختص بالعاجز، بل للصحيح أيضا الاستنابة في حجّ التطوّع، و به قال أبو حنيفة و أحمد(1).

و قال الشافعي بالاختصاص(2).

و منع مالك من النيابة عن الحيّ في الفرض و التطوّع، و خصّها بالميّت(3).

مسألة 98:

قد بيّنّا أنّ المريض الذي يرجى زوال علّته ليس له أن يحجّ عنه نائبا، فإن أحجّ غيره ثم زالت علّته، لم يجزئه قولا واحدا، و إن مات أجزأه ذلك، لأنّا تبيّنّا أنّها لم تكن مرجوّة الزوال، و به قال أبو حنيفة و الشافعي في أحد القولين، و الثاني: لا يجزئه، لأنّ الاستنابة لم تكن جائزة(4).

و على عكس ذلك لو كانت علّته غير مرجوّة الزوال، فأحجّ عن نفسه ثم عوفي، فللشافعية طريقان:

أظهرهما: طرد القولين.

و الثاني: القطع بعدم الأداء، و به قال أبو حنيفة.

و الفرق: أنّ الخطأ في الصورة الأولى غير مستيقن، لجواز أن لا يكون المرض بحيث لا يوجب اليأس ثم يزداد فيوجبه فيجعل الحكم للمآل، و هنا الخطأ متيقّن، إذ لا يجوز أن يكون اليأس حاصلا ثم يزول.

و الطاردون للقولين في الصورتين قالوا: مأخذهما أنّ النظر إلى الحال أو إلى المآل، إن نظرنا إلى الحال، لم يجزئه في الصورة الاولى، و أجزأ في

ص: 129


1- المبسوط - للسرخسي - 152:4، المغني 185:3، فتح العزيز 41:7، المجموع 7: 116.
2- فتح العزيز 41:7، المجموع 116:7، المغني 185:3.
3- فتح العزيز 41:7، المجموع 116:7، و انظر: الكافي في فقه أهل المدينة: 133.
4- فتح العزيز 42:7، المهذب - للشيرازي - 206:1، المجموع 116:7، حلية العلماء 246:3.

الثانية، و إن نظرنا إلى المآل، عكسنا الحكم فيهما.

و قد شبّهوا القولين هنا بالقولين فيما إذا رأوا سوادا فظنّوه عدوّا فصلّوا صلاة الخوف ثم تبيّن خلافه، هل تجزئهم الصلاة ؟ و الأظهر عندهم: عدم الإجزاء(1).

و المعتمد عندنا: الإجزاء.

إذا عرفت هذا، فإن قلنا: إنّ الحجّة المأتي بها تجزئه، استحقّ الأجير الأجرة المسمّاة لا محالة.

و إن قلنا: لا تجزئه، فهل تقع عن تطوّعه أو لا تقع أصلا؟ فيه وجهان للشافعية:

أحدهما: أنّها تقع عن تطوّعه، و تكون العلّة الناجزة عذرا لتقديم التطوّع على حجّة الإسلام.

و الثاني: أنّها لا تقع عنه أصلا، كما لو استأجر صرورة ليحجّ عنه(2).

و على هذا فهل يستحقّ الأجير الأجرة ؟ فيه للشافعية قولان:

أصحهما: عدم الاستحقاق، لأنّ المستأجر لم ينتفع بعمله.

و الثاني: نعم، لأنّه عمل له في اعتقاده(3).

فعلى هذا الوجه فما ذا يستحقّ؟ الأجرة المسمّاة أم أجرة المثل ؟ للشافعية وجهان، مأخذهما: أنّا هل نتبيّن فساد الاستئجار أم لا؟ و إن قلنا: إنّه يقع عن تطوّعه، فالأجير يستحقّ الأجرة.

و ما ذا يستحقّ؟ المسمّى أو اجرة المثل ؟ وجهان مخرّجان عن الوجهين، لأنّ الحاصل غير ما طلبه(4).

و قد منع الشافعية من جواز الحجّ عن المعضوب بغير إذنه، بخلاف7.

ص: 130


1- فتح العزيز 42:7-43، المجموع 115:7.
2- فتح العزيز 43:7، المجموع 115:7.
3- فتح العزيز 43:7، المجموع 115:7.
4- فتح العزيز 43:7، المجموع 115:7.

قضاء الدّين عن الغير، لأنّ الحجّ يفتقر إلى النيّة، بخلاف قضاء الدّين و هو من أهل الإذن و النيّة و إن لم يكن أهل المباشرة(1).

و روي عن بعضهم جواز الحجّ بغير إذنه(2).

مسألة 99:

الاستنابة في الحجّ واجبة عن ميّت استقرّ الحجّ في ذمّته و فرّط في أدائه.

و هل تجب عن المعضوب أو عن ميّت وجب عليه الحجّ و لم يستقر؟ مضى(3) الكلام فيهما.

و أوجبه الشافعي على المعضوب في الجملة، و لا فرق عنده بين أن يطرأ العضب بعد الوجوب و بين ان يبلغ واجدا للمال، و به قال أحمد(4).

و قال مالك: لا استنابة على المعضوب بحال، لأنّه لا نيابة عن الحي عنده، و لا حجّ على من لا يستطيع بنفسه(5). و هو حسن.

و عند أبي حنيفة لا حجّ على المعضوب ابتداء و لكن لو طرأ العضب بعد الوجوب، لم يسقط عنه، و عليه أن ينفق على من يحجّ عنه(6).

و أخبارنا دلّت على وجوب الاستئجار على المعضوب، و قد سلفت.

و شرطه أن يكون للمعضوب مال يستأجر به من يحجّ عنه، و أن يكون ذلك المال فاضلا عن الحاجات المذكورة فيما لو كان يحجّ بنفسه، إلاّ أنّا اعتبرنا هناك أن يكون الصرف إلى الزاد و الراحلة فاضلا عن نفقة عياله إلى الإياب، و هنا نعتبر أن يكون فاضلا عن نفقتهم و كسوتهم يوم الاستئجار، و لا يعتبر بعد فراغ الأجير من الحجّ مدّة إيابه.

و هل تعتبر مدّة الذهاب ؟ الأقرب: أنّه لا تعتبر - و هو أصحّ وجهي

ص: 131


1- الوجيز 110:1، فتح العزيز 43:7، المجموع 98:7 و 114.
2- فتح العزيز 43:7-44، المجموع 98:7.
3- مضى في المسألتين 49 و 69.
4- فتح العزيز 44:7.
5- فتح العزيز 44:7.
6- فتح العزيز 44:7.

الشافعية(1) - بخلاف ما إذا كان يحجّ عن نفسه، فإنّه إذا لم يفارق أهله، يمكنه تحصيل نفقتهم، كما في الفطرة لا يعتبر فيها إلاّ نفقة اليوم.

و كذا في الكفّارات المرتّبة إذا لم نشترط تخلّف رأس المال.

ثم ما في يده إن وفى بأجرة راكب، فلا يجب، و إن لم يف إلاّ بأجرة ماش، فالأقرب في صورة وجوب الاستئجار وجوبه هنا - و هو أصحّ وجهي الشافعية(2) أيضا - بخلاف ما كان يحجّ بنفسه، لا يكلّف المشي، لما فيه من المشقّة، و لا مشقّة عليه في المشي الذي تحمّله الأجير.

و الثاني: أنّه لا يلزم استئجار الماشي، لأنّ الماشي على خطر، و في بذل المال في أجرته تغرير به(3).

و لو طلب الأجير أكثر من اجرة المثل، لم يلزم الاستئجار، و إن رضي بأقلّ منها، لزمه، و لو امتنع من الاستئجار، فالأقرب: إلزام الحاكم له.

و للشافعية وجهان، أشبههما عندهم: أنّه لا يستأجر عليه(4).

مسألة 100:

قد بيّنّا أنّ شرط الاستئجار عن المعضوب وجود المال للمعضوب، فلو لم يكن له مال و لكن بذل له الأجنبي مالا ليستأجر به، لم يلزمه القبول، كالصحيح.

و للشافعية في لزوم قبوله وجهان:

أحدهما: يلزم، لحصول الاستطاعة بالبذل.

و أصحّهما: أنّه لا يلزم، لما فيه من المنّة الثقيلة(5).

و لو كان الباذل واحدا من بنيه و بناته و [1] أولادهم للطاعة في الحجّ، فالأقرب: عدم وجوب القبول - و به قال أبو حنيفة و أحمد(6) - لأنّه غير

ص: 132


1- فتح العزيز 45:7، المجموع 95:7.
2- فتح العزيز 45:7، المجموع 95:7.
3- فتح العزيز 45:7، المجموع 95:7.
4- فتح العزيز 45:7، المجموع 95:7.
5- الوجيز 111:1، فتح العزيز 45:7، المجموع 95:7 و 99.
6- فتح العزيز 45:7.

مستطيع.

و قال الشافعي: يجب، لأنّ وجوب الحجّ معلّق بوجود الاستطاعة و قد حصلت، لأنّ الاستطاعة تارة تكون بالنفس، و تارة تكون بالأنصار و الأعوان، و لهذا يصدق ممّن لا يحسن البناء أن يقول: أنا مستطيع للبناء إذا تمكّن منه بالأسباب و الأعوان.

ثم شرط في باذل الطاعة أن لا يكون صرورة و لا معضوبا، و أن يكون موثوقا بصدقه(1).

و إذا ظنّ تحقّق الطاعة، فهل يلزمه الأمر؟ [1] وجهان للشافعية:

أحدهما: لا، لأنّ الظنّ قد يخطئ.

و أظهرهما عندهم: نعم إذا وثق بالإجابة، لحصول الاستطاعة(2).

و لو بذل المطيع الطاعة فلم يأذن المطاع، فهل ينوب الحاكم عنه ؟ فيه وجهان: أحدهما: لا، لأنّ الحجّ على التراخي عندهم(3).

و إذا اجتمعت الشرائط و مات المطيع قبل أن يأذن، فإن مضى وقت إمكان الحجّ، استقرّ في ذمّته، و إلاّ فلا.

و لو كان له من يطيع و لم يعلم بطاعته، فهو كمن له مال موروث و لم يعلم به.

و لو بذل الولد الطاعة ثم أراد الرجوع، فإن كان بعد الإحرام، لم يكن له ذلك، و إن كان قبله، جاز له الرجوع، و هو أظهر وجهي الشافعية(4).

مسألة 101:

لو بذل الأجنبي الطاعة، ففي لزوم القبول للشافعية وجهان:

أصحّهما: أنّه يلزم، لحصول الاستطاعة، كما لو كان الباذل الولد.

ص: 133


1- فتح العزيز 45:7-46، المجموع 95:7-96.
2- فتح العزيز 46:7، المجموع 96:7.
3- فتح العزيز 46:7، المجموع 96:7.
4- فتح العزيز 46:7، المجموع 96:7.

و الثاني: لا يلزم، لأنّه يثقل استخدامه، بخلاف الولد، لأنّه [بضعة منه] [1].

و الأخ و الأب في بذل الطاعة كالأجنبي، لأنّ استخدامهما ثقيل.

و لهم قول آخر: إنّ الأب كالابن، لاستوائهما في وجوب النفقة(1).

و لو بذل الولد المال، فالأقوى عدم وجوب القبول.

و للشافعي وجهان:

أحدهما: يلزم، كما لو بذل الطاعة.

و أصحّهما: عدمه، لأنّ قبول المال يستلزم منّة عظيمة، فإنّ الإنسان يستنكف عن الاستعانة بمال الغير، و لا يستنكف عن الاستعانة ببدنه في الأشغال(2).

و بذل المال للابن كبذل الابن للأب، أو كبذل الأجنبي ؟ للشافعية وجهان(3).

و كلّ ما قلنا في بذل الطاعة فإنّه مفروض فيما إذا كان راكبا، أمّا إذا بذل الابن الطاعة على أن يحجّ ماشيا، ففي لزوم القبول للشافعية وجهان:

أحدهما: لا يلزم، كما لا يلزم الحجّ ماشيا.

و الثاني: يلزم إذا كان قويّا، فإنّ المشقّة لا تناله(4).

هذا إذا كان الباذل للطاعة مالكا للزاد، فإن عوّل على التكسّب في الطريق، ففي وجوب القبول وجهان(5) ، و هنا عدمه أولى، لأنّ المكاسب قد تنقطع في الأسفار.7.

ص: 134


1- فتح العزيز 46:7، المجموع 97:7.
2- فتح العزيز 46:7، المجموع 97:7.
3- فتح العزيز 47:7، المجموع 97:7.
4- فتح العزيز 47:7، المجموع 97:7.
5- فتح العزيز 47:7، المجموع 98:7.

و إن لم يكن كسوبا و عوّل على السؤال فأولى بالمنع، لأنّ السائل قد يردّ.

و لو كان يركب مفازة لا يجدي فيها كسب و لا سؤال، لم يجب القبول إجماعا، لأنّ التغرير بالنفس حرام.

مسألة 102:

قد بيّنّا جواز الاستئجار في الحجّ عند علمائنا، و به قال الشافعي و مالك(1).

و قال أبو حنيفة و أحمد: لا يجوز الاستئجار على الحجّ، كما في سائر العبادات، و لكن يرزق عليه، و لو استأجر لكان ثواب النفقة للآمر، و يسقط عنه الخطاب بالحجّ، و يقع الحجّ عن الحاجّ(2). و قد تقدّم(3) القول فيه.

و عندنا و عند الشافعي يجوز الحجّ بالرزق، كما يجوز الإجارة، بأن يقول: حجّ عنّي و أعطيك نفقتك أو كذا. و لو استأجره بالنفقة، لم يصحّ، للجهالة(4).

ثم الاستئجار ضربان: استئجار عين الشخص، بأن يقول المؤجر:

آجرتك نفسي لأحجّ عنك أو عن ميّتك بنفسي بكذا، و إلزام ذمّته العمل، بأن يستأجره ليحصّل له الحجّ إمّا بنفسه أو بغيره، و يلزم المستأجر إيجاب ذلك في ذمّته، و يفترقان في ما يأتي.

و كلّ واحد من ضربي الإجارة إمّا أن يعيّن زمان العمل فيها أو لا يعيّن، و إن عيّن فأمّا السنة الأولى أو غيرها، فإن عيّن السنة الأولى، جاز بشرط أن

ص: 135


1- الأم 124:2، فتح العزيز 49:7، المجموع 120:7 و 139، الحاوي الكبير 257:4 و 258، الكافي في فقه أهل المدينة: 166، المنتقى - للباجي - 271:2، المغني 3: 186.
2- المغني 186:3، الشرح الكبير 185:3، فتح العزيز 49:7.
3- تقدّم في المسألة 55.
4- فتح العزيز 49:7.

يكون الخروج و الحجّ فيما بقي منها مقدورا للأجير، فلو كان الأجير مريضا لا يمكنه الخروج، أو كان الطريق مخوفا، أو كانت المسافة بحيث لا تقطع في بقية السنة، لم يصح العقد، لأنّ المنفعة غير مقدورة.

و إن عيّنا غير السنة الأولى، صحّ عندنا و عند أبي حنيفة(1) ، للأصل و العمومات، و سيأتي بيانه.

و قال الشافعي: لا يجوز، كاستئجار الدار الشهر المقبل، إلاّ إذا كانت المسافة لا تقطع في سنة(2).

و أمّا في الإجارة الواردة على الذمّة فيجوز تعيين السنة الاولى و غيرها، و هو بمثابة الدّين في الذمّة قد يكون حالاّ و قد يكون مؤجّلا.

و إن أطلقا، فهو كما لو عيّنا السنة الأولى، إلاّ في شيء سيأتي بيانه.

و لا يقدح في الإجارة في الذمّة كونه مريضا، لإمكان الاستنابة، و لا خوف الطريق و ضيق الوقت إنّ عيّنا غير السنة الأولى.

مسألة 103:
اشارة

إذا استؤجر المعيّن للحجّ في تلك السنة، لم يجز له التأخير.

و هل تجب عليه المبادرة مع أول رفقة ؟ الأقرب: عدم الوجوب. و يجوز وقوع عقد الإجارة قبل خروج الناس، و له انتظار الرفقة، و لا يلزمه المبادرة وحده، بل و لا مع أول قافلة، و هو اختيار جماعة من الشافعية(3).

و قال أكثرهم: يشترط وقوع العقد في زمان خروج الناس من ذلك البلد حتى لا يصح استئجار المعيّن إلاّ في وقت خروج القافلة من ذلك البلد بحيث يشتغل عقيب العقد بالخروج أو بأسبابه من شراء الزاد و نحوه، فإن كان قبله، لم يصح، لأنّ إجارة الزمان المستقبل عندهم لا يجوز، و بنوا على ذلك أنّه لو كان

ص: 136


1- راجع: الوجيز 111:1.
2- فتح العزيز 49:7، المجموع 120:7.
3- فتح العزيز 50:7، المجموع 123:7.

الاستئجار بمكة لم يجز إلاّ في أشهر الحج ليمكنه الاشتغال بالعمل عقيب العقد(1).

و لو وقع العقد في وقت تراكم الثلوج و الانداء، فوجهان للشافعية:

أحدهما: الجواز، لأنّ توقّع زوالها مضبوط، و عدمه، لتعذّر الاشتغال بالعمل في الحال، بخلاف انتظار الرفقة، فإنّ خروجها في الحال غير متعذّر(2).

هذا كلّه في إجارة العين، أمّا الإجارة الواردة على الذمّة فيجوز تقديمها على الخروج لا محالة عندنا و عندهم(3).

تذنيب:

ليس للأجير في إجارة العين أن يستنيب غيره، لأنّ الفعل مضاف إليه، و الأغراض تختلف باختلاف الاجراء، و لو قال: لتحجّ عنّي بنفسك، فهو أوضح في المنع من الاستنابة.

و أمّا في الإجارة على الذمّة، فإذا قال: ألزمت ذمّتك لتحصّل لي حجّة، جاز أن يستنيب غيره، و لو قال: لتحجّ بنفسك، لم تجز الاستنابة.

و قال بعض الشافعية. تبطل لو قال: لتحجّ بنفسك، لأنّ الذمّيّة مع اشتراط معين يتناقضان، فصار كما لو أسلم في ثمرة بستان بعينه(4). و ليس بجيّد.

و لو أمره بالاستئجار، لم يجز له المباشرة.

مسألة 104:

يجب أن تكون أعمال الحج معلومة عند المتعاقدين وقت العقد، لبطلان العقد على المجهول، فإن علماها عند العقد، فلا بحث، و إن جهلاها أو أحدهما فلا بدّ من الإعلام.

و هل يشترط تعيين الميقات الذي يحرم منه الأجير؟ الأقرب: عدمه، عملا بالأصل.

و للشافعي قولان: هذا أحدهما، و الثاني: يشترط، لاختلاف

ص: 137


1- فتح العزيز 50:7، المجموع 123:7-124
2- فتح العزيز 50:7، المجموع 124:7.
3- فتح العزيز 50:7، المجموع 124:7.
4- فتح العزيز 50:7.

الأغراض باختلاف المواقيت(1).

لكن علماؤنا رووا أنه إذا أمره بالحجّ على طريق معيّن، جاز له العدول عنه(2).

و لأصحابه طريقان، أظهرهما: أنّ المسألة على قولين: أحدهما:

الاشتراط، لاختلاف الأغراض باختلافها [3]، و عدمه - و هو الأظهر عندهم - لأنّ الحمل على ميقات البلدة على العادة الغالبة.

و الطريق الثاني: تنزيل القولين على حالين، و لمن قال به طريقان:

أظهرهما: حمل القول الأول على ما إذا كان لبلدة طريق واحد و له ميقات واحد، و حمل الثاني على ما إذا كان للبلد طريقان مختلفا الميقات، أو كان يفضي طريقها إلى ميقاتين، كالعقيق و ذات عرق.

و الثاني: حمل الأول على ما إذا كان الاستئجار لميّت، و الثاني على ما إذا استأجر الحيّ.

و الفرق: أنّ الحيّ له غرض و اختيار، و الميّت لا غرض له و لا اختيار، و المقصود براءة ذمّته، و هي تحصل بالإحرام من أيّ ميقات كان، فإن شرطنا تعيّن الميقات، فسدت الإجارة بإهماله، لكن يقع الحجّ عن المستأجر، لوجود الإذن، و تلزم اجرة المثل(3).

و إذا وقعت الإجارة للحجّ و العمرة، فلا بدّ من بيان أنّه يفرد أو يقرن أو يتمتّع، لاختلاف الأغراض بها.

مسألة 105:

يشترط في لزوم الإجارة و صحتها: الإتيان بالصيغة على الوجه المعتبر شرعا، فلو قال: من حجّ عنّي فله مائة، صحّ جعالة، و لا تكون

ص: 138


1- الوجيز 111:1، فتح العزيز 51:7، الحاوي الكبير 259:4، المجموع 121:7.
2- الكافي 307:4-2، الفقيه 261:2-1271، التهذيب 415:5-1445.
3- فتح العزيز 51:7، المجموع 121:7.

إجارة، و لا تلزم المائة إلاّ بالعمل.

و للشافعي قولان:

أحدهما: البطلان، لأنّ العامل غير معيّن، و إنّما يحتمل ذلك عند تعذّر الإجارة، للضرورة.

و الثاني: الصحة - كما قلناه - لأنّ الجعالة تصح على كلّ عمل يصح إيراد الإجارة عليه، لأنّ الجعالة جائزة مع كون العمل مجهولا فمع العلم به تكون أولى بالجواز.

و على القول بفساد الجعالة لو حجّ عنه إنسان، فالمسمّى ساقط، لفساد العقد، لكن الحج يقع عن المستأجر، و للعامل اجرة المثل، لوجود الإذن و إن فسد العقد.

و كذا الحكم عندهم لو قال: من خاط ثوبي فله كذا، فخاطه إنسان.

و لهم وجه: أنّه يفسد الإذن، لعدم تعيين المأذون له، كما لو قال:

وكّلت من أراد بيع داري، لا يصحّ التوكيل، لأنّه ليس موجّها نحو معيّن(1).

مسألة 106:

إذا أعطى الإنسان غيره حجّة ليحجّ عنه من بلد، فحجّ عنه من بلد آخر، فإن لم يتعلّق غرض المستأجر بذلك، أجزأ، لأنّ سلوك الطريق غير مقصود لذاته، و إنّما المقصود بالذات الحجّ و قد حصل.

و لما رواه حريز بن عبد اللّه - في الصحيح - عن الصادق عليه السلام، قال: سألته عن رجل أعطى رجلا حجّة يحجّ عنه من الكوفة، فحجّ عنه من البصرة، قال: «لا بأس إذا قضى جميع المناسك فقد تمّ حجّه»(2).

إذا عرفت هذا، فإنّه يجب على الأجير ردّ التفاوت بين الطريقين إن كان.

ما سلكه أسهل ممّا استؤجر عليه، لأنّ العادة قاضية بنقصان اجرة الأسهل عن

ص: 139


1- فتح العزيز 51:7-52، المجموع 122:7، الحاوي الكبير 275:4.
2- الكافي 307:4-2، التهذيب 415:5-1445.

أجرة الأصعب، و قد استؤجر للأصعب و لم يأت به، فيتعيّن عليه ردّ التفاوت.

و لو استؤجر للسلوك بالأسهل فسلك الأصعب، لم يكن له شيء.

هذا إذا لم يتعلّق غرض المستأجر بتعيين الطريق، و إن تعلّق غرض المستأجر بطريق معيّن، فاستأجر على أن يسلكه الأجير، فسلك غيره، فالأقرب فساد المسمّى، و الرجوع إلى أجرة المثل، و يجزئ الحجّ عن المستأجر، سواء سلك الأصعب أو الأسهل، لأنّه استؤجر على فعل و أتى ببعضه.

إذا ثبت هذا، فالأقرب أنّ الرواية تضمّنت مساواة الطريقين إذا كان الإحرام من ميقات واحد، أمّا مع اختلاف الميقاتين، فالأقرب المنع، لاختلافهما قربا و بعدا، و اختلاف الأغراض، و تفاوت الأجر بسبب تفاوتهما، و إطلاق الأصحاب ينبغي أن يقيّد بما دلّ مفهوم الرواية عليه.

إذا عرفت هذا، فلو خالف في سلوك ما شرطه [المستأجر] [1] من الطرق فأحصر، لم يستحق الأجير شيئا في الموضعين.

مسألة 107:

إذا استأجره ليحجّ عنه بنفسه، فإمّا أن يعيّن الزمان أو لا، فإن عيّنه، وجب أن يكون الأجير على صفة يمكنه التلبّس بالإحرام في أشهر الحجّ، فإن لم يمكنه ذلك إمّا لضيق الوقت أو لمرض أو لغير ذلك، بطل القيد، لأنّه عقد على ما لا يصح.

و إذا كان الأجير ممّن يصح منه الحجّ فأخّر حتى فات الوقت، و خالف إمّا لعذر أو لغير عذر، بطل العقد، لأنّ الوقت الذي عيّنه قد فات، و كان للمستأجر الخيار بين استئجاره في السنة الأخرى و بين استئجار غيره.

و لو ضمن الأجير الحجّ في السنة الأخرى، لم تجب إجابته، بل لو أجيب لافتقر إلى عقد آخر.

ص: 140

و للشافعية طريقان: أظهرهما: أنّه على قولين كالقولين فيما لو حلّ السلم و المسلم فيه منقطع:

أحدهما: ينفسخ، لفوات مقصود العقد.

و أصحّهما: لا ينفسخ، كما لو أخّر أداء الدّين عن محلّه لا ينقطع.

و الثاني: القطع بالقول الثاني.

و على القول بعدم الانفساخ ينظر إن صدر الاستئجار من المعضوب لنفسه، فله الخيار، لتفويت المقصود، كما لو أفلس المشتري بالثمن، فإن شاء أخّر ليحجّ في السنة الأخرى، و إن شاء فسخ، و استردّ الأجرة، و ارتفق بها إلى أن يستأجر غيره(1).

و إن كان الاستئجار لميّت من ماله، فقد قال بعضهم: لا خيار لمن استأجر في فسخ العقد، لأنّ الأجرة معيّنة لتحصيل الحجّ، فلا انتفاع باستردادها(2).

و قال آخرون: له الخيار، لأنّ الورثة يقصدون باسترداد الأجرة صرفها إلى من هو أحرى بتحصيل المقصود، و لأنّهم إذا استردّوها تمكّنوا من إبدالها بغيرها(3).

و قال بعضهم: إنّ على الولي مراعاة النظر للميّت، فإن كانت المصلحة في فسخ العقد لخوف إفلاس الأجير أو هربه فلم يفعل، ضمن(4).

أمّا لو كان الميّت قد أوصى بأن يحجّ عنه إنسان بمائة مثلا، لم يجز الفسخ، لأنّ الوصية مستحقّة الصرف إلى المعيّن.

و لو استأجر إنسان للميّت من مال نفسه تطوّعا عليه، فهو كاستئجار المعضوب لنفسه، فله الخيار.7.

ص: 141


1- فتح العزيز 53:7، المجموع 126:7، الحاوي الكبير 268:4-269.
2- الوجيز 112:1، فتح العزيز 53:7، المجموع 126:7.
3- فتح العزيز 53:7، المجموع 127:7.
4- فتح العزيز 53:7، المجموع 127:7.

و لو قدّم الأجير الحجّ على السنة المعيّنة، فالأقرب: الجواز، لأنّه قد زاد خيرا، و به قال الشافعي(1).

و أمّا إن لم يعيّن الزمان بل أطلق، صحّ العقد، و اقتضى الإطلاق التعجيل.

و لو شرط التأخير عاما أو عامين، جاز، و مع الإطلاق إذا لم يحجّ في السنة الأولى، لم تبطل الإجارة، لأنّ الإجارة في الذمّة لا تبطل بالتأخير، و ليس للمستأجر فسخ هذه الإجارة لأجل التأخير، فإذا أحرم في السنة الثانية، كان إحرامه صحيحا عمّن استأجره.

و قال بعض الشافعية: إذا أطلقا العقد، لم يقتض التعجيل، و جاز للمستأجر التأخير مع القدرة، و يثبت للمستأجر الخيار، لتأخير المقصود(2).

مسألة 108:

إنّه سيأتي أنّ المواقيت المؤقّتة للإحرام مواضع معيّنة وقّتها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لكلّ إقليم ميقات معيّن(3) ، لا يجوز الإحرام قبلها عند علمائنا إلاّ لناذر على خلاف بين علمائنا فيه. و كذا للمعتمر في شهر رجب إذا خاف تقضيه يجوز له الإحرام للعمرة قبل الميقات.

و أجمعت العامة على جواز الإحرام قبل الميقات(4).

إذا عرفت هذا، فنقول: إذا استأجره للحج فانتهى الأجير إلى الميقات المتعيّن شرعا أو بتعيينهما إن اعتبرناه فلم يحرم بالحج عن المستأجر و لكن أحرم بعمرة عن نفسه ثم أحرم عن المستأجر بعد فراغه من عمرته، فإمّا أن لا يعود

ص: 142


1- فتح العزيز 53:7، المجموع 128:7.
2- فتح العزيز 52:7-53، المجموع 126:7.
3- الكافي 318:4-319-1-3، التهذيب 54:5-55-166-168، صحيح البخاري 165:2، صحيح مسلم 838:2-1181، سنن أبي داود 143:2-1737 و 1738، سنن الترمذي 194:3-831، سنن البيهقي 26:5.
4- المغني 222:3، الشرح الكبير 226:3، الوجيز 114:1، فتح العزيز 95:7، بدائع الصنائع 164:2.

إلى الميقات بأن أحرم من جوف مكة، وقع الحجّ عن المستأجر بحكم الإذن، فكان يجوز أن يقال: المأذون فيه الحجّ من الميقات، و هذا الخصوص متعلّق الغرض، فلا يتناول الإذن غيره، فيحطّ شيء من الأجرة المسمّاة و إن وقع الحجّ عن المستأجر، لمجاوزته الميقات و كان الواجب عليه أن يحرم منه.

و قال أبو حنيفة: إذا أحرم عن نفسه ثم حجّ عن المستأجر بإحرام من مكة من غير أن يرجع إلى الميقات، لم يقع فعله عن الآمر، و يردّ جميع النفقة إليه، لأنّه أتى بغير ما أمر به(1).

و الأول مذهب الشافعي، لأنّه ما أخلّ إلاّ بما يجبره الدم، فلم تسقط أجرته(2).

و في قدر المحطوط اختلاف مبني على أنّ الأجرة تقع في مقابلة أعمال الحجّ وحدها، أو يتوزّع على المسير من بلد الإجارة و الأعمال، فإن قلنا بالثاني - و هو الأظهر عند الشافعية(3) - فقولان: أحدهما: أنّ المسافة لا تحتسب له هاهنا، لأنّه صرفه إلى غرض نفسه حيث أحرم بالعمرة من الميقات، فعلى هذا توزّع الأجرة المسمّاة على حجّة منشأة من بلد الإجارة و إحرامها من الميقات، و على حجّة منشأة من جوف مكة، فإذا كانت أجرة الحجّة المنشأة من بلد الإجارة مائة، و اجرة الحجّة المنشأة من مكة عشرة، حطّ من الأجرة المسمّاة تسعة أعشارها.

و أصحّهما عندهم: أنّها تحسب له، لأنّ الظاهر أنّه يقصد بها تحصيل الحجّ الملتزم، إلاّ أنّه أراد أن يربح في سفره عمرة، فعلى هذا تتوزّع الأجرة المسمّاة على حجّة منشأة من بلد الإجارة إحرامها من الميقات و على حجّة منشأه منها أيضا إحرامها من مكة، فإذا كانت أجرة الاولى مائة و اجرة الثانية:7

ص: 143


1- المغني و الشرح الكبير 190:3.
2- فتح العزيز 55:7، المجموع 129:7، المغني و الشرح الكبير 190:3.
3- فتح العزيز 55:7، المجموع 129:7

تسعين، حطّ من الأجرة المسمّاة عشرها(1).

و إن قلنا: إنّ الأجرة تقع في مقابلة أعمال الحج وحدها، فتوزّع الأجرة المسمّاة على حجّة من الميقات، و هي التي قوبلت بها، و على حجّة من جوف مكة، فإذا كانت أجرة الاولى خمسة و اجرة الثانية درهمين، حططنا من الأجرة ثلاثة أخماسها.

و لو جاوز الميقات بغير إحرام ثم أحرم بالحج عن المستأجر، يلزمه دم الإساءة، و سيأتي الخلاف في أنّ الإساءة هل تنجبر بالدم حتى لا يحطّ شيء من الأجرة أم لا؟ قال بعض الشافعية: إنّ ذلك الخلاف عائد هنا، و إنّ الخلاف في قدر المحطوط مفرّع على القول في قدر الحط، و يجوز أن يقطع هنا بأنّه لا تنجبر الإساءة، و يفرّق بأنّه ارتفق هاهنا بالمجاوزة حيث أحرم بالعمرة لنفسه(2).

القسم الثاني [1]: أن يعود إلى الميقات بعد الفراغ من العمرة و أحرم بالحج، فإن قلنا: الأجرة في مقابلة الأعمال وحدها أو وزّعناها عليها و على السير و احتسبنا المسافة هنا، وجبت الأجرة بتمامها، و هو الأظهر عندهم(3) ، و إن وزّعناها عليها و لم تحسب المسافة هاهنا، فتوزّع الأجرة على حجة منشأة من بلد الإجارة إحرامها من الميقات و على حجّة من الميقات من غير قطع مسافة.

و لو جاوز الميقات بلا اعتمار ثم أحرم بالحج عن المستأجر، فإن عاد إلى الميقات و أحرم منه عن المستأجر، فلا شيء عليه و لا حطّ من الأجرة، و إن لم يعد، فعليه دم الإساءة بالمجاوزة.

و هل ينجبر به الخلل حتى لا يحطّ شيء من الأجرة ؟ فيه قولان7.

ص: 144


1- فتح العزيز 56:7، المجموع 129:7.
2- فتح العزيز 56:7-57، المجموع 129:7.
3- فتح العزيز 57:7، المجموع 129:7.

للشافعية:

أحدهما: نعم، لأنّ الدم شرّع للجبر.

و أظهرهما: المنع، لأنّه نقص من العمل الذي استأجره له، و الدم يجب لحقّ اللّه تعالى، فلا ينجبر به حقّ الآدمي، كما لو جنى المحرم على صيد مملوك يلزمه الضمان مع الجزاء(1).

و منهم من قطع بالقول الثاني(2).

و على القول بعدم الانجبار فقد المحطوط يبنى على أنّ الأجرة في مقابلة العمل وحده أو توزّع على السير و العمل جميعا؟ إن قلنا بالأول، وزّعت الأجرة المسمّاة على حجة من الميقات و حجّة من حيث أحرم، و إن قلنا بالثاني و اعتبرنا المسافة، وزّعت على حجّة من بلدة الإجارة و إحرامها من الميقات و على حجّة منها إحرامها من حيث أحرم.

و الخلاف في اعتبار المسافة هاهنا إذا رتّب على الخلاف فيما إذا أحرم بعمرة عن نفسه، كانت هذه الصورة أولى بالاعتبار، لأنّه لم يصرفها إلى غرض نفسه.

ثم لهم وجهان في أنّ النظر إلى الفراسخ وحدها أم يعتبر ذلك مع ذكر السهولة و الحزونة ؟ و الأصحّ عندهم: الثاني(3).

و لو عدل الأجير عن طريق الميقات المتعيّن إلى طريق آخر ميقاته مثل ذلك الميقات أو أبعد، فلا شيء عليه، و هو المذهب عند الشافعية(4).

هذا كلّه في الميقات الشرعي، أمّا إذا عيّنا موضعا آخر، فإن كان أقرب إلى مكة من الميقات الشرعي، فهذا الشرط فاسد مفسد للإجارة، فإنّه لا7.

ص: 145


1- فتح العزيز 57:7-58، المجموع 130:7.
2- فتح العزيز 58:7، المجموع 130:7.
3- فتح العزيز 58:7، المجموع 131:7.
4- فتح العزيز 59:7، المجموع 131:7.

يجوز لمريد النسك أن يمرّ على الميقات غير محرم، و إن كان أبعد، قال الشيخ في المبسوط: لا يلزمه ذلك، لأنّه باطل(1).

و التحقيق أن نقول: إن كان المستأجر قد نذر الإحرام قبل الميقات، لزمه الوفاء به عنده، فإذا استأجره لذلك، وجب على الأجير الوفاء به، و إن لم يكن قد نذر، لم يلزم الأجير فعله.

إذا عرفت هذا، فإن استأجره للإحرام من قبل الميقات الشرعي و سوّغناه فتجاوزه غير محرم، فهل يجب على الأجير الدم في مجاوزته غير محرم ؟ للشافعية وجهان:

أحدهما: عدم الوجوب، لأنّ الدم منوط بالميقات الواجب شرعا، فلا يلحق به غيره، و لأنّ الدم يجب حقّا للّه تعالى، و الميقات المشروط إنّما يتعيّن حقّا للمستأجر، و الدم لا يجبر حقّ الآدمي.

و أظهرهما عندهم: أنّه يلزم، لأنّ تعيّنه و إن كان لحقّ الآدمي فالشارع هو الذي يحكم به و يتعلّق به حقّه، فإن قلنا بالأول، حطّ قسط من الأجرة قطعا، و إن قلنا بالثاني، ففي حصول الانجبار الوجهان(2).

و كذلك لزوم الدم بسبب ترك المأمور به كالرمي و المبيت.

و إن لزمه بسبب ارتكاب محظور كاللّبس و القلم، لم يحط شيء من الأجرة، لأنّه لم ينقص شيء من العمل.

و لو شرط على الأجير أن يحرم في أول شوّال فأخّره، لزم الدم، و في الانجبار الخلاف(3) ، و كذا لو شرط عليه أن يحجّ ماشيا فحجّ راكبا، لأنّه ترك شيئا مقصودا.

مسألة 109:

أنواع الحجّ ثلاثة على ما يأتي(4): تمتّع و هو أفضلها،

ص: 146


1- المبسوط - للطوسي - 322:1.
2- فتح العزيز 59:7، المجموع 131:7.
3- فتح العزيز 59:7، المجموع 131:7.
4- يأتي في المسألة 125.

و قران و إفراد، فعندنا إنّ التمتّع فرض من نأى عن مكة لا يجوز له غيره إلاّ مع الضرورة، و القران و الإفراد فرض أهل مكة و حاضريها لا يجوز له غيرهما إلاّ مع الاضطرار.

إذا ثبت هذا، فإذا استأجره ليحجّ عنه، وجب تعيين أحد الأنواع، فإذا أمره بالحجّ متمتّعا فامتثل، أجزأه إجماعا، و دم المتعة لازم للأجير، لأنّه من مقتضيات العقد، كفعل من الأفعال، إلاّ أن يشترطه على المستأجر فيلزمه، و إن خالفه إلى القران، لم يجزئه، لأنّه لم يفعل ما استأجره فيه.

و إن استأجره ليفرد فتمتّع أو قرن، أجزأه، قاله الشيخ(1) رحمه اللّه، لأنّه عدل إلى الأفضل و أتى بما استؤجر فيه و زيادة.

و إن استأجره للقران فقرن، صحّ، لأنّه استأجره له، و الهدي الذي به يكون قارنا لازم للأجير، لأنّ إجارته تتضمّنه، فإن شرطه على المستأجر، جاز.

و إن خالفه و تمتّع، قال الشيخ رحمه اللّه: جاز، لأنّه عدل إلى ما هو الأفضل، و يقع النسكان معا عن المستأجر، و إن أفرد، لم يجزئه، لأنّه لم يفعل ما استأجره فيه(2).

و قال الشافعي: إذا أمره بالقران فامتثل، وجب دم القران على المستأجر في أصحّ الوجهين، لأنّه مقتضى الإحرام الذي أمره، و كأنّه القارن بنفسه.

و الثاني: على الأجير، لأنّه قد الزم القران، و الدم من تتمتّه.

فعلى الأول لو شرطا أن يكون على الأجير، فسدت الإجارة، لأنّه جمع بين الإجارة و بيع المجهول، كأنّه يشتري الشاة منه و هي غير معيّنة و لا موصوفة، و الجمع بين الإجارة و بيع المجهول فاسد.

و لو كان المستأجر معسرا، فالصوم يكون على الأجير، لأنّ بعض الصوم1.

ص: 147


1- المبسوط - للطوسي - 324:1.
2- المبسوط - للطوسي - 324:1.

ينبغي أن يكون في الحج، و الذي في الحج منهما هو الأجير(1).

و قال بعضهم: هو كما لو عجز عن الهدي و الصوم جميعا. و على الوجهين يستحقّ الأجرة بتمامها(2).

و إن عدل إلى الإفراد فحجّ ثم اعتمر، قال الشافعي: يلزمه أن يردّ من الأجرة ما يخصّ العمرة(3).

و هو محمول عند أصحابه على ما إذا كانت الإجارة على العين، فإنّه لا يجوز له تأخير العمل فيها عن الوقت المعيّن.

و إن كانت في الذمّة، فإن عاد إلى الميقات للعمرة، فلا شيء عليه، و قد زاد خيرا، و لا شيء على المستأجر أيضا، لأنّه لم يقرن، و إن لم يعد، فعلى الأجير دم، لمجاوزته الميقات للعمرة.

و هل يحطّ شيء من الأجرة أم تنجبر الإساءة بالدم ؟ فيه الخلاف السابق(4).

و إن عدل إلى التمتّع، فقد قال بعضهم: إن كانت الإجارة إجارة عين، لم يقع الحج عن المستأجر، لوقوعه في غير الوقت المعيّن، و إن كانت الإجارة على الذمّة، نظر إن عاد إلى الميقات للحج، فلا دم عليه و لا على المستأجر، و إن لم يعد، فوجهان: أحدهما: لا يجعل مخالفا، لتقارب [1] الجهتين، فإنّ في القران نقصانا في الأفعال و إحراما من الميقات، و في التمتّع كمالا في الأفعال و نقصانا في الإحرام، لوقوعه بعد مجاوزة الميقات، فعلى هذا: الحكم كما لو امتثل(5).

و في كون الدم على الأجير أو المستأجر للشافعية وجهان(6).7.

ص: 148


1- فتح العزيز 60:7-61، المجموع 132:7.
2- فتح العزيز 61:7، المجموع 132:7.
3- فتح العزيز 61:7، المجموع 132:7.
4- فتح العزيز 61:7، المجموع 132:7.
5- فتح العزيز 62:7، المجموع 132:7.
6- فتح العزيز 62:7، المجموع 132:7.

و قال بعضهم: يجب على الأجير دم، لتركه الإحرام من الميقات، و على المستأجر دم آخر، لأنّ القران الذي أمر به يتضمّنه(1).

و لو أمره بالتمتّع فأفرد، فالأقرب أنّه لا يستحقّ أجرا، لأنّه لم يفعل ما استؤجر له.

و قال الشافعي: ينظر إن قدّم العمرة و عاد للحجّ إلى الميقات، فقد زاد خيرا، و إن أخّر العمرة فإن كانت الإجارة إجارة عين، انفسخت فيها، لفوات الوقت المعيّن للعمرة، فيردّ حصتها من المسمّى، و إن كانت الإجارة على الذمّة و عاد للعمرة إلى الميقات، لم يلزمه شيء، و إن لم يعد، فعليه دم، لترك الإحرام بالعمرة من الميقات، و في حطّ شيء من الأجرة الخلاف السابق.

و إن قرن فقد زاد خيرا، لأنّه أحرم بالنسكين من الميقات و كان مأمورا بأن يحرم بالعمرة منه و بالحجّ من مكة.

ثم إن عدّد الأفعال، فلا شيء عليه، و إلاّ فوجهان في أنّه هل يحطّ شيء من الأجرة، للاختصار في الأفعال و في أنّ الدم على المستأجر، لأمره بما يتضمّن الدم، أو على الأجير، لنقصان الأفعال ؟ و كلّ ذلك مخرّج على الخلاف المقدّم في عكسه، و هو ما إذا تمتّع المأمور بالقران(2).

و لو أمره بالإفراد فقرن، فالأقرب: الإجزاء، و هدي القران على الأجير، لتبرّعه.

و أمّا الشافعية فقالوا: إن كانت الإجارة على العين، فالعمرة واقعة لا في وقتها، فهو كما لو استأجره للحجّ وحده فقرن، و إن كانت في الذمّة وقعا عن المستأجر، لأنّ القران كالإفراد شرعا في إخراج الذمّة عن العهدة، و على الأجير الدم.

و هل يحطّ شيء من الأجرة أو ينجبر الخلل بالدم ؟ فيه الخلاف7.

ص: 149


1- فتح العزيز 63:7، المجموع 133:7.
2- فتح العزيز 63:7-64، المجموع 133:7.

المتقدّم.

و إن تمتّع، فإن كانت الإجارة على العين و قد أمره بتأخير العمرة، فقد وقعت في غير وقتها، فيردّ ما يخصّها من الأجرة.

و إن أمره بتقديمها أو كانت الإجارة على الذمّة، وقعا عن المستأجر، و على الأجير دم إن لم يعد للحجّ إلى الميقات، و في حطّ شيء من الأجرة الخلاف السابق(1).

و اعلم أنّ بعض الشافعية استشكل هذه المسائل، فإنّها قد اشتركت في العدول عن الجهة المأمور بها إلى غيرها، و هو [غير] [1] قادح في وقوع النسكين عن المستأجر.

و فيه إشكال، لأنّ ما يراعى الإذن في أصله يراعى في تفاصيله المقصودة، فإذا خالف، كان المأتي به غير المأذون فيه(2).

مسألة 110:

إذا جامع الأجير قبل الوقوف بالموقفين، فسد حجّه، و انقلبت الحجّة إلى الأجير، فتلزمه الكفّارة، و المضيّ في الفاسد، و القضاء للفاسد عنه، لأنّه استؤجر للحجّ الصحيح و لم يأت به بل بحجّ فاسد، فليصرف إليه، كما لو أمره بشراء شيء بصفة فاشترى على غير تلك الصفة، يقع عن المأمور، و الحجّ قابل للنقل عن الحالة التي انعقد عليها، فإنّ حجّ الصبي ينعقد نفلا، فإذا بلغ قبل الوقوف، انقلب فرضا، و هو أحد قولي الشافعي(3).

و الثاني: أنّه لا ينقلب الحجّ إلى الأجير و لا يجب القضاء، لأنّ الإحرام قد انعقد عن المستأجر فلا ينقلب إلى غيره، و لا قضاء، لأنّ من له الحجّ لم

ص: 150


1- فتح العزيز 64:7، المجموع 133:7.
2- فتح العزيز 65:7.
3- فتح العزيز 66:7، المجموع 134:7.

يفسده، فلا يؤثّر فعل غيره فيه(1).

و في رواية إسحاق بن عمّار عن الصادق عليه السلام في رجل حجّ عن رجل فاجترح في حجّه شيئا يلزمه فيه الحجّ من قابل أو كفّارة، قال: «هي للأول تامّة، و على هذا ما اجترح»(2).

إذا عرفت هذا، فعلى ما اخترناه إن كانت السنة معيّنة، انفسخت الإجارة، و لزم المستأجر أن يستأجر من ينوب عنه فيها، و إن لم تكن معيّنة، بل كانت في الذمة، لم تنفسخ، و عليه أن يأتي بحجّة أخرى في المستقبل عمّن استأجره بعد أن يقضي الحجّة التي أفسدها عن نفسه، و لم يكن للمستأجر فسخ هذه الإجارة عليه، و الحجّة الأولى فاسدة لا تجزئ عنه، و الثانية قضاء عنها عن نفسه، ثم يقضي بعد ذلك الحجّ الذي استؤجر له.

و قال الشافعي: إن كانت الإجارة على العين، انفسخت، و القضاء الذي يأتي به الأجير يقع عنه، و إن كانت في الذمّة، لم تنفسخ.

و عمّن يقع القضاء قولان:

أحدهما: عن المستأجر، لأنّه قضاء للأول، و لو لا فساده لوقع عنه.

و أصحهما: عن الأجير، لأنّ القضاء بحكم الأداء، و الأداء وقع عن الأجير، فعلى هذا يلزمه سوى القضاء حجّة أخرى للمستأجر، فيقضي عن نفسه ثم يحجّ عن المستأجر في سنة أخرى، أو يستنيب من يحجّ عنه في تلك السنة. و حيث لا تنفسخ الإجارة فللمستأجر خيار الفسخ عند الشافعي، لتأخّر المقصود(3).

مسألة 111:

إذا أحرم الأجير عن المستأجر ثم صرف الإحرام إلى نفسه ظنّا منه بأنّه ينصرف، فأتمّ الحجّ على هذا الظنّ، فالوجه عندي: فساد

ص: 151


1- فتح العزيز 66:7، المجموع 134:7.
2- الكافي 544:4-23، التهذيب 461:5-1606.
3- فتح العزيز 66:7-67، المجموع 134:7.

الحجّ.

أمّا بالنسبة إليه: فلعدم انصرافه إليه.

و أمّا بالنسبة إلى المستأجر: فلأنّه لم ينو بباقي الأفعال النيابة، بل نوى وقوعها لنفسه و لم يقع، لبطلان الإحرام لنفسه، و لاستحقاق المستأجر ذلك الزمان، و لا يستحق الأجير الأجرة، لأنّه لم يأت بالمقصود عليه.

و قال الشافعي: يقع الحجّ للمستأجر، و في استحقاق الأجير الأجرة قولان:

أحدهما: لا يستحقّ، لأنّه أعرض عنها حيث قصد بالحجّ نفسه.

و أصحّهما عنده: الاستحقاق، لانعقاد الحجّ للمستأجر، و حصول غرضه.

و هذا الخلاف جار فيما إذا دفع ثوبا إلى صبّاغ ليصبغه، فأمسكه لنفسه و جحده و صبغه لنفسه ثمّ ردّه، هل يستحقّ الأجرة ؟ و على القول بالاستحقاق فالمستحقّ المسمّى أو اجرة المثل ؟ وجهان:

أصحهما عندهم: الأول(1).

مسألة 112:

إذا مات الحاجّ عن نفسه فلا يخلو إمّا أن يكون الحجّ قد وجب عليه أوّلا و استقرّ أولا، فإن كان الحجّ لم يجب عليه قبل هذه السنة، سقط الحج عنه مطلقا.

و إن كان الحجّ قد وجب عليه أوّلا و استقرّ و فرّط بالتأخير ثم خرج لأدائه فمات قبل فعله، فالأقرب - على ما يقتضيه مذهبنا - التفصيل، و هو أنّه إن مات بعد الإحرام و دخول الحرم، أجزأه عن الحجّ، و برئت ذمّته، لأنّ ذمّة الأجير تبرأ بذلك على ما يأتي، فكذا الأصل، و إن مات قبل الإحرام و دخول الحرم، وجب أن يقضى عنه، و لم يعتدّ بما فعله.

ص: 152


1- فتح العزيز 67:7، المجموع 134:7-135.

و إن كان الميّت الأجير، فإن كان بعد الإحرام و دخول الحرم، أجزأه ما فعله عن نفسه و عن المنوب عنه، و سقط الحجّ عن المنوب عند علمائنا، و قد تقدّم.

و إن كان قبل ذلك، لم تبرأ ذمّة المنوب، و يجب على الأجير [1] ردّ باقي مال الإجارة بعد إسقاط ما قابل فعله إن كان قد استؤجر لقطع المسافة و الحجّ، و إن كان قد استؤجر لفعل الحجّ خاصّة، لم يستحقّ شيئا في مقابلة قطع المسافة.

و قال الشافعي: إذا حجّ عن نفسه ثم مات في أثنائه، هل يجوز البناء على حجّه ؟ فيه قولان، و شبّهوهما بالقولين في جواز البناء على الأذان و الخطبة.

فالجديد - و هو الصحيح عندهم -: أنّه لا يجوز البناء على الحجّ، لأنّه عبادة يفسد أوّلها بفساد آخرها، فأشبهت الصوم و الصلاة.

و لأنّه لو أحصر فتحلّل ثم زال الحصر فأراد البناء عليه، لا يجوز، فإذا لم يجز له البناء على فعل نفسه فأولى أن لا يجوز لغيره البناء على فعله.

و القديم: الجواز، لأنّ النيابة جارية في جميع أفعال الحج فتجري في بعضها، كتفرقة الزكاة.

فعلى القديم لو مات و قد بقي وقت الإحرام بالحجّ، أحرم الثاني بالحجّ، و وقف بعرفة إن لم يقف الأصل، و لا يقف إن وقف، و يأتي ببقيّة الأعمال.

و لا بأس بوقوع إحرام النائب وراء الميقات، فإنّه مبني على إحرام أنشئ منه.

و إن لم يبق وقت الإحرام بالحجّ، فبم يحرم ؟ وجهان:

ص: 153

أحدهما: أنّه يحرم بعمرة، لفوات وقت الإحرام بالحجّ، ثم يطوف و يسعى، فيقعان عن الحجّ و لا يبيت و لا يرمي، فإنّهما ليسا من أعمال العمرة، لكنهما يجبران بالدم.

و الأصح عندهم: أن يحرم بالحجّ أيضا، و يأتي ببقية الأعمال، لأنّه لو أحرم بالعمرة، للزمه أفعال العمرة، و لما انصرفت إلى الحجّ، و الإحرام المبتدأ هو الذي يمنع تأخيره عن أشهر الحجّ، و هذا ليس إحراما مبتدأ، و إنّما هو مبني على إحرام أنشئ في وقته.

و على هذا فلو مات بين التحليلين، أحرم النائب إحراما لا يحرّم اللبس و القلم، و إنّما يحرّم النساء، لأنّ إحرام الأصل لو بقي لكان بهذه الصفة.

هذا كلّه فيما إذا مات قبل حصول التحليلين، فأمّا إذا مات بعد حصولهما، فقد قال بعضهم: لا يجوز البناء و الحال هذه، إذ لا ضرورة إليه، لإمكان جبر ما بقي من الأعمال بالدم(1).

مسألة 113:

لو مات الأجير، فعندنا قد تقدّم حكمه.

و أمّا الشافعي فقد قال: إن كان قد مات بعد الشروع في الأركان و قبل الفراغ منها فهل يستحقّ شيئا من الأجرة ؟ فيه قولان:

أحدهما: لا يستحق، لأنّه لم يسقط الفرض عن المستأجر، و هو المقصود، فأشبه ما لو التزم له مالا ليردّ عبده الآبق فردّه بعض الطريق ثم هرب.

و الثاني: نعم، لأنّه عمل بعض ما استؤجر له، فاستحقّ بقسطه من الأجرة، كما لو استؤجر لخياطة ثوب فخاط بعضه.

ثم اختلفوا فبعضهم بنى القولين هنا على القولين في أنّه هل يجوز البناء على الحجّ؟ إن قلنا: لا، فلا شيء له، لأنّ المستأجر لم ينتفع بعمله، و إن

ص: 154


1- فتح العزيز 68:7-69، المجموع 135:7.

قلنا: نعم، فله القسط.

و بعضهم نازع في هذا البناء، و قالوا: الجديد هنا: أنّه يستحقّ القسط، و الجديد من القولين في أنّه هل يبنى على الحجّ؟: المنع.

و أيضا فقد رجّح كثير من الشافعية الاستحقاق هنا، و في خلاف البناء الراجح المنع بالاتّفاق(1).

و توسّط الجويني فقال: إن جوّزنا البناء، استحقّ الأجير قسطا من الأجرة، و إلاّ ففيه الخلاف.

و وجه الاستحقاق: أنّه لا تقصير من الأجير، و المأتي به ينفع المستأجر في الثواب.

و وجه المنع: أنّ ما كان على المستأجر قد بقي بحاله، فكأنّ الأجير لم يعمل له شيئا(2).

و إذا قلنا: يستحقّ قسطا، فالأجرة تقسّط على الأعمال وحدها أو عليها مع السير؟ فيه قولان.

وجه الأول: أنّ المقصود الأعمال، و السير وسيلة إليها، و الأجرة تقابل المقصود.

و الثاني - و هو الأظهر عندهم -: أنّ الوسائل تأخذ حكم المقاصد، و التعب في السير أكثر منه في الأعمال، فيبعد أن لا يقابل بشيء(3).

و منهم من قال: لا خلاف في المسألة، و لكن إن قال: استأجرتك لتحجّ عنّي، فالتقسيط على الأعمال خاصة، و لو قال: لتحجّ عنّي من بلد كذا، فالتقسيط عليهما معا(4).7.

ص: 155


1- فتح العزيز 70:7.
2- فتح العزيز 70:7-71.
3- فتح العزيز 71:7.
4- فتح العزيز 71:7، المجموع 136:7.

ثم إن كانت الإجارة على العين انفسخت و لا بناء لورثة الأجير، كما لم يكن له أن يبني بنفسه.

و هل للمستأجر أن يستأجر من يتمّه ؟ فيه قولان مبنيّان على القولين في جواز البناء، إن جوّزناه فله ذلك، و إلاّ فلا.

و إن كانت الإجارة على الذمّة، فإن لم نجوّز البناء، فلورثة الأجير أن يستأجروا من يحجّ عمّن استؤجر له مورّثهم، فإن تمكّنوا منه في تلك السنة لبقاء الوقت فذاك، و إلاّ فللمستأجر الخيار، و إن جوّزنا البناء، فلهم أن يتمّوا الحجّ(1).

و إن مات الأجير بعد ما أخذ في السير و قبل أن يحرم، فالمنقول عن نصّ الشافعي في عامّة كتبه أنّه لا يستحقّ شيئا من الأجرة، لأنّه بسبب لم يتّصل بالمقصود، فأشبه ما لو قرّب الأجير على البناء آلات البناء من موضع الى موضع البناء و لم يبن شيئا(2).

و فيه وجه لأصحابه: أنّه يستحقّ قسطا من الأجرة، لأنّ الأجرة في مقابلة السير و العمل جميعا، فإنّها تختلف باختلاف المسافة طولا و قصرا(3).

و لو مات بعد إتمام الأركان و قبل الفراغ من سائر الأعمال، فينظر إن فات وقتها أو لم يفت و لكن لم نجوّز البناء، فيجبر بالدم من مال الأجير. و في ردّ شيء من الأجرة الخلاف السابق.

و إن جوّزنا البناء فإن كانت الإجارة على المعيّن انفسخت، و وجب ردّ قسطها من الأجرة، و يستأجر المستأجر من يرمي و يبيت، و لا دم على الأجير، و إن كانت على الذمّة، استأجر وارث الأجير من يرمي و يبيت، و لا حاجة إلى الإحرام، لأنّهما عملان يفعلان بعد التحلّلين و لا يلزم الدم و لا ردّ شيء من7.

ص: 156


1- فتح العزيز 71:7-72، المجموع 136:7.
2- فتح العزيز 72:7، المجموع 136:7.
3- فتح العزيز 72:7، المجموع 137:7.

الأجرة(1).

مسألة 114:

لو صدّ الأجير عن بعض الطريق، قال الشيخان رحمهما اللّه: كان عليه ممّا أخذ بقدر نصيب ما بقي من الطريق الذي يؤدّي فيه الحجّ إلاّ أن يضمن العود لأداء ما وجب(2).

و نحن نقول: إن كانت الإجارة في الذمّة، وجب على الأجير الإتيان بها مرّة ثانية، و لم يكن للمستأجر فسخ الإجارة، و كانت الأجرة بكمالها للأجير، و إن كانت معيّنة، فله أن يرجع عليه بالمتخلّف، و لا يجب على المستأجر الإجابة في قضاء الحج ثانيا، بل له فسخ العقد و استئجار غيره، و له أن يجيبه إلى ذلك.

مسألة 115:

لو أحصر الأجير، جاز له أن يتحلّل بالهدي، لعموم الآية(3).

و يقع ما فعله عن المستأجر، لأنّه قصد الفعل له.

و قال بعض الشافعية: يقع عن المحصر(4).

إذا عرفت هذا، فالدم على الأجير.

و لم لم يتحلّل و أقام على إحرامه حتى فات الحج، تحلّل بعمرة، و لا يستحقّ الأجرة على ما فعله من وقت الوقوف الى التحلّل، لأنّ تلك الأفعال لم يفعلها للمستأجر، بل ليتحلّل من إحرامه، و أمّا ما فعله قبل ذلك فإنّه يستحقّ به الأجرة عندنا.

و قال الشافعي: لو أحصر الأجير، فله التحلّل، كما لو أحصر الحاج لنفسه، فإن تحلّل فعمّن يقع ما أتى به ؟ وجهان: أصحّهما: عن المستأجر،

ص: 157


1- فتح العزيز 72:7-73، المجموع 137:7.
2- المقنعة: 69، النهاية: 278.
3- البقرة: 196.
4- فتح العزيز 73:7، المجموع 137:7.

كما لو مات، إذ لم يوجد من الأجير تقصير. و الثاني: عن الأجير، كما لو أفسده، لأنّه لم يحصّل غرضه، فعلى هذا دم الإحصار على الأجير، و على الأول هو على المستأجر، و في استحقاقه شيئا من الأجرة الخلاف المذكور في الموت.

و إن لم يتحلّل و أقام على الإحرام حتى فاته الحج، انقلب الحجّ إليه، كما في صورة الإفساد، ثم يتحلّل بعمرة، و عليه دم الفوات.

و لو فرض الفوات بنوم أو تأخّر عن القافلة و غيرهما من غير إحصار، انقلب المأتي به إلى الأجير أيضا، كما في الإفساد، لاشتراكهما في إيجاب القضاء، و لا شيء للأجير(1).

مسألة 116:

يشترط في النيابة نية النائب عن المنوب بالقلب، و يستحب ضمّ اللسان، و لا يجزئ لو تجرّد عن القلب، لأنّ الحجّ فعل يحتمل وجوها، و صرفه إلى الفاعل أقرب، فلا بدّ من تخصيص الفعل بالمنوب ليقع له.

و يستحب له أن يذكره في المواقف كلّها، لما رواه محمد بن مسلم - في الصحيح - عن الباقر عليه السلام، قال: قلت له: ما يجب على الذي يحجّ عن الرجل ؟ قال: «يسمّيه في المواطن و المواقف»(2).

و أمّا عدم وجوب التلفّظ بذلك: فللأصل.

و لما رواه مثنى بن عبد السلام عن الصادق عليه السلام في الرجل يحجّ عن الإنسان يذكره في جميع المواطن كلّها؟ قال: «إن شاء فعل و إن شاء لم يفعل، اللّه يعلم أنّه قد حجّ عنه، و لكن يذكره عند الأضحية إذا ذبحها»(3).

و يستحب للنائب عند عقد الإحرام أن يقول ما رواه الحلبي عن الصادق

ص: 158


1- فتح العزيز 73:7-74، المجموع 137:7.
2- الكافي 310:4-311-2، التهذيب 418:5-419-1453، الاستبصار 2: 324-1148.
3- الفقيه 279:2-1368، التهذيب 419:5-1454، الاستبصار 324:2-1149.

عليه السلام، قال: قلت: الرجل يحجّ عن أخيه أو عن أبيه أو عن رجل من الناس، هل ينبغي له أن يتكلّم بشيء؟ قال: «نعم يقول بعد ما يحرم:

اللهم ما أصابني في سفري هذا من تعب أو شدة أو بلاء أو سغب فأجر فلانا فيه و أجرني في قضائي عنه» [1].

مسألة 117:

إذا فعل الأجير شيئا تلزمه الكفّارة به من محظورات الإحرام، كانت الكفّارة عليه في ماله من الصيد و اللباس و الطيب و غير ذلك، لأنّها عقوبة على جناية صدرت عنه، أو ضمان في مقابلة إتلاف وقع منه، فاختصّت بالجاني، و جرى مجرى الأجير إذا جنى على إنسان، فخرق ثوبه أو جرحه، يجب الأرش عليه لا على المستأجر، كذلك هاهنا.

مسألة 118:

قال الشيخ رحمه اللّه: إذا أخذ الأجير حجّة من غيره، لم يكن له أن يأخذ حجّة أخرى حتى يقضي التي أخذها(1).

و التحقيق أن نقول: إن كانت الإجارة الأولى وقعت على تلك السنة، لم يكن له أن يؤجر نفسه لغيره تلك السنة بعينها، لأنّ فعله صار مستحقا للأول، فلا يجوز صرفه إلى غيره.

و إن استأجره الأول مطلقا، فإن استأجره الثاني للسنة الأولى، فإن قلنا باقتضاء الإطلاق التعجيل، لم يصح العقد الثاني، لأنّ الإجارة الأولى و إن كانت غير معيّنة بزمان لكن يجب إتيانها في السنة الأولى، فلا يجوز حينئذ صرف العمل فيها إلى غيره، و إن استأجر للسنة الثانية، جاز.

و لو استأجره مطلقا، فالأقرب الجواز، للأصل، و اقتضاء التعجيل هنا مندفع بسبب استحقاق الأول.

و لو استأجره الأول للسنة الثانية، جاز للثاني أن يستأجره مطلقا و أن

ص: 159


1- المبسوط - للطوسي - 326:1.

يستأجره للسنة الأولى.

مسألة 119:

لا يجوز لحاضر مكة المتمكّن من الطواف الاستنابة فيه، لأنّه عبادة بدنية يمكن الإتيان بها مباشرة، فلا تجوز الاستنابة فيها كالحجّ.

و لو كان غائبا، جاز له أن يستنيب فيه مع وجوبه عليه و عدم تمكّنه منه، أو مع ندبيته، لأنّه بغيبته عاجز عن المباشرة، فجاز له الاستنابة.

و لما رواه عبد الرحمن بن أبي نجران عمّن حدّثه عن الصادق عليه السلام، قال: قلت: الرجل يطوف عن الرجل و هما مقيمان بمكّة، قال:

«لا و لكن يطوف عن الرجل و هو غائب» قلت: و كم قدر الغيبة ؟ قال: «عشرة أميال»(1).

إذا عرفت هذا، فإنّه يجوز للحاضر غير المتمكّن من الطواف، لعدم تمكّنه من الطهارة، بأن يكون مريضا لا يستمسك الطهارة، فإنّه يطاف عنه، و لو استمسك، طيف به.

و المغمى عليه و الكسير يطاف به و يرمى عنه، لما رواه حريز عن الصادق عليه السلام، قال: «المريض و المغمى عليه يرمى عنه و يطاف عنه»(2).

و في رواية معاوية بن عمار عن الصادق عليه السلام قال: «الكسير يحمل و يطاف به، و المبطون يرمى عنه و يطاف عنه»(3).

مسألة 120:

الأجير يملك الأجرة بالعقد، فإذا حجّ فإن فضل له شيء من الأجرة عن نفقة الحج، استحبّ له ردّه إلى المستأجر ليكون قصده بالحج القربة لا العوض، و ليس ذلك بلازم، لما رواه مسمع عن الصادق عليه السلام، قال: قلت: أعطيت الرجل دراهم ليحجّ بها عنّي، ففضل

ص: 160


1- التهذيب 419:5-1455.
2- التهذيب 123:5-403، الاستبصار 226:2-779.
3- التهذيب 125:5-409.

منها شيء فلم يردّه عليّ، قال: «هو له، و لعلّه ضيّق على نفسه»(1).

و لأنّ عقد الإجارة سبب لتملّك الأجرة مع الإتيان بما وقع عليه الإجارة و قد وجد السبب فيوجد المسبّب.

و لو قصرت الأجرة عن النفقة، لم يجب على المستأجر الإتمام، بل يستحب، لاشتماله على المساعدة للمؤمن و إعانته على طاعته و الإنفاق على أفضل العبادات، و ليس واجبا، عملا بالأصل.

و أبو حنيفة منع من الإجارة، فيكون الأجير نائبا محضا، و ما يدفع إليه من المال يكون رزقا لطريقة(2).

فلو مات أو أحصر أو ضلّ الطريق أو صدّ، لم يلزمه الضمان لما أنفق عليه، لأنّه إنفاق بإذن صاحب المال.

فإذا ناب عنه آخر، فإنّه يحج من حين بلغ النائب الأول، لأنّه حصل قطع هذه المسافة بمال المنوب عنه، فلم يكن عليه الإنفاق دفعة اخرى، و يردّ النائب ما فضل معه من المال، و لا يسرف و لا يقتر على نفسه و لا يمشي و لا يدعو إلى طعامه و لا يتفضّل، أمّا لو أعطاه ألفا و قال: حجّ بهذه، كان له أن يتوسّع فيها، و إن فضل شيء فهو له.

و لو سلك النائب طريقا يمكنه سلوك أقرب منه، كان الفاضل من النفقة في ماله. و إن تعجّل عجلة يمكنه تركها فكذلك.

و إن أقام بمكة أكثر من مدّة القصر بعد إمكان السفر للرجوع، أنفق من ماله، لأنّه غير مأذون فيه، فأمّا من لا يمكنه الخروج قبل ذلك فله النفقة، لأنّه مأذون فيه، و له نفقة الرجوع.

و إن مرض في الطريق فعاد، فله نفقة رجوعه، لأنّه لا بدّ له منه حصل7.

ص: 161


1- التهذيب 414:5-415-1442.
2- المبسوط - للسرخسي - 159:4، المغني 186:3، الشرح الكبير 185:3، المجموع 139:7.

بغير تفريطه، فأشبه ما لو قطع عليه الطريق أو صدّ.

و إن قال: خفت أن أمرض فرجعت، فعليه الضمان، لأنّه مجرّد وهم.

مسألة 121:

يشترط في الاستئجار على الحج: العلم بالعوض كغيره، فلو قال: استأجرتك للحج بنفقتك لم يصح - و به قال الشافعي(1) - لفوات شرط صحة العقد، و هو العلم بمال الإجارة.

و قال أبو حنيفة: يصح(2). و ليس بمعتمد.

و كذا البحث لو قال: حجّ عنّي بما شئت.

و إذا فسدت الإجارة فإن حجّ عنه، وجب له اجرة المثل، و صحّت الحجّة عن المستأجر.

و لو قال: أول من يحجّ عنّي فله مائة، صحّ جعالة.

و قال المزني: الإجارة فاسدة، و له اجرة المثل(3).

و احتجّ الشيخ - رحمه اللّه - بقوله: [صلّى اللّه عليه و آله]: (المؤمنون عند شروطهم)(4)(5).

و لو قال: حجّ عنّي أو اعتمر بمائة، قال الشيخ: يكون صحيحا، فمتى حجّ أو اعتمر، استحقّ المائة، لأنّه خيّره بين الحجّ و العمرة بأجرة معيّنة، و ليس بمجهول، و لا مانع يمنع منه.

و قال الشافعي: تبطل الإجارة، لجهالة العمل، فإن حجّ أو اعتمر،

ص: 162


1- حكاه عنه الشيخ الطوسي في الخلاف 393:2، المسألة 250، و راجع: الام 2: 129-130، و الحاوي الكبير 276:4.
2- حكاه عنه الشيخ الطوسي في الخلاف 393:2، المسألة 250.
3- حكاه عنه الشيخ الطوسي في الخلاف 387:2، المسألة 238، و راجع: الحاوي الكبير 275:4-276، و فتح العزيز 51:7-52، و المجموع 122:7.
4- التهذيب 371:7-1503، الاستبصار 232:3-835، تفسير القرطبي 33:6.
5- الخلاف 387:2-388، المسألة 238.

استحقّ اجرة المثل(1).

و التحقيق: أنّه إن كان إجارة، فالوجه ما قاله الشافعي، و إن كان جعالة، فالوجه ما قاله الشيخ.

و كذا لو قال: من حجّ عنّي فله عبد أو دينار أو عشرة دراهم إن كان عقد إجارة، بطل، لجهالة العوض، و إن كان جعالة، صحّ، و يتخيّر المستأجر في دفع أيّها شاء.

و قال الشافعي: يبطل العقد، فإن حجّ، استحقّ اجرة المثل(2).

مسألة 122:

لو استأجره اثنان ليحجّ عنهما حجّة واحدة، فأحرم عنهما، قال الشيخ رحمه اللّه: لا يصح إحرامه عنهما و لا عن واحد منهما، لأنّ الحجّة الواحدة لا تقع عن شخصين، و ليس أحدهما أولى بها من صاحبه، و لا ينعقد عن نفسه، لأنّه لم ينوها عنه بل عنهما، فانقلابها اليه يحتاج الى دليل، و عدم صحتها عنهما و عن واحد منهما بلا خلاف، و لا يصح عندنا إحرامه عن نفسه و لا ينقلب اليه(3).

و قال الشافعي: ينقلب الإحرام اليه(4).

و ليس بجيّد، لأنّه لم يقصد الإيقاع لنفسه، فلا يقع عنها، لقوله عليه السلام: (لا عمل إلاّ بنيّة)(5) (و إنّما لكلّ امرئ ما نوى)(6).

و الوجه أن يقال: إن كانت الحجّة مندوبة، صحّ أن تقع عن واحد و أكثر، لأنّها طاعة تصح النيابة فيها عن واحد، فتصح عن أكثر.

ص: 163


1- الخلاف 393:2-394، المسألة 252.
2- حكاه عنه الشيخ الطوسي في الخلاف 394:2، المسألة 253.
3- المبسوط - للطوسي - 323:1، الخلاف 388:2-389، المسألة 240.
4- حكاه عنه الشيخ الطوسي في الخلاف 389:2، المسألة 240، و انظر: المجموع 7: 138، و الحاوي الكبير 271:4.
5- أمالي الطوسي 203:2.
6- صحيح البخاري 2:1.

و لما رواه علي بن أبي حمزة عن الكاظم عليه السلام، قال: سألته عن الرجل يشرك في حجّة الأربعة و الخمسة من مواليه، فقال: «إن كانوا صرورة جميعا فلهم أجر، و لا تجزئ عنهم من حجّة الإسلام، و الحجّة للذي حجّ»(1).

مسألة 123:

إذا أحرم الأجير عن نفسه و عمّن استأجره، قال الشيخ رحمه اللّه: لا ينعقد الإحرام عنهما و لا عن واحد منهما، لأنّ شرط الإحرام النيّة، فإذا لم ينو عن نفسه بالاستقلال، لم يصح عنه، كما لا يصح عن المستأجر(2).

و قال الشافعي: ينعقد عن نفسه و لا يصح عن غيره، لأنّ الإحرام قد انعقد و لا يصح عن غيره، فيقع عن نفسه، كالصرورة(3).

و ليس بجيّد، لأنّ مجامعة غيره في النية إن كان مبطلا، لم يتخصّص الوقوع بالأجير، و نمنع من انعقاد الإحرام.

و لو أحرم عن المستأجر ثم نقل الحجّ إلى نفسه، لم يصح، فإذا أتمّ الحجّ، استحقّ الأجرة، لامتثال الشرط على إشكال.

و للشافعي قولان: هذا أحدهما، و الثاني: صحة النقل، لقوله عليه السلام لمّا سمع ملبّيا عن شبرمة، قال: (حجّ عن نفسك ثم عن شبرمة)(4)(5).

و لو استأجره ليحجّ عنه فاعتمر، أو ليعتمر عنه فحجّ، قال الشيخ رحمه اللّه: لا يقع عن المستأجر سواء كان حيّا أو ميّتا، و لا يستحقّ شيئا من الأجرة،

ص: 164


1- التهذيب 413:5-1435، الاستبصار 322:2-1139 بتفاوت يسير.
2- المبسوط - للطوسي - 323:1، الخلاف 389:2، المسألة 241.
3- الام 125:2، الحاوي الكبير 271:4، المجموع 138:7.
4- المعجم الكبير - للطبراني - 42:12-43-1249.
5- راجع: فتح العزيز 67:7، المجموع 134:7.

لأنّه لم يفعل ما استؤجر له(1).

و قال الشافعي: إن كان المنوب حيّا، وقعت عن الأجير، و إن كان ميّتا، وقعت عن المنوب، و لا يستحق شيئا من الأجرة على كلّ حال(2).

و الوجه: أنّه يقع عن المستأجر، لأنّه نسك نوى به صرفه الى غيره فيصرف اليه.

نعم لا يستحقّ شيئا من الأجرة، لتبرّعه بفعله، و الأجرة وقعت في مقابلة ما لم يفعله فيرجع الى المستأجر.

مسألة 124:

لو أحصر الأجير، تحلّل بالهدي على ما تقدّم، و لا قضاء عليه، إذ ليس في ذمّته حجّ يأتي به، و يبقى المستأجر على ما كان عليه، فإن كان الحجّ واجبا عليه، وجب عليه أن يستأجر من يأتي به، و إلاّ كان مستحبّا.

و لو فاته الموقفان بتفريط منه، لزمه التحلّل بعمرة لنفسه، و يعيد الأجرة إن كان الزمان معيّنا.

و إن لم يكن بتفريط، قال الشيخ: يستحق اجرة المثل الى حين الفوات(3).

و لو قيل: له من الأجرة بنسبة ما فعله من أفعال الحج و يستعاد الباقي، كان وجها.

و لو أفسد الحج، وجب عليه القضاء على ما تقدّم، و لو أفسد القضاء، وجب عليه أن يأتي بقضاء آخر، كما يجب على المنوب لو فعل ذلك.

ص: 165


1- الخلاف 395:2، المسألة 255، المبسوط - للطوسي - 325:1.
2- المجموع 134:7، الحاوي الكبير 266:4، و حكاه عنه الشيخ الطوسي في الخلاف 2: 395، المسألة 255.
3- المبسوط - للطوسي - 325:1-326.

ص: 166

الفصل الثالث في أنواع الحج و ما يتبعها
البحث الأول: في الأنواع
مسألة 125:

أنواع الحجّ ثلاثة: تمتّع و قران و إفراد، بلا خلاف بين العلماء و إن اختلفوا في تفسير بعضها.

و نحن نقول: العمرة إن تقدّمت على الحجّ، كان تمتّعا، و إن تأخّرت فإن انضمّ اليه سياق هدي، فهو قران، و إلاّ فإفراد، لما رواه معاوية بن عمّار - في الحسن - عن الصادق عليه السلام، قال: سمعته يقول: «الحجّ ثلاثة أصناف: حجّ مفرد و قران و تمتّع بالعمرة إلى الحج، و بها أمر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، و الفضل فيها، و لا نأمر الناس إلاّ بها»(1).

و في الصحيح عن منصور الصيقل عن الصادق عليه السلام، قال:

«الحج عندنا على ثلاثة أوجه: حاج متمتّع و حاج مفرد ساق الهدي و حاج مفرد للحج»(2).

مسألة 126:

صورة التمتّع: أن يحرم من الميقات بالعمرة المتمتّع بها

ص: 167


1- الكافي 291:4-1، التهذيب 24:5-72، الإستبصار 153:2-504.
2- الكافي 291:4-2، التهذيب 24:5-73، الإستبصار 153:2-154-505.

إلى الحج ثم يدخل مكة فيطوف سبعة أشواط بالبيت و يصلّي ركعتيه بالمقام ثم يسعى بين الصفا و المروة سبعة أشواط ثم يقصّر و قد أحلّ من كلّ شيء أحرم منه إلاّ الصيد، لكونه في الحرم، فإن خرج منه، جاز له الصيد أيضا.

فإذا كان يوم التروية، أحرم للحجّ، و لا يتعيّن هذا اليوم، بل يستحب، و الواجب ما يعلم أنّه يدرك الوقوف معه، ثم يمضي الى عرفات فيقف بها الى الغروب من يوم عرفة ثم يفيض الى المشعر فيقف به بعد طلوع فجر العيد ثم يفيض إلى منى فيحلق بها يوم النحر و يذبح هديه و يرمي جمرة العقبة ثم يأتي مكة ليومه إن شاء، و إلاّ فمن غده، فيطوف طواف الحج و يصلّي ركعتيه و يسعى سعي الحج و يطوف طواف النساء و يصلّي ركعتيه ثم يعود إلى منى فيرمي ما تخلّف عليه من الجمار الثلاث يوم الحادي عشر و الثاني عشر و الثالث عشر، و إن شاء أقام بمنى حتى يرمي جماره الثلاث يوم الحادي عشر و الثاني عشر.

ثم إن اتّقى جاز له أن ينفر بعد الزوال إلى مكة للطوافين و السعي، و إلاّ أقام الى الثالث عشر.

و صورة الإفراد: أن يحرم من الميقات أو من حيث يصح له الإحرام منه بالحجّ ثم يمضي الى عرفات فيقف بها ثم يمضي إلى المشعر فيقف به ثم يأتي منى فيقضي مناسكه بها ثم يطوف بالبيت و يصلّي ركعتيه و يسعى بين الصفا و المروة و يطوف طواف النساء و يصلّي ركعتيه ثم يأتي بعمرة مفردة بعد الحج و الإحلال منه يأتي بها من أدنى الحلّ.

و صورة القران كالإفراد، إلاّ أنّه يضيف إلى إحرامه سياق الهدي.

هذا مذهب علماء أهل البيت عليهم السلام.

و قالت العامّة: التمتّع: أن يهلّ بعمرة مفردة من الميقات في أشهر الحجّ، فإذا فرغ منها أحرم بالحج من عامه. و الإفراد: أن يهلّ بالحج مفردا.

و القران: أن يجمع بينهما في الإحرام بهما، أو يحرم بالعمرة ثم يدخل عليها

ص: 168

الحج قبل الطواف(1).

مسألة 127:

أجمع علماؤنا كافة على أنّ فرض من نأى عن مكة التمتّع لا يجوز لهم غيره إلاّ مع الضرورة، و أمّا النوعان الآخران فهما فرض أهل مكة و حاضريها.

و عندنا أنّه لا يجوز لهم غير هذين النوعين، و هو اختيار أكثر علمائنا(2) ، لما رواه الحلبي - في الصحيح - عن الصادق عليه السلام، قال: سألته عن الحج، فقال: «تمتّع» ثم قال: «إنّا إذا وقفنا بين يدي اللّه تعالى قلنا: يا ربّنا أخذنا بكتابك و قال الناس: برأينا و رأينا [1]، و يفعل اللّه بنا و بهم ما أراد»(3).

و أمّا أهل مكة و حاضريها - و هو من كان بينه و بين مكة دون ثمانية و أربعين ميلا - فإنّ فرضهم القران أو الإفراد دون التمتّع، لما رواه الحلبي و سليمان ابن خالد و أبو بصير - في الصحيح - عن الصادق عليه السلام، قال: «ليس لأهل مكة و لا لأهل مر و لا لأهل سرف متعة، و ذلك لقول اللّه عزّ و جلّ ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ (4)»(5).

و في الصحيح عن زرارة عن الباقر عليه السلام، قال: قلت له: قول اللّه عزّ و جلّ في كتابه ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ قال: «يعني أهل مكة ليس عليهم متعة، كلّ من كان أهله دون ثمانية و أربعين

ص: 169


1- المغني 238:3، الشرح الكبير 244:3-245، المهذب - للشيرازي - 208:1، المجموع 171:7.
2- منهم: الشيخ الطوسي في النهاية: 206، و السيد ابن زهرة في الغنية (ضمن الجوامع الفقهية): 511، و ابن إدريس في السرائر: 121.
3- التهذيب 26:5-76، الإستبصار 150:2-151-494.
4- البقرة: 196.
5- التهذيب 32:5-96، الاستبصار 157:2-514.

ميلا ذات عرق و عسفان كما يدور حول مكة فهو ممّن دخل في هذه الآية، و كلّ من كان أهله وراء ذلك فعليه المتعة»(1).

و أطبقت العامة على جواز الإحرام بأيّ الأنساك الثلاثة شاء، لقول عائشة: خرجنا مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، فمنّا من أهلّ بعمرة، و منّا من أهلّ بحج و عمرة، و منّا من أهلّ بحج(2)(3).

و لا حجّة فيه، لاختلافهم في الفرض لا التخيير بين الأنواع.

مسألة 128:

قال علماؤنا: التمتّع أفضل الأنواع - و به قال الحسن و ابن عمر و ابن عباس و ابن الزبير و عطاء و طاوس و مجاهد و جابر بن زيد و القاسم و سالم و عكرمة، و هو أحد قولي الشافعي و إحدى الروايتين عن أحمد، و هو قول أصحاب الحديث(4) - لقوله تعالى ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ (5) و هو يدلّ على أنّه فرضهم، فلا يجزئهم غيره.

و لما رواه العامة عن ابن عباس و جابر و أبي موسى و عائشة أنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله أمر أصحابه لمّا طافوا بالبيت أن يحلّوا و يجعلوها عمرة(6) ، فنقلهم من الإفراد و القران إلى المتعة، و لا ينقلهم إلاّ الى الأفضل.

و لم يختلف عندهم الرواية عن النبي صلّى اللّه عليه و آله أنّه لمّا قدم مكة أمر أصحابه أن يحلّوا إلاّ من ساق هديا، و ثبت على إحرامه، و قال: (لو

ص: 170


1- التهذيب 33:5-98، الاستبصار 157:2-158-516.
2- صحيح البخاري 175:2، صحيح مسلم 872:2 و 873-117 و 118، سنن البيهقي 109:5.
3- المغني 238:3، الشرح الكبير 239:3، الحاوي الكبير 44:4، المجموع 151:7 و 153، معالم السنن - للخطّابي - 301:2.
4- المغني 238:3، الشرح الكبير 239:3، فتح العزيز 106:7، الحاوي الكبير 4: 44، معالم السنن - للخطّابي - 301:2، حلية العلماء 259:3.
5- البقرة: 196.
6- المغني 239:3، الشرح الكبير 240:3.

استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت الهدي و لجعلتها عمرة)(1).

قال جابر: حججنا مع النبي صلّى اللّه عليه و آله يوم ساق البدن معه و قد أهلّوا بالحج مفردا، فقال لهم: (حلّوا من إحرامكم بطواف بالبيت و بين الصفا و المروة ثم أقيموا حلالا حتى إذا كان يوم التروية فأهلّوا بالحج و اجعلوا التي قدّمتم بها متعة) فقالوا: كيف نجعلها متعة و قد سمّينا الحج ؟ فقال: (افعلوا ما أمرتكم به، و لو لا إنّي سقت الهدي لفعلت مثل الذي أمرتكم به)(2).

و في لفظ: فقام رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، فقال: (قد علمتم أنّي أتقاكم للّه و أصدقكم و أبرّكم و لو لا هديي لحللت كما تحلّون، و لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما أهديت) فحللنا و سمعنا و أطعنا(3).

و من طريق الخاصة: ما رواه معاوية بن عمّار عن الصادق عليه السلام عن آبائه عليهم السلام، قال: «لمّا فرغ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله من سعيه بين الصفا و المروة أتاه جبرئيل عليه السلام عند فراغه من السعي و هو على المروة فقال: إنّ اللّه يأمرك أن تأمر الناس أن يحلّوا إلاّ من ساق الهدي، فأقبل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله على الناس بوجهه، فقال: يا أيّها الناس هذا جبرئيل - و أشار بيده الى خلفه - يأمرني عن اللّه أن آمر الناس أن يحلّوا إلاّ من ساق الهدي، فأمرهم بما أمر اللّه به، فقام اليه رجل، فقال: يا رسول اللّه نخرج إلى منى و رءوسنا تقطر من النساء، و قال آخرون: يأمرنا بشيء و يصنع هو غيره، فقال: يا أيّها الناس لو استقبلت من أمري ما استدبرت صنعت كما3.

ص: 171


1- المغني 239:3-240، الشرح الكبير 240:3، شرح معاني الآثار 155:2.
2- صحيح البخاري 176:2، صحيح مسلم 884:2-885-143، سنن البيهقي 4: 356، المعجم الكبير - للطبراني - 145:7-6571، المغني 240:3، الشرح الكبير 240:3-241.
3- صحيح البخاري 138:9، صحيح مسلم 883:2-884-1216، سنن البيهقي 5: 19، المغني 240:3، الشرح الكبير 241:3.

صنع الناس، و لكنّي سقت الهدي، فلا يحلّ من ساق الهدي حتى يبلغ الهدي محلّه، فقصّر الناس و أحلّوا و جعلوها عمرة، فقام إليه سراقة بن مالك ابن جشعم المدلجي، فقال: يا رسول اللّه هذا الذي أمرتنا به لعامنا هذا أم للأبد؟ فقال: لا [1]، للأبد إلى يوم القيامة، و شبّك أصابعه، و أنزل اللّه في ذلك قرآنا فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ (1)»(2).

و في الصحيح عن أبي أيّوب إبراهيم بن عيسى عن الصادق عليه السلام، قال: سألته أيّ الأنواع أفضل ؟ فقال: «المتعة، و كيف يكون شيء أفضل منها و رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقول: لو استقبلت من أمري ما استدبرت فعلت كما فعل الناس!»(3).

و لأنّ التمتّع منصوص عليه في كتاب اللّه تعالى، لقوله فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ دون سائر الأنساك.

و لأنّ المتمتّع يجتمع له الحج و العمرة في أشهر الحج مع كمالهما و كمال أفعالهما على وجه اليسر و السهولة.

و ذهب الثوري و أصحاب الرأي الى أنّ القران أفضل، لما رواه أنس قال: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أهلّ بهما جميعا يصرخ بهما صراخا يقول: (لبّيك عمرة و حجّا، لبّيك عمرة و حجّا)(4).3.

ص: 172


1- البقرة: 196.
2- التهذيب 25:5-74.
3- التهذيب 29:5-89، الإستبصار 154:2-507.
4- المغني 238:3، الشرح الكبير 239:3-240، المبسوط - للسرخسي - 25:4، الاختيار لتعليل المختار 211:1، حلية العلماء 259:3، الحاوي الكبير 44:4، المجموع 152:7، معالم السنن - للخطابي - 301:2، أحكام القرآن - للجصّاص - 1: 285، و راجع: صحيح مسلم 915:2-1251، و سنن أبي داود 157:2-1795، و سنن النسائي 150:5، و سنن البيهقي 9:5، و مسند أحمد 99:3.

و قال أحمد: إن ساق الهدي، فالقران أفضل، و إن لم يسقه، فالتمتّع أفضل، لأنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله قرن حين ساق الهدي، و منع كلّ من ساق الهدي من الحلّ حتى ينحر هديه(1).

و ذهب مالك و أبو ثور الى اختيار الإفراد - و هو ظاهر مذهب الشافعي، و روي ذلك عن عمر و عثمان و ابن عمر و جابر و عائشة - لما روت عائشة أنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله أفرد بالحج(2)(3).

و نمنع كون النبي صلّى اللّه عليه و آله أفرد، فإنّه قد روى ابن عمر و جابر و عائشة من طرق صحاح عندهم أنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله تمتّع بالعمرة إلى الحج(4).

و لأنّ روايتهم اختلفت، فرووا مرّة أنّه أفرد، و مرّة أنّه تمتّع، و مرّة أنّه قرن(5) مع وحدة القضية، و لا يمكن الجمع بينها، فيجب إطراحها كلّها.

مع أنّ عمر قال: إنّي لأنهاكم عن المتعة، و إنّها لفي كتاب اللّه، و لقد صنعها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله(6).

و لأنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله أمر أصحابه بالانتقال إلى المتعة عن الإفراد و القران، و لا يأمرهم إلاّ بالانتقال إلى الأفضل، و يستحيل أن ينقلهم5.

ص: 173


1- المغني 238:3، الشرح الكبير 239:3.
2- سنن أبي داود 152:2-1777، سنن النسائي 145:5، سنن الترمذي 3 183-820، سنن ابن ماجة 988:2-2965، سنن الدارمي 35:2، الموطّأ 1 335-38.
3- الكافي في فقه أهل المدينة: 138، التفريع 335:1، المغني 239:3، الشرح الكبير 240:3، فتح العزيز 107:7، المجموع 151:7 و 152 و 163، حلية العلماء 3: 259، معالم السنن - للخطابي - 301:2، أحكام القرآن - للجصاص - 285:1.
4- المغني و الشرح الكبير 241:3، سنن النسائي 151:5، سنن البيهقي 17:5-18، شرح معاني الآثار 142:2 و 156.
5- المغني و الشرح الكبير 241:3، شرح معاني الآثار 143:2 و 149 و 150 و 154 و 156.
6- المغني 245:3، الشرح الكبير 244:3، و سنن النسائي 153:5.

من الأفضل إلى الأدنى و هو الداعي إلى الخير الدالّ عليه.

ثم أكّد ذلك بتأسّفه على فوات ذلك في حقّه، و أنّه لا يقدر على انتقاله و حلّه، لسياقه الهدي.

لا يقال: قد نهى عنها عمر و عثمان و معاوية.

لأنّا نقول: قد أنكر عليهم علماء الصحابة نهيهم عنها، و خالفوهم في فعلها.

قالت الحنابلة: و الحقّ مع المنكرين عليهم دونهم(1) ، لما رواه العامّة أنّ عليّا عليه السلام اختلف هو و عثمان في المتعة بعسفان، فقال علي عليه السلام: «ما تريد إلى أمر فعله رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله تنهى عنه ؟»(2).

و قال علي عليه السلام لعثمان: «أ لم تسمع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله تمتّع ؟» قال: بلى(3).

و عن ابن عمر قال: تمتّع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في حجة الوداع بالعمرة إلى الحج(4).

و قال سعد: صنعها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، و صنعناها معه(5).

فلا نقبل نهي عمر عنها خصوصا مع قول عمر: و اللّه إنّي لأنهاكم عنها، و إنّها لفي كتاب اللّه، و قد صنعها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله(6). فهل يحلّ).

ص: 174


1- المغني 245:3.
2- المغني 241:3، الشرح الكبير 242:3، صحيح مسلم 897:2-159، سنن البيهقي 22:5، شرح معاني الآثار 140:2.
3- المغني 241:3، الشرح الكبير 242:3، سنن الدار قطني 287:2-231، سنن النسائي 152:5، شرح معاني الآثار 141:2.
4- المغني 241:3-242، الشرح الكبير 242:3، سنن النسائي 151:5، سنن البيهقي 17:5، شرح معاني الآثار 142:2.
5- المغني و الشرح الكبير 242:3، سنن البيهقي 17:5، شرح معاني الآثار 141:2.
6- تقدّمت الإشارة إلى مصادره في ص 173، الهامش (6).

تقليد من يخالف رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في ضدّ ما فعله رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ؟ قال صاحب المغني من الحنابلة: قيل لابن عباس: إنّ فلانا ينهى عن المتعة، قال: انظروا في كتاب اللّه، فإن وجدتموها، فقد كذب على اللّه و على رسوله، و إن لم تجدوها، فقد صدق، فأيّ الفريقين أحقّ بالاتّباع و أولى بالصواب ؟ الذين معهم كتاب اللّه و سنّة رسوله، أم الذين خالفوهما؟ ثم قد ثبت عن النبي صلّى اللّه عليه و آله، الذي قوله حجّة على الخلق أجمعين، فكيف يعارض بقول غيره!؟(1).

قالوا: قال سعيد بن جبير عن ابن عباس، قال: تمتّع النبي صلّى اللّه عليه و آله، فقال عروة: نهى أبو بكر و عمر عن المتعة، فقال ابن عباس:

أراهم سيهلكون، أقول: قال النبي صلّى اللّه عليه و آله، و يقول: نهى عنها أبو بكر و عمر(2).

قالوا: و سئل ابن عمر عن متعة الحج فأمر بها، فقال: إنّك تخالف أباك، فقال: عمر لم يقل الذي تقولون، فلمّا أكثروا عليه قال: أ فكتاب اللّه أحقّ أن تتّبعوا أم عمر؟(3).

مسألة 129:

قد بيّنا أنّ فرض أهل مكة و حاضريها القران أو الإفراد، فلو عدلوا الى التمتّع، فللشيخ قولان:

أحدهما: الإجزاء، و لا دم عليهم - و به قال الشافعي و مالك(4) - لأنّ المتمتّع آت بصورة الإفراد و زيادة غير منافية(5).

ص: 175


1- المغني 246:3.
2- المغني 246:3.
3- المغني 246:3.
4- المجموع 169:7، الحاوي الكبير 50:4، حلية العلماء 267:3، فتح العزيز 7: 164، أحكام القرآن - لابن العربي - 129:1.
5- المبسوط - للطوسي - 306:1-307، و حكاه عنه المحقّق في المعتبر: 337.

و الثاني: العدم(1) - و به قال أبو حنيفة(2) - لما رواه العامة عن ابن عمر أنّه قال: ليس لأهل مكة تمتّع و لا قران [1].

و من طريق الخاصة: ما رواه علي بن جعفر - في الصحيح - عن أخيه الكاظم عليه السلام، قال: «لا يصلح لأهل مكة أن يتمتّعوا، لقول اللّه عزّ و جلّ ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ (3)»(4).

و هذا الأخير هو المعتمد، و نمنع إتيانه بصورة الإفراد، لأنّه أخلّ بالإحرام من ميقاته، و أوقع مكانه العمرة مع أنّه غير مأمور بها، فلا يكون ما أتاه مجزئا.

و قول الشافعي: إنّ قوله تعالى ذلِكَ راجع الى الهدي(5) ، ممنوع، لعدم التخصيص، و لمعارضة الروايات المنقولة عن أهل البيت عليهم السلام.

مسألة 130:

اختلف علماؤنا في حدّ حاضري المسجد الحرام، فقال الشيخ في بعض كتبه: من كان بين منزله و بين المسجد الحرام اثنا عشر ميلا من كلّ جانب(6).

و نحوه قال ابن عباس، لأنّه قال: حاضري أهل الحرم خاصة. و به قال مجاهد و الثوري(7).

ص: 176


1- النهاية: 206، و حكاه عنه المحقّق في المعتبر: 337.
2- الهداية - للمرغيناني - 158:1، الاختيار لتعليل المختار 210:1، أحكام القرآن - للجصّاص - 287:1.
3- البقرة: 196.
4- التهذيب 32:5-33-97، الاستبصار 157:2-515.
5- التفسير الكبير 173:5.
6- المبسوط - للطوسي - 306:1، التبيان 158:2-159 و 161.
7- المغني 504:3، الشرح الكبير 249:3، المجموع 182:7، الحاوي الكبير 62:4، حلية العلماء 262:3، أحكام القرآن - للجصّاص - 289:1، جامع البيان 2: 149.

و قال الشيخ في بعض كتبه: حدّ حاضري المسجد الحرام من كان من أهل مكة أو يكون بينه و بينها ثمانية و أربعون ميلا من كلّ جانب(1). و به قال الشافعي و أحمد(2) ، لأنّه مسافة القصر، و لأنّ ما دون مسافة القصر يكون قريبا من المسجد، لأنّه بمنزلة الحاضر، و قد سلف(3) في حديث الباقر عليه السلام التحديد بثمانية و أربعين ميلا.

و لما رواه الحلبي عن الصادق عليه السلام في حاضري المسجد الحرام: قال: «ما دون المواقيت إلى مكة فهو من حاضري المسجد الحرام و ليس لهم متعة»(4) و معلوم أنّ هذه المواضع أكثر من اثني عشر ميلا.

و قال أبو حنيفة: حاضر و المسجد الحرام أهل المواقيت و الحرم و ما بينهما(5).

و قال مالك: هم أهل مكة و ذي طوى(6). و روي عنه أنّهم أهل الحرم.

و مسافة القصر تعتبر من نفس مكة أو الحرم ؟ للشافعية وجهان(7).7.

ص: 177


1- النهاية: 206.
2- الحاوي الكبير 62:4، حلية العلماء 262:3، المهذب - للشيرازي - 208:1، المجموع 182:7، المغني 504:3، الشرح الكبير 249:3، المبسوط - للسرخسي - 169:4، تفسير القرطبي 404:2، التفسير الكبير 174:5.
3- سلف في المسألة 127.
4- التهذيب 33:5-99، الاستبصار 158:2-517.
5- المبسوط - للسرخسي - 169:4، أحكام القرآن - للجصاص - 289:1، تفسير القرطبي 404:2، التفسير الكبير 174:5، المغني 504:3، الشرح الكبير 249:3، الحاوي الكبير 62:4، حلية العلماء 262:3.
6- الكافي في فقه أهل المدينة: 149، تفسير القرطبي 404:2، التفسير الكبير 174:5، أحكام القرآن - للجصاص - 289:1، المغني 504:3، الشرح الكبير 249:3، المبسوط - للسرخسي - 169:4.
7- المجموع 175:7.
مسألة 131:

قد بيّنّا أنّ القارن هو الذي يسوق عند إحرامه بالحج هديا عند علمائنا أجمع، إلاّ ابن أبي عقيل، فإنّه جعله عبارة عمّن قرن بين الحج و العمرة في إحرام واحد، و هو مذهب العامّة بأسرهم(1).

لنا: ما رواه العامة عن أبي شيخ قال: كنت في ملأ من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عند معاوية بن أبي سفيان، فناشدهم معاوية اللّه في أشياء، و كلّما قالوا: نعم يقول: و أنا أشهد، ثم قال: أنشدكم اللّه أ تعلمون أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله نهى عن جمع بين حجّ و عمرة ؟ قالوا: أمّا هذه فلا، فقال: أمّا إنّها معهنّ - يعني مع المنهيات - و لكنكم نسيتم(2).

و من طريق الخاصة: ما رواه معاوية بن وهب - في الصحيح - عن الصادق عليه السلام، أنّه قال في القارن: «لا يكون قران إلاّ بسياق الهدي»(3) الحديث.

احتجّوا بما رواه ابن عباس عن عمر، قال: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقول: (أتاني آت من ربّي، فقال: صلّ في هذا الوادي المبارك ركعتين، و قل: لبّيك بعمرة في حجّة)(4).

و لقوله عليه السلام: (أهلّوا يا آل محمد بعمرة في حج)(5).

و نحن نقول بموجبه، فإنّ عمرة التمتّع داخلة في الحج، قال الصادق عليه السلام: «دخلت العمرة في الحج الى يوم القيامة»(6) الى غير ذلك من

ص: 178


1- المغني 238:3، الشرح الكبير 244:3-245، المهذب - للشيرازي - 208:1، لمجموع 171:7، الكافي في فقه أهل المدينة: 149.
2- مسند أحمد 92:4، سنن أبي داود 157:2-1794.
3- التهذيب 41:5-122.
4- صحيح البخاري 167:2، سنن ابن ماجة 991:2-2976، سنن البيهقي 14:5 بتفاوت يسير في اللفظ.
5- مسند أحمد 297:6-298.
6- الفقيه 204:2-934.

الأحاديث.

مسألة 132:

لا يجوز إدخال الحج على العمرة و لا بالعكس، مثل أن يكون محرما بعمرة مفردة فيحرم بالحج قبل قضاء مناسكها، أو يحرم بالحج ثم يدخل عليه العمرة. و لأنّها عبادة شرعية، فتقف على مورد النقل.

و أطبق العامّة على الأول(1) ، و اختلفوا في إدخال العمرة على الحج بعد عقد نيّة الإفراد، فجوّزه أبو حنيفة(2) ، و للشافعي قولان(3).

إذا عرفت هذا، فلو كان محرما بعمرة التمتّع، فمنعه مانع من مرض أو حيض عن إتمامها، جاز نقلها الى الإفراد إجماعا، كما فعلت عائشة(4).

و كذا من كان محرما بحجّ مفرد فدخل مكة، جاز أن ينقل إحرامه إلى التمتّع، لقوله عليه السلام: (من لم يسق الهدي فليحل و ليجعلها عمرة)(5).

مسألة 133:

لا يجوز القران بين الحجّ و العمرة في إحرامه بنيّة واحدة على ما بيّنّاه.

قال الشيخ في الخلاف: لو فعل، لم ينعقد إحرامه إلاّ بالحج، فإن أتى بأفعال الحج لم يلزمه دم، و إن أراد أن يأتي بأفعال العمرة و يجعلها متعة، جاز ذلك، و لزمه الدم.

ص: 179


1- كما في المعتبر: 338، و راجع: المغني 515:3، و الشرح الكبير 245:3، و المجموع 172:7، و فتح العزيز 121:7-122، و الحاوي الكبير 38:4.
2- كما في المعتبر: 338، و راجع: تحفة الفقهاء 413:1، و المغني 515:3، و الشرح الكبير 245:3، و فتح العزيز 125:7.
3- كما في المعتبر: 338، و راجع: فتح العزيز 125:7، و المجموع 173:7، و الحاوي الكبير 38:4.
4- كما في المعتبر: 338.
5- أورده المحقق في المعتبر: 338، و راجع: سنن النسائي 143:5-144، و سنن الدارمي 46:2.

و قال الشافعي و مالك و الأوزاعي: إذا أتى بأفعال الحجّ، لزمه دم.

و قال الشعبي و طاوس و داود: لا يلزمه شيء [1].

لنا: أصالة عدم وجوب الدم فلا يثبت منافيه إلاّ بدليل.

و أمّا إذا نوى التمتّع، فلزوم الدم ثابت بالإجماع.

و المتمتّع إذا أحرم من مكة، لزمه الدم، و لو أحرم من الميقات، لم يسقط الدم.

و قالت العامة: يسقط الدم(1).

لنا: أنّ الدم استقرّ بإحرام الحج، فلا يسقط بعد استقراره، و كذا لو أحرم المتمتّع من مكة و مضى الى الميقات ثم منه الى عرفات.

و قال الشيخ: يسقط(2).

إذا عرفت هذا، فلا يجوز نيّة حجّتين و لا عمرتين، و لو فعل، قيل:

تنعقد إحداهما، و تلغو الأخرى(3) ، و به قال مالك و الشافعي(4).

و قال أبو حنيفة: ينعقد بهما، و عليه قضاء إحداهما، لأنّه أحرم بهما و لم يتمّهما(5).5.

ص: 180


1- كما في المعتبر: 338.
2- المبسوط - للطوسي - 307:1.
3- المغني 255:3، الشرح الكبير 261:3.
4- المغني 255:3، الشرح الكبير 261:3، فتح العزيز 203:7، الام 136:2، مختصر المزني: 70، الحاوي الكبير 255:4.
5- المغني 255:3، الشرح الكبير 261:3، فتح العزيز 203:7، الحاوي الكبير 4: 255.

و ليس بجيّد، لأنّهما عبادتان لا يلزمه المضيّ فيهما، فلا يصحّ الإحرام بهما، كالصلاتين.

و على هذا لو أفسد حجّه أو عمرته، لم يلزمه إلاّ قضاؤها إن قلنا بانعقاد إحداهما.

و عند أبي حنيفة يلزمه قضاؤهما معا، بناء على صحة إحرامه بهما(1).

مسألة 134:

المكّي إذا خرج عن مكة ثم عاد و حجّ على ميقات، أحرم منه، و جاز له التمتّع، لما رواه العامّة عن ابن عباس، قال: وقّت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لأهل المدينة ذا الحليفة، و لأهل الشام مهيعة [1]، و لأهل نجد قرن المنازل، و لأهل اليمن يلملم، و هي لهم و لكلّ آت من غيرهم ممّن أراد الحج و العمرة(2).

و من طريق الخاصة: قول الكاظم عليه السلام: «من دخل المدينة فليس له أن يحرم إلاّ من المدينة»(3).

و أمّا جواز التمتع: فلأنّه إذا خرج عن مكة إلى مصر من الأمصار، و مرّ على ميقات من المواقيت، صار ميقاتا له، و لحقه أحكام ذلك الميقات.

و لما رواه الكاظم عليه السلام: عن رجل من أهل مكة خرج إلى بعض الأمصار ثم رجع فمرّ ببعض المواقيت التي وقّت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، هل له أن يتمتّع ؟ قال: «ما أزعم أنّ ذلك ليس له، و الإهلال بالحجّ أحبّ اليّ، و رأيت من سأل أبا جعفر عليه السلام، قال: نويت الحج من المدينة كيف أصنع ؟ قال: تمتّع، قال: إنّي مقيم بمكة و أهلي فيها، فيقول: تمتّع»(4) في

ص: 181


1- المغني 255:3، الشرح الكبير 261:3.
2- سنن البيهقي 29:5، سنن النسائي 125:5-126 بتفاوت.
3- التهذيب 57:5-58-179.
4- التهذيب 33:5-34-100، الاستبصار 158:2-518.

حديث طويل.

مسألة 135:

و من كان من أهل الأمصار فجاور بمكة ثم أراد حجّة الإسلام، خرج الى ميقات أهله، فأحرم منه، فإن تعذّر، خرج الى أدنى الحلّ، و لو تعذّر، أحرم من مكة.

هذا إذا لم يجاور مدّة سنتين، فإن مضى عليه سنتان و هو مقيم بمكة، صار من أهل مكة و حاضريها ليس له أن يتمتّع، و به قال الشيخ في كتابي الأخبار(1).

و قال في النهاية: لا ينتقل فرضه عن التمتّع حتى يقيم ثلاث سنين(2).

و قد روى زرارة - في الصحيح - عن الباقر عليه السلام، قال: «من أقام بمكة سنتين فهو من أهل مكة لا متعة له» فقلت لأبي جعفر: أ رأيت إن كان له أهل بالعراق و أهل بمكة ؟ قال: «فلينظر أيّهما الغالب عليه فهو من أهله»(3).

إذا عرفت هذا، فذو المنزلين بمكة و ناء يعتبر في حقّه أغلبهما إقامة، فيحرم بفرض أهله، فإن تساويا، تخيّر في التمتّع و غيره.

إذا ثبت هذا، فلو لم تمض هذه المدّة، ففرضه التمتّع يخرج الى الميقات، و يحرم منه مع المكنة، و إلاّ فمن حيث أمكن، لأنّه لم ينتقل فرضه عن فرض إقليمه، فيلزمه الإحرام من ميقاتهم، أمّا لو تعذّر فإنّه يخرج الى خارج الحرم فيحرم منه، للضرورة، و لأنّ ميقاته قد تعذّر عليه، فيسقط اعتباره، كما لو تعذّر عليه التمتّع، و ذلك كقضية عائشة، و لو كان الإحرام من مكة جائزا، لما كلّفها النبي صلّى اللّه عليه و آله تحمّل المشقّة.

و روى الحلبي عن الصادق عليه السلام، قال: قلت: رجل ترك

ص: 182


1- التهذيب 34:5 ذيل الحديث 100، الاستبصار 159:2 ذيل الحديث 518.
2- النهاية: 206.
3- التهذيب 34:5-101، الإستبصار 159:2-519.

الإحرام حتى دخل مكة، قال: «يرجع الى ميقات أهل بلاده، الذي يحرمون منه فيحرم، و إن خشي أن يفوته الحج، فليحرم من مكانه، فإن استطاع أن يخرج من الحرم فليخرج»(1).

و قال الشافعي: يجوز أن يحرم من مكة مع المكنة من الخروج الى الميقات(2) ، لأنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله أمر أصحابه بالإحرام من مكة للتمتّع(3).

و ليس حجّة، لجواز أمرهم بإحرام الحج لا بإحرام العمرة، أو أنّ ذلك كان للضرورة.

البحث الثاني: في وقت أداء النسكين
مسألة 136:

أشهر الحج شوّال و ذو القعدة و ذو الحجة عند أكثر علمائنا(4) ، و به قال مالك، و هو مروي عن ابن عباس و عمر و ابن عمر(5) ، لقوله تعالى اَلْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ (6) و أقلّ الجمع ثلاثة.

و ما رواه زرارة عن الباقر عليه السلام، قال: «اَلْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ شوّال و ذو القعدة و ذو الحجّة، ليس لأحد أن يحرم بالحج في سواهنّ، و ليس لأحد أن يحرم قبل الوقت الذي وقّت رسول اللّه صلّى اللّه عليه

ص: 183


1- التهذيب 58:5-180.
2- حكاه عنه المحقق في المعتبر: 341.
3- سنن البيهقي 356:4.
4- منهم: الشيخ الطوسي في النهاية 207، و ابن إدريس في السرائر: 126، و المحقق في شرائع الإسلام 237:1، و المعتبر: 336.
5- المغني 268:3، الشرح الكبير 230:3، بداية المجتهد 325:1، أحكام القرآن - لابن العربي - 131:1، المجموع 145:7، الحاوي الكبير 27:4، حلية العلماء 3: 252، المبسوط - للسرخسي - 61:4، التفسير الكبير 176:5.
6- البقرة: 197.

و آله، و إنّما مثل ذلك مثل من صلّى أربعا في السفر و ترك الثنتين»(1).

و لأنّه يصح أن يقع في باقي ذي الحجة شيء من أفعال الحج، كالطواف و السعي و ذبح الهدي.

و قال بعض علمائنا هي: شوّال و ذو القعدة و الى قبل الفجر من عاشر ذي الحجّة(2) ، لقوله تعالى اَلْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ (3) و لا يمكن فرضه بعد طلوع الفجر من يوم النحر.

و لقوله تعالى فَلا رَفَثَ وَ لا فُسُوقَ وَ لا جِدالَ (4) و هو سائغ يوم النحر، لأنّه يمكنه التحلّل في أوّله.

و لا حجّة فيه، لأنّ المراد: فمن فرض في أكثرهن، و به يتمّ المطلوب.

و قال بعض علمائنا: هي شوّال و ذو القعدة و الى طلوع الفجر من ليلة النحر(5). و به قال الشافعي(6).

و قال بعضهم: و تسعة من ذي الحجة(7).

و قال أبو حنيفة و أصحابه: إلى آخر العاشر من ذي الحجة - و به قال ابن مسعود و ابن عمر و ابن الزبير و عطاء و مجاهد و الحسن و الشعبي و النخعي و قتادة و الثوري و أحمد - لقول ابن مسعود و ابن عمر و ابن عباس و ابن الزبير: شهران و عشر ليال(8). و إذا أطلق ذلك، اقتضى تعدّده من الأيّام.7.

ص: 184


1- الكافي 321:4-322-2، التهذيب 51:5-155، الاستبصار 161:2-527.
2- الشيخ الطوسي في المبسوط 308:1.
3- البقرة: 197.
4- البقرة: 197.
5- الشيخ الطوسي في الخلاف 258:2، المسألة 23.
6- الحاوي الكبير 27:4، فتح العزيز 74:7، المجموع 142:7، حلية العلماء 3: 251.
7- الشيخ الطوسي في الجمل و العقود (ضمن الرسائل العشر): 226.
8- المبسوط - للسرخسي - 60:4 و 61، المغني 268:3، الشرح الكبير 229:3 و 230، الحاوي الكبير 27:4، التفسير الكبير 176:5، حلية العلماء 251:3، أحكام القرآن - لابن العربي - 131:1، المجموع 145:7.

و لأنّ يوم النحر يدخل به وقت ركن من أركان الحج، و هو: طواف الزيارة، و يقع فيه كثير من أفعال الحجّ، كالرمي و النحر و الحلق و الطواف و السعي و الرجوع الى منى، فكان من أشهره، كيوم عرفة.

و اعلم: أنّه لا فائدة كثيرة في هذا النزاع، للإجماع على أنّه لو فاته الموقفان فقد فاته الحجّ، و أنّه يصح كثير من أفعال الحج يوم العاشر و ما بعده.

مسألة 137:

لو أحرم بالحجّ قبل أشهره، لم ينعقد إحرامه للحجّ، و ينعقد للعمرة - و به قال عطاء و طاوس و مجاهد و الشافعي(1) - لقوله تعالى:

اَلْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ (2) تقديره: وقت الحجّ أشهر، أو أشهر الحجّ أشهر، فحذف المضاف، و أقيم المضاف اليه مقامه، و إذا ثبت أنّه وقته، لم يجز تقديم إحرامه عليه، كأوقات الصلوات.

و لقول الصادق عليه السلام: «من أحرم بالحجّ في غير أشهر الحجّ فلا حجّ له»(3).

و أمّا انعقاده للعمرة: فلقول الصادق عليه السلام في رجل فرض الحجّ من غير أشهر الحجّ، قال: «يجعلها عمرة»(4).

و قال مالك و الثوري و النخعي و أبو حنيفة و أحمد و إسحاق: ينعقد إحرامه، و إذا بقي على إحرامه إلى وقت الحجّ، جاز، لقوله تعالى:

ص: 185


1- المغني 231:3، الشرح الكبير 229:3، الام 128:2، الحاوي الكبير 28:4-29 و 30، حلية العلماء 252:3، فتح العزيز 77:7، المجموع 142:7 و 144، بداية المجتهد 325:1، المبسوط - للسرخسي - 60:4، المحلّى 66:7.
2- البقرة: 197.
3- الكافي 322:4-4، التهذيب 52:5-157، الاستبصار 162:2-529.
4- الفقيه 278:2-1361.

يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَواقِيتُ لِلنّاسِ وَ الْحَجِّ (1) فدلّ على أنّ جميع الأشهر ميقات(2).

و لا حجّة فيه، لأنّ الأزمنة أوقات للحوادث التي من جملتها الحجّ.

مسألة 138:

لا ينعقد الإحرام بالعمرة المتمتّع بها قبل أشهر الحجّ، فإن أحرم بها في غيرها، انعقد للعمرة المبتولة - و هو أحد قولي الشافعي و أحمد(3) - لأنّ الإحرام بالعمرة نسك و ركن من أركانها، فيعتبر وقوعه في أشهر الحجّ، كما يعتبر وقوع باقيها.

و لأنّ المتمتّع بها داخله في الحجّ، لقوله عليه السلام: (دخلت العمرة في الحجّ هكذا) و شبّك بين أصابعه(4) ، و الحجّ لا يصح إحرامه قبل أشهره، فكذا ما دخل فيه.

و لقول الصادق عليه السلام: «لا تكون عمرة إلاّ في أشهر الحجّ»(5).

و لأنّه أتى بنسك لا تتم العمرة إلاّ به في غير أشهر الحج، فلا يكون متمتّعا كما لو طاف.

و قال الشافعي في ثاني قوليه: إنّه إذا أحرم بالعمرة في رمضان و أتى بالطواف و السعي و الحلق في شوّال و حجّ من سنته فإنّه يكون متمتّعا(6).

و قال مالك: إذا أحرم بها في غير أشهر الحجّ و لم يتحلّل من إحرام

ص: 186


1- البقرة: 189.
2- المغني 231:3-232، الشرح الكبير 229:3، بداية المجتهد 325:1، المبسوط - للسرخسي - 60:4، الحاوي الكبير 29:4، المجموع 144:7، المحلّى 66:7.
3- فتح العزيز 138:7-140، حلية العلماء 261:3، المهذب - للشيرازي - 208:1، المجموع 176:7، الحاوي الكبير 49:4-50.
4- صحيح مسلم 888:2-1218، سنن أبي داود 184:2-1905، سنن البيهقي 5: 7.
5- التهذيب 435:5-436-1514، المعتبر: 336.
6- الحاوي الكبير 49:4-50، حلية العلماء 260:3-261.

العمرة حتى دخلت أشهر الحجّ، صار متمتّعا(1).

و قال أبو حنيفة: إذا أتى بأكثر أفعال العمرة في أشهر الحجّ، صار متمتّعا إذا دخلت عليه أشهر الحجّ(2).

و كلّ هذه الأقوال لا حجّة عليها، فلا يلتفت إليها.

مسألة 139:

العمرة المبتولة تجوز في جميع أيّام السنة بغير خلاف بين علماء الأمصار، لما رواه العامة عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، قال:

(عمرة في رمضان تعدل حجّة)(3).

و اعتمر عليه السلام في شوّال و في ذي القعدة(4).

و اعتمرت عائشة من التنعيم ليلة المحصب(5) ، و هي الليلة التي يرجعون فيها من منى الى مكة.

و من طريق الخاصة: قول الصادق عليه السلام: «السنة اثنا عشر شهرا، يعتمر لكلّ شهر عمرة»(6).

و لأنّها عبادة لها تحريم و تحليل فكان من جنسها عبادة غير موقّتة، كالصلاة.

مسألة 140:

المتمتّع إذا دخل مكة و خاف فوات الوقت لو أكملها، جاز له أن ينقل نيته الى الإفراد ليدرك أحد الموقفين ثم يعتمر عمرة مفردة بعد إتمام الحج.

ص: 187


1- المدونة الكبرى 395:1، المنتقى - للباجي - 228:2، بداية المجتهد 334:1، حلية العلماء 261:3، المبسوط - للسرخسي - 30:4-31.
2- بدائع الصنائع 186:2، بداية المجتهد 334:1، فتح العزيز 142:7، حلية العلماء 261:3.
3- سنن الترمذي 276:3-939، سنن البيهقي 346:4.
4- صحيح مسلم 916:2-217، سنن البيهقي 346:4.
5- صحيح مسلم 881:2-1213، سنن البيهقي 344:4.
6- الفقيه 278:2-1362.

و كذا الحائض و النفساء لو منعهما عذرهما عن التحلّل و إنشاء إحرام الحجّ، نقلتا حجّتهما الى الإفراد، و اعتمرتا بعده، لأنّ التكليف منوط بالقدرة.

و لما رواه جميل عن الصادق عليه السلام، قال: سألته عن المرأة الحائض إذا قدمت مكة يوم التروية، قال: «تمضي كما هي الى عرفات فتجعلها حجّة مفردة ثم تقيم حتى تطهر فتخرج الى التنعيم فتحرم و تجعلها عمرة»(1).

إذا عرفت هذا، فلو غلب على ظنّها أنّها تطهر و تدرك الموقف، صبرت على إحرام المتعة الى أن تطهر ثم تطوف و تتمّ متعتها، لأنّ أبا بصير سأل الصادق عليه السلام عن المرأة تجيء متمتّعة فتطمث قبل أن تطوف بالبيت فيكون طهرها ليلة عرفة، فقال: «إن كانت تعلم أنّها تطهر و تطوف بالبيت و تحلّ من إحرامها و تلحق الناس فلتفعل»(2).

البحث الثالث: في المواقيت
اشارة

و النظر في أمرين:

النظر الأول: تعيينها
مسألة 141:

المواقيت ستّة، فقد أجمع العلماء كافّة على أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله نصّ على أربعة مواقيت، و هي: ذو الحليفة و الجحفة و قرن المنازل و يلملم.

و روى العامة عن ابن عباس، قال: وقّت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لأهل المدينة ذا الحليفة، و لأهل الشام الجحفة، و لأهل نجد قرن المنازل،

ص: 188


1- الفقيه 240:2-1146، التهذيب 390:5-1363.
2- الكافي 477:4-8، الفقيه 242:2-1158، التهذيب 391:5-1367، الاستبصار 311:2-1108.

و لأهل اليمن يلملم، قال: فهي لهنّ و لمن أتى عليهنّ من غير أهلهنّ، فمن كان يريد الحجّ و العمرة فمن كان دونهن فمهلّه [1] من أهله، و كذلك أهل مكة يهلّون منها(1).

و من طريق الخاصة: قول الصادق عليه السلام: «من تمام الحجّ و العمرة أن تحرم من المواقيت التي وقّتها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، و لا تجاوزها إلاّ و أنت محرم، فإنّه وقّت لأهل العراق - و لم يكن يومئذ عراق - بطن العقيق من قبل أهل العراق، و وقّت لأهل اليمن يلملم، و وقّت لأهل الطائف قرن المنازل، و وقّت لأهل المغرب الجحفة، و هي: مهيعة، و وقّت لأهل المدينة ذا الحليفة، و من كان منزله خلف هذه المواقيت ممّا يلي مكة فوقته منزله»(2).

و أمّا ميقات أهل العراق: فقد اتّفقوا على أنّه لو أحرم من ذات عرق أحرم من الميقات، و كان أنس يحرم من العقيق، و استحسنه الشافعي و ابن المنذر و ابن عبد البرّ(3) ، و اختلفوا في ثبوته.

قال العلماء: إنّه يثبت بالنصّ من النبي صلّى اللّه عليه و آله، و هو مذهب أهل البيت عليهم السلام، و به قال أحمد و أصحاب أبي حنيفة(4) ، لما رواه العامة عن ابن عباس، قال: وقّت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لأهل العراق ذات عرق(5).

و من طريق الخاصة: قول الصادق عليه السلام و قد سأله أبو أيّوب الخزّاز2.

ص: 189


1- صحيح مسلم 838:2-1181، صحيح البخاري 165:2، سنن البيهقي 29:5.
2- الكافي 318:4-1، التهذيب 54:5-166.
3- المغني 214:3، الشرح الكبير 213:3، الام 138:2، الحاوي الكبير 68:4، فتح العزيز 81:7، المجموع 197:7.
4- المجموع 197:7، الشرح الكبير 214:3، فتح العزيز 81:7.
5- أورده المحقق في المعتبر: 342.

- في الصحيح -: حدّثني عن العقيق أ وقت وقّته رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، أو شيء صنعه الناس ؟ فقال عليه السلام: «إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله وقّت لأهل المدينة ذا الحليفة، و وقّت لأهل المغرب الجحفة، و هي عندنا مكتوبة مهيعة، و وقّت لأهل اليمن يلملم، و وقّت لأهل الطائف قرن المنازل، و وقّت لأهل نجد العقيق و ما أنجدت»(1).

و قال قوم: إنّه يثبت قياسا، لأنّ أهل العراق كانوا مشركين(2).

و لا حجّة فيه، لعلمه عليه السلام بأنّهم يسلمون، أو يمرّ على هذا الميقات مسلمون.

مسألة 142:

من كان منزله دون الميقات فميقاته منزله بإجماع العلماء - خلافا لمجاهد، فإنّه قال: يهلّ بمكة(3). و هو خطأ - لما رواه العامّة عن علي عليه السلام و ابن مسعود و عمر في قوله تعالى وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلّهِ (4) قالوا: إتمامهما أن تحرم بهما من دويرة أهلك(5).

و عن النبي عليه السلام في قوله: (فمن كان دونهنّ فمهلّه من أهله)(6).

و من طريق الخاصة: قول الصادق عليه السلام: «و من كان منزله خلف هذه المواقيت ممّا يلي مكة فوقته منزله»(7).

ص: 190


1- الكافي 319:4-3، التهذيب 55:5-168.
2- الحاوي الكبير 68:4، فتح العزيز 80:7، المجموع 197:7، و راجع: المغني و الشرح الكبير 214:3.
3- المغني 219:3، الشرح الكبير 216:3، المجموع 203:7-204.
4- البقرة: 296.
5- الحاوي الكبير 75:4، المغني 222:3، تفسير الطبري 120:2، أحكام القرآن - للجصّاص - 263:1-264، سنن البيهقي 30:5.
6- صحيح البخاري 165:2، سنن البيهقي 29:5.
7- الكافي 318:4-1، التهذيب 54:5-55-166.
مسألة 143:

ميقات أهل المدينة ذو الحليفة - و هو مسجد الشجرة - اختيارا، و هو على عشرة مراحل من مكة، و عن المدينة ميل، و عند الضرورة الجحفة.

روى العامّة عن جابر أنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله يقول: (مهلّ أهل المدينة من ذي الحليفة و الطريق الآخر من الجحفة)(1).

و من طريق الخاصة: ما رواه الحلبي - في الحسن - عن الصادق عليه السلام، قال: «الإحرام من مواقيت خمسة وقّتها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، لا ينبغي لحاج و لا لمعتمر أن يحرم قبلها و لا بعدها، وقّت لأهل المدينة ذا الحليفة، و هو مسجد الشجرة»(2) الحديث.

و في الصحيح عن الحلبي، قال: سألته من أين يحرم الرجل إذا جاوز الشجرة ؟ فقال: «من الجحفة و لا يجاوز الجحفة إلاّ محرما»(3).

و كان الصادق عليه السلام عليلا فأحرم من الجحفة(4).

مسألة 144:

العقيق ميقات أهل العراق، و كلّ جهاته ميقات من أين أحرم جاز، لكن الأفضل الإحرام من المسلخ، و تليه غمرة، و آخره ذات عرق.

و روى العامّة عن ابن عباس أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله وقّت لأهل المشرق العقيق(5).

قال ابن عبد البرّ: العقيق أولى و أحوط من ذات عرق، و ذات عرق

ص: 191


1- صحيح مسلم 841:2-18، سنن البيهقي 27:5.
2- الكافي 4:-319-2، الفقيه 198:2-903، التهذيب 55:5-167.
3- التهذيب 57:5-177.
4- التهذيب 57:5-176.
5- سنن أبي داود 143:2-1740، سنن الترمذي 194:3-832، سنن البيهقي 5: 28.

ميقاتهم بإجماع(1).

و من طريق الخاصة: ما رواه ابن بابويه عن الصادق عليه السلام، قال: «وقّت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لأهل العراق العقيق أوّله المسلخ و وسطه غمرة و آخره ذات عرق، و أوّله أفضل»(2).

و اعلم أنّ أبعد المواقيت ذو الحليفة على عشرة مراحل من مكة، و تليه في البعد: الجحفة، و المواقيت الثلاثة على مسافة واحدة بينها و بين مكة ليلتان قاصدتان.

مسألة 145:

المواقيت المذكورة مواقيت لأهلها و لمن مرّ بها ممّن يريد الحجّ أو العمرة، فإذا حجّ الشامي من المدينة فجاز على ذي الحليفة، أحرم منها، و إن حجّ من اليمن، فميقاته يلملم، و إن حجّ من العراق، فميقاته العقيق، و كذا غيرها، و لا نعلم فيه خلافا، لما روى العامّة أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال: (هنّ لهنّ و لمن أتى عليهنّ من غير أهلهنّ ممّن أراد الحجّ و العمرة)(3).

و من طريق الخاصة: قول الكاظم عليه السلام: «من دخل المدينة فليس له أن يحرم إلاّ من المدينة»(4).

و لأنّ التكليف بالمضيّ إلى ميقات بلده ضرر، فيكون منفيّا.

مسألة 146:

الصبي ميقاته هذه المواقيت، و يجوز أن يجرّد من فخّ، و أن يؤخّر إحرامه [1] إليه، لما رواه معاوية بن عمّار، قال: سمعت الصادق عليه السلام يقول: «قدّموا من كان معكم من الصبيان إلى الجحفة أو إلى بطن

ص: 192


1- المغني و الشرح الكبير 214:3.
2- الفقيه 199:2-907.
3- صحيح البخاري 166:2، سنن البيهقي 29:5.
4- التهذيب 57:5-58-179.

مرّ ثم يصنع بهم ما يصنع بالمحرم و يطاف بهم و يسعى بهم، و من لم يجد منهم هديا صام عنه وليّه»(1).

و سأل أيّوب(2) الصادق عليه السلام عن الصبيان أين نجرّدهم للإحرام ؟ فقال: «كان أبي يجرّدهم من فخّ»(3).

مسألة 147:

ميقات عمرة التمتّع هذه المواقيت، و ميقات حجّه مكّة لا غير، فإن أحرم من غير مكة اختيارا، لم يجزئه، و كان عليه العود إلى مكة لإنشاء الإحرام، ذهب إليه علماؤنا.

و قال أحمد: يخرج إلى الميقات فيحرم منه للحجّ(4).

و ليس بصحيح، لما رواه العامّة أنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله دخل على عائشة و هي تبكي، قال لها: (أهلّي بالحجّ)(5) و كانت بمكة.

و أمر أصحابه بالإحرام من مكة لمّا فسخوا الحجّ(6).

و من طريق الخاصة: قول الصادق عليه السلام: «إذا كان يوم التروية - إلى أن قال - و ادخل المسجد - إلى أن قال - فأحرم بالحجّ»(7).

إذا عرفت هذا، فلو أحرم من غير مكة اختيارا، لم يجزئه، و كان عليه العود إلى مكة لإنشاء الإحرام، لأنّ النبي عليه السلام أمر أصحابه بالإحرام من مكة(8).

و قال الشافعي: يجوز أن يخرج إلى أحد المواقيت فيحرم بالحجّ

ص: 193


1- الكافي 304:4-4، الفقيه 366:2-1294، التهذيب 409:5-1423.
2- في النسخ الخطية و الحجرية: أبو أيوب، و ما أثبتناه من المصدر و كما في المعتبر: 342.
3- التهذيب 409:5-1421.
4- المغني 216:3، الشرح الكبير 218:3.
5- سنن أبي داود 154:2-155-1785، سنن النسائي 165:5.
6- صحيح مسلم 882:2-1214، المغني 216:3، الشرح الكبير 218:3.
7- الكافي 454:4-1، التهذيب 167:5-557.
8- صحيح مسلم 882:2-1214، المغني 216:3، الشرح الكبير 218:3.

منه(1).

و يجوز أن يحرم من أيّ موضع كان من مكة، لأنّها كلّها ميقات، لكن الأفضل الإحرام من المسجد، و أفضله تحت الميزاب أو في مقام إبراهيم عليه السلام.

و لو خرج من مكة بغير إحرام ناسيا أو جاهلا، رجع إليها أو أحرم منها، فإن عرض له مانع، أحرم من موضعه و لو بعرفات، و كذا في الخائف من الرجوع.

مسألة 148:

هذه المواقيت المذكورة مواقيت للحجّ على ضروبه و للعمرة المفردة إجماعا إذا قدم مكة حاجّا أو معتمرا.

أمّا المفرد و القارن إذا قضيا مناسك الحج و أرادا الاعتمار، أو غيرهما ممّن يريد الاعتمار، فإنّه يلزمه أن يخرج إلى أدنى الحلّ، فيحرم بالعمرة المفردة ثم يعود إلى مكة للطواف و السعي، لأنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله لمّا أرادت عائشة أن تعتمر بعد التحلّل من الحجّ أمر عبد الرحمن أن يعمرها من التنعيم(2) ، و هو من الحلّ.

و لو خرج إلى أحد المواقيت فأحرم منه، جاز لكن خفّف عنه بالإحرام من أدنى الحلّ.

و ينبغي أن يحرم من الجعرانة، فإنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله اعتمر منها(3) ، فإن فاتته فمن التنعيم، لأنّ النبي عليه السلام أمر عائشة بالإحرام منها(4) ، فإن فاتته فمن الحديبية، لأنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله لمّا قفل [1] من

ص: 194


1- فتح العزيز 78:7، المجموع 196:7.
2- صحيح البخاري 4:3 و 5، صحيح مسلم 871:2-113، سنن البيهقي 357:4
3- صحيح البخاري 3:3، سنن أبي داود 205:2-206-1993 و 1994، سنن الترمذي 180:3-816.
4- صحيح البخاري 6:3، صحيح مسلم 870:2-871-112، سنن البيهقي 6:5.

حنين أحرم بالجعرانة(1).

النظر الثاني: في أحكام المواقيت
مسألة 149:

لا يجوز الإحرام قبل الميقات عند علمائنا إلاّ لناذر على خلاف، و لمريد العمرة في رجب إذا خاف فواته.

و أطبق العامّة على جوازه(2) ، و اختلفوا في الأفضل.

فقال مالك: الأفضل الإحرام من الميقات، و يكره قبله. و به قال عمر و عثمان و الحسن و عطاء و مالك و أحمد و إسحاق(3).

و قال أبو حنيفة: الأفضل الإحرام من بلده(4).

و عن الشافعي كالمذهبين(5).

و كان علقمة و الأسود و عبد الرحمن و أبو إسحاق يحرمون من بيوتهم(6).

لنا: ما رواه العامّة أنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله أحرم من الميقات(7) ، و لا يفعل إلاّ الراجح، و قال عليه السلام: (خذوا عنّي مناسككم)(8) فوجب

ص: 195


1- الكامل في التاريخ 272:2.
2- المغني 222:3، الشرح الكبير 226:3، المجموع 200:7، المبسوط - للسرخسي - 166:4، بدائع الصنائع 164:2، المنتقى - للباجي - 205:2.
3- المدوّنة الكبرى 363:1، بداية المجتهد 324:1، الكافي في فقه أهل المدينة: 148، المغني 222:3، الشرح الكبير 226:3، حلية العلماء 270:3، فتح العزيز 93:7.
4- الاختيار لتعليل المختار 185:1، المغني 222:3، الشرح الكبير 226:3، فتح العزيز 93:7، حلية العلماء 270:3، المجموع 202:7.
5- المهذّب - للشيرازي - 210:1، المجموع 200:7، حلية العلماء 270:3، فتح العزيز 93:7، المغني 222:3، الشرح الكبير 226:3.
6- المغني 222:3، الشرح الكبير 226:3، و انظر: المجموع 202:7.
7- المغني 223:3، الشرح الكبير 227:3.
8- سنن البيهقي 125:5.

اتّباعه.

و من طريق الخاصة: قول الصادق عليه السلام: «من أحرم بالحجّ في غير أشهر الحجّ فلا حجّ له، و من أحرم دون الميقات فلا إحرام له»(1).

و لأنّه أحرم قبل الميقات، فكان حراما، كالإحرام قبل أشهر الحجّ.

و لما فيه من التغرير بالإحرام و التعرّض لفعل محظوراته، و فيه مشقّة على النفس، فمنع، كالوصال في الصوم.

احتجّوا: بما رواه العامّة عن أمّ سلمة زوج النبي صلّى اللّه عليه و آله، أنّها سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقول: (من أهلّ بحجّة أو عمرة من المسجد الأقصى إلى المسجد الحرام غفر له ما تقدّم من ذنبه و ما تأخّر)(2).

و في الطريق ضعف عند العامّة(3).

مسألة 150:

سوّغ أكثر أصحابنا(4) الإحرام قبل المواقيت في موضعين:

الأول: إذا نذر أن يحرم قبل الميقات، لما رواه الحلبي - في الصحيح - عن الصادق عليه السلام، قال: سألته عن رجل جعل للّه عليه شكرا أن يحرم من الكوفة، قال: «فليحرم من الكوفة و ليف للّه بما قال»(5).

الثاني: من يريد الإحرام بالعمرة المفردة في رجب، فإنّه إذا خشي تقضّيه قبل الوصول إلى الميقات، جاز له أن يحرم قبل الميقات ليدرك التلبّس بالعمرة في رجب، لما رواه إسحاق بن عمّار عن الكاظم عليه السلام عن

ص: 196


1- الكافي 322:4-4، التهذيب 52:5-157، الاستبصار 162:2-529.
2- سنن أبي داود 143:2-1741، سنن البيهقي 30:5، و انظر: المغني 222:3، و الشرح الكبير 226:3.
3- المغني 228:3، الشرح الكبير 223:3-224.
4- منهم ابن حمزة في الوسيلة: 159-160، و المحقّق في المعتبر: 342، و شرائع الإسلام 242:1، و يحيى بن سعيد في الجامع للشرائع: 178.
5- التهذيب 53:5-162، الاستبصار 163:2-534.

الرجل يجيء معتمرا ينوي عمرة رجب، فيدخل عليه الهلال قبل أن يبلغ العقيق، أ يحرم قبل الوقت و يجعلها لرجب أو يؤخّر الإحرام إلى العقيق و يجعلها لشعبان ؟ قال: «يحرم قبل الوقت لرجب، فإنّ لرجب فضلا و هو الذي نوى»(1).

مسألة 151:

و كما لا يجوز الإحرام قبل الميقات كذا لا يجوز مجاوزته بغير إحرام لمن يريد النسك، فإن جاوزه فعليه أن يرجع ليحرم منه إن أمكنه، سواء تجاوزه عالما أو جاهلا، و سواء علم تحريم ذلك أو جهله، فإن رجع إليه فأحرم منه، فلا شيء عليه، و لا نعلم فيه خلافا، لأنّ فائدة توقيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لهذه المواقيت: الإلزام بالمناسك منها لا يتقدّم عنها و لا يتأخّر.

و لما رواه معاوية بن عمّار - في الصحيح - عن الصادق عليه السلام، قال: «من تمام الحجّ و العمرة أن تحرم من المواقيت التي وقّتها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، و لا تجاوزها إلاّ و أنت محرم»(2).

مسألة 152:

لو أحرم غير الناذر و غير مريد الاعتمار في رجب قبل الميقات، لم ينعقد إحرامه، و لم يعتدّ به، و لو فعل ما هو محظور على المحرم، لم يكن عليه شيء، و إذا بلغ الميقات، وجب عليه تجديد الإحرام من رأس، لأنّ ما فعله كان منهيّا عنه، فلا يكون مجزئا.

و لأنّ الباقر عليه السلام شبّه ذلك بمن صلّى في السفر أربعا(3) ، و الصادق عليه السلام شبّهه بمن صلّى العصر [1] ستّا(4) ، و المعنى واحد، و هو

ص: 197


1- الكافي 323:4-9، التهذيب 53:5-160، الإستبصار 162:2-163-532.
2- الكافي 318:4-1، التهذيب 54:5-166.
3- الكافي 321:4-322-2، التهذيب 51:5-155، الاستبصار 161:2-527.
4- التهذيب 52:5-156، الإستبصار 161:2-528.

الزيادة في الفريضة، كزيادة المحرم قبل الميقات على المقدار المعتبر في نظر الشرع.

و قال الباقر عليه السلام: «من أحرم من دون الوقت الذي وقّته رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، فأصاب شيئا من النساء و الصيد فلا شيء عليه»(1).

و أطبق الجمهور كافّة على صحة هذا الإحرام(2).

مسألة 153:

لو ترك الإحرام من الميقات عامدا مع إرادة النسك، وجب عليه الرجوع إلى الميقات و الإحرام منه مع المكنة، و لا نعلم في ذلك خلافا، لأنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله جعل المواقيت مواطن الإحرام، و منع من الجواز بها إلاّ لمحرم إذا كان مريدا للنسك(3).

و لما روى العامّة أنّ أبا الشعثاء جابر بن زيد رأى ابن عباس يردّ من جاوز الميقات غير محرم(4).

و من طريق الخاصة: ما رواه الحلبي - في الصحيح - عن الصادق عليه السلام، قال: سألته عن رجل ترك الإحرام حتى دخل الحرم، فقال: «يرجع إلى ميقات أهل بلاده الذي يحرمون منه، فيحرم، و إن خشي أن يفوته الحجّ فليحرم من مكانه، فإن استطاع أن يخرج من الحرم فليخرج»(5).

إذا عرفت هذا، فلو لم يتمكّن من الرجوع إلى الميقات و كان قد ترك الإحرام من الميقات عامدا متمكّنا منه مع إرادة النسك، بطل حجّة - و به قال سعيد بن جبير(6) - لأنّه ترك الإحرام من الميقات عامدا متمكّنا، فبطل حجّه،

ص: 198


1- التهذيب 54:5-165.
2- تقدّم تخريجه في المسألة 149.
3- صحيح البخاري 166:2، صحيح مسلم 838:2-839-11 و 12، سنن البيهقي 5: 29.
4- الام 138:2، سنن البيهقي 29:5.
5- التهذيب 58:5-180.
6- المغني 225:3، الشرح الكبير 226:3، الحاوي الكبير 72:4، المجموع 7: 208.

كما لو ترك الوقوف بعرفة.

و قالت العامّة: يجبره بدم، و يحرم من موضعه، لما رواه ابن عباس:

أنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله قال: (من ترك نسكا فعليه دم)(1).

و نحن إنّما نثبت العموم لو قلنا بصحة الحج، و هو ممنوع.

و لو أحرم من موضعه مع تركه عامدا قادرا، لم يجزئه على ما بيّنّاه، و لو عاد إلى الميقات فكذلك ما لم يجدّد الإحرام، لأنّ الأول لم ينعقد، فجرى مجرى الإخلال بالإحرام.

و لا فرق في بطلان الحج بين أن يكون عدم التمكّن من الرجوع لمرض أو خوف أو ضيق الوقت.

مسألة 154:

لو ترك الإحرام عامدا فقد قلنا بوجوب الرجوع، فإن رجع إلى الميقات و أحرم منه، فلا دم عليه، سواء رجع بعد التلبّس بشيء من أفعال الحج، كطواف القدوم مثلا، أو الوقوف، أو لم يتلبّس - و به قال عطاء و الحسن و النخعي(2) - لأنّ إحرامه من موضعه لا اعتداد به، و كذا ما فعله، و مع الرجوع إلى الميقات يصح إحرامه، و الأصل براءة الذمّة من الدم.

و لأنّه رجع إلى الميقات و أحرم منه، فلا شيء عليه، كما لو لم يفعل شيئا من مناسك الحج.

و قال الشافعي: إن رجع قبل التلبّس، فلا شيء عليه، و إن رجع بعد التلبّس، وجب عليه دم(3) ، لأنّه أحرم من دون الميقات فوجب الدم، لكن برجوعه سقط، لأنّه حصل في الميقات محرما قبل التلبّس بشيء من أفعال

ص: 199


1- الحاوي الكبير 73:4، المغني و الشرح الكبير 225:3.
2- المغني و الشرح الكبير 225:3، المجموع 208:7.
3- الحاوي الكبير 73:4، المهذّب - للشيرازي - 210:1، المجموع 207:7، حلية العلماء 271:3، فتح العزيز 92:7، المغني و الشرح الكبير 225:3.

العبادة، فلا يجب عليه الدم، كما لو أحرم منه، أمّا إذا عاد بعد فعل شيء من أفعال الحج فقد عاد في غير وقت إحرامه، لأنّ الإحرام يتقدّم أفعال الحج.

و قد بيّنّا أنّ فعله لا اعتداد به، فلا فرق بينهما.

و قال أبو حنيفة: إن رجع إلى الميقات، سقط عنه الدم، و إن لم يلبّ لم يسقط(1).

و قال مالك: يجب الدم مطلقا - و به قال أحمد و زفر و ابن المبارك - لقول ابن عباس: من ترك نسكا فعليه دم(2).

و نمنع كون قوله حجة أو العموم.

إذا عرفت هذا، فلو لم يرجع مع قدرته، بطل إحرامه و حجّه.

و قال الشافعي: إن لم يتمكّن من الرجوع، جاز أن يحرم من مكانه، و يجب الدم، و إن لم يكن له عذر، وجب الرجوع، فإن لم يرجع أثم، و وجب الدم، و صحّ إحرامه(3).

و قد بيّنّا بطلانه.

مسألة 155:

لو تجاوز الميقات ناسيا أو جاهلا، أو لا يريد النسك ثم تجدّد له عزم، وجب عليه الرجوع إلى الميقات، و إنشاء الإحرام منه مع القدرة، و لا يكفيه المرور بالميقات، فإن لم يتمكن، أحرم من موضعه، و لو أحرم من موضعه مع إمكان الرجوع، لم يجزئه.

ص: 200


1- المبسوط - للسرخسي - 170:4، بدائع الصنائع 165:2، المغني و الشرح الكبير 3: 225، الحاوي الكبير 73:4، حلية العلماء 272:3، المجموع 208:7.
2- المغني و الشرح الكبير 225:3، بداية المجتهد 324:1، الكافي في فقه أهل المدينة: 148، بدائع الصنائع 165:2، الحاوي الكبير 73:4، حلية العلماء 271:3، المجموع 208:7.
3- فتح العزيز 89:7، المجموع 206:7.

و قد وافقنا العامّة على وجوب الرجوع إلى الميقات للناسي و الجاهل(1).

أمّا غير مريد النسك فقد وافقنا أحمد أيضا في إحدى الروايتين(2) على وجوب الرجوع، لأنّه متمكّن من الإتيان بالنسك على الوجه المأمور به، فيكون واجبا عليه.

و لما رواه الحلبي - في الحسن - عن الصادق عليه السلام، قال: سألته عن رجل نسي أن يحرم حتى دخل الحرم، قال: «عليه أن يخرج إلى ميقات أهل أرضه، فإن خشي أن يفوته الحج أحرم من مكانه، و إن استطاع أن يخرج من الحرم فليخرج ثم ليحرم»(3).

و سأل أبو الصباح الكناني الصادق عليه السلام عن رجل جهل أن يحرم حتى دخل الحرم كيف يصنع ؟ قال: «يخرج من الحرم يهلّ بالحج»(4).

و قال مالك و الثوري و الشافعي و أبو يوسف و محمد: يحرم من موضعه، لأنّه حصل دون الميقات على وجه مباح، فكان له الإحرام منه كأهل ذلك المكان(5).

و الفرق ظاهر، لقوله عليه السلام: (و من كان منزله دون الميقات فمهلّه من أهله)(6).

إذا عرفت هذا، فلو لم يتمكّن من الرجوع إلى الميقات و تمكّن من3.

ص: 201


1- المغني 225:3، الشرح الكبير 224:3.
2- المغني 226:3، الشرح الكبير 222:3، الحاوي الكبير 75:4، حلية العلماء 3: 272، المجموع 204:7.
3- التهذيب 283:5-284-965.
4- الكافي 325:4-7، التهذيب 284:5-966.
5- الكافي في فقه أهل المدينة: 148، التفريع 319:1، المغني 226:3، الشرح الكبير 221:3، المهذّب - للشيرازي - 210:1، المجموع 203:7 و 204، حلية العلماء 272:3، الحاوي الكبير 75:4.
6- أورده ابنا قدامة في المغني 227:3، و الشرح الكبير 222:3.

الخروج إلى خارج الحرم، وجب عليه، لما رواه عبد اللّه بن سنان - في الصحيح - عن الصادق عليه السلام، قال: سألته عن رجل مرّ على الوقت الذي يحرم منه الناس، فنسي أو جهل فلم يحرم حتى أتى مكة فخاف إن يرجع إلى الوقت فيفوته الحج، قال: «يخرج من الحرم فيحرم منه و يجزئه ذلك»(1).

و لأنّه بخروجه إلى خارج الحرم يكون جامعا بين الحلّ و الحرم، بخلاف ما لو أحرم من موضعه مع المكنة من الخروج.

و لو لم يتمكّن من الخروج، أحرم من موضعه، و أجزأه إجماعا، و لا يجب عليه دم، خلافا للشافعي(2).

و لو أسلم بعد مجاوزة الميقات، وجب عليه الرجوع إلى الميقات و الإحرام منه مع المكنة، و إن لم يتمكّن، أحرم من موضعه، و لا دم عليه - و به قال عطاء و مالك و الثوري و الأوزاعي و إسحاق و أصحاب الرأي(3) - لأنّه أحرم من الموضع الذي وجب عليه الإحرام منه، فأشبه المكّي و من كان منزله دون الميقات.

و قال الشافعي: يجب الدم(4).

و عن أحمد روايتان(5).

و الصبي و العبد إذا تجاوزا الميقات من غير إحرام ثم بلغ أو تحرّر و تمكّنا من الحجّ، وجب عليهما الرجوع إلى الميقات، و الإحرام منه، و إن لم3.

ص: 202


1- الكافي 324:4-6، التهذيب 58:5-181.
2- المهذّب - للشيرازي - 210:1، المجموع 206:7.
3- المغني 228:3، الشرح الكبير 223:3، حلية العلماء 273:3، المجموع 62:7.
4- حلية العلماء 273:3، المجموع 61:7-62، المغني 228:3، الشرح الكبير 223:3.
5- حلية العلماء 273:3، المجموع 61:7-62، المغني 228:3، الشرح الكبير 223:3.

يتمكّنا، أحرما من موضعهما، و لا دم عليهما، خلافا للشافعي(1).

و لو منعه مرض من الإحرام عند الميقات، قال الشيخ رحمه اللّه: جاز له أن يؤخّره عن الميقات، فإذا زال المنع، أحرم من الموضع الذي انتهى إليه(2).

و الظاهر أنّ مقصوده تأخير نزع الثياب و كشف الرأس و شبهه، فأمّا النية و التلبية مع القدرة عليهما فلا يجوز له ذلك، إذ لا مانع منه.

و لو زال عقله بإغماء و شبهه، سقط عنه الحج، فلو أحرم عنه رجل، جاز، لما رواه بعض أصحابنا عن أحدهما عليهما السلام في مريض أغمي عليه فلم يعقل حتى أتى الموقف، قال: «يحرم عنه رجل»(3).

إذا عرفت هذا، فإنّ الإحرام يجزئ عنه بمعنى لو أفاق، كان محرما، و يجب عليه إتمام الحج، فإن زال قبل الموقفين، أجزأه عن حجّة الإسلام، و إن زال بعده، لم يجزئه عن حجّة الإسلام.

مسألة 156:

المواقيت التي يجب الإحرام منها هي التي وقّتها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، فلو كان الميقات قرية فخربت و نقلت عمارتها إلى موضع آخر، كان الميقات موضع الاولى و إن انتقل الاسم إلى الثانية، لأنّ الحكم تعلّق بذلك الموضع، فلا يزول عنه بخرابه.

و قد روي أنّ سعيد بن جبير رأى رجلا يريد أن يحرم من ذات عرق، فأخذ بيده حتى أخرجه من البيوت و قطع به الوادي و أتى به المقابر، ثم قال:

هذه ذات عرق الأولى(4).

مسألة 157:

لو سلك طريقا لا يؤدّي إلى شيء من المواقيت، روى

ص: 203


1- انظر: المجموع 59:7.
2- النهاية: 209.
3- التهذيب 60:5-191.
4- الام 139:2، الحاوي الكبير 69:4، المغني و الشرح الكبير 215:3.

العامّة عن عمر لمّا قالوا له: وقّت لأهل المشرق، قال: ما حيال طريقهم ؟ قالوا: قرن المنازل، قال: قيسوا عليه، فقال قوم: بطن العقيق، و قال قوم: ذات عرق، فوقّت عمر ذات عرق(1).

و من طريق الخاصة: ما رواه عبد اللّه بن سنان - في الصحيح - عن الصادق عليه السلام، قال: «من أقام بالمدينة و هو يريد الحج شهرا أو نحوه ثم بدا له أن يخرج في غير طريق المدينة، فإذا كان حذاء الشجرة مسيرة ستة أميال فليحرم منها»(2).

و لو لم يعرف محاذاة الميقات المقارب لطريقة، احتاط و أحرم من بعد بحيث يتيقّن أنّه لم يجاوز الميقات إلاّ محرما، و لا يلزمه الإحرام حتى يعلم أنّه قد حاذاه أو يغلب على ظنّه ذلك، لأنّ الأصل عدم الوجوب، فلا يجب بالشك.

و لو أحرم بغلبة الظنّ بالمحاذاة ثم علم أنّه قد جاوز ما يحاذيه من الميقات غير محرم، الأقرب: عدم وجوب الرجوع، لأنّه فعل ما كلّف به من اتّباع الظن، فكان مجزئا.

و لو مرّ على طريق لم يحاذ ميقاتا و لا جاز به، قال بعض الجمهور:

يحرم من مرحلتين، فإنّه أقلّ المواقيت و هو ذات عرق(3).

و يحتمل أنّه يحرم من أدنى الحلّ.

مسألة 158:

أهل مكة يحرمون للحجّ من مكة، و للعمرة من أدنى الحلّ، سواء كان مقيما بمكة أو غير مقيم، لأنّ كلّ من أتى على ميقات كان ميقاتا له، و لا نعلم في ذلك خلافا، و لهذا أمر النبي صلّى اللّه عليه و آله،

ص: 204


1- راجع: صحيح البخاري 166:2، سنن البيهقي 27:5، الحاوي الكبير 68:4، المغني 214:3، و المحلّى 72:7.
2- الفقيه 200:2-913.
3- الوجيز 114:1، فتح العزيز 88:7، المجموع 199:7.

عبد الرحمن بن أبي بكر أن يعمر عائشة من التنعيم، و كانت بمكة(1).

و إنّما لزم الإحرام من الحلّ، ليجمع في النسك بين الحلّ و الحرم، فإنّه لو أحرم من الحرم، لما جمع بينهما فيه، لأنّ أفعال العمرة كلّها في الحرم، بخلاف الحجّ، فإنّه يفتقر إلى الخروج إلى عرفة فيجتمع له الحلّ و الحرم، و العمرة بخلاف ذلك.

و من أيّ الحلّ أحرم جاز، كما أنّ المحرم من مكة يحرم من أيّ موضع شاء منها، لأنّ المقصود من الإحرام الجمع في النسك بين الحلّ و الحرم.

و عن أحمد رواية: أنّ من اعتمر في أشهر الحج من أهل مكة أنّه يهلّ بالحجّ من الميقات، فإن لم يفعل، فعليه دم(2).

و لو أحرم بالعمرة من الحرم، لم يجزئه، خلافا للعامّة، فإنّهم جوّزوه، و أوجبوا عليه الدم، لتركه الإحرام من الميقات(3).

ثم إن خرج إلى الحلّ قبل الطواف ثم عاد، أجزأه، لأنّه قد جمع بين الحلّ و الحرم.

و إن لم يخرج حتى قضى عمرته صحّ أيضا عندهم، لأنّه قد أتى بأركانها، و إنّما أخلّ بالإحرام من ميقاتها و قد جبره، و هذا قول أبي ثور و ابن المنذر و أصحاب الرأي و أحد قولي الشافعي، و القول الثاني: لا تصح عمرته، لأنّه نسك، فكان من شرطه الجمع بين الحلّ و الحرم، كالحجّ، فعلى هذا وجود هذا الطواف كعدمه، و هو باق على إحرامه حتى يخرج إلى الحلّ، ثم يطوف بعد ذلك و يسعى، و إن حلق قبل ذلك فعليه دم(4).7.

ص: 205


1- كما في المغني 215:3، و الشرح الكبير 217:3، و راجع: صحيح البخاري 4:3، و صحيح مسلم 871:2-113، و سنن البيهقي 357:4، و مسند أحمد 305:3.
2- المغني 216:3، الشرح الكبير 218:3.
3- المغني 218:3، المجموع 209:7، فتح العزيز 98:7.
4- المغني 218:3-219، فتح العزيز 99:7، المجموع 209:7.
مسألة 159:

من لا يريد النسك لو تجاوز الميقات، فإن لم يرد دخول الحرم، بل أراد حاجة في ما سواه، فهذا لا يلزمه الإحرام إجماعا، و لا شيء عليه في ترك الإحرام، لأنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله أتى هو و أصحابه بدرا مرّتين، و كانوا يسافرون للجهاد و غيره، فيمرّون بذي الحليفة فلا يحرمون، و لا يرون بذلك بأسا(1).

ثم لو تجدّد له عزم الإحرام، احتمل الرجوع إلى الميقات و الإحرام منه، و هو قول إسحاق و إحدى الروايتين عن أحمد(2).

و في الأخرى: يحرم من موضعه و لا شيء عليه، و به قال مالك و الثوري و الشافعي و أبو يوسف و محمد(3).

و أمّا إن أراد دخول الحرم إمّا إلى مكة أو إلى غيرها، فأقسامه ثلاثة:

الأول: من يدخلها لقتال مباح، أو من خوف، أو لحاجة متكرّرة، كالحشّاش و الحطّاب و ناقل الميرة [1]، و من كانت له ضيعة يتكرّر دخوله و خروجه إليها، فهؤلاء لا إحرام عليهم، لأنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله دخل يوم الفتح مكة حلالا و على رأسه المغفر [2]، و كذا أصحابه(4).

و لأنّ في إيجاب الإحرام على من يتكرّر دخوله مشقّة عظيمة، لاستلزامه

ص: 206


1- انظر: المغني 226:3، و الشرح الكبير 221:3.
2- المغني 226:3، الشرح الكبير 222:3، الحاوي الكبير 75:4، المجموع 7: 204.
3- المغني 226:3، الشرح الكبير 221:3-222، المدوّنة الكبرى 373:1، الكافي في فقه أهل المدينة: 148، الحاوي الكبير 75:4، المجموع 204:7.
4- صحيح مسلم 989:2-990-1357، سنن النسائي 201:5، سنن الدارمي 2: 221، المغني 227:3، الشرح الكبير 222:3.

أن يكون محرما في جميع زمانه. و بهذا قال الشافعي و أحمد(1).

و قال أبو حنيفة: لا يجوز لأحد دخول الحرم بغير إحرام إلاّ من كان دون الميقات، لأنّه يجاوز الميقات مريدا للحرم، فلم يجز بغير إحرام، كغيره(2).

و الشافعي استدلّ: بأنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله دخل يوم الفتح مكة و على رأسه عمامة سوداء(3).

إذا عرفت هذا، فلو أراد هذا النسك بعد مجاوزة الميقات، رجع و أحرم منه، فإن لم يتمكّن، أحرم من موضعه.

و قالت العامّة: يحرم من موضعه مطلقا(4).

الثاني: من لا يكلّف بالحجّ - كالصبي و العبد و الكافر - إذا أسلم بعد مجاوزة الميقات، أو بلغ الصبي، أو عتق العبد، و أراد الإحرام، فإنّهم يخرجون إلى الميقات، و يحرمون منه، فإن لم يتمكّنوا، أحرموا من موضعه.

و قالت العامّة: يحرمون من موضعهم ثم اختلفوا:

فقال الشافعي: على كلّ واحد منهم دم(5).

و قال عطاء و مالك و الثوري و الأوزاعي و إسحاق و أحمد: لا دم عليهم(6).3.

ص: 207


1- المهذّب - للشيرازي - 202:1، المغني 227:3، الشرح الكبير 222:3.
2- المبسوط - للسرخسي - 167:4، المغني 227:3، الشرح الكبير 222:3، المجموع 16:7.
3- صحيح مسلم 990:2-1358، سنن النسائي 201:5، سنن الترمذي 4: 196-1679، و سنن الدارمي 74:2، و انظر: المغني 227:3، و الشرح الكبير 3: 223، و المهذّب - للشيرازي - 202:1.
4- المغني 227:3، الشرح الكبير 221:3.
5- المغني 228:3، الشرح الكبير 223:3.
6- المدوّنة الكبرى 380:1، المغني 228:3، الشرح الكبير 223:3.

و قال أصحاب الرأي: لا دم في الكافر يسلم و الصبي يبلغ، و أمّا العبد فعليه دم(1).

الثالث: المكلّف الداخل لغير قتال و لا حاجة متكررة، فلا يجوز له تجاوز الميقات غير محرم، و به قال أبو حنيفة و بعض أصحاب الشافعي(2).

و قال بعضهم: لا يجب الإحرام عليه - و عن أحمد روايتان(3) - لأنّ ابن عمر دخلها بغير إحرام، و لأنّه أحد الحرمين، فلا يجب الإحرام لدخوله، كحرم المدينة(4).

و الحقّ خلافه، لأنّه لو نذر دخولها، لزمه الإحرام، و لو لم يكن واجبا لم يجب بنذر الدخول، كسائر البلدان.

إذا ثبت هذا، فمتى أراد هذا الإحرام بعد تجاوز الميقات رجع فأحرم منه، فإن أحرم من دونه مع القدرة، لم يجزئه، و لو لم يتمكّن، أحرم من موضعه.

مسألة 160:

لو دخل الحرم من غير إحرام ممّن يجب عليه الإحرام، وجب عليه الخروج و الإحرام من الميقات، فإن حجّ و الحال هذه، بطل حجّه، و وجب عليه القضاء - و الشافعي [ما] [1] أوجب القضاء(5) -، لأنّه أخلّ بركن من أركان الحجّ، فوجب عليه الإعادة.

و قال أبو حنيفة: يجب عليه أن يأتي بحجّة أو عمرة، فإنّ أتى بحجّة الإسلام في سنته أو منذورة أو عمرة، أجزأته عن عمرة الدخول استحسانا، لأنّ مروره على الميقات مريدا للحرم موجب للإحرام، فإذا لم يأت به، وجب قضاؤه، كالنذر(6).

ص: 208


1- المبسوط - للسرخسي - 173:4، المغني 228:3، الشرح الكبير 223:3.
2- المغني 228:3، الشرح الكبير 223:3.
3- المغني 228:3، الشرح الكبير 223:3.
4- المغني 228:3، الشرح الكبير 223:3.
5- المغني 229:3، الشرح الكبير 224:3.
6- المغني 229:3، الشرح الكبير 224:3.

و قال أحمد: لا قضاء عليه، لأنّ الإحرام شرّع لتحية البقعة، فإذا لم يأت به، سقط، كتحية المسجد(1) و ليس بجيّد، لأنّ تحية المسجد غير واجبة.

و لو تجاوز الميقات و رجع و لم يدخل الحرم، فلا قضاء عليه بلا خلاف نعلمه، سواء أراد النسك أو لم يرده.

و من كان منزله دون الميقات خارجا من الحرم فحكمه في مجاوزة قريته إلى ما يلي الحرم حكم المجاوز للميقات في الأحوال الثلاث السابقة، لأنّه موضعه ميقاته، فهو في حقّه كالمواقيت الخمسة في حقّ الآفاقي.

مسألة 161:

إذا ترك الإحرام من الميقات عامدا، أثم، و وجب عليه الرجوع إليه و الإحرام منه، فإن لم يتمكّن من الرجوع، بطل حجّه.

و لو تركه ناسيا أو جاهلا، وجب عليه الرجوع مع القدرة، فإن لم يتمكّن، أحرم من موضعه إن لم يتمكّن من الخروج إلى خارج الحرم، سواء خشي فوات الحجّ برجوعه إلى الميقات أم لا - و قالت العامّة: يحرم من موضعه(2). و ابن جبير(3) وافقنا - لأنّه ترك ركنا من أركان الحج.

و احتجاج العامّة على أنّه ليس بركن: باختلاف الناس و الأماكن، و لو كان ركنا لم يختلف، كالوقوف و الطواف(4).

و الملازمة ممنوعة:

و يستحب لمن يحرم من ميقات أن يحرم من أول جزء ينتهي إليه منه، و يجوز أن يحرم من آخره، لوقوع الاسم عليه.

و من سلك طريقا لا يفضي إلى هذه المواقيت في برّ أو بحر، فقد قلنا:

ص: 209


1- المغني 229:3، الشرح الكبير 224:3.
2- المغني 230:3، الشرح الكبير 226:3.
3- المغني 230:3، الشرح الكبير 226:3، المجموع 208:7، حلية العلماء 271:3.
4- المغني 230:3، الشرح الكبير 226:3.

إنّ ميقاته حيث يحاذي واحدا منها.

و لو حاذى ميقاتين، فأظهر وجهي الشافعية: أنّه يحرم من الموضع المحاذي لأبعدهما، و الثاني: يتخيّر(1).

مسألة 162:

قد بيّنّا في ما تقدّم أنواع الحجّ، و أنّها ثلاثة: تمتّع و قران و إفراد، و أنّ الإفراد أن يأتي بالحجّ وحده من ميقاته و بالعمرة مفردة من ميقاتها في حقّ الحاضر بمكة، و لا يلزمه العود إلى ميقات بلده عند الشافعي(2).

و عن أبي حنيفة أنّ عليه أن يعود، و عليه دم الإساءة لو لم يعد(3).

و القران عند الشافعي: أن يحرم بالحجّ و العمرة معا، و يأتي بأعمال الحجّ، فتحصل العمرة أيضا، و يتّحد الميقات و الفعل(4).

و عند أبي حنيفة: يأتي بطوافين و سعيين(5).

و لو أحرم بالعمرة أوّلا ثم أدخل عليها الحج، لم يجز عندنا.

و قال الشافعي: إن أدخله في غير أشهر الحج، فهو لغو و [إحرام] [1] العمرة بحاله، و إن أدخله عليها في أشهر الحجّ، فإن كان إحرامه بالعمرة قبل أشهر الحج ثم أراد إدخال الحجّ عليها في الأشهر ليكون قارنا، فوجهان:

أحدهما: يجوز، لأنّه إنّما يدخل في الحجّ من وقت إحرامه به، و وقت إحرامه به صالح للحج، فعلى هذا له أن يجعله حجّا بعد دخول الأشهر، و ان يجعله قرانا.

ص: 210


1- فتح العزيز 86:7، الحاوي الكبير 72:4، المجموع 199:7.
2- فتح العزيز 114:7-115.
3- فتح العزيز 115:7.
4- فتح العزيز 118:7، المجموع 171:7، الحاوي الكبير 164:4.
5- الهداية - للمرغيناني - 154:1، فتح العزيز 118:7.

و الثاني: لا يجوز، لأنّ ابتداء الإحرام متلبّس بإحرام، و لذلك لو ارتكب محظورا، لم يلزمه إلاّ فدية واحدة، فلو انعقد الحجّ و ابتداء الإحرام سابق على الأشهر، لانعقد الإحرام بالحجّ قبل أشهره، فعلى هذا لا يجوز أن يجعله حجّا.

و إن كان إحرامه في أشهر الحجّ، فإن لم يشرع بعد في الطواف، جاز، و صار قارنا، لقضية عائشة لمّا حاضت و خافت فوت الحجّ، فأمرها النبي عليه السلام بإدخال الحجّ على العمرة لتصير قارنة لتأتي بأعمال الحجّ، و تؤخّر الطواف إلى أن تطهر.

و إن شرع فيه أو أتمّه، لم يجز إدخال العمرة عليه، لأنّه أتى بعمل من أعمال العمرة، فيقع ذلك العمل عن العمرة، و لا ينصرف بعدها إلى غيرها.

و لأنّه أخذ في التحلّل من العمرة، و لا ينصرف بعدها إلى غيرها.

و لأنّه أخذ في التحلّل من العمرة، فلا يليق به إدخال إحرام عليه، و المتحلّل جار إلى نقصان [1].

و شبّهوه بما لو ارتدّت الرجعية، فراجعها الزوج في العدّة، فإنّه لا يجوز، لأنّ الرجعة استباحة، فلا يليق بحال التي تجري إلى تحريم.

و لو أحرم بالحجّ ثم أدخل عليه العمرة، فقولان:

القديم - و به قال أبو حنيفة - إنّه يجوز كإدخال الحجّ على العمرة.

و الجديد - و به قال أحمد - المنع، لأنّ الحجّ أقوى من العمرة، لاختصاصه بالوقوف و الرمي و المبيت، و الضعيف لا يدخل على القويّ و إن كان القويّ قد يدخل على الضعيف، كما أنّ فراش النكاح يدخل على فراش ملك اليمين حتى لو نكح أخت أمة [2] حلّ له وطؤها، و فراش ملك اليمين لا يدخل على فراش النكاح حتى لو اشترى أخت منكوحة [3] لم يجز له وطؤها.

ص: 211

فإن جوّزنا إدخال العمرة على الحجّ فإلى متى يجوز؟ فيه لهم وجوه:

أحدها: يجوز ما لم يطف للقدوم، و لا يجوز بعده، لأنّه أتى بعمل من أعمال الحجّ.

و الثاني: يجوز و إن طاف للقدوم ما لم يأت بالسعي و لا غيره من فروض الحجّ.

و الثالث: يجوز ما لم يقف بعرفة، فإنّ الوقوف أعظم أعمال الحجّ.

و الرابع: يجوز و إن وقف ما لم يشتغل بشيء من أسباب التحلّل من الرمي و غيره.

قالوا: و يجب على القارن دم، لأنّ النبي عليه السلام أهدى عن أزواجه بقرة و كنّ قارنات، و دم القارن كدم المتمتّع، لأنّه أكثر ترفّها، لاستمتاعه بمحظورات الإحرام بين النسكين، فما يكفي المتمتّع أولى أن يكفي القارن.

و قال مالك: على القارن بدنة. و هو القول القديم للشافعي(1).

و أمّا التمتّع: فأن يحرم بالعمرة من ميقات بلده، و يأتي بأعمالها، ثم ينشئ الحج من مكة، سمّي متمتّعا، لتمكّنه من الاستمتاع بمحظورات الإحرام بينهما، لحصول التحلّل(2). و هذا كمذهبنا.

و عند أبي حنيفة إن كان قد ساق الهدي لم يتحلّل بفراغه من العمرة، بل يحرم بالحجّ، فإذا فرغ منه، حلّ منهما(3).

و إنّما يجب دم التمتّع عند الشافعي بشروط:

الأول: أن لا يكون من حاضري المسجد الحرام، لقوله تعالى:7.

ص: 212


1- فتح العزيز 120:7-127 و 204-205، و راجع: المهذّب - للشيرازي - 1: 208-209، و المجموع 171:7-173، و 190-191، و الحاوي الكبير 38:4 و 39، و الشرح الكبير 245:3.
2- فتح العزيز 127:7.
3- بدائع الصنائع 149:2، فتح العزيز 127:7.

ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ (1) و المعنى فيه أنّ الحاضر بمكة ميقاته للحج مكة، فلا يكون بالتمتّع رابحا ميقاتا.

الثاني: أن يحرم بالعمرة في أشهر الحج، فلو أحرم و فرغ من أعمالها قبل أشهر الحج ثم حجّ، لم يلزمه الدم، لأنّه لم يجمع بين الحجّ و العمرة في وقت الحجّ، فأشبه المفرد لمّا لم يجمع بينهما لم يلزمه دم، لأنّ دم التمتّع منوط من جهة المعنى بأمرين:

أحدهما: ربح ميقات، كما سبق.

و الثاني: وقوع العمرة في أشهر الحجّ، و كانوا لا يزحمون الحجّ بالعمرة في وقت إمكانه، و يستنكرون ذلك، فورد التمتّع رخصة و تخفيفا، إذ الغريب قد يرد قبل عرفة بأيّام، و يشقّ عليه استدامة الإحرام لو أحرم من الميقات، و لا سبيل إلى مجاوزته، فجوّز أن يعتمر و يتحلّل.

و لو أحرم بها قبل أشهر الحج و أتى بجميع أفعالها في أشهر الحجّ، فللشافعي قولان:

أحدهما: يلزمه الدم - قاله في القديم - لأنّه حصل له المزاحمة في الأفعال و هي المقصودة، و الإحرام كالتمهيد لها.

و أصحّهما: لا يلزم - و به قال أحمد(2) - لأنّه لم يجمع بين النسكين في أشهر الحجّ، لتقدّم أحد أركان العمرة عليها.

و قال مالك: مهما حصل التحلّل في أشهر الحجّ وجب الدم(3).

و قال أبو حنيفة: إذا أتى بأكثر أفعال العمرة في الأشهر، كان متمتّعا(4).

و إذا لم نوجب دم التمتّع في هذه الصورة، ففي وجوب دم الإساءة3.

ص: 213


1- البقرة: 196.
2- الشرح الكبير 246:3، فتح العزيز 139:7-140، حلية العلماء 261:3.
3- فتح العزيز 141:7-142، حلية العلماء 261:3.
4- فتح العزيز 142:7، حلية العلماء 261:3.

للشافعية وجهان:

أحدهما: يجب، لأنّه أحرم بالحج من مكة دون الميقات.

و أصحّهما: لا يجب، لأنّ المسيء من ينتهي إلى الميقات على قصد النسك و يتجاوزه غير محرم، و هنا قد أحرم بنسك، و حافظ على حرمة البقعة.

الثالث: أن يقع الحجّ و العمرة في سنة واحدة، فلو اعتمر ثم حجّ في السنة القابلة، فلا دم عليه سواء أقام بمكة إلى أن حجّ، أو رجع و عاد، لأنّ الدم إنّما يجب إذا زاحم بالعمرة حجّة في وقتها، و ترك الإحرام بحجّة من الميقات مع حصوله بها في وقت الإمكان و لم يوجد.

و هذه الشرائط الثلاثة عندنا شرائط في التمتّع.

الرابع: أن لا يعود إلى الميقات، كما إذا أحرم بالحج من جوف مكة و استمرّ عليه، فإن عاد إلى ميقاته الذي أنشأ العمرة منه و أحرم بالحجّ، فلا دم عليه، لأنّه لم يربح ميقاتا.

و لو رجع إلى مثل مسافة ذلك الميقات و أحرم منه، فكذلك لا دم عليه، لأنّ المقصود قطع تلك المسافة محرما.

و لو أحرم من جوف مكة ثم عاد إلى الميقات محرما، ففي سقوط الدم مثل الخلاف المذكور فيما إذا جاوز غير محرم و عاد إليه محرما.

و لو عاد إلى ميقات أقرب إلى مكة من ذلك الميقات و أحرم منه كما إذا كان ميقاته الجحفة فعاد إلى ذات عرق، فهو كالعود إلى ذلك الميقات للشافعية فيه وجهان:

أحدهما: لا، و عليه الدم إذا لم يعد إلى ميقاته و لا إلى مثل مسافته.

و الثاني: نعم، لأنّه أحرم من موضع ليس ساكنوه من حاضري المسجد الحرام.

الخامس: اختلفت الشافعيّة في أنّه هل يشترط وقوع النسكين عن شخص واحد أم لا؟

ص: 214

فقال بعضهم: يشترط كما يشترط وقوعهما في سنة واحدة.

و قال الأكثر: لا يشترط، لأنّ زحمة الحجّ و ترك الميقات لا يختلف.

و هذا يفرض في ثلاث صور:

إحداها: أن يكون أجيرا من شخصين استأجره أحدهما للحج و الآخر للعمرة.

و الثانية: أن يكون أجيرا للعمرة للمستأجر ثم يحجّ عن نفسه.

و الثالثة: أن يكون أجيرا للحجّ، فيعتمر لنفسه ثم يحجّ عن المستأجر.

فعلى قول الأكثر يكون نصف دم التمتّع على من يقع له الحجّ و نصفه على من تقع له العمرة.

و فصّل بعضهم، فقال في الصورة الاولى: إن أذنا في التمتّع، فالدم عليهما نصفان، و إن لم يأذنا، فهو على الأجير، و إن أذن أحدهما دون الآخر، فالنصف على الآذن، و النصف الآخر على الأجير.

و أمّا في الصورتين الأخيرتين: فإن أذن له المستأجر في التمتّع، فالدم عليهما نصفان، و إلاّ فالكلّ على الأجير.

السادس: في اشتراط نيّة التمتّع للشافعي وجهان:

أصحّهما عنده: أنّه لا يشترط، كما لا تشترط نيّة القران، و هذا لأنّ الدم منوط بزحمة الحجّ و ربح أحد الميقاتين، و ذلك لا يختلف بالنيّة و عدمها.

و الثاني: يشترط، لأنّه جمع بين عبادتين في وقت إحداهما، فأشبه الجمع بين الصلاتين.

و هذه الشروط الستّة معتبرة عنده في لزوم الدم، و هل تعتبر في نفس التمتّع ؟ قال بعض الشافعية: نعم، فإذا تخلّف شرط، كانت الصورة من صور الإفراد.

و قال بعضهم: لا. و هو الأشهر عندهم، و لهذا اختلفوا في أنّه يصحّ

ص: 215

التمتّع و القران من المكّي.

فقال بعضهم: نعم. و به قال مالك.

و قال بعضهم: لا يصح. و به قال أبو حنيفة(1).

و عندنا يصحّ القران من المكّي دون التمتّع.

مسألة 163: دم التمتّع نسك

- و به قال أبو حنيفة و أصحابه(2) - لقوله تعالى وَ الْبُدْنَ جَعَلْناها لَكُمْ مِنْ شَعائِرِ اللّهِ لَكُمْ فِيها خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللّهِ عَلَيْها صَوافَّ فَإِذا وَجَبَتْ جُنُوبُها فَكُلُوا مِنْها وَ أَطْعِمُوا الْقانِعَ وَ الْمُعْتَرَّ (3).

فأخبر أنّها من الشعائر، فأمر بالأكل، فلو كان جبرانا لما أمر بالأكل منها.

و قال الشافعي: إنّه دم جبران(4). و قد ظهر بطلانه.

إذا عرفت هذا، فالمتمتّع إذا أحرم بالحجّ من مكة، لزمه الدم إجماعا، فإن أتى الميقات و أحرم منه، لم يسقط عنه فرض الدم عند علمائنا، لأنّه متمتّع.

و قال جميع العامّة: يسقط عنه الدم(5).

مسألة 164: من حضر الميقات و لم يتمكّن من الإحرام لمرض أو غيره، أحرم عنه وليّه

و جنّبه ما يجتنبه المحرم، و قد تمّ إحرامه.

و الحائض و النفساء إذا جاءتا إلى الميقات اغتسلتا و أحرمتا منه و تركتا صلاة الإحرام.

ص: 216


1- فتح العزيز 128:7 و 136-149 و 152-155 و 161 و 163-164، الحاوي الكبير 4: 49، المهذّب - للشيرازي - 208:1، المجموع 175:7-179، حلية العلماء 3: 260-261.
2- الهداية - للمرغيناني - 186:1، المجموع 176:7 و 419:8، التفسير الكبير 5: 168.
3- الحج: 36.
4- فتح العزيز 135:7، المجموع 176:7، التفسير الكبير 168:5.
5- انظر: فتح العزيز 147:7، و المجموع 177:7.

و يجرّد الصبيان من فخّ إذا أريد الحجّ بهم، و يجنّبون ما يجتنبه المحرم، و يفعل بهم جميع ما يفعل به، و إذا فعلوا ما تجب فيه الكفّارة، كان على أوليائهم أن يكفّروا عنهم.

و لو كان الصبي لا يحسن التلبية أو لا يتأتّى له، لبّى عنه وليّه، و كذا يطوف به، و يصلّي عنه إذا لم يحسن ذلك.

و إن حجّ بهم متمتّعين، وجب أن يذبح عنهم إذا كانوا صغارا، و إن كانوا كبارا، جاز أن يؤمروا بالصيام.

و ينبغي أن يوقفوا الموقفين معا و يحضروا المشاهد كلّها و يرمي عنهم، و يناب عنهم في جميع ما يتولاّه البالغ بنفسه.

و إذا لم يوجد لهم هدي و لا يقدرون على الصوم، كان على وليّهم أن يصوم عنهم.

ص: 217

ص: 218

المقصد الثاني في أعمال العمرة المتمتّع بها إلى الحجّ

اشارة

و فيه فصول

ص: 219

ص: 220

الفصل الأول في الإحرام
اشارة

و فيه مطالب:

المطلب الأول: في مقدّماته
اشارة

مقدّمات الإحرام كلّها مستحبّة، و أمّا الإحرام فهو ركن من أركان الحجّ إذا أخلّ به عمدا بطل حجّه.

و تشتمل المقدّمات المستحبّة على مسائل:

مسألة 165: يستحب لمن أراد التمتّع أن يوفّر شعر رأسه و لحيته من أوّل ذي القعدة

و لا يمسّ منهما شيئا بحلق أو نتف أو جزّ، و يتأكّد عند هلال ذي الحجة، فإن مسّ منهما شيئا، يكون قد ترك الأفضل، و لا شيء عليه، و هو اختيار الشيخ في بعض كتبه(1).

و قال في بعض: التوفير واجب، فإن مسّ منهما شيئا، وجب عليه دم يهريقه(2).

أمّا التوفير: فلما رواه معاوية بن عمّار - في الحسن - عن الصادق عليه السلام، قال: «اَلْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ : شوّال و ذو القعدة و ذو الحجة، فمن أراد الحجّ وفّر شعره إذا نظر إلى هلال ذي القعدة، و من أراد العمرة وفّر

ص: 221


1- الجمل و العقود (ضمن الرسائل العشر): 227.
2- انظر: النهاية: 206، و المبسوط 309:1-310، و الاستبصار 161:2 ذيل الحديث 525، و التهذيب 48:5 ذيل الحديث 148.

شعره شهرا»(1).

و الأصل عدم الوجوب.

احتجّ الشيخ: بما رواه جميل عن الصادق عليه السلام، قال: سألته عن متمتّع حلق رأسه بمكة، قال: «إن كان جاهلا فليس عليه شيء، و إن تعمّد ذلك في أول الشهور للحج بثلاثين يوما فليس عليه شيء، و إن تعمّد ذلك بعد الثلاثين التي [1] يوفّر فيها الشعر للحجّ فإنّ عليه دما يهريقه»(2).

و هو محمول على ما إذا حلق بعد التلبّس بالإحرام، و يدلّ عليه أنّ السؤال وقع عن متمتّع حلق بمكة، و هو إنّما يكون بها بعد الإحرام.

و لا بأس بحلق الرأس و قصّ اللحية قبل هلال ذي القعدة.

مسألة 166: يستحب له إذا بلغ الميقات التنظيف

بإزالة الشعث و قطع الرائحة و نتف الإبط و قصّ الشارب و تقليم الأظفار و حلق العانة، لأنّ الإحرام يسنّ له الاغتسال، فتسنّ هذه الأشياء له، كالجمعة.

و لأنّ الإحرام يمنع حلق الشعر و تقليم الأظفار فاستحب له فعله قبله لئلاّ يحتاج إليه في إحرامه، فلا يتمكّن منه.

قال الصادق عليه السلام: «إذا انتهيت إلى بعض المواقيت التي وقّت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، فانتف إبطك و احلق عانتك و قلّم أظفارك و قصّ شاربك و لا يضرّك بأيّ ذلك بدأت»(3).

و لو كان قد اطلى قبل الإحرام، اجتزأ به ما لم تمض خمسة عشر يوما، فإن مضت، استحب له الإطلاء.

ص: 222


1- الكافي 317:4-1، التهذيب 46:5-139، الإستبصار 160:2-520.
2- الكافي 441:4-7، التهذيب 48:5-49-149.
3- التهذيب 61:5-193، و الفقيه 200:2-913.

و الإطلاء أفضل، للرواية(1).

مسألة 167: يستحب له إذا وصل إلى الميقات و أراد الإحرام أن يغتسل إجماعا،

لأنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله تجرّد لإهلاله و اغتسل(2) ، و أمر أسماء بنت عميس - و هي نفساء - أن تغتسل عند الإحرام(3) ، و أمر عائشة أن تغتسل عند الإهلال بالحج و هي حائض(4) ، رواه العامّة.

و من طريق الخاصة: قول الصادق عليه السلام: «إذا انتهيت إلى العقيق - إلى أن قال - ثم استك و اغتسل»(5).

و هذا الغسل ليس واجبا في قول أكثر أهل العلم(6).

قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على أنّ الإحرام جائز بغير اغتسال، و أنّه غير واجب(7).

و حكي عن الحسن أنّه قال: إذا نسي الغسل يغتسل إذا ذكر(8).

و ليس دالا على الوجوب.

و يستوي في استحبابه الرجل و المرأة و الصبيّ.

و لا فرق بين الحائض و النفساء و غيرهما، لأنّ المقصود بهذا الغسل التنظيف و قطع الرائحة الكريهة لدفع أذاها عن الناس عند اجتماعهم.

و لو كان على الحائض أو النفساء مقام بالميقات حتى تطهر، فالأولى أن تؤخّر الإحرام حتى تطهر و تغتسل، ليقع إحرامها في أكمل أحوالها.

ص: 223


1- الكافي 327:4-6، التهذيب 62:5-63-199.
2- سنن الترمذي 193:3-830، سنن البيهقي 33:5، المغني 232:3، الشرح الكبير 231:3.
3- صحيح مسلم 887:2-1218، المغني 232:3، الشرح الكبير 231:3.
4- صحيح مسلم 881:2-1213، المغني 232:3، الشرح الكبير 231:3.
5- الكافي 326:4-1، الفقيه 200:2-914.
6- المغني 232:3، الشرح الكبير 231:3، المجموع 212:7.
7- المغني 232:3، الشرح الكبير 231:3، المجموع 212:7.
8- المغني 232:3، الشرح الكبير 231:3، المجموع 212:7.

و لو تعذّر الماء أو استعماله، تيمّم بدلا من غسله، قاله الشيخ(1) رحمه اللّه - و به قال الشافعي(2) - لأنّه غسل مشروع، فناب عنه التيمّم كالواجب.

و قال أحمد: لا يستحب، قياسا على غسل الجمعة(3).

مسألة 168: لو خاف عوز الماء في الميقات، جاز له تقديم الغسل على الميقات،

و يكون على هيئته إلى أن يبلغ الميقات، ثم يحرم ما لم ينم أو يمضي عليه يوم و ليلة، لقول الصادق عليه السلام و قد سئل عن الرجل يغتسل بالمدينة لإحرامه أ يجزئه ذلك من غسل ذي الحليفة ؟ قال:

«نعم»(4).

و أرسل هشام بن سالم إلى الصادق عليه السلام، قال: نحن جماعة بالمدينة نريد أن نودّعك، فأرسل إلينا أن «اغتسلوا بالمدينة فإنّي أخاف أن يعز عليكم الماء بذي الحليفة فاغتسلوا بالمدينة و البسوا ثيابكم التي تحرمون فيها، ثم تعالوا فرادى أو مثاني»(5).

إذا عرفت هذا، فلو قدّم الغسل خوفا من عوز الماء ثم وجده في الميقات، استحب له إعادته.

و غسل اليوم يجزئ عن ذلك اليوم، و غسل الليلة يجزئه عن ليلته ما لم ينم.

قال الصادق عليه السلام: «من اغتسل منذ طلوع الفجر [كفاه غسله إلى الليل في كلّ موضع يجب فيه الغسل، و من اغتسل ليلا] [1] كفاه غسله إلى

ص: 224


1- المبسوط - للطوسي - 314:1.
2- الام 145:2، فتح العزيز 242:7، المجموع 213:7.
3- المغني 233:3، الشرح الكبير 231:3.
4- الكافي 328:4-2، التهذيب 63:5-200.
5- الكافي 328:4-7، الفقيه 201:2-918، التهذيب 63:5-64-202.

طلوع الفجر»(1).

و لو اغتسل ثم نام قبل أن يعقد الإحرام، أعاد الغسل، لأنّ النضر بن سويد سأل الكاظم عليه السلام عن الرجل يغتسل للإحرام ثم ينام قبل أن يحرم، قال: «عليه إعادة الغسل»(2).

و كذا لو لبس قميصا مخيطا، أعاد الغسل استحبابا، لأنّه مناف للإحرام، لقول الباقر عليه السلام: «إذا اغتسل الرجل و هو يريد أن يحرم فلبس قميصا قبل أن يلبّي فعليه الغسل»(3).

و كذا لو أكل ما لا يحل للمحرم أكله بعد الغسل، فإنّه يعيد الغسل استحبابا، لقول الصادق عليه السلام: «إذا لبست ثوبا لا ينبغي [لك](4) لبسه أو أكلت طعاما لا ينبغي لك أكله فأعد الغسل»(5).

و لو قلّم أظفاره بعد الغسل قبل الإحرام، لم يكن عليه شيء، لأنّه محلّ، و لا يعيد الغسل، لقول الصادق عليه السلام في رجل اغتسل للإحرام ثم قلّم أظفاره، قال: «يمسحها بالماء و لا يعيد الغسل» [1].

و لو أحرم بغير غسل، استحب إعادته، لأنّه تقدمة مندوبة، فاستحب إعادة الفعل مع الإخلال بها، كالأذان.

و كتب الحسن بن سعيد إلى الكاظم عليه السلام: رجل أحرم بغير صلاة أو بغير غسل جاهلا أو عالما ما عليه في ذلك ؟ و كيف ينبغي أن يصنع ؟2.

ص: 225


1- التهذيب 64:5-204.
2- الكافي 328:4-3، التهذيب 65:5-206، الإستبصار 164:2-537.
3- الكافي 329:4-8، التهذيب 65:5-210.
4- أضفناها من المصدر.
5- التهذيب 71:5-232.

فكتب: «يعيده»(1).

و يجوز الادّهان بعد الغسل قبل الإحرام، لأنّه محلّ.

و لأنّ ابن أبي يعفور سأل الصادق عليه السلام: ما تقول في دهنة بعد الغسل للإحرام ؟ فقال: «قبل و بعد و مع ليس به بأس»(2).

هذا إذا لم يكن الدهن فيه طيب، و لو كان فيه طيب يبقى إلى بعد الإحرام، لم يجز، لقول الصادق عليه السلام: «الرجل يدّهن بأيّ دهن شاء إذا لم يكن فيه مسك و لا عنبر و لا زعفران و لا ورس قبل أن يغتسل»(3).

مسألة 169: يكره أن يتطيّب للإحرام قبله إذا كانت رائحته لا تبقى إلى بعد الإحرام،

و لو كانت رائحته تبقى إلى بعد الإحرام، كان محرّما، و وجب عليه إزالته عند علمائنا أجمع - و به قال علي عليه السلام، و عمر بن الخطّاب و مالك و محمد بن الحسن(4) - لما رواه العامّة عن يعلى بن أميّة، قال: كنّا عند رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بالجعرانة، فأتاه رجل عليه مقطّعة - يعني جبّة - و هو مضمّخ [1] بالخلوق في بعضها، و عليه ردع [2] من زعفران، فقال: يا رسول اللّه إنّي أحرمت بالعمرة و هذه عليّ، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: (ما كنت صانعا في حجّك ؟) قال: كنت أنزع هذه المقطّعة و أغسل

ص: 226


1- الكافي 327:4-5، التهذيب 78:5-79-260.
2- الفقيه 201:2-918، و في التهذيب 303:5-1034، و الاستبصار 182:2-605 مضمرا.
3- الفقيه 201:2-920.
4- المغني 234:3، الشرح الكبير 233:3، معالم السنن - للخطّابي - 287:2، المجموع 222:7، فتح العزيز 249:7، بداية المجتهد 328:1، بدائع الصنائع 2: 144.

هذا الخلوق، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: (ما كنت صانعا في حجّك فاصنعه في عمرتك)(1).

و من طريق الخاصّة: قول الكاظم عليه السلام: يلبس المحرم الثوب المشبع بالعصفر، فقال: «إذا لم يكن فيه طيب فلا بأس به»(2).

و سأل إسماعيل بن الفضل الصادق عليه السلام: عن المحرم يلبس الثوب قد أصابه الطيب، قال: «إذا ذهب ريح الطيب فليلبسه»(3).

و قال الشافعي: يستحب له أن يتطيّب قبل الإحرام للإحرام، سواء كان طيبا يبقى عينه، كالغالية و المسك، أو تبقى رائحته، كالبخور و العود و النّدّ [1] - و به قال عبد اللّه بن الزبير و سعد بن أبي وقّاص و أمّ حبيبة و عائشة و معاوية و أبو حنيفة و أبو يوسف و أحمد، و رواه العامّة عن ابن عباس و ابن الحنفية و أبي سعيد الخدري و عروة و الشعبي(4) - لأنّ عائشة قالت: كنت أطيّب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لإحرامه قبل أن يحرم، و لحلّه قبل أن يطوف(5).

و نمنع الرواية، و نحمله على ما لا تبقى رائحته إلى بعد الإحرام.

إذا ثبت هذا، فلو لبس ثوبا مطيّبا ثم أحرم، و كانت رائحته تبقى إلى بعد الإحرام، وجب عليه نزعه، أو إزالة الطيب عنه، فإن لم يفعل وجب الفداء.

و يجيء على مذهب الشافعي: أنّه لا يجب الفداء إلاّ إذا نزعه ثم لبسه،5.

ص: 227


1- صحيح مسلم 836:2-7، سنن البيهقي 56:5 بتفاوت، و أورده الشيخ الطوسي في الخلاف 288:2-289 ذيل المسألة 64.
2- التهذيب 67:5-217، الإستبصار 165:2-540.
3- الكافي 343:4-19، الفقيه 217:2-99، التهذيب 68:5-69-223.
4- الحاوي الكبير 78:4، حلية العلماء 274:3، فتح العزيز 247:7-248، المجموع 218:7 و 221-222، المغني 234:3، الشرح الكبير 232:3-233.
5- صحيح مسلم 846:2-33، الموطّأ 328:1-17، سنن البيهقي 34:5.

لأنّه لبس ثوبا مطيّبا بعد إحرامه(1).

و لو نقل الطيب من موضع من الثوب إليه، [لزمته الفدية](2)(3).

و لو تطيّب فسال الطيب من موضعه إلى موضع آخر، ففيه للشافعي وجهان:

أحدهما: لا يجب الفداء، لأنّه يجري مجرى الناسي.

و الثاني: يجب، لأنّه حصل بسببه. و اعتماده على الأول(4).

مسألة 170: لا يجوز تطيّب إزار الإحرام و ردائه حالة الإحرام و لا قبله

إذا كانت رائحته تبقى إلى بعد الإحرام.

و للشافعي قولان:

أحدهما: المنع، لأنّه قد ينزع الثوب ثم يلبسه، فيكون كما لو استأنف لبس ثوب مطيّب.

و أصحّهما عندهم: الجواز، كتطيّب البدن(5).

و لو طيّب بدنه فتعطّر ثوبه تبعا، فلا بأس به عنده(6).

و الخلاف من العامّة فيما إذا قصد تطييب الثوب، فإن جوّزوا تطييب الثوب للإحرام، فلا بأس باستدامة ما عليه بعد الإحرام، كما في البدن(7).

لكن لو نزعه ثم لبسه ففي الفدية لهم وجهان:

أحدهما: لا تلزم، لأنّ العادة في الثوب أن ينزع و يعاد.

ص: 228


1- فتح العزيز 251:7-252، المجموع 218:7.
2- أضفناها من المصدر.
3- فتح العزيز 250:7، المجموع 218:7.
4- فتح العزيز 250:7، المجموع 218:7، حلية العلماء 275:3.
5- فتح العزيز 250:7-251.
6- فتح العزيز 251:7، المجموع 219:7.
7- فتح العزيز 251:7، المجموع 218:7.

و أصحّهما: اللزوم كما لو أخذ القمل [1] من بدنه ثمّ ردّه(1).

و للشافعي ثلاثة أوجه:

فقال في وجه باستحباب التطييب للإحرام.

و في آخر: إنّه مباح ليس بمسنون.

و في آخر: إنّه لا يجوز للنساء التطييب.

و له آخر: إنّه لا يستحب لهنّ(2).

و لا فرق بين التطييب الذي يبقى له أثر و جرم و بين غيره.

و منع أبو حنيفة ممّا يبقى جرمه و لا يثبت(3).

و عند مالك يكره التطيّب بما تبقى رائحته بعد الإحرام(4).

و إذا تطيّب للإحرام فلا بأس عند الشافعي باستدامة ما تطيّب به، و لا يجيء فيه الوجوه المذكورة في أنّ المرأة المتطيّبة إذا لزمتها الفدية يلزمها إزالة الطيب، لأنّ هذا محقّق حقّ للّه تعالى، و المساهلة فيه أكثر(5).

و الحقّ: أنّ الاستدامة كالابتداء في التحريم، للإجماع على تحريم الطيب على المحرم، و لم يفصّلوا بين استئنافه و استدامته.

مسألة 171: لا يستحب للمرأة الخضاب قبل الإحرام بل يكره للزينة،

و سيأتي.

و قال الشافعي: يستحب للمرأة أن تخضب بالحنّاء يديها إلى الكوعين قبل الإحرام، و تمسح وجهها أيضا بشيء من الحناء يسيرا، و لا

ص: 229


1- فتح العزيز 251:7-252، المجموع 218:7-219.
2- فتح العزيز 248:7-249، المجموع 218:7.
3- فتح العزيز 249:7.
4- بداية المجتهد 328:1، فتح العزيز 249:7، الهداية - للمرغيناني - 137:1.
5- فتح العزيز 249:7-250، المجموع 218:7.

يختص أصل الاستحباب بالإحرام، بل هو محبوب لها في جميع الأحوال، نعم يكره الخضاب للخليّة في سائر الأحوال عنده(1).

و لا فرق في حالة الإحرام بين الخليّة و ذات الزوج، و إنّما يستحب عنده تعميم اليد بالخضاب دون التنقّش، و التطريف، و هو: خضب أطراف الأصابع، و وافقنا على كراهية الخضاب بعد الإحرام(2).

مسألة 172: أفضل أوقات الإحرام بعد زوال الشمس عقيب فريضة الظهر،

فيبدأ أوّلا بعد الزوال بركعتي الإحرام المندوبة قبل فريضة الظهر بحيث يكون الإحرام عقيب صلاة الظهر، و إن اتّفق أن يكون الإحرام في غير هذا الوقت، كان جائزا، لكن الأفضل أن يكون الإحرام بعد صلاة فريضة، و أفضل ذلك بعد صلاة الظهر، فإن لم يكن وقت صلاة فريضة، صلّى ست ركعات، و ينوي بها صلاة الإحرام، و يحرم في دبرها، و إن لم يتمكّن من ذلك، أجزأه ركعتان.

و ينبغي أن يقرأ في الأولى منهما بعد التوجّه: الحمد و الإخلاص، و في الثانية: الحمد و الجحد، فإذا فرغ منهما أحرم عقيبهما، لما روى العامّة أنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله، صلّى بذي الحليفة ركعتين ثم أحرم(3).

و من طريق الخاصة: قول الصادق عليه السلام: «لا يضرّك بليل أحرمت أو نهار، إلاّ أنّ أفضل ذلك عند زوال الشمس»(4).

و سأل الحلبي الصادق عليه السلام عن إحرام النبي صلّى اللّه عليه و آله أيّة ساعة ؟ قال: «صلاة الظهر»(5).

ص: 230


1- فتح العزيز 252:7-254، المجموع 219:7.
2- فتح العزيز 254:7، المجموع 219:7.
3- أورده الرافعي في فتح العزيز 257:7.
4- الكافي 331:4-1، التهذيب 78:5-256.
5- الكافي 332:4-4، الفقيه 207:2-940، التهذيب 78:5-255.

و قال الصادق عليه السلام: «لا يكون إحرام إلاّ في دبر صلاة مكتوبة أو نافلة» [1].

و قال عليه السلام: «تصلّي للإحرام ست ركعات تحرم في دبرها»(1).

إذا ثبت هذا، فإنّ صلاة الإحرام تفعل في جميع الأوقات و إن كان أحد الأوقات المكروهة.

و أصحّ الوجهين عند الشافعية: الكراهة في الأوقات المكروهة(2).

و هل تكفي الفريضة عن ركعتي الإحرام ؟ يحتمل ذلك، و هو قول الشافعي(3).

لكن المشهور تقديم نافلة الإحرام على الفريضة ما لم يتضيّق وقت الفريضة، و ذلك يدلّ على عدم الاكتفاء في الاستحباب.

المطلب الثاني: في كيفيته
مسألة 173: الإحرام يشتمل على واجب و ندب،

و نحن نذكر المندوب في أثناء المسائل.

و واجبات الإحرام ثلاثة: النيّة و التلبيات الأربع و لبس ثوبي الإحرام.

و ينبغي للحاج إذا وصل إلى الميقات أن يقلّم أظفاره، و يأخذ من شاربه، و ينتف إبطيه أو يطلي بالنورة، و يحلق عانته أو يطلي، و يغتسل، و يدعو عند الاغتسال بالمنقول، ثم يلبس ثوبي إحرامه يأتزر بأحدهما و يتوشّح

ص: 231


1- التهذيب 78:5-257، الاستبصار 166:2-545.
2- فتح العزيز 257:7-258.
3- فتح العزيز 258:7.

بالآخر، و يدعو بالمنقول، ثم يصلّي ست ركعات الإحرام أو ركعتيه، فإذا فرغ من صلاته، حمد اللّه و أثنى عليه، و صلّى على النبي صلّى اللّه عليه و آله، و يدعو بالمنقول، فإذا فرغ من الدعاء، لبّى فيقول: لبّيك اللهم لبّيك لبّيك لا شريك لك لبّيك، إنّ الحمد و النعمة لك و الملك، لا شريك لك.

و قال الشيخ في كتبه: لبّيك اللهم لبّيك لبّيك إنّ الحمد و النعمة لك و الملك لا شريك لك لبّيك(1).

ثم لا يزال مكرّرا للتلبية مستحبّا إلى أن يدخل مكة و يطوف و يسعى و يقصّر و قد أحلّ، ثم ينشئ إحرام الحجّ من مكة كذلك، ثم يمضي إلى عرفات على ما سبق ذكره.

و النظر في الواجبات
اشارة

يتعلّق بأمور ثلاثة:

الأول: النية
مسألة 174: النيّة واجبة في الإحرام

و شرط فيه لو أخلّ بها لم يقع إحرامه، لقوله تعالى وَ ما أُمِرُوا إِلاّ لِيَعْبُدُوا اللّهَ مُخْلِصِينَ (2) و الإخلاص النيّة، و الإحرام عبادة.

و لقوله عليه السلام: (إنّما الأعمال بالنيّات، و إنّما لكلّ امرئ ما نوى)(3).

و للشافعي قولان: هذا أحدهما، و الآخر: إنّ الإحرام ينعقد بالتلبية من غير نيّة، و يلزمه ما لبّى به(4).

و ليس بجيّد، لما تقدّم.

ص: 232


1- وجدنا هذه العبارة في النهاية و نكتها 471:1، و انظر: المبسوط - للطوسي - 316:1.
2- البيّنة: 5.
3- صحيح البخاري 2:1، سنن أبي داود 262:2-2201.
4- فتح العزيز 200:7-201، المجموع 224:7.

و الواجب في النيّة أن يقصد بقلبه إلى أمور أربعة: ما يحرم به من حجّ أو عمرة متقرّبا به إلى اللّه تعالى، و يذكر ما يحرم له من تمتّع أو قران أو إفراد، و يذكر الوجوب أو الندب و ما يحرم له من حجّة الإسلام أو غيرها.

و لو نوى الإحرام مطلقا و لم يذكر لا حجّا و لا عمرة، انعقد إحرامه، و كان له صرفه إلى أيّهما شاء إن كان في أشهر الحجّ، لأنّها عبادة منويّة.

و لما رواه العامّة أنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله، خرج من المدينة لا يسمّي حجّا و لا عمرة ينتظر القضاء، فنزل عليه القضاء و هو بين الصفا و المروة، فأمر أصحابه من كان منهم أهلّ و لم يكن معه هدي أن يجعلوها عمرة(1).

و من طريق الخاصة: ما رواه ابن بابويه عن أمير المؤمنين عليه السلام، قال: لمّا رجع من اليمن وجد فاطمة عليها السلام قد أحلّت، فجاء إلى النبي صلّى اللّه عليه و آله مستنبئا [1] و محرشا [2] على فاطمة عليها السلام، فقال:

«أنا أمرت الناس فبم أهللت أنت يا علي ؟» فقال: «إهلالا كإهلال النبي صلّى اللّه عليه و آله» فقال النبي صلّى اللّه عليه و آله: «كن على إحرامك مثلي، فأنت شريكي في هديي» و كان النبي صلّى اللّه عليه و آله ساق معه مائة بدنة، فجعل لعلي عليه السلام منها أربعا و ثلاثين، و لنفسه ستّا و ستّين، و نحرها كلّها بيده، ثم أخذ من كلّ بدنة جذوة [3]، ثم طبخها في قدر، و أكلا منها و تحسّيا [4] من المرق، فقال: «قد أكلنا الآن منها جميعا» و لم يعطيا الجزّارين جلودها و لا3.

ص: 233


1- سنن البيهقي 6:5، اختلاف الحديث: 227، و أورده ابن قدامة في المغني 251:3.

جلالها [1] و لا قلائدها و لكن تصدّق [2] بها، و كان علي عليه السلام يفتخر على الصحابة و يقول: «من فيكم مثلي و أنا شريك رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله هديي بيده»(1).

و لأنّ الإحرام بالحجّ يخالف غيره من إحرام سائر العبادات، لأنّه لا يخرج منه بالفساد.

و إذا عقد عن غيره، أو تطوّعا و عليه فرضه، وقع عن فرضه، فجاز أن ينعقد مطلقا.

و إذا ثبت أنّه ينعقد مطلقا، فإن صرفه إلى الحجّ، صار حجّا، و إن صرفه إلى العمرة، صار عمرة، و إلى أيّ أنواع الحجّ صرفه من تمتّع أو قران أو إفراد، انصرف إليه.

و لو صرفه إلى الحجّ و العمرة معا، لم يصح عندنا، خلافا للعامّة.

فروع:

أ - لو عقده مطلقا قبل أشهر الحجّ، انعقد للعمرة،

لأنّه إحرام لا يصح لغيرها، فانصرف إليها.

ب - لو كان عليه حجّ واجب أو عمرة واجبة

و أطلق الإحرام، فالأقرب انصراف المطلق إلى ما وجب عليه.

ج - يصح إبهام الإحرام،

و هو: أن يحرم بما أحرم به فلان، فإن علم ما أحرم به فلان، انعقد إحرامه مثله.5.

ص: 234


1- الفقيه 153:2-154-665.

و لو لم يعلم و تعذّر علمه بموت أو غيبة، قال الشيخ: يتمتّع احتياطا للحجّ و العمرة(1).

و لو بان أنّ فلانا لم يحرم، انعقد مطلقا، و كان له صرفه إلى أيّ نسك شاء، و كذا لو لم يعلم هل أحرم فلان أم لا، لأصالة عدم إحرامه.

د - لو لم يعيّن ثم شرع في الطواف قبل التعيين،

قال بعض العامّة(2):

ينعقد حجّا، و ينوي الحجّ، و يقع هذا الطواف طواف القدوم، و لا يصير معتمرا، لأنّ الطواف ركن في العمرة، فلا يقع بغير نيّة، و طواف القدوم لا يحتاج إلى النيّة، فيصير حاجّا.

و يحتمل عدم اعتداده بطوافه، لأنّه لم يطف في حجّ و لا عمرة.

ه - تعيين الإحرام أولى من إطلاقه

- و به قال مالك و الشافعي في أحد قوليه - لأنّه إذا عيّن علم بما هو متلبّس به، فيكون أولى من عدم العلم(3).

و قال الشافعي في الآخر: الإطلاق أولى، لأنّ النبي عليه السلام أطلق الإحرام(4).

و الرواية مرسلة، و الشافعي لا يعمل بالمراسيل المفردة(5) ، فكيف مع مخالفتها للروايات الدالّة على أنّه عليه السلام عيّن ما أحرم به.

مسألة 175: لو أحرم بنسك ثم نسيه، تخيّر بين الحجّ و العمرة إذا لم يتعيّن عليه أحدهما،

قاله الشيخ في المبسوط(6) ، لأنّه قبل الإحرام يجوز ابتداء أيّ النسكين شاء فمع عدم علم التعيين يستمرّ هذا الجواز، عملا

ص: 235


1- المبسوط - للطوسي - 317:1.
2- انظر: بلغة السالك 268:1.
3- المغني 251:3، الشرح الكبير 236:3، المهذّب - للشيرازي - 212:1، الحاوي الكبير 84:4، فتح العزيز 207:7، حلية العلماء 277:3، المجموع 227:7.
4- المغني 251:3، الشرح الكبير 236:3، المهذّب - للشيرازي - 212:1، الحاوي الكبير 84:4، فتح العزيز 207:7، حلية العلماء 277:3، المجموع 227:7.
5- كما في المغني 252:3، و الشرح الكبير 236:3.
6- المبسوط 317:1.

باستصحاب الحال.

و لأنّه لو أحرم بالحجّ، جاز له فسخه إلى العمرة على ما تقدّم.

و قال الشيخ في الخلاف: يجعله عمرة - و به قال أحمد(1) - لأنّه لا يخلو إمّا أن يكون إحرامه بالحجّ أو بالعمرة، فإن كان بالحجّ، فقد بيّنّا أنّه يجوز فسخه إلى عمرته يتمتّع بها، و إن كان بالعمرة، صحّ لها، فقد صحّت للعمرة على الوجهين، و إذا أحرم بالعمرة، لم يمكنه جعلها حجّة مع القدرة على إتيان أفعال العمرة، فلهذا قلنا: يجعلها عمرة(2).

و قال أبو حنيفة: يجب عليه أن ينوي القران - و هو أحد قولي الشافعي - لأنّ الشكّ لحق به في فعله بعد التلبّس بالعبادة، فلم يكن له الاجتهاد، و إنّما يرجع إلى اليقين، كما لو [1] شكّ في عدد الركعات، بخلاف الإناءين و القبلة، لأنّ عليهما أمارات يرجع إليها عند الاشتباه، و أمّا هنا فإنّه شكّ في فعل نفسه و لا أمارة على ذلك إلاّ ذكره، فلم يرجع إلاّ إليه(3).

و هو معارض ببراءة الذمّة من المعيّن.

أمّا لو تعيّن أحدهما عليه، فالوجه: انصرافه إليه.

و قال الشافعي في القديم: يتحرّى و يبني على ما يغلب على ظنّه، لأنّه اشتباه في شرط من شرائط العبادة، و كان له الاجتهاد فيه، كالإناءين و القبلة(4).

و نمنع حكم الأصل.3.

ص: 236


1- المغني 254:3، الشرح الكبير 262:3، حلية العلماء 278:3.
2- الخلاف 290:2-291، المسألة 68.
3- المغني 254:3، الشرح الكبير 262:3، الحاوي الكبير 85:4، المهذّب - للشيرازي - 212:1، المجموع 233:7، فتح العزيز 222:7-223، حلية العلماء 278:3.
4- المغني 254:3، الشرح الكبير 262:3، الحاوي الكبير 85:4، المهذّب - للشيرازي - 212:1، المجموع 233:7، فتح العزيز 222:7-223، حلية العلماء 278:3.

إذا ثبت هذا، فلو أحرم بهما معا، لم يصح، قال الشيخ: و يتخيّر(1).

و كذا لو شكّ هل أحرم بهما أو بأحدهما، فعل أيّهما شاء.

و لو تجدّد الشك بعد الطواف، جعلها عمرة متمتّعا بها إلى الحجّ.

مسألة 176: لو نوى الإحرام بنسك و لبّى بغيره،

انعقد ما نواه دون ما تلفّظ به، لأنّ الاعتبار بالنيّة، و التلفّظ ليس واجبا، فلا اعتبار به.

و لأنّ أحمد بن محمد سأل الرضا عليه السلام: كيف أصنع إذا أردت أن أتمتّع ؟ فقال: «لبّ بالحجّ و انو المتعة، فإذا دخلت مكة طفت بالبيت و صلّيت الركعتين خلف المقام و سعيت بين الصفا و المروة [و قصرت](2) و فسختها و جعلتها متعة»(3).

و لا بدّ من تعيين النوع من تمتّع أو قران أو إفراد.

و قال الشافعي في أحد وجهيه: لا يفتقر المتمتّع إلى النيّة [1].

و ليس بجيّد، لقوله تعالى وَ ما أُمِرُوا إِلاّ لِيَعْبُدُوا اللّهَ مُخْلِصِينَ (4) و التمتّع عبادة.

و لأنّها أفعال مختلفة، فلا بدّ من النيّة، ليتميّز بعضها عن الآخر.

و يستحب أن يذكر في لفظه ما يقصده من أنواع الحجّ - و به قال أحمد(5) - لما رواه العامّة عن أنس، قال: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقول: (لبّيك عمرة و حجّا)(6).

ص: 237


1- المبسوط - للطوسي - 317:1.
2- أضفناها من المصدر.
3- التهذيب 86:5-285، الإستبصار 172:2-561.
4- البيّنة: 5.
5- المغني 259:3، الشرح الكبير 266:3.
6- صحيح مسلم 905:2 ذيل الحديث 1232، و 915-215، سنن أبي داود 2: 157-1795، سنن النسائي 150:5، سنن البيهقي 40:5.

و قال أبو سعيد: خرجنا مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله نصرخ بالحجّ(1).

و من طريق الخاصة: قول الصادق عليه السلام: «إنّ عليّا عليه السلام رفع صوته بالتلبية بحجّ و عمرة»(2).

و لو اتّقى، كان الأفضل الإضمار.

النظر الثاني: في لبس الثوبين
مسألة 177: إذا أراد الإحرام، وجب عليه نزع ثيابه،

و لبس ثوبي الإحرام يأتزر بأحدهما و يرتدي بالآخر، لما رواه العامّة عن النبي صلّى اللّه عليه و آله، قال: (و تلبس إزارا و ملاءة) [1] [2].

و من طريق الخاصة: قول الصادق عليه السلام: «و البس ثوبيك»(3).

و يجب أن يكون الثوبان ممّا تصح فيهما الصلاة، لقول الصادق عليه السلام: «كلّ ثوب تصلّي فيه فلا بأس أن تحرم فيه»(4).

فلا يجوز الإحرام في الإبريسم المحض للرجال، لأنّ لبسه محرّم، فلا يكون عبادة.

و الأقرب: جواز لبس النساء الحرير المحض حالة الإحرام، اختاره

ص: 238


1- صحيح مسلم 914:2-1247، مسند أحمد 5:3، سنن البيهقي 31:5.
2- التهذيب 85:5-282، الإستبصار 171:2-564.
3- الكافي 326:4-1، و 454-1 و 2، الفقيه 200:2-914، التهذيب 5: 168-559، الاستبصار 251:2-881.
4- الفقيه 215:2-976.

المفيد(1) - خلافا للشيخ(2) - لما رواه يعقوب بن شعيب - في الصحيح - قال: قلت للصادق عليه السلام: المرأة تلبس القميص تزرّه عليها و تلبس الخزّ و الحرير و الديباج فقال: «نعم لا بأس به»(3).

احتجّ الشيخ - رحمه اللّه - بما رواه عيص - في الصحيح - عن الصادق عليه السلام، قال: «المرأة المحرمة تلبس ما شاءت من الثياب غير الحرير و القفّازين [1]»(4).

و هو محمول على الكراهة.

مسألة 178: يستحب الإحرام في الثياب القطن، و أفضلها البيض،

لما رواه العامّة عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أنّه قال: (خير ثيابكم البيض، فألبسوها أحياءكم، و كفّنوا بها موتاكم)(5).

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السلام: «كان ثوبا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله اللذان أحرم فيهما يمانيّين عبريّ و أظفار [2]، و فيهما كفّن»(6).

و لا بأس بالثوب الأخضر و المعصفر و غيرهما، لأنّ أبا العلاء الخفاف رأى الباقر عليه السلام و عليه برد أخضر و هو محرم(7).

ص: 239


1- أحكام النساء (ضمن مصنّفات الشيخ المفيد) 35:9.
2- انظر: المبسوط - للطوسي - 320:1.
3- التهذيب 74:5-246، الاستبصار 309:2-1100.
4- التهذيب 73:5-243، الإستبصار 308:2-1099.
5- أورده ابنا قدامة في المغني و الشرح الكبير 234:3، و بتفاوت في سنن ابن ماجة 2: 1181-3566، و سنن البيهقي 33:5، و المستدرك - للحاكم - 185:4.
6- الكافي 339:4-2، الفقيه 214:2-975.
7- الكافي 339:4-340-5، الفقيه 215:2-978.

و سأل علي بن جعفر أخاه الكاظم عليه السلام: يلبس المحرم الثوب المشبع بالعصفر؟ فقال: «إذا لم يكن فيه طيب فلا بأس»(1).

و يكره الثياب السود، لقول الصادق عليه السلام: «لا يحرم في الثوب الأسود و لا يكفّن به الميّت»(2).

مسألة 179: يكره المعصفر إذا كان مشبعا، و لا يكره إذا لم يكن مشبعا عند علمائنا

- و به قال الشافعي و أحمد(3) - لما رواه العامّة عن النبي صلّى اللّه عليه و آله، قال: (و لتلبس بعد ذلك ما أحبّت من ألوان الثياب من معصفر أو خزّ)(4).

و من طريق الخاصّة: ما رواه أبان بن تغلب عن الصادق عليه السلام، قال: سألته عن الثوب يكون مصبوغا بالعصفر ثم يغسل ألبسه و أنا محرم ؟ قال: «نعم ليس العصفر من الطيب و لكن أكره أن تلبس ما يشهرك به الناس»(5).

و قال أبو حنيفة: العصفر طيب تجب به الفدية على المحرم، كالورس و الزعفران(6).

و هو ممنوع، و قد نصّ الصادق عليه السلام على أنّه ليس بطيب(7).

ص: 240


1- التهذيب 67:5-217، الإستبصار 165:2-540.
2- الكافي 341:4-13، الفقيه 215:2-983، التهذيب 66:5-214.
3- الحاوي الكبير 111:4، المجموع 282:7، المغني 300:3، الشرح الكبير 3: 333.
4- سنن أبي داود 166:2-1827، سنن البيهقي 52:5، المستدرك - للحاكم - 1: 486، و أورده ابنا قدامة في المغني 300:3، و الشرح الكبير 333:3.
5- التهذيب 69:5-224، الإستبصار 165:2-541.
6- بدائع الصنائع 189:2، بداية المجتهد 327:1، المجموع 282:7، الحاوي الكبير 111:4، المغني 300:3، الشرح الكبير 333:3.
7- الكافي 342:4-17، الفقيه 216:2-990، التهذيب 69:5-224، الإستبصار 165:2-541.
مسألة 180: يجوز الإحرام في الممتزج من الحرير و غيره،

لخروجه عن اسم الإبريسم بالمزج.

و لأنّ الصادق عليه السلام سئل عن الخميصة [1] سداها إبريسم و لحمتها من غزل، قال: «لا بأس بأن يحرم فيها، إنّما يكره الخالص منه [2]»(1).

و كذا يجوز الإحرام في ثوب قد أصابه طيب إذا غسل و ذهبت رائحته - و به قال الشافعي(2) - لأنّ الرائحة المقصودة من الطيب قد زالت بالغسل أو طول المكث أو بتجديد صبغ آخر عليه فزال الترفّه.

و لأنّ الكاظم عليه السلام سئل عن الثوب المصبوغ بالزعفران أغسله و أحرم فيه ؟ قال: «لا بأس به»(3).

و سأل إسماعيل بن الفضل الصادق عليه السلام عن المحرم غسل الثوب قد أصابه الطيب، فقال: «إذا ذهب ريح الطيب فليلبسه»(4).

و لو أصاب ثوبه شيء من خلوق الكعبة و زعفرانها، لم يكن به بأس و إن لم يغسله، لأنّ عبد اللّه بن سنان سأل الصادق عليه السلام عن خلوق الكعبة يصيب ثوب المحرم، قال: «لا بأس به و لا يغسله فإنّه طهور»(5).

و يكره النوم على الفرش المصبوغة، لقول الباقر عليه السلام: «يكره

ص: 241


1- الكافي 339:4-4، التهذيب 67:5-215، و بتفاوت يسير في الفقيه 2: 217-992.
2- الحاوي الكبير 99:4-100.
3- التهذيب 67:5-218.
4- الكافي 343:4-19، التهذيب 68:5-69-223 بتفاوت يسير.
5- التهذيب 69:5-225.

للمحرم أن ينام على الفراش الأصفر و المرفقة [1] الصفراء»(1).

و يكره الإحرام في الثياب الوسخة قبل الغسل، لاستحباب التنظيف، و قد تقدّم.

و سئل أحدهما عليهما السلام عن الثوب الوسخ يحرم فيه المحرم، فقال: «لا، و لا أقول: إنّه حرام، لكن تطهيره أحبّ إليّ، و طهره غسله»(2).

مسألة 181: و لا يلبس ثوبا يزرّه و لا مدرعة و لا خفّين و لا سراويل،

كما يحرم عليه لبس المخيط، لقول الصادق عليه السلام: «لا تلبس و أنت تريد الإحرام ثوبا تزرّه و لا مدرعة، و لا تلبس سراويل إلاّ أن لا يكون لك أزرار، و لا الخفّين إلاّ أن لا يكون لك نعلان»(3).

و لا بأس بلبس الطيلسان، و لا يزرّه على نفسه، لأنّه بمنزلة الرداء، و إنّما لا يزرّه، لأنّه حينئذ يتنزّل منزلة المخيط، لقول الصادق عليه السلام في المحرم يلبس الطيلسان المزرور، قال: «نعم في كتاب علي عليه السلام:

و لا تلبس طيلسانا حتى تحلّ أزراره» و قال: «إنّما كره ذلك مخافة أن يزرّه الجاهل عليه، فأمّا الفقيه فلا بأس بلبسه»(4).

و أمّا السراويل فهي مخيطة يحرم لبسها على المحرم إلاّ أن لا يجد إزارا، فيجوز له لبسها، و لا فدية عليه - و به قال الشافعي و أحمد(5) - لما رواه العامة

ص: 242


1- التهذيب 68:5-221.
2- التهذيب 68:5-222.
3- التهذيب 69:5-70-227 بتفاوت يسير.
4- الفقيه 217:2-995.
5- الحاوي الكبير 98:4، المهذّب - للشيرازي - 215:1، المجموع 254:7 و 259 و 266، فتح العزيز 452:7-453، حلية العلماء 285:3، بداية المجتهد 327:1، المغني 277:3، الشرح الكبير 281:3.

عن النبي صلّى اللّه عليه و آله، قال: (إذا لم يجد المحرم نعلين لبس خفّين، و إذا لم يجد إزارا لبس سراويل)(1).

و من طريق الخاصة: قول الصادق عليه السلام: «و لا تلبس سراويل إلاّ أن لا يكون لك إزار»(2).

و قال أبو حنيفة و مالك: إذا لبس السراويل، وجب عليه الفدية، لأنّ ما وجب بلبسه الفدية مع وجود الإزار وجب للبسه الفدية مع عدمه كالقميص(3).

و الفرق: أنّ القميص يمكنه أن يستر به عورته و لا يلبسه و إنّما يأتزر به، و هذا يجب عليه لبسه ليستر عورته، و لا يمكنه ستر عورته إلاّ بلبسه على صفته.

مسألة 182: و يحرم عليه لبس القباء بالإجماع،

لأنّه مخيط، فإن لم يجد ثوبا، جاز له أن يلبس القباء مقلوبا، و لا يدخل يديه في يدي القباء، و لا فدية عليه حينئذ - و به قال أبو حنيفة(4) - لأنّه لو توشّح بالقميص لم تجب الفدية فكذا القباء.

و لقول الصادق عليه السلام: «إذا اضطرّ المحرم إلى القباء و لم يجد ثوبا غيره فليلبسه مقلوبا، و لا يدخل يديه في يدي القباء»(5).

و قال الشافعي و مالك و أحمد: يجب الفداء، لأنّه محرم لبس مخيطا على العادة في لبسه، فوجبت عليه الفدية(6).

ص: 243


1- سنن البيهقي 50:5، سنن الدار قطني 228:2-56.
2- التهذيب 69:5-70-227.
3- المغني 227:3، الشرح الكبير 281:3، بداية المجتهد 327:1، فتح العزيز 7: 453، المجموع 266:7، الحاوي الكبير 98:4، حلية العلماء 285:3.
4- المغني 285:3، الشرح الكبير 287:3، فتح العزيز 441:7، المجموع 266:7، حلية العلماء 285:3.
5- التهذيب 70:5-228.
6- الوجيز 124:1، فتح العزيز 441:7، المجموع 266:7، حلية العلماء 285:3، المغني 285:3، الشرح الكبير 287:3.

و نمنع لبسه على العادة.

و لو أدخل كتفيه في القباء و لم يدخل يديه في كمّيه و لم يلبسه مقلوبا، كان عليه الفداء - و به قال الشافعي(1) - لعموم ما روي عن النبي صلّى اللّه عليه و آله من قوله عليه السلام: (لا يلبس المحرم القميص و لا الأقبية)(2) خرج منه ما لو لبسه مقلوبا، للضرورة، و عملا بما تقدّم، فيبقى الباقي على المنع.

و قال أبو حنيفة: لا شيء عليه(3).

قال الشيخ رحمه اللّه: متى توشّح به كالرداء لا شيء عليه بلا خلاف(4).

قال ابن إدريس: ليس المراد من القلب جعل ظاهره إلى باطنه و بالعكس، بل المراد منه النكس بأن يجعل ذيله فوق أكتافه(5).

و هو حسن، لما روي عن الصادق عليه السلام: «من اضطرّ إلى ثوب و هو محرم و ليس معه إلاّ قباء فلينكّسه و ليجعل أعلاه أسفله و يلبسه»(6).

مسألة 183: يجوز للمحرم أن يلبس النعلين،

و لا نعلم فيه خلافا، للضرورة الداعية إليه.

و لو لم يجد النعلين، لبس الخفّين، و يقطعهما إلى ظاهر القدم، كالشمشكين، و لا يجوز له لبسهما قبل القطع - و به قال الشافعي و مالك و أبو

ص: 244


1- كما في الخلاف - للشيخ الطوسي - 298:2، المسألة 79.
2- أورده الشيخ الطوسي في الخلاف 298:2 ذيل المسألة 79، و انظر: سنن الدار قطني 2: 232-68، و سنن البيهقي 50:5.
3- حكاه عنه الشيخ الطوسي في الخلاف 298:2، المسألة 79.
4- الخلاف 298:2، المسألة 79.
5- السرائر: 127.
6- الكافي 347:4-5.

حنيفة(1) - لما رواه العامّة عن النبي عليه السلام: (فإن لم يجد نعلين فليلبس خفّين، و ليقطعهما حتى يكونا الى الكعبين)(2).

و من طريق الخاصّة: قول الباقر عليه السلام في المحرم يلبس الخفّ إذا لم يكن له نعل، قال: «نعم و لكن يشقّ ظهر القدم»(3).

و قال بعض أصحابنا: يلبسهما صحيحين(4) - و به قال أحمد و عطاء بن أبي رباح - لقول النبي صلّى اللّه عليه و آله: (السراويل لمن لا يجد إزارا، و الخفّ لمن لا يجد نعلين) [1](5).

و لأنّ فاقد الإزار يلبس السراويل من غير فتق فكذا الخفّ.

و لا منافاة في الحديث لقولنا، و اللّبس مع الفتق غير ممكن في السراويل.

و يجوز أيضا أن يلبس الجرموقين إذا لم يجد النعلين، لقول الصادق عليه السلام و قد سأله رفاعة عن المحرم يلبس الجوربين، قال: «نعم و الخفّين إذا اضطرّ إليهما»(6).

و لو وجد النعلين، لم يجز له لبس الخفّين المقطوعين و لا الجرموقين و لا الشمشكين، لأنّه عليه السلام شرط في لبسهما عدم وجدان النعلين.6.

ص: 245


1- الحاوي الكبير 97:4، المجموع 261:7 و 265، فتح العزيز 453:7، حلية العلماء 286:3، المغني 278:3، الشرح الكبير 282:3.
2- صحيح البخاري 169:2، سنن أبي داود 165:2-1823، سنن النسائي 135:5، سنن ابن ماجة 978:2-2932، سنن الدار قطني 229:2-59، سنن الترمذي 196:3 ذيل الحديث 834.
3- الفقيه 218:2-997.
4- قال به ابن إدريس في السرائر: 127.
5- المغني 277:3، الشرح الكبير 281:3-282، حلية العلماء 286:3، الحاوي الكبير 97:4، بداية المجتهد 327:1، المنتقى - للباجي - 196:2.
6- الفقيه 217:2-996.

و قال بعض الشافعية: يجوز(1). و هو غلط.

و كذا لا يجوز له لبس القباء مقلوبا مع وجود الإزار.

و لو لم يجد رداء، لم يجز له لبس القميص.

و لو عدم الإزار، جاز له التوشّح بالقميص و بالقباء المقلوب، لقول الصادق عليه السلام: «و إن لم يكن له رداء طرح قميصه على عنقه أو قباءه بعد أن ينكّسه»(2).

مسألة 184: يجوز أن يلبس المحرم أكثر من ثوبين يتّقي بذلك الحرّ أو البرد،

و أن يغيّرهما، لأنّ الحلبي سأل الصادق عليه السلام عن الثوبين يرتدي بهما، قال: «نعم و الثلاثة يتّقي بها الحرّ و البرد» و سأله عن المحرم يحوّل ثيابه، قال: «نعم» و سأله: يغسلها إن أصابها شيء، قال: «نعم إذا احتلم فيها فليغسلها»(3).

و يكره للمحرم أن يغسل ثوبي إحرامه إلاّ إذا أصابهما نجاسة، لقول أحدهما عليهما السلام: «لا يغسل الرجل ثوبه الذي يحرم فيه حتى يحلّ و إن توسّخ، إلاّ أن تصيبه جنابة أو شيء فيغسله»(4).

إذا ثبت هذا، فقد بيّنّا أنّه يجوز له تبديل ثيابه، لكن يستحب له أن يطوف في ثوبيه اللذين أحرم فيهما، لأنّهما وقعت ابتداء العبادة فيهما فيستحب استدامتها فيهما.

و لقول الصادق عليه السلام: «لا بأس بأن يغيّر المحرم ثيابه و لكن إذا دخل مكة لبس ثوبي إحرامه اللذين أحرم فيهما، و كره أن يبيعهما»(5).

ص: 246


1- المهذب - للشيرازي - 215:1، المجموع 258:7، حلية العلماء 286:3، فتح العزيز 453:7، المغني 279:3، الشرح الكبير 283:3، بداية المجتهد 327:1.
2- التهذيب 70:5-229.
3- التهذيب 70:5-230.
4- الكافي 341:4-14، الفقيه 215:2-980، التهذيب 71:5-234.
5- الكافي 341:4-11، الفقيه 218:2-1000، التهذيب 71:5-233.
مسألة 185: يجوز الإحرام في الثياب المعلمة، و اجتنابه أفضل،

لقول الصادق عليه السلام: «لا بأس أن يحرم الرجل في الثوب المعلم، و يدعه أحبّ إليّ إذا قدر على غيره»(1).

و يكره بيع الثوب الذي أحرم فيه، لقول معاوية بن عمّار - في الصحيح -:

كان الصادق عليه السلام يكره للمحرم أن يبيع ثوبا أحرم فيه [1].

و لو أحرم و عليه قميص، نزعه و لا يشقّه، و هو قول أكثر العلماء(2) ، لما روى العامّة عن النبي صلّى اللّه عليه و آله أنّه أتاه رجل فقال: يا رسول اللّه كيف ترى في رجل أحرم بعمرة في جبّة بعد ما تضمّخ بطيب ؟ فنظر إليه النبي صلّى اللّه عليه و آله ساعة ثم سكت فجاءه الوحي، فقال له النبي صلّى اللّه عليه و آله: (أمّا الطيب الذي بك فاغسله، و أمّا الجبّة فانزعها ثم أصنع في عمرتك ما تصنع في حجّك)(3).

و من طريق الخاصة: قول الصادق عليه السلام في رجل أحرم و عليه قميصه، فقال: «ينزعه [2] و لا يشقّه، و إن كان لبسه بعد ما أحرم شقّه و أخرجه ممّا يلي رجليه»(4).

قال الشيخ رحمه اللّه: إذا لبسه بعد ما أحرم، وجب عليه أن يشقّه، و يخرجه من قدميه، للرواية السابقة و غيرها(5).

ص: 247


1- الفقيه 216:2-986، التهذيب 71:5-235.
2- المغني 267:3، معالم السنن - للخطّابي - 343:2.
3- صحيح مسلم 837:2-8.
4- التهذيب 72:5-238.
5- التهذيب 72:5 ذيل الحديث 236.
النظر الثالث: في التلبيات
مسألة 186: التلبيات الأربع واجبة و شرط في إحرام المتمتّع و المفرد،

فلا ينعقد إحرامهما إلاّ بها، و الأخرس يشير بها و يعقد قلبه بها، و أمّا القارن:

فإنّه ينعقد إحرامه بها أو الإشعار أو التقليد لما يسوقه، ذهب إليه علماؤنا أجمع، و به قال أبو حنيفة و الثوري(1) ، لقوله تعالى فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ (2).

قال ابن عباس: الإهلال(3).

و عن عطاء و طاوس و عكرمة: هو التلبية(4).

و ما رواه العامّة أنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله، قال: (أتاني جبرئيل فأمرني أن آمر أصحابي أو من معي أن يرفعوا أصواتهم بالتلبية أو بالإهلال)(5) و ظاهر الأمر الوجوب.

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السلام: «إذا فرغت من صلاتك و عقدت ما تريد فقم و امش هنيئة، فإذا استوت بك الأرض ماشيا كنت أو راكبا فلبّ»(6) الحديث.

و قال أصحاب مالك: إنّها واجبة يجب بتركها الدم(7).

ص: 248


1- بدائع الصنائع 161:2، تحفة الفقهاء 400:1، المغني 256:3، الشرح الكبير 3: 264، فتح العزيز 202:7، المجموع 225:7، حلية العلماء 277:3.
2- البقرة: 197.
3- المغني 256:3، الشرح الكبير 264:3-265.
4- المغني 256:3، الشرح الكبير 264:3-265.
5- سنن الترمذي 191:3-192-829، ترتيب مسند الشافعي 306:1-794.
6- التهذيب 91:5-300.
7- المنتقى - للباجي - 207:2، المغني 256:3، الشرح الكبير 264:3.

و قال الشافعي: إنّها مستحبّة ليست واجبة، و ينعقد الإحرام بالنيّة، و لا حاجة الى التلبية - و به قال أحمد و الحسن بن صالح بن حي - لأنّ التلبية ذكر، فلا يجب في الحجّ، كسائر الأذكار(1).

و ليس بجيّد، لما يأتي من بيان الوجوب.

مسألة 187: و التلبيات الأربع هي الواجبة،

للإجماع على عدم وجوب الزائد عليها، لما رواه الشافعي عن الصادق عليه السلام عن الباقر عليه السلام عن جابر، قال: تلبية رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: لبّيك اللّهم لبّيك، لبّيك لا شريك لك لبّيك، إنّ الحمد و النعمة لك و الملك لا شريك لك(2).

و قال عليه السلام: (خذوا عنّي مناسككم)(3).

و من طريق الخاصّة: ما رواه معاوية بن عمّار - في الصحيح - عن الصادق عليه السلام، قال: «فإذا فرغت من صلاتك و عقدت ما تريد فقم و امش هنيئة فإذا استوت بك الأرض ماشيا كنت أو راكبا فلبّ، و التلبية أن تقول: لبّيك اللّهم لبّيك لبّيك لا شريك لك لبّيك، إنّ الحمد و النعمة لك و الملك لا شريك لك لبّيك لبّيك ذا المعارج لبّيك لبّيك داعيا الى دار السلام، لبّيك لبّيك غفّار الذنوب، لبّيك لبّيك أهل التلبية، لبّيك لبّيك ذا الجلال و الإكرام، لبّيك لبّيك تبدئ و المعاد إليك، لبّيك لبّيك تستغني و يفتقر إليك، لبّيك لبّيك مرهوبا و مرغوبا إليك، لبّيك لبّيك إله الخلق، لبّيك لبّيك ذا النعماء و الفضل الحسن الجميل، لبّيك لبّيك كشّاف الكروب، لبّيك لبّيك عبدك و ابن عبديك، لبّيك لبّيك يا كريم لبّيك».

ص: 249


1- المجموع 225:7 و 245 و 246، المغني 256:3، الشرح الكبير 264:3.
2- الام 155:2، ترتيب مسند الشافعي 304:1-790.
3- سنن البيهقي 125:5.

«تقول هذا في دبر كلّ صلاة مكتوبة أو نافلة، و حين ينهض بك بعيرك، و إذا علوت شرفا أو هبطت واديا أو لقيت راكبا أو استيقظت من منامك، و بالأسحار، و أكثر ما استطعت و اجهر بها، و إن تركت بعض التلبية فلا يضرّك غير أنّ تمامها أفضل».

«و اعلم أنّه لا بدّ لك من التلبيات الأربع التي كنّ في أول الكلام هي الفريضة، و هي التوحيد، و بها لبّى المرسلون، و أكثر من ذي المعارج فإنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كان يكثر منها، و أوّل من لبّى إبراهيم عليه السلام، قال: إن اللّه يدعوكم الى أن تحجّوا بيته، فأجابوه بالتلبية، فلم يبق أحد أخذ ميثاقه بالموافاة في ظهر رجل و لا بطن امرأة إلاّ أجاب بالتلبية»(1).

و لأنّها عبادة لها تحليل و تحريم، فكان فيها نطق واجب، كالصلاة.

إذا عرفت هذا، فإنّ الزائد على الأربع مستحب - و به قال أصحاب أبي حنيفة(2) - لما تقدّم.

و قال الشافعي: إنّه غير مستحب. و به قال أحمد(3) - و قال بعضهم: إنّ الزائد مكروه(4) - لما رواه الشافعي عن الصادق عن الباقر عليهما السلام عن جابر - و قد تقدّم(5) - و ما داوم عليه النبي عليه السلام أولى.

و نحن نقول: إنّما فعله عليه السلام بيانا للواجب، فلهذا لم يزد.

و يستحب الإكثار من ذكر «ذي المعارج».

مسألة 188: يستحب رفع الصوت بالتلبية - و هو قول العلماء

- لأنّ «جبرئيل قال للنبي صلّى اللّه عليه و آله: مر أصحابك بالعجّ و الثجّ، و العجّ:

ص: 250


1- التهذيب 91:5-92-300.
2- فتح العزيز 263:7.
3- الأم 204:2، فتح العزيز 263:7، المغني 258:3، الشرح الكبير 264:3.
4- انظر: المجموع 245:7.
5- تقدّم في صفحة 249.

رفع الصوت بالتلبية، و الثجّ: نحر البدن»(1) و الأمر هنا ليس للوجوب، لأصالة براءة الذمّة.

و يستحب الجهر بها كلّما ركب أو هبط واديا أو علا أكمة [1]، و بالأسحار، لقول الصادق عليه السلام: «و اجهر بها كلّما ركبت و كلّما نزلت و كلّما هبطت واديا أو علوت أكمة أو لقيت راكبا، و بالأسحار»(2).

و قال الباقر و الصادق عليهما السلام: «قال جابر بن عبد اللّه: ما مشى النبي صلّى اللّه عليه و آله الروحاء [2] حتى بحّت أصواتنا»(3).

و لأنّه من شعائر العبادة، فأشبه الأذان، و لاشتمال الإجهار على تنبيه الغافلين.

و ليس على النساء إجهار بالتلبية، لقول الصادق عليه السلام: «ليس على النساء جهر بالتلبية»(4).

و الأخرس يشير إلى التلبية بإصبعه و تحريك لسانه و عقد قلبه بها، لقول علي عليه السلام: «تلبية الأخرس و تشهّده و قراءته القرآن في الصلاة تحريك لسانه و إشارته بإصبعه»(5).

و لا يجوز التلبية إلاّ بالعربية مع القدرة - خلافا لأبي حنيفة(6) - لأنّه المأمور به، و لأنّه ذكر مشروع، فلا يجوز بغير العربية، كالأذان.2.

ص: 251


1- الكافي 336:4-5، الفقيه 210:2-960، التهذيب 92:5-302.
2- التهذيب 92:5-301.
3- التهذيب 92:5-302.
4- الكافي 336:4-337-7، التهذيب 93:5-304.
5- الكافي 335:4-2، التهذيب 93:5-305.
6- المبسوط - للسرخسي - 6:4، بدائع الصنائع 161:2.

احتجّ: بالقياس على التكبير(1).

و نمنع الأصل.

مسألة 189: لا يشترط في التلبية الطهارة من الحدثين إجماعا،

لأنّ النبي عليه السلام قال لعائشة حين حاضت: (افعلي ما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت)(2).

و من طريق الخاصة: قول الصادق عليه السلام: «لا بأس أن تلبّي و أنت على غير طهور و على كلّ حال»(3).

و قال الباقر عليه السلام: «لا بأس أن يلبّي الجنب»(4).

مسألة 190: يستحب أن يذكر في تلبيته ما يحرم به من حجّ أو عمرة

- و به قال أحمد(5) - لما رواه العامة في حديث أنس، قال: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقول: (لبّيك عمرة و حجّا)(6).

و قال ابن عباس: قدم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و أصحابه و هم يلبّون بالحجّ(7).

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السلام في التلبية: «لبّيك

ص: 252


1- المبسوط - للسرخسي - 6:4، بدائع الصنائع 161:2.
2- صحيح البخاري 195:2، سنن البيهقي 86:5، سنن الدارمي 44:2، ترتيب مسند الشافعي 390:1-1003.
3- الكافي 336:4-6، الفقيه 210:2-962، التهذيب 93:5-306.
4- الفقيه 211:2-963.
5- المغني 259:3، الشرح الكبير 266:3.
6- صحيح مسلم 905:2 ذيل الحديث 1232، و 915-215، سنن أبي داود 157:2 - 1795، سنن النسائي 150:5، سنن البيهقي 40:5، و أورده ابنا قدامة في المغني 3: 259، و الشرح الكبير 266:3.
7- سنن النسائي 201:5، و أورده ابنا قدامة في المغني 260:3، و الشرح الكبير 3: 266.

بحجّة تمامها عليك»(1).

و قال الشافعي: لا يستحب(2) ، لما رواه جابر قال: ما سمّى النبي صلّى اللّه عليه و آله في تلبيته حجّا و لا عمرة(3).

و سمع ابن عمر رجلا يقول: لبّيك بعمرة، فضرب صدره و قال: تعلمه ما في نفسك(4).

و حديث جابر معارض بما رواه العامّة عنه قال: كنّا مع النبي صلّى اللّه عليه و آله و نحن نقول: لبّيك بالحجّ [1]. و بغيره من الروايات.

و قول ابن عمر ليس حجّة، خصوصا مع معارضته لأحاديث رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله.

إذا عرفت هذا، فيستحب أن يذكر في تلبيته الحجّ و العمرة معا، فإن لم يمكنه، للتقية أو غيرها، اقتصر على ذكر الحجّ، فإذا دخل مكة، طاف و سعى و قصّر، و جعلها عمرة، لقول الصادق عليه السلام عن رجل لبّى بالحجّ مفردا ثم دخل مكة فطاف بالبيت و سعى بين الصفا و المروة، قال: «فليحلّ، و ليجعلها متعة، إلاّ أن يكون ساق الهدي، فلا يستطيع أن يحلّ حتى يبلغ الهدي محلّه»(5).

مسألة 191: يستحب تكرار التلبية و الإكثار منها على كلّ حال

عند الإشراف و الهبوط و أدبار الصلوات و تجدّد الأحوال و اصطدام الرفاق و الأسحار

ص: 253


1- التهذيب 92:5-301.
2- فتح العزيز 208:7، المجموع 227:7، المغني 259:3، الشرح الكبير 266:3.
3- سنن البيهقي 40:5، و أورده ابنا قدامة في المغني 259:3، و الشرح الكبير 3: 266.
4- سنن البيهقي 40:5، و أورده ابنا قدامة في المغني 259:3، و الشرح الكبير 3: 266.
5- التهذيب 89:5-293، الإستبصار 174:2-575.

بإجماع العلماء، إلاّ مالكا، فإنّه قال: لا يلبّي عند اصطدام الرفاق(1).

و الحقّ ما قلناه، لما روى العامة عن جابر: أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كان يلبّي في حجّه إذا لقي راكبا أو علا أكمة أو هبط واديا و في أدبار الصلوات المكتوبة و من آخر الليل(2).

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السلام و قد ذكر التلبيات:

«تقول هذا في دبر كلّ صلاة مكتوبة أو نافلة و حين ينهض بك بعيرك و إذا علوت شرفا أو هبطت واديا أو لقيت راكبا أو استيقظت من منامك و بالأسحار»(3).

مسألة 192: يقطع المتمتّع التلبية إذا شاهد بيوت مكة،

لما رواه الحلبي - في الحسن - عن الصادق عليه السلام، قال: «المتمتّع إذا نظر الى بيوت مكة قطع التلبية»(4).

و أمّا المفرد و القارن فإنّهما يقطعان التلبية يوم عرفة عند الزوال، لرواية معاوية بن عمّار عن الصادق عليه السلام، قال: «إذا دخلت مكة [1] و أنت متمتّع فنظرت الى بيوت مكة [فاقطع التلبية، و حدّ بيوت مكة](5) التي كانت قبل اليوم إذا بلغت عقبة المدنيين فاقطع التلبية، و عليك بالتكبير و التهليل و الثناء على اللّه ما استطعت، و إن كنت قارنا [2] بالحجّ فلا تقطع التلبية حتى يوم عرفة الى زوال الشمس، و إن كنت معتمرا فاقطع التلبية إذا دخلت الحرم»(6).

ص: 254


1- المغني 262:3، الشرح الكبير 267:3.
2- أورده أبو إسحاق الشيرازي في المهذّب 213:1، و الرافعي في فتح العزيز 260:7، و ابنا قدامة في المغني 261:3، و الشرح الكبير 267:3.
3- الكافي 335:4-336-3، التهذيب 91:5-300.
4- الكافي 399:4-3، التهذيب 94:5-307، الإستبصار 176:2-581.
5- أضفناها من المصدر.
6- التهذيب 94:5-309.

قال الشيخ رحمه اللّه: المعتمر عمرة مفردة إن كان أحرم من خارج مكة، قطع التلبية إذا دخل الحرم، و إن كان ممّن خرج من مكة للإحرام، قطعها إذا شاهد الكعبة(1).

و قيل بالتخيير بينها من غير تفصيل(2).

قال الصادق عليه السلام: «من دخل مكة مفردا للعمرة فليقطع التلبية حين تضع الإبل أخفافها في الحرم»(3).

و سأل يونس بن يعقوب الصادق عليه السلام عن الرجل يعتمر عمرة مفردة من أين يقطع التلبية ؟ قال: «إذا رأيت بيوت ذي طوى فاقطع التلبية»(4).

و روى عمر بن يزيد عن الصادق عليه السلام، قال: «و من خرج من مكة يريد العمرة ثم دخل معتمرا لم يقطع التلبية حتى ينظر إلى الكعبة»(5).

مسألة 193: يستحب لمن حجّ على طريق المدينة أن يرفع صوته بالتلبية

إذا علت راحلته البيداء إن كان راكبا، و إن كان ماشيا فحيث يحرم، و إن كان على غير طريق المدينة، لبّى من موضعه إن شاء، و إن مشى خطوات ثم لبّى، كان أفضل، و به قال مالك(6).

و للشافعي قولان:

قال في القديم: يستحب [1] أن يهلّ خلف الصلاة نافلة كانت أو فريضة. و به قال أبو حنيفة و أحمد.

ص: 255


1- النهاية: 216، المبسوط - للطوسي - 317:1.
2- كما في شرائع الإسلام 248:1، و راجع: الفقيه 277:2 ذيل الحديث 1356.
3- الاستبصار 177:2-586، التهذيب 95:5-313، و ليس فيه «مكة».
4- الفقيه 277:2-1354، التهذيب 95:5-314، الاستبصار 177:2-587.
5- الفقيه 276:2-277-1350، التهذيب 95:5-96-315، الاستبصار 177:2 - 588.
6- انظر: المدوّنة الكبرى 361:1، و المجموع 223:7.

و الجديد: أن يلبّي إذا انبعثت به راحلته إن كان راكبا، و إذا أخذ في السير إن كان راجلا(1).

لنا: ما رواه العامّة عن ابن عباس، قال: اغتسل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، ثم لبس ثيابه، فلمّا أتى ذا الحليفة صلّى ركعتين ثم قعد على بعيره، فلمّا استوى به على البيداء أحرم بالحجّ(2).

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السلام: «إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لم يكن يلبّي حتى يأتي [1] البيداء»(3).

و أما التفصيل: فيدلّ عليه قول الصادق عليه السلام: «إن كنت ماشيا فاجهر بإهلالك و تلبيتك من المسجد، و إن كنت راكبا فإذا علت بك راحلتك البيداء»(4).

إذا عرفت هذا، فالمراد استحباب الإجهار بالتلبية عند البيداء، و بينها و بين ذي الحليفة ميل، و لا يجوز مجاوزة الميقات بغير إحرام، و إنّما ينعقد الإحرام بالتلبية، فيجب إيقاعها في ذي الحليفة، و يستحب الإجهار بها بالبيداء.

مسألة 194: لا يلبّي في مسجد عرفة - و به قال مالك(5) - لما بيّنّاه من أنّ التلبية تقطع يوم عرفة قبل الزوال.4.

ص: 256


1- المهذّب - للشيرازي - 211:1، المجموع 223:7، فتح العزيز 258:7-259، الحاوي الكبير 81:4، الهداية - للمرغيناني - 137:1، المغني 236:3، الشرح الكبير 235:3.
2- سنن الدار قطني 219:2-220-21، سنن البيهقي 33:5.
3- التهذيب 84:5-279، الاستبصار 170:2-561.
4- التهذيب 85:5-281، الاستبصار 170:2-171-563.
5- حكاه عنه الشيخ الطوسي في الخلاف 292:2، المسألة 70، و انظر: المدوّنة الكبرى 1: 364.

و قال الشافعي: إنّه مستحب(1).

و ليس بمعتمد.

و كذا لا يلبّي في حال الطواف - و به قال الشافعي و سالم بن عبد اللّه و ابن عيينة(2) - لما رواه العامّة عن ابن عمر قال: لا يلبّي الطائف(3).

و من طريق الخاصّة: قول الباقر عليه السلام: «إذا قدموا مكة و طافوا بالبيت أحلّوا، و إذا لبّوا أحرموا، فلا يزال يحلّ و يعقد حتى يخرج إلى منى بلا حجّ و لا عمرة»(4).

و لأنّا بيّنّا أنّ المتمتّع يقطع التلبية عند مشاهدة بيوت مكة.

مسألة 195: قد بيّنّا أنّ الإحرام إنّما ينعقد بالتلبيات الأربع في حقّ المتمتّع و المفرد،

و أمّا القارن فإنّه يتخيّر بين أن يعقد إحرامه بالتلبيات الأربع أو بالإشعار أو التقليد أيّها فعل انعقد إحرامه به، و كان الباقي مستحبا.

و الإشعار: أن يشقّ سنام البعير من الجانب الأيمن، و يلطخ صفحته بالدم ليعلم أنّه صدقة، و هو مختص بالإبل.

و التقليد: أن يجعل في رقبة الهدي نعلا قد صلّى فيه، أو يجعل في رقبة الهدي خيطا أو سيرا و ما أشبههما ليعلم أنّه صدقة، و هو مشترك بين الأنعام الثلاثة.

و هذا هو المشهور، ذهب اليه الشيخ(5) - رحمه اللّه - و أتباعه(6).

ص: 257


1- الوجيز 117:1، فتح العزيز 260:7-261، المهذّب - للشيرازي - 213:1، المجموع 245:7، و حكاه عنه الشيخ الطوسي في الخلاف 292:2، المسألة 70.
2- المهذّب - للشيرازي - 213:1، المجموع 245:7، فتح العزيز 262:7، حلية العلماء 281:3، المغني 264:3. الشرح الكبير 268:3.
3- أورده الرافعي في فتح العزيز 262:7.
4- التهذيب 31:5-93، الإستبصار 156:2-511.
5- النهاية: 214.
6- منهم: القاضي ابن البراج في المهذّب 214:1-215.

و قال السيد المرتضى و ابن إدريس من علمائنا: لا ينعقد إحرام الأصناف الثلاثة إلاّ بالتلبية(1).

و الوجه: ما قاله الشيخ، لما رواه معاوية بن عمّار - في الصحيح - عن الصادق عليه السلام، قال: «يوجب الإحرام ثلاثة أشياء: التلبية و الإشعار و التقليد، فإذا فعل شيئا من هذه الثلاثة فقد أحرم»(2).

إذا عرفت هذا، فينبغي أن تشعر البدن و هي باركة يشقّ سنامها الأيمن، و تنحر - و هي قائمة - من قبل الأيمن، لأنّ أبا الصباح الكناني سأل الصادق عليه السلام عن البدن كيف تشعر؟ فقال: «تشعر و هي باركة يشقّ سنامها الأيمن، و تنحر - و هي قائمة - من قبل الأيمن»(3).

إذا عرفت هذا، فلو كانت البدن كثيرة و أراد إشعارها، دخل بين كلّ بدنتين، و أشعر إحداهما من الجانب الأيمن و الأخرى من الأيسر، للرواية عن الصادق عليه السلام(4) ، و للتخفيف.

مسألة 196: إذا عقد نيّة الإحرام و لبس ثوبيه ثم لم يلبّ و لم يشعر و لم يقلّد،

جاز له أن يفعل ما يحرم على المحرم فعله، و لا كفّارة عليه، فإن لبّى أو أشعر أو قلّد إن كان قارنا، حرم عليه ذلك، و وجبت عليه الكفّارة بفعله، لأنّ الإحرام إنّما ينعقد بأحد الثلاثة، فإذا لم يفعلها لم يكن محرما، لأنّ حفص بن البختري سأل الصادق عليه السلام عمّن عقد الإحرام في مسجد الشجرة ثم وقع على أهله قبل أن يلبّي، قال: «ليس عليه شيء»(5).

مسألة 197: يستحب لمن أراد الإحرام أن يشترط على ربّه

عند عقد

ص: 258


1- الانتصار: 102، السرائر 124-125
2- التهذيب 43:5-44-129.
3- الفقيه 209:2-955.
4- التهذيب 43:5-128
5- الفقيه 208:2-946.

الإحرام: إن لم تكن حجّة فعمرة، و أن يحلّه حيث حبسه، سواء كان حجّه تمتّعا أو قرانا أو إفرادا، و كذا في إحرام العمرة - و به قال علي عليه السلام، و عمر بن الخطّاب و ابن مسعود و عمّار و علقمة و شريح و سعيد بن المسيّب و عكرمة و الشافعي و أبو حنيفة و أحمد(1) - لما رواه العامّة عن ابن عباس أنّ ضباعة أتت النبي صلّى اللّه عليه و آله، فقالت: يا رسول اللّه إنّي أريد الحجّ فكيف أقول ؟ قال: (قولي: لبّيك اللّهم لبّيك و محلّي من الأرض حيث تحبسني، فإنّ لك على ربّك ما استثنيت)(2).

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السلام: «إذا أردت الإحرام و التمتّع فقل: اللّهم إنّي أريد ما أمرت به من التمتّع بالعمرة إلى الحجّ، فيسّر لي ذلك و تقبّله منّي و أعنّي عليه و حلّني حيث حبستني لقدرك الذي قدرت عليّ أحرم لك شعري و بشري من النساء و الطيب و الثياب، و إن شئت قلت حين ينهض بك بعيرك، و إن شئت فأخّره حتى تركب بعيرك و تستقبل القبلة»(3).

و عن الفضيل بن يسار عن الصادق عليه السلام، قال: «المعتمر عمرة مفردة يشترط على ربّه أن يحلّه حيث حبسه، و مفرد الحج يشترط على ربّه إن لم تكن حجّة فعمرة»(4).

و أنكره [ابن] [1] عمر و طاوس و سعيد بن جبير و الزهري و مالك، لأنّ ابن1.

ص: 259


1- المغني 248:3-249، الشرح الكبير 238:3، المهذّب - للشيرازي - 243:1، المحلّى 114:7.
2- سنن الترمذي 278:3-941، سنن أبي داود 151:2-152-1776، سنن النسائي 168:5، و أورده ابنا قدامة في المغني 249:3-250، و الشرح الكبير 238:3.
3- التهذيب 79:5-263.
4- الكافي 335:4-15، التهذيب 81:5-82-271.

عمر كان ينكر الاشتراط و يقول: حسبكم سنّة نبيّكم(1).

و لأنّها عبادة تجب بأصل الشرع، فلم يفد الاشتراط فيها، كالصوم و الصلاة(2).

و قول ابن عمر ليس بحجّة، خصوصا مع معارضته لقول النبي و أهل بيته عليهم السلام.

و القياس ممنوع، للفرق.

إذا عرفت هذا، فالاشتراط لا يفيد سقوط فرض الحجّ في القابل لو فاته الحجّ، و لا نعلم فيه خلافا، لأنّ أبا بصير سأل الصادق عليه السلام عن الرجل يشترط في الحجّ أن حلّني حيث حبستني، أ عليه الحجّ من قابل ؟ قال:

«نعم»(3).

و لو كان الحجّ تطوّعا، سقط عنه الحجّ من قابل.

و إنّما يفيد الاشتراط جواز التحلّل عند الإحصار.

و قيل: يتحلّل من غير اشتراط - و هو اختيار أبي حنيفة في المريض(4).

و قال الزهري و مالك و ابن عمر: الشرط لا يفيد شيئا، و لا يتعلّق به التحليل(5) - لأنّ حمزة بن حمران سأل الصادق عليه السلام عن الذي يقول: حلّني حيث حبستني، فقال: «هو حلّ حيث حبسه اللّه تعالى، قال أو لم يقل، و لا يسقط3.

ص: 260


1- سنن الترمذي 279:3-942، سنن النسائي 169:5، سنن الدار قطني 234:2-80، سنن البيهقي 223:5.
2- المغني 249:3، الشرح الكبير 238:3، المحلّى 114:7-115، تفسير القرطبي 375:2.
3- الاستبصار 168:2-169-556، و التهذيب 80:5-81-268.
4- المبسوط - للسرخسي - 107:4، الهداية - للمرغيناني - 180:1، فتح العزيز 8:8 - 9، المغني 249:3، الشرح الكبير 238:3، و حكاه عنه الشيخ الطوسي في الخلاف 2: 430، المسألة 323.
5- حكاه عنهم الشيخ الطوسي في الخلاف 430:2، المسألة 323.

الاشتراط عنه الحجّ من قابل»(1).

و الوجه: الأول، تحصيلا لفائدة الاشتراط الثابت بالشرع.

فروع:

أ - لو اشترط في إحرامه أن يحلّه حيث حبسه،

قال السيد المرتضى:

يسقط دم الإحصار عند التحلّل(2) - و به قال أبو حنيفة(3) -، لأنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال لضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب: (حجّي و اشترطي و قولي: اللّهم محلّي حيث حبستني)(4) و لا فائدة لهذا الشرط إلاّ التأثير فيما قلناه.

و قال الشيخ رحمه اللّه: لا يسقط - و للشافعي قولان(5) - لعموم قوله تعالى فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ (6)(7) و فيه قوّة.

ب - لا بدّ أن يكون للشرط فائدة

- قاله الشيخ(8) - مثل أن يقول: إن مرضت أو فنيت نفقتي أو فاتني الوقت أو ضاق عليّ أو منعني عدوّ أو غيره، فأمّا أن يقول: أن تحلّني حيث شئت، فليس له ذلك.

ج - قال الشيخ رحمه اللّه: لا يجوز للمشترط أن يتحلّل إلاّ مع نيّة التحلّل و الهدي معا

- و للشافعي فيهما قولان(9) - لعموم الأمر بالهدي(10) ،6.

ص: 261


1- الفقيه 306:2-1516.
2- الانتصار: 104-105.
3- المغني 249:3، الشرح الكبير 238:3
4- صحيح مسلم 867:2-868-1207، سنن الدار قطني 219:2-18، سنن البيهقي 221:5.
5- الوجيز 130:1، المجموع 306:8-307، حلية العلماء 362:3.
6- البقرة: 196.
7- المبسوط - للطوسي - 334:1.
8- المبسوط - للطوسي - 334:1.
9- حكاه عنه الشيخ الطوسي في الخلاف 431:2، المسألة 324، و راجع: الحاوي الكبير 360:4-361.
10- البقرة: 196.

و للاحتياط(1).

مسألة 198: يستحب أن يأتي بالتلبية نسقا لا يتخلّلها كلام،

فإن سلّم عليه ردّ في أثنائها، لأنّ ردّ السلام واجب.

و يستحب إذا فرغ من التلبية أن يصلّي على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، لقوله تعالى وَ رَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ (2).

قيل في التفسير: لا اذكر إلاّ و تذكر معي(3).

و لأنّ كلّ موضع شرّع فيه ذكر اللّه تعالى شرّع فيه ذكر نبيه عليه السلام، كالصلاة و الأذان.

و يجزئ من التلبية في دبر كلّ صلاة مرّة واحدة، لإطلاق الأمر بها، و بالواحدة يحصل الامتثال، و لو زاد، كان فيه فضل كثير، لقولهم عليهم السلام: «و أكثر من ذكر ذي المعارج»(4).

و لا أعرف لأصحابنا قولا في أنّ الحلال يلبّي في غير دعاء الصلاة، لكن تلك التلبية غير هذه.

و استحسن الحسن البصري هذه التلبيات للحلال، و كذا النخعي و عطاء ابن السائب و الشافعي و أبو ثور و أحمد و ابن المنذر و أصحاب الرأي(5). و كرهه مالك(6). و الأصل عدم مشروعيته.

و يكره للمحرم إجابة من يناديه بالتلبية، بل يقول له: يا سعد، للرواية(7).

ص: 262


1- الخلاف 431:2، المسألة 324.
2- الشرح: 4.
3- جامع البيان 150:30، الرسالة - للشافعي -: 16-37، التبيان 373:10، مجمع البيان 508:5، و نقله أيضا ابن قدامة في المغني 265:3.
4- الكافي 336:4-3، التهذيب 92:5-300.
5- المغني 265:3، الشرح الكبير 268:3.
6- المغني 265:3، الشرح الكبير 268:3.
7- الفقيه 211:2-965.

و إذا قال: لبّيك إنّ الحمد، كسر الألف، و يجوز فتحها.

قال ثعلب: من فتحها فقد خصّ و من كسرها فقد عمّ، و معناه أنّ من كسر جعل الحمد للّه على كلّ حال، و من فتح فمعناه السببية، أي: لبّيك لهذا السبب، أي: للحمد(1).

المطلب الثالث: في تروك الإحرام
اشارة

و هي قسمان: محرّمات و مكروهات، فالمحرمات عشرون شيئا، و المكروهات عشرة يأتي تفاصيلها في مباحث:

القسم الأول: في محرمات الإحرام
البحث الأول: يحرم صيد البرّ في الحلّ و الحرم
اشارة

و كذا يحرم على المحلّ صيد الحرم بالنصّ و الإجماع.

قال اللّه تعالى وَ حُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ ما دُمْتُمْ حُرُماً (2).

و قال تعالى لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَ أَنْتُمْ حُرُمٌ (3).

و روى العامّة عن ابن عباس، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يوم فتح مكة: (إنّ هذا البلد حرام حرّمه اللّه يوم خلق السماوات و الأرض، فهو حرام بحرمة اللّه الى يوم القيامة، و إنّه لم يحلّ القتال فيه لأحد قبلي و لم يحلّ لي إلاّ ساعة من نهار، فهو حرام بحرمة اللّه الى يوم القيامة لا يختلى خلاها [1] و لا يعضد [2] شوكها و لا ينفّر صيدها و لا تلتقط لقطتها إلاّ من عرّفها) فقال العباس: يا رسول اللّه إلاّ الإذخر [3] فإنّه لقينهم [4] و بيوتهم، فقال رسول اللّه

ص: 263


1- المغني 258:3، الشرح الكبير 264:3، المجموع 244:7، صحيح مسلم بشرح النووي هامش إرشاد الساري 198:5.
2- المائدة: 96.
3- المائدة: 95.

صلّى اللّه عليه و آله: (إلاّ الإذخر)(1).

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السلام: «و اجتنب في إحرامك صيد البرّ كلّه و لا تأكل ما صاده غيرك و لا تشر اليه فيصيده»(2).

و قد أجمع المسلمون كافّة على تحريم صيد الحرم على الحلال و المحرم.

إذا عرفت هذا، فالمراد بالصيد الحيوان الممتنع. و قيل: ما جمع ثلاثة أشياء: أن يكون مباحا وحشيّا ممتنعا(3).

مسألة 199: و صيد البرّ حرام على المحرم اصطيادا و أكلا و قتلا و إشارة و دلالة و إغلاقا،

و كذا فرخه و بيضه، بإجماع العلماء، للنصّ و الإجماع.

قال اللّه تعالى وَ حُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ ما دُمْتُمْ حُرُماً (4) و تحريم العين يستلزم تحريم جميع المنافع المتعلّقة بها.

و ما رواه العامّة في حديث أبي قتادة لمّا صاد الحمار الوحشي و أصحابه محرمون، قال النبي صلّى اللّه عليه و آله لأصحابه: (هل فيكم أحد أمره أن يحمل عليها أو أشار إليها؟)(5) و هو يدلّ على تعلّق التحريم بالحمل و الإشارة.

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السلام: «و اجتنب في إحرامك صيد البرّ كلّه، و لا تأكل ما صاده غيرك و لا تشر اليه فيصيده»(6).

ص: 264


1- صحيح مسلم 986:2-987-1353، صحيح البخاري 18:3-19، و أورده ابن قدامة في المغني 349:3-350.
2- التهذيب 300:5-1021
3- حكاه عن بعض أهل اللغة، ابن قدامة في المغني 346:3.
4- المائدة: 96
5- صحيح مسلم 853:2-854-60، صحيح البخاري 16:3، سنن البيهقي 189:5 بتفاوت يسير.
6- التهذيب 300:5-1021.

و قال عليه السلام: «المحرم لا يدلّ على الصيد، فإن دلّ عليه فعليه الفداء»(1).

و لأنّه تسبّب الى محرّم عليه فحرم، كنصبه الأحبولة [1].

إذا عرفت هذا، فلا فرق بين أن تكون الإشارة و الدلالة صادرة من المحرم الى المحرم و الى المحلّ.

مسألة 200: لا يحلّ مشاركة المحرم للمحلّ و لا للمحرم في الصيد،

فإن شاركه، ضمن كلّ منهما فداء كاملا. و كذا لو اشترك جماعة في قتل صيد، ضمن كلّ منهم فداء كاملا - و به قال أبو حنيفة و مالك(2) - لأنّه قتل الصيد.

و لأنّ عبد الرحمن بن الحجّاج سأل أبا الحسن عليه السلام عن رجلين أصابا صيدا [و هما محرمان](3) الجزاء بينهما أو على كلّ واحد منهما جزاء؟ قال:

«لا، بل عليهما جميعا، يجزئ كلّ واحد منهما الصيد»(4).

و لأنّه اشترك في محرّم مضمون، فكان على كلّ واحد منهم جزاء كامل، كما لو اشترك جماعة في قتل مسلم، وجب على كلّ واحد منهم كفّارة كاملة.

و قال الشافعي و أحمد: يجب فداء واحد على الجميع، لأنّ المقتول

ص: 265


1- الكافي 381:4-2، التهذيب 315:5-1086، الاستبصار 187:2-188 - 629.
2- المبسوط - للسرخسي - 80:4-81، بدائع الصنائع 202:2، أحكام القرآن - للجصّاص - 476:2-477، بداية المجتهد 358:1، تفسير القرطبي 313:6، التفسير الكبير 90:12، المغني 562:3، الشرح الكبير 369:3، المحلّى 237:7 - 238، فتح العزيز 508:7، المجموع 439:7.
3- أضفناها من المصدر.
4- الكافي 391:4-1، التهذيب 466:5-467-1631.

واحد فيتّحد جزاؤه، كما لو اشتركوا في قتل صيد حرمي(1).

و الأصل ممنوع.

و لا يحلّ للمحرم الإعانة على الصيد بشيء، فإنّ في حديث أبي قتادة:

ثم ركبت و نسيت السوط و الرمح، فقلت لهم: ناولوني السوط و الرمح، قالوا:

و اللّه لا نعينك عليه(2). و هو يدلّ على أنّهم اعتقدوا تحريم الإعانة، و النبي صلّى اللّه عليه و آله أقرّهم على ذلك.

و لأنّه إعانة على محرّم فحرم، كالإعانة على قتل المسلم.

و لو اشترك محلّ و محرم في قتل صيد، فإن كان في الحلّ، فلا شيء على المحلّ، و على المحرم فداء كامل، خلافا للشافعي، فإنّه قال: يجب عليه نصف الفداء، و لا شيء على المحلّ(3).

و إن كان في الحرم، فعلى المحلّ نصف القيمة، و على المحرم جزاء كامل و نصف القيمة على الأقوى.

مسألة 201: قد بيّنّا أنّه يحرم على المحرم الدلالة على الصيد سواء كان المدلول محلا أو محرما،

و كذا يحرم على الحلال الدلالة لهما في الحرم، فلو دلّ الحلال محرما على صيد فقتله، وجب الجزاء على المحرم.

و أمّا الدالّ: فإن كان الصيد في الحلّ، فالأقرب أنّه لا شيء عليه، سواء كان الصيد في يده أو لم يكن، لأنّه لو قتله لم يكن عليه شيء فكيف الدلالة! و إن كان في الحرم، تعلّق عليه الضمان أيضا، لأنّه أعانه على

ص: 266


1- الوجيز 129:1، فتح العزيز 508:7، المجموع 439:7-440، المغني 562:3، الشرح الكبير 369:3، التفسير الكبير 90:12، المحلّى 237:7، تفسير القرطبي 6: 313، بداية المجتهد 358:1-359، بدائع الصنائع 202:2، المبسوط - للسرخسي - 81:4.
2- سنن البيهقي 188:5 و أورده النووي في المجموع 302:7، و ابنا قدامة في المغني 3: 288، و الشرح الكبير 297:3.
3- فتح العزيز 509:7، المجموع 436:7.

المحرّم.

و لو دلّ المحرم حلالا على صيد، فقتله الحلال، فإن كان الصيد في يد المحرم، وجب عليه الجزاء، لأنّ حفظه واجب عليه، و من يلزمه الحفظ يلزمه الضمان إذا ترك الحفظ، كما لو دلّ المودع السارق على الوديعة.

و إن لم يكن في يده، فإن كان الصيد في الحرم، تعلّق الضمان على كلّ منهما، و إن كان في الحلّ، وجب الضمان على الدالّ، سواء كانت الدلالة خفيّة لولاها لما رأى الحلال الصيد، أو ظاهرة، و لا شيء على القاتل، لأنّه حلال، و به قال علي عليه السلام، و ابن عباس و عطاء و مجاهد و إسحاق و أحمد و أصحاب الرأي(1).

و قال الشافعي: لا شيء على الدالّ، كما لو دلّ رجل رجلا على قتل إنسان، لا كفّارة على الدالّ، و لا على القاتل، لأنّه حلال. و به قال مالك(2).

و قال أبو حنيفة: إن كانت الدالة ظاهرة، فلا جزاء على الدالّ، و إن كانت خفيفة وجب الجزاء عليه. و سلّم في صيد الحرم أنّه لا جزاء على الدالّ(3).

و قال أحمد: إنّ الجزاء يلزم الدالّ و القاتل بينهما(4).

مسألة 202: لو دلّ محرم محرما على صيد فقتله، وجب على كلّ واحد منهما فداء كامل

عند علمائنا - و به قال الشعبي و سعيد بن جبير و أصحاب

ص: 267


1- المغني 288:3، الشرح الكبير 297:3، التفسير الكبير 90:12، الهداية - للمرغيناني - 169:1، المبسوط - للسرخسي - 79:4.
2- فتح العزيز 491:7-492، المجموع 300:7، التفسير الكبير 90:12، المغني 3: 288، الشرح الكبير 297:3، المدوّنة الكبرى 432:1، المبسوط - للسرخسي - 4: 79
3- المبسوط - للسرخسي - 80:4، فتح العزيز 492:7
4- كما في فتح العزيز 492:7.

الرأي(1) - لأنّ كلّ واحد منهما فعل في الصيد فعلا محرّما لا يشاركه الآخر فيه، فالدالّ فعل الدلالة، و القاتل القتل، فوجب على كلّ منهما عقوبة كاملة.

و لأنّ كلّ واحد منهما فعل فعلا يستحقّ به العقوبة الكاملة لو انفرد، فكذا لو انضمّ، لأنّ المقتضي لا يخرج بالانضمام عن مقتضاه.

و قال أحمد و عطاء و حمّاد بن أبي سليمان: الجزاء بينهما، لأنّ الواجب جزاء المتلف، و هو واحد، فيكون الجزاء واحدا(2) و نمنع الملازمة.

و قال الشافعي: لا جزاء على الدال(3).

و لو كان المدلول قد رأى الصيد قبل الدلالة أو الإشارة، فلا جزاء عليه، لأنّه لم يكن سببا في قتله.

و لو فعل المحرم فعلا عند رؤية الصيد، كما لو ضحك أو تشرف على الصيد فرآه غيره و فطن للصيد فصاده، فلا ضمان، لأنّه لم يدلّ عليه.

مسألة 203: قد بيّنّا تحريم إعانة المحرم على الصيد،

فلو أعار المحرم قاتل الصيد سلاحا فقتله به، قال الشيخ رحمه اللّه: إنّه ليس لأصحابنا فيه نصّ(4).

و قال بعض العامّة: عليه الجزاء، لأنّه كالدالّ عليه(5). و لا بأس به، سواء كان المستعار ممّا لا يتمّ قتله إلاّ به، أو أعاره شيئا هو مستغن عنه، كأن يعيره سيفا و معه سيف.

و قال أبو حنيفة: إن أعاره ما هو مستغن عنه، لم يضمن المعير(6).

ص: 268


1- المغني 289:3، الشرح الكبير 297:3.
2- المغني 289:3، الشرح الكبير 297:3.
3- المجموع 300:7، المغني 289:3، الشرح الكبير 297:3.
4- الخلاف 406:2، المسألة 275.
5- المغني 290:3، الشرح الكبير 298:3.
6- المبسوط - للسرخسي - 80:4، بدائع الصنائع 204:2.

أمّا لو أعاره آلة ليستعملها في غير الصيد فصاد بها، فلا ضمان على المعير قولا واحدا، لأنّ الإعارة لا للصيد غير محرّمة عليه، فكان كما لو ضحك عند رؤية الصيد ففطن له القاتل.

و لو أمسك محرم صيدا حتى قتله غيره، فإن كان القاتل حلالا، وجب الجزاء على المحرم، لتعدّيه بالإمساك و التعريض للقتل، و لا يرجع به على الحلال، لأنّه غير ممنوع من التعرّض للصيد. و هو قول بعض الشافعية(1).

و قال بعضهم: يرجع، كما لو غصب شيئا فأتلفه متلف من يده، يضمن الغاصب، و يرجع على المتلف(2).

و إن كان محرما، ضمن كلّ منهما فداء كاملا.

و للشافعية وجهان:

أظهرهما: أنّ الجزاء كلّه على القاتل، لأنّه مباشر، و لا أثر للإمساك مع المباشرة.

و الثاني: أنّ لكلّ واحد من الفعلين مدخلا في الهلاك، فيكون الجزاء بينهما نصفين(3).

و قال بعضهم: إنّ الممسك يضمنه باليد، و القاتل بالإتلاف، فإن أخرج الممسك الضمان، رجع به على المتلف، و إن أخرج المتلف، لم يرجع على الممسك(4).

مسألة 204: يحرم على المحرم أكل الصيد، سواء ذبحه المحلّ أو المحرم،

في الحلّ ذبحا أو الحرم، و سواء كان الذابح هو المحرم لنفسه أو ذبح له أو ذبح لا له.

و بالجملة لحم الصيد يحرم على المحرم بكلّ حال عند علمائنا أجمع،

ص: 269


1- فتح العزيز 494:7، المجموع 437:7.
2- فتح العزيز 494:7، المجموع 437:7.
3- فتح العزيز 494:7، المجموع 437:7.
4- فتح العزيز 494:7، المجموع 437:7.

و به قال علي عليه السلام، و ابن عمر و عائشة و ابن عباس و طاوس(1) - و كرهه الثوري و إسحاق(2) - لعموم قوله تعالى وَ حُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ ما دُمْتُمْ حُرُماً (3).

و ما رواه العامّة عن ابن عباس عن الصعب بن جثّامة الليثي أنّه أهدى الى النبي صلّى اللّه عليه و آله حمارا وحشيّا و هو بالأبواء، فردّه عليه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، فلمّا رأى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ما في وجهه قال:

(إنّا لم نردّه عليك إلاّ أنّا حُرُم)(4).

و من طريق الخاصّة: قول علي عليه السلام: «إذا ذبح المحرم الصيد لم يأكله الحلال و الحرام، و هو كالميتة، و إذا ذبح الصيد في الحرم فهو ميتة حلال ذبحه أو حرام»(5).

و سأل يوسف [1] الطاطري الصادق عليه السلام عن صيد أكله قوم محرمون، قال: «عليهم شاة شاة، و ليس على الذي ذبحه إلاّ شاة» [2].

و سأل علي بن جعفر أخاه موسى الكاظم عليه السلام عن قوم اشتروا ظبيا فأكلوا منه جميعا و هم حرم ما عليهم ؟ فقال: «على كلّ من أكل منه فداء صيد، على كلّ إنسان منهم على حدته فداء صيد كاملا»(6).1.

ص: 270


1- المغني 292:3، الشرح الكبير 300:3.
2- المغني 292:3، الشرح الكبير 300:3.
3- المائدة 96.
4- صحيح البخاري 16:3، صحيح مسلم 850:2-1193، سنن النسائي 184:5، سنن الترمذي 206:3-849، الموطأ 353:1-83، و أورده ابنا قدامة في المغني 3: 292، و الشرح الكبير 300:3.
5- التهذيب 377:5-1315، الاستبصار 214:2-733.
6- التهذيب 351:5-1221.

و قال الشافعي: إذا ذبح المحرم صيدا، لم يحلّ له الأكل منه، و هل يحلّ الأكل منه لغيره أو يكون ميتة ؟ قولان:

الجديد: أنّه يكون ميتة - و به قال أبو حنيفة و مالك و أحمد - لأنّه ممنوع من الذبح لمعنى فيه، فصار كذبيحة المجوسي، فعلى هذا لو كان مملوكا وجب مع الجزاء القيمة للمالك و القديم: أنّه لا يكون ميتة، و يحلّ لغيره الأكل منه، لأنّ من حلّ بذبحه الحيوان الإنسي يحلّ بذبحه الصيد، كالحلال، فعلى هذا لو كان الصيد مملوكا فعليه مع الجزاء أرش ما بين قيمته حيّا و مذبوحا للمالك(1).

و هل يحلّ له بعد زوال الإحرام ؟ فيه للشافعية وجهان: أظهرهما: لا.

و في صيد الحرم إذا ذبح طريقان:

أحدهما: طرد القولين.

و الآخر: القطع بالمنع.

و الفرق: أنّ صيد الحرم منع منه جميع الناس و في جميع الأحوال، فكان آكد تحريما(2).

إذا عرفت هذا، فالاصطياد عند الشافعي يحرم على المحرم، و كذا يحرم عليه الأكل من صيد ذبحه، و يحرم عليه الأكل أيضا ممّا اصطاد له حلال أو بإعانته أو بدلالته، فأمّا ما ذبحه حلال من غير إعانته و لا دلالته فلا يحرم الأكل منه(3).4.

ص: 271


1- الوجيز 128:1، فتح العزيز 494:7، المهذب للشيرازي 218:1، المجموع 7: 304، المغني 295:3، الشرح الكبير 303:3، و انظر أيضا: بدائع الصنائع 2 204، المبسوط - للسرخسي - 85:4، الهداية - للمرغيناني - 173:1، المدونة الكبرى 436:1.
2- فتح العزيز 494:7، المجموع 304:7.
3- فتح العزيز 508:7، المجموع 296:7 و 303 و 324.

و قال أبو حنيفة: إذا لم يعن و لم يأمر به، لم يحرم عليه (و لا عبرة) [1] بالاصطياد له من غير أمره(1).

مسألة 205: لو ذبح المحرم الصيد، كان حراما لا يحلّ أكله للمحلّ و لا للمحرم،

و يصير ميتة يحرم أكله على جميع الناس، ذهب إليه علماؤنا أجمع - و به قال الحسن البصري و سالم و مالك و الأوزاعي و الشافعي و أحمد و إسحاق و أصحاب الرأي(2) - لأنّه حيوان حرم عليه ذبحه لحرمة الإحرام و حقّ اللّه تعالى، فلا يحلّ بذبحه، كالمجوسي.

و لقول علي عليه السلام: «إذا ذبح المحرم الصيد في غير الحرم فهو ميتة لا يأكله محلّ و لا محرم، و إذا ذبح المحلّ الصيد في جوف الحرم فهو ميتة لا يأكله محلّ و لا محرم»(3).

فعلى هذا لو كان مملوكا، وجب عليه مع الجزاء القيمة للمالك.

و قال الحكم و الثوري و أبو ثور: لا بأس بأكله. و به قال ابن المنذر(4).

و قال عمرو بن دينار و أيّوب السختياني: يأكله الحلال(5).

و للشافعي قول قديم: إنّه يحلّ لغيره الأكل منه(6).

قال ابن المنذر: الذبح حرام، أمّا الأكل فلا، لأنّه بمنزلة السارق إذا

ص: 272


1- الهداية - للمرغيناني - 174:1، فتح العزيز 508:7، المجموع 324:7.
2- المغني 295:3، الشرح الكبير 303:3، المحرّر في الفقه 240:1، المدوّنة الكبرى 436:1، المنتقى - للباجي - 248:2 و 250، الوجيز 128:1، فتح العزيز 494:7، المهذب - للشيرازي - 218:1، المجموع 330:7، المبسوط - للسرخسي - 85:4، الهداية - للمرغيناني - 173:1، بدائع الصنائع 204:2.
3- التهذيب 377:5-1316، الإستبصار 214:2-734.
4- المغني 295:3، الشرح الكبير 303:3، المجموع 330:7.
5- المغني 295:3، الشرح الكبير 303:3، المجموع 330:7.
6- المهذّب - للشيرازي - 218:1، المجموع 330:7، فتح العزيز 494:7، المغني 295:3، الشرح الكبير 303:3.

ذبح(1).

و ليس بجيّد، لأنّ التحريم هنا لحقّ اللّه تعالى، فكان كالميتة، بخلاف السارق.

فعلى هذا لو كان مملوكا فعليه مع الجزاء ما بين قيمته حيّا و مذبوحا للمالك.

و هل يحلّ له بعد زوال الإحرام ؟ فيه للشافعية وجهان، أظهرهما: لا(2).

فروع:

أ - لو ذبحه المحلّ في الحرم، كان حكمه حكم المحرم إذا ذبحه يكون حراما،

لما تقدّم(3) في حديث علي عليه السلام.

و لقول الصادق عليه السلام في حمام ذبح في الحلّ، قال: «لا يأكله محرم، و إذا أدخل مكة أكله المحلّ بمكة، و إن ادخل الحرم حيّا ثم ذبح في الحرم فلا يأكله لأنّه ذبح بعد ما بلغ مأمنه»(4).

ب - لو صاده محلّ و ذبحه في الحلّ، كان حلالا على المحلّ في الحلّ و الحرم،

سواء كان للمحرم فيه إعانة بإشارة أو دلالة أو إعارة سلاح أو لا، لا بمشاركة في الذبح.

ج - لو صاده المحرم من أجل المحلّ، لم يبح أكله، و ليس بحرام.

و لو صاده المحلّ من أجل المحرم، كان حراما على المحرم و به قال علي عليه السلام، و ابن عباس و ابن عمر و عائشة و عثمان و مالك و الشافعي(5).1.

ص: 273


1- انظر: المغني 295:3، و الشرح الكبير 303:3، و المجموع 330:7.
2- فتح العزيز 494:7، المجموع 304:7.
3- تقدّم في صفحة 272.
4- التهذيب 376:5-1310، الإستبصار 213:2-728.
5- المغني 292:3، الشرح الكبير 300:3، المجموع 324:7، المبسوط - للسرخسي - 87:4، بدائع الصنائع 205:2، الهداية - للمرغيناني - 174:1، تفسير القرطبي 6: 322، المنتقى - للباجي - 248:2، المدوّنة الكبرى 436:1.

و قال أبو حنيفة: ليس بحرام(1).

د - لو صاده المحلّ في الحلّ و ذبحه في الحلّ لأجل المحرم،

لم يحلّ على المحرم، و يحلّ على المحلّ في الحلّ و الحرم، لأنّ الحكم بن عتيبة سأل الباقر عليه السلام: ما تقول في حمام أهلي ذبح في الحلّ و ادخل الحرم ؟ فقال: «لا بأس بأكله إن كان محلا، و إن كان محرما فلا»(2).

ه - لو صاد المحرم صيدا في الحلّ

و ذبحه المحلّ، حلّ للمحلّ لا للمحرم.

مسألة 206: لو قتل المحرم صيدا ثم أكله، وجب عليه فداءان،

أحدهما للقتل، و الآخر للأكل، قاله بعض علمائنا(3) - و به قال عطاء و أبو حنيفة(4) - لأنّه محرم أكل صيدا محرّما عليه، فضمنه، كما لو أكل صيدا ذبحه غيره.

و لقول الصادق عليه السلام: «و أيّ قوم اجتمعوا على صيد فأكلوا منه فإنّ على كلّ إنسان منهم قيمة، و إن اجتمعوا عليه في صيد فعليهم مثل ذلك»(5).

و لأنّ الفعلين لو صدرا عن اثنين كان على كلّ منهما فداء كامل، فكذا لو اجتمعا لواحد.

ص: 274


1- الهداية - للمرغيناني - 174:1، المغني 292:3، الشرح الكبير 300:3، تفسير القرطبي 322:6.
2- الاستبصار 213:2-727، و التهذيب 375:5-376-1309
3- النهاية - للطوسي -: 227.
4- المبسوط - للسرخسي - 86:4، بدائع الصنائع 203:2 و 204، الهداية - للمرغيناني - 173:1، المغني 294:3، الشرح الكبير 302:3، المجموع 330:7، بداية المجتهد 359:1، المنتقى - للباجي - 250:2، حلية العلماء 298:3.
5- التهذيب 370:5-1288.

و الوجه: وجوب الجزاء بالقتل، و قيمة المأكول بالأكل.

و قال الشافعي: يضمن القتل دون الأكل - و به قال مالك و أحمد(1) - لأنّه صيد مضمون بالجزاء، فلا يضمن ثانيا، كما لو أتلفه بغير الأكل. و لأنّ تحريمه لكونه ميتة، و الميتة لا تضمن بالجزاء(2).

و الفرق ثابت بين الأكل و الإتلاف بغيره، و نمنع تعليل التحريم بذلك، و يعارض بما لو صيد لأجله فأكله، فإنّه يضمنه عند أحمد و الشافعي في القديم(3).

مسألة 207: لو رمى اثنان صيدا فأصابه أحدهما و أخطأ الآخر،

فعلى كلّ واحد منهما فداء كامل، أمّا المصيب: فلإصابته، و أمّا المخطئ:

فلإعانته.

و ما رواه إدريس بن عبد اللّه، قال: سألت أبا عبد اللّه الصادق عليه السلام: عن محرمين يرميان صيدا فأصابه أحدهما، الجزاء بينهما أو على كلّ واحد منهما؟ قال: «عليهما جميعا يفدي كلّ واحد منهما على حدته»(4).

و سأل ضريس بن أعين الباقر عليه السلام: عن رجلين محرمين رميا صيدا فأصابه أحدهما، قال: «على كلّ واحد منهما الفداء»(5).

مسألة 208: لو أوقد جماعة محرمون نارا فاحترق فيها طائر،

فإن كان قصدهم ذلك، كان على كلّ واحد منهم فداء كامل، و إن لم يكن قصدهم ذلك، كان عليهم بأسرهم فداء واحد، لما رواه أبو ولاّد الحنّاط، قال:

خرجنا ستة نفر من أصحابنا إلى مكة، فأوقدنا نارا عظيمة في بعض المنازل أردنا أن نطرح عليها لحما نكبّبه و كنّا محرمين، فمرّ بها طير صافّ مثل حمامة

ص: 275


1- المغني 294:3، الشرح الكبير 302:3، المجموع 305:7 و 330، حلية العلماء 298:3، المنتقى - للباجي - 250:2، الموطأ 354:1.
2- المغني 294:3، الشرح الكبير 302:3، المجموع 305:7 و 330، حلية العلماء 298:3، المنتقى - للباجي - 250:2، الموطأ 354:1.
3- المغني 295:3، الشرح الكبير 302:3، المجموع 303:7.
4- التهذيب 351:5-352-1222.
5- التهذيب 352:5-1223.

أو شبهها، فاحترقت جناحاه فسقطت في النار فماتت، فاغتممنا لذلك، فدخلت على أبي عبد اللّه عليه السلام بمكة، و أخبرته و سألته، فقال:

«عليكم فداء واحد دم شاة، و تشتركون فيه جميعا، لأنّ ذلك كان منكم على غير تعمّد، و لو كان ذلك منكم تعمّدا ليقع فيها الصيد فوقع، ألزمت كلّ واحد منكم دم شاة» قال أبو ولاّد: كان ذلك منّا قبل أن ندخل الحرم(1).

مسألة 209: المحرم يضمن الصيد، في الحلّ كان أو في الحرم،

و أمّا المحلّ فإن كان في الحرم، ضمنه فيه، و إلاّ فلا، عند علمائنا، و به قال أكثر العامة(2) ، خلافا لداود، فإنّه حكي عنه أنّه قال: لا ضمان على المحلّ إذا قتل الصيد في الحرم(3).

و هو غلط، لما رواه العامّة عن علي عليه السلام، و ابن عباس و عمر و عثمان و ابن عمر أنّهم قضوا في حمام الحرم بشاة شاة [1]، و لم ينقل خلاف لغيرهم.

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السلام: «و إن أصبته و أنت حرام في الحلّ فعليك القيمة»(4).

إذا عرفت هذا، فكلّ صيد يحرم و يضمن في الإحرام يحرم و يضمن في حرم مكة للمحلّ، إلاّ القمل و البراغيث، فإنّه لا يجوز قتلها حالة الإحرام، و يجوز للمحلّ في الحرم، لقول الصادق عليه السلام: «لا بأس بقتل القمل

ص: 276


1- التهذيب 352:5-353-1226.
2- المغني 291:3 و 350، الشرح الكبير 299:3 و 371، المجموع 490:7، بداية المجتهد 359:1.
3- المغني 350:3، الشرح الكبير 371:3، المجموع 490:7، بداية المجتهد 1 359.
4- التهذيب 370:5-1288.

و البق في الحرم، و لا بأس بقتل النملة في الحرم»(1) و به قال الشافعي(2) و قال مالك: يحرم قتل الديدان، و إن قتلها فداها(3).

مسألة 210: لا يؤثّر الإحرام و لا الحرم تحريم شيء من الحيوان الأهلي

و إن توحّش كالإبل و البقر و الغنم، بإجماع العلماء.

و ما رواه العامة عن النبي صلّى اللّه عليه و آله أنّه قال: (أفضل الحجّ العجّ و الثجّ)(4) يعني إسالة الدماء بالذبح و النحر.

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السلام: «يذبح في الحرم الإبل و البقر و الغنم و الدجاج»(5) إذا عرفت هذا، فالدجاج الأهلي يجوز ذبحه للمحلّ و المحرم، و أكله لهما في الحلّ و الحرم إجماعا.

و أمّا الدجاج الحبشي: فعندنا أنّه كالأهلي يجوز للمحرم ذبحه و أكله في الحلّ و الحرم، و لا جزاء فيه، لقول الصادق عليه السلام و قد سأله معاوية بن عمّار عن دجاج الحبش، فقال: «ليس من الصيد، إنّما الصيد ما كان بين السماء و الأرض»(6).

و قال الشافعي: فيه الجزاء(7).

و ليس بشيء، لأصالة البراءة.

ص: 277


1- الفقيه 172:2-761، التهذيب 366:5-1277 بتفاوت يسير.
2- الام 201:2، فتح العزيز 488:7-489، المجموع 334:7.
3- المغني 346:3، الشرح الكبير 311:3.
4- سنن الترمذي 189:3-827، سنن ابن ماجة 975:2-924، سنن الدارمي 31:2 بتفاوت.
5- التهذيب 367:5-1279.
6- التهذيب 367:5-1280، و في الكافي 232:4 (باب ما يذبح في الحرم..) الحديث 2، و الفقيه 172:2-756 بتفاوت يسير.
7- الحاوي الكبير 331:4، المجموع 296:7.
مسألة 211: لا كفّارة في قتل السباع، سواء كانت طائرة أو ماشية،

كالبازي و الصقر و الشاهين و العقاب و نحوها، و النمر و الفهد و غيرهما، ذهب إليه علماؤنا - و به قال أحمد و مالك و الشافعي(1) - لما رواه العامة عن عائشة قالت:

أمر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بقتل خمس فواسق في الحرم: الحدأة و الغراب و الفأرة و العقرب و الكلب العقور(2) ، نصّ من كلّ جنس على صنف من أدناه تنبيها على الأعلى، فنبّه بالحدأة و الغراب على البازي و العقاب و شبههما، و بالفأرة على الحشرات، و بالعقرب على الحيّة، و بالكلب العقور على السباع.

قال مالك: الكلب العقور ما عقر الناس و عدا عليهم كالأسد و النمر و الفهد و الذئب(3).

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السلام: «كلّ ما يخاف المحرم على نفسه من السباع و الحيّات و غيرها فليقتله و إن لم يردّك فلا تردّه»(4).

و قال أبو حنيفة: تقتل الحيّة و الغراب الأبقع و الفأرة و الكلب العقور و الذئب و الحدأة لا غير، لأنّ الحديث خصّص الفواسق الخمس(5).

ص: 278


1- المغني 344:3-345، الشرح الكبير 310:3، المدوّنة الكبرى 442:1، المنتقى - للباجي - 260:2 و 263، الحاوي الكبير 341:4، المجموع 316:7، المبسوط - للسرخسي - 90:4.
2- سنن الدارمي 36:2-37، و أورده ابنا قدامة في المغني 343:3، و الشرح الكبير 3: 310.
3- المنتقى - للباجي - 262:2، المغني 344:3، الشرح الكبير 310:3، المجموع 7: 333.
4- الكافي 363:4-1، التهذيب 365:5-1272، الاستبصار 208:2-711.
5- المبسوط - للسرخسي - 90:4، الهداية - للمرغيناني - 172:1، فتح العزيز 488:7، المغني 345:3، الشرح الكبير 310:3.

و التخصيص بالذكر لا يدلّ على نفي الحكم عمّا عداه.

إذا عرفت هذا، فقد روى أصحابنا أنّ من قتل أسدا لم يردّه، كان عليه كبش:

روى أبو سعيد المكاري عن الصادق عليه السلام رجل قتل أسدا في الحرم، فقال: «عليه كبش يذبحه»(1).

و أمّا الغراب و الحدأة: فقد روى معاوية بن عمّار عن الصادق عليه السلام، قال: «و ارم الغراب و الحدأة عن ظهر بعيرك»(2).

و أمّا الذئب و غيره من أنواع السباع: فلا جزاء عليه، سواء صال أو لم يصل - و به قال الشافعي(3) - لأنّ حفظ النفس واجب، و لا يتمّ إلاّ بقتلها.

و قال أبو حنيفة: إن صال، لم يكن عليه شيء، و إن لم يصل، وجب عليه الجزاء(4).

و أمّا الضبع: فقال الشيخ رحمه اللّه: لا كفّارة فيه و كذا السّمع المتولّد بين الذئب و الضبع(5).

و قال الشافعي: فيهما الجزاء(6).

و الأصل براءة الذمّة.

قال الشيخ رحمه اللّه: الحيوان إمّا مأكول إنسي، كبهيمة الأنعام، و لا7.

ص: 279


1- الكافي 237:4-238-26، التهذيب 366:5-1275، الإستبصار 208:2 - 712
2- الكافي 363:4-2، التهذيب 365:5-366-1273.
3- فتح العزيز 487:7-488، المجموع 316:7، المبسوط - للسرخسي - 90:4.
4- المبسوط - للسرخسي - 90:4، الهداية - للمرغيناني - 172:1-173، أحكام القرآن - للجصّاص - 468:2.
5- الخلاف 417:2، المسألة 300.
6- الام 192:2، الحاوي الكبير 341:4، الوجيز 128:1، فتح العزيز 489:7، المهذّب - للشيرازي - 219:1، المجموع 317:7.

يجب بقتلها فدية، أو وحشي، كالغزلان و حمر الوحش و بقرة، و يجب الجزاء بقتله إجماعا.

و ما ليس بمأكول أقسامه ثلاثة:

ما لا جزاء فيه إجماعا، كالحيّة و العقرب و شبههما.

و ما يجب فيه الجزاء عند العامّة و لا نصّ لأصحابنا فيه.

و الأولى فيه عدم الجزاء، لأصالة البراءة، كالمتولّد بين ما يجب فيه الجزاء و ما لا يجب كالسّمع المتولّد بين الضبع و الذئب، و المتولّد بين الحمار الوحشي و الأهلي.

و مختلف فيه، كجوارح الطير و سباع البهائم، و لا يجب فيه الجزاء عندنا.

و يجوز قتل صغار السباع و إن لم تكن محذورة، و قتل الزنابير و البراغيث و القمل، إلاّ أنّه إذا قتل القمل على بدنه، لا شيء عليه، و إن أزاله عن جسمه، فعليه الفداء(1). هذا آخر كلامه.

لكن روى أصحابنا أنّ الزنبور إن قتله خطأ، لا شيء عليه، و إن قتله عمدا، كان عليه أن يتصدّق بشيء من الطعام، لأنّ معاوية بن عمار روى - في الصحيح - عن الصادق عليه السلام و سأله عن محرم قتل زنبورا، فقال: «إن كان خطأ فلا شيء» قلت: بل عمدا، قال: «يطعم شيئا من الطعام»(2).

إذا ثبت هذا فكلّ ما أدخله الإنسان إلى الحرم من السباع أسيرا فإنّه يجوز له إخراجه منه، لأنّ قتله مباح، فإخراجه أولى.

و سئل الصادق عليه السلام عن رجل أدخل فهذا الى الحرم أ له أن يخرجه ؟ فقال: «هو سبع، و كلّ ما أدخلت من السبع الحرم أسيرا فلك أن1.

ص: 280


1- المبسوط - للطوسي - 338:1-339.
2- الكافي 364:4-5، التهذيب 365:5-1271.

تخرجه»(1).

مسألة 212: الجراد عندنا من صيد البرّ يحرم قتله،

و يضمنه المحرم في الحلّ، و المحلّ في الحرم، عند علمائنا - و به قال علي عليه السلام و ابن عباس و عمر، و أكثر أهل العلم(2) - لما رواه العامّة عن ابن عمر أنّه قال لكعب في جرادتين: ما فعلت في تينك [1]؟ قال: بخ درهمان خير من مائة جرادة(3).

و من طريق الخاصّة: قول الباقر عليه السلام: «المحرم لا يأكل الجراد»(4).

و قال أبو سعيد الخدري: هو من صيد البحر(5). و للشافعي قول غريب إنّه من صيد البحر، لأنّه يتولّد من روث السمك(6) - و عن أحمد روايتان(7) - لما روي عن النبي صلّى اللّه عليه و آله: أنّه من صيد البحر(8).

قال أبو داود: الظاهر أنّه عليه السلام قال: (إنّه من صيد البرّ) فوهم الراوي(9).

ص: 281


1- الفقيه 172:2-760، التهذيب 367:5-1281.
2- المغني 545:3، الشرح الكبير 316:3، بداية المجتهد 363:1، المجموع 296:7 و 331، فتح العزيز 490:7.
3- الام 196:2، مختصر المزني: 72، المغني 545:3، الشرح الكبير 316:3، المجموع 332:7.
4- التهذيب 363:5-1262.
5- الحاوي الكبير 332:4، المغني 544:3، الشرح الكبير 316:3.
6- فتح العزيز 490:7.
7- المغني 544:3 و 545، الشرح الكبير 316:3.
8- سنن أبي داود 171:2-1853 و 1854، سنن البيهقي 207:5.
9- راجع سنن أبي داود 171:2 ذيل الحديث 1854، و المغني 545:3، و الشرح الكبير 316:3.
مسألة 213: المحرّم على المحرم مطلقا و على المحلّ في الحرم إنّما هو صيد البرّ،

أمّا صيد البحر فإنّه سائغ لكلّ أحد، و لا فدية فيه، بالنصّ و الإجماع:

قال اللّه تعالى أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَ طَعامُهُ مَتاعاً لَكُمْ وَ لِلسَّيّارَةِ (1).

و قال الصادق عليه السلام: «لا بأس أن يصيد المحرم السمك و يأكله طريّه و مالحه و يتزوّد»(2).

و أجمع أهل العلم كافّة على أنّ صيد البحر مباح للمحرم اصطياده و أكله و بيعه و شراؤه.

إذا ثبت هذا، فإنّ صيد البحر هو ما يعيش في الماء و يبيض و يفرخ فيه، كالسمك و أشباهه ممّا يحل، و كالسلحفاة و السرطان و نحوهما.

فإن كان ممّا يعيش في البرّ و البحر معا، اعتبر بالبيض و الفرخ، فإن كان ممّا يبيض و يفرخ في البحر، فهو صيد البحر، و إن كان يبيض و يفرخ في البرّ، فهو صيد البرّ، لا نعلم فيه خلافا، إلاّ من عطاء، فإنّه حكي عنه أنّ ما يعيش في البرّ - كالسلحفاة و السرطان - فيه الجزاء، لأنّه يعيش في البرّ، فأشبه طير الماء(3).

و هو ممنوع، لأنّه يبيض و يفرخ في الماء، فأشبه السمك.

و أمّا طير الماء كالبطّ و نحوه، فإنّه صيد البرّ في قول عامّة أهل العلم(4) ، و فيه الجزاء، لأنّه يبيض و يفرخ في البرّ، فكان من صيده، كسائر طيوره.

ص: 282


1- المائدة: 96.
2- التهذيب 365:5-1270.
3- المغني 544:3، الشرح الكبير 315:3.
4- المغني 544:3، الشرح الكبير 315:3.

و [عن] [1] عطاء: أنّه قال: حيث يكون أكثر فهو صيده(1).

و ليس بجيّد، لما تقدّم، و إقامته في البحر، لطلب الرزق و المعيشة منه، كالصيّاد.

و لو كان لجنس من الحيوان نوعان: بحري و برّي، كالسلحفاة، فلكلّ نوع حكم نفسه، كالبقر منه الوحشي محرّم و منه الإنسي محلّل.

مسألة 213: لو صاد المحرم صيدا، لم يملكه، سواء كان في الحلّ أو في الحرم إجماعا،

لعموم وَ حُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ ما دُمْتُمْ حُرُماً (2).

و سأل محمد بن مسلم الصادق عليه السلام عن ظبي دخل الحرم، قال: «لا يؤخذ و لا يمسّ، إنّ اللّه تعالى يقول وَ مَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً (3)»(4).

إذا ثبت هذا، فلو تلف في يده، كان ضمانه عليه، لأنّه سبب في الإتلاف.

و قال الصادق عليه السلام: «لا يحرم أحد و معه شيء من الصيد حتى يخرجه من ملكه، فإن أدخله الحرم وجب عليه أن يخلّيه، فإن لم يفعل حتى يدخل الحرم و مات لزمه الفداء»(5).

و سأل بكير بن أعين الباقر عليه السلام: عن رجل أصاب ظبيا فأدخله الحرم فمات الظبي في الحرم، فقال: «إن كان حين أدخله خلّى سبيله فلا

ص: 283


1- المغني 544:3، الشرح الكبير 315:3.
2- المائدة: 96.
3- آل عمران: 97.
4- التهذيب 362:5-1258.
5- التهذيب 362:5-1257.

شيء عليه، و إن كان أمسكه حتى مات فعليه الفداء»(1).

أمّا لو كان الصيد في منزله، لم يجب عليه إرساله، و لا يزول ملكه عنه، لأصالة بقاء الملك على مالكه.

و روى صفوان - في الصحيح - عن الصادق عليه السلام، قال: قلت له: الصيد يكون عند الرجل من الوحش في أهله أو من الطير يحرم و هو في منزله، قال: «لا بأس لا يضرّه» [1].

مسألة 214: إذا اضطرّ المحرم إلى أكل الصيد، أكل منه - كما يأكل من الميتة

- قدر ما يمسك به الرمق، و لا يجوز له الشبع و لا التجاوز عن ذلك إجماعا.

و لو وجد المضطرّ إلى أكله ميتة، فلعلمائنا قولان:

قال بعضهم: يأكل الميتة(2) - و به قال الحسن البصري و الثوري و أبو حنيفة و محمد بن الحسن(3) - لأنّ الصيد إذا ذبح صار ميتة فساواها في التحريم، و امتاز بإيجاب الجزاء و ما يتعلّق به من هتك حرمة الإحرام، فكان أكل الميتة أولى.

و لقول علي عليه السلام: «إذا اضطرّ المحرم إلى الصيد و إلى الميتة فليأكل الميتة التي أحلّ اللّه له»(4).

و قال بعضهم: يأكل الصيد و يفديه [2] - و به قال الشافعي و إسحاق و ابن

ص: 284


1- التهذيب 362:5-1259.
2- كما في السرائر: 133، و قوّاه ابن إدريس.
3- المغني 296:3 و 79:11، الشرح الكبير 103:11.
4- التهذيب 368:5-1284، الاستبصار 209:2-715.

المنذر و أبو يوسف(1) - لأنّه مع الضرورة و الفدية يخرج من الإثم، فيكون واجدا للمذبوح حلالا، فلا تحلّ له الميتة.

و لأنّ تحريم الصيد عارض و تحريم الميتة ذاتي، فيكون الأول أولى بالتناول.

و لقول الصادق عليه السلام و قد سأله عن المحرم يضطرّ فيجد الميتة و الصيد أيّهما يأكل ؟ قال: «يأكل من الصيد، أما يحبّ أن يأكل من ماله ؟» قلت: بلى، قال: «إنما عليه الفداء فليأكل و ليفده»(2).

و قال بعض علمائنا: إن كان الصيد حيّا، لم يجز له ذبحه، لأنّه يصير ميتة إجماعا، فليأكل الميتة، و إن كان مذبوحا فإن كان الذابح محرما فهو كالميتة، لأنّه لا فرق بينهما، و إن كان محلا فإن كان في الحرم، فهو ميتة أيضا، و إن كان في الحلّ فإن كان المحرم المضطر قادرا على الفداء، أكل الصيد و لم يأكل الميتة، و إن لم يكن قادرا، أكل الميتة(3).

مسألة 215: قد بيّنّا تحريم إمساك الصيد على المحرم،

فيضمنه لو فعل، فلو أمسكه حتى حلّ، لزمه إرساله، و ليس له ذبحه، فإن ذبحه، ضمن و حرم أكله، لأنّه صيد ضمنه بحرمة الإحرام، فلم يبح أكله، كما لو ذبحه حال إحرامه.

هذا إذا كان في الحرم، أمّا لو كان الصيد في الحلّ فأمسكه و هو محرم، ضمنه، لأنّ الصيد حرام على المحرم و إن كان في الحلّ، فإن أمسكه حتى حلّ، جاز له ذبحه، و في الضمان إشكال من حيث تعلّقه به بسبب الإمساك.

مسألة 216: من ملك صيدا في الحلّ و أدخله الحرم،

وجب عليه

ص: 285


1- المهذب - للشيرازي - 257:1-258، المجموع 49:9، المغني 296:3 و 11: 79، الشرح الكبير 103:11، و انظر: حلية العلماء 320:3.
2- التهذيب 368:5-1283.
3- كما في السرائر: 133.

إرساله، و زال ملكه عنه، و لو تلف في يده أو أتلفه، كان عليه ضمانه - و به قال ابن عباس و عائشة و ابن عمر و عطاء و طاوس و إسحاق و أحمد و أصحاب الرأي(1) - لأنّ الحرم سبب محرّم للصيد، و يوجب ضمانه، فيحرم استدامة إمساكه، كالإحرام.

و لأنّ محمد بن مسلم روى - في الصحيح - عن الصادق عليه السلام، قال: سألته عن ظبي دخل الحرم، قال: «لا يؤخذ و لا يمسّ، إنّ اللّه تعالى يقول وَ مَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً »(2).

و سأل بكير بن أعين الباقر عليه السلام عن رجل أصاب ظبيا فأدخله الحرم فمات الظبي في الحرم، فقال: «إن كان حين أدخله خلّى سبيله فلا شيء عليه، و إن كان أمسكه حتى مات فعليه الفداء»(3).

و قال الشافعي: لو أدخل الحرم صيدا مملوكا له، كان له أن يمسكه، و يذبحه كيف شاء، كالنعم، لأنّه صيد الحلّ دون الحرم(4).

و ليس بجيّد.

و لو كان مقصوص الجناح، أمسكه حتى ينبت ريشه و يخلّي سبيله، أو يودعه من ثقة حتى ينبت ريشه، لأنّ حفظه واجب و إنّما يتمّ بذلك.

و لما رواه الحكم بن عتيبة [1]، قال: سألت الباقر عليه السلام: ما تقول في رجل اهدي له حمام أهلي - و هو في الحرم - [من غير الحرم] [2]؟ فقال:7.

ص: 286


1- المغني 352:3، الشرح الكبير 307:3، فتح العزيز 509:7، بدائع الصنائع 2: 208.
2- التهذيب 362:5-1258، و الآية 97 من سورة آل عمران.
3- التهذيب 362:5-1259.
4- فتح العزيز 509:7، المجموع 442:7 و 491، المغني 353:3، الشرح الكبير 3: 307.

«أمّا إن كان مستويا خلّيت سبيله، و إن كان غير ذلك أحسنت إليه حتى إذا استوى ريشه خلّيت سبيله»(1).

و لأنّ تخليته تتضمّن إتلافه، لأنّه لا يتمكّن من الامتناع عن صغار الحيوان.

مسألة 217: حمام الحرم لا يحلّ صيده و إن كان في الحلّ،

لأنّه يصدق عليه أنّه صيد الحرم، فيدخل تحت قوله عليه السلام: (لا ينفّر صيدها)(2).

و ما رواه علي بن جعفر - في الصحيح - قال: سألت الكاظم عليه السلام عن حمام الحرم يصاد في الحلّ، فقال: «لا يصاد حمام الحرم حيث كان إذا علم أنّه من حمام الحرم»(3).

إذا عرفت هذا، فإنّ صيد الحرم يضمنه المسلم و الكافر و الحرّ و العبد و الكبير و الصغير و الرجل و المرأة إجماعا، لأنّ الحرمة تعلّقت بمحلّه بالنسبة إلى الجميع، فوجب على الجميع ضمانه كالآدمي، و للعمومات الدالّة عليه.

مسألة 218: لو رمى المحلّ من الحلّ صيدا في الحرم فقتله،

أو أرسل كلبه عليه فقتله، أو قتل صيدا على فرع شجرة في الحرم أصلها في الحلّ، ضمنه في جميع هذه الصور عند علمائنا أجمع - و به قال الثوري و الشافعي و أبو ثور و ابن المنذر و أصحاب الرأي و أحمد في إحدى الروايتين(4) -

ص: 287


1- التهذيب 348:5-1207.
2- صحيح البخاري 18:3، صحيح مسلم 988:2-1355، سنن أبي داود 212:2 - 2017، سنن ابن ماجة 1038:2-3109، سنن النسائي 211:5، سنن البيهقي 5: 195، مسند أحمد 119:1 و 253.
3- التهذيب 348:5-1209.
4- الحاوي الكبير 308:4-309 و 323 و 324، فتح العزيز 509:7، المجموع 444:7 و 497، حلية العلماء 321:3، المبسوط - للسرخسي - 85:4 و 103، بدائع الصنائع 211:2، المغني 354:3-355، الشرح الكبير 373:3.

لقوله عليه السلام: (لا ينفّر صيدها)(1)المغني 355:3، الشرح الكبير 373:3.(2) و لم يفرّق بين أن يكون المنفّر في الحلّ أو في الحرم.

و لأنّه أصاب الصيد في موضع أمنه.

و قال أحمد في الرواية الثانية: لا ضمان عليه في ذلك كلّه(2).

و لو رمى من الحرم صيدا في الحلّ، أو أرسل كلبه عليه، ضمنه - و به قال الشافعي و أحمد في إحدى الروايتين(3) - لأنّ الصيد محرّم على من في الحرم.

و لما رواه مسمع عن الصادق عليه السلام في رجل حلّ في الحرم رمى صيدا خارجا من الحرم فقتله، فقال: «عليه الجزاء لأنّ الآفة جاءت الصيد من ناحية الحرم»(4).

و لقول علي عليه السلام و قد سئل عن شجرة أصلها في الحرم و أغصانها في الحلّ على غصن منها طير رماه فصرعه، قال: «عليه جزاؤه إذا كان أصلها في الحرم»(5).

و قال أحمد في الرواية الأخرى: لا ضمان عليه(6).

فروع:

أ - لو رمى من الحلّ الى صيد في الحلّ،

أو أرسل كلبا في الحلّ الى صيد في الحلّ لكن قطع السهم في مروره بهذا الحرم، أو تخطّى الكلب طرف3.

ص: 288


1- تقدّمت الإشارة إلى مصادره في الهامش
2- من ص 287.
3- الحاوي الكبير 324:4، المجموع 497:7، فتح العزيز 509:7، المغني 356:3، الشرح الكبير 374:3.
4- التهذيب 362:5-1256.
5- الكافي 238:4-29، التهذيب 386:5-1347.
6- المغني 356:3، الشرح الكبير 374:3.

الحرم، قال الشيخ رحمه اللّه: لا يضمنه - و به قال أصحاب الرأي و أحمد و أبو ثور و ابن المنذر و الشافعية في أحد الوجهين(1) - لأصالة البراءة(2).

و في الوجه الثاني: عليه الضمان(3).

ب - لو رمى من الحلّ صيدا في الحلّ فقتل صيدا في الحرم، ضمنه،

و به قال الثوري و أحمد و إسحاق و أصحاب الرأي(4) ، خلافا لأبي ثور، فإنّه قال: لا جزاء فيه(5).

و هو خطأ، لأنّه قتل صيدا في الحرم.

ج - لو أرسل كلبه على صيد في الحلّ فدخل الكلب الحرم فقتل صيدا

آخر غيره فيه، فلا ضمان - و به قال الثوري و الشافعي و أبو ثور و أحمد و أصحاب الرأي(6) - لأنّ الكلب دخل باختيار نفسه لا بإرساله، فكان كما لو استرسل.

د - لو أرسل كلبه على صيد فدخل الصيد الحرم فتبعه الكلب فقتله في الحرم،

فالأقوى الضمان - و به قال عطاء و أبو حنيفة و أبو يوسف و محمد(7) - لأنّه قتل صيدا حرميا بإرسال كلبه عليه فضمنه، كما لو قتله بسهمه.

و قال الشافعي: لا ضمان. و به قال أبو ثور و ابن المنذر و أحمد في3.

ص: 289


1- المبسوط - للسرخسي - 99:4، المغني 357:3، الشرح الكبير 374:3، الحاوي الكبير 324:4، فتح العزيز 509:7-510، المهذّب - للشيرازي - 225:1، المجموع 443:7
2- الخلاف 412:2، المسألة 288.
3- الحاوي الكبير 324:4، فتح العزيز 509:7-510، المهذب - للشيرازي - 225:1، المجموع 443:7.
4- المغني 357:3، الشرح الكبير 375:3، بدائع الصنائع 209:2، فتح العزيز 7: 510.
5- المغني 357:3، الشرح الكبير 375:3.
6- الحاوي الكبير 324:4، فتح العزيز 510:7، المغني 358:3، الشرح الكبير 3: 375.
7- المغني 358:3، الشرح الكبير 375:3.

إحدى الروايتين(1).

و في الأخرى: إن كان الصيد قريبا من الحرم، ضمنه، و إن كان بعيدا، لم يضمنه. و به قال مالك(2).

ه - لا يجوز له أكل الصيد في هذه المواضع أجمع، سواء ضمنه أو لا،

لأنّه صيد حرمي قتل في الحرم، فكان ميتة.

و لو رمى المحلّ صيدا في الحلّ فجرحه فتحامل الصيد فدخل الحرم فمات فيه، قال بعض العامّة: يحلّ أكله و لا جزاء فيه، لأنّ الذكاة حصلت في الحلّ(3).

و - لو رمى الى صيد في الحلّ فمضى الصيد

و دخل في الحرم فأصابه السهم، وجب عليه الضمان.

ز - لو وقف صيد بعض قوائمه في الحلّ و بعضها في الحرم فقتله قاتل،

ضمنه، سواء أصاب ما هو في الحلّ أو الحرم، تغليبا للحرمة، و به قال أبو ثور و أصحاب الرأي و أحمد(4).

ح - لو نفّر صيدا من الحرم فأصابه شيء حال نفوره، ضمنه،

لأنّه تسبّب إلى إتلافه، فكان كما لو أتلفه بشركة [1].

و لو سكن من نفوره ثم أصابه شيء، فلا ضمان، و هو قول الثوري(5).

مسألة 219: لو رمى صيدا فجرحه و مضى لوجهه و لم يعلم حياته

و لا

ص: 290


1- الحاوي الكبير 324:4، المهذّب - للشيرازي - 225:1، المجموع 443:7، المغني 358:3، الشرح الكبير 375:3.
2- المغني 358:3، الشرح الكبير 375:3، المدوّنة الكبرى 435:1.
3- المغني 359:3، الشرح الكبير 376:3
4- المبسوط - للسرخسي - 99:4، بدائع الصنائع 211:2، المغني 360:3، الشرح الكبير 376:3.
5- المغني 360:3، الشرح الكبير 376:3.

موته، كان عليه الفداء عند علمائنا، تغليبا للإتلاف عملا بالسبب، و احتياطا للبراءة.

و لأنّ علي بن جعفر سأل أخاه الكاظم عليه السلام: عن رجل رمى صيدا و هو محرم، فكسر يده أو رجله، فمضى الصيد على وجهه فلم يدر الرجل ما صنع الصيد، قال: «عليه الفداء كاملا إذا لم يدر ما صنع الصيد»(1).

قال الشيخ رحمه اللّه: لو رآه بعد كسر يده أو رجله قد رعى و صلح، وجب عليه ربع الفداء(2) ، لأنّ علي بن جعفر سأل الكاظم عليه السلام عن رجل رمى صيدا و هو محرم فكسر يده أو رجله و تركه فرعى الصيد، قال: «عليه ربع الفداء»(3).

مسألة 220: لو كان الصيد يؤمّ الحرم و هو في الحلّ، لم يجز للمحلّ قتله،

قاله الشيخ(4) رحمه اللّه، لما رواه عقبة بن خالد عن الصادق عليه السلام، قال: سألته عن رجل قضى حجّه ثم أقبل حتى إذا خرج من الحرم فاستقبله صيد قريبا من الحرم و الصيد متوجّه نحو الحرم فرماه فقتله، ما عليه في ذلك شيء؟ قال: «يفديه على نحوه»(5).

و قال بعض علمائنا: إنّه مكروه لا محرّم(6) ، لما رواه عبد الرحمن بن الحجّاج عن الصادق عليه السلام، في الرجل يرمي الصيد و هو يؤمّ الحرم فتصيبه الرمية فيتحامل بها حتى يدخل الحرم فيموت فيه، قال: «ليس عليه شيء، إنّما هو بمنزلة رجل نصب شبكة في الحلّ فوقع فيها صيد فاضطرب حتى دخل

ص: 291


1- التهذيب 359:5-1246.
2- النهاية: 228، المبسوط - للطوسي - 343:1، التهذيب 359:5، ذيل الحديث 1246.
3- التهذيب 359:5-1247، الإستبصار 205:2-698.
4- النهاية: 228، المبسوط - للطوسي - 343:1.
5- الكافي 397:4-8، التهذيب 360:5-1251.
6- كما في شرائع الإسلام 291:1.

الحرم فمات فيه» قلت: هذا عندهم من القياس، قال: «لا، إنّما شبّهت لك شيئا بشيء»(1).

و أمّا الكراهة: فلما رواه ابن أبي عمير - في الصحيح - عن بعض أصحابنا عن الصادق عليه السلام، قال: [كان](2) يكره أن يرمي الصيد و هو يؤمّ الحرم(3).

مسألة 221: يكره الصيد فيما بين البريد و الحرم، و ليس محرّما،

للأصل.

و قال الشيخ رحمه اللّه: يحرم و يفديه(4) ، لما رواه الحلبي - في الصحيح - عن الصادق عليه السلام، قال: «إذا كنت محلا في الحلّ فقتلت صيدا فيما بينك و بين البريد الى الحرم، فإنّ عليك جزاءه، فإن فقأت عينه أو كسرت قرنه، تصدّقت بصدقة»(5).

و الوجه: حمل الرواية على الاستحباب.

مسألة 222: لو نزع عن جسده قملة فقتلها، أو رمى بها، فليطعم مكانها كفّا من طعام،

لأنّ حمّاد بن عيسى سأل الصادق عليه السلام عن المحرم يبين القملة عن جسده فيلقيها، قال: «يطعم مكانها طعاما»(6).

و روى حسين بن أبي العلاء عن الصادق عليه السلام، قال: «المحرم لا ينزع القملة من جسده و لا من ثوبه متعمّدا، و إن قتل شيئا من ذلك خطأ، فليطعم مكانها طعاما قبضة بيده»(7).

ص: 292


1- التهذيب 360:5-1252، الإستبصار 207:2-704.
2- أضفناها من المصدر.
3- التهذيب 359:5-1249، الإستبصار 206:2-701.
4- النهاية: 228، التهذيب 361:5 ذيل الحديث 1254.
5- التهذيب 361:5-1255، الاستبصار 207:2-705.
6- التهذيب 336:5-1158، الاستبصار 196:2-659.
7- التهذيب 336:5-1160، الاستبصار 196:1-197-661.

و يجوز أن يأخذ ما عدا القملة من جسده، و إن أراد أن يحوّل القملة من مكان الى مكان، فعل، و ليس عليه شيء، لقول الصادق عليه السلام:

«المحرم يلقي عنه الدواب كلّها إلاّ القملة فإنّها من جسده، و إن أراد أن يحوّل قملة من مكان الى مكان فلا يضرّه»(1).

و يجوز أن يرمي القراد [1] و الحلم [2] عن بدنه لأنّ عبد اللّه بن سنان سأل الصادق عليه السلام: إن وجدت عليّ قرادا أو حلمة أطرحهما؟ قال: «نعم و صغار لهما إنّهما رقيا في غير مرقاهما»(2).

و يجوز أن يرمي القراد عن بعيره دون الحلم، لأنّ معاوية بن عمّار قال:

«و إن ألقى المحرم - يعني القراد - عن بعيره فلا بأس، و لا يلقي الحلمة»(3).

مسألة 223: قد بيّنّا أنّه لا يجوز إخراج شيء من الصيد من الحرم.

و قال الشيخ رحمه اللّه: يكره شراء القماري و ما أشبهها و إخراجها من مكة(4).

و منعه ابن إدريس(5) ، و هو المعتمد، لأنّ عيص بن القاسم سأل الصادق عليه السلام: عن شراء القماري يخرج من مكة و المدينة، فقال: «ما أحبّ أن يخرج منها شيء» [3].

و اعلم أنّ الشيخ - رحمه اللّه - منع من صيد حمام الحرم حيث كان1.

ص: 293


1- التهذيب 336:5-337-1161.
2- الكافي 362:4-4، الفقيه 229:2-1085، التهذيب 337:5-1462.
3- التهذيب 338:5-1167.
4- المبسوط - للطوسي - 341:1.
5- السرائر: 131.

للمحلّ و المحرم(1) ، و جوّزه ابن إدريس(2).

و الحقّ ما قاله الشيخ، لأنّ علي بن جعفر سأل أخاه الكاظم عليه السلام عن حمام الحرم يصاد في الحلّ، فقال: «لا يصاد حمام الحرم حيث كان إذا علم أنّه من حمام الحرم»(3).

إذا ثبت هذا، فإنّ صيد الحرم يضمن بالدلالة و الإشارة كصيد الإحرام، و الواجب عليهما جزاء واحد، و به قال أحمد(4).

و لا فرق بين كون الدالّ في الحلّ أو الحرم.

و قال بعض العامّة: لا جزاء على الدالّ إذا كان في الحلّ، و الجزاء على المدلول وحده، كالحلال إذا دلّ محرما على صيد(5).

و الحقّ ما قلناه، لأنّ قتل الصيد الحرمي حرام على الدالّ، فيضمنه بالدلالة، كما لو كان في الحرم، لحقّية أنّ صيد الحرم محرّم على كل واحد، لقوله عليه السلام: (لا ينفّر صيدها)(6) و هو عامّ في حقّ كلّ واحد.

و لأنّ صيد الحرم معصوم بمحلّه، فحرم قتله عليهما، كالملتجئ الى الحرم، و إذا ثبت تحريمه عليهما، فيضمن بالدلالة ممّن يحرم عليه قتله، كما يضمن بدلالة المحرم عليه.

مسألة 224: لا فرق في تحريم الصيد بين الوحشي في أصله إذا استأنس أو بقي على توحّشه،

كما أنّه لا فرق في إباحة الأهلي بين أن يتوحّش أولا.

ص: 294


1- المبسوط - للطوسي - 341:1.
2- السرائر: 131.
3- التهذيب 348:5-1209.
4- المغني 353:3-354، الشرح الكبير 372:3.
5- المغني 354:3، الشرح الكبير 372:3.
6- تقدمت الإشارة إلى مصادره في المسألة 217.

و يجب الجزاء في الأول بقسميه عند علمائنا - و به قال الشافعي(1) - لأنّ الوحشي و إن استأنس لا يخرج عنه حكم توحّشه الأصلي، كما أنّه لو توحّش إنسي لا يحرم التعرّض له، إبقاء لحكمه الأصلي.

و قال مالك: لا جزاء في المستأنس(2). و ليس بجيّد.

و لا فرق في وجوب الجزاء بين أن يكون الصيد مملوكا لإنسان أو مباحا.

- إلاّ أنّه يجب في المملوك مع الجزاء ما بين قيمته حيّا و مذبوحا للمالك - لظاهر القرآن(3).

و قال المزني من الشافعية: لا جزاء في الصيد المملوك(4). و ليس بمعتمد.

إذا ثبت هذا، فكما يحرم التعرّض للصيد يحرم التعرّض لأجزائه بالجرح و القطع، لأنّ النبي عليه السلام قال في الحرم: (لا ينفّر صيدها)(5) و معلوم أنّ الجرح و القطع أعظم من التنفير.

و كذا يحرم بيض الصيد و فرخه و لبنه على ما سيأتي.

البحث الثاني: لبس الثياب المخيطة
مسألة 225: يحرم على المحرم الرجل لبس الثياب المخيطة

عند علماء الأمصار.

قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على أنّ المحرم ممنوع من لبس

ص: 295


1- فتح العزيز 485:7، المجموع 297:7.
2- فتح العزيز 486:7
3- المائدة: 95.
4- المهذّب - للشيرازي - 218:1، المجموع 297:7.
5- تقدّمت الإشارة إلى مصادره في المسألة 217.

القميص و العمامة و السراويل و الخفّ و البرنس [1](1).

لما روى العامّة: أنّ رجلا سأل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ما يلبس المحرم من الثياب ؟ فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: (لا يلبس القميص و لا العمائم و لا السراويلات و لا البرانس و لا الخفاف إلاّ أحدا لا يجد نعلين فليلبس الخفّين، و ليقطعهما أسفل من الكعبين، و لا يلبس من الثياب شيئا مسّه الزعفران و لا الورس»(2).

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السلام: «لا تلبس و أنت تريد الإحرام ثوبا تزرّه و لا تدرعه، و لا تلبس سراويل إلاّ أن لا يكون لك إزار، و لا الخفّين إلاّ أن لا يكون لك نعلان»(3).

و قد ألحق أهل العلم بما نصّ النبي عليه السلام عليه ما في معناه، فالجبّة و الدراعة و شبههما ملحق بالقميص، و التبّان [2] و الران [3] و شبههما ملحق بالسراويل، و القلنسوة و شبهها مساو للبرنس، و الساعدان و القفّازان [4] و شبههما مساوية للخفّين(4).3.

ص: 296


1- المغني 276:3، الشرح الكبير 280:3، المجموع 254:7.
2- المغني 276:3، الشرح الكبير 280:3، و في صحيح مسلم 834:2-1177، و سنن ابن ماجة 977:2-2929، و سنن النسائي 131:5-132، و الموطّأ 324:1 - 325-8 بتفاوت.
3- التهذيب 69:5-70-227.
4- المغني 276:3، الشرح الكبير 280:3.

إذا عرفت هذا، فيحرم لبس الثياب المخيطة و غيرها إذا شابهها، كالدرع المنسوج و المعقود، كجبة اللّبد و الملصق بعضه ببعض، حملا على المخيط، لمشابهته إيّاه في المعنى من الترفّه و التنعّم.

مسألة 226: لو لم يجد الإزار، لبس السراويل، و إذا لم يجد النعلين،

لبس الخفّين بإجماع العلماء، لما رواه العامّة عن ابن عباس، قال: سمعت النبي صلّى اللّه عليه و آله يخطب بعرفات، يقول: (من لم يجد نعلين فليلبس الخفّين، و من لم يجد إزارا فليلبس سراويل للمحرم)(1).

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السلام: «لا تلبس سراويل إلاّ أن لا يكون لك إزار»(2).

و عن الباقر عليه السلام في المحرم يلبس الخفّ إذا لم يكن له نعل، قال: «نعم، و لكن يشقّ ظهر القدم»(3).

إذا عرفت هذا، فإذا لبس السراويل أو الخفّ للضرورة، لم يكن عليه فدية عند علمائنا - و به قال عطاء و عكرمة و الثوري و الشافعي و إسحاق(4) - لأصالة البراءة، و لتسويغ النبي صلّى اللّه عليه و آله اللّبس لهما، لأنّه أمر بلبسه و لم يذكر فدية.

و قال أبو حنيفة و مالك: على من لبس السراويل فدية، لورود النهي عن لبسه(5) ، و لأنّ ما وجبت الفدية بلبسه مع وجود الإزار وجبت مع عدمه

ص: 297


1- صحيح البخاري 20:3، المغني 277:3، الشرح الكبير 281:3.
2- التهذيب 69:5-70-227.
3- الفقيه 218:2-997.
4- المغني 277:3، الشرح الكبير 281:3، الحاوي الكبير 98:4، الوجيز 124:1، فتح العزيز 453:7، المهذّب - للشيرازي - 215:1، المجموع 266:7، بداية المجتهد 327:1.
5- تقدّمت الإشارة إلى مصادره في ص 296، الهامش (3).

كالقميص(1).

و النهي مخصوص بحديث ابن عباس، و القميص يمكنه أن يتّزر به من غير لبس و يستتر به، بخلاف السراويل.

مسألة 227: يحرم عليه لبس الخفّين و ما يستر ظهر القدم اختيارا،

و يجوز في حال الضرورة، لما تقدّم من الأحاديث.

و هل يجب عليه شقّهما؟ قال الشيخ رحمه اللّه: نعم(2). و به قال عروة ابن الزبير و مالك و الثوري و الشافعي و إسحاق و ابن المنذر و أصحاب الرأي(3) ، لما رواه العامّة: أنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله قال: (فإن لم يجد نعلين فليلبس خفّين و ليقطعهما حتى يكونا الى الكعبين)(4).

و من طريق الخاصّة: قول الباقر عليه السلام في المحرم يلبس الخفّ، قال: «نعم و لكن يشقّ ظهر القدم»(5).

و قال بعض علمائنا: لا يجب شقّهما(6). و رواه العامّة عن علي عليه السلام(7) ، و به قال عطاء و عكرمة و سعيد بن سالم(8) - و عن أحمد روايتان

ص: 298


1- المغني 277:3، الشرح الكبير 281:3، بداية المجتهد 327:1، المنتقى - للباجي - 197:2، الحاوي الكبير 98:4، المجموع 266:7، فتح العزيز 453:7.
2- المبسوط - للطوسي - 320:1، الخلاف 295:2، المسألة 75.
3- المغني 277:3-278، الشرح الكبير 282:3، الام 147:2، المهذّب - للشيرازي - 215:1، المجموع 265:7، فتح العزيز 453:7، بداية المجتهد 327:1، المنتقى - للباجي - 196:2.
4- المغني 278:3، الشرح الكبير 282:3، صحيح البخاري 20:3-21، سنن أبي داود 165:2-1823، سنن النسائي 135:5، سنن الدار قطني 230:2-63، سنن البيهقي 49:5.
5- الفقيه 218:2-997.
6- ابن إدريس في السرائر: 127، و المحقّق في شرائع الإسلام 250:1.
7- المغني 277:3، الشرح الكبير 281:3-282
8- المغني 277:3، الشرح الكبير 281:3-282، المجموع 265:7.

كالقولين(1) - لما رواه العامّة عن علي عليه السلام: «قطع الخفّين فساد يلبسهما كما هما»(2).

و لأنّه ملبوس أبيح لعدم غيره، فلا يجب قطعه كالسراويل.

و لأنّ قطعه لا يخرجه عن حالة الحظر، فإنّ المقطوع يحرم لبسه مع وجود النعل كلبس الصحيح.

و لاشتماله على إتلاف ماليّته.

فروع:

أ - لا يجوز له لبس المقطوع من الخفّين مع وجود النعلين،

لأنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله شرط في لبسهما عدم النعل، فلو لبسه وجبت الفدية - و به قال مالك و أحمد(3) - لأنّه مخيط بعضو على قدره، فوجب على المحرم الفدية بلبسه كالقفّازين.

و قال أبو حنيفة: لا فدية عليه - و للشافعي قولان كالمذهبين(4) - لأنّه لو كان لبسهما محرّما تجب به الفدية لما أمر النبي صلّى اللّه عليه و آله بقطعهما، لعدم [الفائدة فيه] [1](5).

و الجواب: القطع و اللّبس بعده إنّما يجوز مع عدم النعلين، فالفائدة سقوط الدم و العقاب مع القطع و عدم النعل.1.

ص: 299


1- المغني 277:3-278، الشرح الكبير 281:3-282.
2- المغني 278:3، الشرح الكبير 282:3.
3- المدوّنة الكبرى 463:1، بداية المجتهد 327:1، المغني 279:3، الشرح الكبير 283:3.
4- المهذّب - للشيرازي - 215:1، فتح العزيز 453:7-454، بداية المجتهد 1: 327، المغني 279:3، الشرح الكبير 283:3
5- المغني 279:3، الشرح الكبير 283:3، بداية المجتهد 327:1.

ب - يجوز لبس النعل مطلقا،

و لا يجب قطع شيء منها، و لا فدية حينئذ، لورود الأمر بلبسهما مطلقا، و الأصل عدم التخصيص.

و قال أحمد: يجب قطع القيد في النعل و العقب، و تجب به الفدية لو لم يقطعهما(1). و به قال عطاء(2).

ج - لو وجد نعلا لا يتمكّن من لبسه، لبس الخفّ، و لا فدية،

لأنّه بتعذّر استعماله أشبه المعدوم، و هو إحدى الروايتين عن أحمد، و في الثانية:

تجب الفدية، لأنّ النبي عليه السلام قال: (من لم يجد نعلين فليلبس الخفّين)(3) و هذا واجد(4).

و ليس بجيّد، لأنّ المراد الوجدان مع التمكّن من الاستعمال.

د - الجوربان [1] كالخفّين في المنع من لبسهما مع التمكّن من النعلين،

و جوازه مع عدمه، لأنّه بمعناه.

و روى الحلبي - في الصحيح - عن الصادق عليه السلام، قال: «و أيّ محرم هلكت نعلاه فلم يكن له نعلان فله أن يلبس الخفّين إن اضطرّ الى ذلك، و الجوربين يلبسهما إذا اضطرّ الى لبسهما»(5).

ه - ليس للمحرم أن يعقد عليه الرداء و لا غيره إلاّ الإزار و الهميان،

و ليس له أن يجعل لذلك زرّا و لا عروة، لأنّ يونس بن يعقوب سأل الصادق عليه السلام: عن المحرم يشدّ الهميان وسطه، فقال: «نعم، و ما خيره بعد نفقته»(6).7.

ص: 300


1- المغني 280:3، الشرح الكبير 284:3.
2- المغني 280:3، الشرح الكبير 284:3.
3- تقدّمت الإشارة إلى مصادره في ص 297، الهامش (1).
4- المغني 280:3-281، الشرح الكبير 284:3-285.
5- التهذيب 384:5-1341.
6- الفقيه 221:2-1027.

و يجوز له أن يعقد إزاره عليه، لأنّه يحتاج اليه لستر العورة، فيباح، كاللباس للمرأة، و يعقد الهميان.

و - تجب الفدية باللّبس طال الزمان أو قصر

- و به قال الشافعي(1) - لأنّه باشر محظور الإحرام، فلزمه الفداء، كما لو حلق.

و قال أبو حنيفة: إنّما تلزم الفدية التامّة إذا استدام اللّبس يوما كاملا، فإن كان أقلّ، فعليه صدقة(2).

ز - تجب الفدية بلبس القباء و إن لم يدخل يديه في كمّيه،

و به قال الشافعي و مالك و أحمد(3).

و قال أبو حنيفة: لا تجب لو أخرج يديه من كمّيه(4).

و لو ألقى على نفسه قباء أو فرجيا و هو مضطجع، قال بعض الشافعية:

إن أخذ من بدنه ما إذا قام عدّ لابسه، فعليه الفدية، و إن كان بحيث لو قام أو قعد لم يستمسك عليه إلاّ بمزيد أمر فلا(5).

مسألة 228: يجوز للمرأة لبس المخيط إجماعا،

لأنّها عورة، و ليست كالرجال.

و كذا يجوز لها أن تلبس الغلالة [1] إذا كانت حائضا إجماعا، لتقي ثيابها

ص: 301


1- فتح العزيز 440:7-441، المجموع 259:7.
2- المبسوط - للسرخسي - 125:4-126، بدائع الصنائع 187:2، الهداية - للمرغيناني - 161:1، فتح العزيز 441:7.
3- فتح العزيز 441:7، المجموع 254:7 و 266، المنتقى - للباجي - 196:2، المغني 285:3، الشرح الكبير 287:3.
4- المبسوط - للسرخسي - 125:4، بدائع الصنائع 184:2، فتح العزيز 441:7، المجموع 266:7، المنتقى - للباجي - 196:2، المغني 285:3، الشرح الكبير 3: 287.
5- فتح العزيز 441:7-442، المجموع 254:7.

من الدم، لقول الصادق عليه السلام: «تلبس المرأة المحرمة الحائض تحت ثيابها غلالة»(1).

و لا يجوز للمرأة لبس القفّازين، و لا لبس شيء من الحلّي ما لم تجر عادتها بلبسه قبل الإحرام.

و لا يجوز لها لبس البرقع، لأنّ الباقر عليه السلام كره للمحرمة البرقع و القفّازين(2).

و المراد بالقفّازين شيء تتّخذه المرأة لليدين يحشى بقطن، و يكون له أزرار تزرّ على الساعدين من البرد تلبسه المرأة.

و به قال علي عليه السلام، و عائشة و ابن عمر و عطاء و طاوس و مجاهد و النخعي و مالك و أحمد و إسحاق(3).

و للشافعي قولان: أحدهما: الجواز(4) ، و به قال أبو حنيفة و الثوري و سعد بن أبي وقّاص، فإنّه أمر بناته أن يلبسن القفّازين(5).

لما رواه العامّة عن علي عليه السلام، قال: «لا تتنقب المرأة الحرام و لا تلبس القفّازين» [1].7.

ص: 302


1- الفقيه 219:2-1011، التهذيب 76:5-251.
2- الفقيه 219:2-1012.
3- المغني 315:3، الشرح الكبير 331:3، فتح العزيز 454:7، المجموع 269:7، المحلّى 82:7، بداية المجتهد 328:1.
4- المهذّب - للشيرازي - 215:1، الوجيز 124:1، فتح العزيز 454:7، المجموع 7: 263، المغني 315:3، الشرح الكبير 331:3.
5- المبسوط - للسرخسي - 128:4، المغني 315:3، الشرح الكبير 331:3، فتح العزيز 454:7، المجموع 269:7.

و من طريق الخاصّة: ما تقدم [1].

و يجوز للمرأة أن تلبس الخلخال و المسك بفتح الميم، و هو سوار من ذبل [2] أو عاج.

فرع: الخنثى المشكل لا يجب عليه اجتناب المخيط، لأصالة البراءة.

مسألة 229: يحرم لبس السلاح لغير ضرورة،

لما فيه من منافاته للخضوع و التذلّل.

و قيل: يكره(1) ، للأصل.

البحث الثالث: الطيب
مسألة 230: يحرم على المحرم الرجل و المرأة الطيب

أكلا و شمّا و إطلاء بإجماع علماء الأمصار، لأنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله، قال في المحرم الذي و قصت [3] به ناقته: (لا تمسّوه بطيب)(2) و منع الحيّ لأجل الإحرام المتحقّق عينا أولى من الميّت المحرم و هما.

و ما رواه الخاصّة - في الصحيح - عن الصادق عليه السلام، قال: «لا يمسّ المحرم شيئا من الطيب و لا من الريحان و لا يتلذّذ به، فمن ابتلى بشيء من ذلك فليتصدّق بقدر ما صنع بقدر شبعه» يعني من الطعام(3).

ص: 303


1- كما في شرائع الإسلام 251:1.
2- صحيح البخاري 22:3، صحيح مسلم 866:2-99، سنن النسائي 195:5، مسند أحمد 215:1.
3- التهذيب 297:5-1007، الاستبصار 178:2-591.

إذا عرفت هذا، فالمحرم إذا مات و هو محرم، لا يجوز تغسيله بالكافور، و لا يحنّط به و لا بغيره من أنواع الطيب.

مسألة 231: الطيب ما تطيب رائحته،

و يتّخذ للشمّ، كالمسك و العنبر و الكافور و الزعفران و ماء الورد، و الأدهان الطيّبة، كدهن البنفسج و الورس، و المعتبر أن يكون معظم الغرض منه التطيّب، أو يظهر فيه هذا الغرض.

و قد اختلف علماؤنا في تعميم التحريم و عدمه، فالمشهور: التعميم، لما تقدّم.

و للشيخ - رحمه اللّه - قول آخر: إنّ المحرّم إنّما هو المسك و العنبر و العود و الكافور و الزعفران و الورس(1) ، بفتح الواو و سكون الراء، و هو نبت أحمر قاني يوجد على قشور شجرة ينحت منها و يجمع، و هو يشبه الزعفران المسحوق، يجلب من اليمن، طيّب الريح.

لما روي عن الصادق عليه السلام أنّه قال: «إنّما يحرم عليك من الطيب أربعة أشياء: المسك و العنبر و الورس و الزعفران غير أنّه يكره للمحرم الأدهان الطيّبة الريح»(2).

و تحمل على شدّة التحريم.

إذا عرفت هذا،

فالنبات الطيب أقسامه ثلاثة:

الأول: ما لا ينبت للطيب و لا يتّخذ منه،

كنبات الصحراء من الشّيح و القيصوم و الخزامي و الإذخر و الدار صيني و المصطكي و الزنجبيل و السعد و حبق الماء - بالحاء المفتوحة غير المعجمة، و الباء المنقطعة تحتها نقطة المفتوحة، و القاف - و هو الحندقوقى، و قيل: الفوذنج(3) ، و الفواكه، كالتفّاح و السفرجل

ص: 304


1- النهاية: 219.
2- التهذيب 299:5-1013، الاستبصار 179:2-596.
3- الصحاح 1455:4 «حبق».

و النارنج و الأترج، و هذا كلّه ليس بمحرّم، و لا تتعلّق به كفّارة إجماعا.

و كذا ما ينبته الآدميون لغير قصد الطيب، كالحنّاء و العصفر، لما روي:

أنّ أزواج رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كنّ يحرمن في المعصفرات [1].

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السلام: «لا بأس أن تشمّ الإذخر و القيصوم و الخزامي و الشّيح و أشباهه و أنت محرم»(1).

و سأل عمّار الساباطي الصادق عليه السلام: عن المحرم أ يأكل الأترج ؟ قال: «نعم» قلت: فإنّ له رائحة طيبة، فقال: «إنّ الأترج طعام ليس هو من الطيب»(2).

و سأل عبد اللّه بن سنان الصادق عليه السلام: عن الحنّاء، فقال: «إنّ المحرم ليمسّه و يداوي به بعيره، و ما هو بطيب، و ما به بأس»(3).

الثاني: ما ينبته الآدميون للطيب و لا يتّخذ منه طيب،

كالريحان الفارسي و المرزجوش و النرجس و البرم، قال الشيخ رحمه اللّه: فهذا لا تتعلّق به كفّارة، و يكره استعماله(4). و به قال ابن عباس و عثمان بن عفان و الحسن و مجاهد و إسحاق و مالك و أبو حنيفة، لأنّه لا يتّخذ للطيب، فأشبه العصفر(5).

و قال الشافعي في الجديد: تجب به الفدية، و يكون محرّما. و به قال جابر و ابن عمر و أبو ثور - و في القديم: لا تتعلّق به الفدية، لأنّها لا تبقى لها4.

ص: 305


1- الكافي 355:4-14، الفقيه 225:2-1057، التهذيب 305:5-1041.
2- التهذيب 306:5-1043، الإستبصار 183:2-607.
3- الكافي 356:4-18، الفقيه 224:2-1052، التهذيب 300:5-1019، الاستبصار 181:2-600.
4- المبسوط - للطوسي - 352:1.
5- المغني 297:3، الشرح الكبير 291:3، بدائع الصنائع 191:2، المبسوط - للسرخسي - 123:4.

رائحة إذا جفّت(1) ، و عن أحمد روايتان(2) - لأنّه يتّخذ للطيب، فأشبه الورد(3).

الثالث: ما يقصد شمّه و يتّخذ منه الطيب،

كالياسمين و الورد و النيلوفر.

و الظاهر أنّ هذا يحرم شمّه، و تجب منه الفدية - و به قال الشافعي(4) - لأنّ الفدية تجب فيما يتّخذ منه، فكذا في أصله.

و قال مالك و أبو حنيفة: لا تجب(5).

مسألة 232: ما يطلب للتطيّب و اتّخاذ الطيب منه حرام،

كالزعفران و إن كان يقصد للصبغ و التداوي، و كذا الورس.

و ما يطلب للأكل أو التداوي غالبا لا يحرم، كالقرنفل و السنبل و الدار صيني و سائر الأبازير الطيّبة.

و في البنفسج للشافعي قولان:

أحدهما: أنّه ليس بطيب، لأنّ الغرض منه التداوي.

و الثاني: أنّه طيب(6).

و قيل في الجمع: إنّه أراد بالأول الجافّ، فإنّه حينئذ لا يصلح إلاّ للتداوي(7).

و قيل: أراد بنفسج الشام و العراق، فإنّه لا يتطيّب به(8).

ص: 306


1- فتح العزيز 457:7، المهذّب - للشيرازي - 216:1، المجموع 278:7.
2- المغني 297:3، الشرح الكبير 291:3.
3- المهذّب - للشيرازي - 216:1، فتح العزيز 457:7، المجموع 278:7، المغني 297:3، الشرح الكبير 291:3.
4- الحاوي الكبير 108:4، فتح العزيز 456:7، المجموع 277:7.
5- انظر: المدوّنة الكبرى 456:1، و حلية العلماء 290:3.
6- الام 152:2، الحاوي الكبير 109:4، المهذّب - للشيرازي - 216:1، المجموع 7: 278، فتح العزيز 457:7، حلية العلماء 290:3.
7- فتح العزيز 457:7.
8- فتح العزيز 457:7.

و قيل: أراد المربي بالسكر(1).

و في النيلوفر له قولان(2).

و الريحان طيب عند بعض الشافعية(3).

و الحنّاء ليس بطيب، و لا يجب على المحرم باستعماله فدية، و لا يحرم استعماله بل يكره للزينة - و به قال الشافعي(4) - لما رواه العامّة: أنّ أزواج النبي صلّى اللّه عليه و آله كنّ يختضبن بالحنّاء(5).

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السلام: «إنّه ليس بطيب، و إنّ المحرم ليمسّه و يداوي به بعيره»(6).

و قال أبو حنيفة: يحرم و تجب به الفدية(7) ، لقول النبي عليه السلام لأمّ سلمة: (لا تطيبي و أنت محرمة، و لا تمسّي الحنّاء فإنّه طيب)(8).

و لأنّ له رائحة مستلذّة، فأشبه الورس.

و الرواية ضعيفة رواها ابن لهيعة و هو ضعيف، و روى غيره: (لا تمسّي2.

ص: 307


1- الحاوي الكبير 109:4، المهذّب - للشيرازي - 216:1، المجموع 278:7، فتح العزيز 457:7.
2- المهذّب - للشيرازي - 216:1، المجموع 278:7، فتح العزيز 457:7، حلية العلماء 290:3.
3- الأم 152:2، المجموع 278:7، فتح العزيز 457:7.
4- المهذّب - للشيرازي - 216:1، المجموع 282:7، فتح العزيز 457:7، حلية العلماء 291:3، المغني 317:3، الشرح الكبير 334:3.
5- أورده ابن سعد في الطبقات 72:8، و أبو إسحاق الشيرازي في المهذّب 216:1، و ابنا قدامة في المغني 317:3، و الشرح الكبير 334:3.
6- الكافي 356:4-18، الفقيه 224:2-1052، التهذيب 300:5-1019، الاستبصار 181:2-600 بتفاوت.
7- المبسوط - للسرخسي - 125:4، الهداية - للمرغيناني - 160:1، بدائع الصنائع 2: 191، حلية العلماء 291:3، المجموع 282:7.
8- المعجم الكبير - للطبراني - 418:23-1012.

الحنّاء فإنّه خضاب) [1].

و ينتقض القياس بالفواكه.

و العصفر ليس بطيب، و يجوز للمحرم لبس المعصفر، و لا فدية فيه - و به قال الشافعي و أحمد(1) - لأنّ النبي عليه السلام سوّغ لبس المعصفر(2).

و من طريق الخاصّة: ما رواه علي بن جعفر - في الصحيح - عن أخيه الكاظم عليه السلام، قال: سألته يلبس المحرم الثوب المشبع بالعصفر؟ فقال: «إذا لم يكن فيه طيب فلا بأس به»(3).

و قال أبو حنيفة: العصفر طيب تجب به الفدية، قياسا على الورس(4).

و نمنع الإلحاق.

و لا بأس بخلوق الكعبة و شمّ رائحته، سواء كان عالما أو جاهلا، عامدا أو ناسيا، لأصالة البراءة.

و لما رواه حمّاد بن عثمان - في الصحيح - عن الصادق عليه السلام، أنّه سأله عن خلوق الكعبة و خلوق القبر يكون في ثوب الإحرام، فقال: «لا بأس به هما طهوران»(5).

و قال الشافعي: إن جهل أنّه طيب فبان طيبا رطبا، فإن غسله في الحال، و إلاّ وجبت الفدية، و إن علمه طيبا فوضع يده عليه يعتقده يابسا فبان رطبا،6.

ص: 308


1- الحاوي الكبير 111:4، فتح العزيز 457:7، حلية العلماء 290:3، المجموع 7: 282، المبسوط - للسرخسي - 126:4، المغني 300:3، الشرح الكبير 291:3.
2- سنن أبي داود 166:2-1827، سنن البيهقي 47:5 و 52.
3- التهذيب 67:5-217، الاستبصار 165:2-540.
4- المبسوط - للسرخسي - 126:4، بدائع الصنائع 189:2، حلية العلماء 290:3، فتح العزيز 457:7.
5- التهذيب 299:5-1016.

فقولان، لأنّه مسّ طيبا، فوجبت الفدية(1).

و الملازمة ممنوعة، لأنّ هذا الموضع ممّا تمسّ الحاجة إلى الدخول إليه، و ربما حصل زحام.

مسألة 233: يحرم لبس الثوب مسّه طيب،

ذهب اليه علماء الأمصار، لما رواه العامّة عن النبي صلّى اللّه عليه و آله، قال: (لا تلبسوا شيئا من الثياب مسّه الزعفران و لا الورس)(2).

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السلام: «لا تمسّ الريحان و أنت محرم و لا تمسّ شيئا فيه زعفران، و لا تأكل طعاما فيه زعفران، و لا ترتمس في ماء يدخل فيه رأسك»(3).

إذا ثبت هذا، فلا فرق بين صبغ الثوب بالطيب و غمسه فيه و تبخيره به.

و كذا لا يجوز افتراشه و النوم عليه و الجلوس، فمتى لبسه أو نام عليه، وجبت الفدية - و به قال الشافعي و أحمد(4) - لأنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله نهى عن لبس ما مسّه الزعفران(5) ، و لم يفرّق بين الرطب و اليابس، و لا بين ما ينفض و ما لا ينفض.

و قال أبو حنيفة: إن كان رطبا يلي بدنه أو يابسا ينفض، فعليه الفدية، و إلاّ فلا، لأنّه غير مستعمل لجرم الطيب في بدنه، فلا فدية عليه، كما لو

ص: 309


1- الحاوي الكبير 113:4، فتح العزيز 461:7-462، المجموع 272:7.
2- صحيح البخاري 19:3، صحيح مسلم 834:2-1177، سنن الترمذي 3: 195-833، سنن ابن ماجة 977:2-2929، الموطّأ 325:1-8، سنن البيهقي 49:5.
3- التهذيب 307:5-1048.
4- الوجيز 125:1، فتح العزيز 461:7، المجموع 272:7، المغني 299:3، الشرح الكبير 288:3.
5- تقدّمت الإشارة إلى مصادره في الهامش (2).

جلس عند العطّارين(1).

و الفرق: أنّ الجلوس ليس بتطيّب.

فروع:

أ - لو غسل الثوب حتى ذهب الطيب، جاز لبسه إجماعا.

و لأنّ الصادق عليه السلام سئل عن الثوب للمحرم يصيبه الزعفران ثم يغسل، فقال: «لا بأس به إذا ذهب»(2).

ب - لو انقطعت رائحة الطيب لطول الزمان عليه،

أو صبغ بغيره بحيث لا تظهر له رائحة إذا رشّ بالماء، جاز استعماله - و به قال سعيد بن المسيّب و الحسن البصري و النخعي و الشافعي و أبو ثور و أصحاب الرأي(3) - لزوال الرائحة المقتضية للتحريم.

و كرهه مالك(4).

ج - لو فرش فوق الثوب المطيّب ثوبا يمنع الرائحة و المباشرة، فلا فدية بالجلوس عليه و النوم.

و لو كان الحائل ثياب نومه، فالوجه: المنع، لأنّه كما منع من استعمال الطيب في بدنه منع من استعماله في ثوبه.

د - لو أصاب ثوبه طيب،

وجب عليه غسله أو نزعه، فلو كان معه من الماء ما لا يكفيه لغسل الطيب و طهارته، غسل به الطيب، لأنّ للوضوء بدلا.

ه - لو جعل الطيب في خرقة و شمّها، وجب عليه الفداء،

للعمومات.

و قال الشافعي: لا فدية عليه(5).3.

ص: 310


1- المغني 299:3، الشرح الكبير 288:3.
2- الفقيه 216:2-988، التهذيب 68:5-220.
3- المغني 299:3، فتح العزيز 459:7، المجموع 273:7.
4- المدوّنة الكبرى 362:1، المغني 299:3.
5- الأم 152:2، الحاوي الكبير 112:4-113.
مسألة 234: يكره له الجلوس عند العطّارين،

و يمسك على أنفه لو جاز في زقاق العطّارين، و لا يقبض على أنفه من الرائحة الكريهة، لقول الصادق عليه السلام: «و أمسك على أنفك من الريح الطيّبة و لا تمسك من الريح النتنة»(1).

و يجوز الجلوس عند الكعبة و هي تجمّر، و به قال الشافعي(2).

و لا يجوز الجلوس عند رجل متطيّب و لا في سوق العطّارين، لأنّه يشمّ الطيب حينئذ.

و قال الشافعي: إن جلس لحاجة أو غرض غير الطيب، كره، و إن جلس لشمّ الطيب، فقولان:

أحدهما: الجواز من غير كراهة، كالجلوس إلى الكعبة.

و الثاني: الكراهة(3).

قال الشيخ رحمه اللّه: لو كان الطيب يابسا مسحوقا، فإن علق ببدنه منه شيء، فعليه الفدية، و إن لم يعلق بحال، فلا فدية، و إن كان يابسا غير مسحوق، فإن علق ببدنه رائحته، فعليه الفدية.

و قال الشافعي: إن علق به رائحة، فقولان(4).

قال الشيخ رحمه اللّه: لو مسّ طيبا ذاكرا لإحرامه، عالما بالتحريم، رطبا، كالمسك و الغالية و الكافور المبلول بماء ورد و شبهه، فعليه الفدية في أيّ موضع كان من بدنه، و كذا لو تسعّطه أو حقن. و به قال الشافعي.

ص: 311


1- التهذيب 297:5-1006، الاستبصار 178:2-590.
2- مختصر المزني: 66، الحاوي الكبير 113:4، المهذّب - للشيرازي - 217:1، المجموع 275:7، فتح العزيز 460:7.
3- فتح العزيز 460:7، المجموع 271:7.
4- الخلاف 306:2، المسألة 94، و راجع: الوجيز 125:1، و فتح العزيز 460:7، و المهذّب - للشيرازي - 217:1، و المجموع 272:7.

و قال أبو حنيفة: لو ابتلع الطيب فلا فدية عليه.

و كذا لو حشا جرحه بطيب(1).

و لو داس بنعله طيبا فعلق بنعله، فإن تعمّد ذلك، وجبت الفدية، لأنّه مستعمل للطيب، كما لو علق بثوبه، و إن لم يتعمّد، لم يكن عليه شيء.

و لو اضطرّ المحرم الى سعوط فيه مسك، جاز له التسعّط به، للرواية(2).

و لو لم تكن ضرورة، فالوجه: المنع، و وجوب الفدية، و به قال الشافعي(3). و كذا لو احتقن به، خلافا لأبي حنيفة(4).

مسألة 235: يحرم على المحرم أكل ما فيه طيب عمدا،

و تجب به الفدية على جميع الأحوال عند علمائنا أجمع، لعموم الأخبار الدالّة على المنع من أكل طعام فيه طيب أو شربه و استعمال الطيب مطلقا.

و قول الصادق عليه السلام: «و اتّق الطيب في زادك»(5).

و قول الباقر عليه السلام: «من أكل زعفرانا متعمّدا أو طعاما فيه طيب فعليه دم، و إن كان ناسيا فلا شيء عليه و يستغفر اللّه و يتوب اليه»(6).

و قال مالك: إن مسّته النار، فلا فدية - و هو قول أصحاب الرأي(7) - لأنّه استحال بالطبخ عن كونه طيبا، فيكون سائغا، سواء بقيت أوصافه أو لم تبق(8).

ص: 312


1- الخلاف 306:2، المسألة 93، و راجع: الأم 152:2، و فتح العزيز 459:7 و 460، و المجموع 270:7-271.
2- الفقيه 224:2-1054.
3- الأم 152:2، فتح العزيز 460:7، المجموع 271:7.
4- انظر: فتح العزيز 460:7.
5- التهذيب 297:5-1006، الإستبصار 178:2-590.
6- الكافي 354:4-3، الفقيه 223:2-1046.
7- المغني 304:3، الشرح الكبير 289:3، المنتقى - للباجي - 204:2، المدوّنة الكبرى 457:1، الموطأ 330:1 ذيل الحديث 21، بدائع الصنائع 191:2، حلية العلماء 289:3.
8- المغني 304:3، الشرح الكبير 289:3، المنتقى - للباجي - 204:2، المدوّنة الكبرى 457:1، الموطأ 330:1 ذيل الحديث 21، بدائع الصنائع 191:2، حلية العلماء 289:3.

و ليس بجيّد، لأنّ الترفّه و الاستمتاع حاصل من حيث المباشرة، فأشبه ما لو كان نيئا.

مسألة 236: لو طيّب بعض العضو كان كما لو طيّب كلّه،

و يجب الفداء عند علمائنا، و به قال الشافعي(1).

و قال أبو حنيفة: إن طيّب جميع العضو كالرأس و اليد، وجبت الفدية التامّة، و إلاّ فلا، بل يجب صدقة لو طيّب بعض العضو(2).

لنا: أنّه مستعمل للطيب، فدخل تحت عموم النهي.

و كذا البحث في اللّبس لو لبس بعض العضو أو غطّى بعض رأسه كان كما لو ستر الجميع.

و لو اضطرّ إلى أكل طعام فيه طيب أو مسّه، أكل أو لمس و قبض على أنفه، للضرورة، و لا شيء عليه.

و يجوز له شراء الطيب إجماعا، لأنّه غير المنهي عنه فيبقى على الإباحة الأصلية.

و كذا يشتري المخيط و الجواري، لأنّه غير الاستمتاع بهما، بخلاف النكاح الذي لا يقصد به إلاّ الاستمتاع، فلهذا منع منه.

و كما يمنع المحرم من ابتداء الطيب كذا يمنع من استدامته، سواء صبغ ثوبه به، كالممسك و المزعفر و المعنبر، أو غمسه فيه، كما لو غمسه في ماء الورد و ماء الكافور، أو بجرّه به، كالندّ [1] و العود.

ص: 313


1- فتح العزيز 460:7، حلية العلماء 291:3، المجموع 270:7-271، المغني 3: 533.
2- المبسوط - للسرخسي - 122:4، الهداية - للمرغيناني - 160:1، بدائع الصنائع 2: 189، فتح العزيز 460:7، المغني 533:3.

و لو غمس ثوبه في ماء الفواكه الطيّبة، كالأترج و التفّاح و شبهه، لم يكن به بأس.

قال الشيخ رحمه اللّه: يستحب للمحرم إذا نسي و تطيّب أن يكلّف محلا غسله، و لا يباشره بنفسه، فإن باشره بنفسه، فلا شيء عليه(1). و هو جيّد.

مسألة 237: لو أكل طعاما فيه زعفران أو طيب آخر،

أو استعمل مخلوطا بالطيب في غير الأكل، فإن استهلك الطيب فيه فلم يبق له ريح و لا طعم و لا لون، فالأقرب أنّه لا فدية فيه، و به قال الشافعي(2).

و إن ظهرت هذه الأوصاف فيه، وجبت الفدية قطعا.

و إن بقيت الرائحة وحدها، فكذلك، لأنّها الغرض الأعظم من الطيب.

و إن بقي اللون وحده، فطريقان للشافعية، أحدهما: أنّ المسألة على قولين: أظهرهما: أنّه لا تجب فدية، لأنّ اللون ليس بمقصود أصلي.

الطريق الثاني: القطع بعدم وجوب الفدية.

و لو بقي الطعم وحده، فطريقان: أظهرهما: أنّه كالريح، و الثاني:

أنّه كاللون(3).

و لو أكل الجلنجبين [1]، نظر في استهلاك الورد فيه و عدمه.

و لو خفيت رائحة الطيب أو الثوب المطيّب بمرور الزمان عليه أو بغبار و غيره، قال الشافعي: إن كان بحيث لو أصابه الماء فاحت الرائحة منه، لم يجز استعماله، فإن بقي اللون، فوجهان مبنيّان على الخلاف المذكور في أنّ اللون هل يعتبر؟ و الصحيح عندهم: أنّه لا يعتبر(4).

ص: 314


1- المبسوط - للطوسي - 352:1.
2- الأم 152:2، فتح العزيز 458:7، المجموع 273:7.
3- فتح العزيز 458:7-459، المجموع 273:7.
4- فتح العزيز 459:7، المجموع 273:7.

و لو مزج ماء ورد بماء مطلق فذهبت رائحته، فقولان:

أحدهما: تجب الفدية باستعماله، للعلم بوصول الطيب اليه.

و الثاني - و هو الأصحّ عندهم -: لا تجب الفدية، لفوات مقصود الطيب(1).

مسألة 238: استعمال الطيب عبارة عن شمّه أو إلصاق الطيب بالبدن

أو الثوب أو نشبت [1] الرائحة بإحداهما قصدا للعرف، فلو تحقّق الريح دون العين بجلوسه في حانوت عطّار أو في بيت يجمّره ساكنوه، وجبت الفدية إن قصد تعلّق الرائحة به، و إلاّ فلا.

و الشافعي أطلق القول بعدم وجوب الفدية(2).

و لو احتوى على مجمرة، لزمت الفدية عندنا و عنده(3) أيضا.

و قال أبو حنيفة: لا تجب الفدية(4).

و لو مسّ جرم العود فلم تعبق [2] به رائحته، فلا فدية.

و للشافعي قولان(5).

و لو حمل مسكا في فأرة مصمومة الرأس، فلا فدية إذا لم يشمّها، و به قال الشافعي(6).

و لو كانت غير مصمومة، فللشافعية وجهان(7).

ص: 315


1- فتح العزيز 459:7، المجموع 273:7.
2- الأم 152:2، الوجيز 125:1، فتح العزيز 460:7، المجموع 271:7.
3- الوجيز 125:1، فتح العزيز 460:7، المجموع 271:7.
4- فتح العزيز 460:7.
5- الوجيز 125:1، فتح العزيز 460:7.
6- الوجيز 125:1، فتح العزيز 460:7، المجموع 272:7.
7- الوجيز 125:1، فتح العزيز 461:7.

و قال بعضهم: إنّ حمل الفأرة تطيّب(1).

و لو جعل الطيب المسحوق في خرقة و شمّها، فعليه الفداء.

و قال الشافعي: لا فدية عليه، و لا يكون محرّما(2).

و لو طيّب فراشه و نام عليه، حرم، و لزمه الفداء.

و لا فرق بين أن يتّفق الإلصاق بظاهر البدن أو داخله، كما لو أكله أو احتقن به أو تسعّط.

و للشافعية قول آخر: إنّه لا تجب الفدية في الحقنة و السعوط(3).

و لو مسّ طيبا فلم يعبق ببدنه شيء من جرمه و لكن عبقت به الرائحة، لزمه الفداء - و هو أحد قولي الشافعي(4) - لأنّ المقصود الرائحة و قد حصلت.

و الثاني: لا تجب، لأنّ الرائحة قد تحصل بالمجاورة(5).

و لو لم تعبق به الرائحة، فلا شيء عليه.

و لو شدّ المسك أو العنبر أو الكافور في طرف ثوبه، أو وضعته المرأة في جيبها، أو لبست الحليّ المحشوّ به، وجبت الفدية.

و لو شمّ الورد فقد تطيّب به، و كذا لو شمّ ماء الورد.

و قال الشافعي: لا يجب بشمّ ماء الورد شيء إلاّ أن يصبّه على بدنه أو ثوبه، لأنّ الطريق فيه الصبّ على الثوب أو البدن(6).

و لو داس بنعله طيبا، لزمته الفدية - و به قال الشافعي(7) - لأنّها ملبوسة له بحال.7.

ص: 316


1- فتح العزيز 461:7.
2- الحاوي الكبير 112:4-113، و الأم 152:2.
3- فتح العزيز 460:7، المجموع 271:7.
4- المهذّب - للشيرازي - 217:1، المجموع 272:7، فتح العزيز 460:7.
5- المهذّب - للشيرازي - 217:1، المجموع 272:7، فتح العزيز 460:7.
6- فتح العزيز 460:7، المجموع 272:7.
7- فتح العزيز 461:7، المجموع 273:7.

و لو نام أو جلس على أرض أو فراش مطيّبين، فإن فرش فوقهما ثوبا و إن كان رقيقا، فلا بأس إذا لم يشمّ طيبهما و إلاّ فلا.

مسألة 239: إنّما يحرم استعمال الطيب مع القصد،

فلو تطيّب ناسيا أو جاهلا بكونه طيبا أو بكون الطيب محرّما، فلا فدية - و به قال الشافعي(1) - كما لو تكلّم في الصلاة ناسيا أو أكل في رمضان.

و قال أبو حنيفة و مالك و المزني: تجب الفدية على الناسي و الجاهل(2).

و عن أحمد روايتان(3).

و لو علم أنّه طيب و لم يعلم أنّه يعبق، لزمته الفدية.

و لو علم تحريم الاستعمال و جهل وجوب الفدية، وجبت الفدية، لأنّه إذا علم التحريم، كان حقّه الامتناع.

و لو علم تحريم الطيب و جهل كون الممسوس طيبا، لم تجب الفدية - و هو قول أكثر الشافعية(4) - لأنّه إذا جهل كون الشيء طيبا فقد جهل تحريم استعماله.

و حكى الجويني وجها آخر: أنّه تجب الفدية(5).

و لو مسّ طيبا رطبا و هو يظنّ أنّه يابس لا يعلق شيء منه به، فالأقرب عدم الفدية - و هو أحد قولي الشافعي(6) - لأنّ جهله برطوبته كجهله بكونه طيبا.

ص: 317


1- المهذّب - للشيرازي - 220:1، المجموع 340:7 و 343، الوجيز 125:1، فتح العزيز 461:7، مختصر المزني: 66، حلية العلماء 300:3، صحيح مسلم بشرح النووي هامش إرشاد الساري 186:5.
2- فتح العزيز 461:7، المجموع 340:7 و 343، المدوّنة الكبرى 388:1، حلية العلماء 300:3، صحيح مسلم بشرح النووي هامش إرشاد الساري 186:5.
3- المغني 535:3، الشرح الكبير 354:3، فتح العزيز 461:7، المجموع 343:7، صحيح مسلم بشرح النووي هامش إرشاد الساري 340:5.
4- فتح العزيز 461:7، المجموع 340:7.
5- فتح العزيز 461:7، المجموع 340:7.
6- فتح العزيز 461:7-462، المهذّب - للشيرازي - 220:1، المجموع 340:7، حلية العلماء 301:3.

و الثاني: تجب الفدية، لأنّه قصد الطيب مع العلم بكونه طيبا(1).

و قال الشيخ رحمه اللّه: لو كان الطيب يابسا مسحوقا، فإن علق بيده شيء منه، فعليه الفدية، و إن لم يعلق بحال، فلا فدية، و لو كان يابسا غير مسحوق، كالعود و العنبر و الكافور، فإن علق بيده رائحته، فعليه الفدية، للاحتياط و عموم الأخبار(2). و هو جيّد.

مسألة 240: لو لصق الطيب ببدنه أو ثوبه على وجه لا يوجب الفدية

بأن كان يابسا أو ألقته الريح، وجب عليه المبادرة إلى غسله أو تنحيته أو معالجته بما يقطع رائحته، و يأمر غيره بإزالة ذلك عنه.

و لو باشره بنفسه، فالأقرب أنّه لا يضرّه، لأنّه قصد الإزالة.

فإن أخّره قادرا و لم يزله مع الإمكان، وجب الفداء.

و لو كان زمنا لا يقدر على إزالته أو مكتوفا لا يتمكّن، فلا فدية.

و لو اكره على التطيّب، فلا فدية.

و لو اكره على التطيّب، فلا فدية.

و لا خلاف بين أهل العلم في تحريم لبس ثوب فيه طيب من ورس أو زعفران و غيرهما مع رطوبته أو تبخيره به، فكلّ ما صبغ بزعفران أو ورس، أو غمس في ماء ورد أو بخّر بعود، فليس للمحرم لبسه و لا الجلوس عليه و لا النوم عليه، لأنّه استعمال له، فأشبه لبسه، و متى لبسه أو استعمله، فعليه الفداء، و به قال الشافعي و أحمد(3).

و قال أبو حنيفة: إن كان رطبا يلي بدنه أو يابسا ينفض، فعليه الفدية،

ص: 318


1- فتح العزيز 462:7، المهذّب - للشيرازي - 220:1، المجموع 340:7، حلية العلماء 301:3.
2- الخلاف 306:2، المسألة 94.
3- فتح العزيز 461:7، المجموع 272:7، المغني 298:3-299، الشرح الكبير 3: 288.

و إلاّ فلا، لأنّه ليس بمتطيّب(1).

و هو خطأ، لأنّه محرم استعمل ثوبا مطيّبا، فلزمته الفدية، كالرطب.

فإن غسله حتى ذهب ما فيه من الطيب، فلا بأس به بإجماع العلماء.

و لو انقطعت رائحة الثوب لطول الزمن عليه، أو لكونه صبغ بغيره فغلب عليه بحيث لا تفوح له رائحة إذا رشّ فيه الماء، فلا بأس باستعماله، لزوال الطيب منه، و به قال سعيد بن المسيّب و النخعي و الشافعي و أبو ثور و أصحاب الرأي، و هو مروي عن عطاء و طاوس(2).

و كره ذلك مالك إلاّ أن يغسل و يذهب لونه، لأنّ عين الزعفران و نحوه موجودة فيه(3).

و ليس بجيّد، لأنّه إنّما نهي عنه لأجل رائحته و التلذّذ به و قد ذهبت بالكلّية.

و لو لم تكن له رائحة في الحال لكن كان بحيث لو رشّ فيه ماء فاح ريحه، ففيه الفدية، لأنّه متطيّب، لأنّ رائحته تظهر عند رشّ الماء فيه، و الماء لا رائحة له، و إنّما هي من الصبغ الذي فيه.

و لو فرش فوق الثوب ثوبا صفيقا يمنع الرائحة و المباشرة، فلا فدية عليه بالجلوس و النوم عليه.

و لو كان الحائل بينهما ثياب بدنه، وجب الفداء، لأنّه ممنوع من استعمال الطيب في الثوب الذي عليه، كما منع من استعماله في بدنه.

و لا بأس بالثوب المعصفر - و هو المصبوغ بالعصفر - للرواية(4) ، خلافا0.

ص: 319


1- المغني 299:3، الشرح الكبير 288:3.
2- المغني 299:3، فتح العزيز 459:7.
3- المغني 299:3، المدوّنة الكبرى 362:1.
4- التهذيب 67:5-217، الإستبصار 165:2-540.

للثوري و أبي حنيفة و محمد بن الحسن(1).

و كذا لا بأس بالممشق و هو المصبوغ بالمشق و هو المصبوغ بالمغرة، لأنّه مصبوغ بطين لا بطيب، و كذا المصبوغ بسائر الأصباغ سوى ما ذكرنا و إن كان السواد مكروها، لأصالة الإباحة إلاّ ما ورد الشرع بتحريمه، أو كان في معناه.

و أمّا المصبوغ بالرياحين فهو مبني على الرياحين في نفسها، فما منع المحرم من استعماله منع من المصبوغ به إذا ظهرت رائحته، و إلاّ فلا.

مسألة 241: لو مات المحرم، لم يجز تغسيله بالكافور

- و هو إجماع - للأحاديث الدالّة عليه من طرق العامّة(2) و الخاصّة:

روى محمّد بن مسلم - في الصحيح - عن الباقر عليه السلام: عن المحرم إذا مات كيف يصنع به ؟ قال: «يغطّى وجهه، و يصنع به كما يصنع بالحلال غير أنّه لا يقربه طيبا» [1].

البحث الرابع: الادّهان
مسألة 242: الدهن ضربان: طيب و غير طيب.

فالطيب: البنفسج و الورد و النيلوفر و البان [2] و ما في معناه، و لا خلاف أنّ فيه الفدية على أيّ وجه استعمله.

ص: 320


1- المغني 300:3، الشرح الكبير 333:3، المبسوط - للسرخسي - 126:4، بدائع الصنائع 185:2.
2- راجع: صحيح البخاري 96:2 و 22:3، و صحيح مسلم 865:2-94، و سنن النسائي 196:5، و سنن البيهقي 53:5 و 70.

و أمّا غير الطيب مثل الشيرج و الزبد و السمن فيجوز أكله إجماعا.

قال الشيخ رحمه اللّه: و لا يجوز الادّهان به على وجه، و أمّا وجوب الكفّارة بالادّهان فلست أعرف به نصّا، و الأصل براءة الذمّة.

ثم قال: و قد اختلف الناس على أربعة مذاهب:

فقال: أبو حنيفة: فيه الفدية على كلّ حال إلاّ أن يداوي به جرحه أو شقوق رجليه.

و قال الحسن بن صالح بن حي: لا فدية فيه بحال.

و قال الشافعي: فيه الفدية في الرأس و اللحية، و لا فدية فيما عداهما، (لما فيه من ترجيل الشعر و تزيينه، و المحرم منعوت بالشّعث المعتاد له.

و لو كان أقرع أو أصلع فدهن رأسه، أو أمرد فدهن ذقنه، فلا فدية عليه عنده، إذ ليس فيه تزيين شعر.

و لو كان محلوق الرأس، فوجهان.

و لو كان في رأسه شجّه فجعل الدهن في داخلها، فلا شيء عليه) [1].

و قال مالك: إن دهن به ظاهر بدنه، ففيه الفدية، و إن كان في بواطن بدنه، فلا فدية.

و استدلّ - رحمه اللّه - على مذهبه: بأصالة براءة الذمّة.

و بما رواه العامّة عن ابن عمر: أنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله ادّهن - و هو محرم - بزيت(1)(2).0.

ص: 321


1- سنن ابن ماجة 1030:2-3083، سنن الترمذي 294:3-962، مسند أحمد 2: 59.
2- الخلاف 303:2-304، المسألة 90، و راجع: بدائع الصنائع 190:2، و المبسوط - للسرخسي - 122:4، و الهداية - للمرغيناني - 160:1، و الوجيز 125:1، و فتح العزيز 462:7، و المهذّب - للشيرازي - 217:1، و المجموع 279:7 و 282، و الحاوي الكبير 109:4 و 110.

إذا عرفت هذا، فنقول: الدهن الطيب كدهن الورد و البنفسج و النيلوفر يحرم الادّهان به، و به قال الأوزاعي و أحمد(1).

و كره مالك و أبو ثور و أصحاب الرأي الادّهان بدهن البنفسج(2).

و قال الشافعي: ليس بطيب(3).

و هو غلط، لأنّه يتّخذ للطيب، و تقصد رائحته، فكان طيبا، كماء الورد.

و أمّا ما لا طيب فيه كالزيت و الشيرج و السمن و الشحم و دهن البان الساذج:

فالمشهور عند علمائنا تحريم الادّهان به بعد الإحرام اختيارا، و ذهب العامّة إلى جوازه.

قال ابن المنذر: أجمع عوام أهل العلم على أنّ للمحرم أن يدّهن بدنه بالشحم و الزيت و السمن(4).

و نقل بعض العامّة جواز ذلك عن ابن عباس و أبي ذر و الأسود بن يزيد و عطاء و الضحّاك و غيرهم(5).

و قال عطاء و مالك و الشافعي و أبو ثور و أحمد في رواية، و أصحاب الرأي: لا يدّهن المحرم رأسه بالزيت الذي يؤكل، لأنّه يزيل الشّعث و يرجّل الشعر و يحسّنه(6).1.

ص: 322


1- المغني 305:3، الشرح الكبير 289:3.
2- المدوّنة الكبرى 456:1، المغني 305:3، الشرح الكبير 289:3.
3- المهذّب - للشيرازي - 216:1، المجموع 278:7، فتح العزيز 458:7، المغني 305:3، الشرح الكبير 289:3.
4- المغني 306:3، الشرح الكبير 292:3، المجموع 283:7.
5- المغني 306:3، الشرح الكبير 292:3.
6- المدوّنة الكبرى 455:1، فتح العزيز 462:7، المجموع 279:7 و 282، المغني 306:3، الشرح الكبير 292:3، المبسوط - للسرخسي - 122:4، الهداية - للمرغيناني - 160:1.

و أجمعوا على إباحة استعماله في اليدين، و إنّما الكراهة عندهم في الرأس خاصّة، لأنّه محلّ الشعر(1).

لنا: ما رواه العامّة عن ابن عمر أنّه صدع و هو محرم، فقالوا: ألا ندّهنك بالسمن ؟ فقال: لا، قالوا: أ ليس تأكله ؟ قال: ليس أكله كالادّهان به(2).

و عن مجاهد: إن تداوى به، فعليه الكفّارة(3).

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السلام: «و لا تمسّ شيئا من الطيب و لا من الدهن في إحرامك»(4).

و قال عليه السلام: «و ادّهن بما شئت من الدهن حيت تريد أن تحرم، فإذا أحرمت فقد حرم عليك الدهن»(5).

و لو ادّهن بالدهن الطيب قبل الإحرام، فإن كانت رائحته تبقى إلى بعد الإحرام، فعل حراما، و لو ذهبت رائحته بعد الإحرام أو ادّهن قبله بما ليس بطيب، فإنّه جائز إجماعا.

مسألة 243: لو اضطرّ إلى استعمال الأدهان الطيّبة حالة الإحرام،

جاز له استعماله، و تجب الفدية، لما رواه الشيخ - في الصحيح - عن معاوية ابن عمّار: في محرم كانت به قرحة فداواها بدهن بنفسج، قال: «إن كان فعله بجهالة فعليه طعام مسكين، و إن كان تعمّد فعليه دم شاة يهريقه»(6).

و يجوز استعمال ما ليس بطيب بعد الإحرام اضطرارا إجماعا، و لا فدية، لأصالة البراءة.

ص: 323


1- المغني 306:3، الشرح الكبير 292:3.
2- المغني 306:3، الشرح الكبير 292:3.
3- المغني 306:3، الشرح الكبير 292:3.
4- التهذيب 297:5-1006، الإستبصار 178:2-590.
5- الكافي 329:4-2، التهذيب 303:5-1032، الاستبصار 181:2 - 182-603.
6- التهذيب 304:5-1038.

و لما رواه هشام بن سالم - في الصحيح - عن الصادق عليه السلام، قال: «إذا خرج بالمحرم الخراج [1] أو الدمل فليبطّه [2] و ليداوه بسمن أو زيت»(1).

البحث الخامس: الاكتحال بما فيه طيب
مسألة 244: أجمع علماؤنا على أنّه لا يجوز للمحرم أن يكتحل بكحل فيه طيب،

سواء كان رجلا أو امرأة، لأنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله حرّم استعمال الطيب [3]، و هو قول كلّ من حرّم استعمال الطيب، و تجب به الفدية كما قلنا في الطيب، لقول الصادق عليه السلام: «لا يكحل المحرم عينيه بكحل فيه زعفران، و ليكحلها بكحل فارسي»(2).

إذا عرفت هذا، فلا يجوز أن يكتحل للزينة، لما رواه معاوية بن عمّار - في الصحيح - عن الصادق عليه السلام، قال: «لا بأس بأن تكتحل و أنت محرم بما لم يكن فيه طيب يوجد ريحه، فأمّا للزينة فلا»(3).

مسألة 245: لا يجوز للمحرم أن يكتحل بالسواد،

سواء كان رجلا أو امرأة، إلاّ عند الضرورة، و يجوز لهما أن يكتحلا بما عداه من الأكحال إلاّ إذا

ص: 324


1- الفقيه 222:2-1040، التهذيب 304:5-1036.
2- التهذيب 301:5-1027.
3- الكافي 357:4 ذيل الحديث 5، التهذيب 302:5-1028.

كان فيه طيب، فإنّه لا يجوز على حال، و به قال الشافعي(1).

و قال أبو حنيفة: يجوز الاكتحال بما فيه طيب(2).

و كره عطاء و الحسن البصري و مجاهد الاكتحال بالإثمد(3).

و روي عن ابن عمر أنّه قال: يكتحل المحرم بكلّ كحل ليس فيه طيب(4).

قال مالك: لا بأس أن يكتحل المحرم من حرّ يجده في عينيه بالإثمد و غيره(5).

و عن أحمد أنّه قال: يكتحل المحرم ما لم يرد به الزينة، قيل له:

الرجال و النساء، قال: نعم(6).

لنا على المنع من الأسود كالإثمد و شبهه: ما رواه العامّة: أنّ عليّا عليه السلام قدم من اليمن فوجد فاطمة عليها السلام ممّن حلّ، فلبست ثيابا صبيغا و اكتحلت، فأنكر ذلك عليها، فقالت: (أبي أمرني بهذا) فقال النبي صلّى اللّه عليه و آله: (صدقت صدقت)(7).

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السلام: «لا يكتحل الرجل و المرأة المحرمان بالكحل الأسود إلاّ من علّة»(8).3.

ص: 325


1- مختصر المزني: 66، الحاوي الكبير 121:4، فتح العزيز 463:7، المجموع 7: 353.
2- فتح العزيز 463:7.
3- المغني 313:3، الشرح الكبير 332:3.
4- المغني 313:3، الشرح الكبير 332:3، المجموع 354:7.
5- المدوّنة الكبرى 457:1، المغني 313:3، الشرح الكبير 332:3.
6- المغني 313:3، الشرح الكبير 332:3.
7- صحيح مسلم 888:2-1218، سنن أبي داود 184:2-1905، سنن ابن ماجة 2: 1024-3074، سنن النسائي 144:5، المغني 313:3، الشرح الكبير 332:3.
8- التهذيب 301:5-1023.

و لقول النبي صلّى اللّه عليه و آله: (الحاج أشعث أغبر)(1) و هو ينافي الاكتحال.

مسألة 246: لو اكتحل الرجل و المرأة بالإثمد أو الأسود،

فعلا محرّما عند أكثر علمائنا(2) ، و لا تجب به الفدية، عملا بأصالة البراءة السالم عن معارض من نصّ أو غيره.

قال الشافعي: إن فعلا، فلا أعلم عليهما فيه فدية بشيء(3).

و لا خلاف في زوال التحريم مع الضرورة.

و لا يجوز الاكتحال بما فيه زينة، لقول الصادق عليه السلام: «تكتحل المرأة [المحرمة](4) بالكحل كلّه إلاّ كحلا أسود للزينة»(5).

و قال الصادق عليه السلام: «لا تكتحل المرأة المحرمة بالسواد، إنّ السواد زينة»(6). و هو يدلّ على التعليل، فيطّرد الحكم باطّرادها.

و قال الشافعي: يحرم الاكتحال بما فيه طيب - خلافا لأبي حنيفة(7) - و ما لا طيب فيه يجوز الاكتحال به. نقله المزني(8).

و له قول آخر: إنّه يكره(9).

ص: 326


1- أورده الشيخ الطوسي في الخلاف 313:2 ذيل المسألة 106.
2- منهم: الشيخ المفيد في المقنعة: 68، و الشيخ الطوسي في النهاية: 220، و المبسوط 321:1، و سلاّر في المراسم: 106، و ابن إدريس في السرائر: 128.
3- الأمّ 150:2، المجموع 353:7-354، المغني 314:3، الشرح الكبير 332:3.
4- أضفناها من المصدر.
5- التهذيب 301:5-1024.
6- التهذيب 301:5-1025.
7- فتح العزيز 463:7.
8- فتح العزيز 463:7، مختصر المزني: 66، الحاوي الكبير 121:4، المجموع 7: 353.
9- فتح العزيز 463:7، المجموع 353:7.

و توسّط آخرون من أصحابه: إن لم يكن فيه زينة كالتوتيا الأبيض، لم يكره، و إن كان فيه زينة كالإثمد، كره، إلاّ لحاجة الرّمد(1).

البحث السادس: النظر في المرآة
مسألة 247: اختلف علماؤنا في تحريم النظر في المرآة على المحرم،

فقال بعضهم بالتحريم(2) ، و بعضهم بالكراهة(3).

و احتجّ الأوّل: بما رواه العامّة عن النبي صلّى اللّه عليه و آله، أنّه قال:

(المحرم الأشعث الأغبر)(4).

و في آخر: (إنّ اللّه يباهي بأهل عرفة ملائكته فيقول: يا ملائكتي انظروا إلى عبادي قد أتوني شعثا غبرا ضاحين) [1](5).

و من طريق الخاصّة: ما رواه حمّاد - في الصحيح - عن الصادق عليه السلام، قال: «لا تنظر في المرآة للزينة» [2].

و احتجّ الآخرون: بأصالة الإباحة.

و قال أحمد: لا ينظر في المرآة لإزالة شعث أو تسوية شعر أو شيء من

ص: 327


1- فتح العزيز 463:7، المجموع 353:7، الحاوي الكبير 121:4.
2- كالشيخ المفيد في المقنعة: 62، و الشيخ الطوسي في المبسوط 321:1، و النهاية: 220، و أبي الصلاح الحلبي في الكافي في الفقه: 203، و ابن إدريس في السرائر: 128.
3- كالشيخ الطوسي في الخلاف 319:2، المسألة 119، و ابن حمزة في الوسيلة: 164، و المحقّق في المختصر النافع: 85.
4- أورده ابنا قدامة في المغني 303:3، و الشرح الكبير 334:3.
5- أورده ابنا قدامة في المغني 303:3، و الشرح الكبير 324:3، و في سنن البيهقي 58:5 نحوه.

الزينة، فإن نظر لحاجة كمداواة جرح أو إزالة شعر ينبت في عينيه و غير ذلك ممّا أباح الشرع له فعله، فلا بأس، و على كلّ حال لا فدية فيه(1).

البحث السابع: لبس الحليّ للزينة
مسألة 248: لا يجوز للمرأة في حال الإحرام لبس الحليّ للزينة

و ما لم تعتد لبسه في حال الإحرام، لقول الصادق عليه السلام في المحرمة:

«أنّها تلبس الحليّ كلّه إلاّ حليّا مشهورا للزينة»(2).

و سأل يعقوب بن شعيب الصادق عليه السلام عن المرأة تلبس الحليّ، قال: «تلبس المسك و الخلخالين»(3).

و منع أحمد بن حنبل من الخلخال و ما أشبهه من الحليّ، مثل: السوار و الدّملج(4).

و روي عن عطاء أنّه كان يكره للمحرمة الحرير و الحليّ(5).

و كرهه الثوري و أبو ثور(6).

و عن قتادة أنّه كان لا يرى بأسا أن تلبس المرأة الخاتم و القرط [1] و هي محرمة، و كره السوارين و الدّملجين و الخلخالين(7).

و ظاهر مذهب أحمد: الجواز، و هو قول ابن عمر و عائشة و أصحاب الرأي، لأنّ عائشة قالت: تلبس المحرمة ما تلبس و هي حلال من خزّها و قزّها و حليّها، و على كلّ حال لا فدية فيه عند أحمد(8).

ص: 328


1- المغني 303:3-304.
2- الفقيه 220:2-1016، التهذيب 75:5-76-249، الاستبصار 310:2 - 1105.
3- الفقيه 220:2-1019.
4- المغني 315:3-316، الشرح الكبير 331:3-332.
5- المغني 315:3-316، الشرح الكبير 331:3-332.
6- المغني 315:3-316، الشرح الكبير 331:3-332.
7- المغني 316:3، الشرح الكبير 332:3.
8- المغني 316:3، الشرح الكبير 332:3.

و أمّا لبس القفّازين ففيه الفدية عنده(1) ، و كذا عندنا، لأنّها لبست ما نهيت عن لبسه في الإحرام، فلزمتها الفدية، كالنقاب، و قد قال الصادق عليه السلام: «تلبس المرأة المحرمة الحليّ كلّه إلاّ القرط المشهور و القلادة المشهورة»(2).

مسألة 249: الحليّ الذي تعتاد المرأة لبسه في الإحلال يجوز لها لبسه في الإحرام

إذا لم تظهره للزوج، لما فيه من جذب الشهوة إلى إيقاع المنهيّ عنه.

و لما رواه عبد الرحمن بن الحجّاج - في الصحيح - أنّه سأل أبا الحسن عليه السلام: عن المرأة يكون عليها الحليّ و الخلخال و المسكة و القرطان من الذهب و الورق تحرم فيه و هو عليها و قد كانت تلبسه في بيتها قبل حجّها أ تنزعه إذا أحرمت أو تتركه على حاله ؟ قال: «تحرم فيه و تلبسه من غير أن تظهره للرجال في مركبها و مسيرها»(3).

مسألة 250: لا يجوز للمحرم أن يلبس الخاتم للزينة،

و يستحب للسنّة، لأنّ الروايات الدالّة على تحريم لبس الحليّ للزينة و الاكتحال بالسواد للزينة و النظر في المرآة للزينة دلّت بمفهومها على تعليل الحرمة بالزينة، فتثبت في لبس الخاتم، لوجود العلّة.

و لأنّ مسمعا سأل الصادق عليه السلام: أ يلبس المحرم الخاتم ؟ قال:

«لا يلبسه للزينة»(4).

و أمّا استحبابه للسنّة: فلأنّ محمد بن إسماعيل قال: رأيت العبد

ص: 329


1- المغني 316:3، الشرح الكبير 332:3.
2- الفقيه 220:2-1014.
3- الكافي 345:4-4، التهذيب 75:5-248، الاستبصار 310:2-1104.
4- التهذيب 73:5-242، الاستبصار 165:2-166-544.

الصالح عليه السلام و هو محرم و عليه خاتم و هو يطوف طواف الفريضة(1).

إذا عرفت هذا، فإنّه يجوز للمرأة لبس الخاتم من الذهب، للأصل.

و لأنّه يجوز لها لبسه حالة الإحلال، فيستصحب الحكم ما لم تقصد به الزينة.

و لما رواه عمّار عن الصادق عليه السلام، قال: «تلبس المحرمة الخاتم من الذهب»(2).

إذا عرفت هذا، فيجوز أن تلبس المرأة الحرير حالة الإحرام على كراهية، و لا يكره الذهب و الخزّ، لقول الصادق عليه السلام: «لا بأس أن تحرم المرأة في الذهب و الخزّ، و ليس يكره إلاّ الحرير المحض»(3).

البحث الثامن: تغطية الرأس
مسألة 251: يحرم على الرجل حالة الإحرام تغطية رأسه اختيارا

بإجماع العلماء، لما رواه العامّة عن النبي صلّى اللّه عليه و آله، أنّه نهى عن العمائم و البرانس(4).

و من طريق الخاصّة: ما رواه زرارة - في الصحيح - عن الباقر عليه السلام، قال: قلت له: الرجل المحرم يريد أن ينام يغطّي وجهه من الذباب ؟ قال: «نعم و لا يخمّر رأسه»(5).

ص: 330


1- التهذيب 73:5-241، الاستبصار 165:2-543.
2- التهذيب 76:5-250.
3- الفقيه 220:2-1020.
4- الموطّأ 325:1-8، سنن أبي داود 165:2-1823، سنن ابن ماجة 977:2 - 2929، سنن الترمذي 194:3-195-833، سنن النسائي 132:5 و 133، سنن البيهقي 49:5.
5- التهذيب 307:5-1051، الاستبصار 184:2-614.

إذا عرفت هذا، فإنّه لا فرق بين أن يستر رأسه بمخيط، كالقلنسوة، أو بغير مخيط، كالعمامة و الإزار و الخرقة و كلّ ما يعدّ ساترا، و إذا ستر، لزمه الفداء، لأنّه باشر محظورا، كما لو حلق، و إذا غطّى رأسه، ألقى الغطاء واجبا، و جدّد التلبية مستحبّا.

و لو توسّد بوسادة فلا بأس، و كذا لو توسّد بعمامة مكورة [1]، لأنّ المتوسّد يطلق عليه عرفا أنّه مكشوف الرأس.

و لا فرق في التحريم بين تغطية الرأس بالمعتاد، كالعمامة و القلنسوة، أو بغيره، كالزنبيل و القرطاس، أو خضب رأسه بحنّاء، أو طيّنه بطين، أو حمل على رأسه متاعا أو مكتلا أو طبقا و نحوه عند علمائنا.

و ذكر الشافعي عن عطاء أنّه لا بأس به، و لم يعترض عليه(1).

و هو يشعر بموافقته، إذ من عادته الردّ على المذهب الذي لا يرتضيه.

و قال ابن المنذر و جماعة من الشافعية: إنّه نصّ في بعض كتبه على وجوب الفدية(2) ، فبعض الشافعية قطع بالأول و لم يثبت الثاني(3) ، و بعضهم قال: إنّ في المسألة قولين(4).

و وافقنا أبو حنيفة(5) على التحريم و وجوب الفدية، لأنّه غطّى رأسه بما يستره، فوجبت الفدية، كغيره.

احتجّ الآخرون: بأنّه قصد نقل المتاع لا تغطية الرأس.

و لو ستر رأسه بيديه، فلا شيء عليه، لأنّ الستر بما هو متّصل به لا يثبت له حكم الستر. و كذا لو وضع يديه على فرجه، لم يجزئه في الستر.7.

ص: 331


1- فتح العزيز 435:7، المجموع 253:7.
2- الحاوي الكبير 102:4، فتح العزيز 435:7، المجموع 253:7.
3- فتح العزيز 435:7، المجموع 252:7-253.
4- فتح العزيز 435:7، المجموع 252:7-253.
5- انظر: فتح العزيز 435:7.

و لأنّ المحرم مأمور بمسح رأسه، و ذلك يكون بوضع يده عليه.

و جوّز الحنابلة للمحرم أن يطلي رأسه بالعسل أو الصمغ، ليجتمع الشعر و يتلبّد، فلا يتخلّله الغبار، و لا يصيبه الشّعث، و لا يقع فيه الدبيب، لما رواه ابن عمر، قال: رأيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يهلّ ملبّدا(1)(2).

مسألة 252: يحرم عليه أن يرتمس في الماء بحيث يعلو الماء على رأسه

- و به قال مالك(3) - لأنّه مشتمل على تغطية الرأس.

و لما رواه عبد اللّه بن سنان - في الصحيح - عن الصادق عليه السلام، قال: «و لا ترتمس في ماء يدخل فيه رأسك»(4).

و في الصحيح عن حريز عن الصادق عليه السلام، قال: «لا يرتمس المحرم في الماء»(5).

و يجوز أن يغسل رأسه و يفيض عليه الماء إجماعا، لأنّه لا يطلق عليه اسم التغطية، و ليس هو في معناها، كالارتماس.

و لما رواه حريز - في الصحيح - عن الصادق عليه السلام، قال: «إذا اغتسل المحرم من الجنابة صبّ على رأسه الماء يميّز الشعر بأنامله بعضه من بعض»(6).

و كذا يجوز للمحرم أن يدلك رأسه و يحكّه بيده، لأنّ زرارة سأله عن المحرم هل يحكّ رأسه أو يغسله بالماء؟ فقال: «يحكّ رأسه ما لم يتعمّد قتل دابّة»(7).

ص: 332


1- سنن النسائي 136:5.
2- المغني 309:3-310، الشرح الكبير 278:3.
3- المنتقى - للباجي - 195:2.
4- التهذيب 307:5-1048.
5- الفقيه 226:2-1064، التهذيب 307:5-1049.
6- التهذيب 313:5-314-1080.
7- الكافي 366:4-7، الفقيه 230:2-1092.

و لا يحلّ للمحرم أن يضع الطيب في رأسه بحيث يبقى إلى بعد الإحرام، لما تقدّم من تحريم استعمال الطيب.

و خالف فيه الجمهور(1).

و لو خضب رأسه، وجبت الفدية، سواء كان الخضاب ثخينا أو رقيقا، لأنّه ساتر، و به قال الشافعي(2).

و فصّل أصحابه بين الثخين و الرقيق، فأوجبوا الفدية في الأول دون الثاني(3).

و ليس بمعتمد.

و كذا لو وضع عليه مرهما له جرم يستر رأسه.

و لو طلى رأسه بعسل أو لبن ثخين فكذلك، خلافا للشافعي(4).

و لو طيّن رأسه، وجبت الفدية عندنا.

و للشافعية وجهان كالوجهين فيما إذا طلى بالطين عورته و صلّى هل تجزئه ؟(5).

مسألة 253: لا يشترط في وجوب الفدية استيعاب الرأس بالستر،

بل تجب الفدية بستر بعض الرأس كما تجب بستر جميعه، لأنّ المنع من تغطية الجميع يقتضي المنع من تغطية بعضه، لأنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله قال:

(لا تخمّروا رأسه)(6) و النهي عنه يحرّم فعل بعضه.

ص: 333


1- المغني 310:3، الشرح الكبير 279:3.
2- المغني 308:3-309، الشرح الكبير 276:3.
3- فتح العزيز 436:7-437، المجموع 253:7.
4- الحاوي الكبير 110:4.
5- فتح العزيز 436:7، المجموع 253:7.
6- صحيح البخاري 96:2 و 22:3، صحيح مسلم 685:2-686-93 و 94 و 96 و 98 و 99، سنن النسائي 196:5 و 197، سنن البيهقي 70:5، مسند أحمد 215:1.

و كذلك لمّا قال تعالى وَ لا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ (1) حرم حلق بعضه.

و لا فرق بين أن يكون ذلك لعذر أو لغير عذر، فإنّ العذر لا يسقط الفدية، كما قال تعالى فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ (2).

و لو افتقر إلى تعصيب الرأس بعصابة، جاز عند الحاجة - و به قال عطاء(3) - لأنّه في محلّ الحاجة و الضرورة، و قد قال تعالى ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ (4).

و قال الصادق عليه السلام: «لا بأس أن يعصب المحرم رأسه من الصداع»(5).

و سأل محمّد بن مسلم الصادق عليه السلام: عن المحرم يضع عصام [1] القربة على رأسه إذا استقى، فقال: «نعم»(6).

و اختلفت العامّة في الأذنين هل يحرم سترهما؟ فنصّ الشافعي على تسويغه(7).

و منع أحمد منه(8) ، لما روي عن النبي صلّى اللّه عليه و آله أنّه قال:

(الأذنان من الرأس)(9).8.

ص: 334


1- البقرة: 196.
2- البقرة: 196.
3- المغني 309:3، الشرح الكبير 276:3.
4- الحج: 78.
5- الكافي 359:4-10، التهذيب 308:5-309-1056.
6- الفقيه 221:2-1024.
7- المغني 308:3، الشرح الكبير 276:3.
8- المغني 308:3، الشرح الكبير 276:3.
9- سنن أبي داود 33:1-134، سنن الترمذي 53:1-37، سنن ابن ماجة 152:1 - 443-445، سنن البيهقي 66:1 و 67، سنن الدار قطني 97:1-1-3، مسند أحمد 264:5 و 268.

و لو ستر بعض رأسه بيده ففي التحريم إشكال.

و جوّزه العامّة، لأنّ الستر بما هو متّصل به لا يثبت له حكم الستر(1).

و سأل سعيد الأعرج الصادق عليه السلام عن المحرم يستتر من الشمس بعود أو بيده، فقال: «لا، إلاّ من علّة»(2).

مسألة 254: لو غطّى رأسه ناسيا، ألقى الغطاء وجوبا،

و جدّد التلبية استحبابا، و لا شيء عليه.

أمّا وجوب الإلقاء: فلأنّ استدامة التغطية مع الذكر كابتدائها، لما فيه من الترفّه، بل هو في الاستدامة أقوى منه في الابتداء، فإيجاب الفدية فيه أولى.

و أمّا استحباب التلبية: فلأنّ حريز بن عبد اللّه سأل الصادق عليه السلام - في الصحيح - عن محرم غطّى رأسه ناسيا، قال: «يلقي القناع عن رأسه، و يلبّي، و لا شيء عليه»(3).

و كذا لو غطّاه حال نومه، لما رواه الحلبي - في الصحيح - أنّه سأل الصادق عليه السلام: عن المحرم يغطّي رأسه ناسيا أو نائما، قال: «يلبّي إذا ذكر [1]»(4).

و لأنّ التغطية تنافي الإحرام، لأنّها محرّمة فيه، فاستحبّ تجديد ما ينعقد به، و هو التلبية.

مسألة 255: يجوز للمحرم تغطية وجهه

عند علمائنا أجمع - و به قال علي عليه السلام، و عمر و عثمان و عبد الرحمن بن عوف و سعد بن أبي وقّاص

ص: 335


1- المغني 309:3، الشرح الكبير 276:3.
2- الفقيه 227:2-1069.
3- التهذيب 307:5-1050، الاستبصار 184:2-613.
4- الفقيه 227:2-1070.

و ابن عباس و ابن الزبير و زيد بن ثابت و جابر و مروان بن الحكم و القاسم و طاوس و الثوري و الشافعي و إسحاق و أحمد في إحدى الروايتين [1] - لما رواه العامّة عن النبي صلّى اللّه عليه و آله أنّه قال: (إحرام الرجل في رأسه، و إحرام المرأة في وجهها)(1) و التفصيل قاطع للشركة.

و عن ابن عباس: أنّ محرما و قصت به ناقته غداة عرفات، فقال النبي صلّى اللّه عليه و آله: (خمّروا وجهه و لا تخمّروا رأسه، فإنّه يحشر يوم القيامة ملبّيا)(2).

و من طريق الخاصّة: ما رواه زرارة - في الصحيح - قال: قلت لأبي جعفر الباقر عليه السلام: الرجل المحرم يريد أن ينام يغطّي وجهه من الذباب ؟ قال: «نعم و لا يخمّر رأسه»(3).

و قال الصادق عليه السلام: «المحرمة لا تتنقّب، لأنّ إحرام المرأة في وجهها، و إحرام الرجل في رأسه» [2].

و قال أبو حنيفة و مالك و أحمد في الرواية الأخرى: يحرم عليه تغطية وجهه، كالمرأة، لتساويهما في تحريم الطيب، فكذا التغطية.

و لأنّه قد روي عن النبي صلّى اللّه عليه و آله في المحرم الذي و قصت به4.

ص: 336


1- سنن الدار قطني 294:2-260، المغني 310:3-311، الشرح الكبير 280:3.
2- سنن البيهقي 393:3.
3- التهذيب 307:5-1051، الاستبصار 184:2-614.

ناقته: (و لا تخمّروا وجهه و لا رأسه)(1)(2).

و يبطل القياس بلبس القفّازين، و الحديث ممنوع، فإنّ المشهور فيه:

(و لا تخمّروا رأسه)(3).

مسألة 256: و إحرام المرأة في وجهها،

فيحرم عليها تغطية وجهها حال إحرامها، كما يحرم على الرجل تغطية رأسه، و لا نعلم فيه خلافا - إلاّ ما روي عن أسماء أنّها كانت تغطّي وجهها و هي محرمة(4) ، و يحتمل أنّها كانت تغطّيه بالسدل عند الحاجة، فلا يكون اختلافا - لما رواه العامّة عن النبي صلّى اللّه عليه و آله أنّه قال: (إحرام الرجل في رأسه و إحرام المرأة في وجهها)(5).

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السلام: «إحرام الرجل في رأسه و إحرام المرأة في وجهها»(6).

إذا عرفت هذا، فقد اجتمع في حقّ المحرمة فعلان لا يمكن فعل أحدهما إلاّ بفعل ما ينافي الآخر: ستر الرأس و كشف الوجه، فالقدر اليسير من الوجه الذي يلي الرأس يجوز لها ستره، إذ لا يمكن استيعاب الرأس بالستر إلاّ بستر ذلك الجزء، و هذا أولى من تسويغ كشف جزء من الرأس تبعا لكشف

ص: 337


1- صحيح مسلم 866:2-98، سنن ابن ماجة 1030:2-3084، سنن النسائي 5: 196.
2- المغني 310:3، الشرح الكبير 279:3، فتح العزيز 446:7، بداية المجتهد 1: 328، المجموع 268:7، بدائع الصنائع 185:2، المنتقى - للباجي - 199:2.
3- صحيح البخاري 96:2 و 22:3، صحيح مسلم 865:2-867-93 و 94 و 96 و 99 و 100، سنن البيهقي 393:3 و 70:5، سنن الدارمي 50:2، سنن النسائي 195:5 - 197، المغني 311:3، الشرح الكبير 280:3.
4- المغني 311:3، الشرح الكبير 280:3.
5- سنن الدار قطني 294:2-260، المغني 310:3-311، الشرح الكبير 280:3.
6- الكافي 345:4-346-7، الفقيه 219:2-1009.

جميع الوجه، لأنّ الستر أحوط من الكشف.

و لأنّ المقصود إظهار شعار الإحرام بالاحتراز عن التنقّب، و ستر الجزء المذكور لا يقدح فيه، و الرأس عورة كلّه، فيستر.

إذا ثبت هذا، فإنّه يجوز لها أن تسدل ثوبا على وجهها فوق رأسها إلى طرف أنفها متجافيا عنه بخشبة و شبهها، كما يجوز للرجل الاستظلال نازلا، عند علمائنا أجمع - و هو قول عامّة أهل العلم(1) - لما رواه العامّة عن عائشة، قالت: كان الركبان يمرّون بنا و نحن محرمات مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، فإذا حاذونا سدلت إحدانا جلبابها من رأسها على وجهها، فإذا جاوزونا كشفناه(2).

و من طريق الخاصّة: ما رواه حريز - في الصحيح - عن الصادق عليه السلام قال: «المحرمة تسدل الثوب على وجهها إلى الذقن»(3).

و لأنّ بالمرأة حاجة إلى ستر وجهها، فلا يحرم عليها على الإطلاق، كالعورة.

و لا فرق بين أن تفعل ذلك لحاجة من دفع حرّ أو برد أو فتنة أو لغير حاجة.

قال الشيخ رحمه اللّه: ينبغي أن يكون الثوب متجافيا عن وجهها بحيث لا يصيب البشرة، فإن أصابها ثم زال أو أزالته بسرعة، فلا شيء عليها، و إلاّ وجب الدم(4).1.

ص: 338


1- المغني 311:3-312، الشرح الكبير 329:3، فتح العزيز 449:7، المجموع 7: 262، المبسوط - للسرخسي - 128:4، بدائع الصنائع 186:2، بداية المجتهد 1: 327.
2- سنن أبي داود 167:2-1833، المغني 312:3، الشرح الكبير 329:3.
3- الفقيه 219:2-1007.
4- انظر: المبسوط - للطوسي - 320:1.

و يشكل بأنّ السدل لا يكاد يسلم من إصابة البشرة، و لو كان شرطا، لبيّن، لأنّه موضع الحاجة.

مسألة 257: يحرم على المرأة النقاب حالة الإحرام،

لأنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله قال: (و لا تتنقّب المرأة و لا تلبس القفّازين)(1).

و لقول الصادق عليه السلام: «إحرام المرأة في وجهها»(2).

و رواه العامّة أيضا عن النبي عليه السلام(3).

و كذا يحرم عليها لبس البرقع، لاشتماله على ستر الوجه.

و يجوز لها بعد الإحلال أن تطوف متنقّبة من غير كراهة له، فإنّ المقتضي للمنع هو الإحرام.

و كرهه عطاء ثم رجع عنه(4). و طافت عائشة متنقّبة(5).

مسألة 258: قد بيّنّا أنّه تجب الفدية بستر بعض الرأس كما تجب بستر جميعه.

و ضبطه الشافعي بأن يكون المستور قدرا يقصد ستره لغرض من الأغراض، كشدّ عصابة و إلصاق لصوق لشجّة و نحوها.

ثم قال: لو شدّ خيطا على رأسه، لم يضرّ، و لا تجب الفدية، لأنّ ذلك لا يمنع من تسميته حاسر الرأس(6).

و هو ينقض الضابط المذكور، فإنّ شدّ المقدار الذي يحويه شدّ الخيط

ص: 339


1- صحيح البخاري 19:3، سنن أبي داود 165:2-1825، سنن النسائي 136:5، سنن البيهقي 46:5.
2- الكافي 345:4-346-7، الفقيه 219:2-1009.
3- سنن الدار قطني 294:2-260، المغني 310:3-311، الشرح الكبير 280:3.
4- المغني 312:3-313، الشرح الكبير 330:3.
5- المغني 312:3، الشرح الكبير 330:3.
6- فتح العزيز 437:7-438، المجموع 253:7.

قد يقصد أيضا لغرض منع الشعر من الانتشار و غيره، فإذا الأولى النظر إلى تسميته حاسر الرأس و مستور جميع الرأس أو بعضه.

و عند أبي حنيفة لا تكمل الفدية إلاّ إذا ستر ربع الرأس فصاعدا، فإن ستر أقلّ من ذلك، فعليه صدقة(1).

البحث التاسع: التظليل
مسألة 259 1: يحرم على المحرم الاستظلال حالة السير،

فلا يجوز له الركوب في المحمل و ما في معناه، كالهودج و الكنيسة و العمارية و أشباه ذلك، عند علمائنا أجمع - و به قال ابن عمر و مالك و سفيان بن عيينة و أهل المدينة و أبو حنيفة و أحمد(2) - لما رواه العامّة عن ابن عمر أنّه رأى على رحل عمر بن عبد اللّه ابن أبي ربيعة عودا يستره من الشمس، فنهاه(3).

و رأى رجلا محرما على رحل قد رفع ثوبا على عود يستتر به من الشمس، فقال: اضح لمن أحرمت له(4). أي: أبرز للشمس.

و من طريق الخاصّة: ما رواه جعفر بن المثنى الخطيب عن محمّد بن الفضيل و بشر بن إسماعيل، قال: قال لي محمّد: ألا أبشّرك يا ابن مثنى ؟ فقلت: بلى، فقمت إليه، فقال: دخل هذا الفاسق آنفا، فجلس قبالة أبي الحسن عليه السلام، ثم أقبل عليه، فقال له: يا أبا الحسن ما تقول في المحرم أ يستظلّ على المحمل ؟ فقال [له](5): «لا» قال: فيستظلّ في

ص: 340


1- فتح العزيز 438:7، المبسوط - للسرخسي - 128:4، الهداية - للمرغيناني - 161:1، بدائع الصنائع 187:2.
2- المغني 285:3-286، الشرح الكبير 277:3، الحاوي الكبير 128:4، حلية العلماء 284:3، المجموع 267:7.
3- المغني 286:3، الشرح الكبير 277:3، و نحوهما في سنن البيهقي 70:5.
4- المغني 286:3، الشرح الكبير 277:3، و نحوهما في سنن البيهقي 70:5.
5- أضفناها من المصدر.

الخباء؟ فقال له: «نعم» فأعاد عليه القول شبه المستهزئ يضحك، فقال:

يا أبا الحسن فما فرق بين هذا و هذا؟ فقال. «يا أبا يوسف إنّ الدين ليس بقياس كقياسكم أنتم تلعبون، إنّا صنعنا كما صنع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، و قلنا كما قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، و كان رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله يركب راحلته فلا يستظلّ عليها و تؤذيه الشمس فيستر بعض جسده ببعض، و ربما ستر وجهه بيده، فإذا نزل استظلّ بالخباء و فيء البيت و الجدار» [1].

و لأنّه ستر بما يقصد به الترفّه، فأشبه ما لو غطّاه.

و رخّص فيه ربيعة و الثوري و الشافعي، و هو مروي عن عثمان و عطاء، لما روت أمّ الحصين قالت: حججت مع النبي صلّى اللّه عليه و آله حجّة الوداع، فرأيت أسامة و بدلا أحدهما أخذ بخطام [2] ناقة النبي صلّى اللّه عليه و آله، و الآخر رافع ثوبه يستره من الحرّ حتى رمى جمرة العقبة(1).

و لأنّه يباح له التظليل في البيت و الخباء، فجاز له [في حال](2) الركوب(3).

و الحديث ممنوع، و جاز أن يكون عليه السلام مضطرّا إلى التظليل.

و لأنّ رفع الثوب الساتر جاز أن يكون حالة النزول، لأنّه ليس في الحديث أنّه كان حالة الركوب، و الفرق ظاهر، فإنّ التظليل حالة النزول دافع7.

ص: 341


1- صحيح مسلم 944:2-312، سنن أبي داود 167:2-1834، مسند أحمد 6: 402.
2- أضفناها من المغني و الشرح الكبير.
3- المغني 286:3، الشرح الكبير 277:3، فتح العزيز 433:7-434، الحاوي الكبير 128:4، حلية العلماء 283:3، المجموع 267:7.

للأذى، بخلاف حالة الركوب، فإنّ الفعل حالة النزول أكثر، لدوامه، بخلاف حالة الركوب.

مسألة 260: يجوز للمحرم حالة النزول الاستظلال بالسقف و الشجرة

و الخباء و الخيمة لضرورة و غير ضرورة، عند العلماء كافّة.

روى العامّة أنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله أمر بقبّة من شعر، فضربت له ب «نمرة» فأتى «عرفة» فوجد القبّة قد ضربت له ب «نمرة» فنزل بها حتى إذا زاغت الشمس(1).

و من طريق الخاصّة: ما رواه جعفر بن المثنى عن أبي الحسن عليه السلام، قال: «كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يركب راحلته فلا يستظلّ عليها و تؤذيه الشمس، فيستر بعض جسده ببعض، و ربما ستر وجهه بيده، و إذا نزل استظلّ بالخباء و في البيت و بالجدار»(2).

مسألة 261: لو افتقر حالة السير إلى الاستظلال لعلّة و مرض و شدّة حرّ أو برد أو مطر،

جاز له الاستظلال، و تجب الفدية، لما رواه سعد بن سعد الأشعري عن الرضا عليه السلام، قال: سألته عن المحرم يظلّل على نفسه، فقال: «أمن علّة ؟» فقلت: تؤذيه الشمس و هو محرم، فقال: «هي علّة يظلّ و يفدي»(3).

و سأل إبراهيم بن أبي محمود، الرضا عليه السلام: عن المحرم يظلّل على محمله و يفدي إذا كانت الشمس و المطر يضرّ به، قال: «نعم» قلت:

كم الفداء؟ قال: «شاة»(4).

ص: 342


1- صحيح مسلم 889:2-1218، سنن أبي داود 185:2-1905، سنن ابن ماجة 2: 1024-3074، سنن الدارمي 47:2.
2- الكافي 350:4-1، التهذيب 309:5-310-1061.
3- التهذيب 310:5-311-1064، الإستبصار 186:2-624.
4- الكافي 351:4-9، التهذيب 311:5-1066، الاستبصار 187:2-626.

و لأنّه في محلّ الحاجة، فكان سائغا.

إذا عرفت هذا، فإنّه لا يجوز للمحرم إذا لم يكن مضطرّا إلى التظليل أن يظلّل على نفسه و إن التزم الكفّارة، و إنّما يسوغ التظليل للمحرم بشرطين:

العلّة و التزام الكفّارة.

روى عبد اللّه بن المغيرة - في الصحيح - عن الكاظم عليه السلام:

أظلّل و أنا محرم ؟ قال: «لا» قلت: أ فأظلّل و أكفّر؟ قال: «لا» قلت: فإن مرضت ؟ قال: «ظلّل و كفّر»(1).

مسألة 262: يجوز للمرأة التظليل على نفسها حالة السير،

كما جاز للعليل، لضعف مزاجها، و قبوله للانفعال بسرعة، فساغ لها التظليل، دفعا للحرج الحاصل من تركه، فأشبهت العليل و النازل.

و روى محمّد بن مسلم - في الصحيح - عن أحدهما عليهما السلام، قال: سألته عن المحرم يركب القبّة، فقال: «لا» قلت: فالمرأة المحرمة، قال: «نعم»(2).

و كذا الصبي يجوز له التظليل، لما قلناه في المرأة.

و لما رواه حريز - في الصحيح - عن الصادق عليه السلام، قال: «لا بأس بالقبّة على النساء و الصبيان و هم محرمون، و لا يرتمس المحرم في الماء و لا الصائم»(3).

قال الشيخ رحمه اللّه: قد رخص للنساء في التظليل، و تركه أفضل على كلّ حال(4).

ص: 343


1- الفقيه 225:2-1059، التهذيب 313:5-1075، الاستبصار 187:2-627.
2- التهذيب 312:5-1070.
3- الفقيه 226:2-1064، التهذيب 312:5-1071.
4- النهاية: 221، المبسوط - للطوسي - 321:1.
مسألة 263: لو زامل المريض أو المرأة أو الصبيّ رجل صحيح،

اختصّ المريض و المرأة و الصبي بالتظليل على المحمل، و كشف الصحيح محمله، لقيام المانع من التظليل في حقّه، و هو الإحرام السالم عن أحد الأعذار المسوّغة له.

و لما رواه بكر بن صالح، قال: كتبت إلى أبي جعفر الثاني عليه السلام: إنّ عمّتي معي و هي زميلتي و يشتدّ عليها الحرّ إذا أحرمت، فترى [أن](1) أظلّل عليّ و عليها؟ فكتب: «ظلّل عليها وحدها»(2).

مسألة 264: إذا استظلّ حالة الاختيار، وجب عليه الفداء

- و هو رواية عن أحمد، و قول أهل المدينة(3) - لأنّه ستر رأسه بما يستدام و يلازمه غالبا، فأشبه ما لو ستره بشيء يلاقيه.

و لأنّ الفداء يجب للضرورة فبدونها أولى.

و لأنّ محمد بن إسماعيل بن بزيع، قال: سأله رجل عن الظلال للمحرم من أذى مطر أو شمس و أنا أسمعه، فأمره أن يفدي [1] شاة يذبحها بمنى(4).

و أحمد و إن منع التظليل إلاّ أنّه لم يوجب الفدية، فقيل له: إنّ أهل المدينة يقولون: عليه دم، قال: نعم أهل المدينة يغلطون(5).

إذا عرفت هذا، فلا فرق بين أن يقع التظليل في إحرام العمرة المتمتّع بها و إحرام الحج.

و قال الشيخ في بعض كتبه: لو وقع التظليل في إحرام العمرة المتمتّع

ص: 344


1- أضفناها من المصدر.
2- الفقيه 226:2-1061، التهذيب 311:5-1068، الإستبصار 185:2-616.
3- المغني 287:3، الشرح الكبير 277:3.
4- الكافي 351:4-5، التهذيب 311:5-1065، الإستبصار 186:2-625.
5- المغني 287:3، الشرح الكبير 277:3.

بها، لزمه كفّارتان، لما رواه أبو علي بن راشد، قال: قلت له عليه السلام:

جعلت فداك إنّه يشتدّ عليّ كشف الظلال، لأنّي محرور تشتدّ الشمس عليّ، فقال: «ظلّل و أرق دما» فقلت له: دما أو دمين، قال: «للعمرة ؟» قلت:

إنّا نحرم بالعمرة و ندخل مكة فنحلّ و نحرم بالحجّ، قال: «فأرق دمين»(1).

و مع صحة السند نحمله على الاستحباب.

و قال بعض الشافعية: إذا لم تمسّ المظلّة رأسه، فلا فدية، و إن مسّته، وجبت الفدية(2)

البحث العاشر: إزالة الشعر
مسألة 265: يحرم على المحرم إزالة شيء من شعره،

قليلا كان أو كثيرا، على رأسه أو على بدنه أو لحيته بإجماع العلماء.

قال اللّه تعالى وَ لا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ (3).

و ما رواه العامّة عن النبي صلّى اللّه عليه و آله، أنّه قال لكعب بن عجرة:

(لعلّك تؤذيك هوامّ رأسك) قال: نعم يا رسول اللّه، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: (احلق رأسك، و صم ثلاثة أيّام، أو أطعم ستة مساكين، أو أنسك شاة)(4) و هو يدلّ على المنع من الحلق قبل ذلك.

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السلام: «مرّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله على كعب بن عجرة الأنصاري و القمل يتناثر من رأسه،

ص: 345


1- التهذيب 311:5-1067.
2- فتح العزيز 433:7.
3- البقرة: 196.
4- صحيح البخاري 12:3-13، المعجم الكبير - للطبراني - 109:19-220، سنن البيهقي 55:5، الموطّأ 417:1-238 بتفاوت، و أورد نصّه ابن قدامة في المغني 3: 301.

فقال: أ تؤذيك هوامّك ؟ فقال: نعم، قال: فأنزلت هذه الآية فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ (1) فأمره رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، فحلق رأسه، و جعل عليه صيام ثلاثة أيام و الصدقة على ستة مساكين لكلّ مسكين مدّان، و النسك شاة»(2).

و قال ابن عباس مَرِيضاً أي: برأسه قروح أَوْ بِهِ أَذىً ، أي:

قمل(3).

و سواء حلق لعذر أو لغير عذر، فإنّ الفدية واجبة عليه، للآية(4) ، و إذا وجبت مع العذر فمع عدمه أولى.

مسألة 266: و لا فرق بين شعر الرأس في ذلك و بين شعر البدن في قول أهل العلم،

لما تقدّم في قول الصادق عليه السلام: «و لا يحلق الشعر»(5) و هو يتناول شعر الرأس و غيره.

و لاشتماله على التنظيف و الترفّه، فلزمته الفدية، كشعر الرأس، بل الحاصل من الترفّه و التنظيف فيه أكثر من الرأس.

و قال أهل الظاهر: لا يجب في شعر غير الرأس(6) ، لقوله تعالى:

وَ لا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ (7) .

و هو استدلال بمفهوم اللقب، و ليس حجّة إجماعا من المحقّقين.

و لا فرق بين أن يزيل الشعر بالإطلاء أو الحلق أو النتف عن الرأس أو

ص: 346


1- البقرة: 196.
2- الكافي 358:4-2، التهذيب 333:5-1147، الإستبصار 195:2-656.
3- المغني 302:3، بداية المجتهد 366:1، تفسير ابن عباس: 27.
4- البقرة: 196.
5- التهذيب 306:5-1044، الاستبصار 183:2-608.
6- المجموع 248:7، حلية العلماء 283:3، بداية المجتهد 367:1.
7- البقرة: 196.

البدن.

و لو قطع يده و عليها شعرات، فلا فدية، لأنّ الشعر غير مقصود بالإبانة، و كذا لو كشط جلدة الرأس، كما لو قتل الصغيرة لا يجب المهر، لأنّ البضع تابع عند القتل.

و لو أرضعت الكبيرة الصغيرة، بطل النكاح، و وجب المهر.

و لو مشط لحيته أو رأسه، فانتفت شعرات، فعليه الفدية.

و لو شكّ هل كانت الشعرات منسلّة فانفصلت و انتتفت بالمشط، فالأقرب: وجوب الفدية، و هو أحد قولي الشافعي، و الثاني: لا تجب(1).

مسألة 267: الكفّارة تجب بحلق جميع الرأس و بعضه،

قليلا كان أو كثيرا، لكن تختلف، ففي حلق جميع الرأس: دم، و كذا فيما يسمّى حلق الرأس و إن كان بعضه.

و في حلق ثلاث شعرات صدقة بمهما كان، لأنّ الدم معلّق على حلق الرأس، و هو إنّما يصدق حقيقة في الجميع، فيبقى الباقي على أصل البراءة.

و أمّا وجوب الفدية في القليل: فلما ورد عنهم عليهم السلام: «أنّ من مسّ شعر رأسه و لحيته فسقط شيء من شعره يتصدّق بشيء»(2).

و قال الشافعي: يجب بحلق ثلاث شعرات دم، لأنّه شعر آدمي يصدق عليه اسم الجمع المطلق(3).

و الفرق بين الكثير و القليل ظاهر.

و قال أبو حنيفة: لا يجب الدم إلاّ بحلق ربع الرأس، لأنّ الربع يقوم

ص: 347


1- الوجيز 125:1، فتح العزيز 465:7، المجموع 248:7.
2- الكافي 361:4-11، الفقيه 229:2-1089، التهذيب 338:5-339-1171، الاستبصار 198:2-669.
3- الوجيز 125:1، فتح العزيز 466:7، المهذّب - للشيرازي - 221:1، المجموع 7: 374، مختصر المزني: 66، المغني 526:3، الشرح الكبير 270:3.

مقام الكلّ، فإنّه يصدق: رأيت رجلا، و إن كان لم يشاهد سوى جانب منه(1).

و نمنع حقيقة الإطلاق، و لهذا يصحّ نفيه.

و رؤية الرجل مجاز إمّا لأنّه ليس هو الهيكل المحسوس، بل شيء مجرّد، و إمّا لأنّه أجزاء أصلية.

و لأنّ الإنسان ليس مربّعا، بل إذا رأى ما يعرفونه قال: رأيته، و لو رأى صفحة وجهه.

و قال مالك: إذا حلق من رأسه ما أماط عنه الأذى، وجب الدم، قلّ أو كثر(2).

و عن أحمد روايتان: إحداهما: أنّه يجب بثلاث شعرات، كقول الشافعي، و الثانية: بأربع شعرات(3).

و لو نتف شعرة أو شعرتين، فعندنا تجب صدقة، و للشافعي أقوال:

أحدها: يجب في الشعرة الواحدة مدّ من طعام، و في الشعرتين مدّان، و في الثلاث دم شاة، لأنّ تبعيض الدم عسر، و الشرع [1] قد عدل الحيوان بالطعام في جزاء الصيد و غيره، و الشعرة الواحدة هي النهاية في القلّة، و المدّ أقلّ ما وجب في الكفّارات، فقوبلت به.

الثاني: أنّه يجب في الشعرة الواحدة درهم، و في الشعرتين درهمان، لأنّ7.

ص: 348


1- الهداية - للمرغيناني - 161:1، بدائع الصنائع 192:2، المغني 526:3، الشرح الكبير 271:3، فتح العزيز 466:7، المجموع 374:7، حلية العلماء 306:3.
2- المدوّنة الكبرى 430:1، بداية المجتهد 365:1-366، المغني 526:3، الشرح الكبير 271:3، فتح العزيز 466:7، المجموع 374:7، حلية العلماء 307:3.
3- المغني 526:3، الشرح الكبير 270:3، المجموع 374:7، فتح العزيز 466:7.

تبعيض الدم عسر، و كانت الشاة تقوّم في عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بثلاثة دراهم تقريبا، فاعتبرت تلك القيمة عند الحاجة إلى التوزيع.

الثالث: أنّ في الشعرة ثلث دم، و في الشعرتين ثلثي الدم، تقسيطا للواجب في الشعرات الثلاث على الآحاد.

الرابع: أنّ الدم الكامل يجب بالشعرة الواحدة، لأنّ محظورات الإحرام لا تختلف بالقلّة و الكثرة، كالطيب و اللّبس(1).

مسألة 268: لو حلق رأسه لأذى، لم يكن محرّما،

و لا تسقط الفدية، لنصّ القرآن(2).

و لو كثرت الهوامّ في رأسه، أو كانت به جراحة، و أحوجه أذاها إلى الحلق، جاز له ذلك، و يجب الفداء، كما في حديث كعب بن عجرة، و قد تقدّم(3).

و كذا لو كان كثير الشعر يؤذيه الحرّ، جاز له الحلق مع الفداء.

و لو كان الضرر اللاحق من نفس الشعر، مثل أن ينبت في عينه أو طال حاجباه فغطيا عينيه، فله قلع ما في العين، و قطع ما استرسل على عينيه، و لا فدية عليه، لأنّ الشعر آذاه، فكان له دفع أذيّته بغير فدية، كالصيد إذا صال عليه.

و لو كان الأذى من غير الشعر لكن لا يتمكّن من إزالة الأذى إلاّ بإزالة الشعر، كالقمّل و القروح برأسه، أو صداع برأسه، أو شدّة الحرّ عليه لكثرة شعره، فعليه الفدية، لأنّه قطع الشعر لإزالة ضرر غيره، فأشبه أكل الصيد للمخمصة.

ص: 349


1- الحاوي الكبير 115:4، الوجيز 125:1، فتح العزيز 467:7، المهذّب - للشيرازي - 221:1، المجموع 370:7-371، حلية العلماء 307:3.
2- البقرة: 196.
3- تقدّم في المسألة 265.

لا يقال: القمّل من ضرر الشعر و الحرّ سببه كثرة الشعر فتساويا.

لأنّا نقول: ليس القمّل من الشعر و إنّما لا يتمكّن من المقام في الرأس إلاّ به، فهو محلّ له لا سبب فيه.

و كذا الحرّ من الزمان بدليل أنّ الشعر يوجد في زمن البرد، فلا يتأذّى به.

و هذا تفصيل حسن لا بأس به، ذكره بعض الشافعية [1].

تنبيه: لو نتف إبطه، وجب عليه الفدية، لأنّه أزال الشعر للترفّه، فكان عليه الفداء، كغيره.

و لما رواه حريز - في الصحيح - عن الصادق عليه السلام، قال: «إذا نتف الرجل إبطه بعد الإحرام فعليه دم»(1).

إذا عرفت هذا، فليس الحكم منوطا بالحلق بل بالإزالة و الإبانة إمّا بنتف أو إحراق أو غيره.

مسألة 269: النسيان مسقط للفدية في الطيب و اللباس و ما عدا الوطء من الاستمتاعات،

كالقبلة و اللمس بشهوة، و سيأتي.

و هل يسقط الفدية في الحلق و القلم ؟ فيه للشافعية وجهان:

أحدهما: لا تجب، كما في الاستمتاعات.

و الثاني: الوجوب(2).

و هو المعتمد، لأنّ الإتلافات يتساوى عمدها و خطؤها، كما في ضمان الأموال.

و أمّا المجنون و المغمى عليه و الصبي غير المميّز: فالأقرب عدم الضمان

ص: 350


1- الفقيه 228:2-1079، التهذيب 340:5-1177، الاستبصار 199:2-675.
2- فتح العزيز 468:7، المهذّب - للشيرازي - 220:1، المجموع 340:7-341.

في حقّهم، لعدم التكليف عليهم، بخلاف الناسي، فإنّه يفعل ما يتعاطاه، و النسيان عذر في سقوط الإثم لا في إزالة الفداء.

مسألة 270: يجوز للمحرم أن يحلق شعر المحلّ،

و لا شيء عليه - و به قال الشافعي و مالك و أحمد، و هو محكي عن مجاهد(1) - لأنّ المحلّ يسوغ له حلق رأسه، فجاز للمحرم فعله به، كما لو فعله المحلّ، لأنّ المحرّم إنّما هو إزالة شعر المحرم عن نفسه.

و لأنّه لم يتعلّق بمنبته حرمه الإحرام، فجاز للمحرم حلقه، كشعر البهيمة.

و لأنّه يجوز له أن يطيبه و يلبسه، فأشبه المحلّ إذا حلقه.

و لأصالة براءة الذمّة.

و قال أبو حنيفة: لا يجوز له، فإن فعل، فعليه صدقة، لقوله تعالى وَ لا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ (2) معناه لا يحلق بعض رءوس بعض.

و لأنّ المحرم ممنوع منه بكلّ حال، و ما كان كذلك منع منه في حقّ غيره، كقتل الصيد، بخلاف اللباس، فإنّه ليس بممنوع منه بكلّ حال(3).

و الآية خطاب للمحرمين، لقوله تعالى فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ (4).

و لأنّ المحلّ غير ممنوع من حلق الرأس إجماعا، و الصيد إذا أتلفه المحرم بكلّ حال ضمنه، و هنا منع من شعر المحرم، لما فيه من الترفّه و زوال الشعث في الإحرام، و هو غير موجود في شعر المحلّ.

ص: 351


1- فتح العزيز 469:7، المهذّب - للشيرازي - 214:1، المجموع 248:7 و 345 و 350، المغني 529:3، الشرح الكبير 274:3، المبسوط - للسرخسي - 72:4.
2- البقرة: 196.
3- المبسوط - للسرخسي - 72:4، الهداية - للمرغيناني - 162:1، بدائع الصنائع 2. 193، المغني 529:3، الشرح الكبير 274:3، المجموع 248:7، و 345 و 350، فتح العزيز 469:7.
4- البقرة: 196.
مسألة 271: لا يجوز للمحرم و لا للمحلّ أن يحلقا رأس المحرم مع علمهما بحاله إجماعا،

لقوله تعالى وَ لا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ (1).

و المراد: أن لا يحلقه بنفسه و لا بغيره، بل انصراف ذلك إلى الغير أولى، فإنّ الإنسان لا يمكنه أن يحلق رأس نفسه إلاّ نادرا.

و لا فدية على واحد منهما علما أو جهلا، أذن لهما أو لا، لأصالة براءة الذمّة، و التحريم لا يستلزم الفدية، كما في كثير من المحرّمات.

و قال أبو حنيفة: إذا كان الحالق محلا، وجب عليه صدقة نصف صاع، و على المحرم فدية، و إن كان محرما، فإن كان بإذنه، فعلى الآذن الفدية، و على الحالق صدقة(2).

و قال الشافعي: إذا حلق الحلال أو الحرام شعر الحرام، فقد أساء.

ثم إن حلق بأمره، فالفدية على المحلوق، لأنّ فعل الحالق بأمره يضاف إليه، أ لا ترى [1] أنّه لو حلف لا يحلق رأسه فأمر غيره، فحلق، يحنث في يمينه.

و لأنّ يده ثابتة على الشعر، و هو مأمور بحفظه إمّا على سبيل الوديعة أو العارية، و كلاهما إذا تلف في يده بأمره يضمن.

و إن حلق لا بأمره ينظر إن كان نائما أو مكرها أو مغمى عليه، فقولان:

أصحّهما: أنّ الفدية على الحالق - و به قال مالك و أحمد - لأنّه المقصّر و لا تقصير من المحلوق.

و الثاني - و به قال أبو حنيفة - أنّها على المحلوق، لأنّه المرتفق به(3).

ص: 352


1- البقرة: 196.
2- الهداية - للمرغيناني - 162:1، حلية العلماء 304:3، فتح العزيز 496:7، المجموع 345:7.
3- فتح العزيز 469:7، المهذّب - للشيرازي - 220:1، المجموع 345:7-346، حلية العلماء 302:3 و 304، المغني 530:3، الشرح الكبير 273:3.

و أصحاب الشافعي بنوا القولين على أنّ استحفاظ الشعر في يد المحرم جار مجرى الوديعة أو مجرى العارية.

و فيه جوابان:

إن قلنا بالأول، فالفدية على الحالق، كما أنّ ضمان الوديعة على المتلف دون المودع، و إن قلنا بالثاني، وجبت على المحلوق وجوب الضمان على المستعير.

قالوا: و الأول أظهر، لأنّ العارية هي التي يمسكها لمنفعة نفسه، و قد يريد المحرم الإزالة دون الإمساك.

و أيضا فإنّه لو احترق شعره بتطاير الشرر و لم يقدر على التطفئة، فلا فدية عليه، و لو كان كالمستعير، لوجبت عليه الفدية.

قالوا: فإن قلنا: الفدية على الحالق، فإن فدى، فلا بحث، و إن امتنع مع القدرة، فهل للمحلوق مطالبته بإخراجها؟ فيه وجهان: فالأكثر على أنّ له ذلك، بناء على أنّ المحرم كالمودع خصم فيما يؤخذ منه و يتلف في يده.

و إذا أخرج المحلوق [الفدية](1) بإذن الحالق، جاز، و بغير إذنه لا يجوز في أصحّ الوجهين، كما لو أخرجها أجنبي بغير إذنه.

و إن قلنا: الفدية على المحلوق، فإن فدى بالهدي أو الطعام، رجع بأقلّ الأمرين من الطعام أو قيمة الشاة على الحالق، و لا يرجع بما زاد، لأنّ الفدية على التخيير، و هو متطوّع بالزيادة.

و إن فدى بالصوم، فوجهان: أظهرهما: لا، و على الثاني بم يرجع ؟ وجهان:ر.

ص: 353


1- أضفناها من المصدر.

أظهرهما: بثلاثة أمداد من طعام، لأنّ صوم كلّ يوم مقابل مدّ.

و الثاني بما يرجع به لو فدى بالهدي أو الإطعام.

ثم إذا رجع فإنّما يرجع بعد الإخراج في أصحّ الوجهين.

و الثاني: أنّ له أن يأخذ منه ثم يخرج.

و هل للحالق أن يفدي على هذا القول ؟ أمّا بالصوم فلا، لأنّه متحمّل، و الصوم لا يتحمّل.

و أمّا بغيره فنعم، و لكن بإذن المحلوق، لأنّ في الفدية معنى التقرّب، فلا بدّ من نيّة من وجبت عليه.

و إن لم يكن نائما و لا مغمى عليه و لا مكرها، لكنه سكت عن الحلق و لم يمنع منه، فقولان:

أحدهما: أنّ الحكم كما لو كان نائما، لأنّ السكوت ليس بأمر، فإنّ السكوت على إتلاف المال لا يكون أمرا بالإتلاف.

و أصحّهما: أنّه كما لو حلق بأمره، لأنّ الشعر إمّا كالوديعة عنده أو كالعارية، و على التقديرين يجب الدفع عنه(1).

و لو أمر حلال حلالا بحلق شعر حرام و هو نائم، فالفدية على الآمر عند الشافعي إن لم يعرف الحالق الحال، و إن عرف، فعليه في أصحّ الوجهين(2).

و هذه الفروع كلّها ساقطة عندنا، لأنّ الحالق لا كفّارة عليه عندنا، و أمّا المحلوق فإن كان الحلق بإذنه ضمن، و إلاّ فلا.

البحث الحادي عشر: القلم
مسألة 272: أجمع فقهاء الأمصار كافّة

على أنّ المحرم ممنوع من

ص: 354


1- فتح العزيز 469:7-470، المجموع 346:7-349.
2- فتح العزيز 470:7، المجموع 349:7.

قصّ أظفاره مع الاختيار، لأنّه إزالة جزء يترفّه به فحرم، كإزالة الشعر.

و لما رواه الشيخ عن إسحاق بن عمّار عن أبي الحسن عليه السلام، قال: سألته عن رجل أحرم فنسي أن يقلّم أظفاره، قال: فقال: «يدعها» قال: قلت: إنّها طوال، قال: «و إن كانت» قلت: إنّ رجلا أفتاه بأن يقلّمها و أن يغتسل و يعيد إحرامه، ففعل، قال: «عليه دم»(1).

و اعلم أنّ علماءنا نصّوا على أنّ من قلّم ظفره بإفتاء غيره، فأدمى إصبعه، كان على المفتي دم شاة، لهذه الرواية.

إذا ثبت هذا، فليس الحكم مخصوصا بالقلم، بل بمطلق الإزالة، فإنّها تزال للتنظيف و الترفّه، فيلحق بالقلم الكسر و القطع.

و لو قطع يده أو إصبعه و عليها الظفر، فلا فدية عليه، لأنّ الظفر تابع غير مقصود بالإبانة.

مسألة 273: لو احتاج إلى مداواة قرحة و لا يمكنه إلاّ بقصّ أظفاره،

جاز له ذلك، و وجبت الفدية - خلافا لبعض العامّة [1] - لأنّه أزال ما منع من إزالته لضرر في غيره، فكان كما لو حلق رأسه لضرر القمل.

و لما رواه معاوية بن عمّار - في الصحيح - عن الصادق عليه السلام، قال: سألته عن الرجل المحرم تطول أظفاره، قال: «لا يقصّ شيئا منها إن استطاع، فإن كانت تؤذيه فليقصّها و ليطعم مكان كلّ ظفر قبضة من طعام»(2).

مسألة 274: لو أزال بعض الظفر تعلّق به ما يتعلّق بالظفر جميعه،

لأنّه بعض من جملة مضمونة.

و كذا لو أخذ بعض شعره، فإنّه يكون كأخذ الشعرة بأجمعها.

و لو أخذ من بعض جوانب الظفر و لم يأت على رأسه كلّه، ففيه ما في

ص: 355


1- التهذيب 314:5-1082.
2- الكافي 360:4-3، الفقيه 228:2-1077، التهذيب 314:5-1083.

الظفر.

و قالت الشافعية: إن قلنا: يجب في الظفر الواحد ثلث دم أو درهم، فالواجب فيه ما يقتضيه الحساب، و إن قلنا: يجب مدّ، فلا سبيل إلى تبعيضه(1).

مسألة 275: لو انكسر ظفره، كان له إزالته بلا خلاف بين العلماء،

لأنّه يؤذيه و يؤلمه، فكان له إزالته، كالشعر النابت في عينه و الصيد الصائل عليه.

و هل تجب فيه الفدية ؟ إشكال ينشأ: من أصالة براءة الذمّة و مشابهته للصيد الصائل، و من الرواية الصحيحة عن الصادق عليه السلام و قد سأله معاوية بن عمّار: عن المحرم تطول أظفاره إلى أن ينكسر بعضها فيؤذيه:

«فليقصّها و ليطعم مكان كلّ ظفر قبضة من طعام»(2) لأنّ العمل بالرواية متعيّن.

و لو قصّ المكسور خاصّة، لم يكن عليه شيء عند قوم على ما تقدّم من الإشكال.

و لو أزال منه ما بقي ممّا لم ينكسر، ضمنه بما يضمن به الظفر، لأنّه أزال بعض الظفر ابتداء من غير علّة، فوجب ضمانه، و كذا لو أزاله تبعا.

البحث الثاني عشر: إخراج الدم
مسألة 276: اختلف علماؤنا في جواز الحجامة للمحرم اختيارا،

فمنع منه المفيد و ابن إدريس(3) ، و به قال مالك(4) ، و كان الحسن البصري يرى

ص: 356


1- فتح العزيز 467:7.
2- الكافي 360:4-3، الفقيه 228:2-1077، التهذيب 314:5-1083.
3- المقنعة: 68، السرائر: 128.
4- المنتقى - للباجي - 240:2، المجموع 355:7، حلية العلماء 305:3، المغني 283:3، الشرح الكبير 334:3.

في الحجامة دما(1).

و اختار ابن بابويه الجواز(2) ، و هو قول أكثر العامّة(3).

و للشيخ قولان(4).

احتجّ المفيد: بما رواه الحسن الصيقل عن الصادق عليه السلام: عن المحرم يحتجم، قال: «لا، إلاّ أن يخاف على نفسه التلف و لا يستطيع الصلاة» و قال: «إذا أذاه الدم فلا بأس به و يحتجم و لا يحلق الشعر»(5).

و احتجّ المجوّزون: بما رواه العامّة عن ابن عباس: انّ النبي صلّى اللّه عليه و آله احتجم - و هو محرم - في رأسه(6).

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السلام: «لا بأس أن يحتجم المحرم ما لم يحلق أو يقطع الشعر»(7).

و هما محمولان على الاحتياج إليه، جمعا بين الأدلّة.

مسألة 277: يجوز الحجامة مع الضرورة و دعوى الحاجة،

و كذا الفصد بلا خلاف، دفعا للضرر [1]، و كذا يجوز قطع العضو عند الحاجة، و الختان من غير فدية، للأصل.

و لو احتاج في الحجامة إلى قطع شعر، قطعه، لما رواه العامّة عن النبي

ص: 357


1- المغني 283:3، الشرح الكبير 334:3.
2- المقنع: 73، الفقيه 222:2-1033.
3- المغني 283:3، الشرح الكبير 334:3، المجموع 355:7.
4- قال بعدم الجواز في المبسوط 321:1، و النهاية: 220، و بالجواز في الخلاف 315:2، المسألة 110.
5- التهذيب 306:5-1044، الاستبصار 183:2-608.
6- سنن أبي داود 167:2-168-1836.
7- التهذيب 306:5-1046، الاستبصار 183:2-610.

صلّى اللّه عليه و آله: أنّه احتجم في طريق مكّة و هو محرم وسط [1] رأسه(1) ، و من ضرورة ذلك قطع الشعر.

و من طريق الخاصّة: ما رواه مهران بن أبي نصر و علي بن إسماعيل بن عمّار عن أبي الحسن عليه السلام، قالا: سألناه، فقال في حلق القفا للمحرم: «إن كان أحد منكم يحتاج إلى الحجامة فلا بأس به، و إلاّ فيلزم ما جرى عليه الموسى إذا حلق»(2).

و لأنّه يباح إزالة الشعر أجمع لضرر القمل، فكذا هنا.

إذا عرفت هذا، فإنّ الفدية واجبة عليه - و به قال الشافعي و أبو حنيفة و مالك و أحمد و أبو ثور و ابن المنذر(3) - لقوله تعالى فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ (4).

و لأنّ حلقه لإزالة ضرر عنه، فلزمته الكفّارة، كما لو حلقه لإزالة قملة.

و قال أبو يوسف و محمد: يتصدّق بشيء(5).

مسألة 278: يجوز للمحرم أن يبطّ خراجه و يشقّ الدمل

إذا احتاج إلى

ص: 358


1- صحيح البخاري 19:3، صحيح مسلم 862:2-863-1203، سنن النسائي 5: 194، سنن البيهقي 65:5، المغني 283:3، الشرح الكبير 335:3.
2- التهذيب 306:5-307-1047.
3- المجموع 356:7، بدائع الصنائع 193:2، الهداية - للمرغيناني - 162:1، المبسوط - للسرخسي - 74:4، المدوّنة الكبرى 428:1، المغني 283:3-284، الشرح الكبير 335:3.
4- البقرة: 196.
5- بدائع الصنائع 193:2، الهداية - للمرغيناني - 162:1، المبسوط - للسرخسي - 4: 74، المغني 284:3، الشرح الكبير 335:3.

ذلك، و لا فدية عليه إجماعا، لما رواه العامّة عن النبي صلّى اللّه عليه و آله أنّه احتجم و هو محرم(1).

و من طريق الخاصّة: رواية معاوية بن عمّار - الصحيحة - عن الصادق عليه السلام، قال: سألته عن المحرم يعصر الدمل و يربط عليه الخرقة، فقال: «لا بأس»(2).

و روى هشام بن سالم - في الصحيح - عن الصادق عليه السلام، قال:

«إذا خرج بالمحرم الخراج و الدمل فليبطّه و ليداوه بزيت أو بسمن»(3).

و لأنّه في محلّ الحاجة و لا يستتبع ترفّها، فكان سائغا، كشرب الدواء.

و يجوز أن يقلع ضرسه مع الحاجة إليه، لأنّه تداو، و ليس بترفّه، فكان سائغا، كشرب الدواء.

و لما رواه الحسن الصيقل أنّه سأل الصادق عليه السلام: عن المحرم يؤذيه ضرسه أ يقلعه ؟ قال: «نعم لا بأس به»(4).

و لو لم يحتج إلى قلعه، كان عليه دم.

مسألة 279: لا يدلك المحرم جسده بعنف لئلاّ يدميه أو يقلع شعره،

و كذا لا يستقصي في سواكه لئلاّ يدمي فاه، و لا يدلك وجهه في غسل الوضوء و غيره لئلاّ يسقط من شعر لحيته شيء، لما رواه معاوية بن عمّار - في الصحيح - عن الصادق عليه السلام: عن المحرم كيف يحكّ رأسه ؟ قال:

«بأظافيره ما لم يدم أو يقطع الشعر»(5).

ص: 359


1- صحيح البخاري 19:3، صحيح مسلم 862:2-1202، سنن الترمذي 199:3 - 839، سنن أبي داود 167:2-168-1835 و 1836، سنن ابن ماجة 1029:2 - 3082، سنن النسائي 193:5، سنن البيهقي 64:5 و 65، الموطّأ 349:1-74.
2- الكافي 359:4-5، الفقيه 222:2-1038.
3- الفقيه 222:2-1040، التهذيب 304:5-1036.
4- الفقيه 222:2-1036.
5- التهذيب 313:5-1076.

و عن الحلبي - في الصحيح - عن الصادق عليه السلام، قال: سألته عن المحرم يستاك، قال: «نعم و لا يدمي»(1).

و عن معاوية بن عمّار - في الصحيح - عن الصادق عليه السلام، قال:

«لا بأس أن يدخل المحرم الحمّام و لكن لا يتدلّك»(2).

و عن عمر بن يزيد عن الصادق عليه السلام، قال: «لا بأس بحكّ الرأس و اللحية ما لم يلق الشعر، و بحكّ الجسد ما لم يدمه»(3).

و سأل يعقوب بن شعيب - في الصحيح - الصادق عليه السلام: عن المحرم يغتسل، فقال: «نعم يفيض الماء على رأسه و لا يدلكه»(4).

مسألة 280: ينبغي للمحرم أن يغسل رأسه و بدنه برفق بحيث لا يسقط منه شيء من شعر رأسه و لحيته إجماعا،

و فعله [1] علي عليه السلام، و عمر، و ابنه، و به قال جابر و سعيد بن جبير و الشافعي و أبو ثور و أصحاب الرأي(5) ، إلاّ أنّه لا يجوز له الارتماس في الماء بحيث يغيبه فيه، عند علمائنا، و به قال مالك(6) - خلافا لباقي العامّة(7) - لما فيه من تغطية الرأس.

احتجّوا: بما رواه ابن عباس، قال: ربما قال لي عمر و نحن محرمون

ص: 360


1- التهذيب 313:5-1078.
2- التهذيب 314:5-1081، الاستبصار 184:2-611.
3- التهذيب 313:5-1077.
4- الفقيه 230:2-1093، التهذيب 313:5-1079.
5- المغني 274:3، الشرح الكبير 313:3، المحلّى 247:7، المجموع 355:7، الهداية - للمرغيناني - 139:1.
6- المنتقى - للباجي - 194:2.
7- المغني 274:3، الشرح الكبير 313:3.

بالجحفة: تعال أباقيك [1] أيّنا أطول نفسا في الماء(1).

و لأنّه ليس بستر معتاد، فأشبه صبّ الماء عليه(2).

و حديث عمر لا حجّة فيه، مع احتمال أن يكون في ابتداء الإحرام، لأنّه في الميقات الذي يحرم منه، فالظاهر أنّ غسله للإحرام، و الفرق: أنّ في الارتماس تغطية الرأس دون الصبّ.

إذا عرفت هذا، فإنّه يجوز له غسل رأسه بالسدر و الخطمي و نحوهما - و به قال جابر بن عبد اللّه و الشافعي و أصحاب الرأي(3) - و لا فدية عليه.

و عن أحمد رواية: أنّ عليه الفدية، و به قال مالك و أبو حنيفة(4).

و قال أبو يوسف و محمّد: عليه صدقة(5).

لنا: ما رواه العامّة عن النبي صلّى اللّه عليه و آله، أنّه قال في المحرم الذي أوقصه بعيره: (اغسلوه بماء و سدر، و كفّنوه في ثوبيه، و لا تحنّطوه و لا تخمّروا رأسه، فإنّه يحشر يوم القيامة ملبّيا)(6) أمر بغسله بالسدر مع بقاء حكم الإحرام عليه، و لهذا منعه من الطيب و تخمير رأسه.

احتجّوا: بأنّه تستطاب رائحته، و يزيل الشعث، و يقتل الهوامّ(7).3.

ص: 361


1- سنن البيهقي 63:5.
2- المغني 274:3، الشرح الكبير 313:3.
3- المغني 275:3، الشرح الكبير 313:3، فتح العزيز 463:7، المجموع 355:7.
4- المغني 275:3، الشرح الكبير 313:3، المدونّة الكبرى 389:1، بداية المجتهد 329:1، بدائع الصنائع 191:2، حلية العلماء 304:3، المجموع 355:7.
5- بدائع الصنائع 191:2، المغني 275:3، الشرح الكبير 313:3، حلية العلماء 3: 304، المجموع 355:7.
6- صحيح البخاري 96:2 و 22:3، صحيح مسلم 865:2-94، سنن ابن ماجة 2: 1030-3084، سنن النسائي 196:5، سنن الدارمي 50:2، سنن البيهقي 70:5، مسند أحمد 215:1، المغني 275:3، الشرح الكبير 314:3.
7- المغني 275:3، الشرح الكبير 313:3.

و نمنع التلذّذ بالرائحة، و ينتقض بالفاكهة، و إزالة الشعث تحصل بالتراب و الماء مع موافقته على تسويغه.

مسألة 281: يجوز للمحرم دخول الحمّام إجماعا،

و لا يدلك جسده فيه بقوّة لئلاّ يدميه أو يزيل شعره، للأصل.

و لما رواه العامّة عن ابن عباس: أنّه دخل حمّام الجحفة، و قال:

ما يعبأ اللّه بأوساخكم شيئا [1].

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السلام: «لا بأس أن يدخل المحرم الحمّام و لكن لا يتدلّك»(1).

إذا ثبت هذا، فالأفضل تركه، لاشتماله على الترفّه (و إزالة الشعث) [2] و لما رواه عقبة أنّه سأل الصادق عليه السلام عن المحرم يدخل الحمّام، قال: «لا يدخل»(2) و إنّما حملناه على الكراهة، جمعا بين الأخبار.

البحث الثالث عشر: قتل هوامّ الجسد
مسألة 282: لا يجوز للمحرم قتل القمل و الصئبان 3 و البراغيث

و غير ذلك من هوامّ الجسد - و هو إحدى الروايتين عن أحمد(3) - لاشتماله على الترفّه و إزالة الشعث، فكان حراما، كالطيب.

ص: 362


1- الكافي 366:4-3، الفقيه 228:2-1081، التهذيب 314:5-1081، الاستبصار 184:2-611.
2- التهذيب 386:5-1349، الإستبصار 184:2-612.
3- المغني 272:3، الشرح الكبير 311:3.

و لقول الصادق عليه السلام: «المحرم لا ينزع القملة من جسده و لا من ثوبه متعمّدا، و إن قتل شيئا من ذلك خطأ فليطعم مكانها طعاما قبضة بيده»(1).

و لا فرق بين أن يقتله أو يلقيه عن بدنه إلى الأرض أو يقتله بالزئبق و شبهه، لأنّ تحريم قتله ليس معلّلا بحرمته، بل للترفّه بفقده، فعمّ المنع إزالته كيف كان.

و لأنّ حماد بن عيسى سأل الصادق عليه السلام: عن المحرم يبين القملة من جسده فيلقيها، فقال: «يطعم مكانها طعاما»(2).

و في الرواية الأخرى عن أحمد: يباح قتله(3).

إذا عرفت هذا، فإنّه يجوز له تحويلها من مكان من جسده إلى مكان آخر منه، لاشتمال دوامها في موضع واحد على أذى كثير.

و لقول الصادق عليه السلام: «فإذا أراد أن يحوّل قملة من مكان إلى مكان فلا يضرّه»(4).

مسألة 283: لو قتل قملة، فعل حراما،

و وجب عليه فدية كف من طعام - و به قال عطاء(5) - لأنّه فعل إزهاق نفس محرّمة، فكان عليه صدقة، كالصيد.

و لقول الصادق عليه السلام: «يطعم مكانها طعاما»(6) بمجرد الإلقاء، لأنّه مظنّة القتل لها، فأشبه رمي الصيد و جهل حاله.

ص: 363


1- التهذيب 336:5-1160، الاستبصار 196:2-197-661.
2- التهذيب 336:5-1158، الإستبصار 196:2-659.
3- المغني 272:3، الشرح الكبير 311:3.
4- التهذيب 336:5-337-1161، الفقيه 230:2-1091.
5- المغني 273:3-274.
6- التهذيب 336:5-1158، الاستبصار 196:2-659.

و قال مالك: يفدي بحفنة من طعام. و هو مروي عن ابن عمر(1).

و قال إسحاق: يتصدّق بتمرة فما فوقها(2).

و قال أحمد في إحدى الروايتين: يتصدّق بمهما كان من قليل و كثير، و هو قول أصحاب الرأي(3).

و في الرواية الأخرى: لا شيء عليه، و به قال سعيد بن جبير و طاوس و أبو ثور و ابن المنذر(4).

مسألة 284: يجوز له أن ينحّي عن نفسه القراد و الحلمة،

و يلقي القراد عنه و عن بعيره، لما رواه معاوية بن عمّار عن الصادق عليه السلام، قال: «و المحرم يلقي عنه القردان [1] كلّها إلاّ القملة فإنّها من جسده، و إن أراد أن يحوّل قملة من مكان إلى مكان فلا يضرّه»(5).

و قال الشيخ رحمه اللّه: يجوز للمحرم أن يلقي القراد عن بعيره، و ليس له أن يلقي الحلمة(6) ، لقول الصادق عليه السلام: «إنّ القراد ليس من البعير، و الحلمة من البعير»(7).

البحث الرابع عشر: قطع شجر الحرم
مسألة 285: أجمع علماء الأمصار على تحريم قطع شجر الحرم غير الإذخر

و ما أنبته الآدمي من البقول و الزروع و الرياحين.

و بالجملة فالتحريم متعلّق بما نبت بنفسه دون ما يستنبت.

ص: 364


1- المغني 273:3-274، الشرح الكبير 312:3.
2- المغني 273:3، الشرح الكبير 312:3.
3- المغني 273:3، الشرح الكبير 312:3.
4- المغني 273:3، الشرح الكبير 312:3.
5- الفقيه 230:2-1091، التهذيب 337:5-1161.
6- التهذيب 338:5.
7- الفقيه 232:2-1107.

لما رواه العامّة عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله من قوله عليه السلام:

(لا يختلى شوكها و لا يعضد شجرها)(1).

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السلام: «كلّ شيء ينبت في الحرم فهو حرام على الناس أجمعين إلاّ ما أنبتّه أنت و غرسته»(2).

و اعلم أنّ النابت إمّا شجر أو غيره.

أمّا الشجر: فيحرم قطع كلّ شجر رطب حرمي و قلعه، فخرج بالرطب:

الشجر اليابس، فإنّه لا شيء في قطعه، كما لو قطع صيدا ميّتا.

و خرج بالحرمي أشجار الحلّ، فلا يجوز أن يقلع شجرة من أشجار الحرم و ينقلها إلى الحلّ محافظة على حرمتها، فإن فعل، فعليه الردّ.

أمّا لو نقل من بقعة من الحرم إلى بقعة أخرى منه، فإنّه لا يؤمر بالردّ، و يضمن لو تلفت بالنقل.

و لا فرق في التحريم بين أن ينقله إلى الحلّ أو الحرم.

و لو نبتت في الموضع المنقول إليه، فإن كان في الحرم، فلا جزاء فيه، لأنّه لم يتلفها و لم يزل حرمتها.

و لو كان في الحلّ، فكذلك عند الشافعي، لأنّه لم يتحقّق منه الإتلاف(3).

و مقتضى مذهبنا: وجوب الردّ، فإن تلفت ضمن، و إلاّ فلا، لأنّه أزال حرمتها بالنقل، فوجب الردّ.

و أمّا غير الشجر كالحشيش، فلا يجوز قطعه، للخبر(4) ، و لو قطعه ضمنه.ة.

ص: 365


1- أورده ابنا قدامة في المغني 361:3-362، و الشرح الكبير 377:3.
2- الفقيه 166:2-718، التهذيب 380:5-1325.
3- فتح العزيز 511:7، المجموع 448:7.
4- تقدّم في صدر المسألة.
مسألة 286: يحرم قطع الشوك و العوسج و شبهه من الأشجار المؤذية

- و به قال أحمد(1) - لعموم قوله عليه السلام: (لا يعضد شجرها)(2).

و قال الشافعي: لا يحرم - و به قال عطاء و مجاهد و عمرو بن دينار - لأنّه مؤذ، فأشبه السباع من الحيوان(3).

و نمنع المساواة، و الفرق: إمكان الاحتراز غالبا عن الشوك، و قلّة ضرره، بخلاف السباع، و لأنّها تقصد الأذى.

و ليس له أخذ ورق الشجر - و به قال أحمد(4) - لقوله عليه السلام: (لا يخبط [1] شوكها و لا يعضد شجرها)(5).

و لأنّ ما حرم أخذه حرم كلّ شيء منه، كريش الطائر.

و قال الشافعي: له أخذه، لأنّه لا يضرّ به(6). و كان عطاء يرخّص في أخذ ورق السنا [2] للإسهال، و لا ينزع من أصله(7) ، و رخص فيه عمرو بن دينار(8).

و نمنع عدم تضرّر الشجرة به، فإنّه يضعفها، و ربما أدّى إلى تلفها.

و كذا يحرم أغصان الشجرة، لأنّ منفعتها به أقوى من منفعة الورق.

ص: 366


1- المغني 364:3، الشرح الكبير 378:3.
2- صحيح البخاري 18:3، صحيح مسلم 989:2-448، سنن أبي داود 212:2 - 2017، سنن النسائي 211:5، سنن البيهقي 195:5.
3- فتح العزيز 511:7، المهذّب - للشيرازي - 226:1، المجموع 448:7، المغني 364:3، الشرح الكبير 378:3.
4- المغني 365:3، الشرح الكبير 378:3.
5- صحيح مسلم 989:2-448.
6- فتح العزيز 511:7، المجموع 449:7، المغني 365:3، الشرح الكبير 378:3.
7- المغني 365:3، الشرح الكبير 378:3.
8- المغني 365:3، الشرح الكبير 378:3.
مسألة 287: تجب في قطع الشجر الفدية

عند أكثر علمائنا(1) - و به قال ابن عباس و عطاء و أبو حنيفة و أحمد و الشافعي في أصحّ قوليه(2) - لما رواه العامّة عن ابن عباس أنّه قال: في الدوحة بقرة، و في الجزلة شاة(3).

و الدوحة: الشجرة الكبيرة، و الجزلة: الشجرة الصغيرة.

و من طريق الخاصّة: قول أحدهما عليهما السلام: «إذا كان في دار الرجل شجرة من شجر الحرم و لم تنزع فأراد نزعها، نزعها و كفّر بذبح بقرة يتصدّق بلحمها على المساكين»(4).

و لأنّه ممنوع من إتلافه، لحرمة الحرم، فكان مضمونا عليه، كالصيد.

و قال بعض علمائنا: لا ضمان فيه و إن حرم(5) - و به قال مالك و أبو ثور و داود و ابن المنذر و الشافعي في القديم(6) - لأصالة البراءة.

[و] [1] لأنّ الإحرام لا يوجب ضمان الشجر، فكذلك الحرم.

مسألة 288: يحرم قطع حشيش الحرم إذا كان رطبا،

للخبر، إلاّ ما استثني من الإذخر و ما أنبته الآدميون، لما رواه العامّة عن النبي صلّى اللّه عليه و آله، أنّه قال: (لا يحتش حشيشها)(7).

ص: 367


1- منهم: الشيخ الطوسي في الخلاف 408:2، المسألة 281، و المبسوط 354:2، و أبو الصلاح الحلبي في الكافي في الفقه: 204، و القاضي ابن البرّاج في المهذّب 223:1.
2- المبسوط - للسرخسي - 104:4، المغني 367:3، الشرح الكبير 379:3-380، الأم 108:2، الحاوي الكبير 313:4، الوجيز 129:1، فتح العزيز 511:7، المهذّب - للشيرازي - 225:1-226، المجموع 450:7 و 451.
3- المغني 367:3-368، الشرح الكبير 380:3.
4- التهذيب 381:5-1331.
5- قال به ابن إدريس في السرائر: 130.
6- المغني 367:3، الشرح الكبير 380:3، المدوّنة الكبرى 451:1، حلية العلماء 322:30، فتح العزيز 511:7.
7- المغني 266:3، الشرح الكبير 379:3.

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السلام: «إنّ علي بن الحسين عليهما السلام كان يتّقي الطاقة من العشب ينتفها من الحرم» قال: «و قد نتف طاقة و هو يطلب أن يعيدها في مكانها»(1).

و رأى زين العابدين عليه السلام شخصا يقلع العشب من حول الفسطاط، فقال عليه السلام: «إنّ هذا لا يقلع»(2).

و قال الشافعي: لا يجوز قطعه مطلقا، للخبر، فإن قطعه، فعليه قيمته إن لم يخلف، و إن أخلف فلا، بخلاف الشجر، فإنّ الغالب فيه الإخلاف، فأشبه سنّ الصبي(3).

إذا عرفت هذا، فلو كان يابسا، لم يكن في قطعه شيء، كما في الشجر.

نعم لا يجوز قلعه، فإن قلعه، فعليه الضمان، لأنّه لو لم يقلع لنبت ثانيا، ذكره بعض الشافعية(4) ، و لا بأس به.

مسألة 289: يجوز للمحرم أن يترك إبله لترعى في حشيش الحرم،

و تسريح البهائم فيه لترعى و إن حرم عليه قلعه عند علمائنا - و به قال عطاء و الشافعي(5) - لما رواه العامّة عن النبي صلّى اللّه عليه و آله، أنّه قال: (إلاّ علف الدوابّ)(6).

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السلام: «يخلّى البعير في

ص: 368


1- التهذيب 379:5-1323.
2- التهذيب 379:5-1322.
3- فتح العزيز 512:7.
4- فتح العزيز 412:7، المجموع 452:7.
5- المغني 366:3، الشرح الكبير 379:3، الحاوي الكبير 312:4، حلية العلماء 3: 322، فتح العزيز 512:7، المجموع 452:7-453.
6- أورده الماوردي في الحاوي الكبير 312:4، و الشيخ الطوسي في الخلاف 409:2، المسألة 282.

الحرم يأكل ما شاء»(1).

و لأنّ الهدايا في زمن النبي صلّى اللّه عليه و آله كانت تدخل الحرم و تكثر فيه، و لم ينقل أنّه [كانت] [1] تشدّ [2] أفواهها.

و لأنّ الحاجة ماسّة إلى ذلك، فكان سائغا، كالإذخر.

و قال أحمد و أبو حنيفة: لا يجوز، لأنّ ما حرم إتلافه لا يجوز أن يرسل عليه ما يتلفه، كالصيد(2).

و الفرق: الحاجة، و لأنّ الصيد منهي عن قتله مباشرة و تولّدا، بخلاف الحشيش.

و لو اختلى الحشيش ليعلفه البهائم، فللشافعية وجهان:

أحدهما: الجواز، كما لو سرحها فيه.

و الثاني: المنع، لقوله عليه السلام: (لا يختلى خلاها)(3)(4).

مسألة 290: شجر الفواكه و النخل يجوز قلعه،

سواء أنبته اللّه تعالى أو الآدميون، و سواء كانت مثمرة، كالنخل و الكرم، أو غير مثمرة، كالصنوبر و الخلاف - و به قال أبو حنيفة(5) - لأنّ تحريم الحرم مختص بما كان وحشيا من

ص: 369


1- الكافي 231:4-5، الفقيه 166:2-719، التهذيب 381:5-1329.
2- المغني 366:3، الشرح الكبير 379:3، المبسوط - للسرخسي - 104:4، الهداية - للمرغيناني - 175:1، بدائع الصنائع 210:2، حلية العلماء 322:3-323، الحاوي الكبير 312:4، فتح العزيز 512:7.
3- صحيح البخاري 19:3، صحيح مسلم 987:2-1353، سنن النسائي 211:5، سنن البيهقي 195:5.
4- فتح العزيز 512:7، المجموع 453:7
5- المبسوط - للسرخسي - 103:4، بدائع الصنائع 210:2-211، المغني 362:3 - 363.

الصيد، فكذا من الشجر.

و قول الصادق عليه السلام: «لا ينزع من شجر مكة إلاّ النخل و شجر الفواكه»(1).

و كذا يجوز قلع ما أنبته الإنسان من شجر الفواكه كلّها، لقول الصادق عليه السلام: «كلّ شيء ينبت في الحرم فهو حرام على الناس أجمعين إلاّ ما أنبتّه أنت و غرسته»(2).

و به قال أبو حنيفة، تشبيها للمستنبتات بالحيوان الإنسي و بالزرع(3).

قال الشيخ رحمه اللّه: و ما أنبته اللّه تعالى في الحلّ إذا قلعه المحلّ و نقله إلى الحرم ثم قطعه، فلا ضمان عليه، و ما أنبته اللّه إذا نبت في ملك الإنسان، جاز له قلعه، و إنّما لا يجوز له قلع ما نبت في المباح(4).

و قال الشافعي: كلّ ما ينبت في الحرم فهو حرام سواء أنبته اللّه تعالى أو الآدميّون(5) ، لعموم قوله عليه السلام: (لا يعضد شجرها)(6).

و لأنّها شجرة تنبت في الحرم، فأشبه ما لم ينبته الآدميون.

و الحديث قد استثني فيه في بعض الروايات (إلاّ ما أنبته الآدمي).

و لأنّ أدلّتنا أخصّ.

و للفرق بين الأهلي من الشجر، كالنخل و الجواز و اللوز، و الوحشي،5.

ص: 370


1- الفقيه 166:2-720، التهذيب 379:5-380-1324.
2- تقدّمت الإشارة إلى مصادره في ص 365، الهامش (2).
3- المبسوط - للسرخسي - 103:4، بدائع الصنائع 211:2، فتح العزيز 512:7.
4- المبسوط - للطوسي - 354:1.
5- فتح العزيز 511:7 و 512، المجموع 447:7 و 450.
6- صحيح البخاري 18:3، صحيح مسلم 989:2-448، سنن أبي داود 212:2 - 2017، سنن النسائي 211:5، سنن ابن ماجة 1038:2-3109، سنن البيهقي 5: 195.

كالدّوح [1] و السّلم [2]، كالصيد.

إذا عرفت هذا، فسواء كان الشجر الذي أنبته الآدمي ممّا جنسه أن ينبته الآدميّون أو لم يكن جنسه من ذلك يجوز قلعه مطلقا - خلافا للشافعي(1) - لعموم قول الصادق عليه السلام: «إلاّ ما أنبتّه أنت و غرسته»(2).

و لا بأس بقطع شجر الإذخر إجماعا.

و كذا لا بأس بعودي المحالة للحاجة إلى ذلك.

و لقول الباقر عليه السلام: «رخص رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في قطع عودي المحالة - و هي البكرة التي يستقى بها(3) - من شجر الحرم و الإذخر»(4).

و كذلك لا بأس بأن يقلع الإنسان شجرة تنبت في منزله بعد بنائه له، و لو نبتت قبل بنائه، لم يجز له قلعها، لقول الصادق عليه السلام في الشجرة يقلعها الرجل من منزله في الحرم، فقال: «إن بنى المنزل و الشجرة فيه فليس له أن يقلعها، و إن كانت نبتت في منزله فله قلعها(5)»(6).

و يجوز أن يقلع اليابس من الشجر و الحشيش، لأنّه ميّت فلم تبق له حرمة، و كذا قطع ما انكسر و لم يبن، لأنّه قد تلف، فهو بمنزلة الميّت و الظفر المنكسر.7.

ص: 371


1- فتح العزيز 512:7، المجموع 450:7.
2- تقدّمت الإشارة إلى مصادره في ص 365، الهامش (2).
3- النهاية - لابن الأثير - 304:4 «محل».
4- التهذيب 381:5-1330.
5- في المصدر: «و هو له فليقلعها» بدل «فله قلعها».
6- الكافي 231:4-6، التهذيب 380:5-1327.

و يجوز أخذ الكمأة [1] و الفقع [2] من الحرم، لأنّه لا أصل له، فهو كالثمرة الموضوعة على الأرض.

و لو انكسر غصن شجرة أو سقط ورقها، فإن كان بغير فعل الآدمي، جاز الانتفاع به إجماعا، لتناول النهي القطع و هذا لم يقطع، و إن كان بفعل آدمي، فالأقرب جوازه [3]، لأنّه بعد القطع يكون كاليابس، و تحريم الفعل لا ينافي جواز استعماله.

و منعه بعض العامّة، قياسا على الصيد يذبحه المحرم(1).

و قال آخرون: يباح لغير القاطع، و الفرق: أنّ الصيد يعتبر في ذبحه الأهلية، و هي منفية عن المحرم، بخلاف قطع الشجرة، فإنّ الدابّة لو قطعته جاز الانتفاع به(2).

مسألة 291: الشجرة إذا كان أصلها في الحرم و فرعها في الحلّ، حرم قطعها و قطع غصنها،

لأنّها في الحرم.

و لما رواه معاوية بن عمّار - في الصحيح - عن الصادق عليه السلام، قال: سألته عن شجرة أصلها في الحرم و فرعها في الحلّ، فقال: «حرم فرعها لمكان أصلها» قال: قلت: فإنّ أصلها في الحلّ و فرعها في الحرم، قال: «حرام أصلها لمكان فرعها»(3) و الغصن تابع.

و إن كان بالعكس، فكذلك.

و سوّغ بعض العامّة قطع الغصن في الأخير، لأنّه تابع لأصله، كالتي

ص: 372


1- المغني 365:3، الشرح الكبير 378:3.
2- المغني 365:3، الشرح الكبير 378:3.
3- الكافي 231:4-4، الفقيه 165:2-717، التهذيب 379:5-1321.

قبلها(1).

و ليس بجيّد، لأنّه في الحرم.

و إذا كان الأصل في الحلّ و الغصن في الحرم فقطع واحد الغصن، ضمنه.

و لو قطع آخر الأصل بعد قطع الغصن، فالأقرب عدم التحريم، لأنّ المقتضي له هو استتباع قطع الغصن لقطعه و قد زال بقطع الغصن.

و لو كان بعض الأصل في الحلّ و بعضه في الحرم، ضمن الغصن، سواء كان في الحلّ أو الحرم، تغليبا لحرمة الحرم، كما لو وقف صيد بعض قوائمه في الحلّ و بعضها في الحرم.

مسألة 292: لو قلع شجرة من الحرم فغرسها في مكان آخر منه فماتت، ضمنها، لإتلافه.

و لو غرسها في مكان آخر من الحرم فنبتت، لم يكن عليه ضمان، لعدم الإتلاف و لم تزل حرمتها.

و لو غرسها في الحلّ فنبتت، وجب عليه ردّها، لأنّه أزال حرمتها، فإن تعذّر ردّها، أو ردّها و يبست، ضمنها.

و لو غرسها في الحلّ فقلعها غيره منه، قال بعض العامّة: يضمن الثاني، لأنّه المتلف لها، بخلاف الصيد إذا نفّره إنسان من الحرم فقتله الآخر في الحلّ، فإنّ الضمان على المنفّر، لأنّ الشجر لا ينتقل بنفسه، و لا تزول حرمته بإخراجه، و لهذا يجب على قالعه ردّه، و أمّا الصيد فإنّه يكون تارة في الحلّ و اخرى في الحرم، فمن نفّره فقد أذهب حرمته، فوجب عليه جزاؤه، و الشجر لا تفوت حرمته بالإخراج، فكان الضمان على المتلف، لأنّه أتلف

ص: 373


1- المغني 369:3-370، الشرح الكبير 382:3.

شجرا من الحرم(1).

مسألة 293: يضمن المحرم الشجرة الكبيرة ببقرة، و الصغيرة بشاة، و الحشيش بقيمته،

و الغصن بأرشه - و به قال الشافعي و أحمد(2) - لما رواه العامّة عن ابن عباس أنّه قال: في الدوحة بقرة، و في الجزلة شاة(3).

و الدوحة: الشجرة الكبيرة، و الجزلة: الشجرة الصغيرة.

و من طريق الخاصّة: قول أحدهما عليهما السلام: «إذا كان في دار الرجل شجرة من شجر الحرم و لم تنزع، فإن أراد نزعها نزعها، و كفّر بذبح بقرة، و تصدّق بلحمها على المساكين»(4).

و قال أصحاب الرأي: يضمن الجميع بالقمية، لأنّه لا مقدّر فيه، فأشبه الحشيش(5).

و ليس بجيّد، لأنّه أحد نوعي ما يحرم إتلافه، فكان فيه مقدّر، كالصيد.

و لو قطع غصنا أو قلع حشيشا فعاد عوضه، فالوجه: بقاء الضمان، لأنّ الثاني غير الأول.

إذا عرفت هذا، فالمرجع في الصغر و الكبر إلى العرف.

و قال بعض الشافعية: ضبط الشجرة المضمونة بالشاة أن تقع قريبة من

ص: 374


1- المغني 369:3، الشرح الكبير 381:3.
2- الأم 208:2، مختصر المزني: 71، الوجيز 129:1، فتح العزيز 511:7، المهذّب - للشيرازي - 225:1-226، المجموع 451:7 و 496، المغني 368:3، الشرح الكبير 379:3 و 380.
3- المغني 367:3-368، الشرح الكبير 380:3.
4- التهذيب 381:5-1331.
5- المبسوط - للسرخسي - 103:4، الهداية - للمرغيناني - 175:1، المحلّى 261:7، المغني 368:3، الشرح الكبير 380:3، المجموع 496:7.

سبع الكبيرة، فإنّ الشاة من البقرة سبعها(1).

و المتوسّطة صغيرة، لأصالة البراءة، و لأنّ اسم الصغيرة يتناول ما ليست بكبيرة.

مسألة 294: حدّ الحرم - الذي لا يحلّ الصيد فيه و لا قطع شجره

- بريد في بريد، لما رواه زرارة - في الصحيح - عن الباقر عليه السلام، قال:

سمعته يقول: «حرّم اللّه حرمه بريدا في بريد أن يختلى خلاه و يعضد شجره إلاّ الإذخر أو يصاد طيره، و حرّم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله المدينة ما بين لابتيها صيدها، و حرّم ما حولها بريدا في بريد أن يختلى خلاها و يعضد شجرها إلاّ عودي الناضح [1]»(2).

مسألة 295: قال الشيخ رحمه اللّه: و اعلم أنّ للمدينة حرما مثل حرم مكّة،

و حدّه ما بين لابتيها، و هو من ظلّ عائر إلى ظلّ و عير لا يعضد شجرها، و لا بأس أن يؤكل صيدها إلاّ ما صيد بين الحرّتين(3).

و اللابة: الحرّة، و الحرّة: الحجارة السوداء.

و في هذا الكلام اضطراب، و ينبغي أن يقال: و حدّه من ظلّ عائر إلى ظلّ و عير، لا يعضد شجرها، و لا بأس أن يؤكل صيدها إلاّ ما صيد بين الحرّتين، لأنّ الحرّتين غير ظلّ عائر و ظلّ و عير، و الحرّتان بين الظلّين، لأنّه قال: لا يعضد الشجر فيما بين الظلّين، و لا بأس أن يؤكل الصيد إلاّ ما صيد بين الحرّتين، فدلّ على دخول الحرّتين في الظلّين، و إلاّ تناقض الكلام، و لو كانت الحرّتان هما حدّ حرم المدينة الأول، لما حلّ الصيد في شيء من حرم المدينة.

ص: 375


1- فتح العزيز 511:7، المجموع 451:7.
2- التهذيب 381:5-382-1332.
3- النهاية: 286-287، المبسوط - للطوسي - 386:1.

و الشيخ - رحمه اللّه - عوّل في التحريم على رواية زرارة عن الباقر عليه السلام، السابقة(1).

و الشافعي ألحق حرم المدينة بحرم مكة في التحريم في أصحّ الوجهين عنده، و به قال مالك و أحمد(2) - و هو المشهور عندنا - لما روى العامّة عن النبي صلّى اللّه عليه و آله، أنّه قال: (إنّ إبراهيم حرّم مكة و إنّي حرّمت المدينة مثل ما حرّم إبراهيم مكة، لا ينفّر صيدها و لا يعضد شجرها و لا يختلى خلاها)(3).

و روي أنّه قال: (إنّي أحرّم ما بين لابتي المدينة أن يقطع عضاهها [1] أو يقتل صيدها)(4).

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السلام: «قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: إنّ مكة حرم اللّه حرّمها إبراهيم، و إنّ المدينة حرمي ما بين لابتيها حرم لا يعضد شجرها، و هو ما بين ظلّ عائر إلى ظلّ و عير [و](5) ليس صيدها كصيد مكة يؤكل هذا و لا يؤكل ذاك و هو بريد»(6).3.

ص: 376


1- سبقت في المسألة (294).
2- الوجيز 129:1-130، فتح العزيز 513:7، حلية العلماء 323:3، المهذّب - للشيرازي - 226:1، المجموع 480:7 و 497، المنتقى - للباجي - 252:2، المغني 370:3، الشرح الكبير 382:3-383.
3- أورده - كما في المتن - الرافعي في فتح العزيز 513:7-514، و في صحيح مسلم 2: 992-1362، و سنن البيهقي 198:5 بتفاوت و اختصار.
4- صحيح مسلم 992:2-1363، و سنن البيهقي 197:5، و أورده الرافعي في فتح العزيز 514:7.
5- أضفناها من المصدر.
6- الكافي 564:4-565-5، التهذيب 12:6-23.

و قال أبو حنيفة: لا يحرم(1). و هو الوجه الثاني للشافعي(2).

و على قول التحريم عند الشافعي ففي ضمان صيدها و شجرها قولان:

الجديد - و به قال مالك - لا يضمن، لأنّه ليس بمحلّ النسك، فأشبه مواضع الحمى، و إنّما أثبتنا التحريم، للنصوص.

و القديم - و به قال أحمد - أنّه يضمن.

و على هذا فما جزاؤه ؟ وجهان:

أحدهما: أنّ جزاءه كجزاء حرم مكة، لاستوائهما في التحريم.

و الثاني - و به قال أحمد - أنّ جزاءه أخذ سلب الصائد و قاطع الشجر، لما روي أنّ سعد بن أبي وقاص أخذ سلب رجل قتل صيدا في المدينة، قال:

سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقول: (من رأى رجلا يصطاد بالمدينة فليسلبه)(3).

و هذا ليس بشيء على مذهبنا.

و على هذا ففيما يسلب للشافعي وجهان:

الذي أورده أكثر أصحابه أنّه يسلب منه ما يسلبه القاتل من قتيل الكفّار.

و الثاني: لا ينحى بهذا نحو سلب القتيل في الجهاد، و إنّما المراد من السّلب هاهنا الثياب فحسب(4).

و على الوجهين ففي مصرفه وجهان مشهوران لهم:

أظهرهما: أنّه للسالب كسلب القتيل، و قد روي أنّهم كلّموا سعدا في هذا السّلب، فقال: ما كنت لأردّ طعمة أطعمنيها رسول اللّه صلّى اللّه عليه7.

ص: 377


1- المغني 370:3، الشرح الكبير 383:3، المجموع 497:7.
2- فتح العزيز 513:7، المجموع 480:7.
3- فتح العزيز 514:7، المجموع 480:7-481 و 497، و راجع: المنتقى - للباجي - 2 : 252، و المغني 371:3-372، و الشرح الكبير 384:3 و 385.
4- فتح العزيز 514:7، المجموع 481:7.

و آله.

و الثاني: أنّه لمحاويج المدينة و فقرائها، كما أنّ جزاء صيد مكة لفقرائها.

و لهم وجه ثالث: أنّه يوضع في بيت المال، و سبيله سبيل السهم المرصد للمصالح(1).

مسألة 296: صيد وجّ و شجره مباح - و وجّ: واد بالطائف،

و ليس المراد منه نفس البلد - قاله علماؤنا، و به قال أحمد(2) ، لأصالة الإباحة، و عدم شغل الذمّة من واجب أو عقوبة.

و قال الشافعي: إنّه محرّم، لما روي عن النبي صلّى اللّه عليه و آله أنّه قال: (صيد وجّ و عضاهها محرّم)(3)(4) و العضاة كلّ شجر عظيم له شوك.

و نمنع صحة الحديث، فإنّ أحمد طعن فيه(5).

و للشافعي قول آخر: إنّه مكروه(6).

و على الأول هل يتعلّق به ضمان ؟ بعض الشافعية منع منه، إذ لم يرد في الضمان نقل، لكن يؤدّب، و بعضهم قال: نعم، و حكمه حكم حرم المدينة(7).

و أمّا النقيع [1] فليس بحرم، لكن حماه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لإبل

ص: 378


1- فتح العزيز 514:7، المجموع 481:7-482.
2- المغني 373:3، الشرح الكبير 386:3.
3- مسند أحمد 165:1، سنن البيهقي 200:5، سنن أبي داود 215:2-216-2032.
4- فتح العزيز 519:7-520، المجموع 483:7، المغني 373:3، الشرح الكبير 3: 386.
5- المغني 373:3، الشرح الكبير 386:3.
6- فتح العزيز 518:7.
7- فتح العزيز 520:7

الصدقة و نعم الجزية(1) ، فلا تملك أشجاره و حشيشه.

و في وجوب الضمان على من أتلفها للشافعية وجهان:

أحدهما: لا يجب، كما لا يجب في صيده شيء.

و أظهرهما عندهم: الوجوب، لأنّه ممنوع منه، فكانت مضمونة عليه، بخلاف الصيد، فإنّ الاصطياد فيه جائز، و على هذا فضمانها القيمة، و مصرفه مصرف نعم الصدقة و الجزية(2).

مسألة 297: قد بيّنّا تحريم قطع شجر الحرم

إذا كان نابتا بنفسه دون ما يستنبت.

و للشافعي في الثاني قولان: أحدهما: التحريم. و الثاني: الكراهة، فيندرج في التحريم قطع الطرفاء و الأراك و العضاة و غيرها من أشجار الفواكه، لأنّها تنبت بنفسها [1]. و كذا العوسج عند الشافعية [2].

لكن سوّغ أصحابنا قطع شجر الأراك و ذي الشوك، كالعوسج و شبهه.

ثم فرّع الشافعية على إباحة ما يستنبت: أنّه لو استنبت بعض ما ينبت بنفسه على خلاف الغالب، أو نبت بعض ما يستنبت، لهم خلاف في إلحاقه بأيّ الصنفين:

حكى الجويني عن الأصحاب: النظر إلى الجنس و الأصل، فأوجب الضمان في الصورة الأولى دون الثانية.

و حكى غيره: أنّ النظر إلى القصد و الحال، فيعكس الحكم فيهما(3).

ص: 379


1- فتح العزيز 521:7، و سنن البيهقي 201:5.
2- فتح العزيز 521:7-522.
3- فتح العزيز 512:7، المجموع 450:7.
مسألة 298: لا أعرف لأصحابنا نصّا في كراهة نقل تراب الحرم و أحجاره إلى سائر البلاد.

و قال بعض الشافعية: يكره نقل تراب الحرم و أحجاره إلى سائر البقاع، و البرام يجلب من الحلّ(1).

و لا يكره نقل ماء زمزم - و به قال الشافعية(2) - لأنّ عائشة كانت تنقله(3).

قال بعض الشافعية: لا يجوز قطع شيء من ستر الكعبة و نقله و بيعه و شراؤه خلاف ما تفعله العامّة، فإنّهم يشترونه من بني شيبة، و ربما وضعوه في أوراق المصاحف، و من حمل منه شيئا فعليه ردّه(4). و هو الوجه عندي، و كذا البحث في المشاهد المقدسة.

مسألة 299: حرم المدينة يفارق حرم مكة في أمور:

أ - أنّه لا كفّارة فيما يفعل فيه من صيد أو قطع شجر على ما اخترناه.

ب - أنّه يباح من شجر المدينة ما تدعو الحاجة إليه من الحشيش للمعلف.

روى العامّة عن علي عليه السلام، قال: «المدينة حرام ما بين عائر إلى ثور، لا يختلى خلاها، و لا ينفّر صيدها، و لا يصلح أن يقطع منها شجرة إلاّ أن يعلف رجل بعيره» [1].

و لأنّ المدينة يقرب منها شجر كثير و زروع، فلو منع من احتشاشها مع الحاجة، لزم الضرر، بخلاف مكة.

ص: 380


1- فتح العزيز 513:7، المجموع 458:7.
2- المهذّب - للشيرازي - 226:1، المجموع 457:7، فتح العزيز 513:7.
3- فتح العزيز 513:7.
4- فتح العزيز 513:7، المجموع 459:7-460.

ج - لا يجب دخولها بإحرام، بخلاف حرم مكة.

د - من أدخل صيدا إلى المدينة لا يجب عليه إرساله، لأنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله كان يقول: (يا أبا عمير ما فعل النّغير [1]؟) و هو طائر صغير، رواه العامّة(1) ، و ظاهره إباحة إمساكه، و إلاّ لأنكر عليه.

البحث الخامس عشر: الاستمتاع بالنساء
مسألة 300: يحرم على المحرم الاستمتاع بالنساء

بالوطء و التقبيل و النظر بشهوة و العقد له و لغيره و الشهادة على العقد و إقامة الشهادة به و إن تحمّلها محلا، و كذا الاستمناء.

و قد أجمع علماء الأمصار على تحريم الوطء.

قال اللّه تعالى فَلا رَفَثَ (2).

و روى العامّة عن ابن عمر [2]: أنّ رجلا سأله، فقال: إنّي واقعت بامرأتي و نحن محرمان، فقال: أفسدت حجّك انطلق أنت و أهلك فاقض ما يقضون و حلّ إذا أحلّوا، فإذا كان العام المقبل فاحجج أنت و امرأتك و أهديا هديا، فإن لم تجدا فصوما ثلاثة أيّام في الحجّ و سبعة إذا رجعتم(3).

[و في حديث ابن عباس](4): و يتفرّقان من حيث يحرمان حتى يقضيا

ص: 381


1- صحيح البخاري 37:8 و 55، صحيح مسلم 1692:3-1693-2150، سنن ابن ماجة 1226:2-3720، مسند أحمد 115:3، 119، 171، 188، المغني 3: 373، الشرح الكبير 384:3.
2- البقرة: 197.
3- المغني 323:3، الشرح الكبير 321:3.
4- أضفناها من المصدر.

حجّهما(1).

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السلام: «و الرفث الجماع»(2).

إذا عرفت هذا، فقوله تعالى فَلا رَفَثَ (3) نفي يريد به النهي، أي: لا ترفثوا، كقوله تعالى لا تُضَارَّ والِدَةٌ بِوَلَدِها (4).

مسألة 301: و لا فرق في التحريم بين الوطء في القبل أو الدّبر،

و لا بين دبر المرأة أو الغلام.

و كذا يحرم التقبيل للنساء و ملاعبتهنّ بشهوة، و النظر إليهنّ بشهوة، و الملامسة بشهوة من غير جماع، لما روى العامّة: أنّ عمر بن عبد اللّه [1] قبّل عائشة بنت طلحة محرما، فسأل، فاجمع له على أن يهريق دما(5). و الظاهر أنّه لم يكن أنزل.

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السلام: «يا أبا سيّار إنّ حال المحرم ضيّقة، إن قبّل امرأته على غير شهوة و هو محرم، فعليه دم شاة، و من قبّل امرأته على شهوة فأمنى، فعليه جزور، و يستغفر اللّه، و من مسّ امرأته و هو محرم على شهوة فعليه دم شاة، و من نظر إلى امرأته نظر شهوة فأمنى، فعليه جزور، و إن مسّ امرأته أو لازمها من غير شهوة، فلا شيء عليه»(6).

مسألة 302: يحرم على المحرم أن يتزوّج أو يزوّج، فيكون وكيلا لغيره

ص: 382


1- المغني 323:3، الشرح الكبير 321:3.
2- الكافي 338:4-3، التهذيب 296:5-297-1003.
3- البقرة: 197.
4- البقرة: 233.
5- المغني 334:3.
6- الكافي 376:4-4، التهذيب 326:5-1121، الاستبصار 191:2-641.

فيه أو وليّا، سواء كان رجلا أو امرأة، ذهب إليه علماؤنا أجمع - و به قال علي عليه السلام، و عمر و عبد اللّه بن عمر و زيد بن ثابت، و من التابعين: سعيد ابن المسيّب و سليمان بن يسار و الزهري، و به قال في الفقهاء: مالك و الشافعي و الأوزاعي و أحمد بن حنبل(1) - لما رواه العامّة أنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله، قال: (لا ينكح المحرم و لا ينكح و لا يخطب)(2).

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السلام: «ليس للمحرم أن يتزوّج و لا يزوّج، فإن تزوّج أو زوّج فتزويجه باطل»(3).

و روى العامّة عن ابن عباس جواز ذلك كلّه، و به قال أبو حنيفة و الحكم، لما رواه ابن عباس: أنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله تزوّج ميمونة و هو محرم(4).

و لأنّه عقد يملك به الاستمتاع، فلا يحرّمه الإحرام، كشراء الإماء(5).

و الرواية ممنوعة، فإنّ أبا رافع قال: تزوّج رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ميمونة و هو حلال، و بنى بها و هو حلال، و كنت أنا الرسول بينهما(6).

و روى يزيد [بن](7) الأصم عن ميمونة: أنّ النبي صلّى اللّه عليه و آلهر.

ص: 383


1- المغني و الشرح الكبير 318:3، المجموع 287:7-288، المنتقى - للباجي - 2: 238، بداية المجتهد 331:1، سنن الترمذي 200:3 ذيل الحديث 840.
2- صحيح مسلم 1030:2-1409 و 1031-43، سنن أبي داود 169:2-1841 و 1842، سنن البيهقي 69:5، الموطّأ 348:1-70، مسند أحمد 64:1، المغني 319:3، الشرح الكبير 318:3.
3- التهذيب 328:5-1128، الاستبصار 193:2-647.
4- صحيح مسلم 1032:2-47، سنن أبي داود 169:2-1844، سنن النسائي 5: 191، سنن الترمذي 201:3-202-842-844.
5- المغني و الشرح الكبير 318:3، المجموع 288:7، بداية المجتهد 331:1، المنتقى - للباجي - 238:2.
6- سنن الترمذي 200:3-841، سنن البيهقي 66:5، المغني 319:3، الشرح الكبير 318:3.
7- أضفناها من المصدر.

تزوّجها حلالا، و بنى بها حلالا، و ماتت ب «سرف» في الظلّة التي بنى فيها(1) ، و ميمونة صاحبة القصة، و أبو رافع كان السفير.

و لأنّ ابن عباس كان صغيرا لا يعرف حقائق الأشياء، و لا يقف عليها، فربما توهّم الإحرام و ليس موجودا، بخلاف أبي رافع.

و لأنّ سعيد بن المسيّب قال: وهم ابن عباس، ما تزوّجها النبي صلّى اللّه عليه و آله إلاّ حلالا(2).

و أيضا يحتمل أنّه أطلق المحرم على النبي صلّى اللّه عليه و آله بمجرّد أنّه تزوّجها في الشهر الحرام في البلد الحرام، كما قيل:

قتلوا ابن عفّان الخليفة محرما [1]

أو أنّه تزوّجها و هو حلال ثم ظهر أمر التزويج و هو محرم.

و شراء الأمة قد يكون للخدمة و هو الغالب، بخلاف عقد النكاح الذي لا يكون إلاّ مقدّمة للاستمتاع، فلمّا كان مقدّمة للمحرّم كان حراما.

و لأنّ النكاح يحرم بالعدّة و اختلاف الدين و الردّة و كون المنكوحة أختا من الرضاع، و تعتبر له شرائط غير ثابتة في شراء الإماء، فافترقا.

إذا عرفت هذا، فلو أفسد إحرامه، لم يجز له أن يتزوّج فيه أيضا، لأنّ حكم الفاسد فيما يمنع حكم الصحيح.

مسألة 303: لو تزوّج المحرم أو زوّج غيره و إن كان محلا أو زوّجت المحرمة، فالنكاح باطل، و لا فرق بين أن يكون المزوّجان محرمين أو3.

ص: 384


1- سنن الترمذي 303:3-845، المغني 319:3، الشرح الكبير 318:3، و انظر: سنن أبي داود 169:2-1843
2- سنن أبي داود 169:2-1845، المغني و الشرح الكبير 319:3.

أحدهما، عند علمائنا، لأنّه منهي عنه، و كان باطلا، كنكاح المرضعة.

و لقول الصادق عليه السلام: «إنّ رجلا من الأنصار تزوّج و هو محرم، فأبطل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله نكاحه»(1).

و قال أحمد: إن زوّج المحرم لم أفسخ النكاح(2).

و هو يدلّ على أنّه إذا كان الوليّ بمفرده أو الوكيل محرما، لم يفسد النكاح، هذا عند بعض أصحابه، و المشهور عندهم: الأول(3).

إذا عرفت هذا، فلو عقد المحرم لغيره، فإنّ العقد يكون باطلا، لقول الصادق عليه السلام: «المحرم لا ينكح و لا ينكح و لا يشهد، فإن نكح فنكاحه باطل» [1].

و أمّا الخطبة فإنّه تكره الخطبة للمحرم و خطبة المحرمة، و يكره للمحرم أن يخطب للمحلّين، لأنّه تسبّب إلى الحرام، فكان مكروها، كالصرف، بخلاف الخطبة في العدّة، فإنّها محرّمة، لأنّها تكون داعية للمرأة إلى أن تخبر بانقضاء العدّة قبل انقضائها رغبة في النكاح، فكان حراما.

و لا فرق بين الإمام و غيره في تحريم الوكالة و الولاية في النكاح المحرّم.

و قال الشافعي في أحد الوجهين: يجوز للإمام أن يعقد للمحرم في حال إحرامه، لأنّه يجوز له التزويج للمحرمين بولايته العامّة، لأنّه موضع الحاجة(4).

و نمنع من الحاجة الزائدة على عقد الولي الولاية الخاصّة.7.

ص: 385


1- الكافي 372:4-2، الفقيه 231:2-1097، التهذيب 328:5-329-1130، الإستبصار 193:2-649.
2- المغني و الشرح الكبير 320:3.
3- المغني و الشرح الكبير 320:3.
4- الحاوي الكبير 126:4، حلية العلماء 293:3، المهذّب - للشيرازي - 217:1، و المجموع 284:7.
مسألة 304: لا يجوز للمحرم أن يشهد بالعقد بين المحلّين

- و لو شهد، انعقد النكاح عندنا، لأنّ النكاح لا يعتبر فيه الشهادة - لما رواه العامّة عن النبي صلّى اللّه عليه و آله (لا ينكح المحرم و لا ينكح و لا يشهد)(1).

و لقول الصادق عليه السلام و قد سئل عن المحرم يشهد على نكاح المحلّين، قال: «لا يشهد»(2).

و قال الشافعي: يجوز له أن يشهد، لأنّه لا مدخل للشاهد في العقد، فأشبه الخطيب(3).

و الفرق: أنّ الخطبة لإيقاع العقد في حال الإحلال وصلة إلى الحلال، أمّا الشهادة على عقد المحرم فإنّه معونة على فعل الحرام، فكان حراما.

مسألة 305: لو عقد المحرم حال الإحرام،

فإن كان عالما بتحريم ذلك عليه، فرّق بينهما و لم تحلّ له أبدا، و إن لم يكن عالما، فرّق بينهما، فإذا أحلاّ أو أحلّ الزوج إن لم تكن المرأة محرمة، جاز له العقد عليها، ذهب إليه علماؤنا - خلافا للعامّة - لأنّ الاحتياط يقتضي التحريم المؤبّد.

و لقول الصادق عليه السلام: «إنّ المحرم إذا تزوّج و هو محرم فرّق بينهما و لا يتعاودان أبدا»(4).

و أمّا جواز المراجعة مع الجهل و عدم الدخول: فلقول الباقر عليه السلام:

«قضى أمير المؤمنين عليّ عليه السلام في رجل ملك بضع امرأة و هو محرم قبل أن يحلّ، فقضى أن يخلّي سبيلها، و لم يجعل نكاحه شيئا حتى يحلّ، فإذا أحلّ خطبها، إن شاء أهلها زوّجوه، و إن شاءوا لم يزوّجوه»(5).

ص: 386


1- الحاوي الكبير 126:4، المجموع 284:7.
2- الفقيه 230:2-1095، التهذيب 315:5-1087، الإستبصار 188:2-630.
3- حلية العلماء 294:3، المهذّب - للشيرازي - 217:1، المجموع 284:7.
4- الكافي 372:4-3، التهذيب 329:5-1133.
5- التهذيب 330:5-1134.

فروع:

أ - لو وكّل محلّ محلا في التزويج،

فعقد له الوكيل بعد إحرام الموكّل، لم يصح النكاح، سواء حضره الموكّل أو لا، و سواء علم الوكيل أو لا، لأنّ الوكيل نائب عن الموكّل، ففعله مسند إليه في الحقيقة و هو محرم.

ب - لو وكّل محرم محلا في التزويج، فعقد الوكيل و الموكّل محرم، بطل العقد،

و إن كان بعد إحلاله، صحّ، و لا يبطل ببطلان التوكيل، لأنّ الإذن في النكاح وقع مطلقا، لكن ما تناول حالة الإحرام يكون باطلا، و ما تناول حالة الإحلال يكون صحيحا، و الوكالة إذا اشتملت على شرط فاسد، بطل ذلك، و بقي مجرّد الإذن يوجب صحة التصرف، و كذا فساده في بعضه لا يمنع نفوذ التصرّف فيما يتناوله الإذن على وجه الصحة، بخلاف الصبي إذا وكّل في التزويج، فأوقعه الوكيل بعد بلوغه، لأنّ الوكالة هنا لا اعتبار بها في تلك الحال و لا في ثانيه، و لم يوجد منه الإذن في ثاني الحال و لا في أوّله على وجه الصحة، فافترقا.

ج - لو شهد و هو محرم، صحّ العقد و فعل حراما.

و لو أقام الشهادة بذلك لم يثبت بشهادته النكاح إذا كان تحمّلها و هو محرم، قاله الشيخ(1) رحمه اللّه.

و الأقوى ثبوته إذا أقامها حالة الإحلال.

و يشكل: باستلزامه إباحة البضع المحرّم، كما لو عرف العقد، فتزوّجت بغيره.

و كما تحرم عليه الشهادة بالعقد حال إحرامه تحرم عليه إقامتها في تلك الحال و لو تحمّلها محلا.

و لو قيل: إنّ التحريم مخصوص بالعقد الذي أوقعه المحرم، كان وجها.1.

ص: 387


1- المبسوط - للطوسي - 317:1.
مسألة 306: إذا اتّفق الزوجان على وقوع العقد حالة الإحرام، بطل،

و سقط المهر إن كانا عالمين أو جاهلين و لم يدخل بها، لفساد أصل العقد.

و لو دخل و هي جاهلة، ثبت المهر بما استحلّ من فرجها، و فرّق بينهما.

و لو اختلفا فادّعى أحدهما وقوعه حالة الإحلال و ادّعى الآخر وقوعه حالة الإحرام، فإن كان هناك بيّنة، حكم بها.

و لو انتفت البيّنة، فإن كانت الزوجة مدّعية لوقوعه في الإحرام و أنكر الرجل، فالقول قوله مع اليمين، عملا بأصالة الصحّة، فإذا حلف، ثبت النكاح، و ليس لها المطالبة بالمهر مع عدم الدخول، و لو كانت قبضته، لم يكن للزوج استعادته.

و لو كان الزوج هو المدّعي لوقوعه حالة الإحرام، فالقول قول المرأة مع اليمين، و يحكم بفساد العقد في حقّ الزوج، لأنّه ادّعى فساده، و يحكم عليه بأحكام النكاح الصحيح.

ثم إن كان قد دخل بها، وجب عليه المهر كملا، للرواية(1) ، و إن لم يكن دخل بها، قال الشيخ: يجب نصف المهر(2).

و الوجه: الجميع.

و لو أشكل الأمر فلم يعلم هل وقع العقد في الإحرام أو الإحلال، صح العقد - و به قال الشافعي(3) - لأصالة الصحة.

قال الشيخ رحمه اللّه: و الأحوط تجديده(4) ، لأنّ الأول إن وقع في الإحلال، لم يضرّ الثاني، و إلاّ كان مبيحا.

و إذا وطأ العاقد في الإحرام، لزمه المهر: إمّا المسمّى إن كان قد

ص: 388


1- الفقيه 231:2-1099.
2- المبسوط - للطوسي - 318:1.
3- المجموع 287:7.
4- المبسوط - للطوسي - 317:1.

سمّاه، و إلاّ مهر المثل، و يلحق به الولد، و يفسد حجّه إن كان قبل الوقوف بالموقفين، و يلزمها العدّة، و إن لم يكن دخل، فلا يلزمه شيء من ذلك.

و لو عقد المحرم لغيره، كان العقد فاسدا، ثم ينظر فإن كان المعقود له محرما و دخل بها، لزم العاقد بدنة.

مسألة 307: لا بأس للمحرم أن يراجع امرأته عند علمائنا

- و به قال الشافعي و مالك و أحمد في إحدى الروايتين(1) - لقوله تعالى وَ بُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذلِكَ (2).

و قوله تعالى فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ (3) و الإمساك هو المراجعة و لم يفصّل.

و لأنّه ليس باستئناف عقد، بل إزالة مانع عن الوطء، فأشبه التكفير عن الظهار.

و قال أحمد في الرواية الأخرى: لا يجوز، لأنّه استباحة فرج مقصود بعقد، فلا يجوز في الإحرام، كعقد النكاح(4).

و الفرق: أنّ عقد النكاح يملك به الاستمتاع، بخلاف الرجعة، فإنّ الاستمتاع مملوك له قبلها، إذ لا تخرج بالطلاق الرجعي عن حكم الزوجة، فإنّهما يتوارثان.

على أن المشهور من مذهب أحمد: أنّ الرجعية مباحة(5) ، فلا يصح

ص: 389


1- مختصر المزني: 66، حلية العلماء 294:23، المهذّب - للشيرازي - 217:1، المجموع 285:7 و 290، المنتقى - للباجي - 239:2، المغني 341:3، الشرح الكبير 320:3.
2- البقرة: 228.
3- البقرة: 229.
4- المغني 341:3، الشرح الكبير 320:3، المجموع 290:7، المنتقى - للباجي - 2: 239.
5- المغني 341:3، الشرح الكبير 320:3.

قوله: الرجعة استباحة.

مسألة 308: يجوز شراء الإماء في حالة الإحرام،

لكن لا يقربهنّ إجماعا، لأنّ الشراء لفائدة الاستخدام غالبا، فكان سائغا، و سواء قصد به التسرّي أو لا، و لا نعلم فيه خلافا، لأنّه ليس بموضوع للاستباحة في البضع، فأشبه شراء العبيد، و لذلك أبيح شراء من لا يحلّ وطؤها، و لم يحرم الشراء في حال يحرم فيه الوطء.

و يؤيّده: ما رواه سعد بن سعد عن الرضا عليه السلام - في الصحيح - قال: سألته عن المحرم يشتري الجواري و يبيع، قال: «نعم»(1).

إذا ثبت هذا، فلو اشترى حالة الإحرام أمة للتسرّي بها حالة الإحرام، احتمل فساد العقد، لأنّ الغرض الذي وقع لأجله محرّم، و يحتمل الصحة، لأنّ الغرض عارض، فلا يؤثّر في الصحة الأصلية.

إذا عرفت هذا، فإنّه يجوز له مفارقة النساء حالة الإحرام بكلّ حال من طلاق أو خلع أو ظهار أو لعان أو غير ذلك من أسباب الفرقة إجماعا.

و رواه أبو بصير - في الصحيح - عن الصادق عليه السلام، قال:

«المحرم يطلّق و لا يتزوّج»(2).

مسألة 309: كلّ موضع حكمنا فيه ببطلان العقد من المحرم يفرّق بينهما بغير طلاق

- و به قال الشافعي(3) - لأنّ الطلاق إنّما يقع في صلب نكاح صحيح، و هذا النكاح باطل.

و قال مالك: يفرّق بينهما بطلقة. و كذا كلّ نكاح وقع فاسدا عنده يفرّق بينهما بطلقة(4).

ص: 390


1- الكافي 373:4-8، الفقيه 308:2-1529، التهذيب 331:5-1139.
2- الكافي 372:4-6، الفقيه 231:2-1100.
3- حلية العلماء 294:3، المجموع 290:7.
4- الكافي في فقه أهل المدينة: 239، بداية المجتهد 70:2-71، التفريع 77:2، حلية العلماء 294:3، المجموع 290:7.
مسألة 310: لو نظر إلى امرأته بشهوة، فعل حراما،

و لو أمنى حينئذ، كان عليه جزور إن كان موسرا.

و لو نظر بغير شهوة، لم يكن عليه شيء و إن أمنى، لما رواه أبو بصير عن الصادق عليه السلام: أنّه سأله عن رجل محرم نظر إلى ساق امرأته [1] فأمنى، فقال: «إن كان موسرا فعليه بدنة، و إن كان وسطا فعليه بقرة، و إن كان فقيرا فعليه شاة»(1).

و لو نظر إلى غير أهله فأمنى، كان عليه بدنة، فإن لم يجد فبقرة، فإن لم يجد فشاة، لما رواه زرارة - في الصحيح - عن الباقر عليه السلام، قال:

سألته عن رجل محرم نظر إلى غير أهله فأنزل، قال: «عليه جزور أو بقرة، فإن لم يجد فشاة»(2).

و لو حملها بشهوة فأمنى أو لم يمن، وجب عليه دم شاة، و لو لم يكن بشهوة، لم يكن عليه شيء و لو أمنى، لما رواه الحلبي عن الصادق عليه السلام، قال: قلت له: المحرم يضع يده على امرأته، قال: «لا بأس» قلت: فإنّه أراد أن ينزلها في المحمل و يضمّها إليه، قال: «لا بأس» قلت: فإنّه أراد أن ينزلها في المحمل فلمّا ضمّها إليه أدركته الشهوة، قال: «ليس عليه شيء إلاّ أن يكون طلب ذلك»(3).

و سأل محمّد بن مسلم الصادق عليه السلام: عن رجل محرم حمل امرأته و هو محرم فأمنى أو أمذى، قال: «إن كان حملها و مسّها بشيء من الشهوة و أمنى أو لم يمن أمذى أو لم يمذ فعليه دم يهريقه، و إن حملها أو مسّها

ص: 391


1- الكافي 377:4-7، التهذيب 325:5-1115.
2- التهذيب 325:5-1116.
3- التهذيب 326:5-1118.

بغير شهوة فأمنى أو أمذى فليس عليه شيء»(1).

و يجوز للمحرم أن يقبّل أمّه، لأنّه ليس محلّ الشهوة، و لا داعيا إلى الجماع، فكان سائغا، لأنّ الحسين بن حمّاد سأل الصادق عليه السلام: عن المحرم يقبّل امّه، قال: «لا بأس به هذه قبلة رحمة، إنّما تكره قبلة الشهوة»(2).

إذا ثبت هذا، فلا فرق بين الامّ و الأخت و غيرهما من المحرّمات المؤبّدة.

البحث السادس عشر: في الفسوق و الجدال
مسألة 311: يحرم على المحرم الفسوق،

و هو: الكذب، و هو حرام على غيره إلاّ أنّه يتأكّد في حقّه.

قال اللّه تعالى فَلا رَفَثَ وَ لا فُسُوقَ وَ لا جِدالَ فِي الْحَجِّ (3).

قال الصادق عليه السلام: «و الفسوق: الكذب و السباب»(4).

و روى العامّة قول النبي صلّى اللّه عليه و آله: (سباب المسلم فسوق)(5) فجعلوا الفسوق هو السباب، لهذا الخبر.

و هو غير دالّ، و سبب الغلط إيهام العكس.

ص: 392


1- التهذيب 326:5-1119.
2- الكافي 377:4-9، التهذيب 328:5-1127.
3- البقرة: 197.
4- الكافي 338:4-3، التهذيب 296:5-297-1003.
5- صحيح البخاري 19:1 و 18:8، و 63:9، صحيح مسلم 81:1-116، سنن ابن ماجة 27:1-69، و 1299:2-3939 و 3940 و 1300-3941، سنن الترمذي 4: 353-1983، و 21:5-2635، سنن النسائي 122:7، المعجم الكبير - للطبراني - 145:1-325، و 129:10-10105، و 194-10308، و 197-10316، المغني 271:3.

و قال ابن عباس: الفسوق: المعاصي. و هو قول ابن عمر و عطاء و إبراهيم(1).

و قال الكاظم عليه السلام: «و الفسوق: الكذب»(2).

مسألة 312: و يحرم على المحرم الجدال،

و فسّره الصادق عليه السلام بقول الرجل لغيره: لا و اللّه و بلى و اللّه(3). و كذا قال الكاظم(4) عليه السلام.

و قال ابن عباس: الجدال هو أن تماري صاحبك حتى تغضبه(5). و هو قريب ممّا فسّره الإمامان عليهما السلام.

و قال مجاهد وَ لا جِدالَ فِي الْحَجِّ (6) أي: لا مجادلة، و لا شكّ في الحجّ أنّه في ذي الحجّة(7). و ما قلناه أولى.

إذا عرفت هذا، فإنّه يستحب للمحرم قلّة الكلام إلاّ بخير.

و روى العامة عن الحسين بن علي عليهما السلام، قال: «قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه»(8).

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السلام: «إذا أحرمت فعليك بتقوى اللّه و ذكر اللّه و قلّة الكلام إلاّ بخير، فإنّ تمام الحجّ و العمرة أن يحفظ

ص: 393


1- تفسير الماوردي 259:1، تفسير الطبري 156:2، تفسير القرطبي 407:2، المغني 271:3، الشرح الكبير 335:3-336.
2- التهذيب 297:5-1005.
3- الكافي 338:4-3، التهذيب 297:5-1003.
4- التهذيب 297:5-1005.
5- تفسير الطبري 158:2، المغني 271:3، الشرح الكبير 336:3.
6- البقرة: 197.
7- تفسير القرطبي 407:2، تفسير الطبري 160:2، المغني 271:3، الشرح الكبير 336:3.
8- المعجم الكبير - للطبراني - 138:3-2886، المعجم الصغير - للطبراني - 111:2، مسند أحمد 201:1، المغني 271:3-272، الشرح الكبير 336:3.

المرء لسانه إلاّ من خير كما قال تعالى، فإنّ اللّه يقول فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَ لا فُسُوقَ وَ لا جِدالَ فِي الْحَجِّ (1) فالرفث: الجماع، و الفسوق: الكذب، و الجدال: قول الرجل: لا و اللّه و بلى و اللّه»(2).

و لأنّ ترك الكلام فيما لا ينفع ممّا يقتضي صيانة النفس عن اللغو و الوقوع في الكذب و ما لا يحلّ، فإنّ من كثر كلامه كثر سقطه و قد قال صلّى اللّه عليه و آله:

(من كان يؤمن باللّه و اليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت)(3) فيستحب ترك الكلام فيما لا يتعلّق بالذكر و البحث في العلوم مطلقا، إلاّ أنّه في حال الإحرام أشدّ استحبابا، لأنّه حال عبادة و استغفار و استشعار بطاعة اللّه تعالى، فيشبه الاعتكاف.

و لا يعارض ذلك ما رواه العامّة عن عمر أنّه كان إذا ركب ناقته و هو محرم يقول:

كأنّ راكبها غصن بمروحة إذا تدلّت به أو شارب ثمل(4)

و فعل عمر لا حجّة فيه، خصوصا مع معارضة فعل النبي صلّى اللّه عليه و آله.

مسألة 313: لو ارتدّ في أثناء الحجّ و العمرة، لم تفسدهما،

و لا يعتدّ بما فعله في زمان الردّة - و هو قول بعض الشافعية(5) - لأصالة الصحّة، و براءة الذمّة، و الخروج عن العهدة بامتثال الأمر.

و قال بعض الشافعية: إنّها تفسدهما، سواء طال زمانها أو قصر(6).

ص: 394


1- البقرة: 197.
2- الكافي 337:4-338-3، التهذيب 296:5-1003.
3- صحيح مسلم 68:1-47، صحيح البخاري 39:8، سنن الترمذي 659:4 - 2500، الموطّأ 929:2-22، المغني 271:3، الشرح الكبير 336:3.
4- سنن البيهقي 68:5، المغني 272:3، الشرح الكبير 336:3.
5- فتح العزيز 479:7، المهذّب - للشيرازي - 242:1، المجموع 400:7.
6- فتح العزيز 479:7، المهذّب - للشيرازي - 242:1، المجموع 400:7.

و على القول بالفساد لهم وجهان:

أظهرهما: أنّه يبطل النسك بالكلية حتى لا يمضي فيه لا في الردّة و لا إذا عاد إلى الإسلام، لأنّ الردّة تحبط العبادة.

[و الثاني: أنّ سبيل الفساد هاهنا كسبيله عند الجماع، فيمضي فيه لو عاد إلى الإسلام](1) لكن لا تجب الكفّارة، كما أنّ إفساد الصوم بالردّة لا يتعلّق به الكفّارة.

و على القول بالصحة لهم ثلاثة أوجه:

أحدها: أنّه ينعقد على الصحة، فإن رجع في الحال فذاك، و إلاّ فسد نسكه، و عليه الفدية و القضاء و المضيّ في الفاسد.

و الثاني: أنّه ينعقد فاسدا، و عليه القضاء و المضيّ فيه، سواء مكث أو رجع في الحال، و إن مكث، وجبت الفدية، و هل هي بدنة أو شاة ؟ خلاف.

و الثالث: لا ينعقد أصلا، كما لا تنعقد الصلاة مع الحدث(2).

القسم الثاني: في مكروهات الإحرام
اشارة

أ: يكره للمحرم النوم على الفراش المصبوغة، و ليس بحرام، لما رواه أبو بصير - في الصحيح - عن الباقر عليه السلام، قال: «يكره للمحرم أن ينام على الفراش الأصفر أو المرفقة الصفراء»(3).

ب: يكره الإحرام في الثوب المصبوغ بالسواد أو المعصفر، و يتأكّد في السواد و النوم عليه.

ص: 395


1- أضفناها من المصدر.
2- فتح العزيز 479:7.
3- التهذيب 68:5-221.

ج: يكره الإحرام في الثياب الوسخة و إن كانت طاهرة.

د: لبس الثياب المعلمة.

ه: استعمال الحنّاء للزينة.

و: النقاب للمرأة على إشكال.

ز: دخول الحمّام و تدليك الجسد فيه.

ح: تلبية المنادي، بل يقول: يا سعد، لأنّه في مقام التلبية للّه تعالى، فكره لغيره.

و لقول الصادق عليه السلام: «ليس للمحرم أن يلبّي من دعاه حتى ينقضي إحرامه» قلت: كيف يقول ؟ قال: «يقول: يا سعد»(1).

ط: استعمال الرياحين.

مسألة 314:

يجوز للمحرم أن يلبس الهميان، و هو قول جمهور العلماء(2).

قال ابن عبد البرّ: أجمع فقهاء الأمصار متقدّموهم و متأخّروهم على جواز ذلك(3).

و كرهه ابن عمر و مولاه نافع(4).

لما رواه العامّة عن ابن عباس قال: رخص رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله للمحرم في الهميان أن يربطه إذا كانت فيه نفقته(5).

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السلام: «كان أبي عليه السلام يشدّ على بطنه نفقته يستوثق، فإنّها تمام حجّه»(6).

ص: 396


1- الكافي 366:4-4، التهذيب 386:5-1348.
2- المغني 282:3، الشرح الكبير 285:3.
3- المغني 282:3، الشرح الكبير 285:3-286.
4- المغني 282:3، الشرح الكبير 286:3.
5- المغني 282:3، الشرح الكبير 286:3.
6- الفقيه 221:2-1028، و انظر: الكافي 343:4-344 ذيل الحديث 2.

و لشدّة الحاجة إلى ذلك.

و قول ابن عمر لا حجّة له فيه.

مسألة 315:

يجوز للمحرم أن يلبس السلاح عند الحاجة إجماعا، إلاّ من الحسن البصري، فإنّه كرهه(1).

و الحقّ الأول، لما رواه العامّة: أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله صالح أهل الحديبية على أن لا يدخلوها إلاّ بجلبان السلاح(2) ، يعني القراب بما فيه.

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السلام: «إنّ المحرم [1] إذا خاف العدوّ فلبس السلاح، فلا كفّارة عليه»(3).

و للحاجة إليه.

و قد دلّ هذا الحديث من حيث المفهوم على التحريم مع عدم الخوف، و هو أحد قولي علمائنا(4).

مسألة 316:

يجوز أن يؤدّب الرجل عبده عند الحاجة إليه حالة إحرامه، لقول الصادق عليه السلام: «لا بأس أن يؤدّب المحرم عبده ما بينه و بين عشرة أسواط»(5).

و إذا قتل المحرم حيوانا و شكّ في أنّه صيد، لم يكن عليه شيء، لأصالة البراءة.

و لو علم أنّه صيد و شكّ في أيّ صيد هو، لزمه دم شاة، لأنّه أقلّ مراتب

ص: 397


1- المغني 284:3، الشرح الكبير 287:3.
2- سنن أبي داود 167:2-1832، المغني 284:3، الشرح الكبير 287:3.
3- التهذيب 387:5-1351.
4- كالشيخ الطوسي في المبسوط 322:1، و القاضي ابن البرّاج في المهذّب 221:1، و ابن إدريس في السرائر: 128.
5- التهذيب 387:5-1353.

الصيد.

و لقول الصادق عليه السلام في رجل أكل من لحم صيد لا يدري ما هو و هو محرم، قال: «عليه شاة»(1).

و يجوز أن يكون مع المحرم لحم الصيد إذا لم يأكله، و تركه إلى وقت إحلاله ثم يأكله إذا لم يكن صاده هو، لأنّ علي بن مهزيار سأله عن المحرم معه لحم من لحوم الصيد في زاده، هل يجوز أن يكون معه و لا يأكله و يدخله مكة و هو محرم فإذا أحلّ أكله ؟ فقال: «نعم إذا لم يكن صاده»(2).

و يجوز إخراج الفهد من الحرم، لأنّ إسماعيل بن الفضل الهاشمي سأل الصادق عليه السلام، فقال له: فهود تباع على باب المسجد ينبغي لأحد أن يشتريها و يخرج بها؟ قال: «لا بأس»(3).

و في الصحيح عن محمد بن أبي عمير عن بعض أصحابه عن الصادق عليه السلام، أنّه سئل عن رجل أدخل فهدا إلى الحرم، له أن يخرجه ؟ فقال: «هو سبع، و كلّما أدخلت من السباع [1] الحرم أسيرا فلك أن تخرجه»(4).1.

ص: 398


1- الكافي 397:4-7، التهذيب 384:5-1342.
2- التهذيب 385:5-1345.
3- التهذيب 385:5-1346.
4- التهذيب 367:5-1281.
المطلب الرابع: في كفّارات الإحرام
اشارة

و فيه بابان:

الباب الأول: في كفّارات 1 الصيد.
اشارة

و فيه مباحث:

البحث الأوّل: فيما لكفّارته بدل على الخصوص
اشارة

و هو خمسة:

الأوّل: قتل النعامة.

مقدّمة:

دابّة الصيد تضمن بمثلها من النّعم عند أكثر العلماء(1) ، لقوله تعالى فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ (2).

و ما رواه العامّة: أنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله جعل في الضبع كبشا(3).

و من طريق الخاصّة: ما رواه أبو الصباح - في الصحيح - عن الصادق عليه السلام، قال: سألته عن قول اللّه عزّ و جلّ في الصيد وَ مَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ (4) قال: «في الظبي شاة، و في حمار وحش بقرة، و في النعامة جزور»(5).

و قال أبو حنيفة: الواجب القيمة، لأنّ الصيد ليس بمثلي، فتجب القيمة، و يجوز صرفها في المثل(6).

ص: 399


1- المغني 545:3، الشرح الكبير 361:3.
2- المائدة: 95.
3- سنن ابن ماجة 1031:2-3085، سنن الدار قطني 246:2-48، سنن البيهقي 5: 183، المغني 545:3، الشرح الكبير 361:3.
4- المائدة: 95.
5- التهذيب 341:5-1180.
6- بدائع الصنائع 198:2، الهداية - للمرغيناني - 169:1، المبسوط - للسرخسي - 4: 82، المغني 545:3، الشرح الكبير 361:3، حلية العلماء 316:3، فتح العزيز 7: 500، المجموع 438:7، الحاوي الكبير 286:4.

و المماثلة الحقيقية ليست مرادة، لامتناعها بين الصيد و النّعم، بل المراد من حيث الصورة، فإنّ النعامة شبه البدنة.

و حكم الصحابة في الحيوانات بأمثالها، فحكم علي عليه السلام و زيد ابن ثابت و عمر و عثمان و ابن عباس و معاوية في النعامة ببدنة. و حكم أبو عبيدة و ابن عباس في حمار الوحش ببدنة. و حكم عمر فيه ببقرة. و حكم علي عليه السلام في الضبع بشاة(1) ، مع اختلاف الأزمان و تباعد الأمكنة، و لو كان على وجه القيمة، لامتنع اتّفاقها في شيء واحد، و قد حكموا في الحمامة بشاة(2) و لا تبلغ الحمامة في القيمة.

و ما ثبت فيه نصّ مقدّر اتّبع إمّا من النبي صلّى اللّه عليه و آله، أو من أحد الأئمة عليهم السلام، و لا يجب استئناف الحكم - و به قال عطاء و الشافعي و إسحاق و أحمد(3) - لأنّهم أعرف من غيرهم و أزهد، فكان قولهم حجّة.

و قال مالك: يستأنف الحكم، لقوله تعالى يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ (4)(5).

و الجواب: التقدير ثبوت الحكم.

مسألة 317:

يجب في النعامة بدنة عند علمائنا أجمع، فمن قتل نعامة و هو محرم وجب عليه جزور - و به قال عطاء و مجاهد و مالك و الشافعي و أحمد و أكثر أهل العلم(6) - لقوله تعالى:8.

ص: 400


1- المغني 545:3-546، الشرح الكبير 361:3-362، الحاوي الكبير 4: 291-292.
2- المغني 545:3-546، الشرح الكبير 361:3-362، الحاوي الكبير 4: 291-292.
3- المغني 546:3، الشرح الكبير 361:3.
4- المائدة: 95.
5- المغني 546:3، الشرح الكبير 361:3.
6- الشرح الكبير 361:3، المنتقى - للباجي - 253:2، الام 190:2، الوجيز 128:1، فتح العزيز 502:7، المهذّب - للشيرازي - 223:1، المجموع 428:7 و 438.

فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ (1) .

و روى العامّة: أنّ عليا عليه السلام حكم فيها ببدنة(2).

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السلام: «و في النعامة جزور»(3).

و في حديث آخر: «بدنة»(4).

و قال أبو حنيفة: تجب القيمة. و قد تقدّم(5).

و لو لم يجد البدنة، قوّم البدنة، و فضّ قيمتها على البرّ، و أطعم ستّين مسكينا لكلّ مسكين نصف صاع - و به قال الشافعي و أحمد(6) - لقوله تعالى:

فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ (7) بقراءة الخفض [1]، و هو يقتضي أن يكون الجزاء بدلا عن المثل من النّعم، لأنّ تقديرها: فجزاء بمثل.

و لقول الصادق عليه السلام: «إذا أصاب المحرم الصيد و لم يجد ما يكفّر من موضعه الذي أصاب فيه الصيد قوّم جزاؤه من النّعم دراهم ثم قوّمت الدراهم طعاما لكلّ مسكين نصف صاع، فإن لم يقدر على الطعام صام لكلّ نصف صاع يوما»(8).

و قال مالك: يقوّم الصيد لا المثل، لأنّ التقويم إذا وجب لأجل الإتلاف3.

ص: 401


1- المائدة: 95.
2- سنن البيهقي 182:5، الشرح الكبير 361:3.
3- التهذيب 341:5-1180.
4- التهذيب 341:5-1181.
5- تقدّم في المسألة السابقة.
6- فتح العزيز 499:7، المجموع 438:7، المغني 588:3.
7- المائدة: 95.
8- الكافي 387:4-10، التهذيب 341:5-342-1183.

قوّم المتلف كالذي لا مثل له(1).

و قال أبو حنيفة: لا يجب المثل، بل قيمة الصيد، فإن شاء تصدّق بها، و إن شاء اشترى شيئا من النّعم التي تجزئ في الأضحية يذبح، و إن شاء صرفها إلى الطعام، فأعطى كلّ مسكين نصف صاع من برّ أو صاعا من غيره، أو صام عن كلّ نصف صاع من برّ أو صاع من غيره يوما(2).

و لو لم يجد الإطعام، قوّم الجزور بدراهم و الدراهم بطعام على ما قلناه، ثم صام عن كلّ نصف صاع يوما - و به قال ابن عباس و الحسن البصري و النخعي و الثوري و أصحاب الرأي و ابن المنذر(3) - لأنّ صوم اليوم بدل عن نصف صاع في غير هذه الصورة، فيكون كذلك هنا.

و لقول الصادق عليه السلام: «فإن لم يقدر على الطعام صام لكلّ نصف صاع يوما»(4).

و قال عطاء: يصوم عن كلّ مدّ يوما - و به قال مالك و الشافعي، و عن أحمد روايتان - لأنّ اللّه تعالى جعل اليوم في كفّارة الظهار في مقابلة إطعام المسكين، فكذا هنا(5).

و يبطل بتقديم النصّ على القياس.

مسألة 318:

و اختلف علماؤنا في كفّارة جزاء الصيد:8.

ص: 402


1- بداية المجتهد 358:1، المغني 558:3، فتح العزيز 500:7، المجموع 438:7.
2- الهداية - للمرغيناني - 169:1-170، فتح العزيز 500:7، حلية العلماء 316:3، المجموع 438:7.
3- المغني 559:3، الشرح الكبير 340:3، المجموع 438:7، المبسوط - للسرخسي - 85:4، بدائع الصنائع 201:2.
4- الكافي 387:4-10، التهذيب 341:5-342-1183.
5- المغني 559:3، الشرح الكبير 340:3، بداية المجتهد 358:1، المجموع 7: 438.

فقال بعضهم: إنّها على الترتيب(1) - و به قال ابن عباس و التوري و ابن سيرين، و نقله أبو ثور عن الشافعي في القديم(2) - لقول الصادق عليه السلام:

«فإن لم يقدر على ذلك - يعني الذبح - قوّم جزاء الصيد و تصدّق بثمنه على المساكين» ثم قال: «فإن لم يقدر صام بدل كلّ صاع يوما»(3) و هو يدلّ على الترتيب.

و لأنّ هدي المتعة على الترتيب، و هذا آكد منه، لأنّه فعل محظور.

و قال بعضهم: إنّها على التخيير(4) - و به قال مالك و الشافعي و أصحاب الرأي، و عن أحمد روايتان(5) - و هو المعتمد، لقوله تعالى هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفّارَةٌ طَعامُ مَساكِينَ أَوْ عَدْلُ ذلِكَ صِياماً (6) و «أو» للتخيير.

قال ابن عباس: كلّ شيء «أو، أو» فهو مخيّر، و أمّا ما كان «فإن لم يجد» فهو الأوّل الأوّل. رواه العامّة(7).

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السلام: «كلّ شيء في القرآن (أو) فصاحبه بالخيار يختار ما شاء، و كلّ شيء في القرآن (فمن لم يجد فعليه كذا) فالأول بالخيار»(8).

و لأنّها فدية تجب بفعل محظور، فكان مخيّرا بين ثلاثتها، كفدية الأذى.6.

ص: 403


1- كالشيخ المفيد في المقنعة: 68، و المحقّق في شرائع الإسلام 284:1-285.
2- المغني 557:3، الشرح الكبير 338:3-339، المجموع 427:7-428، بدائع الصنائع 200:2، المنتقى - للباجي - 256:2.
3- التهذيب 341:5-1182.
4- كالشيخ الطوسي في الخلاف 397:2، المسألة 260، و ابن إدريس في السرائر: 131.
5- بداية المجتهد 358:1، المنتقى - للباجي - 256:2، فتح العزيز 499:7-500، المجموع 427:7، بدائع الصنائع 200:2، المغني 557:3، الشرح الكبير 3: 338
6- المائدة: 95.
7- المغني 558:3، الشرح الكبير 339:3، المنتقى - للباجي - 256:2.
8- الكافي 358:4-2، التهذيب 333:5-1147، الاستبصار 195:2-656.

و قال الشافعي قولا آخر: إنّه لا إطعام في الكفّارة، و إنّما ذكر في الآية ليعدل به الصيام، لأنّ من قدر على الإطعام قدر على الذبح، و هو مروي عن ابن عباس و عن أحمد [1] أيضا.

و هو خطأ لأنّ اللّه تعالى سمّى الإطعام كفّارة، و لو لم يجب إخراجه لم يكن كفّارة و جعله طعاما للمساكين، و ما لا يجوز صرفه إليهم لا يكون طعاما لهم.

و لأنّه عطف الطعام على الهدي ثم عطف الصوم عليه، و لو لم تكن إحدى الخصال لم يجز ذلك فيه.

و نمنع أنّ من قدر على الطعام قدر على الهدي، إمّا لتعذّر المذبوح أو لغلاء السعر أو لغيرهما.

مسألة 319:

لو زادت قيمة الفداء على إطعام ستّين مسكينا لكلّ مسكين نصف صاع، لم يلزمه الزائد، و أجزأه إطعام الستّين، و لو نقص عن إطعام الستّين، لم يجب الإكمال، بل أجزأه و إن كان ناقصا.

و كذا لو زاد ثمن الطعام على صيام ستّين يوما لكلّ يوم نصف صاع، لم يجب عليه صوم الزائد على الستّين، و لو نقص، أجزأه الناقص، و لا يجب عليه إكمال الصوم.

و العامّة لم يعتبروا ذلك، لأنّها كفّارة، فلا تزيد على إطعام ستّين و لا على صيام ستين، لأنّها أعلى مراتب الكفّارات.

و قول الصادق عليه السلام في محرم قتل نعامة، قال: «عليه بدنة، فإن لم يجد فإطعام ستّين مسكينا، فإن كانت قيمة البدنة أكثر من طعام ستّين مسكينا لم يزد على طعام ستّين مسكينا، و إن كانت قيمة البدنة أقلّ من طعام ستّين مسكينا لم يكن عليه إلاّ قيمة البدنة»(1).5.

ص: 404


1- الكافي 386:4-5، التهذيب 342:5-1185.

إذا عرفت هذا، فلو بقي ما لا يعدل يوما، كربع الصاع، كان عليه صيام يوم كامل، و به قال عطاء و النخعي و حماد و الشافعي و أصحاب الرأي(1) ، و لا نعلم فيه خلافا، لأنّ صيام اليوم لا يتبعّض، و السقوط غير ممكن، لشغل الذمّة، فيجب إكمال اليوم.

مسألة 320:

لو عجز عن البدنة و إطعام ستّين و صوم شهرين، صام ثمانية عشر يوما، لأنّ صوم ثلاثة أيّام بدل عن إطعام عشرة مساكين في كفّارة اليمين مع العجز عن الإطعام، فيكون كذلك هنا.

و لقول الصادق عليه السلام: «من أصاب شيئا فداؤه بدنة من الإبل، فإن لم يجد ما يشتري بدنة فأراد أن يتصدّق فعليه أن يطعم ستّين مسكينا لكلّ مسكين مدّا، فإن لم يقدر على ذلك صام مكان ذلك ثمانية عشر يوما مكان كلّ عشرة مساكين ثلاثة أيّام»(2).

مسألة 321:

في فراخ النعامة لعلمائنا قولان:

أحدهما: من صغار الإبل(3) ، و به قال الشافعي و أحمد(4).

و الثاني: فيه مثل ما في النعامة سواء(5) ، و به قال مالك(6).

احتجّ الأوّلون: بقوله تعالى فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ (7) و مثل الصغير صغير.5.

ص: 405


1- المغني 559:3-560، الشرح الكبير 340:3، المجموع 427:7.
2- التهذيب 343:5-1187.
3- من القائلين به: الشيخ المفيد في المقنعة: 68.
4- الحاوي الكبير 294:4، فتح العزيز 504:7، المجموع 431:7 و 439، المغني 3: 554، الشرح الكبير 304:3، بداية المجتهد 362:1.
5- من القائلين به: الشيخ الطوسي في النهاية: 225 و المبسوط 342:1.
6- بداية المجتهد 362:1، المنتقى - للباجي - 255:2، فتح العزيز 504:7، المجموع 439:7، الحاوي الكبير 294:4، المغني 549:3، الشرح الكبير 364:3.
7- المائدة: 95.

و لأنّ فرخ الحمام يضمن بمثله، فكذا فرخ النعامة.

و احتجّ الآخرون: بقوله تعالى هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ (1) و لا يجزئ في الهدي صغير.

و لقول الصادق عليه السلام في قوم حجّاج محرمين أصابوا فراخ نعام، فأكلوا جميعا، قال: «عليهم مكان كلّ فرخ بدنة يشتركون فيها جميعا يشترونها على عدد الفراخ و على عدد الرجال»(2).

الثاني: كفّارة قتل حمار الوحش و بقرته.

مسألة 322:

لو قتل المحرم حمار الوحش، وجب عليه دم بقرة عند علمائنا - و به قال عمر و عروة و مجاهد و الشافعي و أحمد في إحدى الروايتين(3) - للمماثلة بين حمار الوحش و البقرة الأهلية.

و لأنّ أبا بصير سأل الصادق عليه السلام: قلت: فإن أصاب بقرة وحش أو حمار وحش ما عليه ؟ قال: «عليه بقرة»(4).

و قال أحمد في الرواية الأخرى: عليه بدنة. و هو مروي عن أبي عبيدة و ابن عباس، و به قال عطاء و النخعي(5).

و قال أبو حنيفة: تجب القيمة. و قد سلف(6).

إذا ثبت هذا، ففي بقرة الوحش بقرة أهلية أيضا عند علمائنا، و هو مروي

ص: 406


1- المائدة: 95.
2- الفقيه 236:2-1123.
3- المغني 547:3، الشرح الكبير 362:3، الام 192:2، الوجيز 128:1، فتح العزيز 502:7، المهذّب - للشيرازي - 223:1، المجموع 428:7، المبسوط - للسرخسي - 82:4، الهداية - للمرغيناني - 170:1.
4- التهذيب 342:5-343-1186.
5- المغني 547:3، الشرح الكبير 362:3.
6- سلف في صفحة 399.

عن ابن مسعود و عطاء و عروة و قتادة و الشافعي(1) ، و لا نعلم فيه خلافا، إلاّ من أبي حنيفة(2)التهذيب 342:5-343-1186.(3) ، لأنّ الصحابة نصّوا فيها على ذلك(4). و للمشابهة في الصورة.

و لرواية أبي بصير، الصحيحة، و قد سلفت(5).

مسألة 323:

لو لم يجد البقرة في جزاء حمار الوحش و بقرته، قوّم ثمنها بدراهم و فضّه على الحنطة، و أطعم كلّ مسكين نصف صاع، و لا يجب عليه ما زاد على إطعام ثلاثين مسكينا، و لا إتمام ما نقص عنه، عند علمائنا.

و قال مالك: إنّما يقوّم الصيد. و قد سلف(6) البحث معه.

و قد روى أبو عبيدة عن الصادق عليه السلام، قال: «إذا أصاب المحرم الصيد و لم يجد ما يكفّر من موضعه الذي أصاب فيه الصيد قوّم جزاؤه من النّعم دراهم ثم قوّمت الدراهم طعاما لكلّ مسكين نصف صاع، فإن لم يقدر على الطعام صام لكلّ نصف صاع يوما»(7).

و عن أبي بصير عن الصادق عليه السلام، قال: فإن أصاب بقرة وحش أو حمار وحش ما عليه ؟ قال: «بقرة» قلت: فإن لم يقدر على بقرة ؟ قال:

«فليطعم ثلاثين مسكينا»(7).

مسألة 324:

لو لم يتمكّن من الإطعام، صام ثلاثين يوما كلّ يوم بإزاء نصف صاع، و لو لم يبلغ الإطعام ذلك، لم يكن عليه الإكمال، و لو فضل،6.

ص: 407


1- المغني 547:3، الشرح الكبير 362:3، المجموع 428:7، فتح العزيز 502:7، المنتقى - للباجي - 253:2.
2- تقدّمت الإشارة إلى مصادر قوله في صفحة 399، الهامش
3- .
4- كما في المغني 547:3، و الشرح الكبير 362:3، و فتح العزيز 502:7، و المجموع 428:7، و سنن البيهقي 182:5.
5- سلفت في صدر المسألة.
6- سلف في المسألة 317.
7- الكافي 387:4-10، التهذيب 341:5-342-1183.

لم تجب عليه الزيادة عن ثلاثين، لما تقدم(1) في النعامة.

و لقول الباقر عليه السلام: «لكلّ طعام مسكين يوما»(2).

و الخلاف في الترتيب و التخيير هنا كما تقدّم(3).

و لو لم يتمكّن من هذه الأصناف، صام تسعة أيّام، لما ثبت في كفّارة اليمين من أنّ صوم ثلاثة أيّام بدل من إطعام عشرة مساكين مع العجز، فكذا هنا.

و لقول الصادق عليه السلام: «فإن لم يجد [1] فليطعم ثلاثين مسكينا، فإن لم يجد [2] فليصم تسعة أيّام»(4).

الثالث: في كفّارة الظبي و الثعلب و الأرنب.

مسألة 325: لو قتل المحرم ظبيا، وجب عليه دم شاة،

و به قال علي عليه السلام، و عطاء و عروة و عمر بن الخطّاب و الشافعي و أحمد و ابن المنذر(5) ، لأنّه قول من سمّيناه من الصحابة، و لم يعلم لهم مخالف، فكان حجّة.

و ما رواه العامّة عن جابر عن النبي صلّى اللّه عليه و آله، أنّه قال: (و في الظبي شاة)(6).

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السلام: «و في الظبي شاة»(7).

ص: 408


1- تقدم في المسألة 319.
2- التهذيب 342:5-1184.
3- تقدّم في المسألة 318.
4- الكافي 385:4-1، التهذيب 342:5-343-1186.
5- المغني 546:3 و 547، الشرح الكبير 362:3، المبسوط - للسرخسي - 82:4.
6- سنن الدار قطني 247:2-52، المغني 546:3، الشرح الكبير 362:3.
7- التهذيب 341:5-1181.

و قال أبو حنيفة: الواجب القيمة. و قد تقدّم(1) البحث معه.

مسألة 326:

لو عجز عن الشاة، قوّم ثمنها دراهم، و فضّه على البرّ، و أطعم عشرة مساكين لكلّ مسكين نصف صاع، و لو زاد التقويم على ذلك، لم تجب عليه الزيادة على إطعام العشر، و لو نقص، لم يجب عليه الإكمال، لما ثبت من مساواة إطعام عشرة مساكين للشاة في اليمين و أذى الحلق و غيرهما.

و لقول الصادق عليه السلام: «إذا أصاب المحرم الصيد و لم يجد ما يكفّر من موضعه الذي أصاب فيه [الصيد](2) قوّم جزاؤه من النّعم دراهم ثم قوّمت الدراهم طعاما لكلّ مسكين نصف صاع، فإن لم يقدر على الطعام صام لكلّ نصف صاع يوما»(3).

و سأل أبو بصير الصادق عليه السلام: فإن أصاب ظبيا ما عليه ؟ قال:

«عليه شاة» قلت: فإن لم يجد شاة ؟ قال: «فعليه إطعام عشرة مساكين»(4).

مسألة 327:

لو عجز عن الإطعام، صام عن كلّ نصف صاع يوما، و لو زاد التقويم على خمسة أصوع، لم يكن عليه صوم عن الزائد، و لو نقص، لم يكن عليه إلاّ بقدر التقويم، لما ثبت من مقابلة صوم اليوم لنصف صاع، فكذا هنا.

و لقول الصادق عليه السلام: «فإن لم يقدر على الطعام صام لكلّ نصف صاع يوما»(5).3.

ص: 409


1- تقدّم في صفحة 399.
2- أضفناها من المصدر.
3- الكافي 387:4-10، التهذيب 341:5-342-1183.
4- الكافي 385:4-1، التهذيب 343:5-1186.
5- الكافي 387:4-10، التهذيب 341:5-342-1183.

و اعلم أنّ الخلاف هنا في ترتيب هذه الأصناف الثلاثة أو تخييرها كالخلاف فيما تقدّم(1).

و لو عجز عن الشاة و إطعام عشرة مساكين و صوم عشرة أيّام، صام ثلاثة أيّام، لما ثبت من أنّها بدل في كفّارة اليمين عن إطعام عشرة مساكين، و كذا في كفارة الأذى، فكذا هنا.

و لقول الصادق عليه السلام: «و من كان عليه شاة فلم يجد فليطعم عشرة مساكين، فإن لم يجد فصيام ثلاثة أيّام في الحجّ [1]»(2).

مسألة 328:

و في الثعلب شاة، لأنّ أبا بصير سأل الصادق عليه السلام: عن رجل قتل ثعلبا، قال: «عليه دم» قلت: فأرنبا؟ قال: «مثل ما في الثعلب»(3).

قال الشيخان رحمهما اللّه تعالى: إنّ في الثعلب مثل ما في الظبي(4).

و لم يثبت.

و يمكن الاحتجاج بقول الصادق عليه السلام: «و من كان عليه شاة فلم يجد فليطعم عشرة مساكين فإن لم يجد فصيام ثلاثة أيّام في الحجّ»(5).

إذا عرفت هذا، ففي الأرنب شاة، ذهب إليه علماؤنا - و به قال عطاء(6) - لأنّه كالثعلب، فيكون جزاؤه مساويا لجزائه.

و لقول الكاظم عليه السلام: «في الأرنب شاة»(7).9.

ص: 410


1- تقدّم في المسألة 318.
2- التهذيب 343:5-1187.
3- الكافي 386:4-7، الفقيه 233:2-1116، التهذيب 343:5-1188.
4- المقنعة: 68، النهاية: 222، المبسوط - للطوسي - 340:1.
5- التهذيب 343:5-1187.
6- المغني 548:3، الشرح الكبير 362:3.
7- الكافي 387:4-8، الفقيه 233:2-1114، التهذيب 343:5-1189.

و قال ابن عباس: فيه حمل(1).

و قال الشافعي: فيه عناق(2). و هو الأنثى من ولد المعز في أول سنة، و الذكر جدي.

إذا عرفت هذا، فقال بعض علمائنا: إنّ فيه مثل ما في الظبي(3) ، لما تقدّم في الثعلب.

الرابع: كسر بيض النعام.

مسألة 329:

إذا كسر المحرم بيض نعامة، فإن كان قد تحرّك فيه الفرخ، كان عليه عن كلّ بيضة بكارة من الإبل، و لا تشترط الأنوثة، فإن لم يكن قد تحرّك فيه الفرخ، كان عليه أن يرسل فحولة الإبل في إناث منها بعدد البيض، فالناتج هدي لبيت اللّه تعالى، ذهب إليه علماؤنا.

لنا: أنّه مع التحرّك يكون قد قتل فرخ نعامة، فعليه مثله من الإبل، و مع عدمه يحتمل الفساد و الصحة، فكان عليه [1] ما يقابله من إلقاء المني في رحم الأنثى المحتمل للفساد و الصحة.

و لما رواه علي بن جعفر - في الصحيح - عن أخيه الكاظم عليه السلام، قال: سألته عن رجل كسر بيض نعامة و في البيض فراخ قد تحرّك، فقال:

«عليه لكلّ فرخ تحرّك بعير ينحره في المنحر»(4).

و سأل رجل أمير المؤمنين عليه السلام: إنّي خرجت محرما، فوطأت

ص: 411


1- المغني 548:3، الشرح الكبير 362:3.
2- الام 193:2، فتح العزيز 502:7، المجموع 439:7، المغني 548:3، الشرح الكبير 362:3.
3- منهم: الشيخ المفيد في المقنعة: 68، و الشيخ الطوسي في النهاية: 222-223، و سلاّر في المراسم: 120، و ابن إدريس في السرائر: 130-131.
4- التهذيب 355:5-1234، الإستبصار 203:2-688.

ناقتي بيض نعام فكسرته، فهل عليّ كفّارة ؟ فقال أمير المؤمنين عليه السلام:

«فاسأل ابني الحسن - عليه السلام - عنها» و كان بحيث يسمع كلامه، فتقدّم إليه الرجل، فسأله، فقال له: «يجب عليك أن ترسل فحولة الإبل في إناثها بعدد ما انكسر من البيض، فما نتج فهو هدي لبيت اللّه عزّ و جلّ» فقال له أمير المؤمنين عليه السلام: «يا بنيّ كيف قلت ذلك و أنت تعلم أنّ الإبل ربما أزلقت أو كان فيها ما يزلق ؟» فقال: «يا أمير المؤمنين و البيض ربما أمرق [1]» فتبسّم أمير المؤمنين عليه السلام، و قال له: «صدقت يا بنيّ» ثم تلا ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ وَ اللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (1)(2).

و قال الشافعي: يجب عليه قيمة البيض - و به قال عمر بن الخطّاب و ابن مسعود و النخعي و الزهري و أبو ثور و أحمد و أصحاب الرأي - لأنّ البيض لا مثل له، فتجب القيمة.

و لما روي عن النبي صلّى اللّه عليه و آله، أنّه قال: (في بيض النعام يصيبه المحرم: ثمنه)(3)(4).

و نمنع عدم المثل، لأنّه ليس المراد المثل الحقيقي.

و الحديث مرسل لا اعتداد به.

و قال مالك: يجب في البيضة عشر قيمة الصيد(5).1.

ص: 412


1- آل عمران: 33.
2- التهذيب 354:5-1231.
3- سنن ابن ماجة 1031:2-3086.
4- المغني 553:3-554، الشرح الكبير 303:3، الام 208:2، فتح العزيز 486:7، المجموع 332:7-333، بداية المجتهد 363:1، المحلّى 233:7 و 235.
5- بداية المجتهد 362:1-363، الحاوي الكبير 335:4، فتح العزيز 486:7، حلية العلماء 299:3، المجموع 332:7 و 333 و 441.

و قال داود و أهل الظاهر: لا شيء في البيض(1).

مسألة 330:

لا فرق بين أن يسكره بنفسه أو بدابّته، لأنّه سبب في الإتلاف، فكان عليه ضمانه، لقول الصادق عليه السلام: «ما وطأته أو وطأه بعيرك أو دابّتك و أنت محرم فعليك فداؤه»(2).

و الاعتبار في العدد بالإناث، فيجب لكلّ بيضة أنثى، و لو كان الذكر واحدا أجزأه، لأنّ الإنتاج مأخوذ من الإناث.

و لقول الصادق عليه السلام: «أن يرسل الفحل في مثل عدد البيض من الإبل الإناث، فما لقح و سلم كان النتاج هديا بالغ الكعبة»(3).

مسألة 331:

لو لم يتمكّن من الإبل، كان عليه عن كلّ بيضة شاة، فإن لم يجد، كان عليه عن كلّ بيضة إطعام عشرة مساكين لكلّ مسكين مدّ، فإن لم يجد، كان عليه صيام ثلاثة أيّام، لأنّها تثبت بدلا في كفّارات متعدّدة، فكذا هنا.

و لرواية علي بن أبي حمزة عن أبي الحسن عليه السلام، قال: سألته عن رجل أصاب بيض نعامة و هو محرم، قال: «يرسل الفحل في الإبل على عدد البيض» قلت: فإنّ البيض يفسد كلّه و يصلح كلّه، قال: «ما نتج الهدي فهو هدي بالغ الكعبة، و إن لم ينتج فليس عليه شيء، فمن لم يجد إبلا فعليه لكلّ بيضة شاة، فإن لم يجد فالصدقة على عشرة مساكين لكلّ مسكين مدّ، فإن لم يقدر فصيام ثلاثة أيام»(4).

إذا عرفت هذا، فلو كسر بيضة فخرج منها فرخ حيّ و عاش، لم يكن4.

ص: 413


1- المحلّى 233:7، المجموع 318:7 و 332 و 441.
2- التهذيب 355:5 ذيل الحديث 1232، الاستبصار 202:2 ذيل الحديث 686.
3- التهذيب 355:5-1232، الإستبصار 202:2-686.
4- الكافي 387:4-11، التهذيب 354:5-1229، الاستبصار 201:2 - 202-684.

عليه شيء، و لو مات، كان فيه ما في صغير النعام.

و لو باض الطير على فراش محرم، فنقله إلى موضعه فنفر الطير فلم يحضنه، لزمه الجزاء. و للشافعي قولان(1).

و لو كسر بيضة فيها فرخ ميّت، لم يكن عليه شيء، و كذا لو كان البيض فاسدا.

و قال الشافعي: إن كان بيض نعام، كان عليه القيمة، لأنّ للقشر قيمة(2).

و ليس بمعتمد، لأنّه بمنزلة الحجر و الخشب، و لهذا لو نقب بيضة فأخرج ما فيها أجمع، ضمنها، و لو كسرها آخر بعده، لم يكن عليه شيء.

و لقول الكاظم عليه السلام: «و إن لم ينتج فليس عليه شيء»(3).

الخامس: كسر بيض القطا و القبج.

مسألة 332:

لو كسر المحرم بيضة من بيض القطا أو القبج، فإن كان قد تحرّك فيه الفرخ، كان عليه عن كلّ بيضة مخاض من الغنم، و إن لم يكن قد تحرّك فيه الفرخ، وجب عليه إرسال فحولة الغنم في إناثها بعدد البيض، فالناتج هدي لبيت اللّه تعالى.

و قالت العامّة: إنّ عليه القيمة(4). و قد تقدّم(5).

و لأنّ الصادق عليه السلام سئل عن محرم وطأ بيض القطا فشدخه، قال:

«يرسل الفحل في مثل عدد البيض من الغنم، كما يرسل الفحل في مثل9.

ص: 414


1- حلية العلماء 300:3، المجموع 337:7.
2- المهذّب - للشيرازي - 219:1، المجموع 318:7، فتح العزيز 486:7-487.
3- الكافي 387:4-11، التهذيب 354:5-1229، الإستبصار 201:2 - 202-684.
4- المغني 553:3-554، الشرح الكبير 303:3، فتح العزيز 486:7، المجموع 7: 318 و 332.
5- تقدّم في المسألة 329.

عدد البيض من الإبل»(1).

و أمّا وجوب المخاض للمتحرّك: فلأنّه بيض يتحرّك فيه الفرخ، فكان عليه صغير من ذلك النوع، كما في بيض النعام.

و لقول الصادق عليه السلام: «في كتاب علي عليه السلام في بيض القطاة بكارة من الغنم إذا أصابه المحرم مثل ما في بيض النعام بكارة من الإبل»(2).

مسألة 333:

لو لم يتمكّن من إرسال فحولة الغنم في إناثها، قال الشيخ رحمه اللّه: كان حكمه حكم بيض النعام سواء(3).

قال ابن إدريس: يريد أنّه إذا لم يتمكّن من الإرسال، ذبح عن كلّ بيضة شاة، فإن لم يجد، أطعم عن كلّ بيضة عشرة مساكين، فإن لم يقدر، صام عن كلّ بيضة ثلاثة أيّام(4).

و الأقرب: أنّ مقصود الشيخ في مساواته لبيض النعام وجوب الصدقة على عشرة مساكين أو صيام ثلاثة أيّام إذا لم يتمكّن من الإطعام، لأنّ مع التحرّك لا تجب شاة كاملة صغيرة، فكيف تجب الشاة الكاملة مع عدم التحرّك و إمكان فساده و عدم خروج الفرخ منه!؟ تنبيه: يجب ذبح الجزاء في الموضع الذي تجب التفرقة فيه، فيتصدّق8.

ص: 415


1- الكافي 389:4-4، التهذيب 356:5-1237، الإستبصار 03:2-689
2- الكافي 389:4-390-5، التهذيب 355:5-1233، الإستبصار 202:2-687.
3- النهاية: 227، المبسوط - للطوسي - 345:1.
4- السرائر: 132-133، و راجع: المقنعة: 68.

به على مساكين الحرم إمّا بأن يفرّق اللحم، أو يملّكهم جملته مذبوحا، و لا يجوز أن يخرجه حيّا.

و إذا قوّم المثل دراهم، لم يجز له أن يتصدّق بها، بل يجعلها طعاما، و يتصدّق بها.

و لو صام عن نصف الصاع بقدره فانكسر، وجب صوم يوم كامل، لأنّ صوم اليوم لا يتبعّض.

البحث الثاني: فيما لا بدل له على الخصوص[1]
مسألة 334:

الحمام كلّ طائر يهدر بأن يواتر صوته، و يعبّ الماء بأن يضع منقاره فيه، فيكرع كما تكرع الشاة، و لا يأخذ قطرة قطرة بمنقاره، كما يفعل الدجاج و العصفور.

و قال الكسائي: إنّه كلّ مطوّق(1) فالحجل حمام، لأنّه مطوّق.

و يدخل في الأول: الفواخت و الوارشين و القماري و الدباسي و القطا.

إذا عرفت هذا، ففي كلّ حمامة شاة، ذهب إليه علماؤنا أجمع - و به قال علي عليه السلام و عمر و عثمان و ابن عمر و ابن عباس و نافع بن عبد الحارث، فإنّهم حكموا في حمام الحرم بكلّ حمامة شاة، و به قال سعيد بن المسيّب و عطاء و عروة و قتادة و الشافعي و أحمد و إسحاق(2) - لمشابهة الحمامة بالشاة في الكرع.

و لما رواه العامّة عن ابن عباس: أنّه قضى في الحمام حال الإحرام

ص: 416


1- المغني 556:3، الشرح الكبير 363:3.
2- المغني 556:3، الشرح الكبير 363:3، الام 195:2، الوجيز 128:1، فتح العزيز 504:7، المجموع 440:7، حلية العلماء 317:3، المحلّى 229:7، مصنّف عبد الرزاق 418:4-8285.

بالشاة، و لم يخالفه أحد من الصحابة(1).

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السلام: «المحرم إذا أصاب حمامة ففيها شاة»(2).

و لأنّها حمامة [مضمونة](3) لحقّ اللّه تعالى، فضمنت بالشاة، كحمامة الحرم.

و لأنّ الشاة مثل لما في الحرم فتكون كذلك في الإحرام، لقوله تعالى:

فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ (4) .

و قال أبو حنيفة و مالك: فيه القيمة - إلاّ أنّ مالكا وافقنا في حمام الحرم دون حمام الإحرام - لأنّ الحمامة لا مثل لها، فتجب القيمة.

و لأنّ القياس يقتضي القيمة في كلّ الطير، تركناه في حمام الحرم، لقضاء الصحابة، فيبقى ما عداه على الأصل(5).

و قد بيّنّا أنّ المماثلة في الحقيقة أو الصورة غير مرادة، بل ما شابهها شرعا، و قد بيّنّا أنّ الشارع حكم في الحمامة بشاة، مع قوله تعالى فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ (6) فدلّ على ثبوت المماثلة الشرعية بينهما. و هو الجواب عن الثاني.

مسألة 335:

الشاة تجب بقتل المحرم للحمامة، أمّا المحلّ لو قتلها في الحرم، فإنّه يجب عليه القيمة، و هي درهم عند علمائنا، لقول الصادق

ص: 417


1- سنن البيهقي 205:5، المغني 556:3، الشرح الكبير 363:3.
2- الكافي 389:4-1، التهذيب 345:5-1197، الإستبصار 200:2-678.
3- أضفناها من المغني و الشرح الكبير.
4- المائدة: 95.
5- المغني 556:3، الشرح الكبير 363:3، بدائع الصنائع 198:2، بداية المجتهد 1: 362، المنتقى - للباجي - 254:2، حلية العلماء 317:3.
6- المائدة: 95.

عليه السلام: «في الحمامة درهم»(1).

و سأل عبد الرحمن بن الحجّاج الصادق عليه السلام: عن فرخين مسرولين [1] ذبحتهما و أنا بمكة محلّ، فقال لي: «لم ذبحتهما؟» قلت: جاءتني بهما جارية قوم من أهل مكة، فسألتني أن أذبحهما لها، فظننت أنّي بالكوفة، و لم أذكر أنّي بالحرم فذبحتهما، فقال: «تصدّق بثمنهما» قلت: كم ثمنهما؟ قال: «درهم خير من ثمنهما»(2).

و لو كانت القيمة أزيد من درهم أو أنقص، فالأقرب: الغرم، عملا بالنصوص، و الأحوط: وجوب الأزيد من الدرهم و القيمة.

مسألة 336:

لو كان القاتل للحمام محرما في الحرم، وجب عليه الجزاء و القيمة معا، فيجب عليه عن كلّ حمامة شاة و درهم، لأنّه يهتك حرمة الحرم و الإحرام، فكان عليه فداؤهما.

و لأنّ الشاة تجب على المحرم في الحلّ، و الدرهم يجب على المحلّ في الحرم، فالمحرم في الحرم يجب عليه الأمران، لأنّه اجتمع فيه الوصفان:

و لأنّ أبا بصير سأل الصادق عليه السلام: عن محرم قتل حمامة من حمام الحرم خارجا من الحرم، قال: فقال: «عليه شاة» قلت: فإن [2] قتلها في جوف الحرم ؟ قال: «عليه شاة و قيمة الحمامة» قلت: فإن [3] قتلها في الحرم و هو حلال ؟ قال: «عليه ثمنها ليس غيره»(3).

مسألة 337:

لو قتل فرخا من فراخ الحمام، وجب عليه حمل قد فطم و رعى الشجر إن كان محرما، لما تقدّم من المماثلة بين الجزاء و الصيد، و مثل

ص: 418


1- الكافي 234:4-10، التهذيب 345:5-1196، الاستبصار 200:2-677.
2- التهذيب 346:5-1200، الاستبصار 201:2-681.
3- التهذيب 347:5-1203.

الصغير صغير.

و لقول الصادق عليه السلام: «فإن كان فرخا فجدي أو حمل صغير من الضأن»(1).

و لو كان القاتل للفرخ محلا في الحرم، وجب عليه نصف درهم، و لو كان محرما في الحرم، وجب عليه الجزاء و القيمة معا، فيجب حمل و نصف درهم، لقول الصادق عليه السلام: «في الحمامة درهم، و في الفرخ نصف درهم، و في البيض ربع درهم»(2).

مسألة 338:

لو كسر المحرم بيض الحمام و لم يكن قد تحرّك فيه الفرخ، وجب عليه عن كلّ بيضة درهم، و إن كان قد تحرّك فيه الفرخ، وجب عليه عن كلّ بيضة حمل، هذا إن كان في الحلّ، لقول الصادق عليه السلام:

«و إن وطأ المحرم بيضة فكسرها فعليه درهم، كلّ هذا يتصدّق به بمكة و منى، و هو قول اللّه تعالى تَنالُهُ أَيْدِيكُمْ وَ رِماحُكُمْ (3)»(4).

و لو كان الكاسر محلا في الحرم، فعليه لكلّ بيضة ربع درهم، لقوله عليه السلام: «و في البيض ربع درهم»(5).

و لو كان محرما في الحرم، وجب عليه عن كلّ بيضة درهم و ربع.

مسألة 339:

لا فرق بين حمام الحرم و الأهلي في القيمة إذا قتل في الحرم، إلاّ أنّ حمام الحرم يشترى بقيمته علف لحمامه، و الأهلي يتصدّق بثمنه على المساكين، عند العلماء، إلاّ داود، فإنّه قال: لا جزاء في صيد الحرم(6) ، لأصالة البراءة.

ص: 419


1- التهذيب 346:5-1201، الإستبصار 201:2-682.
2- الكافي 234:4-10، التهذيب 345:5-1196، الإستبصار 200:2-677.
3- المائدة: 94.
4- التهذيب 346:5-1202، الاستبصار 201:2-683.
5- المصادر في الهامش (2).
6- حكاه عنه الشيخ الطوسي في الخلاف 406:2، المسألة 277.

و هو غلط، لما بيّنّا من أنّ جماعة من الصحابة حكموا في حمام الحرم بشاة.

و لأنّه صيد ممنوع منه لحقّ اللّه تعالى، فأشبه الصيد في الحرم.

و لأنّ حمّاد بن عثمان سأل الصادق عليه السلام: عن رجل أصاب طيرين: واحدا من حمام الحرم، و الآخر من حمام غير الحرم، قال:

«يشتري بقيمة الذي من حمام الحرم قمحا، فيطعمه حمام الحرم، و يتصدّق بجزاء الآخر»(1).

مسألة 340:

في كلّ واحد من القطا و الحجل و الدراج حمل قد فطم و رعى الشجر، و حدّه ما كمل أربعة أشهر لغة، لقول الصادق عليه السلام:

«وجدنا في كتاب عليّ عليه السلام: في القطاة إذا أصابها المحرم حمل قد فطم من اللبن و أكل من الشجر»(2).

و قال الباقر عليه السلام: «في كتاب علي عليه السلام: من أصاب قطاة أو حجلة أو دراجة أو نظيرهنّ فعليه دم»(3).

و أوجب ابن عباس و عطاء و جابر شاة شاة(4).

مسألة 341:

في العصفور و الصعوة و القبرة و ما أشبهها مدّ من طعام عند أكثر علمائنا(5) ، لقول الصادق عليه السلام: «القبرة و الصعوة و العصفور إذا قتله المحرم فعليه مدّ من طعام عن كلّ واحد منهم»(6).

و قال داود: لا يضمن ما كان أصغر من الحمام، لقوله تعالى:

ص: 420


1- الكافي 390:4-10، التهذيب 353:5-1228.
2- التهذيب 344:5-1190.
3- الكافي 390:4-9، التهذيب 344:5-1191.
4- المغني 557:3، الشرح الكبير 366:3.
5- منهم: الشيخ الطوسي في النهاية: 223، و ابن إدريس في السرائر: 131، و المحقّق في شرائع الإسلام 287:1.
6- التهذيب 344:5-1193.

فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ (1) و هذا لا مثل له(2).

و ليس بجيّد، لعموم قوله تعالى تَنالُهُ أَيْدِيكُمْ (3) يعني الفرخ و البيض ما يعجز عن الفرار من صغار الصيد، و رماحكم، يعني الكبار.

و روى العامّة عن ابن عباس: أنّه حكم في الجراد بجزاء(4).

و من طريق الخاصّة: ما تقدّم(5).

مسألة 342:

الزنبور إن قتله المحرم خطأ، لم يكن عليه شيء فيه، و إن قتله عمدا، كان عليه كفّ من طعام - و به قال مالك(6) - لأنّ معاوية بن عمّار سأل الصادق عليه السلام: عن محرم قتل زنبورا، فقال: «إن كان خطأ فلا شيء» قلت: بل عمدا، قال: «يطعم شيئا من الطعام»(7).

و قال الشافعي و أحمد: لا شيء فيه(8).

أمّا الهوامّ من الحيّات و العقارب و غير ذلك فلا يلزمه شيء بقتله، و لا يقتله إذا لم يرده، لقول الصادق عليه السلام: «كلّ ما يخاف المحرم على نفسه من السباع و الحيّات و غيرها فليقتله، و إن لم يرده فلا يرده»(9).

و أمّا القمل و البقّ و أشباههما فلا بأس بقتلها للمحلّ في الحرم، لقول

ص: 421


1- المائدة: 95.
2- المغني 553:3، الشرح الكبير 365:3، حلية العلماء 317:3، الحاوي الكبير 4: 330.
3- المائدة: 94.
4- المغني 553:3، الشرح الكبير 365:3، الحاوي الكبير 330:4.
5- تقدّم في صدر المسألة.
6- المغني 346:3، الشرح الكبير 311:3.
7- الكافي 364:4-5، التهذيب 365:5-1271.
8- المغني 346:3، الشرح الكبير 311:3.
9- الكافي 363:4-1، التهذيب 365:5-1272، الاستبصار 208:2-711، بتفاوت يسير في بعض الألفاظ.

الصادق عليه السلام: «لا بأس بقتل القمل و البق في الحرم»(1).

قال الشيخ: و لو كان محرما، لزمته الكفّارة(2). و هو جيّد، لقول الصادق عليه السلام: «و إن قتل شيئا من ذلك - يعني القمل - خطأ، فليطعم مكانها طعاما قبضة بيده»(3).

و كذا إذا ألقاها عن جسده، و قد تقدّم(4).

مسألة 343:

من قتل جرادة و هو محرم كان عليه كفّ من طعام أو تمرة، و لو كان كثيرا، كان عليه دم شاة، لقول الصادق عليه السلام: في محرم قتل جرادة، قال: «يطعم تمرة، و تمرة خير من جرادة»(5).

و سأل محمّد بن مسلم الصادق عليه السلام: عن محرم قتل جرادا، قال: «كفّ من طعام، و إن كان أكثر فعليه دم شاة»(6).

و لو عمّ الجراد المسالك و لم يتمكّن من الاحتراز عن قتله، لم يكن عليه شيء، و به قال عطاء و الشافعي في أحد القولين، و في الآخر: عليه الضمان(7).

لنا: أصالة البراءة.

و لقول الصادق عليه السلام: «على المحرم أن يتنكّب [1] عن الجراد إذا

ص: 422


1- الفقيه 172:2-161، التهذيب 366:5-1277 بتفاوت.
2- التهذيب 366:5 ذيل الحديث 1275.
3- التهذيب 336:5-1160، الاستبصار 196:2-197-661.
4- تقدّم في المسألة 222.
5- الكافي 393:4-4، التهذيب 363:5-364-1265، الاستبصار 207:2-706.
6- التهذيب 364:5-1267، الإستبصار 208:2-708.
7- الام 200:2، الوجيز 128:1، فتح العزيز 498:7، المهذّب - للشيرازي - 1: 219-220، المجموع 337:7، حلية العلماء 300:3، و حكاه عنهما الشيخ الطوسي في الخلاف 415:2، المسألة 295.

كان على طريقه، و إن لم يجد بدّا فقتل فلا بأس»(1).

مسألة 344:

في كلّ واحد من الضبّ و القنفذ و اليربوع جدي، لقوله تعالى فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ (2).

و لما تقدّم(3) من أنّ الصحابة قضوا فيما ذكرنا بمثله من النعم: قضى عمر و ابن مسعود في اليربوع بجفرة. و قضى عمر و أربد [1] في الضبّ بجدي.

و قضى جابر بن عبد اللّه فيه بشاة(4).

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السلام: «في اليربوع و القنفذ و الضبّ إذا أصابه المحرم جدي، و الجدي خير منه، و إنّما جعل هذا لكي ينكل عن فعل غيره من الصيد»(5).

البحث الثالث: فيما لا نصّ فيه
مسألة 345:

ما لا مثل له من الصيد و لا تقدير شرعي فيه يرجع إلى قول عدلين يقوّمانه، و تجب عليه القيمة التي يقدّرانها فيه.

و يشترط في الحكمين العدالة إجماعا، للآية(6). و لا بدّ و أن يكونا اثنين فما زاد، للآية(7).

ص: 423


1- التهذيب 364:5-1268، الإستبصار 208:2-710.
2- المائدة: 95.
3- تقدّم في ص 400
4- المغني 547:3-548، الشرح الكبير 362:3، الحاوي الكبير 292:4، فتح العزيز 502:7-503، المجموع 429:7 و 440، بداية المجتهد 362:1، سنن البيهقي 184:5 و 185.
5- التهذيب 344:5-1192.
6- المائدة: 95.
7- المائدة: 95.

و لو كان القاتل أحدهما، جاز - و به قال الشافعي و أحمد و إسحاق و ابن المنذر(1) - لقوله تعالى يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ (2) و القاتل مع غيره ذوا عدل منّا، فيكون مقبولا.

و لأنّه مال يخرج في حقّ اللّه تعالى، فجاز أن يكون من وجب عليه أمينا فيه، كالزكاة.

و قال النخعي: لا يجوز، لأنّ الإنسان لا يحكم لنفسه(3).

و هو ممنوع كما في الزكاة.

و لو قيل: إن كان القتل عمدا عدوانا، لم يجز حكمه، لفسقه، و إلاّ جاز، كان وجها.

و لو حكم اثنان بأنّ له مثلا و آخران بانتفاء المثل، قال بعض العامّة:

الأخذ بالأول أولى(4).

مسألة 346:

قال الشيخ رحمه اللّه: في البطّ و الإوز و الكركي شاة، و هو الأحوط.

قال: و إن قلنا: فيه القيمة، لأنّه لا نصّ فيه، كان جائزا(5).

و هو الظاهر من قول ابن بابويه، لأنّه أوجب شاة في كلّ طائر عدا النعامة(6).

و يؤيّده: قول الصادق عليه السلام: في محرم ذبح طيرا: «إنّ عليه دم

ص: 424


1- المهذّب - للشيرازي - 223:1، المجموع 423:7 و 430، الوجيز 128:1، فتح العزيز 503:7، حلية العلماء 317:3، المغني 548:3، الشرح الكبير 363:3.
2- المائدة: 95.
3- المغني 548:3، الشرح الكبير 363:3.
4- فتح العزيز 504:7، المجموع 431:7.
5- المبسوط - للطوسي - 346:1.
6- المقنع: 78.

شاة يهريقه، فإن كان فرخا فجدي أو حمل صغير من الضأن»(1) و هو عامّ.

قال الشيخ رحمه اللّه: من قتل عظاية كان عليه كفّ من طعام، لأنّ معاوية بن عمّار سأل الصادق عليه السلام: عن محرم قتل عظاية، قال:

«كفّ من طعام»(2).

إذا ثبت هذا: فالقيمة واجبة في قتل كلّ ما لا تقدير فيه شرعا، و كذا البيوض التي لا نصّ في تقديرها.

مسألة 347:

يضمن الكبير من ذوات الأمثال بكبير، و الصغير بصغير، و إن ضمنه بكبير، كان أولى، و يضمن الذكر بمثله و الأنثى بمثلها - و به قال الشافعي(3) - لقوله تعالى فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ (4).

و قال مالك: يضمن الأصغر بكبير، لقوله تعالى هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ (5) و الصغير لا يهدى(6). و هو ممنوع.

و كذا يضمن الصحيح بصحيح إجماعا، و المعيب بمثله، و إن ضمنه بصحيح، كان أحوط، و به قال الشافعي و أحمد(7).

و قال مالك: يضمن المعيب بصحيح(8). و قد تقدّم.

ص: 425


1- التهذيب 346:5-1201، الاستبصار 201:2-682.
2- التهذيب 344:5-345، و الحديث 1194.
3- المهذّب - للشيرازي - 223:1، المجموع 439:7، فتح العزيز 504:7، حلية العلماء 316:3، المغني 549:3، الشرح الكبير 364:3، بداية المجتهد 362:1.
4- المائدة: 95.
5- المائدة: 95.
6- بداية المجتهد 362:1، المنتقى - للباجي - 255:2، المغني 549:3، الشرح الكبير 364:3، حلية العلماء 316:3، فتح العزيز 504:7، المجموع 439:7.
7- فتح العزيز 505:7، المجموع 432:7، الحاوي الكبير 295:4، المغني 549:3، الشرح الكبير 364:3.
8- المنتقى - للباجي - 255:2، المغني 549:3، الشرح الكبير 364:3، فتح العزيز 505:7، المجموع 439:7، الحاوي الكبير 295:4.

و لو اختلف العيب بالجنس، فإن فدى الأعرج بأعور أو بالعكس، لم يجز، أمّا لو اختلف بالمحلّ بأن فدى الأعور من اليمنى بالأعور من اليسرى أو الأعرج من إحدى الرّجلين بأعرج الأخرى، جاز، لعدم الخروج به عن المماثلة.

و يفدى الذكر بمثله أو بالأنثى، لأنّها أطيب لحما و أرطب.

و للشافعي قولان(1).

و تفدى الأنثى بمثلها.

و هل يجزئ الذكر؟ قيل: نعم، لأنّ لحمه أوفر، فتساويا.

و قيل بالمنع، لأنّ زيادته ليست من جنس زيادتها، فأشبه اختلاف العيب جنسا، و لاختلافهما خلقة، فيقدح في المثلية(2).

و للشافعي قولان(3).

و الشيخ - رحمه اللّه - جوّز الجميع، لقوله تعالى فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ (4) و معلوم أنّ المراد المثل في الخلقة، لعدم اعتبار الصفات الأخرى، كاللون(5).

و لو قتل ماخضا، ضمنها بماخض مثلها، للآية(6) ، و لأنّ الحمل فضيلة مقصودة، فلا سبيل إلى إهمالها، و به قال الشافعي، إلاّ أنّه قال: لا تذبح الحامل، لأنّ فضيلة الحامل بالقيمة، لتوقّع الولد(7).4.

ص: 426


1- فتح العزيز 505:7، المجموع 432:7.
2- انظر: المغني 550:3، و الشرح الكبير 365:3.
3- فتح العزيز 505:7، المجموع 432:7، الحاوي الكبير 296:4.
4- المائدة: 95.
5- الخلاف 400:2-401، المسألة 264.
6- المائدة: 95.
7- فتح العزيز 506:7، المجموع 433:7، الحاوي الكبير 296:4.

و قال الشافعي [أيضا]: يضمنها بقيمة مثلها، لأنّ قيمته أكثر من قيمة لحمه [1].

و هو عدول عن المثل مع إمكانه، و لا عبرة بالزيادة و النقصان في القيمة مع إمكان المثل.

و لو فداها بغير ماخض، ففي الإجزاء نظر: من حيث عدم المماثلة، و من حيث إنّ هذه الصفة لا تزيد في لحمها، بل قد تنقصه غالبا، فلا يشترط وجود مثلها في الجزاء، كالعيب و اللون.

و لو أصاب صيدا حاملا فألقت جنينا، فإن خرج حيّا و ماتا معا، لزمه فداؤهما معا، فيفدي الأم بمثلها، و الصغير بصغير.

و إن عاشا، فإن لم يحصل عيب، فلا شيء، عملا بالأصل، و إن حصل، ضمنه بأرشه.

و لو مات أحدهما دون الآخر، ضمن التالف خاصّة.

و إن خرج ميّتا، ضمن الأرش، و هو: ما بين قيمتها حاملا و مجهضا [2].

البحث الرابع: في أسباب الضمان
اشارة

و هو أمران:

الأمر الأول: المباشرة

مسألة 348: قد بيّنّا أنّ من قتل صيدا وجب عليه فداؤه،

فإن أكله، لزمه فداء آخر - و به قال عطاء و أبو حنيفة(1) - لأنّه أكل من صيد محرّم عليه،

ص: 427


1- المبسوط - للسرخسي - 86:4، بدائع الصنائع 203:2 و 204، بداية المجتهد 1: 359، المنتقى - للباجي - 250:2، حلية العلماء 298:3، المغني 294:3، الشرح الكبير 302:3، الحاوي الكبير 303:4.

فوجب عليه فداؤه، كما لو صيد لأجله.

و قال بعض علمائنا: يجب عليه بالقتل فداء و بالأكل قيمة ما أكل(1).

و قال مالك و الشافعي: لا يضمن الأكل(2). و قد تقدّم(3) بطلانه.

و لا فرق بين أن يفدي القتيل قبل الأكل أو لا في وجوب الفداءين معا أو الفداء و القيمة، لأنّه تناول محظور إحرامه، فلزمه الجزاء.

و قال أبو حنيفة: إذا ذبحه و أكله قبل أن يؤدّي الجزاء، دخل ضمان الأكل في ضمان الجزاء، و إن أكل بعد ما أدّى قيمته، فعليه قيمة ما أكل(4).

و قال أبو يوسف و محمد: لا يضمن عن الأكل شيئا، و عليه الاستغفار، لأنّ حرمته لكونه ميتة، لا أنّه جناية على الإحرام، و ذلك لا يوجب إلاّ الاستغفار(5).

و نمنع عدم الإيجاب بما تقدّم.

مسألة 349: حكم البيض حكم الصيد في تحريم أكله إجماعا،

و سواء كسره هو أو محرم آخر.

و لو كسره حلال، كان على المحرم إذا أكله قيمته، سواء أخذ لأجله أو لغيره، خلافا لبعض العامّة، كما خالف في أكل اللحم، فجوّزه إذا ذبح لا7.

ص: 428


1- الشيخ الطوسي في الخلاف 405:2، المسألة 274، و كما في شرائع الإسلام 288:1.
2- المنتقى - للباجي - 250:2، بداية المجتهد 359:1، الحاوي الكبير 302:4 و 303، حلية العلماء 298:3، المجموع 304:7 و 305 و 330، بدائع الصنائع 204:2، المغني 294:3، الشرح الكبير 302:3.
3- تقدّم في المسألة 206.
4- المبسوط - للسرخسي - 86:4، الهداية - للمرغيناني - 173:1، بدائع الصنائع 203:2 و 204، المنتقى - للباجي - 250:2، المجموع 330:7.
5- بدائع الصنائع 204:2، المبسوط - للسرخسي - 86:4، الهداية - للمرغيناني - 1: 173، المنتقى - للباجي - 250:2، المجموع 330:7.

لأجله، و منعه إذا ذبح لأجله(1).

و قد بيّنّا عدم الفرق.

و لو كسر المحرم بيض الصيد، لم يحرم على المحلّ أكله و إن وجب على المحرم فداء الكسر، لأنّ حلّه لا يقف على كسره، و لا يعتبر له أهل يصدر عنه، بل لو انكسر من نفسه أو كسره مجوسي، لم يحرم، فأشبه قطع اللحم و طبخه.

و قال بعض العامّة: يحرم على المحلّ أكله - و هو قول الشيخ(2) رحمه اللّه - كذبح المحرم الصيد(3). و ليس بجيّد.

مسألة 350: لو اشترى محلّ لمحرم بيض نعام فأكله المحرم،

كان على المحرم عن كلّ بيضة شاة، و على المحلّ عن كلّ بيضة درهم.

أمّا وجوب الشاة على المحرم: فلأنّه جزاء البيضة على ما قلناه، و قد بيّنّا وجوب الجزاء على المحرم بالأكل، كما يجب بالصيد و الكسر.

و أمّا وجوب الدرهم على المحلّ: فلإعانته، و هي تستلزم الضمان.

و لأنّ أبا عبيدة سأل الباقر عليه السلام: عن رجل محلّ اشترى لرجل محرم بيض نعام، فأكله المحرم، فما على الذي أكله ؟ فقال: «على الذي اشتراه فداء لكلّ بيضة درهم، و على المحرم لكلّ بيضة شاة»(4).

إذا عرفت هذا، فالمضمون من البيوض، إنّما هو بيض الصيد الحرام، أمّا بيض ما يباح أكله للمحرم، كبيض الدجاج الحبشي، فإنّه حلال لا يجب بكسره شيء، لأنّ أصله غير مضمون، ففرعه أولى.

مسألة 351: لو أتلف جزءا من الصيد، ضمنه بإجماع العلماء

- إلاّ5.

ص: 429


1- المغني 554:3، الشرح الكبير 304:3.
2- المبسوط - للطوسي - 348:1.
3- المغني 554:3، الشرح الكبير 304:3.
4- التهذيب 355:5-356-1235.

داود و أهل الظاهر، فإنّهم قالوا: لا شيء في أبعاض الصيد(1) - لأنّ الجملة مضمونة، فأبعاضها كذلك، كالآدمي.

و لأنّ النبي عليه السلام نهى عن التنفير(2) ، فعن الجرح أولى، و ما كان محرّما من الصيد كان مضمونا.

قال الشيخ رحمه اللّه: في كسر قرني الغزال نصف قيمته، و في كلّ واحد ربع القيمة، و في عينيه كمال قيمته، و في كسر إحدى يديه نصف قيمته، و كذا في كسر إحدى رجليه، و لو كسر يديه معا، وجب عليه كمال القيمة، و كذا لو كسر رجليه معا، و لو قتله، كان عليه فداء واحد(3).

و قال بعض العامّة: يضمن بمثله من مثله، لأنّ ما وجب جملته بالمثل وجب في بعضه مثله، كالمثليات(4).

و قال آخرون: يجب قيمة مقداره من مثله، لمشقّة إخراج الجزاء، فيمتنع إيجابه، و لهذا لم يوجب الشارع جزءا من بعير في خمس من الإبل، و عدل إلى إيجاب شاة، و ليست من الجنس، طلبا للتخفيف(5).

و ليس بجيّد، لما بيّنّا من أنّ الكفّارة مخيّرة هنا، و هذا القائل يوافقنا عليه، فتنتفي المشقّة، لوجود الخيرة في العدول عن المثل إلى عدله من الطعام أو الصيام.

و الشيخ - رحمه اللّه - استدلّ برواية أبي بصير عن الصادق عليه السلام، قال: قلت: ما تقول في محرم كسر أحد قرني غزال في الحلّ؟ قال: «عليه3.

ص: 430


1- الحاوي الكبير 297:4-298، و حكاه الشيخ الطوسي في الخلاف 401:2، المسألة 265.
2- صحيح البخاري 181:2، صحيح مسلم 986:2-987-1353، سنن أبي داود 2: 212-2017، سنن ابن ماجة 1038:2-3109، سنن النسائي 203:5، سنن البيهقي 195:5، مسند أحمد 119:1.
3- النهاية: 227، المبسوط - للطوسي - 342:1.
4- المغني 551:3، الشرح الكبير 366:3.
5- المغني 551:3، الشرح الكبير 366:3.

ربع قيمة الغزال» قلت: فإن هو كسر قرنيه ؟ قال: «عليه نصف قيمته يتصدّق به» قلت: فإن هو فقأ عينيه ؟ قال: «عليه قيمته» قلت: فإن هو كسر إحدى يديه ؟ قال: «عليه نصف قيمته» قلت: فإن كسر إحدى رجليه ؟ قال:

«عليه نصف قيمته» قلت: فإن هو قتله ؟ قال: «عليه قيمته» قلت: فإن هو فعل و هو محرم في الحرم [1]؟ قال: «عليه دم يهريقه، و عليه هذه القيمة إذا كان محرما في الحرم»(1).

مسألة 352: لو نتف ريشة من حمام الحرم، وجب عليه أن يتصدّق بشيء باليد التي نتف بها،

لأنّها آلة الجناية.

و لأنّ إبراهيم بن ميمون قال للصادق عليه السلام: رجل نتف ريشة حمامة من حمام الحرم، قال: «يتصدّق بصدقة على مسكين، و يطعم باليد التي نتفها فإنّه قد أوجعها»(2).

إذا عرفت هذا، فلو تعدّد الريش، فإن كان بالتفريق، فالوجه: تكرّر الفدية، و إلاّ فالأرش، و به قال الشافعي و أبو ثور(3).

و قال مالك و أبو حنيفة: قيمة الجزاء جميعه(4).

و ليس بجيّد، لأنّه نقصه نقصا يمكنه إزالته، فلا يضمنه بأسره، كما لو جرحه.

و لو حفظه حتى نبت ريشه، كان عليه صدقة، لحصول السبب.

و قال بعض العامّة: لا ضمان عليه، لزوال النقص(5).3.

ص: 431


1- التهذيب 387:5-1354.
2- التهذيب 348:5-349-1210.
3- المجموع 436:7، حلية العلماء 319:3، المغني 555:3، الشرح الكبير 368:3.
4- الهداية - للمرغيناني - 171:1، المغني 555:3، الشرح الكبير 368:3.
5- المغني 555:3، الشرح الكبير 368:3.

و هو خطأ، لأنّ المتجدّد غير الزائل.

مسألة 353: لو جرح الصيد، ضمن الجرح على قدره،

و هو قول العلماء(1) ، إلاّ داود و أهل الظاهر، فإنّهم لم يوجبوا شيئا(2). و هو غلط.

ثم يعتبر حاله، فإن رآه سويّا بعد ذلك، وجب عليه الأرش، لوجود سبب الضمان، و الاندمال غير مسقط للفدية، كالآدمي.

و لو أصابه و لم يؤثّر فيه، فلا شيء، للأصل.

و لقول الصادق عليه السلام لمّا سأله أبو بصير عن محرم رمى صيدا فأصاب يده فعرج، فقال: «إن كان الظبي مشى عليها و رعى و هو ينظر إليه فلا شيء عليه، و إن كان الظبي ذهب لوجهه و هو رافعها فلا يدري ما صنع فعليه فداؤه، لأنّه لا يدري لعلّه قد هلك»(3).

و لو كسر يده أو رجله ثم رآه و قد صلح و رعى، وجب عليه ربع الفداء، لما رواه أبو بصير عن الصادق عليه السلام، قال: قلت له: رجل رمى ظبيا و هو محرم فكسر يده أو رجله فذهب الظبي على وجهه فلم يدر ما صنع، فقال: «عليه فداؤه» قلت: فإنّه رآه بعد ذلك مشى، قال: «عليه ربع ثمنه»(4).

و لو جرح الصيد فاندمل و صار غير ممتنع، فالوجه: الأرش.

و قال الشيخ رحمه اللّه: يضمن الجميع(5) - و هو قول أبي حنيفة(6) - لأنّه مفض إلى تلفه. و هو ممنوع.3.

ص: 432


1- الحاوي الكبير 297:4، حلية العلماء 320:3، و حكاه الشيخ الطوسي في الخلاف 401:2، المسألة 265.
2- الحاوي الكبير 297:4، حلية العلماء 320:3، و حكاه الشيخ الطوسي في الخلاف 401:2، المسألة 265.
3- التهذيب 358:5-1245، الاستبصار 205:2-206-700.
4- التهذيب 359:5-1248، الاستبصار 205:2-699.
5- المبسوط - للطوسي - 349:1.
6- بدائع الصنائع 205:2، المغني 551:3، الشرح الكبير 367:3.

و لو جرحه فغاب عن عينيه [1] و لم يعلم حاله، وجب عليه ضمانه أجمع، لأنّ علي بن جعفر سأل الكاظم عليه السلام: عن رجل رمى صيدا و هو محرم، فكسر يده أو رجله، فمضى الصيد على وجهه، فلم يدر الرجل ما صنع الصيد، قال: «عليه الفداء كاملا إذا لم يدر ما صنع الصيد»(1).

و قال بعض العامّة: إن كان الجرح موجبا - و هو الذي لا يعيش معها غالبا - ضمنه بأسره، و إلاّ ضمن النقص لا الجميع، لعدم العلم بحصول التلف(2).

و ليس بجيّد، لأنّه فعل ما يحصل معه التلف، فكان ضامنا.

و لو رآه ميّتا و لم يعلم أ مات من الجناية أو غيرها، ضمنه.

و قال بعض العامّة: لا يضمنه، لعدم العلم بالإتلاف(3).

و ليس بجيّد، لأنّه وجد سبب إتلافه منه و لم يعلم له سبب آخر، فوجب إحالته عليه، لأنّه السبب المعلوم.

و لو صيّرته الجناية غير ممتنع، فلم يعلم أصار ممتنعا أم لا، ضمنه عندنا بأعلى الأرشين، لأنّ الأصل عدم الامتناع.

و لو رماه و لم يعلم هل أثّر فيه أم لا، لزمه الفداء، عملا بأغلب الأحوال من الإصابة عند القصد بالرمي.

إذا عرفت هذا، فلو جرح الظبي فنقص عشر قيمته، لزمه عشر شاة، و به قال المزني(4) ، للآية(5).5.

ص: 433


1- التهذيب 359:5-1246.
2- المغني 551:3، الشرح الكبير 367:3.
3- المغني 551:3، الشرح الكبير 367:3.
4- مختصر المزني: 71، الحاوي الكبير 298:4، فتح العزيز 506:7، المجموع 7: 432، حلية العلماء 319:3.
5- المائدة: 95.

و قال الشافعي: يلزمه عشر قيمة المثل، و هو عشر قيمة الشاة، لأنّ إيجاب عشر الشاة يفضي إلى التجزئة و التقسيط، و هو حرج(1).

و على ما اخترناه من التخيير يتخيّر بين إخراج عشر الشاة أو عشر من ثمن الشاة و يفضّ على الطعام، و بين الصيام.

مسألة 354: لو جرح الصيد ثم اندمل جرحه و بقي ممتنعا إمّا بعدوه،

كالغزال، أو بطيرانه، كالحمام، وجب عليه الأرش على ما قلناه.

و لو صار الصيد بعد اندمال جرحه زمنا، احتمل الجزاء الكامل، لأنّه بالأزمان صار كالمتلف، و لهذا لو أزمن عبدا، لزمه تمام قيمته، و هو أحد وجهي الشافعية - و به قال أبو حنيفة(2) - و الثاني: أنّه يجب عليه قدر النقص، لأنّه لم يهلك بالكلّية، و لهذا يكون الباقي مضمونا لو قتله محرم آخر(3).

و لو جاء محرم آخر و قتله إمّا بعد الاندمال أو قبله، فعليه جزاؤه مزمنا، لما تقدّم أنّ المعيب يقابل بمثله، و يبقى الجزاء على الأول بحاله.

و قال الشيخ: يجب على كلّ واحد منهما الفداء(4).

و قال بعض الشافعية: إن أوجبنا جزاء كاملا، عاد هاهنا إلى قدر النقصان، لبعد إيجاب جزاءين لمتلف واحد(5).

و لو عاد المزمن و قتله، فإن قتله قبل الاندمال، فليس عليه إلاّ جزاء واحد، كما لو قطع يدي رجل ثم قتله قبل الاندمال لا يلزمه إلاّ دية واحدة، و إن قتله بعد الاندمال، أفرد كلّ واحد منهما بحكمه، ففي القتل جزاؤه7.

ص: 434


1- مختصر المزني: 71، الحاوي الكبير 298:4، الوجيز 129:1، فتح العزيز 7: 506-507، المجموع 432:7، حلية العلماء 319:3.
2- بدائع الصنائع 205:2، فتح العزيز 507:7.
3- فتح العزيز 507:7، المجموع 434:7.
4- الخلاف 419:2، المسألة 303.
5- فتح العزيز 507:7، المجموع 434:7.

مزمنا.

و لو أوجبنا بالأزمان جزاء كاملا، فلو كان للصيد امتناعان، كالنعامة، فأبطل أحدهما، فللشافعية وجهان:

أحدهما: أنّه يتعدّد الجزاء، لتعدّد الامتناع.

و أصحّهما عندهم: أنّه لا يتعدّد، لاتّحاد الممتنع(1).

و على هذا فما الذي يجب ؟ قال الجويني: الغالب على الظنّ أنّه يعتبر ما نقص، لأنّ امتناع النعامة في الحقيقة واحد إلاّ أنّه يتعلّق بالرّجل و الجناح، فالزائل بعض الامتناع(2).

مسألة 355: لو اشترك محرمان أو أكثر في قتل صيد،

وجب على كلّ واحد منهم فداء كامل - و به قال أبو حنيفة و مالك و الثوري، و هو مروي عن الحسن البصري و الشعبي و النخعي من التابعين(3) - لأنّ كلّ واحد منهم فعل ما حصل بسببه الموت، فكان كما لو جرحه جرحا متلفا.

و لأنّها كفّارة قتل يدخلها الصوم، فأشبهت كفّارة الآدمي.

و لقول الصادق عليه السلام: «إن اجتمع قوم على صيد و هم محرمون فعلى كلّ واحد منهم قيمة»(4).

و قال الشافعي: يجب جزاء واحد على الجميع - و به قال عمر بن الخطّاب و ابن عباس و ابن عمر و عطاء و الزهري، و عن أحمد روايتان كالمذهبين(5) - لأنّ المقتول واحد، فالمثل واحد(6).4.

ص: 435


1- فتح العزيز 508:7، المجموع 434:7.
2- فتح العزيز 508:7، المجموع 434:7.
3- المغني 562:3، الشرح الكبير 369:3، فتح العزيز 508:7، المجموع 436:7 و 439، حلية العلماء 316:3، الحاوي الكبير 320:4، تفسير القرطبي 314:6.
4- الكافي 391:4-2، التهذيب 351:5-1219.
5- المغني 562:3، الشرح الكبير 369:3، المجموع 439:7.
6- الوجيز 129:1، فتح العزيز 508:7، المهذّب - للشيرازي - 224:1، المجموع 7: 436 و 439، حلية العلماء 316:3، الحاوي الكبير 320:4.

و عنه رواية ثالثة: إن كان صوما، صام كلّ واحد صوما تامّا، و إن كان غير صوم، فجزاء واحد، و إن كان أحدهما يهدي و الآخر يصوم، فعلى المهدي بحصته، و على الآخر صوم تام، لأنّ الجزاء ليس بكفّارة، و إنّما هو بدل، لأنّه تعالى عطف بها، فقال أَوْ كَفّارَةٌ (1) و الصوم كفّارة، فيكمل، ككفّارة قتل الآدمي(2).

و المماثلة ليست حقيقيّة، و إذا ثبت اتّحاد الجزاء في الهدي، وجب اتّحاده في الصوم، لقوله تعالى أَوْ عَدْلُ ذلِكَ صِياماً (3)

فروع:

أ - لو اشترك محلّ و محرم و كان القتل في الحلّ، فلا شيء على المحلّ،

و على المحرم جزاء كامل.

و قال الشافعي: على المحرم نصف الجزاء، و لا شيء على المحلّ(4).

و قد بيّنّا بطلانه.

ب - لو قتل القارن صيدا، لم يلزمه إلاّ جزاء واحد،

و كذا لو باشر غيره من المحظورات، و به قال مالك و الشافعي و أحمد في إحدى الروايتين(5).

و قال أبو حنيفة: يلزمه جزاءان(6).

ج - لو قتل المحرم صيدا في الحرم، لزمه الجزاء و القيمة.

و قال الشافعي: يلزمه جزاء واحد، لاتّحاد المتلف، و هذا كما أنّ الدية4.

ص: 436


1- المائدة: 95.
2- المغني 562:3، الشرح الكبير 369:3.
3- المائدة: 95.
4- فتح العزيز 509:7، المجموع 436:7.
5- فتح العزيز 509:7، المجموع 437:7 و 440، الشرح الكبير 370:3، المحلّى 237:7، المبسوط - للسرخسي - 81:4.
6- فتح العزيز 509:7، المجموع 437:7 و 440، الشرح الكبير 370:3، المحلّى 237:7، المبسوط - للسرخسي - 81:4.

لا تتغلّظ باجتماع أسباب التغليظ(1).

د - لو أصابه الحلال أوّلا ثم أصابه الحرام، فلا شيء على المحلّ،

و الواجب على المحرم جزاء مجروح.

و لو كان السابق المحرم، فعليه جزاؤه سليما.

و لو اتّفقا في حالة واحدة، وجب على المحرم جزاء كامل، و لا شيء على المحلّ.

و عند الشافعية يجب على المحرم بقسطه، لأنّه أتلف بعض الجملة(2).

و هو غلط، لأنّ المحلّ لا جزاء عليه، فتعذّر الجزاء منه، فيجب الجزاء بكماله على الآخر.

ه - لو اشترك الحرام و الحلال في قتل صيد حرمي،

وجب على المحلّ القيمة كملا، و على المحرم الجزاء و القيمة معا.

و قال بعض العامّة: يجب جزاء واحد عليهما(3).

و - لو رمى الصيد اثنان فقتله أحدهما و أخطأ الآخر،

كان على كلّ واحد منهما فداء كامل، أمّا القاتل: فلجنايته، و أمّا الآخر: فلإعانته، لأنّ ضريسا سأل الباقر عليه السلام: عن رجلين محرمين رميا صيدا فأصابه أحدهما، قال: «على كلّ واحد منهما الفداء»(4).

ز - لو قتله واحد و أكله جماعة، كان على كلّ واحد فداء كامل،

لأنّ الأكل محرّم كالقتل، لقول الصادق عليه السلام في صيد أكله قوم محرمون، قال: «عليهم شاة شاة، و ليس على الذي ذبحه إلاّ شاة»(5).5.

ص: 437


1- فتح العزيز 509:7، المجموع 441:7.
2- الحاوي الكبير 323:4، فتح العزيز 509:7، المجموع 436:7.
3- المغني 563:3، الشرح الكبير 370:3.
4- التهذيب 352:5-1223.
5- التهذيب 352:5-1225.

مسألة 356: لو ضرب المحرم بطير على الأرض فقتله، كان عليه دم و قيمتان:

قيمة للحرم، و قيمة لاستصغاره إيّاه، و يعزّر، لما فيه من زيادة الجرم.

و لقول الصادق عليه السلام: في محرم اصطاد طيرا في الحرم فضرب به الأرض فقتله، قال: «عليه ثلاث قيمات: قيمة لإحرامه، و قيمة للحرم، و قيمة لاستصغاره إيّاه»(1).

مسألة 357: لو شرب لبن ظبية، كان عليه الجزاء و قيمة اللبن،

لقول الصادق عليه السلام: في رجل مرّ و هو محرم في الحرم، فأخذ عنق ظبية فاحتلبها و شرب لبنها، قال: «عليه دم و جزاء الحرم عن اللبن»(2).

و لأنّه شرب ما لا يحلّ له شربه، فيكون عليه ما على من أكل ما لا يحلّ له أكله، لاستوائهما في التعدية.

تذنيب: لو رمى الصيد و هو حلال فأصابه السهم و هو محرم فقتله، لم يكن عليه ضمان، لأنّ الجناية وقعت غير مضمونة، فأشبه ما لو أصابه قبل الإحرام، و كذا لو جعل في رأسه ما يقتل القمل ثم أحرم فقتله، لم يكن عليه شيء.

الأمر الثاني: التسبيب.

و هو كلّ فعل يحصل التلف بسببه، كحفر البئر، و نصب الشباك، و الدلالة على الصيد، و تنفير الطير عن بيضه، و أشباه ذلك، و يظهر بمسائل:

مسألة 358: لو كان معه صيد فأحرم، وجب عليه إرساله،

و زال ملكه عنه إذا كان حاضرا معه، فإن أمسكه، ضمنه إذا تلف - و به قال مالك و أحمد و أصحاب الرأي و الشافعي في أحد القولين(3) - لأنّه فعل في الصيد استدامة

ص: 438


1- التهذيب 370:5-371-1290.
2- التهذيب 371:5-1292 بتفاوت يسير.
3- المغني 564:3، الشرح الكبير 306:3، فتح العزيز 495:7-496، المجموع 7: 311، بدائع الصنائع 206:2.

الإمساك، و هو ممنوع منه، كابتداء الإمساك، فكان ضامنا، كابتداء الإمساك.

و لقول الصادق عليه السلام: «لا يحرم واحد و معه شيء من الصيد حتى يخرجه من ملكه، فإن أدخله الحرم وجب عليه أن يخلّيه، فإن لم يفعل حتى يدخل الحرم و مات لزمه الفداء»(1).

و قال الشافعي: في الآخر، و أبو ثور: ليس عليه إرسال ما في يده، لأنّه في يده، فأشبه ما لو كان نائيا عن الحرم في بيته(2).

و الفرق: أنّ إمساكه في الحرم هتك له، و هو منهي عنه، بخلاف البلاد المتباعدة.

إذا ثبت هذا، فإنّ ملكه عندنا يزول. و قال بعض العامّة بعدم زواله و إن وجب إرساله، فإذا أحلّ، جاز له إمساكه، و لو أخذه غيره، ردّه عليه بعد الإحلال، و من قتله ضمنه له(3).

و ليس بجيّد، لأنّه حينئذ من صيد الحرم غير مملوك.

و لأنّ معاوية بن عمّار سأل الصادق عليه السلام: عن طائر أهلي ادخل الحرم حيّا، قال: «لا يمسّ لأنّ اللّه تعالى يقول وَ مَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً (4)»(5).

احتجّوا: بأنّ ملكه كان عليه و إزالة اليد لا تزيل الملك، كالغصب و العارية(6).3.

ص: 439


1- التهذيب 362:5-1257.
2- فتح العزيز 495:7، المجموع 310:7، المغني 564:3، الشرح الكبير 306:3.
3- المغني 564:3، الشرح الكبير 307:3.
4- آل عمران: 97.
5- التهذيب 348:5-1206.
6- المغني 564:3، الشرح الكبير 307:3.

و الفرق: أنّ زوال يده لمعنى شرعي، بخلاف الغصب و العارية في حكم يده.

و لو تلف قبل تمكّنه من إرساله، فلا ضمان، لعدم العدوان.

و لو أرسله إنسان من يده، لم يكن عليه ضمان، لأنّه فعل ما يلزمه فعله، فكان كما لو دفع المغصوب إلى مالكه من يد الغاصب.

و قال أبو حنيفة: يضمن، لأنّه أتلف ملك الغير(1). و نمنع الملكية.

و لو كان الصيد في منزله نائيا عنه، لم يزل ملكه عنه، و له نقله عنه ببيع أو هبة و غيرهما - و به قال مالك و أحمد و أصحاب الرأي(2) - لأنّه قبل الإحرام مالك له، فيدوم ملكه، للاستصحاب.

و لأنّ جميلا سأل الصادق عليه السلام: الصيد يكون عند الرجل من الوحش في أهله أو من الطير يحرم و هو في منزله، قال: «و ما بأس لا يضرّه»(3).

مسألة 359: لا ينتقل الصيد إلى المحرم بابتياع و لا هبة و لا غيرهما،

لما رواه العامّة: أنّ الصّعب بن جثّامة أهدى إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله حمارا وحشيا، فردّه عليه، و قال: (إنّا لم نردّه عليه [1] إلاّ أنّا حرم)(4).

و من طريق الخاصّة: ما رواه معاوية بن عمّار، قال: سأل الحكم بن عتيبة الباقر عليه السلام: ما تقول في رجل اهدي له حمام أهلي و هو في:3

ص: 440


1- المبسوط - للسرخسي - 89:4، بدائع الصنائع 206:2.
2- المغني 564:3، الشرح الكبير 306:3، المنتقى - للباجي - 246:2، بدائع الصنائع 206:2
3- الكافي 382:4-9، التهذيب 362:5-1260.
4- صحيح البخاري 16:3، صحيح مسلم 850:2-1193، سنن البيهقي 191:5، مسند أحمد 38:4 و 71، المغني 565:3، الشرح الكبير 305:3

الحرم ؟ فقال: «أما إن كان مستويا خلّيت سبيله»(1).

إذا ثبت هذا، فلو أخذه بأحد هذه الأسباب، ضمنه، فإن انتقل إليه بالبيع، لزمه مع الجزاء القيمة لمالكه، لأنّ ملكه لم يزل عنه، و لو لم يتلف، لم يكن له ردّه على مالكه، لأنّه زال ملك المالك عنه بدخوله الحرم، فإن ردّه، سقطت عنه القيمة.

و لا يسقط الجزاء إلاّ بالإرسال، و إذا أرسل، كان كما إذا اشترى عبدا مرتدّا فقتل في يده، و هذا قول الشافعي و أصحاب الرأي(2).

و كذا لا يجوز للمحرم استرداد الصيد الذي باعه بخيار له و هو حلال، و لا لوجود عيب في الثمن المعيّن، و لو ردّه المشتري بعيب أو خيار، فله ذلك، لأنّ سبب الردّ متحقّق، و منعه إضرار بالمشتري، فإذا ردّه عليه، لم يدخل في ملكه، و يجب عليه إرساله.

هذا إذا كان الصيد في الحرم، و لو كان في الحلّ، جاز له ذلك، لأنّ له استدامة الملك فيه، فله ابتداؤه.

و لو ورث صيدا، لم يملكه في الحرم، و وجب عليه إرساله، خلافا لبعض العامّة(3).

قال الشيخ - رحمه اللّه - في جميع ذلك: يقوى عندي أنّه إن كان حاضرا معه، انتقل إليه، و يزول ملكه عنه(4).

قال: و لو باع المحلّ صيدا لمحلّ ثم أفلس المشتري بعد إحرام البائع، لم يكن للبائع أن يختار عين ماله من الصيد، لأنّه لا يملكه(5).8.

ص: 441


1- التهذيب 348:5-1207
2- فتح العزيز 496:7، المجموع 307:7-309، المغني 565:3، الشرح الكبير 3: 305.
3- المغني 565:3، الشرح الكبير 305:3.
4- المبسوط - للطوسي - 347:1 و 348.
5- المبسوط - للطوسي - 347:1 و 348.

مسألة 360: لو أمسك محرم صيدا فذبحه محرم آخر، كان على كلّ واحد منهما فداء كامل،

لأنّه بالإمساك أعانه حقيقة أكثر من إعانة الدالّ، و لو كانا في الحرم، تضاعف الفداء، و لو كان أحدهما محلا و الآخر محرما، تضاعف الفداء على المحرم خاصّة.

و لو أمسكه المحرم في الحلّ فذبحه المحلّ، ضمنه المحرم خاصّة، و لا شيء على المحلّ، لأنّه لم يهتك حرمه الإحرام و لا الحرم.

و قال الشافعي: إذا أمسكه محرم و قتله محرم آخر، وجب جزاء واحد، و على من يجب ؟ وجهان، أحدهما: على الذابح، و الآخر: عليهما(1).

و لو نقل بيض صيد ففسد، ضمنه.

و لو أحضنه فخرج الفرخ سليما، لم يضمنه.

و لو نفّر طائرا عن بيضة احتضنها ففسدت، فعليه القيمة.

و لو أخذ بيضة دجاجة فأحضنها صيدا ففسد بيضة، أو لم يحضنه، ضمنه، لأنّ الظاهر أنّ الفساد نشأ من ضمّ بيض الدجاجة إلى بيضه.

و لو أخذ بيض صيد و أحضنها دجاجة، فهي في ضمانه إلى أن يخرج الفرخ و يصير ممتنعا، حتى لو خرج و مات قبل الامتناع، لزمه مثله من النّعم.

و لو حلب لبن صيد، ضمنه - و به قال بعض الشافعية(2) - لأنّه مأكول انفصل من الصيد، فأشبه البيض.

و قال بعض الشافعية: اللبن غير مضمون، بخلاف البيض، لأنّه يخلق منه مثله(3).

مسألة 361: لو أغلق بابا على حمام من حمام الحرم و فراخ و بيض،

فإن هلكت و كان الإغلاق قبل الإحرام، ضمن الحمامة بدرهم، و الفرخ7.

ص: 442


1- فتح العزيز 494:7، المجموع 313:7 و 437.
2- فتح العزيز 487:7، المجموع 319:7.
3- فتح العزيز 487:7، المجموع 319:7.

بنصف درهم، و البيض بربع درهم، و إن كان بعد الإحرام، ضمن الحمامة بشاة، و الفرخ بحمل، و البيضة بدرهم، لأنّ سليمان بن خالد سأل الصادق عليه السلام: رجل أغلق بابه على طائر، فقال: «إن كان أغلق [الباب بعد ما أحرم فعليه شاة، و إن كان أغلق الباب](1) قبل أن يحرم فعليه ثمنه»(2).

و سأل يونس بن يعقوب الصادق عليه السلام: عن رجل أغلق بابه على حمام من حمام الحرم و فراخ و بيض، فقال: «إن كان أغلق عليها قبل أن يحرم، فإنّ عليه لكلّ طير درهما، و لكلّ فرخ نصف درهم، و لكلّ بيضة ربع درهم(3) ، و إن كان أغلق عليها بعد ما أحرم، فإنّ عليه لكلّ طائر شاة، و لكلّ فرخ حملا، و إن لم يكن تحرّك، فدرهم، و للبيض نصف درهم»(4).

و لو أرسلها بعد الإغلاق سليمة، فلا ضمان.

و قال بعض علمائنا: يضمن بنفس الإغلاق، للرواية(5). و ليس بجيّد.

و لو كان الإغلاق من المحرم في الحرم، وجب عليه الجزاء و القيمة.

و لو أغلق على غير الحمام من الصيود، ضمن إذا تلف بالإغلاق.

مسألة 362: لو نفّر حمام الحرم، فإن رجع، كان عليه دم شاة،

و إن لم يرجع، وجب عليه لكلّ طير شاة.

قال الشيخ رحمه اللّه: هذا الحكم ذكره علي بن بابويه في رسالته، و لم أجد به حديثا مسندا(6).

و أقول: إنّ التنفير حرام، لأنّه سبب الإتلاف غالبا، و لعدم العود، فكان7.

ص: 443


1- في المصدر: نصف درهم.
2- أضفناها من المصدر.
3- التهذيب 350:5-1215.
4- التهذيب 350:5-1216.
5- كما في شرائع الإسلام 290:1.
6- التهذيب 350:5 ذيل الحديث 1217.

عليه مع الرجوع دم، لفعل المحرّم، و مع عدم الرجوع يكون عليه لكلّ طير شاة، لما تقدّم أنّ من أخرج طيرا من الحرم وجب عليه أن يعيده، فإن لم يفعل، ضمنه.

و لو نفّر صيدا فتعثّر و هلك، أو أخذه سبع، أو انصدم بشجر أو جبل، وجب عليه ضمانه، سواء قصد بتنفيره أو لم يقصد، و يكون في عهدة المنفّر إلى أن يعود الصيد إلى طبيعة الاستقرار، و لو هلك بعد ذلك، فلا شيء عليه.

و لو هلك قبل سكون النفار و لكن بآفة سماوية، ففي الضمان وجهان:

أحدهما: الوجوب، لأنّ دوام النفار كاليد الضامنة.

و الثاني: العدم، لأنّه لم يهلك بسبب من جهة المحرم و لا تحت يده.

مسألة 363: لو أوقد جماعة نارا فوقع فيها طائر،

فإن كان قصدهم ذلك، وجب على كلّ واحد منهم فداء كامل، و إن لم يكن قصدهم ذلك، وجب عليهم أجمع فداء واحد، لأنّهم مع القصد يكون كلّ واحد منهم قد فعل جناية استند الموت إليها و إلى مشاركة، فيكون بمنزلة من اشترك في قتل صيد و أمّا مع عدم القصد فإنّ القتل غير مراد، فوجب عليهم أجمع فداء واحد، لأنّ أبا ولاّد الحنّاط قال: خرجنا بستة نفر من أصحابنا إلى مكة فأوقدنا نارا عظيمة في بعض المنازل أردنا أن نطرح عليها لحما نكببه و كنّا محرمين، فمرّ بنا طير صافّ مثل حمامة أو شبهها فاحترق جناحاه فسقط في النار فاغتممنا لذلك، فدخلت على أبي عبد اللّه عليه السلام بمكة، فأخبرته و سألته، فقال: «عليكم فداء واحد دم شاة، و لو كان ذلك منكم تعمّدا ليقع فيها الصيد فوقع ألزمت كلّ واحد منكم دم شاة»(1).

مسألة 364: إذا وطأ ببعيره أو دابّته صيدا فقتله، ضمنه، لأنّه سبب الإتلاف.ظ.

ص: 444


1- الكافي 392:4-5، التهذيب 352:5-353-1226 بتفاوت يسير في بعض الألفاظ.

و لأنّ أبا الصباح الكناني سأل الصادق عليه السلام: عن محرم وطأ بيض نعام فشدخها، قال: «قضى أمير المؤمنين عليه السلام أن يرسل الفحل في مثل عدد البيض من الإبل الإناث، فما لقح و سلم كان النتاج هديا بالغ الكعبة» قال: و قال الصادق عليه السلام: «ما وطأته أو وطأه بعيرك أو دابّتك و أنت محرم فعليك فداؤه»(1).

و إذا كان راكبا على الدابّة سائرا، ضمن ما تجنيه بيديها و فمها، و لا ضمان عليه فيما تجنيه برجليها، لأنّه لا يمكنه حفظ رجليها، و قال عليه السلام: (الرّجل جبار [1](2).

أمّا لو كان واقفا أو سائقا لها غير راكب، ضمن جميع جنايتها، لأنّه يمكنه حفظها و يده عليها و يشاهد رجليها.

و لو شردت الدابّة من يده فأتلفت صيدا، لم يضمنه إذا لم يفرّط في ضبطه، لأنّه لا يد له عليها و قد قال النبي عليه السلام: (جرح العجماء [2] جبار)(3).

مسألة 365: لو نصب المحرم شبكة في الحلّ أو في الحرم،

أو نصب المحلّ شبكة في الحرم، فتعقّل بها صيد و هلك، ضمن، لأنّه تلف بسببه،5.

ص: 445


1- التهذيب 355:5-1232، الاستبصار 202:2-686.
2- سنن أبي داود 196:4-4592، سنن الدار قطني 152:3-208، مصنف عبد الرزاق 423:9-17873، مصنّف ابن أبي شيبة 270:9-7419.
3- مسند أحمد 475:2، الموطأ 868:2-869-12، سنن الدارمي 196:2، و بتفاوت في صحيح البخاري 15:9، و صحيح مسلم 1334:3-1710، و سنن أبي داود 4: 196-4593، سنن الترمذي 34:3-642، و سنن النسائي 44:5، و سنن ابن ماجة 891:2-2673-2675.

فكان عليه ضمانه، كما يضمن الآدمي.

و لا فرق بين أن ينصب في ملكه أو ملك غيره، لأنّه نصب الشبكة يقصد بها الاصطياد، فهو بمنزلة الأخذ باليد.

و لو نصب شبكة قبل إحرامه فوقع فيها صيد بعد إحرامه، لم يضمنه، لأنّه لم يوجد منه بعد إحرامه سبب الإتلاف، فكان كما لو صاده قبل الإحرام و تركه في منزله، فتلف بعد إحرامه، أو باعه و هو حلال، فذبحه المشتري.

و لو جرح صيدا فتحامل فوقع في شيء تلف به، ضمنه، لأنّ الإتلاف بسببه، و كذا لو نفّره فتلف في حال نفوره.

و لو سكن في مكان و أمن من نفوره ثم تلف فهل يضمنه ؟ قال بعض العامّة: لا يضمنه، لأنّ التلف ليس منه و لا بسببه(1).

و قال بعضهم: يضمنه(2).

و لو أمسك صيدا له طفل فتلف بإمساكه، ضمن.

و كذا لو أمسك المحلّ صيدا له طفل في الحرم فهلك الطفل، ضمن، لأنّه سبب في إتلافه، و لا ضمان عليه في الأم لو تلفت.

أمّا لو أمسكها المحلّ في الحرم فتلفت و تلف فرخها في الحلّ، قال الشيخ رحمه اللّه: يضمن الجميع(3).

مسألة 366: لو أرسل كلبا فأتلف صيدا، وجب عليه الضمان،

لأنّ إرسال الكلب يسبّب إلى الهلاك.

و لو كان الكلب مربوطا، فحلّ رباطه، فكذلك، لأنّ السبع شديد الضراوة بالصيد، فيكفي في قتل الصيد حلّ الرباط و إن كان الاصطياد لا يتمّ إلاّ بالإغراء.1.

ص: 446


1- المغني 552:3، الشرح الكبير 366:3.
2- المغني 552:3، الشرح الكبير 366:3.
3- المبسوط - للطوسي - 347:1.

و لو انحلّ الرباط لتقصيره في الربط، ضمن، كالحلّ.

و لو لم يكن هناك صيد فأرسل الكلب أو حلّ رباطه، فظهر الصيد، احتمل عدم الضمان، لأنّه لم يوجد منه قصد الصيد، و الضمان، لحصول التلف بسبب فعله، و جهله لا يقدح فيه.

و لو ضرب صيدا بسهم فمرق السهم فقتل آخر، أو رمى غرضا فأصاب صيدا، فإنّه يضمنه، لما تقدّم.

و كذا لو وقع الصيد في شبكة أو حبالة فأراد تخليصه فتلف أو عاب، ضمن النفس مع التلف و الأرش مع العيب.

و للشافعي قولان: أحدهما: لا جزاء عليه(1).

و لو دلّ المحرم على صيد فقتله المحرم، ضمن كلّ منهما جزاء كاملا، و لو قتله المحلّ في الحلّ، ضمنه الدالّ.

و لو كان الدالّ محلا و القاتل محرما، وجب الجزاء على المحرم، و لا شيء على المحلّ في الحلّ، و لو كان في الحرم، ضمنه أيضا، خلافا للشافعي(2).

و لو دلّ المحرم حلالا على صيد فقتله، فإن كان الصيد في يد المحرم، وجب عليه الجزاء، لأنّ حفظه واجب عليه، و من يلزمه الحفظ يلزمه الضمان إذا ترك الحفظ، كما لو دلّ المستودع السارق على الوديعة.

و إن لم يكن في يده، فلا جزاء على الدالّ عند الشافعي، كما لو دلّ رجلا على قتل إنسان لا كفّارة على الدالّ و لا على القاتل، لأنّه حلال(3) ، و به4.

ص: 447


1- انظر: فتح العزيز 497:7، و المجموع 297:7.
2- فتح العزيز 491:7، المجموع 300:7.
3- فتح العزيز 491:7، المجموع 300:7، الشرح الكبير 297:3، بدائع الصنائع 2: 203-204.

قال مالك(1).

و قال أبو حنيفة: إن كانت الدلالة ظاهرة، فلا جزاء عليه، و إن كانت خفية لولاها لما رأى الحلال الصيد، يجب الجزاء. و سلّم في صيد الحرم أنّه لا جزاء على الدالّ(2).

و عن أحمد: أنّ الجزاء يلزم الدالّ و القاتل بينهما(3).

و ما صيد للمحرم أو بدلالته أو إعانته لو أكل منه، للشافعي قولان:

القديم - و به قال مالك و أحمد - أنّه تلزمه القيمة بقدر ما أكل، لأنّ الأكل فعل محرّم في الصيد، فيتعلّق به الجزاء، كالقتل، و يخالف ما لو ذبحه و أكله حيث لا يلزمه بالأكل جزاء عنده، لأنّ وجوبه بالذبح أغنى عن جزاء آخر.

و الجديد: أنه لا تلزمه، لأنّه ليس بنام بعد الذبح، و لا يؤول إلى النماء، فلا يتعلّق بإتلافه الجزاء، كما لو أتلف بيضة مذرة(4).

مسألة 367: لو أمسك محرم صيدا حتى قتله غيره، فإن كان حلالا، وجب الجزاء على المحرم،

لأنّه متعدّ بالإمساك و التعريض للقتل، و لا يرجع به على الحلال عندنا، لأنّه غير ممنوع من التعرّض للصيد، و هو قول بعض الشافعية(5).

و قال بعضهم بالرجوع، كما لو غصب شيئا فأتلفه متلف من يده، يضمن الغاصب، و يرجع على المتلف(6).

و ليس بجيّد، لأنّ المتلف في الغصب ممنوع منه، بخلاف قتل المحلّ7.

ص: 448


1- تفسير القرطبي 324:6، فتح العزيز 491:7-492، الشرح الكبير 297:3.
2- بدائع الصنائع 203:2-204، فتح العزيز 492:7.
3- المغني 353:3-354، فتح العزيز 492:7.
4- المهذّب - للشيرازي - 218:1، المجموع 303:7، فتح العزيز 494:7، المغني 294:3-295، الشرح الكبير 302:3.
5- فتح العزيز 494:7، المجموع 437:7.
6- فتح العزيز 494:7، المجموع 437:7.

الصيد.

و إن كان القاتل محرما، فعلى كلّ واحد منهما جزاء تام عندنا، لصدور ما يوجب الجزاء كملا من كلّ واحد منهما.

و للشافعية وجهان:

أحدهما: أنّ الجزاء كلّه على القاتل، لأنّه مباشر، و لا أثر للإمساك مع المباشرة.

و الثاني: أنّ لكلّ واحد من الفعلين مدخلا في الهلاك، فيكون الجزاء بينهما نصفين(1).

و قال بعضهم: إنّ الممسك يضمنه باليد، و القاتل يضمنه بالإتلاف، فإن أخرج الممسك الضمان، رجع به على المتلف، و إن أخرج المتلف، لم يرجع على الممسك(2).

مسألة 368: لو نفّر صيدا فهلك بمصادمة شيء، أو أخذه جارح، ضمنه.

و كذا لو ضرب صيدا بسهم فمرق السهم فقتل آخر، أو رمى غرضا فأصاب صيدا، ضمنه.

و لو وقع الصيد في شبكة أو حبالة فأراد تخليصه فتلف أو عاب، ضمن النفس مع التلف، و الأرش مع العيب.

و للشافعي قولان: أحدهما: لا جزاء عليه، و قد تقدّم(3).

و لو أمر المحرم عبده المحلّ بقتل الصيد فقتله، فعلى السيّد الفداء، لأنّ العبد كالآلة.

و لأنّ الضمان يجب بالدلالة و الإعانة و غيرهما، فبالأمر أولى.).

ص: 449


1- فتح العزيز 494:7، المجموع 437:7.
2- فتح العزيز 494:7، المجموع 437:7.
3- تقدّم في ص 447، الهامش (1).

و لأنّ عبد اللّه بن سنان سأل الصادق عليه السلام: عن محرم معه غلام ليس بمحرم أصاب صيدا و لم يأمره سيّده، قال: «ليس على سيّده شيء»(1) و هو يدلّ بمفهومه على أنّه إذا كان بأمره، لزمه الفداء.

و لو كان الغلام محرما بإذن سيّده و قتل صيدا بغير إذن مالكه، وجب على السيّد الفداء، لأنّ الإذن في الإحرام يستلزم تحمّل جناياته.

و لقول الصادق عليه السلام: «كلّ ما أصاب العبد و هو محرم في إحرامه فهو على السيّد إذا أذن له في الإحرام»(2).

و لو لم يأذن المولى في الإحرام و لا في الصيد، لم يكن على السيّد شيء، لأنّ عبد الرحمن بن أبي نجران سأل الكاظم عليه السلام: عن عبد أصاب صيدا و هو محرم هل على مولاه شيء من الفداء؟ فقال: «لا شيء على مولاه»(3).

مسألة 369: قد بيّنّا أنّ إثبات يد المحرم على الصيد يوجب عليه الضمان،

فإن وقع ابتداء الإثبات في حال الإحرام فهو حرام غير مفيد للملك، و يضمنه، كما يضمن الغاصب ما يتلف في يده، بل لو تولّد تلف الصيد ممّا في يده، لزمه الضمان، كما لو كان راكبا فأتلفت الدابّة صيدا بعضها، أو رفسها، أو بالت في الطريق، فزلق به صيد و هلك، كما لو زلق به آدمي أو بهيمة، أمّا لو انفلت بعير فأصاب صيدا، فلا ضمان.

و لو تقدّم ابتداء اليد على الإحرام، فإن كان حاضرا معه، وجب عليه إرساله - و هو أحد قولي الشافعي(4) - لأنّ الصيد لا يراد للدوام، فتحرم6.

ص: 450


1- التهذيب 382:5-1333.
2- الكافي 304:4-7، التهذيب 382:5-1334، الاستبصار 216:2-741.
3- التهذيب 383:5-1335، الاستبصار 216:2-742.
4- فتح العزيز 495:7، المجموع 310:7، المغني 564:3، الشرح الكبير 3: 306، تفسير القرطبي 323:6.

استدامته، كالطيب و اللبس.

و الثاني: لا يجب، كما لا يلزم تسريح زوجته و إن حرم ابتداء النكاح عليه(1).

و هو غلط، لأنّ النكاح يقصد به الدوام.

و قال أبو حنيفة و مالك و أحمد: يجب رفع اليد المشاهدة عنه، و لا يجب رفع اليد الحكمية(2).

و على قول الشافعي بعدم وجوب الإرسال، فهو على ملكه له بيعه و هبته و لكن يحرم عليه قتله، و لو قتله، لزمه الجزاء، كما لو قتل عبده تلزمه الكفّارة. و لو أرسله غيره، لزمه قيمته للمالك، و كذا لو قتله و إن كان محرما، لزمه الجزاء أيضا، و لا شيء على المالك، كما لو مات(3).

و على قوله بإيجاب الإرسال هل يزول ملكه عنه ؟ عنده قولان:

أحدهما - و به قال مالك و أبو حنيفة و أحمد -: لا يزول، كما لا تبين زوجته.

و الثاني: نعم، كما يزول حلّ الطيب و اللباس(4).

فعلى القول بزوال الملك لو أرسله غيره أو قتله فلا شيء عليه، و لو أرسله المحرم فأخذه غيره، ملكه.

و لو لم يرسله حتى تحلّل، فهل عليه إرساله ؟ وجهان:0.

ص: 451


1- فتح العزيز 495:7، المجموع 310:7، المغني 564:3، الشرح الكبير 306:3، تفسير القرطبي 323:6.
2- المغني 564:3، الشرح الكبير 306:3، تفسير القرطبي 323:6، المدوّنة الكبرى 439:1، بدائع الصنائع 206:2، الهداية - للمرغيناني - 174:1، المبسوط - للسرخسي - 89:4، فتح العزيز 495:7.
3- فتح العزيز 495:7، المجموع 310:7.
4- فتح العزيز 495:7، المجموع 311:7، حلية العلماء 298:3، المغني 564:3، الشرح الكبير 307:3، المبسوط - للسرخسي - 89:4-90.

أحدهما: نعم، لأنّه كان مستحقّا للإرسال، فلا يرتفع هذا الاستحقاق بتعدّيه بالإمساك.

و الثاني: لا يجب، و يعود ملكا له، كالعصير إذا تخمّر ثم تخلّل(1).

و على هذا القول وجهان في أنّه يزول بنفس الإحرام، أو الإحرام يوجب عليه الإرسال ؟ فإذا أرسل حينئذ يزول، و على القول بعدم زوال الملك عنه ليس لغيره أخذه، و لو أخذه، لم يملكه، و لو قتله، ضمنه بمثابة المنفلت من يده(2).

و لو مات الصيد في يده بعد إمكان الإرسال، لزمه الجزاء، لأنّ التقدير وجوب الإرسال، و هو مقصّر بالإمساك.

و لو مات الصيد قبل إمكان الإرسال، فوجهان، و المذهب عندهم وجوب الضمان، و لا خلاف في أنّه لا يجب تقديم الإرسال على الإحرام(3).

مسألة 370: قد بيّنّا أنه لا يدخل الصيد في ملك المحرم ببيع و لا هبة و لا غير ذلك من الأسباب.

و هل ينتقل بالميراث ؟ الأقرب ذلك، لكن يزول ملكه عنه عقيب ثبوته إن كان الصيد حاضرا معه، و يجب عليه إرساله.

و لو باعه، ففي الصحة إشكال.

فإن قلنا بالصحة، لم يسقط عنه ضمان الجزاء حتى لو مات في يد المشتري، وجب الجزاء على البائع، و إنّما يسقط عنه إذا أرسله المشتري.

و لو قلنا بأنّه لا يرث، فالملك في الصيد لباقي الورثة و إن كانوا أبعد.

و إحرامه بالإضافة إلى الصيد مانع من موانع الميراث، فحينئذ ينتقل ما عداه من التركة إليه إذا كان أولى، و ينتقل الصيد إلى الأبعد.

فلو فرضنا أنّه أحلّ قبل قسمة التركة بينه و بين شركائه في الميراث، أخذ7.

ص: 452


1- فتح العزيز 495:7-496، المجموع 311:7.
2- فتح العزيز 495:7-496، المجموع 311:7.
3- فتح العزيز 495:7-496، المجموع 311:7.

نصيبه، منه، و إن أحلّ بعدها، فلا نصيب له. و لو كان هو أولى من باقي الورثة، لم يكن له شيء و إن أحلّ قبل القسمة.

و لو استعار المحرم صيدا أو أودع عنده، كان مضمونا عليه بالجزاء، و ليس له التعرّض له، فإن أرسله، سقط عنه الجزاء، و ضمن القيمة للمالك، و إن ردّ [ه] إلى المالك، لم يسقط عنه ضمان الجزاء ما لم يرسله المالك.

و إذا صار الصيد مضمونا على المحرم بالجزاء، فإن قتله محلّ في يده، فالجزاء على المحرم، و إن قتله محرم آخر، فالجزاء عليهما أو على القاتل و من في يده، طريق للشافعية وجهان(1).

و عندنا يجب على كلّ واحد منهما فداء كامل.

مسألة 371: المحرم يضمن الصيد بإتلافه مطلقا،

سواء قصد التخليص أو لا، فلو خلّص صيدا من فم هرّة أو سبع أو من شقّ جدار، و أخذه ليداويه و يتعهّده فمات في يده، فهو كما لو أخذ المغصوب من الغاصب ليردّه إلى المالك فهلك في يده، احتمل الضمان - و به قال أبو حنيفة(2) - لأنّ المستحق لم يرض بيده، فتكون يده يد ضمان، و عدمه، لأنّه قصد المصلحة، فتكون يده يد وديعة.

و للشافعي قولان(3) ، كالاحتمالين.

و لو صال صيد على محرم أو في الحرم فقتله دفعا، فلا ضمان، لأنّه بالصيال التحق بالمؤذيات، و به قال الشافعي(4).3.

ص: 453


1- فتح العزيز 497:7، المجموع 313:7.
2- فتح العزيز 497:7.
3- فتح العزيز 497:7، المهذّب - للشيرازي - 218:1، المجموع 297:7، حلية العلماء 296:3.
4- فتح العزيز 498:7، المهذّب - للشيرازي - 219:1، المجموع 336:7 و 338، المغني 540:3، الشرح الكبير 308:3.

و قال أبو حنيفة: يجب عليه الضمان(1).

و لو ركب إنسان صيدا و صال على محرم و لم يمكن دفعه إلاّ بقتل الصيد فقتله، فالوجه: وجوب فداء كامل على كلّ واحد منهما.

و للشافعي قولان:

أحدهما: أنّ الضمان على القاتل، لأنّ الأذى هنا ليس من الصيد، فحينئذ يرجع القاتل على الراكب.

و الثاني: أنّ الضمان على الراكب، و لا يطالب به المحرم(2).

و لو ذبح صيدا في مخمصة و أكله، ضمن، لأنّه أهلكه لمنفعة نفسه من غير إيذاء من الصيد.

و لو اكره محرم أو محلّ في الحرم على قتل صيد فقتله، ضمنه المكره، لأنّ المباشرة ضعفت بالإكراه.

و للشافعي وجهان: هذا أحدهما، و الثاني: أنّه على المكره ثم يرجع به على المكره(3).

و عن أبي حنيفة: أنّ الجزاء في صيد الحرم على المكره و في الإحرام على المكره(4).

مسألة 372: الجزاء يجب على المحرم إذا قتل الصيد عمدا و سهوا أو خطأ، بإجماع العلماء.

قال اللّه تعالى وَ مَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ (5).5.

ص: 454


1- فتح العزيز 498:7، المجموع 338:7، المغني 540:3، الشرح الكبير 308:3.
2- فتح العزيز 498:7، المجموع 336:7-337.
3- فتح العزيز 498:7، المجموع 300:7.
4- فتح العزيز 498:7.
5- المائدة: 95.

و لا نعلم فيه خلافا إلاّ من الحسن البصري و مجاهد، فإنّهما قالا: إن قتله متعمّدا ذاكرا لإحرامه لا جزاء عليه، و إن كان مخطئا أو ناسيا لإحرامه، فعليه الجزاء(1).

و هو مخالف للقرآن، فإنّه تعالى علّق الكفّارة على القتل عمدا و الذاكر لإحرامه متعمّدا، ثم قال في سياق الآية لِيَذُوقَ وَبالَ أَمْرِهِ (2) و الساهي و المخطئ لا عقاب عليه و لا ذمّ، و لا نعرف لهما دليلا على مخالفتهما لنصّ القرآن و الإجماع، فلا اعتداد بقولهما.

مسألة 373: لا خلاف في وجوب كفّارة الصيد على القاتل ناسيا،

و العامد قد بيّنّا وجوبها عليه أيضا.

و أمّا الخاطئ، فإنّ الكفّارة تجب عليه كذلك أيضا عند علمائنا أجمع - و به قال الحسن البصري و عطاء و النخعي و مالك و الثوري و أصحاب الرأي و الزهري(3) - لما رواه العامّة عن جابر، قال: جعل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في الضبع يصيده المحرم كبشا(4).

و قال عليه السلام: (في بيض النعام يصيبه المحرم ثمنه)(5) و لم يفرّق عليه السلام بين العامد و الخاطئ.

و من طريق الخاصّة: قول أبي الحسن عليه السلام: «و عليه الكفّارة»(6).

و لأنّه إتلاف مال، فاستوى عمده و خطؤه.3.

ص: 455


1- المغني 539:3، الشرح الكبير 296:3، المجموع 320:7.
2- المائدة: 95.
3- المغني 541:3، الشرح الكبير 352:3، المجموع 321:7.
4- سنن ابن ماجة 1031:2-1032-3085، سنن الدار قطني 246:2-49، سنن البيهقي 183:5.
5- سنن ابن ماجة 1031:2-3086، سنن الدار قطني 250:2-64.
6- الكافي 381:4-4، التهذيب 360:5-361-1253.

و روي عن ابن عباس أنّه قال: لا كفّارة على الخاطئ في قتل الصيد - و به قال سعيد بن جبير و طاوس و ابن المنذر. و عن أحمد روايتان - لقوله تعالى:

وَ مَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً (1) .

و لأصالة البراءة، و لأنّه محظور الإحرام لا يفسده، فيجب التفرقة بين الخطأ و العمد، كاللبس و الطيب، و لأنّه يدلّ بدليل الخطاب(2).

و ليس حجّة، و الأصل ترك، للدليل، و القتل إتلاف، و اللبس ترفّه، فافترقا.

مسألة 374: لو كرّر المحرم الصيد ناسيا، تكرّرت الكفّارة إجماعا.

و إن تعمّد فللشيخ قولان:

أحدهما: يجب الجزاء في الأول دون الثاني(3) ، و به قال ابن بابويه(4) ، و هو مروي عن ابن عباس، و هو قول شريح و الحسن البصري و سعيد بن جبير و مجاهد و النخعي و قتادة و أحمد في إحدى الروايات(5).

و الثاني: تتكرر الكفّارة بتكرّر السبب(6) ، و هو قول العلماء، و به قال عطاء و الثوري و الشافعي و إسحاق و ابن المنذر(7) ، و هو المعتمد، لقوله تعالى وَ مَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً (8) و هو يتناول العامد.5.

ص: 456


1- المائدة: 95.
2- المغني 541:3، الشرح الكبير 352:3، المجموع 321:7.
3- النهاية: 226، التهذيب 372:5 ذيل الحديث 1297، الاستبصار 211:2 ذيل الحديث 720.
4- المقنع: 79، الفقيه 234:2 ذيل الحديث 1118.
5- المغني 561:3، الشرح الكبير 368:3، المجموع 323:7، بدائع الصنائع 2: 201، تفسير القرطبي 308:6-309، أحكام القرآن - للجصّاص - 475:2.
6- المبسوط - للطوسي - 342:1، الخلاف 397:2، المسألة 259.
7- المغني 561:3، الشرح الكبير 368:3، المهذّب - للشيرازي - 224:1، المجموع 323:7، تفسير القرطبي 308:6، أحكام القرآن - للجصّاص - 475:2.
8- المائدة: 95.

و لما رواه العامّة عن النبي صلّى اللّه عليه و آله، أنّه جعل في الضبع يصيده المحرم كبشا(1)التهذيب 372:5-1297، الإستبصار 211:2-720.(2) ، و لم يفرّق.

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السلام: «عليه كلّما عاد كفّارة»(3).

و لأنّها كفّارة عن قتل، فاستوى فيها المبتدئ و العائد، كقتل الآدمي.

احتجّ الشيخ: بقوله تعالى وَ مَنْ عادَ فَيَنْتَقِمُ اللّهُ مِنْهُ (4) جعل جزاء العود الانتقام، و هو يدلّ على سقوط الكفّارة، لأنّه لم يوجب جزاء.

و لقول الصادق عليه السلام: «فإن عاد فقتل صيدا آخر لم يكن عليه جزاؤه، و ينتقم اللّه منه»(4) و النقمة في الآخرة.

و الانتقام لا ينافي وجوب الجزاء، لعدم دلالته على أنّه كلّ الجزاء، و نفي الجزاء محمول على أنّه ليس عليه جزاؤه خاصّة، جمعا بين الأدلّة.

مسألة 375: و يجب الجزاء على القاتل للضرورة، كالمضطرّ إلى أكله،

لعموم قوله وَ مَنْ قَتَلَهُ (5) و هو يتناول المضطرّ و غيره.

و لأنّه قتله من غير معنى يحدث فيه من الصيد يقتضي قتله، فيضمنه، كغيره.

و لأنّه أتلفه لنفعه و دفع الأذى عنه، فكان عليه الكفّارة، كحلق الرأس.

و لقول الصادق عليه السلام و قد سئل عن المحرم يضطرّ فيجد الميتة و الصيد أيّهما يأكل ؟ قال: «يأكل من الصيد، أما يحبّ أن يأكل من ماله ؟» قلت: بلى، قال: «إنّما عليه الفداء، فليأكل و ليفده»(6).4.

ص: 457


1- تقدّمت الإشارة إلى مصادره في الهامش
2- من ص 455.
3- التهذيب 372:5-1296، الإستبصار 210:2-211-719.
4- المائدة: 95.
5- المائدة: 95.
6- الكافي 383:4-1، التهذيب 368:5-1283، الاستبصار 209:2-714.

و قال الأوزاعي: لا يضمنه، لأنّه مباح له، فأشبه صيد البحر(1).

و الإباحة لا تستلزم عدم الكفّارة، كما في حلق الرأس.

و الفرق: أنّ صيد البحر لا يتناوله حرم الإحرام و لا الحرم، فلا تجب الكفّارة به، بخلاف الصيد.

و يجب الضمان على من أتلف الصيد بتخليصه من سبع أو شبكة، أو بتخليصه من خيط في رجله و نحوه - و به قال قتادة(2) - لعموم الأدلّة.

و لأنّ غاية ذلك عدم القصد إلى قتله، و هو لا يسقط الضمان، كقتل الخطأ.

و قال عطاء: لا ضمان عليه - و للشافعي قولان(3) - لأنّه فعل أبيح لحاجة الحيوان، فلا يضمن ما يتلف به، كما لو داوى وليّ الصبيّ الصبيّ، فمات به(4).

و الجواب: أنّه مشروط بالسلامة.

و الجزاء يجب على المحرم، سواء كان إحرامه للحجّ أو للعمرة، و سواء كان الحجّ تمتّعا أو قرانا أو إفرادا، و سواء كانا واجبين أو مندوبين، صحيحين أو عرض لهما الفساد، للعمومات، و لا نعرف فيه خلافا.

و إذا قتل المحرم صيدا مملوكا لغيره، لزمه الجزاء للّه تعالى، و القيمة لمالكه - و به قال الشافعي و أبو حنيفة(5) - للعموم.

و قال مالك: لا يجب الجزاء بقتل المملوك(6).7.

ص: 458


1- المغني 540:3، الشرح الكبير 317:3.
2- المغني 540:3، الشرح الكبير 308:3.
3- فتح العزيز 497:7، المجموع 297:7، حلية العلماء 296:3.
4- المغني 540:3، الشرح الكبير 308:3.
5- فتح العزيز 486:7، المهذّب - للشيرازي - 218:1، المجموع 330:7 و 444، حلية العلماء 296:3، المنتقى - للباجي - 251:2.
6- حلية العلماء 297:3، المجموع 330:7.

و إذا كان الصيد في الحرم و تجرّد عن الإحرام، ضمن، و لو كان محرما، تضاعف الجزاء.

و قال الشافعي: صيد الحرم مثل صيد الإحرام يتخيّر فيه بين ثلاثة أشياء: المثل و الإطعام و الصوم، و فيما لا مثل له يتخيّر بين الصيام و الطعام(1).

و قال أبو حنيفة: لا مدخل للصوم في ضمان صيد الحرم(2).

مسألة 376: الصيد إذا كان مثليّا، تخيّر القاتل بين أن يخرج مثله من النّعم

و بين أن يقوّم المثل دراهم و يشتري به طعاما و يتصدّق به على المساكين، و بين أن يصوم عن كلّ مدّين يوما، و لو لم يكن له مثل، تخيّر بين أن يقوّم الصيد و يشتري بثمنه طعاما و يتصدّق به، أو يصوم عن كلّ مدّين يوما.

قال الشيخ رحمه اللّه: و لا يجوز إخراج القيمة بحال، و وافقنا الشافعي في ذلك كلّه و مالك، إلاّ أنّ مالكا قال: يقوّم الصيد، و عندنا يقوّم المثل.

و قال بعض أصحابنا: إنّها على الترتيب.

و قال أبو حنيفة: الصيد مضمون بالقيمة، سواء كان له مثل من النّعم أو لا، إلاّ أنّه إذا قوّمه تخيّر بين أن يشتري بالقيمة من النّعم و يخرجه، و بين أن يشتري بالقيمة طعاما و يتصدّق به، و بين أن يصوم عن كلّ مدّ يوما، إلاّ أنّه إذا اشترى النّعم لم يجزئه إلاّ ما يجوز في الضحايا، و هو: الجذع من الضأن، و الثني من كلّ شيء.

و قال أبو يوسف: يجوز أن يشتري بالقيمة شيئا [1] من النّعم ما لا يجوز7.

ص: 459


1- حلية العلماء 322:3، المجموع 491:7.
2- المبسوط - للسرخسي - 97:4-98، بدائع الصنائع 207:2، الشرح الكبير 371:3، المجموع 491:7.

في الضحايا و ما يجوز(1).

و إذا اختار المثل أو قلنا بوجوبه، ذبحه و تصدّق به على مساكين الحرم، لقوله تعالى هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ (2).

و لا يجوز أن يتصدّق به حيّا، لأنّه تعالى سمّاه هديا و الهدي يجب ذبحه.

و له أن يذبحه أيّ وقت شاء لا يختصّ ذلك بأيّام النحر، لأنّه كفّارة، فيجب إخراجها متى شاء، كغيرها من الكفّارات.

و أمّا المكان: فإن كان إحرامه للحجّ، وجب عليه أن ينحر فداء الصيد أو يذبحه بمنى، و إن كان بالعمرة، ذبحه أو نحره بمكة بالموضع المعروف بالحزورة، لأنّه هدي، فكان كغيره من الهدايا.

و لقول الصادق عليه السلام: «من وجب عليه فداء أصابه محرما، فإن كان حاجّا، نحر هديه الذي يجب عليه بمنى، و إن كان معتمرا، نحره بمكة قبالة الكعبة»(3).

و لو أخرج الطعام أخرجه إمّا بمكة أو بمنى على التفصيل في الجزاء، لأنّه عوض عمّا يجب دفعه إلى مساكين ذلك المكان، فيجب دفعه إليهم.

و يعتبر قيمة المثل في الحرم، لأنّه محلّ إخراجه.

و الطعام المخرج: الحنطة أو الشعير أو التمر أو الزبيب.

و لو قيل: يجزئ كلّ ما يسمّى طعاما، كان حسنا، لأنّه تعالى أوجب الطعام(4).

و يتصدّق على كلّ مسكين بنصف صاع، و به قال أحمد في التمر، و قال5.

ص: 460


1- الخلاف 397:2-398، المسألة 260.
2- المائدة: 95.
3- التهذيب 373:5-1299، الإستبصار 211:2-722.
4- المائدة: 95.

في البرّ بمدّ(1).

و يقوّم المثل يوم يريد تقويمه، و لا يلزمه أن يقوّمه وقت إتلاف الصيد، لأنّ القيمة ليست واجبة في تلك الحال، و إنّما تجب إذا اختارها القاتل.

و ما لا مثل له إن قدّر الشارع قيمته، أخرجت، و إلاّ قوّم الصيد وقت الإتلاف، لأنّه وقت الوجوب.

و لو لم يجد ماخضا في جزاء الماخض قوّم الجزاء ماخضا.

و لو صام عن كلّ نصف صاع يوما فبقي ربع صاع، صام عنه يوما كاملا.

و لا يجوز أن يصوم عن بعض الجزاء و يطعم عن البعض - و به قال الشافعي و الثوري و أحمد و إسحاق و أبو ثور و ابن المنذر(2) - لأنّها كفّارة، فلا يتبعّض جنسها، كسائر الكفّارات.

و لا يتعيّن الصوم بمكان كغيره من أنواع الصيام.

و ما لا مثل له من الصيد يتخيّر قاتله بين شراء طعام بقيمته، فيطعمه المساكين، و بين الصوم.

و لا يجوز له إخراج القيمة - و به قال ابن عباس و أحمد في رواية عنه(3) - لأنّه جزاء صيد، فلا يجوز إخراج القيمة فيه، كالذي له مثل.

و لأنّه تعالى خيّر بين ثلاثة(4) ليس القيمة أحدها، و قد تعذّر واحد، فيبقى التخيير بين اثنين.

و عن أحمد رواية: أنّه يجوز إخراج القيمة(5).

إذا عرفت هذا، فإنّه يقوّم في محل الإتلاف، بخلاف المثلي، فإنّ3.

ص: 461


1- المغني 559:3، الشرح الكبير 340:3.
2- المغني 560:3، الشرح الكبير 340:3-341.
3- المغني 560:3، الشرح الكبير 341:3.
4- المائدة: 95.
5- المغني 560:3، الشرح الكبير 341:3.

المعتبر في قيمة النّعم بمكة، لأنّه محلّ ذبحه.

مسألة 377: المحرم في الحرم يتضاعف عليه الجزاء - خلافا للعامّة(1)

- لأنّه جمع بين الإحرام و الحرم و قد هتكهما.

و لأنّ كلّ واحد منهما يوجب الجزاء فيكون كذلك حال الاجتماع.

و لقول الصادق عليه السلام: «و إن أصبته و أنت حرام في الحرم فعليك الفداء مضاعفا»(2).

إذا عرفت هذا، فإنّما يتضاعف من الجزاء ما كان دون البدنة، أمّا ما تجب فيه بدنة فإنّه لا يتضاعف و إن كان القاتل محرما في الحرم، لأصالة البراءة، لأنّ البدنة أعلى ما يجب في الكفّارات.

و لقول الصادق عليه السلام: «يضاعفه ما بينه و بين البدنة، فإذا بلغ البدنة فليس عليه [1] التضعيف»(3).

و ابن إدريس أوجب التضاعف مطلقا(4).

و لو كان الصيد لا دم فيه و قتله محلّ في الحرم أو محرم في الحلّ، كان عليه القيمة، و لو كان محرما في الحرم، كان عليه قيمتان، لقول الصادق عليه السلام: «فإن أصابه المحرم في الحرم فعليه قيمتان ليس عليه دم» لمّا سأله سليمان بن خالد: عن القمري و السمان و العصفور و البلبل(5).

مسألة 378: كلّ من وجب عليه بدنة في كفّارة الصيد و لم يجد أطعم ستّين مسكينا،

فإن لم يقدر، صام ثمانية عشر يوما. و لو كان عليه بقرة و لم3.

ص: 462


1- المغني 563:3، الشرح الكبير 370:3، فتح العزيز 509:7، المهذّب - للشيرازي - 225:1، المجموع 442:7.
2- التهذيب 370:5-1288.
3- التهذيب 372:5-1294.
4- السرائر: 132.
5- التهذيب 371:5-1293.

يجد أطعم ثلاثين مسكينا، فإن لم يجد، صام تسعة أيام. و إن كان عليه شاة و لم يجد، أطعم عشرة مساكين، فإن لم يجد، صام ثلاثة أيام، لقول الصادق عليه السلام: «من أصاب شيئا فداؤه بدنة من الإبل، فإن لم يجد ما يشتري بدنة فأراد أن يتصدّق فعليه أن يطعم ستّين مسكينا كلّ مسكين مدّا.

فإن لم يقدر على ذلك صام مكان ذلك ثمانية عشر يوما مكان كلّ عشرة مساكين ثلاثة أيّام، و من كان عليه فداء شيء من الصيد فداؤه بقرة [فإن لم يجد فليطعم ثلاثين مسكينا](1) فإن لم يجد فليصم تسعة أيّام، و من كان عليه شاة فلم يجد فليطعم عشرة مساكين، فإن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج [1]»(2).

و منع الشيخ صيد حمام الحرم حيث كان للمحلّ و المحرم(3) ، لأنّ علي ابن جعفر سأل أخاه الكاظم عليه السلام: عن حمام الحرم يصاد في الحلّ، فقال: «لا يصاد حمام الحرم حيث كان إذا علم أنّه من حمام الحرم»(4).

و جوّزه ابن إدريس(5). و ليس بجيّد.

و لو قتل المحرم حيوانا و شكّ في أنّه صيد، لم يضمنه، لأصالة البراءة.

و لو أكل المحرم لحم صيد و لم يعلم ما هو، لزم دم شاة، لقول الصادق عليه السلام في رجل أكل من لحم صيد لا يدري ما هو و هو محرم: «عليه [دم](6) شاة»(7).

و لو اقتتل اثنان في الحرم، كان على كلّ واحد منهما دم، لأنّه هتك2.

ص: 463


1- أضفناها من المصدر.
2- التهذيب 343:5-1187.
3- المبسوط - للطوسي - 341:1، التهذيب 348:5 ذيل الحديث 1208.
4- التهذيب 348:5-1209.
5- السرائر: 131.
6- أضفناها من المصدر.
7- الكافي 397:4-7، التهذيب 384:5-1342.

حرمة الحرم، فتكون عليه عقوبة.

و لقول الصادق عليه السلام: «على كلّ واحد منهما دم»(1).

و يجوز أن يكون مع المحرم لحم صيد إذا لم يأكله و يتركه إلى وقت إحلاله إذا كان قد صاده محلّ.

و لو اشترك محلّون في قتل صيد في الحرم، قال الشيخ رحمه اللّه: لزم كلّ واحد منهم القيمة.

ثم قال: و إن قلنا: يلزمهم جزاء واحد، كان قويّا، لأصالة البراءة(2).

و لو اشترك محلّون و محرمون في قتل صيد في الحلّ، لزم المحرمين الجزاء، و لم يلزم المحلّين. و لو كان في الحرم، لزم المحرمين الجزاء و القيمة، و المحلّين جزاء واحد.

مسألة 379: الخيار في الكفّارة بين الإطعام و الذبح و الصيام إلى القاتل لا إلى العدلين المقوّمين،

لأنّ الواجب عليه، فكان الاختيار في التعيين إليه، كما في كفّارة اليمين، و حكم العدلين إنّما هو لبيان قدر الواجب بالتقويم، و به قال أبو يوسف و أبو حنيفة(3).

و قال محمد: الخيار في التعيين إلى الحكمين: إن شاءا حكما عليه بالهدي، و إن شاءا حكما عليه بالإطعام، و إن شاءا حكما عليه بالصيام - و به قال الشافعي و مالك - لقوله تعالى فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ (4) نصب هَدْياً لوقوع الحكم عليه(5).2.

ص: 464


1- الكافي 367:4-9، التهذيب 385:5-1343.
2- المبسوط - للطوسي - 346:1.
3- المبسوط - للسرخسي - 83:4، بدائع الصنائع 198:2.
4- المائدة: 95.
5- المبسوط - للسرخسي - 83:4-84، بدائع الصنائع 198:2، التفسير الكبير 12: 96، المنتقى - للباجي - 255:2.

و هو ممنوع، بل نصب على الحال، و التقدير: فجزاء من النّعم هدياً، أو كفّارة طعام مساكين أو عدل ذلك صياما مثل يحكم به ذوا عدل، مقصورا على بيان المثل، و نصب هَدْياً على الحال، أي في الإهداء، ليبقى ما قبله إيجابا على العبد من غير حكم أحد بكلمة «أو» فيكون الخيار إليه.

إذا عرفت هذا، فالاعتبار في المثل بما نصّ الشارع على مثله، و ما لا نصّ فيه الاعتبار بالقيمة، لأنّ الشاة تجب في الحمام، و لا مماثلة بينهما صورة و قيمة.

و قال أبو حنيفة و أبو يوسف: الاعتبار بالقيمة، لأنّه حيوان مضمون بالمثل، فيكون مضمونا بالقيمة، كالمملوك(1).

و قال محمد: الاعتبار بالصورة، لقوله تعالى فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ (2).

و قد أوجب الشارع البدنة و البقرة و الشاة فيما ذكرنا و هي أمثالها(3).

و الجواب: المراد من النّعم المقتول من النّعم، لا أن يكون المثل من النّعم.

مسألة 380: يجوز في إطعام الفدية التمليك و الإباحة

- و به قال أبو يوسف(4) - لأنّه كفّارة، فيجوز فيها الأمران، ككفّارة اليمين.

و قال محمد: لا يجوز إلاّ التمليك(5) ، لأنّ الواجب في الزكاة التمليك، و اسم الصدقة لا يقتضي التمليك، قال عليه السلام: (نفقة الرجل على أهله صدقة)(6) و ذلك إنّما هو بالإباحة لا التمليك.7.

ص: 465


1- المبسوط - للسرخسي - 82:4، بدائع الصنائع 198:2.
2- المائدة: 95.
3- المبسوط - للسرخسي - 82:4، بدائع الصنائع 198:2.
4- بدائع الصنائع 187:2.
5- بدائع الصنائع 187:2.
6- صحيح البخاري 107:5، سنن الترمذي 344:4-1965، مصنّف ابن أبي شيبة 9: 106-6695، و 107-6697.

مسألة 381: لو قتل محرم صيدا فأخذه محرم آخر،

فعلى كلّ منهما جزاء، لتعرّض كلّ منهما له، و لا يرجع القاتل على الثاني و لا بالعكس بما ضمن من الجزاء - و به قال زفر(1) - لأنّ الآخذ لم يملكه، فلا يرجع بالضمان على غيره.

و قال أبو حنيفة و صاحباه: يرجع الأول على الثاني(2).

و لو أصاب المحرم صيودا كثيرة على وجه الإحلال و رفض الإحرام متأوّلا، لا يعتبر تأويله، و يلزمه بكلّ محظور كفّارة على حدة، و به قال الشافعي(3).

و قال أبو حنيفة: لا يلزمه إلاّ جزاء واحد(4) ، لأنّ التأويل الفاسد معتبر في دفع الضمانات الدنيوية، كالباغي إذا أتلف مال العادل و أراق دمه لا يضمن، لأنّه أتلف عن تأويل.

و نمنع الحكم في الأصل، و وجود التأويل و عدمه بمثابة واحدة، لأنّ الإحرام لا يرتفع به فتعدّدت الجناية.

و لو قتل حمامة مسرولة، وجب عليه الضمان - و به قال أبو حنيفة(5) - لأنّه صيد حقيقة، لامتناعه.

و قال مالك: لا ضمان عليه، لأنّه لا يمتنع لبطء طيرانه(6).

و التفاوت اليسير لا يعتبر في كونه صيدا.:2

ص: 466


1- بدائع الصنائع 206:2.
2- بدائع الصنائع 206:2.
3- المبسوط - للسرخسي - 101:4-102.
4- المبسوط - للسرخسي - 101:4.
5- المبسوط - للسرخسي - 94:4، بدائع الصنائع 196:2
6- المبسوط - للسرخسي - 94:4، بدائع الصنائع 196:2

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.