تذكره الفقهاء المجلد 5

اشارة

سرشناسه : علامه حلي حسن بن يوسف ق 726 - 648

عنوان و نام پديدآور : تذكره الفقهاء/ تاليف العلامه الحلي الحسن بن يوسف بن المطهر؛ تحقيق موسسه آل البيت عليهم السلام لاحياآ التراث مشخصات نشر : قم موسسه آل البيت عليهم السلام لاحياآ التراث 1400ق = 1300.

مشخصات ظاهري : ج 22

فروست : (موسسه آل البيت عليهم السلام لاحياآ التراث 127؛ 129؛ 130134)

شابك : 964-5503-33-7 (دوره ؛ 964-5503-44-2 2900ريال (ج 4) ؛ 964-5503-46-9 (ج 6) ؛ 964-319-007-2 (ج 7) ؛ 964-319-224-5 8000ريال (ج 11)

يادداشت : عربي يادداشت : فهرست نويسي براساس جلد چهارم 1414ق = 1372

يادداشت : ج 1 (چاپ اول 1420ق = 1378)؛ 8000 ريال ج 1) :ISBN 964-319-197-4

يادداشت : ج 8 (چاپ اول 1417ق = 1376)؛ 6500 ريال ج )8ISBN 964-319-051-x

يادداشت : ج 9 (چاپ اول 1419ق = 1377)8000 ريال :(ج )9ISBN 964-319-008-0

يادداشت : ج 13 (چاپ اول 1423ق = 1381)9500 ريال :ISBN 964-319-389-6

يادداشت : كتابنامه مندرجات : (ج )7) ISBN 964-319-007-2 ج 12) 1422ق = 8500 :1380 ريال موضوع : فقه جعفري -- قرن ق 8

شناسه افزوده : موسسه آل البيت عليهم السلام لاحياآ التراث رده بندي كنگره : BP182/3 /ع8ت4 1300ي

رده بندي ديويي : 297/342

شماره كتابشناسي ملي : م 73-2721

ص: 1

اشارة

ص: 2

ص: 3

ص: 4

الجزء الخامس

تتمة القاعدة الأولى في العبادات

كتاب الزكاة

اشارة

و فيه أبواب:

الباب الأول: في زكاة المال،

اشارة

و فيه مقاصد:

المقصد الأول: في الشرائط.
اشارة

ص: 5

ص: 6

مقدّمة:

الزكاة لغة: النموّ و الطهارة، و شرعا: الحقّ الواجب في المال الذي يعتبر فيه النصاب، و سمّي زكاة، لازدياد الثواب و إثمار المال و طهارته من حقّ المساكين.

و وجوبها معلوم من الكتاب و السنّة و الإجماع.

قال اللّه تعالى وَ آتُوا الزَّكاةَ (1).

و لمّا بعث النبي صلّى اللّه عليه و آله معاذا إلى اليمن، فقال: (أعلمهم أنّ اللّه افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فتردّ في فقرائهم)(2).

و أجمع المسلمون كافّة على وجوبها في جميع الأعصار، و هي أحد أركان الإسلام الخمسة.

إذا عرفت هذا، فمن أنكر وجوبها ممّن ولد على الفطرة، و نشأ بين المسلمين فهو مرتدّ يقتل من غير أن يستتاب و إن لم يكن عن فطرة، بل أسلم عقيب كفر استتيب - مع علم وجوبها -

ص: 7


1- البقرة: 43.
2- صحيح البخاري 130:2، صحيح مسلم 50:1-19، سنن أبي داود 104:2 - 105-1584، سنن الترمذي 21:3-625، سنن النسائي 3:5-4، و سنن البيهقي 96:4.

ثلاثا، فإن تاب و إلاّ فهو مرتد وجب قتله.

و إن كان ممّن يخفى وجوبها عليه، لأنّه نشأ بالبادية، أو كان قريب العهد بالإسلام عرّف وجوبها و لم يحكم بكفره.

مسألة 1: و لو اعتقد وجوبها، و منعها فهو فاسق

يضيّق الإمام عليه و يقاتله حتى يدفعها، لأنّه حق واجب عليه، فإن أخفى ماله حبسه حتى يظهره، فإذا ظهر عليه أخذ منه قدر الزكاة لا أزيد عند علمائنا أجمع، بل يعزّره - و به قال أبو حنيفة و مالك و الشافعي في الجديد(1) - لقوله عليه السلام: (ليس في المال حقّ سوى الزكاة)(2).

و لأنّ منع العبادة لا يوجب عليه مالا كسائر العبادات و الكفّارات.

و قال الشافعي - في القديم - و إسحاق بن راهويه، و أبو بكر بن عبد العزيز: يأخذ مع الزكاة شطر ماله(3) ، لقوله عليه السلام: (و من منعها فأنا آخذها و شطر ماله عزمة من عزمات ربّنا ليس لآل محمّد فيها شيء)(4).

و لو سلّم، فإنّه منسوخ فإن العقوبات في ابتداء الإسلام كانت في المال ثم نسخ.

مسألة 2: و لا يحكم بكفر المانع مع اعتقاد وجوبها

عند علمائنا، و به قال عامّة أهل العلم(5).

ص: 8


1- المجموع 336:5-337، المغني 434:2، الشرح الكبير 668:2، حلية العلماء 11:3، الشرح الصغير 236:1، فتح العزيز 314:5، المنتقى - للباجي - 94:2.
2- سنن ابن ماجة 570:1-1789، سنن البيهقي 84:4.
3- المهذب للشيرازي 148:1، المجموع 334:5 و 337، حلية العلماء 12:3، المغني 434:2، الشرح الكبير 668:2.
4- سنن أبي داود 101:2-1575، سنن النسائي 16:5-17 و 25، سنن البيهقي 105:4، مسند أحمد 2:5 و 4، المستدرك للحاكم 398:1.
5- المغني 434:2 و 435، الشرح الكبير 668:2 و 669، المجموع 334:5.

و قال أحمد في رواية: إنّه يكفّر لقتاله عليها(1).

و هو لا يدلّ على الكفر بل على ارتكاب المحرّم، و لأنّ الزكاة من فروع الدين فلا يكفّر تاركها كالحج.

و قال عبد اللّه بن مسعود: ما تارك الزكاة مسلم(2). و هو محمول على الترك مستحلاّ.

و عليه يحمل قول الصادق عليه السلام: «من منع قيراطا من الزكاة فليس بمؤمن و لا مسلم، و هو قوله عزّ و جلّ قالَ رَبِّ ارْجِعُونِ. لَعَلِّي أَعْمَلُ صالِحاً فِيما تَرَكْتُ (3)»(4) و في رواية أخرى: «لا تقبل له صلاة»(5).

مسألة 3: و منعها مع المكنة و اعتقاد التحريم يشتمل على إثم كبير، و لا تقبل صلاته في أول الوقت.

قال الباقر عليه السلام: «بينا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في المسجد إذ قال: قم يا فلان قم يا فلان حتى أخرج خمسة نفر، فقال: اخرجوا من مسجدنا لا تصلّوا فيه و أنتم لا تزكّون»(6).

و قال الصادق عليه السلام: «ما من رجل منع درهما في حقّه إلاّ أنفق اثنين في غير حقّه، و ما من رجل يمنع حقّا في ماله إلاّ طوّقه اللّه عزّ و جلّ حيّة من نار يوم القيامة»(7).

ص: 9


1- المغني 435:2، الشرح الكبير 669:2.
2- المغني 435:2، الشرح الكبير 669:2.
3- المؤمنون: 99 و 100
4- التهذيب 111:4-325، الكافي 503:3-3، الفقيه 7:2-18، المقنعة: 43.
5- التهذيب 111:4-326، الكافي 503:3 ذيل الحديث 3، الفقيه 7:2-19، المقنعة: 43.
6- التهذيب 111:4-327، الكافي 503:3-2، و الفقيه 7:2-20.
7- التهذيب 112:4-328، الكافي 504:3-7، الفقيه 6:2-15، المقنعة: 43.

و قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: (ما حبس عبد زكاة فزادت في ماله)(1).

و قال الصادق عليه السلام: «صلاة مكتوبة خير من عشرين حجّة، و حجة خير من بيت مملوء ذهبا ينفقه في برّ حتى ينفد - ثم قال - و لا أفلح من ضيّع عشرين بيتا من ذهب بخمسة و عشرين درهما» فقيل له: و ما معنى خمسة و عشرين ؟ قال: «من منع الزكاة وقفت صلاته حتى يزكي»(2).

و قال عليه السلام: «ما ضاع مال في برّ و لا بحر إلاّ بتضييع الزكاة، و لا يصاد من الطير إلاّ ما ضيّع تسبيحه»(3).

و قال الباقر عليه السلام: «ما من عبد منع من زكاة ماله شيئا إلاّ جعل اللّه ذلك يوم القيامة ثعبانا من نار مطوّقا في عنقه ينهش من لحمه حتى يفرغ من الحساب، و هو قول اللّه عزّ و جل سَيُطَوَّقُونَ ما بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ (4) يعني ما بخلوا به من الزكاة»(5).

و قال الصادق عليه السلام: «ما من ذي مال ذهب أو فضة يمنع زكاة ماله إلاّ حبسه اللّه يوم القيامة بقاع قرقر، و سلّط عليه شجاعا أقرع يريده و هو يحيد عنه، فإذا رأى أنه لا يتخلّص منه أمكنه من يده فقضمها كما يقضم الفجل، ثم يصير طوقا في عنقه، و ذلك قول اللّه عز و جلّ سَيُطَوَّقُونَ ما بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ و ما من ذي مال إبل أو بقر أو غنم يمنع زكاة ماله إلاّ حبسه اللّه يوم القيامة بقاع قرقر يطؤه كل ذات ظلف بظلفها، و ينهشه كل ذات ناب بنابها، و ما من ذي مال نخل أو كرم أو زرع يمنع زكاة ماله إلاّ طوّقه اللّه عز و جلّ ريعة أرضه1.

ص: 10


1- التهذيب 112:4-329، الكافي 506:3-20.
2- الكافي 504:3-12، الفقيه 7:2-22، التهذيب 112:4-330.
3- الكافي 505:3-15، الفقيه 7:2-23.
4- آل عمران: 180.
5- الكافي 502:3-1، الفقيه 6:2-14، ثواب الأعمال: 278-1.

إلى سبع أرضين إلى يوم القيامة»(1).

مسألة 4: ليس في المال حقّ واجب سوى الزكاة و الخمس،

و هو قول أكثر العلماء(2) لقوله عليه السلام: (ليس في المال حقّ سوى الزكاة)(3).

و قال الشعبي و مجاهد: يجب عليه يوم يحصد السنبل أن يلقي لهم شيئا منه و كذا إذا صرم النخل طرح لهم شيئا من الشماريخ(4).

و يخرج الزكاة عند الكمال، لقوله تعالى وَ آتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ (5) و الزكاة لا تخرج يوم الحصاد، و هي متأولة بالزكاة.

و المراد إيجاب الحق يوم الحصاد، أو أنه محمول على الاستحباب، فقد ورد عن أهل البيت عليهم السّلام استحباب إعطاء الحفنة و الحفنتين، و العذق و العذقين يوم الحصاد و الجذاذ(6) ، لهذه الآية.

و الشيخ - رحمه اللّه - أوجب ذلك أيضا في الخلاف، و استدلّ بالإجماع من الفرقة و الآية - و نمنع الإجماع - و نقله الشيخ عن الشافعي(7) أيضا.

و إذ قد تمهّدت هذه المقدّمة، فنقول: الشروط إمّا عامّة أو خاصة، أمّا العامّة فأربعة: البلوغ و العقل و الحرّيّة و الملك التام.

مسألة 5: البلوغ شرط في وجوب الزكاة،

فلا تجب في مال الطفل مطلقا، و به قال ابن شبرمة، و الحسن البصري، و سعيد بن المسيّب، و سعيد

ص: 11


1- الكافي 505:3-506-19، الفقيه 5:2-10، معاني الأخبار: 335-1، ثواب الأعمال: 279-3، المحاسن: 87-26.
2- المجموع 593:5، المغني 552:2.
3- سنن ابن ماجة 570:1-1789، سنن البيهقي 84:4.
4- المجموع 593:5-594، حلية العلماء 12:3، المغني 552:2.
5- الأنعام: 141.
6- الكافي 565:3-2 و 3، التهذيب 106:4-303 و 304.
7- الخلاف 5:2، المسألة 1.

ابن جبير، و أبو وائل، و النخعي، و أصحاب الرأي(1).

لقوله عليه السلام: (رفع القلم عن ثلاثة: عن الصبي حتى يبلغ و عن المجنون حتى يفيق..)(2).

و من طريق الخاصة قول أحدهما عليهما السلام و قد سأله محمد بن مسلم عن مال اليتيم: «ليس فيه زكاة»(3).

و عن الباقر عليه السلام: «ليس في مال اليتيم زكاة»(4).

و عن الصادق عليه السلام: «كان أبي يخالف الناس في مال اليتيم ليس عليه زكاة»(5).

و لأنّ شرط التكليف البلوغ و هو منفي فينتفي المشروط، و لأنّها عبادة محضة فلا تجب عليه كالصوم و الحج.

و قال الشافعي، و مالك، و أحمد: تجب في مال الطفل. و أطلقوا.

و رووه عن علي عليه السلام، و عن الحسن بن علي عليهما السلام، و عن عمر، و ابن عمر، و عائشة، و جابر بن عبد اللّه، و جابر بن زيد، و ابن سيرين، و عطاء، و مجاهد، و ربيعة، و الحسن بن صالح بن حي، و ابن أبي ليلى، و ابن عيينة، و إسحاق، و أبي عبيد، و أبي ثور(6).2.

ص: 12


1- المغني 488:2، الشرح الكبير 670:2، المجموع 331:5، الميزان - للشعراني - 3:2، فتح العزيز 517:5، حلية العلماء 10:3، المبسوط للسرخسي 162:2، اللباب 137:1.
2- مسند أحمد 100:6-101، الخصال 94:1-40، عوالي اللئالي 209:1-48.
3- التهذيب 26:4-61.
4- التهذيب 26:4-62.
5- التهذيب 27:4-63.
6- الأم 28:2، المجموع 329:5 و 331، حلية العلماء 9:3، الميزان للشعراني 3:2، المدوّنة الكبرى 249:1، الكافي في فقه أهل المدينة: 88، بداية المجتهد 245:1، بلغة السالك 206:1، المبسوط للسرخسي 162:2، عمدة القارئ 237:8، المغني 488:2، الشرح الكبير 670:2.

و حكي عن ابن مسعود، و الثوري، و الأوزاعي أنّها تجب و لا تخرج حتى يبلغ(1).

و قال ابن مسعود: أحص ما يجب في مال اليتيم من الزكاة، فإذا بلغ أعلمه، فإذا شاء زكّى و إن شاء لم يزكّ(2).

احتجّوا بقول النبي صلّى اللّه عليه و آله: «من ولي يتيما له مال فليتّجر له، و لا يتركه حتى تأكله الصدقة»(3).

و إنّما تأكله الصدقة بإخراجها، و إنّما يجوز إخراجها لو كانت واجبة.

و لأنّ عليّا عليه السلام كان عنده مال لأيتام بني أبي رافع، فلمّا بلغوا سلّمه إليهم، و كان قدره عشرة آلاف دينار، فوزنوه فنقص فعادوا إلى علي عليه السلام، و قالوا: إنّه ناقص. قال: «أ فحسبتم الزكاة ؟» قالوا: لا. قال:

«فاحسبوها» فحسبوها فخرج المال مستويا، فقال عليه السلام: «أ يكون عندي مال لا أؤدّي زكاته!»(4).

و لأنّ من يجب العشر في زرعه يجب ربع العشر في ورقه كالبالغ.

و الحديثان محمولان على الاستحباب، و نمنع وجوب العشر.

تذنيب: لا زكاة في المال المنسوب إلى الجنين، لعدم التكليف، و عدم الوثوق بحياته و وجوده، و هو أحد وجهي الشافعيّة، و الثاني: يجب كمال الصبي(5). و الأصل ممنوع.

مسألة 6: لو اتّجر في مال الطفل من له ولاية في ماله

نظرا للطفل و شفقة

ص: 13


1- المجموع 331:5، حلية العلماء 9:3، الميزان للشعراني 3:2، المغني 488:2، الشرح الكبير 670:2.
2- المجموع 329:5، المغني 488:2، المبسوط للسرخسي 162:2، و الام 29:2.
3- سنن الترمذي 32:3-641، سنن الدارقطني 109:2-110-1.
4- سنن الدارقطني 110:2-111-5 و 6، سنن البيهقي 107:4-108 بتفاوت.
5- المجموع 330:5، فتح العزيز 518:5.

عليه استحب له إخراج الزكاة.

لقول الصادق عليه السلام: «ليس في مال اليتيم زكاة إلاّ أن يتّجر به»(1).

و لو ضمن الولي المال و اتّجر به لنفسه، و كان مليّا بالمال كان الربح له و الزكاة عليه استحبابا، لأنّ الولاية تسيغ التصرّفات، و تضمين المليّ سائغ.

و لأنّ منصور الصيقل سأل الصادق عليه السلام عن مال اليتيم يعمل به ؟ قال، فقال: «إذا كان عندك مال و ضمنته فلك الربح و أنت ضامن للمال، و إن كان لا مال لك و عملت به فالربح للغلام و أنت ضامن للمال»(2).

إذا ثبت هذا، فإذا لم يكن مليّا و إن كان وليّا، و ضمن المال، و اتّجر به لنفسه كان الربح لليتيم، و عليه ضمان المال و لا زكاة، لأنّه تصرّف غير سائغ فلا يملك ربحه بل صاحب المال.

و لقوله عليه السلام: «.. و إن كان لا مال لك و عملت به فالربح للغلام و أنت ضامن للمال»(3).

و كذا إذا كان مليّا و لم يكن وليّا، لانتفاء ولايته عن المال.

و لأنّ سماعة سأل الصادق عليه السلام عن الرجل يكون عنده مال اليتيم فيتّجر به أ يضمنه ؟ قال: «نعم» قلت: فعليه زكاة ؟ قال: «لا، لعمري لا أجمع عليه خصلتين: الضمان و الزكاة»(4).

مسألة 7: و تستحب في غلاّت الطفل و مواشيه من غير وجوب،

لعدم التكليف في حقّه، و لأنّها عبادة يفتقر أداؤها إلى النية، فلا تجب على من يتعذّر عليه.

و لأنّ أبا بصير سمع الصادق عليه السلام يقول: «ليس في مال اليتيم

ص: 14


1- الكافي 541:3-6، التهذيب 27:4-65، الاستبصار 29:2-83.
2- التهذيب 29:4-71، الاستبصار 30:2-89.
3- التهذيب 29:4-71، الاستبصار 30:2-89.
4- التهذيب 28:4-69، الإستبصار 30:2-87.

زكاة، و ليس عليه صلاة، و ليس على جميع غلاّته من نخل أو زرع أو غلّة زكاة، و إن بلغ فليس عليه لما مضى زكاة، و لا عليه لما يستقبل حتى يدرك، فإذا أدرك كانت عليه زكاة واحدة، و كان عليه مثل ما على غيره من الناس»(1).

و أمّا الاستحباب: فلقول الباقر عليه السلام و الصادق عليه السلام:

«مال اليتيم ليس عليه في العين و الصامت شيء، فأمّا الغلاّت فإنّ عليها الصدقة واجبة»(2) و المراد تأكيد الاستحباب جمعا بين الأدلّة.

و قال الشيخ: تجب في غلاّته و مواشيه(3) ، لهذا الحديث. و قد بيّنا جوابه.

و قال أبو حنيفة: تجب الزكاة في غلاّت الأطفال(4).

مسألة 8: العقل شرط في وجوب الزكاة،

فلا زكاة على المجنون المطبق، و الخلاف فيه كالخلاف في الطفل سواء.

و كذا حكمه حكم الطفل في استحباب الزكاة لو اتّجر له الولي بماله لأجله.

و لو اتّجر لنفسه، و ضمن المال، و كان مليّا ضمن، و الربح له، و زكاة التجارة عليه.

و لو انتفى أحدهما ضمن، و الربح للمجنون، و لا زكاة، كما تقدّم في الطفل.

و سأل موسى بن بكر أبا الحسن عليه السلام عن امرأة مصابة و لها مال في يد أخيها هل عليه زكاة ؟ فقال: «إن كان أخوها يتّجر به فعليه زكاة»(5).

ص: 15


1- التهذيب 29:4-30-73، الإستبصار 31:2-91، الكافي 541:3-4.
2- الكافي 541:3-5، التهذيب 29:4-72، الاستبصار 31:2-90.
3- المبسوط للطوسي 234:1.
4- بدائع الصنائع 56:2، المبسوط للسرخسي 4:3، المجموع 329:5، حلية العلماء 10:3، بداية المجتهد 245:1.
5- الكافي 542:3-3، التهذيب 30:4-76.

و سأل عبد الرحمن بن الحجاج، الصادق عليه السلام عن امرأة مختلطة عليها زكاة ؟ فقال: «إن كان عمل به فعليها زكاة، و إن لم يعمل به فلا زكاة»(1).

تذنيب: لو كان الجنون يعتوره اشترط الكمال طول الحول، فلو جنّ في أثنائه سقط، و استأنف من حين عوده.

و تجب الزكاة على النائم و الساهي و المغفل دون المغمى عليه، لأنّه تكليف و ليس من أهله.

و هل تجب على السفيه ؟ الوجه: ذلك، لوجود الشرط، و حجر الحاكم لمصلحته لا ينافي تمكّنه، لأنّه كالنائب عنه.

مسألة 9: الحرّيّة شرط في الزكاة فلا تجب على العبد

بإجماع العلماء، و لا نعلم فيه خلافا إلاّ عن عطاء و أبي ثور فإنّهما قالا: على العبد زكاة ماله(2).

و هو خطأ، لأنّه غير مالك و لا متمكن.

و لو ملّكه مولاه، ففي تملّكه قولان: المنع، و هو الأقوى، لقوله تعالى ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ (3).

و قوله تعالى ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلاً مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ شُرَكاءَ فِي ما رَزَقْناكُمْ (4).

و لأنّه مال فلا يملك المال كالبهائم، فعلى هذا الزكاة على السيد، لعدم خروجه عن ملكه، فأشبه المال في يد المضارب و الوكيل، و هو أحد قولي الشافعي، و به قال سفيان، و إسحاق، و أحمد - في رواية - و أصحاب

ص: 16


1- الكافي 542:3-2، التهذيب 30:4-75.
2- المجموع 331:5، المغني 489:2، الشرح الكبير 437:2، بداية المجتهد 245:1، حلية العلماء 8:3.
3- النحل: 75.
4- الروم: 28.

الرأي(1).

و الثبوت - و هو القول الثاني للشافعي(2) - فلا تجب الزكاة على السيد، لأنّه لا يملك، و لا على العبد لنقص ملكه و ضعفه، و هو إحدى الروايتين عن أحمد، و به قال ابن عمر، و جابر، و الزهري، و قتادة، و مالك، و أبو عبيد(3).

تذنيب: المدبّر و أمّ الولد كالقنّ، لأنّه لا حريّة فيهما، و أمّا من انعتق بعضه فإن بلغ نصيب الحرية نصابا وجب عليه فيه الزكاة و إلاّ فلا - و به قال أحمد(4) - لتماميّة الملك فيه.

و قال الشافعي: لا زكاة فيه، لأنّ الرقّ الذي فيه يمنع من تمام ملكه(5).

و هو ممنوع، و لهذا أوجبنا عليه الفطرة في نصفه الحرّ.

مسألة 10: المكاتب لا زكاة عليه إذا لم ينعتق بعضه،

سواء كان مشروطا أو مطلقا لم يؤدّ، لا في المال الذي كسبه و لا عشر أرضه عند علمائنا، و به قال مالك، و الشافعي، و أحمد(6).

لقول النبي صلّى اللّه عليه و آله: (لا زكاة في مال المكاتب)(7).

ص: 17


1- المهذب للشيرازي 147:1، المجموع 327:5، المغني 489:2، الشرح الكبير 439:2، بدائع الصنائع 6:2، المبسوط للسرخسي 164:2، بداية المجتهد 245:1، المحلّي 202:5.
2- المجموع 327:5، المغني 490:2، الشرح الكبير 439:2.
3- المغني 489:2، الشرح الكبير 439:2، بداية المجتهد 245:1، بلغة السالك 206:1، المحلّى 202:5.
4- المغني 490:2، الشرح الكبير 439:2.
5- المهذب للشيرازي 147:1، المجموع 326:5.
6- الكافي في فقه أهل المدينة: 88، المجموع 5، 326 و 330، الوجيز 87:1، المغني 490:2.
7- أورده ابن قدامة في المغني 491:2، و كذا أورده الشيخ الطوسي في الخلاف 42:2، المسألة 43 عن ابن عمر و جابر قالا: لا زكاة.. و رواه الدارقطني في سننه 108:2-1 و كذا البيهقي في سننه 109:4 بلفظ: (ليس في مال المكاتب زكاة) إلاّ أنّه في الأوّل عن جابر عن النبي (ص) و في الثاني موقوف على جابر.

و لأنّ الزكاة تجب على طريق المواساة فلا تجب في مال المكاتب كنفقة الأقارب.

و قال أبو ثور: يجب ذلك كلّه، لأنّ الحجر من السيد لا يمنع وجوب الزكاة كالحجر على الصبي و المجنون(1). و نحن نمنع الأصل.

و حكي عن أبي حنيفة أنّه يجب العشر في الخارج من أرضه، بناء على أصله من أنّ العشر مئونة الأرض و ليس بزكاة(2).

إذا عرفت هذا، فلا زكاة على السيد أيضا، لانقطاع تصرّفاته عن ماله، فإن عجز و استرقّه مولاه، صار ما في يده لمولاه، يستأنف له الحول، و إن عتق ملك المكاتب ما في يده، و استأنف الحول من حين العتق.

مسألة 11: يشترط في وجوب الزكاة تماميّة الملك،
اشارة

و أسباب النقص ثلاثة: منع التصرف، و تسلّط الغير، و عدم قرار الملك، فلا تجب الزكاة في المغصوب، و لا الضالّ، و لا المجحود بغير بيّنة، و لا المسروق، و لا المدفون مع جهل موضعه عند علمائنا أجمع، فإذا عاد صار كالمستفاد يستقبل به حولا من حين عوده، و به قال أبو حنيفة، و الشافعي - في القديم - و أحمد في إحدى الروايتين(3) ، لأنّه خرج عن يده و تصرّفه، فصار ممنوعا منه، فلا زكاة عليه فيه، كمال المكاتب.

ص: 18


1- المجموع 330:5، المغني 490:2، الشرح الكبير 438:2.
2- المغني 490:2، الشرح الكبير 438:2، المجموع 330:5، بدائع الصنائع 6:2.
3- بدائع الصنائع 9:2، المهذّب للشيرازي 149:1، المجموع 341:5، فتح العزيز 499:5، حلية العلماء 15:3، الميزان للشعراني 3:2، المغني 639:2، الشرح الكبير 445:2.

و لقول الصادق عليه السلام: «لا صدقة على الدّين، و لا على المال الغائب عنك حتى يقع في يديك»(1).

و قال الشافعي في الجديد: تجب فيها الزكاة، فإذا وجدها زكّاها لما مضى(2) ، و هو رواية عن أحمد، لأنّ الحيلولة بينه و بين المال لا تسقط الزكاة، كما لو أسر أو حبس و حيل بينه و بين ماله(3).

و نمنع حكم الأصل إذا لم يكن في يد وكيله و إن كان ظهر الفرق، و على كلا القولين لا زكاة قبل قبضه.

و للشافعي قول ثالث: إن عاد المغصوب بجميع نمائه زكّاه لما مضى(4).

و قال مالك: إذا قبضه زكّاه لحول واحد(5). و هو على الاستحباب عندنا.

لقول الصادق عليه السلام و قد سأله رفاعة عن الرجل يغيب عنه ماله خمس سنين ثم يأتيه و لا يدر على كم يزكّيه ؟ قال: «سنة واحدة»(6).

فروع:

أ - لو ضلّت واحدة من النصاب أو أكثر، أو سرقت، أو غصبت فنقص النصاب فالحكم كما لو ضلّ جميعه، و من أوجب الإخراج هناك أوجب الإخراج عن الموجود، و إذا رجع الضالّ أخرج عنه.

ص: 19


1- التهذيب 31:4-78.
2- أي: لما مضى من الزمان الذي كان المال بيد الغاصب مثلا.
3- المهذّب للشيرازي 149:1، المجموع 341:5، حلية العلماء 15:3، الميزان للشعراني 3:2، فتح العزيز 499:5، و انظر: المغني 641:2.
4- المجموع 341:5، الوجيز 85:1، فتح العزيز 499:5.
5- بداية المجتهد 247:1، الشرح الصغير 218:1، حلية العلماء 15:3، فتح العزيز 499:5، المغني 639:2، الشرح الكبير 445:2.
6- الكافي 519:3-2، التهذيب 31:4-79، الاستبصار 28:2-82.

ب - لو أسر المالك لم تسقط الزكاة عنه إذا لم يمنع من التصرف في ماله، و إن منع سقطت، و الغائب لا زكاة فيه إذا لم يكن في يد وكيله و لم يتمكن منه.

ج - لو مضى على المفقود سنون ثم عاد زكّاه لسنة استحبابا.

د - لو غصبت الماشية فلا زكاة على ما قلناه، و الموجبون قالوا: إن كانت سائمة في يد المالك و الغاصب وجبت الزكاة، و إن كانت معلوفة عندهما فلا زكاة قولا واحدا.

و إن كانت معلوفة عند المالك سائمة عند الغاصب فوجهان: الوجوب لأن السوم من المالك يوجب الزكاة فكذا من الغاصب، كما لو غصب بذرا فزرعه وجب العشر في الخارج.

و العدم لعدم رضا المالك بإسامتها فلا تجب عليه الزكاة بفعل الغاصب.

و لو سامها المالك و علفها الغاصب فوجهان: الزكاة، لأنّ علف الغاصب محرّم فلا يمنع من إيجاب الزكاة، و السقوط، لأنّ الشرط - و هو السوم - لم يوجد(1).

و الحقّ ما قلناه.

مسألة 12: المرتد إن كان عن فطرة خرجت أمواله عنه في الحال إلى ورثته، و لا تقبل توبته،

بل يقتل في الحال فيستأنف ورثته الحول من حين انتقال الملك إليهم و تمكنهم منه.

ثم إن كان عن غير فطرة انتظر به العود، فإن عاد إلى الإسلام بعد حلول الحول وجب عليه الزكاة بحلول الحول، و إن لم يعد فقتل بعد حلول الحول، أو لحق بدار الحرب وجب أن تخرج عنه الزكاة لبقاء ملكه إلى حين القتل، و منعه عن التصرف فيه مستند إلى اختياره لتمكنه من الرجوع إلى الإسلام.

ص: 20


1- راجع: المغني 639:2-640.

و للشافعي في مال المرتد مطلقا ثلاثة أقوال: بقاء الملك، و زواله، و كونه موقوفا، فإن أسلم ظهر البقاء، و إن قتل على الردّة ظهر الزوال، فحكم الزكاة مبني عليه إن زال سقطت و إلاّ وجبت(1).

و قال أحمد: إذا ارتدّ قبل الحول و حال الحول مرتدّا فلا زكاة عليه، لأنّ الإسلام شرط في الوجوب(2).

و هو غلط، لما بيّنا من أنّ الكفّار مخاطبون بالفروع.

قال: و لو رجع استأنف حولا(3).

و لو ارتدّ بعد الحول لم تسقط الزكاة سواء كان عن فطرة أو لا - و به قال الشافعي و أحمد(4) - لأنّه حق وجب فلا يسقط كالدّين.

و قال أبو حنيفة: تسقط، لأنّ من شرطها النيّة فسقطت بالردّة كالصلاة(5).

و الأصل ممنوع، نعم لا يطالب بفعلها، و لا تدخلها النيابة فإذا عاد وجبت عليه، و الزكاة تدخلها النيابة و يأخذها الإمام من الممتنع، فإن أسلم بعد أخذها لم تلزمه إعادتها، لأنّها سقطت عنه بأخذها، و لو أخذها غير الإمام و نائبه لم تسقط فإنه لا ولاية للآخذ عليه فلا يقوم مقامه، بخلاف نائب الإمام.

و لو أدّاها في حال ردّته لم تجزئه، لأنّه كافر فلا تصح منه كالصلاة.

مسألة 13: الدّين إن كان على مليّ باذل فلعلمائنا قولان:
اشارة

وجوب الزكاة فيه على صاحبه.

و رواه الجمهور عن علي عليه السلام، و به قال الثوري، و أبو ثور،

ص: 21


1- المجموع 328:5، الوجيز 87:1، فتح العزيز 518:5، حلية العلماء 8:3-9.
2- المغني 641:2، الشرح الكبير 449:2.
3- المغني 641:2، الشرح الكبير 449:2.
4- المجموع 328:5، حلية العلماء 8:3، الميزان - للشعراني - 3:2، المغني 641:2، الشرح الكبير 449:2.
5- بدائع الصنائع 4:2، المجموع 328:5، المغني 641:2، الشرح الكبير 449:2، حلية العلماء 8:3.

و أصحاب الرأي، و أحمد، إلاّ أنهم قالوا: لا يلزمه إخراجها حتى يقبضه فيؤدّي لما مضى(1).

و قال عثمان، و ابن عمر، و جابر، و طاوس، و النخعي، و جابر بن زيد، و الحسن، و ميمون، و الزهري، و قتادة، و حماد بن أبي سليمان، و إسحاق، و أبو عبيد، و الشافعي: عليه إخراج الزكاة في الحال و إن لم يقبضه، لأنّه مالك قادر على أخذه و التصرف فيه فلزمه إخراج الزكاة عنه كالوديعة(2).

لقول الصادق عليه السلام و قد سئل عن الرجل يكون له الدّين أ يزكّيه ؟ قال: «كلّ دين يدعه هو إذا أراد أخذه فعليه زكاته، و ما كان لا يقدر على أخذه فليس عليه زكاة»(3).

و عدم الوجوب - و به قال عكرمة، و عائشة، و ابن عمر(4) - لأنّه غير تام فلا تجب زكاته كعرض القنية.

و لقول الصادق عليه السلام و قد سأله الحلبي ليس في الدين زكاة ؟ قال:

«لا»(5).

و سأل إسحاق أبا إبراهيم عليه السلام، الدين عليه زكاة ؟ فقال: «لا، حتى يقبضه» قلت: فإذا قبضه يزكّيه ؟ قال: «لا، حتى يحول عليه الحول في يديه»(6).

و قال سعيد بن المسيب، و عطاء بن أبي رباح، و عطاء الخراساني:9.

ص: 22


1- المغني 637:2، الشرح الكبير 444:2، حلية العلماء 92:3، كفاية الأخيار 107:1، و فتح العزيز 202:5.
2- المهذب للشيرازي 165:1، حلية العلماء 92:3، المغني 637:2، الشرح الكبير 444:2، فتح العزيز 502:5، الأموال - لأبي عبيد -: 439.
3- التهذيب 32:4-82.
4- المغني 637:2، الشرح الكبير 444:2، رحمة الأمّة 117:1.
5- التهذيب 32:4-80.
6- التهذيب 34:4-87، الاستبصار 28:2-79.

يزكّيه إذا قبضه لسنة واحدة(1).

فأما إن كان على معسر، أو جاحد، أو مماطل فلا زكاة عليه عندنا، لعدم تمكّنه منه، فأشبه المغصوب، و به قال قتادة، و إسحاق، و أبو ثور، و أهل العراق، و أحمد في رواية(2).

و في الثانية: يزكّيه إذا قبضه، و به قال الثوري، و أبو عبيد(3).

لقول علي عليه السلام في الدين المظنون: «إن كان صادقا فليزكّه إذا قبضه لما مضى»(4).

و لأنّه مملوك يجوز التصرف فيه فوجبت زكاته لما مضى كالدّين على الملي.

و الرواية للاستحباب، و الأصل ممنوع، و الفرق: التمكّن.

فروع:

أ - لا فرق بين الحالّ و المؤجّل في عدم الوجوب فيه عند قائله، لأنّ البراءة تصح من المؤجّل فيكون ملكا.

نعم هو في حكم الدّين على المعسر، لعدم تمكّن قبضه في الحال.

ب - لو منع البائع المشتري من المبيع فحال الحول لم تجب الزكاة، لعدم التمكّن.

و لو مكّنه منه فلم يقبضه و حال الحول فإن كان معيّنا فالزكاة على المشتري، و إن كان مطلقا فكالدّين، و كذا المال المسلم فيه.

و للشافعي ثلاثة أقوال: القطع بمنع الوجوب، لضعف الملك، إذ لا ينفذ بيعه قبل القبض، و القطع بالوجوب لتمكّنه من القبض، و الوجهان(5).

ص: 23


1- المغني 637:2، الشرح الكبير 444:2.
2- المغني 638:2، الشرح الكبير 445:2.
3- المغني 638:2، الشرح الكبير 445:2.
4- سنن البيهقي 150:4.
5- فتح العزيز 500:5-501.

ج - إذا قبّض المشتري الثمن عن السلم، أو عن غير المقبوض، و حال عليه الحول فالزكاة على البائع لثبوت ملكه فيه، فإن انفسخ العقد لتلف المبيع أو تعذّر المسلم فيه وجب ردّ الثمن، و الزكاة على البائع.

د - الدّين المؤجّل لا زكاة فيه عندنا، و للشافعي قولان، أحدهما: أنه كالمغصوب إن تعذّر استيفاؤه لإعسار أو جحود فيجري فيه القولان.

و الثاني: أنّه كالغائب الذي يسهل إحضاره فتجب فيه الزكاة لحصول النماء في المدّة، فإنّ الشيء إذا بيع مؤجّلا زيد في ثمنه.

و له ثالث: القطع بالمنع، لأنّه لا ملك قبل الحلول.

و على تقدير الوجوب ففي وجوب الإخراج في الحال قولان: الثبوت كالغائب الذي يسهل إحضاره، و المنع إلى أن يقبض لأنّ خمسة نقدا تساوي ستّة فيؤدّي إلى الإجحاف(1).

ه - الدّين إن لم يكن لازما - كمال الكتابة عند الشيخ(2) - لا زكاة فيه و - لو كان الدّين نعما فلا زكاة فيه، و من أوجبها في الدّين توقّف هنا، لأنّ السوم شرط و ما في الذمة لا يوصف بكونه سائما(3).

و يشكل بأنّهم ذكروا في السلم في الحيوان التعرّض لكونه لحم راعية أو معلوفة، فإذا جاز أن يثبت في الذمة لحم راعية جاز أن تثبت راعية(4).

مسألة 14: أوجب الشيخ في المبسوط الزكاة في الرهن

سواء تمكّن الراهن من فكّه أو لا - و به قال الشافعي، و أحمد(5) - لوجود المقتضي و هو الملك.

قال: فإن كان للراهن مال سواه كلّف إخراج الزكاة منه، لأنّ الزكاة من

ص: 24


1- فتح العزيز 502:5، مغني المحتاج 410:1-411.
2- الخلاف، كتاب المكاتب، المسألة 17، المبسوط 91:6.
3- راجع فتح العزيز 501:5 و 299:9.
4- راجع فتح العزيز 501:5 و 299:9.
5- المجموع 343:5، فتح العزيز 501:5، حلية العلماء 21:3، المغني 543:2.

مئونة الرهن فتلزم الراهن كنفقة المضارب، و لا تخرج من النصاب لتعلّق حقّ المرتهن، و الزكاة لا يتعيّن إخراجها منه.

و إن كان معسرا أخذت الزكاة من الرّهن لتعلّق حقّ المساكين بالعين، و حقّ المرتهن في الذمة فإنّه لو هلك رجع على الراهن بماله(1).

و قال في الخلاف: لو كان له ألف و استقرض ألفا، و رهن هذه لزمه زكاة القرض دون الرهن(2).

و هو يعطي عدم وجوب الزكاة في الرهن، و هو الوجه عندي، لعدم تمكّنه منه سواء كان في يده أو في يد المرتهن أو غيرهما.

مسألة 15: لا زكاة في المال الموقوف،

لعدم تمكّنه من التصرّف بأنواعه، و لعدم اختصاص أحد به.

و كذا مال الحبس و المعمّر، لأنّ الملك و إن كان باقيا إلاّ أنه ممنوع من التصرف فيه بأنواعه.

مسألة 16: تسلّط الغير مانع من وجوب الزكاة،
اشارة

فلو نذر الصدقة بالنصاب، فمضى الحول قبل الصدقة لم تجب الزكاة، لتعلّق النذر بعين المال، و كونه واجب الصرف إلى النذر قبل أن تجب فيه الزكاة، و هو أصحّ وجهي الشافعي.

و له آخر: وجوب الزكاة، لأنّ المال لا يتعيّن بتعيين الناذر، و الدّين لا يمنع الزكاة، و لأنّه لم يخرج عن ملكه قبل الصدقة(3).

و نمنع القاعدتين(4) ، و الملك و إن كان باقيا إلاّ أنّه ناقص لوجوب الصدقة

ص: 25


1- المبسوط للطوسي 208:1-209.
2- الخلاف 110:2، المسألة 129.
3- المجموع 345:5، فتح العزيز 509:5، حلية العلماء 20:3.
4- من القاعدتين: عدم منع الدّين للزكاة، و يأتي من المصنّف - رحمه اللّه - في الفرع «ب» و في المسألة اللاحقة ما ينافي هذا المنع، فلاحظ.

به.

فروع:

أ - لو جعل هذه الأغنام ضحايا، أو هذا المال صدقة بنذر و شبهه كان سقوط الزكاة فيه أقوى، لانتقال المال عنه إلى ما نذره، و لم يبق فيه حقيقة ملك.

ب - لو نذر الصدقة بعشرين دينارا و لم يعيّن لم تسقط الزكاة عندنا، سواء كان له أزيد أو لا، لأنّ الدّين لا يمنع الزكاة على ما يأتي(1) ، و هو أحد وجهي الشافعي بناء على عدم منع الدّين لضعف حقّ اللّه تعالى، إذ لا مطالب له فهو أضعف من دين الآدمي(2).

ج - لو كان النذر مشروطا فإشكال ينشأ من استصحاب الملك السالم عن معارضة تعلّق النذر لعدم الشرط الآن، و من تعلّق النذر به.

د - لو استطاع بالنصاب و وجب الحج، ثم مضى الحول على النصاب فالأقرب عدم منع الحج من الزكاة لتعلّق الزكاة بالعين بخلاف الحج.

مسألة 17: الدّين لا يمنع الزكاة
اشارة

عند علمائنا أجمع، فلو كان عليه دين بقدر النصاب أو أزيد، و حال الحول وجبت الزكاة سواء كان النصاب من الأموال الظاهرة - و هي الأنعام و الغلاّت - أو الباطنة - و هي النقدان - و به قال ربيعة، و حماد بن أبي سليمان، و الشافعي - في الجديد - و ابن أبي ليلى(3) ، لأنه حرّ مسلم ملك نصابا حولا فوجبت الزكاة عليه كمن لا دين عليه، و للعمومات.

و لأنّه لو لم تجب لم تجب في القرض لشغل الذمة بمثله و الثاني باطل.

لقول الباقر عليه السلام، و قد سئل عن زكاة القرض ؟ فقال: «على

ص: 26


1- يأتي في المسألة اللاحقة.
2- المجموع 345:5، فتح العزيز 510:5، حلية العلماء 20:3.
3- المغني 633:2، الشرح الكبير 455:2، المجموع 344:5، حلية العلماء 16:3، فتح العزيز 505:5، مغني المحتاج 411:1.

المقترض لأنّه في يده»(1).

و قال مالك، و الثوري، و الأوزاعي، و عطاء، و سليمان بن يسار، و ميمون ابن مهران، و الحسن، و النخعي، و الليث، و إسحاق، و أبو ثور، و أصحاب الرأي، و أحمد: إنّ الدّين يمنع من الزكاة في الباطنة(2).

و أما الظاهرة، فقال مالك، و الأوزاعي، و الشافعي: إنّه لا يمنع(3) ، و عن أحمد فيها روايتان(4).

و احتجّوا برواية ابن عمر: أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، قال: «إذا كان لرجل ألف درهم، و عليه ألف درهم فلا زكاة عليه»(5).

و يحمل - مع صحّته - على اختلال شرط الوجوب.

فروع:

أ - قال أبو حنيفة: الدّين يمنع في الأموال كلّها مع توجّه المطالبة إلاّ في الغلاّت، لأنّ الواجب فيها عنده ليس صدقة(6).

ب - القائلون بأنّ الدّين مانع شرطوا استغراق النصاب أو نقصه، و لا وجه لقضائه سوى النصاب أو ما لا يستغنى عنه، فلو كان له عشرون دينارا و عليه

ص: 27


1- الكافي 520:3-6، التهذيب 33:4-85 نقلا بالمعنى.
2- الكافي في فقه أهل المدينة: 95، مقدمات ابن رشد: 252، بدائع الصنائع 6:2، المغني 633:2، الشرح الكبير 454:2، المجموع 344:5، حلية العلماء 17:3، فتح العزيز 506:5.
3- الكافي في فقه أهل المدينة: 95، مقدمات ابن رشد 252:1، المجموع 344:5، حلية العلماء 17:3، فتح العزيز 506:5، مغني المحتاج 411:1، المغني 2: 634، الشرح الكبير 455:2.
4- المغني 634:2، الشرح الكبير 454:2-455، حلية العلماء 17:3، فتح العزيز 506:5.
5- أوردها ابنا قدامة في المغني 633:2، و الشرح الكبير 454:2.
6- اللباب 137:1، شرح العناية 117:2، المغني 634:2، الشرح الكبير 455:2، حلية العلماء 16:3، فتح العزيز 506:5، بداية المجتهد 246:1.

دينار و لا وجه سوى العشرين فلا زكاة عندهم، و لو كان له أحد و عشرون فعليه زكاة عشرين.

و لو كان له مائة من الغنم، و عليه ما يقابل ستّين فعليه زكاة أربعين.

و لو كان عليه ما يقابل أحدا و ستّين فلا زكاة(1) ، و عندنا تجب الزكاة.

ج - لو كان عليه دين و له مالان من جنسين، فعندنا تجب الزكاة، فلا بحث.

و المانعون اختلفوا، فقال بعضهم: يجعل الدّين في مقابلة ما الحظّ للمساكين في جعله في مقابلته، فلو كان عليه خمس من الإبل و له خمس من الإبل و مائتا درهم فإن كانت عليه سلما أو دية و نحوها ممّا يقضى بالإبل جعل الدّين في مقابلتها و وجبت زكاة الدراهم.

و إن كان قد أتلفها أو غصبها جعلت قيمتها في مقابلة الدراهم.

و إن كانت قرضا فإن كانت إذا جعلت في أحدهما فضلت فضلة تنقص النصاب الآخر دون العكس جعلت على العكس، لأنّ له ما يقضي به الدّين، فلو كان له خمس من الإبل و مائتا درهم، و عليه ستّ من الإبل قيمتها مائتان جعل الدّين في مقابلة الدراهم.

و لو كان عليه مائتان و خمسون درهما، و له خمس من الإبل تساوي الدّين جعل الدّين في مقابلة الإبل.

و لو كان عليه مائة درهم، و له مائتان، و تسع من الإبل تساوي الأربعة الزائدة المائة وجبت الزكاة فيهما(2).

د - لو كان أحد المالين لا زكاة فيه كمن عليه مائتان و له مائتان و عروض للقنية يساوي الدّين جعل الدّين في مقابلة العروض، و به قال مالك و أبو2.

ص: 28


1- راجع المغني 635:2، الشرح الكبير 456:2.
2- المغني 635:2، الشرح الكبير 456:2.

عبيد(1).

و قال أصحاب الشافعي: إنّه مقتضى قوله، لأنّه مالك للنصاب زيادة عن دينه فوجبت عليه زكاتها، كما لو كان جميع ماله جنسا واحدا(2).

و قال أبو حنيفة: يجعل الدّين في مقابلة ما يقضى منه فلا زكاة هنا، لأنّ الدّين يقضى من جنسه، و هو قول الليث بن سعد و أحمد(3).

ه - لو كان الدّين للّه تعالى كالكفّارة و النذر لم يمنع الزكاة عندنا.

و أمّا المانعون في الآدمي، ففيه(4) وجهان: المنع كدين الآدمي، لأنّه دين يجب قضاؤه.

و قال عليه السلام: «دين اللّه أحقّ أن يقضى»(5).

و عدمه، لأنّ الزكاة آكد، لتعلّقها بالعين(6).

و لو نذر أن يتصدّق بخمسة دراهم فحال الحول على مائتي درهم لم يتداخلا، لاختلاف سببهما.

و عند بعض الجمهور يتداخلان إن نوى الزكاة، لأنّها صدقة(7).

و - لو حجر الحاكم عليه قبل الحول، ثم حال الحول على الحجر فلا زكاة، لعدم تمكّنه من التصرّف.

و لو حجر بعد الحول و وجوب الزكاة لم يمنع من إخراجها، لأنّه واجب عليه متعلّق بالعين.

و قال بعض الجمهور: يمنع، لانقطاع تصرّفه في ماله. و قيل بالسقوط2.

ص: 29


1- المغني 635:2، الشرح الكبير 457:2، المدونة الكبرى 272:1.
2- المجموع 350:5، المغني 636:2، الشرح الكبير 457:2.
3- المغني 636:2، الشرح الكبير 457:2.
4- أي: فلهم في دين اللّه تعالى وجهان.
5- صحيح البخاري 46:3، صحيح مسلم 804:2-154.
6- المغني 636:2، الشرح الكبير 458:2.
7- المغني 636:2، الشرح الكبير 458:2.

إذا حجر قبل إمكان الأداء كالتلف(1). و ليس بجيد.

و لو أقرّ بها بعد الحجر لم يقبل في حقّ الغرماء فتصير في ذمّته لا في المال، و يحتمل القبول.

و لو صدّقه الغرماء أو ثبت بالبينة أو بالإقرار قبل الحجر وجب إخراجها من المال.

و لو أقرّ الغرماء بها أخرجوها، و لم يقبل في حق المديون إلاّ مع تصديقه.

ز - لو جنى عبد التجارة تعلّق أرشها برقبته، و منع وجوب الزكاة فيه إن نقص عن النصاب عند المانعين، لأنّه دين.

ح - لو مات بعد الحول و تعلّق الزكاة، و عليه دين مستوعب قدّمت الزكاة، لتعلّقها بالعين قبل تعلّق الدّين بها فإنّه إنّما يتعلّق بعد الموت، و هو أحد أقوال الشافعي.

و الثاني: تقديم حقّ الآدمي، لاحتياجه، كما يقدّم قطع القصاص على السرقة. و الثالث: التوزيع، لتساويهما(2). و الحقّ ما تقدّم.

نعم لو كان عوضها كفّارة أو غيرها من الحقوق التي لا تتعلّق بالعين فإنّ الحقّ التقسيط.

مسألة 18: لو استقرض الفقير النصاب و تركه حولا وجبت الزكاة عليه،

لأنّه مالك للنصاب متمكّن منه فوجبت عليه زكاته، و من خالف في المديون خالف هنا.

و لو شرط الزكاة على المقرض، قال الشيخ: كانت زكاته على مالكه عملا بالشرط(3).

ص: 30


1- المغني 637:2، الشرح الكبير 458:2-459.
2- فتح العزيز 511:5، مغني المحتاج 411:1.
3- المبسوط للطوسي 213:1.

و لقول الصادق عليه السلام، و قد سئل عن رجل استقرض مالا، و حال عليه الحول و هو عنده: «إن كان الذي أقرضه يؤدّي زكاته فلا زكاة عليه، و إن كان لا يؤدّي أدّى المستقرض»(1).

و فيه إشكال، لأنّه حقّ عليه يفتقر إلى النية، فلا يتعلّق بغيره بالشرط، و الحديث لا يدلّ على مطلوبه.

إذا ثبت هذا فإن قلنا: الدّين لا زكاة فيه فلا بحث، و إن أوجبنا فيه الزكاة فلا زكاة هنا على المالك، لأنّ زكاته على المقترض فلا تجب فيه اخرى على غيره.

و لقول الباقر عليه السلام: «زكاتها إن كانت موضوعة عنده حولا على المقترض» قلت: فليس على المقرض زكاتها؟ قال: «لا، لا يزكّى المال من وجهين في عام واحد، و ليس على الدافع شيء لأنّه ليس في يده [شيء](2) لأنّ المال في يد الآخر، فمن كان المال في يده زكّاه» قال، قلت: أ فيزكّي مال غيره من ماله ؟ فقال: «إنّه ماله ما دام في يده، و ليس [ذلك المال](3) لأحد غيره - ثم قال - يا زرارة أ رأيت وضيعة ذلك المال و ربحه لمن هو؟ و على من ؟» قلت: للمقترض، قال: «فله الفضل و عليه النقصان، و له أن يلبس و ينكح و يأكل منه و لا ينبغي له أن يزكّيه ؟!(4) بل يزكّيه فإنّه عليه»(5).

إذا عرفت هذا فإنّ القرض يجري في الحول بالقبض، إذ قبضه شرط في الملك.

مسألة 19: من ترك لأهله نفقة بلغت النصاب فصاعدا،

و حال عليه

ص: 31


1- الكافي 520:3-5، التهذيب 32:4-33-83.
2- زيادة من المصدر.
3- زيادة من المصدر.
4- في التهذيب: «أن لا يزكّيه».
5- التهذيب 33:4-85، و الكافي 520:3-6 و فيه عن الإمام الصادق عليه السلام

الحول، فإن كان حاضرا وجبت عليه الزكاة، لأنّه مالك متمكّن لم يخرج عنه ملكه.

و إن كان غائبا فلا زكاة فيه، أمّا على أهله، فلعدم الملك في حقّهم، و أمّا عليه، فلأنّها في معرض الإتلاف.

مسألة 20: عدم قرار الملك مقتض لنقصه،

فلو وهب نصابا لم يجر في الحول إلاّ بعد القبول و القبض، لأنّ الملك إنّما يتمّ بهما، فإن حال الحول على ملكه وجبت الزكاة.

و إن رجع الواهب قبل إمكان الأداء فلا زكاة على المتّهب و لا على الواهب و إن كان الرجوع بعد الحول.

و لو رجع الواهب قبل الأداء مع التمكّن منه قدّم حقّ الفقراء، لتعلّقه بالعين حين الحول، و لا يضمنه المتّهب كما لو تلف قبل رجوعه.

مسألة 21: الموصى له إنّما يملك بأمرين: موت الموصي و القبول،

فلو أوصى له بنصاب لم ينتقل إليه إلاّ بهما، فإذا مات الموصي و قبل ابتدأ الحول حينئذ، لأنّه حين الملك، و ينبغي اشتراط القبض أو التمكّن منه.

و إن قلنا: القبول كاشف و الملك يحصل بالوصيّة و الموت فكذلك، لقصور الملك قبله.

و أمّا الوارث فإنّما يملك بموت المورّث لا بصيرورة حياته غير مستقرة، و إنّما يجري الحول من حين القبض أو تمكّنه منه، فلو مات المورّث و لم تصل التركة إليه لم يعتدّ من الحول.

مسألة 22: لا تجري الغنيمة في الحول إلاّ بعد القسمة،

و لا يكفي عزل الإمام بغير قبض الغانم، فلو تأخّرت قسمة الغنيمة حولا فلا زكاة، لعدم استقرار الملك فإنّ للإمام أن يقسّم بينهم قسمة بحكم فيعطي كلّ واحد من أيّ الأصناف شاء، فلم يتمّ ملكه على شيء معيّن، بخلاف ما لو ورثوا ما تجب فيه الزكاة.

ص: 32

هذا إذا كانت من أجناس مختلفة، و لو كانت الغنيمة من جنس واحد فالوجه ذلك أيضا، لأنّ ملكهم في غاية الضعف، و لهذا يسقط بالإعراض، و هو أحد وجهي الشافعي(1) ، و عن أحمد: الوجوب، للملك(2).

أما لو اختاروا التملّك و مضى حول من وقت التملّك، فإن كانت من جنس واحد وجبت الزكاة إن بلغ نصيب كلّ واحد منهم النصاب.

و إن كانت من أجناس مختلفة فلا زكاة سواء كانت جميعها ممّا تجب فيه الزكاة أو لا.

مسألة 23: لو آجر داره أربع سنين بمائة معجّلة فقبضها وجب عند كلّ حول زكاة الجميع

و إن كان في معرض التشطير، و به قال مالك و الشافعي - في أحد القولين - و أحمد(3) ، لأنّه ملكه ملكا تامّا بالعقد، و يجوز التصرّف فيه بجميع أنواعه، و لو كان جارية جاز له وطؤها.

و قال أبو حنيفة و الشافعي في الثاني: لا يلزمه أن يخرج عند تمام كلّ سنة إلاّ زكاة القدر الذي استقرّ ملكه عليه، لأنّه قبل الاستقرار في معرض السقوط بالانهدام و هو يورث ضعف الملك(4). و ينتقض بالصداق.

قالوا: فيخرج في السنة الأولى زكاة ربع المال و هي: خمسة أثمان دينار، لاستقرار الملك على الربع، و عند تمام الثانية يستقرّ ملكه في خمسين و قد ملكها منذ سنتين، فعليه زكاة خمسين لسنتين: ديناران و نصف، لكنّه يحطّ عنه ما أدّى في الأولى يبقى دينار و سبعة أثمان دينار، و عند تمام الثالثة

ص: 33


1- المجموع 353:5-354، الوجيز 68:1، فتح العزيز 512:5.
2- المغني 639:2، الشرح الكبير 447:2.
3- المجموع 23:6، الوجيز 86:1، فتح العزيز 514:5، المغني 638:2، الشرح الكبير 446:2.
4- المجموع 24:6، الوجيز 86:1، فتح العزيز 514:5، المغني 638:2، الشرح الكبير 446:2.

يستقرّ ملكه على خمسة و سبعين و قد ملكها منذ ثلاث سنين، فعليه زكاتها لثلاث سنين: خمسة دنانير و خمسة أثمان دينار يحط ما أدّى في السنتين يبقى ثلاثة دنانير و ثمن، و عند تمام الرابعة يستقرّ على الجميع و قد ملكه من أربع سنين فعليه زكاته لأربع [سنين](1) عشرة دنانير يحط عنه ما أدى و يخرج الباقي أربعة دنانير و ثلاثة أثمان دينار(2).

تذنيب: لو كانت الأجرة دينا فهي كالدّين إن أوجبنا الزكاة فيه وجبت هنا، و إلاّ فلا، و به قال أحمد(3).

و قال مالك و أبو حنيفة: لا يزكّيها حتى يقبضها و يحول عليها الحول، لأنّ الأجرة إنّما تستحق بانقضاء مدّة الإجارة لا بالعقد(4).

مسألة 24: لو اشترى نصابا جرى في الحول حين العقد،
اشارة

لأنّه حين الملك، و لهذا يملك المشتري النماء المنفصل، و به قال أحمد(5) ، و عند الشيخ بانقضاء الخيار(6) - و به قال مالك و أحمد في رواية(7) - و إلاّ لم يعد بالفسخ، و الملازمة ممنوعة. و كذا لو شرطا خيارا زائدا جرى في الحول من حين العقد أيضا، و عند الشيخ من حين انقضاء الخيار(8).

و قال أبو حنيفة: إن كان الخيار للبائع لم ينتقل، و إن كان للمشتري خرج عن البائع(9) و لم يدخل في ملك المشتري(10). و ليس بجيّد، لاستحالة

ص: 34


1- زيادة أثبتناها من المصدر.
2- فتح العزيز 514:5.
3- المغني 638:2، الشرح الكبير 446:2.
4- المغني 638:2، الشرح الكبير 446:2، و المنتقى للباجي 114:2.
5- المغني 644:2، الشرح الكبير 467:2.
6- المبسوط للطوسي 227:1، الخلاف 114:2، المسألة 135.
7- المغني 644:2، الشرح الكبير 467:2.
8- المبسوط للطوسي 227:1، الخلاف 114:2، المسألة 135.
9- أي: خرج عن ملك البائع.
10- المغني 644:2، الشرح الكبير 467:2.

ملك بغير مالك.

و للشافعي ثلاثة أقوال: قولان كقولنا و قول الشيخ، و الثالث: أنّه مراعى، فإن فسخاه ظهر عدم الانتقال، و إن أمضياه ظهر الانتقال(1).

فروع:

أ - لو كان الخيار أزيد من حول ففسخ البائع العقد بعد الحول فالزكاة على المشتري لتعلّقها بالعين و يسقط من الثمن ما قابل الفريضة سواء فسخ قبل تمكّنه من الأداء أو بعده.

ب - الحول ينقطع عن البائع بمجرّد العقد و إن كان الخيار له، و لا فرق بين أن يقبض المشتري أو لا، فلو تمّ الحول في مدّة الخيار المشروط، أو تمّ و هما في المجلس فلا زكاة على البائع، لانتقال ملكه عنه، و هو أحد قولي الشافعي، و في الثاني: الزكاة على البائع بناء على عدم الانتقال(2).

ج - لو رجّع المبيع إلى المالك أو ردّ عليه استأنف حولا، لأنّه ملك متجدّد حدث بعد زواله، و كذا لو فسخ البيع في مدّة المجلس بخياره، لأنّه لا يمنع نقل الملك.

د - لو حال الحول في مدّة الخيار فالزكاة على المشتري، لأنّه مالكه، و على قول الشيخ الزكاة على البائع.

فإن أخرجها من غيره فالبيع بحاله، و إن أخرجها منه بطل البيع في المخرج دون الباقي، لأنّ تفريق الصفقة لا يقتضي الفسخ.

و هل يثبت الخيار للمشتري ؟ إشكال ينشأ من التفريق، و من تقدير وجوده عند العقد لعلم المشتري به.

و إن لم يخرجها حتى سلّمه إلى المشتري، و انقضت مدّة الخيار لزم

ص: 35


1- المغني 644:2، الشرح الكبير 467:2، المجموع 351:5.
2- المجموع 351:5، فتح العزيز 504:5، و 517.

البيع فيه، و كان عليه الإخراج من غيره، كما لو باع ما وجبت الزكاة فيه.

مسألة 25: لو أصدقها نصابا، فإن كان في الذمّة كان دينا
اشارة

حكمه حكم الديون، و لا فرق بين ما قبل الدخول و بعده، لأنّه دين في الذمّة، و لا بين أن يكون حيوانا أو غيره.

و قال الشافعي: لا زكاة في الحيوان، لأنّ من شرط وجوب الزكاة السوم للنماء و هو غير حاصل في الدّين(1).

فإن طلّقها قبل الدخول و أخذت نصفه، فإن أوجبنا الزكاة في الدّين وجب فيما قبضته دون ما لم تقبضه، لأنّه دين لم يتعوّض عنه، و لم تقبضه فأشبه ما تعذّر قبضه لفلس أو جحود.

و كذا لو فسخت النكاح قبل الدخول فسقط المهر كلّه فلا زكاة.

و كذا كلّ دين سقط قبل قبضه من غير إسقاط صاحبه، أو يأس صاحبه من استيفائه، لأنّ الزكاة مواساة فلا تلزم فيما لم يحصل.

فروع:

أ - لو كان الصداق عينا ملكته بالعقد فتجب عليها الزكاة إذا حال عليه الحول سواء كان في يد الزوج الباذل أو في يدها و إن كان كلّه في معرض السقوط بالردّة، و الفسخ، أو بعضه بالطلاق.

ب - لو كان الصداق نصابا فحال عليه الحول ثم سقط نصفه و قبضت النصف فعليها زكاة المقبوض، لأنّ الزكاة وجبت فيه ثم سقطت من نصفه لمعنى اختصّ به، فاختصّ السقوط به.

و لو مضى عليه حول ثم قبضته كلّه زكّته لذلك الحول، و لو مضت عليه أحوال قبل قبضه ثم قبضته زكّته لما مضى كلّه ما لم ينقص عن النصاب، لأنّه مال تستحقّ قبضه، و يجبر المديون على أدائه فوجبت فيه الزكاة كثمن المبيع،

ص: 36


1- فتح العزيز 501:5 و 513.

و به قال أحمد و الشافعي(1).

و قال أبو حنيفة: لا تجب عليها الزكاة ما لم تقبضه، لأنّه بدل عمّا ليس بمال فلا تجب الزكاة فيه قبل قبضه كمال الكتابة(2).

و نمنع الأصل، و يفرّق بعدم استحقاق قبضه فإنّ للمكاتب أن يمتنع من أدائه.

ج - لو قبضت صداقها قبل الدخول و مضى عليه حول، فزكّته من العين، ثمّ طلّقها الزوج رجع عليها بنصفه و كانت الزكاة من النصف الباقي فيرجع في عشرين جزءا من الغنم من تسعة و ثلاثين جزءا، و هو قول للشافعي و أحمد(3) ، لقوله تعالى فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ (4) و لأنّه يمكنه الرجوع في العين فلم يكن له العدول إلى القيمة.

و قال الشافعي في بعض أقواله: يرجع الزوج بنصف الموجود و نصف قيمة المخرج، لأنّه لو تلف الكلّ رجع عليها بنصف قيمته فكذلك إذا تلف البعض(5).

و الجواب: الفرق بأنّه مع تلف الكلّ لا يمكنه الرجوع في العين.

و له قول ثالث: التخيير بين نصف الموجود و نصف قيمة المفقود، و بين نصف قيمة الكلّ(6) ، لأنّه قد تبعّض عليه حقّه فلم يمكنه الرجوع إلى نصف العين فكان له العدول إلى القيمة.

و الوجه عندي الرجوع في نصف الموجود، و المطالبة بعوض الزكاة إمّا:5

ص: 37


1- المغني 643:2، الشرح الكبير 451:2، المجموع 23:6، فتح العزيز 513:5.
2- المبسوط للسرخسي 184:2، المغني 643:2، الشرح الكبير 451:2، فتح العزيز 513:5.
3- المجموع 30:6، فتح العزيز 513:5، المغني 643:2، الشرح الكبير 451:2.
4- البقرة: 237.
5- المجموع 30:6، فتح العزيز 513:5، المغني 643:2، الشرح الكبير 451:2.
6- المجموع 30:6، فتح العزيز 513:5

مثلا أو قيمة على التفصيل.

و لو زكّته من غير العين كان له الرجوع في نصف العين.

د - لو طلّقها بعد الحول و قبل الإخراج، قال الشيخ: فإن أخرجتها من عين المال أخذ الزوج نصف الباقي، و إن أخرجتها من غيره فكذلك.

و إن لم تكن أخرجت لكن اقتسمت هي و الزوج الصداق كان ما أخذه الزوج صحيحا، و عليها فيما أخذته حقّ الصدقة، فإن هلك نصيبها و بقي نصيب الزوج كان للساعي أن يأخذ حقّه من نصيب الزوج، و يرجع الزوج عليها بقيمته، لأنّ الزكاة تجب في العين دون الذمة(1).

و هذا القول من الشيخ يشعر بأنّ لها أن تخرج من العين، و به قال الشافعي(2).

و منع أحمد من ذلك، لأنّ حقّ الزوج تعلّق به على وجه الشركة، و الزكاة لم تتعلّق به على وجه الشركة(3).

ه - للشافعي في جواز القسمة قبل أداء الزكاة على تقدير تعلّقها بالعين، وجهان: المنع، لأنّ المساكين شركاء معهما فلا تجوز القسمة دونهم، و الجواز، لأنّ للمالك الدفع من أيّ الأموال شاء، فحينئذ للساعي الأخذ من نصيب الزوجة كلّ الزكاة، لأنّها وجبت عليها قبل ثبوت حقّ الزوج، فإذا لم يجد لها مالا أخذ من نصيب الزوج، لأنّ الزكاة وجبت بسببه.

فإذا أخذ الزكاة ففي بطلان القسمة وجهان: البطلان، لتعيّن حقّ الفقراء في المال المقسوم، و عدمه، لأنّ تعيينه حصل بعد صحّة القسمة، و يرجع الزوج عليها بقيمة الزكاة(4).1.

ص: 38


1- المبسوط للطوسي 208:1.
2- الام 25:2، المجموع 31:6.
3- المغني 643:2، الشرح الكبير 452:2.
4- المجموع 30:6 و 31.

و - لو كان الصداق دينا فأبرأته منه بعد الحول فالزكاة عليها على تقدير وجوب الزكاة في الدّين - و هو إحدى الروايتين عن أحمد - لأنّها تصرّفت فيه فأشبه ما لو قبضته.

و الثانية: الزكاة على الزوج، لأنّه ملك ما ملك عليه فكأنّه لم يزل ملكه عنه(1).

و هو غلط، فإنّ الزوج لم يملك شيئا، بل سقط الدّين عنه.

و يحتمل عدم الوجوب، فإنّ المرأة لم تقبض، فلم تلزمها زكاته، كما لو سقط بغير إسقاطها.

و كذا البحث في كلّ دين أبرأه صاحبه منه بعد الحول.

ز - لو طلّقها بعد الحول قبل الدخول و التمكّن من الأداء وجبت الزكاة و إن استحقّ الزوج النصف قبل التمكّن من الأداء، بخلاف التالف، لأنّ العين هنا باقية و قد أخذت عوضها و هو البضع، بخلاف التالف، إذ لا عوض له.

ح - لو تلف النصف بتفريطها تعلّق حقّ الساعي بالعين، و ضمنت للزوج.

مسألة 26: اللقطة إنّما تملك بالتعريف حولا،

و نيّة التملّك على الأقوى، فلا تجري في حول الزكاة حتى يمضي حول التعريف، ثم ينوي التملّك فحينئذ يستقبل الحول، و به قال الشافعي(2).

و عند الشيخ تملك بمضيّ التعريف حولا و إن لم ينو التملّك(3) ، و هو ظاهر مذهب أحمد(4).

و إذا ملكها وجب عليه مثلها أو قيمتها إن لم تكن مثليّة، و به قال

ص: 39


1- المغني 644:2، الشرح الكبير 452:2.
2- المغني 641:2، الشرح الكبير 453:2، و انظر: المجموع 267:15.
3- النهاية: 320.
4- المغني 641:2، الشرح الكبير 453:2.

الشافعي(1) - و سيأتي(2) - فحينئذ تجب الزكاة عند الحول.

و مقتضى قول المانعين من الوجوب على المديون المنع هنا، لأنّه دين(3).

و قيل: لا تجب بمعنى آخر و هو عدم استقرار الملك، إذ لصاحبها أخذها متى وجدها(4).

مسألة 27: إمكان الأداء شرط في الضمان لا في الوجوب،

فلو لم يتمكّن المسلم من إخراجها بعد الحول حتى تلفت لم يضمن، و لو تلف بعض النصاب سقط من الفريضة بقدره، و سيأتي(5) البحث في ذلك إن شاء اللّه تعالى.

أمّا الكافر فإنّ الزكاة و إن وجبت عليه عندنا، لأنّه مخاطب بالفروع، و به قال الشافعي(6) - خلافا لأحمد و أبي حنيفة(7) - إلاّ أنّه لا يصح منه أداؤها حال كفره.

فإذا أسلم سقطت عنه و إن كان النصاب موجودا، لأنّها عبادة فسقطت بإسلامه، لقوله عليه السلام: (الإسلام يجبّ ما قبله)(8) و يستأنف الحول حين الإسلام.

و لو هلكت بتفريطه حال كفره فلا ضمان و إن أسلم.

و أما المرتدّ فلا يسقط عنه ما وجب عليه حال الإسلام.

ص: 40


1- حكاه ابنا قدامة في المغني 642:2، و الشرح الكبير 453:2.
2- يأتي في اللقطة (المقصد الخامس من كتاب الأمانات).
3- انظر: المغني 642:2، و الشرح الكبير 453:2.
4- القائل هو ابن عقيل من الجمهور. انظر: المغني 642:2، الشرح الكبير 453:2.
5- يأتي في المسألة 124.
6- المجموع 4:3 و 328:5، بدائع الصنائع 4:2.
7- بدائع الصنائع 4:2، المغني 488:2، الشرح الكبير 437:2.
8- مسند أحمد 199:4 و 204 و 205.

ثم إن كان عن فطرة انتقلت أمواله إلى ورثته في الحال و إلاّ بقيت عليه، فإذا حال الحول وجبت عليه.

و إذا أخرج في حال الردّة جاز، و به قال الشافعي(1) ، كما لو أطعم عن الكفارة، و فيه له وجه آخر(2).

و أمّا الشرائط الخاصة فستأتي عند كلّ صنف إن شاء اللّه تعالى.5.

ص: 41


1- المجموع 328:5، فتح العزيز 518:5، مغني المحتاج 408:1.
2- و هو عدم إخراج المرتدّ زكاته حال ردّته. انظر: المجموع 328:5، و فتح العزيز 519:5.

ص: 42

المقصد الثاني في المحلّ
اشارة

و قد أجمع المسلمون كافّة على إيجاب الزكاة في تسعة أشياء: الإبل، و البقر، و الغنم، و الذهب، و الفضة، و الحنطة، و الشعير، و التمر، و الزبيب، و اختلفوا في ما زاد على ذلك، و سيأتي(1) ، فهنا مطالب:

الأول: في زكاة الأنعام،
اشارة

و فيه فصول:

ص: 43


1- يأتي في المسائل 110-115.

ص: 44

الفصل الأول في زكاة الإبل
مسألة 28: يشترط فيها أربعة: الملك، و النصاب، و السوم، و الحول،

أمّا الملك، فلما تقدّم(1): أنّ غير المالك لا زكاة عليه، و أمّا النصاب فبإجماع المسلمين.

لقول رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: (ليس فيما دون خمس ذود(2) صدقة)(3).

و قال الصادق عليه السلام: «ليس فيما دون الخمس من الإبل شيء»(4).

إذا عرفت هذا، فالنصب في الإبل ثلاثة عشر نصابا: خمس، عشر، خمس عشرة، عشرون، خمس و عشرون، ستّ و عشرون، ستّ و ثلاثون، ستّ و أربعون، إحدى و ستّون، ستّ و سبعون، إحدى و تسعون، مائة

ص: 45


1- تقدّم في المسألة 11.
2- الذود من الإبل: ما بين الثنتين الى التسع. النهاية - لابن الأثير - 171:2 «ذود».
3- صحيح البخاري 148:2، صحيح مسلم 673:2-1، سنن أبي داود 94:2-1558، سنن الترمذي 22:3-626، سنن ابن ماجة 572:1-1794، سنن النسائي 40:5، سنن البيهقي 85:4 و 120.
4- التهذيب 20:4-52، الاستبصار 19:2-56.

و إحدى و عشرون، ثم بعد ذلك أربعون أو خمسون بالغا ما بلغت عند علمائنا أجمع، و سيأتي(1) البحث في ذلك.

مسألة 29: يشترط فيها و في غيرها من الأنعام السوم،

و هي الراعية المعدّة للدرّ و النسل.

و احترزنا بذلك عن المعلوفة و إن كانت للدّر و النسل، و العوامل و إن لم تكن معلوفة، فإنّه لا زكاة فيهما عند علمائنا أجمع، و به قال علي عليه السلام و معاذ بن جبل و جابر بن عبد اللّه، و من التابعين: سعيد بن جبير و عطاء و مجاهد و الحسن البصري و النخعي، و من الفقهاء: الشافعي و أبو حنيفة و الثوري و الليث بن سعد و أحمد و إسحاق و أبو ثور و أبو عبيد(2).

لقوله عليه السلام: (في أربعين من الغنم السائمة شاة)(3) دلّ بمفهومه على انتفاء الزكاة عن المعلوفة، و إلاّ كان ذكر الوصف ضائعا، بل موهما للتخصيص، و لو لم يكن مرادا كان قبيحا.

و قال عليه السلام: (ليس في البقر العوامل صدقة)(4).

و من طريق الخاصة قول الباقر و الصادق عليهما السلام: «و ليس على العوامل شيء، إنّما ذلك على السائمة الراعية»(5).

و لأنّ وصف النماء معتبر في الزكاة، و المعلوفة يستغرق علفها نماءها.

ص: 46


1- يأتي في المسائل 35-37.
2- المجموع 357:5، حلية العلماء 22:3، مختصر المزني: 45، المبسوط للسرخسي 165:2، المغني 438:2 و 456، الشرح الكبير 475:2 و 501، عمدة القارئ 22:9، المحلّى 45:6.
3- صحيح البخاري 146:2، سنن أبي داود 97:2-1567، سنن الدارقطني 114:2 و 115-2 و 3، سنن الدارمي 381:1، سنن البيهقي 100:4 بتفاوت فيها.
4- المعجم الكبير للطبراني 40:11-10974، سنن الدارقطني 103:2-2.
5- الكافي 532:3-1، التهذيب 22:4-55، الاستبصار 21:2-59.

و قال مالك: تجب في العوامل و المعلوفة. و به قال ربيعة و مكحول و قتادة(1).

و قال داود: تجب في عوامل البقر و الإبل و معلوفها دون الغنم(2).

لقوله عليه السلام: (في أربعين شاة شاة، و في ثلاثين من البقر تبيع)(3) و لأنه تجوز الأضحية به فأشبه السائمة.

و الحديث يخصّه مفهوم الخطاب، و الفرق بين السائمة و المعلوفة لزوم المئونة في المعلوفة، و العوامل معدّة لاستعمال مباح فأشبهت الثياب.

مسألة 30: لو سامت بعض الحول، و علفها البعض الآخر،
اشارة

قال الشيخ رحمه اللّه تعالى: يحكم للأغلب(4). و به قال أبو حنيفة و أحمد و بعض الشافعية، لأنّ اسم السوم لا يزول مع القلّة، و خفّة المئونة موجودة فكانت زكاة السوم واجبة كالزرع إذا سقي سيحا و ناضحا(5).

و قال بعض الشافعية: إن علفها يوما أو يومين لم يبطل حكم السوم، و إن علفها ثلاثة أيّام زال حكم السوم، لأنّ ثلاثة أيّام لا تصبر عن العلف، و ما دون ذلك تصبر عن العلف، و لا تتلف بتركه(6).

و قال بعضهم: إنّما يثبت حكم العلف بأن ينوي علفها و يفعله و إن كان مرّة، كما لو كان له ذهب فنوى صياغته و صاغه انقطع حوله(7).

ص: 47


1- المدونة الكبرى 313:1، القوانين الفقهية: 107، المغني 456:2، الشرح الكبير 475:2، عمدة القارئ 22:9، حلية العلماء 22:3.
2- حلية العلماء 22:3.
3- سنن أبي داود 100:2-1572.
4- المبسوط للطوسي 198:1.
5- المبسوط للسرخسي 166:2، المغني 438:2، الشرح الكبير 476:2، المجموع 358:5، حلية العلماء 23:3.
6- المجموع 357:4، فتح العزيز 495:5، حلية العلماء 22:3.
7- حلية العلماء 23:3، المجموع 358:5، فتح العزيز 496:5.

و لأنّ السوم موجب، و العلف مسقط، و إذا اجتمعا غلّب الإسقاط، كما لو كان معه أربعون منها واحدة معلوفة لم تجب، تغليبا للمسقط، و الزرع اعتبر فيه الأكثر، لأنّه غير مسقط، بخلاف مسألتنا.

و الأقرب عندي اعتبار الاسم، فإن بقي عليها اسم السوم وجبت و إلاّ سقطت.

فروع:

أ - إذا خرجت عن اسم السوم بالعلف، ثم عادت إليه استؤنف الحول من حين العود، و لا فرق بين أن يعلفها مالكها أو غيره، بإذنه أو بغير إذنه من مال المالك.

و لو علفها من ماله، فالأقرب إلحاقها بالسائمة، لعدم المئونة حينئذ، و لا فرق بين أن يكون العلف لعذر كالثلج أو لا.

ب - لو علفها بقصد قطع الحول و خرجت عن اسم السائمة انقطع الحول.

و قال الشافعي: لا ينقطع(1). و سيأتي بحثه في قاصد الفرار بالسبك(2).

ج - لو تساوى زمان العلف و السوم، فعندنا لا زكاة، و على قول الشيخ من اعتبار الأغلب ينبغي السقوط أيضا.

د - لو اعتلفت من نفسها حتى خرجت عن اسم السائمة سقطت الزكاة، و من اعتبر القصد من الشافعيّة لم يسقطها، و أسقطها بعضهم، لخروجها عن اسم السوم(3).

ه - لو غصب سائمته غاصب فلا زكاة عندنا.

ص: 48


1- المجموع 358:5.
2- يأتي في الفرع «و» من المسألة 71.
3- المجموع 358:5، فتح العزيز 496:5-497.

و من أوجبها في المغصوب فعنده وجهان: الوجوب، لأنّ فعل الغاصب عديم الأثر، و كذا لو غصب ذهبا و اتّخذ منه حليّا لا تسقط. و هو ممنوع.

و العدم، لفوات شرط السوم، كما لو ذبح بعض الماشية(1).

و لو غصب معلوفة و أسامها، فوجهان: الوجوب، لحصول الرفق، كما لو غصب حنطة و بذرها يجب العشر في النابت، و المنع(2) ، لما تقدّم.

فإن وجبت قيل: تجب على الغاصب، لأنّه من فعله. و قيل: على المالك.

ففي رجوعه على الغاصب وجهان: المنع، لأنّ السبب في الوجوب ملك المالك، و الرجوع، لأنّه لو لا الإسامة لم تجب.

و هل يرجع قبل الإخراج أو بعده ؟ وجهان(3) ، و هذا كلّه ساقط عندنا.

مسألة 31: المال الذي تجب فيه الزكاة ضربان:

ما هو نماء في نفسه، و ما يرصد للنماء، فالأول الحبوب و الثمار، فإذا تكامل نماؤه وجبت فيه الزكاة و لا يعتبر فيه حول.

و ما يرصد للنماء كالمواشي يرصد للدرّ و النسل، و الذهب و الفضّة للتجارة، فإنه لا تجب فيه الزكاة حتى يمضي حول من حين تمّ نصابه في ملكه، و به قال جميع الفقهاء(4).

لقوله صلّى اللّه عليه و آله: (لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول)(5).

ص: 49


1- المهذب للشيرازي 149:1، فتح العزيز 497:5، المجموع 359:5، حلية العلماء 23:3.
2- المهذب للشيرازي 149:1-150، المجموع 359:5، فتح العزيز 497:5، حلية العلماء 23:3.
3- المجموع 359:5، فتح العزيز 497:5-498.
4- المجموع 361:5.
5- سنن أبي داود 100:2-101-1573، سنن ابن ماجة 571:1-1792، سنن الدارقطني 90:2-91-3، و سنن البيهقي 95:4.

و من طريق الخاصة قول الباقر و الصادق عليهما السلام: «ليس على العوامل من الإبل و البقر شيء، إنما الصدقات على السائمة الراعية، و كلّ ما لم يحل عليه الحول عند ربّه فلا شيء عليه فيه، فإذا حال الحول وجب عليه»(1).

و قول الباقر عليه السلام: «الزكاة على المال الصامت الذي يحول عليه الحول و لم يحرّكه»(2).

و حكي عن ابن عباس و ابن مسعود أنهما قالا: إذا استفاد المال زكّاه في الحال، ثم تتكرّر الزكاة بتكرّر الحول(3) ، لأنّه مال تجب فيه الزكاة فوجبت حال استفادته كالحبوب و الثمار.

و الفرق: أن الغلاّت يتكامل نماؤها دفعة، و لهذا لا تتكرّر الزكاة فيها بخلاف هذه.

مسألة 32: يشترط بقاء النصاب طول الحول،

فلو نقص في وسطه أو أحد طرفيه و كمل اعتبر ابتداء الحول من حين الكمال، و سقط حكم الأول عند علمائنا، و به قال الشافعي و أحمد(4).

لقوله عليه السلام: (لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول)(5) و هو يقتضي مرور الحول على جميعه.

و لأنّ ما اعتبر في طرفي الحول اعتبر في وسطه كالملك و الإسلام.

و حكي عن أبي حنيفة: أنّ النصاب إذا كمل طرفي الحول لم يضرّ نقصه

ص: 50


1- الكافي 534:3-1، التهذيب 41:4-103، الاستبصار 23:2-65.
2- التهذيب 35:4-90.
3- المغني 492:2، الشرح الكبير 461:2، المجموع 361:5، حلية العلماء 25:3، الميزان للشعراني 2:2.
4- المجموع 360:5، المغني 494:2، الشرح الكبير 464:2.
5- تقدمت مصادره في المسألة 31.

في وسطه(1). و ليس بجيّد.

مسألة 33: و حولان الحول هو مضيّ أحد عشر شهرا كاملة على المال،
اشارة

فإذا دخل الثاني عشر وجبت الزكاة و إن لم تكمل أيامه، بل تجب بدخول الثاني عشر عند علمائنا أجمع.

لقول الصادق عليه السلام، و قد سئل عن رجل كانت له مائتا درهم فوهبها بعض إخوانه أو ولده أو أهله فرارا من الزكاة: «إذا دخل الثاني عشر فقد حال عليه الحول و وجبت عليه الزكاة»(2).

فروع:

أ - في احتساب الثاني عشر من الحول الأول أو الثاني إشكال ينشأ من أنّه من تمام الأول حقيقة، و من صدق الحولان باستهلال الثاني عشر.

ب - لو تلف بعض النصاب قبل الحول فلا زكاة، و بعده يجب الجميع إن فرّط و إلاّ فبالنسبة.

ج - لو ارتدّ في أثناء الحول عن فطرة استأنف ورثته الحول، و لو كان عن غيرها أتمّ.

مسألة 34: لا تجب الزكاة في السخال
اشارة

و هي أولاد الغنم أوّل ما تلدها حتى يحول عليها الحول من حين سومها، و لا يبنى على حول الأمّهات، فلو كان عنده أربع، ثم نتجت وجبت الشاة إذا استغنت بالرعي حولا.

و لو كان عنده خمس ستة أشهر، ثم نتجت خمسا، و تمّ الحول وجبت الزكاة في الخمس لا غير عند علمائنا، و به قال الحسن البصري و النخعي(3).

لقوله عليه السلام: (لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول)(4)

ص: 51


1- بدائع الصنائع 51:2، المغني 495:2.
2- الكافي 526:3-4، التهذيب 36:4-92.
3- المغني 470:2، الشرح الكبير 460:2، المجموع 374:5، حلية العلماء 29:3.
4- تقدّمت الإشارة إلى مصادره في المسألة 31.

و لأصالة البراءة.

و قال الشافعي: السخال تضمّ إلى الأمّهات في حولها بثلاث شرائط:

أن تكون متولّدة منها، و أن تكون الأمّهات نصابا، و أن توجد معها في بعض الحول، فلو لم تكن متولّدة منها، بل كان الأصل نصابا، فاستفاد مالا من غيرها، و كانت الفائدة من غير عينها لم تضمّ إليها، و كان حول الفائدة معتبرا بنفسها سواء كانت الفائدة من جنسها بأن يحول على خمسة من الإبل ستة أشهر، ثم تملّك خمسا منها أو من غير جنسها مثل أن حال على خمسة من الإبل ستة أشهر، ثمّ ملك ثلاثين بقرة.

و لو ملك عشرين شاة ستة أشهر فزادت حتى بلغت أربعين كان ابتداء الحول من حين كملت نصابا سواء كانت الفائدة من عينها أو من غيرها، لقصور الأمّهات عن النصاب.

و لو وجدت بعد انقضاء الحول لم تضمّ إليها.

و احتجّ على التبعيّة: بقول علي عليه السلام: «اعتد عليهم بالكبار و الصغار»(1).

و قال عمر لساعيه: اعتد عليهم بالسخلة(2). و لا مخالف لهما فكان إجماعا، و لأنّ النماء إذا تبع الأصل في الملك تبعه في الزكاة كأموال التجارة(3).

و الجواب: نقول بموجب الحديث، فإنّ السخال و الصغار تجب فيهما الزكاة مع حصول السوم، و نمنع حكم الأصل.

و نازع أبو حنيفة الشافعي في الشرط الأول، فقال: إذا استفاد سخالا5.

ص: 52


1- أورد قولهما أبو إسحاق الشيرازي في المهذب 150:1-151، و الرافعي في فتح العزيز 483:5، و انظر أيضا لقول عمر: الموطأ 265:1 ذيل الحديث 26، و سنن البيهقي 101:4.
2- أورد قولهما أبو إسحاق الشيرازي في المهذب 150:1-151، و الرافعي في فتح العزيز 483:5، و انظر أيضا لقول عمر: الموطأ 265:1 ذيل الحديث 26، و سنن البيهقي 101:4.
3- المهذب للشيرازي 150:1-151، المجموع 373:5-374، فتح العزيز 483:5.

من غير غنمه في أثناء الحول ضمّ إلى ماله إذا كان من جنسه، و كان حول الأمّهات حول السخال، و إن لم تكن من جنسه كسخال الإبل مع الغنم لم تضمّ، فلو كان عنده خمس من الإبل حولا إلاّ يوما فملك خمسا من الإبل، ثم مضى اليوم زكّى المالين معا، و به قال مالك(1).

لكن انفرد أبو حنيفة بأنّه إن زكّى بدلها لم تضمّ مثل أن كان عنده خمس من الإبل و مائتا درهم أخرج زكاة المائتين، ثم اشترى بها خمسا من الإبل لم تضمّ إلى التي كانت عنده في الحول، و إن لم يزكّ المبدل ضمّهما معا، و لو كان عنده عبد و أخرج زكاة الفطرة عنه، ثم اشترى به خمسا من الإبل ضمّها إلى ما عنده(2).

و احتجّ أبو حنيفة على الضمّ و إن لم يكن من أصله: بأنّ الحول أحد شرطي الزكاة فوجب أن يضمّ المستفاد إلى النصاب فيه كالنصاب - و ينتقض بالمزكّى بدله - و لأنّ الضمّ في النصاب إنّما هو في المستقبل فكذا في الحول.

و ينتقض بقوله عليه السلام: (ليس في مال المستفيد زكاة حتى يحول عليه الحول)(3).

و لأنّها فائدة لم تتولّد ممّا عنده فلم تضمّ إليه في حوله كالتي زكّي بدلها أو كانت من غير جنسه.

و نازع مالك الشافعي في الشرط الثاني، فقال: لو كانت الغنم أقلّ من أربعين، و مضى عليها بعض الحول، ثم توالدت و تمّت الأربعين اعتبر الحول من حين ملك الأصول، و هو إحدى الروايتين عن أحمد، لأنّ السخال إنّما تضمّ في الزكاة فتجب أن تضمّ إلى ما دون النصاب كأرباح التجارات(4).3.

ص: 53


1- المجموع 374:5، فتح العزيز 483:5-484، القوانين الفقهية: 107-108.
2- فتح العزيز 484:5.
3- سنن الدارقطني 90:2-2، سنن البيهقي 104:4.
4- المدونة الكبرى 313:1، الكافي في فقه أهل المدينة: 92، التفريع 283:1، المغني 470:2-471، حلية العلماء 29:3.

و نمنع الحكم في الأصل، و للفرق بأنّ مراعاة القيمة في كلّ حال يشقّ فاعتبر آخر الحول بخلاف السخال، لأنّ الزكاة تجب في عينها فلا يشقّ ذلك فيه فاعتبر في جميع الحول، كما لو تمّت بغير سخالها.

فروع:

أ - لو نتجت بعد الحول و قبل إمكان الأداء لم تضمّ عندنا، و هو ظاهر.

و للشافعي قولان مبنيّان على وجوب الزكاة هل يتعلّق بإمكان الأداء أم لا؟ فإن قيل: بأنّه شرط الوجوب ضمّت، و إن قيل: إنّه شرط الضمان لم تضمّ(1).

ب - لا تؤخذ السخلة في الزكاة إجماعا، أمّا عندنا، فلعدم الوجوب، و أمّا المخالف، فلقول عمر: اعتد عليهم بالسخلة يروح بها الراعي على يديه و لا تأخذها منهم(2).

و لو كان النصاب كلّه صغارا جاز أخذ الصغيرة، و إنّما يتصوّر عندهم لو بدّل كبارا بصغار في أثناء الحول، أو كان عنده نصاب من الكبار فتوالدت نصابا من الصغار ثم ماتت الأمّهات، و حال الحول على الصغار، و هو ظاهر قول أحمد(3).

و قال مالك: لا يؤخذ إلاّ كبيرة تجزي في الأضحية(4) ، لقوله عليه السلام: (إنّما حقّنا في الجذعة أو الثنيّة)(5).

و هو محمول على ما فيه كبار.

ج - لو ملك نصابا من الصغار انعقد عليه حول الزكاة من حين ملكه إذا

ص: 54


1- المجموع 373:5، فتح العزيز 473:5، حلية العلماء 32:3.
2- نقله ابنا قدامة في المغني 470:2، و الشرح الكبير 509:2.
3- المغني 471:2، الشرح الكبير 506:2.
4- المغني 471:2، الشرح الكبير 506:2.
5- أورده ابنا قدامة في المغني 471:1، و الشرح الكبير 506:2.

صدق عليه اسم السوم و إلاّ فلا.

و قال أبو حنيفة و أحمد - في رواية -: لا ينعقد عليه الحول حتى يبلغ سنّا يجزئ مثله في الزكاة، و هو محكي عن الشعبي(1).

لقوله عليه السلام: (ليس في السخال زكاة)(2).

و لأنّ السنّ معنى يتغيّر به الفرض فكان لنقصانه تأثير في الزكاة كالعدد.

و في رواية عن أحمد: أنّها ينعقد عليها الحول من حين الملك و إن لم تكن سائمة، لأنّها تعدّ مع غيرها فتعدّ منفردة كالامّهات(3) ، و العلّة ممنوعة.

د - قد بيّنا أنّه لا زكاة في السخال، و لا تضمّ مع الأمّهات، و عند الشافعي تضمّ بالشروط الثلاثة(4).

فلو اختلف الساعي و ربّ المال في شرط منها، فقال المالك: هذه السخال من غيرها، أو كانت أقلّ من نصاب، أو نتجتها بعد تمام الحول.

و خالف الساعي، قدّم قول المالك، لأنّه أمين فيما في يده، لأنّها تجب على طريق المواساة و الرفق، فقبل قوله فيه من غير يمين.

ه - إذا ضمّت السخال إلى الأمّهات - على رأي الشافعي - ثم تلف بعض الأمّهات أو جميعها و بقي نصاب لم ينقطع الحول، و به قال مالك(5) ، لأنّ السخال قد ثبت لها حكم الحول تبعا للأمّهات، فصارت كما لو كانت موجودة في جميع الحول، فموت الأمّهات أو نقصانها لا يبطل ما ثبت لها، كما أنّ ولد أمّ الولد ثبت له حكم الاستيلاد على وجه التبع لأمّه، فإذا ماتت3.

ص: 55


1- المغني 473:2، الشرح الكبير 464:2، حلية العلماء 29:3.
2- أورده ابنا قدامة في المغني 473:2، و الشرح الكبير 464:2.
3- المغني 473:2، الشرح الكبير 463:2.
4- المهذب للشيرازي 150:1-151، المجموع 373:5-374، فتح العزيز 483:5
5- التفريع 281:1-282، بلغة السالك 207:1، فتح العزيز 379:5-380، حلية العلماء 29:3.

الامّ لم يبطل حكم الاستيلاد للولد.

و قال بعض الشافعية: إذا نقصت الأمّهات عن النصاب بطل حكم الحول فيها و في السخال، لأنّ السخال إنّما ضمّت إليها على وجه التبع، فإذا نقصت الأمّهات لم تتبعها السخال، كما لا تتبعها في الابتداء لو كانت ناقصة(1).

و لو تلفت جميع الأمّهات، قال الشافعي: لا ينقطع الحول إذا كانت نصابا(2) ، لأنّ كلّ نوع يعدّ في الزكاة مع غيره يعدّ وحده كالثنايا و الجذاع.

و قال أبو حنيفة: ينقطع الحول و إن كانت نصابا، و لو بقي واحدة لم ينقطع(3).

و لو ملك أربعين صغيرة انعقد الحول عند الشافعي(4) ، خلافا له(5) ، لقوله عليه السلام: (ليس في السخال زكاة)(6).

و - لو كانت في الإبل فصلان، و في البقر عجاجيل، فإن سامت حولا اعتبرت، و إلاّ فلا، و المخالفون في السخال خالفوا هنا.

إذا عرفت هذا، فلو كانت الإبل كلّها فصلانا و البقر عجاجيل أخذ واحد منها.».

ص: 56


1- المهذب للشيرازي 151:1، المجموع 373:5-374، فتح العزيز 380:5، حلية العلماء 29:3.
2- الام 12:2، مختصر المزني: 42، المهذب للشيرازي 151:1، المجموع 373:5، فتح العزيز 380:5، و 486.
3- بدائع الصنائع 31:2-32، شرح العناية 139:2، فتح العزيز 380:5 و 487، حلية العلماء 29:3.
4- فتح العزيز 380:5، مغني المحتاج 376:1.
5- المغني 473:2، الشرح الكبير 464:2، فتح العزيز 380:5، شرح فتح القدير 139:2-140.
6- تقدّمت الإشارة إلى مصادره في الفرع «ج».

و قال بعض الشافعية: لا يؤخذ إلاّ السنّ المنصوص عليه، لأنّا لو أخذنا واحدا منها لسوّينا بين خمس و عشرين و إحدى و ستين، و أخذنا فصيلا من كلّ واحد من العددين و هو غير جائز، فتؤخذ كبيرة بالقيمة بأن يقول: كم قيمة خمس و عشرين كبارا؟ فإذا قيل: مائة، قيل: كم قيمة بنت مخاض ؟ فإذا قيل: عشرة، فيقال: كم قيمتها فصلانا؟ فيقال: خمسون. أخذ بنت مخاض قيمتها خمسة(1).

و قال بعض الشافعية: إنّما يفعل ذلك ما دام الفرض يتغيّر بالكبر، فإذا تغيّر بالعدد كستّ و سبعين أخذ من الصغار(2).

و ليس بجيّد، لأدائه إلى التسوية بين الأربعين و الخمسين، و بين الثلاثين و الأربعين في البقر، و النبي صلّى اللّه عليه و آله فرّق بينهما(3).

مسألة 35: أوّل نصب الإبل خمس، و فيها شاة،

فلا يجب فيما دونها شيء، ثم عشر، و فيه شاتان، ثم خمس عشرة، و فيه ثلاث شياه، ثم عشرون، و فيه أربع شياه، و هذا كلّه بإجماع علماء الإسلام.

فإذا بلغت خمسا و عشرين، فأكثر علمائنا على أنّ فيها خمس شياه إلى ست و عشرين، ففيها حينئذ بنت مخاض(4).

لقول علي عليه السلام: «في خمس و عشرين خمس شياه»(5).

و من طريق الخاصة قول الباقر و الصادق عليهما السلام: «في خمس

ص: 57


1- فتح العزيز 380:5-381.
2- فتح العزيز 381:5.
3- سنن أبي داود 100:2 و 101-1572 و 1576، سنن الترمذي 20:3-622، سنن النسائي 25:5-26، سنن الدارقطني 94:2-2، و سنن البيهقي 98:4-99.
4- منهم: السيد المرتضى في الانتصار: 80 و الشيخ الطوسي في المبسوط 191:1، و سلاّر في المراسم 129-130، و المحقّق في المعتبر: 259.
5- سنن البيهقي 93:4.

و عشرين خمس من الغنم»(1).

و لأنّ الخمس الزائدة على العشرين كالخمس السابقة، و لأنّا لا ننتقل من الشاة إلى الجنس بزيادة خمس في شيء من نصب الزكاة المنصوصة.

و قال ابن أبي عقيل منّا: في خمس و عشرين بنت مخاض(2) ، و هو قول الجمهور(3) كافة، لأنّ أبا بكر كتب لأنس لمّا وجّهه إلى البحرين كتاب الصدقة التي فرض رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: فإذا بلغت خمسا و عشرين إلى خمس و ثلاثين ففيها بنت مخاض(4).

و من طريق الخاصة قول الباقر و الصادق عليهما السلام: «في كلّ خمس شاة حتى تبلغ خمسا و عشرين، فإذا بلغت ذلك ففيها بنت مخاض»(5).

و نمنع الاحتجاج برواية أبي بكر، لجواز أن يكون رأيا له، أو يضمر فيها زيادة واحدة، و هو جواب الثانية.

و قال ابن الجنيد: يجب بنت مخاض أو ابن لبون، فإن تعذّر فخمس شياه(6).

مسألة 36: إذا بلغت ستّا و ثلاثين ففيها بنت لبون إلى خمس و أربعين،

فإذا زادت واحدة ففيها حقّة إلى ستين، فإذا زادت واحدة و بلغت إحدى و ستّين

ص: 58


1- المعتبر: 259، الفقيه 12:2-33 و فيه عن الإمام الباقر عليه السلام، و التهذيب 20:4-52، و الاستبصار 19:2-56 و فيهما عن الإمام الصادق عليه السلام.
2- حكاه عنه المحقق في المعتبر: 259.
3- المجموع 389:5، فتح العزيز 318:5، المغني 437:2، الشرح الكبير 482:2، بدائع الصنائع 26:2، بداية المجتهد 259:1، حلية العلماء 34:3.
4- صحيح البخاري 146:2، سنن أبي داود 96:2-1567، سنن النسائي 18:5-19، و سنن البيهقي 85:4.
5- الكافي 531:3-1، التهذيب 22:4-55، الاستبصار 20:2-59.
6- حكاه عنه المحقّق في المعتبر: 259.

ففيها جذعة إلى خمس و سبعين، فإذا صارت ستّا و سبعين ففيها بنتا لبون إلى تسعين، فإذا صارت إحدى و تسعين ففيها حقّتان إلى مائة و عشرين، و هذا كلّه لا خلاف فيه بين العلماء، لأنّه في كتاب أبي بكر لأنس(1).

و من طريق الخاصة قول الصادق عليه السلام: «فإذا كانت خمسا و عشرين ففيها خمس من الغنم، فإذا زادت واحدة ففيها ابنة مخاض إلى خمس و ثلاثين، فإن لم تكن ابنة مخاض فابن لبون ذكر، فإذا زادت واحدة على خمس و ثلاثين ففيها ابنة لبون أنثى إلى خمس و أربعين، فإذا زادت واحدة ففيها حقّة إلى ستّين، فإذا زادت واحدة ففيها جذعة إلى [خمس و](2) سبعين، فإذا زادت واحدة ففيها بنتا لبون إلى تسعين، فإذا زادت واحدة ففيها حقّتان إلى عشرين و مائة، فإذا كثرت الإبل ففي كلّ خمسين حقّة»(3).

مسألة 37: إذا زادت على مائة و عشرين و لو واحدة وجب في كلّ خمسين حقّة،

و في كل أربعين بنت لبون، فتجب هنا ثلاث بنات لبون إلى مائة و ثلاثين ففيها حقّة و بنتا لبون إلى مائة و أربعين ففيها حقّتان و بنت لبون إلى مائة و خمسين ففيها ثلاث حقاق، و على هذا الحساب بالغا ما بلغ عند علمائنا، و به قال ابن عمر و أبو ثور و الأوزاعي و الشافعي و إسحاق و أحمد في إحدى الروايتين، و مالك في إحدى الروايتين(4).

لقوله صلّى اللّه عليه و آله: (فإذا زادت على عشرين و مائة ففي كلّ أربعين بنت لبون)(5) و الواحدة زيادة.

ص: 59


1- تقدّمت الإشارة إلى مصادره في المسألة السابقة (35).
2- زيادة أثبتناها من المصدر.
3- التهذيب 20:4-52، الإستبصار 19:2-56
4- الام 4:2، المهذّب للشيرازي 152:1، المجموع 400:5، حلية العلماء 36:3، فتح العزيز 319:5، المغني 445:2-446، الشرح الكبير 486:2-487، التفريع 282:1، بداية المجتهد 259:1.
5- صحيح البخاري 146:2، سنن النسائي 20:5، سنن أبي داود 97:2-1567، و سنن البيهقي 85:4.

و في لفظ: (إلى عشرين و مائة، فإذا زادت واحدة ففي كلّ أربعين بنت لبون، و في كلّ خمسين حقه)(1).

و من طريق الخاصة قول الباقر و الصادق عليهما السلام: «فإذا زادت واحدة على عشرين و مائة ففي كلّ خمسين حقّة، و في كلّ أربعين بنت لبون»(2).

و لأنّ سائر ما جعله النبي صلّى اللّه عليه و آله غاية للفرض إذا زاد عليه واحدة تغيّر الفرض.

و قال أحمد - في الرواية الأخرى - و أبو عبيد: لا يتغيّر الفرض حتى تبلغ مائة و ثلاثين فيكون فيها حقّة و بنتا لبون، لأنّ الفرض لا يتغيّر بزيادة الواحدة كسائر الفروض، و لو سلّم فكذا هنا، لأنّ الواحدة إنّما (تغيّر)(3)المغني 445:2-446، الشرح الكبير 487:2، و المجموع 400:5، و فتح العزيز 320:5.(4) بها مع ما قبلها فأشبهت الواحدة الزائدة على الستين (و التسعين)(5)(5).

و قال مالك في الرواية الأخرى: إذا زادت تغيّر الفرض إلى تخيير الساعي بين الحقّتين و ثلاث بنات لبون(6).

و قال ابن مسعود و النخعي و الثوري و أبو حنيفة: إذا زادت الإبل على عشرين و مائة استؤنفت الفريضة في كلّ خمس شاة إلى مائة و أربعين ففيها3.

ص: 60


1- سنن الدارقطني 115:2-3.
2- الكافي 531:3-1، التهذيب 22:4-55، الإستبصار 20:2-59.
3- أي: تغيّر الفرض. و ورد بدل ما بين القوسين في النسخ الخطية المعتمدة في التحقيق: يعتبر. و في الطبعة الحجرية: يعتد. و ما أثبتناه من المغني و الشرح الكبير. لاحظ: المصادر في الهامش
4- الآتي.
5- ورد بدل ما بين القوسين في النسخ الخطية و الطبعة الحجرية: السبعين. و ما أثبتناه من المغني و الشرح الكبير. لاحظ: الهامش التالي.
6- التفريع 282:1، بداية المجتهد 259:1، الشرح الصغير 208:1، المجموع 400:5، فتح العزيز 320:5، حلية العلماء 36:3.

حقّتان و أربع شياه إلى خمس و أربعين و مائة، فيكون فيها حقّتان و بنت مخاض إلى مائة و خمسين، ففيها ثلاث حقاق، ثم تستأنف الفريضة أيضا بالغنم، ثم بنت مخاض، ثم بنت لبون، ثم حقّة، فيكون في كلّ خمس شاة إلى مائة و سبعين، فيكون فيها ثلاث حقاق و أربع شياه، فإذا بلغت خمسا و سبعين ففيها ثلاث حقاق و بنت مخاض إلى مائة و خمس و ثمانين، فإذا زادت واحدة ففيها ثلاث حقاق و بنت لبون إلى مائة و خمس و تسعين، فإذا زادت واحدة ففيها أربع حقاق إلى مائتين، ثم يعمل في كلّ خمسين ما عمل في الخمسين التي بعد مائة و خمسين إلى أن ينتهي إلى الحقاق، فإذا انتهى إليها انتقل إلى الغنم، ثم بنت مخاض، ثم بنت لبون، ثمّ حقّة، و على هذا أبدا(1).

لما روي أنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله كتب لعمرو بن حزم كتابا ذكر فيه الصدقات و الديات و غيرها، فذكر فيه: (إن الإبل إذا زادت على مائة و عشرين استؤنفت الفريضة في كلّ خمس شاة، و في عشر شاتان)(2).

و قد روي عن عمرو بن حزم(3) مثل قولنا و إذا اختلفت روايته سقطت، أو تزاد إذا زادت في أثناء الحول، فإنّ الزيادة لها حكم نفسها، أو نقول:

استؤنفت بمعنى استقرّت على هذين الشيئين.

و قوله: (في كلّ خمس شاة) يحتمل أن يكون تفسير الراوي على ظنّه.

و لأنّ ما قلناه موافق للقياس، فإن الجنس إذا وجب فيه من جنسه لا يجب فيه من غير جنسه، و إنّما جاز ذلك في الابتداء، لأنّه لم يحتمل أن يجب فيه1.

ص: 61


1- المغني 446:2، الشرح الكبير 488:2، بدائع الصنائع 37:2، المبسوط للسرخسي 151:2، اللباب 139:1-140، المجموع 400:5، حلية العلماء 36:3.
2- المراسيل - لأبي داود -: 111-1، سنن البيهقي 94:4 بتفاوت.
3- سنن البيهقي 89:4، المستدرك - للحاكم - 396:1.

من جنسه و قد زال هذا المعنى.

و روى الجمهور عن علي عليه السلام و عبد اللّه مثل قول أبي حنيفة(1) و لم يثبت عنهما.

و قال ابن جرير: هو مخيّر بين مذهب الشافعي و أبي حنيفة(2).

مسألة 38: لو كانت الزيادة على عشرين و مائة بجزء من بعير لم يتغيّر به الفرض

إجماعا، لأنّ الأحاديث تضمّنت اعتبار الواحدة، و لأنّ الأوقاص كلّها لا يتغيّر فرضها بالجزء كذا هنا.

و قال أبو سعيد الإصطخري: يتغيّر الفرض به، لأنّ الزيادة مطلقة عامّة(3). و ما ذكرناه أخص.

مسألة 39: إذا اجتمع في نصاب الفريضتان كمائتين و كاربعمائة تخيّر المالك
اشارة

بين إخراج الحقاق و بنات اللبون عند علمائنا، و به قال أحمد في إحدى الروايتين(4).

لقوله صلّى اللّه عليه و آله في كتاب الصدقات: (فإذا كانت مائتين ففيها أربع حقاق أو خمس بنات لبون أيّ السنين وجدت أخذت)(5).

و لأنّه قد اجتمع عددان كلّ واحد منهما سبب في إيجاب ما تعلّق به الفرض، و الجمع باطل، و تخصيص أحدهما ترجيح من غير مرجّح فوجب التخيير.

ص: 62


1- مصنّف ابن أبي شيبة 125:3، سنن البيهقي 92:4.
2- المجموع 400:5-401، حلية العلماء 37:3.
3- المهذّب للشيرازي 152:1، المجموع 390:5، فتح العزيز 318:5، حلية العلماء 37:3.
4- المغني 448:2، الشرح الكبير 489:2.
5- المستدرك - للحاكم - 393:1-394، سنن أبي داود 98:2-99-1570، و سنن البيهقي 91:4.

و قال الشافعي في القديم: تجب الحقاق لا غير، و به قال أبو حنيفة و أحمد في رواية(1) ، لأنّ الفرض يتغيّر بالسنّ في فرائض الإبل أكثر من تغيّره بالعدد، فإنّ في مائة و ستين أربع بنات لبون، ثمّ كلّما زاد عشرا زاد سنّا فيكون في مائة و تسعين ثلاث حقاق.

و ليس بشيء، لأنّ كلّ عدد تغيّر الفرض فيه بالسنّ فإنّما تغيّر لقصوره عن إيجاب عدد الفرض.

فروع:

أ - الخيار إلى المالك عندنا، و به قال أحمد في رواية(2).

لقوله صلّى اللّه عليه و آله لمعاذ: «إيّاك و كرائم أموالهم»(3).

و لأنّها زكاة ثبت فيها الخيار فكان ذلك لربّ المال، كالخيار في الجبران بين شاتين أو عشرين درهما و بين النزول و الصعود و تعيين المخرج.

و قال الشافعي في الجديد: يتخيّر الساعي فيأخذ أحظّهما للفقراء، فإن أخرج المالك لزمه أعلى الفرضين(4) ، لقوله تعالى وَ لا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ (5).

و لأنّه وجد سبب الفرضين فكانت الخيرة إلى مستحقّه أو نائبه كقتل العمد الموجب للقصاص أو الدية.

و لا دلالة في الآية، لأنّه إنّما يأخذ الفرض بصفة المال فيأخذ من الكرائم

ص: 63


1- المهذب للشيرازي 154:1، المجموع 411:5، فتح العزيز 356:5، حلية العلماء 47:3، المغني 448:2، الشرح الكبير 489:2-490.
2- المغني 448:2، الشرح الكبير 490:2.
3- صحيح مسلم 50:1-29، سنن أبي داود 104:2-1584، سنن الترمذي 21:3-625، مسند أحمد 233:1، و مصنّف ابن أبي شيبة 126:3.
4- المغني 448:2، الشرح الكبير 490:2
5- البقرة: 267.

مثلها، و الأدنى ليس بخبيث، و لهذا لو لم يوجد إلاّ سببه وجب إخراجه، و نمنع الأصل، و يبطل بشاة الجبران، و قياس الزكاة على الزكاة أولى من قياسها على الدية.

ب - التخيير إذا وجد الفرضان عنده، فإن وجد أحدهما احتمل تعيّن الفرض فيه، لعدم الآخر، و هو قول الشافعي(1) بناء على التخيير، و تخيير المالك في إخراجه و شراء الآخر، لأنّ الزكاة لا تجب في العين، و هو قول بعض الجمهور(2) ، و هو أقوى.

و لو عدمهما تخيّر في شراء أيّهما كان، لاستقلال كلّ منهما بالإبراء، و لأنّه إذا اشترى أحدهما تعيّن الفرض فيه، لعدم الآخر، و به قال الشافعي(3).

ج - لو أراد إخراج الفرض من النوعين، فإن لم يحتج إلى تشقيص جاز مثل أن يخرج عن أربعمائة أربع حقاق و خمس بنات لبون، و به قال أكثر الشافعية(4).

و قال أبو سعيد الإصطخري: لا يجوز، لما فيه من تفريق الفريضة(5).

و هو غلط لأنّ كلّ واحدة من المائتين منفردة بفرضها.

و إن احتاج بأن يخرج عن المائتين حقّتين و بنتي لبون و نصف جاز بالقيمة لا بدونها، لعدم ورود الشرع بالتشقيص إلاّ من حاجة، و لهذا جعل لها أوقاصا دفعا للتشقيص عن الواجب فيها، و عدل فيما نقص عن ستّ و عشرين من الإبل عن إيجاب الإبل إلى إيجاب الغنم، فلا يصار إليه مع إمكان العدول عنه إلى إيجاب فريضة كاملة، أمّا بالقيمة فيجوز، لتسويغ إخراجها.3.

ص: 64


1- الام 6:2، المهذب للشيرازي 154:1، المجموع 411:5.
2- قال به ابنا قدامة في المغني 449:2، و الشرح الكبير 491:2.
3- المجموع 411:5، فتح العزيز 352:5.
4- المهذب للشيرازي 155:1، فتح العزيز 357:5، حلية العلماء 49:3.
5- المهذب للشيرازي 155:1، فتح العزيز 356:5، حلية العلماء 49:3.

د - لو أخذ الساعي الأدنى جاز، و لا يخرج ربّ المال الفضل وجوبا، لما بيّنا من تخيير المالك.

و قال الشافعي: يخرج الفضل وجوبا - في أحد الوجهين - لأنّه أخرج دون الواجب فكان عليه الإكمال، و في الآخر: مستحب(1) ، كما بيّنّاه.

فعلى الأول لو كان يسيرا لا يمكن شراء جزء حيوان به أخرجه دراهم، و إن أمكن فوجهان(2): الشراء، لعدم جواز إخراج القيمة عنده، و إخراج الدراهم، لمشقّة شراء الجزء و إخراجه و عدم النص فيه، بخلاف الكلّ.

و قال بعض الشافعية: إن كان المأخوذ باقيا ردّه الساعي و أخذ الأعلى و إلاّ ردّ قيمته و أخذ الأعلى(3).

و قال بعضهم: يخرج الفضل مع التلف(4).

مسألة 40: لو وجد أحد الفرضين ناقصا و الآخر كاملا أخذ الكامل،

مثل: أن يجد في المائتين خمس بنات لبون و ثلاث حقاق تعيّن أخذ الفريضة الكاملة، لأنّ الجبران بدل يشترط له عدم المبدل، نعم لو ساوت قيمته جاز.

و لو كانا ناقصين بأن كان فيه ثلاث حقاق و أربع بنات لبون تخيّر، إن شاء أخرج بنات اللبون و حقّة و أخذ الجبران، و إن شاء أخرج الحقاق و بنت اللبون مع الجبران.

و لو قال: خذ منّي حقّة و ثلاث بنات لبون مع الجبران لكلّ واحدة لم يجز إلاّ على القيمة.

و للشافعي وجهان: المنع، لأنّه يعدل عن الفرض مع وجوده إلى

ص: 65


1- المهذب للشيرازي 154:1، المجموع 412:5-413، فتح العزيز 354:5، حلية العلماء 47:3-48.
2- فتح العزيز 354:5.
3- فتح العزيز 354:5.
4- حلية العلماء 48:3.

الجبران، و الجواز، لأنّه لا بدّ من الجبران، فكما جاز مع واحدة جاز مع أكثر(1).

و لو لم يجد إلاّ حقّة و أربع بنات لبون أدّاها و أخذ الجبران، و هل له دفع الحقّة و ثلاث مع الجبران ؟ إشكال.

مسألة 41: من وجب عليه سنّ و ليست عنده، و عنده أعلى بمرتبة
اشارة

كان له دفعها و استعادة الجبر بينهما و هو شاتان أو عشرون درهما.

و إن كان عنده أدون بمرتبة دفعها و دفع معها شاتين أو عشرين درهما، كمن وجب عليه بنت مخاض و عنده بنت لبون دفعها و استعاد، و بالعكس يدفع بنت المخاض و الجبران.

و كذا لو وجب عليه بنت لبون و عنده حقّة، أو بالعكس، أو وجب عليه حقّة و عنده جذعة، أو بالعكس عند علمائنا أجمع، و به قال النخعي و الشافعي و ابن المنذر و أحمد(2).

لقوله عليه السلام: (و من بلغت عنده من الإبل صدقة الجذعة و ليست عنده جذعة و عنده حقّة فإنّها تقبل منه الحقّة، و يجعل معها شاتين إن استيسرتا له، أو عشرين درهما، و من بلغت عنده صدقة الحقّة و ليست عنده و عنده الجذعة فإنّها تقبل منه الجذعة و يعطيه المصدّق عشرين درهما أو شاتين)(3) و ساق الحديث إلى باقي المراتب.

و من طريق الخاصة قول أمير المؤمنين عليه السلام في كتابه الذي كتبه بخطّه لعامله على الصدقة: «من بلغت عنده من إبل الصدقة الجذعة و ليست

ص: 66


1- المهذب للشيرازي 155:1، المجموع 414:5، فتح العزيز 355:5، حلية العلماء 49:3، الشرح الكبير 492:2.
2- المجموع 410:5، حلية العلماء 45:3-46، المغني 451:2، الشرح الكبير 494:2.
3- صحيح البخاري 145:2، سنن الدارقطني 113:2-2، سنن البيهقي 85:4.

عنده و عنده حقّة فإنّها تقبل منه، و يجعل معها شاتين أو عشرين درهما، و من بلغت عنده صدقة الحقّة و ليست عنده و عنده جذعة قبلت منه و يعطيه المصدّق شاتين أو عشرين درهما، و من بلغت صدقته الحقّة و ليست عنده و عنده ابنة لبون قبلت منه و يعطي معها شاتين أو عشرين درهما، و من بلغت صدقته بنت لبون و ليست عنده و عنده حقّة قبلت منه و يعطيه المصدّق شاتين أو عشرين درهما، و من بلغت صدقته بنت لبون و ليست عنده و عنده بنت مخاض قبلت منه، و يعطي معها شاتين أو عشرين درهما، و من بلغت صدقته بنت مخاض و ليست عنده و عنده بنت لبون قبلت منه و يعطيه المصدّق شاتين أو عشرين درهما»(1).

و حكي عن الثوري و أبي عبيد و إسحاق في إحدى الروايتين، أنهم قالوا: الجبران شاتان أو عشرة دراهم.

لأنّ عليّا عليه السلام قال: «إذا أخذ الساعي في الإبل سنّا فوق سنّ أعطى شاتين أو عشرة دراهم»(2).

و لأنّ الشاة مقوّمة في الشرع بخمسة دراهم، لأنّ نصابها أربعون و نصاب الدراهم مائتان(3).

و الحديث ضعيف السند عندهم، و لا اعتبار بما ذكروه في النصب، فإنّ نصاب الإبل خمسة، و الذهب عشرون، و ليس البعير مقوّما بأربعة.

و قال أصحاب الرأي: يدفع قيمة ما وجب عليه أو دون السنّ الواجبة و فضل ما بينهما دراهم احترازا من ضرر المالك أو الفقراء(4).

و ليس بمعتمد، فإنّ التخريج لا يصار إليه مع وجود النصّ.

إذا ثبت هذا، فإنّ ابن اللبون يجزئ عن بنت المخاض و إن كان قادرا1.

ص: 67


1- الكافي 539:3-7، التهذيب 95:4-273، و المقنعة: 41.
2- مصنّف عبد الرزاق 39:4-6902.
3- المغني 451:2، الشرح الكبير 494:2، المجموع 410:5.
4- المغني 451:2، الشرح الكبير 495:2، الهداية للمرغيناني 101:1.

على شراء بنت المخاض، و لا جبران إجماعا.

لقوله عليه السلام: (فإن لم تكن فيها بنت مخاض فابن لبون)(1).

و من طريق الخاصة قول علي عليه السلام: «و من لم تكن عنده ابنة مخاض على وجهها و عنده ابن لبون فإنّه يقبل منه و ليس معه شيء»(2) و لأنّ علوّ السنّ جبر نقص الذكورة.

و لو وجدهما لم يجزئ ابن اللبون و إن كانت بنت المخاض أعلى من صفة الواجب، بل يخرجها أو يبتاع بنت مخاض مجزئة.

و لو كانت بنت المخاض مريضة أجزأه ابن اللبون، لأنّ المريضة غير مقبولة عن الصحاح فكانت كالمعدومة.

و لو عدمهما جاز أن يشتري مهما شاء، و به قال الشافعي(3) ، لأنّه مع ابتياعه يكون له ابن لبون فيجزئه.

و قال مالك: يجب شراء بنت مخاض، لأنّهما استويا في العدم فلا يجزئ ابن اللبون كما لو استويا في الوجود(4).

و الفرق: وجود بنت المخاض هنا، بخلاف العدم.

فروع:

أ - لو عدم السن الواجبة و التي تليها كمن وجبت عليه جذعة فعدمها و عدم الحقّة و وجد بنت لبون، أو وجب عليه بنت مخاض فعدمها و عدم بنت اللبون و وجد الحقّة فالأقرب جواز الانتقال إلى الثالث مع الجبران فيخرج بنت اللبون عن الجذعة، و يدفع معها أربع شياه أو أربعين درهما، و يخرج الحقّة عن بنت

ص: 68


1- سنن الدارمي 382:1.
2- الكافي 539:3-7، التهذيب 95:4-273، و المقنعة: 41.
3- فتح العزيز 349:5، حلية العلماء 43:3.
4- فتح العزيز 349:5، حلية العلماء 43:3، بداية المجتهد 261:1، الشرح الصغير 208:1.

المخاض و يستردّ أربع شياه أو أربعين درهما - و هو اختيار الشيخ(1) و الشافعي(2) - لأنّه قد جوّز الانتقال إلى السنّ الذي يليه مع الجبران، و جوّز العدول عن ذلك أيضا إذا عدم مع الجبران إذا كان هو الفرض، و هنا لو كان موجودا أجزأ، فإذا عدم جاز العدول إلى ما يليه مع الجبران.

و لأنّ الأوسط يجزئ بدله، لتساويهما في المصالح المطلوبة شرعا، و إلاّ لقبح قيامه مقامه، و مساوي المساوي مساو.

و قال ابن المنذر: لا يجوز الانتقال إلاّ بالقيمة، لأنّ النصّ ورد بالعدول إلى سنّ واحدة فيجب الاقتصار عليه(3). و هو ممنوع.

ب - يجوز العدول عن الجذعة إلى بنت المخاض، و بالعكس مع عدم الأسنان المتوسطة بينهما، فيؤدّي مع دفع الناقصة ستّ شياه أو ستّين درهما، و يستردّ مع دفع الكاملة ستّ شياه أو ستّين درهما.

ج - إذا وجد السنّ الذي يلي الواجب لم يجز العدول إلى سنّ لا يليه، لأنّ الانتقال عن السنّ التي تليه إلى السنّ الأخرى بدل فلا يجوز مع إمكان الأصل، فلو عدم الحقّة و بنت اللبون، و وجد الجذعة و بنت المخاض، و كان الواجب الحقّة لم يجز العدول إلى بنت المخاض، و إن كان الواجب بنت اللبون لم يجز إخراج الجذعة.

د - لو أراد في الجبر أن يعطي شاة و عشرة، فالأقرب عندي الجواز، لتساوي كلّ من الشاتين و العشرين.

و منعه الشافعي، لأنّه تبعيض للجبران فلا يجوز، كما لا يجوز تبعيض الكفّارة(4).5.

ص: 69


1- المبسوط للطوسي 194:1، النهاية: 180-181.
2- فتح العزيز 366:5-367، المغني 452:2، الشرح الكبير 496:2.
3- المجموع 408:5، المغني 452:2، الشرح الكبير 496:2، حلية العلماء 46:3.
4- المجموع 409:5، فتح العزيز 369:5.

و الفرق: جواز إخراج قيمة المنصوص هنا، بخلاف ثمّ.

و يجوز أن يخرج عن أربع شياه جبرانا شاتين و عشرين درهما، لأنّهما جبرانان فهما كالكفّارتين.

ه - لو أراد في فرض المائتين أن يخرج عن خمس بنات لبون خمس بنات مخاض، أو عن أربع حقاق أربع جذعات جاز أن يخرج بعض الجبران دراهم و بعضه شياها.

و - لو عدم الفريضة و وجد ما يليها من الطرفين تخيّر في إخراج أيّهما شاء، و يدفع مع الناقص و يستعيد مع الزائد، فلو وجب عليه بنت لبون و عنده بنت مخاض و حقّة تخيّر، و الأقرب إخراج ما فيه الغبطة للمساكين.

ز - لا اعتبار بالقيمة السوقية هنا، فلو زاد الجبران الشرعي أو نقص عن التفاوت السوقي لم يعتدّ به، لأنّه ساقط في نظر الشرع.

و الأقرب عندي أنّ ذلك مع التقارب أو الاشتباه، أمّا مع علم التفاوت الكثير فإشكال، لأدائه إلى عدم الإخراج بأن تكون بنت اللبون التي يدفعها عوضا عن بنت المخاض تساوي شاتين أو عشرين درهما.

ح - الأقرب إجزاء بنت مخاض عن خمس شياه مع قصور القيمة عنها، لأنّها تجزئ عن ستّ و عشرين فعن خمس و عشرين أولى.

و يحتمل عدمه، لأنّ الواجب الفريضة أو قيمتها و ليست إحداهما.

و كذا الإشكال في إجزائها عن شاة في الخمس مع قصور القيمة، لأنّها تجزئ عن ستّ و عشرين فعن خمس أولى.

ط - لا جبران بين ما نقص عن سنّ بنت المخاض و بينها و لا بين ما زاد عن سن الجذعة و بينها، لأنّ الأولى أقلّ أسنان الإبل في الزكاة، و الثانية أعلاها، نعم يجبر بالقيمة.

ي - الجبران مختص بالزكاة دون غيرها من المقادير، فلا جبران في الديات، و لا في المنذورات.

ص: 70

يا - لا مدخل للجبران في غير الإبل اقتصارا على مورد النص، و ليس غيرها في معناها، و لا نعلم فيه خلافا، فمن عدم فريضة البقر أو الغنم و وجد الأدون أو الأعلى أخرجها مع التفاوت أو استردّه بالتقويم السوقي.

و من منع من القيمة أوجب في الأدون شراءها، فإن تطوّع بالأعلى جاز، و إن وجب الأعلى كلّف شراؤه(1).

يب - لو كان النصاب كلّه مراضا و فريضته معدومة جاز له العدول إلى السفلى مع دفع الجبران المنصوص عليه، و ليس له الصعود مع أخذ الجبران، لأنّ الجبران أكثر من الفضل الذي بين الفرضين، و قد يكون الجبران خيرا(2) من الأصل فإنّ قيمة الصحيحين أكثر من قيمة المريضين فكذلك قيمة ما بينهما.

يج - لو كان المخرج ولي اليتيم و قلنا بالوجوب، فالأولى إخراج القيمة إن كان فيه الحظّ، و إلاّ أخرج الناقص مع الجبران، أو دفع الزائد و أخذ الجبران، و لو كان إخراج القيمة أولى لم يجز للولي دفع الناقص مع الجبران، أمّا لو كان إخراج القيمة أولى من العين فإنّه يجوز إخراج العين.

يد - لو أخرج بدل الجذعة ثنيّة فالأقرب عدم إجابة أخذ الجبران لو طلبه، لأنّ المؤدّى ليس من أسنان الزكاة فلا يؤخذ له الجبران، كما لو أخرج فصيلا مع الجبران، و هو أحد وجهي الشافعية، و الثاني: الجواز، لزيادة السنّ(3).

مسألة 42: شرط سلاّر منّا في زكاة الإبل و البقر و الغنم الأنوثة

في

ص: 71


1- انظر: المغني 453:2، و الشرح الكبير 498:2.
2- ورد في النسخ الخطية «ط و ف و ن»: جزءا. و هو تصحيف. و ما أثبتناه من نسخة «م» و هو الصحيح كما ورد كذلك في المنتهى 485:1 و مخطوطة نهاية الإحكام، كلاهما للمصنّف رحمه اللّه، و الكلمة ساقطة من مطبوعة النهاية، راجع ج 2 ص 326.
3- المهذب للشيرازي 154:1، المجموع 407:5، فتح العزيز 365:5-366.

النصاب، فلا زكاة في الذكران و إن بلغت النصاب(1) ، لدلالة الأحاديث على أنّ في خمس من الإبل شاة(2) ، و إنما يتناول الإناث إذ مدلول إسقاط التاء من العدد ذلك، و لأنّ الشرط اتّخاذها للدرّ و النسل و إنّما يتحقّق في الإناث، و للبراءة الأصلية.

و باقي الأصحاب لم يشترطوا ذلك، لعموم قول الصادق عليه السلام:

«ليس فيما دون الأربعين من الغنم شيء، فإذا كانت أربعين ففيها شاة»(3).

و لا دلالة في الحديث، إذ ليس فيه منع من الوجوب في الذكورة فيبقى ما قلناه سالما عن المعارض، و نمنع الشرط، بل السوم و أن لا تكون عوامل، و البراءة معارضة بالاحتياط خصوصا مع ورود العمومات.2.

ص: 72


1- المراسم: 129.
2- انظر على سبيل المثال: الكافي 531:3-1، و التهذيب 22:4-55، و الاستبصار 20:2-59.
3- التهذيب 25:4-59، الاستبصار 23:2-62.
الفصل الثاني في زكاة البقر
مسألة 43: زكاة البقر واجبة

بالسنّة و الإجماع.

قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: (ما من صاحب إبل و لا بقر و لا غنم لا يؤدّي زكاتها إلاّ جاءت يوم القيامة أعظم ما كانت و أسمن تنطحه بقرنها و تطؤه بأخفافها، كلّما نفدت اخراها عادت عليه أولاها حتى يقضى بين الناس)(1).

و قد أجمع المسلمون كافّة على وجوب الزكاة فيها، و لأنّها أحد أصناف بهيمة الأنعام فوجبت الزكاة في سائمتها كالإبل.

مسألة 44: و شروطها أربعة كالإبل: الملك، و النصاب، و السوم، و الحول،

و هما متساويان فيها إلاّ النصاب فإنّ في البقر نصابين.

الأوّل: ثلاثون، فلا زكاة فيما نقص عن ثلاثين من البقر بإجماع علمائنا، و هو قول عامّة أهل العلم، لأنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بعث معاذا إلى اليمن و أمره أن يأخذ من البقر من كلّ ثلاثين تبيعا أو تبيعة، و من كلّ أربعين مسنّة(2).

ص: 73


1- سنن ابن ماجة 569:1-1785، سنن النسائي 29:5، مسند أحمد 157:5-158، و سنن البيهقي 97:4.
2- سنن الترمذي 20:3-623، سنن ابن ماجة 576:1-1803، سنن النسائي 25:5-26، سنن أبي داود 101:2-1576.

و من طريق الخاصة قول الباقر و الصادق عليهما السلام: «في البقر في كلّ ثلاثين بقرة تبيع حولي، و ليس في أقلّ من ذلك شيء، و في أربعين بقرة بقرة مسنّة»(1).

و حكي عن سعيد بن المسيب و الزهري أنهما قالا: في كلّ خمس من البقر شاة إلى أن تبلغ ثلاثين، فإذا بلغت ففيها تبيع(2) ، لأنّ النّبي صلّى اللّه عليه و آله سوّى بين البقرة و البدنة في الهدي، و جعل كلّ واحدة منهما بسبع شياه(3) ، فينبغي أن يقاس البقر عليها في إيجاب الشاة.

و هو غلط، لأنّ خمسا من الإبل تقوم مقامها خمس و ثلاثون من الغنم، و لا تجب فيها الشاة الواجبة في الإبل.

النصاب الثاني: أربعون، و عليه الإجماع فإنّا لا نعلم فيه مخالفا.

مسألة 45: و السوم شرط هنا كما تقدّم في الإبل

عند علمائنا أجمع، و هو قول أكثر الجمهور(4).

لقول علي عليه السلام: «ليس في العوامل شيء»(5).

و قول النبي صلّى اللّه عليه و آله: (ليس في البقر العوامل صدقة)(6).

و من طريق الخاصة قول الباقر و الصادق عليهما السلام: «و ليس على النيّف شيء، و لا على الكسور شيء، و لا على العوامل شيء، إنّما الصدقة على السائمة الراعية»(7).

ص: 74


1- الكافي 534:3 باب صدقة البقر الحديث 1، التهذيب 24:4-57.
2- المغني 456:2، الشرح الكبير 501:2، المجموع 416:5، حلية العلماء 51:3.
3- صحيح مسلم 955:2-350-352، سنن الترمذي 248:3-904.
4- المغني 456:2.
5- سنن أبي داود 99:2-100-1572.
6- المعجم الكبير للطبراني 40:11-10974، سنن الدارقطني 103:2-2.
7- راجع: الهامش (1) من هذه الصفحة.

و لأنّ صفة النماء معتبرة في الزكاة و لا توجد إلاّ في السائمة.

و قال مالك: إنّ في العوامل و المعلوفة صدقة(1). كقوله في الإبل، و قد تقدّم(2).

مسألة 46: و الفريضة في الثلاثين تبيع أو تبيعة

يتخيّر المالك في إخراج أيّهما شاء، و في الأربعين مسنّة، ثم ليس في الزائد شيء حتى تبلغ ستّين، فإذا بلغت ذلك ففيها تبيعان أو تبيعتان إلى سبعين، ففيها تبيع أو تبيعة و مسنّة، فإذا زادت ففي كلّ ثلاثين تبيع أو تبيعة، و في كلّ أربعين مسنّة عند علمائنا أجمع، و هو قول الشعبي، و النخعي، و الحسن، و مالك، و الليث، و الثوري، و الشافعي، و أحمد، و إسحاق، و أبي عبيد، و أبي يوسف، و محمد، و أبي ثور،(3) لأنّ معاذا قال: بعثني رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله اصدّق أهل اليمن، فعرضوا عليّ أن آخذ ممّا بين الأربعين و الخمسين، و بين الستّين و السبعين، و ما بين الثمانين و التسعين، فأبيت ذلك و قلت لهم: حتى أسأل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، فقدمت و أخبرته فأمرني أن آخذ من كلّ ثلاثين تبيعا، و من كلّ أربعين مسنّة، و من الستّين تبيعين، و من السبعين مسنّة و تبيعا، و من الثمانين مسنّتين، و من التسعين ثلاثة أتباع، و من المائة مسنّة و تبيعين، و من العشرة و مائة مسنّتين و تبيعا، و من العشرين و مائة ثلاث مسنّات أو أربعة أتباع، و أمرني أن لا آخذ فيما بين ذلك شيئا إلاّ أن تبلغ مسنّة أو جذعا يعني تبيعا(4).

ص: 75


1- المدوّنة الكبرى 313:1، بلغة السالك 207:1، المغني 456:2، الشرح الكبير 501:2، فتح العزيز 494:5، حلية العلماء 22:3.
2- تقدّم في المسألة 29.
3- الكافي في فقه أهل المدينة: 106، الشرح الصغير 209:1، حلية العلماء 50:3، المجموع 416:5، المغني 457:2، الشرح الكبير 501:2-502.
4- مسند أحمد 240:5.

و من طريق الخاصة قول الباقر و الصادق عليهما السلام: «و ليس فيما بين الأربعين إلى الستّين شيء، فإذا بلغت الستّين ففيها تبيعان»(1).

و عن أبي حنيفة ثلاث روايات: إحداها هذا، و الثانية: أنّ فيما زاد على الأربعين بحسابه في كلّ بقرة ربع عشر مسنّة، لأنّه لا يمكن أن يجعل الوقص تسعة عشر فإنّ جمع أوقاصها تسعة تسعة، و لا يمكن أن يجعل تسعة، لأنّه يكون إثباتا للوقص بالقياس، فيجب في الزيادة بحصّتها.

و الثالثة: أنّه لا شيء فيها حتى تبلغ خمسين فيكون فيها مسنّة و ربع، لأنّ سائر الأوقاص لا يزيد على تسعة كذا هنا(2).

و كلاهما في مقابلة النص فلا يسمع، على أنّ الزيادة لا يتمّ بها أحد العددين فلا يجب بها شيء، كما لو زاد على الثلاثين و لم يبلغ الأربعين.

مسألة 47: لا يخرج الذكر في الزكاة إلاّ في البقر

فإنّ ابن اللبون ليس بأصل، إنّما هو بدل عن بنت مخاض، و لهذا لا يجزئ مع وجودها، و إنّما يجزئ الذكر في البقر عن الثلاثين و ما تكرّر منها كالستّين و التسعين، و ما تركّب من الثلاثين و غيرها كالسبعين فيها تبيع أو تبيعة و مسنّة، و المائة فيها مسنّة و تبيعان أو تبيعتان، و لا يجزئ في الأربعين و ما تكرّر منها كالثمانين إلاّ الإناث، و كذا في الإبل غير ابن اللبون، فلو أخرج عن الحقّة حقّا، أو عن الجذعة جذعا، أو عن بنت المخاض ابن مخاض لم يجزئ.

و يجوز أن يخرج عن الذكر أنثى أعلى أو مساويا، فيجوز إخراج المسنّة عن التبيع، و يجوز أن يخرج تبيعين ذكرين عن المسنّة، لأنّهما يجزيان عن الستّين فعن الأربعين أولى، و لو أخرج أكبر من المسنّة جاز.

ص: 76


1- الكافي 534:3 باب صدقة البقر، الحديث 1، التهذيب 24:4-57.
2- حلية العلماء 51:3، بدائع الصنائع 28:2، المبسوط للسرخسي 187:2، اللباب 141:1، المغني 457:2، الشرح الكبير 502:2.

و لا مدخل للجبران هنا فلو وجبت عليه مسنّة و لم تكن عنده فأراد النزول إلى التبيع و إعطاء الجبران لم يجز إلاّ بالقيمة السوقية، لأنّ الزكاة لا يعدل فيها عن النصوص إلى غيره بقياس و لا نصّ هنا.

و لو أخرج مسنّا عن المسنّة لم يجز إلاّ مع ضمّ قيمة التفاوت، لأنّ الأنثى خير من الذكر، لفضيلتها بالدرّ و النسل.

مسألة 48: لو اجتمع الفرضان تخيّر المالك

كمائة و عشرين إن شاء أخرج ثلاث مسنّات أو أربعة أتبعة، لأنّ الواجب أحدهما فيتخيّر، و الخيرة إلى ربّ المال كما قلنا في زكاة الإبل، و هذا إنّما يكون لو كانت إناثا، فإن كانت كلّها ذكورا أجزأ الذكر بكلّ حال، لأنّ الزكاة مواساة فلا يكلّف المواساة من غير ماله.

و قال بعض الجمهور: لا يجزئه في الأربعينيّات إلاّ الإناث، لأنّه عليه السلام نصّ على المسنّات(1).

و ليس بجيّد، لأنّا أجزنا الذكر في الغنم، مع أنّه لا مدخل له في زكاتها مع وجود الإناث فالبقر أولى، لأنّ للذكر فيها مدخلا.

مسألة 49: الجواميس كالبقر

بإجماع العلماء، لأنّها من نوعها، كما أنّ البخاتي من نوع الإبل، فإن اتّفق النصاب كلّه جواميس وجبت فيه الزكاة، و إن اتّفق الصنفان أخرج الفرض من أحدهما على قدر المالين، فلو كان عنده عشرون بقرة عرابا، و عشرون جواميس، و قيمة المسنّة من أحدهما اثنا عشر، و من الآخر خمسة عشر أخرج من أحدهما ما قيمته ثلاثة عشر و نصف.

و لو كان ثلث بقرة سوسيّا، و ثلثه نبطيّا، و ثلثه جواميس، و قيمة التبيع السوسي أربعة و عشرون، و النبطي ثلاثون، و الجاموس اثنا عشر، أخرج تبيعا

ص: 77


1- المغني 458:2، الشرح الكبير 504:2.

قيمته اثنان و عشرون ثلث قيمة كلّ واحد، اختاره الشيخ(1) رحمه اللّه، و به قال أحمد(2) ، لأنّها أنواع جنس من الماشية فجاز الإخراج من أيّها شاء.

و قال الشافعي: القياس أن يؤخذ من كلّ نوع ما يخصّه، و اختاره ابن المنذر، لأنّها أنواع تجب فيها الزكاة فتجب زكاة كلّ نوع منه كأنواع الثمرة و الحبوب(3).

و يشكل بأدائه إلى تشقيص الفرض، و قد عدل إلى غير الجنس فيما دون ستّ و عشرين لأجل التشقيص فالعدول إلى النوع أولى.

و قال عكرمة و مالك و إسحاق و الشافعي في قول: يخرج من أكثر العددين، فإن استويا أخرج من أيّهما شاء كالغلاّت(4).

و كذا البحث في الضأن و المعز و الإبل البخاتي و العراب، و السمان و المهازيل، و الكرام و اللئام.

و أما الصحاح مع المراض، و الذكور مع الإناث، و الكبار مع الصغار فيتعيّن صحيحة كبيرة أنثى على قدر قيمة المالين إلاّ أن يتطوّع بالفضل.

و لو أخرج عن النصاب من غير نوعه ممّا ليس في ماله منه شيء أجزأ إن ساوى القيمة، لأنّه أخرج من جنسه فجاز، كما لو كان المال نوعين فأخرج من أحدهما.

و كذا (من منعه)(5) من إخراج القيمة، و يحتمل عنده العدم، لأنّهة.

ص: 78


1- المبسوط للطوسي 201:1.
2- المغني 474:2 و 475، الشرح الكبير 512:2-513، كشاف القناع 193:2.
3- المغني 474:2 و 475، الشرح الكبير 512:2، الام 10:2، المهذب للشيرازي 156:1، المجموع 425:5، فتح العزيز 385:5، و حلية العلماء 56:3.
4- المغني 474:2، الشرح الكبير 512:2، المنتقى - للباجي - 133:2، الشرح الصغير 209:1، المبسوط للسرخسي 183:2، المهذب للشيرازي 156:1، المجموع 425:5، فتح العزيز 385:5، و حلية العلماء 56:3.
5- كذا في النسخ الخطية و الطبعة الحجرية، و حقّ العبارة أن تكون هكذا: و كذا عند من منع من إخراج القيمة.

أخرج من غير نوع ماله، فأشبه ما لو أخرج من غير الجنس(1).

مسألة 50: و لا زكاة في بقر الوحش، و لا يجبر بها النصاب،

و هو قول أكثر العلماء(2) ، لأنّ اسم البقر يطلق عليه مجازا، و لا يفهم منه عند الإطلاق، و لا يحمل عليه إلاّ مع القيد، فيقال: بقر الوحش.

و لعدم تحقّق نصاب منها سائما حولا.

و لأنّه حيوان لا يجزئ نوعه في الأضحية و الهدي فلا تجب فيه الزكاة كالظباء.

و لأنّها ليست من بهم الأنعام فلا تجب فيها الزكاة كسائر الوحوش.

و الأصل أنّ وجوب الزكاة في بهيمة الأنعام لكثرة النماء فيها من الدرّ و النسل و كثرة الانتفاع بها لكثرتها و خفّة مئونتها.

و عن أحمد رواية بوجوب الزكاة في بقر الوحش، لتناول اسم البقر لها فيدخل في مطلق الخبر(3).

و قد بيّنا أنّه مجاز، و لا خلاف في أنّه لا زكاة في الظباء.

مسألة 51: المتولّد من الوحشي و الإنسي تجب الزكاة فيه

إن أطلق عليه اسم الإنسي من غير حاجة إلى قيد و إلاّ فلا، كالمتولّد من بقر الوحش و الانس، و كذا المتولّد من الظباء و الغنم.

و قال أحمد: تجب فيه الزكاة سواء كانت الوحشية الفحول أو الأمّهات، لأنّها متولّدة ممّا تجب فيه الزكاة و ما لا تجب، فوجبت فيها الزكاة كالمتولّد من السائمة و المعلوفة، و لأنّ غنم مكّة يقال: إنّها متولّدة من الظباء و الغنم، و فيها الزكاة إجماعا(4).

ص: 79


1- راجع المغني 475:2، و الشرح الكبير 513:2.
2- المغني 459:2، الشرح الكبير 436:2.
3- المغني 459:2، الشرح الكبير 436:2.
4- المغني 460:2، الشرح الكبير 435:2.

و الضابط ما ذكرناه من اعتبار الاسم كالمقيس عليه، و علف الأمّهات لا يسري إلى الأولاد.

و يبعد ما قيل في غنم مكّة، لأنّها لو كانت متولّدة من جنسين لم يكن لها نسل كالسّمع المتولّد من الذئب و الضبع(1) ، و كالبغال.

و قال الشافعي: لا تجب سواء كانت الأمّهات من الظباء أو الغنم، لأنّه متولّد من وحشي أشبه المتولّد من وحشيّين.

و لأنّ الوجوب إنّما يثبت بنصّ أو إجماع أو قياس، و الكلّ منفي هنا، لاختصاص النصّ و الإجماع بالإيجاب في بهيمة الأنعام من الأزواج الثمانية و ليست هذه داخلة في اسمها و لا حكمها و لا حقيقتها و لا معناها، فإنّ المتولّد بين شيئين ينفرد باسمه و جنسه و حكمه عنهما كالبغل فلا يتناوله النصّ، و لا يمكن القياس، لتباعد ما بينهما و اختلاف حكمهما، فإنه لا يجزئ في هدي و لا أضحية و لا دية(2) ، و لا نزاع معنا إذا لم يبق الاسم.

و قال أبو حنيفة و مالك: إن كانت الأمّهات أهلية وجبت الزكاة و إلاّ فلا، لأنّ ولد البهيمة يتبع امّه في الاسم و الملك فيتبعها في الزكاة، كما لو كانت الفحول معلوفة(3). و نمنع التبعيّة في الاسم.5.

ص: 80


1- انظر: الصحاح 1232:3.
2- المجموع 339:5، فتح العزيز 315:5، المغني 460:2، الشرح الكبير 435:2.
3- المبسوط للسرخسي 183:2، بدائع الصنائع 30:2، المغني 460:2، الشرح الكبير 435:2، المجموع 339:5، فتح العزيز 315:5.
الفصل الثالث في زكاة الغنم
اشارة

الزكاة واجبة في الغنم بإجماع علماء الإسلام.

قال عليه السلام: (كلّ صاحب غنم لا يؤدّي زكاتها بطح لها يوم القيامة بقاع قرقر تمشي عليه فتطؤه بأظلافها و تنطحه بقرونها كلّما انقضى آخرها عاد أولها حتى يقضي اللّه بين الخلق في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة)(1).

إذا ثبت هذا فإنّ شرائط الزكاة هنا كما هي في الإبل و البقر بالإجماع، نعم تختلف في مقادير النصب، و الضأن و المعز جنس واحد بإجماع العلماء، و الظباء مخالف للغنم إجماعا.

مسألة 52: أول نصاب الغنم: أربعون، فلا زكاة فيما دونها،

فإذا بلغت أربعين ففيها شاة.

الثاني: مائة و إحدى و عشرون فلا شيء في الزائد على الأربعين حتى تبلغ مائة و إحدى و عشرين ففيه شاتان.

الثالث: مائتان و واحدة، فلا زكاة في الزائد حتى تبلغ مائتين و واحدة ففيه ثلاث شياه، و الكلّ بالإجماع.

ص: 81


1- صحيح مسلم 682:2-26، سنن أبي داود 124:2-1658، سنن البيهقي 81:4.

و حكي عن معاذ أنّ الفرض لا يتغيّر بعد المائة و إحدى و عشرين حتى تبلغ مائتين و اثنتين و أربعين ليكون مثلي مائة و إحدى و عشرين فيكون فيها ثلاث شياه(1).

و الإجماع على خلافه، على أنّ الراوي لها الشعبي و هو لم يلق معاذا(2).

الرابع: ثلاثمائة و واحدة و فيه روايتان: إحداهما: أنّه كالثالث ثلاث شياه، فلا يتغيّر الفرض بعد مائتين و واحدة حتى تبلغ أربعمائة فتجب في كلّ مائة شاة، و به قال المفيد و السيد المرتضى(3) ، و هو قول أكثر الفقهاء، و الشافعي و مالك و أبي حنيفة و أحمد في إحدى الروايتين(4).

لقول النبي صلّى اللّه عليه و آله في كتابه للسّعاة: (إنّ في الغنم السائمة إذا بلغت أربعين شاة إلى مائة و عشرين، فإذا زادت ففيها شاتان إلى أن تبلغ مائتين، فإذا زادت ففيها ثلاث شياه إلى ثلاثمائة، فإذا زادت ففي كلّ مائة شاة)(5).5.

ص: 82


1- المغني 462:2، الشرح الكبير 515:2.
2- معاذ بن جبل بن عمرو بن أوس الأنصاري الخزرجي أبو عبد الرحمن من أعيان الصحابة، شهد بدرا و ما بعدها، مات بالشام سنة 18. و الشعبي هو: عامر بن شراحيل أبو عمرو، مات بعد المائة و له نحو من ثمانين. انظر: أسد الغابة 378:4، الاستيعاب بهامش الإصابة 355:3-360، و تهذيب التهذيب 59:5-110 و 170:10-349.
3- المقنعة: 39، جمل العلم و العمل (ضمن رسائل الشريف المرتضى) 123:3.
4- المجموع 417:5-418، فتح العزيز 338:5، حلية العلماء 52:3، الكافي في فقه أهل المدينة: 106، بداية المجتهد 262:1، الشرح الصغير 209:1، المبسوط للسرخسي 182:2، بدائع الصنائع 28:2، اللباب 142:1، المغني 463:2، الشرح الكبير 515:2.
5- سنن أبي داود 97:2-1567، سنن النسائي 29:5، سنن ابن ماجة 577:1 - 1805.

و من طريق الخاصة قول الصادق عليه السلام: «ليس فيما دون الأربعين شيء، فإذا كانت أربعين ففيها شاة إلى عشرين و مائة، فإذا زادت واحدة ففيها شاتان إلى المائتين، فإذا زادت واحدة ففيها ثلاث من الغنم إلى ثلاثمائة، فإذا كثرت الغنم ففي كلّ مائة شاة»(1).

الثانية(2): أنّها إذا زادت على ثلاثمائة و واحدة ففيها أربع شياه، ثم لا يتغيّر الفرض حتى تبلغ خمسمائة، و هو اختيار الشيخ(3) - رحمه اللّه - و أحمد في الرواية الأخرى، و به قال النخعي و الحسن بن صالح بن حي(4).

لقول الباقر عليه السلام في الشاة: «في كلّ أربعين شاة شاة، و ليس فيما دون الأربعين شاة شيء حتى تبلغ عشرين و مائة، فإذا بلغت عشرين و مائة ففيها مثل ذلك شاة واحدة، فإذا زاد على عشرين و مائة ففيها شاتان، و ليس فيها أكثر من شاتين حتى تبلغ مائتين، فإذا بلغت المائتين ففيها مثل ذلك، فإذا زادت على المائتين شاة واحدة ففيها ثلاث شياه، ثم ليس فيها أكثر من ذلك حتى تبلغ ثلاثمائة، فإذا بلغت ثلاثمائة ففيها مثل ذلك ثلاث شياه، فإذا زادت واحدة ففيها أربع شياه حتى تبلغ أربعمائة، فإن تمّت أربعمائة كان على كلّ مائة شاة شاة»(5).

و لأنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله جعل ثلاثمائة حدّا للوقص و غاية له(6) ،4.

ص: 83


1- التهذيب 25:4-59، الإستبصار 23:2-62.
2- أي: الرواية الثانية.
3- المبسوط للطوسي 199:1، الخلاف 21:2، المسألة 17.
4- المغني 463:2، الشرح الكبير 515:2-516.
5- الكافي 534:3-1، التهذيب 25:4-58، الاستبصار 22:2-61، و فيها عن الإمامين الباقر و الصادق عليهما السلام.
6- انظر: سنن أبي داود 97:2-1567، سنن النسائي 29:5، سنن الترمذي 17:3-621، سنن ابن ماجة 577:1-1805، و سنن البيهقي 86:4.

فتجب أن يتعقّبه النصاب كالمائتين.

إذا ثبت هذا، فلا خلاف في أنّ في أربعمائة أربع شياه، و في خمسمائة خمس، و هكذا بالغا ما بلغت.

ص: 84

الفصل الرابع في الأشناق
اشارة

الشّنق بفتح النون: ما بين الفرضين(1) ، و الوقص قال الفقهاء: بسكون القاف(2).

و قال بعض أهل اللغة: بفتحه(3) ، لأنّه يجمع على (أوقاص) و (أفعال) جمع (فعل) لا جمع (فعل) فإنّ (فعلا) يجمع على (أفعل).

و قد جاء - كما قال الفقهاء - هول و أهوال، و حول و أحوال، و كبر و أكبار، و بالجملة فهو ما بين النصابين(4) أيضا.

قال الأصمعي: الشنق يختص بأوقاص الإبل، و الوقص بالبقر و الغنم(5).

و بعض الفقهاء يخصّ الوقص بالبقر أيضا، و يجعل ناقص الغنم و النقدين و الغلاّت عفوا، و كلّ ذلك لفظي.

و قيل: الوقص ما بين الفرضين كما بين الثلاثين إلى الأربعين في البقر،

ص: 85


1- الصحاح 1503:4.
2- المجموع 392:5، و تهذيب الأسماء و اللغات 193:4.
3- الصحاح 1061:3.
4- الصحاح 1061:3.
5- المجموع 392:5، و تهذيب الأسماء و اللغات 193:4.

و الشنق ما دون الفريضة كالأربع من الإبل(1).

مسألة 53: ما نقص عن النصاب الأول لا شيء فيه
اشارة

إجماعا، و كذا ما بين النصابين عند علمائنا، و إنّما تتعلّق الزكاة بالنصاب خاصّة - و به قال الشافعي في كتبه القديمة و الجديدة، و أبو حنيفة، و المزني(2) - لأنّه عدد ناقص عن نصاب إذا بلغه وجبت فيه الزكاة، فلا تتعلّق به كالأربع.

و لقول الباقر و الصادق عليهما السلام: «و ليس فيما بين الثلاثين إلى الأربعين شيء حتى يبلغ أربعين - إلى أن قالا عليهما السلام - و ليس على النيّف شيء، و لا على الكسور شيء»(3).

و قال الشافعي في الإملاء: تتعلّق الزكاة بالنصاب و بما زاد عليه من الوقص، و به قال محمد بن الحسن.

لقوله عليه السلام: (فإذا بلغت خمسا و عشرين إلى خمس و ثلاثين ففيها بنت مخاض)(4).

و لأنّه حقّ يتعلّق بنصاب فوجب أن يتعلّق به و بما زاد عليه إذا وجد معه و لم ينفرد بحكم كالقطع في السرقة(5).

و النصّ أقوى من المفهوم و القياس.

فعلى قولنا، لو ملك خمسين من الغنم و تلفت العشرة الزائدة قبل

ص: 86


1- المغني 454:2.
2- المهذب للشيرازي 152:1، المجموع 391:5 و 393، حلية العلماء 37:3-38، المبسوط للسرخسي 187:2، الهداية للمرغيناني 99:1، اللباب 141:1.
3- الكافي 534:3-1، التهذيب 24:4-57.
4- صحيح البخاري 146:2، سنن أبي داود 96:2-1567، سنن الترمذي 17:3-621، سنن ابن ماجة 574:1-1799، سنن النسائي 19:5 و 28، مسند أحمد 11:1 و 15:2، و سنن البيهقي 85:4.
5- فتح العزيز 548:5 و 550، المهذب للشيرازي 152:1، حلية العلماء 38:3.

التمكّن من الأداء بعد الحول لم يسقط هنا شيء، لأنّ التالف لم تتعلّق الزكاة به، و لو تلف عشرون سقط ربع الشاة، لأنّ الاعتبار بتلف جزء من النصاب، و إنّما تلف من النصاب ربعه.

فروع:

أ - لو تلف بعض النصاب قبل الحول فلا زكاة، و بعده و بعد إمكان الأداء يجب جميع الفرض، لأنّه تلف بعد تفريطه في التأخير فضمن، و إن تلف بعد الحول و قبل إمكان الأداء سقط عندنا من الزكاة بقدر التالف.

و للشافعي قولان بناء على أنّ إمكان الأداء شرط في الوجوب أو الضمان، فعلى الأول لا شيء، لنقصه قبل الوجوب(1).

ب - لو كان معه تسع من الإبل فتلف أربع قبل الحول أو بعده و بعد الإمكان وجبت الشاة(2) ، و به قال الشافعي(3).

و إن كان بعد الحول و قبل الإمكان فكذلك عندنا.

و عند الشافعي كذلك على تقدير أن يكون الإمكان شرطا في الوجوب، لأنّ التالف قبل الوجوب إذا لم ينقص به النصاب لا حكم له، و على تقدير أن يكون من شرائط الضمان فكذلك إن لم تتعلّق بمجموع النصاب و الوقص، و إن تعلّقت بهما سقط قدر الحصّة أربعة أتساع الشاة(4).

و قال بعضهم - على هذا التقدير -: لا يسقط شيء، لأنّ الزيادة لمّا لم تكن شرطا في وجوب الشاة لم يسقط شيء بتلفها و إن تعلّقت بها، كما لو شهد ثمانية بالزنا و رجع أربعة بعد قتله لم يجب عليهم شيء، و لو رجع خمسة وجب

ص: 87


1- المهذب للشيرازي 151:1، المجموع 375:5، الوجيز 89:1، فتح العزيز 547:5-548، حلية العلماء 32:3.
2- في نسخة «ط»: الزكاة.
3- المجموع 375:5، فتح العزيز 549:5.
4- المجموع 375:5، فتح العزيز 549:5.

عليهم الضمان، لنقص ما بقي من العدد المشترط(1).

ج - لو ذهب خمس من التسع قبل الحول فلا زكاة، و إن كان بعده و قبل إمكان الأداء سقط خمس الشاة، و به قال الشافعي على تقدير أنّ الإمكان من شرائط الضمان و تعلّق الزكاة بالنصاب.

و على تقدير كونه شرطا في الوجوب فكقبل الحول لنقص النصاب قبل الوجوب.

و على تقدير كونه شرطا في الضمان و تعلّق الزكاة بالمجموع تسقط خمسة أتساع الشاة(2).

د - لو كان معه خمس و عشرون و أوجبنا بنت المخاض فيه فتلف منها خمسة قبل إمكان الأداء وجب أربعة أخماس بنت مخاض - و به قال الشافعي على تقدير كونه شرطا في الضمان(3) ، و أبو يوسف و محمد(4) - لأنّ الواجب بحؤول الحول بنت مخاض، فإذا تلف البعض لم يتغيّر الفرض، بل كان التالف منه و من المساكين.

و قال أبو حنيفة: تجب أربع شياه(5). فجعل التالف كأنّه لم يكن.

قال الشيخ: لو كان معه ستّ و عشرون فهلك خمس قبل الإمكان فقد هلك خمس المال إلاّ خمس الخمس فيكون عليه أربعة أخماس بنت مخاض إلاّ أربعة أخماس خمسها، و على المساكين خمس بنت مخاض إلاّ أربعة أخماس خمسها(6).

ه - حكم غير الإبل حكمها في جميع ذلك، فلو تلف من نصاب الغنم:1

ص: 88


1- المجموع 375:5 و 392، فتح العزيز 549:5.
2- المجموع 376:5، فتح العزيز 549:5.
3- المجموع 376:5، حلية العلماء 38:3-39.
4- حلية العلماء 39:3.
5- حلية العلماء 39:3.
6- المبسوط للطوسي 194:1

شيء سقط من الفريضة بنسبته.

و هل الشاتان في مجموع النصاب الثاني أو في كلّ واحد شاة ؟ احتمالان(1) ، فعلى الأول لو تلف شيء بعد الحول بغير تفريط نقص من الواجب في النصب بقدر التالف، و على الثاني يوزّع على ما بقي من النصاب الذي وجب فيه التالف.

مسألة 54: لا تأثير للخلطة عندنا في الزكاة

سواء كانت خلطة أعيان أو أوصاف، بل يزكّى كلّ منهما زكاة الانفراد، فإن كان نصيب كلّ منهما نصابا وجب عليه زكاة بانفراده.

و إن كان المال مشتركا كما لو كانا مشتركين في ثمانين من الغنم بإرث أو شراء أو هبة فإنّه يجب على كلّ واحد منهما شاة بانفراده.

و لو كانا مشتركين في أربعين فلا زكاة هنا، و به قال أبو حنيفة و الثوري(2) ، لقوله عليه السلام: (إذا لم تبلغ سائمة الرجل أربعين فلا شيء فيها)(3).

و قال: (ليس على المرء في ما دون خمس ذود من الإبل صدقة)(4) و لم يفصّل.

و قال عليه السلام: «في أربعين شاة شاة»(5).

ص: 89


1- ورد في النسخ الخطية: احتمال. و ما أثبتناه من الطبعة الحجرية هو الصحيح.
2- المبسوط للسرخسي 184:2، المجموع 433:5، فتح العزيز 391:5، حلية العلماء 62:3، المغني 476:2، الشرح الكبير 527:2، بداية المجتهد 263:1.
3- صحيح البخاري 146:2، مسند أحمد 12:1، و سنن البيهقي 85:4، و 100 بتفاوت يسير.
4- صحيح البخاري 148:2، صحيح مسلم 675:2-980، سنن الترمذي 22:3 - 626، و سنن البيهقي 84:4 و 107 و 120.
5- سنن ابن ماجة 577:1-1805 و 578-1807، سنن أبي داود 98:2-1568، سنن الترمذي 17:3-621، و سنن البيهقي 116:4.

فإذا ملكا ثمانين وجب شاتان.

و لأنّ ملك كلّ واحد منهما ناقص عن النصاب فلا تجب عليه الزكاة، كما لو كان منفردا.

و قال الشافعي: الخلطة في السائمة تجعل مال الرجلين كمال الرجل الواحد في الزكاة سواء كانت خلطة أعيان أو أوصاف بأن يكون ملك كلّ منهما متميّزا عن الآخر، و إنّما اجتمعت ماشيتهما في المرعى و المسرح - على ما يأتي(1) - سواء تساويا في الشركة أو اختلفا بأن يكون لرجل شاة و لآخر تسعة و ثلاثون، أو يكون لأربعين رجلا أربعون شاة لكلّ منهم شاة، و به قال عطاء و الأوزاعي و الليث و أحمد و إسحاق(2).

لقوله عليه السلام: (لا يجمع بين متفرّق و لا يفرّق بين مجتمع)(3) أراد إذا كان لجماعة لا يجمع بين متفرّق فإنّه إذا كان للواحد يجمع للزكاة و إن تفرّقت أماكنه، و قوله: (و لا يفرّق بين مجتمع) يقتضي إذا كان لجماعة لا يفرّق، و نحن نحمله على أنّه لا يجمع بين متفرّق في الملك ليؤخذ منه الزكاة زكاة رجل واحد فلا يفرّق بين مجتمع في الملك فإنّ الزكاة تجب على الواحد و إن تفرّقت أمواله.

و قال مالك: تصحّ الخلطة إذا كان مال كلّ واحد منهما نصابا(4).2.

ص: 90


1- يأتي في المسألة اللاحقة (55).
2- المجموع 432:5-433، فتح العزيز 389:5-390، حلية العلماء 60:3-61، الام 14:2، مختصر المزني: 43، المغني 476:2، الشرح الكبير 527:2.
3- صحيح البخاري 144:2، سنن النسائي 29:5، سنن ابن ماجة 576:1-1801 و 577-1805، سنن أبي داود 97:2-1567، سنن الدارمي 383:1، مسند أحمد 12:1، و سنن البيهقي 105:4.
4- المدوّنة الكبرى 331:1 و 334، الكافي في فقه أهل المدينة: 107، المنتقى - للباجي - 138:2، حلية العلماء 62:3، المجموع 433:5، فتح العزيز 391:5، المغني 476:2، الشرح الكبير 527:2.

و حكى بعض الشافعيّة عن الشافعي وجها آخر: أنّ العبرة إنّما هي بخلطة الأعيان دون خلطة الأوصاف(1).

مسألة 55: قد بيّنا أنّه لا اعتبار بالخلطة بنوعيها

- خلافا للشافعي و من تقدّم(2) - فلا شرط عندنا و عند أبي حنيفة، لعدم الحكم.

أمّا الشافعي فقد شرط فيها أمورا:

الأول: أن يكون مجموع المالين نصابا.

الثاني: أن يكون الخليطان معا من أهل فرض الزكاة، فلو كان أحدهما ذمّيّا أو مكاتبا لم تؤثّر الخلطة، و زكّى المسلم و الحرّ كما في حالة الانفراد، و هذان شرطان عامّان، و في اشتراط دوام الخلطة السنة ؟ ما يأتي.

و تختصّ خلطة الجوار بأمور:

الأول: اتّحاد المسرح، و المراد به المرعى.

الثاني: اتّحاد المراح، و هو مأواها ليلا.

الثالث: اتّحاد المشرع و هو أن يرد غنمهما ماء واحدا من نهر أو عين أو بئر أو حوض.

و إنّما شرط(3) اجتماع المالين في هذه الأمور ليكون سبيلها سبيل مال المالك [الواحد](4) و ليس المقصود أن لا يكون لها إلاّ مسرح أو مرعى أو مراح واحد بالذات، بل يجوز تعدّدها لكن ينبغي أن لا تختص ماشية هذا بمسرح و مراح، و ماشية الآخر بمسرح و مراح.

الرابع: اشتراك المالين في الراعي أو الرعاة - على أظهر الوجهين عنده - كالمراح.

ص: 91


1- فتح العزيز 390:5-391، المجموع 433:5.
2- تقدّم ذكرهم في المسألة السابقة (54).
3- في نسختي «ن و ف»: شرطوا.
4- زيادة يقتضيها السياق.

الخامس: اشتراكهما في الفحل، فلو تميّزت ماشية أحدهما بفحولة، و ماشية الآخر بأخرى فلا خلطة - على أظهر الوجهين - عنده.

السادس: اشتراكهما في موضع الحلب، فلو حلب هذا ماشيته في أهله، و الآخر في أهله فلا خلطة(1).

و هل يشترط الاشتراك في الحالب و المحلب ؟ أظهر الوجهين عنده عدمه، كما لا يشترط الاشتراك في الجازّ و آلات الجزّ(2).

و إن شرط الاشتراك في المحلب فهل يشترط خلط اللبن ؟ وجهان، أصحهما عنده: المنع، لأدائه إلى الربا عند القسمة إذ قد يكثر لبن أحدهما(3).

و قيل: لا ربا كالمسافرين يستحب خلط أزوادهم و إن اختلف أكلهم(4).

و ربما يفرّق بأنّ كلّ واحد يدعو غيره إلى طعامه فكان إباحة، بخلافه هنا.

و هل يشترط نيّة الخلطة ؟ وجهان عندهم: الاشتراط، لأنّه معنى يتغيّر به حكم الزكاة تخفيفا كالشاة في الثمانين، و لو لا الخلطة لوجب شاتان، و تغليظا كالشاة في الأربعين، و لولاها لم يجب شيء فافتقر إلى النيّة، و لا ينبغي أن يغلظ عليه من غير رضاه، و لا أن ينقص حقّ الفقراء إذا لم يقصده.

و المنع، لأنّ تأثير الخلطة لخفّة المئونة باتّحاد المرافق و ذلك لا يختلف5.

ص: 92


1- المجموع 434:5-435، فتح العزيز 392:5-394، الام 13:2، مختصر المزني: 43، المغني 477:2، الشرح الكبير 528:2-530.
2- المجموع 435:5، فتح العزيز 397:5-398.
3- المهذب للشيرازي 158:1، المجموع 435:5، فتح العزيز 398:5-399.
4- المهذب للشيرازي 158:1، المجموع 435:5-436، فتح العزيز 399:5.

بالقصد و عدمه(1).

و هل يشترط وجود الاختلاط في أول السنة و اتّفاق أوائل الأحوال ؟ قولان(2).

و في تأثير الخلطة في الثمار و الزرع ثلاثة أقوال له: القديم: عدم التأثير، و به قال مالك و أحمد في رواية.

لقوله صلّى اللّه عليه و آله: (و الخليطان ما اجتمعا في الحوض و الفحل و الرعي)(3) و إنّما تتحقّق في المواشي.

و الجديد: عدمه(4) ، و تأثير خلطة الشيوع دون الجوار(5) ، فعلى الجديد تؤثّر، لحصول الاتّفاق باتّحاد العامل و الناطور(6) و النهر الذي تسقى منه.

و قال بعض أصحاب مالك: لا يشترط من هذه الشروط شيء سوى الخلطة في المرعى، و أضاف بعض أصحابه إليه الاشتراك في الراعي أيضا(7) ، و الكلّ عندنا باطل.

فروع على القول بشركة الخلطاء:

أ - إذا اختلطا خلطة جوار و لم يمكن أخذ مال كلّ منهما من ماله كأربعين لكلّ عشرون، أخذ الساعي شاة من أيّهما كان، فإن لم يجد الواجب إلاّ في3.

ص: 93


1- المهذب للشيرازي 158:1، المجموع 436:5، فتح العزيز 399:5-400، حلية العلماء 61:3.
2- فتح العزيز 402:5-403.
3- سنن الدارقطني 104:2-1، سنن البيهقي 106:4 و فيهما: (الراعي) بدل (الرعي).
4- أي عدم عدم التأثير الملازم للثبوت.
5- المجموع 450:5، فتح العزيز 404:5، حلية العلماء 71:3، المدوّنة الكبرى 343:1، بلغة السالك 210:1-211، المغني 485:2، الشرح الكبير 544:2.
6- الناطور: حافظ الزرع و الثمر و الكرم. لسان العرب 215:5 «نطر».
7- المنتقى - للباجي - 137:2 و 138، المغني 477:2، الشرح الكبير 531:2، فتح العزيز 404:5، حلية العلماء 62:3.

مال أحدهما أخذ منه.

و إن أمكن أخذ ما يخصّ كلّ [واحد](1) منهما لو انفرد فوجهان: أن يأخذ من كلّ منهما حصّة ماله ليغنيهما عن التراجع، و أن يأخذ من عرض المال ما يتّفق، لأنّهما مع الخلطة كمال واحد، و المأخوذ زكاة جميع المال(2).

فعلى هذا لو أخذ من كلّ منهما حصّة ماله بقي التراجع بينهما، فإذا أخذ من هذا شاة، و من هذا اخرى رجع كلّ منهما على صاحبه بنصف قيمة ما أخذ منه.

و لو كان بينهما سبعون من البقر أربعون لأحدهما، و ثلاثون للآخر، فالتبيع و المسنّة واجبان على الشيوع، على صاحب الأربعين أربعة أسباعهما، و على صاحب الثلاثين ثلاثة أسباعهما.

فإن أخذهما من صاحب الأربعين رجع على صاحب الثلاثين بثلاثة أسباعهما و بالعكس.

و لو أخذ التبيع من صاحب الأربعين و المسنّة من الآخر رجع صاحب الأربعين بقيمة ثلاثة أسباع التبيع على الآخر، و الآخر بقيمة أربعة أسباع المسنّة على الأول.

و إن أخذ المسنّة من صاحب الأربعين و التبيع من الآخر رجع صاحب الأربعين بقيمة ثلاثة أسباع المسنّة على الآخر، و الآخر عليه بقيمة أربعة أسباع التبيع، هذا كلّه في خلطه الجوار.

أمّا خلطة الأعيان فالأخذ منه يقع على حسب ملكهما، فلو كان لهما ثلاثمائة من الإبل فعليهما ستّ حقاق و لا تراجع.

و لو كان لأحدهما ثلاثمائة و للآخر مائتان فله عشر حقاق بالنسبة، و هذا5.

ص: 94


1- زيادة يقتضيها السياق.
2- الوجهان للشافعية، راجع فتح العزيز 408:5.

يأتي على مذهبنا.

ب - لو ورثا أو ابتاعا شائعا و إداما الخلطة زكّيا - عندهم - زكاة الخلطة، و كذا لو ملك كلّ منهما دون النصاب ثم خلطا و بلغ النصاب(1).

و لو انعقد الحول على مال كلّ منهما منفردا ثم طرأت الخلطة، فإن اتّفق الحولان بأن ملكا غرّة المحرّم و خلطا غرّة صفر، ففي الجديد: لا يثبت حكم الخلطة في السنة الاولى - و به قال أحمد - لأنّ الأصل الانفراد، و الخلط عارض فيغلب حكم الحول المنعقد على الانفراد، و تجب على كلّ منهما شاة إذا جاء المحرّم(2).

و في القديم - و به قال مالك - ثبوت حكم الخلطة نظرا إلى آخر الحول، فإنّ الاعتبار في قدر الزكاة بآخر الحول، فيجب على كلّ منهما نصف شاة إذا جاء المحرّم(3).

و لو اختلف الحولان، فملك أحدهما غرّة المحرّم و الآخر غرّة صفر و خلطا غرّة ربيع، فعلى الجديد، إذا جاء المحرّم فعلى الأول شاة، و إذا جاء صفر فعلى الثاني شاة.

و على القديم، إذا جاء المحرّم فعلى الأول نصف شاة، و إذا جاء صفر فعلى الثاني نصف شاة.

ثم في سائر الأحوال يثبت حكم الخلطة على القولين، فعلى الأول عند غرّة كلّ محرّم نصف شاة، و على الثاني عند غرّة كلّ صفر كذلك، و به قال مالك و أحمد(4).

و قال ابن سريج: إنّ حكم الخلطة لا يثبت في سائر الأحوال، بل1.

ص: 95


1- فتح العزيز 441:5.
2- المجموع 440:5، الوجيز 83:1، فتح العزيز 443:5-446، المغني 478:2، الشرح الكبير 529:2.
3- المجموع 440:5، الوجيز 83:1، فتح العزيز 443:5-446، المغني 478:2، الشرح الكبير 529:2.
4- فتح العزيز 447:5-449، المجموع 440:5-441.

يزكّيان زكاة الانفراد أبدا(1).

و لو انعقد الحول على الانفراد في حق أحد الخليطين دون الآخر كما لو ملك أحدهما غرّة المحرّم و الآخر غرّة صفر، و كما ملك خلطا، فإذا جاء المحرّم فعلى الأول شاة في الجديد، و نصف شاة في القديم(2).

و أمّا الثاني فإذا جاء صفر فعليه نصف شاة - في القديم - و في الجديد، وجهان: شاة، لأنّ الأول لم يرتفق بخلطته فلا يرتفق هو بخلطة الأول، و أظهرهما: نصف شاة، لأنّه كان خليطا في جميع الحول، و في سائر الأحوال يثبت حكم الخلطة على القولين إلاّ عند ابن سريج(3).

و لو طرأت خلطة الشيوع على الانفراد كما لو ملك أربعين شاة، ثم باع بعد ستّة أشهر نصفها مشاعا، فالظاهر أنّ الحول لا ينقطع، لاستمرار النصاب بصفة الاشتراك، فإذا مضت ستّة أشهر من وقت البيع فعلى البائع نصف شاة و لا شيء على المشتري إن أخرج البائع واجبة من المشترك، لنقصان النصاب.

و إن أخرجها من غيره، و قلنا: الزكاة في الذمة، فعليه أيضا نصف شاة عند تمام حوله، و إن قلنا: تتعلّق بالعين ففي انقطاع حول المشتري قولان:

أرجحهما: الانقطاع، لأنّ إخراج الواجب من غير النصاب يفيد عود الملك بعد الزوال لا أنّه يمنع الزوال(4).

ج - إذا اجتمع في ملك الواحد ماشية مختلطة، و اخرى من جنسها منفردة كما لو خلط عشرين شاة بمثلها لغيره و له أربعون ينفرد [بها](5) ففيما يخرجان الزكاة ؟ قولان مبنيّان على أنّ الخلطة خلطة ملك أي يثبت حكم الخلطة فيق.

ص: 96


1- الوجيز 83:1، المجموع 441:5، فتح العزيز 449:5.
2- المهذب للشيرازي 158:1-159، المجموع 441:5، فتح العزيز 453:5.
3- المهذب للشيرازي 158:1-159، المجموع 441:5، فتح العزيز 454:5.
4- المهذب للشيرازي 159:1، المجموع 442:5، فتح العزيز 459:5-462.
5- زيادة يقتضيها السياق.

كلّ ما في ملكه، لأنّ الخلطة تجعل مال الاثنين كمال الواحد، و مال الواحد يضمّ بعضه إلى بعض و إن تفرّقت أماكنه، فعلى هذا كان صاحب الستّين خلط جميع ماله بعشرين، فعليه ثلاثة أرباع شاة، و على الآخر ربعها.

أو أنّها خلطة عين أي يقتصر حكمها على عين المخلوط، لأنّ خفّة المئونة إنّما تحصل في القدر المخلوط و هو السبب في تأثير الخلطة، فعلى صاحب العشرين نصف شاة، لأنّ جميع ماله خليط عشرين، و في أربعين شاة، فحصّة العشرين نصفها(1).

و في صاحب الستّين وجوه: أصحّها عنده: أنه يلزمه شاة، لأنّه اجتمع في ماله الاختلاط و الانفراد فغلّب حكم الانفراد، كما لو انفرد بالمال في بعض الحول فكأنّه منفرد بجميع الستّين، و فيها شاة.

و الثاني: يلزمه ثلاثة أرباع شاة، لأنّ جميع ماله ستّون، و بعضه مختلط حقيقة، و ملك الواحد لا يتبعّض حكمه فيلزم إثبات حكم الخلطة للباقي، فكأنّه خلط جميع الستّين بالعشرين، و واجبها شاة حصّة الستّين ثلاثة أرباعها.

الثالث: يلزمه خمسة أسداس شاة و نصف سدس جمعا بين اعتبار الخلطة و الانفراد، ففي الأربعين حصّتها من الواجب لو انفرد بالكلّ و هو شاة حصّة الأربعين ثلثا شاة، و في العشرين حصّتها من الواجب لو خلط الكلّ و هي ربع شاة لأنّ الكلّ ثمانون، و واجبها شاة.

الرابع: أنّ عليه شاة و سدس شاة من ذلك نصف شاة في العشرين المختلطة، كما أنّه واجب خليطه في ماله، و ثلثا شاة في الأربعين المنفردة و ذلك حصة الأربعين لو انفرد بجميع ماله.

الخامس: أنّ عليه شاة في الأربعين و نصف شاة في العشرين، كما لو0.

ص: 97


1- المهذب للشيرازي 159:1، المجموع 444:5، فتح العزيز 469:5-470.

كانا لمالكين(1).

و لو خلط عشرين بعشرين لغيره و لكلّ منهما أربعون منفردة، إن قلنا بخلطة الملك فعليهما شاة، لأنّ الكلّ مائة و عشرون و إن قلنا بخلطة العين فوجوه: أصحها: أنّ على كلّ منهما شاة.

الثاني: ثلاثة أرباع، لأنّ كلاّ منهما يملك ستّين بعضها خليط عشرين فيغلب حكم الخلطة في الكلّ، و الكلّ ثمانون، حصّة ستّين ما قلنا.

الثالث: على كلّ منهما خمسة أسداس شاة و نصف سدس جمعا بين الاعتبارين، فيقدّر كلّ واحد منهما كأنّه منفرد بالستّين، و فيها شاة، فحصّة الأربعين منها ثلثا شاة، ثم يقدّر أنّه خلط جميع الستّين بالعشرين و المبلغ ثمانون، و فيها شاة، فحصّة العشرين منها ربع شاة.

و قيل: على كلّ واحد خمسة أسداس شاة بلا زيادة تجب في العشرين بحساب ما لو كان جميع المالين مختلطا و هو مائة و عشرون و واجبها شاة، فحصة العشرين سدس شاة و في الأربعين ثلثا شاة(2).

الرابع: على كلّ منهما شاة و سدس شاة، نصف شاة في العشرين المختلطة قصرا لحكم الخلطة على الأربعين، و ثلثا شاة في الأربعين المنفردة.

الخامس: على كلّ واحد شاة و نصف شاة، شاة للأربعين المنفردة، و نصف للعشرين المختلطة(3).

د - لو خالط الشخص ببعض ماله واحدا و ببعضه آخر و لم يتشارك الآخران بأن يكون له أربعون فخلط منها عشرين بعشرين لرجل لا يملك غيرها،5.

ص: 98


1- المجموع 444:5، الوجيز 84:1، فتح العزيز 471:5-473.
2- فتح العزيز 474:5.
3- المجموع 444:5، فتح العزيز 473:5-475.

و عشرين بعشرين لآخر كذلك، فإن قلنا بخلطة الملك فعلى صاحب الأربعين نصف شاة، لأنّه خليطهما و مبلغ الأموال ثمانون، و حصّة الأربعين منها النصف، و كلّ واحد من خليطيه يضمّ ماله إلى جميع مال صاحب الأربعين.

و هل يضمّه إلى مال الآخر؟ وجهان: الضمّ، لينضمّ الكلّ في حقّهما كما انضمّ في حق صاحب الأربعين، فعلى كلّ واحد منهما ربع شاة.

و العدم، لأنّ كلاّ منهما لم يخالط الآخر بماله بخلاف صاحب الأربعين فإنه خالط لكلّ واحد منهما، فعلى كلّ واحد ثلث شاة.

و إن قلنا بخلطة العين فعلى كلّ من الآخرين نصف شاة، لأنّ مبلغ ماله و ما خالط ماله أربعون(1).

و في صاحب الأربعين وجوه:

أحدها: تلزمه شاة تغليبا للانفراد و إن لم يكن منفردا حقيقة لكن ما لم يخالط به أحدهما فهو منفرد عنه فيعطى حكم الانفراد، و يغلب حتى يصير كالمنفرد بالباقي أيضا، و كذا بالإضافة إلى الخليط الثاني فكأنّه لم يخالط أحدا.

الثاني: يلزمه نصف شاة، تغليبا للخلطة، فإنّه لا بدّ من إثبات حكم الخلطة حيث وجدت حقيقة، و اتّحاد المال يقتضي ضمّ أحد ماليه إلى الآخر، فكلّ المال ثمانون، فكأنّه خلط أربعين بأربعين.

الثالث: يلزمه ثلثا شاة جمعا بين اعتبار الخلطة و الانفراد، بأن يقال:

لو كان جميع ماله مع [مال](2) زيد لكان المبلغ ستّين و واجبها شاة، حصّة العشرين الثلث، و كذا يفرض في حقّ الثاني فيجتمع عليه ثلثان(3).

مسألة 56: قد بيّنا أنّه إذا ملك أربعين وجب عليه الشاة و إن تعدّدت
اشارة

ص: 99


1- المجموع 445:5، فتح العزيز 476:5-477.
2- زيادة يقتضيها السياق.
3- المجموع 445:5، فتح العزيز 477:5-478.

أماكنها، و سواء كان بينهما مسافة القصر أو لا عند علمائنا أجمع، و به قال عامة العلماء(1).

لقوله صلّى اللّه عليه و آله: (في أربعين شاة شاة)(2).

و لأنّه ملك واحد فأشبه ما لو تقاربت البلدان.

و عن أحمد رواية: أنّه إن كان بينهما مسافة القصر فلكلّ مال حكم نفسه يعتبر على حدته، إن كان نصابا ففيه الزكاة و إلاّ فلا، و لا يضمّ إلى المال الذي في البلد الآخر.

قال ابن المنذر: لا أعلم هذا القول عن غير أحمد.

لقوله عليه السلام: (لا يجمع بين مفترق)(3) و هذا مفترق فلا يجمع.

و لأنّه لمّا أثّر اجتماع مالين لرجلين في كونهما كالمال الواحد يجب أن يؤثّر افتراق مال الرجل الواحد حتى يجعله كالمالين(4).

و قد بيّنا أنّ المراد لا يجمع بين متفرّق في الملك، و المقيس عليه ممنوع.

فروع:

أ - إذا كان له ثمانون شاة مضى عليها ستّة أشهر فباع منها النصف مشاعا أو أربعين معيّنة انقطع الحول في المبيع دون الباقي إجماعا، لأنّه نصاب فإذا تمّ الحول فزكاته على البائع، و إذا حال حول المبيع كانت زكاته على المشتري.

ص: 100


1- المغني 485:2، الشرح الكبير 543:2.
2- سنن أبي داود 98:2-1568، سنن الترمذي 17:3-621، سنن ابن ماجة 577:1-1805 و 578-1807، و سنن البيهقي 116:4.
3- صحيح البخاري 145:2، سنن ابن ماجة 576:1-1801 و 577-1805، سنن الترمذي 19:3-621، مسند أحمد 12:1 و 15:2، و سنن البيهقي 105:4.
4- المغني 485:2، الشرح الكبير 543:2.

و قال الشافعي: تكون زكاة المشتري زكاة الخلطة(1).

ب - إذا ملك أربعين في المحرّم، و أربعين في صفر، و أربعين في شهر ربيع، و حال الحول على الجميع، فعليه في الأول شاة عندنا، و لا شيء عليه في الزائد، لقصوره عن النصاب، و الجميع لمالك واحد، و به قال أحمد في رواية(2).

و قال الشافعي - في القديم -: عليه في كلّ أربعين ثلث شاة، و - على الجديد - في الأولى شاة، و في الثانية نصف شاة، لأنّها مختلطة بالأربعين الاولى في جميع الحول، و في الثالثة ثلث شاة، لاختلاطها بالثمانين في جميع الحول(3).

و له وجه آخر: وجوب شاة في كلّ واحدة(4).

ج - لو ملك ثلاثين من البقر و اشترى بعد ستّة أشهر عشرا، فعليه عند تمام حول الثلاثين تبيع، و عند تمام حول العشر ربع مسنّة، فإذا تمّ حول آخر على الثلاثين فعليه ثلاثة أرباع مسنّة، و إذا حال حول آخر على العشر فعليه ربع مسنّة، و هكذا، و به قال بعض الشافعيّة(5).

و قال ابن سريج: لا ينعقد حول العشر حتّى يتمّ حول الثلاثين ثم يستأنف حول الكلّ(6). و لا بأس به.

و يحتمل وجوب التبيع عند تمام كلّ حول الثلاثين، و ربع المسنّة عند تمام كلّ حول العشرة.

و كذا لو ملك أربعين من الغنم ستّة أشهر، ثم ملك إحدى و ثمانين5.

ص: 101


1- المجموع 443:5، فتح العزيز 463:5.
2- المغني 483:2، الشرح الكبير 539:2.
3- المهذب للشيرازي 151:1، المجموع 366:5، فتح العزيز 455:5-457.
4- فتح العزيز 457:5.
5- المجموع 365:5، فتح العزيز 484:5.
6- المجموع 365:5، فتح العزيز 484:5.

فالأقرب أنّ عليه عند كمال حول الأولى شاة، و عند كمال حول الثانية شاة أخرى، و هكذا.

و لو ملك أربعين شاة في المحرّم، و مائة في صفر، و مائة في ربيع فعليه عند تمام حول الأولى شاة، و كذا عند تمام حول الثانية و الثالثة، لأنّا نجعل ملكه في الإيجاب كملكه لذلك في حال واحدة فصار كأنّه ملك مائتين و أربعين فتجب ثلاث شياه عند تمام حول كلّ مال شاة.

و قال بعض الجمهور: يجب عليه في الشهر الثاني حصّة من فرض الثالث معا و هي شاة و ثلاثة أسباع شاة، لأنّه لو ملك المالين دفعة كان عليه فيهما شاتان حصّة المائة منهما خمسة أسباعهما و هو شاة و ثلاثة أسباع شاة، و عليه في الثالث شاة و ربع، لأنّه لو ملك الجميع دفعة - و هو مائتان و أربعون - كان عليه ثلاث شياه حصّة الثالث ربعهنّ و سدسهنّ و هو شاة و ربع(1).

د - لو ملك عشرين من الإبل في المحرّم و ستّا في صفر فعليه في العشرين عند تمام حولها أربع شياه، و في الستّ عند تمام حولها ستّة أجزاء من ستّة و عشرين جزءا من بنت مخاض.

و لو ملك في المحرّم ستّا و عشرين، و في صفر خمسا فعليه في الأول عند تمام حوله بنت مخاض، و لا شيء عليه في الخمس الزائدة.

و قال بعض الجمهور: عليه فيها شاة، لأنّه نصاب كامل وجبت الزكاة فيه بنفسه(2). و هو ممنوع.

و قال آخرون: عليه سدس بنت مخاض(3). بناء على أنّ بنت المخاض تجب في خمس و عشرين.

و على الخلطة، فإن ملك مع ذلك في ربيع ستّا اخرى فعليه في الأول2.

ص: 102


1- المغني 484:2، الشرح الكبير 540:2.
2- المغني 484:2، الشرح الكبير 541:2.
3- المغني 484:2، الشرح الكبير 541:2.

عند تمام حوله بنت مخاض، و لا شيء في الخمس حتّى يتمّ حول الستّ فيجب فيها ربع بنت لبون و ربع تسعها.

و قال بعض الجمهور: عليه في الخمس سدس (بنت مخاض)(1) إذا تمّ حولها، و في الستّ سدس بنت لبون عند تمام حولها(2).

و قيل: عليه في الخمس الثانية شاة عند تمام حولها، و في الستّ شاة عند تمام حولها(3).2.

ص: 103


1- ورد في النسخ الخطية و الطبعة الحجرية بدل ما بين القوسين: (شاة) و ما أثبتناه موافق للمصادر.
2- المغني 484:2، الشرح الكبير 541:2.
3- المغني 484:2، الشرح الكبير 541:2.

ص: 104

الفصل الخامس في صفة الفريضة
مسألة 57: أسنان الإبل المأخوذة في الزكاة أربع:

بنت مخاض و هي التي كملت سنة، و دخلت في الثانية، و سمّيت بذلك، لأنّ أمّها ماخض أي حامل، و المخاض اسم جنس لا واحد له من لفظه، و الواحدة: خلفة.

و بنت لبون: و هي التي كمل لها سنتان، و دخلت في الثالثة، سمّيت بذلك، لأنّ أمّها قد ولدت و صار بها لبن.

و حقّة و هي التي لها ثلاث سنين، و دخلت في الرابعة، سمّيت بذلك، لاستحقاقها أن يطرقها الفحل، أو لأن يحمل عليها.

و جذعة - بفتح الذال - و هي التي لها أربع سنين، و دخلت في الخامسة، و هي أكبر سنّ تؤخذ في الزكاة.

و لا توجب حقيقة بنت المخاض أو بنت اللبون، بل ما كمل لها ما قدّر لها و إن لم تكن لها أمّ، و لا يجب ما زاد على الجذعة في الزكاة.

و يسمّى ما دخل في السادسة ثنيّ، و ما دخل في السابعة رباع و رباعية، و ما دخل في الثامنة سديس و سدس، و ما دخل في التاسعة بازل، لأنّه طلع

ص: 105

نابه، ثم يقال: بازل عام، و بازل عامين، و هكذا، و البازل و المخلف واحد، و ما دون بنت المخاض يقال له: فصيل، و حوار: أوّل ما ينفصل الولد، ثم بنت مخاض.

و أسنان البقر: أوّلها: الجذع و الجذعة و هي التي لها حول، و يسمّى شرعا: تبيعا و تبيعة، لقوله صلّى اللّه عليه و آله: (تبيع أو تبيعة جذع أو جذعة)(1).

و كذا قال الباقر و الصادق عليهما السلام حيث فسّراهما بالحولي(2).

فإذا كمل سنتين و دخل في الثالثة فهو ثنيّ و ثنيّة و هي المسنّة شرعا، فإذا دخل في الرابعة فهو رباع و رباعية، فإذا دخل في الخامسة فهو سديس و سدس، فإذا دخل في السادسة فهو صالغ - بالصاد غير المعجمة و الغين المعجمة - ثم لا اسم له، بل يقال: صالغ عام و عامين و ثلاثة. و هكذا.

و أمّا الغنم، فأوّل ما تلد الشاة يقال لولدها: سخلة، ذكرا كان أو أنثى في الضأن و المعز، ثم يقال بعد ذلك: بهمة، ذكرا كان أو أنثى فيهما، فإذا بلغت أربعة أشهر، ففي الغنم: جفر، للذكر، و جفرة، للأنثى، و جمعهما: جفار، فإذا جازت أربعة أشهر فهي العتود، و جمعها: عتدان، و عريض، و جمعها: عراض، و يقال لها من حين الولادة إلى هذه الغاية:

عناق، للأنثى، و للذكر: جدي، فإذا كملت سنة فالأنثى: عنز، و الذكر:

تيس، فإذا دخلت في الثانية فهي جذعة، و الذكر: جذع، فإذا دخلت في الثالثة فهي الثنيّة، و الذكر: ثنيّ، فإذا دخلت في الرابعة فرباع و رباعية، فإذا دخلت في الخامسة فهي سديس و سدس، فإذا دخلت في السادسة فهي صالغ، ثم صالغ عام و عامين دائما(3).2.

ص: 106


1- سنن البيهقي 99:4.
2- راجع: الكافي 534:3-1، و التهذيب 24:4-57.
3- فقه اللغة - للثعالبي -: 88-89، حياة الحيوان - للدميري - 123:2.

و أما الضأن فالسخلة و البهمة مثل ما في المعز سواء، ثم هو حمل للذكر و رخل للأنثى إلى سبعة أشهر، فإذا بلغتها، قال ابن الأعرابي: إن كان من شابين فهو جذع، و إن كان من هرمين فلا يقال: جذع حتى يستكمل ثمانية أشهر و هو جذع أبدا حتى يستكمل سنة، فإذا دخل في الثانية فهو ثنيّ و ثنيّة(1) على ما ذكرناه في المعز سواء إلى آخرها.

و إنّما قيل في الضأن: جذع إذا بلغ سبعة أشهر، و أجزأ في الأضحية، لأنّه ينزو حينئذ و يضرب، و المعز لا ينزو حتى يدخل في الثانية.

مسألة 58: الشاة المأخوذة في نصب الإبل و الجبران و الغنم: الجذعة من الضأن، و الثنيّة من المعز،
اشارة

لقول سويد بن غفلة: أتانا مصدّق رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، و قال: نهانا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أن نأخذ من المراضع(2) ، و أمرنا بالجذعة و الثنيّة(3) ، و به قال الشافعي و أحمد(4).

و قال أبو حنيفة: لا يؤخذ إلاّ الثنيّة منهما(5).

و قال مالك: الجذعة فيهما(6).

ص: 107


1- راجع: لسان العرب 44:8.
2- سنن النسائي 30:5، سنن أبي داود 102:2-1579 نقلا بالمعنى.
3- أورده ابنا قدامة في المغني 474:2، و الشرح الكبير 517:2.
4- الام 8:2، مختصر المزني: 41، الوجيز 80:1، فتح العزيز 345:5، حلية العلماء 53:3، مغني المحتاج 370:1، المغني 473:2، الشرح الكبير 516:2.
5- المغني 473:2-474، الشرح الكبير 516:2-517، فتح العزيز 345:5، حلية العلماء 53:3.
6- المنتقى - للباجي - 143:2، المدوّنة الكبرى 312:1، فتح العزيز 345:5، حلية العلماء 53:3، المغني 474:2، الشرح الكبير 517:2.
فروع:

أ - يجزئ الذكر و الأنثى، لأنّه صلّى اللّه عليه و آله أطلق لفظ الشاة(1) ، و هو يتناول الذكر و الأنثى، و هو أحد وجهي الشافعي، و في الثاني:

تجب الأنثى، لأنّ الغنم الواجبة في نصبها إناث(2).

ب - يجوز أن يخرج من غنم البلد و غيره، و من غنمه و غيرها، عملا بالإطلاق.

و قال الشافعي: يؤخذ من غالب غنم البلد سواء كانت شامية، أو مكيّة، أو عربيّة، أو نبطيّة(3) ، و اختاره الشيخ(4) ، فإن قصد بذلك الوجوب، منعناه عملا بالإطلاق.

و لا فرق بين أن يكون ما يخرجه من الغنم من جنس غالب غنم البلد أو لا، خلافا للشافعي(5).

و لو عدل من جنس بلده إلى جنس بلد آخر أجزأ و إن كان أدون من غنم بلده، خلافا للشافعي(6).

ج - يجوز أن يخرج من الضأن أو المعز سواء كان الغالب أحدهما أو لا، و سواء كان عنده أحدهما أو لا، لقول سويد بن غفلة: أتانا مصدّق رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، فقال: أمرنا أن نأخذ الجذع من الضأن و الثنيّ من

ص: 108


1- انظر على سبيل المثال: سنن الدارقطني 113:2-1، سنن أبي داود 98:2-1568، و سنن البيهقي 116:4.
2- المهذب للشيرازي 156:1، المجموع 422:5، الوجيز 82:1، فتح العزيز 374:5-376، حلية العلماء 55:3.
3- المجموع 398:5، الوجيز 80:1، فتح العزيز 346:5.
4- المبسوط للطوسي 196:1.
5- المجموع 398:5، الوجيز 80:1، فتح العزيز 346:5.
6- المجموع 398:5، الوجيز 80:1، فتح العزيز 346:5.

المعز(1) ، و لأنّ اسم الشاة يتناولهما، و به قال الشافعي(2).

و قال مالك: ينظر إلى الغالب فيؤخذ منه، فإن تساويا أخرج من أيّهما شاء، و به قال عكرمة و إسحاق(3).

و ما قلناه أولى، فيخرج من أحد النوعين ما قيمته كقيمة المخرج من النوعين، فإذا تساويا عددا و كانت قيمة المخرج من أحدهما اثني عشر و من الآخر خمسة عشر أخرج من أحدهما ما قيمته ثلاثة عشر و نصف، و لو كان الثلث ضأنا و ثلثان ماعزا(4) أخرج ما قيمته ثلاثة عشر، و لو انعكس أخرج ما قيمته أربعة عشر.

د - يجزئ إخراج البعير عن الشاة و إن كانت قيمته أقلّ من قيمة الشاة، على إشكال - و به قال الشافعي و أصحاب الرأي(5) - لأنّه يجزئ عن ستّ و عشرين فعن الأقلّ أولى.

و قال مالك و داود و أحمد: لا يجزئه، لأنّه أخرج غير الواجب فلا يجزئه إلاّ بالقيمة(6) ، و لا بأس به.

و كذا يجزئ إخراج المسنّة عن التبيع.

ه - لو كانت الإبل كراما سمانا ففي وجوب كون الشاة كذلك إشكال ينشأ من الإطلاق، و من وجوب ذلك في المأخوذ من الإبل، و أوجب الشافعي2.

ص: 109


1- أورده ابنا قدامة في المغني 474:2، و الشرح الكبير 517:2.
2- الام 11:2، مختصر المزني: 41، المهذب للشيرازي 155:1، المجموع 397:5، الوجيز 80:1، فتح العزيز 345:5.
3- المدوّنة الكبرى 316:1 و 317، المنتقى - للباجي - 127:2 و 132، الشرح الصغير 209:1، المغني 474:2، فتح العزيز 346:5.
4- الماعز اسم جنس و هي العنز، و الجمع: معز. لسان العرب 410:5.
5- المهذب للشيرازي 153:1، المجموع 359:5 و 396، فتح العزيز 347:5، حلية العلماء 40:3، المغني 440:2، الشرح الكبير 481:2.
6- المجموع 395:5، فتح العزيز 347:5، حلية العلماء 41:3، المغني 440:2، الشرح الكبير 481:2.

المساواة(1).

أمّا لو كانت الإبل مراضا، فللشافعيّة في الشاة قولان(2): صحيحة تجزئ في الأضحية، و شاة بقيمة المراض، فيقال: كم قيمة الإبل صحاحا؟ فإذا قيل: مائة، قيل: و كم قيمتها مراضا؟ فإذا قيل: خمسون، قيل: كم قيمة الشاة الصحيحة المجزئة ؟ فإذا قيل: عشرة، أخذ شاة صحيحة قيمتها خمسة، فإن أمكن أن تشترى بحيث تجزئ في الأضحية بهذه الصفة و إلاّ فرّق الدراهم.

و - يخرج عن الماشية من جنسها على صفتها، فيخرج عن البخاتي بختية، و عن العراب عربيّة، و عن الكرام كريمة، و عن السمان سمينة، فإن أخرج عن البخاتي عربيّة بقيمة البختية، أو عن السمان هزيلة بقيمة السمينة جاز، لأنّ القصد التساوي في القيمة مع اتّحاد الجنس.

و منع بعض الجمهور منه، لما فيه من تفويت صفة مقصودة فلم يجز، كما لو أخرج من غير الجنس(3).

و الحكم في الأصل ممنوع، و لو قصرت القيمة فالوجه: عدم الإجزاء.

و لو أخرج عن اللئيمة كريمة، و عن الهزيلة سمينة أجزأ بلا خلاف.

قال أبيّ بن كعب: بعثني رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله مصدّقا، فمررت برجل فلمّا جمع لي ماله لم أجد عليه فيه إلاّ بنت مخاض، فقلت له:

أدّ بنت مخاض فإنّها صدقتك، فقال: ذاك ما لا لبن فيه و لا ظهر، و لكن هذه ناقة فتية عظيمة سمينة فخذها، فقلت: ما أنا بآخذ ما لم اؤمر به، و هذا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله منك قريب فإن أحببت أن تأتيه فتعرض عليه ما عرضت2.

ص: 110


1- حلية العلماء 42:3.
2- المهذب للشيرازي 155:1، المجموع 395:5 و 399، فتح العزيز 348:5، حلية العلماء 41:3-42.
3- حكاه ابنا قدامة في المغني 445:2، و الشرح الكبير 513:2.

عليّ فافعل، فإن قبله منك قبلته، و إن ردّه عليك رددته، قال: فإنّي فاعل، فخرج معي و خرج بالناقة التي عرض عليّ حتى قدمنا على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، فقال له: يا نبي اللّه أتاني رسولك ليأخذ منّي صدقة مالي، و ايم اللّه ما قام في مالي رسول اللّه و لا رسوله قط قبله، فجمعت له مالي، فزعم أنّ ما عليّ فيه بنت مخاض، و ذلك ما لا لبن فيه و لا ظهر، و قد عرضت عليه ناقة فتية سمينة عظيمة ليأخذها فأبى، و ها هي ذه قد جئتك بها يا رسول اللّه خذها، فقال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: (ذاك الذي وجب عليك فإن تطوّعت بخير آجرك اللّه فيه و قبلناه منك) قال: فها هي ذه يا رسول اللّه قد جئتك بها، قال: فأمر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بقبضها، و دعا له في ماله بالبركة(1).

و يحتمل إجزاء أيّ الصنفين شاء في جميع ذلك إذا كان بالصفة الواجبة.

مسألة 59: و لا تؤخذ مريضة من الصحاح، و لا هرمة، و لا ذات عوار
اشارة

أي: ذات عيب، لقوله تعالى وَ لا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ (2).

و قال النبي صلّى اللّه عليه و آله: (لا تخرج في الصدقة هرمة و لا ذات عوار و لا تيس إلاّ ما شاء المصدّق)(3) أي: العامل.

فقيل: التيس لا يؤخذ، لنقصه، و فساد لحمه، و كونه ذكرا(4).

و قيل: لفضيلته، لأنّه فحلها(5).

و من طريق الخاصة قول الصادق عليه السلام: «و لا تؤخذ هرمة، و لا ذات عوار، إلاّ أن يشاء المصدّق، يعدّ صغيرها و كبيرها»(6).

ص: 111


1- سنن أبي داود 104:2-1583، مسند أحمد 142:5، سنن البيهقي 96:4-97.
2- البقرة: 267.
3- صحيح البخاري 147:2، الموطّأ 259:1-23، و سنن الدارقطني 114:2-2.
4- المغني 464:2، الشرح الكبير 518:2.
5- المغني 464:2، الشرح الكبير 518:2.
6- التهذيب 20:4-52، الاستبصار 19:2-56 و 23-62.
فروع:

أ - لو كانت الإبل كلّها مراضا جاز أن يأخذ مريضة، و لا تجب صحيحة، و به قال الشافعي و أحمد(1) ، لأنّ المال إذا وجب فيه من جنسه لم يجب الخيار من الرديء كالحبوب.

و قال مالك: تجب عليه صحيحة من غير المال(2) ، لقوله عليه السلام:

(و لا ذات عوار)(3).

و هو محمول على ما إذا كان النصاب صحاحا.

و لو كانت كلّها مراضا إلاّ مقدار الفرض تخيّر بين إخراجه و شراء مريضة.

و لو كان النصف صحيحا، و النصف مريضا أخرج صحيحة بقيمة المريضة.

ب - لو كانت كلّها مراضا، و الفرض صحيح لم يجز أن يعطي مريضا، لأنّ في الفرض صحيحا، بل يكلّف شراء صحيح بقيمة الصحيح و المريض، فإذا كانت بنت لبون صحيحة في ستّ و ثلاثين مراض كلّف بنت لبون صحيحة بقيمة جزء من ستّة و ثلاثين جزءا من صحيحة، و خمسة و ثلاثين جزءا من مريضة.

ج - لو كان المال كلّه صحاحا، و الفرض مريض لم يجز أخذه، و كان له الصعود و النزول مع الجبران، أو يشتري فرضا بقيمة الصحيح و المريض.

د - لو كانت كلّها مراضا و ليس فيها الفرض فأراد أن يصعد و يطلب

ص: 112


1- المهذب للشيرازي 155:1، المجموع 399:5، فتح العزيز 369:5، الوجيز 82:1، المغني 467:2، الشرح الكبير 508:2.
2- المنتقى - للباجي - 131:2، المغني 467:2، الشرح الكبير 508:2، فتح العزيز 369:5.
3- تقدّمت الإشارة إلى مصادره في الهامش (3) من الصفحة 111.

الجبران لم يكن له ذلك، لأنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله جعل الجبران بين الفرضين الصحيحين(1) ، فلا يدفعه بين المريضين، لأنّ قيمتهما أقلّ من قيمة الصحيحين، و كذلك قيمة ما بينهما.

و لو أراد النزول و دفع الجبران جاز، و المعيب كالمريض في ذلك كلّه.

ه - لو كان عليه حقّتان، و نصف ماله مريض، و نصفه صحيح كان له إخراج حقّة صحيحة و حقّة مريضة، لأنّ النصف الذي يجب فيه إحدى الحقّتين مريض كلّه.

و قال أحمد: لا تجزئ، لأنّ في ماله صحيحا و مريضا فلا يملك إخراج مريضة، كما لو كان نصابا واحدا(2).

و - لو كانت كلّها صغارا أخرج منها، و به قال الشافعي(3).

و قال مالك: تجب كبيرة(4).

ز - لو كان الصحيح دون قدر الواجب كمائتي شاة ليس فيها إلاّ صحيحة أجزأ إخراج صحيحة و مريضة، و هو أصح وجهي الشافعيّة.

و الثاني لهم: إلزامه بصحيحتين، لأنّ المخرجتين كما تزكّيان الباقي تزكّي كلّ واحدة منهما الأخرى فيلزم أن تزكّي المريضة الصحيحة و هو ممتنع(5).

و نمنع كون كلّ منهما تزكّي الأخرى.5.

ص: 113


1- انظر: صحيح البخاري 145:2، سنن الدارقطني 113:2-114-2، و سنن البيهقي 85:4.
2- المغني 466:2-467، الشرح الكبير 511:2.
3- المهذب للشيرازي 155:1، المجموع 423:5، فتح العزيز 380:5، حلية العلماء 54:3.
4- حلية العلماء 54:3، فتح العزيز 383:5.
5- المجموع 419:5-420، فتح العزيز 371:5.

ح - لو كان له أربعون بعضها صحيح، و بعضها مريض أخرج صحيحة قيمتها ربع عشر الأربعين التي يملكها، لأنّ الواحد ربع عشر الأربعين.

و لو كان عنده مائة و إحدى و عشرون منقسمة أخرج صحيحتين قيمتهما قدر جزءين من مائة و إحدى و عشرين جزءا من قيمة الجملة و هو يغني عن النظر في قيمة آحاد الماشية.

و يحتمل التقسيط بالنسبة، فلو كان نصف الأربعين صحاحا، و نصفها مراضا، و قيمة كلّ مريضة دينار، و قيمة كلّ صحيحة ديناران أخرج صحيحة بقيمة نصف صحيحة و نصف مريضة و هي دينار و نصف.

ط - لو كان المال كلّه معيبا أخذت معيبة، و لو كان فيها سليم طولب بسليمة تقرب قيمتها من ربع عشر ماله، و إن كان الكلّ معيبا، و بعضها أردأ أخرج الوسط ممّا عنده.

و لو ملك ستّا و عشرين معيبة و فيها بنتا مخاض إحداهما أجود ما عنده لم يلزمه إخراجها، و في وجه للشافعي: وجوبه(1).

و العيب المعتبر في هذا الباب ما يثبت الردّ في البيع أو ما يمنع التضحية، و الوجهان للشافعية(2) ، و الأقرب: الأول.

ي - لو كانت ماشيته ذكرانا كلّها أجزأ أن يخرج منها ذكرا - و هو أحد وجهي الشافعي - كالمريضة، و في الآخر: لا يجوز - و به قال مالك - لورود النصّ بالإناث(3).

و قال بعضهم: إن أدّى أخذ الذكر في الإبل إلى التسوية بين نصابين لم يؤخذ و إلاّ أخذ، فلا يؤخذ ابن لبون من ستّ و ثلاثين، لأنّه مأخوذ من ستّ2.

ص: 114


1- فتح العزيز 372:5-373، المجموع 421:5.
2- المجموع 420:5، فتح العزيز 373:5.
3- المجموع 421:5، الوجيز 82:1، فتح العزيز 374:5-376، المنتقى - للباجي - 130:2.

و عشرين فيؤدّي إلى التسوية، و يؤخذ حقّ من ستّ و أربعين، و جذع من إحدى و ستّين، و ابن مخاض من ستّ و عشرين(1).

و الوجه عندي في ذلك اتّباع النصّ، فلا يجزئ في ستّ و عشرين ابن مخاض، و لا في ستّ و أربعين حقّ، و لا جذع في إحدى و ستّين، لورود النصّ بالأنثى، و يجزئ في غير ذلك كالغنم.

يا - لا يجزئ الصغار عن الكبار، لورود النصّ بالسنّ، نعم لو كانت كلّها صغارا أجزأ الواحد منها - و هو متعذّر في أكثر المواشي عند أكثر الجمهور، لاشتراط حولان الحول فيخرج إلى حدّ الإجزاء(2) ، و يتأتّى(3) على مذهبنا، و مذهب أبي حنيفة(4) ، لأنّ الحول إنّما يبتدأ من وقت زوال الصغر - و هو أحد وجهي الشافعي(5).

و يتصوّر على مذهبه(6) بأن يحدث من الماشية نتاج في الحول، ثم تموت الأمّهات، و يبقى من النتاج النصاب فتجب الزكاة في النتاج إذا تمّ حول الأصل - و به قال مالك - أو يمضي على صغار المعز حول فتجب فيها الزكاة و إن لم تبلغ سنّ الإجزاء عنده على الأظهر، لأن سنّ إجزاء المعز سنتان(7).

و في الثاني: لا يجوز أخذ الصغيرة عن الصغار.

و منهم من سوّغ في الغنم، و في الإبل و البقر ثلاثة أوجه:

المنع، لما فيه من التسوية بين ستّ و عشرين من الإبل و إحدى و ستّين5.

ص: 115


1- فتح العزيز 376:5.
2- راجع: فتح العزيز 379:5، و المجموع 423:5.
3- بهامش نسخة «ن»: أي: و يتأتّى التعذّر على مذهبنا.
4- و هو: عدم انعقاد الحول على الصغار. راجع: بدائع الصنائع 31:2-32، و فتح العزيز 379:5.
5- فتح العزيز 380:5، المجموع 423:5.
6- أي: مذهب الشافعي.
7- فتح العزيز 379:5-380، المجموع 423:5.

و ما بينهما من النصابين في أخذ فصيل، و بين ثلاثين من البقر و أربعين في أخذ عجل.

الثاني: المنع من أخذ صغيرة من إحدى و ستّين فما دونها، لأنّ الواجب واحد، و فيما جاوز ذلك يعتبر العدد كالغنم.

و الزم على هذا أنّ الواجب في إحدى و تسعين حقّتان، و في ستّ و سبعين بنتا لبون، فالأولى على هذا أن يقال: إن أدّى أخذ الصغيرة إلى التسوية لم تؤخذ و إلاّ أخذت.

الثالث - و هو الأظهر - جواز(1) أخذها كما يؤخذ من الغنم(2).

يب - الأقرب جواز إخراج ثنيّة من المعز عن أربعين من الضأن، و جذعة من الضأن عن أربعين من المعز - و هو أحد وجهي الشافعي - لاتّحاد الجنس.

و الثاني: المنع، فيؤخذ الضأن من المعز دون العكس، لأنّ الضأن فوق المعز(3).

و لو اختلف النوع جاز إخراج مهما شاء المالك، و هو أحد وجهي الشافعي، و أظهرهما: التقسيط، و له آخر: التخيير إذا لم يمكن إخراج الصنفين، فإن أمكن كمائتين من الإبل نصفها مهرية(4) ، و نصفها عربية، تؤخذ حقّتان من هذه، و حقّتان من هذه، و له رابع: الأخذ من الأجود، و خامس: أن يؤخذ ا [ل] وسط(5).

مسألة 60: لا تؤخذ الربّى - و هي الوالد - إلى خمسة عشر يوما،
اشارة

و قيل:

ص: 116


1- ورد في النسخ الخطية و الطبعة الحجرية: عدم جواز.. و ما أثبتناه من المصادر.
2- المجموع 423:5-424، فتح العزيز 380:5-381.
3- المجموع 424:5، فتح العزيز 384:5، مغني المحتاج 374:1.
4- إبل مهرية: نسبة إلى قبيلة مهرة بن حيدان. لسان العرب 186:5.
5- المجموع 424:5-425، الوجيز 82:1، فتح العزيز 385:5-387، مغني المحتاج 375:1.

إلى خمسين، لاشتغالها بتربية ولدها.

و لا الماخض - و هي الحامل - و لا الأكولة - و هي السمينة المعدّة للأكل - و لا فحل الضراب، لقوله عليه السلام: (إيّاك و كرائم أموالهم)(1).

و نهى عليه السلام أن يأخذ شافعا(2) أي: حاملا، سمّيت به، لأنّ ولدها قد شفعها.

فإن تطوّع المالك بذلك أجزأ، و لو اتّصفت الكلّ بالماخض وجب إخراج ماخض، و كذا الأكولة مع السوم.

و أما الربّى ففي أخذها إشكال، للخوف على الولد، فالأقرب إلزامه بالقيمة.

فروع:

أ - إذا وجب عليه جذعة و كانت حاملا لم يكن للساعي أخذها إلاّ أن يتطوّع المالك و كذا إذا وجب عليه سنّ فأعطى المالك أعلى جاز و كان متطوّعا بالفضل، و لا نعلم فيه خلافا إلاّ من داود، فإنّه قال: لا يجوز أخذ الحامل و الأعلى من السنّ الواجب(3) ، لأنّه عدل المنصوص فلم يجزئه.

و لقوله عليه السلام لمعاذ: (إيّاك و كرائم أموالهم)(4).

و التنصيص على الأخفّ إرفاقا بالمالك فلا يمنع من الأعلى.

ب - لو تعدّد الفرض في ماشيته كان الخيار إلى المالك أيّ واحدة مجزئة

ص: 117


1- صحيح البخاري 147:2، صحيح مسلم 50:1-19، سنن أبي داود 105:2-1584، سنن الترمذي 21:3-625، سنن النسائي 55:5، سنن الدارمي 384:1، سنن ابن ماجة 568:1-1783، سنن البيهقي 102:4، و مسند أحمد 233:1.
2- سنن أبي داود 103:2-1581، سنن النسائي 32:5، سنن البيهقي 100:4.
3- المجموع 427:5-428، و حكاه الشيخ الطوسي في الخلاف 15:2، المسألة 10.
4- تقدّمت الإشارة إلى مصادره في صدر المسألة.

أخرجها جاز.

و قال بعض علمائنا: يقرع حتى تبقى الواجبة(1) ، و هو عندي على الاستحباب.

ج - إذا لم يظهر بالبهيمة الحمل و لكن طرقها الفحل لم يكن للساعي أخذها إلاّ برضا المالك، و كانت كالحامل ينتقل إلى ما فوقها أو دونها.

المطلب الثاني في زكاة الذهب و الفضة
مسألة 61: الذهب و الفضّة تجب فيهما الزكاة

بالنصّ و الإجماع.

قال اللّه تعالى وَ الَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَ الْفِضَّةَ وَ لا يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ اللّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ (2) و لا يتوعّد بهذه العقوبة إلاّ على ترك الواجب.

و قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: (ما من صاحب ذهب و لا فضّة لا يؤدّي منها حقّها إلاّ إذا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من نار فاحمي عليها في نار جهنم فيكوى جنبه و جبينه و ظهره كلّما بردت أعيدت له في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يقضى بين العباد)(3).

و أجمع المسلمون كافّة على الوجوب مع الشرائط.

مسألة 62: يشترط في وجوب الزكاة في هذين أمور أربعة:

الملك إجماعا، و الحول كذلك، و النصاب أيضا، و كونهما مضروبين منقوشين

ص: 118


1- حكاه أيضا المحقق في شرائع الإسلام 147:1، و انظر: الخلاف للشيخ الطوسي 25:2، المسألة 21.
2- التوبة: 34
3- صحيح مسلم 680:2-987، سنن أبي داود 124:2-1658، سنن البيهقي 4: 137.

دراهم و دنانير عند علمائنا خاصة، فلا زكاة في السبائك و النقار و التبر و الحليّ، لقوله عليه السلام: (ليس في الحليّ زكاة)(1).

و من طريق الخاصة قول الكاظم عليه السلام: «ليس في سبائك الذهب و نقار الفضّة زكاة»(2).

و قول الصادق و الكاظم عليهما السلام: «ليس على التبر زكاة»(3).

و قال الكاظم عليه السلام: «كلّ مال لم يكن ركازا فلا زكاة فيه» قلت:

و ما الركاز؟ قال: «الصامت المنقوش»(4) و لأنّه يجري مجرى الأمتعة.

و أوجب الجمهور كافّة الزكاة في غير المنقوش كالتبر و النقار(5) - و إن اختلفوا في الحليّ على ما يأتي(6) - للعموم، و الخاصّ مقدّم.

مسألة 63: و لكلّ منهما نصابان و عفوان

عندنا على ما يأتي(7) ، فأوّل نصاب الذهب عشرون مثقالا، و عليه إجماع العلماء - إلاّ ما حكي عن الحسن البصري(8) و شيخنا علي بن بابويه(9) فإنّهما قالا: لا شيء في الذهب حتى يبلغ أربعين مثقالا - لقول النبي صلّى اللّه عليه و آله: (ليس في أقلّ من عشرين

ص: 119


1- سنن الدارقطني 107:2 ذيل الحديث 4، و فيه عن جابر مقطوعا.
2- الكافي 518:3-8، التهذيب 8:4-19، الاستبصار 6:2-13.
3- التهذيب 7:4-18، الاستبصار 7:2-16.
4- المصادر في الهامش (2) من هذه الصفحة.
5- الشرح الصغير 218:1، المدوّنة الكبرى 243:1، المجموع 6:6، فتح العزيز 5:6، المبسوط للسرخسي 191:2، بدائع الصنائع 16:2-17، الهداية للمرغيناني 104:1، اللباب 148:1، المغني 597:2، الشرح الكبير 600:2.
6- يأتي في المسألة 70.
7- يأتي في نفس المسألة و المسألتين 66 و 68.
8- المجموع 17:6، حلية العلماء 90:3، المغني 599:2، الشرح الكبير 597:2.
9- حكاه عنه ابن إدريس في السرائر: 103.

مثقالا من الذهب، و لا في أقلّ من مائتي درهم صدقة)(1) و هو يدلّ بمفهومه على وجوبه في العشرين، خصوصا مع اقترانه بالمائتين.

و قول علي عليه السلام: «على كلّ أربعين دينارا دينار، و في كلّ عشرين نصف دينار»(2).

و من طريق الخاصة قول الباقر و الصادق عليهما السلام: «ليس فيما دون العشرين مثقالا من الذهب شيء، فإذا كملت عشرين مثقالا ففيها نصف مثقال إلى أربعة و عشرين، فإذا كملت أربعة و عشرين ففيها ثلاثة أخماس دينار إلى ثمانية و عشرين، فعلى هذا الحساب كلّما زاد أربعة»(3).

احتجّ ابن بابويه بقول الباقر و الصادق عليهما السلام: «في الذهب في كلّ أربعين مثقالا مثقال، و في الورق في كلّ مائتين خمسة دراهم، و ليس في أقلّ من أربعين مثقالا شيء، و لا في أقلّ من مائتي درهم شيء»(4).

و الجواب: يحتمل أن يكون أراد بالشيء المنفي فيما دون الأربعين هو الدينار الواجب في الأربعين لأنه مجمل فيجوز بيانه بما قلناه جمعا بين الأدلّة.

مسألة 64: أوّل نصاب الفضة مائتا درهم

بإجماع العلماء.

لقوله عليه السلام: (و لا في أقلّ من مائتي درهم صدقة)(5).

و قال عليه السلام: (في الرقّة ربع العشر، فإن لم يكن إلاّ تسعين و مائة

ص: 120


1- الأموال - لأبي عبيد -: 449-1291، و نقله عنه ابنا قدامة في المغني 599:2، و الشرح الكبير 598:2.
2- أورده ابنا قدامة في المغني 599:2، و الشرح الكبير 598:2 نقلا عن سعيد و الأثرم، و في مصنف ابن أبي شيبة 119:3 نحوه.
3- الكافي 515:3-516-3، التهذيب 6:4-13، الاستبصار 12:2-35.
4- التهذيب 11:4-29، الاستبصار 13:2-39.
5- المصادر في الهامش (1) من هذه الصفحة.

فليس فيها شيء إلاّ أن يشاء ربّها)(1) و الرقّة: الدراهم المضروبة.

و من طريق الخاصة قول أحدهما عليهما السلام: «ليس في الفضّة زكاة حتى تبلغ مائتي درهم، فإذا بلغت مائتي درهم ففيها خمسة دراهم»(2).

و اعلم أنّ المثاقيل لم تختلف في جاهلية و لا إسلام، و أمّا الدراهم فإنّها مختلفة الأوزان، فكانت في صدر الإسلام صنفين: سودا و طبريّة، و كانت السود كلّ درهم ثمانية دوانيق، و الطبريّة أربعة دوانيق، فجمعا في الإسلام و جعلا درهمين متساويين، كلّ درهم ستّة دوانيق، فالدراهم التي يعتبر فيها النصاب هي الدراهم التي كلّ عشرة منها وزن سبعة مثاقيل بمثقال الذهب، فكلّ درهم نصف مثقال و خمسه، و هي الدراهم الإسلامية التي يقدّر بها نصب الزكاة، و مقدار الجزية، و الديات، و نصاب القطع في السرقة، و غير ذلك، و الدانق: ثمان حبّات من أوسط حبّات الشعير.

مسألة 65: نصاب الذهب عشرون مثقالا، و لا تعتبر قيمته بالفضّة

عند علمائنا أجمع، و هو قول أكثر العلماء(3).

لقول علي عليه السلام: «في كلّ عشرين دينارا نصف دينار»(4).

و لأنّه نصاب تجب الزكاة في عينه فلا يعتبر بغيره كسائر الأموال الزكوية.

و قال طاوس و الزهري و سليمان بن حرب و أيوب السجستاني: إنّه معتبر بالفضّة، فما كان قيمته مائتي درهم ففيه الزكاة و إلاّ فلا، لأنّه لم يثبت عن النبي صلّى اللّه عليه و آله تقدير في نصابه فيحمل على الفضّة(5) ، و قد بيّنا النقل

ص: 121


1- صحيح البخاري 146:2-147، سنن أبي داود 97:2-1567، سنن النسائي 23:5.
2- التهذيب 12:4-30.
3- المغني 599:2، الشرح الكبير 597:2.
4- أوعزنا إلى مصادره في المسألة 63.
5- المغني 599:2، الشرح الكبير 597:2، و 598، حلية العلماء 90:3.

عنه و عن أهل بيته عليهم السّلام.

مسألة 66: لو نقص نصاب الذهب أو الفضّة شيئا يسيرا كالحبّة سقطت الزكاة

عند علمائنا، و به قال الشافعي و أبو حنيفة و إسحاق و ابن المنذر(1).

لقوله عليه السلام: (ليس فيما دون خمس أواق صدقة)(2) و الأوقية:

أربعون درهما إجماعا.

و من طريق الخاصة قول أحدهما عليهما السلام: «ليس في الفضّة زكاة حتى تبلغ مائتي درهم، و ليس في الذهب زكاة حتى يبلغ عشرين مثقالا»(3).

و قول الصادق عليه السلام: «في كلّ مائتين خمسة دراهم من الفضّة، و إن نقص فليس عليك زكاة، و من الذهب في كلّ عشرين دينارا نصف دينار، و إن نقص فليس عليك شيء»(4).

و هو رواية عن أحمد، و في اخرى: إن كان النقص يسيرا كالحبّة و الحبّتين من الفضّة وجبت الزكاة، لأنّه لا يضبط غالبا فهو كنقص الحول ساعة و ساعتين، و إن كان نقصا بيّنا كالدانق و الدانقين فلا زكاة.

و عن أحمد: إنّ الذهب إن نقص ثلث مثقال زكّاه - و به قال عمر بن عبد العزيز و سفيان - و إن نقص نصفا فلا زكاة، و عن أحمد أيضا: إن نقص ثمنا فلا زكاة(5).

و عن مالك روايتان: إحداهما: إن نقص النصاب نقصا يسيرا يجوز جواز الوازنة وجبت الزكاة، لأنّها تجوز جواز الوازنة أشبهت الوازنة.

ص: 122


1- المجموع 7:6 و 18، فتح العزيز 7:6، حلية العلماء 89:3، المغني 597:2.
2- صحيح مسلم 673:2-979، سنن الدارقطني 93:2-5 و 6، سنن ابن ماجة 572:1-1794، سنن النسائي 36:5، الموطأ 244:1-1.
3- التهذيب 12:4-30.
4- الكافي 515:3 (باب زكاة الذهب و الفضة)، حديث 1، التهذيب 12:4-31.
5- المغني 597:2، حلية العلماء 90:3.

الثانية: إن نقص الحبّة و الحبّتين في جميع الموازين وجبت الزكاة(1) ، و هي المعروفة من مذهبه.

و قال الأبهري: ليس هذا مذهب مالك، و إنّما مذهبه أنّها إن نقصت في بعض الموازين و هي كاملة في بعضها ففيها الزكاة(2).

و الأحاديث تدلّ على اعتبار النصاب تحقيقا.

تذنيب: المعتبر في نصاب الفضّة الوزن و هو أن يكون كلّ عشرة دراهم سبعة مثاقيل، و كلّ درهم ستّة دوانيق، و لا اعتبار بالعدد، و لا بالسود البغليّة(3) التي في كلّ درهم درهم و دانقان، و لا بالطبرية الخفيفة التي في كلّ درهم أربعة دوانيق، و به قال عامّة فقهاء الإسلام(4).

و قال (المغربي من أهل الظاهر)(5): الاعتبار بالعدد دون الوزن، فإذا بلغت المائتين عددا ففيها الزكاة، سواء كانت وافية(6) أو من الخفيفة، و إن كانت أقلّ من المائتين عددا فلا زكاة فيها سواء كانت خفيفة أو وافية(7).

و هو مدفوع بالإجماع، و خلاف المغربي قد انقرض، و انعقد الإجماع على خلافه، فعلى هذا لو زاد العدد عن مائتين و لم تبلغ مائة و أربعين مثقالا فلا زكاة، و لو نقص عن مائتين و بلغ مائة و أربعين مثقالا وجبت.

مسألة 67: إذا بلغ أحدهما النصاب وجب فيه ربع العشر،

فيجب في العشرين مثقالا نصف دينار، و في المائتين من الفضّة خمسة دراهم بإجماع

ص: 123


1- المغني 597:2، الموطأ 247:1، المنتقى للباجي 95:2، المجموع 7:6.
2- المنتقى للباجي 96:2.
3- ورد في النسخ الخطية المعتمدة في التحقيق: التغلبية. و الصحيح ما أثبتناه.
4- المجموع 19:6.
5- ورد في النسخ الخطية بدل ما بين القوسين هكذا: المغربي و أهل الظاهر. و الصحيح ما أثبتناه من المصادر.
6- درهم واف: وفى بزنته لا زيادة فيه و لا نقص. لسان العرب 399:15 «وفى».
7- المجموع 19:6، حلية العلماء 89:3.

علماء الإسلام.

قال عليه السلام: (هاتوا ربع العشور من كلّ أربعين درهما درهما، و ليس في تسعين و مائة شيء)(1).

و من طريق الخاصة قول الباقر عليه السلام: «في الذهب إذا بلغ عشرين دينارا فعليه(2) نصف دينار، و ليس فيما دون العشرين شيء، و في الفضّة إذا بلغت مائتي درهم خمسة دراهم، و ليس فيما دون المائتين شيء»(3).

مسألة 68: النصاب الثاني للذهب: أربعة دنانير و فيها قيراطان، و للفضّة: أربعون درهما و فيها درهم واحد،

و لا شيء في الزائد على النصاب الأول منهما ما لم يبلغ ما قلناه عند علمائنا كافّة، و به قال سعيد بن المسيب و عطاء و طاوس و الحسن و الشعبي و مكحول و الزهري و عمرو بن دينار و أبو حنيفة(4).

لقوله عليه السلام: (من كلّ أربعين درهما درهما)(5).

و قال عليه السلام: (إذا بلغ الورق مائتين ففيه خمسة دراهم، ثم لا شيء فيه حتى يبلغ إلى أربعين درهما)(6) و هذا نصّ.

و من طريق الخاصة قول الباقر و الصادق عليهما السلام: «فإذا كملت

ص: 124


1- أورده ابن قدامة في المغني 600:2 و نحوه في سنن الترمذي 16:3-620.
2- في المصدر: ففيه.
3- التهذيب 7:4-15.
4- المجموع 16:6-17، المغني 600:2، بدائع الصنائع 17:2-18، اللباب 146:1 و 148.
5- أوعزنا إلى مصادره في الهامش (1) من هذه الصفحة.
6- أورده كما في المتن، ابن قدامة في المغني 601:2، و نحوه في سنن الدارقطني 93:2-1، و سنن البيهقي 135:4.

عشرين مثقالا ففيها نصف مثقال إلى أربعة و عشرين، فإذا كملت أربعة و عشرين ففيها ثلاثة أخماس دينار إلى ثمانية و عشرين، فعلى هذا الحساب كلّما زاد أربعة»(1).

و عن الباقر عليه السلام: «ليس فيما دون المائتين شيء، فإذا زادت تسعة و ثلاثون على المائتين فليس فيها شيء حتى تبلغ الأربعين، و كذلك الدنانير على هذا الحساب»(2).

و لأنّ له عفوا في الابتداء فكان له عفو بعد النصاب كالماشية.

و قال مالك و الثوري و ابن أبي ليلى و الشافعي و أبو يوسف و محمد و أبو ثور و أبو عبيد و ابن المنذر و أحمد: لا يعتبر نصاب أحدهما بل تجب الزكاة في زيادتهما و إن قلّت.

و رواه الجمهور عن علي عليه السلام و ابن عمر و عمر بن عبد العزيز و النخعي.

لما روي عن علي عليه السلام عن النبي صلّى اللّه عليه و آله أنّه، قال:

(هاتوا ربع العشر عن كلّ أربعين درهما درهما، و ليس عليكم شيء حتى تتمّ مائتين، و إذا كانت مائتي درهم ففيها خمسة دراهم فما زاد فبحساب ذلك)(3).

و لأنّه مال متجر(4) فلم يكن له عفو بعد النصاب كالحبوب(5).8.

ص: 125


1- الكافي 515:3-3، التهذيب 6:4-13، الاستبصار 12:2-35.
2- التهذيب 7:4-15.
3- سنن أبي داود 99:2-100-1572، سنن الدارقطني 92:2-3، و سنن البيهقي 135:4.
4- ورد في النسخ الخطية: يتجر. و الصحيح ما أثبتناه.
5- المهذب للشيرازي 165:1، المجموع 16:6، فتح العزيز 3:6، حلية العلماء 91:3، بداية المجتهد 256:1، الكافي في فقه أهل المدينة: 90، بدائع الصنائع 17:2-18.

و لا دلالة في الحديث، لأنّ ما زاد على المائتين بحساب المائتين في كلّ أربعين درهم و ليس في الناقص عنها شيء، إذ لا يسمّى أربعين فهو حجّة لنا، و القياس مدفوع بما تقدّم.

إذا ثبت هذا، فكلّما زاد الذهب أربعة أربعة كان فيها قيراطان في كلّ أربعة، و إذا زادت الفضّة أربعين أربعين ففيها درهم في كلّ أربعين بلا خلاف عندنا، و لا زكاة فيما نقص عن ذلك و إن خرج بالتامّ.

تذنيب: لا فرق في النصاب الأول و الثاني في أنّه لو نقص منه شيء يسير كالحبّة تسقط الزكاة سواء اتّفقت الموازين في النقص أو اختلفت فيه كما قلناه في الأول، و لو اختلفت بما جرت العادة به فالأقرب عدم الوجوب

مسألة 69: لا تجب الزكاة في المغشوشة حتى يبلغ الصافي نصابا، و كذا المختلط بغيره
اشارة

عند علمائنا، و به قال الشافعي و أحمد(1).

لقوله عليه السلام: (ليس فيما دون خمس أواق من الورق صدقة)(2).

و لأنّ المناط كونه ذهبا و فضّة، و الغشّ ليس أحدهما.

و قال أبو حنيفة: إن كان الغشّ النصف أو أكثر كانت كالعروض تعتبر بالقيمة، و إن كان الغشّ دون النصف سقط حكم الغشّ و كانت كالفضّة الخالصة التي لا غشّ فيها، لأنّ الفضّة لا تنطبع إلاّ بالغشّ(3) ، و ليس حجّة.

ص: 126


1- المجموع 9:6 و 19، فتح العزيز 11:6-12، حلية العلماء 92:3، مغني المحتاج 390:1، المغني 599:2، الشرح الكبير 600:2.
2- صحيح البخاري 148:2، صحيح مسلم 675:2-980، سنن النسائي 36:5، الموطأ 244:1-245-2، و سنن البيهقي 134:4.
3- المبسوط للسرخسي 194:2، بدائع الصنائع 17:2، الهداية للمرغيناني 104:1، اللباب 147:1، شرح فتح القدير 162:2، المجموع 19:6، فتح العزيز 12:6، و حكاه عنه أيضا المحقّق في المعتبر: 266.
فروع:

أ - لا يجوز أن يخرج عن مائتي درهم خالصة خمسة مغشوشة - و به قال الشافعي(1) - لأنّه من رديء المال فلا يجزئ عن الجيّد.

و قال أبو حنيفة: يجوز(2).

ب - لو ملك النصاب و لم يعلم هل فيه غشّ أم لا وجبت الزكاة، لأصالة الصحّة و السلامة.

و لو علم أنّ فيه غشّا و شك هل بلغ الصافي نصابا أو لا لم يؤمر بالسبك و لا الإخراج منها و لا من غيرها، لأنّ بلوغ النصاب شرط و لم يعلم حصوله فأصالة البراءة لم يعارضها شيء.

و قال أحمد: يلزمه أحدهما(3).

ج - لو عرف أنّ فيه نصابا خالصا و جهل الزيادة عليه، قال الشيخ: يؤمر بسبكها إن لم يتبرّع بالاحتياط في الإخراج(4) - و به قال الشافعي و أحمد(5) - لأنّ الذمّة مشغولة، و لا يحصل يقين البراءة إلاّ بالسبك أو الاحتياط في الإخراج.

و الوجه: أخذ ما تيقّن وجوبه، و يطرح المشكوك فيه عملا بأصالة البراءة، و لأنّ الزيادة كالأصل، فكما لو شكّ هل بلغ الصافي نصابا تسقط كذا لو شكّ هل بلغت الزيادة نصابا آخر.

د - لو أخرج عن المغشوشة منها فإن اتّفق مثل أن يكون في كلّ دينار سدسه و علم ذلك أجزأ، لأنّه يكون مخرجا لربع العشر، و إن اختلف أو لم

ص: 127


1- المجموع 8:6، فتح العزيز 12:6، حلية العلماء 91:3، مغني المحتاج 390:1.
2- المجموع 19:6، فتح العزيز 12:6، حلية العلماء 91:3.
3- المغني 599:2، الشرح الكبير 600:2.
4- المبسوط للطوسي 210:1، و عنه في المعتبر: 266.
5- المجموع 10:6، المغني 599:2، الشرح الكبير 600:2.

يعلم لم يجزئه إلاّ الاستظهار بأن يتيقّن أنّ ما أخرجه من الذهب محيط بقدر الزكاة، و لو أخرج ذهبا لا غشّ فيه فهو أفضل.

ه - لو أراد إسقاط الغشّ و إخراج الزكاة عن قدر ما فيه من الذهب كمن معه أربعة و عشرون دينارا سدسها غشّ فأسقطه و أخرج نصف دينار عن عشرين جاز، لأنّه لو سبكها لم يلزمه إلاّ ذلك، و لأنّ غشّها لا زكاة فيه.

و - لو كان الغشّ ممّا تجب فيه الزكاة وجبت الزكاة فيه أيضا إن بلغ نصابا أو كمل ما معه من جنسه نصابا.

ز - كره الشافعي ضرب الدراهم المغشوشة(1).

و الوجه: التحريم إلاّ مع الاعتياد بإخراجها.

ثم إن كانت مضبوطة صحّت المعاملة بها، و إن كانت مجهولة النقرة احتمل جواز المعاملة كما يجوز بيع المعجونات و إن جهلت مقادير بسائطها، و المنع، لأنّها تطلب لما فيها من النقرة و هي مجهولة القدر.

ح - لو علم النصاب و قدر الغشّ أخرج عن الخالصة مثلها و عن المغشوشة منها.

ط - لو كان الغشّ ممّا تجب فيه الزكاة وجبت عنهما على ما تقدّم، فإن أشكل الأكثر منهما و لم يمكن التمييز أخرج ما يجب في الأكثر من جنس الأكثر قيمة، فلو كان أحد النقدين ستمائة و الآخر أربعمائة أخرج زكاة ستمائة ذهبا و أربعمائة فضّة إن كان الذهب أكثر قيمة، و إلاّ فالعكس.

ي - لو تساوى العيار و اختلفت القيمة كالرضوية و الراضية استحب الأفضل، و الوجه: عدم إجزاء الأنقص قيمة و إن تساوى قدرا، بل يجب التقسيط، و لو أخرج من أوسطها ما يفي بقدر الواجب و قيمته أجزأ، و لو نقص قدرا مثل أن يخرج عن نصف دينار ثلث دينار جيّد احتمل الإجزاء اعتبارا بالقيمة6.

ص: 128


1- المجموع 10:6، فتح العزيز 13:6.

و عدمه، لأنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله نصّ على نصف دينار(1) فلم يجز النقص منه، و لو أخرج من الأردأ و زاد في القدر بقدر ما يفي بقيمة الواجب جاز.

يا - يكمل جيّد النقرة برديئها كالنعام و الخشن، و كذا الذهب العالي و الدون، ثم يخرج من كلّ جنس بقدره، و كذا الدراهم و الدنانير الصحاح و المكسّرة يضمّ بعضها إلى بعض ما لم يخرج بالكسر عن اسم المضروبة كما لو سحقت أجزاء صغارا لا يظهر الضرب و النقش فيها، ثم يخرج عن كلّ جنس بقدره، و لو أخرج من المكسّرة بقدر الواجب قيمة أجزأ، و كذا من الصحيحة و إن قصر الوزن على إشكال.

يب - لو أخرج بهرجا عن الجيّد و زاد بقدر ما يساوي قيمة الجيّد جاز، لأنّه أخرج القيمة.

و قال الشافعي: لا يجوز(2) ، و هل يرجع فيما أخرجه من المعيب ؟ وجهان عند أصحابه(3).

و قال أبو حنيفة: يجوز إخراج الرديئة عن الجيّدة من غير جبران، لأنّ الجودة إذا لاقت جنسها فيما فيه الربا لا قيمة لها(4).

مسألة 70: لا زكاة في الحليّ المباح استعماله كالسوار للمرأة،

و المنطقة للرجل عند علمائنا أجمع، و به قال في الصحابة: ابن عمر و جابر و أنس و عائشة و أسماء، و في التابعين: سعيد بن المسيب و الحسن البصري و الشعبي و القاسم و قتادة و محمد بن علي الباقر عليه السلام و أبو عبيد و قالوا:

ص: 129


1- سنن أبي داود 100:2-101-1573، و سنن البيهقي 138:4
2- المجموع 8:6، فتح العزيز 11:6، حلية العلماء 91:3، المغني 601:2-602، الشرح الكبير 604:2.
3- المجموع 8:6، حلية العلماء 91:3، المغني 602:2، الشرح الكبير 604:2.
4- بدائع الصنائع 42:2، المغني 602:2، الشرح الكبير 603:2، حلية العلماء 91:3.

زكاته إعارته كما يقوله علماؤنا.

و في الفقهاء: مالك و أحمد و إسحاق و أبو ثور و الشافعي - في القديم - و البويطي، و أحد قوليه في الأم، و عليه أصحابه، و به يفتون(1).

لقوله صلّى اللّه عليه و آله: (لا زكاة في الحليّ)(2).

قالت فريعة بنت أبي أمامة: حلاّني رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله رعاثا، و حلّى أختي، و كنّا في حجره فما أخذ منّا زكاة حليّ قطّ(3) ، و الرعاث:

الحلق(4).

لا يقال: ترك الزكاة لأنّه لم يبلغ نصابا.

لأنّا نقول: إنّما يقال: ما أخذ زكاة، إلاّ و المال ممّا تجب فيه الزكاة.

و من طريق الخاصة قول الصادق عليه السلام و قد سئل عن الحليّ فيه الزكاة ؟ فقال: «لا و إن بلغ مائة ألف»(5).

و قال عليه السلام: «زكاة الحليّ أن يعار»(6) و لأنّه مرصد لاستعمال مباح فلم تجب فيه الزكاة كالعوامل و ثياب القنية.

و قال الشافعي في الجديد: تجب فيه الزكاة، و به قال عمرو ابن مسعوده.

ص: 130


1- الام 41:2، المغني 603:2، الشرح الكبير 611:2، الكافي في فقه أهل المدينة: 89، المدونة الكبرى 245:1، الشرح الصغير 217:1-218، المجموع 35:6 و 46، فتح العزيز 20:6 و 21، حلية العلماء 96:3، سنن الترمذي 29:3 ذيل الحديث 636، المحلّى 75:6 و 76.
2- لم نجده في المصادر الحديثية المتوفّرة لدينا، نعم أورده الشيخ الطوسي في الخلاف 88:2، المسألة 102.
3- سنن البيهقي 141:4، و أورده الشيخ الطوسي أيضا في الخلاف 89:2، المسألة 102.
4- الرعاث: القرطة و هي من حليّ الاذن، واحدتها رعثة. و هو القرط. لسان العرب 152:2 «رعث».
5- التهذيب 8:4-20، الاستبصار 7:2-17، و الكافي 518:4-4.
6- التهذيب 8:4-22، و الكافي 518:4-6 بتفاوت فيه.

و ابن عباس و عبد اللّه بن عمر، و ابن العاص و سعيد بن المسيب و سعيد بن جبير و عطاء و مجاهد و جابر بن زيد و ابن سيرين و الزهري و الثوري و أحمد - في رواية - و أصحاب الرأي(1).

لقوله عليه السلام: (في الرقة ربع العشر)(2) و (ليس فيما دون خمس أواق صدقة)(3) دلّ بمفهومه على وجوب الزكاة إذا بلغت خمسا.

و لأنّ امرأة من اليمن أتت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و معها ابنة لها في يديها مسكتان(4) من ذهب، فقال: (هل تعطينّ زكاة هذا؟) فقالت: لا، فقال: (أ يسرّك أن يسوّرك اللّه بسوارين من نار؟)(5) و لأنّه من جنس الأثمان فأشبه التبر.

و الرقّة هي الدراهم المنقوشة، قال أبو عبيد: لا نعلم هذا الاسم في الكلام المنقول عن العرب إلاّ على الدراهم المنقوشة ذات السكة السائرة في الناس(6).

و كذا الأواقي معناها الدراهم، كلّ أوقية أربعون درهما.

و المسكتان طعن في حديثهما، قال الترمذي: ليس يصحّ في هذا الباب شيء(7).2.

ص: 131


1- المجموع 36:6 و 46، فتح العزيز 19:6-20، حلية العلماء 96:3، المغني 604:2، الشرح الكبير 611:2، أحكام القرآن للجصاص 107:3، بدائع الصنائع 17:2.
2- صحيح البخاري 146:2، سنن النسائي 18:5-23، سنن أبي داود 96:2-97-1567، و سنن البيهقي 134:4.
3- صحيح البخاري 144:2، صحيح مسلم 674:2-3 و 5، الموطّأ 244:1-1.
4- تثنية مسكة، بالتحريك، و هي نوع من السوار. النهاية لابن الأثير 331:4 «مسك».
5- سنن أبي داود 95:2-1563، سنن النسائي 38:5، و سنن البيهقي 140:4.
6- حكاه عنه ابنا قدامة في المغني 604:2، و الشرح الكبير 612:2.
7- سنن الترمذي 30:3 ذيل الحديث 637، و حكاه عنه ابنا قدامة في المغني 604:2، و الشرح الكبير 612:2.

و يحتمل إرادة العارية و الأصل ممنوع.

و قال مالك: يزكّي عاما واحدا(1).

إذا ثبت هذا فقولنا: زكاته إعارته، محمول على الاستحباب لا الوجوب عملا بالأصل.

مسألة 71: الحليّ المحرّم استعماله
اشارة

كالمنطقة و حلية السيف للمرأة إذا قصدت لبسها، و السوار و الدملج و الخلخال للرجل إذا قصد التحلّي به لا زكاة فيه عند علمائنا، لعموم قوله عليه السلام: (لا زكاة في الحليّ)(2).

و أطبق الجمهور كافّة على إيجاب الزكاة فيه، لأنّ المحظور شرعا كالمعدوم حسّا(3).

و لا حجّة فيه، لأنّ عدم الصنعة غير مقتض لإيجاب الزكاة، فإنّ المناط كونهما مضروبين بسكّة المعاملة.

فروع:

أ - لا فرق في سقوط الزكاة في المباح بين أن يعدّ للّبس أو للإجارة و القنية.

و قال أحمد: لا تجب في الأول على إحدى الروايتين، و تجب في الثاني، لأنّ الزكاة سقطت عمّا أعدّ للاستعمال لصرفه عن جهة النماء فتجب فيما عداه على الأصل(4) ، و نمنع الإيجاب في الأصل.

و كذا لا فرق بين كون الحليّ المباح مملوكا لامرأة تلبسه أو تعيره، أو لرجل يحلّي به أهله، أو يعيره، أو يعدّه لذلك.

ص: 132


1- حكاه عنه ابن قدامة في المغني 604:2.
2- راجع: الهامش (2) من الصفحة 130.
3- المجموع 35:6 و 37، فتح العزيز 23:6، المغني 606:2، الشرح الكبير 614:2، الشرح الصغير 217:1-218، المبسوط للسرخسي 192:2، اللباب 148:1.
4- المغني 604:2، الشرح الكبير 613:2 و 614.

ب - قليل الحليّ و كثيره سواء في الإباحة و الزكاة.

و قال بعض الجمهور: يباح ما لم يبلغ مائة ألف، فإن بلغها حرم و فيه الزكاة، لأنّه يخرج إلى السرف و الخيلاء، و لا يحتاج إليه في الاستعمال(1).

و ليس بجيّد، لأنّ الشرع أباح التحلّي مطلقا من غير تقييد، و قال تعالى قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللّهِ (2).

ج - يباح للمرأة من حليّ الذهب و الفضة كلّ ما جرت عادتهنّ بلبسه كالسوار و الخلخال و القرط(3) و الخاتم، و ما تلبسه على وجهها و عنقها و يدها و رجلها و اذنها و غيرها، فأمّا ما لم تجر عادتها بلبسه كالمنطقة و شبهها من حليّ الرجال فهو محرّم.

و أمّا الرجل فيحرم عليه التحلّي بالذهب إجماعا، و يحرم التمويه به و إن لم يحصل منه ذهب، و للشافعي وجهان(4).

أمّا اتّخاذ أنف لمن جدع(5) أنفه، فالأقرب الجواز، و يجوز أن يتحلّى بمثل المنطقة و السيف و السكّين و غيرها من آلات الحرب بالفضّة خاصّة.

قال الشيخ: و لا يجوز ذلك في حليّ الدواة و القوس(6) ، لأنّه من الآلات، و آلات الفضّة يحرم استعمالها.

ثم قال: و إن قلنا بالإباحة كان قويّا، قال: و لا يجوز أن يحلّى المصحف بالفضّة، و المرآة و المشط و الميل و المكحلة و غيرها، لأنّه منت.

ص: 133


1- هو ابن حامد كما في المغني 605:2، و الشرح الكبير 621:2 و 622 و فيهما: (ألف مثقال) بدل (مائة ألف).
2- الأعراف: 32.
3- القرط: نوع من حليّ الإذن. لسان العرب 347:7 «قرط».
4- المجموع 38:6، فتح العزيز 27:6.
5- الجدع: قطع الأنف. الصحاح 1193:3، القاموس المحيط 11:3 «جدع».
6- ورد في النسخ الخطية و الطبعة الحجرية: (الفرس) بدل (القوس) و ما أثبتناه من المبسوط هو الصحيح بقرينة الآلات.

الأواني و الآلات، و أمّا تضبيب الأواني فإنّه مكروه للحاجة و غيرها، فيجتنب موضع الفضّة في الاستعمال(1).

و قال الشافعي: لا يحلّ للرجل التحلّي بالفضّة إلاّ التختّم به، و تحلية آلات الحرب، و في السرج و اللجام وجهان، و يحرم على المرأة آلات الحرب، لما فيه من التشبّه بالرجال، و أمّا في غير التحلّي فقد حرّم الشرع اتّخاذ الأواني من الذهب و الفضّة على الرجال و النساء(2).

و للشافعيّة في تحلية المصحف بالفضة وجهان، و في تحليته بالذهب ثلاثة أوجه، يفرّق في الثالث بين الرجال و النساء، و أمّا تحلية غير المصحف من الكتب فإنّه حرام(3).

و في تحلية الكعبة و المساجد بالقناديل من الذهب و الفضّة إشكال ينشأ من كون تجويزه إكراما.

و ما يجرى على السقوف و الحيطان من الذهب، قال الشيخ: لا نصّ في تحريمها، و لا في تحلية المصاحف و ربط الأسنان بالذهب، و الأصل الإباحة، و لا زكاة في الجميع(4).

و قال الشافعي و باقي الفقهاء: إن كان لو جمع و سبك بلغ نصابا وجبت الزكاة(5).

د - لا زكاة في نفائس الأموال إلاّ في النقدين.

ه - لو كان معه خلخال وزنه مائتا درهم، و قيمته لأجل الصنعة ثلاثمائة لم تجب الزكاة عندنا.7.

ص: 134


1- المبسوط للطوسي 212:1-213.
2- المجموع 38:6 و 39، الوجيز 94:1، فتح العزيز 28:6-29 و 32-33.
3- المجموع 42:6، الوجيز 94:1، فتح العزيز 34:6-35.
4- الخلاف 89:2-90، المسألة 103.
5- حكاه المحقق في المعتبر: 267.

و قال أبو حنيفة: تجزئه خمسة دراهم، و لا عبرة بالصنعة(1).

و قال الشافعي: لا تجزئه، لأنّ القيمة تضم إلى وزنه(2).

و - لو فرّ بالسبك من الزكاة، فإن كان بعد الحول لم تسقط لسبق الوجوب، و إن كان قبله فروايتان: أقربهما: السقوط، لفوات الشرط.

و لقول الصادق عليه السلام و قد سأله هارون بن خارجة إنّ أخي يوسف ولي لهؤلاء أعمالا، و أصاب فيها أموالا كثيرة، و إنّه جعل ذلك المال حليّا أراد أن يفرّ به من الزكاة، أ عليه الزكاة ؟ قال: «ليس على الحليّ زكاة، و ما أدخل على نفسه من النقصان في وضعه و منعه نفسه فضله أكثر ممّا يخاف من الزكاة»(3).

و الأخرى: وجوب الزكاة عن الصادق عليه السلام و قد سئل عن الحليّ فيه الزكاة ؟ قال: «لا إلاّ ما فرّ به من الزكاة»(4).

و تحمل على الاستحباب، أو على ما إذا جعله بعد الحول.

ز - لا تضمّ النقار إلى الدراهم، و لا السبائك إلى الذهب، لفوات الشرط.

و أطبق الجمهور على الضمّ، لأنّه جنس واحد(5) ، و هو ممنوع، لأنّ أحدهما لا تجب فيه.

مسألة 72: يشترط ملك النصاب في النقدين بتمامه في جميع الحول

كما قلنا في المواشي عند علمائنا أجمع، و به قال الشافعي(6).

ص: 135


1- انظر: حلية العلماء 92:3.
2- المجموع 45:6، فتح العزيز 36:6، حلية العلماء 91:3.
3- الكافي 518:3-7، التهذيب 9:4-26، الاستبصار 8:2-23.
4- التهذيب 9:4-24، الاستبصار 8:2-21.
5- حكاه الشيخ الطوسي في الخلاف 77:2، المسألة 90، و المحقّق في المعتبر: 267.
6- المجموع 8:6 و 19-20، فتح العزيز 8:6.

لقوله عليه السلام: (لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول)(1).

و من طريق الخاصة قول الباقر عليه السلام: «فإن كانت مائة و خمسين فأصاب خمسين بعد أن يمضي شهر فلا زكاة عليه حتى يحول على المائتين الحول»(2).

و قال أبو حنيفة: يشترط النصاب في أول الحول و آخره، و لا يضر نقصانه في خلال الحول(3) ، و قد سلف في المواشي(4).

مسألة 73: لو كان في يده أقلّ من النصاب و كان له دين يتمّ به،

فإن أوجبنا الزكاة في الدّين ضمّمناه هنا إن كان على مليّ باذل، لأنّه قادر على أخذه فوجب إخراج زكاته كالوديعة، و به قال الشافعي(5).

و قال أبو حنيفة و أحمد: لا يجب الإخراج حتى يقبضه، لأنّه دين فلا يجب الإخراج عنه حتى يقبضه كما لو كان على جاحد(6).

و الفرق ظاهر، فإنّه لا يقدر على أخذه من الجاحد.

و لو كان جاحدا في الظاهر دون الباطن لم يلزمه إخراجها حتى يقبضه.

و هل تجب فيه ؟ قال الشافعي: نعم، لأنّه مليّ مقرّ به فأشبه ما إذا أقرّ عند الحاكم(7).

ص: 136


1- سنن أبي داود 101:2-1573، سنن الدارقطني 91:2-3 و 5، سنن ابن ماجة 571:1-1792، و سنن البيهقي 95:4.
2- الكافي 525:3-4، التهذيب 35:4-92 قطعة من الحديث.
3- الهداية للمرغيناني 105:1، شرح فتح القدير 168:2، اللباب 149:1، المجموع 20:6، فتح العزيز 8:6.
4- سلف في المسألة 32.
5- المهذب للشيرازي 165:1، المجموع 21:6، فتح العزيز 502:5، حلية العلماء 92:3، الميزان للشعراني 8:2، رحمة الأمّة 117:1.
6- المبسوط للسرخسي 194:2-195، المغني 637:2، فتح العزيز 502:5، حلية العلماء 92:3، الميزان للشعراني 8:2، رحمة الأمّة 117:1.
7- حلية العلماء 92:3.

و قال أبو يوسف: لا زكاة فيه، لأنّه لا يقدر على قبضه فهو كالمجحود(1) ، و هو أوجه عندي.

و إن كان جاحدا في الظاهر و الباطن، أو كان معسرا فلا زكاة، و للشافعي قولان(2).

و لو كان له بيّنة بالمال، أو علمه الحاكم فالأقرب الوجوب - و به قال الشافعي(3) - لتمكّنه.

و قال محمد بن الحسن: إن علمه الحاكم وجبت، و إن كان له بيّنة لم تجب، لأنّ الحاكم قد لا يقبلها(4).

و يشكل بأنّه إذا ترك إقامة البيّنة حولا فقد ترك الأخذ مع إمكانه و أمّا المؤجّل فلا زكاة فيه، لعدم تمكّنه منه، و للشافعي قولان(5).

و إن قلنا بعدم الوجوب في الدّين - و هو القديم للشافعي(6) - فلا زكاة هنا.

مسألة 74: لو نقص أحدهما عن النصاب لم يكمل بعروض

مسألة 74: لو نقص أحدهما عن النصاب لم يكمل بعروض(7) التجارة

عند علمائنا، لنقص النصاب، و مال التجارة لا تجب فيه الزكاة، و إن وجبت إلاّ أنّه لا يضمّ جنس إلى غيره على ما يأتي(8).

و أطبق الجمهور على الضمّ هنا، لأنّ الزكاة إنّما تجب في القيمة و يقوّم

ص: 137


1- المبسوط للسرخسي 195:2، حلية العلماء 92:3.
2- المهذب للشيرازي 165:1، المجموع 21:6، فتح العزيز 502:5، حلية العلماء 93:3، المغني 638:2.
3- المجموع 21:6، فتح العزيز 503:5، حلية العلماء 93:3.
4- حلية العلماء 93:3.
5- المجموع 21:6، فتح العزيز 502:5، حلية العلماء 93:3.
6- المجموع 21:6، فتح العزيز 502:5.
7- العرض: المتاع. الصحاح 1083:3.
8- يأتي في المسألة التالية (75).

بكلّ واحد منهما فيضمّ و لو كان له ذهب و فضّة و عروض وجب ضمّ الجميع عندهم في تكميل النصاب، لأنّ العرض مضموم إلى كلّ واحد منهما فيجب ضمّهما إليه و جمع الثلاثة(1).

مسألة 75: و لا يضمّ أحد النقدين إلى الآخر لو كمل النصاب بهما

عند علمائنا أجمع، فلو كان له من كلّ من الذهب و الفضّة ما لا يبلغ نصابا بمفرده، أو كان له نصاب من أحدهما و أقلّ من نصاب من الآخر كما لو كان له مائتا درهم و أربعة دنانير أو عشرون دينارا و أربعون درهما لم يضمّ أحدهما إلى الآخر، و به قال ابن أبي ليلى و الحسن بن صالح بن حي و شريك و الشافعي و أبو عبيد و أبو ثور و أحمد في رواية(2).

لقوله عليه السلام: (ليس فيما دون خمس أواق صدقة)(3).

و من طريق الخاصة قول الباقر عليه السلام: «و ليس في الكسور شيء»(4).

و لأنّهما مالان يختلف نصابهما فلا يضمّ أحدهما إلى الآخر كأجناس الماشية.

و قال مالك و الأوزاعي و الثوري و أحمد - في رواية - و الحسن و قتادة و أصحاب الرأي: يضمّ أحدهما إلى الآخر، لأنّ أحدهما يضمّ إلى ما يضمّ إليه الآخر و هو مال التجارة فيضمّ إلى الآخر كأنواع الجنس، و لأنّ نفعهما

ص: 138


1- المغني 597:2، الشرح الكبير 610:2.
2- المجموع 18:6، فتح العزيز 9:6، حلية العلماء 90:3، الأموال لأبي عبيد: 424-425، بداية المجتهد 257:1، المغني 597:2، الشرح الكبير 605:2.
3- سنن أبي داود 94:2-1558، سنن الترمذي 22:3-626، سنن الدارمي 384:1، الموطّأ 244:1-1، و سنن البيهقي 120:4 و 121.
4- التهذيب 7:4-15، و عن أحدهما عليهما السلام في صفحة 12-30.

واحد، و المقصود منهما متّحد فإنّهما قيم المتلفات و أروش الجنايات و أثمان البياعات(1)(2).

إذا عرفت هذا فالقائلون بالضمّ اختلفوا، فقال مالك و أبو يوسف و محمد و الأوزاعي و أحمد في رواية: يضمّ إلى الآخر بالأجزاء يعني أنّه يحسب كلّ واحد منهما من نصابه، فإذا كملت أجزاؤهما نصابا وجبت الزكاة مثل أن يكون عنده نصف نصاب من أحدهما، و نصف نصاب أو أكثر من الآخر، أو ثلث من أحدهما و ثلثان أو أكثر من الآخر، فلو ملك مائة درهم و عشرة دنانير، أو مائة و خمسين درهما و خمسة دنانير، أو مائة و عشرين درهما و ثمانية دنانير وجبت الزكاة فيهما.

و إن نقصت أجزاؤهما عن نصاب فلا زكاة فيهما بأن يكون عنده ثمانية دنانير و مائة درهم، لأنّ كلّ واحد منهما لا تعتبر قيمته في إيجاب الزكاة إذا كان منفردا فلا تعتبر إذا كان مضموما كالحبوب(3).

و قال أبو حنيفة: يضمّ بالأحوط من الأجزاء و القيمة معا، و معناه أنّه يقوّم الغالي منهما بقيمة الرخيص، فإذا بلغت قيمتهما بالرخيص منهما نصابا وجبت الزكاة فيهما، فلو ملك مائة درهم و تسعة(4) دنانير قيمتها مائة درهم، أو عشرةة.

ص: 139


1- البياعات: الأشياء التي يتبايع بها في التجارة. لسان العرب 25:8.
2- الكافي في فقه أهل المدينة: 90، بداية المجتهد 257:1، حلية العلماء 90:3، المغني 598:2، الشرح الكبير 605:2، الهداية للمرغيناني 105:1، المبسوط للسرخسي 192:2 و 20:3، اللباب 149:1، المجموع 18:6، فتح العزيز 9:6.
3- المغني 598:2، الشرح الكبير 609:2، الكافي في فقه أهل المدينة: 90، بداية المجتهد 257:1، المبسوط للسرخسي 193:2، و 20:3، الهداية للمرغيناني 105:1، المجموع 18:6، حلية العلماء 90:3.
4- في المغني و الشرح الكبير: سبعة.

دنانير و تسعين(1) درهما قيمتها عشرة دنانير وجبت الزكاة فيهما - و هو رواية عن أحمد - لأنّ كلّ نصاب وجب فيه ضمّ الذهب إلى الفضّة ضمّ بالقيمة كنصاب القطع في السرقة(2). و الكلّ باطل عندنا، لما تقدّم.

مسألة 76: يجوز إخراج أحد النقدين عن الآخر بالقيمة

- و هو أصحّ الروايتين عن أحمد(3) - لأنّ المقصود من أحدهما حاصل بإخراج الآخر فأجزأ، فإنّ المقصود منهما جميعا الثمنية، و التوصّل بهما إلى المقاصد، و هما يشتركان فيه على السواء فأشبه إخراج الجنس، و إذا كان المقصود حاصلا وجب الإجزاء، إذ لا فائدة في اختصاص الإجزاء بعين مع مساواة غيرها لها في الحكمة.

و لأنّه قد يكون أرفق بالمعطي و الفقير، و أنفع لهما، و يندفع به الضرر عنهما، فإنّ إخراج العين قد يشقّ على من يملك عشرين مثقالا بإخراج جزء من دينار، و يحتاج إلى التشقيص، و مشاركة الفقير له في دينار من ماله، أو بيع أحدهما نصيبه فيتضرّر المالك و الفقير، فإذا أخرج الدراهم عنها اندفعت حاجة الفقير، و سهل ذلك عليه، و انتفع من غير كلفة و لا ضرر.

و لأنّه لو دفع إليه قطعة من ذهب في موضع لا يتعامل بها فيه لم يقدر على قضاء حاجته، و لو أراد بيعها بجنس ما يتعامل بها احتاج إلى كلفة البيع و ربّما لا يقدر عليه فلا يفيده شيئا، و ربّما نقص عوضها عن قيمتها.

و الرواية الثانية لأحمد: المنع من الجواز، لأنّ أنواع الجنس لا يجوز إخراج أحدهما عن الآخر إذا كان أقلّ في المقدار فمع اختلاف الجنس

ص: 140


1- في المغني و الشرح الكبير: سبعين.
2- المغني 598:2، الشرح الكبير 609:2.
3- المغني 602:2، الشرح الكبير 606:2.

أولى(1).

و الأولى ممنوعة على ما يأتي إن شاء اللّه تعالى.

و على ما قلناه، لا يجوز الإبدال في موضع يلحق الفقير ضرر، مثل أن يدفع إليه ما لا ينفق عوضا عمّا ينفق، لأنّه كالمعيب.

و لو اختار المالك الدفع من الجنس و اختار الفقير الأخذ من غيره لضرر يلحقه في (أخذ الجنس)(2) لم يلزم المالك إجابته، لأنّه أدّى فرض اللّه عليه فلا يكلّف غيره.

المطلب الثالث في زكاة الغلاّت و الثمار
اشارة

و فيه بحثان:

الأول: فيما تجب الزكاة فيه منها.
مسألة 77: الزكاة في الغلاّت و الثمار واجبة

بالنصّ و الإجماع:

قال اللّه تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّباتِ ما كَسَبْتُمْ وَ مِمّا أَخْرَجْنا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ (3) و الزكاة تسمّى نفقة، لقوله تعالى وَ لا يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ اللّهِ (4).

و قال تعالى وَ آتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ (5) قال ابن عباس: حقّه:

ص: 141


1- المغني 602:2، الشرح الكبير 605:2.
2- ورد في النسخ الخطية: أحد الجنسين. و هو تصحيف، و الصحيح ما أثبتناه.
3- البقرة: 267.
4- التوبة: 34.
5- الأنعام: 141.

الزكاة المفروضة(1).

و أجمع علماء الإسلام على وجوب الصدقة في الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب.

مسألة 78: و يشترط في الزكاة في هذه الأنواع أمور ثلاثة:

النصاب، و بدوّ الصلاح، و تملّك الغلّة بالزراعة لا بغيرها كالابتياع و الاتّهاب.

و النصاب في الأربعة واحد و هو خمسة أوسق، فلا يجب فيما دونها شيء بإجماع علمائنا، و هو قول أكثر أهل العلم منهم: ابن عمر و جابر و عمر بن عبد العزيز و جابر بن زيد و الحسن البصري و عطاء و مكحول و النخعي و مالك و أهل المدينة و الثوري و الأوزاعي و ابن أبي ليلى و الشافعي و أحمد و أبو يوسف و محمد(2).

لقوله عليه السلام: (ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة)(3).

و من طريق الخاصة قول أحدهما عليهما السلام: «ليس فيما دون خمسة أوساق زكاة»(4).

و قال الصادق عليه السلام: «ليس في النخل صدقة حتى تبلغ خمسة

ص: 142


1- مجمع البيان 375:2، تفسير الطبري 43:8، تفسير التبيان 295:4، التفسير الكبير للرازي 213:13، و المغني 547:2.
2- المغني 552:2-553، الشرح الكبير 554:2، الكافي في فقه أهل المدينة: 100-101 و 103، المنتقى - للباجي - 91:2، بداية المجتهد 265:1، الشرح الصغير 213:1، اللباب 150:1، المجموع 458:5 و 502، حلية العلماء 74:3.
3- صحيح البخاري 156:2، صحيح مسلم 673:2-979، سنن الترمذي 22:3-626، سنن أبي داود 94:2-1558 و 1559، سنن النسائي 40:5-41، سنن الدارمي 384:1، و سنن البيهقي 121:4.
4- التهذيب 14:4-35، الإستبصار 14:2-41.

أوساق، و العنب مثل ذلك»(1).

و لأنّه مال تجب فيه الصدقة فلا تجب في يسيره كسائر الأموال الزكوية.

و قال أبو حنيفة و مجاهد: تجب الزكاة في قليل ذلك و كثيره(2) ، لعموم قوله عليه السلام: (فيما سقت السماء العشر)(3).

و لأنّه لا يعتبر له حول فلا يعتبر له نصاب و الخاصّ مقدّم، و لم يعتبر الحول، لأنّ نماءه يكمل باستحصاده لا ببقائه، و اعتبر الحول في غيره، لأنّه مظنّة لكمال النماء في سائر الأموال، و النصاب اعتبر ليبلغ حدّا يحتمل المواساة.

مسألة 79: الوسق ستّون صاعا

(4) بالإجماع و النصّ، قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: (الوسق ستّون صاعا)(5).

و من طريق الخاصة قول أحدهما عليهما السلام: «الوسق ستّون صاعا فذلك ثلاثمائة صاع بصاع النبي صلّى اللّه عليه و آله»(6).

و أمّا الصاع فإنّه أربعة أمداد عند علمائنا، و المدّ رطلان و ربع بالعراقي يكون قدر النصاب ألفين و سبعمائة رطل.

ص: 143


1- التهذيب 18:4-46، الاستبصار 18:2-52.
2- الاختيار لتعليل المختار 147:1، بدائع الصنائع 59:2، اللباب 150:1، الهداية للمرغيناني 109:1، المغني 553:2، الشرح الكبير 554:2، المجموع 458:5، حلية العلماء 74:3.
3- صحيح البخاري 155:2، سنن أبي داود 108:2-1596، سنن ابن ماجة 580:1-1816 و 581-1817، سنن النسائي 41:5، سنن الدارقطني 97:2-9، و سنن البيهقي 130:4.
4- انظر: النهاية - لابن الأثير - 185:5.
5- سنن ابن ماجة 586:1-1832 و 587-1833، مسند أحمد 83:3، و سنن البيهقي 121:4.
6- التهذيب 14:4-35، الاستبصار 14:2-41.

و لتعارض رواياتهم فسقط الاحتجاج بها، لعدم الأولويّة، و يصار إلى الأصل و هو البراءة، و صيانة مال المسلم عن التسلّط.

و لأنّ النصاب شرط لما بيّنا، و لا نعلم حصوله إلاّ مع التقدير الأعلى فيقف الوجوب عليه.

و لقول الصادق عليه السلام: «الصاع أربعة أمداد»(1).

و قول أبي الحسن عليه السلام: «الصاع ستّة أرطال بالمدني، و تسعة أرطال بالعراقي»(2).

و قول الباقر عليه السلام: «و المدّ رطل و نصف، و الصاع ستّة أرطال»(3) بأرطال المدينة يكون تسعة أرطال بالعراقي(4).

و قال الشافعي و أحمد: وزن المدّ رطل و ثلث، و الصاع: خمسة أرطال و ثلث(5) ، لأنّ مالكا أحضر لأبي يوسف أولاد المهاجرين و الأنصار، فشهدوا أنّ آباءهم أخبروهم أنّهم كانوا يؤدّون الصدقة إلى النبي عليه السلام بهذا الصاع(6).

و هو ممنوع، فإنّه لو كان مشتهرا في المدينة لم يخف عن أهلها، مع1.

ص: 144


1- التهذيب 81:4-233، الإستبصار 47:2-154.
2- الكافي 172:4-9، التهذيب 83:4-243، الفقيه 115:2-493، معاني الأخبار: 249-2.
3- التهذيب 136:1-137-379.
4- قوله: بأرطال - إلى - بالعراقي، من كلام الشيخ الطوسي في التهذيب 137:1 ذيل الحديث 379، فلاحظ.
5- المجموع 128:6، فتح العزيز 565:5 و 194:6، حلية العلماء 74:3 و 129، مغني المحتاج 382:1 و 405، المغني 255:1 و 558:2 و 657، الشرح الكبير 254:1، و 660:2.
6- أورده كما في المتن، المحقّق في المعتبر 268، و انظر أيضا: المغني و الشرح الكبير 255:1، و سنن البيهقي 170:4-171.

أنّ الباقر عليه السلام سيّدهم و قد أخبر بخلاف ذلك و هو أعرف من عوامهم، و لما أخبر مالك أنّ عبد الملك تحرّى صاع عمر(1) ، فإنّ صاع النبي صلّى اللّه عليه و آله أولى بالتحرّي.

و قال أبو حنيفة: المدّ رطلان، فالصاع ثمانية أرطال(2) ، لأنّ أنسا روى أن النبي صلّى اللّه عليه و آله كان يتوضّأ بمدّ و يغتسل بصاع ثمانية أرطال(3).

و هي معارضة برواية الشافعي فتساقطا.

مسألة 80: هذا التحديد تحقيق لا تقريب،
اشارة

و هو أحد قولي الشافعيّة(4) ، لقوله عليه السلام: (ليس فيما دون خمسة أوسق من التمر صدقة)(5).

و لأنّه نصاب يتعلّق به وجوب الفرض فكان محدّدا كسائر الأوقاص، و لأنّ نقصان القليل مجهول لا يمكن تعليق الحكم به فلم يكن بدّ من حدّ فاصل.

و قال بعضهم: إنّه تقريب، فإن نقص قليلا وجبت الزكاة، لأنّ الوسق في اللغة: الحمل(6). و هو يزيد و ينقص(7) ، و نحن إنّما اعتبرنا التّقدير الشرعي لا اللغوي.

ص: 145


1- نقله المحقق في المعتبر: 268.
2- بدائع الصنائع 73:2، الهداية - للمرغيناني - 117:1، اللباب 160:1، المغني و الشرح الكبير 255:1، حلية العلماء 129:3.
3- سنن الدارقطني 153:2-72 و 154-73، و انظر: المغني و الشرح الكبير 255:1، و بدائع الصنائع 73:2.
4- المجموع 458:5، فتح العزيز 565:5-566، حلية العلماء 74:3.
5- صحيح البخاري 147:2-148، صحيح مسلم 675:2-980، سنن النسائي 36:5، سنن الدارقطني 93:2-5 و سنن البيهقي 120:4.
6- انظر: الصحاح 1566:4، القاموس المحيط 289:3.
7- المجموع 458:5، فتح العزيز 565:5.
فروع:

أ - لو تساوت الموازين في النقص اليسير فلا زكاة، لقوله عليه السلام:

(ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة)(1) و هو قول بعض الشافعية.

و قال آخرون: لا اعتبار باليسير منه(2).

ب - لو اختلفت الموازين الصحيحة لم يعمل على النقصان اليسير الذي اختلفت به كالأوقية، لأنّ العادة أسقطت اعتباره.

ج - النصاب يعتبر بالكيل، لأنّ الأوساق مكيلة، و إنّما نقلت إلى الوزن لتضبط و تحفظ.

د - لا وقص في نصاب الحبوب و الثمار بل مهما زاد على النصاب اخرج منه بالحساب لانتفاء الضرر في تبعيضه بخلاف الماشية.

و لعموم قوله عليه السلام: (فيما سقت السماء العشر)(3).

مسألة 81: إذا وجب العشر مرّة لم يجب عليه عشر آخر و إن بقيت عنده أحوالا

إجماعا - إلاّ من الحسن البصري(4) - لأنّ هذه الأموال غير مرصدة للنماء في المستقبل، بل هي إلى النقص أقرب.

و لقول الصادق عليه السلام: «أيّما رجل كان له حرث أو ثمرة فصدّقها فليس عليه شيء و لو بقيت ألف عام إذا كان بعينه و إنّما عليه صدقة العشر، فإذا أدّاها مرّة فلا شيء عليه»(5).

و لأنّها غير معدّة للنماء فأشبهت أمتعة القنية، فإن اشترى من ذلك شيئا

ص: 146


1- تقدّمت الإشارة إلى مصادره في المسألة 78.
2- راجع: المجموع 458:5، فتح العزيز 565:5-566، و تعرّض لخلاف الشافعية أيضا، المحقّق في المعتبر: 268.
3- تقدّمت الإشارة إلى مصادره في المسألة 78.
4- المجموع 568:5، حلية العلماء 86:3.
5- الكافي 515:3-1 (باب أنّ الصدقة في التمر مرّة واحدة) التهذيب 40:4-102 بتفاوت.

للتجارة صار عرضا تتعلّق به زكاة التجارة استحبابا أو وجوبا على الخلاف، و كذا لو باعها بنصاب زكوي غير الغلّة و الثمار و حال عليه الحول وجبت و إلاّ فلا.

مسألة 82: وقت وجوب الزكاة في الحبّ إذا اشتدّ، و في الثمرة إذا بدا صلاحها

على الأقوى، لعموم قوله عليه السلام: (فيما سقت السماء العشر)(1).

و لأنّ أهل اللغة نصّوا على أنّ البسر (نوع)(2) من التمر، و من أوجب في الثمرة أوجبها في الحبّ.

و قال بعض علمائنا: إنّما تتعلّق الزكاة به إذا صار تمرا أو زبيبا أو حنطة أو شعيرا، لتعلّق الحكم على الاسم(3).

و قد بيّنا أنّ الاسم يتعلّق بما قلناه.

و على كلا القولين، إنّما يجب الإخراج و يستقرّ الوجوب حين يصير التمر في الجرين(4) ، و الزرع في البيدر(5) بعد التصفية من التبن و القشر، فلو تلف قبل ذلك بغير تفريط فلا زكاة عليه.

و إنّما فائدة الخلاف أنّه لو تصرّف في الثمرة بعد بدوّ الصلاح إمّا بأكل أو بيع لم تسقط عنه الزكاة، لأنّه تصرّف بعد تعلّق الوجوب فلا تسقط.

و على القول الآخر لا شيء عليه، لأنّه تصرّف فيها قبل الوجوب فأشبه

ص: 147


1- راجع المصادر في المسألة 78.
2- كذا، و لعلّ المصنّف - رحمه اللّه - يقصد مرحلة من مراحل نضوج التمر. و انظر: الصحاح 589:2.
3- هو المحقّق في المعتبر: 268.
4- الجرين: موضع التمر الذي يجفّف فيه. الصحاح 2091:5 «جرن».
5- البيدر: الموضع الذي يداس فيه الطعام. الصحاح 587:2، القاموس المحيط 369:1 «بدر».

ما لو أكل السائمة أو باعها قبل الحول.

و لو تلف البعض بغير تفريط بعد البدوّ و قبل الكمال سقط من الزكاة بقدر التالف، و وجب في الباقي بقدره و إن نقص عن النصاب إذا كان الجميع نصابا.

مسألة 83: و النصاب المعتبر - و هو خمسة أوسق

- إنّما يعتبر وقت جفاف التمر، و يبس العنب و الغلّة، فلو كان الرطب خمسة أوسق، أو العنب، أو الغلّة و لو جفّت تمرا أو زبيبا أو حنطة أو شعيرا نقص، فلا زكاة إجماعا و إن كان وقت تعلّق الوجوب نصابا.

أمّا ما لا يجفّ مثله و إنّما يؤكل رطبا كالهلباث(1) و البرني و شبههما من الدّقل(2) الرقيق الثمرة فإنّه تجب فيه الزكاة أيضا، لقوله عليه السلام: (فيما سقت السماء العشر)(3) و إنّما تجب فيه إذا بلغ خمسة أوسق تمرا.

و هل يعتبر بنفسه أو بغيره من جنسه ؟ الأقرب: الأول و إن كان التمر يقلّ كغيره.

و للشافعي وجهان: هذا أحدهما، و الثاني: يعتبر بغيره، فإذا كان ممّا يجفّ يبلغ خمسة أوسق تمرا، و كان هذا مثله رطبا، وجبت فيه الزكاة، فيعتبر بأقرب الأرطاب إليه مما يجفّ(4).

مسألة 84: لو اشترى الثمرة قبل بدوّ صلاحها فتركها حتى بدا صلاحها وجبت الزكاة على المشتري

لحصول السبب في ملكه، و لو كان بعد بدوّ الصلاح فالزكاة على البائع.

ص: 148


1- الهلباث: ضرب من التمر. لسان العرب 198:2 «هلبث».
2- الدّقل: أردأ التمر. الصحاح 1698:4، القاموس المحيط 376:3.
3- تقدّمت الإشارة إلى مصادره في المسألة 78.
4- المجموع 458:5-459، فتح العزيز 568:5.

و من أبطل بيع الثمرة قبل البدوّ لو فعله منفردا لا بشرط القطع كان الملك باقيا على البائع فالزكاة عليه عند بدوّ الصلاح.

مسألة 85: لو مات و عليه دين مستوعب،

فإن كان بعد بدوّ الصلاح وجبت الزكاة، لتعلّقها بالعين و محلّ الدّين الذمّة و كان حقّ الزكاة مقدّما و إن ضاع على صاحب الدّين دينه.

و لو مات قبل بدوّ الصلاح، فلا زكاة على الوارث و لا على الميّت، أمّا على الميّت: فلانتقاله عنه قبل بدوّ الصلاح، و أمّا على الوارث: فلعدم الانتقال إليه إلاّ بعد قضاء الدّين عند قوم، و لاشتغاله بتعلّق الدّين به كالرهن إن قلنا بالانتقال إليه، و قد بيّنّا أنّ التمكّن من التصرّف شرط في الوجوب.

أمّا لو لم يكن الدّين مستوعبا، فإن فضل قدر النصاب وجبت الزكاة فيه خاصّة و إلاّ فلا.

مسألة 86: قد بيّنا أنّه لا تجب الزكاة في الغلاّت و الثمار إلاّ إذا نمت في الملك،

لا ما يبتاع(1) ثمرا، و لا ما يستوهب إجماعا.

و أمّا عامل المساقاة و المزارعة فإنّه تجب عليه في نصيبه الزكاة إن بلغ النصاب و إلاّ فلا عند أكثر علمائنا(2) ، لأنّه ملك الحصّة قبل النماء.

و قال بعض علمائنا: لا زكاة عليه، لأنّه ملكه اجرة(3) ، و ليس بمعتمد.

و أمّا حصّة المالك فإنّها تجب الزكاة فيها أيضا إن بلغت النصاب إجماعا.

مسألة 87: الواجب في هذه الغلاّت و الثمار العشر
اشارة

إن لم يفتقر سقيه

ص: 149


1- ورد في النسخ الخطية و الطبعة الحجرية: لا ما يباع. و الصحيح ما أثبتناه.
2- منهم: الشيخ الطوسي في الخلاف، كتاب المساقاة، المسألة 13، و المبسوط 220:3، و ابن إدريس في السرائر: 265 و 268، و المحقّق الحلّي في شرائع الإسلام 160:2.
3- هو السيد ابن زهرة العلوي في الغنية (ضمن الجوامع الفقهية): 540 (فصل: في المزارعة و المساقاة).

إلى مئونة كالذي يشرب من السماء بمطر أو ثلج، أو تسقيه الأنهار بغير آلة و إنّما تفيض إليها في زيادتها، أو بحبس الماء عليه، أو يشرب بعلا و هو ما يشرب بعروقه في الأرض التي يقرب ماؤها من وجهها فتصل إليه عروق الشجر فيستغني عن سقي، أو كانت عروقه تصل إلى نهر أو ساقية.

و أمّا ما يفتقر إلى مئونة كالذي يشرب بالدوالي و الدواليب و ما أشبه ذلك فإنّه يجب فيه نصف العشر، و لا خلاف في ذلك بين العلماء.

لقوله عليه السلام: (فيما سقت السماء و الأنهار و العيون أو كان بعلا(1) العشر، و فيما سقي بالسواني و النّضح نصف العشر)(2) و السواني: النواضح و هي الإبل يستقى بها الماء لشرب الأرض(3).

و قال عليه السلام: (فيما سقت العيون أو كان عثريّا العشر، و ما سقي بالنّضح نصف العشر)(4) و العثري: ما تسقيه السماء و هو العذي(5).

و من طريق الخاصة قول الباقر عليه السلام: «و ما كان منه يسقى بالرشاء(6) و الدوالي(7) و النواضح ففيه نصف العشر، و ما سقت السماء و السيح أو كان بعلا ففيه العشر تامّا»(8).

و لأنّ للكلفة تأثيرا في إسقاط الزكاة جملة كالمعلوفة فبأن تؤثّر في التخفيف أولى.0.

ص: 150


1- البعل: ما شرب بعروقه من الأرض بغير سقي. لسان العرب 57:11.
2- سنن أبي داود 108:2-1596، سنن النسائي 41:5، سنن ابن ماجة 581:1-1817، و سنن البيهقي 130:4.
3- انظر: الصحاح 2384:6 «سنا».
4- صحيح البخاري 155:2، و سنن البيهقي 130:4.
5- قاله أبو عبيد. راجع: الأموال: 480، و انظر: لسان العرب 541:4.
6- الرشا: الحبل. و الجمع: أرشية. لسان العرب 322:14.
7- الدوالي، جمع دالية. و هي: الناعورة يديرها الماء. لسان العرب 266:14.
8- التهذيب 13:4-14-34، الاستبصار 14:2-40.
فروع:

أ - لا يؤثّر حفر الأنهار و السواقي في نقصان الزكاة، لأنّ المئونة تقلّ، و لأنّه من جملة إحياء الأرض، و لا يتكرّر، و لأنّه يجري مجرى الكراب(1).

ب - لو كان الماء يجري من النهر في ساقية إلى الأرض و يستقرّ في مكان قريب من وجهها لا يصعد إلاّ بدولاب و شبهه فهو من الكلفة المسقطة لنصف الزكاة، لأنّ مقدار الكلفة و قرب الماء و بعده لا يعتبر.

و الضابط لذلك هو احتياج ترقية الماء إلى الأرض إلى آلة من دولاب، أو دالية، أو ناضح أو نحو ذلك.

ج - الزكاة في القسمين إنّما تجب بعد إخراج المؤن، و الفرق بينهما باق، إذ تقديم المئونة من الكلفة فلهذا وجب نصف العشر.

مسألة 88: لو سقي بعض المدّة بالسيح، و بعضها بالآلة،
اشارة

فإن تساويا أخذت الزكاة بحساب ذلك فأخذ للسيح نصف العشر، و للدوالي ربع العشر، فتجب ثلاثة أرباع العشر - و به قال مالك و الشافعي و أحمد و أصحاب الرأي(2) ، و لا نعلم فيه خلافا - لقول الصادق عليه السلام و قد سئل الأرض تكون عندنا تسقى بالدوالي ثم يزيد الماء و تسقى سيحا: «النصف و النصف نصف بنصف العشر و نصف بالعشر»(3).

و لأنّ كلّ واحد منهما لو وجد في جميع السنة لأوجب مقتضاه فإذا وجد في نصفها أوجب نصفه.

و إن تفاوتا كان الحكم للأغلب عند علمائنا، و به قال عطاء و الثوري و أبو

ص: 151


1- كرب الأرض يكربها كربا و كرابا: قلبها للحرث. لسان العرب 714:1-715 «كرب».
2- الكافي في فقه أهل المدينة: 103، الشرح الصغير 214:1، المنتقى - للباجي - 158:2، المجموع 463:5، فتح العزيز 579:5، حلية العلماء 76:3، المغني 557:2، الشرح الكبير 563:2.
3- الكافي 514:3-6، التهذيب 16:4-41، الإستبصار 15:2-44.

حنيفة و الشافعي - في أحد القولين - و أحمد في إحدى الروايتين(1).

لقول الصادق عليه السلام و قد سئل عن الأرض تسقى بالدوالي فتسقى السقية و السقيتان سيحا، فقال: «و كم تسقى السقية و السقيتان سيحا؟» قلت: في ثلاثين ليلة أربعين ليلة، و قد مكث [قبل](2) ذلك في الأرض ستّة أشهر سبعة أشهر، قال: «نصف العشر»(3).

و لأنّ اعتبار مقدار السقي و عدد مرّاته و قدر ما يشرب في كلّ سقية ممّا يشقّ و يتعذّر، فجعل الحكم للغالب كالطاعة إذا كانت أغلب على الإنسان كان عدلا و إن ندرت منه المعصية.

و قال الشافعي - في الثاني -: يعتبر قدرهما و تقسّم الزكاة عليهما بالحصّة، فإن كان السيح الثلثان أخذ ثلثا العشر، و كذا إن زاد، لأنّهما لو كانا نصفين وجب الحصّة فيهما فكذا إذا زاد أحدهما كزكاة الفطرة في العبد المشترك(4). و الفرق: عدم مشقّة اعتبار الملك هنا.

فروع:

أ - إذا سقي بهما و لم يعلم الغالب رجّح أصالة التساوي، و اخرج من كلّ واحد بالحصة.

ب - لو شرب أحد القراحين(5) سيحا، و الآخر ناضحا ضمّ أحدهما إلى الآخر في النصاب و اخرج من السيحي العشر و من النضحي نصف العشر.

ص: 152


1- بدائع الصنائع 62:2، الهداية للمرغيناني 110:1، اللباب 151:1، المجموع 463:5، فتح العزيز 579:5، حلية العلماء 76:3، المغني 557:2، الشرح الكبير 563:2.
2- ما بين المعقوفين مثبت من المصدر.
3- الكافي 514:3-6، التهذيب 16:4-17-41، الاستبصار 15:2-16-44
4- المجموع 463:5، فتح العزيز 579:5، حلية العلماء 76:3.
5- القراح: المزرعة التي ليس عليها بناء و لا فيها شجر. الصحاح 396:1 «قرح».

ج - هل الاعتبار في الأغلبية بالأكثر عددا أو نفعا و نموّا؟ الأقرب:

الثاني، لاقتضاء ظاهر النصّ(1) أنّ النظر إلى مدّة عيش الزرع و نمائه أ هو بأحدهما أكثر أو لا.

و يحتمل الأول، لأنّ المئونة تقلّ و تكثر بهما، فلو كانت المدّة من يوم الزرع إلى الإدراك ثمانية أشهر و احتاج في ستّة أشهر زمان الشتاء و الربيع إلى سقيتين، و في شهرين في الصيف إلى ثلاث سقيات فسقي السقيتين بماء السماء و الثلاث بالنضح، فإن اعتبر العدد وجب نصف العشر.

و على أحد قولي الشافعي بالتقسيط يجب خمسا العشر و ثلاثة أخماس نصف العشر(2).

و إن اعتبر مدّة العيش وجب العشر، لأنّ مدّة السقي بماء السماء أطول، و على التقسيط يجب ثلاثة أرباع العشر و ربع نصف العشر.

و لو اعتبر الأنفع لا المدّة فإن علم الأغلب فيه حكم له و إلاّ فبالتساوي.

د - لو أنشأ الزرع على إحدى السقيتين، ثم اتّفق خلافه تغيّر الحكم فيه، و هو أحد وجهي الشافعي، و الثاني: الاستصحاب(3) ، و على التقديرين يضمّ ما سقي بهذا إلى ما سقي بذاك في حقّ النصاب و إن اختلف قدر الواجب.

مسألة 89: الزكاة في الغلاّت و الثمار إنّما تجب بعد المئونة
اشارة

كأجرة السقي و العمارة و الحافظ و الحاصد و مصفّى الغلّة و قاطع الثمرة و غير ذلك من المؤن.

ص: 153


1- قوله: لاقتضاء ظاهر النص. إلى آخره. هذا دليل بعض الشافعية أيضا على الرأي الثاني لهم المذكور في نفس الفرع، و المراد من النصّ، نصّ الشافعي، لاحظ فتح العزيز 579:5، و المجموع 463:5.
2- راجع: المجموع 463:5-464، و فتح العزيز 579:5.
3- المجموع 464:5، فتح العزيز 580:5.

و قال عطاء(1): إنّ المئونة سبب زيادة المال فيكون على الجميع كالخرج على غيره من الأموال المشتركة، و لأنّ إلزام المالك خاصة حيف عليه و إضرار به فيكون منفيّا.

و قال الشيخ في الخلاف و المبسوط: إنّها على المالك خاصة، و به قال الشافعي و أبو حنيفة و مالك و أحمد(2) ، لقوله عليه السلام: (فيما سقت السماء العشر)(3) فلو لزم الفقراء فيها نصيب قصر نصيبهم عن الفرض(4).

و لا يتناول محلّ النزاع، لأنّ العشر فيما يكون نماء و فائدة.

فروع:

أ - الأقرب أنّ المئونة لا تؤثّر في نقصان النصاب و إن أثّرت في نقصان الفرض، فلو بلغ الزرع خمسة أوسق مع المئونة، و إذا أسقطت المئونة منه قصر عن النصاب وجبت الزكاة لكن لا في المئونة بل في الباقي.

ب - الأقوى أنّ البذر من المئونة فلا تجب فيه زكاة، و لأنّه لو وجبت لأدّى إلى تثنية الزكاة و تكرّرها في الغلاّت.

ج - ثمن الثمرة من المئونة، أمّا ثمن أصل النخل أو الدولاب أو الدوابّ فلا.

د - إنّما تجب الزكاة بعد إخراج حصّة السلطان.

مسألة 90: تجب الزكاة في زرع أرض الصلح و من أسلم أهلها عليها

بإجماع العلماء.

ص: 154


1- المجموع 467:5.
2- المجموع 467:5 و 532 و 578، مغني المحتاج 386:1، الهداية - للمرغيناني - 110:1، شرح فتح القدير 194:2، الكافي في فقه أهل المدينة: 101، المغني 570:2، الشرح الكبير 566:2.
3- تقدّمت الإشارة إلى مصادره في المسألة 78.
4- الخلاف 67:2، المسألة 78، المبسوط للطوسي 217:1.

أمّا ما فتح عنوة فإنّها للمسلمين و يقبلها الإمام ممّن شاء، فإذا زرعها و أدّى مال القبالة وجب في الباقي الزكاة إن بلغ النصاب.

و لا تسقط الزكاة بالخراج عند علمائنا أجمع، و به قال عمر بن عبد العزيز و الزهري و يحيى الأنصاري و ربيعة و الأوزاعي و مالك و الثوري و المغيرة و الليث و الحسن بن صالح بن حي، و ابن أبي ليلى، و ابن المبارك، و الشافعي و إسحاق و أبو عبيد و أحمد(1).

لقوله تعالى وَ مِمّا أَخْرَجْنا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ (2).

و قوله عليه السلام: (فيما سقت السماء العشر)(3).

و من طريق الخاصة قول الباقر عليه السلام: «كلّ أرض دفعها إليك السلطان فعليك فيما أخرج اللّه منها ما قاطعك عليه، و ليس على جميع ما أخرج اللّه منها العشر، و إنّما العشر عليك فيما يحصل في يدك بعد مقاسمته لك»(4).

و لأنّهما حقّان يجبان لمستحقّين يجوز وجوب كلّ منهما على المسلم و لا تنافي بينهما، فجاز اجتماعهما كالكفّارة و القيمة في صيد الحرم المملوك.

و قال أصحاب الرأي: لا عشر في الأرض الخراجية، لقوله عليه السلام: (لا يجتمع العشر و الخراج في أرض مسلم)(5).7.

ص: 155


1- المدوّنة الكبرى 345:1، المجموع 535:5، فتح العزيز 566:5 و 543-545، حلية العلماء 86:3، الأموال - لأبي عبيد -: 95، المغني 587:2، الشرح الكبير 576:2.
2- البقرة: 267.
3- تقدّمت الإشارة إلى مصادره في المسألة 78.
4- الكافي 513:3-4، التهذيب 36:4-93، الاستبصار 25:2-70.
5- انظر: سنن البيهقي 134:4، و الكامل في ضعفاء الرجال 2710:7.

و لأنّهما حقّان سبباهما متنافيان و لا يجتمعان كزكاة السائمة و التجارة(1).

و الحديث يرويه يحيى بن عنبسة - و هو ضعيف - عن أبي حنيفة، و أيضا الخراج إذا كان جزية لا يجامع العشر، و القياس ضعيف، لأنّ التجارة و زكاة السوم زكاتان فلا تجتمعان في المال الواحد بخلاف الخراج و الزكاة، لأنّ الخراج يجب في الأرض، و الزكاة في الزرع، و المستحقّان متغايران.

قال ابن المبارك: يقول اللّه تعالى وَ مِمّا أَخْرَجْنا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ (2) فلا نتركه لقول أبي حنيفة(3).

تذنيب: لو ضرب الإمام على الأرض الخراج من غير حصة فالأقرب وجوب الزكاة في الجميع، لأنّه كالدّين.

و لو جعله ممّا يخرج من الأرض فزرع ما لا عشر فيه و ما فيه العشر قسّط الخراج عليهما بالنسبة.

و قال بعض الجمهور: يجعل الخراج فيما لا زكاة فيه إن كان وافيا بالخراج، و به قال عمر بن عبد العزيز(4).

مسألة 91: لو استأجر أرضا فزرعها، فالعشر على الأجير دون مالك الأرض
اشارة

عند علمائنا، و به قال مالك و الثوري و شريك و ابن المبارك و الشافعي و أحمد و ابن المنذر(5) ، لأنّه واجب في المزروع فكان على مالكه.

و قال أبو حنيفة: إنّه على مالك الأرض، لأنّه من مئونتها فأشبه

ص: 156


1- المبسوط للسرخسي 8:3، بدائع الصنائع 57:2، المغني 587:2، الشرح الكبير 576:2-577، فتح العزيز 566:5، حلية العلماء 86:3.
2- البقرة: 267.
3- حكاه ابنا قدامة في المغني 587:2، و الشرح الكبير 577:2.
4- المغني 588:2، الشرح الكبير 577:2.
5- المدوّنة الكبرى 345:1، بداية المجتهد 247:1، المجموع 562:5، فتح العزيز 566:5، حلية العلماء 86:3، الميزان - للشعراني - 7:2، المغني 589:2، الشرح الكبير 575:2.

الخراج(1).

و ليس بجيّد، لأنّه لو كان من مئونة الأرض لوجب فيها و إن لم تزرع كالخراج، و لتقدّر بقدر الأرض لا بقدر الزرع، و لوجب صرفه إلى مصارف الفيء دون مصرف الزكاة، إذا ثبت هذا فإنّ مال الإجارة من المئونة يندر(2) كثمن الثمرة.

فروع:

أ - لو استعار أرضا فزرعها فالزكاة على صاحب الزرع، لأنّه مالكه.

ب - لو غصبها فزرعها و أخذ الزرع فالعشر عليه أيضا، لأنّه المالك، و عليه أجرة الأرض و تحسب من المئونة.

ج - لو زارع مزارعة فاسدة فالعشر على من يجب الزرع له، فإن وجب لصاحب الأرض أندر أجرة العامل من المئونة، و إن وجب للعامل أندر أجرة مثل الأرض.

مسألة 92: يكره للمسلم بيع أرضه من ذمّي و إجارتها منه
اشارة

لأدائه إلى إسقاط عشر الخارج منها، فإن باعها من ذمّي أو آجره و كانت من أرض الصلح أو من أرض أسلم أهلها طوعا صحّ البيع و الإجارة، و به قال الثوري و الشافعي و أحمد(3).

و قال مالك: يمنعون من شرائها، فإن اشتروها ضوعف عليهم العشر فأخذ منهم الخمس - و هو رواية عن أحمد(4) - لأنّ في إسقاط العشر من غلّة

ص: 157


1- المبسوط للسرخسي 5:3، اللباب 152:1، بداية المجتهد 247:1، المجموع 562:5، حلية العلماء 86:3، المغني 589:2، الشرح الكبير 575:2.
2- الإندار: الإسقاط. لسان العرب 199:5.
3- المغني 590:2، الشرح الكبير 578:2.
4- المغني 590:2، الشرح الكبير 579:2، المجموع 560:5، حلية العلماء 87:3، المبسوط للسرخسي 6:3.

هذه الأرض إضرارا بالفقراء و تقليلا لحقّهم، فإذا تعرّضوا لذلك ضوعف عليهم العشر. و هذا قول أهل البصرة و أبي يوسف و الحسن و عبيد اللّه بن الحسن العنبري(1).

و عند علمائنا قريب منه، فإنّهم أوجبوا على الذمّي الخمس إذا اشترى أرضا من مسلم سواء وجب فيها الخمس كالمفتوحة عنوة أو لا كأرض من أسلم أهلها طوعا و أرض الصلح.

و قال محمد بن الحسن: العشر بحاله(2).

و قال أبو حنيفة: تصير أرض خراج(3).

و إنّما أوجب أصحابنا الخمس لإجماعهم، و لقول الباقر عليه السلام:

«أيّما ذمي اشترى من مسلم أرضا فإنّ عليه الخمس»(4).

إذا ثبت هذا، فإنّ مستحقّ هذا الخمس على مقتضى قول علمائنا مستحقّ خمس الغنائم.

و يحتمل أن يكون لمستحقّي الزكاة، و عليه قول من أوجبه من الجمهور، لأنّها زكاة تضاعفت عليه فلا تخرج بالزيادة عن مستحقّها، و نمنع العلّة.

و قال الشافعي: لا عشر عليه و لا خراج(5).2.

ص: 158


1- المغني 590:2، الشرح الكبير 579:2، المجموع 560:5، حلية العلماء 87:3، المبسوط للسرخسي 6:3.
2- حلية العلماء 87:3، المجموع 560:5-561، المبسوط للسرخسي 6:3، المغني 590:2، الشرح الكبير 579:2.
3- المغني 590:2، الشرح الكبير 579:2، المبسوط للسرخسي 6:3، المجموع 560:5، حلية العلماء 87:3.
4- الفقيه 22:2-81، التهذيب 123:4-124-355 و 139-393.
5- المجموع 560:5، حلية العلماء 86:3، المغني 590:2، الشرح الكبير 578:2.
فروع:

أ - إذا كان لمسلم زرع فقبل أن يبدو صلاحه باعه من ذمّي بشرط القطع فتركه حتى اشتدّ فإنّه لا عشر عليه، لكفره لا بمعنى سقوطها عنه بل بمعنى تعذيبه عليها، و لا على البائع، لانتقالها عنه، فإن ردّه الكافر عليه بعيب بعد بدوّ الصلاح لم تجب الزكاة عليه.

ب - لا يجب العشر في زرع المكاتب - خلافا لأبي حنيفة(1) - و به قال الشافعي(2) ، هذا إن كان مشروطا أو مطلقا لم يؤدّ، و لو أدّى تحرّر بقدره، فإن بلغ نصيبه نصابا وجبت، و لم يعتبر الجمهور هذا التقييد.

ج - إذا باع تغلبي - و هم نصارى العرب - أرضا من مسلم وجب على المسلم فيها العشر أو نصف العشر و لا خراج عليه، لأنّه ملك قد حصل لمسلم فلا يجب عليه أكثر من العشر.

و قال الشافعي: عليه العشر(3).

و قال أبو حنيفة: يؤخذ منه عشران(4).

فإن اشترى تغلبي من ذمّي أرضا لزمته الجزية كما تلزم الذمّي، لأنّه ملك قد حصل لذمّي فوجبت فيه الجزية كاملة كما في سائر أهل الذمة.

و قال أبو حنيفة و أصحابه: عليه عشران و هما خراج يؤخذ باسم الصدقة(5).

و قال الشافعي: لا عشر عليه و لا خراج(6).

ص: 159


1- المبسوط للسرخسي 4:3، المغني 490:2، الشرح الكبير 438:2، المجموع 330:5، فتح العزيز 519:5، حلية العلماء 8:3.
2- الام 27:2، المجموع 330:5 و 564، الوجيز 90:1، فتح العزيز 519:5، حلية العلماء 8:3.
3- حكى قولهما الشيخ الطوسي في الخلاف 74:2، المسألة 86.
4- حكى قولهما الشيخ الطوسي في الخلاف 74:2، المسألة 86.
5- حكى قولهما الشيخ الطوسي في الخلاف 74:2، المسألة 87.
6- حكى قولهما الشيخ الطوسي في الخلاف 74:2، المسألة 87.
مسألة 93: لو مات و له نخل و عليه دين مستوعب تعلّق الدّين بالنخل،

فإذا أثمر بعد وفاته فالوجه أنّ الثمرة للورثة، لأنّ الدّين - على ما اخترناه نحن - لا يمنع انتقال الملك إلى الورثة، و الثمرة حدثت في ملكهم فلا يتعلّق الدّين بها، فإذا بدا صلاحها وجب العشر أو نصفه، و به قال الشافعي(1) ، و من منع الانتقال جعل الدّين متعلّقا بالثمرة و الأصل معا.

فإن مات بعد أن أطلع النخل تعلّق الدّين بالأصل و الثمرة معا، و انتقل الملك في الأصول و الثمرة إلى الورثة، فإذا بدا صلاحها وجبت الزكاة على الورثة.

فإن كان لهم مال أخرجوه من مالهم، لأنّ الوجوب حصل في ملكهم، و تعلّق حق الغرماء بذلك لا يمنع من وجوب الزكاة كالمرهون و ما حدث من الزيادة في ملك الورثة، فإنّها زيادة غير متميزة فتبعت أصلها كزيادة الرهن.

فإن لم يكن للورثة ما يؤدّون الزكاة احتمل سقوطها، لتعلّق الدّين بالعين هنا فمنع من تعلّق الزكاة، و وجوبها، لأنّ الزكاة تتعلّق بالعين و هي استحقاق جزء من المال فتقدّم على حقوق الغرماء.

مسألة 94: تضمّ الزروع المتباعدة و الثمار المتفرقة في الحكم

سواء اتّفقت في الإيناع أو اختلفت، و سواء اتّفقت في الاطلاع أو اختلفت إذا كانت لعام واحد، فلو كان له نخل بتهامة يسرع إدراكه لحرارتها، و آخر بنجد يبطئ لبرودتها، و بلغا معا خمسة أوسق وجبت الزكاة و إن كان بينهما شهر أو شهران أو أكثر.

و لو كان له نخل في بعضها رطب، و في بعضها بسر، و في بعضها طلع، فجذّ الرطب، ثم بلغ البسر فجذّ، ثم بلغ الطلع فجذّ، فإنّه يضمّ بعضها إلى بعض، لتعذّر إدراك الثمرة في وقت واحد، و إن كانت في نخلة واحدة.

ص: 160


1- المجموع 588:5-589.

فلو اعتبر اتّحاد وقت الإدراك لم تجب الزكاة غالبا، و قد أجمع المسلمون على ضمّ ما يدرك إلى ما تأخّر.

و لو كان له نخل بتهامة و أخر بنجد فأثمرت التهامية و جذّت، ثم بلغت النجدية فإنّها تضمّ إلى التهامية.

و لو كان له نخل يطلع في السنة مرّتين، قال الشيخ: لا يضمّ الثاني إلى الأول، لأنّه في حكم ثمرة سنتين(1) ، و به قال الشافعي(2).

و قيل: تضمّ، لأنّها ثمرة عام واحد(3) ، و هو الأقوى.

و لو كان بعضه يحمل مرة و الباقي مرّتين ضمّمنا الجميع.

و على قول الشيخ، يضمّ الأول منهما إلى الحمل الواحد، و يكون للثاني حكم نفسه.

مسألة 95: الثمرة إن كانت كلّها جنسا واحدا أخذ منه

سواء كان جيّدا، كالبردي، و هو أجود نخل بالحجاز، أو رديئا كالجعرور و مصران الفأرة، و عذق ابن حبيق، و لا يطالب بغيره.

و لو تعدّدت الأنواع أخذ من كلّ نوع بحصته لينتفي الضرر عن المالك بأخذ الجيّد، و عن الفقراء بأخذ الرديء، و هو قول عامة أهل العلم(4).

و قال مالك و الشافعي: إذا تعدّدت الأنواع أخذ من الوسط(5).

و الأولى أخذ عشر كلّ واحد، لأنّ الفقراء بمنزلة الشركاء.

ص: 161


1- المبسوط للطوسي 215:1.
2- المجموع 460:5، فتح العزيز 573:5، المغني 594:2، الشرح الكبير 558:2.
3- القائل هو المحقّق في المعتبر: 268.
4- المغني 571:2، الشرح الكبير 573:2-574، و المجموع 488:5.
5- المغني 571:2، الشرح الكبير 574:2، حلية العلماء 81:3، بداية المجتهد 1: 266، المنتقى - للباجي - 158:2، و انظر: المجموع 488:5-489، و فتح العزيز 581:5.

و لا يجوز إخراج الرديء، لقوله تعالى وَ لا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ (1).

و نهى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أن يؤخذ الجعرور و عذق ابن حبيق(2) ، لهذه الآية، و هما ضربان من التمر، أحدهما يصير قشرا على نوى، و الآخر إذا أثمر صار حشفا(3).

و من طريق الخاصة قول الصادق عليه السلام: «يترك معافارة(4) و أم جعرور لا يزكّيان»(5).

و لا يجوز أخذ الجيّد عن الرديء، لقوله عليه السلام: (إيّاك و كرائم أموالهم)(6) فإن تطوّع المالك جاز و له ثواب عليه.

و العذق بفتح العين، و قيل: بكسرها(7).

تذنيب: لا يجزئ أخذ الرطب عن التمر، و لا العنب عن الزبيب، فإن أخذه الساعي رجع بما نقص عن الجفاف.

و هل يجوز على سبيل القيمة ؟ الأقرب ذلك، و يجوز أن يأخذ كلاّ من الرطب و العنب عن مثله.

مسألة 96: يجوز الخرص على أرباب الغلاّت و الثمار
اشارة

بأن يبعث الإمام ساعيا إذا بدا صلاح الثمرة أو اشتدّ الحبّ ليخرصها و يعرف قدر الزكاة و يعرّف المالك ذلك، و به قال الحسن و عطاء و الزهري و مالك و الشافعي و أحمد و أبو

ص: 162


1- البقرة: 267.
2- سنن أبي داود 110:2-111-1607، و سنن الدارقطني 131:2 ذيل الحديث 11.
3- الحشف من التمر: ما لم ينو، فإذا يبس صلب و فسد. لسان العرب 47:9 «حشف».
4- معافارة: ضرب رديء من التمر. مجمع البحرين 409:3 «عفر».
5- الكافي 514:3-7، و التهذيب 18:4-47.
6- سنن أبي داود 104:2-1584، سنن النسائي 55:5، و مسند أحمد 233:1.
7- العذق، بالفتح: النخلة. و بالكسر: العرجون بما فيه من الشماريخ. النهاية - لابن الأثير - 199:3.

عبيد و أبو ثور و أكثر العلماء(1) ، لأنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله كان يبعث إلى الناس من يخرص عليهم كرومهم و ثمارهم(2).

و قال الشعبي: الخرص بدعة(3).

و قال أصحاب الرأي: أنّه ظنّ و تخمين لا يلزم به حكم، و إنّما كان الخرص تخويفا للأكرة(4) لئلاّ يخونوا، فأمّا أن يلزم به حكم فلا(5).

و نمنع عدم تعلّق الحكم به فإنّه اجتهاد في معرفة قدر الثمرة و إدراكه بالخرص الذي هو نوع من المقادير فهو كتقويم المتلفات.

فروع:

أ - وقت الخرص حين بدوّ الصلاح، لأنّه عليه السلام كان يبعث حين يطيب قبل أن يؤكل منه(6).

و لأنّ فائدته معرفة الزكاة و إطلاق أرباب الثمار في التصرف فيها، و الحاجة إنّما تدعو إلى ذلك حين بدوّ الصلاح، و تجب الزكاة فيه.

ب - محلّ الخرص: النخل و الكرم، أمّا الغلاّت فقول الشيخ يعطي جوازه، فإنّه قال: يجوز الخرص في الغلاّت(7) ، لوجود المقتضي و هو

ص: 163


1- المنتقى - للباجي - 159:2، الشرح الصغير 216:1، المجموع 478:5، حلية العلماء 78:3، المغني 564:2-565، الشرح الكبير 568:2.
2- انظر على سبيل المثال: سنن الترمذي 36:3-644، و سنن ابن ماجة 582:1-1819.
3- حكاه ابنا قدامة في المغني 565:2، و الشرح الكبير 568:2.
4- أكرة: جمع أكّار: الفلاّح. الصحاح 580:2، القاموس المحيط 365:1 «أكر».
5- المغني 565:2، الشرح الكبير 568:2، بداية المجتهد 266:1، حلية العلماء 79:3.
6- راجع: سنن أبي داود 110:2-1606.
7- الخلاف 60:2، المسألة 73.

الاحتياج إلى الأكل منه كالفريك(1) و غيره.

و منع عطاء و الزهري و مالك و أحمد، لأنّ الشرع لم يرد بالخرص فيه(2).

ج - صفة الخرص - إن كان نوعا واحدا - أن يدور بكلّ نخلة أو شجرة و ينظر كم في الجميع رطبا أو عنبا، ثم يقدّر ما يجيء منه تمرا، و إن كان أنواعا خرص كلّ نوع على حدته، لأنّ الأنواع تختلف، فمنها ما يكثر رطبه و يقلّ تمره، و منها بالعكس، و كذا العنب يختلف، و لأنّه يحتاج إلى معرفة كلّ نوع حتى يخرج عشرة.

مسألة 97: إذا خرص الخارص خيّر المالك

بين أن يضمن الحصّة للفقراء، و يسلّم إليه الثمرة ليتصرّف فيها بأكل و بيع و غير ذلك، و بين إبقائه أمانة إلاّ أنّه لا يجوز له التصرف في شيء منه بأكل أو بيع، و بين أن يضمن الخارص حصّة المالك، لأنّ عبد اللّه بن رواحة خرص على أهل خيبر، و قال:

إن شئتم فلكم و إن شئتم فلي، فكانوا يأخذونه(3).

فإن اختار الحفظ ثم أتلفها أو فرّط فتلفت ضمن نصيب الفقراء بالخرص، و إن أتلفها أجنبي ضمن قيمة ما أتلف، و الفرق: أنّ ربّ المال وجب عليه تجفيف هذا الرطب بخلاف الأجنبي، و لهذا لو أتلف أضحيته المعيّنة ضمن أضحية مكانها، و إن أتلفها أجنبي ضمن القيمة.

و لو تلفت بجائحة(4) من السماء أو أتلفها ظالم سقط الخرص و الضمان عن المتعهد إجماعا، لأنّها تلفت قبل استقرار الزكاة، و يقبل قول المالك لو

ص: 164


1- أفرك السنبل. أي: صار فريكا، و هو حين يصلح أن يفرك فيؤكل. لسان العرب 473:10 «فرك».
2- المغني 569:2، الشرح الكبير 572:2، المنتقى - للباجي - 159:2، الشرح الصغير 216:1.
3- سنن الدارقطني 133:2-23، و سنن البيهقي 123:4.
4- الجائحة: كلّ ما أذهب الثمر أو بعضها من أمر سماوي. لسان العرب 431:2 «جوح».

ادّعى التلف بغير تفريط.

مسألة 98: لو لم يضمن المالك و لا الخارص بل اختار المالك إبقاءها أمانة جاز،

فإذا حفظها إلى وقت الإخراج كان عليه زكاة الموجود خاصة سواء اختار الضمان أو حفظها على سبيل الأمانة، و سواء كانت أكثر ممّا خرصه الخارص أو أقلّ - و به قال الشافعي و أحمد(1) - لأنّ الزكاة أمانة فلا تصير مضمونة بالشرط كالوديعة.

و قال مالك: يلزمه ما قال الخارص زاد أو نقص إذا كانت الزكاة متقاربة، لأنّ الحكم انتقل إلى ما قال الساعي لوجوب ما قال عند تلف المال(2).

و يمنع الانتقال، و إنّما يعمل بقوله إذا تصرّف في الثمرة و لم يعلم قدرها، لأنّ الظاهر إصابته.

مسألة 99: يجزي الخارص الواحد

- و به قال مالك و أحمد(3) - لأنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله كان يبعث عبد اللّه بن رواحة فيخرص وحده(4) ، و لأنّ الخارص يفعل ما يؤدّي اجتهاده إليه فهو كالحاكم، و هو أحد قولي الشافعي(5).

و في الثاني: لا بدّ من اثنين، لأنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله بعث مع عبد اللّه بن رواحة غيره(6) ، و لأنّ الخارص يقدّر الواجب فهو بمنزلة المقوّمين(7).

ص: 165


1- فتح العزيز 588:5، المغني 567:2، الشرح الكبير 569:2.
2- المنتقى - للباجي - 162:2، المغني 567:2، الشرح الكبير 569:2.
3- المنتقى - للباجي - 160:2، الشرح الصغير 217:1، المغني 566:2، الشرح الكبير 569:2، حلية العلماء 79:3.
4- سنن أبي داود 110:2-1606، سنن ابن ماجة 582:1-1820.
5- المجموع 479:5، فتح العزيز 586:5، حلية العلماء 79:3.
6- نقله في الأم 34:2.
7- الام 34:2، المجموع 480:5، فتح العزيز 586:5، حلية العلماء 79:3.

و إنفاذ غيره معه لا يدلّ على أنّه خارص، و يحتمل أن يكون معينا و كاتبا، و لأنّه جائز عندنا، و الكلام في الوجوب، و يخالف الخارص المقوّمين، لأنّهم ينقلون ذلك إلى الحاكم فافتقر إلى العدد كالشهادة بخلاف الخرص فإنّه حكم يجزئ فيه الواحد.

و له قول ثالث: إن كان الخرص على صبي أو مجنون أو غائب فلا بدّ من اثنين(1).

إذا ثبت هذا، فيشترط في الخارص الأمانة و المعرفة إجماعا، لأنّ الخرص إنّما يتمّ بهما.

مسألة 100: و على الخارص أن يترك في خرصه ما يحتاج المالك إليه

من أكل أضيافه و إطعام جيرانه و أصدقائه و سؤّاله - المستحقّين للزكاة - و يحسبه منها، و ما يتناثر من الثمرة و يتساقط و ينتابه الطير، و يأكل منها المارّة، فلو استوفى الكلّ أضرّ بالمالك.

و قد روي عن النبي صلّى اللّه عليه و آله أنّه قال: (خفّفوا على الناس فإنّ في المال العريّة و الواطية و الآكلة)(2).

و العرية: النخلة و النخلات تهب إنسانا ثمرتها(3). و قد قال عليه السلام: (ليس في العرايا صدقة)(4).

و الواطية: السابلة. سمّوا به، لوطئهم بلاد الثمار مجتازين(5).

و الآكلة: أرباب الثمار و أهلهم(6) ، و قال عليه السلام: (إذا خرصتم

ص: 166


1- المجموع 480:5، فتح العزيز 587:5.
2- سنن البيهقي 124:4.
3- راجع: الأموال - لأبي عبيد -: 488، و الصحاح 2423:6 «عرا».
4- الأموال - لأبي عبيد -: 487-1451، سنن البيهقي 124:4.
5- راجع: الأموال - لأبي عبيد -: 487، و النهاية - لابن الأثير - 200:5.
6- راجع أيضا: الأموال - لأبي عبيد -: 488.

فخذوا و دعوا الثلث فإن لم تدعوا الثلث فدعوا الربع)(1).

و تأوّل الشافعي ذلك بأمرين:

أحدهما: إذا خرصتم فدعوا لهم الثلث أو الربع ليفرّقوه بأنفسهم على جيرانهم و من يسألهم و يتبعهم.

و الثاني: إذا لم يرض بما خرصه الساعي منعه من التصرف فيه، فأمرهم أن يدعوا لهم الثلث أو الربع ليتصرّفوا فيه، و يضمنوا حقّه بقدر ما يجيء من الباقي(2).

مسألة 101: يخرص الخارص الجميع،

لإطلاق النصوص المقتضية لوجوب العشر، و هو الجديد للشافعي، و في القديم: يترك للمالك نخلة أو نخلات يأكل منها هو و أهله، و يختلف ذلك بقلّة العيال و كثرتهم(3).

و الوجه: المنع، لتعلّق حقّ الفقراء.

و قال أحمد: لا يحتسب على المالك ما يأكله بالمعروف(4).

و ليس بجيّد، لأنّ الفقراء شركاء، نعم لو قلّ جدّا لم يحتسب، لعسر الاحتراز منه.

مسألة 102: لو ادّعى المالك غلط الخارص بالمحتمل قبل من غير يمين،

و به قال أحمد(5).

و قال الشافعي: لا بدّ من اليمين(6) ، و سيأتي.

ص: 167


1- مصنّف ابن أبي شيبة 194:3، سنن الترمذي 35:3-643، سنن أبي داود 110:2-1605، سنن النسائي 42:5، سنن البيهقي 123:4.
2- لم نجده في مظانّه من المصادر المتوفّرة لدينا.
3- المجموع 479:5، فتح العزيز 585:5، مغني المحتاج 387:1.
4- المغني 569:2، الشرح الكبير 572:2.
5- المغني 567:2، الشرح الكبير 570:2.
6- المجموع 486:5، فتح العزيز 591:5.

و إن ادّعى غير المحتمل لم تسمع دعواه في حطّ ذلك القدر.

و هل يحطّ القدر المحتمل ؟ إشكال ينشأ من ظهور كذبه و من ادّعاء القليل ضمنا، و للشافعيّة وجهان(1).

و لو ادّعى تعمّد الإجحاف لم يلتفت إلى قوله كما لو ادّعى الكذب على الشاهد، و الجور على الحاكم.

و لو قال: أخذت كذا و بقي كذا و لا أعلم غير ذلك، قبل قوله و إن كان ممّا لا يقع غلطا في الخرص، لأنّه لم يضف ذلك إلى خطأ الخارص.

مسألة 103: لو لم يخرج الإمام خارصا فاحتاج ربّ المال إلى التصرّف في الثمرة

فأخرج خارصا جاز أن يأخذ بقدر ذلك، و لو خرص هو و أخذ بقدر ذلك جاز أيضا، و يحتاط في أن لا يأخذ أكثر ممّا [له](2) أخذه، و لو لم يخرص لم يجز أن يتناول من الثمرة شيئا و إن قلّ - خلافا لأحمد(3) - إن كان بعد بدوّ الصلاح، و يجوز قبله.

مسألة 104: لو ادّعى المالك التلف أو تلف البعض قبل قوله بغير يمين،

لأنّه حقّ للّه تعالى فلا يمين فيه كالصلاة و الحدّ - خلافا للشافعي(4) - سواء كان بسبب ظاهر كوقوع الجراد أو نزول الأكراد، أو خفي كالسرقة، إلاّ أن يعلم كذبه، لأنّ الشارع جعل الأمر إليه، لقوله عليه السلام للساعي: (قل لهم: هل للّه في مالكم حقّ؟).

و قال الشافعي: إن ادّعى سببا ظاهرا افتقر إلى البيّنة، لأنّه مدّع(5).

ص: 168


1- المجموع 486:5، فتح العزيز 591:5-592.
2- زيادة يقتضيها السياق.
3- المغني 569:2، الشرح الكبير 572:2.
4- المهذب للشيرازي 162:1، المجموع 485:5، فتح العزيز 591:5، حلية العلماء 79:3-80.
5- المهذب للشيرازي 162:1، المجموع 485:5، فتح العزيز 591:5، حلية العلماء 79:3-80.

و تجب الزكاة في الباقي إن كان التلف بعد بدوّ الصلاح أو قبله و كان الباقي نصابا، و لو كان بعد بدوّ الصلاح و قصر الباقي عن النصاب وجبت أيضا لو بلغ مع التالف، خلافا لبعض الجمهور حيث قال: إنّ الزكاة إنّما تجب يوم الحصاد(1).

و لو ادّعى أنّها سرقت بعد نقلها إلى البيدر ضمن إن كان بعد إمكان الأداء و إلاّ فلا.

مسألة 105: لو تلفت الثمرة قبل بدوّ الصلاح، أو الزرع قبل اشتداد الحبّ لم تجب الزكاة

إجماعا، و كذا إن أتلفه المالك سواء قصد الفرار من الزكاة أو لا عندنا، لعدم المقتضي و أصالة البراءة، و به قال الشافعي(2).

و قال أحمد و مالك: إن فعله فرارا وجبت الزكاة(3) ، و ليس بجيّد.

و كذا الخلاف لو أتلف النصاب أو بعضه قبل الحول فرارا، أو سبك الذهب أو الفضة أو صاغهما حليّا و غيره.

مسألة 106: لو احتاج إلى قطع الثمرة أجمع بعد بدوّ الصلاح لئلاّ تتضرّر النخلة بمصّ الثمرة جاز القطع

إجماعا، لأنّ الزكاة تجب على طريق المواساة فلا يكلّف ما يتضرّر به و يهلك أصل ماله، و لأنّ في حفظ الأصول حظّا للفقراء لتكرّر حقّهم.

و لا يضمن المالك خرصها، بل يقاسم الساعي بالكيل أو الوزن بسرا أو رطبا، و له بيع الجميع، و يأخذ الساعي حصّة الفقراء من الثمن، و لو كفى تجفيف الثمرة جفّفها و أخرج الزكاة ممّا قطعه بعد بدوّ الصلاح.

و هل للمالك قطعها لمصلحة من غير ضرورة ؟ الوجه ذلك، لأنّ الزكاة

ص: 169


1- المغني 561:2، الشرح الكبير 564:2.
2- المجموع 484:5، فتح العزيز 589:5.
3- المغني 564:2، الشرح الكبير 564:2.

وجبت مواساة فلا يجوز تفويت مصلحته(1) بسببها فيقاسم.

و في قطعها لغير مصلحة إشكال ينشأ من تضرّر الفقراء بقطعها لغير فائدة، و من عدم منع المالك من التصرف في ماله كيف شاء.

و منع الشافعي من قطعها مطلقا بدون إذن الساعي(2).

و لو أراد قطع الثمرة لتحسين الباقي منها جاز.

و قال بعض الجمهور: إذا قطع البعض لمصلحة كان عليه فيه الزكاة يابسا(3) ، و هو رواية عن أحمد(4) ، و ليس بمعتمد.

مسألة 107: يجوز للساعي أن يقاسم الثمرة مع المالك قبل الجذاذ و بعده،

و هو أحد قولي الشافعي، لأنّهما شريكان فيما تصحّ قسمته فجازت.

و في الثاني: لا تجوز على رءوس النخل بناء على أنّ القسمة بيع(5) ، و هو ممنوع.

فإذا اختار المالك أن يسلّم عشرها مشاعا إلى الساعي تعيّن حقّ الفقراء فيه فإنّ الفقراء و إن ملكوا جزءا من المال فإنّ ملكهم لا يستقرّ لجواز أن يدفع إليهم من غيره فإذا تسلّم ذلك تعيّن حقّهم فيه.

و يجوز للساعي أن يبيع نصيب الفقراء من صاحب الثمرة أو غيره، أو يبيعا(6) جميعا و يقتسما الثمن، و إذا قسّمها قبل الجذاذ قسّمها بالخرص و يأخذ نصيبهم نخلات منفردة و يأخذ ثمرها.

ص: 170


1- في نسخة «ط»: مصلحة.
2- المجموع 472:5، فتح العزيز 592:5.
3- و هو قول أبي بكر.. من فقهاء الحنابلة. راجع: المغني 571:2، و الشرح الكبير 567:2.
4- المغني 571:2، الشرح الكبير 567:2.
5- المجموع 473:5، فتح العزيز 592:5.
6- أي: يبيع الساعي و صاحب الثمرة.

و لو قطعها المالك جاز قسمتها كيلا أو وزنا، و للشافعي قولان:

أحدهما: المنع، لاشتماله على الربا، بل يأخذ الساعي العشر مشاعا و يبيعه(1).

و هو ممنوع، للتعديل، و لأنّ للمالك أن يدفع إلى الفقراء أكثر ممّا يستحقّون.

مسألة 108: إذا خرص الخارص و ضمن المالك الحصة تصرّف في الثمرة كيف شاء

من أكل و بيع و غير ذلك، لأنّه فائدة التضمين.

فإذا قطعها بعد الخرص قبل التضمين للحاجة أخذ الساعي عشرها بسرا، و إن كان لا لحاجة فكذلك.

و قال الشافعي: يأخذ عشرها تمرا، لأنّ الثمرة تجب تبقيتها إلى إدراكها، فإذا قطعها ضمن خرصها بخلاف القطع للعطش(2). و اختاره الشيخ في المبسوط(3).

و أمّا طلع الفحال فلا شيء فيه إجماعا، لأنّه لا يجيء منه شيء تجب فيه الزكاة فهو بمنزلة ثمرة لا زكاة فيها.

و إذا ضمن المالك الحصّة فأكلها رطبا ضمن الزكاة بحكم الخرص تمرا، و إن كان قبل التضمين بعد الخرص أو قبله كان القول قوله فيما وصل إليه، و لا يمين عندنا - خلافا للشافعي(4) - و يضمن الحصة رطبا، لأنّه الواجب عليه و المالك يضمن الزكاة بالمثل، و هو أحد قولي الشافعي، و في الآخر:

يضمن قيمة الرطب، لأنّ الرطب لا مثل له(5) ، و هو ممنوع.

ص: 171


1- المجموع 473:5-474، فتح العزيز 593:5، حلية العلماء 82:3.
2- المجموع 475:5-476.
3- المبسوط - للطوسي - 217:1.
4- الام 32:2.
5- المجموع 471:5-472 و 484، فتح العزيز 589:5.

و حكم العنب حكم الرطب في ذلك كلّه.

مسألة 109: يصحّ تصرف المالك في النصاب قبل الخرص و بعده

بالبيع و الهبة و غيرهما إذا ضمن حصّة الفقراء، فإذا باع كانت الصدقة عليه، و كذا لو وهبها - و به قال الحسن و مالك و الثوري و الأوزاعي(1) - لأنّها كانت واجبة عليه، و لأنّ الزكاة في العين.

و لو شرطها على المشتري جاز - و به قال الليث(2) - لأنّه شرط سائغ، و لأنّ الزكاة تجب في العين التي انتقلت إلى المشتري فتجب على المشتري عملا بالشرط.

و لو لم يضمن البائع الزكاة و لا شرطها على المشتري احتمل صحّة البيع في الجميع فيضمن البائع الزكاة، لأنّه تصرف في مال الغير، و بطلان البيع في قدر نصيب الفقراء، لتعلّق حقّهم بالعين فهم شركاء فيتخيّر المشتري لو لم يعلم، لتبعّض الصفقة عليه.

البحث الثاني فيما ظنّ وجوب الزكاة فيه من الغلاّت و ليس كذلك
مسألة 110: لا زكاة في شيء من الثمار و الغلاّت إلاّ في التمر و الزبيب و الحنطة و الشعير

عند علمائنا أجمع، و هو رواية عن أحمد، و به قال ابن عمر و موسى بن طلحة و الحسن البصري و ابن سيرين و الشعبي و الحسن بن صالح بن حي و ابن أبي ليلى و ابن المبارك و أبو عبيد(3).

ص: 172


1- المغني 563:2، الشرح الكبير 565:2، المنتقى - للباجي - 159:2.
2- المغني 563:2، الشرح الكبير 565:2.
3- المجموع 456:5، المغني 548:2، الشرح الكبير 549:2، بداية المجتهد 253:1، الأموال - لأبي عبيد -: 472-473 و 478.

لقول عبد اللّه بن عمر: إنّما سنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب(1).

و بعث(2) أبا موسى و معاذا إلى اليمن يعلّمان الناس أمر دينهم، فأمرهما أن لا يأخذا الصدقة إلاّ من هذه الأربعة: الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب(3).

و من طريق الخاصة قول الباقر عليه السلام: «و أمّا ما أنبتت الأرض من شيء من الأشياء فليس فيه زكاة إلاّ أربعة أشياء: البرّ و الشعير و التمر و الزبيب»(4).

و قول الصادق عليه السلام: «وضع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله الزكاة على تسعة أشياء: الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب و الذهب و الفضة و الإبل و البقر و الغنم و عفا عمّا سوى ذلك»(5).

و لأنّ ما عدا هذه الغلاّت لا نصّ فيها و لا إجماع، و لا هي في معناها في غلبة «الاقتيات»(6) بها و كثرة نفعها و وجودها، فلا يصح قياسه عليها، و لا إلحاقه بها فبقي الأصل، و خالف جماعة من الجمهور في ذلك(7) ، و نحن نذكره في مسائل:

مسألة 111: لا زكاة في الحبوب

غير ما قلناه عند علمائنا، و ذهب

ص: 173


1- سنن الدارقطني 94:2-1.
2- أي: بعث رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله.
3- سنن الدارقطني 98:2-15، سنن البيهقي 125:4، المستدرك - للحاكم - 401:1.
4- التهذيب 19:4-50.
5- الكافي 510:3-3، التهذيب 5:4-11، الاستبصار 5:2-11.
6- ورد في الطبعة الحجرية و النسخ الخطية المعتمدة في التحقيق: الأصناف. و هو تصحيف، و الصحيح ما أثبتناه.
7- راجع: المجموع 456:5، و المغني و الشرح الكبير 548:2، و بداية المجتهد 1: 253.

الشافعي و مالك إلى أنّه ليس فيما عدا النخل و الكرم من الشجر زكاة، و أمّا الحبوب فلا تجب إلاّ فيما يصان و يدّخر(1).

و قال أبو حنيفة: تجب في جميع ما يقصد بزراعته نماء الأرض فتجب في جميع ما تنبته الأرض إلاّ الحطب و القصب و الحشيش(2).

و قال أبو يوسف و محمد: تجب في الحبوب و الثمار الباقية(3).

و قال أحمد: تجب في جميع الثمار و الحبوب التي تكال و تدّخر سواء أنبته الآدميون أو نبت لنفسه - و أوجب الزكاة من اللوز دون الجوز، لأنّ اللوز يكال(4) - لقوله عليه السلام: (فيما سقت السماء.. العشر)(5).

و هو معارض بقوله عليه السلام: (ليس في الخضراوات صدقة)(6) و لأنّه أعم، و لأنّه ورد في معرض بيان قدر الواجب في هذا النوع من الأصناف التي تجب فيها الزكاة.

مسألة 112: لا زكاة في الزيتون

عند علمائنا أجمع - و هو الجديد

ص: 174


1- المجموع 456:5، المغني 548:2، حلية العلماء 72:3، بداية المجتهد 253:1، المدونة الكبرى 294:1، المنتقى - للباجي - 164:2.
2- بدائع الصنائع 58:2، اللباب 150:1، المجموع 456:5، حلية العلماء 73:3، بداية المجتهد 253:1، المغني و الشرح الكبير 549:2، الميزان - للشعراني - 6:2
3- بدائع الصنائع 59:2، اللباب 150:1، المغني و الشرح الكبير 548:2، المجموع 456:5، حلية العلماء 73:3.
4- المغني و الشرح الكبير 548:2، المجموع 456:5، حلية العلماء 73:3، الميزان - للشعراني - 6:2.
5- صحيح البخاري 156:2، سنن أبي داود 108:2-1596، سنن الترمذي 31:3-639، سنن ابن ماجة 580:1-1816، سنن الدارقطني 97:2-9، سنن البيهقي 129:4، المستدرك - للحاكم - 401:1.
6- سنن الدارقطني 95:2-96-3-6 و 97-10، مصنّف عبد الرزاق 119:4-7185.

للشافعي، و قول ابن أبي ليلى و الحسن بن صالح و أبي عبيد و أحمد في رواية(1) - لأنّه لا يدّخر يابسا فأشبه الخضراوات، و لأنّه ليس بمصان حالة الاختيار فلا تجب فيه الزكاة كغيره من الثمار، و لأنّه إذا لم تجب في التين مع ما يمكن فيه من القوت فالزيتون أولى.

و قال في القديم: تجب فيه الزكاة، و به قال الزهري و الأوزاعي و مالك و الليث و الثوري و أبو ثور و أحمد - في رواية - و أصحاب الرأي(2) ، لقوله تعالى:

وَ آتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ (3) في سياق وَ الزَّيْتُونَ وَ الرُّمّانَ (4).

و لا حجّة فيه، لأنّها لم يرد بها الزكاة، لنزولها(5) بمكة، و الزكاة فرضت بالمدينة، و لهذا ذكر الرمان و لا زكاة فيه.

و الموجبون شرطوا بلوغ خمسة أوسق(6).

و الذي يطلب زيته كالشامي و المدقوقي يخرج عشره زيتونا أو زيتا، و ما لا يطلب زيته، بل يؤكل أدما كالبغدادي يخرج عشرة إذا بدا صلاحه، لأنّها حالة الادّخار.

مسألة 113: لا زكاة في الورس

عند علمائنا أجمع - و هو قول الشافعي في الجديد و أحمد - لأنّه ليس بمقتات.

و في القديم: تجب فيه - و هو رواية عن أحمد - و لا يوسق بل يجب من

ص: 175


1- المهذب للشيرازي 160:1، المجموع 456:5، فتح العزيز 561:5، حلية العلماء 73:3، بداية المجتهد 245:1، المغني و الشرح الكبير 552:2.
2- المهذب للشيرازي 160:1، فتح العزيز 561:5-562، حلية العلماء 73:3، الميزان - للشعراني - 6:2، المدونة الكبرى 294:1، بداية المجتهد 254:1، المغني و الشرح الكبير 552:2.
3- الأنعام: 141.
4- الأنعام: 141.
5- يقصد بالضمير في (لأنها) و (بها) و (لنزولها) الآية.
6- المغني 552:2 و 555، الشرح الكبير 553:2، المجموع 456:5، حلية العلماء 73:3.

قليله و كثيرة، لأنّ أبا بكر بعث إلى بني خفّاش أن أدّوا زكاة الذرة و الورس(1) ، و جاز أن يكون عن اجتهاد.

و كذا لا زكاة في غيره من الورق مثل السدر و الخطمي و الأشنان و السعتر و الآس، لأنّه ليس بمنصوص و لا في معناه.

مسألة 114: لا زكاة في الأزهار كالزعفران و العصفر و القطن

عند علمائنا أجمع - و هو قول أحمد في رواية(2) - للأصل، و لأنّه ليس بحبّ و لا تمر فأشبه الخضراوات.

و لقول علي عليه السلام: «ليس في الفاكهة و البقل و التوابل(3) و الزعفران زكاة»(4).

و للشافعي قولان في الزعفران: الوجوب و عدمه(5).

و أما القرطم - و هو حبّ العصفر - فلا زكاة فيه عندنا - و هو الجديد للشافعي(6) - لأنّه ليس بمقتات، و لأنّ السّمسم لا تجب فيه الزكاة و دهنه أنفع فهذا أولى.

و في القديم: تجب و تعتبر الأوساق الخمسة بخلاف الزعفران، لحديث أبي بكر(7). و لا حجّة فيه، و حكي عن أحمد أنّ في القطن زكاة(8).

ص: 176


1- المهذب - للشيرازي - 160:1، المجموع 455:5، فتح العزيز 562:5، حلية العلماء 73:3، المغني 551:2، الشرح الكبير 550:2-551، و انظر: سنن البيهقي 126:4.
2- المغني و الشرح الكبير 551:2.
3- التوابل: جمع، واحدها: تابل. و تبل القدر: جعل فيه التابل. و التابل: أبزار الطعام. القاموس المحيط 340:3 «تبل».
4- أورده ابن قدامة في الشرح الكبير 551:2.
5- المجموع 455:5، فتح العزيز 562:5، حلية العلماء 73:3.
6- المجموع 456:5، فتح العزيز 563:5، حلية العلماء 74:3.
7- المجموع 456:5، فتح العزيز 563:5، حلية العلماء 74:3.
8- المغني و الشرح الكبير 551:2.
مسألة 115: العسل لا زكاة فيه

عند علمائنا أجمع - و به قال مالك و الشافعي و ابن أبي ليلى و الحسن بن صالح بن حي و ابن المنذر(1) - للأصل، و الأحاديث الدالّة على نفي الزكاة عن غير التسعة، و لأنّه مائع خارج من حيوان فأشبه اللبن.

و قال عمر بن عبد العزيز و مكحول و الزهري و سليمان بن موسى و الأوزاعي و أحمد و إسحاق: تجب فيه بكلّ حال(2) ، لأنّ عمرو بن شعيب روى عن أبيه عن جدّه أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كان يأخذ في زمانه من قرب العسل من كلّ عشر قرب قربة من أوسطها(3).

و قال أبو سيّارة: يا رسول اللّه إنّ لي نحلا، قال صلّى اللّه عليه و آله:

(أدّ العشر) قال: فاحم إذن جبلها. فحماه له(4).

و لا حجّة فيه، لجواز أن لا يكون زكاة بل كان يأخذ خمسا و نصفه لنفسه عليه السلام.

و قال أبو حنيفة: إن كان في غير أرض الخراج وجب فيه العشر، لأنّ العشر و الخراج لا يجتمعان(5).

و لا حجّة فيه علينا بل على أحمد.

ص: 177


1- المنتقي - للباجي - 172:2، المهذب - للشيرازي - 160:1، المجموع 456:5، فتح العزيز 563:5، حلية العلماء 73:3-74، المغني 572:2، الشرح الكبير 579:2.
2- المغني 572:2، الشرح الكبير 579:2، فتح العزيز 563:5، حلية العلماء 74:3.
3- الأموال - لأبي عبيد -: 496-1489.
4- الأموال - لأبي عبيد -: 496-1488، سنن ابن ماجة 584:1-1823، سنن البيهقي 126:4، و انظر: المغني 573:2، و الشرح الكبير 580:2.
5- بدائع الصنائع 62:2، اللباب 152:1، المغني 573:2، الشرح الكبير 579:2 و 580، الميزان - للشعراني - 6:2، حلية العلماء 74:3.

و اختلف الموجبون، فقال أبو يوسف و محمد: نصابه خمسة أوساق(1) ، لقوله عليه السلام: (ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة)(2).

و قال أبو حنيفة: تجب في قليله و كثيره، بناء على أصله في الحبوب و الثمار(3).

و قال أحمد: نصابه عشرة أفراق، و الفرق ستّة عشر رطلا بالعراقي، و هو قول الزهري، لقول عمر: إن أدّيتم صدقتها من كلّ عشرة أفراق فرقا حميناها لكم(4) ، و لا حجّة فيه.

مسألة 116: قال الشيخ: العلس نوع من الحنطة، لأنّه حنطة حبّتان منه في كمام فتجب فيه الزكاة

حينئذ، و يضمّ إلى نصاب الحنطة لو قصر إلاّ به(5).

و أمّا السّلت، فقال: إنّه شعير، لمشابهته إيّاه في الصورة فيضمّ إليه حينئذ(6).

و قال بعض الشافعية: بل يضمّ إلى الحنطة، لأنّه على طبعها(7).

و قال آخرون: إنّه أصل بنفسه(8).

ص: 178


1- المغني 573:2، الشرح الكبير 580:2.
2- صحيح مسلم 673:2-979، صحيح البخاري 147:2، سنن ابن ماجة 572:1-1794، سنن الترمذي 22:3-626، سنن أبي داود 94:2-1558، سنن النسائي 17:5.
3- بدائع الصنائع 62:2، اللباب 152:1، الميزان - للشعراني - 6:2، المغني 573:2، الشرح الكبير 580:2.
4- المغني 573:2، الشرح الكبير 580:2.
5- المبسوط - للطوسي - 217:1.
6- الخلاف 65:2، المسألة 77.
7- المجموع 510:5.
8- المجموع 509:5.

و للشافعي قولان: الضمّ إلى الشعير، و عدم ضمّه مطلقا(1) ، و هو الأقرب عندي.

و جعل الشافعي نصاب العلس عشرة أوسق لأجل قشره(2).

مسألة 117: لا شيء في الأرز عندنا، و لا في غيره من الحبوب سوى الحنطة و الشعير،

سواء كان من القطنيّات التي تقطن في البيت و هي اللوبيا و العدس و الماش و الحمّص و الباقلاء و الهرطمان، أو من الأبازير(3) كالكسفرة و الكمّون، أو البزور كبزر الكتّان و القثّاء و الخيار، أو حبّ البقول كالرشاد، و حبّ الفجل و القرطم و السّمسم و سائر الحبوب - خلافا لأحمد(4) - للأصل.

و قال الشافعي: لا تجب الزكاة في الزرع إلاّ أن يكون ممّا ييبس و يدّخر و يقتات و ينبته الآدميون و هي القطنيّة إذا بلغ كلّ منها نصابا، و لا يضمّ بعضها إلى بعض(5).

و اختلفت الرواية عن أحمد في الضمّ(6).

و جعل الشافعي نصاب الأرز عشرة أوسق لأجل قشره(7).

و قال أبو حنيفة: تجب الزكاة في كلّ ما يقصد بزراعته نماء الأرض إلاّ الحطب و القصب و الحشيش(8).

ص: 179


1- المجموع 509:5-510، فتح العزيز 570:5.
2- المجموع 503:5، فتح العزيز 569:5.
3- الأبازير جمع الجمع ل (أبزار) واحدها: بزر. بمعنى: التابل. و هو ما يتطيّب به الطعام. لسان العرب 56:4 «بزر».
4- المغني و الشرح الكبير 548:2.
5- المهذب للشيرازي 163:1، المجموع 496:5، حلية العلماء 83:3.
6- المغني 591:2، الشرح الكبير 559:2.
7- المجموع 504:5، مغني المحتاج 383:1.
8- بدائع الصنائع 58:2، اللباب 150:1، المغني و الشرح الكبير 549:2، المجموع 456:5، حلية العلماء 84:3، بداية المجتهد 253:1.

و أمّا الخضراوات فلا صدقة فيها إجماعا، لقوله عليه السلام: (ليس في الخضراوات صدقة)(1).

مسألة 118: و لا زكاة فيما ينبت من المباح الذي لا يملك إلاّ بأخذه

كالبطم و العفص و الزعبل و هو شعير الجبل، و بزر قطونا، و بزر البقلة، و بزر الأشنان إجماعا إلاّ عند بعض الحنابلة فإنّ فيه الزكاة إذا نبت في أرضه(2).

المطلب الرابع في اللواحق
مسألة 119: يشترط بقاء عين النصاب طول الحول،

فلو بادل به في أثنائه من جنسه أو من غير جنسه، و سواء كان من الماشية أو الأثمان اعتبر ابتداء الحول من حين المعاوضة، و به قال الشافعي(3).

لقوله عليه السلام: (لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول)(4).

و لأنّه أصل بنفسه تجب الزكاة في عينه فلم يبن حوله على غيره كالجنسين.

و قال الشيخ: إن بادل بجنسه بنى على حوله، و إن كان من غير جنسه استأنف مطلقا(5) ، و له قول آخر: إن بادل بالجنس أو بغيره فرارا وجبت و إلاّ

ص: 180


1- سنن الدارقطني 95:2-1 و 96-4-6.
2- المغني 551:2، الشرح الكبير 561:2.
3- الام 24:2-25، المهذب للشيرازي 150:1، المجموع 361:5، فتح العزيز 489:5، حلية العلماء 26:3.
4- سنن ابن ماجة 571:1-1792، سنن الترمذي 25:3-631، سنن الدارقطني 90:2-91-5، و سنن البيهقي 95:4.
5- المبسوط للطوسي 206:1.

فلا(1).

و بأوّلهما قال مالك، إلاّ أنّه فصّل، فقال في غير الحيوان بذلك، و في الحيوان روايتان، و إن أبدل الحيوان بالأثمان لم يبن على حوله(2).

و قال أبو حنيفة في الماشية كقولنا، و في الذهب و الفضّة يبني حول أحدهما على الآخر(3).

و قال أحمد: يبني حول الجنس على جنسه من الحيوان، و لا يبني على غير جنسه منه، و يبني حول الفضّة على الذهب إذا بادل به، لأنّه نصاب يضمّ إليه نماؤه في الحول فيبني حول بدله من جنسه على حوله كالعروض، و لأنّهما مالان زكاتهما واحدة فيبني حول أحدهما على الآخر كعروض التجارة، و لأنّ التهمة تلحقه في الفرار من الزكاة، لأنّ الفرض بالجنس الواحد لا يختلف(4).

و نمنع ضمّ النماء، و الزكاة في التجارة تتعلّق بالقيمة و هو جنس واحد، و الفرار لا اعتبار به لما يأتي، و الجنسان لا يضمّ أحدهما إلى الآخر مع وجودهما فأولى أن لا يبنى حول أحدهما على الآخر.

مسألة 120: إذا نقص النصاب قبل الحول بطل الحول
اشارة

سواء نقص لحاجته إلى نقصه أو قصد بإتلافه الفرار من الزكاة، و سواء تلف البعض أو أبدله بغير جنسه أو بجنسه، و سواء كان الإبدال أو الإتلاف عند قرب الوجوب أو في

ص: 181


1- نسبه الى جمل الشيخ الطوسي أيضا، السيد العاملي في مدارك الأحكام 74:5 و لم نجده.
2- المدونة الكبرى 321:1-322، بداية المجتهد 272:1، الشرح الصغير 207:1، فتح العزيز 490:5، حلية العلماء 26:3، الميزان - للشعراني - 3:2.
3- بدائع الصنائع 15:2، المبسوط - للسرخسي - 166:2، فتح العزيز 490:5، المغني 533:2، الشرح الكبير 469:2، حلية العلماء 26:3، الميزان - للشعراني - 3:2.
4- المغني 533:2، الشرح الكبير 468:2، فتح العزيز 490:5، حلية العلماء 26:3.

أول الحول، و به قال الشافعي و أبو حنيفة(1) ، لأنّه مال تجب الزكاة في عينه نقص نصابه قبل تمام حوله فوجب أن ينقطع حوله، و لا تجب الزكاة كما لو أتلفه لحاجته.

و قال مالك و أحمد: إن أتلف جزءا أو أبدل عند قرب الوجوب فرارا لتسقط الزكاة لم تسقط و وجبت عليه الزكاة التي كانت تجب قبل الفرار، لقوله تعالى إِنّا بَلَوْناهُمْ كَما بَلَوْنا أَصْحابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّها مُصْبِحِينَ. وَ لا يَسْتَثْنُونَ. فَطافَ عَلَيْها طائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَ هُمْ نائِمُونَ.

فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ (2) عاقبهم اللّه تعالى بذلك لفرارهم من الصدقة.

و لأنّه قصد إسقاط نصيب من انعقد سبب استحقاقه فلم يسقط كما لو طلّق امرأته في مرض موته(3).

و الآية قيل: إنّما كان لأنّهم لم يستثنوا بقولهم: إن شاء اللّه(4) ، و الفرق في المطلّقة ظاهر، لتعلّق حقّها بماله في حالة المرض، و الفقراء لم يتعلّق حقّهم به إلاّ بحؤول الحول.

فروع:

أ - إذا حال الحول أخرج الزكاة في المعاوضة - على رأي الشيخ - من جنس المبيع دون الموجود، لأنّه الذي وجبت الزكاة بسببه.

ب - قال في الخلاف: إذا كان معه نصاب من جنس ففرّقه في أجناس

ص: 182


1- الام 24:2، المهذب للشيرازي 150:1، المجموع 361:5، فتح العزيز 492:5، حلية العلماء 26:3، بدائع الصنائع 51:2-52، المغني 534:2، الشرح الكبير 465:2.
2- القلم: 17-20.
3- الشرح الصغير 213:1، المغني 534:2، الشرح الكبير 465:2، فتح العزيز 492:5، حلية العلماء 26:3.
4- انظر: مجمع البيان 336:5.

مختلفة فرارا من الزكاة لزمته إذا حال الحول على أشهر الروايات، لأنّ إسحاق ابن عمار سأل الكاظم عليه السلام عن رجل له مائة درهم و عشرة دنانير أ عليه زكاة ؟ فقال: «إن كان فرّ بها من الزكاة فعليه الزكاة» قلت: لم يفرّ بها، ورث مائة درهم و عشرة دنانير، قال: «ليس عليه زكاة» قلت: لا يكسر الدراهم على الدنانير و لا الدنانير على الدراهم ؟ قال: «لا»(1).

ج - لو سبك الذهب و الفضة أو اتّخذهما حليّا فرارا من الزكاة قبل الحول سقطت، و بعده لا تسقط.

و قال الشيخ: تجب في الأول(2) ، و قد تقدّم(3).

د - لو كان البيع فاسدا لم ينقطع حول الزكاة في النصاب، و بنى على حول الأول، لأنّ الملك لم ينتقل فيه، ثم إن تمكّن من استرداده وجبت الزكاة و إلاّ فكالمغصوب.

ه - لو باع غنمه بضعفها كان عليه زكاة الأصل إن أوجبناها.

و قال أحمد: يزكّى الجميع، لأنّ نماءها معها(4).

و لو باع النصاب بنصفه كمائتين يبيعها بمائة فعليه زكاة مائة وحدها.

و - لو لم يقصد الفرار بالمبادلة انقطع حول الأول عند أكثر القائلين بالوجوب، و استأنف بما استبدل به حولا إن كان محلّلا للزكاة.

و يكره الفرار قبل الحول إجماعا، لما فيه من التوصّل إلى ترك المواساة و إعانة الفقراء المطلوبة شرعا.

مسألة 121: لو بادل نصابا بمثله في الأثناء، فإن كانت صحيحة زال

ص: 183


1- التهذيب 94:4-270، الاستبصار 40:2-122، و الخلاف 57:2، المسألة 66.
2- المبسوط 210:1.
3- تقدم في الفرع (و) من المسألة 71.
4- المغني 533:2، الشرح الكبير 469:2.

ملكه عن النصاب و انقطع الحول، فإذا وجد بما وصل إليه عيبا(1) فإن كان قبل الحول ردّه و استرجع ماله، و استأنف به الحول، لتجدّد ملكه، و لهذا لا يستحق نماءه الحاصل في يد مشتريه.

و إن وجده بعد الحول قبل الأداء لم يكن له الردّ لتعلّق الزكاة بالعين و الشركة عيب، و به قال الشافعي على تقديري وجوبها في العين أو الذمة(2) ، لأنّ قدر الزكاة مرهون فلا يملك الردّ كما لو اشترى شيئا ثم رهنه ثم وجد به عيبا لم يكن له الردّ، أو اشترى عبدا فجنى لم يكن له الردّ، و ليس له الرجوع بأرش العيب، لأنّه لم ييأس من الردّ.

و إن كان بعد الأداء من الغير فله الردّ، لبقاء المبيع بحاله، و هو أحد قولي الشافعية، و الثاني: منع الرد، لأنّ الزكاة استحقاق جزء من العين، لزوال ملكه عنه و رجوعه إليه(3).

و إن أخرج من العين لم يكن له الردّ، لتفريق الصفقة على البائع، و للشافعي قولان(4).

فعلى التفريق يردّ ما بقي، و يسقط من الثمن بقدر الشاة المأخوذة فيقوّم و يقوّم ما بقي و يبسط الثمن عليهما.

قال الشيخ: و لا أرش له، لأنّه قد تصرّف فيه(5) ، و ليس بجيّد، لأنّ التصرّف يسقط الردّ لا الأرش.

فإن اختلفا في الشاة المفقودة، فقولان: تقديم المشتري، لأنّ الشاة تلفت في ملكه فكان منكرا، و تقديم البائع، لأنّه يجري مجرى الغارم لأنّه إذا1.

ص: 184


1- في نسختي «ف ط»: عيب.
2- الام 24:2، المجموع 362:5، فتح العزيز 490:5، مغني المحتاج 379:1.
3- المجموع 362:5، فتح العزيز 491:5.
4- المجموع 363:5، فتح العزيز 491:5.
5- المبسوط - للطوسي - 207:1.

كثرت قيمتها قلّ ما يغرمه، فإذا قلّت كثر.

و على عدم التفريق كان له الرجوع بالأرش، و هو مذهبنا إلاّ أنّه جعل له ذلك إن أيس من الردّ، و إن لم ييأس لم يكن له الأرش.

مسألة 122: الأقرب عندي جواز تصرّف المالك في النصاب الذي وجبت فيه الزكاة

بالبيع و الهبة و أنواع التصرفات، و ليس للساعي فسخ البيع و لا شيء من ذلك، لأنّه مالك فيجوز له التصرّف فيه بجميع أنواعه، و تعلّق الزكاة به ليس بمانع سواء قلنا الزكاة تجب في العين أو لا، لأنّ تعلّقها بالعين تعلّق لا يمنع التصرف في جزء من النصاب فلم يمنع في جميعه كأرش الجناية.

و لأنّ ملك المساكين غير مستقرّ فيه فإنّ له إسقاط حقّهم منه بدفع القيمة فصار التصرف فيه اختيارا بدفع غيره.

إذا ثبت هذا، فإن أخرج الزكاة من غيره و إلاّ كلّف إخراجها، و إن لم يكن متمكنا فالأقرب فسخ البيع في قدر الزكاة و تؤخذ منه و يرجع المشتري عليه بقدرها، لأنّ على الفقراء إضرارا في إتمام البيع و تفويتا لحقّهم فوجب فسخه، ثم يتخيّر المشتري لتبعّض الصفقة، و به قال أبو حنيفة و أحمد(1) ، إلاّ أنّ أحمد قال: إذا عجز عن أداء الزكاة بقيت في ذمته كسائر الديون، و لا تؤخذ من النصاب.

و أبو حنيفة يقول: إن كان تصرفه يقطع الحول بأن يبيعه أو يجعله عوضا في نكاح أو خلع ضمن الزكاة، و إن كان تصرّفا لا يقطع الحول لم يضمن.

و قال الشافعي في صحة بيع قدر الزكاة قولان: الصحة إن تعلّقت الزكاة بالعين، لعدم استقرار ملك المساكين، و لهذا له أن يسقط حقّهم منه بدفع غيره، و البطلان إن تعلّقت بالذمة، لأنّ قدر الزكاة إمّا مستحق أو مرتهن، و أمّا بيع باقي النصاب فإنّه يصحّ على تقدير صحة البيع في قدر الزكاة، و على تقدير

ص: 185


1- المغني 535:2 و 536، الشرح الكبير 468:2.

الفساد فقولان مبنيّان على تفريق الصفقة، فإن قيل بعدمه بطل في الباقي، و إلاّ صح فيتخيّر المشتري(1).

و لو عزل قدر الزكاة من النصاب، ثم باع الباقي صحّ، لأنّه باع حقّه من المال.

و للشافعي وجهان، أحدهما: المنع، لعدم تعيّن الزكاة إلاّ بالدفع(2).

مسألة 123: الزكاة تجب في العين لا في الذمة
اشارة

عند علمائنا، و به قال أبو حنيفة و مالك و الشافعي - في الجديد - و أحمد في أظهر الروايتين.

لقوله عليه السلام: (في أربعين شاة شاة)(3) و (فيما سقت السماء.. العشر)(4) إلى غير ذلك من الألفاظ الواردة بحرف «في»(5) و هي للظرفية، و لأنّها تجب بصفة المال و تسقط بتلفه(6).

و قال الشافعي في القديم: إنّها تتعلّق بالذمة و العين مرتهنة بذلك، لأنّها زكاة فكان محلّها الذمة كزكاة الفطرة، و لأنّه يجوز الإخراج من غيرها فلا تتعلّق بالعين، و لأنّه لا يتبعها النماء فلا تتعلّق بالعين، و زكاة الفطرة لا تتعلّق بالمال

ص: 186


1- المهذب للشيرازي 162:1، المجموع 362:5 و 468-469، فتح العزيز 553:5، المغني 535:2، الشرح الكبير 468:2.
2- المجموع 470:5، فتح العزيز 555:5.
3- سنن ابن ماجة 578:1-1807، سنن أبي داود 98:2-1568، سنن البيهقي 88:4.
4- صحيح البخاري 155:2، سنن أبي داود 108:2-1596، سنن النسائي 41:5 و 42، سنن الترمذي 31:3-639، سنن ابن ماجة 580:1 و 581-1816 و 1817، مسند أحمد 341:3، و سنن البيهقي 129:4 و 130.
5- كقوله عليه السلام: (في خمس من الإبل شاة) و (في عشرين مثقالا نصف مثقال) و (في الرقة ربع العشر).
6- المهذّب للشيرازي 151:1، المجموع 377:5، فتح العزيز 551:5، اللباب 146:1، المغني 536:2-537، الشرح الكبير 469:2، حلية العلماء 33:3.

فلهذا تعلّقت بالذمّة(1).

و جواز الإخراج من الغير للإرفاق بالمالك، و ملك المساكين غير مستقر حيث كان للمالك العدول فلم يتبعه النماء، على أنّ لمانع أن يمنع ذلك.

فروع:

أ - الزكاة تتعلّق بالعين عندنا و عند أبي حنيفة إلاّ أنّ أبا حنيفة قال: لا يستحق بها جزء منها و إنّما تتعلّق بها كتعلّق الجناية(2) بالعبد الجاني - و هو إحدى الروايتين عن أحمد - لأنّ تعلّق الزكاة بالمال لا يزيل ملك المالك عن شيء من ماله كالشاة المتعلّقة بالخمس(3) من الإبل(4).

و عندي فيه إشكال تقدّم.

ب - لو ملك أربعين شاة فحال عليها حولان و لم يؤدّ الزكاة وجب عليه شاة واحدة، لتعلّق الزكاة بالعين عندنا فنقصت في الحول الثاني، و من أوجب الزكاة في الذمّة أوجب شاتين(5).

ج - لو كان له أربعون فحال عليها الحول و قد نتجت شاة، ثم حال آخر و قد نتجت فيه اخرى، ثم ثالث و نتجت فيه ثالثة فإنّه يجب عليه ثلاث شياه، لأنّ الحول الأول حال و هي إحدى و أربعون فوجبت شاة و بقي أربعون فحال الثاني و هي إحدى و أربعون، و هكذا في الثالث، إلاّ أنّ هذا على قول من يجعل حول السخال تابعا للأمّهات، أمّا عندنا فإن حصل السوم حولا فكذلك، و كذا إذا ملك في أول كلّ حول شاة.

ص: 187


1- المهذب للشيرازي 151:1، المجموع 377:5، فتح العزيز 551:5، حلية العلماء 33:3، المغني 536:2، الشرح الكبير 469:2.
2- يعني أرش الجناية.
3- ورد في النسخ الخطية المعتمدة في التحقيق: بالخمسة. و الصحيح ما أثبتناه.
4- حلية العلماء 33:3، المغني 536:2، الشرح الكبير 469:2، فتح العزيز 552:5.
5- انظر: المغني 537:2، الشرح الكبير 472:2، و المجموع 380:5.

د - لو كان عنده أكثر من النصاب و حال عليه أحوال تعدّدت الزكاة و جبر الناقص من النصاب بالزائد عليه إلى أن يقصر عن النصاب فتسقط حينئذ.

ه - لو ملك خمسا من الإبل فلم يؤدّ زكاتها أحوالا فعليه شاة واحدة لا غير - و هو أحد قولي الشافعي(1) - لأنّها نقصت بوجوب الزكاة فيها في الحول الأول عن خمس كاملة فلم يجب عليه فيها شيء كما لو ملك أربعا و جزءا من بعير.

و قال أحمد: عليه في كلّ سنة شاة على تقدير الوجوب في العين أيضا، لأنّ الواجب هنا من غير النصاب فلا ينقص به النصاب كما لو أدّاه(2) ، بخلاف سائر الأموال فإنّ الزكاة يتعلّق وجوبها بعينه (فتنقصه)(3) كما لو أدّاه من النصاب(4).

و نمنع الوجوب من غير النصاب، بل الواجب هنا في العين قيمة شاة.

و - لو ملك ستّا و عشرين و حال عليها أحوال فعليه للأول بنت مخاض، و للثاني خمس شياه، و للثالث أربع، و هكذا إلى أن يقصر عن عشرين فتجب ثلاث شياه، و هكذا إلى أن يقصر (عن عشر فتجب شاتان، و هكذا إلى أن يقصر عن خمس)(5).

و قال أحمد: عليه للحول الأول بنت مخاض، و لكلّ حول بعده أربعة.

ص: 188


1- المهذب - للشيرازي - 151:1، المجموع 380:5-381، فتح العزيز 556:5، المغني 538:2، الشرح الكبير 473:2.
2- أي أدّاه من غير النصاب.
3- في النسخ الخطية: «فسقط» و في الحجرية: «فقط» «فسقط خ ل» و ما أثبتناه من المصدر، و هو أقرب لسياق العبارة.
4- المغني 538:2، الشرح الكبير 473:2.
5- كذا في النسخ الخطية و الطبعة الحجرية، و الظاهر أنّ الصواب - كما في هامش «ط، ن» - هكذا: عن خمسة عشر فتجب شاتان و هكذا إلى أن يقصر عن عشر فتجب شاة.

شياه، و لو بلغت (قيمة الشاة)(1) الواجبة أكثر من خمس من الإبل وجب عليه للأول بنت مخاض، و للثاني خمس من الغنم، و للثالث ثلاث(2).

ز - الزكاة و إن وجبت في العين إلاّ أنّ لرب المال أن يعيّن ذلك من أيّ جزء شاء منه، و له أن يعطي من غيره إجماعا إلاّ من شذّ.

مسألة 124: إمكان الأداء شرط في الضمان لا الوجوب،

فإذا حال الحول على النصاب وجبت سواء تمكّن من الأداء أو لم يتمكّن، و به قال أبو حنيفة و الشافعي في الجديد(3).

لقوله عليه السلام: (لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول)(4) مفهومه الوجوب عند الحول.

و من طريق الخاصة قول الباقر و الصادق عليهما السلام: «فإذا حال الحول وجبت عليه»(5).

و قال مالك و الشافعي في القديم: إمكان الأداء شرط في الوجوب، فشرط في الوجوب ثلاث شرائط: الحول، و النصاب، و إمكان الأداء، حتى أنّ مالكا قال: لو أتلف الماشية بعد الحول قبل إمكان الأداء لم تكن عليه زكاة إذا لم يقصد الفرار من الزكاة، لأنّ إمكان الأداء شرط في وجوب سائر العبادات من الصلاة و الصوم و الحج فكذا الزكاة.

ص: 189


1- الظاهر أن الصحيح: قيم الشياه. كما في الشرح الكبير.
2- المغني 538:2، الشرح الكبير 473:2، و فيهما إلى قوله: أكثر من خمس من الإبل. و على هذا يكون الواو في «و لو بلغت» وصليّة لا استئنافية.
3- بدائع الصنائع 22:2، المغني 538:2، الشرح الكبير 470:2، المهذب للشيرازي 151:1، المجموع 375:5 و 377، فتح العزيز 547:5، حلية العلماء 31:3.
4- سنن أبي داود 100:2-101-1573، سنن ابن ماجة 571:1-1792، سنن الدارقطني 90:2-91-3، سنن البيهقي 95:4.
5- التهذيب 41:4-103، الاستبصار 23:2-61.

و لأنّ المال لو تلف قبل إمكان الأداء سقطت فدلّ على أنّها لم تجب، و إمكان الأداء شرط في استقرارها، و تلك عبادات أيضا كلّف فعلها ببدنه، فإذا تعذّر لم تجب، و هنا عبادة مالية يمكن مشاركة المساكين في ماله و حصوله قبل أدائه فوجبت.

و أمّا سقوطها بتلفها: فلأنّه أمين لم يوجد من جهته تفريط فلا يضمن كالمودع(1).

و يعارض: بأنّه لو أتلف المال بعد الحول لم تسقط عنه عند الشافعي(2) ، و لو لم تجب أوّلا لسقطت كما لو أتلفه قبل الحول، و لأنّه لو لم يمكنه الأداء حتى مضى حول آخر لوجبت زكاة حولين و لا يجب فرضان في نصاب واحد في حالة واحدة.

و قول مالك ضعيف، لأنّه إسقاط حقّ وجب في المال و تمكّن من أدائه.

مسألة 125: إذا حال الحول و لم يتمكّن من الأداء فتلف النصاب سقطت الزكاة

- و به قال الشافعي و أبو حنيفة و الحسن بن صالح بن حي و إسحاق و أبو ثور و ابن المنذر، و حكاه أيضا عن أحمد(3) - لأنّها تجب على سبيل المواساة، فلا تجب على وجه يجب أداؤها مع عدم المال و فقر من تجب عليه، و لأنّها عبادة يتعلّق وجوبها بالمال فإذا تلف قبل إمكان أدائها سقط فرضها كالحج.

و لقول الباقر عليه السلام: «إذا أخرج الرجل الزكاة من ماله ثم سمّاها

ص: 190


1- حلية العلماء 31:3، المهذب للشيرازي 151:1، المجموع 375:5 و 377، الوجيز 89:1، فتح العزيز 547:5، المغني 539:2-540، الشرح الكبير 470:2-471، المنتقى للباجي 145:2.
2- الام 52:2، فتح العزيز 547:5، بدائع الصنائع 22:2.
3- المجموع 376:5 و 377، فتح العزيز 547:5-548، المغني 539:2، الشرح الكبير 471:2، المبسوط للسرخسي 174:2، بدائع الصنائع 3:2 و 22.

لقوم فضاعت أو أرسل بها إليهم فضاعت فلا شيء عليه»(1).

و قال أحمد: لا تسقط الزكاة بتلف المال فرّط أو لم يفرّط، لأنّه مال وجب في الذمة فلا تسقط بتلف النصاب كالدّين(2).

و نمنع الأولى.

إذا ثبت هذا، فلو تلف بعض النصاب قبل إمكان الأداء سقط عنه بقدر ما تلف و قال الشافعي في القديم: يسقط الجميع(3) بناء على أنّ إمكان الأداء شرط في الوجوب.

مسألة 126: لو تلف المال بعد الحول و إمكان الأداء وجبت الزكاة

عند علمائنا أجمع، و به قال الشافعي و أحمد و الحسن بن صالح بن حي و إسحاق و أبو ثور و ابن المنذر(4).

و لا فرق بين أن يكون من الأموال الظاهرة أو الباطنة، و لا بين أن يطالبه الإمام أو لا، لأنّها زكاة واجبة مقدور على أدائها فإذا تلفت ضمنها كما لو طالبه الإمام و كغير المواشي.

و لقول الصادق عليه السلام: «إذا وجد لها موضعا فلم يدفعها فهو لها ضامن حتى يدفعها»(5).

ص: 191


1- الكافي 553:3-2، الفقيه 16:2-47، التهذيب 47:4-123.
2- المغني 539:2، الشرح الكبير 470:2، الإنصاف 40:3-41.
3- الام 12:2، المهذب للشيرازي 151:1، المجموع 375:5، الوجيز 89:1، فتح العزيز 548:5-549، حلية العلماء 32:3.
4- مختصر المزني: 42، الام 12:2، المجموع 333:5، فتح العزيز 546:5، حلية العلماء 10:3، المغني 539:2، الشرح الكبير 471:2، بدائع الصنائع 22:2، المبسوط للسرخسي 174:2.
5- الكافي 553:3-1، الفقيه 15:2-46، التهذيب 47:4-125.

و قال أبو حنيفة: تسقط الزكاة بتلف النصاب بعد الحول و إمكان الأداء على كلّ حال إلاّ أن يكون الإمام أو الساعي طالبه بها فمنعها(1).

و لا مطالبة عنده في الأموال الباطنة و إنما تتوجه المطالبة إلى الظاهرة فإذا أمكنه الأداء لم يلزمه الأداء إلاّ بالمطالبة فإذا لم يؤدّ حتى هلكت فلا ضمان.

و قال أبو سهل الزجاجي من أصحابه: لا يضمن أيضا و إن طالبه الإمام بالأموال الظاهرة(2).

و قال مالك كقولنا في غير المواشي، و في المواشي كقول أبي حنيفة(3).

و احتجّوا بأنه أمين فإذا تلفت قبل مطالبة من له المطالبة لم يضمن كالوديعة.

و الفرق: عدم وجوب الدفع قبل المطالبة في الوديعة و هنا تجب.

إذا ثبت هذا، فعادم المستحق و البعيد عن المال، و عدم الفرض في المال، و فقدان ما يشتريه، أو الساعي في طلب الشراء، أو نحو ذلك غير مفرّطين.

مسألة 127: لا تسقط الزكاة بموت المالك بعد الحول

و إن لم يتمكّن من إخراجها، و تخرج من ماله و إن لم يوص عند علمائنا أجمع - و به قال عطاء و الحسن البصري و الزهري و قتادة و مالك و الشافعي و إسحاق و أبو ثور و أحمد و ابن المنذر(4) - لأنّها حقّ واجب تصح الوصيّة به فلا تسقط بالموت كالدّين،

ص: 192


1- بدائع الصنائع 22:2 و 52-53، المبسوط للسرخسي 174:2، المغني 539:2، الشرح الكبير 471:2، المجموع 377:5، فتح العزيز 546:5، حلية العلماء 10:3.
2- حلية العلماء 10:3.
3- بداية المجتهد 249:1، المغني 539:2، الشرح الكبير 471:2.
4- المغني 540:2-541، الشرح الكبير 474:2، الشرح الصغير 213:1، بداية المجتهد 249:1، الام 15:2، المجموع 335:5-336.

و لأنّها حق مالي واجب فلا يسقط بموت من هو عليه كدين الآدمي.

و قال الأوزاعي و الليث: يؤخذ من الثلث مقدّما على الوصايا، و لا يجاوز الثلث(1).

و قال ابن سيرين و الشعبي و النخعي و حمّاد بن أبي سليمان و داود بن أبي هند و البتي و الثوري و أصحاب الرأي: لا تخرج بل تسقط إلاّ أن يوصي بها فتخرج من الثلث، و يزاحم بها أصحاب الوصايا، لأنّها عبادة من شرطها النيّة فسقطت بموت من هي عليه كالصوم و الصلاة(2).

و يمنع الأصل عندنا.

و من وافقهم يفرّق بأنّهما عبادتان بدنيّتان لا تصلح الوصية بهما، و لا النيابة فيهما.

إذا ثبت هذا فإنّ الزكاة تسقط بإسلام المالك إذا كان كافرا أصليّا، لأنّ الزكاة تجب عليه عندنا، فإذا أسلم سقطت سواء تمكّن من الأداء أو لا، و سواء تلفت بتفريطه أو أتلفها هو أو لا، و سواء كانت العين باقية أو لا.

مسألة 128: لو استفاد مالا ممّا يعتبر فيه الحول و لا مال سواه،

أو كان أقلّ من النصاب، فبلغ بالمستفاد نصابا، انعقد حول الزكاة من حينئذ، فإذا تمّ وجبت الزكاة إجماعا، و إن كان عنده نصاب، فالمستفاد إن كان من نمائه (كربح مال)(3) التجارة و نتاج السائمة، استقبل الحول بالفائدة من حال حصولها، عند علمائنا أجمع - خلافا للجمهور(4) كافة - لأنّه مال منفرد بنفسه

ص: 193


1- المغني 541:2، الشرح الكبير 474:2، المجموع 336:5.
2- المغني 541:2، الشرح الكبير 474:2، المجموع 336:5، بدائع الصنائع 53:2، المبسوط للسرخسي 185:2.
3- ورد في النسخ الخطية و الحجرية: كمال. و ما أثبتناه يقتضيه السياق.
4- المغني 492:2، الشرح الكبير 460:2، المهذب للشيرازي 150:1، المجموع 373:5، فتح العزيز 65:6-66، المنتقى للباجي 144:2-145.

فكان له حكم نفسه، و لا يجوز حمله على النماء المتصل باعتبار كونه تابعا له من جنسه، للمنع من علّية المشترك و ثبوت الفرق.

و إن كان من غير جنس ما عنده، فهذا له حكم نفسه، لا يضمّ إلى ما عنده في حول و لا نصاب، بل إن كان نصابا، استقبل به حولا، و زكّاه، و إلاّ فلا شيء فيه، و هو قول عامة أهل العلم(1).

و حكي عن ابن مسعود و ابن عباس: أنّ الزكاة تجب فيه حين استفاده(2).

و عن الأوزاعي فيمن باع داره أو عبده أنّه يزكّى الثمن حين يقع في يده إلاّ أن يكون له شهر يعلم، فيؤخّره حتى يزكّيه مع ماله(3).

و جمهور العلماء على خلافه(4) ، و لم يقل به أحد من أئمة الفتوى.

و لو كان المستفاد من جنس نصاب عنده قد انعقد عليه حول بسبب مستقلّ بأن يكون له أربعون من الغنم مضى عليها بعض حول، ثم ملك مائة فلا تجب فيه الزكاة حتى يمضي عليه حول أيضا، و به قال الشافعي و أحمد(5).

لقوله عليه السلام: (لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول)(6).

و من طريق الخاصة قول الباقر و الصادق عليهما السلام: «و كلّ ما لم يحل عليه حول عند ربه فلا شيء عليه فيه»(7).

و لأنّه مملوك أصلا فيعتبر فيه الحول شرطا كالمستفاد من غير الجنس.1.

ص: 194


1- المغني 492:2، الشرح الكبير 461:2، المجموع 356:5.
2- المغني 492:2، الشرح الكبير 461:2، المجموع 361:5، حلية العلماء 25:3.
3- المغني 492:2، الشرح الكبير 461:2.
4- المغني 492:2، الشرح الكبير 461:2.
5- المهذب للشيرازي 150:1، المجموع 365:5، حلية العلماء 27:3، المغني 493:2، الشرح الكبير 462:2.
6- سنن ابن ماجة 571:1-1792، سنن الدارقطني 91:2-3، سنن البيهقي 95:4.
7- التهذيب 41:4-103، الاستبصار 23:2-65، و الكافي 534:3 (باب صدقة البقر) الحديث 1، و 535 (باب صدقة الغنم) الحديث 1.

و قال أبو حنيفة: يضمّه إلى ما عنده في الحول فيزكّيهما عند تمام حول المال الذي كان عنده إلاّ أن يكون عوضا عن مال مزكّى لأنّه يضمّ إلى جنسه في النصاب فوجب ضمّه إليه في الحول كالنتاج، لأنّ النصاب سبب و الحول شرط فإذا ضمّ في السبب فأولى أن يضمّ في الشرط(1).

و نمنع الأصل.

مسألة 129: إذا كانت إبله كلّها فوق الثنية تخيّر صاحبها

بين أن يشتري الفرض، و بين أن يعطي واحدة منها، و بين أن يدفع القيمة.

و إن كانت واحدة منها معيّنة بقدر قيمة الفرض أجزأ بأن تكون عوراء إلاّ أنّها سمينة، لأنّه يجوز إخراج القيمة عندنا، و لأنّ زيادة الثمن جبرت العيب بالصفة كابن اللبون المجزئ عن بنت المخاض.

و قال الشافعي: لا يجوز بناء على عدم إجزاء القيمة(2).

مسألة 130: لو كان له أربعون من الغنم في بلدين في كلّ واحد عشرون وجبت فيها شاة

و إن تباعدا، و إن كان له في كلّ بلد أربعون وجبت شاة واحدة و إن تباعدا أيضا، و به قال الشافعي(3).

لقوله عليه السلام: (في أربعين من الغنم شاة)(4) و لم يفصّل، و لأنّه ملك لواحد فأشبه ما إذا كانا في بلدين متقاربين.

و قال أحمد: لا يجب عليه شيء مع التباعد، و في الثاني(5) تجب عليه

ص: 195


1- المغني 493:2، الشرح الكبير 462:2، حلية العلماء 27:3، بداية المجتهد 271:1، المبسوط للسرخسي 164:2.
2- المهذب للشيرازي 157:1، المجموع 429:5، المغني 671:2، الشرح الكبير 521:2.
3- الام 19:2، حلية العلماء 57:3.
4- سنن أبي داود 98:2-1568، سنن الترمذي 17:3-621، سنن ابن ماجة 577:1-1805، سنن النسائي 29:5.
5- أي الفرع الثاني المذكور في صدر المسألة.

شاتان معه(1) ، لقوله عليه السلام: (لا يجمع بين متفرّق و لا يفرّق بين مجتمع)(2)(3) و المراد في الملك.

إذا ثبت هذا فإنّه يجزئ أن يخرج الشاة في أيّ البلدين شاء أو في غيرهما عندنا، للامتثال فيخرج عن العهدة، و هو أحد قولي الشافعي، و في الثاني:

لا يجوز، لما فيه من نقل الزكاة(4).

و هو ممنوع، بل هو إخراج عمّا في البلد الآخر إرفاقا بالمالك، لما في تبعيض الحيوان من المشقّة.

مسألة 131: يجوز إخراج القيمة في الزكاة عن النقدين و الغلاّت

عند علمائنا أجمع، و اختلفوا في المواشي، فجوّزه الأكثر(5) أيضا، و منع منه المفيد إلاّ مع عدم الفريضة(6).

و الوجه: الجواز مطلقا على أنّ القيمة بدل لا على أنّها أصل في نفسها - و به قال أبو حنيفة(7) - لأنّ معاذا كان يأخذ من أهل اليمن الثياب عوضا عن الزكاة(8).

ص: 196


1- أي: مع التباعد.
2- صحيح البخاري 145:2، سنن الترمذي 19:3-621، سنن الدارقطني 104:2-1 و 5 و 105-7، سنن أبي داود 98:2-1568 و 100-1572، سنن النسائي 29:5، سنن الدارمي 383:1، و سنن البيهقي 105:4.
3- المغني 485:2، الشرح الكبير 543:2، حلية العلماء 57:3.
4- راجع: حلية العلماء 165:3.
5- منهم: السيد المرتضى في جمل العلم و العمل (ضمن رسائله) 75:3، و الشيخ الطوسي في الخلاف 50:2، المسألة 59، و المحقق في المعتبر: 264.
6- المقنعة: 41.
7- الاختيار لتعليل المختار 134:1، المبسوط للسرخسي 156:2، اللباب 144:1، المجموع 429:5، المغني 671:2-672، الشرح الكبير 521:2، حلية العلماء 167:3.
8- صحيح البخاري 144:2، سنن البيهقي 113:4.

و من طريق الخاصة قول الكاظم عليه السلام و قد سأله أخوه عن الرجل يعطي عن زكاته عن الدراهم دنانير، و عن الدنانير دراهم أ يحلّ ذلك له ؟: «لا بأس»(1).

و كتب البرقي إلى أبي جعفر الثاني عليه السلام هل يجوز - جعلت فداك - أن يخرج ما يجب في الحرث الحنطة و الشعير، و ما يجب على الذهب دراهم بقيمة ما يسوى أم لا يجوز إلاّ أن يخرج من كلّ شيء ما فيه ؟ فأجاب عليه السلام: «أيّما تيسّر يخرج»(2).

و لأنّ القصد بالزكاة سدّ الخلّة و رفع الحاجة و ذلك حاصل بالقيمة فساوت العين، و لأنّها وجبت جبرا لهم و معونة، و ربّما كانت الأعواض في وقت أنفع فاقتضت الحكمة التسويغ.

و قال الشافعي: لا يجوز إخراج القيمة في الزكاة بل يجب المنصوص - و به قال مالك و أحمد، إلاّ أنّ مالكا جوّز إخراج كلّ من النقدين عن صاحبه على وجه البدل لا قيمة(3) ، و عن أحمد في إخراج الذهب عن الورق قيمة روايتان(4) - لأنّه عدل عن المنصوص عليه إلى غيره بقيمته فلم يجزئه، كما لو أخرج سكنى دار، أو أخرج نصف صاع جيّد عن صاع رديء(5).

و إنّما خصّص مالك بالذهب و الفضّة، لأنّهما يجريان مجرى واحدا و هما أثمان فجاز ذلك فيهما.2.

ص: 197


1- الكافي 559:3-2، الفقيه 16:2-51، التهذيب 95:4-272.
2- الكافي 559:3 (باب الرجل يعطي عن زكاته العوض) الحديث 1، الفقيه 16:2-17-52، التهذيب 95:4-271.
3- حلية العلماء 167:3، المدونة الكبرى 300:1، المنتقى للباجي 93:2، الشرح الكبير 521:2.
4- المغني 602:2، الشرح الكبير 605:2-606، حلية العلماء 167:3.
5- المهذب للشيرازي 157:1، المجموع 428:5-429، حلية العلماء 167:3، الشرح الكبير 521:2.

و نمنع الأصل، و لأنّ فيه تأخيرا للحقّ عن وقته، و كذا نمنع عدم إجزاء نصف صاع جيّد بقيمة المجزئ، و بالفرق بما فيه من شائبة الربا.

إذا عرفت هذا، فإنّ القيمة المخرجة تخرج على أنّها قيمة لا أصل كما تقدّم، و به قال أبو حنيفة(1).

و قال بعض أصحابه: الواجب أحد الشيئين فأيّما اخرج كان أصلا(2).

و يدفعه: التنصيص على المعيّن و إنّما عدل إلى القيمة، للإرفاق.

تذنيب: إنّما تعتبر القيمة وقت الإخراج إن لم يقوّم الزكاة على نفسه، و لو قوّمها و ضمن القيمة ثم زاد السوق أو انخفض قبل الإخراج فالوجه: وجوب ما ضمنه خاصة دون الزائد و الناقص و إن كان قد فرّط بالتأخير حتى انخفض السوق أو ارتفع، أمّا لو لم يقوّم ثم ارتفع السوق أو انخفض أخرج القيمة وقت الإخراج.

مسألة 132: قد بيّنا أنّ الزكاة تتعلّق بالعين،

لسقوطها بتلف المال بعد الحول قبل إمكان الأداء.

و لقوله عليه السلام: (في أربعين شاة شاة)(3).

و هل يصير أهل السّهمان(4) بقدر الزكاة شركاء لربّ المال ؟ الأقرب:

المنع - و هو أحد قولي الشافعي(5) - و إلاّ لما جاز للمالك الإخراج من غيره.

و يحتمل - ضعيفا - الشركة، و به قال مالك و الشافعي(6) - في الآخر - لأنّ للإمام أخذها من عين النصاب قهرا إذا امتنع المالك من الأداء.

ص: 198


1- حكى القولين الشيخ الطوسي في الخلاف 50:2، المسألة 59.
2- حكى القولين الشيخ الطوسي في الخلاف 50:2، المسألة 59.
3- سنن أبي داود 98:2-1568، سنن الترمذي 17:3-621، سنن ابن ماجة 577:1-1805.
4- السّهمان، جمع، واحدها: السهم. بمعنى: النصيب. الصحاح 1956:5 «سهم».
5- المجموع 377:5، فتح العزيز 551:5.
6- المجموع 377:5، فتح العزيز 551:5 و 552، حلية العلماء 33:3.

و لا حجّة فيه، لجواز أخذ المماثل للحقّ من الممتنع.

فعلى عدم الشركة لا خلاف في أنّ الزكاة تتعلّق بالمال، فيحتمل تعلّق الدّين بالرهن، إذ لو امتنع المالك من الأداء و لم يشتمل المال على الواجب باع الإمام بعض النصاب فيه كما يباع المرهون في الدّين، و تعلّق الأرش برقبة الجاني، لأنّها تسقط بهلاك النصاب كما يسقط الأرض بهلاك الجاني، و الأخير مروي عن أبي حنيفة و أحمد(1).

و لا فرق في جريان هذه الاحتمالات بين أن يكون الواجب من جنس المال أو من غير جنسه.

فإذا باع النصاب بعد الحول و قبل الإخراج فالبيع في قدر الزكاة يبنى على الأقوال، فمن أوجبها في الذمّة جوّز البيع، و من جعل المال مرهونا فالأقوى الصحة - و هو أصحّ قولي الشافعي(2) - لأنّه تعلّق ثبت بغير اختيار المالك، و لا يثبت لمعيّن فيسامح فيه بما لا يسامح في سائر الرهون.

و إن قيل بالشركة فالأقوى الصحة أيضا، و هو أضعف قولي الشافعي، على تقديره، لعدم استقرار حقّ المساكين فإنّ له إسقاطه بالإخراج من غيره، و أصحّهما عنده: المنع، لأنّهم شركاء، و إن قيل: تعلّق أرش الجاني، ابتنى على بيع الجاني(3).

و الوجه ما قلناه من صحّة البيع مطلقا، و يبيع الساعي المال إن لم يؤدّ المالك فينفسخ البيع فيه على ما تقدّم.

و لو لم يؤدّ المالك من غيره و لم يأخذ الساعي من العين كان للمشتري الخيار، لتزلزل ملكه، و يعرض الساعي به متى شاء، و هو أحد وجهي5.

ص: 199


1- فتح العزيز 552:5، حلية العلماء 33:3، الانصاف 38:3.
2- المهذب للشيرازي 162:1، المجموع 469:5، فتح العزيز 553:5.
3- المجموع 469:5، فتح العزيز 553:5.

الشافعية، و الثاني: لا خيار، لحصول الملك في الحال و قد يؤدّي المالك الزكاة من غيره(1).

و لو دفع المالك الزكاة من موضع آخر سقط خيار المشتري، لزوال العيب، و يحتمل ثبوته، لإمكان أن يخرج المدفوع مستحقا فيبيع الساعي المال، و لو أخرج الزكاة ثم باع فلا خيار.

و لو قلنا ببطلان البيع في قدر الزكاة - كما اختاره الشيخ(2) و الشافعي(3) - صحّ البيع في الباقي، فللمشتري الخيار، و لا يسقط خياره بأداء الزكاة من موضع آخر، لأنّ العقد في قدر الزكاة لا ينقلب صحيحا بذلك.

مسألة 133: لو ادّعى المالك تلف النصاب أو إبداله في الحول أو عدم انتهاء الحول قبل قوله

من غير يمين سواء في ذلك السبب الظاهر و الخفي، و سواء ادّعى ما هو الظاهر أو خلافه - و هو أحد قولي الشافعي(4) - لأنّه أمين فيما في يده، لأنّ الزكاة تجب على طريق المواساة و الرفق فقبل قوله فيه.

و القول الثاني للشافعي: إن ادّعى الظاهر مثل عدم حولان الحول كان القول قوله و لا تجب اليمين بل يستحب أن يعرضها الساعي عليه للاستظهار و زوال التهمة.

فإن حلف فلا كلام، و إن امتنع لم يطالبه بشيء، لأنّ اليمين ليست واجبة، بخلاف المستودع إذا ادّعى التلف أو الردّ فإنّ اليمين تجب و إن كان أمينا، لأنّ الوديعة حقّ للآدمي المتعيّن فكانت مبنيّة على التضيّق، و الزكاة حقّ للّه تعالى وجبت على طريق المواساة، و لا يتعيّن فيها حقّ الآدمي و إنّما هو جهة لصرفها فافترقا.

ص: 200


1- المجموع 469:5، فتح العزيز 554:5.
2- المبسوط للطوسي 208:1.
3- المجموع 469:5، فتح العزيز 553:5.
4- المجموع 173:6-174.

و إن كان الظاهر مع الساعي مثل أن يدّعي إبدال النصاب أو أنّه باعه ثم اشتراه، أو ادّعى أنّه كان وديعة ستة أشهر ثم ملكه، أو ادّعى دفع الزكاة إلى غير هذا الساعي فإنّ الأصل عدم ما ذكره إلاّ أنّ القول قوله، لأنّه أمين.

و في وجوب اليمين وجهان: الوجوب، لأنّه خلاف الظاهر، و ليس بجيّد، لما تقدّم، و عدمه بل هي استظهار مستحب.

فعلى الأول لو امتنع طولب بالزكاة و لا يحلف الساعي، لأنّه نائب عن الفقراء، و النائب كالوكيل لا يحلف، و لا يمكن إحلاف الفقراء، لعدم تعيّنهم قبل الدفع.

ثم اعترض على نفسه: بأنّ الحكم لا يثبت بالنكول و قد ثبت هنا.

و أجاب: بأنّ الحكم ليس بالنكول بل بوجود النصاب في يده حولا، و إنّما يقبل قوله مع يمينه في إسقاطها، فإذا لم يحلف أخذ منه بالسبب المتقدّم، كما لو امتنعت من اللعان(1) حدّت بلعان الزوج لا بنكولها.

و على الثاني: إذا امتنع لم يطالب بالزكاة(2).

تذنيب: لو شهد عليه عدلان ببقاء عين النصاب أو بإقراره بما ينافي دعواه المسقطة للزكاة سمعت و الزم بالزكاة.

مسألة 134: لو عزل الزكاة فتلفت قبل أن يسلّمها إلى أهلها

إمّا المستحق أو الإمام أو الساعي، فإن كان بعد إمكان الأداء ضمن و لم تسقط عنه، و وجبت عليه شاة أخرى لا قيمة التالفة و إن كانت أزيد.

و إن كان قبل إمكان الأداء فالوجه عندي السقوط، و به قال مالك(3) ،

ص: 201


1- يعني: كما في اللعان إذا لا عن الزوج، لزم المرأة حدّ الزنا، فإن لاعنت سقط، و ان امتنعت لزمها الحدّ لا بامتناعها بل بلعان الزوج. انظر: الهامش التالي.
2- المجموع 174:6.
3- بداية المجتهد 248:1، مقدمات ابن رشد 235:1-236، المدونة الكبرى 344:1-345، حلية العلماء 146:3.

لأنّها أمانة في يده فإذا تلفت لم يضمن كالساعي، و لأنّه حقّ يتعيّن بتعيينه، فإذا تلف لم ينتقل إلى غيره، لأصالة البراءة.

و قال الشافعي: لا تسقط(1) ، لأنّ المال في يده مشترك فلا يتميّز حقّ غيره بفعله كالمشترك.

و الأولى ممنوعة، نعم على تقدير قوله بأنّ إمكان الأداء شرط في الوجوب يسقط الفرض، و على تقدير أنّه شرط الضمان يسقط بقدر ما تلف، و وجب الباقي.

مسألة 135: لو كان عنده أجناس مختلفة يقصر كلّ منها عن النصاب لم تجب الزكاة

و إن كانت لو جمعت زادت - عند علمائنا أجمع - سواء في ذلك المواشي و الغلاّت و النقدان.

و قد وقع الاتّفاق على عدم ضمّ جنس إلى جنس آخر في غير الحبوب و الأثمان.

فالماشية ثلاثة أجناس: الإبل و البقر و الغنم لا يضمّ جنس منها إلى الآخر، و الأثمار لا يضمّ جنس إلى غيره فلا يضمّ التمر إلى الزبيب، و لا تضم الأثمان إلى شيء من السائمة و لا من الحبوب و الاثمار.

و لا خلاف في أنّ أنواع الأجناس يضمّ بعضها إلى بعض في إكمال النصاب، و لا خلاف في أنّ العروض للتجارة و الأثمان لها يضمّ بعضها إلى بعض إلاّ أنّ الشافعي لا يضمّها [إلاّ](2) إلى جنس ما اشتريت به، لأنّ نصابها معتبر به(3).

و اختلف الجمهور في ضمّ الحبوب بعضها إلى بعض، و في ضمّ أحد النقدين إلى الآخر.

ص: 202


1- حلية العلماء 146:3.
2- زيادة أثبتناها من المصدر.
3- المغني 591:2، الشرح الكبير 559:2.

فعن أحمد ثلاث روايات: إحداها كقولنا بعدم الضمّ مطلقا، و يعتبر النصاب في كلّ جنس منها - و به قال عطاء و مكحول و ابن أبي ليلى و الأوزاعي و الثوري و الحسن بن صالح بن حي و شريك و الشافعي و أبو عبيد و أبو ثور و أصحاب الرأي. لأنّها أجناس فاعتبر النصاب في كلّ جنس منها منفردا كالثمار و المواشي(1).

و قال عكرمة و أحمد - في رواية - و حكاه ابن المنذر عن طاوس: إنّ الحبوب كلّها يضمّ بعضها إلى بعض في إكمال النصاب(2) - قال أبو عبيد: لا نعلم أحدا من الماضين جمع بينهما إلاّ عكرمة(3) - لقوله عليه السلام: (لا زكاة في حب و لا تمر حتى يبلغ خمسة أوسق)(4).

و قال مالك و الليث و أحمد في رواية: يضمّ الحنطة إلى الشعير، و القنطيّات(5) بعضها إلى بعض(6).

و في ضم الذهب إلى الفضة عن أحمد روايتان، فعلى الضمّ يؤخذ من كل جنس على قدر ما يخصّه، و لا يؤخذ من جنس عن غيره إلاّ الذهب و الفضة فإنّ في إخراج أحدهما عن الآخر روايتين(7).2.

ص: 203


1- المغني 591:2-592، الشرح الكبير 559:2، المجموع 512:5، حلية العلماء 84:3، بداية المجتهد 266:1، الأموال لأبي عبيد: 475.
2- المغني 592:2، الشرح الكبير 559:2، المجموع 513:5.
3- الأموال لأبي عبيد: 475، المغني 592:2.
4- أورده كما في المتن ابنا قدامة في المغني 592:2، و الشرح الكبير 559:2، و انظر أيضا: سنن البيهقي 128:4.
5- القطنيات، جمع، واحدتها: قطنية بكسر القاف، و هي: الحبوب التي تدّخر كالحمّص و العدس و نحوهما. لسان العرب 344:13 «قطن».
6- الكافي في فقه أهل المدينة: 103، بداية المجتهد 26:1، المدونة الكبرى 348:1، المنتقى للباجي 167:2-168، المغني 592:2، الشرح الكبير 560:2، المجموع 513:5، فتح العزيز 569:5، حلية العلماء 84:3، الأموال لأبي عبيد: 474.
7- المغني 594:2، الشرح الكبير 561:2.

ص: 204

المقصد الثالث فيما تستحب فيه الزكاة
اشارة

و فيه فصلان:

الأوّل: في مال التجارة.
اشارة

و فيه بحثان:

الأوّل: في تحقيق ماهية مال التجارة.
مسألة 136: مال التجارة هو المملوك بعقد معاوضة للاكتساب عند التملّك،

فقصد التجارة لا بدّ منه فلو لم يقصده أو قصد القنية ابتداء أو انتهاء لم يصر مال تجارة، و لا يكفي مجرّد النيّة دون الشراء.

و اقتران القصد بالملك(1) ، فلو كان يملك عرضا لقنيته فقصد التجارة بعد ذلك لم يصر للتجارة، و لم ينعقد الحول عليه - و به قال الشافعي و أحمد في رواية(2) - لأنّ الأصل القنية، و التجارة عارض فلم ينصرف إليها بمجرّد النيّة كما لو نوى الحاضر السفر لم يثبت له حكم بدون الفعل.

ص: 205


1- يعني: لا بدّ من اقتران القصد بالملك أيضا.
2- الأم 48:2، المهذب للشيرازي 166:1، المجموع 48:6-49، فتح العزيز 41:6، حلية العلماء 99:3، المغني 624:2، الشرح الكبير 631:2.

و عن أحمد رواية: أنّ العرض يصير للتجارة بمجرّد النية، لقول سمرة:

أمرنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أن نخرج الصدقة ممّا يعدّ للبيع(1) ، و بالنيّة يصير معدّا للبيع(2).

و ليس بجيّد، فإنّ النزاع وقع في أنّ المنويّ هل هو معدّ للبيع أم لا؟ و في وجه للشافعي: أنّه يصير بالقصد مال التجارة كما لو كان عنده عرض للتجارة فنوى جعله للقنية فإنّه يصير للقنية(3).

و الفرق ما تقدّم من أنّ الأصل الاقتناء، و التجارة عارضة، و بمجرّد النيّة يعود حكم الأصل، و لا يزول حكم الأصل بمجرّدها.

مسألة 137: و يشترط أن يملكه بفعله

إجماعا، فلو انتقل إليه بميراث لم يكن مال تجارة.

و يشترط أن يملكه بعوض عندنا - و به قال الشافعي(4) - فلو قصد التجارة عند الاتّهاب أو الاصطياد أو الاحتشاش أو الاغتنام أو قبول الوصية، لم يصر مال التجارة.

و كذا لو قصد التجارة عند الردّ بالعيب أو الاسترداد حتى لو اشترى عرضا للقنية بمثله ثمّ ردّ ما اشتراه بعيب أو ردّ عليه ما باعه فأخذه(5) على قصد التجارة لم يصر مال تجارة.

لقول الصادق عليه السلام: «إن أمسك التماس الفضل على رأس ماله

ص: 206


1- سنن أبي داود 95:2-1562، سنن البيهقي 146:4-147، سنن الدارقطني 127:2-128-9.
2- المغني 624:2، الشرح الكبير 631:2.
3- المهذب للشيرازي 166:1، المجموع 49:6، فتح العزيز 41:6-42، حلية العلماء 100:3، و هو قول الكرابيسي من الشافعية.
4- المهذب للشيرازي 166:1، المجموع 48:6 و 49، فتح العزيز 42:6 و 43، حلية العلماء 99:3.
5- في «ط، ف» و الطبعة الحجرية: فأخذ. و ما أثبتناه من «ن».

فعليه الزكاة»(1) و هو يدلّ على اعتبار رأس المال فيه.

و لأنّ القصد بالتجارة الاكتساب، و لا يتحقّق المعنى إلاّ إذا كان للسلعة رأس مال، و لأنّه لم يملكه بعوض فأشبه الموروث.

و قال بعض الجمهور: لا فرق بين أن يملكه بعوض أو بغيره، لأنّه ملكه بفعله فأشبه ما لو ملكه بعوض(2).

و الفرق ظاهر.

إذا ثبت هذا، فإن كان عنده ثوب قنية فاشترى به عبدا للتجارة، ثمّ ردّ الثوب بعيب انقطع حول التجارة، و لا يكون الثوب مال تجارة، لأنّه لم يكن مال تجارة حتى يعود عند انقطاع البيع على ما كان عليه.

و لو كان عنده ثوب للتجارة فباعه بعبد للقنية، ثم ردّ عليه الثوب بالعيب لم يكن مال تجارة، لأنّ قصد القنية قطع حول التجارة.

مسألة 138: يشترط كونها معاوضة محضة،

فلو اشترى بنيّة التجارة كان المتاع مال تجارة سواء اشتراه بعرض أو نقد، و سواء اشتراه بعين أو دين، و سواء كان الثمن مال قنية أو مال تجارة.

و لو صالح على عرض للتجارة بدين أو عين للقنية أو التجارة صار العوض مال تجارة.

و لو خالع امرأته و قصد التجارة في عرض الخلع، أو نكحت امرأة و نوت التجارة في الصداق لم يصر مال تجارة، لأنّ النكاح و الخلع ليسا من عقود التجارات و المعاوضات المحضة، و هو أحد وجهي الشافعي، و في الآخر: إنّه مال تجارة، لأنّه ملك بالمعاوضة فيكتفى به في تعلّق الزكاة كما يكتفى به لثبوت

ص: 207


1- الكافي 527:3 (باب الرجل يشتري المتاع فيكسد عليه و المضاربة) الحديث 1، التهذيب 68:4-185، الاستبصار 10:2-28، بتفاوت يسير.
2- المغني 624:2، الشرح الكبير 629:2.

الشفعة(1).

و الأصل ممنوع.

مسألة 139: يشترط الحول في تعلّق زكاة التجارة

إجماعا، فلو ملك مالا للتجارة انعقد عليه الحول من حينئذ، فإذا تمّ الحول تعلّقت الزكاة به، لقوله عليه السلام: (لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول)(2) و هو عام.

و من طريق الخاصة قول الصادق عليه السلام: «إذا حال الحول فليزكّها» و قد سأله محمد بن مسلم عن الرجل توضع عنده الأموال يعمل بها(3).

مسألة 140: و يشترط النصاب - في الثمن في زكاة التجارة - في الحول من أوله إلى آخره،

فلو نقص في الابتداء بأن يشتريه بأقلّ من نصاب، ثم زاد السعر في أثناء الحول حتى بلغ نصابا أو نقص في الانتهاء بأن كان قد اشترى بنصاب، ثم نقص السعر عند انتهاء الحول أو في الوسط بأن يشتري بنصاب، ثم ينقص السعر في أثناء الحول، ثم يرتفع السعر في آخره فلا زكاة عند علمائنا، و به قال الثوري و إسحاق و أبو عبيد و أبو ثور و أحمد و ابن المنذر و الشافعي - في قول - لأنّه قال: يعتبر الحول فيه و النصاب فيجب اعتبار كمال النصاب في جميع الحول كسائر الأموال التي يعتبر لها ذلك(4).

و قال أبو حنيفة: يعتبر في أوله لينعقد عليه الحول، و في آخره، لأنّه وقت الوجوب، و لا يعتبر فيما بينهما - و هو قول للشافعي أيضا - لأنّ الأسعار

ص: 208


1- المجموع 49:6، فتح العزيز 43:6.
2- سنن ابن ماجة 571:1-1792، سنن الدارقطني 90:2 و 91-1 و 3.
3- الكافي 528:3-2، التهذيب 68:4-186، الإستبصار 10:2-29.
4- المغني و الشرح الكبير 625:2، المجموع 55:6، فتح العزيز 45:6، حلية العلماء 101:3.

تنخفض و ترتفع و يعسر ضبطها و مراقبتها(1).

و نمنع المشقّة، فإنّ المتاع إن لم يقارب النصاب لم يحتج إلى تقويم لظهور معرفته، و إن قارب سهل عليه التقويم، و إلاّ بني على أصالة البقاء لو كان نصابا، و عدم الزيادة لو قصر.

و قال مالك: إنّه يعتبر في آخر الحول - و هو أصح وجوه الشافعي - لكثرة اضطراب القيم(2) ، و قد تقدّم.

مسألة 141: يشترط وجود رأس المال من أول الحول إلى آخره،

فلو نقص رأس المال و لو حبّة (في الحول)(3) أو بعضه لم تتعلّق الزكاة به، و إن عادت القيمة(4) استقبل الحول من حين العود عند علمائنا أجمع - خلافا للجمهور(5) كافة - لأنّ الزكاة شرّعت إرفاقا بالمساكين فلا يكون سببا لإضرار المالك فلا يشرع مع الخسران، و لأنّها تابعة للنماء عندهم و هو منفي مع الخسران.

و لقول الصادق عليه السلام: «إن أمسك متاعه و يبتغي رأس ماله فليس عليه زكاة، و إن حبسه بعد ما وجد رأس ماله فعليه الزكاة بعد ما أمسكه بعد رأس ماله»(6).

احتجّوا بالعموم. و الخاص مقدّم.

ص: 209


1- المبسوط للسرخسي 172:2، اللباب 149:1، المغني 625:2، الشرح الكبير 626:2، المجموع 55:6، فتح العزيز 44:6، حلية العلماء 101:3.
2- المغني 625:2، الشرح الكبير 626:2، المجموع 55:6، فتح العزيز 45:6، حلية العلماء 101:3.
3- ورد بدل ما بين القوسين في النسخ الخطية المعتمدة في التحقيق و الطبعة الحجرية: (في أثناء الحول) و ما أثبتناه يقتضيه السياق.
4- أي: إذا بلغ رأس المال.
5- كما في المعتبر للمحقق الحلّي: 273.
6- الكافي 528:3-2، التهذيب 68:4-186، الاستبصار 10:2-29.
البحث الثاني في الأحكام
مسألة 142: زكاة التجارة مستحبة غير واجبة

عند أكثر علمائنا(1) ، و به قال ابن عباس و أهل الظاهر كداود و أصحابه و مالك(2) ، و قال الشافعي: هو القياس(3) ، لقوله عليه السلام: (عفوت لكم عن صدقة الخيل و الرقيق)(4) و لم يفصّل بين ما يكون للتجارة و الخدمة.

و قوله عليه السلام: (ابتغوا في أموال اليتامى لا تأكلها الزكاة)(5) فلو لا أنّ التجارة تحفظ من الزكاة و تمنع من وجوبها ما دلّهم عليها.

و من طريق الخاصة: قول الصادق عليه السلام: «ليس في المال المضطرب به زكاة»(6).

و قال الباقر عليه السلام: «يا زرارة إنّ أبا ذر و عثمان تنازعا على عهد

ص: 210


1- منهم: الشيخ المفيد في المقنعة: 40، و الشيخ الطوسي في النهاية: 176، و المبسوط 220:1، و الجمل و العقود (الرسائل العشر): 204، و الخلاف 91:2، المسألة 106، و السيد المرتضى في جمل العلم و العمل ضمن رسائله 75:3، و المحقق في شرائع الإسلام 142:1.
2- المجموع 47:6، فتح العزيز 39:6، المغني و الشرح الكبير 623:2، حلية العلماء 99:3.
3- حكاه الشيخ الطوسي في الخلاف 92:2، المسألة 106.
4- شرح معاني الآثار 28:2، مسند أحمد 121:1، سنن البيهقي 118:4.
5- أورده كما في المتن الشيخ الطوسي في الخلاف 92:2، و بتفاوت يسير في الأموال لأبي عبيد: 454-1300.
6- التهذيب 70:4-190، الاستبصار 9:2-25.

رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، فقال عثمان: كل مال [من](1) ذهب أو فضة يدار و يعمل به و يتجر [به](2) ففيه الزكاة إذا حال عليه الحول، فقال أبو ذر:

أما ما اتّجر به أو دير و عمل به فليس فيه زكاة، إنّما الزكاة فيه إذا كان ركازا كنزا موضوعا فإذا حال عليه الحول ففيه الزكاة، فاختصما في ذلك إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، قال: فقال: القول ما قال أبو ذر»(3).

و لأصالة البراءة، و لدلالة مفهوم وجوب الزكاة في تسعة على نفيه عمّا سواها، و غير ذلك.

و قال بعض علمائنا بالوجوب(4) ، و هو قول الجمهور كالفقهاء السبعة و طاوس و النخعي و الثوري و الأوزاعي و الشافعي - في الجديد - و أبي عبيد و أحمد و إسحاق و أصحاب الرأي(5) ، لقول سمرة: كان النبي صلّى اللّه عليه و آله يأمرنا أن نخرج الزكاة مما نعدّه للبيع(6).

و الأمر للندب تارة، و للوجوب اخرى، فيحمل على الأول جمعا بين الأدلّة، و لو حمل على الوجوب حمل المعدّ للبيع على أحد النصب التسعة، و الفائدة: إيجاب الزكاة و إن لم يتّخذ للقنية.

مسألة 143: قد بيّنا أنّ شرط التعلّق عدم الخسران،

و أن لا يطلب بنقص من رأس المال، فإن بقي ناقصا أحوالا استحب أن يزكّيه عن سنة واحدة لقول الصادق عليه السلام و قد سأله العلاء عن المتاع لا أصيب به رأس المال

ص: 211


1- زيادة من المصدر.
2- زيادة من المصدر.
3- التهذيب 70:4-192، الاستبصار 9:2-27.
4- يظهر القول بالوجوب من الصدوق في الفقيه 11:2.
5- المغني و الشرح الكبير 623:2، المجموع 47:6، فتح العزيز 38:6، حلية العلماء 99:3، بدائع الصنائع 20:2، اللباب 148:1.
6- سنن أبي داود 95:2-1562، سنن الدارقطني 127:2-128-9، سنن البيهقي 146:4-147.

عليّ فيه زكاة ؟ قال: «لا» قلت: أمسكه سنين ثم أبيعه ما ذا عليّ؟ قال:

«سنة واحدة»(1).

مسألة 144: لو طلب في أثناء الحول بزيادة أو نمى المتاع

بأن كانت مواشي فتوالدت، أو نخلا و غيره فأثمر لم يبن حول النماء على حول الأصل، بل كان حول الأصل من حين الانتقال إذا كان نصابا، و الزيادة من حين ظهورها، لأنّها مال لم يحل عليه الحول فلا تتعلّق به الزكاة، لقوله عليه السلام: (لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول)(2).

و قال مالك و إسحاق و أبو يوسف و أحمد: حول النماء مبني على حول الأصل، لأنّه تابع له في الملك فيتبعه في الحول كالسخال و النتاج(3).

و نمنع الحكم في الأصل و علّية المشترك.

و قال أبو حنيفة: يبنى حول كل مستفاد على حول جنسه نماء كان أو غيره(4).

و قال الشافعي: إن نضّت(5) الفائدة قبل الحول لم يبن حولها على حول النصاب و استأنف لها حولا، لأنّها فائدة تامة لم تتولّد ممّا عنده فلم تبن على حوله كما لو استفاد من غير الربح.

و لو اشترى سلعة بنصاب فزادت قيمتها عند رأس الحول فإنّه يضم الفائدة، و يزكّي عن الجميع، بخلاف ما إذا باع السلعة قبل الحول بأكثر من

ص: 212


1- التهذيب 69:4-189، الاستبصار 11:2-32.
2- سنن ابن ماجة 571:1-1792، سنن أبي داود 101:2-1573، سنن الترمذي 26:3-632، سنن الدارقطني 90:2-1، سنن البيهقي 95:4.
3- المغني 630:2، الشرح الكبير 642:2، بداية المجتهد 271:1، المنتقى للباجي 144:2.
4- المغني 630:2، الشرح الكبير 642:2.
5- المال الناضّ، هي: الدراهم و الدنانير. الصحاح 1107:3 «نضض».

نصاب فإنّه يزكّي عند رأس الحول عن النصاب، و يستأنف للزيادة حولا(1).

و لا فرق عندنا بين ذلك كلّه في عدم الضمّ.

تذنيب: لو اشترى للتجارة بما ليس بنصاب فنمى حتى صار نصابا انعقد الحول عليه من حين صار نصابا في قول أكثر العلماء، لأنّه لم يحل الحول على نصاب فلم تجب فيه الزكاة كما لو نقص في آخره(2).

و قال مالك: لو كان له خمسة دنانير فتاجر فيها فحال الحول و قد بلغت نصابا تعلّقت بها الزكاة(3) ، و قد سلف بطلانه.

مسألة 145: لو اشترى شقصا للتجارة بألف ثم صار يساوي ألفين فعليه زكاة ألفين،

فإن جاء الشفيع أخذه بألف، لأنّ الشفيع إنّما يأخذ بالثمن لا بالقيمة، و الزكاة على المشتري، لأنّها ثبتت و هو في ملكه، و لو لم يأخذه الشفيع لكن وجد(4) به عيبا فردّه فإنّه يأخذ من البائع (ألفا)(5).

و لو انعكس الفرض فاشتراه بألفين و حال الحول و قيمته ألف فلا زكاة عندنا، للنقصان عن رأس المال.

و عند الجمهور عليه زكاة ألف، و يأخذه الشفيع إن أخذه و يردّه بالعيب بالألفين، لأنّهما الثمن الذي وقع البيع به(6).

ص: 213


1- المغني 630:2، الشرح الكبير 642:2، المهذب للشيرازي 167:1، المجموع و فتح العزيز 58:6.
2- المغني 630:2، الشرح الكبير 625:2.
3- المغني 630:2، الشرح الكبير 626:2، المدونة الكبرى 261:1، بداية المجتهد 271:1.
4- أي: وجد المشتري.
5- ورد بدل ما بين القوسين في النسخ الخطية و الطبعة الحجرية: (أيضا) و ما أثبتناه يقتضيه السياق.
6- المغني 631:2، الشرح الكبير 643:2، المجموع 74:6.
مسألة 146: لعلمائنا قولان في أنّ العامل يملك الحصة أو الأجرة،

فالأشهر الأول.

و من قال: إنّه يملك الحصة، اختلفوا على قولين: أحدهما: أنّه يملك بالظهور، و الآخر: يملك بالإنضاض، و سيأتي(1) البحث في ذلك إن شاء اللّه تعالى.

فإن قلنا لا يملك حصّة، فالزكاة بأجمعها على المالك، لأنّه يملك الربح و الأصل معا، و إن قلنا: يملك بالظهور - و به قال أبو حنيفة و الشافعي في أحد القولين(2) - فعلى المالك زكاة الأصل و نصيبه من الربح.

و في حصة العامل قولان: عدم الزكاة، لأنّ ملكه غير مستقرّ عليه، لأنّه وقاية لرأس المال عن الخسران.

و الثاني: الثبوت، للملك، و التمكّن من التصرف فيه كيف شاء، و القسمة، و تعلّق حق الفقراء بذلك الجزء الذي هو لهم أخرجه عن كونه وقاية لخسران يعرض، و قوّاه الشيخ(3) ، و للشافعي كالقولين(4).

و له آخر: أنّه كالمغصوب، لأنّه غير متمكّن من التصرف فيه على حسب مشيئته(5).

و إن قلنا: إنّه يملك بالقسمة و الإنضاض - و هو أصح قولي الشافعي، و به قال مالك و المزني(6) - فزكاة رأس المال على المالك.

ص: 214


1- يأتي في المبحثين: الأول و الرابع من الفصل الثالث من المقصد الرابع في القراض.
2- المهذب للشيرازي 394:1، المجموع 71:6 و 377:14-378، حلية العلماء 341:5، المغني 169:5.
3- المبسوط للطوسي 224:1 و فيه: و لو قلنا: إنّ ذلك له كان أحوط.
4- المهذب للشيرازي 168:1، المجموع 71:6-72، فتح العزيز 85:6-86.
5- المجموع 72:6، فتح العزيز 86:6.
6- المهذب للشيرازي 168:1 و 394، المجموع 71:6 و 377:14، فتح العزيز 85:6، حلية العلماء 341:5.

و قيل: كذا الربح بأجمعه، لأنّ الجميع له(1).

و يحتمل في نصيب العامل العدم، أمّا على المالك: فلأنّه يجري مجرى المغصوب أو الملك الضعيف لتأكّد حقّ العامل فيه، و أمّا العامل:

فلعدم ملكه به.

و إيجاب الزكاة في الربح كلّه على المالك ضعيف، لأنّ حصة العامل متردّدة بين أن تسلم فتكون له، أو تتلف فلا يكون له و لا للمالك شيء فكيف يجب عليه زكاة ما ليس له بوجه!؟ و كونه نماء ماله لا يقتضي إثبات الزكاة عليه، لأنّه لغيره.

إذا عرفت هذا، فإن قلنا بثبوت الزكاة في حصّة العامل فإنّما تثبت لو بقيت حولا نصابا، أو يضمّها إلى ما عنده من أموال التجارة غيرها و تبلغ نصابا.

و لا يبنى حول نصيب العامل على حول رأس المال عند علمائنا - و هو أحد وجهي الشافعية - لأنّه في حقه أصل مقابل بالعمل.

و الثاني للشافعية: البناء، لأنّه ربح كنصيب المالك(2). و ليس بجيّد.

و على ما اخترناه، فابتداء الحول من حين الظهور، لحصول الملك حينئذ، أو الإنضاض و القسمة، لأنّ استقرار الملك يحصل حينئذ.

و يحتمل من يوم تقويم المال على المالك لأخذ الزكاة، و لا يلزمه إخراج الزكاة قبل القسمة، فإذا اقتسماه زكّاه لما مضى من الأحوال - كالدّين يستوفيه - عند الشافعية(3).

و الأقوى عندي: أنّه يخرج في الحال، لتمكّنه من القسمة.

تذنيب: لو أراد العامل إخراج الزكاة من عين مال القراض احتمل أن6.

ص: 215


1- القول للشافعية، انظر: المهذب للشيرازي 168:1، المجموع 71:6، فتح العزيز 85:6.
2- فتح العزيز 86:6.
3- فتح العزيز 86:6، المجموع 72:6.

يستبد به، لأنّ الزكاة من المؤن اللازمة للمال كاجرة الدلاّل و الكيّال.

و يحتمل أنّ للمالك منعه، لأنّ الربح وقاية لرأس المال، فله أن يمنع من التصرف في الربح حتى يسلّم إليه رأس المال، و يبنى على الاحتمال ما يخرج المالك من زكاة مال القراض إن جعلنا الزكاة كالمؤن احتسب من الربح كما يحتسب أرش جناية عبد التجارة من الربح.

و يحتمل احتسابه من رأس المال، لأنّه مصروف إلى حقّ لزم المالك، فكان كما لو ارتجع شيئا من المال.

و يحتمل أنّ ما يخرجه المالك خاصة من رأس المال، لأنّه يختص بلزومه.

مسألة 147: إذا حال الحول على العروض قوّمت بالثمن الذي اشتريت به
اشارة

سواء كان نصابا أو أقلّ، و سواء كان من الأثمان أو لا، و لا يعتبر نقد البلد، و به قال الشافعي إلاّ أنّه قال: إذا كان من جنس الأثمان و كان الثمن أقلّ من نصاب فيه وجهان: أحدهما: أن يقوّم بما اشتراه. و الثاني: يقوّم بغالب نقد البلد(1).

هذا إن لم يملك من النقد الذي ملك به ما تمّ النصاب، أمّا إذا اشترى للتجارة بمائة درهم و هو يملك مائة أخرى فإنه يقوّم بما ملك به أيضا، لأنّه ملك ببعض ما انعقد عليه الحول.

و وافقنا أبو يوسف(2) في التقويم بما اشتراه مطلقا، لأنّ نصاب العرض مبني على ما اشتراه به فتثبت الزكاة فيه، و يعتبر به كما لو لم يشتر به شيئا.

و لقول الصادق عليه السلام: «إن طلب برأس المال فصاعدا ففيه

ص: 216


1- المهذب للشيرازي 168:1، المجموع 64:6، فتح العزيز 70:6، حلية العلماء 103:3.
2- بدائع الصنائع 21:2، الهداية للمرغيناني 105:1، حلية العلماء 104:3.

الزكاة، و إن طلب بالخسران فليس فيه زكاة»(1) و لا يمكن أن يعرف رأس المال إلاّ أن يقوّم بما اشتراه به بعينه.

و قال أبو حنيفة و أحمد: تقوّم بما هو أحظّ للمساكين سواء اشتراها بذهب أو فضة أو عروض، فلو كانت قيمتها بالفضّة دون النصاب و بالذهب نصابا قوّمت به و إن كان الثمن فضة، و بالعكس، لأنّ قيمته بلغت نصابا فتثبت الزكاة فيه، كما لو اشتراه بعرض و في البلد نقدان مستعملان تبلغ قيمة العرض بأحدهما نصابا، و لأنّ تقويمه لحظّ المساكين فيعتبر ما لهم فيه الحظ كالأصل(2).

و الفرق في الأول ظاهر، فإنّ الثمن بلغ نصابا، بخلاف المتنازع، و مراعاة الفقراء ليست أولى من مراعاة المالك.

فروع:

أ - إذا كان الثمن من العروض قوّم بذهب أو فضة حال الشراء، ثم يقوّم في أثناء الحول إلى آخره بثمنه الذي اشتري به، و قوّم الثمن بالنقدين، فإن قصر أحدهما في الأثناء سقط اعتبار الحول إلى أن يعود إلى السعر، و إلاّ ثبتت.

و لو قصر أحدهما و زاد الآخر مثل أن يشتريه بمتاع قيمته نصاب، ثم يرخص سعر الثمن أو يغلو فالأقرب حينئذ ثبوت الزكاة مع الرخص لا مع الغلاء إلاّ أن يكون العرض للتجارة.

ب - لو بلغت قيمته نصابا بكلّ واحد من النقدين قوّمه بما اشتراه أيضا.

ص: 217


1- أورده الشيخ الطوسي في الخلاف 100:2 ذيل المسألة 114، و المحقق في المعتبر: 272.
2- بدائع الصنائع 21:2، الهداية للمرغيناني 105:1، اللباب 148:1-149، المغني 625:2-626، الشرح الكبير 634:2، فتح العزيز 70:6، حلية العلماء 104:3.

و قال أحمد: يقوّم بما شاء إلاّ أنّ الأولى إخراج النقد المستعمل في البلد، لأنّه أحظّ للمساكين، و لو كانا مستعملين أخرج من الغالب في الاستعمال، و لو تساويا تخيّر(1).

ج - لو بلغت السلعة نصابا بأحد النقدين و قصرت بالآخر ثبتت الزكاة، لأنّه بلغ نصابا بأحد النقدين فثبتت فيها الزكاة كما لو كان عينا.

مسألة 148: تثبت زكاة التجارة في كلّ حول،

و به قال الثوري و الشافعي و أحمد و إسحاق و أبو عبيد و أصحاب الرأي(2) ، لأنّه مال ثبتت فيه الزكاة في الحول الأول لم ينقص عن النصاب و لم تتبدّل صفته فتثبت زكاته في الحول الثاني كما لو نضّ في أوله، و لأنّ السبب المقتضي لثبوتها في الأول ثابت في الثاني.

و قال مالك: لا يزكّيه إلاّ لحول واحد، لأنّ الحول الثاني لم يكن المال عينا في أحد طرفيه فلا تثبت فيه الزكاة كالحول الأول إذا لم يكن في أوله عينا(3).

و نمنع ثبوت حكم الأصل.

مسألة 149: تخرج الزكاة من قيمة العروض دون عينها،

قاله الشيخ(4) - رحمه اللّه - على القول بالوجوب - و به قال الشافعي في أحد القولين، و أحمد(5) - لأنّ النصاب معتبر بالقيمة فكانت الزكاة منها كالعين في سائر الأموال.

ص: 218


1- المغني 626:2، الشرح الكبير 635:2.
2- المغني 623:2-624، الشرح الكبير 627:2.
3- المغني 624:2، الشرح الكبير 627:2، فتح العزيز 39:6.
4- الخلاف 95:2، المسألة 109.
5- الام 47:2، المهذب للشيرازي 168:1، المجموع 68:6، فتح العزيز 67:6، المغني 624:2، الشرح الكبير 628:2.

و لقول الصادق عليه السلام: «كلّ عرض فهو مردود إلى الدراهم و الدنانير»(1) و هو يدلّ على تعلّق الزكاة بالقيمة.

و قال أبو حنيفة: يتخيّر بين الإخراج من العين أو من القيمة، لكن الأصل العين، فالزكاة تتعلّق بالسلعة و تجب فيها لا بالقيمة، فإن أخرج العرض أخرج أصل الواجب، و إن عدل عنه إلى القيمة فقد عدل إلى بدل الزكاة - و هو الثاني للشافعي - لأنّها مال تجب فيه الزكاة فتعلّقت بعينه كسائر الأموال(2). و لا بأس بهذا القول.

و يمكن الجواب عمّا قاله الشيخ بأنّ اعتبار النصاب لاستعلام القدر لا لوجوب الإخراج منه، و كذا الرواية.

مسألة 150: القدر المخرج هو ربع العشر إمّا من العين أو القيمة

- على الخلاف - إجماعا، و قد تقدّم أنّ التقويم بما اشتريت به و إن كان غالب نقد البلد غيره، لكن الأولى إخراج نقد البلد.

و لو ملكه بعرض للقنية قوّم في آخر الحول به عندنا.

و قال الشافعي: يقوّم بغالب نقد البلد من الدراهم أو الدنانير، فإن بلغ به نصابا أخرج زكاته، و إلاّ فلا، و إن كان يبلغ بالآخر نصابا أو كان النقدان جاريين في البلد قوّم بالأغلب، فإن استويا و بلغ بهما نصابا فوجوه: التخيير بأن يقوّم بما شاء و يخرجه، و مراعاة الأغبط للفقراء، و التقويم بالدراهم، لأنّها أرفق و أصلح، و اعتبار الغالب في أقرب البلاد(3).

تذنيب: لو اشترى بنصاب من النقد و بعرض قنية قوّم ما يقابل الدراهم

ص: 219


1- أورده الشيخ الطوسي في الخلاف 96:2 ذيل المسألة 109، و المحقق في المعتبر: 273.
2- بدائع الصنائع 21:2، المغني 624:2، الشرح الكبير 628:2، المهذب للشيرازي 168:1، المجموع 69:6، فتح العزيز 68:6.
3- المهذب للشيرازي 168:1، المجموع 66:6، فتح العزيز 73:6-74، الوجيز 95:1، حلية العلماء 103:3.

بمثلها و ما يقابل العرض بمثله عندنا، و عند المخالف بنقد البلد(1).

مسألة 151: النصاب المعتبر في قيمة مال التجارة هنا هو أحد النقدين:

الذهب أو الفضة دون غيرهما، فلو اشترى بأحد النصب في المواشي مال التجارة و قصرت قيمة الثمن عن نصاب أحد النقدين، ثم حال الحول كذلك فلا زكاة.

و لو قصر الثمن عن نصاب المواشي بأن اشترى بأربع من الإبل متاع التجارة و كانت قيمة الثمن أو السلعة تبلغ نصابا من أحد النقدين تعلّقت الزكاة به.

إذا عرفت هذا، فالنصاب الأول قد عرفت أنّه عشرون دينارا أو مائتا درهم، فإذا بلغت القيمة أحدهما ثبتت الزكاة، ثم الزائد إن بلغ النصاب الثاني و هو أربعة دنانير أو أربعون درهما ثبتت فيه الزكاة و هو ربع عشرة أيضا، و إلاّ فلا، و لم يعتبر الجمهور النصاب الثاني كالنقدين، و قد سلف.

مسألة 152: إذا اشترى سلعا للتجارة في أشهر متعاقبة، و قيمة كلّ واحد نصاب

يزكّي كلّ سلعة عند تمام حولها، و لم يضمّ بعضها إلى بعض.

و إن كانت الاولى نصابا فحال حولها و هي نصاب و حال حول الثانية و الثالثة و قيمة كلّ منهما أقلّ من نصاب أخذ من الأول الزكاة خمسة دراهم، و من الثاني و الثالث من كلّ أربعين درهما درهم.

و لو كان العرض الأول ليس بنصاب و كمل بالثاني نصابا فحولهما من حين ملك الثاني، و لا يضمّ الثالث إليهما، بل ابتداء الحول من حين ملكه، و تثبت فيه الزكاة - و إن كان أقلّ من النصاب الأول - إذا بلغ النصاب الثاني، لأنّ قبله نصابا.

مسألة 153: إذا اشترى عرضا للتجارة بأحد النقدين،
اشارة

و كان الثمن

ص: 220


1- المجموع 66:6-67، فتح العزيز 76:6.

نصابا، قال الشيخ رحمه اللّه: كان حول السلعة حول الأصل(1) ، و به قال الشافعي و مالك و أحمد و أصحاب الرأي، لأنّ زكاة التجارة تتعلّق بالقيمة و قيمته هي الأثمان نفسها لكنها كانت ظاهرة فخفيت.

و لأنّ النماء في الغالب إنّما يحصل في التجارة بالتقليب، فلو كان ذلك يقطع الحول لكان السبب الذي تثبت فيه الزكاة [لأجله](2) مانعا منها(3).

و لو قيل: إن كان الثمن من مال تجارة بنى على حوله و إلاّ استأنف، كان وجها.

و لو كان أقلّ من النصاب فلا زكاة، فإن ظهر ربح حتى بلغ به نصابا جرى في الحول من حين بلوغ النصاب عند علمائنا أجمع، و هو أحد وجهي الشافعية، و الآخر: أنّه يبنى على الحول من حين الشراء، لأنّه يعتبر النصاب في آخر الحول على الأقوى من وجهيه(4).

فروع:

أ - لو اشتراه بنصاب من السائمة فإن كانت للقنية فالأقرب انقطاع حول السائمة، و يبتدئ حول التجارة من يوم الشراء، لاختلاف الزكاتين في القدر و التعلّق، و هو أحد وجهي الشافعي، و في الآخر: يبني عليه كالنقدين(5).

و إن كانت للتجارة فالوجه البناء على حولها.

ب - البناء على حول الأصل إنّما يكون لو اشتراه بعين النصاب، و لو

ص: 221


1- الخلاف 94:2، المسألة 108، و المبسوط للطوسي 220:1-221.
2- زيادة أثبتناها من المغني و الشرح الكبير.
3- المغني 626:2، الشرح الكبير 635:2-636، المهذب للشيرازي 167:1، المجموع 58:6، فتح العزيز 53:6-54.
4- المهذب للشيرازي 167:1، المجموع 56:6، فتح العزيز 54:6.
5- المهذب للشيرازي 167:1، المجموع 56:6، فتح العزيز 54:6، حلية العلماء 101:3.

اشتراه في الذمة و نقد النصاب في الثمن انقطع حول الثمن نقدا كان أو ماشية، و ابتدأ حول التجارة من يوم الشراء، لأنّ النصاب لم يتعيّن للصرف إلى هذه الجهة.

ج - لو اشترى عرضا للتجارة بعرض للقنية كأثاث البيت كان حول السلعة من حين ملكها للتجارة، و به قال الشافعي و أحمد(1).

و قال مالك: لا يدور في حول التجارة إلاّ أن يشتريها بمال تجب فيه الزكاة كالذهب و الفضة(2).

د - لو باع مال التجارة بالنقد من الذهب أو الفضة و قصد بالأثمان غير التجارة انقطع الحول، و به قال الشافعي(3) ، لأنّه مال تجب الزكاة في عينه دون قيمته فانقطع الحول بالبيع به كالسائمة.

و قال أحمد: لا ينقطع، لأنّه من جنس القيمة التي تتعلّق الزكاة بها فلم ينقطع الحول معها به(4).

و الفرق: أنّ قصد التجارة انقطع، و تعلّقت به حول زكاة أخرى.

و لو قصد بالثمن التجارة، فالأقرب عدم الانقطاع، و بنى على حول الأول، لأنّا لا نشترط في زكاة التجارة بقاء الأعيان بل القيم.

ه - لو أبدل عرض التجارة بما تجب الزكاة في عينه كالسائمة و لم ينو به التجارة لم يبن حول أحدهما على الآخر إجماعا، لأنّهما مختلفان، و إن أبدله بعرض للقنية بطل الحول.

و - لو اشتراه بنصاب من السائمة لم يبن على حوله إجماعا، لأنّهما مختلفان.2.

ص: 222


1- المجموع 56:6، فتح العزيز 54:6، حلية العلماء 102:3، المغني 627:2، الشرح الكبير 637:2.
2- حلية العلماء 103:3.
3- المغني 626:2، الشرح الكبير 636:2.
4- المغني 626:2، الشرح الكبير 636:2.

ز - لا يشترط بقاء عين السلعة طول الحول إجماعا، بل قيمتها و بلوغ القيمة النصاب.

مسألة 154: لا تجتمع زكاة التجارة و المالية في مال واحد
اشارة

اتّفاقا، لقوله عليه السلام: (لا ثني(1) في الصدقة)(2).

فلو ملك نصابا من السائمة فحال الحول، و السوم و نية التجارة موجودان قدّمت زكاة المال عندنا، لأنّها واجبة دون زكاة التجارة، لاستحبابها.

و من قال بالوجوب اختلفوا، فالذي قاله الشيخ - تفريعا على الوجوب -:

تقديم المالية أيضا(3) ، و به قال الشافعي - في الجديد - لأنّها أقوى، لانعقاد الإجماع عليها و اختصاصها بالعين فكانت أولى(4).

و قال أبو حنيفة و الثوري و مالك و أحمد و الشافعي في القديم: يزكّيه زكاة التجارة، لأنّها أحظّ للمساكين، لتعلّقها بالقيمة فتجب فيما زاد بالحساب، لأنّ الزائد عن النصاب قد وجد سبب وجوب زكاته فتجب كما لو لم يبلغ بالسوم نصابا(5).

و نمنع اعتبار ترجيح المساكين، بل مراعاة المالك أولى، لأنّ الصدقة مواساة فلا تكون سببا لإضرار المالك و لا موجبة للتحكّم في ماله.

ص: 223


1- أي: لا تؤخذ الزكاة مرّتين في السنة. النهاية لابن الأثير 224:1.
2- كنز العمّال 332:6-15902.
3- الخلاف 104:2، المسألة 120، و المبسوط للطوسي 222:1.
4- الام 48:2، المجموع 50:6، فتح العزيز 81:6، حلية العلماء 100:3، المغني 627:2، الشرح الكبير 638:2.
5- المبسوط للسرخسي 170:2، المغني 627:2، الشرح الكبير 638:2، المجموع 50:6، فتح العزيز 81:6، حلية العلماء 100:3، المنتقى للباجي 121:2، و فيها ما عدا المجموع قال مالك بوجوب زكاة العين، على خلاف ما نسب إليه المصنّف رحمه اللّه، و أمّا في المجموع فلم يتعرض النووي لقوله.
فروع:

أ - لو انتفى السوم ثبتت زكاة التجارة و إن كان النصاب ثابتا، و كذا لو انتفى النصاب و حصل السوم، لعدم التصادم.

ب - لو فقد شرط زكاة التجارة بأن قصر الثمن عن النصاب أو طلبت بخسارة وجبت زكاة المال إجماعا، لعدم التضاد.

ج - لو سبق تعلّق وجوب المالية بأن يملك أربعين من الغنم قيمتها دون مائتي درهم ثم صارت في نصف الحول تعدل مائتين قدّمت زكاة المال، لثبوت المقتضي في آخر الحول، السالم عن معارضة المانع.

و قال بعض الجمهور بتأخّر وجوب الزكاة حتى يتم حول التجارة، لأنّه أنفع للفقراء(1). و هو ممنوع.

و على ما اخترناه إذا تمّ حول التجارة لم يزك الزائد عن النصاب، لأنّه قد زكّى العين فلا يتعلّق بالقيمة.

و قال بعض الجمهور: تجب زكاة التجارة في الزائد عن النصاب، لوجود المقتضي فإنّه مال للتجارة حال عليه الحول و هو نصاب(2).

و هو ممنوع، لوجود المانع و هو تعلّق الزكاة بالعين.

د - لو اشترى أرضا أو نخلا للتجارة فزرعت الأرض و أثمر النخل فاتّفق حولهما بأن يكون بدوّ الصلاح في الثمرة و اشتداد الحبّ عند تمام الحول، و كانت قيمة الأرض و النخل بمفردها نصابا للتجارة فإنّه يزكّي الثمرة و الحبّ زكاة العشر، و يزكّي الأصل زكاه القيمة، و لا تثبت في الثمرة الزكاتان، و به قال أبو حنيفة و أبو ثور(3) ، لأنّ زكاة العشر أحظّ للفقراء فإنّ العشر أكثر من ربع العشر، و لأنّ زكاة المال متّفق عليها.

ص: 224


1- المغني 627:2، الشرح الكبير 639:2.
2- المغني 627:2، الشرح الكبير 639:2.
3- المغني 628:2، الشرح الكبير 641:2.

و قال أحمد: يزكّي الجميع زكاة التجارة، لأنّه مال تجارة فتجب فيه زكاتها كالسائمة(1).

و الفرق: زكاة السوم أولى، على أنّا نقول بموجبه هناك.

ه - لو اشترى أربعين سائمة للتجارة فعارض بها(2) في أثناء الحول بأربعين سائمة للتجارة أيضا، فإن شرطنا في المالية بقاء عين النصاب سقطت و ثبتت زكاة التجارة، لعدم المانع، و إلاّ أوجبنا زكاة المال.

و لو عارضها بأربعين للقنية سقطت زكاة التجارة و انعقد حول المالية من المعارضة.

و لو اشترى أربعين للقنية و أسامها، ثم عراضها في أثناء الحول بأربعين سائمة للتجارة انعقد حول المالية أو التجارة - على الخلاف - من حين المعارضة.

و - عبد التجارة يخرج عنه الفطرة و زكاة التجارة على ما يأتي.

ز - لو اشترى معلوفة للتجارة ثم أسامها، فإن كان بعد تمام الحول ثبتت زكاة التجارة في الحول الأوّل، و انعقد حول الماليّة من حين الإسامة، و إن كان في الأثناء احتمل زكاة التجارة عند تمام الحول، لعدم المانع، و انعقاد حول الماليّة من حين الإسامة.

مسألة 155: إذا نوى بعرض التجارة القنية صار للقنية و سقطت الزكاة

عند علمائنا - و به قال الشافعي و أحمد و أصحاب الرأي(3) - لأنّ القنية الأصل، و يكفي في الردّ إلى الأصل مجرّد النيّة، و لأنّ نيّة التجارة شرط لثبوت الزكاة في

ص: 225


1- المغني 628:2، الشرح الكبير 641:2.
2- المعارضة: بيع المتاع بالمتاع لا نقد فيه. النهاية - لابن الأثير - 214:3 «عرض».
3- المجموع 49:6-50، حلية العلماء 100:3، المغني 628:2، الشرح الكبير 630:2-631.

العروض، فإذا نوى القنية زال الشرط.

و قال مالك في رواية: لا يسقط حكم التجارة بمجرّد النية كما لو نوى بالسائمة العلف(1).

و الفرق أنّ الإسامة شرط دون نيّتها فلا ينتفي الوجوب إلاّ بانتفاء السوم.

و إذا صار العرض للقنية بنيّتها فنوى به التجارة لم يصر للتجارة بمجرّد النية على ما قدّمناه، و به قال أبو حنيفة و مالك و الشافعي(2).

تذنيب: لو كانت عنده ماشية للتجارة نصف حول فنوى بها الإسامة و قطع نية التجارة انقطع حول التجارة و استأنف حولا للماليّة - و به قال الثوري و أبو ثور و أصحاب الرأي(3) - لأنّ حول التجارة انقطع بنيّة الاقتناء، و حول السوم لا يبنى على حول التجارة.

و الوجه: أنّها إن كانت سائمة ابتداء الحول وجبت المالية عند تمامه - و به قال إسحاق(4) - لأنّ السوم سبب لوجوب الزكاة وجد في جميع الحول خاليا عن المعارض فتجب به الزكاة، كما لو لم ينو التجارة.

مسألة 156: المشهور عندنا و عند الجمهور أنّ نماء مال التجارة بالنتاج مال تجارة أيضا
اشارة

- و هو أحد قولي الشافعي(5) - لأنّ الولد بعض الامّ فحكمه حكمها، فلو اشترى جواري للتجارة فأولدت كانت الأولاد تابعة لها، هذا إذا لم تنقص قيمة الأمّ بالولادة، فإن(6) نقصت جعل الولد جابرا بقدر قيمته، لأنّ

ص: 226


1- المغني 628:2، الشرح الكبير 631:2، حلية العلماء 100:3.
2- المغني 629:2، الشرح الكبير 631:2، حلية العلماء 99:3، المجموع 48:6، فتح العزيز 41:6.
3- المغني 629:2، الشرح الكبير 632:2-633.
4- المغني 629:2، الشرح الكبير 633:2.
5- فتح العزيز 65:6.
6- في «ف» و الطبعة الحجرية: فلو.

سبب النقصان انفصاله.

و للشافعي قول آخر: إنّه ليس مال التجارة، لأنّ الفائدة التي تحصل من عين المال لا تناسب الاستنماء بطريق التجارة(1). و هو ممنوع.

إذا ثبت هذا، فإنه يبتدئ بالحول في النتاج من حين انفصاله، و لا يبني على حول الأصل، خلافا للشافعي(2) ، و قد سبق(3).

فروع:

أ - لو اشترى من الماشية السائمة نصابا للتجارة فنتجت، فعندنا تقدّم زكاة المال، و لا يتبع النتاج الأمّهات في الحول، فلم ينعقد سبب المالية في النتاج، فيبقى سبب التجارة سالما عن المعارض، فينعقد حولها من حين الانفصال، فتثبت الزكاة فيها بعد الحول، ثم يعتبر حول المالية إن حصل السوم.

ب - لا يبنى النصاب هنا على نصاب الأمّهات بمعنى أنه يقوّم النتاج بأحد النقدين فإن بلغت قيمته مائتي درهم أو عشرين دينارا تعلّقت الزكاة به، و لا يضمّ إلى الأمّهات في النصاب، لأنّ الأمّهات لها زكاة بانفرادها، و لا يكفي في اعتبار نصابها أربعون درهما أو أربعة دنانير، و إن كانت قيمة الأمهات نصابا فإشكال.

ج - لو اشترى حديقة للتجارة فأثمرت عنده، و قلنا: إنّ ثمار التجارة مال تجارة، أو اشتراها و هي مثمرة مع الثمار فبدا الصلاح عنده حكمنا بوجوب زكاة المال في الثمرة على ما قدّمناه.

و لا تسقط به زكاة التجارة عن قيمة الأشجار - و هو أحد وجهي

ص: 227


1- فتح العزيز 65:6.
2- فتح العزيز 66:6.
3- سبق في المسألة 34.

الشافعية(1) - لأنّه ليس فيها زكاة مال حتى تسقط بها زكاة التجارة.

و في الآخر: تسقط، لأنّ المقصود منها ثمارها و قد أخذنا زكاتها(2).

و هو ممنوع.

و كذا لا تسقط عن أرض الحديقة.

و للشافعية طريقان: أحدهما: طرد الوجهين(3). و الثاني: القطع بعدم السقوط، لبعد الأرض عن التبعية، لأنّ الثمار خارجة عن الشجرة، و الشجرة حاصلة ممّا أودع في الأرض لا من نفسها(4).

و أمّا الثمار التي أخرج الزكاة المالية منها فإنّ حول التجارة ينعقد عليها أيضا، و تثبت الزكاة فيها في الأحوال المستقبلة للتجارة و إن كانت الماليّة لا تتكرر، و يحسب ابتداء الحول للتجارة من وقت إخراج العشر بعد القطاف لا من وقت بدوّ الصلاح، لأنّ عليه [بعد](5) بدوّ الصلاح تربية [الثمار](6) للمساكين، فلا يجوز أن يحسب عليه وقت التربية.

د - لو اشترى أرضا مزروعة للتجارة فأدرك الزرع، و الحاصل نصاب تعلّقت زكاة المال بالزرع ثم يبتدئ حول زكاة التجارة بعد التصفية، و للشافعية الوجوه السابقة(7) في الثمرة.

و لو اشترى أرضا للتجارة و زرعها ببذر القنية فعليه العشر في الزرع، و زكاة التجارة في الأرض، و لا تسقط زكاة التجارة عن الأرض بأداء العشر إجماعا.

ه - الدّين لا يمنع من زكاة التجارة كما لا يمنع من زكاة العين.6.

ص: 228


1- المجموع 52:6، فتح العزيز 83:6.
2- المجموع 52:6، فتح العزيز 83:6.
3- أي: الوجهان اللذان تقدّما آنفا.
4- المجموع 52:6، فتح العزيز 83:6-84.
5- زيادة يقتضيها السياق.
6- زيادة يقتضيها السياق.
7- سبق في المسألة 154 الوجهان للشافعي، و انظر: فتح العزيز 83:6، و المجموع 52:6.
الفصل الثاني في باقي الأنواع التي تستحب فيها الزكاة
مسألة 157: كلّ ما يخرج من الأرض من الغلاّت غير الأربع تستحب فيها الزكاة

إن كان ممّا يكال أو يوزن كالعدس و الماش و الأرز و الذرّة و غيرها بشرط بلوغ النصاب في الغلاّت الأربع - و هو خمسة أوسق - لعموم قوله عليه السلام: (ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة)(1).

و القدر المخرج هو العشر إن سقي سيحا أو بعلا أو عذيا، و نصفه إن سقي بالقرب و الدوالي كما في الغلاّت.

و لو اجتمعا حكم للأغلب، فإن تساويا قسّط و يؤخذ من نصفه العشر و من نصفه نصف العشر، و تثبت بعد إخراج المؤن كالواجب.

و لا زكاة في الخضراوات.

و في ضمّ ما يزرع مرّتين في السنة كالذرّة بعضه مع بعض نظر، و كذا الدّخن، و الأقرب: الضمّ، لأنّها في حكم زرع عام واحد.

ص: 229


1- صحيح البخاري 133:2، صحيح مسلم 673:2-979، سنن أبي داود 94:2-1558، سنن الترمذي 22:3-626، سنن ابن ماجة 572:1-1794، سنن الدارقطني 99:2-20، مسند أحمد 403:2، و 97:3، و سنن البيهقي 121:4.

و يدلّ على استحباب الزكاة بعد ما تقدّم: قول الصادق عليه السلام:

«كلّ ما كيل بالصاع فبلغ الأوساق فعليه الزكاة» و قال: «جعل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله الصدقة في كلّ شيء أنبتته الأرض إلاّ الخضر و البقول و كلّ شيء يفسد من يومه»(1).

و قال عليه السلام و قد سأله زرارة في الذرة شيء؟ فقال: «الذرّة و العدس و السّلت و الحبوب فيها مثل ما في الحنطة و الشعير، و كلّ ما كيل بالصاع فبلغ الأوساق التي تجب فيها الزكاة فعليه فيه الزكاة»(2).

أمّا الخضر فلا زكاة فيها إلاّ أن تباع، و يحول على ثمنها الحول، و تكون الشرائط موجودة فيه، لقول الصادق عليه السلام: «ليس على الخضر و لا على البطيخ و لا على البقول و أشباهه زكاة إلاّ ما اجتمع عندك من غلّة فبقي عندك سنة»(3).

و سأل زرارة الصادق عليه السلام هل في القضب(4) شيء؟ قال:

«لا»(5).

و سأل الحلبي، الصادق عليه السلام ما في الخضرة ؟ قال: «و ما هي ؟» قلت: القضب و البطيخ و مثله من الخضر. فقال: «لا شيء عليه إلاّ أن يباع مثله بمال فيحول عليه الحول ففيه الصدقة» و عن شجر العضاة(6) من الفرسك(7) و أشباهه فيه زكاة ؟ قال: «لا» قلت: فثمنه(8) ؟ قال: «ما حاله.

ص: 230


1- التهذيب 65:4-176، و الكافي 510:3-2.
2- التهذيب 65:4-177.
3- الكافي 511:3-1، التهذيب 66:4-179.
4- القضب: كلّ نبت اقتضب و أكل طريّا. مجمع البحرين 144:2 «قضب».
5- التهذيب 66:4-180.
6- العضاة: كلّ شجر يعظم و له شوك. الصحاح 2240:6 «عضه».
7- الفرسك: ضرب من الخوخ ليس يتفلّق عن نواه. الصحاح 1603:4 «فرسك».
8- في «ف» و التهذيب: قيمته.

عليه الحول من ثمنه فزكّه»(1).

مسألة 158: لا تجب الزكاة في الخيل

بإجماع أكثر العلماء، و به قال - في الصحابة - علي عليه السلام و عمر و ابنه، و في التابعين: عمر بن عبد العزيز و عطاء و النخعي و الشعبي و الحسن البصري، و في الفقهاء: مالك و الشافعي و الأوزاعي و الليث بن سعد و احمد و إسحاق و أبو ثور و أبو يوسف و محمد(2).

لما رواه علي عليه السلام: «أنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله قال: عفوت لكم عن صدقة الخيل و الرقيق»(3).

و قال عليه السلام: (ليس في الجبهة و لا في النخّة و لا في الكسعة صدقة)(4) و الجبهة: الخيل، و النخة: الرقيق، و الكسعة: الحمير(5).

و قال ابن قتيبة: هي العوامل من الإبل و البقر و الحمير.

و من طريق الخاصة قول الباقر عليه السلام: «و ليس في الحيوان غير هذه الثلاثة الأصناف شيء»(6) و عنى الإبل و البقر و الغنم.

و للأصل، و لأنّ كلّ جنس لا تجب الزكاة في ذكورة إذا انفردت لا تجب في إناثه، و لكونه كالحمر.

و قال أبو حنيفة: إن كانت ذكورا و إناثا وجب فيها، و إن كانت إناثا منفردة فروايتان، و كذا إن كانت ذكورا منفردة، لما رواه الصادق عليه السلام عن الباقر

ص: 231


1- الكافي 512:3-3، التهذيب 67:4-182.
2- المغني 486:2-487، المجموع 339:5، بداية المجتهد 252:1، بدائع الصنائع 34:2، حلية العلماء 13:3.
3- سنن البيهقي 118:4، و شرح معاني الآثار 28:2، و مسند أحمد 121:1 و 145.
4- سنن البيهقي 118:4، و غريب الحديث - للهروي - 7:1.
5- قاله أبو عبيدة كما في غريب الحديث - للهروي - 7:1.
6- التهذيب 2:4-2، الاستبصار 2:2-2.

عليه السلام عن جابر أنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله قال: (في الخيل السائمة في كلّ فرس دينار)(1).

و لأنّه يطلب نماؤه من جهة السوم فأشبه النعم(2).

و الحديث محمول على الاستحباب، و النعم يضحّى بجنسها، و تجب(3) فيها من عينها، بخلاف الخيل.

مسألة 159: أجمع علماؤنا على استحباب الزكاة في الخيل بشروط ثلاثة:

السوم و الأنوثة و الحول، لأنّ زرارة قال للصادق عليه السلام: هل في البغال شيء؟ قال: «لا» فقلت: فكيف صار على الخيل و لم يصر على البغال ؟ فقال: «لأنّ البغال لا تلقح، و الخيل الإناث ينتجن، و ليس على الخيل الذكور شيء» قال، قلت: هل على الفرس و البعير يكون للرجل يركبها شيء؟ فقال: «لا، ليس على ما يعلف شيء، إنّما الصدقة على السائمة المرسلة في مرجها(4) عامها الذي يقتنيها فيه الرجل، فأمّا ما سوى ذلك فليس فيه شيء»(5).

مسألة 160: قدر المخرج عن الخيل

عن كلّ فرس عتيق ديناران في كلّ حول، و عن البرذون دينار واحد عند علمائنا، لقول الباقر و الصادق عليهما السلام: «وضع أمير المؤمنين عليه السلام على الخيل العتاق الراعية في كلّ

ص: 232


1- سنن البيهقي 119:4.
2- المغني 486:2-487، بدائع الصنائع 34:2، حلية العلماء 13:3-14، فتح الباري 255:3.
3- أي: تجب الزكاة.
4- ورد في النسخ الخطية المعتمدة في التحقيق، و الطبعة الحجرية: مراحها. و ما أثبتناه من المصادر، و المرج: الموضع الذي ترعى فيه الدواب. الصحاح 340:1، القاموس المحيط 207:1 «مرج».
5- الكافي 530:3-2، التهذيب 67:4-68-184.

فرس في كلّ عام دينارين، و جعل على البراذين دينارا»(1).

و قال أبو حنيفة: يتخيّر صاحبها إن شاء أعطى من كلّ فرس دينارا، و إن شاء قوّمها و أعطى ربع عشر قيمتها، لما رواه جعفر بن محمد الصادق عليه السلام عن أبيه الباقر عليه السلام عن جابر: (أنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله قال: (في الخيل السائمة في كلّ فرس دينار)(2).

و هو دليل لنا لا له.

مسألة 161: العقار المتّخذ للنماء تستحب الزكاة في حاصله،

و لا يشترط فيه الحول و لا النصاب، للعموم، بل يخرج ممّا يحصل منه ربع العشر، فإن بلغ نصابا و حال عليه الحول وجبت الزكاة، لوجود المقتضي، و لا تستحب الزكاة في شيء غير ذلك من الأثاث و الأمتعة و الأقمشة المتّخذة للقنية بإجماع العلماء.

ص: 233


1- الكافي 530:3-1، التهذيب 67:4-183، الإستبصار 12:2-34.
2- بدائع الصنائع 34:2، المغني 486:2-487، فتح الباري 255:3، حلية العلماء 14:3، و انظر أيضا: سنن البيهقي 119:4.

ص: 234

المقصد الرابع في الإخراج
اشارة

و فيه فصول:

الأول: في من تخرج الزكاة إليه.
اشارة

و فيه مباحث

ص: 235

ص: 236

الأول: في الأصناف
مسألة 162: أصناف المستحقين للزكاة ثمانية

بإجماع العلماء، و هم الذين ذكرهم اللّه تعالى في قوله إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَ الْمَساكِينِ وَ الْعامِلِينَ عَلَيْها وَ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَ فِي الرِّقابِ وَ الْغارِمِينَ وَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَ ابْنِ السَّبِيلِ (1).

و قد اختلف الفقهاء في الفقراء و المساكين أيّهما أسوأ حالا، فقال الشيخ: الفقير: الذي لا شيء له، و المسكين هو: الذي له بلغة من العيش لا تكفيه(2). فجعل الفقير أسوأ حالا، و به قال الشافعي و الأصمعي(3) ، لأنّه تعالى بدأ به، و الابتداء يدلّ على شدّة العناية و الاهتمام في لغة العرب.

و لأنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله استعاذ من الفقر(4) ، و قال: (اللّهم أحيني مسكينا، و أمتني مسكينا، و احشرني في زمرة المساكين)(5).

ص: 237


1- التوبة: 60.
2- المبسوط للطوسي 246:1، الجمل و العقود (الرسائل العشر): 206.
3- المجموع 196:6-197، حلية العلماء 151:3-152، المغني 313:7.
4- سنن النسائي 261:8، سنن البيهقي 12:7، المستدرك - للحاكم - 540:1-541، مسند أحمد 305:2، 325، 354.
5- سنن الترمذي 577:4-2352، سنن ابن ماجة 1381:2-4126، سنن البيهقي 12:7، المستدرك - للحاكم - 322:4.

و لقوله تعالى أَمَّا السَّفِينَةُ فَكانَتْ لِمَساكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ (1) و هي تساوي جملة من المال.

و لأنّ الفقر مشتق من كسر الفقار و ذلك مهلك.

و قال آخرون: المسكين أسوأ حالا من الفقير(2). و به قال أبو حنيفة و الفراء و ثعلب و ابن قتيبة، و اختاره أبو إسحاق(3) ، لقوله تعالى أَوْ مِسْكِيناً ذا مَتْرَبَةٍ (4) و هو المطروح على التراب، لشدّة حاجته، و لأنّه يؤكّد به، و لقول الشاعر:

أمّا الفقير الذي كانت حلوبته وفق العيال فلم يترك له سبد(5)

و المروي عن أهل البيت عليهم السّلام هذا، قال الصادق عليه السلام: «الفقير: الذي لا يسأل، و المسكين أجهد منه، و البائس أجهدهم»(6).

و لا فائدة للفرق بينهما في هذا الباب، لأنّ الزكاة تدفع إلى كلّ منهما، و العرب تستعمل كلّ واحد منهما في معنى الآخر.

نعم يحتاج إلى الفرق بينهما في باب الوصايا و النذور و غيرهما، و الضابط في الاستحقاق: عدم الغنى الشامل لهما.

مسألة 163: قد وقع الإجماع على أنّ الغني لا يأخذ شيئا من الزكاة

من

ص: 238


1- الكهف: 79.
2- منهم: الشيخ المفيد في المقنعة: 39، و سلاّر في المراسم: 132.
3- المبسوط - للسرخسي - 8:3، اللباب 153:1-154، المجموع 196:6، حلية العلماء 152:3، المغني 313:7، تفسير غريب القرآن - لابن قتيبة -: 188، أحكام القرآن - للجصّاص - 122:3.
4- البلد: 16.
5- البيت للراعي، كما في تهذيب اللغة - للأزهري - 114:9.
6- الكافي 501:3-16، التهذيب 104:4-297.

نصيب الفقراء، للآية(1) ، و لقوله عليه السلام: (لا تحلّ الصدقة لغني)(2).

و لكن اختلفوا في الغنى المانع من الأخذ، فللشيخ قولان، أحدهما:

حصول الكفاية حولا له و لعياله(3) ، و به قال الشافعي و مالك(4) ، و هو الوجه عندي، لأنّ الفقر هو الحاجة.

قال اللّه تعالى يا أَيُّهَا النّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَراءُ إِلَى اللّهِ (5) أي المحاويج إليه، و من لا كفاية له محتاج.

و قوله عليه السلام: (لا تحلّ الصدقة إلاّ لثلاثة:.. رجل أصابته فاقة حتى يجد سدادا من عيش، أو قواما من عيش)(6).

و من طريق الخاصة قول الصادق عليه السلام: «لا تحل(7) لغني» يعني الصدقة، قال هارون بن حمزة فقلت له: الرجل يكون له ثلاثمائة درهم في بضاعته و له عيال، فإن أقبل عليها أكلها عياله و لم يكتفوا بربحها؟ قال:

«فلينظر ما يستفضل منها فيأكله هو و من يسعه ذلك، و ليأخذ لمن لم يسعه من عياله»(8).0.

ص: 239


1- التوبة: 60.
2- سنن أبي داود 118:2-1634، سنن ابن ماجة 589:1-1839، سنن الترمذي 42:3-652، سنن النسائي 99:5، المستدرك - للحاكم - 407:1، مسند أحمد 164:2، 192، 389 و 375:5.
3- الخلاف، كتاب قسم الصدقات، المسألة 24، المبسوط للطوسي 256:1.
4- المجموع 193:6، حلية العلماء 153:3، المغني 522:2 و 315:7، الشرح الكبير 689:2.
5- فاطر: 15.
6- صحيح مسلم 722:2-1044، سنن أبي داود 120:2-1640، سنن الدارقطني 120:2-2، سنن الدارمي 396:1، و فيها بدل (لا تحل الصدقة): (لا تحل المسألة).
7- في المصدر: «لا تصلح».
8- التهذيب 51:4-130.

و في رواية سماعة: «و قد تحلّ لصاحب سبعمائة، و تحرم على صاحب خمسين درهما» (قلت)(1) له: كيف هذا؟ فقال: «إذا كان صاحب السبعمائة له عيال كثير، فلو قسّمها بينهم لم تكفه، فليعف عنها نفسه و ليأخذها لعياله، و أمّا صاحب الخمسين فإنّه تحرم عليه إذا كان وحده و هو محترف يعمل بها و هو يصيب فيها ما يكفيه إن شاء اللّه»(2).

و القول الثاني للشيخ: أنّ الضابط: من يملك نصابا من الأثمان أو قيمته فاضلا عن مسكنه و خادمه(3) ، و به قال أبو حنيفة(4) ، لقوله عليه السلام لمعاذ: (أعلمهم أنّ عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم و تردّ في فقرائهم)(5).

و للمنافاة بين جواز أخذها و وجوب دفعها.

و الجواب: أنّه عليه السلام لم يقصد بيان مصرف الزكاة، و ما قلنا بيان له فكان أولى، و نمنع التنافي.

و قال أحمد: إذا ملك خمسين درهما لم يجز له أن يأخذ(6) ، لقوله عليه السلام: (من سأل و له ما يغنيه جاء يوم القيامة و في وجهه خدوش) قيل: يا رسول اللّه ما الغنى ؟ قال: (خمسون درهما)(7).2.

ص: 240


1- في النسخ الخطية المعتمدة في التحقيق: قيل.
2- الكافي 561:3-562-9، التهذيب 48:4-127.
3- الخلاف 146:2، المسألة 183.
4- المبسوط للسرخسي 14:3، اللباب 155:1، الهداية للمرغيناني 115:1، المغني 523:2 و 315:7، حلية العلماء 153:3.
5- صحيح البخاري 130:2، صحيح مسلم 50:1-19، سنن أبي داود 104:2 - 105-1584، سنن الترمذي 21:3-625، سنن النسائي 3:5-4، و سنن البيهقي 96:4، بتفاوت يسير في الجميع.
6- المغني 522:2، الشرح الكبير 688:2، حلية العلماء 153:3.
7- سنن ابن ماجة 589:1-1840، سنن أبي داود 116:2-1626، سنن النسائي 97:5، و مسند أحمد 441:1 بتفاوت في الجميع، و انظر أيضا: المغني 522:2، و الشرح الكبير 688:2.

و هو محمول على أنّه إذا كان تحصل به الكفاية على ما فسّره أهل البيت عليهم السّلام.

و قال الحسن البصري و أبو عبيد: الغني: من يملك أربعين درهما(1) ، لما روى أبو سعيد الخدري، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: (من سأل و له قيمة أوقية فقد ألحف(2)(3) و الأوقية: أربعون درهما(4).

و لا دلالة فيه.

و في رواية عن الصادق عليه السلام، قال: «لا تحلّ لمن كانت عنده أربعون درهما يحول عليها الحول أن يأخذها، و إن أخذها أخذها حراما»(5).

و لا حجّة فيه أيضا، لأنّ حولان الحول عليها يدلّ على استغنائه عنها فيحرم عليه أخذها.

مسألة 164: لو كان له بضاعة يتّجر بها أو ضيعة يستغلّها،
اشارة

فإن كفاه الغلّة له و لعياله، أو الربح لم يجز له أن يأخذ الزكاة، و إن لم يكفه جاز أن يأخذ من الزكاة ما يتمّ به كفايته، و لم يكلّف الإنفاق من البضاعة و لا من ثمن الضيعة، لما فيه من التضرّر.

و لأنّ سماعة سأله عن الزكاة هل تصلح لصاحب الدار و الخادم ؟ فقال:

«نعم إلاّ أن تكون داره دار غلّة فيخرج له من غلّتها دراهم تكفيه و عياله، فإن

ص: 241


1- المغني 523:2، الشرح الكبير 689:2، الأموال - لأبي عبيد -: 550-551.
2- ألحف في المسألة: إذا ألحّ فيها و لزمها. النهاية لابن الأثير 237:4.
3- سنن أبي داود 116:2-117-1628، سنن النسائي 98:5، سنن الدارقطني 118:2-1، مسند أحمد 7:3 و 9، شرح معاني الآثار 20:2، و انظر أيضا: المغني 523:2، و الشرح الكبير 689:2.
4- انظر: الصحاح 2527:6.
5- التهذيب 51:4-131.

لم تكن الغلّة تكفيه لنفسه و عياله في طعامهم و كسوتهم و حاجتهم من غير إسراف فقد حلّت له الزكاة، و إن كانت غلّتها تكفيهم فلا»(1) فقد نصّ على جواز الأخذ مع عدم الاكتفاء بالغلّة مع قطع النظر عن الثمن.

و لا فرق بين الدار و البضاعة و الضيعة، إذ المشترك - و هو المالية - هو الضابط دون خصوصيّات الأموال.

فروع:

أ - لو لم يكن محتاجا حرمت عليه الصدقة و إن لم يملك شيئا، و إن كان محتاجا حلّت له الصدقة و إن ملك نصبا سواء في ذلك الأثمان و غيرها، و به قال مالك و الشافعي(2) ، لأنّ الحاجة هي: الفقر، و ضدّها: الغنى، فمن كان محتاجا فهو فقير، و من استغنى دخل في عموم النصوص المحرّمة.

ب - لو ملك من العروض أو الحبوب أو السائمة أو العقار ما لا تحصل به الكفاية لم يكن غنيا و إن ملك نصبا، و به قال الثوري و النخعي و ابن المبارك و إسحاق و غيرهم(3).

ج - لو كانت له كفاية باكتساب أو صناعة أو مال غير زكوي لم تحلّ له الصدقة، و به قال الشافعي و إسحاق و أبو عبيد و ابن المنذر(4) ، لقوله عليه السلام: (لا تحل الصدقة لغني و لا لقوي مكتسب)(5).

ص: 242


1- التهذيب 48:4-49-127 و 107-108-308، الكافي 561:3-4، و الفقيه 17:2-18-57.
2- المغني 522:2، الشرح الكبير 689:2، الكافي في فقه أهل المدينة: 115، المجموع 197:6.
3- المغني 522:2، الشرح الكبير 688:2.
4- المغني 523:2، الشرح الكبير 688:2، المجموع 190:6، المنتقى للباجي 152:2.
5- سنن أبي داود 118:2-1633، سنن الدارقطني 119:2-7، سنن النسائي 99:5-100، سنن البيهقي 14:7، و مسند أحمد 224:4 و 362:5، و في الجميع: (لا حظّ فيها لغني..).

و لأنّه يملك ما يغنيه عن الصدقة فخرج عن الحاجة فلا يتناوله اسم الفقراء.

و قال أبو يوسف: إن دفع الزكاة إليه فهو قبيح، و أرجو أن يجزئه(1).

و قال أبو حنيفة و محمد و زفر: يجوز دفع الزكاة إليه، لأنّه ليس بغني(2) ، لما مرّ من قوله عليه السلام: (أعلمهم أنّ عليهم الصدقة)(3).

د - لو ملك نصابا زكويّا أو نصبا تقصر عن مئونته و مئونة عياله حلّت له، و به قال الشافعي و أحمد(4) ، لأنّه لم يملك ما يغنيه، و لا يقدر على كسب ما يكفيه، فجاز له الأخذ من الزكاة، كما لو كان ما يملكه من غير الزكوي، و لأنّ الفقر: الحاجة. و هي متحقّقة فيه.

و قال أصحاب الرأي: ليس له أن يأخذ، لأنّه تجب عليه الزكاة فلا تجب له، للخبر(5).

و الغنى المانع من الأخذ ليس هو الغنى الموجب للدفع.

ه - لو كان له مال معدّ للإنفاق و لم يكن مكتسبا و لا ذا صناعة اعتبرت الكفاية به حولا كاملا له و لعياله و من يمونه، لأنّ كلّ واحد منهم مقصود دفع حاجته، فيعتبر له ما يعتبر للمنفرد، لأنّه لا يسمّى فقيرا بالعادة.

و يحتمل أن يمنع من الزكاة حتى يخرج ما معه بالإنفاق.

و الحقّ: الأول، لما روي من جواز تناولها لمن ملك ثلاثمائة درهم أو2.

ص: 243


1- المغني 523:2، الشرح الكبير 688:2.
2- المغني 523:2، الشرح الكبير 688:2.
3- تقدّمت الإشارة إلى مصادره في المسألة 163.
4- المجموع 197:6، المغني 524:2، الشرح الكبير 689:2.
5- الهداية للمرغيناني 114:1، المبسوط للسرخسي 14:3، بداية المجتهد 276:1، المجموع 197:6، المغني 524:2، الشرح الكبير 689:2.

سبعمائة مع التكسب القاصر(1) ، فمع عدمه أولى.

و - لو جعلنا مناط المنع ملك النصاب و إن قصر عن الكفاية، فلو كان له عائلة جاز أن يأخذ لعياله حتى يصير لكلّ واحد منهم ما يحرم معه الأخذ، لأنّ الدفع إنّما هو إلى العيال و هذا نائب عنهم في الأخذ.

ز - لو كان للولد المعسر، أو الزوجة الفقيرة، أو الأب الفقير والد أو زوج أو ولد موسرون، و كلّ منهم ينفق على من تجب عليه لم يجز دفع الزكاة إليهم، لأنّ الكفاية حصلت لهم بما يصلهم من النفقة الواجبة، فأشبهوا من له عقار يستغني بأجرته.

و إن لم ينفق أحد منهم و تعذّر ذلك جاز الدفع إليهم، كما لو تعطّلت منفعة العقار.

مسألة 165: و يعطى من ادّعى الفقر إذا لم يعلم كذبه

سواء كان قويّا قادرا على التكسب أو لا، و يقبل قوله من غير يمين سواء كان شيخا ضعيفا أو شابا ضعيف البنية أو زمنا أو كان سليما قويّ البنية جلدا، و هو أحد وجهي الشافعية(2) ، لأنّ رجلين أتيا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و هو يقسّم الصدقة، فسألاه شيئا منها، فصعّد بصره فيهما و صوّبه(3) ، و قال لهما: (إن شئتما أعطيتكما و لا حظّ فيها لغني و لا ذي قوة مكتسب)(4) و دفع إليهما و لم يحلّفهما.

و الثاني للشافعي: أنّه يحلف إن كان قويّا في بنيته ظاهرة الاكتساب، لأنّ

ص: 244


1- انظر: المعتبر: 278، و الكافي 560:3-1.
2- الام 73:2، المهذب للشيرازي 187:1، المجموع 195:6، الوجيز 294:1، حلية العلماء 151:3-152.
3- صوّبه: خفضه. النهاية لابن الأثير 57:3.
4- سنن أبي داود 118:2-1633، سنن الدارقطني 119:2-7، سنن النسائي 99:5-100، سنن البيهقي 14:7، مسند أحمد 224:4 و 362:5 بتفاوت يسير.

ظاهره يخالف ما قاله(1).

و ليس بجيّد، لأنّه مسلم ادّعى ممكنا و لم يظهر ما ينافي دعواه.

و لو عرف له مال و ادّعى ذهابه، قال الشيخ: يكلّف البيّنة، لأنّه ادّعى خلاف الظاهر، و الأصل البقاء(2) ، و به قال الشافعي(3).

و الأقرب: أنّه لا يكلّف بيّنة تعويلا على صحة اخبار المسلم. و كذا البحث في العبد لو ادّعى العتق أو الكتابة.

و لو ادّعى حاجة عياله، فالوجه القبول من غير يمين، لأنّه مسلم ادّعى أمرا ممكنا و لم يظهر ما ينافي دعواه.

و يحتمل الإحلاف، لإمكان إقامة البيّنة على دعواه. و للشافعي كالوجهين(4).

مسألة 166: العاملون عليها لهم نصيب من الزكاة

و هم السّعاة في جباية الصدقات عند علمائنا أجمع، و به قال الشافعي(5) ، لقوله تعالى إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَ الْمَساكِينِ وَ الْعامِلِينَ عَلَيْها (6).

و لقول الصادق عليه السلام و قد سئل عن قوله تعالى إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَ الْمَساكِينِ وَ الْعامِلِينَ عَلَيْها أ كلّ هؤلاء يعطى ؟: «إنّ الإمام يعطي هؤلاء جميعا»(7).

ص: 245


1- المهذب للشيرازي 178:1، المجموع 195:6، الوجيز 294:1، حلية العلماء 151:3-152.
2- المبسوط للطوسي 247:1.
3- المهذب للشيرازي 178:1، المجموع 195:6، حلية العلماء 152:3.
4- المجموع 197:6، حلية العلماء 152:3.
5- الام 71:2-72، المهذب للشيرازي 178:1، المجموع 188:6، الوجيز 292:1، حلية العلماء 149:3، تفسير الرازي 110:16.
6- التوبة: 60.
7- الكافي 496:3-1، التهذيب 49:4-128، الفقيه 2:2-3-4.

و قال أبو حنيفة: يعطي عوضا و اجرة لا زكاة، لأنّه لا يعطي إلاّ مع العمل، و لو فرّقها الإمام أو المالك لم يكن له شيء، و الزكاة تدفع استحقاقا لا عوضا، و لأنّه يأخذها مع الغنى و الصدقة لا تحلّ لغني(1).

و لا يلزم من توقّف الإعطاء على العمل سقوط الاستحقاق، و المدفوع ليس عوضا، بل استحقاقا مشروطا بالعمل.

و نمنع عدم الدفع إلى الغني مطلقا، لأنّ العامل لا يأخذ باعتبار الفقر، و ابن السبيل يأخذ و إن كان غنيّا في بلده فكذا هنا.

مسألة 167: يجب على الإمام أن يبعث ساعيا في كلّ عام لتحصيل الصدقات من أربابها،

لأنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله كان يبعثهم في كلّ عام، فيجب اتّباعه، و لأنّ تحصيل الزكاة غالبا إنّما يتمّ به، و تحصيل الزكاة واجب فيجب ما لا يتمّ إلاّ به.

إذا ثبت هذا فينبغي للإمام أن يوصيه كما وصّى أمير المؤمنين عليه السلام عامله.

قال الصادق عليه السلام: «بعث أمير المؤمنين عليه السلام مصدّقا من الكوفة إلى باديتها، فقال له: يا عبد اللّه انطلق و عليك بتقوى اللّه وحده لا شريك له، و لا تؤثرنّ دنياك على آخرتك، و كن حافظا لما ائتمنتك عليه راعيا لحقّ اللّه فيه حتى تأتي نادي بني فلان، فإذا قدمت فانزل بمائهم من غير أن تخالط أبياتهم، ثم امض إليهم بسكينة و وقار حتى تقوم بينهم فسلّم عليهم، و قل: يا عباد اللّه أرسلني إليكم ولي اللّه لآخذ منكم حق اللّه في أموالكم، فهل للّه في أموالكم حقّ فتؤدّوه إلى وليّه ؟ فإن قال لك قائل: لا، فلا تراجعه، فإن أنعم لك منعم منهم فانطلق معه من غير أن تخيفه أو تعده إلاّ خيرا.

فإذا أتيت ماله فلا تدخله إلاّ بإذنه، فإنّ أكثره له، فقل له: يا عبد اللّه

ص: 246


1- بدائع الصنائع 44:2، تحفة الفقهاء 299:1.

أ تأذن لي في دخول مالك ؟ فإن أذن لك فلا تدخل دخول متسلّط عليه و لا عنف به، فاصدع المال صدعين، ثم خيّره أيّ الصدعين شاء، فأيّهما اختار فلا تعرّض له، ثم اصدع الباقي صدعين، ثم خيّره فأيّهما اختار فلا تعرّض له فلا تزال كذلك حتى يبقى ما فيه وفاء لحقّ اللّه عزّ و جلّ في ماله، فإذا بقي ذلك فاقبض حقّ اللّه منه، فإن استقالك فأقله، ثم اخلطهما و اصنع مثل الذي صنعت أوّلا حتى تأخذ حقّ اللّه في ماله، فإذا قبضته فلا توكل به إلاّ ناصحا شفيقا أمينا حفيظا غير معنف بشيء منها، ثم احدر ما اجتمع عندك من كلّ ناد إلينا نصيّره حيث أمر اللّه عزّ و جل.

فإذا انحدر بها رسولك فأوعز إليه أن لا يحول بين ناقة و بين فصيلها، و لا يفرّق بينهما، و لا يصرّنّ(1) لبنها فيضرّ ذلك بفصيلها، و لا يجهد بها ركوبا، و ليعدل بينهن في ذلك، و ليوردهن كلّ ماء يمرّ به، و لا يعدل بهن عن نبت الأرض إلى جوادّ الطرق في الساعة التي فيها تريح(2) و تغبق(3) و ليرفق بهنّ جهده حتى تأتينا بإذن اللّه سحاحا(4) سمانا غير متعبات و لا مجهدات، فنقسمهنّ بإذن اللّه على كتاب اللّه و سنّة نبيّه صلّى اللّه عليه و آله على أولياء اللّه فإنّ ذلك أعظم لأجرك و أقرب لرشدك، ينظر اللّه إليها و إليك و إلى جهدك و نصيحتك لمن بعثك و بعثت في حاجته، فإنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال: ما ينظر اللّه عزّ و جلّ إلى وليّ له يجهد نفسه بالطاعة و النصيحة لإمامه إلاّ كان معنا في الرفيق الأعلى».».

ص: 247


1- الصرار - وزان كتاب - خرقة تشدّ على أطباء الناقة لئلاّ يرتضعها فصيلها. و أطباء جمع طبي. و هي لذات الخف و الظلف كالثدي للمرأة. المصباح المنير: 338 و 369.
2- الإراحة: ردّ الإبل و الغنم من العشي الى مراحها حيث تأوي إليه ليلا. لسان العرب 464:2 «روح».
3- الغبوق: الشرب بالعشي. الصحاح 1535:4 «غبق».
4- سحت الشاة: اسمنت. و غنم سحاح: أي سمان. الصحاح 373:1 «سحح».

ثم بكى الصادق عليه السلام، و قال لبريد بن معاوية: «يا بريد و اللّه ما بقيت للّه حرمة إلاّ انتهكت، و لا عمل بكتاب اللّه و لا سنّة نبيّه صلّى اللّه عليه و آله في هذا العالم، و لا أقيم في هذا الخلق حدّ منذ قبض اللّه أمير المؤمنين عليه السلام، و لا عمل بشيء من الحقّ إلى يوم الناس هذا».

ثم قال: «أما و اللّه لا تذهب الأيام و الليالي حتى يحيي اللّه الموتى، و يميت الأحياء، و يردّ الحق إلى أهله، و يقيم دينه الذي ارتضاه لنفسه و نبيّه صلّى اللّه عليه و آله، فأبشروا ثم أبشروا، و اللّه ما الحقّ إلاّ في أيديكم»(1).

مسألة 168: إذا تولّى الرجل إخراج الزكاة بنفسه سقط حق العامل منها،

لأنّه إنّما يأخذ بالعمل.

و كذا لو تولّى الإمام أو الوالي من قبله قسمتها لم يستحق شيئا، لأنّه يأخذ رزقه من بيت المال، لأنّه يتولّى أمور المسلمين، و هذا من جملة المصالح.

أمّا الساعي فإن رأى الإمام أن يجعل له اجرة من بيت المال لم يستحق شيئا من الصدقة، و إن لم يجعل له شيئا كان له نصيب من الزكاة.

و يتخيّر الإمام بين أن يستأجره لمدّة معلومة بأجرة معلومة، أو يعقد له جعالة، فإذا عمل ما شرط عليه، فإن كان أجر مثله أقلّ كان الفاضل من الثمن من الصدقة مردودا على أهل السّهمان، و إن كان السهم أقلّ من أجرته جاز للإمام أن يعطيه الباقي من بيت المال، لأنّه من المصالح، و هو أحد قولي الشافعي(2).

و يجوز أن يعطيه من باقي الصدقة و يقسّم الفاضل عن أجرته بين باقي المستحقين، لأنّ الفاضل لمّا ردّ عليهم كان الناقص عليهم، و هو القول الثاني للشافعي(3).

ص: 248


1- الكافي 536:3-538-1، التهذيب 96:4-97-274.
2- المهذب للشيرازي 178:1، المجموع 188:6، حلية العلماء 149:3.
3- المهذب للشيرازي 178:1، المجموع 188:6، حلية العلماء 149:3.

و له ثالث: تخيير الإمام بينهما(1) كما قلناه.

و له رابع: أنّه يأخذ من سهم المصالح إذا لم يفضل عن أهل السّهمان فضل، و إن فضل أخذ من الصدقة(2).

و الوجه: أنّه لا يشترط تقدير الأجرة أو السهم، لأنّ له نصيبا بفرضه تعالى، فلا يشترط في استعماله غيره.

و لقول الصادق عليه السلام و قد سأله الحلبي ما يعطى المصدّق ؟ قال:

«ما يرى الإمام، و لا يقدّر له شيء»(3).

مسألة 169: و اَلْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ لهم نصيب من الزكاة

بالنص و الإجماع، و هم الذين يستمالون إلى الجهاد بالإسهام و إن كانوا كفّارا، و حكمهم باق عند علمائنا - و به قال الحسن البصري و الزهري و أحمد، و نقله الجمهور عن الباقر عليه السلام(4) - للآية(5) ، فإنّه تعالى سمّى المؤلّفة في الأصناف الذين سمّى الصدقة لهم.

و روى زياد بن الحارث الصدائي، قال: أتيت النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فبايعته، قال: فأتاه رجل فقال: أعطني من الصدقة، فقال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: (إنّ اللّه لم يرض بحكم نبي و لا غيره في الصدقات حتى حكم فيها هو فجزّأها ثمانية أجزاء، فإن كنت من تلك الأجزاء أعطيتك حقك)(6).

و من طريق الخاصة: رواية سماعة، قال: سألته عن الزكاة لمن يصلح

ص: 249


1- المهذب للشيرازي 178:1، المجموع 188:6، حلية العلماء 149:3.
2- المهذب للشيرازي 178:1، المجموع 188:6، حلية العلماء 149:3.
3- الكافي 563:3-13، التهذيب 108:4-311.
4- المغني 526:2، الشرح الكبير 693:2.
5- التوبة: 60.
6- سنن أبي داود 117:2-1630، سنن البيهقي 174:4 و 6:7.

أن يأخذها؟ قال: هي محلّلة للّذين وصف اللّه في كتابه لِلْفُقَراءِ وَ الْمَساكِينِ وَ الْعامِلِينَ عَلَيْها وَ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ (1) الحديث(2).

و قال الشعبي و مالك و الشافعي و أصحاب الرأي: انقطع سهم المؤلّفة بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، لأنّ اللّه تعالى أعزّ الإسلام، و أغناه عن أن يتألّف عليه رجال فلا يعطى مشرك تألّفا بحال. و روي هذا عن عمر(3).

و هو مدفوع بالآية(4) ، و بعمل النبي صلّى اللّه عليه و آله إلى أن مات، و لا يجوز ترك الكتاب و السنّة إلاّ بنسخ، و النسخ لا يثبت بعد موته عليه السلام، فلا يجوز ترك الكتاب و السنّة بمجرّد الآراء و التحكّم، و لا بقول صحابي.

على أنّهم لا يعملون بقول الصحابي إذا عارض القياس فكيف إذا عارض الكتاب و السنّة! قال الزهري: لا أعلم شيئا نسخ حكم المؤلّفة(5).

على أنّ ما ذكروه لا يعارض حكم الكتاب و السنّة، فإنّ الاستغناء عنهم لا يوجب رفع حكمهم، و إنّما يمنع عطيّتهم حال الغنى عنهم، فإذا دعت الحاجة إلى إعطائهم أعطوا، كما أنّ باقي الأصناف إذا عدم منهم صنف في زمان سقط حكمه في ذلك الزمان، فإذا وجد عاد حكمه.

قال الشيخ: يجوز للإمام القائم مقام النبي عليه السلام أن يتألّف2.

ص: 250


1- التوبة: 60.
2- الكافي 560:3-9، التهذيب 48:4-127.
3- الكافي في فقه أهل المدينة: 114، التفريع 298:1، المنتقى للباجي 153:2، المهذب للشيرازي 179:1، المجموع 198:6، حلية العلماء 155:3، المغني 526:2، الشرح الكبير 693:2، المبسوط للسرخسي 9:3، بدائع الصنائع 45:2.
4- التوبة: 60.
5- المغني 526:2.

الكفّار، و يعطيهم سهمهم الذي سمّاه اللّه تعالى، و لا يجوز لغير الإمام القائم مقامه عليه السلام ذلك، و سهم المؤلّفة مع سهم العامل ساقط اليوم(1).

مسألة 170: قال الشيخ: المؤلّفة عندنا هم: الكفّار الذين يستمالون بشيء من الصدقات إلى الإسلام

يتألّفون ليستعان بهم على قتال المشركين، و لا يعرف أصحابنا مؤلّفة أهل الإسلام(2).

و قال المفيد رحمه اللّه: المؤلّفة ضربان: مسلمون و مشركون(3) ، و به قال الشافعي(4).

و هو الأقوى عندي، لوجود المقتضي و هو المصلحة الناشئة من الاجتماع و الكثرة على القتال.

و قسّم الشافعي المؤلّفة قسمين: مشركون و مسلمون(5) ، فالمشركون ضربان: أحدهما: من له نيّة حسنة في الإسلام و المسلمين فيعطى من غير الصدقة، بل من سهم المصالح لتقوى نيّتهم في الإسلام فيميلون إليه فيسلمون.

لما روي أنّ صفوان بن أميّة لمّا أعطاه النبي صلّى اللّه عليه و آله يوم فتح مكة خرج معه إلى هوازن، و استعار النبي صلّى اللّه عليه و آله منه ثلاثين درعا، و كانت أوّل الحرب على المسلمين، فقال قائل: غلبت هوازن و قتل محمد صلّى اللّه عليه و آله، فقال صفوان: بفيك الحجر، لربّ من قريش أحب إلينا

ص: 251


1- المبسوط للطوسي 249:1.
2- المبسوط للطوسي 249:1.
3- حكاه عنه المحقق في المعتبر: 279.
4- المهذب للشيرازي 179:1، المجموع 198:6، الوجيز 293:1، حلية العلماء 154:3.
5- رفعهما بناء على تقدير مبتدأ محذوف.

من ربّ من هوازن(1).

و لمّا أعطى النبي صلّى اللّه عليه و آله العطايا، قال صفوان: ما لي، فأومأ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إلى واد فيه إبل محمّلة، فقال: (هذا لك) فقال صفوان: هذا عطاء من لا يخشى الفقر(2).

الثاني: مشركون لم يظهر منهم ميل إلى الإسلام، و لا نيّة حسنة في المسلمين لكن يخاف منهم، فإن أعطاهم كفّوا شرّهم و كفّ غيرهم معهم.

روى ابن عباس أنّ قوما كانوا يأتون النبي صلّى اللّه عليه و آله، فإن أعطاهم مدحوا الإسلام و قالوا: هذا دين حسن، و إن منعهم ذمّوا و عابوا(3).

فهذان الضربان هل يعطون بعد موت النبي عليه السلام ؟ قولان:

أحدهما: يعطون، لأنّه عليه السلام أعطاهم، و معنى العطاء موجود.

و الثاني: لا يعطون، لأنّ مشركا جاء إلى عمر يلتمس المال فلم يعطه، و قال: من شاء فليؤمن و من شاء فليكفر(4) ، و لأنّه تعالى أظهر الإسلام و قمع المشركين، فلا حاجة بنا إلى ذلك.

فإن قلنا: يعطون، فإنّهم يعطون من سهم المصالح لا من الزكاة، لأنّها لا تصرف إلى المشركين.

و هو ممنوع، للآية(5).

و أما المؤلّفة من المسلمين فعلى أربعة أضرب:

ضرب أشراف مطاعون، علم صدقهم في الإسلام، و حسن نيّتهم فيه، إلاّ أنّ لهم نظراء من المشركين إذا أعطوا رغب نظراؤهم في الإسلامي.

ص: 252


1- سنن البيهقي 18:7-19 نحوه.
2- أورده ابنا قدامة في المغني 320:7، و الشرح الكبير 693:2.
3- عنه في الدرّ المنثور - للسيوطي - 251:3، و المغني 320:7، و الشرح الكبير 693:2.
4- ذكره ابنا قدامة في المغني 319:7، و الشرح الكبير 693:2.
5- التوبة: 60. و قوله: (و هو ممنوع..) جواب من المصنف عن الشافعي.

فهؤلاء يعطون، لأنّ النبي عليه السلام أعطى عدي بن حاتم و الزبرقان بن بدر(1) مع ثباتهم و حسن نيّتهم.

و ضرب أشراف مطاعون في قومهم نيّاتهم ضعيفة في الإسلام إذا أعطوا رجي حسن نيّاتهم و ثباتهم فإنّهم يعطون، لأنّه عليه السلام أعطى أبا سفيان بن حرب مائة من الإبل، و أعطى صفوان بن أمية مائة، و أعطى الأقرع بن حابس مائة، و أعطى عيينة مائة، و أعطى العباس بن مرداس أقلّ من مائة، فاستعتب فتمّم المائة(2).

و هل يعطون بعد النبي عليه السلام ؟ قولان:

أحدهما: المنع - و به قال أبو حنيفة(3) - لظهور الإسلام، و لأنّ أحدا من الخلفاء لم يعط شيئا من ذلك.

و الثاني: يعطون، لأنّ النبي عليه السلام أعطى، و أعطى أبو بكر عدي ابن حاتم - و قد قدم عليه بثلاثمائة جمل من إبل الصدقة - ثلاثين بعيرا(4).

و حينئذ هل يعطون من الصدقات من سهم المؤلّفة، للآية، أو من سهم المصالح، لأنّه منها؟ قولان.

الضرب الثالث: قوم من المسلمين أعراب أو عجم في طرف من أطراف المسلمين لهم قوة و طاقة بمن يليهم من المشركين، فإذا جهّز الإمام إليهم جيشا لزمه مئونة ثقيلة، و إذا أعطى من يقربهم من أصحاب القوّة و الطاقة أعانوهم و دفعوا المشركين.2.

ص: 253


1- نقله أبو إسحاق الشيرازي في المهذب 179:1.
2- صحيح مسلم 737:2-1060، سنن البيهقي 17:7، أسد الغابة 112:3-113.
3- المبسوط للسرخسي 9:3، اللباب 153:1، الميزان للشعراني 14:2، حلية العلماء 155:3.
4- سنن البيهقي 19:7-20، و ذكره أيضا ابنا قدامة في المغني 320:7، و الشرح الكبير 693:2.

و الضرب الرابع: مسلمون من الأعراب أو غيرهم في طرف من أطراف الإسلام بإزائهم قوم من أهل الصدقات لا يؤدّون الزكاة إلاّ خوفا من هؤلاء الأعراب، فإن أعطاهم الإمام جبوها و حملوها إليه، و إن لم يعطهم لم يفعلوا ذلك، و احتاج الإمام إلى مئونة ثقيلة في إنفاذ من يحصّلها، فإنّه يعطيهم.

و من أين يعطيهم ؟ أربعة أقوال:

الأول: من سهم المؤلّفة من الصدقة، لأنّهم يتألّفون على ذلك.

الثاني: من سهم الغزاة، لأنّهم غزاة أو في معناهم.

الثالث: من سهم المصالح، لأنّ هذا في مصالح المسلمين.

الرابع: من سهم المؤلّفة، و سهم الغزاة من الصدقة.

و اختلف أصحابه في هذا القول، فقال بعضهم: إنّما أعطاهم من السهمين بناء على جواز أخذ من اجتمع فيه سببان بهما، و على المنع لا يعطون منهما.

و قال آخرون: يعطون من السهمين، لأنّ معناهما واحد و هو أنّه يعطى منهما، لحاجتنا إليهم و هم المؤلّفة و الغزاة، بخلاف أن يكون فقيرا و غازيا، لاختلاف السببين.

و قال آخرون: إنّه أراد أنّ بعضهم يعطى من سهم الغزاة و هم الذين يغزون منهم، و بعضهم من سهم المؤلّفة و هم الذين ألّفوا على استيفاء الزكاة(1).

قال الشيخ: و هذا التفصيل لم يذكره أصحابنا، غير أنّه لا يمتنع أن نقول: إنّ للإمام أن يتألّف هؤلاء القوم و يعطيهم إن شاء من سهم المؤلّفة، و إن شاء من سهم المصالح، لأنّ هذا من فرائض الإمام، و فعله حجّة، و ليس يتعلق علينا في ذلك حكم اليوم، و فرضنا تجويز ذلك و الشك فيه و عدم القطع6.

ص: 254


1- المهذب للشيرازي 179:1، المجموع 198:6-199، حلية العلماء 154:3-156.

بأحد الأمرين(1).

مسألة 171: و الرقاب من جملة الأصناف المعدودة في القرآن،

و أجمع المسلمون عليه، و اختلفوا في المراد.

فالمشهور عند علمائنا: أنّ المراد به صنفان: المكاتبون يعطون من الصدقة، ليدفعوه في كتابتهم. و العبيد تحت الشدّة يشترون و يعتقون، لقوله تعالى وَ فِي الرِّقابِ (2) و هو شامل لهما، فإنّ المراد إزالة رقّيته.

و شرطنا في الثاني الضرّ و الشدّة، لما روي عن الصادق عليه السلام في الرجل يجتمع عنده الزكاة يشتري بها نسمة و يعتقها، فقال: «إذن يظلم قوما آخرين حقوقهم - ثم قال - إلاّ أن يكون عبدا مسلما في ضرورة فيشتريه و يعتقه»(3).

و الجمهور رووا المكاتبين عن علي عليه السلام(4) ، و العبد يشترى ابتداء عن ابن عباس(5).

و روى علماؤنا ثالثا و هو: أنّ من وجب عليه كفّارة في عتق في ظهار و شبهه و لم يجد ما يعتق جاز أن يعطى من الزكاة ما يشتري به رقبة و يعتقها في كفارته.

لرواية علي بن إبراهيم بن هاشم في تفسيره عن العالم عليه السلام:

«وَ فِي الرِّقابِ قوم لزمتهم كفّارات في قتل الخطأ أو الظهار أو الأيمان و ليس عندهم ما يكفّرون جعل اللّه لهم سهما في الصدقات ليكفّر عنهم»(6).

ص: 255


1- المبسوط للطوسي 250:1.
2- التوبة 60:.
3- الكافي 557:3-2، التهذيب 100:4-282.
4- المجموع 200:6، حلية العلماء 158:3، أحكام القرآن لابن العربي 967:2.
5- المغني 322:7، الشرح الكبير 695:2، المجموع 200:6، حلية العلماء 158:3، و الدرّ المنثور للسيوطي 252:3.
6- التهذيب 49:4-50-129، و تفسير القمي 299:1.

قال الشيخ: و الأحوط عندي أن يعطى ثمن الرقبة لكونه فقيرا فيشتري هو و يعتق عن نفسه(1). و هو جيد.

و لو لم يوجد مستحق جاز شراء العبد من الزكاة و عتقه و إن لم يكن في ضرّ و شدّة، و عليه فقهاؤنا.

لقول الصادق عليه السلام و قد سئل عن رجل أخرج زكاة ماله فلم يجد لها موضعا يدفعها إليه فنظر مملوكا يباع فاشتراه بها فأعتقه فهل يجوز ذلك ؟ قال: «نعم»(2).

و قال الشافعي: المراد بقوله تعالى وَ فِي الرِّقابِ المكاتبون خاصة يعطيهم من الصدقة ليدفعوه في كتابتهم(3) - و رووه عن علي عليه السلام، و هو مذهب سعيد بن جبير و النخعي و الليث بن سعد و الثوري و أصحاب الرأي - لأنّ مقتضى الآية الدفع إليهم بدليل قوله وَ فِي سَبِيلِ اللّهِ يريد الدفع إلى المجاهدين، فكذا هنا(4).

و هو لا يمنع ما قلناه.

و قال مالك: المراد به أن يشتري العبيد من الصدقة و يبتدئ عتقهم - و رووه عن ابن عباس و الحسن البصري، و به قال أحمد و إسحاق، و لم يشرطوا الشدة - لقوله تعالى وَ فِي الرِّقابِ و الرقبة إذا أطلقت انصرفت إلى القنّ كقوله تعالى فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ (5)(6).

و نمنع الحصر.5.

ص: 256


1- المبسوط للطوسي 250:1.
2- الكافي 557:3-3، التهذيب 100:4-281.
3- في النسخ الخطية المعتمدة في التحقيق: (كتابته) و ما أثبتناه من الطبعة الحجرية.
4- الام 72:2، المهذب للشيرازي 179:1، المجموع 200:6-201، حلية العلماء 158:3، المغني 322:7، الشرح الكبير 695:2، المبسوط للسرخسي 9:3.
5- النساء: 92.
6- الكافي في فقه أهل المدينة: 114، أحكام القرآن لابن العربي 967:2، تفسير القرطبي 183:8، حلية العلماء 158:3، المغني 321:7 و 322، الشرح الكبير 694:2 و 695.

و أجاب الشافعيّة: بأنّ الزكاة يعود نفعها حينئذ إلى المعطي و يثبت له الولاء.

و نمنع اختصاص النفع بالمعطي و ثبوت الولاء للمعتق على ما يأتي.

مسألة 172: و الغارمون لهم سهم من الصدقات
اشارة

بالنص و الإجماع، و هم: المدينون في غير معصية، و لا خلاف في صرف الصدقة إلى من هذا سبيله.

و لو استدان للمعصية لم يقض عند علمائنا أجمع - و به قال أبو علي بن أبي هريرة من الشافعية(1) - لأنّه دين استدانه للمعصية فلا يدفع إليه، كما لو لم يثبت، و لما فيه من الإغراء بالمعصية، إذ الفاسق إذا عرف أنّه يقضى عنه ما استدانه في معصية أصرّ على ذلك، فيمنع حسما لمادّة الفساد.

و لقول الرضا عليه السلام: «يقضى ما عليه من سهم الغارمين إذا كان أنفقه في طاعة اللّه عزّ و جلّ، و إن كان أنفقه في معصية اللّه فلا شيء له على الإمام»(2).

و قال أبو إسحاق من الشافعية: يدفع إليه(3) ، لأنّه لو كان قد أتلف ماله في المعاصي و افتقر دفع إليه من سهم الفقراء، و كذلك إذا خرج في سفر معصية، ثم أراد أن يرجع دفع إليه من سهم ابن السبيل.

و الفرق: أنّ متلف ماله يعطى للحاجة في الحال، و هنا يراعى الاستدانة في الدين و كان للمعصية، فافترقا.

ص: 257


1- قال النووي في المجموع 208:6: فإن تاب فهل يعطى ؟.. أصحّهما: لا يعطى، و به قال أبو علي بن أبي هريرة.
2- تفسير العياشي 155:1-520.
3- المجموع 208:6، و فيه بعد عنوان التوبة.
فروع:

أ - لو لم يعلم فيما ذا أنفقه، قال الشيخ: يمنع(1) ، لأنّ رجلا من أهل الجزيرة يكنّى أبا محمد سأل الرضا عليه السلام، قلت: فهو لا يعلم فيما ذا أنفقه في طاعة أو معصية ؟ قال: «يسعى في ماله فيردّه عليه و هو صاغر»(2).

و لأنّ الشرط - و هو الإنفاق في الطاعة - غير معلوم.

و قال أكثر علمائنا: يعطى، بناء على أنّ ظاهر تصرفات المسلم إنّما هو على الوجه المشروع دون المحرّم. و لأنّ تتبّع مصارف الأموال عسر فلا يقف دفع الزكاة على اعتباره. و في سند الرواية ضعف(3).

ب - لو أنفقه في معصية و تاب احتمل جواز الدفع و عدمه.

و قال الشيخ: يدفع إليه من سهم الفقراء إن كان منهم لا من سهم الغارمين(4). و هو حسن.

ج - لو كان المدفوع كلّ الدين جاز للإمام أن يدفعه إلى الغرماء، لأنّه قد استحقّ عليه الدفع فناب عنه، و لو كان لا يفي و أراد أن يتّجر به دفع إليه، لما فيه من المصلحة.

مسألة 173: الغارمون صنفان:

أحدهما: من استدان في مصلحته و نفقته في غير معصية، و عجز عن أدائه، و كان فقيرا، فإنّه يأخذ من سهم الغارمين إجماعا ليؤدّي ذلك.

و إن كان غنيّا لم يجز أن يعطى عندنا، و هو أحد قولي الشافعي، و(5) لأنّه

ص: 258


1- النهاية: 306، و فيه: لم يجب عليه القضاء عنه. و حكى المحقق في المعتبر: 280 عنه هكذا: لا يقضى عنه.
2- تفسير العياشي 155:1-520.
3- منهم: ابن إدريس في السرائر: 162، و المحقّق في المعتبر: 280، و الفاضل الآبي في كشف الرموز 254:1.
4- المبسوط للطوسي 251:1.
5- كذا في جميع النسخ الخطية و الطبعة الحجرية، و الظاهر زيادة حرف الواو.

يأخذ لا لحاجتنا إليه، فاعتبر فقره كالمكاتب و ابن السبيل.

و الثاني: يأخذ لعموم الآية(1)(2).

الثاني: من تحمّل حمالة لإطفاء الفتنة، و سكون (نائرة)(3) الحرب بين المتقاتلين و إصلاح ذات البين، و هو قسمان:

أحدهما: أن يكون قد وقع بين طائفتين فتنة لقتل وجد بينهما فيتحمّل رجل ديته لإصلاح ذات البين، فهذا يدفع إليه من الصدقة ليؤدّي ذلك، لقوله تعالى وَ الْغارِمِينَ (4).

و لا فرق بين أن يكون غنيّا أو فقيرا، لقوله عليه السلام: (لا تحلّ الصدقة لغني إلاّ لخمس: غاز في سبيل اللّه، أو عامل عليها، أو غارم..)(5).

و لأنّه إنّما يقبل ضمانه و تحمّله إذا كان غنيّا فيه حاجة إلى ذلك مع الغنى، فإن أدّى ذلك من ماله لم يكن له أن يأخذ، لأنّه قد سقط عنه الغرم.

و إن كان قد استدان و أدّاها جاز أن يعطى من الصدقة، و يؤدّي الدين لبقاء الغرم و المطالبة.

الثاني: أن يكون سبب الفتنة إتلاف مال و لا يعلم من أتلفه، و خشي من الفتنة، فتحمّل ذلك المال حتى سكنت النائرة، فإنّه يدفع إليه من سهم الغارمين، لصدق اسم الغرم عليه، و للحاجة إلى إصلاح ذات البين، و هو أصحّ وجهي الشافعيّة.3.

ص: 259


1- التوبة: 60.
2- الأم 72:2، المهذّب للشيرازي 179:1، المجموع 207:6، حلية العلماء 159:3، الحاوي الكبير 508:8.
3- في «ن»: ثائرة بدل نائرة.
4- التوبة: 60.
5- مصنّف عبد الرزاق 109:4-1751، سنن ابن ماجة 590:1-1841، سنن أبي داود 119:2-1635، موطّإ مالك 268:1-29، و مسند أحمد 56:3.

و الثاني: لا يدفع، لأنّ النائرة إنّما تدفع بسبب الدم في العادة، و ما يتعلّق بالدم لا يتعلّق بإتلاف المال كالكفارة(1). و هو ممنوع.

مسألة 174: لسبيل اللّه سهم في الصدقة

بالنص و الإجماع، و اختلف قول الشيخ في معناه.

ففي بعض أقواله: أنه الجهاد(2) يصرف إلى الغزاة الذين يغزون إذا نشطوا، و هم غير الجند المقرّرين الذين هم أهل الفيء - و به قال الشافعي و مالك و أبو حنيفة(3) - لأنّ العرف في ذلك الغزاة، لقوله تعالى في عدّة مواضع يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ (4) يريد الجهاد فوجب حمله عليه.

و في البعض الآخر: أنّه أعمّ من ذلك، و هو كلّ مصلحة و قربة إلى اللّه تعالى، فتدخل فيه الغزاة و معونة الحاج و قضاء الديون عن الحي و الميت و بناء القناطر و عمارة المساجد و جميع المصالح(5).

و هو أولى، لأنّ السبيل هو الطريق، فإذا أضيف إلى اللّه تعالى كان عبارة عن كلّ ما يتوسّل به إلى ثوابه.

و لقول العالم عليه السلام: «و في سبيل اللّه قوم يخرجون إلى الجهاد و ليس عندهم ما ينفقون، و قوم مؤمنون ليس لهم ما يحجّون به، و في جميع سبل الخير»(6).

و قال أحمد: يجوز أن يصرف ذلك في الحج فيدفع إلى من يريد الحج

ص: 260


1- المهذب للشيرازي 179:1، المجموع 207:6.
2- النهاية: 184، الجمل و العقود (الرسائل العشر): 206.
3- الام 72:2، المهذب للشيرازي 180:1، المجموع 212:6، حلية العلماء 161:3، الكافي في فقه أهل المدينة: 114، تفسير القرطبي 185:8، أحكام القرآن لابن العربي 969:2، المبسوط للسرخسي 10:3.
4- التوبة: 111، و المزّمّل: 20.
5- المبسوط للطوسي 252:1، الخلاف، كتاب قسم الصدقات، المسألة 21.
6- التهذيب 49:4-50-129، تفسير القمي 299:1.

- و هو محكي عن ابن عمر - لأنّ رجلا جعل ناقة له في سبيل اللّه فأرادت أمر الحج، فقال لها النبي صلّى اللّه عليه و آله: (اركبيها فإنّ الحج من سبيل اللّه)(1).

و نمنع اختصاص السبيل بالجهاد، أو به و بالحج، و لا يلزم من إرادة أحدهما في بعض الصور انصرافه عند الإطلاق إلى أحدهما.

مسألة 175: و ابن السبيل له سهم في الصدقة

بالنص و الإجماع، و هو المنقطع به و الضيف إذا كان سفرهما مباحا، و لا خلاف في أنّ المجتاز ابن سبيل.

و هل منشئ السفر داخل فيه ؟ منعه الشيخ(2) - و به قال مالك و أبو حنيفة(3) - لأنّه إنّما سمّي ابن سبيل بملازمته الطريق و كونه فيه، و من يريد إنشاء السفر فليس بابن الطريق.

و لقول العالم عليه السلام: «اِبْنِ السَّبِيلِ هو ابن الطريق يكون في السفر في طاعة اللّه فينقطع بهم، و يذهب مالهم، فعلى الإمام أن يردّهم إلى أوطانهم من مال الصدقات»(4).

و قال الشافعي: إنّه داخل(5) ، لأنّه يريد إنشاء سفر لغير معصية فجاز أن يدفع إليه من سهم أبناء السبيل، كمن دخل إلى بلد و نوى إقامة خمسة عشر

ص: 261


1- المغني 327:7، الشرح الكبير 698:2، المجموع 212:6، أحكام القرآن للجصاص 127:3، سنن الدارمي 428:2، و أورد أبو داود في سننه 204:2-1989 ما بمعنى الحديث.
2- المبسوط للطوسي 252:1، الخلاف، كتاب قسمة الصدقات، المسألة 22.
3- المغني 328:7، الشرح الكبير 699:2، المجموع 216:6، حلية العلماء 162:3.
4- التهذيب 49:4-50-129، تفسير القمي 299:1.
5- المهذب للشيرازي 180:1، المجموع 214:6 و 216، حلية العلماء 161:3، المغني 328:7، الشرح الكبير 699:2.

يوما، ثم أراد الخروج، فإنّه يدفع إليه من الصدقة و هو منشئ للسفر.

و نمنع كونه منشئا للسفر، و لا يلزم من كونه منشئا بالنسبة إلى القصر كونه كذلك في نفس الأمر، فإنّا نحكم عليه بالغربة، و (بكونه)(1) مسافرا عرفا و إن أقام أكثر من خمسة عشر يوما.

البحث الثاني في الأوصاف
مسألة 176: الإسلام شرط في الأصناف المذكورة إلاّ المؤلّفة

بإجماع العلماء، فلا يجوز إعطاء كافر غير مؤلّف من الزكاة، و لا نعلم فيه خلافا إلاّ ما حكي عن الزهري و ابن شبرمة أنّهما قالا: يجوز صرفها إلى المشركين(2).

و قال أبو حنيفة: يجوز صرف صدقة الفطرة إلى أهل الذمة خاصة(3).

و هو مدفوع بالإجماع.

و لقوله عليه السلام لمعاذ: (أعلمهم أنّ في أموالهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فتردّ في فقرائهم)(4).

احتجّ الزهري بقوله عليه السلام: (أعطوا أهل الأديان من صدقاتكم)(5)

ص: 262


1- في نسختي «ط، ف»: يكون.
2- حلية العلماء 170:3، المجموع 228:6.
3- المبسوط للسرخسي 111:3، بدائع الصنائع 49:2، المجموع 228:6، حلية العلماء 170:3، المغني 710:2، الشرح الكبير 665:2، بداية المجتهد 282:1.
4- صحيح البخاري 147:2، صحيح مسلم 50:1-29، سنن الترمذي 21:3-625، سنن ابن ماجة 568:1-1783، سنن الدارقطني 136:2-4.
5- مصنف ابن أبي شيبة 177:3 بتفاوت.

و احتجّ أبو حنيفة بأنّ صدقة الفطرة ليس للإمام فيها حق القبض، فجاز دفعها إلى أهل الذمة كالتطوع.

و الأول محمول على التطوع.

و نمنع العلّة في القياس، و ينتقض بالأموال الباطنة.

ثم التطوع يجوز صرفها إلى الحربي(1) و هذا لا يجوز!؟ و شرط علماؤنا أيضا الإيمان، فلا يعطى غير المؤمن عندنا - خلافا للجمهور، فإنّهم اقتصروا على الإسلام خاصة(2) - لأنّ مخالف الحقّ محادّ للّه و رسوله فلا تجوز مودّته، و الزكاة معونة و مودّة فلا تصرف إليه.

و لقول الباقر و الصادق عليهما السلام في الرجل يكون في بعض هذه الأهواء كالحرورية و المرجئة و العثمانية و القدرية، ثم يتوب و يعرف هذا الأمر، و يحسن رأيه، يعيد كلّ صلاة صلاّها أو صوم أو زكاة أو حج، أو ليس عليه إعادة شيء من ذلك ؟ قال: «ليس عليه إعادة شيء من ذلك غير الزكاة فإنّه لا بدّ أن يؤدّيها، لأنّه وضع الزكاة في غير موضعها، و إنّما موضعها أهل الولاية»(3) و هذا الحديث حسن الطريق.

و هل هو مطلق ؟ نصّ علماؤنا على أنّه في الحج إذا لم يخلّ بشيء من أركانه لا تجب عليه إعادته، أمّا الصلاة و الصوم ففيهما إشكال من حيث إنّ الطهارة لم تقع على الوجه المشروع، و الإفطار قد يقع (منهم)(4) في غير وقته.ه.

ص: 263


1- أشار المصنّف - رحمه اللّه - بهذه الجملة إلى مذهب الحنفية حيث ذهبوا إلى جواز صرف صدقة التطوع إلى الحربي. انظر: الفتاوى الهندية 188:1.
2- انظر: المغني 515:2، و المجموع 228:6، و بداية المجتهد 282:1.
3- الكافي 545:3-1، علل الشرائع: 373، الباب 102، الحديث 1.
4- في «ط»: منه.

و يمكن الجواب بأنّ الجهل عذر كالتقية، فصحّت الطهارة، و الإفطار قبل الغروب إذا كان لشبهة قد لا يستعقب القضاء، كالظلمة الموهمة، فكذا هنا، و بالجملة فالمسألة مشكلة.

مسألة 177: اختلف علماؤنا في اشتراط العدالة،

فذهب الشيخ و المرتضى إليه إلاّ في المؤلّفة، للاحتياط، و حصول يقين البراءة، و لأنّ الدفع إلى الفاسق إعانة على المعصية(1).

و الاحتياط لا يستلزم الوجوب و لا تقييد الألفاظ العامة في القرآن، و معارض بالأصل، و نمنع كونه إعانة على المعصية.

و قال بعض أصحابنا: يشترط مجانبة الكبائر(2) ، لأنّ داود الصرمي قال: سألته عن شارب الخمر يعطى من الزكاة شيئا؟ قال: «لا»(3) و لا قائل بالفرق بين الخمر و غيره، فثبوت الحكم فيه يستلزم ثبوته في غيره.

و قال بعض علمائنا: لا تشترط العدالة، و لا مجانبة الكبائر(4) - و هو قول الجمهور - عملا بإطلاق الآية، و الأصل عدم اشتراط ما لم ينطق به.

و لقوله عليه السلام: (أعط من وقعت في قلبك له الرحمة)(5).

و من طريق الخاصة: قول الصادق عليه السلام و قد سئل أعطى سائلا لا أعرفه مسلما: «أعط من لا تعرفه بولاية و لا عداوة للحق، و لا تطعم من نصب

ص: 264


1- المبسوط للطوسي 251:1، الانتصار: 82، و حكى قولهما أيضا المحقق في المعتبر: 281.
2- حكاه أيضا المحقق في المعتبر: 281.
3- الكافي 563:3-15، التهذيب 52:4-138.
4- و هو المحقق في المعتبر: 281.
5- أورده عن النبي صلّى اللّه عليه و آله في المعتبر: 281، و ورد نصّه عن الإمام الصادق عليه السلام في الكافي 14:4 (باب الصدقة على من لا تعرفه) الحديث 2، و التهذيب 107:4-307، و الفقيه 39:2-169.

لشيء من الحق، أو دعا إلى شيء من الباطل»(1).

و هو الأقوى، و خبر داود ليس حجّة، لعدم تعيين المسئول، فلعلّه غير الإمام.

مسألة 178: يشترط أن لا يكون الآخذ ممّن تجب نفقته عليه،
اشارة

فلا يجوز له أن يعطي أحدا من والديه و إن بعد كآباء الأبوين و أمّهاتهما، و أبوي أب الأب و امّه، و أبوي أب الأم و أمّها، و هكذا ما علوا، من يرث و من لا يرث، و لا واحدا من أولاده و إن نزلوا من أولاد البنين و البنات و أولاد أولادهم الوارث و غيره، لأنّه من عمود النسب، فأشبه الوارث، و لا زوجته، و لا مملوكه بالإجماع، لأنّه غني به، فلا يجوز دفعها إليه، و لأنّ دفعها إليه يستلزم عود نفعها عليه، لسقوط النفقة عنه حينئذ.

و لقول الصادق عليه السلام: «خمسة لا يعطون من الزكاة شيئا:

الأب، و الام، و الولد، و المملوك، و المرأة»(2).

أمّا من لا تجب نفقته من الأقارب فإنّه يجوز دفع الزكاة إليه، بل هو أولى و أفضل من الأجانب، إذ «لا صدقة و ذو رحم محتاج»(3) و لعدم المانع، و كون ذلك صلة للرحم.

و لقول الكاظم عليه السلام و قد سأله إسحاق بن عمار عن إعطاء القرابة من الزكاة: «هم أفضل من غيرهم، أعطهم»(4).

فروع:

أ - إنّما منعنا من الأخذ للقريب بسبب الفقر أو المسكنة، أمّا لو كان من

ص: 265


1- الكافي 13:4 (باب الصدقة على من لا تعرفه) الحديث 1، التهذيب 107:4-306.
2- الكافي 552:3-5، التهذيب 56:4-150، الاستبصار 34:2-101.
3- الفقيه 273:4-828.
4- الكافي 551:3-1، التهذيب 56:4-149، الاستبصار 33:2-100.

غير هذين فإنّه يجوز له أخذها، كما لو كان الأب أو الولد غازيا، أو مؤلّفا، أو غارما في إصلاح ذات البين، أو عاملا، لعدم المانع، و لأنّ هؤلاء يأخذون مع الغنى و الفقر فكان للأب(1) ذلك.

ب - لو كان القريب ممّن لا تجب نفقته جاز الدفع إليه بأيّ سبب كان، سواء كان وارثا أو غير وارث، و هو قول أكثر العلماء و أحمد في رواية(2).

لقوله عليه السلام: (الصدقة على المسكين صدقة، و هي لذي الرحم اثنتان: صدقة و صلة)(3) فلم يشترط نافلة و لا فريضة، و لم يفرّق بين الوارث و غيره.

و من طريق الخاصة قول الرضا عليه السلام و قد سئل: رجل من مواليك له قرابة كلّهم يقول بك، و له زكاة أ يجوز أن يعطيهم جميع زكاته ؟ قال:

«نعم»(4).

و عن الكاظم عليه السلام و قد سأله بعض أصحابنا، قلت له: لي قرابة أنفق على بعضهم، و أفضّل بعضهم على بعض، فيأتيني إبّان(5) الزكاة أ فاعطيهم منها؟ قال: «أ مستحقّون لها؟» قلت: نعم، قال: «هم أفضل من غيرهم أعطهم» قال، قلت: فمن الذي يلزمني من ذوي قرابتي حتى لا أحسب الزكاة عليه ؟ قال: «أبوك و أمّك» قلت: أبي و أمّي ؟ قال: «الوالدان و الولد»(6).0.

ص: 266


1- في «ف» زيادة: أو غيره.
2- المغني 510:2، الشرح الكبير 712:2، المجموع 229:6.
3- سنن ابن ماجة 591:1-1844، سنن الترمذي 47:3 ذيل الحديث 658، سنن النسائي 92:5، و سنن البيهقي 174:4.
4- الكافي 552:3-7، التهذيب 54:4-144، الإستبصار 35:2-104.
5- إبّان، بالكسر و التشديد: الوقت. الصحاح 2066:5 «ابن».
6- الكافي 551:3-1، التهذيب 56:4-149، الاستبصار 33:2-100.

و عن أحمد رواية أخرى: منع الموروث، لأنّ على الوارث مئونة الموروث، فيغنيه بزكاته عن مئونته، و يعود نفع زكاته إليه، فلم يجز له دفعها إليه كدفعها إلى والده أو قضاء دينه(1).

و نمنع وجوب المئونة على ما يأتي.

ج - لو كان أحدهما يرث الآخر دون العكس كالعتيق مع معتقه، و العمة مع ابن أخيها - عندهم(2) - جاز لكلّ منهما دفع زكاته إلى الآخر عندنا على ما تقدّم.

و قال أحمد: على الوارث منهما نفقة موروثة فليس له دفع زكاته إليه، و ليس على الموروث منهما نفقة وارثه، فلا يمنع من دفع زكاته إليه(3).

و لو كان أخوان لأحدهما ابن، و الآخر لا ولد له، فعلى أبي الابن نفقة أخيه - عنده(4) - فليس له دفع زكاته إليه، و للّذي لا ولد له دفع زكاته إلى أخيه، و لا يلزمه نفقته، لأنّه محجوب عن ميراثه، و نحو هذا قول الثوري(5).

و الحقّ ما ذهبنا نحن إليه.

د - ذوو الأرحام يجوز دفع الصدقة إليهم، و به قال أحمد - على رواية منع الوارث في الحال التي يرثون فيها - لأنّ قرابتهم ضعيفة لا يرث بها مع عصبة و لا ذي فرض غير أحد الزوجين - عنده - فلم تمنع دفع الزكاة كقرابة سائر المسلمين، فإنّ ماله يصير إليهم إذا لم يكن له وارث(6).

ه - يعطى من تجب نفقته من غير نصيب الفقراء و المساكين مطلقا، سواء كان عاملا، أو غازيا، أو ابن سبيل، أو غير ذلك إلاّ ابن السبيل، فإنّه2.

ص: 267


1- المغني 510:2، الشرح الكبير 712:2.
2- أي عند الجمهور.
3- المغني 510:2، الشرح الكبير 712:2.
4- أي عند أحمد، و انظر: الهامش التالي.
5- المغني 510:2، الشرح الكبير 712:2.
6- المغني 510:2، الشرح الكبير 712:2.

يعطي الزائد عن النفقة مع الحاجة إليه كالحمولة.

مسألة 179: العيلولة من دون القرابة غير مانعة من الإعطاء

عند علمائنا أجمع، و هو قول أكثر العلماء(1) ، فلو كان في عائلته من لا يجب الإنفاق عليه كيتيم أجنبي جاز أن يدفع زكاته إليه، لأنّه داخل في الأصناف المستحقّين للزكاة، و لم يرد في منعه نصّ و لا إجماع و لا قياس، فلا يجوز تخصيصه من العمومات بغير دليل.

و عن أحمد رواية بالمنع، لأنّه ينتفع بدفعها إليه لإغنائه بها عن مئونته(2).

و لو سلّم لم يضرّ، فإنّه نفع لا يسقط واجبا عنه، إذ العيلولة ليست واجبة.

مسألة 180: يشترط أن لا يكون هاشميّا،

و قد أجمع المسلمون كافة على تحريم الصدقة المفروضة على بني هاشم.

لقوله عليه السلام: (إنّ الصدقة لا تنبغي لآل محمّد، إنّما هي أوساخ الناس)(3).

و أخذ الحسن عليه السلام - و هو صغير - تمرة من تمر الصدقة، فقال النبي صلّى اللّه عليه و آله: (كخ كخ) ليطرحها، و قال: (أما شعرت أنّا لا نأكل الصدقة)(4).

و من طريق الخاصة قول الباقر و الصادق عليهما السلام: «قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: الصدقة أوساخ الناس فلا تحلّ لبني عبد

ص: 268


1- المغني 512:2، الشرح الكبير 712:2.
2- المغني 512:2، الشرح الكبير 712:2.
3- صحيح مسلم 753:2-1072، سنن البيهقي 31:7، موطإ مالك 1000:2 (باب ما يكره من الصدقة) الحديث 13، شرح معاني الآثار 7:2.
4- صحيح البخاري 157:2، سنن الدارمي 387:1، سنن البيهقي 29:7، و مسند أحمد 409:2.

المطلب»(1).

مسألة 181: تحلّ صدقة بعضهم على بعض

عند علمائنا - و هو محكي عن أبي يوسف(2) - لأنّ مفهوم قوله عليه السلام: (الصدقة أوساخ الناس) ترفّعهم عن غيرهم، و امتياز الجنس عن الجنس بعدم قبول صدقته تنزيها له، فلا ينقدح فيه امتياز أشخاص الجنس بعضها عن بعض لتساويهم في المنزلة، فلا يليق ترفّع بعضهم على بعض.

و لقول الصادق عليه السلام و قد سأله إسماعيل بن الفضل الهاشمي عن الصدقة التي حرّمت على بني هاشم ما هي ؟ قال: «الزكاة» قلت: فتحلّ صدقة بعضهم على بعض ؟ قال: «نعم»(3).

و أطبق باقي الجمهور على المنع، للعموم.

و قد بيّنا أنّ مفهومه خروج بني هاشم منه.

مسألة 182: الصدقة المفروضة محرّمة على النبي صلّى اللّه عليه و آله

إجماعا.

و أمّا المندوبة، فالأقوى عندي: التحريم أيضا، لعلوّ منصبه، و زيادة شرفه و ترفّعه، فلا يليق بمنصبه قبول الصدقة، لأنّها تسقط المحلّ من القلب.

و لأنّ سلمان الفارسي أتى النبي صلّى اللّه عليه و آله فحمل إليه شيئا، فقال: (ما هذا؟) فقال: صدقة، فردّه، ثم أتاه به من الغد، فقال:

هديّة، فقبله(4).

ص: 269


1- الكافي 58:4-2، التهذيب 58:4-155، الإستبصار 35:2-106.
2- أحكام القرآن - للجصّاص - 131:3-132.
3- الكافي 59:4-5، التهذيب 58:4-156، الاستبصار 35:2-107.
4- مسند أحمد 354:5، المعجم الكبير 232:6-233-6076 و 244-245-6117 و 249-6121 و 259-6155، المستدرك - للحاكم - 16:2، و شرح معاني الآثار 10:2.

و لعموم قوله عليه السلام: (إنّا أهل بيت لا تحلّ لنا الصدقة)(1).

و هو أحد قولي الشافعي. و الثاني: أنّها تحلّ، كما تحلّ لآله(2).

و الفرق: فضيلته عليهم، و تميّزه عنهم.

و الوجه عندي: أنّ حكم الأئمة عليهم السلام حكمه في ذلك.

و أمّا باقي آله فتحرم عليهم الصدقة المفروضة، على ما تقدّم(3).

و هل تحلّ المندوبة ؟ المشهور ذلك، و به قال الشافعي و أحمد في إحدى الروايتين(4) ، لأنّ عليّا و فاطمة عليهما السلام وقفا على بني هاشم(5) ، و الوقف صدقة.

و روى الجمهور عن الصادق عليه السلام عن أبيه الباقر عليه السلام أنّه كان يشرب من سقايات بين مكة و المدينة، فقلت له: تشرب من الصدقة ؟ فقال: «إنّما حرّمت علينا الصدقة المفروضة»(6).

و يجوز أن يأخذوا من الوصايا للفقراء، و من النذور.

و عن أحمد رواية بالمنع، لعموم قوله عليه السلام: (إنّا لا تحلّ لنا الصدقة)(7).2.

ص: 270


1- شرح معاني الآثار 10:2، و صحيح مسلم 751:2 ذيل الحديث 1069، و كنز العمال 457:6-16527 نقلا عن الطبراني في المعجم الكبير.
2- المجموع 239:6-240، حلية العلماء 169:3، أحكام القرآن - للجصاص - 132:3.
3- تقدم في المسألة 180.
4- المجموع 239:6، حلية العلماء 169:3، المغني 520:2، الشرح الكبير 710:2.
5- الكافي 48:7-2 و 4.
6- المغني 520:2، الشرح الكبير 710:2، المهذب للشيرازي 183:1، مختصر المزني: 159.
7- المغني 520:2، الشرح الكبير 710:2، و انظر: صحيح مسلم 751:2 ذيل الحديث 1069، و سنن أبي داود 123:2-1650، و مسند أحمد 444:2.

و الجواب: الحمل على المفروضة، جمعا بين الأدلّة.

أمّا الكفّارة فيحتمل التحريم، لأنّها واجبة، فأشبهت الزكاة.

و الأقوى: الجواز، للأصل و انتفاء المانع، فإنّها ليست زكاة، و لا هي أوساخ الناس.

مسألة 183: و تحلّ الصدقة الواجبة و المندوبة لموالي بني هاشم

- و هم من أعتقهم هاشمي - عند علمائنا أجمع - و هو قول أكثر العلماء، و الشافعي في أحد القولين(1) - لوجود المقتضي و هو: العموم، و أصالة الإباحة، و ثبوت الفقر، و انتفاء المانع و هي القرابة، فلم يمنعوا كسائر الناس، و لأنّهم لم يعوّضوا عنها بالخمس، فإنّهم لا يعطون منه، فلا يجوز أن يحرموها كسائر الناس.

و لقول الصادق عليه السلام: «تحلّ لمواليهم»(2).

و قال أحمد بالتحريم، و هو الثاني للشافعي، لأنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بعث رجلا من بني مخزوم على الصدقة، فقال لأبي رافع: اصحبني كيما تصيب منها، فقال: لا، حتى آتي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فأسأله، فانطلق إلى النبي صلّى اللّه عليه و آله، فسأله، فقال: (إنّا لا تحلّ لنا الصدقة، و أنّ موالي القوم منهم)(3).

و لأنّهم ممّن يرثهم بنو هاشم بالتعصيب فلم يجز دفع الصدقة إليهم كبني هاشم(4).

ص: 271


1- المغني 517:2، الشرح الكبير 709:2، المهذب للشيرازي 181:1، المجموع 227:6، حلية العلماء 169:3.
2- التهذيب 60:4-160، الاستبصار 37:2-114.
3- سنن الترمذي 46:3-657، سنن النسائي 107:5، سنن أبي داود 123:2-1650، و سنن البيهقي 32:7.
4- المغني 517:2-518، الشرح الكبير 709:2-710، المهذب للشيرازي 181:1، المجموع 227:6، حلية العلماء 169:3.

و جاز اختصاص أبي رافع بالمنع، لكونه مولى لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، فيتميّز عن غيره. و نمنع العلّة في الثاني.

مسألة 184: و قد أجمع العلماء على تحريم الصدقة على بني عبد المطلب

و هم الآن أولاد أبي طالب و العباس و الحارث و أبي لهب، لقوله عليه السلام: (يا بني عبد المطّلب [إنّ الصدقة](1) لا تحلّ لي و لا لكم)(2).

و قال عليه السلام: (إنّ الصدقة لا تحلّ لبني عبد المطلب)(3).

و من طريق الخاصة: قول الصادق عليه السلام: «إنّ الصدقة لا تحلّ لولد العباس و لا لنظرائهم من بني هاشم»(4).

و هل تحرم على أولاد المطّلب ؟ أكثر علمائنا على المنع من التحريم(5) ، و به قال أبو حنيفة(6) ، للعموم و الأصل.

و لأنّ بني المطلب و بني نوفل و [بني](7) عبد شمس قرابتهم واحدة، و إذا لم يمنع بنو نوفل و بنو عبد شمس فكذا بنو المطّلب.

و قال الشافعي بالتحريم عليهم(8). و هو قول شاذ للمفيد(9) منّا، لقوله عليه السلام: (نحن و بنو المطّلب هكذا - و شبّك بين أصابعه - لم نفترق في جاهلية و لا إسلام)(10).

ص: 272


1- زيادة من المصدر.
2- المعتبر: 282، و التهذيب 58:4-154.
3- المعتبر: 282، و التهذيب 58:4-155.
4- التهذيب 59:4-158، الاستبصار 35:2-36-109.
5- كما في المعتبر: 282.
6- المغني 518:2، الشرح الكبير 714:2، حلية العلماء 169:3.
7- زيادة تقتضيها العبارة.
8- المهذب للشيرازي 181:1، المجموع 227:6، حلية العلماء 168:3.
9- حكى قوله عن الرسالة العزّية، المحقق في المعتبر: 282.
10- سنن أبي داود 146:3-2980.

و من طريق الخاصة: قول الصادق عليه السلام: «لو كان عدل ما احتاج هاشمي و لا مطّلبي إلى صدقة، إنّ اللّه جعل لهم في كتابه ما كان فيه سعتهم، و لا تحلّ لأحد منهم إلاّ أن لا يجد شيئا، و يكون ممّن تحلّ له الميتة»(1).

و يحمل الأول على الاتّحاد في الشرف أو المودّة أو الصحبة أو النصرة لا على صورة النزاع.

و الثاني خبر واحد ترك العمل به أكثر الأصحاب، فلا يخصّ به العموم المقطوع.

مسألة 185: و لا تحرم على زوجات النبي صلّى اللّه عليه و آله

عند علمائنا، و هو قول أكثر العلماء، للعموم و الأصل.

و عن أحمد رواية بالتحريم، لأنّ عائشة ردّت سفرة من الصدقة و قالت:

إنّا آل محمد لا تحلّ لنا الصدقة(2).

و هو نادر لم يعمل به أكثر العلماء، فلا يخصّ به عموم القرآن.

مسألة 186: و لو لم يحصل للهاشمي من الخمس بقدر كفايته جاز أن يأخذ الزكاة المفروضة

عند علمائنا، و به قال أبو سعيد الإصطخري(3) ، لأنّ المنع إنّما كان لاستغنائهم بالخمس، و حرمت عليهم الصدقة، و جعل لهم الخمس في مقابلة ذلك، فإذا لم يحصل لهم الخمس حلّت لهم الصدقة، و لهذا قال النبي صلّى اللّه عليه و آله للفضل بن العباس: (أ ليس في خمس الخمس ما يكفيكم عن أوساخ الناس ؟)(4).

و من طريق الخاصة: قول الصادق عليه السلام: «أعطوا من الزكاة بني هاشم من أرادها فإنّها تحلّ لهم، و إنّما تحرم على النبي و على الإمام الذي

ص: 273


1- التهذيب 59:4-159، الإستبصار 36:2-111.
2- المغني 519:2، الشرح الكبير 710:2، و انظر: مصنف ابن أبي شيبة 214:3.
3- المهذب للشيرازي 181:1، المجموع 227:6، حلية العلماء 169:3.
4- أورده ابن قدامة في المغني 518:2.

يكون بعده و على الأئمة»(1).

و ليس المراد بذلك حالة الاستغناء بالخمس، لتحريمها عليهم إجماعا، فتعيّن أن يكون حال الضرورة. و فارقوا النبي و الأئمة عليهم السلام، لعلو منصبهم و زيادة شرفهم، فلا تحلّ لهم حال الضرورة.

و قال الباقون بالتحريم(2) ، لأنّ الصدقة حرمت في مقابلة استحقاق خمس الخمس، و الاستحقاق باق و إن لم يكن ما يستحقّ أو لم يصل إليهم و هو ممنوع، بل التحريم في مقابلة الاستغناء، لمفهوم الحديث(3).

البحث الثالث في الأحكام
مسألة 187: لو اجتمع لواحد سببان

يستحقّ بكلّ منهما سهما من الصدقات أو أكثر من سببين جاز أن يأخذ بهما و بالزائد عند علمائنا - و هو أحد قولي الشافعي(4) - لأنّ سبب الاستحقاق موجود في كلّ واحد من النصيبين، فاستحقّ الأخذ، كما أنّ الغانمين إذا كان فيهم مسكين من ذوي القربى استحقّ سهم الحضور و ذي القربى.

و قال في الآخر: لا يجوز الأخذ بهما، بل تخيّر في الأخذ بأيّهما شاء(5) ، لأنّ قوله تعالى إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَ الْمَساكِينِ (6) يقتضي

ص: 274


1- الكافي 59:4-6، الفقيه 19:2-65، التهذيب 60:4-161.
2- كالفيروزآبادي في المهذب 181:1، و القفّال الشاشي في حلية العلماء 168:3-169 و أكثر الشافعية كما في المجموع 227:6.
3- و هو قوله عليه السلام: (أ ليس في خمس الخمس ما يكفيكم ؟) الى آخره. و مرّ الحديث آنفا.
4- المهذب للشيرازي 180:1، المجموع 219:6، حلية العلماء 163:3.
5- المهذب للشيرازي 180:1، المجموع 219:6، حلية العلماء 163:3.
6- التوبة: 60.

تغايرهما، و أنّ كلّ صنف غير الصنف الآخر.

و لا حجّة فيه، لعدم دلالة الآية على تضادّهما، و لأنّ التقدير اجتماعهما و كلّ منهما علّة، فيقتضي معلوله، و هو الاستحقاق.

تذنيب: للإمام أن يعطيه بأحد الوجهين و بهما معا، فإن أعطاه بواحد، فإن كان بالفقر كان أخذا مستقرا، و إن كان بالغرم كان مراعى بقضاء الدّين، و لو كان بالدفع بأحد السببين يخرج من الاندراج تحت السبب الآخر، منع مع الدفع، كالعامل الفقير إذا دفع اليه سهم العمالة فاستغنى به.

مسألة 188: يجوز دفع الزكاة إلى صاحب دار السكنى و عبد الخدمة و فرس الركوب و ثياب التجمّل،
اشارة

و لا نعلم فيه خلافا، لإمساس الحاجة إلى هذه الأشياء، و عدم الخروج بها عن حدّ الفقر إلى الغني.

و لأنّ سماعة سأل الصادق عليه السلام عن الزكاة هل تصلح لصاحب الدار و الخادم ؟ فقال: «نعم إلاّ أن تكون داره دار غلّة فيخرج من غلّتها دراهم تكفيه و عياله، فإن لم تكن الغلّة تكفيه لنفسه و عياله في طعامهم و كسوتهم و حاجتهم في غير إسراف فقد حلّت له الزكاة، و إن كانت غلّتها تكفيهم فلا»(1).

فروع:

أ - لو كانت دار السكنى تزيد عنه و في بعضها كفاية له ففي منعه بسبب الزيادة إذا كانت قيمتها تكفيه حولا إشكال.

ب - لو كانت حاجته تندفع بأقلّ منها قيمة لم يكلّف بيعها و شراء الأدون، و كذا في العبد و الفرس.

ج - الوجه اختصاص ذلك بمن يعتاد استخدام العبد و ركوب الفرس

ص: 275


1- الكافي 560:3-561-4، التهذيب 48:4-49-127 و 107-308، و الفقيه 17:2-18-57.

و ثياب التجمّل دون غيره.

د - لو احتاج إلى أكثر من واحد فكالواحد.

مسألة 189: لو قصر التكسّب عن (مئونته)

مسألة 189: لو قصر التكسّب عن (مئونته)(1) و مئونة عياله جاز أن يأخذ الزكاة

إجماعا، و اختلف علماؤنا، فقال بعضهم: يأخذ قدر التتمة لا أزيد(2) ، لأنّه حينئذ يصير غنيّا فتحرم عليه الزيادة.

و قال آخرون يجوز أن يأخذ أزيد(3). و هو الأقوى، كما يجوز دفع ما يزيد على الغنى إلى الفقير دفعة، و الغنى إنّما يحصل بالدفع.

و نحن نمنع من الدفع ثانيا بعد دفع ما يعوزه من المئونة.

مسألة 190: لو كان القريب الذي تحرم الصدقة عليه يحتاج إلى ما يزيد عن نفقته جاز دفع ذلك إليه

كنفقة زوجته و خادمه و التوسعة عليه و قضاء دينه، لثبوت المقتضي و هو الاحتياج.

و لأنّ عبد الرحمن بن الحجاج سأل الكاظم عليه السلام عن الرجل يكون أبوه أو عمّه أو أخوه تكفيه مئونته أ يأخذ من الزكاة فيتوسّع به إن كانوا لا يوسّعون عليه في كلّ ما يحتاج اليه ؟ فقال: «لا بأس»(4).

مسألة 191: يشترط في العامل: البلوغ و العقل
اشارة

إجماعا، لأنّ ذلك نوع ولاية، و الصغير و المجنون ليسا أهلا لها.

و شرط الشيخ الحرّية(5). و به قال الشافعي(6) ، لأنّ الرقّ ينافي الولاية.

ص: 276


1- بدل ما بين القوسين في «ط» و «ن»: كفايته.
2- حكاه المحقق في شرائع الإسلام 159:1-160.
3- ممّن قال بذلك: المحقق في شرائع الإسلام 159:1 و 160.
4- الكافي 561:3-5، التهذيب 108:4-310.
5- المبسوط للطوسي 248:1.
6- المهذب للشيرازي 175:1، المجموع 168:6، حلية العلماء 141:3-142، المغني 318:7، الشرح الكبير 691:2.

و لو قيل بالجواز كان وجها، لأنّه نوع استئجار، مع أنّ قول الشيخ لا يخلو من قوة، لأنّه تعالى أضاف إليه بلام التمليك.

و يشترط فيه الإسلام إجماعا - إلاّ رواية عن أحمد أنّه يجوز أن يكون كافرا(1) - لقوله تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطانَةً مِنْ دُونِكُمْ (2) يعني من دون المسلمين.

و دفع أبو موسى الأشعري إلى عمر حسابا فاستحسنه فقال: من كتب هذا؟ فقال: كاتبي. فقال: و أين هو؟ قال: على باب المسجد. قال أجنب هو؟ قال: لا و لكن هو نصراني. فقال: لا تأتمنوهم و قد خوّنهم اللّه و لا تقرّبوهم و قد (أبعدهم)(3) اللّه(4).

و لأنّ في ذلك ولاية على المسلمين و قد قال اللّه تعالى وَ لَنْ يَجْعَلَ اللّهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً (5) و العموم مخصوص بهذه الأدلّة.

و يشترط فيه: الإيمان و العدالة، لأنّ غير المؤمن فاسق و الفاسق ليس أهلا للأمانة، فلا بدّ و أن يكون أمينا، لأنّه يلي مال غيره.

و يجب أن يكون فقيها في الزكاة ليكون عارفا بقدر الواجب و صفته و مصرفه، و به قال الشافعي(6).

و يجب أن لا يكون من ذوي القربى - و هو أحد وجهي الشافعية، و به قال الشافعي(7) - لأنّ الفضل بن العباس و المطّلب بن ربيعة سألا النبي عليه2.

ص: 277


1- المغني 317:7، الشرح الكبير 690:2.
2- آل عمران: 118.
3- في النسخ الخطية المعتمدة في التحقيق: (بعّدهم) و ما أثبتناه من الطبعة الحجرية.
4- راجع: المغني 318:7، و الشرح الكبير 690:2-691.
5- النساء: 141.
6- المهذب للشيرازي 175:1، المجموع 168:6، حلية العلماء 142:3.
7- المهذب للشيرازي 175:1، المجموع 168:6، حلية العلماء 142:3، المغني 318:7، الشرح الكبير 691:2.

السلام أن يولّيهما العمالة، فقال لهما: (إنّما الصدقات أوساخ أيدي الناس و أنّها لا تحلّ لمحمد و آل محمد، أ ليس في خمس الخمس ما يغنيكم عن أوساخ الناس ؟)(1).

و قال بعض الشافعية: يجوز، لأنّ ما يأخذه أجرة، فلا يمنع القرابة منه، كاجرة النقّال و الحافظ(2).

و يفارق النقّال و الحافظ، لأنّه يأخذ سهما من الصدقة.

فروع:

أ - يجوز أن يكون مولى ذوي القربى عاملا، لأنّه يستحق الزكاة بالفقر عندنا، فكذا بغيره من الأسباب. و للشافعي وجهان(3).

ب - يجوز أن يكون العامل من ذوي القربى، و لا يأخذ أجره من الصدقة، بل يتبرّع بالعمل، أو يدفع إليه الإمام شيئا من بيت المال - و به قال الشافعي(4) - لأنّ المقتضي للمنع الأخذ من الزكاة و هو منتف هنا.

ج - لو كان فقيرا لا يصل إليه من الخمس شيء جاز أن يكون عاملا عندنا، و يأخذ النصيب.

مسألة 192: الساعي أمين إذا تلفت الزكاة في يده بغير (تفريط)

مسألة 192: الساعي أمين إذا تلفت الزكاة في يده بغير (تفريط)(5) لم يضمن

إجماعا، لأنّ قبضه قبض أمانة، و كان له الأجرة من سهم المصالح إن كان الإمام قد جعل أجرته من بيت المال، و إن لم يجعل له ذلك ففي سقوط

ص: 278


1- راجع صحيح مسلم 752:2-754-167 و 168، و المهذب للشيرازي 175:1، و المغني 518:2.
2- المهذب للشيرازي 175:1، المجموع 168:6، حلية العلماء 142:3، المغني 318:7، الشرح الكبير 691:2.
3- المهذب للشيرازي 175:1، المجموع 168:6، حلية العلماء 142:3.
4- المجموع 168:6.
5- في «ن» و «ف»: تفريطه.

الأجرة هنا إشكال ينشأ من أنّه عامل لما يستحق به عوضا فلا تسقط أجرته بتلف ما تعلّقت الأجرة عليه، و من كون الأجرة قد فات محلّها فلا ينتقل إلى محلّ آخر.

و الأقرب: الأول.

مسألة 193: تعطى الزكاة أطفال المؤمنين عند حاجتهم، و لا يشترط عدالة الأب،
اشارة

لعموم الآية(1).

و لقول الصادق عليه السلام و قد سأله أبو بصير: الرجل يموت و يترك العيال أ يعطون من الزكاة ؟: «نعم فإذا بلغوا و عدلوا إلى غيركم فلا تعطوهم»(2).

إذا ثبت هذا فلا فرق بين أن يكون قد أكل الطعام أو لا عند علمائنا - و هو إحدى الروايتين عن أحمد(3) - لأنّه فقير فجاز الدفع إليه كالذي طعم.

و لأنّه يحتاج إلى الزكاة لأجر رضاعه و كسوته و سائر مئونته، فيدخل في عموم النص.

و عنه رواية اخرى: أنّه لا يجوز دفعها إلاّ إلى من أكل الطعام(4). و هذا ليس بشيء.

فروع:

أ - لا يجوز الدفع إلى الصغير و إن كان مميّزا، لأنّه ليس محلّ الاستيفاء لماله من الغرماء فكذا هنا.

و عن أحمد رواية: جواز دفعها إلى اليتيم المميّز، لأنّ أبا جحيفة قال:

بعث رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ساعيا، فأخذ الصدقة من أغنيائنا فردّها في

ص: 279


1- التوبة: 60.
2- الكافي 548:3-549-1، التهذيب 102:4-287.
3- المغني 508:2.
4- المغني 508:2.

فقرائنا و كنت غلاما يتيما لا مال لي فأعطاني قلوصا(1)(2).

و لا دلالة فيه، لاحتمال الدفع إلى وليّه أو من يقوم بأمره، و لأنّه لا حجّة في فعل الساعي.

ب - لا فرق بين أن يكون يتيما أو غيره، فإنّ الدفع إلى الولي، فإن لم يكن له ولي جاز أن يدفع إلى من يقوم بأمره و يعتني بحاله.

ج - حكم المجنون حكم الصبي غير المميّز، أمّا السفيه فإنّه يجوز الدفع اليه لكن يحجر عليه الحاكم.

د - إنّما يعطى أطفال المؤمنين، لأنّهم بحكم آبائهم، و لا يجوز إعطاء أولاد المشركين إلحاقا بآبائهم، و كذا أولاد غير المؤمنين. و لو أسلم أحد أبوي الطفل لحق به سواء الأب و الام، و يأخذ الزكاة حينئذ.

ه - لا يجوز إعطاء المملوك، لأنّه لا يملك، فيكون العطاء لمولاه.

و لأنّه غني بمولاة فلا يستحقّ الزكاة.

مسألة 194: لا يشترط في الغازي الفقر

- و به قال الشافعي(3) - للعموم، و لأنّه كالأجرة، و كذا الغارم لإصلاح ذات البين.

و قال أبو حنيفة: يشترط، لقوله عليه السلام: (أمرت أن آخذ الصدقة من أغنيائكم فأردّها في فقرائكم)(4).

و هو لا يقتضي اختصاصها بالفقراء. و ينتقض بابن السبيل، فإنّه يعطى و إن كان غنيّا في بلده قادرا على الاستدانة في سفره.

ص: 280


1- القلوص: الناقة الشابة. النهاية لابن الأثير 100:4.
2- المغني 509:2، و انظر: سنن الدارقطني 36:2-7.
3- المهذب للشيرازي 180:1، المجموع 213:6، حلية العلماء 161:3، المبسوط للسرخسي 10:3، بدائع الصنائع 46:2.
4- المبسوط للسرخسي 10:3، بدائع الصنائع 46:2، حلية العلماء 161:3، و انظر: تفسير القرطبي 337:3 و 168:8 و 172.

و معارض بعموم وَ فِي سَبِيلِ اللّهِ (1) و بما رووه عن النبي صلّى اللّه عليه و آله: (لا تحلّ الصدقة لغني إلاّ لثلاثة) و ذكر من جملتهم الغازي(2).

مسألة 195: يشترط في المكاتب الإسلام،

فلو كان كافرا لم يجز دفع الزكاة إليه، و به قال الشافعي(3).

و يشترط فيه الحاجة إلى ما يدفعه في الكتابة، فلو كان معه وفاء بما عليه لم يدفع إليه، و به قال الشافعي(4) ، لأنّها جعلت إرفاقا بالمساكين و إعانة للفقراء، فإن كان قد حلّ عليه النجم و ليس معه وفاء دفع إليه.

و إن لم يكن قد حلّ اعطي أيضا، لوجود الحاجة، فإنّه قد يحلّ عليه و ليس معه فيفسخ الكتابة، و للعموم، و هو أحد وجهي الشافعي، و في الآخر:

لا يجوز، لانتفاء الحاجة في الحال(5). و هو ممنوع.

إذا ثبت هذا، فإذا ادّعى المكاتب الكتابة، فإن صدّقه مولاه قبل، لأنّ الحقّ في العبد له، فإذا أقرّ بالكتابة قبل، و هو أحد وجهي الشافعيّة.

و الثاني: لا يقبل، لإمكان التواطؤ(6).

و ليس بجيّد، لأصالة العدالة.

و إن كذّبه السيد لم يقبل قوله إلاّ بالبيّنة.

و إن تجرّد عنهما إمّا لبعده أو لغير ذلك احتمل قبول قوله، لأنّه مسلم أخبر عن أمر ممكن فقبل قوله كالفقير، و العدم، لإمكان إقامة البيّنة عليه، و به قال الشافعي(7).

ص: 281


1- التوبة: 60.
2- مصنف ابن أبي شيبة 210:3، مسند أحمد 31:3 و 97.
3- المجموع 205:6.
4- المهذب للشيرازي 179:1، المجموع 201:6.
5- المهذب للشيرازي 179:1، المجموع 200:6، حلية العلماء 157:3.
6- المهذب للشيرازي 179:1، المجموع 203:6، حلية العلماء 158:3.
7- انظر: المجموع 203:6.
مسألة 196: لو ادّعى الغارم الغرم،

فإن كان لإصلاح ذات البين فالأمر فيه ظاهر، فإذا علمه الإمام دفع إليه، و إن كان لخاص نفسه قبل قوله إن صدّقه المالك، و هو أحد وجهي الشافعي، لأنّه مسلم أخبر عن أمر ممكن.

و في الآخر: لا يقبل، لجواز التواطؤ(1).

و لو كذّبه لم يقبل قوله، لظنّ كذبه. و إن تجرّد عن الأمرين قبل، لما تقدّم.

و قال الشافعي: لا يقبل إلاّ بالبيّنة، لأنّه مدّع، فلا يقبل إلاّ بالبيّنة(2).

مسألة 197: إذا قال الغازي: أريد الغزو، قبل قوله

و دفع إليه دفعا مراعى، و إنّما يدفع إليه قدر كفايته لذهابه و عوده، و هو يختلف بكونه فارسا أو راجلا، و قرب المسافة و بعدها، و أحواله من كونه له صاحب أو لا، و غير ذلك.

و إذا جعلنا سبيل اللّه أعمّ من الغزو في الجهاد - كما اخترنا أوّلا - دخل فيه معونة الزوّار و الحجيج.

و هل يشترط حاجتهم ؟ إشكال ينشأ من اعتبار الحاجة كغيره من أهل السّهمان، و من اندراج إعانة الغني تحت سبيل الخير.

و لا فرق بين قضاء الدين عن الحي و الميت، و سواء كان الميت الذي يقضى عنه - إذا لم يخلّف شيئا - ممّن تجب عليه نفقته في حال حياته أو لا، و لو خلّف ما يقضى به الدّين لم يجز القضاء عنه كالحي.

مسألة 198: ابن السبيل إذا كان مجتازا و كان محتاجا دفعنا إليه الزكاة

و إن كان غنيّا في بلده، لوجود الحاجة حال الدفع، و به قال الشافعي(3).

ص: 282


1- المهذب للشيرازي 179:1-180، المجموع 209:6، حلية العلماء 160:3.
2- المهذب للشيرازي 179:1-180، المجموع 209:6، حلية العلماء 160:3.
3- المهذب للشيرازي 180:1، المجموع 214:6-215، حلية العلماء 161:3، الشرح الكبير 699:2.

و إن كان منشئا للسفر من بلده، فإن كان غنيّا لم يدفع إليه، و إن كان فقيرا دفعنا إليه لسفره و عوده.

و إن أراد لعوده، فإن ادّعى ابن السبيل الحاجة و لم يعلم له أصل مال قبل قوله.

و إن علم له أصل مال في مكانه فادّعى ذهابه قبل قوله، سواء ادّعى سببا ظاهرا أو خفيّا، من غير يمين - خلافا للشافعي(1) - لما تقدّم في الفقير.

و لو علم أنّ له ببلده مالا و لا يعلم له في موضعه قبل قوله إجماعا.

و الحاصل: أنّ الذي يأخذ مع الغنى خمسة: العامل و المؤلّفة قلوبهم و الغارم لإصلاح ذات البين و الغازي و ابن السبيل إذا كان محتاجا في مكانه.

مسألة 199: يأخذ ابن السبيل إذا كان سفره واجبا

كالحج و العمرة، أو ندبا كزيارة النبي و الأئمة عليهم السلام، و لا يعطى إذا كان معصية كقطع الطريق و ما أشبه ذلك إجماعا.

و إن كان مباحا كسفر التنزّه جاز له الأخذ أيضا، لأنّه فعل سائغ غير معصية، فأشبه سفر الطاعة، و لهذا يترخّص في القصر كسفر الطاعة، و هو أحد وجهي الشافعية، و الثاني: لا يعطي، لأنّه لا حاجة به إليه، فأشبه الغني(2). و العلّة ممنوعة.

مسألة 200: مستحقّو الزكاة ينقسمون،

فمنهم من يأخذ أخذا مستقرّا و هم أربعة: الفقراء و المساكين و العاملون عليها و المؤلّفة قلوبهم بمعنى أنّ لهم صرف ما يأخذونه في أيّ شيء أرادوا، سواء صرفوه في السبب الذي أخذوا لأجله أو لا.

و منهم من يأخذ أخذا مراعى بمعنى أنّه إن صرفه في السبب الذي أخذ لأجله استقرّ ملكه و إلاّ استعيد منه على خلاف، و هم أربعة: الغارم و المكاتب

ص: 283


1- لم نعثر عليه في مظانّه.
2- المهذب للشيرازي 180:1، المجموع 215:6، حلية العلماء 161:3.

و ابن السبيل و الغازي، لأنّ اللّه تعالى أضاف إلى الأربعة الأولى بلام التمليك، و عطف الأربعة الباقية بحرف (في) المقتضي للظرفية.

و الفرق: أنّ هؤلاء أخذوا لمعنى لم يحصل بأخذهم للزكاة، و الأوّلون حصل المقصود بأخذهم و هو (غنى)(1) الفقير و المسكين و تأليف المؤلّفين و أداء أجر العاملين.

إذا عرفت هذا فنقول: إذا دفع المكاتب المال في الكتابة و عتق فلا بحث، فإن عجز نفسه بأن يقصر ما معه عن مال الكتابة، فإن كان ما أخذه من الزكاة باقيا استردّ منه، لأنّه دفع إليه ليؤدّيه في العتق، فإذا لم يحصل المقصود استرجع، و به قال الشافعي و أحمد في رواية(2).

و قال الشيخ: لا يسترجع منه، لأنّه أخذه باستحقاقه، فارتجاعه يفتقر إلى دليل، و ليس هنا ما يدلّ عليه(3).

و هو ممنوع، لأنّه دفع إليه ليصرفه في الكتابة فيرتجع بالمخالفة، لأنّ الخيار إلى المالك في صرف الزكاة في الأصناف.

و إن كان قد دفعه إلى السيد لم يستردّ، و هو اختيار الشيخ(4) و أحد وجهي الشافعية، لأنّه دفع إليه ليدفعه إلى سيده و قد فعل. و الثاني: يستردّ(5) ، لأنّ القصد به تحصيل العتق، فإذا لم يحصل به وجب استرجاعه، كما لو كان في يد المكاتب.3.

ص: 284


1- ورد بدل ما بين القوسين في الطبعة الحجرية و النسخ الخطية المعتمدة في التحقيق: (عين) و هو تصحيف، و الصحيح ما أثبتناه.
2- المهذب للشيرازي 179:1، المجموع 201:6، حلية العلماء 157:3، المغني 530:2، الشرح الكبير 702:2-703.
3- المبسوط للطوسي 250:1.
4- المبسوط للطوسي 254:1.
5- المجموع 201:6، حلية العلماء 157:3.

و الفرق ظاهر، لأنّ السيد ملك المدفوع بالدفع من المكاتب.

و لو تطوّع إنسان بالقضاء عنه أو أبرأه المالك من مال الكتابة فكالأول.

مسألة 201: لو صرف الغارم السهم المدفوع إليه في غير قضاء الدّين،

قال الشيخ: لا يرتجع سواء أبرئ من الدّين أو تطوّع غيره بالقضاء عنه(1) ، خلافا للشافعي(2) ، و قد سلف مثله في المكاتب.

أمّا لو قضاه من ماله أو قضاه من غيره فلا يجوز له أن يأخذ عوضه من مال الصدقة.

مسألة 202: لو دفع الإمام إلى الغازي السهم و لم يغز استردّ منه،

و هو اختيار الشيخ(3) أيضا، و به قال الشافعي(4) ، لأنّه أخذه لذلك فكان كالأجرة. و كذا لو غزا و رجع من الطريق قبل الغزو.

أمّا لو غزا و عاد و قد فضل معه شيء من الصدقة فإنّه لا يستردّ منه قولا واحدا، و به قال الشافعي(5) ، لأنّا دفعنا كفايته، و إنّما فضل بما ضيّق على نفسه فلا يستردّ منه.

أمّا ابن السبيل فإذا دفع إليه مئونة السفر فلم يسافر، ردّها، و إن سافر و عاد و فضل معه شيء لم يستردّ، لأنّه ملكه بسبب السفر و قد وجد، فلا يحكم عليه فيما يدفع إليه.

و قال الشافعي: يستردّ، بخلاف الغازي، لأنّا دفعنا إليه الكفاية لأجل الغزو، لحاجتنا إليه، فصار كالمعاوضة، و قد أتى به فلم يردّ، و هنا دفعنا إليه، لحاجته إلى سفره و قد حصل، فما فضل يردّه، لزوال حاجته إليه، و لأنّه

ص: 285


1- المبسوط للطوسي 251:1.
2- المجموع 209:6، حلية العلماء 160:3.
3- المبسوط للطوسي 252:1.
4- المهذب للشيرازي 180:1، المجموع 214:6.
5- المجموع 214:6.

غني في بلده، و لا فرق بين أن يضيّق على نفسه أو يستعين بغيره(1).

أمّا لو صرف ما دفع إليه في غير مئونة السفر ففيه إشكال ينشأ من أنّه دفع إليه في هذا الوجه و لم يصرفه فيه فيستردّ منه كالغارم، و من منع الحكم في الأصل.

و الوجه: الأول، لأنّه دفع إليه لقصد الإعانة فيستردّ اقتصارا على قصد الدافع.

هذا في حقّ المجتاز عند الشيخ(2) ، و هو الأظهر من مذهبنا، و على قول ابن الجنيد و الشافعي(3) فإنّ الحكم ينسحب عليه و على منشئ السفر من بلده.

قال الشيخ: لو كان المنشئ للسفر من بلده فقيرا اعطي من سهم الفقراء لا من سهم أبناء السبيل(4).

و لو قال: لا مال لي، اعطي و لم يكلّف بيّنة، كما تقدّم.

و لو قال: كان لي مال و تلف، قال الشيخ: لا يقبل إلاّ بالبيّنة(5).

و الوجه: القبول، لأنّه قد يتعذّر عليه البيّنة فيؤدّي المنع إلى إضراره، و لأنّه مسلم أخبر بأمر ممكن، و الأصل فيه الصدق، فيبني عليه إلى أن يظهر المنافي.

إذا ثبت هذا، فلو تلف المال المدفوع إلى من أخذه مراعى بغير تفريط قبل صرفه في وجهه لم يرجع عليهم بشيء.1.

ص: 286


1- المجموع 216:6.
2- انظر: المبسوط للطوسي 252:1.
3- حيث قالا بإطلاق ابن السبيل على المجتاز و المنشئ للسفر. انظر: المهذب للشيرازي 180:1، و المجموع 214:6، و حلية العلماء 161:3، و المعتبر للمحقّق الحلّي: 281 حيث فيه حكاية قول ابن الجنيد.
4- المبسوط للطوسي 252:1.
5- المبسوط للطوسي 254:1.
مسألة 203: لا يجب إعلام المدفوع إليه أنّها زكاة،

فلو أستحيي الفقير من أخذها علانية استحبّ إيصالها إليه على وجه الهدية، و لا يعلم أنّها زكاة، لما في الإعلام من إذلال المؤمن و الاحتقار به.

و لأنّ أبا بصير سأل الباقر عليه السلام: الرجل من أصحابنا يستحي أن يأخذ من الزكاة فأعطيه من الزكاة و لا اسمّي له أنّها من الزكاة ؟ قال: «أعطه و لا تسمّ له و لا تذلّ المؤمن»(1) و لا نعلم في ذلك خلافا.

ص: 287


1- الكافي 563:3-564-3، الفقيه 8:2-25، التهذيب 103:4-294.

ص: 288

الفصل الثاني في وقت الإخراج
اشارة

و فيه بحثان:

الأول في التأخير
مسألة 204: الأموال قسمان:

ما يراعى فيه الحول و هو الحيوان و الأثمان، و لا تجب الزكاة فيها حتى يحول عليها الحول، و هو: أن يمضي لها في ملكه أحد عشر شهرا ثم يهلّ الثاني عشر في ملكه، و تكون الشرائط موجودة طول الحول كلّه، و هي: النصاب و إمكان التصرف و زيادة السوم في الماشية و النقش في النقدين، و قد تقدّم بيان ذلك كلّه.

و ما لا يعتبر فيه الحول و هو: الثمار و الغلاّت، و لا تجب الزكاة فيها حتى يبدو صلاحها، و أمّا الإخراج منها فلا يجب حتى تجذّ الثمرة، و تشمّس و تجفّف، و تحصد الغلّة، و تصفي من التبن و القشر بلا خلاف.

إذا عرفت هذا، فإذا حال الحول أو صفّت الغلّة و جذّت الثمار وجب الإخراج على الفور، و لا يجوز تأخيرها، و به قال الشافعي و أحمد و أبو الحسن

ص: 289

الكرخي من الحنفية(1) ، لقوله تعالى وَ آتُوا الزَّكاةَ (2) و الأمر على الفور عند بعض علمائنا(3) ، و عند الحنفي على الفور(4).

و لقول الصادق عليه السلام: «إذا وجد لها موضعا فلم يدفعها فهو لها ضامن حتى يدفعها»(5).

و لأنّ المستحقّ مطالب بشاهد الحال فيجب التعجيل كالدّين الحالّ و الوديعة.

و لأنّ العبادة التي لا تتكرر لا يجوز تأخيرها إلى وجوب مثلها كالصلاة و الصوم.

و قال أبو بكر الرازي من الحنفية: إنّها على التراخي، و به قال أبو حنيفة ما لم يطالب بها، لأنّ الأمر ورد بها مطلقا، فلا يختص زمانا كما لا يختص مكانا. و لأنّها لو هلكت لم تضمن(6).

و نمنع الإطلاق، بل الأمر بها معجّل، و الزمان يخالف المكان في الانتفاع بالتعجيل دون التخصيص بالمكان. و نمنع عدم الضمان مع التفريط بالتأخير.

مسألة 205: لو أخّر الإخراج مع إمكان الأداء و حضور الوقت أثم و ضمن،
اشارة

لأنّه أخّر الواجب المضيّق عن وقته، و فرّط بالتأخير فكان آثما ضامنا،

ص: 290


1- المجموع 335:5، فتح العزيز 520:5، حلية العلماء 11:3، المغني 541:2، الشرح الكبير 666:2، بدائع الصنائع 3:2.
2- الحج: 41، المزّمّل: 20.
3- و هو: الشيخ الطوسي في العدّة: 85-86.
4- الظاهر أنّ المراد ب (الحنفي) هو: أبو الحسن الكرخي. و انظر: أصول السرخسي 26:1.
5- الكافي 553:3-1، الفقيه 15:2-16-46، التهذيب 47:4-125.
6- بدائع الصنائع 3:2، المجموع 335:5، فتح العزيز 520:5، حلية العلماء 11:3، المغني 541:2، الشرح الكبير 666:2.

و به قال الزهري و الحكم و حمّاد و الثوري و أبو عبيد و أحمد و الشافعي(1) ، لما تقدّم.

و لأنّه حقّ على رب المال تلف قبل وصوله إلى مستحقّه فلا يبرأ منه، كدين الآدمي.

و لقول الصادق عليه السلام: «إذا وجد لها موضعا فلم يدفعها فهو لها ضامن حتى يدفعها»(2).

و قال أصحاب الرأي: يزكّي الباقي إلاّ أن يقصر عن النصاب فتسقط الزكاة فرّط أو لم يفرّط(3).

أمّا لو كان عليه ضرر في تعجيل الإخراج مثل أن يحول عليه الحول قبل مجيء الساعي، و يخاف إن أخرجها بنفسه أخذها الساعي منه مرّة أخرى، أو خشي في إخراجها ضررا في نفسه أو مال له سواها، فله تأخيرها، لقوله عليه السلام: (لا ضرر و لا ضرار)(4).

فروع:

أ - لو أخّر مع إمكان الأداء كان عاصيا على ما قلناه، و لا تقبل منه صلاته في أول الوقت، و كذا جميع العبادات الموسّعة، لأنّ المضيّق أولى بالتقديم، و كذا من عليه دين حالّ طولب به مع تمكّنه من دفعه، أو خمس أو صدقة مفروضة.

ب - يجوز التأخير لعذر كعدم المستحقّ أو منع الظالم، لأنّ الزكاة معونة

ص: 291


1- المغني 542:2-543، الشرح الكبير 667:2، المجموع 175:6.
2- الكافي 553:3-1، الفقيه 15:2-16-46، التهذيب 47:4-125.
3- المغني 543:2، الشرح الكبير 667:2.
4- سنن ابن ماجة 784:2-2340 و 2341، سنن الدارقطني 77:3-288 و 227:4-83، سنن البيهقي 70:6، 157 و 133:10، المستدرك - للحاكم - 57:2-58.

و إرفاق فلا تكون سببا لضرر المالك، و لا يضمن لو تلفت.

و هل يجوز لغير عذر مع العزل ؟ سوّغه الشيخان شهرا و شهرين(1) ، لأنّ معاوية بن عمار قال للصادق عليه السلام: الرجل تحلّ عليه الزكاة في شهر رمضان فيؤخّرها إلى المحرّم، قال: «لا بأس»(2).

و قال الصادق عليه السلام: «لا بأس بتعجيل الزكاة شهرين و تأخيرها شهرين»(3).

و الوجه: أنّ التأخير إنّما يجوز للعذر، و تحمل الرواية عليه فلا يتقدّر بوقت، بل بزوال العذر، فإنّه مع زوال العذر يكون مأمورا بالتسليم، و المستحق مطالب، فلا يجوز له التأخير.

و يدلّ عليه قول الصادق عليه السلام و قد سأله عبد اللّه بن سنان في الرجل يخرج زكاته فيقسّم بعضها و يبقى بعض يلتمس لها الموضع فيكون بين أوله و آخره ثلاثة أشهر، قال: «لا بأس»(4).

و لو أخّر مع إمكان التسليم ضمن على ما قلناه أوّلا.

ج - لو أخّرها ليدفعها إلى من هو أحقّ بها من ذي قرابة أو حاجة شديدة، فالأقرب: المنع و إن كان يسيرا.

و قال أحمد: يجوز اليسير دون العكس(5).

د - الأقرب: أنّ التأخير لطلب بسطها على الأصناف الثمانية أو الموجودين منهم عذر مع دفع نصيب الموجودين.

مسألة 206: يستحب له حال حئول الحول عزل الزكاة عن ماله،

لأنّه

ص: 292


1- النهاية: 183، و انظر: المقنعة: 39.
2- التهذيب 44:4-112، الاستبصار 32:2-94.
3- التهذيب 44:4-114، الإستبصار 32:2-96.
4- الكافي 523:3-7، التهذيب 45:4-118.
5- المغني 542:2، الشرح الكبير 666:2.

نوع إخراج و شروع في الدفع.

و لقول الصادق عليه السلام: «إذا حال الحول فأخرجها عن (ملكك)(1) و لا تخلطها بشيء، و أعطها كيف شئت»(2).

إذا ثبت هذا، فإنّ للمالك الاستقلال بالعزل من دون إذن الساعي، لأنّ له ولاية الإخراج، فله ولاية التعيين. و لأنّ الزكاة تجب في العين و هو أمين على حفظها فيكون أمينا على إفرادها. و لأنّ له دفع القيمة. و لقول الصادق عليه السلام(3).

إذا عرفت هذا، فلو تلفت بعد العزل من غير تفريط احتمل سقوط الزكاة - و به قال مالك(4) - لتعيّنها بتعيينه، إذ التعيين منوط به فيصير أمينا، كما لو دفعها إلى الساعي.

و عدمه، و به قال الشافعي و أحمد، إلاّ أنّ الشافعي قال: إن لم يكن فرّط في إخراج الزكاة و في حفظ ذلك يرجع إلى ماله، فإن كان فيما بقي زكاة أخرج و إلاّ فلا(5).

و قال أبو حنيفة: يزكّي ما بقي إلاّ أن ينقص عن النصاب فتسقط الزكاة فرّط أو لم يفرّط، لأنّه كالدّين، فلا يسقط بالتعيين قبل دفعه(6).

و لو دفع إلى فقير زكاته فقبل أن يقبضها قال: اشتر لي بها ثوبا أو غيره، فذهبت الزكاة، أو اشترى ما قال(7) ثم ضاع فعليه الزكاة على الثاني، لأنّه.

ص: 293


1- في المصدر: مالك.
2- الكافي 522:3-3، التهذيب 45:4-46-119.
3- نفس المصدر.
4- الكافي في فقه أهل المدينة: 99، بداية المجتهد 248:1، المغني 543:2، الشرح الكبير 667:2.
5- الام 52:2، المغني 542:2-543، الشرح الكبير 667:2.
6- المغني 543:2، الشرح الكبير 667:2.
7- في «ف»: قاله.

الفقير لا يملك إلاّ بالقبض، فإذا وكّله في الشراء قبله كان التوكيل باطلا، لأنّه وكّله في الشراء بثمن لا يملكه، و بقيت على ملك المالك، فإذا تلفت كانت من ضمانه.

و لا فرق بين أن يعزل الزكاة و ينوي أنّها زكاة أو لا.

مسألة 207: لو أخّر الإخراج مع التمكّن منه ثم أخرجها أجزأت عنه

إجماعا و إن كان قد أثم بالتأخير، لأنّه دفع الحقّ إلى مستحقّه. و لأنّه في كلّ آن مخاطب بالإخراج، فيحصل بالامتثال الخروج عن العهدة.

البحث الثاني في التعجيل
مسألة 208: المشهور عند علمائنا عدم جواز تقديم الزكاة
اشارة

سواء وجد سبب الوجوب - و هو النصاب - أو لا - و به قال ربيعة و مالك و داود و الحسن البصري في رواية(1) - لأنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله قال: (لا تؤدّى زكاة قبل حلول الحول)(2).

و من طريق الخاصة: قول الصادق عليه السلام و قد سأله عمر بن يزيد:

الرجل يكون عنده المال أ يزكّيه إذا مضى نصف السنة ؟ قال: «لا، و لكن حتى يحول عليه الحول و تحلّ عليه، إنّه ليس لأحد أن يصلّي صلاة إلاّ لوقتها فكذلك الزكاة، و لا يصوم أحد شهر رمضان إلاّ في شهره إلاّ قضاء، و كلّ فريضة إنّما تؤدّى إذا حلّت»(3).

و سأل زرارة الباقر عليه السلام: أ يزكّي الرجل ماله إذا مضى ثلث السنة ؟

ص: 294


1- المغني 495:2، الشرح الكبير 678:2، حلية العلماء 133:3.
2- أورده ابنا قدامة في المغني 495:2، و الشرح الكبير 678:2.
3- الكافي 523:3-8، التهذيب 43:4-110، الاستبصار 31:2-92.

قال: «لا، أ يصلّي الاولى قبل الزوال ؟»(1).

و لأنّ الحول أحد شرطي الزكاة فلا يجوز تقديم الزكاة عليه كالنصاب.

و لأنّ الزكاة عبادة مؤقتة فلا يجوز تقديمها عليه كالصلاة.

و قال الحسن البصري و سعيد بن جبير و الزهري و الأوزاعي و أبو حنيفة و الشافعي و أحمد و إسحاق و أبو عبيد: يجوز إذا وجد سبب الوجوب و هو النصاب(2) ، لأنّ عليّا عليه السلام قال: «سأل العباس رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عن تعجيل صدقته قبل أن تحلّ فرخص له في ذلك»(3).

و عن علي عليه السلام أنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله قال لعمر: (إنّا قد أخذنا زكاة العباس عام الأول للعام)(4).

و لأنّه تعجيل لمال وجد سبب وجوبه قبل وجوبه فجاز، كتعجيل قضاء الدّين قبل الأجل، و أداء كفّارة اليمين قبل الحنث و كفّارة القتل بعد الجرح قبل الموت.

و تحمل الرواية على القرض على الصدقة، لا أنّها زكاة معجّلة، أو على تخصيص العباس جمعا بين الأخبار، و صونا للروايات عن التناقض.

و نمنع الحكم في الأصل في الكفّارات، و إنّما هو لازم لمالك حيث جوّز تقديمها(5) ، و الدّين حقّ ثابت مستقر في الذمة فجاز تعجيله قبل وقته، بخلاف الزكاة، فإنّها لا تجب و لا تثبت في الذمة و لا في العين إلاّ بعد الحول.5.

ص: 295


1- الكافي 524:3-9، التهذيب 43:4-44-111، الإستبصار 32:2-93.
2- المغني 496:2، الشرح الكبير 678:2، بدائع الصنائع 52:2، المبسوط للسرخسي 177:2، المهذب للشيرازي 173:1، المجموع 145:6 و 146، حلية العلماء 133:3، فتح العزيز 531:5.
3- سنن أبي داود 115:2-1624، سنن ابن ماجة 572:1-1795، سنن الدارمي 385:1، سنن البيهقي 111:4.
4- سنن الترمذي 63:3-679.
5- المغني 496:2، الشرح الكبير 679:2، فتح العزيز 531:5.

و عن بعض علمائنا جواز التقديم(1) ، لقول الصادق عليه السلام: «لا بأس بتعجيل الزكاة شهرين»(2).

قال الشيخ: وجه الجمع حمل رخصة التقديم على جواز القرض، فيكون صاحبه ضامنا له، متى جاء وقت الزكاة و الآخذ على صفة الاستحقاق أجزأ عنه، و إن لم يبق على صفته ضمن، لا أنّه زكاة معجّلة(3) ، و مثله قال ابن الجنيد(4) ، لرواية الأحول عن الصادق عليه السلام في رجل عجّل زكاة ماله ثم أيسر المعطى قبل رأس السنة، قال: «يعيد المعطي الزكاة»(5).

فروع:

أ - لمّا منعنا من تعجيل الزكاة كان ما يدفعه المالك قرضا على الفقير، فإن دفعه على أنّه زكاة معجّلة كان الدفع باطلا، و له استعادتها عندنا، خلافا للباقين(6).

ب - إذا دفع المالك قدر الزكاة فقد قلنا: إنّه قرض لا زكاة معجّلة، فللمالك المطالبة بالمدفوع، و للفقير دفع العوض و الامتناع من دفع العين و إن كانت باقية و كره المالك، لأنّه ملكها بالقبض.

ج - لو كان المدفوع ممّا يتمّ به النصاب سقطت الزكاة على ما اخترناه، لأنّه قرض خرج عن ملك المالك، و ليس زكاة. و على قول الآخرين هو زكاة

ص: 296


1- حكاه المصنّف في المختلف: 188، عن ابن أبي عقيل.
2- التهذيب 44:4-114، الاستبصار 32:2-96.
3- التهذيب 45:4 ذيل الحديث 115.
4- كما في المعتبر: 274.
5- الكافي 545:3-2، الفقيه 15:2-44، التهذيب 45:4-116، الاستبصار 33:2-98.
6- منهم: ابنا قدامة في المغني 499:2، و الشرح الكبير 682:2.

ليس له استعادتها(1).

مسألة 209: لا يجوز تعجيل الزكاة قبل ملك النصاب

إجماعا، و لو ملك بعض نصاب فعجّل زكاته أو زكاة نصاب لم تجزئ إجماعا، لأنّه تعجيل للحكم قبل سببه.

و لو ملك نصابا فعجّل زكاته و زكاة ما يستفيده و ما ينتج منه أو يربح فيه لم تجزئه عندنا.

و أمّا المجوّزون للتقديم فقالوا: تجزئه عن النصاب دون الزيادة عند الشافعي و أحمد و زفر، لأنّه عجّل زكاة ما ليس في ملكه فلم تجزئ كالنصاب الأول. و لأنّ الزائد من الزكاة على زكاة النصاب سببها الزائد في الملك و قد عجّل الزكاة قبل وجود سببها، فأشبه ما لو عجّل الزكاة قبل ملك النصاب(2).

و قال أبو حنيفة: تجزئه عن النصاب و الزيادة، لأنّه تابع لما هو مالكه(3).

و هو ممنوع، سلّمنا، لكنّه يتبع في الحول، أمّا الإيجاب فلا، فإنّ الوجوب ثبت بالزيادة لا بالأصل. و لأنّه إنّما يصير له حكم بعد الوجود لا قبله.

مسألة 210: لو عجّل زكاة ماشيته فتوالدت نصابا ثم ماتت الأمّهات و حال الحول على النتاج لم تجزئ

عندنا.

و للشافعية وجهان في إجزاء الشاة عن السخال: الإجزاء - و به قال أحمد(4) - لأنّ السخال دخلت في حول الأمّهات و قامت مقامها، و عدمه، لأنّه

ص: 297


1- كابني قدامة في المغني 498:2، و الشرح الكبير 682:2.
2- المهذب للشيرازي 173:1، المجموع 146:6، حلية العلماء 134:3، فتح العزيز 532:5، المغني 496:2، الشرح الكبير 680:2، المبسوط للسرخسي 177:2، بدائع الصنائع 51:2.
3- المبسوط للسرخسي 177:2، بدائع الصنائع 51:2، المغني 496:2، الشرح الكبير 680:2، حلية العلماء 134:3.
4- المغني 497:2، الشرح الكبير 680:2.

عجّلها قبل ملكها مع تعلّق الزكاة بعينها(1).

فلو أخرج شاة عن أربعين معجّلة، ثم توالدت أربعين سخلة، و ماتت الأمّهات، و حال الحول على السخال أجزأت على أحد وجهي الشافعية(2) ، لأنّها كانت مجزئة عنها و عن أمّهاتها لو بقيت، فلأن تجزئ عن إحداهما أولى.

و لا تجزئ عندنا، و هو الآخر للشافعية(3).

و لو كان عنده ثلاثون من البقر فعجّل عنها تبيعا، ثم توالدت ثلاثين عجلة و ماتت الأمّهات، و حال الحول على العجول لم تجزئ عندنا.

و أمّا المجوّزون للتعجيل فقال بعضهم: بالإجزاء، لأنّها تابعة لها في الحول، و بعضهم بعدمه، لأنّه لو عجّل تبيعا عنها مع بقاء الأمّهات لم تجزئ عنها فلأن لا تجزئ عنها إذا كان التعجيل عن غيرها أولى(4).

و كذا الحكم في مائة شاة إذا عجّل عنها شاة فتوالدت مائة ثم ماتت الأمّهات و حال الحول على السخال(5).

و إن توالد بعضها و مات نصف الأمّهات و حال الحول على الصغار و نصف الكبار، فعلى الأول - و هو الإجزاء عندهم - أجزأ المعجّل عنهما معا، و على عدمه عليه في الخمسين سخلة شاة، لأنّها نصاب لم يؤدّ زكاته، و ليس عليه في العجول إذا كانت خمس عشرة شيء، لأنّها لم تبلغ نصابا، و إنّما وجبت الزكاة فيها بناء على أمّهاتها التي عجّلت زكاتها(6).2.

ص: 298


1- المهذب للشيرازي 173:1، المجموع 147:6-148، فتح العزيز 533:5، حلية العلماء 134:3.
2- المهذب للشيرازي 173:1، المجموع 148:6، فتح العزيز 533:5، حلية العلماء 134:3.
3- المهذب للشيرازي 173:1، المجموع 148:6، فتح العزيز 533:5، حلية العلماء 134:3.
4- المغني 497:2، الشرح الكبير 680:2.
5- المغني 497:2، الشرح الكبير 680:2.
6- المغني 497:2، الشرح الكبير 681:2.

و لو ملك ثلاثين من البقر فعجّل مسنّة زكاة لها و لنتاجها، فنتجت عشرا أجزأته عن الثلاثين دون العشر، و هو مذهبنا، و يجب عليه في العشر ربع مسنّة.

و قيل: بالإجزاء، لأنّ العشر تابعة للثلاثين في الوجوب و الحول، فإنّه لو لا ملكه للثلاثين لما وجب عليه في العشر شيء(1) ، فصارت الزيادة على النصاب على أربعة أقسام:

أ - ما لا يتبع في وجوب و لا حول، و هو المستفاد من غير الجنس، فهذا لا يجزئ تعجيل زكاته قبل وجوده و كمال نصابه إجماعا.

ب - ما يتبع في الوجوب دون الحول، و هو المستفاد من الجنس بسبب مستقلّ، فلا يجزئ تعجيل زكاته أيضا قبل وجوده على الخلاف.

ج - ما يتبع في الحول دون الوجوب كالنتاج و الربح إذا بلغ نصابا، فإنّه يتبع أصله في الحول، فلا يجزئ التعجيل عنه قبل وجوده.

د - ما يتبع في الوجوب و الحول و هو الربح و النتاج إذا لم يبلغ نصابا، فإنّه لا يجزئ التعجيل قبل وجوده على الخلاف.

مسألة 211: إذا عجّل الزكاة من ماله للفقراء كان ما عجّله في حكم الموجود في ماله

إن كانت عينه قائمة، و به قال الشافعي و أحمد(2).

و قال أبو حنيفة: إنّه في حكم التالف الذي زال ملكه عنه(3).

و يترتّب على ذلك ثلاث مسائل:

الاولى: لو كان معه أربعون فعجّل منها شاة، ثم حال الحول فإنّها

ص: 299


1- راجع المغني 497:2، و الشرح الكبير 681:2.
2- المهذب للشيرازي 173:1، المجموع 147:6 و 148، المغني 498:2-499، الشرح الكبير 682:2.
3- المبسوط للسرخسي 176:2-177، المغني 499:2، الشرح الكبير 682:2، المجموع 148:6.

تجزئ عنه عند الشافعي و أحمد(1).

أمّا عندنا فإن كان المدفوع قرضا سقطت الزكاة، لأنّها تتمة النصاب، و إن كان زكاة معجلة لم تقع، و كانت باقية على ملك صاحبها إن كان المال بحاله جاز أن يحتسبه من الزكاة و أن يعدل بها إلى غيره.

و أمّا عندهما: فلأنّه نصاب تجب فيه الزكاة بحلول الحول، فجاز تعجيلها منه، كما لو كان أكثر من أربعين، و لأنّ المعجّل في حكم الموجود(2).

و قال أبو حنيفة: لا تجب الزكاة، و لا يكون ما عجّله زكاة، لأنّ المعجّل زال ملكه عنه فلم يحتسب من ماله، كما لو باعه أو أتلفه(3).

الثانية: لو كان معه مائة و عشرون فعجّل منها شاة ثم نتجت شاة ثم حال الحول لم يكن عليه شاة أخرى عندنا، لعدم ضمّ السخال إلى الأمّهات عند علمائنا، فالنصاب لا يجب فيه أكثر من شاة، فله الاحتساب و الدفع إلى غير الآخذ.

و قال الشافعي و أحمد: تجب عليه شاة أخرى(4).

و قال أبو حنيفة: لا تجب اخرى(5) ، كما قلناه.

الثالثة: لو كان معه مائتا شاة فعجّل منها شاتين ثم نتجت شاة، و حال عليها الحول لم تجب عليه شاة أخرى عندنا، و به قال أبو حنيفة(6).6.

ص: 300


1- المهذب للشيرازي 173:1، فتح العزيز 531:5، المغني 498:2، الشرح الكبير 682:2.
2- انظر: المغني 499:2، و الشرح الكبير 682:2.
3- بدائع الصنائع 51:2، الشرح الكبير 682:2، المغني 499:2، المجموع 148:6.
4- المهذب للشيرازي 173:1، المجموع 147:6-148، فتح العزيز 532:5، حلية العلماء 134:3-135، المغني 499:2.
5- بدائع الصنائع 51:2، حلية العلماء 135:3، المغني 499:2.
6- شرح فتح القدير 156:2، الشرح الكبير 682:2، المجموع 148:6.

و قال الشافعي و أحمد: تجب عليه شاة أخرى، لأنّه لو لم يعجّل الشاتين وجب عليه ثلاث شياه، و التعجيل رفق بالمساكين، فلا يكون سببا في إسقاط حقوقهم(1).

و ينتقض بالبيع و الإتلاف.

مسألة 212: لو كان معه خمس من الإبل فعجّل زكاتها

و له أربعون من الغنم فهلكت الإبل فأراد أن يجعل الشاة معجّلة عن الغنم ابتني على ما إذا عيّن الزكاة من مال هل له أن يصرفه إلى غيره ؟ الأقرب ذلك، لأنّها لم تصر زكاة بعد، و سيأتي.

مسألة 213: و كما لا يجوز تقديم الزكاة في النقدين و المواشي فكذا في الزروع و الثمار

- و هو قول بعض الشافعية(2) - لأنّ زكاتها متعلّقة بسبب واحد و هو الإدراك، فإذا قدّم الزكاة فقد قدّمها قبل وجود سببها.

و قال ابن أبي هريرة منهم: يجوز(3) ، لأنّ وجود الزرع سبب فيها، و إدراكه بمنزلة حئول الحول فجاز تقديمها.

مسألة 214: و كما لا يجوز تقديم الزكاة عندنا لحول واحد فالحولان فصاعدا أولى بالمنع.

و اختلف المجوّزون في الأول هل يجوز تعجيل أكثر من زكاة حول واحد فقال الحسن البصري: يجوز لسنتين و ثلاث - و هو المشهور عند الشافعية، و هو قول أبي إسحاق منهم - لأنّ النصاب سبب في إيجاب الزكاة في هذين العامين فجاز تقديم الزكاة كالعام الأول (و لأنّ العباس استلف صدقة عامين

ص: 301


1- المهذب للشيرازي 173:1، المجموع 148:6، الشرح الكبير 682:2.
2- المهذب للشيرازي 175:1، المجموع 160:6، فتح العزيز 534:5، حلية العلماء 139:3.
3- المهذب للشيرازي 175:1، المجموع 160:6، فتح العزيز 534:5، حلية العلماء 139:3.

من الناس)(1)(2).

و قال بعض الشافعية: لا يجوز - كما قلناه - لأنّه قدّم الزكاة على الحول الثاني (فلم يجز)(3) كما لو قدّمه على الحول الأول(4).

و فرّق الأولون: بأنّ التقديم على الحول الأول تقديم على النصاب، بخلاف صورة النزاع.

إذا ثبت هذا فإن كان معه نصاب لا غير لم يجز له أن يعجّل أكثر من صدقة سنة واحدة إجماعا منهم، لأنّه إذا عجّل أكثر من ذلك نقص النصاب في الحول الثاني بوقوع زكاة الحول الأول موقعها، و انقطاع حكمها عن ماله.

و على قولنا إن احتسب عند الحول الأول المدفوع من الزكاة سقطت في الثاني، و إن لم يحتسب سقطت أيضا، لتعلّق الزكاة بالعين فينقص عن النصاب حكما في الثاني.

مسألة 215: إذا مات المالك قبل الحول انتقل المال إلى الوارث،

و استأنف الحول، و بطل حكم الأول، و انقطع الحول بموت المالك عند علمائنا - و هو الجديد للشافعي(5) - لأنّه بموته خرج عن أهلية التملّك، و بقاء مال بغير مالك محال، فينتقل إلى الوارث، فيستأنف الحول كما لو باعه.

ص: 302


1- كذا في النسخ الخطية المعتمدة في التحقيق، و الطبعة الحجرية، خلافا لما في المهذب للشيرازي 173:1، و فتح العزيز 531:5، و سنن البيهقي 111:4، حيث ورد فيها: أنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله تسلّف من العباس صدقة عامين. فلاحظ.
2- المهذب للشيرازي 173:1، المجموع 146:6، حلية العلماء 133:3، فتح العزيز 531:5-532، و المغني 498:2.
3- في «ط»: فلم يجزئه.
4- راجع المصادر في الهامش (2).
5- المهذب للشيرازي 150:1، المجموع 363:5، فتح العزيز 492:5، حلية العلماء 26:3-27.

و لقوله تعالى لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ (1) أضاف بلام التملّك.

و قال في القديم: لا ينقطع بموته، و يبنى حول الوارث على حول الموروث(2).

إذا عرفت هذا، فلو عجّل زكاة ماله قبل الحول ثم مات، و انتقل المال إلى ورثته، لم يجزئه التعجيل عندنا، لما مرّ، و هو قول بعض الشافعية، لأنّه يؤدّي إلى أن تكون الزكاة معجّلة قبل ملك النصاب.

و على القديم يجزئه ما عجّله، لأنّه لمّا قام الوارث مقام الميت في ملكه قام مقامه في حقّه، و لهذا يرث منه الشفعة (فيأخذها)(3) بسبب ملك متجدّد(4).

و هو ممنوع، لأنّه يأخذها إرثا لا بسبب ملكه.

إذا ثبت هذا، فإن كان المالك حين الدفع شرط التعجيل رجع بها الوارث، و إلاّ فلا.

و فرّع الشافعي على الإجزاء إن كان نصيب كلّ واحد يبلغ نصابا أجزأت عنهم إذا حال الحول، و إن قصر فإن اقتسموا بطل الحول، و كان لهم ارتجاع الزكاة إن شرط فيها التعجيل، و إن لم يقتسموا و بقي مختلطا إلى آخر الحول، فإن كانت ماشية أجزأت عنهم الزكاة، و إن كان غيرها (بني)(5) على القولين في الخلطة فيه، إن جوّزناها كان كالماشية، و إلاّ كان كما لو اقتسموا(6).5.

ص: 303


1- النساء: 11.
2- الام 21:2، المهذب للشيرازي 150:1، المجموع 363:5، فتح العزيز 492:5، حلية العلماء 27:3.
3- ورد بدل ما بين القوسين في النسخ الخطية المعتمدة في التحقيق، و الطبعة الحجرية: فيأخذ. و ما أثبتناه يقتضيه السياق.
4- المجموع 155:6، فتح العزيز 535:5 و 536، حلية العلماء 139:3.
5- في «ط»: يبنى.
6- انظر: المجموع 155:6، فتح العزيز 536:5.
مسألة 216: إذا تسلّف الساعي أو الإمام الزكاة،

فإن كان بغير مسألة أهل السّهمان و لا أرباب الأموال فتلفت في يده ضمن - و به قال الشافعي(1) - لأنّهم أهل رشد لا يولّى عليهم، فإذا قبض لهم بغير إذنهم كان ضامنا، كالأب يقبض لابنه الكبير بغير إذنه.

لا يقال: الأب ليس له القبض، و هنا يجوز لحاجتهم.

لأنّا نقول: جواز القبض لا يدفع الضمان.

و قال أبو حنيفة و أحمد: لا يضمن، لأنّ للإمام ولاية على أهل السّهمان، فإذا استقرض لهم و تلف في يده من غير تفريط لم يضمن كولي اليتيم(2).

و نمنع ولاية الإمام إذا لم يكن المالك مانعا، و يخالف ولي اليتيم، لأنّه لا إذن للمولّى عليه، بخلاف أهل السّهمان.

و إن قبضها بسؤال أهل السّهمان فتلفت (في يده)(3) من غير تفريط لم يضمن، و أجزأت عن رب المال، لأنّ يده كيدهم إذا نوى في القبض، و المالك مأمور بالدفع إليه، فحصل الإجزاء، للامتثال.

و إن قبضها بسؤال أرباب الأموال فلا ضمان عليه، لأنّه أمين قبض المال بإذن ربه على سبيل الأمانة و لا تجزئ عن أربابها، بل تكون من أموالهم، لأنّه وكيل لهم فيها.

و إن كان بسؤالهما معا قال الشيخ: الأولى أن يكون منهما، لأنّ كلّ واحد منهما له إذن في ذلك، و لا ترجيح لأحدهما على صاحبه في ذلك(4).

ص: 304


1- المهذب للشيرازي 174:1، المجموع 158:6، فتح العزيز 537:5، المغني 502:2.
2- بدائع الصنائع 52:2، المغني 502:2، الشرح الكبير 684:2، فتح العزيز 537:5.
3- ما بين القوسين لم يرد في «ن».
4- المبسوط للطوسي 228:1.

و للشافعي وجهان: أحدهما: يكون من ضمان أرباب الأموال، لأنّهم أقوى جنبة فإنّهم المالكون للمال. و الثاني: يكون من ضمان الفقراء، لأنّه قبضه لمنفعتهم بإذن، فكان من ضمانهم. و هو أصحّهما عند الشافعية(1).

مسألة 217: ما يتعجّله الوالي من الصدقة يقع متردّدا بين أن يقع زكاة أو يستردّ

- و به قال الشافعي(2) - لأنّا قد بيّنا أنّه لا يجوز تقديم الزكاة إلاّ على جهة القرض، فإذا حال الحول فإن تمّت الشرائط و الدافع و المدفوع إليه على الصفات، كان للمالك احتسابه من الزكاة و الاسترداد على ما اخترناه نحن.

و عند الشافعي يقع زكاة معجّلة، فإن تغيّرت الأحوال لم يسقط عنه الدّين، بل يتأكّد قضاؤه عليه(3).

و قال أبو حنيفة: إنّه متردّد بين أن يقع زكاة أو تطوّعا(4).

و ليس بجيّد، لأنّ المالك لم يقصد التطوّع، فلا ينصرف إلى غير ما قصده.

مسألة 218: إذا تسلّف الساعي الزكاة،
اشارة

فبعد الحول إن لم يتغيّر الحال في المال و الدافع و المدفوع إليه، فعلى ما اخترناه نحن من أنّها قرض لا زكاة معجّلة، للمالك استرجاعها منه، و دفعها إلى غيره، أو دفع عوضها، أو احتسابها من الزكاة، و للمدفوع إليه دفع المثل أو القيمة و إن كره المالك، لأنّه قرض.

و عند القائلين بأنّها زكاة معجّلة يقع الدفع موقعه و يجزئ، و ليس للمالك انتزاعها منه(5).

ص: 305


1- المهذب للشيرازي 174:1، المجموع 159:6، و 537:5 و 538، حلية العلماء 138:3، المغني 502:2، الشرح الكبير 684:2.
2- حلية العلماء 137:3.
3- حلية العلماء 136:3.
4- حلية العلماء 137:3، بدائع الصنائع 52:2.
5- المغني 500:2، و الشرح الكبير 683:2.

و إن تغيّرت حال المالك فمات قبل الأجل أو نقص النصاب أو ارتدّ لم يقع ما دفعه زكاة، و له استرجاعه - و به قال الشافعي و أحمد(1) - لأنّه مال دفعه عمّا يستحقّه القابض في الثاني(2) ، فإذا طرأ ما يمنع الاستحقاق وجب الردّ، كما لو دفع اجرة في سكنى دار فانهدمت. و لأنّه دفع على أنّها زكاة واجبة و قد ظهر البطلان.

و قال أبو حنيفة: ليس له استرجاعه إلاّ أن يكون في يد الإمام أو الساعي، لأنّها وصلت إلى يد الفقير، فلم يكن له استرجاعها، كما لو لم يشترط، لأنّه زكاة معجّلة(3).

و الفرق أنّه إذا لم يشترط التعجيل احتمل أن يكون تطوعا، فلم يقبل قوله في الرجوع.

و إن تغيّرت حال الفقير بأن يستغني بغير الزكاة، أو يرتدّ، فإنها لا تجزئ، و يجب استرجاعها ليدفعها إلى مستحقّها - و به قال الشافعي(4) و أحمد(5) - لأنّ ما كان شرطا في إجزاء الزكاة إذا (عدم)(6) قبل حلول الحول لم يجزئ كما لو مات رب المال.

و قال أبو حنيفة: وقعت موقعها، لأنّ تغيّر حال الفقير بعد وصول الزكاةه.

ص: 306


1- المجموع 155:6، فتح العزيز 539:5، حلية العلماء 135:3، المغني 501:2، الشرح الكبير 684:2.
2- أي: في العام القابل.
3- بدائع الصنائع 52:2، فتح العزيز 539:5، حلية العلماء 135:3.
4- المهذب للشيرازي 174:1، المجموع 154:6، فتح العزيز 535:5، المغني 500:2، الشرح الكبير 683:2.
5- يظهر من المغني 500:2، و الشرح الكبير 683:2، أنّ قول أحمد موافق لقول أبي حنيفة و مخالف لرأي المصنّف، و الشافعي. فلاحظ.
6- ورد بدل ما بين القوسين في النسخ الخطية المعتمدة في التحقيق، و الطبعة الحجرية: (تقدّم) و الصحيح - كما يقتضيه السياق - ما أثبتناه.

إلى يده لا يمنع من إجزائها، كما لو استغنى بها(1).

و الفرق: أنّه إذا استغنى بها حصل المقصود بالدفع، فلم يمنع ذلك من إجزائها.

فروع:

أ - لو مات المدفوع إليه جاز الاحتساب من الزكاة بعد الحول، لأنّ قضاء الدّين عن الميت من الزكاة سائغ على ما أوضحناه. و لأنّه من سبيل اللّه.

و منع الشافعي من ذلك(2). و ليس بمعتمد.

ب - قال الشيخ: إذا عجّل الزكاة لمسكين ثم حال الحول و قد أيسر، فإن كان من هذا المال مثل أن كانت ماشية فتوالدت، أو مالا فاتّجر به و ربح، وقعت موقعها، و لا يجب استرجاعها، لأنّه يجوز أن يعطيه ما يغنيه، لقول الصادق عليه السلام: «أعطه و أغنه»(3).

و لأنّا لو استرجعناها منه افتقر و صار مستحقّا للإعطاء، و يجوز أن تردّ عليه، و إذا جاز ذلك جاز أن يحتسب به.

و إن كان قد أيسر بغير هذا المال بأن ورث أو غنم أو وجد كنزا، لم تقع موقعها، و وجب استرجاعها، أو إخراج عوضها، لأنّ ما أعطاه كان دينا عليه، و إنّما تحتسب عليه بعد حول الحول، و في هذه الحال لا يستحق الزكاة، لغنائه، فلا تحتسب له(4).

و في قول الشيخ إشكال، أمّا أوّلا: فلأنّ نماء المدفوع يقع ملكا

ص: 307


1- بدائع الصنائع 52:2، المغني 500:2، الشرح الكبير 683:2، حلية العلماء 137:3.
2- المهذب للشيرازي 174:1، المجموع 154:6، فتح العزيز 535:5، حلية العلماء 136:3.
3- نقله الشيخ الطوسي بالمعنى، و انظر: الكافي 548:3-3 و 4، و التهذيب 63:4-170 و 64-174.
4- المبسوط للطوسي 230:1.

للقابض، لأنّه قرض على ما تقدّم، و نماء القرض لمالكه، فإذا كان النماء موجبا للغناء لم يجز صرف الزكاة إليه كما لو كان غنيا بغيره.

و أمّا ثانيا: فلأنّ ما يأخذه على سبيل القرض يملكه المقترض، و يخرج عن ملك الدافع، فلا يكون محسوبا من النصاب، فيجب على المالك زكاة ما في يده إن كان نصابا، و لا يضمّ إليه ما أخذه القابض.

ج - إنّما يكون له الرجوع في موضعه إذا شرط حالة الدفع ثم ظهر الخلاف على ما يأتي.

مسألة 219: إذا تسلّف الساعي الزكاة، و تغيّرت الحال،

و حكمنا باسترداد المدفوع، فإن كان باقيا بحاله استرجعه إن شرط حالة الدفع أنّها زكاة معجّلة، لفساد الدفع عندنا، و لفوات شرط الاستحقاق عند من سوّغه.

و إن كان قد زاد زيادة متصلة كالسمن ردّ العين مع الزيادة، لأنّها تابعة لها، و إن كانت منفصلة كالولد ردّه أيضا مع العين، لفساد الدفع.

و قال الشافعي: لا يستردّ النماء، لأنّها حدثت في ملك الفقير(1). و هو ممنوع.

نعم لو دفعها قرضا ملكها الفقير، و لم يكن له الرجوع في العين، بل يطالب بالمثل أو القيمة سواء زادت أو لا، و النماء المنفصل للفقير حينئذ، لأنّه نماء ملكه.

و لو كانت العين ناقصة لم يضمن النقصان لفساد الدفع، فكانت العين أمانة في يده، أمّا لو قبضها قرضا فإنّه يضمن النقصان.

و قال الشافعي في الأم: لا يضمنها، لأنّ النقص حدث في ملكه فلا يضمنه(2).

ص: 308


1- الام 21:2، المهذب للشيرازي 174:1، المجموع 152:6، فتح العزيز 543:5.
2- الام 21:2 و عنه في فتح العزيز 543:5.

و له آخر: الضمان، لأنّ من ضمن القيمة عند التلف ضمن النقص(1).

و لو كانت العين تالفة، فإن كان لها مثل وجب المثل و إلاّ القيمة.

و متى يعتبر؟ قال الشيخ: يوم القبض، لأنّه قبض العين على جهة القرض، فيلزمه قيمة يوم القبض(2).

و هو حقّ إن دفعها على جهة القرض، أمّا لو دفعها على أنّها زكاة معجّلة فإنّ الدفع يقع فاسدا، و الملك باق على مالكه.

و للشافعي قولان: أحدهما: أنّه تعتبر القيمة يوم القبض - و به قال أحمد - لأنّ ما زاد بعد ذلك أو نقص فإنّما كانت في ملكه فلم يضمنه، كما لو تلف الصداق في يد المرأة ثم طلّقها فإنّها تضمن نصيبه يوم القبض.

و الثاني: يضمنه يوم التلف(3) ، لأنّ حقّه انتقل من العين إلى القيمة بالتلف، فاعتبر يوم التلف كالعارية، بخلاف الصداق، فإنّ حقّه في المسمّى خاصة، و لهذا لو زاد الصداق لم يرجع في العين مع الزيادة المتصلة و المنفصلة، فافترقا.

إذا عرفت هذا، فإن استرجع المدفوع بعينه ضمّ إلى ماله، و أخرج زكاته إن كان قد دفع على أنّها زكاة معجّلة، لبقاء الملك على ربّه، و تمكّنه من أخذه، و به قال الشافعي(4).

و بعض أصحابه قال: إن كان غير الحيوان ضمّه كما يضمّ الدّين الى ماله، و إن كان حيوانا لم يضمّه، لأنّه لمّا استغنى الفقير زال حكم الزكاة فيها،3.

ص: 309


1- المهذب للشيرازي 174:1، المجموع 153:6، فتح العزيز 543:5، حلية العلماء 136:3.
2- المبسوط للطوسي 229:1.
3- المهذب للشيرازي 174:1، المجموع 151:6، فتح العزيز 542:5، حلية العلماء 136:3، المغني 501:2، الشرح الكبير 684:2.
4- المهذب للشيرازي 174:1، حلية العلماء 136:3.

و تعلّق حقّه بعينها، و لم يملكها إلا بالرجوع فيها، فانقطع حكم الحول فيها(1).

و إن استرجع القيمة لم يضمّها الى ماله، لأنّه تجدّد ملكه عليها، و لم يكن حكمها حكم ماله.

مسألة 220: إذا عجّل الزكاة إلى فقير حال الدفع ثم استغنى بغير الزكاة ثم افتقر

فحال الحول و هو فقير، جاز له أن يحتسب من الزكاة، لأنّ الاعتبار بحال الدفع و حال الحول، و إذا كان حال الدفع فقيرا حصل المقصود بالدفع، و إذا كان فقيرا حال الحول فهو ممّن يجوز دفع الصدقة إليه فيجزئه، و لا اعتبار بما بينهما، و هو أحد وجهي الشافعي(2).

و في الثاني: لا يجزئ(3) ، لأنّه بالاستغناء بطل قبضه، فصار كما لو دفعها إلى غني ثم صار فقيرا عند الحول.

و نمنع الحكم في الأصل.

و لو دفعها إلى غني إلاّ أنّه افتقر حال الحول، فالوجه الإجزاء، لأنّ الاعتبار إنّما هو بالحول، و هو حينئذ ممّن يستحقّ الزكاة.

و قال الشافعي: لا يجوز(4) ، لأنّ التعجيل جاز للإرفاق، فإذا لم يكن من أهله لم يصح التعجيل.

و ينتقض عليهم: بما لو أوصى لوارث ثم تغيّرت حاله(5) فمات و هو غير وارث، فإنّها تصح الوصية عندهم(6) اعتبارا بحال نفاذها. و لأنّه لا فائدة في

ص: 310


1- المهذب للشيرازي 174:1، حلية العلماء 136:3.
2- المهذب للشيرازي 174:1، المجموع 154:6، فتح العزيز 535:5، حلية العلماء 137:3.
3- المهذب للشيرازي 174:1، المجموع 154:6، فتح العزيز 535:5، حلية العلماء 137:3.
4- المجموع 156:6.
5- بارتداد مثلا.
6- لم نعثر عليه في مظانّه.

استعادتها منه ثم دفعها إليه.

مسألة 221: إذا عجّل الزكاة ثم تلف ماله قبل الحول

بطل الحول، و سقطت الزكاة عنه، و له الرجوع فيما دفعه إن كان حين الدفع قال:

هذه صدقة مالي عجّلتها أو زكاة مالي عجّلتها، لأنّه دفع دفعا مشروطا لا مطلقا، و قد ظهر بطلانه، فله الاستعادة.

و إن قال: هذه زكاة مالي، أو صدقة مالي، و أطلق، لم يكن له أن يرجع فيها، قاله الشيخ(1) - و هو مذهب الشافعي(2) - لأنّه إذا قال: هذه زكاة مالي، كان الظاهر أنّها واجبة عليه، و احتمل أن يكون عن هذا المال و عن غيره.

و إذا قال: هذه صدقة، كان الظاهر أنّها صدقة في الحال إمّا واجبة أو تطوّع.

فإن ادّعى علم المدفوع إليه أنّها معجّلة، كان له إحلافه، لأنّ المدفوع إليه منكر لو اعترف بما قاله الدافع وجب عليه ردّ ذلك، فإذا أنكره و ادّعى علمه احلف، كمن يدّعي على ورثة الميت دينا عليه، و هو أحد وجهي الشافعي.

و في الثاني: لا يحلف، لأنّ دعوى الدافع يخالف ظاهر قوله فلم يسمع(3).

لا يقال: ألا جعلتم القول قول الدافع، لأنّه أعلم بنيّته، كما لو دفع مالا و قال: إنّه قرض، و قال المدفوع إليه: إنّه هبة، فالقول قول الدافع، و كما لو قضى أحد الدينين و ادّعى القابض قضاء الآخر، قدّم قول الدافع.

لأنّا نقول: إنّما كان القول في هاتين قول الدافع، لأنّه لا يخالف الظاهر، فكان أولى، و في مسألة الزكاة قول الدافع يخالف الظاهر، لأنّ الزكاة

ص: 311


1- المبسوط للطوسي 231:1.
2- المهذب للشيرازي 173:1-174، المجموع 150:6، مغني المحتاج 417:1.
3- المجموع 150:6، فتح العزيز 540:5.

ظاهرة في الوجوب، و المعجّلة ليست زكاة في الحال، فلم يقبل قوله.

أمّا الوالي إذا أطلق و كانت معجّلة، فإنّ له الرجوع، لأنّه نائب عن الفقراء، فيقبل قوله عليهم، و رب المال يدّعيها لنفسه، فلم يقبل قوله.

إذا ثبت هذا، فالدافع أعرف بنيّته إن كان صادقا و تمكّن من الاستيفاء، كان له ذلك، و إلاّ فلا. و لو علم الفقير ذلك وجب عليه الردّ مع الطلب و إن كان مستحقّا و لم يتغيّر الحال.

مسألة 222: قد بيّنا أنّه لا يجوز أن يعجّل الزكاة قبل إكمال النصاب

عند المجوّزين، فلو كان معه مائتا شاة فعجّل زكاة أربعمائة عن المائتين الموجودة و عمّا تتوالد، فتوالدت و بلغت أربعمائة لم تجزئ إلاّ عن المائتين عند القائلين منّا بالتعجيل - و هو أحد وجهي الشافعي(1) - لأنّها لم توجد في ملكه، فأشبه ما إذا زكّى مائتي درهم قبل حصولها.

و الثاني: الإجزاء، لأنّ السخال تابعة للأمّهات، فإذا سلف عنها مع وجود الأمّهات صار ذلك كوجودها(2).

و لو كان عنده عشرون من الغنم حوامل، فعجّل شاة عنها و عن أولادها، فتوالدت و بلغت أربعين، لم تجزئ، لأنّها لا تتبع ما دون النصاب، و به قال الشافعي(3).

و لو كان معه سلعة للتجارة قيمتها مائتان، فأخرج زكاة أربعمائة، ثم زادت قيمتها، و صارت أربعمائة عند الحول، لم يجزئه عندنا، لما تقدّم.

و قال الشافعي: يجزئه، لأنّ الواجب في قيمة العرض، و الاعتبار بالقيمة في آخر الحول دون غيره، و لهذا لو نقصت القيمة ثم زادت لم ينقطع الحول(4).

ص: 312


1- المهذب للشيرازي 173:1، المجموع 148:6، حلية العلماء 134:3.
2- المهذب للشيرازي 173:1، المجموع 148:6، حلية العلماء 134:3.
3- انظر: فتح العزيز 531:5، و المجموع 146:6.
4- فتح العزيز 532:5، المهذب للشيرازي 173:1.

و كذا لو كان معه أقلّ من نصاب للتجارة، فأخرج خمسة دراهم، و زادت القيمة، و بلغت نصابا، أجزأه(1).

و عندنا أنّ النصاب معتبر في أول الحول إلى آخره في القيمة، فلهذا قلنا بعدم الإجزاء.

و لو كان معه مائتا درهم فعجّل منها خمسة، فلمّا دنا الحول أتلف منها درهما انقطع الحول، و سقطت الزكاة عنه، لقصور المال عن النصاب، و له أن يرجع فيما عجّله إذا شرط أنّه زكاة معجّلة، لأنّ الزكاة لم تجب عليه.

و لا فرق في النقصان قبل الحول بين التفريط و عدمه، و لهذا نمنع وجوب الزكاة، و هو أحد وجهي الشافعية.

و الثاني: ليس له، لأنّه مفرط في ذلك، قاصد لاسترجاع ما عجّله، فلم يكن له الرجوع(2).

و قد تقدّم أنّ التفريط لا يمنع الرجوع.3.

ص: 313


1- المهذب للشيرازي 173:1، المجموع 146:6 و 148.
2- فتح العزيز 542:5، حلية العلماء 136:3.

ص: 314

الفصل الثالث في المخرج
مسألة 223: يجوز أن يتولّى المالك الإخراج بنفسه في الأموال كلّها،

سواء كانت ظاهرة أو باطنة، و إن كان الأفضل في الظاهرة صرفها إلى الإمام أو الساعي، ليتولّيا تفريقها، عند علمائنا - و به قال الحسن و مكحول و سعيد بن جبير و ميمون بن مهران و الثوري و طاوس و عطاء و الشعبي و النخعي و أحمد و الشافعي في أحد القولين(1) - لأنّها حق لأهل السّهمان، فجاز دفعه إليهم، لأنّهم المستحقّون كسائر الحقوق، و كالدّين إذا دفعه إلى مالكه، و كالزكاة الباطنة. و لأنّه أحد نوعي الزكاة، فأشبه الآخر.

و لقول الصادق عليه السلام: «لو أنّ رجلا حمل زكاته على عاتقه فقسّمها علانية كان ذلك حسنا جميلا»(2).

و قال مالك: لا يفرّق الأموال الظاهرة إلاّ الإمام - و به قال أبو حنيفة

ص: 315


1- المغني 505:2 و 506، الشرح الكبير 671:2، المهذب للشيرازي 175:1، المجموع 164:6، حلية العلماء 141:3.
2- الكافي 501:3-16، التهذيب 104:4-297.

و الشافعي في أحد القولين(1) - لقوله تعالى خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ (2).

و لأنّ أبا بكر طالبهم بالزكاة و قاتلهم عليها، و قال: لو منعوني عناقا كانوا يؤدّونه إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لقاتلتهم عليها. و وافقه الصحابة على هذا(3).

و لأنّ ما للإمام قبضه بحكم الولاية لا يجوز دفعه إلى المولّى عليه كولي اليتيم(4).

و الجواب: نقول بموجب الآية، فإنّها تدلّ على أنّ للإمام أخذها، و لا خلاف فيه.

و مطالبة أبي بكر، لمنعهم، و لو أدّوها إلى مستحقّها لم يقاتلهم.

و إنّما يطالب الإمام بحكم الولاية و النيابة عن مستحقّها، و إذا دفعها إليهم جاز، لأنّهم أهل رشد، فجاز الدفع إليهم، بخلاف اليتيم.

إذا ثبت هذا، فإنّ المالك يتخيّر في الصرف إلى الإمام أو العامل أو المساكين أو الوكيل، لأنّه فعل تدخله النيابة فجاز التوكيل فيه.

مسألة 224: الأفضل أن تدفع زكاة الأموال الظاهرة إلى الإمام العادل،

و به قال الباقر عليه السلام و الشعبي و الأوزاعي و أحمد(5) - لأنّ الإمام أعلم بمصارفها، و دفعها إليه يبرئه ظاهرا و باطنا، لاحتمال أن يكون الفقير غير مستحق، و يزيل التهمة عنه في منع الحق، و لأنّه يخرج من الخلاف.

ص: 316


1- بدائع الصنائع 35:2، المغني 506:2، الشرح الكبير 672:2، المهذب للشيرازي 175:1، المجموع 164:6، حلية العلماء 141:3.
2- التوبة: 103.
3- صحيح البخاري 131:2، سنن البيهقي 114:4.
4- المنتقى - للباجي - 94:2، المغني 506:2، الشرح الكبير 672:2، حلية العلماء 141:3.
5- المغني 506:2، الشرح الكبير 671:2-672.

و قال بعض الجمهور: الأفضل أن يفرّقها بنفسه، لما فيه من توفير أجر العمالة و صيانة الحق عن خطر الخيانة و مباشرة تفريج كربة مستحقّها و إغنائه بها، مع إعطائها الأولى بها من محاويج أقاربه و ذوي رحمه و صلة الرحم بها فكان أفضل(1).

و لو تعذّر الصرف إلى الإمام حال الغيبة استحب دفعها إلى الفقيه المأمون من الإمامية، لأنّه أبصر بمواقعها. و لأنّه إذا دفعها إلى الإمام أو الفقيه برئ لو تلفت قبل التسليم، لأنّ الإمام أو نائبه كالوكيل لأهل السّهمان، فجرى مجرى قبض المستحقّ.

مسألة 225: لو طلب الإمام الزكاة منه وجب دفعها إليه

إجماعا منّا، لأنّه معصوم تجب طاعته و تحرم مخالفته، فلو دفعها المالك إلى المستحقّين بعد طلبه و إمكان دفعها إليه فقولان لعلمائنا: الإجزاء - و هو الوجه عندي - لأنّه دفع المال إلى مستحقّه، فخرج عن العهدة، كالدّين إذا دفعه الى مستحقّه.

و عدمه، لأنّ الإخراج عبادة لم يوقعها على وجهها، لوجوب الصرف إلى الإمام بالطلب، فيبقى في عهدة التكليف. و لا خلاف في أنّه يأثم بذلك.

مسألة 226: الطفل و المجنون إن أوجبنا الزكاة في مالهما أو قلنا باستحبابها فالولي هو المتولّي للإخراج،

و حكم الولي هنا حكم المالك، إن شاء فرّقها بنفسه، و إن شاء دفعها إلى الساعي أو إلى الإمام، و كذا الوكيل في الدفع له أن يدفع إلى الفقراء و إلى الإمام و إلى الساعي.

و لو أمره المالك بالمباشرة، فإن دفع الى الإمام العادل برئ، لأنّه أولى بالمؤمنين من أنفسهم، و إن دفعها إلى الساعي فالوجه الضمان، للمخالفة.

مسألة 227: يجب أن ينصب الإمام عاملا لقبض الصدقات،

لأنّه من الأمر بالمعروف، و من المصالح التي تشتد الحاجة إليها من الفقراء

ص: 317


1- قاله ابنا قدامة في المغني 506:2-507، و الشرح الكبير 672:2.

للانتفاع، و من المالك لتخليص ذمته من الحقّ.

و يجب الدفع إليه مع طلبها، لأنّه كالنائب للإمام، و أمره مستند إلى أمره و لمّا كان امتثال أمر الإمام واجبا فكذا أمر نائبه.

و لقوله تعالى خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً (1) و الأمر بالأخذ يستلزم الأمر بالإعطاء.

مسألة 228: و ليس للعامل أن يتولّى تفريق الصدقة إلاّ بإذن الإمام،

لأنّه لا ولاية له إلاّ من قبله عليه السلام، فتختص ولايته بما قصرها عليه، فإن فوّض إليه ذلك جاز.

ثم إن عيّن له الإمام الصرف إلى أقوام معيّنين على التفضيل أو التسوية، لم يجز التخطّي(2) ، فإن تخطّى الى غيرهم أو فضّل و قد أمر بالتسوية أو بالعكس، ضمن القدر الذي فرّط فيه خاصة، و إن أطلق تصرّف هو كيف شاء ممّا يبرئ المالك.

و لو عيّن له المالك و عيّن له الإمام أيضا، و اختلف المحل أو التقسيط اتّبع تعيين الإمام خاصة.

و مع إطلاق الإمام و تعيين المالك هل يجوز له التخطّي(3) الى غير من عيّنه المالك ؟ إشكال ينشأ من أنّ للمالك التخيير لا لغيره، و من زوال ولايته بالدفع إلى الساعي.

إذا عرفت هذا، فإذا أذن الإمام في التفريق و أطلق، جاز أن يأخذ نصيبه من تحت يده، لأنّه أحد المستحقّين و قد أذن له في الدفع إليهم، فيندرج تحت الإذن كغيره.

مسألة 229: و إذا بعث الإمام الساعي لم يتسلّط على أرباب المال،

بل يطلب منهم الحقّ إن كان عليهم، فإن قال المالك: أخرجت الزكاة، أو

ص: 318


1- التوبة: 103.
2- في النسخ الخطيّة و الحجرية: التخطئة. و الصحيح ما أثبتناه.
3- في النسخ الخطيّة و الحجرية: التخطئة. و الصحيح ما أثبتناه.

لم يحل على مالي الحول، أو أبدلته، صدّقه من غير يمين، خلافا للشافعي(1) ، على ما تقدّم.

و لا يلزم المالك أن يدفع من خيار ماله، و لا يقبل منه الأدون، بل يؤخذ الأوسط، و يقسّم الشياه قسمين عندنا، و يخيّر المالك حتى تبقى الفريضة.

و قال بعض الجمهور: يقسّم ثلاثة أقسام: أجود و أدون و أوسط، و تؤخذ الفريضة من الأوسط(2).

و قولنا أعدل، لأنّ فيه توصّلا إلى الحقّ من غير تسلّط على أرباب الأموال.

مسألة 230: و ينبغي أن يخرج العامل في أخذ صدقة الثمار و الغلاّت عند كمالها و قطفها

و جذاذها و تصفيتها، و الناحية الواحدة لا تختلف زروعها اختلافا كثيرا، و أمّا ما يعتبر فيه الحول فيخرج في رأس الحول استحبابا، لتنضبط الأحوال.

فإذا قدم العامل فإن كان حول الأموال قد تمّ، قبض الزكاة، و إن كان فيهم من لم يتمّ حوله وصّى عدلا ثقة يقبض الصدقة منه عند حلولها، و يفرّقها في أهلها إن أذن له الإمام دفعا لحرج العود.

و إن رأى أن يكتبها دينا عليه ليأخذ من قابل، فالوجه المنع، خلافا للشافعي(3).

و إن أراد أن يرجع في وقت حلولها لقبضها كان أولى.

و لا يكلّف أرباب الأموال أن يجلبوا المواشي إليه ليعدّها، و لا يكلّف الساعي أن يتبعها في مراتعها، لما فيه من المشقة، بل يقصد الساعي موارد

ص: 319


1- المهذب للشيرازي 176:1، المجموع 174:6، حلية العلماء 142:3.
2- حكاه المحقق في المعتبر: 276.
3- المهذب للشيرازي 176:1، المجموع 173:6.

المياه أو مراحها، فإن تعدّدت الموارد كلّف أربابها الاجتماع في موضع واحد إذا كان يكفيها ليخفّ على الساعي من غير ضرر على أربابها، فإذا أراد عدّها ضمّ الغنم إلى حيطان أو جدار أو جبل، ثم يحصرها حتى لا يكون لها طريق إلاّ ما تمرّ فيه شاة شاة أو شاتين شاتين.

فإذا عدّها و ادّعى المالك الخطأ، و أنّها أقلّ، عدّت مرة ثانية و ثالثة، و كذا لو ظن العادّ أنّه أخطأ.

و لو أخبره المالك بالعدد و كان ثقة، قبل منه. و هو قول الشافعي(1).

مسألة 231: إذا فرّق المالك الزكاة بنفسه، لم يخرج نصيب العامل،

لأنّه لم يعمل فلم يستحق شيئا. و كذا لو فرّق الإمام بنفسه أو نائبه، و لا نعلم فيه خلافا. و لو فرّقها الساعي (أو الإمام)(2) فلا بحث.

و إن احتاج الساعي إلى بيعها لمصلحة من إزالة كلفة في نقلها أو مرضها أو نحوه، كان له ذلك، لأنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله رأى في إبل الصدقة كوماء(3) ، فسأل عنها، فقال المصدّق: إنّي ارتجعتها بإبل، فسكت(4).

و الرجعة: أن يبيعها و يشتري بثمنها مثلها أو غيرها.

فإن لم تكن حاجة إلى بيعها، احتمل جوازه، لسكوته صلّى اللّه عليه و آله حين أخبره المصدّق بارتجاعها، و لم يستفصل. و عدمه، لأنّه مال الغير، فيبطل البيع، و عليه الضمان.

مسألة 232: و يستحب للعامل أن يسم نعم الصدقة

- و به قال الشافعي(5) - لما روي أنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله كان يسم الإبل في

ص: 320


1- المجموع 170:6.
2- كذا في النسخ الخطية و الطبعة الحجرية. و الصحيح: بإذن الإمام
3- كوماء: الناقة العظيمة السنام. غريب الحديث - للهروي - 84:3.
4- أورد ما بمعناه، ابن أبي شيبة في مصنّفه 125:3 و 126.
5- المهذب للشيرازي 176:1، المجموع 176:6، حلية العلماء 143:3.

إفخاذها، و وسم الغنم في آذانها(1). و عليه إجماع الصحابة.

و لأنّ الحاجة تدعو إليه في تمييز إبل الصدقة من إبل الجزية و غيرها، و ربما شردت فعرفها من وجدها فردّها، و ربما رآها المالك فيكره شراءها.

و قال أبو حنيفة: يكره، لأنّه مثلة(2). و فعل النبي عليه السلام أولى.

و يستحب أن توسم في المواضع الصلبة المنكشفة كأفخاذ الإبل و آذان الغنم، و أن يكتب على الميسم ما تؤخذ له، فعلى إبل الزكاة زكاة أو صدقة.

و على إبل الجزية جزية أو صغار. و لو كتب عليها للّه، كان أبرك و أولى.

مسألة 233: لا يجوز دفع الزكاة إلى ولاة الجور

عند علمائنا أجمع، لانتفاء ولايتهم و استحقاقهم لها، فلا سبب يقتضي تسويغ الدفع إليهم.

و لقوله تعالى وَ لا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا (3) و الجائر ظالم، و دفع الزكاة إليه ركون اليه، فيبقى في عهدة التكليف.

و قال الشافعي: يجوز الدفع الى ولاة الجور سواء عدل فيها أو جار، و سواء أخذها قهرا أو دفعها اليه اختيارا. و به قال أحمد و أبو ثور(4).

و اختلفوا، فقال أبو علي الطبري: دفعها الى الجائر أولى(5) ، لما روي عن النبي صلّى اللّه عليه و آله: (ستكون بعدي أمور تنكرونها) فقالوا: ما نصنع ؟ فقال: (أدّوا حقّهم و اسألوا اللّه حقّكم)(6).

ص: 321


1- صحيح البخاري 126:7، صحيح مسلم 1674:3-110-112، سنن ابن ماجة 1180:2-3565، مسند أحمد 171:3 و 254 و 259.
2- المجموع 176:6، حلية العلماء 143:3، عمدة القارئ 107:9، فتح الباري 286:3.
3- هود: 113.
4- المهذب للشيرازي 175:1، المجموع 164:6، المغني 507:2، الشرح الكبير 673:2.
5- لم نجده في مظانّه من المصادر المتوفّرة لدينا.
6- صحيح مسلم 1472:3-1843، المعجم الصغير للطبراني 80:2، مسند أحمد 428:1 نحوه.

و لأنّ أبا صالح قال: أتيت سعد بن أبي وقاص فقلت: عندي مال و أريد أن اخرج زكاته و هؤلاء القوم على ما ترى فما تأمرني ؟ فقال: ادفعها إليهم، فأتيت ابن عمر فقلت فقال [مثل](1) ذلك، فأتيت أبا هريرة فقال مثل ذلك، فأتيت أبا سعيد الخدري فقال مثل ذلك(2).

و لا حجة فيه، لأنّه ليس إجماعا، و لجواز علم الإكراه. و كذا في حديث النبي صلّى اللّه عليه و آله إن حمل على الزكاة.

مسألة 234: إذا أخذ الجائر الزكاة، قال الشيخ: لم يجزئ عنه

(3) ، لأنّ أبا أسامة قال للصادق عليه السلام: جعلت فداك هؤلاء المصدّقون يأتوننا فيأخذون منّا الصدقة نعطيهم إيّاها؟ فقال: «لا، إنّما هؤلاء قوم غصبوكم، أو قال: ظلموكم و إنّما الصدقة لأهلها»(4).

و قال في التهذيب: الأفضل إعادتها(5). و هو يعطي الجواز، و به قال الشافعي و أحمد(6) ، لقول الصادق عليه السلام في الزكاة: «ما أخذ منكم بنو أمية فاحتسبوا، و لا تعطوهم شيئا ما استطعتم، فإنّ المال لا يبقى [على هذا](7) أن يزكّى مرتين»(8).

و قال أبو حنيفة: تجزئ فيما غلبوا عليه. و قال: إذا مرّ على الخوارج

ص: 322


1- زيادة يقتضيها السياق.
2- سنن البيهقي 115:4، و المغني 506:2، و الشرح الكبير 672:2.
3- الخلاف 32:2، المسألة 32.
4- التهذيب 40:4-101، الاستبصار 27:2-78.
5- التهذيب 39:4.
6- المهذب للشيرازي 175:1، المجموع 164:6 و 165، المغني 507:2، الشرح الكبير 673:2.
7- زيادة من المصدر.
8- الكافي 543:3-4، التهذيب 39:4-40-99، الاستبصار 27:2-76.

فعشّروه لا تجزئ عن زكاته(1).

و قال أبو عبيد: في الخوارج يأخذون الزكاة على من أخذوا منه الإعادة، لأنّهم ليسوا بأئمّة، فأشبهوا قطّاع الطريق(2).

و الشافعي قال: إن أخذها إمام غير عادل أجزأت عنه، لأنّ إمامته لم تزل بفسقه(3).

و قال أكثر الفقهاء من المحقّقين و أكثر أصحاب الشافعي: إنّ إمامته تزول بفسقه(4).

و قال أحمد و عامة أصحاب الحديث منهم: لا تزول الإمامة بفسقه(5).

و هذا كلّه عندنا باطل، لأنّ الإمام عندنا يجب أن يكون معصوما، فالدافع إلى غيره مفرّط فيضمن.

أمّا لو أخذها الظالم منه قهرا فالوجه عندي التفصيل، و هو: أنّه إن كان بعد عزل المالك لها و تعيينها، لم يضمن، و أجزأت، لأنّ له ولاية العزل، فتصير أمانة في يده بعد العزل، فإذا غصبت منه لم يضمن كسائر الأمانات، و إن كان قبله لم تجزئ، و لا تجب عليه فيما أخذ الظالم منه قهرا زكاة إجماعا.

مسألة 235: إذا قبض الإمام أو الساعي الصدقة دعا لصاحبها.

و هل هو واجب أو ندب ؟ للشيخ قولان:

أحدهما: الوجوب - و به قال داود(6) - لقوله تعالى وَ صَلِّ عَلَيْهِمْ (7) و الأمر للوجوب(8).

ص: 323


1- المغني 507:2، الشرح الكبير 673:2.
2- المغني 507:2، الشرح الكبير 673:2.
3- حكاها الشيخ الطوسي في الخلاف 32:2-33، المسألة 32.
4- حكاها الشيخ الطوسي في الخلاف 32:2-33، المسألة 32.
5- حكاها الشيخ الطوسي في الخلاف 32:2-33، المسألة 32.
6- المجموع 171:6، عمدة القارئ 94:9، حلية العلماء 147:3.
7- التوبة: 103.
8- الخلاف 125:2، المسألة 155.

و الثاني: الندب(1) - و به قال باقي الفقهاء(2) - عملا بأصالة البراءة، و لأنّه عليه السلام لمّا بعث معاذا الى اليمن قال: (أعلمهم أنّ عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فتردّ في فقرائهم)(3) و لم يأمره بالدعاء.

و لأنّ ذلك لا يجب على الفقير المدفوع إليه فالنائب أولى.

و أمّا الاستحباب: فللآية.

و لأنّ عبد اللّه بن أبي أوفى قال: كان أبي من أصحاب الشجرة، و كان النبي صلّى اللّه عليه و آله إذا أتاه قوم بصدقتهم قال: (اللّهم صلّ على آل فلان) فأتاه أبي بصدقته، فقال: (اللّهمّ صلّ على آل أبي أوفى)(4) و الصلاة هنا الدعاء و التبرك.

مسألة 236: يكره أن يملك الإنسان ما تصدّق به اختيارا

كالشراء و شبهه من عقود المعاوضات عليه، و يجوز من غير كراهة تملّكه بميراث و شبهه، كقبضه في دين إذا دفعه الفقير، لوجوبه حينئذ.

و ليس الأول بحرام عند علمائنا أجمع - و به قال الشافعي و أصحاب الرأي(5) - لقوله عليه السلام: (لا تحلّ الصدقة لغني إلاّ لخمسة: رجل

ص: 324


1- المبسوط للطوسي 244:1.
2- المغني 508:2، الشرح الكبير 675:2، المهذب للشيرازي 176:1، المجموع 6: 171، حلية العلماء 147:3.
3- صحيح البخاري 147:2، سنن أبي داود 104:2-105-1584، سنن الدارقطني 136:2-4.
4- صحيح البخاري 159:2 و 90:8 و 96، صحيح مسلم 756:2-757-1078، سنن ابن ماجة 572:1-1796، سنن أبي داود 106:2-1590، سنن النسائي 31:5، مسند أحمد 353:4، 355، 381، 383، سنن البيهقي 152:2، و 4: 157 و 5:7.
5- المجموع 241:6، المغني 513:2.

ابتاعها بماله)(1).

و تصدّق رجل على امّه بصدقة ثم ماتت، فسأل النبي صلّى اللّه عليه و آله فقال: (قد قبل اللّه صدقتك و ردّها إليك الميراث)(2) و هو في معنى الشراء.

و من طريق الخاصة قول الصادق عليه السلام: «فان تتبّعت نفس صاحب الغنم [من النصف الآخر منها شاة أو شاتين أو ثلاثا فليدفعها إليهم ثم ليأخذ صدقته](3) فإذا أخرجها (فليقوّمها)(4) فيمن يريد، فإذا قامت على ثمن فإن أرادها صاحبها فهو أحقّ بها»(5).

و لأنّ ما صحّ أن يملك إرثا صحّ أن يملك ابتياعا كسائر الأموال.

و قال أحمد و مالك و قتادة: يحرم عليه الشراء و لا ينعقد(6).

و قال أصحاب مالك: إن اشتراها لم ينقض البيع(7) ، لأنّ عمر قال:

حملت على فرس في سبيل اللّه، فأضاعه الذي كان عنده، و ظننت أنّه بائعه برخص، فأردت أن أشتريه، فسألت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، فقال:

(لا تبتعه و لا تعد في صدقتك و لو أعطاكه بدرهم، فإنّ العائد في صدقته كالكلب يعود في قيئه)(8).

و لا حجة فيه، لاحتمال كونه حبسا في سبيل اللّه فمنعه لذلك، أو أنّه محمول على الكراهة، لما في الشراء من التوصّل الى استرجاع شيء منها،4.

ص: 325


1- سنن ابن ماجة 590:1-1841، سنن أبي داود 119:2-1635، سنن الدارقطني 121:2-3، مسند أحمد 56:3، سنن البيهقي 15:7 و 22.
2- المغني 513:2 نقلا عن سعيد بن منصور في سننه.
3- زيادة من المصدر.
4- في الكافي: فليقسمها.
5- الكافي 538:3-539-5، التهذيب 98:4-276.
6- المغني 513:2، المنتقى - للباجي - 180:2 و 181.
7- المغني 513:2، المنتقى - للباجي - 180:2 و 181.
8- صحيح البخاري 71:4، صحيح مسلم 1239:3-1620، سنن البيهقي 151:4.

فإنّ الفقير يستحي منه فلا يماكسه في الثمن، و ربما أرخصها له طمعا في أخذ صدقة اخرى منه، و ربما علم أنّه إن لم يبعه إيّاها استرجعها منه، أو توهّم ذلك، و مثل هذا ينبغي اجتنابه.

و قال ابن عبد البر: كلّ العلماء يقولون: إذا رجعت إليه بالميراث طابت له، إلاّ ابن عمر و الحسن بن حي(1).

تذنيب: لو دعت الحاجة إلى الشراء، بأن يكون الفرض جزءا من حيوان لا يمكن الفقير الانتفاع بعينه، و لا يجد من يشتريه سوى المالك، و لو اشتراه غيره تضرّر المالك بالمشاركة، و الفقير بقلّة الثمن، زالت الكراهة و التحريم إجماعا، و كذا كلّ موضع دعت الحاجة إلى البيع.

مسألة 237: قد بيّنا أنّه يجوز الاحتساب من الزكاة في دين على الفقير.

و منع منه أحمد، قال: و لو دفع الى المديون الفقير زكاته فردّها اليه قضاء عمّا عليه، جاز له أخذه إلاّ أن يكون حيلة. قال: فإن استقرض المديون مالا فقضاه ثم ردّه عليه و حسبه من الزكاة، فإن أراد بهذا إحياء ماله، لم يجز(2).

فحصل من كلامه: أنّ دفع الزكاة إلى الغريم جائز سواء دفعها ابتداء أو استوفى حقّه ثم دفع ما استوفاه اليه، إلاّ أنّه متى قصد بالدفع إحياء ماله أو استيفاء دينه لم يجز، لأنّ الزكاة لحقّ اللّه، فلا يجوز صرفها إلى نفعه، و لا يجوز أن يحتسب الدّين الذي له من الزكاة قبل قبضه، لأنّه مأمور بأدائها، و هذا إسقاط.

و الحقّ ما قلناه من جواز ذلك كلّه.

ص: 326


1- المغني 514:2.
2- المغني 515:2.
الفصل الرابع في كيفية الإخراج
اشارة

و مباحثه ثلاثة:

الأول النية
مسألة 238: النية شرط في أداء الزكاة،

فلا تصح من دونها عند علمائنا أجمع، و هو قول عامة أهل العلم(1).

و لأنّه عبادة، فتفتقر إلى النية، لقوله تعالى وَ ما أُمِرُوا إِلاّ لِيَعْبُدُوا اللّهَ مُخْلِصِينَ (2).

و لقوله عليه السلام: (إنّما الأعمال بالنيات)(3) و أداؤها عمل.

و لأنّها عبادة تتنوّع إلى فرض و نفل، فافتقرت إلى النية، كالصلاة و الصوم.

و لأنّ الدفع يحتمل الوجوب و الندب، و الزكاة و غيرها، فلا تتعيّن لأحد الوجوه إلاّ بالنية.

و حكي عن الأوزاعي: أنّ النية لا تجب في الزكاة، لأنّها دين، فلا

ص: 327


1- المغني 502:2، الشرح الكبير 673:2.
2- البيّنة: 5.
3- صحيح البخاري 2:1، سنن ابن ماجة 1413:2-4227، سنن الترمذي 179:4-1647، سنن أبي داود 262:2-2201، مسند أحمد 25:1، سنن البيهقي 341:7.

تجب فيها النية، كسائر الديون، و لهذا يخرجها ولي اليتيم، و يأخذها السلطان من الممتنع(1).

و الفرق ظاهر لانحصار مستحقه، و قضاؤه ليس بعبادة و لهذا يسقط بإسقاط مستحقّه.

و وليّ الطفل و السلطان ينويان عند الحاجة.

مسألة 239: و النية: إرادة تفعل بالقلب مقارنة للدفع،

لأنّها مع (التقدم)(2) تكون عزما.

و يشترط فيها القصد الى الدفع، لأنّه الفعل، و الى مخصّصاته من كون المدفوع زكاة مال أو فطرة، و إلاّ لم ينصرف إلى أحدهما، لعدم الأولويّة.

و الوجه و هو: الوجوب أو الندب. و التقرب إلى اللّه تعالى. و أنّها زكاته.

و الوكيل و الولي و الحاكم و الساعي ينوون زكاة من يخرجون عنه.

و لا يجب أن يذكر عن مال بعينه، و لا تعيين الجنس المخرج عنه، و التلفّظ بالنية.

و قال الشافعي: كيفية النية أن ينوي أنّها زكاة ماله، و إن نوى أنّها واجبة أجزأه(3).

فإن قصد الاقتصار على هذا لا غير، فليس بجيّد، و إن قصد مع انضمام ما شرطناه فهو مسلّم.

و لو نوى الزكاة و لم يتعرض بفرض لم تجزئ عندنا، و هو أحد وجهي الشافعية(4).

ص: 328


1- المغني 502:2، الشرح الكبير 673:2، المجموع 180:6، حلية العلماء 145:3.
2- في «ط»: التقديم.
3- المجموع 181:6، فتح العزيز 523:5.
4- المهذب للشيرازي 177:1، المجموع 181:6، فتح العزيز 523:5، حلية العلماء 146:3.

و اختلف أصحابه في تقديم النية، فجوّز بعضهم، لأنّها عبادة تجوز فيها النيابة بغير عذر، و يجوز تقديمها على وجوبها، فجاز تقديم النية عليها - و هو اختيار أصحاب أبي حنيفة(1) - لأنّ ذلك يؤدّي الى إيقاف أجزائه على نية وكيله، و في ذلك تغرير بماله مع إجازة النيابة و الحاجة إليها.

و قال آخرون: لا يجوز(2) ، كما قلناه، لأنّها عبادة تدخل فيها بفعله، فلا يجوز تقديم النية عليها كالصلاة، و دخول النيابة لا يقتضي جواز تقديم النية عليها كالحج.

و نمنع جواز تقديمها، و قد مضى، سلّمنا، لكن لا يصلح للعلّية، و نوجب نية الوكيل أو نيته عند دفعه.

مسألة 240: الزكاة إن فرّقها المالك تولّى النية حالة الدفع.

و إن دفعها إلى وكيله ليفرّقها، فإن نوى الموكّل حالة الدفع الى الوكيل، و نوى الوكيل حالة دفعه الى الفقراء، أجزأ إجماعا.

و إن لم ينويا معا، بأن ينويا الصدقة دون الزكاة لم يجزئه.

و إن نوى المزكّي حال دفعه إلى الوكيل و لم ينو الوكيل حالة الدفع إلى الفقراء، لم يجزئه عندنا، و هو أحد قولي الشافعية بناء على الوجهين في جواز تقديم النية(3).

و منهم من قال: يجزئه هنا وجها واحدا، لأنّه لمّا أجيزت له النيابة جازت النية عند الاستنابة(4).

و ينتقض بالحج، و لأنّ نية الموكّل لم تقارن الدفع، فوقع الفعل بغير

ص: 329


1- المهذب للشيرازي 177:1، المجموع 182:6، فتح العزيز 527:5، حلية العلماء 145:3، بدائع الصنائع 41:2.
2- المهذب للشيرازي 177:1، المجموع 181:6، فتح العزيز 527:5، حلية العلماء 145:3.
3- المجموع 183:6، فتح العزيز 527:5، حلية العلماء 146:3.
4- المجموع 183:6، فتح العزيز 527:5، حلية العلماء 146:3.

نية، فلا يعدّ عملا.

و لو نوى الوكيل حال الدفع إلى الفقراء و لم ينو الموكّل حال الدفع الى الوكيل لم يجزئه - و به قال الشافعي و أحمد(1) - لأنّ الفرض يتعلّق بالمالك، و الإجزاء يقع عنه.

و يحتمل الإجزاء لو نوى الوكيل، لأنّه نائب عن المالك، و الفعل ممّا تدخله النيابة، فصحّت نية الوكيل كالحج.

أمّا لو لم ينو المالك حالة الدفع إلى الوكيل، و نوى حالة دفع الوكيل إلى الفقراء و لم ينو الوكيل، أجزأ، لأنّ النائب لا اعتبار به مع فعل المنوب ما وقعت فيه النيابة.

مسألة 241: لو دفع المالك الزكاة إلى الإمام أو الى الساعي و نوى حالة الدفع إليهما أجزأ

و إن لم ينو أحدهما حالة الدفع الى الفقراء - و به قال أحمد(2) - لأنّ الإمام وكيل للفقراء.

و لا فرق بين أن يطول زمان دفع الإمام إلى الفقراء و بين أن يقصر.

و الساعي كالإمام، لأنّه نائب عنه، و هو نائب عن الفقراء.

و لو لم ينو المالك حالة الدفع الى الإمام أو الى الساعي و نوى أحدهما حالة الدفع الى الفقراء، قال الشيخ: إن أخذها الإمام أو الساعي منه طوعا لم يجزئه، و إن أخذها أحدهما منه كرها أجزأ(3). و هو قول بعض الشافعية(4) ، لأنّ تعذّر النية في حقّه أسقط وجوبها عنه كالصغير و المجنون، و مع الاختيار يكون الدفع إلى نائب الفقراء بغير نية فلا يجزئ، كما لو دفع الى الفقراء.

ص: 330


1- المجموع 183:6، فتح العزيز 527:5، حلية العلماء 146:3، المغني 503:2، الشرح الكبير 675:2.
2- المغني 503:2، الشرح الكبير 675:2.
3- المبسوط للطوسي 233:1.
4- المجموع 184:6، فتح العزيز 525:5.

قال الشيخ: إنّه حالة التطوع و إن لم تجزئه لكن ليس للإمام مطالبته بها ثانية(1).

و قال الشافعي: تجزئه سواء أخذها الإمام طوعا أو كرها. و فرّق بين دفعها الى الفقراء و بين دفعها الى الإمام، لأنّ أخذ الإمام بمنزلة القسم من الشركاء، فلا يحتاج إلى نية.

و لأنّ الإمام إنّما يأخذ الزكوات الواجبة، لأنّه لا نظر له إلاّ في ذلك، و لا يحتاج إلى نية.

و لأنّ للإمام ولاية الأخذ، و لهذا يأخذها من الممتنع اتّفاقا، و لو لم تجزئه لما أخذها، أو لأخذها ثانيا و ثالثا، لأنّ أخذها إن كان لإجزائها فلا يحصل الإجزاء بدون النية، و إن كان لوجوبها فالوجوب باق بعد أخذها(2).

و قال بعض الشافعية: لا تجزئ فيما بينه و بين اللّه تعالى(3) ، سواء أخذها طوعا أو كرها، لأنّ الإمام إمّا نائب للفقراء فلا يجزئ الدفع اليه بغير نية، كما لو دفع الى الفقراء(4) ، و إمّا نائب عن المالك، فيكون كالوكيل لا يجزئ عنه إلاّ مع نيته.

و لأنّها عبادة فلا تجزئ مع عدم نية من وجبت عليه إذا كان من أهل النية كالصلاة.

و إنّما أخذت منه مع عدم الإجزاء حراسة للعلم الظاهر، كالصلاة يجبر عليها ليأتي بصورتها، و لو صلّى بغير نية لم تجزئه عند اللّه تعالى.

و هو وجه عندي، و معنى الإجزاء: عدم المطالبة بها ثانيا.

و يمكن الفرق: بأنّ الصلاة لا تدخلها النيابة، فلا بدّ من نية فاعلها.ة.

ص: 331


1- المبسوط للطوسي 233:1.
2- الام 23:2، المجموع 184:6، فتح العزيز 525:5.
3- المجموع 184:6-185، فتح العزيز 525:5 و 526.
4- أي: بغير نية.

و قوله: الإمام إمّا وكيل للمالك أو للفقراء.

قلنا: بل هو وال على المالك، و لا يصح إلحاق الزكاة بالقسمة، لأنّها ليست عبادة، و لا تعتبر لها نية، بخلاف الزكاة.

إذا عرفت هذا، ففي كلّ موضع قلنا بالإجزاء مع عدم نية المالك لو لم ينو الساعي أو الإمام أيضا حالة الدفع الى الفقراء، توجّه الإجزاء، لأنّ المأخوذ زكاة و قد تعيّنت بالأخذ.

و يحتمل عدمه، لخلوّ الفعل حينئذ عن نية.

مسألة 242: قد بيّنا أنّه لا يشترط تعيين الجنس المخرج عنه في النية،

فلو كان له مالان و نوى عن أحدهما و لم يعيّنه، أجزأ، سواء كان المدفوع من جنس أحدهما أو من غير جنس شيء منهما، و له صرفه الى أيّ الصنفين شاء سواء خالف أو لا.

و مع اختلاف القيمة وقت الإخراج و الاحتساب و اتّحاد المخرج مع أحد الجنسين إشكال: ينشأ من حصول الضرر للفقراء مع العدول عنه، و من تسويغه لو لم تختلف، فكذا معه.

و على قول المانعين من إخراج القيمة - كالشافعي و من وافقه(1) - يتخرّج الانصراف الى الجنس خاصة.

مسألة 243: يشترط في النية الجزم، و عدم التشريك بين وجهي الفعل،

فينوي الفرض إن كان واجبا، و النفل إن كان تطوّعا، فلو نوى النفل عن الفرض لم يجزئ، لأنّه لم يوقع العبادة على وجهها.

أمّا لو نوى الفرض عن النفل، فالوجه: الإجزاء، لأنّ نية الأقوى تستلزم نية الأضعف.

ص: 332


1- المهذب للشيرازي 157:1، المجموع 428:5 و 431، حلية العلماء 167:3، الشرح الكبير 521:2.

و لو نوى بجميع ما أخرجه الفرض و النفل معا لم يجزئه عن الزكاة و كانت تطوّعا - و به قال الشافعي و محمد بن الحسن(1) - لأنّه شرّك بين الفرض و النفل في نيّته فلم يجزئ عن الفرض كالصلاة، و لأنّ الفعل الواحد لا يقع على جهتين، و لم ينو الفرض، فلم يقع عنه.

و قال أبو يوسف: يجزئه عن الزكاة(2) ، لأنّ النفل لا يفتقر الى تعيين النية، فصار كأنّه نوى الزكاة و الصدقة.

و ليس بصحيح، لما تقدّم.

مسألة 244: لو كان له مال غائب، فأخرج الزكاة،

و قال: إن كان مالي سالما فهذه عنه، أو تطوّع، لم يجزئ عنه إن كان سالما - و به قال الشافعي(3) - لأنّه شرّك بين الفرض و النفل، فلم تتخلّص نية الفرض.

و قال الشيخ في المبسوط: يجزئه(4) و ليس بمعتمد.

و لو قال: إن كان سالما فهذه عنه، و إن كان تالفا فهي تطوع، فكان سالما، أجزأ عنه، لعدم التشريك في النية بين الفرض و النفل، و إنّما رتّب فيها النفل عن الفرض، و نوى كلّ واحد منهما على تقدير لو لم يفعله لوقع لذلك، فإنّه لو نوى أنّها عن ماله، كان ذلك حكمها إن كان تالفا فهي تطوع، فإذا خرج بذلك أجزأه.

و لو أخرج و قال: هذه عن مالي الغائب إن كان سالما، و إن لم يكن سالما فعن مالي الحاضر، أجزأه.

و كذا لو قال: عن مالي الغائب أو الحاضر، فإنّه يجزئه عن السالم منهما، لأنّه لا يجب عليه تعيين الزكاة بمال بعينه، و لهذا لو كان له أربعمائة، فأخرج

ص: 333


1- حلية العلماء 146:3-147، بدائع الصنائع 40:2.
2- حلية العلماء 146:3-147، بدائع الصنائع 40:2.
3- الام 22:2، مختصر المزني: 45، المهذب للشيرازي 177:1، المجموع 182:6، فتح العزيز 524:5.
4- المبسوط للطوسي 232:1.

خمسة دراهم ينوي بها الزكاة أجزأه و إن لم يعيّنها عن إحدى المائتين.

و لو أخرج خمسة دراهم و قال: إن كان قد مات مورّثي فهذه زكاة عمّا ورثته منه، فكان قد ورث عنه، لم يجزئه، لأنّه أخرجها عن غير أصل يبنى عليه النية، بخلاف ما إذا باع مال مورّثه ثم بان أنّه قد ورثه، فإنّه يصح البيع، لأنّه لا يفتقر إلى النية، و الزكاة تفتقر إليها.

و قال الشيخ: يجزئه إن قلنا بوجوب الزكاة في الغائب، و لو لم يكن قد مات ثم مات بعد ذلك، لم يجزئ، لفوات وقت النية(1).

مسألة 245: لو أخرج و قال: هذه عن مالي الغائب إن كان سالما،

و لم يقل غير ذلك، فبان سالما، أجزأه.

و إن بان تالفا، قال الشيخ: لم يكن له النقل الى غيره(2) - و به قال الشافعي(3) - لأنّه عيّنها لذلك المال، فأشبه ما لو كان عليه كفّارة، فأعتق عبدا عن اخرى عيّنها فلم يقع عنها، لم يجزئه عمّا عليه، كما لو كان عليه كفّارة ظهار و يجرح رجلا و يقدّم العتق عن كفّارة القتل، فيبرأ المجروح، فإنّه لا يجزئه صرفها إلى الظهار و إن كان في الابتداء لا يلزمه تعيين الكفّارة بسببها، كذا الزكاة.

و الوجه عندي: الإجزاء، لأنّه نوى ما ليس ثابتا في ذمته، و لم ينو مطلق التطوع، فلم يزل ملكه عنه، فيجوز له العدول الى غيره.

مسألة 246: يجوز الإخراج عن المال الغائب مع الشك في سلامته،

و التمكّن منه، لأنّ الأصل بقاؤه، و تكون نية الإخراج صحيحة إجماعا، فلو دفعها الى الساعي أو الى الإمام باختياره و قال: هذه عن مالي الغائب، فبان تالفا قبل الوجوب، فإن كان المدفوع اليه قد فرّقها، لم يرجع عليه، و له أن يرجع على الفقراء مع بقاء العين، لفساد الدفع، و إن كانت في يده رجع بها،

ص: 334


1- المبسوط للطوسي 232:1.
2- المبسوط للطوسي 232:1.
3- فتح العزيز 523:5، حلية العلماء 190:3.

و كان له أن يجعلها عن غيره - و به قال الشافعي(1) - لأنّه دفعها الى الوالي ابتداء من غير سؤال ليفرّقها، فيكون نائبا عنه، و لا يضمن بالدفع الى الفقير، لأنّه دفعها إليه بسؤاله.

مسألة 247: لو تصدّق بجميع ماله و لم ينو بشيء منه الزكاة لم يجزئه

- و به قال الشافعي(2) - لأنّه لم ينو الفرض، فأشبه ما لو صلّى ألف ركعة بنية التطوّع، فإنّه لا يجزئه عن الفرض.

و قال أصحاب أبي حنيفة: يجزئه استحسانا، لأنّه تصرّف فيه تصرّفا لم يتعدّ به، فلم يضمن الزكاة(3).

و هو ممنوع، لأنّه متعدّ بتصرّفه بقدر الزكاة بنية التطوّع.

و لو تصدّق ببعضه، قال محمد: أجزأه عن زكاة ذلك البعض(4) ، لأنّه لو تصدّق بجميعه أجزأه عن جميعه، فأجزأه إذا تصدّق بالبعض عن البعض.

و قال أبو يوسف: لا يجزئه(5) ، لأنّا أسقطنا عنه الزكاة لو تصدّق بجميعه، لزوال ملكه عن المال على وجه القربة، و هنا لم يزل عن جميعه.

ص: 335


1- الام 23:2، مختصر المزني: 45، فتح العزيز 524:5.
2- المهذب للشيرازي 177:1، فتح العزيز 527:5، حلية العلماء 145:3.
3- بدائع الصنائع 40:2، المبسوط للسرخسي 34:3، فتح العزيز 527:5، حلية العلماء 145:3.
4- بدائع الصنائع 40:2، المبسوط للسرخسي 34:3-35، حلية العلماء 145:3-146.
5- بدائع الصنائع 40:2، المبسوط للسرخسي 34:3-35، حلية العلماء 146:3.
البحث الثاني في كيفية التقسيط
مسألة 248: يجوز تخصيص بعض الأصناف بجميع الزكاة،

بل يجوز دفعها إلى واحد و إن كثرت، و لا يجب بسطها على الجميع عند علمائنا أجمع - و به قال الحسن البصري و الثوري و أبو حنيفة و أحمد، و هو أيضا قول عمر و حذيفة و ابن عباس و سعيد بن جبير و النخعي و عطاء و الثوري و أبو عبيد(1) - لقوله عليه السلام: (أعلمهم أنّ عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فتردّ في فقرائهم)(2) أخبر بأنّه مأمور بردّ جملتها في الفقراء و هم صنف واحد، و لم يذكر سواهم.

ثم أتاه بعد ذلك مال، فجعله في صنف ثان سوى الفقراء، و هم اَلْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ : الأقرع بن حابس و عيينة بن حصين و علقمة بن علاثة و زيد الخيل، قسّم فيهم ما بعثه علي عليه السلام من اليمن(3).

ثم أتاه مال آخر فجعله في صنف آخر، لقوله لقبيصة بن المخارق حين تحمّل حمالة، و أتاه فسأله، فقال له عليه السلام: (أقم يا قبيصة حتى تأتينا الصدقة فنأمر لك بها)(4).

ص: 336


1- المغني 528:2، الشرح الكبير 705:2، المجموع 186:6، المبسوط للسرخسي 10:3، الهداية للمرغيناني 113:1، شرح فتح القدير 205:2.
2- صحيح البخاري 158:2-159، سنن أبي داود 104:2-105-1584، سنن الدارقطني 136:2-4 و 5، سنن الدارمي 379:1.
3- صحيح البخاري 155:9، صحيح مسلم 741:2-143 و 144، سنن أبي داود 243:4-4764، سنن النسائي 87:5، مسند أحمد 4:3، 31، 68، 72، 73.
4- صحيح مسلم 722:2-109، سنن النسائي 89:5، سنن أبي داود 120:2-1640.

و في حديث سلمة بن صخر البياضي: أنّه أمر له بصدقة قومه(1). و لو وجب صرفها إلى الثمانية لم يجز دفعها الى واحد.

و من طريق الخاصة قول الصادق عليه السلام: «كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقسّم صدقة أهل البوادي فيهم، و صدقة أهل الحضر في الحضر، و لا يقسّمها بينهم بالسوية، إنّما يقسّمها على قدر من يحضره منهم» قال: «و ليس في ذلك شيء موقت»(2).

و لأنّها لا يجب صرفها الى جميع الأصناف إذا أخذها الساعي، فلم يجب دفعها إليهم إذا فرّقها المالك، كما لو لم يجد إلاّ صنفا واحدا.

و لأنّ القصد سدّ الخلّة و دفع الحاجة، و ذلك يحصل بالدفع إلى بعضهم، فأجزأ، كالكفّارات.

و قال عكرمة و الشافعي: إن دفعها الى الإمام فقد برئت ذمته، و الإمام يفرّقها على الأصناف السبعة سوى العاملين، لسقوط حقّه(3) بانتفاء عمله(4) ، فإن كان السبعة موجودين، و إلاّ دفعها الى الموجودين من الأصناف يقسّمها بينهم، لكلّ صنف نصيبه، سواء قلّوا أو كثروا على السواء.

و إن دفعها الى الساعي عزل الساعي حقّه، لأنّه عامل، و فرّق الباقي على الأصناف السبعة، و إن فرّقها بنفسه سقط نصيب العامل أيضا، و فرّقها على باقي الأصناف، و لا يجزئه أن يقتصر على البعض، ثم حصة كلّ صنف منهم لا تصرف إلى أقلّ من ثلاثة إن وجد منهم ثلاثة - و به قال عمر بن عبد العزيز و الزهري و عثمان البتي و عبد اللّه بن الحسن العنبري - لقوله تعالى:

إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ (5) الآية، فجعلها لهم بلام التمليك، و عطف0.

ص: 337


1- سنن البيهقي 390:7-391، مسند أحمد 37:4.
2- الكافي 554:3-8، الفقيه 16:2-48، التهذيب 103:4-292.
3- إفراد الضمير في (حقّه) و (عمله) باعتبار الصنف.
4- إفراد الضمير في (حقّه) و (عمله) باعتبار الصنف.
5- التوبة: 60.

بعضهم على بعض بواو التشريك، و ذلك يوجب الاشتراك، و نمنع الاختصاص كأهل الخمس، و الآية وردت لبيان المصرف(1).

و حكي عن النخعي: أنّ المال إن كثر بحيث يحتمل الأصناف بسط عليهم، و إن كان قليلا جاز وضعه في واحد(2).

و قال مالك: يتحرّى موضع الحاجة منهم، و يقدّم الأولى فالأولى(3).

مسألة 249: و يستحب بسطها على جميع الأصناف

- و هو قول كلّ من جوّز التخصيص - أو الى من يمكن منهم، للخلاص من الخلاف و تحصيل الإجزاء يقينا. و لتعميم الإعطاء، فيحصل شمول النفع.

و لقول الصادق عليه السلام: «كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقسّم صدقة أهل البوادي فيهم، و صدقة أهل الحضر في الحضر»(4).

إذا عرفت هذا، فإنّه يستحب ترجيح الأشدّ حاجة في العطية، لقول الصادق عليه السلام: «و لا يقسّمها بينهم بالسوية، إنّما يقسّمها على قدر من يحضره منهم» قال: «و ليس في ذلك شيء موقّت»(5).

و لأنّ المقتضي إذا كان في بعض الموارد أشدّ كان المعلول كذلك، و المقتضي هو: الحاجة.

و كذا يستحب تخصيص أهل الفضل بزيادة النصيب، لأفضليته، و لقول الباقر عليه السلام: «أعطهم على الهجرة في الدين و الفقه و العقل»(6).

و كذا يستحب تخصيص غير السائل على السائل بالزيادة، لحرمانه في

ص: 338


1- المهذب للشيرازي 178:1 و 180، المجموع 186:6 و 188، المغني 528:2، الشرح الكبير 705:2، بداية المجتهد 275:1.
2- المغني 528:2، الشرح الكبير 705:2، حلية العلماء 148:3.
3- المدونة الكبرى 295:1، بداية المجتهد 275:1، المغني 528:2، الشرح الكبير 705:2، المجموع 186:6، حلية العلماء 149:3.
4- الكافي 554:3-8، الفقيه 16:2-48، التهذيب 103:4-292.
5- الكافي 554:3-8، الفقيه 16:2-48، التهذيب 103:4-292.
6- الكافي 549:3-1، الفقيه 18:2-59، التهذيب 101:4-285.

أكثر الأوقات، فكانت حاجته أمسّ غالبا.

و لقول الكاظم عليه السلام: «يفضّل الذي لا يسأل على الذي يسأل»(1).

مسألة 250: و يستحب صرف صدقة المواشي إلى المتجمّلين و من لا عادة له بالسؤال،

و صرف صدقة غيرها الى الفقراء المدقعين(2) المعتادين بالسؤال، لأنّ عادة العرب صرف المواشي على سبيل المنحة الأشهر و الشهرين، فربما لا يحصل للمدفوع إليه ذلّة في نفسه، جريا على عادة العرب.

و لقول الصادق عليه السلام: «إنّ صدقة الخفّ و الظلف تدفع الى المتجمّلين من المسلمين، فأمّا صدقة الذهب و الفضة و ما كيل بالقفيز و ما أخرجت الأرض فللفقراء المدقعين» قال ابن سنان: قلت: و كيف صار هذا هكذا؟ فقال: «لأنّ هؤلاء متجمّلون يستحيون من الناس، فيدفع إليهم أجمل الأمرين عند الناس، و كلّ صدقة»(3).

مسألة 251: و لا حدّ للإعطاء،

إلاّ أنّه يستحب أن لا يعطى الفقير أقلّ ما يجب في النصاب الأول، و هو: خمسة دراهم، أو عشرة قراريط، قاله الشيخان(4) و ابنا بابويه(5) و أكثر علمائنا(6) ، لقول الصادق عليه السلام: «لا يعطى أحد من الزكاة أقلّ من خمسة دراهم»(7).

ص: 339


1- الكافي 550:3-2، التهذيب 101:4-284.
2- الدّقعاء: التراب. يقال: دقع الرجل. أي: لصق بالتراب ذلاّ. الصحاح 1208:3.
3- الكافي 550:3-3، علل الشرائع: 371، الباب 96، الحديث 1، التهذيب 101:4-286.
4- المقنعة: 40، النهاية: 189، الاقتصاد: 283، الجمل و العقود (الرسائل العشر): 207.
5- المقنع: 50، و حكاه عنهما المحقق في المعتبر: 284.
6- منهم: السيد المرتضى في الانتصار: 82.
7- الكافي 548:3-1، التهذيب 62:4-167، الاستبصار 38:2-116.

و قال سلاّر: أقلّه ما يجب في النصاب الثاني، و هو: درهم أو قيراطان(1). و به قال ابن الجنيد(2).

و لم يقدّره علم الهدى و لا الجمهور بقدر، و ما قلناه على الاستحباب لا الوجوب إجماعا.

و لقول الصادق عليه السلام و قد كتب اليه محمد بن أبي الصهبان هل يجوز أن اعطي الرجل من إخواني من الزكاة الدرهمين و الثلاثة ؟ فقد يشتبه ذلك عليّ، فكتب: «ذلك جائز»(3).

و أمّا الأكثر فلا حدّ له، فيجوز إعطاء الفقير غناه دفعة و دفعات بلا خلاف، لأنّ المقتضي الحاجة، و ما دون الغنى حاجة، فجاز الصرف فيها.

و لقول النبي صلّى اللّه عليه و آله: (خير الصدقة ما أبقت غنى)(4).

و من طريق الخاصة قول الصادق عليه السلام: «أعطه من الزكاة حتى تغنيه»(5).

و قوله عليه السلام: «إذا أعطيت فأغنه»(6).

و هل يجوز أن يعطى أكثر من غناه دفعة ؟ نصّ علماؤنا على جوازه مع الحاجة - و به قال أصحاب الرأي(7) - لأنّه مستحق، فجاز صرف الزائد على الغنى اليه كالغني.

و قال الشافعي: لا يجوز - و به قال الثوري و مالك و أحمد و أبو ثور - لأنّ8.

ص: 340


1- المراسم: 133-134.
2- حكاه عنه المحقق في المعتبر: 284.
3- التهذيب 63:4-169، الاستبصار 38:2-118.
4- مسند أحمد 434:3، المعجم الكبير - للطبراني 149:2-12726، مصنف ابن أبي شيبة 212:3.
5- التهذيب 63:4-170.
6- الكافي 548:3-3، التهذيب 64:4-174.
7- بدائع الصنائع 48:2، المغني 529:2، تفسير القرطبي 190:8.

الغنى لو كان سابقا منع، فيمنع إذا كان مقارنا كالجمع بين الأختين(1).

و الفرق ظاهر، فإنّ السابق مانع، بخلاف المقارن.

البحث الثالث في المكان
مسألة 252: لا يجوز نقل الزكاة عن بلدها مع وجود المستحق فيه

عند علمائنا أجمع - و به قال عمر بن عبد العزيز و سعيد بن جبير و طاوس و النخعي و مالك و الثوري و أحمد(2) - لقوله عليه السلام لمعاذ: (فإن أجابوك فأعلمهم أنّ عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فتردّ في فقرائهم)(3).

و من طريق الخاصة قول الصادق عليه السلام: «لا تحلّ صدقة المهاجرين للأعراب، و لا صدقة الأعراب في المهاجرين»(4).

و لأنّ الأداء واجب على الفور، و هو ينافي النقل، لاستلزامه التأخير.

و قال أبو حنيفة: يجوز(5) - و للشافعي قولان(6) - لأنّ التعيين الى المالك، فكما جاز في البلد جاز في غيره.

و هو ممنوع، لما في الثاني من التأخير.

مسألة 253: لو خالف و نقلها أجزأته
اشارة

في قول علمائنا كافة - و هو قول

ص: 341


1- المغني 529:2 الشرح الكبير 700:2.
2- المغني 530:2، الشرح الكبير 676:2، تفسير القرطبي 175:8.
3- صحيح البخاري 158:2-159، سنن أبي داود 104:2-105-1584، سنن الدارقطني 136:2-4 و 5.
4- الكافي 554:3-555-10، التهذيب 108:4-309.
5- عمدة القارئ 92:9، المجموع 221:6.
6- المجموع 221:6، حلية العلماء 163:3، عمدة القارئ 92:9.

أكثر العلماء(1) - لأنّه دفع الحقّ إلى مستحقّه، فبرئ منه كالدّين، و كما لو فرّقها.

و عن أحمد روايتان(2).

و للشافعي قولان، هذا أحدهما. و الثاني: عدم الإجزاء(3) ، لأنّه دفع الزكاة الى غير من أمر بدفعها إليه، أشبه ما لو دفعها الى غير الأصناف.

و هو ممنوع، لأنّ المدفوع اليه لو حضر البلد أجزأ الدفع إليه إجماعا، بخلاف غير الأصناف.

فروع:

أ - إذا كان الرجل في بلد و المال في بلد آخر، فالاعتبار بالمال، فإذا حال الحول أخرجها في بلد المال.

و أمّا زكاة الفطرة، فالاعتبار فيها ببلد المخرج، لأنّ الفطرة تجب عنه و هو بمنزلة المال.

و للشافعي في الفطرة وجهان، أحدهما هذا، و الثاني: الاعتبار ببلد المال أيضا، لأنّ الإخراج منه كزكاة المال(4).

ب - لو نقل زكاة المال مع وجود المستحق و التمكن من التفريق بوجود المستحق فيه، ضمن الزكاة، لأنّه مفرّط بنقل المال الممنوع منه و تأخيره مع شهادة الحال بالمطالبة، فيضمن، لأنّه عدوان.

و لقول الصادق عليه السلام في رجل بعث زكاة ماله لتقسم فضاعت هل عليه ضمانها حتى تقسم ؟ فقال: «إذا وجد لها موضعا فلم يدفعها فهو لها ضامن حتى يدفعها، و إن لم يجد لها من يدفعها اليه فبعث بها الى أهلها فليس عليه ضمان لأنّها قد خرجت من يده»(5).

ص: 342


1- المغني 531:2، الشرح الكبير 676:2، المجموع 221:6.
2- المغني 531:2، الشرح الكبير 676:2.
3- المهذب للشيرازي 180:1، المجموع 221:6، حلية العلماء 163:3.
4- المهذب للشيرازي 181:1، المجموع 225:6، حلية العلماء 164:3.
5- الكافي 553:3-1، الفقيه 15:2-16-46، التهذيب 47:4-125.

ج - الوكيل و الوصي و المأمور بالتفريق إذا أخّروا ضمنوا، لأنّهم فرّطوا بالتأخير.

و لأنّ زرارة سأل الصادق عليه السلام عن رجل بعث إليه أخ له زكاته ليقسّمها فضاعت، فقال: «ليس على الرسول و لا المؤدّي ضمان» قلت:

فإنّه لم يجد لها أهلا ففسدت و تغيّرت أ يضمنها؟ قال: «لا، و لكن إن عرف لها أهلا فعطبت(1) أو فسدت فهو لها ضامن (من حين أخّرها)(2)»(3).

د - لو لم يجد المستحق في بلده جاز النقل إجماعا، و لا ضمان، لعدم التفريط.

و لقول الصادق عليه السلام في الزكاة يبعث بها الرجل إلى بلد غير بلده، فقال: «لا بأس أن يبعث بالثلث أو الربع»(4) الشك من الراوي(5).

و عن العبد الصالح عليه السلام: «يضعها في إخوانه و أهل ولايته» قلت:

فإن لم يحضره منهم أحد؟ قال: «يبعث بها إليهم»(6) و فعل المأمور به لا يستعقب الضمان.

ه - هل يجب عليه - مع عدم المستحق و اختيار النقل - القصد إلى أقرب الأماكن الى بلده ممّا يوجد فيه المستحق ؟ إشكال: ينشأ من جواز النقل مطلقا، لفقد المستحق. و من كون طلب البعيد نقلا عن القريب مع وجود المستحق فيه.

و - لا فرق بين النقل الى بلد بعيد يقصر في مثله الصلاة و النقل الى1.

ص: 343


1- أي: هلكت.
2- في الكافي: «حتى يخرجها».
3- التهذيب 48:4-126، و الكافي 553:3-554-4.
4- التهذيب 46:4-120، و الكافي 554:3-6، و الفقيه 16:2-49.
5- و هو: ابن أبي عمير.
6- التهذيب 46:4-121.

قريب في المنع - و هو أصحّ وجهي الشافعية(1) - لأنّه نقل من بلد المال، فكان بمنزلة البعيد.

و لهم آخر: الجواز، لأنّ المسافة القريبة بمنزلة الحضور، و لهذا لا يستبيح بها رخص السفر(2).

و الفرق: أنّ الرخص تتعلّق بالسفر المشقّ.

ز - لو كان بعض المال حيث المالك و البعض في مصره، فالأفضل أن يؤدّي زكاة كلّ مال حيث هو، فإن كان غائبا عن مصره و أهله و المال معه، أخرج في بلد المال.

و بعض(3) المانعين من الإجزاء بالنقل جوّز أن يعطي بعضه في هذا البلد و بعضه في الآخر.

أمّا لو كان المال في البلد الذي هو فيه حتى يمكث فيه حولا تاما، فلا يبعث بزكاته الى الآخر.

و لو كان المال تجارة فسافر به، فرّق زكاته حيث حال حوله في أيّ موضع كان.

و سوّغ أحمد أن يفرّقه في كلّ بلد أقام به في ذلك الحول(4).

ح - لا يجوز نقل الصدقة مع الخوف عليها، سواء عدم المستحق في بلده أو لا، لما فيه من التغرير بها و التفريط بالأمانة.

ط - تحريم النقل عام و إن كان الى بلد المالك، فيضمن و يأثم.

ي - لو عيّن الفطرة من غائب، ضمن بنقله مع وجود المستحق فيه.2.

ص: 344


1- المهذب للشيرازي 180:1-181، المجموع 221:6، حلية العلماء 164:3.
2- المهذب للشيرازي 180:1-181، المجموع 221:6، حلية العلماء 164:3.
3- كابني قدامة في المغني 532:2، و الشرح الكبير 677:2.
4- المغني 532:2، الشرح الكبير 677:2.
الفصل الخامس في اللواحق
مسألة 254: إذا دفع الإمام الزكاة الى من ظاهره الفقر، فبان غنيا، لم يكن عليه ضمان
اشارة

- و به قال الشافعي(1) - لأنّ النبي عليه السلام أعطى الرجلين الجلدين، و قال: (إن شئتما أعطيتكما منها، و لا حظّ فيها لغني و لا لقوي مكتسب)(2).

و قال للرجل الذي سأله الصدقة: (إن كنت من تلك الأجزاء أعطيتك حقّك)(3) و لو اعتبر حقيقة الغنى لما اكتفى بقولهم.

و لأنّ الاطّلاع على الباطن عسر. و لأنّه نائب عن الفقراء، أمين لهم، لم يوجد من جهته تفريط، فلم يجب عليه الضمان.

و يكون له أن يستردّها من المدفوع إليه، سواء أعلمه الإمام أنّها زكاة أو لا، لأنّ الظاهر فيما يفرّقه الإمام و يقسّمه أنّه زكاة.

فإن وجد المدفوع استردّه، سواء زادت عينه أو لا، و سواء كانت الزيادة

ص: 345


1- المهذب للشيرازي 182:1، المجموع 230:6، حلية العلماء 170:3.
2- سنن أبي داود 118:2-1633، سنن النسائي 99:5-100، سنن الدارقطني 119:2-7، سنن البيهقي 14:7، و مسند أحمد 224:4 و 362:5.
3- سنن أبي داود 117:2-1630.

متصلة أو منفصلة، فإنّه يرجع بالجميع، لظهور فساد الدفع.

و إن لم يجده استردّ بدله، فإن تعذّر ذلك عليه، فقد تلفت من مال الفقراء.

فروع:

أ - لو كانت تالفة، رجع الإمام بالقيمة إن كانت من ذوات القيم، و حكم اعتبار القيمة هنا حكم اعتبار القيمة في الغاصب، لأنّه بغشّه أشبه الغاصب، فإن قلنا هناك: يرجع بأعلى القيم من حين القبض الى حين التلف، فكذا هنا، و إن قلنا هناك: تعتبر القيمة حين التلف، أو حين القبض، فكذا هنا.

ب - لو تلفت و كانت من ذوات الأمثال، استردّ المثل، لأنّه الواجب على من عليه حق من غصب و غيره، و لا فرق بين نقص القيمة و زيادتها.

و لو تعذّر المثل، استردّ قيمته وقت الاسترجاع، و لا اعتبار بمساواته لقيمة التالف و نقصها.

ج - لو ظهر المالك على غناه دون الإمام الدافع، جاز للمالك الاسترجاع للعين أو القيمة أو المثل إن تمكّن، باختيار المدفوع اليه أو بغير اختياره.

و هل للفقراء ذلك لو ظهروا عليه من دون إذن الإمام أو المالك ؟ الوجه ذلك، لأنّ القابض غاصب.

و يحتمل المنع، لعدم تعيّنهم للاستحقاق، إذ للمالك صرفه إلى غيرهم.

و البحث في نائب الإمام كالبحث في الإمام إذا لم يفرط في البحث عنه.

د - لا يجوز للمدفوع اليه الامتناع من ردّ العين بدفع القيمة أو المثل و إن سوّغناه في التعجيل، لأنّ الدفع هناك سائغ، و الأخذ صحيح، لأنّه على وجه القرض يملك به، أمّا الأخذ هنا فإنّه باطل لا يملك به، فوجب ردّ العين.

ه - لو وجدها معيبة، كان له أخذ العين و المطالبة بأرش العيب، سواء

ص: 346

كان العيب من فعله، أو من فعل غيره، أو من اللّه تعالى، لأنّه قبض مضمون أشبه الغاصب.

أمّا لو دفعها إليه بنية الزكاة و لم يعلم المدفوع، بل ظنّ الهبة و الإيداع، فلا ضمان في العيب من اللّه تعالى و الأجنبي، و لا في التلف منهما.

و - لو كان حال الدفع غنيا، ثم تجدّد الفقر قبل الاسترداد، كان للإمام الاسترداد أيضا، لأنّ الدفع وقع فاسدا، و يجوز أن يتركها بحالها، و يحتسبها من الزكاة.

و هل يجب الأخذ - لو أراد الترك - ثم الدفع ؟ إشكال ينشأ من وجوب النية حال الدفع و لم توجد، لأنّ الدفع الأول باطل، و من كون الترك الآن كابتداء الدفع.

مسألة 255: لو دفع رب المال الزكاة إلى الفقير، فبان غنيّا وقت الدفع، قال الشيخ: لا ضمان عليه
اشارة

(1) - و به قال الحسن البصري، و أبو عبيد، و أبو حنيفة، و الشافعي في أحد القولين، و أحمد في إحدى الروايتين(2) - لما رواه أبو هريرة عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال: (قال رجل: لأتصدّقنّ بصدقة، فخرج بصدقته، فوضعها في يد غني، فأصبحوا يتحدّثون: تصدّق على غني! فاتي فقيل له: أمّا صدقتك فقد تقبّلت، لعلّ الغني أن يعتبر فينفق ممّا أعطاه اللّه)(3).

و لأنّه دفعها الى من ظاهره الاستحقاق، فلم يلزمه الضمان كالإمام.

و القول الثاني للشافعي و الرواية الأخرى عن أحمد: وجوب الضمان

ص: 347


1- المبسوط للطوسي 261:1.
2- المغني 527:2، الشرح الكبير 714:2، اللباب 156:1-157، الهداية للمرغيناني 114:1، المهذب للشيرازي 182:1، المجموع 231:6، حلية العلماء 170:3.
3- صحيح البخاري 137:2-138، صحيح مسلم 709:2-1022، سنن النسائي 55:5-56، سنن البيهقي 192:4 و 34:7، مسند أحمد 322:2.

- و به قال الثوري و الحسن بن صالح بن حي و أبو يوسف و ابن المنذر - لأنّه دفع حقا إلى غير مستحقه فلزمه الضمان، كالدّين يدفعه إلى غير مستحقه - و به رواية لنا عن الصادق عليه السلام و قد سئل عن رجل يعطي زكاة ماله رجلا، و هو يرى أنّه معسر، فوجده موسرا، قال: «لا تجزئ عنه»(1) - و يخالف الإمام، لأنّه أمين لهم، و هنا يدفع حقّا عليه(2).

و الوجه عندي أن نقول: إن فرّط المالك في البحث عنه و الاجتهاد ضمن، لتقصيره، و إلاّ فلا، لقول الصادق عليه السلام و قد سأله زرارة: رجل عارف أدّى الزكاة الى غير أهلها زمانا، هل عليه أن يؤدّيها ثانية إلى أهلها إذا علمهم ؟ قال: «نعم» قلت: فإن لم يعرف لها أهلا فلم يؤدّها، أو لم يعلم أنّها عليه فيعلم بعد ذلك، قال: «يؤدّيها إلى أهلها لما مضى» قلت: فإنّه لم يعلم أهلها فدفعها الى من ليس هو لها بأهل و قد كان طلب و اجتهد ثم علم بعد سوء ما صنع، قال: «ليس عليه أن يؤدّيها مرة أخرى»(3).

و قال عليه السلام: «إن اجتهد فقد برئ، و إن قصّر في الاجتهاد في الطلب فلا»(4).

فروع:

أ - إن كان المالك شرط حال الدفع أنّها صدقة واجبة، استرجعها سواء كانت باقية أو تالفة، فإن لم يقدر على استرجاعها فقد تلفت من مال المساكين، قاله الشيخ(5).

ص: 348


1- الكافي 545:3 (باب الرجل يعطي من زكاة..) الحديث 1، الفقيه 15:2-45، التهذيب 102:4-289.
2- المهذب للشيرازي 182:1، المجموع 231:6، حلية العلماء 170:3، المغني 527:2، الشرح الكبير 715:2.
3- الكافي 546:3-2، التهذيب 102:4-103-290.
4- الكافي 546:3 ذيل الحديث 2، التهذيب 103:4-291.
5- المبسوط للطوسي 261:1.

و قال الشافعي: إن قلنا: إنّها تجزئه كان حكمه حكم الإمام - و قد تقدّم في المسألة السابقة - و إن قلنا: يضمنها وجب عليه إعادتها.

و له أن يرجع بها على المدفوع إليه إن كان شرط أنّها زكاة، و إن لم يكن شرط لم يكن له الاسترجاع، بخلاف الإمام، لأنّ الظاهر من قسمة الإمام أنّه زكاة، بخلاف رب المال، لأنّه قد يتطوع(1).

و الأقرب: جواز الاسترجاع و إن لم يكن شرط، لفساد الدفع، و هو أبصر بنيته، و الظاهر أنّ الإنسان إنّما يدفع ما وجب عليه.

ب - لو شهد عند الحاكم عدلان بالفقر ثم ظهر الغنى بعد الدفع، فإن كان الدافع المالك لا بأمر الحاكم، لم يضمن الشاهدان، و كذا لو رجعا عن شهادتهما. و كذا لو شهدا عند المالك، إذ الحكم إنّما هو الى الحاكم، و لأنّهما لم يأمراه بالدفع و لا وجب بشهادتهما، فلم يتلفا عليه شيئا، و مع فقد غيره إشكال.

و إن كان الدافع الحاكم أو المالك بإذنه، و هناك مستحق سواه، ثم رجعا فلا ضمان عليهما. و في وجوبه مع عدم مستحق غيره إشكال.

ج - لو بان عبدا لمالك لم تجزئه - و به قال أبو حنيفة(2) - سواء كان الدافع الإمام أو المالك، لعدم خروج المال عن ملكه، فجرى مجرى عزلها من غير تسليم.

مسألة 256: لو كان الخطأ في دفعها الى غير مسلم أو عبد أو من ذوي القربى أو ممّن تجب نفقته،

قال الشيخ: حكمه حكم الغني(3) - و قد تقدم - لأنّ الدفع واجب، فيكتفى في شرطه بالظاهر، تعليقا للوجوب على الشرط

ص: 349


1- المهذب للشيرازي 182:1، المجموع 231:6.
2- بدائع الصنائع 50:2، اللباب 157:1.
3- المبسوط للطوسي 261:1.

الممكن، فلا يضمن، لعدم العدوان في التسليم المشروع. و هو أحد قولي الشافعي.

و في الثاني: يضمن، و به قال أحمد، لعدم الطريق إلى معرفة الفقر، و تعذّر الوقوف على حقيقته، و إنّما يعلم ظنّا، فكان الخطأ فيه عذرا، أمّا هنا فإنّ حاله لا يخفى مع البحث عنه و الفحص عن حاله(1).

و يبطل بتطرّق الخفاء هنا، كما تطرّق في الغني، نعم لو بان عبده لم تجزئه، لما تقدّم.

مسألة 257: الاعتبار بحال المستحقّ يوم القسمة،

فلا اعتبار بما سبق، و لا بما لحق من أحواله، و إنّما يملك أهل السّهمان حقّهم يوم القسمة بعد التسليم إليهم.

و هو الظاهر من مذهب الشافعي. و له قول آخر: إنّ الاعتبار بحال الوجوب(2).

فعلى هذا، لو مات بعض أهل السّهمان في قرية وجبت فيها الزكاة، لم ينتقل الى وارثه شيء عندنا، لعدم تعيّن الاستحقاق.

و قال الشافعي في أحد قوليه: إذا كانوا ثلاثة نفر في قرية تعيّنت الصدقة لهم، فيملك وارث أحدهم لو مات قبل القسمة نصيبه(3). و هو بناء على وجوب التقسيط و تحريم النقل.

مسألة 258: العبد المشتري من الزكاة إذا مات و لا وارث له،

قال أكثر علمائنا: يرثه أرباب الزكاة(4) ، لقول الصادق عليه السلام و قد سأله عبيد بن

ص: 350


1- المهذب للشيرازي 182:1، المجموع 231:6، المغني 527:2-528، الشرح الكبير 714:2 و 715.
2- المجموع 226:6.
3- المهذب للشيرازي 181:1، المجموع 226:6
4- منهم: الشيخ الطوسي في النهاية: 188، و ابن إدريس في السرائر: 107، و المحقق في المعتبر: 284.

زرارة عن رجل أخرج زكاته فلم يجد لها موضعا، فاشترى بها مملوكا، فأعتقه هل يجوز ذلك ؟ قال: «نعم لا بأس بذلك» قلت: فإنّه اتّجر و احترف فأصاب مالا ثم مات و ليس له وارث فمن يرثه ؟ قال: «يرثه الفقراء الذين يستحقّون الزكاة، لأنّه إنّما اشتري بمالهم»(1).

و لو قيل: يرثه الإمام، لأنّه وارث من لا وارث له، كان وجها، لأنّ الفقراء لا يملكون العبد المبتاع بمال الزكاة، لأنّه أحد مصارفها، فيكون سائبة.

و الرواية ضعيفة السند، لأنّ في طريقها: ابن فضال و ابن بكير، و هما فطحيان.

مسألة 259: إذا تلفت الزكاة بعد قبض الساعي أو الإمام أو الفقيه، لم يضمن المالك،

و برئت ذمته حين القبض، و قد تقدّم بيانه.

و لو عدم هؤلاء و المستحقّ، و أدركته الوفاة، وجب أن يوصي بها، لأنّها حقّ واجب عليه كالدّين، و هو ظاهر.

مسألة 260: يجوز أن تدفع المرأة زكاتها الى زوجها إذا كان فقيرا

- و به قال الشافعي و أبو يوسف و محمد(2) - لأنّه مستحق للزكاة لا تجب نفقته عليها فجاز، كما لو دفع اليه غيرها، و كما لو دفعت الى غيره.

و قال أبو حنيفة: لا يجوز، لأنّه يعود نفعه إليها، فإنّه يلزمه أن ينفق عليها(3).

و ليس بجيّد، لأنّ وجوب حقّها عليه لا يمنع دفع زكاتها اليه، كمن لها عليه دين.

مسألة 261: قد بيّنّا أنّه لا يجوز أن يدفع الزكاة إلى زوجته

من سهم

ص: 351


1- الكافي 557:3-3، التهذيب 100:4-281، المحاسن: 305-15.
2- المجموع 192:6، حلية العلماء 170:3، بدائع الصنائع 49:2-50، اللباب 155:1، الهداية للمرغيناني 113:1، المغني 511:2، الشرح الكبير 713:2.
3- المجموع 192:6، حلية العلماء 170:3، بدائع الصنائع 49:2-50، اللباب 155:1، الهداية للمرغيناني 113:1، المغني 511:2، الشرح الكبير 713:2.

الفقراء و المساكين، لأنّها غنيّة به.

و هل تكون عاملة أو مؤلّفه ؟ الأقرب: المنع. نعم يصح أن تكون مكاتبة، فيدفع إليها من سهم المكاتبين.

و كذا يصح أن تكون غارمة، فيدفع إليها من سهم الغارمين، لأنّ الزوج لا يجب عليه قضاء دينها. نعم لو استدانته في النفقة الواجبة عليه، لم يجز قضاؤه من الزكاة.

و لا تعطى من سهم الغزاة، لأنّها لا تندب الى الغزو.

و لو نشزت سقطت نفقتها، و لم يجز أن يدفع إليها من الصدقة، لأنّها يمكنها أن تدفع النشوز، فتجب عليه نفقتها، فجرت مجرى القادر على الاكتساب. أمّا لو منعها الزوج النفقة، فإنّه يجوز أن تعطى زكاة غيره للحاجة.

و هل يجوز أن تعطى من سهم ابن السبيل ؟ ينظر فإن سافرت مع زوجها بإذنه، لم تعط النفقة، لوجوبها عليه، و يجوز أن تعطى الحمولة، و لو كانت بغير إذنه، لم تعط الحمولة أيضا، لأنّها عاصية بالسفر.

و إن خرجت وحدها، فإن كان بإذنه لحاجة نفسها، فإنّ النفقة لا تسقط عن الزوج - و هو أحد قولي الشافعي(1) - فلا تعطى النفقة، و تعطى الحمولة، لأنّها غير عاصية بالسفر، و لا يجب على الزوج.

و للشافعي قول آخر: عدم وجوب النفقة على الزوج(2) ، فيدفع إليها من سهم ابن السبيل النفقة و الحمولة معا، لحاجتها الى ذلك.

و إن خرجت بغير إذنه، سقطت نفقتها، و لا يدفع إليها من سهم ابن السبيل، لأنّ سفرها معصية، و تدفع إليها النفقة من سهم الفقراء، بخلاف الناشز في الحضر، لأنّه يمكنها الرجوع الى يد الزوج، بخلاف المسافرة.7.

ص: 352


1- المجموع 192:6، و 243:18، حلية العلماء 395:7.
2- المجموع 192:6، و 243:18، حلية العلماء 395:7.

و لا تدفع إليها الحمولة، لأنّها عاصية بالسفر، إلاّ أن تريد الرجوع الى يد الزوج، فيكون سفرها - إذن - طاعة، فيجوز أن يدفع إليها الى أن تصل الى يده من سهم ابن السبيل.

مسألة 262: قد بيّنّا استحباب التعميم لا وجوبه،

خلافا للشافعي(1) ، فلو وجد صنف من أهل السّهمان في بلد، فإن كان الباقون مفقودين من جميع الأرض، فرّقها على الموجودين من الأصناف إجماعا، لأنّ الصدقة وجبت عليه طهرة، فلا يجوز تركها عليه.

و لا يدفع الى غير الأصناف، لأنّه ليس فيهم معنى الاستحقاق، و هؤلاء الأصناف هم أهل الاستحقاق، فكانوا أولى، بخلاف الموصي لاثنين إذا ردّ أحدهما، فإنّ حقّه يرجع الى الورثة، لأنّ الوصية لم تكن مستحقّة عليه، و إنّما تبرّع بها، فإذا لم يقبلها رجعت اليه، و قام ورثته مقامه، و الزكاة مستحقّة عليه فلم يرجع اليه.

و إن كان باقي الأصناف موجودين في بلد آخر، لم يجز النقل إليه عندنا، بل وجب التفريق على الصنف الموجود في بلد المال، لأنّ التعميم مستحب و النقل حرام، فلا يرتكب الحرام لفعل المستحب.

و للشافعية قولان: أحدهما: وجوب النقل، لأنّه إنّما لم يجز إذا وجد أهلها، و حقّ الأصناف آكد من حق المكان، لأنّه لو عدل عن الأصناف مع وجودهم لم يجز قولا واحدا، و لو عدل عن المكان فقولان، و منهم من قال:

إنّه على قولين: إن جوّزنا النقل وجب نقلها إلى بقية الأصناف، و إن حرّمناه لم يجز هنا، اعتبارا بالمكان الذي هو فيه(2).

ص: 353


1- المهذب للشيرازي 177:1 و 178، المجموع 216:6، المغني 508:2، الشرح الكبير 705:2، بداية المجتهد 275:1.
2- المهذب للشيرازي 180:1 و 181، المجموع 225:6.

فإذا قلنا بالنقل، فإنّه ينقل إلى أقرب المواضع الذي فيه بقية الأصناف، و إن قلنا: لا ينقل، فنقله، أجزأه عندنا، و للشافعية قولان(1).

و لو عدم جميع الأصناف في بلد المال، فإنّه ينقل إلى أقرب المواضع إليه، لأنّ ذلك لا بدّ منه.

مسألة 263: إذا احتيج في قبض الصدقة إلى مئونة الإقباض،

كما لو احتاجت الى كيل أو وزن، قال الشيخ: الأشبه: وجوب الأجرة على المالك، لأنّ عليه إيفاء الزكاة، كما أنّ على البائع أجرة الكيّال و الوزّان(2).

و هو أحد قولي الشافعية، و الآخر: أنّها على أهل السّهمان، لأنّ الواجب في الزكاة مقدّر، فلا يزاد عليه(3). و أصحهما: الأول، لأنّ ذلك للإيفاء، لا أنه زيادة في الزكاة.

أمّا مئونة القبض كاجرة الكاتب و الحاسب، فإنّها على العامل، و أمّا أجرة النقّال و الحمّال فمن الوسط. و يحتمل أن يكون على العامل إن قبضها منه.

و إن نقلها المالك الى بلد الإمام فعلى المالك.

إذا ثبت هذا، فإذا قبض الساعي الصدقة، كان قبضه قبض أمانة، إذا تلفت من غير تفريط لم يضمن، و كان له الأجرة من سهم المصالح.

مسألة 264: إذا فوّض الإمام إلى الساعي تفرقة الصدقة،

ينبغي له أن يتعرّف المستحقّين للصدقة في كلّ بلد فوّض اليه تحصيل صدقته، ليفرّقها فيه، فيعرف أسماءهم و حاجاتهم و قدر كفايتهم، فإذا أحصى ذلك جبى الصدقة.

و إنّما استحببنا تقديم ذلك، لتقع التفرقة عقيب جمع الصدقة. و لأنّه

ص: 354


1- المهذب للشيرازي 180:1، المجموع 221:6.
2- المبسوط للطوسي 256:1.
3- المجموع 222:6، حلية العلماء 150:3.

إذا اشتغل بالجمع أوّلا، ثم شرع في التعريف لم يأمن من تلفها، فيضيع على أربابها.

ثم يعزل سهم العامل قبل التفريق، لأنّه يأخذ على طريق المعاوضة، فكان استحقاقه أقوى، و لهذا لو قصر النصيب عن أجرته تمّم له. و لأنّه ربما كان أكثر من أجرته فيردّ الباقي عليهم قبل القسمة، أو كان دون أجرته فيتمّم الباقي له من الصدقة على أحد قولي الشافعي(1).

تذنيب: يعطى العريف - الذي يعرّف أهل الصدقات - و الذي يحسب و يكيل و يزن للقسمة بينهم من نصيب العامل، لأنّ ذلك كلّه من جملة العمل.

مسألة 265: إذا كان بيد المكاتب ما يفي بمال الكتابة لم يعط شيئا،

و إن قصر جاز أن يأخذ، و يتخيّر الساعي في الدفع إليه، لأنّه المصرف، و الى السيد، لأنّه المستحقّ، و إنّما يدفعه الى السيد بإذنه. و الأولى الصرف الى السيد بإذنه، لئلاّ يدفع اليه فينفقه.

و لو قبضه المكاتب جاز، فإن أراد أن ينفقه، منعه من ذلك، لأنّه إخراج في غير المصرف.

فإن قال المكاتب: هذا الذي بيدي لا يفي بمال كتابتي، فأريد أن اتّجر فيه ليحصل منه ربح، مكّن من التصرّف فيه و التجارة، تحصيلا للمصلحة.

مسألة 266: يعطى ابن السبيل ما يبلغه البلد الذي يريده لمضيّه و عوده

على ما بيّنّاه، فإن أراد أن يقيم في البلد الذي قصده دون عشرة أيام، أخذ نفقة ذلك، لأنّه في حكم المسافر، و إن نوى إقامة عشرة لم يأخذ فيها من سهم ابن السبيل، لأنّه مقيم.

ص: 355


1- المهذب للشيرازي 178:1، المجموع 188:6.

و الشافعي شرط إقامة ثلاثة لا أزيد(1).

و لو طلب الحمولة، فإن كان بينه و بين مقصده سفر طويل، أو كان ضعيفا عن القصير، دفع اليه، و إلاّ فلا.

و لو احتاج الى كسوة لسفره، كساه للصيف أو للشتاء.

إذا ثبت هذا، فإنّ السهم يجوز أن يدفعه الى واحد عندنا و إن وجد أكثر.

و قال الشافعي: لا يجوز أن يدفعه إلى أقلّ من ثلاثة مع وجودهم، فإن لم يجد إلاّ واحدا، فإن كانت كفايته ثلث نصيبهم دفع ذلك اليه.

و هل يردّ الباقي الى بقية الأصناف، أو ينقله إلى أقرب البلدان ؟ قولان(2).

فإن كانت كفايته تستغرق النصيب كلّه، قال الشافعي: دفع اليه.

و لأصحابه قولان(3).

مسألة 267: صاحب المال إن كان من أهل الأمصار، و أراد تفرقة الزكاة بنفسه،

ينبغي أن يفرّقها في بلد المال على ما تقدّم، و أن يخص بها قوما دون غيرهم، و التفضيل و التسوية على ما قلناه.

و الأقارب أولى من الأجانب، فإن عدل إلى الأجانب أجزأه إجماعا، و ليس له نقلها إلى الأقارب إذا بعد مكانهم عن المال، إلاّ بشرط الضمان على ما تقدّم.

و إن كان من أهل البادية، فهم بمنزلة أهل المصر، ليس لهم نقل الصدقة من مكان الى غيره، للعموم.

و لقول الصادق عليه السلام: «كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقسّم

ص: 356


1- المجموع 215:6.
2- المجموع 218:6، حلية العلماء 162:3، كفاية الأخيار 124:1.
3- المجموع 218:6، كفاية الأخيار 124:1.

صدقة أهل البوادي في أهل البوادي، و صدقة أهل الحضر في أهل الحضر»(1).

إذا ثبت هذا، فإن كانوا أهل نجعة(2) يتّبعون العشب و مواقع القطر، دفعوا صدقتهم الى من فيهم من الفقراء الذين ينتجعون بانتجاعهم (و يرتحلون)(3) بارتحالهم، فإن وسعت الصدقة المناسبين منهم و الأباعد، دفع الى جميعهم، و إن ضاقت قدّموا المناسبين، كلّ ذلك على جهة الأفضل.

و إن كانوا أهل حلّة و موضع ينزلون فيه لا ينتقلون عنه إلاّ إذا اجدب، فإذا أخصب عادوا اليه، فحكمهم حكم أهل المصر.

و من كان (منهم)(4) على أقلّ من مسافة القصر فكالحاضر معهم، و إن كانت المسافة يقصّر فيها الصلاة فكالحاضر في البلد، هكذا قاله الشيخ(5) ، و به قال الشافعي(6).

و الوجه عندي: عدم اعتبار المسافة هنا، فلو كان البلد بينه و بين الفقير دون مسافة القصر، لم يجز النقل إلاّ مع الحاجة.

و لو كان بين البلدين مسافة لا يقصّر فيها الصلاة، لم تنقل الصدقة من أحدهما إلى الآخر - و به قال الشافعي(7) - لأنّ أحدهما لا يضاف الى الآخر و لا1.

ص: 357


1- الكافي 554:3-8، التهذيب 103:4-292، و الفقيه 16:2-48.
2- النجعة و الانتجاع: طلب الكلاء و مساقط الغيث. لسان العرب 347:8 «نجع».
3- في نسختي «ن» و «ف»: و يرحلون.
4- ورد في النسخ الخطية المعتمدة في التحقيق، و الطبعة الحجرية: معهم. و المناسب للعبارة ما أثبتناه.
5- المبسوط للطوسي 258:1.
6- المهذب للشيرازي 181:1، المجموع 224:6، الوجيز 296:1، حلية العلماء 166:3.
7- المهذب للشيرازي 180:1، المجموع 222:6، الوجيز 296:1.

ينسب إليه.

مسألة 268: قد بيّنّا جواز التفضيل و التخصيص و لو لواحد،

خلافا للشافعي(1).

و لا فرق بين الإمام و المالك، و قد تقدّم و قال الشافعي: إن كان المفرّق الإمام، وجب أن يعمّ الجميع بالعطاء، و لا يقتصر على بعضهم، و لا أن يخلّ بواحد منهم، لأنّ ذلك غير متعذّر على الإمام(2). و قد بيّنّا بطلانه.

أمّا آحاد الرعية، فإن كان في بلد تتّسع صدقته لكفاية أهل السّهمان، عمّهم استحبابا، و إن ضاق ماله عنهم، جاز له الاقتصار على بعض.

و لا يجب الثلاثة من كلّ صنف، خلافا للشافعي، حيث اعتبر الثلاثة التي هي أقلّ الجمع في قوله تعالى لِلْفُقَراءِ (3)(4).

و نحن نمنع التملّك، لأنّها لبيان المصرف، نعم هو أفضل.

فإن تساوت حاجة الثلاثة سوّى بينهم ندبا إجماعا، و له التفضيل عندنا، و به قال الشافعي(5) ، خلافا للإمام عنده(6) ، لأنّ على الإمام أن يعمّ، فكان عليه أن يدفع على قدر الكفاية.

و ليس على الواحد من الرعية ذلك، فلم يتعيّن عليه قدر الكفاية.

فإن دفع الى اثنين و أخلّ بالثالث مع وجوده، صحّ الدفع، و لا غرم عندنا.

و أوجب الشافعي الغرم، لأنّه أسقط حقّه. و كم يغرم ؟ قولان: الثلث،

ص: 358


1- المهذب للشيرازي 180:1، المجموع 216:6، المغني 528:2، الشرح الكبير 705:2.
2- المجموع 217:6.
3- التوبة: 60.
4- المجموع 216:6، المغني 528:2، الشرح الكبير 705:2.
5- المهذب للشيرازي 180:1، المجموع 216:6 و 217.
6- المهذب للشيرازي 180:1، المجموع 216:6 و 217.

نصّ عليه، لأنّه قد كان له الاجتهاد و الاختيار في التفضيل مع إعطائهم، فإذا أخلّ بواحد سقط اجتهاده فيهم، فقد تعيّن سهمه. و الثاني: يدفع اليه القدر الذي لو دفعه إليه أجزأه. و هو أقيس عندهم(1).

مسألة 269: قد بيّنّا أنّه يجوز أن يعطى من يجب نفقته من غير سهم الفقراء و المساكين، و هل يعطى لو كان مؤلّفا؟

قال الشيخ: نعم(2).

و شرط الشافعي الغنى فيه، فإن كان فقيرا لم يعطه من المؤلّفة، لأنّه يعود نفع الدفع اليه، و إن كان مسافرا، أعطاه ما يزيد على نفقة الحضر من سهم ابن السبيل لأجل السفر، لأنّه إنّما يجب عليه نفقته حاضرا(3).

مسألة 270: لو كانت الصدقة لا يمكن قسمتها بين المتعدّدين،

كالشاة و البعير، جاز للمالك دفع القيمة عندنا، خلافا للشافعي(4) ، و قد تقدّم(5). و جاز له التخصيص لواحد به خلافا له(6) أيضا.

و على قوله، ليس للإمام بيعها، بل يجمعهم و يسلّمه إليهم، لأنّ الإمام و إن كان يلي عليهم فهو كالوكيل لهم ليس له بيع ما لهم في غير موضع الحاجة، فإن تعذّر عليه نقلها إليهم لسبب بها أو لخوف طريق، جاز له بيعها، و تفرقة ثمنها، لموضع الحاجة.

مسألة 271: لو أسلم في دار الحرب، و أقام بها سنين لا يؤدّي زكاة،

أو غلب الكفّار أو الخوارج على بلده، و أقام أهله سنين لا يؤدّون الزكاة، ثم

ص: 359


1- المهذب للشيرازي 180:1، المجموع 218:6، حلية العلماء 162:3.
2- المبسوط للطوسي 258:1.
3- المجموع 229:6.
4- المجموع 428:5 و 429 و 431 و 233:6، حلية العلماء 167:3، الشرح الكبير 521:2.
5- تقدّم في المسألة 131.
6- المهذب للشيرازي 180:1، المجموع 216:6.

غلب عليهم الإمام، أدّوا لما مضى - و به قال مالك و أحمد و الشافعي(1) - لأنّ الزكاة من أركان الإسلام، فلم تسقط عمّن هو في غير قبضة الإمام، كالصلاة و الصوم.

و قال أصحاب الرأي: لا زكاة عليهم لما مضى في المسألتين معا(2).

و لو (أسر)(3) المالك لم تسقط الزكاة عنه إذا لم يحل بينه و بين ماله، فإن حيل بينهما قبل التمكّن من الأداء، سقطت.

و قال أحمد: لا تسقط و إن حيل بينهما، لأنّ تصرّفه في ماله نافذ يصحّ بيعه و هبته و توكيله فيه(4). و قد سلف(5) بيان اشتراط تمامية التصرف.

مسألة 272: لو دفع المالك الى غيره الصدقة ليفرّقها، و كان مستحقّا لها،

فإن عيّن المالك له، لم يجز التعدّي إجماعا، فإنّ للمالك الخيرة في التعيين دون غيره.

و إن لم يعيّن، بل أطلق، فلعلمائنا قولان: الجواز، عملا بالأصل.

و لأنّه مستحق لنصيب منها و قد أمر بصرفها الى المستحقّين، و إبراء الذمة بالدفع إلى أربابها، فجاز أن يأخذ، لحصول الغاية به، لقول الرضا عليه السلام و قد سأله عبد الرحمن بن الحجاج عن الرجل يعطي الرجل الدراهم يقسّمها و يضعها في مواضعها، و هو ممّن تحلّ له الصدقة، قال: «لا بأس أن يأخذ لنفسه كما يعطي لغيره» قال: «و لا يجوز له أن يأخذ إذا أمره أن

ص: 360


1- المدونة الكبرى 284:1، المغني 545:2، المجموع 337:5.
2- المبسوط للسرخسي 181:2، المغني 545:2، المجموع 337:5.
3- ورد بدل ما بين القوسين في النسخ الخطية المعتمدة في التحقيق و الطبعة الحجرية: (أيسر). و المثبت يقتضيه السياق.
4- المغني 641:2.
5- سلف في المسألة 11.

يضعها في مواضع مسمّاة إلاّ بإذنه»(1).

و الثاني: المنع، لأنّ الأمر بالدفع و التفريق يستلزم المغايرة بين الفاعل و القابل.

و الأول أقرب.

إذا ثبت هذا، فإنّه يأخذ مثل ما يعطي غيره، و لا يجوز أن يفضّل نفسه، لقوله عليه السلام: «لا بأس أن يأخذ لنفسه كما يعطي لغيره»(2) و لقول الكاظم عليه السلام في رجل اعطي مالا يفرّقه فيمن يحلّ له، أ له أن يأخذ منه شيئا لنفسه و لم يسمّ له ؟ قال: «يأخذ منه لنفسه مثل ما يعطي غيره»(3).

و يجوز أن يدفع الى من تجب نفقته عليه كولده و زوجته و أبويه مع الاستحقاق إجماعا و إن عاد النفع إليه.

مسألة 273: قد بيّنّا أنّه ينبغي لقابض الصدقة الدعاء لصاحبها،

فيقول: آجرك اللّه فيما أعطيت، و جعله لك طهورا، و بارك لك فيما أبقيت.

و في وجوبه للشيخ(4) و الشافعي(5) قولان تقدّما(6).

و هل يقول: صلّى اللّه عليك ؟ منع منه الشافعية، لأنّ الصلاة صارت مخصوصة بالأنبياء و الملائكة عليهم السلام، فلا تستعمل في حق غيرهم، فهو كما أنّ قولنا: عزّ و جلّ، مختص باللّه تعالى، فكما لا يقال: محمد عزّ و جلّ، و إن كان عزيزا جليلا، كذا لا يقال: صلّى اللّه عليك، لغير الأنبياء(7).

ص: 361


1- الكافي 555:3-3، التهذيب 104:4-296.
2- الكافي 555:3-3، التهذيب 104:4-296.
3- الكافي 555:3-2، التهذيب 104:4-295.
4- الخلاف 125:2، المسألة 155، و المبسوط للطوسي 244:1.
5- المجموع 171:6، فتح العزيز 529:5، مختصر المزني 53.
6- تقدّما في المسألة 235.
7- المجموع 171:6، فتح العزيز 529:5.

و قيل بالجواز، لأنّ النبي على السلام قال لآل أبي أوفى: (اللّهم صلّ على آل أبي أوفى)(1)(2).

و اتّفقوا على تجويز جعل غير الأنبياء تبعا، كما يقال: اللّهمّ صلّ على محمد و آل محمد.

و المراد به عند أكثر الشافعية: بنو هاشم و بنو المطلب(3).5.

ص: 362


1- صحيح البخاري 159:2 و 90:8، 96، صحيح مسلم 756:2-757-1078، سنن أبي داود 106:2-1590، سنن النسائي 31:5، سنن ابن ماجة 572:1-1796، مسند أحمد 353:4، 355، 381، 383، سنن البيهقي 152:2 و 157:4 و 5:7.
2- ممّن قال بذلك: أبو إسحاق الشيرازي في المهذب 176:1، و ابن قدامة في المغني 508:2.
3- المجموع 172:6، فتح العزيز 530:5.

الباب الثاني في زكاة الفطرة

اشارة

و فيه فصول.

ص: 363

ص: 364

الفصل الأول من تجب عليه
مقدمة: زكاة الفطر واجبة

بإجماع العلماء.

قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على أنّ صدقة الفطر فرض(1).

و قال إسحاق: هو كالإجماع من أهل العلم(2).

و زعم ابن عبد البرّ أنّ بعض المتأخّرين من أصحاب مالك و داود يقولون:

هي سنّة مؤكّدة، و سائر العلماء على وجوبها(3) ، لقوله تعالى قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكّى (4).

روي عن أهل البيت عليهم السلام، أنّها نزلت في زكاة الفطرة(5).

و لقول رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: (فرض زكاة الفطر من رمضان على الناس صاعا من تمر أو صاعا من شعير على كلّ حرّ و عبد، ذكر و أنثى من المسلمين)(6).

ص: 365


1- المغني و الشرح الكبير 646:2.
2- المغني و الشرح الكبير 646:2.
3- المغني و الشرح الكبير 646:2.
4- الأعلى: 14.
5- تفسير القمي 417:2، الفقيه 323:1-1478، و 119:2-515، التهذيب 108:4-109-314، الاستبصار 343:1-1292.
6- صحيح مسلم 677:2-984، سنن الدارقطني 139:2-5، سنن البيهقي 162:4، و فيها عن ابن عمر أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فرض زكاة.. إلى آخره.

و من طريق الخاصة: قول الصادق عليه السلام: «كلّ من ضممت الى عيالك من حرّ أو مملوك، فعليك أن تؤدّي الفطرة عنه»(1).

إذا عرفت هذا، فقال أبو حنيفة: إنّها واجبة، و ليست فرضا(2). و قال الباقون: هي فرض(3).

و الأصل في ذلك: أنّ أبا حنيفة كان يخصّ الفرض بما ثبت بدليل مقطوع به، و الواجب: ما ثبت بدليل مظنون(4).

و قد بيّنّا الإجماع على الوجوب، و هو قطعي.

و أضيفت هذه الزكاة إلى الفطر، لأنّها تجب بالفطر من رمضان.

و قال ابن قتيبة: و قيل لها: فطرة، لأنّ الفطرة: الخلقة. قال تعالى:

فِطْرَتَ اللّهِ (5) أي: جبلّته، و هذه يراد بها الصدقة عن البدن و النفس، كما كانت الأولى صدقة عن المال(6).

مسألة 274: البلوغ شرط في الوجوب،

فلا تجب على الصبي قبل بلوغه، موسرا كان أو معسرا، سواء كان له أب أو لا و إن وجبت على الأب عنه، عند علمائنا أجمع، و به قال محمد بن الحسن(7).

و قال الحسن و الشعبي: صدقة الفطر على من صام من الأحرار و الرقيق(8).

ص: 366


1- الكافي 170:4-1، التهذيب 71:4-193.
2- بدائع الصنائع 69:2، المبسوط للسرخسي 101:3.
3- انظر: حلية العلماء 119:3، المجموع 104:6، المبسوط للسرخسي 101:3، بداية المجتهد 278:1، المغني 467:2، الشرح الكبير 646:2.
4- أصول السرخسي 110:1-111.
5- الروم: 30.
6- المغني 647:2، الشرح الكبير 646:2.
7- المغني 648:2، الشرح الكبير 646:2.
8- المغني 648:2، الشرح الكبير 646:2-647.

لقوله عليه السلام: (رفع القلم عن ثلاثة: عن الصبي حتى يبلغ)(1) و ظاهره سقوط الفرض و الحكم.

و لأنه غير مكلّف، و ليس محلا للخطاب، فلا يتوجه إطلاق الأمر اليه.

و من طريق الخاصة: قول الرضا عليه السلام و قد سئل عن الوصي يزكّي زكاة الفطرة عن اليتامى إذا لم يكن لهم مال ؟ فقال: «لا زكاة على مال اليتيم»(2).

و قول الصادق عليه السلام: «ليس في مال اليتيم زكاة، و ليس عليه صلاة.. حتى يدرك، فإذا أدرك كان عليه مثل ما على غيره من الناس»(3).

و أطبق باقي الجمهور على وجوب الزكاة في ماله، و يخرج عنه الولي، لعموم قوله(4)آل عمران: 97.(5): إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، فرض زكاة الفطر من رمضان على الناس صاعا من تمر أو صاعا من شعير على كلّ حرّ و عبد، ذكر و أنثى(6).

و لا دلالة فيه، لانصراف الوجوب إلى أهله، لقوله تعالى وَ لِلّهِ عَلَى النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ (6).

مسألة 275: و ليس الحضر (فيها)

مسألة 275: و ليس الحضر (فيها)(7) شرطا،

بل تجب على أهل

ص: 367


1- سنن أبي داود 141:4-4402.
2- الكافي 541:3-8، الفقيه 115:2-495، التهذيب 30:4-74.
3- الكافي 541:3-4، التهذيب 29:4-30-73، الاستبصار 31:2-91.
4- الضمير راجع الى راوي الخبر، و هو: ابن عمر. لاحظ: المصادر في الهامش
5- من صفحة 365.
6- المغني 648:2، الشرح الكبير 646:2، و انظر أيضا: المصادر في الهامش (6) من صفحة 365.
7- كلمة (فيها) لم ترد في «ن» و «ط».

البادية عند أكثر العلماء(1) - و به قال ابن الزبير و سعيد بن المسيب و الحسن و مالك و الشافعي و ابن المنذر و أصحاب الرأي(2) - للعموم. و لأنّها زكاة، فوجبت عليهم، كزكاة المال.

و قال عطاء و الزهري و ربيعة: لا صدقة عليهم(3). و هو غلط.

مسألة 276: و العقل شرط في الوجوب

عند علمائنا أجمع و البحث فيه كما تقدّم(4) في الصبي. و كذا لا تجب على من أهلّ شوّال و هو مغمى عليه.

مسألة 277: يشترط فيه: الحرّية،
اشارة

فلا تجب الزكاة على العبد عند علمائنا أجمع، بل يجب على مولاه إخراجها عنه، و به قال جميع الفقهاء(5) ، لأنّه لا مال له.

و لقول النبي صلّى اللّه عليه و آله: (ليس على المسلم في عبده و لا في فرسه صدقة إلاّ صدقة الفطرة في الرقيق)(6).

و قال داود: تجب على العبد، و يلزم المولى إطلاقه ليكتسب، و يخرجها عن نفسه(7) ، لعموم قوله عليه السلام: (على كلّ حر و عبد)(8).

ص: 368


1- المغني 660:2، الشرح الكبير 647:2، المنتقى - للباجي - 185:2.
2- المغني 660:2، الشرح الكبير 647:2، المنتقى - للباجي - 185:2.
3- المغني 660:2، الشرح الكبير 647:2.
4- تقدّم في المسألة 274.
5- الام 63:2، المهذب للشيرازي 171:1، المجموع 120:6 و 140، حلية العلماء 120:3، المغني 649:2، الشرح الكبير 650:2، بدائع الصنائع 70:2، و حكاه الشيخ الطوسي في الخلاف 130:2، المسألة 158.
6- أورده كما في المتن - الشيخ الطوسي في الخلاف 131:2 ذيل المسألة 158، و في صحيح البخاري 149:2، و صحيح مسلم 675:2-676-982، و سنن أبي داود 108:2-1595، و سنن الترمذي 23:3-24-628، و سنن ابن ماجة 579:1-1812، و سنن النسائي 35:5 و 36، و سنن البيهقي 117:4، بتفاوت و نقيصة.
7- المجموع 120:6 و 140، حلية العلماء 121:3.
8- راجع: الهامش (6) من صفحة 365.

و نحن نقول بموجبه، إذ الزكاة تجب على المالك.

فروع:

أ - العبد لا يجب عليه أن يؤدّي عن نفسه و لا عن زوجته، سواء قلنا:

إنّه يملك أو أحللناه.

ب - المدبّر و أمّ الولد كالقنّ.

ج - لا فرق بين أن يكون العبد في نفقة مولاه أو لا، في عدم الوجوب عليه.

مسألة 278: يشترط فيه الغنى،

فلا يجب على الفقير، و لا يكفي في وجوبها القدرة عليها عند أكثر علمائنا(1) ، و به قال أصحاب الرأي(2) ، لقوله عليه السلام: (لا صدقة إلاّ عن ظهر غنى)(3) و الفقير لا غنى له، فلا تجب عليه.

و من طريق الخاصة: قول الكاظم عليه السلام و قد سئل: على الرجل المحتاج صدقة الفطرة ؟: «ليس عليه فطرة»(4).

و سئل الصادق عليه السلام: «رجل يأخذ من الزكاة عليه صدقة الفطرة ؟ قال: «لا»(5).

و قال عليه السلام: «لا فطرة على من أخذ الزكاة»(6).

و لأنّه تحلّ له الصدقة، فلا تجب عليه، كمن لا يقدر عليها.

و لأنّها تجب جبرا للفقير و مواساة له، فلو وجبت عليه، كان اضطرارا به

ص: 369


1- منهم: الشيخ المفيد في المقنعة: 40، و الشيخ الطوسي في المبسوط 240:1، و ابن حمزة في الوسيلة: 130، و المحقق في المعتبر: 285.
2- المبسوط للسرخسي 102:3، بدائع الصنائع 69:2، الهداية للمرغيناني 115:1.
3- مسند أحمد 230:2.
4- التهذيب 73:4-205، الاستبصار 41:2-129.
5- التهذيب 73:4-201، الاستبصار 40:2-125.
6- التهذيب 73:4-202، الاستبصار 40:2-41 ذيل الحديث 126.

و تضييقا.

و قال بعض علمائنا(1) - و نقله الشيخ - رحمه اللّه - في الخلاف عن كثير من أصحابنا(2) -: وجوبها على من قدر عليها، فاضلا عن قوته و قوت عياله ليوم و ليلة - و به قال أبو هريرة و أبو العالية و الشعبي و عطاء و ابن سيرين و الزهري و مالك و ابن المبارك و الشافعي و أحمد و أبو ثور(3) - لقوله عليه السلام: (أدّوا صدقة الفطر صاعا من قمح(4) عن كلّ إنسان، صغير أو كبير، حرّ أو مملوك، غني أو فقير، ذكر أو أنثى، أمّا غنيكم فيزكّيه اللّه، و أمّا فقيركم فيردّ اللّه عليه أكثر ممّا أعطى)(5).

و لأنّه حقّ مال لا يزيد بزيادة المال، فلا يعتبر وجود النصاب فيه كالكفّارة.

و الحديث نقول بموجبه، فإنّها تجب على الغني عن الفقير الذي يعوله.

و الفرق: أنّها زكاة تطهّر، فاعتبر فيها المال كزكاة المال، أمّا الكفّارة فإنّها وجبت لإسقاط الذنب.

مسألة 279: و حدّ الغنى

هنا: ما تقدّم في صدقة المال، و هو: أن يملك قوته و قوت عياله على الاقتصاد حولا، فمن ملك ذلك، أو كان له كسب أو صنعة تقوم بأوده و أود عياله مستمرا و زيادة صاع، وجب عليه دفعها، لأنّ وجود الكفاية يمنع من أخذ الزكاة، فتجب عليه، لقول الصادق عليه السلام:

«من حلّت له لا تحلّ عليه، و من حلّت عليه لا تحلّ له»(6).

ص: 370


1- كما في المعتبر: 288.
2- الخلاف 147:2، المسألة 183.
3- المغني 695:2، الشرح الكبير 648:2، حلية العلماء 125:3، المجموع 113:6، بداية المجتهد 279:1.
4- القمح: البرّ. لسان العرب 565:2.
5- سنن أبي داود 114:2-1619، سنن الدارقطني 148:2-41، سنن البيهقي 164:4.
6- التهذيب 73:4-203، الاستبصار 41:2-127.

و قال الشيخ في المبسوط: أن يملك نصابا زكويا(1).

و في الخلاف: أن يملك نصابا أو ما قيمته نصاب(2). و به قال أبو حنيفة(3) ، لوجوب زكاة المال عليه، و إنّما تجب على الغني فتلزمه الفطرة.

و الثانية(4) ممنوعة.

تذنيب: يستحب للفقير إخراجها عن نفسه و عياله و لو استحقّ أخذها أخذها و دفعها مستحبا، و لو ضاق عليه أدار صاعا على عياله، ثم تصدّق به على الغير، للرواية(5).

مسألة 280: الإسلام ليس شرطا في الوجوب،
اشارة

بل تجب على الكافر الفطرة و إن كان أصليا، عند علمائنا أجمع، لكن لا يصحّ منه أداؤها، لأنّه مكلّف بفروع العبادات، فصحّ تناول الخطاب له، فتجب عليه كما تجب على المسلم، عملا بعموم اللفظ السالم عن معارضة مانعية الكفر، كغيرها من العبادات، و إنّما قلنا بعدم الصحة لو أدّاها، لأنّها عبادة تفتقر إلى النية.

و قال الجمهور: لا تجب عليه، لأنّ الزكاة طهرة و الكافر ليس من أهلها(6).

و هو ممنوع، لإمكان الطّهرة بتقدّم إسلامه، و من شرطها: النيّة، و قد كان يمكنه تقديمها.

فروع:

أ - لو أسلم بعد فوات الوقت، سقطت عنه إجماعا، لقوله عليه السلام:

ص: 371


1- المبسوط للطوسي 240:1.
2- الخلاف 146:2، المسألة 183.
3- بدائع الصنائع 48:2، بداية المجتهد 276:1، حلية العلماء 125:3.
4- أي: ما قيمته نصاب.
5- التهذيب 74:4-209، الاستبصار 42:2-133، و الكافي 172:4-10.
6- المغني 649:2، الشرح الكبير 647:2، المجموع 106:6، بدائع الصنائع 69:2، مقدّمات ابن رشد 254:1.

(الإسلام يجبّ ما قبله)(1).

ب - لو كان الكافر عبدا لم تجب عليه الفطرة، و تجب عنه لو كان المالك مسلما على ما يأتي(2).

ج - المرتدّ إن كان عن فطرة، لم تجب عليه، لانتقال أمواله إلى ورثته فهو فقير. و لأنّه مستحق للقتل في كل آن، فيضادّ الوجوب عليه.

و إن كان عن غير فطرة، وجبت عليه و إن حجر الحاكم على أمواله، لإمكان رجوعه و توبته، فيزول حجره، و لا تسقط عنه بالإسلام، بخلاف الكافر الأصلي.

د - لو كان للكافر عبد مسلم، وجبت عليه الفطرة عنه، لكنه لا يكلّف إخراجها عنه، و هو قول أكثر العلماء(3).

قال ابن المنذر: أجمع كلّ من نحفظ عنه [من أهل](4) العلم: أن لا صدقة على الذمّي في عبده المسلم، لأنّها عبادة تفتقر إلى النية و لا تصح من الكافر. و لأنّه لا يكلّف الفطرة عن نفسه، فلا يكلّف عن غيره(5).

و قال أحمد: يلزم بالإخراج عنه، لأنّه من أهل الطّهرة، فوجب أن يؤدّي عنه الزكاة(6).

و هو ممنوع، لأنّه فقير، فلا تجب عليه الفطرة، و هذا إنّما يتمّ عندنا لو تعذّر بيعه عليه، أو كان قد أسلم آخر جزء من الشهر، ثم يهلّ قبل البيع.

مسألة 281: و الفطرة واجبة على المسلمين من أهل الحضر و البادية

ص: 372


1- مسند أحمد 199:4 و 204 و 205.
2- يأتي في المسألة 282.
3- المغني 651:2، الشرح الكبير 647:2.
4- زيادة من المصدر.
5- المغني 651:2، الشرح الكبير 647:2.
6- المغني 651:2، الشرح الكبير 647:2.

عند علمائنا أجمع - و به قال أكثر العلماء و جميع الفقهاء(1) - للعموم.

و قال عطاء و عمر بن عبد العزيز و ربيعة بن أبي عبد الرحمن و الزهري:

لا فطرة على أهل البادية(2).

و هو مدفوع بالإجماع.2.

ص: 373


1- المغني 660:2، الشرح الكبير 647:2، و المجموع 142:6، و الخلاف - للشيخ 2 لطوسي - 152:2، المسألة 192.
2- المغني 660:2، الشرح الكبير 647:2، و المجموع 142:6، و الخلاف - للشيخ 2 لطوسي - 152:2، المسألة 192.

ص: 374

الفصل الثاني فيمن تخرج عنه
مسألة 282: يجب على المكلّف بها أن يخرجها عن نفسه،

بلا خلاف بين العلماء في ذلك، و عن جميع من يعوله من صغير و كبير، حرّ أو عبد، ذكر أو أنثى، مسلم أو كافر، عند علمائنا أجمع - و به قال عمر بن عبد العزيز و عطاء و مجاهد و سعيد بن جبير و النخعي و الثوري و إسحاق و أصحاب الرأي(1) - لقوله عليه السلام: (أدّوا عن كلّ حرّ و عبد، صغير أو كبير، يهودي أو نصراني أو مجوسي، نصف صاع من برّ)(2).

و من طريق الخاصة: قول الباقر و الصادق عليهما السلام: «على الرجل أن يعطي عن كلّ من يعول من حرّ و عبد و صغير و كبير»(3) و هو على إطلاقه يتناول الكافر و المسلم.

و قول الصادق عليه السلام: «يؤدّي الرجل زكاته عن مكاتبه و رقيق امرأته و عبده النصراني و المجوسي و ما أغلق عليه بابه»(4) و هو و إن كان مرسلا، إلاّ أنّ علماءنا أفتوا بموجبه.

ص: 375


1- المغني 649:2، الشرح الكبير 647:2، بدائع الصنائع 70:2.
2- أورده ابنا قدامة في المغني 650:2، و الشرح الكبير 647:2.
3- التهذيب 76:4-215، الإستبصار 45:2-147.
4- الكافي 174:4-20، التهذيب 72:4-195.

و لأنّ كلّ زكاة وجبت بسبب عبده المسلم وجبت بسبب عبده الكافر، كزكاة التجارة.

و قال مالك و الشافعي و أحمد و أبو ثور: لا يخرج عن العبد الكافر و لا عن الصغير المرتد، لقول ابن عباس: فرض رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، زكاة الفطرة طهرة للصائم من الرفث و اللغو(1). و الكافر ليس من أهل الطهرة(2).

و لا دلالة في قول الصحابي، إذ لا حجّة فيه. و لأنّ الأصل ذلك، و غيره يجب بالتبع. و لأنّها تجب عن الطفل و ليس أهلا للصوم.

مسألة 283: و لا فرق بين أن تكون العيلولة واجبة أو تبرّعا،

مثل أن يضمّ أجنبيا أو يتيما أو ضيفا و يهلّ الهلال و هو في عياله، عند علمائنا أجمع - و هو رواية عن أحمد(3) - لقوله عليه السلام: (أدّوا صدقة الفطر عمّن تمونون)(4) و المتبرّع بنفقته ممّن يمون.

و من طريق الخاصة: قول الصادق عليه السلام: «من ضممت الى عيالك من حرّ (و عبد)(5) فعليك أن تؤدّي الفطرة عنه»(6).

و سأل عمر بن يزيد، الصادق عليه السلام، عن الرجل يكون عنده الضيف من إخوانه، فيحضر يوم الفطر، يؤدّي عنه الفطرة ؟ قال:

«نعم»(7).

ص: 376


1- سنن أبي داود 111:2-1609، سنن ابن ماجة 585:1-1827.
2- بداية المجتهد 280:1، المنتقى - للباجي - 185:2، المهذب للشيرازي 171:1، المجموع 118:6، فتح العزيز 143:6، حلية العلماء 121:3، المغني 649:2، الشرح الكبير 647:2.
3- المغني 692:2، الشرح الكبير 652:2.
4- أورده ابنا قدامة في المغني 692:2-693، و الشرح الكبير 652:2.
5- في الكافي و التهذيب: أو مملوك.
6- المعتبر: 287، الكافي 170:4-1، التهذيب 71:4-193.
7- الكافي 173:4-16، الفقيه 116:2-497، التهذيب 72:4-196.

و لأنّه شخص ينفق عليه، فتلزمه فطرته كعبده.

و قال باقي الجمهور: لا تجب، بل تستحب، لأنّ مئونته ليست واجبة، فلا تلزمه الفطرة عنه، كما لو لم يعله(1).

و الفرق: وجود المناط، و هو العيلولة في المعال دون غيره.

مسألة 284: سبب وجوب العيلولة ثلاثة:

الزوجية و القرابة و الملك، بلا خلاف على ما يأتي، و هي سبب في وجوب الفطرة، فيجب على الرجل الموسر، الفطرة عن زوجته الحرّة، عند علمائنا أجمع - و به قال مالك و الشافعي و أحمد و إسحاق(2) - لقول ابن عمر: فرض رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، صدقة الفطر عن كلّ صغير و كبير، حرّ و عبد ممّن تمونون(3).

و من طريق الخاصة: قول الباقر عليه السلام: «إنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله فرض صدقة الفطر عن الصغير و الكبير و الحرّ و العبد و الذكر و الأنثى ممّن تمونون»(4).

و لأنّ النكاح سبب تجب به النفقة فوجبت به الفطرة كالملك و القرابة.

و قال أبو حنيفة و الثوري و ابن المنذر من الشافعية: لا تجب عليه فطرة زوجته، و عليها فطرة نفسها، لقوله عليه السلام: (صدقة الفطر على كلّ ذكر و أنثى)(5).

ص: 377


1- المغني 693:2، الشرح الكبير 652:2.
2- المنتقى - للباجي - 184:2، المهذب للشيرازي 171:1، المجموع 114:6 و 116، فتح العزيز 118:6-119، حلية العلماء 121:3، المغني 684:2، الشرح الكبير 649:2.
3- سنن الدارقطني 141:2-12، سنن البيهقي 161:4، و المغني 683:2-684، و الشرح الكبير 649:2.
4- المعتبر: 287.
5- سنن الدارقطني 140:2-10، سنن الترمذي 61:3-675، سنن البيهقي 160:4.

و لأنّها زكاة فوجبت عليها، كزكاة مالها(1).

و نحن نقول بموجب الحديث، لكنّ الزوج يتحمّل عنها الوجوب، جمعا بين الأدلّة، و زكاة المال لا تتحمّل بالملك و القرابة، فافترقا.

مسألة 285: الولد الموسر تجب عليه فطرة أبيه المعسر

- و به قال الشافعي(2) - لأنّه تجب عليه نفقته، فتجب عليه فطرته، للحديث(3).

و قال أبو حنيفة: لا تجب عليه فطرة الأب و إن وجبت نفقته(4).

و كذا يجب على الجدّ فطرة ولد الولد مع العيلولة، و به قال الشافعي(5).

و قال أبو حنيفة: لا تجب(6).

مسألة 286: الولد إن كان صغيرا معسرا، وجبت نفقته على والده،
اشارة

و عليه فطرته عنه، و به قال الشافعي و أبو حنيفة (لكن)(7) أبو حنيفة أوجبها عليه باعتبار الولاية، و عندنا باعتبار العيلولة، و عند الشافعي باعتبار وجوب النفقة عليه(8).

و إن كان موسرا، قال الشيخ: لزم أباه نفقته و فطرته و به قال محمد بن الحسن(9) - لأنّ كلّ خبر روي في أنّه تجب الفطرة على الرجل يخرجها عن

ص: 378


1- المغني 684:2، الشرح الكبير 649:2، المجموع 118:6، فتح العزيز 119:6، حلية العلماء 121:3، الهداية للمرغيناني 115:1، بداية المجتهد 279:1.
2- الام 63:2، المجموع 120:6، و بدائع الصنائع 72:2.
3- المروي عن طريق الخاصة و العامة، الذي سبق في المسألة السابقة (284).
4- المبسوط للسرخسي 105:3-106، بدائع الصنائع 72:2، فتح العزيز 119:6.
5- المهذب للشيرازي 170:1، المجموع 141:6.
6- المبسوط للسرخسي 105:3، فتح العزيز 119:6-120، المجموع 141:6.
7- و الأحسن: و لكن.
8- المهذب للشيرازي 170:1 و 171، المجموع 120:6، حلية العلماء 121:3، المبسوط للسرخسي 102:3، الهداية للمرغيناني 116:1، و الخلاف - للشيخ الطوسي - 133:2-134، المسألة 163.
9- المبسوط للسرخسي 104:3، الهداية للمرغيناني 115:1، المجموع 141:6، حلية العلماء 122:3، و الخلاف - للشيخ الطوسي - 134:2، المسألة 164.

نفسه و عن ولده، يتناول هذا الموضع، فعلى مدّعي التخصيص الدلالة(1).

و قال مالك و أبو يوسف و الشافعي: نفقته و فطرته من مال نفسه(2).

و الوجه عندي: أنّ نفقته في ماله، و لا فطرة على أبيه، إلاّ أن يعوله متبرّعا، لأنّه لم يعله، و لا على الصغير، لصغره، فقد عدم شرط البلوغ في حقّه.

أمّا الولد الكبير، فإن كان موسرا، فله حكم نفسه بالإجماع، و إن كان فقيرا، كانت نفقته و فطرته على أبيه. و كذا البحث في الوالد و الجدّ و الجدّة و الام. و ولد الولد حكمه حكم الولد للصّلب.

فروع:

أ - لا تجب الزكاة عن الجنين بإجماع العلماء. قال ابن المنذر: كلّ من نحفظ عنه من علماء الأمصار، لا يوجب على الرجل زكاة الفطر عن الجنين في بطن امّه(3).

و عن أحمد رواية: أنّها تجب، لأنّه آدمي تصحّ الوصية له و به، و يرث، فيدخل في عموم الأخبار، و يقاس على المولود(4).

و ليس بجيّد، لمخالفة الإجماع. و لأنّه جنين، فأشبه أجنّة البهائم.

و لأنّ أحكام الدنيا لم تثبت له، إلاّ الوصية و الإرث بشرط خروجه حيّا.

ب - المولود تجب الزكاة عنه و إن ولد ليلة الهلال قبله بلا فصل.

ج - الكبير المعسر لو وجد ليلة الهلال قدر قوته ليلة العيد و يومه، سقطت

ص: 379


1- الخلاف 134:2، المسألة 164.
2- المبسوط للسرخسي 104:3، الهداية للمرغيناني 115:1، المجموع 120:6، و الخلاف - للشيخ الطوسي - 134:2، المسألة 164.
3- المغني 713:2، الشرح الكبير 652:2، المجموع 139:6.
4- المغني 713:2، الشرح الكبير 652:2.

الزكاة عن أبيه إذا لم يعله، لسقوط النفقة عنه، و عن الولد، لفقره، و به قال الشافعي(1).

و لو كان المعسر صغيرا، و وجد قدر هذا القوت، فكذلك، و هو أحد وجهي الشافعية. و الثاني: أنّ فطرته لا تسقط، لأنّ نفقته آكد، فإنّها قد ثبتت في الذمة، لأنّ للأمّ أن تستقرض على الأب الغائب لنفقة الصغير، و نفقة الكبير لا تثبت في الذمة بحال(2).

و الفرق ممنوع، لأنّ نفقة الكبير قد تثبت لو استدان له الحاكم عن الأب.

مسألة 287: يجب الإخراج عن الضيف و إن تبرّع بإطعامه،

مسلما كان أو كافرا، حرّا أو عبدا، عند علمائنا أجمع و قد تقدّم الخلاف في التبرّعات.

لكن اختلف علماؤنا، فقال بعضهم: يشترط الضيافة جميع شهر رمضان(3).

و شرط آخرون: ضيافة العشر الأواخر(4).

و اقتصر آخرون على آخر ليلة في الشهر، بحيث يهلّ هلال شوّال و هو في ضيافته(5). و هو الأقوى، لقوله عليه السلام: (عمّن تمونون)(6) و هو صالح للحال و الاستقبال. و حمله على الحال أولى، لأنّه وقت الوجوب، و إذا علّق الحكم على وصف، ثبت مع ثبوته، لا قبله و لا بعده.

و لإطلاق اسم الضيف عليه عند الهلال.

ص: 380


1- الوجيز 98:1، فتح العزيز 125:6-126.
2- الوجيز 98:1، فتح العزيز 126:6.
3- حكى الأقوال كلّها، المحقّق في المعتبر: 288، و بعد أن ذكر القول الأخير، قال: و هو الأولى. و ممّن اختار القول الأول: السيد المرتضى في الانتصار: 88، و الشيخ الطوسي في الخلاف 133:2، المسألة 162.
4- حكى الأقوال كلّها، المحقّق في المعتبر: 288، و بعد أن ذكر القول الأخير، قال: و هو الأولى. و ممّن اختار القول الأول: السيد المرتضى في الانتصار: 88، و الشيخ الطوسي في الخلاف 133:2، المسألة 162.
5- حكى الأقوال كلّها، المحقّق في المعتبر: 288، و بعد أن ذكر القول الأخير، قال: و هو الأولى. و ممّن اختار القول الأول: السيد المرتضى في الانتصار: 88، و الشيخ الطوسي في الخلاف 133:2، المسألة 162.
6- تقدّمت الإشارة إلى مصادره في صفحة 376، الهامش (4).
الفصل الثالث في قدرها و جنسها
مسألة 288: الجنس في الفطرة ما كان قوتا غالبا،

كالحنطة و الشعير و التمر و الزبيب و الأرز و الأقط و اللّبن، لرواية أبي سعيد، قال: فرض رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، صدقة الفطر صاعا من طعام أو صاعا من شعير أو صاعا من تمر أو صاعا من أقط(1).

و من طريق الخاصة: قول العسكري عليه السلام: «و من سكن البوادي من الأعراب فعليهم الأقط»(2).

و لأنّه مقتات، فجاز إخراجه كالبرّ، و هذا عام فيمن قوته الأقط و من لم يكن، و فيمن وجد الأصناف المنصوص عليها و من لم يجد.

و قال أبو حنيفة: لا يخرج من الأقط إلاّ على وجه القيمة(3).

و عن أحمد روايتان في الواجد: إحداهما: الإجزاء كقولنا، و الأخرى:

المنع، لأنّ الأقط جنس لا تجب الزكاة فيه، فلا يجزئ إخراجه للواجد غيره من باقي الأصناف(4).

ص: 381


1- سنن النسائي 51:5.
2- التهذيب 79:4-226، الإستبصار 44:2-140.
3- بدائع الصنائع 72:2-73، حلية العلماء 132:3، الميزان - للشعراني - 12:2
4- المغني 660:2-661، الشرح الكبير 662:2.

و قول أبي سعيد: كنّا نخرج صاعا من أقط(1) ، و هم من أهل الأمصار، يبطله.

و أمّا اللبن فإنّه يجوز إخراجه - عند علمائنا أجمع - لكلّ أحد سواء قدر على غيره من الأجناس أو لا - و هو قول أحمد في رواية، و حكاه أبو ثور عن الشافعي(2) - لأنّه يقتات به. و لأنّه أكمل من الأقط، لإمكان حصول الأقط منه.

و لقول الصادق عليه السلام: «الفطرة على كلّ قوم ما يغذّون عيالاتهم:

لبن أو زبيب أو غيره»(3).

و عن أحمد رواية: أنّه لا يجزئ اللبن بحال، لعدم ذكره في خبر أبي سعيد(4).

و عدم ذكره فيه لا يدلّ على العدم.

و عنه اخرى: أنّه يجزئ عند عدم الأصناف(5).

و أمّا الأرز، فإنّه أصل عند علمائنا، لأنّه يقتات به.

و لقول أبي الحسن العسكري عليه السلام: «و على أهل طبرستان الأرز»(6).

و منع منه أحمد، لعدم الذكر في خبر أبي سعيد(7). و قد سبق.2.

ص: 382


1- صحيح البخاري 161:2، سنن النسائي 51:5 و 53، سنن الدارقطني 146:2-31، سنن البيهقي 173:4، و الموطّأ 284:1-53.
2- المغني و الشرح الكبير 662:2.
3- التهذيب 78:4-221، الإستبصار 43:2-137.
4- المغني و الشرح الكبير 662:2.
5- المغني 663:2، الشرح الكبير 662:2.
6- التهذيب 79:4-226، الاستبصار 44:2-140.
7- انظر: المغني 665:2 و 666، و الشرح الكبير 661:2.
مسألة 289: يجوز إخراج ما كان قوتا
اشارة

و إن غاير الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب و اللبن و الأقط، مع وجودها و عدمها بالقيمة، عند علمائنا - و هو رواية عن أحمد(1) - لقوله عليه السلام: (أغنوهم عن الطلب)(2) و هو يحصل بالقوت.

و من طريق الخاصة: قول الصادق عليه السلام: «الفطرة على كلّ من أصاب قوتا فعليه أن يؤدّي من ذلك القوت»(3).

و عن أحمد رواية: أنّه لا يجزئ إلاّ الخمسة المنصوصة، إلاّ مع عدمها(4).

و قال مالك: يخرج من غالب قوت البلد(5).

و قال الشافعي: أيّ قوت كان الأغلب على الرجل، أدّى زكاة الفطرة منه(6).

و اختلف أصحابه، فقال بعضهم بقول مالك. و قال بعضهم: الاعتبار بغالب قوت المخرج، فإن عدل عن الواجب إلى أعلى منه جاز، و الى أدون قولان(7).

فروع:

أ - السّلت نوع من الشعير، أو شبهه، مقتات، فيجزئ بالأصالة إن

ص: 383


1- المغني 665:2، الشرح الكبير 661:2.
2- أورده ابنا قدامة في المغني 666:2، و الشرح الكبير 661:2.
3- الكافي 173:4-14، التهذيب 78:4-220، الإستبصار 42:2-136.
4- المغني 665:2، الشرح الكبير 661:2.
5- المغني 665:2 و 670، الشرح الكبير 661:2، المدوّنة الكبرى 357:1، بداية المجتهد 281:1.
6- الام 68:2، المهذب للشيرازي 172:1، المجموع 132:6، المغني 665:2، الشرح الكبير 661:2.
7- المهذب للشيرازي 172:1، المجموع 133:6، حلية العلماء 130:3، المغني 665:2-666، الشرح الكبير 661:2.

كان شعيرا، و إن شابهه فبالقيمة. و كذا العلس بالنسبة إلى الحنطة.

ب - يجوز إخراج الدقيق من الحنطة و الشعير، و السويق، على أنّهما أصلان - و به قال أحمد و أبو حنيفة(1) - لقوله عليه السلام: (أو صاعا من دقيق)(2).

و من طريق الخاصة: قول الباقر و الصادق عليهما السلام: «صاع من تمر أو زبيب أو شعير أو نصف ذلك كلّه حنطة أو دقيق أو سويق أو سلت»(3).

و لأنّهما أجزاء الحبّ تفرّقت، و يمكن كيلها و ادّخارها، فجاز إخراجها كما قبل الطحن.

ج - يجوز إخراج الخبز أصلا، لأنّه يقتات به. و لأنّه أنفع. و لأنّ الانتفاع الذاتي - و هو الاغتذاء - إنّما يتمّ بصيرورتها خبزا، فكفاية الفقير مئونة ذلك أولى.

و منع أحمد من ذلك، لخروجه عن الكيل و الادّخار(4).

و هو غلط، لأنّ الغاية الذاتية حاصلة، فلا اعتبار بالأمر العرضي.

د - لا يجزئ إخراج الهريسة و الكبولا و شبههما، و لا الخلّ و الدّبس إلاّ بالقيمة، لانتفاء الاقتيات.

ه - لا يجوز إخراج المعيب كالمسوّس و المبلول و متغيّر الطعم، لقوله تعالى وَ لا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ (5).

و - تستحب تنقية الطعام لسلامته عن مخالطة غيره، و لو كان المخالط7.

ص: 384


1- المغني 667:2، الشرح الكبير 662:2، حلية العلماء 132:3، بدائع الصنائع 2: 72، الهداية - للمرغيناني - 116:1.
2- سنن الدارقطني 146:2-34.
3- التهذيب 82:4-236، الإستبصار 43:2-139.
4- المغني 669:2، الشرح الكبير 663:2.
5- البقرة: 267.

كثيرا بحيث يعدّ عيبا، وجبت تنقيته، و لو لم يكثر جاز، و لا تجب الزيادة على الصاع إذا كان يخرج بالصاع عادة.

ز - من أيّ الأصناف المنصوص عليها أخرج جاز و إن لم يكن قوتا له و لا لبلده - و به قال أحمد(1) - للامتثال، لورود الأمر بحرف التخيير.

و قال مالك: يخرج من غالب قوت البلد(2).

مسألة 290: قد بيّنّا أنّه يجوز إخراج أحد هذه الأجناس المنصوص عليها و إن كان غالب قوت البلد غيرها،

عند علمائنا.

و للشافعي قولان: هذا أحدهما، للتخيير في الخبر. و في الآخر: لا يجوز، لقوله عليه السلام: (أغنوهم عن الطلب في هذا اليوم) و إنّما يحصل بقوت أهل البلد(3).

و هو ممنوع.

مسألة 291: أفضل هذه الأجناس: إخراج التمر، ثم الزبيب، ثم غالب قوته.

و بأولوية التمر على الباقي قال مالك و أحمد، اقتداء بأفعال الصحابة(4).

و لقول الصادق عليه السلام: «التمر في الفطرة أفضل من غيره لأنّه

ص: 385


1- المغني 670:2، الشرح الكبير 661:2.
2- المغني 670:2، الشرح الكبير 661:2، بداية المجتهد 281:1، المدوّنة الكبرى 357:1، المنتقى - للباجي - 188:2.
3- المهذب للشيرازي 172:1، المجموع 132:6-133، الوجيز 100:1، فتح العزيز 210:6-213، و أورد لفظ الحديث، الرافعي في فتح العزيز 117:6 و 213 و أبو إسحاق الشيرازي في المهذب 172:1. و في سنن البيهقي 175:4: (أغنوهم عن طواف هذا اليوم).
4- المغني و الشرح الكبير 663:2، المدوّنة الكبرى 357:1، المنتقى - للباجي - 189:2، حلية العلماء 131:3.

أسرع منفعة»(1) و أقلّ كلفة.

و لاشتماله على القوت و الحلاوة، فكان أولى.

و قال الشافعي و أبو عبيد: البرّ أولى، لأنّه أغلى ثمنا و أنفسها، و قد سئل عليه السلام عن أفضل الرقاب، فقال: (أغلاها ثمنا و أنفسها عند أهلها)(2).

و الأولى ممنوعة.

و أمّا أولوية الزبيب بعده: فلما تقدّم في التمر من اشتماله على الحلاوة و القوت، و قلّة كلفة التناول و سرعته، و به قال بعض الحنابلة(3).

و قال الباقون: الأفضل بعد التمر البرّ(4).

مسألة 292: و يجوز إخراج القيمة

عند علمائنا أجمع - و به قال الحسن البصري و الثوري و عمر بن عبد العزيز و أبو حنيفة(5) - لأنّ معاذا طلب من أهل اليمن، العرض(6). و كان عمر بن الخطّاب يأخذ العروض في الصدقة(7).

و من طريق الخاصة: قول الصادق عليه السلام: «لا بأس بالقيمة في الفطرة»(8).

و لأنّ القيمة أعمّ نفعا، و أكثر فائدة. و لأنّ الغاية دفع الحاجة، و هو

ص: 386


1- الكافي 171:4-3، الفقيه 117:2-505، علل الشرائع: 390، الباب 128، الحديث 1، التهذيب 85:4-248.
2- المغني و الشرح الكبير 663:2، فتح العزيز 217:6، المجموع 133:6-134، و انظر أيضا: صحيح البخاري 188:3، سنن ابن ماجة 843:2-2523، الموطّأ 779:2-15، مسند أحمد 388:2 و 150:5، سنن البيهقي 273:10، مصنف ابن أبي شيبة 107:9-108.
3- المغني و الشرح الكبير 664:2.
4- المغني و الشرح الكبير 664:2.
5- المغني 671:2-672، بدائع الصنائع 73:2، حلية العلماء 167:3.
6- سنن البيهقي 113:4، و المغني لابن قدامة 672:2، نقلا عن سعيد بن منصور.
7- المغني 672:2-673، نقلا عن سعيد بن منصور.
8- التهذيب 86:4-252، الاستبصار 50:2-167.

يحصل مع اختلاف صور الأموال.

و منع الشافعي و مالك و أحمد من ذلك، لما فيه من العدول عن النص(1).

و هو ممنوع، فإنّ إيجاب نوع لا يمنع من غيره.

و عن أحمد رواية اخرى: أنّه لا تجزئ القيمة في الفطرة خاصة(2).

تذنيب: لا قدر معيّن للقيمة، بل المرجع فيه الى القيمة السوقية، لأنّ الواجب: العين، و القيمة السوقية بدل، فتعتبر وقت الإخراج.

و ما ورد من التقدير بدرهم(3) أو أربعة دوانيق(4) ، محمول على أنّ القيمة وقت السؤال كانت ذلك.

مسألة 293: و قدر الفطرة عن كلّ رأس صاع من أحد الأجناس

- و به قال مالك و الشافعي و أحمد و إسحاق و أبو سعيد الخدري و الحسن و أبو العالية(5) - لقول أبي سعيد الخدري: كنّا نخرج صاعا من طعام(6).

و من طريق الخاصة: قول الرضا عليه السلام: «صاع بصاع النبي صلّى اللّه عليه و آله»(7).

و قال سعيد بن المسيب و عطاء و طاوس و مجاهد و عروة بن الزبير و أصحاب

ص: 387


1- حلية العلماء 167:3، المغني 671:2.
2- المغني 671:2.
3- التهذيب 79:4-225، الاستبصار 50:2-168.
4- الفقه المنسوب للإمام الرضا عليه السلام: 210، المقنعة: 41.
5- المغني 652:2، الشرح الكبير 659:2، المجموع 142:6، فتح العزيز 194:6، حلية العلماء 129:3، بداية المجتهد 281:1، المنتقى - للباجي - 185:2.
6- صحيح البخاري 161:2، سنن الترمذي 59:3-673، سنن النسائي 51:5، سنن الدارقطني 146:2-32، سنن البيهقي 165:4.
7- الكافي 171:4-5، الفقيه 115:2-492، التهذيب 80:4-227، الإستبصار 46:2-148.

الرأي: يجزئ نصف صاع من البرّ(1) - و عن أبي حنيفة في الزبيب روايتان، إحداهما: صاع، و الأخرى: نصف صاع(2) - لما روي عن النبي عليه السلام، قال: (صاع من قمح بين كلّ اثنين)(3).

و أنكر ابن المنذر هذا الحديث(4).

مسألة 294: و الصاع أربعة أمداد. و المدّ رطلان و ربع بالعراقي،

قدره: مائتان و اثنان و تسعون درهما و نصف. و الدرهم: ستة دوانيق.

و الدانق: ثمان حبّات من أوسط حبّات الشعير، يكون قدر الصاع تسعة أرطال بالعراقي، و ستة بالمدني عند علمائنا، لأنّ النبي عليه السلام كان يتوضّأ بمدّ، و يغتسل بصاع(5). مع كثافة شعره، و تمام خلقه، و استظهاره في أفعال الغسل، و فعله للمندوب منه من المضمضة و الاستنشاق و تكرار الغسلات، و يتعذّر ذلك فيما هو أقلّ.

و من طريق الخاصة: قول أبي الحسن العسكري عليه السلام: «يدفع الصاع وزنا ستة أرطال برطل المدينة، و الرطل مائة و خمسة و تسعون

ص: 388


1- المغني 652:2، الشرح الكبير 659:2، المجموع 143:6، فتح العزيز 194:6، حلية العلماء 129:3، بدائع الصنائع 72:2، الهداية للمرغيناني 116:1، اللباب 160:1.
2- المغني 653:2، الشرح الكبير 659:2، المجموع 143:6، فتح العزيز 194:6، حلية العلماء 129:3، بدائع الصنائع 72:2، الهداية للمرغيناني 116:1، اللباب 160:1، شرح فتح القدير 225:2.
3- سنن أبي داود 114:2-1620، سنن الدارقطني 150:2-52، سنن البيهقي 167:4، و انظر أيضا: المغني 653:2، و الشرح الكبير 659:2.
4- المغني 655:2، الشرح الكبير 660:2.
5- صحيح مسلم 258:1-51، سنن الترمذي 83:1-84-56، سنن البيهقي 172:4، سنن الدارقطني 154:2-73.

درهما»(1).

و في رواية أخرى عنه عليه السلام: «الصاع ستة أرطال بالمدني، و تسعة أرطال بالعراقي»(2).

و قال أبو حنيفة: الصاع ثمانية أرطال(3) ، لقول أنس: إنّه عليه السلام كان يتوضّأ بالمدّ و يغتسل بالصاع. و المدّ رطلان(4).

و ليس حجّة، لأنّه(5) من كلام الراوي، مع أنّ أهل الحديث طعنوا فيه(6).

و قال الشافعي: الصاع خمسة أرطال و ثلث بالبغدادي - و به قال مالك و أحمد و إسحاق و أبو يوسف(7) - لأنّ الرشيد غيّر الصاع بالمدينة فكان ذلك.

و هو مسلّم، فإنّ أرطال المدينة تقارب ذلك.

مسألة 295: و يجزئ من اللبن أربعة أرطال بالمدني، هي ستة بالعراقي،
اشارة

لخلوصه من الغش، و عدم احتياجه الى مئونة.

فروع:

أ - الأصل في الإخراج الكيل، و قدّره العلماء بالوزن(8) ، لأنّه أضبط،

ص: 389


1- التهذيب 79:4-226، الإستبصار 44:2-140.
2- الكافي 172:4-9، الفقيه 115:2-493، التهذيب 83:4-84-243، الإستبصار 49:2-163.
3- بدائع الصنائع 73:2، الهداية للمرغيناني 117:1، شرح معاني الآثار 48:2، المجموع 143:6، فتح العزيز 195:6، حلية العلماء 129:3.
4- شرح معاني الآثار 50:2، سنن الدارقطني 154:2-73، سنن البيهقي 171:4.
5- أي: قوله: و المدّ رطلان.
6- كما في المعتبر - للمحقق الحلّي -: 289، و سنن البيهقي 171:4.
7- المجموع 143:6، فتح العزيز 194:6، حلية العلماء 129:3، المنتقى - للباجي - 186:2، المغني 657:2، الشرح الكبير 660:2، الهداية - للمرغيناني - 117:1، بدائع الصنائع 73:2، شرح معاني الآثار 48:2.
8- كما في المغني 657:2، و الشرح الكبير 660:2، و فتح العزيز 195:6.

فيجزئه الصاع من جميع الأجناس، سواء كان أثقل أو أخفّ.

و لو أخرج بالوزن، فالوجه: الإجزاء و إن نقص عن الكيل.

و منع محمد بن الحسن الشيباني، لما فيه من الاختلاف، فإنّ في البرّ أثقل و أخفّ(1).

ب - لو أخرج صاعا من جنسين أجزأ - و به قال أبو حنيفة و أحمد(2) - لأنّه أخرج من المنصوص عليه. و لأنّ أحد النصفين إن ساوى الآخر قيمة أو كان أنقص أو أكثر، أجزأ.

و منع الشيخ منه - و به قال الشافعي(3) - لأنّه مخالف للخبر(4). و هو ممنوع.

ج - الأقرب: إجزاء أقلّ من صاع من جنس أعلى إذا ساوى صاعا من أدون، كنصف صاع من حنطة يساوي صاع شعير، لأنّ القيمة لا تخصّ عينا.

و لأنّ في بعض الروايات: «صاع أو نصف صاع حنطة»(5) و إنّما يحمل على ما اخترناه.6.

ص: 390


1- بدائع الصنائع 73:2، المبسوط للسرخسي 113:3، المغني 658:2، الشرح الكبير 660:2.
2- بدائع الصنائع 73:2، الشرح الكبير 663:2.
3- المجموع 135:6، فتح العزيز 220:6.
4- المبسوط للطوسي 241:1.
5- التهذيب 85:4-246.
الفصل الرابع في الوقت
مسألة 296: تجب الفطرة بغروب الشمس من آخر يوم من شهر رمضان

- و به قال الشافعي في الجديد، و أحمد و إسحاق و الثوري و مالك في إحدى الروايتين(1) - لقوله عليه السلام: (فرض زكاة الفطر طهرة للصائم)(2) و لا يصدق عليه يوم العيد اسم الصوم.

و من طريق الخاصة عن الصادق عليه السلام: أنّه سئل عن مولود ولد ليلة الفطر، عليه فطرة ؟ قال: «لا، قد خرج الشهر» و سئل عن يهودي أسلم ليلة الفطر، عليه فطرة ؟ قال: «لا»(3).

و لأنّها تضاف الى الفطر، فتجب به، كزكاة المال، لاقتضاء الإضافة

ص: 391


1- المهذب للشيرازي 172:1، المجموع 126:6 و 128، الوجيز 98:1، فتح العزيز 112:6، حلية العلماء 126:3-127، المغني 678:2، الشرح الكبير 657:2، بداية المجتهد 282:1، الكافي في فقه أهل المدينة: 111.
2- سنن الدارقطني 138:2-1، سنن أبي داود 111:2-1609، سنن ابن ماجة 585:1-1827، سنن البيهقي 163:4، المستدرك - للحاكم - 409:1، و في غير الأول: ابن عباس قال: فرض رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، زكاة الفطر طهرة للصائم. و في الأول: ابن عباس قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: زكاة الفطر. الى آخره.
3- الكافي 172:4-12، التهذيب 72:4-197

الاختصاص، و السبب أخصّ بحكمه من غيره.

و قال بعض علمائنا: إنّها تجب بطلوع الفجر الثاني يوم الفطر(1) - و به قال الشافعي في القديم، و أبو حنيفة و أصحابه، و مالك في الرواية الأخرى، و أبو ثور(2) - لقوله عليه السلام: (أغنوهم عن الطلب في هذا اليوم)(3).

و لا دلالة فيه، لحصول الإغناء بالدفع ليلة الفطر. و لأنّها واجب موسّع، فالوجوب بالغروب و الإخراج قبل الصلاة.

و قال بعض أصحاب مالك: تجب بطلوع الشمس يوم الفطر، للأمر بالإخراج قبل الخروج الى المصلّى(4).

و لا حجّة فيه.

و للشافعي ثالث: إنّما تجب بمجموع الغروب و طلوع الفجر، لتعلّقها بالفطر و العيد(5). و هو يصدق فيما قلناه أيضا.

مسألة 297: لو ولد له مولود، أو ملك عبدا، أو تزوّج، أو بلغ قبل الغروب بلحظة،
اشارة

وجبت عليه الفطرة عنهم، و لو كان بعد الغروب سقطت وجوبا - لا استحبابا - الى الزوال، و لو تجدّد ذلك بعد الزوال يوم الفطر، سقط الاستحباب أيضا.

ص: 392


1- كالشيخ المفيد في المقنعة: 41، و السيد المرتضى في جمل العلم و العمل (ضمن رسائله) 80:3، و سلاّر في المراسم: 134، و أبي الصلاح الحلبي في الكافي في الفقه: 169، و ابن الجنيد كما في المعتبر: 289.
2- المهذب للشيرازي 172:1، المجموع 126:6-127 و 128، الوجيز 98:1، فتح العزيز 112:6، حلية العلماء 126:3، الهداية للمرغيناني 117:1، بداية المجتهد 282:1، الكافي في فقه أهل المدينة: 111، المغني 678:2-679، الشرح الكبير 657:2.
3- تقدّمت الإشارة إلى مصادره في صفحة 385، الهامش (3).
4- حلية العلماء 126:3، المجموع 128:6.
5- فتح العزيز 112:6، الوجيز 98:1، المجموع 127:6.

و كذا لو بلغ أو أسلم أو زال جنونه أو استغنى قبل الهلال، وجبت عليه، و استحب لو كان بعده قبل الزوال، و بعده يسقط الاستحباب أيضا، لأنّ معاوية بن عمار سأل الصادق عليه السلام عن مولود ولد ليلة الفطر، عليه فطرة ؟ قال: «لا، قد خرج الشهر» و سأله عن يهودي أسلم ليلة (الفطر)(1) عليه فطرة ؟ قال: «لا»(2).

فروع:

أ - لو اتّهب عبدا فأهلّ شوّال قبل القبض، فالزكاة على الواهب - و به قال الشافعي(3) - لأنّ القبض شرط ملك المتّهب.

و قال مالك: الزكاة على المتّهب(4) ، لأنّ القبض ليس شرطا. و سيأتي بطلانه.

و لو مات فقبض الوارث قبل شوّال فلا انتقال أيضا.

ب - لو مات ولده أو عبده، أو أعتقه، أو باعه، أو ماتت زوجته، أو طلّقها قبل الغروب، فلا زكاة عليه إجماعا، و تجب بعده.

و على اعتبار الوقتين: الغروب و الطلوع - كما هو مذهب الشافعي(5) - لو طلّق زوجته أو زال ملكه وسط الليل ثم عاد في الليل، ففي الزكاة عند الشافعية وجهان(6).

ج - لو مات العبد بعد الهلال قبل إمكان أداء الزكاة عنه، وجب الإخراج

ص: 393


1- في النسخ الخطية: (العيد) بدل (الفطر).
2- الكافي 172:4-12، التهذيب 72:4-197.
3- الام 63:2، المجموع 138:6، حلية العلماء 127:3.
4- انظر: حلية العلماء 127:3.
5- المهذب للشيرازي 172:1، المجموع 126:6-128، الوجيز 98:1، فتح العزيز 112:6، حلية العلماء 126:3.
6- المجموع 127:6، الوجيز 98:1، فتح العزيز 113:6.

عنه، لوجود السبب.

و قال بعض الشافعية: تسقط، لتلف المال الذي هو سبب الوجوب، كالنصاب(1).

و الفرق: أنّ الزكاة تجب في عين النصاب فسقطت، و هنا الزكاة في الذمة، فلا تسقط بتلف السبب.

د - لو أوصى (له)(2) بعبد ثم مات بعد الهلال فالزكاة عليه، لعدم الانتقال. و قبله(3) إن قبل الموصى له قبله(4) فعليه، لتحقّق الملك قبل الهلال. و بعده(5) قال الشيخ: لا زكاة، لانتفاء المالك(6).

و الوجه: وجوب الزكاة على الموصي إن جعلنا القبول سببا أو شرطا في الملك، و إن جعلناه كاشفا فعلى الموصى له.

و للشافعي كالقولين، و له ثالث: إنّه يدخل في ملك الموصى له بغير اختياره بموت الموصي، فالزكاة عليه(7).

ه - لو مات الموصى له قام وارثه مقامه في القبول، فإن قبل قبل الهلال فعليه في ماله، و على القول بالكشف تجب في مال الموصى له.

و - لو مات - و عليه دين - بعد الهلال، ففطرة عبده عليه، لوجود المقتضي، و لو قصرت التركة، تحاصّ الدّيّان و أرباب الزكاة.

و إن مات قبله، قال الشيخ: لا يلزم أحدا فطرته، لعدم الانتقال الى3.

ص: 394


1- المهذب للشيرازي 172:1، المجموع 127:6، فتح العزيز 112:6.
2- ما بين القوسين لم يرد في «ط».
3- أي: مات قبل الهلال.
4- أي: قبل الهلال.
5- أي: كان القبول بعد الهلال.
6- الخلاف 145:2، المسألة 180.
7- المجموع 138:6، فتح العزيز 240:6-241، حلية العلماء 128:3.

الوارث، فإنّه لا إرث قبل الدّين. و لا الى الدّيّان، للآية(1)(2).

و الوجه: ثبوتها على الوارث، لامتناع ثبوت ملك لا مالك له. و عدم صلاحية الميت للملك. و الدّيّان لا يملكون، و إلاّ لم يزل عنهم بالإبراء.

و لأنّ الحالف مع الشاهد هو الوارث لا الدّيّان. و لأنّه لو مات بعض الورثة ثم أبرئ الميت، كانت التركة بين الحي و ورثة الميت. و الآية محمولة على القسمة.

ز - لو ملك الولد قبل الهلال قوت يوم العيد، سقط عن والده نفقة ذلك اليوم، فإن لم يعله فلا زكاة عليه، و لا على الولد، لفقره.

ح - لو وقع بين المعتق نصفه و بين المولى مهاياة، فوقعت نوبة الهلال على أحدهما، احتمل اختصاصه بالفطرة، لاختصاصه بالعيلولة. و الشركة، لأنّه كالنائب عن صاحبه.

مسألة 298: يستحب إخراجها يوم العيد قبل الخروج الى المصلّى، و يتضيّق عند الصلاة،
اشارة

لأنّ ابن عباس روى: أنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله فرض زكاة الفطرة طهرة للصائم من اللغو و الرفث، و طعمة للمساكين، فمن أدّاها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة، و من أدّاها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات(3).

و من طريق الخاصة: عن الصادق عليه السلام نحوه(4).

و لأنّ الغرض إغناء الفقير عن السعي فيه، و إنّما يتحقّق قبل الصلاة.

فروع:

أ - لو أخّرها عن صلاة العيد اختيارا أثم عند علمائنا أجمع - و به قال

ص: 395


1- و هي: قوله تعالى مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصى بِها أَوْ دَيْنٍ، النساء: 12.
2- الخلاف 144:2، المسألة 179.
3- سنن أبي داود 111:2-1609، سنن ابن ماجة 585:1-1827، المستدرك - للحاكم - 409:1، سنن البيهقي 163:4.
4- التهذيب 76:4-214، الإستبصار 44:2-45-143.

الشافعي(1) - لأنّ الإغناء في اليوم إنّما يتحقّق بالإخراج قبل الصلاة.

و لأنّ العيص سأل الصادق عليه السلام عن الفطرة متى هي ؟ قال:

«قبل الصلاة يوم الفطر»(2).

و لأنّه تأخير للواجب عن وقته، فكان حراما.

و قال عطاء و مالك و أحمد و أصحاب الرأي: يكره و ليس بمحرّم(3).

و عن أحمد رواية بالجواز من غير كراهية(4).

و لو أخّرها عن يوم العيد، قال أحمد: يأثم و عليه القضاء(5).

و حكي عن ابن سيرين و النخعي: أنّهما رخصا في تأخيرها عن يوم العيد(6).

ب - لو تمكّن من إخراجها يوم العيد و لم يخرج أثم على ما تقدّم، و لا تسقط عنه، بل يجب عليه قضاؤها، إذ البراءة من الأمر بالإخراج إنّما يحصل به، و لو لم يتمكّن فلا إثم.

ثم إن كان قد عزلها أخرجها مع الإمكان، لتعيّنها للصدقة، فلا تسقط بفوات الوقت، كما لو عدم مستحق زكاة المال.

و إن لم يكن عزلها، فعليه القضاء أيضا، و به قال الشافعي و أبو حنيفة و أحمد(7).0.

ص: 396


1- حكاه المحقق في المعتبر: 290، و في المجموع 142:6 هكذا: لو أخّرها عن صلاة الإمام، و فعلها في يومه، لم يأثم، و كانت أداء، و إن أخّرها عن يوم الفطر أثم. و كذا في فتح العزيز 117:6.
2- التهذيب 75:4-212، الإستبصار 44:2-141.
3- المغني 676:2، الشرح الكبير 658:2.
4- المغني 677:2، الشرح الكبير 658:2.
5- المغني 677:2، الشرح الكبير 659:2.
6- المجموع 142:6، حلية العلماء 129:3، المغني 677:2، الشرح الكبير 659:2.
7- حكاه المحقّق في المعتبر: 290.

و قيل: تسقط(1). و ليس بمعتمد.

و قيل: تكون أداء(2). و ليس بجيّد، لأنّها عبادة فات وقتها قبل فعلها، فكانت قضاء.

ج - يجوز العزل كزكاة المال، فإذا عزلها و لم يخرجها مع القدرة ضمن، و إن لم يتمكّن فلا ضمان.

و قال أحمد: يضمنها مطلقا(3).

و يجوز نقلها الى غير البلد مع عدم المستحق فيه لا مع وجوده فيه.

و يجوز إخراجها من المال الغائب عنه. و الأفضل: إخراجها في بلد المالك و تفريقها فيه.

د - يجوز تقديم الفطرة من أول رمضان لا عليه، عند أكثر علمائنا(4) - و به قال الشافعي(5) - لأنّ سبب الصدقة الصوم و الفطر عنه، فإذا وجد أحدهما، جاز تعجيلها، كزكاة المال بعد ملك النصاب.

و لقول الباقر و الصادق عليهما السلام: «و هو في سعة أن يعطيها في أول يوم يدخل في شهر رمضان»(6).

و قال أبو حنيفة: يجوز تقديمها من أول الحول، لأنّها زكاة مخرجة عن7.

ص: 397


1- القائل هو: الحسن بن زياد و داود، كما في المجموع 142:6، و بدائع الصنائع 74:2، كما حكاه عن الحسن بن زياد و عن بعض فقهائنا، المحقق في المعتبر: 290 و استحسنه.
2- القائل هو ابن إدريس في السرائر: 109.
3- حكاه المحقق في المعتبر: 290.
4- منهم: الصدوقان كما في الفقيه 118:2 ذيل الحديث 511، و المقنع: 67، و الشيخ الطوسي في النهاية: 191، و المبسوط 242:1، و الخلاف 155:2، المسألة 198، و المحقّق في المعتبر: 290.
5- المهذب للشيرازي 172:1، المجموع 142:6، حلية العلماء 128:3، فتح العزيز 533:5، المغني 681:2، الشرح الكبير 658:2.
6- التهذيب 76:4-215، الاستبصار 45:2-46-147.

بدنه، فإذا كان المخرج عنه موجودا جاز إخراجها قبل الوقت، كزكاة المال بعد وجود النصاب(1).

و الفرق: وجود السبب في زكاة المال و هو النصاب، و زكاة الفطر سببها:

الفطر، لإضافتها اليه. على أنّا نمنع حكم الأصل.

و قال أحمد: يجوز تقديمها قبل الهلال بيوم أو يومين خاصة(2).

و قال بعض الجمهور: يجوز تقديمها من بعد نصف الشهر(1).

الفصل الخامس في المستحق
مسألة 299: مصرف زكاة الفطر مصرف زكاة المال،

لعموم قوله تعالى إِنَّمَا الصَّدَقاتُ الآية(2).

و لا يجوز دفعها الى من لا يجوز دفع زكاة المال اليه، فلا تدفع إلى الذمّي عند علمائنا - و به قال مالك و الليث و الشافعي و أبو ثور و أحمد(3) - لأنّها زكاة، فلا تدفع الى غير المسلم، كزكاة المال، و قد أجمع العلماء على منع الذمّي من زكاة المال إلاّ لمصلحة التأليف.

و قال أبو حنيفة: يجوز(4) ، لقوله عليه السلام: (تصدّقوا على أهل

ص: 398


1- المغني 681:2، الشرح الكبير 658:2.
2- التوبة: 60.
3- المغني 710:2، الشرح الكبير 665:2، بداية المجتهد 282:1، المجموع 142:6.
4- المغني 710:2، الشرح الكبير 665:2، بدائع الصنائع 74:2، الهداية للمرغيناني. 113:1، المجموع 242:6.

الأديان)(1).

و نمنع صحة السند، و يحمل على المندوبة.

مسألة 300: و يشترط في المدفوع إليه: الأيمان،

سواء وجد المستحقّ أو لا، و ينتظر بها، و يحمل من بلده مع عدمه الى بلد آخر. و لا يعطى المستضعف - خلافا للشيخ(2) - لقول الباقر و الصادق عليهما السلام:

«الزكاة لأهل الولاية»(3).

و سئل الرضا عليه السلام عن الزكاة هل توضع فيمن لا يعرف ؟ قال:

«لا، و لا زكاة الفطرة»(4).

و لو دفع الى غير المؤمن أعاد، لأنّه دفع الحقّ الى غير مستحقّه، فيبقى في العهدة.

و لو كان الدافع غير مؤمن ثم استبصر، أعاد أيضا، للرواية(5).

و كذا يشترط فيه كلّ ما يشترط في مستحقّ زكاة المال من الفقر، و عدم وجوب الإنفاق عليه.

و يجوز صرفها في الأصناف الثمانية، لأنّها صدقة، فأشبهت صدقة المال.

مسألة 301: و يجوز دفعها الى الواحد

عند علمائنا - و به قال أبو حنيفة و أصحابه، و مالك و أبو ثور و أحمد و ابن المنذر(6) - لورود الآية(7) ببيان المصرف

ص: 399


1- مصنّف ابن أبي شيبة 177:3.
2- المبسوط للطوسي 242:1، النهاية: 192، و التهذيب 88:4 ذيل الحديث 259.
3- التهذيب 52:4-135.
4- التهذيب 52:4-137، و الكافي 547:3-6.
5- تقدّمت آنفا.
6- المغني 712:2-713، الشرح الكبير 664:2-665.
7- التوبة: 60.

و قال الشافعي: يجب تفرقة الصدقة على ستة أصناف، و دفع حصة كلّ صنف الى ثلاث منهم(1) و قد سبق(2) البحث فيه.

و يجوز للجماعة دفع صدقتهم الواجبة إلى الواحد دفعة واحدة و على التعاقب ما لم يبلغ حدّ الغناء. و كذا يجوز للواحد دفع صدقته الواجبة إلى الجماعة إجماعا.

مسألة 302: و يكره أن يملك ما أخرجه صدقة اختيارا، بشراء أو غيره،

لأنّها طهرة له فكره له أخذها.

و قال الجمهور: لا يجوز شراؤها(3) ، لقوله عليه السلام: (العائد في صدقته كالعائد في قيئه)(4).

و جوّز الشافعي و أحمد - في رواية - تملّكها بغير شراء اختيارا، كما لو دفعها الى مستحقّها فأخرجها آخذها الى دافعها، أو جمعت الصدقة عند الإمام ففرّقها على [أهل](5) السّهمان فعادت صدقته اليه(6).

و في الرواية الأخرى عن أحمد: تحريم ذلك، قياسا على الشراء(7).

و الأصل ممنوع.

أمّا لو عادت اليه بغير اختياره، كميراث (أو)(8) قضاء دين، فإنّه جائز غير مكروه إجماعا.

مسألة 303: و يستحب اختصاص القرابة بها، ثم الجيران

مع وجود

ص: 400


1- المغني 712:2-713، الشرح الكبير 664:2.
2- سبق في المسألة 248.
3- المغني 712:2، الشرح الكبير 665:2.
4- صحيح البخاري 157:2.
5- زيادة أضفناها من المغني و الشرح الكبير، لاقتضاء السياق.
6- حلية العلماء 132:3، المغني 711:2، الشرح الكبير 665:2.
7- المغني 711:2، الشرح الكبير 665:2.
8- في «ط، ن»: و.

الصفات المقتضية للاستحقاق، لقوله عليه السلام: (لا صدقة و ذو رحم محتاج)(1).

و قوله عليه السلام: (جيران الصدقة أحقّ بها)(2).

و لأنّ الاعتناء بهؤلاء في نظر الشرع أتمّ من غيرهم، فكان الدفع إليهم أولى.

و سئل الكاظم عليه السلام عن إعطاء القرابة من الزكاة، فقال:

«أ مستحقّون هم ؟» قيل: نعم. فقال: «هم أفضل من غيرهم، أعطهم»(3).

و قال لمّا سئل عن صدقة الفطرة: «الجيران أحقّ بها»(4) و لا نعلم في ذلك خلافا.

و يستحب تخصيص أهل الفضل بالعلم و الزهد و ترجيحهم، لأنّ السكوني قال للباقر عليه السلام: إنّي ربما قسّمت الشيء بين أصحابي أصلهم به فكيف أعطيهم ؟ فقال: «أعطهم على الهجرة في الدين و الفقه و الفضل(5)»(6).

مسألة 304: يجوز أن يتولّى المالك تفريق الفطرة بنفسه

إجماعا، أمّا عندنا فظاهر، و أمّا عند المخالف: فلأنّها من الأموال الباطنة.

لكن يستحب صرفها الى الإمام أو نائبه، لأنّه أعرف بمواقعها، فإن تعذّر صرف الى الفقيه المأمون من فقهاء الإمامية، لأنّهم أبصر بمواقعها. و لأنّهم

ص: 401


1- الفقيه 38:2-166.
2- أورده المحقق في المعتبر: 291.
3- الكافي 551:3-1، التهذيب 56:4-149، الاستبصار 33:2-100.
4- الفقيه 117:2-506، التهذيب 78:4-224.
5- في المصادر بدل «و الفضل»: «و العقل».
6- الكافي 549:3-1، الفقيه 18:2-59، التهذيب 101:4-285.

نوّاب الإمام عليه السلام.

مسألة 305: يجوز أن يعطى صاحب الخادم و الدار و الفرس من الفطرة و زكاة المال،

لأنّ الباقر و الصادق عليهما السلام سئلا عن الرجل له دار و خادم و عبد يقبل الزكاة ؟ فقال: «نعم»(1).

و لا يعطى الفقير أقلّ من صاع استحبابا، لقول الصادق عليه السلام:

«لا تعط أحدا أقلّ من رأس»(2) و هو نهي تنزيه، للأصل و المواساة.

و يجوز أن يعطى الواحد أصواعا كثيرة دفعة مطلقا و على التعاقب إذا لم يبلغ حدّ الغنى.

مسألة 306: لا تسقط صدقة الفطر بعد وجوبها بالموت، بل تخرج من أصل التركة

- و به قال الشافعي و أحمد(3) - لتعلّق الذمة به، فصارت دينا.

و قال أبو حنيفة: تسقط بالموت، إلاّ أن يوصي بها، فتخرج من الثلث حينئذ(4).

و ليس بمعتمد، لبقاء متعلّق الأمر شاغلا للذمة قبل فعله.

فإن لم يفضل من التركة شيء أخرجت بأجمعها في الزكاة كالدّين المستوعب، فإن كان عليه دين، و ضاقت التركة عنهما، بسطت بالنسبة.

مسألة 307: لا يملك المستحق الزكاة إلاّ مع القبض من المالك أو نائبه،

لأنّ للمالك التخيير في الدفع الى من شاء، فلو مات الفقير لم يكن لوارثه المطالبة بها و إن عيّنت له قبل القبض، و كذا زكاة المال.

و مال الغنيمة يملكه الغانمون بالحيازة، و يستقر بالقسمة، فلو بلغ نصيبه نصابا لم يجر في الحول إلاّ بعد القبض، لعدم تمكّنه منه، و لا يصير باعتباره

ص: 402


1- الكافي 561:3-7، الفقيه 17:2-56، التهذيب 51:4-133.
2- التهذيب 89:4-261، الإستبصار 52:2-174.
3- المغني 715:2، الشرح الكبير 656:2، بدائع الصنائع 53:2.
4- بدائع الصنائع 53:2.

غنيّا.

مسألة 308: صدقة التطوّع مستحبة في جميع الأوقات،

للآيات الدالّة على الحثّ على الصدقة(1).

و قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: (من تصدّق بعدل تمرة من كسب طيّب - و لا يصعد الى اللّه إلاّ الطيّب - فإنّ اللّه يقبلها بيمينه ثم يربّيها لصاحبها كما يربّي أحدكم فلوّه(2) حتى تكون مثل الجبل)(3).

و قال عليه السلام: (أرض القيامة نار ما خلا ظلّ المؤمن، فإنّ صدقته تظلّه)(4).

و قال الباقر عليه السلام: «البرّ و الصدقة ينفيان الفقر و يزيدان في العمر و يدفعان (عن)(5) سبعين ميتة سوء»(6).

و صدقة السرّ أفضل، للآية(7) ، إلاّ أن يتّهم بترك المواساة.

و يستحب الإكثار منها وقت الحاجة، لقوله تعالى أَوْ إِطْعامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ (8) و في شهر رمضان، لتضاعف الحسنات فيه. و على القرابة، لقوله تعالى يَتِيماً ذا مَقْرَبَةٍ (9).

ص: 403


1- انظر على سبيل المثال: البقرة: 245، 254، 261، آل عمران: 134، الحديد: 18، التغابن: 17.
2- الفلوّ: المهر الصغير و هو: ولد الفرس. لسان العرب 185:5 و 162:15 «مهر» «فلا».
3- صحيح البخاري 134:2، مسند أحمد 331:2، سنن البيهقي 176:4-177، و أورده أيضا ابن قدامة في المغني 716:2.
4- الفقيه 37:2-155، ثواب الأعمال: 169-9.
5- في المصدر بدل ما بين القوسين: (عن صاحبهما) و في الطبعة الحجرية و «ف»: عنه. و ما أثبتناه من «ط» و «ن».
6- الفقيه 37:2 ذيل الحديث 155، ثواب الأعمال: 169-11.
7- البقرة: 271.
8- البلد: 14.
9- البلد: 15.

و قال عليه السلام: (الصدقة على المسكين صدقة، و هي على ذي الرحم اثنتان: صدقة و صلة)(1).

و الأولى: الصدقة من الفاضل عن كفايته و كفاية من يموّنه على الدوام.

قال عليه السلام: (خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى، و ابدأ بمن تعول)(2).

و يستحب الصدقة أول النهار، و أول الليل، قال الصادق عليه السلام:

«باكروا بالصدقة فإنّ البلايا لا تتخطّاها، و من تصدّق بصدقة أول النهار دفع اللّه عنه ما ينزل من السماء في ذلك اليوم، فإن تصدّق أول الليل دفع اللّه عنه شرّ ما ينزل من السماء في تلك الليلة»(3).

و يكره السؤال، قال أمير المؤمنين عليه السلام: «اتّبعوا قول رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: من فتح على نفسه باب مسألة فتح اللّه عليه باب فقر»(4).

و يكره ردّ السائل، قال الباقر عليه السلام: «كان فيما ناجى اللّه عزّ و جلّ به موسى عليه السلام، أن قال: يا موسى أكرم السائل ببذل يسير أو بردّ جميل، إنّك يأتيك من ليس بإنس و لا جانّ، ملائكة من ملائكة الرحمن، يبلونك فيما خوّلتك(5) ، و يسألونك عمّا نوّلتك(6) ، فانظر كيف أنت صانع يا ابن عمران»(7).0.

ص: 404


1- سنن الترمذي 47:3، سنن النسائي 92:5، سنن الدارمي 397:1، سنن البيهقي 174:4، و مسند أحمد 17:4 و 214، و أورده أيضا ابن قدامة في المغني 717:2.
2- صحيح البخاري 139:2 و 81:7، سنن البيهقي 180:4، و أورده أيضا ابن قدامة في المغني 717:2.
3- الفقيه 37:2-38-159.
4- الكافي 19:4-2، الفقيه 40:2-179.
5- خوّله المال: أعطاه إيّاه. لسان العرب 225:11.
6- النوال: العطاء: الصحاح 1836:5.
7- الكافي 15:4-3، الفقيه 39:2-170.

و الصدقة المندوبة على بني هاشم أفضل، خصوصا العلويّون، قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: (إنّي شافع يوم القيامة لأربعة أصناف و لو جاءوا بذنوب أهل الدنيا: رجل نصر ذريتي، و رجل بذل ماله لذريتي عند الضيق، و رجل أحبّ ذريتي باللسان و القلب، و رجل سعى في حوائج ذريتي إذا طردوا و شرّدوا)(1).

و قال عليه السلام: (من صنع الى أحد من أهل بيتي يدا كافيته يوم القيامة)(2).2.

ص: 405


1- الكافي 60:4-9، الفقيه 36:2-153.
2- الفقيه 36:2-152.

ص: 406

كتاب الخمس

اشارة

و فصوله أربعة

ص: 407

ص: 408

الأول فيما يجب فيه

اشارة

و هو أصناف:

الأوّل: الغنائم المأخوذة من دار الحرب، ما حواه العسكر و ما لم يحوه،

أمكن نقله كالثياب و الدواب و غيرها، أو لا كالأراضي و العقارات ممّا يصح تملّكه للمسلمين ممّا كان مباحا في أيديهم، لا غصبا من مسلم أو معاهد، قلّ أو كثر، و سيأتي بيان ذلك إن شاء اللّه تعالى.

الثاني: المعادن، و هي: كلّ ما خرج من الأرض ممّا يخلق فيها من غيرها ممّا له قيمة،

سواء كان منطبعا بانفراده كالرصاص و الصّفر و النحاس و الحديد، أو مع غيره كالزيبق، أو لم يكن منطبعا كالياقوت و الفيروزج.

و البلخش(1) و العقيق و البلّور و السبج(2) و الكحل و الزاج و الزرنيخ و المغرة(3) و الملح، أو كان مائعا كالقير و النفط و الكبريت، عند علمائنا أجمع - و به قال أحمد، إلاّ أنّه جعله زكاة(4) - لعموم قوله تعالى أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّباتِ ما كَسَبْتُمْ وَ مِمّا أَخْرَجْنا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ (5).

ص: 409


1- بلخش: لعل، ضرب من الياقوت. ملحقات لسان العرب: 68.
2- السبج: الخرز الأسود. الصحاح 321:1.
3- المغرة: الطين الأحمر. المصباح المنير: 576.
4- المغني 616:2، الشرح الكبير 582:2-583، فتح العزيز 88:6.
5- البقرة: 267.

و لقوله عليه السلام: (ما لم يكن في طريق مأتي أو قرية عامرة ففيه و في الركاز(1) الخمس)(2).

و من طريق الخاصة: قول الصادق عليه السلام لمّا سئل عن الصفر و الرصاص و الحديد: «يؤخذ منها كما يؤخذ من معادن الذهب و الفضة»(3).

و قال أبو حنيفة: لا يجب الخمس في المعادن إلاّ في المنطبعة خاصة(4).

و يبطل بما تقدّم.

و قال الشافعي: لا يجب إلاّ في معدن الذهب و الفضة خاصة على أنّه زكاة، لأنّه مال مقوّم مستفاد من الأرض، فأشبه الطين(5).

و ليس بجيّد، لأنّ الطين ليس بمعدن، لأنّه تراب.

مسألة 309: الواجب في المعادن الخمس لا الزكاة،

عند علمائنا - و به قال أبو حنيفة(6) - لما تقدّم من الأحاديث.

و لقوله عليه السلام: (و في السيوب الخمس)(7) و السيوب: عروق

ص: 410


1- الركاز، عند أهل الحجاز: كنوز الجاهلية المدفونة في الأرض. و عند أهل العراق: المعادن. النهاية - لابن الأثير - 258:2.
2- سنن النسائي 44:5، و أورده ابنا قدامة في المغني 616:2-617، و الشرح الكبير 583:2، و قالا: رواه النسائي و الجوزجاني.
3- الكافي 459:1-19، الفقيه 21:2-73، التهذيب 121:4-346.
4- بدائع الصنائع 67:2، فتح العزيز 88:6، المغني 616:2، الشرح الكبير 582:2 و 583، حلية العلماء 112:3.
5- الام 42:2، المهذب للشيرازي 169:1، المجموع 77:6، فتح العزيز 88:6، حلية العلماء 111:3-112، المغني 616:2، الشرح الكبير 582:2 و 583.
6- بدائع الصنائع 67:2، المغني 616:2، الشرح الكبير 583:2.
7- أورده ابن الأثير في النهاية 432:2، و ابنا قدامة في المغني 617:2، و الشرح الكبير 583:2.

الذهب و الفضة التي تحت الأرض(1).

و قال الشافعي و مالك و أحمد: إنّه زكاة(2) ، لقوله عليه السلام: (في الرقة ربع العشر)(3) و المراد به الزكاة.

مسألة 310: قدر الواجب في المعادن الخمس،

عند علمائنا، و به قال أبو حنيفة و المزني و الشافعي في أحد أقواله(4) ، لما تقدّم.

و في آخر له: يجب ربع العشر، و به قال أحمد و مالك في إحدى الروايتين و إسحاق(5).

و للشافعي ثالث: إن احتاج الى مئونة فربع العشر، و إلاّ فالخمس - و هو رواية عن مالك، مع قطع الشافعي و مالك بأنّ الواجب زكاة - للفرق بين المحتاج الى المئونة و المستغني، كالزكاة في الغلاّت(6).

مسألة 311: يجب الخمس في المعدن بعد تناوله و تكامل نصابه
اشارة

إن اعتبرناه، و لا يعتبر الحول عند عامة أهل العلم(7) ، لعموم

ص: 411


1- النهاية لابن الأثير 432:2.
2- الام 43:2، المهذب للشيرازي 169:1، المجموع 77:6، فتح العزيز 88:6، المغني 616:2، الشرح الكبير 583:2.
3- صحيح البخاري 146:2، سنن أبي داود 97:2-1567، سنن النسائي 23:5، مسند أحمد 12:1 و 121-122.
4- الهداية للمرغيناني 108:1، الوجيز 96:1، فتح العزيز 89:6، المهذب للشيرازي 169:1، المجموع 83:6، حلية العلماء 113:3، المغني 616:2، الشرح الكبير 583:2.
5- المغني 616:2، الشرح الكبير 583:2، المدوّنة الكبرى 287:1، بداية المجتهد 258:1، المهذب للشيرازي 169:1، المجموع 83:6، الوجيز 96:1، فتح العزيز 89:6، حلية العلماء 113:3.
6- المهذب للشيرازي 169:1، المجموع 83:6، الوجيز 96:1، فتح العزيز 89:6، حلية العلماء 113:3، المدوّنة الكبرى 287:1 و 288.
7- المغني 619:2، الشرح الكبير 586:2، حلية العلماء 112:3، فتح العزيز 91:6.

فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ (1) .

و سئل الصادق عليه السلام عن المعادن كم فيها؟ قال: «الخمس»(2) و تخصيص العموم و تقييد المطلق بالحول لا دليل عليه، فيكون منفيّا.

و قال إسحاق و ابن المنذر: لا شيء في المعدن حتى يحول عليه الحول(3) ، لقوله عليه السلام: (لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول)(4).

و نفي الزكاة لا يستلزم نفي الخمس.

فروع:

أ - الخمس يجب في المخرج من المعدن، و الباقي يملكه المخرج، لقوله عليه السلام: (و في الركاز الخمس)(5) و يستوي في ذلك(6) الصغير و الكبير.

و قال الشافعي: يملك الجميع، و تجب عليه الزكاة(7).

ب - المعدن إن كان في ملكه، فهو له يصرف منه الخمس لمستحقّيه، و إن كان في موضع مباح، فالخمس لأربابه، و الباقي لواجده.

ص: 412


1- الأنفال: 41.
2- الكافي 459:1-19، الفقيه 21:2-73، التهذيب 121:4-346.
3- المغني 619:2، الشرح الكبير 586:2.
4- سنن ابن ماجة 571:1-1792.
5- صحيح البخاري 160:2 و 145:3 و 15:9، صحيح مسلم 1334:3-45 و 46، سنن أبي داود 181:3-3085، سنن ابن ماجة 839:2-2509 و 2510، سنن الترمذي 661:3-1377، سنن الدارمي 196:2، سنن البيهقي 152:4، مصنّف ابن أبي شيبة 225:3 و 255:12، المعجم الكبير للطبراني 14:17-6، مسند أحمد 186:2 و 335:3، الموطّأ 249:1-9.
6- أي: المستخرج.
7- حكاه عنه، المحقّق في المعتبر: 292.

ج - إذا كان المعدن لمكاتب، وجب فيه الخمس - و به قال أبو حنيفة(1) ، لعموم (و في الركاز الخمس)(2). و لأنّه غنيمة و هو من أهل الاغتنام.

د - العبد إن استخرج معدنا، ملكه سيّده، لأنّ منافعه له، و يجب على السيد الخمس في المعدن.

ه - الذمّي يجب عليه الخمس فيه - و به قال أبو حنيفة(3) - للعموم.

و قال الشافعي: لا يجب، لأنّه لا يساوي المسلمين في الغنيمة، و لا يسهم له. و لأنّ المأخوذ زكاة و لا زكاة على الذمّي(4).

و المقدّمتان ممنوعتان.

و قال الشيخ: يمنع الذمّي من العمل في المعدن، فإن أخرج منه شيئا ملكه، و أخرج منه الخمس(5).

و - المعادن تبع الأرض تملك بملكها، لأنّها من أجزائها.

و يجوز بيع تراب المعدن بغير جنسه في الرّبويّات، و في غيرها يجوز مطلقا، و الخمس لأربابه، فإن باع الجميع فالخمس عليه، و يجب خمس المعدن، لا خمس الثمن، لأنّ الخمس تعلّق بعين المعدن لا بقيمته.

الصنف الثالث: الركاز.

و هو المال المذخور تحت الأرض، و يجب فيه الخمس إجماعا، لعموم

ص: 413


1- المجموع 76:6 و 91، حلية العلماء 111:3.
2- تقدّم الحديث في الفرع (أ) و كذا الإشارة إلى مصادره.
3- بدائع الصنائع 65:2، المجموع 91:6.
4- المهذب للشيرازي 169:1، المجموع 76:6 و 91 و 102، الوجيز 97:1، فتح العزيز 101:6، المغني 615:2، الشرح الكبير 590:2، و حكاه أيضا المحقّق في المعتبر: 292.
5- الخلاف 120:2، المسألة 144.

قوله تعالى وَ مِمّا أَخْرَجْنا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ (1)وَ اعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ (2).

و ما رووه عنه عليه السلام: (و في الركاز الخمس)(3)المغني 610:2، الشرح الكبير 588:2.(4).

و من طريق الخاصة: قول الباقر عليه السلام: «كلّ ما كان ركازا ففيه الخمس»(5).

و لا فرق بين أرض الحرب و أرض العرب.

و فرّق الحسن بينهما، فأوجبه فيما يوجد في أرض الحرب، و الزكاة فيما يوجد في أرض العرب(5).

و هو خلاف الإجماع.

مسألة 312: الركاز إمّا أن يوجد في أرض موات أو غير معهودة بالتملّك،
اشارة

كآثار الأبنية المتقادمة على الإسلام، و جدران الجاهلية و قبورهم، أو في أرض مملوكة للواجد، أو في أرض مسلم أو معاهد، أو في أرض دار الحرب.

و كلّ من هذه إمّا أن يكون عليه أثر الإسلام أو لا.

و الأول: إن كان عليه أثر الإسلام فلقطة يعرّف سنة، و إن لم يكن عليه أثره، أخرج خمسه و ملك الباقي.

و الثاني: إن انتقل الملك اليه بالبيع، فهو للمالك الأول إن اعترف به، و إن لم يعرفه فللمالك قبله، و هكذا إلى أول مالك، فإن لم يعرفه فلقطة،

ص: 414


1- البقرة: 267.
2- الأنفال: 41.
3- تقدّمت الإشارة إلى مصادره في صفحة 412، الهامش
4- .
5- التهذيب 122:4-347.

- و به قال الشافعي و أحمد في رواية(1) - لأنّ يد المالك الأول على الدار، فتثبت على ما فيها، و اليد تقضي بالملك.

و في الأخرى عن أحمد: لواجده(2).

و إن انتقل بالميراث، فإن عرفه الورثة فلهم، و إن اتّفقوا على نفي الملك عنهم فهو لأول مالك على ما تقدّم. و إن اختلفوا فحكم المعترف حكم المالك، و حكم المنكر لأوّل مالك(3).

هذا إذا كان عليه أثر الإسلام، و إن لم يكن فللشيخ قولان: أحدهما:

أنّه لقطة. و الثاني: أنّه لواجده(4).

و الثالث: يكون لربّ الأرض إن اعترف به، و إلاّ فلأول مالك - و به قال أبو حنيفة و محمد و أحمد في رواية(5) - قضاء لليد.

و في الأخرى لأحمد: إنّه للواجد، و به قال أبو ثور و الحسن بن صالح ابن حي(6).6.

ص: 415


1- المهذب للشيرازي 169:1، المجموع 97:6، الوجيز 97:1، فتح العزيز 107:6، المغني 611:2، الشرح الكبير 592:2.
2- المغني 611:2، الشرح الكبير 692:2.
3- أي: فحكم المعترف حكم المالك بكون نصيبه له، و حكم المنكر أن يكون نصيبه لأول مالك.
4- المبسوط للطوسي 236:1، و فيه القول الثاني. و لم نعثر على القول الأول له في مظانّه. و قال المحقّق الحلّي في المعتبر: 292 بعد بيان تفسير الركاز و حكمه: و يشترط لتملّكه أن يكون في أرض الحرب، سواء كان عليه أثر الجاهلية أو أثر الإسلام، أو في أرض الإسلام و ليس عليه أثر الإسلام، كالسكّة الإسلامية، أو ذكر النبي صلّى اللّه عليه و آله، أو أحد ولاة الإسلام. و إن كان عليه أثر الإسلام، فللشيخ قولان، أحدهما: كاللقطة. و الثاني: يخمّس إذا لم يكن عليه أثر ملك. انتهى.
5- المبسوط للسرخسي 214:2، المغني 612:2، الشرح الكبير 593:2، المجموع 102:6.
6- المغني 612:2، الشرح الكبير 593:2، المجموع 102:6.

و الرابع: يكون لواجده، سواء كان عليه أثر الإسلام أو لا، و يخرج منه الخمس، لأنّه آخذ من دار الحرب، فكان غنيمة، كالظاهر.

و قال أبو حنيفة: إن كان في موات دار الحرب، فغنيمة لواجده، و لا يخمّس(1).

و قال الشافعي: إن لم يكن عليه أثر الإسلام، فهو ركاز، و إن كان عليه أثره، كآية من القرآن أو اسم اللّه تعالى أو رسوله عليه السلام، كان لقطة تعرّف.

و إن كان عليه اسم أحد ملوك الشرك أو صورة أو صليب، فهو ركاز، و إن لم يكن مطبوعا و لا أثر عليه فهو ركاز في أظهر القولين، و في الآخر: أنّه لقطة(2).

فروع:

أ - لو وجد الكنز في أرض مملوكة لحربي معيّن، فهو ركاز فيه الخمس - و به قال أبو يوسف و أبو ثور(3) - لأنّه من دفن الكفّار، فأشبه ما لا يعرف صاحبه.

و قال الشافعي و أبو حنيفة: يكون غنيمة، و لا يجب الخمس(4).

ب - لو استأجر أجيرا ليحفر له في الأرض المباحة لطلب الكنز فوجده، فهو للمستأجر لا للأجير، فإن استأجره لغير ذلك، فالكنز للواجد.

ج - لو استأجر دارا فوجد فيها كنزا، فللمالك - و به قال أبو حنيفة

ص: 416


1- بدائع الصنائع 66:2، المبسوط للسرخسي 215:2، المجموع 94:6، فتح العزيز 108:6، حلية العلماء 115:3.
2- حلية العلماء 115:3-117، المهذب للشيرازي 169:1-170، المجموع 97:6 و 98، فتح العزيز 105:6.
3- حلية العلماء 115:3.
4- المهذب للشيرازي 169:1، المجموع 94:6، فتح العزيز 108:6، حلية العلماء 115:3، بدائع الصنائع 68:2، المغني 613:2، الشرح الكبير 594:2.

و محمد(1) - لأنّ يده على الدار.

و قال بعض الجمهور: للمستأجر(2) ، لأنّ الكنز لا يملك بملكية الدار.

د - لو اختلف المالك و المستأجر في ملكية الكنز، فللشيخ قولان، أحدهما: القول قول المالك(3) - و به قال المزني(4) - لأنّ داره كيده.

و الثاني: قول المستأجر(5) ، و به قال الشافعي(6) - و عن أحمد روايتان(7) كالقولين - لأنّه مال مودع في الأرض، و ليس منها، فالقول قول من يده على الأرض كالأقمشة، و لندور إيجاد دار فيها دفين.

و لو اختلفا في مقداره، فالقول قول المستأجر قطعا، لأنّه منكر.

مسألة 313: و يجب الخمس في كلّ ما كان ركازا،

و هو كلّ مال مذخور تحت الأرض، على اختلاف أنواعه - و به قال مالك و أحمد و الشافعي في القديم(8) - لعموم قوله عليه السلام: (و في الركاز الخمس)(9).

و قول الباقر عليه السلام: «كل ما كان ركازا ففيه الخمس»(10).

و لأنّه مال يجب تخميسه، فيستوي فيه جميع أصنافه كالغنيمة.

و قال الشافعي في الجديد: لا يؤخذ الخمس إلاّ من الذهب و الفضة،

ص: 417


1- المبسوط للسرخسي 214:2.
2- المغني 612:2، الشرح الكبير 593:2.
3- المبسوط للطوسي 237:1.
4- المجموع 96:6، حلية العلماء 116:3.
5- الخلاف 123:2، المسألة 151.
6- المجموع 96:6، فتح العزيز 110:6، حلية العلماء 116:3.
7- المغني 613:2، الشرح الكبير 593:2.
8- المدوّنة الكبرى 290:1، المنتقى - للباجي - 104:2، المغني 610:2، الشرح الكبير 588:2، المهذب للشيرازي 169:1، المجموع 91:6، فتح العزيز 103:6، حلية العلماء 115:3.
9- تقدّمت الإشارة إلى مصادره في صفحة 412، الهامش (5).
10- التهذيب 122:4-347.

لأنّه زكاة، فيجب الخمس في بعض أجناسه كالحبوب(1).

و الأولى ممنوعة.

مسألة 314: لا يعتبر فيه الحول
اشارة

إجماعا و إن اختلفوا في المعدن، لعموم (و في الركاز الخمس).

و يجب على كلّ من وجده من مسلم و كافر و حرّ و عبد و صغير و كبير و ذكر و أنثى و عاقل و مجنون، إلاّ أنّ العبد إذا وجده، كان لسيده، و هو قول عامة العلماء(2) ، إلاّ الشافعي، فإنّه قال: لا يجب إلاّ على من تجب عليه الزكاة، لأنّه زكاة(3).

و هو ممنوع، و العموم حجّة عليه.

فروع:

أ - ما يجده العبد لمولاه، يخرج خمسه و الباقي يملكه، لأنّه اكتساب.

ب - المكاتب يملك الكنز، لأنّه اكتساب، فكان كغيره.

ج - الصبي و المجنون يملكان الكنز، و يخرج الولي الخمس عنهما، و كذا المرأة، للعموم.

و حكي عن الشافعي: أنّ الصبي و المرأة لا يملكان الكنز(4).

و هو غلط، لأنّه اكتساب، و هما من أهله.

د - يجب إظهار الكنز على واجده - و به قال الشافعي(5) - لقوله عليه السلام: (و في الركاز الخمس).

ص: 418


1- فتح العزيز 103:6، المجموع 99:6.
2- المغني 614:2، الشرح الكبير 590:2.
3- المهذب للشيرازي 169:1، المجموع 91:6، المغني 615:2، الشرح الكبير 590:2-591.
4- كما في المغني 615:2، و الشرح الكبير 591:2.
5- حكاه عنه الشيخ الطوسي في الخلاف 124:2، المسألة 154.

و إذا استحقّ الغير فيه حقّا، وجب دفعه اليه.

و قال أبو حنيفة: هو مخيّر بين إظهاره و إخراج خمسه، و بين كتمانه(1).

الصنف الرابع: الغوص،
اشارة

و هو: كلّ ما يستخرج من البحر، كاللؤلؤ و المرجان و العنبر و غيرها.

و يجب فيه الخمس عند علمائنا - و به قال الزهري و الحسن و عمر بن عبد العزيز(2) - لأنّ المخرج من البحر مخرج من معدن، فيثبت فيه حكمه.

و سئل الصادق عليه السلام عن العنبر و غوص اللؤلؤ، فقال: «عليه الخمس»(3).

و سئل الكاظم عليه السلام عمّا يخرج من البحر من اللؤلؤ و الياقوت و الزبرجد، و عن معادن الذهب و الفضة هل فيها زكاة ؟ فقال: «إذا بلغ قيمته دينارا ففيه الخمس»(4).

و قال الشافعي و أبو حنيفة و مالك و الثوري و ابن أبي ليلى و الحسن بن صالح بن حي و محمد بن الحسن و أبو ثور: لا شيء في الغوص(5) - و عن أحمد روايتان: هذه إحداهما، و الأخرى: فيه الزكاة(6) - لقول ابن عباس:

ليس في العنبر شيء، إنّما هو شيء ألقاه البحر(7). و ليس بحجّة.

ص: 419


1- حكاه عنه الشيخ الطوسي في الخلاف 124:2، المسألة 154.
2- المغني 620:2، الشرح الكبير 587:2.
3- الكافي 461:1-28، التهذيب 121:4-346.
4- الكافي 459:1-21، الفقيه 21:2-72، التهذيب 124:4-356 و 139-392.
5- الام 42:2، المبسوط للسرخسي 212:2، المدوّنة الكبرى 292:1، المغني 619:2-620، الشرح الكبير 587:2.
6- المغني 619:2 و 620، الشرح الكبير 587:2.
7- الأموال - لأبي عبيد -: 355، و سنن البيهقي 146:4، و المغني 620:2، و الشرح الكبير 587:2.
فروع:

أ - العنبر إن أخذ بالغوص، كان له حكمه في اعتبار النصاب، و إن (جبي)(1) من وجه الماء، كان له حكم المعادن.

ب - قال الشيخ: العنبر نبات من البحر(2).

و قيل: هو من عين في البحر(3).

و قيل: العنبر يقذفه البحر إلى جزيرة، فلا يأكله شيء إلاّ مات، و لا ينقله طائر بمنقاره إلاّ نصل(4) منقاره، و إذا وضع رجله عليه، نصلت أظفاره و يموت(5).

ج - قال الشيخ: الحيوان المصاد من البحر لا خمس فيه، فإن أخرج بالغوص أو أخذ قفّيّا(6) ففيه الخمس(7).

و فيه بعد، و الوجه: إلحاقه بالأرباح التي تعتبر فيها مئونة السنة.

د - السمك لا شيء فيه - و هو قول العلماء(8). إلاّ في رواية عن أحمد و عمر بن عبد العزيز(9) - لأنّه من صيد فلا شيء فيه.

الصنف الخامس: أرباح التجارات و الزراعات و الصنائع و سائر الاكتسابات

بعد إخراج مئونة السنة له و لعياله على الاقتصاد من غير إسراف و لا

ص: 420


1- في «ط و ف»: جني.
2- حكاه عنه ابن إدريس في السرائر: 113.
3- حكاه عن كتاب منهاج البيان لابن جزلة، ابن إدريس في السرائر: 113.
4- أي: خرج. الصحاح 1830:5.
5- حكاه عن كتاب الحيوان للجاحظ [362:5] ابن إدريس في السرائر: 113.
6- أي: يصطاد بالقفّة، و هي زبيل يعمل من الخوص، انظر لسان العرب 287:9.
7- المبسوط للطوسي 237:1-238.
8- المغني 620:2، الشرح الكبير 587:2.
9- المغني 620:2، الشرح الكبير 587:2-588.

تقتير، عند علمائنا كافة - خلافا للجمهور كافة(1) - لعموم وَ اعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ (2) و قوله أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّباتِ ما كَسَبْتُمْ وَ مِمّا أَخْرَجْنا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ (3).

و للتواتر المستفاد من الأئمة عليهم السلام.

قال الصادق عليه السلام: «على كلّ امرئ غنم أو اكتسب الخمس ممّا أصاب لفاطمة عليها السلام و لمن يلي أمرها من بعدها من ذريتها الحجج على الناس، فذلك لهم خاصة يضعونه حيث شاءوا، و حرم عليهم الصدقة، حتى الخيّاط ليخيط قميصا بخمسة دوانيق، فلنا منه دانق، إلاّ من أحللناه من شيعتنا، لتطيب لهم الولادة، إنّه ليس عند اللّه شيء يوم القيامة أعظم من الزنا، إنّه يقوم صاحب الخمس يقول: يا رب سل هؤلاء بما أبيحوا(4)»(5).

و كتب بعض أصحابنا الى أبي جعفر الثاني عليه السلام أخبرني عن الخمس، هل على جميع ما يستفيد الرجل من قليل و كثير من جميع الضروب و على الصناع و كيف ذلك ؟ فكتب بخطّه: «الخمس بعد المئونة»(6).

إذا عرفت هذا، فالميراث لا خمس فيه، سواء كان محتسبا كالأب و الابن، أو غير محتسب كالنسب المجهول، لبعده.

و عن بعض علمائنا: يجب فيه الخمس مطلقا و في الهبة و الهدية(7).

و المشهور خلاف ذلك في الجميع.0.

ص: 421


1- كما في المعتبر: 293.
2- الأنفال: 41.
3- البقرة: 267.
4- في الاستبصار: بما نكحوا.
5- التهذيب 122:4-348، الاستبصار 55:2-180.
6- التهذيب 123:4-352، الإستبصار 55:2-181.
7- أبو الصلاح الحلبي في الكافي في الفقه: 170.
الصنف السادس: الحلال إذا اختلط بالحرام و لم يتميّز

و لا عرف مقدار الحرام و لا مستحقّه، أخرج خمسه، و حلّ له الباقي، لأنّ منعه من التصرف في الجميع ينافي المالية، و يستعقب ضررا عظيما بترك الانتفاع بالمال وقت الحاجة، و التسويغ للجميع إباحة للحرام، و كلاهما منفيان، و لا مخلص إلاّ إخراج الخمس إلى الذرية.

قال الصادق عليه السلام: «إن أمير المؤمنين عليه السلام أتاه رجل، فقال: يا أمير المؤمنين إنّي أصبت مالا لا أعرف حلاله من حرامه، فقال:

أخرج الخمس من ذلك المال، فإنّ اللّه تعالى قد رضي من المال بالخمس، و اجتنب ما كان صاحبه يعمل(1)»(2).

و لو عرف مقدار الحرام، وجب إخراجه، سواء قلّ عن الخمس أو كثر، و كذا لو عرفه بعينه.

و لو عرف أنّه أكثر من الخمس، وجب إخراج الخمس و ما يغلب على الظن في الزائد.

و لو عرف صاحبه و قدره، وجب إيصاله إليه، فإن جهل القدر، صالحه، أو أخرج ما يغلب على ظنّه، فإن لم يصالحه مالكه، أخرج خمسه إليه، لأنّ هذا القدر جعله اللّه تعالى مطهّرا للمال.

الصنف السابع: الذمّي إذا اشترى أرضا من مسلم،

وجب عليه الخمس عند علمائنا، لقول الباقر عليه السلام: «أيّما ذمّي اشترى من مسلم أرضا فإنّ عليه الخمس»(3).

و قال مالك: إن كانت الأرض عشرية، منع من شرائها - و به قال أهل

ص: 422


1- في الموضع الثاني من المصدر: «يعلم» بدل «يعمل» و هو الأنسب.
2- التهذيب 124:4-358 و 138-390.
3- التهذيب 123:4-124-355، و الفقيه 22:2-81.

المدينة و أحمد في رواية(1) - فإن اشتراها، ضوعف العشر عليه، فوجب عليه الخمس(2).

و قال أبو حنيفة: تصير أرض خراج(3).

و قال الثوري و الشافعي و أحمد في رواية أخرى: يصح البيع و لا شيء عليه و لا عشر أيضا(4).

و قال محمد بن الحسن: عليه العشر(5).2.

ص: 423


1- المغني 590:2، الشرح الكبير 579:2.
2- المغني 590:2، الشرح الكبير 579:2.
3- المبسوط للسرخسي 6:3، المغني 590:2، الشرح الكبير 579:2.
4- المغني 590:2، الشرح الكبير 578:2.
5- المبسوط للسرخسي 6:3، المغني 590:2، الشرح الكبير 579:2.

ص: 424

الفصل الثاني في النصب

مسألة 315: النصاب في الكنز عشرون مثقالا، فلا يجب فيما دونه خمس
اشارة

عند علمائنا - و به قال الشافعي في الجديد(1) - لقوله عليه السلام:

(ليس فيما دون خمس أواق صدقة)(2).

و من طريق الخاصة: ما روي عن الرضا عليه السلام: أنّه سئل عمّا يجب فيه الخمس من الكنز، فقال: «ما تجب الزكاة في مثله ففيه الخمس»(3).

و لأنّه حقّ مالي يجب فيما استخرج من الأرض، فاعتبر فيه النصاب كالمعدن و الزرع.

و قال الشافعي في القديم: لا يعتبر فيه النصاب، بل يجب في قليله

ص: 425


1- المهذب للشيرازي 170:1، المجموع 99:6، فتح العزيز 103:6، حلية العلماء 118:3، المغني 613:2، الشرح الكبير 588:2.
2- صحيح البخاري 144:2، سنن أبي داود 94:2-1558، سنن النسائي 18:5، مسند أحمد 6:3.
3- الفقيه 21:2-75.

و كثيرة(1) - و به قال مالك و أحمد و أبو حنيفة(2) - لعموم (و في الركاز الخمس)(3).

و لأنّه مال يخمّس، فلا يعتبر فيه النصاب كالغنيمة.

و الخبر ليس من صيغ العموم. سلّمنا، لكنّه مخصّص بما تقدّم.

و ينتقض قياسهم بالمعدن.

فروع:

أ - ليس للركاز نصاب آخر، بل يجب في الزائد مطلقا.

ب - هذه العشرون معتبرة في الذهب، و في الفضة مائتا درهم، و ما عداهما يعتبر فيه قيمته بأحدهما.

ج - لو وجد ركازا أقلّ من النصاب، لم يجب عليه شيء و إن كان معه مال زكوي، و سواء كان قد استفاد الكنز آخر حول المال أو قبله أو بعده، و سواء كان الزكوي نصابا، أو تمّ بالركاز، خلافا للشافعي(4) ، فإنّه ضمّه إليه، إذ جعل الواجب زكاة و إن أوجب الخمس.

د - لو وجد ركازا أقلّ، ثم وجد آخر كمل به النصاب، لم يجب شيء، كاللقطة المتعدّدة.

مسألة 316: اختلف علماؤنا في اعتبار النصاب في المعادن،

فقال الشيخ في بعض كتبه: يعتبر(5) - و به قال الشافعي و مالك و أحمد و إسحاق(6) -

ص: 426


1- المهذب للشيرازي 170:1، المجموع 99:6، فتح العزيز 103:6، حلية العلماء 118:3، المغني 613:2، الشرح الكبير 588:2.
2- الشرح الصغير 230:1، المغني 613:2، الشرح الكبير 588:2، حلية العلماء 118:3.
3- تقدّمت الإشارة إلى مصادره في صفحة 412، الهامش (5)
4- الام 45:2، حلية العلماء 118:3.
5- النهاية: 197، المبسوط للطوسي 237:1.
6- الام 43:2، المهذب للشيرازي 169:1، المجموع 90:6، فتح العزيز 92:6، حلية العلماء 112:3، المدونة الكبرى 287:1، بداية المجتهد 258:1، المغني 618:2، الشرح الكبير 584:2.

لقوله عليه السلام: (ليس عليكم في الذهب شيء حتى يبلغ عشرين مثقالا)(1).

و من طريق الخاصة: ما رواه البزنطي، أنّه سأل الرضا عليه السلام، عمّا أخرج المعدن من قليل و كثير هل فيه شيء؟ قال: «ليس فيه شيء حتى يبلغ ما يكون في مثله الزكاة عشرين دينارا»(2).

و قال الشيخ في بعض كتبه: لا يعتبر(3) - و به قال أبو حنيفة(4) - لأنّه مال يجب تخميسه، فلا يعتبر فيه النصاب كالفيء و الغنيمة.

و الفرق: أنّهما لا يستحقّان على المسلم، و إنّما يملكه أهل الخمس من الكفّار بالاغتنام.

إذا ثبت هذا، ففي قدر النصاب عند من اعتبره من علمائنا قولان:

أحدهما: عشرون، لما تقدّم.

و الثاني: دينار واحد، لأنّ الرضا عليه السلام سئل عمّا يخرج من البحر من اللؤلؤ و الياقوت و الزبرجد، و عن معادن الذهب و الفضة هل فيه زكاة ؟ فقال: «إذا بلغ قيمته دينارا ففيه الخمس»(5).

مسألة 317: يعتبر النصاب بعد المئونة،

لأنّها وصلة الى تحصيله، و طريق الى تناوله فكانت منهما كالشريكين.

ص: 427


1- أورده ابن قدامة في المغني 618:2.
2- التهذيب 138:4-391.
3- الخلاف 119:2، المسألة 142.
4- المبسوط للسرخسي 211:2، المجموع 90:6، فتح العزيز 92:6، بداية المجتهد 258:1، حلية العلماء 112:3، المغني 618:2، الشرح الكبير 584:2.
5- الكافي 459:1-21، التهذيب 124:4-356.

و قال الشافعي و أحمد: المئونة على المخرج، لأنّه زكاة(1). و هو ممنوع.

و يعتبر النصاب فيما أخرجه دفعة واحدة أو دفعات لا يترك العمل بينها على سبيل الإهمال، فلو عمل ثم أهمل ثم عمل، لم يضمّ أحدهما إلى الآخر. و لو ترك للاستراحة أو لإصلاح آلة أو لقضاء حاجة، ضمّ الثاني إلى الأول. و يعتبر النصاب في الذهب، و ما عداه قيمته.

و لو اشتمل على جنسين، كذهب و فضة أو غيرهما، ضمّ أحدهما إلى الآخر، خلافا لبعض الجمهور، حيث قال: لا يضمّ مطلقا(2).

و قال بعضهم: لا يضمّ في الذهب و الفضة، و يضمّ في غيرهما(3).

مسألة 318: النصاب في الغوص دينار واحد، فما نقص عنه، لم يجب فيه شيء،

عند علمائنا - خلافا للجمهور كافة - لأنّ الرضا عليه السلام سئل عن معادن الذهب و الفضّة هل فيه زكاة ؟ فقال: «إذا بلغ قيمته دينارا ففيه الخمس»(4).

و لا يعتبر في الزائد نصاب، و لو أخرج النصاب في دفعتين، فإن أعرض للإهمال فلا شيء، و إلاّ ضمّ أحدهما إلى الآخر.

مسألة 319: لا يجب في فوائد الاكتسابات و الأرباح في التجارات و الزراعات شيء

إلاّ فيما يفضل عن مئونته و مئونة عياله سنة كاملة، عند علمائنا، لقوله عليه السلام: (لا صدقة إلاّ عن ظهر غنى)(5).

و لقول أبي جعفر الثاني عليه السلام: «الخمس بعد المئونة»(6).

ص: 428


1- المجموع 91:6، حلية العلماء 113:3، المغني 619:2، الشرح الكبير 586:2، و حكى قولهما أيضا المحقّق في المعتبر: 293.
2- المغني 618:2، و الشرح الكبير 585:2.
3- المغني 618:2، و الشرح الكبير 585:2.
4- التهذيب 124:4-356، و الكافي 459:1-21.
5- مسند أحمد 230:2.
6- التهذيب 123:4-352، الاستبصار 55:2-181.

و قوله عليه السلام: «عليه الخمس بعد مئونته و مئونة عياله و بعد خراج السلطان»(1).

مسألة 320: و لا يجب في الفوائد من الأرباح و المكاسب على الفور،

بل يتربّص الى تمام السنة، و يخرج خمس الفاضل، لعدم دليل الفورية، مع أصالة براءة الذمة.

و لأنّ تحقيق قدر المئونة إنّما يثبت بعد المدّة، لجواز تجديد ما لم يكن كتزويج بنت و عمارة منزل و غيرهما من المتجدّدات.

و لا يراعى الحول في غيره، و لا فيه إلاّ على سبيل الرفق بالمكتسب.

و لا يجب النصاب في الغنائم في دار الحرب، و لا في الممتزج بالحرام، و لا أرض الذمي، للعموم السالم عن المخصّص.

ص: 429


1- التهذيب 123:4-354، الاستبصار 55:2-56-183.

ص: 430

الفصل الثالث في قسمته و بيان مصرفه

مسألة 321: يقسّم الخمس ستة أقسام:

سهم للّه، و سهم لرسوله، و سهم لذي القربى، و سهم لليتامى، و سهم للمساكين، و سهم لأبناء السبيل، عند جمهور علمائنا - و به قال أبو العالية الرياحي(1) - للآية(2) المقتضية للتشريك.

و قول الكاظم عليه السلام: «يقسّم الخمس على ستة أسهم»(3).

و قال بعض علمائنا: يقسّم خمسة أقسام: سهم لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، و سهم لذي القربى، إلى آخره(4) ، و به قال الشافعي و أبو حنيفة، لأنّه عليه السلام، قسّم الخمس خمسة أقسام(5).

ص: 431


1- حكاه الشيخ الطوسي في الخلاف، كتاب الفيء و قسمة الغنائم، المسألة 37، و المحقق في المعتبر: 294، و انظر: المغني 300:7-301، و الشرح الكبير 486:10.
2- الأنفال: 41.
3- التهذيب 128:4-366، الاستبصار 56:2-185.
4- حكاه أيضا المحقّق في شرائع الإسلام 182:1.
5- المهذب للشيرازي 247:2، حلية العلماء 687:7، المغني 300:7 و 301، الشرح الكبير 486:10 و 487، الهداية للمرغيناني 148:2، بدائع الصنائع 124:7، المبسوط للسرخسي 17:3.

و ليس بذاك، لجواز ترك بعض حقّه.

مسألة 322: سهم اللّه و سهم رسوله للرسول صلّى اللّه عليه و آله،

يصنع به في حياته ما شاء، و بعده للإمام القائم مقامه، لأنّه حقّ له باعتبار ولايته العامة، ليصرف بعضه في المحاويج، فينتقل الى من ينويه في ذلك.

و للروايات عن أهل البيت عليهم السلام(1).

و قال الشافعي: ينتقل سهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، الى المصالح، كبناء القناطر و عمارة المساجد و أرزاق القضاة و شبهه(2).

و قال أبو حنيفة: يسقط بموته عليه السلام(3). و ليس بمعتمد.

مسألة 323: المراد بذي القربى الإمام عليه السلام خاصة

عند علمائنا، لوحدته لفظا، فلا يتناول أكثر من الواحد حقيقة، و الأصل عدم المجاز. و للرواية(4).

و قال الشافعي: المراد به قرابة النبي عليه السلام من ولد هاشم و المطّلب أخيه، الصغير و الكبير و القريب و البعيد سواء، للذكر ضعف الأنثى، لأنّه ميراث(5).

و قال المزني و أبو ثور: يستوي الذكر و الأنثى، لأنّه مستحق بالقرابة(6).

ص: 432


1- انظر على سبيل المثال: التهذيب 128:4-366.
2- المهذب للشيرازي 247:2، الوجيز 288:1، حلية العلماء 688:7، المغني 302:7، الشرح الكبير 489:10.
3- الهداية للمرغيناني 148:2، المبسوط للسرخسي 17:3، بدائع الصنائع 125:7، المغني 301:7، الشرح الكبير 486:10، حلية العلماء 687:7.
4- التهذيب 125:4-361 و 126-127-364.
5- المهذب للشيرازي 248:2، الوجيز 288:1، حلية العلماء 688:7، المغني 305:7، الشرح الكبير 492:10.
6- المهذب للشيرازي 248:2، حلية العلماء 688:7، المغني 305:7، الشرح الكبير 492:10.

إذا عرفت هذا فسهم ذي القربى للإمام بعد الرسول عليه السلام، فلا يسقط بموته، و بعدم السقوط قال الشافعي(1).

و قال أبو حنيفة: يسقط بموته(2).

و هو خطأ، لأنّه تعالى أضاف السهم إلى ذي القربى بلام التمليك.

مسألة 324: المراد باليتامى و المساكين و أبناء السبيل في آية الخمس

(3) : من اتّصف بهذه الصفات من آل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، و هم ولد عبد المطّلب بن هاشم - و هم الآن أولاد أبي طالب - و العباس و الحارث و أبي لهب خاصة دون غيرهم، عند عامة علمائنا، لأنّه عوض عن الزكاة، فيصرف الى من منع منها.

و لقول أمير المؤمنين عليه السلام وَ لِذِي الْقُرْبى وَ الْيَتامى وَ الْمَساكِينِ وَ ابْنِ السَّبِيلِ (4) منّا خاصة(5).

و قال الشافعي: سهم ذي القربى لقرابة النبي عليه السلام، و هم أولاد هاشم و آل المطّلب(6).

و قال أبو حنيفة: إنّه لآل هاشم خاصة(7) ، مع اتّفاقهما على أنّ اليتامى و المساكين و أبناء السبيل غير مختص بالقرابة، بل هو عام في المسلمين(8).

و أطبق الجمهور كافّة على تشريك الأصناف الثلاثة من المسلمين في الأسهم الثلاثة(9).

ص: 433


1- المهذب للشيرازي 248:2، بدائع الصنائع 125:7.
2- المبسوط للسرخسي 18:3، الاختيار لتعليل المختار 207:4، حلية العلماء 688:7.
3- الأنفال: 41.
4- الحشر: 7.
5- الكافي 453:1-1.
6- المهذب للشيرازي 248:2.
7- أحكام القرآن - للجصّاص - 64:3، التفسير الكبير - للرازي - 166:15.
8- الام 147:4، المهذب للشيرازي 248:2، المغني 306:7 و 307، الشرح
9- الام 147:4، المهذب للشيرازي 248:2، المغني 306:7 و 307، الشرح الكبير 493:10 و 494، الاختيار لتعليل المختار 207:4.
مسألة 325: و لا يستحقّ بنو المطّلب شيئا من الخمس،

و تحلّ لهم الزكاة - و به قال أبو حنيفة(1) - لتساوي بني المطّلب و بني نوفل و عبد شمس في القرابة، فإذا لم يستحقّ بنو نوفل و عبد شمس فكذا مساويهم.

و لقول الكاظم عليه السلام: «الذين جعل اللّه لهم الخمس هم قرابة النبي صلّى اللّه عليه و آله، و هم بنو عبد المطّلب الذكر و الأنثى منهم، ليس فيهم من أهل بيوتات قريش، و لا من العرب أحد»(2).

و قال الشافعي: إنّ بني المطّلب يستحقّون(3) ، لقول النبي صلّى اللّه عليه و آله: (أنا و بنو المطّلب لم نفترق في جاهلية و لا إسلام)(4).

و المراد به النصرة لا استحقاق الخمس.

مسألة 326: و إنّما يستحقّ من بني عبد المطّلب من انتسب إليه بالأب لا من انتسب إليه بالأم

عند أكثر علمائنا - و هو قول الجمهور(5) - لقول الكاظم عليه السلام: «و من كانت امّه من بني هاشم و أبوه من سائر قريش فإنّ الصدقة تحلّ له، و ليس له من الخمس شيء، لأنّ اللّه تعالى يقول اُدْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ (6)»(7).

و قال السيد المرتضى: إنّ من انتسب إليهم بالأم يستحقّ الخمس(8) ،

ص: 434


1- المغني 518:2، الشرح الكبير 714:2.
2- التهذيب 129:4-366.
3- المهذب للشيرازي 248:2، الوجيز 288:1، الهداية للمرغيناني 148:2.
4- سنن أبي داود 146:3-2980.
5- الوجيز 288:1، المغني 305:7، الشرح الكبير 491:10.
6- الأحزاب: 5.
7- التهذيب 129:4-366.
8- حكاه عنه المحقّق في المعتبر: 295.

لقوله عليه السلام: (هذان ولداي إمامان قاما أو قعدا)(1) يشير بذلك الى الحسن و الحسين عليهما السلام، و انتسابهما بالولادة إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إنّما هو بالأم.

و نمنع كونه حقيقة.

مسألة 327: يعتبر في آخذ الخمس: الإيمان،

للنهي عن مودّة غير المؤمن، و عمّن حادّ اللّه و رسوله(2). و لا تعتبر العدالة.

و لا يستحق الغني، لأنّه وضع للإرفاق، كما وضعت الزكاة لمحاويج العوام. نعم يستحقّ الإمام سهم ذي القربى عندنا و إن كان غنيّا.

و اليتيم من لا أب له ممّن لم يبلغ الحلم، و هو في آية الخمس(3) مختص بالذرية من هاشم، خلافا للجمهور(4).

و هل يشترط فقره ؟ قال الشيخ في المبسوط: لا يشترط، عملا بالعموم(5). و هو أحد قولي الشافعي، و في الآخر: يشترط(6).

و لا يعتبر الفقر في ابن السبيل، بل الحاجة في بلد السفر.

مسألة 328: لا يحمل الخمس من بلد المال مع وجود المستحقّ فيه،

لأنّ المستحق مطالب من حيث الحاجة و الفقر، فنقله يستلزم تأخير إيصال الحقّ إلى مستحقّه مع القدرة و الطلب، فإن نقله حينئذ ضمن، و يبرأ مع التسليم.

ص: 435


1- اعلام الورى: 209، المناقب - لابن شهر آشوب - 367:3، كشف الغمة 533:1، و عوالي اللئالي 129:3-130-14.
2- المجادلة: 22.
3- الأنفال: 41.
4- انظر: المصادر في الهامش (8 و 9) من صفحة 433.
5- المبسوط للطوسي 262:1.
6- المهذب للشيرازي 248:2، حلية العلماء 689:7، الوجيز 288:1، المغني 306:7-307، الشرح الكبير 493:10.

و لو فقد المستحقّ جاز النقل، للضرورة، و لا ضمان.

و يعطى من حضر البلد، و لا يتبع من غاب عند علمائنا، و به قال بعض الشافعية(1).

و قال الشافعي: ينقل من البلد الى غيره، و يقسّم في البلدان، لأنّه مستحقّ بالقرابة، فاشترك الحاضر و الغائب كالميراث(2).

و ليس بجيّد، و إلاّ لاختصّ به الأقرب كالميراث.

مسألة 329: ظاهر كلام الشيخ رحمه اللّه: وجوب قسمته في الأصناف،

عملا بظاهر الآية(3)(4).

و يحتمل المنع، لأنّ المراد بيان المصرف كالزكاة.

و يؤيّده: أنّ الرضا عليه السلام سئل عن قوله تعالى وَ اعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ (5) ، قال: «فما كان للّه فللرسول، و ما كان للرسول فهو للإمام» قيل: أ رأيت إن كان صنف أكثر من صنف أو أقلّ من صنف كيف يصنع ؟ قال: «ذلك الى الإمام، أ رأيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كيف صنع ؟ إنّما كان يعطي على ما يرى، كذلك الإمام»(6).

نعم الأحوط ما قاله الشيخ.

مسألة 330: مستحقّ الخمس من الركاز و المعادن هو المستحقّ له من الغنائم

عند علمائنا - و به قال أبو حنيفة(7) - لأنّه غنيمة، و كذا البحث في جميع

ص: 436


1- المهذب للشيرازي 248:2، حلية العلماء 689:7.
2- المهذب للشيرازي 248:2، حلية العلماء 688:7.
3- الأنفال: 41.
4- المبسوط للطوسي 262:1.
5- الأنفال: 41.
6- الكافي 457:1-7، التهذيب 126:4-363.
7- المغني 614:2، الشرح الكبير 589:2، المجموع 102:6، فتح العزيز 104:6، حلية العلماء 117:3.

ما يجب فيه الخمس.

و قال الشافعي: مصرفه مصرف الزكوات(1) - و عن أحمد روايتان(2) - لأنّ أمير المؤمنين عليه السلام أمر صاحب الكنز أن يتصدّق به على المساكين(3).

و يحتمل القسمة في المساكين من الذرية.

و لا يجوز صرف حقّ المعدن الى من وجب عليه - و به قال الشافعي و مالك و أحمد(4) - لأنّه مأمور بإخراجه، و لا يتحقق مع الدفع الى نفسه. و لأنّه حقّ وجب عليه، فلا يصرف اليه، كعشر الزرع.

و قال أبو حنيفة: يجوز(5). و ليس بمعتمد.

مسألة 331: الأسهم الثلاثة التي للإمام يملكها و يصنع ما شاء،

و الثلاثة الباقية للأصناف الأخر، لا يختص بها القريب دون البعيد، و لا الذكر دون الأنثى، و لا الكبير على الصغير، بل يفرّقها الإمام على ما يراه من تفضيل و تسوية، و يفرّق بين الحاضرين، و لا يتبع الأباعد.

و لو فضل عن كفاية الحاضرين جاز حمله الى بلد آخر، لاستغنائهم بحصول قدر الكفاية، و لا ضمان.

و إذا حضر الأصناف الثلاثة، استحبّ التعميم.

و لو لم يحضر في البلد إلاّ فرقة منهم، جاز أن يفرّق فيهم، و لا ينتظر غيرهم، و لا يحمل الى بلد آخر.

ص: 437


1- المجموع 102:6، فتح العزيز 103:6، حلية العلماء 117:3، المغني 614:2، الشرح الكبير 589:2.
2- المغني 614:2، الشرح الكبير 589:2، المجموع 102:6، فتح العزيز 104:6، حلية العلماء 117:3.
3- سنن البيهقي 156:4-157.
4- المجموع 90:6، حلية العلماء 113:3.
5- المجموع 90:6، حلية العلماء 113:3.

ص: 438

الفصل الرابع في الأنفال

اشارة

المراد بالأنفال كلّ ما يخصّ الإمام، فمنه: كلّ أرض انجلى أهلها عنها، أو سلّموها طوعا بغير قتال، و كلّ أرض خربة باد أهلها إذا كانت قد جرى عليها ملك أحد، و كلّ خربة لم يجر عليها ملك أحد، و كلّ أرض لم يوجف عليها بخيل و لا ركاب، للرواية(1)الكافي 455:3-4، التهذيب 130:4-366.(2).

و منه: رءوس الجبال و الآجام و الأرض الموات التي لا أرباب لها، لقول الكاظم عليه السلام: «و الأنفال كلّ أرض خربة قد باد أهلها، و كلّ أرض لم يوجف عليها بخيل و لا ركاب، و لكن صولحوا عليها، و أعطوا بأيديهم على غير قتال، و له رءوس الجبال و بطون الأودية و الآجام، و كلّ أرض ميتة لا (وارث)(3) لها»(3).

و أمّا المعادن، فقال الشيخان: إنّها من الأنفال(4).

و منعه ابن إدريس(5) ، و هو الأقوى.

ص: 439


1- انظر: الهامش
2- من هذه الصفحة.
3- في المصدر بدل (وارث): (ربّ).
4- المقنعة: 45، النهاية للطوسي 419:1.
5- انظر: السرائر: 116.

و منه: صفايا الملوك و قطائعهم التي كانت في أيديهم على غير وجه الغصب، على معنى أنّ كلّ أرض فتحت من أهل الحرب، و كان لملكها مواضع مختصّة به غير مغصوبة من مسلم أو معاهد، فإنّ تلك المواضع للإمام، لقول الصادق عليه السلام: «قطائع الملوك كلّها للإمام، ليس للناس فيها شيء»(1).

و قال الكاظم عليه السلام: «و له صوافي الملوك ما كان في أيديهم من غير جهة الغصب لأنّ المغصوب كلّه مردود»(2).

و منه: ما يصطفيه من الغنيمة في الحرب، كالفرس و الثوب و الجارية و السيف و (شبه)(3) ذلك من غير إجحاف بالغانمين، لأنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كان يصطفي من الغنائم: الجارية و الفرس و ما أشبههما في غزاة خيبر و غيرها(4).

و من طريق الخاصة: قول الصادق عليه السلام: «نحن قوم فرض اللّه طاعتنا، لنا الأنفال، و لنا صوافي المال(5) ، و نحن الراسخون في العلم، و نحن المحسودون الذين قال اللّه تعالى فيهم أَمْ يَحْسُدُونَ النّاسَ عَلى ما آتاهُمُ اللّهُ مِنْ فَضْلِهِ (6)»(7).

و سأله أبو بصير عن صفو المال، فقال عليه السلام: «الإمام يأخذ الجارية الروقة(8) و المركب الفاره و السيف القاطع و الدّرع قبل أن تقسّم4.

ص: 440


1- التهذيب 134:4-377.
2- الكافي 455:1-4، التهذيب 130:4-366.
3- في «ف» و الطبعة الحجرية: غير.
4- انظر: سنن أبي داود 2991:3 و 2993 و 2995.
5- في المصدر: صفو الأموال.
6- النساء: 54.
7- التهذيب 132:4-367.
8- يقال: غلمان روقة و جوار روقة، أي: حسان. انظر: الصحاح 1468:4.

الغنيمة، هذا صفو المال»(1).

إذا ثبت هذا، فإنّه حقّ له لا يبطل بموت النبي صلّى اللّه عليه و آله - خلافا للجمهور(2) - لوجود المعنى في حقّه، و هو: تحمّل أثقال غيره، و استناد الناس إليه في رفع ضروراتهم، و بعث الجيوش، و إقامة العساكر.

و منه: ميراث من لا وارث له عند علمائنا كافة، خلافا للجمهور كافة، فإنّ الشافعي قال: إنّه للمسلمين بالتعصيب(3).

و قال أبو حنيفة: إنّه لهم بالموالاة(4) ، و سيأتي بيانه.

قال الصادق عليه السلام في الرجل يموت و لا وارث له و لا مولى: «هو من أهل هذه الآية يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ (5)»(6).

و قال الكاظم عليه السلام: «و هو وارث من لا وارث له»(7).

و منه: كلّ غنيمة غنمت بغير إذن الإمام، فإنّها له خاصة، لقول الصادق عليه السلام: «إذا غزا قوم بغير إذن الإمام فغنموا، كانت الغنيمة كلّها للإمام، و إذا غزوا بإذن الإمام فغنموا، كان للإمام الخمس»(8).

و قال الشافعي: حكمها حكم الغنيمة مع إذن الإمام، لكنه مكروه(9) ، لعموم الآية(10).1.

ص: 441


1- التهذيب 134:4-375.
2- كما في المعتبر - للمحقق الحلّي -: 296.
3- المهذب للشيرازي 32:2، المجموع 54:16، الهداية للمرغيناني 274:3.
4- النتف 841:2-842، الاختيار لتعليل المختار 69:4، الهداية للمرغيناني 274:3.
5- الأنفال: 1.
6- الكافي 459:1-18، التهذيب 134:4-374، الفقيه 23:2-89.
7- الكافي 455:1-4، التهذيب 130:4-366.
8- التهذيب 135:4-378.
9- المغني 522:10، الشرح الكبير 457:10، بدائع الصنائع 118:7.
10- الأنفال: 41.

و لا دلالة فيها، لأنّها تدلّ على إخراج الخمس في الغنيمة، لا على المالك.

و قال أبو حنيفة: إنّها للغانمين و لا خمس، لأنّه اكتساب مباح من غير جهاد، فأشبه الاحتطاب(1).

و نمنع المساواة، لأنّه منهي عنه إلاّ بإذنه عليه السلام.

و عن أحمد روايتان كالقولين، و ثالثة كقولنا(2).

مسألة 332: ما يختص بالإمام عليه السلام يحرم التصرّف فيه حال ظهوره إلاّ بإذنه،

لقوله تعالى لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ (3).

و قوله عليه السلام: «لا يحلّ مال امرئ مسلم إلاّ عن طيب نفس منه»(4).

بل يصرف الخمس بأجمعه إليه، فيأخذ عليه السلام نصفه يفعل به ما يشاء، و يصرف النصف الآخر في الأصناف الثلاثة على قدر حاجتهم و ضرورتهم.

فإن فضل شيء، كان الفاضل له، و إن أعوز كان عليه عليه السلام، لأنّ النظر إليه في قسمة الخمس في الأصناف، و تفضيل بعضهم على بعض بحسب ما يراه من المصلحة و زيادة الحاجة و قلّتها.

و لقول الكاظم عليه السلام: «فإن فضل عنهم شيء فهو للوالي»(5).

و إن عجز أو نقص عن استغنائهم، كان على الوالي أن ينفق من عنده بقدر ما يستغنون به، و إنّما صار عليه أن يمونهم، لأنّ له ما فضل عنهم.

ص: 442


1- بدائع الصنائع 118:7، المغني 522:10، الشرح الكبير 458:10.
2- المغني 522:10 و 523، الشرح الكبير 457:10 و 458.
3- البقرة: 188.
4- سنن الدارقطني 26:3-91 و 92، سنن البيهقي 100:6 بتفاوت يسير.
5- الكافي 453:1-4، التهذيب 129:4-366.

و منع ابن إدريس من ذلك، لأنّ الأسهم الثلاثة للأصناف الثلاثة بنص القرآن(1).

و هو ممنوع، لجواز أن يكون المراد بيان المصرف، و لهذا جاز أن يفضّل بعضهم و أن يحرمه.

إذا ثبت هذا، فإنّه يجوز لمن وجب عليه الخمس أن يفرّق ما يستحقّه الأصناف الثلاثة إليهم فيما يكتسبه بنفسه دون الغنائم - و هو قول أصحاب الرأي و ابن المنذر(2) - لأنّ أمير المؤمنين عليه السلام أمر واجد الكنز بصرفه الى المساكين(3). و لأنّه أدّى الحقّ إلى مالكه، فيخرج عن العهدة.

و قال أبو ثور: لا يجوز كالغنيمة(4).

و الفرق: أنّ التسلّط في الغنيمة كلّها للإمام، و النظر فيها إليه.

مسألة 333: و قد أباح الأئمة عليهم السلام لشيعتهم المناكح و المساكن و المتاجر حال ظهور الإمام و غيبته،

لعدم إمكان التخلّص من المآثم بدون الإباحة، و ذلك من أعظم أنواع الحاجة.

و لقول الصادق عليه السلام: «من وجد برد حبّنا على كبده فليحمد اللّه على أول النعم» قال: قلت: جعلت فداك ما أول النعم ؟ قال: «طيب الولادة» ثم قال: «قال أمير المؤمنين عليه السلام لفاطمة عليها السلام:

أحلّي نصيبك من الفيء لآباء شيعتنا ليطيبوا» ثم قال الصادق عليه السلام:

«إنّا أحللنا أمّهات شيعتنا لآبائهم ليطيبوا»(5).

و أمّا المتاجر، فقال ابن إدريس: المراد بالمتاجر أن يشتري الإنسان ما

ص: 443


1- السرائر: 114.
2- المبسوط للسرخسي 17:3، المغني 615:2، الشرح الكبير 590:2.
3- سنن البيهقي 156:4-157.
4- المغني 615:2، الشرح الكبير 590:2.
5- التهذيب 143:4-401.

فيه حقوقهم عليهم السلام، و يتّجر في ذلك، و لا يتوهّم متوهّم أنّه إذا ربح في ذلك المتجر شيئا لا يخرج منه الخمس(1).

سئل الصادق عليه السلام أنّ لنا أموالا من غلاّت و تجارات و نحو ذلك، و قد علمت أنّ لك حقّا فيها، قال: «فلم أحللنا شيعتنا إلاّ لتطيب ولادتهم، و كلّ من والى آبائي فهم في حلّ ممّا في أيديهم من حقّنا، فليبلّغ الشاهد الغائب»(2).

مسألة 334: اختلف علماؤنا في الخمس حال غيبة الإمام عليه السلام،

فأسقطه قوم منهم(3) ، لقول الباقر عليه السلام: «قال أمير المؤمنين عليه السلام: هلك الناس في بطونهم و فروجهم لأنّهم لم يؤدّوا إلينا حقّنا، ألا و إنّ شيعتنا من ذلك و آباءهم في حلّ»(4) و غير ذلك من الأحاديث(5).

و ليس بمعتمد، للأصل الدالّ على تحريم مال الغير، و الأحاديث الدالّة على المنع(6) ، و أحاديث الإباحة محمولة على المناكح و المساكن و المتاجر.

و قال بعضهم: يجب دفنه(7) ، لما روي أنّ الأرض تخرج كنوزها عند ظهور الإمام عليه السلام(8).

و قال آخرون: يصرف في الذرية و فقراء الشيعة على وجه الاستحباب.

ص: 444


1- السرائر: 116.
2- التهذيب 143:4-399.
3- كما في المقنعة: 46.
4- علل الشرائع: 377، الباب 106، الحديث 2، المقنعة: 46، التهذيب 137:4-138-386، الاستبصار 58:2-59-191.
5- انظر على سبيل المثال: الكافي 459:1-16، التهذيب 136:4-383، الاستبصار 57:2-58-188.
6- انظر على سبيل المثال: الكافي 460:1-25، التهذيب 136:4-383، الاستبصار 59:2-195.
7- كما في المقنعة: 46.
8- كما في المقنعة: 46.

و قال آخرون: يعزل، فإذا خاف الموت وصّى به الى من يثق بدينه و عقله ليسلّمه الى الإمام أو إلى ثقة إذا خاف الموت، و هكذا الى أن يظهر عليه السلام(1).

و اختاره المفيد رحمه اللّه، لأنّه حقّ وجب لمالك لم يرسم فيه ما يجب الانتهاء اليه، فوجب حفظه، و جرى مجرى الزكاة عند عدم المستحقّ.

قال: و إن صرف النصف في اليتامى من آل محمد و مساكينهم و أبناء سبيلهم، و فعل بالنصف الذي يخصّه عليه السلام ما تقدّم من الحفظ، كان صوابا(2).

و اختار هذا شيخنا أبو جعفر(3) - رحمه اللّه - و متابعوه(4).

و للمفيد - رحمه اللّه - قول آخر: إنّه يصرف ما يخصّ الإمام عليه السلام أيضا في الأصناف الثلاثة أيضا(5) ، لأنّ الإتمام واجب عليه على ما تقدّم في حال حضوره، فيجب حال غيبته، لأنّها لا تسقط الحقّ عمّن وجب عليه.

تذنيب: إذا جوّزنا صرف نصيبه إلى باقي الأصناف، فإنّما يتولاّه الفقيه المأمون من فقهاء الإمامية الجامع لشرائط الإفتاء على وجه التتمة لمن يقصر عنه ما يصل إليه، لأنّه حكم على الغائب، فيتولاّه الحاكم و نائبه.8.

ص: 445


1- كما في المقنعة: 46.
2- المقنعة: 46.
3- المبسوط للطوسي 264:1.
4- كأبي الصلاح الحلبي في الكافي في الفقه: 173، و القاضي ابن البراج في المهذب 180:1-181.
5- حكاه عنه، المحقّق في المعتبر: 298.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.