سرشناسه : علامه حلي حسن بن يوسف ق 726 - 648
عنوان و نام پديدآور : تذكره الفقهاء/ تاليف العلامه الحلي الحسن بن يوسف بن المطهر؛ تحقيق موسسه آل البيت عليهم السلام لاحياآ التراث مشخصات نشر : قم موسسه آل البيت عليهم السلام لاحياآ التراث 1400ق = 1300.
مشخصات ظاهري : ج 22
فروست : (موسسه آل البيت عليهم السلام لاحياآ التراث 127؛ 129؛ 130134)
شابك : 964-5503-33-7 (دوره ؛ 964-5503-44-2 2900ريال (ج 4) ؛ 964-5503-46-9 (ج 6) ؛ 964-319-007-2 (ج 7) ؛ 964-319-224-5 8000ريال (ج 11)
يادداشت : عربي يادداشت : فهرست نويسي براساس جلد چهارم 1414ق = 1372
يادداشت : ج 1 (چاپ اول 1420ق = 1378)؛ 8000 ريال ج 1) :ISBN 964-319-197-4
يادداشت : ج 8 (چاپ اول 1417ق = 1376)؛ 6500 ريال ج )8ISBN 964-319-051-x
يادداشت : ج 9 (چاپ اول 1419ق = 1377)8000 ريال :(ج )9ISBN 964-319-008-0
يادداشت : ج 13 (چاپ اول 1423ق = 1381)9500 ريال :ISBN 964-319-389-6
يادداشت : كتابنامه مندرجات : (ج )7) ISBN 964-319-007-2 ج 12) 1422ق = 8500 :1380 ريال موضوع : فقه جعفري -- قرن ق 8
شناسه افزوده : موسسه آل البيت عليهم السلام لاحياآ التراث رده بندي كنگره : BP182/3 /ع8ت4 1300ي
رده بندي ديويي : 297/342
شماره كتابشناسي ملي : م 73-2721
ص: 1
ص: 2
ص: 3
ص: 4
الجزء الرابع
و فيه فصول:
و فيه مطالب
ص: 5
ص: 6
قال اللّه تعالى فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللّهِ وَ ذَرُوا الْبَيْعَ (1) و الأمر للوجوب، و النهي للتحريم، و إنما يجب السعي و يحرم البيع لأجل الواجب، و توبيخهم بتركه قائما إنما يكون لو وجب، و ليس المراد من السعي الإسراع بل الذهاب إليها.
و قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في خطبته: (اعلموا أن اللّه قد افترض عليكم الجمعة في مقامي هذا، في يومي هذا، في شهري هذا، من عامي هذا، فمن تركها في حياتي، أو بعد موتي و له إمام عادل استخفافا بها أو جحودا لها فلا جمع اللّه له شمله، و لا بارك له في أمره، ألا و لا صلاة له، ألا و لا زكاة له، ألا و لا حج له، ألا و لا صوم له، ألا و لا برّ له حتى يتوب، فإن تاب تاب اللّه عليه)(2).
ص: 7
و من طريق الخاصة قول الباقر عليه السلام: «فرض اللّه على الناس من الجمعة إلى الجمعة خمسا و ثلاثين صلاة، منها صلاة واحدة فرضها اللّه عز و جل في جماعة و هي الجمعة، و وضعها عن تسعة»(1) الحديث.
و أجمع المسلمون كافة على وجوب الجمعة.
إلاّ ما حكي عن الشافعي أنها فرض كفاية(2) و نسبت الحكاية إلى الغلط، لأن الأمر عام، و قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: (الجمعة حق واجب على كل مسلم، إلاّ أربعة: عبد مملوك، أو امرأة، أو صبيّ، أو مريض)(3).
إذا عرفت هذا فيشترط للجمعة أمور ستة زائدة على الشرائط اليومية:
أ: الوقت. ب: السلطان. ج: العدد. د: الخطبتان. ه:
الجماعة. و: الوحدة.
فهنا مباحث:
ابن مالك قال: كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يصلي الجمعة إذا زالت الشمس(1).
و من طريق الخاصة قول الصادق عليه السلام: «كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يصلي الجمعة حين تزول الشمس قدر شراك و يخطب في الظل الأول»(2) الحديث.
و لأنها بدل عن عبادة، فلا تجب قبل وقتها كالتيمم. و لأن آخر وقتهما واحد فكذا الأول.
و قال أحمد بن حنبل: يجوز فعل الجمعة قبل زوال الشمس(3). فمن أصحابه من قال: أول وقتها وقت صلاة العيد. و منهم من قال: تجوز في الساعة السادسة(4).
لأنّ [وكيعا روى عن عبد اللّه السلمي](5) قال: شهدت الجمعة مع أبي بكر فكانت صلاته و خطبته قبل نصف النهار(6).
و لا حجة فيه، مع مخالفته لفعل الرسول صلّى اللّه عليه و آله.
عند الأكثر، إلاّ أن عندنا آخر وقت الظهر للإجزاء الغروب، و آخر وقت الفضيلة إذا صار ظلّ
ص: 9
كل شيء مثله، و المراد هنا هذا الأخير فلا تجوز الجمعة بعده. و كذا يقول الشافعي(1).
و أبو حنيفة جعل آخر وقت الظهر إذا صار ظل كل شيء مثليه(2) ، فتجوز الجمعة عنده إلى ذلك.
و الوجه الأول، لأن النبي صلّى اللّه عليه و آله، كان يصلّي دائما بعد الزوال بلا فصل، فلو جاز التأخير عمّا حدّدناه، لأخّرها في بعض الأوقات.
إذا عرفت هذا، فاعلم أنّ أبا الصلاح منّا قال: إذا مضى مقدار الأذان و الخطبة و ركعتي الجمعة فقد فاتت، و لزم أداؤها ظهرا(3).
و يدفعه قول الباقر عليه السلام: «وقت الجمعة إذا زالت الشمس و بعده بساعة»(4).
و احتجاجه: بقول الباقر عليه السلام: «إنّ من الأمور أمورا مضيّقة، و أمورا موسّعة، و إنّ صلاة الجمعة من الأمر المضيّق، إنّما لها وقت واحد حين تزول الشمس، و وقت العصر يوم الجمعة وقت الظهر في سائر الأيام»(5) متأول بالمبالغة في استحباب التقديم.
فلو انعقدت الجمعة و تلبّس بالصلاة - و لو بالتكبير - فخرج الوقت قبل إكمالها أتمها جمعة، إماما كان أو مأموما - و به قال أحمد و مالك(6) - لأنه دخل فيها في وقتها فوجب إتمامها كسائر الصلوات. و لأن الوجوب يتحقق باستكمال الشرائط فلا يسقط مع التلبس
ص: 10
بفوات البعض كالجماعة.
و قال الشافعي: تفوت الجمعة، حتى لو وقعت تسليمة الإمام في وقت العصر فاتت الجمعة، لكنه يتمها ظهرا، لأن ما كان شرطا في ابتداء الجمعة كان شرطا في جميعها كسائر الشرائط(1). و ينتقض بالجماعة.
و قال أبو حنيفة: لا يبنى عليها، و يستأنف الظهر، لأنهما صلاتان مختلفتان فلا تبنى إحداهما على الأخرى(2). و يرد على الشافعي لا علينا.
و قال بعض الجمهور: إن أدرك ركعة في الوقت أدرك الجمعة، و إلاّ فلا(3). و لا بأس به.
أ: لو شك في خروج الوقت أتمها جمعة
إجماعا، لأن الأصل بقاء الوقت.
ب: لو أدرك المسبوق ركعة مع الإمام صحت له الجمعة
إن كانت المدركة في الوقت ثم يقوم لتدارك الثانية، فلو خرج الوقت قبل إكمالها صحت عندنا، لما تقدم(4).
و للشافعية وجهان: الفوات كغيره، و الإدراك، لأن جمعتهم صحيحة فيتبعهم فيها كما يتبعهم في الوقت و القدوة(5).
ج: لو تشاغلوا عن الصلاة حتى ضاق الوقت
فإن علم الإمام أن الوقت يتسع لخطبتين خفيفتين و ركعتين كذلك وجبت الجمعة، و إلاّ جاز أن يصلّوها
ص: 11
ظهرا قبل خروج وقت الجمعة، و به قال الشافعي(1). و لا تكفي الركعة الواحدة هنا، خلافا لأحمد(2).
د: يستحب تعجيل الجمعة
كغيرها من الصلوات.
و هي صلاة قائمة بنفسها ليست ظهرا مقصورة - و هو أحد قولي الشافعي(3) - فليس له إسقاط الجمعة بالظهر، لأنه مأمور بالجمعة، فيكون منهيا عن الظهر، فلا يكون المنهي عنه فرضا.
و قال عليه السلام: (كتب عليكم الجمعة فريضة واجبة إلى يوم القيامة)(4) و هو يدل على الوجوب على التعيين.
و قال أبو حنيفة: فرض الوقت الظهر، و يسقط بالجمعة، و هي ظهر مقصورة(5) ، لقوله عليه السلام: (أول وقت الظهر حين تزول الشمس)(6) و هو عام فيتناول يوم الجمعة كغيره.
و نحن نقول بموجبه، و لا دلالة فيه على أن الفرض الظهر.
و قال محمد بن الحسن الشيباني: الفرض الجمعة، و له إسقاطه بالظهر.
و هو قول للشافعي(7).
إذا عرفت هذا فإذا فاتت الجمعة صلّى أربعا ظهرا بنية الأداء إن كان وقت الظهر باقيا، و إن خرج الوقت صلّى أربعا بنية قضاء الظهر لا الجمعة، لأن مع
ص: 12
الفوات تسقط الجمعة و تجب الظهر أداء لسعة وقت الظهر، و إمكان فوات الجمعة مع بقائه، فيكون الفائت بعد فوات الجمعة هو الظهر، لانتقال الوجوب إليه.
و لو فاتته الجمعة بعد انعقادها بأن زوحم و خرج الوقت قبل إدراك ركعة مع الإمام، استأنف الظهر، لتغاير الفرضين.
و من جعلها ظهرا مقصورة جوّز نقل النية إلى الظهر كالمسافر إذا نوى الإقامة في الأثناء فإنه يتم أربعا.
و يلزمه السعي إلى الجمعة، فإن صلاّها سقط عنه الفرض، و إن لم يصلّها حتى فاتت وجب عليه إعادة الظهر، لما تقدّم(1) من أنهما فرضان متغايران، فلا يجزي أحدهما عن الآخر عند علمائنا أجمع، و به قال مالك و أحمد و الثوري في الجديد، و إسحاق(2).
و قال أبو حنيفة: تصح ظهره قبل فوات الجمعة، و يلزمه السعي إلى الجمعة، فإذا سعى بطلت، و إن لم يسع أجزأته(3).
و قال أبو يوسف، و محمد: تصح(4).
و قال الشافعي في القديم: تصح الظهر، و يجب عليه السعي، فإن صلّى الجمعة احتسب اللّه تعالى له بأيتهما شاء أو آجر كلتيهما، و إن فاتته
ص: 13
الجمعة أجزأته الظهر التي صلاّها(1).
و ليس بجيّد، لأن الظهر الواقعة إن كانت صحيحة أسقطت الفرض، إذ لا تجبان عليه في وقت واحد إجماعا، و إلاّ أعادها.
و لأنه يأثم بترك الجمعة و إن صلّى الظهر، و لا يأثم بفعل الجمعة و ترك الظهر إجماعا، و الواجب هو الذي يأثم بتركه دون ما لا يأثم به.
أ: فوات الجمعة برفع الإمام رأسه من ركوع الثانية.
و سيأتي في الجماعة.
ب: لو صلّى الظهر ثم شك هل صلّى قبل صلاة الإمام أو بعدها، لزمه الإعادة،
لأن الأصل البقاء
ج: لو صلّى الظهر مع صلاة الإمام الجمعة لم تصح
- إن كان يمكنه إدراكها - ظهره لأنه يمكنه الجمعة، أمّا لو صلاّها قبل فراغ الإمام من الجمعة - إذا فاته إدراكها - فإنه يجوز - و به قال بعض الشافعيّة(2) - لأن الجمعة فاتت فتجب الظهر، إذ لا يمكن سقوط الصلاتين.
و ظاهر كلام الشافعي أنه لا يجوز أن يصلّيها إلاّ بعد فراغ الإمام(3).
و معه و بعده - و إن جاز أن يصلّي جمعة - في قول أكثر العلماء(4) ، لأنه لم يخاطب بالجمعة، فتصح منه الظهر، كالبعيد من موضع الجمعة.
ص: 14
و قال بعض الجمهور: لا تصح صلاته قبل الإمام، لأنه لا يتيقن بقاء العذر، فلم تصح صلاته، كغير المعذور(1).
و الظاهر البقاء و الاستمرار كالمريض يصلّي جالسا.
أ: لا يستحب للمعذور تأخير الظهر حتى يفرغ الإمام،
لأن فرضه الظهر فيستحب تقديمها.
ب: أصحاب الأعذار المكلّفون إذا حضروا الجامع، وجبت عليهم الجمعة،
و سقط عنهم فرض الوقت، لأنها سقطت عنهم لعذر تخفيفا عنهم، و وجبت على أهل الكمال، لانتفاء المشقة في حقهم، فإذا حضروا الجامع سقطت المشقة المبيحة للترك.
ج: لو صلّوا الظهر في منازلهم ثم سعوا إلى الجمعة، لم تبطل ظهرهم
سواء زال عذرهم أوّلا - و به قال أحمد و الشافعي(2) - لأنها صلاة صحيحة أسقطت الفرض فلا تبطل بعده.
و قال أبو حنيفة: تبطل ظهرهم بالسعي إلى الجمعة كغير المعذور(3) و الفرق ظاهر.
و قال أبو يوسف و محمد: تبطل إذا أحرموا بالجمعة(4).
د: لا يكره لمن فاتته الجمعة أو لم يكن من أهلها أن يصلّي الظهر
ص: 15
جماعة - و به قال أحمد و الأعمش و الشافعي و إسحاق(1) - لعموم قوله عليه السلام: (صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ بخمس و عشرين درجة)(2).
و صلّى ابن مسعود بعلقمة و الأسود لمّا فاتته الجمعة(3).
و قال أبو حنيفة و مالك: يكره - و هو قول الحسن و أبي قلابة - لأنه لم ينقل في زمن النبي عليه السلام من صلّى جماعة من المعذورين(4).
و هو ممنوع، لما تقدّم.
إذا ثبت هذا فالأقرب استحباب إعادتها جماعة في مسجد النبي صلّى اللّه عليه و آله، و غيره من المساجد، لعموم استحباب طلب الجماعة.
و لا تكره أيضا في المسجد الذي أقيمت الجمعة فيه.
و كره أحمد ذلك كله(5) ، و ليس بجيّد.
نعم لو نسب إلى الرغبة عن الجمعة، أو أنه لا يرى الصلاة خلف الإمام، أو خيف فتنة، و لحوق ضرر به و بغيره كره ذلك.
ه: الأقرب لمن صلّى الظهر من أصحاب الأعذار السعي إلى الجمعة
استحبابا، طلبا لفضيلة الجماعة، لأنها تنوب مناب الظهر فأشبهت المنوب، و الأول هو الفرض.
و قال أبو إسحاق: قال الشافعي في القديم: يحتسب اللّه تعالى له بأيتهما شاء(6) ، لأنه كان في الابتداء مخيرا بين الظهر و الجمعة، فإذا فعلها2.
ص: 16
لم يتعين واحد منهما.
و هو غلط، لسقوط فرضه مما فعله أولا، فإذا فعل الجمعة كان متطوعا بها، و ما ذكره إنّما يتحقق قبل الفعل.
و استكمال الشرائط(1) ، بعد الزوال قبل أن يصلّيها عند علمائنا أجمع - و به قال الشافعي، و مالك، و أحمد(2) - لقول النبي صلّى اللّه عليه و آله: (من سافر من دار إقامة(3) يوم الجمعة دعت عليه الملائكة، لا يصحب في سفره، و لا يعان على حاجته)(4) ، و الوعيد لا يلحق المباح.
و لأن ذمته مشتغلة فلا يجوز له الاشتغال بما يمنع عنها كاللهو و التجارة.
و قال أبو حنيفة و الأوزاعي: يجوز(5) ، لقول عمر: الجمعة لا تحبس عن سفر(6) ، و لأنّ الصلاة تجب بآخر الوقت، و لأنّ كلّ صلاة يجوز السفر بعدها يجوز قبلها كسائر الصلوات.
و الفرق أنّ السفر يسقط الجمعة دون غيرها، و قول عمر ليس حجة خصوصا مع مخالفته(7) القرآن، و قد بيّنا وجوب الصلاة بأول الوقت.
أ: لا يجوز السفر بعد الزوال لأجل الجهاد
إلاّ مع الضرورة.
ص: 17
و نقل عن أحمد الجواز(1) ، لأنّه عليه السلام لمّا وجّه زيد بن حارثة، و جعفر بن أبي طالب، و عبد اللّه بن رواحة في جيش مؤتة فتخلّف عبد اللّه، فرآه النبي صلّى اللّه عليه و آله، فقال: (ما خلّفك ؟) فقال: الجمعة، فقال النبي صلّى اللّه عليه و آله: (لروحة في سبيل اللّه أو غدوة خير من الدنيا و ما فيها) فراح منطلقا(2).
و الذي نقله أصحابه إنّ ذلك كان قبل الزوال(3).
ب: يجوز السفر بعد الزوال لأصحاب الأعذار المتجددة
بعد الوجوب، كمريد الصحبة إذا خاف فوتها مع ضرورته إليها، لأنها تسقط الوجوب، و بالجملة كلّ ما يخاف معه على نفسه أو ماله فهو عذر، و كذا لو ضلّ له ولد أو رقيق أو حيوان.
ج: يجوز السفر قبل الزوال بعد الفجر،
لكنّه مكروه عند علمائنا - و به قال مالك و أحمد - و الحسن و ابن سيرين - في رواية، و الشافعي في القديم، و أصحاب الرأي(4) - لحديث عبد اللّه بن رواحة(5). و لأنّ ذمته خالية من وجوب فلا يمنعه إمكان وجوبها.
و قال الشافعي في الجديد: لا يجوز - و به قال ابن عمر و أحمد - إلاّ في الجهاد، لأنّه وقت الرواح إلى الجمعة، و قد يجب فيه السعي على من بعد طريقه، فلا يجوز له ترك الجمعة بالسفر فيه كما بعد الزوال(6).1.
ص: 18
و الفرق شغل الذمة في الأول دون الثاني، و السعي يجب فيه على من تجب عليه و هو بسفره خرج عن ذلك.
و استثناء الشافعي الجهاد، لحديث ابن رواحة.
د: لا يكره السفر ليلة الجمعة
إجماعا.
عند علمائنا أجمع - و به قال أبو حنيفة(1) - للإجماع على أن النبي صلّى اللّه عليه و آله كان يعيّن لإمامة الجماعة - و كذا الخلفاء بعده - كما يعيّن للقضاء.
و كما لا يصح أن ينصب الإنسان نفسه قاضيا من دون إذن الإمام كذا إمامة الجمعة.
و لرواية محمد بن مسلم قال: «لا تجب الجمعة على أقل من سبعة:
الإمام، و قاضيه، و مدّع حقا، و مدّعى عليه، و شاهدان، و من يضرب الحدود بين يدي الإمام»(2).
و لأنّه إجماع أهل الأعصار، فإنه لا يقيم الجمعة في كلّ عصر إلاّ الأئمة.
و قال الشافعي و مالك و أحمد: ليس السلطان شرطا و لا إذنه(3) ، لأنّ عليا
ص: 19
عليه السلام صلّى بالناس الجمعة و عثمان محصور(1) ، و لم ينكر أحد.
و لأنها عبادة بدنية فلا تفتقر إقامتها إلى السلطان كالحج.
و فعل علي عليه السلام حجة لنا، لأنّه عليه السلام الإمام عندنا، و لأنّ عثمان بمنع المسلمين له عن التصرف خرج عن الإمامة، إذ الإمامة عندهم تثبت بالاختيار من أهل الحلّ و العقد فتزول لزوال سببها.
و الفرق في الحج عدم احتياجه إلى رئيس يتقدّم عليهم فيها، بخلاف الجمعة المفتقرة إلى إمام يتقدّمهم.
و هو الإمام المعصوم، أو من يأمره بذلك - خلافا للجمهور كافة(2) لأن الاجتماع مظنة التنازع، و الحكمة تقتضي انتفاء ذلك، و لا يحصل إلاّ بالسلطان، و مع فسقه لا يزول، لأنّه تابع في أفعاله لقوته الشهوية لا مقتضى الشرع و مواقع المصلحة، و ليس محلا للأمانة فلا يكون أهلا للاستنابة.
احتجّوا بقوله عليه السلام: (فمن تركها في حياتي أو بعد موتي و له إمام عادل، أو جائر فلا جمع اللّه شمله)(3).
و لأن السلطان يسوّي بين الناس في إيقاعها فلا يفوت بعضا.
و نمنع الحديث أوّلا، و دلالته على المطلوب، لأنه وعيد على من تركها مستخفا بها، و لا شك في أنه مستحق للوعيد سواء كان الإمام عادلا أو جائرا، بل يستحب الاجتماع فيها و عقدها و إن كان السلطان جائرا.
ص: 20
و نمنع من تسوية السلطان الفاسق لجواز أن يغلبه هواه على تقديم أو تأخير.
و يشترط في النائب أمور:
الأول: البلوغ. فلا تصح إمامة الصبي - و به قال أبو حنيفة و مالك و أحمد(1) - لعدم التكليف في حقه، فإن لم يكن مميزا لم يعتد بفعله، و إلا عرف ترك المؤاخذة على فعله، فلا يؤمن ترك واجب أو فعل محرّم في صلاته.
و لأن العدالة شرط و هي منوطة بالتكليف.
و هو أحد قولي الشافعي، و الثاني: تصح كغيرها من الفرائض(2).
و نمنع الأصل، و نفرق باختصاص الجمعة بشرائط زائدة الثاني: العقل. فإن المجنون لا اعتبار بفعله، و من يعتوره لا يكون إماما، و لا في وقت إفاقته، لجواز عروضه له حينئذ. و لأنه لا يؤمن احتلامه في نوبته و هو لا يعلم. و لنقصه عن المراتب الجليلة.
الثالث: الذكورة. فإن المرأة لا تؤم الرجال و لا الخناثى، و كذا الخنثى.
الرابع: الحرية. و في اشتراطها للشيخ قولان:
أحدهما: ذلك(3) - و به قال أحمد و مالك(4) - لأن الجمعة لا تجب
ص: 21
عليه، فلا يكون إماما فيها، كالصبي و المرأة.
و الثاني: العدم(1) - و به قال الشافعي و أبو حنيفة(2) - لقوله صلّى اللّه عليه و آله: (اسمعوا و أطيعوا و لو أمّر عليكم عبد حبشي أجدع ما أقام فيكم الصلاة)(3).
و من طريق الخاصة: قول أحدهما عليهما السلام - و قد سئل عن العبد يؤمّ القوم إذا رضوا به و كان أكثرهم قراءة -: «لا بأس به»(4).
و لأنه ذكر يؤدّي فرض الجمعة، فجاز أن يكون إماما فيها كالحرّ. و هو عندي أقوى.
فلو أمّ الفاسق لم تنعقد و أعيدت ظهرا - خلافا للجمهور(5) كافّة - لأنّ الائتمام ركون إلى الفاسق و هو ظالم، فيكون منهيا عنه، لقوله تعالى وَ لا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا (6).
و قول جابر: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقول: (لا تؤمّنّ امرأة رجلا، و لا فاجر مؤمنا إلاّ أن يقهره سلطان، أو يخاف سيفه، أو سوطه)(7).
و من طريق الخاصة: ما رواه سعد بن إسماعيل، عن أبيه قال: قلت للرضا عليه السلام: رجل يقارف(8) الذنوب و هو عارف بهذا الأمر أصلّي
ص: 22
خلفه ؟ قال: «لا»(1).
و قال أبو عبد اللّه البرقي: كتبت إلى أبي جعفر عليه السلام: أ تجوز الصلاة خلف من وقف على أبيك و جدّك صلوات اللّه عليهما؟ فأجاب:
«لا تصلّ وراءه»(2).
و لانتفاء الزاجر له عن ترك شرط أو فعل مناف فلا تصح، كالصبي و الكافر.
احتجّوا: بعموم قوله تعالى فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللّهِ (3).
و بقوله عليه السلام: (صلّوا خلف من قال: لا إله إلاّ اللّه)(4).
و بأن الحسن و الحسين عليهما السلام صلّيا مع مروان(5).
و الآية تدلّ على السعي لا على حال الإمام. و العام قد يخصّص، و أحاديثنا أخصّ فتقدّم.
و فعل الإمامين عليهما السلام لقهرهما، كما تضمّنه حديث جابر(6).
و لأنه حكاية حال فيمكن أنّ صلاتهما بعد فعلها في منازلهما، كما قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لأبي ذر: (كيف أنت إذا كان عليك أمراء يؤخّرون الصلاة عن وقتها؟) قلت: فما تأمرني ؟ قال: (صلّ الصلاة لوقتها، فإن أدركتها معهم فصلّ فإنها لك نافلة)(7).1.
ص: 23
أ: عن أحمد رواية أنه يصلّي خلف الفاسق جمعة ثم يعيدها(1).
و هو غلط، لأنّها إن كانت مأمورا بها خرج عن العهدة بفعلها فلا إعادة، و إلاّ فلا تصح الصلاة خلفه.
ب: لو كان السلطان جائرا ثم نصب عدلا استحب الاجتماع و انعقدت جمعة على الأقوى
- و سيأتي - و لا تجب، لفوات الشرط و هو الإمام أو من نصبه.
و أطبق الجمهور على الوجوب.
ج: لو خفي فسقه ثم ظهر بعد الصلاة أجزأ،
لأنّه مأمور بها فتقع مجزئة.
د: لا تصح الصلاة خلف الكافر بالإجماع،
فلو ظهر كفره صحّت الصلاة، للامتثال، سواء كان الكفر ممّا لا يخفى كالتهوّد و التنصّر، أو يخفى كالزندقة، و به قال المزني(2).
و عند الشافعي تجب الإعادة في الأوّل، لتفريطه(3).
ه: لو شك في إسلامه لم تنعقد الجمعة،
لأنّ ظهور العدالة شرط، و هو منتف مع الشك.
و قال بعض الجمهور: تصحّ، عملا بالظاهر من أنه لا يتقدّم للإمامة إلاّ مسلم(4).
و: الاختلاف في فروع الفقه - مع اعتقاد الحق - لا يمنع الإمامة،
للإجماع على تعديل بعضهم بعضا و إن اختلفوا في المسائل الاجتهادية.
ص: 24
ز: إذا اعتقد المجتهد شيئا من الفروع و فعل ضدّه - مع بقاء اعتقاده - قدح في عدالته،
و كذا المقلّد إذا أفتاه العالم، أمّا لو عدل من عالم إلى أعلم أو مساو، لم يقدح في العدالة.
إجماعا عندنا، لأنّ غيره فاسق، و قد بيّنا اشتراط العدالة.
و قال أحمد: تجب سواء كان من يقيمها سنّيا، أو مبتدعا، أو عدلا، أو فاسقا. و سئل عن الصلاة خلف المعتزلة يوم الجمعة، فقال: أما الجمعة فينبغي شهودها، و إن كان الذي يصلّي منهم أعاد و إلاّ فلا(1).
و قال الشافعي: إذا صلّى خلف مبتدع - و هو كلّ من زاد في الدين ما ليس منه، سواء كان قربة أو معصية - فإن كانت بدعته بزيادة طاعة تخالف(2) المشروع - كما لو صلّى العيد في غير وقته - صحّت خلفه، و إن كانت معصية - كالطعن في الصحابة، أو خلل في معتقده - فإن أوجبت تكفيرا، لم تصحّ خلفه، و إلاّ صحّت(3).
و عندنا أنه لا تجوز خلف المبتدع سواء أوجبت كفرا، أو لا، لأنّها توجب فسقا، لقوله عليه السلام: (كلّ بدعة ضلالة و كلّ ضلالة في النار)(4).
عند علمائنا، فلا تصحّ إمامة ولد الزنا، لأنّها من المناصب الجليلة، فلا تليق بحاله، لنقصه. و لعدم انقياد القلوب إلى متابعته. و لأنّها رئاسة دينية فلا ينالها مثله، لتكوّنه من المعصية الكبيرة.
ص: 25
و بعض علمائنا حكم بكفره(1). و ليس بمعتمد.
و لأنّ رجلا لا يعرف أبوه أمّ قوما بالعقيق فنهاه عمر بن عبد العزيز(2) ، و لم ينكر عليه أحد.
و قال الشافعي: تكره إمامته(3) ، لحديث عمر بن عبد العزيز.
و قال أحمد: لا تكره(4).
مسألة 387: اشترط أكثر علمائنا كون الإمام سليما من الجذام و البرص و العمى(5) ، لقول الصادق عليه السلام: «خمسة لا يؤمّون الناس على كلّ حال: المجذوم و الأبرص و المجنون و ولد الزنا و الأعرابي»(6).
و الأعمى لا يتمكن من الاحتراز عن النجاسات غالبا. و لأنه ناقص فلا يصلح لهذا المنصب الجليل.
و قال بعض أصحابنا المتأخرين: يجوز(7).
و اختلفت الشافعية في أنّ البصير أولى، أو يتساويان على قولين(8).
إجماعا، لأنّ الإمامة متوقّفة على إذنه، فليس لغيره التقدّم عليه، و كذا نائب الإمام، لأنّ الرسول صلّى اللّه عليه و آله لم يحضر موضعا إلاّ أمّ بالناس، و كذا خلفاؤه،
ص: 26
و السرايا الذين بعثهم كان يصلّي بهم الأمير عليهم.
و لقول الباقر عليه السلام: «قال علي عليه السلام: إذا قدم الخليفة مصرا من الأمصار جمّع بالناس ليس ذلك لأحد غيره»(1).
و مع العذر يجوز أن يصلّي غيره، و يشترط إذنه، لما تقدّم.
أطبق علماؤنا على عدم الوجوب، لانتفاء الشرط، و هو ظهور الإذن من الإمام عليه السلام.
و اختلفوا في استحباب إقامة الجمعة، فالمشهور ذلك، لقول زرارة:
حثّنا الصادق عليه السلام على صلاة الجمعة حتى ظننت أنه يريد أن نأتيه، فقلت: نغدو عليك ؟ فقال: «لا، إنّما عنيت عندكم»(2).
و قال الباقر عليه السلام لعبد الملك: «مثلك يهلك و لم يصلّ فريضة فرضها اللّه» قلت: كيف اصنع ؟ قال: «صلّوا جماعة» يعني صلاة الجمعة(3).
و قال الفضل بن عبد الملك: سمعت الصادق عليه السلام يقول: «إذا كان قوم في قرية صلّوا الجمعة أربع ركعات، فإن كان لهم من يخطب جمّعوا إذا كانوا خمسة نفر، و إنّما جعلت ركعتين لمكان الخطبتين»(4).
و قال سلاّر و ابن إدريس: لا تجوز، لأصالة الأربع، فلا تسقط إلاّ بدليل(5).
ص: 27
و الأخبار السابقة متأولة، لأنّ قول الصادق عليه السلام لزرارة، و قول الباقر عليه السلام لعبد الملك إذن لهما فيها، فيكون الشرط قد حصل.
و قول الصادق عليه السلام: «فإن كان لهم من يخطب» محمول على الإمام أو نائبه.
و لأنّ شرط الوجوب الإمام أو نائبه إجماعا، فكذا هو شرط في الجواز.
- و به قال أبو حنيفة و مالك و الشافعي(1) - لأنّه رجل تصح منه الجمعة، فجاز أن يكون إماما كالحاضر.
و قال أحمد بن حنبل: لا يجوز، لأنّه ليس من أهل فرض الجمعة، فلا يجوز أن يكون إماما كالمرأة(2).
و الفرق ظاهر، فإنّ المرأة لا تصح أن تكون إماما للرجل في حال من الأحوال، و المسافر لو نوى الإقامة صحّ أن يكون إماما إجماعا.
ليتمّ بهم الصلاة، عند علمائنا أجمع - و به قال مالك و الثوري و الشافعي في الجديد، و أحمد و إسحاق و أبو ثور(3) - لأن أبا بكر كان يصلّي بالناس في مرض النبي صلّى اللّه عليه و آله، فسأل النبي صلّى اللّه عليه و آله: (من يصلّي بالناس ؟) فقيل:
ص: 28
أبو بكر، فخرج يتهادى بين اثنين، فدخل المسجد و أبو بكر يصلّي بالناس، فمنعه من إتمام الإمامة بهم، و تقدّم فصلّى بهم و تأخّر أبو بكر(1). فصارت الصلاة بإمامين على التعاقب.
و من طريق الخاصة: قول علي عليه السلام: «من وجد أذى فليأخذ بيد رجل فليقدّمه»(2) يعني إذا كان إماما.
و لأن صلاة المأموم لا تبطل ببطلان صلاة الإمام، فإذا قدّم من يصلح للإمامة كان كما لو أتمّها، و لا ينفك المأموم من الجماعة و العمل بالفضيلة فيها.
و قال الشافعي في القديم: لا يجوز الاستخلاف(3) ، لما رووا عن النبي صلّى اللّه عليه و آله أنه صلّى بأصحابه، فلمّا أحرم بالصلاة ذكر أنه جنب، فقال لأصحابه: (كما أنتم) و مضى و رجع و رأسه يقطر ماء، و لم يستخلف(4). فلو كان سائغا لفعله.
و هذا عندنا ممتنع، لما بيّنا غير مرة من استحالة السهو على النبي صلّى اللّه عليه و آله.
و للشافعي قول آخر: جوازه في غير الجمعة لا فيها(5).
أ: لا فرق في جواز الاستخلاف بين ما إذا أحدث الإمام بعد الخطبتين قبل التحريم و بعدها،
فإذا استخلف صلّى بهم من غير خطبة، لخروج العهدة عنها بفعلها أوّلا.
ص: 29
و قال الشافعي: على تقدير جوازه يجوز، و على تقدير عدمه لا يجوز أن يصلّي غيره بهم الجمعة، لأنّ الخطبتين تقوم مقام ركعتين فيخطب بهم غيره و يصلّي، فإن لم يتّسع الوقت، صلّى بهم الظهر أربعا(1).
ب: لو أحدث بعد التحريم استخلف عندنا،
و أتمّوها جمعة قطعا، و به قال الشافعي على تقدير الجواز، و على تقدير العدم لا يجوز، فيصلّي المأمومون فرادى ركعتين.
و عنه آخر: إن كان بعد أن صلّى ركعة أتموها جمعة ركعتين، و إن كان أقل من ركعة صلّوا ظهرا أربعا(2).
ج: يجب أن يستخلف من هو بشرائط الإمامة،
فلو استخلف امرأة لإمامة الرجال فهو لغو، فلا تبطل صلاتهم إذا لم يقتدوا بها، و به قال الشافعي(3).
و قال أبو حنيفة: تبطل الصلاة بالاستخلاف صلاتهم و صلاتها(4).
د: لا يشترط في المستخلف كونه قد سمع الخطبة، أو أحرم مع الإمام،
سواء أحدث الإمام في الركعة الأولى أو الثانية قبل الركوع، للأصل.
و لقول معاوية بن عمّار: سألت الصادق عليه السلام، عن رجل يأتي المسجد و هم في الصلاة و قد سبقه الإمام بركعة أو أكثر، فينفتل الإمام فيأخذ بيده و يكون أدنى القوم إليه فيقدّمه، فقال: «يتمّ القوم الصلاة، ثم يجلس حتى إذا فرغوا من التشهّد أومأ بيده إليهم عن اليمين و الشمال، و كان الذي أومأ إليهم بيده التسليم و انقضاء صلاتهم، و أتمّ هو ما كان فاته إن بقي عليه»(5).1.
ص: 30
و قال الشافعي: إن استخلف بعد الخطبة قبل أن يحرم بالصلاة، جاز أن يستخلف من حضرها و سمعها، لأنّه ثبت له حكمها بسماعه إيّاها، و لهذا لو بدر أربعون ممّن سمع الخطبة فعقدوها، صحّت، و لو صلّى أربعون ممّن لم يسمعها، لم تنعقد بهم، و لا يجوز أن يستخلف من لم يسمعها.
و إن أحدث بعد التحريم، فإن كان في الركعة الأولى جاز أن يستخلف من أحرم معه قبل حدثه، سواء كان دخل معه قبل الركوع أو بعده - و إن لم يكن سمع الخطبة - لأنّه بدخوله معه في الصلاة ثبت له حكمها.
و لا يجوز أن يستخلف من لم يدخل معه، لأنه يكون مبتدئا للجمعة، و لا يجوز عقد جمعة بعد جمعة، بخلاف المسبوق، لأنه متبع لا مبتدئ.
و إن أحدث في الثانية، جاز أن يستخلف من دخل معه قبل الركوع أو فيه، و يتمّون معه الجمعة.
و هل يتمّ هو الجمعة أو الظهر؟ قال أكثر أصحابه: بالأول. و هو جيّد عندنا، لأنه أدرك الجمعة بإدراكه راكعا.
و إن استخلف من دخل معه بعد الركوع، قال أكثر أصحابه: لا يجوز، لأنّ فرضه الظهر، فلا يجوز أن يكون إماما في الجمعة.
و قال بعضهم: يجوز، كالمسبوق و المسافر يأتمّ بالمقيم(1).
و عندي في ذلك تردّد، و كذا التردّد لو استناب من يبتدئ بالظهر.
ه: لو أحدث في الأولى فاستخلف من قد أحرم معه صحّ،
ثم صلّى المستخلف لهم الثانية، فلمّا قام أحدث و استخلف من أدرك الركعة الثانية صلّى المستخلف الثاني ركعة، و أشار إليهم أن يسلّم بهم أحدهم، و قام هو فأتمّها جمعة، لأنه أدرك ركعة من جمعة صحيحة.2.
ص: 31
و قال الشافعي: يتمّها ظهرا، لأنّ للمأمومين اتّباعه، فلا يمكن بناء حكمه على حكمهم، و لا يمكن أن يبني حكمه على حكم الإمام الأول، لأنّه ما تمّت له الجمعة، فلا وجه لإتيان حكم الجمعة في حقّه. و هو ممنوع.
ثم قال: لو جاء مسبوق آخر و اقتدى بهذا المسبوق، و قلنا: إنّ المحسوب له ركعة من الظهر، فيحسب للمقتدي به ركعة من الجمعة، لأنّه في حق المأمومين يتنزّل منزلة إمامه(1).
و: لو لم يستنب الإمام أو مات أو أغمي عليه،
فإن كان بعد ركعة استناب المأمومون و قدّموا من يتمّ بهم الصلاة، و للواحد منهم أن يتقدّم، بل هو أولى، لأنّ الإمام قد خرج و المأمومون في الصلاة. و به قال الشافعي(2).
و فيه إشكال ينشأ من اشتراط الإمام أو إذنه عندنا، و من كونها جمعة انعقدت صحيحة، فيجب إكمالها.
و الإذن شرط في الابتداء لا في الإكمال. فإن قلنا بالأول احتمل أن يتمّوها جمعة فرادى كما لو ماتوا إلاّ واحدا، و أن يتمّوها ظهرا، لعدم الشرط و هو الجماعة مع التعدّد.
و إن كان في الأولى قبل الركوع، احتمل إتمامها ظهرا، إذ لم يدرك أحد منهم ركعة، فلم يدركوا الصلاة، و جمعة، لانعقادها صحيحة، فتكمل كما لو بقي الإمام. و كلا الوجهين للشافعي(3).
ز: لا فرق في جواز الاستخلاف بين أن يحدث الإمام عمدا أو سهوا
- و به قال الشافعي(4) - لما بيّنّا من أنّ بطلان صلاة الإمام لا يقتضي بطلان صلاة المأموم.4.
ص: 32
و قال أبو حنيفة: إن تعمّد بطلت صلاتهم كلّهم(1).
ح: الأقرب وجوب اتّحاد الإمام و الخطيب إلاّ لعذر،
كالحدث و شبهه، لأنّ العادة قاضية بأنّ المتولّي لهما واحد من زمن النبي صلّى اللّه عليه و آله إلى الآن.
و يحتمل عدمه، لجواز تعدّد الأئمة في صلب الصلاة في المحدث فجاز في غيره.
ط: لو استناب لم يجب على المأمومين استئناف نية القدوة،
لأنّه خليفة الأول، و الغرض من الاستخلاف تنزيل الخليفة منزلة الأول و إدامة الجماعة.
و هو أحد وجهي الشافعية(2).
و فيه إشكال ينشأ من وجوب تعين الإمام فيجب استئناف نية القدوة.
و في الآخر: يشترط، لأنّهم انفردوا بخروج الإمام من الصلاة(3).
و كذا لو لم يستنب الإمام و قدّم المأمومون إماما.
ي: لو مات الإمام فاستناب المأمومون، لم تبطل صلاة المتلبّس
و أتمّ جمعة، أمّا غيره فيصلّي الظهر، و يحتمل الدخول معهم، لأنّها جمعة مشروعة.
لأنّ تسميتها جمعة من الاجتماع المستلزم للتكثير، و لأنّ الإمام شرط و لا يتحقّق مسمّاه إلاّ بالمأموم.
ص: 33
و اختلفوا في أقلّ عدد تجب معه الجمعة، فقال بعض علمائنا: أقلّه خمسة نفر الإمام أحدهم، لأنّ الخطاب متوجّه بصيغة الجمع، و أقلّ عدد يحتمله حقيقة الثلاثة، و إنّما أوجب عند النداء الحاصل من الغير فيثبت رابع، و إنّما يجب السعي عند النداء مع حصول الشرائط التي من جملتها الإمام فيجب الخامس(1).
و لأنّها إنّما تجب على المقيمين، و الاستيطان مع الاجتماع مظنّة التنازع، فلا بدّ من حاكم يفصل بين المتنازعين فوجب الثالث.
ثم لمّا كانت الحوادث و العوائق تعتور الإنسان وجب أن يكون للحاكم نائب يقوم مقامه لو عرض له حادث يمنعه عن فصل المتنازعين فوجب الرابع.
ثم لمّا كان الاجتماع مظنة التنازع المفضي إلى الافتراء احتيج إلى من يستوفي الحدود بإذن الحاكم مباشرة فوجب الخامس.
فثبت أنّ الأمور الضرورية لا بدّ فيها من حصول خمسة نفر.
و لقول الباقر عليه السلام: «لا تكون الخطبة و الجمعة و صلاة ركعتين على أقلّ من خمسة رهط: الإمام و أربعة»(2).
و قال الصادق عليه السلام: «يجمّع القوم يوم الجمعة إذا كانوا خمسة فما زادوا، فإن كانوا أقلّ من خمسة فلا جمعة»(3).
و قال الشيخ: سبعة نفر، أحدهم: الإمام(4) ، لافتقار الاستيطان إلى متنازعين و شاهدين، و حاكم، و نائبه، و مستوفي الحدود.
و لقول الباقر عليه السلام: «تجب الجمعة على سبعة و لا تجب على1.
ص: 34
أقلّ منهم»(1).
و حمل ما تقدّم من الروايتين على استحبابها للخمسة(2).
و لا ضرورة إلى الشاهدين، و الرواية ليست ناصّة على المطلوب، لأنّ أقلّ من السبعة قد يكون أقلّ من الخمسة، فيحمل عليه جمعا بين الأدلّة، و لأنّ روايتنا أكثر رواة و أقرب إلى مطابقة القرآن، و لأنّ الخيار مع الخمسة يستلزم الوجوب، لقوله تعالى فَاسْعَوْا (3).
و قال الشافعي: لا تنعقد بأقلّ من أربعين رجلا على الشرائط الآتية، و هل الإمام أحدهم ؟ وجهان - و به قال عمر بن عبد العزيز و مالك و أحمد - لقول جابر بن عبد اللّه: مضت السنّة أنّ في كلّ أربعين فما فوقها جمعة(4). و قول الصحابي: مضت السنّة، كقوله: قال النبي صلّى اللّه عليه و آله(5).
و تعليق الحكم على العدد لا يقتضي نفيه عمّا هو أقلّ أو أكثر.
و نمنع مساواة (مضت السنّة) لقوله: قال النبي صلّى اللّه عليه و آله.
و قال أحمد في رواية: لا تنعقد إلاّ بخمسين، لقوله عليه السلام:
(تجب الجمعة على خمسين رجلا)(6).
و دلالة المفهوم ضعيفة.3.
ص: 35
و قال أبو حنيفة و الثوري و محمد: تنعقد بأربعة، أحدهم: الإمام، لأنّ الأربعة عدد يزيد على أقلّ الجمع المطلق، فجاز عقد الجمعة به كالأربعين(1).
و نمنع العلّية.
و قال الأوزاعي و أبو يوسف: تنعقد بثلاثة، لعموم الأمر(2).
و قد بيّنّا خصوصه.
و قال ربيعة: تنعقد باثني عشر رجلا، لأنّ النّبي صلّى اللّه عليه و آله كتب إلى مصعب بن عمير قبل الهجرة، و كان مصعب بالمدينة، فأمره أن يصلّي الجمعة بعد الزوال ركعتين، و أن يخطب قبلها، فجمّع مصعب في بيت سعد ابن خيثمة باثني عشر رجلا(3).
و هو حجّة على الشافعي لا علينا.
و قال الحسن بن صالح بن حيّ: تنعقد باثنين، لأنّ كلّ عدد انعقدت به الجماعة انعقدت به الجمعة كالأربعين(4).
و هو غلط، لأنّ الأمر بصيغة الجمع فلا يتناول الاثنين.
الأول: أن يكونوا ذكورا إجماعا، فلا تنعقد بالنساء، و لا بالرجال إذا تكمّل العدد بامرأة، و لا خنثى مشكل، و تنعقد بالخنثى الملحق بالرجال.
الثاني: يشترط: أن يكونوا مكلّفين، فلا تنعقد بالصبي و إن كان مميزا،
ص: 36
و لا بالمجنون و إن كان يعتوره، إلاّ أن يكون حال الإقامة مفيقا.
الثالث: هل يشترط الحرية ؟ للشيخ قولان:
الاشتراط، فلا تنعقد بالعبد قنّا كان أو مدبّرا أو مكاتبا أو أمّ ولد - و هو قول الشافعي و أحمد(1) لأن الجمعة إنّما تصح منه تبعا لغيره، فلو انعقدت به صار التبع متبوعا، و لأنه لو انعقدت به، لانعقدت بجماعتهم منفردين كالأحرار(2).
و الثاني: عدمه - و به قال أبو حنيفة(3) - لأنّه رجل تصح منه الجمعة فانعقدت به كالحر(4).
الرابع: و هل يشترط الحضر؟ قولان للشيخ: الاشتراط(5) - و به قال الشافعي(6) - فلا تنعقد بالمسافر، لما تقدّم في العبد. و عدمه(7) - و به قال أبو حنيفة(8) - لما تقدّم.
الخامس: لا يشترط الصحة، و لا زوال الموانع من المطر و الخوف، فلو حضر المريض أو المحبوس بعذر المطر أو الخوف وجبت عليهم، و انعقدت2.
ص: 37
به إجماعا - إلاّ في قول بعيد للشافعي: إنّها لا تنعقد بالمريض كالمسافر(1) - لأنّ سقوطها عنهم لمشقّة السعي، فإذا تكلّفوه، زالت المشقة، فزال مانع الوجوب و الانعقاد به، فيثبتان.
السادس: لا يشترط مغايرة الإمام للعدد، و قد تقدّم(2). و للشافعي قولان(3).
السابع: يشترط الإسلام، لعدم انعقادها بالكافر إجماعا، و لا تشترط العدالة، فتنعقد بالفاسق إجماعا.
الثامن: يشترط عدم العلم بحدث أحدهم، فلو أحدث أحدهم مع العلم به و العدد يتمّ به، لم تنعقد به ما لم يتطهّر، و لو لم يعلم صحّت الجمعة للمتطهّرين.
و كذا لو ظهر حدث أحدهم و كان جاهلا به، كما لو وجد بعد الجمعة جنابة على ثوبه المختص به، فإنّ الجمعة قد صحّت لغيره، و يقضي هو الظهر.
من تجب عليه و تنعقد به و هو: الذكر، الحرّ، البالغ، العاقل، الصحيح، السليم من العمى و العرج و الشيخوخة التي لا حراك معها، الحاضر أو من هو بحكمه.
و من لا تجب عليه و لا تنعقد به و هو: الصبي و المجنون و العبد و المسافر و المرأة. لكن يجوز لهم فعلها، إلاّ المجنون.
ص: 38
و من تنعقد به و لا تجب عليه و هو: المريض و الأعمى و الأعرج و من كان على رأس أكثر من فرسخين.
و من تجب عليه و لا تنعقد به و هو: الكافر، لأنّه مخاطب بالفروع عندنا.
و مختلف فيه و هو: من كان مقيما في بلد من طلاّب العلم و التجّار و لمّا يستوطنه، بل متى قضى وطره خرج، فإنّها تجب عليه و تنعقد به عندنا، و عندهم خلاف(1).
فلو انعقدت بهم ثم انفضّوا أو ماتوا - إلاّ الإمام بعد الإحرام - لم تبطل الجمعة، بل يتمّها جمعة ركعتين.
و حكى المزني عن الشافعي خمسة أقوال:
أحدها: هذا - و به قال أبو يوسف و محمّد(2) - لأنّها انعقدت فوجب الإتمام، لتحقّق شرط الوجوب. و اشتراط الاستدامة منفي(3) بالأصل، و لا يلزم من اشتراط الابتداء بشيء اشتراط استدامته به، كعدم الماء في حق المتيمم.
الثاني - و هو الأصح عندهم -: أنّ العدد شرط في الاستدامة، كما في الابتداء، فلو نقص واحد قبل التسليم بطلت جمعة و يتمّها ظهرا - و به قال أحمد(4) - لأنه شرط في الجمعة يختص بها، يعتبر في ابتدائها فيعتبر في استدامتها كالوقت.
ص: 39
و الأصل ممنوع على ما تقدّم.
الثالث: إن بقي معه اثنان أتمّها جمعة، لأنّه بقي عدد تنعقد به الجماعة و اختلف في انعقاد الجمعة به، فلم يبطلها بعد انعقادها.
الرابع: إن بقي معه واحد أتمّها جمعة، لذلك أيضا.
الخامس: إن انفضّوا بعد ما صلّوا ركعة بسجدتيها أتمّها جمعة. و اختاره المزني - و هو قول مالك(1) - لقوله عليه السلام: (من أدرك ركعة من الجمعة فليضف إليها أخرى)(2).
و لا بأس بهذا القول عندي.
و قال أبو حنيفة: إن انفضّوا بعد ما صلّى ركعة بسجدة واحدة أتمّها جمعة و إلاّ فلا، لأنّه أدرك معظم الركعة من الجمعة فاحتسبت له الجمعة، كالمسبوق يدرك الركوع(3).
و ينتقض بمن أدرك القيام و القراءة و الركوع، فإنّه يدرك معظمها و لا يتمّ جمعة.
أ: لا اعتبار بانفضاض الزائد على العدد
مع بقاء العدد إجماعا.
ب: لو انعقدت بالعدد فحضر مساويه
و أدركوا ركوع الثانية ثم انفضّ الأولون صحّت الجمعة و إن فاتهم أول الصلاة، لأنّ العقد و العدد موجود فكان له الإتمام.
ص: 40
ج: الأقرب أنّ الإمام
كغيره.
د: لو انفضّوا قبل الإتيان بأركان الخطبة و سكت ثم عادوا، أتمّ الخطبة
سواء طال الفصل أو لا، لحصول مسمّى الخطبة، و ليس لها حرمة الصلاة.
و لأنّه لا يؤمن الانفضاض بعد إعادتها، و هو قول أبي إسحاق(1).
و نمنع اشتراط الموالاة.
و قال الشافعي: أن طال استأنف الخطبة، و إلاّ فلا.
و عنه: أنّه مع طول الفصل يصلّي أربعا إن لم يعد الخطبة، لبطلانها، و لا يأمن الانفضاض في الإعادة و الصلاة فيصلّي ظهرا(2).
ه: لو انفضّوا بعد الخطبة و هناك غيرهم، فالوجه إعادة الخطبة،
و يصلّي جمعة - و هو أحد قولي الشافعي(3) - لأنّه متمكّن من الجمعة بشرائطها.
و له قول: إنه يصلّي ظهرا(4).
و: لو اشترطنا الركعة فانفضّوا قبل إكمالها، احتمل العدول إلى الظهر،
لأنّها صلاة انعقدت صحيحة، فيجوز العدول، كذاكر الفائتة، و الذي قد زوحم، و الاستئناف، لبطلان ما عقدها له.
ز: لو انفضّ العدد قبل التلبّس و لو بعد الخطبتين، سقطت
إن لم يعودوا في الوقت، و لو انفضّوا في أثناء الخطبة، أعادها بعد عودهم إن لم يسمعوا الواجب منها أوّلا، و إن سمعوا الواجب أجزأ.2.
ص: 41
فلا تصح فرادى، و عليه إجماع العلماء كافة، لأنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله صلاّها كذلك، و قال:
(صلّوا كما رأيتموني أصلّي)(1).
و لأن تسميتها جمعة من الاجتماع، فلا تتحقّق من دونه.
و لما رواه زرارة قال: «فرض اللّه من الجمعة إلى الجمعة خمسا و ثلاثين صلاة، واحدة فرضها اللّه في جماعة و هي الجمعة»(2).
و هي شرط في الابتداء لا في الاستدامة، فلو ابتدأ منفردا ثم ائتمّ به في الأثناء لم تنعقد.
و لو ابتدأ إماما ثم انفضّ العدد بعد التحريم، لم تبطل على ما تقدّم.
إن كان الإمام راكعا، و يدرك الجمعة لو أدركه راكعا في الثانية، ثم يتم بعد فراغ الإمام - و به قال الشافعي و الثوري و أحمد و إسحاق و أبو ثور و زفر و محمد، و هو مروي عن ابن مسعود و ابن عمر و أنس، و من التابعين: سعيد بن المسيب و الحسن و الشعبي و النخعي و الزهري(3) - لقوله عليه السلام: (من أدرك من الجمعة ركعة فليضف إليها أخرى، و من أدرك دونها صلاّها أربعا)(4).
ص: 42
و من طريق الخاصة: رواية المفضّل بن عبد الملك عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «إذا أدرك الرجل ركعة فقد أدرك الجمعة و إن فاتته فليصلّ أربعا»(1).
و قال أبو حنيفة و أبو يوسف و الحكم و حمّاد: أيّ قدر أدرك من صلاة الإمام أدرك به الجمعة و لو سجود السهو بعد التسليم، لأنّ سجود السهو يعيده إلى حكم الصلاة(2) ، لقوله عليه السلام: (ما أدركتم فصلّوا و ما فاتكم فاقضوا)(3).
و لأنّ من لزمه أن يبني على صلاة الإمام إذا أدرك منها ركعة لزمه و إن أدرك دون ذلك، كالمسافر إذا أدرك المقيم.
و الرواية نقول بموجبها، و نمنع الإدراك بعد فوات الركوع، و الفرق مع المسافر ظاهر، فإنّ إدراكه إدراك إيجاب و التزام لتمام العدد، و هنا إدراكه يسقط به فرض العدد فاختلفا.
أ: لا يشترط إدراك الخطبة،
لأنّ إدراك الاولى ليس بشرط، فالخطبة أولى.
و لقول الصادق عليه السلام فيمن لم يدرك الخطبة يوم الجمعة، فقال:
«يصلّي ركعتين، فإن فاتته الصلاة فلم يدركها فليصلّ أربعا»(4).
و هو قول جمهور العلماء.
ص: 43
و قال عطاء و طاوس و مجاهد و مكحول: يدرك الجمعة بإدراك الخطبتين، فمن فاتته الخطبتان فاتته الجمعة و إن أدرك الصلاة(1).
ب - المشهور أنه يدرك الركعة بإدراك الإمام راكعا
و إن لم يدرك تكبيرة الركوع بل يدرك الركعة لو اجتمع مع الإمام في جزء منه - و به قال الشافعي(2) - لقول الصادق عليه السلام: «إذا أدركت الإمام و قد ركع فكبّرت و ركعت قبل أن يرفع رأسه فقد أدركت الركعة، و إن رفع الإمام رأسه قبل أن تركع فقد فاتتك»(3).
و قال الشيخ: إن أدرك تكبيرة الركوع أدرك الركعة و إلاّ فلا(4) ، لقول الباقر عليه السلام لمحمد بن مسلم: «إن لم تدرك القوم قبل أن يكبّر الإمام للركعة فلا تدخل معهم في تلك الركعة»(5).
و هو محمول على ما إذا خاف فوت الركوع، إذ الغالب أنّ من لم يدرك تكبيرة الركوع إذا دخل المسجد فاتته الركعة، لافتقاره إلى قطع المسافة بينه و بين القوم، و النية، و تكبيرة الإحرام.
و تكبير الركوع ليس واجبا فلا يفوت الاقتداء بفواته.
و قول الشيخ ليس بعيدا من الصواب، لفوات واجب الركوع فيكون الباقي مستحبا، فلا تحصل الركعة بالمتابعة فيه، لفوات الركوع الواجب.
ج: لو ذكر ترك سجدة ناسيا و لم يعلم أ هي من التي أدركها مع الإمام، أو الثانية ؟ فإنّه يقضي السجدة،
و يسجد سجدتي السهو إن كان بعد التسليم،6.
ص: 44
و إن كان قبله، فالأقرب فعلها قبل التسليم و إعادة التشهد، لأنّه شاك في الأولى بعد فواتها فلا يلتفت.
و لأنّه مأموم فلا عبرة بشكّه فتتعيّن الأخرى.
و تحتمل المساواة للأولى، فيسلّم ثم يقضي السجدة، و يسجد سجدتي السهو. و على كلا التقديرين يدرك الجمعة.
و قال الشافعي: يأخذ بأسوإ الحالين، و هو: نسيانها من الاولى، فيتمّ الثانية، و يحصل له من الركعتين ركعة، و لا يدرك الجمعة، لاحتمال أن تكون من الاولى فلم يدرك مع الإمام ركعة كاملة، فيتمّها ظهرا(1). و قد سبق البحث فيه.
د: لو كبّر للإحرام و الإمام راكع، ثم رفع الإمام قبل ركوعه أو بعده قبل الذكر، فقد فاتته تلك الركعة.
و لو شك هل كان الإمام راكعا أو رافعا؟ رجّحنا الاحتياط على الاستصحاب.
ه: لو أدرك مع الإمام ركعة فلمّا جلس مع الإمام ذكر أنه ترك فيها سجدة فإنه يسجد
و قد أدرك الركعة عندنا - و هو أصح وجهي الشافعي(2) - لأنه أتى بالركعة مع الإمام إلاّ أنه أتى بالسجدة في حكم متابعته، فلم يمنع ذلك من إدراكها، و كذا لو ذكرها بعد تسليم الإمام عندنا.
و قال الشافعي: يتمها ظهرا(3).
و الأصل في ذلك: أنّ فوات السجدة مع الإمام هل يقتضي فوات الركعة معه أم لا؟.
و: لو قام الإمام إلى الثالثة سهوا فأدركه في الثالثة فصلاّها معه،
لم يكن4.
ص: 45
مدركا للجمعة إجماعا، لأنّها ليست من صلاة الجمعة بل خطأ.
(و لو ذكر الإمام ترك سجدة)(1) لا يعلم موضعها فكذلك عندنا.
و قال الشافعي: تمّت صلاته، لأنّها إن كانت من الأولى فقد تمّت بالثانية، و كانت الثالثة ثانيته، و إن تركها من الثانية تمّت بالثالثة. و لا تتم جمعة المأموم، لجواز أن تكون من الثانية فتتم بالثالثة فلم تكن الثالثة من أصل الجمعة، لأنّ المحسوب منها للإمام سجدة واحدة(2).
و يجيء قول الشافعي على من يختار من علمائنا التلفيق لو كان الترك لسجدتين من ركعة.
و لو ذكر الإمام أنّها من الأوّلة، أدرك المأموم الجمعة، لأن الأولى تمّت بالثانية فكانت الثالثة ثانيته و قد أدركها المأموم.
ز: لو ترك الإمام سجدة من الأولى سهوا و قام إلى الثانية فاقتدى به و صلّى معه ركعة، فإن جلس الإمام للتشهّد و سلّم، صحّت صلاته و صلاة المأموم،
و يسجد الإمام المنسيّة، و يسجد لها سجدتي السهو.
و قال الشافعي: تبطل صلاة الإمام، لتركه ركعة، فإنّه لا يحتسب له من الركعة إلاّ سجدة، و يحتسب للمسبوق ركعة من الظهر و لا يجعل بها مدركا للجمعة، لأنّ المحسوب للإمام منها سجدة.
فإن قام الإمام إلى الثالثة سهوا قبل جلوسه فهي ثانيته، لأنّ المحسوب له من الركعتين ركعة فقد أدرك مع الإمام ركعة من الجمعة و قد صلّى قبل ذلك ركعة صحيحة فيتمّ له بهما صلاة الجمعة.
و هذه المسألة عكس مسائل الجمعة، لأنّه رتّب الجمعة على ركعة4.
ص: 46
وقعت محسوبة من الظهر، و جعلها من الجمعة، و الظهر أبدا تبنى على الجمعة إذا عرض ما يمنع تمامها(1). و قد بيّنا مذهبنا فيما تقدّم.
إن تمّ العدد به، إذ ليس من أهل التكليف بالجمعة، فلا يتعلّق وجوب غيره به، و إن تمّ بغيره ففي جواز الاقتداء به وجهان: لنقص صلاته، و جواز اقتداء المفترض بالمتنفّل. و كلاهما للشافعي(2).
و لو بان محدثا أو جنبا، صحّت جمعة المأمومين، سواء تمّ العدد به أو لا.
و قال الشافعي: إن تمّ به فلا جمعة، و إن تمّ دونه فقولان: أصحّهما عنده: ما قلناه كسائر الصلوات. و الثاني: أنه لا جمعة، لأنّ الجماعة شرط فيها، و الجماعة تقوم بالإمام(3).
على ظهر غيره أو رأسه أو رجله عند علمائنا أجمع - و به قال مالك و عطاء و الزهري(4) - بل ينتظر حتى يقدر على السجود على الأرض، لقوله عليه السلام: (و مكّن جبهتك من الأرض)(5).
و قال مجاهد و أبو حنيفة و الشافعي و الثوري و أحمد و إسحاق و أبو ثور:
يسجد على ظهر غيره أو رأسه أو رجله، و يجزئه ذلك إن تمكّن، و إلاّ صبر، لأنّ عمر بن الخطاب قال: إذا اشتدّ الزحام فليسجد أحدكم على ظهر أخيه.
ص: 47
و لأنّ أكثر ما فيه أنه يسجد على نشز(1) من الأرض(2).
و فعل عمر ليس حجّة، و السجود إنّما يصح على الأرض أو ما أنبتته، و لما فيه من ترك حرمة المسلم.
و قال الحسن البصري: هو مخيّر بين أن يسجد و بين أن ينتظر زوال الزحمة، فبسجوده يخلّ بكمال السجود و يتابع الإمام، و بتأخيره يأتي بكمال السجود و يخلّ بالمتابعة، فاستوت الحالان(3).
و ينتقض: بصلاة المريض حيث لا يؤمر بالتأخير للتكميل.
و إن كان الإمام قائما، للحاجة و الضرورة.
و لأنّ مثله وقع في صلاة عسفان، حيث صلّى النبي عليه السلام و كان العدوّ تجاه القبلة، فسجد و بقي صف لم يسجد معه، فلمّا قام إلى الثانية سجدوا(4). و المشترك الحاجة.
و ليس له أن يركع مع الإمام قبل قضاء السجدتين، لئلاّ يزيد ركنا.
إذا عرفت هذا، فإنه يستحب للإمام تطويل القراءة ليلحق به، فإن فرغ و الإمام قائم ركع معه، و إن كان الإمام راكعا انتصب ثم لحقه في الركوع، و لا يجوز له المتابعة في الركوع قبل الانتصاب، لما فيه من الإخلال بواجب.
و لا يشتغل بالقراءة عندنا، لسقوطها عن المأموم.
ص: 48
و للشافعي وجهان: هذا أصحّهما، لأنّ القراءة سقطت عنه حيث لم يدركها مع الإمام، لأنّ فرضه الاشتغال بقضاء السجود و لم يتابعه في محلّها فهو كالمسبوق. و الآخر: يقضي القراءة، لأنّه أدرك محلّها مع الإمام، بخلاف المسبوق(1).
و الأولى ممنوعة.
و على الأول يلحق الجمعة، و على الثاني يقرأ ما لم يخف فوت الركوع، فإن خاف فهل يتمّ أو يركع ؟ قولان.
و إن زال الزحام و الإمام قد رفع رأسه من الركوع الثانية - و لا فرق حينئذ بين أن يكون الإمام قائما أو ساجدا - فإنه يتبعه و يسجد السجدتين، و ينوي بهما الاولى، فتحصل له ركعة ملفّقة، و لا يشتغل بقضاء ما عليه، و يدرك بها الجمعة - و به قال الشافعي في أصحّ الوجهين(2) - لقول الصادق عليه السلام و قد سأله حفص بن غياث عن رجل أدرك الجمعة و قد ازدحم الناس فدخل مع الإمام و ركع و لم يقدر على السجود، ثم قام و ركع الإمام و لم يقدر على الركوع في الثانية، و قدر على السجود كيف يصنع ؟ قال الصادق عليه السلام: «أمّا الركعة الأولى فهي إلى الركوع تامة، فلمّا سجد في الثانية فإن نوى الركعة الأولى فقد تمّت الأولى، فإذا سلّم الإمام قام فصلّى ركعة يسجد فيها ثم يتشهّد و يسلّم، و إن لم ينو تلك السجدة للركعة الأولى لم تجزئ عنه الاولى، و عليه أن يسجد سجدتين، و ينوي أنّهما للركعة الاولى، و عليه بعد ذلك ركعة تامة»(3).ى.
ص: 49
و قال أبو حنيفة: لا يتبعه، و يشتغل بقضاء ما عليه بناء على أنّ المأموم لا يخالف الإمام في صفة الفعل، فما كان أول صلاة الإمام كان أول صلاة المأموم، و ما كان آخر صلاة الإمام كان آخر صلاة المأموم(1). و سيأتي.
إذا عرفت هذا، فقد بيّنّا أنه يلحق الجمعة، لأنه أدرك ركعة منها.
و للشافعي وجهان: أصحّهما: هذا، لقوله عليه السلام: (من أدرك ركعة من الجمعة فليضف إليها أخرى)(2).
و الثاني: لا يلحقها، لأنّ إدراكها بركعة تامة و هذه ملفّقة(3).
و ليس بجيّد، فإنّ المسبوق يدرك الثانية للإمام و هي أولى له، فاحتساب بعض الثانية عن الأولى أولى.
إذا عرفت هذا، فإنّه لا بدّ و أن ينوي بهاتين السجدتين أنّهما للأولى، و لا يكفيه استصحاب النية - كما هو ظاهر قول ابن إدريس(4) - لأنّ صلاته تابعة لصلاة الإمام و قد نوى الإمام بهاتين أنّهما للثانية، فلا بدّ و أن ينفرد بنية أخرى أنّهما للأولى، لئلاّ يلحقه حكم الإمام.
و لو نوى بهما الثانية، بطلت صلاته، قاله الشيخ في النهاية(5) ، لأنّ الأولى لم تكمل و قد شرع في الثانية بسجدتين قبل قراءة و ركوع، و الزيادة و النقصان للأركان مبطلان.
و قال في المبسوط: يحذفهما و يأتي بسجدتين أخريين ينوي بهما7.
ص: 50
الاولى، و يكمل له ركعة، و يتمّها بأخرى(1) ، لحديث حفص بن غياث(2).
و هو ضعيف.
و إن زال الزحام و الإمام راكع في الثانية، فإنّ المأموم يشتغل بالقضاء، ثم إن لحقه في الركوع انتصب و ركع معه، و إن لم يلحقه إلاّ بعد رفعه منه، فقد فاتته تلك الركعة، فيأتي بأخرى بعد فراغ الإمام، و لا يتابعه في السجدتين لئلاّ يزيد ركنا.
و للشافعي قولان في الاشتغال بالقضاء لو أدركه راكعا.
أحدهما: القضاء و لا يتابعه - و به قال أبو حنيفة(3) - لأنه قد شارك الإمام في الركوع الأول فيشتغل بعده بالسجود كما لو زال الزحام و الإمام قائم.
و الثاني: المتابعة - و به قال مالك(4) - لقوله عليه السلام: (إنما جعل الإمام ليؤتم به فإذا ركع فاركعوا)(5) و هذا إمامه راكع(6).
و ليس بجيّد، لما فيه من الزيادة المبطلة، و تمام الحديث: (فإذا سجد فاسجدوا) و كما أمر بالركوع أمر بالسجود و الإمام قد يسجد قبل الركوع للأولى، فيتابعه المأموم في ذلك.
و للشافعي قولان على تقدير وجوب المتابعة في الركوع لو تابعه:2.
ص: 51
احتساب الركوع الثاني، لأنّه أدرك إمامه فيه، فهو كالمسبوق، فيدرك الجمعة، لإدراك ركعة تامة.
و الأول، لصحته، و لا يبطل بترك ما بعده، كما لو نسي سجدة من الأولى، فإنّها تتمّ بالثانية عنده، ففي إدراك الجمعة من حيث إنّها ملفّقة وجهان(1).
و لو لم يتابعه و اشتغل بالسجود - على تقدير وجوب المتابعة - فإن اعتقد أنّ فرضه السجود، لم تبطل صلاته بالسجود، لأنه بمنزلة الناسي، و لم يعتدّ به، لأنّه أتى به في غير موضعه.
ثم إن فرغ و الإمام راكع، تبعه، كما لو اتّبعه في الركوع ابتداء، و إن فرغ و الإمام رافع أو ساجد، فإنه يتبعه، و يعتدّ بما فعله من السجود، و يحصل له ركعة ملفّقة، و في إدراك الجمعة حينئذ وجهان.
و إن فرغ من سجوده و الإمام جالس في التشهّد، تبعه، فإذا سلّم قضى السجود، و لا يكون مدركا لركعة مع الإمام، و إنّما أدرك القيام و القراءة و الركوع، و هل يبني الظهر على ذلك أو يبتدئها؟ قولان(2).
و إن اعتقد أنّ فرضه الاتّباع، فخالف عامدا، فإن لم ينو مفارقة الإمام، بطلت صلاته، لأنّه زاد عمدا عملا كثيرا.
ثم إن كان الإمام في الركوع، أحرم بالصلاة و تبعه و يدرك الركعة و يدرك بها الجمعة، و إن وجده رافعا من الركوع، أحرم و اتّبعه، و بنى على ذلك الظهر وجها واحدا، لأنّه أحرم بعد فوات الجمعة.
و إن نوى مفارقة الإمام، فإن قلنا المفارقة لغير عذر مبطلة، فكما تقدّم، و إن لم تبطل فما أدرك ركعة بل بعضها، و هل يستأنف ؟ إن قلنا في غير2.
ص: 52
المعذور ببطلان صلاته لو صلّى الظهر قبل فوات الجمعة استأنف، و إلاّ أتم ظهرا.
و على تقدير وجوب الاشتغال بالقضاء فإن اشتغل تمّت له الاولى مع الإمام.
ثم إن كان الإمام راكعا تبعه و حصلت له الجمعة كاملة، و إن أدركه ساجدا أو جالسا فهل يتبعه أو يشتغل بقضاء ما فاته من القراءة و الركوع ؟ من أصحابه من قال: يشتغل بالقضاء، لأنّ بهذا القول ألزمناه الاشتغال بالقضاء.
و منهم من قال: يتبع الإمام لأنّ هذه الركعة لم يدرك منها شيئا بخلاف الأولى فإنّه أدرك أكثرها(1).
و الأخير عندهم أصح فقد أدرك ركعة بعضها فعله مع الإمام و بعضها فعله في حكم إمامته و هو السجود، ففي إدراك الجمعة بذلك وجهان(2).
و على تقدير عدم الإدراك ففي البناء للظهر على ذلك أو الاستئناف قولان.
فإن فرغ من السجود بعد تسليم الإمام لم يدرك ركعة مع الإمام، لأنّ المفعول بعد التسليم لا يكون في حكم صلاته فلا يكون مدركا للجمعة وجها واحدا، و هل يبني عليها الظهر أو يستأنف ؟ قولان.
و إن خالف و اتّبع الإمام في الركوع على تقدير وجوب الاشتغال بالقضاء فإن اعتقد أنّ فرضه المتابعة لم تبطل صلاته، لأنه كالناسي، و لم يعتد بالركوع لأنّه أتى به في غير موضعه، فإذا سجد تمّت الأولى و كانت ملفّقة.
و إن اعتقد انّ فرضه القضاء، بطلت صلاته، فيبتدئ الإحرام مع الإمام إن كان راكعا، و يدرك ركعة تامة يدرك بها الجمعة، و إن أدركه رافعا من1.
ص: 53
الركوع، أحرم معه و كانت ظهرا(1). و قد بيّنا مذهبنا في ذلك.
أ: لو زوحم عن سجود الاولى
فقضاه قبل ركوع الإمام في الثانية ثم ركع مع الإمام فزوحم عن السجود فقضاه بعد جلوس الإمام للتشهّد، تبع الإمام في التشهّد، و تمّت جمعته - خلافا لبعض الشافعية(2) - لأنّه أدرك جميع الصلاة، بعضها فعلا و بعضها حكا، فثبت له حكم الجماعة.
ب: لو أدرك الإمام راكعا في الثانية فأحرم و ركع معه ثم زوحم عن السجدتين
ثم قضاه حال تشهّد الإمام، فالأقرب إدراك الجمعة - و للشافعية وجهان(3) - فيتابع الإمام في التشهّد، و يسلّم. و لو لم يزل الزحام حتى سلّم الإمام، فاتت الجمعة.
ج: لو أحرم مع الإمام فزوحم عن الركوع فزال الزحام و الإمام راكع في الثانية، فإنّه يركع معه،
و تحصل له ركعة، و يكون مدركا للجمعة، لأنّه لو أدرك الركوع في الثانية، كان مدركا للجمعة، فما زاد على ذلك من الركعة الأوّلة لا يمنعه من إدراك الجمعة، و هو قول بعض الشافعية.
و قال آخرون: يحتمل أن تكون ملفّقة، ففي الإدراك وجهان(4).
د: لو زوحم عن الركوع و السجود في الأولى، صبر حتى يتمكّن منهما ثم يلتحق،
و هي رواية عبد الرحمن بن الحجاج عن الصادق عليه السلام(5).
فإن لحق الإمام راكعا في الثانية، تابعه و أدرك الجمعة.
و لو لحقه رافعا من ركوع الثانية، ففي إدراك الجمعة إشكال ينشأ: من أنّه لم يلحق ركوعا مع الإمام، و من إدراك ركعة تامة في صلاة الإمام حكما.
ص: 54
و لو لم يتمكّن من القضاء حتى ركع الإمام في الثانية فزوحم عن المتابعة حتى سجد الإمام، أتمّها ظهرا.
ه: لو قضى سجدتي الاولى ثم نهض فوجد الإمام رافعا من الركوع، فالأقرب جلوسه
حتى يسجد الإمام و يسلّم، و لا يتابعه فيهما، ثم ينهض إلى الثانية. و له العدول إلى الانفراد، فيستمر على قيامه قاضيا للثانية.
سواء كانتا في مصر واحد أو مصرين فصل بينهما نهر عظيم كدجلة أو لا، عند علمائنا أجمع، لقول الباقر عليه السلام: «لا يكون بين الجمعتين أقلّ من ثلاثة أميال، فإذا كان بين الجماعتين من الجمعة ثلاثة أميال، فلا بأس أن يجمّع هؤلاء و هؤلاء»(1).
و لأنها لو صحّت مع التقارب، لصحّت في كلّ مسجد، مع أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله لم يجمّع إلاّ في مسجد واحد، و كذا الخلفاء بعده، و لم يعطّلوا المساجد، بل كان إقامتها في موضعين أولى من موضع واحد، و مع بعد المسافة يشقّ الإتيان، فلا بدّ من تقدير يرفع المشقة، و القدر الذي يمكن تكلّفه لأكثر الناس فرسخ فكان الاعتبار به.
و لا اعتبار باتّحاد البلد، فقد يكثر عن فرسخ، فتحصل المشقة بالحضور.
و قال الشافعي: لا تقام الجمعة في المصر الواحد إلاّ في موضع واحد
ص: 55
و إن تباعدت أقطاره - و به قال مالك(1) - لأنّ النبي عليه السلام كذا فعل(2).
و نحن نقول بموجبه لأنّ المدينة لم تبلغ أقطارها فرسخا، فلهذا اتّحدت الجمعة.
و قال أبو يوسف: إذا كان للبلد جانبان ليس بينهما جسر، كانا كالبلدين، فجاز أن يقام في كلّ جانب جمعة، و إلاّ فلا.
و عنه: جواز ذلك في بغداد خاصة، لأنّ الحدود تقام فيها في موضعين، و الجمعة حيث تقام الحدود(3).
فلو وجد بلد تقام فيه الحدود في موضعين جاز إقامة الجمعة فيهما بمقتضى قوله. و هو قول ابن المبارك، و إليه ذهب أبو الطيب بن سلمة(4).
و قال محمد: تقام فيه جمعتان سواء كان جانبا واحدا أو أكثر(5) ، لأنّ عليا عليه السلام كان يخرج يصلّي العيد في الجبّان، و يستخلف أبا مسعود البدري يصلّي بضعفة الناس(6) ، و حكم الجبّان حكم البلد، و الجمعة عنده كالعيد.
و يحمل على بعده عليه السلام فرسخا.
و ليس عن أبي حنيفة فيه شيء(7).2.
ص: 56
و قال أحمد: إذا كبر و عظم - كبغداد و البصرة - جاز أن تقام فيه جمعتان و أكثر مع الحاجة، و لا يجوز مع عدمها، فإن حصل الغنى باثنتين لم تجز الثالثة، و كذا ما زاد دفعا للمشقة(1). و هي مشقة يسيرة فلا يكون عذرا.
و قال داود و عطاء: يجوز أن يصلّوا الجمعة في مساجدهم كما يصلّون سائر الصلوات(2) ، لأنّ عمر كتب إلى أبي هريرة بالبحرين أن جمّعوا حيث كنتم(3).
و ليس حجّة، و يحتمل: في أيّ بلد كنتم.
و اعتذر أصحاب الشافعي له - لمّا دخل بغداد و فيها جامع المنصور و جامع المهدي -: بكبره فحصلت المشقة - و هو مصير إلى قول أحمد - أو بأنّها كانت قرى متفرقة فاتّصلت العمارة، أو بأنّها ذات جانبين فصارت كالبلدين - و هو قول أبي يوسف(4) - أو لأنّها اجتهادية و لا يجوز التقليد(5).
فالأقسام خمسة:
أ: أن تسبق إحداهما الأخرى و تعلم السابقة، فهي الصحيحة إن كان الإمام الراتب فيها إجماعا و إن كان في الثانية، فكذلك عندنا، لأنّ السابقة انعقدت صحيحة، لحصول الشرائط و انتفاء الموانع، فلم يتقدّمها ما يفسدها، و لا تفسد بعد صحتها بما بعدها، فلا تفسد بعقد الثانية. و هو أشهر قولي الشافعي.
و الثاني: أنّ الصحيحة التي فيها الإمام، لأنّ الحكم ببطلان جمعة
ص: 57
الإمام تتضمن افتتانا عليه، و تفويتا له الجمعة و لمن يصلّي معه، و يفضي إلى أنه متى شاء أربعون أن يفسدوا صلاة أهل البلد أمكنهم ذلك بأن يجتمعوا في موضع و يسبقوا أهل البلد بفعلها(1).
و لا يرد علينا، لأنّ إمام الأصل لا يتقدّم عليه أحد غيره، و إن كان نائبه، اشترط فيه العدالة، فلا يتأتّى فيه طلب إبطال جمعة غيره.
و لو كانت المسبوقة في الجامع، و الأخرى في مكان صغير لا يسع المصلّين، أو لا تمكنهم الصلاة فيه، لاختصاص السلطان و جنده به، أو غير ذلك، أو كانت إحداهما في قصبة(2) البلد، و الأخرى في أقصاه، بطلت المسبوقة خاصة عند علمائنا - و به قال الشافعي(3) - لما تقدّم.
و قال مالك و أحمد: المسبوقة صحيحة خاصة، لأنّهم أهل القصبة، و لهذه المعاني مزية تقتضي التقدّم فقدّم بها كجمعة الإمام(4).
و نمنع الأصل.
ب: أن تقترنا، فإنّهما تبطلان معا، سواء كان الإمام الراتب في إحداهما أولا - و هو أحد قولي الشافعي(5) - لامتناع صحتهما معا، و اختصاص إحداهما بالفساد، إذ المقتضي للفساد المقارنة و هي ثابتة فيهما معا. و لعدم الأولوية، كما في الولّيين إذا زوّجا من كفوين دفعة.
ثم إن كان الوقت باقيا، وجب عليهم إقامة الجمعة، لأنّهم لم يؤدّوا6.
ص: 58
فرضها، و إلاّ صلّوا الظهر.
ج: لو لم يعلم السبق و عدمه، حكم ببطلانهما معا، و لهم إقامة جمعة واحدة كالأول، لتردّد كلّ واحدة منهما بين الصحة و البطلان، و لو لم يتّسع الزمان أعادوا ظهرا، و به قال الشافعي(1) ، و إليه مال الشيخ(2).
و يحتمل إعادة الظهر و إن اتّسع الزمان، فإنّ الظاهر صحة إحداهما، لأنّ الاقتران نادر جدّا، فيجري مجرى المعدوم.
و لأنّنا شككنا في شرط إقامة الجمعة، و هو: عدم سبق اخرى، فلم تجز إقامتها مع الشك في شرطها، و به قال بعض الجمهور(3).
و الوجه عندي أنهم يعيدون جمعة و ظهرا، لاحتمال الاقتران، فتجب الجمعة، و السبق فتجب الظهر، و يتولّى إمامة الجمعة من غير القبيلين، أو يفترقان بفرسخ.
د: علم سبق إحداهما و لم يعلم عينها.
ه: علم السابق عينا ثم أشكل.
و حكمهما واحد، و هو: وجوب الإعادة عليهما معا، لحصول الشك في كلّ واحدة، و التردّد بين الصحة و البطلان.
و لا تصحّ كلّ واحدة حتى يعلم أنّها السابقة، و يسقط بها الفرض.
فإذا عقدوها و لم يعلموا أنّ غيرها ما سبقها فقد أخلّوا بالشرط، و هو علم ذلك، و هو قول الشافعية(4) ، إلاّ المزني فإنّه قال: لا تجب عليهم الإعادة و تكونان صحيحتين، لأنّ كلّ واحدة منهما عقدت على الصحة، فلا يفسدها1.
ص: 59
الشك(1).
و هو غلط، لأن الشك في الشرط شك في المشروط.
إذا عرفت هذا، فإنّهم في الصورتين يقضون ظهرا، لأنّه بلد صلّي فيه جمعة صحيحة فلا تتعقّبها اخرى، و إنّما أوجبنا الإعادة عليهما، للجهل بالتعيين، و به قال بعض الشافعية(2).
و قال الشيخ: يصلّون جمعة مع اتّساع الوقت(3) - و هو قول بعض الشافعية(4) - لأنّا حكمنا بوجوب الإعادة عليهما، فكأنّ المصر ما صلّيت فيه جمعة صحيحة.
و هو غلط، لأنّ السابقة صحيحة قطعا و لم تفسد و لم يتبيّن(5) لها حكم الصحة، للجهل بعينها.
و هو خطأ، لأدائه إلى المضي في جمعتين صحيحتين، فإنّه قبل الفراغ لا يعلم السبق و يعلم انعقاد جمعة بعد جمعة.
و قال آخرون منهم: بالشروع في الخطبة، لقيامها مقام ركعتين(1).
و ليس بجيّد، إذ الحرمة بالتحريمة تحصل.
و لا يعتد بذلك الإحرام، لأنّه قد ظهر فساده.
و قال بعض الجمهور: يتمّ ظهرا كالمسبوق إذا أدرك أقلّ من ركعة(2).
و الفرق: صحة الإحرام هنا دون الأول.
و هو قول عامة العلماء، لقوله تعالى فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللّهِ (3) و الذكر هو الخطبة(4).
و لأن النبي صلّى اللّه عليه و آله، خطب دائما، و وقع فعله بيانا للواجب، فكان واجبا، و قال عليه السلام: (صلّوا كما رأيتموني أصلّي)(5).
و لم يزل المسلمون يخطبون قبل الصلاة، و لو لم تكن شرطا لجاز تركها في بعض الأوقات.
ص: 61
و لقول الصادق عليه السلام: «لا جمعة إلاّ بخطبة»(1).
و قول الباقر أو الصادق عليهما السلام: «يصلّون أربعا إذا لم يكن من يخطب»(2).
و قال الحسن البصري: لا تجب، لأنّها خطبة مشروعة للصلاة، فلم تكن واجبة كسائر الخطب(3).
و هو خطأ، لأنّ الخطبتين هنا أقيمتا مقام الركعتين، فلم يجز تركهما بخلاف سائر الخطب.
قال عمر: قصرت الصلاة لأجل الخطبة(4).
و قال سعيد بن جبير: جعلت الخطبة مكان الركعتين(5).
و من طريق الخاصة: قول الصادق عليه السلام: «إنّما جعلت ركعتين لمكان الخطبتين»(6).
و خلافه منقرض، و قوله متروك بالإجماع و فعل النبي و أهل بيته عليهم السلام.
- و به قال الشافعي و أحمد في رواية(7) - لأنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله كان يخطب
ص: 62
خطبتين(1).
و لأنهما أقيمتا مقام ركعتين، فالإخلال بإحداهما إخلال بركعة.
و قال مالك و الأوزاعي و إسحاق و أبو ثور و ابن المنذر و أحمد في رواية، و أصحاب الرأي: تجزئه خطبة واحدة(2) ، لأن النبي صلّى اللّه عليه و آله كتب إلى مصعب بن عمير: (أن أجمع من قبلك و ذكّرهم باللّه و ازدلف إليه بركعتين)(3).
و خطب عثمان في أول جمعة، فقال: الحمد للّه، ثم ارتج عليه، فقال: إنكم إلى إمام فعّال أحوج منكم إلى إمام قوّال، و إنّ أبا بكر و عمر كانا يرتادان لهذا المقام مقالا، و ستأتيكم الخطب من بعد، و أستغفر اللّه العظيم لي و لكم، و نزل فصلّى(4).
و تذكير اللّه يحتمل بالخطبتين كما يحتمل بالخطبة، فيبقى دليلنا سالما.
و فعل عثمان ليس حجّة، و لحصول العذر بتعذّر الخطبة، فلا يلزم الترخّص مع زواله.
و يتعيّن «الحمد للّه» عند علمائنا أجمع - و به قال الشافعي و أحمد(5) - لأن النبي صلّى اللّه عليه و آله، داوم على ذلك.
ص: 63
و لقول الصادق عليه السلام: «ينبغي للإمام الذي يخطب الناس أن يخطب و هو قائم يحمد اللّه و يثني عليه»(1).
و لحصول البراءة قطعا معه، بخلاف غيره.
و قال أبو حنيفة: لا تجب الحمد، و لا ذكر معيّن، و لا وعظ، بل يجزئ أن يخطب بتسبيحة واحدة أو تهليلة أو تحميدة أو تكبيرة، فلو صعد المنبر و قال: سبحان اللّه، أجزأه و نزل و صلّى بالناس(2) ، لقوله تعالى فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللّهِ (3) و لم يفرّق.
و لأن رجلا جاء إلى النبي صلّى اللّه عليه و آله، فقال له: علّمني عملا أدخل به الجنة، فقال: (لئن قصّرت الخطبة لقد أعرضت المسألة)(4) فسمّى كلامه خطبة.
و الذكر مجمل بيّنه بفعله عليه السلام، فتجب متابعته. و السؤال ليس بخطبة إجماعا، فسمّاه مجازا.
و قال مالك: لا يجزئه إلاّ ما تسمّيه العرب خطبة - و به قال أبو يوسف و محمد - أيّ كلام كان. و عنه: إن هلّل أو سبّح، أعاد ما لم يصلّ(5).
إذا عرفت هذا، فهل يجزئه لو قال: «الحمد للرحمن - أو - لرب العالمين:؟ إشكال ينشأ من التنصيص على لفظة «اللّه» تعالى، و من المساواة2.
ص: 64
في الاختصاص به تعالى.
لقول الصادق عليه السلام: «و يصلّي على محمّد و آله و على أئمة المسلمين»(1).
و أوجب الشافعي الصلاة على النبي صلّى اللّه عليه و آله(2) ، لقوله تعالى وَ رَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ (3) لا اذكر إلاّ و تذكر معي(4).
و لقوله تعالى إِنَّ اللّهَ وَ مَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَ سَلِّمُوا تَسْلِيماً (5).
و أنكر الباقون ذلك، للأصل.
و تجب فيهما الوصية بتقوى اللّه تعالى، و الوعظ - و به قال الشافعي(6) - لأنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله، قال: (ألا إنّ الدنيا عرض حاضر يأكل منها البرّ و الفاجر، ألا و إنّ الآخرة وعد صادق يحكم فيها ملك قادر)(7).
و قال الصادق عليه السلام: «ثم يوصي بتقوى اللّه»(8) و لم يوجب ذلك
ص: 65
أبو حنيفة و أصحابه(1).
و يجب أن يقرأ في كل منهما سورة خفيفة من القرآن - قاله الشيخ(2) - لقول الصادق عليه السلام: «ثم يقرأ سورة قصيرة من القرآن»(3).
و لأنهما بدل فتجب فيهما القراءة كالمبدل.
و للشافعي في إيجاب مطلق القراءة في كلّ منهما قولان: الوجوب كالمبدل، و في أيّتهما كان، و له ثالث: عدم الوجوب - و به قال أبو حنيفة(4) - للأصل(5). و المشهور: الأول، لأنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله، كان يقرأ فيهما القرآن(6).
و قال صفوان بن يعلى: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، يقرأ على المنبر وَ نادَوْا يا مالِكُ (7)(8).
و قالت أم هاشم: تلقفت سورة «ق» من فيّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، إذا خطب يوم الجمعة على المنبر(9).
إذا عرفت هذا، فقال الشيخ: يجب في كلّ خطبة حمد اللّه و الثناء عليه و الصلاة على النبي و آله عليهم السلام، و الوعظ، و قراءة سورة خفيفة من5.
ص: 66
القرآن(1).
و قال المرتضى رضي اللّه عنه: يحمد اللّه، و يمجّده، و يثني عليه، و يشهد لمحمد بالرسالة، و يوشّح الخطبة بالقرآن، ثم يفتتح الثانية بالحمد و الاستغفار و الصلاة على النبي، و الدعاء لأئمّة المسلمين(2).
و في حديث سماعة عن الصادق عليه السلام: «ينبغي للإمام الذي يخطب الناس أن يخطب و هو قائم يحمد اللّه، و يثني عليه، ثم يوصي بتقوى اللّه، ثم يقرأ سورة قصيرة من القرآن، ثم يجلس، ثم يقوم فيحمد اللّه، و يثني عليه، و يصلّى على محمد و آله، و على أئمّة المسلمين، و يستغفر للمؤمنين و المؤمنات، فإذا فرغ أقام المؤذّن و صلّى بالناس ركعتين»(3).
أمّا الشافعي فأوجب في كلّ منهما الحمد للّه و الصلاة على رسوله عليه السلام، و الوعظ بأيّ لفظ اتّفق، و يكفيه «أطيعوا اللّه» و في الثانية الدعاء للمؤمنين، فلو أتى به في الأولى لم يحتسب عن الثانية. و قراءة آية تتمّ بها الفائدة لا غيرها، كقوله تعالى ثُمَّ نَظَرَ (4) في إحداهما لا بعينها على أقوى الوجوه عنده(5).
أ: كلام المرتضى يقتضي الاكتفاء بمسمّى القرآن في الخطبة الاولى،
و هو أحد وجهي الشافعي(6).
ب: لا يكفي آية فيها وعظ عنهما.
ص: 67
ج: كلام الشيخ يقتضي عدم وجوب الدعاء للمؤمنين،
و هو أحد وجهي الشافعي(1).
و كلام المرتضى يقتضي الاستغفار للمؤمنين.
و أوجب الشافعي - في قول - الدعاء لهم في الثانية(2).
و قال بعض أصحابه: يجب تخصيصه بالحاضرين فيما تعلق بأمور الآخرة(3).
و كلام المرتضى يقتضي وجوب الشهادة بالرسالة في الاولى، و الصلاة عليه في الثانية.
و في وجه للشافعي: وجوب الصلاة عليه في إحداهما(4).
د: لا يكفيه أن يأتي بآيات تشتمل على الأذكار
فإنّه لا يسمّى خطبة في العادة.
ه: لا تصحّ الخطبة إلاّ بالعربية،
لأنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله، دوام على ذلك و قال: (صلّوا كما رأيتموني أصلّي)(5).
و يحتمل غيرها لمن يفهم لو لم يفهم(6) العربية على الأقوى، إذ القصد الوعظ و التخويف، و إنّما يحصل لو فهموا كلامه.
الأول: الوقت. و هو ما بعد الزوال على الأشهر، فلا يجوز تقديمهما
ص: 68
و لا شيء منهما عليه عند أكثر علمائنا(1) - و به قال الشافعي(2) - لأنّ إيجاب السعي مشروط بالنداء الثابت بعد الزوال، و لأنّهما بدل عن الركعتين، فلهما حكم مبدلهما.
و للشيخ قول بجواز إيقاعهما قبل الزوال عند وقوف الشمس بمقدار ما إذا فرغ زالت(3) - و به قال مالك حيث جوّز تقديم الخطبة دون الصلاة(4). و أحمد حيث جوّز تقديم الصلاة أيضا عليه(5) - لأن أنسا قال: كنّا نصلّي مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، الجمعة إذا مالت الشمس(6). و هو دليل جواز إيقاع الخطبة قبل ميلها.
و من طريق الخاصة: قول الصادق عليه السلام: «كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، يخطب في الظل الأول»(7).
و يحتمل إرادة الابتداء بالتأهب للخطبة و الصعود على المنبر، و غيرها من مقدّمات الخطبة.
الثاني: تقديمهما على الصلاة، لأنّهما شرط فيها، و الشرط مقدّم و لأنّ النبي عليه السلام داوم على ذلك، و قال: (صلّوا كما رأيتموني2.
ص: 69
أصلّي)(1).
و لقول الباقر عليه السلام و قد سئل عن خطبة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، قبل الصلاة أو بعد؟ قال: «قبل الصلاة ثم يصلّي»(2).
الثالث: قيام الخطيب حال خطبته عند علمائنا أجمع - و به قال الشافعي(3) - لأن النبي صلّى اللّه عليه و آله، خطب قائما(4) ، فتجب متابعته.
و لقول الصادق عليه السلام: «أول من خطب و هو جالس معاوية، استأذن الناس في ذلك من وجع كان بركبتيه» ثم قال عليه السلام: «الخطبة و هو قائم خطبتان، يجلس بينهما جلسة لا يتكلّم فيها قدر ما يكون فصلا بين الخطبتين»(5).
و لأنّه ذكر مفروض في قيام مشروع، فكان واجبا، كالتكبير و القراءة.
و قال أبو حنيفة و احمد: يجوز الجلوس مع الاختيار - و هو رواية عن مالك، و وجه للشافعية(6) - لأنّه ذكر ليس من شرطه الاستقبال، فلا يجب له القيام كالأذان(7).
و لا يعتبر القيام بالاستقبال، لسقوطه في صلاة الخوف دون القيام،2.
ص: 70
فافترقا.
أ: لو كان له عذر يمنعه عن القيام، جاز أن يخطب جالسا،
و هل تجب الاستنابة ؟ إشكال.
ب: لو عجز عن القعود، اضطجع،
و في وجوب الاستنابة إشكال.
ج: لو خطب جالسا مع القدرة، بطلت صلاته،
لفوات شرط الخطبة، و به قال الشافعي(1) ، و اختاره الشيخ أيضا(2).
أمّا صلاة المأمومين فإن علموا بقدرته و جلوسه، بطلت صلاتهم أيضا، و إن اعتقدوا عجزه، أو لم يعلموا بقعوده أو بصحته، صحّت صلاتهم مطلقا.
و قال الشافعي: إن كان الإمام من جملة العدد، لم تصح الجمعة، و إن كان زائدا عن العدد، صحّت صلاتهم، كما لو كان جنبا و لا يعلمون(3).
و الأصل ممنوع.
و لو علم البعض خاصة، صحّت صلاة الجاهل دونه.
د: يجب في القيام الطمأنينة
كما تجب في المبدل.
ه: الجلوس بين الخطبتين مطمئنّا ليفصل بينهما به،
و هو شرط في الخطبتين، قاله الشيخ(4) رحمه اللّه، و به قال الشافعي(5) ، لأنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله، فصل بينهما بجلسة(6). و فعله واجب.
ص: 71
و قول الصادق عليه السلام: «يخطب و هو قائم ثم يجلس بينهما جلسة لا يتكلّم فيها»(1).
و قال أبو حنيفة و مالك و أحمد: لا تجب الجلسة بل تستحب، عملا بالأصل.(2)
و هو مدفوع بالطارئ.
و لو عجز عن القعود، فصلّ بالسكتة. فإن قدر على الاضطجاع، فإشكال، أقربه: الفصل بالسكتة أيضا. و لو خطب جالسا لعجزه، فصّل بالسكتة أيضا مع احتمال الفصل بالضجعة.
و: الطهارة من الحدث و الخبث شرط في الخطبتين،
قاله الشيخ(3) رحمه اللّه، و هو قول الشافعي في الجديد، لأنّه عليه السلام كان يخطب متطهّرا، و كان يصلّي عقيب الخطبة(4) ، و قال: (صلّوا كما رأيتموني أصلّي)(5).
و لأنّه ذكر هو شرط في الصلاة، فشرطت فيه الطهارة كالتكبير.
و قال في القديم: لا يشترط - و به قال مالك و أبو حنيفة و أحمد - لأنّه ذكر يتقدّم الصلاة، فلا يشترط له الطهارة كالأذان(6).1.
ص: 72
و الفرق: أنّه ليس شرطا في الصلاة، بخلاف الخطبة.
إذا عرفت هذا، فإن خطب في المسجد، شرطت الطهارة من الخبث و الحدث الأكبر إجماعا منّا.
ز: العدد: قال الشيخ رحمه اللّه: شرط الخطبتين: العدد
المشترط في الجمعة(1). و به قال الشافعي و أبو حنيفة في إحدى الروايتين(2) ، لأنّه ذكر هو شرط في الجمعة، فكان من شرطه حضور العدد كالتكبير. و لأنّ وجوب الخطبة تابع لوجوب الجمعة التابع لحضور العدد.
و عن أبي حنيفة: أنّه ليس بشرط، فيجوز أن يخطب وحده، لأنّه ذكر متقدّم، فلا يشترط فيه العدد كالأذان(3).
و الفرق: اشتراط الخطبة دون الأذان. و لأنه موضوع لإعلام الغيّاب، فلا يشترط فيه الحضور، و الخطبة مشتقّة من الخطاب و إنما يكون للحاضرين.
إذا ثبت هذا، فإن خطب و العدد حاضر ثم انفضّوا في الأثناء، فالمأتي به حال غيبتهم غير محسوب، لأنّ القصد بها الإسماع، فإن عادوا قبل طول الفصل جاز البناء على ما مضى حال سماعهم، كما لو سلّم ثم ذكر قبل طول الفصل.
و إن طال، فالأقرب البناء أيضا - و هو أحد قولي الشافعي(4) - لأنّ غرض الوعظ يحصل مع تفرّق الكلمات.
و أصحّهما عنده: الاستئناف، لأنّ النبي عليه السلام كان يوالي(5).9.
ص: 73
و قد ظهر ممّا اخترناه: عدم اشتراط الموالاة في الخطبة، و للشافعي قولان(1).
أمّا لو اجتمع بدل الأوّلين العدد، فلا بدّ من استئناف الخطبة مطلقا.
و إن انفضوا بعد تمام الخطبة و عادوا قبل طول الفصل، بنيت الصلاة على الخطبة، و لو عادوا بعد الطول فكذلك. و للشافعي قولان(2).
فإن أوجبنا الموالاة، لم تجز الصلاة بتلك الخطبة، بل تجب إعادتها و الصلاة جمعة مع سعة الوقت.
و للشافعي عدمه في وجه ضعيف، بل يصلّي الظهر(3).
و العدد إنّما هو شرط في واجبات الخطبة دون مستحباتها إجماعا.
ح: ارتفاع الصوت بهما بحيث يسمعه العدد
- و هو أظهر وجهي الشافعي(4) - لأنّ مقصود الوعظ لا يحصل إلا بالإسماع، فلا يكفي أن يخطب سرّا، لمنافاة الغرض.
و لأن النبي عليه السلام كان إذا خطب رفع صوته كأنه منذر جيش(5).
و عن أبي حنيفة: عدم الوجوب. و هو وجه للشافعي(6) أيضا.
و لو رفع الصوت بقدر ما يبلغ و لكن كانوا أو بعضهم صمّا، فالأقرب:
الإجزاء.
و لا يجهد نفسه في رفع الصوت، لما فيه من المشقّة، و لا تسقط الجمعة4.
ص: 74
و لا الخطبة و إن كانوا كلّهم صمّا.
ط: الترتيب بين أجزاء الخطبة الواجبة،
فلو قدّم الصلاة أو غيرها على الحمد، أو قدّم الوعظ على الصلاة، استأنف، للتأسّي.
للشيخ:
أحدهما: تحريم الكلام و وجوب الإنصات. و اختاره المرتضى و البزنطي(1) منّا - و به قال أبو حنيفة و مالك و الأوزاعي و أحمد، و الشافعي في القديم، و ابن المنذر(2) - لأنّ أبا هريرة قال: قال النبي صلّى اللّه عليه و آله: (إذا قلت لصاحبك: أنصت، و الإمام يخطب، فقد لغوت)(3).
و اللغو: الإثم، لقوله تعالى وَ الَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ (4).
و قال الصادق عليه السلام: «إذا خطب الإمام يوم الجمعة فلا ينبغي لأحد أن يتكلّم حتى يفرغ من خطبته، فإذا فرغ تكلّم ما بينه و بين أن تقام الصلاة»(5).
و الآخر: عدم تحريم الكلام، و عدم وجوب الإنصات، بل يستحب(6) - و به قال الشافعي في الجديد، و به قال عروة بن الزبير و الشعبي
ص: 75
و النخعي و سعيد بن جبير و الثوري(1) - لأنّ رجلا سأل النبي صلّى اللّه عليه و آله، السقيا و هو يخطب، و في الجمعة الآتية سأله رفعها(2).
و قام إليه رجل و هو يخطب يوم الجمعة فقال: يا رسول اللّه متى الساعة ؟ فأعرض النبي صلّى اللّه عليه و آله، و أومأ الناس إليه بالسكوت، فلم يقبل و أعاد الكلام، فلمّا كان الثالثة، قال له النبي صلّى اللّه عليه و آله: (ويحك ما ذا أعددت لها؟) فقال: حبّ اللّه و رسوله، فقال: (إنّك مع من أحببت)(3).
و لو كان الكلام محرّما، لأنكر عليه. و للأصل.
و نمنع كون اللغو الإثم، لقوله تعالى لا يُؤاخِذُكُمُ اللّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ (4) بل المراد جعله لاغيا لكلامه في موضع الأدب فيه السكوت.
و قول الصادق عليه السلام يعطي الكراهة عرفا، فيحمل عليه.
و الأقرب: الأول إن لم يسمع العدد، و إلاّ الثاني.
أ: قال المرتضى رحمه اللّه: يحرم من الأفعال ما لا يجوز مثله في الصلاة(5).
و فيه إشكال ينشأ من قوة حرمة الصلاة. و كونها بدلا من الركعتين لا يقتضي المساواة لو سلّم.
ب: قال المرتضى رحمه اللّه: لا بأس أن يتكلّم بعد فراغ الإمام
من
ص: 76
الخطبة إلى أن تقام الصلاة(1).
ج: لو سلّم عليه، وجب عليه الرّد،
لأنّه واجب، و الإنصات مستحب، فلا يترك لأجله. و لأنّه ليس أبلغ من الصلاة و قد أوجبنا الردّ فيها.
و به قال الشافعي على تقدير استحباب الإنصات، و على تقدير الوجوب ليس له الرّد، لأنّه سلّم في غير موضعه، و فرض الإنصات سابق(2).
و هل له تسميت العاطس ؟ الوجه: ذلك إن قلنا باستحباب الإنصات، و إلاّ فالأقرب ذلك كالصلاة - و هو قول الشافعي(3) - بخلاف السلام، لأنّه سلّم في غير موضعه، و العاطس لم يختر العطسة.
و له المنع، لما تقدّم في السلام.
د: الخلاف إنّما هو في القريب السامع للخطبة،
أمّا البعيد أو الأصمّ:
فإن شاء سكت، و إن شاء قرأ أو سبّح. و للشافعية وجهان(4).
و كذا الخلاف فيما إذا لم يتعلّق بحقّ أحد من المسلمين.
أمّا لو رأى جدارا ينقضّ فإنّه يحذّر منه - و كذا العقرب، و الأعمى يتردّى في بئر - إجماعا.
ه: هل يحرم الكلام في الجلسة بين الخطبتين ؟
الأقرب: المنع، لعدم المقتضي للتحريم، و هو: السماع. و للأصل.
و للشافعي قولان(5).
و: لا بأس بالكلام بين الخطبة و الإقامة
ثم يكره بعدها، لقول الصادق4.
ص: 77
عليه السلام: «فإذا فرغ - يعني من خطبته - تكلّم ما بينه و بين أن تقام الصلاة»(1).
و قال أبو حنيفة: يكره ما بين الخطبة و الصلاة(2).
و قال الشافعي: لا يكره بعد الخطبة إلى الصلاة(3).
ز: لا بأس بشرب الماء حال الخطبة
- و به قال الشافعي(4) - عملا بالأصل.
و كلام المرتضى يعطي التحريم لأنها كالركعتين(5).
و قال الأوزاعي: تبطل جمعته(6).
ح: هل يحرم الكلام على الخطيب في الأثناء؟ الأقرب: العدم،
للأصل.
و لأنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله، كلّم قتلة ابن أبي الحقيق في الخطبة(7).
و لأنّ المستمع إنّما حرم عليه الكلام لئلاّ يشغله عن الاستماع. و هو أحد قولي الشافعي.
و في الآخر: يحرم - و به قال أبو حنيفة و مالك - كالركعتين(8). و هو ممنوع2.
ص: 78
ط: التحريم إن قلنا به على السامعين متعلّق بالعدد،
أمّا الزائد فلا.
و للشافعي قولان(1).
و الأقرب: عموم التحريم إن قيل(2) به، إذ لو حضر فوق العدد بصفة الكمال لم يمكن القول بانعقادها بعدد معيّن منهم حتى يحرم الكلام عليهم خاصة.
ي: لا يحرم الكلام قبل الشروع في الخطبة
- و به قال الشافعي و أحمد(3) - للأصل.
و لأنّ عمر كان إذا جلس على المنبر و أذّن المؤذّنون جلسوا يتحدّثون حتى إذا سكت المؤذّن و قام عمر سكتوا فلم يتكلّم أحد(4). و هذا يدلّ على اشتهاره بينهم.
و قال أبو حنيفة: إذا خرج الإمام حرم الكلام في الوقت الذي نهي عن الصلاة فيه(5) ، لقول النبي صلّى اللّه عليه و آله: (من اغتسل يوم الجمعة و استاك، و مسّ من طيب إن كان عنده، و لبس أحسن ثيابه، ثم جاء إلى المسجد و لم يتخطّ رقاب الناس، ثم ركع ما شاء اللّه أن يركع، ثم أنصت إذا خرج الإمام حتى يصلّي، كان كفّارة لما بينها و بين الجمعة التي قبلها)(6).
و هو يدلّ على أنّ خروج الإمام يوجب الإنصات.
و لأنه إذا نهي عن الركوع كان الكلام أولى.1.
ص: 79
و الخبر قد روي فيه (و أنصت إذا خطب إليه)(1).
سواء كانت التحية للداخل حال الخطبة أو غيرها، بل ينبغي أن ينصت لها - و به قال الثوري و الليث بن سعد و أبو حنيفة و مالك(2) - لقوله تعالى وَ إِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَ أَنْصِتُوا (3).
قال المفسّرون: المراد بالقرآن هنا الخطبة(4).
و لأنّ رجلا جاء يتخطّى رقاب الناس، فقال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: (اجلس فقد آذيت و آنيت(5)(6).
و من طريق الخاصة: قول أحدهما عليهما السلام: «إذا صعد الإمام المنبر فخطب فلا يصلّي الناس ما دام الإمام على المنبر»(7).
و لأنه مناف لمشروعية الخطبة.
و قال الشافعي: يستحب أن يصلّي تحية المسجد ركعتين - و به قال الحسن و مكحول و أحمد و إسحاق و ابن المنذر(8) - لأنّ سليكا الغطفاني جاء يوم الجمعة و النبي عليه السلام يخطب، فجلس فقال له: (يا سليك قم فاركع
ص: 80
ركعتين و تجوّز(1) فيهما) ثم قال: (إذا جاء أحدكم يوم الجمعة و الإمام يخطب فليركع ركعتين و ليتجوّز فيهما)(2).
و تمام الرواية: أنّه قال لسليك: (لا تعودنّ لمثل هذا)(3).
إذا عرفت هذا، فالكراهة تتعلّق بالشروع في الخطبة لا بالجلوس على المنبر، لقول الصادق عليه السلام: «.. فخطب، فلا يصلّي الناس»(4).
و لأنّه المقتضي للمنع.
و لا خلاف أنّه لو دخل و الإمام في آخر الخطبة و خاف فوت تكبيرة الإحرام، لم يصلّ التحية، لأنّ إدراك الفريضة من أولها أولى.
لأنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله، لمّا دخل المدينة خطب مستندا إلى جذع، فلمّا بني له المنبر صعد عليه(5). و لأنّ فيه إبلاغا للبعيد.
و هو: الموضع الذي على يمين الإمام إذا توجّه إلى القبلة، اقتداء بالنبي عليه السلام.
من سيف أو عكاز أو قضيب أو عنزة [1]، اقتداء بالنبي صلّى اللّه عليه و آله، فإنّه كان يعتمد على عنزته
ص: 81
اعتمادا(1).
و قول الصادق عليه السلام: «و يتوكّأ على قوس أو عصا»(2).
مرتديا ببرد يمنية، لأنّ النبي عليه السلام كان يعتمّ، و يرتدي، و يخرج في الجمعة و العيدين على أحسن هيئة(3) ، لأنّه أدخل في الوقار.
لعموم استحباب التسليم(4)في «م، ش» و الطبعة الحجرية: ثم سلّم و جلس. و ما أثبتناه يقتضيه السياق.(5) ، فإذا صعد المنبر، و بلغ دون الدرجة - دون درجة المستراح - و استقبل الناس بوجهه سلّم ثم جلس(5) - و اختاره السيد المرتضى(6) رضي اللّه عنه، و به قال الشافعي(7) - لأنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، كان إذا دنا من منبره يوم الجمعة سلّم على من عند منبره من الجلوس، ثم صعد، و إذا استقبل الناس بوجهه سلّم ثم قعد(8).
و من طريق الخاصة: رواية عمرو بن جميع رفعه عن علي عليه السلام قال: «من السنّة إذا صعد الإمام المنبر أن يسلّم إذا استقبل الناس»(9).
و قال أبو حنيفة و مالك: يكره السلام، لأنّه إذا خرج سلّم فلا يعيد،
ص: 82
كالمؤذّن إذا قام إلى الأذان، لأنّ الإمام استدبرهم لمّا صعد ثم أقبل عليهم(1).
و قد كان أصحاب النبي صلّى اللّه عليه و آله يحول بين بعضهم و بعض شجرة فيسلّم بعضهم على بعض(2).
و بالأذان لا يغيب عنهم. نعم لو صعد المنارة ثم نزل سلّم.
إذا عرفت هذا، فإذا سلّم وجب على السامعين الردّ على الكفاية.
حتى يفرغ المؤذّن فيستريح بقعوده عن تعب صعوده.
و لأنّه لا فائدة بقيامه حالة الأذان، و قد كان النبي صلّى اللّه عليه و آله يخطب خطبتين، و يجلس جلستين(3).
و من طريق الخاصة: قول الباقر عليه السلام: «كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، إذا خرج إلى الجمعة قعد على المنبر حتى يفرغ المؤذّنون»(4).
مواظبا على الصلوات ليكون وعظه أبلغ في القلب، حافظا لمواقيت الفرائض، و استقبال الناس بوجهه، فلا يلتفت يمينا و لا شمالا - و به قال الشافعي(5) - لأنّ النبي عليه السلام كان يفعل ذلك(6) ، و لئلاّ يخصّ قوما دون آخرين، بل يخطب تلقاء وجهه.
ص: 83
و قال أبو حنيفة: يلتفت يمينا و شمالا كالمؤذّن(1).
و الأصل ممنوع. و لأنّه خطاب مع الغيّاب و الخطبة مع الحاضرين، فلا يخصّص بها البعض دون غيرهم.
قال الشيخ رحمه اللّه: و لا يضع يمينه على شماله(2).
و هو جيّد كالصلاة، بل يشتغل بما يعتمد عليه يسراه، و يقبض باليمين حرف المنبر.
و ينبغي أن يكون صادق اللهجة لا يلحن في الخطبة، و لا يأتي بألفاظ غريبة أو وحشية، لبعدها عن الأفهام، و لا يقول في خطبته ما تستنكره عقول الحاضرين، لقول علي عليه السلام: «كلّموا الناس على قدر عقولهم، أ تحبّون أن يكذّبوا اللّه و رسوله ؟!»(3).
و أن يأتي بالكلمات على تأنّ و ترسّل و سكون، و لا يمدّها مدّا يشبه الغناء، و لا يدرجها بحيث لا يفهم، و لا يطوّل الخطبة بل يقصّرها، لأنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله أمر بذلك، بل يطوّل الصلاة، و قال عليه السلام: (إنّه من فقه الرجل)(4).
و لو قرأ إحدى العزائم، جاز، إذ السجود ليس بمبطل لها.
قال الشيخ: ثم ينزل، و يسجد و يسجد المأمومون معه(1).
و الوجه: أنّه إن كان في المنبر سعة يمكنه السجود عليها، سجد قبل نزوله، و إلاّ نزل و سجد.
و لو كانت السجدة من غير العزائم، جاز تركها، و له أن يسجد، و الاشتغال بالخطبة أولى.
فإن نزل و سجد، عاد إلى الخطبة إن لم يطل الفصل، و كذا إن طال على الأقوى.
و للشافعي في الطول وجهان(2).
البلوغ، و العقل، و الذكورة، و الحرّيّة، و السلامة من المرض و العمى و العرج و الشيخوخة المانعة من الحركة، و السفر، و الزيادة على فرسخين.
و ليس الإسلام شرطا للوجوب، لأنّ الكفّار عندنا مخاطبون بالفروع، و به قال الشافعي(3) ، خلافا لأبي حنيفة(4).
و العقل شرط في الوجوب و الجواز معا، و باقي الشروط شرط في الوجوب لا الجواز.
ص: 85
و الصبي و إن لم تجب عليه، و لا المجنون، لانتفاء التكليف عنهما، إلاّ أنّه يستحب إحضار الصبي الجمعة للتمرين، كما يمرّن بالعبادات، خصوصا المراهق.
إجماعا، لقوله عليه السلام: (من كان يؤمن باللّه و اليوم الآخر فعليه الجمعة إلاّ على امرأة، أو مسافر، أو عبد، أو صبي، أو مريض)(1).
و من طريق الخاصة: قول الصادق عليه السلام: «إن اللّه فرض في كلّ سبعة أيام خمسا و ثلاثين صلاة، منها صلاة واجبة على كلّ مسلم أن يشهدها إلاّ خمسة: المريض و المملوك و المسافر و المرأة و الصبي»(2).
و لأنّ شرطها الاجتماع، و في وجوبه على النساء مشقّة و افتتان.
أمّا العجائز فإنّهنّ كالشواب، لعموم الأمر بالستر لهنّ(3).
و قال الشافعي: يستحب لهنّ الحضور مع إذن أزواجهنّ، لانتفاء الفتنة فيهنّ(4).
فلا تجب على العبد عند علمائنا أجمع - و به قال عامة العلماء(5) - لما تقدّم في الحديثين. و لأنّه محبوس على السيد، فأشبه المحبوس في الدّين.
ص: 86
و قال داود: تجب(1). و عن أحمد روايتان(2).
و قال الحسن البصري و قتادة: تجب على العبد المخارج(3) - و هو الذي يؤدّي الضريبة - لعموم الآية(4).
و الخاص مقدّم.
و لو أذن له السيد، استحبّ له الحضور و لا يجب عليه، لأنّ الحقوق الشرعية تتعلّق بخطاب الشرع لا بإذن السيد.
و لا فرق بين القنّ، و المدبّر، و المكاتب المطلق و المشروط، و أمّ الولد، لبقاء الرقّ فيهم.
و قال الحسن البصري و قتادة: يجب على المكاتب، لأنّ منفعته له فأشبه الحر(5) ، و هو ممنوع.
سواء تساويا، أو كانت الحرّية أكثر، لأنّ رقّ البعض يمنع من الكمال و الاستقلال، كرقّ الجميع.
ب: لو هاياه(6) مولاه و اتّفقت الجمعة لنصيب الحرية لم تجب عليه أيضا، لقيام المانع، و هو الظاهر من قول الشافعية.
ص: 87
و لهم وجه: أنّها تجب، لانقطاع سلطنة السيد عن استخدامه(1).
و اختاره الشيخ في المبسوط(2).
لوجوب طاعته فيما ليس بعبادة ففيها أولى، و العدم، لما تقدّم.
لما تقدّم من الأحاديث، و للمشقّة، سواء خاف زيادة المرض أو المشقّة غير المحتملة، أو لا.
و قال الشافعي: المرض المسقط هو ما يخاف فيه أحدهما، و ليس شرطا(3) ، للعموم.
و لو كان المريض قريبه أو ضيفه أو زوجته أو مملوكه، جاز له ترك الجمعة لأجل تمريضه، و كذا تترك لصلاة الميت و تجهيزه، لأنّ ابن عمر كان يستجمر للجمعة فاستصرخ(4) على سعيد بن زيد فترك الجمعة و مضى إليه بالعقيق(5).
و لو كان المريض لا قرابة له به و لا صحبة، فإن كان له من يمرّضه، لم يترك الجمعة له، و إن لم يكن من يقوم، جاز له تركها للقيام بأمره.
و كذا لو اشتغل فيه بأخذ الكفن و حفر القبر أو غيرهما، سواء كان مشرفا أو لا - خلافا للشافعي(6) - و سواء اندفع بحضوره ضرر عن غير المشرف أو لا، خلافا له(7).
ص: 88
و كذا لو كان عليه حقّ قصاص يرجو بالاستتار الصلح فيه، جاز، و لو كان عليه حدّ قذف لم يجز له الاستتار عن الإمام لأجله و ترك الجمعة، لأنّه حق واجب و لا بدل له، و لا يجوز له القصد إلى إسقاطه. و كذا غيره من الحدود للّه تعالى بعد ثبوتها بالبيّنة.
و المديون المعسر يجوز له الاختفاء، و كذا الخائف من ظالم على مال أو نفس أو ضرب أو شتم.
عند علمائنا، سواء كان قريبا من الجامع يتمكّن من الحضور إليه من غير قائد، أو بعيدا يحتاج إلى القائد أو لا - و به قال أبو حنيفة(1) - للمشقّة بالحضور.
و لقول الباقر عليه السلام: «فرض اللّه الجمعة و وضعها عن تسعة: عن الصغير و الكبير و المجنون و المسافر و العبد و المرأة و المريض و الأعمى و من كان على رأس أزيد من فرسخين»(2).
و قال الشافعي و أحمد: تجب عليه مع المكنة(3) ، لأنّ عتبان بن مالك قال: يا رسول اللّه إنّي رجل محجوب البصر و إن السيول تحول بيني و بين المسجد، فهل لي من عذر؟ فقال صلّى اللّه عليه و آله: (أ تسمع النداء؟) قال: نعم. قال: (ما أجد لك عذرا إذا سمعت النداء)(4).
و المراد نفي العذر في الحضور مطلقا الشامل للاستحباب و الوجوب، لا
ص: 89
الحضور الواجب.
فلو لم يجد قائدا سقطت عنه إجماعا، فإن وجد لكن بأجرة يتمكّن منها لم يجب بذلها عندنا، خلافا للشافعي(1).
عند علمائنا أجمع إن بلغ العرج الإقعاد، للمشقّة.
و لقول الباقر عليه السلام: «و الكبير»(2).
و لأنّ المشقّة هنا أعظم من المشقّة في المريض، فثبتت الرخصة هنا كما ثبتت هناك.
أمّا لو لم يكن العرج بالغا حدّ الإقعاد، فالوجه: السقوط مع مشقّة الحضور، و عدمه مع عدمها.
و الشيخ أطلق الإسقاط(3). و لم يذكره المفيد في المسقطات، و لا الجمهور.
أمّا الحرّ الشديد فإن خاف معه الضرر، سقط عنه.
و كذا البرد الشديد و المطر المانع من السعي، لقول الصادق عليه السلام: «لا بأس أن تدع الجمعة في المطر»(4). و لا خلاف فيه.
و الوحل كذلك، للمشاركة في المعنى.
فلا تجب على المسافر عند عامة العلماء، لقول النبي صلّى اللّه عليه و آله: (الجمعة واجبة
ص: 90
إلاّ على خمسة: امرأة أو صبي أو مريض أو مسافر أو عبد)(1).
و من طريق الخاصة قول الباقر عليه السلام: «و وضعها عن تسعة» و عدّ منهم «المسافر»(2).
و لم ينقل عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و لا أحد من الأئمّة عليهم السلام أنّهم صلّوها في أسفارهم.
و لأنّ الجمعة ظهر مقصورة بشرائط، و المسافر يباح له القصر دون تلك الشرائط، فلم يكن لاعتبار تلك الشرائط في حقّه و إيجاب الجمعة عليه معنى.
و لأنّه خفّف عنه العبادات الراتبة فغيرها أولى.
و قال الزهري و النخعي: تجب عليه الجمعة إن سمع النداء(3) ، للآية(4).
و لقوله صلّى اللّه عليه و آله: (الجمعة على من سمع النداء)(5).
و الخاص مقدّم.
أمّا المحرّم فلا، لمنافاته الترخّص.
فلو لم يوجبه كمن كان سفره أكثر من حضره، فإنّ الجمعة لا تسقط عنه، و كذا لو لم يكن القصر واجبا بل
ص: 91
جائزا، كالمواضع التي يستحب الإتمام فيها.
و وجب عليه الجمعة، و عند الشافعي أربعة(1).
و هل تنعقد به ؟ عندنا أنّها تنعقد و إن لم ينو المقام على أحد القولين، أمّا لو نواه فإنّها تنعقد به عندنا قولا واحدا - و هو أحد وجهي الشافعية(2) - لأنه من أهل وجوب الجمعة فانعقدت به كالمستوطن، و الآخر: لا تنعقد به، لأنّ الاستيطان شرط(3). فمن أقام في بلد للتفقه أو التجارة مدة طويلة لا تنعقد به الجمعة عنده(4) و إن وجبت عليه، لأنّ له عزم الرجوع.
و قال ابن أبي عقيل منّا: تجب على من إذا صلّى الغداة في أهله أدرك الجمعة(1) - و نحوه قال عبد اللّه بن عمر و أنس بن مالك، و أبو هريرة، و الأوزاعي، و أبو ثور فإنّهم قالوا: تجب على من كان يؤوي الليل(2)(3). و هو قريب ممّا قال - لعموم الأمر.
و لقول الباقر عليه السلام: «الجمعة واجبة على من إذا صلّى الغداة في أهله أدرك الجمعة»(4).
و المشهور عندنا: الأول، للمشقّة، و لأنّ شغل النهار بالسعي إليها و الرجوع إلى أهله يوجب القصر، و يلحقه بالمسافرين، فيكون مسقطا للجمعة.
و قال الشافعي: كلّ من كان من أهل المصر وجبت عليه الجمعة فيه، سواء سمع النداء أو لا، و سواء اتّسعت أقطاره و تعدّدت محالّه أو لا.
و أمّا الخارج عن المصر من أهل القرى، فإن لم يسمعوا النداء، و كانوا أقلّ من أربعين، لم تجب عليهم الجمعة، و إن بلغوا أربعين و كانوا مستوطنين في القرية، وجبت عليهم الجمعة سواء سمعوا النداء أو لا، و هم بالخيار بين الصلاة في قريتهم، و الحضور إلى المصر لإقامة الجمعة معهم.
و إن كانوا أقلّ من أربعين و سمعوا النداء، وجب عليهم الحضور - و به قال عبد اللّه بن عمرو بن العاص و سعيد بن المسيب و إسحاق(5) - لقوله عليه6.
ص: 93
السلام: (الجمعة على من سمع النداء)(1).
و هو يدلّ من حيث المفهوم فالمنطوق أولى مع انتشار النداء و عدم ضبطه، فلا يجوز أن يجعله الشارع مناطا للأحكام.
و قال أبو حنيفة و أصحابه: لا تجب الجمعة على من هو خارج المصر و إن سمع النداء - و قال محمّد: قلت لأبي حنيفة: تجب الجمعة على أهل زبارا(2) بأهل الكوفة ؟ فقال: لا(3) - و بين زبارا و الكوفة الخندق، و هي قرية بقرب الكوفة - لأنّ عثمان لمّا وافق الجمعة العيد، قال لأهل العوالي: من أراد منكم أن ينصرف فلينصرف، و من أراد أن يقيم حتى يصلّي الجمعة فليقم.
و لأنّهم خارجون عن المصر، فلا جمعة عليهم، كأصحاب الحلل(4)(5).
و الحديث نقول بموجبه، للتخيير عندنا، أمّا من يوجب الحضور كالشافعي، فإنّه أنكر الحديث و قال: لم يذكره أحد من أصحاب الحديث.
و أهل الحلل إن كانوا مستوطنين، وجبت الجمعة، و إلاّ فلا.
و قال مالك و احمد و الليث بن سعد: تجب على أهل المصر مطلقا، و أمّا الخارج فإن كان بينه و بين الجامع فرسخ، وجب عليه الحضور و إلاّ فلا، لغلبة السماع منه(6). و قد بينا بطلان هذا المناط.8.
ص: 94
و قال عطاء: إن كانوا على عشرة أميال، وجب عليهم الحضور، و إلاّ فلا(1).
و قال ربيعة: إن كانوا على أربعة أميال حضروا، و إلاّ فلا(2).
إن حصلت الشرائط، و إن فقد أحدها وجب عليه الحضور، و لا يسوغ له ترك الجمعة.
و من كان بينه و بينها أزيد من فرسخين، فإن حصلت الشرائط فيه، تخيّر بين إقامتها عنده و بين الحضور، و لا يسوغ له تركها، و إن فقدت الشرائط، سقطت عنه، و لم يجب عليه الحضور.
لا بين البلدين، فلو كان بين البلدين أقلّ من فرسخين، و بين منزله و الجامع أزيد من فرسخين، فالأقرب: السقوط، لأنّه المفهوم من كلام الباقر و الصادق عليهما السلام.
و قال الشافعي: النداء الذي تجب به الجمعة أن يكون المنادي صيّتا، و تكون الرياح ساكنة، و الأصوات هادئة، و كان من ليس بأصمّ مصغيا مستمعا، غير لاه و لا ساه، و أن لا تكون البلدة بين آجام و أشجار تمنع من بلوغ الصوت، فإن كان، اعتبر أن يصعد على شيء يعلو به على الأشجار كسور البلد و المنارة، و لا يعتبر في غيره، و أن تكون الأرض مستوية، فلو كانت قرية في واد لا يسمع أهلها لهبوطها و لو كانت في استواء الأرض سمعت، وجبت،
ص: 95
و لو كانت على قلّة جبل يسمع لعلّوها، لم يجب عند بعضهم، و لا اعتبار بأذان الجمعة(1).
و اختلفت الشافعية في الموضع الذي يعتبر فيه سماع النداء، فقال بعضهم: من الموضع الذي يصلّى فيه الجمعة، إذ الغرض الحضور في ذلك الموضع.
و قال بعضهم: من وسط البلد، لاستواء الجوانب و عدم أولوية بقعة على اخرى.
و قال آخرون: يعتبر من آخر موضع تجوز إقامة الجمعة فيه من الجانب الذي يلي تلك القرية، فإنّه ربما يكون البلد كبيرا، و إذا نودي من الجانب الآخر ربما لا يسمع أهل هذا الجانب من البلد(2).
و لو كان طرف القرية يسمعون النداء، و باقي القرية لا يسمعون، قال:
يجب على الجميع الحضور، لأنّ حكم القرية لا يختلف في الجمعة.
و لو سمعوا النداء من قريتين فأيّتهما حضروا جاز. و الأولى أن يحضروا الموضع الذي تكثر فيه الجماعة(3).
و لو كانت قريتان على جبلين يصلّى في إحداهما الجمعة، و الأخرى يسمعون النداء و بينهما قرية لا يسمعون، وجب على المستمعين الحضور للسماع. و في الأخرى وجهان: العدم، لانتفاء موجبه، و الوجوب، لأنّ إيجاب الحضور على الأبعد يستلزم أولوية إيجابه على الأقرب(4).
و هذا كلّه عندنا ساقط، فإنّ من الناس الأصمّ و ثقيل السمع، و قد يكون2.
ص: 96
النداء بين يدي المنبر فلا يسمعه إلاّ من في الجامع، و قد يكون المؤذّن خفي الصوت أو في يوم ذي ريح، و قد يكون المستمع نائما أو مشغولا بما يمنع السماع و يسمع من هو أبعد، فيفضي ذلك إلى إيجابها على البعيد دون القريب، و هو باطل بالإجماع.
لو حضر، لانتفاء المشقّة.
و لقول حفص بن غياث عن بعض مواليه: «إنّ اللّه فرض الجمعة على المؤمنين و المؤمنات، و رخّص للمرأة و المسافر و العبد أن لا يأتوها فإذا حضروها سقطت الرخصة و لزمهم الفرض الأول» فقلت: عمّن هذا؟ فقال: عن مولانا الصادق عليه السلام(1).
و في المرأة نظر، و إطلاق الشيخ(2) يقتضيه.
كالعبد يصلّي ثم يعتق و الوقت باق، و كذا المسافر إذا صلّى ثم نوى الإقامة.
أمّا الصبي إذا صلّى ثم بلغ، فالوجه عندي: وجوب الحضور عليه، لأنّ مبدأ التكليف الآن، و ما فعله أوّلا لم يكن واجبا، فلم يسقط به فرضا عنه.
و قال الشافعي: لا يجب عليه، لأنّ الصبي إذا صلّى في الوقت ثم بلغ، لم تجب عليه الإعادة كذا هنا(3).
و الأصل ممنوع.
ص: 97
و تتميّز بما تقدّم من الشرائط، و الآداب الآتية، و تسقط معها الظهر بالإجماع.
و يستحب أن يقرأ في الأولى بعد الحمد سورة الجمعة، و في الثانية بعد الحمد سورة المنافقين عند علمائنا - و به قال الشافعي(1) - لأنّ عبد اللّه بن أبي رافع - و كان كاتبا لعلي عليه السلام - قال: كان مروان يستخلف أبا هريرة على المدينة، فاستخلفه مرّة فصلّى الجمعة، فقرأ في الأوّلة الجمعة، و في الثانية المنافقين، فلمّا انصرف مضيت إلى جنبه، فقلت: يا أبا هريرة لقد قرأت بسورتين قرأهما علي عليه السلام، فقال: إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، كان يقرأ بهما(2).
و من طريق الخاصة: قول الصادق عليه السلام: «و إذا كان صلاة الجمعة فاقرأ بسورة الجمعة و المنافقين»(3).
و قال الشافعي في القديم: يقرأ في الأولى «سبّح اسم» و في الثانية «الغاشية»(4). و ينسب إلى رواية النعمان بن بشير(5).
و قال أبو حنيفة: يكره تعيين سورة في الصلاة(6).
ص: 98
و قال مالك: يقرأ في الأولى الجمعة، و في الثانية الغاشية(1).
عملا بالأصل.
و لقول الكاظم عليه السلام و قد سأله علي بن يقطين عن الرجل يقرأ في صلاة الجمعة بغير سورة الجمعة متعمّدا، قال: «لا بأس بذلك»(2).
لتدارك فضلها، و قراءة المنافقين، لأنّه محلّها.
و قال الشافعي: يقرؤهما معا في الثانية(3) ، و قد بيّنّا(4) بطلان القران.
و لو قرأ المنافقين في الأولى قرأ في الثانية الجمعة، تحصيلا لفضيلة السورتين.
و في الظهر يوم الجمعة قولان:
فالشيخ على استحبابه جماعة و فرادى(5) ، لقول الصادق عليه السلام: «نعم» و قد سأله الحلبي عن القراءة يوم الجمعة إذا صلّيت وحدي أربعا أجهر بالقراءة ؟(6).
و المرتضى على استحبابه جماعة لا فرادى(7) ، لقول الصادق عليه السلام: «صلّوا في السفر صلاة جمعة جماعة بغير خطبة، و اجهروا
ص: 99
بالقراءة»(1).
و قال بعض علمائنا: لا يجهر في الظهر جماعة أيضا(2) ، لأنّ جميلا سأل الصادق عليه السلام عن الجماعة يوم الجمعة في السفر، قال: «تصنعون كما تصنعون في غير يوم الجمعة في الظهر، و لا يجهر الإمام، إنّما يجهر إذا كانت خطبة»(3) و العمل بهذه أحوط.
إن كان من عادته، و إلاّ غسله بالخطمي، و قصّ الأظفار، و أخذ الشارب، و التطيّب، و لبس أفضل الثياب، و السعي على سكينة و وقار، و الغسل مقدّما على الصلاة.
قال الصادق عليه السلام في قوله تعالى خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ (4) قال: «في العيدين و الجمعة»(5).
و قال عليه السلام: «ليتزيّن أحدكم يوم الجمعة، و يتطيّب، و يسرّح لحيته، و يلبس أنظف ثيابه، و ليتهيّأ للجمعة، و يكون عليه في ذلك اليوم السكينة و الوقار»(6).
و يستحب له ترك الركوب مع القدرة، لأنّ النبي عليه السلام ما ركب في عيد و لا جنازة قطّ(7). و الجمعة أولى، إلاّ أنّه لم ينقل فيها قول عنه عليه السلام، لأنّ باب حجرته في المسجد.
و يستحب السواك، و قطع الروائح الكريهة، لئلاّ يؤذي من يقاربه.
ص: 100
و أفضل الثياب البيض، لقوله عليه السلام: «أحب الثياب إلى اللّه تعالى البيض، يلبسها أحياؤكم، و يكفّن فيها موتاكم»(1).
و ينبغي للإمام الزيادة في التجمّل، لأنّه المنظور إليه، و كان النبي صلّى اللّه عليه و آله، يعتمّ و يرتدي، و يخرج في الجمعة و العيدين على أحسن هيئة(2).
- خلافا لمالك، فإنّه أنكر استحباب السعي قبل النداء(3) - لقوله عليه السلام: (من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة ثم راح فكأنّما قرّب بدنة، و من راح في الساعة الثانية فكأنّما قرّب بقرة، و من راح في الساعة الثالثة فكأنّما قرّب كبشا أقرن، و من راح في الساعة الرابعة فكأنّما قرّب دجاجة، و من راح في الساعة الخامسة فكأنّما قرّب بيضة، فإذا خرج الإمام حضرت الملائكة يستمعون الذكر)(4).
و من طريق الخاصة: قول الصادق عليه السلام: «إنّ الجنان لتزخرف و تزيّن يوم الجمعة لمن أتاها، و إنّكم تتسابقون إلى الجنّة على قدر سبقكم إلى الجمعة، و إنّ أبواب الجنة لتفتح لصعود أعمال العباد»(5).
و لما فيه من المسارعة إلى الطاعات، و التفرّغ للعبادة في المسجد الأعظم.
ص: 101
لما فيه من المبادرة إلى الجامع المرغّب فيه و إيقاع صلاة الصبح فيه، و لأنّه أول النهار، و هو قول بعض الشافعية(1).
و قال بعضهم: بعد طلوع الشمس، لأنّ أهل الحساب يعدّون أول النهار طلوع الشمس(2).
لقول الباقر عليه السلام لأبي حمزة الثمالي: «ادع في العيدين و يوم الجمعة إذا تهيّأت للخروج بهذا الدعاء:
اللّهم من تهيّأ و تعبّأ»(3) إلى آخره.
ما بين فراغ الإمام من الخطبة إلى أن يستوي الناس في الصفوف،
لقول الصادق عليه السلام: «الساعة التي يستجاب فيها الدعاء يوم الجمعة ما بين فراغ الإمام من الخطبة إلى أن يستوي الناس في الصفوف»(4).
و قال الشافعي: هو آخر النهار عند غروب الشمس(5).
و في رواية لنا: استجابة الدعاء في الساعتين معا عن الصادق عليه السلام - في الصحيح - قال: «الساعة التي يستجاب فيها الدعاء يوم الجمعة ما بين فراغ الإمام من الخطبة إلى أن يستوي الناس في الصفوف، و ساعة أخرى من آخر النهار إلى غروب الشمس»(6).
ص: 102
لقوله صلّى اللّه عليه و آله: (أقربكم منّي في الجنّة أكثركم صلاة عليّ، فأكثروا الصلاة عليّ في الليلة الغرّاء و اليوم الأزهر)(1).
قال الصادق عليه السلام عن يوم الجمعة و ليلتها: «ليلتها ليلة غرّاء، و يومها يوم أزهر»(2).
و قال عليه السلام: «إذا كان ليلة الجمعة نزل من السماء ملائكة بعدد الذّر في أيديهم أقلام الذهب، و قراطيس الفضّة، لا يكتبون إلى ليلة السبت إلاّ الصلاة على محمد و على آل محمد، فأكثروا منها» ثم قال: «إن من السنّة أن تصلّي على محمد و على أهل بيته في كلّ جمعة ألف مرة و في سائر الأيام مائة مرة»(3).
قبل ظهور الإمام و بعده، سواء كانت له عادة بالصلاة في موضع أو لم تكن - و به قال عطاء و سعيد بن المسيب و الشافعي و أحمد(4) - لأنّ رجلا جاء يتخطّى رقاب الناس و النبيّ صلّى اللّه عليه و آله يخطب، فقال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: (اجلس فقد آذيت)(5).
و لما فيه من أذى الغير.
و قال مالك: إن لم يكن الإمام ظهر لم يكره، و كذا إن ظهر و كان له عادة بالصلاة في موضع معيّن، و إلاّ كره(6).
ص: 103
لقوله عليه السلام: (لا يقيم الرجل الرجل من مجلسه ثم يجلس فيه، و لكن يقول:
تفسّحوا و توسّعوا)(1).
و لا تكره إقامته في مواضع: إمّا بأن يجلس في مصلّى الإمام، أو في طريق الناس، أو يستقبل المصلّين و الموضع ضيّق عليهم، و لو كان متسعا تنحّوا عنه يمينا و شمالا، لئلاّ يستقبلوه بالصلاة.
نعم إذا اعتاد إنسان القعود في موضع، كره لغيره مزاحمته له، كما في السوق، و لو قام لحاجة عرضت له بنيّة العود، فجاء غيره و قعد، استحب للقاعد أن يقوم من موضعه حتى يعود إليه، من غير وجوب.
و لو فرش له منديل أو مصلّى، لم يكن موجبا للاختصاص لو رفعه غيره و إن كان مخطئا.
و لو ازدحم الناس في آخر المسجد و بين أيديهم فرجة، لم يكره التخطّي.
لأنّ الباقر عليه السلام كان يبكر إلى المسجد الجامع يوم الجمعة حين تكون الشمس قدر رمح، فإذا كان شهر رمضان يكون قبل ذلك(2).
و يجوز أن يصلّي معه ركعتين ثم يتمّ الظهر بعد فراغ الإمام، لقول الصادق عليه السلام: «في كتاب علي عليه السلام إذا صلّوا الجمعة في وقت فصلّوا معهم و لا تقومنّ من مقعدك حتى تصلّي ركعتين أخريين»(3).
و لو صلّى في منزله أوّلا جاز، لأنّ أبا بكر الحضرمي قال للباقر عليه
ص: 104
السلام: إنّي أصلّي في منزلي ثم أخرج فأصلّي معهم، قال: «كذا أصنع»(1).
بأربع ركعات.
قال الشيخ: و يستحب تقديم نوافل الظهر قبل الزوال، و لم أجد لأحد من الفقهاء وفاقا في ذلك، و يستحبّ بالإجماع منّا، لأنّ منّا من يستحبّ تقديمها، و منّا من يستحبّ تقديم أكثرها.
و لما رواه علي بن يقطين قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن النافلة التي تصلّى يوم الجمعة قبل الجمعة أفضل أو بعدها؟ قال: «قبل الصلاة»(2)(3). و عليها عمل الشيخ في أكثر كتبه(4).
إذا عرفت هذا، فقد روي عن الصادق عليه السلام أنه قال: «أمّا أنا إذا كان يوم الجمعة و كانت الشمس من المشرق مقدارها من المغرب في وقت العصر صلّيت ست ركعات، فإذا انتفخ النهار صلّيت ست ركعات، فإذا زاغت الشمس صلّيت ركعتين، ثم صلّيت الظهر، ثم صلّيت بعدها ستّا»(5).
و مثله عن الرضا عليه السلام(6).
و لو أخّرها جاز إجماعا منّا.
و استحبّ أحمد ركعتين بعد الجمعة، و إن شاء أربعا، و إن شاء ستا(7).
ص: 105
و استحبّ أبو حنيفة أربعا(1).
لقول الباقر عليه السلام: «الأذان الثالث يوم الجمعة بدعة»(2).
و سمّاه بالثالث - كما هو في عبارة بعض علمائنا(3) - بالنسبة إلى الإقامة.
و لأن النبيّ عليه السلام لم يفعله اتّفاقا، و شرّع للصلاة أذانا واحدا و إقامة، فالزيادة الثالثة بدعة.
و كان الأذان يوم الجمعة حين يجلس الإمام على المنبر على عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، و على عهد أبي بكر و عمر، فلّما كان زمن عثمان كثر الناس، فأمر بالأذان الثالث بالزوراء(4) [1].
و لا اعتبار بما فعله عثمان مخالفة للنبيّ صلّى اللّه عليه و آله.
و قال عطاء: أول من فعله معاوية(5).
قال الشافعي: ما فعله النبيّ صلّى اللّه عليه و آله، و أبو بكر و عمر أحبّ إليّ(6).
إذا عرفت هذا، فإنّه يستحبّ أن يؤذّن بعد جلوس الإمام على المنبر، قاله الشافعي، قال: و أن يكون المؤذّن واحدا، لأنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله
ص: 106
كان له مؤذّن واحد(1).
و عندي فيهما إشكال.
إذا ثبت هذا، فإنّ الأذان لصلاة العصر يوم الجمعة مكروه، بل إذا فرغ من الظهر صلّى العصر بغير أذان، للمشقّة بالحضور إلى الجامع، و الإعلام قد حصل.
إذا ثبت هذا، فالأقرب أنّه لا يستحبّ حكاية هذا الأذان لو وقع، إذ الأمر بالحكاية ينصرف إلى المشروع. و كذا أذان المرأة، و الأذان المكروه كأذان العصر يوم الجمعة و يوم عرفة و مزدلفة.
و الوجه: استحباب حكاية أذان الفجر لو وقع قبله و إن استحبّ إعادته بعده، و أذان من أخذ عليه اجرة و إن حرمت، دون أذان المجنون و الكافر.
بالنص و الإجماع.
قال اللّه تعالى وَ ذَرُوا الْبَيْعَ (2) و الأمر للوجوب، و النهي للتحريم.
و لا خلاف بين العلماء في تحريمه.
و النداء الذي يتعلّق به التحريم هو النداء الذي يقع بعد الزوال و الخطيب جالس على المنبر، قاله الشيخ رحمه اللّه - و به قال الشافعي و عمر بن عبد العزيز و عطاء و الزهري(3) - لأنّه تعالى علّق التحريم بالنداء، و إنّما ينصرف إلى الأذان الذي فعله النبيّ صلّى اللّه عليه و آله، دون الوقت، فينتفي التحريم قبل النداء(4).
ص: 107
و قال مالك و أحمد: إذا زالت الشمس حرم البيع جلس الإمام أو لم يجلس(1).
و ليس بجيّد، لما تقدّم.
أ - لو جوّزنا الخطبة قبل الزوال - كما ذهب إليه بعض علمائنا(2) - لم يسغ الأذان قبله مع احتماله.
و متى يحرم البيع حينئذ؟ إن قلنا بتقديم الأذان، حرم البيع معه - و به قال أحمد(3) - لأنّ المقتضي - و هو سماع الذكر - موجود. و إلاّ فإشكال ينشأ:
من تعليق التحريم بالنداء، و من حصول الغاية.
لما فيه من التشاغل عن التأهّب للجمعة، و به قال الشافعي(4).
و عند أحمد و مالك أنّه محرّم(5). و قد تقدّم.
إن منع، و إلاّ فلا.
د - لو تبايعا بعد السعي حال الأذان فإشكال، و بالجملة لو لم يمنع البيع من سماع الخطبة، أو منع و قلنا بعدم الوجوب و منع تحريم الكلام فالوجه:
التحريم، للعموم(6).
ص: 108
دون غيرهم، كالنساء و الصبيان و المسافرين و غيرهم عند علمائنا، و به قال الشافعي(1).
و عن أحمد رواية بالتحريم(2).
و قال مالك: يمنع العبيد كالأحرار أيضا(3).
و ليس بمعتمد، لأنّ النهي عن البيع متوجّه إلى من أمر بالسعي.
و لو كانوا في قرية لا جمعة على أهلها، لم يحرم البيع و لا كره أيضا إجماعا.
إجماعا، و هل يحرم على الآخر؟ قال الشيخ: إنّه يكره، لأنّ فيه إعانة على فعل محرّم، و هو يقتضي التحريم، لقوله تعالى وَ لا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَ الْعُدْوانِ (4)(5).
و الوجه عندي: التحريم في حقّه أيضا، للآية(6) ، و به قال الشافعي(7).
و الصحّة(1) - و به قال الشافعي و أبو حنيفة(2) - لأنّ النهي في المعاملات لا يقتضي الفساد، بل في العبادات.
و لأنّ البيع غير مقصود بالنهي، فإنّه لو ترك الصلاة و المبايعة، كان عاصيا، و إذا لم يكن مقصودا، فالتحريم لا يمنع انعقاده، كما لو ترك الصلاة المفروضة بعد ضيق الوقت و اشتغل بالبيع، فإنّه يصحّ إجماعا.
ينشأ: من اختصاص النهي بالبيع فلا يتعدّاه. و من المشاركة في العلّة.
فتجب على أهل القرى مع الاستيطان عند علمائنا أجمع - و به قال عمر بن عبد العزيز و مالك و أحمد و إسحاق و الشافعي(3) - لعموم الأمر(4).
و لأنّ ابن عباس قال: إنّ أول جمعة جمّعت بعد جمعة بالمدينة لجمعة جمّعت بجواثا [1] من البحرين من قرى عبد القيس(5).
و من طريق الخاصة: قول الصادق عليه السلام: «إذا كان قوم في قرية صلّوا الجمعة أربع ركعات، فإن كان لهم من يخطب جمّعوا إذا كانوا خمسة
ص: 110
نفر، و إنّما جعلت ركعتين لمكان الخطبتين»(1).
و لأنه بناء استوطنه العدد، فيجب عليهم الجمعة، كأهل المصر.
و قال أبو حنيفة و الثوري: لا تصح إقامة الجمعة إلاّ في مصر جامع، فلا تجب على أهل القرى و السواد، لقول علي عليه السلام: «لا جمعة و لا تشريق إلاّ في مصر جامع»(2)(3).
و نحن نقول بموجبه، فإنّ الاعتبار بكونه جامعا للعدد و الشرائط الباقية، لا بكونه مصرا.
قال أبو يوسف: المصر ما كان فيه سوق، و قاض يستوفي الحقوق، و وال يستوفي الحدود(4).
فإن سافر الإمام فدخل قرية، فإن كان أهلها يقيمون الجمعة، صلّى الجمعة، و إلاّ لم يصلّها.
أو اللّبن، أو السعف و الجريد و الشجر متّصلة البناء، فلو كانت متفرّقة، فإن تقاربت، فكالواحدة، و إن تباعدت، لم تجب الجمعة(1).
و اختلف أصحابه في القرب، فقيل: إذا كان بين منزلين دون ثلاثمائة ذراع، فقريب كما هو قريب في الائتمام.
و قيل: بتجويز القصر عند إرادة السفر، فإن كان البعد بين المنزلين قدرا إذا خرج من منزله بقصد السفر يشترط أن يتجاوزه في استباحة القصر فقريب، و إلاّ فلا(2).
فإن انهدمت أو احترقت، فإن بقي العدد ملازمين ليصلحوها، جمّعوا و إن لم يكونوا تحت ظلال، لأنّهم لم يخرجوا بذلك عن الاستيطان في ذلك المكان.
لا يظعنون عنه إن قحطوا، و لا يرغبون عنه بخصب غيره - و به قال أبو ثور(3) - للعموم(4).
و لأنّ عبد اللّه بن عمر كان يرى أهل المياه بين مكّة و المدينة يجمّعون فلا يعتب(5) عليهم(6).
و قال الشافعي: يجب ذلك إن أوجبنا الجمعة عليهم، لأنّ قبائل العرب كانت حول المدينة فلم ينقل أنّه عليه السلام أمرهم بإقامة الجمعة و لا أقاموها، و لو كان ذلك، لنقل فدلّ على أنّها لا تقام في بادية، بل إن سمعوا النداء
ص: 112
من بلد أو قرية، لزمهم قصدها و إلاّ فلا(1). و هو ممنوع.
إذا عرفت هذا، فإن استوطنوا منزلا ثم سافروا عنه إلى مسافة بعد عشرة أيام فصاعدا لم تجب عليهم الجمعة في مسيرهم بل في مقصدهم إن عزموا إقامة المدّة فيه، و كذا لو سافروا إلى ما دون المسافة، فإنّه تجب عليهم الجمعة في المسافة و المقصد معا.
و لو أقاموا دون عشرة ثم سافروا إلى المسافة، فالوجه: وجوبها عليهم في المسافة و المقصد، لوجوب الإتمام عليهم. و إن كان فيه إشكال ينشأ: من مفهوم الاستيطان هل المراد منه المقام، أو ما يجب فيه التمام ؟
- و به قال أبو حنيفة و أحمد(2) - للامتثال بالإتيان بالجمعة، و لأنّها صلاة شرّع لها الاجتماع و الخطبة، فجاز فعلها خارج المصر كالعيد.
و قال الشافعي: لا يجوز أن يصلّي الإمام الجمعة بأهل المصر خارج المصر، لأنّه موضع يجوز لأهل المصر قصر الصلاة فيه، فلم يجز لهم إقامة الجمعة فيه كالبعيد، بخلاف العيد، لأنّها ليست مردودة من فرض إلى فرض، و هذه مردودة، فجاز أن يختص فعلها بمكان(3).
و تجويز الاختصاص لا يستلزمه.
و نمنع في البعيد أيضا إذا لم يبلغ المسافة، خلافا لأبي حنيفة(4).
ص: 113
و القصر باعتبار السفر لا باعتبار خروجه عن المصر، لأنّ الأصل عدم الاشتراط، و لا نصّ في اشتراطه و لا معنى نصّ.
لو اتّفقا في يوم واحد عدا الإمام، فإنّه يجب عليه الحضور، و غيره يتخيّر، و يستحبّ له إعلامهم ذلك، ذهب إليه علماؤنا، عدا أبا الصلاح(1) - و به قال علي عليه السلام، و عمر و عثمان و سعيد و ابن عمر و ابن عباس و ابن الزبير و الشعبي و النخعي و الأوزاعي و عطاء و أحمد(2) - لأنّه اجتمع على عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، عيدان، فصلّى العيد و خطب فقال: (أيها الناس قد اجتمع عيدان في يوم، فمن أراد أن يشهد الجمعة فليشهد، و من أراد أن ينصرف فلينصرف)(3).
و من طريق الخاصة: قول الصادق عليه السلام: «اجتمع على عهد أمير المؤمنين عليه السلام عيدان، فقال: هذا يوم قد اجتمع فيه عيدان، فمن أحبّ أن يجمّع معنا فليفعل، و من لم يفعل فإنّ له رخصة»(4).
و لأن الجمعة إنّما زادت على الظهر بالخطبة و قد حصل سماعها في العيد، فأجزأ عن سماعها ثانيا.
و لأنّ وقتهما متقارب، فتسقط إحداهما بالأخرى، كالجمعة مع الظهر.
و لأنّه يوم عيد جعل للراحة و اللذّة، فإن أقام المصلّي إلى الزوال، لحقته المشقّة، و إن عاد، لحقته المشقّة أيضا.
ص: 114
و قال أبو الصلاح منّا(1) و باقي الفقهاء من الجمهور: لا تسقط(2) ، للعموم(3).
و لأنّها ليست من فرائض الأعيان فلا يسقط بها ما هو من فرائض الأعيان.
و العموم مخصوص بالأدلّة، و كونها ليست من فرائض الأعيان ممنوع على ما يأتي.
أمّا الإمام فلا يجوز له التخلّف إجماعا طلبا لإقامتها مع من يحضر وجوبا، أو استحبابا.
إنّ الجمعة سيد الأيام
تضاعف فيه الحسنات، و تمحى فيه السيئات، و ترفع فيه الدرجات، و تستجاب فيه الدعوات، و تكشف فيه الكربات، و تقضى فيه الحاجات العظام، و هو يوم المزيد، للّه فيه عتقاء و طلقاء من النار، ما دعا اللّه فيه أحد من الناس و عرف حقّه و حرمته إلاّ كان حقّا على اللّه أن يجعله من عتقائه و طلقائه من النار، فإن مات في يومه و ليلته مات شهيدا، و بعث آمنا، و ما استخفّ أحد بحرمته و ضيّع حقّه إلاّ كان حقّا على اللّه عزّ و جلّ أن يصليه نار جهنم إلاّ أن يتوب»(4).
و قال الصادق عليه السلام: «كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يستحبّ إذا دخل و إذا خرج في الشتاء أن يكون في ليلة الجمعة»(5).
و قال الباقر عليه السلام: «إنّ اللّه تعالى لينادي كلّ ليلة جمعة من فوق
ص: 115
عرشه من أول الليل إلى آخره: ألا عبد مؤمن يدعوني لآخرته و دنياه قبل طلوع الفجر فأجيبه، ألا عبد مؤمن يتوب إليّ من ذنوبه قبل طلوع الفجر فأتوب عليه، ألا عبد مؤمن قد قترت عليه رزقه فيسألني الزيادة في رزقه قبل طلوع الفجر فأزيده و أوسّع عليه، ألا عبد مؤمن سقيم يسألني أن أشفيه قبل طلوع الفجر فأعافيه، ألا عبد مؤمن محبوس مغموم يسألني أن أطلقه من حبسه و أخلّي سربه، ألا عبد مؤمن مظلوم يسألني أن آخذ له بظلامته قبل طلوع الفجر فأنتصر له، و آخذ له بظلامته» قال: «فلا يزال ينادي بهذا حتى يطلع الفجر»(1).
و قال الباقر عليه السلام: «إذا صلّيت العصر يوم الجمعة فقل: اللهم صلّ على محمّد و آل محمد الأوصياء المرضيين بأفضل صلواتك، و بارك عليهم بأفضل بركاتك، و عليهم السلام و على أرواحهم و أجسادهم و رحمة اللّه و بركاته» قال: «من قالها في دبر العصر كتب اللّه له مائة ألف حسنة، و محا عنه مائة ألف سيّئة، و قضى له مائة ألف حاجة، و رفع له بها مائة ألف درجة»(2).
و قال زين العابدين عليه السلام: «جاء أعرابي إلى النبي صلّى اللّه عليه و آله يقال له: قليب، فقال له: يا رسول اللّه إنّي تهيّأت إلى الحجّ كذا و كذا مرّة فما قدّر لي، فقال له: يا قليب عليك بالجمعة فإنّها حجّ المساكين»(3).
و يستحب الصلاة على محمّد و آل محمد عليهم السلام، بأن يقول:
اللهم صلّ على محمّد و آل محمد، و عجّل فرجهم، و أهلك عدوّهم من الجنّ و الإنس من الأولين و الآخرين، مائة مرة، أو ما قدر عليه.5.
ص: 116
و يستحبّ أن يقرأ ليلة الجمعة: بني إسرائيل، و الكهف، و الطواسين الثلاث [1]، و سجدة لقمان [2]، و «حم» السجدة [3]، و «حم» الدخان، و الواقعة.
ص: 117
ص: 118
و فيه مطلبان:
عند علمائنا أجمع - و به قال أبو حنيفة(1) ، إلاّ أنّه لم يسمّها فرضا، و هي منازعة لفظية - لقوله تعالى فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَ انْحَرْ (2).
و المشهور في التفسير: أنّ المراد صلاة العيد(3).
و لأنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله، داوم عليها و لم يخلّ بها في وقت من الأوقات، و لو كانت تطوّعا، لأهملها(4) في بعض الأوقات، ليدلّ بذلك على نفي وجوبها.
و من طريق الخاصة: قول الصادق عليه السلام: «صلاة العيد
ص: 119
فريضة»(1).
و لأنّها لو لم تجب لم يجز قتال تاركيها كسائر السنن، لأنّ القتال عقوبة فلا يتوجّه إلى تارك المندوب.
و لأنّها من شعائر الدين الظاهرة و أعلامه، فتكون واجبة على الأعيان كالجمعة.
و قال أحمد بن حنبل: إنّها واجبة على الكفاية لا على الأعيان - و هو قول للشافعية(2) - لأنّها صلاة سنّ فيها تكبير متكرّر متوال، فكانت واجبة على الكفاية، كصلاة الجنازة(3).
و الملازمة ممنوعة. و لأنّ الأصل في الوجوب عدم السقوط بفعل البعض.
و قال مالك و أكثر الشافعية: إنّها مندوبة لا واجبة، لأنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله ذكر للأعرابي خمس صلوات، فقال: هل عليّ غيرها؟ فقال:
(لا، إلاّ أن تطوّع)(4).
و لأنّها صلاة ذات ركوع لم يسنّ لها الإقامة، فلم تكن واجبة بالشرع ابتداء، كصلاة الاستسقاء(5).
و السقوط عن الأعرابي لا يستلزمه في حقّ غيره، لعدم الاستيطان فيه.4.
ص: 120
و لأنّه سأل عن نفسه.
و يمكن اختصاصه بحال تسقط عنه صلاة العيد، فلا تسقط في حقّ غيره.
و الجامع الذي ذكروه مع الاستسقاء ينتقض بالجنازة و المنذورة، مع أنّه وصف سلبي و الاشتراك في السلوب لا يقتضي الاشتراك في الأحكام.
إلاّ الخطبتين.
و تجبان على كلّ من تجب عليه الجمعة عند علمائنا أجمع - و به قال أبو حنيفة و أحمد في رواية، و الشافعي في القديم(1) - لأنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله، صلاّها مع شرائط الجمعة، و قال عليه السلام: (صلّوا كما رأيتموني أصلّي)(2).
و لأنّ كلّ من أوجبها على الأعيان اشترط ذلك، و قد ثبت الوجوب، فيجب الاشتراط، لعدم الفارق.
و لقول الباقر عليه السلام: «لا صلاة يوم الفطر و الأضحى إلاّ مع إمام»(3).
و لأنّها صلاة عيد، فأشبهت الجمعة، لأنّها أحد العيدين.
و قال الحسن و الشافعي في الجديد، و أحمد في رواية: ليس لها
ص: 121
شرط، فيصلّيها المنفرد و العبد و المسافر و النساء، لأنّ الاستيطان ليس شرطا فيها، فلم تكن من شرطها الجماعة(1).
و الصغرى ممنوعة، فإنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله، لم يصلّها في سفره و لا خلفاؤه.
إذا عرفت هذا، فإنّ الشيخ قال في المبسوط: صلاة العيدين فريضة عند حصول شرائطها، و شرائطها شرائط الجمعة سواء في العدد و الخطبة و غير ذلك(2).
و في هذه العبارة نظر.
إذا ثبت هذا، فلو امتنع من إقامتها مع الشرائط، قهر عليه، و لو امتنع قوم من أدائها، قوتلوا لإقامتها، لأنّها واجبة.
دون استحبابها، بل يستحبّ الإتيان بها جماعة و فرادى، سفرا و حضرا - و به قال الشافعي(3) - لأنّها عبادة فات شرط وجوبها، فاستحبّ الإتيان بها كالحجّ.
و لقول الصادق عليه السلام: «من لم يشهد الجماعة في العيدين فليغتسل و ليتطيّب بما وجد، و ليصلّ وحده كما يصلّي في الجماعة»(4).
و منع أبو حنيفة من فعلها إلاّ مع الجماعة(5).
ص: 122
و عن أحمد روايتان كالجمعة(1).
و الفرق: أنّها بدل عن الظهر، فمع فوات الشرط ينتقل إلى المبدل، بخلاف العيد.
إذا عرفت هذا، فإنّه يصلّيها كما يصلّيها لو كانت واجبة. و لو صلاّها في جماعة، استحبّت الخطبة كما تجب في الواجبة. و لو صلاّها منفردا، فالأقرب: أنّه لا يخطب.
قال الشيخ في المبسوط: و قد روي أنّه إن أراد أن يصلّيها أربع ركعات، جاز(2).
ينشأ: من اتّحادهما في الشرائط. و من كونه شرطا، فإنّ علماءنا عدّوا الشروط و لم يذكروه شرطا بالنصوصية و إن حكموا بالبطلان مع الاقتران و صحّة السابق منهما.
عند علمائنا - و به قال الشافعي(3) - لأنّ عبد اللّه بن بسر صاحب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، خرج في يوم عيد فطر أو أضحى فأنكر إبطاء الإمام، فقال: إنّا كنّا قد فرغنا ساعتنا هذه، و ذلك حين صلاة التسبيح(4).
و من طريق الخاصة: قول الصادق عليه السلام: «ليس في الفطر و لا الأضحى أذان و لا إقامة، أذانهما طلوع الشمس، فإذا طلعت خرجوا»(5).
ص: 123
و قال أحمد: حين ترتفع قدر رمح، لأنّ النافلة تكره قبل ذلك(1). و قد بيّنا وجوبها.
إذا عرفت هذا، فإنّه يستحبّ تأخيرها إلى أن تنبسط الشمس ليتوفّر الناس على الحضور.
و سأل سماعة الصادق عليه السلام، عن الغدوّ إلى المصلّى في الفطر و الأضحى، فقال: «بعد طلوع الشمس»(2).
قال الشيخ في المبسوط: وقت صلاة العيد إذا طلعت الشمس و ارتفعت و انبسطت، فإن كان يوم الفطر أصبح بها أكثر، لأنّ من المسنون يوم الفطر أن يفطر أوّلا على شيء من الحلاوة، ثم يصلّي و في يوم الأضحى لا يذوق شيئا حتى يصلّي و يضحّي، و يكون إفطاره على شيء ممّا يضحّي به(3).
و لأنّ الأفضل إخراج الفطرة قبل الصلاة، فيؤخّرها ليتّسع الوقت لذلك، و الأضحى يقدّمها ليضحّي بعدها، فإنّ وقتها بعد الصلاة.
إلاّ أنّه يزيد فيها خمس تكبيرات في الاولى، و أربعا في الثانية غير تكبيرة الإحرام و تكبيرتي الركوعين، فيكون الزائد تسعا عند أكثر علمائنا(4) ، لأنّ البراء بن عازب قال: كبّر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، في العيد تسعا: خمسا في الاولى، و أربعا في الثانية(5).
و من طريق الخاصة: قول الصادق عليه السلام: «التكبير في الفطر و الأضحى اثنتا عشرة تكبيرة: يكبّر في الاولى، ثم يقرأ، ثم يكبّر بعد القراءة
ص: 124
خمس تكبيرات، و السابعة يركع بها، ثم يقرأ في الثانية و يكبّر أربعا، و الخامسة يركع بها»(1). و مثله عن الكاظم عليه السلام(2).
و قال المفيد و المرتضى: يكبّر في الأولى خمسا زائدة على تكبيرة الإحرام و تكبيرة الركوع، و يقوم إلى الثانية مكبّرا، ثم يقرأ و يكبّر ثلاث مرات و يركع بالرابعة(3).
و قال الشافعي و الأوزاعي و إسحاق: الزائد على تكبيرة الإحرام و تكبيرتي الركوعين اثنتا عشرة تكبيرة: سبع في الاولى، و خمس في الثانية، لقول عائشة: كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، يكبّر في العيدين اثنتي عشرة تكبيرة سوى تكبيرة الافتتاح(4)(5).
و لعلّه و هم من عائشة في العدد بواحد [1].
و قال أحمد: يكبّر في الأولى ستّا غير تكبيرة الإحرام و الركوع، و في الثانية خمسا غير تكبيرة النهوض و الركوع. و هو مروي عن فقهاء المدينة6.
ص: 125
السبعة [1]، و عمر بن عبد العزيز و الزهري و مالك و المزني(1).
و قال أبو حنيفة و الثوري: في كلّ من الاولى و الثانية ثلاث ثلاث، لأنّ أبا موسى روى عن النبي صلّى اللّه عليه و آله، أنّه كان يكبّر في الأضحى، و الفطر أربعا تكبيرة على الجنازة(2)(3).
و ضعّفها الخطّابي(4) ، فلا يعتدّ بها.
و قال ابن عباس و أنس و المغيرة بن شعبة و سعيد بن المسيب و النخعي:
يكبّر سبعا سبعا(5).
في الركعتين معا عند أكثر علمائنا(6) ، لأنّه قنوت في صلاة فرض، فيكون بعد القراءة كالفرائض اليومية.
و لقول الصادق عليه السلام، و قد سأله معاوية بن عمّار عن صلاة العيدين، فقال: «ركعتان يفتتح ثم يقرأ، ثم يكبّر خمس تكبيرات، ثم يكبّر و يركع بالسابعة، ثم يقوم فيقرأ، ثم يكبّر أربع تكبيرات» قال: «و كذا صنع
ص: 126
رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله»(1).
و قال بعض علمائنا: أنّه في الأولى قبل القراءة، و في الثانية بعدها(2) - و به قال أبو حنيفة، و هو رواية عن أحمد، و عن ابن مسعود و حذيفة و أبي موسى و الحسن و ابن سيرين و الثوري(3) - لما روي أنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله، كان يوالي بين القراءتين(4).
و من طريق الخاصة: رواية هشام بن الحكم عن الصادق عليه السلام في صلاة العيدين، قال: «تصل القراءة بالقراءة»(5).
و قال الشافعي و مالك: يكبّر قبل القراءة في الركعتين معا - و عن أحمد روايتان(6) - لرواية عبد اللّه بن عمرو بن العاص عن النبي صلّى اللّه عليه و آله، أنّه كبّر قبل القراءة فيهما(7)(8).
و ما ذكرناه أولى، لموافقتها لباقي الصلوات.
إذا عرفت هذا، فإنّ القائلين بالتقديم اختلفوا، فقال الشافعي: يكبّر للإحرام ثم يدعو بعدها بدعاء الاستفتاح، ثم تكبيرات العيد، ثم يتعوّذ، ثم4.
ص: 127
يقرأ - و به قال أحمد و محمد بن الحسن(1) ، و لا نعرف لأبي حنيفة في ذلك شيئا - لأنّ أبا سعيد الخدري قال: إنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله، كان يتعوّذ قبل القراءة(2).
و لأنّ التعوّذ تابع للقراءة، فلا يفصل بينهما(3).
و عن أحمد رواية: أنّ الاستفتاح بعد التكبيرات. و هو قول الأوزاعي(4).
و قال أبو يوسف: يتعوّذ قبل التكبير، لأنّه عقيب دعاء الاستفتاح في جميع الصلوات(5).
و يدعو بما شاء - و الأفضل ما نقل عن أهل البيت عليهم السلام. و باستحباب الدعاء قال الشافعي و أحمد(6) - لأنّ ابن مسعود قال للوليد بن عقبة و قد سأله عن كيفية الصلاة: يكبّر، و يحمد اللّه، و يثني عليه، و يصلّي على النبي صلّى اللّه عليه و آله(7).
و من طريق الخاصة: قول محمد بن مسلم: سألت أحدهما عليهما السلام، عن الكلام الذي يتكلّم به بين التكبيرتين في العيدين، فقال: «ما
ص: 128
شئت من الكلام الحسن»(1).
و لأنها تكبيرات متكرّرة في حال القيام، فاستحبّ أن يتخلّلها الذكر، كتكبيرات الجنازة.
و نقل عن مالك أنّه قال: يقف بين كلّ تكبيرتين و لا يذكر شيئا(2).
و قال أبو حنيفة: يوالي بين التكبيرات، لأنّ الدعاء لو كان مسنونا، لنقل عن النبي صلّى اللّه عليه و آله، كما نقل عنه التكبير.
و لأنّه ذكر مسنون في محلّ واحد متكرّر، فكان متواليا، كالتسبيح في الركوع و السجود(3).
و النقل موجود، و التسبيح ذكر يخفى و لا يظهر، بخلاف التكبيرات.
لأنّهم أعرف بكيفيات العبادات و ما يناجى به الربّ، لاستفادة علومهم من الوحي.
قال الباقر عليه السلام: «كان أمير المؤمنين عليه السلام إذا كبّر في العيدين قال بين كلّ تكبيرتين: أشهد أن لا إله إلاّ اللّه وحده لا شريك له، و أشهد أنّ محمدا عبده و رسوله صلّى اللّه عليه و آله، اللهم أهل الكبرياء و العظمة، و أهل الجود و الجبروت، و أهل العفو و الرحمة، و أهل التقوى و المغفرة، أسألك في هذا اليوم الذي جعلته للمسلمين عيدا، و لمحمد صلّى اللّه عليه و آله، ذخرا و مزيدا، أن تصلّي على محمد و آل محمد، كأفضل ما صلّيت على عبد من عبادك، و صلّ على ملائكتك و رسلك، و اغفر للمؤمنين و المؤمنات، اللهم إني أسألك من خير ما سألك عبادك المرسلون، و أعوذ بك
ص: 129
ممّا استعاذ منه عبادك المرسلون»(1).
و مثله عن الصادق عليه السلام(2) ، لكن لم يذكر الشهادتين.
و قال الشافعي: يقول: اللّه أكبر كبيرا، و الحمد للّه كثيرا، و سبحان اللّه بكرة و أصيلا، و صلّى اللّه على سيدنا محمد النبي و آله و سلّم تسليما(3).
قال الشيخ في التهذيب: من أخلّ بالتكبيرات، لم يكن مأثوما، لكن يكون تاركا فضلا(4).
و قال في الخلاف: يستحبّ أن يدعو بين التكبيرات بما يسنح له(5).
و يدلّ عليه قول أحدهما عليهما السلام، و قد سئل عن الكلام الذي يتكلّم به بين التكبيرتين في العيدين، فقال: «ما شئت من الكلام الحسن»(6). و به قال الشافعي(7).
و قال بعض علمائنا: بالوجوب(8) ، اتّباعا لما فعله النبي عليه السلام، و تنزيلا لفعله عليه السلام على الواجب، و للفرق بين هذه الصلاة و بين الفرائض اليومية.
إذا عرفت هذا، فإنّه لا يأتي بالدعاء بين تكبيرة الافتتاح و التكبير للعيد إن
ص: 130
قلنا بالتقديم - و به قال الشافعي(1) - لأنّ الذكر من سنّة تكبير العيد، و تكبيرة الافتتاح لا يختص بالعيد.
تذنيب: لو نسي التكبير و قلنا بالتقديم حتى شرع في القراءة، فإن قلنا بوجوبه، قطع القراءة و كبّر ثم استأنف القراءة، و إن ذكر بعد الفراغ من القراءة قبل الركوع كبّر.
و هل يعيد القراءة ؟ إشكال ينشأ: من أنّها وقعت موقعها، و من تقديم التكبير.
و للشافعي قولان: ففي القديم: لا يسقط التكبير لو نسيه، و يقطع القراءة و يكبّر، ثم يستأنف القراءة، و لا يبني، لأنّه قطع القراءة بغيرها متعمّدا، و إن ذكر بعد الفراغ كبّر، و لا تجب إعادة القراءة لكن تستحبّ، لتكون القراءة بعد التكبيرات.
و في الجديد: يسقط التكبير(2).
إذا عرفت هذا، فعلى ما اخترناه من تأخير التكبير لو نسيه أو بعضه ثم ذكر قبل الركوع أتى به، لأنّه محلّه. و إن ذكر بعد الركوع، لم يلتفت، لفوات محلّه، و لا يقضيه، سواء قلنا بوجوبه أو استحبابه، عملا بالأصل، و به قال الشافعي(3).
و قال أبو حنيفة: يأتي بها راكعا(4).
و قال الشيخ: يقضيها(5). و الوجه: ما تقدّم.1.
ص: 131
عند علمائنا، و به قال عطاء و أبو حنيفة و الشافعي و أحمد(1) - لأن النبي عليه السلام قال: (لا ترفع الأيدي إلاّ في سبعة مواطن) و ذكر من جملتها تكبيرات العيد(2).
و من طريق الخاصة: قول يونس: سألته عليه السلام عن تكبير العيدين، فقال: «يرفع يديه مع كلّ تكبيرة»(3).
و لأنّه تكبير في الصلاة، فاستحبّ رفع اليدين به(4) ، كاليومية.
و قال مالك و الثوري: لا يرفعهما في غير تكبيرة الإحرام، لأنّها تكبيرات في أثناء الصلاة، فأشبهت تكبيرات السجود(5).
و الحكم في الأصل ممنوع، كما تقدّم.
و هو قائم بنى على اليقين.
ب: لو قدّمها على القراءة ناسيا، أعاد على الرواية الأخرى(6) ، لأنّ موضعها باق.
ثم يدرك الإمام، فإن خاف فوت ركوع الإمام كبّر بغير قنوت، فإن خاف الفوت تركها و قضى بعد التسليم عند الشيخ(7). و على ما اخترناه فلا قضاء.
ص: 132
و قال الشافعي: إذا أدرك مع الإمام البعض كبّر ما فاته على القديم من أنّه لا يسقط التكبير لو نسيه حتى قرأ - و به قال أبو حنيفة(1) - و كذا لو أدركه و هو يقرأ فإنّه يكبّر، و على الجديد: لا يكبّر ما فاته(2).
و لا يقضي التكبير - و به قال الشافعي و أحمد و أبو يوسف(3) - لأنّه ذكر فات محلّه، فيفوت بفواته، كذكر الركوع.
و على قول الشيخ: يقضي. و به قال أبو حنيفة و محمد.
لكن الشيخ يقول: يقضي بعد الصلاة التكبير(4). و أبو حنيفة و محمد يقولان: يقضيه في الركوع، لأنّ الركوع بمنزلة القيام، لأنّه يدرك به الركعة(5).
و هو ممنوع، لتغاير الفعلين.
عند من قال بالتقديم، ثم شكّ هل نوى مع التكبيرة الأولى نية الافتتاح أم لا، فالوجه: أنّه لا يلتفت، لأنّه شكّ في شيء بعد انتقاله عنه.
و قال الشافعي: لم يكن داخلا في الصلاة، فيكبّر و ينوي الافتتاح(6).
فإن شك هل نوى مع الأولى أو مع الأخيرة، بنى على أنّه نوى مع الاولى، لما تقدّم.
ص: 133
و عند الشافعي يبني على أنّه نوى مع الأخيرة(1).
ممّن يوجبها في الصلوات، و تجب سورة أخرى في كلّ ركعة و لا يجب تعيينها إجماعا كغيرها من الصلوات، لكن اختلفوا في الأفضل، فلعلمائنا قولان:
أحدهما: أنّه يقرأ في الأولى بعد الحمد «الأعلى» و في الثانية بعدها «الشمس»(2) ، لقول الباقر عليه السلام: «يقرأ في الأولى: سبّح اسم ربّك الأعلى، و في الثانية: و الشمس و ضحاها»(3).
و الثاني: في الأولى ب «الشمس» و في الثانية ب «الغاشية»(4) ، لرواية معاوية بن عمّار قال: سألته، إلى أن قال: «ثم يقرأ فاتحة الكتاب، ثم يقرأ: و الشمس و ضحاها» ثم قال: «ثم يقوم فيقرأ: فاتحة الكتاب، و هل أتاك حديث الغاشية»(5).
و للشيخ كالقولين(6).
و قال الشافعي: في الأولى ب «ق» و في الثانية ب «القمر» لقول أبي واقد لمّا سأله عمر عن قراءة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، في العيدين: كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، يقرأ ب «ق و القرآن المجيد» و «اقتربت
ص: 134
و قال مالك و أحمد: يقرأ في الأولى ب «سبّح اسم» و في الثانية ب «الغاشية» لرواية نعمان بن بشير: أنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله، كان يقرأ بذلك في العيدين و الجمعة(3)(4).
و قال أبو حنيفة: ليس بعض السور أولى من بعض، لقوله تعالى:
فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ (5) (6) .
و فعل النبي صلّى اللّه عليه و آله، غير ما ذكرناه لا ينافي ما قلناه من الاستحباب. و المراد من الآية: صلّوا ما تيسّر من الصلاة.
لأنّ النبي عليه السلام فعل ذلك.
و نقل الجمهور عن علي عليه السلام: أنّه كان إذا قرأ في العيد أسمع من يليه، و لم يجهر ذلك الجهر(7).
و من طريق الخاصة: قول الصادق عليه السلام: «يجهر الإمام
ص: 135
بالقراءة»(1).
و لأنّها صلاة عيد، فأشبهت الجمعة.
و يستحبّ أن يدعو بدعاء الاستفتاح عقيب تكبيرة الإحرام، و هو:
«وجّهت وجهي للذي فطر السماوات و الأرض» إلى آخره، كغيرها من الفرائض، فإذا فرغ تعوّذ ثم قرأ.
و قد أجمع المسلمون كافّة على أنّهما بعد الصلاة إلاّ بني أميّة، فإنّ عثمان و مروان و ابن الزبير خطبوا قبل الصلاة(2). و هو خلاف الإجماع، و مخالفة لسنّة النبي عليه السلام، و سنّة خلفائه.
و روى طارق بن شهاب قال: قدّم مروان الخطبة قبل الصلاة، فقام رجل فقال: خالفت السنّة، كانت الخطبة بعد الصلاة. فقال: ترك ذاك يا أبا فلان، فقال أبو سعيد الخدري: أمّا هذا فقد قضى ما عليه، سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقول: (من رأى منكم منكرا فلينكره بيده، فمن لم يستطع فلينكره بلسانه، فمن لم يستطع فلينكره بقلبه، و ذلك أضعف الإيمان)(3).
و من طريق الخاصة: قول الصادق عليه السلام: «الخطبة بعد الصلاة، و إنّما أحدثها قبل الصلاة عثمان»(4).
ص: 136
بإجماع العلماء إلاّ أنّه ينبغي أن يذكر في خطبته ما يتعلّق بالفطرة و وجوبها، و شرائطه، و قدر المخرج، و جنسه، و مستحقّه، و وقته. و في الأضحى: حال الأضحية و ما يتعلّق بها، و استحبابها، و ما يجزئ فيها، و وقت ذبحها، و كيفية تفريقها، و غير ذلك، لأنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله، قال في خطبته: (من ذبح قبل أن يصلّي فإنّما هو شاة لحم عجّله لأهله، ليس من النسك في شيء، و من ذبح قبل الصلاة فليذبح مكانها اخرى، و من ذبح بعد الصلاة فقد تمّ نسكه، و قد أصاب سنّة المسلمين)(1).
لأنّ جابرا قال: خرج رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، يوم فطر أو أضحى، فخطب قائما ثم قعد ثم قام(2).
و من طريق الخاصة: قول أحدهما عليهما السلام: «الصلاة قبل الخطبتين، يخطب قائما، و يجلس بينهما»(3).
و لأنّها صلاة عيد، فأشبهت خطبة الجمعة.
لما تقدّم من الحديثين(4).
و هل القيام و الجلوس بينهما واجبان ؟ إشكال ينشأ: من أصالة البراءة، و من الأمر بالقيام، و هو ظاهرا للوجوب.
و قد روى الجمهور عن علي عليه السلام، أنّه صلّى يوم عيد فبدأ
ص: 137
بالصلاة قبل الخطبة، ثم خطب على دابته(1).
كما قلنا في الجمعة، فإذا سلّم فهل يجلس جلسة خفيفة قبل الخطبة ؟ احتمال ينشأ: من المساواة لخطبة الجمعة فيجلس للاستراحة عن تعب الصعود، و للتأهّب للخطبة و تأهّب الناس لاستماعها. و من أنّ الجلوس في الجمعة لانتظار الأذان، و هو منفي هنا.
و ظاهره: عدم استحباب التكبير و إن كان التكبير في نفسه حسنا، إلاّ أنّ المنع من اعتقاد مشروعيته هنا بالخصوصية.
و قال الشافعي: أول ما يبدأ في الخطبة الأولى بالتكبير تسع مرات، و في الثانية سبع مرات نسقا(2).
قال أصحابه: و ليس التكبير من الخطبة(3).
للأمر، و هو للوجوب.
و قال الجمهور: بالاستحباب(4).
- و لهذا أخّرتا عن الصلاة ليتمكّن المصلّي من تركهما - بل يستحبّ.
روى عبد اللّه بن السائب أنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله، قال بعد صلاته:
(إنّا نخطب، فمن أحبّ أن يجلس للخطبة فليجلس، و من أحبّ أن يذهب
ص: 138
فليذهب)(1).
كالرجال، لأنّ النبي عليه السلام، لمّا صلّى العيد قام متوكّئا على بلال، فأمر بتقوى اللّه، و حثّ على طاعته، و وعظ الناس فذكّرهم، ثم مضى حتى أتى النساء فوعظهنّ و ذكّرهن(2).
و من طريق الخاصة: ما روت أمّ عطية، قالت: كنّا نؤمر أن نخرج يوم العيد حتى نخرج البكر و الحيّض يرجون بركة ذلك اليوم(3).
إذا عرفت هذا، فالأولى بالشوابّ أن لا يخرجن من بيوتهنّ، لقول الصادق عليه السلام: «لا يخرجن، و ليس على النساء خروج، أقلّوا لهنّ من الهيئة حتى لا يسألن الخروج»(4).
و قد وردت رخصة بذلك للتعرّض للرزق.
روى عبد اللّه بن سنان قال: إنّما رخّص رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، للعواتق في الخروج في العيدين للتعرّض للرزق(5).
ص: 139
- و قد تقدّم(1) - بلا خلاف، لأنّ عليا عليه السلام كان يغتسل في الفطر و الأضحى(2).
و وقته بعد طلوع(3) الفجر، لأنّه مضاف إلى اليوم، و هو أحد قولي الشافعي و أحمد.
و الثاني لهما: يجوز قبل الفجر، لأنّ الصلاة تفعل بعد طلوع الشمس، فيضيّق وقته، بخلاف الجمعة(4).
و نمنع التضيّق.
و للشافعي قولان على التقديم: هل يجوز من أول الليل أو بعد نصفه ؟(5).
و نحن عندنا يستحبّ غسلان: أحدهما ليلا، و الثاني نهارا.
و يستحبّ لمن يريد حضور العيد و من لا يريده إجماعا، لأنّه يوم زينة، بخلاف الجمعة عند من خصّصه بالحضور، لأنّه للاجتماع خاصة.
و يتعمّم شتاء و صيفا بالإجماع.
قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: (ما على أحدكم أن يكون له ثوبان سوى ثوبي مهنته لجمعته وعيده)(6).
ص: 140
و من طريق الخاصة: قول الصادق عليه السلام، في قوله تعالى:
خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ (1) قال: «العيدان و الجمعة»(2).
و قال عليه السلام: «يجهر الإمام بالقراءة، و يعتمّ شاتيا و قائظا» و قال:
«إنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله، كان يفعل ذلك»(3).
إلاّ بمكّة عند علمائنا - و به قال علي عليه السلام، و الأوزاعي و أحمد و ابن المنذر و أصحاب الرأي(4) - لأنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله، كان يخرج إلى المصلّى، و يدع مسجده(5).
و لا يترك النبي عليه السلام، الأفضل مع قربه، و يتكلّف فعل الناقص مع بعده. و لم ينقل أنّه عليه السلام، صلّى العيد بمسجده إلاّ لعذر(6).
و لأنّه إجماع المسلمين، فإنّ الناس في كلّ عصر و مصر يخرجون إلى المصلّى، فيصلّون العيد مع سعة المساجد و ضيقها، و كان النبي صلّى اللّه عليه و آله، يصلّي في المصلّى(7) ، مع شرف مسجده.
و قيل لعلي عليه السلام: قد اجتمع في المسجد ضعفاء الناس فلو
ص: 141
صلّيت بهم في المسجد، فقال: «أخالف السنّة إذا، و لكن نخرج إلى المصلّى» و استخلف من يصلّي بهم في المسجد أربعا(1).
و من طريق الخاصة: قول الصادق عليه السلام: «يخرج الإمام البرّ حيث ينظر إلى آفاق السماء، و قد كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، يخرج إلى البقيع فيصلّي بالناس»(2).
و أما استثناء مكّة: فلقول الصادق عليه السلام: «السنّة على أهل الأمصار أن يبرزوا من أمصارهم في العيدين، إلاّ أهل مكّة فإنّهم يصلّون في المسجد(3)(4)».
و لتميّزه عن غيره من المساجد بوجوب التوجّه إليه من جميع الآفاق، فلا يناسب الخروج عنه.
و قال الشافعي: إن كان مسجد البلد واسعا، كانت الصلاة فيه أولى، لأنّ أهل مكّة يصلّون في المسجد الحرام، و لأنّ المسجد خير البقاع و أطهرها، و إن كان ضيّقا لا يسع الناس، خرج إلى المصلّى(5).
و نحن قد بيّنّا استحباب الصلاة بمكّة في مسجدها دون غيرها.
و لو كان هناك مطرا، استحبّ أن يصلّي في المسجد، لأنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله، صلّى في مسجده يوم مطر(6).5.
ص: 142
إذا ثبت هذا، فإنّه لا ينبغي للإمام أن يخلّف أحدا يصلّي العيدين في المساجد بضعفة الناس، لأنّ العاجز تسقط عنه، فيصلّيها مستحبا.
و لقول الباقر عليه السلام: «قال الناس لأمير المؤمنين عليه السلام: ألا تخلّف رجلا يصلّي العيدين بالناس ؟ فقال: لا أخالف السنّة»(1).
و قال الشافعي: يستحب ذلك، لأنّ عليّا عليه السلام، استخلف أبا مسعود يصلّي بهم في المسجد(2).
و هو ممنوع، لأنّ عليّا عليه السلام، قيل له: لو أمرت من يصلّي بضعفة الناس هونا [1] في المسجد الأكبر، قال: «إنّي إن أمرت رجلا يصلّي أمرته أن يصلّي بهم أربعا» رواه الجمهور(3).
ذاكرا، بإجماع العلماء، لأنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله، لم يركب في عيد و لا جنازة(4).
و قال علي عليه السلام: «من السنّة أن تأتي العيد ماشيا، و ترجع ماشيا»(5).
و أن يكون حافيا، لأنّه أبلغ في الخضوع، لأنّ بعض الصحابة كان يمشي إلى الجمعة حافيا، و قال: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله،
ص: 143
يقول: (من اغبرّت قدماه في سبيل اللّه حرّمهما اللّه على النار)(1).
و مشى الرضا عليه السلام، إلى المصلّى حافيا(2).
و لو كان هناك عذر يمنع المشي، جاز الركوب إجماعا.
و في العود يستحبّ المشي أيضا إلاّ من عذر، لأنّ النبي عليه السلام كان يخرج إلى العيد ماشيا و يرجع ماشيا(3). و لما تقدّم(4) في حديث علي عليه السلام.
لأنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله، كان يخرج يوم الفطر و الأضحى، فأول شيء يبدأ به الصلاة(5).
و من طريق الخاصة: قول الصادق عليه السلام: «فإذا طلعت خرجوا»(6).
و قال سماعة: سألته عن الغدوّ إلى المصلّى في الفطر و الأضحى، فقال: «بعد طلوع الشمس»(7).
و قال الشافعي: يستحبّ لغير الإمام التبكير ليأخذ الموضع(8).
و يستحبّ أن يسجد على الأرض، لأنّ الصادق عليه السلام، أتي بخمرة يوم الفطر فأمر بردّها، و قال: «هذا يوم كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه
ص: 144
و آله يحبّ أن ينظر إلى آفاق السماء، و يضع جبهته على الأرض»(1).
فيأكل شيئا من الحلوة، و بعد عوده في الأضحى ممّا يضحّي به - و هو قول أكثر العلماء(2) - لأنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله، كان لا يخرج يوم الفطر حتى يطعم، و لا يطعم يوم الأضحى حتى يرجع(3).
و قال ابن المسيّب: كان المسلمون يأكلون يوم الفطر قبل الصلاة و لا يفعلون ذلك يوم النحر(4).
و من طريق الخاصة: قول الصادق عليه السلام: «أطعم يوم الفطر قبل أن تصلّي و لا تطعم يوم الأضحى حتى ينصرف الإمام»(5).
و لأنّ الصدقة قبل الصلاة فاستحبّ الأكل ليشارك المساكين فيه، بخلاف الأضحى، لأن الصدقة فيه بالأضحية بعدها.
و لأنّ الفطر واجب، فاستحبّ تعجيله، لإظهار المبادرة إلى طاعة اللّه تعالى، و ليتميز عمّا قبله من وجوب الصوم و تحريم الأكل، بخلاف يوم النحر حيث لم يتقدّمه صوم واجب و تحريم الأكل، فاستحبّ تأخير الأكل منه ليتميّز عن الفطر.
و قال أحمد: إن كان له ذبح، أخّر و إلاّ فلا يبالي أن يطعم قبل خروجه(6).
ص: 145
و ليس بشيء.
نعم لو لم يقدر على الصبر، جاز أن يطعم قبل الخروج، للعذر.
قال الباقر عليه السلام: «لا تأكل يوم الأضحى إلاّ من أضحيتك إن قويت، و إن لم تقو فمعذور»(1).
إذا ثبت هذا فإنه يستحبّ أن يأكل في الفطر شيئا من الحلوة، لأنّ النبي عليه السلام قلّما كان يخرج يوم الفطر حتى يأكل تمرات ثلاثا أو خمسا أو سبعا، و أقلّ من ذلك أو أكثر(2).
عند علمائنا أجمع، و هو قول علماء الأمصار(3) ، لأنّ جابر بن سمرة قال: صلّيت مع النبي صلّى اللّه عليه و آله، غير مرّة و لا مرّتين بغير أذان و لا إقامة(4).
و من طريق الخاصة: قول إسماعيل بن جابر: سألت الصادق عليه السلام صلاة العيدين هل فيهما أذان و إقامة ؟ قال: «لا، و لكن ينادى:
الصلاة، ثلاث مرّات»(5).
و روي أنّ ابن الزبير أذّن و أقام لصلاة العيدين(6).
قال ابن المسيّب: أوّل من أذّن لصلاة العيد معاوية(7) ، لأنّها صلاة يسنّ لها الاجتماع، فسنّ لها الأذان، كالجمعة.
ص: 146
و هو غلط، لأنّه قياس مناف للإجماع.
الأوّل: ينبغي أن يقول المؤذّن عوض الأذان: الصلاة، ثلاثا، لما تقدّم(1) في حديث الصادق عليه السلام، و به قال الشافعي و أكثر الفقهاء(2).
و قال أحمد: لا يستحبّ شيء من الألفاظ، لقول جابر: لا أذان و لا إقامة يوم الفطر، و لا نداء، و لا شيء، لا نداء يومئذ و لا إقامة(3)(4).
و هو مصروف إلى النداء المعهود للصلاة، و هو الأذان.
و قول جابر ليس حجّة، بل ضدّه أولى، لأنّ التنبيه على الصلاة مطلوب للشارع، إذ قد يخفى اشتغال الإمام بالصلاة.
الثاني: لو قال: الصلاة جامعة، أو: هلمّوا إلى الصلاة، جاز، لكن الأفضل أن يتوقّى ألفاظ الأذان، مثل: حيّ على الصلاة.
مسألة 455: لا ينقل المنبر من موضعه، بل يعمل منبر من طين، لأنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله، لم ينقله.
و قال الصادق عليه السلام: «لا يحرّك المنبر من موضعه، و لكن يصنع شبه المنبر من طين يقوم عليه فيخطب الناس»(5).
و عليه إجماع العلماء.
قال الشافعي و مالك و أحمد و أبو حنيفة في رواية(1) - لقوله تعالى وَ لِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَ لِتُكَبِّرُوا اللّهَ عَلى ما هَداكُمْ (2).
قال المفسّرون: لتكملوا عدّة صوم رمضان، و لتكبّروا اللّه عند إكماله على ما هداكم(3).
و لأنّ عبد اللّه بن عمر روى أنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله، كان يخرج يوم الفطر و الأضحى رافعا صوته بالتكبير(4).
و من طريق الخاصة: قول الصادق عليه السلام: «أما إنّ في الفطر تكبيرا و لكنه مسنون(5)(6)».
و كان علي عليه السلام يكبّر، و كذا باقي الصحابة(7).
و قال بعض علمائنا: بوجوبه - و به قال داود الظاهري(8) - للآية(9) - (10).
و ليست أمرا، بل هي إخبار عن إرادته تعالى في قوله تعالى يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَ لا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَ لِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَ لِتُكَبِّرُوا اللّهَ عَلى ما هَداكُمْ (11).85
ص: 148
و لأنّه تكبير شرّع يوم عيد، فلا يكون واجبا، كالتكبير في الأضحى.
و قال أبو حنيفة: لا يكبّر في الفطر - و قال النخعي: إنّما يفعل ذلك الحوّاكون(1) - لأنّ ابن عباس سمع التكبير يوم الفطر، فقال: ما شأن الناس ؟ فقلت: يكبّرون. فقال: أ مجانين الناس ؟!(2).
و لا حجة فيه، لمعارضته فعل النبي صلّى اللّه عليه و آله، و فعل علي عليه السلام، و باقي الصحابة.
على أنّ ابن عباس كان يقول: يكبّرون مع الإمام و لا يكبّرون منفردين(3). و هو خلاف ما قالوه.
و قال الشافعي: أوّله إذا غربت الشمس من آخر يوم من شهر رمضان(4).
و به قال سعيد بن المسيّب و عروة بن الزبير و أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث ابن هشام، هؤلاء من الفقهاء السبعة، و هو قول أبي سلمة بن عبد الرحمن و زيد بن أسلم(5). فيندرج فيه ما تقدّم من الصلوات الأربع.
لأنّ التكبير في الأضحى عقيب الصلوات، فيكون الفطر كذلك. و لأنّ التكبير عقيب الفرائض يحصل معه الامتثال، فيكون الزائد منفيا بالأصل.
و لقول الصادق عليه السلام و قد سئل عن التكبير أين هو؟: «في ليلة
ص: 149
الفطر في المغرب و العشاء و الفجر و صلاة العيد»(1).
و لأنّ الغروب سبب لصلاة المغرب، فينبغي تقديمها، فيبقى التكبير عقيبها.
و لأنّ الغروب زمان بين إكمال العدّة و بين صلاة العيد بالنهار.
و قال مالك و الأوزاعي و أبو حنيفة و أصحابه، و أحمد: التكبير يوم الفطر دون ليلته، لما رووه عن علي عليه السلام(2). و هو ممنوع.
و قال أبو ثور و أبو إسحاق من الشافعية: يكبّر إذا غدا إلى المصلّى(3).
و أمّا آخره فصلاة العيد كما تقدّم، فإنّه يكبّر عقيبها كما قلناه على الأشهر.
و زاد ابن بابويه: عقيب ظهر العيد و عصره أيضا(4).
و للشافعي أربعة أقوال: أحدها: آخره خروج الإمام إلى الصلاة. نقله المزني.
و ثانيها رواية البويطي: آخره افتتاح الإمام الصلاة.
و ثالثها قال في القديم: حتى ينصرف الإمام من الصلاة.
الرابع رواية أبي حامد: حتى ينصرف الإمام من الصلاة و الخطبتين(5).
ثم قسّم الشافعي التكبير إلى مطلق في جميع الأحوال و هو مستحب،3.
ص: 150
و إلى مقيّد مختص بأدبار الصلوات.
و في استحبابه وجهان: الاستحباب، لأنّ كلّ زمان استحبّ فيه التكبير المرسل استحبّ فيه التكبير المختص بأدبار الصلوات كالأضحى. و عدمه، لأنّه لم يرو عن النبي صلّى اللّه عليه و آله، أنّه فعله. و قد بيّنّا أنّه مستحبّ.
و على تقدير الاستحباب قال: إنّه يستحبّ في ثلاث صلوات خاصة:
المغرب و العشاء ليلة الفطر، و صبح الفطر(1).
إذا عرفت هذا، فإنّه يستحبّ رفع الصوت به، لأنّ فيه إظهارا لشعائر الإسلام، و تذكيرا للغير.
أوّلها: ظهر النحر، و آخرها: صبح الثالث من أيام التشريق عند علمائنا أجمع - و هو أحد أقوال الشافعي، و به قال عثمان و زيد بن ثابت و ابن عمر، و أبو سعيد الخدري و ابن عباس و مالك(2) - لقوله تعالى وَ اذْكُرُوا اللّهَ فِي أَيّامٍ مَعْدُوداتٍ (3) و هي أيام التشريق، و ليس فيها ذكر مأمور به سوى التكبير، و عرفة ليس منها.
و لأنّ عليا عليه السلام بدأ بالتكبير(4) كما قلناه.
و لأنّ الناس تبع للحاج، و الحاج يقطعون التلبية مع أوّل حصاة، و يكبّرون مع الرمي، و إنّما يرمون يوم النحر، فأوّل صلاة بعد ذلك الظهر، و آخر صلاة يصلّون بمنى فجر الثالث من أيام التشريق.
و قول الصادق عليه السلام: «التكبير في أيام التشريق عقيب صلاة
ص: 151
الظهر يوم النحر، ثم يكبّر عقيب كلّ فريضة إلى صبح الثالث من أيام التشريق»(1).
و القول الثاني للشافعي: عقيب المغرب ليلة النحر إلى صبح الثالث(2) من أيام التشريق، و ذلك ثماني عشرة صلاة، لأنّ التكبير في الفطر عقيب المغرب، فكذا الأضحى(3).
و الثالث: بعد الصبح يوم عرفة إلى العصر من آخر أيام التشريق ثلاث و عشرون صلاة(4).
و رواه الجمهور عن علي عليه السلام، و عن عمر، و به قال الثوري و أحمد و إسحاق و أبو ثور و محمد و ابن المنذر(5) ، لأنّ جابر بن عبد اللّه قال:
صلّى النبي صلّى اللّه عليه و آله، الصبح يوم عرفة، ثم أقبل علينا، فقال:
(اللّه أكبر اللّه أكبر) و مدّ التكبير إلى العصر من آخر أيام التشريق(6).
و قال الأوزاعي: يكبّر من يوم النحر إلى الظهر من اليوم الثالث. و به قال المزني و يحيى بن سعيد الأنصاري(7).
و قال داود: يكبّر من الظهر من يوم النحر إلى العصر من آخر أيام التشريق(8).3.
ص: 152
و قال أبو حنيفة: يكبّر عقيب الصبح من يوم عرفة إلى العصر من يوم النحر ثمان صلوات. و هو مروي عن ابن مسعود، لقوله تعالى وَ يَذْكُرُوا اسْمَ اللّهِ فِي أَيّامٍ مَعْلُوماتٍ (1) قالوا: و المعلومات هي العشر. و أجمعنا على أنّ فيما قبل عرفة لا يكبّر، فيجب أن يكبّر يوم عرفة و يوم النحر(2).
و هو ممنوع، فإنّ المراد بذلك التكبير على الهدي في أيام العشر، أو الذكر على الأضحية.
أوّلها: ظهر النحر، و آخرها: صبح الثاني من أيام التشريق - و لم يفرّق أحد من الجمهور بين من كان بمنى و غيرها - لقول الصادق عليه السلام:
«التكبير في الأمصار عقيب عشر صلوات، فإذا نفر الحاج النفر الأوّل، أمسك أهل الأمصار، و من أقام بمنى فصلّى الظهر و العصر فليكبّر»(3).
و لأنّ الناس في التكبير تبع الحاج، و مع النفر الأول يسقط التكبير، فيسقط عمّن ليس بمنى.
و في وجوب هذا التكبير لعلمائنا قولان(4) ، أقواهما: الاستحباب، لأصالة البراءة.
فقال الشيخ في المبسوط:
يكبّر مرّتين، ثم يقول: لا إله إلاّ اللّه، و اللّه أكبر، اللّه أكبر على ما هدانا، و للّه الحمد، و الحمد للّه على ما هدانا، و له الشكر على ما أولانا.
ص: 153
و يزيد في الأضحى: «و رزقنا من بهيمة الأنعام»(1).
و في الخلاف: يكبّر مرّتين ثم يقول: لا إله إلاّ اللّه، و اللّه أكبر، اللّه أكبر، و للّه الحمد و هو إحدى الروايتين عن علي عليه السلام، و به قال ابن مسعود و الثوري و أبو حنيفة و أحمد(2) - لأنّ التكبير إذا توالى، كان شفعا، كالأذان و تكبير الجنازة.
و لأنّ جابرا قال: لمّا صلّى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، صبح عرفة أقبل على أصحابه، فقال: (على مكانكم) ثم قال: (اللّه أكبر اللّه أكبر لا إله إلاّ اللّه و اللّه أكبر و للّه الحمد)(3)(4).
و قال ابن بابويه: كان علي عليه السلام يبدأ بالتكبير في الأضحى إذا صلّى الظهر يوم النحر، و يقطع عند الغداة من أيام التشريق، يقول في دبر كلّ صلاة: «اللّه أكبر اللّه أكبر لا إله إلاّ اللّه و اللّه أكبر و للّه الحمد»(5).
و قال البزنطي: يكبّر في الأضحى ثلاثا(6). و به قال الشافعي و مالك، لأنّ جابرا صلّى في أيام التشريق فقال: اللّه أكبر اللّه أكبر اللّه أكبر، ثلاثا.
و لا يقوله إلاّ توقيفا.
و لأنّ التكبير إذا كان بشعار العيد كان وترا كتكبير الصلاة(7).
و القول عن الرسول صلّى اللّه عليه و آله، أولى من الفعل.5.
ص: 154
قال الشافعي: و ما زاد فحسن، فإن زاد زيادة فليقل بعد التكبيرات الثلاث: اللّه أكبر كبيرا، و الحمد للّه كثيرا، و سبحان اللّه بكرة و أصيلا، لا إله إلاّ اللّه لا نعبد إلاّ إيّاه مخلصين له الدين و لو كره الكافرون، لا إله إلاّ اللّه وحده لا شريك له، صدق وعده، و نصر عبده، و هزم الأحزاب وحده، لا إله إلاّ اللّه و اللّه أكبر، لأنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله، قاله على الصفا في حجة الوداع(1).
و ما قلناه أولى، للنقل عن أهل البيت عليهم السلام و هم أعرف.
قال الباقر عليه السلام: «يقول في أيام التشريق: اللّه أكبر، اللّه أكبر، لا إله إلاّ اللّه، و اللّه أكبر، اللّه أكبر على ما هدانا، و اللّه أكبر على ما رزقنا من بهيمة الأنعام»(2).
و لا يتابعه في التكبير، لأنّ الإمام يكبّر بعد خروجه، فإذا أتمّ المأموم صلاته كبّر عقيبها.
صبح الثالث أو الثاني. و لأنّها نوافل فلا يكبّر(1) عقيبها كنوافل يوم عرفة.
و قال الشافعي: يكبّر عقيب النوافل أيضا، لأنّها صلاة مفعولة يوم النحر، فكان التكبير مستحبا عقيبها كالفرائض(2).
و به رواية عندنا عن علي عليه السلام أنّه قال: «على الرجال و النساء أن يكبّروا أيام التشريق في دبر الصلوات و على من صلّى وحده و من صلّى تطوّعا»(3).
كالجامع، و لمن صلّى في سفر أو حضر، في بلد كان أو في قرية، صغيرا كان المصلّي أو كبيرا، رجلا كان أو امرأة عند علمائنا - و به قال مالك و الأوزاعي و قتادة و الشعبي و الشافعي(4) - لعموم الأخبار.
و قول علي عليه السلام: «و على من صلّى وحده»(5).
و لأنّ كلّ ذكر يستحب للمسبوق يستحبّ للمنفرد كالتسليمة الثانية. و لأنّ المنفرد يؤذّن و يقيم كالجماعة.
و قال أبو حنيفة: المنفرد يكبّر(6) ، لأنّ عمر لم يكبّر لمّا صلّى وحده أيام التشريق(7). و لقول ابن مسعود: ليس على الواحد و الاثنين أيام التشريق
ص: 156
تكبير(1). و قولهما ليس حجّة.
و إن فاتت أيام التشريق، لقولهم عليهم السلام: «من فاتته صلاة فليقضها كما فاتته»(2) و قد فاتته صلاة يكبّر عقيبها فقضاؤها كذلك.
و قال الشافعي: لا يكبّر، لأنّ التكبير من سنّة الوقت و قد فات(3).
فإن ترك الإمام التكبير، كبّر هو.
- و به قال الشافعي(4) - لأنّه من هيئات أيام التشريق، و لهذا لا يأتي به عقيب غيرها.
و قال أبو حنيفة: إذا سلّم و نسي التكبير، فإن تحدّث قبل التكبير، أو خرج من المسجد، أو أحدث عامدا، لم يكبّر، و إن ذكر قبل أن يحدّث، كبّر. و لو ذكر قبل أن يخرج من المسجد، عاد إلى مكانه و جلس فيه كما يجلس للتشهد، و كبّر فيه، و إن لم يكبّر حتى سبقه الحدث، كبّر، لأنّه تابع للصلاة فسقط بتركه كسجود السهو(5).
للتنصيص عليها.
و قال الشافعي: يستحبّ أن يفعل في المنازل و المساجد و الطرق من غير
ص: 157
قيد بوقت أو حال(1).
لقوله عليه السلام:
(من أحيى ليلتي العيد لم يمت قلبه يوم تموت القلوب)(2).
و ما يضاف إلى القلب فإنّه أعظم وقعا، لقوله تعالى فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ (3) و موت القلب: الكفر في الدنيا، و الفزع في الآخرة.
إلى الزوال للإمام و المأموم - و به قال علي عليه السلام، و الثوري و الأوزاعي و أبو حنيفة(4) - لأنّ ابن عباس روى أنّ النبي عليه السلام خرج يوم الفطر، فصلّى ركعتين لم يتنفّل قبلهما و لا بعدهما(5).
و رأى علي عليه السلام قوما يصلّون قبل العيد، فقال: «ما كان يفعل ذلك على عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله»(6).
و من طريق الخاصة: قول الباقر عليه السلام في صلاة العيدين: «ليس قبلهما و لا بعدهما صلاة»(7).
ص: 158
و قال الصادق عليه السلام: «ليس قبلهما و لا بعدهما شيء»(1).
و قال الشافعي: يكره للإمام قبل الصلاة و بعدها، لئلاّ يتشاغل بغير الخطبة و الصلاة، و أمّا المأموم فيجوز أن يصلّي قبلها و بعدها، لعدم المعنى فيه(2). و به قال الحسن البصري، و هو مروي عن أنس و أبي هريرة و سهل بن سعد الساعدي و رافع بن خديج(3).
و عن مالك إذا صلّى العيد في المسجد روايتان: إحداهما: يجوز التنفّل - و رواه الجمهور عن علي عليه السلام، و ابن عمر(4) - و إن صلّى في غير المسجد، لم يتنفّل قبلها و لا بعدها(5).
و قال أحمد: إنّما يكره التنفّل في موضع الصلاة، فأمّا في غيره فلا بأس به. و كذا لو خرج منه ثم عاد إليه بعد الصلاة فلا بأس بالتطوّع فيه(6).
و العموم ينافيه.
إذا عرفت هذا، فاعلم أنّ أصحابنا استحبّوا صلاة ركعتين في مسجد النبي صلّى اللّه عليه و آله، لمن كان بالمدينة قبل خروجه إلى العيد، لقول الصادق عليه السلام: «ركعتان من السنّة ليس تصلّيان في موضع إلاّ بالمدينة تصلّى في مسجد الرسول صلّى اللّه عليه و آله، في العيد قبل أن يخرج إلى المصلّى، ليس ذلك إلاّ بالمدينة، لأنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله2.
ص: 159
فعله»(1).
و لو أقيمت صلاة العيد في المسجد لعذر، استحبّت صلاة التحية فيه أيضا و إن كان الإمام يخطب، و لا يصلّي العيد، لأنّه إنّما يسنّ له الاشتغال مع الإمام بما أدرك لا قضاء ما فاته، و إنّما يصلّي تحية المسجد، لأنّه موضع ذلك و ليس بموضع صلاة العيد، و به قال بعض الشافعية.
و قال بعضهم: يصلّي العيد، لأنها أولى من تحية المسجد و يغني عنها، كما لو دخل المسجد و صلّى الفريضة أغنى ذلك عن تحية المسجد(2).
و لو أقيمت في المصلّى، اشتغل بسماع الخطبة لا بالصلاة، لأنّ المصلّي لا تحية له حيث لم يكن مسجدا، و لا يشتغل بقضاء العيد، لقول الصادق عليه السلام: «تجلس حتى يفرغ من خطبته، ثم تقوم فتصلّي»(3).
و لأن الخطبة من تمامها، فينبغي أن يشتغل بما أدرك.
له، و لا قضاء عليه».(1)
و لأنّ القضاء منفي بالأصل و لم يوجد المعارض.
و قال أحمد: إنّها تقضى ركعتان - و للشافعي كالقولين، و كذا عن أبي حنيفة روايتان(2) - لأنّ ركبا جاءوا إلى النبي صلّى اللّه عليه و آله، فشهدوا أنّهم رأوا الهلال بالأمس، فأمرهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، أن يفطروا، و إذا أصبحوا أن يغدوا إلى مصلاّهم(3). و لأنّها صلاة أصل مؤقتة، فلا تسقط بفوات الوقت كالفرائض(4).
و لا حجة في الحديث، لاحتمال عدم الوثوق بهم، فلزمهم الإفطار تديينا لهم بما عرفوه، و لم يثبت بشهادتهم الهلال، و المضيّ إلى العيد تبعا لعمل الناس، و القضاء في الفرائض بالنص.
و اختلفت الشافعية، فقال بعضهم: لا تقضى أبدا. و قال بعضهم:
تقضى أبدا. و قال بعضهم: لا تقضى إلاّ في الحادي و الثلاثين. و قال بعضهم: تقضى في شهر العيد كلّه(5).
و السند ضعيف. و بقول الشيخ قال أحمد و الثوري(1).
فإذا سلّم الإمام قام فصلّى ركعتين - إن قلنا بالقضاء - يأتي فيهما بالتكبير.
لأنّه مدرك للفرض حينئذ، فيركع، فإذا سلّم الإمام، قام فأتمّ الصلاة و قد فاته تكبير الاولى، و في قضائه ما تقدّم.
و لو أدركه رافعا من ركوعها، فاتته الصلاة.
و لو أدركه في أثناء التكبير، تابعه في الباقي، فإن تمكّن بعد ذلك من التكبير ولاء قضاء عمّا فات، فعل، و إلاّ سقط.
حتى يصلّي العيد، لتوجّه الأمر حينئذ، فيحرم عليه الإخلال به، و يكره بعد الفجر قبل طلوع الشمس، لقرب وقت العبادة، فلا ينبغي الإخلال بها.
و لقول الصادق عليه السلام: «إذا أردت الشخوص في يوم عيد فانفجر الصبح و أنت في البلد، فلا تخرج حتى تشهد ذلك العيد»(2).
و لا بأس به قبل الفجر إجماعا.
و أنّ اليوم يوم عيد فعدّلا قبل الزوال، أو شهدا ليلة الثلاثين و عدّلا يوم الثلاثين قبل الزوال، خرج الإمام و صلّى بالناس العيد، صغيرا كان البلد أو كبيرا، إجماعا، لأنّ الوقت باق إلى زوال الشمس.
و لو شهدا يوم الحادي و الثلاثين أنّ الهلال كان ليلة الثلاثين، أو شهدا بعد غروب الشمس ليلة الحادي و الثلاثين أنّ الهلال كان ليلة الثلاثين و عدّلا،
ص: 162
فقد فات العيد، و فات وقت صلاته، و لا قضاء عندنا، و به قال أبو حنيفة.
و قال الشافعي: يصلّي بالناس يوم الحادي و الثلاثين قبل الزوال، و تكون الصلاة أداء لا قضاء. و به قال الأوزاعي و الثوري و أحمد و إسحاق.
لقوله عليه السلام: (فطركم يوم تفطرون، و أضحاكم يوم تضحّون، و عرفتكم يوم تعرفون)(1).
و هو محمول على ما إذا لم يثبت.
و إن شهدا قبل الزوال يوم الثلاثين أنّ الهلال كان البارحة و عدّلا بعد الزوال، أو شهدا بعد الزوال و عدّلا بعده، فلا قضاء في ذلك، لفوات وقت الصلاة - و هو أحد قولي الشافعي، و إحدى الروايتين عن أبي حنيفة، و به قال مالك و المزني و أبو ثور و داود - لأنّها لو قضيت في غد يومها لقضيت في يومها بل كان أولى.
و القول الثاني للشافعي: إنّها تقضى، و به قال أحمد، لما تقدّم في حديث الركب(2).
ثم قال - على تقدير القضاء -: إن كان البلد صغيرا يمكن اجتماع الناس في بقية اليوم، جمع الناس، و إن لم يمكن ذلك لكبر البلد قضى من الغد.
و عند أصحاب أبي حنيفة و أحمد أنّها تقضى من الغد مطلقا. و قد تقدّم.
فإن شهد يوم الثلاثين قبل الزوال و عدّلا يوم الحادي و الثلاثين أو ليلته، أو شهدا بعد الزوال و عدّلا يوم الحادي و الثلاثين أو ليلته، فلا قضاء عندنا - و هو أحد قولي الشافعي - لما تقدّم.4.
ص: 163
و في الثاني: تقضى، لأنّ الاعتبار بالشهادة إذا عدّلا بحال إقامتها لا بحال التعديل، فإذا عدّلا يوم الحادي و الثلاثين و كانت الشهادة يوم الثلاثين حكمنا بأنّ الفطر كان حين الشهادة فيكون فطرهم بالأمس، و يكون فعلها قضاء(1).
- و به قال مالك و الشافعي و أحمد(2) - لأنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فعله(3) ، إمّا قصدا لسلوك الأبعد في الذهاب ليكثر ثوابه بكثرة خطواته إلى الصلاة، و يعود في الأقرب، لأنّه أسهل و هو راجع إلى منزله، أو ليشهد له الطريقان، أو ليساوي بين أهل الطريقين من الضعفاء في التبرّك بمروره و سرورهم برؤيته، و ينتفعون بمسألته، أو ليتصدّق على أهل الطريقين من الضعفاء، أو ليتبرّك الطريقان بوطئه عليهما، فينبغي الاقتداء به، لاحتمال بقاء المعنى الذي فعله من أجله.
و لأنّه قد يفعل الشيء لمعنى و يبقى في حقّ غيره سنّة مع زوال المعنى كالرمل [1] و الاضطباع [2] في طواف القدوم، فعله هو و أصحابه(4) لإظهار الجلد
ص: 164
للكفّار و بقي سنّة بعد زوالهم، و لهذا قال عمر: فيم الرمل الآن ؟ و لم نبدي مناكبنا و قد نفى اللّه المشركين ؟(1).
لمنافاته الخضوع و الاستكانة إلاّ أن يخاف العدوّ فيجوز. و لقول الباقر عليه السلام:
«نهى النبي صلّى اللّه عليه و آله أن يخرج السلاح في العيدين إلاّ أن يكون عدوّ ظاهر»(2).
بالأمصار في المساجد، لما فيه من الاجتماع لذكر اللّه تعالى. و فعله ابن عباس بالبصرة(3).
و من طريق الخاصة: قول الصادق عليه السلام: «من لم يشهد جماعة الناس في العيدين فليغتسل و ليتطيّب، و ليصلّ وحده كما يصلّى في الجماعة، و في يوم عرفة يجتمعون بغير إمام في الأمصار يدعون اللّه عزّ و جلّ»(4).
- و قد تقدّم(5) - و القز من الحرير.
و فيه وجه للشافعية، لأنّه ليس من ثياب الزينة(6).
و المركّب من الإبريسم و غيره سائغ إن تساويا، أو كان الإبريسم أكثر ما لم يخرج بالاسم إليه.
و للشافعي قولان: أحدهما: إن كان الإبريسم أكثر كالخز سداه إبريسم
ص: 165
و لحمته صوف لم يحرم، و إن انعكس حرم، و إن تساويا فوجهان:
أصحّهما: أنّه لا يحرم. و الثاني: أنّه لا ينظر إلى القلّة و الكثرة، بل إلى الظهور، فإن ظهر حرم و إن كان أقل، و إلاّ حلّ و إن كان أكثر(1).
و لا بأس بافتراشه - خلافا للشافعي(2) - للرجال و النساء، و عنده في النساء وجهان(3).
و يجوز للمسافر لخوف القمّل و الحكة، و كذا للحكة في الحضر.
و للشافعية فيه وجهان(4).5.
ص: 166
لقوله تعالى لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَ لا لِلْقَمَرِ الآية(1) ، ذكر اللّه تعالى جميع الآيات، و خصّ هاتين بالسجود عند ذكرهما، فاختصّا بتلك العبادة.
و قال ابن عباس: خسفت الشمس على عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، فخرج رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، يصلّي و الناس معه، ثم قال:
(أيّها الناس: إنّ الشمس و القمر آيتان من آيات اللّه سبحانه، لا يخسفان لموت أحد و لا لحياته، فإذا رأيتم ذلك، فأفزعوا إلى ذكر اللّه تعالى)(2).
و من طريق الخاصة: قول الصادق عليه السلام: «هي فريضة»(3).
و قول الكاظم عليه السلام: «إنّه لما قبض إبراهيم ابن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، جرت ثلاث سنن: أمّا واحدة، فإنّه لمّا مات انكسفت الشمس لفقد ابن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، فصعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله المنبر، فحمد اللّه و أثنى عليه، ثم قال: يا أيّها الناس إنّ الشمس و القمر آيتان
ص: 167
من آيات اللّه، يجريان بأمره، مطيعان له، لا ينكسفان لموت أحد و لا لحياته، فإذا انكسفتا أو واحدة منهما فصلّوا، ثم نزل فصلّى بالناس صلاة الكسوف»(1).
و الأمر للوجوب، و قد حصل من النبي صلّى اللّه عليه و آله قولا و فعلا.
و قال الجمهور كافّة: بالاستحباب(2) ، للأصل.
و ما ذكرناه يقتضي العدول عنه.
عند علمائنا أجمع، لقول أبي بن كعب: إنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله ركع خمس ركوعات، ثم سجد سجدتين، و فعل في الثانية مثل ذلك(3).
و مثله روى جابر عن النبي صلّى اللّه عليه و آله(4).
و صلّى عليّ عليه السلام بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله مثل ذلك(5).
و من طريق الخاصة: قول الباقر عليه السلام: «هي عشر ركعات بأربع سجدات»(6).
و قال أبو حنيفة و إبراهيم النخعي و الثوري: إنّها ركعتان كالفجر، فإن زاد ركوعا بطلت صلاته، لأنّ قبيصة روى: أنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله،
ص: 168
قال: (إذا رأيتموها فصلّوا كأحدث صلاة صلّيتموها من المكتوبة)(1)(2).
و لا حجّة فيه، لأنّه مرسل. و لاحتمال أنّه صلّى ركعتين في كلّ ركعة خمس ركوعات. و لأنّ أخبارنا أولى، لاشتمالها على الزيادة مع عدم لفظ يدلّ على المنافاة.
و قال الشافعي: يصلّي ركعتين في كلّ ركعة ركوعان و سجدتان و قيامان و قراءتان - و به قال مالك و أحمد و إسحاق، و روي عن ابن عباس و عثمان - لأنّ ابن عباس و عائشة وصفا صلاة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: في كلّ ركعة ركوعان و سجدتان و قيامان(3)(4).
و أحاديثنا أولى، لاشتمالها على الزيادة. و لأنّ أبيّا أسنّ من ابن عباس و عائشة، و أعرف بأفعال النبي صلّى اللّه عليه و آله، لعدم مخالطة عائشة الرجال، و صغر ابن عباس، خصوصا مع فعل علي عليه السلام، و أهل بيته، كما قلناه.
و قال إسحاق و ابن المنذر: إنّه يصلّي ست ركعات و أربع سجدات. و هو مروي عن ابن عباس و عائشة. و رواه الجمهور عن عليّ عليه السلام. و جوّزه أحمد(5).
أن يكبّر للافتتاح أوّلا ثمّ يقرأ الحمد
ص: 169
و سورة أيّها شاء أو بعضها، ثم يركع فيذكر اللّه تعالى، ثم ينتصب، فإن كان قد قرأ أوّلا السورة كملا، قرأ الحمد ثانيا، و سورة أو بعضها، ثم يركع فيذكر اللّه تعالى، ثم ينتصب، فإن كان قد أتمّ السورة، قرأ الحمد و سورة أو بعضها، و هكذا خمس مرّات، ثم يسجد سجدتين إذا انتصب من الركوع الخامس بغير قراءة، ثم يقوم فيعتمد ما فعله أوّلا خمس مرّات، ثم يسجد مرّتين، ثم يتشهد و يسلّم و كلّ قيام لم يكمل فيه السورة إذا انتصب من الركوع بعده تمّم السورة أو بعضها من غير أن يقرأ الحمد.
لقول أحدهما عليهما السلام: «تبدأ فتكبّر لافتتاح الصلاة، ثم تقرأ أمّ الكتاب و سورة، ثم تركع، ثم ترفع رأسك من الركوع فتقرأ أمّ الكتاب و سورة، ثم تركع الثالثة، ثم ترفع رأسك من الركوع فتقرأ أمّ الكتاب و سورة، ثم تركع الرابعة، ثم ترفع رأسك من الركوع فتقرأ أمّ الكتاب و سورة، ثم تركع الخامسة، فإذا رفعت رأسك قلت: سمع اللّه لمن حمده، ثم تخرّ ساجدا فتسجد سجدتين، ثم تقوم فتصنع مثل ما صنعت في الأولى» قال: قلت:
و إن هو قرأ سورة واحدة في الخمس ركعات يفرّقها بينها؟ قال: «أجزأه أمّ الكتاب في أول مرّة، و إن قرأ خمس سور، فمع كلّ سورة أمّ الكتاب»(1).
هل يتعيّن عليه في الثاني الابتداء من الموضع الذي انتهى إليه، أم يجوز له أن يقرأ من أيّ موضع اتفق ؟ الأحوط: الأول.
ظاهر كلامه في المبسوط(2) ذلك، فيتعيّن أن يقرأ الحمد أوّلا على
ص: 170
إشكال.
و هل تتعيّن حينئذ الفاتحة ؟ إشكال ينشأ: من إجزاء بعضها بغير الحمد فالكلّ أولى، و من وجوب قراءة الحمد مع الابتداء بأول السورة.
لصيرورتها حينئذ بمنزلة ركعة فيجب فيها الحمد و سورة.
و هل يجوز تفريق سورتين أو ثلاث ؟ إشكال ينشأ: من تجويز قراءة خمس و سورة فجاز الوسط، و من كونها بمنزلة ركعة فلا تجوز الزيادة أو خمس فيجب الخمس. و الأقرب: الجواز.
و بعض أخرى، فإذا قام إلى الثانية، ابتدأ بالحمد وجوبا، لأنّه قيام عن سجود، فوجب فيه الفاتحة، ثم يبتدئ بسورة من أولها، ثم إمّا أن يكملها أو يقرأ بعضها.
و يحتمل أن يقرأ من الموضع الذي انتهى إليه أوّلا من غير أن يقرأ الحمد، لكن يجب أن يقرأ الحمد في الركعة الثانية بحيث لا يجوز له الاكتفاء بالحمد مرّة في الركعتين معا.
بل إمّا أن يكملها، أو يقرأ من الموضع الذي انتهى إليه بعضها.
كغيرها من الفرائض.
مثل:
الكهف و الأنبياء، لقول زرارة و محمد بن مسلم: كان الباقر عليه السلام
ص: 171
يستحب أن يقرأ فيها بالكهف و الحجر، إلاّ أن يكون إماما يشقّ على من خلفه(1).
و في رواية أبي بصير: «مثل يس و النور»(2).
و قال الشافعي: يقرأ في الأولى سورة البقرة أو بقدر آيها، و كذا في القيام الثاني، ثم يسجد، ثم يقوم فيقرأ بعد الحمد مائة و خمسين آية من البقرة، و في القيام الثاني بقدر مائة آية من البقرة، و لو ضاق الوقت لم تجز الإطالة(3).
و به قال الفقهاء - خلافا لأبي حنيفة(4) - لأنّ عائشة قالت: خسفت الشمس في حياة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، فصلّى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، في المسجد بالناس، و قرأ قراءة طويلة، و ركع ركوعا طويلا(5).
و من طريق الخاصة: قول الباقر عليه السلام: «كسفت الشمس في زمن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، فصلّى بالناس ركعتين، و طوّل حتى غشي على بعض القوم ممّن كان وراءه من طول القيام»(6).
و لأنّ الغاية استدفاع المخوف و طلب ردّ النور، فينبغي الاستمرار باستمراره.
ص: 172
أمّا إطالة الركوع: فقال علماؤنا: يستحب أن يكون بقدر قراءته، لأنّ عبد اللّه بن عمر قال في صفة صلاة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: قام قياما طويلا، و ركع ركوعا طويلا(1). و ظاهره المساواة في نظيره.
و من طريق الخاصة: قول الباقر عليه السلام: «و تطيل القنوت على قدر القراءة و الركوع و السجود، فإن تجلّى قبل أن تفرغ أتمّ ما بقي»(2).
و هو أحد قولي الشافعي، و به قال مالك و أحمد و إسحاق و أبو ثور(3).
و في الآخر: يركع فيسبّح في الأول بقدر مائة آية من سورة البقرة، و في الركوع الثاني بقدر ثلثي الركوع الأول، و في الركوع الثالث - الذي هو أول ركوع الثانية - بقدر سبعين من سورة البقرة، و في الرابع - و هو ثاني الثانية - بقدر خمسين آية من سورة البقرة، لرواية ابن عباس(4)(5).
و قال أبو حنيفة: يركع مثل ركوع الفجر(6).
و أمّا إطالة السجود: فاستحبّه علماؤنا - و به قال أحمد و الشافعي في أحد القولين(7) - لقول ابن عمر في صفة صلاة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، في الكسوف: ثم سجد فلم يكد يرفع(8).
و من طريق الخاصة: قول الباقر عليه السلام: «تطيل الركوع3.
ص: 173
و السجود»(1).
و قال الشافعي في الآخر: لا يستحب إطالة السجود، لأنّه لم ينقل(2).
و هو ممنوع.
إلاّ في الخامس و العاشر، فإنّه يقول فيهما: سمع اللّه لمن حمده، عند علمائنا، لأنّ التكبير أعظم و أتمّ في الإجلال فكان أولى.
و لأنّ الركوعات و إن تكرّرت فهي تجري مجرى ركعة واحدة، فيكون «سمع اللّه» في آخرها كغيرها من الفرائض.
و قول الصادق عليه السلام: «تركع و تكبّر و ترفع رأسك بالتكبير، إلاّ في الخامسة و العاشرة، تقول: سمع اللّه لمن حمده»(3).
و قال الجمهور: تقول في كلّ رفع: سمع اللّه لمن حمده ربّنا و لك الحمد، لأنّه قيام عن الركوع، فاستحبّ هذا القول كغيرها من الفرائض(4).
و الفرق ما تقدّم.
- خلافا للجمهور، فإنّهم أنكروا القنوت(5) - لقول الباقر و الصادق عليهما السلام: «و القنوت في الركعة الثانية قبل الركوع، ثم في الرابعة و السادسة و الثامنة و العاشرة»(6).
و لأن القنوت مظنّة إجابة الدعاء، فشرّع للحاجة، كما قنت النبي صلّى
ص: 174
اللّه عليه و آله، على المشركين(1).
لأنّه في موضع سؤال و طلب حاجة ردّ النور، فاستحبت تحت السماء، كغيرها من صلوات الحوائج.
و لأنّه مقام خضوع و استكانة و استعطاف، فشرّع فيها البروز تحت السماء، كالاستسقاء.
و قول الباقر عليه السلام: «و إن استطعت أن تكون صلاتك بارزا لا يجنّك(2) بيت فافعل»(3).
و قال الشافعي: يكون في المساجد، و أطلق، و كذا أحمد(4) ، لأنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله، صلاّها في المسجد(5).
و لأنّ وقته ضيّق، فلو خرج إلى المصلّى احتمل الانجلاء قبل فعلها.
و لا يلزم من صلاته عليه السلام في المسجد منافاة ما قلناه، لأنّ مسجده عليه السلام كان بارزا.
و لا نقول بالخروج إلى المصلّى مع ضيق الوقت، بل أين صلّيت تصلّى تحت السماء.
- و به قال أحمد و أبو يوسف و محمد و إسحاق(6) - لأنّ عائشة قالت: خسفت الشمس
ص: 175
على عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، فصلّى، و جهر في صلاته بالقراءة(1).
و من طريق الخاصة: قول الشيخ في الخلاف: روي عن علي عليه السلام أنه صلّى لكسوف الشمس، فجهر فيها بالقراءة(2).
قال الشيخ: و عليه إجماع الفرقة(3).
و قال الشافعي: يسر في خسوف الشمس، و يجهر في خسوف القمر - و به قال أبو حنيفة و مالك(4) - لأنّ سمرة بن جندب قال: خسفت الشمس فصلّى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، فقام أطول قيامه في صلاة قطّ، و لم أسمع له حسّا(5).
و لأنّها صلاة نهار فلم يجهر فيها كالظهر(6).
و هذا القول عندي لا بأس به، لقول الباقر عليه السلام، في حديث صحيح: «و لا تجهر بالقراءة»(7) و هو أصحّ حديث بلغنا في هذا الباب.».
ص: 176
و على كلّ تقدير، فإنّ الخلاف في الاستحباب لا الوجوب، فلو جهر في الكسوف و خافت في خسوف القمر، جاز إجماعا.
إجماعا، وجوبا عندنا، و استحبابا عند الجمهور.
و كذا خسوف القمر عند علمائنا أجمع - و به قال عطاء و الحسن و النخعي و الشافعي و أحمد و إسحاق(1) - لقوله عليه السلام: (إنّ الشمس و القمر آيتان من آيات اللّه لا يخسفان لموت أحد و لا لحياته، فإذا رأيتم ذلك فصلّوا)(2) فأمر بالصلاة لهما أمرا واحدا.
و من طريق الخاصة: قول الكاظم عليه السلام: «فصعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله المنبر، فحمد اللّه و أثنى عليه، ثم قال: أيّها الناس إنّ الشمس و القمر آيتان من آيات اللّه يجريان بأمره، مطيعان له، لا ينكسفان لموت أحد و لا لحياته، فإذا انكسفا أو واحدة منهما فصلّوا، ثم نزل فصلّى بالناس صلاة الكسوف»(3).
ص: 177
و لأنّه أحد الكسوفين، و هو من الأمور المخوفة، و يطلب فيه ردّ النور، فشرّعت الصلاة له كالشمس.
و قال مالك: ليس لكسوف القمر سنّة(1).
- و به قال أبو ثور و إسحاق و أبو حنيفة لا وجوبا بل استحبابا كالكسوفين(2) - لقول النبي صلّى اللّه عليه و آله: (إنّ هذه الآيات التي يرسل اللّه لا تكون لموت أحد و لا لحياته، فإذا رأيتم ذلك فصلّوا)(3).
و لأنّه عليه السلام علّل الكسوف: بأنه آية من آيات اللّه يخوّف بها عباده(4).
و صلّى ابن عباس للزلزلة بالبصرة(5).
و من طريق الخاصة قول الباقر عليه السلام، و الصادق عليه السلام:
«إنّ صلاة كسوف الشمس و القمر، و الرجفة و الزلزلة عشر ركعات، و أربع سجدات»(6).
و لأنّ المقتضي - و هو الخوف - موجود هنا، فثبت معلوله.
و قال مالك و الشافعي: لا يصلّى لغير الكسوفين، لأنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله، لم يفعله(7).
ص: 178
و هو ممنوع بما تقدّم
كالظلمة العارضة و الحمرة الشديدة و الرياح العظيمة و الصيحة - و به قال أبو حنيفة استحبابا(1) - لعموم قوله عليه السلام: (إنّ هذه الآيات)(2). و لأنّه علّل الكسوف: بأنّه آية(3).
و من طريق الخاصة: قول الباقر عليه السلام: «كلّ أخاويف السماء من ظلمة أو ريح أو فزع فصلّ له صلاة الكسوف حتى يسكن»(4).
و لأنّه أمر مخوف، فشرّع فيه الصلاة، كالكسوف.
و قال باقي الجمهور: لا يصلّى لها شيء، لعدم النقل(5). و قد بيّناه.
عند علمائنا، لزوال الحذر.
و لقول الصادق عليه السلام: «إذا انجلى منه شيء فقد انجلى»(6).
و قال أبو حنيفة و الشافعي و احمد: إلى أن ينجلي بكماله(7) ، لقوله عليه السلام: (فإذا رأيتم ذلك فافزعوا إلى ذكر اللّه تعالى، و الصلاة حتى
ص: 179
ينجلي)(1).
و لأنّ المطلوب ردّ النور بكماله.
و لأنّه لو انكسف بعضها في الابتداء صلّى لها و كذلك إذا بقي بعضها.
و نحن نقول بموجب الحديث، لأنّه إذا انجلى البعض فقد انجلى.
و الحذر قد زال بسبب الشروع في ردّ النور.
و الفرق بين ابتداء الكسوف و ابتداء الانجلاء ظاهر.
مدّتها، أما الزلزلة: فإنّ وقتها مدّة العمر، فتصلّي أداء و إن سكنت، لأنّها سبب في الوجوب. و كذا الصيحة. و بالجملة كلّ آية يضيق وقتها عن العبادة يكون وقتها دائما، أمّا ما نقص عن فعلها وقتا دون آخر، فإنّ وقتها مدّة الفعل، فإن قصر، لم تصلّ.
سواء احترق القرص كلّه أو بعضه، لقوله عليه السلام: (من فاتته صلاة فريضة فليقضها إذا ذكرها)(2).
و قوله عليه السلام: (من نام عن صلاة أو نسيها فليقضها إذا ذكرها)(3).
و من طريق الخاصة: قول الباقر عليه السلام: «من نسي صلاة أو نام عنها فليقضها إذا ذكرها»(4).
ص: 180
و قول الصادق عليه السلام، في صلاة الكسوف: «إن أعلمك أحد و أنت نائم فعلمت ثم غلبتك عينك فلم تصلّ فعليك قضاؤها»(1).
و قال الشيخ: إن احترق البعض و تركها نسيانا، لم يقض(2).
و ليس بجيّد.
و قال الجمهور كافّة: لا قضاء مطلقا، لقوله عليه السلام: (فإذا رأيتم ذلك فافزعوا إلى ذكر اللّه و الصلاة حتى ينجلي)(3) فجعل الانجلاء غاية للصلاة، فلم يصلّ بعده. و لأنّها شرّعت لردّ النور و قد حصل(4).
و الحديث المراد به الأداء. و نمنع العليّة، بل يجوز أن يكون علامة لوجوب الصلاة.
سلّمنا، لكن لا نسلّم أنّ الرغبة إلى ردّه تستلزم عدم الشكر على الابتداء بردّه.
سلّمنا، لكن ينتقض عندهم بالاستسقاء، فإنّهم يصلّون بعد السقي(5) و إن كانت صلاتهم رغبة في ذلك.
عند علمائنا - إلاّ في قول للمفيد:
إنّه يقضي لو احترق البعض فرادى لا جماعة(6) - لقول الصادق عليه السلام:
«إذا انكسف القمر و لم تعلم حتى أصبحت، ثم بلغك، فإن احترق كلّه،
ص: 181
فعليك القضاء، و إن لم يحترق كلّه، فلا قضاء عليك»(1).
و قوله عليه السلام: «إذا انكسفت الشمس كلّها و لم تعلم و علمت، فعليك القضاء، و إن لم تحترق كلّها فلا قضاء عليك»(2).
و قال الجمهور: لا قضاء(3) ، لما تقدّم في المسألة السابقة.
و الجواب قد تقدّم.
أمّا جاهل غير الكسوف، مثل الزلزلة و الرياح و الظلمة الشديدة، فالوجه سقوطها عن الجاهل عملا بالأصل السالم عن المعارض.
لقوله عليه السلام: (فإذا رأيتم ذلك فصلّوا)(4) و الأصل البقاء.
و قال الجمهور: لا يصلّي، لأنّها إذا غابت فقد ذهب سلطانها، و فات وقتها، فلم يصلّ لردّها(5).
و هو ممنوع، و نمنع أنّ مع ذهاب سلطانها يسقط ما ثبت وجوبه. مع أنّه اجتهاد، فلا يعارض النصّ. و ينتقض بالقمر عندهم(6).
و لا تسقط صلاة الخسوف بغيبوبة القمر منخسفا إجماعا، لأنّ وقته باق و هو الليل، و الحاجة داعية إليه.
و لا تسقط صلاة الخسوف و الكسوف بستر السحاب إجماعا، لأنّ الأصل بقاؤهما.
و لو طلعت الشمس و القمر منخسف، لم تسقط صلاته، عملا
ص: 182
بالموجب.
و قال الجمهور: تسقط، لفوات وقته، و ذهاب سلطانه(1).
و لو طلع الفجر فكذلك عندنا لا تسقط - و هو الجديد للشافعي(2) - لبقاء سلطانه قبل طلوع الشمس، لقوله تعالى فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ وَ جَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً (3) فما لم تطلع الشمس فالسلطان باق.
و القديم: لا يصلّي، لذهاب سلطانه بطلوع الفجر، لأنّه من النهار، و الفجر حاجب الشمس(4).
و لو ابتدأ الخسوف بعد طلوع الفجر صلاّها عندنا، خلافا للشافعي في القديم(5).
و لو كان قد شرع في الصلاة فطلعت الشمس، لم تبطلها إجماعا، لأنّها صلاة مؤقّتة، فلا تبطل بخروج وقتها، و عندنا أنّ وقتها باق.
«تصلّى جماعة و فرادى»(1).
و لأنّها صلاة ليس من شرطها البنيان و الاستيطان، فلم يكن من شرطها الجماعة، كغيرها من النوافل.
و قال الثوري و محمد: إن صلّى الإمام صلّوها معه، و لا يصلّون منفردين، لأنّها صلاة شرّع لها الاجتماع و الخطبة، فلا يصلّيها المنفرد كالجمعة(2).
و نمنع العلّيّة، فإنّ الخطبة عندنا ليست مشروعة.
- و به قال الشافعي و مالك و أحمد(3) - لأنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله، صلاّها في الجماعة(4).
و صلّى ابن عباس خسوف القمر في جماعة في عهد علي عليه السلام(5).
و من طريق الخاصة: قول الصادق عليه السلام: «إذا انكسفت الشمس و القمر فإنّه ينبغي للناس أن يفزعوا إلى الإمام يصلّي بهم، و أيّهما كسف بعضه فإنّه يجزئ الرجل أن يصلّي وحده»(6).
و لأنّ خسوف القمر أحد الكسوفين، فاستحبّت فيه الجماعة كالآخر.
ص: 184
و قال أبو حنيفة: يصلّون للقمر فرادى في بيوتهم، لأنّ في خروجهم ليلا مشقّة(1).
و ينتقض: بالتراويح.
و لو أدركه في الركوع الثاني، أو الثالث، فالوجه: أنّه فاتته تلك الركعة - و به قال الشافعي(2) - لأن الركوع ركن فيها، و لا يتحمّل الإمام شيئا سوى القراءة، لا فعل الركوع، فحينئذ ينبغي المتابعة حتى يقوم في الثانية، فيستأنف الصلاة معه، فإذا قضى صلاته أتمّ هو الثانية، و يجوز الصبر حتى يبتدئ بالثانية.
و تحتمل المتابعة بنية صحيحة، فإذا سجد الإمام لم يسجد هو، بل ينتظر الإمام إلى أن يقوم، فإذا ركع الإمام أول الثانية ركع معه عن ركعات الأولى، فإذا انتهى إلى الخامس بالنسبة إليه سجد، ثم لحق الإمام، و يتمّ الركعات قبل سجود الثانية.
و الوجه: الأول.
و به قال أبو حنيفة، و مالك(3) ، عملا بالأصل السالم عن المعارض.
و لأنّه لو كان النبي صلّى اللّه عليه و آله، قد خطب، لنقل كما نقلت خطبته في العيد و الجمعة و غيرهما.
و قال الشافعي: تستحب الخطبة بعد الصلاة على المنبر - و لم يذكر
ص: 185
أحمد الخطبة(1) - لأنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله لمّا خسفت الشمس صلّى، فوصفت عائشة صلاته إلى أن قالت: فلمّا فرغ و قد تجلّت انصرف و ذكر اللّه تعالى فأثنى عليه و قال: (يا أيّها الناس إنّ الشمس و القمر آيتان من آيات اللّه تعالى لا يخسفان لموت أحد و لا لحياته، فإذا رأيتم ذلك فادعوا اللّه تعالى، و كبّروا و انصرفوا) ثم قال: (يا امّة محمّد ما أحد أغير من اللّه تعالى أن يزني، عبده أو أمته، و اللّه لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا و لبكيتم كثيرا)(2)(3).
و لا حجّة فيه، لتضمّنه الدعاء و التكبير و الإعلام بحكم الكسوف، و ليس ذلك من الخطبة في شيء.
إجماعا منّا و للعموم.
و عند الجمهور بالاستحباب(4) ، لأنّ أسماء بنت أبي بكر قالت: فزع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، يوم كسفت الشمس، فقام قياما، فرأيت المرأة التي أكبر منّي، و المرأة التي أصغر منّي قائمة، فقلت: أنا أحرى بالصبر على طول القيام(5).
إذا ثبت هذا، فإنّه يستحب للعجائز، و من لا هيئة لها الصلاة جماعة مع الرجال، و يكره ذلك للشواب، و يستحب لهنّ الجماعة تصلّي بهنّ
ص: 186
إحداهنّ.
و استحبّه الشافعي مطلقا، لكنه لم يستحبّ الخطبة لو صلّين جماعة، لأنّ الخطبة ليست من سنن النساء، فإن قامت إحداهنّ و ذكّرتهنّ و وعظتهنّ، كان حسنا عنده(1).
و لو حصل رجل في قرية مع النساء و لا رجل سواه، تقدّم و صلّى بهنّ و إن كنّ أجانب - خلافا للشافعي(2) - إلاّ أن يخاف الافتتان، فيصلّين فرادى.
إذا ثبت هذا، فإنّ هذه الصلاة تجب على المسافر كما تجب على الحاضر، و ليس الاستيطان، و لا البنيان شرطا فيهما إجماعا، و لا المصر و لا الإمام، للعموم.
لأنّ المقتضي للمشروعية باق.
و لقول الصادق عليه السلام: «إذا فرغت قبل أن ينجلي فأعد»(3).
و قال آخرون منّا: بالوجوب، لثبوت المقتضي له، و هو: بقاء الكسوف. و لهذا الحديث(4).
و الحقّ خلافه، لأصالة البراءة.
و لقول الباقر عليه السلام: «فإذا فرغت قبل أن ينجلي فاقعد، و ادع اللّه حتى ينجلي»(5).
و نمنع كون الكسوف سببا، بل علامة و وقتا.
ص: 187
و الخبر محمول على الاستحباب، جمعا بين الأدلّة.
و قال آخرون منّا: لا تعاد الصلاة وجوبا و لا استحبابا - و هو قول الجمهور كافة(1) - لأنّه لم ينقل عنه عليه السلام التكرّر.
و لا حجّة فيه، لأنّه عليه السلام كان يطيل الصلاة بقدر زمانه(2).
إذا عرفت هذا، فإنّ الشافعي استحب الخطبة بعدها(3). و قد أبطلناه.
و يستحب الدعاء و الذكر و الاستغفار و التكبير و التضرع إلى اللّه تعالى، لقوله عليه السلام: (فافزعوا إلى ذكر اللّه تعالى، و دعائه و استغفاره)(4).
و قالت أسماء: كنّا نؤمر بالعتق في الكسوف(5).
و لأنّه تخويف من اللّه تعالى، فينبغي أن يبادر إلى طاعة اللّه ليكشفه عن عباده.
و لقوله صلّى اللّه عليه و آله: (فإذا رأيتم ذلك فصلّوا)(1).
و من طريق الخاصة: قول الصادق عليه السلام: «وقت صلاة الكسوف الساعة التي تنكسف عند طلوع الشمس و عند غروبها»(2).
و لأنّها ذات سبب، فجاز فعلها في الأوقات الخمسة.
و قال مالك و أبو حنيفة: بالمنع، و عن أحمد روايتان: المنع أشهرهما، لأنّ عقبة بن عامر قال: ثلاث ساعات(3) كان النبي عليه السلام ينهانا أن نصلّي فيها، و أن نقبر موتانا(4)(5).
و هو مختص بالنوافل، و قد بيّنّا وجوب هذه الصلاة.
لشدة اعتناء الشارع بها، و لهذا سوّغ قطع الكسوف و الاشتغال بالحاضرة، فتقديمها أولى.
و لو تضيّق الوقتان، قدّمت الحاضرة وجوبا، لما تقدّم، ثم إن فرّط في صلاة الكسوف بالتأخير مع الإمكان قضى و إلاّ فلا.
و لو تضيّقت إحداهما، تعيّنت للفعل، ثم يصلّي الأخرى بعد إكمالها.
و لا يجب مع اتّساع الوقتين الاشتغال بالحاضرة، لقول الصادق عليه السلام: «خمس صلوات لا تترك على حال: إذا طفت بالبيت، و إذا أردت
ص: 189
أن تحرم، و إذا نسيت فصلّ إذا ذكرت، و صلاة الكسوف و الجنازة»(1) و لا خلاف فيه.
أ: لو تلبّس بصلاة الكسوف و تضيّق وقت الحاضرة و خاف فوتها لو أتمّ الكسوف، قطع إجماعا،
و صلّى بالحاضرة، تحصيلا للفرض.
و لقول الصادق عليه السلام في صلاة الكسوف يخشى فوت الفريضة قال: «اقطعوها و صلّوا الفريضة و عودوا إلى صلاتكم»(2).
و سأله محمد بن مسلم: ربما ابتلينا بعد المغرب قبل العشاء، فإن صلّينا الكسوف، خشينا أن تفوت الفريضة، قال: «إذا خشيت ذلك فاقطع صلاتك و اقض فريضتك ثم عد فيها»(3).
إذا ثبت هذا، فإذا قطع الكسوف و صلّى الفريضة هل يعود إلى الكسوف من حيث قطع، أو يستأنف الصلاة ؟.
قال الشيخان و المرتضى: بالأول(4) ، للروايتين.
و فيه إشكال ينشأ: من أنّ صلاة الفرض يبطلها العمل الكثير، و دلالة الحديثين ليست قطعيّة، لاحتمال العود إلى ابتداء الصلاة.
ب: لو اشتغل بالكسوف و خشي فوت الحاضرة لو أتمّها و فوت الكسوف لو اشتغل بالحاضرة، احتمل تقديم الحاضرة،
لأولويتها، فيقطع الكسوف و يستأنف.
و إتمام الكسوف، لأولويته بالشروع فيه، و النهي عن إبطال العمل،
ص: 190
و مساواته بالحاضرة في الوجوب.
و يحتمل إتمامها إن أدرك من الحاضرة بعدها ركعة و إلاّ استأنف.
ج: لو اتّسع وقت الحاضرة، و شرع القرص في الكسوف، أو حدثت الرياح المظلمة، فالوجه: تقديم الكسوف و الرياح
- و به قال الشافعي(1) - لجواز عدم طول اللبث، فيفوت بالاشتغال بالحاضرة.
د: الزلزلة متأخّرة عن الحاضرة
مطلقا إن قلنا: وقتها العمر. و إن قلنا:
وقتها حدوثها، فتجب و إن سكنت، كما قال بعض علمائنا(2) ، و كالكسوف.
ه: لو اتّفقت مع صلاة منذورة موقّتة، بدأ بما يخشى فواته،
و لو أمن فواتهما، تخيّر فيهما.
و: الكسوف أولى من النافلة الموقّتة كصلاة الليل
و غيرها و إن خرج وقتها، ثم يقضي ندبا.
ز: لو اجتمع الكسوف و العيد و صلاة الجنازة و الاستسقاء، قدّم من الفرائض ما يخشى فواته
أو التغيّر، و إن تساويا، تخيّر، أمّا الاستسقاء فتؤخّر، لأنّ المندوب لا يزاحم الواجب.
و قال الشافعي: تقدّم الجنازة، لأنّها فرض، و للخوف من التغيّر، ثم الخسوف، لتعلّقها بسبب يخاف فواته، إلاّ أن تتضيّق العيد فتقدّم، لأنّ فواته متحقّق و فوات الخسوف غير متحقّق، ثم الاستسقاء، لأنّها تصلّى في أيّ وقت كان(3).
لا يقال: لا يمكن اجتماع العيد و الكسوف، لأنّ الشمس لا تنكسف في العادة إلاّ في التاسع و العشرين من الشهر، فلا يتصوّر كونه في الفطر و لا الأضحى.5.
ص: 191
لأنّا نقول: نمنع عدم الإمكان، و العادة لا تخرج نقيضها عن حدّ الإمكان، و اللّه على كلّ شيء قدير، و الفقهاء يفرضون الممكن و إن لم يقع عادة ليبيّنوا الأحكام المنوطة به، كما يفرضون مائة جدّة و ما أشبه ذلك.
ثم هذا لا يرد علينا، لأنّ هذه الصلاة لا تختص بكسوف الشمس، بل هي واجبة لباقي الآيات الخارجة عن الضابط الزماني.
ح: لو خاف خروج وقت العيد، قدّمت صلاته
و لم يخطب لها حتى يصلّي الخسوف، فإذا صلّى الخسوف، خطب للعيد خاصة عندنا - و عند الشافعي يخطب لهما(1) - و ذكر ما يحتاج إلى ذكره لهما.
ط: لو اجتمع الخسوف و الجمعة، فإن اتّسع وقت الجمعة، بدأ بالخسوف،
و يقصّر في قراءته، فيقرأ السور القصار، فإذا فرغ، اشتغل بخطبة الجمعة خاصة.
و قال الشافعي: يخطب للخسوف و الجمعة، ثم يصلّي الجمعة(2).
و لو تضيّق الوقت، بدأ بالخطبة للجمعة مخفّفة، ثم بالجمعة ثم بالخسوف.
ي: لو كان في الموقف حالة الكسوف، قدّمت صلاته على الدعاء
و لا خطبة.
و قال الشافعي: يخطب راكبا و يدعو(3).
و إن كسفت و هو في الموضع الذي يصلّى فيه الظهر، قدّمت صلاته على الدفع إلى عرفة لئلاّ تفوته.
يا: لو خسف القمر بعد الفجر من ليلة المزدلفة و هو بها، صلّى صلاة الخسوف
و إن كان يؤدّي إلى ان يفوته الدفع منها إلى منى قبل طلوع الشمس.8.
ص: 192
و يستحب التخفيف ليدفع قبله.
يب: لو خسفت الشمس يوم الثامن بمكة، و خاف إن اشتغل بصلاة الخسوف أن يفوته فعل الظهر بمنى، قدّم صلاة الخسوف،
لأنّها واجبة، بخلاف فعل الظهر بمنى.
يج: لو اتّفق الكسوف مع نافلة، قدّم الكسوف
و لو فاتت النافلة، راتبة كانت أو لم تكن عند علمائنا، لأنّها واجبة.
و لقول الصادق عليه السلام، و قد سئل عن صلاة الكسوف و صلاة الليل بأيّتهما نبدأ؟: «صلّ صلاة الكسوف، و اقض صلاة الليل حين تصبح»(1).
و قال أحمد: يقدّم أكدهما(2) ، و هو بناء على أنّ صلاة الكسوف مندوبة، و قد بيّنّا بطلانه.
مسألة 495: قال الشيخ: صلاة كسوف الشمس و خسوف القمر سواء(3). و هو صحيح إن قصد المساواة في الهيئة، أمّا في الإطالة ففيه نظر، لقول الباقر عليه السلام: «صلاة كسوف الشمس أطول من صلاة كسوف القمر، و هما سواء في القراءة و الركوع و السجود»(4).
بخلاف الزلزلة، فإنّها سبب في الوجوب لا وقت له.
(و لو اتّسع لركعة و قصر عن أخفّ صلاة، ففي الوجوب إشكال ينشأ:
من قوله عليه السلام: (من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة)(5) و من
ص: 193
استحالة فرض وقت لعبادة يقصر عنها عقلا، إلاّ أن يكون القصد القضاء، و لم يثبت القصد هنا.
فلو اشتغل أحد المكلّفين بها في الابتداء و خرج الوقت و قد أكمل ركعة، فعلى الأوّل يجب عليه الإكمال، و على الثاني لا يجب، أمّا الآخر فلا يجب عليه القضاء على التقديرين) [1].
إذا ثبت هذا، فلو ضاق الوقت عن العدد، لم يجز الاقتصار على الأقلّ.
و لو اتّسع للأكثر، لم تجز الزيادة، لأنّها فريضة معيّنة.
و للشافعي في كلّ من التقديرين وجهان(1).
و لا مشيا إلاّ مع الضرورة عند علمائنا - خلافا للجمهور - لأنّها فريضة فلا تجوز على الراحلة و مشيا اختيارا، كغيرها من الفرائض.
و لأنّ عبد اللّه بن سنان سأل الصادق عليه السلام: أ يصلّي الرجل شيئا من الفروض على الراحلة ؟ فقال: «لا»(2).
أمّا مع الضرورة فتجوز، دفعا للمشقّة، كغيرها من الفرائض.
و كتب علي بن فضل الواسطي إلى الرضا عليه السلام: إذا كسفت
ص: 194
الشمس و القمر و أنا راكب لا أقدر على النزول، فكتب عليه السلام: «صلّ على مركبك الذي أنت عليه»(1).
أو في كسف أحد النيّرين بأحد الكواكب كما قال بعضهم: إنّه شاهد الزهرة في جرم الشمس كاسفة لها؟ إشكال ينشأ: من عدم التنصيص، و خفائه، إذ الحسّ لا يدلّ عليه، و إنّما يستفاد من المنجّمين الذين لا يوثق بهم، و من كونه آية مخوفة، فتشارك النيّرين في الحكم.
و الأول أقوى.
ص: 195
ص: 196
و لقوله تعالى يُوفُونَ بِالنَّذْرِ (1) و قوله تعالى أَوْفُوا بِالْعُقُودِ (2)وَ أَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كانَ مَسْؤُلاً (3) و لقوله تعالى وَ أَوْفُوا بِعَهْدِ اللّهِ إِذا عاهَدْتُمْ (4).
و يشترط فيه ما يشترط في الفرائض اليومية من الطهارة و الاستقبال و غيرهما إجماعا إلاّ الوقت، و تزيد الصفات التي عيّنها في نذره، و لا يجب لو وقع في معصية، لقبحه إلاّ على وجه الزجر، و سيأتي.
و لو عيّن الزمان، تعيّن سواء كان فيه مزية كيوم الجمعة و غيره من الأوقات الشريفة، أو لا، لأنّ البقاء غير معلوم، و التقدّم فعل للواجب قبل وجوبه، فلا يقع مجزئا، كما لو صلّى الفرض قبل وقته، فتعيّن.
و لو قيّده بوقت مكروه للنوافل، فالأقرب الانعقاد، لاختصاص الكراهة
ص: 197
بالنوافل، و هذه بالنذر خرجت عن كونها نافلة، و صارت واجبة ذات سبب.
ثم إن كان الفعل متقدّما على الزمان، وجب عليه الإعادة عند حضور الزمان، فإن أهمل وجب القضاء و كفّارة خلف النذر.
و إن تأخّر الفعل، فإن كان لعذر أجزأ و لا كفّارة، و إن كان لغير عذر، فإن أوقعه بنيّة القضاء، أجزأ و كفّر، و إلاّ وجب عليه الفعل ثانيا و الكفّارة.
و لو نذر إيقاعه في زمان يتكرّر مثله كيوم الجمعة، لم يجب في الجمعة الأولى إلاّ مع النذر، بل يجزئه فعلها في أيّ جمعة شاء، فإن أوقعها في خميس مثلا لم يجزئه، و وجب إيقاعها في الجمعة الأخرى أداء لا قضاء.
كالمسجد.
و إن لم يكن له مزيّة، ففي وجوب القيد نظر ينشأ: من أنّه نذر طاعة في موضع مباح فيجب، و من أنّ القيد لا مزيّة فيه فلا تجب، كما لو نذر المشي و لم يعيّن مقصدا، و هو الأقرب، فيجوز إيقاعها حينئذ في أيّ موضع شاء.
أمّا لو كان له مزيّة، فصلاّها في مكان مزيّته أعلى، فالأقرب: الجواز، إذ زيادة المزية بالنسبة إلى الآخر كذي المزية بالنسبة إلى غير ذي المزيّة.
و يحتمل العدم، لأنّه نذر انعقد، فلا يجوز غيره، فإن قلنا بالجواز فلا بحث، و إلاّ وجب القضاء.
و لو قيّده بزمان و مكان، فأوقعها في ذلك الزمان في غير ذلك المكان ممّا يساويه أو يزيد عليه في المزيّة، أجزأ على إشكال، و إلاّ وجب القضاء في ذلك المكان بعينه، و الكفّارة، لفوات الوقت.
و هل تجزئه الواحدة ؟ لعلمائنا قولان: أحدهما: ذلك، للتعبّد بمثلها
ص: 198
في الوتر. و الآخر: المنع، صرفا للإطلاق إلى المتعارف و هو الركعتان.
و لو صلاّها ثلاثا أو أربعا، أجزأ إجماعا، و في وجوب التشهّدين إشكال. و لو صلاّها خمسا فإشكال.
و لو قيّد نذره بعدد، تعيّن إن تعبّد بمثله.
ثم إن أطلق، احتمل وجوب التسليم عقيب كلّ ركعتين، و وجوبه عقيب أربع أو ما زاد على إشكال.
و إن لم يتعبّد بمثله، كالخمس و الست، قال ابن إدريس: لا ينعقد(1).
و يحتمل انعقاده، لأنّها عبادة، و عدم التعبّد بمثلها لا يخرجها عن كونها عبادة.
فيعيد مع المخالفة، فإن كان مقيّدا بوقت و خرج، أعاد و كفّر.
و لو نذر أن يقرأ آيات معيّنة عوض السورة ففي الإجزاء نظر ينشأ: من أنّها واجبة، فتجب السورة مع الحمد كغيرها من الفرائض، و من أنّ وجوبها على هذا الحدّ فلا يجب غيره، فعلى الأول يحتمل عدم انعقاد النذر مطلقا، كما لو نذر صلاة بغير طهارة، و انعقاده فتجب سورة كاملة.
و لو نذر آيات من سورة معيّنة عوض السورة، و قلنا بوجوب السورة في الأول، وجب هنا عين تلك السورة ليدخل ما نذره ضمنا، و يحتمل إجزاء غيرها، لعدم انعقاد النذر في التبعيض.
فلو نذر صلاة العيد المندوبة أو الاستسقاء في وقتهما، لزم، و لو نذرهما في غير وقتهما،
ص: 199
فالأقرب: عدم الانعقاد، لعدم التعبّد بمثله في هذا الوقت. و يحتمل الانعقاد، لأنّها طاعة تعبّد بمثلها في وقت ما، فكذا في غيرها.
و لو نذر إحدى المرغّبات، وجبت، فإن كانت مقيّدة بوقت، تقيّد النذر به و إن أطلقه، كما لو نذر نافلة الظهر، و إلاّ فلا، و لو كان الوقت مستحبّا لها، كصلاة التسبيح المستحب إيقاعها يوم الجمعة، لم ينعقد إلاّ مع تقيّد النذر به.
و لو نذر صلاة الليل، وجب ثمان ركعات، و لا يجب الدعاء. و كذا لو نذر نافلة رمضان، لم يجب الدعاء المتخلّل بينها إلاّ مع التقييد.
و لو نذر الفريضة اليومية، فالوجه الانعقاد، لأنّها طاعة، بل أقوى الطاعات لوجوبها، و الفائدة: وجوب الكفّارة مع المخالفة.
المطلق لا المقيّد، لأولويّة غيره. و كذا لو نذر الصلاة النافلة في إحدى الأماكن المكروهة. و لو فعل ما قيّد النذر به، أجزأه، إذ غيره لم يجب، لعدم نذره.
و لو نذر التنفّل جالسا أو مستدبرا، فإن أوجبنا القيام أو الاستقبال، احتمل بطلان النذر، كما لو نذر الصلاة بغير طهارة، و الانعقاد للمطلق، فيجب الضّد.
و إن جوّزنا إيقاعها جالسا أو مستدبرا، أجزأ لو فعلها عليهما أو قائما أو مستقبلا.
و اليمين و العهد في ذلك كلّه كالنذر.
ص: 200
قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: (إذا غضب اللّه تعالى على امّة ثم لم ينزل بها العذاب، غلت أسعارها، و قصرت أعمارها، و لم تربح تجّارها، و لم تزك ثمارها، و لم تعذب أنهارها، و حبس عنها أمطارها، و سلّط عليها أشرارها)(1).
و قال الصادق عليه السلام: «إذا فشت أربعة، ظهرت أربعة: إذا فشا الزنا، ظهرت الزلازل، و إذا أمسكت الزكاة، هلكت الماشية، و إذا جار الحكّام في القضاء، أمسك القطر من السماء، و إذا خفرت الذمة، نصر المشركون على المسلمين»(2).
و قال ابن عباس: خرج رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، في الاستسقاء متبذلا متواضعا متضرّعا حتى أتى المصلّى(1).
و روى أنس قال: أصاب أهل المدينة قحط، فبينا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، يخطب إذ قام رجل، فقال: هلك الكراع و الشاء، فادع اللّه أن يسقينا، فمدّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، يديه و دعا، قال أنس: و السماء لمثل الزجاجة، فهاجت ريح، ثم أنشأت سحابا، ثم اجتمع، ثم أرسلت السماء عزاليها [1]، فخرجنا نخوض الماء حتى أتينا قبل منازلنا، فلم تزل تمطر إلى الجمعة الأخرى، فقام إليه الرجل أو غيره، فقال: يا رسول اللّه تهدّمت البيوت و احتبس الركبان، فادع اللّه أن يحبسه، فتبسّم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، ثم قال:
(اللهم حوالينا و لا علينا) فنظرت إلى السماء تنصدع حول المدينة كأنه إكليل(2).
و من طريق الخاصة: قول الباقر عليه السلام: «إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، صلّى الاستسقاء ركعتين»(3) الحديث.
و صلّى أمير المؤمنين عليه السلام صلاة الاستسقاء، و خطب طويلا، ثم بكى و قال: «سيدي انصاحت جبالنا، و أغبرت أرضنا، و هامت دوابّنا، و قنط ناس منّا، و تاهت البهائم و تحيّرت في مراتعها، و عجّت عجيج الثكلى على أولادها، و ملت الدوران في مراتعها [حين](4) حبست عنها قطر السماء، فرقّ لذلك عظمها، و دقّ لحمها، و ذاب شحمها، و انقطع درّها، اللهم ارحم أنينل.
ص: 202
الآنة و حنين الحانة، و ارحم تحيّرها في مراتعها، و أنينها في مرابضها»(1).
و قال الصادق عليه السلام: «إنّ سليمان بن داود عليه السلام، خرج ذات يوم مع أصحابه ليستقي فوجد نملة قد رفعت قائمة من قوائمها إلى السماء و هي تقول: اللهم إنّا خلق من خلقك، لا غنى بنا عن رزقك، فلا تهلكنا بذنوب بني آدم، فقال سليمان عليه السلام، لأصحابه: ارجعوا فقد سقيتم بغيركم»(2).
و أجمع المسلمون كافة على مشروعية الاستسقاء و إن اختلفوا في كيفيّته على ما يأتي.
و الجدب، عند علمائنا كافة - و به قال عمر بن عبد العزيز و سعيد بن المسيب و مكحول و الشافعي و أحمد و محمد و أبو يوسف(3) - لما تقدّم من الأحاديث.
و لما رواه الجمهور عن الصادق عن الباقر عليهما السلام: «أنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله، و أبا بكر و عمر كانوا يصلّون صلاة الاستسقاء»(4).
و من طريق الخاصة: قول الصادق عليه السلام في الاستسقاء: «يصلّي ركعتين»(5).
و قال أبو حنيفة: لا صلاة للاستسقاء، و إنّما هو دعاء و استغفار، و الصلاة بدعة، لأنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله استسقى على المنبر، و لم يصلّ
ص: 203
لها(1).
و كذلك عمر استسقى بالعباس عام الرمادة(2) ، فأخذ بضبعي العباس و أشخصه قائما، و أومأ به نحو السماء، فقال: اللهم إنّا جئناك نستسقيك، و نستشفع إليك بعمّ نبيك. فما انقضى قوله و الناس ينظرون إليهما و إلى السماء حتى نشأت سحابة فلم يلبث أن طبقت الأفق ثم أرسلت عزاليها، فما رجعوا إلى رحالهم حتى بلّهم الغيث(3)(4).
و لا حجّة فيه، لأنّها ليست واجبة، و الغرض بها إرسال الغيث، فإذا حصل، سقط سبب الاستحباب. مع أنه عليه السلام، لم يصلّ يوم الجمعة لاشتغاله بالجمعة، و هذه الصلاة ليست واجبة بالإجماع.
عند علمائنا أجمع - و به قال عمر بن عبد العزيز و سعيد ابن المسيب و مكحول و الشافعي و أبو يوسف و محمد و أحمد في أشهر الروايتين(5) - لأنّ الصادق عليه السلام روى عن الباقر عليه السلام: «أنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله و أبا بكر و عمر كانوا يصلّون صلاة الاستسقاء، يكبّرون فيها سبعا و خمسا»(6).
ص: 204
و قال ابن عباس: خرج رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله متبذلا، متواضعا حتى أتى المصلّي، فصلّى ركعتين كما يصلّي في العيد(1).
و من طريق الخاصة: قول الباقر عليه السلام: «إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، صلّى للاستسقاء ركعتين، و بدأ بهما قبل الخطبة، و كبّر سبعا و خمسا، و جهر بالقراءة»(2).
و قال مالك: يصلّي ركعتين بلا تكبير زائد - و هي الرواية الأخرى عن أحمد، و قول الأوزاعي و أبي ثور و إسحاق - لأنّ أبا هريرة قال: إنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله، خرج للاستسقاء، فصلّى ركعتين(3)(4).
و ليس حجّة، إذ لم يبيّن الكيفية، و الإطلاق لا ينافي التفصيل.
مسألة 509: قال الشيخ: و يقرأ فيهما أيّ سورة شاء(5) ،
لعدم و التنصيص.
و يحتمل أن يقرأ، كما يقرأ في العيد، لقول الصادق عليه السلام و قد سئل عن كيفيّة صلاة الاستسقاء: «مثل صلاة العيدين»(6).
و قال الشافعي: يقرأ في الأولى بسورة (ق)، و في الثانية (اقتربت)
ص: 205
لأنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله، صنع في الاستسقاء ما صنع في الفطر و الأضحى(1).
و قال بعض أصحابه: يقرأ في الثانية بسورة نوح، لأنّ فيها ذكر الاستسقاء(2).
و روى الجمهور عن أنس أنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله، كان يقرأ - في العيدين و الاستسقاء - في الأولى بفاتحة الكتاب، و سبّح اسم ربك الأعلى، و في الثانية بفاتحة الكتاب و هل أتاك حديث الغاشية(3).
إلاّ أنّه يدعو هنا بالاستعطاف و سؤال الرحمة و إنزال الغيث و توفير المياه.
و أفضل ما يقال: الأدعية المأثورة عن أهل البيت عليهم السلام، لأنّهم أعرف بكيفيات العبادات.
فيخطب الإمام يوم الجمعة و يشعر الناس بفعلها، و يأمرهم بصوم ثلاثة أيام: السبت و الأحد و يخرج بهم يوم الاثنين و هم صيام، و إن شاء خرج بهم يوم الجمعة، فيصوموا الأربعاء و الخميس و الجمعة، عند علمائنا، لأنّ دعاء الصائم في مظنّة الإجابة.
قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: (دعوة الصائم لا تردّ)(4).
و قال حمّاد السرّاج: أرسلني محمد بن خالد إلى الصادق عليه السلام يقول له: إنّ الناس قد كثّروا عليّ في الاستسقاء، فما رأيك في الخروج غدا؟
ص: 206
فقلت ذلك للصادق عليه السلام، فقال لي: «قل له: ليس الاستسقاء هكذا، قل له: يخرج فيخطب الناس، و يأمرهم بالصيام اليوم و غدا، و يخرج بهم يوم الثالث و هم صيام» قال: فأتيت محمّدا فأخبرته بمقالة الصادق عليه السلام، فجاء فخطب بالناس، و أمرهم بالصيام كما قال الصادق عليه السلام، فلمّا كان في اليوم الثالث أرسل إليه ما رأيك في الخروج ؟ و في رواية اخرى: أنّه أمره أن يخرج يوم الاثنين فيستسقي(1).
و قال الشافعي: يصوم ثلاثة أيام ثم يخرج يوم الرابع صائما(2) ، لقوله عليه السلام: (دعوة الصائم لا تردّ)(3).
و لا حجّة فيه، و الأصل سقوط التكليف، و أهل البيت عليهم السلام أعرف بالأحكام.
إلاّ من أبي حنيفة، فإنّه قال: لا يسنّ الخروج، لأنّ النبي عليه السلام استسقى على المنبر يوم الجمعة(4)(5).
و لا يعتدّ بخلافه إلاّ بمكّة، فإنّه يصلّى في المسجد الحرام، لأنّ عبد اللّه ابن زيد قال: إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، خرج بالناس إلى المصلّى يستسقي(6).
و من طريق الخاصة: قول علي عليه السلام: «مضت السنّة أنّه
ص: 207
لا يستسقى إلاّ بالبراري حيث ينظر الناس إلى السماء، و لا يستسقى في المساجد إلاّ بمكة»(1).
و لأنّه يستحب إخراج النساء و الأطفال و البهائم و لا يحمل ذلك إلاّ المصلّى.
و لأنّهم في المصلّى في الصحراء يعلمون ما ينشأ من السحاب، أو يجيء من المطر.
و هل يخرج المنبر معه ؟ قال المرتضى: نعم(2) ، و به قال الشافعي(3) ، لرواية عائشة أنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله، أخرج المنبر(4) ، و لم يخرجه في العيد، بل خطب على بعيره(5).
و من طريق الخاصة: قول الصادق عليه السلام لمحمد بن خالد:
«يخرج المنبر ثم يخرج كما يخرج يوم العيدين، و بين يديه المؤذّنون في أيديهم عنزهم حتى إذا انتهى إلى المصلّى صلّى بالناس ركعتين بغير أذان و لا إقامة»(6).
و قال بعض علمائنا: لا يخرج بل يعمل شبه المنبر من طين(7).
لأنّه أبلغ في التذلّل و الخضوع.
و لقول الصادق عليه السلام: «يخرج كما يخرج في العيدين»(8).
ص: 208
و يستحب أن يتنظّف الخارج بالماء و ما يقطع الرائحة من سواك و غيره، لئلاّ يتأذّى غيره برائحته. و لا يتطيّب، لأنّ التطيّب للزينة و ليس يوم زينة.
و يخرج في ثياب بذلته و تواضعه و لا يجدّد.
و لأنّ النبي عليه السلام، خرج متبذّلا متواضعا متضرّعا(1).
و يكون مشيه و جلوسه و كلامه في تواضع و استكانة.
و يخرج الإمام من كان ذا دين و صلاح و شرف(2) و عفاف و علم و زهد، لأنّ دعاءهم أقرب إلى الإجابة.
و يخرج الشيوخ و العجائز و الأطفال، لأنّهم أقرب إلى الرحمة و أسرع للإجابة، لقوله عليه السلام: (لو لا أطفال رضّع، و شيوخ ركّع، و بهائم رتّع(3) ، لصبّ عليكم العذاب صبّا)(4).
و قال عليه السلام: (إذا بلغ الرجل ثمانين سنة، غفر له ما تقدّم من ذنبه و ما تأخّر)(5).
و لا تخرج الشواب من النساء ليؤمن الافتتان بهنّ.
و يمنع الكفّار من الخروج معهم و إن كانوا أهل ذمة، لأنّهم مغضوب
ص: 209
عليهم و ليسوا أهلا للإجابة.
و لقوله تعالى وَ ما دُعاءُ الْكافِرِينَ إِلاّ فِي ضَلالٍ (1).
و لأنّه لا يؤمن أن يصيبهم عذاب فيعمّ من حضرهم، فإنّ قوم عاد استسقوا، فأرسل اللّه تعالى عليهم ريحا صرصرا فأهلكتهم.
و قال إسحاق: لا بأس بإخراج أهل الذمة مع المسلمين - و به قال مكحول و الأوزاعي و الشافعي في قول - لأنّ اللّه تعالى ضمن أرزاقهم، كما ضمن أرزاق المؤمنين، فجاز أن يخرجوا ليطلبوا رزقهم(2).
و قال الشافعي و أحمد: يكره للإمام إخراجهم، فإن خرجوا، لم يمنعوا لكن لا يختلطون بنا(3).
قال الشافعي: و لا أكره من اختلاط صبيانهم بنا ما أكره من اختلاط رجالهم، لأن كفرهم تبع لآبائهم لا عن عناد و اعتقاد(4).
و الحقّ ما قلناه أوّلا.
و كذا يكره إخراج المتظاهر بالفسق و الخلاعة، و المنكر من أهل الإسلام.
و يخرج معهم البهائم، لأنّهم في مظنة الرحمة و طلب الرزق مع انتفاء الذنب.
و لقوله عليه السلام: (و بهائم رتّع)(5) فجعلها سببا في دفع العذاب.
و قال الشافعي: لا آمر بإخراجها، لأنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لم9.
ص: 210
يخرجها، فإن أخرجت فلا بأس(1).
و لا حجّة في الترك، للاكتفاء به صلّى اللّه عليه و آله، عن كلّ أحد.
و قال بعض الشافعية: يخرجهم لعلّ اللّه أن يرحمها(2).
و لأنّ سليمان عليه السلام خرج ليستسقي فرأى نملة قد استلقت على ظهرها و هي تقول: اللهم إنّا خلق من خلقك (لا غنى بنا)(3) عن رزقك، فقال سليمان عليه السلام: ارجعوا فقد سقيتم بغيركم(4).
و يأمر السادة بإخراج عبيدهم و عجائزهم و إمائهم ليكثر الناس، و التضرّع و الاستغفار، و يأمرهم الإمام بالخروج من المظالم، و الاستغفار من المعاصي، و الصدقة، و ترك التشاجر ليكون أقرب لإجابتهم، فإنّ المعاصي سبب الجدب، و الطاعة سبب البركة.
قال اللّه تعالى وَ لَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى آمَنُوا وَ اتَّقَوْا لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَ الْأَرْضِ وَ لكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْناهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (5).
و يفرّق بين الأطفال و أمّهاتهم ليكثروا البكاء و الخشوع بين يدي اللّه تعالى، فيكون أقرب للإجابة، و يخرج هو و القوم يقدّمونه ذاكرين إلى أن ينتهوا إلى المصلّى.
بإجماع العلماء، لأنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، صلاّها ركعتين بغير أذان و لا إقامة(6). بل يقول المؤذن:
الصلاة ثلاثا.
ص: 211
و قال الشافعي و أحمد: يقول: الصلاة جامعة(1). و لا بأس بهما.
و في أيّ وقت خرج جاز، و صلاّها في أيّ زمان، إذ لا وقت لها بلا خلاف.
و الأقرب عندي إيقاعها بعد الزوال، لأنّ ما بعد العصر أشرف.
قال ابن عبد البرّ: الخروج إليها عند زوال الشمس عند جماعة العلماء(2). و هذا على سبيل الاختيار لا أنّه يتعيّن فعلها فيه.
و يجوز فعلها في الأوقات المكروهة - خلافا للجمهور(3) - لأنّها ذات سبب، و قد تقدّم.
إجماعا، لقوله صلّى اللّه عليه و آله: (من صلّى جماعة ثم سأل اللّه حاجته قضيت له)(4) و صلاّها عليه السلام جماعة(5).
و أنكر أبو حنيفة الجماعة لو صلّيت، لأنّها نافلة(6).
و ينتقض بالعيد.
و تصح من المسافر و الحاضر و أهل البوادي و غيرهم، لأنّ الاستسقاء إنّما شرّع للحاجة إلى المطر، و الكلّ متشاركون فيه.
و إذا صلّيت جماعة، لم يشترط إذن الإمام - و به قال الشافعي و أحمد في رواية(7) - لأنّ علّة تسويغها حاصلة، فلا يشترط فيها الإذن كغيرها من النوافل.
ص: 212
و في رواية: يشترط، لأنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله، لم يأمر بها، و إنّما فعلها على صفة، فلا تتعدّى(1).
و نمنع انتفاء الأمر.
- و به قال الشافعي و مالك و محمّد بن الحسن و أحمد في أشهر الروايتين(2). قال ابن عبد البرّ: و عليه جماعة الفقهاء(3) - لقول أبي هريرة: صلّى ركعتين ثم خطبنا(4).
و قول ابن عباس: صنع في الاستسقاء كما صنع في العيدين(5).
و من طريق الخاصة: قول الصادق عليه السلام: «إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، صلّى الاستسقاء ركعتين، و بدأ بالصلاة قبل الخطبة»(6).
و سأل هشام بن الحكم، الصادق عليه السلام عن صلاة الاستسقاء، قال: «مثل صلاة العيدين يقرأ فيهما و يكبّر فيهما، يخرج الإمام فيبرز إلى مكان نظيف في سكينة و وقار و خشوع و مسألة، و يبرز معه الناس، فيحمد اللّه و يمجّده و يثني عليه، و يجتهد في الدعاء، و يكثر من التسبيح و التهليل و التكبير، و يصلّى صلاة العيدين ركعتين في دعاء و مسألة و اجتهاد، فإذا سلّم الإمام، قلّب ثوبه، و جعل الجانب الذي على المنكب الأيمن على المنكب الأيسر، و الذي على الأيسر على الأيمن، فإنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله،
ص: 213
كذلك صنع»(1) و التشبيه بالعيد يستلزم التساوي في تأخير الخطبة.
و لأنّها صلاة ذات تكبير، فأشبهت صلاة العيد في تأخير الخطبة عنها.
و قال الليث بن سعد و ابن المنذر: إنّها قبل الصلاة - و هو مروي عن عمر و ابن الزبير و أبان بن عثمان و عمر بن عبد العزيز لأنّ أنسا و عائشة قالا: إنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله، خطب و صلّى(2)(3).
و في رواية إسحاق بن عمار عن الصادق عليه السلام: «الخطبة في الاستسقاء قبل الصلاة»(4).
و في إسحاق قول(5) ، و في طريقها أبان(6) أيضا، فالمعتمد الأول.
و عن أحمد رواية ثالثة: التخيير بين إيقاعها قبل الصلاة و بعدها، لورود الأخبار بهما(7). و لا بأس به.
و عنه رابعة: أنّه لا يخطب أصلا، إنّما يدعو و يتضرّع، لقول ابن عباس: لم يخطب خطبتكم هذه، و لكن لم يزل في الدعاء و التضرّع(8)(9).
و نحن نقول بموجبه، فالخطبة هنا بسؤال إنزال الغيث، و ليس فيه نفي الخطبة، بل نفي الصفة.
كما في باقي
ص: 214
الخطب، و يخطب بالخطبة المرويّة عن علي عليه السلام(1).
و هل يخطب خطبتين ؟ الأقرب ذلك، للنصّ على مساواة صلاة العيد(2) ، و به قال الشافعي و مالك(3).
و عن أحمد رواية: أنه يخطب واحدة، إذ الغرض الدعاء بإرسال الغيث، و لا أثر لكونها خطبتين(4). و هو ممنوع، لزيادة المشقة.
إذا عرفت هذا، فإن الخطب عندنا ثمانية: يوم الفطر و الأضحى و الاستسقاء و الجمعة، و أربع في الحج: يوم السابع من ذي الحجة بمكة، و يوم عرفة، و يوم النحر بمنى، و يوم النفر الأول، و هو ثاني أيام التشريق.
و زاد بعض علمائنا: خطبة الغدير(5).
و قال الشافعي: عشرة. و أسقط الغدير، و زاد الكسوف و الخسوف(6).
و يكبّر اللّه تعالى مائة مرة، ثم يلتفت عن يمينه، و يسبّح اللّه تعالى مائة مرة، ثم يلتفت عن يساره و يهلّل اللّه تعالى مائة مرة، ثم يستدبر القبلة و يستقبل الناس و يحمد اللّه تعالى مائة مرة يرفع بذلك صوته و الناس يتابعونه في ذلك كلّه، لقول الصادق عليه السلام: «ثم يصعد المنبر فيقلب رداءه فيجعل الذي على يمينه على يساره، و الذي على يساره على يمينه، ثم يستقبل القبلة، فيكبّر اللّه مائة تكبيرة رافعا بها صوته، ثم يلتفت إلى الناس عن يمينه، فيسبّح اللّه مائة تسبيحة رافعا بها صوته، ثم يلتفت إلى الناس عن يساره،
ص: 215
فيهلّل اللّه مائة تهليلة رافعا بها صوته، ثم يستقبل الناس، فيحمد اللّه مائة تحميدة»(1).
و لأن فيه إيفاء الجهات حقّ الاستغفار، لأنّه لا يعلم إدراك الرحمة من أيّ جهة هو.
فقال المرتضى: بالأول، و تبعه ابن إدريس(2).
و قال الشيخ: بالثاني(3). و كلاهما عندي جائز.
أمّا تحويل الرداء: فإنّه قبل هذه الأذكار، لقول الصادق عليه السلام:
«ثم يصعد المنبر فيقلب رداءه، فيجعل الذي على يمينه على يساره، و الذي على يساره على يمينه، ثم يستقبل القبلة فيكبّر اللّه مائة تكبيرة»(4).
و في حديث آخر عنه عليه السلام: «فإذا سلّم الإمام قلب ثوبه»(5).
اللّه تعالى ما بهم من الجدب إلى الخصب.
سئل الصادق عليه السلام، عن تحويل النبي صلّى اللّه عليه و آله رداءه إذا استسقى، قال: «علامة بينه و بين أصحابه تحوّل الجدب خصبا»(1).
و بالثاني قال الليث بن سعد و أبو يوسف و محمد، و هو مرويّ عن سعيد ابن المسيب و عروة و الثوري(2) ، لأنّه نقل أنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله، حوّل رداءه دون أصحابه(3).
و قال أبو حنيفة: لا يسنّ التحويل لا للإمام و لا للمأموم، لأنّه دعاء، فلم يستحب فيه تغيير الثياب كسائر الأدعية(4).
و القياس لا يعارض النصّ، خصوصا مع منع العلّيّة.
الأيمن على عاتقه الأيسر و عطافه الأيسر على عاتقه الأيمن(1).
و من طريق الخاصة: قول الصادق عليه السلام: «فإذا سلّم الإمام قلب ثوبه و جعل الجانب الذي على المنكب الأيمن على المنكب الأيسر، و الذي على الأيسر على الأيمن، فإن النبي صلّى اللّه عليه و آله، كذلك صنع»(2).
و قال الشافعي: إن كان مقوّرا فكذلك، و إن كان مربّعا فقولان:
أحدهما: ذلك، و الثاني: أنّه يجعل طرفه الأسفل الذي على شقّه الأيسر على عاتقه الأيمن، و طرفه الأسفل الذي على شقّه الأيمن على عاتقه الأيسر(3) ، لأنّ النبي عليه السلام، كان عليه خميصة سوداء فأراد أن يجعل أسفلها أعلاها، فلمّا ثقلت عليه جعل العطاف الذي على الأيسر على عاتقه الأيمن و الذي على الأيمن على عاتقه الأيسر(4).
و الزيادة ظنّ الراوي، و قد نقل تحويل الرداء جماعة لم ينقل أحد منهم النكس، و يبعد أن يترك النبي صلّى اللّه عليه و آله، ذلك في جميع الأوقات، لنقل الرداء.
و قال إمام الحرمين: يقلب أسفل الرداء إلى الأعلى، و ما على اليمين على اليسار، و ما كان باطنا يلي الثياب ظاهرا(5).
و جمع الثلاثة غير ممكن بل الممكن اثنان لا غير.
ص: 218
قال اللّه تعالى قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكّى. وَ ذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلّى (1).
و قال حكاية عن آدم عليه السلام رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا وَ إِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وَ تَرْحَمْنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ (2).
و عن نوح عليه السلام وَ إِلاّ تَغْفِرْ لِي وَ تَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخاسِرِينَ (3).
و عن يونس عليه السلام فَنادى فِي الظُّلُماتِ أَنْ لا إِلهَ إِلاّ أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظّالِمِينَ (4).
و عن موسى عليه السلام إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (5).
و لأنّ المعاصي سبب انقطاع الغيث، و الاستغفار يمحو المعاصي المانعة من الغيث، فيأتي اللّه تعالى به.
و يصلّي على النبي و على آله صلّى اللّه عليه و آله، لقول علي عليه السلام: «إذا سألتم اللّه تعالى فصلّوا على النبي و آله، فإنّ اللّه سبحانه و تعالى إذا سئل عن حاجتين يستحي أن يقضي إحداهما دون الأخرى»(6).
و هكذا، عند علمائنا أجمع - و به قال مالك و أحمد و الشافعي(7) - لقوله عليه
ص: 219
السلام: (إنّ اللّه يحب الملحّين في الدعاء)(1).
و لأنّ سبب ابتداء الصلاة باق، فيبقى الاستحباب. و لأنّه أبلغ في الدعاء و التضرّع.
و أنكر إسحاق الخروج ثانيا، لأنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله، لم يخرج إلاّ مرة، و لكن يجتمعون في مساجدهم، فإذا فرغوا من الصلاة، ذكروا اللّه تعالى، و دعوا، و يدعو الإمام يوم الجمعة على المنبر و يؤمّن الناس(2).
و ليس حجّة، لاستغناء النبي صلّى اللّه عليه و آله، عن المعاودة بإجابته أول مرة.
إذا ثبت هذا، فإنّ الخروج ثانيا كالخروج أوّلا، و هو أحد قولي الشافعي. و في الثاني: يعودون من الغد للصلاة، و توالى الصلاة يوما بعد يوم(3). و لو فعل ذلك جاز.
و كذا لو سقوا قبل الصلاة لم يصلّوا، لحصول الغرض بالصلاة.
نعم تستحب صلاة الشكر، و يسألون زيادته، و عموم خلقه بالغيث.
و كذا لو سقوا عقيب الصلاة، و هو أصح وجهي الشافعي(4).
و يستحب الدعاء عند نزول الغيث، لقوله عليه السلام: (اطلبوا استجابة الدعاء عند ثلاث: التقاء الجيوش، و إقامة الصلاة، و نزول الغيث)(5).
و إذا كثر الغيث و خافوا ضرره، دعوا اللّه تعالى أن يخفّفه، و يصرف
ص: 220
مضرّته عنهم، لأنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله دعا كذلك(1).
و لأنّه أحد الضررين، فاستحب الدعاء لإزالته كانقطاعه.
و يستحب رفع الأيدي في دعاء الاستسقاء، لأنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله، رفعهما فيه حتى رئي بياض إبطيه(2).
و يجوز أن يستسقي الإمام بغير صلاة، بأن يستسقي في خطبة الجمعة و العيدين، و هو دون الأول في الفضل. و كذا يجوز أن يخرج فيدعو دعاء مجدّدا، و هو دون الثاني.
و يستحب لأهل الخصب أن يستسقوا لأهل الجدب، لأنّ اللّه تعالى أثنى على قوم دعوا لإخوانهم بقوله وَ الَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا وَ لِإِخْوانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونا بِالْإِيمانِ (3). و يدعون لأنفسهم بزيادة الخصب.
لأنّه طاعة، فإن سقي الناس، وجب عليه أن يخرج فيوفّي نذره، و ليس له إخراج غيره، و لا إلزامه بالخروج، لأنّه لا يملكهم، و ليس له أن يكرههم عليه في غير جدب، و لو لم يسقوا، وجب عليه الخروج بنفسه، و ليس له إلزام غيره بذلك، بل يأمرهم أمر ترغيب لا أمر إلزام.
و لو نذر أن يخرج بالناس، انعقد نذره في نفسه خاصة، و وجب عليه إشعار غيره، و ترغيبه في الخروج، فإن فعل، و إلاّ لم يجز جبره عليه، و لو نذر غير الإمام ذلك فكذلك.
ص: 221
و يستحب له أن يخرج في من يطيعه من أهله و أقاربه و أصحابه.
فإن أطلق النذر، لم تجب الخطبة، و إن نذرها، خطب، و لا يجب القيام لها.
و إن نذر أن يخطب على المنبر، قال الشيخ: انعقد نذره، و لم يجز أن يخطب على حائط و شبهه(1).
و قال الشافعي: لا يجب، لأنّه لا طاعة فيه إلاّ ليستمع الناس، فإن كان إماما، لزمه ذلك، و يجزئه أن يخطب على جدار، أو قائما(2). و ليس بجيّد.
و إذا نذر أن يستسقي، جاز أن يصلّي أين شاء، و يجزئه في منزله.
و قال الشيخ: يصلّي في الصحراء(3).
و إن قيّد صلاته بالمسجد، وجب، فإن صلاّها في الصحراء حينئذ، قال الشيخ: لا يجزئه(4).
و عندي فيه إشكال ينشأ: من أولويّة إيقاعها في الصحراء.
و لو نذر أن يصلّي في المسجد، لم يجز أن يصلّي في بيته، خلافا للشافعي(5).
و كما تجوز صلاة الاستسقاء عند قلّة الأمطار، كذا تجوز عند نضب ماء العيون أو مياه الآبار، للحاجة.
قال الشيخ: و لا يجوز أن يقول: مطرنا بنوء كذا، لأنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله، نهى عن ذلك(6).).
ص: 222
روى زيد بن خالد الجهني قال: صلّى بنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، صلاة الصبح بالحديبيّة في أثر سماء كانت من الليل، فلمّا انصرف أقبل على الناس فقال: (هل تدرون ما ذا قال ربكم ؟) قالوا: اللّه و رسوله أعلم، قال: (أصبح من عبادي مؤمن بي و كافر بالكوكب، و كافر بي و مؤمن بالكوكب، فمن قال: مطرنا بفضل اللّه و رحمته فذلك مؤمن بي و كافر بالكوكب، و أمّا من قال: مطرنا بنوء كذا و كذا، فذلك كافر بي مؤمن بالكوكب)(1).
و الظاهر أن قصده عليه السلام أنّ من قصد أنّ النوء هو الممطر و المنزل للغيث كما يقول المشركون فهو كافر، و أمّا من قصد الوقت الذي أجرى اللّه تعالى عادته بمجيء المطر فيه فليس بكافر، كما أجرى العادة بمجيء الحرّ و البرد، و الكسوف و الخسوف في أوقات معيّنة.
و النوء: سقوط كوكب و طلوع رقيبه.
و ينبغي أن يجلس بحيث يصيبه أول المطر، لأنّ ابن عباس كان إذا مطرت السماء قال لغلامه: أخرج فراشي و رحلي يصيبه المطر، فقال له أبو الجوزاء: لم تفعل هذا يرحمك اللّه ؟ قال: لقول اللّه سبحانه و تعالى:
وَ نَزَّلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً مُبارَكاً (2) فأحبّ أن تصيب البركة فراشي و رحلي(3).
و روي أنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله، كان يتمطّر في أول المطر(4).
و كان عليه السلام إذا برقت السماء أو رعدت، عرف ذلك في وجهه،3.
ص: 223
و لا ينبغي لأحد أن يسبّ الريح، لأنّه روي عن النبي صلّى اللّه عليه و آله، أنّه قال: (الريح من روح اللّه تعالى تأتي بالرحمة و تأتي بالعذاب، فلا تسبّوها و اسألوا اللّه تعالى خيرها، و تعوّذوا من شرّها)(3).3.
ص: 224
و فيه فصول
ص: 225
ص: 226
و فيه مطالب:
الجماعة مشروعة في الصلوات المفروضة اليومية بغير خلاف بين العلماء كافة، و هي من جملة شعائر الإسلام و علاماته.
و الأصل فيه قوله تعالى وَ إِذا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ (1).
و داوم النبي صلّى اللّه عليه و آله، على إقامتها حضرا و سفرا، و كذا أئمّته و خلفاؤه. و لم يزل المسلمون يواظبون عليها بلا خلاف.
تفضل على صلاة الفذّ بأربع و عشرين درجة تكون خمسا و عشرين صلاة»(1).
و قال عليه السلام: «إنّ أناسا كانوا على عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، أبطأوا عن الصلاة في المسجد، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:
(ليوشك قوم يدعون الصلاة في المسجد أن نؤمر بحطب فيوضع على أبوابهم فتوقد عليهم نار فتحرق عليهم بيوتهم)(2).
الخمس، بل في الجمعة و العيدين خاصة مع حصول الشرائط، عند علمائنا أجمع - و به قال الشافعي و أبو حنيفة و مالك و الثوري(3) - لقوله عليه السلام:
(تفضل صلاة الجماعة على صلاة الفذّ بخمس و عشرين درجة)(4) و هو يدلّ على جواز صلاة الفذّ.
و من طريق الخاصة: قول زرارة و الفضيل: قلنا له: الصلوات في جماعة فريضة هي ؟ فقال: «الصلوات فريضة، و ليس الاجتماع بمفروض في الصلوات كلّها، و لكنها سنّة، من تركها رغبة عنها و عن جماعة المؤمنين من غير علّة فلا صلاة له»(5).
و لأنّ الجماعة لو وجبت، لكانت شرطا في الصلاة كالجمعة.
و قال الأوزاعي و أحمد و أبو ثور و داود و ابن المنذر: الجماعة فرض على الأعيان، و ليست شرطا فيها(6) ، لأنّ ابن عباس روى أنّ النبي صلّى اللّه عليه
ص: 228
و آله قال: (من سمع النداء فلم يأته فلا صلاة له إلاّ من عذر)(1).
و هو محمول على الجمعة، أو على نفي الكمال، لا الإجزاء.
عند علمائنا أجمع - و به قال أبو حنيفة و أكثر الشافعية(2) - لما تقدّم. و للأصل.
و لأنّها فضيلة في الصلاة و لا تفسد بعدمها، فلا تكون واجبة كالتكبيرات.
و قال الشافعي: إنّها فرض كفاية، لقوله عليه السلام: (ما من ثلاثة في قرية أو بلد لا تقام فيهم الصلاة إلاّ استحوذ عليهم الشيطان، فعليك بالجماعة، فإن الذئب يأخذ القاصية)(3)(4).
و هو يدلّ على شدّة الاستحباب لا الوجوب، و لأنّ الاستحواذ على عدم إقامة الصلاة لا على الجماعة، و لأنّ المفهوم ترك ذلك دائما.
إذا ثبت هذا، فإن أهل البلد لو تركوها لم يأثموا و لم يقاتلوا - و هو أحد قولي الشافعية(5) - لأنّها مستحبّة.
لكن تستحب المساجد، لأنّها مواطن العبادات، و ليس واجبا، فيجوز أن يصلّي في بيته، لقوله عليه السلام: (الاثنان فما فوقهما جماعة)(6) و لم يفصّل في موضع دون آخر،
ص: 229
و هو أحد قولي الشافعي. و على الآخر: لا يكفيه أن يصلّي في بيته جماعة إلاّ إذا ظهرت الجماعة في الأسواق، لأنّ فرضها يسقط بذلك(1).
و يستحب أن توقع في المسجد الذي تكثر فيه الجماعة، و هو الجامع، قريبا كان منه أو بعيدا، إلاّ أن يكون في جواره مسجد تكثر فيه الجماعات فالأقرب أولى. و كذا لو كانت جماعة المسجد القريب تختلّ ببعده عنه، أو كان إمام المسجد الأعظم مبدعا أو فاسقا، أو يعتقد ترك شيء من واجبات الصلاة.
و لا ينبغي لأحد ترك الجماعة و إن صلاّها بنسائه أو عبيده أو إمائه أو أولاده إذا لم يحضر المسجد.
لأنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، رأى رجلا يصلّي وحده، فقال: (ألا رجل يتصدّق على هذا فيصلّي معه ؟)(2) فجعل الصلاة معه بمنزلة الصدقة عليه.
و إن خاف فوتها، فالأقرب عندي: الإسراع - و به قال إسحاق(3) - لما فيه من المحافظة على الجماعة.
و عن ابن مسعود: أنّه اشتدّ إلى الصلاة، و قال: بادروا حدّ الصلاة، يعني التكبيرة الأولى.
ص: 230
و كان الأسود بن يزيد يهرول إذا ذهب إلى الصلاة [1].
و قال الشافعي: لا يسرع و إن خاف الفوت، لقوله عليه السلام: (إذا أقيمت الصلاة فلا تأتوها و أنتم تسعون، و لكن ائتوها و أنتم تمشون و عليكم السكينة، فما أدركتم فصلّوا و ما فاتكم فاقضوا)(1)(2).
و نمنع الحديث، أو نحمله على الأمن من الفوات، فتستحب السكينة، فإن أدرك صلّى، و إلاّ قضى ما فاته، لا على حالة الخوف.
و العذر: عام، كالمطر و الوحل و الريح الشديدة في الليلة المظلمة، و شدّة الحرّ، لأنّه عليه السلام كان يأمر مناديه في الليلة المظلمة و الليلة ذات الريح: (ألا صلّوا في رحالكم)(3).
و قال عليه السلام: (إذا ابتلّت النعال فالصلاة في الرحال)(4).
و قال عليه السلام: (إذا اشتدّ الحر فأبردوا بالظهر)(5).
و خاص: كالأكل، لشدّة شهوته إلى الطعام، لقوله عليه السلام: (إذا حضر العشاء و أقيمت الصلاة فابدؤا بالعشاء)(6).
و لأنّه يمنعه من السكون في الصلاة، و الخشوع.
ص: 231
و كونه حاقنا، لقوله عليه السلام: (إذا وجد أحدكم الغائط فليبدأ به قبل الصلاة)(1).
أو مريضا أو خائفا من ظالم، أو فوت رفقة، أو ضياع مال، أو غلبة نوم إذا انتظر الجماعة، أو احتاج إلى تمريض غيره، أو أكل شيء من المؤذيات: كالبصل و الكراث، لقوله عليه السلام: (من أكل من هذه الشجرة فلا يؤذينا في مسجدنا)(2) فإن تمكن من إزالته لم يكن عذرا.
مسألة 534: و تصح الجماعة في كلّ مكان على ما تقدّم(3) ،
سواء كان قريبا من المسجد، أو لا، لكن الأفضل قصد المسجد مع انتفاء المشقة، و ليس واجبا، و هو قول العلماء، لقوله عليه السلام: (أعطيت خمسا لم يعطهن أحد قبلي: جعلت لي الأرض طيبة طهورا، و مسجدا، فأيّما رجل أدركته الصلاة صلّى حيث كان)(4).
و من طريق الخاصة: قوله عليه السلام: «صلاة الرجل في بيته وحده صلاة واحدة»(5).
و في رواية عن أحمد: أنّ حضور المسجد القريب منه واجب(6) ، لقول عليّ عليه السلام: «لا صلاة لجار المسجد إلاّ في المسجد»(7).
ص: 232
و هو محمول على نفي الكمال.
ثم بعده مسجد النبي صلّى اللّه عليه و آله، ثم المسجد الأقصى، ثم المسجد الأعظم من كلّ بلد، ثم كلّ مسجد تكثر فيه الجماعة، و التفضيل في الأول بسبب تفاوت الأمكنة في الشرف، و في الأخير بسبب الفعل، و قد تقدم(1).
و لو كان في جواره أو في غير جواره مسجد لا تنعقد الجماعة فيه إلاّ بحضوره، ففعلها فيه أولى، لأنّه يعمره بإقامة الجماعة فيه، و يحصّلها لمن يصلّي فيه.
و إن كانت تقام فيه، و في قصده غيره كسر قلب إمامه، أو جماعته، فجبر قلوبهم أولى.
و هذا لا يتأتّى عندنا، لأنّ شرط الإمام العدالة، و العدل لا ينكسر قلبه بمثل هذا.
و إن لم يكن كذلك، ففي أولوية قصد الأبعد أو الأقرب احتمال ينشأ:
من كثرة الخطإ في طلب الثواب، و من الجواز.
و فيه عن أحمد روايتان(2).
غيره، و كذا لا يكره لو كان على قارعة الطريق أو في محلة لا يمكن أن يجتمع أهله دفعة واحدة(1).
و احتجّ الشيخ - رحمه اللّه - بالأخبار، و لأنّ فيه اختلاف القلوب، و العداوة و التهاون بالصلاة مع إمامه.
و الذي روى أبو علي الحراني(2) عن الصادق عليه السلام كراهة أن يؤذّن الجماعة الثانية إذا تخلّف أحد من الاولى(3).
و روى زيد عن أبيه عليه السلام، عن آبائه عليهم السلام، قال:
«دخل رجلان المسجد و قد صلّى علي عليه السلام بالناس، فقال لهما: إن شئتما فليؤمّ أحدكما صاحبه و لا يؤذّن و لا يقيم»(4).
و قال ابن مسعود و الحسن و النخعي و قتادة و أحمد و إسحاق: لا تكره الجماعة الثانية، لعموم قوله عليه السلام: (صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذّ بخمس و عشرين درجة)(5).
و جاء رجل و قد صلّى النبي صلّى اللّه عليه و آله، فقال: (أيّكم يتّجر على هذا؟) فقام رجل فصلّى معه(6).9.
ص: 234
و في حديث آخر: (ألا رجل يتصدّق على هذا فيصلّي معه ؟)(1).
و في رواية زيادة: فلمّا صلّيا، قال: (و هذان جماعة)(2)(3).
و لا بأس بهذا القول عندي.
و كره أحمد إعادة الجماعة في المسجد الحرام، و مسجد النبي صلّى اللّه عليه و آله، لئلاّ يتوانى الناس في حضور جماعة الإمام الراتب(4).
و الوجه: التسوية.
إلاّ في الاستسقاء و العيدين مع اختلال بعض الشرائط، عند علمائنا - خلافا للجمهور(5) - لأنّ زيد بن ثابت قال: جاء رجال يصلّون صلاة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، فخرج مغضبا، و أمرهم أن يصلّوا النوافل في بيوتهم(6).
و قال صلّى اللّه عليه و آله: (أفضل الصلاة صلاة المرء في بيته إلاّ المكتوبة)(7).
و من طريق الخاصة: قول الصادق و الرضا عليهما السلام: «لمّا دخل رمضان اصطف الناس خلف رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، فقال: أيها الناس هذه نافلة فليصلّ كلّ منكم وحده، و ليعمل ما علّمه اللّه في كتابه، و اعلموا أنّه لا جماعة في نافلة، فتفرّق الناس»(8).
ص: 235
احتجّوا: بالجواز الأصلي.
و قد يخرج بالنص عن العمل به.
و هي سبعة:
و أقلّه اثنان، أحدهما: الإمام في كلّ ما يجمّع فيه إلاّ الجمعة و العيدين مع الشرائط بالإجماع.
و لقوله عليه السلام: (الاثنان فما فوقهما جماعة)(1).
و لأنّها مأخوذة من الاجتماع و هو موجود هنا.
لا يقال: أقلّ الجمع ثلاثة عندكم، فكيف تذهبون إلى ذلك!؟ لأنّا نقول: ليس بينهما تناف، لتغايرهما، لأنّ المراد هنا أنّ فضيلة الجماعة تحصل من الاثنين، و المراد هنا صيغة الجمع ك «رجال» لا يطلق حقيقة على أقلّ من الثلاثة.
و لا فرق في الجواز بين أن يكونوا ذكورا أو إناثا أو بالتفريق أو ذكورا و خناثى أو إناثا و خنثى(2).
و لا يجوز أن يكونوا إناثا و خناثى مشكل أمرهم، و لا خناثى منفردات، لامتناع أن تكون الإمامة خنثى لمثلها، لاحتمال أن تكون الإمام أنثى و المأموم رجلا.
و إن لم يكن معهنّ رجل، في الفرض و النفل، كالرجال، عند علمائنا أجمع - و به قال عطاء و الأوزاعي و الثوري و أبو ثور و الشافعي و أحمد و إسحاق(3) - لأنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله، أمر أمّ ورقة بنت عبد اللّه بن الحارث بن نوفل - و كان يزورها و يسمّيها
ص: 236
الشهيدة - بأن تؤمّ أهل دارها، و جعل لها مؤذّنا(1).
و من طريق الخاصة: قول الصادق عليه السلام: «لا بأس» و قد سئل هل تؤمّ المرأة النساء؟(2).
و لأنّ النساء من أهل الفرض فسنّت لهنّ الجماعات، كالرجال.
و قال أبو حنيفة و مالك: إنّه مكروه - و حكي عن نافع و عمر بن عبد العزيز - لأنّ الأذان يكره لهنّ، و هو دعاء إلى الجماعة، فكرهت لهنّ(3).
و علّة كراهة الأذان رفع الصوت المنهيّ عنه، بخلاف الجماعة.
و لأنّ من الصلوات ما لا يؤذّن لها و من سننها الجماعة.
و لأنّه يستحب لها الإقامة، فدلّ ذلك على ثبوت الجماعة في حقّها.
و لا نعلم فيه خلافا، لأنّ صفوان بن سليم قال: من السنّة أن تصلّي المرأة بنساء تقف وسطهنّ(4).
و من طريق الخاصة: ما رواه بعض أصحابنا عن المرأة تؤمّ النساء؟ قال: «نعم تقف وسطهنّ»(5).
و لأنّ ذلك أستر لها كالعراة.
فإن تقدّمت و صلّت، كره، و صحّت صلاتهنّ، كالرجل لو صلّى وسط الرجال.
لأنّها موضع فضيلة و الحرّة
ص: 237
أكمل.
و لأنّ الحرّة تستتر في الصلاة، و الأمة يجوز أن تكشف رأسها، فالمستّرة أولى.
فإن تقدّمت الأمة، جاز و إن كانت مكشوفة الرأس، لعدم وجوب ستره في حقّها.
فإن كانت قد عتقت و لم تعلم، فصلّت بغير خمار، جاز للعالمة به الائتمام بها، لأنّها صلاة شرعية.
و الأقرب: انسحاب ذلك على العالم بنجاسة ثوب الإمام إذا لم توجب الإعادة مع تجدّد العلم في الوقت.
إذا ثبت هذا، فإن صلاة المرأة في بيتها أفضل من صلاتها في المسجد، لقوله صلّى اللّه عليه و آله: (المرأة عورة، و أنّها إذا خرجت من بيتها استشرفها الشيطان)(1) فأقرب ما تكون من وجه اللّه تعالى و هي في قعر بيتها.
و قال عليه السلام: (صلاة المرأة في بيتها أفضل من صلاتها في حجرتها) يعني: صحن دارها (و صلاتها في مخدعها أفضل من صلاتها في بيتها)(2) و المخدع هو: البيت جوف البيت.
و من طريق الخاصة: قولهم عليهم السلام: «خير مساجد نسائكم البيوت»(3).
لأنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، صلّى بأنس و بامّه أو خالته(4). و للأصل.
ص: 238
و كذا يصلّى بالصبيّ في الفرض و النفل، عند علمائنا، لأنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله، أمّ ابن عباس و هو صبي(1).
و قال أحمد: لا تنعقد الجماعة بالصبي و إن كان مأموما، لنقص حاله، فأشبه من لا تصح صلاته(2).
و هو ممنوع، لأنّه متنفّل، فصحّ أن يكون مأموما لمفترض كالبالغ، و لهذا قال النبي صلّى اللّه عليه و آله: (من يتصدّق على هذا فيصلّي معه ؟)(3).
فإن صلّى قدّامه، بطلت صلاته، سواء كان متقدّما عند التحريم، أو تقدّم في خلالها، عند علمائنا أجمع - و به قال أبو حنيفة و أحمد و الشافعي في الجديد(4) - لقوله عليه السلام: (إنّما جعل الإمام إماما ليؤتمّ به)(5).
و لأنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله، فعل ما قلناه، و كذا الصحابة و التابعون.
و لأنّه أخطأ موقفه إلى موقف ليس بموقف لأحد من المأمومين بحال، فلم تصح صلاته، كما لو صلّى في بيته بصلاة الإمام في المسجد.
و لأنّه يحتاج في الاقتداء و المتابعة إلى الالتفات إلى ورائه.
و قال مالك و إسحاق و أبو ثور و الشافعي في القديم: تصحّ، لأنّ مخالفة
ص: 239
الموقف لا تبطل الصلاة، كما لو وقف على يسار الإمام(1).
و الفرق: أنه موقف لبعض المأمومين كالعراة و النساء.
و ليس شرطا، لتحصل صورة التقدّم، فإن ساواه، صحّ إجماعا.
فلو تقدّم عقب المأموم، بطل عندنا، خلافا لمالك و الشافعي في أحد القولين(2) على ما تقدّم، و إن ساواه صح.
فوقف المأموم بحيث حاذت أطراف أصابعه أصابع الإمام و لكن تقدّم عقبه على عقب الإمام، فالوجه: البطلان.
و تحتمل: الصحة، لأنّه حاذى الإمام ببعض بدنه، و اعتبارا بالأصابع.
و كلاهما للشافعي(3).
و لو كانت رجل المأموم أطول، فوقف بحيث يكون عقبه محاذيا لعقب إمامه، و تقدّمت أطراف أصابعه، فالوجه: الصحة - و به قال الشافعي(4) على تقدير المنع - لأنّ ابن مسعود صلّى بالأسود و علقمة، فأقام أحدهما عن يمينه و الآخر عن يساره، و كانا أطول قامة(5).
فالظاهر أنّهما أكبر رجلا، و لم يأمرهم بالتأخّر.
ص: 240
و يحتمل: المنع، للتقدّم ببعض البدن، فصار كما لو خرج بعضه عن سمت الكعبة، فحينئذ يكون الشرط في المساواة و التأخّر بالعقب و الأصابع معا.
و قال الشافعي: يستحب أن يقفوا مستديرين بالبيت(1).
و قد بيّنّا التردّد في جواز ذلك، فإن قلنا به و صلّوا كذلك، فإن كان بعضهم أقرب إلى البيت، فإن كان متوجّها إلى الجهة التي توجّه إليها الإمام، بطلت صلاته، لأنّه قد تقدّم إمامه.
و فيه للشافعي القولان(2).
و إن كان متوجّها إلى غيرها، احتمل ذلك، لئلاّ يكون متقدّما حكما، و الجواز - و به قال أبو حنيفة و أصحابه(3) - لأنّه لا يظهر به مخالفة منكرة.
و لأنّ قربه من الجهة لا يكاد يضبط، و يشق مراعاة ذلك، و في جهته لا يتعذّر أن يكونوا خلفه. و لأنّ المأموم إذا كان في غير جهة الإمام، لم يكن بين يديه و إن كان أقرب إلى الكعبة منه.
و كلا الوجهين للشافعي(4).
أمّا لو صلّوا وسط الكعبة، فالأقرب: وجوب اتّحاد الجهة.
و يحتمل جواز المخالفة، و به قال الشافعي و أبو حنيفة(5).
ص: 241
فإن كان المأموم أقرب و اتّحدت الجهة، لم تصح صلاته. و للشافعي قولان(1).
و إن اختلف: فوجهان. و كلاهما للشافعي(2).
عند علمائنا - و به قال الشافعي و مالك و أبو حنيفة و أحمد(3) - لأنّ ابن عباس قال: بتّ عند خالتي ميمونة، فقام النبي صلّى اللّه عليه و آله يصلّي، فقمت عن يساره، فأخذني بيمينه فحوّلني عن يمينه(4).
و من طريق الخاصة: قول أحدهما عليهما السلام: «الرجلان يؤمّ أحدهما الآخر يقوم عن يمينه، فإن كانوا أكثر، قاموا خلفه»(5).
و حكى ابن المنذر عن سعيد بن المسيّب أنّه قال: يقيمه عن يساره(6).
و قال النخعي: يقيمه وراءه ما بين أن يركع، فإن جاء آخر، و إلاّ قام عن يمينه(7).
و في حديث ابن عباس عدّة فوائد:
أ: وقوف الواحد عن يمين الإمام.
ب: صحّة صلاته لو وقف على يساره.
ص: 242
ج: لا يلزمه سجود السهو.
د: استحباب التحوّل إلى اليمين لو وقف على اليسار.
ه: إذا لم يتحوّل لم يقرّه الإمام، و حوّله.
و: أن يؤخّره بيمينه دون يساره.
ز: أن يديره من خلفه.
ح: صلاة النفل يحرم فيها الكلام، لأنّه لم يكلّمه.
و نحن نمنع من الجماعة في النفل، فإن صحّت رواية ابن عباس فيها، حملناها على التمرين، لأنّه صبيّ، لا أنّها صلاة شرعية، و تكون الفائدة تعليمه موقف المأموم في الفرض.
ط: عدم البطلان بالفعل اليسير.
ي: أنّ الصبي له موقف في الصف كالبالغ، لأنّ ابن عباس كان صبيّا.
إذا ثبت هذا، فإن وقف على يساره و لم يكن على يمينه أحد، لم يفعل السنّة، و صحّت صلاته إجماعا - إلاّ أحمد فإنّه أبطل صلاته إن صلّى ركعة كاملة(1) - لأنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله، لم يأمر ابن عباس باستئناف الصلاة.
و لأنّه موقف فيما إذا كان عن الجانب الآخر آخر، فكان موقفا و إن لم يكن آخر كاليمين.
و لأنّه أحد جانبي الإمام، فأشبه اليمين.
احتجّ أحمد: بأن النبي عليه السلام أدار ابن عباس(2).
و لا يدلّ على الزجر.
و كذا إن وقف متأخرا.
عندنا و عند أكثر
ص: 243
العلماء(1) ، لأنّ جابرا قال: كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يصلّي، فوقفت عن يمينه، فدخل جبّار بن صخر، فوقف عن يساره، فدفعنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله حتى جعلنا خلفه، و لم ينكر عليه السلام إحرامه عن يساره(2).
و قال أنس: صلّيت خلف رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، أنا و يتيم لنا، فصففت أنا و اليتيم صفّا و أمّ سليم خلفنا(3).
و من طريق الخاصة: قول أحدهما عليهما السلام: «فإن كانوا أكثر - يعني من واحد - قاموا خلفه»(4).
و حكي عن ابن مسعود: أنّهما يقفان عن جانبيه، فإن كانوا ثلاثة، تقدّم عليهم، لأنّه صلّى بين علقمة و الأسود، فلمّا فرغ قال: هكذا رأيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فعل(5).
فإن صحّ، كان منسوخا، لتأخّر من ذكرنا، و ابن مسعود من المتقدّمين.
صفّا أو صفوفا استحبابا بلا خلاف، و إن وقف بعضهم في صفّه عن يمينه و يساره أو عن أحدهما و الباقون خلفه، جاز.
و ينبغي تخصيص الصف الأول بأهل الفضل ثم الثاني بالأدون منهم ثم الثالث بالأدون منهما و هكذا، لقوله عليه السلام: (ليليني منكم أولو الأحلام ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ثم الصبيان ثم النساء)(6).
ص: 244
و قال عليه السلام: (خير صفوف الرجال أولها، و شرّها آخرها)(1).
و من طريق الخاصة: قول الباقر عليه السلام: «ليكن الذين يلون الإمام أولو الأحلام، و أفضل الصفوف أوّلها ما دنا من الإمام»(2).
و لأنه أفضل، لقربه من الإمام الأفضل، فخصّص به أفضل المأمومين.
و للحاجة إليهم في التنبيه لو سها الإمام أو غلط أو ارتجّ عليه أو احتاج إلى الاستخلاف.
إذا ثبت هذا، فإن تمّ الصف الأول بالرجال، وقف الصبيان صفّا آخر خلفه، و وقف النساء صفّا آخر خلف الصبيان.
و قال بعض الشافعية: يقف بين كلّ رجلين صبي ليتعلّم منهما(3) الصلاة(4).
و هو غلط، لقوله عليه السلام: (ليليني منكم أولو الأحلام و النهى)(5) و التعلّم ثابت إذا صلّوا خلفهم.
قال مالك: يتباعد بعضهم من بعض، و إن كانوا في ظلمة، صلّوا جماعة، و تقدّمهم إمامهم(1).
و الشافعي - في القديم - وافقهم(2).
و قال في موضع آخر: الجماعة و الانفراد سواء، لأن في الجماعة الإخلال بسنّة الموقف، و في الانفراد الإخلال بفضيلة الجماعة(3).
إذا ثبت هذا، فإنّ إمامهم يجلس وسطهم، و يتقدّمهم بركبتيه، و هو قول من سوّغ الجماعة من الجمهور، إلاّ أنّهم قالوا: يصلّون قياما(4) ، إلاّ أحمد، فإنّه وافقنا في الجلوس، و به قال الأوزاعي(5).
و قول المخالف ليس بجيّد، لمنافاته الستر المطلوب شرعا.
و سأل عبد اللّه بن سنان، الصادق عليه السلام: عن قوم صلّوا جماعة و هم عراة، قال: «يتقدّمهم إمامهم بركبتيه، و يصلّى بهم جلوسا و هو جالس»(6).
و كذا لو كان العراة نساء صلّين جماعة جلوسا، و تجلس إمامتهنّ وسطهنّ.
و قال الشافعي: يصلّين قياما(7).
و لو اجتمع الجنسان، صلّوا صفوفا جلوسا يتقدّمهم الإمام بركبتيه، و تتأخّر النساء.
و قال الشافعي: ينفرد النساء بجماعة، و يقفن كالرجال، و تقف إمامتهنّ3.
ص: 246
وسطهنّ، فإن ضاق الموضع ولّى النساء وجوههنّ عن الرجال حتى إذا صلّوا قياما ولّى الرجال وجوههم عنهنّ حتى يصلّين(1).
إذا عرفت هذا، فإنّهم يومئون للركوع و السجود، و يكون السجود أخفض من الركوع.
و عن أحمد روايتان، هذه إحداهما. و الأخرى: يسجدون على الأرض. و به قال الشافعي و مالك(2) ، و قد سبق.
وجوبا على القول بتحريم المحاذاة، و إلاّ ندبا، لقوله عليه السلام: (أخّروهنّ من حيث أخّرهنّ اللّه)(3).
فإن كان المأموم خنثى واحدة وقفت خلفه.
و قال أحمد: لا يجوز، لجواز أن يكون رجلا، بل يقف عن يمينه، و لا تبطل صلاة الإمام بوقوف المرأة على جانبه(4).
و الوجه: منع ائتمام أكثر من خنثى واحدة على القول بتحريم المحاذاة.
فإن اجتمعت امرأة و خنثى، وقفت الخنثى خلف الإمام و المرأة خلفها، لجواز أن تكون رجلا.
و لو كان الإمام خنثى و المأموم امرأة، وقفت خلفه وجوبا على القول بتحريم محاذاتها للرجل، و إلاّ ندبا، لجواز أن يكون رجلا.
و لو كان المأموم رجلا و امرأة و الإمام رجلا، وقف الرجل على يمينه و المرأة
ص: 247
خلفه.
و إن حضر رجلان و امرأة، قام الرجلان خلفه و المرأة خلفهما.
و إن حضر رجل و امرأة و خنثى، وقف الرجل عن يمينه و الخنثى خلفهما و المرأة خلف الخنثى.
قال الشيخ رحمه اللّه: فإن اجتمع رجال و نساء و خناثى و صبيان، وقف الرجال وراء الإمام ثم الصبيان ثم الخناثى ثم النساء.
و أما جنائزهم فإنّه تترك جنائز الرجال بين يدي الإمام ثم جنائز الصبيان ثم جنائز الخناثى ثم النساء.
و أما دفنهم فالأولى أن يفرد لكلّ واحد منهم قبر، لما روي عنهم عليهم السلام أنّه: «لا يدفن في قبر واحد اثنان».
فإن دعت ضرورة إلى ذلك، جاز أن يجمع اثنان و ثلاثة في قبر واحد، كما فعل النبيّ عليه السلام يوم أحد.
فإذا اجتمع هؤلاء، جعل الرجال ممّا يلي القبلة، و الصبيان بعدهم، ثم الخناثى ثم النساء(1).
و إن كان قد أحرم فكذلك.
و قال الشافعي: يقف الآخر على يسار الإمام و يحرم، ثم يتقدّم الإمام، أو يتأخّر المأمومان و يصطفّان خلفه.
و أيّهما أولى ؟ الأصحّ عندنا و عنده: الثاني، لأنّهما تابعان(2).
و لأنّه عليه السلام، دفع جابرا و جبّار بن صخر إلى خلفه(3).
ص: 248
و لو كان الموضع يحتمل التقدّم دون التأخّر، تقدّم الإمام حتى يحصلا خلفه، و لا يقف المأموم الواحد خلفه ابتداء.
و احتجّ: بأنّه إن تأخّر المأموم قبل أن يحرم الثاني، فقد صار منفردا خلفه، و إن أحرم الداخل خلفه أوّلا، فهو أيضا منفرد خلفه.
و ما قلناه أولى، محافظة للصلاة من الفعل الزائد.
و لو دخل و الإمام و المأموم جالسان للتشهّد، كبّر و جلس عن يساره، و لا يؤمر الإمام بالتقدّم، و لا المأموم بالتأخّر، لأنّه يشقّ حالة الجلوس.
بل إذا دخل و وجد في صف المأمومين فرجة، دخل فيه و أحرم، و إن انفرد، صحّت صلاته عند علمائنا أجمع - و به قال الحسن البصري و الشافعي و أبو حنيفة و الثوري و مالك و الأوزاعي و ابن المبارك، و هو مروي عن زيد بن ثابت(1) - لأنّ أبا بكرة جاء و النبي صلّى اللّه عليه و آله راكع، فركع دون الصف، ثم مشى إلى الصف، فلمّا قضى رسول اللّه عليه السلام قال: (أيّكم ركع دون الصف ثم مشى إلى الصف ؟) فقال أبو بكرة: أنا، فقال: (زادك اللّه حرصا، و لا تعد)(2) و لم يأمره بالإعادة، و النهي عن العود محمول على الكراهة، أو:
لا تعد إلى التأخّر.
و لأنّه أخطأ موقفا سنّ له إلى موقف لمأموم بحال فأشبه ما إذا وقف على يسار الإمام.
و قال أحمد و إسحاق: تبطل صلاته - و اختاره ابن المنذر - لأنّ وابصة بن معبد قال: صلّى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، فأبصر رجلا خلف الصفوف
ص: 249
وحده، فأمره أن يعيد الصلاة(1)(2).
و هو محمول على الاستحباب.
فروع:
أ: لو لم يجد في الصف الأخير فرجة، و وجدها في الصفوف المتقدّمة، فله أن يخرق الصفوف
حتى يصل إلى موضع الفرجة، لأنّ التقصير منهم حيث تركوا الفرجة.
ب: لو لم يجد في الصفوف فرجة، فوقف عن يسار الإمام، صحّت صلاته.
و عن أحمد روايتان(3).
ج: لو لم يجد في الصف مدخلا، صلّى خلف الصف.
و هل يجذب من الصف واحدا يصلّي معه ؟ الأقرب: الكراهة - و هو أحد قولي الشافعي(4) - لما فيه من إحداث خلل في الصف، و حرمان المجذوب فضيلة الصف الأول.
و في الآخر: يجذب، و يستحب للرجل إجابته(5).
د: لو تقدّمت سفينة المأموم، فإن استصحب نية الائتمام، بطلت صلاته،
لفوات الشرط، و هو: عدم التقدّم.
و قال في الخلاف: لا تبطل، لعدم الدليل(6).7.
ص: 250
و إن عدل إلى نية الانفراد، صحّت.
فلا يجوز تباعد المأموم عن الإمام بما لم تجر العادة به، و يسمّى كثيرا، إلاّ مع اتّصال الصفوف به، عند علمائنا - و هو قول أكثر العلماء(1) - سواء علم بصلاة الإمام أو لا، لقوله عليه السلام: (لو صلّيتم في بيوتكم لضللتم)(2) و هو يدلّ على أنّ من علم بصلاة الإمام و هو في داره فلا يجوز أن يصلّي بصلاته.
و من طريق الخاصة: قول الباقر عليه السلام: «إذا صلّى قوم و بينهم و بين الإمام ما لا يتخطى، فليس ذلك لهم بإمام، و أيّ صف كان أهله يصلّون و بينهم و بين الصف الذي يتقدّمهم قدر ما لا يتخطّى فليس تلك بصلاة»(3).
و قال عليه السلام: «يكون قدر ذلك مسقط الجسد»(4).
لكن اشتراط ذلك مستبعد، فيحمل على الاستحباب.
و قال عطاء: إذا كان عالما بصلاته، صحّ و إن كان على بعد من المسجد و لم يراع قربا، لأنّه عالم بصلاة الإمام، فصحّت صلاته، كما لو كان في المسجد(5).
و هو غلط، لاستلزامه ترك السعي الواجب في قوله تعالى فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللّهِ (6) في حق العالم، و كان يقتصر الناس على الصلاة في بيوتهم.
ص: 251
للعموم.
و فرّق الشافعي بينهما، فسوّغ التباعد في المسجد و إن كان متّسعا بأزيد من ثلاثمائة ذراع - و ظاهر قول الشيخ في المبسوط(1) يعطيه - لأنّه بني للجماعة الواحدة، فكان موجبا للاتّصال بينهما(2).
قال الشافعي: و كذا المساجد الصغار المتّصلة بالمسجد الكبير حكمها حكمه، لأنّها بنيت للاتّصال به(3).
و نمنع إيجاب البناء الاتّحاد مطلقا.
و لا فرق عند الشافعية بين أن يكون الفضاء كلّه ملكا أو كلّه مواتا أو وقفا أو بالتفريق، و لا بين أن يكون محوطا أو غير محوط، و لا بين أن يكون الملك لواحد أو لجماعة.
و في وجه: يشترط في الساحة المملوكة اتصال الصف كالأبنية، بخلاف الموات فإنه يشبه المسجد.
و في وجه لهم: إذا وقف أحدهما في ملك و الآخر في ملك آخر، يشترط اتصال الصف(4).
و قد بيّنا مذهبنا في ذلك.
- و به قال أحمد(5) - لعدم التنصيص شرعا، فيصرف إلى العرف كالإحراز و غيره.
و قدّر الشافعي البعد بما يزيد على ثلاثمائة ذراع، و القرب بها و بما
ص: 252
دونها، اعتبارا بصلاة النبي صلّى اللّه عليه و آله في الخوف، فإنه صلّى بطائفة، و مضت إلى وجه العدوّ و هو في الصلاة يحرسهم(1) ، و إنّما يحرس من وقع السهام، لأنّها أبعد وقعا من جميع السلاح، و أكثر ما يبلغ السهم ثلاثمائة ذراع(2).
و هذا ليس بشيء.
ثم اختلف أصحابه هل هو تقريب أو تحديد؟ على قولين(3).
و لا خلاف في أنّه لو اتّصلت الصفوف إلى أيّ بعد كان، صحّت الصلاة، فعندنا الاتّصال بمجرى العادة، و عند الشافعي أن يكون بين كلّ صفّين ثلاثمائة ذراع فما دون(4).
و لو كانت الصفوف في المسجد، جاز أن يصلّي المأموم خارجه مع المشاهدة و عدم البعد الكثير.
و حدّه الشافعي - على تقريره - بما يزيد على ثلاثمائة ذراع بينه و بين آخر المسجد و إن لم تكن الصفوف في المسجد متّصلة بآخره، لأنّ المسجد لا يحسب فصلا(5).
و الوجه عندنا: اعتبار الاسم بينه و بين آخر صف فيه.
و قال المرتضى: ينبغي أن يكون بين الصفّين قدر مسقط الجسد، فإن4.
ص: 253
تجاوز ذلك إلى القدر الذي لا يتخطّى لم يجز(1) ، للرواية(2).
و الظاهر: الكراهة.
و لو وقف صفّ خلف الإمام على حدّ ثلاثمائة ذراع عند الشافعي، و على أبعد مراتب القرب عندنا، و صفّ آخر خلفهم على النسبة، و هكذا، صحّت صلاتهم إجماعا، و يجعل كلّ صفّ مع الذي خلفه كالإمام مع المأموم.
و لو وقف على يمين الصفّ قوم بينهما حدّ القرب، أو على يسارهم، و اقتدوا بالإمام، جاز، و يكون ذلك حدّ القرب بين المأمومين، كما هو حدّ القرب بين الصفّين.
- و قد قدّره الباقر عليه السلام: بمسقط الجسد استحبابا(3). و روي: «مربض عنز»(4) - ليندرجوا تحت قوله تعالى كَأَنَّهُمْ بُنْيانٌ مَرْصُوصٌ (5) و كذا بين كلّ صفّين.
و يستحب تسوية الصف، لما رواه الجمهور عن النبي صلّى اللّه عليه و آله: (لتسوّون صفوفكم أو ليخالفنّ اللّه بين قلوبكم)(6).
و الوقوف عن يمين الإمام أفضل، لقول البراء بن عازب: كان يعجبنا الوقوف عن يمين رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله(7).
و لأنّ الإمام يبدأ بالسلام عليهم.
ص: 254
و ينبغي أن يقف الإمام في مقابلة وسط الصف، لما رواه أبو داود عن النبي صلّى اللّه عليه و آله: (وسّطوا الإمام و سدّوا الخلل)(1).
مع انتفاء البعد، عند أكثر علمائنا(2) ، سواء كان النهر ممّا يتخطّى، أو لا - و به قال الشافعي و مالك(3) - لأنّ أنسا كان يصلّى في بيوت حميد بن عبد الرحمن بن عوف بصلاة الإمام، و بينه و بين المسجد طريق(4) ، و لم ينكر ذلك منكر.
و لأنّ ما بينهما تجوز الصلاة فيه فلا يمنعها.
و قال أبو حنيفة: لا تجوز(5) ، لما روي عن النبي صلّى اللّه عليه و آله، أنّه قال: (من كان بينه و بين الإمام طريق فليس مع الإمام)(6).
و هو محمول على البعد أو الكراهة.
إذا عرفت هذا، فإنّ الجماعة في السفن المتعدّدة جائزة، سواء اتّصلت أو انفصلت ما لم يخرج إلى حدّ البعد - و به قال الشافعي(7) - لأنّ المقتضي
ص: 255
- و هو العموم - موجود، و المانع - و هو عدم المشاهدة - منفي، لوجودها.
و لأنّ الاستطراق ممكن و الماء مانع من ذلك، كما لو كان بينهما نار.
و قال أبو سعيد من الشافعية: بالمنع مع الانفصال مطلقا، لأنّ بينهما ماء يمنع الاستطراق(1).
و هو ممنوع، فإنّ الماء لو نضب(2) أمكن الاستطراق، فالحاصل: أنّ الماء ليس بمانع عندنا، خلافا لأبي حنيفة(3).
بما يمنع المشاهدة للإمام أو المأموم سواء كان من جدران المسجد أو لا، و سواء كانا في المسجد أو لا، عند علمائنا، لتعذّر الاقتداء.
و لأنّ المانع من المشاهدة مانع من اتّصال الصفوف، بل هو في ذلك أبلغ من البعد.
و لقول الباقر عليه السلام: «و أيّ صفّ كان أهله يصلّون بصلاة إمام و بينهم و بين الصفّ الذي يتقدّمهم قدر ما لا يتخطّى فليس تلك لهم بصلاة، فإن كان بينهم سترة أو جدار فليس تلك لهم بصلاة إلاّ من كان من حيال الباب»(4).
و قال أبو حنيفة: يجوز مطلقا، لأنه يمكنه الاقتداء بالإمام فصحّ اقتداؤه به من غير مشاهدة كالأعمى(5).
و نمنع الإمكان، للخفاء، بخلاف الأعمى القريب، لعلمه بحال
ص: 256
الإمام.
و قال الشافعي: إن صلّيا في المسجد، صحّت صلاة المأموم إذا علم بصلاة الإمام، سواء كان بينهما جدار حائل من مشاهدة الإمام و مشاهدة من يشاهده، أو لا، لأنّ المسجد كلّه متصل حكما و إن انفصل إلى بيوت و مساكن(1).
و نمنع الاتّحاد للحائل فلم يجز، كالخارج.
و إن صلّى المأموم خارج المسجد، و حال بينهما حائطه، فقولان:
أصحّهما عنده: المنع من الائتمام، لأنّه بني للفصل بينه و بين غيره. و إن كان الحائل حائط بيته، منع من الائتمام(2).
و أيّ فرق بين كون الحائط للمسجد أو لغيره ؟
أ: الصلاة في المقاصير التي في الجوامع غير المخرّمة باطلة،
لقول الباقر عليه السلام: «هذه المقاصير لم تكن في زمن أحد من الناس، و إنّما أحدثها الجبّارون، ليس لمن صلّى خلفها مقتديا بصلاة من فيها صلاة»(3).
و سوّغه الشافعي و أبو حنيفة(4).
ب: لو كان الحائل يمنع من الاستطراق دون المشاهدة،
كالشبابيك و الحيطان المخرّمة التي لا تمنع من مشاهدة الصفوف، للشيخ قولان:
أحدهما: المنع(5) ، لقول الباقر عليه السلام: «إن صلّى قوم و بينهم
ص: 257
و بين الإمام ما لا يتخطّى، فليس ذلك الإمام لهم بإمام»(1).
و الثاني: الجواز، لأنّ القصد من التخطّي - و هو العلم بحال الإمام - حاصل كالنهر(2). و هو حسن.
و للشافعي قولان(3).
ج: لو كان الحائل قصيرا يمنع حالة الجلوس خاصة من المشاهدة، فالأقرب: الجواز.
د: لو وقف الإمام في بيت و بابه مفتوح، فوقف مأموم خارجا بحذاء الباب بحيث يرى الإمام أو بعض المأمومين، صحّت صلاته.
و كذا إن صلّى قوم عن يمينه أو شماله أو من ورائه، صحّت صلاتهم و إن لم يشاهدوا من في البيت، لأنّهم يرون هذا و هو يرى الإمام أو المأمومين في البيت.
فإن وقف بين يدي هذا الصف صف آخر عن يمين الباب أو شمالها لا يشاهدون من في المسجد، لم تصح صلاتهم إذا لم يكونوا على سمت المحاذي للباب.
ه: لو صلّى في داره و بابها مفتوح يرى منه الإمام أو بعض المأمومين، صحّت صلاته،
و لا يشترط اتّصال الصفوف به.
و للشافعي قولان(4).
و: لو صلّى بين الأساطين، فإن اتّصلت الصفوف به أو شاهد الإمام
أو4.
ص: 258
بعض المأمومين، صحّت صلاته، لقول الصادق عليه السلام: «لا أرى بالصفوف بين الأساطين بأسا»(1).
ز: لو وقف الإمام في المحراب الداخل في الحائط،
فإنّ صلاة من خلفه صحيحة، لأنّهم يشاهدونه، و كذا باقي الصفوف التي من وراء الصف الأول.
أمّا من على يمين الإمام و يساره، فإن حال بينهم و بين الإمام حائل، لم تصح صلاتهم، و إلاّ صحّت، لقول الصادق عليه السلام: «لا بأس بوقوف الإمام في المحراب»(2).
ح: يجوز أن تصلّي المرأة من وراء الجدار مقتدية بالإمام
و إن لم تشاهده و لا من يشاهده، عند علمائنا، لأنّ عمّارا سأل الصادق عليه السلام، عن الرجل يصلّي بالقوم و خلفه دار فيها نساء هل يصلّين خلفه ؟ قال: «نعم» قلت: إنّ بينه و بينهنّ حائطا أو طريقا، قال: «لا بأس»(3).
و لأنّ المرأة عورة، و الجماعة مطلوبة للشارع، فتجمع بين الصيانة و طلب الفضيلة.
و لا فرق بين الحسناء الشابة و الشوهاء العجوز. و لم يفرّق الجمهور بين الرجال و النساء في المنع و الجواز.
ط: الماء ليس حائلا - على ما بيّنّاه - مع المشاهدة و عدم البعد،
خلافا لأبي الصلاح(4) منّا، و لأبي حنيفة(5).2.
ص: 259
ي: لو وقف المأموم في بيت دار و الإمام في آخر،
فإن كان عن يمينه أو يساره، و اتّصلت الصفوف به بتواصل المناكب، أو بقيت فرجة لا تتّسع للواقف، صحّت إذا كان الباب على سمت الإمام أو صفّة.
و إن كان خلفه و الباب مفتوح يشاهد منه الإمام أو بعض المأمومين، صحّ أيضا، و إلاّ فلا.
فلو صلّى الإمام على موضع أرفع من موضع المأموم بما يعتدّ به، بطلت صلاة المأموم، عند علمائنا، سواء أراد تعليمهم أو لا، لما رواه الجمهور أنّ عمّار ابن ياسر كان بالمدائن، فأقيمت الصلاة، فتقدّم عمّار، فقام على دكان و الناس أسفل منه، فتقدّم حذيفة فأخذ بيده حتى أنزله، فلمّا فرغ من صلاته، قال له حذيفة: ألم تسمع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، يقول: (إذا أمّ الرجل القوم فلا يقومنّ في مكان أرفع من مقامهم)؟ قال عمّار: فلذلك اتّبعتك حين أخذت على يدي(1).
و أمّ حذيفة بالمدائن على دكان، فأخذ عبد اللّه بن مسعود(2) ، بقميصه فجبذه(3) ، فلمّا فرغ من صلاته قال: ألم تعلم أنّهم كانوا ينهون عن ذلك ؟ قال: بلى ذكرت حين جبذتني(4).
و من طريق الخاصة: قول الصادق عليه السلام: «إن كان الإمام على شبه دكان أو على موضع أرفع من موضعهم، لم تجز صلاتهم، و لو كان أرفع منهم بقدر إصبع أو أكثر أو أقلّ إذا كان الارتفاع بقدر شبر، و كان(5) أرضا
ص: 260
مبسوطة، و كان في موضع منها ارتفاع، فقام الإمام في الموضع المرتفع، و قام من خلفه أسفل منه، و الأرض مبسوطة إلاّ أنّهم في موضع منحدر، قال:
لا بأس»(1).
و لأنّه يحتاج إلى معرفة حال إمامه في ركوعه و سجوده، فيحتاج أن يرفع بصره إليه ليشاهده، و هو منهي عنه في الصلاة.
و قال مالك و الأوزاعي و أصحاب الرأي: إنّه مكروه(2) - و هو قول الشيخ في الخلاف(3) - لحديث عمّار و حذيفة(4).
و هو يدلّ على المنع و النهي، و ظاهرهما: التحريم.
و قال الشافعي: اختار للإمام الذي يعلّم من خلفه أن يصلّي على الشيء المرتفع فيراه من خلفه فيقتدون بركوعه، لأنّ سهل بن سعد الساعدي قال:
صلّى بنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، و هو على المنبر لمّا صنع له، فصعد عليه فاستقبل القبلة فكبّر ثم قرأ ثم ركع ثم نزل القهقري فسجد ثم صعد فقرأ ثم ركع ثم نزل القهقري فسجد، فلمّا فرغ من صلاته قال: (إنّما فعلت ذلك لتأتمّوا بي و تعلموا صلاتي)(5)(6).
و نمنع الحديث. سلّمنا، لكن الظاهر أنّه كان على الدرجة السفلى لئلاّ يحتاج إلى عمل كثير في الصعود و النزول، فيكون ارتفاعا يسيرا.
و لأنّه من خصائصه، لأنّه فعل شيئا، و نهى عنه، فيكون فعله له و نهيه لغيره، و لهذا لا يستحب مثله لغير النبي عليه السلام.3.
ص: 261
و لأنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله، لم يتم الصلاة على المنبر، فإنّ سجوده و جلوسه إنّما كان على الأرض، بخلاف ما وقع فيه الخلاف، أو أنّه عليه السلام علّم الصلاة، و لم يقتدوا به.
و حكى الطحاوي عن أبي حنيفة كراهيته إذا كان ارتفاعه يجاوز القامة(1).
أ: لو صلّى الإمام على سطح و المأموم على آخر و بينهما طريق، صحّ
مع عدم التباعد و علوّ سطح الإمام.
ب: لو صلّى المأموم على الموضع المنخفض بالمعتدّ به، بطلت صلاته
- و به قال الأوزاعي(2) - لأنّ النهي يقتضي الفساد.
و لقول الصادق عليه السلام: «لم تجز صلاتهم»(3).
و قال أصحاب الرأي: لا تبطل، لأنّ عمارا أتمّ صلاته(4) ، و لو كانت فاسدة، استأنفها(5).
و يحمل على الجذب قبل التحريم.
ج: لو كان مع الإمام من هو مساو و أعلى و أسفل،
اختص التحريم بالأسفل، لوجود المعنى فيه دون غيره.
د: لا تبطل صلاة الإمام لو صلّى على المرتفع، بل يختص البطلان بالأسفل،
لاختصاص النهي بالأسفل.
و قال بعض الجمهور: تبطل صلاة الإمام، لأنّه منهي عن القيام في
ص: 262
مكان أعلى من مقامهم(1).
و نمنع توجّه النهي إلى الإمام، بل إلى المأموم خاصة.
ه: لو كان العلوّ يسيرا، جاز
إجماعا، و هل يتقدّر بشبر أو بما لا يتخطّى ؟ الأقرب: الثاني.
و: لو كان المأموم أعلى من الإمام، صحّت صلاته
و إن كان على شاهق و إن كان خارج المسجد أو كانت الصلاة جمعة، عند علمائنا أجمع - و به قال أحمد و أصحاب الرأي(2) - لقول الصادق عليه السلام: «إن كان الإمام أسفل من موضع المأموم فلا بأس».
و قال عليه السلام: «لو كان رجل فوق بيت أو غير ذلك و الإمام على الأرض جاز أن يصلّي خلفه و يقتدي به»(3).
و للأصل مع عدم النهي و ما في معناه.
و قال الشافعي: إذا صلّى في سطح داره بصلاة الإمام في المسجد، لم تصح، لأنّها بائنة من المسجد، و ليس بينهما قرار يمكن اتّصال الصفوف فيه، و إن كان السطح في المسجد و صلّى بإمام في صحنه، صحّت صلاته(4).
و قال مالك: إذا صلّى الجمعة فوق سطح المسجد، أعاد(5).
و ليس بجيّد، لعدم دليل التخصيص.
بإجماع العلماء، إذ ليس للمرء من عمله إلاّ ما نواه.
ص: 263
و لا تكفي نيّة الجماعة، لاشتراكها بين الإمام و المأموم، فليس في نية الجماعة المطلقة نيّة الاقتداء و ربط الفعل بفعل الغير.
و لأنّ المأموم تسقط عنه القراءة الواجبة على المنفرد، فلا بدّ من نية الائتمام، ليسقط عنه وجوب القراءة.
فإن لم ينو الاقتداء، انعقدت صلاته منفردا، فإن ترك القراءة، بطلت صلاته، و إن قرأ معتقدا عدم الوجوب فكذلك، و إلاّ صحّت، سواء تابعه في أفعاله أو لا، لأنّه ليس فيه إلاّ أنّه قرن فعله بفعل غيره، و هو أحد وجهي الشافعيّة.
و أصحّهما: البطلان، لأنّه وقّف صلاته على صلاة الغير لا لاكتساب فضيلة الجماعة، و فيه ما يبطل الخشوع و يشغل القلب(1).
و نمنع اقتضاء ذلك البطلان.
نعم لو طال الانتظار من غير عذر، فالوجه: البطلان.
و لو اتّفق انقضاء أفعاله مع أفعال الغير، فليس متابعة، و لا تبطل به الصلاة إجماعا.
و لو شك في نيّة الاقتداء خلال الصلاة، فهو كما لو شك في أصل النيّة، و قد بيّنّا البطلان إن كان المحلّ باقيا، و عدم الالتفات إن كان قد انتقل.
و لو بكونه الإمام الحاضر، ليمكن متابعته.
و لو عيّن بغير وصف كونه الإمام الحاضر فأخطأ، بطلت صلاته، لأنّه لم ينو الاقتداء بهذا المصلّي، و ما نواه لم يقع له، لعدم إمكانه، فبطلت صلاته.
ص: 264
و كذا البحث لو عيّن الميت في صلاة الجنازة و أخطأ، فإنّه يجب عليه إعادة الصلاة عليه.
و لو كان بين يديه اثنان يصلّيان، فنوى الائتمام بأحدهما لا بعينه، لم تصحّ، لعدم إمكان متابعتهما على تقدير الاختلاف، و عدم أولويّة أحدهما.
و لو نوى الائتمام بهما معا، لم تصح، للاختلاف، فلا يمكن متابعتهما.
و لو نوى الاقتداء بالمأموم لم تصحّ صلاته إجماعا، لأنّه لا يجوز أن يكون إماما و هو مأموم.
و لا فرق بين أن يكون عالما أو جاهلا للحكم أو للوصف.
فلو خالف المأموم سنّة الموقف، فوقف على يسار الإمام، فنوى الداخل الاقتداء بالمأموم ظنّا أنّه الإمام، لم تصح صلاته - و به قال الشافعي(1) - لأنّه لا يجوز أن يكون إماما و هو مأموم بحال، فلم يعف عن الخطأ في ذلك.
و إن لم يجدّد نية الإمامة.
و كذا لو صلّى بنية الانفراد مع علمه بأنّ من خلفه يأتمّ به، عند علمائنا، و به قال الشافعي و مالك و الأوزاعي، و اختاره ابن المنذر، و به قال أبو حنيفة أيضا، إلاّ إذا أمّ النساء فإنه شرط نيّة الإمامة لهنّ(2).
لرواية أنس أن النبي صلّى اللّه عليه و آله، كان يصلّي في رمضان قال:
ص: 265
فجئت فقمت إلى جنبه، و جاء رجل فقام إلى جني حتى كنّا رهطا، فلمّا أحسّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، أنّا خلفه جعل يتجوّز(1) في الصلاة، فقلنا له حين فرغ: أ فطنت بنا الليلة ؟ فقال: (نعم ذاك الذي حملني على الذي صنعت)(2).
و لأن أفعال الإمام مساوية لأفعال المنفرد، فلا تعتبر نيّة الإمامة، لعدم الاختلاف في الهيئات و الأحكام.
و قال الثوري و أحمد و إسحاق: تشترط نية الإمامة، فإن لم ينو الإمام الإمامة، بطلت صلاة المأمومين(3) ، لقوله صلّى اللّه عليه و آله: (الأئمة ضمناء)(4) و لا يضمن إلاّ بعد العلم.
و نمنع اشتراط العلم في الضمان، و لم لا تكفي في ثبوت هذا الضمان نيّة المأموم ؟ إذ الإمام إنّما يتحمّل القراءة و السهو، فهو ضامن لذلك.
فروع:
أ: لو صلّى اثنان و نوى كلّ منهما أنّه إمام لصاحبه، صحّت صلاتهما
- و به قال الشافعي(5) - لأنّ كلاّ منهما احتاط لصلاته بما يجب على المنفرد، فلم تلزمه الإعادة، و نيّة الإمامة ليست منافية لصلاة المنفرد، فلم تقدح في الصلاة.
و لقول علي عليه السلام: «صلاتهما تامة»(6).6.
ص: 266
و قال أحمد: لا تصح، لأنّه نوى الإمامة و لا مأموم(1).
و نمنع اقتضاءه البطلان.
ب: لو نوى كلّ منهما أنّه مأموم لصاحبه، بطلت صلاتهما
إجماعا.
و لأنّهما قد أخلاّ بشرط الصلاة، و هو: وجوب القراءة.
و لقول علي عليه السلام، و قد سئل في رجلين اختلفا - إلى أن قال - فإن قال كلّ واحد منهما: كنت أئتمّ بك ؟ قال: «صلاتهما فاسدة ليستأنفا»(2).
ج: لو قال كلّ منهما: لم أدر نويت الإمامة أو الائتمام بعد الفراغ من الصلاة، احتمل أن يعيدا،
لأنّه لم يحصل الاحتياط في أفعال الصلاة بيقين.
و الصحة، لأنّه شك في شيء بعد الفراغ منه.
أما لو شكّا في أثناء الصلاة أيّهما الإمام، بطلت صلاتهما، لأنّهما لا يمكنهما المضيّ في الصلاة، و أن يقتدي أحدهما بالآخر.
د: لو صلّى بصلاة من سبقه منفردا بركعة فما زاد صحّ ائتمامه في الفرض و النفل
- و به قال الشافعي(3) - لأنّ نية الإمامة ليست شرطا.
و لأنّ جابرا و جبّارا دخلا المسجد و قد أحرم عليه السلام وحده، فأحرما معه في الفرض(4) ، و لم ينكر عليهما.
و قال أحمد: تصح في النفل، و في الفرض روايتان(5).
ه: لو عيّن الإمام إمامة معيّن فأخطأ، لم يضر،
لأنّ أصل النية غير واجب عليه، و الخطأ لا يزيد على الترك من الأصل.
و: لو لم ينو الإمام الإمامة، صحّت صلاته
كما قلنا، و به قال0.
ص: 267
الشافعي(1).
و هل ينال فضيلة الجماعة ؟ الأقرب ذلك، لحصولها من دون نيته.
و أصحّ وجهي الشافعية: العدم(2).
ز: لو لم ينو الإمامة في الجمعة، احتمل بطلان صلاته،
لأنّها لا تقع إلاّ جماعة، و لا تكفي نيّة الجمعة المستلزمة لنيّة مطلق الجماعة، لاشتراكها بين الإمام و المأموم. و الصحة، إذ لا يجب التعرّض للشرائط في النية.
مسألة 556: لو أحرم منفردا ثم نوى الائتمام، قال الشيخ: يجوز ذلك(3).
و هو أحد قولي الشافعي و المزني و أحمد في رواية(4).
و استدلّ الشيخ عليه: بإجماع الفرقة، و الأخبار المرويّة عن الأئمة عليهم السلام. و بانتفاء المانع من الصحّة فيبقى الأصل سالما. و لأنّه يصح النقل من الانفراد إلى الإمامة للحاجة، فجاز إلى الائتمام طلبا للثواب.
و قال مالك و أبو حنيفة: لا يجوز. و هو قول للشافعي(5) ، لقوله عليه السلام: (إذا كبّر الإمام فكبّروا)(6).
و لأنّ هذا كان جائزا في ابتداء الإسلام أن يصلّي المسبوق ما فاته ثم يدخل مع الإمام، فنسخ، فلا يجوز فعله.
و الحديث متوجّه إلى المأموم، و نحن نقول بموجبه بعد الائتمام،
ص: 268
و الفرق بين قضاء المسبوق و دخول المنفرد ظاهر.
و ليس هذا القول عندي بعيدا من الصواب، لورود نقل النية إلى النفل و إبطال الفرض مع إمام الأصل، و النقل(1) أولى منهما.
و للشافعي قول ثالث: المنع إن خالف الترتيب بأن يدخل معه بعد صلاة ركعة، و الجواز إن دخل مع الإمام قبل أن يركع في الاولى(2).
و لا دليل على التفصيل مع أصالة الجواز، و وروده في المسبوق.
إذا عرفت هذا، فإن كان قد سبقه بركعة، فإذا قام الإمام إلى الرابعة لم يتابعه، و لكن يجلس و يتشهّد، ثم إن شاء سلّم بنيّة المفارقة، و إن شاء طوّل في الدعاء حتى يجلس الإمام و يسلّم معه.
إذا ثبت هذا، فإنّه يجوز أن يحرم مأموما ثم يصير إماما في موضع الاستخلاف، أو إذا نوى مفارقة الإمام ثم ائتمّ به غيره، و كذا لو نقل نيّته(3) إلى الائتمام بإمام آخر.
و لو أدرك نفسان بعض الصلاة، أو ائتمّ بالمسافر مقيمان، فسلّم الإمام، جاز أن يأتمّ أحدهما بصاحبه، و لأحمد وجهان(4).
و لو نوى الإمام الائتمام بغيره لم تصح، و هو إحدى الروايتين عن أحمد. و في الثانية: الجواز(5) ، لقصّة أبي بكر(6). و هي عندنا باطلة.
ص: 269
كان أو لغيره، عند علمائنا - و هو أحد قولي الشافعي(1) - لأنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله، صلّى بطائفة يوم ذات الرقاع ركعة، ثم خرجت من صلاته و أتمّت منفردة(2).
و روى جابر قال: كان معاذ يصلّي مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، العشاء، ثم يرجع إلى قومه فيؤمّهم، فأخّر النبي صلّى اللّه عليه و آله، صلاة العشاء، فصلّى معه، ثم رجع إلى قومه، فقرأ سورة البقرة، فتأخّر رجل، فصلّى معه وحده، فقيل له: نافقت يا فلان، فقال: ما نافقت و لكن لآتينّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، فأخبره، فأتى النبي صلّى اللّه عليه و آله، فذكر ذلك له، فقال له: (أ فتّان أنت يا معاذ؟ أ فتّان أنت يا معاذ؟) مرّتين، (اقرأ سورة كذا و سورة كذا) قال: و سورة ذات البروج، و الليل إذا يغشى، و السماء و الطارق، و هل أتاك حديث الغاشية(3). و لم ينكره النبي صلّى اللّه عليه و آله.
و من طريق الخاصة: قول الصادق عليه السلام، في الرجل صلّى خلف إمام فسلّم قبل الإمام، قال: «ليس بذلك بأس»(4).
و عن الرضا عليه السلام في الرجل يكون خلف الإمام فيطيل التشهد فيأخذه البول(5) ، أو يخاف على شيء أو مرض كيف يصنع ؟ قال: «يسلّم و ينصرف و يدع الإمام»(6).م.
ص: 270
و لأنّ الجماعة ليست واجبة ابتداء فكذا استدامة.
و لأنّه استفاد بصلاة الإمام فضيلة صلاته، فيترك بالخروج الفضيلة دون الصحّة.
و قال الشافعي في الآخر: إن ترك لعذر، جاز، و إن كان لغيره، لم يجز. و به قال أحمد في رواية(1).
و العذر: المشقّة بتطويل الإمام، أو المرض، أو خوف غلبة النعاس، أو شيء يفسد صلاته، أو خوف فوت مال أو تلفه أو فوت رفيقه.
و قال أبو حنيفة و مالك: تبطل صلاته، سواء كان لعذر أو لا(2) ، لقوله عليه السلام: (إنّما جعل الإمام ليؤتمّ به فلا تختلفوا عليه)(3).
و نحن نقول بموجبه ما دام في المتابعة.
فروع:
أ: لو نوى الانفراد قبل شروع الإمام في القراءة، قرأ هو.
و لو كان الإمام قد قرأ و فرغ، ركع و لم يقرأ. و لو كان قد فرغ من قراءة الفاتحة، فالوجه:
الاجتزاء بها عنها، فيقرأ السورة. و لو كان في أثناء الحمد، فالوجه: الابتداء بها، مع احتمال القراءة من موضع المفارقة، و البطلان. و كذا لو كان في أثناء السورة.
ب: لو كان يصلّي مع جماعة فحضرت طائفة أخرى يصلّون جماعة، فأخرج نفسه عن متابعة إمامه و وصل صلاته بصلاة الإمام الآخر، فالوجه:
الجواز،
لما تقدّم. و الخلاف فيه كما سبق.
ج: لو أراد أن يصل صلاته بصلاة الجماعة، وجب نية الاقتداء.
و لو2.
ص: 271
أحدث الإمام فاستخلف غيره، لم يحتج المأموم إلى نيّة الاقتداء بالخليفة، لوجود نية الاقتداء في الابتداء، و الخليفة نائبه، فيمضي على نظم صلاته، و يكتفي بالنية السابقة على إشكال.
فلا تصح مع الاختلاف، كاليومية مع صلاة الجنازة أو الخسوف أو العيد - و به قال أحمد و الشافعي في أحد القولين(1) - للنهي عن المخالفة، و لا تجوز المتابعة، لخروج صلاة المأموم عن هيئتها.
و الثاني للشافعي: الجواز، لأنّ القصد اكتساب فضيلة الجماعة(2).
و لم ينقل عن النبي صلّى اللّه عليه و آله، ذلك، و قال: (صلّوا كما رأيتموني أصلّي)(3).
و على قوله: يراعي كلّ واحد واجبات صلاته، فإذا اقتدى في الفريضة بصلاة الجنازة، لا يتابعه في الأذكار بين التكبيرات و لا فيها، بل إذا كبّر الإمام الثانية، أخرج نفسه عن المتابعة، أو انتظر سلامه.
و إذا اقتدى بمن يصلّي الخسوف، تابعه في الركوع الأول، ثم إن شاء رفع رأسه و فارقه و إن شاء انتظره في الركوع إلى أن يعود الإمام إليه(4).
و الوجه: المنع من ذلك كلّه.
فللمفترض أن يصلّي خلف المتنفّل و بالعكس، و من يصلّي الظهر خلف من يصلّي البواقي و بالعكس، سواء اختلف العدد أو اتّفق، عند علمائنا - و به قال عطاء و طاوس
ص: 272
و الأوزاعي و الشافعي و أبو ثور و أحمد في إحدى الروايتين، و اختاره ابن المنذر و الحميدي(1) - لأنّ معاذا كان يصلّي مع النبي صلّى اللّه عليه و آله، العشاء، ثم يرجع فيصلّيها بقومه في بني سلمة، هي له تطوّع و لهم مكتوبة(2).
و من طريق الخاصة: قول الصادق عليه السلام: «أجزأت عنه و أجزأت عنهم» في رجل أمّ قوما فصلّى العصر و هي لهم ظهر(3).
و كتب محمد بن إسماعيل بن بزيع إلى الرضا عليه السلام: إنّي أحضر المساجد مع جيرتي فيأمروني بهم و قد صلّيت قبل أن آتيهم، و ربّما صلّى خلفي من يقتدي بصلاتي و المستضعف و الجاهل، و أكره أن أتقدّم و قد صلّيت لحال من يصلّي بصلاتي ممّن سمّيت لك، فأمرني في ذلك بأمرك أنتهي إليه، و أعمل به إن شاء اللّه، فكتب: «صلّ بهم»(4).
و لأنّهما صلاتان متّفقتان في الأفعال الظاهرة تصحان جماعة و فرادى، فجاز أن يكون الإمام في إحداهما، و المأموم في الأخرى، كالمتنفّل خلف المفترض.
و قال أبو حنيفة و مالك و أحمد في الرواية الأخرى: لا يصلّي مفترض خلف متنفّل، و لا مفترض في غير فرض الإمام، و يصلّي المتنفّل خلف المفترض - و به قال الزهري و ربيعة - لقوله عليه السلام: (إنّما جعل الإمام ليؤتمّ به فلا تختلفوا عليه)(5).
و أنّ صلاة المأمومين لا تتأدّى بنية الإمام، فأشبه الجمعة خلف من يصلّي2.
ص: 273
الظهر(1).
و المراد بالخبر: الأفعال الظاهرة، و يدلّ عليه قوله: (فإذا كبّر فكبّروا)(2) إلى آخره.
و القياس منقوض بمن يصلّي ركعتي الفجر خلف المفترض.
و الجمعة لا تصح خلف من يصلّي الظهر، لأنّ الإمام شرط في صحتها، بخلاف سائر الجماعات إن منعنا في الجمعة.
على أنّ الفرق أنّ الجمعة من حضرها وجبت عليه، فلا تجزئه الظهر مع وجوب الجمعة.
و ينتقض بمن صلّى خلف الإمام و قد رفع رأسه من الركعة الأخيرة، فإنّه ينوي الظهر و يأتم به، لا الجمعة.
أ: هل يصح أن يصلّي خلف المتنفّل بها،
كالمعذور إذا قدّم ظهره، أو خلف مفترض بغيرها، مثل أن يصلّي صبحا قضاء، أو ركعتين منذورة ؟ الأقرب: المنع.
ب: الأقرب عندي: منع اقتداء المفترض بالمتنفّل،
إلاّ في صورة النصّ، و هو: ما إذا قدّم فرضه.
ج: هل يصح أن يصلّي المتنفّل خلف مثله ؟ الوجه: المنع،
إلاّ في مواضع الاستثناء، كالعيدين المندوبين و الاستسقاء.
د: لو كانت صلاة المأموم ناقصة العدد، تخيّر
مع فراغها بين التسليم
ص: 274
و ينوي مفارقة الإمام، و بين الصبر إلى أن يفرغ الإمام فيسلّم معه، و لا يجوز له المتابعة في أفعاله، لئلاّ يزيد في عدد صلاته.
و لو انعكس الحال، صلّى مع الإمام، و تخيّر عند قعود الإمام للتشهّد بين المفارقة، فيتمّ قبل سلامه، و بين الصبر إلى أن يسلّم الإمام، فيقوم و يأتي بما بقي عليه.
ه: لو قام الإمام إلى الخامسة سهوا، لم يكن للمسبوق الائتمام فيها.
و: يستحب للمنفرد إعادة صلاته مع الجماعة إماما، أو مأموما.
و هل يجوز فيهما معا؟ الأقرب: ذلك في صورة واحدة، و هي: ما إذا صلّى إمام متنفّل بصلاته بقوم مفترضين، و جاء من صلّى فرضه، فدخل معهم متنفّلا، أمّا لو خلت الصلاة عن مفترض، فإشكال.
في أيّ وقت اتّفق، عند علمائنا، لقوله عليه السلام لبعض أصحابه:
(إذا جئت فصلّ مع الناس و إن كنت قد صلّيت)(1).
و من طريق الخاصة: قول الصادق عليه السلام، في الرجل يصلّي الفريضة ثم يجد قوما يصلّون جماعة، أ يجوز أن يعيد الصلاة معهم ؟ قال:
«نعم و هو أفضل» قلت: فإن لم يفعل ؟ قال: «ليس به بأس»(2).
و قال الشافعي: يشترط أن تقام و هو في المسجد، و يدخل و هم يصلّون. و قال: يعيد إن صلّى وحده إلاّ المغرب(3).
و هو تقييد لا وجه له.
و قال أبو حنيفة: لا تعاد الفجر و لا العصر، لأنّها نافلة، فلا تفعل في
ص: 275
وقت النهي، و لا تعاد المغرب، لأنّ التطوع لا يكون بوتر(1).
و النهي عام، و ما ذكرناه خاص، فتقدّم، و لأنّها ذات سبب هو الاجتماع، و التنفّل بالوتر ثبت في الوتر.
خلافا للشيخين(2) ، و قد سلف(3).
بإجماع العلماء، فلا تصح الصلاة خلف المجنون المطبق، و لا من يعتوره حال جنونه، لأنّ صلاته لنفسه باطلة.
و لو كان الجنون يعتوره أدوارا، صحّت الصلاة خلفه حال إفاقته، لحصول الشرائط فيه، لكن يكره، لإمكان أن يكون قد احتلم حال جنونه و لا يعلم، و لئلاّ يعرض الجنون في الأثناء.
و كذا لا تصح إمامة الصبيّ غير المميّز إجماعا، لعدم تفطّنه بما ينبغي فعله.
لعلمائنا قولان، أحدهما: أنّه شرط(4) ، فلا تصح إمامة الصبي و إن كان مميزا مراهقا في الفريضة - و به قال ابن مسعود و ابن عباس و عطاء و مجاهد و الشعبي و مالك و الثوري و الأوزاعي
ص: 276
و أبو حنيفة و أحمد(1) - لقول علي عليه السلام: «لا بأس أن يؤذّن الغلام قبل أن يحتلم، و لا يؤمّ حتى يحتلم، فإن أمّ، جازت صلاته، و فسدت صلاة من خلفه»(2).
و لأنّ الإمامة من المناصب الجليلة و هي حالة كمال، و الصبي ليس من أهل الكمال، فلا يؤمّ الرجال كالمرأة.
و لأنّها فريضة، فلا يكون الصبي إماما فيها، كالجمعة.
و لأنّه عارف بعدم المؤاخذة له، فلا يؤمن أن يترك شرطا.
و الثاني لعلمائنا: عدم الاشتراط(3) ، فتصح إمامة المميّز المراهق - و به قال الشافعي و إسحاق و الحسن البصري و ابن المنذر(4) - لأنّ عمرو بن أبي سلمة قال: كنت غلاما حافظا قد حفظت قرآنا كثيرا، فانطلق أبي وافدا إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، في نفر من قومه، فقال النبي صلّى اللّه عليه و آله: (يؤمّكم أقرؤكم لكتاب اللّه) فقدّموني فكنت أصلّي بهم و أنا ابن سبع سنين أو ثمان(5).
و من طريق الخاصة: قول علي عليه السلام: «لا بأس أن يؤذّن الغلام الذي لم يحتلم و أن يؤمّ»(6).3.
ص: 277
و لأنّ من جاز أن يكون إماما في النفل جاز أن يكون إماما في الفرض.
و النبي صلّى اللّه عليه و آله لم يوجّه الخطاب إلى عمرو، بل إلى المكلّفين. و تقديمهم ليس بحجّة. و في طريق الرواية الثانية ضعف.
و الفرق بين الفرض و النفل ظاهر، فإنّ النفل مبني على التخفيف.
على أنّا نمنع الحكم في الأصل.
و هل يصحّ أن يكون إماما في النفل ؟ إن قلنا: إنّ فعله شرعيّ، صحّ، و به قال أبو حنيفة و مالك و الثوري(1) ، و إلاّ فلا، و به قال ابن عباس(2) ، و عن احمد روايتان(3).
و أمّا الجمعة، فالوجه: أنّه لا يصح أن يكون إماما فيها، و للشافعي قولان(4).
بإجماع العلماء، فلا تصح الصلاة خلف الكافر و إن كان عدلا في دينه بالإجماع.
و لقوله تعالى وَ لا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النّارُ (5).
و لأنّ الأئمة ضمناء و الكافر ليس أهلا لضمان الصلاة.
و لا تصح خلف من يشكّ في إسلامه، لأنّ الشكّ في الشرط شكّ في المشروط.
و قال أحمد: تصح صلاته، لأنّ الظاهر أنّه لا يتقدّم للإمامة إلاّ
ص: 278
مسلم(1). و ليس بمعتمد.
فلا تصحّ الصلاة خلف أهل البدع و الأهواء و من خالف الحق، سواء أظهر البدعة أو لا - و هو إحدى الروايتين عن أحمد، و به قال مالك(2) - لقول جابر: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، على منبره يقول: (لا تؤمّنّ امرأة رجلا، و لا فاجر مؤمنا إلاّ أن يقهره بسلطان، أو يخاف سوطه أو سيفه)(3).
و من طريق الخاصة: قول الباقر و الصادق عليهما السلام: «عدوّ اللّه فاسق لا ينبغي لنا أن نقتدي به»(4).
و كتب البرقي إلى أبي جعفر عليه السلام: أ تجوز الصلاة خلف من وقف على أبيك و جدّك صلوات اللّه عليهما؟ فأجاب: «لا تصلّ وراءه»(5).
و سأل إسماعيل الجعفي، الباقر عليه السلام: رجل يحبّ أمير المؤمنين عليه السلام، لا يبرأ من عدوّه، فقال: «هذا مخلّط فهو عدوّ، و لا تصلّ خلفه إلاّ أن تتّقيه»(6).
و لأنّه ظالم، فيدخل تحت قوله تعالى وَ لا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا (7).
و قال الشافعي و أبو حنيفة و الحسن: إنّه مكروه ليس بمحرّم، لقوله عليه
ص: 279
السلام: (صلّوا خلف من قال: لا إله إلاّ اللّه)(1).
و لأنّ صلاته صحيحة، فصحّت إمامته، كالعدل(2).
و الخاص مقدّم، و القياس باطل، لقيام الفرق بين العدل المقبول إخباره و الفاسق المردود قوله.
قالت الشافعيّة: المختلفون في المذاهب ثلاثة أقسام: قسم لا نكفّرهم و لا نفسّقهم، و هم: المختلفون في الفروع كالحنفية و المالكيّة، و لا يكره الائتمام بهم. و قسم نكفّرهم، و هم: المعتزلة، فلا يجوز الائتمام بهم.
و قسم نفسّقهم و لا نكفّرهم، و هم: الذين يسبّون السلف، و الخطّابية، و حكم هؤلاء حكم من يفسق بالزنا و شرب الخمر و غيرهما، و يكره الائتمام بهم(3).
إذا عرفت هذا، فلا فرق بين أن يكون إماما لمحق أو لمخالف مثله، و لا بين أن يستند في مذهب إلى شبهة أو تقليد.
فإن أدركتها معهم فصلّ فإنها لك نافلة)(1).
و من طريق الخاصة: قول الصادق عليه السلام: «لا تصلّ خلف الغالي و إن كان يقول بقولك، و المجهول و المجاهر بالفسق و إن كان مقتصدا»(2).
و عن الباقر عليه السلام «لا تصلّ إلاّ خلف من تثق بدينه و أمانته»(3).
و سأل إسماعيل، الرضا عليه السلام: رجل يقارف الذنوب و هو عارف بهذا الأمر أصلّي خلفه ؟ قال: «لا»(4).
و حكى المرتضى عن أبي عبد اللّه البصري أنه موافق لنا، و يحتجّ على ذلك: بإجماع أهل البيت عليهم السلام، و كان يقول: إنّ إجماعهم حجّة(5).
و قال الشافعي و أبو حنيفة: تجوز على كراهة(6) - و عن أحمد روايتان(7) - لقوله عليه السلام: (لا تكفّروا أحدا من أهل ملّتكم بالكبائر، الصلاة خلف كلّ إمام، و الجهاد مع كلّ أمير، و الصلاة على كلّ ميت)(8).
و لأنّ الحسن و الحسين عليهما السلام، صلّيا خلف مروان(9). و صلّى ابن3.
ص: 281
عمر مع الحجّاج(1).
و أخبارنا أخصّ فتقدّم، مع أنّ حديثهم متروك الظاهر، فإنّ أمير البغاة أمير و لا يجاهد معه، و الميت منهم لا يصلّى عليه، و الصلاة خلف المعتزلة ينكرها أصحاب الشافعي(2) ، و تجوز للتقيّة، كما فعل الإمامان عليهما السلام، مع مروان.
فالوجه أنّه لا يجوز لمن علم فسقه الائتمام به، لأنّه ظالم عنده، مندرج تحت قوله تعالى وَ لا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا (3).
و قال أحمد: لا تشترط العدالة، بل يصلّى خلفهم، لأنّ اللّه تعالى أوجب الجمعة و هو يعلم أنّ بني العباس سيلونها(4).
و الوجوب منوط بالإمام العادل.
و هل تعاد عنده لو صلاّها خلف الفاسق ؟ روايتان(5).
و لو كان المباشر لها عدلا و المولّي له غير مرضي الحال لبدعته أو فسقه، صحّت الجمعة، و لا تعاد قولا واحدا.
ص: 282
و لو علم أنّه يترك واجبا أو شرطا يعتقده المأموم دون الإمام، فالأقوى عندي: عدم جواز الاقتداء به، لأنّه يرتكب ما يعتقده المأموم مفسدا للصلاة، فلم يصح ائتمامه، كما لو خالفه في القبلة حالة الاجتهاد فيها.
فلا يصح لمن يعتقد وجوب السورة بعد الحمد الصلاة خلف من لا يعتقد وجوبها و إن قرأها، لأنّه يوقعها على وجه الندب، فلا تجزئ عن الواجب.
و كذا لا يصح أن يصلّي من يعتقد تحريم لبس السنجاب مثلا خلف من يعتقد تسويغه مع لبسه لا مطلقا.
لأنّه مأمور بالعمل باجتهاده.
و صلاة من يأتمّ به كذلك و إن اعتقد تسويغ الترك، لأنّه صلّى خلف من يعتقد بطلان صلاته، و من شرط الاقتداء إسقاط صلاة الإمام القضاء.
و إن كان يفعل ما يعتقد تحريمه في غير الصلاة، كنكاح بنته المخلوقة من الزنا، فإن داوم عليه فهو فاسق لا تجوز الصلاة خلفه، و إلاّ فلا.
و إن كان الفاعل عاميّا و قلّد من يعتقد جوازه، فلم يكن عليه شيء، لأن فرضه التقليد.
و إن كان يفعل ما يعتقد تحريمه في الصلاة كالقران بين السورتين، بطلت صلاته و صلاة المأموم أيضا و إن اعتقد تسويغه، لما تقدّم.
فلا تصح إمامة ولد الزنا عند علمائنا، لقوله عليه السلام: (ولد الزنا شرّ الثلاثة)(1) و إذا كان شرّه أعظم من شرّ أبويه، و لا تصح إمامتهما، فكذا هو.
و من طريق الخاصة: قول الباقر عليه السلام: «لا تقبل شهادة ولد الزنا
ص: 283
و لا يؤمّ الناس»(1).
و لأنه غير مقبول الشهادة، فلا يصلح للإمامة، لأنّها تتضمّن معنى الشهادة بأداء ما وجب عليه من الأفعال.
و كرهه الشافعي و أبو حنيفة و أصحابه، و مالك(2). و سوّغه الثوري و أحمد و إسحاق من غير كراهة(3) ، لقول عائشة: ما عليه من وزر أبويه شيء(4).
و لا دلالة فيه.
أمّا من لا يعرف أبوه، و لا علم كونه ولد زنا، فالوجه: صحّة إمامته، لظهور العدالة و عدم علم المنافي.
نعم إنّه مكروه - و به قال الشافعي و أبو حنيفة و أصحابه، و مالك(5) - لأنّ رجلا كان يؤمّ الناس بالعقيق لا يعرف أبوه، فنهاه عمر بن عبد العزيز(6) ، و لم ينكر عليه أحد.
و لأنّ الإمامة موضع فضيلة، فلا ينبغي أن يتقدّم من لا يعرف أبوه لنقصانه.
و قال الثوري و أحمد و إسحاق: لا يكره، و اختاره ابن المنذر، و رواه عن7.
ص: 284
مالك(1) ، لأن عائشة قالت: ما عليه من وزر أبويه شيء(2).
و نحن نقول بموجبه، إذ ليس عليه إثم الزنا، لكن الأبوان شرّان باعتبار فعل الزنا و هو عارض لهما، و هو شرّ باعتبار تولّده عنه.
و كذا تصح إمامة ولد الشبهة.
فلا تصح إمامة المرأة و لا الخنثى المشكل للرجل و لا للخنثى عند علمائنا أجمع - و به قال عامة الفقهاء(3) - لقوله عليه السلام في خطبته: (ألا لا تؤمّنّ امرأة رجلا)(4).
و قال عليه السلام: (أخّروهنّ من حيث أخّرهنّ اللّه)(5).
و لأنّ المرأة لا تؤذّن للرجال، فلا تكون إمامة لهم كالكافر.
و لأنّهنّ مأمورات بالستر، و الإمام بالاشتهار، و هم ضدّان.
و قال أبو ثور و المزني و محمد بن جرير الطبري: تجوز في صلاة التراويح إذا لم يكن قارئ غيرها، و تقف خلف الرجال(6) ، لأنّ النبي عليه السلام، كان يزور أمّ ورقة بنت نوفل في بيتها، فجعل لها مؤذّنا يؤذّن لها، و أمرها أن تؤمّ أهل دارها(7). و هذا عام في الرجال و النساء.
و الدار قطني روى أنّه أمرها أن تؤمّ بنساء أهل دارها(8). و لأنّه محمول عليه، إذ لا يمكن جريانه على عمومه في الفرائض، فكذا في النوافل،
ص: 285
فتختص بالنساء.
و إن كنّ أجنبيات و لا رجل معهنّ، فكذلك.
و كرهه الشافعي(1) ، لأنّه عليه السلام، نهى عن أن يخلو الرجل بالمرأة الأجنبية(2).
لجواز أن تكون امرأة، و لا يؤمّ خنثى مثله، و لا أن يأتم بامرأة.
لأنّه دخل دخولا منهيّا عنه، و النهي يقتضي الفساد، و كان حالة الدخول شاكّا في صلاته. و هو أحد قولي الشافعي. و في الآخر: لا تجب، لأنّه ظهر أنّه ممّن تجوز الصلاة خلفه(3).
سواء نوى استتباع الرجال و النساء، أو استتباع الرجال خاصة، أو استتباع النساء خاصة، أو لم ينو استتباع أحد - و به قال الشافعي(4) - لأنّ كلّ طائفة تصح صلاتها خلف الإمام إذا نوى استتباعها جاز و إن لم ينوها، قياسا على الرجال.
و قال أبو حنيفة: إن نوى استتباع الفرقتين، جازت صلاتهما معا خلفه.
و كذا إن نوى استتباع النساء خاصّة. و إن نوى استتباع الرجال خاصة، لم يجز للنساء الصلاة خلفه(5).
ص: 286
عند علمائنا أجمع، فلو أمّ قاعد قائما، بطلت صلاة المأموم - و هو قول محمد بن الحسن و مالك في إحدى الروايتين(1) - لقوله عليه السلام: (لا يؤمنّ أحد بعدي جالسا)(2).
و من طريق الخاصة: قول أمير المؤمنين عليه السلام: «لا يؤمّ المقيّد المطلقين و لا صاحب الفالج الأصحّاء»(3).
و لأنّ القيام ركن، فلا يصح ائتمام القادر عليه بالعاجز عنه، كسائر الأركان.
و قال أبو حنيفة و الشافعي و الثوري و أبو ثور و مالك في الرواية الأخرى:
يصلّون خلفه قياما و هو قاعد، لأنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله، صلّى في مرض موته جالسا و أصحابه قياما(4)(5).
و لا يجوز حمل غير النبي صلّى اللّه عليه و آله، عليه، لشرفه و عظم منزلته. و لأنّه أراد منع إمامة غيره في تلك الصلاة.
و قال الأوزاعي و أحمد و إسحاق و ابن المنذر: يصلّون خلفه جلوسا، لأنّ أبا هريرة روى عنه عليه السلام: (إنّما جعل الإمام ليؤتمّ به فلا تختلفوا
ص: 287
عليه.. و إذا صلّى جالسا فصلّوا جلوسا أجمعون)(1)(2).
و لو سلّم، حمل على عموم العذر.
لكن يستحب أن يستخلف غيره إجماعا، ليخرج عن الخلاف.
و كذا إن صلّوا جلوسا، لإخلالهم بالركن.
و أبطل أحمد صلاتهم قياما خلفه في رواية(3).
و هي من أغرب الأشياء.
أن يكون القاعد إمام الحي، و أن يكون مرضه يرجى زواله(4).
و لا وجه للشرطين، بل الحقّ البطلان في الجميع على ما تقدّم.
منفردين عنه، فإن استخلف أو استخلفوا صلّوا جماعة، و إلاّ انفردوا، و لا يجوز لهم الائتمام به، خلافا للجمهور.
و سوّغ أحمد هنا قيامهم، لأنّ القيام هو الأصل، فمن بدأ به في الصلاة لزمه في جميعها إذا قدر عليه كالشارع في صلاة المقيم يلزمه إتمامها(5).
فهل يجوز
ص: 288
أن يفعل كفعل النبي عليه السلام مع أبي بكر(1) إن صلّى قاعدا؟ لم يجز عندنا و قد سبق.
و عن أحمد روايتان: المنع، لاختصاصه عليه السلام به، لأنّه مخالف للقياس، فإنّ انتقال الإمام مأموما و انتقال المأمومين من إمام إلى آخر إنّما يجوز مع العذر. و الجواز(2).
و لا يشترط كونه إماما راتبا، و لا ممّن يرجى زوال عذره(3) إجماعا.
- و به قال مالك و أحمد و أصحاب الرأي(4) - لأنه أخلّ بركن لا يسقط في النافلة، فلم يجز للقادر عليه الائتمام به كالقارئ بالأمّي.
و لأنّه يصلّي بغير ركوع و سجود، فلا يجوز أن يكون إماما لمن يصلّي بركوع و سجود، كما لو صلّى صلاة الجنازة.
و قال الشافعي: يجوز، لأنّه فعل أباحه المرض، فلم يغيّر حكم الائتمام، كالقاعد إذا أمّ القائم(5).
كالمضطجع، و من
ص: 289
لا يتمكّن من ركوع أو سجود، و به قال مالك و أحمد و أصحاب الرأي(1) ، خلافا للشافعي(2) ، و التقريب ما تقدّم(3).
لعجزه عن القيام، و لا صاحب الفالج الأصحّاء كذلك، للحديث(4) ، و يجوز أن يؤمّ الأعرج.
- و هو إحدى الروايتين عن أحمد - للعموم. و في الأخرى: لا تصح، لأنه يخلّ بالسجود على بعض أعضاء السجود، فأشبه العاجز عن السجود(5). و الفرق ظاهر.
و لا تجوز إمامة أقطع الرجلين، و تجوز إمامة الخصيّ و الجندي.
القراءة واجبة مع القدرة، و مع الائتمام بالأمّي تخلو الصلاة عن القراءة، و قال عليه السلام: (لا صلاة إلاّ بفاتحة الكتاب)(1).
و لأنّ الإمام يتحمّل القراءة عن المأموم، و مع عجزه لا يتحقّق التحمّل.
و قال أبو ثور و المزني و ابن المنذر و الشافعي في القديم: يجوز مطلقا - و هو مروي عن عطاء و قتادة - لأنّ القراءة ركن في الصلاة فجاز أن يكون العاجز عنه إماما للقادر كالقاعد يؤمّ القائم(2).
و الأصل ممنوع، و الفرق: أنّ القيام لا مدخل له في التحمّل، بخلاف القراءة.
و للشافعي قول ثالث: الجواز في صلاة الإخفات دون الجهر(3).
و الفرق: أنّ المأموم عنده لا تجب عليه القراءة في الجهرية، و تجب في الإخفاتية(4).
- و به قال الشافعي في الجديد، و أبو يوسف و محمد و أحمد(5) - لأنّه أمّ من لا يجوز له أن يأتمّ به، فتبطل صلاة المؤتمّ خاصة، كالمرأة تؤمّ الرجل.
ص: 291
و قال أبو حنيفة: تبطل صلاتهما معا(1).
و علّل أبو حازم: بأنّه أفسد صلاة الأمّي، لأنّه يمكنه أن يقتدي بالقارئ فيؤدّي صلاته بقراءة(2).
و هذا يدلّ على أنّه لا يصلّي وحده.
و نحن نقول بموجبه إن كان القارئ مرضيّا عنده.
و علّل الكرخي: بأنّ الأمّي لمّا أحرم معه، صح إحرامه معه، فلمّا دخل معه لزمه القراءة عنه، فإذا عجز عنها، بطلت صلاته(3).
و ليس بجيّد، لأنّ هذا الأمّي بإحرامه لا تجب عليه القراءة لنفسه، فكيف يجب أن يتحمّل عن غيره ؟!
لاستوائهما في الأفعال.
و ليس له أن يصلّي منفردا، هذا هو الأقوى عندي، لأنّه يتمكّن من الصلاة بقراءة صحيحة، فيجب عليه.
و قال الشافعي: لا يجب(4) لأنّ رجلا جاء إلى النبي صلّى اللّه عليه و آله، فقال: إنّي لا أستطيع أن آخذ شيئا من القرآن، فقال: (قل: سبحان اللّه و الحمد للّه)(5) و لم يأمره بالائتمام بالقارئ.
و نحن نقول بموجبه، إذ الواجب عليه حالة الانفراد ذلك، و دليل
ص: 292
الجماعة مستفاد ممّا قلناه.
و الأمّي إن وجد قارئا مرضيّا و إلاّ فلا. و لو أمّ قارئا واحدا، بطلت صلاة المؤتمّ على ما قلناه.
و قال أحمد: تبطل صلاة الإمام أيضا، لأنّه نوى الإمامة و قد صار فذّا(1).
و ليس بجيّد، لأنّ نية الإمامة لا تخرجه عن الإتيان بصلاة المنفرد.
و لأنّه ينتقض بما لو مات المأموم أو أبطل صلاته.
ائتمام الآخر بمن يحسن الفاتحة،
للإجماع على وجوبها و أولويتها لو عجز عنهما.
و لو جوّزنا انقلاب المأموم إماما لإمامه، ائتم الثاني بالأول، فإذا قرأ الفاتحة، نوى الأول الايتمام بالثاني.
و لو كان معهما ثالث لا يحسن شيئا، اقتدى بمن يعرف الفاتحة، فإن لم يكن مرضيّا، اقتدى بمن يعرف السورة وجوبا على إشكال.
و لو كان أحدهما يعرف بعض الفاتحة و الآخر سورة كملا، احتمل تخيّر ائتمام أحدهما بالآخر، و أولوية إمامة من يحسن بعض الفاتحة.
لأن الظاهر أنّه لا يتقدّم إلاّ و هو بشرائط الإمامة. و كذا في الجهرية لو خفيت عليه القراءة.
و هو يشكل باشتراط العدالة، و علم المأموم بها.
ص: 293
و قال أحمد: لا تجوز، لأنّه ترك ركنا - و هي القراءة - لعذر مأيوس من زواله، فلا تصح، كالعاجز عن الركوع و السجود(1).
و نمنع الحكم في الأصل إن تساويا، نعم لا يجوز أن يؤمّ بالصحيح.
لأنّه لا يخلّ بشيء من واجبات الصلاة و لا شروطها.
و قال بعض الجمهور: لا تجوز، لأنّه لا يمكن تنبيهه إذا سها بتسبيح و لا إشارة(2).
و احتمال العارض لا يمنع صحة الصلاة، كالمجنون حال إفاقته.
يحتمل الجواز، لأنّ التكبير لا يتحمله الإمام، و هما سواء في القراءة. و المنع، لأنّ الأمّي قادر على النطق بالتكبير، بخلاف الأخرس.
لأنّ كلّ واحد منهما أمّي في حقّ صاحبه.
سواء أحال المعنى، كمن يكسر كاف «إيّاك» أو لا، كمن يفتح همزة «إيّاك» لأنّه ليس بقرآن، فإنّ القرآن هو العربي، و اللحن ليس بعربي، فحينئذ لا يصح أن يكون إماما للمتقن.
و إن فعل ذلك سهوا، لم تبطل صلاته و لا صلاة من خلفه.
و إن كان جاهلا، فإن أمكنه التعلّم و اتّسع الزمان، لم تصح صلاته و لا صلاة من خلفه، و إن لم يتمكن أو ضاق الزمان، صحّ أن يكون إماما لمثله.
و هل يصح أن يكون إماما للمتقن ؟ الأقرب: المنع، لأنّه يتمكّن من الصلاة بقراءة صحيحة، فلا يجوز العدول إلى الفاسد. و الجواز، لأنّها صلاة
ص: 294
صحيحة، فصحّ الائتمام فيها.
و الشيخ - رحمه اللّه - قال: تكره إمامة من يلحن في قراءته، سواء كان في الحمد أو غيرها، أحال المعنى أو لم يحل إذا لم يحسن إصلاح لسانه، فإن كان يحسن و يتعمّد اللحن، فإنّه تبطل صلاته و صلاة من خلفه إن علموا بذلك(1).
و قال الشافعي: إن أمكنه الصواب، لم تصح صلاته و لا صلاة من خلفه، و إن لم يمكنه، صحّت صلاته(2).
و قال أحمد: تكره إمامة اللحّان الذي لا يحيل المعنى، و تصحّ صلاته بمن لا يلحن، لأنّه أتى بفرض القراءة(3).
لأنّ الصحيح تلزمه القراءة، لتمكّنه، و مع عجز الإمام لا يصحّ التحمّل.
و يصح أن يؤمّ مثله إذا تساويا في النطق، لأنّهما تساويا في الأفعال، فصحّت الإمامة كالقارئين.
و التحقيق: أنّه إن تمكّن من إصلاح لسانه، وجب، فإن أهمل، لم تصح صلاته مع سعة الوقت و لا صلاة من خلفه، و إلاّ فلا.
كمن يبدّل الحاء في «الحمد» بالخاء أو بالهاء، أو يبدّل الميم في «المستقيم» بالنون، و لا تصح إمامته، و كذا العربي.
ص: 295
لأنّه أمّي بالنسبة إلى المفصح، و يجوز أن يؤمّ مثله.
و قال بعض الشافعية: تجوز، لتقارب المخرج(1) ، و ليس بمعتمد.
لأنّهما يأتيان بالحروف على الكمال، و الزيادة لا تضرّهما، لأنّهما مغلوبان عليها، و لكن يكره تقديمهما، لمكان هذه الزيادة.
و نعني بالأرت: الذي يبدّل حرفا بحرف.
و الألثغ: الذي يعدل بحرف إلى حرف.
و قال الفرّاء: اللثغة بطرف اللسان هو: الذي يجعل الراء على طرف لسانه لا ما، و يجعل الصاد ثاء. و الأرت: و هو الذي يجعل اللام تاء.
و قال الأزهري، الأليغ: بالياء المنقطة تحتها نقطتين، هو: الذي لا يبيّن الكلام(2).
و إنّما لم تصح إمامة هؤلاء، لأنّ من لا يحسن حرفا أمّي بالنسبة إلى عارفة.
و لو كانت له لثغة خفيفة تمنع من تخليص الحرف و لكن لا يبدّله بغيره، جاز أن يكون إماما للقارئ.
لعلمائنا:
ص: 296
المنع، اختاره الشيخ و المرتضى، لعدم انقياد النفس إلى طاعتهما(1). و قول الصادق عليه السلام: «خمسة لا يؤمّون الناس على كلّ حال: المجذوم و الأبرص و المجنون و ولد الزنا و الأعرابي»(2).
و قال بعض علمائنا: بالجواز(3) ، لأنّ عبد اللّه بن يزيد سأل الصادق عليه السلام، عن المجذوم و الأبرص يؤمّان المسلمين ؟ قال: «نعم» قلت: هل يبتلي اللّه بهما المؤمن ؟ قال: «نعم، و هل كتب اللّه البلاء إلاّ على المؤمن ؟»(4).
و حمله الشيخ في التهذيب على الضرورة بأن لا يوجد غيرهما، أو أن يكونا إمامين لأمثالهم(5).
- و به قال مالك و أبو مجلز(6) - لأنّه لا يعرف محاسن الإسلام و تفاصيل أحكامه.
و لقوله تعالى اَلْأَعْرابُ أَشَدُّ كُفْراً وَ نِفاقاً وَ أَجْدَرُ أَلاّ يَعْلَمُوا حُدُودَ ما أَنْزَلَ اللّهُ عَلى رَسُولِهِ (7).
و كذا غيره من العوام إذا لم يعرف شرائط الصلاة على التفصيل.
و لم يكرهه عطاء و الثوري و إسحاق و الشافعي و أحمد و أصحاب الرأي،
ص: 297
لقوله عليه السلام: (يؤمّ القوم أقرؤهم)(1)(2).
و لا نزاع فيه، لكن وجود هذا الوصف فيه بعيد.
أمّا الأعرابي إذا كان قد وصل إليه ما يكفيه اعتماده في التكليف، و تديّن به، و لم يكن ممّن تلزمه المهاجرة وجوبا، جاز أن يكون إماما، لوجود الشرائط في حقّه.
بلا خلاف بين العلماء، لأنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله، استخلف ابن أمّ مكتوم يؤمّ الناس و كان أعمى(3).
قال الشعبي: غزا النبي صلّى اللّه عليه و آله، ثلاث عشرة غزوة كلّ ذلك يقدّم ابن أمّ مكتوم يصلّي بالناس(4).
و من طريق الخاصة: قول الصادق عليه السلام: «لا بأس بأن يصلّي الأعمى بالقوم و إن كانوا هم الذين يوجّهونه»(5).
و عن علي عليه السلام: «لا يؤمّ الأعمى في الصحراء إلاّ أن يوجّه إلى القبلة»(6).
و لأنّ العمى فقد حاسة لا يختلّ به شيء من شرائط الصلاة، فأشبه الأطروش.
ص: 298
و هل البصير أولى ؟ يحتمل ذلك، لأنّه يتوقّى النجاسات، و الأعمى لا يتمكّن من ذلك.
و يحتمل العكس، لأنّه أخشع في صلاته من البصير، لأنّه لا يشغله بصره عن الصلاة.
و كلاهما للشافعية، و نصّ الشافعي على التساوي(1). و هو أولى، لأنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله، قدّم الأعمى كما قدّم البصير.
و أطلقوا القول في ذلك، لما رواه زيد عن آبائه عليهم السلام، عن علي عليه السلام، قال: «الأغلف لا يؤمّ القوم و إن كان أقرأهم، لأنّه ضيّع من السنّة أعظمها، و لا تقبل له شهادة، و لا يصلّى عليه إلاّ أن يكون ترك ذلك خوفا على نفسه»(2).
و الوجه: التفصيل، و هو: أنّه إن كان متمكّنا من الاختتان و أهمل، فهو فاسق لا يصلح للإمامة، و إلاّ فليس بفاسق، و صحّ أن يكون إماما. و الرواية تدلّ على هذا التفصيل. و الظاهر أنّ مراد الأصحاب التفصيل أيضا.
لأن فسقه و إن زال بالتوبة إلاّ أنّ نقص منزلته و سقوط محلّه من القلوب لم يزل، فكره لذلك و إن لم يكن محرّما.
أمّا السفيه فإن كان فاسقا، لم تصح إمامته، لما روي عن أبي ذر قال:
إنّ إمامك شفيعك إلى اللّه فلا تجعل شفيعك سفيها و لا فاسقا(3).
ص: 299
أما لو لم يكن فاسقا، ففي إمامته إشكال ينشأ: من نقصه، و علوّ منصب الإمامة.
و عاقّ أبويه لا يصح أن يكون إماما، لأنّه مرتكب للكبيرة، و لو صدر منه كلام سائغ يؤثر الغضب اليسير لم يؤثّر في الفسوق، لأنّ عمر بن يزيد سأل الصادق عليه السلام، عن إمام لا بأس به في جميع أمره عارف، غير أنّه يسمع أبويه الكلام الغليظ الذي يغيظهما أقرأ خلفه ؟ قال: «لا تقرأ خلفه ما لم يكن عاقّا قاطعا»(1).
عند أكثر العلماء(2) ، لقوله عليه السلام: (اسمعوا و أطيعوا و لو أمّر عليكم عبد حبشي أجدع(3) ، ما أقام فيكم الصلاة)(4).
و من طريق الخاصة: قول أحدهما عليهما السلام: «لا بأس» و قد سئل عن العبد يؤمّ القوم إذا رضوا به و كان أكثرهم قرآنا(5).
و لأنّه يؤذّن للرجال فكان من أهل الإمامة كالحرّ. و لأنّ الرقّ حق يثبت عليه، فلم يمنع صحة إمامته، كالدّين.
و كره أبو مجلز إمامة العبد(6). و نقله الشيخ عن أبي حنيفة(7).
ص: 300
و قال مالك: لا يؤمّ في جمعة و لا عيد(1).
و حكي عن الأوزاعي: أربعة لا يؤمّون الناس، فذكر العبد إلاّ أن يؤمّ أهله(2).
و للشيخ قول في التهذيب: إنّ الأحوط أن لا يؤمّ العبد إلاّ أهله، لقول علي عليه السلام: «لا يؤمّ العبد إلاّ أهله»(3).
و في السند ضعف، فالمعتمد الأول. نعم الحرّ أولى منه، لأنّه أكمل.
و حكم المعتق بعضه، و المكاتب و المدبّر و أمّ الولد حكم الرقّ.
و لا تفسد به الصلاة - و به قال أبو حنيفة(4) - لأنّ الأصل يقتضي الجواز. و اشتمال الائتمام لكلّ منهما بصاحبه على المفارقة يقتضي الكراهة.
و لقول الصادق عليه السلام: «لا يؤمّ الحضري المسافر، و لا المسافر الحضري، فإن ابتلى بشيء من ذلك فأمّ قوما حاضرين فإذا أتمّ الركعتين سلّم، ثم أخذ بيد بعضهم فقدّمه فأمّهم، و إذا صلّى المسافر خلف المقيم(5) فليتمّ صلاته ركعتين و يسلّم، و إن صلّى معهم الظهر، فليجعل الأوّلتين الظهر، و الأخيرتين العصر»(6).
و قال الشافعي: يجوز للمسافر أن يقتدي بالمقيم، لأنّه يلزمه التمام إذا
ص: 301
صلّى خلفه، و يكره أن يصلّي المقيم خلف المسافر(1).
و يمنع جواز التمام، لأنّ القصر عندنا عزيمة على ما يأتي(2).
و لو أتمّ المسافر الإمام الصلاة، لم يجز عندنا، خلافا للجمهور(3).
و قال أحمد في رواية: لو أتمّ الإمام، لم تجز صلاة المأموم، لأنّ الزيادة نفل أمّ بها مفترضين(4).
و الأصل عندنا باطل. نعم لو كان المسافر في أحد الأماكن التي يستحب فيها التمام فأتمّ، صحّت صلاته و صلاة المأمومين خلفه، لأنّ المأتي بها فرض بكمالها على ما يأتي.
إذا عرفت هذا، فإنّما يكره ائتمام أحدهما بصاحبه، لمكان المفارقة، فلو لم تحصل، زالت الكراهة، كما في المغرب و الغداة.
فإن فعل صحّ بلا خلاف نعلمه، إلاّ من محمّد بن الحسن، فإنّه منعه استحبابا(5) ، لأنّ عمرو ابن العاص صلّى بأصحابه متيمّما، و بلغ النبي صلّى اللّه عليه و آله، فلم ينكره(6).
و أمّ ابن عباس أصحابه متيمّما و فيهم عمّار بن ياسر في نفر من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، فلم ينكروه(7).
و لأنّه متطهّر طهارة صحيحة، فأشبه المتوضّئ.
ص: 302
و أمّا الكراهة: فلنقص طهارته.
و لقول علي عليه السلام: «لا يؤمّ المقيّد المطلقين، و لا يؤمّ صاحب الفالج الأصحّاء، و لا صاحب التيمّم المتوضّئين»(1).
و إنّما قلنا بالكراهة، لضعف السند.
فروع:
أ: يجوز للطاهر أن تأتم بالمستحاضة،
لأنّها متطهّرة، فأشبهت المتيمّم.
و للشافعي وجهان(2).
و منع أبو حنيفة و أحمد، لأنّها تصلّي مع خروج الحدث من غير طهارة(3).
و هو ممنوع، و أجمعوا على أنّه يجوز للغاسل رجليه أن يأتمّ بمن مسح على خفّيه(4).
ب: يصحّ ائتمام الصحيح بصاحب السلس،
لأنّه متطهّر، و الحدث الموجود غير مانع كالمتيمّم، خلافا لأحمد(5).
ج: يجوز ائتمام الطاهر بمن على بدنه أو ثوبه نجاسة،
لأنّه كالمتيمّم، خلافا لبعض الجمهور(6).1.
ص: 303
و للشافعي في ائتمام الطاهر بالمجروح وجهان(1).
د: لا يجوز للمتوضّئ و لا للمتيمّم الائتمام بعادم الماء و التراب،
سواء أوجبنا عليه الصلاة أو لا، لأنّه غير متطهّر مطلقا.
ه: قال الشيخ: يجوز للمكتسي أن يأتمّ بالعريان،
و به قال الشافعي، خلافا لأبي حنيفة(2).
و عندي فيه إشكال، لأنّ العاري إمّا أن يصلّي قاعدا، فلا يجوز الائتمام به، أو قائما مومئا، فلا يصح الائتمام به، لإخلاله بالركوع و السجود.
نعم لو كان المكتسي يصلّي بالإيماء لمرض، جاز أن يأتمّ بالعريان حينئذ.
و كذلك لا يجوز للقادر على الاستقبال الائتمام بالعاجز عنه. و يصح لكلّ من هؤلاء الائتمام بمثله.
و: لو صلّت الحرّة خلف أمة مكشوفة الرأس، صحّت صلاتها،
لعدم وجوب سترة عليها. فإذا أعتقت في الأثناء، فإن كانت السترة قريبا منها، أخذتها، و أتمّت الصلاة إن لم يحصل عمل كثير، و إن حصل أو احتاجت إلى الاستدبار، استأنفت، و تنوي المأمومة المفارقة. و كذا العريان يجد السترة في الأثناء، و به قال الشافعي(3).
و قال أبو حنيفة: العريان إذا وجد السترة، بطلت صلاته و استأنفها(4).
لقوله عليه السلام: (ثلاثة لا تجاوز صلاتهم آذانهم: العبد الآبق حتى يرجع، و امرأة
ص: 304
باتت و زوجها عليها ساخط، و إمام أمّ قوما و هم له كارهون)(1).
و قال علي عليه السلام، لرجل أمّ قوما و هم له كارهون: «إنّك لخروط(2)»(3).
و الأقرب: أنه إن كان ذا دين فكرهه القوم لذلك، لم تكره إمامته، و الإثم على من كرهه، و إلاّ كرهت.
و تعيّن هو للإمامة، لأنّ له الرئاسة العامة، و قال اللّه تعالى أَطِيعُوا اللّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ (4) و قال تعالى لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللّهِ وَ رَسُولِهِ (5) و هو خليفته، فتكون له هذه المرتبة(6).
أمّا مع العذر فإنّه يجوز أن يستنيب من شاء، أو يختار المأمومون من هو بالشرائط.
إذا ثبت هذا، فغير إمام الأصل تحصل فيه الأولويّة بأمور:
ا: القراءة.
ب: الفقه.
ج: السنّ.
د: الأقدم هجرة.
ص: 305
ه: الأصبح وجها، و عند الشافعي عوضه: الأشرف نسبا(1).
و: صاحب المنزل و المسجد.
و سيأتي تفصيل ذلك إن شاء اللّه تعالى.
- لما تقدّم - إذا كان بصفات الإمام. و لو اختلف المأمومون، قدّم اختيار الأكثر. فإن تساووا، فلعلمائنا قولان:
أحدهما: أنّه يقدّم الأقرأ(2) - و به قال ابن سيرين و الثوري و أحمد و إسحاق و أصحاب الرأي و ابن المنذر(3) - لقوله عليه السلام: (يؤمّ القوم أقرؤهم لكتاب اللّه، فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنّة، فإن كانوا في السنّة سواء فأقدمهم هجرة، فإن كانوا في الهجرة سواء فأقدمهم سنّا)(4).
و من طريق الخاصة: قول الصادق عليه السلام: «قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: يتقدّم القوم أقرؤهم للقرآن»(5).
و لأنّ القراءة ركن في الصلاة، فكان القادر عليها أولى، كالقادر على القيام مع العاجز عنه.
و قال بعض علمائنا: يقدّم الأفقه على الأقرأ [1] - و به قال عطاء و مالك
ص: 306
و الأوزاعي و الشافعي و أبو ثور(1) - إذا كان يقرأ ما يحتاج إليه في الصلاة صحيحا، لأنّ القراءة التي يحتاج إليها في الصلاة محصورة و هو يحفظها، و ما يحتاج إليه من الفقه غير محصور، فإنه قد ينوبه في الصلاة أمر يحتاج إلى الفقه في معرفته فكان أولى كالإمامة الكبرى و الحكم.
ثم تأوّلوا الخبر: بأنّ الصحابة كانوا إذا تعلّموا القرآن تعلّموا معه أحكامه.
قال ابن مسعود: كنّا لا نجاوز عشر آيات حتى نعرف أمرها و نهيها و أحكامها، فكان أقرؤهم لكتاب اللّه أفقههم(2).
و الاعتراض: اللفظ عام، فالعبرة به لا بخصوص السبب، و تتمّة الحديث تنافيه، و هو: قوله عليه السلام: (فإن استووا فأعلمهم بالسنّة).
إذا ثبت هذا فإنّ أحد القارئين يترجّح على الآخر بكثرة القرآن، فإن تساويا في قدر ما يحفظ كلّ منهما و كان أحدهما أجود قراءة و إعرابا، فهو أولى، لأنّه أقرأ، و إن كان أحدهما أكثر حفظا، و الآخر أجود قراءة، فهو أولى، و الوجه أن المراد من قوله عليه السلام: (أقرؤهم): أجودهم قراءة.
و لأنّ الفقه يحتاج إليه في الصلاة في جميع أفعالها للإتيان بواجباتها و سننها، و جبرها إن عرض ما يحوج إليه، و العلم بالسنّة أهمّ من السنّ، للاحتياج إليه في تدبير الصلاة، بخلاف السنّ.
و قال المرتضى: يقدّم الأسنّ ثم الأعلم بالسنّة(1) ، لما رواه مالك بن الحويرث و صاحبه قال: (يؤمّكما أكبركما)(2).
و من طريق الخاصة: قول الصادق عليه السلام: «إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، قال: يؤمّ القوم أقرؤهم للقرآن، فإن تساووا، فأقدمهم هجرة، فإن تساووا، فأسنّهم، فإن كانوا سواء فليؤمّهم أعلمهم بالسنّة»(3).
و لا حجّة في الأول، لإمكان علمه عليه السلام بتساويهما إلاّ في السنّ.
و الثاني يدلّ على الجواز، و نحن نقول به، و الخلاف في الأولويّة.
إذا ثبت هذا، فإن اجتمع فقيهان قارئان، و أحدهما أقرأ و الآخر أفقه، قدّم الأقرأ على الأول، للحديث، و الأفقه على الثاني، لتميّزه بما لا يستغنى عنه في الصلاة.
فإن اجتمع فقيهان أحدهما أعلم بأحكام الصلاة و الآخر أعرف بما سواها، فالأعلم بأحكام الصلاة أولى، لأنّ علمه يؤثّر في تكميل الصلاة، بخلاف الآخر.
و المراد به:
سبق الإسلام، أو من كان أسبق هجرة من دار الحرب إلى دار الإسلام، أو يكون من أولاد من تقدّمت هجرته، فيقدّم بذلك، سواء كانت الهجرة قبل الفتح أو بعده.
ص: 308
و قوله عليه السلام: (لا هجرة بعد الفتح)(1) أراد أنه لا تجب، لقوة الإسلام، و التمكّن من إظهار شعائره في بلد الشرك، لأنّ الهجرة قربة و طاعة، فقدّم السابق إليها، لسبقه إلى الطاعة.
و لقول الصادق عليه السلام: «إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، قال:
يؤمّ القوم أقرؤهم، فإن كانوا في القراءة سواء، فأقدمهم هجرة، فإن كانوا في الهجرة سواء فأكبرهم سنّا»(2).
و للشيخ قول: إنّه يقدّم بعد التساوي في الفقه: الأشرف، فإن تساويا في الشرف، قدّم الأقدم هجرة(3) - و به قال الشافعي في القديم(4) - لقوله عليه السلام: (الأئمّة من قريش)(5).
و المراد: الإمامة الكبرى، فلا تعتبر في الصغرى كالشجاعة.
لحديث الصادق عليه السلام(6).
و لأنّ الأسنّ أحقّ بالتوقير و الإعظام و التقدّم، فكان له مزية في استحقاق التقدّم في الإمامة.
ص: 309
و هذا قول أكثر العلماء، و هو قول الشافعي في القديم(1) ، لقوله عليه السلام: (فإن استووا في الهجرة، فأقدمهم سنّا)(2).
و قال في الجديد: إذا تساووا في الفقه و الشرف، قدّم الأسنّ، فإن تساووا، قدّم الأقدم هجرة(3) ، لقوله عليه السلام، لمالك بن الحويرث:
(إذا حضرت الصلاة فليؤذّن لكم أحدكم و ليؤمّكم أكبركم)(4).
و قد بيّنا أنّه حكاية حال.
مسألة 585: إذا تساووا في ذلك، قال الشيخان: يقدّم الأصبح وجها(5).
و رواه المرتضى رواية(6).
و نقله بعض الشافعية عن بعض المتقدّمين، ثم اختلف الشافعية في تفسيره، فقال بعضهم: أراد أحسنهم صورة، لأنّ ذلك فضيلة كالنسب.
و قال آخرون: إنّما أراد بذلك أحسنهم ذكرا بين الناس(7). و الأخير أحسن.
إذا ثبت هذا، فإن تساووا في ذلك كلّه، قدّم أشرفهم، أي: أعلاهم نسبا، و أفضلهم في نفسه، و أعلاهم قدرا، فإن استووا في هذه الخصال، قدّم أتقاهم و أورعهم، لأنه أشرف في الدين و أفضل و أقرب إلى الإجابة، لقول النبي صلّى اللّه عليه و آله: (من أمّ قوما و فيهم من هو أعلم منه لم يزل أمرهم
ص: 310
إلى السفال إلى يوم القيامة)(1).
و الأقوى عندي تقديم هذا على الأشرف، لأنّ شرف الدين خير من شرف الدنيا.
فإن استووا في ذلك كلّه، فالأقرب القرعة - و به قال أحمد(2) - لأنّ سعد ابن أبي وقاص أقرع بينهم في الأذان(3) ، فالإمامة أولى.
و لأنّهم تساووا في الاستحقاق، و تعذّر الجمع، فأقرع بينهم، كسائر الحقوق.
و هذا كلّه تقديم استحباب لا تقديم اشتراط و لا إيجاب، فلو قدّم المفضول جاز، و لا نعلم فيه خلافا.
من غيره و إن كان فيهم من هو أقرأ منه و أفقه، إذا كان ممّن يمكنه إمامتهم و تصح صلاتهم وراءه، و لا نعلم فيه خلافا بين العلماء، لقوله عليه السلام: (لا يؤمّن الرجل في بيته و لا في سلطانه، و لا يجلس على تكرمته إلاّ بإذنه)(4).
و المراد بالتكرمة: الفراش. و قيل: المائدة.
و من طريق الخاصة: قول الصادق عليه السلام: «لا يتقدّمنّ أحدكم الرجل في منزله و لا في سلطانه»(5).
ص: 311
و لو كان في البيت سلطان الحق أو نائبه، فهو أولى، لأنّه حاكم على صاحب البيت و غيره، و أمّ النبي صلّى اللّه عليه و آله عتبان(1) بن مالك و أنسا في بيوتهما(2).
لأنّه في معنى صاحب البيت و السلطان.
و لقوله عليه السلام: (من زار قوما فلا يؤمّهم)(3) و هو عام في المسجد كالمنزل.
و لأنّ تقديم غيره يورث وحشة.
و الوالي من قبل العادل أحقّ، لأنّه أولى من صاحب البيت مع أنّه مالك له، فمن إمام المسجد أولى.
و الولي و إن كان أحقّ من الوالي في الصلاة على الميّت فليس أولى هنا، لأنّ الصلاة على الميّت تستحقّ بالقرابة، و السلطان لا يشارك في ذلك، و هنا يستحقّ بضرب من الولاية على الدار و المسجد، و السلطان أقوى ولاية و أعم.
و لأنّ الصلاة على الميّت يقصد بها الدعاء و الشفقة و الحنوّ، و هو مختص بالقرابة.
فروع:
أ: لو أذن السلطان لغيره، جاز و كان أولى من غيره،
و كذا صاحب المنزل لو أذن لبعض الحاضرين.
ص: 312
ب: لو دخل السلطان بلدا فيه خليفة فهو أولى من خليفته،
لعموم ولايته.
ج: لو اجتمع العبد و سيّده في بيت العبد، فالسيد أولى،
لأنّه صاحب البيت. و لو اجتمع العبد و غير سيّده، فالعبد أولى.
د: لو اجتمع المالك و المستأجر في الدار المؤجرة، فالمستأجر أولى،
لأنّه أحقّ بالمنفعة و الاستيلاء.
ه: لو كان المستحقّ ممّن لا تصح الصلاة خلفه فقدّم غيره ممّن تصح الصلاة خلفه، فالأقرب: أنّه أولى.
و: كلّ موضع حضره الإمام الأعظم أو النائب من جهته، فهو أولى
بالصلاة من غيره، لأنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله، و الأئمّة ما حضروا موضعا إلاّ و أمّوا بالناس.
ز: لو اجتمع المكاتب و السيّد في دار المكاتب، فالمكاتب أولى،
لأنّ يد السيّد قاصرة عن أملاك المكاتب.
ح: لو اجتمع المستعير و المالك، فالأقرب: تقديم المالك،
لأنّ تسلّط المستعير ليس بتام من حيث إنّ للمالك أن يعزله متى شاء.
ط: لو حضر جماعة المسجد، استحب أن يراسل إمامه الراتب حتى يحضر أو يستنيب.
و لو كان الموضع بعيدا و خافوا فوت أول الوقت (و أمنوا الفتنة)(1) صلّوا جماعة.
ي: الخصال المكتسبة، كالعلم و القراءة و الورع أولى من غير المكتسبة
كالسنّ و حسن الوجه.
و الأورع أولى من الأعلم، لأنّ الإمامة سفارة بين اللّه تعالى و بين خلقه، و إنّما يقدّم للسفارة من له منزلة عند من ترفع الحاجة إليه، و المنزلة عند اللّهه.
ص: 313
تعالى للأتقياء، قال اللّه تعالى إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللّهِ أَتْقاكُمْ (1).
فإن احتاج إلى الصلاة خلفه، جاز أن يتابعه في الأفعال، لكن لا ينوي الاقتداء به، و يقرأ مع نفسه و إن كانت الصلاة جهرية، للضرورة، و تجزئه صلاته، و هو قول أحمد في إحدى الروايتين. و في الأخرى: يعيد(2).
و هو غلط، لأنّه أتى بأفعال الصلاة و شروطها على الكمال، فلا تفسد بموافقة غيره في الأفعال، كما لو لم يقصد الموافقة.
إجماعا، لأنّه ائتمّ بمن لا يصح الائتمام به.
و إن علمه في الأثناء، عدل إلى الانفراد واجبا، فإن لم يفعل و استمرّ، وجبت الإعادة.
و إن علم بعد الفراغ، صحّت صلاته عند أكثر علمائنا(3) - و به قال أبو ثور و المزني(4) - لأنّه فعل المأمور به، فيخرج عن العهدة.
و الثانية ظاهرة، و أما الأولى: فلأنّه مأمور بالصلاة خلف من يظنّ إسلامه، لا من يعلمه كذلك، لامتناع الاطّلاع على الباطن، فيكتفي بإصلاح الظاهر.
ص: 314
و لأنّ الصادق عليه السلام، سئل عن قوم خرجوا من خراسان أو بعض الجبال و كان يؤمّهم رجل، فلمّا صاروا إلى الكوفة علموا أنّه يهودي، قال:
«لا يعيدون»(1).
و قال المرتضى: تجب الإعادة(2) - و به قال الشافعي و أحمد و أصحاب الرأي(3) - لأنّه ائتمّ بمن ليس من أهل الصلاة، فلا تصح صلاته، كما لو أئتمّ بمجنون.
و ينتقض: بالمحدث، فإنه لو أئتمّ به، صحّت صلاته إجماعا.
إذا ثبت هذا، فلا فرق بين أن يكون الكفر ممّا يستسرّ به عادة، كالزندقة أو لا، و هو أحد وجهي الشافعي، و في الآخر: الفرق، فأوجب الإعادة فيما لا يخفى، كالتهوّد و التنصّر، دون ما يخفى، لمشقّة الوقوف عليه(4).
سواء كان في دار الحرب أو دار الإسلام، و سواء صلّى جماعة أو فرادى، و سواء صلّى في المسجد أو لا - و به قال الشافعي(5) - لأنّ الصلاة من فروع الإسلام، فلا يصير مسلما بفعلها، كالحج و الصوم و الاعتكاف.
و لقوله عليه السلام: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلاّ اللّه، فإذا قالوها، عصموا منّي دماءهم و أموالهم إلاّ بحقّها)(6).
ص: 315
و قال بعض الشافعية: إن صلّى في دار الإسلام، فليس بمسلم، لأنّه قد يقصد الاستتار بالصلاة و إخفاء دينه، و إن صلّى في دار الحرب، فهو مسلم، لأنّه لا تهمة في حقّه. و هو قول للشافعي(1) أيضا.
أمّا إذا أظهر التشهّد، فالوجه: أنّه إسلام، لأنّ الشهادة صريح في الإسلام، و به قال الشافعي، و له وجه آخر: أنّه لا يحكم بإسلامه، لاحتمال أن يكون ذلك على سبيل الحكاية(2). و ليس بصحيح.
و قال أبو حنيفة: إن صلّى إماما أو مأموما في أيّ موضع كان، فهو إسلام بحيث لو رجع بعد الصلاة و قال: لم أسلم، كان مرتدّا، سواء سمع منه التشهّد أو لا، و كذا إن صلّى منفردا في المسجد، و إن أذّن حيث يؤذّن المسلمون، كان إسلاما منه، و إن حجّ و طاف، كان إسلاما منه، و إن صلّى منفردا في غير المسجد، لم يكن إسلاما(3).
و قال مالك و أحمد: يحكم بإسلامه بالصلاة بكلّ حال، فإن أقام بعد ذلك على الإسلام، و إلاّ فهو مرتدّ، و إن مات قبل ظهور ما ينافي الإسلام، فهو مسلم يرثه ورثته المسلمون دون الكفّار، لأنّها عبادة يختص بها المسلمون، فإذا فعلها الكافر، كان إسلاما منه، كالشهادتين(4).
و الفرق: أنّ الشهادتين صريح في الإسلام.
و قال محمد بن الحسن: إذا صلى في المسجد منفردا أو في جماعة،2.
ص: 316
حكم بإسلامه، و إن صلّى منفردا في بيته، لم يحكم بإسلامه(1).
و البحث في ظهور فسق الإمام كالبحث في ظهور كفره، فقال المرتضى: يعيد(2) ، و به قال أحمد(3).
و قال الشيخ: لا يعيد إذا كان ظاهر العدالة، لأنّها صلاة مشروعة في ظاهر الحكم، فتكون مجزئة(4).
و لو علم بعض المأمومين فسقه دون بعض، صحّت صلاة الجاهل خاصة و إن كان مستور الحال، مقبول الشهادة عند الحاكم.
فروع:
أ: الكافر إذا أمّ المسلمين، عزّر،
لأنّه غشّهم.
ب: لو صلّى خلف من أسلم من الكفّار، فلمّا فرغ من صلاته قال:
لم أكن أسلمت، و إنّما تظاهرت بالإسلام، لم يلزمه قبول قوله،
لكفره، و لا إعادة عليه.
ج: إذا كان يعرف لرجل إسلام و ارتداد، فصلّى رجل خلفه و لم يعلم في أيّ الحالين صلّى خلفه، لم يعد،
لأنّ الشك بعد عمل الصلاة لا يؤثر فيها.
سواء علم بحدثه، أو لا، و تصح صلاة من خلفه إذا لم يعلم بحدثه - و به قال علي عليه السلام، و عمر، و عثمان، و عبد اللّه بن عمر، و عبد اللّه بن عباس، و من التابعين: الحسن البصري و النخعي و سعيد بن جبير، و به قال الشافعي
ص: 317
و الأوزاعي و الثوري و أحمد و أبو ثور(1) - لأنّ أبا بكرة قال: دخل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، في صلاة الفجر، فأومأ إليهم أن مكانكم، ثم ذهب و جاء و رأسه يقطر، فصلّى بهم(2).
و هو يدلّ على أنّهم أحرموا معه، لأنّه أومأ إليهم و لم يكلّمهم، لأنّ كلام المصلّي مكروه، و هذا و إن كان باطلا عندنا، لكنّه ذكر للإلزام.
و من طريق الخاصة: قول الباقر عليه السلام، و قد سأله محمد بن مسلم عن الرجل يؤمّ القوم و هو على غير طهر، فلا يعلم حتى تنقضي صلاته ؟ قال:
«يعيد و لا يعيد من خلفه و إن أعلمهم أنّه على غير طهر»(3).
و لأنّ المأموم لم يفرط بالائتمام به، فلم تبطل صلاته، كما لو سبق الإمام الحدث.
و قال الشعبي و ابن سيرين و حمّاد و أصحاب الرأي: تبطل صلاة المأمومين أيضا(4).
و قال مالك: إن كان الإمام غير عالم بحدث نفسه، صحّت صلاة المأمومين، و إن كان عالما، لم تصح(5).
و قال عطاء: إن كان حدثه جنابة، بطلت، و إن كان غير ذلك، أعادوا2.
ص: 318
في الوقت(1).
و احتجّوا: بأنّ المأموم اقتدى بمن لا صلاة له، فتبطل صلاته، كما لو كان الإمام كافرا أو امرأة.
و قال مالك: إذا علم الإمام بحدثه فصلّى فسق، و لا تصح الصلاة خلف الفاسق(2).
و الأصل ممنوع، فإنّا نحكم بصحة الصلاة مع الجهل.
و الفرق مع تسليم الأصل، لأنّه منسوب إلى التفريط بالائتمام بالمرأة و الكافر، إذ لا يجوز أن يكونا إمامين له بحال، و الجنب و المحدث يجوز أن يكونا إمامين بالتيمّم.
فينوون الانفراد، فإن تابعوه، بطلت صلاتهم.
فإن كان حدثه قبل إكمال ركعة قبل القراءة أو بعدها، فإن كان موضع طهارته قريبا، أومأ إليهم و مضى و توضّأ و عاد إلى الصلاة.
و هل ينوون الاقتداء؟ إشكال ينشأ: من جواز نقل نية الانفراد إلى الائتمام.
و قال الشافعي: ينوون الاقتداء(3) ، فانعقدت الصلاة في الابتداء جماعة بغير إمام ثم صارت جماعة بإمام.
و إن كان بعيدا، قال الشافعي في القديم: يصلّون لأنفسهم. فمن أصحابه من علّل: بأنّه قاله قبل أن يجوّز الاستخلاف، لأنّه في القديم لم يجوّز الاستخلاف. و منهم من علّل: بأنّهم يصلّون فرادى ليخرجوا من
ص: 319
الخلاف، فإنّ الناس اختلفوا في الصلاة بإمامين(1).
و إن كان قد صلّى ركعة أو أكثر، فإنّهم لا ينتظرونه عنده(2) ، لأنّه إذا عاد و صلّى، فإنّهم يفارقونه إذا أتمّوا صلاتهم، و إذا لم يكن قد قرأ، لم ينتظروه، و كانوا على فراقه.
تذنيب: لو أدرك الإمام راكعا، فدخل معه في الصلاة، فلمّا فرغ أخبره أنّه كان على غير وضوء، فالوجه: عدم القبول في بطلان صلاة المأموم.
و قال الشافعي: لا يعتدّ بتلك الركعة، لأنّها لم تصح من الإمام، فلا ينوب عنه في القراءة فيها، فيأتي بركعة أخرى(3). و ليس بجيّد.
استحبابا لا وجوبا، عند علمائنا أجمع - و به قال مالك و أبو حنيفة و الثوري و أحمد و إسحاق و أبو ثور و الشافعي في الجديد(4) - لأنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله، لم يمكّن أبا بكر من إتمام الإمامة في الصلاة، و خرج و هو مريض، فأتمّ هو الصلاة بالناس(5).
و قال الشافعي في القديم: لا يجوز(6).
و قد تقدم البحث في ذلك في باب الجمعة(7).
ص: 320
فروع:
أ: يكره أن يستنيب المسبوق،
لقول الصادق عليه السلام: «إذا أحدث الإمام و هو في الصلاة فلا ينبغي له أن يقدّم إلاّ من شهد الإقامة»(1).
و يجوز أن يستنيب المنفرد و السابق، فإن استنابه، جاز أن يستنيب ثانيا.
ب: لا فرق في جواز الاستخلاف بين أن يكون الإمام قد سبقه الحدث أو أحدث عمدا.
و قال أبو حنيفة: إن سبقه، جاز أن يستخلف، و إن تعمّد، لم يجز و أتمّوا منفردين(2). بناء على أصله من أنّ سبق الحدث لا يبطل الصلاة، فإذا بقي حكمها، بقي حكمها على الجماعة في جواز الاستخلاف.
ج: استخلاف الإمام ليس بشرط،
فلو تقدّم بعض المأمومين بنفسه و أتمّ الصلاة، جاز، و به قال الشافعي(3).
و قال أبو حنيفة: لا بدّ من الاستخلاف، فإن تقدّم بنفسه، لم يجز أن يصلّوا معه(4).
د: لو استخلف اثنين حتى يصلّي مع كلّ واحد منهما بعض الناس، جاز
في غير الجمعة.
و إن كان آخر صلاة الإمام، عند علمائنا أجمع - و به قال علي عليه السلام،
ص: 321
و عمر و أبو الدرداء و الشافعي و الأوزاعي و إسحاق، و اختاره ابن المنذر(1) - لقول علي عليه السلام: «يجعل ما أدرك مع الإمام من الصلاة أوّلها»(2).
و من طريق الخاصة: قول الباقر عليه السلام: «إذا أدرك الرجل بعض الصلاة جعل أول ما أدرك أول صلاته، إذا أدرك من الظهر أو العصر ركعتين، قرأ فيما أدرك مع الإمام مع نفسه أمّ الكتاب و سورة، فإن لم يدرك السورة تامّة، أجزأته أمّ الكتاب، فإذا سلّم الإمام فصلّى ركعتين لا يقرأ فيهما، لأنّ الصلاة إنّما يقرأ فيها في الأوّلتين»(3).
و لأنّها ركعة مفتتحة بالإحرام فكانت أول صلاته كالمنفرد.
و للإجماع على أنّه إذا أدرك ركعة في المغرب صلّى أخرى، و جلس للتشهّد، فدلّ على أنّها أول صلاته.
و قال الثوري: يكون آخر صلاته - و به قال أحمد و أصحاب الرأي، و هو المشهور عن مالك - لقوله عليه السلام: (ما أدركتم فصلّوا و ما فاتكم فاقضوا)(4)(5).4.
ص: 322
و المروي: (فأتمّوا)(1) على أنّ معناه: و ما أدركتموه فتابعوه فيه، و ما فاتكم فافعلوه، و حقيقة القضاء ما فعل بعد خروج وقته، و إنّما عبّر به عن الفعل.
فروع:
أ: إذا أدرك الأخيرتين من الرباعية، استحب له أن يقرأ - لما يأتي - لا واجبا، لأنّ القراءة تسقط عن المأموم و يقرأ الفاتحة في اخرييه لا غير، لأنّهما أخريان.
و الشافعي و إن وافقنا على أنّهما أخريان، إلاّ أنّه قال: يقرأ فيهما بالفاتحة و سورة(2).
و اختلف أصحابه في علّة ذلك، فقال بعضهم: إنّ السورة لم يقرأها في الأوليين، و لا أدرك قراءة الإمام بها، فاستحب له أن يأتي بها، لتحصل له فضيلتها.
و قال بعضهم: إنّما قال ذلك بناء على القول باستحباب السورة في جميع الركعات(3).
ب: يجب الإسرار في المأتي بها بعد مفارقة الإمام، لأنّهما أخريان، و هو أحد قولي الشافعي لكن لا وجوبا، و في الآخر: يجهر ليدرك ما فاته من الجهر(4).
ج: الأجود: أنّه يتخيّر في الأخيرتين بين القراءة و التسبيح و إن كان2.
ص: 323
الإمام قد سبّح في اخرييه، لأنّهما أخريان، فلا يسقط حكمهما من التخيير.
و يحتمل: وجوب القراءة إن سبّح الإمام، لئلاّ تفوت الصلاة من قراءة.
د: إذا أحدث الإمام في الأولى، فسواء استخلف من شرع معه في الصلاة أو لا، فإنّه جائز، لأنّه لا يختلف نظم الصلاة و إن كان في الثانية أو الثالثة، فإن استخلف مأموما موافقا، جاز إجماعا، و إن استخلف مسبوقا، جاز أيضا، و يتمّ صلاته على نظم صلاة نفسه.
و قال الشافعي: على نظم صلاة الإمام(1).
مثاله: إذا استخلفه في الثانية، فإذا صلّى ركعة، قام إلى ثانيته، و تشهّد المأمومون تشهّدا خفيفا و لحقوا به.
و قال الشافعي: يقعد للتشهّد و إن لم يكن موضع قعوده(2).
فإذا صلّى ثانية، قعد عندنا، و تشهّد، و تبعه المأمومون في القعود لا التشهّد.
و قال الشافعي: لا يقعد، لأنّها الثالثة من صلاة الإمام و إن كان الموضع موضع قعوده(3).
و إذا صلّى ثالثة، فقد تمّت صلاة القوم، فينهض إلى الرابعة، ثم إن شاء المأمومون المفارقة، نووا الانفراد و تشهّدوا و سلّموا، و إن شاءوا انتظروا الإمام حتى يتشهّد و يسلّم بهم.
و قال الشافعي: يتشهّد في ثالثته، و إذا علم أنّ القوم قد فرغوا من التشهّد، أشار إليهم بالسلام و يتمّ لنفسه(4).
و لو استخلف من لم يشرع معه في الصلاة، جاز عندنا، خلافا4.
ص: 324
للشافعي(1).
مسألة 595: يدرك المأموم الركعة بإدراكها من أوّلها إجماعا، و بإدراك تكبيرة الركوع أيضا، لأنّه أدرك معظم الركعة، و القراءة ليست ركنا.
و هل يدركها بإدراك الإمام راكعا؟ الوجه: ذلك، خلافا للشيخ(2) ، و قد مضى البحث في ذلك في باب الجمعة(3).
إذا ثبت هذا، فإنّه إذا أدركه راكعا، كبّر للافتتاح واجبا، و كبّر ثانيا للركوع مستحبا، لأنّه ركوع معتدّ به، و من انتقل إلى ركوع معتدّ به فمن سننه التكبير كالإمام و المنفرد.
و لو خاف رفع الإمام، كبّر للافتتاح خاصة، و نوى الوجوب، و ليس له أن ينوي الافتتاح و الركوع، لتضادّ الوجهين.
و لو كبّر و لم ينو التحريم و لا الركوع، احتمل قويّا البطلان، لعدم نيّة الافتتاح. و الصحة، لأنّ قرينة الافتتاح تصرفها إليه.
و يعارض بأنّ قرينة الهوىّ تصرفها إليه.
فروع:
أ: إذا اجتمع مع الإمام في الركوع، أدرك الركعة،
فإن رفع الإمام رأسه مع ركوع المأموم، فإن اجتمعا في قدر الإجزاء من الركوع، و هو: أن يكون رفع و لم يجاوز حدّ الركوع الجائز - و هو بلوغ يديه إلى ركبتيه - فأدركه المأموم في ذلك و ذكر بقدر الواجب، أجزأه، و إن أدرك دون ذلك، لم يجزئه.
ب: لو رفع الإمام رأسه من الركوع ثم ذكر أنه نسي التسبيح، لم يكن له الرجوع
إلى الركوع، فإن رجع جاهلا بالحكم فدخل مأموم معه، لم يكن مدركا للركعة، لأنّه ركوع باطل.7.
ص: 325
و قال بعض الشافعية: يجوز(1). و ليس بمعتمد.
ج: لو أدركه بعد رفعه من الركوع، استحبّ له أن يكبّر للهويّ إلى السجود، و يسجد معه السجدتين،
و لا يعتدّ بهما، بل إذا قام الإمام إلى اللاحقة، قام و نوى و كبّر للافتتاح، و إن شاء أن يتربّص حتى يقوم الإمام و يستفتح معه، جاز.
و إنّما لم يعتد بالسجدتين، لأنّ زيادتهما زيادة ركن، فتبطل الصلاة بها.
و لقول الصادق عليه السلام: «إذا سبقك الإمام بركعة فأدركت و قد رفع رأسه فاسجد معه و لا تعتدّ بها»(2).
و لو كان السجود للركعة الأخيرة، فعل ما قلناه، فإذا سلّم الإمام، قام فاستقبل صلاته بنيّة منفردة و تكبير متجدّد.
و لو أدركه بعد رفع رأسه من السجدة الأخيرة، جاز أن يكبّر و يجلس معه في تشهّده يتشهّد، و إن شاء سكت، فإذا سلّم الإمام، قام و بنى على تلك التكبيرة إن كان قد نوى للافتتاح، و ليس ذلك فعلا كثيرا مبطلا، لأنّه من أفعال الصلاة لتحصيل فضيلة الجماعة.
د: إذا لحقه بعد الركوع قبل السجود فقد قلنا: إنّه يكبّر للافتتاح ثم يكبّر للهويّ إلى السجود
- و هو أحد وجهي الشافعي(3) - لأنّه مأمور بالسجود متابعة للإمام، فسنّ له التكبير، كما لو كان السجود من صلب الصلاة.
و الثاني: لا يكبّر للسجود، لعدم الاعتداد به، و ليس متابعا للإمام، و التكبير كلا تكبير، بخلاف الركوع المعتدّ به، و الأول أصحّ عندهم(4).2.
ص: 326
أمّا لو أدركه في التشهّد، فإنّه يكبّر للافتتاح خاصة، لأنّ الجلوس عن القيام لم يشرع في الصلاة، فلا تكبير له، فإذا قام الإمام إلى الثالثة، لم يتابعه المأموم في التكبير - خلافا للشافعي - لأنّه قيام أول بالنسبة إليه.
و قال الشافعي: يكبّر متابعة لإمامه(1).
فإذا صلّى ركعتين مع الإمام ثم سلّم الإمام، قام إلى ثالثته مكبّرا إن قلنا باستحبابه في قيام الثالثة، لأنّه يقوم إلى ابتداء ركعة، و به قال الشافعي(2).
و لو أدرك الإمام في التشهّد الأخير، كبّر و جلس بغير تكبير، فإذا سلّم الإمام، قام بغير تكبير، لأنه قد كبّر في ابتداء هذه الركعة.
و هل يتشهّد مع الإمام ؟ يحتمل ذلك، لأنّه إذا جاز أن يقعد في غير موضع قعوده متابعة للإمام، جاز أن يتبعه في التشهّد، و ليس واجبا عليه، لأنّ المتابعة تجب في الأفعال لا في الأذكار. و يحتمل العدم، لأنّه ليس بموضع للتشهّد. و كلاهما للشافعي(3).
ه: لو أدركه في التشهّد الأول و قعد معه ثم قام الإمام، تابعه المأموم و لا يقرأ دعاء الاستفتاح.
و لو كبّر المأموم و قصد أن يقعد فقام الإمام قبل أن يقعد المأموم، دعا للاستفتاح.
و الفرق: أنّه وجد منه في الأول الاشتغال بعد الافتتاح بفعل وجب عليه الإتيان به، فلم يبق حكم الاستفتاح، و هنا لم يشتغل بفعل، فيؤمر بدعائه.
و: الأقرب: أنّه لا تحصل فضيلة الجماعة فيما إذا أدركه بعد رفعه من الركوع الأخير.
و يحتمل الإدراك، لقول محمد بن مسلم: قلت له: متى يكون يدرك1.
ص: 327
الصلاة مع الإمام ؟ قال: «إذا أدرك الإمام و هو في السجدة الأخيرة من صلاته فهو مدرك لفضل الصلاة مع الإمام»(1). و هي مرسلة.
ليلتحق به الداخل، لأنّ غرضه يحصل من إدراك الركوع معه، فلو زاد في القراءة، لم يكره، لأنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، روي عنه أنّه قال: (إنّي أحيانا أكون في الصلاة فأفتتح السورة أريد أن أتمّها فأسمع بكاء صبي فأتجوّز في صلاتي مخافة أن تفتتن أمّه)(2) فإذا جاز الاختصار رعاية لحقّ الطفل، جازت الزيادة رعاية لحقّ اللاحق.
و لو ظنّ أنّه يفوته الركوع، فالوجه: استحباب زيادة القراءة.
و لو أحسّ بداخل و قد فرغ من القراءة و هو يريد الركوع، فلا يطوّل قيامه، لحصول غرضه بإدراك الركوع.
و لو أحسّ به و قد رفع من الركوع، أو كان في السجود أو التشهّد الأول، لم ينتظر إجماعا، إذ لا غرض فيه، لأنّ الذي أدرك من الأفعال لا اعتداد به.
و إن أحسّ بداخل و هو في الركوع، استحبّ له أن يطيل ركوعه ليلتحق به - و به قال الشعبي و النخعي و أحمد و إسحاق و أبو ثور و الشافعي في أحد القولين(3) - لأنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله، صلّى بطائفة صلاة الخوف ركعة، و انتظرها حتى أتمّت و مضت، و جاءت الأخرى(4).
و من طريق الخاصة: رواية جابر عن الباقر عليه السلام، و قد سأله إنّي
ص: 328
أؤمّ قوما فأركع و يدخل الناس و أنا راكع فكم أنتظر؟ فقال الباقر عليه السلام:
«ما أعجب ما تسأل عنه يا جابر!! انتظر مثلي ركوعك، فإن انقطعوا و إلاّ فارفع رأسك»(1).
و لأنّه فعل يقصد به التقرّب إلى اللّه تعالى بتحصيل قربة لمسلم.
و قال الشافعي في الآخر: يكره الانتظار - و به قال مالك و داود و أصحاب الرأي، و اختاره ابن المنذر و المزني - لأنّه يفعل جزءا من الصلاة لأجل آدمي و قد أمر اللّه تعالى بأن يصلّى خالصا له تعالى(2).
و نمنع عدم الإخلاص، لأنّه تقرّب إليه تعالى بتحصيل القربة للداخل و إن قصد به لحوق آدمي الصلاة، فإنّ اللّه تعالى أمر بمنافع الآدميين.
و قال بعض الشافعية: إن كان يعرف الداخل، لا ينتظره، لأنّه لا يخلو من نوع مراءاة، و إن كان لا يعرفه، لم يكره(3).
فروع:
أ: إنّما ينتظر إذا كان قريبا
و كان لا يطوّل الأمر على المأمومين، فأمّا إذا كان بعيدا و كان في الانتظار تطويل، لم ينتظر.
ب: لو أحسّ بداخل و هو في التشهّد الأخير، فالوجه: الانتظار،
لأنّ في إدراك التشهد غرضا صحيحا.
ج: لو انتظر، لم تبطل صلاته عندنا،
لأنّه مستحب، و كذا عند الشافعي على أحد القولين، و على الآخر: وجهان(4).
جاز
ص: 329
أن يكبّر و يركع، و يمشي راكعا حتى يلتحق بالصف قبل رفع رأس الإمام أو يأتي آخر فيقف معه، تحصيلا لفضيلة الجماعة.
و المشي في الركوع لإدراك الصف غير مبطل، و فعل ذلك ابن مسعود و زيد بن وهب و عروة و أبو بكر بن عبد الرحمن و سعيد بن جبير، و جوّزه الزهري و الأوزاعي و مالك و الشافعي و أحمد(1).
و من طريق الخاصة: قول أحدهما عليهما السلام، في الرجل يدخل المسجد فيخاف أن يفوته الركوع، قال: «يركع قبل أن يبلغ القوم، و يمشي و هو راكع حتى يبلغهم»(2).
فروع:
أ: لو كان بعيدا من الصف، فإن كان يصح أن يأتمّ و هو في مكانه، وقف وحده
لئلاّ يفعل فعلا كثيرا، فإن مشى، احتمل الجواز، لأنّه من أفعال الصلاة. و المنع، لكثرته، و لا تبطل صلاته لو وقف وحده، لما بيّنّا من جوازه.
و إن كان لا يصح أن يأتمّ فيه لبعده، فالوجه: أنّه لا يعتدّ بذلك الركوع، و يصبر حتى يلتحق بالإمام في الثانية.
و إن كان لا يصح للحائل، لم يجز له أن يشرع حتى يخرج عن الحائل.
ب: لو ركع دون الصف و مشى فسجد الإمام قبل التحاقه، سجد على حاله و قام و التحق بالصف،
فإن ركع الإمام ثانيا، ركع و مشى في ركوعه، و صحّت صلاته.
و كرهه الشافعي و أبو حنيفة و مالك، لما فيه من الانفراد بصف في ركعة تامّة(3).5.
ص: 330
و قال أحمد: تبطل صلاته(1).
و ليس بشيء، لقول الصادق عليه السلام: «إذا خفت أن يركع قبل أن تصل إليه، فكبّر و أركع، فإن رفع رأسه فاسجد مكانك، فإذا قام، فالحق بالصف، و إن جلس فاجلس مكانك، فإذا قام، فالحق بالصف» [1].
ج: لو رفع رأسه من الركوع ثم دخل الصف، أو جاء آخر فوقف معه قبل إتمام الركعة، صحّت صلاته
عندنا، و كرهه مالك و الشافعي و أصحاب الرأي(2) ، و لا تبطل صلاته، لأنّ أبا بكرة جاء و رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله راكع، فركع دون الصف ثم مشى إلى الصف، فلمّا قضى النبي صلّى اللّه عليه و آله الصلاة، قال: (أيّكم الذي ركع دون الصف ثم مشى إلى الصف ؟) فقال أبو بكرة: أنا، فقال النبي صلّى اللّه عليه و آله: (زادك اللّه حرصا و لا تعد)(3) و لم يأمره بالإعادة.
و قال أحمد: إن كان جاهلا بتحريم ذلك، صحّت صلاته، و إن علم، لم تصح، لأنّ قوله عليه السلام لأبي بكرة: (لا تعد) يدلّ على الفساد(4).
و هو بناء على تحريم الانفراد بصف، و قد بيّنّا جوازه، و قوله عليه السلام: (لا تعد) المراد به إلى التأخّر.
ص: 331
مع الجماعة، تحصيلا لفضيلة الجماعة أيّة صلاة كانت - و به قال علي عليه السلام، و أنس و حذيفة و سعيد بن المسيّب و سعيد بن جبير و الزهري و الشافعي(1) - لأنّ يزيد بن الأسود العامري قال: شهدت مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، حجّته فصلّيت معه صلاة الفجر في مسجد الخيف و أنا غلام شاب، فلمّا قضى صلاته إذا هو برجلين في آخر القوم لم يصلّيا معه، فقال:
(عليّ بهما) فاتى بهما ترعد فرائصهما، فقال: (ما منعكما أن تصلّيا معنا؟) فقالا: يا رسول اللّه كنّا قد صلّينا في رحالنا، فقال: (لا تفعلا، إذا صلّيتما في رحالكما ثم أتيتما مسجد جماعة فصلّيا معهم فإنّهما لكما نافلة)(2).
و أطلق و لم يفرّق.
و قال أحمد كذلك، إلاّ أنه قال: لا يصلّي العصر و الصبح إلاّ مع إمام الحيّ دون غيره(3).
و قال مالك: إن كان قد صلّى وحده، أعادها جماعة إلاّ المغرب، و إن صلاّها جماعة، لم يعدها(4).
و قال الأوزاعي: يصلّي ما عدا المغرب و الصبح(5).
و قال أبو حنيفة: لا يعيد إلاّ صلاتين: الظهر و العشاء(6).2.
ص: 332
و احتجّوا: بقوله عليه السلام: (لا تصلّى صلاة في اليوم مرّتين)(1).
و قال: (لا صلاة بعد الفجر حتى تطلع الشمس، و لا بعد العصر حتى تغرب الشمس)(2) و المغرب وتر لا يتنفل بها(3).
و الخبر لا حجّة فيه، لأنّه لا يصلّيهما على أنّهما واجبتان. و النهي بعد العصر محمول على ما لا سبب له. و نمنع انتفاء التنفل بالوتر.
و قال بعض الشافعية: يضيف إليها رابعة، و رووه عن حذيفة بن اليمان(4). و ليس بشيء.
فروع:
أ: هل يستحب لمن صلّى جماعة إعادة صلاته في جماعة أخرى ؟
قال الشافعي: نعم(5) و عموم قول الصادق عليه السلام، في الرجل يصلّي الفريضة ثم يجد قوما يصلّون جماعة، أ يجوز أن يعيد الصلاة معهم ؟ قال: «نعم و هو أفضل»(6).
و يحتمل العدم، لأنّ المطلوب حصل أوّلا، و هو: إدراك فضيلة الجماعة، و إنّما سوّغنا الإعادة، استدراكا لمصلحة الجماعة، و هو إنّما يتحقّق في المنفرد.
ب: لو صلّى في جماعة ثم حضر واحد و أراد الصلاة، استحبّ له أن يصلّي معه جماعة
إماما أو مأموما، تحصيلا لفضيلة الجماعة للحاضر.
ج: هل يستحب التكرار ثلاثا فما زاد؟
إشكال، أقربه: المنع.
د: الوجه: أنّ الفرض هو الاولى،
و الثانية سنّة - و به قال أبو حنيفة و أحمد5.
ص: 333
و الشافعي في الجديد(1) - لقوله عليه السلام: (فتكون لكم نافلة)(2).
و قول الصادق عليه السلام، لمّا حكم باستحباب الإعادة، قلت: فإن لم يفعل ؟ قال: «ليس به بأس»(3).
و لأنّ الأولى قد سقط بها الفرض، و لهذا لم يجب أن يصلّي ثانيا. و لأنّه صلّى المأمور به على وجهه، فيخرج عن العهدة.
و قال في القديم: يحتسب اللّه له بأيّهما شاء، لأنّه استحبّ إعادة الفريضة ليكملها بالجماعة، فلو كانت الثانية نافلة، لم تستحبّ لها الجماعة(4).
و ليس بجيّد، فإنّ الجماعة(5) استحبت، لأنّ الجماعة سببها.
و في رواية عن الصادق عليه السلام، في الرجل يصلّي الصلاة وحده ثم يجد جماعة، قال: «يصلّي معهم و يجعلها الفريضة»(6).
و هي محمولة على ما إذا دخل في الصلاة ثم حضرت الجماعة، فإنّه يعدل بنيته إلى النفل، ثم يجعل الثانية هي الفريضة.
ه: إذا جعلنا الثانية نفلا، فالأقرب: أنّه ينوي النفل،
لأنّ الفعل يقع نفلا فكيف نأمره بنيّة الفرض!؟ و هو أحد قولي الشافعيّة، و أصحهما عندهم:
أنّه ينوي الفرض، لأنّ القصد إدراك فضيلة الجماعة، و لا تشرع الجماعة في6.
ص: 334
النوافل(1).
و ليس بجيّد، لأنّهم سلّموا أنّها نفل.
و يعلّمه الجماعة و حضورها، ليعتادها، لأنّ هذا السنّ يحصل فيه التمييز من الصبي في العبادة، و إذا بلغ عشر سنين، ضرب عليها - و إن كانت غير واجبة - لاشتماله على اللطف، و هو: الاعتياد و التمرّن.
قال صلّى اللّه عليه و آله: (مروا أولادكم بالصلاة و هم أبناء سبع، و اضربوهم عليها و هم أبناء عشر، و فرّقوا بينهم في المضاجع)(2).
و كذا يفعل ولي الصبي و وصيّه.
و قال الصادق عليه السلام: «مروا أولادكم بالصلاة و هم أبناء سبع، و اضربوهم عليها و هم أبناء عشر، فإنّا نأمر أولادنا بالصلاة و هم أبناء خمس، و نضربهم عليها و هم أبناء سبع»(3).
و عن النبي صلّى اللّه عليه و آله: (إذا بلغ الصبي سبع سنين أمر بالصلاة، فإذا بلغ عشرا، ضرب عليها، فإذا بلغ ثلاث عشرة سنة، فرّقوا بينهم في المضاجع، فإذا بلغ ثمانية عشر، علّم القرآن، فإذا بلغ إحدى و عشرين، انتهى طوله، فإذا بلغ ثمانية و عشرين، كمل عقله، فإذا بلغ ثلاثين، بلغ أشدّه، فإذا بلغ أربعين، عوفي من البلوى الثلاث: الجذام و الجنون و البرص، فإذا بلغ الخمسين، حبّبت إليه الإنابة، فإذا بلغ الستّين، غفرت ذنوبه، فإذا بلغ السبعين، عرفه أهل السماء، فإذا بلغ الثمانين، كتبت الحسنات و لم تكتب السيّئات، فإذا بلغ التسعين، كتب: أسير اللّه في
ص: 335
أرضه، فإذا بلغ المائة، شفع في سبعين من أهل بيته و جيرانه و معارفه)(1).
إذا ثبت هذا، فإنّ الصلاة لا تجب عليه إلاّ مع البلوغ، و به قال الشافعي، و أحمد في رواية(2) ، لقوله عليه السلام: (رفع القلم عن ثلاثة..
عن الصبي حتى يبلغ الحلم)(3).
و في رواية عن أحمد: إذا بلغ عشر سنين، وجبت عليه الصلاة، لأنّه أمر بضربهم عليها، و الأمر بالضرب لمصلحة الاعتياد، كما يضرب للتأديب(4).
إن خشي الفوات، تحصيلا لفضيلة الجماعة، سواء خاف فوت النافلة، أو لا، و لو لم يخف الفوات، أتمّ النافلة ثم دخل في الفريضة.
و لو كان في فريضة، استحب له أن ينقل النية إلى النفل، و يتمّها اثنتين استحبابا، ثم يدخل معه في الصلاة، عند علمائنا - و هو أحد قولي الشافعي(5) - للحاجة إلى فضل الجماعة.
و لما رواه سماعة قال: سألته عن رجل كان يصلّي فخرج الإمام و قد صلّى ركعة من فريضة، قال: «إن كان إماما عدلا فليصلّ اخرى و لينصرف و ليجعلهما تطوّعا، و يدخل مع الإمام في صلاته»(6).
ص: 336
و في الآخر للشافعي: إذا نقل نيّته من الفرض إلى النفل، بطل الفرض، و لم يحصل له النفل، لأنّه لم ينوه في جميع الصلاة(1).
و ليس بجيد، لأنّ نيّة النفل دخلت في نيّة الفرض فقد وجدت في جميع الصلاة.
فروع:
أ: لو كان الإمام ممّن لا يقتدى به، استمرّ على حاله،
لأنّه ليس بمؤتمّ في الحقيقة.
و لقول الصادق عليه السلام: «و إن لم يكن إمام عدل، فليبن على صلاته كما هو، و يصلّي ركعة أخرى معه يجلس قدر ما يقول أشهد أن لا إله إلاّ اللّه وحده لا شريك له، و أشهد أن محمدا عبده و رسوله، ثم يتمّ صلاته معه على ما استطاع، فإنّ التقية واسعة، و ليس شيء من التقية إلاّ و صاحبها مأجور عليها إن شاء اللّه تعالى»(2).
ب: لو كان في فريضة و أحرم إمام الأصل، قطعها و استأنف الصلاة معه،
لما فيه من المزية المقتضية للاهتمام بمتابعته.
ج: لو تجاوز في الفريضة الاثنتين ثم أحرم الإمام، فإن كان إمام الأصل، قطعها،
لما تقدّم، و إلاّ فالأقرب: الإتمام ثم الدخول معه معيدا لها نافلة، إذ مفهوم الأحاديث يدلّ على أنّ العدول إلى النفل في الركعتين.
د: لو ابتدأ بالنافلة فأحرم الإمام بالفرض، قال الشيخ رحمه اللّه: إن علم أنّه لا يفوته الفرض معه، تمّم نافلته،
و إن علم فوات الجماعة، قطعها7.
ص: 337
و دخل في الفريضة(1).
و هذا يحتمل وجهين: أحدهما، و هو الأظهر في اللفظ: أنّه لو علم فوات الجماعة حتى في الركعة الأخيرة، قطعها، و إن علم عدم الفوات بأن يلحق ركوع الأخيرة مثلا، أتمّ النافلة.
و الثاني: أنّه إذا خاف فوات ركعة ما، قطع النافلة، محافظة للجماعة فيها، و لئلاّ يصير مسبوقا، فيخالف الإمام في بعض أفعاله.
قال الشيخ: و إن أحرم الإمام بالفريضة قبل أن يحرم المأموم بالنافلة فإنّه يتبعه بكلّ حال، و يصلّي النافلة بعد الفريضة، سواء كان مع الإمام في المسجد أو خارجا منه، و به قال الشافعي.
و قال أبو حنيفة: و إن كان في المسجد فكقولنا، و إن كان خارجا منه:
فإن خاف فوت الثانية، دخل معه كما قلناه، و إن لم يخف فواتها، تمّم ركعتين نافلة ثم دخل المسجد فصلّى معه(2).
ه: لو ابتدأ بقضاء الظهر و شرع الإمام في صلاة الصبح،
و خاف إن تمّم ركعتين نافلة، فاتته الصلاة مع الإمام، فإن كان إمام الأصل، أبطل صلاته، و إلاّ فالوجه: إتمام القضاء و تفويت الجماعة، لأنّ استدراكها بنقل النية من الفرض إلى النفل، و لا يحصل الاستدراك بذلك هنا، فيبقى وجوب الإتمام سالما عن المعارض.
و يكمّل أفعالها مثل ركوعها و سجودها و قيامها، لأنّ أنسا قال: ما صلّيت خلف أحد قطّ أخفّ و لا أتمّ صلاة من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله(3).
ص: 338
و قال عليه السلام: (من صلّى بالناس فليخفّف فإنّ فيهم السقيم و الضعيف، و إذا صلّى لنفسه فليطل ما شاء)(1).
و لو أحبّ المأمومون خلفه التطويل، جاز و كان أولى، لقوله عليه السلام: (أفضل الصلاة ما طال قنوتها)(2).
سواء كانت الصلاة جهرية أو إخفاتية، و سواء سمع قراءة الإمام أو لا، و لا تستحب في الجهرية مع السماع، عند علمائنا أجمع - و به قال علي عليه السلام، و سعيد بن المسيب و عروة و أبو سلمة بن عبد الرحمن و سعيد بن جبير و محمد بن كعب الزهري و النخعي و الثوري و ابن عيينة و مالك و ابن المبارك و إسحاق و أحمد و أصحاب الرأي، و كثير من السلف(3) - لقوله تعالى وَ إِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَ أَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (4) نزلت في شأن الصلاة(5).
قال زيد بن أسلم و أبو العالية: كانوا يقرءون خلف الإمام فنزلت وَ إِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَ أَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (6).
و قال عليه السلام: (إنّما جعل الإمام ليؤتمّ به، فإذا كبّر فكبّروا و إذا قرأ
ص: 339
فأنصتوا)(1).
و من طريق الخاصة: قول الصادق عليه السلام: «إذا كنت خلف إمام تتولاّه و تثق به فإنّه تجزئك قراءته، و إن أحببت أن تقرأ فاقرأ فيما يخافت فيه، فإذا جهر فأنصت، قال اللّه تعالى وَ أَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ »(2).
قال أحمد: ما سمعنا أحدا من أهل الإسلام يقول: إنّ الإمام إذا جهر بالقراءة لا تجزئ صلاة من خلفه إذا لم يقرأ، هذا النبي صلّى اللّه عليه و آله، و الصحابة و التابعون، و هذا مالك في أهل الحجاز، و هذا الثوري في أهل العراق، و هذا الأوزاعي في أهل الشام، و هذا الليث في أهل مصر ما قالوا لرجل صلّى خلف إمام قرأ إمامه و لم يقرأ هو: إنّ صلاته باطلة(3).
و لأنّها قراءة لا تجب على المسبوق، فلا تجب على غيره.
و للشافعي قولان: أحدهما: أن المأموم كالمنفرد فيما يسرّ به، و لا يقرأ فيما يجهر به.
و أصحّهما عنده: أنّ المأموم يقرأ فيما أسرّ و جهر - و به قال الليث و الأوزاعي و أبو ثور، و اختاره ابن المنذر - لأنّ عبادة بن الصامت قال: صلّى بنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، الصبح فثقلت عليه القراءة، فلمّا انصرف قال: (إنّي لأراكم تقرءون وراء إمامكم) قلنا: أجل، قال: (لا تفعلوا إلاّ بأمّ القرآن فإنّه لا صلاة لمن لم يقرأ بها)(4).
و لأنّه يلزمه قيام القراءة، فلزمته القراءة كالمنفرد(5).2.
ص: 340
و الحديث محمول على غير المأموم، فإنّ المأموم في حكم القارئ.
و يبطل القياس بالمسبوق.
فروع:
أ: قال الشيخان: لا يجوز أن يقرأ المأموم في الجهرية إذا سمع قراءة الإمام
و لو همهمة(1) ، لقول الصادق عليه السلام: «من رضيت به فلا تقرأ خلفه»(2).
و قال عليه السلام: «و إن كنت تسمع الهمهمة فلا تقرأ»(3).
و النهي للتحريم، و يحتمل الكراهة.
ب: لو لم يسمع القراءة في الجهريّة و لا همهمة، فالأفضل القراءة،
لا واجبا، لقول الصادق عليه السلام: «إذا كنت خلف من ترضى به في صلاة يجهر بها فلم تسمع قراءته فاقرأ، فإن كنت تسمع الهمهمة فلا تقرأ»(4).
و عن الكاظم عليه السلام، في الرجل يصلّي خلف من يقتدى به يجهر بالقراءة، فلا يسمع القراءة، قال: «لا بأس إن صمت و إن قرأ»(5).
و هو يدلّ على نفي وجوب القراءة.
و قال أبو حنيفة و الثوري و سفيان بن عيينة: لا يقرأ المأموم بحال(6).
و قال مالك و أحمد و إسحاق و داود: لا يقرأ فيما جهر فيه، و يقرأ فيما أسرّ3.
ص: 341
فيه استحبابا(1) ، لقوله عليه السلام: (من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة)(2).
و نحن نقول بموجبه.
ج: الأصمّ إن كان بعيدا، قرأ استحبابا في الجهريّة،
لعدم السماع في حقّه، و إن كان قريبا، قرأ مع نفسه، لئلاّ يشغل غيره عن السماع.
د: كما أنّ المأموم لا يقرأ كذا لا يستفتح و لا يستعيذ،
لأنّ الاستعاذة شرّعت لأجل القراءة، فإذا سقط الأصل سقط التبع، و إذا سقطت القراءة المؤكّدة لئلاّ يشتغل عن الاستماع، فالاستفتاح أولى.
و لو سكت الإمام قدرا يتّسع للاستفتاح أو استفتح، فالوجه: أنّه يستفتح و لا يستعيذ، لإمكان الاستفتاح مع زوال المانع.
ه: لو كانت الصلاة سرّا، قال الشيخ رحمه اللّه: تستحب قراءة الحمد خاصة
(3) . و به قال عبد اللّه بن عمر، و مجاهد و الحسن و الشعبي و سعيد ابن المسيّب و سعيد بن جبير و عروة و أبو سلمة بن عبد الرحمن و الحكم و أحمد(4).
و قال علي عليه السلام، و ابن عباس و ابن مسعود و أبو سعيد و زيد بن ثابت و عقبة بن عامر و جابر و ابن عمر، و حذيفة - هؤلاء التسعة من الصحابة -: لا يقرأ في الجهرية و لا في الإسرار، و به قال ابن سيرين و الثوري و ابن عيينة و أصحاب الرأي(5) ، لعموم قوله عليه السلام: (من كان له إمام فقراءة الإمام له3.
ص: 342
قراءة)(1).
و من طريق الخاصة: قول الصادق عليه السلام: «إذا كان مأمونا على القراءة فلا تقرأ خلفه في الأوّلتين»(2).
احتجّ الشيخ: بقول الصادق عليه السلام: «أمّا الذي يجهر فيها فإنّما أمرنا بالجهر لينصت من خلفه، فإن سمعت فأنصت، و إن لم تسمع فاقرأ»(3).
و هو يعطي استحباب القراءة في الإخفاتيّة.
و: لا تستحب القراءة في سكتات الإمام،
لقول الصادق عليه السلام:
«لا ينبغي له أن يقرأ، يكله إلى الإمام» و قد سئل: أ يقرأ الرجل في الاولى و العصر خلف الإمام و هو لا يعلم أنّه يقرأ؟(4).
و قال أكثر الجمهور إلاّ الثوري و أصحاب الرأي: للإمام سكتتان يستحب أن يقرأ فيهما(5). و النهي عام.
إذا ثبت هذا، فلو قرأ بعض الفاتحة فقرأ الإمام، سكت هو، ثم قرأ بقية الفاتحة في السكتة الأخرى، و هو لا يجيء على قولنا.
ز: لو لم يقرأ مطلقا، صحّت صلاته عند علمائنا
- و هو قول أكثر أهل العلم، و به قال الزهري و النخعي و الثوري و مالك و أحمد و أصحاب الرأي(6) - لقوله عليه السلام: (من كان له إمام فقراءته له قراءة)(7).3.
ص: 343
و قال الشافعي و داود: تجب القراءة(1) ، لعموم الأخبار. و أخبارنا أخص.
ح: لا يشرع للمأموم الإجهار في شيء من الصلوات إجماعا،
فإن قضى الصلاة في جماعة، فإن كانت صلاة الظهرين، أسرّ، سواء قضاها ليلا أو نهارا إجماعا.
و إن كانت صلاة ليل فقضاها ليلا جهر، و إن قضاها نهارا فكذلك - و هو قول أبي حنيفة و أبي ثور و ابن المنذر(2) - لأنّ القضاء كالأداء. و هو رواية عن أحمد. و عنه اخرى: جواز الإسرار - و هو مذهب الأوزاعي و الشافعي - لأنّها صلاة نهار(3). و هو ممنوع.
ط: لو كان الإمام ممّن لا يقتدى به، وجب أن يقرأ المأموم و لو سرّا
مع نفسه في الجهريّة، للضرورة.
و قال الصادق عليه السلام: «تجزئك إذا كنت معهم من القراءة مثل حديث النفس»(4).
فإن لم يتمكّن من قراءة السورة، فالأقوى الاجتزاء بالفاتحة. و لو عجز عن إكمال الفاتحة، فالوجه: إعادة الصلاة.
لقوله عليه السلام: (إنّما جعل الإمام إماما ليؤتمّ به)(5).
و روي عنه عليه السلام: (أما يخشى اللّه الذي يرفع رأسه و الإمام ساجد
ص: 344
أن يحوّل اللّه رأسه رأس حمار)(1).
و لأنّه تابع له، فلا يسبقه. و به قال الشافعي(2).
إذا عرفت هذا، فلو رفع رأسه من ركوع أو سجود قبل الإمام ناسيا، عاد معه، و إن كان عامدا أو خلف من لا يقتدى به، استمر، لأنّ النسيان يسقط معه اعتبار الزيادة.
و لأنّ أبا الحسن عليه السلام، سئل عمّن ركع مع إمام يقتدى به، ثم رفع رأسه قبل الإمام، قال: «يعيد ركوعه»(3).
و عن الصادق عليه السلام، في الرجل يرفع رأسه من السجود قبل أن يرفع الإمام رأسه من السجود، قال: «فليسجد»(4).
و لا تعدّ هذه زيادة في الحقيقة، لأنّ فعل المأموم تابع لفعل الإمام و هو واحد، فكذا فعل المأموم.
و هل العود واجب ؟ الأقرب: المنع.
أمّا مع العمد: فإنّه يجب عليه الصبر، و لا يجوز له الرجوع، و إلاّ زاد ركنا، و لا عذر هنا.
و لقول الصادق عليه السلام، في الرجل يرفع رأسه من الركوع قبل الإمام أ يعود يركع إذا أبطأ الإمام ؟ قال: «لا»(5).
و كذا لو كان الإمام ممّن لا يقتدى به، لأنّه كالمنفرد، فيقع ركوعه و سجوده في محلّه، فلا يسوغ له العود في العمد و النسيان.
و قال الشافعي: إن ركع قبل إمامه، رجع إلى القيام حتى يركع مع4.
ص: 345
إمامه، فإن ثبت حتى يركع الإمام، أجزأه، فإن رفع قبل إمامه، عاد إلى الركوع معه، فإن ثبت قائما حتى رفع إمامه و اعتدل، جاز، لأنّه خالفه في ركن واحد، و إن سجد قبل أن يرفع إمامه، فقد خالفه بركنين، فإن كان عالما، بطلت صلاته، و إن كان جاهلا بأنّ هذا لا يجوز، لم تبطل، و لم يعتدّ بهذه الركعة(1).
تذنيب: أطلق الأصحاب الاستمرار مع العمد.
و الوجه: التفصيل، و هو: أنّ المأموم إن سبق إلى ركوع بعد فراغ الإمام من القراءة، استمرّ، و إن كان قبل فراغه و لم يقرأ المأموم، أو قرأ و منعناه منها، أو قلنا: إنّ المندوب لا يجزئ عن الواجب، بطلت صلاته، و إلاّ فلا.
و إن كان إلى رفع أو سجود أو قيام عن تشهّد، فإن كان بعد فعل ما يجب عليه من الذكر، استمرّ و إن لم يفرغ إمامه منه، و إن كان قبله، بطلت و إن كان قد فرغ إمامه.
تحصيلا لفضيلة الذكر، و لئلاّ يقف صامتا.
و لقول الصادق عليه السلام، لمّا سأله زرارة: أكون مع الإمام فأفرغ من القراءة قبله، قال: «أمسك آية، و مجّد اللّه تعالى و أثن عليه، فإذا فرغ فاقرأ الآية و اركع»(2).
إذا عرفت هذا، فإنّه يستحب أن يمسك عن قراءة الآية الأخيرة من السورة إلى أن يفرغ الإمام ثم يتمّ القراءة ليركع عن قراءة. و لدلالة الحديث عليه.
و الظاهر أنّ هذا فيما يخافت الإمام فيه لا فيما يجهر فيه بالقراءة، لأنّ
ص: 346
الإنصات هناك أفضل من القراءة، أو أن يكون الإمام ممّن لا يقتدى به.
لقول الصادق عليه السلام: «ينبغي للإمام أن يسمع من خلفه كلّ ما يقول، و لا ينبغي لمن خلفه أن يسمعه شيئا ممّا يقول»(1).
و يستحب للإمام أن لا يبرح من مكانه حتى يتمّ المسبوق ما فاته، لأنّ إسماعيل بن عبد الخالق سمعه يقول: «لا ينبغي للإمام أن يقوم إذا صلّى حتى يقضي كلّ من خلفه ما فاته من الصلاة»(2).
و يكره التنفّل بعد الإقامة، لأنّه وقت القيام إلى الفريضة، فلا يشغله بغيرها.
و هل يصحّ معه ؟ إشكال ينشأ: من تحقّق المتابعة معه أو لا. أمّا لو كبّر قبله، فإنّه لا يصحّ قطعا، و لا بأس بالمساوقة في غير التكبير من الأفعال.
و لو ركع الإمام و لم يركع المأموم حتى رفع الإمام رأسه، لم تبطل صلاته و إن تأخّر عنه بركن كامل، بخلاف التقدّم، للنهي عن التقدّم، و لو تأخّر عنه بركنين، ففي الإبطال نظر.
إذا عرفت هذا، فإنّ المأموم يكون مدركا لتكبيرة الإحرام بشهود تكبيرة الإمام و الاشتغال عقيبها بعقد الصلاة، و هو أحد وجوه الشافعيّة، و لهم ثان:
بإدراك الركوع الأول، و ثالث: بإدراك شيء من القيام الأوّل، و رابع: إن اشتغل بأمر دنياوي، لم يكن بإدراك الركوع مدركا لها، و إن اشتغل بطهارة و شبهها، أدركها بإدراك الركوع(3).
ص: 347
ص: 348
و فيه مطالب:
لقوله تعالى وَ إِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ (1) و قصّر النبي صلّى اللّه عليه و آله، في أسفاره حاجّا و غازيا(2).
و لا خلاف بين المسلمين فيه، حتى لو جحد جاحد جواز القصر في السفر، كفر.
أمّا الصلاة ففي الفرائض: الصلوات الرباعية التي هي الظهر و العصر و العشاء خاصّة.
و في النوافل: نوافل الظهرين، و الوتيرة مع الأداء في السفر، و لا قصر في غير ذلك إجماعا.
و القصر في الرباعية بحذف الشطر الأخير، فيقتصر على الأوّلتين منها،
ص: 349
و لا يجوز النقصان عن ذلك إجماعا.
و حكي عن عبد اللّه بن عباس أنّه قال: في سفر الأمن يقصّر إلى ركعتين و في سفر الخوف يقصّر إلى ركعة(1).
و ليس بجيّد، لأنّ غالب أسفار رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كان مع الخوف و لم ينقص عن الركعتين.
و لا مدخل للمغرب و الصبح في القصر إجماعا.
و لأنّه لم ينقل عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، القصر فيهما.
و لأنّ الصبح شفع في الأصل، فلو قصّر، صار وترا. و المغرب وتر في الأصل، و لا يمكن تنصيفه و لا ردّه إلى ركعتين، لئلاّ يخرج عن أصالته و هي كونه وترا، و لا إلى ركعة، لأدائه إلى ترك الأكثر.
و تحقيقه: أنّه إذا ترك رباعية في الحضر ثم ذكرها في الحضر، قضاها تماما إجماعا، سواء تخلّل السفر بين الوقتين أو لا، لانتفاء العذر وقت استقرارها.
و إن ذكرها في السفر، فكذلك بغير خلاف نعلمه، إلاّ شيئا اختلف فيه عن الحسن البصري، فروى الأشعث عنه: اعتبار حال الفعل. و روى يونس عنه: اعتبار حال الترك(2).
و عن المزني: أنّه يقصّر، لأنّه لو ترك صلاة و هو صحيح ثم قضاها مريضا، فإنّه يأتي على حسب حاله(3).
ص: 350
و هو خطأ، فإنّ الأفعال تترك بالعجز، و العدد يترك للترخّص.
و لأنّه لو أخّر، أدّى إلى التغرير بالفريضة، و الإتمام ممكن في الحال، و هذه قد تعيّن فعلها عليه أربعا، فلا يجوز النقصان، كما لو لم يسافر أو كانت نذرا.
و لأنّ التقصير منه، فلا يناسب الرخصة.
و إن تركها في السفر ثم ذكرها في السفر، فإنه يصلّيها قصرا إجماعا منّا - و هو أحد قولي الشافعي(1) - لوجود العذر حال الوجوب و الفعل، فأشبه ما لو فعلها في الوقت، و سواء تخلّل بين هذين السفرين حضر، أو لا.
و في الآخر للشافعي: التمام، لأنّ صلاة السفر مقصورة من أربع إلى ركعتين، فكان من شرطها الوقت، كالجمعة(2).
و الفرق: أنّ الجمعة لا تقضى، و يشترط لها الخطبتان و العدد و الاستيطان، فجاز اشتراط الوقت، بخلاف صورة النزاع.
و إن ذكرها في الحضر، وجب أن يقضيها قصرا فيه، عند علمائنا أجمع - و به قال مالك و أبو حنيفة و الثوري و الحسن البصري و حماد(3) - لأنّ القضاء معتبر بالأداء، و إنّما يقضي ما فاته و لم يفته إلاّ الركعتان، و قال عليه السلام: (من فاتته صلاة فريضة فليقضها كما فاتته)(4).
و قال الشافعي في القديم: يجوز القصر. و في الجديد: يجب التمام4.
ص: 351
- و به قال الأوزاعي و أحمد و إسحاق و أبو ثور و المزني و داود - لأنّ القصر رخصة من رخص السفر، فيسقط بزواله، كما لو قدم قبل أن يفطر(1). و سيأتي أنّ القصر عزيمة(2).
- و هو القديم للشافعي، و رواية عن أحمد(3). قال المزني: و هو أولى بأصل الشافعي(4) - لقول الصادق عليه السلام، لبشير النبّال و قد خرج معه حتى أتيا الشجرة: «يا نبّال» قلت: لبيك، قال: «إنّه لم يجب على أحد من أهل هذا العسكر أن يصلّى أربعا غيري و غيرك، و ذلك أنّه دخل وقت الصلاة قبل أن نخرج»(5).
و لأنّ الأربع وجبت عليه، و استقرّت في ذمته، لما بيّنّا من أنّ الفعل واجب في جميع أجزاء الوقت، و لهذا لو أدركت هذا الوقت ثم حاضت لم يسقط عنها الفرض، و كذا المغمى عليه.
و قال الشيخ رحمه اللّه: يجوز له القصر، و يستحب الإتمام، لقوله تعالى وَ إِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ (6)(7). و به قال مالك و الأوزاعي
ص: 352
و الشافعي و أصحاب الرأي(1).
قال ابن المنذر: أجمع كلّ من نحفظ عنه من أهل العلم أنّ له قصرها، لأنّه سافر قبل خروج وقتها، أشبه ما لو سافر قبل وجوبها(2).
و لأنّه مؤدّ للصلاة، فوجب أن يؤدّيها بحكم وقت فعلها، كما لو كان في أول الوقت.
و لقول الصادق عليه السلام و قد سأله إسماعيل بن جابر، قلت: يدخل وقت الصلاة و أنا في أهلي أريد السفر فلا أصلّي حتى أخرج، قال: «صلّ و قصّر فإن لم تفعل فقد و اللّه خالفت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله»(3).
قال الشيخ: و إذا اختلفت الأخبار حملنا هذه(4) على الاستحباب، و الاولى(5) على الإجزاء(6).
و الجواب: الفرق ظاهر، فإنّ المسافر قبل الوقت لم يجب عليه شيء، و الأداء لما ثبت في الذمة و قد ثبت الأربع بمضيّ وقتها، فلا اعتبار بالمتجدّد من العذر المسقط للبعض، كالمسقط للجميع. و الرواية محمولة على ما لو خرج قبل مضي الوقت.
و جمع الشيخ ليس بجيّد، لدلالة الأولى على وجوب الإتمام و هذه على وجوب القصر، فليس وجه الجمع إلاّ ما قلناه.
و للشافعيّة وجه آخر: الفرق بين أن يسافر و قد بقي في الوقت سعة،2.
ص: 353
و بين أن يبقى قدر أربع، لأنّه إذا تضيّق الوقت، تعيّن عليه صلاة الحضر(1).
فروع:
أ: لو دخل الوقت و هو مسافر ثم حضر قبل أن يصلّي و الوقت باق، وجب عليه الإتمام
- و هو قول واحد للشافعي(2) - لانتفاء سبب الرخصة.
و لقول الصادق عليه السلام، لإسماعيل بن جابر و قد سأله يدخل عليّ وقت الصلاة و أنا في السفر فلا أصلّي حتى أدخل أهلي: «صلّ و أتمّ»(3).
و قال الشيخ: إن بقي مقدار ما يصلّي على التمام، أتمّ، و إلاّ قصّر.
و كذا قال في الأولى أيضا في المبسوط و النهاية(4).
ب: لو سافر و قد بقي من الوقت مقدار ركعة أو ركعتين، قال الشيخ:
فيه خلاف بين أصحابنا،
فمن قال: إنّ الصلاة تكون أداء بإدراك ركعة - و هو الأظهر - أوجب القصر، لإدراك الوقت مسافرا. و منهم من يقول: إنّ بعضها أداء و الباقي قضاء، فلا يجوز له القصر، لأنّه غير مؤدّ لجميع الصلاة في الوقت(5).
و للشافعية كالقولين(6).
و على ما اخترناه نحن يجب الإتمام.
ج: لو سافر و قد بقي من الوقت أقلّ من ركعة، وجب عليه القضاء تماما
إجماعا، لفواتها حاضرا.
ص: 354
قضاها تماما على ما اخترناه من وجوب الإتمام في الموضعين، لأنّ القضاء تابع للأداء.
و من قال: الاعتبار بحال الوجوب فكذلك في الاولى، و يوجب القصر في الثانية. و هو قول المرتضى و ابن الجنيد(1).
و قال بعض علمائنا: الاعتبار في القضاء بحال الفوات لا الوجوب(2).
احتج المرتضى بقول الباقر عليه السلام و قد سأله زرارة في رجل دخل عليه وقت الصلاة في السفر فأخّر الصلاة حتى قدم فنسي حين قدم أهله أن يصلّيها حتى ذهب وقتها: «يصلّيها ركعتين صلاة المسافر لأنّ الوقت دخل و هو مسافر، كان ينبغي أن يصلّيها عند ذلك»(3).
احتج الآخرون بقوله عليه السلام: (من فاتته صلاة فليقضها كما فاتته)(4).
و قول الباقر عليه السلام: «يقضي ما فاته كما فاته إن كانت صلاة السفر أدّاها في الحضر مثلها، و إن كانت صلاة الحضر فليقض في السفر صلاة الحضر»(5).
و لا حجّة فيه، لأنّ الفوات تمام، فيجب عليه الأربع.
أجمع، فلو أتمّ عامدا، بطلت صلاته، و به قال علي عليه السلام، و عمر، و حمّاد بن أبي سليمان و الثوري و أصحاب الرأي، إلاّ أن حمّاد أوجب
ص: 355
الإعادة(1).
و أبو حنيفة قال: إن كان جلس بعد الركعتين قدر التشهّد، صحّت صلاته، و إلاّ بطلت(2).
و قال عمر بن عبد العزيز: الصلاة في السفر ركعتان حتم لا يصلح غيرهما(3).
و عن ابن عباس قال: من صلّى في السفر أربعا فهو كمن صلّي في الحضر ركعتين(4).
لقوله تعالى فَعِدَّةٌ مِنْ أَيّامٍ أُخَرَ (5) أوجب القصر(6) بنفس السفر، و كلّ من أوجب الفطر أوجب قصر الصلاة.
و لأنّ عمران بن الحصين قال: حججت مع النبي صلّى اللّه عليه و آله، فكان يصلّي ركعتين حتى ذهب، و كذا مع أبي بكر و عمر حتى ذهبا(7). و لو كان القصر رخصة، لم يعدل النبي عليه السلام عن الأصل إليه.
و عن عائشة: فرضت الصلاة ركعتين ركعتين، فأقرّت صلاة السفر، و زيد في صلاة الحضر(8).6.
ص: 356
و من طريق الخاصة: قول الصادق عليه السلام: «الصلاة في السفر ركعتان ليس قبلهما و لا بعدهما شيء إلاّ المغرب ثلاث»(1).
و قول الباقر عليه السلام، و الصادق عليه السلام: «الصلاة في السفر ركعتان ليس قبلهما و لا بعدهما شيء»(2).
و سأل الحلبي، الصادق عليه السلام: صلّيت الظهر أربع ركعات و أنا في السفر، قال: «أعد»(3).
و لأنّ الأخريين يجوز تركهما إلى غير بدل، فلم تجز زيادتهما على الركعتين المفروضتين، كما لو زادهما على صلاة الفجر.
و قال الأوزاعي و الشافعي و أبو ثور و أحمد، و المشهور عن مالك: إنّ القصر رخصة و ليس عزيمة، و هو مخيّر إن شاء قصّر، و إن شاء أتمّ - و هو مروي عن عثمان و ابن مسعود و سعد بن أبي وقّاص و عائشة - لأنّ عائشة قالت:
خرجت مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، في عمرة رمضان، فأفطر و صمت، و قصّر و أتممت، فقلت: بأبي أنت و أمّي يا رسول اللّه أفطرت و صمت، و قصّرت و أتممت، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: (أحسنت)(4).
و لأنّه لو صلّى خلف مقيم صلّى أربعا، فالركعتان لا تزيد بالإتمام(5).
و لا حجّة في فعل عائشة، لجواز جهلها بالقصر، و لأنّها لو أحسنت بالتمام، لم يكن النبي صلّى اللّه عليه و آله محسنا بالقصر؟! و هو باطل1.
ص: 357
بالإجماع. و النقض لا يرد علينا.
إذا عرفت هذا، فاختلف القائلون بالتخيير أيّهما أفضل ؟ فللشافعي قولان: أحدهما: أنّ القصر أفضل - و به قال مالك و أحمد - لقول رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: (خيار عباد اللّه تعالى الذين إذا سافروا قصّروا).
و لأنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله كان يداوم على القصر، و لا يداوم إلاّ على الأفضل.
و لأنّه إذا قصّر، أدّى الصلاة بالإجماع، و في إجزاء التمام خلاف(1).
و الثاني: الإتمام أفضل - و هو اختيار المزني - لأنّه الأصل، و القصر رخصة، و الأصل أولى. و لأنّه أكثر عملا(2).
أجمع، فلو ائتمّ بمقيم، صلّى فرضه ركعتين و سلّم، و حرم عليه الإتمام، سواء كان قد أدرك أول الصلاة أو آخرها.
و قال طاوس و الشعبي و إسحاق بن راهويه: يجوز له أن يقصّر، و لا يجب عليه الإتمام(3).
لأنّ فرضه القصر، فلا تجوز الزيادة، كما لو صلّى الصبح خلف من يصلّي الظهر.
و لأنّه مأموم، فلا يتغيّر عدد فرضه بمجرّد الإمامة، كما لو أئتمّ المقيم بالمسافر.
ص: 358
و لقول الصادق عليه السلام، في المسافر: «يصلّي خلف المقيم ركعتين و يمضي حيث شاء»(1).
و سئل عليه السلام، عن المسافر إذا دخل في الصلاة مع المقيمين قال: «فليصلّ صلاته ثم يسلّم، و ليجعل الأخيرتين سبحة»(2).
و قال الثوري و الأوزاعي و الشافعي و أبو ثور و أصحاب الرأي: يجب على المأموم الائتمام متابعة لإمامه، و هو مروي عن عمر، و ابن عباس، لأنّ ابن عباس سئل ما بال المسافر يصلّي ركعتين في حال الانفراد و أربعا إذا ائتمّ بمقيم ؟ فقال: تلك السنّة.
و لأنّها صلاة مردودة من الأربع، فلا يصلّيها خلف من يصلّي الأربع كالجمعة(3).
و قول ابن عباس و عمر ليس حجّة.
و نمنع المشترك بأنّ صلاة السفر فرض بانفرادها، و بالفرق، فإنّ الإمام شرط في الجمعة، فيجب أن يكون من أهلها.
و قال الحسن و النخعي و الزهري و قتادة و مالك: إن أدرك ركعة أتمّ، و إن أدرك دونها قصّر، لقوله عليه السلام: (من أدرك من الصلاة ركعة فقد أدرك الصلاة)(4).
و لأنّ من أدرك من الجمعة ركعة أتمّها جمعة، و من أدرك أقلّ من ذلك،2.
ص: 359
لم يلزمه فرضها(1).
و ليس حجّة علينا.
لأنّهم لم يأتمّوا بمقيم. و إن استخلف مقيما فكذلك عندنا، و عند المخالف يجب الإتمام، لأنّهم ائتمّوا بمقيم، و للإمام الذي أحدث أن يصلّي صلاة المسافر، لأنّه لم يأتمّ بمقيم(2).
و لو صلّى المسافر خلف مقيم فأحدث و استخلف مسافرا أو مقيما، لزمه القصر عندنا.
و قال المخالف: يجب الإتمام، لأنّه ائتمّ بمقيم(3).
فإن استخلف مسافرا لم يكن معهم في الصلاة، فله أن يصلّي صلاة السفر عند المخالف أيضا، لأنّه لم يأتمّ بمقيم(4).
و عند الجمهور يلزمه الإتمام و إن قصّر إمامه، لأنّ الأصل وجوب الصلاة تامّة، فليس له نيّة قصرها مع الشك في وجوب إتمامها، و يلزمه إتمامها، اعتبارا بالنية، و به قال الشافعي(5).
ص: 360
و هو باطل عندنا على ما يأتي.
و إن غلب على ظنّه أنّ الإمام مسافر لرؤية حلية المسافرين عليه، فله أن ينوي القصر عند المخالف(1) أيضا. و إن قصّر إمامه قصّر معه، و إن أتمّ قصّر هو.
و قال الجمهور: تلزمه متابعته(2).
و إذا نوى الإتمام، لزمه الإتمام عند الجمهور - و سيأتي البحث فيه - سواء قصّر إمامه أو أتمّ، اعتبارا بالنية(3).
و إن نوى القصر فأحدث إمامه قبل علمه بحاله فله القصر، لأنّ الظاهر أنّ إمامه مسافر.
عندنا، و عند الجمهور الإتمام، لوجود الائتمام بمقيم(4). و إن كان بعد مفارقة الاولى، أتمّت الثانية عندهم، لاختصاصها بالائتمام بالمقيم(5) و إن كان الإمام مقيما فاستخلف مسافرا ممّن كان معه في الصلاة، فعلى الجميع القصر عندنا، و عند الجمهور يتمّ الجميع، لأنّ المستخلف قد لزمه الإتمام باقتدائه بالمقيم(6). و إن لم يكن دخل معه في الصلاة و كان استخلافه قبل مفارقة الاولى، فعليها الإتمام عندهم، لائتمامها بمقيم، و يقصّر الإمام و الطائفة الثانية(7).
و إن استخلف بعد دخول الثانية معه فعلى الجميع التقصير عندنا، و عند
ص: 361
الجمهور التمام، و للمستخلف القصر وحده، لأنّه لم يأتمّ بمقيم(1).
و يستحب للإمام أن يقول بعد تسليمه: أتمّوا فأنا مسافر، كما قال عليه السلام بمكة عام الفتح(2) ، لئلاّ يشتبه على الجاهل عدد الركعات.
للزيادة، و صلاة المأمومين، للمتابعة في صلاة باطلة.
و قال الشافعي و إسحاق و أحمد: تصح صلاة الجميع، لأنّ المسافر يلزمه الإتمام بنيته(3).
و هو ممنوع.
و قال أبو حنيفة و الثوري: تفسد صلاة المقيمين، و تصح صلاة الإمام و المسافرين معه، لأنّ الركعتين الأخيرتين نفل من الإمام، فلا يؤمّ بها مفترضين(4).
و المقدّمتان ممنوعتان.
عندنا، و إلاّ صحّت صلاتهم.
و قال الجمهور: تصح مطلقا، و لا يجب لها سجود سهو، لأنّها زيادة لا يبطل الصلاة عمدها، فلا يجب السجود لسهوها، كزيادات القراءة في الركوع و السجود(5).
و لو ذكر الإمام بعد قيامه إلى الثالثة، جلس واجبا، و حرم عليه الإتمام.
ص: 362
و عند الجمهور لا يلزمه الإتمام، لأنّ الموجب له نيته، أو الائتمام بمقيم، و لم يوجد واحد منهما(1).
و لو علم المأموم أنّ قيامه لسهو، لم يلزمه متابعته، و سبّح به، و له مفارقته إن لم يرجع، فإن تابعه، بطلت صلاته عندنا، و عندهم لا تبطل، لأنّها زيادة لا تبطل صلاة الإمام فلا تبطل صلاة المأموم. و لأنّه لو فارق و أتمّ، صحّت صلاته، فمع موافقته أولى(2). و هو ممنوع.
و لو لم يعلم هل قام سهوا أو عمدا، لم يجز له متابعته، لأنّها باطلة عندنا.
و قال الجمهور: تجب، لأنّ حكم وجوب المتابعة ثابت، فلا يزول بالشك(3).
عندنا، لوجوب الجمعة عليه بالحضور.
و قال الشافعي: يجب عليه الإتمام، لأنّه مؤتمّ بمقيم(4).
و وجبت عليه الجمعة عندنا، لما تقدّم.
و قال الشافعي: يجب عليه الإتمام، لأنّ الإمام و إن كان مسافرا، إلاّ أنّه يصلّي صلاة المقيم. و عنه وجه آخر: أنّه يقصّر(5).
لأنّها زيادة في الفريضة.
ص: 363
و عند أبي حنيفة لا يلزمه الإتمام، لأنّ وجوبه بسبب الاقتداء(1).
و قال الشافعي: لا يجوز القصر، لأنّه التزم الأربع باقتدائه، فلا يسقط الفرض بدونها، و كذا لو أفسد الإمام صلاته(2).
و لو اقتدى بمقيم ثم تبيّن أنّ الإمام كان محدثا أو جنبا، لم يلزمه الإتمام.
و عند الشافعية إن كانت الصلاة خلف الجنب صلاة انفراد لم يلزمه الإتمام، و إن كانت صلاة جماعة، لزمه، هذا إذا نوى القصر، فإن لم ينو، لزمه الإتمام عندهم(3).
و وجب عليه القصر عندنا، و عند الشافعية يجب الإتمام بنيّته، قصّر الإمام أو لا. و إن نوى القصر، فإن قصّر الإمام قصّر، و إن أتمّ أتمّ، للمتابعة عندهم(4).
و وجب عليه القصر عندنا.
و للشافعية وجهان: وجوب الإتمام، لأنّ النية لا تقع موقوفة في الصلاة كما لو كان عليه ظهر أو عصر، فنوى ما عليه لم تصحّ، إلاّ أنّ هناك لم تنعقد، لمخالفة إحدى الفريضتين للأخرى، و ها هنا كلتاهما فرض الوقت، و القصر رخصة.
و الإجزاء، لأنّ صلاته لا تقع على حسب نيته إذا نوى القصر، و إنّما تقع على حسب صلاة الإمام، و لا طريق إلى معرفتها، فجاز التعليق(5).
ص: 364
في القصر و الإتمام، و إن لم يخبرهم، قال الشافعي: يجب الإتمام، لجواز نيته، فلا يسقط الفرض إلاّ بيقين(1).
و قال ابن سريج: لا يجب، لأنّ الظاهر أنّه قصد القصر لوجوبه عند قوم، و أفضليته عند آخرين، و لا تترك الفضيلة(2).
و هذا عندنا ساقط، لما تقدّم من عدم تغيّر الفرض.
و قال الشافعي: يجب الإتمام، لأنّ الأصل في الناس الإقامة، و السفر عارض، فيحمل على الأصل(3).
لزمه، و لم يجز له الإتمام و إن نواه عندنا.
و قال الشافعي: يجب الإتمام و إن نوى القصر، لأنّه وصل صلاته بصلاة المقيمين، فلزمه حكمهم، فإن كان قاضي الصبح مسافرا، لم يلزمه الإتمام(4).
و هو واجب على ما بيّنّاه، إلاّ في أربعة مواطن: مسجد مكّة و مسجد النبي صلّى اللّه عليه و آله بالمدينة، و جامع الكوفة، و الحائر على ساكنه السلام، عند أكثر علمائنا(5) ، فإنّهم قالوا: الإتمام في هذه المواضع أفضل و إن جاز القصر، لقول الصادق عليه السلام: «تتمّ الصلاة في المسجد الحرام و مسجد الرسول
ص: 365
و مسجد الكوفة و حرم الحسين عليه السلام»(1).
و قال الصدوق: يجب القصر ما لم ينو المقام عشرة أيام(2) ، عملا بالأصل، و حمل الروايات على أفضلية نية المقام عشرة أيام، و المقام للتمام، لأنّ معاوية بن وهب سأل الصادق عليه السلام، عن التقصير في الحرمين و التمام، فقال: «لا تتمّ حتى تجمع على مقام عشرة أيام»(3).
و قد روي عن الصادق عليه السلام: «الإتمام في أربعة مواطن: حرم اللّه تعالى، و حرم رسوله، و حرم أمير المؤمنين، و حرم الحسين عليهم السلام»(4).
قال الشيخ: فعلى هذه الرواية يجوز الإتمام بالكوفة خارج المسجد بالنجف(5).
و قال بعض علمائنا: يحمل حرم أمير المؤمنين عليه السلام على مسجد الكوفة أخذا بالمتيقّن(6).
و في نفس مسجد المدينة، عملا بالمتيقّن(7).
و قال الشيخ: يستحب الإتمام في مكّة و المدينة جميعها، لدلالة الرواية
ص: 366
عليه(1).
ب: قال المرتضى: يستحب الإتمام في السفر عند قبر كلّ إمام من أئمّة الهدى عليهم السلام(2).
و منعه ابن إدريس، للأصل(3) ، و هو الأقرب.
دون سور البلد، لأنّ الحائر هو الموضع المطمئن الذي يحار الماء فيه.
و قد ذكر المفيد في الإرشاد في مقتل الحسين عليه السلام، لمّا ذكر من قتل معه من أهله، فقال: و الحائر محيط بهم إلاّ العباس رحمه اللّه، فإنّه قتل على المسناة(4).
- سواء صلاّها فيها أو في غيرها، لفوات محلّ الفضيلة و هو الأداء، و وجوب القصر إن قضاها في غيرها، لفوات المكان الذي هو محلّ المزيّة، و التخيير إن قضاها فيها، لأنّ القضاء تابع للأداء، و التخيير مطلقا بين الإتمام و القصر، لأنّ الأداء كذلك.
فإنّ ذلك جبران لصلاته على ما روي(5).
و لأنّ هذه تقع بدلا عن الركعات في شدّة الخوف.
و يحتمل: تقييد ذلك عقيب الصلاة المقصورة، لأنّها محلّ النقص،
ص: 367
كما قيّدناه نحن في القواعد(1) ، لقول العسكري عليه السلام: «يجب على المسافر أن يقول في دبر كلّ صلاة يقصّر فيها: سبحان اللّه و الحمد للّه و لا إله إلاّ اللّه و اللّه أكبر، ثلاثين مرّة لتمام الصلاة»(2).
و يحمل الوجوب على شدّة الاستحباب.
و لو في السفر، لحصول السبب، و هو: الوقت، و عموم الأمر بقضاء الفائت و إن كان ندبا.
و هي خمسة: قصد المسافة، و الضرب في الأرض، و استمرار القصد، و عدم زيادة السفر على الحضر، و إباحته.
فهنا مسائل تنظمها خمسه مباحث.
لإجماع الصحابة على التقدير و إن اختلفوا في القدر.
و لما رواه الجمهور عن النبي صلّى اللّه عليه و آله، أنّه قال: (يا أهل مكة لا تقصروا في أدنى من أربعة برد من مكّة إلى عسفان)(3).
و من طريق الخاصة: قول الصادق عليه السلام: «التقصير في الصلاة بريد في بريد أربعة و عشرون ميلا»(4).
ص: 368
و لأنّه رخصة للمشقّة، و لا مشقّة مع القلّة.
و قال داود: يقصّر في قليل السفر و كثيره، لقوله تعالى وَ إِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ (1)(2) و لم يفصّل.
و الإجماع و الأحاديث أخصّ.
إلاّ في رواية لنا أنّه يثبت في أربعة فراسخ(3).
و المعتمد: الأول.
و لا خلاف عندنا في وجوب التقصير في الثمانية، لأنّ سماعة سأله عن المسافر في كم يقصّر الصلاة ؟ فقال: «في مسيرة يوم، و ذلك بريدان و هما ثمانية فراسخ»(4).
و سأل أبو أيّوب، الصادق عليه السلام عن التقصير، قال: «في بريدين أو بياض يوم»(5).
و سأل علي بن يقطين، الكاظم عليه السلام، عن الرجل يخرج في سفره و هو مسيرة يوم، قال: «يجب عليه التقصير إذا كان مسيرة يوم و إن كان يدور في عمله»(6)
ص: 369
و في رواية عن الباقر عليه السلام، قال: «التقصير في بريد، و البريد أربعة فراسخ»(1).
و هي محمولة على إرادة الرجوع ليومه، لأنّه حينئذ قد شغل يومه بالسفر، فحصلت المشقّة المبيحة للقصر، و كذا غيرها من الروايات.
و للشافعي أقوال:
أحدها: إباحة التقصير في ستة و أربعين ميلا بالهاشمي، و هو: مسير ليلتين قاصدا بين سير النقل(2) و دبيب الأقدام(3).
الثاني: ثمانية و أربعون ميلا بالهاشمي - و به قال عبد اللّه بن عباس و ابن عمر، و مالك و الليث و أحمد و إسحاق و أبو ثور - لقوله عليه السلام: (يا أهل مكّة لا تقصّروا في أدنى من أربعة برد من مكّة إلى عسفان)(4)(5).
و هو معارض بما روي عنه عليه السلام من التقصير في مسير يوم(6).
و لأنّ القصر لو لم يثبت لمسير يوم، لما يثبت مع ما زاد، لزوال مشقّته براحة الليل.
و قد روي عن الرضا عليه السلام: «إنّما وجب التقصير في ثمانية فراسخ لا أقلّ من ذلك و لا أكثر، لأنّ ثمانية فراسخ مسير يوم للعامّة(7) و القوافل و الأثقال، فوجب التقصير في مسير يوم» قال: «و لو لم يجب في مسير يوم لما».
ص: 370
وجب في مسير ألف سنة، لأنّ كل يوم بعد هذا اليوم فإنّما هو نظير هذا اليوم»(1).
الثالث: مسير يوم و ليلة(2).
الرابع في القديم: يقصّر فيما جاوز أربعين ميلا(3).
و قال أبو حنيفة و الثوري و الحسن بن صالح بن حي: لا يقصّر إلاّ في ثلاث مراحل: أربعة و عشرين فرسخا - و به قال النخعي و سعيد بن جبير و عبد اللّه بن مسعود و سويد بن غفلة - لأنّ النبي عليه السلام، قال: (يمسح المسافر ثلاثة أيام و لياليهن)(4) و هو يقتضي أن يكون كلّ مسافر له ذلك(5).
و لا حجّة فيه عندنا، للمنع من المسح على الخفّين مطلقا و لأنّه يمكنه قطع سفره في ثلاثة أيام إذا كان مرحلتين و يمسح فيها، فالخبر لبيان مدّة المسح لا حدّ السفر.
و قال الأوزاعي: يقصّر في مسيرة يوم. و هو مروي عن أنس(6).
و حكي عن الزهري أنّه قال: مسيرة يوم تام ثلاثين ميلا(7).
و الميل: أربعة آلاف ذراع، لأنّ المسافة تعتبر بمسير اليوم للإبل السير العام، و هو يناسب ما قلناه. و كذا الوضع اللغوي، و هو: قدر مدّ البصر من
ص: 371
الأرض. و في بعض الروايات: «ثلاثة آلاف ذراع و خمسمائة»(1).
و قال بعض الشافعية: اثنا عشر ألف قدم، أو أربعة آلاف خطوة(2).
و أمّا الذراع فأربعة و عشرون إصبعا.
أ: لو لم يعلم المسافة و شهد اثنان عدلان، وجب القصر،
و لو شكّ و لا بيّنة، وجب الإتمام، لأنّه الأصل، فلا يعدل عنه إلاّ مع اليقين. و كذا لو اختلف المخبرون بحيث لا ترجيح.
و لو تعارضت البيّنتان، وجب القصر، عملا ببيّنة الإثبات.
ب: التقدير تحديد لا تقريب
- و به قال الشافعي(3) - حتى لو نقصت شيئا قليلا، لم يجز القصر، لأنّه ثبت بالنصّ لا بالاجتهاد.
ج: الزمان ليس بتقدير، فلو قطع الثمانية في أيام، فله القصر
فيها.
و كذا لو قطعها في يوم، فله القصر.
د: البحر كالبرّ، فلو سافر فيه و بلغت المسافة، فله القصر
و إن كان ربما قطع المسافة في ساعة، لأنّ الاعتبار بالمسافة لا بالمدّة.
ه: اعتبار المسافة من حدّ الجدران
دون البساتين و المزارع، و غيبوبة الجدران و خفاء الأذان و إن شرطا في جواز القصر.
لوجود المشقّة و شغل اليوم.
و لقول الباقر عليه السلام، و قد سأله محمد بن مسلم عن التقصير، قال: «في بريد» قلت: بريد؟ قال: «إذا ذهب بريدا و رجع بريدا فقد شغل
ص: 372
يومه»(1).
و قال الشافعي: لا يجوز له القصر، لأنّ الذهاب سفر و الرجوع سفر آخر، و كلّ منهما أقلّ من المسافة(2).
و نمنع التعدّد.
و لو لم يرد الرجوع من يومه، وجب التمام - و هو قول المرتضى(3) - لعدم الشرط، و هو: قصد المسافة.
و قال الشيخ: يتخيّر في قصر الصلاة دون الصوم(4).
و قال الصدوق رحمه اللّه: يتخيّر مطلقا(5).
و الوجه ما تقدّم.
لأنّه بالرجوع انقطع سفره و إن كان في رجوعه لم ينته إلى سماع الأذان و مشاهدة الجدران، و إلاّ لزم القصر لو تردّد في فرسخ واحد ثماني مرّات و أزيد.
و لو كانت المسافة خمسا و قصد الرجوع ليومه، وجب القصر، و إلاّ فلا.
سواء علم أنّه القصير أو لا، لانتفاء المسافة فيه.
و إن سلك الأبعد، فإن كان لغرض كخوف في القريب، أو حزونة، أو قضاء حاجة في البعيد، أو زيارة صديق، أو لقاء غريم ليطالبه، فله القصر
ص: 373
إجماعا، لوجود المقتضي، و هو: سلوك المسافة.
و إن لم يكن له غرض سوى الترخّص، وجب القصر أيضا عندنا - و به قال أبو حنيفة و الشافعي في أحد القولين، و المزني(1) - لأنّه سفر مباح، فيترخّص فيه، كما لو كان له فيه غرض.
و الآخر للشافعي: المنع - و اختاره أبو إسحاق - لأنّه طوّل الطريق على نفسه لا لغرض سوى الترخّص، فأشبه ما إذا مشى في المسافة القصيرة يمينا و شمالا حتى طال سفره(2).
و منعوا الإباحة، لقوله عليه السلام: (إنّ اللّه تعالى يبغض المشّاءين من غير إرب)(3).
و الفرق ظاهر، فإنّ قاصد الأبعد قصد مسافة، بخلاف الماشي يمينا و شمالا، و الإرب موجود، و هو: الترخّص المباح.
و في الرجوع و إن كان بالأقرب، لأنّه مسافر، و إنّما يخرج عن السفر بالعود إلى وطنه أو حكمه.
و لو سلك الأقصر، أتمّ في طريقه و البلد و إن قصد الرجوع بالأبعد، لأنّه لم يقصد أوّلا مسافة، و القصد الثاني لا حكم له قبل الشروع فيه.
نعم يقصّر في الرجوع بالأبعد، لوجود المقتضي، و هو: المسافة.
فالهائم لا يترخّص، و كذا طالب الآبق و شبهه، لأنّ الشرط عزم قطع المسافة في الابتداء، و طالب الآبق و الغريم لم يقصد المسافة، بل متى ظفر رجع و هو لا يعرف موضعهما.
ص: 374
و إن تمادى سفره و زاد عن المسافة، فإذا وجده و عزم على الرجوع و قد قطع المسافة، فهو منشئ للسفر من حينه.
و إنّما اشترط قصد قطع المسافة، لأنّ للسفر تأثيرا في العبادة، فاعتبرت النيّة فيه، كما تعتبر في العبادات.
أ: لو بلغه خبر عبده في بلد فقصده بنيّة إن وجده في الطريق رجع، فليس له الترخّص،
لعدم يقين القصد.
ب: لو قصد البلدة ثم عزم في الطريق على الرجوع إن وجده، قصّر
إلى وقت تغيّر نيّته، و بعده إن كان قد قطع مسافة بقي على التقصير، و إلاّ أتمّ.
و للشافعي في الآخر وجهان، كما لو أنشأ سفرا مباحا ثم أحدث نيّة المعصية(1).
ج: الأسير في أيدي المشركين إن عرف مقصدهم و قصده، ترخّص،
و إن عزم على الهرب متى قدر على التخلّص، لم يترخّص، و لو لم يعرف المقصد لم يترخّص في الحال، لعدم علمه بالمسافة.
و إن ساروا به المسافة، لم يقصّر إلاّ في الرجوع.
و حكي عن الشافعي: القصر، لأنّه يتيقّن طول سفره(2).
د: لو سافر بعبده أو ولده أو زوجته، فإن علموا المقصد و قصدوا السفر، ترخّصوا.
و إن عزم العبد على الرجوع متى أعتقه مولاه، و الزوجة عليه متى تخلّصت، و كذا الولد، فلا رخصة لهم.
ص: 375
و إن لم يعلموا المقصد، لم يترخّصوا، لانتفاء اختيارهم، و إنّما سفرهم بسفر غيرهم.
ه: منتظر الرفقة إذا غاب عنه الجدار و الأذان، يقصّر
إن جزم على السفر - سواء حصلت الرفقة أو لا - إلى شهر.
و إن تردّد في السفر لو لم يحصلوا، لم يقصّر، إلاّ أن يكون قد قطع المسافة، فيقصّر إلى شهر.
و اشتراط الشيخ أربعة فراسخ(1) ممنوع.
و: لو قصد ما دون المسافة فقطعه، ثم قصد ما دون المسافة فقطعه، و هكذا دائما، فلا قصر
و إن تجاوز مسافة التقصير، و كذا لو خرج غير ناو مسافة، لم يقصّر و إن قطع مسافات كثيرة.
نعم يجب عليه التقصير في العود مع بلوغ المسافة، لأنّه ينوي المسافة، و عليه فتوى العلماء.
و لقول الرضا عليه السلام، و قد سأله صفوان: في الرجل يريد أن يلحق رجلا على رأس ميل، فلم يزل يتبعه حتى بلغ النهروان، قال: «لا يقصّر و لا يفطر، لأنّه لم يرد السفر ثمانية فراسخ، و إنّما خرج ليلتحق بأخيه فتمادى به السير»(2).
و لو قصد ما دون المسافة أوّلا ثم قصد ثانيا المسافة، قصّر حينئذ لا قبله.6.
ص: 376
و لا يكفي قصد المسافة من دونه إجماعا، لأنّ شرط القصر الضرب في الأرض، لقوله تعالى:
وَ إِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ (1) .
و لأنّ اسم السفر إنّما يتحقّق به لا بالقصد.
و يخالف ما لو دخل إلى بعض البلاد و نوى الإقامة، ففي الوقت يصير مقيما، لموافقة النية الحالة، لأنّه نوى الإقامة و هو مقيم، و هنا النية لا توافق الحالة، لأنّ السفر هو الضرب و السير عليها و هو مقيم، فلم يكن للنية حكم.
لتعلّق القصر بالضرب و هو يصدق في أوله.
و لا يشترط أيضا اختلاف الوقت بإجماع العلماء، إلاّ من مجاهد، فإنّه قال: إذا خرج نهارا، فلا يقصّر إلى الليل، و إن خرج ليلا، فلا يقصّر إلى النهار(2).
و لا وجه له، لوجود الشرط بدونه.
لأنّ السفر شرط القصر، و لا يتحقّق في بلده و مع مشاهدة الجدران، فلا بدّ من تباعد يطلق على من بلغه أنّه مسافر، و لا حدّ بعد مفارقة منازله إلاّ ذلك.
و لأنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله، كان يقصّر على فرسخ من المدينة
ص: 377
و فرسخين(1) ، فتكون بيانا.
و من طريق الخاصة: قول الصادق عليه السلام: «إذا كنت في الموضع الذي لا تسمع فيه الأذان، فقصّر»(2).
و روي عن الحارث بن أبي ربيعة أنّه أراد سفرا، فصلّى بهم ركعتين في منزله و فيهم الأسود بن يزيد و غير واحد(3).
و هو غلط، لعدم الشرط. و لأنّ هذا الخلاف انقرض، فيبقى إجماعا.
و قال عطاء: إذا خرج من بيته، قصّر و إن لم يخرج من بيوت القرية(4).
و هو قول بعض أصحاب الحديث(5) منّا، لقول الصادق عليه السلام: «إذا خرجت من منزلك فقصّر إلى أن تعود إليه»(6).
و يحمل على بلوغ الموضع الذي لا يشاهد فيه جدران البلد و لا يسمع أذانه، جمعا بين الأدلّة.
و قال الشافعي: لا يجوز القصر حتى يفارق البلد الذي هو فيه و منازله.
و لم يشترط خفاء الجداران و الأذان - و به قال أبو حنيفة و مالك و أحمد و إسحاق - لأنّ بنيان بلده يقطع استدامة سفره فكذا يمنع الابتداء.
و لأنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله، كان يبتدئ القصر إذا خرج من8.
ص: 378
و هو محمول على الخروج إلى حيث يخفى الأذان و الجدران.
و حكى ابن المنذر عن قتادة، أنّه قال: إذا جاوز الجسر أو الخندق، قصّر(3).
و قد تقدّم بطلانه.
فلا يزال مقصّرا حتى يظهر الجدار أو يسمع الأذان، عند أكثر علمائنا(4) ، لقول الصادق عليه السلام: «إذا كنت في الموضع الذي لا تسمع فيه الأذان، فقصّر، و إذا قدمت من سفرك، فمثل ذلك»(5).
و قال المرتضى: لا يزال مقصّرا حتى يدخل منزله(6) ، لقول الصادق عليه السلام: «لا يزال المسافر مقصّرا حتى يدخل أهله أو منزله»(7).
و المشهور: الأول. و تحمل الثانية على وصول سماع الأذان أو مشاهدة الجدران، جمعا بين الأدلّة.
لأنّ الحوالة في الألفاظ المطلقة إلى المتعارف المعهود.
ص: 379
و لأنّ المشقّة ربما حصلت عند مشاهدة الجدار من فراسخ بعيدة.
و الاعتبار بمشاهدة صحيح الحاسّة و سماع صحيح السمع، دون بالغ النهاية فيهما و فاقد كمال إحداهما.
و لا عبرة بالبساتين و المزارع، فيجوز القصر قبل مفارقتها مع خفاء الجدار و الأذان، لأنّها ليست مبنية للسكنى، سواء كانت محوطة أو لا، إلاّ إذا كان فيها دور و قصور للسكنى.
و للشافعية وجه آخر، و هو: مجاوزة البساتين و المزارع مطلقا.
و المشهور عندهم: الأول(1).
أ: لا فرق بين البلد و القرية في ذلك.
و شرط بعض الشافعيّة مجاوزة البساتين و المزارع المحوطة على ساكن القرية دون البلد(2).
و ليس بمعتمد.
و بعضهم شرط مجاوزة البساتين في القرى دون المزارع(3).
ب: لو جمع سور قرى متفاصلة، لم يشترط في المسافر
من أحدها مجاوزة ذلك السور، بل خفاء جدران قريته و أذانها.
ج: لو كان خارج البلد على طرفه خراب لا عمارة وراءه، لم تشترط مجاوزته،
لأنّه ليس موضع إقامة، و به قال الشافعي. و له آخر: اشتراط المجاوزة إذا كان بقايا الحيطان قائمة و لم يتّخذ مزارع(4).
د: لو سكن واديا و سار في عرضه أو طوله، اشترط خفاء الأذان.
و كذا لو سكن في الصحراء.
ص: 380
و قال الشافعي: لا بدّ من مجاوزة عرض الوادي. و قيّد بعض أصحابه بما إذا لم تفرط السعة، فلو أفرطت، شرط مجاوزة الموضع الذي ينسب إليه، و يعدّ حلّة(1) قومه(2).
ه: لو كان نازلا على ربوة، فالشرط ما ذكرناه من خفاء الجدران أو الأذان.
و يحتمل خفاء الأذان خاصة و إن ظهرت الجدران.
و قال الشافعي: لا بدّ من أن يهبط عنها(3).
و لو كان في وهدة فكذلك يعتبر بنسبته الظاهرة. و عنده لا بدّ أن يصعد عنها(4).
و: لو كان من أهل الخيام، اشترط خفاء الأذان.
و يحتمل خفاء الجدران المقدّرة. و الحلّتان كالقريتين، و به قال الشافعي(5).
و لأصحابه وجه آخر: أن يفارق خيمته. و لا يعتبر مفارقة الخيام و إن كانت الحلّة واحدة(6).
ز: لو كان في وسط البلد نهر كبير فأراد من على أحد الجانبين السفر من الآخر، فعبر النهر، لم يجز القصر
حتى يفارق عمارة الجانب الآخر و يخفى عليه أذانه و جدرانه، لأنّ الجميع بلد واحد.
ح: لو كانت قريتان متقاربتان فأراد أن يسافر من أحدهما على طريقة الأخرى، فإن اتّصل البناء، اشترط مفارقة الأخرى،
لأنّهما صارتا كالقرية2.
ص: 381
الواحدة.
و إن كان بينهما فصل، قصّر قبل مفارقة الأخرى إن خفيت جدران قريته و أذانها، و هو ظاهر مذهب الشافعي(1).
و قال ابن سريج: لا يباح له القصر حتى يفارق أبنية الأخرى، لأنّ أهل أحدهما يتردّدون إلى الأخرى من غير تغيير هيئة و زيّ، فلا يحصل متشبّها بالمسافرين ما دام فيها(2).
إلى شهر، و إن غيّر النيّة أو تردّد، أتمّ، لبقاء القصد في الأول الذي هو الشرط، و انتفائه في الثاني.
و لو سافر في المركب فردّته الريح بعد خفائهما إلى أن ظهر أحدهما، أتم، لدخوله في حدّ الحضر.
و لو أحرم في السفينة قبل أن تسير و هي في الحضر ثم سارت حتى خفي الأذان و الجدران، لم يجز له القصر، لأنّه دخل في الصلاة على التمام.
و لو خرج من البلد إلى حيث يجوز له الترخّص فرجع إليه لحاجة عرضت له، لم يترخّص حال رجوعه و خروجه ثانيا من البلد، لخروجه عن اسم المسافر بعوده إلى بلده.
و لو كان غريبا، فله استدامة الترخّص.
أمّا لو كان رجوعه بعد قطع المسافة، فإنّه يقصّر في رجوعه و خروجه ثانيا.
ص: 382
فلو قطع نية السفر في أثناء المسافة، أتمّ.
و لو قطع المسافة ثم غيّر نيّة السفر و عزم على الرجوع، قصّر. و إن عزم على المقام عشرة أيام، أتمّ. و إن تردّد قصّر ما بينه و بين ثلاثين يوما ثم يتمّ بعد ذلك.
إذا ثبت هذا، فإنّ نهاية السفر تحصل بأحد أمور ثلاثة:
الأول: العود إلى الوطن، بأن يرجع إلى الموضع الذي يشترط مجاوزته في ابتداء السفر، لأنّ الموضع الذي يبتدأ الترخّص فيه إذا كان مسافرا يقطع الترخّص إذا كان راجعا.
و في معناه الوصول إلى المقصد الذي عزم على الإقامة فيه إقامة تقطع الرخصة، أو إلى موضع له فيه ملك استوطنه ستة أشهر.
الثاني: نيّة الإقامة عشرة أيام - على ما يأتي - في أيّ موضع نواه و إن كان في مفازة و نحوها، و هو أصحّ قولي الشافعي، و في الآخر: تشترط الإقامة في موضع يصلح لها(1).
الثالث: إقامة شهر مع التردّد، على ما يأتي.
و إن أقام في أثناء المسافة عشرة أيام أو وصل إلى مقصده إذا لم يكن يعزم الإقامة فيه إلى شهر، فإن نوى الإقامة فيه أو في أثناء المسافة عشرة أيام، وجب الإتمام عند علمائنا أجمع.
و إن نوى إقامة أقلّ من عشرة، قصّر - و به قال علي عليه السلام، و الباقر
ص: 383
و الصادق عليهما السلام، و الحسن بن صالح بن حي(1) - لقول علي عليه السلام: «يتمّ الصلاة الذي يقيم عشرا، و يقصّر الصلاة الذي يقول: أخرج اليوم أخرج غدا شهرا»(2) و علي عليه السلام، كان لا يرى الاجتهاد، فيكون قوله توقيفا.
و من طريق الخاصة: قول الباقر عليه السلام في المسافر إذا قدم بلده، قال: «إن دخلت أرضا و أيقنت أنّ لك بها مقام عشرة أيام فأتمّ الصلاة، و إن لم تدر مقامك بها تقول: غدا أخرج أو بعد غد، فقصّر ما بينك و بين شهر»(3).
و قال الشافعي: إذا نوى مقام أربعة أيام غير يوم دخوله و يوم خروجه، وجب عليه الإتمام، لأنّ يوم الدخول في الحطّ، و يوم الخروج في الترحال، و هما من أشغال السفر - و عنه وجه: أنّهما يحسبان - و به قال عثمان بن عفّان و سعيد بن المسيّب و مالك و أبو ثور، لأنّ الثلاث آخر حدّ القلّة، لقول النبي صلّى اللّه عليه و آله: (يقيم المهاجر بعد قضاء نسكه ثلاثا)(4).
و كذلك عمر لمّا أجلى أهل الذمّة من الحجاز ضرب لمن قدم منهم تاجرا إلى الحجاز أن يقيم ثلاثة أيام(5).
فدلّ على أنّ الثلاث في حكم السفر و ما زاد في حكم الإقامة(6).8.
ص: 384
و لا حجّة فيه، لأنّ المقام يصدق في اليوم و اليومين، لكن لا تكون تلك إقامة تنافي السفر.
و قال أبو حنيفة: إن نوى مقام خمسة عشر يوما مع اليوم الذي يدخل فيه و اليوم الذي يخرج فيه، بطل حكم سفره - و به قال الثوري و المزني و ابن عمر في إحدى الروايات - لأنّ ابن عباس و ابن عمر قالا: إذا قدمت بلدة و أنت مسافر و في نفسك أن تقيم بها خمس عشرة ليلة، فأكمل الصلاة، و لم يعرف لهما مخالف(1).
و نمنع عدم المخالف، و قد روى البخاري عن ابن عباس أنه أقام بموضع تسع عشرة ليلة يقصّر الصلاة، و قال: نحن إذا أقمنا تسع عشرة ليلة، قصّرنا الصلاة، و إن زدنا على ذلك، أتممنا(2).
و عن عائشة: إذا وضعت الزاد و المزاد، فأتمّ(3). و لا إجماع مع هذا الخلاف. و قولها ليس حجّة.
و عن ابن عباس: إن نوى مقام تسعة عشر يوما، وجب الإتمام و إن كان أقلّ، لم يجب، و به قال إسحاق بن راهويه(4) ، لأنّ ابن عباس قال: إنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله، أقام في بعض أسفاره تسع عشرة يصلّي ركعتين. قال ابن عباس: فنحن إذا أقمنا تسع عشرة نصلّي ركعتين، و إن زدنا على ذلك أتممنا(5).5.
ص: 385
و ليس حجّة، لأنّ فعل النبي صلّى اللّه عليه و آله، لا يقتضي العموم، فلعلّه لم ينو المقام عشرة أيام.
و قال الليث بن سعد: إن نوى مقام أكثر من خمسة عشر يوما، أتمّ.
و هو محكي عن سعيد بن جبير(1).
و قال الأوزاعي: إن نوى اثني عشر يوما، أتمّ. و هو مروي عن ابن عمر(2) أيضا.
و قال أحمد: إن نوى مقام مدّة يفعل فيها أكثر من عشرين صلاة، أتمّ - و هو قريب من مذهب الشافعي، و اختاره ابن المنذر، و هو مروي عن عائشة - لأنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله، دخل مكّة صبيحة يوم الأحد. الرابع من ذي الحجّة، و كان قد صلّى الصبح قبل دخوله، فأقام بها تمام الرابع و الخامس و السادس و السابع، و صلّى الصبح بها في اليوم الثامن، ثم دخل إلى منى، و كان النبي صلّى اللّه عليه و آله، يقصّر في هذه الأيام، و كانت صلاته في هذه المدّة عشرين صلاة(3).
و لا حجّة فيه، لأنه يقصّر إلى تمام العشرة عندنا.
و حكي عن أنس بن مالك: أنه أقام بنيسابور سنتين، فكان يقصّر فيهما(4).
و روى النخعي: أنّ علقمة أقام بخوارزم سنتين، و كان يقصّر فيهما(5).2.
ص: 386
و فعلهما ليس حجّة.
ثم يتمّ بعد ذلك و لو صلاة واحدة، سواء أقام عشرة أيام أولا - و به قال بعض الحنابلة(1) - لقول علي عليه السلام: «و يقصّر الصلاة الذي يقول: أخرج اليوم أخرج غدا شهرا»(2).
و من طريق الخاصة: قول الباقر عليه السلام: «و إن لم تدر مقامك بها، تقول: غدا أخرج أو بعد غد، فقصّر ما بينك و بين شهر»(3).
و قال الشافعي: إن لم يتم مقامه أربعا، فله القصر قولا واحدا، و إن أقام أربعة فصاعدا فأقوال:
أحدها: الإتمام، لأنّ الإقامة أكثر من قصدها، و لو نوى الإقامة أربعا، أتمّ فالإقامة أولى.
الثاني: أنّه يقصّر ثمانية عشر يوما تخريجا من مسألة الحرب، و هي:
أنّ المحارب إذا لم ينو المقام، قصّر إلى ثمانية عشر يوما، لأنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله، أقام عام الفتح لحرب هوازن سبعة عشر يوما أو ثمانية عشر يوما و هو يقصّر(4).
فإن زاد أتمّ، لقول ابن عباس: فمن أقام أكثر من ذلك فليتمّ(5). و لأنّ الأصل الإتمام.
ص: 387
الثالث: أنه يقصّر أبدا ما لم ينو مقام أربعة، و به قال أبو حنيفة(1) ، لأنّ المسور بن مخرمة قال: كنّا مع سعد بن أبي وقّاص في قرية من قرى الشام أربعين ليلة و كنّا نصلّي أربعا و كان يصلّي ركعتين(2).
و فعله ليس حجّة.
أ: لا فرق بين المحارب و غيره عندنا في وجوب الإتمام بعد شهر،
لعموم الحديث(3) ، و في وجوب الإتمام لو نوى العشرة.
و للشافعي في المحارب قولان: أحدهما: أنّه يقصّر الصلاة و إن قصد الأربع - و به قال أبو حنيفة - لعدم تحقّق عزمه، لأنّه ربما هزم أو هزم(4).
و الثاني و هو الجديد: أنّه يترك القصر، لأنّه مسافر عزم على مقام أربع(5).
ب: لو لم يقصد المحارب المقام، قصّر إلى شهر
كما قلنا.
و للشافعي قولان: أحدهما: أحدهما: أنّه يقصّر مطلقا دائما إلى أن ينقضي القتال، و به قال أبو حنيفة و مالك و أحمد(6) ، لرواية جابر: أنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله، أقام بتبوك عشرين يوما يقصّر الصلاة(7).
ص: 388
و لا حجّة فيه علينا.
و الثاني: يقصّر إلى ثمانية عشر يوما كغيره(1) ، لقول ابن عباس: أقام النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، لحرب هوازن ثمانية عشر يوما يقصّر الصلاة، فمن أقام أكثر من ذلك فليتم(2).
و هو معارض برواية جابر.
ج: في بعض الروايات: يقصّر - يعني المتردّد - ما بينه و بين مضيّ شهر(3).
و في بعضها: ثلاثون يوما: قال الباقر عليه السلام: «فإن لم يدر ما يقيم يوما أو أكثر فليعد ثلاثين يوما ثم ليتمّ»(4).
فلو كان الشهر هلاليا تسعة و عشرين يوما، و أقام من أوّله إلى آخره، أتمّ على الأول دون الثاني.
و الوجه: التقصير، أمّا أوّلا: فللاستصحاب. و أمّا ثانيا: فلأنّ الشهر كالمجمل، و الثلاثين كالمبيّن.
د: لو دخل بلدا في طريقه، فقال: إن لقيت فلانا فيه أقمت عشرة أيام، قصّر
إلى أن يلقاه، أو يمضي ثلاثون يوما، فإن لقيه، حكم بإقامته ما لم يغيّر النيّة قبل أن يصلّي تماما و لو فريضة واحدة.
ه: لو دخل بلدا لحاجة و عزم أنّه متى قضيت خرج، فإن كانت تلك الحاجة لا تنقضي في عشرة أيام، صار حكمه حكم المقيم،
و إن جاز أن تنقضي في أقلّ، قصّر إلى أن يمضي ثلاثون يوما.
و: لو نوى مقام عشرة أيام في بعض المسافة، انقطع سفره،
فإذا خرجم.
ص: 389
إلى نهاية السفر، فإن كان بين موضع الإقامة و النهاية ثمانية فراسخ، قصّر، و إلاّ فلا.
و لو عزم في ابتداء السفر على الإقامة في أثناء المسافة، فإن كان بين الابتداء و موضع الإقامة ثمانية فراسخ، قصّر، و إلاّ فلا.
ز: نيّة الإقامة عشرة أيام تقطع السفر،
سواء كان موضع إقامة، كالبلدان و القرى و الحلل، أو لا، كالجبال و البراري.
و للشافعي في الثاني قولان: أحدهما كما قلناه، لوجود نيّة الإقامة.
و الثاني: القصر، لأنّ الإقامة في هذا الموضع لا تتحقّق، فلا ينقطع الترخّص بأمر لا حقيقة له(1).
و هو ممنوع.
ح: قطع السفر إنّما يحصل بنية مقام عشرة أيام كوامل.
و في اعتبار يوم الدخول و الخروج إشكال ينشأ: من أنّه من تتمّة السفر.
و من حصول المقام، فلو دخل ظهر الأول و خرج ظهر العاشر، قصّر على الأول، و أتمّ على الثاني.
و لو عزم على أنّه يخرج ظهر الحادي عشر، أتمّ و لو خرج ضحوة الحادي عشر، فكالعاشر.
ط: لو نوى الإقامة في أثناء المسافة عشرة أيام، أتمّ
و إن بقي العزم على السفر.
و وجب عليه الإتمام فيه عند علمائنا، سواء عزم على الإقامة فيه أو لا - و هو أحد قولي الشافعي(2) - لأنّ حاله فيه يشبه حال المقيمين.
ص: 390
و لقول الرضا عليه السلام، و قد سأله محمد بن إسماعيل بن بزيع عن الرجل يقصّر في ضيعته: «لا بأس ما لم ينو مقام عشرة أيام إلاّ أن يكون له فيها منزل يستوطنه» فقلت: ما الاستيطان ؟ فقال: «أن يكون له فيها منزل يقيم فيه ستة أشهر، فإذا كان كذلك يتمّ فيها متى يدخلها»(1).
و لأنّه بلد إقامته، فلا يعدّ فيه مسافرا.
و الثاني للشافعي: القصر(2) ، لأنّ المهاجرين قدموا مكّة مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، و لأكثرهم بمكة وطن و ما تركوا القصر(3). و لأنّه لم يعزم على الإقامة، فكانت تلك البلدة و سائر البلاد سواء.
و نمنع أنّ لهم أملاكا و إن كان لهم قرابات، فلا اعتبار بها.
أ: لا يشترط في الأشهر التوالي، بل لو استوطنه ستة أشهر متفرّقة، سقط الترخّص
إذا بلغ التلفيق الحدّ.
ب: لا يشترط استيطان الملك، بل البلد الذي فيه الملك.
و لا كون الملك صالحا للسكنى، بل لو كان له مزرعة أو نخل و استوطن ذلك البلد ستة أشهر، أتمّ فيه، لرواية عمّار عن الصادق عليه السلام، في الرجل يخرج في سفر، فيمرّ بقرية له أو دار فينزل فيها، قال: «يتمّ الصلاة و لو لم يكن له إلاّ نخلة واحدة، و لا يقصّر، و ليصم إذا حضره الصوم و هو فيها»(4).
ج: لو خرج الملك عنه، ساوى غيره من البلاد،
بخلاف ما لو أجره أو أعاره.
د: يشترط ملك الرقبة، فلو استأجر أو استعار أو ارتهن، لم يلحقه
ص: 391
حكم المقيم و إن تجاوزت مدّة الإجارة عمره.
ه: لو غصب ملكه و كان قد استوطنه ستة أشهر، لم يخرج عن حكم المقيم.
و: لو كان بين الابتداء و الملك أو ما نوى الإقامة فيه مسافة، قصّر في طريقه
خاصة دون بلد الملك و الإقامة، و لو قصر عن المسافة، لم يقصّر لأنّ عبد الرحمن بن الحجاج قال للصادق عليه السلام: الرجل له الضياع بعضها قريب من بعض فيخرج فيطوف فيها أ يتمّ أم يقصّر؟ قال: «يتم»(1).
ز: كما تعتبر المسافة بين ابتداء السفر و موضع إقامته أو بلد استيطانه،
كذا يعتبر بينهما و بين مقصده، فإن كان دون المسافة، أتمّ في طريقه و مقصده، و إن كان مسافة، قصّر فيهما.
و لو كان مبدأ السفر إلى موضع الوطن أو ما نوى الإقامة فيه عشرة أيام مسافة، و منهما إلى مقصده دونها، قصّر في المسير إليهما دونهما، و دون المسافة بينهما و بين مقصده، و دون مقصده أيضا.
و لو انعكس الفرض، أتمّ في مبدأ السفر و فيهما، و قصّر في السفر منهما إلى مقصده و في مقصده. و لو قصرا معا، فلا قصر و إن زاد المجموع على المسافة.
ح: لو تعدّدت المواطن أو ما نوى الإقامة فيه عشرة، قصّر بين كلّ موطنين بينهما مسافة خاصة،
دون المواطن و دون ما قصر عن المسافة.
ط: لو اتّخذ بلدا دار إقامته، كان حكمه حكم الملك
و إن لم يكن له فيه ملك، بحيث لو اجتاز عليه، وجب عليه الإتمام فيه ما لم تغيّر نية الإقامة(2).ه.
ص: 392
و لو اتّخذ بلدين فما زاد موضع إقامته، كانا بحكم ملكه و إن لم يكن له فيهما ملك.
ي: لو نوى الإقامة في بلد قبل وصوله إليه عشرة أيام، و بينه و بين المبدإ مسافة، قصّر في الطريق
إلى أن ينتهي إلى ذلك البلد. و يحتمل إلى أن ينتهي إلى مشاهدة الجدران أو سماع الأذان، لصيرورته بحكم بلده.
و كذا يتمّ إذا خرج منه إلى أن يخفى عليه الجدران و الأذان، على إشكال.
كالمكاري، و الملاّح و الراعي و البدوي و الذي يدور في إمارته و الذي يدور في تجارته من سوق إلى سوق و البريد، على معنى أنّ أحد هؤلاء إذا حضر إلى بلده ثم سافر منه قبل أن يقيم عشرة أيام في بلده، خرج متمّما، فإن أقام عشرة أيام، قصّر في خروجه، لقول الباقر عليه السلام:
«سبعة لا يقصّرون الصلاة: الجابي الذي يدور في جبايته، و الأمير الذي يدور في إمارته، و التاجر الذي يدور في تجارته من سوق إلى سوق، و الراعي، و البدوي الذي يطلب مواضع القطر و منبت الشجر، و الرجل يطلب الصيد يريد به لهو الدنيا، و المحارب الذي يقطع السبيل»(1).
و عن أحدهما عليهما السلام: «ليس على الملاّحين في سفينتهم تقصير، و لا على المكارين و لا على الجمّالين»(2).
ص: 393
و عن الباقر عليه السلام: «أربعة قد يجب عليهم التمام في سفر كانوا أو حضر: المكاري و الكري(1) و الراعي و الأشتقان، لأنّه عملهم»(2) و الأشتقان هو البيدر. و قيل: أمين البيدر(3).
و إنّما شرطنا العشرة، لأنّ السفر ينقطع بها.
و لقول الصادق عليه السلام: «المكاري إن لم يستقرّ في منزله إلاّ خمسة أيام، قصّر في سفره بالنهار، و أتمّ بالليل، و عليه صوم شهر رمضان، و إن كان له مقام في البلد الذي يذهب إليه عشرة أيام أو أكثر، قصّر في سفره و أفطر»(4).
أ: لو أقام أحدهم في بلده خمسة أيام، قال الشيخ: قصّر صلاة النهار خاصة دون الصوم و صلاة الليل
و المشهور: وجوب الإتمام ما لم يقم عشرة أيام.
ب: لو أقام أحدهم في غير بلده عشرة أيام،
فإن نوى إقامتها، خرج مقصّرا، و إلاّ فلا، و لم تشترط النية في إقامته في بلده بل الإقامة.
ج: الذي أهله معه و سفينته منزله لا يقصّر
- و به قال أحمد(7) - لأنّه مقيم في مسكنه و ماله، فأشبه ما إذا كان في بيته.
ص: 394
و قال الشافعي: يقصّر(1) لقوله صلّى اللّه عليه و آله: (إنّ اللّه وضع عن المسافر الصوم و شطر الصلاة)(2).
د: المعتبر صدق اسم المكاري و مشاركيه في الحكم،
سواء كان بأول مرّة أو بأزيد.
ه: هل يعتبر هذا الحكم في غيرهم حتى لو كان غير هؤلاء يردّد في السفر اعتبر فيه ضابطة الإقامة عشرة، أو لا؟ إشكال
ينشأ: من الوقوف على مورد النص، و من المشاركة في المعنى.
بإجماع علمائنا، فلا يترخّص العاصي بسفره، كتابع الجائر، و المتصيّد لهوا و بطرا، و قاطع الطريق، و قاصد مال غيره أو نفسه بسفره، و الخارج على إمام عادل، و الآبق من سيّده، و الناشزة من زوجها، و الغريم إذا هرب من غريمه مع تمكّنه، و الخارج إلى بلد ليفعل فيه المعاصي - و به قال الشافعي و مالك و أحمد و إسحاق(3) - لقوله تعالى فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَ لا عادٍ (4).
قال ابن عباس: غير باغ على المسلمين، مفارق لجماعتهم، مخيف للسبيل، و لا عاد عليهم بسيفه(5).
ص: 395
و لقول الصادق عليه السلام في قول اللّه عزّ و جلّ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَ لا عادٍ قال: «الباغي باغي الصيد، و العادي السارق، ليس لهما أن يأكلا الميتة إذا اضطرّا إليها، هي حرام عليهما، ليس هي عليهما كما هي على المسلمين، و ليس لهما أن يقصّرا في الصلاة»(1).
و لأنّ السفر سبب لتخفيف الصلاة إذا كان مباحا، فلا يكون سببا و هو معصية، كالتحام الحرب.
و قال أبو حنيفة و الثوري و الأوزاعي و المزني: يجوز القصر و جميع الرخص في ذلك، لأنّه لو غصب خفّا، كان له المسح عليه و إن كان عاصيا بلبسه كذا هنا(2).
و المسح على الخفّ عندنا باطل. و لأنّ سبب الرخصة السفر و لبس الخفّ شرط و ليس بسبب. و لأنّ المعصية لا تختص بلبسه، فإنّه غاصب و إن نزعه.
إذا عرفت هذا، فإن الوجه: أنّ العاصي لا يترخّص بأكل الميتة، و به قال الشافعي و أحمد(3) ، خلافا لأبي حنيفة، احتجّ: بأنّ منعه يؤدّي إلى تلف نفسه و هو حرام(4).
و يبطل بأن يتوب و يرجع عن سفره، فيحلّ له أكل الميتة، فلا يؤدّي إلى تلفه.
و لا رخصة عندنا غير القصر في الصلاة، و الصوم و أكل الميتة.4.
ص: 396
أمّا الشافعي و أبو حنيفة و غيرهما، فإنّهم أضافوا المسح ثلاثة أيام(1).
و لا يترخّص العاصي فيه أيضا عند الشافعي - خلافا لأبي حنيفة(2) - و كذا لا يترخّص بالتنفّل على الراحلة و الجمع بين صلاتين(3).
أ: لا يشترط انتفاء المعصية في سفره،
فلو كان يشرب الخمر في طريقه و يزني، يرخّص، إذ لا تعلّق لمعصيته بما هو سبب الرخصة.
ب: لو كانت المعصية جزءا من داعي السفر، لم يترخّص،
كما لو كانت هي الداعي بأجمعه.
ج: لو قصد سفرا مباحا ثم أحدث نيّة المعصية، انقطع ترخّصه،
لأنّها لو قارنت الابتداء، لم تفد الرخصة، فإذا طرأت، قطعت، كنية الإقامة، و هو أحد وجهي الشافعية، و الثاني: لا ينقطع، لأنّ السفر انعقد مباحا مرخّصا، و الشروط تعتبر في الابتداء(4).
و لو انعكس الفرض، لم يترخّص في الابتداء، بل من حين العود إلى الطاعة إن كان الباقي مسافة، و إلاّ فلا، و للشافعية كالوجهين السابقين(5).
و لو ابتدأ بسفر الطاعة ثم عدل إلى قصد المعصية، انقطع سفره حينئذ، فإن عاد إلى سفر الطاعة عاد إلى الرخصة إن كان الباقي مسافة.
و إن لم يكن لكن بلغ المجموع من السابق و المتأخّر مسافة، احتمل القصر، لوجود المقتضي، و هو: قصد المسافة، مع انتفاء المانع، و هو:
ص: 397
قصد المعصية، و المنع، اعتبارا بالمنافي، كما لو قصد الإقامة في أثناء المسافة.
د: قد بيّنّا أنّ المسح على الخفّ حرام،
أمّا من جوّزه فإنّه يجوّز في السفر ثلاثة أيام. و اشترط الشافعي إباحة السفر، و لو كان معصية، احتمل عنده أن يمسح يوما و ليلة، لأنّ للمقيم ذلك، و غاية الأمر فرض السفر كالمعدوم. و عدمه، لأنّ المسح رخصة، فلا يثبت للعاصي(1). و كذا لو لبس خفّا مغصوبا، ففي المسح عليه عنده وجهان(2).
ه: لو عدم الماء في سفر المعصية، وجب التيمّم
و لم يجز له ترك الصلاة.
و هل تجب الإعادة ؟ الأقرب: المنع، لاقتضاء الأمر الإجزاء.
و لأنّ المعصية تأثيرها في منع الرخصة، و الصلاة بالتيمّم عند عدم الماء واجبة، فلا تؤثر فيها المعصية، و هو أحد وجهي الشافعيّة(3).
و الثاني: الإعادة، لأنّ الصلاة بالتيمّم من رخص السفر، فإنّ المقيم إذا تيمّم لعدم الماء، أعاد، فلا يثبت في حقّ العاصي بسفره(4).
و الأولى ممنوعة.
و: لو وثب من بناء عال أو جبل متلاعبا، فانكسرت رجله، صلّى قاعدا
و لا إعادة، لأنّ ابتداء الفعل باختياره دون دوام العجز، و هو أحد وجهي الشافعيّة.
و الثاني: يعيد، لأنّه عاص بما هو سبب العجز عن القيام،4.
ص: 398
فلا يترخّص(1).
ز: لو سافر لزيارة القبور و المشاهد، قصّر
لأنّه مباح، و كان النبي صلّى اللّه عليه و آله، يأتي قبا راكبا و ماشيا، و كان يزور القبور(2) ، و قال:
(زوروها تذكّركم الآخرة)(3).
و عند بعض الجمهور لا يجوز القصر، للنهي عن السفر إلى القبور(4).
و هو ممنوع.
ح: لو سافر للتنزّه و التفرج، فالأقرب: جواز القصر،
لأنّه مباح، و هو إحدى الروايتين عن أحمد.
و الأخرى: المنع، لانتفاء المصلحة فيه(5). و هو ممنوع.
عند علمائنا - خلافا لباقي الفقهاء - لقول الباقر عليه السلام، و قد سأله زرارة عمّن يخرج من أهله بالصقورة و الكلاب يتنزّه الليلة و الليلتين و الثلاث هل يقصّر من صلاته أم لا؟ فقال: «لا يقصّر، إنّما خرج في لهو»(6).
و لأنّ اللهو حرام، فالسفر له معصية. و لأنّ الرخصة لتسهيل الوصول إلى المصلحة، و لا مصلحة في اللهو.
و لو كان الصيد لقوته و قوت عياله، وجب القصر في الصلاة و الصوم إجماعا، لأنّه فعل مباح.
و لقول الصادق عليه السلام، و قد سئل عن الرجل يخرج إلى الصيد
ص: 399
مسيرة يوم أو يومين يقصّر أو يتمّ؟ فقال: «إن خرج لقوته و قوت عياله، فليفطر و ليقصّر، و إن خرج لطلب الفضول، فلا و لا كرامة»(1).
و لو كان الصيد للتجارة، قال الشيخ في النهاية و المبسوط: يقصّر في صلاته دون صومه(2).
و الوجه: القصر فيهما، لأنّه مباح، و إلاّ لم يجز القصر في الصلاة.
قال الصادق عليه السلام: «إذا قصّرت أفطرت و إذا أفطرت قصّرت»(3).
حال ميله، و قصّر عند عوده(4). و هو جيّد.
فلا يجوز له الترخّص.
ص: 400
- و به قال أكثر العلماء(1) - لأنّه تعالى، علّق على الضرب في الأرض(2).
و لقول ابن عباس: فرض اللّه الصلاة على لسان نبيكم في الحضر أربعا، و في السفر ركعتين(3).
و من طريق الخاصة: قول الصادق عليه السلام، و قد سئل عن الرجل يخرج إلى الصيد أ يقصّر أو يتمّ؟: «يتمّ لأنّه ليس بمسير حق»(4).
و حكي عن عبد اللّه بن مسعود أنّه قال: لا يجوز القصر إلاّ في السفر الواجب، لأنّ الواجب لا يجوز تركه إلاّ بواجب(5).
و لو سلّمنا المقدّمتين، قلنا بموجبه، فإنّ القصر عندنا واجب. و ينتقض بمن لا يجب عليه الجهاد إذا خرج إليه.
بل يثبت في السفر إذا كان مباحا، عند علماء الأمصار، لما تقدّم في المسألة الاولى(6).
و لأنّ الرخصة إذا تعلّقت بالسفر الطاعة، تعلّقت بالسفر المباح، كصلاة النافلة على الراحلة.
و قال عطاء: لا يجوز القصر إلاّ في سفر الطاعة، لأنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، لم يقصّر إلاّ في سبل الخير، فلا يقصّر إلاّ في مثلها(7).
و هو خطأ، لأنّ وقوع ذلك اتّفاقي.
ص: 401
و لأنّه عليه السلام، كان يترخّص في عوده(1) و هو مباح.
و لأنّه لو اختصّ بفعله صلّى اللّه عليه و آله، لاختصّ بالسفر إلى الموضع الذي سافر إليه.
بل يثبت القصر في سفر الأمن و الخوف معا، عند عامة العلماء، لأنّ يعلى بن أميّة قال لعمر: ما بالنا نقصّر و قد أمنّا؟ فقال عمر: عجبت مما عجبت منه، فسألت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، فقال: (صدقة تصدّق اللّه بها عليكم فاقبلوا صدقته)(2).
و قال ابن عباس: إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، سافر بين مكة و المدينة أمنا لا يخاف إلاّ اللّه تعالى، فصلّى ركعتين(3).
و قال داود: لا يجوز القصر إلاّ في سفر الخوف(4) ، لظاهر قوله تعالى:
فَإِنْ خِفْتُمْ (5) .
و الحديث مبيّن.
فلو صلّى و لم ينو القصر، وجب، و كذا لو نوى الإتمام، وجب القصر، عند علمائنا أجمع - خلافا للجمهور - لأنّ المقتضي لوجوب الإتمام و القصر ليس هو القصد التابع لحكم اللّه تعالى، بل حكمه تعالى، فلا يتغيّر الفرض بتغيّر النيّة، بل لو نوى المخالف، لم يجزئ و وجب عليه ما حكم اللّه تعالى به، و قد بيّنّا أنّ الواجب
ص: 402
القصر.
امّا الجمهور، فإنّ القصر عند أكثرهم ليس واجبا، بل المسافر يتخيّر بين القصر و الإتمام(1).
و إنّما يجوز القصر عند الشافعي و أحمد لو نواه، فإن أحرم بنيّة القصر، جاز، و إن أحرم بنية الإتمام، وجب الإتمام عندهما، لأنّ المصلّي في أول الوقت يلزمه الإتمام و إن جاز التأخير قبل الشروع، فكذا هنا إذا نوى الإتمام، لزمه و إن كان مخيّرا في الابتداء(2).
و نحن نمنع التخيير، فإنّ القصر، عندنا واجب - و به قال أبو حنيفة(3) - فإذا نوى الإتمام، لم يتغيّر فرضه.
و إن أطلق النيّة، وجب القصر عندنا، لأنّه يجب لو نوى الإتمام، ففي الإطلاق أولى.
و اختلفت الشافعية، فعند المزني يجوز القصر، لأنّه أحرم بصلاة يجوز له قصرها و لم ينو إتمامها، فكان له قصرها، كما لو نوى القصر(4).
و قال آخرون: يجب الإتمام، لأنّه الأصل، و قد أجمعنا على جواز القصر مع نيّته، فإذا لم ينو وجب الإتمام. و لأنّ إطلاق النية ينصرف إلى الأصل(5).
و الكل ممنوع بما تقدّم.4.
ص: 403
أ: لو نوى القصر ثم أراد الإتمام، لم يجز،
و به قال مالك(1).
أمّا عندنا: فلوجوب القصر، و أمّا عنده: فلأن الزيادة لم تشتمل عليها نيّته.
و قال الشافعي: له ذلك(2).
ب: المواطن الأربعة التي يجوز فيها الإتمام، لو نواه فيها، لم يجب
و كذا لو نوى القصر، لم يجب، عملا بالأصل، و هو الاستصحاب.
ج: لو نوى الإتمام ثم أفسد الصلاة، أعادها قصرا
عندنا، لأنّه الواجب.
و عند الشافعي لا يجوز، لأنّه التزم العبادة(3) على صفة(4) أمّا لو نوى الإتمام ثم بان أنّه كان محدثا، لم يلزمه الإتمام قولا واحدا، لعدم انعقادها.
و كذا لو فقد المطهّرين، فشرع مصلّيا بنية الإتمام ثم قدر على الطهارة، لم يلزمه الإتمام.
أمّا عندنا: فلأنّ فرضه القصر. و أمّا عند الشافعي: فلأنّ ما شرع فيه ليس بحقيقة صلاة(5).
د: لو شكّ هل نوى القصر أم لا، لم يلزمه الإتمام، لما بيّنّا من وجوب القصر.
ص: 404
و عند الشافعي: يجب الإتمام، لأنّه الأصل، و القصر رخصة، فإذا شكّ في سببها عاد إلى الأصل(1).
و لو شكّ في نية القصر ثم تذكّر في الحال، لزمه القصر.
و عند الشافعي: يجب الإتمام، لأنّ فعله في زمان الشك احتسب به عن الإتمام، و من احتسب جزء من صلاته عن الإتمام وجب عليه(2).
ه: لو كان في الصلاة فشكّ هل نوى الإقامة أم لا، لزمه القصر،
عملا بالاستصحاب.
و عند الشافعي يجب الإتمام، لأنّ القصر رخصة، فإذا شكّ في الشرط، عاد إلى الأصل(3).
و: لو وصل إلى بلدة في السفينة، فشكّ هل هي بلدة إقامته ؟ لزمه الإتمام،
لوقوع الشك في سبب الرخصة.
و الأقرب: وجوب القصر، للاستصحاب.
ز: لو نوى القصر فصلّى ركعتين و قعد للتشهّد ثم قام، فإن قصد الإتمام، لم يجز
عندنا.
و قال الشافعي: يجوز(4).
و إن قام ساهيا، عاد إلى قعوده، و إن تعمّده و لم يقصد الإتمام، فسدت صلاته، كما لو قام إلى الخامسة عمدا، و به قال الشافعي(5).1.
ص: 405
قال: و لو نوى القصر ثم صلّى أربعا ساهيا فلمّا قعد للتشهد نوى الإتمام، لم يحتسب له ما فعله، و عليه أن يقوم فيصلّي ركعتين غيرهما، لأنّه ساه في فعلها، و السهو لا يحتسب به عن الفرض(1).
و عندنا ليس له الإتمام إلاّ مع تجديد نيّة الإقامة، فلو صلّى أربعا سهوا ثم عزم على المقام عشرة قبل التسليم، احتمل قول الشافعي.
هذا إذا لم يقصد التمام، فإن قصده ساهيا، أعاد في الوقت خاصّة.
عند علمائنا أجمع، فلو ائتمّ مسافر بمقيم، قصّر المسافر و لا يتابع المقيم عندنا، و به قال إسحاق بن راهويه(2).
و قال الشافعي و أبو حنيفة و الأوزاعي و أحمد و داود: يجب عليه الإتمام(3). و كذا قال مالك: إن أدرك ركعة، و إلاّ قصّر(4).
و قد تقدّم(5) البحث في ذلك في باب الجماعة.
عند علمائنا، فلو أتمّ فأقسامه ثلاثة:
ص: 406
الأول: أن يتعمّد ذلك، فيجب عليه الإعادة في الوقت و خارجه، سواء قعد قدر التشهّد، أو لا، عند علمائنا أجمع، لأنّه زاد في الفريضة عمدا، فأبطل صلاته، كما لو زاد في غيرها من الفرائض.
و لما رواه ابن عباس قال: من صلّى في السفر أربعا كمن صلّى في الحضر ركعتين(1).
و من طريق الخاصة: قول الصادق عليه السلام، صلّيت الظهر أربع ركعات و أنا في السفر؟ قال: «أعد»(2).
و قال أبو حنيفة: يعيد إلاّ أن يقعد قدر التشهّد(3).
و ليس بجيّد، لأنّه جلوس لم ينو به الصلاة، فكانت الزيادة بعده كما لو كانت قبله.
و لأنّه فعل كثير ليس من الصلاة، فيكون مبطلا بعد الجلوس، كما هو قبله.
و باقي الجمهور على صحة الصلاة، لعدم تعيّن القصر.
الثاني: أن يفعل ذلك جاهلا بوجوب القصر، فلا يعيد مطلقا عند أكثر علمائنا(4) ، لقوله عليه السلام: (الناس في سعة ما لم يعلموا)(5).
و من طريق الخاصة: قول الباقر عليه السلام، و قد سأله زرارة و محمد ابن مسلم، عن رجل صلّى في السفر أربعا أ يعيد أم لا؟: «إن كان قد قرئت عليه آية القصر و فسّرت له أعاد، و إن لم يكن قرئت عليه و لم يعلمها، لم يعد»(6).4.
ص: 407
و لأنّ الأصل الإتمام، فمع الجهل و رجوعه إلى الأصل يكون معذورا.
و لاشتمال القضاء على عقوبة، و الجهل شبهة، فلا تترتّب عليها العقوبة.
و قال أبو الصلاح: يعيد في الوقت(1).
الثالث: أن يفعله ساهيا، قال علماؤنا: يعيد في الوقت لا خارجه، لأنّه لم يفعل المأمور به على وجهه، فيبقى في عهدة الأمر، بخلاف الجهل بالقصر، لأنّ التكليف منوط بالعلم، و بخلاف ما لو خرج الوقت، فإنّه لا يعيد، لأنّه يكون قضاء، و إنّما يجب بأمر جديد، إذ استدراك مصلحة الواجب في وقته غير ممكن.
و لقول الصادق عليه السلام - و قد سأله العيص، عن رجل صلّى و هو مسافر فأتمّ الصلاة -: «إن كان في الوقت فليعد، و إن كان الوقت مضى فلا»(2).
و قال عليه السلام، في الرجل ينسى فيصلّي في السفر أربع ركعات:
«إن ذكر في ذلك اليوم فليعد، و إن لم يذكر حتى مضى ذلك اليوم فلا إعادة»(3).
لأنّ القصر إنّما يجوز مع علم السبب أو ظنّه، فدخوله في هذه الصلاة منهي عنه في ظنّه، فلا تقع مجزئة عنه.
و لو ظنّ المسافة فأتم ثم علم القصور، احتمل الإجزاء، للموافقة،
ص: 408
و لرجوعه إلى الأصل، و لأنّ القصر طار. و عدمه، لإقدامه على عبادة يظنّ فسادها، فلا تقع مجزئة عنه.
إجماعا، و كذا الحكم مطلقا على مذهب أكثر علمائنا(1) ، لقول الصادق عليه السلام:
«إذا قصّرت أفطرت، و إذا أفطرت قصّرت»(2).
و عند الشيخ يجب على من زاد سفره على حضره إذا أقام خمسة أيام قصر صلاة النهار دون الصوم، و كذا قال - رحمه اللّه - في الصائد للتجارة: يقصّر في الصلاة خاصة(3).
و الوجه: ما قلناه للرواية. و لأنّه سبب في الترخّص في الصلاة، فكذا في الصوم، لأنّه أحد الرخصتين.
أتمّ على ما تقدّم، فإن رجع عن نيّته، قصّر ما لم يصلّ تماما و لو صلاة واحدة، فلو صلّى صلاة واحدة على التمام، أتمّ، لأنّ النيّة بمجرّدها لا يصير بها مقيما، فإذا فعل صلاة واحدة على التمام، فقد ظهر حكم الإقامة فعلا، فلزم الإتمام، لانقطاع السفر بالنيّة و الفعل.
و لو لم يصلّ صلاة واحدة على التمام، كان حكم سفره باقيا، لأنّ المسافر لا يصير مقيما بمجرّد نيّة الإقامة، كما لو نوى الإقامة ثم رجع.
و لقول الصادق عليه السلام، و قد سأله أبو ولاّد: كنت نويت الإقامة بالمدينة عشرة أيام ثم بدا لي بعد، فما ترى ؟ قال: «إن كنت صلّيت بها صلاة فريضة واحدة بتمام، فليس لك أن تقصّر حتى تخرج منها، و إن كنت
ص: 409
دخلتها و على نيتك التمام فلم تصلّ فيها فريضة واحدة بتمام حتى بدا لك، فأنت في تلك الحال بالخيار إن شئت فانو المقام عشرا و أتمّ، و إن لم تنو المقام، فقصّر ما بينك و بين شهر، فإذا مضى شهر، فأتمّ الصلاة»(1).
يتمّ،
لأنّه دخل في الصلاة بنيّة الإتمام(2).
و الوجه عندي: التفصيل، و هو: أنّه إن كان قد تجاوز في صلاته فرض القصر، بأن صلّى ثلاث ركعات، تعيّن الإتمام، و إلاّ جاز له القصر، لأنّ المناط في وجوب الإتمام صلاة تامة و لم توجد في الأثناء.
و إن لم يكن لعذر مسقط، لم يصحّ، و وجب الإتمام إلى أن يخرج.
لأنّه إحدى العبادتين المشروطتين بالإقامة و قد وجدت النيّة و أثرها، فأشبه العبادة الأخرى.
و يحتمل صحة الرجوع، لأنّ المناط الصلاة تماما.
إن شرطنا في صحتها الإقامة، أمّا ما لا يشترط بالحضر كالمنذور سفرا و حضرا، أو النافلة إن سوّغناها في السفر، فلا.
ص: 410
الصلاة تماما، عند علمائنا أجمع - و به قال الشافعي(1) - لانتفاء سبب القصر - و هو السفر - لوجود نيّة الإقامة المضادّة للسفر، و لا يجتمع الضدّان.
و قال مالك: إذا رجع عن نيّة القصر، لم يبن على صلاته، فإن كان قد صلّى ركعة بسجدتيها، أتمّها ركعتين نافلة، لأنّها صلاة ابتدئت بنيّة فرض، فلا يجوز نقله إلى غيره، كما لا تنقل صلاة الظهر إلى العصر(2).
و الجواب: منع حكم الأصل عندنا، سلّمنا لكنّها صلاة واحدة لا تختلف نيّتها إلاّ من جهة العدد، فإذا نواها ركعتين، جاز أن يجعلها أربعا، كالنافلة، بخلاف الظهر و العصر، لأنّ نيّة الصلاة مختلفة.
عندنا، إلاّ أن ينوي المقام عشرا، لأنّ فرضه القصر، فلا يتغيّر بتغيّر النيّة على ما سبق.
و قال الشافعي: يجب الإتمام، لأنّ نيّة الزيادة في العدد لا تتغيّر به النيّة، و هو بناء على أنّ القصر سائغ(3).
و قال مالك: لا يجب الإتمام، لأنّه نوى عددا، فإذا زاد عليه، حصلت الزيادة بغير نيّة، فلم تجز(4).
ص: 411
و قال الشافعي: تجزئه مطلقا، و يسجد للسهو(1).
و لو تعمّد ذلك، لم يجز عندنا على ما بيّنّاه.
و قال الشافعي: تجزئه و لا يسجد(2).
قالت الشافعية: و هو غريب، لأنّ الزيادة التي توجب سجود السهو إذا تعمّدها، أفسدت(3).
و حكى ابن المنذر عن الحسن البصري كقول الشافعي(4).
و قال بعض أصحاب مالك: لا تجزئه، لأنّ هذا السهو عمل كثير(5).
و ليس بجيّد، لأنّه من جنس الصلاة.
و إلاّ لم يقصّر إن نوى الإقامة في الأقرب عشرة، و إلاّ قصّر إن بلغ المجموع المسافة.
و لو دخل الأقرب فأراد الخروج إلى الآخر، اعتبرت المسافة إليه.
و لو قصد بلدا ثم قصد أن يدخل في طريقه إلى بلد آخر يقيم فيه أقلّ من عشرة أيام، لم يقطع ذلك سفره، و اعتبرت المسافة من البلد الذي أنشأ منه السفر إلى البلد الذي قصده.
من موضع إقامته لارتياد الخبر، لأنّه قطع النية الاولى، و إن لم يبد له لكن أقام أقلّ من عشرة، قصّر.
ص: 412
إلى أن يغيب عنه الأذان و الجدران، إلاّ أن يكون غريبا عن البلد، أو يبلغ سيره مسافة، فله استدامة الترخّص و إن كان قد أقام أكثر من عشرة في بلد الغربة، و هو أظهر وجهي الشافعي(1).
و في البلد، و إن لم يعزم، قصّر.
لأنّها وقعت مشروعة و إن كان الوقت باقيا.
و به قال أبو حنيفة(2).
و قال الشافعي: إنّما يجوز القصر بشروط ثلاثة: أن يكون سفرا يقصّر فيه الصلاة، و أن ينوي القصر مع الإحرام، و أن تكون الصلاة أداء لا قضاء(3).
و قال المزني: إن نوى القصر قبل السلام، جاز له القصر(4).
لمغايرة فرض السفر فرض الحضر، و به قال أبو حنيفة و كلّ من وافقنا في وجوب القصر.
و قال الشافعي: إنّه يسمّى قصرا(5).
و هو نزاع لفظي.
ص: 413
و عليه الإعادة عند علمائنا أجمع - و به قال علي عليه السلام، و عمر، و أبو هريرة، و ثلاثة أخرى من الصحابة(1) - لقوله تعالى فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيّامٍ أُخَرَ (2) أوجب عدّة أيام.
و قال داود: يصح صومه، و عليه القضاء(3). و قال باقي الفقهاء: إن شاء صام و إن شاء أفطر، فإن صام أجزأ(4). و سيأتي(5).
عند علمائنا، لأنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله، كان يوتر على الراحلة في السفر(6).
و كان يتنفّل على الراحلة في السفر حيث ما توجّهت به راحلته(7). و أقام النبي صلّى اللّه عليه و آله، على حرب هوازن ثمانية عشر يوما و كان يتنفّل(8).
و أمّا قصر نوافل النهار: فلأنّها تابعة لفرائض مقصورة، فاقتضت
ص: 414
الحكمة إسقاطها.
و قال الشافعي: يجوز أن يتنفّل بالنهار و الليل(1).
و منع بعض التابعين من التنفّل مطلقا، لأنّه إذا سقط بعض الفرض فلا يأتي بالنافلة(2).2.
ص: 415
ص: 416
و فيه مطلبان:
ثم يقضيها، لأنّ الشرع كان كذلك، ثم نسخ إلى صلاة الخوف، و لهذا أخّر النبي صلّى اللّه عليه و آله (أربع صلوات)(1) يوم الخندق(2).
و الأصل في صلاة الخوف: الكتاب و السنّة و الإجماع:
قال اللّه تعالى وَ إِذا كُنْتَ فِيهِمْ (3) و قد ثبت أنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله، صلّى يوم ذات الرقاع صلاة الخوف(4).
و سمّيت ذات الرقاع، لأنّ فيه جبلا ألوانه مختلفة بعضه أحمر، و بعضه أسود، و بعضه أصفر.
و قال أبو موسى الأشعري: موضع مرّ به ثمانية نفر حفاة، فتنقّبت
ص: 417
أرجلهم(1) ، و تساقطت أظفارهم، فكانوا يلفّون عليها الخرق، فسمّيت لذلك ذات الرقاع(2).
و صلّى عليه السلام، يوم عسفان ببطن النخل صلاة الخوف(3).
و به قال عامة أهل العلم(4) ، لأنّه عليه السلام صلاّها، و ورد الكتاب بها، و قال تعالى فَاتَّبِعُوهُ وَ اتَّقُوا (5).
و سئل عليه السلام، عن القبلة للصائم، فأجاب بأنّني أفعل ذلك، فقال السائل: لست مثلنا، فغضب و قال: (إنّي لأرجو أن أكون أخشاكم للّه، و أعلمكم بما أتّقي)(6) و لو اختصّ بفعله، لما كان الإخبار بفعله جوابا، و لا غضب من قول السائل: لست مثلنا.
و لأنّ الصحابة أجمعوا على صلاة الخوف: صلّى علي عليه السلام، في حرب معاوية ليلة الهرير صلاة الخوف(7). و صلّى أبو موسى الأشعري صلاة الخوف بأصحابه(8). و كان سعيد بن العاص أميرا على الجيش بطبرستان، فقال: أيّكم صلّى مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، صلاة الخوف ؟ فقال حذيفة: أنا، فقدّمه فصلّى بهم(9).
ص: 418
و قال أبو يوسف: إنّها كانت تختصّ برسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، لقوله تعالى وَ إِذا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ (1)(2) شرط كونه فيهم.
و قال المزني: الآية منسوخة، و قد أخّر النبي صلّى اللّه عليه و آله، يوم الخندق أربع صلوات، اشتغالا بالقتال، و لم يصلّ صلاة الخوف(3).
و خطابه لا يوجب اختصاصه، لوجوب التأسّي علينا، و لهذا أنكرت الصحابة على مانعي الزكاة حيث قالوا: إنّ اللّه تعالى قال لنبيّه خُذْ (4) فخصّه بذلك. و يوم الخندق كان قبل نزول صلاة الخوف(5).
بالإجماع، و كذا في الحضر، عند علمائنا أجمع - و به قال الأوزاعي و الشافعي و أحمد(6) - لقوله تعالى وَ إِذا كُنْتَ فِيهِمْ (7) و هو عام في كلّ حال.
و لأنّها حالة خوف، فجاز فيها صلاة الخوف، كالسفر.
و قال مالك: لا تجوز في الحضر، لأنّ الآية دلّت على صلاة ركعتين، و صلاة الحضر أربع.
و لأنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله، لم يفعلها في الحضر(8).
ص: 419
و نمنع عدم القصر في الحضر على ما سيأتي(1).
سلّمنا، لكن قد يكون في الحضر ركعتان كالفجر و صلاة الجمعة، و المغرب ثلاث يجوز فعلها في الخوف في السفر إجماعا.
و ترك النبي صلّى اللّه عليه و آله، فعلها في الحضر، لغناه عن فعلها فيه.
في عدد الرباعية إلى ركعتين خاصة، عند علمائنا أجمع - و هو قول الشافعي و أبي حنيفة و مالك و أحمد و أكثر العلماء(2) - لأنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله، صلّى يوم ذات الرقاع بكلّ طائفة ركعتين(3). و المراد أنّها صلّت ركعتين في حكم صلاته و لأنّ الإمام و المأموم على صفة واحدة، فيجب أن يستوي حكمهما.
و حكي عن ابن عباس أنّه قال: صلاة الخوف لكلّ طائفة ركعة، و للإمام ركعتان، و به قال الحسن البصري و طاوس و مجاهد(4) ، لقوله تعالى وَ إِذا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَ لْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرائِكُمْ (5) يعني تجاه القبلة.
أخبر أنّهم يصلّون قياما و سجودا، فقد ثبت أنّهم إنّما يصلّون ركعة واحدة.
ثم قال وَ لْتَأْتِ طائِفَةٌ أُخْرى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ (6) يعني
ص: 420
يصلّون صلاتهم معك، و الذي بقي عليه ركعة.
و هي محمولة على أنّ المراد بقوله فَإِذا سَجَدُوا و فعلوا الركعة الأخرى، و عبّر عنها بالسجود.
سواء صلّيت جماعة أو فرادى - و شرط بعضهم(1) في القصر الجماعة - للآية، فإنّها دلّت على أنّه يصلّى بكلّ طائفة ركعة.
و لقوله تعالى وَ إِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ (2) و ليس المراد بالضرب سفر القصر، و إلاّ لكان اشتراط الخوف لغوا.
و لأنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله، صلّى صلاة الخوف في المواضع التي صلاّها ركعتين(3) ، و لم يرو عنه أنّه صلّى أربعا في موضع من المواضع.
و من طريق الخاصة: قول الباقر عليه السلام، و قد سأله زرارة عن صلاة الخوف و صلاة السفر تقصّران ؟ قال: «نعم و صلاة الخوف أحقّ أن تقصّر من صلاة السفر الذي لا خوف فيه»(4) و لم يشترط الجماعة.
و لأنّ المشقّة بالإتمام أكثر من المشقّة في السفر، فكان الترخّص فيه أولى.
و قال بعض علمائنا: إنّما يقصّر العدد في السفر لا في الحضر، بل يصلّي أربعا جماعة و فرادى(5) - و عليه الجمهور كافة - لثبوت الأربع في الذمة،
ص: 421
و لم يحصل الشرط الذي هو السفر، و غيره لم يثبت له حكم الإسقاط.
و قد دلّلنا على ثبوت المسقط.
الأولى: صلاة ذات الرقاع: و هي أن يلتحم القتال و يحتمل الحال اشتغال بعضهم بالصلاة، فيفرقهم الإمام فرقتين لينحاز(1) بطائفة إلى حيث لا تبلغهم سهام العدوّ، فيصلّي بهم ركعة، فإذا قام إلى الثانية، انفردوا واجبا و أتمّوا، و الأخرى تحرسهم، ثم تأخذ الأولى مكان الثانية و تنحاز الثانية إلى الإمام و هو ينتظرهم فيقتدون به في الثانية، فإذا جلس للتشهّد في الثانية، قاموا فأتمّوا و لحقوا به، و سلّم بهم، فيحصل للطائفة الأولى تكبيرة الافتتاح و للثانية التسليم، و به قال مالك و داود و أحمد و الشافعي(2).
لما روي عن النبي صلّى اللّه عليه و آله، أنّه صلّى يوم ذات الرقاع صلاة الخوف فصفّت طائفة معه، و طائفة تجاه العدوّ، فصلّى بالتي معه ركعة، ثم ثبت قائما و أتمّوا لأنفسهم، ثم انصرفوا و صفّوا تجاه العدوّ، و جاءت الطائفة الأخرى، فصلّى بهم الركعة التي بقيت من صلاته، ثم ثبت جالسا، و أتمّوا لأنفسهم ثم سلّم بهم(3).
و من طريق الخاصة: قول الصادق عليه السلام، و قد سأله الحلبي عن صلاة الخوف: «يقوم الإمام و تجيء طائفة من أصحابه فيقومون خلفه، و طائفة
ص: 422
بإزاء العدوّ فيصلّي بهم الإمام ركعة، ثم يقوم و يقومون معه فيمثل قائما، و يصلّون هم الركعة الثانية، ثم يسلّم بعضهم على بعض، ثم ينصرفون فيقومون في مقام أصحابهم و يجيء الآخرون فيقومون خلف الإمام فيصلي بهم الركعة الثانية، ثم يجلس الامام و يقومون هم فيصلّون ركعة أخرى ثم يسلّم عليهم فينصرفون بتسليمه»(1).
و قال ابن أبي ليلى كقولنا، إلاّ أنه قال: يحرم بالطائفتين معا، ثم يصلّي بإحداهما على ما قلناه(2).
و قال أبو حنيفة: يصلّي بإحدى الطائفتين ركعة ثم تنصرف إلى وجه العدوّ و هي في الصلاة، ثم تأتي الطائفة الأخرى إلى الإمام فيصلّي بها الركعة الأخرى ثم يسلّم، ثم ترجع هذه الطائفة إلى وجه العدوّ و هي في الصلاة، ثم تأتي الطائفة الاولى إلى موضع الصلاة مع الإمام، فتصلّي ركعة منفردة و هي في الصلاة، و لا تقرأ فيها، لأنّها في حكم الائتمام، ثم تنصرف إلى وجه العدوّ، ثم تأتي الطائفة الأخرى إلى موضع الإمام، فتصلّي الركعة الثانية منفردة، و تقرأ فيها، لأنّها فارقت الإمام بعد فراغه من الصلاة، فحكمها حكم المنفرد، لأنّ عبد اللّه بن مسعود و عبد اللّه بن عمر رويا ذلك(3).
قال: و هو أولى ممّا ذهبتم إليه، لأنّكم تجوّزون للمأمومين مفارقة الإمام قبل فراغه من الصلاة و هم الطائفة الاولى، و تجوّزون للثانية المخالفة في الأفعال، فيكون جالسا و هم قيّام يأتون بركعة و هم في إمامته(4).2.
ص: 423
و ما قلناه أشبه بالكتاب، و أحوط للصلاة، و أولى للحرب، لأنّ قوله:
فَلْتَقُمْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَ لْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرائِكُمْ (1) يقتضي أن يسجدوا بعد صلاتهم معه، و ذلك هو الركعة الأخرى.
و قوله وَ لْتَأْتِ طائِفَةٌ أُخْرى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ (2) يقتضي أنّ جميع صلاتها معه، و عنده تصلّي معه ركعة، و عندنا جميع صلاتها معه إحدى الركعتين توافقه في أفعاله و قيامه، و الثانية تأتي بها قبل سلامه، ثم تسلّم معه.
و من مفهوم قوله لَمْ يُصَلُّوا أنّ الطائفة الأولى قد صلّت جميع صلاتها، و على قولهم لم تصلّ إلاّ بعضها.
و أمّا الاحتياط للصلاة: فإنّ كل طائفة تأتي بصلاتها متوالية بعضها يوافق الإمام فيها فعلا، و بعضها يفارقه، و تأتي به وحدها كالمسبوق، و عنده تنصرف في الصلاة، فإمّا أن تمشي و إمّا أن تركب. و هذا عمل كثير، و تستدبر القبلة.
و هو ينافي الصلاة، و تفرّق بين الركعتين تفريقا كثيرا بما ينافيها.
ثم جعلوا الطائفة الأولى مؤتمّة بالإمام بعد سلامه. و لا يجوز أن يكون المأموم مأموما في ركعة يأتي بها بعد سلام إمامه.
و أمّا الأولوية للحرب: فإنّه يتمكّن من الضرب و الطعن و إعلام غيره بما يراه ممّا خفي عليه من أمر العدوّ، و تحذيره، و إعلام الذين مع الإمام بما يحدث، و لا يمكن على قولهم ذلك.
و لأنّ مبنى صلاة الخوف على التخفيف، لأنّهم في موضع الحاجة إليه.
و على قولهم تطول الصلاة أضعاف حال الأمن، لأنّ كلّ طائفة تحتاج إلى المضيّ إلى مكان الصلاة، و الرجوع إلى لقاء العدوّ، و انتظار مضيّ2.
ص: 424
الطائفة الأخرى و رجوعها، فإن كان بين المكانين نصف ميل، احتاجت كلّ طائفة إلى مشي ميل، و انتظار الأخرى قدر مشي ميل و هي في الصلاة، ثم تحتاج إلى تكليف الرجوع إلى موضع الصلاة لإتمام الصلاة من غير حاجة إليه، و لا مصلحة تتعلّق به، فلو احتاج الآمن إلى هذه الكلفة في الجماعة، سقطت، فكيف يكلّف الخائف و هو في مظنّة التخفيف و الحاجة إلى الرفق!؟ و مفارقة الإمام لعذر جائزة، و لا بدّ منها على القولين، فإنّهم جوّزوا للطائفة الأولى مفارقة الإمام و الذهاب إلى وجه العدوّ، و هذا أعظم ممّا ذكرناه، فإنّه لا نظير له في الشرع، و لا يوجد مثله في موضع آخر.
إذا عرفت هذا، فإن صلّى بهم كمذهب أبي حنيفة، لم يجز، لما فيه من الفعل الكثير.
و قال أحمد و ابن جرير و بعض الشافعية: يجوز، لكن يكون قد ترك الأولى(1).
الأول: كون الخصم في غير جهة القبلة بحيث لا يتمكّن من الصلاة حتى يستدبر القبلة، أو تكون عن يمينه أو شماله، أو الحيلولة بينهم و بين المسلمين بما يمنع من رؤيتهم لو هجموا - و به قال الشافعي(2) - لأنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله، فعلها على هذه الصورة(3) ، فتجب متابعته.
و قال أحمد: لا يشترط، لأنّ العدوّ قد يكون في جهة القبلة على وجه لا يمكن أن يصلّي بهم صلاة عسفان، لانتشارهم أو استتارهم أو الخوف من كمين(4).
ص: 425
و الجواب: ليست الصلاة منحصرة في هذه و صلاة عسفان، فجاز أن يصلّوا منفردين.
و لو قيل بالجواز، كان وجها، لعدم المانع منه. و فعل النبي صلّى اللّه عليه و آله وقع اتّفاقا، لا أنّه كان شرطا.
الثاني: كون الخصم قويّا بحيث يخاف هجومه على المسلمين متى اشتغلوا بالصلاة، و إلاّ لانتفى الخوف الذي هو مناط هذه الصلاة.
الثالث: أن يكون في المسلمين كثرة يمكنهم أن يفترقوا فرقتين تقاوم كلّ فرقة العدوّ، و إلاّ لم تتحقّق هذه الصلاة.
الرابع: عدم الاحتياج إلى زيادة التفريق على فرقتين، و إلاّ لحصل لكلّ فرقة أقلّ من ركعة، فلا يتحقّق الائتمام.
و هذه الصلاة تخالف غيرها في انفراد المؤتمّ واجبا و انتظار الإمام إتمام المأموم و ائتمام القائم بالقاعد.
مسألة 657: يستحب للإمام أن يخفّف القراءة في الأولى، للحاجة إليه، لما هم به من حمل السلاح. و كذا يخفّف في كلّ فعل لا يفتقر فيه إلى الانتظار. و كذا الطائفة التي تفارقه و تصلّي لنفسها تخفّف في قراءتها، و إذا قام الإمام إلى الثانية، تابعته الطائفة الأولى، فإذا انتصبوا، نووا مفارقته، لأنّهم لا فائدة لهم في مفارقته قبل ذلك، لاشتراكهم في النهوض، و لأنّ الرفع من السجدة الثانية من الركعة الاولى. و لو فارقوه بعد الرفع من السجود الثاني، جاز. و إذا انفردوا، بقي الإمام قائما ينتظرهم حتى يسلّموا و حتى تأتي الطائفة الثانية تدخل معه.
و هل يقرأ الإمام في انتظاره ؟ الأقرب: ذلك، لأنّه قيام للقراءة، فيجب أن يأتي بها فيه، فيطوّل حينئذ القراءة حتى تفرغ الطائفة الاولى، و تلتحق به الثانية، و هو أحد قولي الشافعي، و أحمد. و في الثاني: لا يقرأ بل يسكت، أو يأتي بأيّ ذكر شاء، لأنّه قد قرأ بالطائفة الأولى، فينبغي أن يؤخّر القراءة في
ص: 426
الثانية ليقرأ بالطائفة الثانية، لتحصل التسوية بينهما في القراءة(1). و هو ينافي التخفيف.
فإذا جاءت الطائفة الثانية، فإن كان قد فرغ من قراءته، ركع بهم، و لا يحتاج إلى أن يقرءوا شيئا، لأنّ قراءة المأموم عند أكثر علمائنا منهي عنها إمّا نهي تحريم أو كراهة(2).
و قال الشافعي على الأول: يقرأ بقدر الفاتحة ليقرأوا بها خلفه(3).
و لو قرأ قبل مجيئهم ثم ركع عند مجيئهم أو قبله فأدركوه راكعا، ركعوا معه، و صحّت لهم الركعة مع تركه السنّة، و لو أدركوه بعد رفعه، فأتتهم الصلاة.
و يقومون هم إلى الثانية لهم، و يطوّل الإمام في تشهّده بالدعاء حتى يدركوه و يتشهّدوا معه، ثم يسلّم بهم - و هذا هو المشهور من مذهب الشافعي و أحمد(4) - لأنّها تعود إليه لتسلّم معه، فلا فائدة في تطويله عليها بالجلوس معه. مع أنّ هذه الصلاة مبينة على التخفيف.
و القول الآخر للشافعي: إنّها تتشهّد معه، ثم تقوم إلى الثانية، فإذا صلّوها، سلّم بهم، لأنّ المسبوق لا يفارق الإمام إلاّ بعد سلامه(5).
ص: 427
و نقول بموجبه، لكن التشهّد وقع في غير موقعه، فلا يجوز.
و قال مالك: تتشهّد معه، فإذا سلّم الإمام، قامت الطائفة الثانية فقضوا ما فاتهم، كالمسبوق(1).
و تبطله رواية سهل بن أبي حثمة: أنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله، سلّم بالطائفة الثانية(2).
على أنّ لنا رواية عن الصادق عليه السلام - في طريقها ضعف - كقول مالك.
قال: «و جاء أصحابهم، فقاموا خلف رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، فصلّى بهم ركعة، ثم تشهّد و سلّم عليهم، فقاموا فصلّوا لأنفسهم ركعة، و سلّم بعضهم على بعض»(3).
و لو فعلوه جاز، لكن لا يتشهّدون، بل إذا سلّم الإمام، قاموا فأتمّوا ركعة أخرى و تشهّدوا و سلّموا.
إذا ثبت هذا، فإنّها لا تنوي الانفراد حال قيامها إلى الثانية، فإن نؤته، ففي جواز نيّة الاقتداء بعده للتسليم وجهان.
كلاهما في حكم انتظار واحد، لاتّصاله.
و له انتظار آخر للطائفة الثانية حال تشهّده حتى تتمّ الصلاة.
و قد قلنا: إنّه يطوّل تشهّده و لا يقعد ساكتا.
و للشافعية وجهان، أحدهما: أنّ في ذلك قولين، كما تقدّم في انتظار
ص: 428
القراءة.
و الثاني: أنّه يتشهّد قولا واحدا، لأنّ الطائفة الأولى قرأ بها، فينبغي أن ينتظر الثانية ليقرأ بها، بخلاف التشهّد، فإنّه لم يتشهّد بالأولى، فلا ينتظر الثانية بالتشهّد(1).
إذا ثبت أنّه يتشهّد، فإنّه ينتظر الثانية بتطويل الدعاء حتى تتمّ الصلاة، و يتشهّد خفيفا، ثم يسلّم بهم.
و إن كان قادرا على القيام إلى الثانية و تركه عمدا إلى مجيء الثانية، قال الشيخ: بطلت صلاته، و لم تبطل صلاة الأولى، لأنّها فارقته حين رفع الرأس. و أمّا الثانية، فإن علمت أنّ ذلك يبطل صلاته و تابعته، بطلت صلاتها أيضا. و إن اعتقدت عذرا، أو جوّزت ذلك، لم تبطل صلاتها، لأنّ الظاهر من حاله العذر.
و إن فعل ذلك سهوا، لحقه حكم سهوه، دون الطائفة الأولى، لأنّها برفع الرأس قد فارقته(2).
و عندي في بطلان الصلاة، بذلك نظر.
إن شاء صلّى بالأولى ركعة و بالثانية ركعتين، و إن شاء بالعكس، لأنّ عليا عليه السلام
ص: 429
صلّى ليلة الهرير [1] بالطائفة الأولى ركعة و بالثانية ركعتين(1).
و من طريق الخاصة: قول الصادق عليه السلام: «و في المغرب مثل ذلك يقوم الإمام و تجيء طائفة فيقومون خلفه، و يصلّي بهم ركعة يقوم و يقومون فيمثل الإمام قائما و يصلّون الركعتين و يتشهّدون و يسلّم بعضهم على بعض ثم ينصرفون، فيقومون في موقف أصحابهم، و يجيء الآخرون فيقومون في موقف أصحابهم و خلف الإمام، فيصلّي بهم ركعة يقرأ فيها ثم يجلس و يتشهّد و يقوم و يقومون معه فيصلّي بهم ركعة أخرى ثم يجلس و يقومون هم فيصلّون ركعة أخرى ثم يسلّم عليهم»(2).
و اختلف في الأولوية، فقال مالك و أحمد و الأوزاعي و سفيان و الشافعي في أصح القولين: الأولى أن يصلّي بالأولى ركعتين، لئلاّ يكلّف الثانية زيادة جلوس(3).
و هي مبنيّة على التخفيف.
و الثاني للشافعي: الأولى العكس، لأنّ عليا عليه السلام فعلها. و لأنّ الأولى أدركت معه فضيلة الإحرام و التقدّم، فينبغي أن تزيد الثانية في الركعات4.
ص: 430
ليجبر نقصهم، و تساوي الأولى(1).
فقيل: الأول أولى، ليدركوا معه ركعة من أولها(2).
و قيل: الثاني، لأنّ القيام مبنيّ على التطويل، و الجلسة الأولى على التخفيف(3).
فإن انتظرهم في القيام، فالأولى أن تفارقه الاولى عند الانتصاب.
و إذا صلّى بالثانية الثالثة و جلس للتشهّد، قامت الطائفة و لا تتشهّد، لأنّه ليس بموضع تشهّدها.
إذا عرفت هذا، فإن صلّى بالأولى ركعتين، تشهّد طويلا ثم أتمّت الأولى صلاتها و سلّمت، و قامت و جاءت الثانية فنهض الإمام و صلّى بهم الثالثة له و هي أولاهم، و إن شاء تشهّد خفيفا و قام إلى الثالثة، و قامت الاولى و طوّل في القراءة حتى تتم الاولى و تأتي الثانية.
و على التقديرين إذا صلّى الثالثة و جلس للتشهّد، لا تجلس الطائفة، بل تقوم فتصلّي ركعة ثم تتشهّد خفيفا ثم تقوم إلى الثالثة ثم تتشهّد خفيفا و يسلّم بهم الإمام.
و إن صلّى بالأولى ركعة، قام إلى الثانية و طوّل قراءتها و نوت الاولى مفارقته حال انتصابها و خفّفت و صلّت الثانية و تشهّدت خفيفا و قامت إلى الثالثة و تشهّدت خفيفا و سلّمت.
ثم جاءت الطائفة الثانية فدخلت معه في ثانيته، فإذا جلس للتشهّد الأول، جلسوا معه يذكرون اللّه تعالى من غير تشهّد، فإذا قام إلى الثالثة،
ص: 431
قاموا معه، فإذا جلس للتشهّد الثاني، جلسوا و تشهّدوا خفيفا(1) ، و طوّل إلى أن يتمّوا، ثم يتشهّدون خفيفا و يسلّم بهم.
الصورة الثانية(2): صلاة عسفان - و عسفان قرية جامعة على اثني عشر فرسخا من مكة - بأن يقوم الإمام و يصفّ المسلمين صفّين وراءه، و يحرم بهم جميعا، و يركع بهم، و يسجد بالأولى خاصة و تقوم الثانية للحراسة.
فإذا قام الإمام بالأولى، سجد الصف الثاني، ثم ينتقل كلّ من الصفين مكان صاحبه، فيركع الإمام بهما، ثم يسجد بالذي يليه و يقوم الثاني الذي كان أوّلا لحراستهم، فإذا جلس بهم، سجدوا و سلّم بهم جميعا.
لأنّ أبا عياش الزرقي قال: كنّا مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، بعسفان، فصلّى بنا الظهر، فقال المشركون: لقد أصبنا غرة، لقد أصبنا غفلة، لو كنّا حملنا عليهم و هم في الصلاة، فنزلت آية القصر بين الظهر و العصر. فقال بعضهم: إنّ بين أيديهم صلاة هي أحبّ إليهم من أولادهم، فنزل جبرئيل عليه السلام، فأخبره بذلك، فلمّا حضرت العصر قام رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، مستقبل القبلة و المشركون أمامه، فصفّ خلف رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، صفّ، و صفّ بعد ذلك الصفّ صفّ آخر، فركع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، و ركعوا جميعا، ثم سجد و سجد الصفّ الذي يلونه، و قام الآخرون يحرسونهم، فلمّا صلّى هؤلاء السجدتين و قاموا، سجد الآخرون الذين كانوا خلفهم، ثم تأخّر الصف الذي يليه و تقدّم الصفّ الأخير إلى مقام الصفّ الآخر، ثم ركع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، و ركعوا جميعا، ثم سجد و سجد الصف الذي يليه، و قام الآخرون يحرسونهم، فلمّا جلس رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، و الصفّ الذي يليه، سجد الآخرون،ف.
ص: 432
ثم جلسوا جميعا، فسلّم عليهم جميعا(1).
الأول: أن يكون العدوّ في جهة القبلة، لأنّه لا يمكن حراستهم في الصلاة إلاّ كذلك ليشاهدونهم فيحرسونهم.
الثاني: أن يكون في المسلمين كثرة يمكنهم معها حراسة بعضهم بعضا، و أن يفترقوا فرقتين تصلّي معه إحداهما و تحرس الثانية معه.
الثالث: أن يكونوا على قلّة جبل أو مستو من الأرض لا يحول بينهم و بين أبصار المسلمين حائل من جبل و غيره ليتوقّوا كبساتهم و الحملات عليهم، و لا يخاف كمين لهم.
إذا عرفت هذا، فهذه الصلاة لم يثبت نقلها عندي من طريق صحيح عن أهل البيت عليهم السلام، فعندي في العمل بها نظر.
و الشافعي عكس ما روي عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، فاختار الحراسة للصفّ الأول، لأنّهم أقرب إلى العدوّ، فيكونون جنّة لمن خلفهم، و يمنعون المشركين من الاطّلاع على عدد المسلمين و عدّتهم(2).
فإذا سجد سجد معه أحد الصفّين، و كذا في الثانية، فالكلّ يركعون معه في الركعتين، و إنّما الحراسة في السجود.
و في وجه للشافعية: من يحرس في السجود يحرس في الركوع(3).
ص: 433
و لو حرست فرقتان من صفّ واحد في الركعتين على التناوب، جاز أيضا، و لو حرس في الركعتين طائفة واحدة ثم سجدت و لحقت، جاز.
و للشافعي قولان، أحدهما: المنع، لأنّ المتخلّف يتضاعف و يزيد على ما ورد به الخبر(1).
و ليس بجيّد، لأنّ القدر المحتمل في ركعة للعذر لا يضرّ انضمام مثله إليه في ركعة أخرى كالقدر المحتمل من المتخلّف بلا عذر.
و هذه الفروع مبنيّة على جواز هذه الصلاة، و لا بأس بها إن لزم كلّ طائفة مكانهم، أو كان التقدّم و التأخّر من الأفعال القليلة.
الصورة الثالثة(2): صلاة النبي صلّى اللّه عليه و آله، ببطن النخل، فإنّه صلّى الظهر فصفّ بعض أصحابه خلفه و بعضهم جعلهم بإزاء العدوّ للحراسة، فصلّى ركعتين ثم سلّم، فانطلق الذين صلّوا، فوقفوا موقف أصحابهم للحراسة، ثم جاء أولئك فصلّى بهم الظهر مرّة ثانية ركعتين(3).
و هذه لا تحتاج إلى مفارقة الإمام و لا إلى تعريف كيفية الصلاة، و ليس فيها أكثر من أنّ الإمام في الثانية متنفّل يؤمّ مفترضين، و هو اختيار الحسن و أكثر الفقهاء(4).
و نختار هذه الصلاة إذا كان العدوّ في غير جهة القبلة، و أن يكثر المسلمون و يقلّ العدوّ، و أن لا يأمنوا من هجوم العدوّ عليهم في الصلاة.
ص: 434
الصورة الرابعة(1): صلاة شدة الخوف، و ذلك عند التحام القتال و عدم التمكّن من تركه لأحد، أو اشتدّ الخوف و إن لم يلتحم القتال، فلم يأمنوا أن يهجموا عليهم لو ولّوا عنهم أو انقسموا، فيصلّون رجالا و مشاة على الأقدام و ركبانا مستقبلي القبلة واجبا مع التمكّن، و غير مستقبليها مع عدمه على حسب الإمكان.
فإن تمكّنوا من استيفاء الركوع و السجود، وجب، و إلاّ أومئوا لركوعهم و سجودهم، و يكون السجود أخفض من الركوع. و لو تمكّنوا من أحدهما، وجب، و يتقدّمون و يتأخّرون، لقوله تعالى فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجالاً أَوْ رُكْباناً (2).
و عن النبي صلّى اللّه عليه و آله، قال: (مستقبلي القبلة و غير مستقبليها)(3).
و من طريق الخاصة: قول الباقر عليه السلام، في صلاة الخوف عند المطاردة و المناوشة و تلاحم القتال: «يصلّي كلّ إنسان منهم بالإيماء حيث كان وجهه»(4).
إذا عرفت هذا، فإنّ هذه الصلاة صحيحة لا يجب قضاؤها عند علمائنا أجمع - و به قال الشافعي(5) - لاقتضاء الأمر الإجزاء. و لأنّه يجوز ذلك في النافلة اختيارا، فجاز في الفريضة اضطرارا.
إلاّ
ص: 435
ماشيا - و به قال الشافعي(1) - لعموم قوله فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجالاً أَوْ رُكْباناً (2) بل يصلّيها و لا يقضي.
و لأنّه مكلّف تصح طهارته، فلا يجوز له إخلاء الوقت من الصلاة من غير خوف القتل، كما إذا لم يكثر العمل.
و قال أبو حنيفة: لا تجوز الصلاة على المشي، بل يؤخّرها، لأنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله، لم يصلّ يوم الخندق، و أخّرها لهذه العلّة. و لأنّ ما منع صحّة الصلاة في غير حال الخوف منع منها في الخوف كالصياح(3).
و يوم الخندق منسوخ، نقل أبو سعيد الخدري: أنّه كان قبل نزول فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجالاً أَوْ رُكْباناً (4)(5). و الصياح لا حاجة به إليه، بخلاف المشي.
بالإيماء في الركوع و السجود، مستقبل القبلة إن تمكّن، و إلاّ فلا، و لا إعادة عليه عند علمائنا، لأنّها صلاة مأمور بها، فلا يستعقب القضاء.
و لقول الباقر عليه السلام: «فإذا كانت المسايفة و المعانقة و تلاحم القتال، فإنّ أمير المؤمنين عليه السلام، صلّى ليلة صفّين - و هي ليلة الهرير - لم تكن صلاتهم الظهر و العصر و المغرب و العشاء عند وقت كلّ صلاة إلاّ بالتكبير و التسبيح و التهليل و التحميد و الدعاء، فكانت تلك صلاتهم لم يأمرهم
ص: 436
بإعادة الصلاة»(1).
و للشافعي ثلاثة أقوال:
أحدها: أنّ الأعمال الكثيرة مبطلة و إن دعت الحاجة إليها - و هو محكي عن أبي حنيفة - كغير الحاجة(2).
و الثاني: ما قلناه نحن، و هو أظهرها عنده، للحاجة، كالمشي و ترك الاستقبال(3).
و الثالث: المنع في شخص واحد، لأنّه لا يحتاج إلى تكرار الضرب، و الجواز في الأشخاص الكثيرة، للحاجة إلى توالي ضربهم(4).
إذا عرفت هذا، فإنّ الإعادة لا تجب، لما قلناه.
و قال أبو حامد: إنّها تبطل و يمضون فيها و يعيدون(5). و ليس بجيّد.
و قال أبو حنيفة: لا يصلّي حال المسايفة و يؤخّر الصلاة(6).
و البحث قد تقدّم في المسايفة.
فإن تعذّر، استقبل بتكبيرة الافتتاح إن تمكّن، لقول الباقر عليه السلام: «غير أنّه يستقبل القبلة بأول تكبيرة حين يتوجّه»(7).
فإن لم يتمكّن، سقط، لقوله عليه السلام، في حال المطاردة:
ص: 437
«يصلّي كلّ إنسان منهم بالإيماء حيث كان وجهه»(1).
و يسجد الراكب على قربوس(2) سرجه إن لم يمكن النزول، فإن عجز عنه، أومأ، لقول الباقر عليه السلام: «و يجعل السجود أخفض من الركوع»(3).
و هل يجب لو تمكّن في الأثناء؟ إشكال ينشأ: من المشقة، و قول الباقر عليه السلام: «و لا يدور إلى القبلة و لكن أينما دارت دابته»(4) و من تمكّنه من الاستقبال في الفرض.
و إن احتاج إلى الركوب ركب، و لا تبطل صلاته و إن كان فعلا كثيرا، للحاجة.
و لو علم حالة تمكّنه من النزول احتياجه إلى الركوب في الأثناء، احتمل الوجوب و عدمه.
من القراءة و الركوع و السجود، و اجتزأ عوض كلّ ركعة بتسبيحة واحدة، صورتها: سبحان اللّه و الحمد للّه و لا إله إلاّ اللّه و اللّه أكبر.
و لا بدّ من النيّة، لقوله عليه السلام: (إنّما الأعمال بالنيات، و إنّما لكل امرئ ما نوى)(5).
ص: 438
و لأنّه فعل يجامع القتال، فلا تسقط به.
و تجب تكبيرة الإحرام، لقوله عليه السلام: (تحريمها التكبير)(1) و يمكن مجامعتها للقتال، فلا تسقط.
و في وجوب التشهّد إشكال ينشأ: من أنّه ذكر يمكن أن يجامع القتال، و من اختصاصه بحالة الجلوس، و أصالة براءة الذمة.
للإجماع على إجزائه، و في غيره إشكال ينشأ: من مفهوم قوله عليه السلام: «لم تكن صلاتهم إلاّ بالتكبير و التهليل و التسبيح و التحميد و الدعاء»(2).
لأنّها تجزي عنهما فعن ذكرهما أولى. و لأنّه ذكر مختص بهيئة و قد سقطت فيسقط
لأنّها على عدد الركعات.
و لقول الصادق عليه السلام: «أقلّ ما يجزئ في حدّ المسايفة من التكبير تكبيرتان لكلّ صلاة إلاّ صلاة المغرب فإنّ لها ثلاثا»(3).
للإجزاء بفعل المأمور به، و لو تمكّن بعد تكبيرة واحدة، فالوجه: سقوط ركعة عنه، و وجوب الإتيان بأخرى.
و لو أمن في أثناء التكبيرة، استأنف صلاة آمن، و كذا لو صلّى ركعة
ص: 439
فاشتد الخوف، كبّر للأخرى تكبيرة.
و سوّغهما، بخلاف باقي المحقّقين.
أحدهما: أنّه يصلّي بالأولى ركعتين و بالثانية ركعتين، و تسلّم كلّ طائفة و تنصرف و لا تقضي شيئا، و الإمام يسلّم في أربع، فيكون للإمام أربع ركعات تماما، و للمصلّين ركعتان قصرا(1).
و ليس بجيّد، لعدم المخالفة بين فعل الإمام و المأموم في عدد الركعات في شيء من الصلوات.
الثاني: أن يصلّي بكلّ طائفة ركعة و لا تقضي شيئا، فيكون للإمام ركعتان و لكلّ طائفة ركعة، و هو مذهب ابن عباس و جابر، و به قال طاوس و مجاهد و الحسن و قتادة و الحكم(2).
قال إسحاق: يجزئك عند الشدّة ركعة(3).
و الحقّ ما تقدّم.
و قال بعض علمائنا: بوجوب الإتمام(4) - و عليه الجمهور - فحينئذ يصلّي بالأولى ركعتين و يتشهّد بهم، ثم يقوم إلى الثالثة بهم، فيطوّل القراءة و يخفّفون و يتمّون أربعا، ثم ينصرفون إلى موقف أصحابهم، و يجيء أصحابهم فيركع بهم الثالثة و هي الأولى لهم، ثم يصلّي بهم الثانية و يطوّل في
ص: 440
تشهّده حتى تتمّم صلاتها أربعا، ثم يسلّم بهم، فيكون انتظار الثانية في الثالثة و التشهّد الثاني، و يجوز انتظارهم في التشهّد الأول، و به قال الشافعي(1).
لقلّة المخالفة و قلّة الانتظار.
فإن فرّقهم أربعا، فالوجه: الجواز، و صحة صلاة الإمام و المأمومين للأصل، و جواز المفارقة مع النيّة، فيصلّي بالأولى ركعة ثم يقوم إلى الثانية فيطوّل القراءة إلى أن تصلّي الطائفة ثلاث ركعات، ثم تذهب فتجيء الثانية، فيصلّي بهم الثانية له، و يطوّل في تشهّده أو قيامه حتى تتمّ صلاتها أربعا، ثم تأتي الثالثة فيصلّي بهم ركعة و يقوم إلى الرابعة فيطوّل حتى يتمّ من خلفه أربعا، ثم تأتي الرابعة فيصلّي بهم تمام الرابعة و يطوّل تشهّده حتى تتمّ أربعا ثم يسلّم بهم. و هو أحد أقوال الشافعي(2).
و قال الشيخ في الخلاف: تبطل صلاة الجميع: الإمام و المأمومين، لأنّ صلاة الخوف مقصورة، فلا يجزئه التمام.
قال: و إذا قلنا بالشاذّ من قول أصحابنا، ينبغي أن نقول أيضا ببطلان صلاتهم، لأنّه لم يثبت لنا في الشرع هذا الترتيب، و إذا لم يكن مشروعا كان باطلا(3). و هو قول الشافعي(4) أيضا، لأنّ للإمام انتظارين و قد انتظر أربعا فتبطل، كما إذا عمل في الصلاة عملا كثيرا.
و نمنع عدم النقل، فإن الانتظار و مفارقة المأموم ثابتان، و الزيادة في
ص: 441
أعمال الصلاة لمصلحة غير مبطلة، كما لو طوّل القيام قارئا.
و لأنّ الحاجة قد تدعو إليه، بأن يكون العدوّ من أربع جهات، و يكون المسلمون أربعمائة، فيكون في التفريق صلاح للحرب و الصلاة.
و للشافعي قول ثالث: صحّة صلاة الإمام و الطائفة الرابعة خاصّة دون الثلاثة الأول، لأنّهم فارقوا الإمام بغير عذر، لأنّ وقت الخروج عن المتابعة نصف الصلاة، و الطائفة الرابعة أتمّت في حكم إمامته(1).
و قد بيّنّا أنّ المفارقة جائزة، و العذر ظاهر، و هو: طلب كلّ طائفة فضيلة الجماعة.
و له رابع: بطلان صلاته و صلاة الثالثة و الرابعة(2).
و خامس: بطلان صلاته و صلاة الرابعة خاصة(3).
و أصل هذين: الخلف في وقت بطلان صلاة الإمام، فعلى أحد القولين: إنّها تبطل بانتظاره للثالثة، فإذا أحرمت معه مع العلم ببطلان صلاته، بطلت صلاتها، و اختاره أبو إسحاق(4).
و على الثاني، و هو اختيار أبي العباس: بطلانها بانتظار فراغ الثالثة، لأنّه عليه السلام، انتظر مرّتين: الاولى: حتى فرغت و جاءت الثانية.
و الثانية: حتى فرغت، فتبطل بالانتظار الثالث و هو انتظار فراغ الثالثة ففسدت صلاته بذلك بعد مفارقتها له و لم تبطل صلاتها(5).
ص: 442
لانتفاء موجبه، و هو: السهو.
و عند الشافعي وجوبه(1) على تقدير الصحّة.
و لا تبطل صلاته.
و كرهه الشافعي، لزيادة الانتظار، و أوجب على الإمام و الأخرى سجدتي السهو، لأنّه انتظار في غير موضعه(2).
و عدم السبب يقتضي عدم مسبّبه.
و لا يجوز على قول الشيخ.
لعدم دليله، نعم يجب كون الطائفة الحارسة ممّن تحصل الثقة بحراستها.
و لو خاف اختلال حالهم و احتيج إلى إعانتهم بالطائفة الأخرى، فللإمام أن يكب بمن معه على العدوّ، و يبنوا على ما مضى من صلاتهم.
و يجوز أن تكون الطائفة واحدا، للأصل.
و شرط أحمد ثلاثة فما زاد، لأنّه جمع بقوله تعالى فَإِذا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا (3) و أقلّه ثلاثة(4). و هو من باب توزيع الجميع على الجمع(5).
و كره الشافعي كون الطائفة أقلّ من ثلاثة، فإن كانوا خمسة، صلّى
ص: 443
باثنين ركعتين و مضوا إلى وجه العدوّ، و صلّى الآخران أحدهما بالآخر ركعتين(1).
و الحقّ ما قلناه.
قال ابن داود: قول الشافعي أقل الطائفة ثلاث خطأ لأن الواحد يسمى طائفة(2).
و كذا بالعكس لو صلّى بالإيماء للخوف أو راكبا فأمن، إمّا لانهزام العدوّ، أو للحوق النجدة، لم يجز أن يتمّ الصلاة بالإيماء و لا راكبا، لزوال العذر، فينزل لإتمامها بركوع و سجود عند علمائنا - و به قال أحمد(3) - لأنّ ما مضى كان صحيحا قبل الأمن، فجاز البناء عليه و إن أخلّ بشيء من واجباتها كالاستقبال و غيره كما لو لم يخلّ.
و قال الشافعي: لو صلّى ركعة آمنّا ثم صار إلى شدّة الخوف فركب، استأنف الصلاة، و لو صلّى راكبا ثم أمن، نزل و أتمّ، لأنّ النزول عمل قليل و الصعود كثير(4).
و ليس بجيّد، لأنّ الركوب قد يكون أخفّ من أن يكون فارسا، فإنّه أخفّ من نزول غيره.
سلّمنا، لكنه عمل أبيح للحاجة، فلا يمنع صحة الصلاة، كالهرب.
و له قول آخر(5) كقولنا.
ص: 444
تذنيب: لو ترك الاستقبال حال نزوله، استأنف الصلاة، لأنّه أخلّ بالشرط حالة الأمن.
و لو فعله حال ركوبه، فالوجه: الصحة - خلافا للشيخ(1) و الشافعي(2) - لأنّه لو صلّى مستدبرا للحاجة ابتداء صحّ و كذا في الأثناء، و كذا لو أخلّ بشيء من الواجبات حال نزوله أو ركوبه.
و الجماعة أفضل - و به قال الشافعي(3) - لعموم الآية(4) و الأخبار المرغّبة في الجماعة(5).
و لأنّ كلّ ركوب لا يمنع من فعل الصلاة منفردا لا يمنع في الجماعة، كركوب السفينة.
و قال أبو حنيفة: لا تجوز الجماعة، لأنّهم إذا كانوا ركبانا، كان بينهم و بين الإمام طريق، و هو مانع من صحة الجماعة(6).
و نمنع من المانعية. سلّمنا لكن يجوز أن يقوموا صفّا مع الإمام.
و هل يجوز أن يأتمّ بعضهم ببعض ؟ إن جوّزنا صلاة المستديرين حول الكعبة جماعة، جاز هنا - و به قال الشافعي(7) - لأنّ كلّ واحد يجوز له أن يصلّي
ص: 445
إلى جهته مع العلم بها، بخلاف من اختلف اجتهادهم.
و إن لم يحتج إليها، لأنّها فعل قليل، و به قال الشافعي(1). و كذا تجوز الاثنتان.
و له قولان، أحدهما: أنّه تبطل، لأنّه كثير، لأنّه تابع بين العملين.
و الثاني: أنّه قليل، لأنّ الثلاث أوّل حدّ الكثرة(2).
و أمّا الثلاث فإنّها في حدّ الكثرة، فإن فعلها لا لضرورة، بطلت صلاته، و إن كان لضرورة، لم تبطل عندنا - و به قال أبو العباس(3) - لأنّه موضع ضرورة، فأشبه المشي.
و قال الشافعي: لا تجزئه، و يمضي فيها و يعيد، لأنّه فعل كثير(4).
و ليس بجيّد، إذ الإبطال ينافي المضيّ فيها، و الكثير عفو كالمشي.
و لقول الباقر عليه السلام في صلاة الخوف: «عند المسايفة و المعانقة و تلاحم القتال بالتكبير، و لم يأمرهم علي عليه السلام بالإعادة»(5).
لأنّه عمل يسير، فإن نازعه فجذبه إليه جذبة أو اثنتين أو ثلاثا، جاز و إن استدبر القبلة، للحاجة،
ص: 446
أو كثرت مجاذبته.
و قال الشافعي: تبطل بكثرة المجاذبة لا بالثلاث، بخلاف الطعنات، لأنّ الجذبات أخفّ، فاعتبر كثرة العمل دون العدد(1).
و الكلّ غير مبطل عندنا، للحاجة.
لأنّها وقعت مشروعة.
و هو أحد قولي الشافعي و أبي إسحاق من أصحابه. و الآخر: أنّ عليهم الإعادة - و به قال أبو حنيفة و المزني(2) - لأنّهم صلّوا صلاة شدّة الخوف مع عدم العدوّ، فأشبه إذا لم يظنّوا، كما لو ظنّ طهارة الماء ثم بان نجسا(3).
و الفرق ظاهر بين الظنّ و عدمه، و بين الطهارة، لأنّها شرط.
و للشافعي قول ثالث: إن صلّوا بخبر ثقة، فلا إعادة، و إلاّ أعادوا(4).
لأنّها مأمور بها، فأجزأت، و هو أحد قولي الشافعي، و الآخر: يعيدون، لأنّهم فرّطوا بعدم الاطّلاع على ما بينهم و بين العدوّ(5).
و ليس بجيّد.
و لو كان بينهم و بين العدوّ خندق أو حائط فخافوا إن تشاغلوا بالصلاة أن يطمّوا الخندق أو ينقضوا الحائط، جاز أن يصلّوا صلاة الخوف إيماء إذا ظنّوا
ص: 447
أنّهم يطمّون قبل أن يصلّوا، و إن ظنّوا أنّهم لا يطمّون إلاّ بعد فراغهم، لم يصلّوا صلاة الشدّة.
- و به قال مالك و داود و الشافعي في أحد القولين(1) - لقوله تعالى وَ لْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ (2) و الأمر للوجوب.
و الثاني للشافعي: عدمه - و به قال أبو حنيفة و أحمد - لأنّه لو وجب، لكان شرطا، كالسترة(3).
و الملازمة ممنوعة.
لأنّه ليس جزءا من الصلاة و لا شرطا.
عند بعض علمائنا(4). أمّا أوّلا: فللحاجة. و أمّا ثانيا: فلأنّه ممّا لا تتمّ الصلاة فيه منفردا.
ص: 448
كالركوع و السجود، فإن منع، لم يجز أخذه إلاّ مع الضرورة فيومئ بهما.
و لو كان ممّا يتأذّى غيره به، كالرمح في وسط الناس، لم يجز، و لو كان في حاشية الصفوف، جاز.
بأن يفرقهم فرقتين إحداهما تقف معه للصلاة فيخطب بهم، و يصلّي بهم ركعة، ثم يقف في الثانية فتتمّ صلاتها، ثم تجيء الثانية فتصلّي معه ركعة جمعة، و لا خطبة لهم كالمسبوق، فإذا تشهّد، طوّل، فأتمّوا و سلّم بهم - و هو أحد قولي الشافعي(1) - لعموم الأمر بها(2).
و الثاني: لا تصحّ، لأنّ بقاء العدد شرط عنده من أول الصلاة إلى آخرها و الإمام يبقى منفردا حتى تتمّ الاولى(3).
و قد بيّنّا بطلانه.
و يجوز أن يخطب بالفرقتين معا ثم يفرّقهم فرقتين.
لا يقال: لا يجوز انعقاد جمعة بعد اخرى، و قد عقدتم للطائفة الثانية جمعة بعد فراق الاولى.
لأنّا نقول: الإمام لم يتمّ جمعة، و إنّما أدركت الاولى معه ركعة، و أصل الجمعة التي عقدها الإمام لم تتمّ، فلهذا عقدتها الثانية، و أشبهت المسبوق.
إذا ثبت هذا، فإنّ هذه الصلاة إنّما تجب بشروط الحضر دون السفر،
ص: 449
خلافا للشافعي(1) ، و كون الفرقة الأولى كمال العدد، و به قال الشافعي(2) ، فلو تمّ العدد بالفرقة الثانية، لم تصحّ هذه الصلاة و الخطبة للفرقة الاولى، فلو لم يخطب، لم تصحّ.
و لو خطب لها ثم مضت عنه إلى العدوّ و جاءت الطائفة الأخرى، وجب إعادة الخطبة، فإن بقي من الفرقة الأولى كمال العدد و مضى الباقون و جاءت الأخرى، جاز أن يعقد الجمعة، لبقاء العدد الذي سمع الخطبة معه.
و للشافعي في الثانية قولان(3).
و لو نقصت الاولى و كملت الثانية، فلا جمعة، لأنّه لا يصلّي بالأولى إلاّ الظهر، فلا يصلّي بعدها جمعة.
نعم يجوز أن يستنيب من الثانية من يصلّي بهم الجمعة، فيخرج عن هذه الصلاة.
لأنّه لا جمعتان في بلد واحد، و يجوز أن تصلّى على صفة عسفان، بل هو أولى إن سوّغناه مطلقا أو لم يتقدّم أحد الصفّين، و يتأخّر الآخر كثيرا.
فيصلّي بالأولى ركعة ثم ينتظر حتى تتمّ، و يصلّي بالثانية أخرى و ينتظر حتى تتمّ، و لو كان في الشدّة، دعا.
ص: 450
و يجوز أن يصلّي بالإيماء.
و قال الشافعي: لا يصلّي، لعدم خوف فوتها(1).
فيصلّي بالأولى ركعة مشتملة على خمس ركوعات و ينتظر حتى تتمّ، و كذا بالثانية.
و يجوز أن يصلّي الكسوفين فرادى، بخلاف العيد.
و للشيخ قول بوجوب تعدّي حكمه إلى المأموم لو سها الإمام(2) ، و به قال الشافعي(3).
فعلى قول الشيخ، لو سها الإمام في الأولى، لزم حكمه الطائفة الأولى، فيشير إليهم بالسجود بعد فراغهم. و إن سها بعد ما فارقوه، لم يلحقهم حكمه، لأنّهم صاروا منفردين. فإن سهوا بعد سهوه في ثانيتهم، انفردوا بسجوده.
و في الاكتفاء بالسجدتين لعلمائنا قولان، و كلاهما للشافعي(4).
و أمّا الطائفة الثانية فيلحقها سهو الإمام فيما تابعته فيه عنده(5) ، دون الركعة الأولى.
قال رحمه اللّه: و إن تابعته فيه، كان أفضل(6). أمّا سهوه حال انتظاره، فلم يتعرّض له.
ص: 451
و أوجب الشافعي المتابعة، لأنّها في حكم ائتمامه(1). و هو ممنوع.
و إن سهت هي في حال الائتمام، لم تلتفت. و لو سهت حالة الانفراد، سجدت.
بل حالة الانفراد.
و مبدأه رفع الإمام من سجود الاولى. و يحتمل اعتداله في قيام الثانية.
و الأقرب عندي: إيقاع نية الانفراد.
و إلاّ احتمل ذلك، لأنّهم منفردون بها حقيقة، و عدمه، لأنّهم مقتدون، و إلاّ لاحتاجوا إلى إعادة نية الاقتداء. و كلاهما للشافعي(2).
و في المزحوم إذا سها في وقت تخلّفه إشكال.
و إن لم يكن فإن كان قليلا، لم تبطل به الصلاة، كغيره من الأعمال القليلة، و إن كان كثيرا، بطلت.
و كذا لو توجّهوا فيه إلى غير القبلة، تبطل مع الكثير و القليل لغير الحاجة، و لا تبطل لها معهما.
و قال الشافعي: إذا حملوا مواجهين القبلة، بطلت صلاتهم و إن حملوا قدر خطوة، لأنّهم قصدوا عملا كثيرا لغير ضرورة، و عملوا شيئا منه(3).
و المبطل إنّما هو الفعل الكثير لا نيته و لا بعضه.
ص: 452
قال: و لو نووا القتال في الحال و عملوا شيئا منه و إن قلّ بطلت صلاتهم(1). و ليس بشيء.
و لو نووا أنّ العدو إذا أظلّهم، قاتلوه، لم تبطل إجماعا، لأنّهم لم يغيّروا النيّة في الحال.
مسألة 680: يجوز أن يصلّي صلاة الخوف بصفة ذات الرقاع أو بطن النخل في الأمن، و تصح صلاة الإمام و المأمومين. قال الشيخ: و صلاة عسفان(2).
و عندي فيه إشكال، لما فيه من تقدّم الصفّ و تأخّره، فإن قصد مع القلّة أو عدم الانتقال، جاز، و إلاّ فلا تجوز صلاة المأمومين و تصحّ صلاة الإمام.
أمّا صلاة شدّة الخوف فلا تجوز حالة الأمن بحال.
و للشافعي في صحة صلاة الإمام على صفة ذات الرقاع وجهان، هذا أحدهما. و الثاني: البطلان، لأنّه انتظر في غير موضعه(3).
و أما الطائفة الأولى فقد خرجت من الصلاة لغير عذر، و في ذلك عنده قولان، و أبطل صلاة الثانية، لأنّها خالفت الإمام في ركعة مع كونها في إمامته(4).
و أمّا صلاة عسفان، فإنّ صلاة الإمام و من تبعه صحيحة، و أمّا من خالفه في السجود فقد سبقه الإمام بسجدتين و جلسة بينهما، فبعض أصحابه أبطل صلاتهم، لأنّهم خالفوا الإمام بركنين، و بعضهم منع، لأنّ السجدتين كالركن الواحد، و الجلسة للفصل(5).2.
ص: 453
أو مباح كالدفع عن النفس و المال جاز أن يصلّي فيه صلاة الخوف و الشدّة.
و أمّا المحرّم فلا تجوز صلاة الخوف، فإن صلّوا، صحّت صلاتهم، لأنّهم لم يخلّوا بركن، و لو صلّوا صلاة الشدّة، بطلت(2).
و الوجه: الجواز في الصورة الاولى، و إلاّ لوجبت الإعادة. و جعل الدفع عن النفس قسيما للواجب ليس بجيّد.
عليهم و رجوعهم إليهم، جاز أن يصلّوا صلاة الخوف، للمقتضي.
مع الحاجة إليه، و لو عجز عنه صلّى بالتسبيح إن خشي من الإيماء، سواء كان الخوف من لصّ أو سبع أو غرق أو حرق، و لا قضاء عليه عند علمائنا، لقوله تعالى وَ إِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا (3).
علّق الحكم على الوصف، فكان مشعرا بالعلّية، و التعليق ب اَلَّذِينَ كَفَرُوا للأغلبية، فلا يقتضي عدمه عدم الحكم.
و لقول الصادق عليه السلام: «يكبّر و يومئ برأسه» و قد سئل عن الرجل
ص: 454
يخاف من لصّ أو عدوّ أو سبع كيف يصنع ؟(1).
و قال الباقر عليه السلام: «الذي يخاف اللصّ و السبع يصلّي صلاة المواقفة إيماء على دابته» قلت: أ رأيت إن لم يكن المواقف على وضوء و لا يقدر على النزول ؟ قال: «يتيمّم من لبد سرجه، أو من معرفة دابته، فإنّ فيها غبارا، و يصلّي و يجعل السجود أخفض من الركوع، و لا يدور إلى القبلة، و لكن أينما دارت دابته، و يستقبل القبلة بأوّل تكبيرة و حين يتوجّه»(2).
و قال الكاظم عليه السلام: «يستقبل الأسد، و يصلّي و يومئ برأسه إيماء و هو قائم و إن كان الأسد على غير القبلة»(3).
و لأنّ في التأخير تغريرا بالصلاة، و تكليفه بالاستيفاء تكليف ما لا يطاق فكلّف على حسب حاله، فلا إعادة، للامتثال.
و قال المزني: الهرب من الحيّة من الأعذار النادرة، و العذر النادر لا يسقط القضاء عند الشافعي(4).
و نمنع الكبرى و الصغرى أيضا، لأنّ الخوف ليس بنادر و إن اختلفت أسبابه في الندور، كما أنّ خوف المرض عذر غير نادر و إن كان فيها مرض نادر.
و غيرهما في السفر و الحضر، لأنّ المناط الخوف.
إن ثبت مكانه فعدا في طول الوادي، و صلّى في حال عدوه صلاة الشدّة، فإن كان فيه موضع
ص: 455
مرتفع يمكنه أن يصلّي فيه من غير أن يلحقه ضرر بصعوده، مثل أن يعجز هو أو ركابه عن الترقّي، أو يخاف دوران الماء حوله فلا يمكنه التخلّص، لم تصح صلاته، و إن خاف، صحّت.
لخوف لحوق الضرر بفوات الحج.
و يحتمل أن يصلّي على سبيل التمكّن و الاستقرار، فلو فعل خلافه، استأنف، لأنّه لا يخاف فوات حاصل هنا، فهو كما إذا خاف فوات العدوّ و قد انهزموا.
و للشافعية كالوجهين، و ثالث: تأخير الصلاة و قضاؤها، لأن أمر الحج خطر، و قضاؤه عسر(1).
و الأقوى عندي الأول.
عن مستحقّ الدين، و هو أحد وجهي الشافعية(2).
ه: لو كان عليه قصاص و توقّع العفو مع سكون الغليل، فهرب، فالأقوى(3): عدم جواز صلاة الشدّة
- خلافا لبعض الشافعية(4) - لعصيانه بهربه.
و إن لم يكن حيوانا - و هو أصحّ قولي الشافعي(5) - لأنّه مباح.
ص: 456
و الآخر: لا يجوز، لضعف حرمة المال(1). و هو ممنوع.
فإن تمكّنا من الركوع و السجود، وجب، و إن عجزا عن أحدهما أو عنهما معا، أومأ عمّا عجزا عنه.
و لا يقصّر أحدهما عدد صلاته إلاّ في سفر أو خوف، لوجود المقتضي، و هو: أصالة الإتمام، و عدم مانعية السفر و الخوف.
على ما تقدّم(2) ، و كذا لبس الديباج الصفيق(3) الذي لا يقوم غيره مقامه في القتال.
و لا يجوز لبس الأعيان النجسة، لقوله تعالى وَ الرُّجْزَ فَاهْجُرْ (4).
و لو اضطرّ، فالأقرب: الجواز، كالثوب النجس حال الضرورة.
و للشافعي قولان(5).
و يجوز أن يلبس فرسه أو دابّته جلد الميتة و الكلب و الخنزير مع الحاجة لا بدونها.
و لو جلّل كلبه بجلد كلب، فالأقرب: المنع، لقوله تعالى حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ (6) و هو يقتضي تحريم وجوه الانتفاع، لعدم أولوية التخصيص.
و أظهر وجهي الشافعي: الجواز، لاستوائهما في التغليظ(7).
و يجوز تسميد الأرض بالزبل. و يجوز الاستصباح بالدهن النجس تحت
ص: 457
السماء لا تحت الظلال، بخلاف ما نجاسته ذاتية، كشحم الميتة.
و للشافعي قولان: إطلاق المنع، و إطلاق الجواز في الظلال و عدمه، و ذاتي النجاسة و عرضيّها(1) [1]4.
ص: 458