سرشناسه : علامه حلي حسن بن يوسف ق 726 - 648
عنوان و نام پديدآور : تذكره الفقهاء/ تاليف العلامه الحلي الحسن بن يوسف بن المطهر؛ تحقيق موسسه آل البيت عليهم السلام لاحياآ التراث مشخصات نشر : قم موسسه آل البيت عليهم السلام لاحياآ التراث 1400ق = 1300.
مشخصات ظاهري : ج 22
فروست : (موسسه آل البيت عليهم السلام لاحياآ التراث 127؛ 129؛ 130134)
شابك : 964-5503-33-7 (دوره ؛ 964-5503-44-2 2900ريال (ج 4) ؛ 964-5503-46-9 (ج 6) ؛ 964-319-007-2 (ج 7) ؛ 964-319-224-5 8000ريال (ج 11)
يادداشت : عربي يادداشت : فهرست نويسي براساس جلد چهارم 1414ق = 1372
يادداشت : ج 1 (چاپ اول 1420ق = 1378)؛ 8000 ريال ج 1) :ISBN 964-319-197-4
يادداشت : ج 8 (چاپ اول 1417ق = 1376)؛ 6500 ريال ج )8ISBN 964-319-051-x
يادداشت : ج 9 (چاپ اول 1419ق = 1377)8000 ريال :(ج )9ISBN 964-319-008-0
يادداشت : ج 13 (چاپ اول 1423ق = 1381)9500 ريال :ISBN 964-319-389-6
يادداشت : كتابنامه مندرجات : (ج )7) ISBN 964-319-007-2 ج 12) 1422ق = 8500 :1380 ريال موضوع : فقه جعفري -- قرن ق 8
شناسه افزوده : موسسه آل البيت عليهم السلام لاحياآ التراث رده بندي كنگره : BP182/3 /ع8ت4 1300ي
رده بندي ديويي : 297/342
شماره كتابشناسي ملي : م 73-2721
ص: 1
ص: 2
ص: 3
ص: 4
الجزء الثالث
و مباحثه ثلاثة:
و كان النبيّ صلّى اللّه عليه و آله يحبّ التوجّه إلى الكعبة؛ لأنّها كانت قبلة أبيه إبراهيم عليه السلام، و كان بمكة يجعل الكعبة بينه و بين بيت المقدس، و يتوجّه إليهما، فلمّا انتقل إلى المدينة، تعذّر ذلك، فبقي سبعة عشر شهرا يصلّي إلى بيت المقدس خاصة، فدعا اللّه أن يحوّل قبلته إلى الكعبة، و كان يقلّب وجهه إلى السماء، و ينتظر الوحي فأنزل اللّه تعالى قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضاها (1) الآية.
و كان الناس بقبا في صلاة الصبح، فأتاهم آت، فقال: إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قد انزل عليه الليلة قرآن، و قد أمر أن يستقبل الكعبة، فاستقبلوها و كانت وجوههم إلى الشام، فاستداروا إلى الكعبة(2).
ص: 5
مع المشاهدة إجماعا لقوله تعالى:
فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ (1) و لإجماع العلماء عليه.
و روى أسامة أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله صلّى قبل الكعبة و قال:
(هذه القبلة)(2).
و من كان في حكم المشاهد يجري مجراه كالكائن بمكة و بينه و بين الكعبة حائل لتمكّنه من العلم، و كذا الأعمى بمكة، و كذا المصلّي بالمدينة يجعل محراب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قبلته من غير اجتهاد؛ لعدم الخطأ في حقه عليه السلام.
و أمّا من بعد فالواجب عليه الاستقبال الى جهتها، قاله المرتضى(3) ، و أبو حنيفة، و أحمد، و الشافعي في أحد القولين(4) ، لقوله تعالى وَ حَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ (5) للإجماع على الاستقبال إلى الكعبة، و لحديث أسامة(6).
و من طريق الخاصة ما روي عن أحدهما عليهما السلام أنّ بني
ص: 6
عبد الأشهل أتوهم و هم في الصلاة قد صلوا ركعتين الى بيت المقدس فقيل لهم: إن نبيكم قد صرف إلى الكعبة فتحول النساء مكان الرجال و الرجال مكان النساء و جعلوا الركعتين الباقيتين إلى الكعبة فصلّوا صلاة واحدة إلى قبلتين، فلذلك سمي مسجدهم مسجد القبلتين(1). و ليقين البراءة بالتوجه نحوه.
إذا ثبت هذا فالجهة يريد بها هنا ما يظن أنه الكعبة، حتى لو ظن خروجه عنها لم تصح.
و قال أبو حنيفة: المشرق قبلة لأهل المغرب و بالعكس، و الجنوب قبلة لأهل الشام و بالعكس(2). و هو غلط.
و قال الشافعي في الآخر: الواجب التوجه الى عين الكعبة للقريب و البعيد - و به قال الجرجاني من الحنفية(3) - لقوله تعالى وَ حَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ (4) يعني نحوه.
و هو غلط؛ لاستلزامه التكليف بالمحال إذ مع البعد يمتنع التوجه إلى عين الكعبة مع صغر حجمها، و ظهور التفاوت الكثير مع يسير الانحراف، و قد أجمعنا على صحة صلاة الصف الطويل على خط مستو مع العلم بأن المتوجه إلى الكعبة من كان بقدرها.
و قال الشيخ رحمه اللّه - و به قال مالك(5) -: الكعبة قبلة لمن كان في4.
ص: 7
المسجد الحرام، و المسجد قبلة لمن كان في الحرم، و الحرم قبلة لمن نأى عنه من أهل الدنيا(1) ؛ لما روى مكحول عن عبد اللّه بن عبد الرحمن قال:
قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: (الكعبة قبلة لأهل المسجد، و المسجد قبلة لأهل الحرم، و الحرم قبلة لأهل الآفاق)(2).
و من طريق الخاصة قول الصادق عليه السلام: «إن اللّه تعالى جعل الكعبة قبلة لأهل المسجد، و جعل المسجد قبلة لأهل الحرم و جعل الحرم قبلة لأهل الدنيا»(3).
و لأنّ البعد يستلزم خروج المصلين عن التوجه، لصغر الكعبة بخلاف الحرم المتطاول، و الروايات ممنوعة لعدم الوثوق بالرواة، و الخروج آت في الحرم. فإن أجاب بطلب الجهة فهو جوابنا.
- عند أكثر العلماء(4) - لعموم الأمر.
و للشيخ - رحمه اللّه - قول بأنه يستلقي على قفاه و يصلّي الى البيت المعمور - و هو في السماء الرابعة بحذاء الكعبة يسمى بالضراح - بالإيماء(5) ، لما رواه عبد السلام عن الرضا عليه السلام قال في الذي تدركه الصلاة و هو فوق الكعبة فقال: «إن قام لم يكن له قبلة، و لكن يستلقي على قفاه و يفتح عينيه الى السماء - و يعقد بقلبه القبلة التي في السماء البيت المعمور - و يقرأ، فإذا أراد أن يركع غمض عينيه، و إذا أراد أن يرفع رأسه من الركوع فتح
ص: 8
عينيه، و السجود على نحو ذلك»(1).
و لم يثبت صحة السند فلا يعوّل عليه مع منافاته للأصل و هو ترك القيام الذي هو ركن و الاستقبال.
إذا ثبت هذا فإنه يجب عليه أن يبرز بين يديه شيئا منها و إن قلّ، و به قال أبو حنيفة(2).
الى يسار المصلّي(3) - و هو بناء على مذهبه من أن التوجه الى الحرم - لقول الصادق عليه السلام و قد سئل لم صار الرجل ينحرف في الصلاة الى اليسار؟ فقال: «لأنّ للكعبة ستة حدود: أربعة منها على يسارك و اثنان منها على يمينك، فمن أجل ذلك وقع التحريف على اليسار»(4). و سأل المفضل ابن عمر الصادق عليه السلام عن التحريف لأصحابنا ذات اليسار عن القبلة، و عن السبب فيه فقال: «إن الحجر الأسود لما نزل به من الجنّة و وضع في موضعه جعل أنصاب الحرم من حيث يلحقه النور نور الحجر فهي عن يمين الكعبة أربعة أميال، و عن يسارها ثمانية أميال، كلّه اثنا عشر ميلا، فإذا انحرف الإنسان ذات اليمين خرج عن حد القبلة لقلة أنصاب الحرم، و إذا انحرف ذات اليسار لم يكن خارجا من حد القبلة»(5). و الروايتان مرسلتان مع ضعف المفضل.
ص: 9
و صلاته صحيحة فريضة كانت أو نافلة عند أكثر علمائنا(1) - و به قال الشافعي، و أبو حنيفة(2) - خلافا للشيخ في بعض أقواله(3) ، و لمالك، و أحمد(4) ، و قد سلف تحقيقه، و كلّ من قال بصحة الصلاة سوغ استقبال أي الجدران شاء.
و لا فرق بين أن يصلّي الى الباب أو غيره (و سواء كان الباب مفتوحا أو لا، و سواء كانت له عتبة مرتفعة أو لا)(5) و سواء نصب بين يديه شيئا أو لا، عند علمائنا، خلافا للشافعي(6) و قد سبق.
و كذا لو كان في حكم المشاهد. و لو تعددوا و أرادوا الاجتماع ففي صلاتهم مستديرين حولها إشكال، و لا إشكال لو كانوا منفردين.
خارج العرصة متوجها إليها للامتثال، و لو وقف فيها وجب أن يبرز بين يديه بعضها، و لا
ص: 10
يجب نصب شيء يصلّي إليه، خلافا للشافعي(1).
و كذا كلّ موضع أرفع من الكعبة.
فلو وقف على طرف من أطراف البيت و بعض بدنه خارج عن المحاذاة لم تصح صلاته، و هو أظهر وجهي الشافعي لصحة نفي الاستقبال، و إنّما استقبل بعض الكعبة، و الآخر: يصح لحصول التوجه بالوجه(2).
أمّا القريب فلا بدّ له من التوجه الى عين الكعبة - و به قال الشافعي(3) - لقوله تعالى فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ (4) و قال أبو حنيفة: الجهة كافية في القريب و البعيد(5).
فلو استطال صف المأمومين حتى خرج بعضهم عن المحاذاة بطلت صلاة الخارج عندنا - خلافا لأبي حنيفة(6) - و لو تراخى الصف الطويل و وقفوا آخر المسجد صحت صلاة المتوجه دون الخارج، و جوّزه هنا الشافعي، لأنهم مع البعد يعدّون مستقبلين(7).
فلو سوّى محرابه بناء على المعاينة صلّى إليه أبدا، و إن كان يصلّي حيث لا
ص: 11
يمكنه المعاينة وجب أن يصعد على سطح داره إن كان بحيث يشاهد الكعبة، و يستدل على القبلة إن لم يتمكن.
و يقابلهم، و قد وضع الشارع لهم علامات يستدل بها على القبلة فالعراقي - و هو الذي فيه الحجر - لأهل العراق و من والاهم. و أهل الشام يتوجهون الى الركن الشامي. و أهل الغرب إلى الغربي. و أهل اليمن إلى اليماني.
و علامة أهل العراق جعل الجدي خلف منكبه الأيمن، و الفجر موازيا لمنكبه الأيسر، و الشفق لمنكبه الأيمن، و عين الشمس عند الزوال على طرف حاجبه الأيمن مما يلي الأنف.
و علامة الشام جعل بنات نعش حال غيبوبتها خلف الاذن اليمنى، و الجدي خلف الكتف اليسرى إذا طلع، و مغيب سهيل على العين اليمنى، و طلوعه بين العينين، و الصبا على الخدّ الأيسر، و الشمال على الكتف الأيمن.
و علامة المغرب جعل الثريا على اليمين، و العيوق على اليسار، و الجدي على صفحة الخد الأيسر.
و علامة اليمن جعل الجدي وقت طلوعه بين العينين، و سهيل وقت غيبوبته بين الكتفين، و الجنوب على مرجع الكتف الأيمن. و أوثق أدلتها النجوم قال اللّه تعالى وَ بِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ (1) و لإمكان ضبطه بخلاف غيره.
و آكدها القطب الشمالي، و هو نجم خفيّ حوله أنجم دائرة في أحد
ص: 12
طرفها الفرقدان، و في الآخر الجدي، و بين ذلك أنجم صغار ثلاثة من فوق و ثلاثة من أسفل، يدور حول القطب في كلّ يوم و ليلة دورة واحدة، فيكون الجدي عند طلوع الشمس مكان الفرقدين عند غروبها.
و يمكن الاستدلال بها على ساعات الليل و الأزمنة لمن عرفها و عرف كيفية دورانها و حولها مما يلي الفرقدين بنات النعش تدور حولها، و القطب لا يتغير عن مكانه إلاّ يسيرا لا يبين عند الحس، و هو نجم خفي يراه حديد النظر، إذا استدبر في الأرض الشامية كان مستقبلا للقبلة، و ينحرف في دمشق و ما قاربها الى الشرق قليلا، و كلّما قرب الى المغرب كان انحرافه أكثر.
و إن كان بحرّان و ما يقاربها اعتدل، و جعل القطب خلف ظهره معتدلا من غير انحراف، و في العراق يجعله بحذاء ظهر أذنه اليمنى على علوّها فيكون مستقبلا باب الكعبة إلى المقام.
و الشمس تطلع في المشرق، و تغرب في المغرب، و تختلف مطالعها و مغاربها على حسب اختلاف منازلها، و تكون في الشتاء حال توسطها في قبلة المصلّي، و في الصيف محاذية لقبلته.
و القمر يبدو أول ليلة من الشهر هلالا في المغرب عن يمين المصلّي ثم يتأخر كلّ ليلة نحو المشرق منزلا حتى يكون ليلة السابع وقت المغرب في قبلة المصلّي أو مائلا عنها يسيرا، ثم يطلع ليلة الرابع عشر من المشرق قبل غروب الشمس بدرا تاما، و ليلة احدى و عشرين يكون في قبلة المصلّي أو قريبا منها وقت الفجر.
و منازل الشمس و القمر ثمانية و عشرون و هي: الشرطين، و البطين، و الثريا، و الدبران، و الهقعة، و الهنعة، و الذراع، و النثرة، و الطرف، و الجبهة، و الزبرة، و الصرفة، و العوّا، و السماك، و الغفر، و الزبانا،
ص: 13
و الإكليل، و القلب، و الشولة، و النعايم، و البلدة، و سعد الذابح، و سعد بلع، و سعد السعود، و سعد الأخبية، و الفرع المقدم، و الفرع المؤخر، و بطن الحوت.
منها أربعة عشر دائما فوق الأرض، و مثلها تحتها، فأربعة عشر شامية تطلع من وسط المشرق أو مائلة عنه الى الشمال قليلا، أولها الشرطين و آخرها السماك، و أربعة عشر يمانية تطلع من المشرق مائلة الى التيامن، أولها الغفر و آخرها بطن الحوت.
و لكلّ نجم من الشامية رقيب من اليمانية و إذا طلع أحدها غاب رقيبه، فالقمر ينزل كلّ ليلة بمنزل منها قريبا منه ثم ينتقل في الليلة الثانية إلى المنزل الذي يليه، و الشمس تنزل بكل منزل منها ثلاثة عشر يوما فيكون عودها الى المنزل الذي نزلت به عند تمام حول كامل من أحوال السنة الشمسية.
و هذه المنازل يكون منها فيما بين غروب الشمس و طلوعها أربعة عشر منزلا، و من طلوعها الى غروبها مثل ذلك، و وقت الفجر منها منزلان، و وقت المغرب منزل، و سواد الليل اثنا عشر منزلا، و كلّها تطلع من المشرق و تغرب في المغرب إلاّ أنّ أول الشامية و آخر اليمانية تطلع من وسط المشرق بحيث إذا جعل الطالع منها محاذيا لكتفه الأيسر كان مستقبلا للكعبة.
و أمّا الرياح فكثيرة يستدل منها بأربع تهب من زوايا السماء:
فالجنوب: تهب من الزاوية التي بين القبلة و المشرق، مستقبلة بطن كتف المصلّي الأيسر مما يلي وجهه إلى يمينه.
و الشمال: مقابلها تهب من الزاوية التي بين المغرب و الشمال، مارة إلى مهب الجنوب.
و الدبور: تهب من الزاوية التي من المغرب و اليمين مستقبلة شطر وجه
ص: 14
المصلي الأيمن، مارة إلى الزاوية المقابلة لها.
و الصبا: مقابلها تهب من ظهر المصلّي.
و سأل محمد بن مسلم أحدهما عليهما السلام عن القبلة، قال: «ضع الجدي في قفاك و صلّ»(1).
إجماعا مع التمكن فلو صلّى فريضة غير مستقبل مع قدرته بطلت صلاته، أمّا النافلة في الحضر و القدرة فالأقرب وجوب الاستقبال فيها أيضا - و به قال الشافعي(2) - لمداومة النبي و أهل بيته عليهم السلام على ذلك.
و قال أبو سعيد من الشافعية: يجوز ترك الاستقبال بالنافلة حضرا، لأنّه يجوز في السفر لمصلّي النافلة، و هذا موجود في الحضر(3). و هو خطأ؛ لمداومة النبيّ صلّى اللّه عليه و آله على الاستقبال، و الفرق ظاهر بين الحضر و السفر، فإن الحضر الغالب فيه الكف، و الغالب في السفر السير.
و لا فرق بين جميع الفرائض كقضاء الواجب، و صلاة النذر، و الطواف، و الكسوف، و الجنائز.
و أما سجود التلاوة، و سجود الشكر فلا يجب فيه الاستقبال عملا بالأصل، و أوجبه الشافعي(4).
و يجب عندنا الاستقبال بالذبيحة عند الذبح، و بالميت عند احتضاره،
ص: 15
و تغسيله، و الصلاة عليه، و دفنه على ما تقدم البحث فيه، خلافا للشافعي(1).
و يستحب للجلوس للقضاء و الدعاء.
لاختلال أمر الاستقبال بلا خلاف.
و سأل عبد اللّه بن سنان الصادق عليه السلام يصلّي الرجل شيئا من الفرائض راكبا من غير ضرورة ؟ فقال: «لا»(2).
و إن تمكن من استيفاء الأفعال على إشكال ينشأ من الإتيان بالمأمور به فيخرج عن العهدة. و المنع للاختلال منتف لانتفاء سببه، و من عموم النهي على الراحلة(3).
و كذا لا تجوز صلاة الجنائز على الراحلة؛ لأنّ الركن الأعظم فيها القيام، و الأقرب صحة الصلاة على بعير معقول، و أرجوحة معلّقة بالحبال، و قد سبق.
و لا تصلّى المنذورة على الراحلة لأنّها فرض عندنا، و للشافعي وجهان مبنيان على أنّ المنذورة يسلك بها مسلك الواجبات أو يحمل على أقل ما يتقرب به(4).
و عن أبي حنيفة: أن الصلاة التي نذرها على وجه الأرض لا تؤدى على الراحلة، و التي نذرها و هو راكب تؤدّى عليها(5). و ليس بشيء.
ص: 16
و لا بأس بالصلاة في السفينة واقفة كانت أو سائرة.
إجماعا لعدم التمكن، و لقوله تعالى فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللّهِ (1) و قال عليه السلام: (إن كان الخوف أشد فصلّوا مستقبليها و مستدبريها)(2) و سيأتي.
و لا يختص الخوف بالقتال بل لو انكسرت السفينة و بقي على لوح منها و خاف الغرق لو ثبت متوجها الى القبلة يجوز له ترك الاستقبال. و لا يرخص مطلق القتال بل السائغ.
و كذا يسقط في النوافل سفرا - للراكب و الماشي - و حضرا.
و يجوز التنفل على الراحلة في السفر الطويل إجماعا حيث توجهت به لأنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله كان يصلّي على راحلته في السفر حيث توجهت به(3) ، و لتمكن صاحب الأوراد من أوراده مع كفاية مصالح السفر.
سفرا، و حضرا، راكبا كان أو راجلا - و به قال الشافعي(4) - لقوله تعالى:
ص: 17
فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجالاً أَوْ رُكْباناً (1) قال ابن عمر: مستقبل القبلة و غير مستقبلها(2). و قال أبو حنيفة:
يجوز للراكب ترك الاستقبال حالة القتال، أمّا الراجل فلا(3).
الدالّ عليها فحوى قوله تعالى فَإِنْ خِفْتُمْ (4) و قول الصادق عليه السلام: «لا يصلّي على الدابة إلاّ مريض»(5).
و قال الصادق عليه السلام: «صلّى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله الفريضة في المحمل في يوم وحل و مطر»(6).
و لا تجب عليه الإعادة عندنا؛ لأنه فعل المأمور به، و كذا لو صلّى على لوح و لم يتمكن من الاستقبال.
و قال الشافعي: يعيد، لأنه ترك القبلة لعذر نادر لا يدوم(7). و ليس بجيد؛ للامتثال فيخرج عن العهدة.
و كذا المريض العاجز عن الحركة إذا لم يجد من يصرف وجهه إلى القبلة يصلّي على حسب حاله و لا إعادة عليه عندنا، خلافا للشافعي(8).
لاشتماله على المصلحة الناشئة من مداومة
ص: 18
الطاعة، و استيفاء وجوه الانتفاع - و به قال الشافعي(1) - لأنه أحد اليسيرين، فأشبه الراكب، و لقوله تعالى فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللّهِ (2) قال الصادق عليه السلام: «إنها نزلت في النافلة»(3).
و قال أبو حنيفة: لا تجوز ماشيا لأنه عمل كثير(4) و الضرورة سوّغته.
لأن عليا عليه السلام كان يوتر على راحلته، و كذا النبيّ صلّى اللّه عليه و آله(5) ، و لا يجب عليه الاستقبال إلى القبلة دفعا للحرج و لا في أول الصلاة.
أمّا الفريضة إذا اضطر إلى الصلاة على الراحلة وجب عليه أن يستقبل ما أمكن، فإن تعذر و قدر على الاستقبال في تكبيرة الإحرام وجب و إلاّ فلا.
- طويله و قصيره - و هو أظهر قولي الشافعي للمقتضي في الطويل، و له قول: إنّه لا يتنفل على الراحلة في السفر القصير، و هو الذي لا تقصر في مثله الصلاة - و به قال مالك(6) - لأنّها رخصة تتعلق بالسفر فتعلقت بالطويل كالقصر و المسح.
و أمّا الحضر فالأقرب جواز الصلاة نفلا فيه راكبا، و به قال أبو سعيد من
ص: 19
الشافعية، خلافا للباقين(1).
كالراكب، و قال الشافعي: يجب في ثلاثة مواضع: حالة تكبيرة الافتتاح، و ركوعه، و سجوده(2). و إن كان راكبا في كنيسة(3) واسعة جاز أن يصلّي الى غير القبلة للعذر، خلافا للشافعي(4).
و إن كانت ضيقة، أو على قتب، أو سرج، أو ظهر فإن كانت واقفة مقطرة صلّى الى حيث ما توجهت لتعذر إدارتها إلى القبلة، و إن كانت مفردة فكذلك، خلافا للشافعي(5).
و إن كانت سائرة مقطرة افتتح إلى جهة سيره، و إن كانت مفردة صعبة لم يلزمه إدارتها للمشقة، و كذا إن كانت سهلة، و للشافعي وجهان(6).
و إن دخل بلد إقامته جاز أن يتنفل على الراحلة - خلافا للشافعي(7) - و كذا إن كان مجتازا.
و قال الشافعي: يبطل(8). و إن أخطأ فصرفه الى غير الطريق ظنّا أنه الطريق أو غلطت الدابة فالصلاة صحيحة و إن لم يكن وجهه إلى القبلة، و قال
ص: 20
الشافعي: إن كثر بطلت(1).
و لو كان ظهره في طريقه الى القبلة فركب مقلوبا و جعل وجهه إلى القبلة صحت صلاته؛ لأنه إذا صحت الى غير القبلة فإليها أولى.
و قال بعض الشافعية: لا يصح لأن قبلة المتنفل على الدابة طريقه(2).
و هو خطأ؛ لأنّه جعل رخصة.
و راكب التعاسيف(3) - و هو الهائم الذي لا مقصد له، بل يستقبل تارة و يستدبر اخرى - له أن يتنفل في سيره كغيره خلافا للشافعي(4).
لأنه ترك الاستقبال اختيارا، و إن كان لجماح الدابة لم تبطل و إن طال الانحراف إذا لم يتمكن من الاستقبال.
و قال الشافعي: تبطل مع الطول، و مع القصر وجهان(5).
و لو كان مطلبه يقتضي الاستدبار لم تبطل صلاته.
إن أمكن، و كذا باقي الأفعال، و يسقط مع العذر كالمطارد، و الدابة الصائلة، و المتردية.
و يجعل السجود أخفض، و كذا الماشي.
ص: 21
كما أن القادر على العمل بالنص في الأحكام لا يجوز له الاجتهاد لإمكان الخطأ في الثاني دون الأول.
و يحصل اليقين لمن كان معاينا للكعبة أو كان بمكة من أهلها، أو ناشئا بها من وراء حائل محدث كالحيطان، و كذا إن كان بمسجد النبيّ صلّى اللّه عليه و آله؛ لليقين بصحة قبلته.
و لو كان الحائل أصليا كالجبل و لا يمكنه أن يعرف القبلة حتى يصعد الجبل و تمكن منه وجب أن يصعد طلبا لليقين.
و قال الشافعي: يجوز أن يجتهد و يصلّي بغلبة الظن. و في الحادث عنده قولان(1).
و هل له أن يستقبل الحجر مع تمكنه من استقبال الكعبة، الوجه ذلك لأنه عندنا من الكعبة. و منعه بعض الشافعية، حيث إن كونه من البيت مجتهد فيه غير مقطوع به(2).
فإن غلب على ظنه الجهة للأمارة بنى عليه بإجماع العلماء؛ لأنه فعل المأمور به فخرج عن العهدة، و لقول الباقر عليه السلام: «يجزي التحري أبدا إذا لم
ص: 22
يعلم أين وجه القبلة»(1).
فلا يجوز للعارف بأدلة القبلة المتمكن من الاستدلال عليها بمطالع النجوم، و هبوب الرياح، و غيرها التقليد، و كذا الذي لا يعرف أدلة القبلة لكنه إذا عرّف عرف؛ لتمكنه من العلم، بخلاف العاميّ حيث لا يلزمه تعلّم الفقه، لأن ذلك يطول زمانه و يشق تعلّمه بخلاف دلائل القبلة، و به قال الشافعي(2).
و أمّا الذي لا يحسن و إذا عرّف لم يعرف فإنه و الأعمى على حدّ واحد، و للشيخ فيه قولان، أحدهما: الرجوع الى العارف و التقليد للثقة(3) - و به قال الشافعي(4) - كالعاميّ في أحكام الشرع، و له قول آخر، و هو أن يصلّي الى أربع جهات كالفاقد للاجتهاد و التقليد معا(5). و الأول أقرب لتعذر العلم، و الأصل براءة الذمة من التكليف الزائد، و قول الثقة يثمر الظن فيصار إليه كالاجتهاد.
و قال داود: إنه يسقط عنه فرض القبلة و يصلّي إلى حيث شاء(6) لقوله تعالى فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللّهِ (7) و هو غلط؛ لقوله تعالى وَ حَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ (8) و الآية نزلت في النافلة.4.
ص: 23
و هل هو على الأعيان أو على الكفاية ؟ إشكال، ينشأ من أنه من واجبات الصلاة فيعم كالأركان، و من كونه من دقائق مسائل الفقه، و كلاهما للشافعي(1).
و هكذا ما لم يعلم بقاء الأمارات(2). و هو أحد قولي الشافعي، و في الآخر:
لا يجب؛ لأن اجتهاده قائم لم يتغير(3).
و إن ظهر أنها القبلة - و به قال أبو حنيفة، و الشافعي(4) - لأنه لم يفعل المأمور به و هو التوجه الى ما أدى إليه اجتهاده فيبقى في عهدة التكليف.
و قال الشيخ في المبسوط(5) - و به قال أبو يوسف -: يجزيه(6) ، لأن المأمور به هو التوجه إلى القبلة و قد فعل، كمن شك في إناءين فتوضأ بأحدهما من غير اجتهاد ثم بان له أنه الطاهر أجزأه.
و هو غلط، فإنه إن بان له ذلك بعد دخوله في الصلاة لم تصح
ص: 24
صلاته، و إن كان قبله جاز.
و الفرق ظاهر بين الطهارة و الصلاة، فإن الطهارة تقع قبل وجوبها و إنما الواجب منها ما صحت به الصلاة فإذا علمها في حال وجوبها أجزأه و لم يضرّه الشك قبل ذلك.
و في المبسوط: يقلّد الصبي و المرأة لحصول الظن(1) ، و ظاهر قوله في الخلاف: وجوب أربع صلوات(2). و ما قلناه أولى.
و لا يجب عليه الاجتهاد في طلب القبلة، و هو إجماع. و لو عرف أنها وضعت على الغلط وجب الاجتهاد.
لقوله تعالى وَ لا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا (3) و لا يقبل قول الكافر في شيء إلاّ في الإذن في دخول الدار، و في قبول الهدية، و لو وجد قبلة للنصارى احتمل الاستدلال بها لغلبة الظن بانتفاء الكذب، و عدمه للعموم.
بل يجتهد، لجواز أن يكون بناه المشركون فإن علم أنه من بناء المسلمين لم يلزمه الاجتهاد.
و إن اختلفوا صلّوا منفردين و ليس لهم الجماعة عندنا - و به قال
ص: 25
الشافعي(1) - لأنّ العالم بالقبلة ليس له أن يجتهد، و المجتهد ليس له أن يقلد.
فلو قلّد بعضهم بعضا بطلت صلاة المأموم قطعا؛ لأنّ إمامه إن كان على الحق فلا صلاة له و إلاّ فصلاة الإمام فاسدة، و لا يجوز الاقتداء بمن صلاته فاسدة.
و قال أبو ثور: تصح صلاة المأمومين و شبّهه بالواقفين في الكعبة، و يستقبل كلّ واحد منهم بعض الحيطان فإنّ صلاتهم صحيحة و إن اختلفت الجهة، و لأنّه لا يقطع بخطإ إمامه و صواب نفسه(2). و يفارق الواقفين حول الكعبة لأن كلّ واحد منهم مستقبل قطعا و هنا المأموم يعتقد خطأ إمامه، و الخطأ و إن لم يقطع به لكنه يقطع بحكمه، و قول أبي ثور ليس بعيدا كالمصلّين في حال شدة الخوف.
فلما أصبحوا علموا أن كل واحد صلّى إلى جهة أخرى و لم يعلموا الى أيّ جهة صلّى الإمام فالوجه صحة صلاتهم؛ لأنّه لم يعلم الخطأ في فعل إمامه، و حكاه أبو ثور عن الشافعي(3).
و لو تغير اجتهاد الإمام خاصة انحرف و استمر المأمومون منفردين.
ص: 26
و للشافعي قول في الأولى بفساد صلاة المأموم بناء على أن المأموم إذا أخرج نفسه عن صلاة إمامه يستأنف أو يتم ؟ قولان، أما الثانية فلا لأن المأموم لم يختر مخالفة إمامه بل الإمام هو الذي خالفه، و لو قطع الإمام صلاته عمدا لم تبطل صلاة المأموم(1).
لاختلافهما في جهة القبلة، و هو أحد وجهي الشافعي، و في الثاني: له ذلك لقلة الانحراف(2) ، و هما مبنيان على أنّ الواجب إصابة العين أو الجهة.
و يأتم به عندنا، لأن فرضه التخيير، و هل يجب عليه التقليد حينئذ؟ إشكال ينشأ من عدم جواز التقليد للمجتهد مع اتساع الوقت، و تخييره مع ضيقه، و من حصول ظن بالجهة راجح على التخيير فيتعين اتباعه.
لو تعدد المجتهدون، فإن قلّد المفضول فالأقرب المنع؛ لأنه ترك ما يغلب على ظنه أنّ الصواب فيه.
و قال الشافعي: تصحّ؛ لأنه أخذ بدليل له الأخذ به لو انفرد فكذا لو كان مع غيره(3). و ليس بجيد لحصول المعارض الراجح حالة الاجتماع دون الانفراد فصار كما لو تضاد الدليلان، و لو تساويا قلّد من شاء.
لضيق
ص: 27
الوقت يتخير إجماعا إن لم يتمكن من التقليد، و لو تمكن فإشكال تقدم، و لا إعادة عليه إن استمر الجهل، و كذا لو كان ممنوعا برمد، أو مرض، أو غيرهما.
و لو كان الوقت متسعا و لم يحصل له الظن بعد الاجتهاد فإن كان يرجو حصوله بانكشاف الغيم مثلا احتمل وجوب التأخير إلى آخر الوقت ثم يتخير، و جواز التقديم فيصلّي إلى أربع جهات كلّ فريضة، ذهب إليه علماؤنا؛ لأن الاستقبال واجب و قد أمكن حصوله بتعدد الفرائض فيجب كما لو اشتبه الثوبان.
و لقول الصادق عليه السلام و قد سئل أن هؤلاء المخالفين يقولون: إذا أطبقت علينا و أظلمت و لم نعرف السماء كنّا و أنتم سواء في الاجتهاد. فقال:
«ليس كما يقولون، إذا كان كذلك فليصلّ لأربع وجوه»(1).
و قال أبو حنيفة، و أحمد: يصلّي ما بين المشرق و المغرب، و يتحرى الوسط، ثم لا يعيد(2) ، لقوله صلّى اللّه عليه و آله: (ما بين المشرق و المغرب قبلة)(3) و نحن نقول بموجبه على تقدير معرفة المشرق و المغرب.
و قد روى معاوية بن عمار عن الصادق عليه السلام قلت: الرجل يقوم في الصلاة ثم ينظر بعد ما فرغ فيرى أنه قد انحرف عن القبلة يمينا و شمالا.
قال: «قد مضت صلاته، و ما بين المشرق و المغرب قبلة»(4).
و لو ضاق الوقت صلّى ثلاثا و يتخير في الساقطة فإن ضاق صلّى اثنتين5.
ص: 28
فإن ضاق صلى واحدة، و يتخير في المأتي بها.
إن كان الانحراف يسيرا، لأن ذلك لا يقع عن يقين و إنما هو ظن لأن الجهة الواحدة لا تتبين فيها الكعبة يقينا، و هو قول الشافعي، و له قول آخر: أنّه يستأنف لأن صلاة واحدة لا تقع الى جهتين كالحادثة لا يحكم فيها بحكمين(1) ، و إن كان كثيرا استأنف.
و لو ظهر بعد الفراغ فإن كان قد استدبر أعاد الصلاة سواء كان الوقت باقيا أو لا، اختاره الشيخان(2) ، لما رواه عمار بن موسى عن الصادق عليه السلام في رجل صلّى إلى غير القبلة فيعلم و هو في الصلاة قبل أن يفرغ من صلاته قال: «إن كان متوجها فيما بين المشرق و المغرب فليحوّل وجهه إلى القبلة حتى يعلم، و إن كان متوجها الى دبر القبلة فليقطع ثم يحول وجهه إلى القبلة ثم يفتتح الصلاة»(3) و الراوي ضعيف.
و قال المرتضى: يعيد في الوقت لا خارجه(4) لأنه في الوقت لم يأت بالمأمور به فيبقى في العهدة، و بعد الوقت يكون قاضيا، و الأصل عدمه إلاّ بأمر مجدد، و لقول الصادق عليه السلام: «إذا صلّيت و أنت على غير القبلة و استبان لك أنك صلّيت و أنت على غير القبلة و أنت في الوقت فأعد، و إن فاتك فلا تعد»(5) و الإطلاق يتناول الاستدبار، و هو الأقوى عندي.
و قال مالك، و أحمد، و أبو حنيفة، و المزني، و الشافعي في أحد
ص: 29
القولين: إذا تبين الخطأ بعد الصلاة لم يعد(1) و أطلقوا فلم يفصّلوا الى الاستدبار و غيره، و الى الوقت و خروجه؛ لأن عامر بن ربيعة قال: كنا مع النبيّ صلّى اللّه عليه و آله في ليلة سوداء مظلمة فلم نعرف القبلة فجعل كلّ واحد منّا يصلّي و بين يديه أحجار فلما أصبحنا إذا نحن على غير القبلة فذكرنا ذلك لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فأنزل اللّه تعالى وَ لِلّهِ الْمَشْرِقُ وَ الْمَغْرِبُ فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللّهِ (2)(3) و لأنه صلّى إليها للعذر فإذا زال العذر لم تجب الإعادة كالخائف.
و في الآخر للشافعي: يعيد(4) و أطلق لأنه تعين له يقين الخطأ فيما يؤمر مثله في القضاء فلزمه الإعادة كالحاكم إذا تيقن الخطأ، و المصلّي بمكة.
و لا يعيد الاولى - و به قال الشافعي(5) - و لا نعلم فيه خلافا لأنّ الاجتهاد لا ينقض الاجتهاد.
إن كان الانحراف يسيرا و بنى، و هو إحدى الروايتين عن أحمد، و في الأخرى: لا ينتقل و يمضي
ص: 30
على اجتهاده الأول، لا ينقض الاجتهاد بالاجتهاد(1).
و هو غلط، لأنه مجتهد أداه اجتهاده إلى جهة فلا يجوز العدول عنها، و ليس نقضا للاجتهاد بل يعمل في المستقبل كما يعمل في الصلاة الثانية.
و لو كان الانحراف كثيرا استأنف.
لأنه لم يظهر له جهة أخرى يتوجه إليها.
و إن بان له يقين الخطأ في الصلاة و لم يعلم غيرها فإن كان الوقت متسعا استأنف الاجتهاد و إلاّ استمر على حاله، و إن شك في اجتهاده لم يزل عن جهته لأنّ الاجتهاد ظاهر فلا يزول عنه بالشك.
لأنّ اجتهاده أولى من اجتهاد غيره، فإن استدار استدرك إن تمكن و إلاّ أبطلها و بحث أو قلّد.
و إن شرع فيها و هو أعمى فأبصر في أثنائها فإن ظهر له الصحة أو خفي الأمران استمر، لأنه دخل دخولا مشروعا.
و قال بعض الجمهور: تبطل مع الخفاء لأن فرضه الاجتهاد(2).
و لو ظهر البطلان استدار إن كان يسيرا و إلاّ استأنف.
و قال أحمد: لو ظهر للحاضر الخطأ في اجتهاده استأنف سواء صلّى بدليل أو غيره، لأن الحضر ليس محل الاجتهاد(3).
ص: 31
و قال في الأعمى: إذا كان في حضر فكالبصير لأنه يقدر على الاستدلال بالخبر، و المحاريب فإنه إذا لمس المحراب و علم أنّه محراب و أنّه متوجه إليه فهو كالبصير(1).
و إن انعكس، أو تساويا استمر، و لو أخبره بالخطإ متيقن استدار إن كان بين المشرق و المغرب و إلاّ استأنف.
إلاّ داود فإنه قال:
يصلّي إلى أيّ جهة شاء لأنّه عاجز(2) ، و هو خطأ لعموم الأمر، و العجز ينتفي بالسؤال كالعاميّ أو بالصلاة إلى أربع جهات؛ و لا يجوز له تقليد الفاسق، و ظاهر مذهب الشافعي: الجواز لانتفاء التهمة في مثل هذا(3). و الحق خلافه. و له في تقليد الصبيّ قولان(4) ، و الوجه: المنع لأنّه ليس من أهل التكليف، و يعلم انتفاء الحرج عنه.
و أعاد في الوقت و خارجه، بإجماع العلماء لانتفاء شرط الصلاة.
و لو صلّى ظانا ثم ظهر الخطأ فإن كان بين المشرق و المغرب و هو في الصلاة استدار، و لو تبين بعد فراغه لم يعد إجماعا؛ لقوله صلّى اللّه عليه و آله: (ما بين المشرق و المغرب قبلة)(5).
ص: 32
و لو بان أنه صلّى الى المشرق أو المغرب أعاد في الوقت، لأنه أخلّ بشرط الصلاة مع بقاء وقته، و لو خرج الوقت احتمل مساواته للاستدبار فيعيد، و عدم القضاء لأنه تكليف ثان و الأصل عدمه.
و لما رواه سليمان بن خالد عن الصادق عليه السلام في الرجل يكون في قفر من الأرض في يوم غيم فيصلّي الى غير القبلة، و يصحى فيعلم أنه صلّى الى غير القبلة كيف يصنع ؟ قال: «إن كان في وقت فليعد صلاته، و إن مضى الوقت فحسبه اجتهاده»(1).
و قال أبو حنيفة، و مالك، و أحمد: لا يعيد مطلقا. و للشافعي قولان(2) و قد سبق.
قال الشيخ: إذا صلّى الى غير القبلة ناسيا، أو لشبهة أعاد إن كان الوقت باقيا، و لو كان قد خرج لم يعد(3). فألحقه بالظانّ، و فيه إشكال.
فإن ضاق الوقت فالأقرب أنّ له التقليد، و لو فقد من يقلده صلّى الى أيّ جهة شاء و لا إعادة عليه لأنه امتثل المأمور به، و هو أحد وجوه الشافعي. و له ثان: أنّه يصلي كيف اتفق ثم يجتهد و يقضي. و ثالث: أنه لا يصلّي الى أن يتم الاجتهاد و إن خرج الوقت(4).
ص: 33
و لو كان محبوسا أو في ظلمة صلّى إلى أربع جهات مع السعة، و مع الضيق الى أيّ جهة شاء. و للشافعي قولان: أحدهما: أنه يقلد، و في القضاء وجهان، و الثاني: أنه لا يقلد و يصلّي كيف اتفق و يقضي(1).
و لو صلّى أربع صلوات إلى أربع جهات بأربع اجتهادات و لم يتبين الخطأ فلا قضاء عليه.
و لو قال للأعمى: الشمس وراءك و هو عدل وجب قبول قوله لأنه إخبار عن محسوس لا اجتهاد.
و الأفضل الشط مع التمكن، فإن صلّى فيها وجب القيام، و الاستقبال مع المكنة، فإن تعذر القيام و الشط صلّى جالسا مستقبلا، فإن دارت السفينة فليدر معها و يستقبل القبلة، فإن تعذر استقبل بتكبيرة الافتتاح ثم يصلّي كيف ما دارت، و يجوز أن يصلّي النوافل الى رأس السفينة إذا تعذر الاستقبال.
سئل الصادق عليه السلام عن الصلاة في السفينة فقال: «إن استطعتم أن تخرجوا الى الجدد فاخرجوا، و إن لم تقدروا فصلّوا قياما، فإن لم تستطيعوا فصلّوا قعودا و تحروا القبلة»(2).
و قال سليمان بن خالد: سألته عن الصلاة في السفينة، فقال: «يصلّي قائما فإن لم يستطع القيام فليجلس و يصلّي و هو مستقبل القبلة، فإن دارت السفينة فليدر مع القبلة إن قدر على ذلك، و إن لم يقدر على ذلك فليثبت على مقامه و ليتحر القبلة بجهده»، و قال: «يصلّي النافلة مستقبل صدر
ص: 34
السفينة و هو مستقبل القبلة إذا كبّر ثم لا يضره حيث دارت»(1).
و قال أبو حنيفة: يجوز أن يصلّي مختارا في السفينة قائما أو قاعدا(2).
و الحق ما ذكرناه، و به قال الشافعي، و أبو يوسف، و محمد(3).1.
ص: 35
ص: 36
و مباحثه أربعة:
و هو عند أهل البيت عليهم السلام مستفاد من الوحي على لسان جبرئيل عليه السلام تلقينا؛ لقول الصادق عليه السلام: «لمّا هبط جبرئيل عليه السلام بالأذان على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كان رأسه في حجر علي عليه السلام فأذن جبرئيل عليه السلام و أقام، فلما انتبه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال: يا علي سمعت ؟ قال: نعم، قال: حفظت ؟ قال: نعم، قال: أدع بلالا فعلّمه فدعا علي عليه السلام بلالا و علّمه»(1).
و لأنه أمر مشروع مأمور به من النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و قد قال اللّه تعالى وَ ما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى إِنْ هُوَ إِلاّ وَحْيٌ يُوحى (2) و لأنّ الأمور
ص: 37
الشرعية منوطة بالمصالح و الفطنة(1) البشرية تعجز عن إدراكها، و لا يعلمها مفصّلة إلاّ اللّه تعالى فلا خيرة فيها للنبي صلّى اللّه عليه و آله، و لأن ما هو أقل منها ذكرا مستفاد من الوحي فكيف هذا المهم.
و أطبق الجمهور على أنّ محمد بن عبد اللّه بن زيد بن عبد ربه قال:
حدثني أبي عبد اللّه بن زيد قال: لمّا أمر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بالناقوس يعمل ليضرب به لجمع الناس للصلاة طاف بي - و أنا نائم - رجل يحمل ناقوسا في يده، قلت: يا عبد اللّه أ تبيع الناقوس ؟ قال: و ما تصنع به ؟ قلت: ندعو به الى الصلاة قال: أ فلا أدلّك على ما هو خير من ذلك ؟ فقلت له: بلى، فقال: تقول: اللّه أكبر إلى آخر الأذان، ثم استأخر عني غير بعيد ثم قال: تقول إذا قمت إلى الصلاة: اللّه أكبر إلى آخر الإقامة، فلمّا أصبحت أتيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فأخبرته بما رأيت، فقال: (إنّها رؤيا حق إن شاء اللّه تعالى، فقم مع بلال فألق عليه ما رأيت فليؤذن به فإنه أندى منك صوتا) فقمت مع بلال فجعلت ألقيه عليه و يؤذّن به(2).
و هذا الحديث مدفوع من وجوه:
أ - اختلاف الرواية فيه فإن بعضهم روى أن عبد اللّه بن زيد لمّا أمره النبيّ صلّى اللّه عليه و آله بتعليم بلال قال: ائذن لي حتى أؤذن مرّة فأكون أول مؤذن في الإسلام، فأذن له فأذّن(3).8.
ص: 38
ب - شهادة المرء لنفسه غير مسموعة، و هذا منصب جليل فلا يسمع قوله عن نفسه فيه.
ج - كيف يصح أن يأمر النبيّ صلّى اللّه عليه و آله بالناقوس مع أنه صلّى اللّه عليه و آله نسخ شريعة عيسى.
د - كيف أمر بالناقوس ثم رجع عنه ؟! إن كان الأمر به مصلحة استحال نسخه قبل فعله و إلاّ استحال أمره به.
ه - إن كان أمره بالناقوس بالوحي لم يكن له تغييره إلاّ بوحي مثله فإن كان الأذان بوحي فهو المطلوب و إلاّ لزم الخطأ، و إن لم يكن الأمر بالناقوس بالوحي كان منافيا لقوله تعالى وَ ما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى (1).
و - كيف يصح استناد هذه العبادة الشريفة العامة البلوى المؤبدة الموضوعة علامة على أشرف العبادات و أهمّها الى منام من يجوز عليه الغلط؟!! و النبيّ صلّى اللّه عليه و آله لم يلق عليه، و لا على أجلاء الصحابة.
ز - أهل البيت عليهم السلام أعرف بمواقع الوحي و التنزيل، و قد نصّوا على أنه بوحي.
و قال الباقر عليه السلام: «لما اسري برسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فبلغ البيت المعمور حضرت الصلاة فأذّن جبرئيل عليه السلام و أقام فتقدم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فصف الملائكة و النبيون خلف رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله»(2). و مثل هذا الذي تعبّد به الملائكة و غيرهم يستحيل استناده إلى الاجتهاد الذي تجوّزونه على النبيّ صلّى اللّه عليه و آله.4.
ص: 39
قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: (ثلاثة على كثبان المسك يوم القيامة يغبطهم الأولون و الآخرون:
رجل ينادي بالصلوات الخمس في كلّ يوم و ليلة، و رجل يؤم قوما و هم به راضون، و عبد أدّى حقّ اللّه و حقّ مواليه)(1).
و قال عليه السلام: (من أذّن اثنتي عشرة سنة وجبت له الجنة، و كتب له بكل أذان ستون حسنة، و بكلّ إقامة ثلاثون حسنة)(2).
و من طريق الخاصة قول الصادق عليه السلام: «قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: من أذّن في مصر من أمصار المسلمين سنة وجبت له الجنّة»(3).
و قال الصادق عليه السلام: «ثلاثة في الجنّة على المسك الأذفر:
مؤذن أذن احتسابا، و إمام أمّ قوما و هم به راضون، و مملوك يطيع اللّه و يطيع مواليه»(4).
و قال الباقر عليه السلام: «من أذّن سبع سنين احتسابا جاء يوم القيامة و لا ذنب له»(5).
و هو أحد قولي الشافعي(6) لأن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله فعل الإمامة و لم يشتغل بالأذان و الإقامة بل قام بهما غيره، و لا يجوز أن يترك الأفضل لغيره، و لأن الإمام يحتاج إلى معرفة أحوال الصلاة
ص: 40
و القيام بما تحتاج إليه الإمامة، و تحصيل الفضيلة، و لهذا نقل أنّه ضامن و المؤذن أمين(1)سنن أبي داود 143:1-517، سنن الترمذي 402:1-207، مسند أحمد 382:2، سنن البيهقي 430:1.(2) ، و الضامن أكثر عملا من الأمين فثوابه أكثر، و في الآخر:
الأذان أفضل(3) لقوله عليه السلام: (الأئمة ضمناء و المؤذنون أمناء، فأرشد اللّه الأئمة، و غفر للمؤذّنين)(3) [و به](4) قال الشيخ(5).
و الإقامة أفضل من الأذان. و يؤيّده: شدّة تأكيد الطهارة و الاستقبال و القيام و ترك الكلام و غير ذلك في الإقامة على الأذان.
التكبير أربع مرات، و كلّ من الشهادتين، و الدعاء إلى الصلاة، و الى الفلاح، و الى خير العمل، و التكبير، و التهليل مرتان مرتان؛ لأن الصادق عليه السلام حكى الأذان فقال: «اللّه أكبر اللّه أكبر اللّه أكبر اللّه أكبر، أشهد أن لا إله إلاّ اللّه، أشهد أن لا إله إلاّ اللّه، أشهد أن محمدا رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) أشهد أن محمدا رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله)، حي على الصلاة حي على الصلاة، حي على الفلاح حي على الفلاح، حي على خير العمل حي على خير العمل، اللّه أكبر اللّه أكبر، لا إله إلاّ اللّه، لا إله إلاّ اللّه»(6).
و قال الباقر عليه السلام: «الأذان و الإقامة خمسة و ثلاثون حرفا، الأذان ثمانية عشر حرفا. و الإقامة سبعة عشر حرفا» (7)
ص: 41
مواضع:
أ - قال مالك، و أبو يوسف: التكبير في أوله مرّتان(1) - و وافقنا الشافعي، و أبو حنيفة، و أحمد، و الثوري(2) - لأن عبد اللّه بن زيد قال له الرجل في المنام: اللّه أكبر مرتين(3).
و هو غلط، لما بيّنا من أن الأذان بوحي إلهي، و قد روى محمد بن عبد الملك بن أبي محذورة عن أبيه عن جده قال، قلت: يا رسول اللّه علّمني سنة الأذان. فمسح مقدم رأسه، و قال: (تقول: اللّه أكبر) فذكر أربع مرات(4).
ب - منع الجمهور من قول: حيّ على خير العمل(5) ، و أطبقت الإمامية على استحبابه لتواتر النقل به عن الأئمّة عليهم السلام(6) ، و الحجة في قولهم.3.
ص: 42
ج - أطبقت الإمامية على استحباب التهليل مرتين في آخر الأذان، و خالف فيه الجمهور كافة و اقتصروا على المرة،(1) و هو مدفوع بأمر النبيّ صلّى اللّه عليه و آله بلالا أن يشفع الأذان و يوتر الإقامة، رواه أنس(2).
و من طريق الخاصة قول الصادق عليه السلام لمّا وصف الأذان: «لا إله إلاّ اللّه لا إله إلاّ اللّه»(3).
و كذا في حديث الباقر عليه السلام لمّا وصف أذان جبرئيل لمّا اسري بالنبيّ صلّى اللّه عليه و آله(4).
كالأذان إلاّ أنه ينقص التكبير من أولها مرتين و التهليل من آخرها مرة و يزيد: (قد قامت الصلاة) بعد (حيّ على خير العمل) مرتين - و به قال أبو حنيفة(5) - لما رواه أبو محذورة أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله علّمه الإقامة سبع عشر كلمة(6) ، و من طريق الخاصة قول الصادق عليه السلام: «و الإقامة مثنى مثنى»(7).
ص: 43
و قال الشافعي: الإقامة أحد عشر كلمة، التكبير مرتان، و الشهادتان مرتان، و الدعاء إلى الصلاة مرة، و الدعاء الى الفلاح مرة، و الإقامة مرتان، و التكبير مرتان، و التهليل مرة. و به قال الأوزاعي، و أحمد، و إسحاق، و أبو ثور(1).
قال ابن المنذر: و هو مذهب عروة بن الزبير، و الحسن البصري، و عمر بن عبد العزيز، و مكحول، و الزهري(2) ، لأنّ أنسا روى أن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أمر أن يوتر الإقامة(3) ، و هو استناد الى المنام الذي ضعفناه.
و للشافعي في القديم: أنها عشر كلمات. فجعل الإقامة مرة. و به قال مالك، و داود(4) للحديث(5) و قد بينا ضعفه.
ص: 44
كأوله، و الباقي كما تقدم(1) ، و روي أيضا استحباب التكبير في أول الإقامة أربعا، و في آخرها أربعا، و التهليل في آخرها مرتين(2) ، قال الشيخ: و لو عمل عامل بذلك لم يكن مأثوما، فأمّا ما روي في شواذ الأخبار من قول:
«أن عليا ولي اللّه، و آل محمد خير البرية» فممّا لا يعمل عليه في الأذان فمن عمل به كان مخطئا(3).
و يجوز في حال الاستعجال، و السفر إفراد الفصول، جمعا بين فضيلة الأذان و إزالة المشقة عن المسافر و المستعجل، لما رواه أبو عبيدة الحذاء في الصحيح قال: رأيت الباقر عليه السلام يكبّر واحدة واحدة في الأذان، فقلت له: لم تكبّر واحدة ؟ فقال: «لا بأس به إذا كنت مستعجلا»(4).
و قال الباقر عليه السلام: «الأذان يقصر في السفر كما تقصر الصلاة، الأذان واحدا واحدا، و الإقامة واحدة»(5).
تذنيب: تثنية الإقامة أفضل من إفراد الأذان و الإقامة؛ لقول الصادق عليه السلام: «لأن أقيم مثنى مثنى أحب إليّ من أن أؤذّن و أقيم واحدا واحدا»(6).
- و هو تكرار الشهادتين مرتين في
ص: 45
الأذان، و به قال الثوري، و أحمد، و إسحاق، و أصحاب الرأي(1).
و ربما قال أبو حنيفة: إنّه بدعة(2). و هو جيد عندي؛ لأن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال: (الأذان مثنى)(3) و لم يذكر الترجيع عبد اللّه بن زيد الذي أسندوا الأذان إليه(4).
و من طريق الخاصة حكاية الباقر و الصادق عليهما السلام صفة الأذان و لم يذكرا الترجيع(5).
و قال الشافعي، و مالك: باستحبابه(6) ، و روى ابن المنذر عن أحمد أنه قال: إن رجع فلا بأس و إن ترك فلا بأس(7) ، حتى أن للشافعي قولين في الاعتداد بالأذان مع تركه(8) لأنّ أبا محذورة قال: علّمني رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله سنّة الأذان ثم تقول: أشهد أن لا إله إلا اللّه. فذكر مرتين، أشهد أن محمدا رسول اللّه فذكر مرتين، تخفض بها صوتك، ثم3.
ص: 46
ترفع صوتك بالشهادة أشهد أن لا إله إلا اللّه. فذكر مرتين، أشهد أن محمدا رسول اللّه. فذكر مرتين(1).
و ليس حجة؛ لأن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله فعل به ذلك ليقر بالشهادتين لأنه كان يحكي أذان مؤذن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله مستهزئا فسمع النبيّ صلّى اللّه عليه و آله صوته فدعاه فأمره بالأذان قال: و لا شيء عندي و لا أنقص من النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و لا مما يأمرني به(2) فقصد النبيّ صلّى اللّه عليه و آله نطقه بالشهادتين سرا ليسلم بذلك، و لم يوجد هذا في أمر بلال و لا غيره ممن كان ثابت الإسلام.
تذنيب: قال الشيخ: لو أراد المؤذن تنبيه غيره جاز له تكرار الشهادتين مرتين(3) لقول الصادق عليه السلام: «لو أن مؤذنا أعاد في الشهادة أو في حي على الصلاة، أو حي على الفلاح المرتين و الثلاث و أكثر من ذلك إذا كان إماما يريد القوم ليجمعهم لم يكن به بأس»(4).
و هو قول الصلاة خير من النوم، في شيء من الصلوات - و به قال الشافعي في الجديد(5) - لأن عبد اللّه بن زيد لم
ص: 47
يحكه في أذانه(1) ، و أهل البيت عليهم السلام لمّا حكوا أذان الملك لم يذكروه(2).
و قال الشافعي في القديم: باستحباب التثويب بعد الحيعلتين في الصبح خاصة. و به قال مالك، و الأوزاعي، و الثوري، و أحمد، و إسحاق، و أبو ثور(3) لأنّ أبا محذورة قال: لما علمني رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فقال بعد قوله حي على الفلاح: فإن كانت صلاة الصبح قلت: الصلاة خير من النوم، الصلاة خير من النوم(4).
و هو معارض بإنكار الشافعي - في كتاب استقبال القبلة - للتثويب و قال:
إنّ أبا محذورة لم يحكه(5). قال أبو بكر بن المنذر: هذا القول سهو من الشافعي و نسيان حين سطر هذه المسألة فإنه حكى ذلك في الكتاب العراقي عن أبي محذورة.
و عن أبي حنيفة روايات: إحداها كقول الشافعي في القديم(6) ، و الثانية: أنه يقول بين الأذان و الإقامة: حي على الصلاة حي على1.
ص: 48
الفلاح(1) ، و الثالثة: أن الأولى في نفس الأذان، و الثانية بعده(2) ، و الرابعة: أنه يقول: الصلاة خير من النوم بين الأذان و الإقامة(3) ، لأن بلالا كان إذا أذن أتى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فسلّم عليه، ثم قال: حي على الصلاة، حي على الفلاح، يرحمك اللّه(4).
و أذن بلال يوما، فتأخر خروج رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فجاء الى باب الحجرة، فقيل: إنّه نائم فنادى بلال الصلاة خير من النوم مرتين فخرج رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و أقرّه عليه(5).
و هذا كلّه باطل عندنا؛ لأنه ليس للنبيّ صلّى اللّه عليه و آله أن يجتهد في الأحكام، بل يأخذها بالوحي لا بالاستحسان.
و حكي عن الحسن بن صالح بن حي استحبابه في العشاء؛ لأنه وقت ينام فيه الناس فصار كالغداة(1).
و قال النخعي: إنه مستحب في جميع الصلوات؛ لأن ما يسن في الأذان لصلاة يسن لجميع الصلوات كسائر الألفاظ(2).
و الأصل في الأول، و العلة في الثاني ممنوعان.
- و به قال الشافعي(3) - لأن عمر قدم مكة فأتاه أبو محذورة و قد أذن فقال: الصلاة يا أمير المؤمنين حي على الصلاة، حي على الفلاح فقال: ويحك أ مجنون أنت ؟ ما كان في دعائك الذي دعوت ما نأتيك حتى تأتينا(4).
و حكى ابن المنذر عن الأوزاعي أنه سئل عن التسليم على الأمراء فقال: أول من أحدثه معاوية و أقره عمر بن عبد العزيز(5) ، و قال النخعي: إن الناس أحدثوا حي على الصلاة حي على الفلاح و ليس بسنّة(6) ، و قال عليه السلام: (كل محدث بدعة)(7).
فالمؤذن يقول: حي على الصلاة، ثم عاد بقوله:
الصلاة خير من النوم، إلى الدعاء إلى الصلاة، و حيّ معناه: هلمّ، و يقرن
ص: 50
ب (على) و (الى) معا، و الفلاح: البقاء و الدوام و هو ثواب الصلاة.
لأنّهما أمران شرعيان فيقفان على مورده، و لقول الصادق عليه السلام: «من سها في الأذان فقدم أو أخر أعاد على الأول الذي أخّره حتى يمضي على آخره»(1) و لأنّ الأذان يتميز بترتيبه عن جميع الأذكار فإذا لم يرتبه لم يعلم أنه أذان و لم تحصل الفائدة؛ و به قال الشافعي(2).
لئلا ينقطع توالي ألفاظه، فإن تكلّم في الأذان لم يعده، عامدا كان أو ساهيا - و به قال الشافعي - لأنّ الكلام لا يقطع الخطبة و هي آكد من الأذان(3) ، و حكي عن سليمان بن صرد أنّه كان يأمر بحاجته في أذانه و كان له صحبة(4). و للشافعي قول باستحباب إعادة الأذان(5).
حتى خرج عن نظام الموالاة أعاد.
إجماعا لأنّه سائغ في الإقامة ففي الأذان أولى.
و إلاّ فلا لعدم الانفكاك من القليل كالتنفس و الاستراحة، و به قال الشافعي(6).
ص: 51
لخروجه عن التكليف، و لو تمم غيره ثم أفاق جاز البناء عليه قاله الشيخ(1).
و هل يبنى عليه ؟ للشافعي وجهان: المنع - و هو الأقوى عندي - لبطلانه بالردة، و الجواز؛ لأنّ الردة لا تحبط العمل إلاّ إذا اتصل بها الموت فصار كاعتراض الجنون و الإغماء لو بنى عليه جاز(2).
و لو ارتد بعد فراغه من الأذان، قال الشيخ: جاز أن يعتد به، و يقيم غيره، لأنّه أذّن أذانا مشروعا محكوما بصحته فلا يؤثر فيه الارتداد المتعقب(3).
و قال الشافعي: لا يعتد بأذانه(4).
و قال الشيخان، و المرتضى: إذا قال المؤذن: قد قامت الصلاة حرم الكلام على الحاضرين إلاّ بما يتعلق بالصلاة من تقديم إمام، أو تسوية صف(1) ، لقول الصادق عليه السلام: «إذا أقام المؤذن الصلاة فقد حرم الكلام إلاّ أن يكون القوم ليس يعرف لهم إمام»(2) و هو محمول على شدة الكراهة، و في الطريق ضعف.
عند علمائنا أجمع - و به قال أحمد(3) - و حكاه ابن الأنباري عن أهل اللغة(4) ، لأن إبراهيم النخعي قال: شيئان مجزومان كانوا لا يعربونهما: الأذان و الإقامة(5). و هذا إشارة إلى جماعتهم.
و من طريق الخاصة قول الباقر عليه السلام: «الأذان جزم بإفصاح الألف و الهاء، و الإقامة حدر»(6) و نحوه عن الصادق عليه السلام(7).
و قال الباقون: يستحب الإعراب فيهما.
بأن يتمهل فيه مأخوذ من قولهم جاء فلان على رسله أي على هنيئة من غير عجل و لا متعب نفسه، و أن يحدر الإقامة و يدرجها إدراجا مبينا لألفاظها مع الإدراج - و لا نعلم فيه خلافا - لقول
ص: 53
النبيّ صلّى اللّه عليه و آله لبلال: (إذا أذّنت فرتّل، و إذا أقمت فاحدر)(1)(2).
و من طريق الخاصة قول الباقر عليه السلام: «الأذان جزم بإفصاح الألف و الهاء، و الإقامة حدر»(3).
و لأن القصد من الأذان إعلام الغائبين، و التثبت فيه أبلغ للإعلام، و الإقامة لإعلام الحاضرين، و افتتاح الصلاة فلا فائدة للتطويل فيها، و لو أخلّ بهذه الهيئة أجزأه لأنّها مستحبة فيه و لا يخلّ تركها به.
و عليه إجماع العلماء، قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: (يغفر للمؤذن مدى صوته، و يشهد له كل رطب و يابس)(4).
و قال أبو سعيد الخدري لرجل: إذا كنت في غنمك أو باديتك فأذّنت بالصلاة فارفع صوتك فإنه لا يسمع صوتك جن و لا إنس إلاّ شهد لك يوم القيامة، سمعته من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله(5).
و من طريق الخاصة قول الصادق عليه السلام: «إذا أذّنت فلا تخفين صوتك فإن اللّه يأجرك مدّ صوتك فيه»(6) ، و لأن القصد به الإعلام و هو يكثر برفع الصوت فيكون النفع به أتم.
ص: 54
و قد روي أن رفع الصوت بالأذان في المنزل يزيل العلل و الأسقام و يكثر النسل، فإن هشام بن إبراهيم شكا الى الرضا عليه السلام سقمه و أنه لا يولد له فأمره أن يرفع صوته بالأذان في منزله قال: ففعلت، فأذهب اللّه عني سقمي، و كثر ولدي.
قال محمد بن راشد: و كنت دائم العلّة ما انفك منها في نفسي و جماعة خدمي فلما سمعت كلام هشام عملت به فأذهب اللّه عني و عن عيالي العلل(1).
و لا يجهد نفسه في رفع صوته زيادة على طاقته لئلاّ يضر بنفسه و ينقطع صوته، فإن أذّن لعامة الناس جهر بجميع الأذان، و لا يجهر ببعض، و يخافت ببعض لئلا يفوت مقصود الأذان و هو الإعلام، و إن أذّن لنفسه أو لجماعة حاضرين جاز أن يخافت و يجهر، و يخافت ببعض و يجهر ببعض.
بجلسة، أو سجدة، أو سكتة، أو خطوة، أو صلاة ركعتين في الظهرين إلاّ المغرب فإنه لا يفصل بينهما إلاّ بخطوة، أو سكتة أو تسبيحة عند علمائنا - و به قال أحمد(2) - لأن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال لبلال: (اجعل بين أذانك و إقامتك قدر ما يفرغ الآكل من أكله، و الشارب من شربه، و المعتصر إذا دخل لقضاء حاجته)(3).
و من طريق الخاصة ما رواه سليمان بن جعفر قال: سمعته يقول:
«افرق بين الأذان و الإقامة بجلوس أو ركعتين»(4).
ص: 55
و قال الصادق عليه السلام: «بين كل أذانين قعدة إلاّ المغرب فإن بينهما نفسا»(1).
و قال الصادق عليه السلام أو الكاظم عليه السلام: «يؤذن للظهر على ست ركعات، و يؤذن للعصر على ست ركعات بعد الظهر(2).
و روي عن الصادق عليه السلام «من جلس بين أذان المغرب و الإقامة كان كالمتشحط بدمه في سبيل اللّه»(3) و لأنّ الأذان للإعلام فيسن الانتظار ليدرك الناس الصلاة.
إذا عرفت هذا فقد قال أحمد باستحباب الفصل في المغرب بجلسة خفيفة(4). و حكي عن أبي حنيفة، و الشافعي أنه لا يسن في المغرب(5).
و سئل الصادق عليه السلام ما الذي يجزي من التسبيح بين الأذان و الإقامة، قال: «يقول: الحمد للّه»(6).
و قد روي أنه يقول إذا جلس بعد الأذان: «اللهم اجعل قلبي بارا، و رزقي دارا، و اجعل لي عند قبر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قرارا و مستقرا»(7).0.
ص: 56
و لا لشيء من الفرائض - عدا الخمس اليومية - كالعيدين، و الكسوف، و الأموات، بل يقول المؤذن في الكسوف و العيدين: الصلاة ثلاثا، و كذا في الاستسقاء، و في الجنازة إشكال ينشأ من العموم، و من انتفاء الحاجة لحضور المشيعين - و للشافعي وجهان(1) - و عليه إجماع علماء الأمصار، و فعل النبيّ صلّى اللّه عليه و آله هذه الصلوات من غير أذان(2).
و يستحب في الفرائض الخمس اليومية، و يتأكد الاستحباب فيما يجهر فيه بالقراءة، و آكده الغداة، و المغرب؛ لأنّ في الجهر دلالة على طلب الإعلام فيها؛ و التنبيه بالأذان زيادة في المطلوب شرعا، و شدّة تأكيده في الصبح و المغرب لعدم التقصير فيهما فلا يقصر مندوباتهما، و ليكون افتتاح النهار و الليل بذكر اللّه تعالى.
و قال الصادق عليه السلام: «لا تدع الأذان في الصلوات كلّها، فإن تركته فلا تتركه في المغرب و الفجر، فإنه ليس فيهما تقصير»(3).
و قال الباقر عليه السلام: «إنّ أدنى ما يجزي من الأذان أن يفتتح الليل بأذان و إقامة، و يفتتح النهار بأذان و إقامة، و يجزيك في سائر الصلوات إقامة بغير أذان»(4).
كما يستحب
ص: 57
للحاضرة عند علمائنا - و به قال أبو حنيفة(1) - لقوله صلّى اللّه عليه و آله: (من فاتته صلاة فريضة فليقضها كما فاتته)(2) و لأنّ ما يسنّ للصلاة في أدائها يسنّ في قضائها كسائر الأذكار.
و قال الشافعي: يقيم لكلّ صلاة، و في الأذان له ثلاثة أقوال، أحدها:
لا يستحب الأذان - و به قال مالك، و الأوزاعي، و إسحاق(3) - لرواية أبي سعيد الخدري قال: حبسنا يوم الخندق عن الصلاة حتى كان بعد المغرب بهويّ(4) من الليل فدعا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بلالا فأمره فأقام الظهر فصلاّها ثم أقام العصر فصلاّها(5) ، و لأنّ الأذان وضع للإعلام بدخول الوقت و هو منتف هنا.
و يحمل على العذر بالسفر، و الخوف، و ضيق وقت المغرب حينئذ، مع أنه روي أنه أمر بلالا فأذّن ثم أقام فصلّى الظهر ثم أقام فصلّى العصر(6) ، و نفي المظنة لا يوجب نفي السبب كالمشقة، و ينتقض بالإقامة، و نمنع العلية.
الثاني: يؤذن للأولى خاصة - و به قال أحمد، و أبو ثور، و ابن المنذر(7) - لأن عمران بن حصين قال: سرنا مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه1.
ص: 58
و آله في غزاة أو سرية فلما كان آخر السحر عرسنا فما أيقظنا إلاّ حرّ الشمس فأمرنا فارتحلنا ثم سرنا حتى ارتفعت الشمس و نزلنا فقضى القوم حوائجهم، و أمر بلالا فأذّن فصلّينا ركعتين، ثم أمره فأقام فصلّى الغداة(1). و لا حجة فيه.
الثالث: إن كان يرجو اجتماع الناس أذّن(2) لأنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله لم يؤذن بعرفات للعصر، و لا بمزدلفة للعشاء(3) لاجتماع الناس. و لا حجة فيه لسقوطه هناك للاشتغال بالعبادة.
لكنّه في الأداء أفضل إجماعا.
و إن اقتصر على الإقامة في الجميع أجزأه.
خاصة سواء كان في وقت الأولى أو الثانية و في أي موضع كان؛ لأنّ الصادق عليه السلام روى عن أبيه عن جابر: «أن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله جمع بين المغرب و العشاء بالمزدلفة بأذان واحد و إقامتين»(4).
و قال أبو حنيفة: لا يقيم و لا يؤذّن للعشاء بمزدلفة(5) لأنّ ابن عمر صلّى
ص: 59
المغرب ثلاثا، و العشاء ركعتين بمزدلفة بإقامة واحدة، و قال: صليتها مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كذلك(1). و عمله ليس حجة.
و نقل ابن عمر عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنه جمع بينهما بمزدلفة كل واحدة بإقامة(2).
و قال الشافعي: إن جمع في وقت الاولى فكقولنا، و إن جمع في وقت الثانية فالأقاويل الثلاثة السابقة له(3).
لأنّ الجمعة يجمع صلاتاها و يسقط ما بينهما من النوافل، و لقول الباقر عليه السلام: «إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله جمع بين الظهرين بأذان و إقامتين، و بين المغرب و العشاء بأذان و إقامتين»(4).
و كذا يسقط لو جمع بين الظهرين بعرفة، و العشاءين بمزدلفة؛ لقول الصادق عليه السلام: «السنّة في الأذان يوم عرفة أن يؤذن و يقيم للظهر ثم يصلّي، ثم يقوم فيقيم للعصر بغير أذان»(5) ، و لأن الأذان للإعلام بدخول الوقت فإذا صلّى في وقت الأولى أذّن لوقتها ثم أقام للأخرى لأنه لم يدخل وقت يحتاج إلى الإعلام به، و إن جمع في وقت الثانية أذّن لوقت الثانية و صلّى الاولى لترتب الثانية عليها، ثم لا يعاد الأذان للثانية.
و إن تأكد فيه، سواء كان مسافرا أو حاضرا، و به قال الشافعي في المسافر، و له في الحاضر
ص: 60
قولان، أحدهما: الاكتفاء بأذان المصر(1) لقوله عليه السلام: (إذا كان أحدكم في أرض فلاة و دخل عليه وقت الصلاة فإن صلّى بغير أذان و إقامة صلّى وحده، و إن صلّى بإقامة صلّى معه ملكاه، و إن صلّى بأذان و إقامة صلّى خلفه صف من الملائكة أوّلهم بالمشرق و آخرهم بالمغرب)(2).
و من طريق الخاصة قول الصادق عليه السلام لمحمد بن مسلم: «إنك إذا أذّنت و أقمت صلّى خلفك صفان من الملائكة، و إن أقمت بغير أذان صلّى خلفك صف واحد»(3).
و يدل على الرجحان في الجماعة قول الصادق عليه السلام و قد سأله الحلبي عن الرجل هل يجزئه في السفر و الحضر إقامة ليس معها أذان ؟ قال:
«نعم لا بأس به»(4) و قال عليه السلام لعبد اللّه بن سنان: «يجزيك إذا خلوت في بيتك إقامة واحدة بغير أذان»(5).
لقول الصادق عليه السلام: «إذا أذّنت في أرض فلاة و أقمت صلّى خلفك صفّان من الملائكة، و إن أقمت قبل أن تؤذن صلّى خلفك صف واحد»(1).
إذا لم تتفرق الجماعة الأولى عن المسجد، و هو أحد قولي الشافعي(2) ، لأنّهم مدعوون بالأذان الأول فإذا أجابوا كانوا كالحاضرين في المرة الاولى، و مع التفرّق تصبر كالمستأنفة.
و لقول الصادق عليه السلام و قد سئل قلت: الرجل يدخل المسجد و قد صلّى القوم أ يؤذّن و يقيم ؟ قال: «إن كان دخل و لم يتفرق الصف صلّى بأذانهم و إقامتهم، فإن كان الصف تفرق أذّن و أقام»(3).
و في الآخر: يستحب مطلقا - و به قال أبو حنيفة(4) - كما في الأولى، لكن لا يرفع الصوت دفعا للالتباس، و قال الحسن البصري، و النخعي، و الشعبي: الأفضل لهم الإقامة(5) و أطلقوا، و قال أحمد: إن شاءوا أذّنوا و أقاموا، و إن شاءوا صلّوا من غير أذان و لا إقامة(6) و أطلق.
ص: 62
لكن لا تسمع الرجال عند علمائنا - و هو أحد أقوال الشافعي(1) -، لأنّ عائشة كانت تؤذن و تقيم(2).
و من طريق الخاصة قول الصادق عليه السلام و قد سئل عن المرأة تؤذن: «حسن إن فعلت»(3) و لأنّه ذكر في جماعة فاستحب كما في الرجال.
و الثاني: لا يستحبان؛ لأنّ الأذان للإعلام، و إنّما يحصل برفع الصوت(4).
و الثالث: و هو الأصح عندهم، استحباب الإقامة خاصة؛ لأنّها لاستفتاح الصلاة و انتهاض الحاضرين، و به قال جابر، و عطاء، و مجاهد، و الأوزاعي(5) ، و قال أحمد: إن أذّن فلا بأس(6).
آكد.
لقول الصادق عليه السلام و قد سئل عن المرأة تؤذّن للصلاة: «حسن إن فعلت، و إن لم تفعل أجزأها أن تكبّر، و أن تشهد أن لا إله إلاّ اللّه، و أن محمدا رسول اللّه»(7) و سأل جميل بن درّاج
ص: 63
الصادق عليه السلام عن المرأة أ عليها أذان و إقامة ؟ فقال: «لا»(1).
لأنّه عورة فالجهر منهي عنه، و النهي يدلّ على الفساد - و به قال الشافعي - لأنّ المرأة كما لم يجز أن تكون إماما لم يجز أن تؤذّن للرجال(2).
و قال الشيخ في المبسوط: يعتدون به و يقيمون(3) و ليس بجيد، نعم، لو كانوا أقارب يجوز لهم سماع صوتهن، فالوجه ما قاله الشيخ، و نمنع الملازمة بين الأذان و الإمامة.
لاحتمال أن يكون امرأة.
عن أذان الجماعة؛ لأنّ أبا مريم الأنصاري قال: صلّى بنا أبو جعفر الباقر عليه السلام في قميص بغير إزار، و لا رداء، و لا أذان، و لا إقامة فلمّا انصرف قلت له:
صلّيت بنا في قميص بلا إزار، و لا رداء، و لا أذان، و لا إقامة، فقال:
«قميصي كثيف فهو يجزي أن لا يكون عليّ إزار و لا رداء، و إني مررت بجعفر و هو يؤذن و يقيم فأجزأني ذلك»(4).
أما لو أذّن بنية الانفراد ثم أراد أن يصلّي جماعة استحب له الاستئناف؛ لأن الصادق عليه السلام سئل عن رجل يؤذن و يقيم ليصلّي وحده، فيجيء رجل آخر فيقول له: نصلّي جماعة. هل يجوز أن يصلّيا بذلك الأذان و الإقامة ؟ قال: «لا و لكن يؤذن و يقيم»(5).
ص: 64
لعدم الاعتداد بعبارة المجنون، و الإسلام بالإجماع، و لقوله عليه السلام: (الإمام ضامن، و المؤذن مؤتمن، اللهم أرشد الأئمة، و اغفر للمؤذنين)(1) و الكافر لا يصح الاستغفار له. و من طريق الخاصة قول الصادق عليه السلام: «لا يجوز أن يؤذّن إلاّ رجل مسلم عارف»(2).
و الذكورة أيضا شرط في حقّ الرجال و قد سلف، أما البلوغ فلا يشترط مع التمييز عند علمائنا أجمع، و به قال عطاء، و الشعبي، و ابن أبي ليلى، و الشافعي، و أبو حنيفة، و أحمد في رواية(3) ؛ لأن عبد اللّه بن أبي بكر بن أنس قال: كان عمومتي يأمرونني أن أؤذّن لهم و أنا غلام و لم أحتلم، و أنس ابن مالك شاهد و لم ينكر(4).
و من طريق الخاصة قول علي عليه السلام: «لا بأس أن يؤذن الغلام قبل أن يحتلم»(5) و لأنّه ذكر تصح صلاته فاعتدّ بأذانه كالبالغ.
و قال أحمد في الأخرى: لا يعتد به؛ لأنه وضع للإعلام فلا يصح منه لأنّه لا يقبل خبره و لا روايته، و الأذان أخف من الرواية و الخبر(6) ، و قال داود: لا يعتبر إذا أذّن للرجال(7) ، أما غير المميز فلا عبرة بأذانه إجماعا.
ص: 65
لأن الألفاظ الدالة على الحث على الأذان عامة تتناول العبد كما تتناول الحر، و لأنه يصح أن يكون إماما فجاز أن يؤذّن، و الأقرب: اشتراط إذن مولاه؛ إذ له منعه من العبادات المندوبة، و الأذان مندوب.
و المدبّر، و أم الولد كالقن، أمّا المكاتب فيحتمل مشاركته؛ إذ ليس له التصرف في نفسه إلاّ بالاكتساب، و الجواز لانقطاع ولاية المولى عنه.
قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: (يؤذن لكم خياركم)(1) و لأنّه مخبر عن الوقت فيكون عدلا ليقبل إخباره، و لأنه لا يؤمن من اطلاعه على العورات، و يعتدّ بأذان مستور الحال إجماعا لعدم العلم بفسقه.
و هل يعتد بأذان الفاسق ؟ قال به علماؤنا، و الشافعي، و عطاء، و الشعبي، و ابن أبي ليلى، و أحمد في رواية؛ لأنّه ذكر بالغ فاعتدّ بأذانه كالعدل، و في الأخرى: لا يعتد به لأنه شرّع للإعلام و لا يحصل بقوله؛ و شرع الإعلام لا يقتضيه بل يقتضي النظر في الدخول و عدمه(2).
و هل يصح أذان السكران ؟ الأقرب نعم إن كان محصلا - و به قال الشافعي(3) - أما لو كان مخبطا فالوجه عدم صحته كالمجنون، و للشافعي وجهان(4).
و أما الملحن فلا يصح أذانه، لأنّه معصية فلا يكون مأمورا به فلا يكون مجزيا عن المشروع، و كان لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله مؤذّن يطرب، فقال
ص: 66
رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: (إنّ الأذان سهل سمح، فإن كان أذانك سهلا سمحا و إلاّ فلا تؤذن)(1) و عن أحمد روايتان، إحداهما: الجواز؛ لحصول المقصود منه فكان كغير الملحن(2) و الفرق ظاهر للنهي عن الأول.
فإن الأعمى لا يعرف الوقت فإن أذن صح فإن ابن أمّ مكتوم كان يؤذّن للنبيّ صلّى اللّه عليه و آله، و كان يؤذن بعد بلال(3) ، فتزول الكراهة إن تقدمه أذان بصير، أو كان معه بصير عارف بالوقت.
و ينبغي أن يكون المؤذن بصيرا بالأوقات لئلاّ يغلط فيقدم الأذان على وقته أو يؤخره فإن أذن الجاهل صحّ كالأعمى إذا سدده غيره.
و يستحب أن يكون صيّتا لعموم النفع به، فإن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال لعبد اللّه بن زيد: (ألقه على بلال فإنّه أندى منك صوتا)(4) أي أرفع، و يستحب أن يكون حسن الصوت لأنّه أرق لسماعة.
السلام: (حق و سنّة)(1) يعطي الندب.
و من طريق الخاصة قول الصادق عليه السلام: «لا بأس أن تؤذّن و أنت على غير طهور، و لا تقيم إلاّ و أنت على وضوء»(2).
و عن علي عليه السلام: «و لا بأس أن يؤذّن المؤذّن و هو جنب، و لا يقيم حتى يغتسل»(3).
و قال أحمد، و إسحاق بن راهويه: لا يعتدّ بأذان غير المتطهر؛ لأنّه ذكر يتقدم الصلاة فافتقر إلى الطهارة كالخطبة(4).
و نمنع الأصل، و يفرّق بوجوبها و إقامتها مقام الركعتين.
إذا ثبت هذا فإذا أذّن الجنب لم يقف في المسجد فإن أذّن فيه مقيما فالوجه عدم الاعتداد به للنهي، و استحباب الطهارة من الجنابة آكد من الحدث.
و قال المرتضى: الطهارة شرط في الإقامة(1) لقول الصادق عليه السلام: «و لا تقيم إلاّ و أنت على وضوء»(2).
استحب له استئنافها.
بإجماع العلماء لأنّ مؤذّني رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كانوا يستقبلون القبلة(3) ، و قال عليه السلام: (خير المجالس ما استقبل به القبلة)(4) فإن أذّن غير مستقبل جاز إجماعا لحصول المقصود.
و أوجبه المرتضى(5) ، و هو ممنوع للأصل.
سواء كان في المأذنة أو على الأرض - عند علمائنا - في شيء من فصوله - و به قال ابن سيرين(6) - لأنه ذكر مشروع يتقدم الصلاة فلا يستحب فيه الالتفات كالخطبة، و لمنافاته الاستقبال.
و قال الشافعي: يستحب للمؤذّن أن يلتوي في قوله: حيّ على الصلاة، حيّ على الفلاح، برأسه و عنقه، و لا يدير بدنه سواء كان في
ص: 69
المأذنة أو لا(1) ، لأن بلالا أذّن و لوى عنقه يمينا و شمالا عند الحيّعلتين(2).
و فعله ليس حجة.
و قال أحمد: إن كان على المنارة فعل ذلك و إلاّ فلا(3). و قال أبو حنيفة: إن كان فوق المنارة استدار بجميع بدنه، و إن كان على الأرض لوى عنقه؛ لأنّ بلالا دار في المأذنة(4). و فعله ليس حجة.
- و به قال الشافعي(5) - لأن بلالا وضع يديه في أذنيه(6).
و من طريق الخاصة قول الصادق عليه السلام: «السنّة أن تضع إصبعيك في أذنيك في الأذان»(7).
و قال أحمد: يستحب أن يجعل أصابعه مضمومة على أذنيه(8).
لأنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال: (يا بلال قم فناد بالصلاة)(9).
و من طريق الخاصة قول الباقر عليه السلام: «لا يؤذّن جالسا إلاّ راكب
ص: 70
أو مريض»(1) و لأنه أبلغ لصوته.
و أن يكون على مرتفع إجماعا، لأنه أبلغ لصوته، و لقول الصادق عليه السلام: «كان طول حائط مسجد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قامة فكان عليه السلام يقول لبلال إذا دخل الوقت: يا بلال اعل فوق الجدار و ارفع صوتك بالأذان فإن اللّه تعالى قد وكّل بالأذان ريحا ترفعه الى السماء، فإنّ الملائكة إذا سمعوا الأذان من أهل الأرض قالوا: هذه أصوات أمّة محمد صلّى اللّه عليه و آله بتوحيد اللّه عزّ و جلّ، و يستغفرون لأمّة محمد صلّى اللّه عليه و آله حتى يفرغوا من تلك الصلاة»(2).
قال الشيخ: يكره الأذان في الصومعة(3). و سأل علي بن جعفر أخاه موسى عليه السلام عن الأذان في المنارة أسنة هو؟ فقال: «إنما كان يؤذّن النبي صلّى اللّه عليه و آله في الأرض و لم يكن يومئذ منارة»(4).
لأنّ الأذان غير واجب فلا تجب هيئته، و لقول محمد بن مسلم قلت: يؤذّن الرجل و هو قاعد؟ قال: «نعم»(5).
و يتأكد في الإقامة
ص: 71
لقول الصادق عليه السلام: «لا بأس أن يؤذن راكبا، أو ماشيا، أو على غير وضوء و لا تقيم و أنت راكب، أو جالس إلاّ من علّة، أو تكون في أرض ملصّة»(1).
لقول أحدهما عليهما السلام و قد سئل عن الرجل يؤذّن و هو يمشي و على ظهر دابته و على غير طهور فقال: «نعم إذا كان التشهد مستقبل القبلة فلا بأس»(2).
لأن الصادق عليه السلام سئل أؤذن و أنا راكب ؟ فقال: «نعم» فقلت: فأقيم و أنا راكب ؟ فقال:
«لا» فقلت: فأقيم و أنا ماش ؟ فقال: «نعم ماش إلى الصلاة» قال: ثم قال لي: «إذا أقمت فأقم مترسلا فإنك في الصلاة» فقلت له: قد سألتك أقيم و أنا ماش فقلت لي: نعم، أ فيجوز أن أمشي في الصلاة ؟ قال: «نعم إذا دخلت من باب المسجد فكبرت و أنت مع إمام عادل ثم مشيت إلى الصلاة أجزأك ذلك»(3).
عند علمائنا لتواتر الأخبار على الحث عليه مطلقا، فلا يتقيد إلاّ بدليل.
و قال الشافعي: أحب أن يجعل الأذان إلى أولاد المؤذنين في عهد النبيّ صلّى اللّه عليه و آله كأولاد أبي محذورة، و سعد القرظ، فإن انقرضوا ففي أولاد أحد الصحابة(4).
فإن تشاح اثنان(5) في الأذان قال الشيخ: يقرع(6) لقول النبيّ صلّى اللّه
ص: 72
عليه و آله: (لو يعلم الناس ما في الأذان و الصف الأول ثم لم يجدوا إلاّ أن يستهموا عليه لفعلوا)(1) فدل على جواز الاستهام فيه.
و هذا القول جيّد مع فرض التساوي في الصفات المعتبرة في التأذين، و إن لم يتساووا قدم من كان أعلا صوتا، و أبلغ في معرفة الوقت، و أشد محافظة عليه، و من يرتضيه الجيران، و أعف عن النظر.
كلّ واحد في زاوية عملا باستحباب عموم الأذان، و انتفاء المانع، و ظاهر كلام الشافعي ذلك(2) ، و في قول بعض أصحابه: لا يتجاوز أربعة، لأنّ عثمان اتخذ أربعة مؤذنين(3) ، و لا مانع فيه من الزيادة.
فإنه أذان واحد، فأما إذا أذن واحد بعد الآخر فليس ذلك بمسنون(4) و هو جيد، لما فيه من تأخير الصلاة عن وقتها، نعم لو احتيج الى ذلك لانتظار الإمام، أو كثرة المأمومين فالوجه الجواز.
و هو أن يبني أحدهما على فصول الآخر.
لأنّ أبا محذورة، و بلالا لم يسبقهما أحد فيه.
بلالا أذّن، و أقام عبد اللّه بن زيد(1).
و من طريق الخاصة ما روي أنّ الصادق عليه السلام كان يقيم بعد أذان غيره، و يؤذّن و يقيم غيره(2).
و قال الشافعي، و أحمد، و الثوري، و الليث، و أبو حنيفة في رواية:
يستحب أن يتولاهما الواحد لأنهما فصلان من الذكر يتقدمان الصلاة فيسن أن يتولاهما الواحد كالخطبتين(3). و الفرق ظاهر.
عملا بالأصل، و لأن الأذان يستحب في المواضع المرتفعة، و الإقامة في موضع الصلاة. و قال أحمد:
يستحب أن يقيم موضع أذانه و لم يبلغني فيه شيء(4). و إذا لم يبلغه فيه شيء كيف يصير إلى ما ذهب إليه ؟!
لأن عليا عليه السلام قال: «المؤذن أملك بالأذان، و الإمام أملك بالإقامة»(5).
و يجوز أن يؤذن و يقيم
ص: 74
فيما بينه و بين نفسه(1).
فإذا نصب (رسول اللّه) أخرجه عن الخبريّة، و لا يمدّ (أكبر) لأنه يصير جمع كبر و هو الطبل(2) و لا يسقط الهاء من اسمه تعالى، و اسم الصلاة، و لا الحاء من الفلاح، قال عليه السلام: (لا يؤذن لكم من يدغم الهاء) قلنا: و كيف يقول ؟ قال: يقول:
(أشهد أن لا إله إلاّ اللّه، أشهد أنّ محمدا رسول اللّه)(3).
و إن كان ألثغ غير متفاحش جاز أن يؤذن، فإن بلالا كان يجعل الشين سينا.
للمنفرد و الجامع على أقوى الأقوال - و به قال الشافعي، و أبو حنيفة(4) - لأنّ عبد اللّه بن عمر صلّى بغير أذان و لا إقامة(5).
و من طريق الخاصة ما تقدم في حديث الباقر عليه السلام حيث صلّى لمّا سمع مجتازا أذان الصادق عليه السلام(6).
و لأن الأصل عدم الوجوب. و لأنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال
ص: 75
للأعرابي المسيء في صلاته: (إذا أردت صلاة فأحسن الوضوء ثم استقبل القبلة فكبّر)(1) و لم يأمره بالأذان.
و قال السيد المرتضى، و ابن أبي عقيل: بوجوب الأذان و الإقامة في الغداة و المغرب(2) لقول الصادق عليه السلام: «لا تصلّ الغداة و المغرب إلاّ بأذان و إقامة»(3) و هو محمول على الاستحباب، و معارض بقول الصادق عليه السلام و قد سئل عن الإقامة بغير أذان في المغرب فقال: «ليس به بأس و ما أحب يعتاد»(4).
و قال السيد: يجبان فيهما سفرا و حضرا(5). و هو ممنوع؛ لقول الصادق عليه السلام و قد سئل عن الرجل هل يجزيه في السفر و الحضر إقامة ليس معها أذان ؟: «نعم لا بأس به»(6).
و قال السيد المرتضى، و ابن أبي عقيل: تجب الإقامة على الرجال في جميع الصلوات(7) لقول الصادق عليه السلام: «يجزئك إذا خلوت في بيتك إقامة واحدة بغير أذان»(8) و مفهوم الإجزاء الوجوب. و هو ممنوع فإن الإجزاء كما يأتي في الصحة يأتي في الفضيلة.
و قال الشيخان، و المرتضى: يجبان في صلاة الجماعة(9) لقول3.
ص: 76
أحدهما عليهما السلام: «إن صليت جماعة لم يجزئ إلاّ أذان و إقامة»(1) و هو محمول على شدة الاستحباب، و للشيخ قول في الخلاف: أنّهما مستحبان في الجماعة أيضا، و استدل بأصالة براءة الذمة(2) ، و به قال الشافعي(3) ، و هو الحق عندي.
و قال أبو سعيد الإصطخري من الشافعية: بأنّ الأذان من فروض الكفاية، فإن وقع في قرية كفى الواحد، و في البلد يجب في كلّ محلّة، و إن اتفق أهل بلد على تركه قاتلهم الإمام(4).
و قال داود بوجوب الأذان و الإقامة على الأعيان إلاّ أنهما ليسا بشرط في الصلاة(5) لأن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال لمالك بن الحويرث و لصاحبه (إذا سافرتما فأذّنا و أقيما و ليؤمكما أكبركما)(6) و الأمر للوجوب. و هو ممنوع.
و قال أحمد: إنّه فرض على الكفاية(7). و قال الأوزاعي: من نسي الأذان أعاد في الوقت(8) ، و قال عطاء: من نسي الإقامة أعاد الصلاة(9).
في غير الصبح بإجماع علماء الإسلام، لأنّه وضع للإعلام بدخول الوقت فلا يقع قبله.
ص: 77
أمّا في صلاة الصبح فيجوز تقديمه رخصة لكن يعاد بعد طلوعه - و به قال الشافعي، و مالك، و الأوزاعي، و أحمد، و إسحاق، و أبو ثور، و داود، و أبو يوسف(1) - لأنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال: (إن بلالا يؤذن بليل فكلوا و اشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم)(2).
و من طريق الخاصة مثل ذلك رواه الصدوق رحمه اللّه، إلاّ أنه قال: «إن ابن أم مكتوم يؤذن بليل فكلوا و اشربوا حتى يؤذن بلال» قال: و كان ابن أم مكتوم يؤذن قبل الفجر و بلال بعده، فغيّرت العامة النقل(3).
و قول الصادق عليه السلام و قد قال له ابن سنان: إن لنا مؤذنا يؤذن بليل: «إن ذلك ينفع الجيران لقيامهم إلى الصلاة، و أما السنّة فإنه ينادي من طلوع الفجر»(4). و لأن فيه تنبيها للنائمين، و منعا للصائمين عن التناول، و احتياطهم في الوقت.
و قال أبو حنيفة، و الثوري: لا يجوز إلاّ بعد طلوع الفجر(5) لأن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال لبلال: (لا تؤذن حتى يستبين لك الفجر)(6) ، و لأنّها صلاة فلا يقدم أذانها كغيرها من الصلوات.
و يحتمل أنّه عليه السلام أراد الأذان الثاني، و هذه الصلاة تخالف سائر5.
ص: 78
الصلوات لدخول وقتها و الناس نيام.
و استحب علماؤنا إعادته بعد الفجر؛ لقول الصادق عليه السلام: «و أما السنّة فإنه ينادى من طلوع الفجر»(1) و لأن الأول يعلم به قرب الوقت، و الثاني دخوله، لئلاّ يتوهم بذلك طلوع الفجر.
و هو الاستعداد للصلاة طلبا لفضيلة أول الوقت، و قد روي أن بين أذان بلال و ابن أم مكتوم أن ينزل هذا و يصعد هذا(2).
و قال الشافعي: يجوز بعد نصف الليل، و به قال أحمد(3).
بل لو كان المؤذن واحدا استحب له إعادته بعد الفجر، و إن أراد الاقتصار على المرة أذّن بعده، و قال أحمد: يشترط كبلال و ابن أم مكتوم(4). و هو اتفاقي.
ليعلم الناس عادته فيعرفوا الوقت بأذانه.
عليه السلام: (لا يمنعكم من سحوركم أذان بلال)(1) ، و هو يعطي تسويغه.
و قال أحمد: يكره في رمضان لئلاّ يمتنعوا من السحور(2).
ليعلم الناس فيتأهبوا للصلاة في أول وقتها بلا خلاف.
و لا يعيد صلاته، و إن كان ناسيا تداركهما ما لم يركع، و يستقبل صلاته استحبابا لا وجوبا - و به قال المرتضى(3) - لأنّ النسيان عذر فجاز أن يستدركه قبل الركوع، لأن الركوع يحصل معه أكثر أركان الصلاة فلا تبطل بعده.
و لقول الصادق عليه السلام: «إذا افتتحت الصلاة فنسيت أن تؤذن و تقيم ثم ذكرت قبل أن تركع فانصرف فأذن و أقم و استفتح الصلاة، و إن كنت ركعت فأتم صلاتك»(4) و ليس هذا بواجب إجماعا.
و لما رواه زرارة عن الصادق عليه السلام قلت: الرجل ينسى الأذان و الإقامة حتى يكبر قال: «يمضي في صلاته و لا يعيد»(5).
و قال الشيخ: إن تركهما متعمدا استأنف ما لم يركع، و إن كان ناسيا استمر(6).
و قال ابن أبي عقيل: إن تركه متعمدا و استخفافا فعليه الإعادة(7).
ص: 80
و الأصل صحة الصلاة و المنع من إبطالها، خولف في النسيان لمصلحة الاستدراك، فيبقى في العمد على أصله.
- و به قال أبو حنيفة، و أحمد، و الأوزاعي(1) - لأنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال لعثمان بن أبي العاص:
(اتخذ مؤذّنا لا يأخذ على الأذان أجرا)(2).
و من طريق الخاصة قول الصادق عليه السلام عن أبيه عن علي عليه السلام قال: «آخر ما فارقت عليه حبيب قلبي أن قال: يا علي إذا صليت فصلّ صلاة أضعف من خلفك، و لا تتخذنّ مؤذّنا يأخذ على أذانه أجرا»(3) ، و لأنها قربة لنفسه فيحرم فيها الأجرة كالصلاة.
و قال المرتضى: يكره، عملا بالأصل(4). و قال الشافعي، و مالك بالجواز؛ لأنه عمل معلوم يجوز أخذ الرزق عليه فجاز أخذ الأجرة عليه(5) ، و الملازمة ممنوعة.
لحاجة المسلمين إليه و قد لا يوجد متطوع به.
ص: 81
و من خاص الإمام، قال الشيخ: و لا يعطيه من الصدقات، و لا من الأخماس؛ لأنّ لها أقواما مخصوصين(1).
و قال الشافعي: يعطيه من خمس خمس الغنيمة، و الفيء؛ لأنّه معدّ للمصالح. و أما أربعة أخماس الفيء فله قولان: أحدهما: أنه معدّ للمجاهدين، و الثاني: للمصالح(2) ، و سيأتي.
و لو وجد الفاسق قال الشافعي: جاز أن يرزق العدل(3). و لا بأس به، و لو احتاج البلد الى أكثر من مؤذن واحد رزق ما تندفع به الحاجة.
لقول النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: (إذا سمعتم النداء فقولوا مثل ما يقول المؤذن)(4).
و من طريق الخاصة قول الباقر: «يا محمد بن مسلم لا تدعن ذكر اللّه على كل حال، و لو سمعت المنادي ينادي الأذان و أنت على الخلاء فاذكر اللّه عزّ و جل و قل كما يقول»(5).
قال ابن بابويه: روي أن من سمع الأذان فقال كما يقول المؤذن زيد في رزقه(6).
ص: 82
للعموم، و لأنّ القراءة لا تفوت، و القول مع المؤذن يفوت، و به قال الشافعي(1).
و اشتغل بصلاته - و به قال الشافعي(2) - لأنّه يقطعه عن الإقبال على الصلاة.
و قال مالك، و الليث: يعيد في النافلة خاصة إلاّ في الحيعلتين فإنه يقول فيهما: لا حول و لا قوة إلاّ باللّه العلي العظيم(3).
وحده لا شريك له، و أن محمدا عبده و رسوله، رضيت باللّه ربا، و بالإسلام دينا، و بمحمد رسولا، و بالأئمة الطاهرين أئمة. و يصلّي على النبي و آله عليهم السلام، و يقول: اللهم رب هذه الدعوة التامة و الصلاة القائمة آت محمدا الوسيلة و الفضيلة و ابعثه المقام المحمود الذي وعدته، و ارزقني شفاعته يوم القيامة(1).
اللهم إني أسألك بإقبال نهارك، و إدبار ليلك، و حضور صلواتك، و أصوات دعاتك أن تتوب عليّ إنك أنت التواب الرحيم، و قال مثل ذلك حين يسمع أذان المغرب ثم مات من يومه أو ليلته مات تائبا»(2).
تحصيلا لكمال السنّة، و لقول الصادق عليه السلام: «إذا نقّص المؤذن الأذان و أنت تريد أن تصلّي بأذانه فأتم ما نقص هو من أذانه»(3).
و لا يقول: استووا يرحمكم اللّه لعدم دليله.
و لم يعد الإقامة، لأن الطهارة ليست شرطا فيها فلا تؤثر في إعادتها.
أما لو تكلم أعاد الإقامة و الصلاة لقول الصادق عليه السلام: «لا تتكلم إذا أقمت الصلاة فإنك إذا تكلمت أعدت الإقامة»(4).
ص: 84
و لو خاف فوت الصلاة اقتصر على تكبيرتين، و قد قامت الصلاة لأن ذلك أهم فصول الإقامة.
و لقول الصادق عليه السلام: «إذا دخل الرجل المسجد و هو لا يأتم بصاحبه فخشي إن هو أذن و أقام أن يركع الإمام فليقل: قد قامت الصلاة، قد قامت الصلاة، اللّه أكبر، اللّه أكبر، لا إله إلاّ اللّه، و ليدخل في الصلاة»(1).
قال الشيخ: و قد روي أنه يقول ما يتركه من قول حي على خير العمل(2).
- و به قال مالك، و أحمد(3) - لأنه وقت المبالغة في الاستدعاء الى القيام كما في إيجاب البيع، و لأن حفص بن سالم سأل الصادق عليه السلام إذا قال المؤذن: قد قامت الصلاة أ يقوم القوم على أرجلهم أو يجلسون حتى يجيء إمامهم ؟ قال:
«بل يقومون على أرجلهم، فإن جاء إمامهم و إلاّ فليؤخذ بيد رجل من القوم فيقدم»(4).
و قال الشافعي: إذا فرغ المؤذن من الإقامة(5) ، و قال أبو حنيفة: إذا قال: حي على الصلاة، فإذا قال: قد قامت الصلاة كبّر(6).
ص: 85
ص: 86
و كلّ منهما إمّا واجب أو ندب، و يجب معرفة ذلك كلّه إمّا بالدليل، أو التقليد للمجتهد، فلو قلّد غير مجتهد في الأحكام لم تصح صلاته.
و يجب إيقاع كلّ من الواجب و الندب على وجهه فلو أوقع الواجب على جهة الندب بطلت صلاته لعدم الامتثال.
و لو أوقع الندب على جهة الوجوب فإن كان ذكرا فيها بطلت صلاته؛ إذ المأتي به غير مشروع فيدخل تحت من تكلّم في الصلاة عامدا، و ليس الجهل عذرا - خلافا للشافعي - لأنه لم يوقعه على وجهه فلا يكون من الصلاة، و احتجاجه بأن السنة تؤدى بنية الفرض - ممنوع.
و إن كان فعلا فإن كان كثيرا أبطل الصلاة و إلاّ فلا.
و أنا أسوق إليك إن شاء اللّه تعالى الأفعال الواجبة، و هي القيام، و النية، و تكبيرة الإحرام، و القراءة، و الركوع و السجود، و أذكارهما، و التشهد، و في التسليم قولان، ثم أعقب بالمندوبة، ثم أتلو ذلك كله بالتروك في فصول
ص: 87
ص: 88
و فيه مباحث:
لقوله تعالى وَ قُومُوا لِلّهِ قانِتِينَ (1) أي مطيعين، و لقوله عليه السلام لرافع ابن خديج: (صلّ قائما فإن لم تستطع فقاعدا، فإن لم تستطع فعلى جنب)(2).
و من طريق الخاصة قول الصادق عليه السلام في المريض: «يصلّي قائما، فإن لم يقدر على ذلك صلّى جالسا»(3).
و لا فرق في وجوبه بين أن يعجز عن الركوع و السجود مع القدرة على
ص: 89
القيام، و بين أن لا يعجز عند علمائنا - و به قال الشافعي(1) - فيقوم و يومئ للركوع و السجود للآية و الأخبار(2) ، و لأن القيام ركن فلا يسقط بعجزه عن غيره كالقراءة.
و قال أبو حنيفة، و صاحباه: إذا عجز عن الركوع و السجود دون القيام سقط عنه القيام، لأنّ كلّ صلاة لا يجب فيها الركوع و السجود لا يجب فيها القيام(3) ، كالنافلة على الراحلة، و النافلة لا يجب فيها شيء من ذلك بخلاف الفريضة.
مسألة 190: و حدّ القيام الإقلال(4) منتصبا
مع القدرة فلا يجوز له الاتكاء و الاستناد من غير حاجة بحيث لو سلّ السناد لسقط، و هو أحد وجهي الشافعي، و في الآخر: يكره الاستناد(5).
فإن عجز عن الإقلال جاز أن يستند الى جدار و غيره، و أن يتكىء عليه منتصبا على أي جانبيه شاء - و هو أحد وجهي الشافعي(6) - لوجود المقتضي للقيام، و هو الأمر فلا يسقط بالعجز عن هيئته، و لقول الصادق عليه السلام:
«لا تستند الى جدار و أنت تصلي إلاّ أن تكون مريضا»(7) و للشافعي قول بسقوط القيام في هذه الحالة(8).
ص: 90
و لو عجز عن الانتصاب قام منحنيا، و المعتبر نصب الفقار فلا يضر إطراق الرأس، و لا يجوز له مع القدرة أن ينحني قليلا و لا كثيرا، و هو أظهر وجهي الشافعي، و في الآخر: يجوز في اليسير(1).
تذنيب: يستحب حال قيامه أن يفصل بين رجليه من أربع أصابع إلى شبر، و أن يستقبل بأصابعهما القبلة، و قال بعض علمائنا: يجب(2). و ليس بمعتمد للأصل.
لو أخل به عمدا أو سهوا بطلت صلاته لعدم الامتثال، و يجب مدّة القراءة فلو ركع قبل إكمالها مع القدرة بطلت صلاته، و لو عجز عنه مدة القراءة وجب أن يقوم مدة قدرته، لأنّ القيام يجب في جميع القراءة فالعجز عن البعض لا يسقط الآخر.
و لو عجز عن القيام و كان كالراكع خلقة لكبر و غيره، وجب أن يقوم بقدر مكنته، و هو الأظهر من مذهبي الشافعي، و في الآخر: يقعد لئلاّ يتأدى القيام بهيئة الركوع(3) ، و الوقوف على هيئة الراكع أقرب الى القيام فيجب، فإذا ركع وجب أن ينحني يسيرا ليفرق بين ركوعه و قيامه. و يحتمل السقوط؛ لأنّ ذلك واجب الركوع.
بإجماع العلماء، و في حدّ العجز روايتان، إحداهما: المصير الى ظنّه بانتفاء قدرته على الإقلال و الاتكاء لأنّ جميلا سأل الصادق عليه السلام ما حدّ المريض الذي يصلّي قاعدا؟ قال: «إنّ الرجل ليوعك و يحرج و لكنه أعلم بنفسه إذا قوي
ص: 91
فليقم»(1) و قال الباقر عليه السلام: «بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ ، ذاك إليه هو أعلم بنفسه»(2).
الثانية: العجز عن المشي قدر الصلاة؛ لأنّ سليمان بن حفص قال:
قال الفقيه عليه السلام: «المريض إنّما يصلّي قاعدا إذا صار بالحال التي لا يقدر فيها على المشي مقدار صلاته إلى أن يفرغ قائما»(3) و الأولى أولى.
و لو عجز عن القيام و قدر على المشي وجب المشي و لا يصلّي حينئذ قاعدا.
لأنّها حالة يجب فيها القيام فلا يسقط مع القدرة.
كما يومي القائم للضرورة، و يدني جبهته من الأرض إلى أقصى ما يقدر عليه، و لو قدر أن يسجد على صدغه وجب لقرب جبهته من الأرض.
و لم يجز الإيماء، لأنه أتم من الإيماء - و جوّزه الشافعي، و أبو حنيفة(4) - و لا فرق بين أن يكون على فخذيه، أو على يديه، أو على الأرض. و قال الشافعي: إن وضعها على يديه لم يجزئ لأنّه سجد على ما هو حامل له(5). و نمنع بطلان اللازم.
و يثني رجليه راكعا، و يتورك
ص: 92
متشهدا، لقول أحدهما عليهما السلام: «كان أبي عليه السلام إذا صلّى جالسا تربع، فإذا ركع ثنى رجليه»(1).
و للشافعي قولان، أحدهما: يتربع حالة القيام و يفترش متشهدا كالقائم - و به قال مالك، و الثوري، و أبو يوسف، و أحمد، و إسحاق، و الليث(2) - لأن عائشة قالت: رأيت النبيّ صلّى اللّه عليه و آله يصلّي النفل متربعا(3). و لأن هذا الجلوس بدل عن القيام فينبغي أن يخالف هيئته هيئة غيره كمخالفة القيام لغيره، الثاني: أنه يجلس كما يجلس في التشهد(4).
و عن أبي حنيفة روايتان: إحداهما كقولنا. و الثانية: يجلس كيف شاء لأنّ القيام سقط تخفيفا فتسقط هيئته(5) ، و هو غلط، لأنه سقط ما عجز عنه فلا يسقط غيره.
و قال زفر: يجلس مفترشا؛ لأنّ ابن مسعود كره التربع(6). و حديث النبيّ و الأئمة عليهم السلام أولى من [أثر](7) ابن مسعود.
موميا مستقبل القبلة بمقاديم بدنه كالموضوع في اللحد - و به قال الشافعي،
ص: 93
و أحمد(1) - لقوله تعالى اَلَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِياماً وَ قُعُوداً وَ عَلى جُنُوبِهِمْ (2) تلاها النبيّ صلّى اللّه عليه و آله لعمران بن حصين حين قال له: (صلّ قائما فإن لم تستطع فقاعدا، فإن لم تستطع فعلى جنبك)(3).
و من طريق الخاصة قول الصادق عليه السلام: «المريض إذا لم يقدر أن يصلّي قاعدا يوجه كما يوجه الرجل في لحده و ينام على جانبه الأيمن و يومي بالصلاة، فإن لم يقدر على جانبه الأيمن فكيف ما قدر فإنه جائز و يستقبل بوجهه القبلة ثم يومي بالصلاة إيماء»(4).
و للشافعي قول آخر: أنه يستلقي على ظهره و يجعل رجليه إلى القبلة - و به قال أبو حنيفة - لأنّه أمكن للتوجه إلى القبلة(5). و هو ممنوع؛ لأنه حينئذ يستقبل السماء.
إذا عرفت هذا فإنّه يكون معترضا بين يدي القبلة، و لو اضطجع على شقه الأيسر مستقبلا فالوجه الجواز، و لبعض الشافعية: تكون رجلاه في القبلة حتى إذا ما أومأ يكون إيماؤه إلى ناحية القبلة(6).
موميا برأسه،
ص: 94
فإن عجز عن الإيماء بالرأس أومى بعينيه - و به قال الشافعي(1) - لأن عليا عليه السلام قال: «قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: يصلّي المريض قائما فإن لم يستطع صلّى جالسا، فإن لم يستطع صلّى على جنب مستقبل القبلة، فإن لم يستطع صلّى مستلقيا على قفاه و رجلاه في القبلة و أومى بطرفه»(2).
و من طريق الخاصة قول الصادق عليه السلام: «المريض إذا لم يقدر على الصلاة جالسا صلّى مستلقيا يكبّر ثمّ يقرأ، فإذا أراد الركوع غمّض عينيه ثم يسبح، فإذا سبح فتح عينيه فيكون فتح عينيه رفع رأسه من الركوع، فإذا أراد أن يسجد غمض عينيه ثم يسبح فإذا سبح فتح عينيه فيكون فتح عينيه رفع رأسه من السجود ثم يتشهد و ينصرف»(3).
و قال أبو حنيفة: تسقط الصلاة و يقضي، لأنّه عجز عن القيام و عمّا يقوم مقامه(4). و هو ممنوع، و قال مالك: تسقط و لا يقضي(5).
إذا عرفت هذا فإنّه يصلّي بالإيماء، فإن عجز جعل الإيماء بطرف العين، فإن لم يقدر أجرى أفعال الصلاة على قلبه و حرك بالقراءة و الذكر لسانه، فإن لم يقدر أخطرها بالبال، و كذا الأعمى، أو وجع العين يكتفي بالأذكار.
للمشقة فيسقط موجبها، و لأنّ الصوم يترك للرمد.
و قال مالك، و الأوزاعي: لا يجوز(1) ؛ لأنّ ابن عباس لم ترخص له الصحابة في الصلاة مستلقيا(2).
و قال الشافعي: يلزمه القيام(3).
و قال أحمد: يصلّي جالسا كإمامه(4). و سيأتي.
بل يجب عليه القيام، و به قال الشافعي(5) ، و قال مالك: لا يلزمه القيام(6).
فإن لم يجد المتبرع استأجر و إن زاد على أجرة المثل وجوبا، فإن عجز صلّى جالسا.
للضرورة، و قال الشافعي: يجب القيام(7).
للضرورة، و هو أصح وجهي الشافعي، و في الآخر: يقضي(8)
ص: 96
لأنّ لهم غرضا و هو التوصل الى قهر العدو، و للشافعية وجهان(1).
و قال الشافعي: يجوز فيجلس إذا عجز(2).
دفعا للحرج لأن الصادق عليه السلام جوّزه و قال: «ليس شيء ممّا حرّم اللّه إلاّ و قد أباحه لمن اضطر إليه»(3) و قال مالك: لا يجوز(4). و ليس بجيد.
عند حصول سببها، فلو قدر القاعد على القيام وجب و يبني - و به قال الشافعي، و أبو حنيفة، و أبو يوسف(5) - لأنّ زوال العذر إذا لم يورث عملا طويلا لم يبطل الصلاة.
و قال محمد: تبطل و لا يبني إحداهما على الأخرى فإن لم يفعل بطلت صلاته - و هو أحد قولي الشافعي(6) - لأنّه قادر على الامتثال و لم يفعل.
و إن قام فإن كان الخفّ قبل القراءة قام ثم قرأ، و لا يجوز أن يقرأ و هو آخذ في القيام؛ لأنّ فرض القراءة توجه عليه في حالة الانتصاب و هو قادر،
ص: 97
فإن فعل استأنف.
و إن كان في الأثناء سكت الى أن ينتصب، و ليس له القراءة في حالة أخذه للقيام كما تقدم، فإذا انتصب تخيّر بين الاستئناف ليقع جميع القراءة منتصبا، و بين الإتمام للإجزاء فيما فعل.
و إن قدر بعد القراءة وجب أن يقوم للركوع، و لا يجب عليه الطمأنينة في هذا القيام، و هل يستحب له إعادة القراءة ؟ قال الشافعي: نعم(1).
و ليس بجيّد لأنّ القراءة لا تتكرر في الركعة الواحدة و قد فعل المأمور به.
و لو خف في ركوعه قبل الطمأنينة وجب أن يرتفع منحنيا الى حدّ الراكعين، و لا يجوز له أن ينتصب ثم يركع لئلاّ يزيد ركوعا، و لو خف بعد الطمأنينة فقد تم ركوعه.
و إن خف في الاعتدال من الركوع قبل الطمأنينة فعليه أن يقوم بالاعتدال و يطمئن فيه، و إن اطمأن فهل عليه أن يقوم ليسجد عن قيام ؟ إشكال، و للشافعي وجهان(2) ، و لو عجز حالة القيام عنه قعد، فإن اتفق حال القراءة قعد قارئا؛ لأن الهوي أكمل من القعود.
و لو صلّى بالإيماء فقدر على القعود وجب، و كذا لو قدر على القيام و لا تبطل صلاته بل يتم، و به قال الشافعي(3).
و قال أبو حنيفة، و صاحباه: تبطل صلاته. مع أن أبا حنيفة قال:
القاعد إذا قدر على القيام قام و بنى، و القائم إذا عجز عنه يقعد، فأمّا المضطجع إذا قدر على القيام أو على القعود بطلت صلاته و لا يبني عليها،1.
ص: 98
و كذا القاعد إذا عجز عن القعود لا يضطجع بل يستأنف. و حاصل مذهبه أن الاضطجاع لا يبنى على القيام، و لا على القعود، و لا بالعكس(1).
و إن كان قادرا، لأن عبد اللّه ابن عمرو بن العاص قال لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: بلغني انك قلت:
صلاة الرجل قاعدا نصف الصلاة، و أنت تصلي قاعدا؟ فقال: (أجل و لكني لست كأحد منكم)(2).
و من طريق الخاصة قول الصادق عليه السلام: «إذا أردت أن تدرك صلاة القائم فاقرأ و أنت جالس، فإذا بقي من السورة آيتان فقم فأتم ما بقي و اركع و اسجد»(3) و لأن النوافل تكثر فلو لا تسويغ الجلوس لزم المشقة.
و هل يجوز مضطجعا مع القدرة على القعود، و القيام ؟ إشكال ينشأ من عدم وجوبها فلا تجب كيفيتها، و من أنّه يمحو صورة الصلاة. و للشافعية قولان(4). و لو قلنا بجواز الاضطجاع فالأقرب جواز الإيماء للركوع و السجود.
و إذا صلى جالسا استحب احتساب كلّ ركعتين بركعة من قيام، و هل يحتسب في الاضطجاع كذلك، أو أربعا؟ نظر؛ لعدم التنصيص.
عمدا
ص: 99
و سهوا بإجماع العلماء لقوله تعالى وَ ما أُمِرُوا إِلاّ لِيَعْبُدُوا اللّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ (1) و لا يتحقق الإخلاص من دونها، و لقوله عليه السلام: (إنّما الأعمال بالنيات)(2).
و من طريق الخاصة قول الرضا عليه السلام: «لا عمل إلاّ بالنيّة»(3).
و لأنّ الأفعال يمكن أن تقع على وجوه غير مرادة فلا يختص بمراد الشارع إلاّ بالنيّة.
و هي عبارة عن القصد، فمحلّها القلب، و لا اعتبار فيها باللّسان عندنا لافتقار تخصيص الأفعال بالوجوه و الاعتبارات إلى الإرادة، و هي من أفعال القلوب، و لا أثر للّفظ في الاختصاص، فيسقط اعتباره، و قال بعض الشافعية: يستحب التلفظ بها مع القصد. و قال بعضهم: يجب(4).
و كلاهما ممنوع.
و هل هي شرط أو جزء من الصلاة، لأنها تتعلق بالصلاة فتكون خارجة و إلاّ لتعلّقت بنفسها؟ إشكال.
أداء أو
ص: 100
قضاء، متقربا الى اللّه تعالى.
أمّا قصد الصلاة فهو واجب إجماعا فلا يكفي فعلها من غير قصدها.
و أمّا التعيين فواجب عند علمائنا أجمع، فيأتي بظهر، أو عصر، أو جمعة. و لا تكفي نية فريضة الوقت عن نيّة الظهر أو العصر مثلا، و هو أصح وجهي الشافعية، و في وجه: الاكتفاء(1).
و لا يصح الظهر بنية الجمعة، و للشافعية وجه ضعيف(2). و لا تصح الجمعة بنية مطلق الظهر، و هل تصح بنية ظهر مقصورة ؟ الأقرب المنع، خلافا للشافعي(3).
و أما الفرضية أو الندبية فلا بدّ من التعرض لهما عندنا - و هو أحد وجهي الشافعي(4) - لأن الظهر مثلا تقع على وجهي الفرض و النفل كصلاة الصبي، و من أعادها للجماعة فلا يتخصص بأحدهما إلاّ بالقصد.
و قال أبو حنيفة: تكفي صلاة الظهر عن نية الفرض - و به قال ابن أبي هريرة من الشافعية - لأن الظهر لا تكون إلاّ واجبة(5). و تقدم بطلانه.
و أما الأداء أو القضاء فهو شرط عندنا - و هو أحد وجهي الشافعية - لأن الفعل مشترك بينهما فلا يتخصص بأحدهما إلاّ بالنيّة إذ القصد بها تمييز بعض1.
ص: 101
الأفعال عن بعض، و الآخر: لا يشترط(1) ، لأنّه لو صلّى في يوم غيم ثم بان أنه صلّى بعد الوقت أجزأه و إن لم ينو الفائتة، و كذا لو اعتقد فوات الوقت فنوى القضاء ثم بان الخلاف.
و الفرق ظاهر، فإنه نوى صلاة وقت بعينه، و هو ظهر هذا اليوم فكيف وقعت أجزأه، سواء وقعت أداء أو قضاء لأنه عين وقت وجوبها، و يجري مجرى من نوى صلاة أمس فإنه تجزئه عن القضاء، و إنما يتصور الخلاف فيمن عليه فائتة الظهر إذا صلّى وقت الظهر ينوي صلاة الظهر الفريضة فإنّ هذه الصلاة لا تقع بحكم الوقت عندنا، و تقع عند المجوزين.
و إذا كان نسي أنه صلّى فصلّى ثانيا ينوي صلاة الفريضة فإنّه لا تجزئه عن القضاء عندنا، و هل تقع نافلة ؟ للشافعي وجهان(2) ، و تجزي عن القضاء عند الآخرين(3) ، و يلزمهم أنّ من اعتقد دخول الوقت و لم يكن دخل فصلّى ظهره أنها تجزئه عن الفائتة.
و أمّا التقرب الى اللّه تعالى فلا بدّ منه عندنا، لأنّ الإخلاص يتحقق به، و للشافعية وجه آخر: عدم الوجوب؛ لأن العبادة لا تكون إلاّ للّه(4).
على الأقوى لأنّ الظهر عرفا اسم للصلاة، و للشافعية وجهان: أحدهما: المنع؛ لأنه اسم للوقت دون العباد(5)
ص: 102
فلا بدّ و أن يقول: فريضة صلاة الظهر و إلاّ لم يقصد أداء العبادة.
و بالعكس - و للشافعي وجهان(1) - لأنّ قصد الأداء مع العلم بخروج الوقت و القضاء مع العلم ببقائه عبث و ملاعبة بالصلاة.
و التقييد، أما غير المقيدة كصلاة الليل، و سائر النوافل فتكفي نية الفعل عن القيد.
و قال الشافعي: لا بد في الرواتب من تعيين إضافتها إلى الفرائض في وجه. و في آخر: يشترط في ركعتي الفجر خاصة، و في الوتر لا يضيفها الى العشاء(2) و في التعرض للنفلية إشكال ينشأ من أصالتها، و الشركة.
فرضا قطعا و لا نفلا - و هو أصح وجهي الشافعي(3) - لأنه متلاعب بصلاته، و لأنه نوى الفرض و لم يحصل له فأولى أن لا يحصل ما لم ينوه، و كذا في التحريم بالظهر قبل الزوال، و بالجملة كل حال ينافي الفريضة دون النفلية.
إجماعا، و لا يقع منفردا، و هو أحد وجهي الشافعي(4).
ص: 103
فإذا تقدم و صلّى بقوم و لم ينو الإمامة صحت صلاته إجماعا، و تكون جماعة أيضا - و هو أحد قولي الشافعي - لأن سبب الفضيلة اجتماع القوم على العبادة، و لهذا تزداد الفضيلة بكثرة العدد و إن لم يقصده الإمام، و في الآخر: لا تنعقد جماعة؛ لأنه لم ينوها(1).
و تظهر الفائدة فيما لو نوى صلاة الجمعة و وقف القوم خلفه و دخلوا معه و لم ينو الإمامة، فإن قلنا: تصح جماعته صحت جمعته و إلاّ فلا.
لأنها لا تصح منفردا.
لانحصاره شرعا؛ فلو ذكره على وجهه لم يضر، و لو أخطأ بأن نوى الظهر ثلاثا لم تصح صلاته.
و لا يشترط نية القصر و التمام؛ لأنّ الفرض متعين، و مع التخيير - كما لو كان في أحد الأماكن الأربعة - لا يتعين أحدهما بالنية بل يجوز أن يقصّر، و أن يتمّم و إن نوى الضد.
و لا يشترط نية الاستقبال بل الشرط أن يعلم كونه مستقبلا كما لا يشترط أن يقول: و أنا على طهر، و قال بعض الشافعية: تجب(2). و ليس بشيء.
و لا يشترط تعيين اليوم؛ فلو نوى ظهر الجمعة صحت صلاته و إن أخطأ؛ لأنّ الوقت معين شرعا و قد نوى فرضه إلاّ أنه سمّى الوقت بغير اسمه فلا يضره الخطأ في التسمية.
أما في القضاء فيجب أن ينوي اليوم السابق على اللاحق؛ و لا يجب عليه تعيين اليوم الذي فاتت فيه الصلاة، فإن عين و أخطأ لم يسقط فرضه، لأن
ص: 104
وقت الفعل غير متعين له بالشرع و إنما يقضي عن ذمته، فالواجبة لم ينوها و المنوية ليست واجبة.
و قال الشافعي: يكفيه أن ينوي قضاء فائتة الظهر الى أن يقضي جميع ظهر عليه، و لا يشترط التقييد بأول فائتة ظهر أو آخرها(1).
مسألة 202: لو فاتته صلاة نسي تعيينها، قال أكثر علمائنا: يصلّي أربعا، و ينوي إحدى الثلاث، و صبحا، و مغربا(2).
و قال بعضهم: يصلّي خمس صلوات(3). و هو قول أكثر الشافعية(4).
و قال المزني: يصلّي أربع ركعات و يتشهد عقيب الثانية و الثالثة و الرابعة، و يجهر في الأوليين، و أجزأه؛ لأنّ الفائتة إن كانت صبحا فقد صلّى ركعتين إلاّ أنه صلّى ركعتين على ظن أن عليه ركعتين فيصير كما لو غلط و قام و صلّى ركعتين بعد ما تشهد ساهيا، و إن كانت الفائتة المغرب فقد تشهد عقيب الثالثة، و إن كانت رباعية فقد صلّى أربعا و تشهده بعد الثالثة كأنه سهو(5).
و قال الشافعي: لا بدّ من الرباعية مرتين(1) ، و هو قول بعض علمائنا و قد سلف.
و لو نواهما جميعا في صلاة واحدة لم تجزئه؛ لأن تشريكه بينهما يمنع من وقوعها بإحداهما.
و لو دخل بنية إحداهما ثم شك فلم يدر أيتهما نوى لم يجزئه عن إحداهما، و لو شك هل دخلها بنية ثم ذكرها قبل أن يحدث عملا أجزأته، أما لو عمل بعد الشك فقد عرى عن النيّة.
و لو صلّى الظهر و العصر و ذكر نسيان النية في إحداهما أو تعيين النيّة وجب عليه إعادة رباعية ينوي بها عمّا في ذمته إن ظهرا فظهرا و إن عصرا فعصرا، و عند الشافعي، و بعض علمائنا يعيدهما معا(2).
و الفرق جواز تقدم نيّة الصوم بالزمان الكثير.
إذا عرفت هذا فالواجب اقتران النيّة بالتكبير، بأن يأتي بكمال النيّة قبله ثم يبتدئ بالتكبير بلا فصل، و هذا تصح صلاته إجماعا.
و لو ابتدأ بالنيّة بالقلب حال ابتداء التكبير باللسان ثم فرغ منهما دفعة فالوجه الصحة - و هو أحد وجهي الشافعية - (1) لأنه قرن بالنية صلاته، و الآخر: لا تصح لأن التكبير من الصلاة فلا يقدم منه شيء على تمام النيّة، و به قال داود(2).
و إلاّ فلا، و لو عزبت قبل التكبير لم تنعقد و إن لم يطل الفصل، خلافا لأبي حنيفة(3).
لأنّ الشرط مقارنة النية عند الصلاة، و العقد لا يحصل إلاّ بتمام التكبير، و لهذا لو رأى المتيمم الماء قبل انتهاء التكبير بطل تيممه.
إجماعا لما فيه من العسر لكن يجب حكما إلاّ في مواضع تأتي؛ فيمتنع عن القصود المنافية للنية الجازمة.
التي يجب
ص: 107
التعرض لها و يقصد فعل هذا الذي أحضره في الذهن و يقرن قصده بأول التكبير و يستديمه الى آخره.
و إلاّ بطلت لعدم الاقتران.
حتى يفرغ من صلاته إجماعا فلو قصد ببعض الأفعال كالقيام، أو الركوع، أو السجود غير الصلاة بطلت صلاته.
و لو نوى الخروج من الصلاة في الحال، أو تردد، أو أنه سيخرج، قال الشيخ في الخلاف: لا تبطل صلاته(1) - و به قال أبو حنيفة(2) - لأنها عبادة صح دخوله فيها فلا تفسد إذا نوى الخروج منها كالحج و الصوم. ثم قوّى الشيخ البطلان(3) - و به قال الشافعي(4) - لأنه قطع حكم النية قبل إتمام الصلاة فأشبه إذا سلّم و نوى الخروج، و نمنع في الصوم، و الحج أن لا يخرج عنه بمحظوراته فهذا آكد.
لأنه قطع موجب النيّة الجازمة، و عدمه في الحال، فلو رفض هذا القصد قبل البلوغ الى تلك الغاية صحت الصلاة.
ص: 108
أما لو علق الخروج بما لا يتيقن حصوله في الصلاة كدخول زيد احتمل البطلان في الحال كما لو قصد ترك الإسلام إن دخل فإنه يكفر في الحال، و عدمه؛ لأنه ربما لا يدخل فيستمر على مقتضى النية فإن دخل احتمل البطلان قضية للتعليق، و عدمه؛ لأنّها إذا لم تبطل حالة التعليق لم يكن للتردد أثر.
لأنّه ليس رافعا للنية الاولى، و يحتمل البطلان؛ للتنافي بين إرادتي الضدّين.
و إن تجاوزه لم يلتفت و بنى على ما هو فيه.
و قال الشافعي: إن مضى مع الشك ركن فعلي كالركوع و السجود بطلت صلاته، و إن مضى ركن قولي كالفاتحة، و التشهد، و لم يطل الزمان فوجهان(1).
و إن تجاوز محل النيّة فإن كان يعلم ما عليه فعله استمر عملا بالأصل و إلاّ استأنف ما يريد.
فلو نقل نيته من صلاة إلى أخرى لم تصح ما نقل عنه حيث قطع حكمه، و لا ما عدل إليه لأنه لم ينوه في أول صلاته، أما لو صلّى بنية الظهر ثم نقل الى عصر فائت ذكره كان جائزا؛ للحاجة إلى استدراك فعل الفائت قبل الحاضر، و لو نقل الى عصر متأخر بطلت الصلاتان.
و لو نقل من فرض الى تطوع جاز في مواضع الإذن كطالب الجماعة،
ص: 109
و ناسي الأذان، و سورة الجمعة، و لا يجوز في غير مواضع الإذن؛ لأنه دخل مشروعا، و منع الشافعي؛ لأن النفل لم ينوه في أول الصلاة(1) ، و هو ممنوع لأنّ عنده النفل يدخل في الفرض و لهذا قال: لو صلّى قبل الوقت انعقدت نافلة(2).
و سأل عبد اللّه بن أبي يعفور، الصادق عليه السلام عن رجل قام في صلاة فريضة فصلّى ركعة و هو يرى أنها نافلة فقال: «إذا قمت في فريضة فدخلك الشك بعد فأنت في الفريضة، و إنما تحسب للعبد من صلاته التي ابتدأ في أول صلاته»(3).
لأنه لم يقصد القربة و هو شرط، و لو كان ذكرا مندوبا، أما زيادة على الواجب من الهيئات كالطمأنينة فالوجه البطلان مع الكثرة، و كذا الحكم لو نوى ببعض الصلاة غيرها.
و لو نوى المحبوس الأداء مع ظنه بالبقاء فبان الخروج أجزأ، و لو بان عدم الدخول أعاد لمشروعية القضاء دون السبق.
و لو ظن الخروج فنوى القضاء ثم ظهر البقاء فالأقرب الإجزاء مع خروج الوقت، أما مع بقائه فالأقرب الإعادة.
و لا يجوز نقل النية من النفل الى الفرض فإن فعله بطلت(4) لأن الفرض أقوى فلا يبنى على الضعيف.
ص: 110
و قال بعض الشافعية: تصح نفلا لأنه لم يترك مما قصده شيئا بل طلب زيادة لم تحصل فيبقى ما شرع فيه(1). و هو غلط لاختلاف الوجهين.
و لو فرغ من الصلاة ثم شك هل أدى الظهر أو العصر احتمل أن يصلّي صلاة واحدة ينوي بها ما في ذمته إن كانتا عليه، و الصرف الى ما يجب عليه أولا منهما.
تبطل بتركها عمدا و سهوا، و لا تنعقد بمجرد النيّة - و هو قول عامّة العلماء - لأن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله كان يفتتح بالتكبير(2) الى أن فارق الدنيا، و قال: (صلّوا كما رأيتموني أصلي)(3) و قال صلّى اللّه عليه و آله: (لا يقبل اللّه صلاة امرئ حتى يضع الطهور مواضعه ثم يستقبل القبلة فيقول: اللّه أكبر)(4).
و من طريق الخاصة قول الصادق عليه السلام و قد سأله زرارة و غيره عن الرجل ينسى تكبيرة الافتتاح: «يعيد»(5).
و قال الزهري: تنعقد بالنيّة خاصة من غير لفظ قياسا على الصوم و الحج(6). و الفرق أن الصلاة يعتبر الذكر في أوسطها و آخرها فاعتبر في أولها
ص: 111
بخلاف الصوم.
و إن تضمن الثناء على اللّه تعالى - و به قال الشافعي، و الثوري، و أبو ثور، و داود، و إسحاق، و مالك، و أحمد، و أبو يوسف(1) - لمداومة النبيّ صلّى اللّه عليه و آله عليه(2).
و قال أبو حنيفة، و محمد: تنعقد بكل اسم للّه تعالى على وجه التعظيم كقوله: اللّه عظيم، أو جليل، أو الحمد للّه، أو سبحان اللّه، أو لا إله إلا اللّه(3) - و لو قال: اللّه من غير وصف أو الرحمن ففيه عنه روايتان(4) ، فإن أتى باسم اللّه تعالى على وجه النداء مثل يا اللّه لم تنعقد عنده، و كذا أستغفر اللّه(5) و به قال النخعي، و الحكم بن عيينة(6) - لأن هذا اللفظ ذكر للّه تعالى على وجه التعظيم فأشبه التكبير، كالخطبة فإنه لا يعتبر لها لفظ معين، و كالإسلام، و ينتقض بقوله: يا اللّه اغفر لي.
و لأن في قوله: أكبر. معنى العظمة و القدم قبل كلّ شيء، و لا يحصل
ص: 112
بغيره، و حذف قولنا: (من غيره)، أو (من كل شيء) لعادة العرب بحذف ما يبقى من الكلام ما يدل عليه.
- و به قال مالك، و أحمد(1) - لمداومته صلّى اللّه عليه و آله عليه إلى أن فارق الدنيا(2) ، و هو يدل على منع العدول عنه.
و قال الشافعي: ينعقد بقوله: اللّه أكبر، و بقوله: اللّه الأكبر معرّفا - و به قال الثوري، و أبو ثور، و داود، و إسحاق(3) و ابن الجنيد منّا، لكن كرهه(4) - لأنه لم يغيره عن لغته و معناه، و هو ممنوع؛ لأنه مع التنكير يكون فيه إضمار أو تقدير (من) بخلاف المعرّف.
و لو أضاف (أكبر) إلى أي شيء كان، أو قرنه بمن كذلك و إن عمّم و إن كان هو المقصود بطلت.
فلو حذف الراء(1) أو التشديد لم يصح، و كذا لا يجوز الزيادة فلو قال: «أكبار» لم تصح؛ لأنه جمع كبر و هو الطبل، فيبطل لو قصده، و إلاّ فلا، و كذا لا يجوز مد الهمزة في لفظة الجلالة و لا لفظة أكبر و إلاّ كان استفهاما.
فلو قاله على حد تعديد أسماء العدد بطل، و كذا لو فصل بين لفظتي اللّه و أكبر بسكون أو بوصف مثل اللّه تعالى أكبر، لأنّ ذلك يغير نظم الكلام، و لا بأس بالفصل للتنفس، و للشافعي في قوله: اللّه الجليل أكبر وجهان(2).
فلو شرع فيه و في القيام، أو ركع قبل انتهائه بطل، و هل يشترط القيام في النيّة ؟ الأقرب ذلك.
فالمسبوق لو نوى به الهويّ إلى الركوع لم يجزئ؛ لقول الصادق عليه السلام في الرجل يصلّي و لم يفتتح بالتكبير هل يجزئه تكبيرة الركوع ؟ قال: «لا بل يعيد صلاته»(3).
و لو نواهما لم يصح لاختلاف وجههما، و لو نذر تكبيرة الركوع و نواهما فكذلك؛ لاستقلال كلّ من الافتتاح و الركوع بالتعليل فيتغاير المعلول - و به قال الشافعي(4) - خلافا لمن اغتسل بنية الجنابة و الجمعة عنده(5) ، و عند كثير من
ص: 114
علمائنا(1) ، لأنه لو اقتصر على الجنابة حصل له غسل الجمعة، و لا تنعقد صلاته نفلا؛ لأنه لم ينوه، و للشافعي قولان(2).
فلو حرّك لسانه و لم يسمع نفسه لم تصح؛ لأن النطق شرط، و غير المسموع يكون خاطرا لا لفظا، و به قال الشافعي(3) ، و يستحب للإمام إسماع من خلفه بها ما لم يبلغ صوته حد العلو، و به قال الشافعي(4).
- و به قال الشافعي(5) - لقوله عليه السلام:
(إنما هي التكبير، و التسبيح، و قراءة القرآن)(6) ، و لأن العبادة إذا افتتحت بالتكبير كان منها كالأذان.
و قال الكرخي: الذي يقتضيه مذهب أبي حنيفة أنه ليس منها؛ لأنه ذكر لم يتقدمه جزء من الصلاة فلا يكون منها كالخطبة(7). و الفرق عدم افتقار الخطبة إلى النيّة.
عند علمائنا - و به
ص: 115
قال الشافعي، و أبو يوسف، و محمد، و أحمد(1) - لأن النبيّ عليه السلام لم يعدل عن قوله: اللّه أكبر(2).
و قال أبو حنيفة: يجوز(3) لقوله تعالى وَ ذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلّى (4). و لم يفصّل، و ما ذكرناه مخصص.
و لا ينتقض بالتشهد بالفارسية للمنع عندنا و عند الإصطخري من الشافعية(5) ، و بالفرق فإن المقصود الإخبار عمّا في نفسه من الإيمان و هنا لفظ وضع لعقد الصلاة.
فإن صلّى قبله مع التمكن لم تصح - و به قال الشافعي(6) - و إن ضاق كبّر بأي لغة كانت، ثم يجب عليه التعلم بخلاف التيمم في الوقت إن جوزناه؛ لأنا لو جوزنا له التكبير بالعجمية في أول الوقت سقط فرض التكبير بالعربية أصلا؛ لأنه بعد أن صلّى لا يلزمه التعلم في هذا الوقت و في الوقت الثاني مثله بخلاف الماء فإن وجوده لا يتعلق بفعله، و البدوي إذا لم يجد في موضعه المعلم
ص: 116
وجب قصد بلدة أو قرية للتعلّم، و لا تجزيه الترجمة، و هو أحد وجهي الشافعي(1).
و به قال الشافعي(2).
أقصى ما يقدر عليه و يشير بإصبعه؛ لأن التحريك جزء من النطق فلا يسقط بسقوط المركب، و به قال الشافعي(3).
و لو كان مقطوع اللسان من أصله وجب استحضاره على الترتيب، و قال بعض الجمهور: يسقط فرض التكبير؛ لأن الإشارة و حركة اللسان تبع اللفظ(4). و هو ممنوع.
و لا يحرم تركه، أمّا المولى فيحرم عليه المنع من التعليم.
واحدة منها واجبة و هي تكبيرة الإحرام، يكبر ثلاثا و يدعو، ثم يكبر اثنتين و يدعو، ثم يكبر اثنتين و يتوجه، و يتخير أيها شاء جعلها تكبيرة الإحرام فيوقع النيّة
ص: 117
عندها، قال في المبسوط: و الأفضل الأخيرة(1).
فإن جعلها أولاهن جاز الدعاء بعد تكبيرة الافتتاح مع باقي التكبيرات و كذا وسطاهنّ؛ لقول الصادق عليه السلام: «إذا افتتحت الصلاة فارفع يديك ثم ابسطهما بسطا، ثم كبّر ثلاث تكبيرات، ثم قل: اللّهمّ أنت الملك الحق - الى آخره - ثم كبّر تكبيرتين، ثم قل: لبّيك - الى آخره - ثم كبّر تكبيرتين، ثم تقول: وجّهت وجهي الى آخره»(2).
لأنه فعل منهيّ عنه فيكون باطلا و مبطلا للصلاة فتنعقد بالثالثة، هذا إذا لم ينو الخروج من الصلاة قبل الثانية فإن نواه بطلت الاولى، و صحت الثانية، و صار حكم الثالثة مع الثانية كحكم الثانية مع الاولى.
(3) لقوله تعالى فَإِذا فَرَغْتَ فَانْصَبْ وَ إِلى رَبِّكَ فَارْغَبْ (4) و ليس فيه حجة؛ لأن الرغبة إليه بالدعاء أعم من التكبير و القراءة.
كلّ ذلك مجز عنك غير أنك إذا كنت إماما لم تجهر إلاّ بتكبيرة واحدة»(5) و سأله
ص: 118
الحلبي عن أخف ما يكون من التكبير، قال: «ثلاث تكبيرات»(1).
و منع الجمهور من استحباب الزائدة على تكبيرة الإحرام(2) على أنها مخصوصة بهذا الموضع، بل هو مستحب في هذا الموضع كغيره.
و أول صلاة الليل، و الوتر، و أول نافلة الزوال، و أول نوافل المغرب، و أول ركعتي الإحرام، و الوتيرة، و عمّم بعض علمائنا الاستحباب(3).
لأنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله فعله، و كذا الأئمة عليهم السلام(4) ، و قال بعض علمائنا(5) ، و بعض الجمهور بالوجوب(6). و هو ممنوع للأصل.
و كذا يستحب عندنا الرفع في كل تكبيرات الصلاة، و استحبه الشافعي عند الافتتاح، و الركوع، و الرفع منه - و به قال الأوزاعي، و أحمد، و إسحاق و أبو ثور، و مالك في رواية(7) - لأن النبي صلّى اللّه عليه و آله رفع في هذه
ص: 119
المواضع(1).
و منع الشافعي من الرفع في السجدتين(2) ، و ليس بجيد؛ لأن الحسن قال: رأيت الصحابة يرفعون أيديهم إذا كبّروا، و إذا ركعوا، و إذا رفعوا رءوسهم من الركوع كأنها المراوح، و إنما يكون حال الرفع من الركوع للسجود(3).
و قال أبو حنيفة، و الثوري، و ابن أبي ليلى: ترفع في تكبيرة الافتتاح خاصة - و هو رواية عن مالك(4) - لأن البراء قال: كان النبيّ عليه السلام إذا افتتح الصلاة رفع يديه الى قريب من أذنيه ثم لا يعود(5). و هو محمول على أنه لا يعود الى رفعهما في ابتداء الركعة الثانية و الثالثة، و ضعّف الجمهور(6) الحديث.
قال الصادق عليه السلام:
«إذا افتتحت الصلاة فارفع كفيك ثم ابسطهما بسطا»(7) و يستحب أن يستقبل
ص: 120
بباطن كفيه القبلة؛ لأن الصادق عليه السلام فعله(1) ، و لأن الاستقبال مأمور به.
و يستحب ضم الأصابع؛ لأنّ الصادق عليه السلام أرسل يديه على فخذيه قد ضم أصابعه(2). و قال المرتضى، و ابن الجنيد: يجمع بين الأربع و يفرق الإبهام(3). و قال الشافعي: يفرق أصابعه(4) لأن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله كان ينشر أصابعه(5) ، و هو يحصل ببسط الكف و إن كانت أصابعه مضمومة كما يقال: نشرت الثوب.
و لو كانت يداه تحت ثيابه رفعهما؛ لأن الصحابة كانوا يرفعون أيديهم في الشتاء في ثيابهم(6) ، و يستحب للمرأة كالرجل للعموم، و لا فرق بين الإمام و المأموم، و كذا القاعد للمرض أو في النافلة يرفع يديه.
يرفع يديه حيال وجهه حين استفتح(1).
و قال الشافعي: يرفع يديه حذو منكبيه - و به قال مالك، و أحمد، و إسحاق(2) - لأنّ عليا عليه السلام قال: «رأيت النبيّ صلّى اللّه عليه و آله إذا افتتح الصلاة رفع يديه حذو منكبيه»(3) و هو مستحب فجاز أن يفعل أقل مراتبه تارة، و الأعلى أخرى.
و للشافعي قول ثان: الرفع الى أن تحاذي رءوس أصابعه شحمة أذنيه، و ثالث: الى أن تحاذي أطراف أصابعه أعلا أذنيه و كفاه منكبيه(4).
و لو قدر على الرفع فوق المنكبين و دون الأذنين فالأول أولى لاشتماله على المسنون.
و هو عبارة بعض علمائنا(1) ، و ظاهر كلام الشافعي أنه يكبر بين الرفع و الإرسال(2).
لقول الصادق عليه السلام: «و لا تتجاوز أذنيك»(3) و عن علي عليه السلام: «إن النبيّ عليه السلام مرّ برجل يصلّي و قد رفع يديه فوق رأسه فقال: ما لي أرى قوما يرفعون أيديهم فوق رءوسهم كأنّها آذان خيل شمس»(4).
و إن كبّر معه جاز - و به قال أبو حنيفة، و الثوري، و محمد(5) - لأن له أن يركع مع ركوعه فكذا التكبير.
و قال الشافعي: لا يجوز أن يكبّر إلاّ بعد الإمام - و به قال مالك، و أبو يوسف(6) - لقوله عليه السلام: (فإذا كبّر فكبّروا)(7) و هو يعطي ما قلناه أيضا.
و لو كبّر المأموم أولا، قال الشيخ: يجب أن يقطعها بتسليمة ثم يكبّر
ص: 123
معه أو بعده؛ لأنه ائتم بمن ليس في الصلاة(1) ، و كذا قال الشافعي(2) ، و قال مالك، و الثوري، و أصحاب الرأي: يعيد تكبيرته(3).
فيقول: وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ حَنِيفاً مسلما وَ ما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ إِنَّ صَلاتِي وَ نُسُكِي وَ مَحْيايَ وَ مَماتِي لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ لا شَرِيكَ لَهُ وَ بِذلِكَ أُمِرْتُ و أنا من المسلمين. و به قال الشافعي(4) ، لأنّ عليا عليه السلام روى عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله ذلك(5).
و من طريق الخاصة قول الباقر عليه السلام: «يجزيك أن تقول وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ على ملة إبراهيم حنيفا» إلى آخره(6).
قال الشيخ: و إن قال: وجهت وجهي للذي فطر السماوات و الأرض على ملة إبراهيم، و دين محمد صلّى اللّه عليه و آله، و منهاج علي عليه السلام حنيفا مسلما الى آخر الكلام كان أفضل(7).
و قال مالك: لا يدعو بشيء بعد الافتتاح(8) لأن النبيّ عليه السلام كان
ص: 124
يفتتح الصلاة ب: الحمد للّه رب العالمين(1) ، و المراد استفتاح القراءة.
و قال أبو حنيفة: يقول: سبحانك اللهم و بحمدك تبارك اسمك و تعالى جدك و لا إله غيرك، و به قال الثوري، و أحمد(2) - و روي عن أبي يوسف أنه يقول معه: وجهت وجهي أيضا(3) - لأن أبا سعيد الخدري رواه عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله(4).
و ما قلناه أولى؛ لأنّه من ألفاظ القرآن، و التسبيح تعوّد في الركوع و السجود، و لو قاله عندي لم يكن به بأس.
قال الشافعي: و إذا فرغ من التوجه قال: اللهم أنت الملك الحق إلى آخره، ثم يقول: لبيك و سعديك(5) ، الى آخره. و نحن نستحبه متقدما على التوجه.
لأن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله كان يقول قبل القراءة: (أعوذ باللّه من الشيطان الرجيم)(1). و من طريق الخاصة قول الصادق عليه السلام: «ثم تعوذ من الشيطان الرجيم ثم اقرأ فاتحة الكتاب»(2).
و قال مالك: لا يتعوذ في المكتوبة بل في قيام رمضان(3) ، لأن أنسا روى أن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله كان يفتتح الصلاة ب «الحمد للّه رب العالمين»(4). و تقدم جوابه.
و قال النخعي، و محمد بن سيرين: يتعوذ بعد القراءة(5) لقوله تعالى:
فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ (6) و المراد إذا أردت القراءة.
العليم من الشيطان الرجيم(1).
و قال الحسن بن صالح بن حي: أعوذ باللّه السميع العليم من الشيطان الرجيم(2). و احتجوا بقوله تعالى وَ إِمّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (3) و الأخير ليس بداخل في الأمر بالاستعاذة بل خبر بعده، و الأمر قبله.
ب - يستحب الإسرار بها و لو في الجهرية. و هو أحد قولي الشافعي(4) ، لأنّ ابن عمر كان يتعوذ في نفسه(5) ، و الآخر: يجهر به في الجهرية(6) ، لأنّ أبا هريرة جهر به(7). و عمل الأئمة عليهم السلام أولى.
ج - إنما يستحب التعوذ في الركعة الأولى خاصة - و به قال أبو حنيفة، و الشافعي في أحد القولين(8) - لأن الصلاة كالفعل الواحد فيكفي استعاذة واحدة كالتوجه، و في الآخر: في كل ركعة(9) لقوله تعالى:1.
ص: 127
فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ (1) و ليس المراد كل آية بل قراءة واحدة، و الصلاة كلّها واحدة.
د - لو نسيه في الأولى لم يأت به في الثانية لفوات محله، و قال الشافعي - على القول الثاني - باستحباب إعادته(2).
عند علمائنا أجمع، و به قال عامة العلماء إلا ما نقل عن الحسن بن صالح بن حي، و ابن عليّة، و الأصم فإنهم قالوا: باستحبابها(3).
لنا قوله تعالى فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ (4) و ليس واجبا في غير الصلاة فيجب فيها إجماعا، و لقوله عليه السلام: (لا صلاة إلاّ بقراءة)(5) و خلاف المذكورين منقرض، و احتجاجهم بقول عمر - عمن نسي القراءة -:
لا بأس(6). و ليس حجة، و يحمل على النسيان خاصة لوروده فيه.
و في الأوليين من غيرها عند علمائنا أجمع - و به قال الشافعي، و الثوري، و أحمد، و أبو ثور، و مالك، و إسحاق، و داود(7) - لقوله عليه السلام: (لا صلاة لمن لم يقرأ
ص: 128
فيها بأم القرآن)(1).
و من طريق الخاصة قول محمد بن مسلم: سألته عن الذي لا يقرأ فاتحة الكتاب في صلاته قال: «لا صلاة له إلاّ أن يقرأها في جهر أو إخفات»(2) و لأن القراءة جزء من الصلاة فكانت متعينة كالركوع و السجود.
و قال أبو حنيفة: أي شيء قرأ أجزأه(3) لأنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال للأعرابي: (ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن)(4) و لأنّ الفاتحة كغيرها في جميع الأحكام فكذا الصلاة.
و الرواية: (ثم اقرأ بأم القرآن و ما شاء اللّه أن يقرأ)(5) ، و التساوي ممنوع للإجماع على إساءة من ترك الفاتحة دون غيرها.
و قال محمد، و أبو يوسف: ثلاث آيات أو آية كبيرة كآية الدّين(6)(7).
و هو تحكم.
و عن أحمد رواية: يجزئ مقدار آية(8).2.
ص: 129
و هل تجب الفاتحة في النافلة ؟ الأقوى عندي عدم الوجوب - خلافا للشافعي(1) - عملا بالأصل.
- و به قال بعض أصحاب الشافعي(2) - لأن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله كان يقرأ في الأوليين من الظهر بفاتحة الكتاب و سورتين، يطوّل في الاولى و يقصّر في الثانية، و كذا في العصر(3) ، و قال لمعاذ: (اقرأ بالشمس و ضحيها و سبح اسم ربك الأعلى، و الليل إذا يغشى)(4).
و روى الجمهور عنه عليه السلام أنه قال: (لا صلاة إلاّ بفاتحة الكتاب و معها غيرها)(5).
و من طريق الخاصة قول الباقر عليه السّلام و قد سئل ما تقول فيمن قرأ أم الكتاب فلمّا صار الى غير أم الكتاب من السورة تركها؟ فقال العباسي [1]: ليس بذلك بأس. فكتب بخطه: «يعيدها مرتين على رغم أنفه»(6).
ص: 130
و قال الشيخ في موضع: إنّه مستحب لا واجب(1). و هو مذهب الجمهور كافة إلاّ عثمان بن أبي العاص فإنه أوجب بعد الفاتحة قدر ثلاث آيات(2) لأن النبيّ عليه السلام قال: (لا صلاة إلا بقراءة و لو بفاتحة الكتاب)(3) و هو يعطي حالة الضرورة.
إجماعا، و لقول الصادق عليه السّلام: «يجوز للمريض أن يقرأ في الفريضة فاتحة الكتاب وحدها، و يجوز للصحيح في قضاء صلاة التطوع بالليل و النهار»(4) و سئل عليه السلام أ يجزي عنّي أن أقول في الفريضة فاتحة الكتاب وحدها إذا كنت مستعجلا أو أعجلني شيء؟ فقال: «لا بأس»(5).
و لأنّها حالة مشقة فيسقط التكليف بها، و قال الصادق عليه السلام:
«لا بأس أن يقرأ الرجل في الفريضة بفاتحة الكتاب في الأوليين إذا ما أعجلت به حاجة أو يخاف شيئا»(6).
و كذا يجوز أن يقرأ بعض السورة حالة الضرورة؛ لأنّ الصادق عليه السلام سئل عن السورة تصلّى في الركعتين من الفريضة، فقال: «نعم إذا كانت ست آيات قرأ بالنصف منها في الركعة الاولى و النصف الآخر في الركعة الثانية»(7) و حملناه على الضرورة جمعا بين الأدلة.
ص: 131
و سئل الباقر عليه السلام عن رجل قرأ سورة فغلط أ يدع المكان الذي غلط فيه و يمضي في قراءته، أو يدع تلك السورة و يتحول منها الى غيرها؟ قال: «كلّ ذلك لا بأس به، و إن قرأ آية واحدة فشاء أن يركع بها ركع»(1).
عند علمائنا - و به قال مالك، و أبو حنيفة، و أحمد، و الشافعي في أحد القولين(2) - لأنّ عليا عليه السلام كتب الى شريح أن: «اقرأ في الركعتين الأوليين أم القرآن و سورة، و في الأخريين بأم القرآن»(3).
و الآخر للشافعي: قراءة غيرها معها(4) لأن أبا سعيد الخدري قال: كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقوم في الظهر في الركعتين الأوليين في كل ركعة قدر ثلاثين آية و في الأخريين نصف ذلك(5) و لأنهما يساويان الأوليين في الواجب من القراءة فكذا في المستحب. و يحمل الحديث مع ثبوته على نافلة الظهر، و نمنع التساوي.
و في النمل آية و بعض آية، و به قال الشافعي، و الزهري، و عطاء(6). قال ابن
ص: 132
المبارك: من ترك بسم اللّه الرحمن الرحيم فقد ترك مائة و ثلاث عشرة آية، و روي عن أبي عبيد، و أبي ثور(1) لأن أبا هريرة قرأ بسم اللّه الرحمن الرحيم، ثم قرأ الحمد، ثم قال: و الذي نفسي بيده إني لأشبهكم بصلاة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله(2) ، و لأن النبي صلّى اللّه عليه و آله قرأ في الصلاة بسم اللّه الرحمن الرحيم و عدّها آية، الحمد للّه رب العالمين آيتين(3) و قال عليه السلام: (إذا قرأتم الحمد فاقرؤا بسم اللّه الرحمن الرحيم فإنها من أم الكتاب، و أنها السبع المثاني، و بسم اللّه الرحمن الرحيم آية منها)(4).
و من طريق الخاصة قول الصادق عليه السلام و قد سأله معاوية بن عمار إذا قمت إلى الصلاة أقرأ بسم اللّه الرحمن الرحيم في فاتحة القرآن ؟ قال:
«نعم» قلت: فإذا قرأت فاتحة القرآن أقرأ بسم اللّه الرحمن الرحيم مع السورة ؟ قال: «نعم»(5).
و قد أثبتها الصحابة في أوائل السور بخط المصحف مع تشددهم في كتبة ما ليس من القرآن فيه، و منعهم من النقط و التعشير، و لا يكفر جاحدها للشبهة.
و قال أبو حنيفة، و مالك، و الأوزاعي، و داود: إنّها ليست من القرآن إلاّ في سورة النمل(6).ِ.
ص: 133
و قال أبو الحسن الكرخي: إنها آية في مكانها ليست من السورة، و هو مروي عن أحمد(1) لأن النبيّ عليه السلام قال: (يقول اللّه تبارك و تعالى:
قسمت الصلاة بيني و بين عبدي نصفين، فإذا قال العبد: الحمد للّه ربّ العالمين، يقول اللّه: حمدني عبدي، فإذا قال العبد: الرحمن الرحيم، يقول اللّه اثنى علي عبدي، فإذا قال: ملك يوم الدين، يقول اللّه تعالى:
مجدني عبدي، فإذا قال: إياك نعبد و إياك نستعين، يقول اللّه: هذه بيني و بين عبدي، فإذا قال العبد: إهدنا الصراط المستقيم الى آخر السورة، يقول اللّه تعالى: هذه لعبدي و لعبدي ما سأل)(2) و لم يذكر البسملة.
و قال عليه السلام: (سورة ثلاثون آية شفعت لقارئها ألا و هي تبارك الذي بيده الملك)(3) و هي ثلاثون [آية](4) سوى البسملة، و أجمعوا على أن الكوثر ثلاث آيات(5).
و الحديث رواه أبو هريرة: فإذا قال العبد: بسم اللّه الرحمن الرحيم، يقول اللّه تعالى: ذكرني عبدي(6). و سورة الملك و الكوثر يحتمل أن تكون البسملة بعض آية مضمومة إلى أولها، أو قال: قبل نزول البسملة، أو أراد ما5.
ص: 134
تختص به السورة من آياتها و أن البسملة آية منها و من غيرها.
سواء أحسن قراءتها بالعربية أو لا - و به قال الشافعي، و أحمد(1) - لقوله تعالى بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ (2)قُرْآناً عَرَبِيًّا (3) و لأن النبيّ عليه السلام داوم عليه و قال (صلّوا كما رأيتموني أصلّي)(4) و لأنه معجز بلفظه و نظمه فلو كان معناه قرآنا لم يتحقق الإعجاز.
و قال أبو حنيفة: هو مخير إن شاء قرأ بالفارسية، أو تلفظ بالعربية ما يكون تفسيره لفظ القرآن(5). و قال أبو يوسف، و محمد: إن كان يحسن القراءة فلا يجوز أن يقرأ بلسان غيرها، و إن كان لا يحسنها جاز أن يقرأ بلسان غيرها يفسرها(6) لقوله تعالى لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَ مَنْ بَلَغَ (7) و لا يمكن أن ينذر الفرس إلاّ بلسانهم، و لأن كل ذكر وجب في الصلاة فإنما يعتبر معناه خاصة كالخطبة.
و القرآن حجة على العجم لقصور العرب عنه، و لأنه إذا فسّره لهم كان الإنذار به دون التفسير، و يخالف الخطبة؛ لأن غيرها مثلها و لا مثل للقرآن، و ألفاظها لا إعجاز فيها بخلاف القرآن.
و كذا لو لم يحسن العربية لإجماع العلماء على القراءة، و لأن وجوب القراءة يستدعي وجوب
ص: 135
التعلم لتوقف أداء الواجب عليه فإن لم يفعل مع المكنة لم تصح صلاته.
و لو خشي ضيق الوقت قبل التعلم فإن أمكنه القراءة من المصحف وجب، و هل تكفي مع إمكان التعلم ؟ الأقرب ذلك؛ للامتثال، فإن عجز أو لم يحسن تخير في الحفظ و تعلم الكتابة إن جوّزناه.
فإن أحسن غير الفاتحة من القرآن فعليه أن يقرأ سبع آيات و لا يعدل الى الذكر؛ لأن القرآن أقرب الى القرآن، و لا يجوز أن ينقص عن سبع آيات مع المعرفة، فلو قرأ آية طويلة بقدر الفاتحة فالأقرب الإجزاء، و هو أحد قولي الشافعي(1) ، و الأقرب اشتراط عدم قصور الآيات السبع عن آيات الفاتحة، و للشافعي قولان(2).
و يجوز أن يجعل آيتين بدلا من آية، و هو أحد وجهي الشافعي، و في الآخر: يجب تعديل حروف كل آية من البدل بآية من الفاتحة(3).
و لو لم يحسن الفاتحة و لا غيرها من القرآن سبّح اللّه، و هلّله، و كبّره بقدر القراءة.
و لا يقرأ بغير العربية، و لا معنى القرآن - و به قال الشافعي(4) - لأن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال له رجل: إني لا أستطيع أن آخذ شيئا من القرآن فعلّمني ما يجزئني في الصلاة. فقال صلّى اللّه عليه و آله: (قل: سبحان اللّه، و الحمد للّه، و لا إله إلاّ اللّه، و اللّه أكبر، و لا حول و لا قوة إلاّ باللّه).
فقال الرجل: هذا للّه فما لي ؟ فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:3.
ص: 136
(قل: اللهم ارحمني و عافني و ارزقني)(1).
إشكال ينشأ من وجوب سبع آيات عن(2) الحمد فكذا الذكر، و من أنه بدل من الجنس فاعتبر العدد بخلاف الذكر فإنه من غير الجنس فيجوز أن يكون دون أصله كالتيمم، و هو أولى؛ لأن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله اقتصر في التعليم على ما ذكره، و به قال أحمد(3) ، و قال الشافعي بالأول(4).
واجب - و به قال الشافعي(5) - لأنه بدل عن الواجب، و قال أبو حنيفة: لا شيء عليه إذا لم يحسن القرآن بل يقوم ساكتا(6). و قال مالك: لا يلزمه الذكر و لا القيام(7).
و لا يجب هذا الترتيب على إشكال ينشأ من أنه بدل عن الحمد في الأخريين على ما يأتي فكذا في الأوليين مع العجز.
و الأقرب استحباب ذلك لا وجوبه.
لأنها أقرب إليها من الذكر،
ص: 137
و الأقرب وجوب تكررها سبعا حينئذ، و به قال أحمد، و الشافعي في أحد القولين(1).
و لو كان يحسن غيرها قرأ ما يحسنه منها ثم قرأ من غيرها بقدر باقيها؛ لأن هذه الآية سقط فرضها بقراءتها، و قال أحمد: يكرر ما يحسنه منها دون غيرها لأن الآية منها أقرب إليها من غيرها(2). و للشافعية وجهان(3).
و يعدل الى غيرها لأنّه عليه السلام أمر الذي لا يحسن القرآن أن يقول: الحمد للّه و غيرها(4) و هي بعض آية و لم يأمره بتكرارها، هذا إذا لم يسمّ ذلك البعض قرآنا، فإن سمّي فالوجه تكرره - كآية الدين(5) - لو نقصت كلمة.
و لو كان يحسن الذكر المنقول و غيره فالوجه وجوب ما نص عليه النبيّ صلّى اللّه عليه و آله لأنّه بدل عن القراءة في الأخيرتين دون غيره من الأذكار، خلافا للشافعي في أحد الوجهين(6).
و لو لم يحسن بالعربية لم تجزئه ترجمتها بخلاف التكبير بل يأتي بسبع آيات، فإن لم يحسن فالذكر، و لو لم يحسن الذكر بالعربية أجزأت الترجمة، و هل هو أولى من ترجمة القرآن ؟ الأقرب العكس.
ص: 138
على إشكال، و لو لم يحسن المتوالية أجزأه التفرقة قطعا، و لو كان يحسن بعض الحمد و غيرها كان الغير أولى من الذكر.
فإن لم يحسنه ذكر بقدره، و لو كان يحسن النصف الثاني أتى به و بالذكر.
و هل تترتب القراءة على الذكر؟ الأقرب عدم الوجوب عملا بالأصل، و للشافعي وجهان(1). فعلى الترتيب لو أحسن آية من وسط الحمد وسّطها بين ذكرين.
و إن قرأ بعض البدل فعليه قراءة ما لم يأت ببدله و قراءة ما أتى ببدله، و هو أصح وجهي الشافعي(2).
و كذا لو تعلّم بعده قبل الركوع، لكن أصح وجهي الشافعي هنا الاكتفاء لأن الفرض يؤدّى بالبدل(3). و هو منقوض بالتيمم قبل الصلاة.
أمّا لو تعلّم بعد الركوع فقد مضت الركعة على الصحة، و يحتمل عندي استحباب العدول الى النفل لثبوته في استدراك سورة الجمعة مع استحبابه، فاستدراك الواجب أولى.
إذا لم يعلم غير الفاتحة بل يكتفي بالفاتحة، و لو أحسن بعض السورة وجب عليه قراءته بعد الحمد
ص: 139
و التعلّم مع سعة الوقت.
يا - الأخرس يحرك لسانه بالقراءة و يعقد بها قلبه؛ لأنهما واجبان على القادر(1).
حتى التشديد و هو أربع عشرة شدة في الفاتحة إجماعا، فلو أخل بحرف منها عمدا قادرا بطلت صلاته - و به قال الشافعي(2) - لأنه مع إخلال حرف لم يأت بالفاتحة.
و كذا التشديد لأنّ المشدّد أقيم مقام حرفين فإن شدّة راء الرحمن و دال الدّين أقيمت مقام اللام، فإذا أخلّ بها أخلّ بالحرف و ما يقوم مقامه.
و قال بعض الجمهور: لا تبطل بترك الشدّة لعدم ثبوتها في المصحف، و هي صفة الحرف، و يسمى تاركها قارئا(3). و ليس بجيد.
و لو فك الإدغام فهو لحن لا يغير المعنى، و لا تستحب المبالغة في التشديد بحيث يزيد على قدر حرف ساكن لأنها في كل موضع أقيمت مقام حرف ساكن.
فإن أخل بها و أمكنه التعلم أعاد الصلاة و إلاّ فلا، و لا يعذر بالجهل، و لو أخرج الضاد من مخرج الظاء أو بالعكس أعاد مع إمكان التعلم، و هو أحد وجهي الشافعي، و الآخر: لا يعيد لعسر التمييز بينهما(4).
ص: 140
على أقوى القولين، فلو لحن عمدا فالأقرب الإعادة سواء كان عالما، أو جاهلا، و سواء غيّر المعنى مثل أن يكسر كاف إياك، أو يضم تاء أنعمت، أو لا مثل أن نصب اللّه، أو رفعه، و سواء كان خفيا، أو لا.
و للشافعي فيما إذا لم يتغير المعنى وجهان(1) لقوله تعالى بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ (2) و لأنّه عليه السلام أعرب و قال: (صلّوا كما رأيتموني أصلي)(3).
و هي السبعة، و لا يجوز أن يقرأ بالشواذ، و لا بالعشرة، و جوّز أحمد قراءة العشرة، و كره قراءة حمزة و الكسائي من السبعة، لما فيها من الكسر و الإدغام(4).
و يجب أن يقرأ بالمتواتر من الآيات و هو ما تضمنه مصحف علي عليه السلام؛ لأن أكثر الصحابة اتفقوا عليه، و حرق عثمان ما عداه، فلا يجوز أن يقرأ بمصحف ابن مسعود، و لا أبيّ، و لا غيرهما، و عن أحمد رواية بالجواز إذا اتصلت به الرواية(5) ، و هو غلط لأن غير المتواتر ليس بقرآن.
و المعوذتان من القرآن يجوز أن يقرأ بهما، و لا اعتبار بإنكار ابن مسعود(6) للشبهة الداخلة عليه بأن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله كان يعوّذ بهما الحسن و الحسين عليهما السلام(7) ، إذ لا منافاة بل القرآن صالح للتعوذ به
ص: 141
لشرفه و بركته، و قال الصادق عليه السلام: «اقرأ المعوذتين في المكتوبة»(1) و صلّى عليه السلام المغرب فقرأهما فيها(2).
فلو قدم آية على المتأخرة أعاد - و به قال الشافعي(3) - و كذا يجب أن يقدم الحمد على السورة فإن خالف أعاد الصلاة إن فعله عمدا، و إلاّ القراءة؛ لأن الأمر ورد بالتلاوة على الترتيب فلا يكون المخلّ به آتيا بالمأمور به، و يجب أن يأتي بالجزء الصوري؛ لأنّ الإعجاز فيه فلو قرأه مقطعا كأسماء العدد لم يجزئ.
و لو سكت في أثناء القراءة بالخارج عن المعتاد إمّا بأن ارتج عليه فطلب التذكر، أو قرأ من غيرها سهوا لم تقطع القراءة و قرأ الباقي.
و إن سكت طويلا عمدا لا لغرض حتى خرج عن كونه قارئا استأنف القراءة، و كذا لو قرأ في أثنائها ما ليس منها و لا تبطل صلاته.
و لو سكت بنية القطع بطلت قراءته، و لو سكت لا بنية القطع أو نواه و لم يسكت صحت لأن الاعتبار بالفعل لا بالنيّة، بخلاف ما لو نوى قطع الصلاة فإنها تبطل و إن لم يقطع الأفعال لأن الصلاة تحتاج إلى نيّة فتبطل بتركها بخلاف القراءة.
و لو كرر آية من الفاتحة لم تبطل قراءته سواء أو صلها بما انتهى إليه أو ابتدأ من المنتهى، خلافا لبعض الشافعية في الأول(4).
ص: 142
و لو كرر الحمد عمدا ففي إبطال الصلاة به إشكال ينشأ من مخالفة المأمور به، و من تسويغ تكرار الآية فكذا السورة.
و لو سأل الرحمة عند آيتها، أو تعوّذ من النقمة عند آيتها كان مستحبا و لا تبطل بهما الموالاة؛ لأنّه ندب إليهما، قال حذيفة: صليت خلف رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ذات ليلة فقرأ سورة البقرة فكان إذا مرّ على آية فيها تسبيح سبح، و إذا مرّ بسؤال سأل، و إذا سرّ بتعوذ تعوذ(1). و هو أحد وجهي الشافعي، و في الآخر: تبطل، و كذا لو عطس فحمد اللّه(2).
و لو ترك الموالاة سهوا لم تبطل و بنى، و هو قول أكثر الشافعية(3) ، و قال إمام الحرمين: تبطل كما لو ترك الترتيب سهوا(4).
و لا تجب عينا في ثالثة المغرب، و الأخريين من الرباعيات، بل يتخير بينها و بين التسبيح عند علمائنا - و به قال أبو حنيفة، و النخعي، و الثوري، و أحمد في رواية(5) - لأن عليا عليه السلام قال: «اقرأ في الأوليين و سبّح في الأخريين»(6).
و من طريق الخاصة قول الباقر عليه السلام و قد سأله زرارة ما يجزئ من
ص: 143
القول في الركعتين الأخيرتين: «أن يقول: سبحان اللّه، و الحمد للّه و لا إله إلاّ اللّه، و اللّه أكبر، و يكبر و يركع»(1) و لأنها لو وجبت في باقي الركعات لسنّ الجهر بها في بعض الصلوات كالأوليين.
و قال الشافعي، و الأوزاعي، و أحمد في رواية: تجب الفاتحة في كل ركعة من الأوائل و الأواخر(2) ، لأن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله قرأ في الأخريين من الظهر بأم الكتاب(3) ، و نحن نقول بموجبه إذ هو واجب مخيّر.
و قال الحسن: تجب في ركعة واحدة أيّها شاء(4) لقوله تعالى فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنْهُ (5) و عن مالك أنه يجب أن يقرأ في معظم الصلاة، ففي الثلاثية يقرأ الفاتحة في ركعتين، و في الرباعية تجب في ثلاث إقامة للأكثر مقام الجميع(6).
بل يجزئه السكوت، و لو لم يقرأ في الأوليين قرأ في الأخيرتين(7).
ص: 144
و روي العكس، و روي استحباب القراءة للإمام و التسبيح للمأموم، و هو حسن، و روي التساوي، و قال سفيان: يكره القراءة في الأخيرتين(1).
لئلاّ تخلو الصلاة من قراءة، و قيل: لا يسقط التخيير(2). و هو أقوى.
فالأقوى الاكتفاء بقوله: سبحان اللّه، و الحمد للّه، و لا إله إلاّ اللّه، و اللّه أكبر مرّة واحدة لحديث الباقر عليه السلام(3).
و للشيخ قولان: أحدهما: أن يكرر ذلك ثلاث مرات عدا التكبير فإنه يقول في آخره فيكون عشر مرات، و به قال ابن أبي عقيل، و المرتضى(4).
و قال حريز بن عبد اللّه السجستاني: تسع تسبيحات(5). فأسقط التكبير من الثالث؛ لقول الباقر عليه السلام: «و إن كنت إماما فقل: سبحان اللّه، و الحمد للّه، و لا إله إلاّ اللّه ثلاث مرات ثم تكبر و تركع»(6) و به قال الصدوق(7).
ص: 145
و الثاني للشيخ: اثنتا عشرة مرة فيضيف اللّه أكبر في الثلاث(1).
و الأصل براءة الذمة من الوجوب، فتحمل هذه الروايات على الاستحباب جمعا بين الأدلة.
و قد روي عن الصادق عليه السلام: «فقل: الحمد للّه، و سبحان اللّه، و اللّه أكبر»(2) و الأولى الأول؛ لحصول يقين البراءة به.
عند علمائنا أجمع - خلافا للجمهور كافة - لقول الباقر عليه السلام أو الصادق عليه السلام: «لا يقرأ في المكتوبة بشيء من العزائم، فإن السجود زيادة في المكتوبة»(3).
و لأن سجود التلاوة واجب، و زيادة السجود في الصلاة مبطل. و أطبق الجمهور على جوازه للأصل، و إنما يكون حجة لو لم يطرأ المعارض.
و يجيء على قول الشيخ(4) أنه يسقط آية السجود و يجزئه.
و كذا إن استمع ثم يقوم فيتم القراءة، و إن كانت السجدة آخر السورة استحب له بعد القيام قراءة الحمد ليركع عن قراءة، و لقول الصادق عليه السلام و قد سئل الرجل يقرأ السجدة في
ص: 146
آخر السورة: «يسجد ثم يقوم و يقرأ فاتحة الكتاب، ثم يركع و يسجد»(1).
و قال الشيخ: يقرأ الحمد و سورة، أو آية منها(2).
ما لم يتجاوز النصف وجوبا على إشكال، فإن تجاوزه ففي جواز الرجوع عنها إشكال، فإن منعناه قرأها كملا ثم أومى أو يقضيها بعد الفراغ بالسجدة؛ لقول الصادق عليه السلام و قد سأله عمار عن الرجل يقرأ في المكتوبة سورة فيها سجدة من العزائم فقال: «إذا بلغ موضع السجدة فلا يقرأها و إن أحب أن يرجع فيقرأ سورة غيرها و يدع التي فيها السجدة رجع الى غيرها»(3).
فإن أوجبناه بالسماع أو استمع أومأ أو قضى.
إذا ذكر؛ لأن محمد بن مسلم سأل أحدهما عليهما السلام عن الرجل يقرأ السجدة فينساها حتى يركع و يسجد قال: «يسجد إذا ذكر إذا كانت من العزائم»(4).
لقول الصادق عليه السلام: «إن صليت مع قوم فقرأ الإمام اقرأ باسم ربك الذي خلق، أو شيئا من العزائم، و فرغ من قراءته و لم يسجد فأوم لها»(5).
لاستلزامه الإخلال بالواجب، و هل يجوز أن يقرن بين سورتين مع الحمد في ركعة ؟ منعه
ص: 147
الشيخ(1) لقول أحدهما عليهما السلام و قد سأله محمد بن مسلم أ يقرأ الرجل السورتين في ركعة قال: «لا لكل سورة ركعة»(2) و لأنّه صلّى اللّه عليه و آله كذا صلّى(3).
و قال المرتضى رضي اللّه عنه: يكره(4) لقول الباقر عليه السلام: «إنما يكره الجمع بين السورتين في الفريضة»(5) و يحمل على التحريم لوروده فيه، و جوزه الشافعي(6) ، لأن ابن عمر فعله(7). و ليس حجة.
أ - قال في المبسوط: لو قرن ما بين سورتين بعد الحمد لم يحكم بالبطلان(8).
و كذا لو كرر الحمد، و لا يجزئه تكريرها عن السورة الأخرى؛ لأن الفاتحة في الركعة مضيقة و الشيء الواحد لا يؤدى به المضيق و المخير في محل.
و أن يقرأ فيهما بسورتين
ص: 148
متساويتين أو متفاوتتين - و به قال الشافعي(1) - لأن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله سوّى بينهما(2).
و قال أبو حنيفة: يستحب في الفجر قراءة أطول السورتين في الاولى و أقصرهما في الثانية - و به قال الثوري(3) - و هو مذهبنا على ما يأتي لفائدة تلاحق الناس.
لما قرأه في الاولى من غير استحباب - خلافا للشافعي(4) - للأصل، و لو قرأ «الناس» في الأولى قال:
يقرأ في الثانية من البقرة(5).
لا تفرد إحداهما عن الأخرى في الركعة الواحدة، و كذا الفيل و لإيلاف عند علمائنا؛ لقول زيد الشحام في الصحيح: صلّى بنا الصادق عليه السلام الفجر فقرأ الضحى و ألم نشرح في ركعة واحدة(6) ، و قد بينا التحريم أو الكراهة فلا يقع من الإمام عليه السلام إلاّ و هو واجب.
و سمع المفضل الصادق عليه السلام يقول: «لا يجمع بين سورتين في ركعة واحدة إلاّ الضحى و ألم نشرح، و سورة الفيل و لإيلاف»(7).
ص: 149
و هل تعاد البسملة بينهما؟ الأقرب ذلك؛ لأنّها ثابتة في المصحف، و للإجماع على أنها آية من كل سورة، و الاستثناء في رواية المفضل يدل على الاثنينية.
و قال الشيخ رحمه اللّه في التبيان: لا تعاد؛ لأنهما سورة واحدة(1).
و الإجماع على أنها ليست آيتين من سورة واحدة. و الأولى ممنوعة و إن وجبت قراءتهما.
ما لم يتجاوز نصفها إلاّ في سورة الجحد و الإخلاص فإنه لا ينتقل عنهما إلاّ الى سورة الجمعة و المنافقين في الجمعة و ظهريها؛ لقول الصادق عليه السلام: «يرجع من كل سورة إلاّ قل هو اللّه أحد، و قل يا أيها الكافرون»(2).
أ - قال المرتضى: يحرم الرجوع عن سورة التوحيد و الجحد(3).
و يحتمل الكراهة.
و إن تجاوز النصف، تحصيلا لسورة كاملة.
لأنها آية من كل سورة، فالمتلوة آية من المرجوع عنها فلو لم يأت بها ثانيا لم تكمل السورة، و كذا من سمى بعد الحمد من غير قصد سورة معيّنة يعيدها مع القصد، و لو نسي آية ثم ذكرها بعد الانتقال إلى أخرى قرأها و أعاد ما بعدها
ص: 150
و إن قرأ إلى آخر السورة.
و به قال الشافعي، و مالك، و أبو يوسف، و محمد(1) - لأن من جاز له القراءة ظاهرا جاز باطنا(2) كالآية القصيرة من المصحف.
و قال أبو حنيفة: تبطل صلاته إلاّ أن يقرأ آية قصيرة؛ لأنه عمل طويل(3).
و هو ضعيف، لأن الفكر و النظر لا يبطل الصلاة كما لو أفكر في إشغاله، و نظر الى المارة، و لا فرق بين الحافظ و غيره.
دون غيرها من الأذكار في صلاة الصبح و أولتي المغرب، و أولتي العشاء، و الإخفات في الظهرين، و ثالثة المغرب، و آخرتي العشاء عند أكثر علمائنا(4) - و به قال ابن أبي ليلى(5) - لأنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله كان يفعل ذلك و قال: (صلّوا كما رأيتموني أصلّي)(6).
و لقول الباقر عليه السلام في رجل جهر فيما لا ينبغي الجهر فيه أو
ص: 151
أخفى فيما لا ينبغي الإخفات فيه فقال: «إن فعل ذلك متعمدا فقد نقض صلاته و عليه الإعادة، و إن فعل ذلك ناسيا، أو ساهيا و لا يدري فلا شيء عليه و قد تمت صلاته»(1).
و قال المرتضى(2) ، و باقي الجمهور كافة: بالاستحباب عملا بالأصل(3). و هو غلط للإجماع على مداومة النبيّ صلّى اللّه عليه و آله، و جميع الصحابة، و الأئمة عليهم السلام فلو كان مسنونا لأخلّوا به في بعض الأحيان.
و يستحب في مواضع الإخفات في أول الحمد و أول السورة عند علمائنا، لأنّها آية من السورة تتبعها في وجوب الجهر، و أما استحبابه مع الإخفات فلأن أم سلمة قالت: إن النبي صلّى اللّه عليه و آله صلّى فقرأ بسم اللّه الرحمن الرحيم(4) ، و هو إخبار عن السماع و لا نعني بالجهر إلاّ سماع الغير.
و من طريق الخاصة قول صفوان: صلّيت خلف الصادق عليه السلام أيّاما و كان يقرأ في فاتحة الكتاب بسم اللّه الرحمن الرحيم، فإذا كانت صلاة لا يجهر فيها بالقراءة جهر ببسم اللّه الرحمن الرحيم، و أخفى ما سوى ذلك(5).
و قال الشافعي: يستحب الجهر بها قبل الحمد، و السورة في
ص: 152
الجهرية، و الإخفاتية - و به قال عمر، و ابن الزبير، و ابن عباس، و ابن عمر، و أبو هريرة، و هو مذهب عطاء، و طاوس، و سعيد بن جبير، و مجاهد(1) - و هو موافق لقولنا في الإخفاتية، و قد بيّنا وجوب الجهر في الجهرية.
و قال الثوري، و الأوزاعي، و أبو حنيفة، و أحمد، و أبو عبيد: لا يجهر بها بحال. و نقله الجمهور عن علي عليه السلام، و ابن مسعود، و عمار(2) لأنّ أنسا قال: صليت خلف النبيّ صلّى اللّه عليه و آله فلم أسمعه يجهر بها(3). و لا حجة فيه لصغره أو بعده. و قال النخعي: جهر الإمام بها بدعة(4). و قال مالك: المستحب أن لا يقرأها(5). و قال ابن أبي ليلى، و الحكم، و إسحاق: إن جهرت فحسن و إن أخفيت فحسن(6).
و حدّ
ص: 153
الإخفات أن يسمع نفسه أو بحيث يسمع لو كان سميعا بإجماع العلماء، و لأنّ ما لا يسمع لا يعد كلاما و لا قراءة؛ لقول الباقر عليه السلام: «لا يكتب من القراءة و الدعاء إلا ما أسمع نفسه»(1).
و لأن صوتها عورة، و لا تخافت دون إسماع نفسها.
لو قرأ(2). و هو تخصيص لعموم الروايات، و تنصيص علمائنا.
كالصبح، و كل صلاة تختص بالليل و لا نظير لها نهارا فالسنة فيها الجهر كالمغرب، و كل صلاة تفعل نهارا و لها نظير بالليل فما تفعل نهارا فالسنّة فيه الإخفات كالظهرين، و ما تفعل ليلا فالسنّة الجهر كالعشاء، فصلاة الجمعة، و العيد سنتهما الجهر؛ لأنهما يفعلان نهارا و لا نظير لهما ليلا، و أصله قوله عليه السلام: (صلاة النهار عجماء)(3).
و كسوف الشمس يستحب فيها الإسرار؛ لأنها تفعل نهارا، و لها نظير بالليل و هي صلاة خسوف القمر، و يجهر في الخسوف.
أما صلاة الاستسقاء فعندنا كصلاة العيد، و قال الشافعي: إن فعلت نهارا أسرّ بها، و إن فعلت ليلا جهر، و نوافل النهار يسرّ فيها، و نوافل الليل
ص: 154
تجهر(1).
و لا قراءة في صلاة الجنائز عندنا، أما الشافعي فاستحب الجهر ليلا لا نهارا(2).
فإن كان الفائت صلاة جهر جهر في قضائها وجوبا و إن فعلت نهارا، و إن كانت صلاة إخفات أسرّ فيها و إن فعلت ليلا، و به قال بعض الشافعية(3) ، و قال الباقون: الاعتبار بوقت القضاء(4). و ليس بجيد لقوله عليه السلام: (فليقضها كما فاتته)(5).
- و به قال الشافعي(6) - لأن المنفرد ليس تابعا لغيره فهو كالإمام، و قال أبو حنيفة: لا يسن الجهر للمنفرد(7).
لأنّ صحابيا جهر خلف النبي صلّى اللّه عليه و آله فلمّا فرغ من الصلاة قال: (ما لي أنازع القرآن ؟)(8) و لما فيه من تشويش الإمام.
ص: 155
- خلافا لابن إدريس(1) - و في صلاة الليل.
مسألة 238: القراءة ليست ركنا عند أكثر علمائنا(2)
فلو أخلّ بها سهوا لم تبطل صلاته - و به قال الشافعي في القديم(3) - لأنّ عمر صلّى المغرب فلم يقرأ فيها فقيل له في ذلك، فقال: كيف كان الركوع و السجود؟ قالوا: كان حسنا. قال: فلا بأس(4).
و من طريق الخاصة قول الصادق عليه السلام و قد سأله منصور بن حازم إنّي صلّيت المكتوبة فنسيت أن أقرأ في صلاتي كلّها، فقال: «أ ليس قد أتممت الركوع و السجود؟» قلت: بلى، فقال: «قد تمت صلاتك»(5).
و عند بعض علمائنا أنها ركن لو أخل بها سهوا بطلت صلاته(6) ، و هو قول الشافعي في الجديد(7) ، لقوله عليه السلام: (لا صلاة لمن لم يقرأ فيها بفاتحة الكتاب)(8) و لا حجة فيه لافتقاره إلى إضمار.
ص: 156
ليلحقه من خلفه ممّن يثقل لسانه. قال اللّه تعالى وَ رَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً (1) و قال الصادق عليه السلام: «ينبغي للعبد إذا صلّى أن يرتل قراءته، و إذا مرّ بآية فيها ذكر الجنّة أو النار سأل اللّه الجنّة و تعوّذ باللّه من النار، و إذا مرّ بيا أيّها الناس و يا أيها الذين آمنوا قال: لبيك ربّنا»(2).
و لو أطال الدعاء في خلال القراءة كره، و ربما أبطل إن خرج عن نظم القراءة المعتاد فيبين الحروف و لا يمده مدة يشبه الغناء، و لو أدرج و لم يرتل و أتى بالحروف بكمالها صحت صلاته، و يستحب تعمد الإعراب و الوقوف في مواضعه، و لا يستحب له التطويل كثيرا فيشق على من خلفه؛ لقوله صلّى اللّه عليه و آله: (من أمّ الناس فليخفف)(3) و للمنفرد الإطالة.
و لو عرض عارض لبعض المأمومين يقتضي خروجه استحب للإمام التخفيف، قال عليه السلام: (إنّي لأقوم في الصلاة و أنا أريد أن أطوّل فيها فأسمع بكاء الصبي فأتجوّز فيها كراهية أن يشق على أبيه)(4).
- و به قال عروة بن الزبير(5) - لقول الباقر عليه السلام: «إن رجلين اختلفا في صلاة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كم كان له من سكتة فكتبا الى أبيّ بن كعب فقال: كان له سكتتان: إذا فرغ من أم القرآن، و إذا فرغ من
ص: 157
السورة»(1) و لأن المقتضي للسكوت عقيب الحمد مقتض له عقيب السورة.
و قال الشافعي، و الأوزاعي، و أحمد، و إسحاق: يسكت بعد تكبيرة الافتتاح و بعد الفاتحة(2) ، لأنّ سمرة بن جندب حدّث أنه حفظ عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله سكتتين: سكتة إذا كبّر، و سكتة إذا فرغ من قراءة الفاتحة فأنكر عليه عمر(3) فكتبا في ذلك الى أبيّ بن كعب فكان في كتابه إليهما أن سمرة قد حفظ(4).
و حديثنا أولى، لأنّ أهل البيت عليهم السلام أعرف، و كره ذلك كله مالك، و أصحاب الرأي(5).
كالقدر و النصر، و في العشاء بمتوسطاته كالطارق و الأعلى، و في الصبح بمطولاته كالمدثر و المزمل، قاله الشيخ في المبسوط(6).
و روى محمد بن مسلم عن الصادق عليه السلام قلت: القراءة في الصلاة فيها شيء موقت ؟ قال: «لا، إلاّ الجمعة تقرأ بالجمعة و المنافقين» قلت له: فأيّ السور أقرأ في الصلوات ؟ قال: «أما الظهر و العشاء فتقرأ فيهما سواء، و العصر و المغرب سواء، و أما الغداة فأطول، ففي الظهر
ص: 158
و العشاء بسبح اسم ربك الأعلى و الشمس و ضحاها و نحوها، و العصر و المغرب إذا جاء نصر اللّه و ألهاكم التكاثر، و نحوها، و الغداة بعم يتساءلون، و هل أتاك، و لا أقسم بيوم القيامة، و هل أتى»(1) و قال الشافعي: يقرأ في الصبح كما قلناه(2) لأن النبي صلّى اللّه عليه و آله قرأ «ق» في الصبح(3).
و يقرأ في الظهر نصف ما يقرأ في الصبح، و يقرأ في العصر بنحو ما يقرأ في العشاء سورة الجمعة و إذا جاءك المنافقون، و يقرأ في المغرب بالعاديات و شبهها، لأنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله كان يقرأ في المغرب بقصار المفصّل(4).
و قال أبو حنيفة: يقرأ في الاولى من الصبح من ثلاثين آية إلى ستين آية، و في الثانية من عشرين الى ثلاثين، و في الظهر نصف ما قرأ في الصبح، و في العصر و العشاء عشرين آية في كل ركعة غير الفاتحة في الأوليين(5). و قال أحمد: يقرأ في العشاء خمس عشرة آية(6).
و لو خالف ذلك كلّه جاز بإجماع العلماء فإن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله قرأ في المغرب بالأعراف، و تارة بالمرسلات، و تارة بالطور(7).
ص: 159
و كذا في الجمعة سواء الجامع و المنفرد، و المسافر و الحاضر؛ لأن الباقر عليه السلام قال: «إن اللّه أكرم بالجمعة المؤمنين فسنّها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بشارة لهم، و المنافقين توبيخا للمنافقين فلا ينبغي تركهما، و من تركهما متعمدا فلا صلاة له»(1).
و ليستا واجبتين في الجمعة أيضا، خلافا لبعض علمائنا(2) ، و المراد نفي الكمال؛ لقول الكاظم عليه السلام في الرجل يقرأ في صلاة الجمعة بغير سورة الجمعة متعمدا، فقال: «لا بأس»(3).
و يستحب أن يقرأ في غداة يوم الجمعة، الجمعة و التوحيد، و روي المنافقين(4) ، و في مغرب ليلة الجمعة و عشائها بالجمعة و الأعلى، و في رواية عن الصادق عليه السلام قراءة الجمعة، و التوحيد في المغرب، و في العشاء بالجمعة و سبح اسم(5).
و يستحب لمن قرأ غير الجمعة و المنافقين في الجمعة، و الظهرين الرجوع إليهما إن كان ناسيا و لم يتجاوز النصف، فإن تجاوز فليتمها ركعتين نافلة، و يصلّي الفريضة بهما.
و قال المرتضى: إذا دخل الإمام في صلاة الجمعة وجب أن يقرأ في الأولى بالجمعة، و في الثانية بالمنافقين يجهر بهما لا يجزئه غيرهما(6) ، لقول الصادق عليه السلام: «من صلّى الجمعة بغير الجمعة و المنافقين أعاد3.
ص: 160
الصلاة»(1) و المراد الاستحباب؛ لقول الرضا عليه السلام و قد سأله علي بن يقطين عن الجمعة ما أقرأ فيهما؟ قال: «اقرأهما بقل هو اللّه أحد»(2).
و أن يقرأ الجحد في سبعة مواضع: في أول ركعة من ركعتي الزوال، و أول ركعة من نوافل المغرب، و أول ركعة من صلاة الليل، و أول ركعة من ركعتي الإحرام، و ركعتي الفجر و الغداة إذا أصبح بها، و ركعتي الطواف، لقول الصادق عليه السلام: «لا تدع أن تقرأ قل هو اللّه أحد، و قل يا أيها الكافرون في سبعة مواطن: في الركعتين قبل الفجر، و ركعتي الزوال، و ركعتين بعد المغرب، و ركعتين في أول صلاة الليل، و ركعتي الإحرام و الفجر إذا أصبحت بهما، و ركعتي الطواف»(3).
قال الشيخ: و في رواية اخرى أنه: «يقرأ في هذا كلّه بقل هو اللّه أحد، و في الثانية قل يا أيها الكافرون»(4).
و يستحب أن يقرأ في الركعتين الأوليين من صلاة الليل ثلاثين مرّة قل هو اللّه أحد في كل ركعة، و في باقي صلاة الليل بالسور الطوال كالأنعام و الكهف مع السعة فإن تضيق الوقت خفف القراءة.
حالة التخطي لأنها ليست حالة القيام بل حالة المشي، و هل ذلك على سبيل الوجوب ؟ يحتمل ذلك إن سلبنا القيام عنه و إلاّ مستحبا.
ص: 161
سواء كان منفردا، أو إماما، أو مأموما، لقوله عليه السلام: (إنّ هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الآدميين)(1) و التأمين من كلامهم.
و قال عليه السلام: (إنما هي التسبيح، و التكبير، و قراءة القرآن)(2) و «إنما» للحصر.
و لأن جماعة من الصحابة نقلوا صفة صلاة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله منهم أبو حميد الساعدي قال: أنا أعلمكم بصلاة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قالوا: أعرض علينا، ثم وصف الى أن قال: ثم يقرأ ثم يكبر(3).
و من طريق الخاصة قول الصادق عليه السلام لجميل في الصحيح:
«إذا كنت خلف إمام فقرأ الحمد و فرغ من قراءتها فقل أنت: الحمد للّه رب العالمين، و لا تقل آمين»(4) و سأل الحلبي الصادق عليه السلام أقول إذا فرغت من فاتحة الكتاب: آمين ؟ قال: «لا»(5).
و لأن معناه اللّهم استجب، و لو نطق به أبطل صلاته، فكذا ما قام مقامه، و لأنّه يستدعي سبق دعاء و لا يتحقق إلاّ مع قصده فعلى تقدير عدمه يخرج التأمين عن حقيقته فيلغو، و لأنّ التأمين لا يجوز إلاّ مع قصد الدعاء و ليس ذلك شرطا إجماعا أمّا عندنا فللمنع مطلقا، و أمّا عند الجمهور
ص: 162
فللاستحباب مطلقا.
و أطبق الجمهور على الاستحباب(1) لقول أبي هريرة: إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال: (إذا قال الإمام: غير المغضوب عليهم و لا الضالين فقولوا آمين)(2) و نمنع صحة الرواية فإنّ عمر شهد عليه بأنه عدوّ اللّه و عدوّ المسلمين، و حكم عليه بالخيانة، و أوجب عليه عشرة آلاف دينار ألزمه بها بعد ولايته البحرين(3) ، و مثل هذا لا يسكن الى روايته، و لأن ذلك من القضايا الشهيرة التي يعمّ بها البلوى فيستحيل انفراد أبي هريرة بنقلها.
سواء وقعت بعد الحمد، أو بعد السورة، أو في أثنائهما(4). و هو جيد؛ للنهي عن قولها مطلقا.
و لهذا عدل الصادق عليه السلام عن الجواب و قد سأله معاوية بن وهب أقول: آمين إذا قال الإمام: غير المغضوب عليهم و لا الضالين ؟ قال: «هم اليهود، و النصارى»(5) و لم يجب فيه بشيء كراهة لهذه اللفظة، و لم يمكنه عليه السلام التصريح بها، و عليه يحمل قوله عليه السلام و قد سأله جميل عنها: «ما أحسنها، و أخفض الصوت بها»(6).
ص: 163
يجهر الإمام بها،
لأنه تابع للفاتحة(1). و قال أبو حنيفة، و الثوري: لا يجهر بها؛ لأنه دعاء مشروع في الصلاة فاستحب إخفاؤه كالدعاء في التشهد(2).
و عن مالك روايتان: هذا إحداهما، و الثانية: لا يقولها الإمام(3) ، لأنه عليه السلام قال: (إذا قال الإمام: و لا الضالين فقولوا: آمين)(4) فدل على أن الإمام لا يقولها.
أما المأموم فللشافعي قولان: الجديد: الإخفاء - و به قال الثوري، و أبو حنيفة(5) - و القديم: الجهر. و به قال أحمد، و أبو ثور، و إسحاق، و عطاء من التابعين(6).
و إذا أسرّ بالقراءة أسرّ به اتفاقا منهم، و استحبت الشافعية التأمين عقيب قراءة الحمد مطلقا للمصلّي و غيره. و فيه لغتان: المدّ مع التخفيف، و القصر، و لو شدّد عمدا بطلت صلاته إجماعا.
ص: 164
بإجماع علماء الإسلام إلاّ في الكسوف، و الآيات على ما يأتي(1). قال اللّه تعالى:
وَ ارْكَعُوا (2) . و علّمه الأعرابي لمّا علّمه الصلاة(3). و هو ركن في الصلاة إجماعا لو أخلّ به سهوا مع القدرة عليه، أو عمدا بطلت صلاته؛ لأنه لم يأت بالمأمور به على وجهه فيبقى في عهدة التكليف.
و لقول الصادق عليه السلام في الرجل ينسى الركوع حتى يسجد و يقوم، قال: «يستقبل»(4) ، و سئل الكاظم عليه السلام عن الرجل ينسى أن يركع قال: «يستقبل حتى يضع كل شيء من ذلك موضعه»(5) ، و لم يجعله الشيخ ركنا في أواخر الرباعيات في بعض أقواله(6) ، و سيأتي تحقيقه إن شاء اللّه.
إجماعا إلاّ من أبي حنيفة فإنه اكتفى بأصل الانحناء، لأنه لا يخرج عن حد القيام إلاّ
ص: 165
بذلك(1) ، و لقوله عليه السلام: (إذا ركعت فضع كفّيك على ركبتيك)(2) و هو يستلزم الانحناء المذكور.
و من طريق الخاصة قول الباقر عليه السلام: «و تمكّن راحتيك من ركبتيك»(3) و سنبين أن الوضع غير واجب فتعين الانحناء بقدره.
و العاجز يأتي بالممكن لأنّ الزيادة تكليف بما لا يطاق، و لو تعذر أومأ لأنه القدر الممكن فيقتصر عليه، و لأنّ إبراهيم الكرخي سأل الصادق عليه السلام عن رجل شيخ لا يستطيع القيام إلى الخلاء و لا يمكنه الركوع و السجود فقال: «ليؤم برأسه إيماء، و إن كان له من يرفع الخمرة إليه فليسجد، فإن لم يمكنه ذلك فليوم برأسه نحو القبلة»(4).
و الراكع خلقة يزيد يسير انحناء ليفرق بين القيام و الركوع و إن لم يفعل لم يلزمه لأنه حدّ الركوع فلا يلزمه الزيادة عليه.
و لو انخنس(5) و أخرج ركبتيه و صار بحيث لو مدّ يديه نالتا ركبتيه لم يكن ركوعا، لأنّ هذا التمكن لم يحصل بالانحناء، و طويل اليدين ينحني كالمستوي، و كذا قصيرهما.
و معناها السكون بحيث تستقرّ أعضاؤه في هيئة الركوع و ينفصل هويه عن ارتفاعه منه عند علمائنا
ص: 166
أجمع - و به قال الشافعي، و أحمد(1) - لأن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال للمسيء في صلاته: (ثم اركع حتى تطمئن راكعا)(2) و من طريق الخاصة رواية حماد - الطويلة - قال: «ثم ركع و ملأ كفيه من ركبتيه مفرجات»(3) و لأنه فعل مفروض في الصلاة فوجبت فيه الطمأنينة كالقيام.
و قال أبو حنيفة: لا تجب الطمأنينة(4) لقوله تعالى وَ ارْكَعُوا (5) و قد حصل مع عدمها فيخرج عن العهدة. و الآية بيّنها النبيّ صلّى اللّه عليه و آله بفعله.
لأنّا سنبيّن أن الصلاة لا تبطل بالإخلال بها سهوا و إن بطلت عمدا.
و قال الشيخ في الخلاف: إنّها ركن. و به قال الشافعي(6).
لوجوب الذكر فيه على ما يأتي فلا بدّ من السكون بقدر أداء الواجب.
ص: 167
فلو قرأ آية سجدة فهوى ليسجد ثم لمّا بلغ حدّ الراكعين أراد أن يجعله ركوعا لم يجز بل يعود إلى القيام ثم يركع لأن الركوع الانحناء و لم يقصده.
و لو عجز و تمكن من الانحناء على أحد جانبيه وجب، و لو عجز عن الطمأنينة سقطت، و كذا الرفع.
عملا بالأصل - و به قال الشافعي(1) - و عدمه لأنه شك بعد انتقاله.
عند علمائنا أجمع، و به قال أحمد، و إسحاق، و داود إلاّ أنه قال: إذا تركه عمدا لم تبطل صلاته(2) لقوله صلّى اللّه عليه و آله لما نزل فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (3) قال: (ضعوها في ركوعكم)(4) و الأمر للوجوب.
و من طريق الخاصة قول الصادق عليه السلام و قد سأله هشام بن سالم عن التسبيح في الركوع و السجود فقال: «تقول في الركوع: سبحان ربي العظيم، و في السجود: سبحان ربي الأعلى. الفريضة من ذلك تسبيحة،
ص: 168
و السنّة ثلاث، و الفضل في سبع»(1) ، و لأنّه هيئة في كون فيجب فيه الذكر كالقيام.
و قال الشافعي، و أبو حنيفة، و مالك: بعدم الوجوب(2) لأنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله لم يعلمه الأعرابي(3). و هو ممنوع لقوله عليه السلام:
(إذا ركع أحدكم و قال: سبحان ربي العظيم و بحمده؛ فقد تم ركوعه، و ذلك أدناه)(4) و هو يدل على عدم تمام الركوع لو لم يذكر.
و لا يتعين التسبيح؛ لأنّ هشام بن الحكم، و هشام بن سالم سألا الصادق عليه السلام يجزي أن أقول مكان التسبيح في الركوع و السجود: لا إله إلاّ اللّه و اللّه أكبر؟ فقال: «نعم كلّ هذا ذكر»(5) علل بالذكر.
و قال بعض علمائنا: يتعين التسبيح، و هو سبحان ربي العظيم و بحمده، ثلاثا(6). و بعضهم مرّة، أو ثلاث مرات سبحان اللّه(7) - و أحمد
ص: 169
أوجب التسبيح أيضا(1) - لما تقدم في حديث الصادق عليه السلام: «يقول في الركوع: سبحان ربي العظيم»(2).
و سأل معاوية بن عمار الصادق عليه السلام أخف ما يكون من التسبيح في الصلاة، قال: «ثلاث تسبيحات مترسلا، يقول: سبحان اللّه، سبحان اللّه، سبحان اللّه»(3) و لا حجة فيهما؛ لأن السؤال وقع أولا عن التسبيح، و ثانيا عن أخفه.
- و به قال الشافعي(4) - لأن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله كان يقول في ركوعه: (سبحان ربي العظيم و بحمده) ثلاثا(5) و من طريق الخاصة قول الباقر عليه السلام: «تقول: سبحان ربي العظيم و بحمده ثلاثا»(6) و قال ابن المنذر: قيل لأحمد: تقول: سبحان ربي العظيم و بحمده ؟ قال: أمّا أنا فلا أقول: و بحمده(7).
فلو شرع فيه قبل انتهائه في الهويّ الواجب، أو شرع في الرفع قبل إكماله بطلت صلاته.
د - يستحب أن يقول(8) ثلاث مرات: سبحان ربي العظيم و بحمده
ص: 170
إجماعا؛ لأنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله كان إذا ركع قال: سبحان ربي العظيم ثلاث مرات(1) ، و أفضل منه خمسا و الأكمل سبعا، و إن زاد فهو أفضل.
قال أبان بن تغلب: دخلت على الصادق عليه السلام و هو يصلّي فعددت له في الركوع و السجود ستين تسبيحة(2).
و حكى الطحاوي عن الثوري أنه كان يقول: ينبغي للإمام أن يقول:
سبحان ربي العظيم، خمسا حتى يدرك الذي خلفه ثلاثا(3) ، و أنكره الشافعي(4) لأنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله قاله ثلاثا(5) ، و لأن المأموم يركع مع الإمام فما أمكن الإمام أمكن المأموم.
قال سماعة: سألته عن الركوع و السجود هل نزل في القرآن ؟ قال: «نعم» قول اللّه عزّ و جلّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَ اسْجُدُوا (6) فقلت: كيف حدّ الركوع و السجود؟ فقال: «أمّا ما يجزيك من الركوع فثلاث تسبيحات تقول: سبحان اللّه، سبحان اللّه ثلاثا»(7).
و من كان يقوى على أن يطول الركوع و السجود فليطول ما استطاع يكون
ص: 171
ذلك في تسبيح اللّه، و تحميده، و التمجيد، و الدعاء، و التضرع فإن أقرب ما يكون العبد إلى ربّه و هو ساجد(1).
فأما الإمام فإنه إذا قام بالناس فلا ينبغي أن يطوّل بهم فإن في الناس الضعيف و من له الحاجة، فإن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله (كان إذا صلّى بالناس)(2) خف بهم(3).
حتى يرجع كل عضو إلى موضعه عند علمائنا أجمع، و به قال الشافعي، و أحمد(4) لقول النبيّ صلّى اللّه عليه و آله للمسيء في صلاته:
(ثم ارفع حتى تعتدل قائما)(5).
و من طريق الخاصة قول الصادق عليه السلام: «إذا رفعت رأسك من الركوع فأقم صلبك فإنّه لا صلاة لمن لا يقيم صلبه»(6) و لأنّه ركن هو خفض فالرفع منه فرض كالسجود.
و قال أبو حنيفة: لا يجب الرفع، و لا الاعتدال، و لا الطمأنينة بل ينحط من ركوعه ساجدا(7).
ص: 172
و اختلف أصحاب مالك في مذهبه على القولين؛ لأنّ القيام لو وجب لتضمن ذكرا واجبا كالقيام الأول، فلمّا لم يتضمن ذكرا واجبا لم يجب كقيام القنوت(1).
و ينتقض بالركوع، و السجود، و الرفع من السجود، فإن الذكر عنده ليس بواجب في شيء منها(2).
و المشهور بين العلماء مشروعية التكبير لأنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله كان يكبر في كل رفع، و خفض، و قيام، و قعود(3).
و من طريق الخاصة قول حماد في صفة صلاة الصادق عليه السلام: ثم رفع يديه حيال وجهه و قال: اللّه أكبر و هو قائم ثم ركع(4). و لأنه شروع في ركن فشرع فيه التكبير كحالة ابتداء الصلاة.
و قال سعيد بن جبير، و عمر بن عبد العزيز، و سالم، و القاسم: لا يكبر إلاّ عند افتتاح الصلاة(5) لقوله عليه السلام: (مفتاح الصلاة الطهور، و تحريمها التكبير)(6) فدلّ على أنّه لا يكون في غير التكبير. و لا حجة فيه فإنه لا يدل على أن التكبير لا يكون في غير التحريم.
ص: 173
(1) ، و أكثر أهل العلم(2) عملا بالأصل، و لقوله عليه السلام للمسيء: (ثم اقرأ ما تيسر من القرآن ثم اركع)(3) و من طريق الخاصة قول الصادق عليه السلام و قد سأله أبو بصير عن أدنى ما يجزئ من التكبير في الصلاة، قال: «تكبيرة واحدة»(4).
و قال بعض علمائنا بالوجوب(5) - و به قال إسحاق، و داود، و عن أحمد روايتان(6) - لقوله عليه السلام: (لا تتم صلاة أحد من الناس حتى يكبر ثم يركع حتى يطمئن)(7) و نفي التمام لا يدل على نفي الصحة.
و هو قائم ثم ركع(1). و قال الشافعي: يهوي بالتكبير(2).
- و به قال أبو حنيفة، و الشافعي في القديم(3) - لقوله: (التكبير جزم)(4) أي لا يمد فيه، و لأنّه ربما غيّر المعنى، و في الجديد للشافعي: يمد إلى تمام الهوي لئلاّ يخلو جزء من صلاته عن الذكر(5).
في كل مواضعه عند أكثر علمائنا(6) لأن الجمهور رووا أن المشروع أوّلا رفع اليدين، ثم ادّعوا النسخ(7) و لم يثبت و روى سالم عن أبيه قال: رأيت النبيّ صلّى اللّه عليه و آله إذا افتتح الصلاة رفع يديه حذو منكبيه و إذا أراد أن يركع و بعد ما يرفع رأسه من الركوع، و لا يرفع بين السجدتين(8). و من طريق الخاصة رواية حماد(9) ، و قد سلفت. و قال
ص: 175
بعض علمائنا بوجوب الرفع في التكبير كلّه للأمر(1). و قد بيّنا أن التكبير مستحب فكيفيته أولى.
و قال الشافعي: يرفع في تكبير الركوع و الرفع منه، و لا يرفع بين السجدتين(2) لحديث سالم(3). و نفي الرؤية لا يدل على نفيه لإمكان غفلته، و به قال الأوزاعي، و أحمد، و إسحاق، و أبو ثور، و روي عن مالك(4).
و قال أبو حنيفة، و الثوري، و ابن أبي ليلى: لا يرفع إلاّ في تكبير الافتتاح(5).
و الصحيح ما قلناه؛ لأن الأئمة عليهم السلام أعرف، قال الباقر عليه السلام: «فإذا أردت أن تسجد فارفع يديك بالتكبير و خرّ ساجدا»(6) و لأنّه تكبير فاستحب فيه الرفع كالافتتاح.
لأنه هيئة له فسقط بفوات محلّه.
و في رواية إلى أذنيه(1) ، و قال الشافعي: إلى منكبيه(2). و الأشهر رواية حماد: ثم رفع يديه حيال وجهه(3).
و ينتهي الرفع عند انتهاء التكبير، و يرسلهما بعد ذلك؛ لأنه لا يتحقق رفعهما بالتكبير إلاّ كذلك.
بإجماع العلماء إلاّ عبد اللّه بن مسعود، و صاحبيه: الأسود بن يزيد، و عبد الرحمن بن الأسود فإنهم قالوا: إذا ركع طبق يديه و جعلهما بين ركبتيه(4) لأن ابن مسعود رواه عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله(5). و هو مدفوع بالنقل عنه عليه السلام: إنه كان إذا ركع وضع راحتيه على ركبتيه و فرّج بين أصابعه(6).
و من طريق الخاصة رواية حماد عن الصادق عليه السلام: ثم ركع و ملأ كفّيه من ركبتيه مفرجات(7). و بأنه منسوخ.
ص: 177
قال مصعب بن سعد بن أبي وقاص: صلّيت إلى جنب أبي فطبقت يدي و جعلتهما بين ركبتي فضرب في يدي و قال لي: يا بني إنا كنّا نفعل ذلك فأمرنا أن نضرب بالأكف على الركب(1).
و لو كانتا عليلتين أو إحداهما انحنى كمال الركوع و أرسلهما.
و لا يتبازخ به بأن يخرج صدره و يطأ من ظهره فيكون كالسرج، و لا يحدودب فيعلي وسط ظهره، و يجعل رأسه و عنقه حيال ظهره، و يمد عنقه محاذيا ظهره لأنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله كان إذا ركع لم يرفع رأسه و لم يصوّبه و لكن بين ذلك(2).
و من طريق الخاصة قول الباقر عليه السلام: «و أقم صلبك و مدّ عنقك»(3).
و يستحب أيضا ردّ ركبتيه إلى خلفه عند علمائنا أجمع لقول حماد عن الصادق عليه السلام: ورد ركبتيه إلى خلفه(4).
و قال الشافعي: بنصب ركبتيه و أن يجافي الرجل مرفقيه عن جنبيه، و لا يجاوز في الانحناء استواء الظهر و الرقبة(5).
لقول النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: (أما الركوع فعظّموا الرب فيه، و أما السجود فاجتهدوا في الدعاء
ص: 178
فقمن [1] أن يستجاب لكم)(1).
و من طريق الخاصة قول الباقر عليه السلام: «فاركع و قل: رب لك ركعت، و لك أسلمت، و بك آمنت، و عليك توكلت، فأنت ربي خشع لك سمعي، و بصري، و شعري، و بشري، و لحمي، و دمي، و مخي، و عصبي، و ما أقلت قدماي، غير مستنكف، و لا مستكبر، و لا مستحسر، سبحان ربي العظيم و بحمده ثلاثا»(2) و بنحوه قال الشافعي إلاّ أنه قدّم التسبيح(3).
و لا يستحب أن يقرأ في ركوعه، و سجوده، و تشهده، بل يكره، قاله الشيخ في المبسوط(4) - و به قال الشافعي، و أحمد(5) - لأنّ عليا عليه السلام قال: «إن النبي صلّى اللّه عليه و آله قال: ألا إني نهيت أن أقرأ راكعا أو ساجدا، أما الركوع فعظّموا فيه الرب، و أما السجود فأكثروا فيه من الدعاء فإنه قمن أن يستجاب لكم»(6).
و يكره أن تكون يداه تحت ثيابه حالة الركوع بل يستحب أن تكون بارزة أو في كمّه، و لو خالف لم تبطل صلاته.1.
ص: 179
سواء الإمام و المأموم - و به قال عطاء، و محمد بن سيرين، و إسحاق بن راهويه، و الشافعي(1) - لأنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله كان يقوله(2).
و من طريق الخاصة قول الباقر عليه السلام: «ثم قل: سمع اللّه لمن حمده، و أنت منتصب»(3) و لأن ما سنّ للإمام في الانتقال من ركن إلى ركن سنّ للمأموم كسائر الأذكار.
و قال أبو حنيفة، و مالك: يقولها الإمام دون المأموم - و به قال ابن المنذر، و الثوري، و أبو يوسف، و محمد، و أحمد(4) - لقوله عليه السلام:
(إذا قال الإمام: سمع اللّه لمن حمده، فقولوا: ربنا لك الحمد)(5) و هذا يدل على أن المأموم لا يقولها.
للأصل، و لأنّه عليه السلام لم
ص: 180
يعلّمه المسيء في صلاته(1) و هو وقت الحاجة، و أكثر العلماء على ذلك(2) ، و قال إسحاق: بوجوبه(3) - و عن أحمد روايتان(4) - لقوله صلّى اللّه عليه و آله:
(لا تتم صلاة أحدكم) و ساق الحديث حتى قال: (ثم يقول: سمع اللّه لمن حمده)(5).
و التمام يطلق على جملة الأفعال الواجبة و المندوبة.
فيقول: الحمد للّه رب العالمين أهل الكبرياء و العظمة. إماما كان، أو مأموما، أو منفردا؛ لقول حذيفة: صلّيت مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و كان إذا رفع رأسه من الركوع قال: (سمع اللّه لمن حمده) ثم قال: (الحمد للّه ذي الملكوت و الجبروت، و الكبرياء و العظمة)(6).
و من طريق الخاصة قول الباقر عليه السلام: «ثم قل: سمع اللّه لمن حمده أهل الجود و الكبرياء و العظمة»(7) و لأن قوله: سمع اللّه لمن حمده إذكار بالحمد، و حث عليه فيستحب.
و قال الشافعي: يقول بعده: ربنا لك الحمد ملء السماوات و ملء الأرض و ملء ما شئت من شيء بعد، أهل الثناء و المجد، أحق ما قال العبد: كلنا
ص: 181
لك عبد. اللّهمّ لا مانع لما أعطيت و لا ينفع ذا الجدّ منك الجدّ(1).
و رووه عن علي عليه السلام(2) - إماما، أو مأموما، أو منفردا، و به قال عطاء، و ابن سيرين، و إسحاق(3).
و قال أبو حنيفة، و مالك: يقول الإمام: سمع اللّه لمن حمده، و المأموم يقول: ربنا لك الحمد. و اختاره ابن المنذر(4).
و قال الثوري، و أبو يوسف، و محمد، و أحمد: يقول الإمام: سمع اللّه لمن حمده ربنا لك الحمد، و يقول المأموم: ربنا لك الحمد. لا يزيد عليه(5) قال الشيخ: و لو قال: ربنا و لك الحمد، لم تفسد صلاته(6). و هو جيّد لأنه نوع تحميد، لكن المنقول عن أهل البيت عليهم السلام أولى، و قال الطحاوي: خالف الشافعي الإجماع فيما قاله.1.
ص: 182
(1) ، لأنها قد تزاد لغة.
لأنه خلاف المنقول.
لأن انضمام هذه النيّة لم يغير شيئا من المقصود.
و سقط الذكر، و لو ركع ثم اطمأنّ ثم سقط على الأرض فإنه يقوم منتصبا و لا يعيد الركوع، لأن الركوع سقط بفعله فالانتصاب منه يحصل بقيامه، و يحتمل أن يسجد من غير قيام لفوات محلّه لعذر.
و قال الشافعي: يجب أن ينتصب فإذا انتصب سجد(2).
لعدم الإتيان به على وجهه، و عدمها لأنّ الركوع حصل فلو أعاد زاد ركوعا.
فإن زالت العلّة قبل بلوغ
ص: 183
جبهته الأرض فإنه يرفع و ينتصب و يسجد لزوال العلّة قبل الشروع في الركن، و في المبسوط: يمضي في صلاته(1). و ليس بجيد؛ لأن الانتصاب و الطمأنينة واجبان، و إن زالت بعد الوضع سقط؛ لأنه شرع في السجود.
لحديث الباقر عليه السلام(2) ، و قال الشافعي: يبتدئ عند ابتداء الرفع. و له قول آخر: أنه يقول: سمع اللّه لمن حمده و هو راكع فإذا انتصب قال:
ربنا لك الحمد(3).
بل إذا كبّر للسجود قائما رفعهما، و استحبه الشافعي(4) ، خلافا لأبي حنيفة(5).
و يكون قد ترك الأفضل، و للشافعية وجهان(6).
في الركوع و الرفع.
و هو في كلّ ركعة سجدتان
ص: 184
هما معا ركن في الصلاة، لو أخل بهما عمدا أو سهوا بطلت صلاته بإجماع العلماء. و يجب على الأعضاء السبعة في كلّ سجدة: الجبهة، و الكفّان، و الركبتان، و إبهاما الرجلين عند علمائنا أجمع، إلاّ المرتضى فإنه قال عوض الكفين: مفصل الكفين عند الزندين(1).
و ما قلناه ذهب إليه أحمد، و إسحاق، و الشافعي في أحد القولين(2) ، لأنّ ابن عباس قال: أمر النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أن يسجد على سبع:
يديه، و ركبتيه، و أطراف أصابعه، و جبهته(3).
و من طريق الخاصة قول حمّاد في صفة صلاة الصادق عليه السلام:
و سجد على ثمانية أعظم: الكفين، و الركبتين، و أنامل إبهامي الرجلين، و الجبهة، و الأنف و قال: سبع منها فرض، و وضع الأنف على الأرض سنة(4).
و القول الآخر للشافعي: لا يجب إلاّ على الجبهة دون باقي السبعة. و به قال أبو حنيفة، و مالك، و أكثر الفقهاء(5) لقوله عليه السلام: (سجد2.
ص: 185
وجهي)(1) و هو يدل على أن السجود للوجه، و لأنه لا يجب كشفها في السجود.
و الحديث لا دلالة فيه، و التخصيص بالذكر لأنه أبلغ في الخضوع و قد قال: (سجد لحمي و عظمي و ما أقلته قدماي)(2) و لا يلزم من عدم الكشف انتفاء وجوب السجود عليها كما لا يلزم انتفاء استحبابه عنده.
و ناسيا لا يعيد لعدم وجوبه حينئذ.
ممّا لا يؤكل، و لا يلبس و قد سلف، دون باقي الأعضاء، لكن يستحب في اليدين، و يسقط مع الضرورة.
و للشافعي على تقدير وجوب السجود عليها قولان في وجوب كشف اليدين، أشهرهما: ذلك(3) لأن خباب بن الأرت قال: شكونا إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله حرّ الرمضاء في جباهنا و أكفنا فلم يشكنا(4) ، و الثاني:
العدم(5) كقولنا؛ لأنه عضو يغطى عادة فأشبه الركبتين. و الحديث محمول على
ص: 186
أنه لم يشكهم في السؤال لأجل الجبهة.
بل يكفي المسمى مع التمكين لأن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله سجد بأعلى جبهته(1).
و لقول الباقر عليه السلام: «ما بين قصاص شعر الرأس إلى موضع الحاجب ما وضعت منه أجزأك»(2) و شرط بعض علمائنا قدر الدرهم(3) ، و كذا لا يجب استيعاب كل مسجد بل يكفي الملاقاة ببعضه، و الأفضل الاستيعاب.
و به قال الشافعي(4).
فلا يجزئ الأنف عنها عند علمائنا أجمع، و به قال الشافعي، و أحمد(5) لقول النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: (إذا سجدت فمكّن جبهتك من الأرض)(6) و الأمر للوجوب، و لقول الصادق عليه السلام: «سبعة منها فرض»(7) و عدّ الجبهة.
و قال أبو حنيفة: إذا سجد على أنفه أجزأه عن جبهته؛ لأن الأنف و الجبهة عضو واحد، فإذا سجد على الأنف أجزأه كما لو سجد على بعض
ص: 187
الجبهة(1). و يبطل بعظم الرأس فإنه متصل بعظم الجبهة.
و به قال الشافعي(2).
بل يستحب استحبابا مؤكدا، فلو اقتصر على الجبهة أجزأه عند علمائنا، و به قال عطاء، و طاوس، و عكرمة، و الحسن، و ابن سيرين، و الشافعي، و أبو ثور، و أبو يوسف، و محمد، و أحمد في رواية، و أبو حنيفة، و الثوري، و مالك(3) ، لأن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال: (أمرت أن أسجد على سبعة أعظم)(4) و لم يذكر الأنف.
و من طريق الخاصة قول الصادق عليه السلام: «و وضع الأنف على الأرض سنة»(5).
و قال الأوزاعي، و أحمد في الرواية الأخرى، و إسحاق: يجب السجود على الأنف أيضا(6) ، لقوله عليه السلام: (لا صلاة لمن لا يصيب
ص: 188
أنفه من الأرض ما يصيب الجبين)(1) و هو محمول على نفي الفضيلة.
قاله المرتضى(2).
بالمعتد اختيارا عند علمائنا، لقول الصادق عليه السلام و قد سأله ابن سنان عن موضع جبهة الساجد يكون أرفع من مقامه ؟ فقال: «لا، و لكن يكون مستويا»(3) و لأنه يخرج عن الهيئة المشروعة.
و يجوز العلوّ بمقدار لبنة لأنه لا يعدّ علوّا، و لعدم التمكن من الاحتراز عنه إذ علوّ ذلك غالب، و لقول الصادق عليه السلام و قد سأله ابن سنان عن السجود على الأرض المرتفعة فقال: «إذا كان موضع جبهتك مرتفعا عن موضع بدنك قدر لبنة فلا بأس»(4) و لو كان مساويا أو أخفض جاز إجماعا.
و الخلاف فيه كالركوع لقوله عليه السلام لمّا نزل سبح اسم ربك الأعلى: (اجعلوها في سجودكم)(5) و من طريق الخاصة قول الصادق عليه السلام: «يقول في السجود: سبحان ربي الأعلى الفريضة من ذلك تسبيحة، و السنّة ثلاث، و الفضل في سبع»(6).
و أما إجزاء الذكر، فلقول الصادق عليه السلام و قد سئل أ يجزي أن أقول مكان التسبيح في الركوع و السجود: لا إله إلا اللّه، و اللّه أكبر؟
ص: 189
فقال: «نعم كل هذا ذكر»(1) و قد تقدم.
في كل واحدة منهما، و إيقاع الذكر مطمئنا، فلو شرع فيه قبل وصول الجبهة الأرض، أو رفع قبل انتهائه بطل سجوده عند علمائنا أجمع - و به قال الشافعي(2) - لقوله صلّى اللّه عليه و آله للأعرابي: (ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا)(3).
و من طريق الخاصة حديث حماد - الطويل - لمّا وصف صلاة الصادق عليه السلام: ثم سجد و بسط كفيه مضمومتي الأصابع بين يدي ركبتيه حيال وجهه فقال: «سبحان ربي الأعلى و بحمده» ثلاث مرات(4).
و قال أبو حنيفة: لا تجب الطمأنينة لأنه أمر بالسجود و قد امتثل(5).
و نمنع الامتثال؛ لأن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله بيّن الهيئة(6) ، و قال الشيخ في الخلاف: إنه ركن(7).
و الطمأنينة في الجلوس بين السجدتين عند علمائنا أجمع - و به قال الشافعي،
ص: 190
و أحمد(1) - لقوله عليه السلام للأعرابي: (ثم ارفع رأسك حتى تطمئن)(2).
و من طريق الخاصة في حديث حماد: فلما استوى جالسا قال: «اللّه أكبر» ثم قعد على فخذه الأيسر(3) و لأنه رفع واجب فكان إلى الاعتدال واجبا كالرفع من السجدة الأخيرة من الصلاة.
و قال أبو حنيفة: لا يجب ذلك. و اكتفى أبو حنيفة بأن يرفع رأسه مثل حدّ السيف و معه تتحقق السجدتان لأنها جلسة فصل بين متشاكلين فلم تكن واجبة كالتشهد الأول(4) ، و نمنع الحكم في الأصل على ما يأتي، ثم يفرق على مذهبه بأنّ هذه مقصودة في نفسها بخلاف جلسة التشهد فإنها تقصد لذكر غير واجب عنده.
و قال الشيخ في الخلاف: إن ذلك ركن(5). فإن قصد به الفرض فهو مسلّم، و إن قصد إبطال الصلاة بالإخلال به سهوا فهو ممنوع.
بإجماع العلماء، و هيئته كهيئته في السجود على الأعضاء السبعة، و وجوب الذكر فيه، و الطمأنينة بقدره، و وضع الجبهة على ما يصح السجود عليه، و وجوب الرفع منه إمّا للقيام أو الجلوس
ص: 191
لا خلاف بينهما إجماعا.
عند علمائنا - و به قال الشافعي، و أحمد(1) - لأن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله كان يكبر حين يسجد(2) ، و رووا أيضا أنه كان يكبّر عند كل رفع و خفض(3).
و من طريق الخاصة قول الباقر عليه السلام: «إذا أردت أن تسجد فارفع يديك بالتكبير و خرّ ساجدا»(4) و لأنه انتقال إلى ركن فشرع فيه الذكر.
و قال بعض علمائنا بوجوبه(5) ، و به قال أحمد(6) ، و قد تقدم في تكبير الركوع.
عند علمائنا، و قال الشافعي، و أحمد: يهوي بالتكبير ليكون انتهاء التكبير مع انتهاء الانحطاط، و ابتداؤه مع ابتدائه لأنه هيئة من هيئات الانحطاط(1).
و حديث حماد عن الصادق عليه السلام(2) يبطل ذلك، و نمنع أنه هيئة من هيئات الانحطاط بل هو ابتداء ذكر لركن فشرع قبله كالتحريم.
و للشافعية وجهان: أحدهما: أنه يستحب أن يمده مدّا لينتهي مع انتهاء الهوي(3).
يتلقاها بهما عند علمائنا أجمع - و به قال الأوزاعي، و مالك، و أحمد في رواية(4) - لأن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال: (إذا سجد أحدكم فلا يبرك كما يبرك البعير، و ليضع يديه قبل ركبتيه)(5) و عن ابن عمر: قبل اليدين(6) أولا(7).
و من طريق الخاصة قول الباقر عليه السلام: «و ابدأ بيديك تضعهما قبل ركبتيك»(8).
ص: 193
و قال أبو حنيفة، و الثوري، و الشافعي، و أحمد في رواية، و إسحاق، و عمر بن الخطاب، و النخعي: أول ما يقع على الأرض ركبتاه(1) لأن وائل بن حجر قال: رأيت النبيّ صلّى اللّه عليه و آله إذا سجد وضع ركبتيه قبل يديه، و إذا نهض رفع يديه قبل ركبتيه(2) ، و لأنّ اليدين لمّا تقدم رفعهما تأخر و ضعهما كالجبهة. و القول مقدم خصوصا مع ندبيّة الفعل فجاز أن يتركه عليه السلام أحيانا لبيان الندبية، و نمنع سبق رفع اليدين.
و لو غيّر إحدى الهيئتين بالأخرى جاز إجماعا و يكون قد ترك الأفضل، قال الصادق عليه السلام: «لا بأس إذا صلّى الرجل أن يضع ركبتيه على الأرض قبل يديه»(3).
لأنه أنسب بالاعتدال المطلوب في السجود، و أمكن للساجد، و قال الصادق عليه السلام و قد سأله أبو بصير عن الرجل يرفع جبهته في المسجد: «إني أحب أن أضع وجهي في موضع قدمي» و كرهه(4).
فإن وقعت على المرتفع فإن كان بمقدار لبنة فما دون جاز، و إن كان أزيد رفع رأسه ثم وضعه على المعتدل، و لا تكون هنا زيادة سجود؛ لأن الوضع الأول ليس بسجود.
أما لو وقعت على لبنة فإنه يستحب جر الجبهة إلى المعتدل، و لا يجوز
ص: 194
رفعها حينئذ لئلاّ تزيد سجدة، و لو بقي على حاله جاز، و كذا التفصيل لو سجد على ما يكره السجود عليه أو يحرم.
بإجماع العلماء؛ لقوله عليه السلام: (و أما السجود فاجتهدوا في الدعاء فقمن أن يستجاب لكم)(1).
و من طريق الخاصة قول الصادق عليه السلام: «إذا سجدت فكبّر، و قل: اللّهم لك سجدت، و بك آمنت، و عليك توكلت، و أنت ربي سجد وجهي للذي خلقه، و شق سمعه و بصره، و الحمد للّه رب العالمين، تبارك اللّه أحسن الخالقين، ثم قل: سبحان ربي الأعلى ثلاث مرات»(2).
و سأل عبد اللّه بن سنان الصادق عليه السلام أدعو اللّه و أنا ساجد؟ فقال:
«نعم، ادع اللّه للدنيا و الآخرة»(3).
بأن يفرق بين فخذيه و ساقيه، و بين بطنه و فخذيه، و بين جنبيه و عضديه، و بين عضديه و ساعديه، و بين ركبتيه و مرفقيه، و يفرق بين رجليه، و سمي تخوية؛ لأنه إلقاء الخوابين الأعضاء.
و هذا للرجل خاصة دون المرأة بل تضم بعضها إلى بعض؛ لأن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله كان إذا سجد فرج يديه عن جنبيه و جخّى - و الجخ الخاوي - و فرج بين رجليه(4) ، و قال عليه السلام: (إذا سجد أحدكم فلا
ص: 195
يفترش ذراعيه افتراش الكلب)(1) و معناه أن يضعهما بالأرض و لا يتجافى بهما.
و من طريق الخاصة رواية حماد عن صفة صلاة الصادق عليه السلام:
و لم يضع شيئا من جسده على شيء منه لمّا سجد(2) ، و قول الباقر عليه السلام: «لا تفترش ذراعيك افتراش السبع»(3).
و يستحب الاعتدال في السجود إجماعا؛ لقوله عليه السلام: (اعتدلوا في السجود)(4).
قال الجمهور: لا ينبغي أن يجمع ثيابه، و شعره في سجوده(5) لأن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله رأى رجلا يجمع ثيابه في الصلاة فقال عليه السلام:
(دعها فإنها تركع بركوعك، و تسجد بسجودك) و نهى [صلّى اللّه عليه و آله] أن يكفت منه الشعر و الثياب(6) أي يجمعهما. قال عطاء: و كانوا يكرهون أن يسجد و هو عاقص شعره، و لعل النهي لما فيه من الفعل الذي ليس من الصلاة.4.
ص: 196
عند علمائنا أجمع و معناه أن يجلس على وركه الأيسر، و يخرج رجليه جميعا، و يجعل رجله اليسرى على الأرض، و ظاهر قدمه اليمنى على باطن قدمه اليسرى، و يفضي بمقعدته إلى الأرض؛ لأن ابن مسعود روى أن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله كان يجلس في وسط الصلاة و آخرها متوركا(1).
و من طريق الخاصة رواية حماد في صفة صلاة الصادق عليه السلام: ثم قعد على جانبه الأيسر، و وضع ظاهر قدمه اليمنى على طرف قدمه اليسرى(2). و قال الصادق عليه السلام: «إذا جلست في الصلاة فلا تجلس على يمينك و اجلس على يسارك»(3).
و قال الشافعي، و أبو حنيفة، و أحمد: المستحب الافتراش و هو أن يثني رجله اليسرى، فيبسطها، و يجلس عليها، و ينصب رجله اليمنى، و يخرجها من تحته، و يجعل بطون أصابعه على الأرض معتمدا عليها ليكون أطراف أصابعها إلى القبلة(4) لأنّ أبا حميد الساعدي لمّا وصف صلاة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال: ثم ثنّى رجله اليسرى و قعد عليها(5). و لا حجة فيه لاحتمال جلوسه على فخذه. و للشافعي قول باستحباب الإقعاء(6) ، و سيأتي.
ص: 197
لرواية حماد في صفة صلاة الصادق عليه السلام: فلمّا استوى جالسا قال: اللّه أكبر، ثم قعد على فخذه الأيسر، و وضع قدمه الأيمن على بطن قدمه الأيسر، و قال: أستغفر اللّه ربي و أتوب إليه، ثم كبر و هو جالس، و سجد ثانية و قال كما قال في الاولى(1).
و قال المرتضى: قد روي إذا كبّر للدخول في فعل من الصلاة ابتدأ بالتكبير في حال ابتدائه، و للخروج بعد الانفصال عنه(2). و ما تقدم يدل على إكمال التكبير قبل الدخول، و الابتداء به بعد الخروج، و كلاهما جائز لكن الأول أولى.
و قال الشافعي، و أحمد: يكبر عند شروعه في الرفع(3). و قد سبق.
عند علمائنا أجمع - و به قال الشافعي(4) - لأن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله كان يقول بين السجدتين: (اللّهم اغفر لي، و ارحمني، و اجبرني، و ارزقني، و اهدني السبيل الأقوم، و عافني)(5).
و من طريق الخاصة قول الصادق عليه السلام: «إذا رفعت رأسك بين السجدتين فقل: اللهم اغفر لي، و ارحمني، و اجبرني، و عافني، إني لما أنزلت إليّ من خير فقير، تبارك اللّه ربّ العالمين»(6).
ص: 198
و أنكر ذلك أبو حنيفة(1) ، و قال أحمد: تكرر رب اغفر لي رب اغفر لي، الواجب منه مرّة و أدنى الكمال ثلاث(2). و الأصل عدم الوجوب، و النبيّ صلّى اللّه عليه و آله لم يعلّمه الأعرابي(3).
عند أكثر علمائنا(4) - و به قال الشافعي في أحد القولين، و أحمد في إحدى الروايتين(5) - لأن أبا حميد الساعدي وصف صلاة النبيّ صلّى اللّه عليه و آله إلى أن قال: ثم ثنّى رجليه فقعد عليها، ثم هوى ساجدا، فقال: اللّه أكبر، ثم ثنّى رجليه، و قعد، و اعتدل، ثم نهض(6).
و من طريق الخاصة قول الصادق عليه السلام: «إذا رفعت رأسك من السجدة الثانية حين تريد أن تقوم فاستو جالسا، ثم قم»(7).
و عن علي عليه السلام كان إذا رفع رأسه من السجود قعد حتى يطمئن، ثم يقوم، فقيل له: كان أبو بكر، و عمر إذا رفعا من السجود نهضا على صدور إقدامهما كما تنهض الإبل؛ فقال: «إنما يفعل ذلك أهل الجفاء من
ص: 199
الناس إن هذا من توقير الصلاة»(1).
و قال المرتضى بالوجوب لأنه مأمور به، و الأمر للوجوب(2). و نمنع الكبرى؛ لأنّ زرارة قال: رأيت الباقر عليه السلام، و الصادق عليه السلام إذا رفعا رءوسهما من الثانية نهضا و لم يجلسا(3).
و قال مالك، و الثوري، و إسحاق، و أصحاب الرأي، و الشافعي في القول الآخر، و أحمد في الرواية الأخرى: يقوم و لا يجلس(4). و رووه عن علي عليه السلام، و عمر، و ابن مسعود، و ابن عمر، و ابن عباس(5) لأن وائل ابن حجر روى أن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله كان إذا رفع رأسه من السجود استوى قائما بتكبيرة(6). و لا حجة فيه؛ لأنه مندوب فجاز له تركه ليعلم ندبيته، و للشافعية قول باستحبابها للضعيف لا القويّ(7).
لقول الصادق عليه السلام: «إذا قمت من السجود قلت: اللهم رب بحولك و قوتك، أقوم و أقعد، و إن شئت قلت: و أركع و أسجد»(8).
ص: 200
و قال الشافعي: يجلس مفترشا كما بين السجدتين(1) لأن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله ثنّى رجليه و قعد و اعتدل حتى يرجع كل عضو إلى موضعه(2). و أحمد وافقنا(3) ليفرّق بينه و بين الجلوس بين السجدتين فيأمن الشك، هل جلس عن الأولى، أو الثانية ؟.
و يقوم بغير تكبير، و إن قلنا لا يجلس أنهاه مع انتهاء الرفع و ذلك عند ابتداء القيام. و قال بعضهم: يتم التكبير عند انتهاء القيام فيمدّه(4). و قد بينا أنه يكبر عند انتهاء الجلوس.
سابقا برفع ركبتيه عند القيام من السجدة الثانية، أو من جلسة الاستراحة عند علمائنا أجمع - و به قال ابن عمر، و عمر بن عبد العزيز، و مالك، و الشافعي، و أحمد، و إسحاق(5) - لأن مالك بن الحويرث لما وصف صلاة النبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال: فلمّا رفع رأسه من السجدة الأخيرة في الركعة الاولى و استوى قاعدا، قام و اعتمد على الأرض بيديه(6).
و من طريق الخاصة قول محمد بن مسلم: رأيت الصادق عليه السلام
ص: 201
إذا سجد و أراد القيام، رفع ركبتيه قبل يديه(1) ، و لأنه أشبه بالتواضع و أعون للمصلي.
و قال أبو حنيفة، و الثوري: لا يعتمد على يديه بل يرفعهما أولا و يقوم على صدور قدميه معتمدا على ركبتيه. و هو رواية عن أحمد، و رواه الجمهور عن علي عليه السلام، و ابن مسعود(2) لقول أبي هريرة: كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ينهض من الصلاة معتمدا على صدور قدميه(3) ، و خبرنا زائد و الزائد أولى.
و يجلس على عقبيه، و قال بعض أهل اللغة: هو أن يجلس على ألييه ناصبا فخذيه مثل إقعاء الكلب(4). و تفسير الفقهاء أولى لأن البحث على تقديره.
و بالكراهة قال علي عليه السلام، و أبو هريرة، و مالك، و قتادة، و الشافعي، و أحمد، و أصحاب الرأي، و عليه العمل عند أكثر أهل العلم(5) - و فعله ابن عمرو قال: لا تفتدوا بي فإني قد كبرت(6) - لأن عليا عليه السلام
ص: 202
قال: «قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: (لا تقع بين السجدتين)»(1).
و من طريق الخاصة قول الصادق عليه السلام: «لا تقع بين السجدتين»(2) و النهي للكراهة لا التحريم، لقول الصادق عليه السلام:
«لا بأس بالإقعاء في الصلاة بين السجدتين»(3).
و للشافعي قول آخر باستحبابه(4) لأنّ طاوسا قال لابن عباس في الإقعاء على القدمين فقال: هي السنّة(5). قال طاوس: رأيت العبادلة - ابن عمر، و ابن الزبير، و ابن العباس - يقعون بين السجدتين(6).
و الأصح الأول؛ لأنّ أبا حميد الساعدي لمّا وصف جلوسه عليه السلام في (عشرة)(7) من الصحابة قال: ثم ثنى رجله اليسرى فقعد عليها ثم هوى ساجدا، فصدقه كلهم(8).
الساعدي(1) ، و روي في حديث علي عليه السلام أيضا(2) ، و لأنه ابتداء ركعة فكان بمنزلة تكبيرة الافتتاح.
و قال الشافعي: لا يستحب الرفع(3) ، لأن ابن عمر قال: رأيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إذا افتتح الصلاة رفع يديه حذو منكبيه، و إذا أراد أن يركع، و بعد ما رفع، و لا يرفع بين السجدتين(4) ، و لأنها تكبيرة يتصل طرفها بسجود أو قعود فلا يرفع يديه فيها كتكبيرة السجود من القيام.
و لا تقبل رواية النفي مع الإثبات، و الحكم في الأصل ممنوع.
فإن كان عليها دمل حفر حفيرة ليقع الدمل فيها، و الصحيح على الأرض لأن مصادفا قال:
خرج بي دمل فكنت أسجد على جانب، فرآني الصادق عليه السلام فقال:
«ما هذا؟» فقلت: لا استطيع أن أسجد لمكان الدمل. فقال: «احفر حفيرة و اجعل الدمل في الحفيرة حتى تقع جبهتك على الأرض»(5).
فإن كانت مستوعبة سجد على أحد اللحيين؛ لأنه أشبه بالسجود على الجبهة من الإيماء، و الإيماء سجود مع تعذر الجبهة فالجبين أولى.
فإن تعذّر سجد على ذقنه و هو مجمع اللحيين؛ لقوله تعالى يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ سُجَّداً (6) و إذا صدق عليه اسم السجود وجب أن يكون مجزئا، و قد سئل الصادق عليه السلام عمّن بجبهته علّة لا يقدر على السجود عليها،
ص: 204
فقال: «يضع ذقنه على الأرض، إن اللّه سبحانه يقول يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ سُجَّداً (1)»(2) فإن تعذّر أومأ.
أو رفع ما يسجد عليه عند علمائنا - و به قال أحمد(3) - لأن السجود فرض فيجب أن يؤدّى على القدر الممكن، و لأنه أشبه بالسجود من الإيماء، و قول الصادق عليه السلام:
«و إن كان له من يرفع الخمرة إليه فليسجد»(4) ، و لأن على الساجد هيئة التنكس و وضع الجبهة فلا يسقط الثاني بتعذر الأول.
و قال أبو حنيفة: لا يجب(5). و للشافعي قولان: أحدهما: وجوبه، و الآخر: وجوب الهوي بقدر الإمكان لأن هيئة السجود فاتته، و إن وضع الجبهة فيكتفي بالانحناء المقدور عليه(6) ، و لو تعذر رفع شيء أجزأه الإيماء إجماعا، و لو عجز عن الطمأنينة سقطت.
فلو سقط لا للسجود لم يجزئه، و الأقرب بطلان الصلاة لوجود ما ينافيها، و لأنه تغيير لهيئة الصلاة، و لو أراد السجود فسقط من غير قصد أجزأته إرادته السابقة، إذ لا يجب في كل فعل تجديد قصد مقارن على التفصيل، و لو لم تسبق منه نيّة السجود ففي الإجزاء إشكال أقربه ذلك، لأنه لم يخرج بذلك عن هيئة الصلاة و نيّتها.
ص: 205
و لو هوى ليسجد فسقط على بعض جسده ثم انقلب على وجهه فماست جبهته الأرض، قال الشافعي: لا يعتد بهذا السجود لأنه لم يرده بانقلابه و إنما أراد انقلابه فقطع بذلك نية السجود كما لو نوى الطهارة ثم نوى بغسل بعض الأعضاء التبرد، و قطع بذلك نيّة الطهارة(1).
و لو انقلب يريده أجزأه فلو سجد فعرض له ألم ألقاه على جنبه ثم عاد للسجود، فإن تطاول انقلابه لم يجزئه، و إلاّ أجزأه لبقائه على النيّة.
فلا يتحامل عنه بثقل رأسه و عنقه، و لو كان يسجد على قطن، أو حشيش ثقّل عليه حتى ينكبس و تمكن جبهته عليه. و يجب أن يجافي بطنه عن الأرض فلو أكب على وجهه و مدّ يديه و رجليه و وضع جبهته على الأرض منبطحا لم يجزئه؛ لأن ذلك لا يسمّى سجودا. و لو كان به مرض و لا يتمكن من السجود إلاّ على هذا الوجه أجزأه. و هل يجب أن يلقى الأرض ببطون راحتيه، أو يجزئه إلقاء زنديه ؟ ظاهر كلام الأصحاب الأول، و كلام المرتضى(2) الثاني.
و لو ضم أصابعه إلى كفه، و سجد عليها، ففي الإجزاء إشكال أقربه المنع؛ لأنه عليه السلام جعل يديه مبسوطتين حالة السجود(3). و لو قلب يديه و سجد على ظهر راحتيه لم يجزئه - و به قال الشافعي(4) - لأنّه مناف لفعله عليه السلام.
و يستحب أن يفرج بين رجليه في السجود؛ لأنه عليه السلام صلّى
ص: 206
كذلك(1) - و به قال الشافعي(2) - و هل يجزئه وضع الأصابع دون الكف و بالعكس ؟ الأقرب ذلك، و به قال الشافعي(3).
و يجعل إشارته بالسجود أخفض من إشارته بالركوع، فإن عجز عن الإشارة بالرأس أومأ بطرفه، فإن عجز عن ذلك تفكّر بقلبه.
و لا يسقط فرض الصلاة ما دام عقله تاما(4) - و به قال الشافعي(5) - للعموم(6) ، و لما رووه عن علي عليه السلام: «فإن لم يستطع صلّى مستلقيا على قفاه و رجلاه إلى القبلة و أومى بطرفه»(7).
و قال أبو حنيفة: إذا عجز عن الإشارة بالرأس سقط عنه فرض الصلاة(8).
و قد تقدم.
في الأعراف، و الرعد، و النحل، و بني إسرائيل، و مريم، و الحج في موضعين،
ص: 207
و الفرقان، و النمل، و الم تنزيل و هي سجدة لقمان، و ص، و حم السجدة، و النجم، و الانشقاق، و اقرأ باسم ربّك، ثلاث منها في المفصل و هي النجم، و الانشقاق، و اقرأ عند علمائنا، لأن عبد اللّه بن عمرو بن العاص قال:
أقرأني رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله خمس عشرة سجدة ثلاث في المفصل، و سجدتان في الحج(1).
و الخلاف مع الجمهور في المفصّل [1]، و الثانية في الحج، و «ص»، فأما المفصّل فقال الشافعي في القديم: ليس فيه سجود - و به قال مالك في المشهور عنه(2) - لان ابن عباس روى أن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله لم يسجد في شيء من المفصل منذ تحول إلى المدينة(3).
و قال في الجديد: فيه سجود - و به قال أبو حنيفة، و أحمد، و إسحاق(4) - كما قلناه نحن، لأن أبا رافع صلّى خلف أبي هريرة العتمة فقرأ إذا السماء انشقت و سجد، فقلت: ما هذه السجدة ؟ فقال: سجدت1.
ص: 208
فيها خلف أبي القاسم صلّى اللّه عليه و آله و لا أزال أسجدها حتى ألقاه(1).
و أبو هريرة متأخر أسلم بالمدينة(2) ، و هو مثبت فيقدم على النافي.
و قال أبو ثور: ليس في النجم خاصة سجدة(3). و يدفعه حديث عبد اللّه بن عمرو بن العاص(4).
و أما الحج فقال الشافعي كقولنا بالسجدتين فيها - و به قال أحمد و إسحاق، و أبو ثور(5) - لأن عقبة بن عامر قال: قلت لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: في سورة الحج سجدتان ؟ فقال: (نعم من لم يسجدهما فلا يقرأهما)(6) و سجدهما علي عليه السلام، و عمر، و ابن عباس، و أبو الدرداء، و أبو موسى الأشعري، و ابن عمر(7). قال أبو إسحاق: أدركت الناس منذ سبعين سنة يسجدون في الحج سجدتين(8) ، و هذا إجماع.
و قال أبو حنيفة، و مالك: الثانية ليست سجدة؛ لأنه جمع فيها بين1.
ص: 209
الركوع و السجود(1) فقال اِرْكَعُوا وَ اسْجُدُوا (2) كقوله لمريم:
وَ اسْجُدِي وَ ارْكَعِي (3) و لا حجة فيه.
و أما (ص)، فعند الشافعي أنها سجدة شكر ليست من سجود التلاوة - و به قال أحمد في إحدى الروايتين(4) - لأن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله قرأ على المنبر (ص) فلمّا بلغ السجدة نزل فسجد و سجد الناس معه فلمّا كان يوم آخر قرأها فلمّا بلغ السجود (تشزن)(5) الناس للسجود، فقال:
(إنما هي توبة نبي و لكني رأيتكم تشزنتم للسجود فنزلت و سجدت)(6) فبيّن أنها توبة و ليست سجدة.
و قال أبو حنيفة، و مالك، و أبو ثور، و إسحاق، و أحمد في الرواية الأخرى: إنها من عزائم السجود(7) لحديث عبد اللّه بن عمرو بن العاص(8) ، و عن ابن عباس أن النبي صلّى اللّه عليه و آله سجدها(9) ،7.
ص: 210
و روى غيره أنه سجدها و قرأ أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللّهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ (1)(2).
مسألة 280: موضع السجود في (حم) عند قوله تعالى وَ اسْجُدُوا لِلّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيّاهُ تَعْبُدُونَ (3)
- و به قال ابن عمر، و الحسن البصري، و مالك، و حكاه مسروق عن أصحاب ابن مسعود(4) - لأن الأمر بالسجود فيها فيجب عندها.
و قال الشافعي: في الآية الثانية عند قوله وَ هُمْ لا يَسْأَمُونَ (5) - و به قال سعيد بن المسيب، و النخعي، و الثوري، و أبو حنيفة، و أحمد، و هو مروي عن ابن عباس(6) - لأن تمام الكلام في الثانية فكان السجود عقيبها، و أولوية السجود عند الذكر راجحة عليه عند التتمة.
أما الأعراف فآخرها وَ لَهُ يَسْجُدُونَ (7) و الرعد وَ ظِلالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَ الْآصالِ (8) و النحل وَ يَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ (9) و بني إسرائيل:
وَ يَزِيدُهُمْ خُشُوعاً (10) و مريم خَرُّوا سُجَّداً وَ بُكِيًّا (11) و الحج:
ص: 211
يَفْعَلُ ما يَشاءُ (1) وَ افْعَلُوا الْخَيْرَ (2) و الفرقان وَ زادَهُمْ نُفُوراً (3) و النمل:
رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (4) و الم تنزيل وَ هُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ (5) و النجم:
فَاسْجُدُوا لِلّهِ (6) و الانشقاق وَ إِذا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لا يَسْجُدُونَ (7) و القلم وَ اسْجُدْ وَ اقْتَرِبْ (8).
سجدة لقمان، و حم، و النجم، و القلم. و مستحب في البواقي عند علمائنا أجمع؛ لأنّ عليا عليه السلام قال: «عزائم السجود أربع»(9) و قال الصادق عليه السلام:
«إذا قرئ شيء من العزائم الأربع فسمعتها فاسجد، و ان كنت على غير وضوء، و ان كنت جنبا، و ان كانت المرأة لا تصلي، و سائر القرآن أنت فيه بالخيار»(10) و لأنها تتضمن الأمر بالسجود فتكون واجبة؛ لأن الأمر للوجوب، و غير الأربع ليس بصريح في الأمر فيكون ندبا.
و قال أبو حنيفة، و أصحابه: السجود واجب في الجميع(11) و لم يفصل لقوله تعالى وَ إِذا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لا يَسْجُدُونَ (12) و هذا ذم، و لأنه
ص: 212
سجود يفعل في الصلاة فكان واجبا كسجودها، و الذم على ترك السجود الواجب و هي العزائم الأربع، أو غير معتقد فضله و لا مشروعيته. و نمنع المشترك، و ينتقض بسجود السهو فإنه ليس بواجب عندهم.
و قال مالك، و الأوزاعي، و الليث، و الشافعي، و أحمد: الكل مستحب، لأن عمر خطب يوم الجمعة و لم يسجد في النحل(1). و نقول بموجبه فإنه ليس بواجب عندنا.
و عند الموجبين، و مستحب في الباقي عندنا لهما و عند الباقين لأن ابن عمر قال:
كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقرأ علينا السورة في غير الصلاة فيسجد و نسجد معه حتى لا يجد أحدنا مكانا لموضع جبهته(2).
أما السامع غير القاصد للسماع فيستحب في حقه في الجميع عندنا عملا بالأصل، و لقول الصادق عليه السلام و قد سأله عبد اللّه بن سنان عن رجل يسمع السجدة تقرأ قال: «لا يسجد إلاّ أن يكون منصتا، مستمعا لها، أو يصلّي بصلاته، فأما أن يكون يصلّي في ناحية و أنت في ناحية فلا تسجد لما سمعت»(3).
و قال أبو حنيفة: يجب على السامع أيضا. و نحوه عن ابن عمر،
ص: 213
و النخعي، و سعيد بن جبير، و نافع، و إسحاق(1) ، لأنه سامع للسجدة فأشبه المستمع.
و قال الشافعي: لا أوكد عليه السجود، و إن سجد فحسن(2).
و قال مالك، و أحمد: لا يستحب للسامع، و هو مروي عن عثمان، و ابن عباس و عمران بن الحصين(3) ، لأن عثمان مرّ بقاص فقرأ القاص سجدة ليسجد عثمان معه فلم يسجد و قال: إنما السجدة على من استمع(4).
و لا بجزء منها فلا يشترط فيه ما يشترط في الصلاة عند علمائنا - و به قال عثمان، و سعيد بن المسيب، و الشعبي(5) - عملا بالأصل، و قول الصادق عليه السلام: «فاسجد و إن كنت على غير وضوء، و إن كنت جنبا، و إن كانت المرأة لا تصلّي»(6).
و قال الشافعي، و أحمد، و أبو حنيفة، و مالك: تشترط الطهارة من الحدث و الخبث، و ستر العورة، و الاستقبال(7) لقوله صلّى اللّه عليه و آله:
ص: 214
(لا يقبل اللّه صلاة بغير طهور)(1) فيدخل في عمومه السجود، و لأنّ ما نافى الصلاة نافى السجود كالكفر.
و لا دلالة في الخبر؛ لأنها ليست صلاة، و الكفر مناف للعبادات الواجبة و المندوبة المشروطة فيها الطهارة و غير المشروطة بها.
أما النية فلا بدّ منها؛ لأنه فعل مشترك فيفتقر التخصيص إلى نيته.
فروع:
أ - لو سمع السجود و هو على غير طهارة لم يلزمه الوضوء
و لا التيمم - و به قال أحمد(2) - لأنها تتعلق بسبب فإذا فات لم يسجد كما لو قرأ سجدة في الصلاة فلم يسجد لم يسجد بعدها، و نحن نوجب السجود، أو نستحبه و إن لم يتطهر؛ لعدم اشتراط الطهارة كما تقدم.
و قال النخعي: يتيمم و يسجد، و عنه: يتوضأ و يسجد، و به قال الثوري و أصحاب الرأي(3).
ب - لو توضأ سجد،
و قال أحمد: لا يسجد؛ لفوات سببها، و لا يتيمم لها مع وجود الماء(4).
ج - لو عدم الماء فتيمم سجد عندنا،
و به قال أحمد إذا لم يطل؛ لعدم بعد سببها، بخلاف الوضوء عنده(5).
عندنا - و به قال أبو حنيفة في رواية،
ص: 215
و ابن أبي هريرة(1) - عملا بالأصل، قال الشيخ: و يكبّر للرفع منه(2) لقول الصادق عليه السلام: «إذا قرأت السجدة فاسجد، و لا تكبّر حتى ترفع رأسك»(3) و قال عليه السلام فيمن يقرأ السجدة من القرآن من العزائم: «فلا يكبّر حين يسجد و لكن يكبّر حين يرفع رأسه»(4).
و قال الشافعي: إن كان في غير صلاة نوى الساجد، و كبّر للافتتاح، و رفع يديه حذو منكبيه كما في افتتاح الصلاة(5) - خلافا لأبي حنيفة في الرفع(6) - ثم يكبّر تكبيرة أخرى للهويّ من غير رفع، فإذا رفع رأسه كبّر.
و في وجه: لا يكبّر للافتتاح.
ثم هو مستحب أو شرط؟ وجهان.
و إن كان في الصلاة فلا يكبّر للافتتاح، و يكبّر للهوي من غير رفع اليدين ثم يكبّر عند رفع الرأس(7).
و قال ابن أبي هريرة: لا يكبّر للسجود، و لا للرفع في غير الصلاة(8).
و قال النخعي، و أحمد، و أصحاب الرأي - كقول الشافعي -:
باستحباب التكبير للسجود، و الرفع منه؛ لأنها صلاة ذات سجود فوجب أن4.
ص: 216
تفتقر إلى تكبيرة الإحرام كسائر الصلوات(1). و الصغرى ممنوعة.
فروع:
أ - منع أحمد من تثنية التكبير في الابتداء
و إن كان خارجا من الصلاة(2) ، و قال الشافعي: إذا سجد خارجا من الصلاة كبّر واحدة للافتتاح، و اخرى للسجود؛ لأنها صلاة فيكبّر للافتتاح غير تكبيرة السجود(3).
و الصغرى ممنوعة.
ب - قال الشافعي، و أحمد: يرفع يديه عند تكبيرة الابتداء
إن كان في غير الصلاة؛ لأنها تكبيرة إحرام(4). و إن سجد في الصلاة، قال أحمد:
ج - ليس فيها ذكر موظف؛
لأصالة براءة الذمة فإن الأمر تعلق بالسجود خاصة، و قال أحمد: يقول ما يقول في سجود صلب صلاته(7). و هو ممنوع، نعم يستحب الذكر.
عند علمائنا أجمع - و هو قول أبي حنيفة، و أحد قولي الشافعي(8) - لأن الأمر بالسجود
ص: 217
لا يتناول غيره فيكون منفيا بالأصل، و لأنه لم ينقل عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و لا عن أحد من الأئمة عليهم السلام تشهد و لا تسليم، و لأن التشهد في مقابلة القيام و لا قيام، و لأنه لا تشهد فيه عند أحمد فلا يستحب له التسليم كغير الصلاة، و به قال النخعي، و الحسن، و سعيد بن جبير(1).
و قال بعض الشافعية: يتشهد؛ لأنه سجود يحتاج إلى الإحرام و السلام فيكون كسجود الصلاة(2). و الصغرى ممنوعة، و هو خلاف نص الشافعي(3).
و القول الثاني للشافعي: أنه يسلّم من غير تشهد - و به قال أحمد(4) - لقوله صلّى اللّه عليه و آله: (تحريمها التكبير و تحليلها التسليم)(5) و لأنّها ذات تكبيرة إحرام فافتقرت إلى التسليم. و الصغرى ممنوعة، و ضمير الحديث راجع إلى الصلاة.
إذا ثبت هذا فاختلفت الرواية عن أحمد فروي إيجاب تسليمتين، و روي واحدة(6).
عند علمائنا أجمع - و به قال الشافعي، و أحمد(7) - لأنه سجود مشروع فلا يقوم الركوع مقامه كسجود الصلاة، و لأن الأمر ورد بالسجود و الركوع مغاير.
ص: 218
و قال أبو حنيفة: يقوم مقامه استحسانا(1) ؛ لقوله تعالى وَ خَرَّ راكِعاً وَ أَنابَ (2) و إنما يقال: خرّ ساجدا لا راكعا فعبّر بالركوع عن السجود مجازا، و لأن المروي عن داود [عليه السلام] السجود(3).
عند علمائنا - و به قال الحسن، و الشعبي، و سالم، و عطاء، و عكرمة، و الشافعي، و أحمد في رواية(4) - لإطلاق الأمر بالسجود فيتناول بإطلاقه جميع الأوقات، و لأنها ذات سبب.
و قال أبو ثور، و ابن عمر، و سعيد بن المسيب، و أحمد في رواية، و إسحاق: إنّه لا يسجد(5) لقوله عليه السلام: (لا صلاة بعد الفجر حتى تطلع الشمس، و لا بعد العصر حتى تغرب الشمس)(6) و نحن نقول بموجبه فإنها ليست صلاة، و كره مالك قراءة السجدة في وقت النهي(7).
لعموم الأمر، و قال مالك، و الشافعي، و أحمد، و إسحاق، و قتادة: يشترط كون التالي ممّن يصلح أن يكون إماما للمستمع، فإن كان التالي امرأة أو خنثى مشكلا لم يسجد الرجل باستماعه منهما، و لو كان التالي أمّيا سجد القارئ المستمع
ص: 219
لسجوده؛ لأن القراءة ليست بركن في السجود، و إن كان صبيا ففي سجود الرجل بسجوده عند أحمد وجهان بناء على صحة إمامته(1) ، و الكل عندنا باطل؛ لما تقدم.
و لو لم يسجد التالي سجد المستمع عند علمائنا - و به قال الشافعي(2) - لأن السبب و هو الاستماع موجود.
و قال أحمد: لا يسجد؛ لأنه تابع له فإنّ الاستماع إنما يحصل بالقراءة، و لا يسجد بدون سجوده(3). و هو ممنوع.
و لا فرق بين أن يكون التالي إماما، أو لا.
و قال الشافعي: إن كان التالي إماما و لم يسجد تبعه في تركها كما يتبعه في ترك سائر المسنونات(4).
و تحقيق مذهبنا أن الإمام إن كان ممّن يقتدى به و قرأ العزيمة في فرض ناسيا أومأ بالسجود عند آيته، و كذا المأموم، و إن كان في نافلة تسوغ فيها الجماعة فإن سجد الإمام سجد المأموم، و كذا إن لم يسجد إن كانت السجدة عزيمة، و إلاّ فلا، و إن كان ممّن لا يقتدى به و قرأ في فرض لم يتابعه المأموم في سجوده بل يومئ، و إن لم يسجد الإمام تابعه في الترك و أومى.
و لو كان التالي في غير الصلاة و المستمع في الصلاة حرم عليه الاستماع فإن فعله احتمل السجود إذا فرغ - و به قال أبو حنيفة(5) - لوجود سبب2.
ص: 220
(السجود)(1) و امتنع منه لعارض فإذا زال سجد، و الإيماء.
و قال الشافعي، و أحمد: لا يسجد؛ لأن سببها لم يوجد في صلاته، و لا يسجد إذا فرغ(2) و إن كان التالي في صلاة و المستمع في غير الصلاة سجد.
فإن لم يتمكن أومى - و به قال أبو العالية، و أبو زرعة، و أحمد، و أصحاب الرأي(3) - و قال عطاء، و مجاهد:
يومئ(4).
و إن كان راكبا سجد على راحلته إن تمكن، و إلاّ نزل، و فعله علي عليه السلام، و ابن عمر، و ابن الزبير، و النخعي، و عطاء، و به قال مالك، و الشافعي، و أحمد، و أصحاب الرأي(5) ، و لا نعلم فيه خلافا؛ لأن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قرأ عام الفتح سجدة فسجد الناس كلهم منهم الراكب و الساجد في الأرض، حتى أن الراكب يسجد على يده(6).
قيل: يكره اختصار السجود و هو أن ينتزع الآيات التي فيها السجود فيقرأها و يسجد فيها. و به قال الشعبي، و النخعي، و الحسن، و إسحاق(7) ، و رخص فيه أبو حنيفة، و محمد، و أبو ثور(8) ، و قيل: اختصار السجود أن
ص: 221
يقرأ القرآن و يحذف آيات السجود(1). و الأخير عندي أولى.
و في الندب هو بالخيار(2) ، و قال في الخلاف: تعلّقت ذمته بفرض أو سنة و لا تبرأ إلاّ بقضائه(3). و يحتمل أن يقال بالأداء لعدم التوقيت.
و قال الشافعي: إذا لم يسجد في موضع السجود لم يسجد بعد ذلك، لأنها تتعلق بسبب فإذا فات سقطت، و لأنه لا يتقرب إلى اللّه تعالى بسجدة ابتداء كصلاة الاستسقاء(4). و الكبرى ممنوعة في الأول، و الصغرى في الثاني؛ لأنها عندهم صلاة، و تارك الصلاة يجب عليه قضاؤها، و له قول:
بالقضاء(5).
و لو كرر آية السجدة في مجلس واحد و لم يسجد للمرة الأولى احتمل الاكتفاء بسجدة واحدة - و به قال الشافعي(6) - و وجوبهما معا. و لو سجد للأولى سجد للثانية أيضا لوجود السبب. و قال أبو حنيفة: تكفيه الاولى(7).
و للشافعي قولان: أظهرهما الأول(8).
أما لو طال الفصل فإنه يسجد مرة أخرى، و الركعة الواحدة في الصلاة كالمجلس الواحد عند الشافعي، و الركعتان كالمجلسين(9).
ص: 222
و هي مستحبة عقيب الفرائض، و عند تجدد النعم، و دفع النقم عند علمائنا أجمع - و به قال الشافعي، و أحمد(1) - لأن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كان إذا جاءه شيء يسره خرّ ساجدا(2).
و قال عبد الرحمن بن عوف: سجد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فأطال فسألناه فقال: (أتاني جبرئيل فقال: من صلّى عليك مرّة صلّى اللّه تعالى عليه عشرا فخررت شكرا للّه)(3).
و سجد علي عليه السلام شكرا يوم النهروان لمّا وجدوا ذا الثدية(4) و سجد أبو بكر لمّا بلغه فتح اليمامة، و قتل مسيلمة(5).
و من طريق الخاصة قول الصادق عليه السلام: «سجدة الشكر واجبة على كل مسلم تتم بها صلاتك، و ترضي بها ربك، و تعجب الملائكة منك، و أن العبد إذا صلى ثم سجد سجدة الشكر فتح الرب تعالى الحجاب بين الملائكة و بين العبد»(6).
و قال مالك: إنه مكروه(7). و قال الطحاوي: و أبو حنيفة لا يرى
ص: 223
سجود الشكر شيئا(1) ، و روى محمد عن أبي حنيفة الكراهة(2) ، و محمد لا يكرهه(3).
و احتجوا بأن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله قد كانت في أيامه الفتوح و استسقى على المنبر و سقي و لم ينقل أنه سجد(4). و تركه أحيانا لا ينفي الاستحباب.
أ - يستحب عقيب الصلوات على ما بينا
- خلافا للجمهور(5) - لأنها مظنّة التعبد، و موضع الخضوع، و الشكر على التوفيق لأداء العبادة، و حديث الصادق عليه السلام(6) يدل عليه.
ب - يستحب فيها التعفير عند علمائنا
- و لم يعتبره الجمهور - لأنها وضعت للتذلل و الخضوع بين يدي الرب، و التعفير أبلغ في الخضوع و الذل، و قال إسحاق بن عمار: سمعت الصادق عليه السلام يقول: «كان موسى بن عمران عليه السلام إذا صلّى لم ينفتل حتى يلصق خده الأيمن بالأرض، و خده الأيسر بالأرض» قال إسحاق: رأيت من يصنع ذلك، قال محمد بن سنان: يعني موسى بن جعفر عليهما السلام، في الحجر في جوف الليل [1].
ص: 224
ج - يستحب الدعاء بما روي، أو بما يتخيره الإنسان من الأدعية،
و يستحب أن يقول: شكرا شكرا مائة مرّة، و إن قال: عفوا عفوا جاز.
د - روى هارون بن خارجة عن الصادق عليه السلام قال: «إذا أنعم اللّه عزّ و جلّ عليك بنعمة فصلّ ركعتين
تقرأ في الأولى بفاتحة الكتاب، و قل هو اللّه أحد، و تقرأ في الثانية بفاتحة الكتاب، و قل يا أيها الكافرون، و تقول في الركعة الاولى في ركوعك و سجودك: الحمد للّه شكرا شكرا و حمدا، و تقول في الركعة الثانية في ركوعك و سجودك: الحمد للّه الذي استجاب دعائي، و أعطاني مسألتي»(1).
ه - الأقرب استحباب السجدة عند تذكر (النعمة)(2)
و إن لم تكن متجددة - خلافا للجمهور(3) - لأن دوام النعمة نعمة، و عن إسحاق بن عمار قال: «إذا ذكرت نعمة اللّه عليك و كنت في موضع لا يراك أحد فألصق خدك بالأرض، و إذا كنت في ملء من الناس فضع يدك على أسفل بطنك، و أحن ظهرك، و ليكن تواضعا للّه، فان ذلك أحب»(4).1.
ص: 225
و - يستحب السجود إذا رأى مبتلى ببليّة أو فاسقا
شكرا للّه و ستره عن المبتلى لئلاّ يتأذى به، و يظهره للفاسق ليرجع عن فسقه.
ز - ليس في سجود الشكر تكبير الافتتاح،
و لا تكبير السجود، و لا تشهد، و لا تسليم.
و قال في المبسوط: يستحب التكبير لرفع رأسه من السجود(1). و قال الشافعي: إنه كسجود التلاوة(2). و المعتمد ما قلناه للامتثال بإيقاعه كيف كان.
ح - هل يجب وضع الأعضاء السبعة في السجود الواجب في التلاوة،
و يستحب في مندوبها، و الشكر؟ إشكال ينشأ من أصالة البراءة و صرف السجود إلى وضع الجبهة، و من صرف السجود في الصلاة إلى ما وضع فيه الأعضاء.
ط - يجوز أن يؤدي هذا السجود، و سجود التلاوة أيضا على الراحلة
عندنا - خلافا للشافعي(3) - لحصول المسمى.
ي - لو تجددت عليه نعمة و هو في الصلاة فإنه لا يسجد فيها؛
لأن سبب السجدة ليس منها، و به قال الشافعي(4). لكن لو قرأ (ص) فإن سجدتها عنده للشكر فهل يسجد؟ وجهان: السجود؛ لأن سببه وجد في الصلاة، و العدم؛ لأنها سجدة شكر، و ليست متعلقة بالتلاوة(5).
و سيأتي البحث فيها إن شاء اللّه تعالى.
ص: 226
التشهد واجب في كل ثنائية مرّة في آخرها، و مرتين في الثلاثية بعد الثانية و الثالثة، و الرباعية بعد الثانية و الرابعة، عند علمائنا أجمع - و به قال الليث بن سعد، و إسحاق، و أبو ثور، و داود، و أحمد في رواية(1) - لأن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله فعل ذلك و داوم عليه، و كذا الصحابة و الأئمة عليهم السلام، و أمر به النبيّ صلّى اللّه عليه و آله في حديث ابن عباس(2) ، و الأمر للوجوب، و سجد ابن عباس لما نسيه(3) ، و عن ابن مسعود: علّمني رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله التشهد في وسط الصلاة و آخرها(4). و من طريق الخاصة ما رواه البزنطي: «التشهد تشهدان في الثانية، و الرابعة»(5).
و قال الشافعي: الأول سنة، و كذا الجلوس فيه - و به قال مالك، و أبو حنيفة، و أحمد في رواية - لأنه يسقط بالسهو فأشبه السنن(6). و هو ممنوع
ص: 227
لقول الصادق عليه السلام و قد سئل عن الرجل ينسى التشهد، قال: «يرجع فيتشهد»(1).
و أوجب الشافعي التشهد الأخير، و هو الذي يتعقبه التسليم، سواء كانت الصلاة ثنائية، أو ثلاثية، أو رباعية - و به قال عمر، و ابنه، و أبو مسعود البدري، و الحسن البصري، و أحمد كما قلناه(2) - لأن ابن مسعود قال: كنا نقول قبل أن يفرض علينا التشهد: السلام على اللّه قبل عباده، السلام على جبرئيل و ميكائيل، السلام على فلان، فقال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: (لا تقولوا: السلام على اللّه فإن اللّه هو السلام، و لكن قولوا: التحيات للّه، إلى آخره)(3) و لأنه ذكر قدّر به ركن من أركان الصلاة فكان واجبا كالقراءة.
و قال مالك، و أبو حنيفة، و الثوري: إنه غير واجب كالأول(4) ، إلاّ أنّ أبا حنيفة يقول: الجلوس في الثاني قدر التشهد واجب(5) ، لأن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله لم يعلّمه الأعرابي(6) ، و لأنه أحد التشهدين فلم يكن واجبا كالأول. و نمنع عدم تعليم التشهد، أو أنه كان يعرفه، أو كان قبل فرضه. و نمنع عدم وجوب الأول، و قد سبق، و أيضا الفرق: أن محله غير واجب عندهم، و الثاني قدّر به ركن.0.
ص: 228
في الأول و الثاني، فلو شرع فيه قبل انتهاء رفعه من السجدة أو شرع في النهوض قبل إكماله متعمدا، بطلت صلاته عند علمائنا - و به قال في الثاني أبو حنيفة، و الشافعي، و أحمد(1) - لأن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله داوم عليه، و كذا الصحابة و التابعون، و هو يعطي الوجوب، و لأنه عليه السلام فعله بيانا.
إذا ثبت هذا فعلى أي هيئة جلس أجزأه للامتثال بأيّ نوع، إلاّ أن الأفضل التورك فيهما - و به قال مالك(2) - لقول ابن مسعود: كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يجلس وسط الصلاة و آخرها متوركا(3).
و من طريق الخاصة قول الباقر، و الصادق عليهما السلام: «إذا قعدت في تشهدك فألصق ركبتيك بالأرض، و فرّج بينهما، و ليكن ظاهر قدمك اليسرى على الأرض، و ظاهر قدمك اليمنى على باطن قدمك اليسرى، و أليتاك على الأرض و طرف إبهام اليمنى على الأرض، و إياك و القعود على قدميك.. فلا تصبر للتشهد و الدعاء»(4).
و قال الشافعي: الجلسات في الصلاة أربع: الجلسة بين السجدتين، و التشهّد الأخير، و هما واجبتان، و جلسة التشهد الأول، و جلسة الاستراحة و هما مستحبتان.
و يستحب في جميع الجلسات الافتراش بأن يفرش رجله اليسرى
ص: 229
و يجلس عليها، و ينصب اليمنى إلاّ التشهد الأخير الذي يتعقبه التسليم و إن كان واحدا فإنه يستحب فيه التورك(1) لحديث أبي حميد الساعدي: فلما جلس بين السجدتين ثنّى رجله اليسرى فجلس عليها، و نصب قدمه اليمنى، و إذا جلس في الأربع أماط رجليه عن وركه و أفضى بمقعدته إلى الأرض و نصب وركه اليمنى(2) ، و قد ضعّفه الطحاوي فلا حجة فيه(3).
و قال أبو حنيفة و الثوري: يجلس في جميعها مفترشا(4) لقوله عليه السلام: (إذا جلست فاجعل عقبك تحت أليتيك)(5) قال الشافعي: لو أدرك من الصبح ركعة مع الإمام قعد معه مفترشا و يتورك في الثاني، و لو أدرك الثانية من المغرب جلس أربع مرات يفترش في ثلاثة و يتورك في الأخير(6).
في الأول و الثاني عند علمائنا أجمع - و به قال كل من أوجبه - قال محمد بن مسلم للصادق عليه السلام: التشهد في الصلاة قال: «مرتان» قلت: و كيف مرتان ؟ قال:
«إذا استويت جالسا فقل: أشهد أن لا إله إلاّ اللّه وحده لا شريك له، و أشهد أن محمدا عبده و رسوله»(7).
و أقل الواجب فيه الشهادتان؛ لقول سورة بن كليب، قلت: أدنى ما يجزي من التشهد؟ قال: «الشهادتان».(8) و قول الباقر عليه السلام و قد سأله زرارة ما يجزي من التشهد في الأخريين ؟ قال: «الشهادتان»(9).
ص: 230
و قال الشافعي: يجب خمس كلمات، أن يقول: التحيات اللّه، السلام عليك أيها النبيّ و رحمة اللّه، السلام علينا و على عباد اللّه الصالحين، أشهد أن لا إله إلاّ اللّه، و أن محمدا رسول اللّه؛ لاختلاف ورود الأخبار و سقوط ما سوى هذا في بعضها(1).
و نحن لا نوجب التحيات؛ للأصل، و قول محمد بن مسلم للصادق عليه السلام قلت: قول العبد: التحيات للّه و الصلوات الطيبات، قال:
«ذلك اللطف يلطف العبد ربه»(2) و أيضا لو وجب لتواتر؛ لأنه ممّا تعم به البلوى، و لأن الواجب التشهد و هو مأخوذ من الشهادة و لفظ التحيات ليس منها.
و نمنع من تقديم: السلام علينا و على عباد اللّه الصالحين، و تبطل به الصلاة؛ لأن التسليم مخرج عن الصلاة لقوله صلّى اللّه عليه و آله: (تحليلها التسليم)(3).
لا يقال: المخرج قوله: السلام عليكم. لأنا نقول: إنه تحكم لتناول إطلاق التسليم ذلك، و لأن قوله: السلام علينا و على عباد اللّه الصالحين يتناول الحاضرين و الغائبين من الصلحاء، و قوله: السلام عليكم يختص الحاضرين فإذا كان السلام على الحاضرين مخرجا كان السلام على8.
ص: 231
الحاضرين و الغيّاب أولى.
و لقول الصادق عليه السلام: «كلّما ذكرت اللّه و النبيّ صلّى اللّه عليه و آله فهو من الصلاة، فإذا قلت: السلام علينا و على عباد اللّه الصالحين فقد انصرفت»(1) و سأله أبو كهمش عن الركعتين الأوليين إذا جلست فيهما، فقلت و أنا جالس: السلام عليك أيها النبيّ و رحمة اللّه و بركاته انصراف هو؟ قال عليه السلام: «لا، و لكن إذا قلت: السلام علينا و على عباد اللّه الصالحين فهو الانصراف»(2).
عند علمائنا أجمع لقوله تعالى صَلُّوا عَلَيْهِ (3) و الأمر للوجوب، و لا يجب في غير الصلاة إجماعا فيجب فيها، و لأن عائشة قالت: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقول: (لا يقبل صلاة إلاّ بطهور، و بالصلاة عليّ)(4) و لقول الصادق عليه السلام: «من صلّى و لم يصلّ على النبيّ صلّى اللّه عليه و آله، و تركه عامدا فلا صلاة له»(5).
و قال الشافعي: إنها واجبة في التشهد الأخير خاصة. و به قال أحمد في إحدى الروايتين، و إسحاق، و أبو مسعود الأنصاري(6) ، و في مشروعيتها في الأول للشافعي قولان(7) ، لأن العبادة إذا شرط فيها ذكر اللّه تعالى بالشهادة
ص: 232
شرط فيها ذكر النبيّ صلّى اللّه عليه و آله كالأذان، و لحديث عائشة(1).
و قال أبو حنيفة، و مالك، و الثوري، و الأوزاعي: لا يجب(2) لأن ابن مسعود علّمه النبيّ صلّى اللّه عليه و آله التشهد، ثم قال: (إذا قلت هذا تمت صلاتك)(3) و يحمل على قرب التمام، أو على سبق المشروعية بالصلاة.
عند علمائنا أجمع، و أحمد في إحدى الروايتين، و بعض الشافعية(4) - و للشافعية وجهان، و قيل: قولان(5) - لأن كعب بن عجرة قال: كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقول في صلاته: (اللهم صلّ على محمد و آل محمد كما صلّيت على إبراهيم و آل إبراهيم إنك حميد مجيد)(6) فتجب متابعته؛ لقوله عليه السلام:
(صلّوا كما رأيتموني أصلي)(7).
و عن أبي مسعود الأنصاري قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:
(من صلّى صلاة و لم يصلّ فيها عليّ و على أهل بيتي لم تقبل منه)(8) و قال الشافعي: بالاستحباب للأصل(9). و هو ممنوع لثبوت المخرج منه.
ص: 233
لأنهم أهل النبيّ، و آل منقلب عن أهل(1). فلو قال: و على أهل محمد أجزأه عند بعض الجمهور، و كذا لو صغّر فقال: اهيل(2) و الحق عدم الإجزاء؛ لأنه أمر مشروع فيتبع فيه النقل.
و قيل: آل محمد من كان على دينه(3) ، لأنه سئل عليه السلام من آل محمد؟ فقال: (كل تقي)(4) و لقوله تعالى أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذابِ (5) و الوجه: أن الآل هنا المعصومون من أهل بيته إذ لا تجب الصلاة على غيرهم.
فإن ضاق الوقت أو عجز أتى بالممكن، و لو عجز سقط.
فإن ضاق الوقت أو عجز أجزأت الترجمة، و كذا الأذكار الواجبة، أما الدعاء بغير العربية فإنه جائز.
و لو عكس لم يجزئه وقوفا على المأخوذ عن صاحب الشرع.
ص: 234
و قال الشافعي: يجزئه لحصول المعنى فيكفي(1). و هو ممنوع.
و به قال الشافعي(2).
فلو قال:
اللّهم صلّ على الرسول لم يجزئه؛ لأنه عليه السلام سئل كيف يصلّى عليك ؟ فقال: (قولوا: اللهم صل على محمد و آل محمد)(3).
و أقلّه: أشهد أن لا إله إلاّ اللّه، و أشهد أن محمدا رسول اللّه، اللهم صلّ على محمد و آل محمد.
و في وجوب (وحده لا شريك له) عقيب الشهادة بالتوحيد إشكال ينشأ من حديث محمد بن مسلم عن الصادق عليه السلام(4) و قد سلف، و من أصالة البراءة.
و لو أسقط الواو في الثاني، أو اكتفى به، أو أضاف الآل إلى المضمر، فالوجه: الإجزاء للامتثال، أما لو حذف لفظة الشهادة ثانيا و الواو فإنه لا يجزئه قطعا.
و لا بدّ من الإتيان بصيغة الشهادة، فلو قال: أعلم أو أخبر عن علم لم يجزئ؛ و كذا لو قال: أشهد أن اللّه واحد، و لو أتى عوض حرف الاستثناء بغيره مما يدل عليه ك «غير» و «سوى» فالوجه: عدم الإجزاء؛ لأنه خلاف المنقول.
ص: 235
عن أهل البيت عليهم السلام، لأنهم أعرف بمواقع الشرع و كيفيته لأنهم مهبط الوحي، قال الصادق عليه السلام: «إذا جلست في الثانية، فقل: بسم اللّه و باللّه، و الحمد للّه، و خير الأسماء للّه، أشهد أن لا إله إلاّ اللّه، وحده لا شريك له، و أن محمدا عبده و رسوله، أرسله بالحق بشيرا و نذيرا بين يدي الساعة، و أشهد أن ربّي نعم الرب، و أن محمدا نعم الرسول، اللهم صلّ على محمد و آل محمد، و تقبّل شفاعته في أمته و ارفع درجته، ثم تحمد اللّه مرتين، أو ثلاثا، ثم تقوم.
فإذا جلست في الرابعة قلت: بسم اللّه و باللّه، و الحمد للّه، و خير الأسماء للّه، أشهد أن لا إله إلاّ اللّه، وحده لا شريك له، و أشهد أن محمدا عبده و رسوله، أرسله بالحق بشيرا و نذيرا بين يدي الساعة، أشهد أنك نعم الرب، و أن محمدا نعم الرسول، التحيات للّه الصلوات الطاهرات، الطيبات، الزاكيات، الغاديات، الرائحات، السابغات، الناعمات للّه، ما طاب، و زكى، و طهر و خلص، و صفى فللّه، أشهد أن لا إله إلاّ اللّه وحده لا شريك له، و أشهد أن محمدا عبده و رسوله، أرسله بالحق بشيرا و نذيرا بين يدي الساعة، أشهد أن ربي نعم الرب، و أن محمدا نعم الرسول، و أشهد أن الساعة آتية لا ريب فيها، و أن اللّه يبعث من في القبور، الحمد للّه الذي هدانا لهذا و ما كنا لنهتدي لو لا أن هدانا اللّه، الحمد للّه رب العالمين، اللهم صلى على محمد و آل محمد، و بارك على محمد و آل محمد، و سلّم على محمد و آل محمد، و ترحم على محمد و آل محمد كما صليت و باركت و ترحمت على إبراهيم و آل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم صل على محمد و آل محمد، و امنن عليّ بالجنّة و عافني من النار»(1) و قد روي زيادة على ذلك.
ص: 236
أما الجمهور فالمشهور عندهم ثلاث روايات:
إحداها: ما رواه ابن عباس: التحيات المباركات، الصلوات الطيبات للّه، سلام عليك أيها النبيّ و رحمة اللّه و بركاته، سلام علينا و على عباد اللّه الصالحين، أشهد أن لا إله إلاّ اللّه، و أشهد أن محمدا رسول اللّه(1).
الثانية: عن ابن مسعود: التحيات للّه، و الصلوات، و الطيبات، السلام عليك أيها النبيّ و رحمة اللّه و بركاته، السلام علينا و على عباد اللّه الصالحين، أشهد أن لا إله إلاّ اللّه، و أشهد أن محمدا عبده و رسوله، و هي مذكورة في الصحيحين(2).
الثالثة: عن عمر بن الخطاب: التحيات للّه، الزاكيات للّه، الطيبات للّه، الصلوات للّه، السلام عليك أيها النبيّ و رحمة اللّه و بركاته، السلام علينا و على عباد اللّه الصالحين، أشهد أن لا إله إلاّ اللّه و أشهد أن محمدا عبده و رسوله(3).
و اختار الشافعي الأول(4) ، و أبو حنيفة الثاني، و به قال الثوري،1.
ص: 237
و أحمد، و إسحاق، و ابن المنذر(1) ، و اختار مالك الثالث(2).
و الكل عندنا باطل، لأن التسليم مخرج عن الصلاة.
إذا ثبت هذا، فإنه يستحب عندنا تقديم التسمية؛ لما تقدم في الأحاديث عن أهل البيت عليهم السلام(3) ، و رواه الجمهور عن جابر(4) ، و أنكره الشافعي، و ابن المنذر(5) ، لأن ابن عباس سمع رجلا يقول: بسم اللّه، فانتهره(6).
تنبيه: قال ابن عباس: التحيات للّه يعني العظمة للّه، الصلوات يريد الصلوات الخمس، الطيبات الأعمال الصالحة(7).
و قال أبو عمرو: التحيات للّه، معناه الملك للّه، و قيل: الطيبات هو الثناء على اللّه(8).
و في السلام قولان: أحدهما: أن معناه اسم السلام، و السلام هو اللّه1.
ص: 238
كما يقال: اسم اللّه عليك، و الثاني: سلام اللّه عليك تسليما و سلاما.
و ليس على المأموم ذلك، قال أبو بصير: صليت خلف الصادق عليه السلام، فلمّا كان في آخر تشهده رفع صوته حتى أسمعنا، فلما انصرف قلت: كذا ينبغي للإمام أن يسمع تشهده من خلفه ؟ قال: «نعم»(1) و قال الصادق عليه السلام: «ينبغي للإمام أن يسمع من خلفه التشهد و لا يسمعونه شيئا»(2) و ليس على الوجوب إجماعا، و لأن علي بن يقطين سأل أبا الحسن الماضي عليه السلام عن الرجل هل يصلح أن يجهر بالتشهد، و بالقول في الركوع و السجود و القنوت ؟ قال: «إن شاء جهر و إن شاء لم يجهر»(3).
و قال أحمد: يستحب إخفاء التشهد؛ لأن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله لم يكن يجهر به(4). و هو ممنوع؛ لأن عدم السماع لا يدل على العدم، و لأنه مندوب فجاز تركه أحيانا.
و في جميع أحوال الصلاة كالقنوت، و الركوع، و السجود، و القيام قبل القراءة، و بعدها بالمباح من أمر الدين و الدنيا عند علمائنا أجمع، سواء كان مما ورد به الشرع، أو لا - و به قال الشافعي(5) - لأن أبا هريرة روى أن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال: (إذا تشهد أحدكم فليتعوذ من أربع: من عذاب النار، و عذاب القبر، و فتنة المحيى و فتنة الممات، و فتنة المسيح الدجال، ثم يدعو لنفسه ما بدا
ص: 239
له)(1) و قال عليه السلام لابن مسعود: (ثم ليتخيّر من الدعاء ما أعجبه)(2).
و من طريق الخاصة قول الباقر عليه السلام و قد سأله بكر بن حبيب أيّ شيء أقول في التشهد و القنوت ؟ قال: «قل بأحسن ما علمت فإنه لو كان موقتا لهلك الناس»(3) و لأنه دعاء للّه تعالى يجوز خارج الصلاة فجاز في الصلاة كالدعاء المأثور.
و قال أبو حنيفة، و أصحابه: لا يدعو إلاّ بما يشبه ألفاظ القرآن، و الأدعية المأثورة، و لا يدعو بما يشبه كلام الناس(4). و من أصحابه من قال:
ما لا يطلب إلاّ من اللّه تعالى يجوز، و ما يجوز أن يطلب من المخلوقين إذا سأله اللّه تعالى في الصلاة أفسدها، لأنه ذكر لو أتى به على غير وجه الدعاء أفسدها كالدعاء المحظور(5). و ينتقض بالدعاء المأثور فإنه لو ذكر الفتنة و المسيح الدجال على غير وجه الدعاء أبطل الصلاة.
بعضهم لا يجوز(1) ، لأن المنقول عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله الدعاء بالعربية(2) ، و قال: (صلوا كما رأيتموني أصلي)(3) و للشافعية كالقولين(4).
سأل معاوية بن عمار الصادق عليه السلام: رجلان افتتحا الصلاة في ساعة واحدة فتلا هذا القرآن و كانت تلاوته أكثر من دعائه، و دعا هذا و كان دعاؤه أكثر من تلاوته، أيّهما أفضل ؟ قال: «كلّ فيه فضل» قلت: قد علمت أن كلا حسن، فقال: «الدعاء أفضل، أما سمعت قول اللّه عزّ و جلّ اُدْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرِينَ (5) هي و اللّه العبادة، هي و اللّه أفضل»(6).
إرفاقا بمن خلفه، و للشافعي قولان: أحدهما: يدعو أقل من التشهد و الصلاة على النبيّ صلّى اللّه عليه و آله، و الثاني: بقدرهما(7). أما المنفرد فيجوز له أن يطوّل ما لم يخرجه ذلك إلى السهو.
لأن كل ركن لا تشرع فيه القراءة كرهت فيه كالركوع و السجود.
كالثاني عند علمائنا، و به
ص: 241
قال مالك(1) ، و قال الشافعي: لا يستحب(2).
و غيرهم من المؤمنين من الرجال، و النساء، و الصبيان - و به قال الشافعي(3) - لعموم قوله تعالى قُلِ ادْعُوا اللّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ (4)وَ لِلّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى فَادْعُوهُ بِها (5).
و قال أبو هريرة: إن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله لمّا رفع رأسه من الركعة الأخيرة من الفجر قال: (اللهم انج الوليد بن الوليد، و سلمة بن هشام، و عياش بن أبي ربيعة، و المستضعفين من المؤمنين، و اشدد وطأتك على مضر، و رعل، و ذكوان، و اجعل عليهم سنين كسني يوسف)(6) و قنت علي عليه السلام فدعا فيه على قوم بأعيانهم و أسمائهم(7).
الصلاة الوضوء، و تحريمها التكبير، و تحليلها التسليم)(1) و لأنه ذكر في أحد طرفي الصلاة فكان واجبا كالتكبير.
و قال الشيخان، و من تبعهما: بالاستحباب(2) ؛ و به قال أبو حنيفة(3) ، و هو الأقوى عندي عملا بالأصل، و لأن الحدث المتخلل بين الصلاة على النبيّ و آله عليهم السلام و بينه غير مبطل للصلاة؛ لقول الباقر عليه السلام و قد سئل عن رجل يصلّي ثم يجلس فيحدث قبل أن يسلم، قال:
«تمت صلاته»(4) و لأن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله لم يعلّمه المسيء في صلاته(5) ، و لأن التسليمة الثانية ليست واجبة فكذا الاولى. و نمنع الحديث و الحصر، و نمنع كونه طرفا بل الصلاة على النبيّ و آله عليهم السلام.
إذا ثبت هذا، فقال أبو حنيفة: الخروج من الصلاة واجب، و إذا خرج بما ينافي الصلاة من عمل، أو حدث، أو غير ذلك كطلوع الشمس، أو وجدان المتيمم الماء أجزأه(6).3.
ص: 243
- و به قال علي عليه السلام، و عمار، و ابن مسعود، و الشافعي، و أبو حنيفة، و الثوري، و إسحاق، و مالك، و الأوزاعي(1) - لأن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله كان يسلم تسليمة واحدة تلقاء وجهه(2).
و قال الحسن بن صالح بن حي: تجب التسليمتان. و هو أصح الروايتين عن أحمد(3) ، لأن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله كان يسلم عن يمينه و شماله(4) ، و هو محمول على الاستحباب.
و للشافعي قول في القديم: إنه إن اتسع المسجد، و كثر الناس و اللغط من حول المسجد وجب أن يسلم اثنتين، و إن قلّوا و سكتوا فواحدة(5).
إذا عرفت هذا فالمنفرد يسلم تسليمة واحدة إلى القبلة، و يومئ إلى يمينه بمؤخر عينه، و الإمام يومئ بصفحة وجهه.
و المأموم كالإمام إن لم يكن على يساره أحد، و إن كان على يساره غيره سلّم تسليمتين بوجهه يمينا و شمالا، لقول الصادق عليه السلام: «إن كنت إماما أجزأك تسليمة واحدة عن يمينك، و إن كنت مع إمام فتسليمتين، و إن
ص: 244
لم يكن على يسارك أحد فسلّم واحدة»(1) و قال عليه السلام: «إذا كنت وحدك فسلم تسليمة واحدة عن يمينك»(2).
السلام علينا و على عباد اللّه الصالحين، أو السلام عليكم و رحمة اللّه و بركاته، لقوله عليه السلام: (و تحليلها التسليم)(3) و هو يقع على كل واحد منهما، و لقولهم عليهم السلام:
«و تقول: السلام علينا و على عباد اللّه الصالحين، فإذا قلت ذلك فقد انقطعت الصلاة»(4).
و سئل الصادق عليه السلام عن السلام عليك أيها النبيّ و رحمة اللّه و بركاته انصراف هو؟ قال: «لا، و لكن إذا قلت: السلام علينا و على عباد اللّه الصالحين فهو انصراف»(5) و قال الصادق عليه السلام: «فإن قلت:
السلام علينا و على عباد اللّه الصالحين فقد انصرفت»(6).
و أما العبارة الثانية فعليها علماء الإسلام كافة، و منع الجمهور من الخروج بالأولى(7) ، و هو مدفوع بما تقدم.
ص: 245
إذا عرفت هذا فبأيّهما بدأ كان الثاني مستحبا، و كذا الأول عندنا، و أما الموجبون منّا فإنهم أوجبوا الأول، و استحبوا الثاني.
فلو نكس أو قرأ الترجمة لم يجزئه، و تبطل صلاته لو فعله عمدا؛ لأنه كلام في الصلاة غير مشروع.
عند ابن بابويه، و ابن أبي عقيل، و ابن الجنيد(1) - و به قال الشافعي(2) - لأن عليا عليه السلام كان يسلم عن يمينه و شماله السلام عليكم، السلام عليكم(3).
و من طريق الخاصة قول الصادق عليه السلام: «يقول: السلام عليكم»(4).
و قال أبو الصلاح: الفرض أن يقول: السلام عليكم و رحمة اللّه(5).
- و به قال
ص: 246
الشافعي - إلاّ في النكس فله قول بالجواز(1).
و لو قال: سلام عليكم منونا فالأقرب: الإجزاء؛ لأنّ عليا عليه السلام كان يقول: سلام عليكم عن يمينه و شماله(2) ، و ظاهر مذهب الشافعي:
العدم؛ لأنه نقص الألف و اللام(3). و ليس بجيد، لأنه نوّن و هو يقوم مقامهما.
و ينبغي أن ينوي بها ذلك، و الثانية ينوي بها السلام على الملائكة، أو على من في يساره(4).
إذا عرفت هذا فهل تجب نية الخروج عن الصلاة بالسلام ؟ الأقرب:
العدم؛ لأنه فعل من أفعال الصلاة فصار كسائر الأفعال، و هو أحد وجهي الشافعية، و الثاني: تجب؛ لأنه أحد طرفي الصلاة فصار كالتكبير في وجوب مقارنة النية له(5).
و لا يجب تعيين النية في الخروج؛ لأن الصلاة تعينت بالشروع فيها فيكون الخروج عما هو متلبس به يخالف حالة الافتتاح.
قال الشافعي: يستحب أن ينوي الإمام بالتسليمة الأولى ثلاثة
ص: 247
أشياء: الخروج من الصلاة، و السلام على الحفظة، و على من على يمينه من المأمومين، و بالثانية شيئين: السلام على الحفظة، و على المأمومين الذين على يساره، و المأموم إن كان الإمام عن يمينه ينوي أربعة أشياء:
الخروج من الصلاة، و السلام على الحفظة، و السلام على الإمام، و السلام على من على يمينه، و إن سلم عن يساره نوى الحفظة و المأمومين، و إن كان الإمام عن يساره نوى بالسلام عن يمينه ثلاثة أشياء، و عن يساره ثلاثة أشياء، و إن كان تجاهه فإن شاء نواه بالسلام عن يمينه، و إن شاء بالسلام عن يساره، و المنفرد ينوي عن يمينه الخروج، و السلام على الحفظة(1).
إذا عرفت هذا فالتسليمة الأوّلة من الصلاة - و به قال الشافعي(2) - لأنه ذكر مشروع في محل الصلاة يجوز أن يرد عليه ما يفسد الصلاة فكان منها كالتشهد.
و قال أبو حنيفة: ليست من الصلاة(3) لقوله عليه السلام: (إن صلاتنا هذه لا يصلح فيها شيء من كلام الناس إنّما هي التسبيح، و التكبير، و قراءة القرآن)(4) و لأن السلام ينافيها فلم يكن منها كالكلام. و الخبر محمول على ما لم يشرع لها، و بهذا فارق الكلام أيضا.
يرفع بها يديه إلى شحمتي أذنيه، ثم إن كان له حاجة انصرف في جهتها، و إن لم تكن له حاجة في جهة أو غرض كان الأولى أن ينصرف في جهة اليمين - و به قال الشافعي(5) - لقول الصادق عليه السلام: «إذا انصرفت من الصلاة فانصرف
ص: 248
عن يمينك»(1).
و قال أبو حنيفة: ينصرف عن يساره(2). و ليس بجيّد؛ لأنه ربما كان معه مأموم واحد فإذا دار إلى اليسار (جعل)(3) ظهره إليه بخلاف اليمين.
و يستحب للإمام أن لا ينصرف من مكانه حتى يتم المسبوق صلاته، و لو لم يكن فيهم مسبوق ذهب حيث شاء، لقول الصادق عليه السلام: «أيّما رجل أمّ قوما فعليه أن يقعد بعد التسليم، و لا يخرج من ذلك الموضع حتى يتمّ الذين سبقوا صلاتهم، ذلك على كل إمام واجب إذا علم أن فيهم مسبوقا، و إن علم أن ليس فيهم مسبوق بالصلاة فليذهب حيث شاء»(4) و لو كان في الجماعة نساء استحب له اللبث حتى يخرجن لئلاّ يمتزجن بالرجال.7.
ص: 249
ص: 250
و قد سلف بعضها، و بقي أمور:
عند علمائنا؛ لأنّه أبلغ في الخضوع، و لقول الباقر عليه السلام: «أرسل يديك، و ليكونا على فخذيك قبالة ركبتيك»(1) و قول(2) الصادق عليه السلام: أرسل يديه جميعا على فخذيه قد ضم أصابعه(3).
و لا يجوز التكفير و هو وضع اليمين على الشمال، و هو مبطل عندنا على ما يأتي، و أطبق الجمهور على جواز الإرسال، و اختلفوا في الأفضل، فقال الشافعي: التكفير سنّة فإن أرسلهما و لم يعبث فلا بأس - و به قال أبو حنيفة، و الثوري، و أحمد، و إسحاق، و أبو ثور، و داود(4) - لأنّ عليا عليه السلام قرأ
ص: 251
هذه الآية فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَ انْحَرْ (1) فوضع يده اليمنى على ساعده اليسرى ثم وضعهما على صدره(2).
و عن مالك روايتان: إحداهما: أن ذلك مستحب، و الثاني: أنه مباح(3). و روى ابن المنذر عن ابن الزبير أنه كان يرسل يديه، و هو مروي عن الحسن، و ابن سيرين، و النخعي(4). و قال الليث: يرسل يديه إلاّ أن يطيل القيام فيعيى(5) و قال الأوزاعي: من شاء فعل، و من شاء ترك(6).
عند علمائنا - و به قال الشافعي(7) - لأن أبا حميد الساعدي وصف صلاة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في عشرة من الصحابة، أحدهم أبو قتادة، فوصف ركوعه كما قلناه(8).
و من طريق الخاصة وصف حماد صلاة الصادق عليه السلام، قال: ثم ركع و ملأ كفيه من ركبتيه مفرجات(9). و قال الباقر عليه السلام: «و مكّن راحتيك من ركبتيك تدع يدك اليمنى على ركبتك اليمنى و تلقم بأطراف
ص: 252
أصابعك عين الركبة، و فرج بين أصابعك»(1).
و روي عن عبد اللّه بن مسعود أنه كان إذا ركع طبق يديه و جعلهما بين ركبتيه و يرويه عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله(2) ، و هو منسوخ(3). و منع بعض علمائنا من جواز التطبيق(4).
- و هو مذهب العلماء - لأن وائل بن حجر قال: إن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله كان إذا سجد ضم أصابعه و جعل يديه حذو منكبيه(5). و عن البراء أن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال: (إذا سجدت فضم كفيك و ارفع مرفقيك)(6).
و من طريق الخاصة ما رواه زرارة قال: «و لا تلزق كفيك بركبتيك، و لا تدنهما من وجهك بين ذلك حيال منكبيك، و لا تفرجن أصابعك(7) و لكن اضممهنّ جميعا»(8).
عند علمائنا، لأن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كان إذا قعد يدعو، يضع يده اليمنى على فخذه اليمنى،
ص: 253
و يده اليسرى على فخذه اليسرى، و يشير بإصبعه(1) ، و نحوه من طريق الخاصة(2).
و وافقنا الشافعي، و أحمد في اليسرى(3) ، و في اليمنى ثلاثة أقوال للشافعي: أن يقبض أصابعها إلاّ المسبحة، و هو مروي عن ابن عمر، و ابن الزبير(4).
و في وضع الإبهام وجهان: على حرف راحته أسفل من المسبّحة كأنه قابض على ثلاثة و خمسين، و على حرف إصبعه الوسطى.
و أن يقبض الخنصر و البنصر و الوسطى، و يبسّط المسبّحة و الإبهام، و أن يقبض الخنصر و البنصر و يجعل الوسطى مع الإبهام خلفه، و يشير بالمسبّحة متشهدا(5).
لقول الصادق عليه السلام: «و ترفع يديك في الوتر حيال وجهك، و إن شئت تحت ثوبك»(6) و هو يعطي عدم الوجوب.
فينظر حالة قيامه إلى موضع سجوده، و حالة ركوعه إلى بين رجليه، و في سجوده إلى طرف أنفه أو يغمضهما، و في جلوسه إلى حجره، و حالة القنوت إلى باطن كفيه، و به قال شريك بن عبد اللّه(7) لقول علي عليه السلام: «لا تتجاوز بطرفك في
ص: 254
الصلاة موضع سجودك»(1) و قول الباقر عليه السلام: «و ليكن نظرك إلى ما بين قدميك»(2) يعني حالة الركوع.
و روي جواز التغميض أيضا في رواية حماد عن صفة صلاة الصادق عليه السلام: ثم ركع، و سوى ظهره، و مد عنقه، و غمض عينيه(3).
و يكره النظر إلى السماء؛ لقول الباقر عليه السلام: «اجمع بصرك، و لا ترفعه إلى السماء»(4).
و قال الشافعي: ينظر المصلي في صلاته إلى موضع سجوده، و إن رمى بصره أمامه كان حقيقيا. و به قال أبو حنيفة، و الثوري(5).
و قال مالك: يكون بصره أمام قبلته(6).
و هو مستحب في كل صلاة مرة واحدة فرضا كانت أو نفلا، أداء أو قضاء عند علمائنا أجمع، و آكده ما يجهر فيه بالقراءة؛ لقوله تعالى وَ قُومُوا لِلّهِ قانِتِينَ (7).
و لما رواه أحمد بن حنبل أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال:
(الصلاة مثنى مثنى، و تشهد في كل ركعتين، و تضرع و تخشع، ثم تقنع يديك ترفعهما إلى ربّك مستقبلا ببطونهما وجهك، فتقول: يا رب يا رب)(8) و عن البراء بن عازب قال: كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لا
ص: 255
يصلي صلاة مكتوبة إلاّ قنت فيها(1). و روي عن علي عليه السلام أنه قنت في صلاة المغرب على أناس و أشياعهم(2).
و من طريق الخاصة قول الباقر عليه السلام: «القنوت في كل صلاة في الركعة الثانية قبل الركوع»(3) و قوله عليه السلام: «القنوت في كل ركعتين في التطوع و الفريضة»(4) و سأل محمد بن مسلم الصادق عليه السلام القنوت في كل الصلوات ؟ فقال: «أما ما لا يشك فيه فما يجهر فيه بالقراءة»(5).
و لأنه دعاء فيكون مأمورا به لقوله تعالى اُدْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ (6). و لأن الدعاء أفضل العبادات فلا يكون منافيا للصلاة.
و قال الثوري، و أبو حنيفة: إنه غير مسنون(7) ، و رواه الجمهور عن ابن عباس، و ابن عمر، و ابن مسعود، و أبي الدرداء(8) ، لأنّ أم سلمة روت أن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله نهى عن القنوت في الفجر(9) ، و روى ابن مسعود، و أنس أن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله قنت شهرا و ترك(10) ، و ضعّفه2.
ص: 256
الشافعي(1) ، و يحمل على أن المراد الدعاء على الكفار، و كذا حديث أنس.
و قال الشافعي: إنه مستحب في الصبح خاصة دون باقي الصلوات إلاّ أن تنزل نازلة فيقنت في الصلوات كلّها إن شاء الإمام - و به قال مالك، و ابن أبي ليلى، و الحسن بن صالح بن حي، و رواه الشافعي عن الخلفاء الأربعة، و أنس، و هو مذهب الحسن البصري(2) - لأن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله كان يقنت في الفجر حتى فارق الدنيا(3). و لا يدل على نفي غيره، و لأنها صلاة فشرع فيها القنوت كالصبح.
و قال أبو يوسف: إذا قنت الإمام فاقنت معه(4). و قال أحمد: القنوت للأئمة يدعون للجيوش و ان ذهب إليه ذاهب فلا بأس(5). و قال إسحاق: هو سنة عند الحوادث لا تدعه الأئمة(6). و قال أبو حنيفة: القنوت مكروه إلاّ في الوتر(7). و قال مالك، و الشافعي: إنما يستحب في الوتر في النصف الأخير من رمضان(8).
عند علمائنا أجمع - و به قال
ص: 257
مالك، و أبو حنيفة، و الأوزاعي، و ابن أبي ليلى(1) - لأن عمر قال: كان بعض أصحاب النبيّ صلّى اللّه عليه و آله يقنت قبل الركوع(2) ، و روى ابن مسعود أن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله قنت قبل الركوع، و روي ذلك عن أبيّ، و ابن عباس، و أنس(3) ، و من طريق الخاصة قول الباقر عليه السلام:
«القنوت في كل صلاة في الثانية قبل الركوع»(4).
و قال الشافعي: إنه بعد الركوع(5) ، لأن العوام بن حمزة قال لأبي عثمان النهدي: القنوت قبل الركوع أو بعده ؟ فقال: بعده، فقلت: عمن أخذت هذا؟ فقال: عن أبي بكر، و عمر، و عثمان(6). و فعل النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و الأئمة عليهم السلام أولى، مع أن عمر قال: إنه قبل الركوع(7).
في الأولى قبل الركوع، و في الثانية بعده، قاله الشيخان(8) ، و قال المرتضى: اختلفت الرواية فروي أن الإمام يقنت في الأولى قبل الركوع و كذا من خلفه، و من صلاها منفردا
ص: 258
[أو](1) في جماعة ظهرا قنت في الثانية قبل الركوع، و روي أنه إذا صلاها جمعة مقصورة قنت قنوتين في الأولى قبل الركوع، و في الثانية بعده(2).
و أنكر ابن بابويه القنوتين و اقتصر على الواحد في الصلوات كلّها(3) ، و ذكر أن زرارة تفرد به(4) ، و أطبق الجمهور على خلاف ذلك.
و الأقرب: أن الإمام إن صلاها جمعة قنت قنوتين، و غيره يقنت مرة و إن كان في جماعة لقول الصادق عليه السلام: «كل القنوت قبل الركوع إلاّ الجمعة فإن القنوت في الأولى قبل الركوع و في الأخيرة بعد الركوع»(5).
قبل الركوع و بعده لأن الكاظم عليه السلام كان إذا رفع رأسه من آخر ركعة الوتر قال: «هذا مقام من حسناته نعمة منك» إلى آخر الدعاء(6).
مثل كلمات الفرج، و أدناه:
«رب اغفر و ارحم و تجاوز عما تعلم إنك أنت الأعز الأكرم» أو يسبح ثلاث تسبيحات.
و ليس فيه شيء معلوم لا يجوز التجاوز عنه إجماعا، لأن إسماعيل بن الفضل سأل الصادق عليه السلام عن القنوت، و ما يقال فيه ؟ فقال عليه السلام:
«ما قضى اللّه على لسانك، و لا أعلم فيه شيئا موقتا»(7) و سئل عليه السلام عن أدنى القنوت، فقال: «خمس تسبيحات»(8).
ص: 259
و يجوز الدعاء بالعربية و غيرها - و به قال الصدوق(1) - لقول أبي جعفر الثاني عليه السلام: «لا بأس أن يتكلم الرجل في صلاة الفريضة بكل شيء يناجي به ربه عزّ و جلّ»(2) و لقول الصادق عليه السلام: «كل شيء مطلق حتى يرد فيه نهي»(3).
قال محمد بن الحسن بن الوليد: كان سعد بن عبد اللّه لا يجيز الدعاء في القنوت بالفارسية(4).
و استحب الشافعي الكلمات الثماني التي رواها عن الحسن بن علي عليهما السلام، قال: «علمني رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كلمات في القنوت أقولهن: اللهم اهدني فيمن هديت، و عافني فيمن عافيت، و تولني فيمن توليت، و بارك لي فيما أعطيت، و قني شر ما قضيت، إنك تقضي و لا يقضى عليك إنه لا يذل من واليت تباركت ربّنا و تعاليت»(5).
و قال الباقر عليه السلام في القنوت: «إن شئت فاقنت، و إن شئت لا تقنت»(1).
و قول الصادق عليه السلام: «فمن ترك القنوت رغبة عنه فلا صلاة له»(2) محمول على نفي الفضيلة، أو لأنه مشروع فتركه رغبة عنه يعطي كون التارك مستخفا بالعبادات و هذا لا صلاة له حينئذ.
و لو تركه ناسيا لم يعد إجماعا لقول الصادق عليه السلام: «إن نسي الرجل القنوت في شيء من الصلاة حتى يركع فقد جازت صلاته، و ليس عليه شيء، و ليس له أن يدعه متعمدا»(3).
لقول الباقر عليه السلام: «القنوت كلّه جهار»(4).
قال المرتضى: إنه تابع للقراءة يجهر فيما يجهر فيه، و يخافت فيما يخافت لأنه ذكر فيتبع القراءة(5).
و قال الشافعي: يخافت به مطلقا لأنه مسنون فأشبه التشهّد الأول(6).
و الأصل ممنوع.
لقول الصادق عليه السلام في الرجل ينسى القنوت حتى يركع قال: «يقنت بعد الركوع، فإن لم يذكر حتى ينصرف فلا شيء عليه»(7).
و لو لم يذكر حتى ركع في الثالثة قضاه بعد فراغه من الصلاة لفوات محله - و هو الثانية - و لقول الصادق عليه السلام: «إذا سها الرجل في
ص: 261
القنوت قنت بعد ما ينصرف و هو جالس»(1).
و للشافعية قولان: أحدهما:
ذلك، و الثاني: التأمين لدعاء الإمام(2) و قال بعضهم: إن كان ثناء على اللّه تعالى تابعه، و إن كان دعاء أمّن عليه(3) و قولنا أولى.
و قد بيّنا استحباب رفع اليدين بالقنوت، و به قال الشافعي(4) لأن أنسا قال: رأيت النبي صلّى اللّه عليه و آله كلما صلّى الغداة رفع يديه يدعو على الذين قتلوا القراءة ببئر معونة(5)(6).
فإذا فرغ من القنوت استحب الشافعي مسح وجهه بيديه(7) لأن ابن عباس روى قول النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: «إذا دعوت اللّه فادع اللّه ببطون كفيك، و لا تدع بظهورهما، فإذا فرغت فامسح راحتيك على وجهك»(8) و لا يستحب مسح غير الوجه، و منع القفال من رفع اليدين في القنوت قياسا على الدعاء في التشهد(9).
و كره الشافعي تخصيص الإمام نفسه بالدعاء(10) لقوله عليه السلام:
ص: 262
(إذا خصّ الإمام نفسه بالدعاء فقد خان)(1).
و روى واحد من الصحابة صورتين: إحداهما: (اللهم إنا نستعينك، و نستغفرك، و نستهديك، و نستنصرك، و نؤمن بك، و نتوكل عليك، و نثني عليك الخير كله، نشكرك، و لا نكفرك، و نخلع و نترك من يفجرك).
و الثانية: (اللهم إياك نعبد، و لك نصلي و نسجد، و إليك نسعى و نحفد، و نرجو رحمتك، و نخشى عذابك، إن عذابك بالكفار ملحق)(2) ، فقال عثمان: اجعلوهما في القنوت، و لم يثبتهما في المصحف لانفراد الواحد، و كان عمر يقنت بذلك(3) ، و لم ينقل ذلك من طريق أهل البيت عليهم السلام، فلو قنت بذلك جاز لاشتماله على الدعاء.
منها ما هو خارج عن الصلاة، و هي ست متقدمة، و ثلاث بعد التسليم، و منها ما هو في الصلاة، و قد اتفق علماؤنا على ثبوت أربع و تسعين تكبيرة مستحبة في كلّ الصلوات الخمس تكبيرة الركوع، و السجودين، و الرفع منهما.
و اختلف الشيخان في إثبات تكبيرة أخرى، و الأصل فيه أن شيخنا المفيد يقوم إلى الثالثة بالتكبير، و يسقط تكبير القنوت(4) ، و الشيخ الطوسي يقوم إلى الثالثة كما يقوم إلى الثانية بحول اللّه و قوته أقوم و أقعد(5) ، و تكبير القنوت يسقط باعتبار قول المفيد و تكبير القيام إلى الثالثة في الصبح(6).
ص: 263
و قول الشيخ أجود لقول الصادق عليه السلام: «التكبير في صلاة الفرض في الخمس الصلوات خمس و تسعون تكبيرة منها القنوت خمس(1).
و عن عبد اللّه بن المغيرة: و فسّرهن في الظهر إحدى و عشرون تكبيرة، و في العصر إحدى و عشرون تكبيرة، و في المغرب ستة عشر تكبيرة، و في العشاء الآخرة إحدى و عشرون تكبيرة، و في الفجر إحدى عشرة تكبيرة، و خمس تكبيرات في القنوت في خمس صلوات(2).
و قال علي عليه السلام: «خمس و تسعون تكبيرة في اليوم و الليلة للصلوات منها تكبيرة القنوت»(3).
و قال الصادق عليه السلام: «إذا جلست في الركعتين الأوليين فتشهدت ثم قمت، فقل: بحول اللّه و قوته أقوم و أقعد»(4).
و قال عليه السلام: «إذا قمت من الركعتين فاعتمد على كفّيك، و قل: بحول اللّه و قوته أقوم و أقعد، فإن عليّا عليه السلام كان يفعل ذلك»(5).
و قد أجمع العلماء على استحبابه عقيب الصلوات لقول أبي هريرة: جاء الفقراء إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، فقالوا:
ذهب أهل الدثور من الأموال بالدرجات العلى، و النعيم المقيم، يصلّون كما نصلّي، و يصومون كما نصوم، و لهم فضول أموال يحجّون بها، و يعتمرون، و يتصدّقون، فقال: (ألا أحدّثكم بحديث إن أخذتم به أدركتم من سبقكم، و لم يدرككم أحد بعدكم، و كنتم خير من أنتم بين ظهرانيهم، إلاّ من عمل
ص: 264
مثله، تسبحون، و تحمدون، و تكبرون خلف كل صلاة ثلاثا و ثلاثين(1).
و من طريق الخاصة: قول الصادق عليه السلام: «التعقيب أبلغ في طلب الرزق من الضرب في البلاد» قال الراوي: يعني بالتعقيب: الدعاء عقيب الصلوات(2) و هو أفضل من التنفل بعد الفريضة، لقول الباقر عليه السلام: «الدعاء بعد الفريضة أفضل من الصلاة تنفلا»(3).
و أفضله تسبيح الزهراء عليها السلام، قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: «معقبات لا يخيب قائلهن دبر كل صلاة مكتوبة ثلاث و ثلاثون تسبيحة، و ثلاث و ثلاثون تحميدة، و أربع و ثلاثون تكبيرة»(4).
و من طريق الخاصة قول الباقر عليه السلام: «ما عبد اللّه بشيء أفضل من تسبيح الزهراء عليها السلام، و لو كان شيء أفضل منه لنحله رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فاطمة عليها السلام»(5) و كان يقول: «تسبيح فاطمة عليها السلام في كل يوم دبر كل صلاة أحب إليّ من صلاة ألف ركعة في كل يوم»(6).
و إنما نسب التسبيح إليها عليها السلام لأنها عليها السلام السبب في تشريعه، روى الصدوق أن أمير المؤمنين عليه السلام قال لرجل من بني سعد: «إلا أحدثكم عني، و عن فاطمة أنها كانت عندي فاستقت بالقربة
ص: 265
حتى أثر في صدرها، و طحنت بالرحا حتى مجلت [1] يداها، و كسحت [2] البيت حتى أغبرت ثيابها، و أوقدت تحت القدر حتى دكنت ثيابها فأصابها من ذلك ضرر شديد، فقلت لها: لو أتيت أباك فسألتيه خادما يكفيك حرّ ما أنت فيه من هذا العمل ؟ فأتت النبي صلّى اللّه عليه و آله فوجدت عنده حدّاثا فاستحيت و انصرفت، فعلم عليه السلام أنها جاءت لحاجة فغدا علينا و نحن في لفاعتنا(1) ، فقال: السلام عليكم، فسكتنا و استحيينا لمكاننا، ثم قال:
السلام عليكم، فسكتنا، ثم قال: السلام عليكم، فخشينا إن لم نرد عليه أن ينصرف، و قد كان يفعل ذلك يسلم ثلاثا فإن اذن له و إلا انصرف، فقلت: و عليك السلام يا رسول اللّه ادخل، فدخل و جلس عند رءوسنا، فقال: يا فاطمة ما كانت حاجتك أمس عند محمد؟ فخشيت إن لم نجبة أن يقوم فأخرجت رأسي فقلت: أنا و اللّه أخبرك يا رسول اللّه إنّها استقت بالقربة حتى أثر في صدرها، و جرّت بالرحا حتى مجلت يداها، و كسحت البيت حتى أغبرت ثيابها، و أوقدت تحت القدر حتى دكنت ثيابها، فقلت لها: لو أتيت أباك فسألتيه خادما يكفيك حرّ ما أنت فيه من هذا العمل، قال: أ فلا أعلّمكما ما هو خير لكما من الخادم إذا أخذتما منامكما فكبّرا أربعا و ثلاثين تكبيرة، و سبّحا ثلاثا و ثلاثين، و أحمدا ثلاثا و ثلاثين، فأخرجت فاطمة عليها السلام رأسها فقالت: رضيت عن اللّه و عن رسوله، رضيت عن اللّه و عن رسوله»(2).
قال محمد بن عذافر: دخلت على الصادق عليه السلام فسألته عن تسبيح فاطمة
ص: 266
عليها السلام، فقال: «اللّه أكبر أربعا و ثلاثين مرّة، ثم قال: الحمد للّه حتى بلغ سبعا و ستين، ثم قال: سبحان اللّه حتى بلغ مائة يحصيها بيده جملة واحدة»(1). و عن الصادق عليه السلام قال: «من سبّح تسبيح الزهراء عليها السلام قبل أن يثنّي رجليه من صلاة الفريضة غفر اللّه له و يبدأ بالتكبير»(2). و في رواية: تقديم التسبيح على التحميد(3).
و يستحب قول سبحان اللّه، و الحمد للّه، و لا إله إلا اللّه، و اللّه أكبر ثلاثين مرة، قال الصادق عليه السلام: «إن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال لأصحابه: أ رأيتم لو جمعتم ما عندكم من الثياب و الآنية، ثم وضعتم بعضها على بعض ترونه يبلغ السماء؟ قالوا: لا يا رسول اللّه، فقال: يقول أحدكم إذا فرغ من صلاته: سبحان اللّه، و الحمد للّه، و لا إله إلا اللّه، و اللّه أكبر ثلاثين مرة، و هنّ يدفعن الهدم، و الغرق، و الحرق، و التردي في البئر، و أكل السبع، و ميتة السوء، و البلية التي نزلت على العبد في ذلك اليوم»(4).
أن تقول: اللهم صلّ على محمد و آل محمد، اللهم إنّا نسألك من كل خير أحاط به علمك، و نعوذ بك من كل شر أحاط به علمك، اللهم إنا نسألك عافيتك في أمورنا كلّها، و نعوذ بك من خزي الدنيا و عذاب الآخرة»(5).
و قال أمير المؤمنين عليه السلام: «من أحب أن يخرج من الدنيا و قد خلص من الذنوب كما يتخلص الذهب الذي لا كدر فيه، و لا يطلبه أحد
ص: 267
بمظلمة، فليقل في دبر الصلوات الخمس نسبة الرب تبارك و تعالى(1) اثنتي عشرة مرة، ثم يبسط يده فيقول: اللهم إني أسألك باسمك المكنون المخزون، الطاهر الطهر المبارك، و أسألك باسمك العظيم، و سلطانك القديم، أن تصلي على محمد و آل محمد، يا واهب العطايا، يا مطلق الأسارى، يا فكّاك الرقاب من النار أسألك أن تصلي على محمد و آل محمد، و أن تعتق رقبتي من النار، و تخرجني من الدنيا آمنا، و تدخلني الجنّة سالما، و أن تجعل دعائي أوله فلاحا، و أوسطه نجاحا، و آخره صلاحا إنك أنت علاّم الغيوب» ثم قال أمير المؤمنين عليه السلام: «هذا من المخبيات مما علّمني رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و أمرني أن أعلّمه الحسن عليه السلام و الحسين عليه السلام»(2).
و قال الباقر عليه السلام: «تقول في دبر كل صلاة: اللهم اهدني من عندك، و أفض عليّ من فضلك، و انشر عليّ من رحمتك، و انزل عليّ من بركاتك»(3).
و قال الجواد عليه السلام: «إذا انصرفت من صلاة مكتوبة فقل:
رضيت باللّه ربّا، و بالإسلام دينا، و بالقرآن كتابا، و بمحمد نبيّا، و بعلي، و الحسن، و الحسين، و علي بن الحسين، و محمد بن علي، و جعفر بن محمد، و موسى بن جعفر، و علي بن موسى، و محمد بن علي، و علي بن محمد، و الحسن بن علي، و الحجة بن الحسن بن علي أئمة، اللهم وليّك الحجة فاحفظه من بين يديه، و من خلفه، و عن يمينه، و عن شماله، و من فوقه، و من تحته، و امدد في عمره، و اجعله القائم بأمرك و المنتصر لدينك، و أره ما يحب، و تقر به عينه في نفسه، و في ذريته، و أهله، و ماله، و في شيعته، و في عدوّه، و أرهم منه ما يحذرون، و أره فيهم ما يحب و تقرّ به4.
ص: 268
عينه، و اشف صدورنا و صدور قوم مؤمنين»(1).
و قال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: (قال اللّه جلّ جلاله: يا ابن آدم اذكرني بعد الغداة ساعة، و بعد العصر ساعة أكفيك ما أهمك)(2).
و قال الباقر عليه السلام: «ما بسط عبد يده إلى اللّه عز و جل إلا استحى اللّه أن يردها صفرا، حتى يجعل فيها من فضله، و رحمته ما يشاء، فإذا دعا أحدكم فلا يرد يديه حتى يمسح بهما على رأسه و وجهه»، و في خبر آخر: «على وجهه و صدره»(3) و الأدعية في ذلك كثيرة فلتطلب من مظانها(4).0.
ص: 269
ص: 270
و فيه بحثان:
إجماعا لأنه مخل بالطهارة، و هي شرط و فساد الشرط يقتضي فساد المشروط، فإن وجد بعد الصلاة على النبي صلّى اللّه عليه و آله قبل التسليم فمن جعل التسليم واجبا أبطل الصلاة، و به قال الشافعي(1) و من جعله ندبا لم تبطل صلاته، و به قال أبو حنيفة(2) ، و قد تقدم.
أما لو سبقه الحدث فللشيخ، و المرتضى قول: باستئناف الوضوء، و البناء(3) و به قال الشافعي في القديم، و أبو حنيفة، و ابن أبي ليلى، و داود(4) لقوله عليه السلام: (من قاء أو رعف، أو أمذى فلينصرف و ليتوضأ
ص: 271
و ليبن على ما مضى من صلاته ما لم يتكلم)(1).
و من طريق الخاصة ما رواه فضيل بن يسار، قال: قلت للباقر عليه السلام: أكون في الصلاة فأجد غمزا في بطني أو أذى أو ضربانا فقال:
«انصرف ثم توضّأ و ابن على ما مضى من صلاتك ما لم تنقض الصلاة متعمدا، و إن تكلمت ناسيا فلا بأس عليك فهو بمنزلة من تكلم في الصلاة ناسيا» قلت: و إن قلب وجهه عن القبلة ؟ قال: «نعم و إن قلب وجهه عن القبلة»(2) قال المرتضى: لو لم يكن الأذى و الغمز ناقضا للطهارة لم يأمره بالانصراف(3) ، و قد بيّنا أن الرعاف، و القيء، و المذي، ليست ناقضة للطهارة. فيحمل الوضوء على غسل ما أصابه للتحسين، لأنه الحقيقة الأصلية، و كذا الأز، و الغمز، و الأذى ليست ناقضة.
و قال أكثر علمائنا: ببطلان الصلاة(4) و به قال الشافعي في الجديد، و مالك، و ابن شبرمة(5). و قال الثوري: إن كان حدثه من رعاف أو قيء توضأ و بنى، و إن كان من بول، أو ريح، أو ضحك أعاد الوضوء و الصلاة(6) لقوله عليه السلام: (إذا قاء أحدكم في صلاته فلينصرف، و ليتوضأ، و ليعد صلاته)(7) ، و هو إلزامي، و قوله عليه السلام: (إذا فسا2.
ص: 272
أحدكم و هو في الصلاة فلينصرف و ليتوضأ و ليعد الصلاة)(1).
و من طريق الخاصة قول الباقر و الصادق عليهما السلام: «لا يقطع الصلاة إلا أربع: الخلاء، و البول، و الريح، و الصوت»(2).
و لأن الطهارة شرط و قد بطلت فيبطل المشروط، و لأنه حدث يمنع المضي في الصلاة فمنع من البناء عليها كما لو رمي بحجر فشج، فإن أبا حنيفة سلم ذلك(3) و كذا إذا رماه به الطائر لسقوطه عليه.
إذا ثبت هذا فإن قلنا: بالبطلان فلا بحث، و إن لم نقل به، فلو انصرف من الصلاة و أخرج باقي الحدث و توضأ لم يكن له البناء لأنه حدث اختياري فأبطل الصلاة كما أبطل الطهارة.
و قالت الشافعية بناء على القديم: إن له البناء، و اختلفوا في التعليل، فمنهم من قال: إنما لم تبطل لأن الحدث لا يؤثر بعد نقض الطهارة فيها، و منهم من قال: إنه محتاج إلى إخراج بقيته و هو حدث واحد فكان حكم باقية حكم أوله(4) و يلزم الأول أنه إذا أحدث حدثا آخر لا تبطل صلاته.
قال الشيخ تفريعا على البناء: لو سبقه الحدث فأحدث ناسيا استأنف - و به قال أبو حنيفة(5) - للتمسك بإطلاق الأحاديث(6) ، و قال الشافعي في القديم: يبني لأنه حدث طرأ على حدث فلم يكن له حكم(7).4.
ص: 273
مما ليس بقرآن، و لا دعاء، فلو تكلم عامدا بحرفين، و إن لم يكن مفهما بطلت صلاته سواء كان لمصلحة الصلاة، أو لا عند علمائنا أجمع - و به قال الشافعي، و سعيد بن المسيب، و النخعي، و حماد بن أبي سليمان، و هو محكي عن عبد اللّه بن مسعود، و عبد اللّه بن الزبير، و عبد اللّه بن عباس، و أنس بن مالك، و الحسن البصري، و عطاء، و عروة بن الزبير، و قتادة، و ابن أبي ليلى(1) - لقوله عليه السلام: (إنما صلاتنا هذه تكبير، و تسبيح، و قرآن، ليس فيها شيء من كلام الناس)(2) و هو خبر يراد به النهي فيكون منافيا للصلاة.
و قال مالك، و الأوزاعي: إن كان لمصلحة الصلاة لم يبطلها كتنبيه الإمام، و دفع المار بين يديه(3) لأن ذا اليدين تكلم عامدا، و لم يأمره النبي صلّى اللّه عليه و آله بالإعادة(4).
و قال الأوزاعي أيضا: إن تكلم لمصلحة لا تتعلق بالصلاة كأن يقول للأعمى: البئر أمامك، أو يرى من يحترق ماله فيعرفه ذلك لم تبطل صلاته(5). و هو غلط، لأنه خطاب أوقعه على وجه العمد فأبطل الصلاة كما لو لم يكن لمصلحة.
و خبر ذي اليدين عندنا باطل؛ لأن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله لا يجوز عليه
ص: 274
السهو، مع أن جماعة من أصحاب الحديث طعنوا فيه(1) ، لأن رواية أبو هريرة و كان إسلامه بعد موت ذي اليدين بسنتين، فإن ذا اليدين قتل يوم بدر و ذلك بعد الهجرة بسنتين، و أسلم أبو هريرة بعد الهجرة بسبع سنين(2).
قال المحتجون به: إنّ المقتول يوم بدر هو ذو الشمالين و اسمه عبد اللّه بن عمرو بن نضلة(3) الخزاعي، و ذو اليدين عاش بعد النبيّ صلّى اللّه عليه و آله، و مات في أيام معاوية و قبره بذي خشب [1] و اسمه الخرباق [2] لأن عمران بن الحصين روى هذا الحديث فقال فيه: فقام الخرباق فقال:
أ قصرت الصلاة ؟(4).
و أجيب بأن الأوزاعي قال: فقام ذو الشمالين، فقال: أ قصرت الصلاة ؟ و ذو الشمالين قتل يوم بدر لا محالة(5) و روي في هذا الخبر أن ذا اليدين قال:
أ قصرت الصلاة أم نسيت يا رسول اللّه ؟ فقال: (كل ذلك لم يكن)(6)2.
ص: 275
و روي أنه قال: (إنما أسهو لأبين لكم)(1) و روي أنه قال: (لم أنس و لم تقصر الصلاة)(2) و روي من طريق الخاصة أن ذا اليدين كان يقال له ذو الشمالين عن الصادق عليه السلام.(3)
كإجابة النبيّ صلّى اللّه عليه و آله لما تقدم، و قال الشافعي: لا تبطل الصلاة(4) لأن أبا هريرة قال: خرج رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله على أبيّ بن كعب و هو يصلّي في المسجد، فقال: (السلام عليك يا أبيّ) فالتفت إليه أبي فلم يجبه، ثم إن أبيّا خفف الصلاة، ثم انصرف إلى النبيّ صلّى اللّه عليه و آله فقال: السلام عليك يا نبي اللّه، فقال: (و عليك السلام، ما منعك أن تجيبني إذ دعوتك ؟) فقال:
يا رسول اللّه كنت أصلي؛ قال: (أ فلم تجد فيما أوحي إليّ أن اِسْتَجِيبُوا لِلّهِ وَ لِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ ؟!)(5) قال: بلى يا رسول اللّه لا أعود(6).
و لا حجة فيه لأن رد السلام عندنا واجب في الصلاة و غيرها.
- كما قلناه نحن - لجواز أن لا يقع، بخلاف إجابة النبي عليه السلام، و الثاني: عدمه لأنه واجب كإجابة
ص: 276
النبيّ صلّى اللّه عليه و آله(1) ، و الأصل ممنوع.
و أما ردّ الوديعة، و تفرقة الزكاة فإنهما و إن وجبا لكنهما مبطلان إن كان عملا كثيرا لأنه لا يتعين في الصلاة لإمكان حصوله قبلها و بعدها بخلاف إجابة النبيّ صلّى اللّه عليه و آله، و إنقاذ الأعمى.
عند علمائنا - و به قال أبو حنيفة(2) - لقوله عليه السلام: (إن صلاتنا هذه لا يصلح فيها شيء من كلام الآدميين)(3) و لأن علمه مبطل فكذا جهله كالحدث.
و قال الشافعي: لا تبطل به الصلاة؛ و به قال مالك، و الأوزاعي، و أحمد، و إسحاق، و أبو ثور(4) لأن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله لما انصرف من اثنتين قال ذو اليدين: أ قصرت الصلاة أم نسيت يا رسول اللّه ؟ فقال:
(أصدق ذو اليدين ؟) فقال الناس: نعم، فقام رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فصلّى اثنتين أخريين، ثم سلّم، ثم كبّر، ثم سجد مثل سجوده أو أطول، ثم رفع(5).
و قد بيّنا بطلان الحديث، و لأنه عليه السلام يمتنع عليه جهل تحريم الكلام في الصلاة.
ص: 277
و لا فرق بين أن يكون قريب العهد بالإسلام أو لا - خلافا للشافعي في قول له(1) - و لو علم تحريم الكلام و لم يعلم أنّه مبطل لم يعذر، و به قال الشافعي(2) ، لأنّه لما عرف التحريم كان حقه الامتناع منه.
د - لو تكلّم ناسيا لم تبطل صلاته،
و يسجد للسهو عند علمائنا - و به قال مالك، و الشافعي، و الأوزاعي، و أحمد، و إسحاق، و أبو ثور(3) - لقوله صلّى اللّه عليه و آله: (رفع عن أمتي الخطأ و النسيان و ما استكرهوا عليه)(4).
و من طريق الخاصة قول الباقر عليه السلام في الرجل يسهو في الركعتين و يتكلم، قال: «يتم ما بقي من صلاته»(5) و سئل الصادق عليه السلام عن الرجل يتكلم في الصلاة ناسيا يقول: أقيموا صفوفكم، قال: «يتم صلاته، ثم يسجد سجدتين»(6).
و قال أبو حنيفة: تبطل إلا أن يسلم من اثنتين ساهيا(7) لأن عمده يبطل الصلاة فكذا سهوه كالحدث. و الفرق أن الحدث يبطل الطهارة أو يوجبها.
ه - لا فرق بين أن يطول كلام الناسي أو يقصر
لأنه خطاب الآدمي على وجه السهو، و للشافعي قول بالفرق فأبطلها مع الكثرة كالفعل(8).1.
ص: 278
و نمنع الأصل، و يفرق بأن الفعل آكد، فإن عتق المجنون لا ينفذ، و ينفذ إحباله.
و - لا خلاف في أن الحرف الواحد ليس مبطلا
لأنه لا يعد كلاما، و لعدم انفكاك الصوت منه غالبا، نعم في الحرف الواحد المفهم ك (ق) و (ش) و (ع) إشكال ينشأ من حصول الإفهام به فأشبه الكلام، و من دلالة مفهوم النطق بحرفين على عدم الإبطال به.
و أما الحرف بعد مدّه ففيه نظر أيضا ينشأ من تولّد المدّ من إشباع الحركة و لا يعد حرفا، و من أنه إما ألف، أو واو، أو ياء.
ز - لو تكلّم مكرها عليه فالأقوى الإبطال به
لأنه مناف للصلاة فاستوى الاختيار فيه و عدمه كالحدث، و يحتمل عدمه لرفع ما استكرهوا عليه(1) و للشافعي قولان(2).
ح - لا يجوز أن يئنّ بحرفين، و لا يتأوّه بهما
لأنّه يعدّ كلاما.
ط - السكوت الطويل إن خرج به عن كونه مصليا أبطل،
و إلاّ فلا.
يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هذا (1) أو أتى بتسبيح، أو تهليل، و قصد القرآن، و التنبيه - و به قال الشافعي(2) - لأن عليا عليه السلام قال: «كانت لي ساعة أدخل فيها على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فإن كان في الصلاة سبّح و ذلك إذنه، و إن كان في غير الصلاة أذن»(3).
و من طريق الخاصة قول الصادق عليه السلام: «نعم» لمّا قال له ناجية أبو حبيب: أضرب الحائط لأوقظ الغلام ؟(4).
و قال أبو حنيفة: تبطل صلاته إلا أن ينبه إمامه، و المارّ بين يديه(5).
لأنه قصد به خطاب الآدمي لا لإصلاح الصلاة، فأشبه رد السلام.
و الأصل ممنوع، و الفرق بأنه خطاب لآدمي بالوضع.
و قال الشافعي: يسبح الرجل، و تصفق المرأة(1) لقوله عليه السلام:
(إذا نابكم شيء في الصلاة فالتسبيح للرجال، و التصفيق للنساء)(2) و لو خالفا فسبحت المرأة، و صفق الرجل لم تبطل الصلاة عنده بل خالفا السنة(3).
ج - لو صفقت المرأة أو الرجل على وجه اللعب لا للإعلام بطلت صلاتهما
لأن اللعب ينافي الصلاة، و يحتمل ذلك مع الكثرة خاصة.
عند علمائنا - و به قال سعيد بن المسيب، و الحسن، و قتادة(4) - لقول الباقر عليه السلام:
«إن عمارا سلّم على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فردّ عليه السلام»(5).
و قال محمد بن مسلم: دخلت على الباقر عليه السلام و هو في الصلاة، فقلت: السلام عليك، فقال: «السلام عليك» قلت: كيف أصبحت فسكت، فلما انصرف، قلت له: أ يرد السلام و هو في الصلاة ؟ قال: «نعم مثل ما قيل له»(6). و لأن الأمر بالرد مطلق فيتناول حال الصلاة كغيرها، و لأنه واجب فلا تبطل الصلاة به كالكلام الواجب عند الشافعي(7).
و قال الشافعي: يرد السلام بالإشارة(8) لأن أبا مسعود لمّا قدم من
ص: 281
الحبشة سلّم على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و هو في الصلاة فلم يرد عليه، قال أبو مسعود: فأخذني ما قرب و ما بعد، فلما فرغ، قلت: يا رسول اللّه أنزل فيّ شيء؟ قال: (لا و لكن اللّه يحدث من أمره ما يشاء، و أن مما أحدث أن لا تتكلموا في الصلاة)(1) و ليس حجة لجواز أن يكون قبل الأمر بالرد، أو أنه حيّاه بغير السلام و سماه سلاما مجازا.
و قال أبو حنيفة: لا يرد عليه و تبطل(2) ، فإن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله دخل مسجد بني عمرو بن عوف يصلي، و دخل معه صهيب، فدخل معه رجال من الأنصار يسلّمون عليه، فسألت(3) صهيبا كيف كان يصنع إذا سلّم عليه ؟ فقال: كان يشير بيده(4).
و قال عطاء، و النخعي، و الثوري: يرد بعد فراغه، و نقله الجمهور عن أبي ذر(5).
راهويه، و جابر الكراهة(1) ، و عن أحمد روايتان(2) ، و ظاهر كلام الشافعي الكراهة لأنه كره السلام على الإمام حال الخطبة(3) فحال الصلاة أولى.
ب - إذا سلّم بقوله: سلام عليكم رد مثله،
و لا يقول: و عليكم السلام لأنه عكس القرآن، و لقول الصادق عليه السلام و قد سأله عثمان بن عيسى عن الرجل يسلّم عليه و هو في الصلاة: «يقول: سلام عليكم، و لا يقول:
و عليكم السلام، فإن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كان قائما يصلي فمرّ به عمار بن ياسر فسلّم عليه فرد عليه النبيّ صلّى اللّه عليه و آله هكذا»(4).
ج - لو سلّم عليه بغير اللفظ المذكور فإن سمّي تحية فالوجه: جواز الرد به،
و بقوله: سلام عليكم، لعموم قوله تعالى فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها أَوْ رُدُّوها (5) و لو لم تسم تحية جاز إجابته بالدعاء له إذا كان مستحقا له و قصد الدعاء، لا ردّ السلام، و لو سلّم عليه بقوله: عليك السلام ففي جواز إجابته بالصورة إشكال ينشأ من النهي، و من جواز الرد مثل التحية.
د - لو اتّقى رد فيما بينه و بين نفسه
تحصيلا لثواب الرد و تخليصا من الضرر، و لقول الصادق عليه السلام: «إذا سلّم عليك رجل من المسلمين و أنت في الصلاة فرد عليه فيما بينك و بين نفسك، و لا ترفع صوتك»(6) و في رواية أخرى: «ترد عليه خفيّا»(7).
لأنه.
ص: 283
دعاء، و قد دعا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لقوم، و دعا على آخرين(1) و هو محكي عن الشافعي(2) و ظاهر مذهبه: البطلان(3) لأن معاوية بن الحكم السلمي قال: صليت مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فعطس رجل من القوم، فقلت: يرحمك اللّه، فرماني القوم بأبصارهم، فقلت: و أثكل أماه و ما شأنكم تنظرون إليّ؟ قال: فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم فعرفت أنهم يصمتوني، فلما صلّى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال: (إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس إنما هي التكبير و قراءة القرآن)(4) و لا حجة فيه لأن إنكاره عليه السلام وقع على كلامه لا على تسميته.
إذا عرفت هذا فإنه يجوز أن يحمد اللّه تعالى إن عطس هو أو غيره لأنه شكر للّه تعالى على نعمه، و لقول الصادق عليه السلام: «إذا عطس الرجل فليقل: الحمد للّه»(5) و قال له أبو بصير: أسمع العطسة فأحمد اللّه و أصلي على النبي عليه السلام و أنا في الصلاة ؟ قال: «نعم و لو كان بينك و بين صاحبك البحر»(6).
و أظهر وجوه الشافعية:
البطلان به إن ظهر منه حرفان، و إن لم يبن كما إذا استرسل سعال لا يبين منه
ص: 284
حرف لم يبطل(1) ، و الثاني: عدم البطلان و إن بان منه حرفان لأنه ليس من جنس الكلام(2) ، و الثالث: إن كان مطبقا شفتيه لم يضر كقرقرة البطن، و إن كان فاتحا فمه فإن بان منه حرفان بطلت و إلاّ فلا(3).
و لو تعذرت القراءة إلاّ به فهو معذور، و إن أمكنه القراءة و تعذر الجهر فوجهان عندهم: أحدهما: إنه كالقراءة لإقامة شعار الجهر، و الثاني: المنع لأن الجهر سنة فلا ضرورة إلى التنحنح له(4).
و لو تنحنح الإمام و بان منه حرفان فللشافعية وجهان في مداومة المأموم:
أظهرهما: ذلك لأن الأصل بقاء عبادته و الظاهر من حاله الاحتراز عن مبطلات الصلاة، و أنه غير مختار فيه، و الثاني: المنع(5) لأن العاقل لا يفعل إلاّ عن قصد، فالظاهر أن الإمام قاصد فبطلت صلاته فلا يجوز له المتابعة.
لأنه ليس بقرآن، و لا دعاء مأمور به بل هو منهي عنه، و النهي يدل على الفساد، أما الدعاء بالمباح فقد بيّنا جوازه في جميع أحوال الصلاة.
و لو جهل تحريم المطلوب ففي بطلان الصلاة إشكال ينشأ من عدم التحريم لجهله، و من تفريطه بترك التعلّم، أما لو جهل تحريم الدعاء فالوجه: البطلان.
سواء غلب عليه أو لا لقوله صلّى اللّه عليه و آله: (من قهقه فليعد صلاته)(1) و من طريق الخاصة قول الباقر عليه السلام: «القهقهة لا تنقض الوضوء و تنقض الصلاة»(2).
و قالت الشافعية: إن غلب عليه لم تبطل صلاته لعدم الاختيار فأشبه الناسي(3) ، و إن كان مختارا فإن لم يظهر في صوته حرفان لم تبطل صلاته و إن ظهر فقولان: البطلان لأن التفوه بما يتهجى حرفين قد وجد على وجه يسمع من قصده، و هو الظاهر من مذهبه، و العدم لعدم تسميته كلاما(4).
و نحن لا نبطل من حيث الكلام بل للنص، و الحكمة هتك الحرمة.
أ - القهقهة لا يبطل بها الوضوء
- خلافا لبعض علمائنا(5) - لحديث الباقر عليه السلام(6) ، و قد سبق.
ب - لو قهقهه ناسيا لم تبطل صلاته
إجماعا.
ج - لو تبسّم - و هو ما إذا لم يكن له صوت - لم تبطل صلاته
إجماعا.
و إن نطق فيه بحرفين، و إن كان لأمور الدنيا بطلت صلاته و إن لم ينطق بحرفين عند علمائنا - و به قال أبو حنيفة(7) - لقوله تعالى:
ص: 286
إِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُ الرَّحْمنِ خَرُّوا سُجَّداً وَ بُكِيًّا (1) و لأن أبا مطرف قال: أتيت النبي صلى اللّه عليه و آله و هو يصلّي و لصدره أزيز كأزيز المرجل(2) ، و الأزيز غليان صدره و حركته بالبكاء.
و سأل أبو حنيفة الصادق عليه السلام عن البكاء في الصلاة أ يقطع الصلاة ؟ فقال: «إن كان لذكر جنة أو نار فذلك أفضل الأعمال في الصلاة، و إن كان لذكر ميت له فصلاته فاسدة(3).
و قال الشافعي: إن كان مغلوبا لم تبطل صلاته، و إن كان مختارا:
فإن لم يظهر فيه حرفان لم تبطل سواء كان لمصاب الدنيا أو الآخرة لعدم الاعتبار بما في القلب، و إنما يعتبر الظاهر و هو في الحالتين واحد(4).
و هو ممنوع لأنه مأمور به في أمور الآخرة لأنه من الخشوع المأمور به بخلاف أمر الدنيا.
و إن ظهر فيه حرفان فوجهان: الظاهر: عدم البطلان(5) لأن الشمس كسفت على عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فلمّا كان في السجدة الأخيرة جعل ينفخ في الأرض و يبكي(6) ، و لأنه لا يسمى كلاما من غير تفصيل.
و كذا الأنين، و التأوّه، و لو كان بحرف واحد لم تبطل - و هو أحد قولي الشافعي(7) - لأن تعمد الكلام مناف
ص: 287
للصلاة، و لقول علي عليه السلام: «من أنّ في صلاته فقد تكلم»(1) و للشافعي قول آخر: أنه لا يبطلها و إن كان بحرفين(2) لأنه لا يعد كلاما.
و هو ممنوع.
و قال أبو حنيفة: النفخ يبطلها و إن كان بحرف واحد، و التأوّه للخوف من اللّه تعالى عند ذكر المخوفات لا يبطلها و لو كان بحرفين، و يبطلها لو كان لغير ذلك كالألم يجده(3). و لا دليل على هذا التفصيل.
كالإشارة بالرأس، و الخطوة، و الضربة، و إن كان كثيرا أبطلها بلا خلاف في الحكمين لأن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أمر بقتل الأسودين في الصلاة: الحية، و العقرب(4) ، و دفع عليه السلام المار بين يديه(5) و حمل أمامة بنت أبي العاص، و كان إذا سجد وضعها و إذا قام رفعها(6) ، و قتل عقربا و هو يصلي(7) ، و أخذ بأذن ابن عباس و أداره عن يساره إلى يمينه(8).
و اختلف الفقهاء في حدّ الكثرة، فالذي عوّل عليه علماؤنا البناء على
ص: 288
العادة فما يسمى في العادة كثيرا فهو كثير و إلاّ فلا لأن عادة الشرع رد الناس فيما لم ينص عليه إلى عرفهم، و به قال بعض الشافعية(1).
و قال بعضهم: القليل ما لا يسع زمانه لفعل ركعة من الصلاة، و الكثير ما يسع(2).
و قال بعضهم: ما لا يحتاج إلى فعل اليدين معا كرفع العمامة و حل الإزار فهو قليل، و ما يحتاج إليهما معا كتكوير العمامة و عقد السراويل فهو كثير(3).
و قال بعضهم: القليل ما لا يظن الناظر إلى فاعله أنه ليس في الصلاة، و الكثير ما يظن به الناظر إلى فاعله الإعراض عن الصلاة(4).
إذا عرفت هذا فالخطوة الواحدة و الضربة قليل، و الثلاث كثير، و في الفعلين للشافعية وجهان: أحدهما: أنه كثير لتكرره. و الأصحّ خلافه(5) لأن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله خلع نعليه في الصلاة و هما فعلان(6).
أ - الكثير إذا توالى أبطل،
أما مع التفرّق فإشكال ينشأ من صدق الكثرة عليه، و عدمه للتفرق، فإن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله كان يضع أمامة و يرفعها، فلو خطا خطوة ثم بعد زمان خطوة أخرى لم تبطل صلاته، و قال بعض الشافعية: ينبغي أن يقع بين الاولى و الثانية قدر ركعة(7).
ص: 289
ب - الفعلة الواحدة لا تبطل،
فإن تفاحشت فإشكال، كالوثبة الفاحشة فإنها لإفراطها و بعدها عن حال المصلّي توجب البطلان.
ج - الثلاثة المبطلة يراد بها الخطوات المتباعدة،
أمّا الحركات الخفيفة كتحريك الأصابع في مسبحة، أو حكمه فالأقرب منع الإبطال بها لأنها لا تخل بهيئة الخشوع و الاستكانة فهي مع الكثرة بمثابة الفعل القليل، و يحتمل الإبطال للكثرة، و للشافعية وجهان(1).
د - لا يكره قتل الحية و العقرب في الصلاة
- و به قال الشافعي(2) - لأن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أمر به(3) ، و قال النخعي: يكره(4).
ه - الفعل الكثير إنما يبطل مع العمد
أمّا مع النسيان فلا خلاف عند علمائنا لقوله عليه السلام: (رفع عن أمتي الخطأ، و النسيان، و ما استكرهوا عليه)(5) و هو أحد وجهي الشافعية، و الثاني: أنه مبطل(6) لأن النسيان بالفعل الكثير قلّما يقع، و يمكن الاحتراز عنه في العادة.
و ينتقض عندهم بقصة ذي اليدين، فإنهم رووا أن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله سلّم عن اثنتين، ثم قام إلى خشبة في مقدم المسجد، فوضع يديه عليها و خرج سرعان القوم من المسجد، و قالوا: قصرت الصلاة، ثم لما عرف رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أنه ساه عاد فبنى على صلاته، و الذين خرجوا1.
ص: 290
من المسجد بنوا على الصلاة، و الرسول صلّى اللّه عليه و آله ما أمرهم بالإعادة(1) ، و هو إلزام لامتناع السهو على النبيّ صلّى اللّه عليه و آله عندنا.
و - لو قرأ كتابا بين يديه في نفسه من غير نطق لم تبطل صلاته
لقوله صلّى اللّه عليه و آله: (تجاوز اللّه لأمتي عما حدثت به نفوسها ما لم يتكلموا)(2) و لأن الإنسان لا ينفك من التصورات، و به قال الشافعي(3).
و قال أبو حنيفة: تبطل صلاته و إن قرأ القرآن من المصحف(4) لأن النظر عمل دائم، و قد سبق.
ز - ما ليس من أفعال الصلاة إذا كان من جنس أفعالها و زاده المصلي ناسيا لم تبطل صلاته
كما لو صلى خمسا ناسيا إن كان قد قعد في الرابعة بقدر التشهد، و أطلق الشافعي، و أبو حنيفة الصحة(5).
أما لو زاد عامدا فإن الصلاة تبطل كما لو زاد ركوعا أو سجدة - و به قال الشافعي(6) - لأن الزيادة كالنقصان، و الثاني مبطل مع العمد فكذا الأول.5.
ص: 291
و قال أبو حنيفة: لا تبطل ما لم تبلغ الزيادة ركعة(1).
ح - يجوز عدّ الركعات و التسبيحات بأصابعه، أو بشيء يكون معه من الحصى، و النوى
إذا لم يتلفظ به، و لا كراهة فيه - و به قال مالك، و الثوري، و إسحاق، و أبو ثور، و ابن أبي ليلى، و النخعي(2) - لأن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله كان يسبّح ثلاث تسبيحات(3) ، و ذلك إنما يكون بالعدد.
و قال أبو الدرداء: إني لأدعو في صلاتي لسبعين رجلا من إخواني(4) ، و علّم النبيّ صلّى اللّه عليه و آله العباس صلاة التسبيح، و أمره في كل ركن بتسبيحات مقدرة(5) ، و ليس ذلك بعقد القلب لاشتغاله به عن الخشوع فلا بدّ و أن يكون بعقد الأصابع.
و قال أبو حنيفة: يكره - و به قال محمد(6) - لأنه ليس من الصلاة.
و قال أبو يوسف: لا بأس به في التطوع(7). و قال الشافعي: تركه أحب إليّ(8).
ط - الأكل و الشرب مبطلان
لأنهما فعل كثير إذ تناول المأكول و مضغه1.
ص: 292
و ابتلاعه أفعال متعددة، و كذا المشروب، و به قال الشافعي، و أبو حنيفة(1).
و حكي عن سعيد بن جبير أنه شرب الماء في صلاته النفل(2) ، و عن طاوس أنه قال: لا بأس بشرب الماء في صلاة النافلة(3) - و به قال الشيخ في الخلاف(4) - لأن الأصل الإباحة. و هو ممنوع، و منع الشافعي من ذلك في النافلة و الفريضة(5).
و استدلّ الشيخ(6) بقول الصادق عليه السلام، إني أريد الصوم و أكون في الوتر فأعطش، فأكره أن أقطع الدعاء و أشرب، و أكره أن أصبح و أنا عطشان و أمامي قلة بيني و بينها خطوتان، أو ثلاثة قال: «تسعى إليها و تشرب منها حاجتك و تعود في الدعاء»(7).
و يحتمل الاقتصار على ذلك للحاجة فيختص الترخص بالوتر مع إرادة الصوم و خوف العطش و كونه في دعاء الوتر، و قال الشافعي: إن قليله مبطل لأنه إعراض، و له وجه: أنه غير مبطل(8).
و لو كان في فيه شيء من الطعام، أو بين أسنانه فازدرده لم تنقطع صلاته إذا كان يمر مع الريق من حيث لا يملكه بلا مضغ، و لا علك،5.
ص: 293
و للشافعية في امتصاص سكرة من غير مضغ وجهان، و أقواهما: البطلان(1) لأن الإمساك شرط في الصلاة كما هو في الصوم بل الصلاة آكد فإن الكلام يبطلها بخلاف الصوم.
و لو أكل ناسيا لم تبطل صلاته و إن كثر، و أبطلها الشافعي مع الكثرة في أصح الوجهين(2) ، و لو كان مغلوبا بأن نزلت النخامة و لم يقدر على إمساكها لم تبطل صلاته إجماعا، و لو كان في فمه شيء لا يذوب صحت صلاته إن لم تمنعه القراءة.
لأن الاستقبال شرط و الالتفات بكلّه مفوت لشرطها، و لقول الباقر عليه السلام: «إذا استقبلت القبلة بوجهك فلا تقلب وجهك عن القبلة فتفسد صلاتك، إن اللّه تعالى يقول لنبيه في الفريضة فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَ حَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ (3)(4) و قال الباقر عليه السلام: «الالتفات يقطع الصلاة إذا كان بكلّه»(5).
و يكره الالتفات بوجهه يمينا و شمالا، و ليس بمحرم لدلالة مفهوم قول الباقر عليه السلام: «إذا كان بكله»(6) و مفهوم قول الصادق عليه السلام: «إذا التفت في صلاة المكتوبة من غير فراغ فأعد إذا كان الالتفات فاحشا، و إن كنت قد تشهدت فلا تعد»(7).
ص: 294
و قال بعض الحنفية: تبطل(1) لرواية عبد اللّه بن سلام عن النبي صلى اللّه عليه و آله: (لا تلتفتوا في صلاتكم فإنه لا صلاة لملتفت)(2) - و عبد اللّه ضعيف - و نقول بموجبه فإن الالتفات هنا يراد به الالتفات بالجميع، و لأن نفي الصلاة لا يستلزم نفي جميع الأحكام فيحمل على نفي الفضيلة.
و هو وضع اليمين على الشمال في القراءة عند علمائنا لإجماع الفرقة عليه - قاله الشيخ و المرتضى(3) - و لأنه فعل كثير فيكون مبطلا، و لأنه أحوط لوقوع الخلاف فيه دون الإرسال، و لقول الباقر عليه السلام: «النحر الاعتدال في القيام أن يقيم صلبه.. و لا تكفّر، إنما يصنع ذلك المجوس»(4) و سأل محمد بن مسلم أحدهما عليهما السلام عن الرجل يضع يده في الصلاة اليمنى على اليسرى، فقال: «ذلك التكفير لا تفعله»(5).
و قال الشافعي، و أبو حنيفة، و سفيان، و أحمد، و إسحاق، و أبو ثور، و داود: إنّ وضع اليمين على الشمال مسنون مستحب(6) إلاّ أن الشافعي قال: وضع اليمين على الشمال فوق السرّة(7). و قال أبو حنيفة: تحت
ص: 295
السرّة. و هو مذهب أبي هريرة(1) ، و عن مالك روايتان: إحداهما مثل قول الشافعي، و الثانية: الإرسال(2) و روي عنه أيضا أنه يفعل ذلك في النافلة إذا طالت فإن لم تطل لم يفعل فيها و لا في الفرض(3).
و قال الليث بن سعد: إن أعيى فعل و إن لم يعي لم يفعل(4) ، و روى ابن المنذر عن ابن الزبير: أنه كان يرسل يديه، و هو مروي عن الحسن، و ابن سيرين، و النخعي(5) ، و قال الأوزاعي: من شاء فعل و من شاء ترك(6).
و احتجوا برواية وائل بن حجر قال: رأيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إذا دخل في الصلاة يأخذ شماله بيمينه(7) ، و لا حجة فيه لعدم الدلالة، و لوقوع الخلاف في مضمونها بينهم فدل على ضعفها.
أ - يجوز فعل ذلك للتقية.
ب - قال الشيخ: لا فرق بين وضع اليمين على الشمال و بالعكس،
و لا
ص: 296
فوق السرة، و لا تحتها(1).
ج - لا فرق في المنع بين أن يكون بينهما حائل أو لا،
و في تحريم وضع الكف على الساعد إشكال ينشأ من إطلاق اسم التكفير عليه، و من أصالة الإباحة.
د - قال الشيخ في الخلاف: لا يجوز التطبيق في الصلاة
- و هو أن يطبّق إحدى يديه إلى الأخرى و يضعهما بين ركبتيه - و به قال جميع الفقهاء، و أوجبه ابن مسعود، و احتج الشيخ بالإجماع، و خلاف ابن مسعود منقرض(2).
أ - نفخ موضع السجود، لما فيه من الاشتغال عن الصلاة، و تأذي المجاور، و لقوله عليه السلام: (أربع من الجفاء: أن ينفخ في الصلاة، و أن يمسح وجهه قبل أن ينصرف من الصلاة، و أن يبول قائما، و أن يسمع المنادي فلا يجيبه)(3).
و من طريق الخاصة قول الصادق عليه السلام و قد سئل الرجل ينفخ في الصلاة، قال: «لا»(4) ، و ليس للتحريم لقول الصادق عليه السلام: «لا
ص: 297
بأس بالنفخ في الصلاة موضع السجود ما لم يؤذ أحدا»(1).
ب - فرقعة الأصابع، لقوله عليه السلام لعلي عليه السلام: (لا تفرقع أصابعك و أنت تصلّي)(2) و من طريق الخاصة قول الصادق عليه السلام:
«إذا قمت إلى الصلاة فاعلم أنك بين يدي اللّه، فإن كنت لا تراه فاعلم أنه يراك، فأقبل قبل صلاتك و لا تمتخط، و لا تبصق، و لا تنقض أصابعك، و لا تورك فإن قوما عذّبوا بنقض الأصابع، و التورك في الصلاة»(3).
ج - العبث، لما فيه من الاشتغال عن الصلاة، و ترك الخشوع.
د - التثاؤب.
ه - التمطي، لما فيها من الاستراحة و تغيير هيئة الصلاة المشروعة.
و - التنخم.
ز - البصاق لأنه عليه السلام كان يأخذ النخامة في ثوبه و هو يصلي(4).
ح - مدافعة الأخبثين و الريح لما فيه من الاشتغال عن الصلاة، و لقول الصادق عليه السلام: «إن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال: لا تصل و أنت تجد شيئا من الأخبثين»(5) و قال عليه السلام: «لا صلاة لحاقن و لا لحاقنة»(6).
ط - لبس الخف الضيق لما يحصل معه من الشغل عن الصلاة.
ي - التورك - و هو أن يعتمد بيديه على وركيه و هو التخصر - لأن النبيّ2.
ص: 298
صلّى اللّه عليه و آله نهى عن التخصر في الصلاة(1) ، و من طريق الخاصة قول الصادق عليه السلام: «و لا تورك»(2).
يا - السدل - و به قال أبو حنيفة، و الشافعي(3) - لما فيه من الخيلاء، و لم يكرهه مالك(4) ، و معناه وضع الثوب على الرأس أو الكتف، و إرسال طرفيه.
لقوله تعالى وَ لا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ (5) و يجوز للحاجة كما لو رأى دابة له انفلتت، أو غريما يخاف فوته، أو مالا يخاف ضياعه، أو غريقا يخاف هلاكه، أو طفلا يخاف سقوطه لئلا يلحقه الضرر و هو منفي.
و لقول الصادق عليه السلام: «إذا كنت في صلاة الفريضة فرأيت غلاما لك قد أبق، أو غريما لك عليه مال، أو حية تخافها على نفسك فاقطع الصلاة و اتبع الغلام أو الغريم، و اقتل الحية»(6).
و سأله سماعة عن الرجل يكون قائما في صلاة الفريضة فينسى كيسه، أو متاعا يتخوف ضيعته أو هلاكه، قال: «يقطع صلاته، و يحرز متاعه، ثم يستقبل الصلاة» قلت: فيكون في الصلاة فتفلت دابته و يخاف أن تذهب، أو
ص: 299
يصيب منها (عنتا)(1) ؟ قال: «لا بأس أن يقطع صلاته»(2).
حيوانا كان أو إنسانا، ذكرا كان أو أنثى، ذهب إليه علماؤنا أجمع - و به قال عروة، و الشعبي، و الثوري، و مالك، و الشافعي، و أصحاب الرأي(3) - لقول رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: «لا يقطع الصلاة شيء»(4).
و قال الفضل بن عباس: أتانا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و نحن في بادية فصلى في صحراء ليس بين يديه سترة، و حمارة لنا و كلبة تعبثان بين يديه، فما بالي ذلك(5) ، و قالت عائشة: كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يصلي صلاته من الليل كلها و أنا معترضة بينه و بين القبلة(6).
و من طريق الخاصة قول الصادق عليه السلام: «لا يقطع الصلاة شيء كلب، و لا حمار، و لا امرأة، و لكن استتروا بشيء»(7) و سأل ابن أبي يعفور الصادق عليه السلام عن الرجل هل يقطع صلاته شيء مما يمر به ؟ قال: «لا يقطع صلاة المسلم شيء، و لكن ادرءوا ما استطعتم»(8).
ص: 300
و قال أحمد: يقطعها الكلب الأسود، و المرأة، و الحمار(1) لأن أبا هريرة قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: (يقطع الصلاة المرأة، و الحمار، و الكلب)(2) و هو منسوخ بما تقدم من الأحاديث للإجماع على نسخ حكم المرأة.
أ - لو جعل بينه و بين ما يمر به حاجزا زالت الكراهة،
قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: (إذا وضع أحدكم بين يديه مثل مؤخرة الرحل فليصلّ، و لا يبالي ما وراء ذلك)(3).
و من طريق الخاصة قول الصادق عليه السلام «كان رحل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ذراعا، و كان إذا صلى وضعه بين يديه يستتر به ممن يمرّ بين يديه»(4).
ب - لو لم يتفق له سترة استحب له دفع المار بين يديه
لقوله عليه السلام: (لا يقطع الصلاة شيء، فادرؤا ما استطعتم)(5) ، و كذا قول الصادق عليه السلام(6).
ج - لا فرق بين فرض الصلاة و نفلها إجماعا.
د - لو كان الكلب واقفا بين يديه لم تبطل صلاته
على قولنا، و عن
ص: 301
أحمد روايتان: إحداهما: البطلان لشبهه بالمارّ(1).
و لو عرض الرعاف في الصلاة أزاله و أتم الصلاة ما لم يحتج إلى فعل كثير، أو كلام، أو استدبار لأن ذلك ليس بناقض للطهارة، و هو إجماع منّا، و الأصل يعطيه.
لكن لا جهر عليها، و لا أذان، و لا إقامة، فإن أذنت و أقامت خافتت فيهما.
و يستحب لها اعتماد ما رواه زرارة، قال: «إذا قامت المرأة في الصلاة جمعت بين قدميها، و لا تفرج بينهما، و تضم يديها إلى صدرها لمكان ثدييها، فإذا ركعت وضعت يديها فوق ركبتيها على فخذيها لئلا تتطأطأ كثيرا، فإذا جلست فعلى أليتيها كما يقعد الرجل، فإذا سقطت للسجود بدأت بالقعود و بالركبتين قبل اليدين، ثم تسجد لاطئة بالأرض، و إذا كانت في جلوسها ضمت فخذيها و رفعت ركبتيها، فإذا نهضت انسلّت انسلالا لا ترفع عجيزتها أوّلا»(2).
و في رواية ابن أبي يعفور عن الصادق عليه السلام، قال: «إذا سجدت المرأة بسطت ذراعيها»(3) و بهذا قال الشافعي أيضا(4) ، و قال أبو حنيفة: تجلس كأستر ما يكون(5). و قال الشعبي: تجلس كما يتيسر عليها(6). و كان ابن عمر يأمر نساءه أن يجلسن متربعات(7).
ص: 302
في أحكام السهو، و فيه مباحث:
سواء كان شرطا كالطهارة، و الاستقبال، و ستر العورة، أو جزءا منها، سواء كان ركنا كالركوع، أو غيره كالتسبيح فيه، أو كيفية كالطمأنينة. و سواء كان عالما، أو جاهلا لأن الإخلال بالشرط يستلزم الإخلال بالمشروط، فلو صحت بدونه لم يكن ما فرضناه شرطا بشرط، هذا خلف.
و الإخلال بجزء من الماهية يستلزم الإخلال بها لتوقف وجود المركب على وجود أجزائه فلا يكون المخلّ ببعض الأجزاء آتيا بالصلاة المأمور بها شرعا، فيبقى في عهدة التكليف عدا الجهر و الإخفات، فقد عذر الجاهل فيهما بالإخلال بهما باتفاق الموجبين له لقول الباقر عليه السلام في رجل جهر فيما لا ينبغي الجهر فيه، أو أخفى فيما لا ينبغي الإخفاء فيه، فقال: «إن فعل ذلك متعمدا فقد نقض صلاته، و عليه الإعادة، فإن فعل ذلك ناسيا، أو ساهيا و لا يدري فلا شيء عليه»(1) و كذا لو فعل شيئا لا يجوز فعله في الصلاة عمدا بطلت صلاته كالكلام و شبهه و قد تقدم.
و لو جهل غصبية الثوب الذي يصلّي فيه، أو المكان، أو نجاسة
ص: 303
الثوب، أو البدن، أو موضع السجود فلا إعادة، و لو توضأ بماء مغصوب مع علم الغصبية و صلّى أعاد الطهارة و الصلاة، و لو جهل الغصبية لم يعد إحداهما، و لا يعذر جاهل الحكم، و لا الناسي على إشكال ينشأ من إلحاقه بالعامد، و بالنجس إن قلنا بالعذر فيه.
و لو لم يعلم أن الجلد ميتة و صلى فيه ثم علم لم يعد إذا كان في يد مسلم غير مستحل، أو شراه من سوق المسلمين، فإن أخذه من غير مسلم أو منه و كان مستحلا، أو وجده مطروحا أعاد لأصالة الموت، و لو لم يعلم أنه من جنس ما يصلّى فيه أعاد لتفريطه.
و قد عرفت أن الركن هو ما تبطل بتركه الصلاة عمدا و سهوا.
و اختلف علماؤنا في عدد الأركان فالمشهور أنها خمسة: النية، و القيام، و تكبيرة الافتتاح، و الركوع، و مجموع السجدتين في ركعة، و أسقط بعضهم القيام(1) ، و أثبت آخرون مع الخمسة القراءة(2).
و في كون النيّة من الأركان أو الشروط احتمال من حيث انها تتعلق بالصلاة فتكون خارجة عنها و إلاّ لتعلقت بنفسها، و من إمكان تعلقها بسائر الأركان و هي من الصلاة.
هذا إذا تجاوز المحل كما لو سها عن القيام حتى نوى، أو عن النيّة حتى كبّر للإحرام، أو عن تكبيرة الإحرام حتى قرأ، أو عن الركوع حتى سجد، أو عن السجدتين حتى ركع؛ لقول الكاظم عليه السلام: «يعيد الصلاة» لما سئل عن الرجل ينسى التكبيرة حتى قرأ(3).
ص: 304
أما لو كان في محله فإنه يأتي به لإمكانه على وجه لا يخل بهيئة الصلاة، و لقول الصادق عليه السلام لمّا سأله أبو بصير عن رجل يشك و هو قائم فلا يدري ركع أم لم يركع، قال: «يركع و يسجد»(1).
و عند الشافعية أن الصلاة تشتمل على أركان و أبعاض و هيئات، فالركن ما إذا تركه عمدا بطلت صلاته، و إن تركه سهوا لزمه العود إليه و لا يجبر بالسجود، و هي خمسة عشر:
النية، و التكبير، و القيام، و القراءة، و الركوع و الاعتدال عنه، و الرفع و الاعتدال عنه، و السجود و الاعتدال عنه، و الجلسة بين السجدتين، و القعود للتشهد الأخير، و قراءة التشهد الأخير، و الصلاة على الرسول صلّى اللّه عليه و آله في الأخير، و التسليم الأول، و مراعاة الترتيب بين الأركان، و الموالاة بين الأفعال حتى لو فرقها لم تصح صلاته.
و زاد بعضهم: الطمأنينة في الركوع و السجود، و الصلاة على الآل عليهم السلام، و نيّة الخروج عن الصلاة.
و أما الأبعاض فهي التي لا تبطل الصلاة بتركها و لكنها تقتضي السجود، و هي القنوت في صلاة الصبح، و القعود في التشهّد الأول، و قراءة التشهد الأول، و الصلاة على النبيّ في التشهّد الأول على قول، و الصلاة على آله في الأخير في وجه.
و أما الهيئات فما عدا ذلك، و لا يقتضي تركها بطلان الصلاة، و لا سجود السهو(2).
ص: 305
سهوا عند أكثر علمائنا(1) فلو نسي ركوع الأولى، أو الثانية، أو الثالثة، أو الرابعة بطلت صلاته، و كذا لو ترك سجدتين من ركعة واحدة أيها كانت لأنه أخلّ بركن من الصلاة حتى دخل في آخر فسقط الثاني، فلو أعاد الأول لزاد ركنا، و لو لم يأت به نقص ركنا، و كلاهما مبطل، و لأن الزائد لا يكون من الصلاة و هو فعل كثير فيكون مبطلا.
و لقول الصادق عليه السلام: «إذا أيقن الرجل أنه ترك ركعة من الصلاة و قد سجد سجدتين، و ترك الركوع استأنف الصلاة»(2) و سئل عليه السلام عن الرجل ينسى الركوع حتى يسجد، و يقوم، قال: «يستقبل»(3).
و قال الشيخ: إن كان في الأولتين أبطل الصلاة، و إن كان في الأخيرتين حذف الزائد و أتى بالفائت فيلفّق فلو ترك الركوع في الثالثة حتى سجد سجدتيها أسقطهما و ركع و أعاد السجدتين، و كذا لو ترك سجدتيها حتى ركع في الرابعة أسقط الركوع و سجد للثالثة، ثم أتى بالرابعة(4) لقول الباقر عليه السلام في رجل شك بعد ما سجد أنه لم يركع، قال: «إذا استيقن فليلق السجدتين اللتين لا ركعة فيهما، و يبني على صلاته، و إن لم يستيقن إلاّ بعد ما فرغ و انصرف فليصل ركعة و يسجد سجدتين و لا شيء عليه»(5).
و هو معارض بالأحاديث الكثيرة، و يحمل على النافلة جمعا بين الأدلة، و بعض علمائنا(6) يلفق مطلقا لا يعتد بالزيادة.9.
ص: 306
- و على مذهب الشيخ أيضا(1) - لاحتمال أن يكون من الأوّلتين، و لو تيقن سلامتهما أضاف إليهما ركعة، و على مذهب من يلفق مطلقا يضيف إليها ركعة.
و لو ترك سجدتين و لم يدر من أي الأربع أعاد على ما اخترناه مطلقا، و كذا على قول الشيخ(2) ، إلاّ أن يتحقق سلامة الأولتين فتصير الرابعة ثالثة و يتمم بركعة و يسقط حكم الركوع المتخلل لأنه وقع سهوا، و على المذهب الآخر يتم له ثلاث ركعات و يضيف إليها ركعة.
و لو لم يعلم هل هما من ركعة أو ركعتين أعاد مراعاة للاحتياط.
لما فيه من تغيير هيئة الصلاة إلا زيادة القيام سهوا، فلو زاد ركوعا أو سجدتين دفعة أعاد، و لأنه فعل كثير فتبطل الصلاة، و لقول الصادق عليه السلام في رجل صلّى و ذكر أنه زاد سجدة: «لا يعيد الصلاة من سجدة و يعيدها من ركعة»(3).
و قال الشافعي، و أحمد، و أبو حنيفة: لا يعيد لو زاد سهوا بل يسجد للسهو(4) لأن النبي صلّى اللّه عليه و آله الظهر خمسا، فلمّا قيل له سجد للسهو(5).
و نمنع تطرق السهو إلى النبيّ صلّى اللّه عليه و آله، سلّمنا لكن جاز أن
ص: 307
يكون قعد بعد الرابعة، سلّمنا لكن يحتمل أنه لم يكن يظن قولهم بل حدث عنده شك، و الشك في الزيادة لا يبطل بل يسجد للسهو.
عند علمائنا أجمع.
و إن كان قد جلس عقيب الرابعة بقدر التشهّد صحّت صلاته و تشهّد، و سلّم، و سجد للسهو عند بعض علمائنا(1) - و به قال أبو حنيفة(2) - لأن أبا سعيد الخدري قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: (إذا شك أحدكم في صلاته فليلغ الشك، و ليبن على اليقين، و إذا استيقن التمام سجد سجدتين فإن كانت الصلاة تامة كانت الركعة نافلة له و السجدتان، و إن كانت ناقصة كانت الركعة تماما لصلاته و كانت السجدتان مرغمتي الشيطان)(3).
و من طريق الخاصة قول الباقر عليه السلام في رجل استيقن أنه صلّى الظهر خمسا فقال: «إن كان علم أنه جلس في الرابعة فصلاته الظهر تامة و يضيف إلى الخامسة ركعة و يسجد سجدتين فيكونان نافلة و لا شيء عليه»(4). و لأن نسيان التشهّد غير مبطل، فإذا جلس قدر التشهد يكون قد فصل بين الفرض و الزيادة.
أما إذا لم يجلس عقيب الرابعة فإن النافلة قد اختلطت بالفرض فصار جميعه نفلا، و مع الجلوس يكون قد خرج من الصلاة لأن التشهد ليس بركن
ص: 308
و التسليم ليس بواجب، و لقول الصادق عليه السلام: «من زاد في صلاته فعليه الإعادة»(1) و لأنها زيادة مغيّرة لهيئة الصلاة فتكون مبطلة.
و قال الشافعي: يسجد للسهو و تصح صلاته مطلقا - و به قال الحسن البصري، و عطاء، و الزهري، و مالك، و الليث بن سعد، و الأوزاعي، و أحمد، و إسحاق، و أبو ثور(2) - لأن عبد اللّه بن مسعود قال: صلّى بنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله خمسا فلمّا انفتل تشوش القوم بينهم فقال: (ما شأنكم ؟) قالوا: يا رسول اللّه هل زيد في الصلاة ؟ قال: (لا) قالوا: فإنك قد صليت خمسا، فانفتل فسجد سجدتين ثم سلّم ثم قال: (إنّما أنا بشر أنسى كما تنسون)(3) و هذا لا يصح على ما بيّناه في علم الكلام من عصمة النبي صلّى اللّه عليه و آله عن السهو(4).
أ - لو ذكر الزيادة قبل الركوع جلس، و تشهد، و سلم، و سجد للسهو
- و به قال الشافعي، و أبو حنيفة، و مالك، و أحمد(5) - لأنه لم يأت بركن يغيّر هيئة الصلاة.
ب - لو ذكر الزيادة بعد السجود
و كان قد جلس بعد الرابعة احتمل أن يضيف إلى الخامسة ركعة و يسجد سجدتين و تكون نافلة، لقول الباقر عليه السلام: «و يضيف إلى الخامسة ركعة، و يسجد سجدتين فتكونان نافلة(6) ،
ص: 309
و به قال أبو حنيفة(1) ، و يحتمل التسليم و يسجد للسهو و يلغي الركعة إذا لم يقصد النفل بها.
ج - لو ذكر الزيادة بعد الركوع قبل السجود احتمل الجلوس، و التشهد، و التسليم، و يسجد للسهو
لأنه لو أكمل الركعة فعل ذلك ففي بعضها أولى، و البطلان لأنّا إن أمرناه بالسجود زاد ركنا آخر، و إن لم نأمره زاد ركوعا غير معتد به بخلاف الركعة لصلاحيتها للنفل، و يحتمل إتمامها و إضافة أخرى، و يسجد للسهو كما لو كان بعد السجدة.
أما الشافعي فقال: إن ذكر في الخامسة فإن كان بعد ما جلس و تشهد فإنه يسجد للسهو و يسلّم، و إن ذكر بعد ما سلّم فكذلك، و إن ذكر قبل أن يجلس بأن يذكر في القيام إليها، أو الركوع، أو السجود، فإن كان لم يتشهد في الرابعة جلس و تشهد و سجد للسهو و سلّم، و إن كان تشهد في الرابعة جلس و سجد للسهو و سلم(2) ، و في إعادة التشهد قولان(3).
د - لو ذكر الزيادة بعد السجود فقد بيّنا أنها تبطل
إن لم يكن جلس عقيب الرابعة بقدر التشهد، و به قال أبو حنيفة إلاّ أن أبا حنيفة قال: تبطل فرضا و تكون نافلة فيضيف إليها سادسة(4) ، و هو ممنوع إذا لم يقصد النفل.
صلاته، كما لو سلّم في الأولتين من الرباعية، أو الثلاثية، أو تشهد في الاولى من الثنائية و سلّم ناسيا، ثم أحدث أو استدبر، لأن ذلك يبطل صلاة المصلّي حقيقة فكيف من هو في حكمه ؟! و لأنه لا يمكن الإتيان بالفائت من غير خلل في هيئة الصلاة، و لأنه قد فعل المنافي للصلاة فلا يصح معه الإتمام.
و لقول أحدهما عليهما السلام: «إذا حوّل وجهه عن القبلة استقبل الصلاة استقبالا»(1) و لقول الصادق عليه السلام: «إن كنت انصرفت فعليك الإعادة»(2).
و إن كان بعد فعل المبطل عمدا كالكلام فللشيخ قولان: أحدهما:
الإتمام و يسجد للسهو(3) - و به قال الشافعي، و مالك، و الأوزاعي، و أحمد، و إسحاق، و أبو ثور(4) - لحديث ذي اليدين(5).
و من طريق الخاصة قول الباقر عليه السلام في الرجل يتكلم ثم يذكر أنه لم يتم صلاته، قال: «يتم ما بقي من صلاته، و لا شيء عليه»(6).
و قال أبو حنيفة: يعيد مع الكلام(7) و هو الثاني للشيخ(8) لقوله عليه1.
ص: 311
السلام: «إن صلاتنا هذه لا يصلح فيها شيء من كلام الآدميين»(1) و نحن نقول بموجبه إذ الظاهر حمله على العمد.
أ - لو فعل المبطل عمدا على وجه السهو و تطاول الفصل، ظاهر كلام علمائنا: عدم البطلان
- و به قال الأوزاعي، و الليث، و يحيى الأنصاري(2) - لأن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في ثلاث ركعات من العصر ثم قام فدخل الحجرة فقام رجل بسيط اليدين فقال: أ قصرت الصلاة يا رسول اللّه ؟ فخرج مغضبا فصلّى الركعة التي كان ترك، ثم سلّم، ثم سجد سجدتي السهو، ثم سلّم(3) و هو عندنا ممنوع.
و قال الشافعي: إن طال الفصل استأنف الصلاة - و به قال مالك، و أحمد - لأنها صلاة واحدة فلم يجز بناء بعضها على بعض في طول الفصل كما لو انتقض الوضوء(4) و لا بأس عندي بهذا القول لخروجه عن كونه مصليا.
ب - إن قلنا بالأخير رجع في حد التطاول إلى العرف
- و هو ظاهر كلام الشافعي في الأم - (5) و اختلفت الشافعية، فقال بعضهم: حدّه ما زاد على فعل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله(6) فإنه بعد ما سلم قام و مشى إلى مقدم المسجد و جلس و راجعه ذو اليدين فسأل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله الصحابة عن الحال فأخبروه فعاد إلى الصلاة(7).
ص: 312
و قال آخرون: أن يمضي مقدار ركعة تامة، و هو قول الشافعي في البويطي(1) ، و قال آخرون: مقدار الصلاة التي هو فيها(2) و هو غلط لأدائه إلى اختلاف التطاول باختلاف عدد الصلوات.
ج - لو ذكر بعد أن شرع في صلاة أخرى فإن طال الفصل بطلت الاولى و صحت الثانية،
و إن لم يطل الفصل عاد إلى الأولى فأتمها، و به قال الشافعي(3) و يحتمل البطلان لأنه زاد ركنا هو النية، و التكبير و هو مبطل، و إن كان سهوا، و يمكن الجواب بأنه ليس ركنا في تلك الصلاة فلا يبطلها.
و هل تبنى الثانية على الاولى ؟ يحتمل ذلك فيجعل ما شرع فيه من الصلاة الثانية تمام الاولى فيكون وجود السلام كعدمه لأنه سهو معذور فيه، و يحتمل بطلان الثانية، لأنها لم تقع بنيّة الاولى فلا تصير بعد عدمه منها، فحينئذ لا فرق بين أن يكون ما شرع فيه ثانيا فرضا أو نفلا، أما على احتمال البناء، فقال بعض الشافعية: إن كان فرضا صح له البناء بخلاف النافلة لأنه لا يتأدى الفرض بنية النفل.
و لو نوى المسافر القصر فصلى أربعا ناسيا ثم نوى الإقامة لم يحتسب له بالركعتين، و عليه أن يصلي ركعتين بعد نية الإتمام، لأن وجوب الركعتين بعد الفراغ من الزائدتين، فلم يعتد بهما، و على ما اخترناه نحن إن كان جلس عقيب الركعتين صحت صلاته و إلاّ فلا.
د - إذا أراد أن يبني على صلاته لم يحتج إلى النية،
و لا إلى التكبير لأن التحريمة الأولى باقية فلو كبر و نوى الافتتاح بطلت صلاته.1.
ص: 313
ه - لو كان قد قام عن موضعه لم يعد إليه
بل يبني على الصلاة في الموضع الذي ذكر فيه، لأن عوده إلى مكان الصلاة ليس من مصلحتها.
و - لو شك بعد أن سلم هل ترك بعض الركعات أم لا؟ لم يلتفت إليه
لأنه قد شك في شيء بعد انتقاله عنه فلا يؤثر فيه، و إلاّ لزم الحرج لتطرق الشك دائما في الصلوات الماضية، و الأصل صحة الصلاة، و هو قول الشافعي في القديم، و في الجديد: يلزمه إتمام الصلاة لأنها في الذمة بيقين فلا يبرأ بدونه، فإن كان الفصل قريبا بنى، و إن طال استأنف(1).
ز - لو سلّم عن ركعتين، فقال له إنسان: سلّمت عن ركعتين فإن تداخله شك احتمل عدم الالتفات
عملا بالأصل، و الإتمام، لأن إخبار المسلم على أصل الصحة.
و لو اشتغل بجوابه فلم يذكر فأراد العود إلى صلاته جاز لأن الكلام وقع ناسيا، و منعت الشافعية منه، أما لو لم يتداخله شك فأجابه، و قال: بل أتممت، ثم ذكر النقصان فإنه يبني عندهم أيضا لخبر ذي اليدين(2).
فإن كان في الثنائية كالصبح، و صلاة المسافر، و الجمعة، و العيدين، و الكسوف، أو في الثلاثية كالمغرب، أو في الأوليين من الرباعية أعاد عند علمائنا.
و إن كان في الأخيرتين من الرباعية احتاط بما يأتي.
ص: 314
و لم يفرق أحد من الجمهور بين الصلوات بل سوّوا بينها في الحكم(1) - و هو قول الصدوق منا(2) - و الحق ما قلناه، لأنّ الصلاة في الذمة بيقين فلا يخرج عن العهدة بدونه، و لأنّه إن أمر بالانفصال احتمل النقصان و هو مبطل قطعا، و إن أمر بالإتمام احتملت الزيادة و هي مبطلة قطعا فيكون المأتي به مترددا بين الصحة و البطلان فلا يبرأ عن عهدة التكليف.
و لا ينتقض بالأخيرتين لأن عناية الشارع بالأولتين أتم، و لهذا سقطت الأخيرتان في السفر، و لقول الصادق عليه السلام و قد سأله العلاء عن الشك في الغداة: «إذا لم تدر واحدة صليت أم اثنتين فأعد الصلاة من أولها»(3) ، و سأل محمد بن مسلم أحدهما عليهما السلام عن السهو في المغرب، قال:
«يعيد حتى يحفظ أنها ليست مثل الشفع»(4).
و قال الصادق عليه السلام: «إذا لم تحفظ الركعتين الأولتين فأعد صلاتك»(5) و سأله العلاء عن الرجل يشك في الفجر فقال عليه السلام:
«يعيد» قلت: و المغرب، قال: «نعم، و الوتر و الجمعة» من غير أن أسأله(6).
و احتجاج الصدوق بقول الكاظم عليه السلام في الرجل لا يدري صلّى5.
ص: 315
ركعة أو ركعتين ؟: «يبني على الركعة»(1) محمول على النوافل لأنها مطلقة، و ما قلناه مقيد.
أ - لو شك في جزء منهما لا في عدد كالركوع، أو السجود، أو الذكر فيهما، أو الطمأنينة، أو القراءة كان حكمه حكم الشك في غيرهما
- و سيأتي - عند أكثر علمائنا(2) لأصالة البراءة، و قال الشيخان: يعيد(3) لقول الصادق عليه السلام: «إذا لم تحفظ الأولتين فأعد صلاتك»(4) و المشهور الأول، و تحمل الرواية على العدد.
ب - لا فرق عند علمائنا بين الركن و غيره
من الواجبات بل أوجب الشيخان الإعادة بالشك في الجزء من الأولتين مطلقا(5) و الباقون على الصحة مطلقا(6) و ليس بعيدا من الصواب الفرق بين الركن و غيره، لأن ترك الركن سهوا مبطل كعمده فالشك فيه في الحقيقة شك في الركعة إذ لا فرق بين الشك في فعلها و عدمه، و بين الشك في فعلها على وجه الصحة و البطلان.
ج - هل الشك في أجزاء ثالثة المغرب و كيفياتها الواجبة كالشك في الأولتين أو في الأخيرتين ؟
لم ينص علماؤنا على شيء منهما و كلاهما يحتمل لإجراء الثالثة مجرى الثانية في الشك عددا فكذا كيفية للمساواة في طلب المحافظة عليها، و عدم التنصيص الثابت في الأولتين.
ص: 316
د - لو شك في ركعات الكسوف أعاد
على قول الشيخ، و على ما اخترناه من الفرق بين الركن و غيره، أما على قول الباقين فإنه يأتي به لأنه لم يتجاوز محله إن شك في العدد مطلقا أو في الأخير، أما لو شك في سابق كما لو شك هل ركع عقيب قراءة التوحيد - مثلا و كان قد قرأها - أو لا فإنه لا يلتفت لانتقاله عن محله.
ه - لو شك في عدد الثنائية ثم ذكر قبل فعل المبطل أتم صلاته
على ما ذكره و إلاّ بطلت.
إذ لا طريق له إلى براءة ذمته إلاّ ذلك، و لقول الصادق عليه السلام: «إذا لم تدر في ثلاث أنت أم في اثنتين، أم في واحدة، أو أربع فأعد، و لا تمض على الشك»(1) و قول الكاظم عليه السلام: «إذا لم تدر كم صليت و لم يقع و همك على شيء فأعد الصلاة»(2).
مثل أن يشك في النيّة و قد كبّر، أو في تكبيرة الافتتاح و قد قرأ، أو في القراءة و قد ركع، أو في الركوع و قد سجد، أو في السجود، أو التشهد و قد قام - و إن كان في محلّه لم يتجاوز عنه فإنّه يأتي به - لأنّ الأصل - بعد التجاوز - الفعل؛ إذ العادة قاضية بأن الإنسان لا ينتقل عن فعل إلاّ بعد إكماله. و لأنّ اعتبار الشك بعد الانتقال حرج؛ لعروضه غالبا.
و لقول الصادق عليه السلام: «إذا خرجت من شيء و دخلت في غيره فشكّك ليس بشيء»(3).
ص: 317
أما في المحل فإن الأصل عدم الفعل، و الإتيان به ممكن من غير خلل و لا تغيير لهيئة الصلاة، و لقول الصادق عليه السلام: «يركع و يسجد» لمّا سأله أبو بصير عن رجل شك و هو قائم فلا يدري ركع أم لم يركع(1).
و قال الشافعي: لو شك الراكع في ترك القراءة، أو الساجد في ترك الركوع فعليه أن يعود في الوقت إلى ما شك في فعله لأنّ الفرض قد توجه عليه فلا يسقط إلاّ بيقين(2). و نمنع التوجه مطلقا.
إذا ثبت هذا فإن ذكر أنه كان قد فعله قبل أعاد الصلاة إن كان ركنا كالركوع و السجدتين لأن زيادته مطلقا مبطلة، و إن لم يكن ركنا كالسجدة الواحدة، و التشهد، و القراءة لم يعد لعدم الإبطال بسهوه، و لقول الصادق عليه السلام: «لا يعيد الصلاة من سجدة، و يعيدها من ركعة»(3).
أ - لو شك في الركوع و هو قائم فأتى به ثم ذكر أنه كان قد ركع قبل أن ينتصب أعاد
- و به قال ابن أبي عقيل منّا(4) - لأن الركوع الانحناء و قد وجد فيكون قد زاد ركنا و صار كما لو ذكر بعد الانتصاب.
و قال الشيخ، و المرتضى: يهوي للسجود و لا يرفع رأسه لأن ركوعه مع هويه لازم فلا يعد زيادة(5). و هو ممنوع لأن مسمّى الركوع و هو الانحناء قد حصل، و الرفع ليس جزءا منه بل انفصال عنه و قد قصد الركوع.
ب - لو شك في قراءة الفاتحة و هو في السورة قرأ الفاتحة و أعاد السورة
ص: 318
لأن محل القراءتين واحد.
ج - لو شك في السجود و هو قائم، أو في التشهد، قال الشيخ: يرجع و يسجد أو يتشهد ثم يقوم
(1) لأن القيام و القراءة ليسا ركنين فيكون في حكم ركن السجود، و لقول الصادق عليه السلام: «يسجد» في رجل نهض من سجوده فشك قبل أن يستوي قائما فلم يدر سجد أم لم يسجد(2). و قد بيّنا أن القيام ركن و قبل الاستواء مغاير للاستواء، و النزاع في الثاني، و الوجه عدم الالتفات لقول الصادق عليه السلام: «إن شك في الركوع بعد ما سجد فليمض، و إن شك في السجود بعد ما قام فليمض، كل شيء شك فيه و قد جاوزه و دخل في غيره فليمض عليه»(3).
د - لو سها عن ركن و لم يذكر إلاّ بعد انتقاله أعاد الصلاة
لأن ترك الركن مبطل سواء كان عن عمد أو سهو.
و لم يجب عليه تدارك القراءة، و كذا لو نسي الحمد أو السورة لأنه عذر فيسقط معه الوجوب، و لأن الأصل براءة الذمة، و لقول الصادق عليه السلام و قد قال له منصور بن حازم: صليت المكتوبة و نسيت أن أقرأ في صلاتي كلها: «أ ليس قد أتممت الركوع و السجود؟» قلت: بلى، قال: «تمت صلاتك»(4).
و قال الشافعي: يتدارك القراءة ثم يأتي بما بعدها(5).
و هل تجب سجدتا السهو؟ لعلمائنا قولان: أحدهما: الوجوب و هو
ص: 319
أقوى لما يأتي، و الثاني: المنع عملا بالبراءة.
و لا يستأنف القراءة و إن كان لم يركع لأنه فعل المأمور به و هو القراءة، و الكيفية لا تجب مع النسيان لأنه عذر، و لقول الباقر عليه السلام و قد سأله زرارة عن رجل جهر بالقراءة فيما لا ينبغي أن يجهر فيه و أخفى فيما لا ينبغي الإخفات فيه و ترك القراءة فيما ينبغي القراءة فيه و قرأ فيما لا ينبغي القراءة فيه فقال: «إن فعل ذلك ناسيا أو ساهيا فلا شيء عليه»(1) و لأنه لو ترك أصل القراءة ناسيا صحت صلاته فالكيفية أولى.
و هل يسجد له ؟ لعلمائنا قولان: أحدهما: الوجوب بناء على أن كل سهو يلحق الإنسان يجب فيه السجدتان على ما يأتي.
و الثاني: المنع لأن قول الباقر عليه السلام: «لا شيء عليه»(2) يقتضي نفي السجود.
و بالأول قال مالك(3) لقوله عليه السلام: (لكل سهو سجدتان)(4) و بالثاني قال الشافعي، و الأوزاعي(5) لأن أنسا جهر في العصر فلم يسجد له(6) ، و لأنها هيئة مسنونة فلم يسجد لتركها كرفع اليدين.
و لا حجة في فعل أنس مع أنها شهادة نفي، و نمنع الجامع لأنه عندنا
ص: 320
واجب، و عن أحمد روايتان كهذين(1).
و قال أبو حنيفة: إن كان إماما سجد(2). و نقل عنه إن أسرّ المصلي بما يجهر فلا سجود عليه و إن جهر بما يسرّ فعليه سجود السهو(3). ثم اختلفوا في قدره فمنهم من اعتبر أن يجهر بقدر ثلاث آيات، و منهم من اعتبر الجهر بآية(4) ، و نقل أبو إسحاق عن الشافعي أنه يسجد لكل مسنون تركه في الصلاة سواء كان ذكرا أو عملا(5).
لما تقدم، و لقول علي عليه السلام و قد سئل عن رجل ركع و لم يسبح ناسيا، قال: «تمت صلاته»(6) و سئل الكاظم عليه السلام عن رجل نسي تسبيحة في ركوعه و سجوده قال: «لا بأس بذلك»(7).
و هل يسجد للسهو؟ لعلمائنا قولان، و قال الشافعي: لا يسجد فيها للسهو لأنها ليست أركانا مقصودة بل هيئات لها؛ و به قال أبو حنيفة أيضا(8).
أو في الرفع من الأولى، أو في إكماله، أو في الرفع من الركوع، أو في الجلوس للتشهد، أو ترك عضوا من السبعة لم يسجد عليه فما زاد
ص: 321
سهوا، فإن كان في محله أتى به، و إن انتقل لم يلتفت لأنه عذر في الأفعال فكذا في كيفياتها.
لأنه لو تداركه أمكن أن يسهو ثانيا، فلا ينفك عن التدارك و هو حرج فيكون منفيا، و لأنه شرّع لإزالة حكم السهو فلا يكون سببا لزيادته، و لقول الصادق عليه السلام: «ليس على السهو سهو، و لا على الإعادة إعادة»(1).
إذا عرفت هذا فاعلم أن الشافعي قال: إن استيقن أنه سها و شك هل سجد للسهو أم لا، يسجد لأن الأصل أنه لم يسجد، و كذا إذا سجد و شك هل سجد واحدة أو اثنتين فإنه يأتي بسجدة أخرى، و النفل أولى(2).
أما لو شك هل سها أم لا فإنه لا يلتفت و لا شيء عليه لأن الأصل عدم السهو سواء كان في الزيادة أو النقصان.
و قال الشافعي: إن كان في الزيادة مثل أن شك هل زاد في الصلاة سهوا أم لا، أو هل جرى في صلاته ما يقتضي سجودا أم لا فإنه لا سهو فيه و لا سجود عليه. و إن كان في النقصان فإن كان قد شك في نقصان فعل واجب كسجود و غيره أتى به و سجد للسهو. و إن كان في مسنون يسجد له كالتشهد الأول أو القنوت فإنه يسجد له لأن الأصل عدمه(3).
بل يبني على وقوع ما شك فيه، و لا يسجد للسهو فيه لما في وجوب تداركه من الحرج، و لقول الصادق عليه السلام: «إذا كثر عليك السهو فامض في صلاتك»(4) و قول الباقر عليه
ص: 322
السلام: إذا كثر عليك السهو فامض في صلاتك فإنه يوشك أن يدعك فإنما هو الشيطان»(1).
إذا عرفت هذا فالمرجع إلى العرف في حدّ الكثرة إذ عادة الشرع ردّ الناس إلى عرفهم فيما لم ينص عليه.
و قال بعض علمائنا: حدّه أن يسهو في شيء واحد، أو فريضة واحدة ثلاث مرات، أو يسهو في أكثر الصلوات الخمس كالثلاث فيسقط بعد ذلك حكم السهو في الرابعة(2).
قال الشيخ في المبسوط: قيل: إنّ حدّ ذلك أن يسهو ثلاث مرات متوالية(3).
عملا بأصالة البراءة، و لقوله عليه السلام: (ليس على من خلف الإمام سهو)(4).
و من طريق الخاصة قول الرضا عليه السلام: «الإمام يحمل أوهام من خلفه إلاّ تكبيرة الافتتاح»(5) و قول الصادق عليه السلام: «ليس على من خلف الإمام سهو»(6).
و لو اختص المأموم بالسهو فإن كان بالزيادة مثل أن يتكلم ناسيا أو يقوم في موضع قعود الإمام ناسيا أو بالعكس كان وجود سهوه كعدمه، و لا شيء
ص: 323
عليه عملا بالأحاديث السابقة - و هو قول الجمهور كافة(1) - لأن معاوية بن الحكم تكلم خلف النبيّ صلّى اللّه عليه و آله فلم يأمره بالسجود(2) ، إلاّ ما نقل عن مكحول: أنه قام مع قعود إمامه فسجد للسهو(3). و لا عبرة بخلافه مع انقراضه.
و إن كان بالنقصان فإن كان في محلّه أتى به لأنه مخاطب بفعله و لم يحصل فيبقى في العهدة، و إن تجاوز المحل فإن كان ركنا بطلت صلاته كما لو سها عن الركوع و ذكر بعد سجوده مع الإمام، و إن لم يكن ركنا كالسجدة قضاها بعد التسليم.
و لو كان مما لا يقضى كالذكر في السجود، أو الركوع فلا سجود للسهو فيه عملا بما تقدم من الأخبار، و لو قيل: بوجوب السجود في كلّ موضع يسجد للسهو فيه كان وجها لقول أحدهما عليهما السلام: «ليس على الإمام ضمان»(4).
لأن المقتضي للسجود - و هو السهو - منتف عنه فينتفي معلوله.
و قال الشيخ: يجب على المأموم(5) - و هو قول الجمهور كافة - لقوله
ص: 324
عليه السلام: (ليس على من خلف الإمام سهو، فإن سها الإمام فعليه و على من خلفه)(1) و لأن صلاة المأموم تابعه لصلاة الإمام، و إنما يتم صلاة الإمام بالسجود للسهو، و نمنع الحديث، و نمنع التبعية كما لو انفرد بما يوجب الإعادة.
أما لو اشترك السهو بين الإمام و المأموم فإنهما يشتركان في موجبه قطعا لوجود المقتضي في حق كل منهما.
أ - لو اختص الإمام بالسهو فلم يسجد له لم يسجد له المأموم
- و به قال أبو حنيفة، و إبراهيم النخعي، و حماد، و المزني، و أحمد في رواية(2) - لأنه لم يسه و لم يسجد إمامه فيتابعه.
و قال الشافعي: يسجد المأموم - و به قال مالك، و الأوزاعي، و الليث بن سعد، و أبو ثور، و أحمد في رواية(3) - لأن صلاة المأموم تنقص بنقصان صلاة الإمام كما تكمل بكمالها فإذا لم يجبرها الإمام جبرها المأموم.
و نمنع المقدمة الأولى.
ب - لو اشترك السهو بينهما فإن سجد الإمام تبعه المأموم
بنية الائتمام أو الانفراد إن شاء، و لو لم يسجد الإمام سجد المأموم و بالعكس.
ج - لو سها الإمام لم يجب على المسبوق بعده متابعته في سجود
ص: 325
السهو لعدم الموجب في حقه سواء قلنا: إنّ السجود قبل التسليم، أو بعده بل ينوي المأموم الانفراد و يسلم، و إن شاء انتظر إمامه ليسلم معه - و به قال ابن سيرين(1) - لأن هذا ليس موضع سجود السهو في حق المأموم.
و قال الجمهور كافة: يتابعه المأموم(2) لقوله عليه السلام: (إنما جعل الإمام إماما ليؤتم به فإذا سجد فاسجدوا)(3) و يحمل على سجود الصلاة.
فإن سلم الإمام ثم سجد لم يتابعه المأموم بل قام فأتم صلاته - و به قال الشافعي(4) - خلافا لأبي حنيفة لأن عنده الإمام يسجد بعد السلام و يعود إلى حكم صلاته فيتابعه فيه(5).
إذا عرفت هذا فإذا قضى المسبوق ما بقي عليه لم يسجد للسهو عندنا لاختصاص الإمام بموجبه - و هو القديم للشافعي(6) - لأن سجود الإمام قد كملت به الصلاة في حق الإمام و المأموم فلا حاجة به إلى السجود كما لو سها المأموم فإنه لا يسجد لأن كمال صلاة الإمام أغناه عن تكميل صلاته بالسجود.
و في الجديد: أنه يسجد في آخر صلاته لأنه قد لزمه حكم سهو الإمام2.
ص: 326
فيسجد له موضع السجود، و ما فعله مع الإمام كان متابعا له(1).
إذا ثبت هذا فلو سها هذا المسبوق فيما انفرد به سجد له.
و قال الشافعي: إن كان قد سجد مع إمامه و قلنا: لا يلزمه إعادة السجود سجد لسهوه الذي انفرد به سجدتين، و إن قلنا: يعيد أو لم يكن سجد مع إمامه سجد سجدتين، و كفاه عن سهو الإمام و سهو نفسه. و من الشافعية من قال: يسجد أربع سجدات لاختلاف السهوين(2).
د - لو سها الإمام فيما سبق به المأموم لم يلزمه حكم سهو الإمام
لأنه لا يلزمه فيما يتابعه فغيره أولى - و هو قول لبعض الشافعية(3) - لأنه كان، منفردا عنه.
و قال الشافعي، و مالك: يلزمه حكم سهو الإمام لدخول النقص فيها فيسجد لو سجد إمامه(4).
و على القول الأول لو سجد إمامه، قال الشافعي: يتبعه و إذا أتم صلاته لا يعيد، و كذلك إن لم يسجد إمامه لا يلزمه أن يسجد إذا تمم صلاته(5).
ه - لو قام الإمام إلى الخامسة ساهيا فسبح به المأموم فلم يرجع جاز أن ينوي الانفراد،
و البقاء على الائتمام، فلا يجوز له متابعة الإمام في الأفعال لأنها زيادة في الصلاة إلا أن صلاة الإمام لا تبطل بها لسهوه، بل ينتظر قاعدا حتى يفرغ من الركعة و يعود إلى التشهد و يتشهد معه.
فإن سجد الإمام للسهو لم يسجد المأموم، و قال الشافعي:4.
ص: 327
يسجد(1). و إن لم يسجد الإمام لم يسجد المأموم أيضا، و قال الشافعي:
يسجد(2).
فلو كان المأموم مسبوقا بركعة و قام الإمام إلى الخامسة فإن علم المأموم أنها خامسة لم يكن له المتابعة، و إن لم يعلم و تابعه احتسب له الركعة.
و - لو صلى ركعة فأحرم إمام بالصلاة فنوى الاقتداء به احتمل البطلان و الصحة،
و القولان للشافعي(3) ، و سيأتي، فإن سوغناه و كان قد سها المأموم فيما انفرد به ثم سها إمامه فيما يتبعه فيه فلما فارق الإمام و أراد السلام وجب عليه أربع سجدات إن قلنا بالمتابعة و إلاّ فسجدتان عما اختص به.
ز - لو ترك الإمام سجدة و قام سبح به المأموم فإن رجع، و إلاّ فللمأموم متابعته
بعد أن يسجد لأن صلاة الإمام صحيحة.
و قال الشافعي: لا يجوز له متابعته لأن فعل الإمام بعد ذلك غير معتد به(4). و هو ممنوع.
فإن أخرج نفسه عن متابعة الإمام جاز سواء كان قبل أن يبلغ الإمام حد الراكعين أو زاد عليه و لا يسجد المأموم.
و قال الشافعي: إن أخرج قبل أن يبلغ الإمام حد الراكعين أو زاد عليه لزمه أن يسجد للسهو لأنه فارق إمامه بعد استقرار حكم السهو في صلاته(5).4.
ص: 328
فإن أراد أن ينتظره فإن كان المأموم قد رفع رأسه من السجدة الأولى فإن أراد أن ينتظره في الجلسة لم يجز لأن الجلسة ركن قصير فلا يجوز تطويلها، فلو أراد أن يسجد السجدة الثانية و ينتظره فيها كره له ذلك لأنه يكره للمأموم أن يسجد قبل إمامه إلاّ أنه لو فعل ذلك لم تبطل صلاته.
ثم إذا سجد الإمام فيصبر المأموم ساجدا إلى أن يرفع الإمام رأسه من السجدتين جميعا إن أراد، و إن أراد أن يرفع رأسه من السجود بعد ما رفع الإمام رأسه من السجدة الأولى جاز لأن المحسوب للإمام السجدة الأولى على ظاهر المذهب.
و لو رفع رأسه من السجود قبل أن يسجد الإمام بطلت صلاته، لأن الإمام ما شرع في السجدة الثانية و هو قد فرغ منها، و المأموم إذا سبق الإمام بركن كامل بطلت صلاته.
ثم إذا رفع الإمام رأسه و كان قد ترك السجود من الركعة الأولى فأراد الإمام أن يجلس للتشهد الأول فالمأموم لا يتابعه في التشهد و لكن ينتظره قائما فإذا صلّى ركعة أخرى فقد تمت للمأموم ركعتان و هو موضع التشهد إلاّ أن الإمام يعتقد ذلك ثالثة فلا يقعد للتشهد و يترك المأموم التشهد أيضا متابعة له.
فإذا صلّى ركعة أخرى فاعتقاد الإمام أن صلاته قد تمت فيقعد للتشهد و المأموم لا يتابعه بعد ذلك، فإن تابعه بطلت صلاته، فإن أحسّ بقيامه و بعد لم يرفع رأسه من السجدة الأولى، فأراد أن ينتظره فيها جاز؛ لأن السجود ركن ممتد.
ثم إذا أراد الإمام أن يسجد فعلى المأموم أن يرفع رأسه ثم يسجد معه لأن الإمام قد فرغ من سجدة فالمحسوب له السجدة الاولى، فلو لم يرفع رأسه حتى زاد الإمام و لكن سجد معه السجدة الثانية لم يجز لأن الثانية زائدة و لو فعل بطلت صلاته. و هذا كله ساقط عندنا.
ح - لو ظن المأموم أن الإمام قد سلم فسلم ثم بان له أنه لم يسلم
بعد
ص: 329
احتمل خروجه عن الصلاة باستيفاء أفعاله و سلامه، و خطؤه ليس بمفسد لشيء من أفعاله، و أن يسلم مع الإمام فيسجد إن قلنا به فيما ينفرد به و إلاّ فلا، لأنه سهو في حالة الاقتداء، و به قال الشافعي(1).
و لو ذكر في التشهّد أنه ترك الفاتحة لم يلتفت عندنا، و قال الشافعي:
إذا سلّم الإمام قام إلى ركعة أخرى و لا يسجد للسهو، لأن سهوه كان خلف الإمام و كذا لو ذكر أنه ترك ركوعا(2) و عندنا تبطل صلاته لأنه ركن.
و لو سلّم الإمام فسلم المسبوق ناسيا ثم تذكّر بنى على صلاته و سجد للسهو - و به قال الشافعي(3) - لأنّ سلامه وقع بعد انفراده، و لو ظنّ المسبوق أن الإمام سلم لصوت سمع فقام ليتدارك ما عليه و فعله و جلس، ثم علم أن الإمام لم يسلم احتسب ما فعله لأنه بقيامه نوى الانفراد و له ذلك.
و قال الشافعي: لا يحسب ما فعله لأن وقت انقطاع القدوة إما بخروج الإمام عن الصلاة أو بقطع القدوة حيث يجوز ذلك و لم يوجد واحد منهما، فلا يسجد للسهو بما أتى به لبقاء حكم الاقتداء(4).
و لو تبين له في القيام أن الإمام لم يسلّم فإن أراد أن يستمر على التدارك و قصد الانفراد فهو مبني على أن المقتدي هل له قطع القدوة ؟ فإن منعناه رجع، و إن جوّزناه فوجهان:
أحدهما: ذلك لأن نهوضه غير معتد به ثم ليقطع القدوة إن شاء.1.
ص: 330
و الثاني: لا يجب لأن الانتهاض ليس متعينا لعينه، و إنما المقصود القيام و ما بعده فصار كما لو قصد القطع في ابتداء النهوض.
و إن لم يقطع القدوة تخير بين أن يرجع أو ينتظر قائما سلام الإمام، فإذا سلم اشتغل بتدارك ما عليه.
ط - إن قلنا بالتحمل - كما هو قول الشيخ(1) و الشافعي(2) - فإنما يكون لو كانت صلاة الإمام صحيحة
فلو تبيّن كون الإمام جنبا لم يسجد لسهوه و لا يتحمل هو عن المأموم، و لو عرف أن الإمام مخطئ فيما ظنه من السهو فلا يوافقه إذا سجد.
ي - كل موضع يلحقه سهو الإمام فإنه يوافقه،
فإن ترك عمدا ففي إبطال الصلاة نظر - و جزم به الشافعي(3) - و لو رأى الإمام يسجد في آخر صلاته سجدتين فعلى المأموم أن يتابعه حملا على أنه قد سها، و إن لم يعرف سهوه.
يا - لو اعتقد الإمام سبق التسليم على سجدتي السهو فسلم و اعتقد المأموم خلافه لم يسلّم
بل يسجد و لا ينتظر سجود الإمام لأنه فارقه بالسلام، و هو وجه للشافعي، و له اثنان: أن يسلم معه و يسجد معه، و أنه لا يسلم، فإذا سجد سجد معه ثم يجلس معه، فإذا فرغ من تشهده سلّم معه(4).
يب - لو سجد الإمام آخر صلاته عن سهو اختص به بعد اقتداء المسبوق لم يتبعه على الأقوى،
و على الآخر: يتبعه - و به قال الشافعي - لأن عليه متابعته،4.
ص: 331
و فيه وجه آخر: أنه لا يسجد معه لأن موضعه آخر الصلاة(1).
و إذا سجد معه فهل يعيد في آخر صلاته ؟ له قولان:
أصحهما: الإعادة، لأن المأتي به كان للمتابعة و قد تعدى الخلل إلى صلاته بسهو الإمام و محل الجبر بالسجود آخر الصلاة.
و العدم؛ لأنه لم يسه، و المأتي به سببه المتابعة و قد ارتفعت بسلام الإمام(2).
يج - لو اشترك الإمام و المأموم في نسيان التشهّد أو سجدة رجعوا ما لم يركعوا
فإن رجع الإمام بعد ركوعه لم يتبعه المأموم لأنه خطأ، فلا يتبعه فيه و ينوي الانفراد، و لو ركع المأموم أوّلا قبل الذكر رجع الإمام و تبعه المأموم إن نسي سبق ركوعه، و إن تعمد استمر على ركوعه و قضى السجدة و سجد للسهو.
يد - المسبوق إذا قضى ما فاته مع الإمام لا يسجد للسهو
إذ المقتضي و هو السهو منفي هنا - و به قال الشافعي(3) - لقوله صلّى اللّه عليه و آله: (ما أدركتم فصلّوا و ما فاتكم فأتموا)(4) و لم يأمر بالسجود.
و حكي عن ابن عمر، و ابن الزبير، و أبي سعيد الخدري أنهم قالوا:
يسجد للسهو ثم يسلّم لأنه زاد في الصلاة ما ليس من صلاته مع إمامه(5) ،2.
ص: 332
و هو غلط لأن الزيادة إنما تفتقر إلى الجبران لو نقصت صلاته، و هذه الزيادة واجبة فلا يجبرها إذا فعلها.
فلو شك في عددها بنى على الأقل استحبابا، و إن بنى على الأكثر جاز، و لا يجبر سهوه بركعة، و لا سجود عند علمائنا أجمع لأن النافلة لا تجب بالشروع فيقتصر على ما أراد، و به قال ابن سيرين(1).
و قال الشافعي: يسجد للنافلة كالفريضة لأن السجود لترك ما اقتضاه الإحرام، أو لفعل شيء يمنع منه الإحرام و هو موجود في النفل كالفرض(2) ، و نمنع اقتضاء مطلق الإحرام بل الواجب.
كلّ ساه أو شاك في شيء و إن كان ركنا و هو في محله فإنه يأتي به على ما تقدم، و إن تجاوز المحل فمنه ما يجب معه سجدتا السهو إجماعا منّا، و هو نسيان السجدة أو السجدتين و تذكر قبل الركوع، و نسيان التشهد كذلك، و منه ما لا يجب على خلاف، و نحن نذكر ذلك كلّه إن شاء اللّه تعالى.
- و بالرجوع قال العلماء - و لأن القيام ليس ركنا يمنع عن العود إلى السجود، و لقول الصادق عليه السلام في رجل نسي أن يسجد السجدة الثانية حتى قام، قال: «فليسجد ما لم يركع»(3).
و كذا لو ترك سجدة في الثانية فذكر قبل أن يركع في الثالثة، أو في الثالثة فذكر قبل أن يركع في الرابعة، و يجب عليه بعد ذلك سجدتا السهو
ص: 333
لقول الكاظم عليه السلام في الرجل ينسى السجدة من صلاته، قال: «إذا ذكرها قبل ركوعه سجدها و بنى على صلاته، ثم سجد سجدتي السهو بعد انصرافه»(1).
و هل تجب جلسة الفصل قبل السجود إن لم يكن قد جلس، أو كان نيته جلسة الاستراحة ؟ إشكال ينشأ من عدم النص، و قيام القيام مقامه في الفصل، و أصالة البراءة، و من أنها واجبة فيأتي بها.
و كذا لو نسي السجدتين معا و ذكر قبل الركوع فإنه يرجع و يسجدهما ثم يقوم لأن محل السجود قبل الركوع باق و إلاّ لما صح الرجوع إلى السجدة الواحدة، و يسجد أيضا سجدتي السهو.
أما لو ذكر بعد الركوع أنه نسي سجدة واحدة من السابقة فإنه يتم الصلاة و يقضيها بعد التسليم، و يسجد سجدتي السهو، و لا يرجع إلى السجود لما فيه من تغيير هيئة الصلاة، و زيادة الركن، و لقول الصادق عليه السلام: «إذا ذكر بعد ركوعه أنه لم يسجد فليمض في صلاته حتى يسلّم ثم يسجدها، فإنها قضاء»(2).
و لو ذكر بعد الركوع ترك سجدتين من السابقة بطلت صلاته لأنّه أخلّ بركن.
و قال الشافعي: إذا ذكر و هو قائم في الثانية أو بعد ركوعها قبل أن يسجد للثانية نسيان سجدة من الأولى أتى بها كما يذكر.
ثم إن لم يجلس عقيب السجدة المأتي بها فيكفيه أن يسجد عن قيام، أو يجلس مطمئنا ثم يسجد؟ وجهان:
أحدهما: أن القيام كالجلسة لأن الغرض الفصل بين السجدتين.1.
ص: 334
و أصحهما عنده: أنه يجلس مطمئنا ثم يسجد، لأن مقصود الجلسة و إن كان هو الفصل فالواجب الفصل بهيئة الجلوس.
و إن كان قد جلس، إن جلس على قصد الجلسة بين السجدتين، فإن اكتفينا في الصورة السابقة بأن يسجد عن قيام فهنا أولى، و إن قلنا: يجلس ثم يسجد فقد قيل بمثله هنا لينتقل من الجلوس إلى السجود، و الأصح: أنه يكفيه أن يسجد عن قيامه فإنه الذي تركه.
و إن قصد بتلك الجلسة الاستراحة فوجهان: من حيث ان السنة لا تقوم مقام الفرض، و أن ظن الاستراحة بتلك الجلسة لا يقدح.
و إن ذكر بعد أن سجد للثانية فإن السجدة التي سجدها تقع عن الاولى و يبطل عمله في الثانية و تحصل له ركعة ملفقة.
و إن ذكر بعد فراغه من الثانية فإن لم يقيّد سجوده في الثانية بنيّة تمت الاولى بسجود الثانية و لغت أعماله في الثانية، و إن نوى أنها للثانية فأكثرهم على تمام الاولى بسجوده لأن نية الصلاة تشتمل على جميع أفعالها و قد فعل السجود حال توجه الخطاب عليه بفعله(1).
و قال ابن سريج: لا يتم الاولى بهذه السجدة لأن نية الصلاة يجب استدامتها حكما و قد وجدت نية حقيقية تخالفها فكانت الحقيقية أغلب.
و قال أبو حنيفة: إن ذكر نسيان السجدة الأولى قبل ركوعه في الثانية عاد إليها كما قلناه نحن، و إن كان بعد ركوعه أو سجوده في الثانية سجد ثلاث سجدات متواليات فتلتحق سجدة بالأولى و اثنتان عن الركعة الثانية و تتم له الركعتان، و إن ذكر بعد اشتغاله بالتشهد سجد سجدة كما تذكر و تلتحق بالركعة الأولى(2).1.
ص: 335
و قال مالك: إن لم يكن قد ركع عاد إلى السجود - كما قلناه - و إن كان قد ركع لغت الاولى و صار الحكم للثانية فيتمها بسجدتين(1).
أ - إذا ذكر نسيان سجدة بعد سجدتي الثانية فقد بيّنا أنه يستمر و يقضي المنسية،
و عند الشافعي يلفق فيجعل سجدة منهما للأولى و يبطل المتخلل بينهما، و أيّ السجدتين تحتسب له بها؟ أكثر أصحابه على أنها تتم بالأولى و تلغو السجدة الثانية سواء كان قد جلس أولا للفصل أو لا(2) ، و على قول أبي إسحاق: يتم ركعته بالسجدة الثانية لأن عليه أن ينتقل إليهما من القعود(3).
ب - لو ترك أربع سجدات من أربع ركعات، فإن ذكر قبل التسليم سجد واحدة عن الركعة الأخيرة
لأنّ المحل باق ثم يعيد التشهد و يسلم و يقضي السجدات الثلاث لفوات محلّها، و يسجد سجدتي السهو لكلّ سهو، و إن ذكر بعد التسليم قضى السجدات الأربع ولاء، و يسجد السهو أربع مرات لفوات المحل.
و قال الشافعي: يتم الأولى بما في الثانية، و الثانية بما في الثالثة، و الثالثة بما في الرابعة فتصح له ركعتان لأن السجود الأول من الثانية يحسب عن الاولى، و يبطل المتخلل بينهما، و الثالثة تحسب ثانية، و سجود الرابعة يكمل الثالثة ثانية، هذا إن كان قد جلس للفصل.
ص: 336
و إن ترك الجلسة أيضا فإن كان جلس للتشهد الأول صحت له ركعتان إلاّ سجدة لأن التشهد الأول قام مقام جلسة الفصل للركعة الاولى و وقعت السجدة الاولى في الركعة الثالثة تمامها فصحت له ركعة بالثالثة، و صحت له الرابعة بسجدة واحدة فيبني على ذلك.
و إن لم يجلس للتشهّد الأول صحّت له ركعة إلا سجدة إن كان جلس في الرابعة فيسجد أخرى و يتم له ركعة و يبني عليها، و من اجتزأ بالقيام في الفصل حصل له ركعتان، و إن ذكر بعد التسليم و لم يطل الفصل فكما لو ذكر قبله، و إن طال وجب الاستئناف(1).
و قال مالك: تصح الرابعة إلاّ سجدة و يبطل ما قبلها(2). و عن أحمد روايتان، إحداهما: كقول مالك، و الأخرى: بطلان الصلاة(3).
و قال أبو حنيفة: يأتي في آخر صلاته بأربع سجدات و يتم صلاته. و به قال الثوري، و الأوزاعي، و حكاه ابن المنذر عن الحسن البصري(4) و حكى الطحاوي عن الحسن بن صالح بن حي: أنّه لو نسي ثمان سجدات أتى بهن متواليات لأن الركعة إذا سجد فيها فقد أتى بأكثرها، و الحكم يتعلق بالأكثر في صحة البناء كما إذا أدرك الركوع مع الإمام، و السجود متكرر فلا يعتبر فيه الترتيب كأيام رمضان(5).
ج - لو صلّى الظهر فنسي سجدة و ذكر أنّها من الأولى أتم صلاته و قضاها بعد التسليم و سجد للسهو،
و قال الشافعي: تمت الأولى بالثانية2.
ص: 337
و تصير الثالثة ثانية(1) و الرابعة ثالثة(2) ، و تبقى عليه ركعة، و كذا لو كانت من الثانية أو الثالثة(3).
و لو لم يعلم من أي ركعة هي حمل على أحسن الأحوال عنده، و هو أنه تركها من ركعة قبل الرابعة، فلا تصح الركعة التي بعدها فيأتي بركعة لتتم الصلاة بيقين.
و لو نسي سجدتين من الرباعية و لا يدري كيف تركهما أخذ بأسوإ الأحوال و يجعل كأنه ترك من الأولى سجدة، و من الثالثة سجدة فيتم الأولى بالثانية، و الثالثة بالرابعة و تحصل له ركعتان.
و لو نسي ثلاث سجدات جعل كأنه ترك من الأولى سجدة و لم يترك من الثانية شيئا فتمت الأولى بالثانية، و ترك من الثالثة سجدة، و من الرابعة سجدة فتحصل من مجموعها ركعتان.
و لو نسي أربع سجدات قدر كأنه ترك من الأولى سجدة، و من الثانية لم يترك شيئا و من الثالثة ترك سجدة، و ما سجد شيئا من الرابعة فتحصل له ركعتان إلاّ سجدة.
و لو ترك خمس سجدات جعل كأنه ترك من الأولى سجدة، و من الثانية سجدتين، و من الثالثة سجدتين، و لم يترك من الرابعة شيئا فتمت الاولى بالرابعة و حصل له ركعة(4).
و على مذهبنا أنه إذا ترك سجدتين من ركعة واحدة بطلت صلاته على ما تقدم، و إن لم يعلم أ هما من ركعة أو ركعتين ؟ رجحنا جانب الاحتياط، و أبطلنا الصلاة، لاحتمال أن يكونا من ركعة فتبطل الصلاة لفوات ركن فيها، و كذا لو علم أنهما من ركعة و لم يعلم أ هما من الرابعة أو مما سبق ؟1.
ص: 338
د - لو نسي جميع السجود بطلت صلاته عندنا، و قال الشافعي: صح له القيام، و القراءة، و الركوع الأول(1). و قال بعض أصحابه: بل الركوع الأخير.
ثم قام فاستقبل الثالثة، و في سجود السهو قولان، و لو لم يذكر حتى ركع مضى في صلاته، و قضاه بعد التسليم، و سجد للسهو - و به قال الحسن البصري(2) - لقول الصادق عليه السلام و قد سأله سليمان بن خالد عن رجل نسي أن يجلس في الركعتين الأولتين، فقال: «إن ذكر قبل أن يركع فليجلس، و إن لم يذكر حتى يركع فليتم الصلاة حتى إذا فرغ فليسلّم و يسجد سجدتي السهو»(3) و لأنه قبل الركوع في محل التشهد كالسجود.
و قال الشافعي: إن ذكر قبل انتصابه عاد إليه، و إن ذكر بعد انتصابه لم يعد(4) لقوله عليه السلام: (إذا قام أحدكم في الركعتين فلم يستتم قائما فليجلس، و إذا استتم قائما فلا يجلس و يسجد سجدتي السهو)(5).
و قال مالك: إن فارقت أليتاه الأرض مضى و لا يرجع(6). و قال
ص: 339
النخعي: يرجع ما لم يستفتح القراءة(1). و قال أحمد: إن ذكر قبل أن يستوي قائما وجب أن يرجع، و إن ذكر بعد أن يستوي قائما و قبل القراءة تخيّر و الأولى أن لا يرجع(2).
و عند الشافعي(3) ، و كذا يرجع عندنا قبل الركوع و إن أنهى القراءة.
و هل يسجد للسهو؟ قولان:
أحدهما: الوجوب لما تقدم من وجوبهما لكل زيادة و نقصان - و به قال أحمد، و الشافعي في أحد القولين(4) - لأنه زاد في الصلاة من جنسها على وجه السهو فأشبه زيادة سجود.
و الثاني: عدمه - و به قال الشافعي أيضا، و الأوزاعي، و علقمة، و الأسود(5) - لقول الصادق عليه السلام و قد سئل عن الرجل يسهو في الصلاة فينسى التشهد: «يرجع فيتشهد» قلت: أ يسجد سجدتي السهو؟ فقال:
«ليس في هذا سجدتا السهو»(6).
ص: 340
خلافا للشافعي فإنه يمنع منه لأن القيام فرض و التشهّد سنة عنده و الفرض لا يقطع بالسنة(1) ، و قد بيّنا وجوبه.
فلو خالف و عاد عامدا عالما بأنه لا يجوز على مذهبه بطلت صلاته عنده(2) ، و إن كان ناسيا لم تبطل و يقوم كما يذكر، و إن عاد جاهلا بأنه لا يجوز فوجهان: البطلان لتقصيره بترك العلم و أصحهما: الصحة لأنه قد يخفى فيعذر(3).
هذا في المنفرد، و كذا الإمام لا يرجع بعد الانتصاب عنده و المأموم يوافقه، فإن نوى مفارقته ليتشهد جاز، و إن نهض المأموم ناسيا فأصح الوجهين عنده: العود لوجوب متابعة الإمام، و الآخر: الصبر إلى أن يلحقه الإمام لأنه ليس فيما فعله إلا التقدم على الإمام بركن و هو غير مبطل، و إن كان عمدا فلا حاجة إلى الرجوع(4) ، و هذا كلّه عندنا باطل لوجوب الرجوع قبل الركوع.
لزيادة بعض القيام، و هو أحد قولي الشافعي(1) ، و قال بعض علمائنا: لا يجب(2).
و هو ثاني الشافعي(3).
و قال بعض الشافعية: إن عاد قبل أن ينتهي إلى حدّ الراكعين لم يسجد، و إن عاد بعد الانتهاء إليه سجد لأنه زاد ركوعا سهوا(4).
و كذا لو نسي الصلاة على النبي و آله عليهم السلام، و لو لم يذكر إلاّ بعد الركوع قضى الصلاة عليهم دون التشهد لقول الصادق عليه السلام و قد سئل عن رجل ينسى من صلاته ركعة، أو سجدة، أو الشيء منها، ثم يذكر بعد ذلك، فقال:
«يقضي ذلك بعينه» فقلت: يعيد الصلاة ؟ قال: «لا»(5).
و لو أحدث قبل قضائه، قال بعض أصحابنا: يعيد الصلاة لأنه أحدث فيها و وقع التسليم في غير موضعه(6). و ليس بجيّد لأن التسليم وقع موقعه مع السهو فحينئذ يتطهر، و يقضي التشهد، و يسجد للسهو إن لم يبطل الحدث المتخلل بين الصلاة و الجزء المنسي الصلاة.
أو غيرها، لأن محل القراءة باق، و كذا لو نسي الركوع ثم ذكر قبل السجود قام و ركع، ثم سجد، و كذا لو نسي سجدة أو سجدتين و ذكر قبل
ص: 342
الركوع قعد و فعل ما نسيه، ثم قام فقرأ.
و هل تجب السجدتان للسهو في هذه الأماكن ؟ قولان و قد سلف البحث في ذلك كله.
خلافا للجمهور(1).
أما لو شك في الزائد على الاثنتين في الرباعية مثل أن يشك بين الاثنتين و الثلاث، أو بين الثلاث و الأربع، أو بين الاثنتين و الأربع، أو بين الاثنتين و الثلاث و الأربع، فإنه يبني على الأكثر و يسلم بعد إكمال الصلاة، و يأتي بالفائت، أو مساوية احتياطا، فيبني في الأول على الثلاث، ثم يتمم صلاته و يسلم، ثم يصلي ركعة من قيام أو ركعتين من جلوس، و في الثانية يبني على الأربع و يفعل ما تقدم، و في الثالثة يبني على الأربع و يسلّم، ثم يصلّي ركعتين من قيام، و في الرابعة يبني على الأربع و يصلي ركعتين من قيام و ركعتين من جلوس فإن كان قد صلّى اثنتين كانت الركعتان من قيام تمام الصلاة و الركعتان من جلوس نافلة و إن كان قد صلّى ثلاثا فبالعكس.
و إن كان قد صلّى أربعا فالجميع نفل لأن البناء على الأقل يحتمل زيادة الركعة و هي مبطلة عمدا و سهوا، و القول بإعادة الصلاة باطل هنا إجماعا فتعين العمل بما قلناه، و لأن التسليم في غير موضعه لا يبطل الصلاة سهوا فكذا هنا لأنه يجري مجرى السهو.
و لقول الصادق عليه السلام: «إذا سهوت فابن على الأكثر، فإذا فرغت و سلّمت فقم فصلّ ما ظننت أنك نقصت، فإن كنت أتممت لم يكن
ص: 343
عليك في هذا شيء، و إن ذكرت أنك نقصت كان ما صليت تمام ما نقصت»(1).
هذا عند أكثر علمائنا(2) ، و قال الصدوق رحمه اللّه: يتخير بين ذلك و بين البناء على الأقل(3) لقول الرضا عليه السلام: «يبني على يقينه و يسجد سجدتي السهو»(4) و المشهور الأول، فيتعين المصير إليه، و تحمل الرواية على الظن.
و قال الشافعي: يبني على الأقل و يأتي بالتمام - و به قال مالك، و إسحاق، و أبو ثور(5) - لقوله عليه السلام: (إذا شك أحدكم في صلاته فليلغ الشك و ليبن على اليقين، و إذا استيقن التمام سجد سجدتين، فإن كانت صلاته تامة كانت الركعة نافلة له و السجدتان، و إن كانت ناقصة كانت الركعة تماما لصلاته و كانت السجدتان مرغمتي الشيطان)(6) و فيما قلناه إلغاء للشك و أخذ باليقين أيضا.
و قال أبو حنيفة: إن كان أول ما أصابه أعاد الصلاة(7) لقوله عليه1.
ص: 344
السلام: (لا غرار في الصلاة)(1) و إن تكرر تحرى و عمل على ما يؤديه تحريه إليه لقوله صلّى اللّه عليه و آله: (إذا شك أحدكم في صلاته فليتحر الصواب، و ليبن عليه، و يسلم، و يسجد سجدتين)(2) و نحن نقول بموجبه، فإن تحري الصواب هو ما قلناه لما تقدم.
و عن أحمد في المنفرد كالشافعي، و في الإمام روايتان: إحداهما:
ذلك، و الثانية: يبني على غالب ظنه(3) ، و عن الثوري روايتان: إحداهما:
يتحرى، و الثانية: يبني على اليقين(4).
و قال الحسن البصري: يسجد سجدتي السهو و يجزيه(5) لقوله عليه السلام: (يأتي الشيطان أحدكم فيلبس عليه صلاته فلا يدري أ زاد أم نقص فإذا وجد أحدكم ذلك فليسجد سجدتين و هو جالس)(6) و حديثنا أولى لأنه مبين.
و لا شيء عليه لقول الصادق عليه السلام: «إذا لم تدر ثلاثا صليت أم أربعا و وقع رأيك على الثلاث فابن على الثلاث، و إن وقع رأيك على الأربع فسلّم
ص: 345
و انصرف، و إن اعتدل وهمك فانصرف و صلّ ركعتين و أنت جالس»(1).
و يدل على التخيير بين الركعة من قيام و الركعتين من جلوس قول الصادق عليه السلام: «إذا اعتدل الوهم في الثلاث و الأربع فهو بالخيار إن شاء صلى ركعة و هو قائم، و إن شاء صلى ركعتين و أربع سجدات»(2).
إذ الركعة قائما تعدل الركعتين جالسا و هي إلى الفائت المعوض عنه أقرب فكان أولى، و كذا يتخير بين أن يفعل الركعتين من قيام أولا، أو الركعتين من جلوس، أو الركعة من قيام.
و قول الصادق عليه السلام: «يقوم فيصلّي ركعتين و يسلم، ثم يصلّي ركعتين من جلوس و يسلّم، فإن كان قد صلّى أربعا كانت الركعات نافلة و إلاّ تمت الأربع»(3) الظاهر أنه لا يراد فيه الترتيب و هذه الصورة لا تنفك من وجوب نافلة، و ليس له أن يصلي ركعتين قائما يفصل بينهما بالتسليم، و لا ست ركعات من جلوس، و لا ركعة من قيام و أربعا من جلوس.
و من طريق الخاصة قول الصادق عليه السلام: «إذا كنت لا تدري أربعا صليت أم خمسا فاسجد سجدتي السهو بعد تسليمك ثم سلّم بعدهما»(1) و لأن الشك هنا لا يوجب تلافيا و لا إعادة فيجبر بسجدتي السهو.
فلو قال: لا أدري قيامي لثانية أو لثالثة بطلت صلاته لأنه في الحقيقة شك بين الاولى و الثانية.
و لو قال: لثالثة أو رابعة فهو شك في الاثنتين و الثلاث، فيكمل الرابعة و يتشهد و يسلم و يصلي ركعة من قيام أو ركعتين من جلوس.
و لو قال: لرابعة أو خامسة فهو شك بين الثلاث و الأربع فيقعد و يتشهد و يسلم ثم يصلي ركعة من قيام أو ركعتين من جلوس لاحتمال أن يكون القيام إلى رابعة، و يسجد للسهو إن قلنا بوجوبه على من قام في حال قعود.
و لو قال: لثالثة أو خامسة قعد و سلّم و صلى ركعتين من قيام و سجد للسهو، و لو قام من الركوع فقال قبل السجود: لا أدري قيامي لثانية أو ثالثة فالأقرب البطلان لأنه لم يحرز الأولتين، و يحتمل الصحة تنزيلا للأكثر منزلة الجميع و بركوعه حصل أكثر الثانية.
و لو قال: لرابعة أو خامسة بطلت صلاته، إذ مع الأمر بالإتمام يحتمل الزيادة المبطلة، و بعدمه يحتمل النقصان المبطل، و إنما تصح الصلاة لو صحت قطعا على أحد التقديرين و كذا تبطل لو قال: لثالثة أو خامسة.
أما لو قال: لثالثة أو رابعة فإنه يتم الركعة و يتشهد و يسلم و يصلي ركعة من قيام أو ركعتين من جلوس لاحتمال أن تكون ثالثة فيجبرها الاحتياط و رابعة فتكون الركعة نفلا.
ص: 347
لأنها صلاة فعلت بعد تسليم فيجب فيها ذلك كغيرها، و هل تجب الفاتحة عينا أم يتخير بينها و بين التسبيح ؟ قال بعض علمائنا: بالأول، لأنها صلاة منفردة فتجب الفاتحة(1) لقوله عليه السلام: (لا صلاة إلاّ بفاتحة الكتاب)(2) و قال آخرون: بالثاني لأنها بدل عن الثالثة أو الرابعة فيثبت فيها ما ثبت في حكم المبدل(3). و نمنع المقدمتين، و لا خلاف في إجزاء الفاتحة و عدم الزيادة عليها.
و يسقط الاحتياط لأنه في معرض التمامية للصلاة، و كما تبطل الصلاة بتخلل الحدث بين أجزائها كذا تبطل بتخلله بين ما يقوم مقام الأجزاء، و يحتمل أن يكون جزءا، و قال بعضهم: لا تبطل لأنها صلاة منفردة، و لا يلزم من كونها بدلا مساواتها للمبدل في كل حكم(4) و الأول أحوط.
أما السجدة المنسية، أو التشهد المنسي، أو الصلاة على النبي و آله عليهم السلام فالوجه اشتراط عدم تخلل الحدث بين الصلاة و بينها، و كذا الركعة المنسيّة.
و يشترط في السجدة المنسيّة الطهارة لأنها جزء من الصلاة التي تجب الطهارة في جميع أجزائها، و كذا الاستقبال، و الأداء في الوقت، فإن خرج الوقت قبل فعلها عمدا بطلت صلاته، و إن خرج سهوا قضاها، و يتأخر حينئذ عن الفائتة السابقة.
ص: 348
من تكلم في الصلاة ناسيا، أو سلّم في غير موضعه ناسيا أو نسي سجدة و لم يذكر حتى يركع، أو التشهد و لا يذكر حتى يركع في الثالثة، و لا يجب في غير ذلك فعلا كان أو قولا، زيادة كان أو نقصانا، متحققة كانت أو متوهمة، و على كل حال.
و في أصحابنا من قال: تجب سجدتا السهو في كل زيادة و نقصان(1).
و زاد في المبسوط: من شك بين الأربع و الخمس(2) ، و قال المرتضى: من قعد في حال قيام فتلافاه و بالعكس سجد للسهو(3).
و الوجه وجوبهما في كل زيادة و نقصان لقول الصادق عليه السلام «يسجد للسهو في كل زيادة و نقصان»(4).
و قال الشافعي: يجب سجود السهو لأمرين: إما لزيادة أو نقصان، فالزيادة أما قول أو فعل، فالقول مثل أن يسلّم ساهيا في غير موضعه، أو يتكلم ساهيا، أو يقرأ في غير موضع القراءة كالركوع و السجود.
و الفعل إما زيادة متحققة كأن يقعد في موضع قيامه عقيب الاولى و الثالثة أكثر من جلسة الاستراحة، أو يقوم في موضع قعوده و هو أن يقوم عن الثانية ثم يعود للقعود، أو يقوم بعد الرابعة إلى الخامسة يعتقدها رابعة.
و إما زيادة متوهمة و هو البناء على اليقين في الشك مثل أن يشك هل
ص: 349
صلّى ثلاثا أو أربعا فإنه يضيف إليها أخرى، و ضابط ذلك أن كلّ ما إذا فعله عامدا بطلت صلاته لو فعله ساهيا جبره بسجود السهو.
و أما النقصان فأن يترك التشهد الأول أو الجلوس له، و كذلك القنوت في الفجر و في النصف الأخير من شهر رمضان من صلاة الوتر، و أما الصلاة على النبي في التشهد الأول ففي الجديد على قولين: أحدهما: أنه سنة فيجبره بالسجود، و الثاني، أنه ليس بسنة فلا يجبره.
و أما ما لا يجبر به فأركان الصلاة و هيئاتها فإن ترك ركنا لم يجبر بسهو لكن إن ذكره قريبا أتى به و سجد للسهو لأجل ما زاد من الفعل بتركه، و إن ذكره بعيدا بطلت صلاته.
و أما الهيئات فإن ترك دعاء الافتتاح، و التعوّذ، و الجهر فيما يسر به و بالعكس، و ترك القراءة بعد الفاتحة، و التكبيرات بعد الإحرام، و التسبيحات في الركوع و السجود.
و أما الأفعال فترك رفع اليدين مع الافتتاح، و عند الركوع و الرفع منه، و وضع اليمين على الشمال حال القيام، و ترك وضعهما على الركبتين حال الركوع، و على الفخذين حال الجلوس، و ترك جلسة الاستراحة عقيب الاولى و الثالثة، و ترك هيئة ركن من الأفعال كالافتراش في موضع التورك، و التورك في موضع الافتراش، و كذلك إذا خطا خطوة أو خطوتين، أو التفت، أو لفّ عمامته لفّة أو لفّتين كل هذا ترك هيئات الأركان فلا يجبره بسجود السهو.
و الحاصل أن الصلاة تشتمل على أركان فلا تجبر بالسهو، و على هيئات فكذلك، و على مسنونات تجبر بسجدتي السهو(1).
و وافقه أبو حنيفة على ذلك و زاد عليه في خمس مسائل، فقال: إن جهر8.
ص: 350
فيما يسر، أو أسر فيما يجهر به - يعني الإمام - فإن المأموم عنده لا يجهر، أو ترك فاتحة الكتاب، أو قرأ سورة قبل الفاتحة، أو أخر القراءة عن الأولتين إلى الأخريين، أو ترك التكبيرات المتوالية في العيدين، أو تورك في موضع الافتراش سجد للجميع(1).
و قال مالك: متى ترك الهيآت سجد، و دعاء الافتتاح و التعوذ عنده في الصلاة لكن بتكبيرات الصلاة غير الافتتاح، و ترك التسبيح في الركوع و السجود، و ترك الإسرار أو الجهر فمذهبه أنه يجبر كل سهو يقع في الصلاة(2).
و قال ابن أبي ليلى: إن أسر فيما يجهر فيه، أو جهر فيما يسر فيه بطلت صلاته(3) كقولنا، و قد ذكرنا أكثر هذه المسائل على سبيل التفصيل.
و يسجد سجدتي السهو عند بعض علمائنا على ما تقدم و به قال الشافعي(4) لما تقدم.
و حكي عن علقمة و الأسود أنهما قالا: لا يسجد لأن الجبران إنما يكون للنقصان لا للزيادة(5) و هو ممنوع.
و لأن الزيادة تؤثر نقصانا، و لهذا إذا كانت عمدا أبطلتها، و إن ذكر قبل أن يتشهد، فإن كان قد جلس قدر جلسة الاستراحة لم يسجد، و إن زاد
ص: 351
سجد، و به قال الشافعي(1).
لجواز تركه مطلقا فلا يستعقب تركه نسيانا تكليفا، فلو ترك القنوت في صلاة الصبح أعاده بعد الركوع استحبابا و لا يسجد للسهو، و قال الشافعي: يسجد(2).
و لو ذكر بعد الانحطاط إلى السجود لم يعد لفوات محله، و قال الشافعي: إن سجد لم يجز أن يرجع لأنه تلبس بالفرض فلا يعود إلى السنّة و إن لم يكن وضع جبهته على الأرض عاد إليه، و يسجد للسهو إن كان قد بلغ حد الراكعين أو زاد، و إلاّ فلا(3).
و لو ترك الإمام القنوت لاعتقاده لم يسجد المأموم لأجله - و به قال القفال(4) - إذ لا خلل في صلاة الإمام، و قال بعض الشافعية: يسجد المأموم لأنه اعتقد أن إمامه ترك مأمورا فاختلت صلاته فعليه جبرها بالسجود(5).
و به قال الشافعي(6). و قال أبو حنيفة: إذا ترك تكبيرات العيدين خاصة سجد لها لأنه
ص: 352
ذكر في محل واحد، فإذا تركه سجد له كالتشهد و القنوت(1) و ينتقض بدعاء الاستفتاح.
فلو قنت في الركعة الأولى ساهيا سجد للسهو - و به قال الشافعي - لما تقدم، و اختلف أصحابه في العلّة.
فقيل: إنه نقل ذكرا مقصودا من محله إلى غير محله فيجعل كتركه في محله.
و قيل: إن قيام الاعتدال ركن قصير و قد طوّله بالقنوت(2).
و تظهر الفائدة فيما لو قنت في الاولى من الصبح عامدا هل تبطل صلاته أم لا؟ أما عندنا فإنها تبطل لأنه زاد ذكرا غير مشروع فيكون حكمه حكم ما لو تكلم في الصلاة بما ليس منها عامدا.
و أما الشافعية فمن علل بالأول لم يبطل، لأن الصلاة محل الذكر، و في سجود السهو قولان.
و من علل بالثاني أبطلها، لأن تطويل الركن القصير كزيادة ركن في الصلاة(3).
و لو قنت قبل الركوع لم يسجد عندنا لأنه المأمور به، و الشافعية قالوا:
إنه بعده فهل يسجد؟ إن علل بالأول سجد، و إلاّ فلا لأن القيام ركن ممتد(4).
ص: 353
و لو تشهد قائما متعمدا بطلت صلاته، لأن التشهد عندنا فرض في محله و قد أخلّ به عمدا، و عند الشافعية أنّه مستحب(1) فلا تبطل لأن الذكر في الصلاة لا يبطلها نقله.
و القيام و القعود ركن ممتد، و لو فعله ساهيا سجد عندنا و تداركه، و من علّل من الشافعية بالأول سجد لأنه نقل الذكر، و من علّل بالثاني لم يسجد لأن الركن طويل في نفسه.
لأن حديث النفس مرفوع عن هذه الأمة(2) ، و لا سجود إلاّ في عمل البدن.
استحبابا، و يجوز البناء على الأكثر، و به قال ابن سيرين، و هو قول الشافعي، و عنه السجود لترك ما اقتضت التحريمة فعله(3).
بأن ظن ترك سجدة و قلنا بفعله في الصلاة فسجد، ثم ذكر أنه لم يتركها و أن سجوده للسهو كان سهوا في الصلاة لم يسجد له لما تقدم من أنه لا سهو في سهو، و عند الشافعية يسجد لوجود السبب و هو السهو(4).
ص: 354
إذا جعلناه في الصلاة بأن فرغ من السجود و قبل أن يسلّم تكلم ناسيا، أو قام على ظن أنه رفع رأسه من سجدات الصلوات سجد ثانيا لوجود السبب، و سجود السهو يجبر ما قبله لا ما بعده، و به قال بعض الشافعية(1) ، و ظاهر مذهبهم: أنه لا يسجد ثانيا لأنه ربما (يسهو)(2) فيحتاج إلى سجود آخر فيؤدي إلى ما لا يتناهى(3).
و لا سجود عليه، و لو أدركه بعد الرفع من الركوع فإن سوغنا الدخول معه و الاعتداد بهذه النية و التكبير لم يسجد للسهو، و به قال الشافعي(4).
و قال عبد اللّه بن عمر، و عبد اللّه بن الزبير: يسجد لوجود زيادة في صلاته لا يعتد بها(5). و يبطله قوله عليه السلام: (ما أدركتم فصلوا و ما فاتكم فاقضوا)(6) و لم يأمر بسجود.
مطلقا عند أكثر علمائنا(7) - و به قال علي عليه السلام، و ابن مسعود، و عمار، و سعد بن أبي وقاص، و النخعي، و ابن أبي ليلى، و الثوري، و أصحاب الرأي، و هو قول
ص: 355
الشافعي(1) - لقوله عليه السلام: (إذا شك أحدكم في صلاته فليتحر الصواب و ليبن عليه و يسلم و يسجد سجدتين)(2) و قوله عليه السلام: (لكل سهو سجدتان بعد أن يسلم)(3).
و من طريق الخاصة قول علي عليه السلام: «سجدتا السهو بعد السلام و قبل الكلام»(4) و لأنه زيادة في الصلاة و فعل كثير ليس منها فيكون مبطلا، و لأن فيه تغييرا لهيئة الصلاة إذ السجود لا يتبع التشهد في شيء من صور الصلاة.
و قال بعض علمائنا: إنّهما قبل التسليم سواء زاد في الصلاة أو نقص(5) - و هو قول أبي هريرة، و أبي سعيد الخدري، و الزهري، و سعيد بن المسيب، و ربيعة، و الأوزاعي، و الليث بن سعد(6) - لما رووه عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنه صلّى صلاة العشاء فقام في ركعتين فقام الناس معه فلما انتظروا تسليمه كبر فسجد سجدتين و هو جالس قبل التسليم ثم سلّم(7).2.
ص: 356
و من طريق الخاصة قول الصادق عليه السلام: «إنّهما قبل التسليم فإذا سلمت ذهبت حرمة صلاتك»(1).
و الحديث الأول ممنوع لمنافاته الأصول الدالة على عصمة النبيّ صلى اللّه عليه و آله عن السهو. و الثاني ضعيف السند.
و قال بعض علمائنا بالتفصيل فإن كان للنقصان ففي الصلاة و إن كان للزيادة فبعد التسليم(2) - و به قال مالك، و المزني، و إسحاق، و أبو ثور، و الشافعي في القديم - (3) لأن خبر ذي اليدين(4) ذكر السجود بعد السلام لأن السهو في الزيادة، و الخبر السابق ذكر السجود في الصلاة لأنه للنقصان.
و من طريق الخاصة قول الرضا عليه السلام: «إذا نقصت فقبل التسليم و إذا زدت فبعده»(5) و الأولان بيّنا ضعفهما، و الثالث معارض بالأخبار الكثيرة فتكون أرجح.
و قال أحمد: السجود قبل السلام إلاّ في موضع ورد فيه الأثر خاصة، و اختاره ابن المنذر(6).2.
ص: 357
(1) لأن القائل بأن السجود بعده يسوغه قبله، و لأنها حالة متقدمة فاعتبارها أولى.
و لا يحتاج إلى إعادة التشهد عند الشافعي(2) ، و الوجه عندنا وجوبه - و به قال أبو حنيفة(3) - لأنهما مستقلان بوجوبه فالتشهد لهما.
لوجود المقتضي، و قال الشافعي: إن كان الفصل قصيرا سجد و إن طال فقولان(4).
لأنه إن كان واجبا أبطل الصلاة، و إن كان مندوبا لم يشرع له السجود كما تقدم - و به قال أبو حنيفة(5) - لأنه سجود يضاف إلى السهو فيختص به كسجود التلاوة.
و قال الشافعي: يسجد لو ترك التشهد و القنوت عمدا لأنه يسجد لهما
ص: 358
للسهو فالعمد أولى(1).
و المقدمتان ممنوعتان.
قال الشيخ في الخلاف: و شرط في صحة الصلاة(2) - و به قال مالك(3) - لأن النبي صلّى اللّه عليه و آله و الأئمة عليهم السلام أمروا به(4) و الأمر للوجوب، و لأنه جبران يفعل في العبادة فكان واجبا كجبران الحج.
و قال أحمد: إنه واجب(5). و حكى أبو الحسن الكرخي عن أبي حنيفة: أنه واجب و ليس بشرط في الصلاة(6) ، و حكى أصحاب مالك عنه: أنه واجب في النقصان(7).
و قال الشافعي: إنه ليس بواجب مطلقا(8) لقوله عليه السلام في حديث
ص: 359
أبي سعيد الخدري: «فإن كانت الصلاة تامة كانت الركعة و السجدتان نافلة)(1) و لأنها تفعل تكملة للصلاة و ليس بشرط فيها فلم يكن واجبا كسائر المسنونات.
و لا حجة في الحديث إذ كونها نافلة على تقدير لا يقتضي كونها نافلة مطلقا، و نمنع القياس على المسنونات فإنّ العلّة موجودة في الواجبات.
و قال الشافعي: إن لم يطل الفصل سجد، و إن طال ففي القديم:
يأتي به لأنه جبران يفعل لنقص في العبادة فلا يسقط بتطاول الفصل كجبران الحج، و الثاني: يسقط لأنه يبنى على الصلاة(1).
فإذا طال الفصل منع من البناء عليها كما لو ترك من الأخيرة سجدة و تطاول الفصل فإن الصلاة تبطل، و الفرق أن المنسي هنا جزء بخلاف سجدتي السهو.
و قال مالك: إن كان لزيادة أتى بهما و لو بعد شهر و إن كان لنقصان فإن ذكرهما قريبا سجدهما، و إن تطاول أعاد الصلاة(2). و قال ابن شبرمة: إذا خرج من المسجد أعاد الصلاة(3).
و قال الحسن و ابن سيرين: إذا صرف وجهه عن القبلة لم يسجد(4).
و قال أحمد: ما كان منه في الصلاة إذا تركه عامدا بطلت، و إن تركه ناسيا حتى يسلم فإن لم يطل الفصل أتى به و إن طال لم يأت به(5).
لأن الأصل العدم، أما لو شك أنه سجد واحدة أو اثنتين احتمل البناء على اليقين فيسجد ثانية و لا يسجد للسهو - و به قال الشافعي(6) - و إلاّ لزم عدم التناهي لو سها ثانيا، و يحتمل البناء على الأكثر لعموم قولهم عليهم السلام: «لا سهو في
ص: 361
سهو»(1).
فلو سجد على أن المحل آخر صلاته فتبين البقية أمر بإعادة السجود - و به قال الشافعي - و يحتمل إعادة الصلاة لزيادة ركن.
فلو سها الإمام في صلاة الجمعة فتشهد و سجد فأطال ثم رفع رأسه فظهر خروج وقت الجمعة أتم صلاته جمعة عندنا، لأنها تدرك بإدراك ركعة.
و قال الشافعي: يتمم صلاته ظهرا، و يؤمر بإعادة السجود آخر الصلاة(2).
أما المسافر إذا فرغ من التشهد فسجد فاتصلت السفينة(3) بدار إقامته، أو نوى المقام فإنه يلزمه إتمام الصلاة و إعادة السجود آخر الصلاة.
و السجود على الأعضاء السبعة، و الطمأنينة فيهما و في الرفع لأنه المتبادر في عرف الشرع، و الجلوس بينهما مطمئنا لأن التعدد في صلب الصلاة لا يحصل بدونه فكذا هنا. أما التشهد فأوجبه علماؤنا لقول الصادق عليه السلام: «إذا لم يدر أربعا صلّيت أم خمسا، أم نقصت، أم زدت فتشهد و سلم و اسجد سجدتين بغير ركوع و لا قراءة فتشهد فيهما تشهدا خفيفا»(4).
و يسلم عقيبه لقول الصادق عليه السلام: «فاسجد سجدتي السهو بعد
ص: 362
تسليمك ثم تسلّم بعدهما»(1) و بوجوب التشهد و التسليم عقيبهما قال أبو حنيفة(2).
و قال الشافعي: إن قلنا: السجود للزيادة بعد السلام فإنه يتشهد و يسلم عقيبهما - و إليه ذهب أكثر من يقول: إنه بعد السلام - و إن قلنا: إنه قبل السلام فإنه يكفيه أن يسلم(3).
فإن نسي السجود حتى سلّم، و قلنا: إن موضعه قبل السلام لو كان لنقصان اختلف أصحابه، فبعض قال: يتشهد و يسلم، و بعض قال: يسلم لأنه سجود تركه من الصلاة فلا يلزمه أن يعيد ما قبله(4).
و سجد عقيبه(5) ، فإن أراد بذلك الوجوب - كما هو قول أبي حنيفة، و الشافعي(6) - منعنا ذلك للأصل و لقول الصادق عليه السلام لما سأله عمار عن سجدتي السهو هل فيهما تكبير أو تسبيح ؟ فقال: «لا إنما هما سجدتان فقط»(7).
و هل تجب فيهما الطهارة و الاستقبال ؟ إن قلنا بوقوعهما في الصلاة وجب و إلاّ فإشكال ينشأ من أصالة البراءة، و من أنه سجود واجب فاشترطا له كسجود الصلاة. و قال الشافعي: يشترط فيهما ما يشترط في سجود الصلاة(8).
ص: 363
مسألة 368: و هل يجب فيهما الذكر؟ أكثر علمائنا عليه(1)
لما رواه الحلبي قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول في سجدتي السهو:
«بسم اللّه و باللّه، اللهم صلّ على محمد و آل محمد» قال: و سمعته مرة أخرى يقول: «بسم اللّه، و باللّه، و السلام عليك أيها النبي و رحمة اللّه و بركاته»(2) فيجب أحدهما و يتخير فيهما.
و قال بعض علمائنا: بعدم الوجوب(3) لمنافاة الرواية المذهب، لامتناع تطرق السهو على الإمام عليه السلام، و لقول الصادق عليه السلام لما سأله عمار عن سجدتي السهو هل فيهما تكبير أو تسبيح ؟: «لا إنما هما سجدتان فقط»(4).
و لا منافاة بين الرواية و المذهب، إذ سماعه يقول في سجدتي السهو، لا يدل على أنه عليه السلام قاله في سجوده له بل المراد سماعه هذا الحكم في هذا الفرض كما يقال: سمعته يقول: «في النفس المؤمنة مائة من الإبل»(5).
و عمار ضعيف، و لا حجة فيه لأن نفي وجوب التكبير و التسبيح لا يدل على نفي ما ذكره.
و قال الشافعي، و أبو حنيفة: يسبح فيهما كما يسبح في سجدات الصلاة(6). و لا جامع بينهما مع الفرق بأن ذاك جزء من الصلاة و هذا جبران فلا يجب التساوي.
ص: 364
سواء اختلف أو تجانس لأن كل واحد سبب تام في وجوب السجدتين فكذا حالة الاجتماع لأن الاجتماع لا يخرج الحقيقة عن حقيقتها، و لما رواه الجمهور عن النبي صلّى اللّه عليه و آله: (لكل سهو سجدتان)(1).
و قال الأوزاعي: يتداخل المتجانس دون المختلف قياسا على جبران الحج فإنه لو كرر اللبس اتحد الجبران، و لو لبس و تطيب تعدد(2). و نمنع الأول مع تكثر المجلس.
و قال الشافعي، و باقي الجمهور: بالتداخل تجانس أو اختلف(3) لأن في خبر ذي اليدين أنه عليه السلام سلم من اثنتين، و تكلم و سجد سجدتين(4). و قد بيّنا امتناع ذلك على أصولنا.
إجماعا أما عند القائلين بسبقه على التسليم فظاهر. و أما عند الآخرين فلأن الصلاة لا تبنى على غيرها.
و إن قلنا بتداخل
ص: 365
السجود لاختلاف الفرضين.
ثم يسجد بعد قضاء الجميع ثمان سجدات للسهو. و هل له التفريق بينها بالجبران ؟ إشكال.
و هل يجب تقديم جبرانها على جبران الزيادة و إن تأخرت عن الزيادة ؟ إشكال ينشأ من أنها كالتتمة للسجدة المنسية التي هي من صلب الصلاة، و من أصالة البراءة و عدم الترتيب.
مسألة 370: لو صلى المغرب أربعا سهوا قال الشيخ: أعاد(1) ، و أطلق، و الوجه التفصيل و هو أنه إن كان قد جلس عقيب الثالثة بقدر التشهد أجزأه و قعد و تشهد و سلم و سجد سجدتي السهو و إلاّ أعاد.
و قال الأوزاعي، و قتادة: يضيف إليها أخرى و يسجد للسهو لأنه إذا لم يضف صارت شفعا(2) ، و قال باقي الجمهور: يسجد للسهو(3) و أطلقوا لأنه عليه السلام صلّى الظهر خمسا فلمّا قيل له سجد للسهو و لم يضف أخرى لتصير شفعا(4). و قد بينا امتناع السهو على النبيّ صلّى اللّه عليه و آله.
سواء كان في الوقت أو بعده لأنه فعل المأمور به فيخرج عن العهدة.
و لو ذكر قبله أكمل الصلاة و سجد للسهو ما لم يحدث لأنه ساه في فعله فلا يبطل صلاته إلاّ الحدث.
ص: 366
و لو ذكره في أثنائه استأنف الصلاة لأنه ذكر النقصان بعد فعل كثير قبل خروجه عن العهدة، و يحتمل الصحة لأنه مأمور به و هو من الصلاة.
و لو شك بين الاثنتين و الثلاث و الأربع فذكر بعد الركعتين من جلوس أنها ثلاث صحت صلاته و سقط الباقي لظهور بطلان شكه فيما يوجبه.
و لو ذكر أنها اثنتان بطلت لأنه ذكر النقصان قبل فعل الجبران.
و لو بدأ بالركعتين من قيام انعكس الحكم فتبطل صلاته لو ذكر الثلاث و تصح لو ذكر الاثنتين.
و لو ذكر الثلاث بعد أن رفع رأسه من السجدة الثانية احتمل أن يتشهد و يسلم لأن الاحتياط المساوي قد فعله و هو الركعة و التشهد ليس من الأصل بل وجب لكونه جزءا من كلّ صلاة.
و البطلان لأن التشهد جزء من الجبران و لم يأت به.
تم الجزء الثاني من كتاب تذكرة الفقهاء بحمد اللّه و منّه، يتلوه في الثالث بتوفيق اللّه تعالى المقصد الثالث في باقي الصلوات، و الحمد للّه وحده و صلى اللّه على سيدنا محمد و آله الطاهرين، فرغت من تسويده في ثامن عشر شعبان من سنة ثلاث و سبعمائة، و كتب حسن بن يوسف بن مطهر مصنف الكتاب حامدا مصليا مستغفرا [1].
ص: 367