سرشناسه : علامه حلي حسن بن يوسف ق 726 - 648
عنوان و نام پديدآور : تذكره الفقهاء/ تاليف العلامه الحلي الحسن بن يوسف بن المطهر؛ تحقيق موسسه آل البيت عليهم السلام لاحياآ التراث مشخصات نشر : قم موسسه آل البيت عليهم السلام لاحياآ التراث 1400ق = 1300.
مشخصات ظاهري : ج 22
فروست : (موسسه آل البيت عليهم السلام لاحياآ التراث 127؛ 129؛ 130134)
شابك : 964-5503-33-7 (دوره ؛ 964-5503-44-2 2900ريال (ج 4) ؛ 964-5503-46-9 (ج 6) ؛ 964-319-007-2 (ج 7) ؛ 964-319-224-5 8000ريال (ج 11)
يادداشت : عربي يادداشت : فهرست نويسي براساس جلد چهارم 1414ق = 1372
يادداشت : ج 1 (چاپ اول 1420ق = 1378)؛ 8000 ريال ج 1) :ISBN 964-319-197-4
يادداشت : ج 8 (چاپ اول 1417ق = 1376)؛ 6500 ريال ج )8ISBN 964-319-051-x
يادداشت : ج 9 (چاپ اول 1419ق = 1377)8000 ريال :(ج )9ISBN 964-319-008-0
يادداشت : ج 13 (چاپ اول 1423ق = 1381)9500 ريال :ISBN 964-319-389-6
يادداشت : كتابنامه مندرجات : (ج )7) ISBN 964-319-007-2 ج 12) 1422ق = 8500 :1380 ريال موضوع : فقه جعفري -- قرن ق 8
شناسه افزوده : موسسه آل البيت عليهم السلام لاحياآ التراث رده بندي كنگره : BP182/3 /ع8ت4 1300ي
رده بندي ديويي : 297/342
شماره كتابشناسي ملي : م 73-2721
ص: 1
ص: 2
ص: 3
ص: 4
الجزء الثاني
و فيه بحثان:
ذهب إليه علماؤنا أجمع، سواء كان الميت رجلا أو امرأة - و به قال الشافعي في الرجل(1) - لما فيه من إتلاف المال، و لأن أحدا من الصحابة و التابعين لم يفعله، و لو كان سائغا لفعلوه، لأنهم كانوا يفتخرون بجودة الأكفان، و قد استحب الشارع تجويدها.
و روى الحسين بن راشد، قال: سألته عن ثياب تعمل بالبصرة على عمل العصب اليماني من قز و قطن، هل يصلح أن يكفن فيها الموتى ؟ قال: «إذا كان القطن أكثر من القز فلا بأس»(2) دل بمفهومه على ثبوت البأس مع صرافة القز.
و العصب ضرب من برود اليمن، سمي بذلك، لأنه يصبغ بالعصب، و هو نبت باليمن(3).
و كره أكثر الجمهور ذلك إلا للمرأة، فإنّ بعضهم سوّغه من غير كراهة، لأنها تلبسه في حال حياتها، و الموت أخرجها عن لبسه لعدم الزينة حينئذ(4) ، و الشافعي كرهه(5).
ص: 5
و هو قول العلماء كافة، لأن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله كفن في القطن الأبيض(1) و قال عليه السلام: (البسوا من ثيابكم البياض، فإنه أطهر و أطيب، و كفّنوا فيه موتاكم)(2).
و من طريق الخاصة: قول الصادق عليه السلام: «الكتان كان لبني إسرائيل يكفنون به، و القطن لأمة محمّد صلّى اللّه عليه و آله»(3).
ذهب إليه علماؤنا - خلافا للجمهور - لقول الصادق عليه السلام: «لا يكفن الميت في كتان»(4) و كذا يكره الممتزج بالحرير.
و يشترط أن يكون مما تجوز الصلاة فيه، و لا يجوز التكفين في الجلود، لأنها تنزع عن الشهيد مع أنه يدفن بجميع ما عليه، فلا يناسب تكفين غيره بها.
و هل يجوز التكفين بالصوف و الوبر و الشعر؟ الأقرب ذلك، لجواز الصلاة فيها، و به قال الشافعي(5).
ص: 6
و قال ابن الجنيد: لا يكفن في الوبر(1) ، و لعلّه استند في ذلك إلى عدم النقل، مع أن التكفين أمر شرعي يقف على مورده.
و يشترط فيه الطهارة بالإجماع، و لأنه لو لحقته نجاسة بعد التكفين وجبت إزالتها، فقبله أولى، و كذا الملك، فلا يجوز التكفين بالمغصوب بإجماع العلماء، لأنه تصرف في مال الغير بغير إذنه، فيكون قبيحا.
بإجماع العلماء، لأن وصف البياض بالطيب و الطهور في كلام النبيّ صلّى اللّه عليه و آله(2) ، يدل بمفهومه على كراهة ضدّه، و لأنها ثياب مثلة(3) ، و قال الصادق عليه السلام: «لا يكفن الميت في السواد»(4).
و كذا يكره تكفين الرجل و المرأة بالمعصفر، و غيره - و به قال الأوزاعي(5) - إلا ما كان من المعصب، و هو ما صبغ بالعصب و هو نبت باليمن.
و آله كفن في ثلاثة أثواب سحولية(1).
و سحول - بفتح السين - قرية بناحية اليمن يعمل فيها ثياب يقال لها السحولية(2) ، و السحول - بضم السين - الثياب البيض(3).
و قال الصادق عليه السلام: «كفن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في ثوبين سحوليين، و ثوب حبرة يمنية عبري»(4).
و قال الباقر عليه السلام: «الكفن المفروض ثلاثة أثواب أو ثوب تام لا أقل منه يوارى به جسده كله، فما زاد فهو سنة حتى يبلغ خمسة، فما زاد فمبتدع»(5).
و قال سلاّر: الواجب لفافة تستر الميت و تعم البدن، و ما زاد مستحب(6) للأصل، و به قال الأوزاعي، و الشافعي في أحد الوجهين(7) تكريما له، و سترا لما عساه يعرض من التغير، إلاّ أن المحرم عند الشافعي، لا يستر رأسه، و لا المرأة وجهها، و الثاني: أن الواجب قدر ما يستر العورة كالحي - و هو أوفق لنص الشافعي - فيختلف الحال بالذكورة و الأنوثة، لاختلافهما في قدر العورة، و استحب الشافعي ثلاثة أزر يدرج فيها إدراجا ليس فيها قميص و لا عمامة، و به قال أحمد(8).2.
ص: 8
و استحب أبو حنيفة أن يكفن في إزار و رداء و قميص(1) ، لأن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله كفّن في قميصه(2) ، و ألبس قميصه عبد اللّه بن أبي بن سلول [و](3) كفنه به، و قال: (لا يعذب ما بقي عليه منه سلك)(4).
و قال ابن الجنيد: لا بأس أن يكون الكفن ثلاثة أثواب يدرج فيها إدراجا، أو ثوبين و قميصا(5).
و المشهور إيجاب القميص، أما مع الضرورة فإن الواحد مجز بالإجماع. و لو قصر الثوب عن جميعه ستر رأسه و جعل على رجليه حشيشا، و لو لم يكف إلا العورة وجب الستر بها، لأنها أهم من غيرها.
تذنيب: لا فرق بين الصبي و الرجل، و الجمهور اكتفوا بثوب واحد، و إن كفن في ثلاثة فلا بأس(6).
لنا: أنه كالرجل لأنه ذكر.
- و هي المنسوبة إلى اليمن - عبرية - منسوبة إلى العبر، و هو جانب الوادي(7) - غير مطرزة بالذهب، لأن الباقر عليه السلام قال: «كفن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في ثلاثة أثواب: برد حبرة أحمر، و ثوبين أبيضين صحاريين» و قال: «إنّ
ص: 9
الحسن بن علي عليهما السلام كفّن أسامة بن زيد في برد أحمر حبرة، و إنّ عليا عليه السلام كفّن ابن حنيف في برد أحمر حبرة»(1).
و أنكر الجمهور ذلك(2) ، لأن عائشة ذكر لها أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كفن في برد، فقالت: قد أتي بالبرد، و لكن لم يكفنوه فيه(3).
و روايتنا أولى، لأنها مثبتة، و كره أحمد الزيادة على ثلاثة أثواب لما فيه من إضاعة المال(4) ، و ينتقض بالثلاثة.
طولها ثلاثة أذرع و نصف، في عرض شبر إلى شبر و نصف، و تسمى الخامسة يلف بها فخذاه لفا شديدا بعد أن يحشو الدبر بالقطن، و على المذاكير، ثم يخرج طرفيها من تحت رجليه إلى الجانب الأيمن، و يغمزه في الموضع الذي شدّها فيه، و استحبه أحمد في المرأة خاصة دون الرجل(5) ، و المقتضي فيهما واحد، و لقول الصادق عليه السلام: «يلف(6) الميت في خمسة أثواب: قميص لا يزر عليه، و إزار، و خرقة يعصب بها وسطه»(7) و عنه عليه السلام: «يجعل طول الخرقة ثلاثة أذرع و نصفا و عرضها شبرا و نصفا»(8).
تثنى عليه محنكا، و يخرج طرفاها
ص: 10
من الحنك، و يلقيان على صدره - ذهب إليه علماؤنا - لأن المطلوب ستر الميت، و العمامة ساترة، و قول الصادق عليه السلام: «و إذا عممته فلا تعممه عمة الأعرابي» و قال: «خذ العمامة من وسطها و انشرها على رأسه، ثم ردها إلى خلفه و اطرح طرفيها على صدره»(1) و قال الباقر عليه السلام: «أمر النبيّ صلّى اللّه عليه و آله بالعمامة، و عمم النبيّ صلّى اللّه عليه و آله، و مات أبو عبيدة الحذاء، فبعث الصادق عليه السلام معنا بدينار و أمرنا أن نشتري به حنوطا و عمامة ففعلنا، و قال: «العمامة سنّة»(2).
و لم يستحبها الجمهور(3) ، لأن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله كفن في ثلاثة أثواب ليس فيها قميص و لا عمامة(4) ، و هو غير مناف، لأن المراد أن العمامة ليست أحد الثلاثة.
تذنيب: العمامة ليست من الكفن، فلو سرقها النباش لم يقطع و إن بلغت النصاب، لأن القبر حرز الكفن دون غيره.
فيكون المستحب لها سبعة.
قال الباقر عليه السلام: «يكفن الرجل في ثلاثة أثواب، و المرأة إذا كانت عظيمة في خمسة: درع، و منطق، و خمار، و لفافتين»(5). و سأل
ص: 11
بعض أصحابنا كيف تكفن المرأة ؟ فقال: «كما يكفن الرجل، غير أنها تشد على ثدييها خرقة تضم الثدي إلى الصدر، و تشد إلى ظهرها»(1).
و المراد بالنمط ثوب فيه خطط، مأخوذ من الأنماط و هي الطرائق(2).
و تعوض عن العمامة بقناع، لقول الصادق عليه السلام: «تكفن المرأة في خمسة أثواب، أحدها: الخمار»(3) ، و الخمار هو القناع لأنه يخمر به الرأس.
تذنيب: ظهر مما قلناه أن الكفن الواجب في الذكر و الأنثى ثلاثة أثواب، و المستحب في الرجل خمسة، و في الأنثى سبعة، و لا يجوز الزيادة على ذلك لما فيه من إضاعة المال.
و قال الشافعي: الواجب في الكفن ستر العورة، و المستحب ثلاثة، و الجائز خمسة، و المكروه ما زاد(4) ، و استحب أكثر الجمهور كفن المرأة في خمسة أثواب، و اختلفوا.
فللشافعي قولان، أحدهما: قميص، و مئزر، و لفافة، و مقنعة، و خامسة يشد بها فخذاها، لزيادتها في حال الحياة في الستر على الرجل، لزيادة عورتها على عورته، فكذا بعد الموت، و لم يكره لها المخيط كما لم5.
ص: 12
يكره حال إحرامها، و كرهوه في الرجل، و الثاني: أن الخمسة: إزار، و درع، و خمار، و لفافتان(1).
و قال أحمد: لا خمار في كفن الجارية، لأنه غير واجب في صلاتها، و عنى بها - في رواية - ما لم تبلغ، و في أخرى: ما لم تبلغ تسع سنين(2).
بإجماع العلماء إلا من شذّ من الجمهور، فإنهم جعلوه من الثلث(3).
و قال طاوس: إن كان ماله كثيرا فمن الأصل، و إن كان قليلا فمن الثلث لأن ما زاد على ستر العورة ليس بواجب، فيجب من الثلث كتبرعه(4).
و هو خطأ لأن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال في الذي وقصت(5) به راحلته:
(كفنوه في ثوبيه)(6) و لم يسأل عن ثلثه.
و لأن جماعة من الصحابة لم تكن لهم تركة إلا قدر الكفن، فكفنوا به كحمزة، و مصعب بن عمير(7).
و لأن الميراث بعد الدين و المئونة مقدمة على الدين.
ص: 13
و لقول الصادق عليه السلام، «ثمن الكفن من جميع المال»(1).
و نمنع اعتبار الواجب في الساتر، و لا فرق بين أن يوصي به أو لا.
أما ما عدا الواجب: فإن اتفقت الورثة عليه و لا دين، أو كان و وافق أربابه أو أوصى به و هو يخرج من الثلث، فإنه ماض.
و لو تشاح الورثة اقتصر على الواجب، و للشافعية وجهان في مضايقة الورثة في الثوبين الزائدين على الواحد(2)(3) ، و لو أوصى بإسقاط الزائد على الواجب نفذت وصيته، و لو أوصى بالمستحب نفذت وصيته من الثلث.
و لو ضائق أصحاب الديون المستغرقة في الزائد على الواجب لم يخرج و للشافعية وجهان، أحدهما: أنهم لا يجابون، و يكفن في ثلاثة كالمفلس تترك عليه ثياب تجمله، و أظهرهما: الإجابة لحصول الستر و زيادة حاجته إلى براءة ذمته من التجمل(4) ، و لو ضايقوا في الواجب أخرج.
لأنها من جملة المئونة، و هو إجماع، و لو لم يخلف شيئا لم يجب على أحد بذل الكفن عنه، قريبا كان أو بعيدا، إلا المملوك، للبراءة الأصلية.
و قال الشافعي: يجب على من تجب عليه النفقة كالقريب و السيد(5).
و اما المرأة فإن كفنها على زوجها عند علمائنا، سواء كانت موسرة أو
ص: 14
معسرة - و هو أصح وجهي الشافعية(1) - لقول علي عليه السلام: «على الزوج كفن امرأته إذا ماتت»(2) و لثبوت الزوجية إلى حين الوفاة، فيجب الكفن، و لأن من وجبت نفقته و كسوته في الحياة وجب تكفينه عند الممات كمملوكه، فكذا زوجته.
و الثاني: عدم الوجوب على الزوج - و به قال أبو حنيفة، و مالك، و أحمد - لأنّ النفقة تتبع التمكين من الاستمتاع و قد انقطعت بالموت(3).
و أمّا المملوك فيجب كفنه على مولاه بالإجماع، لاستمرار حكم رقيته إلى الوفاة.
تذنيب: لو لم يخلف الميت شيئا دفن عاريا، و لا يجب على المسلمين بذل الكفن بل يستحب، نعم يكفن من بيت المال إن كان، و كذا الماء و الكافور و السدر و غيره.
أ - يستحب أن تكونا رطبتين، لأن القصد استدفاع العذاب ما دامت الرطوبة فيهما، قيل للصادق عليه السلام: لأي شيء تكون مع الميت جريدة ؟ قال: «تجافى عنه ما دامت رطبة»(1).
ب - يستحب أن تكون من النخل فإن تعذر فمن السدر، فإن تعذر فمن الخلاف، فإن تعذر فمن شجر رطب، و لو حصلت تقية وضعت الجريدتان في القبر، فإن تعذر فلا بأس بتركهما.
ج - يستحب جعل إحداهما مع ترقوته من جانبه الأيمن يلصقها بجلده و الأخرى من الجانب الأيسر بين القميص و الإزار، قاله الشيخان(2) ، و قال ابن أبي عقيل: إحداهما تحت إبطه الأيمن(3). و قال علي بن بابويه: تجعل اليمنى مع ترقوته، و اليسرى عند وركه بين القميص و الإزار(4) ، و الوجه الأول، لرواية جميل(5).
د - يستحب أن تكون قدر كل واحدة قدر عظم الذراع، و في رواية: قدر شبر(6).
الأمر الشرعي به، و لما فيه من تضييع المال، و لقول الصادق عليه السلام: «لا تجمروا الكفن»(1) و قال عليه السلام: «قال أمير المؤمنين عليه السلام: لا تجمروا الأكفان، و لا تمسوا موتاكم بالطيب إلا بالكافور، فان الميت بمنزلة المحرم»(2).
و استحب الجمهور التجمير(3) ، بأن يترك العود على النار في مجمرة، ثم يبخر به الكفن حتى تعبق(4) رائحته بعد أن يرش عليه ماء الورد، و يكون العود ساذجا، لأن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال: (إذا جمرتم الميت فاجمروه ثلاثا)(5) ، و هو يدل على الجواز، و نحن لا نمنع منه.
من كافور الجنة، فقسمه النبيّ صلّى اللّه عليه و آله بينه و بين علي عليه السلام، و فاطمة عليها السلام أثلاثا(1) ، و روى علي بن إبراهيم - رفعه - في الحنوط ثلاثة عشر درهما و ثلث(2).
أ - لا يقوم غير الكافور مقامه عندنا و سوغ الجمهور المسك(3) ، و قد بيّنا أنه كالمحرم.
ب - لو تعذر الكافور سقط الحنوط، لعدم تسويغ غيره.
ج - لا يجب استيعاب المساجد بالمسح.
د - لعلمائنا قولان في أن كافور الغسلة من هذا المقدر الشرعي.
فإن لم يفعل استحبّ له أن يتوضأ وضوء الصلاة، لأن الغسل من المس واجب فاستحبت الفورية، فإن لم يتفق غسل يديه إلى ذراعيه، لأنه استظهار في التطهير، و لقول العبد الصالح عليه السلام: «يغسل الذي غسله يديه قبل أن يكفنه إلى المنكبين ثلاث مرات، ثم إذا كفنه اغتسل»(4).
تذنيب: الأقرب عدم الاكتفاء بهذا الوضوء في الصلاة إذا لم ينو رفع الحدث.
ص: 18
- و هي الطيب المسحوق - قال بعض علمائنا: إنها نبت يعرف بالقمحان(1) ، و على الاستحباب إجماع أهل العلم، و قال الصادق عليه السلام: «و تبسط اللفافة طولا، و يذر عليها من الذريرة»(2).
و يستحب أن يكتب على الحبرة و القميص و اللفافة و الجريدتين: انه يشهد الشهادتين، و يسمي الأئمة عليهم السلام واحدا واحدا، لأن الصادق عليه السلام كتب في حاشية كفن ولده إسماعيل «إسماعيل يشهد أن لا إله إلا اللّه»(3) و يكون ذلك بتربة الحسين عليه السلام، فإن تعذر فبالإصبع، و يكره أن يكتب بالسواد.
المنزوع الحب لئلا يخرج منه شيء، و اختلف في كيفيته، فقال الشيخ: يحشى القطن في دبره(4). و قال ابن إدريس: يوضع على حلقة الدبر من غير حشو(5).
و قال الشافعي: ثم يدخله بين أليتيه إدخالا بليغا و يكثر ذلك(6).
و قال أصحابه: ليس المراد إدخال القطن في دبره، بل بين أليتيه، و المبالغة يريد الإيصال إلى الحلقة(7) و هو الأحوط(8) عندي احتراما للميت،
ص: 19
لما في الحشو من تناول حرمته، نعم إن خاف خروج شيء منه حشاه في دبره.
و يضم فخذيه ضما شديدا بعد أن يحشو الدبر قطنا، و على المذاكير، و يلفها في فخذيه، ثم يخرج رأسها من تحت رجليه إلى الجانب الأيمن، و يغمزها في الموضع الذي لفّ فيه الخرقة و يلف فخذيه من حقويه إلى ركبتيه لفا شديدا، و به قال الشافعي(1) ، و استحبه أحمد في المرأة خاصة(2) ، و قد تقدم(3) ، و هذا مستحب و ليس بواجب إجماعا.
و يكون عريضا يبلغ من صدره إلى الرجلين، فإن نقص عنه لم يكن به بأس، و يحنط مساجده بالكافور كما تقدم(4) ، فإن فضل شيء من الكافور مسح به صدره، ثم يرد القميص عليه، و يأخذ الجريدتين، و يجعل إحداهما من جانبه الأيمن مع ترقوته يلصقها بجلده، و الأخرى من الأيسر ما بين القميص و الإزار، و يعممه فيأخذ وسط العمامة فيلفها على رأسه بالدور و يحنكه بها، و يطرح طرفيها جميعا على صدره، و لا يعممه عمة الأعرابي بغير حنك، ثم يلفه في اللفافة، فيطوي جانبها الأيسر على جانبه الأيمن، و جانبها الأيمن على جانبه الأيسر، ثم يصنع بالحبرة أيضا مثل ذلك، فإن لم توجد حبرة استحب التعويض بلفافة أخرى، و يعقد طرفها مما يلي رأسه و رجليه، و الواجب من ذلك أن يؤزره، ثم يلبسه القميص، ثم يلفه بالإزار.
و قال الشافعي، و أحمد: يبسط أحسن اللفائف و أوسعها، و يذر عليها حنوطا، ثم الثانية، و يذر عليها الحنوط، ثم الثالثة، و يذر عليها الحنوط في
ص: 20
أحد الوجهين، و في الثاني: لا يذر على الثالثة.
فإذا فرغ من بسط الثياب نقله من مغتسله إلى أكفانه مستورا بثوب، و يترك على الكفن مستلقيا على ظهره، و يحشو القطن بين أليتيه، و يأخذ القطن و يضع عليه الحنوط و الكافور، ثم يلف الكفن عليه، و يشد عليه بشداد، و ينزع الشداد عند الدفن - و لم يعرف أصحابنا الشداد، بل يعقدون أطراف اللفافة - و في طي اللفافة قولان، أحدهما: مثل ما قلناه، و الثاني:
يثني شق الثوب الأيمن على شقه الأيمن(1). و ما قلناه أولى.
- قاله الشيخان(2) - و لا يوضع شيء من الكافور، و لا من المسك، و لا من القطن في سمع الميت، و لا في بصره، و لا في فيه، و لا في جراحه النافذة إلا أن يخاف خروج شيء من أحدها فيوضع فيه القطن - قاله علماؤنا - لأن ذلك يفسدها(3) فيجتنب، لقوله عليه السلام: (جنبوا موتاكم ما تجنّبون أحياءكم)(4).
و قال الصادق عليه السلام: «لا تجعل في مسامع الميت حنوطا»(5).
و استحبه الجمهور، لئلا يدخل الهوام إليها(6).
ص: 21
قال الشيخ: يكره أن يكون في الكافور شيء من المسك، و العنبر(1) ، لقول الصادق عليه السلام: «لا تمسوا موتاكم بالطيب إلاّ بالكافور»(2).
قال الشيخ في التهذيب:
سمعناه مذاكرة من الشيوخ، و عليه كان عملهم(3) ، و لا بدّ له من أصل فيعتمد عليه.
قال الشيخ: و يكره بلّ الخيوط التي يخاط بها الكفن بالريق، و يكره أيضا أن يعمل لما يبتدأ من الأكفان أكمام(4).
و لو كفن في قميص كان لابسا له لم يقطع كمه - قاله علماؤنا - و سئل الصادق عليه السلام، قلت: الرجل يكون له القميص يكفن فيه ؟ فقال:
«اقطع أزراره» قلت: و كمه ؟ قال: «لا انما ذلك إذا قطع له و هو جديد لم يجعل له كما، فأما إذا كان ثوبا لبيسا فلا يقطع منه إلا أزراره»(5).
بإجماع العلماء، لأن جمع أجزاء الميت في موضع واحد أولى.
و مباحثه خمسة:
فلا يجوز على
ص: 22
الكافر و إن كان ذميا أو مرتدا، قال اللّه تعالى وَ لا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً (1) و لا يجب على المسلمين غسله.
و أما التكفين و الدفن فلا يجبان أيضا و إن كان ذميا - و هو أحد وجهي الشافعي - لأن الذمة قد انتهت بالموت، و أظهرهما: الوجوب كما يجب أن يطعم و يكسى في حياته(2).
و أظهر الوجهين عنده في الحربي: عدم وجوب تكفينه و دفنه، لأن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أمر بإلقاء قتلى بدر في القليب على هيئتهم(3) ، و في وجوب مواراته عنده وجهان(4).
أ - لو اختلط قتلى المسلمين بقتلى المشركين، قال علماؤنا: يصلّى عليهم جميعا بنيّة الصلاة على المسلمين خاصة، و يجوز أن يصلى على كل واحد واحد بنيّة الصلاة عليه إن كان مسلما - و به قال مالك، و الشافعي، و أحمد(5) - لإمكان الصلاة على المسلم من غير ضرورة فوجب.
و قال أبو حنيفة: إن كان المسلمون أكثر صلي عليهم و إلا فلا، لأن الاعتبار بالأكثر، بدليل أن دار المسلمين الظاهر منها الإسلام لكثرة
ص: 23
المسلمين، و عكسها دار الحرب(1) ، و يبطل بما إذا اختلطت أخته بالأجنبيات فإن الحكم يثبت للأقل(2).
أما المواراة فقال الشيخ: يوارى من كان صغير الذكر(3) لقول الصادق عليه السلام: «قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يوم بدر: لا تواروا إلا كميشا، و قال: لا يكون إلا في كرام الناس»(4) ، و قيل بالقرعة(5) ، و الوجه عندي دفن الجميع تغليبا لحرمة المسلم، و به قال الشافعي(6).
ب - لو وجد ميت لا يعلم كفره و إسلامه، فإن كان في دار الإسلام ألحق بالمسلمين و إلاّ فبالكفار.
ج - يصلى على كل مظهر للشهادتين من سائر فرق الإسلام.
و قال أحمد: لا أشهد الجهمية و لا الرافضة، و لا على الواقفي - و به قال مالك(7) - لأن ابن عمر روى أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال:
(إن لكل امة مجوسا و إن مجوس أمتي الذين يقولون: لا قدر)(8).
و قال ابن عبد البر: سائر العلماء يصلّون على أهل البدع، و الخوارج، و غيرهم(9) ، لعموم قوله صلّى اللّه عليه و آله: (صلّوا على من قال لا إله إلاّم.
ص: 24
اللّه)(1) و استضعفوا الرواية، و عنوا تشبيه القدرية بالمجوس.
د - لا يصلى على أطفال المشركين لإلحاقهم بآبائهم إلا أن يسلم أحد أبويه أو يسبى منفردا عن أبويه عند الشيخ(2) ، و لو سبي مع أحد أبويه لم يلحق السابي في الإسلام، و به قال أبو ثور(3) ، و قال أحمد: يصلى عليه كما لو سبي منفردا(4).
ه - لا تجب الصلاة على كل من اعتقد ما يعلم بطلانه من الدين ضرورة، كالخوارج و الغلاة، لقدحهم في علي عليه السلام، و كذا من قدح في أحد الأئمة عليهم السلام كالسبأية(5) ، و الخطابية(6) ، و يجب على من عداهم لقوله عليه السلام: (صلوا على كلّ بر و فاجر)(7).
ص: 25
سنين فصاعدا، و لا تجب لو كان له دون ذلك، لأنه الحدّ الذي يؤمر معه بالصلاة. و الصلاة على الميت استغفار و شفاعة فلا معنى للشفاعة فيمن لا يؤمر بالصلاة وجوبا و لا ندبا.
و سئل الصادق عليه السلام متى يصلى على الصبي ؟ قال: «إذا عقل الصلاة» قلت: متى تجب عليه ؟ قال: «إذا كان ابن ست سنين»(1).
و قال الحسن البصري، و إبراهيم، و الحكم، و حماد، و مالك، و الأوزاعي، و أصحاب الرأي: لا يصلى عليه حتى يستهل(2) لما روي عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: (الطفل لا يصلى عليه و لا يرث و لا يورث حتى يستهل)(3).
و قال أحمد: يصلى عليه و إن ولد سقطا إذا استكمل أربعة أشهر - و به قال سعيد بن المسيب و ابن سيرين و إسحاق(4) ، و للشافعي كالمذهبين(5) - لما روي عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: (السقط يصلى عليه)(6) ، و عن سعيد ابن المسيب أيضا تجب حين تجب عليه الصلاة(7).3.
ص: 26
أ - يستحب الصلاة على من نقص سنه عن ست إذا ولد حيّا، لقول الكاظم عليه السلام: «يصلى على الصبي على كل حال إلا أن يسقط لغير تمام»(1) و قال الصادق عليه السلام: «لا يصلى على المنفوس - و هو المولود الذي لم يستهل - و إذا استهل فصلّ عليه»(2).
ب - لو خرج بعضه و استهل ثم مات استحبت الصلاة عليه و لو خرج أقله، لحصول الشرط و هو الاستهلال.
و قال أبو حنيفة: لا يصلى عليه حتى يكون الخارج أكثره، اعتبارا بالأكثر(3).
ج - لا يستحب الصلاة على السقط ميتا عند علمائنا، و صلاة ابن عمر على ابن لابنه ولد ميتا(4) ليس حجة.
عند علمائنا أجمع، فلا تجوز الصلاة على الغائب عن البلد - و به قال أبو حنيفة، و مالك(5) - و إلاّ لصلي على النبيّ صلّى اللّه عليه و آله في الأمصار، و كذا الأعيان من الصلحاء، و لو فعل ذلك لاشتهر و تواترت مشروعيته، و لأن استقبال القبلة بالميت شرط و لم يحصل، و لأن حضور الجنازة شرط كما لو كانت في البلد.
ص: 27
و قال الشافعي: يجوز فيتوجه المصلي إلى القبلة فيصلي عليه سواء كان الميت في جهة القبلة أو لم يكن - و به قال أحمد(1) لأن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله نعى النجاشي اليوم الذي مات فيه، و خرج بهم إلى المصلّى، و صفّ بهم و كبر أربعا(2) ، و يحتمل أن تكون الأرض قد زويت له فأرى الجنازة. أو الدعاء، لما روى زرارة و محمد بن مسلم: قلت له: فالنجاشي لم يصلّ عليه النبيّ صلّى اللّه عليه و آله فقال: «لا إنما دعا له»(3).
أ - شرط الشافعي الغيبة عن البلد، فإن كان الميت في طرف البلد لم تجز الصلاة عليه حتى يحضره(4).
ب - لا فرق بين أن تكون الجنازة في بلد آخر أو قرية أخرى بينهما مسافة، سواء كانت مما تقصر فيها الصلاة أو لا - في العدم عندنا، و الجواز عند الشافعي(5).
ج - حضوره و إن كان شرطا لكن ظهوره ليس بشرط، فلو دفن قبل الصلاة عليه صلّي على القبر و لم ينبش إجماعا، و كذا العاري يترك في القبر و تستر عورته بالتراب ثم يصلّى عليه و يدفن.
ص: 28
- و به قال علي عليه السلام، و أبو موسى الأشعري، و ابن عمر، و عائشة، و هو مذهب الأوزاعي، و الشافعي، و أحمد(1) - لأن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله صلّى على قبر مسكينة حين دفنت ليلا(2) و صلّى على قبر رجل كان يقيم بالمسجد دفن ليلا(3).
و قال النخعي، و مالك، و أبو حنيفة: لا يصلى على القبور و إلا لصلي على قبر النبيّ صلّى اللّه عليه و آله(4) ، و هو مدفوع إذ الصلاة على القبر مقدرة بما يأتي.
فقال بعض علمائنا: يصلى عليه يوما و ليلة لا أزيد، قاله المفيد(5).
و قال الشيخ: ثلاثة أيام و لا تجوز الصلاة بعدها(6) ، لأنه بدفنه خرج عن أهل الدنيا فساوى من قبر في قبره، خرج المقدر بالإجماع، فيبقى الباقي على الأصل، و لقول الكاظم عليه السلام: «لا تصلّ على المدفون»(7) خرج ما قدرناه بالإجماع، فيبقى الباقي.
و للشافعية أربعة أوجه، أحدها: أنه يجوز إلى شهر - و به قال
ص: 29
أحمد(1) - لأن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله صلّى على البراء بن معرور بعد شهر(2) و لم ينقل أكثر من ذلك.
و منهم من قال: ما لم يبل جسده و يذهب، لأنه حالة بقائه كهو حالة موته(3).
و منهم من قال: يجوز أبدا(4) ، لأن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله صلّى على شهداء أحد بعد ثماني سنين(5).
و قال أبو حنيفة: يصلي عليه الولي إلى ثلاث، و لا يصلي غيره عليه بحال(6). و التخصيص لا وجه له.
و قال إسحاق: يصلي عليه الغائب إلى شهر، و الحاضر إلى ثلاث(7) ، و كل ذلك محمول على الدعاء.5.
ص: 30
تذنيب: هذا التقدير عندنا إنما هو على من لم يصلّ عليه - و به قال أبو حنيفة(1) - خلافا للشافعي فإنه لم يشترط ذلك(2) ، و لو قلع من لم يصلّ عليه صلّي عليه مطلقا.
عند علمائنا أجمع - و به قال الحسن البصري، و سعيد بن المسيب، و الثوري، و أبو حنيفة، و المزني، و أحمد في رواية(3) - لأن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله خرج يوما فصلّى على أهل أحد صلاته على الميت ثم انصرف إلى المنبر(4) ، و قال ابن عباس: إن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله صلّى على قتلى أحد و كان يقدمهم تسعة تسعة و حمزة عاشرهم(5) ، و من طريق الخاصة قول الصادق عليه السلام: «إن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كفن حمزة في ثيابه و لم يغسله و لكنه صلّى عليه»(6) ، و لأن مرتبته عالية فشرعت الصلاة عليه كالأنبياء و الأوصياء.
و قال الشافعي، و مالك، و إسحاق، و أحمد في رواية: لا يصلى عليه(7) لأن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أمر بدفن شهداء أحد في دمائهم، و لم يغسلهم و لم يصل عليهم(8) ، و لأنه لم يغسل مع إمكان غسله فلم يصلّ عليه
ص: 31
كسائر من لم يغسل، و رواية الإثبات مقدمة، و سقوط غسله لقوله عليه السلام: (زملوهم بكلومهم فإنهم يحشرون يوم القيامة و أوداجهم تشخب دما)(1).
ذهب إليه علماؤنا أجمع - و به قال الحسن، و مالك، و الشافعي، و أحمد في رواية(2) - لأن رتبته دون رتبة الشهيد في المعترك، و قال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: (صلّوا على من قال لا إله إلاّ اللّه)(3).
و في رواية عن أحمد: لا يصلى عليه لأنه قتل شهيدا(4) ، و المقدمتان ممنوعتان.
و أما من عداهم ممن أطلق عليه اسم الشهيد كما روي عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: (الشهداء خمس: المطعون، و المبطون، و الغريق، و صاحب الهدم، و الشهيد في سبيل اللّه)(5).
و روي زيادة: (صاحب الحريق، و صاحب ذات الجنب، و المرأة تموت بجمع(6) شهيدة)(7) فإنهم يصلّى عليهم إجماعا، و كذا النفساء - خلافا
ص: 32
للحسن البصري(1) - لأن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله صلّى على امرأة ماتت في نفاسها فقام وسطها(2).
عند علمائنا، لأن الصلاة ثبتت لحرمة النفس، و القلب محل العلم، و منه تنبت الشرايين السارية في البدن، فكأنه الإنسان حقيقة، و لقول الكاظم عليه السلام في الرجل يأكله السبع فتبقى عظامه بغير لحم، قال: «يغسل و يكفن و يصلى عليه و يدفن»(3).
فإذا كان الميت نصفين صلي على النصف الذي فيه القلب، و عن محمد ابن عيسى عن بعض أصحابنا يرفعه قال: المقتول إذا قطع أعضاؤه يصلّى على العضو الذي فيه القلب(4).
و عن الصادق عليه السلام قال: «إذا وجد الرجل قتيلا فإن وجد له عضو من أعضائه تام صلي على ذلك العضو و دفن، فإن لم يوجد له عضو تام لم يصلّ عليه و دفن» و ذكره ابن بابويه(5) ، و يحمل العضو التام على الصدر لاشتماله على ما لم يشتمل عليه غيره من الأعضاء.
و قال أبو حنيفة، و مالك: إن وجد الأكثر صلي عليه و إلا فلا، لأنه بعض لا يزيد على النصف فلم يصل عليه، كالذي بان في حياة صاحبه
ص: 33
و الشعر و الظفر(1). و الفرق أنه من جملة لا يصلى عليها، و الشعر و الظفر لا حياة فيهما.
و لو قطع نصفين عرضا صلّي على ما فيه الرأس، و إن قطع طولا لم يصل عليه.
و قال الشافعي، و أحمد: إن وجد بعضه مطلقا صلي عليه أي عضو كان(2).
قال الشافعي: ألقى طائر يدا بمكة من وقعة الجمل عرفت بالخاتم، و كانت يد عبد الرحمن بن عتاب بن أسيد، فصلّى عليها أهل مكة بمحضر من الصحابة(3) و لأنه بعض من جملة تجب الصلاة عليها فيصلى عليه كالأكبر، و أنكر البلاذري وقوع اليد بمكة و قال: وقعت باليمامة(4) ، و لو سلّم فنمنع كون الفاعل ممن يحتج بفعله، و الفرق بين الصدر و العضو ما بيّناه.
أ - لو وجد قطعة فيها عظم من الشهيد لم تغسل و كفنت و دفنت من غير صلاة، و لو لم يكن شهيدا غسلت أيضا.
ب - لا فرق بين الرأس و غيره من الأعضاء.
ج - لو أبينت قطعة من حي في المعركة دفنت من غير غسل و لا صلاة
ص: 34
و إن كان فيها عظم، لأنها من جملة لا تغسل و لا يصلى عليها على إشكال ينشأ من اختصاص الشهادة بالجملة.
د - لو وجد الصدر بعد دفن الميت غسل، و صلي عليه، و دفن إلى جانب القبر أو نبش بعض القبر و دفن، و لا حاجة إلى كشف الميت، و لو كان غير الصدر دفنت إن لم يكن ذات عظم و إلا غسلت و دفنت.
ثم يقام عليه الحد ثم يصلي عليه الإمام و غيره، و كذا المرجومة، ذهب إليه علماؤنا - و به قال الشافعي إلا في تقديم الغسل(1) - لأن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله رجم العامرية و صلّى عليها، فقال عمر: ترجمها و تصلي عليها؟! فقال: (لقد تابت توبة لو قسمت على سبعين من أهل المدينة لوسعتهم)(2) و رجم علي عليه السلام شراحة الهمدانية و جاء أهلها إليه فقالوا: ما نصنع بها؟ فقال: «اصنعوا بها ما تصنعون بموتاكم»(3). و من طريق الخاصة قول الصادق عليه السلام عن المرجوم و المرجومة: «و يصلى عليهما»(4) ، و المقتص منه بمنزلة ذلك، و لأنه مسلم قتل بحق فأشبه المقتول قصاصا.
و قال الزهري: المرجوم لا يصلى عليه(5) ، و قال مالك: لا يصلي الإمام و يصلي غيره(6) و احتجا بأن ماعزا رجمه النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و لم
ص: 35
يصل عليه(1) ، قال الزهري: و لم ينقل أنه أمر بالصلاة عليه(2) ، و ليس بجيد، لأن ما لم يكره لغير الإمام لم يكره للإمام كسائر الموتى، و عدم النقل لا يدل على العدم، مع وروده عاما في قوله صلّى اللّه عليه و آله: (صلوا على من قال لا إله إلاّ اللّه)(3).
و به قال جميع الفقهاء، و قال قتادة:
لا يصلى عليه(4) ، و هو غلط، لأنه مخالف لإجماع انعقد قبله أو بعده، و لعموم الأخبار(5) ، و لأنه مسلم غير مقتول في المعركة فأشبه ولد الحلال، و يجيء على قول من يذهب إلى كفره من علمائنا(6) تحريم الصلاة عليه.
و يصلّى أيضا على النفساء - و به قال جميع الفقهاء - لما تقدم(7).
و قال الحسن البصري: لا يصلّى عليها، و يصلى على سائر المسلمين من أهل الكبائر(8).
و كذا من لا يعطي زكاة ماله، و تارك الصلاة، لأن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله خرج إلى قبا فاستقبله رهط من الأنصار يحملون جنازة على باب، فقال
ص: 36
النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: (ما هذا؟) قالوا: مملوك لآل فلان، قال: (أ كان يشهد أن لا إله إلاّ اللّه ؟) قالوا: نعم، و لكنه كان و كان، فقال: (أ كان يصلي ؟) فقالوا: قد كان يصلي و يدع، فقال لهم: (ارجعوا به فغسلوه، و كفنوه و صلّوا عليه، و ادفنوه، و الذي نفسي بيده لقد كادت الملائكة تحول بيني و بينه)(1).
و هو الذي يكتم غنيمته أو بعضها ليأخذه لنفسه و يختص به الإمام و غيره، و كذا قاتل نفسه متعمدا - و به قال عطاء، و النخعي و الشافعي(2) - لقوله عليه السلام: (صلّوا على من قال: لا إله إلا اللّه)(3) و من طريق الخاصة قول النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: (صلوا على المرجوم من أمتي و على القاتل نفسه من أمتي، لا تدعوا أحدا من أمتي بلا صلاة)(4).
و قال أحمد: لا يصلي الإمام عليهما و يصلي غيره(5) ، لأن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله جاءوه برجل قتل نفسه بمشاقص فلم يصلّ عليه(6) ، و توفي رجل من جهينة يوم خيبر، فذكر ذلك لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، فقال:
(صلّوا على صاحبكم) فتغيرت وجوه القوم، فلما رأى ما بهم، قال: (إن صاحبكم غلّ من الغنيمة)(7).
ص: 37
و ليس حجة لسقوط الفرض بغيره، و يعارض بالمديون فإنه عليه السلام كان يقول إذا أتي بالميت: (هل على صاحبكم دين ؟) فإن قالوا: نعم، قال: (صلّوا على صاحبكم)(1) ، مع أن الصلاة عليه مشروعة بالإجماع، و لعله عليه السلام فعل ذلك ليحصل الانتهاء فإن في صلاته سكنا، و كان ذلك لطفا للمكلفين.
ممن له ستّ سنين، سواء الذكر و الأنثى، و الحر و العبد، بلا خلاف، و على الفاسق، لأن هشام بن سالم سأل الصادق عليه السلام عن شارب الخمر، و الزاني، و السارق، يصلى عليهم إذا ماتوا؟ فقال: «نعم»(2).
و يستحب على من نقص سنه عن ست إن ولد حيا، و لا صلاة لو سقط و إن ولجته الروح، و لا على الأبعاض غير الصدر و إن علم الموت.
الناس بها، أو يأمر من يحب»(1).
و قال أحمد: الموصى إليه أولى - و به قال أنس، و زيد بن أرقم، و أم سلمة، و ابن سيرين، و إسحاق(2) - لأن أبا بكر أوصى أن يصلي عليه عمر و عمر أوصى أن يصلي عليه صهيب، و أوصت عائشة أن يصلي عليها أبو هريرة، و ابن مسعود أوصى أن يصلي عليه الزبير، و يونس بن جبير أوصى أن يصلي عليه أنس بن مالك، و أبو سريحة أوصى أن يصلي عليه زيد بن أرقم فجاءه عمرو بن حريث - و هو أمير الكوفة - ليتقدم فيصلي عليه فقال ابنه: أيها الأمير إن أبي أوصى أن يصلي عليه زيد بن أرقم، فقدّم زيدا(3) و هذا منتشر فكان إجماعا، و هو ممنوع.
و لو كان الوصي فاسقا لم تقبل الوصية إجماعا.
عند علمائنا - و هو قول الشافعي في الجديد(4) - لقوله تعالى وَ أُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللّهِ (5) و لقول الصادق عليه السلام: «يصلي على الجنازة أولى الناس بها»(6) و لأنها ولاية يعتبر فيها ترتيب العصبات فيقدم فيها الولي على الوالي كولاية النكاح.
و قال الشافعي في القديم - و به قال مالك، و أبو حنيفة، و أحمد، و إسحاق -: الوالي أولى، و نقله الجمهور عن علي عليه السلام، و جماعة من
ص: 39
التابعين(1) لقول النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: (لا يؤم الرجل في سلطانه)(2) و حكى أبو حازم قال: شهدت حسينا حين مات الحسن عليهما السلام و هو يدفع في قفا سعيد بن العاص و يقول: «تقدم فلو لا السنة ما قدمتك»(3) و سعيد أمير المدينة، و الخبر محمول على غير صلاة الجنازة، و حديث الحسين عليه السلام - كما قالت الشافعية(4) - أراد بذلك إطفاء الفتنة، و من السنة إطفاء الفتنة.
قالوا: صلاة شرعت فيها الجماعة فكان الإمام أحق بالإمامة كسائر الصلوات(5).
قلنا: الفرق أن الغرض من هذه الصلاة، الدعاء للميت و الحنو عليه فيه، فالولي أحق بذلك.
تذنيب: إمام الأصل أولى من كل أحد، و يجب على الولي تقديمه، لأن عليّا عليه السلام، قال: «الإمام أحق من صلّى على الجنازة»(6) و لأن للإمام منزلة النبيّ صلّى اللّه عليه و آله في الولاية، و قال تعالى اَلنَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ (7) و من طريق الخاصة ما رواه الصادق عليه السلام عن6.
ص: 40
أبيه، عن آبائه عليهم السلام قال: «قال أمير المؤمنين عليه السلام: إذا حضر سلطان اللّه جنازة فهو أحق بالصلاة عليها إن قدّمه ولي الميت و إلا فهو غاصب»(1).
لثبوت الأولوية في طرفه بحكم الآية(2) ، إذا عرفت هذا، فالأب أولى من الجد و من غيره من الأقارب كالولد و ولد الولد و الإخوة، ذهب إليه علماؤنا، و به قال أحمد، و الشافعي(3).
و قال مالك: الابن أولى من الأب لأنه أقوى تعصيبا منه كالإرث(4) ، و ليس بجيد لأن كل واحد منهما يدلي بنفسه لكن الأب أرق و أشفق على الميت و دعاؤه لابنه أقرب إلى الإجابة.
أ - الابن أولى من الجدّ عندنا، لأنه أولى بالميراث، و به قال مالك(1) ، و قال الشافعي، و أحمد: الجدّ أولى(2) لما تقدم.
ب - ابن الابن أولى من الجدّ و إن كان للأب، لأنه أولى بالميراث، خلافا للشافعي، و أحمد(3).
ج - قال الشيخ في المبسوط: الأب أولى، ثم الولد، ثم ولد الولد، ثم الجدّ للأب، ثم الأخ للأبوين، ثم الأخ للأب، ثم الأخ للأم، ثم العم، ثم الخال، ثم ابن العم، ثم ابن الخال، و بالجملة الأولى بالميراث أولى بالصلاة(4) ، فعلى قوله الأكثر نصيبا يكون أولى، لأنه قدّم العم على الخال مع تساويهما في الدرجة، و كذا الأخ للأب مع الأخ للأم.
و للحنابلة وجهان في تقديم الأخ من الأبوين على الأخ من الأب أو التسوية، قياسا على النكاح، و كذلك الوجهان عندهم في الأعمام و أولادهم(5).
و قال الشافعي في أكثر كتبه: الأخ من الأبوين أولى من الأخ للأب، و فيه قول آخر له بالتسوية، إذ الأم لا مدخل لها في الترجيح(6) ، و كذا القولان
ص: 42
للشافعي في تقديم العم للأبوين على العم من الأب(1) ، و عندنا أن المتقرب بالأبوين أولى لأنه الوارث خاصة، و لو كان ابنا عم أحدهما أخ لأم، ففي تقديمه عنده قولان(2) ، و عندنا يقدم، لاختصاصه بالميراث.
د - لو عدم العصبات، قال الشافعي: يقدم المعتق(3) ، لقوله عليه السلام: (الولاء لحمة كلحمة النسب)(4) و ليس به بأس.
- و روي عن ابن عباس أنه أولى من العصبات، و به قال الشعبي، و عطاء، و عمر بن عبد العزيز، و إسحاق، و أحمد في رواية(5) - لأنه أحق بالغسل فكان أحقّ بالصلاة، و لاطلاعه على عورة المرأة، و ليس كذلك المحارم، و سئل الصادق عليه السلام المرأة تموت من أحق بالصلاة عليها؟ قال: «زوجها» قلت: الزوج أحق من الأب و الولد و الأخ ؟ قال: «نعم»(6).
و قال سعيد بن المسيب، و الزهري، و أبو حنيفة، و مالك، و الشافعي، و أحمد في رواية: العصبات أولى من الزوج(7) ، لأن عمر قال لأهل امرأته: أنتم أحق بها(8) و لا حجة فيه.
ص: 43
تذنيب: وافقنا أبو حنيفة في أولوية الزوج من الابن منها(1).
و قال الشافعي: الابن أولى لأن الزوج لا ولاية له فكان الولي أولى(2).
و بالجملة يقدم الأولى في المكتوبة - و هو أحد قولي الشافعي(3) - لقوله عليه السلام: (يؤمكم أقرؤكم)(4) و قال عليه السلام: (يؤم القوم أقرؤهم لكتاب اللّه)(5) و هو على إطلاقه. و القول الآخر: يقدم الأسن، لأن سائر الصلوات تتعلق بحق اللّه تعالى خاصة، فقدم من هو أعلم بشرائطها، و هنا الأسن أقرب إلى إجابة الدعاء، و أعظم عند اللّه قدرا(6) ، و نمنع كون الأسن الجاهل أعظم قدرا من العالم و أقرب إجابة.
و سيأتي بيانها في صلاة الجماعة إن شاء اللّه، فإن لم يستكملها استناب - و عليه علماؤنا أجمع - و من قدمه الولي فهو بمنزلة الولي، و ليس له أن يستنيب لاختصاصه باعتقاد إجابة دعائه.
و يستحب للولي أن يقدم الهاشمي مع اجتماع الشرائط، لقوله عليه السلام: (قدموا قريشا و لا تقدموها)(7) و ليس له التقدم بدون إذن الولي
ص: 44
بالإجماع إلا إمام الأصل.
و الحر البعيد أولى من العبد القريب، و الفقيه العبد أولى من غيره الحر.
فإن اجتمع صبي و مملوك و نساء فالمملوك أولى، لأنه تصح إمامته، فإن كان نساء و صبيان، قال الشافعي: يقدم الصبيان لأن صلاتهن خلفه جائزة دون العكس(1) ، و عند الحنابلة لا يؤم أحد النوعين الآخر بل يصلي كل نوع بإمام منه(2) ، و لو تساوى الأولياء و تشاحوا أقرع - و به قال الشافعي(3) - لتساوي حقوقهم.
تقف إمامتهن وسطهن و لا تبرز - و به قال أحمد، و أبو حنيفة(4) - لأنهن من أهل الجماعة فيصلين جماعة كالرجال، و قد صلّى أزواج النبيّ صلّى اللّه عليه و آله على سعد بن أبي وقاص(5).
و من طريق الخاصة سئل الباقر عليه السلام المرأة تؤم النساء؟ قال:
«لا إلاّ على الميت إذا لم يكن أحد أولى منها، تقوم وسطهن و تكبر و يكبرن»(6).
ص: 45
و قال الشافعي في وجه: يصلّين منفردات لا يسبق بعضهن بعضا، و إن صلّين جماعة جاز أن تقف الإمامة وسطهن، لأن النساء لم تسن لهن الصلاة على الجنائز فلم تشرع لهن الجماعة(1) و الأولى ممنوعة.
و في الوجه الآخر: لا يكفي جنس النساء(2) ، لأن الرجال أكمل، و توقّع الإجابة في دعائهم أكثر، و لأن فيه استهانة بالميت.
و لو تعذر جنس الرجال أجزأت صلاتهنّ إجماعا.
أ - يجوز للشابة أن تخرج إلى الجنازة، لقول الصادق عليه السلام:
«توفيت زينب فخرجت أختها فاطمة بنت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في نسائها فصلّت عليها»(3) لكن يكره، لما فيه من الافتتان.
قال الصادق عليه السلام: «ليس ينبغي للشابة أن تخرج إلى الجنازة تصلي عليها إلا أن تكون امرأة دخلت في السن»(4).
ب - لو صلّت المرأة على الميت سقط الفرض عن الرجال و إن كانت حال اختيار، لأنه فرض على الكفاية قام به من يصح إيقاعه منه فيسقط عن الباقين، أما الصبي فلا يسقط الفرض بصلاته و إن كان مميزا مراهقا.
ج - العراة كالنساء يصلّون جماعة يقف إمامهم وسطهم، و لا يتقدم لئلاّ تبدو عورته، و لا يقعد.
ص: 46
المكلف و إن لم يستجمع الشرائط، لأنه حق له فليس لأحد مزاحمته فيه، و لو لم يكن هناك ولي تقدم بعض المؤمنين.
و لو اجتمع جنائز فتشاح أولياؤهم فيمن يقدم للصلاة عليهم قدم أولاهم بالإمامة في الفرائض، لقوله عليه السلام: (يؤم القوم أقرؤهم لكتاب اللّه)(1) و يحتمل تقديم من سبق ميته، و لو أراد ولي كل ميت إفراد ميته بصلاة جاز إجماعا.
- و هو حملها من جوانبها الأربع، ذهب إليه علماؤنا أجمع - و به قال أبو حنيفة، و الثوري، و أحمد(2) - لقول ابن مسعود: إذا تبع أحدكم جنازة فليأخذ بجوانب السرير الأربعة، ثم ليتطوع بعد أو ليذر فإنه من السنة(3). و من طريق الخاصة قول الصادق عليه السلام:
«يبدأ في الحمل من الجانب الأيمن، ثم يمر عليه من خلفه إلى الجانب الآخر حتى يرجع إلى المقدم كذلك دور الرحى»(4).
و قال الشافعي: حملها بين العمودين أولى من حملها من الجوانب
ص: 47
الأربعة(1) لأن عثمان حمل سرير امه بين العمودين، و حمل أبو هريرة سرير سعد بن أبي وقاص كذلك، و حمل الزبير سرير المسور بن مخزمة كذلك(2) و ليس حجة، و كرهه النخعي، و الحسن، و أبو حنيفة، و إسحاق(3).
و قال مالك: ليس في حمل الميت توقيت يحمل من حيث شاء.
و نحوه قال الأوزاعي(4).
أ - قال الشيخ في الخلاف: صفة التربيع أن يبدأ بيسرة الجنازة و يأخذها بيمينه و يتركها على عاتقه و يربع(5) الجنازة و يمشي إلى رجليها و يدور دور الرحى إلى أن يرجع إلى يمنة الجنازة فيأخذ ميامن الجنازة بمياسره، و به قال سعيد بن جبير، و الثوري، و إسحاق(6).
و قال الشافعي، و أبو حنيفة: يبدأ بمياسر مقدم السرير فيضعها على عاتقه الأيمن، ثم يتأخر فيأخذ مياسره فيضعها على عاتقه الأيمن، ثم يعود إلى مقدمه فيأخذ بميامن مقدمه فيضعها على عاتقه الأيسر، ثم يتأخر فيأخذ بميامنه فيأخذ ميمنة مؤخره فيضعها على عاتقه الأيسر(7).
و استدل على قوله بإجماع الفرقة(8) ، مع أنه قال في النهاية، و المبسوط:
ص: 48
يبدأ بمقدم السرير الأيمن ثم يمر عليه إلى مؤخره ثم بمؤخر السرير الأيسر و يمر عليه إلى مقدمة دور الرحى(1) ، و عليه دلّت الرواية(2) و هو أولى.
ب - صفة الحمل بين العمودين أن يدخل رأسه بين العمودين المقدمين و يتركهما على عاتقيه، و لا يمكن مثل ذلك في المؤخر لأنه يكون وجهه إلى الميت لا يبصر طريقه، فيحمل العمودين رجلان يجعل كل واحد منهما أحد العمودين على عاتقه، كما يفعل في التربيع.
ج - لو ثقل حمله من جوانب السرير زيد من يخففه على الحاملين، و عند الشافعي لو أدخلوا عمودا آخر يكون بين ستة أو ثمانية جاز على قدر الحاجة(3).
د - يحمل على سرير، أو لوح، أو محمل، أو أي شيء حمل عليه أجزأ، و لا بأس بالتابوت، و أول من وضعه فاطمة عليها السلام(4) ، لأنه أستر خصوصا للنساء، و لو خيف عليه الانفجار و التغيير قبل أن يهيّأ له ما يحمل عليه جاز حمله على الأيدي و الرقاب، و إن فعل لا مع الحاجة جاز.
و قول الشيخ: يكره التابوت إجماعا(5) يعني بذلك دفن الميت به لأن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله لم يفعله و لا أحد من الصحابة.
و استدل بإجماع
ص: 49
الفرقة(1) ، و لأنه قد ورد: «من مشى خلف جنازة كتب له بكل خطوة قيراط من الأجر»(2) و لقوله عليه السلام: (عليكم بالقصد في جنائزكم)(3).
و أطبق الجمهور على استحبابه لأن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال:
(أسرعوا بالجنازة، فإن تكن صالحة فخيرا تقدموها إليه، و إن تكن شرا فشرا تضعونه عن رقابكم)(4) و اختلفوا، فقال الشافعي: المستحب إسراع لا يخرج عن المشي المعتاد، بل فوق العادة و دون الخبب(5)(6) ، لقول ابن مسعود:
سألنا نبيّنا عن المشي بالجنازة فقال: (ما دون الخبب)(7).
و قال أصحاب الرأي: يخبّ و يرمل(8) لقول عبد الرحمن: كنا في جنازة عثمان بن أبي العاص، و كنا نمشي مشيا خفيفا، فلحقنا أبو بكرة فرفع سوطه، فقال: لقد رأيتنا مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله نرمل رملا(9) ، و الجواب: لعلّه حصل خوف على الميت، و حينئذ يجوز الإسراع إجماعا.2.
ص: 50
بالإجماع لأن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أمر به(1) ، و قال الباقر عليه السلام: «من تبع جنازة امرئ مسلم اعطي يوم القيامة أربع شفاعات، و لم يقل شيئا إلاّ قال الملك: و لك مثل ذلك»(2).
فإذا صلّى و انصرف، قال زيد بن ثابت: فقد قضيت الذي عليك(3) ، و أفضل منه أن يتبعها إلى القبر، لقوله عليه السلام: (من شهد الجنازة حتى يصلي فله قيراط، و من شهد حتى يدفن كان له قيراطان) قيل: يا رسول اللّه و ما القيراطان ؟ قال: (مثل الجبلين العظيمين)(4) و نحوه عن الباقر عليه السلام(5).
و أفضل من ذلك الوقوف بعد الدفن و تعزية أهله، قال أمير المؤمنين عليه السلام: «من تبع جنازة كتب له أربعة قراريط، قيراط لاتّباعه إياها، و قيراط للصلاة عليها، و قيراط للانتظار حتى يفرغ من دفنها، و قيراط للتعزية»(6).
ذهب إليه علماؤنا أجمع - و به قال سعيد بن جبير، و الأوزاعي،
ص: 51
و إسحاق، و أصحاب الرأي(1) - لأنّ عليا عليه السلام سأله أبو سعيد الخدري فقال: أخبرني يا أبا الحسن عن المشي مع الجنازة ؟ فقال: «فضل الماشي خلفها على الماشي قدامها كفضل المكتوبة على التطوع» فقلت:
أ تقول هذا برأيك أم سمعته من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ؟ فقال: «لا، بل سمعته من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله»(2).
و من طريق الخاصة: قول الباقر عليه السلام: «إن المشي خلف الجنازة أفضل من بين يديها»(3) و لأنها متبوعة فكانت متقدمة، و لأن المستحب التشييع و المشيّع متأخر.
و قال الشافعي، و مالك، و أحمد: المشي أمامها أفضل، و رواه الجمهور عن الحسن بن علي عليهما السلام، و عن أبي بكر، و عمر، و عثمان، و ابن عمر، و أبي هريرة، و ابن الزبير، و أبي قتادة، و القاسم بن محمد، و شريح، و سالم، و الزهري، و ابن أبي ليلى(4) ، لأن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله مشى أمام الجنازة(5) ، و لأنهم شفعاء الميت فينبغي أن يتقدموا المشفوع له.
و الحديث حكاية حال، فلا يعارض القول، مع احتمال أنه عليه السلام1.
ص: 52
مشى مع أحد جانبيها، فتوهم المشاهد السبق، ثم إن الباقر عليه السلام روى عن علي عليه السلام قال: «سمعت النبيّ صلّى اللّه عليه و آله يقول:
اتبعوا الجنازة و لا تتبعكم، خالفوا أهل الكتاب»(1) و لا تقدّم للشفاعة هنا إذ المشفوع اليه سبحانه و تعالى غير مختص بحيز و لا مكان.
و قال الثوري: الراكب خلفها و الماشي حيث شاء(2).
أ - يكره الركوب، قال ثوبان: خرجنا مع النبيّ صلّى اللّه عليه و آله في جنازة، فرأى ناسا ركبانا، فقال: (ألا تستحيون، إن ملائكة اللّه على أقدامهم و أنتم على ظهور الدواب)(3) و من طريق الخاصة قول الصادق عليه السلام: «خرج رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في جنازة يمشي فقال له بعض أصحابه: ألا تركب ؟ فقال: إني أكره أن أركب و الملائكة يمشون»(4).
ب - لو احتاج إلى الركوب زالت الكراهة إجماعا.
ج - الكراهة في الركوب في التشييع، فلا بأس به في عوده، لأن الباقر عليه السلام روى عن علي عليه السلام أنه كره أن يركب الرجل مع الجنازة في بدأة إلاّ من عذر، و قال: «يركب إذا رجع»(5).
د - يستحب للراكب المضي خلف الجنازة، و يكره أمامها كالماشي لما تقدم، و عند أحمد يتحتم المضي خلفها(6) ، لقول النبيّ صلّى اللّه عليه و آله:
(الراكب يسير خلف الجنازة)(7).
ص: 53
و التخشع و لا يضحك. و قال علي بن بابويه في الرسالة: إياك أن تقول: ارفقوا به أو ترحّموا عليه أو تضرب يدك على فخذك فيحبط أجرك(1).
و يكره رفع الصوت عند الجنازة، لنهي النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أن تتبع الجنازة بصوت(2).
و كره سعيد بن المسيب، و سعيد بن جبير، و الحسن البصري، و النخعي، و أحمد، و إسحاق قول القائل خلف الجنازة: استغفروا له(3) ، و قال الأوزاعي: بدعة(4).
و قال أحمد: لا تقول خلف الجنازة: سلم رحمك اللّه، فإنه بدعة، و لكن تقول: بسم اللّه و على ملة رسول اللّه، و تذكر اللّه(5).
و يكره مس الجنازة بالأيدي و الأكمام لأنه لا يؤمن معه فساد الميت.
- و هو قول كل من يحفظ عنه العلم - لأن ابن عمر، و أبا هريرة، و أبا سعيد، و عائشة، و سعيد بن المسيب أوصوا أن لا يتبعوا بنار(6).
و أوصى أبو موسى حين حضره الموت أن لا يتبع بمجمر، قالوا:
ص: 54
و سمعت فيه شيئا؟ قال: نعم من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله(1).
و من طريق الخاصة قول الصادق عليه السلام: «إنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله نهى أن تتبع الجنازة بمجمرة»(2).
تذنيب: لو دفن ليلا و احتيج إلى ضوء لم يكن به بأس إجماعا، و إنما كره المجامر فيها البخور، لأن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله دخل قبرا ليلا فأسرج له سراج(3) ، و سئل الصادق عليه السلام عن الجنازة يخرج معها بالنار، فقال: «إنّ ابنة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله اخرج بها ليلا و معها مصابيح»(4).
فإن لم يقدر على إزالته لم يمتنع لأجله من الصلاة عليه، لأن الإنكار سقط عنه بالعجز، فلا يسقط الواجب و لا يترك حقا لباطل.
و روى زرارة قال: حضرت في جنازة فصرخت صارخة فقال عطاء:
لتسكتنّ أو لنرجع، فلم تسكت، فرجع، فقلت ذلك لأبي جعفر عليه السلام فقال: «امض بنا، فلو أنّا إذا رأينا شيئا من الباطل مع الحق تركنا الحق، لم نقض حقّ مسلم»(5).
لقول أم عطية: نهينا عن اتّباع الجنائز(6) ، و لأنه مناف للتحذير الذي أمرن به، و كرهه ابن مسعود، و ابن
ص: 55
عمر، و مسروق، و عائشة، و الحسن البصري، و النخعي، و الأوزاعي، و أحمد، و إسحاق(1) ، لأن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله خرج فإذا نسوة جلوس، فقال: (ما يجلسكنّ؟) قلن: ننتظر الجنازة، قال: (هل تغسلن ؟) قلن: لا، قال: (هل تحملن ؟) قلن: لا، قال: (هل تدلين فيمن يدلي ؟) قلن: لا، قال: (فارجعن مأزورات غير مأجورات)(2).
قبل أن توضع في اللحد(3) - و به قال الشافعي، و مالك(4) - عملا بالأصل الدال على الإباحة و نفي الكراهة، و لأن عليا عليه السلام قال: «قام رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و أمر بالقيام، ثم جلس و أمر بالجلوس»(5).
و روى عبادة بن الصامت قال: كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إذا كان في جنازة لم يجلس حتى يوضع في اللحد، فاعترض بعض اليهود و قال: إنا لنفعل ذلك، فجلس، و قال: (خالفوهم)(6).
و قال أبو حنيفة، و أحمد: يكره له ذلك - و به قال الشعبي،
ص: 56
و النخعي(1) ، و ممن يرى ذلك الحسن بن علي عليهما السلام، و ابن عمر، و أبو هريرة، و ابن الزبير، و الأوزاعي، و إسحاق(2) - لأن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال: (إذا رأيتم الجنازة فقوموا، و من تبعها فلا يقعد حتى توضع)(3) و روايتنا تدل على النسخ فتقدم.
و قال ابن أبي عقيل منّا بالكراهة(4) أيضا لقول الصادق عليه السلام:
«ينبغي لمن شيع جنازة أن لا يجلس حتى توضع في لحده، فإذا وضع في لحده فلا بأس بالجلوس»(5).
تذنيب: أظهر الروايتين عن أحمد أنه أريد بالوضع عن أعناق الرجال، و هو قول من ذكرناه قبل(6) ، و روى الثوري الحديث: (إذا تبعتم الجنازة فلا تجلسوا حتى توضع بالأرض)(7) و رواه أبو معاوية: (حتى توضع في اللحد)(8).
فأما من تقدم الجنازة فلا بأس أن يجلس قبل أن تنتهي إليه.
لذمي كانت أو لمسلم، و به قال الشافعي، و أحمد(9) ، لقول علي عليه السلام: «قام
ص: 57
رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ثم قعد»(1) يعني ثم ترك.
و من طريق الخاصة رواية زرارة: مرت جنازة فقام الأنصاري و لم يقم الباقر عليه السلام، فقال له: «ما أقامك ؟» قال: رأيت الحسين بن علي يفعل ذلك، فقال أبو جعفر عليه السلام: «و اللّه ما فعل ذلك الحسين عليه السلام، و لا قام لها أحد منّا أهل البيت قط» فقال الأنصاري: شككتني أصلحك اللّه، و قد كنت أظن أني رأيت(2).
و عن أحمد استحباب القيام(3).
و حكي عن أبي مسعود البدري و غيره من الصحابة: وجوب القيام لها إذا مرت(4) لقول النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: (إذا رأيتم الجنازة فقوموا)(5) و هو منسوخ.
و لو سلّم فللعلة التي رواها الصادق عليه السلام قال: «كان الحسين ابن علي عليهما السلام جالسا، فمرت عليه جنازة، فقام الناس حين طلعت الجنازة، فقال الحسين عليه السلام: مرت جنازة يهودي و كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله جالسا على طريقها فكره أن يعلو رأسه جنازة يهودي»(6) و مع السبب يقصر عليه.7.
ص: 58
تذنيب: يستحب لمن رأى جنازة أن يقول: الحمد للّه الذي لم يجعلني من السواد المخترم.
لأن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله كذا فعل، و قال الصادق عليه السلام: «لا يصلّى على الميت بعد ما يدفن، و لا يصلّى عليه و هو عريان»(1).
فإن لم يكن كفن طرح في القبر ثم صلّي عليه بعد تغسيله و ستر عورته، و دفن، لأن الصادق عليه السلام قال في العريان: «يحفر له و يوضع في لحده و يوضع على عورته فيستر باللبن و الحجر - و في رواية: و التراب - ثم يصلّى عليه و يدفن»(2).
إلاّ الشهيد فإنه يصلى عليه من غير تغسيل، و لا يكفن إلا أن يجرد فإنه يكفن و لا يغسل و يصلّى عليه.
فلا تجوز الصلاة قاعدا، و لا راكبا اختيارا عند علمائنا، و به قال الشافعي، و أحمد، و أبو ثور، و أبو حنيفة(3) ، و لا أعلم فيه خلافا إلاّ في قول للشافعي: إنه يجوز أن يصلي قاعدا، لأنها ليست من فرائض الأعيان فألحقت بالنوافل(4).
و إنما قال أصحاب أبي حنيفة: إن القياس جوازه، لأنه ركن منفرد
ص: 59
فأشبه سجود التلاوة، و لكنهم لم يجوّزوه(1) ، لأن الأصل بعد شغل الذمة عدم البراءة إلاّ بما قلناه فيتعين، و لأن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و كذا الأئمة عليهم السلام و جماعة الصحابة صلّوا قياما(2) ، و قال عليه السلام: (صلّوا كما رأيتموني أصلّي)(3) و لأنها صلاة فريضة فلم تجز قاعدا و لا راكبا مع القدرة على القيام كغيرها من الفرائض، و سجود التلاوة لا يسمى صلاة.
بل يجوز للمحدث و الحائض و الجنب أن يصلّوا على الجنائز مع وجود الماء و التراب، و التمكن منها، ذهب إليه علماؤنا أجمع - و به قال الشعبي، و محمد بن جرير الطبري(4) - لأن القصد منها الدعاء للميت و الدعاء لا يفتقر إلى الطهارة.
و لقول الصادق عليه السلام و قد سأله يونس بن يعقوب عن الجنازة أصلي عليها على غير وضوء؟: «نعم إنما هو تكبير، و تسبيح، و تحميد، و تهليل، كما تكبر و تسبح في بيتك على غير وضوء»(5).
و سأله محمد بن مسلم عن الحائض تصلّي على الجنازة ؟ قال: «نعم و لا تقف معهم، تقف منفردة»(6).
و قال الشافعي: الطهارة شرط، و به قال أبو حنيفة، و أحمد(7) ، لقوله
ص: 60
عليه السلام: (لا صلاة إلاّ بطهور)(1) و هو محمول على الفرائض لأنها حقيقة فيها.
أ - الطهارة و إن لم تكن واجبة إلا أنها مستحبة عند علمائنا، لأن عبد الحميد سأل الكاظم عليه السلام أ يجزيني أن أصلي على الجنازة و أنا على غير وضوء؟ فقال: «تكون على طهر أحب إلي»(2).
ب - يجوز التيمم مع وجود الماء هنا عند علمائنا و هو أقل فضلا من الطهارة به - و به قال أبو حنيفة(3) - لقول سماعة: سألته عن رجل مرت به جنازة و هو على غير طهر، قال: «يضرب يديه على حائط لبن فيتيمم»(4) و لأن الطهارة ليست شرطا عندنا فساغ ما هو بدل عنها، و منعه الشافعي(5) ، و لا يجوز أن يدخل بهذا التيمم في شيء من الصلوات فرضها و نفلها، فقد الماء أو لا.
ج - لو صلّى بغير طهارة جاز عندنا، و قال الشافعي: لا تصح صلاته(6). و كذلك من علم به من المأمومين، و إن لم يعلموا صحت صلاتهم.
ذهب
ص: 61
إليه علماؤنا - و هو أحد قولي الشافعي - لأنها فرض كفاية فلا يشترط الزائد على الفاعل لها بالتمام، و لأنها صلاة لا تفتقر إلى الجماعة فلم يكن من شرطها العدد كسائر الصلوات.
و في الآخر: يشترط ثلاثة(1) ، لقوله عليه السلام: (صلّوا على من قال لا إله إلا اللّه)(2) و هو خطاب للجميع و أقله ثلاثة، و هو غلط، لأن الخطاب و إن توجه عليهم أجمع إلا أن المراد كل واحد، إذ ليس المراد ثلاثة لا غير، بل الجميع، فإن كان المقصود الإتيان به جماعة وجب الجمع و إلا فلا.
و له قول ثالث: وجوب أربع كما لا بد من أربعة يحملونه. و لا تلازم، ثم إنّ الحمل بين العمودين أفضل عنده و هو يحصل بثلاثة.
و له رابع: وجوب اثنين، لأنه أقل الجمع(3).
لأن المعمول عليه بعد زمن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله إلى اليوم أن يصلّى على الميت جماعة بإمام.
فإن صلّوا عليها أفرادا جاز، و به قال الشافعي(4) ، لأن الصحابة صلّت على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أفرادا(5) و لأن الأصل عدم الوجوب.
و كذا النساء يستحب أن يجمعن لو صلّين منفردات، و لو كن مع الرجال تأخّرن مؤتمات بهم، و لو كان فيهنّ حائض انفردت وحدها بصف.
ص: 62
مستقبل القبلة و رأس الميت على يمينه غير متباعد عنها كثيرا، و إذا صلوا جماعة ينبغي أن يتقدم الإمام و المؤتمون خلفه صفوفا، و إن كان فيهم نساء وقفن آخر الصفوف، و إن كان فيهنّ حائض انفردت بارزة عنهم و عنهنّ.
و لو كانا نفسين وقف الآخر خلفه بخلاف صلاة الجماعة، و لا يقف على يمينه لأن القاسم بن عبد اللّه القمي سأل الصادق عليه السلام عن رجل يصلي على جنازة وحده، قال: «نعم» قلت: فاثنان، قال: «لا، يقوم الإمام وحده و الآخر خلفه و لا يقوم إلى جنبه»(1).
أ - أفضل الصفوف هنا آخرها لقول الصادق عليه السلام: «قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: خير الصفوف في الصلاة المقدّم، و في الجنائز المؤخر، قيل: و لم ؟ قال: صار سترة للنساء»(2).
ب - ينبغي أن يقف المأمومون صفوفا، و أقل الفضل ثلاثة صفوف لما رواه الجمهور عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: (من صلّى عليه ثلاثة صفوف فقد أوجب(3)(4).
ج - يستحب تسوية الصف في الموقف هنا كالصلاة المكتوبة، خلافا لعطاء(5).
د - ينبغي أن لا يتباعد الإمام عن الجنازة، بل يكون بينهما شيء يسير.
ه - يستحب أن يتحفى عند الصلاة إن كان عليه نعلان، و إن كان عليه
ص: 63
خف لم ينزعه، لما فيه من الاتعاظ و الخشوع، و روى الجمهور عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: (من اغبرت قدماه في سبيل اللّه حرمهما اللّه على النار)(1).
- و به قال الشيخ في المبسوط(2) ، و هو قول مالك(3) - لأن سمرة بن جندب قال:
صلّيت خلف رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يوم صلّى على أم كعب، و كانت نفساء، فوقف عند وسطها(4). و من طريق الخاصة قول الصادق عليه السلام: «قال أمير المؤمنين عليه السلام: من صلّى على امرأة فلا يقم في وسطها، و يكون مما يلي صدرها، و إذا صلّى على الرجل فليقم في وسطه»(5) و لأنه أبعد عن محارمها فكان أولى.
و قال الشيخ في الخلاف: السنة أن يقف الإمام عند رأس الرجل و صدر المرأة(6) لقول الكاظم عليه السلام: «يقوم من المرأة عند رأسها»(7).
و قال أحمد، و بعض الشافعية: يقف عند صدر الرجل و وسط المرأة(8) ،
ص: 64
و بعضهم قال: عند رأس الرجل - و به قال أبو يوسف، و محمد(1) - لأن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله صلّى على امرأة ماتت في نفاسها فقام وسطها(2) ، و صلى أنس بن مالك على جنازة عبد اللّه بن عمر، فقام عند رأسه(3). و فعل أنس ليس حجة.
و قال أبو حنيفة: يقوم عند صدر الرجل و المرأة معا لتساويهما في سنن الصلاة(4) ، و هو ممنوع لمخالفتهما في الموقف فكذا هنا.
و قال مالك: يقف عند وسط الرجل و منكبي المرأة(5).
ب - لو اجتمع الرجل و المرأة، قال أصحابنا: يجعل رأس المرأة عند وسط الرجل ليقف الإمام موضع الفضيلة فيهما، و كذا لو اجتمع رجال و نساء، صفّ الرجال صفّا، و النساء خلفهم صفا، رأس أول امرأة عند وسط آخر الرجال، ثم يقوم وسط الرجال، و به قال مالك، و سعيد بن جبير، و أحمد في رواية، و في أخرى: يسوّي بين رءوسهم كلهم(1) ، لأن أم كلثوم بنت علي عليه السلام و زيدا ابنها توفّيا معا، فأخرجت جنازتهما، فصلّى عليهما أمير المدينة فسوّى بين رءوسهما و أرجلهما(2) ، و لا حجة في فعل غير النبيّ، و الإمام عليهما السلام.
ج - لا فرق بين العبيد و الأحرار، و لا بين البالغين و غيرهم في هذا الحكم.
- و به قال جميع الفقهاء - لأن أم كلثوم و ابنها وضعا كذلك(3).
و من طريق الخاصة سؤال محمد بن مسلم أحدهما عليهما السلام كيف يصلّى على الرجال و النساء؟ قال: «الرجل مما يلي الإمام»(4) و لأن الرجل يكون إماما في جميع الصلوات فكذا هنا.
و حكي عن القاسم بن محمد، و سالم بن عبد اللّه، و الحسن البصري أنهم عكسوا، لأن أشرف المواضع مما يلي القبلة، و لهذا يكونون في الدفن هكذا(5). و الفرق أنه ليس في اللحد إمام فاعتبرت القبلة، و هنا إمام فاعتبر القرب منه.
ص: 66
أ - لو كانوا كلّهم رجالا أحببت تقديم الأفضل إلى الإمام، و به قال الشافعي(1).
ب - لو تشاح أولياؤهم فقال وليّ الرجل: أنا أصلي عليهم. و قال وليّ المرأة: أنا أصلي، قال الشافعي: يقدم السابق منهما، فإن استووا أقرع، و لو أراد كل منهما الانفراد كان له(2).
ج - الأفضل أن يصلّى على كل واحد من الجنائز المتعددة صلاة واحدة، لأن القصد بالتخصيص أولى منه بالتعميم، فإن كان بهم عجلة أو خيف على الأموات صلّي على الجميع صلاة واحدة.
د - لو كانوا مختلفين في الحكم بأن يجب على أحدهم الصلاة و يستحب على الآخر لم يجز جمعهم بنية متحدة الوجه، و لو قيل بإجزاء النيّة الواحدة المشتملة على الوجهين بالتقسيط أمكن.
ه - الترتيب بين الرجال و النساء مستحب، لقول الصادق عليه السلام: «لا بأس أن يقدم الرجل و تؤخر المرأة، و يؤخر الرجل و تقدم المرأة»(3) يعني في الصلاة على الميت.
و - لو اجتمع رجل و صبي و عبد و خنثى و امرأة، فإن كان للصبي أقل من ست سنين جعل الرجل مما يلي الإمام، ثم العبد، ثم الخنثى، ثم المرأة، ثم الصبيّ - ذهب إليه علماؤنا - إذ لا تجب الصلاة على الصبي، بخلاف المرأة و الخنثى، فتقديمهما إلى الإمام أولى.
ص: 67
و قال الشافعي: يجعل الصبي بين الرجل و الخنثى مطلقا(1) لحديث أم كلثوم(2).
و لو كان الصبي ابن ست سنين فصاعدا جعل بعد الرجل، لقول الصادق عليه السلام في جنائز الرجال و الصبيان و النساء: «توضع النساء مما يلي القبلة، و الصبيان دونهن، و الرجال دون ذلك»(3).
ذهب إليه علماؤنا أجمع - و به قال زيد بن أرقم، و حذيفة بن اليمان(4) - لأن زيد ابن أرقم كبر على جنازة خمسا، و قال: كان النبيّ صلّى اللّه عليه و آله يكبرها(5).
و عن حذيفة أن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله فعل ذلك(6) ، و كبر علي عليه السلام على سهل بن حنيف خمسا(7) ، و كان أصحاب معاذ يكبرون على الجنازة خمسا(8).
و من طريق الخاصة قول الباقر عليه السلام: «كبر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله خمسا»(9).
ص: 68
و سئل الصادق عليه السلام عن التكبير على الميت، فقال:
«خمس»(1).
و روى الصدوق: أن العلّة في ذلك أن اللّه عزّ و جلّ فرض على الناس خمس صلوات فجعل للميت من كل صلاة تكبيرة، و في اخرى: أن اللّه تعالى فرض على الناس خمس فرائض: الصلاة، و الزكاة، و الصوم، و الحج، و الولاية، فجعل للميت من كل فريضة تكبيرة(2).
و قال الفقهاء الأربعة، و الثوري، و الأوزاعي، و داود، و أبو ثور:
التكبير أربع، و رووه عن الحسن بن علي عليهما السلام، و أخيه محمد بن الحنفية، و عمر، و ابن عمر، و زيد، و جابر، و أبي هريرة، و البراء بن عازب، و عتبة بن عامر، و عطاء بن أبي رباح(3) ، لأن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله نعى النجاشي للناس و كبر بهم أربعا(4).
و الجواب: قد بيّنا أنه عليه السلام صلّى له بمعنى الدعاء، و لو سلمنا أنه فعل ذلك ببعض الأموات لكن ذلك لانحراف الميت عن الحق، فإنه قد روي عن أهل البيت عليهم السلام: أن الصلاة بالأربع للمتهم في دينه(5).
قال الصادق عليه السلام: «كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يكبر5.
ص: 69
على قوم خمسا، و على آخرين أربعا، فإذا كبر أربعا اتهم»(1) يعني الميت.
و حكي عن محمد بن سيرين و أبي الشعثاء جابر بن زيد أنهما قالا:
يكبر ثلاثا. و روي عن ابن عباس(2).
و عن علي عليه السلام أنه كان يكبر على أهل بدر خمسا و على سائر الناس أربعا(3). و هو يناسب ما قلناه من تخصيص الأربع بغير المرضي.
أ - لا ينبغي الزيادة على الخمس لأنها منوطة بقانون الشرع و لم تنقل الزيادة.
و ما روي عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله من أنه كبر على حمزة سبعين تكبيرة(4) ، و عن علي عليه السلام أنه كبر على سهل بن حنيف خمسا و عشرين تكبيرة(5) إنما كان في صلوات متعددة.
قال الباقر عليه السلام: «كان إذا أدركه الناس قالوا: يا أمير المؤمنين لم ندرك الصلاة على سهل بن حنيف فيضعه فيكبر عليه خمسا حتى انتهى إلى قبره خمس مرات»(6).
ب - لو كبر الإمام أكثر من خمس لم يتابعه المأموم، لأنها زيادة غير مسنونة للإمام فلا يتابعه المأموم فيها.
ص: 70
و قال الثوري، و مالك، و أبو حنيفة، و الشافعي، و أحمد في رواية: لا يتابعه في الزائد على الأربع، لما تقدم، و عنه رواية أنه يتابعه الى سبع(1) ، لأن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله كبر على حمزة سبعا(2) ، و كبر عليّ عليه السلام على أبي قتادة سبعا، و على سهل بن حنيف ستا و قال: «إنه بدري»(3).
و قال: فإن زاد على سبع لم يتابعه(4).
و قال عبد اللّه بن مسعود: إن زاد الإمام على سبع تابعه فإنه لا وقت و لا عدد(5).
ج - لو زاد الإمام على المقدر، فقد قلنا: إنه لا يتابعه و ينصرف، و به قال الثوري، و أبو حنيفة(6).
و قال الشافعي، و أحمد: لا ينصرف بل يقف حتى يسلم الإمام فيسلم معه(7).
لأن القصد الدعاء، فلا تجب الصلاة لو لم يجب، و لأن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله كذا فعل(8).
ص: 71
قال الكاظم عليه السلام: «قال الصادق عليه السلام: صلّى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله على جنازة خمسا، و صلّى على اخرى فكبر أربعا، فالتي كبر عليها خمسا حمد اللّه و مجّده في الاولى، و دعا في الثانية للنبي، و في الثالثة للمؤمنين و المؤمنات، و في الرابعة للميت، و انصرف في الخامسة، و التي كبر عليها أربعا، كبّر و حمد اللّه و مجّده، و دعا في الثانية لنفسه و أهله، و دعا للمؤمنين و المؤمنات في الثالثة، و انصرف في الرابعة، و لم يدع له لأنه كان منافقا»(1).
بل المعاني المدلول عليها تلك الأدعية، و أفضله أن يكبر و يشهد الشهادتين، ثم يكبر و يصلي على النبيّ - صلّى اللّه عليه - و آله، ثم يكبر و يدعو للمؤمنين، ثم يكبّر و يدعو للميت، ثم يكبر الخامسة، و ينصرف مستغفرا - ذهب إليه علماؤنا أجمع - لأن ابن مسعود قال: ما وقت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قولا و لا قراءة، فكبر كما كبر الإمام، و اختر من طيب القول ما شئت(2).
و من طريق الخاصة قول الباقر عليه السلام: «ليس في الصلاة على الميت قراءة و لا دعاء موقت إلا أن تدعو بما بدا لك»(3).
و قال الصادق عليه السلام: «كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إذا صلّى على ميت كبر و تشهد، ثم كبر و صلّى على الأنبياء و دعا، ثم كبر
ص: 72
و دعا للمؤمنين، ثم كبر الرابعة و دعا للميت، ثم كبر و انصرف»(1).
عند علمائنا أجمع - و به قال الثوري، و الأوزاعي، و مالك، و أبو حنيفة(2) - لأن ابن مسعود قال: إن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله لم يوقت فيها قولا و لا قراءة(3).
و من طريق الخاصة قول الباقر عليه السلام(4) و قد تقدم(5).
و لأن ما لا ركوع فيه ليس فيه قراءة، كسجود التلاوة.
و قال الشافعي، و أحمد، و إسحاق، و داود: تجب فاتحة الكتاب، و رووه عن ابن مسعود، و ابن عباس، و ابن الزبير، و الحسن البصري(6) ، لأن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله قرأ بعد التكبيرة الأولى بأم القرآن(7). و لأنها صلاة يجب فيها القيام فوجبت القراءة كغيرها.
و الجواب: قد بيّنا عدم التوقيت، فكما جاز الدعاء جازت القراءة بنيّة الدعاء، و الفرق بين الصلاتين اشتراط الطهارة في غيرها دون هذه، لأن القصد فيها الدعاء فناسب سقوط القراءة.
ص: 73
أ - قال الشيخ في الخلاف: تكره القراءة في صلاة الجنازة(1) و به قال أبو حنيفة و أصحابه، و الثوري، و مالك، و الأوزاعي - لما تقدم(2) من مشروعية الدعاء و التحميد - و هو مروي عن أبي هريرة و ابن عمر(3).
و قال الشافعي: قراءة الحمد شرط في صحتها(4).
ب - يستحب الإسرار بالدعاء في صلاة الجنازة لأن السر أقرب إلى القبول لبعده عن الرياء، و كذا من أوجب القراءة إلا بعض الشافعية فإنه قال:
يسر فيها نهارا لا ليلا(5).
ج - لا تستحب الزيادة على الفاتحة عند الموجبين لها.
د - لا يستحب دعاء الاستفتاح عند علمائنا، و هو قول أكثر العلماء(6) لاستحباب التخفيف في هذه الصلاة.
و استحبه الثوري، و هو قول بعض الشافعية، و رواية عن أحمد(7) لأنه مستحب في غيرها، و الفرق التخفيف هنا.
ه - لا يستحب التعوذ عندنا - و هو قول أكثر أهل العلم - لأنها مخففة،
ص: 74
و بعض الشافعية استحبه، و هو قول أحمد، لأنه سنة للقراءة(1) لقوله تعالى:
فَاسْتَعِذْ (2) و نحن نمنع القراءة.
بل يكبر الخامسة و ينصرف و هو يقول: عفوك عفوك. ذهب إليه علماؤنا أجمع لقول ابن مسعود: لم يوقت لنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في صلاة الميت قولا(3).
و من طريق الخاصة قول الباقر عليه السلام و الصادق عليه السلام: «ليس في الصلاة على الميت تسليم»(4) ، و لأنه ليس لها حرمة الصلاة، لإيقاعها من غير طهارة و لا قراءة، فلا يشرع التسليم.
و قال الشافعي، و أحمد: يكبّر و يقرأ فاتحة الكتاب إما من غير استفتاح و لا تعوذ أو بعدهما على ما تقدم، ثم يكبر الثانية و يصلّي على النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و يدعو للمؤمنين، و يكبر الثالثة و يدعو للميت وحده لأن القصد هو الدعاء له، ثم يكبر الرابعة و يسلّم(5).
و كذا قال أبو حنيفة في التسليم(6) ، و رواه الجمهور عن علي عليه السلام، و ابن عمر، و ابن عباس، و جابر، و أبي هريرة، و أنس، و سعيد بن جبير، و الحسن البصري، و ابن سيرين، و الحارث، و إبراهيم النخعي،
ص: 75
و الثوري، و أحمد، و إسحاق(1) قياسا على سائر الصلوات، و الجواب ما تقدم من الفرق.
الأول: اختلف القائلون بالتسليم بعد اتفاقهم على وجوبه، فقال الشافعي، و أصحاب الرأي: يستحب تسليمتان و تجزي الواحدة كغيرها من الصلوات(2) و أنكر الباقون استحباب الثانية إلا النخعي(3) ، لأنهم نقلوا عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنه سلّم على الجنازة مرة واحدة(4).
الثاني: قال الموجبون للتسليم: يستحب أن يسلم عن يمينه، و إن سلّم تلقاء وجهه فلا بأس(5) ، لأنهم رووا عن عليّ عليه السلام أنه سلم على يزيد بن المكفف واحدة عن يمينه السلام عليكم(6).
الثالث: إذا فرغ من الصلاة يستحب أن لا يبرح من مكانه حتى ترفع الجنازة.
و يقرأ: ربنا اغفر للذين تابوا و اتّبعوا سبيلك و قهم عذاب الجحيم، إن كان مستضعفا، و إن جهله سأل اللّه أن يحشره مع من يتولاّه.
و الطفل، سأل اللّه أن يجعله له و لأبويه فرطا، لقول الباقر عليه
ص: 76
السلام: «إذا صليت على المؤمن فادع له، و إن كان مستضعفا فكبر و قل:
اللّهم اغفر للذين تابوا»(1) و صلّى الباقر عليه السلام فقال: «اللّهم هذا عبدك و لا أعلم منه شرا فإن كان مستوجبا فشفّعنا فيه و احشره مع من كان يتولاه»(2).
و حضر النبيّ صلّى اللّه عليه و آله جنازة عبد اللّه بن أبي سلول فقيل:
يا رسول اللّه ألم ينهك اللّه أن تقوم على قبره ؟! فقال: (ويلك و ما يدريك ما قلت، إني قلت: اللهم احش جوفه نارا و املأ قبره نارا و أصله نارا)(3).
و صلّى الحسين عليه السلام على منافق فقال: «اللهم العن عبدك فلانا، و أخزه في عبادك، و أصله حر نارك، و أذقه أشد عذابك، فإنه يوالي أعداءك و يعادي أولياءك و يبغض أهل بيت نبيّك»(4).
و قال علي عليه السلام في الصلاة على الطفل: «اللّهم اجعله لنا و لأبويه فرطا و أجرا»(5).
عبد العزيز، و الزهري، و عطاء، و إسحاق، و الأوزاعي، و الشافعي، و أحمد(1) - لأن ابن عمر قال: كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يرفع يديه في كل تكبيرة(2) و فعله ابن عمر، و أنس(3). و من طريق الخاصة ما رواه عبد الرحمن العرزمي قال: صليت خلف الصادق عليه السلام على جنازة فكبّر خمسا، يرفع يديه مع كل تكبيرة(4) ، و لأنها تكبيرة حالة الاستقرار فأشبهت الأولى.
و الثاني: عدم الاستحباب(5) - و به قال مالك، و الثوري، و أبو حنيفة(6) - لأن كل تكبيرة مقام ركعة، و لا ترفع الأيدي في جميع الركعات بل في الأولى، و لقول الصادق عليه السلام: «كان علي عليه السلام يرفع يديه في أول التكبير ثم لا يعود حتى ينصرف»(7).
و حديثنا أولى، لأن الصادق عليه السلام فعله(8) فلا يروي عن جده ما ينافي فعله، أو أنه مندوب فجاز تركه أحيانا، و نمنع الأصل في القياس.1.
ص: 78
(1) - و به قال أبو حنيفة، و هو أحد وجهي الشافعي(2) - لأن المراد المبادرة. و في الوجه الآخر: يجوز - و به قال أحمد(3) - لأن عليا عليه السلام كرر الصلاة على سهل بن حنيف(4) ، و ليس حجة لأنه عليه السلام كررها إما لتعظيمه و إظهار شرفه أو ليصلي عليه من لم يصلّ.
أما من لم يصلّ على الميت فهل يكره له الصلاة عليه بعد أن صلى عليه غيره ؟ الأقرب ذلك - و به قال النخعي، و مالك، و أبو حنيفة(5) - لمنافاته المبادرة المطلوبة، و لسقوط الفرض بالصلاة الأولى، فالثانية تطوع، و الصلاة على الميت لا يتطوع بها، و لهذا إنّ من صلّى لا يكررها.
و من طريق الخاصة قول الصادق عليه السلام: «إن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله صلّى على جنازة ثم جاءه قوم فقالوا: فاتتنا الصلاة. فقال:
إن الجنازة لا يصلى عليها مرتين، ادعوا له و قولوا خيرا»(6).
و قال بعض علمائنا: من فاتته الصلاة على الجنازة فله أن يصلي عليها ما لم تدفن، فإن دفنت فله أن يصلي على القبر يوما و ليلة، أو ثلاثة أيام(7)
ص: 79
على ما تقدم من الخلاف(1) - و هو مروي عن أبي موسى، و ابن عمر، و عائشة، و به قال الأوزاعي، و الشافعي، و أحمد(2) - لأن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله صلّى على قبر المسكينة(3). و الظاهر أنها دفنت بعد الصلاة، و صلّى علي عليه السلام على سهل بن حنيف خمسا و عشرين تكبيرة(4) ، لتلاحق من لم يصلّ.
و الوجه عندي التفصيل، فإن خيف على الميت ظهور حادثة به كره تكرار الصلاة و إلا فلا.
إذا ثبت هذا، فإذا صلّي على الميت مرّة لم توضع لأحد يصلي عليها، و لا يحبس بعد الصلاة و يبادر بدفنه.
و قال أبو حنيفة: إذا صلّى غير الولي و السلطان أعاد الولي و السلطان(5) لخبر المسكينة(6).
«على الجنازة في كل ساعة لأنها ليست صلاة ركوع و سجود، و إنما يكره عند طلوع الشمس و غروبها التي فيها الركوع و السجود»(1) ، و لأنها عبادة واجبة فلا يكره كاليومية، و لأنها أدعية محضة فلا يكره كغيرها من الأدعية، و لأنها ذات سبب فجاز فعلها في الوقت المنهي عنه، كما يجوز بعد العصر، و قال الأوزاعي: تكره في الأوقات الخمسة(2).
و قال مالك، و النخعي، و الثوري، و أحمد، و إسحاق، و ابن عمر، و عطاء، و أصحاب الرأي: لا يجوز عند طلوع الشمس و اصفرارها و استوائها(3). لأن عقبة بن عامر قال: ثلاث ساعات كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ينهانا أن نصلي فيهن و أن نقبر فيهن موتانا، و ذكر هذه الساعات(4) ، و هو محمول على النافلة، أو على قصد ذلك الوقت بصلاة الجنازة.
ما لم يخف فوت إحداهما فتتعين لقول الباقر عليه السلام: «عجل الميت إلى قبره إلا أن تخاف فوت الفريضة»(5).
و قال الصادق عليه السلام: «ابدأ بالمكتوبة قبل الصلاة على الميت إلاّ أن يكون الميت مبطونا أو نفساء»(6) و إذا تعارض الخبران تخير المجتهد.
ص: 81
و لو قيل: الأولى أن يبدأ بالمكتوبة ما لم يخف على الجنازة كان وجها - و به قال مجاهد، و الحسن، و سعيد بن المسيب، و قتادة(1) - لشدة اهتمام الشارع بالمكتوبة.
و قال أحمد: يبدأ بالمكتوبة إلاّ الفجر و العصر - و به قال ابن سيرين - لأن ما بعدهما وقت نهي عن الصلاة فيه(2).
و إن صلي عليها في المساجد جاز، و الأولى تجنبه إلا بمكة إذ لا يؤمن من تلطخ المسجد بانفجاره. و روي عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنه قال: (من صلّى على جنازة في المسجد فلا شيء له)(3).
و من طريق الخاصة ما رواه أبو بكر بن عيسى بن أحمد العلوي قال:
كنت في المسجد، فجيء بجنازة و أردت أن أصلي عليها، فجاء أبو الحسن الأول عليه السلام فوضع مرفقه في صدري و جعل يدفعني حتى أخرجني من المسجد ثم قال: «يا أبا بكر إن الجنائز لا يصلى عليها في المسجد»(4) و ليس للتحريم لقول الصادق عليه السلام: «نعم» و قد سئل هل يصلى على الميت في المسجد؟(5).
و قال الشافعي: يجوز مطلقا - و به قال أحمد(6) - لأن عائشة روت أن
ص: 82
النبيّ صلّى اللّه عليه و آله صلّى على ابني بيضاء سهيل و أخيه في المسجد(1) ، و لأن كل صلاة جازت خارج المسجد لم تكره فيه كسائر الصلوات، و قال أبو حنيفة، و مالك: يكره في المسجد(2) لما تقدم.
و لا ينتظر الإمام حتى يكبر معه - و به قال الشافعي(3) - لأنه أدرك الإمام و قد فاته بعض صلاته فيدخل و لا ينتظره كسائر الصلوات.
و قال أبو حنيفة، و أحمد، و الثوري، و إسحاق: لا يكبر و ينتظر تكبيرة(4) - و عن مالك روايتان(5) - لأن التكبيرات تجري مجرى الركعات لأنها تقضى بعد فراغ الإمام فإذا فاته بعضها لم يشتغل بقضائها كما إذا فاته ركعة مع الإمام. و ينتقض بتكبير العيدين فإنه يقضيه عنده في حال الركوع و لا يجري مجرى الركعات، و إلاّ لكان إذا حضر و كبّر الإمام قبل أن يكبر المأموم لا يكبر حتى يكبر اخرى.
أ - من أوجب القراءة لو دخل و الإمام في القراءة فكبر الإمام الثانية كبر
ص: 83
معه عنده إن كان قد فرغ من القراءة و إلا ففي القطع أو الإتمام وجهان للشافعي يبنيان على المسبوق إذا ركع الإمام قبل إتمام القراءة، و أصحهما عنده: أنه يتبعه و يقطع كذا هنا قال: إلا أن بعد الثانية محل القراءة باق لأنه إذا أدركه في الثانية قرأ المأموم بخلاف الركوع(1) ، و مقتضاه أن يأتي بالقراءة بعد الثانية.
و يمكن أن يقال: لا يأتي لأنه لما أدرك قراءة الإمام صار محل القراءة ما قبل الثانية في حقه فلا يأتي بها بعد الثانية، و إن أدركه بعد الثانية كبر و اشتغل بالقراءة و الإمام مشغول بالصلاة على النبيّ.
و عندنا عوض القراءة الشهادتان، فإذا كبر الثالثة كبر معه و اشتغل بالصلاة و الإمام مشغول بالدعاء للمؤمنين، فإذا كبر الرابعة كبر معه و اشتغل بدعاء المؤمنين، و الإمام مشغول بدعاء الميت، فإن أدركه في الرابعة كبر، فإذا كبر الخامسة عندنا، و سلّم عند الشافعي(2) دعا للميت و تمّم.
ب - لو أدرك بعض التكبيرات أتم الصلاة عندنا و قضى ما فات مع الإمام، و به قال سعيد بن المسيب، و عطاء، و النخعي، و الزهري، و ابن سيرين، و قتادة، و مالك، و الثوري، و أحمد، و إسحاق، و أصحاب الرأي(3) لقوله عليه السلام: (ما أدركتم فصلوا، و ما فاتكم فاقضوا)(4).
و من طريق الخاصة قول الصادق عليه السلام و قد سأله عيص عن الرجل».
ص: 84
يدرك من الصلاة على الميت تكبيرة، قال: «يتم ما بقي»(1) و لأنه دخل في فرض فوجب إكماله.
و قال ابن عمر، و الحسن البصري، و أيوب السجستاني، و الأوزاعي:
لا يقضي - و هو رواية عن أحمد(2) - لأن عائشة قالت: يا رسول اللّه إني أصلي على الجنازة و يخفى عليّ بعض التكبير، قال: (ما سمعت فكبري، و ما فاتك فلا قضاء عليك)(3) و لأنها تكبيرات متوالية فإذا فاتت لم تقض، كتكبيرات العيد.
و يحمل الحديث على الشك في البعض، فأمرها بالتعويل على تكبير الإمام، و يخالف تكبيرات العيد لأنها تجري مجرى أفعال الصلاة إذ لا يجوز الإخلال بها، بخلاف تكبيرات العيد عنده.
ج - إن تمكن في القضاء من الأدعية فعل، و إن خاف مسارعة رفعها تابع بالتكبير ولاء، لقول الصادق عليه السلام: «إذا أدرك الرجل التكبيرة و التكبيرتين في الصلاة على الميت فليقض ما بقي متتابعا»(4).
د - لو رفعت الجنازة و لمّا يتم أتم و هي على أيدي الرجال، و لو دفنت أتمّ على القبر لقول الباقر عليه السلام: «يتم التكبير و هو يمشي معها، و إذا لم يدرك التكبير كبر على القبر، و إن أدركهم و قد دفن كبر على القبر»(5).
ه - لو سبق المأموم الإمام بتكبيرة فصاعدا استحب إعادتها مع الإمام ليدرك فضيلة الجماعة.2.
ص: 85
في الإتمام ثم يستأنف أخرى على الثانية، و في الاستئناف عليهما بعد إبطال ما كبّر، لأن في كل واحدة منهما الصلاة عليهما.
و سأل علي بن جعفر أخاه الكاظم عليه السلام عن قوم كبروا على جنازة تكبيرة أو تكبيرتين و وضعت معها اخرى، قال: «إن شاءوا تركوا الاولى حتى يفرغوا من التكبير على الأخيرة، و إن شاءوا رفعوا الأولى و أتموا التكبير على الأخيرة، كلّ ذلك لا بأس به»(1).
أ - الأفضل إفراد كل جنازة بصلاة.
ب - يجوز أن يصلى على كل طائفة صلاة واحدة.
ج - لو اختلف الوجه بأن جاء بعض من يستحب الصلاة عليه و قد دخل في الواجبة وجب الإكمال و استحبت الثانية، و لو انعكس الحال جاز الإتمام و الاستئناف.
د - لو خيف على الجنائز استحب الاستئناف كما يستحب الجمع ابتداء معه.
احتجوا على الآخر بجواز الصلاة على الغائب و إن كان خلف ظهر المصلي(1) و نمنع حكم الأصل، و لو سلّم فللضرورة بخلاف صورة النزاع.
- و للشافعي في الآل قولان(2) - لأن الآل تجب الصلاة عليهم في التشهد فكذا هنا.
و يجب في النيّة التعرض للفرض - و هو أحد قولي الشافعية(3) - لأن الفعل إنما يقع على الوجه المأمور به شرعا باعتبار القصد.
و لا يجب التعرض لكونه فرض كفاية - و هو أصح وجهي الشافعية(4) و لا تعيين الميت باسم، أو صفة، غير الإشارة و معرفته، فلو عيّن فأخطأ احتمل بطلان الصلاة - و هو قول الشافعية(5) - إذ لم يقصد الصلاة على هذا فلا يجزي ما فعله، و الصحة إذ التعيين ليس شرطا.
و لو زاد تكبيرة عمدا على العدد الواجب لم تبطل الصلاة لأن التسليم ليس واجبا و لا مستحبا هنا.
و الشافعي حيث أوجب التسليم في البطلان عنده وجهان لأن الزيادة قد ثبتت عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عنده(6). و لأنها كالركعات.
و لو كبر مع الإمام ثم تخلف في التكبير اللاحق عمدا حتى كبر الإمام
ص: 87
باقي الفائت فالوجه عدم البطلان، و يأتي بها المأموم بعد الفراغ، و عند الشافعي تبطل(1) لأن الاقتداء في هذه الصلاة لا يظهر إلا في التكبيرات، و هذا تخلف فاحش.
لأن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أمر به و فعله بكل ميّت(2) ، و يجب دفنه في حفرة تحرسه عن السباع، و تكتم رائحته عن الناس.
و يجب عندنا إضجاعه على جانبه الأيمن موجها إلى القبلة لأن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله دفن كذلك، و هو عمل الصحابة و التابعين(3).
و أوجب الشافعي الاستقبال دون الإضجاع على الأيمن بل جعله مستحبا(4) ، و فعل النبيّ صلّى اللّه عليه و آله يجب اتباعه، و قال عليه السلام:
(إذا نام أحدكم فليتوسد يمينه)(5).
عند علمائنا أجمع إذ قصد الدفن يحصل به فالزيادة تكلف، و لقول الصادق عليه السلام:
«حد القبر إلى الترقوة»(6).
و قال الشافعي: يعمق قدر قامة و بسطة، و قدر ذلك أربعة أذرع
ص: 88
و نصف، و هو رواية عن أحمد(1) لأن النبيّ عليه السلام قال: (احفروا و أوسعوا و عمقوا)(2) و قال عمر: عمقوا قبري قامة، و بسطة(3).
و الحديث لا دلالة فيه على دعواه، و قول عمر لا حجة فيه.
و قال مالك: لا حدّ فيه بل يحفر حتى يغيب عن الناس(4).
و قال عمر بن عبد العزيز: يحفر إلى السرة و لا يعمق لأن ما على وجه الأرض أفضل مما سفل منها(5) ، و عن أحمد: إلى الصدر، و به قال الحسن البصري، و ابن سيرين(6).
و الوجه ما قدمناه لأن الصادق عليه السلام قال: «إن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله نهى أن يعمق القبر فوق ثلاثة أذرع»(7) و لا خلاف في أن ذلك كله مستحب.
و معناه: أنه إذا بلغ الحافر أرض القبر حفر في حائطه مما يلي القبلة مكانا يوضع فيه الميت، و هو أفضل من الشق و معناه: أن يحفر في قعر القبر شقا شبه النهر يضع الميت فيه و يسقف عليه بشيء، ذهب إليه علماؤنا - و به قال الشافعي، و أكثر
ص: 89
أهل العلم(1) - لقول ابن عباس: إن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال: (اللحد لنا و الشق لغيرنا)(2).
و من طريق الخاصة: قول الصادق عليه السلام: «إن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لحد له أبو طلحة الأنصاري»(3) و قال أبو حنيفة: الشق أفضل بكل حال(4).
أ - لو كانت الأرض رخوة يخاف من اللحد فالشق أولى - و به قال الشافعي(5) - و قال بعض علمائنا: يعمل له شبه اللحد من بناء، تحصيلا للفضيلة(6).
ب - يستحب أن يكون اللحد واسعا قدر ما يتمكن فيه الجالس من الجلوس لقوله عليه السلام: (و أوسعوا)(7) و من طريق الخاصة قول الصادق عليه السلام: «و أما اللحد فقدر ما يتمكن فيه من الجلوس»(8).
ج - يستحب أن يضع تحت رأس الميت لبنة أو شيئا مرتفعا كما يصنع
ص: 90
بالحي، و يدنى من الحائط لئلا ينكب و يسند من ورائه بتراب لئلا ينقلب.
قال الصادق عليه السلام: «يجعل للميت وسادة من تراب، و يجعل خلف ظهره مدرة لئلا يستلقي»(1).
د - لا ينبغي جعل مضربة و لا مخدة في القبر لما فيه من إتلاف المال، و عدم ورود النص به، و قد نقل أنه جعل في قبر النبيّ صلّى اللّه عليه و آله قطيفة حمراء(2).
و إنزاله إليه في ثلاث دفعات و لا يفدحه بالقبر دفعة واحدة، لأنه أبلغ في التذلل و الخضوع، و لقول الصادق عليه السلام: «ينبغي أن يوضع الميت دون القبر هنيئة ثم واره»(3).
و يجعل الميت عند رجل القبر إن كان رجلا، و يسلّ من قبل رأسه، و يبدأ برأسه كما خرج إلى الدنيا، و قدامه مما يلي القبلة إن كان امرأة و تؤخذ عرضا عند علمائنا - و به قال الشافعي مطلقا، و أحمد، و النخعي، و الشعبي(4) لأن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله سل من قبل رأسه سلا(5).
و من طريق الخاصة: ما رواه محمد بن عطية مرسلا، قال: «إذا أتيت بأخيك إلى القبر فلا تفدحه، ضعه أسفل من القبر بذراعين أو ثلاثة،
ص: 91
حتى يأخذ أهبته(1) ، ثم ضعه في لحده»(2).
و قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: (إن لكل بيت بابا، و باب القبر من قبل الرجلين)(3).
و قال أبو حنيفة: توضع الجنازة على جانب القبر مما يلي القبلة، ثم يدخل القبر معترضا لأنه مروي عن علي عليه السلام(4).
و هو ممنوع، إذ أهل البيت عليهم السلام أعرف بمذهب أبيهم، و قد قال الصادق عليه السلام: «إذا أدخل الميت القبر إن كان رجلا يسلّ سلاّ، و المرأة تؤخذ عرضا»(5).
في الرجل، لطلب الحظّ للميت و الرفق به، و لقول علي عليه السلام: «إنما يلي الرجل أهله»(6) و النبيّ صلّى اللّه عليه و آله لحّده علي عليه السلام، و العباس، و أسامة(7).
و لا بأس أن يكون شفعا أو وترا، و الأصل فيه حاجتهم و الأسهل في أمره لأن زرارة سأل الصادق عليه السلام عن القبر كم يدخله ؟ قال: «ذلك إلى الولي إن شاء أدخل وترا، و إن شاء شفعا»(8).
ص: 92
و قال الشافعي: يستحب الوتر ثلاثا أو خمسا(1) ، لأن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أدخله العباس، و علي عليه السلام، و اختلف في الثالث، فقيل:
الفضل بن العباس، و قيل: أسامة بن زيد(2) ، و هو اتفاقي.
و يكره أن ينزل ذو الرحم لأنه يقسي القلب، بل يوليه غيره.
أما المرأة فالإجماع على أولوية إدخال ذي الرحم قبرها، لأنها عورة، قال الصادق عليه السلام: «قال أمير المؤمنين عليه السلام: مضت السنة من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أن المرأة لا يدخل قبرها إلاّ من كان يراها في حياتها»(3).
و الزوج أولى من كل أحد - خلافا لأحمد - فإن لم يكن أحد من ذوي أرحامها و لا زوجها فالنساء، فإن تعذر فالأجانب الصلحاء، و إن كانوا مشايخ فهم أولى، و جعلهم أحمد أولى من النساء(4).
قال الصادق عليه السلام: «لا تنزل إلى القبر و عليك عمامة، و لا قلنسوة و لا رداء و لا حذاء و حل أزرارك» قلت: فالخف ؟ قال: «لا بأس»(5) قال الشيخ: و يجوز أن ينزل بالخفين عند الضرورة و التقية(6).
و يستحب أن يكون متطهرا، قال الصادق عليه السلام: «توضأ إذا
ص: 93
أدخلت الميت القبر»(1) و يستحب الدعاء عند معاينة القبر، فيقول: (اللهم اجعلها روضة من رياض الجنّة، و لا تجعلها حفرة من حفر النار) فإذا تناوله قال: (بسم اللّه و باللّه و في سبيل اللّه و على ملّة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، اللهم إيمانا بك و تصديقا بكتابك هذا ما وعد اللّه و رسوله، و صدق اللّه و رسوله، اللهم زدنا إيمانا و تسليما).
و روى محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام، قال: «إذا وضعته في لحده فقل: بسم اللّه و في سبيل اللّه و على ملة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله اللهم عبدك نزل بك و أنت خير منزول به، اللهم افسح له في قبره و ألحقه بنبيه، اللهم إنا لا نعلم منه إلاّ خيرا، و أنت أعلم به، فإذا وضعت اللبن فقل: اللهم صل وحدته، و آنس وحشته، و اسكن إليه من رحمتك رحمة تغنيه بها عن رحمة من سواك، فإذا خرجت من قبره فقل: إِنّا لِلّهِ وَ إِنّا إِلَيْهِ راجِعُونَ و الحمد للّه ربّ العالمين، اللهم ارفع درجته في أعلا عليين، و اخلف على عقبه في الغابرين، و عندك نحتسبه يا رب العالمين»(2).
و قد أمر النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أن يحسن الكفن(1) و تخريقه يذهب حسنه، ثم يضع خده على التراب، و يستحب أن يضع معه شيئا من تربة الحسين عليه السلام للأمن و الستر، فقد روي أن امرأة كانت تزني، و تحرق أولادها خوفا من أهلها، فلما ماتت دفنت، فقذفتها الأرض، و دفنت ثانيا، و ثالثا، فجرى ذلك، فسألت أمها الصادق عليه السلام عن ذلك و أخبرته بحالها، فقال: «إنها كانت تعذب خلق اللّه بعذاب اللّه، اجعلوا معها شيئا. من تربة الحسين عليه السلام» ففعل فاستقرت(2).
و هو التلقين الثاني، قال الصادق عليه السلام: «إذا وضعته في اللحد فضع فمك على اذنه و قل: اللّه ربّك، و الإسلام دينك، و محمد نبيك، و القرآن كتابك، و علي إمامك»(3) و قال الصادق عليه السلام: «تضع يدك اليسرى على عضده الأيسر و تحركه تحريكا شديدا، ثم تقول: يا فلان بن فلان إذا سئلت فقل:
اللّه ربّي، و محمد نبيّي، و الإسلام ديني، و القرآن كتابي، و علي إمامي حتى تستوفي الأئمة»(4).
ثم تعيد القول، ثم تشرج اللحد باللبن و الطين، قال الصادق عليه السلام: «و تضع الطين و اللبن، ثم تخرج من قبل الرجلين»(5) لما تقدم من أنه باب القبر، و قال الباقر عليه السلام: «من دخل القبر فلا يخرج منه إلا
ص: 95
من قبل الرجلين»(1).
لأن الكاظم عليه السلام حثا التراب على القبر بظهر كفه(2) ، و قال الصادق عليه السلام: «إذا حثوت التراب على الميت فقل: اللهم إيمانا بك، و تصديقا بكتابك، هذا ما وعد اللّه و رسوله، و صدق اللّه و رسوله» و قال أمير المؤمنين عليه السلام: «سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقول: من حثا على ميت و قال هذا القول أعطاه اللّه بكل ذرّة حسنة»(3).
و يكره أن يهيل ذو الرحم على رحمه لأن بعض أصحاب الصادق عليه السلام مات له ولد، فحضره الصادق عليه السلام، فلما الحد، تقدم أبوه فطرح عليه التراب، فأخذ الصادق عليه السلام بكفيه، و قال: «لا تطرح عليه التراب و من كان منه ذا رحم فلا يطرح عليه التراب» فقلنا: يا بن رسول اللّه أ تنهانا عن هذا وحده ؟ فقال: «أنهاكم أن تطرحوا التراب على ذوي الأرحام، فإن ذلك يورث القسوة في القلب، و من قسا قلبه بعد من ربّه»(4).
إجماعا لأن النبيّ عليه السلام نهى أن يزاد في القبر على حفيرته، و قال: (لا يجعل في القبر من التراب أكثر مما خرج منه)(5).
ص: 96
و من طريق الخاصة قول الصادق عليه السلام: «إن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله نهى أن يزاد على القبر تراب لم يخرج منه»(1).
و قال الصادق عليه السلام: «لا تطينوا القبر من غير طينه»(2).
و يستحب أن يرفع مقدار أربع أصابع لا أزيد ليعلم أنه قبر فيتوقى و يترحم عليه، و رفع قبر النبيّ صلّى اللّه عليه و آله قدر شبر(3).
و قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لعلي عليه السلام: (لا تدع تمثالا إلا طمسته، و لا قبرا مشرفا إلا سويته)(4).
و من طريق الخاصة رواية محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام قال: «و يلزق الأرض بالقبر إلا قدر أربع أصابع مفرجات»(5).
ذهب إليه علماؤنا أجمع - و به قال الشافعي(6) - لأن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله سطح قبر ابنه إبراهيم(7). و قال القاسم بن محمد: رأيت قبر النبيّ صلّى اللّه عليه و آله، و قبر أبي بكر، و عمر مسطحة(8).
و من طريق الخاصة رواية محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام:
ص: 97
«و ربع قبره»(1) و لأن قبور المهاجرين و الأنصار بالمدينة، مسطحة، و هو يدل على أنه السّنة، و أنه أمر متعارف.
و قال أبو حنيفة، و مالك، و الثوري، و أحمد، السنة التسنيم(2) ، لأن إبراهيم النخعي قال: أخبرني من رأى قبر النبيّ صلّى اللّه عليه و آله، و صاحبيه مسنمة(3) ، و هو مرسل فلا عبرة به.
مبتدئا بالرأس دورا، فإن فضل من الماء شيء صبّه على وسط القبر.
قال الصادق عليه السلام: «السنة في رش الماء على القبر أن يستقبل القبلة و يبدأ من عند الرأس إلى عند الرجل، يدور على القبر من الجانب الآخر ثم يرش على وسط القبر»(4).
و يستحب أن يضع الحاضرون الأيدي عليه مترحمين، قال الباقر عليه السلام: «إذا حثي عليه التراب و سوي قبره فضع كفك على قبره عند رأسه و فرج أصابعك و اغمز كفّك عليه بعد ما ينضح بالماء»(5) و قال الباقر عليه السلام بعد أن وضع كفه على القبر: «اللهم جاف الأرض عن جنبيه، و اصعد إليك روحه، و لقه منك رضوانا، و أسكن قبره من رحمتك ما تغنيه به عن رحمة من سواك» ثم مضى(6).
مستقبلا للقبر و القبلة
ص: 98
و هو التلقين الثالث، ذهب إليه علماؤنا - خلافا للجمهور(1) لما رووه عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال: (إذا مات أحدكم فسويتم عليه التراب فليقم أحدكم عند رأس قبره ثم ليقل: يا فلان بن فلان فإنه يسمع و لا يجيب، ثم ليقل:
يا فلان بن فلانة الثانية، فيستوي قاعدا، ثم ليقل: يا فلان بن فلانة، فإنه يقول: أرشدنا يرحمك اللّه، و لكن لا تسمعون، فيقول: اذكر ما خرجت عليه من الدنيا: شهادة أن لا إله إلا اللّه، و أن محمدا عبده و رسوله، و أنك رضيت باللّه ربّا، و بالإسلام دينا، و بمحمد نبيّا، و بالقرآن إماما، فإن منكرا و نكيرا (يتأخر كل واحد منهما)(2) فيقول: انطلق فما يقعدنا عند هذا و قد لقن حجته، و يكون اللّه تعالى حجته(3) دونهما) فقال: يا رسول اللّه فإن لم يعرف اسم أمّه ؟ قال: (فلينسبه الى حوّاء)(4).
و من طريق الخاصة قول الصادق عليه السلام: «ما على أهل الميت منكم أن يدرؤا عن ميتهم لقاء منكر و نكير» قلت: كيف يصنع ؟ قال: «إذا أفرد الميت فليتخلف عنده أولى الناس به، فليضع فمه عند رأسه ثم ينادي بأعلى صوته يا فلان بن فلان أو يا فلانة بنت فلان هل أنت على العهد الذي فارقتنا عليه [من](5) شهادة أن لا إله إلاّ اللّه وحده لا شريك له، و أن محمدا عبده و رسوله، و أن عليا أمير المؤمنين، و أن ما جاء به محمد حقّ، و أن الموت و البعث حق، و أن اللّه يبعث من في القبور» قال: «فيقول منكر لنكير(6):
انصرف بنا عن هذا فقد لقن حجته»(7) قال الشيخ: و يسمي الأئمة عليهم5.
ص: 99
السلام واحدا واحدا(1) لأنه موضع الحاجة.
ليعرفه أهله فيترحمون عليه لأن النبيّ عليه السلام، لما مات عثمان بن مظعون و اخرج بجنازته فدفن، أمر عليه السلام رجلا أن يأتيه بحجر، فلم يستطع حمله، فقام رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، فحسر عن ذراعيه ثم حملها فوضعها عند رأسه، و قال:
(أعلم بها قبر أخي و أدفن إليه من مات من أهله)(2).
و من طريق الخاصة، رواية يونس بن يعقوب قال: لما رجع الكاظم عليه السلام من بغداد و مضى إلى المدينة ماتت بنت له بفيد(3) ، فدفنها و أمر بعض مواليه أن يجصص قبرها، و يكتب على لوح اسمها، و يجعله في القبر(4).
السلام أولى من فعل غيره، أو لأنه قيل: قبض في أشرف البقاع فيدفن فيه(1) ، أو لما يقال من أن الأنبياء يدفنون حيث يموتون(2) أو ليتميز عن غيره.
أ - يستحب أن يدفن في أشرف البقاع، فإن كان بمكة ففي مقبرتها، و كذا بالمدينة، و مشاهد الأئمة عليهم السلام، و في المقبرة التي يكثر فيها الصالحون، و الشهداء، لتناله بركتهم، و كذا في البقاع الشريفة، لأن موسى عليه السلام لمّا حضرته الوفاة، سأل اللّه عزّ و جلّ أن يدنيه إلى الأرض المقدسة رمية بحجر، قال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: (لو كنت ثمّ لأريتكم قبره عند الكثيب الأحمر)(3).
ب - جمع الأقارب في الدفن حسن لأن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله لما دفن عثمان بن مظعون قال: (أدفن إليه من مات من أهله)(4) و لأنه أسهل لزيارتهم و أكثر للترحم عليه(5) ، و ينبغي تقديم الأب ثم من يليه في السن و الفضيلة إذا أمكن.
ج - ينبغي دفن الشهيد حيث قتل، لأن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال:
(ادفنوا القتلى في مصارعهم)(6).
ص: 101
د - لو طلب بعض الورثة الدفن في المسبلة و البعض في الملك، دفن في المسبلة لأنه أقلّ ضررا على الورثة، فإن تشاحا في الكفن قدم قول من يكفنه من ملكه لأن فيه منة يتضرر بها الوارث.
ه - لو أوصى بأن يدفن في داره كان من الثلث، و قال أحمد: يدفن في المسبلة لئلا يضر بالورثة(1).
و - قال الشيخ: يستحب أن يكون للإنسان مقبرة ملك، يدفن فيه أهله و أقاربه(2).
ز - لو تشاح اثنان في الدفن في المسبلة قدم أسبقهما كما لو تنازعا في مقاعد الأسواق و رحاب المساجد، فإن تساويا أقرع.
بإجماع العلماء، لقوله عليه السلام: (عجلوهم إلى مضاجعهم)(3) و يستحب نقله إلى أحد مشاهد الأئمة عليهم السلام، لأن عمل الإمامية عليه من زمن الأئمة عليهم السلام إلى زماننا فكان إجماعا، و لأنه موضع شريف فينبغي قصده.
أما لو دفن في غيره لم يجز نقله و إن كان إلى المشاهد، لإطلاق تحريم النبش، و سوّغه بعض علمائنا، قال الشيخ: سمعناه مذاكرة(4).
بالإجماع، لأنه مثلة و هتك لحرمة الميت إلا في مواضع:
أ - إذا وقع في القبر ما له قيمة، جاز نبشه لأخذه، حفظا للمال عن
ص: 102
الضياع. و قيل: إن المغيرة بن شعبة طرح خاتمة في قبر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ثم قال: خاتمي، ففتح موضع منه فأخذ المغيرة خاتمه(1).
فإن دفع أهل الميت القيمة إليه ففي وجوب أخذه و تحريم النبش إشكال، و لا فرق بين أن تكون القيمة قليلة أو كثيرة، نعم يكره في القليلة.
ب - لو دفن في أرض مغصوبة، أو مشتركة بينه و بين غيره و لم يأذن الشريك فلمالكها قلعه، لأنه عدوان فتجب إزالته.
و لو استعار للدفن جاز الرجوع قبله و يحرم بعده، لأن نبش الميت محرم، و لأن الدفن مؤبد الى أن يبلى الميت ثم تعود إلى مالكها.
و قال في المبسوط: إذا دفن الميت ثم بيعت الأرض جاز للمشتري نقل الميت عنها، و الأفضل أن يتركه، لأنه لا دليل يمنع من ذلك(2) فإن قصد في الأرض المغصوبة صح و إلا منع.
ج - لو كفن في ثياب مغصوبة و دفن، نبش إن طلب مالكها عين ماله لأنها ملك الغير فلا تنتقل عنه.
و قال الشافعي: لا ينبش و يرجع إلى القيمة بخلاف غصب الأرض لتعذر تقويم المدفن و إمكان تقويم الثوب(3).
د - لو دفن و لم يغسل، قال الشيخ: لا ينبش(4) ، و به قال أبو0.
ص: 103
حنيفة(1) ، و هو الوجه، لأنه مثلة.
و قال الشافعي: ينبش، و يغسل، و يصلى عليه إذا لم يخف فساده في نفسه - و به قال مالك، و أحمد، و أبو ثور - لأنه واجب فلا يسقط بذلك(2) ، و هو وجه عندي، و كذا لو دفن إلى غير القبلة.
ه - لو دفن و لم يكفن فالوجه أنه لا ينبش، لأن التكفين أغنى عنه الدفن، إذ الستر قد حصل.
و لو دفن قبل الصلاة فالوجه أنه لا ينبش أيضا، لاستدراكها بفعلها على القبر، و به قال الشافعي، و أبو حنيفة، و أحمد في رواية، و في أخرى: ينبش لأنه دفن قبل واجب(3) و نمنع العلية.
و - كل موضع منعنا فيه من النبش فإنما هو مع بقاء الميت، أما لو بلى و صار رميما فإنه يجوز نبشه لدفن غيره فيه أو لمصلحة المالك المعير، و لو شك رجع إلى أهل الخبرة، و يختلف باختلاف الأهوية و الترب، فإن نبش فوجد فيه عظاما دفنها و حفر في غيره.
أ - دفن ميتين في قبر واحد إذا دفنا ابتداء، أما لو دفن أحدهما ثم أريد نبشه و دفن آخر فيه، قال في المبسوط: يكره(4).
ص: 104
و الوجه: المنع لأنه صار حقا للأول فلم تجز مزاحمته بالثاني، نعم لو كان في أزج(1) يتسع لجماعة جاز على كراهية.
ب - حمل ميتين على جنازة واحدة، لأن الصفار كتب إلى العسكري عليه السلام أ يجوز أن يجعل الميتين على جنازة واحدة في موضع الحاجة و قلّة الناس ؟ و إن كان الميت رجلا و امرأة يحملان على سرير واحد و يصلّى عليهما؟ فوقّع عليه السلام «لا يحمل الرجل و المرأة على سرير واحد»(2).
ج - يكره فرش القبر بالساج إلا مع الحاجة كنداوة الأرض، لما فيه من إتلاف المال لغير غرض، أما مع الضرورة فلثبوت الغرض، و لما رواه محمد بن محمد قال: كتب علي بن بلال أنه ربما مات عندنا الميت فتكون الأرض ندية فنفرش القبر بالساج أو نطبق عليه فهل يجوز؟ فكتب «ذلك جائز»(3).
د - يكره تجصيص القبور إجماعا، لأن النبيّ عليه السلام نهى أن تجصص القبور(4).
و من طريق الخاصة قول الكاظم عليه السلام: «لا يصلح البناء عليه، و لا الجلوس، و لا تجصيصه و لا تطيينه»(5).
ه - يكره تطيينه بعد اندراسه - و لا بأس به ابتداء، قاله الشيخ(6) ، لأن1.
ص: 105
الكاظم عليه السلام لمّا رجع إلى المدينة، مات ابنته بفيد، فدفنها، و أمر بعض مواليه أن يجصص قبرها(1) - لهذه الرواية(2).
و رخص فيه الشافعي، و الحسن البصري، و أحمد لأن ابن عمر كان يتعاهد قبر عاصم بن عمر(3).
و الكراهة أولى لأن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال: (لا يزال الميت يسمع الأذان ما لم يطين قبره)(4).
و - يكره البناء على القبر إجماعا لما تقدم من رواية الكاظم عليه السلام(5). و نهى النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أن يجصص القبر و أن يبنى عليه، و أن يقعد عليه و أن يكتب عليه(6) ، و لأنه من زينة الدنيا فلا حاجة للميت إليه.
ز - يكره تجديد القبور لقول علي عليه السلام: «من جدد قبرا أو مثل مثالا فقد خرج من الإسلام»(7).
و اختلف علماؤنا، فقال محمد بن الحسن الصفار: بالجيم اي يجدد بناءها أو تطيينها، و حكي أنه لم يكره رمّها، و قال البرقي: بالجيم و الثاء أي يجعل القبر جدثا دفعة اخرى، و قال سعد بن عبد اللّه: أنها بالحاء و عنى التسنيم(8) ، و قال المفيد: إنها بالخاء المعجمة و عنى شقها من خددت7.
ص: 106
الأرض أي شققتها(1).
ح - يكره أن يجلس على القبر، أو يتكئ عليه، أو يمشى عليه، ذهب إليه علماؤنا - و هو قول أكثر أهل العلم(2) - لأن النبيّ عليه السلام نهى عن الجلوس على القبر(3) و قال عليه السلام: (لأن أطأ على جمرة أو سيف أحب إلي من أن أطأ على قبر مسلم)(4).
و من طريق الخاصة قول الكاظم عليه السلام: «و لا الجلوس»(5) و لأن فيه نوع استهانة.
و قال مالك: إن جلس للغائط كره و إلا فلا(6).
ط - التغوط بين القبور لما فيه من تأذي المترحمين، و لقول النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: (لا أبالي أوسط القبور قضيت حاجتي أو وسط السوق)(7).
ي - يكره المقام عندها لما فيه من ترك الرضا بقضائه تعالى، أو للاشتغال عن المصالح الأخروية و الدنيوية، أو لعدم الاتعاظ.
يا - يكره أن تتخذ مساجد لأن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال: (لعن اللّه7.
ص: 107
اليهود اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد)(1) و لمشابهته تعظيم الأصنام، و منع أحمد من الإسراج عندها(2).
و هو قول عامة أهل العلم، لأن ابن مسعود روى أن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله في غزاة تبوك - و هو في قبر ذي النجادين - قال لأبي بكر، و عمر: (أدنيا مني أخاكما حتى أسنده في لحده) ثم قال لما فرغ من دفنه و قام على قبره مستقبل القبلة: (اللهم إني أمسيت عنه راضيا فارض عنه)(3) و كان ذلك ليلا، و دفن علي عليه السلام، و فاطمة عليها السلام، و أبو بكر و عثمان، و عائشة ليلا(4) ، و لأنه أحد الزمانين فجاز الدفن فيه كالنهار.
و قال الحسن البصري: إنه مكروه - و هو رواية عن أحمد(5) - لأن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله زجر أن يقبر الرجل بالليل إلى أن يضطر إنسان إلى ذلك(6) ، و هو يعطي المرجوحية، لأن النهار أسهل على مشيعي الجنازة، و أكثر للمصلين، و أمكن لاتباع السنة في دفنه و الحادة.
و لو كان رجلا و صبيا، فالرجل إلى القبلة لأفضلية تلك الجهة.
و ينبغي أن يجعل بين كل اثنين حاجزا ليكون كالمنفرد، و لو خدّد لهم
ص: 108
أخدود(1) و جعل رأس كل واحد عند رجلي الآخر جاز و إن كان اللحد أفضل.
من مرتد و كافر حربي و ذمي بإجماع العلماء لئلا يتأذى المسلمون بعذابهم.
و لو ماتت ذميّة و هي حامل من مسلم، قال علماؤنا: تدفن في مقبرة المسلمين لحرمة ولدها، لأن له حرمة أجنة المسلمين، لأنه لو سقط لم تدفن إلا في مقابرهم فلا تسقط حرمته في جوف امه، و لقول الرضا عليه السلام:
«يدفن معها»(2) ، و به قال عمر بن الخطاب(3).
و قال الشافعي، و أحمد: يدفن بين مقبرة المسلمين و أهل الذمة(4).
إذا عرفت هذا فإنه يستدبر بها القبلة على جانبها الأيسر، ليكون وجه الجنين إلى القبلة على جانبه الأيمن، و هو وفاق.
و لم يقدر على الشط، غسل، و كفن، و صلّي عليه و ثقل ليرسب في الماء، أو جعل في خابية و شد رأسها و ألقي في البحر، لأن المقصود من دفنه ستره و هو يحصل بذلك، و لقول الصادق عليه السلام: «يغسل و يكفن و يصلى عليه و يثقل و يرمى في البحر»(5) و في رواية عنه عليه السلام: «يوضع في خابية و يوكى(6) رأسها و يطرح في الماء»(7).
ص: 109
و قال الشافعي: يجعل بين لوحين و يربطان عليه و يلقى في البحر ليلقيه البحر بالساحل، فربما وقع إلى قوم فدفنوه خير من أن تأكله الحيتان(1) قال المزني: قصد بذلك إذا كان حول البحر مسلمون، فإن كانوا مشركين فإنه يثقل حتى يصل إلى قرار الماء(2) ، و قال عطاء، و أحمد: يثقل و يطرح في البحر بكل حال، و عن أحمد: أنه يتربص به توقعا للمكنة من دفنه(3).
تحصيلا للتغسيل و غيره. و لو تعذر إلا بالتمثيل به لم يجز، و طمت و كانت قبره، لقول الصادق عليه السلام: «و تجعل قبرا»(4).
و لو اضطرّ أهل البئر إلى استعمالها و خافوا التلف جاز إخراجه بالكلاليب و إن تقطع، إذا لم يمكن إلا بذلك، و كذا لو كان طمها يضرّ بالمارة، سواء أفضى إلى المثلة أو لا، لما فيه من الجمع بين الحقوق من نفع المارة و غسل الميت و حفظه من المثلة ببقائه، لأنه ربما تقطع و نتن.
أصابها الدم أو لا - و عليه إجماع العلماء - لأن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال: (ادفنوهم بثيابهم)(5) و في السروال عندنا قولان، أقواهما: وجوب دفنه لأنه من الثياب.
و لا يجب تكفينه إلا أن يجرد من ثيابه، و لو لم يجرد وجب دفنه بها عند علمائنا أجمع.
ص: 110
و لا يجوز نزع شيء من ثيابه عنه - و به قال أبو حنيفة(1) - للخبر(2).
و خيّر الشافعي، و أحمد بين نزع ثيابه فيكفن، و بين دفنه بها(3) ، لأنّ صفية أرسلت إلى النبيّ صلّى اللّه عليه و آله بثوبين ليكفن فيهما حمزة، فكفّنه في أحدهما، و كفن في الآخر رجلا آخر(4) ، فدلّ على أن الخيار للولي.
و يحمل على أنه زاده على ثيابه، و نحن نجوّزه و نمنع النزع، و يؤيده قول الباقر عليه السلام: «دفن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله حمزة في ثيابه التي أصيب فيها، و زاده بردا فقصر عن رجليه، فدعا بإذخر فطرحه عليه و صلّى عليه سبعين تكبيرة»(5).
أو أنه قد جرّده المشركون فكفّن لذلك، لقول الصادق عليه السلام: «إن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كفّن حمزة لأنه كان جرد»(6).
و الأقرب نزع الجلود و الحديد عنه - و به قال الشافعي، و أبو حنيفة، و أحمد(1) - لأن النبيّ عليه السلام أمر في قتلى أحد بأن ينزع عنهم الجلود و الحديد، و أن يدفنوا بدمائهم و ثيابهم(2).
و قال مالك: لا ينزع عنه فرو، و لا خف، و لا محشو(3) ، لعموم قوله عليه السلام: (ادفنوهم بثيابهم)(4) و هو ممنوع فإن العرف ظاهر في إطلاق الثوب على المنسوج.
تذنيب: الخف لا يدفن معه و لا الفرو، فإن أصابهما الدم دفنا معه عند بعض علمائنا(5) ، و به رواية ضعيفة السند(6) ، و منع منه آخرون(7).
أدخلت القابلة، أو من يقوم مقامها، أو الزوج، أو غيره عند التعذر يده في فرجها و قطع الصبي و أخرجه قطعة قطعة لأن حفظ حياة الأم أولى من حفظ بنية الميت.
و لقول الصادق عليه السلام: «قال أمير المؤمنين عليه السلام في المرأة يموت في بطنها الولد فيتخوف عليها، قال: لا بأس أن يدخل الرجل يده فيقطعه و يخرجه إذا لم يتفق له(8) النساء»(9).
ص: 112
و لو ماتت الام دونه، قال علماؤنا: يشق بطنها من الجانب الأيسر و اخرج الولد و خيط الموضع - و به قال الشافعي(1) - لأنه إتلاف جزء من الميت لإبقاء حيّ فجاز، كما لو خرج بعضه حيّا و لم يمكن خروج باقية إلاّ بشق، و لقول الكاظم عليه السلام: «يشق عن الولد»(2) و الخياطة لحرمة الميتة، و به رواية موقوفة عن ابن أذينة(3).
و قال أحمد: يدخل القوابل أيديهن في فرجها فيخرجن الولد من مخرجه و لا يشق بطنها، مسلمة كانت أو ذمية، و لو لم توجد نساء تركت امه حتى يتيقن موته ثم تدفن - و نحوه قال مالك، و إسحاق - لأنه لا يعيش عادة فلا تهتك حرمة الميتة لأجله(4) و هو ضعيف لاشتماله على إتلاف الحي.
أ - لو شك في حياته فالأولى الصبر حتى يتيقن الحياة أو الموت، و يرجع في ذلك إلى قول العارف.
ب - لو بلع الحي جوهرة أو مالا لغيره و مات، قال الشيخ في الخلاف: ليس لنا نصّ فيه، و الأولى أنه لا يشق جوفه لقوله عليه السلام:
(حرمة المسلم ميتا كحرمته حيّا)(5) ، و لا يشق جوف الحي فكذا الميت(6).
و قال الشافعي: يشق و يرد إلى صاحبه لما فيه من دفع الضرر عن المالك برد ماله إليه، و عن الميت بإبراء ذمته، و عن الورثة بحفظ التركة
ص: 113
لهم(1) ، و هو الوجه عندي، و لأحمد وجهان(2).
ج - لو كان المال له لم يشق عند الشيخ(3) ، و هو أحد وجهي الشافعي لأنه ماله استهلكه في حياته فلم يثبت للورثة فيه حق، و الآخر: يشق لأنها صارت ملكهم بموته فهي كالمغصوبة(4).
د - لو أذن المالك له في الابتلاع صار كماله.
ه - تؤخذ قيمة ذلك من تركة الميت عند الشيخ(5) لأنه حال بينه و بين صاحبه، و لو لم يأخذ عوضا له، و لم يترك الميت مالا، و تطاولت المدة، و بلي الميت جاز نبشه و إخراج ذلك المال لعدم التمثيل حينئذ فينتفي المانع من حفظ المال، و كذا لو كان له فالأقرب جواز ذلك للوارث.
و - لو كان في اذن الميت حلقة، أو في يده خاتم أخذ، فإن كان يصعب توصل إلى إخراجه ببردة أو كسره للنهي عن تضييع المال.
ز - لو أخذ السيل الميت، أو أكله سبع كان الكفن ملكا للورثة، لأنه مال متروك فيرثه الوارث، فإن كان قد تطوع به غيره عاد إليه إن شاء، و إن تركه للورثة كان عطية مستأنفة، لأن التطوع مشروط ببقائه كفنا فيزول لزوال شرطه.
ما لم يطرح في القبر، فإن طرح قرضت، قاله ابن بابويه في الرسالة(6) ،
ص: 114
و أوجب الشيخ القرض و أطلق(1) ، لقول الصادق عليه السلام: «إذا خرج من منخر الميت الدم أو الشيء بعد الغسل فأصاب العمامة، أو الكفن قرض بالمقراض»(2) و تفصيل ابن بابويه جيد، لأن في القرض إتلاف مال لغير غرض، و عدم تحسين الكفن لغير حاجة، فيقتصر على محل الوفاق و هو القرض بعد الوضع(3).
(4) - و به قال الشافعي(5) - سواء كان الميت رجلا أو امرأة، لأن النبيّ عليه السلام لمّا دفن سعد بن معاذ، ستر قبره بثوب(6) ، و من طريق الخاصة قول الصادق عليه السلام: «و قد مدّ على قبر سعد بن معاذ ثوب و النبيّ عليه السلام شاهد فلم ينكر ذلك»(7) و لأنه يحتاج إلى حل عقد كفنه و تسويته فربما حصل ما ينبغي ستره.
و قال المفيد في أحكام النساء(8) ، و ابن الجنيد: لا يغطى قبر الرجل، و يغطى قبر المرأة(9) - و به قال أحمد(10) - لأن عليا عليه السلام مر بقوم دفنوا ميتا و بسطوا على قبره الثوب، فجذبه و قال: «إنما يصنع هذا
ص: 115
بالنساء»(1) و هو حكاية حال، و هل يكره ستر قبر الرجل ؟ قال أحمد: نعم، و منعه أصحاب الرأي و أبو ثور(2).
لأن جابرا لما قتل أبوه جعل يكشف الثوب عن وجهه و يبكي و النبيّ صلّى اللّه عليه و آله لا ينهاه(3) ، و قالت عائشة: رأيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقبل عثمان بن مظعون و هو ميت حتى رأيت الدموع تسيل(4) ، و من طريق الخاصة ما روي عن الصادق عليه السلام إنه كشف عن وجه إسماعيل بعد أن كفن فقبل جبهته(5).
و يبدأ بيديه و دبره، و تربط جراحاته بالقطن و الخيوط، و إذا وضع عليه القطن عصبه، و كذا موضع الرأس و الرقبة، و يجعل له من القطن شيئا كثيرا، و يذر عليه الحنوط، و إن استطاع أن يعصبه فعل، و إن كان الرأس قد بان من الجسد غسل الرأس إذا غسل اليدين و سفله ثم الجسد، و يوضع القطن فوق الرقبة و يضم إليه الرأس و يجعل في الكفن، و إذا دفن تناول الرأس و الجسد و أدخله اللحد، و وجهه القبلة، روى ذلك العلاء بن سيابة عن الصادق عليه السلام(6).
فإن لم يكن، قال
ص: 116
في المبسوط: الأولى تقديم الأب، ثم الابن و ابن الابن، ثم الجد، و لو كان أخوان في درجة قدم الأكبر، فإن تساويا أقرع، و تقدم أسن الزوجتين و يقرع لو تساوتا(1) و يجوز أن يخيّر الولي في التقديم.
و استنجاز ما وعده اللّه تعالى عليّا عليه السلام في قوله وَ بَشِّرِ الصّابِرِينَ اَلَّذِينَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قالُوا إِنّا لِلّهِ وَ إِنّا إِلَيْهِ راجِعُونَ، أُولئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَ رَحْمَةٌ وَ أُولئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ (2)(3). و قال الباقر عليه السلام: «ما من مؤمن يصاب بمصيبة في الدنيا فيسترجع عند مصيبته و يصبر حين تفجؤه المصيبة إلا غفر اللّه له ما مضى من ذنوبه إلا الكبائر التي أوجب اللّه عزّ و جلّ عليها النار، و كلما ذكر مصيبته فيما يستقبل من عمره فاسترجع عندها و حمد اللّه عزّ و جلّ غفر اللّه له كل ذنب اكتسبه فيما بين الاسترجاع الأول إلى الاسترجاع الأخير إلا الكبائر من الذنوب»(4).
و ليتحفظ من التكلم بشيء يحبط أجره، و يسخط ربه مما يشبه التظلم و الاستغاثة فإن اللّه عدل لا يجور.
و لا يدعو على نفسه لنهي النبيّ صلّى اللّه عليه و آله عن ذلك(5) و قال عليه السلام لفاطمة عليها السلام حين قتل جعفر بن أبي طالب: (لا تدعين بذل، و لا ثكل، و لا حرب، و ما قلت فيه فقد صدقت)(6).
ص: 117
و يحتسب ثواب اللّه و يحمده لقول رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: (إذا قبض ولد المؤمن - و اللّه أعلم بما قال العبد - فيسأل الملائكة قبضتم ولد فلان المؤمن ؟ فيقولون: نعم ربنا، فيقول: فما ذا قال عبدي ؟ فيقولون: حمدك ربنا و استرجع، فيقول عزّ و جلّ: ابنوا له بيتا في الجنة و سمّوه بيت الحمد)(1).
إجماعا، و ليس بمكروه قبل خروج الروح و لا بعدها عندنا - و به قال أحمد(2) - لأن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله قبّل عثمان بن مظعون و هو ميت و رفع رأسه و عيناه تهراقان(3). و من طريق الخاصة قول الصادق عليه السلام: «إن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله حين جاءته وفاة جعفر ابن أبي طالب و زيد بن حارثة، كان إذا دخل بيته كثر بكاؤه عليهما جدا، و قال: كانا يحدثاني و يؤنساني فذهبا جميعا»(4).
و قال الشافعي: إنه مباح إلى أن تخرج الروح، فإذا خرجت كره(5) ، لأن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله جاء إلى عبد اللّه بن ثابت يعوده، فوجده قد غلب عليه فصاح به فلم يجبه، فاسترجع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و قال: (غلبنا عليك يا أبا الربيع) فصاح النسوة و بكين، فجعل ابن عتيك يسكتهن، فقال له النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: (دعهن فإذا وجب فلا تبكين باكية)(6) يعني إذا مات.
ص: 118
و هو محمول على رفع الصوت، لأن النبيّ عليه السلام أخذ ابنه فوضعه في حجره فبكى، فقال عبد الرحمن بن عوف: أ تبكي، أ و لم تكن نهيت عن البكاء!؟ قال: (لا و لكن نهيت عن صوتين أحمقين فاجرين: صوت عند مصيبة، خمش وجوه و شق جيوب، و رنة شيطان)(1) و هو يدل على أن النهي ليس عن مطلق البكاء بل موصوفا بهذه الصفات.
أ - نقل عن عمر بن الخطاب عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنه قال:
(إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه)(2) و حمله قوم على ظاهره، لأن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال: (ما من ميت يموت فيقوم باكيهم فيقول: وا جبلاه وا سيداه، و نحو ذلك إلا وكّل اللّه به ملكين يلهزانه(3) أ هكذا كنت ؟)(4).
و أنكر ابن عباس، و عائشة ذلك، و قالت عائشة: و اللّه ما قال النبيّ ذلك، إن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال: (إن اللّه ليزيد الكافر عذابا ببكاء أهله عليه، و حسبكم القرآن وَ لا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى (5)(6) و قيل: من كان النوح سنته، و لم ينه أهله عنه(7) ، لقوله تعالى قُوا أَنْفُسَكُمْ وَ أَهْلِيكُمْ ناراً (8).
ص: 119
و أحسن ما بلغنا فيه أن الجاهلية كانوا ينوحون و يعدّدون أفعالهم التي هي قتل النفس و الغارة على الأموال، فأراد أنهم يعذبون بما كانوا يبكون به عليهم.
و لا بدّ من حمل هذا الحديث على البكاء الذي ليس بمشروع، كالذي معه اللطم، و الخدش، و القول السيّئ، لما بينا من جوازه.
و قال الصادق عليه السلام: «إن إبراهيم خليل الرحمن سأل ربه أن يرزقه ابنة تبكيه بعد موته»(1).
ب - لا بأس بالنوح و الندب بتعدد فضائله و اعتماد الصدق - و هو قول أحمد(2) لأن فاطمة عليها السلام كانت تنوح على النبيّ صلّى اللّه عليه و آله كقولها: (يا أبتاه من ربه ما أدناه، يا أبتاه إلى جبرئيل أنعاه، يا أبتاه أجاب ربا دعاه)(3).
و جماعة من أصحاب الحديث من الجمهور حرّموه لأن النبيّ عليه السلام نهى عنه(4) و يحمل على اقترانه بكذب، و الدعاء بالويل و الثبور، فقد روي: أن أهل البيت إذا دعوا بالويل و الثبور وقف ملك الموت في عتبة الباب و قال: إن كانت صيحتكم عليّ فإني مأمور، و إن كانت على ميتكم فإنه مقبور، و إن كانت على ربكم فالويل لكم و الثبور، و إنّ لي فيكم عودات ثم عودات(5).2.
ص: 120
و لما انصرف النبيّ صلّى اللّه عليه و آله من وقعة أحد إلى المدينة، سمع من كل دار قتل من أهلها قتيل نوحا و بكاء، و لم يسمع من دار عمّه حمزة، فقال عليه السلام: (لكن حمزة لا بواكي له) فآلى أهل المدينة أن لا ينوحوا على ميّت و لا يبكوه حتى يبدؤوا بحمزة فينوحوا عليه و يبكوه، فهم إلى اليوم على ذلك(1).
ج - يجوز الوقف على النائحة لأنه فعل سائغ فلا مانع من الوقف عليه و قال الصادق عليه السلام: «قال لي الباقر عليه السلام: أوقف لي من مالي كذا و كذا لنوادب يندبنني عشر سنين بمنى أيام منى»(2) و قصد عليه السلام بذلك عدم انقطاع ذكره و التسليم عليه.
د - كره الشافعي المأتم - و هو الاجتماع - لما فيه من تجديد الحزن(3) ، و كذلك قال: يكره المبيت في المقبرة لما فيه من الوحشة(4).
ه - يجوز شق الثوب في موت الأب، و الأخ لأن الهادي عليه السلام لما قبض شق العسكري عليه السلام قميصه من خلف و قدّام(5).
أما الدعاء و الاستغفار، و الصدقة، و أداء الواجبات التي تدخلها النيابة فإجماع، قال اللّه تعالى يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا وَ لِإِخْوانِنَا (6)
ص: 121
وَ اسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَ لِلْمُؤْمِنِينَ (1) .
و قال رجل للنبيّ صلّى اللّه عليه و آله: إن أمي ماتت أ فينفعها إن تصدقت عنها؟ قال: (نعم)(2).
و قال الصادق عليه السلام: «يدخل على الميت في قبره الصلاة، و الصوم، و الحج، و الصدقة، و البر، و الدعاء، و يكتب أجره للذي يفعله و للميت»(3).
و أما ما عداها فإنه عندنا كذلك - و به قال أحمد(4) - لأن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال: (من دخل المقابر فقرأ سورة يس خفف عنهم يومئذ، و كان له بعدد من فيها حسنات)(5).
و قال عليه السلام لعمرو بن العاص: (لو كان أبوك مسلما فأعتقتم عنه، أو تصدقتم عنه، أو حججتم عنه بلغه ذلك)(6).
و من طريق الخاصة قول الصادق عليه السلام: «من عمل من المسلمين عن ميت عملا صالحا أضعف له أجره، و نفع اللّه به الميت»(7) ، و لأنه عمل برّ و طاعة، فوصل نفعه و ثوابه إليه كالواجبات.
و قال الشافعي: ما عدا الواجبات، و الصدقة، و الدعاء، و الاستغفار لا6.
ص: 122
يفعل عن الميت، و لا يصل ثوابه إليه(1) لقوله تعالى وَ أَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلاّ ما سَعى (2) و قوله عليه السلام: (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلاّ من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به من بعده، أو ولد صالح يدعو له)(3).
و الآية مخصوصة بما وافقنا عليه، و المختلف في معناه فيحمل عليه، و لا حجة في الخبر لدلالته على انقطاع عمله، و هذا ليس من عمله، و مخصوص بمحل الوفاق فيحمل عليه محل الخلاف للمشاركة في المعنى.
بإجماع العلماء لقوله عليه السلام:
(من عزى مصابا فله مثل أجره)(4) و من طريق الخاصة قول رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: (من عزى حزينا كسي في الموقف حلة يحبر بها)(5) و قال عليه السلام: (التعزية تورث الجنّة)(6) و المراد منها تسلية أهل المصيبة، و قضاء حقوقهم، و التقرب إليهم، و إطفاء نار الحزن عنهم، و تسليتهم بمن سبق من الأنبياء و الأئمة عليهم السلام، و تذكيرهم الثواب على الصبر، و اللحاق بالميت.
أ - لا خلاف في استحباب التعزية قبل الدفن، و أما بعده فهو قول أكثر
ص: 123
العلماء(1) لقوله عليه السلام: (ما من مؤمن يعزي أخاه بمصيبة إلا كساه اللّه من حلل الكرامة يوم القيامة)(2) و هو عام قبل الدفن و بعده، و من طريق الخاصة قول هشام بن الحكم: رأيت الكاظم عليه السلام يعزي قبل الدفن و بعده(3).
و عزّى الصادق عليه السلام رجلا بابن له، فقال: «اللّه خير لابنك منك، و ثواب اللّه خير لك منه» فبلغه جزعه بعد ذلك فعاد إليه فقال له:
«قد مات رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فما لك به أسوة ؟» فقال: إنه كان مرهقا، فقال: «إن أمامه ثلاث خصال: شهادة أن لا إله إلا اللّه، و رحمة اللّه، و شفاعة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، و لن يفوته واحدة منهن إن شاء اللّه»(4) ، و لأن القصد التسلية، و الحزن يحصل بعد الدفن كما حصل قبله.
و قال الثوري: لا تستحب التعزية بعد الدفن، لأنه خاتمة أمره(5) ، و لقول الصادق عليه السلام: «ليس التعزية إلا عند القبر ثم ينصرفون»(6) و هو غير مناف لبقاء الحزن عند الأحياء بعد خاتمة أمر الميت، و قول الصادق عليه السلام يشمل قبل و بعد.1.
ص: 124
ب - قال الشيخ: التعزية بعد الدفن أفضل(1) ، و هو جيد لقول الصادق عليه السلام: «التعزية لأهل المصيبة بعد ما يدفن»(2) و لاشتغالهم بميتهم، و لأنه بعد الدفن يكثر الجزع حيث هو وقت المفارقة لشخصه و الانقلاب عنه.
ج - قال الشيخ: يجوز أن يتميز صاحب المصيبة عن غيره بإرسال طرف العمامة أو أخذ مئزر فوقها على الأب و الأخ، فأما غيرهما فلا يجوز على حال(3). و الوجه عندي استحباب الامتياز في الأب و الأخ و غيرهما لأن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله وضع رداءه في جنازة سعد بن معاذ و قال:
(رأيت الملائكة قد وضعت أرديتها فوضعت ردائي)(4).
و لما مات إسماعيل تقدم الصادق عليه السلام السرير بغير رداء و لا حذاء(5).
و قال عليه السلام: «ينبغي لصاحب المصيبة أن يضع رداءه حتى يعلم الناس أنه صاحب المصيبة»(6).
د - قد منع من وضع الرداء في مصيبة غيره لئلاّ يشتبه بصاحبها، و قال عليه السلام: (ملعون ملعون من وضع رداءه في مصيبة غيره)(7).
ه - يستحب تعزية جميع أهل المصيبة، كبارهم و صغارهم، و يخصّ من ضعف منهم عن تحمل المصيبة لحاجته إليها، و لا فرق بين الرجل و المرأة2.
ص: 125
لقوله عليه السلام: (من عزى ثكلى كسي بردا في الجنّة)(1).
نعم يكره تعزية الرجل المرأة الشابة الأجنبية حذر الفتنة.
و - الأقرب جواز تعزية أهل الذمة - و به قال الشافعي، و أحمد في رواية(2) - لأنه كالعيادة، و قد عاد النبيّ صلّى اللّه عليه و آله غلاما من اليهود مرض، فقعد عند رأسه فقال له: (أسلم) فنظر إلى أبيه و هو عند رأسه فقال: أطع أبا القاسم فأسلم فقام النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و هو يقول:
(الحمد للّه الذي أنقذه من النار)(3). و في أخرى: المنع(4) لقوله عليه السلام: (لا تبدءوهم بالسلام)(5) و هذا في معناه.
ز - يقول في تعزية الكافر بالكافر: أخلف اللّه عليك و لا نقص عددك، و يقصد كثرة العدد لزيادة الجزية، و في تعزية المسلم بالكافر: أعظم اللّه أجرك، و أخلف عليك، و في تعزية الكافر بالمسلم: أعظم اللّه أجرك و أحسن عزاءك، و غفر لميتك.
ح - ليس في التعزية شيء موظف، و استحب بعض الجمهور(6) ما رواه الصادق عليه السلام عن الباقر عليه السلام عن زين العابدين عليه السلام قال: «لما توفي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و جاءت التعزية سمعوا قائلا يقول: إن في اللّه عزاء من كل مصيبة، و خلفا من كل هالك، و دركا من كل ما فات فباللّه فثقوا و إياه فارجوا، فإن المصاب من حرم الثواب»(7).0.
ص: 126
و عزى الصادق عليه السلام قوما قد أصيبوا بمصيبة فقال: «جبر اللّه وهنكم، و أحسن عزاءكم، و رحم متوفاكم» ثم انصرف(1).
ط - يكفي في التعزية أن يراه صاحب المصيبة، قال الصادق عليه السلام:
«كفاك من التعزية أن يراك صاحب المصيبة»(2).
ي - قال في المبسوط: يكره الجلوس للتعزية يومين، أو ثلاثة إجماعا(3) ، و أنكره ابن إدريس لأنه تزاور فيستحب(4).
يا - الأقرب أنه لا حدّ للتعزية، لعدم التوقيت، و هو أحد وجهي الشافعيّة، و في الآخر: حدها ثلاثة أيام إلا أن يكون المعزي أو المعزى غائبا(5).
إجماعا إعانة لهم، و جبرا لقلوبهم، فإنهم ربما اشتغلوا بمصابهم، و بالواردين عليهم عن إصلاح طعام لأنفسهم، و لما جاء نعي جعفر، قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: (اصنعوا لآل جعفر طعاما فإنه قد أتاهم أمر شغلهم)(6).
و من طريق الخاصة قول الصادق عليه السلام: «لما قتل جعفر بن أبي طالب، أمر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فاطمة عليها السلام أن تأتي أسماء بنت عميس و نساءها، و أن تصنع لهم طعاما ثلاثة أيام، فجرت بذلك
ص: 127
السنة»(1).
و كره أحمد أن يصنع أهل الميت طعاما للناس لأنه فعل أهل الجاهلية(2) ، و لقول الصادق عليه السلام: «الأكل عند أهل المصيبة من عمل أهل الجاهلية، و السنة البعث إليهم بالطعام»(3).
إجماعا لأن النبيّ عليه السلام قال: (كنت نهيتكم عن زيارة القبور، فزوروها فإنها تذكركم الموت)(4). و من طريق الخاصة قول الرضا عليه السلام: «من أتى قبر أخيه المؤمن من أيّ ناحية يضع يده، و قرأ إنا أنزلناه سبع مرات أمن الفزع الأكبر»(5).
و وقف الباقر عليه السلام على قبر رجل من الشيعة ثم قال: «اللهم ارحم غربته، و صل وحدته، و آنس وحشته، و اسكن إليه من رحمتك رحمة يستغني بها عن رحمة من سواك، و ألحقه بمن كان يتولاه» ثم قرأ إنا أنزلناه سبع مرات(6). و سأل جراح الصادق عليه السلام كيف التسليم على أهل القبور؟ قال: «تقول: السلام على أهل الديار من المؤمنين و المسلمين، رحم اللّه المتقدمين منا و المتأخرين(7) ، و إنا إن شاء اللّه بكم لاحقون»(8).
ص: 128
أ - لا يكره للنساء ذلك لأن الصادق عليه السلام قال: «إن فاطمة عليها السلام كانت تأتي قبور الشهداء في كل غداة سبت، فتأتي قبر حمزة و تترحم عليه و تستغفر له»(1).
ب - لا يستحب خلع النعال لانتفاء الكراهة بالأصل، و لأن الحسن، و ابن سيرين كانا يمشيان بين القبور في نعالهما(2).
و كرهه أحمد(3) ، لأمر النبيّ صلّى اللّه عليه و آله بإلقائهما(4) ، و يحمل على من فعل ذلك للخيلاء.
ج - لو احتيج إلى النعلين لم يكره المشي فيهما إجماعا.
د - نزع الخفين ليس بمستحب إجماعا لأن في نزعهما مشقة، و هل يتعدى إلى الشمشك(5) ؟ إشكال.
ص: 129
ص: 130
عند علمائنا أجمع، و يطهر بالغسل - و به قال أبو حنيفة، و الشافعي في أحد الوجهين(1) - لقوله تعالى:
حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ (2) و تحريم الأعيان يستلزم تحريم الانتفاع من جميع الوجوه، و لأنه حيوان لا يحل أكله، ذو نفس سائلة، فينجس بالموت كسائر الحيوانات، و لأنه لو بان منه عضو كان نجسا.
و روي أن زنجيا مات في زمزم، فأمر عبد اللّه بن عباس أن ينزح جميع مائها، و كان في خلافة ابن الزبير(3) و لم ينكر ذلك أحد.
و من طريق الخاصة قول الصادق عليه السلام، و قد سئل عن الرجل يصيب ثوبه جسد الميت: «يغسل ما أصاب الثوب»(4).
و للشافعي قول: إنه لا ينجس الآدمي(5) ، لأن النبيّ عليه السلام قال:
ص: 131
(لا تنجسوا موتاكم، فإن المؤمن ليس بنجس حيا و لا ميتا)(1) و لأنه يطهر بالغسل فلا يكون نجس العين.
و الحديث محمول على أنه ليس بنجس نجاسة لا تقبل التطهير، و نمنع الملازمة فإن النجاسات العينية تختلف، فالكافر يطهر بالإسلام، و الخمر يطهر بالانقلاب.
أ - نجاسة الميت نجاسة عينية لأنها تتعدى إلى ما يلاقيها، على ما تضمنه حديث الصادق عليه السلام(2) و تطهر بالغسل بإجماع علماء الإسلام.
ب - لو وقع الثوب على الميت بعد غسله لم يجب غسله لطهارته حينئذ، و لقول الصادق عليه السلام: «إن كان الميت غسل فلا تغسل ما أصاب ثوبك منه، فإن كان لم يغسل فاغسل ما أصاب ثوبك منه»(3).
ج - لو وقعت يد الميت بعد برده و قبل غسله في مائع نجس ذلك المائع، فإن وقع ذلك المائع في آخر نجس الآخر، خلافا لابن إدريس، فإنه قال: الثاني لم يلاق الميت، و حمله على ما لاقاه قياس، و لأن لمغسّل الميت دخول المسجد و استيطانه، و لأن المستعمل في الكبرى طاهر(4).
و ليس بجيد إذ لا قياس هنا، بل لأن ملاقي يد الميت نجس، و المائع إذا لاقى نجسا تأثر به، و نمنع جواز الاستيطان، و طهارة المستعمل في الكبرى مع حصول نجاسة في المحل، و لا مس الميت بيده تنجس يده نجاسة عينية، فإن اغتسل قبل غسل يده نجس الماء بملاقاة يده التي لاقى بها
ص: 132
الميت، و لو غسل يده ثم اغتسل لم ينجس الماء لأن اغتساله هنا طهارة حكميّة، و إنما الإشكال لو لاقاه يابسين، أو لاقى ميتا من غير الناس.
د - الميت إنما يطهر بالغسل إذا وقع على الوجه المشروع، أما لو رماه في ماء كثير - و لم يكتف بالقراح - لم يطهر.
و كذا لا يطهر غير الآدمي بالغسل، أما الكافر فالأقرب إلحاقه بغير الآدمي في عدم الطهارة بالغسل، للنهي عن تغسيله(1) و النهي في العبادة يقتضي الفساد.
عند أكثر علمائنا(2) - و هو القول القديم للشافعي، و هو منقول عن علي عليه السلام، و أبي هريرة(3) - لأن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال: (من غسل ميتا فليغتسل، و من مسه فليتوضأ)(4).
و لما مات أبو طالب، أمر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عليا عليه السلام بغسله، فلما غسله، و دفنه رجع إلى النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و أخبره فقال: (اذهب و اغتسل)(5).
و من طريق الخاصة قول الصادق عليه السلام: «من غسل ميتا فليغتسل»(6).
ص: 133
و حكي عن أبي حنيفة، و المزني: أنه ليس بمشروع(1). و قال السيد المرتضى(2) و ابن عمر، و ابن عباس، و عائشة، و الفقهاء: مالك، و أصحاب الرأي، و أحمد، و إسحاق، و الشافعي في القول الثاني: إنه مستحب للأصل(3). و الاحتياط يعارضه.
بالموت و قبل تطهيره بالغسل وجب عليه الغسل عند أكثر علمائنا(4) - خلافا للسيد المرتضى(5) ، و الجمهور كافة - لما تقدم(6) و لقول الصادق عليه السلام و قد سئل قلت: فإن مسّه.؟ قال: «فليغتسل»(7).
و قال المرتضى: إنه مستحب للأصل(8) ، و قال أحمد: يجب الوضوء(9) لقوله عليه السلام: (من غسل ميتا فليغتسل، و من مسه فليتوضأ)(10).
و لقولهم عليهم السلام: «كل غسل لا بدّ معه من الوضوء إلا الجنابة»(1) فلو اغتسل و لم يتوضأ و صلّى بطلت.
ب - لو مسه قبل برده لم يجب عليه غسل لقول الصادق عليه السلام قال: «إذا مسه و هو سخن فلا غسل عليه، فإذا برد فعليه الغسل»(2) و الأقرب: وجوب غسل يده لأنه لاقى نجاسة، إذ الميت نجس عندنا.
ج - لو مس ميتا من غير الناس وجب عليه غسل ما مسه به، و حكم الثوب حكم البدن، و الأقوى عندي هنا اشتراط الرطوبة.
د - لو كمل غسل الرأس فمسه قبل إكمال الغسل لم يجب الغسل.
ه - لا فرق بين كون الميت مسلما أو كافرا لامتناع التطهير في حقه، و لا يمنع ذلك صدق القبلية.
حي أو ميت - خلافا للجمهور - لأنه ميت.
و قال الصادق عليه السلام: «إذا قطع من الرجل قطعة فهي ميتة، فإذا مسه إنسان فكل ما فيه عظم فقد وجب على من يمسه الغسل، فإن لم يكن فيه عظم فلا غسل عليه»(3).
فلو كانت القطعة خالية من عظم، أو كانت من غير الناس وجب غسل اليد خاصة، و لا يجب الغسل، و الأقرب عدم وجوب الغسل بمس نفس العظم.
ص: 135
بمعنى افتقاره إلى الوضوء، إما قبله أو بعده، للصلاة، أو غيرها مما يشترط فيه الطهارة لا وجوبا في نفسه لقول الصادق عليه السلام: «كل غسل لا بد فيه من الوضوء إلا غسل الجنابة»(1) خلافا للمرتضى(2) لقوله عليه السلام: «و أي وضوء أكبر من الغسل»(3) و الأحوط ما قلناه.
تذنيب: لو اغتسل ثم أحدث حدثا أصغر توضأ وضوءا واحدا و لا يعيد الغسل، و لو قدم الوضوء(4) أعاده و اغتسل، و لو أحدث في أثناء الغسل أتمه و توضأ سواء تقدم الغسل أو تأخر.
ص: 136
و هي على الأشهر ثمانية و عشرون غسلا، ستة عشر للوقت، و سبعة للفعل، و خمسة للمكان.
ليس بواجب(1) - و هو قول جمهور أهل العلم(2) - لأن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال: (من توضأ يوم الجمعة فبها و نعمت، و من اغتسل فالغسل أفضل)(3) و قوله عليه السلام: (فبها) معناه بالفريضة أخذ، و قوله:
(و نعمت) يعني الخلّة الفريضة.
و من طريق الخاصة ما رواه زرارة قال: سألت الصادق عليه السلام عن غسل الجمعة، قال: «سنة في الحضر و السفر إلا أن يخاف المسافر على نفسه القر(4)»(5).
ص: 137
و قال الصدوق: إنه واجب(1) - و به قال الحسن البصري، و داود، و مالك، و أهل الظاهر(2) - لأن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال: (غسل الجمعة واجب على كل محتلم)(3).
و قال الرضا عليه السلام و قد سئل عن غسل الجمعة: «واجب على كل ذكر و أنثى من حر و عبد»(4) و هو محمول على شدة الاستحباب عملا بالجمع بين الأحاديث و بأصالة البراءة.
أ - استحباب غسل الجمعة مؤكد للرجال و النساء، سفرا و حضرا، و غسل مس الميت آكد، أما إن قلنا بوجوبه - على ما اخترناه - فظاهر، و إن قلنا: إنه سنة فكذلك لأن سببه وجد منه فهو بغسل الجنابة أشبه، و لأن الخلاف في وجوبه أكثر من خلاف غسل الجمعة، و هو أحد قولي الشافعي، و الثاني: غسل الجمعة(5) لورود الأخبار بوجوبه(6).
و الفائدة تظهر فيما لو اجتمع اثنان على ماء مباح، أحدهما من أهل الجمعة، و الآخر ليس من أهلها و قد مس ميتا.
ب - و هو مستحب لآتي الجمعة و غيره كالنساء، و العبيد، و المسافرين
ص: 138
عند علمائنا - و به قال أبو ثور، و الشافعي في أحد القولين(1) - لقوله عليه السلام: (غسل الجمعة واجب على كل محتلم)(2).
و من طريق الخاصة قول الرضا عليه السلام: «إنه واجب على كل ذكر و أنثى من حر و عبد»(3).
و الثاني للشافعي: يستحب لآتي الجمعة خاصة(4) لقوله عليه السلام:
(من جاء إلى الجمعة فليغتسل)(5) و هو يدل من حيث المفهوم، فلا يعارض المنطوق.
ج - لو حضرت المرأة المسجد استحب لها، أما عندنا فظاهر، و أما عند الشافعي فللخبر(6).
و قال أحمد: لا يستحب لأنها غير مخاطبة بالجمعة(7) ، و ينتقض بالعبد.
د - وقته من طلوع الفجر الثاني إلى الزوال، و كلّما قرب من الزوال كان أفضل، قاله علماؤنا - و به قال الشافعي(8) - لأن النبيّ عليه السلام قال:1.
ص: 139
(من اغتسل يوم الجمعة ثم راح فكأنما قرّب بدنة)(1).
و من طريق الخاصة قول أحدهما عليهما السلام: «إذا اغتسلت بعد طلوع الفجر أجزأك للجنابة و الجمعة»(2).
و لأن القصد التنظيف للصلاة، و إزالة الرائحة الكريهة من البدن للاجتماع فيستحب عنده و ليس شرطا.
و قال مالك: لا يعتد بالغسل إلاّ أن يتصل به الرواح(3) لقوله عليه السلام: (من جاء إلى الجمعة فليغتسل)(4) و ليس فيه دلالة.
ه - لا يجوز إيقاعه قبل الفجر اختيارا، فإن قدمه لم يجزئه إلا إذا يئس من الماء - و به قال الشافعي(5) - للإجماع، و لأن النبيّ عليه السلام أضاف الغسل إلى اليوم(6). و قال الأوزاعي: يجوز قبل الفجر لأنه يوم عيد فجاز قبل الفجر كالعيدين(7). و نمنع حكم الأصل، و الفرق أن وقت العيد طلوع الشمس، فيضيق على الناس وقت الغسل من الفجر فيجوز قبله، بخلاف الجمعة لأنها بعد الزوال.4.
ص: 140
و - لو فاته الغسل أول النهار قضاه بعد الزوال لأنها عبادة موقتة، فاستحب قضاؤها كالنوافل المرتبة، و لقول الصادق عليه السلام في الرجل لا يغتسل يوم الجمعة أول النهار قال: «يقضيه من آخر النهار»(1).
ز - لو فاته يوم الجمعة أول النهار و آخره، استحب قضاؤه يوم السبت لقول الصادق عليه السلام: «فإن لم يجد فليقضه يوم السبت»(2).
ح - لو وجد الماء يوم الخميس و خاف عدمه يوم الجمعة، أو عدم التمكن من استعماله جاز أن يقدمه يوم الخميس تحصيلا للتنظيف المأمور به، و لقول الكاظم عليه السلام بالبادية - و هو يريد بغداد - لام الحسين ولده، و أم أحمد ولده يوم الخميس: «اغتسلا اليوم لغد فإن الماء غدا قليل»(3).
ط - لو اغتسل يوم الخميس لعذر، ثم زال قبل الزوال، استحب إعادته لسقوط حكم البدل مع إمكان المبدل.
غسل أول ليلة منه، و ليلة النصف، و ليلة سبع عشرة، و تسع عشرة، و إحدى و عشرين، و ثلاث و عشرين لاختصاصها بالشرف.
و لقول الصادق عليه السلام: «غسل أول ليلة من شهر رمضان مستحب»(4).
و عن أحدهما عليهما السلام: «الغسل في سبعة عشر موطنا: ليلة سبع عشرة و هي ليلة التقى الجمعان، و تسع عشرة و فيها يكتب وفد السنة،
ص: 141
و ليلة إحدى و عشرين و هي الليلة التي أصيب فيها أوصياء الأنبياء، و فيها رفع عيسى بن مريم، و قبض موسى عليه السلام، و ثلاث و عشرين يرجى فيها ليلة القدر»(1).
ذهب إليه علماؤنا أجمع - و به قال الجمهور(2) - لقول الصادق عليه السلام: «اغتسل يوم الأضحى، و يوم الفطر»(3) و الأمر للاستحباب هنا عملا بالأصل.
و لقول الكاظم عليه السلام: «الغسل في الجمعة و الأضحى و الفطر سنة و ليس بفريضة»(4).
و عن أهل الظاهر: الوجوب(5) ، و هو منفي بالأصل، و بما تقدم.
و يستحب الغسل ليلة الفطر، و ليلة نصف رجب، و يوم المبعث، و ليلة نصف شعبان، و يوم الغدير، و يوم المباهلة - و هو الرابع و العشرون من ذي الحجة - لشرف هذه الأوقات.
روى الحسن بن راشد قال: «إذا غربت الشمس ليلة العيد فاغتسل»(6).
و قال الصادق عليه السلام: «صوموا شعبان و اغتسلوا ليلة النصف منه»(7).
و قال عليه السلام: «من صلّى فيه ركعتين - يعني يوم الغدير - يغتسل
ص: 142
عند زوال الشمس من قبل أن تزول بنصف ساعة»(1) و ساق الحديث.
و قال عليه السلام: «غسل يوم المباهلة واجب»(2) و يريد تأكيد الاستحباب.
عند أكثر علمائنا(3) لقول أحدهما عليهما السلام: «الغسل إذا دخلت الحرم، و يوم تحرم»(4).
و عن الصادق عليه السلام: «غسل الميت، و غسل الجنب، و الجمعة، و العيدين، و يوم عرفة، و الإحرام»(5).
و قال بعض علمائنا بالوجوب(6) لقول الصادق عليه السلام: «الغسل في سبعة عشر موطنا: الفرض ثلاثة: غسل الجنابة، و من غسل ميتا، و الغسل للإحرام»(7) ، و الرواية مرسلة، و الأصل عدم الوجوب.
لدخول الحرم، و المسجد الحرام، و الكعبة، و المدينة، و مسجد النبيّ صلّى اللّه عليه و آله، و زيارة الأئمة عليهم السلام، لشرف هذه الأمكنة، لقول أحدهما عليهما السلام: «الغسل إذا دخلت الحرم، و يوم تحرم، و يوم الزيارة، و يوم تدخل البيت، و يوم التروية، و يوم عرفة»(8).
ص: 143
و عن الصادق عليه السلام: «و دخول الكعبة، و دخول المدينة، و دخول الحرم، و في الزيارة»(1).
و عن الصادق عليه السلام: «الغسل عند دخول مكة، و المدينة، و دخول الكعبة»(2).
و عن الباقر عليه السلام: «الغسل إذا أردت دخول البيت، و إذا أردت دخول مسجد النبي عليه السلام»(3).
مع استيعاب الاحتراق، و الترك عمدا، و الأقوى الاستحباب، لأصالة البراءة.
و قال سلار بوجوبه(4) لقول أحدهما عليهما السلام: «و غسل الكسوف إذا احترق القرص كلّه»(5).
و قول الصادق عليه السلام: «إذا انكسف القمر فاستيقظ الرجل و لم يصل فليغتسل من الغد و ليقض، و إن لم يعلم فليس عليه إلا القضاء بغير غسل»(6) و هما قاصران عن إفادة الوجوب.
فالأشهر استحبابه، تمسكا بالأصل، و قال بعض علمائنا بوجوبه(7) لقول الصادق عليه السلام: «غسل
ص: 144
النفساء واجب، و غسل المولود واجب»(1) و الرواية ضعيفة السند، و يحمل الثاني على شدة الاستحباب.
و اختلفوا أيضا في غسل من قصد إلى رؤية مصلوب بعد ثلاثة أيام فالأقوى الاستحباب للأصل، و قال بعض علمائنا بالوجوب(2). قال ابن بابويه: روي ذلك(3).
و ليس بواجب، سواء كانت عن كفر أو فسق عند علمائنا - و به قال الشافعي، و أبو حنيفة(4) - لأن العدد الكثير من الصحابة أسلموا، فلو وجب الغسل لنقل نقلا متواترا، أو مشهورا.
و لأنه عليه السلام قال لمعاذ - لمّا بعثه إلى اليمن -: (ادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا اللّه، و أن محمدا عبده و رسوله، فإن هم أطاعوا لك بذلك فأعلمهم أن عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد في فقرائهم)(5) و لو كان الغسل واجبا لبيّنه، و لأن الإسلام عبادة ليس من شرطها الغسل فلا يجب لها كالجمعة.
و قال أحمد، و مالك، و أبو ثور، و ابن المنذر: إذا أسلم الكافر وجب عليه الغسل سواء كان أصليا أو مرتدا، اغتسل قبل إسلامه أو لم يغتسل، وجد منه في حال كفره ما يوجب الغسل أو لا(6) لأن قيس
ص: 145
ابن عاصم، و ثمامة بن أثال أسلما، فأمرهما النبيّ صلّى اللّه عليه و آله بالاغتسال(1).
و يحمل على الاستحباب، أو أنه وجد منهما ما يوجب الغسل و هو الجنابة، إذ هو الغالب.
و على هذا لو أجنب الكافر، أو حاضت الكافرة، ثم أسلما وجب عليهما الغسل لحصول الحدث، و لو كانا قد اغتسلا لم يجزئهما.
و قال أبو حنيفة: لا يجب لعدم أمر الصحابة به حال إسلامهم(2) ، و هو ضعيف للأمر به في الآية(3).
- و به قال الشافعي(4) - لأن حكمها حكم صلاة العيد، فسنّ لها الغسل كالعيد، و لقول الصادق عليه السلام: «و غسل الاستسقاء واجب»(5) و المراد تأكيد الاستحباب لانتفاء القائل بالوجوب.
قال الصدوق: روي: «أن من قتل وزغة فعليه الغسل»(6) و قال: و علّله بعض مشايخنا بأنه يخرج من ذنوبه فيغتسل(7).
عند علمائنا لأنه وقت التوجه إلى اللّه تعالى فيستحب التنظيف، و لقول الصادق عليه السلام:
ص: 146
«إذا نزل بك أمر فافزع إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله» قلت: كيف أصنع ؟ قال: «تغتسل»(1) الحديث.
و عن الرضا عليه السلام: «إذا كانت لك حاجة مهمة فاغتسل»(2) الحديث.
و عن الصادق عليه السلام في صلاة الاستخارة: «و تغتسل في ثلث الليل الثاني»(3).
أ - لا بدّ في الأغسال المندوبة من نيّة السبب، فلا يجزيه لو أهمله، إذ المميزة في الأفعال القصود و الدواعي.
أما الغسل الواجب فلا تجب نية السبب، بل يكفي رفع الحدث، أو استباحة الصلاة إذ المراد للشرع رفع المانع عما يشترط فيه الطهارة، نعم لو كان الوجه لا كذلك، بل النذر و شبهه وجبت نيّة السبب.
و لو اجتمعت أسباب توجب الطهارة متساوية كفى نية رفع الحدث، أو الاستباحة، و لا يشترط نية السبب كما في الأحداث الأصاغر.
ب - لو اختلف أسباب الغسل كالجنابة، و الحيض فلا تجب على رأي المرتضى، أما على المختار، فإن نوت الجنابة أجزأ عنهما، و إن نوت الحيض فإشكال ينشأ من عدم ارتفاعه مع بقاء الجنابة لعدم نيّتها، و من أنها طهارة نوت بها الاستباحة، فإن صحت فالأقرب وجوب الوضوء، و حينئذ فالأقرب رفع حدث الجنابة لوجود المساوي في الرفع.
ص: 147
ج - لو اجتمع غسل الجنابة، و المندوب كالجمعة، فإن نوى الجميع، أو الجنابة أجزأ عنهما، قاله الشيخ، قال: و لو نوى الجمعة لم ترتفع الجنابة، و لم يجزئ غسل الجمعة، إذ المراد به التنظيف، و لا يصح مع وجود الحدث(1).
و الأقرب: أنه لو نواهما معا بطل غسله، و إن نوى الجنابة ارتفع حدثه، و لم يثب على غسل الجمعة، و إن نوى الجمعة صح عنها و بقي حكم الجنابة، إذ لا يراد به رفع الحدث، و لهذا صح للحائض غسل الإحرام، و لو اغتسل و لم ينو شيئا بطل.
د - لو اجتمعت أغسال مندوبة، فإن نوى الجميع أجزأه غسل واحد لقول أحدهما عليهما السلام: «إذا اجتمعت للّه عليك حقوق أجزأك عنها غسل واحد» قال: «و كذلك المرأة يجزئها غسل واحد لجنابتها، و إحرامها، و جمعتها و غسلها من حيضها، و عيدها»(2) و لو نوى البعض اختص بما نواه.
ه - لو حاضت الجنب لم تغتسل، فإن اغتسلت لم يرتفع حدث الجنابة - و به قال الشافعي(3) - إذ لا طهارة مع الحيض.
و لقول الصادق عليه السلام عن المرأة يجامعها الرجل فتحيض تغتسل أم لا؟: «قد جاءها ما يفسد صلاتها فلا تغتسل»(4).
و قال أحمد: يرتفع، قال: و لا أعلم أحدا قال: لا تغتسل، إلا عطاء(5).1.
ص: 148
و ينضمها شيء واحد هو العجز عن استعمال الماء، و أسباب العجز ثلاثة:
الأول: عدم الماء، و عليه إجماع العلماء لقوله تعالى فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا (1) و قوله عليه السلام: (التراب كافيك ما لم تجد الماء)(2).
و يجب معه الطلب عند علمائنا أجمع، فلا يصح بدونه - و به قال الشافعي(3) - لقوله تعالى فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا (4).
و لا يثبت عدم الوجدان إلاّ بعد الطلب و عدمه لجواز أن يكون بقربه ماء لا يعلمه، و لقول أحدهما عليهما السلام: «فليطلب ما دام في الوقت، فإذا خشي أن يفوته الوقت فليتيمم و ليصلّ في آخر الوقت»(5).
ص: 149
و قال أبو حنيفة: لا يجب الطلب(1) ، و عن أحمد روايتان(2) لأنه غير عالم بوجود الماء فجاز التيمم كما لو طلب فلم يجد، و بينهما فرق.
إذا ثبت هذا فإعواز الماء بعد الطلب شرط بالإجماع.
فيعتبره لأنه أقرب الأشياء إليه، ثم إن رأى خضرة، أو شيئا يدل على الماء قصده و استبرأه، و لو كان دونه حائل صعد عليه و طلب، و إن وجد من له خبرة بالماء سأله، و إن دلّ على ماء لزمه قصده ما لم يخف على نفسه، أو ماله، أو فوت الوقت، و إن كان له رفقة طلب منهم.
فإن تعذر ذلك كله فليطلب عن جوانبه الأربعة غلوة سهم إن كانت حزنة، و غلوة سهمين إن كانت سهلة عند علمائنا، و لا يعد فاقدا بدونه - خلافا للشافعيّ، و أحمد(3) - لإمكان وجود الماء في هذا الحد فلزمه قصده دون الأزيد للمشقة.
و لقول علي عليه السلام: «يطلب الماء في السفر إن كانت حزونة فغلوة، و إن كانت سهولة فغلوتين لا يطلب أكثر من ذلك»(4).
أ - الطلب إنما يجب مع تجويز وجود الماء، فلو انتفى لم يجب.
ب - لو دلّ على ماء وجب قصده مع المكنة و إن زاد عن الغلوة
ص: 150
و الغلوتين، فلو خاف فوت الوقت، أو التخلف عن الرفقة مع الحاجة، أو على نفسه، أو ماله سقط الوجوب.
ج - لو أخل بالطلب لم يصح تيممه - قاله الشيخ(1) - و تلزمه الإعادة، و يشكل بأن مع التضيق يسقط الطلب و يجب التيمم و إن أخل بالطلب مع وقت السعة لأنه يكون مؤديا فرضه.
نعم قد روي أنه لو أخل بالطلب، ثم وجد الماء في رحله، أو مع أصحابه أعاد الصلاة، و كذا يجيء لو وجد الماء قريبا منه.
فلو طلب قبله لم يجزئه، و وجب عليه إعادة الطلب بعده - و به قال الشافعي(2) - لإمكان تجدد الماء إلا أن يكون ناظرا إلى مواضع الطلب، و لم يتجدد فيها شيء فيسقط، لكن هذا نوع طلب فيجزيه لأنه بعد دخول الوقت.
لا يقال: يجوز التجدد بعد الطلب في الوقت قبل التيمم و مع ذلك يجوز التيمم إجماعا و لا يعيد الطلب.
لأنا نقول: إذا طلب في وقت الطلب لم تجب إعادته إلا أن يعلم تجدد أمر لحصول المشقة، و إذا طلب قبل وقته لزمه الإعادة لتفريطه.
أ - لو طلب في وقت صلاة، ثم دخل وقت اخرى وجب إعادة الطلب ما لم يعلم عدم تجدد شيء.
ب - إذا كان يطلب الماء، فظهر ركب وجب أن يسألهم عن الماء ما لم
ص: 151
يخف الفوت، و يطلب من كل واحد إلى أن يبقى مقدار التيمم و الصلاة، و هو أحد وجهي الشافعية، و الآخر: إلى أن يبقى مقدار ركعة إذ بإدراكها يحصل الغرض من كونها أداء، و لا يأثم بالتأخير إلى ذلك الوقت، لأنه مشغول بمصلحتها(1). و ليس بجيّد.
ج - لو كان في برّيّة لا تعهد بالماء وجب الطلب لإمكانه، و تحقيقا لقوله تعالى فَلَمْ تَجِدُوا ماءً (2) و هو أحد وجهي الشافعية، و الثاني:
السقوط للعلم بالعدم(3). و هو ممنوع.
د - لو أمر غيره بالطلب لم يبح له التيمم على إشكال ينشأ من الاعتماد على الظن و قد حصل بإخبار الثقة.
طويله و قصيره - عند أكثر علمائنا - فلو عدم الماء في السفر القصير، أو الحضر و كان صحيحا، كما لو انفتح بثق(4) فانقطع الماء، أو كان محبوسا وجب التيمم و لا إعادة عليه - و به قال الثوري، و مالك، و الأوزاعي، و المزني، و الطحاوي(5) لقوله عليه السلام:
(الصعيد الطيب وضوء المسلم و لو لم يجد الماء عشر حجج)(6).
و من طريق الخاصة: قول الصادق عليه السلام: «إذا لم يجد الرجل طهورا و كان جنبا فليمسح من الأرض و ليصلّ، فإذا وجد الماء فليغتسل و قد
ص: 152
أجزأته صلاته التي صلاها»(1) و لأنه لا يمكنه استعمال الماء فأشبه المريض، و لأنه فعل المأمور به فيخرج عن العهدة.
و قال الشافعي: إن كان السفر طويلا، و هو الذي يقصر فيه الصلاة، جاز التيمم قولا واحدا، لأنه رخصة تتعلق بالسفر فتعلقت بالطويل كالقصير، و إن كان قصيرا فقولان: أحدهما: أنه كالطويل لأن عدم الماء فيه غالب فإذا تيمم و صلّى سقط الفرض كالطويل، و الثاني: أنه يختص سقوط الفرض بالسفر الطويل لأنه رخصة فتتعلق بالطويل خاصة كالقصير، و الفرق أن القصير يراعى فيه المشقة و هي تحصل في الطويل خاصة(2).
و قال أبو حنيفة: إذا عدم الماء في الحضر لا يصلي - و به قال زفر - لأنه تعالى شرط في جواز التيمم السفر(3). و هو يدل من حيث المفهوم، و ليس حجة، أو لأنه خرج مخرج الأغلب إذ فقده في الحضر نادر.
و قال الشافعي: يتيمم، و يصلي، و يعيد، و روي عن أبي حنيفة أيضا، و صاحبيه - و به قال المرتضى في شرح الرسالة(4) - لأنه عذر نادر إذا وقع لا يتصل فلا يسقط القضاء، كالحيض في رمضان(5) ، و ليس بجيد، لأنه امتثل فيخرج عن العهدة.
السبب الثاني: الخوف.
ص: 153
أو عدو، أو على ماله من غاصب، أو سارق جاز له التيمم إجماعا لأنه كالعادم، و لقول الصادق عليه السلام: «لا آمره أن يغرر بنفسه فيعرض له لص، أو سبع»(1) و لا إعادة عليه للامتثال، فيخرج عن العهدة.
و لو خافت المرأة المكابرة على نفسها لو سعت إلى الماء، أو الغلام سقط السعي، و وجب التيمم، و لا إعادة، و هو أصح وجهي أحمد، لما فيه من التعرض للزنا و هتك نفسها و عرضها، و الآخر: تعيد(2).
و لو كان خوفه جبنا لا عن سبب يخاف فالوجه التيمم و لا إعادة، لأنه كالخائف بسبب، و هو أحد قولي أحمد، لكن يعيد عنده، و أصحهما عنده:
الوضوء(3).
و لو خاف بسبب ظنه، كمن رأى سوادا ثم تبين أنه ليس بعدوّ بعد تيممه و صلاته لم تلزمه الإعادة، و هو أحد وجهي أحمد، لأنه فعل المأمور به فيخرج عن العهدة، و في الآخر: يعيد، كناسي الماء في رحله(4).
قال ابن المنذر: أجمع كل من يحفظ عنه من أهل العلم على ذلك منهم: علي عليه السلام، و ابن عباس، و الحسن، و عطاء، و مجاهد، و طاوس، و قتادة، و الضحاك، و الثوري، و مالك، و أحمد، و الشافعي و أصحاب الرأي، لأنه خائف على نفسه فأبيح له التيمم كالمريض(5).
ص: 154
و لقول الصادق عليه السلام في الجنب يكون معه الماء القليل فإن هو اغتسل به خاف العطش أ يغتسل به أو يتيمم ؟ قال: «بل يتيمم»(1). و كذا إذا أراد الوضوء.
أ - لا فرق بين أن يخاف العطش في الحال أو فيما بعد لوجود المقتضي، و لو كان يرجو وجوده في غده و لا يتحققه فالوجه: جواز التيمم، لأن الأصل عدمه، و قد لا يجده فحاجته مقدمة على العبادة.
ب - لو خاف على رفيقه أو دابته فهو كما لو خاف على نفسه، لأنّ حرمة المسلم آكد من حرمة الصلاة، و الخوف على الدابة كالخوف على المال من اللص.
ج - لو وجد عطشانا يخاف تلفه وجب بذل الماء له مع استغنائه عن شربه، و يتيمم حراسة للنفس.
و قال بعض الجمهور: لا يجب لأنه محتاج إليه(2) و حفظ النفس أولى من الصلاة، و لهذا أمر واجد الغريق بقطعها و إنقاذه و إن فاتت.
د - لو كان مع خائف العطش ماءان، أحدهما نجس، حبس الطاهر لشربه، و أراق النجس إن استغنى عن شربه، و تيمم و صلى، لأنه قادر على الطاهر فلم يجز له شرب النجس، و لو احتاج إلى أكثر احتفظ بالنجس أيضا.
و لو وجدهما و هو عطشان شرب الطاهر و أراق النجس و إن استغنى به، و إلا استبقاه سواء كان في الوقت أو قبله.
ص: 155
و قال بعض الشافعية: إن كان في الوقت شرب النجس لأن الطاهر مستحق للطهارة فأشبه المعدوم(1). و ليس بجيد، لأن شرب النجس حرام، و إنما يصير الطاهر مستحقا للطهارة لو استغنى عنه.
ه - لو تمكن من استعماله، و جمع المتساقط من وضوئه، أو غسله، و كفاه وجب عليه ذلك، و بعض الشافعية لم يوجبه لاستقذاره(2). و هو ممنوع.
و - لا يجوز له حفظ الماء لبقاء مرتد، أو حربي، أو كلب عقور، أو خنزير لعدم احترامهم، و يجب لبقاء المسلم، و الذمي، و المعاهد، و الحيوان المحترم.
ز - لو كان معه ما يفضل عن شربه إلاّ أنه يحتاج إلى بيع الفاضل لنفقة ثمنه في الطريق تيمم لأن ما استغرقته حاجة الإنسان يجعل كالمعدوم شرعا.
ح - يكفي في وجوب البذل إخبار الآدمي بعطشه، و يجوز بعوض، و غيره.
ط - لو مات صاحب الماء و رفقاؤه عطشى، يمّموه، و غرموا لوارثه القيمة يوم الإتلاف لئلا يضيع حق الورثة.
و للشافعية وجهان: هذا أحدهما، و الثاني: المثل لأنه مثلي(3) ، و ليس بجيد إذ لا قيمة للمثل هنا غالبا.
و هو
ص: 156
قول أكثر العلماء(1) لقوله تعالى وَ لا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ (2) ، و لأن عمرو بن العاص احتلم في ليلة باردة في غزاة ذات السلاسل فتيمم، و صلى بأصحابه الصبح، و لم ينكر النبيّ صلّى اللّه عليه و آله ذلك لمّا سمع(3).
و من طريق الخاصة قول الصادق عليه السلام في الرجل تصيبه الجنابة و به جروح، أو قروح، أو يخاف على نفسه من البرد: «لا يغتسل و يتيمم»(4).
و قال عطاء، و الحسن: يغتسل و إن مات لم يجعل اللّه له عذرا، و نحوه قول ابن مسعود(5).
أ - لو تمكن من إسخان الماء و استعماله وجب، و لو احتاج إلى الثمن و تمكن وجب.
ب - لو تيمم و صلّى لم يعد - و به قال الثوري، و مالك، و أبو حنيفة - لأنه فعل المأمور به فيخرج عن العهدة(6).
و قال أبو يوسف، و محمد: يعيد لأنه نادر غير متصل فتجب الإعادة كنسيان الطهارة(7) و عن أحمد كالقولين(8) و الفرق أنه في النسيان لم يأت بالمأمور به.
ص: 157
و قال الشافعي: يعيد إن كان حاضرا لأن هذا العذر لا يمتد في دار الإقامة و لا يدوم فلا يؤثر في سقوط الإعادة، و إن كان مسافرا فقولان(1).
ج - لو تعمد الجنابة، قال الشيخان: لم يجز له التيمم و إن خاف التلف، أو الزيادة في المرض(2).
لقول الصادق عليه السلام في الرجل تصيبه الجنابة في ليلة باردة قال:
«اغتسل على ما كان، فإنه لا بد من الغسل»(3).
و للشيخ قول في المبسوط بجواز التيمم(4) ، و هو أجود دفعا للمشقة و الحرج، و لقول الصادق عليه السلام في الرجل تصيبه الجنابة و به جروح أو قروح، أو يخاف على نفسه من البرد، فقال: «لا يغتسل و يتيمم»(5) و يحمل الأول على المشقة التي لا يخاف معها التلف و الشين.
د - قال الشيخ في المبسوط: يصلي و يعيد(6) لقول الصادق عليه السلام في رجل أصابته جنابة في ليلة باردة يخاف على نفسه التلف إن اغتسل قال:
«يتيمم فإذا أمن البرد اغتسل و أعاد الصلاة»(7).
و الوجه عندي عدم الإعادة، لأنه فعل المأمور به، و الرواية عن جعفر ابن بشير عمن رواه، و هي مرسلة.9.
ص: 158
بإجماع العلماء، و كذا إن خاف سقوط عضو، أو بطلان منفعة عضو لقوله تعالى وَ إِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ (1).
و لو خاف زيادة المرض، أو بطء البرء جاز التيمم عند علمائنا - و به قال أبو حنيفة، و مالك، و الشافعي في أصح الوجهين(2) - لقوله تعالى وَ إِنْ كُنْتُمْ مَرْضى (3) و هو عام.
و لقول الصادق عليه السلام: «ييمّم المجدور، و الكسير إذا أصابتهما الجنابة»(4).
و قال الشافعي في الآخر: تجب الطهارة إلا مع خوف التلف - و به قال أحمد بن حنبل، و هو مروي عن عطاء، و الحسن البصري(5) - لقول ابن عباس في قوله تعالى وَ إِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ (6) إذا كانت بالرجل جراحة في سبيل اللّه، أو قروح، أو جدري فيجنب، و يخاف أن يغتسل فيموت، يتيمم بالصعيد(7). و هو يدل من حيث المفهوم.
ص: 159
أ - لو تمكن من استعمال الماء الحار وجب إسخانه و لا يتيمم، لأن عدم الماء شرط، و هو قول الفقهاء، و قال داود: تيمم(1) لظاهر الآية(2).
ب - لو خاف الشين وجب التيمم - و به قال أبو حنيفة(3) - لقوله تعالى ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ (4) خلافا للشافعي(5).
ج - لا يستباح التيمم مع خوف المرض اليسير كوجع الرأس مع زواله، و كذا الضرس، و به قال الشافعي(6) ، و قال داود: يجوز التيمم(7) للآية(8) ، و المراد التضرر.
د - لو زال المرض في أثناء الصلاة لم يبطلها لأنه دخل مشروعا.
ه - لو لم يجد المريض من يناوله الماء مع حاجته تيمم، و لو ظن حصوله و خشي فوت الصلاة تيمم.
و - يرجع المريض في معرفة التضرر إلى ظنّه، أو إخبار ثقة عارف، و الأقرب قبول [قول](9) الصبي، و الفاسق مع الظن، لأنه يجري مجرى العلامات، كما يقبل قول القصاب الفاسق: إنه مذكى، و للشافعية
ص: 160
وجهان(1) ، و كذا العبد، و المرأة يقبل منهما، و أما الذمي فإن اتهمه في أمر الدين لم يقبل، و إن ظن صدقه قبل، و ليس العدد شرطا، لأن طريقه طريق الخبر.
السبب الثالث: تعذّر الاستعمال
إمّا بالنزول من غير ضرر، أو الاغتراف بدلو أو ثوب يبله، ثم يعصره إما بنفسه، أو بغيره وجب عليه ذلك لتمكنه من الاستعمال، و كذا لو كان في سفينة في البحر، و إن لم يمكنه إلاّ بمشقة، أو تغرير بالنفس فهو كالعادم.
و لو تمكن و خاف فوت الوقت بعصر الثوب مثلا تيمم لتعذر استعمال الماء إذ القصد الطهارة لأداء الصلاة.
و قال أحمد: يجب عليه الاشتغال بالتحصيل و إن خاف الفوت، لأن الاشتغال به كالاشتغال بالوضوء(2). و ليس بمعتمد.
بتحصيله، قال بعض علمائنا: يسعى إليه، و لا يجوز له التيمم، و كذا لو كان عنده و يفوته الوقت باستعماله، لأنه واجد للماء فلا يباح له التيمم(3) لقوله تعالى فَلَمْ تَجِدُوا (4) و به قال الشافعي(5).
و قال أبو حنيفة: يجوز التيمم لصلاة الجنازة و العيدين إذا خاف الفوت
ص: 161
لأنهما لا يقضيان(1).
و الوجه عندي: وجوب التيمم لتعذر استعماله في هذه الصلاة، نعم لو تمكن من استعماله و إدراك ركعة من الصلاة لم يجز التيمم، و لو كان التفريط منه فالأقرب وجوب الصلاة بتيمم و الإعادة، و يحتمل الاشتغال بالطهارة و القضاء.
و لو خاف غير الواجد فوت الوقت بالطلب سقط، و تيمم، و لا إعادة.
لضيق موقف النازح، أو لاتحاد الآلة، أو لغير ذلك، فمن توقع انتهاء النوبة إليه قبل خروج الوقت وجب عليه الصبر، و من علم أن النوبة لا تصل إليه إلا بعد الفوات، أو ظن ذلك وجب عليه التيمم و لا إعادة عليه لعدم تمكنه من الاستعمال.
و قال الشافعي: يصبر، و يتوضأ بعد الوقت لقدرته على الوضوء(2).
و لو كان لجماعة ثوب واحد يتناوبونه و بينهم ترتيب إما من المالك، أو بالقرعة و علم بعضهم أن النوبة لا تصل إليه في الوقت صلى عاريا.
و قال الشافعي: يجب الصبر و إن فات الوقت(3). و ليس بجيد، إذ لو وجب على من تعذر عليه بعض فروض الصلاة في وقته و قدر عليه بعده الصبر، لم يبح للعادم التيمم لوصوله إلى الماء بعد الفوات.
و لو كان قوم في سفينة، و لا يتمكن من القيام فيها أكثر من واحد،
ص: 162
و علم أن النوبة لا تنتهي إليه في الوقت صلّى قاعدا - و به قال الشافعي(1) - لأن حكم الستر آكد من حكم القيام.
وجب عليه شراؤه بشرطين: وجود الثمن، و الاستغناء عنه، و لا خلاف في اشتراطهما، فلو تعذر الثمن سقط الشراء و تيمم إجماعا، و لا يختص بالدراهم و الدنانير، بل الأموال كلها سواء، كما في ثمن الرقبة.
و كذا لو احتاج إلى الثمن لقوته، أو لأمر ضروري يتضرر بدفعه إما في الحال، أو فيما بعد لم يجب عليه الشراء، لأنا سوغنا ترك استعمال عين الماء لحاجته في الشرب فترك بدله أولى، و كذا لو وجد بعض الماء وجب شراء الباقي.
أ - اختلف علماؤنا في اشتراط عدم زيادة على ثمن المثل، فالمشهور: العدم، فيجب الشراء بأي ثمن كان ما لم يجحف به - و به قال مالك(2) - لأنه متمكن لانتفاء الضرر.
و لأن صفوان سأل أبا الحسن عليه السلام عن رجل احتاج إلى وضوء الصلاة و هو لا يقدر على الماء، فوجد قدر ما يتوضأ به بمائة درهم، أو بألف درهم، و هو واجد لها، يشتري به و يتوضأ، أو يتيمم ؟ قال: «بل يشتري، قد أصابني مثل هذا فاشتريت و توضأت، و ما يشترى(3) بذلك مال كثير»(4).
ص: 163
و قال أصحاب الرأي: إن كانت الزيادة يتغابن الناس بمثلها وجب شراؤه كالوكيل بالشراء له أن يشتري بزيادة يسيرة(1).
و قال ابن الجنيد منّا(2) ، و الشافعي: لا يجب الشراء و إن زاد يسيرا، لأنه يجوز له التيمم لحفظ المال فلا يناسب وجوب الشراء بأكثر من ثمن المثل لأنه تضييع له(3).
و القليل و الكثير واحد، و لهذا يكفر مستحله، و يفسق غاصبه، و يجوز الدفع عنه. و نمنع التساوي بين الأصل و الفرع لتفويت الثواب الكثير في الفرع و العوض المساوي في الأصل.
ب - إن اعتبرنا ثمن المثل، احتمل التقويم في ذلك الوقت و المكان لاختلاف القيمة باختلافهما، و هو أحد وجهي الشافعية، و الآخر: اعتبار اجرة الاستقاء و النقل إلى ذلك المكان إذ لا ثمن للماء(4).
ج - لو بذل له بثمن غير مجحف إلى أجل و كان قادرا عليه وجب الشراء لتمكنه، و به قال الشافعي(5).
و قال بعض الجمهور: لا يجب لأن عليه ضررا في بقاء الدين في ذمته و ربما تلف ماله قبل أدائه(6).
و نمنع التضرر، و لو لم يكن قادرا لم يجب الشراء قطعا.1.
ص: 164
د - لو امتنع صاحبه من بذله مطلقا لم تجز مكابرته عليه لانتفاء الضرورة فإن بدله يقوم مقامه بخلاف الطعام في المجاعة.
ه - لو كان عادما للثمن و بذل له بيعه في ذمته لم يلزمه شراؤه لما فيه من الضرر باشتغال الذمة.
و - لو بذل له الماء بغير عوض لزمه القبول لأنه لا منة له في ذلك، و لو وهب له الثمن لم يجب القبول لما فيه من المنة - و به قال الشافعي(1) - خلافا للشيخ(2).
ز - لو عرف أن مع قوم ماء فعليه أن يطلبه منهم، لأنهم إذا بذلوه وجب قبوله، و قد يبذلوه عند طلبه فيجب، و هو أظهر وجهي الشافعية، و الآخر: لا يجب(3).
ح - لو امتنع من قبول الهبة لم تصح صلاته ما دام الماء و البذل، لتمكنه من الوضوء، و هو أحد وجهي الشافعية(4).
ط - لو عدم الثمن، و تمكن من تحصيله بالكسب، فالوجه: وجوبه لتمكنه من الماء، خلافا للشافعي(5).
ي - لو افتقر إلى الآلة و تمكن من شرائها وجب و إن زاد على ثمن المثل - خلافا للشافعي(6) - و لو وهبت منه لم يجب القبول، بخلاف الماء، و كذا لو وهب ثمنها، و لو أعاره المالك وجب القبول، لانتفاء المنة لقضاء العادة2.
ص: 165
بالاستعارة، و لو افتقر إلى دلو، و حبل فوجد أحدهما لم يجب شراؤه، و لا استعارته إلا أن يظن تحصيل الآخر.
يا - لا فرق بين راكب البر و البحر، في جواز التيمّم عند تعذر الآلة.
يب - لو تمكن من استئجار الآلة بعوض موجود، أو في الذمة و له قدرة وجب.
يج - لو تمكن من إنزال ثوب و استخراج الماء بعصره وجب و إن نقصت قيمته نقصانا قليلا أو كثيرا ما لم يتضرر به في الحال أو فيما بعد، خلافا للشافعي فيما لو زاد النقص عن ثمن الدلو و الحبل(1) ، و كذا لو كانت العمامة تصل لو شقها بنصفين.
لغرض أو لغيره، تيمم و صلى و لا إعادة عليه - و به قال الشافعي، و أحمد(2) - لأنه فعل المأمور به فيخرج عن العهدة.
و قال الأوزاعي: إن ظن أنه يدرك الماء في الوقت فكقولنا و إلاّ تيمم و أعاد، لأنه مفرط(3). و لو فعل ذلك بعد الوقت لغرض فكذلك، و إن كان لغير غرض وجب أن يتيمم و يصلي لأنه فاقد، و هل يعيد؟ الوجه: المنع لأنه غير واجد، فصار كما لو قتل العبد، أو أعتقه فإنه يجزيه الصوم.
و يحتمل الإعادة لأنه مفرط بإراقة الماء، و تمكن من الصلاة بالوضوء، و للشافعي وجهان(4) ، فحينئذ يعيد واحدة لا ما بعدها، كما لو أراق قبل
ص: 166
الوقت، و يحتمل قضاء كل صلاة يؤديها بوضوء واحد في عادته.
و لا تصح الإعادة في الوقت لأنه لو صح القضاء فيه لصح الأداء، بل يؤخر إلى أن يجد الماء، أو ينتهي إلى حالة تصح صلاته بالتيمم، و كلاهما للشافعي، و آخر: قضاء كل ما صلى بتيممه(1).
أ - لو مر بنهر في الوقت و لم يتوضأ، و بعد عنه، و تيمم و صلى، فالأقرب: عدم القضاء، و هو أقرب وجهي الشافعية(2) لأنه لم يضيع شيئا و إنما امتنع من التحصيل، و التقصير في التضييع أشد، و منهم من طرد الوجهين(3).
ب - لو كان هناك من يحتاج إلى الماء فوهبه المالك منه، فإن كان للشرب صح و تيمم، و إن كان للطهارة لم يصح في الوقت، لأنه تعلق به حق العبادة، و حاجته أهم من حاجة غيره، و قبله يجوز.
ج - لو سلم ما منع من هبته لم يجز، و لم يزل ملكه عنه، و لا تصح صلاة الواهب بالتيمم ما دام الماء في يد الموهوب له، و إذا استعمله كان حكمه حكم ما لو أراق الماء عمدا. و الأقرب: صحة صلاة المتهب به.
تيمم، و هو قول أكثر العلماء(4) ، لأنه غير واجد للماء.
و لقول الصادق عليه السلام و قد سئل عن الرجل يجنب و معه من الماء
ص: 167
ما يكفيه لوضوئه للصلاة، أ يتوضأ بالماء أو يتيمم ؟ قال: «يتيمم ألا ترى أنه جعل عليه نصف الطهور»(1).
و قال الحسن البصري: إذا كان معه من الماء ما يغسل به وجهه و يديه غسلهما و لا يتيمم، و به قال عطاء، و زاد عليه فقال: لو وجد من الماء ما يغسل به وجهه غسله و مسح كفيه بالتراب لأن الماء هو الأصل و هو أولى من التراب، فإذا أجزأه التراب في الوجه و اليدين فالماء أولى(2).
و هو غلط لأن التيمم طهارة كاملة، و لهذا لا يلزمه مسح سواهما بالتراب مع قدرته عليه، بخلاف غسل الوجه و اليدين فإنه بعضها فلا ينوب مناب جميعها.
أ - قال أصحابنا: لا يجب استعمال الماء - و به قال أبو حنيفة، و مالك، و الأوزاعي، و داود، و المزني، و أحمد، و الشافعي في أحد القولين(3) - لأن هذا الماء لا يطهره فلا يلزمه استعماله كالنجس، و للخبر عن الصادق عليه السلام(4). و الآخر: يجب - و به قال عطاء، و الحسن بن صالح، و أحمد(5) - لأنه قدر على البعض فيجب، إذ الأمر بالجميع يستلزم البعض كالسترة و إزالة النجاسة، و لأنه تعالى شرط عدم ما يسمى ماء(6) ،
ص: 168
و القليل يسمى به، و ليس هذا القول عندي بعيدا من الصواب لإمكان حصول ما يكمل الطهارة، مع أن الموالاة غير واجبة.
ب - المحدث إذا وجد من الماء ما يكفيه لبعض الأعضاء لم يجب استعماله فيه عندنا قطعا - و به قال أبو حنيفة، و مالك، و الأوزاعي، و داود، و المزني و أحمد(1) - بل يجب التيمم لانتفاء الغرض و هو الطهارة باستعماله، و قوله تعالى فَلَمْ تَجِدُوا ماءً (2) يريد المطهر.
و قال عطاء، و الحسن بن صالح: يجب استعمال الماء و التيمم معا(3) ، و للشافعي قولان، أصحهما: الثاني(4) ، لما تقدم في الجنب.
و الموجبون في البابين، أوجبوا تقديم الماء ليصير فاقدا، و راعوا الترتيب في الوضوء إلى أن ينفد، و في الغسل يغسل ما شاء من بدنه لعدم الترتيب عندهم فيه.
ج - لو وجدت الحائض من الماء ما يكفي الوضوء خاصة وجب استعماله فيه، و التيمم للغسل لتعددهما، و تتخير في التقديم لاستقلالهما.
د - لو وجد ما يصلح لبعض الأعضاء، و فقد التراب فحكمه حكم فاقد المطهر، و للشافعي قولان، أحدهما: وجوب استعماله إذ لا بدل للغسل يعدل إليه(5).1.
ص: 169
ه - لو تيمم الفاقد، ثم وجد من الماء ما لا يكفيه لم ينتقض تيممه مطلقا عند أصحابنا، و في الوضوء عندنا، و أما في الغسل، فيحتمل ذلك إن لم نوجب استعمال القاصر، و إلا انتقض فيستعمله، ثم يتيمم، و الوجهان للشافعي مطلقا(1).
و - لو تيمم من الجنابة و صلى فريضة واحدة ثم أحدث لم يجز له أن يصلي فريضة و لا نافلة لوجود الحدث، فإن وجد من الماء ما يكفيه لوضوئه خاصة احتمل وجوب استعماله في غسل الرأس، و تيمم لما يستقبل من الصلوات.
و بعض الشافعية قال: إن توضأ به ارتفع حدثه، و صلّى به النافلة خاصة، لأن التيمم الذي ناب عن غسل الجنابة أباح له فريضة واحدة و ما شاء من النوافل، فإذا توضأ ارتفع تحريم النوافل و لم يستبح فريضة لأنه وضوء لا ينوب عن الجنابة(2) ، و هو نادر لأنه وضوء يبيح النافلة دون الفريضة.
ز - لو تضرر بعض أعضائه بالماء لمرض تيمّم و لم يغسل الصحيح، و قال في الخلاف، و المبسوط: لو غسله و تيمم كان أحوط(3) ، و كذا لو كان بعض أعضائه نجسا و لا يقدر على طهارته بالماء تيمم و صلى، و لا إعادة في شيء من ذلك لأنه فعل المأمور به فيخرج عن العهدة.
ح - لو وجد من التراب ما يكفيه لوجهه خاصة كان كفاقد المطهر، و هو أحد وجهي الشافعية، و الثاني: يجب استعماله فيه لأن التراب ليس له بدل، فصار كما لو قدر على ستر بعض العورة(4).2.
ص: 170
ط - لو قصر الماء عن إزالة النجاسة عن بدنه و الوضوء، و كفى أحدهما، صرف في إزالة النجاسة إجماعا، إذ لا بدل لها، و تيمم، و كذا الغسل، و كذا لو كانت النجاسة على الثوب و ليس غيره.
و عن أحمد: لا يغسل الثوب لأن رفع الحدث آكد(1) و هو باطل لوجود البدل هنا، بخلاف نجاسة الثوب.
ي - لو صرف الماء في الوضوء، و عليه أو على ثوبه نجاسة، ففي الإجزاء إشكال، أقربه: ذلك إن جوّز وجود المزيل في الوقت و إلاّ فلا.1.
ص: 171
ص: 172
بالإطلاق، سواء كان ترابا، أو حجرا، أو حصى عند أكثر علمائنا(1).
و جوّز مالك، و أبو حنيفة التيمم بالحجر و إن لم يكن عليه غبار(2) كما ذهبنا إليه، لقوله عليه السلام: (جعلت لي الأرض مسجدا و طهورا)(3).
و لقول الباقر عليه السلام في التيمم: «تضرب بكفّيك على الأرض»(4).
و لأنه أرض اكتسب حرارة فتحجر، و التغاير في الأوصاف لا تخرج الماهية عن حقيقتها.
و منع الشافعي، و أحمد، و داود، و أبو يوسف من التيمم
ص: 173
بالحجر(1) لقوله تعالى صَعِيداً طَيِّباً (2) قال ابن عباس: الصعيد: التراب(3).
و قال عليه السلام: (جعلت لي الأرض مسجدا و ترابها طهورا)(4) و لو لا اختصاص التراب لقال: و طهورا.
و الصعيد: وجه الأرض نقله الخليل(5) ، و ثعلب عن ابن الأعرابي لقوله تعالى فَتُصْبِحَ صَعِيداً زَلَقاً (6) أي أرضا ملساء مزلقة(7) ، و نمنع الاختصاص، و روي الحذف.
كالزرنيخ، و الكحل، و سائر المعادن عند أكثر علمائنا(8) لقوله تعالى:
صَعِيداً (9) و هو إما التراب، أو الأرض، و لقوله عليه السلام: (عليكم بالأرض)(10).
و من طريق الخاصة: قول الصادق عليه السلام و قد سئل عن الوضوء باللبن: «لا إنما هو الماء و الصعيد»(11).
ص: 174
و قال ابن أبي عقيل منّا: يجوز التيمم بما كان من جنس الأرض كالكحل و الزرنيخ(1) - و به قال أبو حنيفة، و مالك(2) - لقوله عليه السلام:
(جعلت لي الأرض مسجدا و طهورا)(3) و نقول بالموجب، و المتنازع ليس أرضا.
و قال مالك: يجوز التيمم بما يكون متصلا بالأرض كالشجر، و الزرع(4). و ليس بجيد، لأن الطهارة عبادة شرعية فتتوقف على مورد النص.
سواء الأعفر - و هو الذي لا يخلص بياضه - و الأسود، و الأصفر، و الأحمر، و منه الأرمني الذي يتداوى به، و الأبيض الذي يؤكل سفها، و المدر و هو الذي ينبت، و السبخ و هو الذي لا ينبت، على كراهية، و البطحاء و هو التراب اللين في مسيل الماء بإجماع العلماء لصدق المسمى عليه.
و حكي عن بعضهم: المنع من التيمم بالسبخ(5) - و به قال ابن الجنيد(6) - لقوله تعالى صَعِيداً طَيِّباً (7) و ليس بجيد لأن المدينة مالحة و تيمم النبيّ صلّى اللّه عليه و آله منها، و المراد بالطيب الطاهر كالماء.
ص: 175
و أما الرمل فيجوز التيمم به على كراهة عندنا - و به قال أبو حنيفة، و الأوزاعي، و الشافعي في أحد القولين - لصدق اسم الأرض عليه(1).
و لما رواه أبو هريرة أن رجلا أتى النبيّ صلّى اللّه عليه و آله فقال:
يا رسول اللّه إنا نكون بأرض الرمل، فتصيبنا الجنابة و الحيض و النفاس، فلا نجد الماء أربعة أشهر، و خمسة أشهر، فقال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله:
(عليكم بالأرض)(2).
و في الآخر: لا يجوز لعدم صدق التراب عليه(3) و هو ممنوع.
أ - قال الشيخان: يجوز التيمم بأرض الجص، و النورة(4). و قال المرتضى: يجوز التيمم بالجص، و النورة(5). و لا بأس به لصدق اسم الأرض عليه، و لا يخرج باللون و الخاصية عن اسم الأرض كما لا يخرج باللون.
و لقول علي عليه السلام و قد سئل عن التيمم بالجص: «نعم» فقيل:
بالنورة، فقال: «نعم»(6) ، و هو أحد قولي الشافعي(7).
ب - الحجر الصلد كالرخام إذا لم يكن عليه غبار، يجوز التيمم به
ص: 176
عندنا - و به قال الشيخ، و المرتضى(1) - لقوله تعالى صَعِيداً (2) و قال المفيد: يجوز مع عدم التراب(3) و منع الشافعي مطلقا(4).
ج - منع ابن الجنيد من التيمم بالخزف(5) - و به قال الشافعي(6) - لأنه خرج بالطبخ عن اسم الأرض، و هو ممنوع، و لهذا جاز السجود عليه، و لو دق حتى صار ترابا فكذلك.
د - لو احترق التراب حتى صار رمادا، فإن خرج عن اسم الأرض لم يصح التيمم به، و لو احترق الشجر حتى صار رمادا لم يتيمم به.
الطهارة، و الملك، فلا يجوز التيمم بالتراب النجس، و لا المغصوب، ذهب إليه علماؤنا أجمع، و هو قول الجمهور(7) لقوله تعالى طَيِّباً (8) و هو الطاهر.
و لا فرق بين أن تغير النجاسة رائحة التراب أو لا.
و قال داود: إن غيرت رائحته لم يجز التيمم به و إلاّ جاز(9) اعتبارا بالماء، و هو خطأ لأن الجامد لا يعتبر فيه التغير كالثوب يصيبه الماء النجس، و لأن في الماء قوة بخلاف التراب.
ص: 177
أ - الممتزج بالنجس كالنجس لإمكان كون الواصل نجسا، سواء كان المزج بالنجس أو بالنجاسة، و سواء قلّت النجاسة أو كثرت.
ب - لو أصاب الأرض بول، أو ماء نجس، ثم جرى الماء الكثير عليها، أو المطر طهرت، و إن جفت بالشمس فكذلك، و جاز التيمم منها، و للشافعي قولان(1). و لو جفت بغيرها لم تطهر و لم يجز التيمم منها، و للشافعي قولان(2).
ج - يجوز التيمم بتراب القبر ما لم يعلم حصول نجاسة فيه، سواء تكرر نبشه أو لا لأنه طاهر.
و قال الشافعي: لا يجوز إذا تكرر نبشه لاختلاطه بصديد الموتى و لحومهم، و إن لم يتكرر جاز لعدم المزج، و إن جهل فوجهان لأصالة الطهارة، و ظهور النبش(3).
د - لو امتزج بالطاهر كالدقيق، و الأشنان، قال الشيخ: لم يجز التيمم به إلا أن يستهلكه التراب(4) ، و هو أحد وجهي الشافعية، و الآخر: المنع مطلقا لجواز أن يصل المخالط إلى العضو فيمنع وصول التراب إليه(5).
و الأولى عندي اعتبار الاسم.
ه - لو لم يجد التراب إلاّ بالثمن وجب الشراء و إن كثر كالماء.
ص: 178
عند علمائنا أجمع - و به قال أصحاب أبي حنيفة(1) - لبقاء اسم الصعيد الطيب عليه، و لأن الماء المستعمل عندنا طاهر يرفع به الحدث و إن رفع الحدث به أولا فالتراب الذي لا يرفع حدثا أولى.
و للشافعي قولان، أصحهما: المنع كالماء المستعمل لاشتراكهما في أداء فرض الصلاة بهما، و الجواز لأنه لم يرفع حدثا فلم يتأثر بالاستعمال(2).
إذا عرفت هذا فنقول: ليس المستعمل الموضع الذي تضرب اليد عليه إجماعا لأنه بمنزلة الإناء الذي يغترف منه، فيجوز أن يتيمم جماعة من موضع واحد بأن يضرب واحد يده بعد آخر.
و أما التراب الملتصق بأعضاء التيمم فإنه مستعمل إجماعا، و أما المتساقط من الأعضاء فوجهان، أصحهما عنده: أنه مستعمل كالمتقاطر من الماء(3).
الأول: أن يجد ثوبا، أو لبد سرج، أو عرف دابة، أو غير ذلك فإنه يتيمم بغبار ذلك عند علمائنا - و به قال أبو حنيفة، و الشافعي، و أحمد، و مالك(1) - لأن الغبار من الصعيد و قد استعمله فأجزأه.
و لقول الباقر عليه السلام و قد سئل كيف أصنع و عليّ وضوء و لا أقدر على النزول ؟: «تيمم من لبده أو سرجه، أو عرف دابته فإن فيهما غبارا»(2) و قول الصادق عليه السلام: «لينظر لبد سرجه فليتيمم من غباره، أو شيء مغبر»(3).
و منعه أبو يوسف لأنه ليس بأرض(4) ، و هو ممنوع. و الظاهر من كلام الشافعي، و أحمد، و أبي حنيفة الجواز مع وجود التراب(5) ، و علماؤنا جعلوه مرتبة بعده.
الثاني: أن يجد الوحل و يفقد الغبار فإنه يتيمم به عند علمائنا - و به قال ابن عباس(6) لأنه لا يخرج بممازجة الماء عن حقيقة الأرض.
و لما رواه زرارة عن أحدهما عليهما السلام قلت: رجل في الأجمة ليس فيها ماء و فيها طين ما يصنع ؟ قال: «يتيمم به فإنه الصعيد»(7).
و قال الصادق عليه السلام: «إن كنت في حال لا تجد إلاّ الطين فلا0.
ص: 180
بأس أن تيمّم منه»(1).
و لأنه مركب من العنصرين المطهرين فيبقى لوازمهما بعد التركيب لبقاء حقيقتهما.
و قال الشافعي: لا يتيمم و يكون كفاقد المطهر لأنه لا يسمى صعيدا(2) ، و هو ممنوع.
أ - في كيفية التيمم بالوحل قولان، قال الشيخ: يضع يديه على الوحل ثم يفركهما و يتيمم به(3).
و قال آخرون: يضعهما على الوحل و يصبر حتى يجف و يتيمم به(4) ، و هو مروي عن ابن عباس(5) ، و هو وجه عندي إن لم يخف فوت الوقت، فإن خاف عمل بقول الشيخ.
ب - لا يجوز التيمم بالوحل مع القدرة على الغبار، و لا بالغبار مع القدرة على التراب و الحجر.
ج - ليس من شرط التراب اليبوسة، فلو كان نديا لا يعلق باليد منه غبار جاز التيمم به عند علمائنا - و به قال مالك، و أبو حنيفة(6) لقوله عليه
ص: 181
السلام: (إنما يكفيك أن تصنع هكذا) و ضرب بيده الأرض ثم نفخها(1).
و لقول الصادق عليه السلام: «إذا كانت الأرض مبتلة ليس فيها تراب و لا ماء فانظر أجفّ موضع تجده فتيمم منه، فإن ذلك توسيع من اللّه عزّ و جلّ»(2).
و عند الشافعي لا يجوز لقوله تعالى مِنْهُ (3) و هي للتبعيض فيجب المسح بجزء منه، و المسح منه لا يوجب المسح به.
إذا ثبت هذا فإنه يجوز التيمم به اختيارا، و منع الشافعي اضطرارا أيضا و جعل حكمه حكم الفاقد(4).
د - لو لم يجد إلاّ الثلج، قال المرتضى: تيمم بنداوته(5). و أوجب الشيخان الوضوء به مسحا كالدهن(6).
و التحقيق: أنه إن سمي غسلا وجب الوضوء أو الغسل به قطعا و إلا فالأقوى الدهن به لأنه أشبه بالوضوء، و تجب الملاقاة و الجريان، فتعذر الثاني لا يسقط الأول.
و لو وجده مع التراب فإن قدر على الغسل به وجب و إلا فالتراب لأنه بدل عن الغسل.
و لقول الكاظم عليه السلام و قد سأله أخوه عن الرجل الجنب، أو على7.
ص: 182
غير وضوء و لا يكون معه ماء و يصيب ثلجا و صعيدا أيهما أفضل يتيمم أو يتمسح بالثلج ؟ قال: «الثلج إذا بل رأسه و جسده، فإن لم يقدر أن يغتسل به تيمم»(1).
إذا عرفت هذا فالدهن إن صدق معه الغسل بأن يجري جزء من الماء على جزءين من البدن أجزأ في حال الاختيار و إلاّ فلا.
لقول الباقر عليه السلام: «إنما الوضوء حد من حدود اللّه ليعلم اللّه من يطيعه و من يعصيه، إن المؤمن لا ينجّسه شيء، إنما يكفيه مثل الدهن»(2).
فقال بعضهم: يصلي و يعيد اختاره الشيخ في المبسوط(3) - و به قال الليث بن سعد و الشافعي في أحد القولين، و أحمد في إحدى الروايتين، و أبو يوسف، و محمد(4) - لأن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله بعث أسيد بن حضير و أناسا معه لطلب قلادة أضلتها عائشة فحضرت الصلاة فصلّوا بغير وضوء فأتوا النبيّ صلّى اللّه عليه و آله فذكروا له ذلك، فنزلت آية التيمم و لم ينكر النبيّ صلّى اللّه عليه و آله فعلهم(5) فكان صحيحا، و إنما لم يأمرهم بالإعادة لأنها على التراخي، أو لأنهم عالمين بها، و لأن الصلاة لا تسقط بتعذر شرط من شرائطها كالسترة و إزالة النجاسة.
ص: 183
و قال آخرون: لا يصلي و يقضي إذا قدر على الطهارة(1) - و به قال أبو حنيفة، و الثوري، و الأوزاعي(2) - لأن المحدث لا يجوز له الصلاة و إن تعذرت عليه الطهارة كالحائض.
و قال آخرون: تسقط أداء، و قضاء(3) - و به قال مالك، و داود(4) - و هو المعتمد.
لنا: أن الأداء ساقط فكذا القضاء و الملازمة للتبعية، و صدق المقدم لقوله عليه السلام: (لا صلاة إلا بطهور)(5) و لأنها صلاة غير مأمور بها مع الحدث في وقتها فيسقط قضاؤها كالحائض.
و للشافعي قول آخر باستحباب الأداء و وجوب القضاء(6) ، و عن أحمد رواية بعكس هذا(7).
أ - الممنوع عن الركوع و السجود برباط في الموضع النجس يصلي بالإيماء، و لا إعادة.
ص: 184
ب - لو جامع المسافر و معه ما يغسل به الفرج غسله و تيمم و لا إعادة إجماعا، و لو فقده تيمم و صلّى، و في الإعادة قولان.
ج - لو كان على بدنه نجاسة يعجز عن إزالتها تيمم و صلّى و لا إعادة على رأي.
ص: 185
ص: 186
بإجماع علماء الإسلام إلاّ الأوزاعي، و الحسن بن صالح بن حي فإنهما قالا: يجوز بغير نيّة(1) ، و هو خطأ لانعقاد الإجماع من دونهما و قد سبق، و كيفيتها القصد بالقلب إلى التيمم لاستباحة الصلاة، أو ما شرطه الطهارة لوجوبه أو ندبه قربة إلى اللّه، و يجب استدامتها حكما حتى يفرغ، و المقارنة فلا يجوز أن يتقدم على الضرب، و يجوز أن يقارن ابتداء المسح، و الضرب.
و لا يجوز أن ينوي رفع الحدث لامتناعه به، فلو نواه احتمل الإجزاء لاستلزامه الاستباحة فيدخل تحت النيّة، و عدمه، و هو أصح وجهي الشافعية(2) ، لأنه لا يرفعه و إلا لما بطل إلا به.
أ - لا يشترط تعيين الفريضة - و به قال أبو حنيفة، و الشافعي في أصح
ص: 187
الوجهين(1) - كما لا يشترط في الوضوء تعيين الحدث، و لو عيّنها لم تتعين عندنا، و جاز أن يصلي غيرها، و به قال أبو حنيفة، و الشافعي في أحد الوجهين(2).
ب - لو نوى استباحة الصلاة مطلقا استباح الفريضة - و به قال أبو حنيفة(3) - لأن كل طهارة صحت للنفل صحت للفرض، كالطهارة بالماء.
و قال الشافعي، و مالك، و أحمد: لا يستبيح الفرض لقوله صلّى اللّه عليه و آله: (إنما الأعمال بالنيات)(4) و لم ينو الفرض(5). و يندفع بأنه نوى الاستباحة فيعم كرفع الحدث.
ج - لو نوى استباحة الفرض و النفل معا أبيحا له، و في وجه للشافعي:
ليس له النفل بعد خروج وقت الفريضة إن كان قد عينها(6).
و لو نوى استباحة الفرض جاز أن يتنفل به - و به قال أبو حنيفة،1.
ص: 188
و الشافعي في أحد الوجهين(1) - لأن النوافل أتباع الفرائض، و في الآخر: لا يصح - و به قال مالك - لأنها طهارة ضرورة فلا يؤدى بها ما لا ضرورة إليه و لم يقصده(2).
و لو نوى النفل و لم يخطر له الفرض جاز أن يصلي به الفرض عندنا - و به قال أبو حنيفة، و الشافعي في وجه(3) - لأنه نوى ما يحتاج إلى الطهارة، و قال مالك، و أحمد، و أصح وجهي الشافعي: بالمنع(4) لأن الفرض أصل فلا يجعل تابعا، و هو ممنوع كالوضوء، و بعض الشافعية منع من النفل و إن نواه لأنه جعل التابع أصلا(5).
د - لو تيمم لفرضين أو فائتتين أو منذورين(6) صح عندنا - و به قال أبو حنيفة(7) - و للشافعي وجهان(8).
ه - إذا نوى الفريضة استباح النافلة إجماعا، و كذا يستبيح مس المصحف، و قراءة القرآن، و وطء الحائض(9) ، و لو نوى استباحة أحد هذه الأشياء استباح الباقي، و الفريضة عندنا، خلافا للشافعي في الفريضة و في النافلة وجهان(10).1.
ص: 189
و - لو نوى إباحة فرض التيمم، صح، و هو أحد وجهي الشافعي كما لو توضأ بهذه النيّة، و الآخر: يبطل لأنه عن ضرورة فلا يجعل مقصدا و لهذا لا يستحب تجديده بخلاف الوضوء(1).
ز - ليست التسمية شرطا في التيمم خلافا للظاهرية(2).
ح - لو تيمم الصبي للنافلة، أو للفريضة ثم بلغ جاز أن يستبيح الفريضة لأن طهارته شرعية، و النافلة لا تصح إلا مع رفع المنع بالطهارة، و عندي فيه نظر.
بعد الضرب بالكفين.
و لا يجب استيعاب الوجه عند أكثر علمائنا(3) لقوله تعالى فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ (4) و الباء للتبعيض إذ دخولها على المتعدي بنفسه يفيده، و إلا كانت زائدة، و الأصل عدمها، و إنكار ورودها له غير مسموع لشهادة البعض به، و تنصيص الباقر عليه السلام(5).
و لأن زرارة سأل الصادق عليه السلام عن التيمم فضرب بيديه الأرض ثم رفعهما فنفضهما و مسح بهما جبهته و كفيه مرة واحدة(6).
ص: 190
و قال سليمان بن داود: يجزيه أن يصيب بالمسح بعض وجهه و بعض كفيه(1).
و قال أبو حنيفة: يجوز أن يترك من ظاهر الوجه دون الربع، و في رواية عنه: إذا مسح أكثر الوجه أجزأه(2).
و قال ابن بابويه من علمائنا: يجب استيعاب الوجه بالمسح(3) ، و هو قول الجمهور(4) لأنه تعالى أحال فيه على الوضوء و إلا لبيّنه. و نمنع بطلان التالي، و الباقر عليه السلام قد بيّنه(5).
و روى عمار بن ياسر أن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال: (التيمم ضربة للوجه و الكفين)(1).
و من طريق الخاصة قول الصادق عليه السلام: «و مسح بهما جبهته و كفيه»(2) و لأنه أحد عضوي الوضوء فيجب مسح بعضه كالوجه.
و قال علي بن بابويه رحمه اللّه: يمسح من المرفقين إلى أطراف الأصابع(3) - و به قال الشافعي، و أبو حنيفة، و رووه عن علي عليه السلام، و ابن عمر، و جابر، و به قال الشعبي، و الحسن البصري، و الثوري، و مالك، و الليث(4) - للحوالة في الوضوء. و هو ممنوع.
و لقوله عليه السلام: (التيمم ضربتان: ضربة للوجه، و ضربة لليدين إلى المرفقين)(5) و هي ضعيفة السند، طعن فيه أحمد بن حنبل(6).
و قال الزهري: يمسح إلى المنكبين و الآباط(7) لأن عمار بن ياسر مسح1.
ص: 192
إلى المناكب(1).
أ - يجب أن يبدأ في مسح الوجه من أعلاه إلى أن ينتهي محل الفرض.
فلو نكس فالوجه البطلان كالوضوء، و يجب أن يبدأ في مسح اليدين من الزند إلى أطراف الأصابع، و قال مالك، و أحمد: يمسح إلى الكوعين(2).
و قال الشافعي: يضع أصابع اليسرى سوى الإبهام على ظهور أصابع اليمنى سوى الإبهام بحيث لا تخرج أنامل اليمنى عن مسبحة اليسرى و يمرها على ظهر كفه اليمنى، فإذا بلغت الكوع ضم أطراف أصابعه و أمرّها على حرف الذراع إلى المرفق ثم يدير بطن كفه إلى بطن الذراع و يمرها عليه و إبهامه منصوبة، فإذا بلغ الكوع مسح ببطنها ظهر إبهامه اليمنى و كذا اليسرى(3).
ب - لو أخل بجزء من محل الفرض لم يجزئ و وجب مسحه - و به قال الشافعي(4) - إذ لا مشقة في استيعاب الكل بالمسح، و أكثر العضو لا يقوم مقامه، و قال أبو حنيفة: يجزي الأكثر(5).
ج - لو أهمل جزءا من الجبهة و مسح يديه لم يجزئه مسحهما فيمسح
ص: 193
الجزء و يعيد الكفين لوجوب الترتيب، و به قال الشافعي(1).
د - لا يجب المسح على المسترسل من اللحية، أما عندنا فظاهر، و أما من أوجب الاستيعاب فكذلك لأنه ليس محل الفرض، و للشافعي وجهان(2).
ه - لو كان عليه خاتم، و شبهه نزعه ليباشر المسح جميع محل الفرض.
و - يستحب تفريج الأصابع في الضرب للوجه و الكفين، و للشافعي قولان، هذا أحدهما، و استحبابه في الثانية خاصة، و له ثالث: منعه في الأولى(3).
ز - لا يستحب تخليل الأصابع لأن المسح على الظاهر، و قال الشافعي: يستحب إن فرج أصابعه في الضربة الثانية و إلاّ وجب(4).
ح - الأظهر من عبارة الأصحاب وجوب مسح الوجه بالكفين معا، فلو مسح بأحدهما لم يجزئ، و يحتمل الجواز.
ط - لو قطع بعض محل الفرض وجب مسح الباقي، و لو استوعب سقط ذلك العضو.
ي - لو خلقت له إصبع زائدة، أو كف، أو يد فكالوضوء.
و أجودها قول الشيخين:
ضربة واحدة للأعضاء الثلاثة في الوضوء، و ضربتان إحداهما للوجه في
ص: 194
الغسل(1) لقول الباقر عليه السلام و قد سئل كيف التيمم ؟: «ضربة واحدة للوضوء، و للغسل من الجنابة تضرب بيديك مرتين، ثم تنفضهما مرة للوجه، و مرة لليدين»(2).
و قال المرتضى: ضربة واحدة فيهما(3) - و به قال الأوزاعي، و أحمد، و إسحاق، و داود، و ابن جرير الطبري، و الشافعي في القديم(4) - للامتثال.
و قال علي بن بابويه: ضربتان في الجميع(5) - و به قال الشافعي، و مالك، و أبو حنيفة، و الليث بن سعد، و الثوري، و رووه عن علي عليه السلام(6) - لقول النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: (التيمم ضربة للوجه، و ضربة لليدين)(7) و التفصيل قول فيهما على تقديرين فيصار إليه.
و قال ابن سيرين: يضرب ثلاث ضربات: ضربة للوجه و اخرى للكفين و الثالثة للذراعين(8).
أ - وضع اليدين على الأرض شرط، فلو تعرض لمهب العواصف حتى
ص: 195
لصق صعيدها بوجهه، أو كفيه، أو ردد الغبار على وجهه منه لم يجزئ لقوله تعالى فَتَيَمَّمُوا (1) اي اقصدوا.
و قال بعض الشافعية: إذا صمد للريح و نوى التيمم أجزأه كالوضوء إذا جلس تحت الميزاب و نواه(2).
ب - لو يمّمه غيره بغير إذنه فهو كما لو نسفت الريح التراب عليه، و إن كان بإذنه فإن كان عاجزا عن المباشرة صح و إلا فلا - و هو أحد وجهي الشافعية - لأنه لم يقصد التراب، و أظهرهما: الجواز(3) إقامة لفعل نائبه مقام فعله.
ج - يستحب بعد الضرب نفض اليدين من التراب لأن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله فعله(4) ، و ليس واجبا إجماعا.
د - لا يشترط أن يعلق على يده شيء من الغبار لأن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله نفض يديه(5) ، و في رواية عمار بن ياسر أنه نفخ فيهما(6) و لو كان شرطا لما عرضه للزوال، و لأن الصعيد هو وجه الأرض لا التراب.
يبدأ بمسح الوجه ثم بالكف اليمنى ثم اليسرى فلو غيّره وجب أن يعيد على ما يحصل معه الترتيب، ذهب إليه علماء أهل البيت عليهم السلام لقوله تعالى فَامْسَحُوا
ص: 196
بِوُجُوهِكُمْ (1) و الواو للترتيب عند الفراء(2) ، و لأن التقديم لفظا يستدعي سببا لاستحالة الترجيح من غير مرجح و لا سبب إلا التقديم وجوبا، و لأنه عليه السلام رتب في مقابلة الامتثال(3) فيكون واجبا.
و أوجب الشافعي، و أحمد تقديم الوجه و لم يرتبا في الكفين(4) ، و أبو حنيفة أسقط الترتيب مطلقا عملا بالأصل(5) ، و يعارضه البيان.
لما أزاله.
و قال الشافعي: إنه شرط(1) ، لقوله تعالى فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَ أَيْدِيكُمْ مِنْهُ (2) أي من الصعيد، و لأنه ممسوح في الطهارة فافتقر إلى ممسوح به كمسح الرأس في الوضوء، و الآية تقول بموجبها، و الصعيد وجه الأرض، و القياس ضعيف، لأن المائية تزيل الحدث بخلاف التيمم.
أ - لو نوى عند النقل و عزبت قبل المسح احتمل الإجزاء لأن الضرب من أعمال التيمم، و عدمه لأنه ليس مقصودا في نفسه، و هو أصح وجهي الشافعي(3).
ب - لو أحدث بعد الضرب و أخذ التراب بطل أخذه و عليه الإعادة على إشكال ينشأ من عدم وجوب أخذ الماء ثانيا فكذا هنا، و من الفرق بأن القصد إلى الماء و نقله لا يجب، و للشافعي الوجهان(4).
ج - لو كان على العضو الممسوح تراب و نوى التيمم و ردّه من طرف إلى آخر لم يجزئ لأنه لم ينقل عند الشافعي(5) ، و لا ضرب عندنا، و لو أخذه منه و ردّه إليه جاز عند الشافعي على أظهر الوجهين(6) ، و لو نقله من عضو غير
ص: 198
ممسوح أجزأ عنده، و لو كان من ممسوح كما لو نقله من الوجه إلى الكفين أو بالعكس فوجهان(1) ، و الكل عندنا باطل.
د - لو تمعك في التراب حتى وصل إلى وجهه و يديه لم يجزئ لأنه لم يمسح، إلا مع العذر، و للشافعي في الاختيار وجهان(2).
ه - لو مسح بآلة كخشبة لم يصح تبعا للكيفية المنقولة، و قال الشافعي: يجوز(3).
و - لا يجب إيصال الغبار إلى باطن الشعر خفيفا كان أو كثيفا إجماعا.
ز - لا يستحب التكرار، و لا التثليث في التيمم إجماعا لإفضائه إلى تشويه الخلقة و تقبيح الصورة، و كذا لا يستحب تجديده.
فلا يصح قبله إجماعا من علماء أهل البيت عليهم السلام - و به قال الزهري، و الشافعي، و مالك، و أحمد، و داود(4) - لأنها طهارة اضطرارية لا يصح إلاّ عند العجز و لا يتحقق قبل الوقت، و لأنها طهارة ضرورية قدمت على وقت الفريضة فلا يجوز كالمستحاضة.
و قال أبو حنيفة: يجوز قبل دخول الوقت لأنها طهارة تستباح بها
ص: 199
الصلاة فجاز تقديمها كالوضوء(1) و الفرق أنه ليس للضرورة.
أ - ذهب الصدوق إلى صحته حال السعة(2) - و هو قول الجمهور(3) - لقوله تعالى فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا (4) و قوله عليه السلام: (أينما أدركتني الصلاة تيممت و صليت)(5).
و قال أكثر علمائنا بوجوب التأخير إلى آخر الوقت(6) - و به قال الزهري(7) - لما رووه عن علي عليه السلام في الجنب: «يتلوّم ما بينه و بين آخر الوقت، فإن وجد الماء و إلا تيمم»(8) و التلوّم: الانتظار(9).
و من طريق الخاصة قول أحدهما عليهما السلام: «إذا لم يجد المسافر الماء فليطلب ما دام في الوقت، فإذا خاف أن يفوته الوقت فليتيمم و ليصلّ في آخر الوقت، فإذا وجد الماء فلا قضاء عليه»(10). و لأنها طهارة ضرورية بدل من الماء عند العجز، و لا يتحقق العجز إلا عند خوف الفوت، فإن توقع
ص: 200
الوجدان مع السعة يرفع العجز.
و قال ابن الجنيد منّا: إن كان التيمم لعذر لا يمكن زواله في الوقت - كالمرض و الجرح - جاز حال السعة، و إن كان لعذر يمكن زواله - كعوز الماء و فقد الآلة أو الثمن - وجب التأخير إلى آخره(1) و هو المعتمد.
ب - إذا تيمم في آخر وقت الحاضرة و صلى ثم دخلت الثانية احتمل وجوب التأخير لوجود المقتضي و هو تجويز وجود الماء، و العدم لأنه متيمم فصح أن يصلي.
ج - يتيمم للفائتة و إن لم يكن وقت فريضة، و للنافلة بعد دخول وقتها دون الأوقات المنهي عنها إذا لم يكن لها سبب: و يدخل به في الفرائض عندنا - و سيأتي خلاف الجمهور - لقوله عليه السلام: (الصعيد طهور المسلم إذا لم يجد الماء عشر سنين)(2).
و الأقرب جواز أن يتيمم لنافلة مبتدأة لعدم التوقيت، و تعجيل الثواب مطلوب لإمكان فواته بالعجز.
د - إن سوغناه في أول الوقت فتيمم بعد الطلب و أخّر الصلاة إلى آخر الوقت أجزأه لأنه تيمم في وقت يمكنه فعل الصلاة فيه، فإن سار بعد تيممه إلى موضع آخر، أو حدث ركب يجوز أن يكون معهم ماء احتاج إلى تجديد طلب، و في إعادة التيمم إشكال، و أوجبه الشافعي(3).
ه - إذا شرطنا الضيق فالتعويل فيه على الأمارة لتعذر العلم، فإن ظنه1.
ص: 201
لأمارة فتيمم و صلّى ثم بان غلطه ظاهر كلام الشيخ الإعادة(1) لوقوعها قبل وقتها، و يحتمل الصحة لأنها مأمور بها.
و نمنع كون الضيق شرطا بل ظنه و قد حصل، و يؤيده قول الباقر و الصادق عليهما السلام في رجل تيمم و صلى ثم بلغ الماء قبل خروج الوقت: «ليس عليه إعادة، إن رب الماء و ربّ التراب واحد»(2).
و - يتيمم لصلاة الخسوف بالخسوف، و لصلاة الاستسقاء باجتماع الناس في الصحراء، و لصلاة الميت بحضوره لها، و للفائتة بذكرها، و النوافل الرواتب لا يتأقت تيممها، و فيه للشافعي وجهان(3).
ز - لو تيمم لفائتة ضحوة و لم يؤدها حتى زالت الشمس فله أن يصلي الظهر، و للشافعي وجهان(4) ، و كذا لو تيمم لنافلة ضحوة جاز أن يؤدي به الظهر عند الزوال، و للشافعي وجهان(5).1.
ص: 202
من الفرائض و النوافل أداء و قضاء، ذهب إليه علماء أهل البيت عليهم السلام - و به قال الحسن البصري، و سعيد بن المسيب، و الثوري، و أبو حنيفة، و داود، و المزني، و ابن المنذر(1) - لقوله عليه السلام: (يا أبا ذر الصعيد كافيك إلى عشر سنين)(2).
و من طريق الخاصة قول الباقر عليه السلام و قد سئل يصلي الرجل بتيمم واحد صلاة الليل و النهار كلها: «نعم ما لم يحدث أو يصب ماء»(3).
و لأن الاستباحة إن بقيت جاز أن يصلي اخرى، و إن لم يبق لم تصح النافلة، و لأنها طهارة يجوز أن يجمع بها بين نوافل فجاز أن يجمع بها بين فرائض كالوضوء و المسح على الخفين.
و قال الشافعي: لا يجوز أن يجمع بين صلاتين فريضتين، و رواه عن
ص: 203
علي عليه السلام، و عبد اللّه بن عباس، و عبد اللّه بن عمر، و عمرو بن العاص، و من التابعين النخعي، و قتادة، و ربيعة، و به قال مالك، و الأوزاعي، و الليث بن سعد، و إسحاق(1).
لأن ابن عباس قال: من السنة أن لا يصلى بالتيمم إلا صلاة واحدة ثم يتيمم للأخرى(2).
و لأنها طهارة ضرورة فلا يجمع بها بين فريضتين من فرائض الأعيان كطهارة المستحاضة، و لفظ السنة مشترك فلا حجة فيه، و المستحاضة حدثها متجدد و التيمم لم يتعقبه حدث.
و قال أحمد: يجمع بين فوائت و لا يجمع بين صلاتين راتبتين فكأنه تيمم لوقت الفريضة، و به قال أبو ثور(3).
أ - يجوز أن يجمع بين فريضتين، و منذورتين، و طوافين، و بين فريضة و طواف عندنا، خلافا للشافعي(4).
ب - يجوز أن يجمع بين صلاتي الجمع بتيمم واحد، و للشافعية وجهان: المنع لأنه يحتاج أن يطلب للثانية و يجدد التيمم و ذلك يقطع
ص: 204
الجمع، كما إذا تنفل بينهما، و الجواز لأنهما فريضتان صلاهما بتيممين، و التفريق ليس بصحيح لأنه من مصلحة الصلاة فلا يزيد على قدر الإقامة في العادة(1).
ج - لو نسي تعيين الفائتة كفاه تيمم واحد للثلاث أو الخمس عندنا - و هو ظاهر - و عند أكثر الشافعية، لأن الفريضة واحدة و الزائد و إن وجب فإنه تابع، و عند بعضهم يفتقر إلى خمس تيممات لوجوب الجميع(2).
و لو ترك فريضتين من خمس أجزأه تيمم واحد عندنا، و لا يكفي عند الشافعي [إلا](3) تيممان، لأنه لا بد أن يجمع بين صلاتين بتيمم واحد فربما كانت المتروكتان، بل إما أن يصلي الخمس بخمس تيممات أو يصلي ثماني صلوات بتيممين، فيصلي الفجر و الظهرين و المغرب بتيمم ثم الظهرين و العشاءين بتيمم، فإن كانت الصبح و العشاء فقد صلاهما بتيممين، و إن كانت غيرهما فقد صلاهما في دفعتين بتيممين.
و لو ترك صلاتين من يومين، فإن كانتا مختلفتين فهي كما لو تركهما من يوم واحد، و إن كانتا متفقتين كصبحين أو ظهرين لم يؤدهما إلا بأن يؤدي عشر صلوات بتيممين خمسة بتيمم، و خمسة بتيمم، أو بعشر تيممات(4) ، و عندنا يجزي تيمم واحد للجميع.
د - يجوز أن يجمع بين فريضة و ما شاء من النوافل بتيمم واحد، و هو1.
ص: 205
أصح قولي الشافعي(1) ، لأن النفل تبع للفرض و استباحة المتبوع تستلزم استباحة التابع، و في قول له: لا تصلى النافلة بتيمم أصلا(2) لأنه أبيح للضرورة و لا ضرورة في النافلة، و على الأول إن شاء قدم النوافل، و إن شاء أخرها، و له قول آخر: عدم تقديم النافلة لأن التابع لا يتقدم المتبوع(3).
ه - إذا صلى الفريضة بتيمم جاز أن يطوف فرضا، و عند الشافعي لا بدّ من تيمم جديد(4) ، و جوّز أن يصلي ركعتي الطواف بتيمم الطواف لأنهما إما سنة أو تابعة للطواف إذ ليست مقصودة بذاتها(5).
و - يجوز أن يصلي بتيمم واحد منذورتين، و مكتوبة و منذورة، و هو أحد وجهي الشافعي، لأن المنذور يسلك به مسلك أقل ما يتقرب به إلى اللّه تعالى فصار كالنافلة، و في الآخر: لا يصح لأن النذر يسلك به مسلك واجبات الشرع(6).
ز - ليس من شرط الصلاة على الجنائز الطهارة عندنا - خلافا للجمهور و قد سبق - نعم يستحب، و يجوز التيمم لها مع وجود الماء.
و لو فقد الماء فاستحباب التيمم أولى، فلو صلى بتيمم مكتوبة جاز أن يصلي على جنازة به، و هو أحد قولي الشافعي، لأنها ليست من فرائض الأعيان فألحقت بالنوافل في الحكم، و في الآخر: لا بد من تيمم لها مقصود1.
ص: 206
لوجوبها(1).
و يجوز أن يصلي على جنازتين على التوالي بغير تيمم، و بتيمم واحد، و للشافعي وجهان، أحدهما: المنع لأنهما فرضان، فحينئذ لا يجوز أن يصلّي على جنازتين دفعة لأن فعله يتضمن إسقاط فرضين(2).
ح - لو تيمم لصلاة النفل استباح به الفرض - و به قال أبو حنيفة(3) - و أصح وجهي الشافعي المنع(4).
و لا خلاف أنه إذا تيمم للنفل استباح مس المصحف، و قراءة القرآن إن كان تيممه عن جنابة.
و لو تيمم المحدث لمس المصحف، أو الجنب لقراءة القرآن استباح ما قصده، و في استباحة صلاة النفل أو الفرض للشافعي وجهان(5).
و يزيد وجود الماء مع التمكن من استعماله، فلو تيمم ثم وجد الماء انتقض تيممه فإذا عدمه وجب عليه استينافه، و إن كان باقيا وجب عليه الغسل أو الوضوء و لا يصلي بذلك التيمم، و هو قول العلماء إلا ما نقل عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، و الشعبي أنهما قالا: لا يلزمه استعمال الماء لأنه وجد المبدل بعد الفراغ من البدل فكان بمنزلة من وجد العتق بعد الصوم(6).
ص: 207
و هو خطأ لقوله عليه السلام لأبي ذر: (الصعيد الطيب وضوء المسلم و لو لم يجد الماء عشر حجج، فإذا وجده فليمسه بشرته)(1) و الأمر للوجوب، و لأن المقصود بالطهارة الصلاة بها و لم يشرع في المقصود فأشبه إذا وجد الأصل قبل أن يشرع في البدل بخلاف الكفارة.
أ - ظن وجود الماء لا يبطل التيمم، و كذا شكه عملا بالاستصحاب، و قال الشافعي: يبطل(2) لأنه يجب عليه الطلب حينئذ فيبطل تيممه، لأن التيمم إنما يكون بعد الطلب و إعواز الماء و هو يمنع الابتداء دون الاستدامة.
فلو رأى سرابا و لا يدري هل هو ماء أم لا، أو رأى إنسانا من بعد و توهم أن معه ماء لم يبطل تيممه عندنا، خلافا للشافعي(3).
و لو سمع إنسانا يقول: معي ماء و كان كاذبا، أو قال: معي ماء أودعنيه فلان و المالك غائب لم يبطل تيممه، خلافا له لوجوب فرض الطلب عنده عقيب (معي ماء) قبل أن يذكر (الوديعة)(4) ، و لو قال: أودعني فلان جرة ماء لم يبطل تيممه لعدم وجوب الطلب حينئذ.
ب - لو طلع عليه راكب بماء فامتنع أن يعطيه، أو وجد ماء فحيل بينه و بينه لم تجب الإعادة، خلافا له(5) ، و لو طلع عليه راكب و لم يعلم أن معه ماء فسأله فلم يكن معه شيء أعاد التيمم عنده(6).
ص: 208
ج - لو قارن ظن وجود الماء مانع من استعماله كعطش أو مرض أو عدم آلة لم ينتقض تيممه إجماعا لجواز التيمم ابتداء مع هذا المانع فلا يرفع دوامه.
د - لا ينتقض التيمم بخروج الوقت، و هو قول العلماء لقوله عليه السلام: (الصعيد كافيك إلى عشر سنين)(1).
و قال أحمد: ينتقض بخروج الوقت لأنها طهارة ضرورية فتتقيد بالوقت كالمستحاضة(2) ، و الفرق تجدد حدث المستحاضة.
ه - نقل عن أحمد: أن التيمم يبطل بنزع عمامة، أو خف يجوز له المسح عليه لأنه مبطل للوضوء(3) و خالف فيه باقي الجمهور(4) ، و الأصل ممنوع، و لأن التيمم طهارة لم يمسح فيها عليه، فلا يبطل بنزعه كطهارة الماء، و الوضوء يبطل بنزع ما هو ممسوح عليه فيه.
و - الردة لا تبطل التيمم كالمائية، و قد سلف البحث فيه(5).
أحدها: يمضي مطلقا و لو تلبس بتكبيرة الإحرام، اختاره الشيخان، و المرتضى(6) ، و عليه أعمل - و به قال الشافعي، و مالك، و أبو ثور،
ص: 209
و داود، و أحمد في رواية(1) - لقوله تعالى وَ لا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ (2) و لقوله عليه السلام: (فلا ينصرف أحدكم من الصلاة حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا)(3).
و قول الصادق عليه السلام و قد سئل رجل تيمم ثم دخل في الصلاة و قد كان طلب الماء فلم يقدر عليه ثم يؤتى بالماء حين يدخل في الصلاة ؟:
«يمضي في الصلاة»(4).
و لأنه بدل من الماء و قد تحقق متصلا بالمقصود فيسقط اعتبار المبدل، كما لا عبرة بوجود الطول بعد نكاح الأمة، و لأنه وجد المبدل بعد التلبس بالمقصود فلم يلزمه الخروج، كما لو وجد الرقبة بعد التلبس بالصوم.
الثاني: يرجع ما لم يركع، و هو قول الشيخ و المرتضى(5) ، لقول الباقر عليه السلام و قد سئل فإن أصاب الماء و قد دخل في الصلاة: «فلينصرف فليتوضأ ما لم يركع، فإن كان قد ركع فليمض في صلاته فإن التيمم أحد الطهورين»(6). و هو محمول على الشروع في الصلاة و أطلق عليها اسم الركوع إطلاقا لاسم الجزء على الكل، و أراد أولا بالدخول في الصلاة الشروع في مقدماتها من الأذان، و غيره.0.
ص: 210
الثالث: قال سلاّر: ما لم يقرأ(1) ، لأنه قد أتى بأكثر الأركان و هي النيّة و التكبير، و القراءة عند من يجعلها ركنا.
الرابع: قال ابن الجنيد: ما لم يركع في الثانية لأنه فعل معظم الصلاة(2).
و قال أبو حنيفة، و الثوري، و أحمد في رواية: تبطل صلاته مطلقا - إلا أن أبا حنيفة يقول: لا تبطل بذلك صلاة الجنازة، و العيدين، و لا برؤية سؤر الحمار و البغل - لأن زوال العذر في أثناء الصلاة يبطلها كانقطاع دم الاستحاضة(3). و هو ممنوع.
و الفرق أنه جوّز لها الصلاة مع حدث لم تأت عنه بطهارة، للضرورة.
و قال الأوزاعي: تصير نفلا(4) ، لحجة أبي حنيفة و قد أبطلناها.
أ - الأقرب عندي استحباب العدول إلى النفل مع سعة الوقت - و هو أحد قولي الشافعية - لأنا سوّغنا له العدول إلى النافلة لتدارك فضيلة الأذان، و الجماعة و هذا أولى، و يحتمل المنع لأنها فريضة صحيحة فلا ينصرف عنها و هو الثاني لهم(5).
ب - لو رأى الماء في الصلاة ثم فقده قبل فراغه قال الشيخ: ينتقض
ص: 211
تيممه في حق الصلوات المستأنفة(1) - و به قال الشافعي في حق النوافل(2) - لأن الماء لم يمنع من فعل صلاة و هو فيها بالتيمم، و منع من افتتاح صلاة أخرى، كما يمنع من الافتتاح لو وجده قبلها، و يحتمل عدم النقض لعدم الشرط و هو التمكن من الاستعمال إذ الشرع منع منه. و يمكن الجواب: بأن المنع الشرعي لا يرفع القدرة، لأنها صفة حقيقية، و الحكم معلق عليها.
ج - لو رعف في أثناء صلاته ثم وجد الماء لزمه أن ينصرف و يغسل الدم و يتوضأ، و إن لم يجد من الماء إلا ما يغسل الدم عنه غسله و لا يستأنف التيمم، و قال الشافعي: يستأنف(3) لأنه بالطلب بطل تيممه.
د - لو رأى في أثناء النافلة احتمل النقض في المستأنفة، و العدم كالفريضة للأمر بالإتمام.
- و هو قول عامة العلماء - سواء كان في الوقت إن سوّغناه مع السعة أو لا لأنه امتثل فيخرج عن العهدة.
و لأن رجلين خرجا في سفر فحضرت الصلاة و ليس معهما ماء فتيمما و صليا ثم وجدا الماء في الوقت فأعاد أحدهما الوضوء و الصلاة و لم يعد الآخر ثم أتيا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فذكرا له ذلك فقال صلّى اللّه عليه و آله للذي لم يعد: (أصبت السنة و أجزأتك صلاتك) و قال صلّى اللّه عليه و آله للذي أعاد: (لك الأجر مرتين)(4).
ص: 212
و من طريق الخاصة قول الباقر عليه السلام و قد سئل فإن أصاب الماء و قد صلى بتيمم و هو في وقت: «تمت صلاته و لا إعادة عليه»(1).
و قال طاوس: يعيد ما صلى بالتيمم، لأنه بدل فإذا وجد الأصل انتقض حكم البدل كالحاكم إذا حكم بالقياس ثم وجد النص بخلافه(2). و هو خطأ لأن النص موجود وقت حكمه بالقياس و أخطأ في طلبه فكان بمنزلة ناسي الماء في رحله.
أ - لو وجد الماء في الوقت بعد الصلاة إن سوّغناه مع السعة لم يعد على ما تقدم، و به قال الفقهاء الأربعة(3) ، لما تقدم من الأحاديث.
و قال عطاء، و الزهري، و ربيعة: يعيد(4) تحصيلا لمصلحة الصلاة بالطهارة، و قد بيّنا حصولها بفعل البدل.
ب - لو أحدث في الجامع يوم الجمعة و منعه الزحام عن الخروج للطهارة تيمم و صلى لعدم تمكنه من استعمال الماء، و خوف فوت الجمعة، و لا يعيد للامتثال. و قال الشيخ، و ابن الجنيد: يعيد(5) لقول علي عليه السلام و قد سئل عن رجل يكون في الزحام يوم الجمعة أو يوم عرفة لا يستطيع الخروج من المسجد لكثرة الناس: «يتيمم و يصلي معهم و يعيد إذا
ص: 213
انصرف»(1) و الراوي السكوني، قال الصدوق: لا أعمل بما ينفرد به(2).
ج - قد بيّنا أنه إذا وجد الماء في الصلاة لم ينصرف، و قال أحمد:
ينصرف، و هل يستأنف ؟ وجهان، أصحهما: الاستئناف لفوات الشرط، و الثاني البناء كالذي سبقه الحدث(3).
بالإجماع، و لأنه لو وجد الماء وجب عليه الطهور بحسب الحدث السابق، فلو لا بقاؤه لكان الموجب وجود الماء لانتفاء وجود غيره، و وجود الماء ليس حدثا و إلا لتساوى المحدث و المجنب، و هو باطل فإن المحدث لا يغتسل و المجنب لا يتوضأ.
و قيل: يرفع الحدث، و اختلف في النسبة فأسنده قوم إلى أبي حنيفة، و آخرون إلى مالك(4).
تذنيب: لو تيمم المجنب ثم أحدث و وجد ماء للوضوء تيمم بدلا من الغسل - و به قال مالك، و الثوري(5) - لأن التيمم لا يرفع الحدث فالجنابة باقية و قد زالت الاستباحة بالحدث فيجب التيمم للجنابة السابقة.
و قال السيد المرتضى في شرح الرسالة: يتوضأ بالماء(6) - و به قال أبو حنيفة(7) - لأنه متمكن من الماء فلا يجوز التيمم، و نمنع الاولى.
و كذا لو تيمم الجنب ثم أحدث أعاد التيمم بدلا من الغسل لا من الحدث لبقاء الجنابة.
ص: 214
معتقدا أنه محدث ثم ذكر فالوجه الإجزاء إن سويناهما و إلا فلا على إشكال.
و قال في الخلاف: مقتضى المذهب المنع لاشتراط نية بدليّة الوضوء أو الغسل(1) ، و به قال مالك، و أحمد لأنهما عبادتان مختلفتان في النيّة فلا تسقط إحداهما بنيّة الأخرى(2) و قال الشافعي بالإجزاء، و به رواية عن مالك، لتساويهما(3).
و كل حدثين تساوت طهارتهما سقط فرض إحداهما بنية الأخرى كالبول و الغائط، و لأنه لو ذكر الجنابة لم يكن عليه أكثر مما فعل إذ لا يلزمه أن ينوي بتيممه إلا استباحة الصلاة و قد فعل.
و هو قول عامة العلماء، لأن عمارا أجنب فتمعك في التراب، فقال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: (إنما يكفيك هكذا) و ضرب بيديه على الأرض و مسح وجهه و كفيه(4).
و من طريق الخاصة قول الباقر عليه السلام عن آبائه عن أبي ذر: «أنه أتى النبيّ صلّى اللّه عليه و آله فقال: يا رسول اللّه هلكت جامعت على غير ماء قال: فأمر النبيّ صلّى اللّه عليه و آله بمحمل فاستترت به، و بماء فاغتسلت أنا و هي، ثم قال: يا أبا ذر يكفيك الصعيد عشر سنين»(5).
ص: 215
و قال عمر، و ابن مسعود: لا يجوز له التيمم، و قيل: رجعا عن ذلك(1) ، و رواه ابن المنذر عن النخعي(2) لأنه تعالى ذكر التيمم في الأحداث دون الجنابة، و هو غلط لأن قوله تعالى فَلَمْ تَجِدُوا ماءً (3) راجع على الجميع.
فلو كان بعض بدنه صحيحا و بعضه جريحا تيمم و كفاه عن غسل الصحيح، و هو أحد قولي الشافعي لأنه مريض غير قادر على الماء فوجب البدل، و في الآخر: يغسل الصحيح و يتيمم للجريح(4).
لقول جابر: خرجنا في سفر فأصاب رجلا منا حجر فشجه في رأسه ثم احتلم فسأل أصحابه هل تجدون لي رخصة في التيمم ؟ قالوا: ما نجد لك رخصة و أنت تقدر على الماء، فاغتسل فمات، فلما قدمنا على النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أخبر بذلك فقال: (قتلوه قتلهم اللّه ألاّ سألوا إذا لم يعلموا، فإنما شفاء العيّ السؤال، إنما كان يكفيه أن يتيمم و يعصب على جرحه، ثم يمسح عليه و يغسل سائر جسده)(5).
و هو ممنوع لأن فيه الجمع بين المسح على الجبائر و التيمم، و الشافعي لا يقول به.
ص: 216
و قال أبو حنيفة: إن كان أكثر بدنه صحيحا غسل الصحيح و لا يتيمم، و إن كان أكثره جريحا تيمم و لا يغسل الصحيح لعدم وجوب الجمع بين البدل و المبدل كالصيام، و الإطعام(1).
أ - لو تمكن من المسح بالماء على العضو الجريح، أو على جبيرة و غسل الباقي وجب و لا يتيمم - خلافا للشافعي(2) - لقول الصادق عليه السلام و قد سئل عن الرجل تكون به القرحة في ذراعه أو غير ذلك من أعضاء الوضوء فيعصبها بالخرقة: «إن كان يؤذيه الماء فليمسح على الخرقة»(3).
ب - لو كان بعض بدنه صحيحا و بعضه جريحا فأجنب تيمّم.
و عند الشافعي يجمع بين غسل الصحيح و التيمم، و يتخير إن شاء قدم التيمم ثم غسل الصحيح، و إن شاء غسل الصحيح ثم تيمم للجريح إذ الترتيب في الجنابة عنده ساقط(4).
و إن كان محدثا و كان القرح في الوجه، فإن شاء بدأ بالتيمم ثم غسل الصحيح من وجهه، و إن شاء غسل الصحيح من وجهه ثم تيمم لأن العضو الواحد لا ترتيب فيه، نعم يجب تقديم التيمم على غسل اليدين، و إن كان في عضو آخر غسل ما قبله، و إن كان على وجهه قرح و على يديه آخر غسل الصحيح من وجهه ثم تيمم لموضع القرح ثم غسل
ص: 217
الصحيح من يده ثم تيمم.
ج - لو غسل الصحيح و تيمم للجريح ثم برئ الجرح بطل حكم التيمم فيه و وجب غسله عنده(1).
د - لو كان على قرحه دم يخاف من غسله تيمم للحدث و صلى و لا يعيد - و به قال أبو حنيفة، و المزني(2) - لأنه امتثل المأمور به فخرج عن العهدة.
و قال الشافعي: يعيد لأنه صلى بالنجاسة فإذا ترك الطهارة لعذر نادر غير متصل أعاد كالمحبوس في المصر(3) ، و نمنع الأصل، و يعارض بأن النجاسة إذا لم تمنع من فعل الصلاة لم تمنع من الاعتداد بها كنجاسة المستحاضة.
ه - لو كان على موضع التيمم خرقة لقرح لا يخاف من نزعها وجب عليه نزعها، و لو خاف من نزعها مسح بالتراب عليها و صلى و لا إعادة عليه للامتثال، و قال الشافعي: يعيد لأن التيمم لا يجزي على حائل دون العضو(4) ، و هو ممنوع.
و - إذا تيمم جاز أن يصلي ما شاء عندنا على ما تقدم و لو كان بعض أعضائه جريحا.
و قال الشافعي: إذا غسل السليم و تيمم للجراحة استباح فريضة واحدة و ما شاء من النوافل، فإن أراد أن يصلي فريضة أخرى أعاد التيمم لأجل الجراحة، و يعيد الغسل في كل عضو يترتب على العضو المجروح، و في القدر1.
ص: 218
الصحيح من المجروح و ما قبله قولان(1).
ز - إذا رفع الجبيرة بعد الاندمال أو قبله ليعيد الجبيرة عليه فإن كان محدثا تطهر، و إن كان متطهرا فهو على طهارته عندنا.
و قال الشافعي: بطل طهره فيما تحت الجبيرة و في المترتب عليه من الأعضاء، و هل يلزمه استئناف الوضوء؟ قولان له.
و لو كانت الجبيرة على عضوين فرفع إحداهما لا يلزمه رفع الأخرى عنده، بخلاف الماسح على الخف إذا نزع أحد الخفين فإنه يلزمه نزع الآخر لأن شرطه لبس الخفين دفعة(2).
ح - لو رفع الجبيرة عن موضع الكسر فوجده مندملا، فإن قلنا برفع الحدث فلا إعادة لما بعد الاندمال، و إلا فالوجه الإعادة لكل ما صلاه بعد الاندمال دون المشكوك فيه.
و اضطرب قول الشافعي، و المشهور قولان: عدم الإعادة، لأنه عليه السلام لم يأمر به عليا عليه السلام(3) ، و وجوبها لأنه عارض نادر(4).
ط - لو كان به جرح و لا جبيرة غسل جسده و ترك الجرح لقول الصادق عليه السلام و قد سئل عن الجرح كيف يصنع صاحبه قال: «يغسل ما حوله»(5).
و قال الباقر عليه السلام: «لا يغسله إن خشي على نفسه»(6) و لأن9.
ص: 219
الضرورة أسقطت غسله، و سقط التيمم لئلا يجمع بين البدل و المبدل.
و قال الشافعي: يغسل الصحيح و يتيمم للجرح(1) ، و عن أحمد: يمسح الجرح و يغسل ما فوقه(2) و هو جيّد إن أمن الضرر مع المسح.
- و هو أظهر قولي الشافعي، و به قال أحمد، و أبو يوسف(3) - لقول الصادق عليه السلام:
«يتوضأ و يعيد»(4) و لأنه فرّط في الطلب، فإنه لو اجتهد حسب ما يلزمه لوجده، و لأنها طهارة تجب مع الذكر فإذا نسيها لم تسقط عنه، كما لو شك في الطهارة ثم صلّى ثم تيقن الحدث.
و حكى أبو ثور عن الشافعي عدم الإعادة - و به قال أبو حنيفة(5) - و به قال السيد المرتضى(6) - و عن مالك روايتان(7) - لأنه مع النسيان غير قادر على استعمال الماء لأن النسيان حال بينه و بين الماء فكان فرضه التيمم كما لو حال السبع، و الفرق التفريط في صورة النزاع.
و قال الشيخ: إن اجتهد و طلب لم يعد و إلا أعاد لأنه صلّى بتيمم
ص: 220
مشروع و لا طريق إلى إزالة النسيان فصار كعدم الوصلة(1).
أ - لو كان في رحله ماء فحال العدوّ بينه و بين رحله تيمم و صلّى و لا إعادة عليه إجماعا.
ب - لو كان الماء في رحله فضلّ عنه فحضرت الصلاة فطلب الماء فلم يجد تيمم و صلى و لا إعادة عليه لأنه غير مفرط، و هو أحد وجهي الشافعية، و الثاني: يعيد كالناسي(2).
ج - لو كان بقربه بئر فخفيت عنه، فإن كان قد طلب فلا إعادة، و إلاّ أعاد لتفريطه.
قال الشيخان: إن تعمّد الحدث أعاد الصلاة بعد الوضوء، و إن كان سهوا توضأ و بنى على ما مضى من صلاته(3) لرواية محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام: «إنه يخرج ثم يتوضأ و يبني على ما مضى من صلاته التي صلى بالتيمم»(4).
و إنما نزّلها الشيخان على السهو لأن تعمد الحدث مبطل للصلاة إجماعا، فلا يجوز حمل الرواية عليه إذ الخبر لا يعارض الإجماع.
و حملت الرواية على السهو لأن الواقع من الصلاة وقع مشروعا مع بقاء
ص: 221
الحدث فلا يبطل بزوال الاستباحة كالمبطون إذا فجأه الحدث، و المستحاضة، و لا ينتقض بالطهارة المائية لارتفاع الحدث فيها، فالحدث المتجدد مبطل لذلك الرفع، و الأقرب عندي وجوب الاستئناف.
فإن كان ملكا لأحدهم اختص به، و إن لم يكن ملكا لأحد، أو لباذل، أو اوصي لأحقهم به، قال الشيخ في الخلاف: تخيروا في التخصيص لأنها فروض اجتمعت و ليس البعض أولى فتعين التخيير، و لاختلاف الروايات ففي رواية عن الكاظم عليه السلام: اختصاص الجنب(1) ، و في أخرى مرسلة: اختصاص الميت(2) فتعين التخيير(3).
و له قول آخر: اختصاص الجنب(4) لاتصال الرواية به، و لأنه متعبد بالغسل مع وجود الماء، و الميت قد سقط الفرض عنه بالموت، و هذه إحدى الروايتين عن أحمد، و الأخرى: اختصاص الميت - و به قال الشافعي(5) - لأنه خاتمة عمله فيستحب أن تكون طهارته كاملة، و الحي يرجع إلى الماء فيغتسل، و لأن القصد بغسل الميت تنظيفه و لا يحصل بالتيمم، و القصد بغسل الحي إباحة الصلاة و هي تحصل بالتيمم(6).
أ - لا يجوز للمالك بذله لغيره مع وجوب الصلاة عليه لأنه متمكن من الماء فلا يجوز العدول إلى التيمم.
ص: 222
و لقول الصادق عليه السلام و قد سئل عن قوم كانوا في سفر أصاب أحدهم جنابة و ليس معهم إلاّ ما يكفي الجنب يتوضئون أم يعطونه الجنب ؟ قال: «يتوضئون هم و يتيمم الجنب»(1).
ب - لو أمكن أن يستعمله أحدهم و يجمع فيستعمله الآخر فالأولى تقديم المحدث لأن رافع الجنابة إما غير مطهر أو مكروه.
ج - لو كان مباحا فالسابق أولى، فإن توافوا دفعة فهم شركاء، و لو تمانعوا فالمانع آثم و يملكه القاهر لأنه سابق.
د - لو اجتمع جنب و حائض فالأقوى تقديم الحائض لأنها تقضي حق اللّه و حق زوجها في إباحة الوطء، و يحتمل الجنب الرجل لأنه أحق بالكمال من المرأة.
ه - لو اجتمع جنب و محدث فالجنب أولى لأنه يستفيد به ما لا يستفيده المحدث، و إن كان وفق حاجة المحدث فهو أولى، لأنه يستفيد به طهارة كاملة، و إن لم يكف أحدهما فالجنب أولى، لأنه يطهر به بعض أعضائه.
و لو كفى كل واحد منهما و يفضل منه فضلة لا تكفي الآخر فالمحدث أولى لأن فضلته يمكن للجنب استعمالها، و يحتمل الجنب لاستفادته ما لا يستفيده المحدث.
و - لو تغلّب المرجوح أساء و أجزأ لأن الآخر لا يملكه.
ز - لو اجتمع ميت و من على بدنه نجاسة احتمل تقديم الميت لأنه آخر عهده بالماء، و غسل النجاسة إذ لا بدل لها، و للشافعي كالوجهين(2).8.
ص: 223
و لو اجتمع من على بدنه نجاسة مع محدث، أو حائض، أو جنب، فإزالة النجاسة أولى لعدم البدل.
ص: 224
ما يتخذ من الذهب، أو الفضة، أو من العظام، أو من الجلود، أو ما عدا ذلك، و يحرم استعمال المتخذ من الذهب و الفضة في أكل، و شرب، و غيرهما عند علمائنا أجمع - و به قال أبو حنيفة، و مالك، و أحمد، و عامة العلماء، و الشافعي في الجديد(1) - لقول النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: (الذي يشرب في آنية الفضة إنما يجرجر في جوفه نار جهنم)(2) معناه يلقي في جوفه، و هذا وعيد يقتضي التحريم.
و قول الصادق عليه السلام: «لا تأكل في آنية الذهب و الفضة»(3) ، و النهي للتحريم، و لاشتماله على الفخر، و الخيلاء، و كسر قلوب الفقراء.
ص: 225
و قال الشافعي في القديم: إنه مكروه غير محرم، و النهي فيه نهي تنزيه، لأن الغرض ترك التشبه بالأعاجم و الخيلاء، و إغاظة الفقراء، و ذلك لا يقتضي التحريم(1) ، و ليس بجيّد لاشتمال الحديث عليه.
و قال داود: إنه يحرم الشرب فقط(2) ، لأن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله خص الشرب بذلك(3) ، و هو غلط لما رواه حذيفة قال: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقول: (لا تلبسوا الحرير و الديباج، و لا تشربوا في آنية الذهب و الفضة، و لا تأكلوا في صحافها فإنها لهم في الدنيا و لكم في الآخرة)(4) و لنهي الصادق عليه السلام عن الأكل(5).
أ - لا فرق في تحريم الاستعمال بين الأكل، و الشرب، و غيرهما، كالبخور و الاكتحال منه، و الطهارة و شبهه، و جميع وجوه الاستعمال لأن في تحريم الأكل و الشرب تنبيها على منع غيرهما، و لأن الباقر عليه السلام نهى عن آنية الذهب و الفضة(6) ، و لا يمكن تعلق النهي بالعين فيصرف إلى المنافع و هي وجوه الاستعمال.
ب - لا يحرم المأكول و المشروب منهما و إن كان الاستعمال محرما
ص: 226
لتعلق النهي به لا بالمستعمل.
ج - قال بعض الشافعية: إنما يكون مستعملا للمجمرة إذا بسط ثوبه عليها، فأما إذا كانت بعيدة منه فلا يكون استعمالا(1) ، و ليس بجيد، بل لو وضع البخور في الإناء كان استعمالا لها مع الاستنشاق.
د - لا فرق في التحريم بين الرجال و النساء إجماعا، لوجود المقتضي فيهما، و إنّما أبيح التحلي في حق المرأة لحاجتها إلى التزين للرجل و التجمل عنده و هو مختص بالحليّ فتختص الإباحة به.
- و هو أحد قولي الشافعي(2) - لأن ما حرم استعماله مطلقا حرم اتخاذه على هيئة الاستعمال كآلات الملاهي، و لأن فيه تعطيلا للمال، و سرفا، و خيلاء، و لنهي الباقر عليه السلام عن آنية الذهب و الفضة(3) و هو يتناول الاتخاذ.
و لقول الكاظم عليه السلام: «آنية الذهب و الفضة متاع الذين لا يوقنون»(4).
و للشافعي قول بالجواز لأن الخبر ورد بتحريم الاستعمال فلا يحرم الاتخاذ، كما لو اتخذ الرجل ثياب الحرير(5). و الفرق عدم تحريم الثياب مطلقا فإنها تباح للنساء، و للتجارة.
ص: 227
و صحت طهارته - و به قال الشافعي، و إسحاق، و ابن المنذر، و أصحاب الرأي(1) - لأن الطهارة تحصل بإجراء الماء على العضو، و ذلك يحصل بعد انفصاله عن الإناء.
و قال بعض الحنابلة: لا تصح لأنه استعمل المحرّم في العبادة فلا تصح كالصلاة في الدار المغصوبة(2).
و هو خطأ لأن انتزاع الماء من الإناء ليس جزءا من الوضوء، و الطهارة إنما تقع بعد انقضاء ذلك الاستعمال فيكون كما لو قهر غيره على تسليم ثوب نفسه ليستتر به في الصلاة، و التصرف جزء من الصلاة في الدار المغصوبة و هو منهي عنه فلهذا بطلت.
تذنيب: لو جعل آنية الذهب و الفضة مصبا لماء الوضوء ينفصل الماء عن أعضائه إليه لم يبطل وضوؤه، لأنه قد رفع الحدث قبل وقوعه في الإناء.
و بعض الحنابلة أبطله لما فيه من الفخر، و الخيلاء، و كسر قلوب الفقراء(3) ، و هو غلط لأن فعل الطهارة حصل قبل وصول الماء إلى الإناء.
المفضض، و أعزل فمك عن موضع الفضة»(1).
و منعه في الخلاف لما فيه من الخيلاء، و البطر، و تعطيل المال(2) و لما رواه بريد عن الصادق عليه السلام: أنه كره الشرب في الفضة و في القداح المفضضة و كذلك أن يدهن في مدهن مفضض و المشط كذلك(3).
و قال الشافعي: إن كان المضبب على شفة الإناء لم يجز الشرب منه لئلا يكون شاربا على فضة، و إن كان في غيرها جاز(4).
و قال بعض الشافعية: لا فرق بين أن يكون على شفته أو غيرها في التحريم، و به قال مالك(5).
و من الشافعية من قسم المضبب أربعة أقسام: يسير لحاجة كحلقة القصعة و ضبتها و هو مباح، لأن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله كان حلقة قصعته و قبيعة سيفه من فضة(6) ، و أذن لعرفجة بن أسعد لمّا قطع أنفه يوم الكلاب أن يتخذ أنفا من فضة فأنتن عليه، فأذن له أن يتخذ أنفا من ذهب(7) ، و كثير لحاجة فيكره لكثرته، و لا يحرم للحاجة إليه، و قليل لغير حاجة فلا يحرم لقلته، و يكره لعدم الحاجة إليه، و كثير لغير حاجة و يحرم(8) - خلافا لأبي1.
ص: 229
حنيفة(1).
و التفصيل في المضبب بالفضة، أما المضبب بالذهب فإنه حرام عندهم على الإطلاق(2).
أ - إذا سوغنا الشرب من المفضض قال الشيخ رحمه اللّه: يجب عزل الفم عن موضع الفضة(3).
لقول الصادق عليه السلام: «و أعزل فمك عن موضع الفضة»(4) و الأمر للوجوب، و قيل بالاستحباب عملا بالأصل(5).
و بما رواه معاوية بن وهب عن الصادق عليه السلام سئل عن القدح فيه ضبة فضة فقال: «لا بأس إلا أن يكره الفضة فينزعها عنه»(6).
ب - لا بأس باتخاذ اليسير من الفضة كالحلقة للقصعة، و الضبة، و السلسلة و القبيعة للسيف لأن الكاظم عليه السلام كان له مرآة كذلك(7).
ج - لا بأس باتخاذ ما ليس بإناء كالصفائح في قائم السيف و الميل، و قد روي أن العبّاس عذر، فعمل له قضيب ملبس بفضة نحو ما يعمل للصبيان من عشرة دراهم، فأمر به أبو الحسن عليه السلام فكسر(8) ، و هو
ص: 230
يعطي المنع.
د - لو استأجر صانعا ليعمل له إناء فإن قلنا بتحريم الاتخاذ مطلقا لم يستحق اجرة لبطلان العقد، كما لو استأجره لعمل صنم، و إلا استحق.
ه - لو كان له إناء فكسره آخر ضمن النقصان إن سوغنا الاتخاذ، و إلا فلا.
و - لو شرب و في فيه دنانير أو دراهم أو طرحهما في الكوز و شرب لم يكن به بأس إجماعا لعدم اتخاذ ذلك من الزينة و التجمل.
ز - لو اتخذ إناء من ذهب أو فضة و موّهها بنحاس، أو رصاص حرم - و هو أحد وجهي الشافعية - لأن الإسراف موجود هنا، و الثاني: الإباحة لأن السرف لا يظهر للناس فلا يخشى فتنة الفقراء(1) ، و لو عكس جاز، و للشافعي وجهان(2).
ح - لو اتخذ أنفا من ذهب أو فضة، أو سنّا، أو أنملة لم يحرم لحديث عرفجة بن أسعد(3) ، و لو اتخذ إصبعا، أو يدا فللشافعية قولان: الجواز قياسا على الأنف و السن، و التحريم لأنه زينة محضة إذ لا منفعة به(4).
ط - لا يجوز اتخاذ أواني الذهب و الفضة لتزيين المجالس لأن الخيلاء فيه أكثر، و للشافعي فيه وجهان(5).1.
ص: 231
ي - المموّه إن كان يحصل منه شيء بالعرض على النار حرم، و إلا فإشكال، و للشافعية وجهان(1).
يا - في المكحلة الصغيرة، و ظرف الغالية للشافعية وجهان: التحريم، و هو المعتمد لأنه يسمى إناء، و الإباحة لأن قدره يحتمل ضبة للشيء فكذلك وحده(2).
فلا يجوز استعمال جلده، سواء دبغ أو لا، ذهب إليه علماؤنا أجمع لأنها أعيان نجسة في حال الحياة، و غاية الدباغ نزع الفضلات و الاستحالات، و الحياة أبلغ في دفعهما فإذا لم تفد الحياة الطهارة فالدباغ أولى، و كذا فروعهما و ما يتولد منهما، أو من أحدهما مع بقاء الاسم، و الآدمي لا تقع عليه الذكاة فجلده نجس، و لو غسّل و سلخ بعد الغسل فإشكال، ينشأ من ورود التطهير بالغسل، و كذا جلد الشهيد.
سواء كان من نجس العين أو طاهرها، و سواء كان من مأكول اللحم أو لا، عند علمائنا أجمع - إلاّ ابن الجنيد(3) - و به قال عمر، و ابن عمر، و عائشة، و هو إحدى الروايتين عن مالك و عن أحمد(4) لقوله تعالى حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ (5) و تحريم الأعيان ينصرف إلى تحريم جميع المنافع منها و من أجزائها.
ص: 232
و لما رواه عبد اللّه بن عكيم قال: قرئ علينا كتاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و نحن بأرض جهينة (أن لا تستنفعوا من الميتة بإهاب و لا عصب)(1).
و من طريق الخاصة قول الصادق عليه السلام و قد سئل عن الميتة ينتفع بشيء منها؟ قال: «لا»(2).
و كتب الكاظم عليه السلام «لا ينتفع من الميتة بإهاب و لا عصب»(3) و لأن الموت سبب للتنجيس و لم يثبت المزيل.
و قال الشافعي: تطهر كل الجلود بالدباغ إلا الكلب و الخنزير و ما تولد منهما، أو من أحدهما، و رواه عن علي عليه السلام، و ابن مسعود(4) و في الآدمي عنده وجهان(5) لقوله عليه السلام: (أيّما إهاب دبغ فقد طهر)(6).
و حديث ابن عكيم متأخر لأنه قبل وفاة الرسول صلّى اللّه عليه و آله بشهرين(7) ، و لأنه روى فيه: (كنت رخصت لكم في جلود الميتة، فإذا4.
ص: 233
أتاكم كتابي هذا فلا تنتفعوا من الميتة بإهاب و لا عصب)(1) و هو يدل على التأخر فيتعين العمل به.
و روي عن مالك أنه يطهر ظاهره دون باطنه فيصلى عليه و لا يصلى فيه، و يستعمل في الأشياء اليابسة دون الرطبة، و هو قول الشافعي(2).
و قال الأوزاعي، و أبو ثور، و إسحاق: يطهر جلد ما يؤكل لحمه دون ما لا يؤكل لحمه(3) لقوله عليه السلام: (دباغ الأديم ذكاته)(4) فشبه الدباغ بالذكاة و الذكاة لا تعمل فيما لا يؤكل لحمه.
و قال أصحاب الرأي: الجلود كلها تطهر بالدباغ إلا جلد الخنزير و الإنسان، فجلد الكلب يطهر بالدباغ(5) للعموم(6). و هو غلط لأنه نجس العين في حياته فلا يطهر جلده بالدباغ كالخنزير.
و قال داود: تطهر كلها حتى الخنزير - و هو مروي عن أبي يوسف(7) - لعموم (أيما إهاب دبغ فقد طهر)(8) و هو محمول على المذكى9.
ص: 234
لقوله عليه السلام: (لا تنتفعوا من الميتة بإهاب)(1).
و قال الزهري: ينتفع بجلود الميتة بكل حال و إن لم يدبغ(2) ، لأن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله مر بشاة ميتة لمولاة ميمونة فقال: (ما على أهل هذه لو أخذوا إهابها فانتفعوا به)(3) و لم يذكر الدباغ، و من شرط الدباغ روى فيه زيادة: (فدبغوه فانتفعوا به)(4).
و عندنا أن الحديث ممنوع لما تواتر من النقل عن أهل البيت عليهم السلام من منع ذلك، و روايتهم عن علي عليه السلام خلاف ذلك(5) مدفوعة، لأن أولاده عليهم السلام أعرف بمذهبه.
و قد سئل الصادق عليه السلام: الميتة ينتفع بشيء منها فقال: «لا» فقلت: إن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال: (ما كان على أهل هذه الشاة أن ينتفعوا بإهابها) قال: «كانت لسودة بنت زمعة و كانت مهزولة فتركوها حتى ماتت فقال: ما كان على أهلها إذا لم ينتفعوا بلحمها أن ينتفعوا بإهابها أي بالذكاة»(6).9.
ص: 235
و سأل عبد الرحمن بن الحجاج الصادق عليه السلام أشتري الفراء من سوق المسلمين فيقول صاحبها: هي ذكية هل يصلح أن أبيعها على أنها ذكية ؟ فقال: «لا» قلت: و ما أفسد ذلك قال: «استحلال أهل العراق الميتة، و زعموا أن دباغ جلد الميتة ذكاته، ثم لم يرضوا أن يكذبوا في ذلك إلاّ على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله»(1).
تذنيب: و في جواز الانتفاع بها في اليابس إشكال، الأقرب عدمه لعموم النهي(2) ، و عن أحمد: الجواز قياسا على الانتفاع بالكلب(3). و هو ممنوع لبطلان القياس.
و به قال أبو حنيفة، و مالك، و أحمد(4).
و نعني بوقوع الذكاة بقاءه على طهارته لأن الذكاة أقوى من الدباغ، لأنها تطهّر اللحم و الجلد، و لقوله تعالى إِلاّ ما ذَكَّيْتُمْ (5).
و التذكية: الذباحة فتكون مطهّرة لوجود صورتها إذا كان المذبوح
ص: 236
طاهرا، و لأنها تخلي الحيوان من العفن المقتضي للتحريم.
و لقول الصادق عليه السلام: «لا يصلى فيما لا يؤكل لحمه، ذكاه الذبح أو لم يذكه»(1) و هو يدل على أن الذبح مطهر.
و قال الشافعي، و الأوزاعي، و أبو ثور: لا تقع الذكاة إلاّ على ما يؤكل لحمه، و ما لا يؤكل إذا ذبحه نجس و كان ذلك موته، لأنها ذكاة لا تبيح اللحم فلا تطهر الجلد(2). و الملازمة ممنوعة، أما ما يؤكل لحمه فإذا ذكي حل أكله، و كان طاهرا، و جاز استعمال جلده قبل الدباغ و بعده ما لم يصبه دم، فإن أصابه غسله إجماعا.
عند علمائنا أجمع، و هل يجوز قبله ؟ قال الشيخ، و المرتضى:
لا يجوز(3) لأنها تزيل العفن، و الدسومة.
و قيل بالجواز، لأن الذكاة تقع عليه فيستغنى بها عن الدباغ لأنها لو لم تقع عليه لكان ميتة، و الميتة لا تطهر بالدباغ(4).
كالقرظ و هو ورق السلم ينبت بنواحي تهامة، أو الشب بالباء المنقطة تحتها نقطة و هو يشبه الزاج، و قيل بالثاء المنقطة فوقها ثلاث نقط و هو شجر مرّ الطعم لا يعلم هل يدبغ به أم لا، و كذا بالعفص، و قشر الرمان، و ما أشبه ذلك من
ص: 237
الأجسام الطاهرة التي تنشف الرطوبة و تنفي الخبث.
و لو دبغ بالأشياء النجسة، قال ابن الجنيد: لا يطهر(1) ، و الأقرب: أنه يطهر بالغسل، و به قال الشافعي(2).
و قال أحمد: لا يطهر لأن النجس لا يطهر النجس، و هو قول للشافعي(3).
و ما روي عن الرضا عليه السلام أنه سئل عن جلود الدارش(4) فقال:
«لا تصل فيها فإنها تدبغ بخرء الكلاب»(5) محمول على الصلاة قبل الغسل.
الشافعية فقال بعضهم: لا بدّ من الغسل بالماء القراح، و منعه آخرون(1).
فقال الأوزاعي، و إسحاق، و أبو ثور: بالمنع في جلود السباع قبل الدبغ و بعده(2).
و كره سعيد بن جبير، و الحكم، و مكحول، و إسحاق الصلاة في جلود الثعالب، و رووه عن علي عليه السلام، و عمر(3) ، و كره عطاء، و طاوس، و مجاهد الانتفاع بجلود السنانير(4).
و رخص ابن سيرين، و عروة، و الزهري في الركوب على جلود النمور(5).
و أباح الحسن، و الشعبي، و أصحاب الرأي الصلاة في جلود الثعالب، لأنها تفدى في الإحرام فكانت مباحة، و لقيام الدليل على طهارة جلد الميتة بالدباغ(6).
أ - جلد الميتة كما لا يحل استعماله بعد الدباغ كذا لا يحل أكله لقوله تعالى حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ (7) ، و لأنه جزء من الميتة فحرم أكله كسائر
ص: 239
أجزائه. و أباح بعض الشافعية، و بعض الحنابلة أكله(1) - و للشافعي قولان(2) - لقوله عليه السلام: (دباغ الأديم ذكاته)(3) ، و لا يلزم من الطهارة إن قلنا بها إباحة الأكل، و أجاز القفال من الشافعية أكل جلد الميتة غير المأكول لأنه طاهر يمكن تناوله و لا مضرة فيه(4).
ب - لا يجوز بيع جلد الميتة قبل الدباغ - و به قال الشافعي، و أبو حنيفة(5) - لأنه نجس كالكلب.
و أما بعد الدباغ فكذلك عندنا لأن الدباغ لا يطهره، و به قال مالك، و الشافعي في القديم(6) و قال في الجديد: يجوز بيعه - و به قال أبو حنيفة - لأنه طاهر(7) و هو ممنوع.
ج - الإجارة و سائر وجوه الانتفاع كالبيع.
لملاقاته النجس، و للشافعي وجهان بناء على وجوب غسله بعد الدباغ، فإن أوجبه فهو نجس و إلا فلا(8) ، لأن نجاستها كنجاسة الجلد فإذا زالت نجاسته حكم بطهارتها كما أن نجاسة الدن لما فيه من الخمر فإذا انقلبت خلاّ طهر الدن.
ص: 240
فإذا دبغ الجلد و بقي عليه الشعر بعد الدباغ لم يحكم بطهارته عندنا و هو ظاهر - و هو أحد قولي الشافعي(1) - لأن الدباغ لا تأثير له في الشعر فإنه قبل الدباغ و بعده على صفة واحدة بخلاف الجلد، فإن الدباغ يصلحه و الثاني: الطهارة لأن حكم الشعر حكم ميتته(2).
ما دام متصلا به إجماعا، و في نجس العين كالكلب، و الخنزير قولان عندنا:
الأقوى النجاسة - و به قال الشافعي(3) - و قد تقدم ذلك.
و لو ذبح مأكول اللحم فشعره، و صوفه، و ريشه طاهر، و كذا إذا جزّ منه حيّا إجماعا.
و لو مات لم ينجس بالموت بل يجوز جزّه و يكون طاهرا - و به قال مالك، و أبو حنيفة، و الثوري، و أحمد، و إسحاق، و المزني(4) - لأنه لا روح فيه فلا ينجس بالموت، و قال الشافعي: إن فيه روحا و ينجس بالموت - و به قال عطاء، و الحسن البصري، و الأوزاعي، و الليث بن سعد - لأنه جزء من الحيوان ينمي بحياته(5).
و قال حماد بن أبي سليمان: إنه ينجس بموت الحيوان، و يطهر بالغسل(6).
ص: 241
و أما غير المأكول فكذلك عندنا، و به قال مالك، و أبو حنيفة، و الثوري، و أحمد، و إسحاق، و المزني(1).
و قال الشافعي: إنه نجس إلاّ في حال اتصاله بالحي فإن جز في حياته، أو ذكي الحيوان، أو مات فهو نجس(2).
و أما الآدمي ففيه قولان بناء على أنه هل ينجس بالموت أم لا؟ فإن قال بعدم النجاسة فشعره طاهر بكل حال، و إن قال بالنجاسة فإنه طاهر مع الاتصال نجس بعد انفصاله، و يعفى عن قليله لعدم الاحتراز منه(3) ، و نقل المزني أن الشافعي رجع عن تنجيس شعر بني آدم لأنه تعالى كرّمهم(4).
و على تقدير نجاسة شعرهم، ففي شعر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله وجهان: الطهارة لأنه عليه السلام لما حلق شعره فرقه على أصحابه، و النجاسة لأن ما كان من الآدمي نجسا كان منه عليه السلام كذلك كالدم(5) ، و عندنا أنه طاهر على ما تقدم.
و قال الشافعي: إنه ينجس بالموت - و به قال مالك، و أحمد، و إسحاق، و المزني(1) - لقوله تعالى قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ (2) و هو محمول على إحياء صاحبها.
- و به قال مالك، و الشافعي، و أحمد(3) - لأنه مائع في وعاء نجس فانفعل بالملاقاة.
و قال أبو حنيفة: يحل شربه - و به قال داود(4) - و هو رواية لنا(5) لأن الصحابة لما فتحوا المدائن أكلوا الجبن(6) ، و هو يعمل بالأنفحة و هي تؤخذ من صغار المعز فهي بمنزلة اللبن، و ذبح المجوس كموت الحيوان، و البيضة في الدجاجة الميتة طاهرة إن اكتست الجلد الفوقاني، و به قال الشافعي(7).
غلت أثمانها كالبلور، و الياقوت، و الفيروزج، أو لا كالخزف، و الزجاج، و الخشب، ذهب إليه علماؤنا - و هو أحد قولي الشافعي - عملا بالأصل السالم عن معارضة النص لاختصاصه بالذهب و الفضة، و الثاني: تحريم النفيس لما فيه من السرف(8) فأشبه أواني الفضة، و ينتقض بالثياب النفيسة، و لأن هذه
ص: 243
الأشياء لا تعرفها إلا الخواص فلا افتتان للعامة فيها بخلاف الفضة.
و كذا إجارته عملا بالأصل، و لما فيه من المنافع من التنظيف و غيره.
و دخل علي عليه السلام الحمام و عمر، فقال عمر: بئس البيت الحمام يكثر فيه العناء و يقل فيه الحياء، فقال علي عليه السلام: «نعم البيت الحمام يذهب الأذى و يذكر بالنار»(1).
و كره أحمد بناءه، و بيعه، و شراءه، و إجارته(2) لحديث عمر(3) ، و اتباع علي عليه السلام أولى.
و ترك النظر إلى عورة غيره لأن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله دخل حماما بالجحفة، و كذا ابن عباس، و خالد بن الوليد، و الحسن، و ابن سيرين(4).
ص: 245
و من طريق الخاصة قول الكاظم عليه السلام و قد سئل عن الحمام:
«أدخله بمئزر، و غض بصرك، و لا تغتسل من البئر التي يجتمع فيها ماء الحمام فإنه يسيل فيها ما يغتسل به الجنب، و ولد الزنا، و الناصب لنا أهل البيت و هو شرهم»(1).
و دخل الصادق عليه السلام الحمام، فقال له صاحب الحمام: نخليه لك ؟ فقال: «لا إن المؤمن خفيف المئونة»(2).
و دخله الكاظم عليه السلام، و غيرهما من الأئمة عليهم السلام(3).
و أما الاستتار فلترك التعرض للحرام و هو النظر إلى العورة، قال أمير المؤمنين عليه السلام: «إذا تعرى أحدكم نظر إليه الشيطان فطمع فيه فاستتروا»(4).
و نهى أمير المؤمنين عليه السلام أن يدخل الرجل إلا بمئزر(5). و قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: (من كان يؤمن باللّه و اليوم الآخر فلا يدخل الحمام إلا بمئزر)(6).
و روى حنان بن سدير عن أبيه قال: دخلت أنا و أبي و جدي و عمي حماما في المدينة فإذا رجل في بيت المسلخ فقال لنا: «ممّن القوم ؟» فقلنا: من أهل العراق، فقال: «و أيّ العراق ؟» فقلنا: كوفيون، فقال:5.
ص: 246
«مرحبا بكم يا أهل الكوفة و أهلا، أنتم الشعار دون الدثار» ثم قال: «ما يمنعكم من الإزار؟ فإن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال: عورة المؤمن على المؤمن حرام» قال: فبعث عمي إلى كرباسة فشقها بأربعة ثم أخذ كل واحد منا واحدا ثم دخلنا فيها فلمّا كنّا في البيت الحار صمد لجدي فقال:
«يا كهل ما يمنعك من الخضاب ؟» فقال له جدي: أدركت من هو خير مني و منك لا يختضب، فقال: «و من ذلك الذي هو خير مني ؟» قال: أدركت علي ابن أبي طالب عليه السلام و لا يختضب، فنكس رأسه و تصابّ عرقا و قال:
«صدقت و بررت» ثم قال: «يا كهل إن تخضب فإن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قد خضب و هو خير من علي، و إن تترك فلك بعلي أسوة» قال:
فلما خرجنا من الحمام سألنا عن الرجل في المسلخ فإذا هو علي بن الحسين و معه ابنه محمد بن علي عليهما السلام(1).
لعذر من حيض، أو نفاس، أو غيرهما، أو لغير عذر لما فيه من التنظيف و التحسين.
و لقول علي عليه السلام و قد قيل له: إن سعيد بن عبد الملك يدخل جواريه الحمام: «و ما بأس إذا كان عليهن الأزر، لا يكنّ عراة كالحمير ينظر بعضهم إلى سوءة بعض»(2).
و قال أحمد: لا يجوز إلاّ لعذر(3) لقول عائشة: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقول: (إن المرأة إذا خلعت ثيابها في غير بيت زوجها هتكت سترها بينها و بين اللّه عزّ و جلّ)(4) و هو محمول على الكراهة بمعنى ترك
ص: 247
الأولى، أو على غير الحمام.
و قد روي كراهة بعثهن إلى الحمام، قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: (من كان يؤمن باللّه و اليوم الآخر فلا يبعث بحليلته إلى الحمام)(1).
و الأقرب إجزاء الغسل، و إن كان خاليا جاز لأن موسى، و أيوب عليهما السلام اغتسلا عريانين(2).
و إن استتر كان أولى لأن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله كان يستتر بثوب و يغتسل و قال: (فاللّه أحق أن يستحي منه الناس)(3).
و نهى صلّى اللّه عليه و آله عن الغسل تحت السماء إلا بمئزر، و عن دخول الأنهار إلاّ بمئزر و قال: (إن للماء أهلا و سكانا)(4).
و روى الجمهور عن الحسن و الحسين عليهما السلام أنهما دخلا الماء و عليهما بردان، فقيل لهما في ذلك فقالا: «إن للماء سكانا»(5).
لأن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله كان يذكر اللّه على كل أحيانه(6) ، و لا يكره فيه قراءة القرآن، و به قال
ص: 248
النخعي، و مالك(1).
لأن الكاظم عليه السلام سئل عن الرجل يقرأ في الحمام، و ينكح فيه فقال: «لا بأس»(2).
و قال أبو بصير: سألته عن القراءة في الحمام فقال: «إذا كان عليك إزار فاقرأ القرآن إن شئت كله»(3).
و كرهه أبو وائل، و الشعبي، و الحسن، و مكحول، و أحمد(4) ، لأنه محل التكشف و يفعل فيه ما لا يستحسن في غيره فاستحب صيانة القرآن عنه.
و أما السلام فالأقرب تسويغه، لعموم قوله عليه السلام: (أفشوا السلام)(5). و دخل الكاظم عليه السلام الحمام و عليه إزار فوق النورة فقال: «السلام عليكم»(6). قال الصدوق: و في هذا إطلاق في التسليم في الحمام لمن عليه مئزر، و النهي الوارد عن التسليم فيه هو لمن لا مئزر عليه(7).
أ - أن يقول ما روي عن الصادق عليه السلام وقت نزع ثيابه: «اللهم
ص: 249
انزع عني ربقة النفاق، و ثبتني على الإيمان» فإذا دخل البيت الأول قال:
«اللهم إني أعوذ بك من شر نفسي، و أستعيذ بك من أذاه» فإذا دخل البيت الثاني قال: «اللهم أذهب عني الرجس النجس، و طهر جسدي و قلبي» و خذ من الماء الحار وضعه على هامتك و صب منه على رجليك، و إن أمكن أن تبلع منه جرعة فافعل فإنه ينقي المثانة، و البث في البيت الثاني ساعة، فإذا دخلت البيت الثالث فقل: «نعوذ باللّه من النار و نسأله الجنة» و ترددها إلى وقت خروجك من البيت الحار، فإذا لبست ثيابك فقل: «اللهم ألبسني التقوى، و جنّبني الردى»(1).
ب - الاطلاء، لأن الصادق عليه السلام كان يطلي في الحمام(2).
و قال الكاظم عليه السلام: «ألقوا الشعر عنكم فإنه يحسن»(3).
و قال أمير المؤمنين عليه السلام: «النورة طهور»(4).
ج - قال الصادق عليه السلام: «من أراد أن يتنور فليأخذ من النورة و يجعله على طرف أنفه و يقول: اللهم ارحم سليمان بن داود كما أمر بالنورة فإنه لا تحرقه النورة إن شاء اللّه»(5).
د - قال أمير المؤمنين عليه السلام: «أحب للمؤمن أن يطلي في كل خمسة عشر يوما»(6).8.
ص: 250
و قال الصادق عليه السلام: «السنة من النورة في كل خمسة عشر يوما فإن أتت عليك عشرون يوما و ليس عندك فاستقرض على اللّه عزّ و جل»(1).
و قال أمير المؤمنين عليه السلام: «ينبغي للرجل أن يتوقى النورة يوم الأربعاء فإنه يوم نحس مستمر»(2).
و قال الكاظم عليه السلام: «من تنوّر يوم الجمعة فأصابه البرص فلا يلومن إلاّ نفسه»(3).
ه - طلي الإبط، كان الصادق عليه السلام يطلي إبطيه في الحمام و يقول: «نتف الإبط يضعف المنكبين، و يوهي و يضعف البصر»(4).
و قال عليه السلام: «حلقه أفضل من نتفه، و طليه أفضل من حلقه»(5).
و - التدلك بالحناء عقيب الإطلاء، قال الصادق عليه السلام: «الحناء على أثر النورة أمان من الجذام و البرص»(6).
قال الصادق عليه السلام: «إياك و شرب الماء البارد، و الفقاع في الحمام فإنه يفسد المعدة، و لا تصبن عليك الماء البارد فإنه يضعف البدن، و صب الماء البارد على قدميك إذا خرجت فإنه يسل الداء من جسدك»(7).
ص: 251
و قال الصادق عليه السلام: «لا تتك في الحمام فإنه يذيب شحم الكليتين، و لا تسرح في الحمام فإنه يرقق الشعر، و لا تغسل رأسك بالطين فإنه يسمج(1) الوجه، و لا تدلك بالخزف فإنه يورث البرص، و لا تمسح وجهك بالإزار فإنه يذهب بماء الوجه - و روي أن ذلك طين مصر، و خزف الشام - و السواك في الحمام يورث و باء الأسنان»(2).
و قال الكاظم عليه السلام: «لا تدخلوا الحمام على الريق، و لا تدخلوه حتى تطعموا شيئا»(3).
و قال الرضا عليه السلام لسليمان الجعفري و قد مرض حتى ذهب لحمه: «يسرك أن يعود إليك لحمك ؟» فقلت: نعم، فقال: «الزم الحمام غبّا فإنه يعود إليك لحمك، و إياك أن تدمنه فإن إدمانه يورث السل»(4).2.
ص: 252
قال الصادق عليه السلام: «قلّموا أظفاركم يوم الثلاثاء، و استحموا يوم الأربعاء، و أصيبوا من الحجامة حاجتكم يوم الخميس، و تطيبوا بأطيب طيبكم يوم الجمعة»(1) ، و قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: (من اتخذ شعرا فليحسن ولايته أو ليجزه)(2).
و قال عليه السلام: (حفّوا الشوارب و أعفوا اللحى و لا تشبّهوا باليهود)(3).
و نظر صلّى اللّه عليه و آله الى رجل طويل اللحية فقال: (ما كان على هذا لو هيّأ(4) من لحيته) فبلغ الرجل ذلك فهيّأ لحيته بين اللحيين(5) ، ثم دخل على النبيّ صلّى اللّه عليه و آله فلمّا رآه قال: (هكذا فافعلوا)(6).
و قال عليه السلام: (إن المجوس جزّوا لحاهم و وفّروا شواربهم، و أما نحن نجزّ الشوارب و نعفي اللحى و هي الفطرة)(7).
ص: 253
و قال عليه السلام: (الشيب نور فلا تنتفوه)(1).
و يستحب الخضب، فإن رجلا دخل على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و قد صفر لحيته، فقال عليه السلام: (ما أحسن هذا) ثم دخل عليه بعد هذا و قد أقنى بالحناء، فتبسّم عليه السلام و قال: (هذا أحسن من ذلك) ثم دخل عليه و قد خضب بالسواد فضحك و قال: (هذا أحسن من ذاك و ذاك)(2).
و قال لعلي عليه السلام: (يا علي درهم في الخضاب أفضل من ألف درهم في غيره في سبيل اللّه)(3).
و قال الباقر عليه السلام: «كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يخضب و هذا شعره عندنا»(4).
و روي أنه كان في رأسه و لحيته عليه السلام سبع عشرة شيبة(5).
و كان النبيّ، و الحسين، و الباقر عليهم السلام يخضبون بالكتم(6).
و كان زين العابدين عليه السلام يخضب بالحناء و الكتم(7).
و قال الصادق عليه السلام: «غسل الرأس بالخطمي في كل جمعة أمان من البرص و الجنون»(8).4.
ص: 254
و قال الكاظم عليه السلام: «غسل الرأس بالسدر يجلب الرزق جلبا»(1).
و قال الصادق عليه السلام: «تقليم الأظفار يوم الجمعة يؤمن من الجذام، و الجنون، و البرص، و العمى، فإن لم تحتج فحكّها حكا»(2).
و قال عليه السلام: «أخذ الشارب من الجمعة إلى الجمعة أمان من الجذام»(3).
و سئل الرضا عليه السلام عن قوله تعالى خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ (4) قال: «من ذلك التمشط عند كل صلاة»(5).
و قال الصادق عليه السلام لبعض أصحابه: «استأصل شعرك يقل درنه، و دوابه، و وسخه، و تغلظ رقبتك، و يجلو بصرك، و يستريح بدنك»(6) و هو يعطي نفي كراهة الحلق.
قال ابن عبد البر: أجمع العلماء في جميع الأمصار على إباحة الحلق(7) ، و في رواية عن أحمد أنه مكروه(8) ، و الإجماع بخلافه.
و قال عليه السلام: (من اتخذ شعرا فلم يفرقه فرقه اللّه بمنشار من نار)(9).0.
ص: 255
و قال عليه السلام: (من سرح لحيته سبعين مرة و عدّها مرّة مرّة لم يقربه الشيطان أربعين يوما)(1).
و قال عليه السلام: (ما زاد من اللحية على القبضة فهو في النار)(2).
و لعن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله الواصلة، و المستوصلة، و الواشمة، و المستوشمة، و الواشرة، و المستوشرة(3).
فالواصلة التي تصل الشعر بشعر آخر، و المستوصلة التي تسأل أن يوصل شعرها، و الواشمة التي تغرز الكف أو الجبهة بالإبرة و تتبعه بالخضاب حتى يخضر، و المستوشمة التي تسأله، و الواشرة التي تشر الأسنان حتى تظهر في طرقها رقة و تجدد أطراف الأسنان، و المستوشرة التي يفعل بها ذلك.
و علّل الشافعي تحريم الوصل إما بنجاسة الشعر، أو بكونه شعر أجنبي لا يحل النظر إليه، و إن كان مجزوزا على أحد الوجهين، و إن كان شعر بهيمة و لم تكن المرأة ذات زوج فهي متعرضة للتهمة، و إن كانت ذات زوج فهي ملبسة، و إن كان بإذن الزوج لم يحرم على أقيس الوجهين(4) ، و عندنا العلة في شعر الآدمي ما ذكره في شعر الدابة.
تم الجزء الأول(5) من كتاب تذكرة الفقهاء، و يتلوه في الثاني كتاب الصلاة فرغت من تسويده في رابع و عشرين صفر سنة ثلاث و سبعمائة، و كتب مصنف الكتاب حسن بن يوسف بن المطهر الحلي غفر اللّه له و للمؤمنين و المؤمنات، و الحمد للّه وحده، و صلّى اللّه على سيدنا محمد و آله الطاهرين.ب.
ص: 256
ص: 257
ص: 258
بسم اللّه الرحمن الرحيم «كتاب الصلاة» و فيه مقاصد:
و فيه فصول:
مقدمة: الصلاة لغة: الدعاء، و شرعا: ذات الركوع و السجود، و هي من أهم العبادات، قال علي عليه السلام: «قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: إنّ عمود الدين الصلاة، و هي أول ما ينظر فيه من عمل ابن آدم، فإن صحّت نظر في عمله، و إن لم تصح لم ينظر في بقية عمله»(1) و هي واجبة بالنصّ(2) ، و الإجماع.
فالواجبات تسع: اليومية، و صلاة الجمعة، و العيدين، و الكسوف، و الزلزلة، و الآيات، و الطواف، و ما يلزمه بنذر، و شبهه. و المندوب ما عداه، و هو إما النوافل اليومية، أو
ص: 259
غيرها، و سيأتي بيان ذلك مفصلا إن شاء اللّه تعالى.
و اليومية خمس: الظهر، و العصر، و المغرب، و العشاء، و الصبح بالإجماع، و لا يجب ما عداها عند العلماء إلاّ أبا حنيفة، فإنه أوجب الوتر(1) لقوله تعالى حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَ الصَّلاةِ الْوُسْطى (2) و إيجاب الوتر يسقط هذا الوصف، و قول النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: (ثلاث عليّ فرض و لكم تطوع: الوتر، و النحر، و ركعتا الفجر)(3) ، و جاء أعرابي إلى النبيّ صلّى اللّه عليه و آله فسأله عن الإسلام فقال: (خمس صلوات في اليوم و الليلة) فقال: هل عليّ غيرها؟ فقال: (لا إلاّ أن تطوّع) ثم سأله عن الصوم فقال: (شهر رمضان) فقال: هل عليّ غيره ؟ فقال: (لا إلاّ أن تطوّع) ثم سأله عن الصدقة(4) فقال: هل علي غيرها؟ فقال: (لا إلاّ أن تطوّع) فأدبر الرجل و هو يقول: و اللّه لا أزيد على هذا و لا أنقص منه، فقال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: (أفلح إن صدق)(5).
و من طريق الخاصة قول الصادق عليه السلام: «إنما كتب اللّه الخمس و ليس الوتر مكتوبة»(6) و لأنها تصلى على الراحلة اختيارا و لا شيء من الواجب كذلك.2.
ص: 260
و قال أبو حنيفة: الوتر فرض(1) قال ابن المبارك: ما علمت أحدا قال:
الوتر واجب إلاّ أبا حنيفة. قال حماد بن زيد: قلت لأبي حنيفة: كم الصلوات ؟ قال: خمس، قلت: فالوتر؟ قال: فرض، قلت: لا أدري يغلط في الجملة أو في التفصيل(2) و احتج بقوله عليه السلام: (إن اللّه زادكم صلاة و هي الوتر فصلّوها)(3) و هو محمول على الندب.
و ركعتان في السفر بتشهد و تسليم، و كذا العصر و العشاء، و المغرب ثلاث ركعات فيهما بتشهدين و تسليم، و الصبح ركعتان فيهما معا بتشهد و تسليم، و لا خلاف في ذلك بين علماء الإسلام، و إنما الخلاف في القصر هل هو واجب أو لا؟ و سيأتي.
ثم الراتبة إما أن تتبع الفرائض أو لا، فالتابعة للفرائض عندنا ثلاث و عشرون ركعة: قبل الصبح ركعتان، و قبل الظهر ثمان، و كذا قبل العصر، و بعد المغرب أربع، و بعد العشاء ركعتان من جلوس يعدّان بركعة لقول الصادق عليه السلام: «كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يصلّي من التطوع مثلي الفرض، و يصوم من التطوع مثلي الفرض»(4).
و قال عليه السلام: «كان النبيّ صلّى اللّه عليه و آله يصلي»
ص: 261
ثماني ركعات للزوال، و أربعا الاولى، و ثماني بعدها، و أربعا العصر، و ثلاثا المغرب، و أربعا بعدها، و العشاء أربعا، و ثماني صلاة الليل، و ثلاثا الوتر، و ركعتي الفجر، و صلاة الغداة ركعتين»(1) و في خبر آخر: «و ركعتين بعد العشاء، كان أبي يصليهما و هو قاعد، و أنا أصليهما و أنا قائم»(2).
و سأل البزنطي أبا الحسن عليه السلام عن النوافل فقال: «أنا أصلي واحدة و خمسين» ثم عدّ بأصابعه حتى قال: «و ركعتين من قعود يعدّان بركعة من قيام»(3).
و قال أبو حنيفة: ركعتان قبل الفجر، و أربع قبل الظهر و ركعتان بعدها، و أربع قبل العصر و إن شاء ركعتين، و ركعتان بعد المغرب، و أربع قبل العشاء، و أربع بعدها و إن شاء ركعتين(4) للحديث.
و قال أحمد: عشر ركعات، ركعتان قبل الظهر، و ركعتان بعدها، و ركعتان بعد المغرب، و ركعتان بعد العشاء، و ركعتان قبل الفجر(5).
و للشافعي قولان، أحدهما: ثمان ركعات ركعتان قبل الصبح، و ركعتان قبل الظهر، و ركعتان بعدها، و ركعتان بعد المغرب. و الثاني: هذا مع زيادة ركعتين بعد العشاء. و له ثالث: ثمان عشرة، ركعتان قبل الصبح، و أربع قبل الظهر، و أربع بعدها، و أربع قبل العصر، و ركعتان بعد المغرب، و ركعتان بعد العشاء(6).
و رواياتنا أولى، أمّا أوّلا: فلأن أهل البيت عليهم السلام أعرف بمواقع1.
ص: 262
الشرع الهابط في بيوتهم.
و أما ثانيا: فلأن فيه زيادة على ما ذكروه، و العمل بالزيادة أولى.
و فيها فضل كثير، نزل جبرئيل على النبيّ صلّى اللّه عليه و آله فقال له: (يا جبرئيل عظني) قال: يا محمد عش ما شئت فإنك ميت، و أحبب ما شئت فإنك مفارقه، و اعمل ما شئت فإنك ملاقيه، شرف المؤمن صلاته بالليل، و عزه كف الأذى عن الناس(1).
و قال الصادق عليه السلام: «إن البيوت التي يصلى فيها بالليل بتلاوة القرآن تضيء لأهل السماء كما تضيء نجوم السماء لأهل الأرض»(2).
و مدح اللّه تعالى أمير المؤمنين عليه السلام بقيام صلاة الليل بقوله عزّ و جلّ أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ آناءَ اللَّيْلِ ساجِداً وَ قائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَ يَرْجُوا رَحْمَةَ رَبِّهِ (3).(4). و آناء الليل ساعاته. و قال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله لأبي ذر:
(يا أبا ذر احفظ وصية تنفعك، من ختم له بقيام الليل ثم مات فله الجنّة)(5).
ثمان صلاة الليل، و اثنتان للشفع، و يوتر بواحدة، و به قال أحمد، و زيد بن
ص: 263
ثابت، و ابن عباس، و عائشة، و أبو حنيفة لكنه يجمع بين الثلاثة الأخيرة بتسليمة يجعلها الوتر(1) ، لما روت عائشة: أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كان يصلي ما بين أن يفرغ من العشاء الى الفجر إحدى عشرة ركعة، يسلم بين كل ركعتين و يوتر منها بواحدة(2).
و من طريق الخاصة قول الصادق عليه السلام: «و ثمان من آخر الليل ثم الوتر ثلاث ركعات تفصل بينها بتسليم، ثم ركعتي الفجر»(3).
إذا عرفت هذا فالوتر عندنا واحدة لا يزاد عليها، و ما يصلى قبله ليس من الوتر، و هي رواية عن أحمد، و في أخرى: يوتر بثلاث، و نقلوه عن علي عليه السلام و عمر، و أبي، و أنس، و ابن عباس، و ابن مسعود، و أبي أمامة، و عمر بن عبد العزيز، و به قال أصحاب الرأي(4).
و قال الثوري، و إسحاق: الوتر ثلاث، و خمس، و سبع، و تسع، و إحدى عشرة(5).
و قال ابن عباس: إنما هي واحدة، أو خمس، أو سبع، أو أكثر من ذلك يوتر بما شاء(6).1.
ص: 264
و ما تقدم من الحديثين يبطل هذه الأقاويل، و فعل معاذ القارئ ذلك، و تبعه رجال من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله(1) و لم ينكره أحد، و قال [ابن عمر](2): الوتر ركعة، كان ذلك وتر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، و بهذا قال سعيد بن المسيب، و عطاء، و مالك، و الأوزاعي، و الشافعي، و إسحاق، و أبو ثور قالوا: يصلي ركعتين ثم يسلم ثم يوتر بركعة(3) ، و روى ابن عباس، و ابن عمر أن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال: (الوتر ركعة من آخر الليل)(4).
و به قال ابن مسعود، و إبراهيم النخعي، و إسحاق، و أصحاب الرأي، و الحسن، و أحمد في رواية(5) ، لأن عليا عليه السلام قال: «كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقول في آخر وتره: اللّهمّ إني أعوذ برضاك من سخطك، و أعوذ بمعافاتك من عقوبتك، و أعوذ بك منك، لا احصي ثناء عليك، أنت كما أثنيت على نفسك»(6).
و «كان» للدوام، و الأخبار من طريق(7) أئمتنا عليهم السلام متواترة بالقنوت، و الدعاء فيه(8).
ص: 265
و قال الشافعي، و مالك: لا يقنت إلاّ في النصف الأخير من رمضان، و رووه عن علي عليه السلام، و أبي، و ابن سيرين، و الزهري، و هو رواية عن أحمد(1) ، لأن عمر جمع الناس على أبيّ بن كعب فكان يصلي بهم عشرين ليلة و لا يقنت إلا في النصف الباقي(2).
و قال قتادة: يقنت في السنة كلها إلاّ في النصف الأول من رمضان(3).
و عن ابن عمر: لا يقنت في صلاة بحال(4).
و الكل ضعيف لما تقدم، و لأنه ذكر شرع في الوتر فيشرع في جميع السنة.
النبيّ صلّى اللّه عليه و آله كان يوتر فيقنت قبل الركوع(1).
و من طريق الخاصة قول الصادق عليه السلام و قد سأله معاوية بن عمار عن القنوت في الوتر قال: «قبل الركوع» قلت: فإن نسيت، أقنت إذا رفعت رأسي ؟ فقال: «لا»(2).
قال الصدوق: إنما منع عليه السلام من ذلك في الوتر و الغداة، خلافا للعامة لأنهم يقنتون بعد الركوع، و أطلق في سائر الصلوات لأنهم لا يرون القنوت فيها(3) ، و هذا تأويل(4) جيد، و يدل على الإطلاق قول الصادق عليه السلام: «إذا نسي القنوت فذكره و قد أهوى إلى الركوع فليرجع قائما فليقنت ثم يركع، و إن كان وضع يديه على ركبتيه مضى على صلاته»(5).
و قال الشافعي: يقنت بعد الركوع، و رووه عن علي عليه السلام، و أبي بكر، و عمر، و عثمان، و أبي قلابة، و أيوب السختياني، و أحمد في رواية(6) ، لأن أبا هريرة روى أن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله قنت بعد الركوع(7) ، و ما ذكرناه أولى لموافقة نقل أهل البيت عليهم السلام، على2.
ص: 267
أنه محمول على الدعاء بعد الركوع فإنه مستحب.
ب - ليس في الوتر دعاء موظف لأنهم عليهم السلام قنتوا بأدعية مختلفة، و لأن إسماعيل بن الفضل سأل الصادق عليه السلام ما أقول في الوتر؟ قال: «ما قضى اللّه على لسانك»(1) و قال الشافعي، و أحمد:
أحسن ما يقال ما رواه الحسن بن علي عليهما السلام: قال: علّمني رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كلمات أقولهن في الوتر:
(اللهم اهدني فيمن هديت، و عافني فيمن عافيت، و تولني فيمن توليت، و بارك لي فيما أعطيت، و قني شر ما قضيت إنك تقضي و لا يقضى عليك، إنه لا يذل من واليت، و لا يعز من عاديت، تباركت ربنا و تعاليت)(2) و لا حجة فيه إذ لم يمنع من غيره.
ج - يستحب الاستغفار في الوتر سبعين مرة، قال الصادق عليه السلام في قوله تعالى وَ بِالْأَسْحارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (3) قال: «في الوتر في آخر الليل سبعين مرة»(4) و كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يستغفر اللّه في الوتر سبعين مرة و يقول: (هذا مقام العائذ بك من النار) سبع مرات(5).9.
ص: 268
د - يستحب الدعاء بعد الرفع من الركوع لأن الكاظم عليه السلام كان إذا رفع رأسه من آخر ركعة الوتر قال: «هذا مقام من حسناته نعمة منك» الى آخر الدعاء(1).
ه - يجوز أن يدعو على عدوّه في قنوته، و أن يسأل اللّه تعالى ما شاء، لقول الصادق عليه السلام: «تدعو في الوتر على العدو، و إن شئت سميتهم، و تستغفر، و ترفع يديك حيال وجهك، و إن شئت تحت ثوبك»(2) و كان زين العابدين عليه السلام يقول: «العفو، العفو» ثلاثمائة مرة في الوتر(3) ، و كان الباقر، و الصادق عليهما السلام يدعوان بدعاء الفرج و يزيدان: «اللهم أنت نور السماوات و الأرض» إلى آخر الدعاء(4).
فقد روي أنه (من قرأها انفتل و ليس بينه و بين اللّه تعالى ذنب)(5) ، و روي في الأولى بالإخلاص و في الثانية بالجحد(6) ، و يستحب الإطالة مع سعة الوقت بقراءة السور الطوال (فإن ضاق الوقت خفف و لو بقراءة الحمد وحدها)(7) فإن ضاق الوقت عن الصلاة صلّى ركعتين و أوتر بعدهما ثم صلى ركعتي الفجر و الغداة و قضى ما فاته، فإن كان قد طلع الفجر اقتصر على ركعتيه و صلاة الغداة، و لو كان قد تلبس من نافلة الليل بأربع
ص: 269
زاحم بها الفريضة، لرواية محمد بن النعمان عن الصادق عليه السلام(1) ، و لو نسي ركعتين من صلاة الليل ثم ذكرهما بعد الوتر قضاهما و أعاد الوتر.
و أفضل ما يقرأ في ركعتي الفجر الحمد و الجحد في الاولى، و في الثانية الحمد و الإخلاص، رواه أبو هريرة عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله(2).
و من طريق الخاصة هشام بن سالم عن الصادق عليه السلام(3).
و يستحب أن يضطجع بعد ركعتي الفجر على جانبه الأيمن، و يقرأ خمس آيات من آخر آل عمران، و يدعو بالمنقول(4) - و لو سجد عوض الضجعة جاز - لقول رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: (إذا صلى أحدكم ركعتي الفجر فليضطجع).(5) و من طريق الخاصة قول الصادق عليه السلام، و قد سأله سليمان بن خالد عمّا أقول إذا اضطجعت بعد ركعتي الفجر؟: «اقرأ الخمس آيات التي في آخر آل عمران، و قل الدعاء»(6) ، و روى إبراهيم بن أبي البلاد، قال: صليت خلف الصادق عليه السلام صلاة الليل فلما فرغ جعل مكان الضجعة سجدة(7) ، و أنكر أحمد كون الضجعة سنّة(8).
قال الشيخ: يجوز بدلا من الاضطجاع السجدة، و المشي، و الكلام1.
ص: 270
إلا أن الاضطجاع أفضل(1).
و روي أن (من صلى على محمد و آله مائة مرة بين ركعتي الفجر و ركعتي الغداة و قي اللّه وجهه حر النار، و من قال مائة مرة سبحان ربي العظيم و بحمده أستغفر اللّه ربي و أتوب إليه بنى اللّه له بيتا في الجنّة، و من قرأ إحدى و عشرين مرة قل هو اللّه أحد بنى اللّه له بيتا في الجنّة، فإن قرأها أربعين مرّة غفر اللّه له)(2) و يستحب السواك أمام صلاة الليل لأن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله كان إذا استيقظ تسوك و توضأ(3).
اثنتان ساعة الغفلة، و اثنتان بعدها، لقول أنس في تأويل قوله تعالى:
تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ (4) قال: كانوا يتنفلون(5) ما بين المغرب و العشاء يصلّون(6) ، و من طريق الخاصة قول الصادق عليه السلام: «من يصلي ركعتين يقرأ في الأولى الحمد، و من قوله وَ ذَا النُّونِ - الى قوله - نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ (7) ، و في الثانية الحمد [و قوله:] (8)وَ عِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ الى آخر الآية(9) ، ثم يدعو بدعائها و سأل اللّه حاجته أعطاه ما شاء»(10) ، و عن الباقر عن
ص: 271
آبائه عليهم السلام عن علي عليه السلام أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال: (أوصيكم بركعتين بين العشاءين يقرأ في الأولى الحمد، و إذا زلزلت ثلاث عشرة مرّة، و في الثانية الحمد مرّة و قل هو اللّه أحد خمس عشرة مرّة، و من فعل ذلك في كل شهر كان من الموقنين، فإن فعل في كل سنة كان من المحسنين، فإن فعل في كل جمعة كان من المصلحين، فإن فعله في كل ليلة زاحمني في الجنّة و لم يحص ثوابه إلا اللّه)(1).
و ذلك سبع عشرة ركعة لأن هذه الفرائض يجب قصرها، و هو يشعر بكراهة التنفل لها، و لقول الصادق عليه السلام: «يا بني لو صلحت النافلة في السفر تمت الفريضة»(2) و قال عليه السلام: «إنما فرض اللّه على المسافر ركعتين ليس قبلهما و لا بعدهما شيء إلا صلاة الليل على بعيرك حيث توجه بك»(3) و قال عليه السلام: «أربع ركعات بعد المغرب لا تدعهن في سفر و لا حضر»(4).
و قال الرضا عليه السلام: «صل ركعتي الفجر في المحمل»(5) و قال الصادق عليه السلام: «كان أبي لا يدع ثلاث عشرة ركعة بالليل في سفر و لا حضر»(6).
ص: 272
و أما الركعتان من جلوس فالمشهور سقوطهما، و روي جوازهما عن الرضا عليه السلام قال: «إنما صارت العشاء مقصورة و ليس تترك ركعتيها، لأنهما زيادة في الخمسين تطوعا ليتم بهما بدل كل ركعة من الفريضة ركعتان من التطوع»(1).
اعلم يا بني أن أفضل النوافل ركعتا الفجر، و بعدهما ركعة الوتر، و بعدها ركعتا الزوال، و بعدهما نوافل المغرب، و بعدها تمام صلاة الليل، و بعدها تمام نوافل النهار(2).
و ذهب الشافعي الى أن الوتر، و ركعتي الفجر أفضل من غيرها، و له في أن أيهما أفضل قولان: ففي القديم ركعتا الفجر أفضل - و به قال أحمد(3) - و عليه علماؤنا، لأن عائشة قالت: ان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لم يكن على شيء من النوافل أشد معاهدة منه على ركعتين قبل الصبح(4) ، و من طريق الخاصة قول علي عليه السلام في قوله تعالى إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً (5) قال: «ركعتا الفجر يشهدهما ملائكة الليل و النهار»(6) و لأنها محصورة بعدد و اختلف في عدد الوتر.
ص: 273
و قال في الجديد: الوتر أفضل - و به قال مالك(1) - لأن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال: (من لم يوتر فليس منا)(2) و لأنه اختلف في وجوبها(3) ، و الحديث يراد به من لم يعتقد مشروعيته إذ لا يمكن حمله على ظاهره، و خطأ القول بالوجوب لا يثبت الأرجحية للإجماع على أنه خطأ.
و اختلف أصحابه، فالمشهور أن المرجوحية تابعة للراجحة هنا، و قال بعضهم: الوتر أفضل، ثم صلاة الليل، ثم ركعتا الفجر(4).
لأن أبا الفوارس نهاه الصادق عليه السلام أن يتكلم بين الأربع التي بعد المغرب(5) ، و يستحب أن يسجد للشكر بعد السابعة لئلا يفصل بين الفريضة و نافلتها لقول أبي الحسن الهادي عليه السلام: «ما كان أحد من آبائي يسجد إلا بعد السابعة»(6) و لو سجد بعد الفريضة جاز لأن الكاظم عليه السلام سجد عقيب الثالثة من المغرب و قال: «لا تدعها فإن الدعاء فيها مستجاب»(7).
كالرواتب إلا الوتر، و صلاة الأعرابي سواء في ذلك نوافل الليل و النهار - و به قال الحسن، و سعيد بن جبير، و مالك، و الشافعي، و أحمد في رواية(8) -
ص: 274
لأن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله كان يتطوع مثنى مثنى(1) و قال عليه السلام: (صلاة الليل مثنى مثنى(2) و قال عليه السلام: (مفتاح الصلاة الطهور، و بين كل ركعتين تسليمة)(3) و لأنها أبعد من السهو، و منع أكثر العلماء من الزيادة على الركعتين في تطوع الليل، و به قال أبو يوسف، و محمد(4).
و قال أبو حنيفة: إن شاء صلى ركعتين، أو أربعا، أو ستا، أو ثماني، في صلاة الليل، و أما صلاة النهار فإنه قال: يجوز أن يصلي ركعتين، أو أربعا لا أزيد - و هو رواية عن أحمد(5) - لأن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال: (أربع قبل الظهر لا تسليم فيهن يفتح لهن أبواب السماء)(6):
و لأنّ الأربع مشروعة في الفرائض فاستحبت في النوافل، و الحديث طعن فيه الشافعية(7) ، و عورض بقول ابن عمر: إنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال:
(صلاة الليل و النهار مثنى مثنى)(8) و لأنّه تطوع فكان ركعتين كركعتي3.
ص: 275
الفجر، و جميع الرواتب، و ينتقض قياسهم بالمغرب فإنّها مشروعة في الفرض، و لا يستحب التنفل بالثلاث.
أ - لا يجوز الزيادة على الركعتين في التنفل ليلا و نهارا قاله الشيخ، و ابن إدريس(1) - و به قال مالك، و أحمد في رواية(2) - لأنها عبادة شرعية فيقف على مورد النص، و قد ثبت أن تطوعات النبيّ صلّى اللّه عليه و آله مثنى(3).
و قال أبو حنيفة: لا يزيد على الثماني في نوافل الليل و لا على الأربع في نوافل النهار(4).
و قال الشافعي: لا يكره أي عدد أراد، لكن الأفضل إذا جمع أن يتشهد في كل ركعتين ثم يسلّم في الأخير، و لو صلى الجميع بتشهد واحد جاز، و كذا يجوز لو تشهد عقيب كل ركعة، و يجوز أن يصلي شفعا، أو وترا، و أن يصلي بغير عدد، و في وجه: لا يزيد على ثلاث عشرة ركعة،
ص: 276
و المشهور عندهم الأول، قالوا: له أن يزيد في عدد الركعات ما أراد و لكن لا يزيد في التشهد على تشهدين، و يكون بين التشهدين ركعتان، حتى لو أراد أن يصلي ثمان ركعات و يتشهد بعد الرابعة و الثامنة لا يجوز(1).
ب - قال الشيخ في الخلاف: لا يجوز الاقتصار في التنفل على الواحدة إلاّ في الوتر(2).
و قال أبو حنيفة: الركعة الواحدة ليست صلاة(3) لأن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله نهى عن البتيراء(4) يعني الركعة الواحدة، و لأنه مخالف للتقدير الشرعي فيكون منفيا.
و قال الشافعي، و أحمد في رواية: يجوز(5) لأن عمر تطوع في المسجد فصلى ركعة ثم خرج فتبعه رجل فقال له: إنما صليت ركعة، قال:
هو تطوع فمن شاء زاد و من شاء نقص(6). و لا حجة في فعله مع مخالفة فعل النبيّ صلّى اللّه عليه و آله.
ج - لو نوى النفل مطلقا صلى ركعتين لأنه الكيفية المشروعة، و قال الشافعي: يصلي ما شاء و الأولى عنده أن يسلم عن ركعتين، و في كراهة التسليم عن ركعة عنده وجهان مبنيان على أنه لو نذر الصلاة مطلقا هل يبرأ3.
ص: 277
بالواحدة أم لا؟(1).
د - لو شرع في النفل بأربع سلم عن ركعتين، و قال الشافعي: إن لم يقصد الاقتصار على ركعتين فإن سلم ناسيا عاد و بنى على صلاته، و إن تعمد بطلت صلاته(2) ، و لو شرع بنية ركعتين ثم قال إلى الثالثة فإن كان ساهيا عاد، و إن تعمد بطلت، و قال الشافعي: إن قصد أن يصلي أربع ركعات، أو ست ركعات جاز قياسا على المسافر إذا نوى الإتمام في أثناء الصلاة، و إن لم يقصد بطلت كما لو زاد في الفرض عامدا(3).
ه - قال الشافعي: لو تحرّم بركعة فله أن يجعلها عشرا فصاعدا، و إن تحرّم بعشر فله أن يقتصر على واحدة لكن بشرط أن يغير النيّة قبل الزيادة و النقصان، فلو زاد أو نقص قبل تغيير النيّة بطلت صلاته، كما لو نوى ركعتين ثم قام إلى الثالثة قبل نيّة الزيادة عمدا بطلت صلاته، و لو قام سهوا عاد و سجد للسهو و سلم عن ركعتين، فلو بدا له بعد القيام أن يزيد فيجب القعود ثم القيام في أصح الوجهين، و لو نوى أربعا ثم سلم عن ركعتين قبل تغيير النيّة بطلت صلاته إن كان عامدا، و إن كان ساهيا أتم الأربع و سجد للسهو، و إن أراد الاقتصار فذلك السلام غير محسوب فيسجد للسهو و يسلم(4).
و قال عبد الرحمن بن أبي ليلى: ما حدّثني أحد أنّه رأى النبيّ صلّى اللّه عليه و آله يصلي الضحى إلاّ أم هاني فإنها حدّثت: أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله دخل بيتها يوم فتح مكّة فصلّى ثمان ركعات ما رأيته قط صلّى صلاة أخف منها غير أنه كان يتم الركوع و السجود(1).
و من طريق الخاصة إنكار علي عليه السلام لها(2) ، و سأل زرارة، و ابن مسلم، و الفضيل، الباقر، و الصادق عليهما السلام عن الصلاة في رمضان نافلة بالليل جماعة فقالا: «إن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله صعد على منبره فحمد اللّه و أنثى عليه ثم قال: أيها الناس إن الصلاة بالليل في شهر رمضان في النافلة جماعة بدعة، و صلاة الضحى بدعة فلا تجمعوا في رمضان لصلاة الليل، و لا تصلوا الضحى فإن ذلك بدعة، و كل بدعة ضلالة، و كل ضلالة سبيلها الى النار»(3) و لو كانت مشروعة لما خفي عن نساء النبيّ صلّى اللّه عليه و آله، و لا عن أولاده و أهل بيته.
و أطبق الجمهور على استحبابها(4) لما روى أبو هريرة قال: أوصاني خليلي بثلاث: صيام ثلاثة أيام من كل شهر، و ركعتي الضحى، و أن أوتر قبل أن أرقد(5). و يبعد أن يوصي بما لا يهتم به، و لو اهتم به لعرفته عائشة، و لا دلالة في حديث أم هاني(6) لجواز أن يكون فعله عليه السلام شكرا لفتح مكة.4.
ص: 279
لا يقال: قد ورد أن الصلاة خير موضوع(1). لأنا نقول: لامتناع في الإتيان بها باعتبار كونها نافلة مبتدأة، أما فعلها مع اعتقاد مشروعيتها في هذا الوقت بالخصوصية فإنه يكون بدعة.
و وقتها عندهم من حين ترتفع الشمس قليلا الى أن تزول، و أقلها ركعتان، و أكثرها ثمان(2).
عند علمائنا - و به قال الجمهور(3) - لأن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال: (من قام رمضان إيمانا و احتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه)(4). و من طريق الخاصة قول الصادق عليه السلام: «كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إذا جاء شهر رمضان زاد في الصلاة، و أنا أزيد فزيدوا»(5) ، و لأنه أفضل من غيره من الشهور، و اختص بليلة القدر التي هي خير من ألف شهر، و يضاعف الحسنات فيه فناسب مشروعية زيادة أهم العبادات عند الشارع.
عند علمائنا لقول الصادق عليه السلام:
«يصلي في شهر رمضان ألف ركعة»(6).
و قال الشافعي، و أبو حنيفة، و أحمد: يصلي في كل ليلة عشرين ركعة
ص: 280
خمس ترويحات، كل ترويحة أربع ركعات، بتسليمتين(1) لأن عمر لما جمع الناس على أبيّ صلى بهم عشرين ركعة(2) ، و نحن نقول بموجبه إذ في العشر الأواخر يزاد في عدد الركعات لأن ليلة القدر ترجى فيها فناسب الزيادة، و قد كان أبيّ يصلي العشرين في كل ليلة إلى العشر الأواخر فيتخلف في بيته فيها و كانوا يقولون: أبق ابيّ(3).
و قال مالك: ست و ثلاثون لأن أهل المدينة فعلوا ذلك(4) و الراوي ضعيف، و لأنهم قصدوا ما رواه أهل مكة حيث كانوا يطوفون سبعا بين كل ترويحتين فجعل أهل المدينة مكان كل سبع أربع ركعات(5).
إذا عرفت هذا فقد روي زيادة على الألف مائة ركعة ليلة النصف يقرأ في كل ركعة الحمد مرّة و الإخلاص مائة مرّة(6).
و الأخرى كذلك إلا أنه يقتصر في ليالي الأفراد على مائة مائة فتبقى ثمانون فيصلي في كل جمعة عشر ركعات بصلاة علي عليه السلام، و فاطمة، و جعفر، و في ليلة آخر جمعة من الشهر عشرين بصلاة علي عليه السلام، و في عشية تلك الجمعة ليلة السبت عشرين بصلاة فاطمة عليها السلام، لرواية المفضل بن عمر عن الصادق عليه السلام(1) ، و إسحاق بن عمار عن الكاظم عليه السلام(2). إذا عرفت هذا فينبغي أن يقرأ - في المئات - في كل ركعة بالحمد مرّة و الإخلاص مائة مرة.
لرواية مسعدة(3) ، و في رواية سماعة يصلي بعد المغرب اثنتي عشرة ركعة و الباقي بعد العشاء(4) ، و كلاهما لا بأس به، و روي أن عليا عليه السلام كان يصلي في آخر عمره في كل يوم و ليلة من رمضان ألف ركعة(5).
عند علمائنا أجمع لقول زيد بن ثابت: إن الناس اجتمعوا فلم يخرج رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إليهم فرفعوا أصواتهم و حصّبوا الباب فخرج مغضبا و قال: (ما زال بكم صنيعكم حتى ظننت أنها ستكتب عليكم، فعليكم بالصلاة في بيوتكم، فإن خير صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة)(6) و لو كانت الجماعة مستحبة لم يزهد فيها.
و من طريق الخاصة قول الباقر، و الصادق عليهما السلام: «إن النبيّ
ص: 282
صلّى اللّه عليه و آله خرج أول ليلة من شهر رمضان ليصلي فاصطف الناس خلفه فهرب الى بيته و تركهم، ففعل ذلك ثلاث ليال، و قام في اليوم الرابع على منبره و قال: أيها الناس إن الصلاة بالليل في رمضان نافلة في جماعة بدعة فلا تجمعوا ليلا في شهر رمضان لصلاة الليل، فإن ذلك معصية، و كل بدعة ضلالة، و كل ضلالة سبيلها الى النار، ثم نزل و هو يقول: قليل في سنة خير من كثير في بدعة»(1).
و أطبق الجمهور على تسويغ الجماعة فيها(2) لأن عمر جمع الناس على أبي(3) ، و لا حجة فيه لانقضاء زمان النبيّ صلّى اللّه عليه و آله، و أبي بكر على عدم الاجتماع، و لهذا قال عمر: نعمت البدعة(4) و نسبت الجماعة في التراويح إليه و لو كانت سنة لما كانت بدعة.
و اختلفوا في الأفضلية فقال مالك: قيام رمضان في البيت لمن قوي أحب إلي(5) و كان ربيعة و جماعة من العلماء ينصرفون و لا يقومون مع الناس(6).
و قال أبو يوسف: من قدر على أن يصلي في بيته كما يصلي مع الإمام في رمضان فأحب إليّ أن يصلي في بيته. و هو أحد قولي الشافعي(7) لقول2.
ص: 283
النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: (صلاة الرجل في بيته أفضل إلاّ المكتوبة)(1).
و هذا يدل على انتفاء المشروعية إذ لو كانت الجماعة مشروعة لكانت أفضل كغيرها من الصلوات.
و القول الثاني للشافعي: الاجتماع أفضل - و به قال أحمد في رواية - و هو مروي عن الليث بن سعد(2) لأن أحمد روى أن عليا عليه السلام، و جابرا و عبد اللّه صلوها في جماعة(3) ، و قد بينا أن عليا عليه السلام أنكر ذلك(4) و أهل بيته، و قد أنكر جماعة قيام علي عليه السلام مع الصحابة.
عن أهل البيت عليهم السلام، و لا يستحب قيام ليلة الشك لأنها لم تثبت من رمضان فصلاة رمضان فيها بدعة، كما أن صومه بنية رمضان بدعة، و لأن الصحابة و التابعين لم يصلوها، و نقل عن أحمد أنه صلاها(5) لقوله عليه السلام: (إن اللّه فرض عليكم صيامه و سننت لكم قيامه)(6) فجعل القيام مع الصيام، و نحن نقول بموجبه فإن الصيام يوم الشك بنيّة رمضان حرام عندنا.
و يستحب أن يقرأ في ليلة ثلاث و عشرين سورة العنكبوت و الروم. قال الصادق عليه السلام: «من قرأ سورتي العنكبوت و الروم في شهر رمضان ليلة»
ص: 284
ثلاث و عشرين فهو و اللّه - يا أبا محمد - من أهل الجنّة، لا أستثني فيه أبدا و لا أخاف أن يكتب اللّه علي في يميني إثما، و أن لهاتين السورتين من اللّه مكانا»(1) و يستحب أن يقرأ فيها أيضا ألف مرّة سورة القدر.
ا - صلاة ليلة الفطر و هي ركعتان يقرأ في الأولى الحمد مرّة و الإخلاص ألف مرة، و في الثانية الحمد مرّة و الإخلاص مرّة واحدة، و يدعو بعدهما بالمنقول.
ب - يستحب أن يصلي أول يوم من ذي الحجة صلاة فاطمة عليها السلام، و فيه زوّجها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله من علي عليه السلام، و روي أنه يوم السادس، ثم يدعو بالمنقول(2).
ج - صلاة يوم الغدير مستحبة بعد الغسل قبل الزوال بنصف ساعة و هي ركعتان: يقرأ في كل واحدة الحمد مرّة و كل واحدة من الإخلاص، و آية الكرسي، و سورة القدر عشر مرات، ثم يدعو بالمنقول(3) ، و قد روى أبو الصلاح هنا استحباب الجماعة، و الخطبة، و التصافح، و التهاني(4) لبركة هذا اليوم و شرفه بتكميل الدين بنصب أمير المؤمنين عليه السلام.
د - يستحب أن يصلي قبل الزوال بنصف ساعة يوم الصدقة بالخاتم - و هو الرابع و العشرون من ذي الحجة - شكرا للّه ركعتين، يقرأ في كلّ ركعة
ص: 285
الحمد مرّة، و الإخلاص عشر مرات، و آية الكرسي إلى قوله هُمْ فِيها خالِدُونَ (1) عشر مرات، و القدر عشر مرات.
قال الشيخ: و هذه الصلاة بعينها رويناها في يوم الغدير(2) و هي تعطي أن آية الكرسي في يوم الغدير الى قوله هُمْ فِيها خالِدُونَ .
ه - يستحب أن يصلي يوم المباهلة - و هو الخامس و العشرون من ذي الحجة - ما أراد من الصلاة، و يستغفر اللّه عقيب كلّ ركعتين سبعين مرة، و يدعو بالمنقول(3).
و - يستحب أن يصلي صلاة عاشوراء. قال الصادق عليه السلام لعبد اللّه ابن سنان و قد رآه باكيا لمصاب جده عليه السلام: «إن أفضل ما تأتي به في هذا اليوم أن تعمد الى ثياب طاهرة فتلبسها و تتسلب» قلت: و ما التسلب ؟ قال: «تحلل أزرارك ثم تحسر عن ذراعيك كهيئة أصحاب المصاب، ثم تخرج إلى أرض مقفرة، أو مكان لا يراك به أحد، أو تعمد الى منزل لك خال، أو في خلوة منذ حين يرتفع النهار، فتصلي أربع ركعات، تحسن ركوعها، و سجودها، و تسلم بين كلّ ركعتين، تقرأ في الركعة الأولى سورة الحمد و قل يا أيها الكافرون، و في الثانية الحمد و قل هو اللّه أحد، ثم تصلي ركعتين أخريين. تقرأ في الأولى الحمد و سورة الأحزاب، و في الثانية الحمد و إذا جاءك المنافقون، أو ما تيسر من القرآن ثم تسلّم، و تحول وجهك نحو قبر الحسين صلوات اللّه و سلامه عليه و مضجعه»(4) الحديث.5.
ص: 286
ز - يستحب أن يصلي ليلة النصف من رجب اثنتي عشرة ركعة يقرأ في كلّ ركعة الحمد و سورة، فإذا فرغ قرأ الحمد و المعوذتين و سورة الإخلاص و آية الكرسي أربع مرات، و يدعو بالمنقول(1).
ح - يستحب أن يصلي ليلة المبعث - و هي ليلة السابع و العشرين من رجب - أي وقت كان من الليل اثنتي عشرة ركعة يقرأ في كل ركعة الحمد، و المعوذتين، و الإخلاص أربع مرات ثم يدعو بالمنقول(2).
ط - يستحب أن يصلي يوم المبعث اثنتي عشرة ركعة يقرأ في كل ركعة الحمد، و يس. فإذا فرغ قرأ الحمد أربع مرات، و كذا الإخلاص، و المعوذتين، و دعا بالمنقول(3).
ى - يستحب أن يصلي في أيام رجب ثلاثين ركعة في كل ركعة الحمد مرة، و الإخلاص ثلاث مرات، و الجحد ثلاث مرات، يصلي عشرا في العشر الأول، و عشرا في الأوسط، و عشرا في الأخير، و يدعو بالمنقول.
رواه سلمان عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله(4).
يا - يستحب أن يصلي ليلة نصف شعبان أربع ركعات يقرأ في كل ركعة الحمد، و الإخلاص مائة مرّة، و يدعو بالمنقول عن الباقر و الصادق عليهما السلام(5) و في رواية عن الصادق عليه السلام استحباب ركعتين يقرأ في الأولى الحمد و الجحد مرّة، و في الثانية الحمد و الإخلاص مرة، و يدعو بالمنقول(6).1.
ص: 287
و قال الباقر عليه السلام: «قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: من صلى ليلة النصف من شعبان مائة ركعة يقرأ في كل ركعة الحمد مرّة و قل هو اللّه أحد عشر مرات، لم يمت حتى يرى منزله من الجنّة أو يرى له»(1) و روى الكاظم عليه السلام عن الصادق عليه السلام: «صلاة أربع ركعات يقرأ في كل ركعة الحمد مرّة و الإخلاص مائتين و خمسين مرّة ثم يدعو بالمنقول»(2) و عن الرضا عليه السلام استحباب صلاة جعفر عليه السلام(3) ، و في هذه الليلة ولد مولانا القائم عليه السلام، و روي فيها صلوات غير ذلك(4).
يب - يستحب أن يصلي في ليلة كل سبت أربع ركعات يقرأ في كل ركعة الحمد مرّة، و آية الكرسي ثلاث مرات، و قل هو اللّه أحد، فإذا سلم قرأ آية الكرسي ثلاث مرات، و يصلي يوم السبت أربع ركعات يقرأ في كل ركعة الحمد مرّة، و ثلاث مرات الجحد، فإذا فرغ قرأ آية الكرسي ثلاث مرات.
و يصلي ليلة الأحد أربع ركعات يقرأ في كل ركعة الحمد مرّة، و آية الكرسي و الأعلى و الإخلاص.
و يصلي يوم الأحد أربع ركعات يقرأ في كل ركعة الحمد، و آمَنَ الرَّسُولُ (5) الى آخرها.
و ليلة الاثنين اثنتي عشرة ركعة كل ركعة بفاتحة الكتاب و آية الكرسي، فإذا فرغ قرأ الإخلاص اثنتي عشرة مرّة، و استغفر اللّه اثنتي عشرة مرّة، و صلّى5.
ص: 288
على النبيّ و آله عليهم السلام اثنتي عشرة مرة.
و في يوم الاثنين عند ارتفاع النهار ركعتين يقرأ في كل ركعة الحمد مرّة، و آية الكرسي و الإخلاص و المعوذتين مرة مرة، فإذا فرغ استغفر اللّه عشر مرات، و صلى على النبيّ و آله عليهم السلام عشر مرّات.
و يصلي ليلة الثلاثاء ركعتين يقرأ في كل ركعة الحمد، و آية الكرسي و الإخلاص، و شَهِدَ اللّهُ (1) مرّة مرّة.
و في يوم الثلاثاء عشرين ركعة بعد انتصاف النهار في كل ركعة فاتحة الكتاب، و آية الكرسي مرة و الإخلاص ثلاث مرات.
و يصلي ليلة الأربعاء ركعتين يقرأ في كل ركعة الحمد و آية الكرسي و الإخلاص و القدر مرة مرة.
و في يوم الأربعاء اثنتي عشرة ركعة في كل ركعة فاتحة الكتاب مرّة، و الإخلاص ثلاث مرات، و الفلق ثلاث مرات، و الناس كذلك.
و يصلي ليلة الخميس بين العشاءين ركعتين يقرأ في كل واحدة فاتحة الكتاب مرة، و آية الكرسي خمس مرات، و الجحد و التوحيد و المعوذتين كل واحدة خمس مرات، فإذا فرغ استغفر اللّه تعالى خمس عشرة مرة.
و يصلي يوم الخميس بين الظهرين ركعتين يقرأ في الأولى الحمد، و آية الكرسي مائة مرة، و في الثانية الحمد، و الإخلاص مائة مرة، ثم يستغفر اللّه مائة مرة بعد فراغه، و يدعو بالمنقول(2).
و يصلي ليلة الجمعة اثنتي عشرة ركعة بين العشاءين يقرأ في كل ركعة5.
ص: 289
فاتحة الكتاب، و الإخلاص إحدى و أربعين مرّة، و روي عشرون ركعة في كل ركعة الحمد، و الإخلاص إحدى عشرة مرة(1) ، و روي ركعتان في كل واحدة الحمد، و الزلزلة خمس عشرة مرة(2) ، و رويت صلوات كثيرة ليلة الجمعة(3).
و يصلي يوم الجمعة صلاة النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و هي ركعتان يقرأ في كل ركعة الحمد، و إنا أنزلناه خمس عشرة مرة، فإذا ركع قرأها خمس عشرة مرة، فإذا انتصب قرأها خمس عشرة مرة، فإذا سجد قرأها خمس عشرة مرة، فإذا رفع رأسه من السجود قرأها خمس عشرة مرة، فإذا سجد ثانيا قرأها خمس عشرة مرة، ثم يرفع رأسه من السجود إلى الثانية و يصلي كذلك، فإذا سلّم دعا بالمنقول(4).
و صلاة علي عليه السلام و هي أربع ركعات يقرأ في كل ركعة الحمد مرّة، و خمسين مرة الإخلاص، ثم يدعو بالمنقول(5) ، و في رواية: أربع ركعات، الحمد مرّة، و التوحيد، و الم تنزيل، و في الثانية يس، و في الثالثة الدخان، و في الرابعة تبارك، و يقول خمس عشرة مرة في الأحوال كلها(6) و يدعو بالمنقول(7).
و صلاة فاطمة عليها السلام ركعتان يقرأ في الأولى الحمد مرة، و القدر4.
ص: 290
مائة مرة، و في الثانية الحمد، و الإخلاص مائة مرة، ثم يدعو بالمنقول(1).
و صلاة جعفر بن أبي طالب عليه السلام و تسمى صلاة التسبيح، و صلاة الحبوة، و هي أربع ركعات بتسليمتين يقرأ في الأولى الحمد و الزلزلة، و في الثانية الحمد و العاديات، و في الثالثة الحمد و النصر، و في الرابعة الحمد و التوحيد، فإذا فرغ من القراءة في كل ركعة قال خمس عشرة مرة: سبحان اللّه و الحمد للّه و لا إله إلا اللّه و اللّه أكبر، ثم يركع و يقولها عشرا، ثم يرفع رأسه و يقولها عشرا، ثم يسجد و يقولها عشرا، ثم يرفع و يقولها عشرا، ثم يسجد ثانيا و يقولها عشرا، ثم يجلس و يقولها عشرا، ثم يقوم إلى الثانية و كذا باقي الركعات، ثم يدعو بالمنقول(2).
و الصلاة الكاملة و هي أربع ركعات قبل الزوال يقرأ في كل ركعة الحمد عشر مرات، و كذا المعوذتين، و التوحيد، و الجحد، و آية الكرسي، و القدر، شَهِدَ اللّهُ (3) عشر مرات، فإذا فرغ استغفر اللّه مائة مرّة، و دعا بالمنقول(4).
و صلاة الأعرابي و هي عشر ركعات يصلي ركعتين ثم يسلم، و يصلي أربعا ثم يسلم، و يصلي أربعا أخرى، عند ارتفاع نهار الجمعة، يقرأ في الأولى الحمد مرة، و الفلق سبع مرات، و في الثانية الحمد مرّة، و الناس سبع مرات، فإذا سلم قرأ آية الكرسي سبعا، ثم يصلي ثماني ركعات يقرأ في كلّ ركعة الحمد مرّة، و النصر مرّة و الإخلاص خمسا و عشرين مرة، ثم0.
ص: 291
يدعو بالمنقول(1).
و روي صلاة فاطمة عليها السلام أربع ركعات بعد الغسل، يقرأ في الأولى الحمد، و الإخلاص خمسين مرة. و في الثانية الحمد و العاديات خمسين مرة. و في الثالثة الحمد و الزلزلة خمسين مرة. و في الرابعة الحمد و النصر خمسين مرة. ثم يدعو بالمنقول(2).
و صلاة الهدية يصلي يوم الجمعة ثمان ركعات يهدي أربعا إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، و أربعا إلى فاطمة عليها السلام، و في يوم السبت أربع ركعات يهدي الى أمير المؤمنين عليه السلام، ثم كذلك في كل يوم الى واحد من الأئمة عليهم السلام الى يوم الخميس يصلي أربع ركعات يهدي الى جعفر بن محمد عليهما السلام، ثم يوم الجمعة يصلّي ثمان ركعات يهدي أربعا إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، و أربعا إلى فاطمة عليها السلام، ثم يوم السبت أربع ركعات يهدي الى الكاظم عليه السلام، ثم كذلك الى يوم الخميس أربع ركعات يهدي الى صاحب الزمان عليه السلام(3).
و صلاة الحسين عليه السلام يوم الجمعة أربع ركعات بثمانمائة مرة الحمد و الإخلاص يقرأ في الأولى بعد التوجه الحمد خمسين مرّة و كذا الإخلاص. فإذا ركع قرأ الحمد عشرا و الإخلاص عشرا، و كذا في الأحوال في كل ركعة مائتي مرّة، ثم يدعو بالمنقول(4).
و يستحب أن يختم القرآن يوم الجمعة ثم يدعو بدعاء زين العابدين عليه السلام(5).2.
ص: 292
يج - يستحب صلاة الحاجة يوم الجمعة. روي عن الباقر عليه السلام ركعتين، يدعو بعدهما بالمنقول(1) ، و عن الصادق عليه السلام: «فليصم الأربعاء، و الخميس، و الجمعة، ثم يغتسل يوم الجمعة و يلبس ثوبا نظيفا، ثم يصعد إلى أعلى موضع في داره و يصلي ركعتين، و يدعو بالمنقول(2) ، و في أخرى: صلاة جعفر عليه السلام بعد صوم الثلاثة، و الصدقة عشية الخميس بعشرة أمداد على عشرة مساكين(3).
و عن الرضا عليه السلام: «فليصم الأربعاء، و الخميس، و الجمعة، ثم ليغسل رأسه بالخطمي يوم الجمعة، و يلبس أنظف ثيابه، و يتطيب، و يتصدق على امرئ مسلم بما تيسر، ثم ليبرز الى آفاق السماء، و يستقبل القبلة، و يصلّي ركعتين في الأولى الحمد و قل هو اللّه أحد خمس عشرة مرة، ثم يركع و يقرؤها خمس عشرة مرة، ثم يرفع رأسه فيقرأها خمس عشرة مرة، ثم يسجد فيقرأها خمس عشرة مرة، ثم يرفع رأسه فيقرأها خمس عشرة مرة، ثم يسجد ثانيا فيقرأها خمس عشرة مرة، ثم يرفع رأسه فيقرأها خمس عشرة مرة، ثم ينهض و يفعل مثل ذلك، و يقولها قبل التشهد خمس عشرة مرة، ثم يسلم بعد التشهد، و يقرؤها بعد التسليم خمس عشرة مرة، ثم يسجد فيقرأها خمس عشرة مرّة، ثم يضع خدّه الأيمن فيقرأها خمس عشرة مرة، ثم الأيسر و يقرؤها خمس عشرة مرة، ثم يعود الى السجود فيقرأها خمس عشرة مرة، ثم يقول و هو ساجد يبكي:
يا جواد يا ماجد، يا واحد يا أحد يا صمد، يا من لم يلد و لم يولد و لم يكن له كفوا أحد، يا من هو هكذا [و](4) لا هكذا غيره، أشهد أن كلّ معبود منر.
ص: 293
لدن عرشك الى قرار أرضك باطل إلاّ وجهك جل جلالك، يا معز كلّ ذليل، و يا مذل كل عزيز، تعلم كربتي، فصلّ على محمد و آل محمد، و فرج عني، ثم يقلّب خده الأيمن و يقول ذلك ثلاثا، ثم الأيسر كذلك، و يتوجه في حاجته الى اللّه بمحمد و آله عليه و عليهم السلام، و يسميهم عن آخرهم»(1) و نقل غير ذلك من الصلوات.
يد - يستحب أن يزاد في نوافل الجمعة أربع ركعات زيادة على سائر الأيام، و روي عن الصادق عليه السلام: «إن فيه ساعتين يستجاب فيهما الدعاء إحداهما ما بين فراغ الإمام من الخطبة الى أن تستوي الصفوف بالناس و الأخرى من آخر النهار الى غروب الشمس»(2).
يه - يستحب أن يصلي في أول كل شهر ما كان الباقر عليه السلام يصليه و هو في أول كل يوم منه ركعتان يقرأ في الأولى الحمد مرّة و قل هو اللّه أحد لكل يوم، الى آخره، و في الثانية الحمد و القدر كذلك، و يتصدق بما يتسهل يشتري به سلامة ذلك الشهر كله(3).
يو - صلاة الشكر مستحبة عند تجدد النعم، و دفع النقم، قال الصادق عليه السلام: «تصلي ركعتين تقرأ في الأولى الحمد و التوحيد، و في الثانية الحمد و الجحد» و تدعو بالمنقول(4).
يز - صلاة الاستخارة مستحبة، كان زين العابدين عليه السلام إذا همّ بأمر حج، أو عمرة، أو بيع، أو شراء، أو عتق تطهر ثم صلى ركعتين للاستخارة يقرأ فيهما الحشر و الرحمن، و المعوذتين، ثم يدعو بالمنقول(5) ،1.
ص: 294
و رويت صلوات كثيرة للاستخارة(1).
يح - يستحب صلاة الاستسقاء على ما يأتي، و كذا تحية المسجد، و صلاة الإحرام، و هذه لأسباب.
بإجماع العلماء، قال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: (من صلى قائما فهو أفضل، و من صلى قاعدا فله نصف أجر القائم)(2) و من طريق الخاصة قول الباقر عليه السلام:
«ما أصلي النوافل إلا قاعدا منذ حملت هذا اللحم»(3) و لأن كثيرا من الناس يشق عليه طول القيام، فلو لم يشرع الجلوس لزم الحرج، أو ترك النوافل التي هي في مظنة الرخصة، و لهذا صليت على الراحلة.
أ - ينبغي أن يحتسب كل ركعتين من جلوس بركعة من قيام لأن أجره نصف أجر القائم فاستدراك فائت أجر القيام بتضعيف العدد، و لقول الصادق عليه السلام: «تضعف ركعتين بركعة»(4) و لو احتسب بركعتين جاز لقول الباقر عليه السلام و قد سأله أبو بصير من صلى و هو جالس من غير عذر كانت صلاته ركعتين بركعة ؟ فقال: «ليس هو هكذا هي لكم تامة»(5) و لا بأس بالجمع باحتساب ركعة بركعة مع التعذر، و ركعتين بركعة لا معه.
ص: 295
ب - يستحب له أن يتربع حال قراءته، و يثني رجليه راكعا و ساجدا - و به قال ابن عمر، و أنس، و ابن سيرين، و مجاهد، و سعيد بن جبير، و مالك، و الثوري، و الشافعي، و أحمد، و إسحاق، و أبو حنيفة في رواية(1) - لأن القيام يخالف القعود فينبغي مخالفة هيئة البدل له، و قال أبو حنيفة: يجلس كيف شاء لأن القيام سقط فسقطت هيئته(2).
و لا يلزم من سقوط القيام للمشقة سقوط ما لا مشقة فيه، و روي عن سعيد بن المسيب، و عروة بن الزبير، و ابن سيرين، و عمر بن عبد العزيز، و عطاء الخراساني أنهم كانوا يحتبون في التطوع، و اختلف فيه عن عطاء و النخعي(3).
ج - ثني الرجلين في الركوع و السجود مستحب، و هو رواية عن أحمد، و به قال الثوري لأن أنسا صلّى متربعا فلما ركع ثنى رجليه(4) ، و حكى ابن المنذر عن أحمد، و إسحاق أنه لا يثني إلا حال السجود، و يكون في الركوع كهيئة القيام - و هو قول أبي يوسف، و محمد - لأنّ هيئة الراكع في رجليه هيئة القيام(5).
د - لو قام للركوع بعد فراغ القراءة كان أفضل لأن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله كان يصلّي الليل قائما فلما أسن كان يقرأ قاعدا حتى إذا أراد أن يركع قام فقرأ نحوا من ثلاثين آية أو أربعين ثم ركع(6) ، و من طريق الخاصة قول الكاظم عليه السلام: «إذا أردت أن تصلي و أنت جالس فاقرأ و أنت جالس3.
ص: 296
فإذا كنت في آخر السورة فقم و أتمّها و اركع تحسب لك بصلاة قائم»(1).
و هي أفضل من نفل العبادات، لأن فرض الصلاة أفضل من جميع الفرائض، و التنفل بالليل أفضل لقوله تعالى وَ مِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ (2) و لأنه وقت غفلة الناس فكانت العبادة فيه أفضل.
و لا يستحب استيعاب الليل بالصلاة لأن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بلغه عن بعض أصحابه أنه يصوم فلا يفطر، و يقوم فلا ينام، فقال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: (لا تفعل إن لعينك، و نفسك عليك حقا، و لأهلك عليك حقا)(3) و آخر الليل أفضل من أوله، قال تعالى وَ بِالْأَسْحارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (4)وَ الْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحارِ (5).
و ينبغي أن ينام نصف الليل، و يصلي ثلثه، و ينام سدسه، لأنه روي أن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال: (أحب الصلاة الى اللّه تعالى صلاة داود. كان ينام نصف الليل، و يقوم ثلثه، و ينام سدسه)(6).
ص: 297
ص: 298
الأول: في وقت الرفاهية للفرائض اليومية.
مقدمة: لا خلاف في جواز تطابق الوقت و الفعل، كالصوم. و منع القصور عند العدلية إلا مع قصد القضاء.
و اختلف في توسيع الوقت، فمنعه جماعة منهم أبو حنيفة و جعل الوجوب مختصا بآخر الوقت(1) ، و آخرون بأوله(2) ، و آخرون قالوا: إن بقي على صفة المكلفين الى آخر الوقت، فما فعله واجب و إلاّ كان نفلا(3).
و الكلّ خطأ نشأ بسبب الجهل بمعنى الواجب الموسع، و التحقيق أنه كالواجب المخير، فإن اللّه تعالى أوجب على المكلف الإتيان به في هذا الوقت لا بمعنى شغل جميع الوقت بالفعل، و لا اختصاص بجزء معين لانتفاء
ص: 299
المرجح بل بمعنى وجوب الإتيان بهذا الفعل في أي جزء كان من الوقت و لا يجوز إخلاؤه عنه.
و اختلف مثبتوه، فالسيد المرتضى على وجوب العزم، ليقع الفصل بينه و بين الندب(1) ، و التحقيق أن وجوب العزم من أحكام الإيمان لا باعتبار التوسعة، و الفرق بينه و بين الندب ظاهر.
أول و آخر، فالأول: وقت الفضيلة، و الآخر وقت الإجزاء، و به قال المرتضى، و ابن الجنيد(2) لقول الباقر عليه السلام: «أحب الوقت الى اللّه حين يدخل وقت الصلاة، فإن لم تفعل فإنك في وقت منها حتى تغيب الشمس»(3).
و قال الشيخان: الأول وقت من لا عذر له، و الثاني لمن له عذر(4) ، - و به قال الشافعي(5) - لقول الصادق عليه السلام: «لكل صلاة وقتان، و أول الوقت أفضله، و ليس لأحد أن يجعل آخر الوقتين وقتا إلا من عذر»(6) و هو محمول على الفضيلة لدلالة قوله: «أول الوقت أفضله» و (أفعل) يقتضي التشريك في الجواز.
بإجماع علماء الإسلام لقول رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: (وقت الظهر زوال الشمس)(7) و من طريق
ص: 300
الخاصة قول الصادق عليه السلام: «إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الظهر»(1) و معنى زوالها: ميلها عن كبد السماء، فإن الشمس إذا طلعت وقع لكل شاخص ظل طويل في جانب المغرب، و كلّما ارتفعت الشمس انتقص الظل، فإذا استوت انتهى نقصانه، و قد لا يبقى منه شيء في بعض البلاد في أطول أيام السنة، فإن الظل ينتفي بمكة قبل أن ينتهي طول السنة بستة و عشرين يوما، و كذا بعد ما انتهى بستة و عشرين يوما، و قد يبقى، و يختلف باختلاف البلاد و الفصول، فإذا مالت الشمس الى المغرب زاد الظل الباقي و تحوّل الى المشرق و يحدث شيء من الظل مائلا إلى المشرق حيث لم يبق شيء عند الاستواء، و ذلك هو الزوال.
و الفيء عند الزوال يقلّ في الصيف، و يكثر في الشتاء، لقرب الشمس من سمت الرأس و بعدها عنه، و كلّ يوم يزيد الظلّ أو ينقص. و قد روي عن الصادق عليه السلام تقدير ذلك في أوساط الشهور فقال: «تزول الشمس في نصف حزيران على نصف قدم، و في النصف من تموز و أيار على قدم و نصف، و في النصف من آب و نيسان على قدمين و نصف، و في النصف من أيلول و آذار على ثلاثة و نصف، و في النصف من تشرين الأول و شباط على خمسة و نصف، و في النصف من تشرين الثاني و كانون الآخر على سبعة و نصف، و في النصف من كانون الأول على تسعة و نصف»(2).
و قال بعض الفضلاء: الشمس تزول في نصف حزيران على قدم و ثلث و هو أقل ما يزول عليه الشمس، و في نصف تموز و نصف أيار على قدم و نصف و ثلث، و في نصف آب و نيسان على ثلاثة أقدام، و في نصف آذار و أيلول على أربعة أقدام و نصف، و هو وقت استواء الليل و النهار، و في نصف3.
ص: 301
تشرين الأول و شباط على ستة أقدام و نصف، و في نصف تشرين الثاني و كانون الثاني على تسعة أقدام، و في نصف كانون الأول على عشرة أقدام و سدس، و هذا أنهى ما تزول عليه الشمس في إقليم العراق و الشام و ما سامتهما من البلدان(1).
و لا تنافي بينهما، لاحتمال أن يكون قصد الصادق عليه السلام بلد المدينة.
و المراد الأول في قوله تعالى أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ (2) و هو قول أكثر العلماء(3) ، لأن ابن عمر قال: دلوك الشمس ميلها، و كذا عن ابن عباس، و أبي هريرة(4) و لأنه لنظم جميع الصلوات، و لأن الدلوك الانتقال و التحويل.
و قال عبد اللّه بن مسعود: الدلوك الغروب، و نقله الجمهور عن علي عليه السلام(5) لاقتضاء الآية إقامة الصلاة من الدلوك الى غسق الليل فيحمل على الغروب لأن إقامة الصلاة لا يمكن من الزوال الى الغسق لوجود النهي عن الصلاة عند اصفرار الشمس، و النهي إنما يتناول الندب.
إذا صار ظل كل شيء مثله، و آخر وقت الإجزاء إذا بقي للغروب قدر العصر، و هو اختيار المرتضى و ابن
ص: 302
الجنيد(1) - و به قال مالك، و طاوس(2) - لقوله تعالى أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ (3) و الغسق الظلمة فجعل الزمان ظرفا للصلاة، و لأن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله جمع بين الظهرين في الحضر(4) و من طريق الخاصة قول الباقر عليه السلام: «أحب الوقت الى اللّه عزّ و جلّ أوله حين يدخل وقت الصلاة فإن لم تفعل فإنك في وقت منهما حتى تغيب الشمس»(5).
و قال الشيخ: آخر وقت المختار إذا صار ظلّ كل شيء مثله(6).
و تحقيقه: أن الفيء إذا زاد على ما زالت عليه الشمس من الظل بقدر الشخص فذلك آخر وقت الظهر، و معرفته بأن يضبط ما زالت عليه الشمس و هو الظل الذي بقي بعد تناهي النقصان، ثم ينظر قدر الزيادة عليه فقد انتهى وقت الظهر، و قد قيل: إنّ مثل الإنسان ستة أقدام و نصف بقدمه، فإذا أردت أن تعتبر المثل فقدر الزيادة من الفيء بقدمك بأن تقف في موضع مستو من الأرض، و تعلّم على الموضع الذي انتهى إليه الفيء، و تعرف قدر ما زالت عليه الشمس و يقدر فيه بالأقدام، فيضع قدمه اليمنى بين يدي قدمه اليسرى و يلصق عقبة بإبهامه، فإذا مسحه بالأقدام أسقط منه القدر الذي زالت عليه الشمس، فإذا بلغ الباقي ستة أقدام و نصف فقد بلغ المثل، فإذا بلغ ذلك فقد خرج وقت الظهر، و ما زاد عليه فهو من وقت العصر - و به قال الشافعي،1.
ص: 303
و الأوزاعي، و الليث بن سعد، و الثوري، و أحمد، و أبو يوسف(1) - لأنّ ابن عباس روى أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال: (أمّني جبرئيل عند البيت مرتين فصلّى بي الظهر الأول منهما حين كان الفيء مثل الشراك، ثم صلّى العصر حين صار ظلّ كلّ شيء مثله، ثم صلّى المغرب حين وجبت الشمس و أفطر الصيام، ثم صلّى العشاء حين غاب الشفق، ثم صلّى الفجر حين برق الفجر، و حرم الطعام على الصائم، و صلّى في المرة الثانية الظهر حين صار ظلّ كلّ شيء مثله كوقت العصر بالأمس، ثم صلّى العصر حين صار ظلّ كلّ شيء مثليه، ثم صلّى المغرب لوقته الأول، ثم صلّى العشاء الآخرة حين ذهب ثلث الليل، ثم صلّى الصبح حين أسفرت الأرض، ثم التفت جبرئيل فقال: يا محمد هذا وقت الأنبياء من قبلك، و الوقت فيما بين هذين)(2) و معنى قوله: (حين كان الفيء مثل الشراك) أنه إذا حدث الظل أو زاد و إن كان قليلا مثل الشراك فقد زالت الشمس.
و من طريق الخاصة قول الصادق عليه السلام: «أتى جبرئيل عليه السلام بالمواقيت فأمر النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أن يصلّي الظهر حين زالت الشمس، و العصر حين زاد الظلّ قامة، و المغرب حين غربت الشمس، و العشاء حين سقط الشفق. ثم أتاه من الغد حين زاد الظل قامة فأمره فصلّى الظهر، ثم لمّا زاد قامتين أمره فصلى العصر، ثم لمّا غربت الشمس أمره فصلّى المغرب و العشاء حين ذهب ثلث الليل، و قال: ما بينهما وقت»(3) و لا دليل فيه إذ وصف ذلك بكونه وقتا، و كذا ما بينهما لا يدل على نفي ما زاد إلا بدليل الخطاب، أو يحمل على الفضيلة.2.
ص: 304
و قال أبو حنيفة: يبقى وقت الظهر إلى أن يصير الفيء مثليه(1) لأن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال: (إنما أجلكم في أجل من خلا من الأمم كما بين صلاة العصر إلى مغرب الشمس في النهار، و إنما مثلكم و مثل أهل الكتابين من قبلكم كمثل رجل استأجر أجيرا فقال: من يعمل لي من الغداة إلى نصف النهار بقيراط؟ فعملت اليهود، ثم قال: من يعمل لي من الظهر إلى صلاة العصر بقيراط؟ فعملت النصارى، ثم قال: من يعمل لي إلى آخر النهار بقيراطين ؟ فعملتم أنتم، فغضب اليهود و النصارى و قالوا: نحن أكثر عملا و أقل أجرا. فقال: هل نقصتكم من حقكم شيئا؟ ذلك فضل اللّه يؤتيه من يشاء)(2) قالوا: و هذا يدل على أن من الظهر الى العصر أكثر من العصر الى المغرب(3) و نحمله على وقت الفضيلة.
و قال عطاء: لا يفرط بتأخيرها حتى تدخل في الشمس صفرة(4).
و قال المزني، و أبو ثور، و إسحاق، و ابن جرير: إذا صار ظلّ كلّ شيء مثله دخل وقت العصر و لم يخرج وقت الظهر حتى يمضي قدر أربع ركعات يشترك فيهما الوقتان(5) لأن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال: (صلّى بي جبرئيل الظهر في اليوم الثاني حين صار ظلّ كل شيء مثله قدر العصر بالأمس)(6) فدلّ على اشتراك الوقتين، و هو محمول على أنه فرغ منها.3.
ص: 305
لأن يزيد بن خليفة قال للصادق عليه السلام: إن عمر بن حنظلة نبّأنا عنك بوقت، فقال: «إذن لا يكذب علينا» قلت: ذكر أنك قلت: إذا زالت الشمس لم يمنعك إلا سبحتك ثم لا تزال في وقت الظهر الى أن يصير الظلّ قامة، و هو آخر الوقت، ثم لا تزال في وقت العصر حتى يصير الظلّ قامتين و ذلك المساء، قال: «صدق»(1) و عن الصادق عليه السلام قال: «إذا صار ظلك مثلك فصل الظهر، و إذا صار مثليك فصل العصر»(2).
و قال الشيخ: المعتبر قدر الظل الأول لا قدر الشخص(3) ، لأن يونس روى عن بعض رجاله عن الصادق عليه السلام قال: سألته عمّا جاء في الحديث أن: (صلّ الظهر إذا كانت الشمس قامة و قامتين، و ذراعا و ذراعين، و قدما و قدمين) كيف هذا و قد يكون الظلّ في بعض الأوقات نصف قدم ؟ قال:
«إنما قال: ظل القامة، و لم يقل: قامة الظل، و إذا كان الزمان يكون فيه ظل القامة ذراعا كان الوقت ذراعا من ظلّ القامة، و إذا كان ظلّ القامة أقل أو أكثر كان الوقت محصورا بالذراع و الذراعين، فهذا تفسير القامة و القامتين، و الذراع و الذراعين»(4) و الرواية مرسلة، و في طريقها صالح بن سعيد، و هو مجهول.
و التحقيق أنه إذا زالت الشمس اختص الوقت بالظهر الى أن يمضي مقدار أربع ركعات في الحضر، و ركعتين في السفر و هو قدر أدائها، ثم يشترك الوقتان الى أن يبقى
ص: 306
للغروب مقدار العصر إما أربع ركعات أو ركعتان فيختص بها، ذهب إليه أكثر علمائنا(1) - و به قال مالك في رواية(2) - لأن أبا أمامة قال: صلّينا مع عمر بن عبد العزيز الظهر ثم دخلنا على أنس و هو يصلي العصر فقلنا: يا أبا عمرة ما هذه الصلاة ؟! قال:
العصر و هذه صلاة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله التي كنّا نصلّي معه(3).
و لا يحتمل وقوعها بعد الظل، لانتفاء الموجب للتعجب حينئذ، و لأن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله جمع بين الصلاتين في الحضر من غير عذر(4) ، و لأنه يجوز الجمع بينهما في السفر، و لو لم يكن وقتا لهما لما جاز، كما لا يجوز الجمع بين العصر و المغرب في وقت إحداهما.
و قال ابن عباس: ألا أخبركم بصلاة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في السفر؟ كان إذا زالت الشمس و هو في منزله جمع بين الظهر و العصر في الزوال، و إذا سافر قبل الزوال أخّر الظهر حتى يجمع بينها و بين العصر في وقت العصر(5).
و من طريق الخاصة قول الصادق عليه السلام: «صلّى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بالناس الظهر و العصر حين زالت الشمس في جماعة من غير علة»(6).
و قال بعض علمائنا: إذا زالت الشمس دخل وقت الصلاتين إلاّ أن3.
ص: 307
الظهر قبل العصر(1) - و به قال ربيعة(2) - لقول العبد الصالح عليه السلام:
«إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الصلاتين»(3).
و قال الشافعي: أول وقت العصر من حين الزيادة على المثل متصلا بوقت الظهر فلا يدخل الوقت إلا بعد أن يصير ظلّ كل شيء مثله(4) لحديث جبرئيل عليه السلام(5) و هو يدل على الأفضلية.
و قال أبو حنيفة: يدخل وقت العصر إذا صار ظل كل شيء مثليه و زاد عليه أقل زيادة لقوله تعالى أَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ (6) و لو كان وقتها إذا صار ظل كل شيء مثله كان وسط النهار(7).
و يضعف بأن الطرف إن قصد الحقيقي فهو آخر النهار كما يذهب إليه، و إن كان ما تراخى عن الوسط لم يبطل به قول الشافعي.
أَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ (1) و قوله عليه السلام: (من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر)(2). و من طريق الخاصة قول الباقر عليه السلام: «وقت العصر الى غروب الشمس»(3).
و قال الشيخ في الخلاف: إذا صار ظلّ كلّ شيء مثليه للمختار، و للمعذور الى الغروب(4) ، و هو وجه للشافعي(5).
و قال أبو سعيد الإصطخري: إذا جاوز المثلين فقد خرج وقت العصر - و به قال مالك، و الثوري، و أحمد في رواية(6) - لحديث جبرئيل عليه السلام: (أنّه صلّى العصر في اليوم الثاني حين صار ظلّ كلّ شيء مثليه، ثم قال: الوقت فيما بين هذين الوقتين)(7).
و من طريق الخاصة قول أبي الحسن عليه السلام: «كما أن رجلا لو أخّر العصر الى قرب أن تغيب الشمس لم تقبل منه»(8) و هما محمولان على الأفضلية.
قال ابن عبد البر: أجمع العلماء على أن من صلّى العصر و الشمس6.
ص: 309
بيضاء نقية فقد صلاّها في وقتها(1).
و قال أحمد في رواية: آخر وقتها اصفرار الشمس - و به قال أبو ثور، و أبو يوسف، و محمد، و الأوزاعي(2) - لقول النبيّ صلّى اللّه عليه و آله:
(وقت العصر ما لم تصفر الشمس)(3).
و يحمل على الفضيلة لأنه مجهول فلا يناط به الفعل.
بإجماع العلماء، و اختلف علماؤنا في علامته فالمشهور - و عليه العمل - إذا ذهب الشفق المشرقي لقول النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: (إذا أقبل الليل من هنا، و أدبر النهار من هنا، و غربت الشمس، أفطر الصائم)(4) و قول الصادق عليه السلام: «وقت المغرب إذا تغيرت الحمرة في الأفق و ذهبت الصفرة و قبل أن تشتبك النجوم»(5) و عنه عليه السلام: «وقت المغرب إذا ذهبت الحمرة من المشرق»(6).
و قال بعضهم: سقوط القرص(7) و هو ظاهر في الصحاري، و أما في العمران و الجبال فيستدل عليه بأن لا يبقى شيء من الشعاع على رءوس الجدران، و قلل الجبال، و عليه الجمهور كافة(8).
ص: 310
و للإجزاء الى أن يبقى لانتصاف الليل قدر العشاء، لأن عبد اللّه بن عباس قال: الحائض تطهر قبل طلوع الفجر فتصلي المغرب و العشاء(1) ، و لو لم يكن الوقت ممتدا لما وجب، لأن عذرها قد عمّ الوقت.
و من طريق الخاصة قول الصادق عليه السلام: «إن اللّه افترض أربع صلوات، صلاتان أول وقتهما من عند زوال الشمس الى غروبها إلا أن هذه قبل هذه و اثنتان وقتهما من غروب الشمس الى انتصاف الليل إلاّ أن هذه قبل هذه»(2) و لأن وقت العشاء ممتد الى الانتصاف فتكون المغرب مساوقة لها لأنهما صلاتا جمع فيشترك وقتاهما كالظهر و العصر.
و قال الشيخ، و المرتضى، و ابن أبي عقيل: آخره للمختار الى ذهاب الشفق، و للمضطر الى الانتصاف بقدر العشاء(3) و في قول آخر للشيخ: آخره ثلث الليل(4) و في رواية إلى ربع الليل(5) ، و به قال ابن الجنيد، و هو قول للمرتضى(6).
و للمضطر الى أن يبقى لطلوع الفجر قدر العشاء.
و قال الثوري، و أبو حنيفة، و أحمد، و إسحاق، و داود، و أبو ثور، و ابن المنذر، و الزهري: آخره غيبوبة الشفق المغربي، و حكاه أبو ثور عن الشافعي(7) ، لأن النبيّ عليه السلام قال: (وقت المغرب ما لم يسقط ثور
ص: 311
الشفق)(1) و ثور الشفق هو انتشار الشفق، و قال الشافعي في الجديد و القديم: إنّ لها وقتا واحدا - و هو قول مالك - و هو يدخل بسقوط جميع القرص(2).
و اختلفت الشافعية في قدره، فبعضهم قال: قدره بقدر الطهارة، و لبس الثياب، و الأذان و الإقامة، و فعل ثلاث ركعات بسور قصار، و السنة ركعتين خفيفتين، فإذا جاز ذلك فقد خرج وقت المغرب و صارت قضاء.
و قال آخرون: مقدار الأذان و الإقامة، و خمس ركعات قصار، فأمّا الطهارة، و لبس الثياب فيمكن تقديمهما على الوقت فلا يكون قدر إمكانهما من الوقت(3) لأن جبريل عليه السلام صلى المغرب في اليومين في وقت واحد(4).
و قال مالك: يمتد وقتها الى طلوع الفجر - و به قال عطاء، و طاوس(5) - كما يقول في الظهر و العصر.
غير خوف و لا مطر(1).
و من طريق الخاصة قول الصادق عليه السلام: «إذا غربت الشمس فقد دخل وقت الصلاتين الى نصف الليل إلاّ أن هذه قبل هذه»(2) و عن الصادق عليه السلام «صلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله المغرب و العشاء قبل الشفق من غير علّة في جماعة»(3).
و للشيخ قول آخر: إن أول وقتها سقوط الشفق - و هو قول آخر للمرتضى(4) ، و قول الجمهور كافة(5) - لأن جبرئيل أمر النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أن يصلي العشاء حين غاب الشفق، و في اليوم الثاني حين ذهب ثلث الليل(6). و هو محمول على الاستحباب.
فذهب أصحابنا إلى أنه الحمرة لا البياض، و به قال ابن عمر، و ابن عباس، و عطاء، و مجاهد، و سعيد بن جبير، و الزهري، و مالك، و الشافعي، و الثوري، و ابن أبي ليلى، و أحمد، و إسحاق، و أبو ثور، و داود، و أبو يوسف، و محمد(7) لقول النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: (الشفق: الحمرة، فإذا غاب الشفق وجبت
ص: 313
الصلاة)(1).
و قال أبو حنيفة، و زفر، و الأوزاعي، و المزني: أنه البياض(2) لأن أبا مسعود الأنصاري قال: رأيت النبيّ صلّى اللّه عليه و آله يصلي هذه الصلاة حين يسودّ الأفق(3). و لا حجة فيه لأنه إذا غابت الحمرة اسود الأفق، لأنّ البياض ينزل و يخفى، على أنه يجوز تأخيرها الى ذلك.
و حكي عن أحمد: أن الشفق: البياض في الحضر، لأن في الحضر قد تنزل الحمرة فتواريها الجدران، فإذا غاب البياض علم الدخول(4).
- و هو قول المرتضى، و ابن الجنيد(5) ، و هو أحد قولي الشافعي، و به قال ابن المبارك، و الثوري، و أبو ثور، و أحمد في رواية(6) - لحديث عبد اللّه بن عمرو بن العاص (و وقت العشاء الى نصف الليل)(7) ، و عن أنس قال: أخّر النبيّ صلّى اللّه عليه و آله العشاء الى نصف الليل(8).
و من طريق الخاصة قول الصادق عليه السلام: «أول وقت العشاء ذهاب الحمرة، و آخر وقتها غسق الليل»(9) و هو نصف الليل.
ص: 314
و للشيخ قول آخر: أنه ثلث الليل(1) ، و هو القول الثاني للشافعي - و به قال أبو هريرة، و عمر بن عبد العزيز، و مالك، و أحمد في رواية(2) لأن جبريل عليه السلام صلّى العشاء في اليوم الثاني حين ذهب ثلث الليل(3) و لأن الثلث متيقن، و الزائد عليه مشكوك فيه فلا يصار إليه.
و قال أبو حنيفة: آخره طلوع الفجر(4) - و هو رواية لنا(5) - لقوله عليه السلام: (لا يخرج وقت صلاة حتى يدخل وقت أخرى)(6) و نحن نقول بموجبه إذ بعد نصف الليل يدخل وقت صلاة الليل، و لم يتعرض في الحديث للوجوب.
و اختلفت الشافعية فقال بعضهم: إذا خرج النصف، أو الثلث فقد خرج وقت الاختيار، و وقت الأداء باق الى طلوع الفجر(7) ، و على قياس قول أبي سعيد يخرج الوقت(8) ، و قال أبو حامد: إذا خرج ثلث الليل فات الوقت(9).1.
ص: 315
- و هو البياض المعترض في أفق السماء - و يسمى الصبح الصادق، لأنه صدقك عن الصبح، و سمّي صبحا لأنه جمع بين حمرة و بياض، و لا عبرة بالأول الكاذب الخارج مستدقا صاعدا كذنب السرحان، و يسمى الخيط الأسود - و هو قول العلماء كافّة - و لا يتعلق بالفجر الأول حكم بحال.
قال الباقر عليه السلام: «الفجر هو الخيط الأبيض، و ليس هو الأبيض صعدا، و لا تصلّ في سفر و لا حضر حتى تتبيّنه»(1).
- و به قال أبو حنيفة(2) - لأن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال: (وقت الفجر ما لم تطلع الشمس)(3) و من طريق الخاصة قول الباقر عليه السلام:
«وقت الغداة ما بين طلوع الفجر الى طلوع الشمس»(4).
و قال الشيخ: وقت المختار الى أن يسفر الصبح، و للمضطر الى طلوع الشمس(5) ، و به قال الشافعي و أحمد(6) لأنّ جبرئيل عليه السلام صلى الصبح في اليوم الثاني حين أسفر(7) ، و هو يدل على الأفضلية.
ص: 316
مثله، و نافلة العصر حتى يصير الظل مثليه، قاله الشيخ في الخلاف و الجمل و المبسوط(1).
و في النهاية: نافلة الظهر حتى تبلغ زيادة الظل قدمين، و العصر أربعة أقدام(2) - لقول الصادق عليه السلام: «كان حائط مسجد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قامة، فإذا مضى من فيئه ذراع صلّى الظهر، و إذا مضى ذراعان صلّى العصر. ثم قال: أ تدري لم جعل الذراع و الذراعان ؟ لمكان الفريضة، لك أن تتنفل من زوال الشمس الى أن يمضي ذراع، فإذا بلغ فيؤك ذراعا بدأت بالفريضة و تركت النافلة، و إذا بلغ فيؤك ذراعين بدأت بالفريضة و تركت النافلة»(3) و هو يدل على بلوغ المثل و المثلين لأن التقدير أن الحائط ذراع، فحينئذ ما روي من القامة و القامتين(4) جار هذا المجرى لقول الصادق عليه السلام: «في كتاب علي عليه السلام: القامة ذراع»(5).
و قال الشافعي في أحد الوجهين: وقت نافلة الظهر ما لم تصل الفرض و في الآخر: ما لم يخرج وقت الفرض(6).
و قال أحمد: كلّ سنّة قبل الصلاة فوقتها من دخول وقتها الى فعل الصلاة، و كلّ سنة بعدها فوقتها من فعل الصلاة الى خروج وقتها(7).
ص: 317
- و به قال الشافعي في وجه(1) - لأنه وقت يستحب فيه تأخير العشاء فينبغي اشتغاله بالنافلة، و لقول الصادق عليه السلام: «كان النبيّ صلّى اللّه عليه و آله يصلّي ثلاثا المغرب، و أربعا بعدها»(2) و في وجه للشافعي: تمتد سنّة المغرب إلى أن يصلّي صلاة العشاء(3) ، فإذا ذهب الشفق خرج وقتها، لأنه ابتداء وقت فريضة أخرى فلا يسوغ التطوع، لقول الباقر عليه السلام: «إذا دخل وقت الفريضة فلا تطوع»(4).
و أما وقت الوتيرة فيمتد بامتداد وقت العشاء، لأنها نافلة تتبعها فيمتد وقتها بامتداد وقت متبوعها، و للشافعي وجهان: أحدهما: امتداد وقت نافلة العشاء الى طلوع الفجر، لأنه وقت العشاء عنده، و الثاني: الى أن يصلّي الصبح(5).
و كلّما قرب من الفجر كان أفضل، و عليه علماؤنا.
و قال الشافعي: الأفضل أن يوقعها بعد نصف الليل قبل الفجر بسدس الليل(6) ، لأن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله كان يفعل ذلك.
و هو معارض بقول عائشة: كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ينام أول الليل و يحيى آخره(7) ، و من طريق الخاصة قول الرضا عليه السلام: «أفضل
ص: 318
ساعات الليل الثلث الباقي»(1) و سئل الصادق عليه السلام متى أصلّي صلاة الليل ؟ قال: «صلّها آخر الليل»(2) و قوله تعالى وَ بِالْأَسْحارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (3) يدل عليه، و لأنه يكره النوم بعدها لقول أبي الحسن الهادي عليه السلام: «إياك و النوم بين صلاة الليل و الفجر، و لك ضجعة بغير نوم، فإن صاحبه لا يحمد على ما قدّم من صلاته»(4).
أحدهما: أنهما يدخلان بطلوع الفجر الأول، قاله المرتضى(5) لقول الصادق عليه السلام: «صلّهما بعد ما يطلع الفجر»(6) ، و الثاني: بعد صلاة الليل و إن لم يكن قد طلع الفجر، اختاره الشيخان(7) لقول الباقر عليه السلام و قد سئل الركعتان قبل الغداة أين موضعهما؟ فقال: «قبل طلوع الفجر»(8) و عنه عليه السلام: «أنّهما من صلاة الليل»(9) و الأقوى جواز فعلهما بعد صلاة الليل، و استحباب تأخيرهما إلى طلوع الفجر الأول جمعا بين الأدلة.
و قال الشافعي: يدخل وقتهما بطلوع الفجر(10).
و آخر وقتهما طلوع الحمرة فيقدم على الفريضة إلى أن تطلع الحمرة،
ص: 319
لأنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كان إذا أذّن المؤذّن، و طلع الفجر صلّى ركعتين(1) ، و قال الصادق عليه السلام و قد سئل عن ركعتي الفجر: «صلّهما قبل الفجر، و مع الفجر، و بعد الفجر»(2).
و قال الشافعي: ما لم يصلّ الصبح، لأنّه لم ينقل عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله تأخيرهما عن الفرض، و له قول: الى طلوع الشمس، لأنّهما تابعتان للفريضة، و كان وقتهما وقت الفريضة، و بعض الشافعية قال: يمتد وقتهما الى زوال الشمس كالوتر(3).
فإن ظهرت الحمرة و لم يصلّهما بدأ بالفرض، و قضاهما بعد الغداة لقول الرضا عليه السلام و قد سئل عن الرجل لا يصلي الغداة حتى يسفر و تظهر الحمرة، و لم يركع ركعتي الفجر أ يركعهما أو يؤخرهما؟ قال:
«يؤخرهما»(4).
و روي استحباب إعادتهما بعد الفجر لو صلاّهما قبله، قال الباقر عليه السلام: «إني لأصلّي صلاة الليل فأفرغ و أصلّي الركعتين و أنام ما شاء اللّه قبل أن يطلع الفجر، فإن استيقظت عند الفجر أعدتهما»(5).
و نعني بالعذر ما أسقط القضاء، و بوقت المعذورين الوقت الذي يصير فيه الشخص من أهل وجوب الصلاة عليه بزوال الأسباب المانعة من الوجوب، و هي أربعة: الجنون، و في معناه الإغماء، و الصبي، و الكفر،
ص: 320
و الحيض، و في معناه النفاس، و كل واحد من هذه إما أن يوجد أول الوقت، أو آخره، أو يعم الجميع.
فإن بقي من الوقت مقدار الطهارة و أداء الصلاة وجب فعلها، فإن أهمل وجب القضاء بلا خلاف، و لو قصر الوقت فإن وسع الطهارة و أداء ركعة من الصلاة فكالأول بلا خلاف، لقول رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: (من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر، و من أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح)(1).
و لو قصر عن ركعة لم تجب عندنا - و به قال مالك، و المزني، و الشافعي في قول(2) - لأن الحديث دلّ على اعتبار الركعة في إدراك الصلاة، و للإجماع على أن المسبوق يدرك الجمعة بإدراك ركعة لا ما دونها فكذا هنا، و لأنه أدرك ما لا يقع فيه ما يكون صلاة بانفراده فلا يكون مدركا لها كما لو قصر عن إدراك التكبيرة.
و للشافعي قول آخر: إدراك الصلاة بإدراك تكبيرة الافتتاح - و به قال أبو حنيفة، و أحمد(3) - لأنه أدرك جزءا من الوقت، و تمكّن من الفعل، فصار كما لو أدرك ركعة من الصلاة، و لأن الإدراك إذا تعلق به الإيجاب استوى فيه الركعة و غيرها كالمسافر إذا اقتدى بالمقيم في الركعة الأخيرة فإنّا نلزمه بالإتمام و إن أدركه بعد الركوع. و نمنع التمكن من الفعل، و ينتقض بما لو أدرك بعض
ص: 321
التكبيرة، و نمنع الأصل في الثاني، و سيأتي.
أ - إذا أدرك من الصلاة ركعة وجبت تلك و لا يجب ما قبلها، أمّا إذا كانت مما لا يجمع إليها فبالإجماع كالظهر مع الصبح، و أما إذا كانت مما يجمع إليها كالظهر مع العصر، و المغرب مع العشاء فكذا عندنا - و به قال أبو حنيفة، و الشافعي في أحد أقواله(1) - لأن الظهر و المغرب خرج وقتهما في حال العذر فلا يجبان عليه، كما لو خرج وقت العصر و العشاء معذورا، و لأنّ التكليف يستدعي وقتا يتسع له، و إلاّ لزم التكليف بما لا يطاق، و مع سقوط الوجوب أداء يسقط قضاء، و لقول الصادق عليه السلام: «إذا رأت المرأة الطهر في وقت الصلاة، ثم أخرت الغسل حتى يدخل وقت صلاة أخرى كان عليها قضاء تلك الصلاة التي فرطت فيها»(2) و سئل الباقر عليه السلام عن الحائض تطهر عند العصر تصلّي الاولى ؟ قال: «لا، إنّما تصلّي الصلاة التي تطهر عندها»(3) و قال الصادق عليه السلام: «إذا طهرت قبل العصر صلت الظهر و العصر، و إن طهرت في آخر وقت العصر صلّت العصر»(4).
و للشافعي أربعة أقوال أخر:
أ - إنها تدرك الفريضتين بإدراك ركعة واحدة فيدرك الظهر و العصر بإدراك ركعة من العصر، لأن عبد الرحمن بن عوف، و عبد اللّه بن عباس أوجبا على الحائض التي تطهر قبل طلوع الفجر بركعة المغرب و العشاء، و لا نعرف لهما مخالفا، و لأنّ وقت الثانية وقت الاولى في حال العذر فإنه من أدرك عصر يوم
ص: 322
فقد أدرك ظهره، و لهذا لو أفاق المجنون فيه لزمه الفرضان(1).
و الأصل فيه أن آخر وقت العصر هل يصلح وقتا للظهر؟ قولان عنده(2) ، فإن كان وقتا صلح لهما فوجبا معا، و إلاّ فلا، و يحمل قول ابن عباس على الاستحباب.
و قد روي من طريق الخاصة نحوه، قال الصادق عليه السلام: «إذا طهرت المرأة قبل طلوع الفجر صلّت المغرب و العشاء، و إن طهرت قبل أن تغيب الشمس صلّت الظهر و العصر»(3) و هو محمول على إدراك ما زاد على أربع، و نمنع اتحاد الوقت و الحكم في الأصل.
ب - بإدراك أربع و تكبيرة، أو ثلاث و تكبيرة(4).
ج - أنّها تدرك الفرضين بإدراك تكبيرة خاصة(5).
د - بإدراك ركعة و تكبيرة.
ب - لا بد من اعتبار إدراك الطهارة مع الركعة - و هو أحد قولي الشافعي - لأنه (لا صلاة إلاّ بطهور)(6) فلا يدرك الصلاة بدون إدراك الطهور، و أصح وجهي الشافعي: المنع، لأنّ الطهارة لا تشترط في الإلزام بل في الصحة(7).3.
ص: 323
أما الصبي، فإن قلنا: إن طهارته شرعية، فتطهّر ثم بلغ بغير المبطل لم يشترط سوى إدراك الركعة له خاصة.
ج - المشترط إدراك ركعة تامة الأفعال الواجبة خاصة دون المندوبة و هو يحصل بإدراك النية، و تكبيرة الافتتاح، و قراءة الفاتحة، و أخف السور إن قلنا بوجوبها، و الركوع ذاكرا فيه أقل الواجب، و السجدتين ذاكرا فيهما أقل الواجب، و الطمأنينة في ذلك كله أقل الواجب، و في الرفع من الركوع و السجدتين.
د - شرط اللزوم أن يبقى سليما عن الموانع مدة إمكان الوضوء و الصلاة، فلو عاد المانع قبل ذلك سقط كما لو طهرت الحائض ثم جنّت، أو أفاقت مجنونة ثم حاضت.
ه - لو أدرك مقدار خمس ركعات فالأشهر وجوب الصلاتين، و للشيخ قول باستحبابهما(1) ، و ليس بجيد. و هل الأربع في مقابلة العصر و الزائدة في مقابلة الظهر أو بالعكس ؟ الظاهر عندنا الأول، لورود النص عن الأئمة عليهم السلام أنه لو بقي لانتصاف الليل مقدار أربع ركعات وجبت العشاء خاصة(2) - و هو أحد قولي الشافعية - لأن الظهر تابعة للعصر في الوقت و اللزوم، فليكن الأكثر في مقابلة المتبوع. و الثاني: الأولى لأنها السابقة(3).
و تظهر الفائدة فيما لو أدرك في آخر وقت العشاء مقدار أربع، فإن قلنا في الصورة الأولى الأربع للظهر وجبت هنا الصلاتان ثلاث للمغرب، و ركعة للعشاء، و إن قلنا الأربع للعصر وجبت العشاء خاصة و لا تجب المغرب إلاّ3.
ص: 324
بإدراك خمس.
و - قال الشيخ في التهذيب: الذي أعوّل عليه أنّ المرأة إذا طهرت بعد زوال الشمس - قبل أن يمضي منه أربعة أقدام - فإنه يجب عليها قضاء الظهر و العصر، و إن طهرت بعد أن يمضي أربعة أقدام يجب عليها قضاء العصر لا غير، و يستحب لها قضاء الظهر إذا كان طهرها قبل مغيب الشمس(1).
و هو بناء على الأقدام، و الراوي الفضل بن يونس(2) و هو واقفي.
ز - قد بيّنا أن إدراك الركعة سبب لإدراك الفريضة إجماعا، لكن الخلاف في أنه يكون مؤديا للجميع، أو قاضيا لما يقع خارج الوقت ؟ و عندي فيه إشكال ينشأ من قوله عليه السلام: (من أدرك ركعة من الصبح فقد أدرك الصبح)(3). و من أنّها عبادة موقتة فعلت بعد خروج وقتها، و لا معنى للقضاء سوى ذلك.
إذا ثبت هذا فإن قلنا إن الواقع خارجا قضاء فهل ينوي القضاء أم لا؟ الأقرب العدول بالنية إليه إذ الأفعال إنّما تقع على الوجوه و الاعتبارات المقصودة.
و للشافعي ثلاثة أوجه: المذكوران، و كون الجميع قضاءا نظرا الى آخر الصلاة(4) - و هو اختيار المرتضى(5) - و له قول رابع: إن أدرك ركعة في الوقت1.
ص: 325
فالكل أداء و إلاّ فالجميع قضاء - و به قال أحمد(1) - لقوله عليه السلام: (من أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح)(2).
و عند أبي حنيفة لو طلعت الشمس في أثناء صلاة الصبح بطلت و لم يكن أداء و لا قضاء(3).
بأن يطرأ بعد دخول الوقت و إنما يتحقق في الحيض، و النفاس، و الجنون، و الإغماء، دون الصبا، و الكفر الأصلي، فإن كان الماضي من الوقت قدر ما يتسع للطهارة و الصلاة الكاملة استقرت في الذمة، و عليه القضاء مع الإهمال بعد زوال العذر عند علمائنا - و هو أصح قولي الشافعي(4) - لأنه تمكن من الأداء و قد خوطب به و أهمل فلزمه القضاء كما لو تجدد العذر بعد الوقت.
و قال أبو حنيفة، و مالك: لا تلزمه تلك الصلاة ما لم يدرك آخر الوقت - و هو قول للشافعي(5) - لأن المسافر لو دخل عليه الوقت في بلده ثم سافر في أثناء الوقت قبل الصلاة قصّر، و لو كان قد استقر الفرض في ذمته لما جاز القصر، و هو ممنوع.
أ - المعتبر أخف ما يمكن من الصلاة، فلو طوّلت الصلاة بالقراءة فحاضت في خلالها و الماضي بقدر الخفيفة وجب القضاء، و لا بدّ من إدراك
ص: 326
الطهارة إن كان محدثا في أول الوقت، و لو كان متطهرا لم يشترط قدر زمانها.
و عند الشافعي يشترط إن كان ممن لا يصح طهره قبل الوقت كالمتيمم، و المستحاضة، و إن كان ممن يصح طهره قبل الوقت فوجهان: الاعتبار، لأن الصلاة لا تصح بدونها. و عدمه، لأن الطهارة لا تختص بوقت(1).
ب - لو أدرك من أول الوقت مقدار ركعة أو ركعتين، ثم طرأ العذر لم يلزمه قضاء الصلاة عندنا بعد العذر - و به قال الشافعي - لعدم تمكنه من الفعل، و قال بعض الشافعية: يجب القضاء كما لو أدرك هذا الوقت من آخره(2) ، و الفرق تمكنه من إتمام الفعل لو أدرك قدر الركعة آخر الوقت بخلاف صورة النزاع فإنه لا يتمكن من إتمامه.
ج - لو أدرك من أول الوقت مقدار خمس ركعات لم يلزمه العصر - و هو ظاهر مذهب الشافعية - لما تقدم(3) ، و قال بعضهم: يلزمه العصر كما لو أدرك هذا الوقت من آخر وقت العصر يلزمه قضاء الظهر، و الفرق أن وقت الظهر جعل وقتا للعصر على سبيل التبع للظهر، و لهذا لو بدأ بالعصر قبل الظهر لم يصح و لم يلزم العصر بإدراكه، و أما وقت العصر فقد جعل وقتا للظهر لا على سبيل التبع للعصر، بل إنّه لو ابتدأ بالظهر قبل العصر صحت صلاته(4). أمّا لو مضى مقدار الطهارة و أداء ثمان ركعات فإن الصلاتين تجب عليه عندنا، إذ وقت العصر بعد الفراغ من الظهر، و قال الشافعي: تجب الظهر خاصة(5).1.
ص: 327
د - لو خلا الوسط عن العذر و حصل في الطرفين كان حكمه حكم هذا القسم، لا حكم الخالي آخره، فلو بلغ صبي في أول الوقت ثم جنّ، أو أفاقت المجنونة في أثناء الوقت ثم حاضت، أو تجدد الجنون فإن كان وقت زوال العذر يتسع للطهارة و تمام الصلاة وجب القضاء و إلاّ فلا.
فلو أسلم الكافر بعد خروج الوقت لم يكن عليه قضاء أيام كفره لقوله تعالى إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ (1).
أما المرتد، فإنه يقضي أيام ردته بعد العود إلى الإسلام، لأنه التزم الصلوات بالإسلام فلا تسقط بالردة كحقوق الآدميين، و به قال الشافعي، و احمد في رواية، و في الثانية: لا يجب القضاء كالكافر الأصلي، و به قال أبو حنيفة، و مالك(2) ، و الفرق ظاهر.
و الحائض و النفساء إذا استغرق عذرهما الوقت سقط القضاء، و الصبي و المجنون لا تلزمهما الصلاة و لا قضاؤها إجماعا لقول النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: (رفع القلم عن ثلاث: عن الصبي حتى يبلغ، و عن النائم حتى يستيقظ، و عن المجنون حتى يفيق)(3) و إنما وجب القضاء على النائم لقوله عليه السلام: (إذا نسي أحدكم صلاة، أو نام عنها فليصلّها إذا ذكرها)(4).
ص: 328
و أما الإغماء، فإن عم الوقت سقطت أداء و قضاءا كالجنون لأنه مسقط للتكليف - و به قال الشافعي، و مالك(1) - لأن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال و قد سئل عن المغمى عليه: (ليس من ذلك قضاء إلا أن يغمى عليه فيفيق في وقتها فيصليها)(2). و من طريق الخاصة قول الصادق عليه السلام و قد سئل عن المريض هل يقضي الصلاة إذا أغمي عليه ؟ قال: «لا، إلا الصلاة التي أفاق في وقتها»(3).
و قال أبو حنيفة: إن أغمي عليه في خمس صلوات فما دون وجب عليه قضاؤها، و إن زادت على ذلك سقط عنه فرض القضاء في الكل(4).
و قال أحمد: يجب القضاء في الجميع بكل حال(5) ، و احتجا بأن عمار ابن ياسر أغمي عليه يوما و ليلة فقضى(6) ، و هو محمول على الاستحباب، و قد روي ذلك من طرقنا عن الصادق عليه السلام سئل عن المغمى عليه شهرا ما يقضي من الصلاة ؟ قال: «يقضيها كلها، إن أمر الصلاة شديد»(7).
أ - المرتد إذا ترك شيئا حال إسلامه قبل الردة وجب قضاؤه عندنا - و به
ص: 329
قال الشافعي، و أحمد في رواية(1) - لأن الردة غير مسقطة على ما تقدم، و لأنه قد كان واجبا عليه و مخاطبا به قبل الردة فبقي الوجوب بحاله لأنه لم يأت به، و قال أبو حنيفة: لا يجب(2). لما تقدم.
ب - لو شرب مسكرا، أو دواء مرقدا، أو مزيلا للعقل فإن علم حاله وجب عليه القضاء و إلاّ فلا.
و لو شرب دواء فذهب عقله فإن شربه للتداوي و ليس الغالب فيه ذهاب العقل سقط القضاء، و إن شربه لزوال عقله لم يسقط.
و لو شرب مسكرا لم تصح صلاته إن لم يحصّل ما يفعله، و لا يسقط عنه فرض الصلاة بذلك لإجماع العلماء على تكليف السكران لقول علي عليه السلام: «إنه إذا شرب سكر، و إذا سكر هذي، و إذا هذي افترى، فاجلدوه جلد المفتري»(3). فألزمه الصحابة بذلك حكم الافتراء في حال سكره.
ج - لو ارتد ثم جن فالوجه عدم قضاء أيام الجنون، و كذا لو سكر ثم جن لسقوط التكليف.
و قال الشافعي: يقضي المرتد أيام الجنون، و في قضاء السكران وجهان: القضاء لأن السكران يغلظ عليه أمر الصلاة كالمرتد، و المنع لأن المرتد في أيام جنونه مرتد حكما، و السكران في دوام الجنون ليس بسكران قطعا(4). و لو ارتدت المرأة، أو سكرت ثم حاضت لم يكن عليها قضاء أيام1.
ص: 330
الحيض، و لا فرق بين أن يطرأ الحيض على الردة، أو السكر.
د - لو عم النوم الوقت ثم انتبه بعد خروج الوقت فعليه القضاء إجماعا لقوله عليه السلام: (من نام عن صلاة أو نسيها فليصلّها إذا ذكرها فإن ذلك وقتها)(1).
ه - لو شربت دواء فأسقطت و نفست لم تصلّ أيام النفاس، و لا قضاء بعد الطهر و ان قصدته، لأن النفاس ليس مقصود جنايتها، و للشافعية وجه في وجوبه لأنها عاصية به فكان حكمها حكم السكران(2) ، و الفرق أن السكران قصد بجنايته زوال عقله فأبقينا حكم الخطاب عليه.
لكن يستحب تمرينه بفعلها، و يستحب مطالبته بها إذا بلغ سبع سنين، و ضربه عليها إذا بلغ عشرا لقوله عليه السلام: (مروهم بالصلاة و هم أبناء سبع، و اضربوهم عليها و هم أبناء عشر)(3) و إنما ضرب بعد العشر لاحتمال البلوغ بالاحتلام، و هذا و إن لم يكن تكليفا لهم إلا أنه سائغ لاشتماله على اللطف لهم بالتعويد على ملازمة الصلاة عند البلوغ. و هل صلاته شرعية معتد بها؟ المشهور ذلك - و به قال الشافعي(4) خلافا لأبي حنيفة(5) - و لا قضاء عليه لو أخل بها
ص: 331
إجماعا لأن الأمر لم يكن أمر إيجاب بل إنما ثبت للتخلق، و مراعاة حق الوقت و حرمته، فإذا فات الوقت سقط.
أ - لو صلى حالة الصغر ثم بلغ و الوقت باق فلا خلاف في استحباب الإعادة، و هل تجب ؟ الأقوى عندي ذلك - و به قال أبو حنيفة، و المزني، و حكاه القفال عن الشافعي(1) - لأنه الآن تعلق به الخطاب، و الفعل الأول لم يكن واجبا فلا يسقط ما تجدد وجوبه، و ظاهر مذهب الشافعي عدم الوجوب(2) ، و أصل اختلاف قوليه أنه إذا نوى الظهر و لم يقيّد النيّة بالفرضية هل تصح صلاته ؟ و سيأتي، فإن قيل بالصحة هناك فلا إعادة هنا، لأن الصبي قد نوى الظهر، و إن قلنا بالعدم وجبت هنا الإعادة، لأنّه ليس من أهل نية الفرضية.
ب - لو بلغ في أثناء الصلاة بغير المبطل استحب له أن يتم و يعيد بعد ذلك، و في وجوب الإعادة ما تقدم من الاختلاف، و لو ضاق الوقت إلاّ عن ركعة استأنف و نوى الفرضية، و لو قصر عن ركعة لم يجب الاستئناف و لا الإعادة و استحب الإتمام.
ج - الصبي إذا صلى الظهر يوم الجمعة، ثم بلغ قبل فواتها وجب عليه استئناف الجمعة - و هو قول بعض الشافعية(3) - لأنه مأمور بالجمعة لا الظهر.
و قال أكثر الشافعية: لا إعادة كالعبد إذا صلّى الظهر ثم عتق(4) ، و هو
ص: 332
غلط لأن العبد مأمور بالظهر فإذا صلاّها خرج عن العهدة فلم تلزمه الإعادة بخلاف الصبي.
د - لو بلغ في أثناء الوقت قبل الصلاة، فإن بقي من الوقت مقدار ركعة و الطهارة إن لم يكن متطهرا أو قدر ركعة إن كان وجب عليه الفعل، فإن أهمل وجب القضاء، و إن قصر عن ذلك لم يجب بل استحب.
أ - عند طلوع الشمس الى ارتفاعها.
ب - عند غروبها.
ج - عند قيامها وسط النهار الى أن تزول إلاّ يوم الجمعة.
د - بعد صلاة الصبح الى طلوع الشمس.
ه - بعد العصر حتى تغرب الشمس.
اثنان من هذه متعلقة بالفعل و هما ما بعد صلاة الصبح حتى تطلع الشمس، و ما بعد العصر حتى تغرب، و ثلاثة للوقت لأن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال: (إن الشمس تطلع و معها قرن الشيطان، فإذا ارتفعت فارقها فإذا استوت قارنها، فإذا زالت فارقها، ثم إذا دنت للغروب قارنها، فإذا غربت فارقها)(1) و نهى النبي صلّى اللّه عليه و آله عن الصلاة في تلك الأوقات(2) ،
ص: 333
و به قال الشافعي، و أحمد(1).
و قال ابن المنذر: لا يكره بعد العصر حتى تصفر الشمس، و إنما المنهي عنه ما رواه عقبة بن عامر قال: ثلاث ساعات كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ينهانا أن نصلي فيهن و أن نقبر فيهن موتانا: حين تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع، و حين يقوم قائم الظهيرة حتى تميل، و حين تتضيف الشمس للغروب حتى تغرب(2) ، و معنى تتضيف أي تميل، و منه سمي الضيف، و التخصيص يدل على نفي ما عداه، و عن علي عليه السلام أنه دخل فسطاطه فصلى ركعتين بعد العصر(3) ، و قال داود: يجوز فعل النافلة بعد العصر حتى تغرب الشمس(4).
فمن لم يصلّ لم يكره له التنفل و إن صلى غيره، و لو صلى العصر كره له التنفل و إن لم يصلّ غيره، و لا نعلم فيه خلافا بين المانعين.
و أما النهي بعد الصبح فإنه كذلك - و به قال الحسن، و الشافعي(5) - لأن النبي عليه السلام قال: (لا صلاة بعد صلاة العصر حتى تغرب الشمس، و لا صلاة بعد صلاة الفجر حتى تطلع الشمس)(6) و لقول الصادق عليه السلام: «لا صلاة بعد العصر حتى تصلي المغرب، و لا بعد الفجر حتى تطلع
ص: 334
الشمس»(1).
و قال أصحاب الرأي: النهي متعلق بطلوع الفجر - و به قال ابن المسيب، و النخعي، و عن أحمد روايتان(2) - لأن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال: (ليبلغ شاهدكم غائبكم لا تصلوا بعد الفجر إلا سجدتين)(3) و في حديث آخر: (إذا طلع الفجر لا صلاة إلا ركعتا الفجر)(4).
لا سبب لها متقدم على هذه الأوقات و لا مقارن لها، فالنوافل الفائتة، و ذات السبب لا تكره في هذه الأوقات - و به قال الشافعي(5) - لأن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله رأى قيس بن فهد يصلي بعد الصبح ركعتين فقال صلّى اللّه عليه و آله: (ما هاتان الركعتان يا قيس ؟) فقال: لم أكن صليت ركعتي الفجر فسكت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله(6) ، و دخل صلّى اللّه عليه و آله على أم سلمة بعد العصر فصلّى ركعتين فقالت أم سلمة: ما هاتان الركعتان ؟ فقال صلّى اللّه عليه و آله:
(ركعتان كنت أصليهما بعد الظهر فشغلني عنهما الوفد)(7).
و من طريق الخاصة قول الصادق عليه السلام و قد سئل عن قضاء النوافل فقال: «ما بين طلوع الشمس الى غروبها»(8) و سئل الكاظم عليه السلام
ص: 335
عن قضاء صلاة الليل قال: «نعم بعد طلوع الفجر الى طلوع الشمس، و بعد العصر الى الليل»(1).
و قال المفيد رحمه اللّه: يكره النوافل أداء و قضاء عند طلوع الشمس و غروبها. و أجاز قضاءها بعد الصبح و العصر(2) ، و منع أبو حنيفة و مالك من قضاء النوافل في أوقات النهي، و ابتدائها و إن كان لها سبب(3) - و عن أحمد روايتان(4) - لعموم النهي(5) ، و الجواب: الخاص مقدم.
لتعارض الأحاديث في المنع و التسويغ، و ورود لفظ الكراهة، و قال أبو حنيفة: لا يجوز لأن النهي يدل على التحريم(6) ، و هو ممنوع خصوصا مع قيام المعارض.
إذا عرفت هذا فإن النهي عن التنفل لا عن الفرائض، فلا يكره عندنا قضاء الفرائض، و لا ابتداؤها في هذه الأوقات - و به قال علي عليه السلام، و النخعي، و الشعبي، و الحكم، و حماد، و مالك، و الأوزاعي، و الشافعي، و إسحاق، و أبو ثور، و ابن المنذر، و أحمد بن حنبل(7) - لقوله عليه السلام:
ص: 336
(من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها)(1).
و من طريق الخاصة قول الباقر عليه السلام و قد سئل عن رجل صلى بغير طهور، أو نسي صلوات لم يصلها، أو نام عنها: «يقضيها إذا ذكرها في أي ساعة ذكرها»(2).
و قال أصحاب الرأي: لا يقضى الفرض و لا النفل في الأوقات الثلاثة إلاّ عصر يومه عند اصفرار الشمس، و أما الوقتان الآخران المتعلقان بالفعل فلا يجوز فيهما فعل شيء من النوافل سواء كان لها سبب أو لم يكن، لعموم النهي(3) ، المتناول للفرائض و النوافل و لأنها صلاة فلم تجز في هذه الأوقات كالنوافل(4). و النهي مخصوص بعصر يومه، و بالقضاء في الوقتين الآخرين فنقيس محل النزاع على المخصوص، و قياسهم ينتقض بذلك.
و قال أصحاب الرأي: تفسد صلاته لأنها صارت في وقت النهي(1).
و الخاص مقدم.
ب - في انعقاد النوافل في هذه الأوقات إشكال ينشأ من النهي، فأشبهت صوم يوم العيد، و من الترغيب في الصلاة مطلقا، و هذه الأوقات قابلة للصلاة في الجملة لصحة الفرائض فيها فصارت كالصلاة في الحمام، و للشافعية وجهان(2) ، إذا ثبت هذا، فلو نذر أن يصلي في هذه الأوقات انعقد نذره إن قلنا بانعقاد الصلاة فيها و إلاّ فلا.
ج - يجوز فعل الصلاة المنذورة في وقت النهي سواء كان النذر مطلقا أو موقتا - و به قال الشافعي(3) - لاختصاص النهي بالنافلة، و النذر واجب.
و قال أبو حنيفة: لا يجوز، لأن وجوبها معلق بفعله و هو النذر فأشبه النافلة الواجبة بالدخول فيها(4). و يبطل بسجود التلاوة، فإنه متعلق بفعله و هو التلاوة، و لا تشبه المنذورة ما وجب بالدخول فيه لأن الدخول مكروه و النذر غير مكروه في الجملة.
استحب له إعادتها عندنا - و به قال الشافعي، و الحسن البصري، و أبو ثور(5) - لأن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله صلّى الصبح في مسجد خيف،
ص: 338
فلما انصرف رأى رجلين في زاوية المسجد، فقال لهما رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: (لما ذا لم تصليا معنا؟) فقالا: كنا قد صلينا في رحالنا، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: (إذا جئتما فصلّيا معنا، و إن كنتما قد صليتما في رحالكما تكن لكما سبحة)(1).
و قال أبو حنيفة: لا تجوز الإعادة لأنها نافلة فلا يجوز فعلها في وقت النهي(2) لعموم الحديث(3) و ما ذكرناه أخص فتقدم.
و قال مالك، و الثوري، و الأوزاعي: يعاد الجميع إلاّ المغرب لئلا يتطوع بوتر(4). و قال ابن عمر، و النخعي: تعاد الصلوات كلها إلاّ الصبح، و المغرب(5). و قال الحكم: إلاّ الصبح وحدها(6).
أ - لا فرق في استحباب الإعادة بين أن تقام الصلاة و هو في المسجد أو لا، و لا بين أن يدخل و هم يصلّون أو لا، و شرط أحدهما أحمد(7).
ص: 339
ب - لا فرق في جواز الإعادة في وقت النهي بين أن يكون مع إمام الحي و غيره للعموم - خلافا لبعض أصحاب أحمد(1) - و لا بين أن يكون قد صلّى وحده أو مع جماعة، قال أنس: صلّى بنا أبو موسى الغداة في المربد فانتهينا الى المسجد الجامع فأقيمت الصلاة فصلينا مع المغيرة بن شعبة(2).
ج - إذا أعاد المغرب صلاها ثلاثا لأن القصد المتابعة للإمام، و المفارقة مكروهة سواء كانت بالزيادة أو النقصان.
و قال الشافعي، و الزهري، و أحمد: يصلي أربعا - و هو مروي عن سعيد بن المسيب - لأنها نافلة و لا يشرع التنفل بوتر غير الوتر فكان زيادة ركعة أولى من نقصانها لئلا يفارق إمامه قبل إتمام صلاته(3) ، و عن حذيفة يصلي ركعتين(4).
د - إذا أقيمت الصلاة و هو خارج المسجد استحب له الدخول، و إن كان وقت نهي، عملا بالعموم، خلافا لأحمد(5).
ه - إذا أعاد الصلاة فالأولى فرضه - و به قال علي عليه السلام، و الثوري، و أبو حنيفة، و إسحاق، و الشافعي في الجديد(6) - لقوله عليه السلام: (تكن لكما نافلة)(7) و لأن الأولى وقعت فريضة فأسقطت الفرض لأنها لا4.
ص: 340
تجب ثانيا، و إذا برئت الذمة بالأولى استحال كون الثانية فريضة و جعل الأولى نافلة.
و عن سعيد بن المسيب، و عطاء، و الشعبي: التي صلّى معهم المكتوبة(1) لأن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال: (إذا جئت الى الصلاة فوجدت الناس فصلّ معهم، و إن كنت قد صلّيت تكن لك نافلة و هذه مكتوبة)(2) و لا تصريح فيه فيجب أن يحمل معناه على ما في الأحاديث الباقية سواء.
إذا عرفت هذا فإنه ينوي بالثانية النفل لا الفرض، و يجوز أن ينويها ظهرا معادة و لا تجب الإعادة بلا خلاف لأنها نافلة، و قال عليه السلام: (لا تصلوا صلاة في يوم مرتين)(3) معناه واجبتان، و عن أحمد رواية أنها تجب مع إمام الحي(4) لأنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أمر بها(5) ، و الأمر للاستحباب، فعلى هذا إن قصد الإعادة فلم يدرك إلا ركعتين جاز أن يسلّم معهم لأنها نافلة، و يستحب أن يتمها لأنه قصد أربعا.
و قال أحمد: يجب(6) لقوله عليه السلام: (و ما فاتكم فأتموا)(7) و هو9.
ص: 341
للاستحباب، أو في غير الإعادة.
و لهما سبب فيجوز أن يصليهما في أوقات النهي. و ممن طاف بعد الصبح و العصر و صلى الركعتين الحسن و الحسين عليهما السلام، و ابن عباس، و ابن عمر، و ابن الزبير، و عطاء، و طاوس، و مجاهد، و القاسم بن محمد، و عروة. و به قال عطاء، و الشافعي، و أحمد، و أبو ثور(1) ، لأن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال: (يا بني عبد مناف لا تمنعوا أحدا طاف بهذا البيت و صلّى في أي ساعة شاء من ليل أو نهار)(2) و منع من ذلك أبو حنيفة، و مالك و احتجا بعموم أحاديث النهي(3) ، و هو مخصوص بما لا سبب له، و لأن ركعتي الطواف تابعة له فإذا أبيح المتبوع أبيح التبع.
و قال أبو حنيفة: لا يجوز(1) - و عن أحمد روايتان(2) - للنهي(3) و لأنها صلاة من غير الخمس، فلم يجز فعلها كالنوافل المطلقة.
و النهي مخصوص بالنوافل المطلقة. و الفرق ظاهر، لأنها ذات سبب.
و كذا فعل غيرها من الصلوات التي لها سبب، كتحية المسجد، و إعادة صلاة الكسوف، و سجود التلاوة - و به قال الشافعي(4) - لأن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال: (إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يركع ركعتين)(5).
و قال في الكسوف: (فإذا رأيتموها فصلوا)(6) و هذا خاص فيقدم على العام، و لأنها صلاة ذات سبب فأشبهت ما ثبت جوازه، و لأنها عندنا واجبة فأشبهت الفرائض.
و قال أصحاب الرأي، و أحمد: لا يجوز لأن النهي للتحريم، و الأمر للندب و ترك المحرم أولى من فعل المندوب(7).
و الأولى ممنوعة، و ليس بعام، و ثبت تخصيصه.
ص: 343
فروع:
أ - لو نذر صلاة تحية المسجد في أحد الأوقات فإن كان له غرض في الدخول سوى الصلاة صحّ و لزم، و إن لم يكن له غرض سواها فهو كما لو نذر النافلة في هذه الأوقات، و للشافعي وجهان: المنع لأنه قصد التنفل، و الجواز لوجود السبب و هو الدخول(1).
ب - إذا فاته شيء من النوافل فقضاه بعد العصر هل يكون ذلك سببا في فعل مثلها في هذا الوقت ؟ الوجه المنع عملا بعموم النهي(2) ، و للشافعي وجهان: هذا أحدهما، و الثاني: الجواز(3) لأن النبي صلّى اللّه عليه و آله قضى بعد العصر ركعتين ثم داوم عليهما(4) ، و الفرق ظاهر لأنه عليه السلام كان ملتزما للمداومة على أفعاله.
ج - يجوز قضاء سنّة الفجر بعد الفجر - و به قال عطاء، و الشافعي، و أبو حنيفة، و أحمد - و هو مروي عن ابن عمر، و عبد اللّه بن عمرو، و سعيد بن المسيب، و النخعي(5) لأن قيس بن فهد صلاّهما بعد صلاة الفجر، فقال له النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: (ما هاتان الركعتان ؟) قلت: لم أكن صليت ركعتي الفجر(6) ، و سكوته عليه السلام يدل على الجواز.4.
ص: 344
و قال مالك: لا يجوز(1) لعموم النهي(2).
د - ركعتا الإحرام يجوز فعلهما في هذه الأوقات، و كذا الاستخارة لأن لهما أسبابا، و قال الشافعي بالمنع، لأن سببها يتأخر عنها، فأشبهت ما لا سبب له(3).
ه - سجود الشكر في هذه الأوقات ليس بمكروه، لأن كعب بن مالك لما بشر بأن اللّه تاب عليه و على صاحبيه سجد للشكر بعد صلاة الصبح، و لم ينكره عليه السلام(4).
و - الصلوات التي لها أسباب إذا قصد تأخيرها في هذه الأوقات كانت كالمبتدأة لقوله عليه السلام: (لا يتحرى أحدكم فيصلي عند طلوع الشمس و لا عند غروبها)(5).
ز - يكره التنفل بعد الفجر قبل الفريضة لما روي عنه عليه السلام: (لا صلاة بعد طلوع الفجر إلا ركعتا الفجر)(6).
ح - سجود التلاوة يجوز في كل الأوقات لأنه ليس صلاة، و لأن له سببا و به قال الشافعي(7) و منعه مالك، و أبو حنيفة لأنه أشبه جزء الصلاة(8).2.
ص: 345
ط - لا بأس بصلاة الاستسقاء في هذه الأوقات لوجود الحاجة الداعية إليها في الوقت، و هو أحد وجهي الشافعي، و الثاني: الكراهة لأن غرضها الدعاء و السؤال و هو لا يفوت بالتأخير(1).
- و به قال الشافعي، و الحسن، و طاوس، و الأوزاعي، و سعيد بن عبد العزيز، و إسحاق(2) - لأن النبي صلّى اللّه عليه و آله نهى عن الصلاة نصف النهار إلا يوم الجمعة(3) ، و لأن الناس في هذا الوقت ينتظرون الجمعة، و يشق عليهم مراعاة الشمس، و في ذلك قطع للنوافل، و يحتاجون الى الاشتغال بالصلاة عن النوم أيضا.
و قال مالك: أكرهه إذا علمت انتصاف النهار، و إذا كنت في موضع لا أعلم و لا أستطيع أن أنظر فإني أراه واسعا(4) ، و أباحه عطاء في الشتاء دون الصيف (لأن شدة الحر من فيح جهنم)(5) و ذلك الوقت حين تسجر جهنم(6) ، و منع منه مطلقا في يوم الجمعة أبو حنيفة، و أحمد(7) لعموم
ص: 346
النهي(1).
فروع:
أ - جواز الصلاة هل يختص بهذا الوقت ؟ للشافعية قولان: هذا أحدهما(2) لعموم النهي(3) ، إلاّ فيما ورد فيه الاستثناء، و الثاني: أنه يستثنى جميع يوم الجمعة(4) لأنه روي أن جهنم تسجر في الأوقات الثلاثة في سائر الأيام إلاّ يوم الجمعة(5).
ب - الأقرب عموم الاستثناء لكل أحد لإطلاق الخبر، و هو أحد وجهي الشافعي، و الثاني: عدم العموم، لأن الاستثناء لأحد معنيين: الأول: أن عند اجتماع الناس تشق مراقبة الشمس، و التمييز بين حالة الاستواء و غيره، و الثاني: أن الناس يبكرون إليها فيغلبهم النوم فيحتاجون الى طرده فلا يستثنى القاعد في بيته، و على المعنى الأول يستثنى جميع الحاضرين، و على الثاني يستثنى من بكر و يغلبه النعاس(6).
ج - إن علّلنا بغلبة النعاس، أو مشقة المراقبة، و عدم العلم بدخول الوقت جاز أن يتنفل بأكثر من ركعتين، و إلاّ اقتصرنا على المنقول.
في
ص: 347
أوقات النهي - و به قال أبو حنيفة، و أحمد(1) - لعموم النهي(2) ، و لأنه معنى يمنع من التنفل فاستوت فيه مكة و غيرها كالحيض.
و قال الشافعي: لا يكره التنفل بمكة في شيء من الأوقات الخمسة(3) لقوله عليه السلام: (لا تمنعوا أحدا طاف بهذا البيت و صلى في أي ساعة شاء من ليل أو نهار)(4) و هو مختص بركعتي الطواف، و في اختصاص المسجد بجواز التنفل عند الشافعي وجهان: أحدهما ذلك لأن النبي صلّى اللّه عليه و آله قال: (يا بني عبد مناف من ولي منكم من أمر هذا البيت شيئا فلا يمنعن أحدا طاف بهذا البيت و صلى أية ساعة شاء من ليل أو نهار)(5) و الثاني:
جواز التنفل في جميع بيوت مكة(6) لعموم قوله عليه السلام: (إلا بمكة)(7).).
ص: 348
و سببه فوات الصلاة الواجبة، أو النافلة على المكلّف.
بإجماع العلماء لقول رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: (من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها)(1) فإن ذلك وقتها، لا وقت لها غيره، و لأن الصوم يجب قضاؤه بنص القرآن(2) ، و الصلاة آكد من الصوم فهي أولى بوجوب القضاء.
و إنما يجب القضاء تبعا لوجوب الأداء، فلا يجب على الصبي و المجنون القضاء إجماعا، و كذا الكافر لقوله عليه السلام: (الإسلام يجب ما قبله)(3) و إن كان الأداء واجبا عليه إلاّ أنه سقط عنه القضاء دفعا للمشقة و الحرج، و ترغيبا له في الإسلام، و يجب على النائم، و السكران، و المرتد، و يستحب للمغمى عليه.
و في الوجوب على فاقد الطهر لعلمائنا قولان: الوجوب قاله الشيخ، و المرتضى(4) - و به قال الليث بن سعد، و أبو يوسف، و محمد، و أحمد، و الشافعي،
ص: 349
و أبو حنيفة، و الثوري، و الأوزاعي(1) - لأنّ الصلاة لا تسقط بفوات شرط كالسترة.
و العدم، قاله المفيد(2) و به قال مالك، و داود(3).
و هو المعتمد، لأنها صلاة لا تجب في وقتها فلا تجب بعد خروجه، و لأن القضاء إنما يجب بأمر مجدد و لم يوجد.
لقوله صلّى اللّه عليه و آله: (من فاتته صلاة فريضة فوقتها حين يذكرها)(4).
و من طريق الخاصة قول الباقر عليه السلام و قد سئل عن رجل صلى بغير طهور، أو نسي صلوات لم يصلها، أو نام عنها؟: «يصليها إذا ذكرها في أي ساعة ذكرها ليلا أو نهارا، فإذا دخل وقت صلاة و لم يتم ما فاته فليقض ما لم يتخوف أن يذهب وقت هذه، فهذه أحق بوقتها»(5).
فله مع الذكر التأخير الى أن يغلب على الظن الموت فيتضيق الفعل، كالواجبات
ص: 350
التي مدتها العمر، لأن وقت الأداء فات، و لا اختصاص لوقت بالقضاء دون غيره و إلاّ لزم أن يكون قاضيا للقضاء لو فات ذلك الوقت و هو خلاف الإجماع.
نعم يستحب المبادرة إليه للأمر بالمسارعة إلى فعل الخير(1) ، و للخلاص من الخلاف و ليس واجبا، لما روي أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله نزل في بعض أسفاره بالليل في واد فغلبهم النوم و ما انتبهوا إلاّ بعد طلوع الشمس فارتحلوا و لم يقضوا الصلاة في ذلك الموضع بل في آخر(2).
و لا فرق بين أن يتعمّد تفويت الصلاة و أن لا يتعمد، و قال الشافعي:
إن تعمد لزمه القضاء على الفور، و لا يجوز له التأخير لأنه عاص بتأخير الصلاة، و لو وسعنا الأمر عليه في القضاء صارت المعصية سببا للتخفيف و هو غير جائز(3) ، و نمنع ذلك.
بلا خلاف بين العلماء فيجب أن يصلى الظهر سابقة على العصر، و المغرب على العشاء لقول الصادق عليه السلام: «إذا زالت الشمس دخل وقت الصلاتين، إلاّ أنّ هذه قبل هذه»(4) و قول الباقر، و الصادق عليهما السلام: «من نسي الظهر حتى دخل وقت العصر بدأ بالظهر ثم بالعصر، و لو دخل في العصر ثم ذكر الظهر عدل بنيّته»(5).
و كذا الفوائت يترتب بعضها على بعض فلو فاته صلاة يوم وجب أن يبدأ
ص: 351
في القضاء بصبحه قبل ظهره ثم بظهره قبل عصره، و هكذا، و لو فاته ظهر يوم، و عصر سابق وجب أن يقدم في القضاء العصر على الظهر عند علمائنا أجمع - و به قال ابن عمر، و الزهري، و النخعي، و ربيعة، و يحيى الأنصاري، و مالك، و أحمد، و الليث، و أبو حنيفة، و إسحاق(1) ، لقوله عليه السلام: (من فاتته صلاة فريضة فليقضها كما فاتته)(2) و لأن القضاء إنما هو الإتيان بعين الفائت في غير الوقت المضروب له، و لأن النبي صلى اللّه عليه و آله فاتته صلوات يوم الخندق فقضاهن مرتبا(3). فيجب اتباعه للتأسي، و لقوله عليه السلام: (صلّوا كما رأيتموني أصلي)(4).
و من طريق الخاصة قول الباقر عليه السلام: «إذا كان عليك قضاء صلوات فابدأ بأولهن(5) فأذّن لها، و أقم، ثم صل ما بعدها بإقامة إقامة»(6).
و قال الشافعي: الأولى الترتيب، فإن قضاها بغير ترتيب أجزأه و سقط عنه الفرض(7) ، لأن كل صلاة مستقلة بنفسها منفردة بحكمها، و إنما ترتبها لترتب أوقاتها فإذا فاتت الأوقات صارت دينا في ذمته و لا ترتيب فيما يقضي من الذمة و كقضاء رمضان.1.
ص: 352
و الاستقلال لا يخرج الحقيقة عن لوازمها، و من جملة أوصافها اللازمة الترتيب، و لهذا لو قدم المتأخرة في الوقت المشترك لم يصح فكذا بعد الفلوات، و ترتب الفوائت لمعنى فيها، و ترتيب أيام رمضان لتحصيل أيام الشهر لمعنى يختص بترتيب الأيام.
عند علمائنا في وجوب الترتيب، فلو فاتته صلوات سنة فما زاد وجب فيها الترتيب - و به قال أحمد(1) - لأنها صلوات واجبة تفعل في وقت يتسع لها فوجب فيها الترتيب كالخمس، و لقوله عليه السلام: (فليقضها كما فاتته)(2).
و قال أبو حنيفة، و مالك: لا يجب الترتيب في أكثر من صلاة يوم و ليلة للمشقة(3). و هو ممنوع.
تذنيب: هذا الترتيب شرط عندنا، فلو أخل به عمدا بطلت صلاته - و به قال أحمد(4) - لأنه ترتيب واجب فكان شرطا كالركوع و السجود.
عام، و قول الصادق عليه السلام: «إن نام رجل أو نسي أن يصلي المغرب و العشاء فإن استيقظ قبل الفجر قدر ما يصلّيهما فليصلّهما، و إن خاف أن تفوته إحداهما فليبدأ بالعشاء، و إن استيقظ بعد الفجر فليصلّ الصبح، ثم المغرب، ثم العشاء قبل طلوع الشمس»(1). و لأن الأصل عدم الترتيب، و لأنه يفضي الى فوات مصلحة مطلوبة للشارع لا يمكن استدراكها فلا يكون مشروعا لأنه يفضي الى المنع من الصلاة في أوّل وقتها و هو أمر مطلوب للشارع، و لأن الترتيب يفضي الى عدمه، أو المنع من أداء الحاضرة في وقتها المضيق، و القسمان باطلان.
بيان الملازمة أنّه إما أن يقضي الفوائت عند تضييق الحاضرة فيلزم الأمر الثاني، أو يشتغل بالحاضرة فلا يثبت الترتيب، و أكثر علمائنا(2) ، و الجمهور على وجوب الترتيب إلاّ فيما زاد عن يوم عند أبي حنيفة(3) ، لقوله عليه السلام: (من فاتته صلاة فوقتها حين يذكرها)(4) و لا يقتضي التخصيص و اعلم أن جماعة من علمائنا(5) ضيّقوا الأمر في ذلك، و شدّدوا على المكلّف غاية التشديد، حتى حرّم السيد المرتضى(6) و آخرون الاشتغال بغير الصلاة الفائتة إلاّ قدر الأمر الضروري في النوم، و الأكل، و الشرب،2.
ص: 354
و المعاش، و منعوا من الشبع، و اكتساب أكثر من قوت يومه له و لمن تجب نفقته، و أن يتحقق الإنسان آخر الوقت بحيث لا يتسع لأكثر من الواجب في الحاضرة، و ذلك كله مكابرة، لمنافاته قوله عليه السلام: (بعثت بالحنيفية السمحة السهلة)(1).
أ - لو ضاق وقت الحاضرة تعينت، و لا يجوز الاشتغال بالفائتة لئلاّ تفوت الحاضرة عند علمائنا أجمع، و به قال سعيد بن المسيب، و الحسن، و الأوزاعي، و الشافعي، و الثوري، و إسحاق، و أصحاب الرأي، و أحمد في رواية(2) ، و في اخرى: أنه يجب عليه الفائتة و إن خرج وقت الحاضرة، و به قال عطاء، و الزهري، و الليث، و مالك.
و لا فرق بين كون الحاضرة جمعة أو غيرها، لأن الترتيب واجب(3) ، و هو ممنوع.
ب - الترتيب إنما يجب مع الذكر فلو صلى الحاضرة ناسيا ثم ذكر بعد الفراغ الفائتة لم يعد، أمّا عندنا فظاهر لأنّا لا نوجب الترتيب، و أمّا عند القائلين بوجوبه فلأنه مشروط بالذكر عند علمائنا، و لقوله صلّى اللّه عليه و آله:
(عفي لأمتي الخطأ و النسيان)(4).
ص: 355
و قال مالك، و زفر: يجب الترتيب مع النسيان أيضا(1) للحديث(2).
و هو ممنوع، و يلزم منه الحرج فإنه لا ينفك من نسيان صلاة، فإذا ذكرها بعد مدة طويلة وجب قضاء الجميع.
ج - لو تلبس بالحاضرة ناسيا في الوقت المتسع ثم ذكر أن عليه سابقة عليها عدل بنيّته إلى السابقة، كما لو دخل في العصر فذكر أنّه لم يصلّ الظهر فإنه يعدل بنيّته و لو قبل التسليم، و كذا لو كان في العشاء فذكر أن عليه المغرب، و لو لم يمكن العدول بأن ركع في الرابعة أتم صلاته ثم صلّى السابقة إن كان في الوقت المشترك، أو دخل قبل الفراغ من الاولى، و لو فرغ مما شرع فيه قبل دخول الوقت المشترك أعاد ما صلاّه بعد فعل السابقة، و كذا لو كمل العصر ثم ذكر أن عليه الظهر، أو كمل العشاء ثم ذكر أن عليه المغرب فإن كان ما فعله في الوقت المشترك، أو دخل و هو فيه صحت و أتى بالسابق، فإن الترتيب إنما يجب مع الذكر، و إن كان في الوقت المختص بالسابقة أعاد بعد فعل السابقة.
فإن كان الوقت ضيقا لا يفضل عن الحاضرة أتمها إجماعا منّا، و إن كان الوقت متسعا فإن أمكن العدول بالنيّة إلى الفائتة عدل استحبابا عندنا، و وجوبا عند أكثر علمائنا(3).
و قال أحمد: يتمها، و يقضي الفائتة، ثم يعيد الصلاة التي كان فيها
ص: 356
سواء كان إماما، أو مأموما، أو منفردا - و به قال ابن عمر، و مالك، و الليث، و إسحاق في المأموم(1) و عن أحمد رواية اخرى أن هذا في المأموم، و أما المنفرد فإنه يقطع الصلاة و يقضي الفائتة، و به قال النخعي، و الزهري، و ربيعة، و يحيى الأنصاري في السفر دون غيره(2).
و قال طاوس، و الحسن، و الشافعي، و أبو ثور: يتم صلاته، و يقضي الفائتة لا غير(3) - كما قلناه نحن - لقوله تعالى وَ لا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ (4) إلاّ أن الشافعي قال: يستحب له إذا تمم صلاته و أعاد الفائتة أن يعيد صلاة الوقت بعد قضاء الفائتة، و لا تجب الإعادة(5).
و قال أبو حنيفة: يجعل صلاته نفلا ركعتين، و يقضي الفائتة، ثم يصلي صلاة الوقت، فلو تمم صلاته لم تحتسب له(6).
أ - لو تلبس بنافلة فذكر أن عليه فريضة أبطلها و استأنف الفريضة، و لا يجزيه العدول لفوات الشرط و هو نيّة الفرض.
ب - لو ذكر فائتة و هناك قوم يصلّون فرض الوقت جماعة فالأولى أن يصلّي معهم بنية القضاء لأنا لا نشترط توافق الصلاتين مع اتحاد النظم.
و قال الشافعي: الاشتغال بقضاء الفائتة منفردا أولى من الفرض لأن
ص: 357
الترتيب في قضاء الصلوات مختلف فيه، و فرض الوقت منفردا صحيح، فلو أراد أن يصلي الفائتة مع الجماعة كان فعلها منفردا أولى لأن القضاء خلف الأداء مختلف فيه أيضا، و الخروج من الفرض على وجه مقطوع به أولى من فعله على وجه يكون مختلفا فيه بين العلماء(1).
ج - لو شرع في الفائتة على ظن السعة فظهر الضيق، فالوجه العدول بالنيّة إلى الحاضرة ما دام العدول ممكنا، فإن تعذّر قطعها و صلّى الحاضرة ثم اشتغل بالفائتة.
و قال الشافعي: يقطع الفائتة و يصلّي صلاة الوقت ثم يعيد الفائتة، و له وجه: أنّه يتمها و لا يقطعها(2).
د - لو فاته ظهر و عصر من يومين و جهل الترتيب فالأقرب ثبوت الترتيب فيصلي الظهر مرتين بينهما العصر، أو بالعكس لأنه متمكن من أداء ما وجب عليه على هيئته فيتعين عليه و لا يمنع منه زيادة على الواجب، كما لو نسي فريضة و جهل تعيينها، و يحتمل سقوطه إذ التكليف به مع عدم العلم تكليف بما لا يطاق، و الأصل براءة الذمة من الزائد فيتخير حينئذ في الإتيان بأيتهما شاء أوّلا.
و لأحمد ثلاثة أوجه: الترتيب كما قلناه. و عدمه، و يتحرّى كالقبلة عنده. و تقديم الظهر مطلقا، لأن التحري فيما فيه أمارة و لا أمارة هنا فيرجع فيه الى ترتيب الشرع(3).
و ليس بجيد فإن الشارع لم يقدّم أيّ ظهر كان على أيّ عصر كان.1.
ص: 358
و لو كان معهما مغرب من ثالث قضى الظهر، ثم العصر، ثم الظهر، ثم المغرب، ثم الظهر، ثم العصر، ثم الظهر، و كذا الزائد، و لو فاته مغربان من يومين نوى تقديم السابق منهما، و كذا لو فاته أيام متعددة صلّى بنية تقديم السابق.
ه - لو فاته صلوات سفر و حضر، و جهل السابق فالوجه الاحتياط فيصلّي عدد الأيام و يصلّي مع كلّ رباعية صلاة قصر، فلو فاته شهر صلّى شهرا لكن الرباعية يصليها مرتين تماما و تقصيرا و إن اتحدت إحداهما.
و - لا ترتيب بين الفوائت اليومية و غيرها من الواجبات، و لا بين الواجبات أنفسها، فلو فاته كسوف و خسوف بدأ بأيهما شاء مع احتمال تقديم السابق.
ز - لو تعددت المجبورات يترتب الاحتياط بترتبها، و كذا الأجزاء المنسية كالسجدة و التشهد، سواء اتحدت الصلاة أو تعددت.
ح - لا تنعقد النافلة لمن عليه فريضة فائتة لعموم قوله عليه السلام:
(لا صلاة لمن عليه صلاة)(1).
ط - لا يعذر الجاهل بالترتيب في تركه كالركوع.
و قال زفر: يعذر لأنه يسقط بالنسيان فيسقط بالجهل، كالطيب في الإحرام(2).
ص: 359
أحدهما: وجوب خمس(1) ، و عليه أكثر الجمهور(2) ، لأن التعيين شرط في صحة الصلاة الواجبة و لا يمكن إلاّ بإعادة الجميع.
و الثاني: وجوب صبح، و مغرب، و أربع ينوي بها ما في ذمته إن ظهرا فظهرا، و إن عصرا فعصرا، و إن عشاء فعشاء(3) - و هو الأشهر عندنا - لأنّ الثابت في الذمة فريضة واحدة و لا يجب سواها لكن لما اختلفت الصلوات و كانت الزيادة مبطلة، و كذا النقصان، أوجبنا المختلفة، أما المتحدة فلا يجب تكثيرها عملا بأصالة البراءة، و التعيين في النيّة يسقط لعدم العلم به، و لقول الصادق عليه السلام: «من نسي صلاة من صلاة يومه، و لم يدر أيّ صلاة هي صلى ركعتين، و ثلاثا، و أربعا»(4).
صلاة السفر تسقط في الثنائية دون الثلاثية.
ج - لو كان عليه منذورة، و يومية، و نسي فعل إحداهما، فإن اتفقتا عددا صلّى ذلك العدد بنية مشتركة و إلاّ صلاهما معا.
د - لو ذكر في الأثناء التعيين عدل بنية الإطلاق إليه في الرباعية، و بنيّة المعين إلى الفائتة إن خالفت ما دام العدول ممكنا.
ه - لو فاتته معينة فاشتغل بقضائها فذكر سابقة عليها عدل بنيته - ما دام العدول ممكنا - واجبا، و لو لم يمكن العدول أتم ما نواه أوّلا، ثم قضى السابقة.
صلّى من تلك الصلوات الى أن يتغلب في ظنّه الوفاء، لاشتغال الذمة بالفائت، فلا تحصل البراءة قطعا إلاّ بذلك، و لو كانت واحدة و لا يعرف العدد صلّى تلك الصلاة مكرّرا لها حتى يظن الوفاء.
و يحتمل هنا أمران: إلزامه بقضاء المشكوك فيه فإذا قال: أعلم أني تركت ظهرا في بعض أيام شهر و صليتها في البعض الآخر، قيل له: كم المعلوم من صلاتك ؟ فإذا قال: عشرة أيام كلّف بقضاء ظهر عشرين لعلمنا باشتغال ذمته بالفرض فلا يسقط إلاّ بيقين و إلزامه بقضاء المعلوم تركه، فيقال: كم المعلوم من ترك الصلاة ؟ فإذا قال: عشرة أيام و أشك في الزائد كلّف قضاء العشرة خاصة، لأن الظاهر أن المسلم لا يفوّت الصلاة، و الأول أحوط، و كلا الوجهين للشافعية(1).
و لو علم ترك صلاة واحدة من كلّ يوم و لا يعلم عددها و لا عينها صلّى اثنتين، و ثلاثا، و أربعا، مكررا حتى يظن الوفاء، و لو علم أن الفائت الصلوات الخمس صلّى صلوات أيام حتى يظن الوفاء، و لو فاتته صلوات سفر و حضر و جهل
ص: 361
التعيين صلّى مع كل رباعية صلاة قصر و لو اتحدت إحداهما.
عند علمائنا أجمع لقول الصادق عليه السلام و قد سئل عن رجل عليه من صلواته النوافل ما لا يدري ما هو من كثرته فكيف يصنع ؟: «يصلّي حتى لا يدري كم صلّى من كثرته، فيكون قد صلّى بقدر ما عليه»(1) ، و لأنها عبادة موقتة فاستحب قضاؤها كالفرائض، و هو أحد أقوال الشافعي(2). و الثاني: لا يقضي، و به قال أبو حنيفة قياسا على الخسوف(3). و الأصل ممنوع لأنه عندنا واجب يجب قضاؤه على تفصيل يأتي، و الثالث: يقضي نوافل النهار نهارا و نوافل الليل ليلا(4).
و لو تعذّر القضاء استحب له أن يتصدق عن كل صلاة ركعتين بمد، فإن تعذّر فعن كل يوم لقول الصادق عليه السلام و قد سئل أنه لا يقدر على القضاء: «يتصدق بصدقة مدّ لكلّ مسكين مكان كلّ صلاة» قلت: و كم الصلاة ؟ قال: «مدّ لكلّ ركعتين من صلاة الليل، و كلّ ركعتين من صلاة النهار» قلت: لا يقدر، قال: «مدّ لكل أربع» قلت: لا يقدر، قال: «مدّ لصلاة الليل و مدّ لصلاة النهار، و الصلاة أفضل»(5).
أما لو فاتت بمرض فإنه لا يتأكد القضاء و إن كان مستحبا لقول الصادق عليه السلام و قد سأله مرازم عليّ نوافل كثيرة كيف أصنع ؟ قال:
«اقضها» قلت: إنها كثيرة. قال: «اقضها»، قلت: لا أحصيها،
ص: 362
قال: «توخّ» قلت: كنت مريضا لم أصلّ نافلة، فقال: «ليس عليك قضاء، إنّ المريض ليس كالصحيح، كلّ ما غلب اللّه عليه فهو أولى بالعذر فيه»(1).
عند علمائنا أجمع، فلو فاتته صلاة حضر قضاها تماما في السفر و الحضر بغير خلاف بين العلماء إلاّ ما حكي عن المزني أنه قال: يقضي قصرا اعتبارا بحالة الفعل، و قياسا على المريض فإنه يقضي من قعود و إن فاتته حال الصحة، و كذا فاقد الماء يقضي متيمما(2).
و هو غلط فإن الأربع قد استقرت في ذمته فلا تسقط بركعتين، و المريض عاجز و القصر رخصة فاعتبر سبب الرخصة عند وجوبها.
و لو فاتته صلاة سفر قضاها قصرا سفرا إجماعا، و حضرا عند علمائنا أجمع - و به قال مالك، و الثوري و الشافعي في الجديد، و أصحاب الرأي - لأنه إنما يقضي ما فاته و لم يفته إلا ركعتان(3).
و قال الأوزاعي، و داود، و الشافعي في الآخر، و المزني، و أحمد:
يقضيها في الحضر تماما، لأنّ القصر رخصة من رخص السفر فتبطل بزواله، و لأنّها وجبت عليه في الحضر(4) لقوله عليه السلام: (فليصلّها إذا
ص: 363
ذكرها)(1).
و الرخصة إنما تبطل فيما وجب في الحضر، و الحديث لا دلالة فيه لقوله عليه السلام: (كما فاتته)(2).
أ - لو نسيها في سفر فذكرها فيه قضاها مقصورة إجماعا، و كذا إن ذكرها في سفر آخر إذا لم يذكرها في الحضر، و لو ذكرها في الحضر فكذلك عندنا، و عند الأكثر(3) ، و قال الشافعي: يلزمه تامة لأنه ذكرها تامة فثبتت في ذمته(4). و الأصل ممنوع.
ب - يجب الإتيان بالجهر و الإخفات كالأصل، لقوله عليه السلام:
(فليقضها كما فاتت)(5) و كذا يستحب لها الأذان و الإقامة كما يستحبان للأصل، فإن كثر أذّن لأول ورده، و أقام للبواقي، و لو لم يستحب لها الأذان لم يستحب في القضاء كعصر الجمعة و عرفة.
ج - لا يستحب الإتيان بالنافلة التابعة لها إذ التنفل مشروط ببراءة الذمة من الصلاة الواجبة فإنه لا يجوز لمن عليه صلاة فريضة أن يأتي بالنافلة قضاء و لا أداء، نعم يستحب بعد الفراغ من قضاء الفرائض الاشتغال بقضاء النافلة الفائتة.
ص: 364
د - لا تجوز المساواة في كيفية قضاء صلاة الخوف بل في الكمية و إن كانت في الحضر إن استوعب الخوف الوقت و إلاّ تمام.
مختص و مشترك، فالمختص بالظهر من زوال الشمس إلى قدر أدائها، و بالعصر قدر أدائها في آخر الوقت، و المشترك ما بينهما، و للمغرب و العشاء وقتين فالمختص بالمغرب قدر أدائها بعد الغروب، و بالعشاء قدر أدائها عند الانتصاف، و المشترك ما بينهما فلا يتحقق معنى الجمع عندنا، أما القائلون باختصاص كلّ من الظهر و العصر بوقت، و كذا المغرب و العشاء فإنّه يتحقق هذا المعنى عندهم.
و قد ذهب الى الجمع بين الظهر و العصر، و بين المغرب و العشاء في السفر ابن عباس، و ابن عمر، و معاذ بن جبل، و سعد بن أبي وقاص، و سعيد بن زيد، و أبو موسى الأشعري، و مالك، و الثوري، و الشافعي، و أحمد، و إسحاق، و أبو ثور(1) لأن ابن عباس روى أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كان إذا زالت الشمس و هو في منزله جمع بين الظهر و العصر في الزوال، و إذا سافر قبل الزوال أخر الظهر حتى يجمع بينها و بين العصر في وقت العصر، و كذا في المغرب و العشاء(2).
و قال الحسن البصري، و ابن سيرين، و النخعي، و مكحول،
ص: 365
و أصحاب الرأي: لا يجوز الجمع، لأن المواقيت قد ثبتت بالتواتر فلا يجوز تركها بخبر الواحد(1).
بين تقديم الثانية إلى الاولى و بين تأخير الاولى إلى الثانية إلاّ أنّ الأولى فعل ما هو أرفق به، فإن كان وقت الزوال في المنزل، و يريد أن يرتحل، قدّم العصر الى الظهر حتى لا يحتاج الى أن ينزل في الطريق، و إن كان وقت الزوال في الطريق و يريد أن ينزل آخر النهار أخّر الظهر، لحديث ابن عباس(2) ، فإن لم يكن في أحد الأمرين غرض فالأولى التقديم، فإذا أراد تقديم الثانية إلى الأولى جاز مطلقا عندنا، و اشترط الشافعي أمورا أربعة:
أ - وجود السفر من أول الصلاتين الى آخرهما، حتى لو أقام في أثناء الظهر، أو بعد الفراغ عنها قبل الشروع في العصر لم يجز أن يصلي العصر(3) ، و إن نوى الإقامة بعد التلبس بالعصر لم تحتسب له عن الفرض، و هل تبطل أو تنقلب نفلا؟ قولان لأنّ الجمع أبيح بعلة السفر فيعتبر بقاء العلة إلى وقت الفراغ عن موجبها.
و لو نوى الإقامة بعد الفراغ من الصلاتين قبل دخول وقت العصر، أو وصل الى مقصده احتسبت العصر له عندنا، و للشافعي وجهان: هذا أحدهما لأنّ الفعل وقع صحيحا فلا يبطل حكمه، و الثاني: العدم(4) ، لأنّ التقديم سوغ رخصة، فإذا زالت الشرائط قبل الوجوب لم يقع فرضا، كما لو عجّل
ص: 366
زكاة ماله ثم هلك المال.
ب - نية الجمع، و ليست شرطا عندنا - و به قال المزني(1) - و قال الشافعي: أنّها معتبرة للاحتساب بالعصر، فلو صلّى الظهر و أراد أن يصلّي العصر عقيب الظهر من غير أن يكون قد نوى الجمع لم يجز، و له قولان في وقت النية: أحدهما عند افتتاح أول الصلاة، و الثاني في أثناء الأولى قبل السلام، فلو شرع في الظهر فسارت السفينة في الأثناء فنوى الجمع صحت على الثاني لوجود علّة الجمع و هي السفر و النية في وقتها، و على الأول لا يجوز لأن علة الجمع و نيته لم تكن في الابتداء(2).
ج - الترتيب بأن يصلّي الظهر أولا - و هو وفاق - لأن وقت العصر لم يدخل بعد و إنما جوز فعلها تبعا فلا يتقدم المتبوع(3).
د - الموالاة بينهما ليست شرطا عندنا، فلو تنفل بينهما جاز - و به قال أبو سعيد من الشافعية(4) - لأنّ كل واحدة منهما منفردة عن الأخرى، و لهذا جاز أن يأتم في الثانية بغير إمام الاولى.
و قال الشافعي: الموالاة شرط لأنّ هذه رخصة جمع، و إنما سمي جمعا بالمقارنة أو المتابعة، و المقارنة ممتنعة، فتتعين المتابعة، و شرط عدم الفصل الطويل فيجوز أن يتكلم بكلمة و كلمتين و أن يقيم للثانية، فإن أطال1.
ص: 367
الفصل بأكثر من الإقامة لم يجز له فعل الثانية إلاّ في وقتها(1).
و لو جمع بين الظهر و العصر فلمّا فرغ ذكر أنه ترك سجدتين من الظهر بطلتا، أما الظهر فلعدم السجود، و أما العصر فلأنه لم يقدّم عليها الظهر، و لو أراد أن يجمع بينهما جاز.
و إن علم أنهما من العصر صحت الظهر، و ليس له الجمع عنده لحصول الفصل بين الصلاتين.
و إن جهل من أيهما هما أخذ بأسوإ الأحوال، ففي الصلاة يجعل تركها من الظهر حتى يلزمه إعادة الصلاتين، و في الجمع من العصر حتى لا يجوز الجمع.
و أما إذا أراد تأخير الظهر الى وقت العصر فإنه يجوز عندنا مطلقا، و شرط الشافعي أمرين:
أ - نية الجمع، فلو أخّر و لم ينو الجمع عصى عنده و صارت الصلاة فائتة.
ب - بقاء السفر الى وقت الجمع و الفراغ منهما، فلو أخّر الظهر ثم نوى الإقامة قبل أن يصلّيها صارت فائتة و لا يكون لها حكم الأداء(2).
و يعتبر عندنا تقديم الظهر على العصر - و هو أحد وجهي الشافعي(3) - لقوله عليه السلام: (إلاّ أن هذه قبل هذه)(4).5.
ص: 368
و أصح الوجهين عنده: جواز تقديم العصر على الظهر(1) لأن وقت الظهر قد دخل و فات، و هذا الزمان صالح للظهر لأنه لو فوّت الظهر بغير نيّة الجمع عصى، و يجوز له فعلها في وقت العصر قبل العصر و بعدها و يجمع و يفرق، فإذا أخّرها بوجه هو معذور فيه كان أولى، و نحن عندنا أن الوقت مشترك الى أن يبقى للغروب قدر أداء العصر.
لأنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله خطب يوم عرفة حين زالت الشمس ثم صلّى الظهر و العصر معا، و صلّى المغرب و العشاء جمعا بمزدلفة(2).
و أجمع الناس عليه و اختلفوا في علة الجمع، فعندنا اشتراك الوقتين، و أما الجمهور فقال الأكثر: علّة الجمع السفر(3) ، و قال آخرون: النسك حتى يتصل وقوفه بعرفة فلا تقطعه الصلاة عن الاشتغال بالدعاء، و في المغرب و العشاء يتعجل حصوله بمزدلفة فإن المبيت بها من المناسك(4).
و جوّز الشافعي الجمع بين الظهرين للجماعة و للمنفرد، و بين العشاءين لهما(5).
و منع أبو حنيفة من الجمع بين الظهرين للمنفرد بعرفة، و جوّز الجمع بين العشاءين له بمزدلفة(6).
ص: 369
و المقيم بعرفة و مزدلفة يباح له الجمع إن علّل بالنسك و إن علّل بالسفر فلا.
و لو أراد المسافر الجمع بين الظهرين في وقت العصر و بين العشاءين في وقت المغرب جاز إن علّل بالسفر، و إن علّل بالنسك لم يجز لأنه يفوت الغرض المطلوب و هو اتصال الدعاء في الموقف و تعجيل الحصول بمزدلفة.
في السفر الطويل و القصير، و هو ظاهر عندنا.
و للشافعي في السفر القصير قولان: ففي القديم: الجواز - و به قال مالك - لأن أهل مكة يجمعون و هو سفر قصير(1). و الثاني: المنع - و به قال أحمد - لأنها رخصة ثبتت لدفع المشقة فاختصت بما يجب فيه القصر كالقصر(2).
و نمنع الأولى، و منع أبو حنيفة من الجمع في السفر مطلقا(3).
و لا يجوز الجمع بين العصر و المغرب، و لا بين العشاء و الصبح إجماعا - لعدم التشريك في الوقت، و هو يعطي ما ذهبنا نحن إليه، و الصلاة في أول الوقت أفضل من الجمع لأن في الجمع إخلاء وقت العبادة عنها.
ص: 370
و هو قول فقهاء المدينة السبعة: سعيد بن المسيب، و عروة بن الزبير، و القاسم بن محمد، و أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث، و خارجة بن زيد، و عبيد اللّه ابن عبد اللّه بن عتبة بن مسعود، و سليمان بن يسار، و به قال الشافعي، و مالك، و الأوزاعي، و أحمد، و إسحاق، و أبو ثور(1) لأن عبد اللّه بن عمر روى أن النبي صلّى اللّه عليه و آله جمع في المدينة بين الظهر و العصر في المطر(2).
و قال أصحاب الرأي، و المزني: لا يجوز لأن المواقيت ثبتت بالتواتر(3).
و قال مالك، و أحمد: إنما يجوز بين العشاءين لمشقة الظلمة و لا يجوز بين الظهرين(4). و ينتقض بالليلة المقمرة.
أ - يجوز تقديم العصر الى الظهر لأجل المطر، و كذا تأخير الظهر الى العصر عندنا، و هو القديم للشافعي - و به قال أحمد - لأن كلّ عذر أباح تقديم العصر الى الظهر أباح تأخير الظهر الى العصر كالسفر، و في الجديد: لا يجوز لأدائه الى أن يجمع مع زوال العذر(5). و يمنع بطلان اللازم عندنا.
ص: 371
ب - يجوز الجمع لمنفرد في بيته، أو في المسجد، أو من كان بينه و بين المسجد ظل يمنع وصول المطر إليه، و هو أحد قولي الشافعي(1) لأن النبي صلّى اللّه عليه و آله جمع في المطر(2) و ليس بين حجرته و بين مسجده شيء، و لأن العذر إذا تعلقت به الرخصة استوى فيه وجود المشقة و عدمها كالسفر، و في الآخر: لا يجوز، لأنّ الرخصة للمشقة و قد انتفت.
ج - الوحل بغير مطر يبيح الجمع - و به قال مالك، و أحمد(3) - للمشقة فجرى مجرى المطر، و لهذا جاز معه ترك الجمعة.
و قال الشافعي: لا يجوز لأن أذى المطر أكثر من أذى الوحل، فإن الزلق و البلل يحصلان بالمطر دون الوحل(4).
د - لو نزل ثلج جاز الجمع، و شرط الشافعي نزوله ذائبا كالمطر، و لو لم يذب لم يجز إلا أن يكون كبارا(5).
ه - لو افتتح الظهر و لا مطر، ثم مطرت لم يجز الجمع عند الشافعي لأنه يحتاج الى وجود العذر المبيح في جمع الصلاتين كالسفر، و نحن لمّا لم نشترط العذر سقط هذا عنّا.
قال: و لو افتتح الصلاة مع المطر ثم انقطع قبل الشروع في الثانية4.
ص: 372
فإنه لا يجمع إلاّ أن ينقطع في الاولى ثم يعود فيها فإنه يجوز(1).
و - يجوز الجمع للريح الشديدة في الليلة المظلمة الباردة - و به قال عمر ابن عبد العزيز(2) - لأنّه يجوز عندنا الجمع مطلقا، و للحنابلة وجهان(3).
- و به قال عطاء، و مالك، و إسحاق، و أحمد(4) - لأن الجمع عندنا مطلقا جائز، و لأن ابن عباس قال: جمع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بين الظهر و العصر، و المغرب و العشاء من غير خوف و لا مطر(5) ، و في رواية: من غير خوف و لا سفر(6) ، و لأن النبي صلّى اللّه عليه و آله أمر سهلة بنت سهيل، و حمنة بنت جحش لمّا كانتا مستحاضتين بتأخير الظهر و تعجيل العصر(7).
و قال الشافعي، و أصحاب الرأي: لا يجوز لأن أخبار التوقيت ثابتة فلا تترك بأمر محتمل(8) ، و قد بيّنا نحن اشتراك الوقت.
سفر، أو مطر، أو
ص: 373
خوف، أو مرض، أو غير ذلك - و به قال ابن المنذر، و ابن سيرين(1) - لأن ابن عباس قال: جمع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بين الظهر و العصر بالمدينة من غير خوف و لا سفر، قال سعيد بن جبير: قلت لابن عباس: و لم تراه فعل ذلك ؟ قال: أراد أن لا يحرج أحدا من أمته(2) ، و عن ابن عباس أن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله جمع بين الظهر و العصر، و المغرب و العشاء من غير خوف، و لا مطر(3).
و منع باقي الجمهور من ذلك، لأنّ أخبار التوقيت معلومة(4) ، و نحن نقول به فإن الاشتراك بين الوقتين معلوم.
و تستقر بإمكان الأداء، فلا يجب القضاء لو قصر عن ذلك - و به قال الشافعي، و إسحاق(5) - و قال أحمد: يستقر الوجوب بإدراك جزء(6).
فإذا دخل عليه وقت الصلاة وجب عليه عندنا بأول الوقت للمختار و للمعذور بأول جزء أدركه بعد زوال عذره، فإذا زال المانع من التكليف كالحيض و الجنون في أثناء الوقت، أو في آخره وجبت الصلاة عليه - و به قال
ص: 374
الشافعي(1) - لقوله تعالى أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ (2) فالتقديم و التأخير تحكم، و من فعلها في أول الوقت فعلها بالأمر فكانت واجبة كما لو فعلها في آخره.
و قال أصحاب الرأي: تجب بآخر الوقت(3) إلاّ أنّ أبا حنيفة، و أبا يوسف و محمدا يقولون: تجب إذا بقي من الوقت مقدار تكبيرة(4). و زفر يقول:
تجب إذا بقي من الوقت قدر الصلاة(5). و قال الكرخي: إنما يعتبر قدر التكبيرة في حق المعذورين و أما غير المعذورين فتجب بقدر أربع ركعات(6) كقول زفر عندهم أجمعين.
فإذا فعلها في أول الوقت فمنهم من يقول: تقع مراعاة إن بقي على صفة التكليف الى آخره تبيّنا الوجوب و إلاّ كانت نفلا، و منهم من يقول: تقع نفلا و تمنع وجوب الفرض(7) و قال الكرخي: إذا فعلها وقعت واجبة لأن الصلاة تجب بآخر الوقت، أو بالدخول فيها(8).
احتجوا بأنها لو كانت واجبة لما جاز تركها.
و نمنع الملازمة فإن المخير يجوز تركه بشرط الإتيان ببدله.
تذنيب: قال شيخنا المفيد: إن أخرها ثم اخترم(9) في الوقت قبل أدائها».
ص: 375
كان مضيعا لها، و إن بقي حتى يؤديها في آخر الوقت، أو فيما بين الأول و الآخر عفي عن ذنبه(1). و قال في موضع آخر: إن أخّرها لغير عذر كان عاصيا و يسقط عقابه لو فعلها في بقية الوقت(2).
و للشافعي وجهان فيما لو أخّرها لغير عذر و مات في أثناء الوقت:
العصيان لأنه ترك ما وجب عليه، و أصحهما عنده: المنع لأنه أبيح له التأخير(3).
أ - المغرب للمفيض من عرفة يستحب له تأخيرها إلى مزدلفة و إن صار الى ربع الليل.
ب - يستحب تأخير العشاء حتى يسقط الشفق.
ج - المتنفل يؤخر الفرض ليصلي سبحته.
د - القاضي للفرائض يستحب له تأخير الأداء الى آخر الوقت عندنا، و عند الأكثر يجب(4).
ه - الظهر في الحرّ لمن يصلّي جماعة يستحب الإبراد بها لقوله عليه السلام: (إذا اشتد الحر فأبردوا بالصلاة)(5) و لو صلاّها في منزله، أو في
ص: 376
المواضع الباردة كان التعجيل أفضل - و هو أحد وجهي الشافعي - لزوال المقتضي للتأخير. و في الآخر: الإبراد أفضل(1) للعموم(2). و هو ممنوع.
و - المستحاضة ينبغي أن تؤخر الظهر لتجمع بينهما و بين العصر في أوله بغسل واحد.
ز - أصحاب الأعذار يستحب لهم التأخير لرجاء زوال عذرهم، و عند بعض علمائنا يجب(3) ، و أما ما عدا هذه المواضع فإن المستحب التقديم - و به قال الشافعي(4) - لقوله عليه السلام: (الوقت الأول رضوان اللّه، و الآخر عفو اللّه)(5).
و قال أبو حنيفة: التأخير لصلاة الصبح أفضل إلاّ غداة مزدلفة، و التأخير بالظهر أفضل في غير الشتاء، و التأخير بالعصر أفضل إلاّ في يوم الغيم(6).
ب - الأقرب استحباب الإبراد بصلاة الجمعة لوجود المقتضي، و هو أحد وجهي الشافعية، و الثاني: العدم لاستحباب المباكرة(1) فيكون في التأخير تطويل الأمر على الناس، و ربما تأذوا في الانتظار بحرّ المسجد(2).
ج - الأفضل في العشاء تعجيلها بعد غيبوبة الشفق - و هو أحد قولي الشافعي - للعموم، و الآخر: يستحب التأخير - و به قال أبو حنيفة(3) - لقوله صلّى اللّه عليه و آله: (لو لا أن أشق على أمتي لأمرتهم بتأخير العشاء الى ثلث الليل)(4) و في رواية: (الى نصف الليل)(5) و ما تمنّاه لأمته كان أفضل من غيره.
د - الأفضل في المغرب التعجيل بلا خلاف في غير حال العذر، لأنّ جبرئيل عليه السلام صلاّها في اليومين في وقت واحد(6) ، و هو يعطي ما قلناه.
ه - المشهور استحباب تعجيل العصر بكل حال، ذهب إليه علماؤنا - و به قال ابن مسعود، و عمر، و عائشة، و أنس، و ابن المبارك، و أهل المدينة، و الأوزاعي، و الشافعي، و أحمد، و إسحاق(7) - لأن رافع بن خديج قال:
كنا نصلّي مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله صلاة العصر، ثم ننحر الجزور،1.
ص: 378
فتقسم عشرة أجزاء، ثم تطبخ فنأكل لحما نضيجا قبل مغيب الشمس(1).
و قال أصحاب الرأي، و أبو قلابة، و ابن شبرمة: الأفضل فعلها في آخر وقتها المختار(2) ، لأن رافع بن خديج قال: كان النبيّ صلّى اللّه عليه و آله يأمر بتأخير العصر(3). و منعه الترمذي(4).
إذا ثبت هذا فالتعجيل المستحب هو أن تفعل بعد مضي أربعة أقدام بلا تأخير، و لو قدمت على هذا جاز.
و - التغليس بالصبح أفضل، لما فيه من المبادرة إلى فعل الواجب، و به قال مالك، و الشافعي، و أحمد، و إسحاق(5) ، و عن أحمد رواية أخرى: الاعتبار بالمأمومين، فإن أسفروا فالأفضل الإسفار(6).
و قال أصحاب الرأي: الأفضل الإسفار مطلقا(7) لقوله عليه السلام:
(أسفروا بالفجر فإنه أعظم للأجر)(8) و المراد به التأخير الى أن يتبين الفجر.
ز - ينبغي تأخير الظهر و المغرب في الغيم ليتيقن دخول الوقت،9.
ص: 379
و يستحب تعجيل العصر و العشاء حذرا من العوارض، و به قال أبو حنيفة، و الأوزاعي، و أحمد(1).
و عن ابن مسعود: تعجّل الظهر و العصر، و تؤخّر المغرب(2) ، و قال الحسن: تؤخر الظهر(3) ، و قال الشافعي: يستحب تعجيل الظهر في غير الحرّ، و المغرب في كل حال، و قال: متى غلب على ظنه دخول الوقت باجتهاده استحب له التعجيل(4) ، و ما قلناه أحوط.
ح - لو أخّر ما يستحب تقديمه، أو عكس لم يأثم إذا اقترن التأخير بالعزم، فإن لم يعزم أثم، و لو أخّرها بحيث لا يتسع الوقت لجميعها أثم و إن اقترن بالعزم، لأن الركعة الأخيرة من جملة الصلاة فلا يجوز تأخيرها عن الوقت.
عمدا، أو جهلا، أو سهوا، كلّ الصلاة، و بعضها، عند علمائنا أجمع - و هو قول الزهري، و الأوزاعي، و الشافعي، و أحمد، و أصحاب الرأي - لأن الخطاب بالصلاة توجّه الى المكلّف عند دخول وقتها فلا تبرأ الذمة بدونه(5).
و لقول الصادق عليه السلام: «من صلى في غير وقت فلا صلاة له»(6).
ص: 380
و روي عن ابن عباس في مسافر صلّى الظهر قبل الزوال يجزيه، و نحوه قال الحسن، و الشعبي(1).
و عن مالك فيمن صلّى العشاء قبل مغيب الشفق جاهلا أو ناسيا: يعيد ما كان في الوقت فإذا ذهب الوقت قبل علمه أو ذكره فلا شيء عليه(2).
لقضاء العقل بقبح سلوك طريق لا يؤمن معه الضرر مع التمكن من سلوك ما يتيقن معه الأمن، فإن تعذّر العلم اكتفى بالظن المبني على الاجتهاد لوجود التكليف بالفعل، و تعذر العلم بوقته، فإن ظن دخول الوقت صلى، فإن استمر على ظنه، أو ظهرت صحته أجزأ، و إن انكشف فساده قبل دخول الوقت استأنف بعد الوقت.
و إن دخل الوقت و هو متلبس و لو قبل التسليم أجزأ على الأقوى - و اختاره الشيخ في المبسوط(3) - لأنه فعل المأمور به فخرج عن العهدة، و لقول الصادق عليه السلام: «إذا صلّيت و أنت ترى أنك في وقت و لم يدخل الوقت فدخل و أنت في الصلاة فقد أجزأت عنك»(4).
و قال المرتضى، و ابن الجنيد: يعيد على كل حال، لأنه أدى غير المأمور به فلا يجزي عن المأمور به(5) ، و لقول الصادق عليه السلام: «من صلى في غير وقت فلا صلاة له»(6).
و الجواب: المنع من كون المأتي به غير مأمور به، و من دخول صورة
ص: 381
النزاع تحت العموم لأنّا نقول: إنّه وقت الصلاة.
و للشيخ قول آخر في النهاية ضعيف، و هو: أن من دخل قبل الوقت في الصلاة عامدا، أو ناسيا، فإن دخل و لم يفرغ منها فقد أجزأته(1).
أ - لو شك في الوقت لم تجز الصلاة حتى يتيقن، أو يظن دخوله إن لم يتمكن من العلم لأصالة البقاء فيكون الدخول مرجوحا.
ب - لو فقد العلم بالدخول و الظن كالأعمى و المحبوس في موضع مظلم يجوز له التقليد، لتعذر علم الوقت و ظنّه، و هو أحد وجهي الشافعي(2) ، و حكى أبو حامد عنه المنع لأن من كان من أهل الاجتهاد في شيء لا يجوز له التقليد فيه كالعالم لا يقلد في الحوادث(3) ، و لو تمكن من الاجتهاد بعمل راتب له، أو درس مثلا عمل عليه و لم يجز له التقليد.
ج - لو أخبره العدل بدخول الوقت عن علم و لا طريق سواه بنى عليه، و لو كان له طريق لم يعول على قوله لأن الظن بدل عن العلم فيشترط عدم الطريق إليه كالمبدل.
د - لو سمع الأذان من ثقة عارف جاز أن يقلده في موضع جوازه لقوله عليه السلام: (المؤذن مؤتمن)(4) ، و لا يجوز التعويل على أصوات الديكة. و قالت الشافعية: يجوز إذا عرف أن عادتها الصياح بعد الوقت(5).
ص: 382
ه - التعويل على المؤذن الثقة إنما هو للأعمى غير المتمكن من الاجتهاد، أو البصير كذلك.
و قال بعض الشافعية: يجوز تقليد المؤذن مطلقا لأن الأذان بمنزلة الإخبار بالوقت فيجب قبوله(1) ، و قال بعضهم: يجوز في الصحو دون الغيم لأنه في الصحو إنما يؤذن عن مشاهدة و علم، و في الغيم عن اجتهاد فيقلد في الأول دون الثاني(2).
و - لو صلى المحبوس أو الأعمى من غير اجتهاد و لا تقليد أعادا الصلاة و إن وافقا الوقت، و به قال الشافعي(3).
ز - لو صلى قبل الوقت فقد بيّنا عدم صحتها، و هل نقع نفلا؟ الوجه:
المنع لأنه لم يقصده، و هو أحد قولي الشافعي، و في الآخر: تقع نفلا لئلاّ يضيع عمله(4) ، و ليس بجيد.
ح - معرفة الوقت واجبة لأن الامتثال إنما يحصل معها.
أحدهما: نوافل الظهرين يوم الجمعة فإنه يجوز تقديمها على الزوال للحاجة الداعية، و هي الشروع في الخطبة، و الاستماع لها، و لأنّه زمان شريف فتساوت أجزاؤه في إيقاع النوافل على ما يأتي.
و الثاني: صلاة الليل لشاب يمنعه من القيام بالليل رطوبة رأسه، أو
ص: 383
مسافر يصدّه سيره عن التنفل ليلا فإنه يجوز لهما تقديم نافلة الليل بعد العشاء، اختاره الشيخ(1) رحمه اللّه (لأنهما معذوران فجاز لهما التقديم محافظة على السنن)(2).
و منعه آخرون(3) و هو الوجه عندي لأنّها عبادة موقتة فلا تفعل قبل وقتها كغيرها (من العبادات)(4) ، و لأن معاوية بن وهب قال للصادق عليه السلام:
رجل من مواليك يريد القيام لصلاة الليل فيغلبه النوم فربما قضى الشهر و الشهرين. قال: «قرّة عين له» و لم يرخص له في أول الليل، و قال:
«القضاء بالنهار أفضل»(5).
أ - قضاء صلاة الليل بالنهار أفضل من تقديمها في أوله.
ب - لو طلع الفجر و قد صلى أربعا من صلاة الليل أتمها، و زاحم بها الفريضة، لرواية محمد بن النعمان عن الصادق عليه السلام قال: «إذا صلّيت أربع ركعات من صلاة الليل قبل طلوع الفجر فأتم الصلاة طلع الفجر أو لم يطلع»(6).
أما نوافل الظهرين فإن خرج الوقت و قد صلى ركعة أتمها، و زاحم بها الفرضين، لقول الصادق عليه السلام: «فإن مضى قدمان قبل أن يصلي
ص: 384
ركعة بدأ بالأولى»(1).
و نوافل المغرب إن خرج وقتها و لم يكملها، صلّى العشاء و قضاها بعدها.
ج - لو نسي ركعتين من صلاة الليل و أوتر ثم ذكرهما، قضاهما و أعاد الوتر.
عند علمائنا لقوله عليه السلام:
(الوتر ركعة من آخر الليل)(2) و كان النبي صلّى اللّه عليه و آله يوتر آخر الليل(3).
و قال الجمهور: وقته ما بين العشاء و طلوع الفجر الثاني(4) لقول النبي صلّى اللّه عليه و آله: (الوتر جعله اللّه لكم ما بين صلاة العشاء الى طلوع الفجر)(5) و نحن نقول بموجبه، فإنّ آخر وقت العشاء نصف الليل.
أ - يجوز تقديمه على الانتصاف إذا قدم صلاة الليل للسفر، أو تعذر الانتباه، و قضاؤه من الغد أفضل.
ب - لا خلاف في أنّ تأخيره عن صلاة الليل أفضل إلاّ أن الشافعي قال: إن لم تكن له عادة بالتهجد فإنه يصلي الوتر عقيب العشاء، و إن كان له عادة بذلك فالأولى أن يؤخر الوتر حتى يصلّي التهجد، فإن أوتر في أول الليل
ص: 385
ثم قام للتهجد صلى مثنى مثنى و لا يعيد الوتر، و عنه قول آخر: إن التعجيل مطلقا أفضل(1). و ما ذهبنا نحن إليه أولى.
ج - لو اعتقد أنه صلى العشاء فأوتر، ثم ذكر، لم يعتد بالوتر عندنا - و به قال الشافعي، و أبو يوسف، و محمد(2) - لأنه فعله قبل وقته و إن كان مخطئا، كما لو ظن دخول الوقت فصلى قبله.
و قال أبو حنيفة: يعتد به، لأنّ الوقت لهما و إنما بينهما ترتيب فإذا نسيه سقط بالنسيان كترتيب الفوائت(3).
د - آخر وقت الوتر طلوع الفجر لأنه آخر صلاة الليل، و هو أحد قولي الشافعي، و الآخر: يمتد وقته الى أن يشتغل بفريضة الصبح(4).
فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ وَ جَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً (1) و آية النهار الشمس، و قول النبيّ صلّى اللّه عليه و آله:
(صلاة النهار عجماء)(2) ، و قول أمية بن أبي الصلت:
و الشمس تطلع كل آخر ليلة حمراء يبصر لونها يتوقد(3)
.
و لا دلالة في الآية، لأن الآية قد تتأخر إذ لا دلالة فيها على حصر الآية فيها، و يقال: الفجر صاحب الشمس، و الحديث نسبه الدار قطني إلى الفقهاء(4) و يحتمل إرادة الأكثر.
و أما الشعر فحكى الخليل أنّ النهار هو الضياء الذي بين طلوع الفجر و غروب الشمس(5) ، و سمي طلوع الشمس في آخر كل ليلة لمقارنتها(6) لذلك.
أصحابه فنزلت حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَ الصَّلاةِ الْوُسْطى (1)(2) و عن عائشة أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قرأ: حافظوا على الصلوات و الصلاة الوسطى و صلاة العصر(3).
و من طريق الخاصة قول الباقر عليه السلام حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَ الصَّلاةِ الْوُسْطى هي صلاة الظهر، و هي أول صلاة صلّى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، و هي وسط صلاتين بالنهار صلاة الغداة و العصر»(4).
و قال السيد المرتضى: إنها العصر(5) ، و حكاه ابن المنذر عن علي عليه السلام، و أبي هريرة، و أبي أيوب، و أبي سعيد، و هو قول أبي حنيفة، و ابن المنذر(6) لأن عليا عليه السلام قال: «لمّا كان يوم الأحزاب صلّينا العصر بين المغرب و العشاء، فقال النبي صلّى اللّه عليه و آله: شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر، ملأ اللّه قلوبهم و أجوافهم نارا»(7).
و قال قبيصة بن ذويب: إنّها المغرب، لأنها أوسط أعداد الصلوات،ا.
ص: 388
و وقتها ضيّق فنهي عن تأخيرها(1).
و قال الشافعي: صلاة الصبح، و به قال مالك، و حكاه الشافعي في البويطي عن علي عليه السلام، و عبد اللّه بن عباس، و حكاه ابن المنذر عن ابن عمر أيضا(2) لقوله تعالى وَ قُومُوا لِلّهِ قانِتِينَ (3) عقيب الوسطى، و القنوت مسنون في الصبح، و هو ممنوع، و لأن الفجر لا تجمع الى ما قبلها و لا الى ما بعدها فهي منفردة، قبلها صلاة الليل، و بعدها صلاة النهار.
(4) ، و لعلّه استند في ذلك الى ما روي أن النبي صلّى اللّه عليه و آله قال: (لا تغلبنكم الأعراب عل اسم صلاتكم فإنها العشاء فإنهم يعتمون بالإبل)(5) فإنهم كانوا يؤخرون الحلب الى أن يعتم الليل، و يسمون الحلبة العتمة، و به قال الشافعي(6).
قال الشيخ: و كذا يكره تسمية الصبح بالفجر، بل يسمى بما سماه اللّه تعالى في قوله فَسُبْحانَ اللّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَ حِينَ تُصْبِحُونَ (7)(8).
و قال الشافعي: يستحب أن تسمى بأحد اسمين إما الفجر، أو الصبح
ص: 389
لأن اللّه تعالى سماها فجرا، و سماها النبي صلّى اللّه عليه و آله صبحا، و لا يستحب أن تسمى الغداة(1) ، و الأشبه انتفاء الكراهة، و روى البخاري أن النبي صلّى اللّه عليه و آله قال: (لا تغلبنكم الأعراب على اسم صلاتكم إنّها المغرب، و العرب يسمونها العشاء)(2).
و تستقر بإمكان الأداء، و هو اختيار أكثر علمائنا كالشيخ، و ابن أبي عقيل(3) و به قال الشافعي(4) لقوله تعالى أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ (5).
و لقول محمد بن مسلم قال: دخلت على الباقر عليه السلام و قد صليت الظهر و العصر، فيقول: «صليت الظهر» فأقول: نعم و العصر، فيقول: «ما صليت الظهر» فيقوم مسترسلا غير مستعجل، فيغتسل أو يتوضأ، ثم يصلي الظهر، ثم يصلي العصر(6).
و من علمائنا من قال: تجب بأول الوقت وجوبا مضيّقا إلاّ أنّه متى لم يفعلها لم يؤاخذ به عفوا من اللّه تعالى(7).
و قال أبو حنيفة و أصحابه: يجب بآخر الوقت(8). و قد مضى تفصيل مذاهبهم(9).
ص: 390
أ - لو أخّر حتى مضى إمكان الأداء و مات لم يكن عاصيا، و يقضي الولي لأن التقدير أنه موسع يجوز له تركه فلا يعاقب على فعل الجائز، و هو أحد وجهي الشافعية، و الآخر: يعصي كالحج(1) ، و الفرق تضييق الحج عندنا، و عنده: أن آخر وقت الصلاة معلوم، فلم يكن في التأخير عذر، و آخر زمان يؤدي فيه الحج غير معلوم فكان جواز التأخير بشرط السلامة.
ب - لو ظنّ التضييق عصى لو أخر إن استمر الظن، و إن انكشف بطلانه فالوجه عدم العصيان.
ج - لو ظن الخروج صارت قضاء، فإن كذب الظن فالأداء باق.
د - لو صلّى عند الاشتباه من غير اجتهاد لم يعتد بصلاته و إن وقعت في الوقت.
ه - لو كان يقدر على درك اليقين بالصبر احتمل جواز المبادرة بالاجتهاد لأنّه لا يقدر على اليقين حالة الاشتباه، و عدمه، و للشافعي كالوجهين(2).
تارك الصلاة الواجبة مستحلا يقتل إجماعا إن كان مسلما ولد على الفطرة من غير استتابة، لأنه جحد ما هو معلوم من دين الإسلام ضرورة فيكون مرتدا، و لو تاب لم يسقط عنه القتل، و إن لم يكن مسلما لم يقتل إن كان من أهل الذمة.
و لو كان مسلما عن كفر فهو مرتد لا عن فطرة يستتاب، فإن تاب قبلت توبته، و إلاّ قتل.
و لو كان قريب العهد بالإسلام، أو نشأ في بادية و زعم أنّه لا يعرف
ص: 391
وجوبها عليه قبل منه و منع من العود، و عرّف الوجوب.
و لو كان غير مستحل لم يكن مرتدا بل يعزر على تركها، فإن امتنع عزّر ثانيا، فإن امتنع عزّر ثالثا، فإن امتنع قتل في الرابعة، و قال بعض علمائنا:
قتل في الثالثة(1).
أ - إذا ترك محرّما طولب بها الى أن يخرج الوقت، فإذا خرج أنكر عليه و أمر بقضائها، فإن لم يفعل عزر، فإن انتهى و صلى برئت ذمته، و إن أقام على ذلك حتى ترك ثلاث صلوات و عزّر فيها ثلاث مرات قتل في الرابعة، و لا يقتل حتى يستتاب، و يكفن، و يصلّى عليه، و يدفن في مقابر المسلمين، و ميراثه لورثته المسلمين.
ب - لو اعتذر عن الترك بالمرض أو الكسل لم يقبل عذره و طولب المريض بالصلاة على حسب حاله و مكنته قائما، أو جالسا، أو مضطجعا، أو مستلقيا فإن الصلاة لا تسقط عنه بحال، و إن كان لكسل الزم بها و لم يقبل منه فإن صلى و إلاّ عزّر ثلاثا، و يقتل في الرابعة على ما قلناه لقولهم عليهم السلام: «أصحاب الكبائر يقتلون في الرابعة»(2).
و قال مالك: لا يقتل حتى يحبس ثلاثا و يضيّق عليه فيها، و يدعى في وقت كلّ صلاة إلى فعلها، و يخوف بالقتل، فإن صلّى و إلاّ قتل بالسيف - و به قال حماد بن زيد، و وكيع، و الشافعي(3) - لقوله تعالى فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ
ص: 392
- إلى قوله: - فَإِنْ تابُوا وَ أَقامُوا الصَّلاةَ وَ آتَوُا الزَّكاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ (1) شرط في التخلية إقامة الصلاة فإذا لم يقم الصلاة بقي على وجوب القتل، و قال عليه السلام: (من ترك الصلاة متعمدا فقد برئت منه الذمة)(2).
و قال الزهري: يضرب، و يسجن، و لا يقتل - و به قال أبو حنيفة(3) - لأن النبي صلّى اللّه عليه و آله قال: (لا يحل دم امرئ مسلم إلاّ بإحدى ثلاث: كفر بعد إيمان، أو زنا بعد إحصان، أو قتل نفس بغير حق)(4) و لا حجة فيه لأنّ ترك العموم لدليل مخصص واجب، و حكي عن بعضهم ترك التعرض له(5) لأن الصلاة أمانة بينه و بين اللّه تعالى. و هو مدفوع بالإجماع.
ج - لا يسوغ قتله مع اعتقاده التحريم بالمرة الواحدة و لا بما زاد ما لم يتخلل التعزير ثلاثا لأنّ الأصل حفظ النفس، و ظاهر كلام الشافعي أنه يقتل بصلاة واحدة - و هو رواية عن أحمد(6) - لأنه تارك للصلاة فيقتل كتارك الثلاث، و الفرق ظاهر.
د - الظاهر من قول علمائنا أنّه بعد التعزير ثلاثا عند ترك الفرائض الثلاث يقتل بالسيف إذا ترك الرابعة، و هو ظاهر مذهب الشافعي(7) لشبهه بالمرتد، و قال بعض الشافعية: يضرب حتى يصلّي أو يموت(8).2.
ص: 393
ه - يقتل حدّا و لا يكفر بذلك - و به قال الشافعي، و مالك(1) - لقوله عليه السلام: (خمس كتبهن اللّه على عباده في اليوم و الليلة فمن جاء بهن و لم يضيع منهن شيئا استخفافا بحقهن كان له عند اللّه عهد أن يدخله الجنّة، و من لم يأت بهن فليس له عند اللّه عهد إن شاء عذّبه و إن شاء أدخله الجنّة)(2).
و قال أحمد: يكفر بتركها، و إسلامه أن يصلي، و لو أتى بالشهادتين لم يحكم بإسلامه إلاّ بالصلاة - و به قال الحسن، و الشعبي، و النخعي، و أبو أيوب السجستاني، و الأوزاعي، و ابن المبارك، و حماد بن زيد، و إسحاق، و محمد بن الحسن(3) - لقوله عليه السلام: (بين العبد و بين الكفر ترك الصلاة)(4) و هو محمول على التارك مستحلا.
و - صلاة الكافر ليست إسلاما عندنا مطلقا، لأنه عبارة عن الشهادتين.
و قال أبو حنيفة: إنّها إسلام في دار الحرب و دار الإسلام معا(5) ، و قال الشافعي: أنّها إسلام في دار الحرب خاصة(6) ، و سيأتي.
ز - قال في المبسوط: إذا امتنع من الصلاة حتى خرج وقتها و هو قادر أنكر عليه، و أمر بأن يصلّيها قضاء، فإن لم يفعل عزّر، فإن انتهى و صلّى برئت ذمته، و إن أقام على ذلك حتى ترك ثلاث صلوات و عزّر فيها ثلاث2.
ص: 394
مرات قتل في الرابعة، لما روي عنهم عليهم السلام: «إن أصحاب الكبائر يقتلون في الرابعة»(1) و هو يقتضي أنه لا يقتل حتى يترك أربع صلوات و يعزّر ثلاثا.
و ظاهر مذهب الشافعي أنه يستحق القتل بترك الواحدة فإذا ضاق وقتها يقال له: إن صلّيت قبل خروج الوقت و إلا قتلناك بعد خروج الوقت(2).
و اختلف أصحابه فقال بعضهم: إذا خرج وقتها المختص وجب القتل(3) ، و قال القفال: لا يقتل حتى يخرج الوقت، فتارك الظهر لا يقتل حتى تغرب الشمس(4).
و هل يقتل في الحال ؟ قولان: أحدهما: يمهل ثلاثة أيام رجاء لتوبته.
و الثاني: يقتل معجلا(5).
ح - إذا اعتذر عن ترك الصلاة بالنسيان، أو بعدم المطهر قبل عذره إجماعا، و يؤمر بالقضاء فإن صلّى فلا بحث، و إن امتنع لم يقتل، لأن القضاء ليس على الفور، و هو ظاهر مذهب الشافعي، و له وجه أنّه يقتل، لامتناعه عن الإبان بها مع التمكن منها(6).
ط - لا فرق بين تارك الصلاة و تارك شرط مجمع عليه كالطهارة، أو جزء منها كذلك كالركوع، أما المختلف فيه كإزالة النجاسة، و قراءة الفاتحة، و الطمأنينة فلا شيء عليه، و لو تركه معتقدا تحريمه لزمه إعادة الصلاة، و لا يقتل بذلك لأنه مختلف فيه.2.
ص: 395
ص: 396
بغير خلاف بين العلماء.
و اختلف في المغصوب فذهب علماؤنا إلى بطلان الصلاة فيه اختيارا مع العلم بالغصبية، و هو قول الجبّائيين، و الشافعي في أحد القولين، و أحمد في إحدى الروايتين(1) ، لأنه فعل منهي عنه، إذ القيام و القعود، و الركوع، و السجود التي هي أجزاء الصلاة تصرّف في مال الغير بغير إذنه فيكون قبيحا، و النهي يدل على الفساد في العبادات.
و قال أبو حنيفة، و مالك: تصح، و هو القول الثاني للشافعي، و الرواية الثانية عن أحمد، لأنّ النهي لا يعود إلى الصلاة فلم يمنع صحتها كما لو صلّى و هو يرى غريقا يمكن إنقاذه فلم ينقذه(2). و ليس بجيد، إذ النهي وقع عن
ص: 397
هذه التصرفات التي هي أجزاء من حقيقة الصلاة فبطلت، و الصلاة حال الغرق مأمور بها، و إنقاذ الغريق مأمور به لكنه آكد فافترقا، على أنّا نمنع حكم الأصل.
أ - لا فرق بين غصب رقبة الأرض بأخذها، أو دعواه ملكيتها، و بين غصب المنافع بادعاء الإجارة ظلما، أو يضع يده عليها مدة، أو يخرج روشنا، أو ساباطا في موضع لا يحل له، أو يغصب راحلة فيصلّي عليها، أو سفينة، أو لوحا فيجعله في سفينة و يصلّي عليه.
ب - لا فرق بين الجمعة و غيرها عند علمائنا لما تقدم. و قال أحمد:
يصلّى الجمعة في موضع الغصب، و كذا العيد، و الجنازة، لأن الإمام إذا صلّى في موضع مغصوب فامتنع الناس فاتتهم الجمعة، و لهذا أبيحت الجمعة خلف الخوارج، و المبتدعة(1).
و هو غلط، لأن صلاة الإمام مع علمه باطلة فلا تفوت الجمعة بفعلها في غير الموضع، و نمنع من جواز الصلاة خلف الخوارج، و المبتدعة على ما يأتي.
ج - لا فرق بين الغاصب و غيره في بطلان الصلاة سواء أذن له الغاصب أو لا، و تصح للمالك الصلاة فيه، و لا أعلم فيها خلافا إلاّ من الزيدية، فإنهم أبطلوا صلاته فيه للعموم. و هو خطأ.
د - لو أذن المالك اختص المأذون و إن كان الغاصب، و لو أطلق الإذن
ص: 398
انصرف الإطلاق عرفا الى غير الغاصب.
ه - لو أذن له في الدخول الى داره و التصرف جاز له أن يصلّي، لأنه من جملة التصرف، و كذا لو علم بشاهد الحال.
و - تجوز الصلاة في البساتين، و الصحاري و إن لم يحصل الإذن ما لم يكره المالك، لأن الإذن معلوم بالعادة، و لو كانت مغصوبة لم تصح إلا مع صريح الإذن.
ز - جاهل الحكم غير معذور، و في الناسي إشكال ينشأ من التفريط و من سقوط القلم عنه.
ح - لو أمره بعد الإذن بالخروج تشاغل به فإن ضاق الوقت خرج مصلّيا، و لو صلّى من غير خروج لم يصح، و كذا الغاصب.
ط - لو أمره بالكون فتلبس بالصلاة فأمره بالخروج مع الاتّساع احتمل الإتمام لمشروعية الدخول، و القطع لأنه غير مأذون له في الصلاة صريحا و قد وجد المنع صريحا، و الخروج مصلّيا كما في حالة التضيق (للمنع من قطع عبادة مشروعة فأشبهت المضيق)(1) ، و لو أذن في الصلاة فالإتمام.
ى - لا فرق بين النوافل و الفرائض في ذلك كله بخلاف الصوم الواجب في المكان المغصوب فإنه سائغ، أما لو نذر قراءة القرآن فالوجه عدم الإجزاء في المكان المغصوب، و كذا أداء الزكاة، و يجزي أداء الدين، و الطهارة كالصلاة في المنع، و المشتبه بالمغصوب كالمغصوب في الحكم.
ص: 399
عنها إجماعا منّا - و به قال أكثر العلماء(1) - لقوله تعالى وَ ثِيابَكَ فَطَهِّرْ (2) ، و لقوله عليه السلام: (أكثر عذاب القبر من البول)(3) و روي عن ابن عباس، و ابن مسعود، و سعيد بن جبير، و أبي مجلز عدم اشتراط الطهارة(4) عملا بالأصل. و هو غلط.
أما ما لا يتعدى كالنجاسات اليابسة فلا يشترط طهارة المكان عنها إلاّ موضع جبهة السجود خاصة عند أكثر علمائنا(5) ، و قد أجمع كل من اشترط الطهارة على اعتبار طهارة موضع الجبهة، و هو حجة.
و أما عدم اشتراط غيرها فهو الأشهر عندنا للأصل، و لأنه فعل المأمور به فيخرج عن العهدة، و لقوله صلّى اللّه عليه و آله: (جعلت لي الأرض مسجدا و طهورا)(6).
و من طريق الخاصة قول الصادق عليه السلام و قد سئل عن الشاذكونة(7) يصلّي عليها و قد أصابتها الجنابة: «لا بأس»(8).
و قال أبو الصلاح منّا: يشترط طهارة مساقط أعضاء السجود(9) كالجبهة.
و نمنع القياس.0.
ص: 400
و قال السيد المرتضى: يشترط طهارة المكان(1) - و به قال الشافعي(2) - لأنه عليه السلام نهى عن الصلاة في المزبلة و المجزرة(3) ، و لا علة سوى النجاسة. و نقول بموجبه، لأنها نجاسات متعدية، أو نمنع نهي التحريم.
و قال الشافعي: يشترط الطهارة في جهة الصلاة، و الجوانب أيضا بحيث يكون ما يلاقي بدن المصلّي و ثيابه طاهرا حتى لو وقف تحت سقف يحتك به أو بجدار نجس لم تصح صلاته، و به قال أحمد(4).
و قال أبو حنيفة: لا يشترط إلاّ طهارة موضع القدمين، و في رواية موضع القدمين و الجبهة، و لا تضر نجاسة ما سواه إلاّ أن يتحرك بحركته(5).
و الكل ممنوع.
أ - لو كان على رأسه عمامة و طرفها يسقط على نجاسة صحت صلاته عندنا، خلافا للشافعي، و أحمد في رواية، و في اخرى: أنه لا يشترط طهارة ما تقع عليه ثيابه(6) ، و لو كان ثوبه يمس شيئا نجسا كثوب من يصلّي الى
ص: 401
جانبه أو حائط لا يستند إليه صحّت صلاته عندنا، خلافا للشافعي، و أحمد(1).
ب - قال أبو حنيفة: إن كان تحت قدميه أكثر من قدر درهم من النجاسة لم تصح صلاته، و لو وقعت ركبته أو يده على أكثر من قدر درهم صحّت صلاته، و لو وضع جبهته على نجاسة تزيد على قدر الدرهم فروايتان(2) ، و عند الشافعي لا تصح في الجميع(3) ، و عندنا تصح في الجميع إلاّ موضع الجبهة فإن النجاسة إن استوعبته لم تصح صلاته و إن قلّت عن الدرهم، و لو وقع ما يجزي من الجبهة على موضع طاهر و الباقي على نجاسة فالأقوى عندي الجواز.
ج - لو كان ما يلاقي بدنه و ثيابه طاهرا أو ما يحاذي بطنه أو صدره في السجود نجسا صحّت صلاته عندنا - و به قال أحمد، و الشافعي في أحد الوجهين - لأنه لم يباشر النجاسة فصار كما لو صلّى على سرير و تحته نجاسة، و في الآخر: لا تصح(4) لأن ذلك الموضع منسوب إليه فإنه مكان صلاته، و يبطل بما لو صلّى على خمرة طرفها نجس فإن صلاته تصح و إن نسبت إليه بأنّها مصلاّه.
د - يجوز أن يصلّي على بساط تحته نجاسة، أو سرير قوائمه على النجاسة و إن تحرك بحركته، و به قال الشافعي(5) ، و قال أبو حنيفة: إن تحرك4.
ص: 402
بحركته بطلت(1) و لا يصح ذلك في المغصوب سواء كان الساتر أو ما تحته.
ه - لو اشتبه موضع النجاسة لم يضع جبهته على شيء منه إن كان محصورا كالبيت و البيتين، بخلاف المواضع المتسعة كالصحاري، و لا يجوز التحري عندنا.
و قال الشافعي: يتحرى إن وقع الاشتباه في بيتين، و لو اشتبه الموضع النجس من بيت أو بساط لم يتحر على أصح الوجهين(2).
و - لو اضطر إلى الصلاة في المشتبه وجب تكرير الصلاة كالثوبين.
أ - معاطن الإبل: و هي مباركها، سواء خلت من أبوالها أو لا عندنا لأنّ أبوالها طاهرة على ما تقدم(3).
لقوله عليه السلام: (إذا أدركتك الصلاة و أنت في مراح الغنم فصل فيه فإنها سكينة و بركة، و إذا أدركتك الصلاة و أنت في معاطن الإبل فاخرج منها و صل فإنها جن من جن خلقت)(4).
و الفرق ظاهر فإن الغنم لا يمنعه السكون في مراحها من الخشوع، و الإبل يخاف نفورها فتمنعه من الخشوع و السكون، و قيل: إن عطنها مواطن الجن(5).
و منع الشافعي من الصلاة فيها مع وجود أبوالها فيها لأنها نجسة
ص: 403
عنده و قد تقدم، و سوّغ الصلاة مع الخلوّ، و به قال مالك، و أبو حنيفة(1) للحديث(2).
و قال أحمد: لا تصح الصلاة فيها و إن خلت، و به قال ابن عمر، و جابر ابن سمرة و الحسن، و إسحاق، و أبو ثور(3) لأن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله نهى عن الصلاة فيها(4) ، و النهي يدل على الفساد، و هو ممنوع لأن النهي للكراهة.
و لا بأس بالصلاة في مرابض الغنم عملا بالأصل، و لقول الصادق عليه السلام: «لا بأس بالصلاة في مرابض الغنم»(5).
ب - المقابر: و به قال علي عليه السلام، و ابن عباس، و ابن عمر، و عطاء، و النخعي، و ابن المنذر، فإن صلى صحّت سواء استقبلها، أو صلّى بينها في الكراهة، و الصحة، و به قال الشافعي، و مالك(6) - لأنها بقعة طاهرة فصحت الصلاة فيها كغيرها.
و قال أحمد: لا يجوز و إن تحقق طهارتها أو استقبلها - و في صحة1.
ص: 404
الصلاة عنه روايتان(1) - للنهي(2) ، و نحن نحمله على الكراهة.
و لو جعل بينه و بين القبر حائلا و لو عنزة(3) ، أو بعد عشرة أذرع عن يمينه، و يساره، و قدامه زالت الكراهة، و قد روي جواز الصلاة الى قبور الأئمة عليهم السلام في النوافل خاصة(4) ، قال الشيخ: و الأحوط الكراهة(5).
و لو صلّى على قبر كره سواء تكرر الدفن فيه و نبش أو لا، إلاّ أن تمازجه نجاسة متعدية فيحرم.
و قال الشافعي: إن تكرر الدفن فيه و نبش بطلت صلاته، لأنه صلّى على النجاسة لمخالطة صديد الموتى و لحومهم، و إن كان جديدا لم ينبش كره(6) للنهي(7) ، و إن لم يعلم التكرر، و لا عدمه فقولان لأصالة الطهارة و قضاء العادة بتكرر الدفن(8).
و كره الاستقبال إلى القبر، إلاّ الى قبر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فإنّه منعه(9) لقوله عليه السلام: (لعن اللّه اليهود اتخذوا قبور أنبيائهم4.
ص: 405
مساجد)(1) و إنما قاله تحذيرا لأمته أن يفعلوا.
ج - الحمام إن علمت طهارته أو جهلت - و به قال الشافعي(2) - لقول الصادق عليه السلام: «عشرة مواضع لا يصلى فيها: الطين، و الماء، و الحمام، و القبور، و مسان الطرق(3) ، و قرى النمل، و معاطن الإبل، و مجرى الماء، و السبخ، و الثلج»(4).
و قال أحمد: لا تجوز الصلاة فيه(5) للنهي(6).
و لو علمت نجاسته فإن لم تتعد إليه كرهت الصلاة فيه أيضا - خلافا للشافعي(7) - و إلاّ بطلت.
و هل تكره في المسلخ ؟ فيه احتمال ينشأ من علة النهي إن قلنا:
النجاسة لم تكره، و إن قلنا: كشف العورة فيكون مأوى (الشيطان)(8) كره.
د - بيوت الغائط لعدم انفكاكها عن النجاسة، و لو صلّى صحت ما لم تتعد نجاستها إليه - و به قال الشافعي(9) - لقول الصادق عليه السلام و قد سئل3.
ص: 406
أقوم في الصلاة فأرى بين يدي العذرة: «تنح عنها ما استطعت»(1). و لأنها لا تناسب العبادة المأمور بالتنظيف حال إيقاعها.
و قال أحمد: لا تصح، و لا على سطحها(2) ، و ليس بجيد.
ه - بيوت النيران لئلاّ يتشبه (بعبّادها)(3).
و - بيوت المجوس لعدم انفكاكها من النجاسة، فإن رشت الأرض زالت الكراهة، لقول الصادق عليه السلام و قد سئل عن الصلاة في بيوت المجوس: «رش و صلّ»(4).
و لا بأس بالبيع و الكنائس مع النظافة - و به قال الحسن البصري، و عمر ابن عبد العزيز، و الشعبي، و الأوزاعي(5) - لقوله عليه السلام: (أينما أدركتني الصلاة صليت)(6) و سأل عيص، الصادق عليه السلام عن البيع و الكنائس يصلّى فيها؟ قال: «لا بأس»(7) و قال الصادق عليه السلام:
«صل فيها قد رأيتها ما أنظفها»(8).
و كره ابن عباس، و مالك الكنائس من أجل الصور(9). و نحن نقول1.
ص: 407
بموجبه إن كان فيها صور.
ز - بيوت الخمور و المسكر لعدم انفكاكها من النجاسة، و لقول الصادق عليه السلام: «لا تصلّ في بيت فيه خمر أو مسكر»(1).
ح - جواد الطرق - و به قال الشافعي(2) - لأنّه صلّى اللّه عليه و آله نهى عن الصلاة في محجة الطريق(3) و معناه الجادة المسلوكة، و في حديث:
(عن قارعة الطريق)(4) يعني التي تقرعها الأقدام، ففاعلة هنا بمعنى مفعولة، و لقول الصادق عليه السلام: «فأما على الجواد فلا»(5) و لأنها لا تنفك غالبا عن النجاسة، و يمنع السابلة من الاستطراق.
و قال أحمد: لا تصح(6) للنهي(7). و هو عندنا للكراهة.
و لا بأس بالصلاة على الظواهر التي بين الجواد للأصل، و لقول الصادق عليه السلام: «لا بأس أن يصلّى في الظواهر التي بين الجواد»(8) و لا فرق بين أن يكون في الطريق سالك أو لم يكن للعموم.
ط - مساكن النمل لما تقدم في الحديث(9) ، و لعدم انفكاكه من ضررها، أو قتل بعضها.».
ص: 408
ي - مرابط الخيل، و البغال، و الحمير لكراهة أرواثها، و أبوالها فلا تنفك أمكنتها منها، و لقول الصادق عليه السلام: «فأما مرابط الخيل و البغال فلا»(1).
يا - بطون الأودية لجواز هجوم السيل، و لأنها مجرى المياه، و كذا يكره في مجرى الماء لذلك، و للحديث، و قد سبق(2).
يب - الأرض السبخة لعدم تمكن الجبهة من الأرض، قال أبو بصير:
سألت الصادق عليه السلام عن الصلاة في السبخة لم تكرهه ؟ قال: «لأن الجبهة لا تقع مستوية» فقلت: إن كان فيها أرض مستوية، قال:
«لا بأس»(3).
يج - أرض الثلج كذلك أيضا، قال داود الصيرفي: سألت أبا الحسن عليه السلام عن الثلج فقال: «إن أمكنك أن لا تسجد عليه فلا تسجد، و إن لم يمكنك فسوّه و اسجد عليه»(4).
يد - أرض الخسف كالبيداء(5) ، و ذات الصلاصل(6) ، و ضجنان(7) ،».
ص: 409
و كذا كل موضع خسف به - و به قال أحمد(1) - لأن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال لأصحابه يوم مرّ بالحجر: (لا تدخلوا على هؤلاء المعذبين إلاّ أن تكونوا باكين أن يصيبكم مثل ما أصابهم)(2) و عبر علي عليه السلام من أرض بابل إلى موضع ردّت له الشمس فيه و صلّى(3) ، و قال الصادق عليه السلام:
«تكره الصلاة في ثلاثة مواطن بالطريق: البيداء و هي ذات الجيش، و ذات الصلاصل، و ضجنان»(4).
يه - وادي الشقرة(5) و اختلف علماؤنا، فقال بعضهم: إنّه موضع مخصوص خسف به، و قيل: ما فيه شقائق النعمان(6) لئلاّ يشتغل النظر، لقول الصادق عليه السلام: «لا تصل في وادي الشقرة»(7).
يو - المزابل، و مذابح الأنعام لعدم انفكاكها من النجاسة، و لأن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله نهى عن الصلاة في سبعة مواطن: ظهر بيت اللّه، و المقبرة، و المزبلة، و المجزرة، و الحمام، و عطن الإبل، و محجة الطريق(8).
يز - أن يصلّي و في قبلته نار مضرمة - و به قال أحمد(9) - لئلاّ يتشبه بعبّاد النار، و لقول الكاظم عليه السلام: «لا يصلح أن يستقبل المصلّي1.
ص: 410
النار»(1) و قال عمار للصادق عليه السلام: أ له أن يصلّي و في قبلته مجمرة شبه ؟ قال: «نعم فإن كان فيها نار فلا يصلّي فيها حتى ينحيها عن قبلته» و في القنديل المعلق قال: «لا يصلّي بحياله»(2).
و في رواية: «يجوز أن يصلّي و النار، و السراج، و الصورة بين يديه، إن الذي يصلّي له أقرب من الذي بين يديه»(3) و جعلها الشيخ رحمه اللّه شاذّة(4).
يح - أن يصلّي الى التماثيل، و الصور - و به قال أحمد(5) - لقول محمد بن مسلم قلت: أصلّي و التماثيل قدّامي و أنا أنظر إليها؟ فقال: «لا، اطرح عليها ثوبا و لا بأس إذا كانت على يمينك، أو شمالك، أو خلفك، أو تحت رجليك، أو فوق رأسك فإن كانت في القبلة فألق عليها ثوبا»(6).
يط - قال أبو الصلاح: تكره الى باب مفتوح، أو إنسان مواجه(7) - و به قال أحمد(8) - و هو جيد، لاستحباب السترة بينه و بين ممر الطريق على ما يأتي.1.
ص: 411
ك - أن يصلّي و في قبلته مصحف مفتوح لئلاّ يشتغل عن الإقبال على العبادة.
و عن عمار عن الصادق عليه السلام في الرجل يصلّي و بين يديه مصحف مفتوح في قبلته قال: «لا» قلت: فإن كان في غلاف قال:
«نعم»(1) ، و هل يتعدى الحكم الى كل ما يشغل النظر من كتاب و نقش (و غيره)(2) ؟ الأقرب ذلك، و يحتمل المنع، لعدم القطع بالعلة.
كا - أن يكون قبلته حائط ينز من بالوعة يبال فيها، لأنه ينبغي تعظيم القبلة فلا تناسب النجاسة، و لقول الصادق عليه السلام و قد سئل عن مسجد ينز حائط قبلته من بالوعة يبال فيها فقال: «إن كان نزّه من بالوعة فلا تصلّ فيه و إن كان من غير ذلك فلا بأس»(3) ، و هل يتعدى الحكم الى الماء النجس ؟ عموم اللفظ يقضي بالمنع، لقوله عليه السلام: «و إن كان من غير ذلك فلا بأس»(4) و العلّة تقضي بالمساواة لكن العلّية ليست قطعية.
عند علمائنا لأنه بالصلاة في الكعبة ربما تتعذر عليه الجماعة، و الجماعة أفضل من الانفراد، و لأنه باستقبال أي جهة شاء يستدبر قبلة اخرى، و لقول أحدهما عليهما السلام: «لا تصلّ المكتوبة في الكعبة»(5) و هذا النهي ليس للتحريم فإنه يجوز فعل الفريضة فيها - و به قال الشافعي، و أبو حنيفة(6) -
ص: 412
لقوله تعالى وَ طَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطّائِفِينَ وَ الْقائِمِينَ وَ الرُّكَّعِ السُّجُودِ (1) و لا يمنع تحريم الطواف تحريم الصلاة، لأن الطواف به لا يحصل بطوافه فيه، و الصلاة لا تجب الى جميعه، و لأن كل بقعة جاز أن يتنفل فيها جاز أن يفترض كالمسجد.
و قال مالك، و أحمد، و إسحاق: تجوز النافلة، و لا تجوز الفريضة(2) - و به قال الشيخ في الخلاف(3) - لقوله تعالى وَ حَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ (4) أي نحوه، و إذا كان فيه لم يول وجهه نحوه و لأنه مستدبر لبعضه فأشبه [ما](5) إذا استدبر و هو خارجه، و قد بيّنا أن الصلاة لا تجب الى جميعه، بل إنّما يتوجه إلى جهة منه فيتوجه إليها و إلى ما يحاذيها دون باقي الجهات، و إذا استدبر و هو خارج لم يستقبل شيئا منه بخلاف ما لو كان فيه.
و حكي عن ابن جرير الطبري أنه قال: لا يجوز فعل الفريضة و النافلة(6) لأن النبي صلّى اللّه عليه و آله دخل البيت و لم يصلّ(7) ، و لأن الطواف لا يجوز فيه فكذا الصلاة، و نمنع عدم صلاته عليه السلام فيه فإنه عليه السلام صلّى9.
ص: 413
فيه ركعتين(1) ، قال بلال: ترك [صلّى اللّه عليه و آله](2) عمودا عن يمينه، و عمودا عن يساره، و ثلاثة أعمدة من ورائه فإن البيت إذ ذاك على ستة أعمدة(3). و المثبت أولى من النافي.
إذا عرفت هذا فاعلم أن الشافعي قال: الصلاة إن كانت فريضة فرادى أو نافلة فهي في الكعبة أفضل، لأنها أطهر موضع، و إن كانت جماعة فإن أمكنت في الكعبة فهو أفضل و إلاّ فالخارج أفضل(4). و قد بينا ضعفه.
إن كان بين يديه قطعة من السطح - و به قال أبو حنيفة(5) - لأن بين يديه بعض الكعبة فصح الاستقبال إليه كما لو كان خارجا عنها.
و قال الشافعي: يجوز إن كان بين يديه سترة و إلا فلا(6) لأن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله نهى عن الصلاة على ظهر بيت اللّه العتيق(7) و لا علة للنهي إلا ما ذكرناه، و لأنه يصلّي عليها لا إليها كالراحلة يقال: صلّى عليها لا إليها، و ينتقض بما لو كان قدامه سترة، و قال أحمد: لا تجوز الفريضة مطلقا لأنه لم يستقبلها(8). و هو ممنوع.
ص: 414
أ - لا يشترط السترة على ما تقدم، و شرط الشافعي سترة مبنية بجص و آجر، أو بطين و آجر، أو بخشبة مسمرة لأنها كالجزء، و لهذا تدخل في (المبيع)(1) ، و لو غرز عصى أو خشبة فلأصحابه قولان(2) ، و كذا لو كان بين يديه آجرا معبأ.
ب - روى علماؤنا أنه إذا صلّى على ظهر الكعبة الفريضة استلقى على قفاه، و صلّى بالإيماء متوجها الى البيت المعمور(3). و الوجه: أنه يصلّي قائما كما لو صلّى أسفل.
ج - لو صلّى على موضع أعلى كجبل أبي قبيس صحّت صلاته إجماعا و يتوجه إلى الكعبة.
د - لو صلّى داخل الكعبة استقبل ايّ جدرانها شاء و إن كان الى الباب و كان مفتوحا و ليس له عتبة مرتفعة، و أوجب الشافعي صلاته إلى حائط، أو باب مغلق، أو عتبة مرتفعة و إن قلّت(4) و ليس بمعتمد.
السلام عن الرجل و المرأة يصلّيان جميعا في بيت، و المرأة عن يمين الرجل بحذاه قال: «لا حتى يكون بينهما شبر، أو ذراع، أو نحوه»(1) و لا دلالة في الخبرين لحملهما على الاستحباب عملا بالأصل، مع منع دلالة الأول على صورة النزاع.
و قال المرتضى رضي اللّه عنه بالكراهة، و لا تبطل به صلاة أحدهما(2) - و به قال الشافعي، و أحمد(3) - و هو الأقوى للأصل فإن الأمر بالصلاة مطلق فلا يتقيد إلا بدليل، و لأنّها لو وقفت في غير الصلاة، أو نامت مستورة، أو غير مستورة لم تبطل صلاته، و كذا لو كانت مصلية.
و قال أبو حنيفة: إن وقفت الى جنبه، أو أمامه و لم تكن المرأة في الصلاة، أو كانا في الصلاة من غير اشتراك لم تبطل صلاة واحد منهما، و الشركة عنده أن ينوي الإمام إمامتها، و إن اشتركا فإن وقفت بين رجلين بطلت صلاة من إلى جانبيها و لم تبطل صلاة من الى جانب من الى جانبيها، لأنهما حجزا بينها و بينه، فإن وقفت الى جانب الإمام بطلت صلاة الإمام فتبطل صلاتهما، و صلاة كل الجماعة لبطلان صلاة الجماعة ببطلان صلاة الإمام، و إن صلّت أمام الرجال بطلت صلاة من يحاذيها و من وراءها، و لم تبطل صلاة من يحاذي من يحاذيها. و تسمى هذه مسألة المحاذاة، اللهم إلاّ أن يكون الصف الأول نساء كلّه فتبطل صلاة أهل الصف الأول، و القياس أن لا تبطل صلاة أهل الصف الثاني، و الثالث، لكن صلاة أهل الصفوف كلّها تبطل استحسانا(4).1.
ص: 416
و تحقيق الخلاف بين الشافعي و أبي حنيفة أن سنّة الموقف إذا خالفها لم تبطل الصلاة عند الشافعي، و تبطل عند أبي حنيفة، و عند الشافعي المخالفة منهما، و عند أبي حنيفة من الرجل دونها فلهذا بطلت صلاته دونها.
أ - لا فرق عند علمائنا بين أن تكون المرأة محرما، أو زوجة، أو أجنبية، و لا بين أن تكون مصلّية بصلاته، أو منفردة في التحريم و الكراهة.
ب - قال في المبسوط: لو صلّت خلفه في صف بطلت صلاة من على يمينها، و شمالها، و من يحاذيها من خلفها، و لا تبطل صلاة غيرهم، و إن صلّت بجنب الإمام بطلت صلاتها و صلاة الإمام، و لا تبطل صلاة المأمومين الذين هم وراء الصف الأول(1).
ج - لو كانت بين يديه أو الى أحد جانبيه قاعدة لا تصلّي، أو من خلفه و إن كانت تصلّي لم تبطل صلاة واحد منهما.
د - لو اجتمعا في محمل صلّى الرجل أولا أو المرأة، و لا يصلّيان معا دفعة واحدة.
ه - لو كان بينهما ساتر، أو بعد عشرة أذرع صحّت صلاتهما و إن كانت متقدمة، و في الحديث: «شبر أو ذراع»(2).
و - الأقرب اشتراط صحة صلاة المرأة لولاه في بطلان الصلاتين، فلو
ص: 417
صلّت الحائض، أو غير المتطهرة و إن كان نسيانا لم تبطل صلاته، و في الرجوع إليها حينئذ نظر.
ز - ليس المقتضي للتحريم النظر لجواز الصلاة و إن كانت قدامه عارية فيمنع الأعمى، و من غمض عينيه.
ح - لو صلّت المرأة خلف الرجل صحّت صلاتها معه، و به قال الشافعي، و غيره من الفقهاء(1) ، إلاّ أبا حنيفة، و صاحبيه(2).
فإن كان في مسجد، أو بيت صلّى إلى حائط، أو سارية، و إن صلّى في فضاء أو طريق صلّى إلى شيء شاخص بين يديه، أو ينصب بين يديه عصى، أو عنزة، أو رحلا، أو بعيرا معقولا بلا خلاف بين العلماء في ذلك، و لأن النبي صلّى اللّه عليه و آله كان تركز له الحربة فيصلّي إليها، و يعرض البعير فيصلّي إليه، و ركزت له العنزة فتقدم، و صلّى الظهر ركعتين يمرّ بين يديه الحمار و الكلب لا يمنع(3).
و لا يتقدر بقدر بل الأولى بلوغها ذراعا فما زاد، و قال الثوري، و أصحاب الرأي: قدرها ذراع(4). و قال مالك، و الشافعي: قدر عظم الذراع(5). و عن أحمد روايتان(6) ، و لا حدّ لها في الغلظ و الدقة إجماعا،
ص: 418
فإنه يجوز الاستتار بالسهم، و الخشبة، و الحائط، نعم ما كان أعرض فهو أولى.
أ - يستحب أن يدنو من سترته، لقوله عليه السلام: (إذا صلّى أحدكم إلى سترة فليدن منها لا يقطع الشيطان عليه صلاته)(1) و لأنه أصون لصلاته و أبعد من حيلولة المار به، و قدّره الشافعي بثلاثة أذرع(2).
ب - يجوز أن يستتر بالبعير و الحيوان - و به قال أحمد(3) - لأن النبي صلّى اللّه عليه و آله كان يعرض راحلته و يصلّي إليها(4) ، و منع الشافعي من الاستتار بالدابة(5).
ج - لو لم يجد سترة خط خطا و صلّى إليه - و به قال سعيد بن جبير، و الأوزاعي، و أحمد(6) - لأن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال: (فإن لم تكن معه عصى فليخط خطا ثم لا يضره من مرّ أمامه)(7) ، و أنكر مالك، و الليث بن سعد، و أبو حنيفة الخط(8) و قال الشافعي بالخط بالعراق، و قال بمصر: لا يخط المصلّي خطا
ص: 419
إلاّ أن تكون فيه سنة تتبع(1) ، و الظاهر أنه بالعرض، و هو رواية عن أحمد، و عنه أنه كالهلال، و عنه أنّه بالطول، و عنه أنه بالتدوير(2).
د - لو كان معه عصى لا يمكنه نصبها ألقاها بين يديه عرضا - و به قال الأوزاعي، و سعيد بن جبير، و أحمد(3) - لأنه يقوم مقام الخط، بل هو أولى لارتفاع حجمه، و كرهه النخعي(4).
ه - قال أحمد: يستحب إذا صلّى الى عمود، أو عود أن ينحرف عنه و يجعله على حاجبه الأيمن، أو الأيسر و لا يجعله وسطا(5). و هو ممنوع.
و - يكره أن يصلّي الى من يتحدث قدّامه لئلاّ يشتغل بحديثهم، و كره ابن مسعود، و سعيد بن جبير الصلاة الى النائم في الفريضة و النافلة(6) ، و كره أحمد [في](7) الفريضة خاصة(8).
ز - و لا بأس بأن يصلّي في مكة الى غير سترة، لأن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله صلّى هناك و ليس بينه و بين الطّواف سترة(9) ، و لأن الناس يكثرون هناك لأجل قضاء نسكهم، و سميت بكة لأن الناس يتباكون فيها أي يزدحمون و يدفع بعضهم بعضا، فلو منع المصلّي من يجتاز بين يديه ضاق على الناس، و حكم الحرم كلّه كذلك لأن ابن عباس قال: أقبلت راكبا على حمار6.
ص: 420
أتان(1) ، و النبيّ صلّى اللّه عليه و آله يصلّي بالناس بمنى الى غير جدار(2).
و لأنه محل المشاعر، و المناسك.
ح - و ليست السترة شرطا، و لا واجبة بالإجماع، لأن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أتى نادي العباس فصلّى الى غير سترة(3) ، و للأصل.
ط - سترة الإمام سترة لمن خلفه إجماعا، لأن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله صلّى إلى سترة و لم يأمر أصحابه بنصب سترة أخرى(4).
ى - لو كانت السترة مغصوبة لم يأت بالمأمور به شرعا.
إجماعا لأن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله واظب على ذلك و حثّ عليه(5) ، و قال علي عليه السلام: «صلاة في البيت المقدس بألف صلاة، و صلاة في المسجد الأعظم بمائة صلاة، و صلاة في مسجد القبيلة بخمس و عشرين صلاة، و صلاة في مسجد السوق اثنتا عشرة صلاة، و صلاة الرجل في بيته وحده صلاة واحدة»(6). و لأنه موضع العبادة، و موضوع لها فكان فعلها فيه أولى، و أمّا النافلة فإنها في المنزل أفضل، خصوصا نافلة الليل، لأن العبادة في السر أبلغ في الإخلاص، و قال عليه السلام: (أفضل الصلاة صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة) و جاء رجال يصلّون بصلاته عليه السلام فخرج مغضبا، و أمرهم أن يصلّوا النوافل
ص: 421
في بيوتهم(1).
لقوله تعالى إِنَّما يَعْمُرُ مَساجِدَ اللّهِ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ (2) الآية، و قال الصادق عليه السلام: «من بنى مسجدا و لو كمفحص قطاة بنى اللّه له بيتا في الجنّة»(3).
و لا يجوز اتخاذها في المواضع المغصوبة، و لا في الطرق المسلوكة المضرة بالمارة، و لا بأس بوضعه على بئر الغائط إذا طم و انقطعت رائحته لزوال المانع، و لقول الباقر عليه السلام و قد سئل عن المكان يكون حشّا، ثم ينظف و يجعل مسجدا قال: «يطرح عليه من التراب حتى يواريه فهو أطهر»(4) و منع أحمد من الصلاة على سطح الحش(5).
و لو كانت الأرض نجسة فطيّنها بطين طاهر، أو بسط عليها شيئا طاهرا صحّت الصلاة - و به قال طاوس، و مالك، و الأوزاعي، و الشافعي، و إسحاق(6) - و عن أحمد روايتان، للعموم(7) ، و احتج أحمد بأنها مدفن النجاسة أشبهت المقبرة(8) ، و هو ممنوع.
و لا يجوز تطيين المسجد بطين نجس، و لا تطبيقه بطوابيق نجسة، و لا
ص: 422
بناؤه بلبن نجس أو آجر نجس للمنع من إدخال النجاسة إليها.
لأن عليا عليه السلام رأى مسجدا قد شرّف فقال: «كأنه بيعة» و قال: «إن المساجد تبنى جمّا»(1).
و يكره أن تكون مظلّلة، قال الحلبي: سألته عن المساجد المظلّلة يكره القيام فيها؟ قال: «نعم، و لكن لا يضرّكم الصلاة فيها اليوم، و لو كان العدل لرأيتم كيف يصنع في ذلك»(2).
و يكره اتخاذ المحاريب فيها، لأن عليا عليه السلام كان يكسر المحاريب إذا رآها في المساجد و يقول: «كأنها مذابح اليهود»(3).
و ينبغي وضع الميضاة على أبوابها لا داخلها لقول رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: (جنّبوا مساجدكم صبيانكم، و مجانينكم، و شراءكم و بيعكم، و اجعلوا مطاهركم على أبواب مساجدكم)(4).
و ينبغي وضع المنارة مع حائطها لا في وسطها، و لا ترفع عليه، لأن عليا عليه السلام مرّ على منارة طويلة فأمر بهدمها ثم قال: «لا ترفع المنارة إلاّ مع سطح المسجد»(5) ، و لئلاّ يشرف المؤذن على الجيران.
مندوب إليه، مرغّب فيه، إذ القصد بالعمارة إيقاع العبادة فيها، و اجتماع الناس في
ص: 423
الصلوات، قال أمير المؤمنين عليه السلام: «من اختلف الى المسجد أصاب إحدى الثمان: أخا مستفادا في اللّه، أو علما مستطرفا، أو آية محكمة، أو يسمع كلمة تدلّه على الهدى، أو رحمة منتظرة، أو كلمة ترده عن ردى، أو يترك ذنبا خشية أو حياء»(1) و قال الصادق عليه السلام: «من مشى الى المسجد لم يضع رجله على رطب و لا يابس إلاّ سبحت له الأرض إلى الأرضين السابعة»(2).
و يشتد الاستحباب في المساجد المعظّمة كمسجد الكوفة، و قال الصادق عليه السلام: «يا هارون بن خارجة كم بينك و بين مسجد الكوفة، يكون ميلا؟» قلت: لا، قال: «أ فتصلّي فيه الصلوات كلّها؟» قلت: لا فقال: «أمّا أنا لو كنت حاضرا بحضرته لرجوت أن لا تفوتني فيه صلاة، و تدري ما فضل ذلك الموضع ؟ ما من عبد صالح، و لا نبي إلاّ و قد صلّى في مسجدكم، حتى أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لما أسرى اللّه به، قال له جبرئيل عليه السلام: أ تدري أين أنت يا رسول اللّه الساعة ؟ أنت مقابل مسجد كوفان، قال: فاستأذن لي ربي عزّ و جلّ حتى آتيه فأصلّي فيه ركعتين فاستأذن له، و أنّ ميمنته لروضة من رياض الجنة، و أن وسطه لروضة من رياض الجنّة، و أن مؤخره لروضة من رياض الجنّة، و أن الصلاة المكتوبة فيه لتعدل بألف صلاة، و أن النافلة فيه لتعدل بخمسمائة صلاة، و أن الجلوس فيه بغير تلاوة و لا ذكر لعبادة، و لو علم الناس ما فيه لأتوه و لو حبوا»(3).2.
ص: 424
و جاء علي بن الحسين عليهما السلام إلى مسجد الكوفة عمدا من المدينة فصلّى فيه ركعتين ثم عاد حتى ركب راحلته و أخذ الطريق(1). و قال الصادق عليه السلام: «جاء رجل الى أمير المؤمنين عليه السلام و هو في مسجد الكوفة فقال: السلام عليك يا أمير المؤمنين و رحمة اللّه و بركاته، فردّ عليه السلام، فقال: جعلت فداك إني أردت المسجد الأقصى فأردت أن أسلّم عليك و أودعك، فقال له: فأي شيء أردت بذلك ؟ فقال: الفضل جعلت فداك، قال: فبع راحلتك، و كل زادك، و صلّ في هذا المسجد فإن الصلاة المكتوبة فيه حجة مبرورة و النافلة عمرة مبرورة، و البركة منه على اثني عشر ميلا، يمينه يمن، و يساره مكر، و في وسطه عين من دهن و عين من لبن، و عين من ماء شراب للمؤمنين، و عين من ماء طهر للمؤمنين، منه سارت سفينة نوح عليه السلام، و كان فيه نسر، و يغوث، و يعوق، صلّى فيه سبعون نبيا، و سبعون وصيّا أنا أحدهم، و قال بيده على صدره: ما دعا فيه مكروب بمسألة في حاجة من الحوائج إلاّ أجابه اللّه و فرج عنه كربته»(2).
و كذا يستحب قصد مسجد السهلة، قال الصادق عليه السلام و ذكر مسجد السهلة، فقال: «أما أنه منزل صاحبنا إذا قام بأهله»(3) و قال الصادق عليه السلام: «بالكوفة مسجد يقال له: مسجد السهلة، لو أن عمّي زيد أتاه فصلّى فيه و استجار اللّه لأجار له اللّه عشرين سنة، فيه مناخ الراكب بيت إدريس النبيّ عليه السلام، و ما أتاه مكروب قط فصلّى ما بين العشاءين فدعا اللّه عزّ و جلّ إلاّ فرج اللّه كربته»(4).3.
ص: 425
و قال الباقر عليه السلام: «بالكوفة مساجد ملعونة، و مساجد مباركة، فأما المباركة فمسجد غنى، و اللّه إن قبلته لقاسطة، و إن طينته لطيبة، و لقد وضعه رجل مؤمن، و لا تذهب الدنيا حتى تنفجر عنده عينان، و تكون عليه جنتان، و أهله ملعونون، و هو مسلوب منهم. و مسجد بني ظفر - و هو مسجد السهلة - و مسجد الحمراء، و مسجد جعفي، و ليس هو مسجدهم اليوم، قال: درس، و أما المساجد الملعونة: فمسجد ثقيف، و مسجد الأشعث، و مسجد جرير و مسجد سماك، و مسجد الحمراء بني على قبر فرعون من الفراعنة»(1).
و قال الباقر عليه السلام: «جددت أربعة مساجد بالكوفة فرحا بقتل الحسين عليه السلام: مسجد الأشعث، و مسجد جرير، و مسجد سماك، و مسجد شبث بن ربعي»(2).
و يكره للنساء الإتيان إلى المساجد لما فيه من التبرج المنهي عنه، قال الصادق عليه السلام: «خير مساجد نسائكم البيوت»(3) و يكره تمكين الصبيان و المجانين من الدخول إليها لعدم انفكاكهم من النجاسة، و لما تقدم في الحديث(4).
لأن اليمنى أشرف. و يتعاهد نعله عند الدخول تنزيها لها عن الأقذار، قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: (تعاهدوا نعالكم عند أبواب مساجدكم) و نهى أن ينتعل الرجل و هو قائم(5) و خلع نعله يوما فخلع الصحابة فقال:
ص: 426
(إن أخي جبرئيل أخبرني أنها قذرة)(1).
و يستحب الطهارة، و الدعاء دخولا، و خروجا، قال الباقر عليه السلام: «إذا دخلت المسجد و أنت تريد أن تجلس فلا تدخله إلاّ طاهرا، و إذا دخلته فاستقبل القبلة، ثم ادع اللّه و اسأله، و سمّ حين تدخله، و احمد اللّه و صلّ على النبي صلّى اللّه عليه و آله»(2) قال سماعة: إذا دخلت المسجد فقل: بسم اللّه، و السلام على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، و صلاة ملائكته على محمد و آل محمد، و السلام عليهم و رحمة اللّه و بركاته، رب اغفر لي ذنوبي، و افتح لي أبواب فضلك. و إذا خرجت فقل مثل ذلك(3).
و يستحب تلاوة القرآن في المساجد، و المداومة عليه، قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: (من كان القرآن حديثه، و المسجد بيته، بنى اللّه له بيتا في الجنّة)(4).
و ينبغي لمن أكل شيئا من المؤذيات - كالثوم، و البصل - تجنّب المساجد لئلاّ يؤذي غيره برائحته، قال علي عليه السلام: «من أكل شيئا من المؤذيات فلا يقربن المسجد»(5).
لما فيه من التنظيف، و تعظيم مشاعر العبادات، قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: (من كنس المسجد يوم
ص: 427
الخميس و ليلة الجمعة فأخرج من التراب ما يذر في العين غفر اللّه له)(1).
و يستحب الإسراج فيها، قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: (من أسرج في مسجد من مساجد اللّه سراجا لم تزل الملائكة، و حملة العرش يستغفران له ما دام في المسجد ضوء من ذلك)(2).
و يكره إنشاد الشعر فيها، و تعريف الضوال، و إقامة الحدود، و رفع الصوت، و البيع، و الشراء، قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: (من سمعتموه ينشد الشعر في المساجد فقولوا: فضّ اللّه فاك إنما نصبت المساجد للقرآن)(3) و قال الصادق عليه السلام: «جنّبوا مساجدكم البيع، و الشراء، و المجانين، و الصبيان، و الأحكام، و الضالة، و الحدود، و رفع الصوت»(4).
و يكره إخراج الحصى منها فإن أخرج أعيد، قال الباقر عليه السلام:
«إذا أخرج أحدكم الحصاة من المسجد فليردها مكانها، أو في مسجد آخر فإنها تسبح»(5).
و يكره البصاق فإن فعل غطّاه بالتراب، قال علي عليه السلام: «البزاق في المسجد خطيئة و كفارته دفنه»(6).
و يكره قتل القمل فإن فعل غطاه بالتراب، و يكره الطهارة فيها من البول4.
ص: 428
و الغائط لأن الصادق عليه السلام كرهه منهما(1).
و يكره النوم فيها، لأن الشحام سأل الصادق عليه السلام عن قوله تعالى:
لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَ أَنْتُمْ سُكارى (2) قال: «سكر النوم»(3) و تشتد الكراهة في المسجدين، لأن زرارة سأل الباقر عليه السلام ما تقول في النوم في المساجد؟ فقال: «لا بأس إلاّ في المسجدين مسجد النبي صلّى اللّه عليه و آله، و المسجد الحرام»(4) و ليس بمحرم، لأن معاوية بن وهب سأل الصادق عليه السلام عن النوم في المسجد الحرام، و مسجد الرسول صلّى اللّه عليه و آله قال: «نعم أين ينام الناس!؟»(5).
و يكره سائر الصناعات في المساجد، لأن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله نهى عن سلّ السيف، و عن بري النبل في المسجد و قال: إنما بني لغير ذلك(6).
و يحرم تصوير المساجد، لأن الصادق عليه السلام سئل عن الصلاة في المساجد المصورة، فقال: «أكره ذلك، و لكن لا يضركم ذلك اليوم، و لو قد قام العدل رأيتم كيف يصنع ذلك»(7).
و كذا يحرم زخرفتها و نقشها بالذهب، لأن ذلك لم يفعل في زمن النبي صلّى اللّه عليه و آله، و لا في زمن الصحابة فيكون إحداثه بدعة.6.
ص: 429
لقوله تعالى وَ سَعى فِي خَرابِها أُولئِكَ ما كانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوها إِلاّ خائِفِينَ (1) و كذا استعمال آلتها و اتخاذها في ملك أو طريق، و يجوز هدم ما استهدم لإعادته لما فيه من العمارة، و للأمن على الداخل، و لو تعذرت إعادته جاز استعمال آلته في غيره من المساجد لاشتراكها في كونها موضعا للعبادة، و كذا لو فضل من أحد المساجد عن قدر الحاجة، و من أخذ شيئا من آلة المسجد وجب أن يرده إليه أو إلى غيره من المساجد.
و لو نذر شيئا لعمارة مسجد اختص به ما لم يفضل عنه إذا كان بحيث ينتابه الناس، و لو فضل منه شيء جاز صرفه إلى عمارة غيره من المساجد.
و إذا انهدم المسجد و خرب ما حوله لم يعد ملكا، لخروجه عن الملك الى اللّه تعالى فلا يعود الى الملك(2).
و يجوز نقض البيع و الكنائس و استعمال آلتها في المساجد إذا اندرس أهلها أو كانت في دار حرب، لأن عيصا سأل الصادق عليه السلام عن البيع و الكنائس هل يصلح نقضها لبناء المساجد؟ قال: «نعم»(3).
و أن تبنى مساجد، و لا يجوز اتخاذهما في ملك، و لا استعمال آلتهما في الأملاك، و لو كان لها أهل ذمّة يؤدّون الجزية، و يلتزمون بشرائط الذمة لم يجز التعرض لها على حال.
ص: 430
و تبديله، و توسيعه، و تضييقه حسب ما يكون أصلح له، لأنه لم يجعله عاما و إنما قصد اختصاصه بنفسه و أهله، و لأنّ أبا الجارود سأل الباقر عليه السلام عن المسجد يكون في البيت فيريد أهل البيت أن يتوسعوا بطائفة منه، أو يحولونه الى غير مكانه قال: «لا بأس بذلك»(1).
و هل تلحقه أحكام المساجد من تحريم إدخال النجاسة إليه، و منع الجنب من استيطانه، و غير ذلك ؟ الأقرب المنع، لنقص المعنى فيه، و لا يخرج عن ملكه فيجوز له بيعه و شراؤه ما لم يجعله وقفا فلا يختص به حينئذ.
و لو بناه خارج داره في ملكه لم يزل ملكه عنه أيضا، و لو نوى به أن يكون مسجدا يصلّي فيه كل من أراده زال ملكه عنه بالعقد و القبض، أو بصلاة واحد فيه.
لأنّه مناف لما وضعت له.
و يكره كشف العورة فيها، لما فيه من الاستخفاف بالمساجد، و كذا كشف السرة، و الركبة، و الفخذ، و روى الباقر عليه السلام: «أن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال: كشف السرة، و الفخذ، و الركبة في المسجد من العورة»(2).
و يكره رمي الحصى فيه خذفا لما لا يؤمن معه من الأذى للغير، و روى الباقر عليه السلام عن آبائه عليهم السلام: «أن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أبصر رجلا يخذف بحصاة في المسجد فقال: ما زالت تلعن حتى وقعت، ثم قال: الخذف في النادي من أخلاق قوم لوط» ثم تلا عليه السلام:
ص: 431
وَ تَأْتُونَ فِي نادِيكُمُ الْمُنْكَرَ (1) قال: «هو الخذف»(2).
و نهى النبيّ صلّى اللّه عليه و آله عن رطانة(3) الأعاجم في المساجد(4) ، و قال عليه السلام: «الاتكاء في المسجد رهبانية العرب، المؤمن مجلسه مسجده و صومعته بيته»(5) و قال بعض أصحابنا للصادق عليه السلام: إني لأكره الصلاة في مساجدهم. فقال: «لا تكره فما من مسجد بني الاّ على قبر نبي أو وصي نبي قتل، فأصاب تلك البقعة رشة من دمه فأحب اللّه أن يذكر فيها، فأدّ فيها الفريضة و النوافل، و اقض ما فاتك»(6).
و في كتاب ابن بابويه عن الصادق عليه السلام أنه سئل عن الوقوف على المساجد، فقال: «لا يجوز لأن المجوس وقفوا على بيت النار»(7) و هذه الرواية مرسلة و تحمل على الوقف على تزويقها و تصويرها.
مشارك له في كونه مسجدا، و لقوله عليه السلام: (جنّبوا مساجدكم النجاسة) و قال تعالى إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ (1).
و قال الشافعي: لا يجوز له دخول المسجد الحرام بكلّ حال، و يجوز له دخول غيره بإذن المسلمين(2) لأن النبيّ عليه السلام أنزل المشركين في المسجد(3) ، و ربط ثمامة بن أثال الحنفي في سارية المسجد و هو كافر(4).
و نمنع ذلك بعد التحريم.
و قال أحمد: لا يجوز له دخول الحرمين، و في سائر المساجد روايتان: المنع، و الجواز بالإذن(5).
و قال أبو حنيفة: يجوز له دخول سائر المساجد، و المسجد الحرام أيضا(6) لقوله عليه السلام يوم الفتح: (من دخل المسجد فهو آمن)(7) و هو خطاب للمشركين، و أنه مسجد كسائر المساجد. و الآية ناسخة لقول أبي حنيفة.2.
ص: 433
كالجلود، و الصوف، عند علمائنا أجمع، لأن السجود عبادة شرعية فتقف كيفيتها على نص الشرع، و قد وقع الإجماع على السجود على الأرض، و النابت منها فيقتصر عليه، و لقوله عليه السلام: (لا تتم صلاة أحدكم حتى يتوضأ كما أمره اللّه تعالى، ثم يسجد ممكّنا جبهته من الأرض)(1) و قال خباب: شكونا إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله حرّ الرمضاء في جباهنا و أنفنا فلم يشكنا(2) ، و لو كان السجود على الفرش سائغا لما شكوا.
و من طريق الخاصة قول الصادق عليه السلام و قد سئل عن الرجل يصلّي على البساط من الشعر، و الطنافس(3): «لا يسجد عليه و إن قمت عليه و سجدت على الأرض فلا بأس، و إن بسطت عليه الحصر و سجدت على الحصر فلا بأس»(4) و قال هشام بن الحكم للصادق عليه السلام:
أخبرني عمّا يجوز السجود عليه، و عمّا لا يجوز، قال: «السجود لا يجوز إلاّ على الأرض أو ما أنبتت الأرض»(5).
و أطبق الجمهور على الجواز لما روي عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنه صلّى في نمرة(6) - قال الشافعي: و النمرة تعمل من الصوف(7) - و لأنّه بساط
ص: 434
طاهر يجوز له الصلاة فيه فجازت عليه كالقطن.
و الرواية ممنوعة، و محمولة على أنه عليه السلام كان يضع جبهته على ما يصح السجود عليه، و الأصل ممنوع.
أ - لا بأس بالسجود على الفرش من الصوف و غيره حالة التقية للضرورة، و سأل علي بن يقطين الكاظم عليه السلام عن السجود على المسح(1) و البساط، فقال: «لا بأس في حال التقية»(2) و لا يعيد للامتثال.
ب - لا يشترط ذلك إلا في الجبهة خاصة.
ج - لا يشترط وقوع الجبهة بأجمعها بل ما تتمكن به من الجبهة على الأرض، و بعضهم قدّره بالدرهم.
على الأرض، أو ما أنبتت الأرض»(1) و هذا ليس أحدهما، و لو لم يخرج بالاستحالة عن اسم الأرض جاز كالسبخة، و الرمل، و أرض الجص، و النورة على كراهية.
فلو كان أحدهما لم يصح لأن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله سجد على الخمرة(2) ، و هي معمولة من سعف النخل، و لقول الصادق عليه السلام: «لا يجوز السجود إلاّ على الأرض أو ما أنبتته الأرض إلا ما أكل أو لبس»(3).
أ - لا فرق بين القطن و الكتان و بين غيرهما عند أكثر علمائنا(4) لقول الباقر عليه السلام: «لا يسجد على الثوب الكرسف، و لا الصوف، و لا على شيء من الحيوان، و لا على طعام، و لا على شيء من الثمار، و لا على شيء من الرياش»(5).
و قال المرتضى في المسائل الموصلية: إنّه مكروه لا محظور(6) ، لأن ياسر الخادم قال: مرّ بي أبو الحسن عليه السلام و أنا أصلّي على الطبري(7).
و قد ألقيت شيئا فقال: «ما لك لا تسجد عليه ؟! أ ليس هو من نبات
ص: 436
الأرض ؟»(1). و سأل داود الصرمي أبا الحسن الثالث عليه السلام هل يجوز السجود على القطن، و الكتان من غير تقية ؟ قال: «جائز»(2) و يحملان على التقية، أو على غير الجبهة جمعا بين الأدلة.
ب - لو كان مأكولا لا بالعادة جاز السجود عليه، و لو كان معتادا عند قوم دون آخرين عمّ التحريم.
ج - الحنطة، و الشعير يجوز السجود عليهما قبل الطحن، لأن القشر حاجز بين المأكول و الجبهة، و كذا البحث في الملبوس، و يجوز السجود على ما لم تجر العادة بلبسه كالورق، و الليف و إن كان ملبوسا نادرا.
د - الكتان قبل غزله و نسجه، الأقرب عدم جواز السجود عليه، و على الغزل على إشكال ينشأ من أنه عين الملبوس و الزيادة في الصفة، و من كونه حينئذ غير ملبوس، أما الخرقة الصغيرة فإنه لا يجوز السجود عليها و إن صغرت جدا.
ه - القنّب لا يجوز السجود عليه إن لبس عادة.
و - لو اتخذ ثوب من الملبوس عادة، و من غيره كغزل الكتان و الليف ففي السجود عليه إشكال.
ز - يجوز السجود على القرطاس إن كان متخذا من النبات، و إن كان من الإبريسم فالوجه المنع، لأنه ليس بأرض، و لا من نباتها، و إطلاق علمائنا يحمل على الأول، و لو كان مكتوبا كره لقول الصادق عليه السلام: «يكره6.
ص: 437
السجود على قرطاس فيه كتابة»(1) و لئلاّ يشغله نظره.
و في زوال الكراهة عن الأعمى و شبهه إشكال ينشأ من الإطلاق من غير ذكر علّة، و لو سلّمت لكن الاعتبار بالضابط و إن خلا عن الحكمة نادرا.
أ - تمكن الجبهة منه، فلا يجوز على الوحل لعدم تمكنه من الطمأنينة حالة السجود، و هي واجبة.
ب - الطهارة فلا يجوز على النجس و إن لم تتعدّ نجاسته إليه، و إنّما يشترط طهارة موضع الجبهة لا باقي المساقط إن لم تتعد إليه، و قد تقدم.
ج - أن لا يكون مشتبها بالنجس لوجوب الاحتراز عنه كوجوب الاحتراز عن النجس، هذا إن كان الاشتباه في موضع محصور كالبيت، و لو لم ينحصر جاز السجود كالصحاري.
د - الملك أو حكمه كالمباح، و المأذون فيه.
ه - أن لا يكون جزءا منه فلو سجد على كفه أو غيرها من بدنه لم يجز لأنا شرطنا كون المسجد أرضا أو ما ينبت منها، و لو خاف الحر جاز للضرورة، و لقول الباقر عليه السلام لما سئل أخاف الرمضاء، قال: «اسجد على بعض ثوبك» قلت: ليس عليّ ثوب يمكنني أن أسجد على طرفه و لا ذيله، قال: «اسجد على ظهر كفك فإنها إحدى المساجد»(2).
ص: 438
أ - الزجاج، قاله في المبسوط، لما فيه من الاستحالة، و كذا منع من الرماد(1).
ب - الخمرة(2) إن كانت معمولة بالسيور بحيث يعم موضع الجبهة لم يجز السجود عليها، و إن كانت معمولة بالخيوط، أو كان المجزي من الجبهة يقع على ما يصح السجود عليه جاز، و في رواية: كراهة السجود على شيء ليس عليه سائر الجسد(3) ، و في طريقها غياث بن إبراهيم، و أكثر الروايات على الجواز(4) لأن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله كان يسجد على الخمرة(5).
و عن أحدهما عليهما السلام قال: «كان أبي يصلّي على الخمرة، فإذا لم تكن خمرة جعل حصى على الطنفسة حيث يسجد»(6).
ج - القير، و الصهروج، و في رواية المعلى بن خنيس عن الصادق عليه السلام الجواز(7) ، و هي محمولة على الضرورة.
د - أن لا يكون حاملا له مثل كور العمامة و طرف الرداء، قاله الشيخ
ص: 439
في الخلاف(1) ، و به قال الشافعي(2).
و قال أبو حنيفة، و مالك، و أحمد: يجوز السجود على كور العمامة(3) ، و كان شريح يسجد على برنسه(4) لأن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله كان يسجد على كور العمامة(5) ، و لأن الجبهة عضو من أعضاء السجود فلا يجب كشفه كسائرها.
و التحقيق أن نقول: إن كان ما هو حامل له كالعمامة مما لا يجوز السجود عليه كالقطن، و الكتان، و الصوف، و الشعر، فالحق قول الشيخ لا من حيث إنّه حامل كما قاله الشافعي، بل لأنه لم يسجد على ما يصح السجود عليه، لأن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله رأى رجلا يسجد و قد اعتمّ على جبهته فحسر عنها و قال: (إذا سجدت فمكن جبهتك من الأرض)(6).
و من طريق الخاصة قول الصادق عليه السلام و قد سئل عن الرجل يسجد و عليه العمامة لا تصيب جبهته الأرض، قال: «لا يجزيه ذلك حتى تصل جبهته إلى الأرض»(7) و الحديث الذي رووه عن سجود النبيّ صلّى اللّه عليه و آله على العمامة لم يثبته أكثرهم، و يحمل على ما إذا أصاب بعض جبهته الأرض، و المشقة ثابتة في كشف غيرها دونها.9.
ص: 440
و إن كانت العمامة مما يصح السجود عليه صح كما لو كانت من خوص أو شيء من النباتات.
ص: 441
ص: 442
لقوله عليه السلام: (لعن اللّه الناظر و المنظور إليه)(1) و قال عليه السلام: (لا تكشف فخذك و لا تنظر الى فخذ حي و لا ميت)(2) و لا يجب في غير الصلاة في الخلوة إجماعا منا - و به قال أبو حنيفة، و أحمد(3) - لأنه ليس معه من يستتر عنه، و هو أحد وجهي الشافعي، و أصحهما عنده:
الوجوب(4) لعموم الخبر(5) ، و للتستر عن الجن و الملائكة.
ص: 443
و الخبر ممنوع إرادة التحريم منه لأن الفخذ عند جماعة ليس من العورة(1) ، و التستر عن الجن و الملائكة غير ممكن.
إجماعا منا، فلو صلّى مكشوف العورة في خلوة أو غيرها بطلت صلاته - و هو قول أكثر العلماء كالشافعي، و أبي حنيفة و أحمد(2) - قال ابن عبد البر: أجمعوا على فساد صلاة من ترك ثوبه و هو قادر على الاستتار به و صلّى عريانا(3) ، لقول النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: (لا يقبل اللّه صلاة حائض إلا بخمار)(4).
و من طريق الخاصة قول الباقر عليه السلام و قد سئل ما ترى للرجل أن يصلّي في قميص واحد؟ قال: «إذا كان كثيفا فلا بأس»(5) يدل على ثبوت البأس مع عدم الكثافة.
و قال مالك: ليس بشرط و إن كان واجبا في الصلاة و غيرها لأن وجوبه لا يختص بالصلاة فليس من فروضها فإذا عدم فيها لم يبطلها كالصلاة في الدار المغصوبة(6). و ينتقض بالإيمان و الطهارة فإنّها تجب لمس المصحف، و نمنع الأصل أيضا، و قال بعض أصحابه: إنّه شرط مع الذكر دون النسيان(7).
ص: 444
(1) - و به قال عطاء، و داود، و ابن أبي ذئب، و هو وجه للشافعي، و رواية عن أحمد(2) - لأن أنسا قال: إنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله يوم خيبر حسر الإزار عن فخذه حتى لأني أنظر الى بياض فخذ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله(3).
و من طريق الخاصة قول الصادق عليه السلام: «الفخذ ليس من العورة»(4).
و لأنه ليس بمخرج للحدث فلم يكن عورة كالساق.
و قال جماعة منّا: العورة ما بين السرة و الركبة(5) - و به قال الشافعي، و مالك، و أحمد، و أصحاب الرأي(6) ، لقوله عليه السلام: (لا تكشف فخذك و لا تنظر الى فخذ حيّ و لا ميت)(7) و هو محمول على الكراهة جمعا بين الأدلة.
أ - السرة ليست من العورة على الرأيين عندنا، و كذا الركبة لقوله عليه
ص: 445
السلام: (أسفل السرة و فوق الركبتين من العورة)(1) و كان النبيّ صلّى اللّه عليه و آله يقبّل سرّة الحسن(2) ، و قبّلها أبو هريرة(3) ، و هو ظاهر مذهب الشافعي(4).
و عند أبي حنيفة الركبة من العورة دون السرة، و هو وجه للشافعي(5) و له وجه ثالث: أن السرة و الركبة جميعا من العورة(6) ، و عن مالك: الفخذ ليس من العورة(7).
ب - لا فرق بين الحر و العبد إجماعا، و لا بين البالغ و الصبي.
ج - الواجب الستر بما يستر لون البشرة فإن كان خفيفا يبين لون الجلد من ورائه فيعلم بياضه أو حمرته لم تجز الصلاة فيه لعدم الستر به، و إن ستر اللون و وصف الخلقة و الحجم جازت الصلاة لعدم التحرز منه.
بإجماع علماء الأمصار، عدا أبا بكر بن عبد الرحمن بن هشام فإنه قال: كلّ شيء من المرأة عورة حتى ظفرها(8) ، و هو مدفوع بالإجماع.
و أما الكفان فكالوجه عند علمائنا أجمع - و به قال مالك، و الشافعي،
ص: 446
و الأوزاعي، و أبو ثور(1) - لأن ابن عباس قال في قوله تعالى وَ لا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاّ ما ظَهَرَ مِنْها (2) قال: الوجه و الكفان(3).
و سأل محمد بن مسلم الباقر عليه السلام قلت: ما ترى للرجل أن يصلّي في قميص واحد؟ قال: «إذا كان كثيفا فلا بأس، و المرأة تصلّي في الدرع و المقنعة إذا كان الدرع كثيفا» يعني إذا كان ستيرا،(4) فاجتزأ عليه السلام بالدرع - و هو القميص - و المقنعة - و هي للرأس - فيستحب ما عدا ذلك.
و قال أحمد، و داود: الكفان من العورة(5) لقوله تعالى إِلاّ ما ظَهَرَ مِنْها (6) و الظاهر منها الوجه. و يبطل بقول ابن عباس.
و أما القدمان فالظاهر عدم وجوب سترهما - و به قال أبو حنيفة، و الثوري، و المزني - لأن القدمين يظهر منهما في العادة فلم تكن عورة كالكفين(7).3.
ص: 447
و قال الشافعي، و مالك، و الأوزاعي، و أبو ثور: إنهما عورة(1) لحديث ابن عباس، و لا يعطي نفي الزائد.
بإجماع العلماء إلاّ ما نقل عن الحسن البصري من إيجاب الخمار عليها إذا تزوجت أو اتخذها الرجل لنفسه(2).
و استحب لها عطاء أن تقنع إذا صلّت و لم يوجبه(3) لأن عمر كان ينهى الإماء عن القنع، و ضرب جارية لآل أنس رآها مقنعة فقال: اكشفي رأسك و لا تشبهي بالحرائر(4).
و من طريق الخاصة قول الباقر عليه السلام و قد سأله محمد بن مسلم الأمة تغطي رأسها إذا صلّت، فقال: «ليس على الأمة قناع»(5).
عمر، و ليس بجيد لما فيه من ترك الستر، و جاز أن يكون فعله عن رأي رآه.
ب - عورة الأمة كالحرة إلاّ في الرأس عند علمائنا أجمع - و به قال بعض الشافعية(1) - لأن الأنوثة تناسب الستر فكانت علة، و إنما سوغنا لها كشف الرأس لما فيه من النص(2) ، و لأنه ظاهر في أكثر الأوقات فأشبه وجه الحرة.
و قال بعض الشافعية: إنّ عورتها كالرجل ما بين السرة إلى الركبة، و هو رواية عن أحمد(3) ، لأن من لم يكن رأسه عورة لم يكن بدنه عورة كالرجل.
و الفرق أن للمرأة محاسن بخلاف الرجل.
و قال بعضهم: جميعها عورة إلاّ ما يحتاج الى تغليبه و كشفه للخدمة كالرأس، و الذراع و الساق للحاجة الى ذلك، و هو رواية عن أحمد أيضا(4) و المعتمد ما تقدم.
ج - أم الولد، و المدبّرة، و المكاتبة المشروطة، و غير المؤدّية(5) كالقنة - و به قال الشافعي، و أحمد في إحدى الروايتين(6) - لبقاء الملك فيها، و لأنها تضمن بالقيمة فأشبهت القنة، و قال محمد بن سيرين: أم الولد تصلّي1.
ص: 449
مقنعة، و هو رواية عن أحمد لثبوت سبب الحرية لها(1). و هو ممنوع.
د - لو انعتق بعضها كانت كالحرة أخذا بالاحتياط، و تغليبا للحرية، و لحصول يقين البراءة.
و قال الشافعي: أنّها كالأمة لأنّ وجوب ستر الرأس من أمارات الحرية، و علامات الكمال(2). و هو ممنوع إن قصد في الجميع و إلاّ لم يتم.
ه - لو اعتقت في أثناء الصلاة و هي مكشوفة الرأس فكالعاري يجد السترة في الأثناء، إن أمكنها ستره من غير فعل كثير وجب و بنت - و به قال الشافعي، و أبو حنيفة(3) - و إن لم تتمكن إلاّ بفعل كثير فإن خافت فوت الصلاة أتمت، و إن لم تخف استأنفت، و المرجع في كثرة الفعل إلى العرف لعدم التوقيف(4) فيه.
و - لو وجدت السترة و احتاجت الى الانتظار الطويل بحيث لا يفوت الوقت احتمل وجوبه لأنه انتظار واحد، و البطلان لأنها صلّت في زمان طويل عارية مع إمكان الستر فلم تصح.
ز - لو اعتقت في الأثناء و لم تعلم حتى فرغت، أو كانت عتقت قبل الصلاة و لم تعلم ففي وجوب الإعادة نظر ينشأ من اشتراط العلم في التكليف.
و من كونها صلّت جاهلة بوجوب الستر فلا تصح، كما لو علمت العتقت.
ص: 450
و جهلت وجوب الستر، و للشافعي قولان(1).
ح - لو اعتقت و لم تقدر على سترة مضت في صلاتها و لم تلزمها الإعادة لعدم وجوب الستر عليها لعجزها عنه.
ط - الصبية الحرة كالأمة في تسويغ كشف الرأس لها و نعني بها من لم تبلغ، و لو بلغت في الأثناء بغير المبطل فكالأمة إذا أعتقت فيه إلاّ أنها متى تمكنت من الاستئناف وجب، لأن ما فعلته أولا لم يكن واجبا.
لقول النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: (إذا صلّى أحدكم فليلبس ثوبيه فإن اللّه تعالى أحق أن يتزين له)(2) و لما فيه من المبالغة في الستر، و تعظيم حال الصلاة. و أشد منه استحبابا ستر ما بين الركبة و السرة لوقوع الخلاف في وجوبه، و يجزي الثوب الواحد، لأن الباقر عليه السلام صلّى فيه(3).
و يستحب التحنك، لقول الصادق عليه السلام: «من تعمّم و لم يتحنك فأصابه داء لا دواء له فلا يلومن إلاّ نفسه»(4).
و عنه عليه السلام: «من اعتمّ فلم يدر العمامة تحت حنكه فأصابه ألم لا دواء له فلا يلومنّ إلاّ نفسه»(5).
و يجوز أن يصلّي في ثوب واحد يأتزر ببعضه و يرتدي بالآخر، لأن الصادق عليه السلام سئل عن الرجل يصلّي في ثوب واحد قال: «يأتزر به إذا
ص: 451
رفعه الى الثديين»(1).
و يستحب للمرأة ثلاثة أثواب: درع، و خمار، و إزار، لاشتماله على المبالغة في الستر لقول الصادق عليه السلام: «تصلّي المرأة في ثلاثة أثواب: درع، و خمار، و إزار، و لا يضرها بأن تقنع بالخمار، فإن لم تجد فثوبين تأتزر بأحدهما و تقنع بالآخر» قلت: و إن كان درعا و ملحفة ليس عليها مقنعة ؟ فقال: «لا بأس إذا تقنعت بالملحفة، فإن لم تكفها فلتلبسها طولا»(2).
و الدرع يريد به القميص السابغ الذي يغطي ظهور قدميها، و الخمار هو الجلباب و هو ما يغطي رأسها و عنقها.
و يستحب أن يكون الإزار غليظا، و تجافيه عن جسمها، لئلاّ يصفها في حال الركوع و السجود.
لكن يستحب أن يجعل على عنقه شيئا و لو كالخيط و ليس بواجب - و به قال الشافعي(3) - لأن العنق ليس بعورة فلا يجب ستره كسائر البدن.
و قال أحمد: إنه واجب(4) لقول النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: (لا يصلّي الرجل في الثوب الواحد ليس على عاتقه منه شيء)(5) و هو محمول على الاستحباب.
ص: 452
و قال الصادق عليه السلام: «و لكن إذا لبس السراويل جعل على عاتقه شيئا و لو حبلا»(1).
و يجوز أن يصلّي في ثوب واحد و إن كان واسع الجيب إذا لم تبد منه العورة حالة الركوع و غيرها لحصول الستر و إن لم يزرّه على نفسه، لقول الباقر عليه السلام: «لا بأس أن يصلّي أحدكم في الثوب الواحد و أزراره محلولة، إن دين محمد صلّى اللّه عليه و آله حنيف»(2).
عند علمائنا، سواء الرجل و المرأة - و به قال الشافعي(3) - لأنه حكم يتعلق بالعورة فاستوى فيه قليلها و كثيرها كالنظر.
و قال أبو حنيفة: إن انكشف من العورة المغلظة - و هي القبل و الدبر - قدر الدرهم لم تبطل و إن انكشف أكثر بطلت و إن انكشف من المخففة - و هي ما عدا ذلك - أقل من الربع لم تبطل، و أما المرأة فإن انكشف ربع شعرها، أو ربع فخذها، أو ربع بطنها بطلت صلاتها، و إن كان أقل من ذلك لم تبطل(4).
و قال أبو يوسف: إن انكشف أقل من النصف لم تبطل، لأن ستر
ص: 453
العورة حكم يسقط حال العذر، فيختلف قليله و كثيره في غير حالة العذر كإزالة النجاسة(1). و لا دليل على هذا التقدير، و ينتقض قولهم بالوضوء.
أ - قال الشيخ في المبسوط: لو انكشفت العورتان في الصلاة سترهما و لا تبطل صلاته به سواء كان ما انكشفت عنه قليلا أو كثيرا، بعضه أو كله(2). و فيه نظر من حيث ان ستر العورة شرط و قد فات فتبطل.
أما لو لم يعلم به فالوجه الصحة للعذر، و لقول الكاظم عليه السلام و قد سأله أخوه عن الرجل صلى و فرجه خارج لا يعلم به هل عليه إعادة أو ما حاله ؟: «لا إعادة عليه و قد تمت صلاته»(3).
ب - لو وجد من الثوب ما يستر به بعض العورة لزمه الستر بخلاف ما لو وجد من الماء ما يكفي بعض الأعضاء، و لو كان الموجود يكفي إحداهما خاصة فالقبل أولى - و به قال الشافعي(4) - لظهوره و استقبال القبلة به، و لا يجوز صرفه في غير ستر العورة، خلافا لبعض الشافعية(5).
ج - لو كان في ثوبه خرق فجمعه و أمسكه بيده فصلاته صحيحة، و لو وضع يده على موضع الخرق و ستره بيده فوجهان: الصحة لحصول الستر،
ص: 454
و المنع لأنّ إطلاق السترة على ما يغطي العورة من غير البدن.
إجماعا، فإن وجد ورق الشجر و تمكن من الستر به وجب، و كذا لو وجد طينا وجب عليه أن يطيّن عورته لأنه يستر العورة، قال الصادق عليه السلام: «النورة سترة»(1). و هو أحد وجهي الشافعي، و في الآخر: المنع، لأنه يلوث نفسه و يجف و يتناثر و لا يستر العورة(2). و لا حجة فيه لأن التناثر بعد الاستظهار لا يضر.
و لو وجد وحلا أو ماء كدرا يستر عورته لو نزله فإن لم يكن فيه مضرة وجب و إلاّ فلا.
و لو وجد حفرة دخلها وجوبا، و صلى قائما مع أمن المطلع، و هل يركع و يسجد؟ قال بعض فقهائنا: نعم(3) ، لأن الستر قد حصل و ليس التصاقه بالبدن شرطا.
و لقول الصادق عليه السلام: «العاري الذي ليس له ثوب إذا وجد حفرة دخلها فيسجد فيها و يركع»(4).
إن لم يأمن المطلع، و يكون ركوعه و سجوده بالإيماء، و إن أمن المطلع صلّى قائما و يركع و يسجد بالإيماء لأنّ القيام قد يسقط أحيانا فيسقط مع خوف المطلع لئلا تبدو عورته و فيه فحش، و لو أمنه صلّى قائما لعدم الموجب لسقوط القيام، و لا يركع و لا يسجد إلاّ بالإيماء لما فيه من الفحش.
ص: 455
و لقول الصادق عليه السلام في الرجل يخرج عريانا فتدركه الصلاة قال: «يصلّي عريانا قائما إن لم يره أحد، فإن رآه أحد صلّى جالسا»(1).
و قال الباقر عليه السلام فيمن خرج من سفينة عريانا، قال: «إن كانت امرأة جعلت يدها على فرجها، و إن كان رجلا وضع يده على سوأته ثم يجلسان فيومئان إيماء و لا يركعان و لا يسجدان فيبدو ما خلفهما»(2).
و قال مالك، و الشافعي: يصلّي قائما بركوع و سجود. و أطلق، لأنه مستطيع للقيام من غير ضرر فلم يجز له تركه، كما لو لم يجد السترة(3).
و نمنع انتفاء الضرر فإن اطلاع الغير ضرر.
و قال الأوزاعي، و أحمد، و المزني: يصلّون قعودا(4) و أطلقوا لأنه قادر على ستر العورة فلم يجز له كشفها، و الستر ممنوع بل الأرض تستر بعضها عندهم.
و قال أبو حنيفة: يتخير بين القيام و القعود، و القعود أفضل: لأنه لا بد من ترك فرض في كل من الفعلين فيتخير فيهما(5).
أ - للشافعي قول بالصلاة قاعدا مطلقا، فتجب الإعادة، لأنه أخل بالقيام
ص: 456
و هو واجب مقدور عليه(1). و نمنع وجوبه، و الصلاة صحيحة، لأنه فعل المأمور به على وجهه فأجزأ.
ب - لو وجد بائع الثوب بثمن المثل وجب مع المكنة، و كذا لو آجره، و لو لم يكن معه ثمن أو احتاج إليه لم يجب، و لو كثر الثمن عن المثل و تمكن وجب كالماء.
ج - لو وجد المعير وجب القبول لتمكنه حينئذ مع انتفاء الضرر، و لو وهب منه لم يجب القبول لما فيه من المنة، و به قال الشافعي في أحد الوجهين(2) ، و قال الشيخ: يجب القبول(3). و فيه إشكال.
د - لو وجد السترة في أثناء صلاته فإن تمكن من الستر بها من غير فعل كثير وجب و لو احتاج الى مشي خطوة أو خطوتين، أما لو احتاج الى فعل كثير أو الى استدبار القبلة بطلت صلاته إن كان الوقت متسعا و لو لركعة و إلاّ استمر، و في قول للشافعي: أنه لو احتاج الى فعل كثير مشى و لبس و بنى على صلاته كمن سبقه الحدث(4) ، و الأصل ممنوع.
و لو وقف في موضعه حتى حمل إليه فالوجه الصحة، و للشافعي وجهان(5).
و قال أبو حنيفة: لو وجد السترة في الأثناء بطلت صلاته كالمستحاضة3.
ص: 457
إذا انقطع دمها(1). و ينتقض بالأمة إذا أعتقت في الأثناء فإن صلاتها لا تبطل عنده إذا كانت مكشوفة الرأس(2).
ه - لو لم يجد إلاّ ثوب حرير صلّى عاريا لفقدان الشرط، و هو وجدان الساتر، للنهي عن هذه السترة، و به قال أحمد(3).
و قال الشافعي: يصلّي فيه وجوبا لأن ثوب الحرير صالح للسترة(4).
و هو ممنوع، و تخصيص النبيّ صلّى اللّه عليه و آله عبد الرحمن بن عوف، و الزبير، لمعنى الحكة(5) لا يقاس عليه.
و لو خاف البرد من نزعه صلّى فيه و أجزأ.
لقول الصادق عليه السلام في رجل أصابته جنابة و هو بالفلاة و ليس عليه إلاّ ثوب واحد و أصابه منيّ قال: «يتيمم و يطرح ثوبه و يجلس مجتمعا و يصلّي و يومئ إيماء»(6).
و إن لم يتمكن من نزعه صلّى فيه و لا إعادة عليه، للضرورة في الموضعين لقول الصادق عليه السلام في الرجل يجنب في الثوب أو يصيبه
ص: 458
بول و ليس معه غيره قال: «يصلّي فيه إذا اضطر إليه»(1).
و على هذا التفصيل يحمل قول الكاظم عليه السلام في رجل أصاب ثوبه دم نصفه أو كلّه و حضرت الصلاة يصلّي فيه أو يصلّي عريانا؟ قال: «إن وجد ماء غسله، و إن لم يجد ماء صلّى فيه و لم يصل عريانا»(2).
و للشيخ رحمه اللّه قول بالإعادة لو صلّى فيه للضرورة(3) ، لقول الصادق عليه السلام و قد سئل عن رجل ليس معه إلاّ ثوب لا تحل الصلاة فيه و لا يجد ماء يغسله كيف يصنع ؟ قال: «يتيمم و يصلّي، فإذا أصاب ماء غسله و أعاد الصلاة»(4).
و هي ضعيفة السند، و مدفوعة بأن الأمر للإجزاء.
و بالصلاة عاريا فلا إعادة قال الشافعي في المذهب المشهور، و الليث بن سعد(5).
و قال أبو حنيفة: يتخير إن شاء صلّى فيه، و إن شاء صلّى عاريا، و لم يفرق بين مقادير النجاسة في رواية أبي يوسف(6).
و في رواية محمد: إن كان الدم أكثر من قدر درهم لم يجز أن يصلّي عريانا، و إن كان مملوءا دما يتخير لأن ترك السترة إخلال بواجب، و الصلاة2.
ص: 459
بالنجاسة كذلك، و لا يمكن الجمع بينهما فيتخير(1). و ينتقض بجلد الميتة.
و قال مالك، و الأوزاعي: يصلّي فيه و لا إعادة(2) لأنّ النجاسة لا تجب إزالتها عن المصلّي عنده، و قد سبق.
ذهب إليه علماؤنا سواء كانوا رجالا أو نساء يصلّون صفا واحدا جلوسا يتقدمهم الإمام بركبتيه لعموم الأمر بالجماعة(3).
و قول الصادق عليه السلام: «يتقدمهم إمامهم فيجلس و يجلسون خلفه يومي الإمام بالركوع و السجود و هم يركعون و يسجدون خلفه على وجوههم»(4).
و قال الشافعي: يصلّون جماعة و فرادى قياما، و يقف الإمام وسطهم، و له قول آخر: أنّ الأفضل الانفراد لعدم تمكنهم من الإتيان بسنة الجماعة و هي الموقف(5) ، و استدراك فضيلة الجماعة أولى من استدراك سنة الموقف، و قال أبو حنيفة: يصلّون فرادى، و إن كانوا في ظلمة صلّوا جماعة(6).
ص: 460
أ - لو كان مع العراة مكتس وجب عليه أن يصلّي في ثوبه، و ليس له إعارته و الصلاة عريانا لوجود السترة، نعم يستحب له إعارته بعد صلاته لقوله تعالى وَ تَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَ التَّقْوى (1) و لا تجب عليه الإعارة، و يجب القبول لتمكنه من الساتر حينئذ.
ب - لو بذل لهم الثوب لم يجز لهم الجماعة مع سعة الوقت و صلّى كل واحد بعد آخر، لإمكان ستر العورة مع الانفراد و هو واجب فلا يترك للندب، فإن خافوا فوت الوقت بالانتظار لم يجز، و صلّوا عراة - عند علمائنا - محافظة على تحصيل المشروط، و لأنه موضع ضرورة فصار كالفاقد، و قال الشافعي:
يجب الانتظار و إن فات الوقت تحصيلا للسترة(2). و ليس بجيد.
ج - لو لم يعرهم و أراد أن يصلّي بهم قدم إن كان قارئا و إلاّ صلّوا فرادى، و ليس له أن يأتم بعار، لأن قيام الإمام شرط في إمامة القائم.
و قال الشافعي: يصح، لعدم سقوط القيام(3) و ليس بجيد.
د - لو اجتمع النساء و الرجال فإن قلنا بتحريم المحاذاة لم تجتمع النساء معهم إلاّ مع حائل، و إن قلنا بالكراهة جاز أن يقف الجميع صفا، و لو كان معهم مكتس استحب له إعارة النساء بعد صلاته.
ص: 461
ه - يجوز مع الحاجة أن يصلّي الرجال في أكثر من صف واحد، لأن القيام يسقط حينئذ، و كذا الركوع و السجود، إلاّ بالإيماء فيغضوا أبصارهم.
و - يجوز للنساء العراة أن يصلّين جماعة فتجلس إمامتهن وسطهن.
ز - جوّز الشيخ للعاري الصلاة في أول الوقت(1) لعموم الأمر، و تحصيلا لفضيلة أول الوقت، و حذرا من تجويز المسقط، و أوجب المرتضى، و سلاّر التأخير إلى آخر الوقت رجاء لحصول السترة كالمتيمم(2).
ح - إذا صلّوا جماعة جلسوا، و تقدم إمامهم بركبتيه، قال المرتضى:
و يصلّون كلهم بالإيماء لأنه أستر(3) ، و قال الشيخ: يومي الإمام و يركع من خلفه و يسجد(4) ، للرواية السابقة(5).
ط - ليس الستر شرطا في صلاة الجنازة، لأنها دعاء، خلافا للشافعي(6).
ي - لو كان على سطح ترى عورته من أسفل لم تصح صلاته لعدم الستر. و قال الشافعي: تصح، لأن الستر إنما يلزمه من الجهة التي يعتاد النظر منها، و النظر من الأسفل لا يعتاد(7). و المقدمتان ممنوعتان.3.
ص: 462
يا - لو صلى في قميص واسع الجيب ترى عورته حالة الركوع منه أو السجود بطلت صلاته حالة الركوع لا قبلها، و تظهر الفائدة في المأموم إذا نوى الانفراد حينئذ.
يب - لا يكفي في الستر إحاطة الفسطاط الضيق به، لأنه ليس بلبس.
كالقطن، و الكتان، و القنب، و سائر أنواع الحشيش بالإجماع، و كذا في جلد ما يؤكل لحمه مع التذكية لا بدونها و إن دبغ عند علمائنا أجمع، و به قال عمر، و ابن عمر، و عائشة، و عن مالك روايتان، و كذا عن أحمد(1) لقوله صلّى اللّه عليه و آله: (لا تستنفعوا من الميتة بإهاب و لا عصب)(2).
و من طريق الخاصة قول الصادق عليه السلام: «لا تصل في شيء منه و لا شسع»(3) ، و قال الباقر عليه السلام و قد سئل عن جلد الميتة أ يلبس في الصلاة ؟ فقال: «لا و لو دبغ سبعين مرّة»(4) و لأن الميتة نجسة، و الدباغ غير مطهر، و قد سبق.
و قال الشافعي: يطهر بالدباغ إلاّ جلد الكلب و الخنزير، و نقله عن علي
ص: 463
عليه السلام، و ابن مسعود(1) ، و قد تقدم.
و قال مالك: يطهر ظاهره دون باطنه فيصلّي عليه لا فيه(2) ، و قال أبو حنيفة: تطهر الجلود كلها إلاّ الخنزير و الإنسان(3). و قد سبق، فجوزوا الصلاة فيه.
تذنيب: يكفي في الحكم بالتذكية انتفاء العلم بموته، و وجوده في يد مسلم لا يستبيح جلد الميتة، أو في سوق المسلمين، أو في بلد الغالب فيه المسلمون، لقول العبد الصالح عليه السلام: «لا بأس بالصلاة في الفرو اليماني، و فيما صنع في أرض الإسلام» قلت: فإن كان فيها غير أهل الإسلام ؟ قال: «إذا كان الغالب عليها المسلمون فلا بأس»(4).
و إنما اعتبرنا في المسلم انتفاء استباحته ليحصل الظن بالتذكية، إذ لا فرق في انتفاء الظن بين المستبيح من المسلم و الكافر إذ الأصل الموت و لا معارض له حينئذ، أما من لا يستبيح الميتة فإن إسلامه يمنعه من الإقدام على المحرم غالبا.
و لو جهل حال المسلم فإشكال ينشأ من كون الإسلام مظنة للتصرفات2.
ص: 464
الصحيحة، و من أصالة الموت. و لو جهل إسلامه لم يجز استباحته.
سواء كان هو الساتر أم لا عند علمائنا أجمع، لأنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله نهى عن جلود السباع، و الركوب عليها(1) ترك العمل به في غير الصلاة، فيبقى في الصلاة.
و من طريق الخاصة قول الرضا عليه السلام و قد سئل عن الصلاة في جلود السباع فقال: «لا تصلّ فيها»(2).
و قال أبو حنيفة و مالك: يطهر بالذكاة فيصلّي فيه(3) ، و قال الشافعي:
يطهر بالدباغ(4).
و كذا المسوخ إذا ذكيت يجوز استعمال جلودها في غير الصلاة، و هي ما رواه محمد بن الحسن الأشعري عن الرضا عليه السلام قال: «الفيل مسخ كان ملكا زنّاء، و الذئب أعرابيا ديوثا، و الأرنب كانت امرأة تخون زوجها و لا تغتسل من حيضها، و الوطواط كان يسرق تمور الناس، و القردة و الخنازير قوم من بني إسرائيل اعتدوا في السبت، و الجريث و الضب فرقة من بني إسرائيل حيث نزلت المائدة على عيسى بن مريم عليه السلام لم يؤمنوا فتاهوا فوقعت فرقة في البر، و فرقة في البحر، و الفأرة و هي الفويسقة، و العقرب كان
ص: 465
نمّاما، و الدب و الوزغ و الزنبور كان لحاما يسرق في الميزان»(1).
و أطلق الشيخان، و المرتضى النجاسة(2) و الوجه: الطهارة، لرواية أبي العباس الفضل(3) الدالة على طهارة أسئار هذه الحيوانات.
فإن كانت أصولها مما لا يؤكل لحمه لم تصح الصلاة فيه، و إن كانت مما يؤكل لحمه صحت عند علمائنا أجمع، إلاّ ما يستثنى من الأول، لأن الصادق عليه السلام كان يكره الصلاة في وبر كلّ شيء لا يؤكل لحمه(4).
و أما الجمهور فالقائلون بطهارته سوّغوا الصلاة فيه، و القائلون بنجاسته منعوا، و قد سبق تفصيل مذاهبهم.
أ - لا بأس بالصلاة في الثوب الذي يكون وبر الأرانب فوقه أو تحته - خلافا للشيخ(5) - لأنه طاهر.
ب - لو مزج صوف ما لا يؤكل لحمه مع صوف ما يؤكل لحمه و نسج منهما ثوب لم تصح الصلاة فيه تغليبا للحرمة على إشكال ينشأ من إباحة المنسوج من الكتان و الحرير، و من كونه غير متخذ من مأكول اللحم. و كذا لو أخذ قطعا و خيطت و لم يبلغ كلّ واحد منها ما يستر العورة.
ج - لا يشترط في صوف ما يؤكل لحمه، و ريشه، و شعره، و وبره
ص: 466
التذكية بل لو أخذ من الميتة جزّا كان طاهرا، و صحت الصلاة فيه إجماعا منّا، و به قال أبو حنيفة، و أحمد(1) - خلافا للشافعي(2) - لأنه طاهر قبل موت الحيوان فكذا بعده عملا بالاستصحاب السالم عن معارضة كونه ميتا.
و لقول الصادق عليه السلام: «لا بأس بالصلاة فيما كان من صوف الميتة، إنّ الصوف ليس فيه روح»(3).
و احتجاج الشافعي بنموه فيكون حيا(4) ، ممنوع الملازمة فيه.
د - لا يشترط الجز بل لو قلع و غسل موضع الاتصال بالميتة، أو قطع موضع الاتصال كان طاهرا.
لأنّ الرضا عليه السلام سئل عن جلود الثعالب الذكية فنهى عن الصلاة فيها(5) ، و لأنه غير مأكول اللحم فيدخل تحت العموم.
و في رواية جميل عن الصادق عليه السلام و قد سأله عن الصلاة في جلود الثعالب فقال: «إذا كانت ذكية فلا بأس»(6) و الأحوط للعبادة الأول،
ص: 467
و يحمل الثاني على الضرورة، أو التقية.
لعموم النهي عن الصلاة في جلد ما لا يؤكل لحمه(1).
و لأن إبراهيم بن عقبة قال: كتبت إليه عندنا جوارب و تكك تعمل من وبر الأرانب فهل تجوز الصلاة في وبر الأرانب من غير ضرورة و لا تقية ؟ فكتب:
«لا تجوز الصلاة فيها»(2).
و هو أحد قولي الشيخ(3) ، و له قول بالكراهة(4) لما رواه محمد بن عبد الجبار، قال: كتبت إلى أبي محمد عليه السلام أسأله هل أصلّي في قلنسوة عليها وبر ما لا يؤكل لحمه، أو تكة حرير، أو تكة من وبر الأرانب ؟ فكتب: «لا تحل الصلاة في الحرير المحض، و إن كان الوبر ذكيا حلت الصلاة فيه»(5) و القول أرجح من الكتابة.
و الخز دابة بحريّة ذات أربع، تصاد من الماء، فإذا فقدته ماتت.
و لا فرق بين كونه مذكى أو ميتا عند علمائنا، لأنّه طاهر في حال الحياة، و لا ينجس بالموت فيبقى على الطهارة.
و روي عن الصادق عليه السلام: «إن اللّه أحله و جعل ذكاته موته كما أحل الحيتان و جعل ذكاتها موتها»(1) و هو محمول على طهارتها، و إباحة الصلاة فيها لا على جواز أكلها للإجماع على المنع من أكل ما ليس بسمك، و من السمك ما لا فلس له.
أ - الأقرب جواز الصلاة في جلده، لأن سعد بن سعد سأل الرضا عليه السلام عن جلود الخز قال: «هو ذا تلبس» فقلت: ذاك الوبر جعلت فداك، قال: «إذا حل وبره حل جلده»(2) و منع ابن إدريس من ذلك(3).
ب - لا تجوز الصلاة في المغشوش بوبر الأرانب و الثعالب لقول الصادق عليه السلام: «الصلاة في الخز الخالص لا بأس به، أما الذي يخلط فيه وبر الأرانب أو غير ذلك مما يشبه هذا فلا تصلّ فيه»(4).
ج - لو مزج بالحرير المحض صحت الصلاة كما في القطن الممتزج به لأن الباقر عليه السلام نهى عن لباس الحرير للرجال و النساء إلاّ ما كان من حرير مخلوط بخز لحمته أو سداه خز، أو كتان، أو قطن(5).
ص: 469
المنع، اختاره الشيخ في موضع من النهاية(1) ، لقول الصادق عليه السلام: «أنّ كلّ شيء حرام أكله فالصلاة في وبره، و شعره، و جلده، و بوله، و روثه، و كلّ شيء منه فاسد لا تقبل تلك الصلاة»(2).
و الجواز اختاره في النهاية أيضا و المبسوط(3) لقول أبي الحسن عليه السلام و قد سئل عن الصلاة في السمّور، و السنجاب، و الثعالب: «لا خير في ذلك كلّه ما خلا السنجاب، فإنّه دابة لا تأكل اللحم»(4).
و في رواية عن أبي جعفر الثاني عليه السلام قال: «صلّ في الفنك و السنجاب، فأما السمور فلا تصلّ فيه»(5). و الأحوط الأول أخذا بالمتيقن، أما الفنك و السمور فالأشهر فيهما التحريم.
بإجماع علماء الإسلام، و لا تصح الصلاة فيه عند علمائنا أجمع - و هو رواية عن أحمد(6) - لأنّ النهي يدل على الفساد في العبادات.
و قد قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: (حرّم لباس الحرير و الذهب على ذكور أمتي، و أحلّ لأناثهم)(7).
و من طريق الخاصة ما رواه محمد بن عبد الجبار قال: كتبت إلى أبي محمد عليه السلام هل يصلّى في قلنسوة حرير أو ديباج ؟ فكتب: «لا تحل
ص: 470
الصلاة في حرير محض»(1).
و قال الشافعي: تصح الصلاة، و كذا لو كان معه ثوب هو وديعة عنده لا يجوز له لبسه، فإن لبسه و صلّى فيه ضمن و صحت صلاته، لأن النهي ليس لأجل الصلاة فإنّ لبسه في غير الصلاة محرّم و إذا لم يكن التحريم لأجل الصلاة لم يمنع صحتها(2). و الملازمة ممنوعة.
أ - الثوب المموّه بالذهب لا تجوز الصلاة فيه للرجال، و كذا الخاتم المموّه به، للنهي عن لبسه.
ب - لا فرق في التحريم بين كونه ساترا للعورة أو لا، لأن الصلاة فيه محرمة على التقدير الثاني، و فاقدة للشرط على الأول.
ج - لا بأس بالحرير و الذهب للنساء إجماعا، و الصلاة لهن فيهما، إلاّ الصدوق فإنه منع من صلاتهن في الحرير لإطلاق النهي(3) ، و هو ممنوع في حقهن، و في الخنثى المشكل الأولى التحريم تغليبا للحرمة.
د - يجوز لبس الحرير للضرورة كالبرد الشديد، و هو إجماع لسقوط التكليف معها، و كذا يجوز حالة الحرب لأنه يعطي قوّة القلب - و به قال أحمد، و عروة، و عطاء - لأن عروة كان له يلمق(4) من ديباج بطانته من سندس محشو قزا، و كان يلبسه في الحرب(5).
و من طريق الخاصة قول الصادق عليه السلام و قد سئل عن لباس الحرير
ص: 471
و الديباج فقال: «أما في الحرب فلا بأس به و إن كان فيه تماثيل»(1) ، و لأن لبسه منع للخيلاء.
و هو سائغ في الحرب، لأنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله رأى بعض أصحابه يمشي بين الصفين يختال في مشيه فقال عليه السلام: (إنها لمشية يبغضها اللّه و رسوله إلاّ في هذا الموطن)(2).
و عن أحمد رواية بالمنع للعموم، و لو احتاج إليه بأن يكون بطانة لدرع جاز عنده قطعا، و كذا درع مموّه من ذهب لا يستغني عن لبسه(3).
ه - يجوز لبس الحرير للقمل، و صاحب الحكمة و المرض إذا كان ينفعه لأن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله رخص للزبير و عبد الرحمن بن عوف في قميص الحرير لمّا شكوا إليه القمل(4) ، و به قال أحمد في رواية(5) ، و في أخرى بالمنع - و به قال مالك - للعموم، و الرخصة مختصة بهما(6).
و هو خطأ، لأن ما ثبت رخصة في حق صحابي ثبت في غيره لقوله صلّى1.
ص: 472
اللّه عليه و آله: (حكمي على الواحد حكمي على الجماعة)(1). و لا يشترط السفر للعموم، و في وجه للشافعية: يشترط لأن السفر يشغل عن التفقد(2).
و - الأقوى جواز مثل التكة، و القلنسوة من الحرير المحض، لقول الصادق عليه السلام: «كلّ ما لا يجوز الصلاة فيه وحده فلا بأس بالصلاة فيه مثل التكة الإبريسم، و القلنسوة، و الخف، و الزنار يكون في السراويل و يصلّي فيه»(3).
و في رواية محمد بن عبد الجبار و قد كتب الى أبي محمد عليه السلام هل يصلّي في قلنسوة حرير محض، أو قلنسوة ديباج ؟ فكتب: «لا تحل الصلاة في حرير محض»(4) و تحمل على الكراهة.
ز - الأقرب جواز افتراش الحرير المحض، و الوقوف عليه، و النوم للرجال، لوجود المقتضي و هو أصالة الإباحة السالم عن معارضة النهي المختص باللبس لانتفاء اللبس هنا.
و لقول الكاظم عليه السلام و قد سأله أخوه عن فراش حرير، و مثله من الديباج، و مصلّى حرير، و مثله من الديباج يصلح للرجل النوم عليه و التكأة، و الصلاة ؟ قال: «يفرشه، و يقوم عليه، و لا يسجد عليه»(5).
و قال الشافعي، و أحمد بالمنع(6) لأن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله نهى1.
ص: 473
عن الجلوس عليه(1). و هو محمول على اللبس.
و لا يحرم على النساء افتراشه لجواز لبسه، و هو أحد وجهي الشافعي، و في الثاني: المنع و إن جاز اللبس للخيلاء(2) ، و هو ممنوع.
ح - لو كان الحرير ممتزجا بغيره مما تصح الصلاة فيه كالقطن، و الكتان صحت الصلاة فيه عند علمائنا سواء تساويا، أو كثر أحدهما ما لم يخرج الى اسم الحرير فيحرم، و به قال ابن عباس، و جماعة من العلماء(3). لقول ابن عباس: إنما نهى النبيّ صلّى اللّه عليه و آله عن الثوب المصمت من الحرير، و أما المعلم و سدى الثوب فليس به بأس(4).
و من طريق الخاصة قول الصادق عليه السلام: «لا بأس بالثوب أن يكون سداه، و علمه، و زرّه حريرا، إنما كره الحرير المبهم للرجال»(5).
و للشافعية قولان: اعتبار الأكثر فإن تساويا فوجهان، و اعتبار الظهور فيحرم مع ظهور الإبريسم لا بدونه(6).
ط - لا بأس بالمكفوف بالإبريسم المحض، بأن يجعل الإبريسم في رءوس الأكمام، و الذيل، و حول الزيق(7) لأن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله نهى».
ص: 474
عن الحرير إلاّ موضع إصبعين، أو ثلاث، أو أربع(1).
و من طريق الخاصة قول جراح المدائني: إن الصادق عليه السلام كان يكره أن يلبس القميص المكفوف بالديباج(2).
ي - ما يخاط من الحرير بالكتان، أو القطن لا يزول التحريم عنه، و كذا لو بطّن به الثوب، أو ظهر به لعموم النهي.
يا - المحشو بالإبريسم تبطل الصلاة فيه لتناول النهي له، و لما فيه من السرف، و تضييع المال.
و قال الشافعي: يجوز لأنه لا خيلاء فيه(3). و نمنع التعليل.
يب - لا يحرم على الولي تمكين الصغير من لبس الحرير لارتفاع التكليف عنه، و قال أحمد: يحرم(4) ، و للشافعي وجهان(5) لقوله عليه السلام: (حرام على ذكور أمتي)(6).
و قال جابر: كنا ننزعه عن الصبيان(7) ، و المراد البالغون، و فعل جابر للتمرين و زيادة الورع.7.
ص: 475
يج - لو كان في يده خاتم من ذهب أو مموه به بطلت صلاته للنهي عن الكون فيه(1).
و لقول الصادق عليه السلام: «جعل اللّه الذهب حلية أهل الجنّة، فحرم على الرجال لبسه، و الصلاة فيه»(2).
فلا تصح الصلاة في الثوب المغصوب مع العلم بالغصب عند علمائنا أجمع - و هو إحدى الروايتين عن أحمد(3) - لأنها عبادة قد اشتملت على وجه قبح فلا تقع مجزية لأنها غير مأمور بها فيبقى في العهدة، و لأنّ الكون فيه محرم لأن النهي عن المغصوب منع عن وجوه الانتفاع به، و الكون فيه انتفاع فيكون محرما و هو جزء من الصلاة.
و الثانية عن أحمد: الصحة، و به قال الشافعي، و أبو حنيفة و إن اتفقوا على التحريم، لأن النهي لا يعود إلى الصلاة فلا يمنع الصحة كما لو غسل ثوبه بالماء النجس(4).
و ليس بجيد، لأن الحركة التي هي القيام، و القعود، و الركوع، و السجود في هذا الثوب منهي عنها و عصيان فلا يكون متقربا بما هو عاص
ص: 476
به، و لا مأمورا بما هو منهي عنه.
أ - لو جهل الغصب لم تبطل الصلاة لارتفاع النهي، و لو علمه و جهل الحكم لم يعذر.
ب - لا فرق بين أن يكون الثوب هو الساتر أو غيره، بل لو كان معه خاتم، أو درهم، أو غير ذلك مغصوب و صلّى فيه لم يصح، و كذا لو كان غاصبا لشيء غير مصاحب له، إلاّ أنه هنا لو صلّى آخر الوقت صحت بخلاف المصاحب.
ج - لا فرق بين أن يكون لابسا له، أو قائما عليه، أو ساجدا.
د - لو نسي الغصب فالأشبه الإعادة لتفريطه بالنسيان.
ه - لو أذن المالك للغاصب أو لغيره صحت صلاته لزوال المانع، و لو أذن مطلقا جاز لغير الغاصب عملا بظاهر الحال.
و - الأقوى صحة الصلاة في المبيع فاسدا مع الجهل بالفساد، أو الحكم، أما العالم فالوجه البطلان إن لم يعلم البائع الفساد، و يحتمل الصحة للإذن، و كذا البحث في الإجارة.
- عند علمائنا أجمع، فلو صلّى في النجس مع العلم بالنجاسة بطلت صلاته سواء كان هو الساتر أم لا، و به قال أكثر العلماء منهم ابن عباس، و سعيد بن المسيب، و قتادة، و مالك، و الشافعي، و أحمد و أصحاب الرأي(1) لقوله تعالى:
ص: 477
وَ ثِيابَكَ فَطَهِّرْ (1) قال ابن سيرين: هو الغسل بالماء(2).
و قال عليه السلام: (إنهما يعذبان و ما يعذبان في كبيرة، أما أحدهما فكان لا يستنزه(3) من بوله)(4).
و من طريق الخاصة قول الصادق عليه السلام: «إن أصاب ثوب الرجل الدم و علم قبل أن يصلّي فيه و نسي و صلّى فيه فعليه الإعادة»(5) و لأنها إحدى الطهارتين فكانت شرطا للصلاة كالطهارة من الحدث.
و روي عن ابن عباس: ليس على الثوب جنابة، و نحوه عن أبي مجلز، و سعيد بن جبير، و النخعي(6). و قال ابن أبي ليلى: ليس في ثوب إعادة(7). و هو مدفوع بالإجماع.
و كذا طهارة الجسد شرط بالإجماع، و قوله عليه السلام للمستحاضة:
(اغسلي عنك الدم)(8).6.
ص: 478
و من طريق الخاصة قول الصادق عليه السلام و قد سئل عن الكلب يصيبه جسد الرجل قال: «يغسل الموضع الذي أصابه»(1).
أ - لو سقطت عليه نجاسة ثم زالت عنه، أو أزالها في الحال من غير فعل كثير صحت صلاته - و به قال الشافعي(2) - لأنّ النجاسة عفي عن يسيرها فعفي عن يسير زمنها.
ب - لو كان طرف ثوبه نجسا لم تجز الصلاة إذا كان حاملا له، أو كان ينتقل بقيامه و يقلّها من الأرض، و لو كان الطرف موضوعا على الأرض و الآخر حامل له صحت صلاته إذا لم يقلّه بالحركة، و قال الشافعي: تبطل صلاته(3).
ج - لو كان طرف ثوبه متصلا بالنجاسة لم يمنع ذلك من الصلاة إلاّ أن يكون لو قام أقلّه من الأرض، و لا عبرة بحركتها بحركته و هي على الأرض - و به قال أبو حنيفة(4) - عملا بأصالة الصحة السالم عن معارضة لبس النجاسة، و قال الشافعي: تبطل و إن لم يتحرك بحركته(5).
و لو كان أحد طرفي الحبل نجسا و قبض الطاهر صحت صلاته، و إن تحرك النجس بحركته، خلافا للشافعي فيما إذا تحرك بحركته، و له فيما إذا
ص: 479
لم يتحرك وجهان بخلاف العمامة لأنها ملبوسة(1).
د - لو شدّ وسطه بحبل و طرفه الآخر مشدود بكلب صحت صلاته إذا لم يقل الكلب بحركته - خلافا للشافعي(2) - و لو كان طرفه الآخر مشدودا في ساجور(3) كلب صحت صلاته أيضا و إن انتقل الساجور خاصة بقيامه خلافا للشافعي في أحد الوجهين(4).
و لا فرق بين كون الكلب صغيرا أو كبيرا حيا أو ميتا، و أوجب الشافعي الإعادة فيما إذا كان الكلب صغيرا أو ميتا قطعا بخلاف الكبير لأن له قوة الامتناع(5).
و لو كان الطرف تحت رجله لم يكن به بأس إجماعا، لأنّ ما تحت قدمه طاهر، و ليس هو بحامل للنجاسة، و لا لما هو متصل بها.
ه - لو كان طرف مصلاه نجسا خارجا عن مسقط جسده جاز و كان كما لو اتصلت الأرض بموضع نجس.
و - لو وضع على النجس بساط أو شبهه طاهر صحت الصلاة، لقول الصادق عليه السلام و قد سئل عن المنازل التي ينزلها الناس فيها أبوال الدواب و السرجين، و يدخلها اليهود و النصارى كيف يصنع بالصلاة فيها؟: «صلّ على ثوبك»(6).
ز - لو كان الحبل مشدودا في زورق فيه نجاسة، و الآخر في وسطه،6.
ص: 480
فإن كان الشدّ في موضع نجس صحت صلاته عندنا على ما تقدم، خلافا للشافعي، و إن كان في طاهر فله قولان(1).
ج - لو صلّى و في كمه قارورة مضمومة فيها نجاسة لم تصح صلاته، لأنه حامل للنجاسة. و قال ابن أبي هريرة من الشافعية: تصح إذا كانت مضمومة بالرصاص، لأنّه يجري مجرى باطن الحيوان(2).
و هو غلط، لأن تلك نجاسة في معدنها، و هذه في غير معدنها.
ط - لو صلّى و في كمه حيوان طاهر غير مأكول اللحم صحت صلاته، لأن باطن الحيوان معفوّ عنه، فإن المصلّي في باطنه نجاسة - و به قال الشافعي(3) - لأن الحسن و الحسين عليهما السلام ركبا النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و هو ساجد(4).
و لو كان نجسا كالكلب و الخنزير لم تصح صلاته.
و لو حمل حيوانا مذبوحا و قد غسل موضع الدم منه، فإن كان مأكول اللحم صحّت صلاته - خلافا للشافعي(5) - و إن كان غير مأكول لم تصح، لأن باطن الحيوان لا حكم له إذا كان حيا فإذا زالت الحياة صار حكم الظاهر و الباطن سواء، و جرى مجرى القارورة.
كالتكة، و الجورب، و القلنسوة، و الخف، و النعل تجوز الصلاة فيه و إن كان نجسا، ذهب إليه
ص: 481
علماؤنا عملا بالأصل. و لقول الصادق عليه السلام: «كلّ ما كان على الإنسان أو معه مما لا تجوز الصلاة فيه فلا بأس أن يصلّي فيه و إن كان فيه قذر مثل القلنسوة، و التكة، و الخفين و ما أشبه ذلك»(1).
و خالف الجمهور في ذلك، لأنه حامل نجاسة، و الجواب المنع من الفساد مطلقا، فإنّ الحاجة قد تدعو الى هذه الأشياء فوجب العفو عنها.
أ - خصّ بعض علمائنا هذه الأشياء الخمسة بالرخصة(2) ، و الوجه:
العموم فيها و فيما شابهها كالسوار، و الخاتم، و شبهه.
ب - لو كان الخاتم، أو أحد هذه، و شبهها نجسا و صلّى في المسجد لم تصح صلاته للنهي عن الكون في المسجد بنجاسة، و كذا لو كانت النجاسة معفوا عنها في الثوب كالدم اليسير.
و لو كانت النجاسة خارجة عن ثوبه و بدنه، بل في نفس المسجد، أمكن بطلان الصلاة في أول وقتها مع تمكنه من إزالتها.
ج - الأقرب أنّ العفو عن هذه الأشياء إنّما هو إذا كانت في محالّها فلو كانت القلنسوة في يده فالوجه: المنع.
د - ألحق ابن بابويه العمامة بها(3) ، و يحمل على عمامة صغيرة ليست ساترة للعورة بانفرادها.
ص: 482
لأن المشتبه بالنجس كالنجس في وجوب الامتناع منه، لعدم العلم بالشرط الذي هو الطهارة فيه.
و لو لم يجد غيرهما لعلمائنا قولان: النزع و أن يصلّي عريانا(1) - و به قال أبو ثور، و المزني(2) - كالأواني النجسة.
قال ابن إدريس: لا يجوز له أن يشرع في صلاة يشك في صحتها، و العلم بأنّه صلّى في ثوب طاهر بعد صلاته فيهما غير نافع، لأنّ الواجب يقارنه الوجه المقتضي وجوبه فلا يكون متأخرا عنه(3).
و ليس بجيّد، فإن الفرق واقع بين الثياب و الأواني لعدم تمكنه من استعمالها، و ينجس به في الحال و فيما بعد، و الثوب النجس قد تباح الصلاة فيه إذا لم يجد غيره، بخلاف الماء النجس، و الشك ممنوع فإن ستر العورة شرط و هو متمكن منه بفعل صلاتين فتجبان معا، و ليس اليقين بالطهارة شرطا، بل عدم العلم بالنجاسة، و هو حاصل في الثوبين.
و الوجه لو سلّم مقارنته فإنه مقارن هنا، لأنّ المقتضي لوجوبهما تحصيل ستر العورة، كما أنّ المأمور بالصلاة يجب عليه الوضوء لتوقفها عليه، و إن كانت الصلاة متأخرة لأنه ليس وجه وجوب الوضوء الصلاة بل التمكن منها، و كونها لا تتم إلاّ به.
الثاني: أن يصلّي في كلّ ثوب بعدد النجس و يزيد واحدة(4) و هو الأقوى.1.
ص: 483
عندي - و به قال أحمد، و ابن الماجشون(1) - لأنه تمكن من أداء الصلاة في ثوب طاهر بيقين فيجب، كما لو اشتبه الطهور بالطاهر، و كما لو نسي صلاة من يوم.
و لما رواه صفوان بن يحيى قال: كتبت إلى أبي الحسن عليه السلام في رجل معه ثوبان أصاب أحدهما بول و لم يدر أيهما هو و خاف فوتها و ليس عنده ماء كيف يصنع ؟ قال: «يصلّي فيهما جميعا»(2).
و قال أبو حنيفة، و الشافعي: يتحرى فيهما كالقبلة(3).
و الفرق مشقة اعتبار اليقين في القبلة لكثرة الاشتباه فيها، و لأنّ الاشتباه في الثوبين حصل بالتفريط لأنه كان يمكنه تعليم النجس أو غسله، و لا يمكنه ذلك في القبلة، و لأنّ القبلة عليها أدلة من النجوم، و الشمس، و القمر، و غيرها فيصح الاجتهاد في طلبها و يقوى دليل الإصابة لها بحيث لا يبقى احتمال الخطأ إلاّ و هما ضعيفا بخلاف الثياب.
أ - لو وجد المتيقن طهارته مع الثوبين المشتبهين صلّى في المتيقن، لأنّ وجه الوجوب و هو التمكن من الصلاة في ثوب طاهر موجود في الثوب فيتعين.
ب - لو لم يعلم عدد النجس صلّى فيما يتيقن أنه صلّى في ثوب طاهر، فإن كثر ذلك و شق فالوجه: التحري دفعا للمشقة.
ص: 484
ج - لو ضاق الوقت عن الصلاة في الجميع صلّى فيما يحتمله الوقت و إن كانت واحدة، و يتخير في الساقطة و المأتي بها إذا لم يتغلب عنده النجس.
د - لو أداه اجتهاده إلى نجاسة أحدهما فإن كان لأمارة فالوجه: لزوم الصلاة فيه مع ضيق الوقت، و يحتمل مع اتساعه تعدد الصلاة.
و الشافعي جوّز التحري فأوجب الصلاة فيه مطلقا و لا إعادة عليه، فلو غسل الثوب الآخر فصلّى فيه صحت صلاته(1).
و لو جمع بين المغسول و الطاهر بالتحري و الاجتهاد، ثم صلّى فيهما لم تصح عندنا، لأنّ المشتبه بالنجس كالمتيقن نجاسته في المنع.
و اختلفت الشافعية، فقال بعضهم: لا تصح، لأنه قد تيقن حصول النجاسة و لم يتيقن زوالها لأنّ الذي غسله يحتمل أن يكون هو الطاهر.
و قال آخرون: تصح، لأن المغسول طاهر قطعا، و الآخر طاهر اجتهادا، فيجري مجرى اليقين، و لهذا يصح أن يصلّي فيه(2). و هو ممنوع.
ه - لو لم يغلب على ظنّه طهارة أحد الثوبين صلّى في كلّ منهما منفردا على ما اخترناه، و عريانا على قول بعض علمائنا(3). و به قال الشافعي، لكنه أوجب الإعادة خلافا لنا، لأنّ معه ثوبا طاهرا بيقين، قال: و لا يجوز أن يصلّي في كل منهما لأنّه يؤدي الى أن يصلّي بنجاسة متيقنة و هو حرام(4).4.
ص: 485
و نحن لا نوجب الإعادة لو قلنا بنزعهما، لأنّه فعل المأمور به شرعا فيخرج عن العهدة.
و تحريم الصلاة في الثوب النجس لا يستلزم تحريمها في المشتبه لاستدراك مصلحة الصلاة في الثوب الطاهر.
و - لو اشتبه الثوبان - و لا ظنّ - و معه من الماء ما يغسل أحدهما، لزمه عندنا تحصيلا ليقين الطهارة. و هو أظهر مذهبي الشافعي، و في الآخر: لا يجب، لأن الثوب الذي يريد غسله لا يعلم نجاسته، و لا يمكن أن يؤمر بغسل ما لا يعلم نجاسته(1). و الثانية ممنوعة.
ز - لو اشتبه الثوبان و معه ثالث طاهر بيقين لم يجز له الاجتهاد عندنا، و يصلّي في الطاهر، و هو ظاهر. و للشافعي وجهان(2). و كذا لو قدر على غسل أحدهما منع من الاجتهاد. و للشافعي وجهان(3).
ح - لو تلف أحد الثوبين لم يجتهد عندنا، و هو ظاهر على مذهبنا.
و للشافعي وجهان: هذا أحدهما، إذ المقصود من الاجتهاد معرفة الطاهر من النجس بالتمييز بينهما و قد تعذر، و ثبوته لتمكنه من التوصل إلى معرفة صفة الباقي من طهارة أو نجاسة بأمارات تدله عليه(4).
إذا ثبت المنع من الاجتهاد فما ذا يصنع ؟ يحتمل وجهان:
الصلاة فيه و إعادتها عريانا، لأنه إن كان طاهرا حصل بالصلاة فيه3.
ص: 486
الصلاة في ثوب طاهر، و هو المأمور به فيخرج عن العهدة، و إن كان نجسا أجزأته الصلاة عاريا.
و الصلاة عاريا خاصة، لأصالة البراءة السالم عن معارضة اليقين بالصلاة في ثوب طاهر مع التعذر بخلاف الثوبين، و كذا لو انصب أحد المشتبهين بالمضاف احتمل استعمال الآخر مع التيمم، و الاكتفاء بالتيمم.
ط - لو غسل أحدهما من غير اجتهاد تعين عليه الصلاة فيه، و هو أحد وجهي الشافعية. و الثاني: له أن يصلّي في الآخر(1).
ي - لو خفي موضع النجاسة من الثوب الواحد غسل الثوب كلّه و لم يجز التحري، و هو مذهب الشافعي أيضا(2) خلافا له في الثوبين.
إذا لم يعلم مباشرته له برطوبة، لأصالة الطهارة.
و لأنّ المعلى بن خنيس سمع الصادق عليه السلام يقول: «لا بأس بالصلاة في الثياب التي يعملها المجوس، و النصارى، و اليهود»(3).
و قال معاوية بن عمار سألت الصادق عليه السلام عن الثياب السابرية(4) يعملها المجوس و هم أخباث، و هم يشربون الخمر، و نساؤهم على تلك الحال ألبسها، و لا أغسلها، و أصلّي فيها؟ قال: «نعم»(5).
ص: 487
و سأله عليه السلام عبيد اللّه الحلبي عن الصلاة في ثوب المجوسي فقال: «يرش بالماء»(1).
و وجه الجمع حمل الثاني على الاستحباب، أو على علم المباشرة بالرطوبة، أو الظن، و الشيخ منع في المبسوط من ذلك(2) ، و هو حسن، لغلبة الظن بالمباشرة بالرطوبة.
أ - يستحب غسل هذه الثياب إذا لم يعلم مباشرتهم لها برطوبة، فإن علم أو ظن وجب.
ب - تجوز الصلاة في ثياب الصبيان، لأن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله كان يصلّي و هو حامل لامامة بنت أبي العاص(3).
ج - يجوز أن يصلّي في ثوب الحائض، لأصالة الطهارة، و قال عليه السلام لعائشة: (ناوليني الخمرة) فقالت: إني حائض، فقال صلّى اللّه عليه و آله: (ليس حيضتك في يدك)(4).
د - يجوز أن يصلّي في الثوب الذي يجامع فيه إذا لم يعلم فيه نجاسة لطهارته.
ص: 488
و لو أصابه مني لم يجز الصلاة فيه عندنا، لأنه نجس خلافا للشافعي(1).
و لو أصابه مذي صحت الصلاة فيه عندنا، لأنه طاهر. خلافا للشافعي(2).
و لو أصابه من رطوبة فرج المرأة فهو طاهر إن لم يكن منيا، و للشافعي وجهان: النجاسة كالمذي، و الطهارة، لأنه عرق الفرج(3).
ه - لو أعار ثوبه من لا يتقي النجاسة استحب له غسله و لا يجب عملا بالأصل، لأن عبد اللّه بن سنان سأل الصادق عليه السلام عن الذي يعير ثوبه لمن يعلم أنه يأكل الجرّي، و يشرب الخمر، فيردّه أ يصلّي فيه قبل أن يغسله ؟ قال: «لا يصلّي فيه حتى يغسله»(4).
و - المسك طاهر يجوز أن يصلّي فيه عملا بالأصل، و لما رواه علي بن جعفر عن أخيه الكاظم عليه السلام قال: سألته عن فأرة المسك تكون مع الرجل يصلّي و هي في جيبه أو ثيابه فقال: «لا بأس بذلك»(5).
و كتب عبد اللّه بن جعفر الى أبي محمد العسكري عليه السلام يجوز للرجل أن يصلّي و معه فأرة مسك ؟ فكتب: «لا بأس به إذا كان ذكيا»(6).0.
ص: 489
بالإجماع عند من شرط الطهارة، و مع الخروج القضاء، لأنّه لم يفعل المأمور به على وجهه فيبقى في العهدة.
و لو علم النجاسة ثم نسيها و صلّى فقولان:
أحدهما: أنه يعيد مطلقا في الوقت و خارجه اختاره الشيخان، و المرتضى(1) ، و هو المعتمد - و به قال الشافعي(2) - لأنه أخل بالشرط بتفريطه بالنسيان فلزمه القضاء.
و لقول الصادق عليه السلام: «إن أصاب ثوب الرجل الدم فصلّى فيه و هو لا يعلم فلا إعادة عليه، و إن علم قبل أن يصلّي فنسي و صلّى فيه فعليه الإعادة»(3).
و قال الشيخ في موضع: لا يعيد مطلقا(4) - و به قال أحمد(5) - لأن العلاء سأل الصادق عليه السلام عن الرجل يصيب ثوبه الشيء فينجسه فينسى أن يغسله و يصلّي فيه، ثم يذكر أنه لم يكن غسله، أ يعيد الصلاة ؟ فقال: (لا يعيد و قد مضت صلاته و كتبت له»(6).
و لأن ما عذر فيه بالجهل عذر فيه بالنسيان، بل النسيان أولى لورود النص بالعفو فيه، لقوله عليه السلام: (عفي عن أمّتي الخطأ و النسيان)(7).
ص: 490
قال الشيخ في التهذيب: هذا الخبر شاذ(1) ، و أشار الى رواية العلاء، و نحن نحمله على ما إذا لم يعلم، و النسيان حقيقة في الترك، فيحمل على الترك لعدم العلم.
و هذا و إن كان بعيدا لكن فيه جمع بين الأدلة فيكون أولى، و العفو عن النسيان لا يوجب ترك القضاء بل مفهومه هنا عدم الإثم، و نحن نقول به.
و هنا قول ثالث مشهور لعلمائنا: أنه يعيد في الوقت دون خارجه، لأنه ما دام في الوقت يكون في عهدة التكليف لعدم فعل ما أمر به، و بعد الخروج يكون قضاء، و الأصل عدمه إلاّ بأمر مجدد.
و لو لم يعلم بالنجاسة حتى فرغ من صلاته و تيقن حصولها في ثوبه أو بدنه حال الصلاة فقولان لعلمائنا:
أحدهما: الإجزاء، اختاره الشيخان، و المرتضى(2) - و به قال ابن عمر، و عطاء، و سعيد بن المسيب، و سالم، و مجاهد، و الشعبي، و النخعي، و الزهري، و يحيى الأنصاري، و إسحاق، و ابن المنذر، و الأوزاعي، و الشافعي في أحد القولين، و أحمد في إحدى الروايتين(3) - لما رواه أبو سعيد قال: بينا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يصلّي بأصحابه إذ خلع نعليه فوضعهما عن يساره فخلع الناس نعالهم فلما قضى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله صلاته قال: (ما حملكم على إلقائكم نعالكم ؟) قالوا: رأيناك ألقيت نعليك فألقينا نعالنا. فقال صلّى اللّه عليه و آله: (إن1.
ص: 491
جبرئيل أتاني فأخبرني أن فيهما قذرا)(1) و لو كانت الطهارة شرطا مع عدم العلم لوجب استئناف الصلاة.
و من طريق الخاصة قول الصادق عليه السلام و قد سأله أبو بصير عن رجل يصلّي و في ثوبه جنابة، أو دم حتى فرغ من صلاته ثم علم قال: «قد مضت صلاته و لا شيء عليه»(2).
و لأنه مأمور بالصلاة في ثوب لا يعلم فيه نجاسة فيخرج عن العهدة بالامتثال.
الثاني: وجوب الإعادة في الوقت لا خارجه، اختاره الشيخ في موضع من النهاية(3) - و به قال ربيعة، و مالك - لأنه لم يفعل ما أمر به(4) و هو الصلاة في ثوب طاهر، فوجبت الإعادة، و لا يجب القضاء، لأنه بأمر مجدد و لم يثبت.
و قال الشافعي: يعيد مطلقا، و هو رواية عن أحمد، و قول أبي قلابة، لأنّها طهارة مشترطة للصلاة فلا تسقط بالجهل كطهارة الحدث(5).
و الفرق أن طهارة الحدث آكد، لأنّه لا يعفى عن يسيرها.
أ - لو صلّى ثم رأى النجاسة على ثوبه أو بدنه لم تجب الإعادة لاحتمال تجددها، و الأصل عدمها في الصلاة، و لا نعلم فيه خلافا إلاّ ما
ص: 492
روي عن أبي حنيفة: أن النجاسة إن كانت رطبة أعاد صلاة واحدة، و إن كانت يابسة و كان في الصيف فكذلك، و إن كان في الشتاء أعاد صلوات يوم و ليلة(1).
ب - لو رآها على ثوبه أو بدنه في أثناء الصلاة رماها عنه، و أتم صلاته، لعدم العلم بالسبق، و لو لم يتمكن من رميها، و لا رمي الثوب عنه، استأنف الصلاة في ثوب طاهر، تحصيلا للشرط، و لما رواه محمد بن مسلم عن الصادق عليه السلام قال: «إن رأيت المنيّ قبل أو بعد ما تدخل في الصلاة فعليك إعادة الصلاة، و إن أنت نظرت في ثوبك فلم تصبه، ثم صلّيت فيه ثم رأيته بعد فلا إعادة عليك، و كذلك البول»(2).
ج - لو وقعت عليه نجاسة و هو في الصلاة ثم زالت و هو لا يعلم ثم علم استمر على حاله على أحد قولي الشيخ، و يستأنف على الآخر(3).
و تصلي باقي الصلوات و إن كان فيه نجاسة دفعا للمشقة الحاصلة بالتكليف بغسله عند كل صلاة، و ربما تعذر يبسه و لبسه رطبا. و لقول الصادق عليه السلام و قد سئل عن امرأة ليس لها إلاّ قميص و لها مولود يبول كيف تصنع ؟ قال: «تغسل القميص في اليوم مرّة»(4).
و لأنّ تكرار بول الصبي يجري مجرى دم القرح أو السلس الذي لا يمنع استصحاب الثوب في الصلاة.
ص: 493
أ - المراد باليوم هنا الليل و النهار لدخولهما تحته، و في حديث عن الكاظم عليه السلام و قد سأله عبد الرحيم القصير عن خصيّ يبول فيلقى من ذلك شدة و يرى البلل بعد البلل فقال: «يتوضأ و ينضح ثوبه في النهار مرة واحدة»(1). و الراوي ضعيف، و الوجه وجوب تكرار الغسل فإن تعسّر فلا بأس بالرواية دفعا للمشقة.
ب - في المربية للصبية إشكال ينشأ من عدم التنصيص على العلة فيقتصر على مورد النص، خصوصا مع غلظ نجاسة بولها، و من الاشتراك في المشقة.
ج - الظاهر مشاركة المربي للصبي للمربية إذ لا مدخل للأنوثة هنا.
د - لو نجس بعذرته فإشكال منشؤه ما تقدم، و لو نجس بغير البول و العذرة - كدمه - فالوجه عدم الإلحاق.
ه - تتخير في وقت غسله و الأفضل أن تؤخره الى أن تجتمع الصلوات الأربع عدا الصبح فيه، و في وجوبه إشكال ينشأ من الإطلاق، و من أولوية طهارة أربع على طهارة واحدة.
و - لو كان لها ثوب طاهر لم يجز لها الصلاة في النجس، و إن غسلته مرة، و لو كان لها ثوبان لم تكتف بالمرّة أيضا لزوال المشقة مع التعدد.
الأول: ما لا تتم الصلاة فيه منفردا، خلافا للجمهور.
ص: 494
الثاني: محل الاستنجاء من الغائط خاصة بعد الاستجمار، لأنه طاهر عندنا - و به قال أحمد - (1) لقوله صلّى اللّه عليه و آله في الروث و الرمّة(2):
(انهما لا يطهران)(3) مفهومه أنّ غيرهما يطهر.
الثالث: أسفل الخف و الحذاء و القدم إذا أصابته نجاسة فدلكها بالأرض حتى زالت عينها طهرت عندنا، و به قال الأوزاعي، و إسحاق، و أحمد في إحدى الروايات(4).
و قال الشافعي: لا يطهّرها إلاّ الماء كسائر النجاسات. و هو رواية عن أحمد(5) ، و في ثالثة: يجب غسل البول و الغائط خاصة(6).
و لا فرق بين الدلك حال يبوسة النجاسة أو رطوبتها مع زوال الرطوبة.
الرابع: إذا جبر عظمه بعظم نجس كعظم الكلب، و الخنزير، و الكافر، فإن تمكن من نزعه من غير ضرر وجب لئلا يصلّي مع النجاسة، و إن تعذر لخوف ضرر لم يجب قلعه - و به قال الشافعي، و أحمد(7) - لأنه حرج فيكون منفيا، و لأنها نجاسة متصلة كاتصال دمه فيكون معفوا عنها.
و قال بعض الشافعية: يجب قلعه و إن أدى الى التلف، لجواز قتل الممتنع من صلاته فكذا هذا، لأنّه منع صحة صلاته بالعظم النجس(8) ، و هو1.
ص: 495
خطأ، لأنّ النجاسة يعفى عنها مطلقا في مواضع، و للضرورة مطلقا، و لا يعفى عن الصلاة مطلقا.
و قال أبو حنيفة: لا يجب قلعه مطلقا و إن لم يلحقه ضرر و لا ألم(1) ، لأنّه صار باطنا، كما لو شرب خمرا أو أكل ميتة. و الفرق مع تسليم الأصل أنه أوصل نجاسة إلى معدنها، و يتعذر في العادة إخراجها، و في صورة النزاع أوصلها الى غير معدنها فأشبه ما إذا وصل شعره بشعر غيره.
أ - لو جبر عظمه بعظم طاهر العين في الحياة جاز، لأنّ الموت لا ينجس عظمه و لا شعره.
و لو جبره بعظم آدمي فإشكال ينشأ من وجوب دفنه، و من طهارته، و رواية الحسين بن زرارة عن الصادق عليه السلام عن الرجل يسقط سنه فيأخذ سنّ ميت مكانه قال: «لا بأس»(2).
ب - لو مات المجبور عظمه بالعظم النجس لم ينزع، لسقوط التكليف عنه، و به قال الشافعي(3). و قال أبو إسحاق من أصحابه: نزعه أولى، لئلا يلقى اللّه تعالى بمعصية(4)(5). و هو خطأ لعدم زوالها بنزعه.
ج - التدليس بوصل شعر المرأة بشعر غيرها حرام عندنا، و لو وصلت
ص: 496
بشعر غير الآدمي جاز، و كرهه الشافعي للخالية من زوج و مولى، للغش(1) ، و كرهه أحمد مطلقا(2). و لا بأس بالقرامل - و به قال أحمد، و سعيد بن جبير(3) و هي ما تواصل بالذوائب.
د - لو سقطت سنه جاز أن يردها - و به قال أحمد(4) لأنها طاهرة، و لما تقدم من الحديث(5) على إشكال سبق. و منعه الشافعي(6) لقوله عليه السلام: (ما أبين من حي فهو ميت)(7) و المراد ما تحله الحياة.
و لو لم تسقط جاز ربطها إجماعا - و لو بالذهب - لأنّه موضع حاجة، و جوّز رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لعرفجة بن أسعد لمّا أصيب أنفه يوم الكلاب أن يتخذ أنفا من فضّة فأنتن عليه فأمره أن يتخذ أنفا من ذهب(8).
ه - لو شرب خمرا أو أكل ميتة لغير ضرورة فالأقرب وجوب قيئه، لحرمة الاغتذاء به، و هو ظاهر قول الشافعي(9). و قال بعض أصحابه: لا يجب، لأنّ المعدة معدن النجاسات(10).
و - لو أدخل دما نجسا تحت جلده وجب عليه إخراج ذلك الدم مع عدم3.
ص: 497
الضرر، و إعادة كلّ صلاة صلاّها مع ذلك الدم.
ز - لو خاط جرحه بخيط نجس فكالعظم النجس، و لو كان مغصوبا فإن تعذّر النزع لضرر أو خوف تلف الخيط وجبت القيمة.
كالنعل السندي(1) ، و الشمشك قاله الشيخان(2) ، و مستند ذلك فعل النبي صلّى اللّه عليه و آله، و الصحابة، و التابعين. و قال في المبسوط: يكره الصلاة في الشمشك، و النعل السندي(3).
أما ما له ساق كالخف و الجرموق فلا بأس بالصلاة فيه إجماعا - و الجرموق خف واسع قصير يلبس فوق الخف - لقول الصادق عليه السلام و قد سئل عن الخفاف التي تباع في السوق فقال: «اشتر وصل فيها حتى تعلم أنه ميّت بعينه»(4).
و قال إبراهيم بن مهزيار: و سألته عن الصلاة في جرموق و أتيته بجرموق بعثت به إليه فقال: «يصلّى فيه»(5).
و تستحب الصلاة في النعل العربية عند علمائنا اقتداء برسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و أهل بيته عليهم السلام.
ص: 498
قال محمد بن إسماعيل: رأيته يصلّي في نعليه لم يخلعهما و أحسبه قال: ركعتي الطواف(1).
و قال معاوية بن عمّار: رأيت الصادق عليه السلام يصلي في نعليه غير مرّة و لم أره ينزعهما قط(2).
و قال الصادق عليه السلام: «إذا صليت فصلّ في نعليك إذا كانت طاهرة فإنه يقال: ذلك من السنة»(3).
و كذا النقاب للمرأة إن منعها شيئا من ذلك لما فيه من ترك واجب.
و لو لم يمنع شيئا من الواجبات كره، و لم يحرم، لقول الباقر عليه السلام و قد سأله محمد بن مسلم يصلّي الرجل و هو متلثم: «أمّا على الأرض فلا، و أمّا على الدابة فلا بأس»(4).
و سأل سماعة الصادق عليه السلام عن الرجل يصلّي و يقرأ بأم القرآن و هو متلثم فقال: «لا بأس»(5). و هو محمول على ما إذا لم يمنع شيئا من الواجبات.
و كذا قول أحدهما عليهما السلام: «لا بأس بأن يقرأ الرجل في الصلاة
ص: 499
و ثوبه على فيه»(1) لما رواه الحلبي قال: سألت الصادق عليه السلام هل يقرأ الرجل في صلاته و ثوبه على فيه ؟ فقال: «لا بأس بذلك إذا سمع الهمهمة»(2).
و سأله سماعة عن الرجل يصلّي فيتلو القرآن و هو متلثم، فقال: «لا بأس به، و إن كشف عن فيه فهو أفضل» قال: و سألته عن المرأة تصلّي متنقبة قال: «إذا كشفت عن موضع السجود فلا بأس به، و إن أسفرت فهو أفضل»(3).
و هي أشياء:
أ - يكره الثياب السود ما عدا العمامة و الخف، لقول النبي عليه السلام:
(البسوا ثيابكم البيض فإنها من خير ثيابكم)(4) و أمره عليه السلام بهذا اللون يدل على اختصاصه بالفضيلة فيكون أشد الألوان معاندة له و هو السواد مكروها.
و من طريق الخاصة قول الصادق عليه السلام: «يكره السواد إلاّ في ثلاث. العمامة، و الخف، و الكساء»(5).
ص: 500
ب - يكره للرجل المعصفر و المزعفر لأنّ ابن عمر قال: رأى النبيّ صلّى اللّه عليه و آله عليّ ثوبين معصفرين فقال: (هذه من ثياب الكفار فلا تلبسها)(1) ، و نهى النبيّ صلّى اللّه عليه و آله الرجال عن المزعفر(2).
و من طريق الخاصة قول الصادق عليه السلام: «يكره الصلاة في المشبع بالعصفر و المضرج بالزعفران»(3).
ج - الثوب الأحمر إذا كان مشبعا بالصبغ لقول الصادق عليه السلام:
«يكره الصلاة في الثوب المصبوغ المشبع المفدم»(4) و المفدم بسكون الفاء:
المصبوغ المشبع بالحمرة.
و اختلفت الرواية عن أحمد، و روي عنه الكراهة(5) ، و به قال ابن عمر(6) لأنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله مرّ عليه رجل عليه بردان أحمران فسلّم فلم يردّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله عليه(7).
و الجواز لقول البراء: ما رأيت من ذي لمة في حلة حمراء أحسن من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله(8).8.
ص: 501
و كان عليه السلام يخطب إذ رأى الحسن و الحسين عليهما السلام عليهما قميصان أحمران يمشيان و يعثران، فنزل النبيّ صلّى اللّه عليه و آله(1) و لم ينكر لباسهما ذلك. و الوجه الجواز مع عدم الشبع، و لا يكره شيء من الألوان سوى ما تقدم عملا بالأصل، و روى الجمهور: أن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله كان يصبغ ثيابه كلّها حتى عمامته بالصفرة، و لبس عليه السلام بردين أخضرين، و دخل مكة و عليه عمامة سوداء(2).
د - يكره اشتمال الصمّاء إجماعا، و اختلفوا في تفسيره، فقال الشيخ:
هو أن يلتحف بالإزار و يدخل طرفيه من تحت يده و يجمعهما على منكب واحد كفعل اليهود(3).
لقول الباقر عليه السلام لزرارة: «إياك و التحاف الصمّاء» قلت: و ما التحاف الصمّاء؟ قال: «أن تدخل الثوب من تحت جناحك فتجعله على منكب واحد»(4) و روى أبو سعيد أن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: نهى عن اشتمال الصماء(5) و هو أن يجعل وسط الرداء تحت منكبه الأيمن و يردّ طرفه على الأيسر، و روى ابن مسعود قال: نهى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أن يلبس الرجل ثوبا واحدا يأخذ بجوانبه عن منكبيه(6) فتدعي تلك الصماء.8.
ص: 502
و قال بعض الشافعية: هو أن يلتحف بالثوب ثم يخرج يديه من قبل صدره فتبدو عورته(1).
و قال أبو عبيد: اشتمال الصماء عند العرب أن يشتمل الرجل بثوب يجلّل به جسده كلّه و لا يرفع منه جانبا يخرج منه يده كأنه يذهب به الى أنه لعله يصيبه شيء يريد الاحتراز منه فلا يقدر عليه(2).
و تفسير الفقهاء: أن يشتمل بثوب واحد ليس عليه غيره ثم يرفعه من أحد جانبيه فيضعه على منكبه فربما بدئ منه فرجه. و الفقهاء أعرف بالتأويل لما ورد عن الأئمة عليهم السلام، و هل يكره اشتمال الصماء لمن عليه ثوب ؟ يحتمل ذلك، لعموم النهي، و به قال أحمد(3).
ه - قيل: يكره السدل و هو أن يلقي طرف الرداء من الجانبين و لا يرد أحد طرفيه على الكتف الأخرى و لا يضم طرفيه بيده - و به قال ابن مسعود، و مجاهد، و عطاء، و النخعي، و الثوري، و الشافعي(4) - لأن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله نهى عن السدل في الصلاة(5).
و رخص فيه جابر، و ابن عمر، و فعله الحسن، و ابن سيرين، و مكحول، و الزهري، و عبد اللّه بن الحسن(6) ، قال ابن المنذر: لا أعلم8.
ص: 503
فيه حديثا يثبت(1).
و - يكره أن يأتزر فوق القميص لما فيه من التشبّه بأهل الكتاب و قد نهى النبيّ صلّى اللّه عليه و آله عن التشبه بهم(2) لقول الصادق عليه السلام: «لا ينبغي أن تتوشح بإزار فوق القميص إذا صلّيت، فإنه من زيّ الجاهلية»(3).
و ليس بمحرم، لأن موسى بن عمر بن بزيع قال للرضا عليه السلام: أشد الإزار و المنديل فوق قميصي في الصلاة ؟ فقال: «لا بأس به»(4).
و استحبه أحمد(5) لقول النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: (لا يصلّي أحدكم إلاّ و هو محتزم)(6) و هو كناية عن شد الوسط، و لا بأس أن يكون تحت القميص إجماعا.
ز - يكره أن يؤم بغير رداء، و هو الثوب الذي يجعل على المنكبين، لأن سليمان بن خالد سأل الصادق عليه السلام عن رجل أمّ قوما في قميص ليس عليه رداء فقال: «لا ينبغي إلاّ أن يكون عليه رداء أو عمامة يرتدي بها»(7).1.
ص: 504
ح - يكره استصحاب الحديد ظاهرا، و لو كان مستورا جاز من غير كراهة، روى موسى بن أكيل عن الصادق عليه السلام قلت: الرجل في السفر تكون معه السكين في خفّه لا يستغني عنه، أو في سراويله مشدودا، و المفتاح يخشى الضياع قال: «لا بأس بالسكين، و المنطقة للمسافر في وقت ضرورة، و لا بأس بالسيف، و كل آلة السلاح في الحرب، و في غير ذلك لا يجوز في شيء من الحديد فإنه نجس مسخ»(1). و الرواية ضعيفة و تحمل على الكراهة في موضع الاتفاق و هو البروز.
و عن الصادق عليه السلام: «قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: لا يصلّي الرجل و في يده خاتم حديد»(2).
ط - تكره الصلاة في ثوب يتهم صاحبه فيه إما بعد التوقي من النجاسة أو بالغصب، و شبهه، و ليس بمحرّم عملا بالأصل.
ي - تكره في ثوب فيه تماثيل أو صور، و للشيخ قول: إنه لا يجوز(3) ، و للحنابلة قولان: التحريم أحدهما(4) لقول النبي صلّى اللّه عليه و آله: (لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب و لا صورة)(5).
و من طريق الخاصة قول الصادق عليه السلام: «قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: إن جبرئيل أتاني فقال: إنّا معاشر الملائكة لا ندخل بيتا فيه2.
ص: 505
كلب و لا تمثال جسد»(1) و نفور الملائكة يدل على الكراهة، أما التحريم فلا.
و في رواية عمار عن الصادق عليه السلام في الثوب يكون في علمه مثال الطير أو غير ذلك أ يصلّي فيه ؟ قال: «لا»(2).
و الأصل الإباحة فيحمل ما تقدم على الكراهة، و لأنه مباح افتراشه و الاتكاء عليه فكذا إذا كان ملبوسا.
يا - يكره التصليب في الثوب، لأن عائشة قالت: إن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كان لا يترك في بيته شيئا فيه تصليب إلا قضبه(3) ، يعني قطعه، و لما فيه من التشبه بالنصارى.
يب - يكره الصلاة في خاتم فيه صورة، لقول الصادق عليه السلام في الرجل يلبس الخاتم فيه نقش مثال الطير أو غير ذلك قال: «لا تجوز الصلاة فيه»(4).
يج - يكره للمرأة الصلاة في خلخال له صوت لاشتغالها به.
يد - يكره في عمامة لا حنك لها، لأن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله نهى عن الاقتعاط، و أمر بالتلحي(5) ، و الاقتعاط هو أن لا يدير العمامة تحت ذقنه.
و من طريق الخاصة قول الصادق عليه السلام: «من اعتمّ فلم يدر العمامة تحت حنكه فأصابه ألم لا دواء له فلا يلومنّ إلاّ نفسه»(6).7.
ص: 506
يه - تكره الصلاة في القباء المشدود في غير الحرب، قال الشيخ ذكره علي بن الحسين بن بابويه، و سمعناه من الشيوخ مذاكرة، و لم أجد به خبرا مسندا(1).
يو - منع الشيخ من أن يصلّي الرجل و هو معقوص الشعر(2) ، و هو جمعه في وسط الرأس و شده - و لم يعتبر أحد من فقهاء الجمهور ذلك - و الوجه الكراهة، و به قال أبو حنيفة(3) عملا بالأصل الدال على نفي التحريم.
و احتجاج الشيخ برواية مصادف عن الصادق عليه السلام في رجل صلّى صلاة فريضة و هو معقص الشعر، قال: «يعيد صلاته»(4) ضعيف لضعف مصادف، و لا بأس به للنساء إجماعا، و لو منع السجود بأن وضع على الجبهة لم يجز للرجل و لا للمرأة.
أ - لو كان بين يديه وسادة و عليها تمثال طرح عليها ثوبا و صلّى، لقول الصادق عليه السلام: «ربما قمت فأصلّي و بين يدي الوسادة فيها تماثيل طير فجعلت عليها ثوبا»(5).
و سأل محمد بن مسلم الباقر عليه السلام أصلّي و التماثيل قدامي و أنا أنظر إليها؟ قال: «لا، اطرح عليها ثوبا، و لا بأس بها إذا كانت عن يمينك، أو شمالك، أو خلفك، أو تحت رجلك، أو فوق رأسك، و إن
ص: 507
كانت في القبلة فألق عليها ثوبا و صلّ»(1). و ظاهر هذه الرواية يشعر تعليل المنع بالاشتغال بالنظر إليها.
ب - يجوز أن يصلّي الرجل و المرأة و هما مختضبان، أو عليهما خرقة الخضاب مع الطهارة للأصل.
و لأن رفاعة سأل أبا الحسن عليه السلام عن المختضب إذا تمكن من السجود و القراءة أيضا أ يصلّي في حنائه ؟ قال: «نعم إذا كانت خرقته طاهرة و كان متوضئا»(2).
و الأفضل نزع ذلك، لأنّ أبا بكر الحضرمي سأل الصادق عليه السلام عن الرجل يصلّي و عليه خضابه فقال: «لا يصلّي و هو عليه و لكن ينزعه إذا أراد أن يصلّي» قلت: إنّ حناءه و خرقته نظيفة فقال: «لا يصلّي و هو عليه، و المرأة لا تصلّي و عليها خضابها»(3).
ج - لا بأس أن يصلّي الإنسان و يده تحت ثيابه، و إن أخرجها كان أفضل، لأنّ محمد بن مسلم سأل الباقر عليه السلام عن الرجل يصلّي و لا يخرج يديه من ثوبه فقال: «إن أخرج يديه فحسن، و إن لم يخرج فلا بأس»(4).
د - لا ينبغي أن يصلّي الرجل محلول الإزار إذا لم يكن عليه إزار لئلاّ تبدو عورته لقول الباقر عليه السلام: «لا يصلّي الرجل محلول الأزرار إذا لم يكن عليه إزار»(5).5.
ص: 508
ه - لو استعار ثوبا و صلّى فيه ثم أخبره المالك بنجاسته لم تجب عليه الإعادة، خصوصا إذا خرج الوقت عملا بالأصل، و لأن قول الغير لا يقبل في حقه.
و لقول الصادق عليه السلام و قد سأله العيص في الصحيح عن رجل صلّى في ثوب رجل أياما ثم إنّ صاحب الثوب أخبره أنّه لا يصلّي فيه قال:
«لا يعيد شيئا من صلاته»(1).
و - روى محمد بن مسلم في الصحيح عن أحدهما عليهما السلام قال: سألته عن الرجل يرى في ثوب أخيه دما و هو يصلّي قال: «لا يؤذنه(2) حتى ينصرف»(3).
ز - روى عبد اللّه بن سنان في الصحيح قال: سأل أبي أبا عبد اللّه عليه السلام و أنا حاضر إني أعير الذمي ثوبي و أنا أعلم أنه يشرب الخمر، و يأكل لحم الخنزير فيرده علي فأغسله قبل أن أصلّي ؟ فقال الصادق عليه السلام:
«صلّ فيه، و لا تغسله من أجل ذلك، فإنك أعرته إيّاه و هو طاهر و لم تستيقن أنه نجّسه، فلا بأس أن تصلّي فيه حتى تستيقن أنّه نجسه»(4).
ح - روى يونس بن يعقوب قال: سألت الصادق عليه السلام عن الرجل يصلّي و عليه البرطلّة فقال: «لا يضره»(5).
ط - روى محمد بن مسلم في الصحيح عن الباقر عليه السلام قال:1.
ص: 509
«لا بأس أن تكون التماثيل في الثوب إذا غيرت الصورة منه»(1).
و عن محمد بن مسلم عن الباقر عليه السلام في الصحيح قال: «لا بأس أن تصلّي على كلّ التماثيل إذا جعلتها تحتك»(2).
ي - يجوز أن يصلّي الرجل في ثوب المرأة إذا كانت مأمونة لعدم المانع، و لرواية العيص الصحيحة عن الصادق عليه السلام قال: سألته عن الرجل يصلّي في ثوب المرأة في إزارها و يعتم بخمارها، قال: «نعم، إذا كانت مأمونة»(3).
يا - روى الحلبي قال: سألته عن لبس الخز فقال: «لا بأس به إنّ علي ابن الحسين عليهما السلام كان يلبس الكساء الخز في الشتاء، فإذا جاء الصيف باعه و تصدق بثمنه، و كان يقول: إني لأستحيي من ربي أن آكل ثمن ثوب قد عبدت اللّه فيه»(4).
يب - روي عن علي عليه السلام قال: «لا تصلّي المرأة عطلا»(5).
يج - سأل علي بن جعفر أخاه الكاظم عليه السلام عن الرجل هل يصلح له أن يصلّي على الرف المعلّق بين نخلتين ؟ قال: «إن كان مستويا يقدر على الصلاة عليه فلا بأس» و عن فراش حرير و مثله من الديباج، و مصلّى حرير و مثله من الديباج هل يصلح للرجل النوم عليه و التكاءة و الصلاة ؟ قال: «يفرشه و يقوم عليه و لا يسجد عليه»(6).6.
ص: 510