سرشناسه : علامه حلي حسن بن يوسف ق 726 - 648
عنوان و نام پديدآور : تذكره الفقهاء/ تاليف العلامه الحلي الحسن بن يوسف بن المطهر؛ تحقيق موسسه آل البيت عليهم السلام لاحياآ التراث مشخصات نشر : قم موسسه آل البيت عليهم السلام لاحياآ التراث 1400ق = 1300.
مشخصات ظاهري : ج 22
فروست : (موسسه آل البيت عليهم السلام لاحياآ التراث 127؛ 129؛ 130134)
شابك : 964-5503-33-7 (دوره ؛ 964-5503-44-2 2900ريال (ج 4) ؛ 964-5503-46-9 (ج 6) ؛ 964-319-007-2 (ج 7) ؛ 964-319-224-5 8000ريال (ج 11)
يادداشت : عربي يادداشت : فهرست نويسي براساس جلد چهارم 1414ق = 1372
يادداشت : ج 1 (چاپ اول 1420ق = 1378)؛ 8000 ريال ج 1) :ISBN 964-319-197-4
يادداشت : ج 8 (چاپ اول 1417ق = 1376)؛ 6500 ريال ج )8ISBN 964-319-051-x
يادداشت : ج 9 (چاپ اول 1419ق = 1377)8000 ريال :(ج )9ISBN 964-319-008-0
يادداشت : ج 13 (چاپ اول 1423ق = 1381)9500 ريال :ISBN 964-319-389-6
يادداشت : كتابنامه مندرجات : (ج )7) ISBN 964-319-007-2 ج 12) 1422ق = 8500 :1380 ريال موضوع : فقه جعفري -- قرن ق 8
شناسه افزوده : موسسه آل البيت عليهم السلام لاحياآ التراث رده بندي كنگره : BP182/3 /ع8ت4 1300ي
رده بندي ديويي : 297/342
شماره كتابشناسي ملي : م 73-2721
ص: 1
↨
ص: 2
ص: 3
ص: 4
الجزء الأول
بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
الحمد للّه الذي عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ ، و صلّى اللّه على نبيّه المصطفى و رسوله المسدد محمّد و على آله الطيبين الطاهرين.
و بعد: فإنّ من الحقائق الراهنة التي لا بدّ من التسليم بها: أنّ التراث الفقهيّ عند الشيعة الإماميّة يشكّل ثروة عظيمة، و الجهد المبذول في سبيله يتميّز بين فقه المذاهب الأخرى باتسامه بالموضوعيّة، و ابتعاده عن التحيّز و العصبية و تجاوز الواقعية، و لمراعاته الدقيقة لأصول البحث العلمي و الجدل الحر المنفتح على الآراء المختلفة لجميع المذاهب الإسلامية.
و إذا كان الكثير من المصادر الفقهية، و الموسوعات المتخصصة قد أصابها التلف و الضياع عبر العصور المتوالية بما جرى فيها من الظلم على طائفة الشيعة خاصة، و على عموم المسلمين نتيجة للكثير من الفتن المتلاحقة، و الحروب و الغزوات من قبل المغول و غيرهم، و السعي المحموم من قبل المراكز الأروبية من خلال الآلاف من المستشرقين و التجار الذين كانوا يجوبون الوطن الإسلامي الكبير بحثا عن المخطوطات النادرة و النفيسة لتنقل بصلافة و جرأة إلى المكتبات المتفرقة في اوربا بعيدا عن أصحابها
ص: 5
الشرعيين و الذين هم بأمس الحاجة إليها، مضافا الى حالات الإهمال و اللامبالاة الموجودة لدى البعض ممن توارثوا هذا التراث العظيم من خلال نسخه المخطوطة.
نعم إذا أدركنا كل هذه الحقائق فإنا سنجد أمامنا آفاقا واسعة تترجم الشكل العميق و الرصين لنشأة الكثير من المفاهيم و الأدلة الخاصة بالأدلة الشرعية الإجمالية لمفهوم الفقه الإسلامي بشكل عام، مع أن هناك أكثر من عشرة قرون تم خلالها تدوين هذا الفقه و ضبطه في مؤلّفات فقهية مختصرة و موسعة.
و أيا يكن فنحن من خلال بحثنا المختصر هذا سنحاول ان نستعرض و لو جانبا محددا عن ماهية الفقه و دوره المؤثر في تنظيم حياة البشرية، مستطرفين من خلالها الى شرح مبسّط عن المذاهب الفقهية الإسلامية وصولا الى صلب حديثنا عن الفقه المقارن، و ما كتب فيه، و ما هي ابعاده.
الفقه كما قد تتوافق على ذلك جميع المصادر لغويّا: بأنه العلم بالشيء و الفهم له.
فقد ذكر الجوهري في الصحاح: الفقه: الفهم. قال أعرابي لعيسى ابن عمر: شهدت عليك بالفقه.
تقول منه: فقه الرجل، بالكسر. و فلان لا يفقه و لا ينقه. و افقهتك الشيء(1).
ص: 6
و جاء في القاموس المحيط: الفقه (بالكسر): العلم بالشيء و الفهم له و الفطنة، غلب على علم الدين لشرفه(1).
و في لسان العرب: الفقه: العلم بالشيء و الفهم له، و الفقه الفطنة(2).
و الى هذا المعنى أشار قوله تعالى في كتابه الكريم قالُوا يا شُعَيْبُ ما نَفْقَهُ كَثِيراً مِمّا تَقُولُ (3) اي لا نعلم و لا نفهم حقيقة كثير مما تقول(4).
يقول ابن القيّم: و الفقه أخص من الفهم، و هو فهم مراد المتكلم من كلامه، و هذا قدر زائد على مجرد وضع اللفظ في اللغة، و بحسب تفاوت مراتب الناس في هذا تتفاوت مراتبهم في الفقه و العلم.
و يقول الآمدي: الفهم عبارة عن جودة الذهن، من جهة تهيّئه لاقتناص كل ما يرد عليه من المطالب، و ان لم يكن المتصف به عالما، كالعامي الفطن(5).
و اما اصطلاحا فان كلمة الفقه في أول الأمر كانت تطلق على معارف الشريعة، حيث فسّر بذلك قول رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: «ربّ حامل فقه الى من هو أفقه منه».
و بهذا المعنى فسّر قوله تعالى فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَ لِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ (6).
و كذلك قوله صلى اللّه عليه و آله: «من يرد اللّه به خيرا يفقه في9.
ص: 7
الدين».
إلاّ ان التمايز التدريجي للمعارف الدينية المختلفة، و تبلور الشكل المستقل لهذا العلم، و استقلاله بقواعد و أحكام حيث انحصر بحدود الأحكام الشرعية الخاصة بأفعال المكلفين ادى الى خروج الفقه اصطلاحا عن حدود المعنى السابق ليدخل مرحلة أخرى من مراحل تطوره، و ليصبح له مدلوله المقتصر على الأحكام العملية، أي ما يسمى بالعبادات و المعاملات، و حيث يستمر في التطور و الترقي عند ما يتوسع الفقهاء في مدلول كلمة الفقه هذه، و ذلك عند ما شاع التقليد و أسس الفقهاء مدارسهم الخاصة و المستقلة، و ذات الاجتهاد المختص، فأصبحت هذه الكلمة تطلق على العلم بالأحكام الشرعية الفرعية العملية بطرقها المختلفة، أو المستمدة من الأدلة التفصيلية [1] و من خلال هذا الاستعراض الموجز يظهر بوضوح أن الفقه هو - تحديدا - العلم بالأحكام العملية دون الاعتقادية، و أن الاجتهاد يتأطر ضمن المواضع التي ليس لها أحكام قطعية تدل عليها النصوص الثابتة التي لا تحتمل خلافا، فلا يسمّى العلم بالضروريات فقها، و لا الاعتقاديات و لا الموضوعات الخارجية، بل يختص بالأحكام الفرعية الظنية المستنبطة.
لعل التأمل في المكانة التي يحتلّها الفقه و الفقهاء في نظر الشارع المقدس إليهما تظهر بوضوح عمق الأثر الذي لا يمكن الإعراض عنه في حياة البشرية جمعاء، و المسير الحثيث نحو الآخرة المطمئنة السعيدة.
ص: 8
أجل أنّ للفقه و حملته مكانة عظيمة قد لا يرقى إليها شأن آخر، مهما علا، و لا غرو في ذلك، فالفقه يعدّ - بلا شكّ - القانون و المعيار الذي يستطيع من خلاله المسلم إدراك حقيقة عمله إحلال هو أم حرام، بل أ صحيح هو أم فاسد، و ما أدق و أعظم هذا الأمر في حياة المسلم.
و لذلك نجد الأحاديث المستفيضة التي تحتوي على جمل و كلمات عظيمة من الاطناب و الثناء تنهال على هذا العلم المقدّس و اهله.
قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: «من يرد اللّه به خيرا يفقّهه في الدين»(1).
و قال صلى اللّه عليه و آله: «فقيه أشدّ على الشيطان من ألف عابد»(2).
و قال أيضا: «إنّ رجالا يأتونكم من أقطار الأرضين يتفقّهون في الدين، فإذا أتوكم فاستوصوا بهم خيرا»(3).
و قال صلى اللّه عليه و آله: «خصلتان لا تجتمعان في منافق: حسن سمت، و لا فقه في الدين»(4).
و قال صلى اللّه عليه و آله: «خياركم أحاسنكم أخلاقا إذا فقهوا»(5).
و سئل صلى اللّه عليه و آله: من خير الناس ؟ فقال: «أفقههم في دين اللّه..»(6).6.
ص: 9
و قال صلى اللّه عليه و آله: «أفضل العبادة الفقه.»(1).
و قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السّلام: «من اتّجر بغير فقه فقد ارتطم في الربا»(2).
و قال عليه السلام: «القرآن جعله اللّه.. و ربيعا لقلوب الفقهاء»(3).
و قال الامام الصادق عليه السّلام: «ليت السياط على رءوس أصحابي حتى يتفقّهوا في الحلال و الحرام»(4).
لقد كانت الحقبة الزمنية الممتدة من بدايات القرن الثاني و حتى منتصف القرن الرابع الهجري تقريبا مقطعا هاما، و انعطافا ملحوظا في تبلور و نشأة الكثير من الأفكار و الاطروحات العقائدية و الفكرية المختلفة على طول الأرض الإسلامية، و إن كانت تتبلور بشكل أوضح في بعض المدن الحساسة كبغداد مثلا، و التي أصبحت حاضرة كبيرة من حواضر الثقافة الإسلامية، ضاهت برفعتها، و خلال فترة قصيرة الكوفة و المدينة و دمشق.
و لا غرو في ذلك فان ذلك العصر كان شاهدا لعدّة من التغيرات الواضحة في البنية الفكرية و قواعدها المعروفة، لطروء الكثير من المؤثرات الداخلية و الخارجية الفاعلة، و التي وجدت في الكثير من مرابعها الاستعداد النفسي و الحضاري لتلقيها و التأثر بها، بل و بناء الجم الوفير من التصورات
ص: 10
استنادا و تأثّرا بالفعل الخاص بها.
فلقد توسعت الدولة الإسلامية، و ضربت بإطناب سلطتها في أصقاع بعيدة و قاصية من أرض المعمورة، و دخلت تحت ظل وجودها الكثير من الشعوب و القوميات المختلفة، بعقائدها و أفكارها الخاصّة و المعقّدة، بل و ذات العمق الحضاري الذي تضرب جذوره في أعماق سحيقة من التاريخ، و كان لا بدّ من أن تنبعث هذه الأفكار بشكل أو بآخر لتجد لها موطإ قدم على أرض الواقع المعاشي، و تلك حقيقة لا ينفيها العقلاء، فأوجدت هذه الحالة بعدين جديدين امام الفكر الإسلامي و قاعدته الواسعة:
1 - البعد الأول: و يتمثل بقدرة الفكر الإسلامي على ردّ جميع الشبهات و الأفكار الدخيلة اعتمادا على قدرة هذا الفكر على التطور و الاستيعاب و إيجاد البدائل.
2 - البعد الثاني: و يتمثل بالتأثر بشكل أو بآخر، بهذه الأفكار و تسرّ بها بأكثر من شكل و ستار الى البعض لتطرح من جديد بثوب إسلامي شرعي.
و لقد كان موقف أئمة أهل البيت عليهم السلام و اتباعهم يمثّل بوضوح الشق الأول بريادة الامام جعفر بن محمّد الصادق عليهما السّلام، حيث كان تأسيسه لمدرسته العلمية يمثل في أهم ابعاده السدّ الحائل أمام نفوذ الكثير من تلك الاطروحات الغريبة إلى داخل البنيان الإسلامي، و حاجزا أمام نشوء حالة الاختلاط المريب و التسرب البطيء الذي يشكل مع الأيام وجودا خطرا على عموم البنيان الإسلامي العظيم.
إنّ التأمّل اليسير في حجم التسرب الفكري و العقائدي الذي أصاب رواد الشق الثاني الذي أشرنا إليه آنفا يبيّن بوضوح عظم الأثر الذي تركته هذه المدرسة المباركة الكبرى.
ان هذا العصر كان شاهدا للكثير من التطورات و التغيرات المهمة
ص: 11
و الكبرى و على اصعدة واسعة و مختلفة تركت آثارها الواضحة على البناء الفكري و الثقافي للمجتمع الإسلامي، و من ذلك انتشار صناعة الورق ابان تلك الفترة الزمنية، فكان ذلك سببا مباشرا في سهولة الحصول على الكتب و المؤلفات التي كان يصعب الحصول عليها بعسر استنساخها على أوراق البردي أو الرق.
مضافا إلى ما شهده العصر العباسي الأول من اعتناء واسع بالترجمة عن الثقافات الأجنبية، و التي بدأت في عصر المنصور (ت 158 ه) و بلغت أوجها في عصر المأمون بعد أن أنشأ أبوه الرشيد دار الحكمة و جلب إليها الكتب من أنحاء المعمورة، و استقدم العديد من المتخصصين بالترجمة من اللغات الأجنبية إلى اللغة العربية، و كان من نتيجة ذلك ان نشأت طبقة متضلعة بالترجمة عمدت الى تعريب الكثير من المؤلفات الرومانية و الفارسية و اليونانية و الهندية و غيرها، فواجه المفكر المسلم، و العامة من الناس ثقافات جديدة و غريبة، فتعاملوا معها كما أشرنا سابقا بين المد و الجزر.
و لعل من الحلقات الكبرى في هذا الوضع الجديد على الساحة الإسلامية، و الذي عمد الى استثمار الفرص الأخرى التي أشرنا إليها، هو نشوء الدولة العباسية، و استقرار دفة الأمور بيديها.
فبعد ان استقر المقام بالعباسيين على سدة الدولة الإسلامية، وجدوا ان من غير المنطقي استمرارهم في التمسك بالكثير من الشعارات التي تاجروا بها ردحا من الزمن، و اتخذوها وسيلة للوصول إلى قمة الهرم في الدولة الإسلامية، و حيث كانوا يدركون خطر الاستمرار في التمسك بها و الدعوة إليها على وجودهم و تربعهم على سدة الحكم.
و من أهم تلك الشعارات التي نادوا بها طويلا، و كانت العامل الأكثر حساسية في التفاف الكثير حولهم، هو شعار الدعوة لآل محمّد صلّى اللّه
ص: 12
عليه و عليهم، و الذي أكسبهم الكثير من الشرعية عند عموم المسلمين.
نقول بعد ذلك الأمر كان لا مناص امام الدولة العباسية و حكّامها الا البحث عن البدائل الأخرى، فعمدوا الى تقريب العلماء و المفكرين، لا لغرض علمي أو ديني كما يتوهّمه البعض أو يريد ان يصوره للآخرين، بل لغرض سياسي بحت، هو إضفاء صفة الشرعية على حكمهم، فكان ان ارتاد بلاطهم الكثيرون من المستجدين فتات موائدهم، بهدف إزواء فقهاء أهل البيت عليهم السلام.
كما ان الدولة شخصت بشكل أو بآخر نمو الكثير من المذاهب و المعتقدات المختلفة لأغراض شتى متفاوتة، بين الجهل، و إضفاء صفة الحرص على العلم على دولتهم، و إيجاد البدائل الممكنة قبالة مذهب أهل البيت عليهم السلام.
بلى اننا عند ما نجزم بحقيقة توجه الدولة العباسية المعادي لخط أهل بيت النبوة عليهم السلام لا يعني ذلك مخالفتنا الفكرية و العقائدية لتطور الأفكار و نموها بقدر ما أردنا الإشارة إليه من تدبير خطير تعاهدته أيدي العباسيين بالرعاية و الاهتمام.
و لذا فان البذور الاولى لنشأة المذاهب الفقهية الإسلامية قد تكونت إبان حكم الدولة العباسية، و أخذت تشتد بمرور الأيام ثم تبيّن استقلالها و تفرقها بوضوح بعد تردي أوضاع هذه الدولة، و انقسام الحياة الفكرية العامة لدى المسلمين، و سعي تلاميذ أصحاب المذاهب الفقهية المختلفة الدؤوب في الدعوة الى مذاهبهم، بعيدا عن مذهب أهل البيت عليهم السلام، و حيث بقي طوال تلك المدة عرضة للمطاردة و التنكيل، يقابله اعتناق البعض من الحكّام لمذاهب معيّنة و فرضهم على الساحة أن تكون خالية مما عداه من المذاهب الأخرى إلاّ المذهب الذي يؤمن به.
ص: 13
لعله من نافلة القول ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله قد رحل عن هذا العالم بعد السنين التي عاش فيها بين المسلمين، يتأملون عبادته من طهارة و صلاة و صوم و حج و غير ذلك فيتبعونه في ذلك، و يرجعون اليه فيما اختلفوا فيه أو شكّوا في صوابه، و اما ما يروى من الروايات المذكورة في مظانها من مفهوم الاجتهاد في عصره صلى اللّه عليه و آله فإنه كان لا يتجاوز عملية بذل الجهد لا كما أصبح عليه الآن مما يدل عليه اصطلاحا من استنباط الأحكام الشرعية من أدلتها التفصيلية.
كما اننا لا نتفق مع الرأي القائل بوقوع الاجتهاد من قبل رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله كما ذهب الى ذلك الآمدي في الاحكام(1) و غيره، لان ذلك يتنافى صراحة مع قوله تعالى وَ ما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى .
و ما رواه أبو داود في سننه عن عبد اللّه بن عمرو بن العاص قال: كنت أكتب كل شيء أسمعه من رسول اللّه صلى اللّه عليه [و آله] و سلّم أريد حفظه، فنهتني قريش و قالوا: أ تكتب كل شيء تسمعه و رسول اللّه صلى اللّه عليه [و آله] بشر يتكلم في الغضب و الرضا! فأمسكت عن الكتاب! فذكرت ذلك لرسول اللّه صلى اللّه عليه [و آله] و سلّم، فأومأ بإصبعه إلى فيه فقال: «اكتب، فو الذي نفسي بيده ما يخرج منه إلاّ حقّ»(2).
و لأنّ الاجتهاد كما نعلم يفيد الظّن، و قد اتفق على ذلك الجميع، و منهم الآمدي في الأحكام حيث قال: الاجتهاد مخصوص باستفراغ الوسع
ص: 14
في طلب الظن بشيء من الأحكام الشرعية على وجه يحسن من النفس العجز عن المزيد فيه(1).
فإذا كان كذلك فلم كان صلى اللّه عليه و آله يتوقف في العديد من الأحكام حتى يرد عليه الوحي من قبل اللّه تعالى، و قد كان بإمكانه الاجتهاد في ذلك و عدم الانتظار؟ ثم إنّ في الاعتقاد بذلك مدخلا خطيرا يضعف القول القطعي بأن الشرع الذي جاء به رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله هو من اللّه تعالى، كما أنّه يوهن الثقة المطلقة بأحكامه صلى اللّه عليه و آله طالما ان الاجتهاد محتمل الحالتين: الخطأ و الصواب، و ذلك منفي عن الرسول صلى اللّه عليه و آله قطعا.
نعم لقد رحل رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و خلّف لأمته شيئين اثنين، جعلهما المرجع السليم لهذه الأمة عند الاختلاف، ألا و هما: كتاب اللّه عز و جل، و عترته أهل بيته عليهم السلام، بنصّ قوله صلى اللّه عليه و آله: «إنّي تارك فيكم ما ان تمسكتم به لن تضلّوا بعدي، أحدهما أعظم من الآخر:
كتاب اللّه حبل ممدود من السماء إلى الأرض، و عترتي أهل بيتي، و لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض، فانظروا كيف تخلفوني فيهما»(2).
إلاّ أنّ أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله لم يتخلفوا عن امتثال أمره حتى قبيل موته صلى اللّه عليه و آله، فكانت اولى هذه المسائل قضية الخلافة الشرعية عنه صلّى اللّه عليه و آله، فخالفوا في ذلك النص الصريح، و الأمر الواقع، فكان في ذلك أول خروج عن الخطّ النبوي القويم، و أوضح انحراف عن الالتزام بالشق الثاني المتمثل بالثقل الآخر الذي خلّفه رسول2.
ص: 15
اللّه صلى اللّه عليه و آله لأمته من بعده.
و مع توالي الأيام و السنون، توالت الاختلافات، و تباعدت الآراء، كل يجتهد برأيه قبالة الرأي الصريح لأهل بيت العصمة عليهم السلام، و لو رجعوا إليهم لانهالت عليهم البركات من فوقهم و من تحت أرجلهم، و لكن ابتعدوا فتفارقوا و اختلفوا.
و رب سائل عن أسباب هذه الاختلافات في الكثير من الأحكام الفقهية الخاصة بالمسائل العبادية و الحياتية، رغم لزوم ان تتفق على أمر واحد لأنها تصدر من مشكاة واحدة و مصدر واحد معيّن ؟؟! فالجواب: أنّ اللّه تبارك و تعالى لم يكن ليدع الأمة حيرى تخبط العشواء، لا تهتدي إلى سبيل، و لا تأوي إلى مأمن، أ ليس هو الحكيم الخبير، و اللطيف الرحيم ؟ انّا نعتقد أن لا يقول بذلك عاقل، أو من وهبه اللّه نورا يستضيء به.
إنّ الأئمة المعصومين من أهل بيت النبوة عليهم السلام كانوا هم سبيل نجاة الأمة من هذا التخبّط و الاختلاف، لأنهم يمثّلون الامتداد الحقيقي للنبوة، و حاملو أعباء ديمومتها، فلذا لا حيرة و لا اضطراب و لا اشتباه لمن تمسك بحبلهم و مشى في ظلهم و أبصر بنورهم و لكن أبت هذه الأمة إلاّ ان تعرض عن هذا الصراط الواضح، و الامتداد المأمون للصراط المستقيم، فكانت هذه الاختلافات التي يجب أن لا تكون، و تفرّقت بالمسلمين السبل و الأهواء.
و عند ما نتحدث عن الاختلاف لا يسعنا إلاّ ان نضع أصابعنا على الجرح الحقيقي، و موطن الداء الوبيل الذي أدى الى حدوث هذه الظاهرة التي أشرنا إليها في بداية حديثنا.
إنّ الأمّة و بعد ابتعادها عن أهل بيت نبيها عليه و عليهم السلام و اتكالها
ص: 16
على أدواتها القاصرة عجزت عن الوصول إلى الغاية الشرعية المطلوبة من خلال محاولتها استنباط الحكم الشرعي السليم و الصائب، و لعل مرجع ذلك الى مجموعة من الأمور، و لعل عدم الإحاطة الشاملة و الإلمام الدقيق بحديث رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سنّته يحتلّ المجال الأوسع و الأكبر في ميدان هذا الاضطراب الحاصل و الغريب.
فالمطالعة المتأملة لتاريخ الصدر الأول من الحكم الإسلامي، و بعد وفاة رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله، و حيث ينبغي ان تكون الصورة أوضح لاتصال العهدين، تكشف لنا تلك المطالعة العكس من ذلك، حيث يبدو الاضطراب واضحا في تبيّن جملة الحقائق المرادة.
فقد روي مثلا عن أبي بكر أنّه سئل ابان خلافته عن ميراث الجدة ؟ فلم يهتد إلى الإجابة! و لم يجد بدّا عن الرد على ذلك السائل بقوله: مالك في كتاب اللّه من شيء، و ما علمت لك في سنّة رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله من شيء، و لكن اسأل الناس!! و الواقعة مشهورة، حيث قيل إنّه اندفع الى المسلمين يسألهم عن ذلك فقام بعض الصحابة فشهدوا أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أعطاها السدس، فقضى أبو بكر بذلك(1).
و مثل ذلك روي عن عمر بن الخطاب حيث جهل أنّ المرأة ترث من دية زوجها(2) ، بل و لم يكن يعلم سنّة الاستئذان(3) ، و لا حكم دية الأصابع(4).
و إذا كان ذلك هو حال كبار صحابة رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله فما حال صغار الصحابة أو التابعين، و الذين يعتمدون في الكثير من أحكامهم8.
ص: 17
على رأي أولئك و اجتهاداتهم.
و الأنكى من ذلك ان الكثير من الصحابة قد انتشروا في بقاع الأرض الإسلامية و أخذ كل واحد منهم يحدّث بما يراه صحيحا أو يعتقد أنّه كذلك، حتى اختلط السقيم بالسليم.
هذا الأمر يمثّل الجانب الأول الذي أوجد صورة مشوشة عن سنّة رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله، و هذا ما سلمت منه مدرسة أهل البيت عليهم السلام حيث أنّ كل علومهم تصدر عن معدن الرسالة بطرق أمينة موثوقة.
و المشكلة الأخرى التي واجهها المسلمون عند ما انفردوا برأيهم عن أهل بيت نبيهم هو اختلافهم في فهم النصّ و تفسيره و على ذلك شواهد كثيرة و متكررة، و إذا كنا قد أشرنا في أول حديثنا الى ما يختص بالصدر الأول من الحكم الإسلامي، فإنّ من جاء بعد ذلك، و كنتيجة منطقية لواقع الحال كان الاضطراب أبين و أوضح، و مثال ذلك تفسيرهم للحكم الشرعي الواقع على زكاة الخليطين، حيث اختلفوا في ذلك بشكل واسع، فقد ذهب الشافعي الى أنّ الخليطين - فيما إذا كان كل واحد منهما يملك دون النصاب، و إذا خلطا ماليهما بلغا النصاب - إذا كانا من أهل الزكاة يزكّيان زكاة الرجل الواحد إذا استجمعت الخلطة شروطها(1) ، محتجا على ذلك بما ورد في حديث الصدقة «لا يجمع بين متفرّق و لا يفرّق بين مجتمع خشية الصدقة، و ما كان من خليطين فإنها يتراجعان بينهما بالسوية»(2).
حيث فسر صدر قوله صلى اللّه عليه و آله بالخلطاء يملكون مائة و عشرين شاة، فإذا زكيت مجتمعة كان عليها واحدة، و إذا زكيت متفرقة و كانوا ثلاثة يملك كل واحد أربعين، فيجب حينذاك ثلاث شياه، فلا يفرّق بين2.
ص: 18
المجتمع، و يجب فيها شاة واحدة. و برجلين يملك أحدهما مائة شاة، و الآخر مائة و واحدة، فالزكاة عليهما شاتان مفترقتين و ثلاث مجتمعين، فلا يجمع بينهما، بل يزكي كل واحد ماله على حدة.
و فسّر ذيل حديثه صلى اللّه عليه و آله المتقدم: بأن يكون للرجلين مائة شاة، و تكون غنم كل واحد منهما معروفة، فتؤخذ الشاة من غنم أحدهما، فيرجع المأخوذ منه الشاة على خليطه بنصف قيمة الشاة المأخوذة عن غنمه و غنمه، إذا كان عدد غنمهما واحدا.
فإذا كانت الشاة مأخوذة من غنم رجل له ثلث الغنم، و لشريكه ثلثاها، رجع المأخوذ منه الشاة على شريكه بثلثي قيمة الشاة المأخوذة عن غنمه و غنم شريكه، لان ثلثيها أخذا عن غنم شريكه، فغرم حصة ما أخذ عن غنمه(1).
و وافقه في ذلك أحمد، إلاّ ان الحنفية خالفوهم في ذلك، فذهبوا الى أنّ الخلطة ليس لها تأثير في نصاب الزكاة، فلا يجب على واحد من الخلطاء الا ما كان يجب عليه قبل الخلطة، و فسّروا صدر قوله صلى اللّه عليه و آله ذاك: بأنه لا يجمع بين مفترق في الملك، لا في المكان بان يملك رجل أربعين و آخر أربعين، فلا يجمع بينهما ليؤخذ منهما شاة، و بالرجل يكون في ملكه نصاب، فلا يفرق حتى تجب عليه الزكاة.
و بالرجل يكون في ملكه ثمانون، فلا تفرق حتى يجب عليه شاتان.
و اما ذيل قوله صلى اللّه عليه و آله ففسروه بالشريكين، فإنهما يتراجعان بينهما بالسوية(2).
و اما مالك فقد ذهب في الموطأ الى ان الخليطين تجب الزكاة في1.
ص: 19
ماليهما معا، شريطة ان يكون كل واحد منهما يملك في أول الأمر ما تجب فيه الزكاة، و فسر قوله صلى اللّه عليه و آله تفسيرا آخر(1).
و هكذا هو حال غير ذلك من النصوص، فراجع.
و اما العلة الأخرى الواضحة التي أدت بهم إلى الاضطراب في تحديد الحكم الشرعي الموحد فإنه يعود الى حيرتهم أمام الاشتراك اللفظي للكثير من المفردات اللغوية العربية في الدلالة على المعنى.
و لقد كان هذا الاشتراك سببا واضحا في إيجاد الاختلاف الكبير بين الفقهاء في الكثير من الأحكام الفقهية المختلفة، حيث تضاربت آرائهم في تقدير مراد الشارع المقدس من تلك الألفاظ، و لذلك شواهد كثيرة في كتب القوم الفقهية لا يسعنا المجال لإيرادها و مناقشتها، و من ذلك حيرتهم في تحديد عدة الحائض من قوله تعالى وَ الْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ (2) استدلالا بكلمة القرء و اشتراكها اللفظي بين الطهر و الحيض، فراجع.
و كتحديدهم لوقت الذبح في الأيام المعلومات الواردة في قوله جلّ اسمه لِيَشْهَدُوا مَنافِعَ لَهُمْ وَ يَذْكُرُوا اسْمَ اللّهِ فِي أَيّامٍ مَعْلُوماتٍ (3) حيث اختلفوا في تحديد اليوم لورود استعماله في اللغة بما يشمل الليل، أو يختص بالنهار.
و كذا فإنهم اختلفوا في جواز أكل المحرم من لحم صيد البر استنادا الى ما ورد من قوله تعالى وَ حُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ ما دُمْتُمْ حُرُماً (4) لورود5.
ص: 20
اسم الصيد في اللغة بما يخصّ الاصطياد في جانب، في حين يقع هذا الاسم أيضا على المصيد. و مثل ذلك في حكم مباشرة المرأة وقت الحيض فيما دون الفرج، و وقوع الطلاق بانتهاء مدة الإيلاء، و غير ذلك.
و ظاهرة اختلاف القراءات شكّلت مشكلة حساسة و دقيقة في اضطراب الكثير من الاحكام و تعارضها، و لعلّ من أبين الحالات هو الاختلاف الحاصل في تفسير مراده تعالى من آية الوضوء يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَ أَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ وَ امْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَ أَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ (1).
الى غير ذلك من العوامل المؤثرة في إيجاد هذا التفاوت البيّن في معرفة الحكم الشرعي، و ما يترتب عليه من تعارض واضح، و تفاوت مشهود في إشكال الأعمال العبادية المختلفة بين أبناء الدين الواحد، و التي من أوضحها تعارض الأدلة، و عدم وجود النصّ في واقعة معينة و غيرها.
و ان هذا الافتراق الذي قد تتفاوت درجاته، و تصل الى حدّ الحرمة، من خلال اختلاف النظرة الواضحة في أدلة الأحكام الشرعية من قبيل المسائل التعبدية التي يبتلى بها المسلمون في كل عصر و أوان و مكان، يشكّل بلا شك غصة مرة في الحلوق لا مناص من الإقرار بوقوعها كأمر واقع، و هي تشكل في واقعها مؤشرا واضحا لحصول ابتعاد هذه الأمّة عن البحر الزاخر الذي خلّفه رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله لهذه الأمة، ذلك البحر ذي المنهل العذب الذي لا يبخل على روّاده و لا يعجز عن إروائهم ما بلغوا.
لقد تعددت المذاهب الإسلامية، و تفرّقت في ذلك السبل، فهي تتفق حينا و تختلف أحيانا، و نرى ذلك بوضوح من خلال التأمل المتأني لمفردات5.
ص: 21
و دقائق الأمور.
و لقد أفرد علماء و فقهاء تلك المذاهب الموسوعات الكثيرة و الواسعة، و التي قد يصل البعض منها الى خمسين مجلدا، تحتوي على جملة واسعة من الآراء الفقهية، و الأحكام الشرعية الخاصة بذلك المذهب، و التي قد تختلف اختلافا جوهريا مع الرأي المقابل للمذهب الآخر في كثير من وقائعه، و سنحاول في هذه العجالة ان نلقي نظرة عابرة على كتب الفرق الإسلامية الفقهية و مؤلفيها.
يعد كتاب «الأم» للشافعي المصدر الاساسي و الأول لكل الفقه الشافعي، حيث ضمّنه جميع أبواب الفقه المعروفة.
و للشافعي أيضا كتب أخرى ألف البعض منها في العراق و فيها آراؤه القديمة، و البعض الآخر في مصر تتضمن الآراء و الأفكار الجديدة له.
و لعل من أهم تلك الكتب «الرسالة» و «جماع العلم» الذي يعد من أهم الدراسات التي كتبها في الردّ على أعداء السنّة في عصره، و كذا كتاب «الإملاء الصغير» و «الأمالي الكبرى» و غيرها.
و بعد الشافعي، كتب تلاميذه و فقهاء المذهب كتبا كثيرة، لعل أهمها:
1 - مختصر المزني لأبي إبراهيم إسماعيل بن يحيى المزني (ت 264 هجري)، و هو أول من صنّف في مذهب الشافعي، و كتابه المختصر من أهم مصنفاته.
2 - المهذب لأبي إسحاق إبراهيم بن علي بن يوسف الشيرازي (ت 476 ه)، و للمهذب شروح كثيرة أهمها المجموع للنووي.
ص: 22
3 - التنبيه في فروع الشافعية للشيرازي صاحب المهذب، و عليه شروح كثيرة.
4 - نهاية المطلب في دراية المذهب للجويني عبد الملك بن عبد اللّه (ت 478 ه) و هو من كتب الفقه المقارن.
5 - البسيط في فروع الفقه لأبي حامد الغزالي (ت 505 ه -).
6 - الوسيط في فروع المذهب للغزالي، و هو مختصر للبسيط، حذف فيه الأقوال الضعيفة و الشاذة.
7 - الوجيز في فقه الامام الشافعي للغزالي.
8 - المحرر لأبي قاسم عبد الكريم بن محمد الرافعي (ت 623 ه -)، مقتبس من كتاب الوجيز للغزالي، عليه شروح كثيرة أهمها «كشف الدرر في شرح المحرر» لشهاب الدين الحصكفي (ت 985 ه -).
9 - فتح العزيز في شرح الوجيز لصاحب المحرر، شرح فيه الرافعي كتاب الوجيز للشافعي.
10 - المجموع لأبي زكريا محيي الدين النووي (ت 676 ه -).
و للنووي أيضا مؤلفات اخرى أمثال الروضة في الفروع، و منهاج الطالبين، و هو اختصار لمحرر الرافعي.
و على منهاج الطالبين شروح كثيرة لعل أهمها: أ - تحفة المحتاج لشرح المنهاج لابن حجر الهيثمي (ت 974 ه -). ب - مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج للخطيب الشربيني (ت 977 ه). ج - نهاية المحتاج الى شرح المنهاج لابن حمزة الرملي (ت 1004 ه -).
و كذلك فان من المتون المهمة المعتبرة في المذهب الشافعي هو متن أبي شجاع لأحمد بن الحسين أبو شجاع الأصفهاني (ت 593 ه -) و عليه شروح كثيرة.
ص: 23
يعد كتاب «المسند» لأحمد بن حنبل من أهم المسانيد المؤلفة، الا انه ليس لأحمد كتاب فقهي يعوّل عليه، بل ان الفقهاء هم الذين كتبوا في المذهب فأكثروا، و لعل من أهم تلك المصنفات:
1 - مختصر الخرقي لأبي القاسم عمر بن الحسين الخرقي، و هو أول كتاب فقهي في فقه احمد بن حنبل، و عليه شروح عديدة أهمها كتاب المغني لابن قدامة.
2 - التذكرة لأبي الوفاء علي بن عقيل البغدادي (ت 513 ه -).
3 - الهداية لأبي الخطاب الكلوذاني (ت 516 ه -).
4 - المستوعب لمحمد بن عبد اللّه السامرّي (ت 610 ه -).
5 - و لموفق الدين بن قدامة المتوفّى سنة (620 ه -) عدة كتب في الفقه الحنبلي: أهمها و أوسعها كتاب المغني، و موجز و هو كتاب المقنع، و متوسط بين الإطالة و الاختصار و هو كتاب الكافي.
و لاهمية ابن قدامة عند الحنابلة أصبحت كتبه موردا للبحث و التدريس، بل و أصبحت مؤلفاته و شروحها هي المتون المعتمدة في الدراسات العلمية.
6 - المحرر لمجد الدين أبي البركات عبد السلام بن أبي القاسم بن تيمية (ت 652 ه -)، و على هذا الكتاب شروح و حواشي متعددة.
7 - الفتاوى لابن تيمية و هي موسوعة كبيرة بلغت اجزاؤها 37 جزءا.
8 - الفروع لابن مفلح، و الذي استدرك عليه سليمان المرداوي (ت 885 ه -) بما اسماه (تصحيح الفروع).
9 - الإقناع في فقه الامام احمد بن حنبل لموسى بن أحمد المقدسي
ص: 24
(ت 968 ه -).
10 - منتهى الإرادات لابن النجار (ت 972 ه -)، جمع فيه بين «المقنع» لابن قدامة، و «التنقيح» للمرداوي.
المعروف ان مالك بن انس امام المذهب المالكي لم يدون ما يعرف بأصول هذا المذهب، و كذا قواعده الشرعية في الاستنباط، الا ان كتاب الموطأ يعد أهم اثر علمي تركه، و هو كتاب حاو على الحديث و الفقه، و حيث يعد المصدر الأول الذي يعول عليه عند المالكية و قد تتلمذ على يديه عدد غفير من طلبة العلم الذين أصبحوا من بعده القواعد الاساسية التي يرتكز عليها هذا المذهب، و قد ألف في هذا الاتجاه جملة من الكتب المحددة لأصول المذهب المالكي و فقهه، و التي أهمها:
1 - الشروح الخاصة بكتاب الموطأ لمالك و التي أهمها:
أ - التمهيد لما في الموطأ من المعاني و الأسانيد لابن عبد البر الأندلسي (ت 463 ه -).
ب - الاستذكار لمذهب الأنصار فيما تضمنه الموطأ من معاني الرأي و الآثار، لابن عبد البر أيضا.
ج - المنتقى لابن الوليد سليمان بن خلف الباجي (ت 474 ه -).
د - تنوير الحوالك على موطإ مالك لجلال الدين السيوطي (ت 911 هجري).
ه - شرح الزرقاني على موطإ الامام مالك لمحمد بن عبد الباقي الزرقاني المصري (ت 1122 ه -).
2 - المدونات التي كتبت في القرن الثالث الهجري و التي تعرف
ص: 25
بالأمهات، و هي:
أ - مدونة سحنون الاسدية، و التي دونها أسد بن فرات تلقيا عن ابن القاسم أشهر تلاميذ مالك، و الملازم له نحو عشرين عاما، الا انه أعاد النظر فيها، تهذيبا و اضافة و ترتيبا، فأصبحت الأخيرة محط أنظار المالكية دون الاولى.
ب - الواضحة في السنن و الفقه لعبد الملك بن حبيب (ت 238 ه -).
ج - المستخرجة العتبية على الموطأ لمحمد العتبى (ت 254 ه -).
د - الموازية لابن المواز (ت 281 ه -).
فهذه المدونات تعد المصدر الأساس الذي يعول عليه الفقه المالكي.
3 - المختصرات و المتون، و من أهمها:
أ - رسالة ابن أبي زيد القيرواني، و هي اختصار لمدونة سحنون، و لهذه الرسالة شروح كثيرة أهمها الشرح الخاص بأحمد بن عيسى المعروف بزروق (ت 899 ه -).
ب - مختصر الشيخ خليل، و هو اختصار لما كتبه ابن الحاجب المختصر بدوره لما كتبه البرادعي الذي كان من أصحاب أبي زيد، و الذي كان ما كتبه اختصارا لرسالة القيرواني.
و يعد هذا المختصر الكتاب المعتمد عند المالكية، و عليه شروح كثيرة أهمها:
1 - مواهب الجليل لشرح مختصر الشيخ خليل لأبي عبد اللّه محمد ابن محمّد المكي (ت 954 ه -).
2 - شرح الزرقاني على مختصر خليل لعبد الباقي الزرقاني (ت 1099 ه -).
ص: 26
3 - الخرشي على مختصر سيدي خليل للخرشي (ت 1101 ه -).
4 - الشرح الكبير على مختصر سيدي خليل للدردير (ت 1201 ه -).
و على هذا الشرح حاشية مشهورة تعرف بحاشية الدسوقي لمحمد بن احمد ابن عرفة (ت 1230 ه -).
تعد كتب ظاهر الرواية لمحمد بن الحسن الشيباني (ت 189 ه -).
المصدر الأول للفقه الحنفي، و قد اختصر هذه الكتب الحاكم محمد بن أحمد المروزي (ت 334 ه -) في كتابه المعروف بالكافي، بعد حذفه للمكرر منها.
و لعل من أهم كتب الحنفية:
أ - المبسوط لأبي بكر السرخسي (ت 483 ه -).
ب - تحفة الفقهاء لعلاء الدين السمرقندي (ت 575 ه -).
ج - بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع للكاساني (ت 587 ه -).
كما ان هنا خمسة متون مهمة تشكل المحور الأساس للدراسات العلمية في المعاهد الحنفية الموجودة، و هي:
أ - مختصر القدوري لأبي الحسين أحمد بن محمد القدوري (ت 428 ه -).
ب - الوقاية لبرهان الشريعة لمحمود بن احمد المتوفى في حدود (673 هجري).
ج - المختار لأبي الفضل الموصلي (ت 683 ه -).
د - مجمع البحرين لابن الساعاتي (ت 694 ه -).
ه - كنز الدقائق للنسفي (ت 710 ه -).
ص: 27
و هكذا، و من خلال هذا العرض المختصر لنشأة المذاهب الفقهية المختلفة، و مرورنا العابر على البعض من كتب تلك الفرق، و تبلورها حول أئمة خاصة بها، تفردوا بجملة من الآراء و الأصول الفقهية، أو وافقوا الآخرين في البعض الآخر منها،
و هم اتباع أئمة أهل البيت عليهم السلام، و حيث أخذوا فقههم منهم، قد اعتمدوا المصادر التالية في استخراجهم للأحكام الشرعية التي يتعبدون بها، و هي:
1 - الكتاب، و هو القرآن الكريم الذي جاء به رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله من لدن حكيم خبير بواسطة جبرئيل الأمين عليه السلام.
2 - السنة الشريفة المطهرة، و هي:
أ - أقوال المعصوم المتمثلة بأوامره و نواهيه و تعليماته عليه السلام.
ب - أفعاله و اعماله التي اتى بها عليه السلام، المشعرة بإباحتها، إلاّ إذا كان قد اتى بها بعنوان الوجوب أو الاستحباب فتدخل ضمنه، ما لم يكن قد اتى بها لتخصصها به دون غيره.
ج - تقريراته عليه السلام.
و نقصد بالمعصوم عليه السلام رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و الأئمة المعصومين من ذريته عليه السلام.
3 - الإجماع، و حجية الإجماع عند الشيعة إنّما هي لأجل كونه موصلا الى قول المعصوم عليه السّلام في المجمعين، و لهم في استكشاف ذلك طرق و مباني مبيّنة في محلها.
4 - ما ثبت حجيته بهما كالاستصحاب - و هو في اصطلاح الأصوليين: اعتبار متيقن الوجود أو ما بحكم المتيقن باقيا عند الشك في زواله - بناء على كون حجيته من الاخبار لا من العقل، كما هو معروف.
5 - الأدلة العقلية، كالبراءة العقلية و غيرها مما ثبتت حجيتها بالعقل،
ص: 28
و يسمى بحكم العقل، و يراد به الإدراك العقلي الموصل الى الحكم الشرعي، و ينتقل من العلم بالحكم العقلي إلى العلم بالحكم الشرعي.
و في الطرف الآخر نجد أنّ المذاهب الفقهية الأخرى - غير الشيعة الإمامية - قد اعتمدوا جملة من مصادر التشريع و أدلتها يمكن أن تنقسم إلى قسمين رئيسيين:
القسم الأول: الأدلة المتفق عليها بينهم، و هي: الكتاب، و السنة، و الإجماع، و القياس.
القسم الثاني: الأدلة المختلف فيها، و لعل أهمها:
1 - مذهب الصحابي.
2 - إجماع أهل المدينة.
3 - المصالح المرسلة.
4 - الاستصحاب.
5 - العرف.
6 - الاستقراء.
7 - الاستحسان.
و تتفاوت المذاهب الإسلامية في قبول هذه الأدلة أو ردها، و التعرض لتفصيل المناقشة حول هذه الأدلة و بحثها لا تستوعبه هذه الصفحات القليلة.
إلاّ ان هذا التفاوت في اعتماد جملة الأدلة التي أشرنا إليها من كلا الفريقين، كان يعني - و على أدنى تقدير - جملة لا بأس بها من الاختلافات الواضحة في استنباط الأحكام الشرعية، لكن هذا الاختلاف لا يعني وجود البون الشاسع و الاختلاف الكبير المؤدي إلى إقامة الهوة بين هذه المذاهب الإسلامية، بعضها مع البعض الآخر، أو مع فقه الشيعة كما يحاول البعض فرضه، بل ان الأمر أقرب الى التفهم و الإدراك عند المناقشة الصريحة
ص: 29
و العلمية المرتكزة على الأسس الشرعية و القواعد الإلهية التي يؤمن بها الجميع بلا شك.
و لعل من هذا المنطلق المهم و الحساس بنيت أركان الفقه المقارن الذي نحاول التعرف على أشكاله من خلال كتابنا الماثل بين يديك أخي القارئ الكريم، و هو كتاب «تذكرة الفقهاء» لأحد كبار علماء الشيعة، و هو العلاّمة الحلي قدس اللّه سرّه.
و حقا ان نشأة هذا العلم غير واضحة المعالم و لا متكاملة الابعاد، حيث لم تتجاوز آن ذاك حدود الإشارة الى بعض الآراء الأخرى و في حدود ضيقة.
إلاّ أنّ الأمر أخذ أبعاده العلمية الواضحة، في جملة واسعة من المؤلفات المتخصصة، و التي عمدت الى احتواء مختلف الآراء الواردة في أكثر من مذهب، من خلال مناقشة علمية، و مقارنة موضوعية تستهدف إلى إثبات صحة الحكم المراد تثبيته من خلال الأدلة الشرعية المتفق عليها، أو الملزمة للمعارض.
لم تكن بدايات ما يسمى بالفقه المقارن في أبعاده الحقيقية لتتجاوز اعتماد المنهج الدفاعي الذي يسلكه الفقيه في الاحتجاج بالأدلة و الأحكام الشرعية للمدرسة التي ينتمي إليها ذلك الفقيه.
و من المظاهر المعلومة لهذا الفن ابان تلك الفترة محدودية المسائل التي يتم التعرض إليها في المناقشة، حيث لم تكن شاملة لكل مسائل الفقه، بل كانت مقارنات جزئية محدودة.
بيد أنّ هذا الفن المهم - و بمرور الزمن - امتدت آفاقه لتشمل كل
ص: 30
أبواب الفقه، بل و لم يعد في حقيقته لونا من ألوان الدفاع البحت عن مذهب الفقيه بقدر ما فيه من العرف العلمي السليم - في أغلب الأحيان - لمجمل الآراء الفقهية المختلفة، مع ترجيح الأصوب منها وفق الأدلة العلمية المتوفرة، و إن كان ميل الفقيه الى المذهب الفقهي الذي ينتمي إليه، مؤثّر على عمله.
و إنّ جدوى هذا المنهج العلمي يتضح من خلال الفوائد المترتبة عليه و التي يمكن تلخيصها بما يلي:
أ - محاولة البلوغ إلى أحكام الفقه الإسلامي من أيسر طرقه و أسلمها، و هو لا يتيسر عادة إلاّ بعد عرض مختلف وجهات النظر فيها و تقييمها على أساس ثابت و مقطوع به.
ب - العمل على تطوير الدراسات الفقهية و الأصولية، و الاستفادة من نتائج التلاقح الفكري في أوسع نطاق لتحقيق هذا الهدف.
ج - إشاعة روح التعاون بين الباحثين، و محاولة القضاء على مختلف النزعات العاطفية و إبعادها عن مجالات البحث العلمي.
د - تقريب شقة الخلاف بين المسلمين، و الحد من تأثير العوامل المفرّقة التي كان من أهمها و أقواها جهل علماء بعض المذاهب بأسس و مباني البعض الآخر، مما ترك المجال مفتوحا أمام تسرب الدعوات المغرضة في تشويه بعض المفاهيم و التقوّل عليهم بما لا يقولون به(1).
و يعدّ الفقه المقارن استدلالا بذلك متأخرا فعلا عن مرتبة الأصول الفقهية و البحث فيها، حيث من الواضح أنّ الغاية من هذا العلم الفصل بين الآراء المختلفة للمجتهدين، و اختيار - أو على الأقل تقديم - أمثلها و أقربها4.
ص: 31
الى مراد الشرع، و هذا الفصل و التمييز بين الآراء لا يمكن إلاّ بعد حصول القدرة الفعلية على معرفة الأمثل من الأدلة.
إنّ المكتبة الإسلامية بكل مذاهبها قد شهدت مجموعة كبيرة من المؤلفات المختلفة التي تدور في هذا الفلك الواسع، رغم قصور البعض منها عن ترجيح الأدلة، أو اقتصارها على بعض المسائل التي تقتضي الضرورة و الإشارة إليها.
و للشيعة الإمامية مؤلفات قيمة عمد مؤلفوها رحمهم اللّه - و من خلال طرحهم لمسائل الفقه المختلفة في أبوابه المتعددة - إلى التعرض الى مجمل الآراء لفقهاء الأمة الإسلامية، و مناقشتها و الخروج بحاصل مثمر مؤيد للمبنى الذي يذهب اليه ذلك المؤلف.
و لعل من أبرز ما كتب في هذا المجال:
كتاب الخلاف لشيخ الطائفة أبي جعفر محمّد بن الحسن الطوسي (ت 460 هجري).
كتاب الانتصار لما انفردت فيه الإمامية للسيد المرتضى (ت 436 هجري).
تذكرة الفقهاء للعلاّمة الحلي (ت 726 ه -).
منتهى المطلب للعلاّمة الحلي أيضا.
و تعد هذه الكتب - بلا شك - رائدة في هذا الباب، و متخصصة فيه، حيث عمد فيها مؤلفوها رحمهم اللّه الى مناقشة علمية و صريحة في إثبات آرائهم الفقهية، و ذكر أدلتهم عليها، و يعد كتابنا الماثل نموذجا واضحا في هذا الفن، حيث يجد فيه المراجع ضالته إلاّ أن المؤسف كون الموجود منه إلى أواخر كتاب النكاح، فقط، و سنتحدث عنه بشيء من التفصيل.
ص: 32
هو العلاّمة على الإطلاق الحسن بن يوسف بن علي بن مطهّر، أبو منصور الحلّي، أشهر من أن يعرّف أو يترجم له.
ولد في، مدينة الحلّة السيفية في شهر رمضان عام 648 ه، و إليها ينتمي.
أبوه الشيخ الفقيه، و شيخ الإسلام سديد الدين يوسف بن علي المطهّر الحلّي.
و أمّه ابنة العالم الفقيه الشيخ أبي يحيى الحسن بن زكريّا الحلّي.
أخت الشيخ أبي القاسم المحقّق الحلّي الشهير.
قرأ رحمه اللّه على جملة كثيرة من فضلاء عصره و علمائه أمثال والده و خاله رحمهما اللّه، و الخواجة نصير الدين الطوسي، و الشيخ ميثم البحراني، و السيد علي بن طاوس، و الشيخ يحيى بن سعيد الحلّي، و السيد عبد الكريم ابن طاوس رحمهم اللّه تعالى و غيرهم.
تتلمذ على يديه، و روى عنه جم غفير من العلماء المتفوّقين و البارعين، أمثال: ولده فخر الدين محمد، و ابن أخته عبد المطّلب الحسيني الأعرجي، و السيّد محمد بن القاسم أستاذ ابن عنبة، و السيّد مهنّا بن سنان الحسيني، و الشيخ محمد بن محمد الرازي، و الشيخ إبراهيم بن الحسين الآملي، و الشيخ الحسين بن إبراهيم الأسترآبادي، و غيرهم.
له مؤلّفات كثيرة في الفقه، و الأصول، و الحديث، و الرجال و غيرها من العلوم المختلفة بشكل قلّ نظيره عند غيره من علماء عصره، بحيث كانت و لا زالت تلك المؤلفات قبلة الباحثين و العلماء، و مرجعا مهما في البحث
ص: 33
و التدريس و المناقشة، أمثال: الأدعية الفاخرة المنقولة عن الأئمة الطاهرة، الأربعين في أصول الدين، إرشاد الأذهان إلى أحكام الدين، إيضاح الاشتباه في ضبط أسماء الرجال و ألقابهم، إيضاح المقاصد في حكمة عين القواعد، تبصرة المتعلّمين في أحكام الدين، تحرير الأحكام الشرعية على مذهب الإمامية، الجوهر النضيد في شرح كتاب التجريد، كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد، كشف اليقين في فضائل أمير المؤمنين عليه السّلام، مبادئ الوصول إلى علم الأصول، مختلف الشيعة إلى أحكام الشريعة، منتهى المطلب في تحقيق المذهب، نهاية المرام في علم الكلام، نهاية الوصول إلى علم الأصول، واجب الاعتقاد على جميع العباد.. و غيرها.
توفّي رحمه اللّه تعالى في شهر محرّم الحرام عام 726 ه، فحمل جثمانه الطاهر إلى النجف الأشرف حيث دفن في جوار أمير المؤمنين عليّ ابن أبي طالب عليه السّلام.
في:
رجال ابن داود: 78، خلاصة الأقوال: 45، نقد الرجال: 99، مجالس المؤمنين 359:2، منهج المقال: 109، رياض العلماء 1:
358، أمل الآمل 81:2، لؤلؤة البحرين: 210، مقابس الأنوار: 13، خاتمة مستدرك الوسائل: 459، بهجة الآمال 217:3، الفوائد الرضوية:
126، الكنى و الألقاب: 436:2، هداية الأحباب: 202، أعيان الشيعة 396:5، تأسيس الشيعة لعلوم الإسلام: 270، الوافي بالوفيات 13:
85، لسان الميزان 317:2، النجوم الزاهرة 267:9، الأعلام - للزركلي - 227:2.
ص: 34
يعدّ كتاب تذكرة الفقهاء - و كما أسلفنا - أكبر كتاب مؤلف في مجال الفقه الاستدلالي المقارن، يوجد منه إلى كتاب النكاح، و اما الاجزاء الأخرى فيعتقد البعض ان العلاّمة رحمه اللّه لم يتمها لأسباب خاصة و غير معلومة، في حين يعتقد البعض الآخر - و نحن نوافقهم في ذلك - ان أجزاء أخرى قد خرجت من قلمه الشريف، أو على الأقلّ حتى أواخر كتاب الميراث كما تشير الى ذلك جملة من الأدلة الواضحة، لعل أهمهما ما ذكره ولده فخر المحققين الشيخ محمد بن الحسن الحلي في كتابه الموسوم - بإيضاح الفوائد في شرح القواعد - حيث قال في آخر شرحه لإرث الزوج: «قد حقّق والدي هذه المسألة و أقوالها و أدلتها في كتاب التذكرة»(1).
و يعضد ذلك ان العلاّمة الحلي رحمه اللّه قد ذكر في آخر ما وصلنا من التذكرة: تم الجزء الخامس عشر من كتاب تذكرة الفقهاء على يد مصنّفها الفقير الى اللّه تعالى حسن بن يوسف بن المطهر الحلي في سادس عشر من ذي الحجة سنة عشرين و سبعمائة بالحلة، و يتلوه الجزء السادس عشر المقصد الثالث في باقي أحكام النكاح.
حيث يظهر من خلال هذه العبارة ان العلاّمة رحمه اللّه كان قد رتّب، أو على الأقل كان في نيته أن يتم هذا الكتاب عاجلا، هذا إذا علمنا بأنّه رحمه اللّه تعالى قد عاش حوالي ست سنين بعد كتابته لهذه العبارة المذكورة، و لم يكن معهودا منه هذا الإهمال و هو القائل في أول كتابه: «قد
ص: 35
عزمنا في هذا الكتاب الموسوم بتذكرة الفقهاء على تلخيص فتاوى العلماء، و ذكر قواعد الفقهاء على أحق الطرائق، و أوثقها برهانا، و أصدق الأقاويل و أوضحها.. و أشرنا في كل مسألة إلى الخلاف، و اعتمدنا في المحاكمة بينهم طريق الإنصاف».. إلخ.
و لعل المتبادر الى الذهن مما تقدم أنّ باقي الكتاب - أو على الأقل ما احتملنا إتمامه سابقا - لم يخرج من المسودة وضاع أو تلف دون أن يصل الى يد النسّاخ، و بقي الكتاب ناقصا، أو لعل هناك أسبابا أخرى لا يعلمها إلاّ اللّه تعالى، و قد رتّب المصنف رحمه اللّه بحوث الكتاب على أجزاء، بالشكل التالي:
الجزء الأول: يتضمن كتاب الطهارة.
الجزء الثاني: هو من أول كتاب الصلاة الى آخر أفعالها.
الجزء الثالث: فيه باقي الصلوات الى آخر كتاب الصلاة.
الجزء الرابع: ضمّنه كتابي الزكاة و الصوم.
الجزء الخامس: فيه بداية كتاب الحج الى التقصير.
الجزء السادس: يتضمن باقي كتاب الحج مع كتاب الجهاد.
الجزء السابع: أول كتاب البيع الى بيع النقد و النسيئة.
الجزء الثامن: يشتمل على بيع النقد و النسيئة إلى آخر البيع، مع كتاب الديون و توابعها.
الجزء التاسع: فيه مباحث الرهن و التفليس «الحجر».
الجزء العاشر: يتضمن مباحث الضمان و الكفالة و الحوالة و الوكالة و الإقرار و الصلح.
الجزء الحادي عشر: يشتمل على كتاب الأمانات و توابعها: الوديعة، العارية، الشركة، القراض، اللقطة، الجعالة.
ص: 36
الجزء الثاني عشر: فيه مباحث الإجارة، و المزارعة، و المساقاة، و السبق، و الرماية.
الجزء الثالث عشر: مباحث الغصب و احياء الموات، و كتاب العطايا:
مباحث الهبة، و الصدقة و الوقف.
الجزء الرابع عشر: يختص بكتاب الوصايا.
الجزء الخامس عشر: فيه قسم من مباحث كتاب النكاح.
و لما كان هذا الكتاب من كتب الفقه المقارن المهمة، و لما امتاز به مؤلفه رحمه اللّه من باع طويل، و تمرّس واسع في المباحث الفقهية، و حيث يعد مرجعا معتمدا عند الكثير من المراجع المختلفة، فلذا التزمت مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث تحقيق هذا السفر الجليل لإخراجه بالثوب القشيب الذي يليق به.
فقد شرعت المؤسسة بالعمل على توفير مستلزمات التحقيق، من النسخ المخطوطة المعتبرة، و تحديد اللجان المختصة و غير ذلك، تم بتوفيق اللّه تعالى قطع شوط مهم في هذا العمل المهم، تعد هذه الأجزاء ثمرة يانعة و طيبة دالة عليه.
و النسخ المخطوطة التي تم الاعتماد عليها في ضبط نص الكتاب هي:
1 - النسخة المخطوطة المحفوظة في مكتبة السيد المرعشي العامة، في قم، برقم 3745، و تشتمل على بداية الكتاب إلى نهاية الزكاة، تأريخ نسخها 720 ه -، و هي مقروءة على المصنّف، و عليها الإنهاء بخطه، و قد رمزنا لها بالحرف «م».
2 - النسخة المخطوطة المحفوظة في مكتبة مجلس الشورى الإسلامي برقم 1139، و المشتملة على الاجزاء الثلاثة الأول من الكتاب،
ص: 37
انتهى نسخ الجزء الأول منها في أول ذي الحجة عام 868 ه -، و انتهى نسخ الثاني في 26 جمادى الآخرة عام 867، و انتهى نسخ الجزء الثالث في 19 رجب عام 867 ه -، رمزنا لها بالحرف «ش».
3 - النسخة المحفوظة في المكتبة الفيضية برقم 712، و تتضمن الجزء الرابع و الخامس من الكتاب، تأريخ نسخها عام 978 ه -، و قد رمزنا لها بالحرف «ف».
4 - نسخة جامعة طهران المرقمة 6666، تأريخ نسخها في 12 رجب 912 ه -، و تتضمن الجزءين الرابع و الخامس من الكتاب، رمزنا لها بالحرف «ط».
5 - نسخة مكتبة شهيدزاده دادرس، و المحفوظة في مكتبة النصيري بطهران. المتضمنة للجزءين الرابع و الخامس من الكتاب، تم نسخها في 26 ذي الحجة عام 764 ه -، و قد رمزنا لها بالحرف «ن».
6 - النسخة المخطوطة المحفوظة في مكتبة ملك في طهران برقم 2461، و المشتملة على أفعال الحج الى بيع النقد و النسيئة، تأريخ نسخها الأول من شهر ربيع الأول عام 916 ه -، و قد رمزنا لها بالحرف «ك».
7 - النسخة المخطوطة المحفوظة في مكتبة الآستانة الرضوية المقدسة في مشهد برقم 66، و المتضمنة للجزءين السادس و السابع من الكتاب، و التي رمزنا لها بالحرف «ق».
8 - نسخة المكتبة الفيضية المرقمة 70، و التي تم نسخها في 989 ه -، المتضمنة للجزء الثامن من الكتاب، و قد رمزنا لها بالحرف «ي».
9 - نسخة مكتبة سبهسالار في طهران المرقمة 2452، و التي انتهى نسخها في اليوم الثاني عشر من شهر رمضان المبارك سنة 972 ه -، و المتضمنة للجزء الثامن من الكتاب، و قد رمزنا لها بالحرف «س».
ص: 38
10 - النسخة الخطية المحفوظة في مكتبة السيد المرعشي العامة في قم، و المتضمنة لأول كتاب الرهن الى آخر كتاب الأمانات، كتب في آخرها انها تمت على يد المصنّف في اليوم الثالث من جمادى الأولى سنة 715 ه - بالسلطانية، و التي رمزنا لها بالحرف «ج».
11 - النسخة المحفوظة في مكتبة مدرسة سليمان خان في مشهد، و المتضمنة للجزءين العاشر و الحادي عشر من الكتاب، و التي تم نسخها في صفر عام 976 ه -، و قد رمزنا لها بالحرف «خ».
12 - نسخة مكتبة جامعة طهران المرقمة 4 ج فهرست 289، المتضمنة للجزء الثاني عشر من الكتاب تم نسخها في يوم الأحد الحادي عشر من شهر رمضان عام 725 ه -، رمزنا لها بالحرف «د».
13 - النسخة المحفوظة في مكتبة السيد المرعشي العامة في قم برقم 1611، تم نسخها في يوم الاثنين ثامن ربيع الأول عام 905 ه -، و المشتملة على كتاب الإجارة إلى نهاية السكنى و العمرى و الرقبى، و قد رمزنا لها بالحرف «ع».
14 - نسخة مكتبة المدرسة الفيضية في قم المرقمة 441 و التي تم نسخها في 8 ربيع الآخر عام 870 ه -، و المتضمنة للجزءين الثاني و الثالث عشر من الكتاب، و قد رمزنا لها بالحرف «ض».
15 - النسخة المحفوظة في مكتبة مجد الدين النصيري في طهران برقم 263، و المتضمنة لكتاب الوصايا و مباحث النكاح الى آخر الكتاب، و قد رمزنا لها بالحرف «ل».
ص: 39
و تم تعيين اللجان المختصة بهذا العمل، و كانت كالتالي:
1 - لجنة المقابلة: و عملها مقابلة النسخ الخطية و تثبيت الاختلافات الواردة بينها و إحالتها إلى اللجان المتخصصة لتثبيت ما تراه صحيحا، و كانت مؤلّفة من الاخوة الأفاضل: الحاج عز الدين عبد الملك، و الأخ محمد عبد علي محمد.
2 - لجنة التخريج: و يتحدد عملها بتخرج الأحاديث و الروايات و الأقوال الواردة في الكتاب، الخاصة و العامة، و تتكون من كل من أصحاب السماحة حجج الإسلام: الشيخ عباس الأخلاقي، و السيد هادي حمزة لو، و الشيخ محمد الميرزائي، و الشيخ محمد الرسولي، و الشيخ شاكر آل عبد الرسول السماوي.
3 - لجنة المراجعة: و عملها التأكد من اعمال اللجان السابقة و تصحيح موارد الاشتباه المحتملة، و ضبط الاعمال لإحالتها الى المرحلة اللاحقة، و تكونت من أصحاب السماحة حجج الإسلام: الشيخ جعفر المجاهدي، و الشيخ محمد الكاظمي، و الشيخ عطاء اللّه الرسولي، و الشيخ عبد اللّه محمدي.
4 - لجنة تقوم النص: و يتحدد عمل هذه اللجنة بملاحظة متن الكتاب، و اختيار النصوص الصحيحة ليتم تثبيتها، و تفسير المفردات اللغوية، و التعليق على الموارد المبهمة و إيضاحها و غير ذلك من الاعمال النهائية، و كانت مسئولية عمل هذه اللجنة على عاتق سماحة حجة الإسلام المحقق الشيخ محمّد الباقري.
ص: 40
5 - لجنة المراجعة النهائية: و يكون عملها ملاحظة الكتاب بكل ابعاده قبل إرساله إلى الطبع، و التأكد من صحة إعمال جميع لجانه السابقة.
و قد أنيطت مسئولية هذه اللجنة بسماحة العلامة حجة الإسلام السيد علي الخراساني الكاظمي.
هكذا فان ما تم من تحقيق علمي لاجزاء هذا الكتاب المهم قد أوضح للعاملين في هذه اللجان جملة مهمة من الملاحظات الدقيقة حول نمط اعداد هذا الكتاب لعل أهمها اعتماد المؤلف رحمه اللّه في شرح الكثير من المباحث الفقهية على جملة من المراجع المختلفة و المحددة أمثال كتاب فتح العزيز للرافعي، و المغني و الشرح الكبير لا بني قدامة، و المجموع للنووي، كما هو دأب العلماء سابقا، و عليه توافقوا و تعارفوا.
كما أنه كثيرا ما كان ينقل العديد من الآراء الفقهية الخاصة من كتابي الخلاف لشيخ الطائفة الطوسي، و المعتبر لخاله المحقق الحلي رحمهما اللّه تعالى.
و أخيرا أخي القارئ الكريم فانّا نقدم هذا الكتاب الجليل بعد جهود متواصلة امتدت لسنين طوال، عمدنا فيها قدر الإمكان إلى إعداده و تقديمه بالصورة اللائقة به و بتراثنا العزيز، سائلين المولى عزّ و جلّ التوفيق لتقديم الاعمال التحقيقية الأخرى، أنه سميع مجيب، و آخر دعوانا ان الحمد للّه ربّ العالمين، و صلّى اللّه على محمّد و على آل بيته الطيبين الطاهرين.
مؤسسة آل البيت (ع) لإحياء التراث
ص: 41
ص: 1
ص: 2
بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
الحمد للّه ذي القدرة الأزليّة، و العزة الباهرة الأبدية، و القوة القاهرة القويّة، و النعم الغامرة السرمدية، و الآلاء الظاهرة السنية، المستغني بوجوب وجوده عن الاتصاف بالمواد و الصور النوعية، و المقدس بكمال ذاته عن المشاركة للأجسام و الأعراض الفلكية و العنصرية، ابتدع أنواع الكائنات بغير فكر و روية، و اخترع أجناس الموجودات بمقتضى حكمته العلية، مكمل نوع الإنسان بإدراك المعاني الكلية، و مفضل صنف العلماء على جميع البرية، و صلّى اللّه على أشرف النفوس القدسية، و أزكى الذوات المطهّرة الملكية، محمد المصطفى و عترته المرضية.
أما بعد: فإنّ الفقهاء عليهم السلام هم عمدة الدين، و نقلة شرع رسول رب العالمين و حفظة فتاوى الأئمة المهديّين، صلوات اللّه عليهم أجمعين، و هم ورثة الأنبياء، و الذين يفضل مدادهم على دماء الشهداء، و قد جعل رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله النظر إليهم عبادة، و المجالسة لهم سعادة، و اقتفاء أثرهم سيادة، و الإكرام لهم رضوان اللّه، و الإهانة لهم سخط اللّه(1) ، فيجب على كل أحد تتبع مسالكهم، و اقتفاء آثارهم، و الاقتداء
ص: 3
بهم في إيرادهم و إصدارهم، و اتّباعهم في إظهار شرع اللّه تعالى و إبانة أحكامه، و إحياء مراسم دين اللّه و إعلان أعلامه.
و قد عزمنا في هذا الكتاب الموسوم ب «تذكرة الفقهاء» على تلخيص فتاوى العلماء، و ذكر قواعد الفقهاء، على أحق الطرائق و أوثقها برهانا، و أصدق الأقاويل و أوضحها بيانا - و هي طريقة الإمامية الآخذين دينهم بالوحي الإلهي، و العلم الرباني، لا بالرأي و القياس، و لا باجتهاد الناس - على سبيل الإيجاز و الاختصار، و ترك الإطالة و الإكثار.
و أشرنا في كلّ مسألة إلى الخلاف، و اعتمدنا في المحاكمة بينهم طريق الانصاف، إجابة لالتماس أحب الخلق إليّ، و أعزّهم عليّ، ولدي محمد أمدّه اللّه تعالى بالسعادات، و وفقه لجميع الخيرات و أيده بالتوفيق، و سلك به نهج التحقيق، و رزقه كل خير، و دفع عنه كلّ شر، و آتاه عمرا مديدا سعيدا، و عيشا هنيئا رغيدا، و وقاه اللّه كلّ محذور، و جعلني فداءه في جميع الأمور.
و رتّبت هذا الكتاب على أربع قواعد، و اللّه الموفق و المعين.
ص: 4
و هي تشتمل على ستة كتب:
ص: 5
ص: 6
الطهارة - لغة - النظافة، و شرعا: وضوء، أو غسل، أو تيمم، يستباح به عبادة شرعية.
و الطهور هو المطهّر لغيره، و هو فعول بمعنى ما يفعل به - أي يتطهر به - كغسول، و هو الماء الذي يغتسل به، لقوله تعالى وَ أَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً طَهُوراً (1).
ثم قال وَ يُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ (2).
و لأنّهم فرّقوا بين ضارب و ضروب، و جعلوا الثاني للمبالغة، فيكون للتعدية لامتناع المبالغة في المعنى، و لقوله عليه السلام - عن ماء البحر و قد سئل أ يجوز الوضوء به -: (هو الطهور ماؤه)(3).
و قال أبو بكر بن داود و بعض الحنفية: الطهور هو الطاهر(4). فالعرب
ص: 7
لم تفرق بين الفاعل و المفعول في التعدي و اللزوم كقاعد و قعود، و ضارب و ضروب.
و أقسام الطهارة ثلاثة: وضوء، و غسل، و تيمم، و كل منها واجب و ندب.
فالوضوء يجب للصلاة الواجبة، أو الطواف الواجب، أو مس كتابة القرآن إن وجب، و يستحب لما عداه.
و الغسل يجب لأحد الثلاثة، أو للاستيطان في المساجد، أو قراءة العزائم إن وجبا، و للصوم الواجب إذا بقي للفجر ما يغتسل فيه الجنب و لصوم المستحاضة مع غمس القطنة، و يستحب لما عداه.
و التيمم يجب للصلاة الواجبة، و لخروج الجنب من أحد المسجدين، و يستحب لما عداه، و قد تجب الثلاثة بالنذر، و اليمين، و العهد.
و هذا الكتاب يشتمل على أبواب:
ص: 8
و فيه فصول
ص: 9
ص: 10
و هو في الأصل طاهر مطهر إجماعا من الخبث و الحدث، إلاّ ما روي عن عبد اللّه ابن عمر و عبد اللّه بن عمرو بن العاص أنهما قالا في ماء البحر: التيمم أحب(1) إلينا منه(2). و عن سعيد بن المسيب: إذا ألجئت إليه فتوضأ منه(3).
و يدفعه الإجماع، و قوله صلى اللّه عليه و آله - في حديث أبي هريرة -:
(من لم يطهره البحر فلا طهره اللّه)(4) ، و قول الصادق عليه السّلام في رواية عبد اللّه بن سنان و قد سئل عن ماء البحر أ طهور هو؟ قال: «نعم»(5).
و لا فرق بين النازل من السماء و النابع من الأرض، و سواء أذيب من ثلج أو برد [1] أو لا، و سواء كان مسخنا أو لا، إلاّ أنّه يكره المسخن بالنار في
ص: 11
غسل الأموات لقول الباقر عليه السّلام: «لا يسخن الماء للميت»(1) فإن خاف الغاسل البرد زالت الكراهة.
و كره مجاهد المسخن في الطهارة(2) ، و أحمد المسخن بالنجاسة للخوف من حصول نجاسة فيه(3).
و يبطل بأن [الأسلع بن] شريك رحّال [ناقة] [1] النبي عليه السّلام أجنب فسخن الماء فاغتسل، و أخبره و لم ينكر عليه(4) ، و دخل النبيّ عليه السلام حماما بالجحفة و هو محرم(5) ، و اضطر الصادق عليه السّلام الى الغسل فأتوه بالماء مسخنا و هو مريض فاغتسل(6).
و يكره المشمس في الآنية - و به قال الشافعي(7) - لنهيه عليه السّلام1.
ص: 12
عنه، و علّل بأنّه يورث البرص(1).
و قال أبو حنيفة، و مالك، و أحمد: لا يكره كالمسخن بالنار(2).
الأول: لا كراهة في المشمس في الأنهار الكبار و الصغار، و المصانع إجماعا.
الثاني: النهي عن المشمس عام، و به قال بعض الشافعية، و قال بعضهم: إنه مختص بالبلاد الحارة كالحجاز، و بعضهم بالأواني المنطبعة كالحديد و الرصاص، أو بالصفر، و استثنوا الذهب و الفضة لصفاء جوهرهما(3).
الثالث: لو زال التشميس احتمل بقاء الكراهة، لعدم خروجه عن كونه مشمّسا.
الرابع: لو توضأ به صح إجماعا، لرجوع النهي إلى خوف ضرره.
الخامس: روى ابن بابويه كراهة التداوي بمياه الجبال الحارة(4).
السادس: إذا تغيرت أحد أوصاف المطلق بالأجسام الطاهرة و لم يسلبه الإطلاق، فهو باق على حكمه بإجماعنا، لبقاء الاسم، و به قال أبو حنيفة و أصحابه، و الزهري، و أبو بكر الرازي(5).
ص: 13
و قال الشافعي، و مالك، و أحمد، و إسحاق: إن تغيّر بما لم يخالط أجزاءه كالخشب و الدهن، أو كان ترابا أو لا ينفك الماء عنه كالطحلب و ورق الشجر الساقط في السواقي، و ما يجري عليه الماء من حجارة النورة و الكحل و غيره فهو باق على حكمه، و إن كان غير ذلك لم يجز الوضوء منه كالمتغير بالصابون و الزعفران و الملح الجبلي.
و لو كان أصله الماء - بأن يرسل في أرض مالحة فيصير ملحا - جاز(1).
السابع: لو افتقر في طهارة إلى مزج المطلق بالمضاف، قال الشيخ:
صحت الطهارة به إن بقي الإطلاق، و لا يجب المزج(2) و في الجميع إشكال.
الثامن: لو تطهر بالجمد، فإن جرى على العضو المغسول ما يتحلل منه صحّ، و إلاّ فلا، و اجتزأ الشيخ بالدهن(3).
التاسع: لو مازجه المضاف المساوي في الصفات، احتمل اعتبار بقاء الاسم - على تقدير المخالفة و الاستعمال - ما لم تعلم الغلبة.
العاشر: ماء زمزم كغيره، و كره أحمد - في إحدى الروايتين - الطهارة به(4) لقول العباس: لا أحلّه لمغتسل، لكن لشارب حلّ و بلّ [1] و هو محمول1.
ص: 14
على قلّة الماء لكثرة الشارب.
- أعني اللون و الطعم و الرائحة - بالنجاسة كان نجسا إجماعا، لقوله عليه السّلام: «خلق الماء طهورا، لا ينجسه شيء إلاّ ما غير لونه أو طعمه أو ريحه»(1) و عن الصادق عليه السلام: «إذا تغير الماء، و تغير الطعم، فلا تتوضأ منه، و لا تشرب»(2) و لا فرق في هذا بين الجاري و الراكد، و القليل و الكثير لانفعال الجميع.
الأول: لو تغير بمرور الرائحة من غير ملاقاة النجاسة لم ينجس.
الثاني: لو تغير الجاري اختص المتغير منه بالتنجيس، و كان غيره طاهرا.
الثالث: لو تغير بعض الواقف الكثير اختص المتغير منه بالتنجيس إن كان الباقي كرا و إلاّ عمّ الحكم، و قالت الشافعية: يعم مطلقا لأنه ماء واحد فلا يتبعض حكمه(3) و الملازمة ممنوعة.
الرابع: لو انصبغ ماء الغسل أو الوضوء بصبغ طاهر على العضو فإن لم يسلبه الإطلاق أجزأ و إلاّ فلا.
ص: 15
الخامس: لو زال التغير بالنجاسة بغير الماء - من الأجسام الطاهرة، أو تصفيق الرياح، أو طول اللبث - لم يطهر، لأنه حكم شرعي ثبت(1) عليه، و عند الشافعي يطهر بزوال التغير من نفسه لا بوقوع ساتر كالمسك(2).
و في التراب قولان مبنيان على أنه مزيل أو ساتر(3).
و لو نزح فزال التغيّر طهر الباقي إن كان قلّتين.
السادس: إنما يطهر المتغير الكثير الواقف بإلقاء كرّ عليه دفعة مزيلة لتغيره، فإن لم يزل فكّر آخر و هكذا.
و الجاري يطهر بتدافعه حتى يزول التغيّر لاستهلاك المتغير و عدم قبول الطارئ النجاسة.
السابع: يكره الطهارة بالماء الآجن مع وجود غيره - و هو المتغير لطول لبثه مع بقاء الإطلاق - بإجماع العلماء، إلاّ ابن سيرين فإنه منع منه(4) ، و لو زال الإطلاق لم يكن مطهرا.
الثامن: لو زال التغير عن القليل أو الكثير بغير الماء، طهر بإلقاء الكر، و إن لم يزل به التغير لو كان، و في طهارة الكثير لو وقع في أحد جوانبه كر علم عدم شياعه، فيه نظر، و كذا لو زال التغير بطعم الكر، أو لونه العرضيين.
إجماعا منا، لقول الصادق عليه السّلام: «لا بأس أن يبول
ص: 16
الرجل في الماء الجاري»(1).
و ماء الحمام كالجاري إذا كانت له مادة - و به قال أبو حنيفة(2) - لقول الصادق عليه السّلام: «هو بمنزلة الجاري»(3) و قول الباقر عليه السّلام:
«ماء الحمام لا بأس به إذا كان له مادة»(4) و لعدم الانفكاك من النجاسة فيه، فلو لا مساواته للجاري لزم الحرج.
و ماء الغيث حال تقاطره كالجاري، لقول الصادق عليه السّلام - في ميزابين سالا، أحدهما بول، و الآخر ماء المطر، فاختلطا، فأصاب ثوب رجل -: «لم يضر ذلك»(5).
الأول: لا تعتبر الجريات بانفرادها، فلو تواردت على النجاسة الواقفة جريات متعددة لم تنجس مع اتصالها.
و قال الشافعي: تنجس كل جرية هي أقلّ من قلّتين، و إن كانت منفصلة اعتبر كل جرية بانفرادها(6) ، و عنى بالجرية ما بين حافتي النهر عرضا عن يمينها و شمالها.
الثاني: لو كان الجاري أقل من كر نجس بالملاقاة الملاقي و ما تحته، و في أحد قولي الشافعي أنه لا ينجس إلاّ بالتغيّر(7).
ص: 17
الثالث: الواقف في جانب النهر متصلا به كالجاري، و إن نقص عن كر.
الرابع: لو كان الجاري متغيرا بالنجاسة دون الواقف المتصل به فإن نقص عن كر نجس بالملاقاة و إلاّ فلا.
الخامس: لا بد في مادة الحمام من كرّ، و هل ينسحب الحكم في غير الحمام ؟ إشكال.
السادس: لو تنجس الحوض الصغير في الحمام، لم يطهر بإجراء المادة إليه، بل بتكاثرها على مائه.
السابع: لو انقطع تقاطر المطر و فيه نجاسة عينية اعتبرت الكرية، و لا تعتبر حال التقاطر، و لو استحالت عينها قبل انقطاعه ثم انقطع كان طاهرا و إن قصر عن كر. و لو استحالت بعد انقطاعه، أو لاقته من خارج بعده اعتبرت الكرية.
و قال الشافعي، و أحمد: قلّتان(1) ، لقول النبيّ صلّى اللّه عليه و آله:
(إذا كان الماء قلّتين لم يحمل خبثا)(2). و يضعف باحتمال اتساع الكر لأنها من قلال هجر [1]، و هي جرة كبيرة تشبه الحب. قال ابن دريد: تسمع خمس قرب(3).
و قال أبو حنيفة، و أصحابه: كلّ ما يتيقن أو يظن وصول النجاسة إليه لم يجز استعماله، و قدّره أصحابه ببلوغ الحركة(4) ، و يضعف بعدم الضبط، فلا يناط به ما يعم به البلوى.
الخلقة على الأشهر، و حذف القميون النصف(1) ، فعلى الأول يبلغ تكسيره اثنين و أربعين شبرا و سبعة أثمان شبر، و على الثاني سبعة و عشرين، و قول الراوندي، و ابن الجنيد ضعيفان(2).
الثاني: التقدير تحقيق لا تقريب، و للشافعي قولان(3).
الثالث: لا فرق في هذا التقدير بين مياه الغدران، و القلبان [1]، و الحياض، و المصانع [2]، و الأواني، و إطلاق بعض فقهائنا تنجيس ماء الأواني و إن كثر(4) يجري مجرى الغالب.
الرابع: قال داود: إذا بال في الراكد و لم يتغير لم ينجس، و لا يجوز له أن يتوضأ منه لأن النّبي صلى اللّه عليه و آله نهى أن يبول الرجل في الماء الدائم ثم يتوضأ منه(5) ، و يجوز لغيره.
و إذا تغوط فيه و لم يتغير لم ينجس، و جاز أن يتوضأ منه هو و غيره، و لو بال على الشط فجرى إلى الماء جاز أن يتوضأ منه(6). و هو غلط.
الخامس: لو كانت النجاسة متميّزة فيما زاد على الكرّ، و لم تغيره جاز1.
ص: 20
استعماله مطلقا.
و قال أبو إسحاق من الشافعية: لا يجوز أن يستعمل من موضع يكون بينه و بين النجاسة أقل من قلّتين(1). و غلّطه الباقون، إذ الاعتبار بالمجموع، و لو كانت مائعة و استحالت و لم تغير لم تنجس.
السادس: لو كان قدر كرّ خاصة، و النجاسة متميزة، فاغترف بإناء، فالمأخوذ و باطن الإناء طاهران، و الباقي و ظاهر الإناء نجسان.
و لو حصلت النجاسة فيه انعكس الحال في الماء و الإناء، فإن نقّط نجس الباقي إن كان النقط من باطنه، و إلاّ فلا.
السابع: لو نبع الماء من تحته لم يطهره و إن أزال التغير، خلافا للشافعي(2) ، لأنا نشترط في المطهر وقوعه كرّا دفعة.
ذهب إليه أكثر علمائنا(3) ، و ممن فرق بين القليل و الكثير - و إن اختلفوا في حدّ الكثرة - ابن عمر، و سعيد بن جبير، و مجاهد، و الشافعي، و أحمد، و أبو حنيفة و أصحابه، و إسحاق، و أبو ثور، و أبو عبيد، و المزني(4) ، لقوله عليه السّلام:
(إذا بلغ الماء قلّتين لم يحمل خبثا) رواه الجمهور(5) ، و عن الكاظم عليه
ص: 21
السلام: الدجاجة تطأ العذرة ثم تدخل في الماء، أ يتوضأ منه ؟ فقال:
«لا»(1) و لأنه لقلته في مظنة الانفعال فكان كالتغير في الكثير.
و قال ابن أبي عقيل منّا: لا فرق بين القليل و الكثير في أنهما لا ينجسان إلاّ بالتغيّر(2) ، و هو مروي عن ابن عباس، و حذيفة، و أبي هريرة، و الحسن، و سعيد بن المسيب، و عكرمة، و ابن أبي ليلى، و جابر بن زيد، و به قال مالك، و الأوزاعي، و الثوري، و داود، و ابن المنذر(3) ، لقوله عليه السلام: (الماء طهور لا ينجسه شيء إلاّ ما غيّر لونه أو طعمه أو ريحه)(4) و يبطل بتقديم الخاص مع التعارض.
الأول: ينجس القليل بما لا يدركه الطرف من الدم، كرءوس الإبر، لما تقدم. و قال الشيخ: لا ينجس(5) ، لقول الكاظم عليه السّلام و قد سئل عن رجل امتخط فصار الدم قطعا، فأصاب إناءه، هل يصلح الوضوء منه ؟ قال: «إن لم يكن شيء يستبين في الماء فلا بأس، و إن كان شيئا بيّنا فلا يتوضأ منه»(6) و لا حجة فيه، إذ إصابة الإناء لا تستلزم إصابة الماء.
و للشافعي قول بعدم التنجيس في الدم و غيره(7).
ص: 22
الثاني: لو وصل بين الغديرين بساقية اتحدا إن اعتدل الماء، و إلا في حق السافل، فلو نقص الأعلى عن كر انفعل بالملاقاة، و لو كان أحدهما نجسا فالأقرب بقاؤه على حكمه مع الاتصال و انتقاله إلى الطهارة مع الممازجة، لأن النجس لو غلب الطاهر نجّسه مع الممازجة فمع التمييز يبقى على حاله.
الثالث: لو استهلك القليل المضاف و بقي الإطلاق جازت الطهارة به أجمع، و كذا النجس في الكثير.
الرابع: النجس لا يجوز استعماله في طهارة الحدث و الخبث مطلقا، و لا في الأكل و الشرب، إلاّ مع الضرورة.
الخامس: لا يطهر القليل بالإتمام كرا، لانفعاله بالنجاسة، فكيف يرفعها عن غيره ؟ و قال المرتضى في الرسيّة: يطهر، لأن البلوغ يستهلك النجاسة، و لا فرق بين وقوعها قبل البلوغ و بعده(1). و هو ممنوع.
و للشافعي قولان(2).
السادس: لو جمع بين نصفي كر نجس لم يطهر على الأشهر، لأنّ كلاّ منهما لا يرفع النجاسة عن نفسه فعن غيره أولى.
و قال بعض علمائنا: يطهر(3) ، و به قال الشافعي(4) ، لقوله عليه1.
ص: 23
السلام: (إذا بلغ الماء قلّتين - أو كرا على الخلاف - لم يحمل خبثا)(1) ، و لم يثبت عندنا.
السابع: لو تيقن أحد طرفي الطهارة و النجاسة، و شك في الآخر، عمل على المتيقن، و لو شك في استناد التغير إلى النجاسة بنى على الأصل، و الأقرب البناء على الظن فيهما، للبناء على الأصل و الاحتياط.
الثامن: لو أخبره العدل بنجاسة الماء لم يجب القبول، قال ابن البراج: و كذا العدلان(2) و ليس بجيد، لوجوب ردّه مبيعا [1]، و لو تعارضت البينتان فكالمشتبه. و لو أخبره الفاسق بطهارة مائه قبل، و لو أخبره بنجاسته فإن كان بعد الطهارة لم يلتفت، و إن كان قبلها فالأقرب القبول.
التاسع: لو شك في وقوع النجاسة قبل الاستعمال فالأصل الصحة، و لو علم السبق و شك في بلوغ الكريّة ينجس، و لو رأى في الكر نجاسة بنى على الطهارة و إن شك في وقوعها قبل الكرية، و لو شك في نجاسة الميت فيه فكذلك.
العاشر: الكثير لا ينفعل بالنجاسة، و لا شيء منه إلا بالتغيّر، و به قال الشافعي(3) للحديث(4).1.
ص: 24
و قال أبو حنيفة: أنه ينجس، و لو كان بحرا لا ينجس جميعه، بل القدر الذي يتعدى إليه لون النجاسة(1).
مسألة 6: الأقوى أن ماء البئر إنّما ينجس بالتغير بالنجاسة، لقول الرضا عليه السلام: «ماء البئر واسع لا يفسده شيء إلاّ أن ينتن»(2).
و الأشهر عند علمائنا التنجيس(3) ، لقول الكاظم عليه السلام:
«يجزيك أن تنزح منها دلاء فإن ذلك يطهرها»(4).
و قسّموا النجاسة أقساما:
الأول: ما يوجب نزح الجميع، و هو موت البعير، و انصباب الخمر، لقول الصادق عليه السّلام: «فإن مات فيها بعير أو صبّ فيها خمر فلتنزح»(5) و أفتى الصدوق بعشرين دلوا في قطرة الخمر، و الجميع في الثور(6).
و ألحق الشيخ المنيّ، و الفقاع، و دم الحيض، و الاستحاضة، و النفاس، و غير المقدّر(7) ، و ألحق أبو الصلاح بول و روث ما لا يؤكل لحمه(8) ، و ابن البراج عرق الإبل الجلالة و الجنب من الحرام(9).1.
ص: 25
و إذا تعذر نزح الجميع تراوح عليها أربعة رجال يوما، كل اثنين دفعة.
الثاني: ما يوجب نزح كرّ، و هو موت الحمار، و البغل، و الفرس، و البقرة.
الثالث: ما ينزح له سبعون دلوا، و هو موت الإنسان، لقول الصادق عليه السلام: «فأكثره الإنسان ينزح منها سبعون دلوا»(1) و لا فرق بين الصغير و الكبير، و المسلم و الكافر.
و قال بعض أصحابنا: ينزح للكافر الجميع، لأنه لو كان حيّا لوجب الجميع، حيث لم يرد فيه نصّ، و الموت لا يزيل النجاسة(2).
و يضعف بزوال الكفر به.
الرابع: ما ينزح له خمسون دلوا و هو العذرة الذائبة، و الدم الكثير غير الثلاثة، كذبح الشاة، و قال المفيد: في الكثير عشر دلاء(3).
الخامس: ما ينزح له أربعون، و هو موت الكلب، و الخنزير، و الشاة و الثعلب، و الأرنب، و السنور، و ما في قدر جسمه، و بول الرجل.
و قال الصدوق: في السنور سبع، و في الشاة تسع أو عشر(4).
السادس: ما ينزح له ثلاثون، و هو ماء المطر و فيه خرء الكلب، و البول و العذرة.5.
ص: 26
السابع: ما ينزح له عشر، و هو الدم القليل كذبح الطير، و العذرة اليابسة.
الثامن: ما ينزح له سبع، و هو الفأرة إذا تفسخت، أو انتفخت، و بول الصبي، و اغتسال الجنب - قال الشيخ: و لا يطهر(1) - و خروج الكلب حيا، و موت الطير كالحمامة و النعامة.
[التاسع: ما ينزح له خمس، و هو ذرق الدجاج، و قيّده الأكثر بالجلاّل.
العاشر: ما ينزح له ثلاث، و هو الفأرة إذا لم تتفسخ و لم تنتفخ، و الحية] [1].
الحادي عشر: ما ينزح له دلو واحد، و هو العصفور و ما في قدره.
و عندي أن ذلك كلّه مستحب، و قد بيّنت الخلاف و الحجاج في منتهى المطلب(2) على الاستقصاء.
إذا عرفت هذا فعند الشافعي أن ماء البئر كغيره ينجس إن كان دون القلّتين، و إن كان أزيد فلا، ثم إن تنجس و هو قليل لم يطهر بالنزح، لأن قعر البئر يبقى نجسا، بل يترك ليزداد أو يساق إليه الماء الكثير.
و إن كان كثيرا نجس بالتغير فيكاثر إلى زوال التغيير أو يترك حتى يزول التغير بطول المكث أو ازدياد الماء.
و لو تفتت الشيء النجس كالفأرة بتمعط شعرها فيه، فالماء على2.
ص: 27
طهارته، لعدم التغير، و لا ينتفع به، لأن ما يستقى يوجد فيه شيء من النجاسة، فينبغي أن يستقى إلى أن يغلب ظن خروج أجزائها(1).
و قال أبو حنيفة: إذا وقعت في البئر نجاسة نزحت فتكون طهارة لها، فإن ماتت فيها فأرة أو صعوة، أو سام أبرص نزح منها عشرون دلوا إلى ثلاثين، و في موت الحمامة أو الدجاجة أو السنور ما بين أربعين إلى ستين، و في الكلب أو الشاة أو الآدمي جميع الماء(2).
الأول: لو تغير الماء نجس إجماعا، و طهر بنزح ما يزيله على الأقوى، لزوال الحكم بزوال علّته، و قال الشيخان: نزح الجميع فإن تعذر نزح حتى يطيب(3) ، و قال المرتضى، و ابن بابويه: يتراوح الأربعة لانقهاره بالنجاسة فيجب إخراجه(4).
الثاني: لو تغير بما نجاسته عرضية، كالمسك و الدبس و النيل لم ينجس، و كذا الجاري و كثير الواقف، خلافا للشيخ(5) ، لأن التغير ليس بالنجاسة.
الثالث: الحوالة في الدلو على المعتاد، لعدم التقدير الشرعي، و لو أخرج بإناء عظيم ما يخرجه العدد فالأقوى الإجزاء.
الرابع: يجزي النساء و الصبيان في التراوح، لصدق القوم عليهم، و لا بد من اثنين اثنين، و لو نهض القويان بعمل الأربعة فالأقرب الإجزاء.
ص: 28
الخامس: لا يفتقر النزح إلى النيّة، و يجزي المسلم و الكافر مع عدم التعدي، و العاقل و المجنون.
السادس: ما لم يقدّر فيه منزوح قيل: يجزي أربعون، و قيل:
الجميع [1]. و لو تعددت النجاسة فالأقوى التداخل و إن اختلفت.
السابع: لو جفّت البئر قبل النزح ثم عاد سقط، إذ طهارتها بذهاب مائها الحاصل بالجفاف، و لو سيق الجاري إليها طهرت.
الثامن: لا تنجس جوانب البئر، و لا يجب غسل الدلو.
التاسع: لو خرج غير المأكول حيّا لم ينجس الماء.
و قال أبو حنيفة: إن خرجت الفأرة و قد هربت من الهرة نجس الماء و إلا فلا(1) ، و ليس بشيء.
العاشر: لو وجدت النجاسة بعد الاستعمال لم تؤثر و إن احتمل سبقها.
و قال أبو حنيفة: إن كانت الجيفة منتفخة أو متفسخة أعاد صلاة ثلاثة أيام و إلاّ صلاة يوم و ليلة(2). و ليس بشيء.
الحادي عشر: لا ينجس البئر بالبالوعة و إن تقاربتا ما لم تتصل عند الأكثر [2] أو تتغيّر عندنا، نعم يستحب التباعد خمسة أذرع إن كانت الأرض صلبة، أو كانت البئر فوقها، و إلا فسبع، و لو تغير الماء تغيرا يصلح1.
ص: 29
استناده إليها أحببت الاحتراز عنها.
الثاني عشر: لو زال التغير بغير النزح و وقوع الجاري فيها، فالأقرب وجوب نزح الجميع لا البعض، و إن زال به التغير لو كان.
ص: 30
و يمكن سلبه عنه، كالمعتصر، و المصعّد، و الممزوج مزجا يسلبه الإطلاق، و هو طاهر إجماعا، و لا يرفع الحدث، لقوله تعالى فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً (1) و قول الصادق عليه السّلام و قد سئل عن الوضوء باللبن: «إنما هو الماء و الصعيد»(2).
و قول الصدوق بجواز الوضوء بماء الورد(3) لقول أبي الحسن عليه السّلام في الرجل يتوضأ بماء الورد و يغتسل به، قال: «لا بأس»(4) محمول على اللغوي أو على الممتزج بماء الورد بحيث لا يسلبه الإطلاق، و إجماع الإمامية على ذلك، و به قال الشافعي(5).
و قال أبو بكر الأصم، و ابن أبي ليلى: يجوز الوضوء بالمياه المعتصرة
ص: 31
لأنه يسمى ماء(1). و هو غلط.
و قال أبو حنيفة: يجوز الوضوء بنبيذ التمر إذا طبخ و اشتد عند عدم الماء في السفر، لرواية ابن مسعود أنه كان مع النبيّ صلى اللّه عليه و آله ليلة الجن(2) فأراد أن يصلي صلاة الفجر فقال: (أ معك وضوء؟) فقال:
لا معي إداوة فيها نبيذ. فقال: (تمرة طيبة و ماء طهور)(3)(4) و توضأ به. و هو خطأ.
قال ابن المنذر: راوية أبو زيد، و هو مجهول(5). و أنكر جماعة صحبة ابن مسعود ليلة الجن(6) ، و لو سلّم فهو محمول على بقاء الإطلاق، لأنهم شكوا ملوحة الماء فأمرهم عليه السّلام بنبذ تمر قليل في الشن(7).
و الحقّ المنع، و أنه نجس، و به قال الشافعي، و مالك، و أحمد، و أبو عبيد، و داود(8) ، لقوله تعالى فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا (9).6.
ص: 32
[1]، و به قال الشافعي، و مالك، و أحمد، و إسحاق، و داود، و زفر، و محمد بن الحسن(1) لقصوره عن رفع الوهمية فعن رفع الحقيقية أولى، و لأنها طهارة تراد لأجل الصلاة فلا تحصل بالمائعات، كطهارة الحدث، و لأن الأمر ورد بالغسل بالماء فلا يصح بغيره.
و قال السيد المرتضى: يجوز(2) ، و به قال أبو حنيفة، و أبو يوسف(3) لأنه طاهر مائع بيقين، فيزيل النجاسة كالماء.
و يبطل بأن الماء يحصل به الوضوء، بخلاف المائعات.
- قلّت أو كثرت - غيرت أحد أوصافه أو لا، قاله علماؤنا أجمع، و كذا المائع غير الماء، لأن النبي صلى اللّه عليه و آله سئل عن فأرة وقعت في سمن، فقال: (إن كان مائعا فلا تقربوه)(4) و لأنها لا تدفع نجاسة غيرها فكذا عنها لقصور قوتها.
و قال أحمد في إحدى الروايتين: إنّه كالمطلق سواء كان مضافا أو مائعا، كالسمن الكثير لأنه كثير فلا ينجس كالماء(5) و الفرق ظاهر.
و طريق تطهيره إلقاء كرّ عليه إن لم يسلبه الإطلاق، فإن سلبه فكرّ آخر، و هكذا، و لو لم يسلبه لكن غيّر أحد أوصافه فالأقوى الطهارة، خلافا
ص: 33
للشيخ(1).
مسألة 10: أقسام المستعمل ثلاثة:
الأول: المستعمل في الوضوء، و هو طاهر مطهر عندنا إجماعا - و عليه نص علي عليه السّلام، و به قال الحسن البصري، و النخعي، و عطاء، و الزهري، و مكحول، و أبو ثور، و داود و أهل الظاهر، و مالك في إحدى الروايتين، و الشافعي في أحد القولين(2) - لأن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله مسح رأسه بفضل ما كان في يده(3) ، و لقول الصادق عليه السّلام: «الماء كلّه طاهر حتى يعلم أنّه قذر»(4).
و قال أحمد، و الأوزاعي، و محمد: إنه طاهر غير مطهر(5) و هو القول الثاني للشافعي، و الرواية الأخرى عن مالك، و المشهور عن أبي حنيفة(6) ، لأن النبيّ صلى اللّه عليه و آله نهى أن يستعمل الرجل فضل وضوء المرأة(7) ، و لم يرد به ما أبقت في الإناء، بل ما استعملته.
و نمنع النهي، و نحمله على الباقي لغير المأمونة.1.
ص: 34
و قال أبو يوسف: إنّه نجس، و هو رواية عن أبي حنيفة(1) ، لأن النبيّ صلى اللّه عليه و آله قال: (لا يبولن أحدكم في الماء الدائم، و لا يغتسل فيه من جنابة)(2) فاقتضى أنّ الغسل فيه كالبول فيه فينجسه. و هو خطأ، فإن الاقتران في اللفظ لا يقتضي الاقتران في الحكم، و أنّ النهي عن البول لا للتنجيس، و كذا عن الاغتسال فيه، بل لإفساده بإظهار أجزاء الحمأة [1] فيه.
الثاني: المستعمل في الغسل الواجب مع خلو البدن من النجاسة، و هو طاهر مطهر على الأقوى، و به قال المرتضى(3) لقوله تعالى فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا (4) و للاستصحاب.
و قال الشيخان: إنّه طاهر غير مطهر(5) لقول الصادق عليه السّلام:
«الماء الذي يغسل به الثوب، أو يغتسل الرجل به من الجنابة، لا يجوز أن يتوضأ به»(6) و يحمل على نجاسة المحل، و خلاف الجمهور كما تقدم.
الأول: لو كان المحل نجسا نجس الماء.
الثاني: لو بلغ المستعمل كرّا، قال الشيخ في المبسوط: زال المنع(7).
ص: 35
و تردد في الخلاف(1) و للشافعية قولان(2).
الثالث: يجوز إزالة النجاسة به - خلافا للشافعي في أحد القولين - (3) لقوله عليه السّلام: (ثم اغسليه بالماء)(4) و هو يصدق عليه.
الرابع: المستعمل في الأغسال المندوبة طاهر مطهر، و كذا في غسل الثوب الطاهر إجماعا منّا، و هو أحد قولي الشافعي(5) لأنه لم يرفع به حدثا، و الآخر: المنع(6) ، لأنه مستعمل.
الثالث: المستعمل في إزالة النجاسات إن تغير بالنجاسة نجس إجماعا، و إن لم يتغير فكذلك على الأقوى، عدا ماء الاستنجاء، سواء كان من الغسلة الأولى أو الثانية، و سواء أزال النجاسة عن المحل أو لا، و هو أحد قولي الشيخ(7) و به قال أبو حنيفة، و بعض الشافعية(8) ، لأنه ماء قليل لاقى نجاسة.
و الثاني للشيخ: أنه نجس في الأولى، طاهر في الثانية(9) ، و به قال5.
ص: 36
الشافعي(1) لأمر النبيّ صلى اللّه عليه و آله بإلقاء الذنوب [1] على بول الأعرابي(2) و هو مع التسليم غير دال.
الأول: ماء الاستنجاء طاهر، لقول الصادق عليه السّلام، و قد سئل عن الرجل يقع ثوبه في الماء الذي استنجى به أ ينجس ثوبه ؟:
«لا»(3) و للمشقة، و لا فرق بين القبل و الدبر، و لو تغير بالنجاسة أو لاقته نجاسة من خارج نجس قطعا.
الثاني: قال في الخلاف: لا يغسل ما أصابه ماء يغسل به إناء الولوغ، من الأولى أو الثانية(4) و تردد في المبسوط في نجاسة الثانية(5) و الحقّ النجاسة.
الثالث: فرّق المرتضى بين ورود الماء على النجاسة، و ورودها عليه، فحكم بطهارة الأول دون الثاني(6) و يحتمل نجاسة الجميع.
الرابع: لو أورد الثوب النجس على ماء قليل نجس الماء، و لم يطهر الثوب، و لو ارتمس الجنب في ماء قليل طهر، و صار الماء مستعملا.
ص: 37
الخامس: غسالة الحمام لا يجوز استعمالها، لعدم انفكاكها من النجاسة، إلاّ أن يعلم خلوّها منها.
السادس: لا بأس للرجل أن يستعمل فضل وضوء المرأة و إن خلت به، و يكره إذا لم تكن مأمونة، و كذا فضلة وضوء الرجل لمثله و للمرأة، و هو قول أكثر العلماء(1) لأنّ النبيّ صلى اللّه عليه و آله اغتسل من جفنة فضل ماؤها من اغتسال ميمونة من جنابة، فقالت: إني قد اغتسلت منه، فقال: (الماء ليس عليه جنابة)(2).
و قال أحمد: لا يجوز أن يتوضأ الرجل بفضل وضوء المرأة إذا خلت به(3) لأن النبيّ صلى اللّه عليه و آله نهى أن يتوضأ الرجل بفضل وضوء المرأة(4). و حكي عنه الكراهة، و به قال الحسن، و ابن المسيب(5).
و النهي يحتمل التنزيه مع التهمة أو النسخ، لأن ميمونة قالت: إني قد اغتسلت منه. و هو يشعر بتقدم النهي عنه.2.
ص: 38
و هو الكلب و الخنزير و الكافر على الأشهر، لأن النبيّ صلى اللّه عليه و آله سئل عن الحياض تنوبها السباع و الدواب فقال: (لها ما حملت في بطونها، و ما بقي فهو لنا شراب و طهور)(1) و لم يفرق بين القليل و الكثير.
و سأل البقباق الصادق عليه السّلام عن فضل الشاة و البقرة و الإبل، و الحمار و البغل و الوحش، و الهرة و السباع، قال: فلم أترك شيئا إلاّ سألته عنه فقال: «لا بأس» حتى انتهيت إلى الكلب فقال: «رجس نجس لا تتوضأ بفضله، و صبّ ذلك الماء»(2) و قوله تعالى أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ (3) و الرجاسة: النجاسة، و قوله تعالى إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ (4).
و حكم الشيخ في المبسوط بنجاسة ما لا يؤكل لحمه من الإنسية عدا
ص: 39
ما لا يمكن التحرز عنه، كالفأرة و الحيّة و الهرة(1) ، لأن الصادق عليه السّلام قال: «كلّ ما يؤكل لحمه فلا بأس بسؤره»(2) و هو يدل من حيث المفهوم على منع الوضوء و الشرب مما لا يؤكل لحمه، و السند و دلالة المفهوم ضعيفان.
ضرب نجس و هو سؤر الكلب و الخنزير و السباع كلّها، و ضرب مكروه، و هو حشرات الأرض و جوارح الطير و الهر، و ضرب مشكوك فيه، و هو سؤر الحمار و البغل، و ضرب طاهر غير مكروه، و هو كلّ مأكول اللحم(3) ، لأنّ النبيّ صلى اللّه عليه و آله سئل عن المياه تكون بأرض الفلاة و ما ينوبها من السباع و الدواب، فقال: (إذا كان الماء قلتين لم ينجسه شيء)(4) و لا حجة فيه لدخول الكلب و الخنزير في السباع و الدواب.
و قال الشافعي: سؤر الحيوان كلّه طاهر إلاّ الكلب و الخنزير و ما تولد منهما أو من أحدهما، و به قال عمرو بن العاص، و أبو هريرة(5) و لم يحكم بنجاسة المشرك [1] لأن النبيّ صلى اللّه عليه و آله توضأ من مزادة [2] مشركة(6).
ص: 40
و لا حجة فيه لأن المزادة على أصل الطهارة ما لم يعلم مباشرتها لها برطوبة.
و قال أحمد: كلّ حيوان يؤكل لحمه فسؤره طاهر، و كذا حشرات الأرض و الهر(1) و أما السباع ففيه روايتان: النجاسة و الطهارة، و أصح الروايتين عنه: النجاسة في سؤر البغل و الحمار، و الثانية: أنه مشكوك فيه(2).
و حكم بنجاسة أواني المشركين(3) لقوله تعالى إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ (4).
و قال مالك، و الأوزاعي، و داود: سؤر الحيوان كلّه طاهر، حتى الكلب و الخنزير، و إن ولغا في طعام لم يحرم أكله(5).
و قال الزهري: يتوضأ به، إذا لم يجد غيره. و قال الثوري، و ابن مسلمة: يتوضأ به، و يتيمم(6).
قال مالك: و غسل الإناء الذي ولغ فيه الكلب تعبد(7) لقوله تعالى:
فَكُلُوا مِمّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ (8) و لم يأمر بغسل ما أصابه فمه، و لقوله عليه السلام: (و لنا ما غبر)(9) و السؤال وقع عما يدخلان فيه، و إباحة الأكل لا يستلزم أكل ما مسّه بفمه، و لا ترك الغسل، و نمنع من دخول الكلب و الخنزير9.
ص: 41
في السؤال، لو خرج بنص آخر، أو كان الماء كثيرا.
الأول: يكره سؤر الجلال و ليس بنجس، لحديث البقباق(1) و استثناه المرتضى، و الشيخ في المبسوط من المباح(2) ، لعدم انفكاك رطوبة أفواهها عن غذاء نجس، و هو ممنوع و منقوض بسؤر شارب الخمر.
الثاني: يكره سؤر آكل الجيف من الطيور، إذا خلا موضع الملاقاة من النجاسة لقول الصادق عليه السّلام - في مسائل عمار عما يشرب منه صقر أو عقاب -: «كل شيء من الطيور يتوضأ بما يشرب منه، إلاّ أن ترى في منقاره دما»(3) و به قال المرتضى(4) و استثناه في النهاية، و المبسوط من المباح(5).
و لو كان في منقاره أثر دم كان نجسا، و كذا جميع الحيوانات إذا كان في أفواهها نجاسة و الماء قليل، و به قال الشافعي(6).
الثالث: لو أكلت الهرة فأرة، ثم شربت من الماء(7) لم ينجس الماء، سواء غابت عن العين أو لا، قاله في المبسوط(8) ، لرواية زرارة عن الصادق عليه السلام: «في كتاب علي عليه السلام: أن الهر سبع، و لا بأس
ص: 42
بسؤره، و إني لأستحي من اللّه أن أدع طعاما لأن الهرّ أكل منه»(1) و هو عام، و هو أحد أقوال الشافعي، لقوله عليه السّلام: (إنها من الطوافين عليكم و الطوافات)(2) يريد عدم تمكن الاحتراز منها.
و ثانيها: أنه نجس لأصالة بقاء النجاسة في فمها.
و ثالثها: الطهارة بعد غيبة محتملة للولوغ في الماء الكثير(3).
الرابع: سؤر الهر ليس بمكروه، لحديث زرارة(4) ، و روت عائشة أن النبيّ صلى اللّه عليه و آله توضأ بفضلها(5).
و قال أبو حنيفة: إنه مكروه لأن لبنها نجس(6) ، و هو ممنوع.
الخامس: يكره سؤر الحائض المتهمة، قاله في النهاية(7) ، لأن الصادق عليه السّلام قال في سؤر الحائض: «يتوضأ منه إذا كانت مأمونة»(8) و أطلق في المبسوط، و المرتضى في المصباح(9).
السادس: الأقوى طهارة المسوخ، و لعابها، كالدب و القرد، و الثعلب و الأرنب، لحديث البقباق(10) ، و الأصل، و قال الشيخ: المسوخ نجسة(11).6.
ص: 43
السابع: يكره سؤر الدجاج لعدم انفكاكها عن ملاقاة النجاسة.
الثامن: قال في النهاية: الأفضل ترك ما خرجت منه الفأرة و الحيّة، و لا يجوز استعمال ما وقع فيه الوزغ، و إن خرج حيّا(1) ، و الوجه الكراهة من حيث الطب، لقول الكاظم عليه السّلام - و قد سأله أخوه عن العضاءة، و الحية، و الوزغ يقع في الماء فلا يموت أ يتوضأ منه للصلاة ؟ -: «لا بأس»(2).
و كذا التيمم بالتراب المغصوب بالإجماع، لأنه تصرف في ملك الغير بغير إذنه، و هو قبيح عقلا، و لا فرق في ذلك بين الطهارة عن الحدث أو الخبث، لأن المقتضي للقبح - و هو التصرف - موجود فيهما.
الأول: لو توضأ المحدث، أو اغتسل الجنب، أو الحائض، أو المستحاضة أو النفساء، أو من مس ميتا، به [1] عالما بالغصب لم يرتفع حدثه، لأن التعبد بالمنهي عنه قبيح، فيبقى في العهدة.
الثاني: لو أزال النجاسة عن بدنه، أو ثوبه، أجزأ و إن فعل محرما، و لا يحتمل بطلان الصلاة مع بقاء الرطوبة، لأنّه كالإتلاف.
الثالث: لو اشتبه المغصوب بغيره وجب اجتنابهما معا، فإن توضأ بكل واحد منهما فالأقرب البطلان، للنهي المضاد لإرادة الشارع، و يحتمل الصحة، لأنه توضأ بماء مملوك.
ص: 44
الرابع: جاهل الحكم غير معذور، بخلاف جاهل الوصف.
الخامس: لو سبق العلم بالغصب كان كالعالم.
ص: 45
ص: 46
و فيه فصلان
ص: 47
ص: 48
- نجسان بإجماع العلماء كافة، و للنصوص الواردة عن الأئمة عليهم السلام بغسل البول و الغائط عن المحل الذي أصاباه، و هي أكثر من أن تحصى(1).
و قول الشيخ في المبسوط - بطهارة ذرق ما لا يؤكل لحمه من الطيور(2) لرواية أبي بصير(3) - ضعيف، لأن أحدا لم يعمل بها.
و قول الشافعي: - إن بول رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله طاهر(4) ، لأن أم أيمن شربته فلم ينكره - (5) شهادة على النفي.
و قول النخعي: - أن أبوال جميع البهائم، و السباع، و أرواثها
ص: 49
طاهرة(1) - خارق للإجماع.
عند علمائنا أجمع - و به قال مالك، و أحمد، و زفر، و الزهري - لقوله عليه السّلام: (ما أكل لحمه فلا بأس ببوله)(2) و أمر العرنيّين [1] بشرب ألبان إبل الصدقة و أبوالها، و طاف على راحلته و هي لا تنفك عن التلطخ بالبول(3) ، و قول الصادق عليه السّلام: «كلّ ما يؤكل لحمه فلا بأس ببوله»(4).
و قال أبو حنيفة و الشافعي: أنّها نجسة(5) ، لقوله عليه السّلام: (تنزهوا عن البول)(6) ، و أتي بحجرين و روثة للاستنجاء فرمى الروثة و قال:
(رجس)(7).
و لا دلالة في الحديث، لإرادة بول ما لا يؤكل لحمه، جمعا بين الأدلة، و كذا الروثة، على أن الرجس: المجتنب عنه، و هو كذلك هنا.
ص: 50
و قال محمد بن الحسن: بول ما يؤكل لحمه طاهر، و روثه نجس(1).
الأول: رجيع ما لا نفس له سائلة - كالذباب و الخنافس - طاهر، لأن دمه طاهر، و كذا ميتته، و روث السمك، و للشافعي في الجميع قولان(2).
الثاني: رجيع الجلاّل من كلّ الحيوان، و موطوء الإنسان، نجس، لأنه حينئذ غير مأكول، و لا خلاف فيه.
الثالث: ذرق الدجاج مختلف فيه عندنا، فجماعة حكموا بطهارته إلاّ أن يكون جلالا [1]، و هو الأقوى عملا بالأصل، و بعموم طهارة رجيع ما يؤكل لحمه.
و آخرون حكموا بنجاسته [2] و هو قول أبي حنيفة أيضا، و أضاف إليه البطّ(3) ، و ليس بشيء.
الرابع: لو تناولت البهيمة الحبّ و خرج غير مستحيل كان طاهرا.
و كذا ما يخرج من الدود و الحصا، و لا يجب غسله، إلا أن يستصحب نجاسة.
و الشافعي أوجب غسله مطلقا(4).
و لو خرج غير صلب، و صار بحيث لو زرع لم ينبت، فقد استحال عذرة، على إشكال.
ص: 51
الخامس: ما يستحيل في العذرة من الديدان طاهر، و كذا لو سقي الزرع أو الشجر ماء نجسا، كان الزرع النامي و الغصن الحادث طاهرين.
السادس: الأقرب كراهة أبوال الخيل و البغال و الحمير، و أرواثها، على الأشهر عملا بالأصل، لقول الباقر و الصادق عليهما السلام: «لا تغسل ثوبك من بول كل شيء يؤكل لحمه»(1).
و للشيخ قول آخر بوجوب الاحتراز عنها(2) ، لأن الصادق عليه السّلام أمر محمد بن مسلم بغسلها(3) ، و لا دلالة فيه، لإرادة التنظيف.
السابع: عرق كلّ حيوان طاهر طاهر، عملا بالأصل، و أوجب الشيخان إزالة عرق الإبل الجلاّلة، و الجنب من الحرام(4) ، لقول الصادق عليه السلام: «لا تأكل لحوم الإبل الجلالة، و إن أصابك من عرقها فاغسله»(5) و يحمل على الاستحباب.
الثامن: ذرق الحمام و العصافير عندنا طاهر، لأنها مأكولة اللحم، و به قال أبو حنيفة، و أحمد، لإجماع الناس على تركه في المساجد(6).
و قال الشافعي: إنه نجس، لأنه طعام استحال في الجوف(7) ، و نمنع العلية.
التاسع: بول الصبي الذي لم يغتذ بالطعام نجس، بإجماع العلماء،1.
ص: 52
لأن النبيّ صلى اللّه عليه و آله قال: (ينضح من بول الغلام)(1).
و قال داود: إنّه طاهر، و الرش استحباب(2).
عند علمائنا أجمع، و به قال أبو حنيفة، و مالك، و أحمد في إحدى الروايتين(3) ، لأن النّبي صلى اللّه عليه و آله قال: (إنما يغسل الثوب من المني، و الدم، و البول)(4) و قال الصادق عليه السّلام: «إن عرفت مكانه فاغسله، و ان خفي عليك مكانه فاغسله كلّه»(5).
و هو قول الشافعي في القديم(6) ، و في الجديد أن مني الآدمي طاهر(7) ، لأن عائشة قالت: كنت أفرك المني من ثوب رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و هو يصلي فيه(8).
و يبطل بتوهم ما ليس بمنيّ منيّا.
و له في مني سائر الحيوانات ثلاثة أوجه: النجاسة، لأن طهارة مني
ص: 53
الآدمي للكرامة، و الطهارة إلاّ الكلب و الخنزير، اعتبارا بالعرق، و نجاسة غير المأكول خاصة، اعتبارا باللبن(1).
عند علمائنا أجمع - إلاّ ابن الجنيد، فإنه نجّس المذي الجاري عقيب شهوة(2) ، و هو إحدى الروايتين عن أحمد(3) - للأصل، و لقول ابن عباس: هو عندي بمنزلة البصاق(4) ، و قول الصادق عليه السّلام: «إنّ عليا عليه السّلام أمر المقداد أن يسأل رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله عن المذي فقال: ليس بشيء»(5).
و قول الصادق عليه السّلام: «إن سال من ذكرك شيء من مذي أو و ذي فلا تغسله، و لا تقطع له الصلاة، و لا تنقض له الوضوء، إنما ذلك بمنزلة النخامة»(6).
و قول الصادق عليه السّلام: «ليس في المذي من الشهوة، و لا من الإنعاظ، و لا من القبلة، و لا من مس الفرج، و لا من المضاجعة وضوء، و لا يغسل منه الثوب و لا الجسد»(7).
و قال الشافعي، و أبو حنيفة و أحمد في رواية: أنهما نجسان(8) ، لأنّ النبيّ
ص: 54
صلى اللّه عليه و آله أمر بغسل الذكر منه(1) ، و يحمل على الاستحباب.
الأول: رطوبة فرج المرأة و الدبر طاهرتان بالأصل.
و قال أبو حنيفة بالنجاسة، و للشافعي قولان(2) اعتبارا بالمذي، و قد بيّنا بطلانه.
الثاني: مني ما لا نفس له سائلة طاهر، لطهارة ميتته.
الثالث: القيء طاهر على الأشهر عملا بالأصل، و نقل الشيخ عن بعض علمائنا النجاسة(3) و به قال الشافعي، لأنه غذاء متغير إلى الفساد(4). و نمنع صلاحيته للعلية.
و لو لم يتغير فهو طاهر إجماعا، و لو تغير غائطا فهو نجس إجماعا.
الرابع: كل ما يخرج من المعدة أو ينزل من الرأس من الرطوبات كالبلغم و المرّة الصفراء طاهر بالأصل.
و قال الشافعي: البلغم طاهر، و المرة نجسة، و كذا الرطوبة الخارجة من المعدة، لأن المعدة نجسة، فما يخرج منها نجس(5) ، و هو ممنوع، و قال المزني: البلغم نجس لتغيره(6).
ص: 55
الخامس: إنفحة السخلة المذبوحة طاهرة، و كذا إن ماتت.
و قال الشافعي: أنها مع الموت، أو مع إطعام السخلة المذبوحة غير اللبن نجسة(1).
و إن كان مأكولا بلا خلاف، لقوله عليه السّلام: (إنما يغسل الثوب من البول، و المني، و الدم)(2) و قول الصادق عليه السّلام في المصلي يرعف: «يغسل آثار الدم»(3).
أما ما لا نفس له سائلة كالبق، و البراغيث و السمك فإنه طاهر، سواء تفاحش أو لا، ذهب إليه علماؤنا - و به قال أبو حنيفة(4) - للأصل، و لقول الصادق عليه السّلام، و قد سئل ما تقول في دم البراغيث ؟: «ليس به بأس» قلت: إنّه يكثر و يتفاحش، قال: «و إن كثر»(5) ، و قال الباقر: «إنّ عليا عليه السلام كان لا يرى بأسا بدم ما لم يذك يكون في الثوب يصلي فيه الرجل»(6) يعني دم السمك، و للمشقة.
و قال الشافعي: الجميع نجس، لعموم الأمر بالغسل(7) ، و هو محمول على المسفوح، جمعا بين الأدلة.
ص: 56
الأول: للشافعي في دم رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله وجهان: أحدهما:
الطهارة(1) ، لأن أبا ظبية الحجام شربه و لم ينكر(2) ، و نمنع عدم الإنكار لأنه صلى اللّه عليه و آله قال له: (لا تعد، الدم كلّه حرام)(3).
و كذا في بوله عليه السّلام عنده وجهان: أحدهما: الطهارة(4) لأن أم أيمن شربته، و لم ينكر(5) و هو ممنوع، و كذا العذرة(6).
الثاني: القيح طاهر، لأنه ليس دما، قال الشيخ: و كذا الصديد(7) ، و فيه نظر، إن جعلناه عبارة عن ماء الجرح المخالط للدم، و الحق الطهارة إن خلا.
الثالث: العلقة نجسة - و إن كانت في بيض الدجاج، و شبهه - لأنها دم.
و قال الشافعي في أحد الوجهين: أنها طاهرة كالمني، و المضغة أيضا(8).
و الوجه نجاستها إن انفصلت من حي أو ميت.
ص: 57
الرابع: لبن الآدمي طاهر - و هو أحد وجهي الشافعي(1) - للأصل، و الحاجة، و له وجه: أنه نجس لأنه من المستحيلات في الباطن(2) ، و الكبرى ممنوعة، و لا فرق بين لبن الذكر و الأنثى.
و نجّس بعض علمائنا لبن الأنثى، لأنه يخرج من مثانة أمها [1]، و الرواية(3) ضعيفة.
أما لبن الحيوانات المأكولة فإنه طاهر إجماعا، و كذا لبن النجس نجس إجماعا.
و لبن غيرهما عندنا طاهر كالعرق. و للشافعي وجهان(4).
الخامس: بيض المأكول طاهر إجماعا، و بيض غيره كذلك، و للشافعي وجهان(5).
السادس: بزر القزّ، و دوده، طاهران عملا بالأصل، و للشافعي في البزر وجهان(6).
السابع: المسك طاهر إجماعا، لأن رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله كان يتطيب به(7) ، و كذا فأرته عندنا، سواء أخذت من حية أو ميتة، و للشافعي7.
ص: 58
فيهما وجهان(1).
عند علمائنا، و به قال أبو حنيفة، و الشافعي في أضعف القولين كغيره من الحيوانات، و للأمر بالغسل، و الآخر: أنّه طاهر إكراما له(2). و ليس بمقتض.
و إن كان غيره فإن كان ذا نفس سائلة - أي دم يخرج بقوة - فهو نجس إجماعا، لأن التحريم يستلزم الاجتناب.
و إن لم يكن ذا نفس سائلة فعندنا أنّه طاهر، و لا ينجس ما يقع فيه من الماء و غيره، و به قال أبو حنيفة، و مالك، و أحمد، و الشافعي في أحد القولين(3) ، لأن نجاسة الميتة من نتنها و خبثها، و إنما يحصل ذلك بانحصار الدم و احتباسه في العروق، و هذه لا دم لها، و هي على هيئة واحدة في موتها و حياتها، و الرطوبة التي فيها شبه رطوبة النبات.
و لأنه عليه السّلام قال: (أيّما طعام أو شراب مات فيه دابة ليس لها نفس سائلة فهو الحلال أكله و شربه و الوضوء منه)(4) و قال عليه السّلام: (إذا وقع الذباب في إناء أحدكم فليمقله)(5) ، و هو قد يحصل به الموت، خصوصا
ص: 59
مع حرارة الطعام.
و لقول الصادق عليه السّلام - و قد سئل عن الخنفساء و الذباب -: «كلّ ما ليس له دم فلا بأس»(1).
و الثاني للشافعي: أنه نجس إلاّ السمك و الجراد، لأنه حيوان يحرم أكله لا لحرمته فيكون نجسا(2) ، و الملازمة ممنوعة.
الأول: نجاسة الميت الآدمي عرضيّة أو ذاتية ؟ فيه إشكال ينشأ من طهارته بالغسل، و من نجاسة ما يلاقيه، أما نجاسة غيره فذاتية.
و للشافعي قول أن نجاسة الآدمي ذاتية(3) ، و قال أبو حنيفة: إنها عرضيّة و إنما يطهر بالغسل الميت المسلم، أما الكافر فلا(4).
الثاني: ما لا تحله الحياة من الميت - كالصوف و الشعر، و الوبر و الريش، و العظم - طاهر، إلاّ من نجس العين فإنه نجس، لعموم الاحتراز عن الكلب، خلافا للمرتضى(5).
الثالث: كل ما أبين من الحيّ مما تحلّه الحياة فهو ميّت، فان كان من آدميّ كان نجسا عندنا، خلافا للشافعي(6).
الرابع: ما يتولد في الطعام كدود الخل و القسب [1]، و قمل الطعام، يحرم
ص: 60
أكله، و ليس بنجس إن مات فيما تولد فيه إجماعا، و إذا خرج فكذلك عندنا.
و للشافعي قولان، و كذا في أكله عنده قولان: أظهرهما: التحريم مع الانفراد(1).
الخامس: لو وقع الذباب و شبهه في ماء قليل و مات فيه، لم ينجسه عندنا، و للشافعي قولان(2).
و لو تغير الماء به فكذلك عندنا، و للشافعي - على تقدير عدم النجاسة بالملاقاة - وجهان(3) و لو سلبه الإطلاق فمضاف طاهر.
السادس: حيوان الماء المحرّم مما له نفس سائلة إذا مات في ماء قليل نجّسه عندنا، لانفعال القليل بالنجاسة، و به قال الشافعي(4).
و قال أبو حنيفة: لا ينجس، لأنه يعيش في الماء فلا ينجس بموته فيه، كالسمك(5). و يبطل بالفرق.
و ما لا نفس له سائلة - كالضفدع - لا ينجس به الماء القليل، و به قال أبو حنيفة(6) ، خلافا للشافعي(7).
السابع: الجنين الذي يوجد ميتا عند ذبح الأم - إذا كان تاما - حلال1.
ص: 61
طاهر، و إن لم تتم خلقته كان حراما نجسا.
الثامن: المتكون من النجاسات - كدود العذرة - طاهر، للعموم، و كذا الدود المتولد من الميتة، و في وجه للشافعي: أنّه نجس(1).
التاسع: يكره ما مات فيه الوزغ و العقرب، و قول ابن بابويه: إذا ماتت العضاءة في اللبن حرم(2) ، لرواية عمار(3) ، ضعيف، و يحمل على الكراهة، أو على التحريم للتضرر، لا للنجاسة.
العاشر: لو وقع الصيد المجروح الحلال في الماء فمات، فإن كانت حياته مستقرة فالماء نجس، و الصيد حرام، و إن كانت حياته غير مستقرة فالضد منهما، و إن اشتبه حكم بالأصلين فيهما على إشكال ينشأ من تضادهما، فالأحوط التحريم فيهما.
الحادي عشر: جلد الميتة نجس بإجماع العلماء، إلاّ الزهري، و الشافعي في وجه، فإنه طاهر عندهما(4).
الثاني عشر: عظم الحيوان و قرنه و ظفره و سنه لا تحلها الحياة فهي طاهرة، و به قال أبو حنيفة(5) ، و قال الشافعي: أنها نجسة لنموها(6).
الثالث عشر: الشعر و الصوف و الريش من الميتة طاهر، إلاّ من نجس العين على ما تقدم، و به قال أبو حنيفة، و الشافعي - في أحد القولين - لأنها1.
ص: 62
لا تحلها الحياة، و في الآخر: أنها نجسة لنمائها(1).
و لو جزّ من حيوان - لا يؤكل لحمه - حي فطاهر عندنا، خلافا له(2) و لو جزّ من مأكول فهو طاهر إجماعا.
و لو نتف منه حيا فكذلك عندنا، و للشافعي وجهان: النجاسة لأنه ترك طريق إباحته، و هو الجزّ فصار كخنق الشاة، و الطهارة لكثرة الألم فهو كالتذكية(3).
الرابع عشر: ما لا يؤكل لحمه إذا وقعت عليه الذكاة فذكي كان لحمه و جلده طاهرين، عملا بالأصل.
و قال الشافعي: نجسان، لأن التذكية لم تبح اللحم، فلا تفيده الطهارة(4).
و قال أبو حنيفة: الجلد طاهر، و في اللحم روايتان(5).
الخامس عشر: البيضة في الميتة طاهرة إن اكتست الجلد الفوقاني، و إلاّ فلا، و قال الشافعي: أنّها نجسة(6) ، و رواه الجمهور عن علي عليه السلام(7).1.
ص: 63
و المشيمة نجسة.
السادس عشر: في لبن الشاة الميتة روايتان(1) ، أقواهما: التحريم و النجاسة، لملاقاة النجاسة، و للشافعي وجهان(2).
ذهب إليه علماؤنا أجمع إلاّ ابن بابويه، و ابن أبي عقيل(3) ، و قول عامة العلماء أيضا إلاّ داود، و ربيعة، و أحد قولي الشافعي(4). لقوله تعالى إِنَّمَا الْخَمْرُ وَ الْمَيْسِرُ وَ الْأَنْصابُ وَ الْأَزْلامُ رِجْسٌ (5) و الرجس لغة: النجس، و لأن ما حرم على الإطلاق كان نجسا كالدم و البول، و لقول الصادق عليه السّلام: «لا تصلّ في ثوب أصابه خمر أو مسكر حتى تغسله»(6).
و قولهم عليهم السلام: «إنّ اللّه حرم شربها، و لم يحرم الصلاة فيها»(7). لا يدل على الطهارة، و استصحاب حال كونه عصيرا - كما قاله داود - (8) ضعيف.
ص: 64
الأول: كل المسكرات كالخمر في التحريم و النجاسة، لقول الكاظم عليه السلام: «و ما عاقبته عاقبة الخمر فهو خمر»(1) و قول الباقر عليه السلام: «قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: كل مسكر خمر»(2).
و قال أبو حنيفة: النبيذ طاهر، و هو أحد قولي الشافعي(3).
الثاني: العصير إذا غلى حرم حتى يذهب ثلثاه، و هل ينجس بالغليان أو يقف على الشدة ؟ إشكال.
الثالث: الفقاع كالخمر عندنا في التحريم و النجاسة - خلافا للجمهور(4) - لقول الرضا عليه السّلام: «هو خمر مجهول»(5).
الرابع: الخمر إذا انقلبت خلا طهر إجماعا، و لو لاقته نجاسة، أو عصره مشرك لم يطهر بالانقلاب.
الخامس: بواطن حبات العنقود إذا استحال ما فيها خمرا كان نجسا، و هو أحد قولي الشافعي(6).
السادس: المسكرات الجامدة ليست نجسة و إن حرمت، و لو تجمّد الخمر، أو ما مازجه لم يخرج عن نجاسته، و كذا لو سال الجامد بغير
ص: 65
ممازجة لم يخرج عن طهارته.
ذهب إليه علماؤنا أجمع، و به قال علي عليه السّلام، و ابن عباس، و أبو هريرة، و عروة بن الزبير، و الشافعي، و أبو ثور، و أبو عبيد، و أحمد(1) ، لقول النبيّ صلى اللّه عليه و آله: (طهور إناء أحدكم إذا ولغ الكلب فيه أن يغسله سبع مرات)(2) ، و قول الصادق عليه السّلام عن الكلب: «رجس نجس»(3).
و قال أبو حنيفة: الكلب طاهر، و الخنزير نجس، لعدم وجوب غسل ما عضه الكلب من الصيد(4) ، و هو ممنوع.
و قال الزهري، و مالك، و داود: الكلب و الخنزير طاهران(5).
الأول: الحيوان المتولد منهما يحتمل نجاسته مطلقا، و اعتبار اسم أحدهما، و المتولد من أحدهما و ما غايرهما يتبع الاسم.
الثاني: كل أجزاء الكلب و الخنزير و ان لم تحلّها الحياة نجسة، خلافا للمرتضى(6).
ص: 66
الثالث: كلب الماء طاهر بالأصل، خلافا لابن إدريس(1) ، و لا يجوز حمل اللفظ على الحقيقة و المجاز بغير قرينة.
الرابع: الأقرب طهارة الثعلب، و الأرنب، و الفأرة، و الوزغة - و هو قول المرتضى، و أحد قولي الشيخ(2) - عملا بالأصل، و النص الدال على طهارة سؤر ما عدا الكلب و الخنزير(3).
احتج الشيخ بأمر الكاظم عليه السّلام بغسل أثر ما أصابته الفأرة الرطبة(4) ، و أمر الصادق عليه السّلام بغسل اليد من مس الثعلب و الأرنب(5) و هو محمول على الاستحباب.
لقوله تعالى إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ (6) و الحذف على خلاف الأصل، و الوصف بالمصدر جائز لشدة المعنى، و قوله تعالى كَذلِكَ يَجْعَلُ اللّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ (7) و لقول النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و قد سئل أنّا بأرض قوم أهل كتاب نأكل في آنيتهم ؟: (لا تأكلوا فيها إلاّ ان لا تجدوا غيرها، فاغسلوها ثم كلوا فيها)(8).
و سئل الصادق عليه السّلام عن سؤر اليهودي و النصراني
ص: 67
فقال: «لا»(1).
الأول: لا فرق بين أن يكون الكافر أصليا أو مرتدا، و لا بين أن يتدين بملة أو لا، و لا بين المسلم إذا أنكر ما يعلم ثبوته من الدين ضرورة و بينة، و كذا لو اعتقد المسلم ما يعلم نفيه من الدين ضرورة.
الثاني: حكم الشيخ بنجاسة المجبرة و المجسمة(2) ، و قال ابن إدريس بنجاسة كل من لم يعتقد الحق إلاّ المستضعف(3) ، لقوله تعالى كَذلِكَ يَجْعَلُ اللّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ (4).
و الأقرب طهارة غير الناصب لأن عليا عليه السلام لم يجتنب سؤر من بائنة من الصحابة.
الثالث: الناصب - و هو من يتظاهر ببغضة أحد من الأئمة عليهم السلام - نجس، و قد جعله الصادق عليه السّلام شرّا من اليهود و النصارى(5) ، و السرّ فيه أنهما منعا لطف النبوّة و هو خاص، و منع هو لطف الإمامة و هو عام.
و كذا الخوارج لإنكارهم ما علم ثبوته من الدين ضرورة، و الغلاة أيضا أنجاس لخروجهم عن الإسلام و ان انتحلوه.
الرابع: أولاد الكفار حكمهم حكم آبائهم، و هل يتبع المسبي السابي
ص: 68
في الإسلام ؟ إشكال.
الخامس: قال ابن بابويه: لا يجوز الوضوء بسؤر ولد الزنا(1) ، و حكم ابن إدريس بنجاسته لانه كافر(2) ، و هو ممنوع، و الأقرب الطهارة.
تذنيب: ظهر مما قررناه أن النجاسات بالأصالة عشرة: البول، و الغائط، و المني، و الدم، و الميتة، و الخمر، و الفقاع، و الكلب، و الخنزير، و الكافر، و ما عدا ذلك طاهر، تعرض له النجاسة بملاقاة أحدها رطبا.7.
ص: 69
ص: 70
سواء قلّت أو كثرت عند علماؤنا أجمع، إلاّ ابن الجنيد(1) ، و به قال الشافعي(2) ، لقوله تعالى وَ ثِيابَكَ فَطَهِّرْ (3) و قوله عليه السّلام: (تنزهوا من البول فإن عامة عذاب القبر منه)(4).
و قال ابن الجنيد: إن قلّت عن الدرهم فمعفو، كالدم(5). و به قال أبو حنيفة(6) ، و هو قياس في معارضة النص، فيرد.
ص: 71
و قال مالك: لا يجب إزالة النجاسة مطلقا، قلّت أو كثرت(1) لقول ابن عباس: ليس على الثوب جنابة(2) ، و لا دلالة فيه.
و قال أبو حنيفة: النجاسة المغلظة يجب إزالة ما زاد على الدرهم، و المخففة لا يجب إلاّ أن يتفاحش(3).
و اختلف أصحابه في التفاحش، قال الطحاوي: التفاحش أن يكون ربع الثوب(4) ، و قال بعضهم: ذراع في ذراع(5) ، و قال أبو بكر الرازي: شبر في شبر(6) ، و كل ذلك تخمين.
و أما الدم منها فإن كان حيضا، أو استحاضة، أو نفاسا، وجب إزالة قليله و كثيره - خلافا لأحمد حيث عفى عن يسيره(7) - لقول الصادق عليه السّلام عن الحائض: «تغسل ما أصاب ثيابها من الدم»(8) و لأنه مقتضى الدليل.
و ألحق به القطب الراوندي دم الكلب و الخنزير(9) ، و استبعده ابن إدريس(10).5.
ص: 72
و الحق عندي اختيار القطب، و يلحق به أيضا دم الكافر، و الضابط دم نجس العين، لحصول حكم طارىء للدم، و هو ملاقاته لنجس العين، و كذا كل دم إصابة نجاسة غيره.
و إن كان دم قرح أو جرح سائلا لازما لم تجب إزالته - و إن كثر مع نجاسته، سواء الثوب و البدن في ذلك - للمشقة، و لقولهم عليهم السلام عن دم القروح التي لا تزال تدمى: «يصلّي»(1).
و ان كانت الدماء تسيل، فإن انقطع السيلان اعتبر بالدرهم، لزوال حرج إزالته.
و إن كان مغايرا لهذين القسمين من المسفوح كدم الفصاد و البثور و الذبيحة كان نجسا و تجب إزالته إن زاد على الدرهم البغليّ إجماعا، لقول الباقر عليه السّلام: «و ان كان أكثر من قدر الدرهم و كان رآه و لم يغسله و صلّى فليعد صلاته»(2).
و ان نقص عنه لم تجب إزالته إجماعا، لقول الباقر عليه السّلام: «ما لم يكن مجتمعا قدر الدرهم»(3) و في الدرهم قولان لعلمائنا [1]، أحوطهما:
الوجوب.2.
ص: 73
الأول: قسّم الشافعي النجاسة إلى دم و غيره، و الأول: إن كان من ذي النفس السائلة ففي قول عنه: أنه غير معفو عنه مطلقا. و في القديم: يعفى عمّا دون الكف، و في ثالث: يعفى عن قليله، و هو ما لم يتفاحش.
و إن كان من غير ذي النفس فهو نجس يعفى عمّا قلّ، دون المتفاحش، و غير الدم لا يعفى عن قليله و لا كثيرة(1).
الثاني: الدرهم البغليّ هو المضروب من درهم و ثلث، منسوب إلى قرية بالجامعين [1]، و ابن أبي عقيل قدّره بسعة الدينار(2) ، و ابن الجنيد بأنملة الإبهام(3).
الثالث: هذا التقدير في المجتمع، و الأقرب في المتفرق ذلك لو جمع، فيجب إزالته، أو ما يحصل معه القصور، و قال الشيخ: ما لم يتفاحش(4).
الرابع: لو لاقت نجاسة غير الدم ما عفي عنه منه لم يبق عفو، سواء لاقت قبل الاتصال بالمحل أو بعده.
تتخلّل، و النطفة و العلقة [و المضغة] [2] و الدم في البيضة إذا صارت حيوانا إجماعا، و دخان
ص: 74
الأعيان النجسة عندنا - و هو أحد وجهي الشافعي(1) - و ما أحالته النار عندنا، و به قال أبو حنيفة(2) ، فإن الاستحالة أبلغ في الإزالة من الغسل، خلافا للشافعي(3) ، لأنها لم تنجس بالاستحالة فلم تطهر بها، و الملازمة ممنوعة.
و لو وقع في القدر - و هي تغلي على النار - دم، قال بعض علمائنا:
تطهر بالغليان، لأن النار تحيل الدم(4) ، و فيه ضعف، و لو كان غير الدم لم تطهر إجماعا.
و لو استحال الخنزير - و غيره من العينيات - ملحا في المملحة، أو الزبل الممتزج بالتراب - حتى طال عهده - ترابا، قال أبو حنيفة: يطهر، و للشافعي وجهان(5) ، و عندي في ذلك تردد، و للشيخ قولان في تراب القبر بعد صيرورة الميت رميما(6).
و أما النجس بالملاقاة فعلى أقسام:
الأول: الحصر، و البواري، و الأرض، و الثابت [1] فيها، و الأبنية، تطهر بتجفيف الشمس خاصة من البول و شبهه، كالماء النجس، و إن كان خمرا إذا ذهبت الآثار.3.
ص: 75
و قال بعض علمائنا: لا يطهر، و ان جازت الصلاة عليها(1).
و لو جف بغير الشمس أو بقيت عينه لم يطهر إجماعا، و للشيخ منع في غير البول(2).
و ما اخترناه قول أبي حنيفة و صاحبيه، و الشافعي في القديم(3) ، لأن الأرض و الشمس من شأنهما الإحالة، و هي أبلغ من تأثير الماء، و لأن الشمس تفيد سخونة، و هي تقتضي تصاعد أجزاء النجاسة و مفارقتها.
و قال مالك و الشافعي - في الجديد - و أحمد و إسحاق: لا يطهر بتجفيف الشمس(4) ، لأن النبيّ صلى اللّه عليه و آله أمر بصبّ الذنوب(5) ، و لو سلّم لم يمنع.
و هل تطهر الأرض من بول الرجل بإلقاء ذنوب عليها، بحيث يغمرها، و يستهلك فيه البول، فتذهب رائحته و لونه ؟ قال الشيخ: نعم(6) ، و به قال الشافعي(7) ، لأن النبيّ صلى اللّه عليه و آله أمر بإراقة ذنوب من ماء على بول1.
ص: 76
الأعرابي(1).
و قال أبو حنيفة: إن كانت رخوة ينزل فيها الماء كفاه الصبّ، و إن كانت صلبة لم يجز فيها إلاّ حفرها و نقل التراب، لأن الماء المزال به النجاسة نجس، فإذا لم يزل من الأرض كان على وجهها نجسا، و الأقرب أنّها تطهر بتجفيف الشمس، أو بإلقاء الكر، أو الجاري، أو المطر عليها(2).
و لو سلّم حديث الأعرابي حمل على الجفاف بالهواء، فأعيدت الرطوبة لتجف بالشمس، مع أن بعضهم روى أنّ النبيّ صلى اللّه عليه و آله أمر بأخذ التراب الذي أصابه البول فيلقى، و يصبّ على مكانه ماء(3) ، و نحن نقول بذلك.
الثالث: ليس للذنوب تقدير، بل ما يقهر البول و يزيل لونه و ريحه.
و قال الشافعي: يطرح سبعة أضعاف البول(1).
الرابع: لو جفّت هذه الأشياء بغير الشمس لم تطهر، فإن رمي عليها ماء طاهر، أو نجس، أو بول، و جفّت بالشمس طهرت باطنا و ظاهرا.
و قال الشافعي في القديم: تطهر لو جفّت بغير الشمس - كالريح، و طول الزمان - ظاهرها، و في باطنها قولان(2).
الخامس: ليس الثوب كالأرض، و هو أظهر وجهي الشافعي(3) ، لأن في أجزاء التراب قوة محيلة الى صفة نفسها، بخلاف الثوب، فلا يطهر إلاّ بالغسل بالماء.
الثاني: الجسم الصقيل كالمرآة و السيف، قال المرتضى: يطهر بالمسح إذا أزال العين، لأن المقتضي للنجاسة قد زال فيزول معلوله(4) ، و قال الشيخ: لا يطهر(5). و هو الأقوى لأنها حكم شرعي فيقف على مورده.
الثالث: العجين بالماء النجس لا يطهر بالخبز، لقول الصادق عليه السلام: «يدفن و لا يباع»(6) و للشيخ قولان [1]: أحدهما: الطهارة، لقول6.
ص: 78
الصادق عليه السّلام: «لا بأس أكلت النار ما فيه»(1) و هو محمول على الإحالة، إذ بدونها لم تأكل.
و اللبن المضروب بماء نجس، أو ببول يطهر بإحراقه آجرا، قاله الشيخ(2) ، لأن النار أحالت الأجزاء الرطبة.
و قال الشافعي: لا يطهر، إلاّ أن يكاثره الماء فيطهر ظاهره، أما باطنه فإن تفتّت ترابا و كاثره الماء طهر، و لا يطهر بالإحراق(3).
الرابع: أسفل القدم و النعل، و باطن الخف يطهر بالأرض مع زوال النجاسة، و به قال أبو حنيفة(4) ، لقول النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: (إذا جاء أحدكم الى المسجد فان رأى في نعله أثرا، أو أذى فليمسحها و ليصلّ فيها)(5).
و قال عليه السّلام: (إذا وطأ أحدكم الأذى بخفّيه فإن التراب له طهور)(6).
و لقول الصادق عليه السّلام: «لا بأس» و قد سئل عن وطئ العذرة بالخف ثم مسحت حتى لم ير شيئا(7).
و لا يشترط جفاف النجاسة، و لا أن يكون لها جرم، خلافا لأبي8.
ص: 79
حنيفة(1) ، للعموم و الأولوية.
و إن بقيت الرائحة و اللون لعسر الإزالة، و كذا غيره، و المستحب صبغ أثر الحيض مع المشقة، بالمشق و شبهه، و يجب في الغسل أن يورد الماء على النجاسة و يغلبه عليها، فلو أدخل الثوب أو غيره على الإناء لم يطهر، و نجس الماء.
و للشافعي قول بعدم الطهارة مع بقاء الرائحة أو اللون و إن عسر زواله(2) ، و هو مردود، لقول النبيّ صلّى اللّه عليه و آله لخولة و قد سألته عن دم الحيض يبقى أثره: (لا بأس به يكفيك و لا يضرك أثره)(3).
و لو كانت النجاسة حكمية، و هي التي لا تدرك بالحواس، كالبول إذا جفّ على الثوب، و لم يوجد له أثر، يجب غسلها أيضا عن الثوب و البدن و غيرهما.
و لا بد في غسل الثوب من العصر - و هو أحد قولي الشافعي(4) - لأن الغسالة نجسة، فلا يطهر مع بقائها فيه، و لا يكفي صبّ الماء، و لا بد من الغسل مرتين.
ص: 80
الأول: لو وقع الثوب النجس أو الآنية أو غيرهما في ماء كثير أو جار، حتى زالت عين النجاسة طهر، سواء عصر أو لا، و لا يشترط عدد و لا غيره و ان كان في الولوغ، خلافا للشيخ(1).
الثاني: اشترط أبو حنيفة في إزالة النجاسة الحكمية الثلاث(2) ، و أحمد السبع في جميع النجاسات(3).
الثالث: بول الصبي قبل أن يطعم، يكفي فيه صبّ الماء عليه، و لا يجب غسله، لأن الحسن بن علي عليهما السلام بال في حجر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، فقالت له لبابة بنت الحارث: أعطني إزارك لأغسله.
فقال: (إنّما يغسل من بول الأنثى)(4) ، و قال الصادق عليه السّلام: «يصبّ عليه الماء»(5).
و قال أبو حنيفة و مالك: يجب غسله(6) ، لقوله صلى اللّه عليه و آله:
(إنّما يغسل الثوب من البول)(7) - الحديث - و الخاص مقدم.
ص: 81
و قال الشافعي و أحمد: يكفي الرش(1). و هو قول لنا، فيجب فيه التعميم فلا يكفي إصابة الرش بعض مورد النجاسة، و أكثر الشافعية على اشتراط الغلبة، و لم يكتفوا بالبلّ(2).
الرابع: بول الصبيّة يجب غسله كالبالغة - و للشافعي قولان(3) - لأن التخصيص بالصبي.
الخامس: المتساقط بالعصر نجس، و المتخلف في الثوب طاهر، و لو جفّ من غير عصر ففي الطهارة إشكال، ينشأ من زوال الغسالة بالجفاف، و العدم لأنّا نظن انفصال أجزاء النجاسة في صحبة الماء بالعصر لا بالجفاف.
السادس: قد بيّنا أن المنيّ نجس، و يجب غسله رطبا و يابسا، مع استحباب تقديم الفرك في اليابس، و به قال مالك(4) ، لقوله صلى اللّه عليه و آله: (إنّما يغسل الثوب من المني)(5) الحديث.
و قال أبو حنيفة و أحمد: يفرك يابسا(6) لأن عائشة كانت تفرك المني من ثوب رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله(7). و لا حجة فيه.1.
ص: 82
السابع: لو غسل نصف الثوب النجس طهر ما غسله، و كان الباقي على نجاسته، إن غسله طهر أيضا، و هو أحد قولي الشافعية(1) لأن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال عن السمن تموت فيه الفأرة: (و إن كان جامدا فألقوها و ما حولها)(2) ، حكم عليه السلام بنجاسة المتصل دون الجميع، مع وجود الرطوبة، و لأن الآنية تغسل بإرادة الماء فيها.
و في الآخر: لا يطهر إلاّ بغسلة دفعة، لاتصال الرطوبة بالنجس، و ليس بشيء.
و يجب غسلها من ولوغ الكلب ثلاث مرات أولاهن بالتراب، ذهب إليه أكثر علمائنا [1]، لقول النبيّ صلى اللّه عليه و آله: (يغسل ثلاثا أو خمسا أو سبعا)(3) و التخيير يسقط وجوب الزائد، و قول الصادق عليه السّلام: «اغسله بالتراب أول مرة، ثم بالماء مرّتين»(4) و قال المفيد: الوسطى بالتراب(5).
و قال ابن الجنيد: يغسله سبعا(6) و به قال الشافعي، و أحمد، و هو مروي عن ابن عباس، و أبي هريرة، و عروة، و طاوس(7) ، لقوله عليه
ص: 83
السلام: (طهور إناء أحدكم إذا ولغ الكلب فيه أن يغسله سبعا)(1).
و قال مالك: يستحب الغسل(2). و عن أحمد رواية أنها ثمانية، و به قال الحسن البصري(3) ، لقوله عليه السّلام: (و الثامنة عفّروه بالتراب)(4).
و أصحاب الرأي لم يعتبروا عددا لتخييره عليه السلام، و لا ينافي ما قلناه.
و أما الخنزير، فقال الشيخ: إنّه كالكلب لأنه يسمى كلبا لغة(5) ، و هو ضعيف، و به قال الشافعي، و في القديم له: يغسل مرّة واحدة(6).
و الأجود أنّه يغسل سبع مرّات، لقول الكاظم عليه السلام و قد سئل عن خنزير شرب من إناء، قال: «يغسله سبع مرات»(7).
و أما الخمر، فقال الشيخان: يغسل منه سبعا(8) ، لقول الصادق عليه السلام - في الإناء يشرب فيه النبيذ -: «يغسل سبع مرات»(9) ، و للشيخ قول: إنه ثلاث(10) ، لقول الصادق عليه السّلام: «و يغسله ثلاث مرّات»(11).1.
ص: 84
و أما الفأرة فللشيخ قول بالغسل سبعا(1) ، لقول الصادق عليه السّلام:
«اغسل الإناء الذي تصيب فيه الجرذ سبعا»(2) ، و قول: إنه ثلاث(3) لعدم زيادته على الخنزير و الكلب.
و ما عدا هذه النجاسات، قال الشيخ: يجب الثلاث(4). و الوجه عندي المرة مع حصول الإنقاء مطلقا، فيما عدا الكلب و الخنزير، و التقديرات مستحبة، و به قال الشافعي(5).
و قال أحمد: يجب غسل سائر النجاسات سبعا، إلاّ الأرض إذا أصابتها النجاسة لا يجب فيها العدد(6) ، و اختلف أصحابه في اعتبار التراب(7) لأنه عليه السّلام نبّه بالكلب على سائر النجاسات، و هو قياس في التقديرات، مع معارضة النص، و هو قوله عليه السّلام: (و الغسل من البول مرّة)(8).
الثاني: يكفي عدد الواحد للأكثر، خلافا لبعض الشافعية(1) ، و كذا يتداخل العدد لو اختلفت أنواع النجاسة.
الثالث: لو فقد التراب أجزأ الماء، و يجزي الأشنان و شبهه لو فقد التراب، و هل يجزي الماء و الأشنان و شبهه مع وجود التراب ؟ ظاهر كلام الشيخ المنع(2) ، لعدم الإتيان بالمأمور، و يحتمل الإجزاء، لأن الماء أبلغ، و كذا الأشنان أبلغ في الإنقاء، و للشافعي وجهان(3).
و لو خيف فساد المحل بالتراب فكالفاقد.
الرابع: قال الشيخ: لو وقع إناء الولوغ في الجاري أو كثير الواقف حصلت غسلة للإناء، فإذا أخرج وجب الإكمال(4) ، و ليس بجيّد.
و للشافعي وجهان(5).
و على قوله، لو طرح كرّ في إناء الولوغ كان الماء طاهرا و الإناء نجسا.
الخامس: لو ولغ في إناء فيه طعام جامد، و لم يصب الإناء، ألقى ما أصابه فمه خاصة، و لا غسل.
السادس: لو ولغ في ماء قليل فأصاب ذلك الماء ثوبا، أو إناء غسل مرة، و قال الشافعي: يغسل سبع مرات إحداهن بالتراب(6).
السابع: لو أدخل يده أو رجله وجب غسله مرة، كالنجاسات، و كذا2.
ص: 86
دمعه، و بوله، و دمه. و قال الشافعي: كالولوغ(1) ، و به قال الصدوق(2) ، و قال مالك، و داود: لا غسل، لأنه في الولوغ تعبد(3).
الثامن: أواني المشركين طاهرة، ما لم يعلم مباشرتهم لها برطوبة، لأنها كذلك في الأصل، فلا يخرج عنه إلاّ لموجب، فإن علمت المباشرة نجست - خلافا للشافعي، و أبي حنيفة(4) - لقول الباقر عليه السّلام: «لا تأكلوا في آنيتهم، و لا من طعامهم الذي يطبخون»(5).
التاسع: إن قلنا بمزج الماء و التراب، فهل يجزي لو صار مضافا؟ إشكال، و على تقديره، هل يجوز عوض الماء ماء الورد و شبهه ؟ إشكال.
العاشر: يشترط في التراب الطهارة، فإنّ النجس لا يطهّر غيره.
و للشافعية وجهان: أحدهما: الإجزاء(6) ، لأن التراب تعبد، لا للتطهير كحصى الجمار لو كان نجسا.
الحادي عشر: أواني الخمر الصلبة كالصفر، و النحاس، و الحجر، و المغضور تطهر بالغسل إجماعا، و غيره كالقرع، و الخشب، و الخزف غير المغضور كذلك، خلافا لابن الجنيد(7).
و إنّما يطهر
ص: 87
بالغسل إذا أمكن نزع الماء المغسول به عنه، دون ما لا يمكن، كالمائعات و الصابون، و الكاغذ و الطين، و إن أمكن إيصال الماء إلى أجزائها بالضرب، ما لم يطرح في كرّ فما زاد، أو في جار بحيث يسري الماء إلى جميع أجزائه قبل إخراجه منه، فلو طرح الدهن في ماء كثير، و حرّكه حتى تخلّل الماء أجزاء الدهن بأسرها طهر، و للشافعية قولان(1). و كذا العجين بالنجس، إذا مزج به حتى صار رقيقا، و تخلّل الماء جميع أجزائه. و يكفي في البدن الصب المزيل للعين، و يستحب الدلك، و كذا الجامدات.
و إنما يجب الغسل بملاقاة النجاسة مع رطوبة أحدهما، و لو كانا يابسين لم يجب، إلاّ الميتة فإنه يجب غسل الملاقي لها و إن كانا يابسين، على إشكال، و هل ذلك تعبد أو للنجاسة ؟ ظاهر كلام علمائنا الثاني(2) ، و فيه نظر.
و يستحب رش الثوب بالماء إذا مسه الكلب، أو الخنزير، و لو كان برطوبة وجب الغسل، و في البدن يمسح بالتراب، و يغسل مع الرطوبة وجوبا.
و قال ابن شبرمة: يتحرى كالثوب(1) ، و الحكم في الأصل ممنوع.
و قال عطاء و حماد بنضح الثوب كلّه(2) ، لأن كل موضع يشك فيه فينضح، و النضح غير كاف لتيقن النجاسة.
و لو نجس أحد الكمّين غسلهما، و إن قطع أحدهما غسل الباقي، و عند الشافعية وجهان في التحري في أحد الكمّين(3) ، و لو قطع أحدهما جاز التحري عندهم قولا واحدا(4).
و لو نجس أحد الثوبين و اشتبه وجب غسلهما، و لم يجز التحري عندنا إجماعا، و به قال أحمد، و ابن الماجشون، و أبو ثور، و المزني، لأن أحدهما نجس بيقين، و بالتحري لا يحصل يقين البراءة(5) ، و قال أبو حنيفة و الشافعي: يتحرى كالأواني(6) ، و الأصل ممنوع.
و لو نجس أحد الإناءين و اشتبه اجتنبا، و وجب غسلهما معا، و لو لم يجد غير مائهما تيمّم و صلّى، و لا إعادة عليه، ذهب إليه علماؤنا أجمع، سواء كان عدد الطاهر أكثر أو أقل أو تساويا، و سواء السفر و الحضر، و سواء اشتبه بالنجس أو بالنجاسة - و به قال المزني، و أبو ثور، و أحمد(7) - لأن استعمال النجس محرّم فيجب الاجتناب، كالمشتبه بالأجنبية.1.
ص: 89
و قال أبو حنيفة: إن كان عدد الطاهر أكثر جاز التحري، و إلاّ فلا(1) ، لأن الظاهر إصابة الطاهر، و هو ممنوع و منقوض بالثياب.
و قال الشافعي: إن كان [في] [1] أحدهما نجاسة لم يجز التحري، و إلاّ جاز مطلقا كالتحري في القبلة(2) ، و حكم الأصل ممنوع.
و قال ابن الماجشون، و محمد بن مسلمة [2]: يتوضأ بكل واحد منهما(3) ، و هو خطأ.
الأول: ظن النجاسة، قال بعض علمائنا(4): إنه كاليقين. و هو جيّد إن استند إلى سبب، كقول العدل.
أما ثياب مدمني الخمر، و القصابين، و الصبيان، و طين الشوارع، و المقابر المنبوشة، فالأقرب الطهارة. و للشافعي وجهان(5).
الثاني: شرط الشافعية للاجتهاد أن يكون للعلامة مجال للمجتهد فيه، فيجوز في الثياب و الأواني عندهم، دون الميتة و المذكّى، و المحرم و الأجنبية(6). و يؤيّده الاستصحاب، فلا يجوز عند الاشتباه بالبول و العجز عن اليقين، فلو وجد طاهرا بيقين لم يسغ الاجتهاد في أحد الوجهين، لتمكنه من أداء الصلاة بيقين دون الآخر، كالقليل يجوز استعماله مع وجود الكثير،
ص: 90
و ظهور علامة النجاسة، كنقصان الماء في إمارة الولوغ.
الثالث: لو أدّاه اجتهاده إلى إناء، و صلّى فيه صبحا، ثم اجتهد فأدّاه إلى غيره وقت الظهر، تيمّم عند الشافعي، لأن الاجتهاد لا ينقض الاجتهاد، و عنه قول: أنه يتوضأ به بعد أن يغسل ما على بدنه من الماء الذي غلب على ظنه أنه نجس(1) ، و ليس ذلك ينقض الاجتهاد الأول، لأنا لا نبطل طهارته الأولى و لا صلاته، بل معناه يغسل ما غلب على ظنه أنه نجس.
الرابع: قال الشيخ: يجب إراقة الإناءين عند التيمم(2) - و به قال أحمد في إحدى الروايتين(3) - لئلاّ يتيمم و معه ماء طاهر.
و الأجود عدمه، إذ الشرط فقدان ماء يتمكن من استعماله، و هو إحدى الروايتين عن أحمد(4).
و قال الشافعي: إن أراقهما أو صبّ أحدهما في الآخر لم يجب القضاء، و إلاّ وجب في أحد القولين(5) ، و على تعليل الشيخ ينبغي الجواز لو أراق أحدهما.
الخامس: لو كان أحد الإناءين بولا لم يجز التحري، و به قال الشافعي، و أبو حنيفة(6).
و لو كان الثالث بولا، لم يجز عند الشافعي، و جاز عند أبي حنيفة(7).1.
ص: 91
و لو كان أحدهما مستعملا، استعمل أيهما شاء عندنا، لأن المستعمل في الطهارة طاهر مطهّر، أما عند الشيخ في الكبرى فاللائق استعمال كل منهما منفردا(1) ، و للشافعي في التحري وجهان(2).
و لو كان أحدهما ماء ورد استعمل كل منهما إجماعا، أما عندنا فلعدم جواز التحري مطلقا، و أما عند الشافعي فلأن المضاف ليس له أصل في الطهارة(3).
و لو صبّ المشتبه بالنجس في الآخر، فإن بلغ كرّا لم يطهر عندنا، خلافا لبعض علمائنا [1]، و يجيء على قولهم الوجوب لو علمه.
و لو أراق أحدهما لم يجز التحري في الباقي على أصلنا، و هو أحد وجهي الشافعية(4). و فيما يصنع حينئذ قولان:
الطهارة به، لأن الأصل الطهارة، و قد زال يقين النجاسة، و التيمم لأنه ممنوع من استعماله إلاّ مع التحري، و قد منع منه.
و الآخر: التحري كما لو كان الآخر باقيا(5).
السادس: الأعمى لا يجتهد عندنا في الإناءين.
و للشافعي قولان، فإنّ إدراك النجاسة قد يحصل بالمس، كاضطراب الماء، و اعوجاج الإناء، و لو عجز و معه بصير اجتهد، ففي جواز تقليده عنده1.
ص: 92
وجهان، و لو فقد البصير ففي أحد القولين له: أنه يخمّن و يتوضأ، و في الإعادة وجهان، و في الآخر: يتيمّم(1).
السابع: لو أخبر أعمى بوقوع بول في الإناء، فإن قلنا: الظنّ كالعلم، و حصل، وجب القبول، أما لو شهد عدلان أعميان قبل على ما اخترناه.
و لو شهدا بنجاسته لن يقبل إلاّ بالسبب، لجواز أن يعتقدا أنّ سؤر المسوخ نجس، و كذا البصراء.
الثامن: الاشتباه مانع مع التعدد، أمّا مع الاتحاد فلا.
فلو كان معه إناء من الماء الطاهر و شكّ في نجاسته عمل على أصل الطهارة، إذ لا يرفع يقينها شك النجاسة، لقول الصادق عليه السّلام: «و لا يرفع اليقين أبدا بالشك»(2).
و كذا لو شك في نجاسة إناء اللبن، أو الدهن، أو في تخمير العصير، أو في طلاق زوجته، أو في حيضها.
أمّا لو شك في اللبن هل هو لبن حيوان مأكول أو لا، أو في اللحم هل هو مذكى أو لا، أو هل النبات سمّ قاتل أو لا، بنى على التحريم، للتغليب، و عدم أصالة الإباحة هنا.
و لو وجد مع كافر إناء فيه ماء و لم يعلم مباشرته، ففي جواز الاستعمال نظر.
التاسع: قال الشافعي: لو اختلف اجتهاد الاثنين، عمل كلّ باجتهاده1.
ص: 93
و لا يأتمّ بصاحبه، لاعتقاده وضوءه بالنجس(1).
و قال أبو ثور: يجوز، لأن كلّ واحد تصح صلاته وحده(2) ، و هذا لا يتأتى عندنا، إلاّ فيما لو عمل أحد المجتهدين بقول ابن البراج، و الآخر بما اخترناه.
فان كان الطاهر واحدا من ثلاثة، فذهب كل واحد من الثلاثة إلى طهارة واحد، و توضأ به، لم يجز أن يأتمّ واحد منهم بالآخر.
و إن كان الطاهر اثنين جاز أن يؤمّ بهما أحدهم، فإذا صلّى بهما الصبح صحّت صلاته و صلاتهما، لاعتقاد كلّ منهما أنه توضأ بالطاهر، و لا يخطئ إمامه في اجتهاده، و لا يقول: إنه توضأ بالنجس، فصحّت صلاته خلفه.
فإن صلّى بهم آخر الظهر، صحّت صلاة الإمام، إذ لا يتعلق بغيره، و صلاة إمام الصبح، لأنه لا يخطئ إمامه، و أما الآخر فلا تصح صلاته للظهر لأنه إذا لم يخطئ إمام الصبح خطّأ إمام الظهر، لأنه لا يجوز أن يكونا جميعا توضّئا بالطاهر عنده، و قد حكمنا بصحة صلاة الصبح، فلا تصح الظهر.
فان صلّى بهم الثالث العصر، صحّت صلاته خاصة، لأن كل واحد منهما قد صلّى خلف الآخر فتعين النجس في حق الثالث في حقهما.
و لو كان كلّ من الأواني، و المجتهدين أربعة فصلاة الصبح و الظهر صحيحتان للجميع، و صلاة العصر صحيحة لإمام الصبح و الظهر و لإمامهما، و لا تصح للآخر.
العاشر: يستحب إزالة طين الطريق بعد ثلاثة أيام، و ليس واجبا ما لم يعلم نجاسته.1.
ص: 94
الحادي عشر: تجب إزالة النجاسة عن البدن للصلاة الواجبة، و الطواف، و دخول المساجد، و عن الثوب كذلك، لا وجوبا مستقرا إلاّ مع اتحاده، و عن الأواني للاستعمال، لا مستقرا.
ص: 95
ص: 96
قال الكاظم عليه السّلام: «من توضّأ للمغرب كان وضوؤه ذلك كفارة لما مضى من ذنوبه في نهاره، ما خلا الكبائر، و من توضّأ لصلاة الصبح كان وضوؤه ذلك كفارة لما مضى من ذنوبه في ليله إلاّ الكبائر»(1).
و يستحب للصلاة، و الطواف المندوبين، و لدخول المساجد، و قراءة القرآن، و حمل المصحف، و النوم، و صلاة الجنائز، و السعي في حاجة، و زيارة المقابر، و نوم الجنب، و جماع المحتلم، و ذكر الحائض، و الكون على طهارة، و التجديد.
و في هذا الباب فصول:
ص: 97
ص: 98
خروج البول و الغائط و الريح من المعتاد، و النوم الغالب على الحاسّتين، و ما شابهه من كل مزيل للعقل، و الاستحاضة القليلة.
و قد أجمع المسلمون كافة على النقض بالثلاثة الأول لقوله تعالى أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ (1) و قول النبيّ صلى اللّه عليه و آله: (لكن من بول أو غائط)(2) و قوله عليه السّلام: (فلا تنصرفنّ حتى تسمع صوتا، أو تجد ريحا)(3) و قال الصادق عليه السّلام: «لا يجب الوضوء إلاّ من غائط، أو بول، أو ضرطة، أو فسوة تجد ريحها»(4).
الأول: لو خرج البول و الغائط من غير المعتاد فالأقوى عندي النقض،
ص: 99
سواء قلاّ أو كثرا، و سواء انسد المخرج أو لا، و سواء كانا من فوق المعدة أو تحتها - و به قال أحمد بن حنبل(1) - لقوله تعالى أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ (2) و الأحاديث(3).
و قال الشيخ: إن خرجا من فوق المعدة لم ينقضا، لأنه لا يسمى غائطا(4) ، و لقول الباقر و الصادق عليهما السلام و قد سئلا ما ينقض الوضوء؟ فقالا: «ما يخرج من طرفيك»(5) الحديث، و ما مستوعبة، و لقول الصادق عليه السلام: «لا ينقض الوضوء إلاّ ما خرج من طرفيك الأسفلين»(6) الحديث.
و يمنع عدم التسمية، و الأحاديث محمولة على الأغلب.
و قال الشافعي: إن انسد المعتاد و انفتح من أسفل المعدة نقض، إلاّ في قول شاذ، و إن انفتح فوقها أو عليها فقولان، أصحهما عنده: عدم النقض، لأن ما تحيله الطبيعة تلقيه إلى الأسفل، فالخارج فوقها أو محاذيها بالقيء أشبه.
و إن كان السبيل بحاله، فإن انفتح تحت المعدة فقولان:
أحدهما: النقض، لأنه معتاد، و هو بحيث يمكن انصباب الفضلات اليه.
و الثاني و هو الأصح عندهم: المنع، لأن غير الفرج إنّما يعطى حكمه للضرورة، و إنّما تحصل مع الانسداد لا مع عدمه.6.
ص: 100
و إن انفتح فوقها، أو عليها، لم ينقض إن كان الخارج نادرا كالحصى و إن كان نجاسة كالعذرة فقولان: أقواهما: العدم(1).
الثاني: لو خرج من أحد السبيلين دود، أو غيره من الهوام، أو حصى أو دم غير الثلاثة، أو شعر، أو حقنة، أو أشياف، أو دهن قطرة في إحليله، لم ينقض، إلاّ أن يستصحب شيئا من النواقض، ذهب إليه علماؤنا أجمع، و به قال مالك و داود(2) لأنه نادر فأشبه الخارج من غير السبيلين، و للأصل، و لما تقدم من الأحاديث.
و قال أبو حنيفة، و أصحابه، و الشافعي، و الثوري، و الأوزاعي، و أحمد، و إسحاق و أبو ثور: إنّه ناقض، لعدم انفكاكه من البلّة(3). و هو ممنوع.
الثالث: الريح. إن خرج من قبل المرأة نقض، لأن له منفذا إلى الجوف، و كذا الأدر [1]، أما غيرهما فإشكال - و به قال الشافعي(4) - لعموم النقض(5) بخروج الريح.
و قال أبو حنيفة: لا ينقض خروج الريح من القبل(6).1.
ص: 101
الرابع: لو ظهرت مقعدته و عليها شيء من العذرة ثم خفيت، و لم ينفصل شيء، ففي النقض إشكال، ينشأ من صدق الخروج، و من عدم الانفصال.
الخامس: الخنثى المشكل إذا بال فحكمه حكم ما لو كانت الثقبة دون المعدة، و لم ينسد المخرج فعندنا ينقض، و للشافعي قولان(1) لجواز أن يكون ذلك المخرج ثقبة زائدة.
عند علمائنا أجمع، و هو قول أكثر أهل العلم، لقوله عليه السلام: (العين وكاء السّه، من نام فليتوضأ)(2) و قال الصادق عليه السلام: «لا ينقض الوضوء إلاّ حدث، و النوم حدث»(3).
و حكي عن أبي موسى الأشعري، و أبي مجلز، و حميد الأعرج، أنه لا ينقض(4) ، و عن سعيد بن المسيب، أنّه كان ينام مضطجعا مرارا ينتظر الصلاة، ثم يصلّي و لا يعيد الوضوء(5) لأنه ليس بحدث في نفسه، و الحدث مشكوك فيه.
و نمنع الأولى لما تقدم.
ص: 102
الأول: نوم المضطجع ناقض، قلّ أو كثر عند كلّ من حكم بالنقض.
و نوم القاعد ناقض عندنا و إن قلّ، للعموم، و هو قول المزني، و الشافعي في أحد القولين، و إسحاق، و أبو عبيد(1) ، إلاّ ابن بابويه منّا، فإنه قال: الرجل يرقد قاعدا لا وضوء عليه ما لم ينفرج(2) ، و هو قول الشافعي و إن كثر إذا كان ممكّنا لمقعدته من الأرض، لأن الصحابة كانوا ينامون ثم يقومون فيصلّون من غير وضوء(3) ، و ليس بحجة لإمكان السّنة.
و قال مالك، و أحمد، و الثوري، و أصحاب الرأي: إن كان كثيرا نقض و إلاّ فلا(4).
و أما نوم القائم، و الراكع، و الساجد فعندنا أنه ناقض، و به قال الشافعي في الجديد، و أحمد في إحدى الروايتين(5) للعموم، و الثانية: أنه لا ينقض، و به قال الشافعي في القديم(6).
و قال أبو حنيفة: النوم في كل حال من أحوال الصلاة غير ناقض، و إن
ص: 103
كثر، و هو أضعف أقوال الشافعي(1) ، لقول النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: (إذا نام العبد في سجوده باهى اللّه تعالى به ملائكته، يقول: عبدي روحه عندي و جسده ساجد بين يدي)(2) ، و لا حجة فيه.
الثاني: السّنة - و هي ابتداء النعاس - غير ناقضة، لأنها لا تسمى نوما، و لأن نقضه مشروط بزوال العقل.
الثالث: كل ما أزال العقل من إغماء، أو جنون، أو سكر، أو شرب مرقد، ناقض لمشاركته للنوم في المقتضي، و لقول الصادق عليه السلام: «إذا خفي الصوت فقد وجب الوضوء»(3).
و للشافعية في السكر قولان، أضعفهما: عدم النقض، لأنه كالصاحي في الحكم فينفذ طلاقه و عتقه، و إقراره و تصرفاته(4) ، و هو ممنوع.
الرابع: لو شك في النوم لم تنتقض طهارته، و كذا لو تخايل له شيء و لم يعلم أنه منام أو حديث النفس، و لو تحقق أنّه رؤيا نقض.
و صلّت كلّ صلاة بوضوء»(1).
و قال ابن أبي عقيل: ما لم يظهر على القطنة فلا غسل و لا وضوء(2) و قال مالك: ليس على المستحاضة وضوء(3).
ذهب إليه علماؤنا أجمع، و قد خالف الجمهور في أشياء نحن نذكرها.
- و هو ما يخرج بعد البول ثخين كدر - لا ينقضان الوضوء، ذهب إليه علماؤنا أجمع، للأصل، و لقول الصادق عليه السلام: «إن عليا عليه السلام كان مذاء، فاستحى أن يسأل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لمكان فاطمة عليها السلام، فأمر المقداد أن يسأله، فقال: ليس بشيء»(4).
و قال الجمهور: إنهما ناقضان(5) إلاّ مالكا فإنه قال: المذي إذا استدام به لا يوجب الوضوء(6) ، لأن عليا عليه السلام قال: «كنت أكثر الغسل من المذي حتى تشقق ظهري، فسألت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فقال: إنّما يكفيك أن تنضح على فرجك، و تتوضأ للصلاة»(7) و هو بعد
ص: 105
التسليم محمول على الاستحباب.
سواء قلّ أو كثر، و كذا ما يخرج من غير السبيلين، كالدم و البصاق و الرعاف و غير ذلك، ذهب إليه علماؤنا، و به قال في الصحابة علي عليه السلام، و عبد اللّه بن عباس، و عبد اللّه بن عمر، و عبد اللّه بن أبي أوفى، و من التابعين سعيد بن المسيب، و القاسم بن محمد، و عطاء، و طاوس، و سالم بن عبد اللّه بن عمر، و مكحول، و هو مذهب ربيعة، و مالك، و الشافعي، و أبو ثور، و داود،(1) للأصل، و لقولهم عليهم السلام: «لا ينقض إلاّ ما خرج من طرفيك الأسفلين، أو النوم»(2).
و قال أبو حنيفة: القيء إن كان ملء الفم أوجب الوضوء و إلاّ فلا، و غيره إن كان نجسا خرج من البدن و سال أوجب الوضوء، و إن وقف على رأس المخرج لم يوجب الوضوء، و به قال الأوزاعي، و الثوري، و أحمد، و إسحاق، إلاّ أن أحمد يقول: إن كان الدم قطرة أو قطرتين لم يوجب الوضوء(3).
و عنه رواية اخرى: أنه إن خرج قدر ما يعفى عن غسله - و هو قدر الشبر - لم يجب الوضوء(4) ، لأن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال: (من قاء أو قلس فلينصرف و ليتوضأ، و ليبن على صلاته ما لم يتكلم)(5).
ص: 106
و هو محمول على غسل الفم، و الاستحباب، و لأنه متروك [1]، لأنه فعل كثير.
سواء مس الباطنين أو الظاهرين، و كذا لو مست المرأة قبلها أو دبرها سواء كان بباطن الكف أو ظاهره، و سواء مس بشهوة أو غيرها، و سواء كان الفرجان منه أو من غيره، ذهب إليه أكثر علمائنا [2]، و به قال علي عليه السلام، و عمار بن ياسر، و عبد اللّه بن مسعود، و ابن عباس في إحدى الروايتين، و حذيفة، و عمران بن الحصين، و أبو الدرداء، و سعد بن أبي وقاص في إحدى الروايتين، و الحسن البصري، و قتادة، و الثوري، و أبو حنيفة و أصحابه(1) ، للأصل، و لقوله عليه السلام و قد سئل عن مسّ الرجل ذكره بعد الوضوء: (هل هو إلاّ بضعة منه ؟)(2) ، و لقول الصادق عليه السلام - و قد سئل عن الرجل يعبث بذكره في الصلاة المكتوبة -: «لا بأس»(3) ، و ما تقدم.
و قال الصدوق: من مسّ باطن ذكره بإصبعه أو باطن دبره انتقض وضوؤه(4).
و قال ابن الجنيد: من مس ما انضم عليه الثقبان نقض وضوؤه، و من
ص: 107
مس ظاهر الفرج من غيره بشهوة تطهّر إن كان محرّما، و من مس باطن الفرجين فعليه الوضوء من المحرّم و المحلّل(1) ، لأن عمارا سأل الصادق عليه السلام عن الرجل يتوضأ ثم يمس باطن دبره، قال: «نقض وضوءه»(2) ، و الطريق ضعيف، و محمول على استصحاب نجاسته.
و قال الشافعي: من مس ذكرا ببطن كفه وجب عليه الوضوء.
و حكاه ابن المنذر، عن عمر، و ابن عمر، و سعد بن أبي وقاص، و عائشة، و أبي هريرة، و ابن عباس.
و من التابعين عطاء بن أبي رباح، و سعيد بن المسيب، و أبان بن عثمان، و عروة بن الزبير، و سليمان بن يسار، و الزهري، و أبو العالية، و مجاهد.
و به قال مالك، و الأوزاعي، و أحمد، و إسحاق، و أبو ثور، و المزني(3) ، لأن بسرة بنت صفوان روت أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال: (إذا مس أحدكم ذكره فليتوضأ)(4) ، و مع التسليم يحمل على المسّ للغسل من البول لأنه الغالب.
و قال داود: إن مسّ ذكر نفسه انتقض، و ان مس ذكر غيره لم ينتقض(5) ، لأن الخبر ورد فيمن مس ذكره.1.
ص: 108
قال الشافعي: و لو مس بغير بطن كفه من ظهر كفه، أو ساعده، أو غير ذلك من أعضائه لم ينتقض الوضوء(1) ، للأصل.
و حكي عن عطاء، و الأوزاعي، و أحمد في إحدى الروايتين: النقض بظهر الكف و الساعد، لأنه من جملة يده(2).
قال الشافعي: و لو مسه بحرف يده، أو بما بين الأصابع لم ينتقض(3).
و لو مس الذكر بعد قطعه فوجهان عنده(4) ، و لو مسه من ميت انتقضت(5) ، و قال إسحاق: لا ينتقض(6) و لا فرق بين ذكر الصغير و الكبير(7).
و قال الزهري، و الأوزاعي، و مالك: لا يجب بمس الصغير(8) ، لأن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله مسّ زبيبة الحسن عليه السلام و لم يتوضأ(9).
قال الشافعي: و لو مسّ الأنثيين أو الألية أو العانة لم ينتقض(10). و عن عروة بن الزبير النقض(11).1.
ص: 109
و لو مس حلقة دبره أو دبر غيره، قال الشافعي: انتقض(1) ، و في القديم: لا ينتقض، كما ذهبنا اليه، و به قال مالك، و داود، لأنه لا يقصد مسه(2).
و لو مست المرأة فرجها انتقض وضوؤها عند الشافعي(3) ، خلافا لمالك(4).
و الخنثى المشكل إذا مس فرج نفسه، أو مسه غيره انتقض وضوؤه، إذا تيقّنا أن الذي مسّه فرج، أو لمس من رجل و امرأة، و متى جوّزنا غير ذلك فلا نقض، و إن مسّ نفسه، فان مسّ ذكره أو فرجه فلا نقض، و إن جمع نقض.
و إن مسّه رجل، فإن مسّ ذكره انتقض، لأنه أن كان رجلا فقد مسّ فرجه، و إن كان امرأة فقد مسّ موضعا من بدنها، فإن الزيادة لا تخرجه عن كونه من بدنها، و إن مسّ الفرج فلا نقض، لجواز أن يكون رجلا فقد مسّ خلقة زائدة من بدنه.
و إن مسّه امرأة، فإن مسّت ذكره فلا نقض، لجواز أن تكون امرأة فتكون قد مسّت خلقة زائدة من بدنها، و إن مسّت فرجه انتقض، لأنها إن كانت امرأة فقد مسّت فرجها، و إن كان رجلا فقد مسّت بدنه.
و إن مسّه خنثى، فإن مس ذكره فلا نقض، لجواز أن يكونا امرأتين، فتكون إحداهما مسّت بدن الأخرى، و إن مسّ فرجه لم ينتقض، لجواز أن2.
ص: 110
يكونا رجلين، فيكون أحدهما مس بدن الآخر، و إن مس فرجه و ذكره انتقض، لأنه لا بد و أن يكون أحدهما فرجا.
و هذا كلّه ساقط عنّا.
و لو مسّ فرج البهيمة فللشافعي قولان، أحدهما: النقض، و به قال الليث ابن سعد(1).
بشهوة كان أو بغيرها، أيّ موضع كان من بدنها، بأيّ موضع كان من بدنه، سوى الفرجين، و به قال علي عليه السلام، و ابن عباس، و عطاء، و طاوس، و أبو حنيفة، و أصحابه(2) للأصل، و للأحاديث السابقة، و لما روت عائشة أن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله قبّل امرأة من نسائه و خرج إلى الصلاة و لم يتوضأ(3).
و قال الشافعي: لمس النساء يوجب الوضوء، بشهوة كان أو بغير شهوة، أيّ موضع كان من بدنه بأيّ موضع كان من بدنها، سوى الشعر، و به قال ابن مسعود، و ابن عمر، و الزهري، و ربيعة، و مكحول، و الأوزاعي(4) لقوله تعالى أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ (5) و حقيقة اللمس باليد،
ص: 111
و هو ممنوع عرفا.
و قال مالك، و أحمد، و إسحاق: إن لمسها بشهوة انتقض وضوؤه و إلاّ فلا، و حكاه ابن المنذر عن النخعي، و الشعبي، و الحكم، و حماد، لأن اللمس بغير شهوة لا يحرم في الإحرام، و الصوم، فكان كالشعر(1) ، و قال داود: إن قصد لمسها انتقض، و إلاّ فلا(2).
و لمس الشعر، أو من وراء حائل لا ينقض عند الشافعي(3) ، و قال مالك: ينقضان إن كان بشهوة و إلاّ فلا(4).
و في لمس ذات المحارم كالأم و الأخت عند الشافعي قولان(5) ، و في الكبار و الصغار وجهان(6).
و تنتقض طهارة اللامس في صور النقض كلّها، و في الملموس قولان(7).
و لو لمس يدا مقطوعة أو عضوا فلا نقض(8) ، و لو مسّ ميتة فلأصحابه قولان(9).2.
ص: 112
و إن وقعت في الصلاة لكن تبطلها، ذهب إليه أكثر علمائنا(1) - و به قال جابر، و أبو موسى الأشعري، و من التابعين القاسم بن محمد، و عروة، و عطاء، و الزهري، و مكحول، و مالك، و به قال الشافعي، و أحمد، و إسحاق، و أبو ثور(2) - لأن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال: (الضحك ينقض الصلاة، و لا ينقض الوضوء)(3) ، و قول الصادق عليه السلام: «ليس ينقض الوضوء إلاّ ما خرج من طرفيك»(4) الحديث.
و قال ابن الجنيد منّا: من قهقه في صلاته متعمدا لنظر أو سماع ما أضحكه قطع صلاته، و أعاد وضوءه(5) ، لرواية سماعة، قال: سألته عمّا ينقض الوضوء، إلى أن قال: «و الضحك في الصلاة»(6) ، و هي مقطوعة ضعيفة السند.
و قال أبو حنيفة: يجب الوضوء بالقهقهة في الصلاة، و هو مروي عن الحسن، و النخعي، و به قال الثوري، و عن الأوزاعي روايتان(7) لأن أبا العالية الرياحي روى أن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله كان يصلّي، فجاء ضرير
ص: 113
فتردّى في بئر فضحك طوائف من القوم فأمر النبيّ صلّى اللّه عليه و آله الذين ضحكوا أن يعيدوا الوضوء و الصلاة(1) ، و هو مرسل، قال ابن سيرين: لا تأخذوا بمراسيل الحسن و أبي العالية فإنهما لا يباليان عمّن أخذا(2).
ذهب إليه علماؤنا أجمع، و به قال علي عليه السلام، و جماعة الصحابة، و عامة الفقهاء(3).
و حكي عن عمر بن عبد العزيز، و أبي قلابة، و أبي مجلز، و الزهري، و الحسن البصري أنهم كانوا يتوضّئون منه(4) ، لأن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال: (توضئوا مما مسّته النار)(5) ، و هو منسوخ، لأن جابر بن عبد اللّه قال:
كان آخر الأمرين من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ترك الوضوء مما مسّت النار(6).
ذهب إليه علماؤنا أجمع - و هو قول أكثر العلماء(7) - للأصل، لأن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله
ص: 114
قال: (الوضوء مما يخرج لا مما يدخل)(1).
و للشافعي قولان، القديم: النقض - و به قال أحمد(2) - لأن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله سئل أ يتوضأ من لحوم الإبل ؟ فقال: (نعم)(3) ، و لو سلّم حمل على غسل اليد.
للأصل، و لقول الصادق عليه السلام: «لا ينقض الوضوء إلاّ ما خرج من طرفيك»(4) ، الحديث.
و قال أحمد: ينقض(5) لقوله تعالى لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ (6) و هو مقيد بالموافاة.
و تقليم الأظفار، و نتف الإبط الوضوء، بغير حجة، و أنكره جمهور العلماء(7).
تنبيه: كل ما أوجب الوضوء فهو بالعمد و السهو سواء بلا خلاف.
ص: 115
ص: 116
يستحب الاستتار عن العيون، لأن جابرا قال: خرجت مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في سفر، فإذا هو بشجرتين بينهما أربعة أذرع، فقال:
(يا جابر انطلق إلى هذه الشجرة فقل: يقول لك رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: الحقي بصاحبتك حتى أجلس خلفكما) فجلس النبي صلّى اللّه عليه و آله خلفهما، ثم رجعتا الى مكانهما(1).
و يجب ستر العورة لقول النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: (احفظ عورتك، إلاّ من زوجتك أو ما ملكت يمينك)(2) ، و قول الصادق عليه السلام: «لا ينظر الرجل إلى عورة أخيه»(3).
و العورة هي القبل و الدبر، لقول الكاظم عليه السلام: «العورة عورتان: القبل و الدبر»(4).
حالة
ص: 117
البول و الغائط، في الحصارى و البنيان، و يجب الانحراف في موضع قد بني على ذلك - و به قال الثوري، و أبو حنيفة، و أحمد في إحدى الروايتين(1) - لقول النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: (إذا جلس أحدكم على حاجته فلا يستقبل القبلة و لا يستدبرها)(2) ، و قوله عليه السلام: (إذا أتى أحدكم الغائط فلا يستقبل القبلة و لا يولّها ظهره، شرّقوا أو غرّبوا)(3).
و عن علي عليه السلام: «أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال: إذا دخلت المخرج فلا تستقبل القبلة و لا تستدبرها»(4) و لما فيه من الاحترام و التعظيم لشعائر اللّه تعالى.
و قال ابن الجنيد: يستحب ترك الاستقبال و الاستدبار(5) ، و به قال عروة، و ربيعة، و داود(6) ، لقول جابر: نهى النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أن يستقبل القبلة ببول، و رأيته قبل أن يقبض بعام يستقبلها(7) ، و يحمل مع التسليم على الاستقبال حالة التنظيف، إذ لا أقل من الكراهة.
و قال المفيد منّا و سلاّر: يجوز في البنيان الاستقبال و الاستدبار(8) - و به قال ابن عباس، و ابن عمر، و مالك، و الشافعي، و ابن المنذر، و أصح2.
ص: 118
الروايتين عن أحمد(1) - لأن الكاظم عليه السلام كان في داره مستراح إلى القبلة(2) ، و لا حجة فيه لاحتمال شرائها كذلك، و كان عليه السلام ينحرف أو له غيره.
و رواية عائشة - ان النبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال: (استقبلوا بمقعدتي القبلة)(3) - ضعيفة، لبراءته عليه السلام من الأمر بالمكروه، أو المحرّم.
و عن أحمد رواية أنّه يجوز استدبار الكعبة في الصحاري و البنيان(4) ، لأن ابن عمر قال: رأيت النبيّ صلّى اللّه عليه و آله على حاجته مستقبل الشام مستدبر القبلة(5) ، و يضعّف بما تقدم.
الأول: استقبال الشمس و القمر بفرجيه، لقول الباقر عليه السلام عن آبائه عليهم السلام: «إن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله نهى أن يستقبل الرجل الشمس و القمر بفرجه و هو يبول»(6).
الثاني: استقبال الريح بالبول، لقول الحسن بن علي عليهما السلام:
«و لا تستقبل الريح»(7) ، و لئلا تردّه الريح إليه.
الثالث: البول في الأرض الصلبة، لئلا يترشش عليه، و لقول الصادق
ص: 119
عليه السلام: «كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أشد الناس توقّيا للبول، حتى أنه كان إذا أراد البول يعمد إلى مكان مرتفع من الأرض، أو إلى مكان يكون فيه التراب الكثير، كراهية أن ينضح عليه البول»(1).
الرابع: البول في جحرة الحيوان، لئلا يؤذيه.
الخامس: البول في الماء الجاري و الراكد، لأن عليا عليه السلام نهى أن يبول الرجل في الماء الجاري، إلاّ من ضرورة، و قال: «إنّ للماء أهلا»(2) ، و قال الصادق عليه السلام: «يكره أن يبول في الراكد»(3).
السادس: الجلوس في المشارع و الشوارع، و تحت الأشجار المثمرة، فيضمن على إشكال، و أفنية الدور، و مواطن النزّال، و مواضع اللعن و هي: أبواب الدور.
و قال الصادق عليه السلام: «قال رجل لعلي بن الحسين عليهما السلام:
أين يتوضأ الغرباء؟ قال: يتّقى شطوط الأنهار، و الطرق النافذة، و تحت الأشجار المثمرة، و مواضع اللعن»(4).
و سأل أبو حنيفة من الكاظم عليه السلام أين يضع الغريب ببلدكم ؟ فقال: «اجتنب أفنية المساجد، و شطوط الأنهار، و مساقط الثمار، و فيء النزّال، و لا تستقبل القبلة ببول و لا غائط، و ارفع ثوبك، وضع حيث شئت»(5).8.
ص: 120
السابع: الأكل و الشرب، و السواك على الخلاء.
الثامن: الكلام إلاّ بذكر اللّه تعالى، أو آية الكرسي، أو حاجة تضرّ فوتها، أو حكاية الأذان، قال الرضا عليه السلام: «نهى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أن يجيب الرجل آخر و هو على الغائط أو يكلّمه حتى يفرغ»(1).
و لا بأس بالمستثنى - خلافا للشافعي(2) - لأن موسى بن عمران قال:
(يا رب أ بعيد أنت منّي فأناديك، أم قريب فأناجيك، فأوحى اللّه تعالى أنا جليس من ذكرني، فقال له موسى: يا رب إني أكون في أحوال أجلّك أن أذكرك فيها، فقال: يا موسى اذكرني على كل حال)(3).
و قول الصادق عليه السلام: «إنّه لم يرخّص في الكنيف أكثر من آية الكرسي، و حمد اللّه، أو آية الحمد للّه ربّ العالمين»(4).
التاسع: البول قائما لئلا ينضح عليه، لقوله عليه السلام: (البول قائما من غير علّة من الجفاء)(5).
العاشر: طول الجلوس، لقول الباقر عليه السلام: «طول الجلوس على الخلاء يورث الباسور»(6).
الحادي عشر: قال الباقر عليه السلام: «إذا بال الرجل فلا يمسّ ذكره بيمينه»(7).5.
ص: 121
الثاني عشر: الدخول إلى الخلاء و معه خاتم عليه اسم اللّه تعالى، أو مصحف، أو شيء عليه اسمه تعالى.
الأول: أن يبعد المذهب، لأن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله كان إذا أراد البراز لا يراه أحد(1).
الثاني: أن لا يكشف عورته حتى يدنو من الأرض، لما فيه من الاستتار، و لأن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله كان يفعله(2).
الثالث: تغطية الرأس، لأن الصادق عليه السلام فعله(3).
الرابع: التسمية، كان الصادق عليه السلام إذا دخل الخلاء يقنّع رأسه و يقول في نفسه: «بسم اللّه و باللّه، و لا إله إلاّ اللّه، رب أخرج مني الأذى سرحا بغير حساب، و اجعلني من الشاكرين فيما تصرفه عني من الأذى و الغم، الذي لو حبسته عني هلكت، لك الحمد، اعصمني من شر ما في هذه البقعة، و أخرجني منها سالما، و حل بيني و بين طاعة الشيطان»(4).
الخامس: تقديم اليسرى دخولا، و اليمنى خروجا، عكس المسجد.
السادس: الدعاء دخولا و خروجا، و عند الاستنجاء، و الفراغ منه.
ص: 122
ذهب إليه علماؤنا أجمع، سواء كان التلويث الحاصل أكثر من قدر درهم، أو بقدره، أو دونه - و به قال الشافعي، و أحمد، و إسحاق، و داود(1) - لأن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال: (إنما أنا لكم مثل الوالد، فإذا ذهب أحدكم إلى الغائط فلا يستقبل القبلة، و لا يستدبرها، و ليستنج بثلاثة أحجار)(2).
و سئل الصادق عليه السلام عن الوضوء الذي افترضه اللّه على العباد، إن جاء من الغائط، أو بال، قال: «يغسل ذكره، و يذهب الغائط»(3).
و قال أبو حنيفة: لا يجب إذا لم يكن التلويث أزيد من درهم، و هو محكيّ عن الزهري، و عن مالك روايتان(4).
و قدّر أبو حنيفة النجاسة تصيب الثوب أو البدن بموضع الاستنجاء فقال: إذا أصاب البدن أو الثوب قدر ذلك لم تجب إزالته، و قدّره بالدرهم
ص: 123
البغلي(1) لقوله عليه السلام: (من استجمر فليوتر، من فعل فقد أحسن، و من لا فلا حرج)(2) ، و ليس حجة لعوده الى الإفراد.
و لا يجب من الريح بإجماع العلماء، و كذا لا يجب عندنا من الأجسام الطاهرة كالمذي و الودي و الحصا و الشعر، فان استصحب ناقضا وجب، و كذا النجس كالدم، و أوجب الشافعي الاستنجاء من النادر، كالدم و القيح و الصديد و المذي و غيره(3). و في إجزاء الحجارة عنده قولان(4).
و أما الجامد كالحصا و الدود فان كان عليه بلّة وجب الاستنجاء منه عنده(5) ، و في إجزاء الحجر قولان(6).
و ان لم تظهر عليه بلّة ففي وجوب الاستنجاء منه قولان، فإن وجب ففي إجزاء الحجارة قولان(7).
و لا يجزئ غيره، ذهب إليه علماؤنا أجمع، للأصل من اختصاص التطهير بالماء، و عدم الترخص في غير الغائط، و لانتشاره غالبا، و لقول الباقر عليه السلام: «و لا يجزي من البول إلاّ الماء»(8).
و ذهب الجمهور إلى الاكتفاء فيه بالأحجار مع عدم التعدي، لأنه حدث
ص: 124
نجس، فأشبه الغائط(1) ، و الفرق الانتشار كالمتعدي في الأصل.
الأول: لو تعذر استعمال الماء إمّا لفقده أو لحرج و شبهه، وجب إزالة العين بالحجر و شبهه، فإذا زال المانع وجب الغسل، لأن المحل لم يطهر أولا.
الثاني: الأغلف إن كان مرتقا كفاه غسل الظاهر، و إن أمكن كشفها وجب.
الثالث: لو خرج منيّ الرجل من فرج المرأة لم يجب به وضوء و لا غسل، بل وجب غسل موضع الملاقاة.
الرابع: أقل المجزي مثلا ما على المخرج من البول.
إجماعا، و يستحب تقديم الأحجار عليه، و لا يجزي الاقتصار عليها، و إن أزالت العين.
و إن لم يتعدّ المخرج تخير بين الماء و الأحجار، و الماء أفضل، و الجمع أكمل، و يشترط في الاستجمار بالأحجار أمور:
أ - خروج الغائط من المعتاد، فلو خرج من جرح و شبهه فإن لم يكن معتادا فالأقرب وجوب الماء، و كذا لو صار معتادا على إشكال، و للشافعي فيهما وجهان(2).
ب - عدم التعدي، فلو تعدى المخرج وجب الماء، و هو أحد قولي
ص: 125
الشافعي، و في الآخر: لا يشترط، فإن الخروج لا ينفك منه غالبا(1) ، و اشتراط أن لا ينتشر على القدر المعتاد، و هو أن يتلوّث المخرج و ما حواليه، و إن زاد عليه و لم يتجاوز الغائط صفحتي الأليتين فقولان(2).
ج - خروج الغائط، فلا يجزي غير الماء في الدم، و للشافعي قولان(3).
د - خروج النجاسة، فلو خرجت دودة أو حصاة من غير تلويث فلا شيء، و للشافعي قولان، أحدهما: الوجوب لعدم الانفكاك من الرطوبة(4).
ه - أن لا يصيب موضع النجو نجاسة من خارج، اقتصارا بالرخصة على موردها.
ا - الطهارة، فلا يجزي النجس، سواء كانت نجاسة ذاتية أو عرضية - و به قال الشافعي(5) - لقصوره عن تطهير نفسه فعن غيره أولى.
و قال أبو حنيفة: يجوز الاستجمار بسائر النجاسات الجامدة(6) ، و هو غلط، فإنها تزيد المحل نجاسة، فإن استنجى به تعين الماء بعده، لإصابة النجاسة محل الاستجمار، و هو أظهر وجهي الشافعي(7) ، و لو كانت نجاسته
ص: 126
بما على المخرج احتمل وجوب الماء، و عدم الاحتساب به، فيجزي غيره.
ب - صلابته، ليقلع النجاسة و ينشّفها، فلا يجزي الرخو كالفحم خلافا للشافعي في أحد القولين(1) ، و الجسم الهش و لا التراب خلافا للشافعي في أحد القولين(2) ، لتخلف بعض أجزائه في المحل، و لا الجسم الرطب لأنه لا ينشّف المحل، خلافا لبعض الشافعية(3).
ج - خشونته، فلا يجزي الصقيل، كالبلور و الزجاج الأملس، و القصب، و كل جسم يزلق عن النجاسة و لا يقلعها لملاسته، كما قلنا في اللزج، و ما يتناثر أجزاؤه كالتراب، فلو استعمل ذلك تعين الماء إن نقل النجاسة من موضع الى آخر، و إلا أجزأ غيره، و لو فرض القلع به فالأقوى الإجزاء.
د - أن لا يكون محترما كالمطعومات، لنهي النبيّ صلّى اللّه عليه و آله عن الاستنجاء بالعظم، معلّلا بأنه (زاد إخوانكم من الجن)(4) و كذا تربة الحسين عليه السلام، أو غيرها من ترب الأئمة عليهم السلام، أو ما كتب عليه القرآن، أو العلوم، أو أسماء الأنبياء و الأئمة عليهم السلام، فان فعل عصى و أجزأ، لحصول الغرض، خلافا للشيخ(5) و للشافعي وجهان(6) - لأن الرخص لا تناط بالمعاصي، و حينئذ إن نقل تعين الماء و إلاّ فلا.1.
ص: 127
و لو استنجى [1] بالعظم، فإن كان من نجس العين وجب الماء، و إلاّ أجزأ، و للشافعي قولان(1) ، و أبو حنيفة أجاز بالعظم(2) ، و لو استنجى بالروث، فإن كان نجسا تعين الماء، و إلاّ أجزأ و إن عصى فيهما.
و يجوز أن يستنجي بالجلد سواء كان مدبوغا أو لا، و أظهرهما عند الشافعي المنع(3).
و لو استنجى بجزء حيوان متصل أجزأه، و للشافعي قولان(4).
ه - أن لا يكون مستعملا، لنجاسة المستعمل، سواء كان الأول أو الثاني أو الثالث، نعم لو نقي المحل بالأول فالأقرب جواز استعمال الثاني و الثالث و إن أوجبناهما، و هو أحد وجهي الشافعي(5).
أما الملوّث فلا يجوز استعماله إلاّ بعد تطهيره.
و - العدد، و لعلمائنا فيه قولان:
أحدهما - اختيار الشيخين: حصول الإنقاء، فإن حصل بدون الثلاثة استحب الإكمال، و إن لم يحصل وجب الزائد، و يستحب الزائد بواحد على المزدوج(6) ، و هو قول مالك، و داود، و وجه للشافعية(7) ، لأن المأخوذ عليه1.
ص: 128
إزالة النجاسة.
و قال بعض علمائنا: الواجب أغلظ الحالين، فإن نقي بالأقل وجب إكمال الثلاثة، و إن لم ينق بالثلاثة وجب الزائد إلى أن ينقى(1) - و به قال الشافعي، و أحمد، و إسحاق، و أبو ثور(2) - لورود الأمر بالعدد(3).
و أبو حنيفة لم يعتبر العدد، لأنه لم يوجب الاستنجاء(4).
أ - الواجب ثلاث مسحات إمّا بثلاثة أحجار أو ما في معناها، أو بأحرف من واحد - و به قال الشافعي، و إسحاق، و أبو ثور(5) - لأن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال: (فليمسح ثلاث مسحات)(6). و لأنه المقصود.
و اختلاف الآلة لا اعتبار به، و لأنه يجوز لغيره، و لأنه بعد غسله و تجفيفه يجزي.
و قال الشيخ: لا يجزي ذو الجهات الثلاث(7) ، و به قال ابن المنذر(8) ،
ص: 129
و عن أحمد روايتان(1) ، لأنه عليه السلام أوجب ثلاثة أحجار، و الغرض ما قلناه.
ب - لا يجب عين الأحجار، بل تجزي هي و ما يقوم مقامها من الخشب و الخرق و غيرهما - و به قال الشافعي(2) - لأنه عليه السلام قال:
(يمسح بثلاثة أحجار أو ثلاثة أعواد، أو ثلاث حثيات من تراب)(3).
و قال داود: لا يجوز بغير الحجارة - و هو محكيّ عن زفر(4) ، و عن أحمد روايتان(5) - لقوله عليه السلام: (استنج بثلاثة أحجار، و نهى عن الروث و الرمة)(6) و لا حجة فيه، لأن تخصيص النهي يدل على أنه أراد الحجارة و ما قام مقامها.
ج - ينبغي وضع الحجر على موضع طاهر، لئلا ينشر النجاسة لو وضعه عليها، فإذا انتهى إلى النجاسة أدار الحجر برفق ليرفع كل جزء منه جزءا من النجاسة، و لا يمرّه لئلا ينقل النجاسة، و لو أمرّ و لم ينقل فالوجه الإجزاء، و للشافعي وجهان(7).
د - الأحوط أن يمسح بكل حجر جميع الموضع، بأن يضع واحدا على مقدّم الصفحة اليمنى و يمسحها به إلى مؤخّرها، و يديره إلى الصفحة اليسرى6.
ص: 130
و يمسحها من مؤخّرها إلى مقدّمها، فيرجع إلى الموضع الذي بدأ منه، و يضع الثاني على مقدّم الصفحة اليسرى، و يفعل به عكس ما ذكرناه، و يمسح بالثالث الصفحتين و الوسط، و إن شاء وزّع العدد على أجزاء المحلّ.
ه - الاستنجاء إن كان بالماء وجب إزالة العين و الأثر، و إن كان بالحجارة كفى إزالة العين دون الأثر.
و - يستحب بعد البول الصبر هنيئة ثم الاستبراء، بأن يمسح من المقعدة إلى أصل القضيب ثلاث مرّات، و منه إلى رأسه ثلاث مرّات، و ينتره ثلاث مرات، و يتنحنح.
فان وجد بعد ذلك بللا مشتبها لم يلتفت، و لو وجده قبل الاستبراء وجب غسله، فإن توضأ قبل الاستبراء ثم وجد البلل بعد الصلاة أعاد الوضوء خاصة.
ز - البكر كالثيب في وجوب الاستنجاء من البول بالماء، و من اقتصر على الأحجار - من الجمهور(1) - أوجب الماء لو نزل البول إلى أسفل و بلغ موضع البكارة.
ح - لو استنجى بخرقة من وجهيها حصل بمسحتين إن كانت صفيقة، و إلاّ فلا.
ط - إذا لم يتعدّ المخرج تخيّر بين الماء و الأحجار، و الماء أفضل.
و ذهب قوم من الزيدية، و القاسمية [1] إلى أنه لا يجوز الحجر مع وجود1.
ص: 131
الماء(1) ، و هو غلط، لأن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله نصّ على ثلاثة أحجار(2).
و قد قام بإزاء هؤلاء قوم أنكروا الاستنجاء بالماء، كسعد بن أبي و قاص، و الزبير(3).
قال سعيد بن المسيب: هل يفعل ذلك إلاّ النساء(4) و كان الحسن البصري و ابن عمر لا يستنجيان بالماء(5).
و قال عطاء: إنّه محدث(6). و هو خطأ، فإن اللّه تعالى أثنى على أهل قبا حيث كانوا يستنجون بالماء بقوله رِجالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا، وَ اللّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ (7).
ي - يكره الاستنجاء باليمين لأن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كانت يده اليمنى لطعامه و طهوره، و اليسرى للاستنجاء(8). و لو اضطر جاز، و لو استنجى مختارا جاز.1.
ص: 132
و لا يستحب الاستعانة باليمين بل يأخذ الحجر باليسار، نعم لو استنجى بالماء صبّه بيمينه و غسل بشماله.
و يكره باليسار و فيها خاتم عليه اسمه تعالى، أو اسم أحد أنبيائه، أو أئمة عليهم السلام، و كذا إن كان فصّه من حجر زمزم، فان كان فليحوّله.
يا - ليس للاستنجاء من الغائط حد إلاّ الإنقاء، لقول الكاظم عليه السلام - و قد سأله ابن المغيرة للاستنجاء حد -: «لا، ينقى ما ثمة» قلت:
ينقى ما ثمة و يبقى الريح، قال: «الريح لا ينظر إليها»(1) ، و تحديد سلاّر بالصرير(2) ضعيف.
يب - محل الاستجمار بعد الإنقاء طاهر، لقوله عليه السلام: (لا تستنجوا بعظم و لا روث، فإنهما لا يطهّران)(3).
و قال الشافعي، و أبو حنيفة: لا يطهر، لبقاء الأثر(4) ، و قد بيّنا عدم اعتباره.
يج - خروج أحد الحدثين لا يوجب الاستنجاء في غير محله.
يد - الاستنجاء بالعظم أو الروث محرم أو مكروه ؟ قال الشافعي بالأول(5) ، لأن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال لرويفع بن ثابت الأنصاري:
(يا رويفع لعل الحياة ستطول بك، فأخبر الناس أنّ من استنجى بعظم أو رجيع فهو بريء من محمّد)(6) ، و يحتمل الكراهة للأصل، و قال أبو حنيفة: لا8.
ص: 133
بأس(1).
يه - المرأة تغسل ما يظهر إذا جلست على القدمين، و لا تغسل الثيب باطن فرجها، خلافا للشافعي في أحد الوجهين(2).
يو - ينبغي للمستنجي بالحجر أن لا يقوم من موضعه قبله، لئلا يتعدى المخرج.
خاتمة: حكم الحدث المنع من الصلاة، و الطواف الواجب، و مسّ كتابة القرآن، و هو مذهب الشيخ في بعض كتبه، و الصدوق(3) ، و به قال الشافعي، و مالك، و أحمد، و أصحاب الرأي(4).
و هو مروي عن علي عليه السلام، و ابن عمر، و عطاء، و الحسن، و طاوس، و الشعبي، و القاسم بن محمد(5) ، لقوله تعالى لا يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ (6) ، و قال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله في كتاب عمرو بن حزم:
(و لا تمسّ القرآن إلاّ و أنت على طهر)(7) و لقول الصادق عليه السلام: «و لا تمسّ الكتابة»(8).6.
ص: 134
و للشيخ قول آخر: إنه مكروه(1) - و به قال داود(2) - للأصل، و لأنه عليه السلام كتب إلى المشركين (قل(3) يا أهل الكتاب)(4) و هم محدثون، و الأصل يصار إلى خلافه لدليل، و المراد بالكتبة هنا المراسلة دون الخط.
أ - إنما يحرم مسّ الكتابة دون الهامش و الأوراق و الجلد، و التعليق و الحمل له بغلاف أو بغير غلاف - و به قال أبو حنيفة، و الحكم، و حماد، و عطاء، و الحسن البصري، و أحمد(5) - لأنه غير ماس.
و قال الشافعي: لا يجوز، لأن الحمل أكثر من المسّ، فكان أولى بالمنع، و الهامش منه(6) ، و هما ممنوعان.
و قال الأوزاعي، و مالك: لا يجوز حمله بعلاقته، و لا في غلافه(7).
و لو كان المصحف في صندوق أو عدل معكّم [1] ففي جواز مسّه للمحدث وجهان [2].
ب - يمنع الصبي من مسّ الكتابة، و لا يتوجه النهي إليه.
ص: 135
ج - الدراهم إذا كان عليها شيء من القرآن لم يجز مسّه، و للشافعي وجهان، أحدهما: الجواز للمشقة(1).
د - كتب المصحف يجوز للمحدث، و قال الشافعي: إن كان حاملا له لم يجز و إلاّ جاز(2) ، و لا يمنع من القراءة إجماعا.
ه - يكره المسافرة بالمصحف إلى أرض العدوّ لئلاّ تناله أيدي المشركين، و لقوله عليه السلام: (لا تسافروا بالقرآن إلى أرض العدوّ)(3).
و - هل يختص اللمس بباطن الكف، أو يعم أجزاء البدن ؟ إشكال.
ز - لو قلّب الأوراق بقضيب جاز، و للشافعي وجهان(4).
ح - المنسوخ حكمه خاصة يحرم مسّه، دون المنسوخ تلاوته، و هو أصحّ وجهي الشافعي(5).
ط - لا يحرم مسّ كتب التفسير، و قال الشافعي: إن تميز القرآن بغلظ خطه حرم و إلاّ فلا(6).
ي - لا يحرم مسّ كتب الفقه و لا أحاديث النبيّ و الأئمة عليهم السلام، و لو تضمنت به قرآنا اختص القرآن بالتحريم.
يا - لا يحرم مسّ التوراة و الإنجيل.
يب - لو كان على بدن المتطهر نجاسة لم يحرم عليه المسّ، و إن كانت على العضو الماس، نعم يحرم بموضعها لأن الحدث أمر حكمي لا2.
ص: 136
يتبعض، و النجاسة عينية يختص حكمها بمحلّها.
يج - لو بقي المسح لم يرتفع المنع.
يد - لا يمنع الحدث من سجود الشكر و التلاوة، و يمنع من سجود السهو، و السجدة المنسيّة.
تتمة: لو توضأ قبل الاستنجاء صحّت طهارته، و لو صلّى أعاد الصلاة بعد الاستنجاء دون الطهارة، لقول الصادق عليه السلام: «عليه أن يغسل ذكره، و يعيد صلاته، و لا يعيد وضوءه»(1).
و قال الصدوق: يعيد الوضوء(2) ، لقول الباقر عليه السلام: «يغسل ذكره ثم يعيد الوضوء»(3) ، و هو محمول على الاستحباب، أو على تجدد حدث.
و للشافعي في صحة الوضوء قبل الاستنجاء قولان(4).
أما التيمم قبل الاستنجاء فعندي إن كان لعذر لا يمكن زواله صح، و إلاّ فلا، و من شرط التضيق أبطله، و من لا فلا.
و للشافعي وجهان(5) لا باعتبار التضيق بل من حيث إنّه تيمم لا يبيح الصلاة، فأشبه التيمم قبل الوقت.
و لو كان على بدنه نجاسة في غير محل الفرض فتوضأ قبل إزالتها صح، و لو تيمم فكالاستنجاء.1.
ص: 137
ص: 138
و فيه مطلبان
و هي سبعة: النيّة، و غسل الوجه، و غسل اليدين، و مسح الرأس، و مسح الرجلين، و الترتيب، و الموالاة، فهنا مباحث:
ذهب إليه علماؤنا أجمع، و به قال علي عليه السلام، و ربيعة، و مالك، و الليث بن سعد، و الشافعي، و أحمد، و إسحاق، و أبو ثور، و داود، و أبو عبيد، و ابن المنذر(1) ، لقوله تعالى وَ ما أُمِرُوا إِلاّ لِيَعْبُدُوا اللّهَ مُخْلِصِينَ (2) و قوله عليه السلام: (إنما الأعمال بالنيات، و إنما لامرئ ما نوى)(3) و قول
ص: 139
الرضا [1] عليه السلام: «لا عمل إلاّ بنيّة»(1) ، و لأنها طهارة عن حدث كالتيمم.
و قال الثوري و أصحاب الرأي: تجب النيّة في التيمم خاصة، دون الوضوء و الغسل، لأنه تعالى أمر بالغسل و لم يأمر بالنيّة و الزيادة قبيحة، و لأنها طهارة بالماء كإزالة النجاسة، و مفهوم الآية(2) فاغسلوا للصلاة، مثل إذا سافرت فتزوّد(3).
و الوضوء عبادة مأمور بها، و تجنب النجاسة ترك معتاد فاختلفا، و لا ينتقض بالصوم لأنه ترك غير معتاد.
و قال الحسن بن صالح بن حيّ: يجوز التيمم أيضا بغير نيّة(4) ، و عن الأوزاعي روايتان: إحداهما كقول الحسن، و الثانية كقول أبي حنيفة(5).
يفعل بالقلب، و لا اعتبار باللفظ، نعم ينبغي الجمع، فإن اللفظ أعون له على خلوص القصد، و لو تلفّظ بلسانه و لم ينو بقلبه لم يجزئه، و بالعكس يجزي، و لو اختلف القصد و اللفظ فالعبرة بالقصد.
و كيفيتها: أن ينوي الوضوء لوجوبه، أو ندبه، أو وجههما، إذ
ص: 140
المأخوذ عليه إيقاع العبادة على وجهها، و إنما يقع عليه بواسطة القصد، و رفع الحدث أو استباحة فعل لا يصح إلاّ بالطهارة، متقربا به إلى اللّه تعالى، و ذو الحدث الدائم - كالمبطون و صاحب السلس، و المستحاضة - ينوي الاستباحة، فإن اقتصر على رفع الحدث فالوجه البطلان.
و وقتها عند ابتداء غسل الوجه، و يجوز أن تتقدم عند غسل اليدين المستحب لا قبله، و لا بعد الشروع في الوجه، و يجب استدامتها حكما إلى الفراغ، يعني أنه لا يأتي بنيّة لبعض الأفعال يخالفها.
و هل تكفي نية القربة ؟ قال الشيخ: نعم للامتثال(1) ، و الأقوى المنع لمفهوم الآية(2).
أ - لا تجب النيّة في إزالة النجاسات، لأنها كالترك، فلا تعتبر فيها النية كترك الزنا، و هو أحد وجهي الشافعي، و في الآخر: يشترط قياسا على طهارة الحدث(3) ، و الفرق ظاهر.
ب - لا يصح وضوء الكافر و لا غسله، لعدم صحة النيّة منه، فإذا أسلم تلزمه الإعادة، و هو أحد أقوال الشافعي(4).
و ثانيها: إعادة الوضوء خاصة، لأن الغسل يصح من الكافر، فإن الذميّة تغتسل من الحيض لحقّ الزوج فتحلّ له(5).
ص: 141
و ثالثها: عدم إعادتهما كإزالة النجاسة، و به قال أبو حنيفة(1).
و لو توضأ المسلم ثم ارتدّ لم يبطل وضوؤه لارتفاع الحدث أولا، و عدم تجدّد غيره، و هو أحد وجهي الشافعي، و الثاني: يبطل، و به قال أحمد، لأن ابتداء الوضوء لا يصح مع الردة، فإذا طرأت في دوامه أبطلته(2) ، و ليس بجيد، لأنه بعد الفراغ مستديم حكمه لا فعله، فلا تؤثر فيه الردة، كالصلاة بعد فعلها.
و لو ارتدّ المتيمّم فأصحّ وجهي الشافعي الإعادة(3) ، لخروجه عن أهلية الاستباحة، فصار كما لو تيمّم قبل الوقت.
ج - لو أوقع النيّة عند أول جزء من غسل الوجه صح، و لم يثب على ما تقدم من السنن، و إن تقدمت عليها فان استصحبها فعلا إليها صح، و أثيب، و إن عزبت قبله و لم تقترن بشيء من أفعال الوضوء بطل، و هو أقوى وجهي الشافعي(4).
و إن اقترنت بسنّة أو بعضها صح، و هو أضعف وجهي الشافعي(5) ، لأنها من جملة الوضوء و قد قارنت، و أصحهما عنده: البطلان، لأن المقصود من العبادات واجبها، و سننها توابع.1.
ص: 142
د - إنما يستحب غسل اليدين قبل إدخالهما الآنية المنقولة في حدث النوم، و البول و الغائط، و الجنابة، فلو اغترف من ساقية و غسل يده لم يصح إيقاع النيّة عنده، إلاّ أن يستصحبها فعلا إلى المضمضة أو غسل الوجه، و كذا لو غسل من آنية منقولة في حدث مس الميت.
ه - لا يشترط استدامة النيّة فعلا بل حكما، نعم يشترط أن لا يحدث نية أخرى بعد عزوب الأولى، فلو نوى التبرد أو التنظيف بعد عزوب الأولى بطل الوضوء، و هو أصح وجهي الشافعي(1) ، لأن النيّة باقية حكما، و هذه حاصلة حقيقة فتكون أقوى.
و - لو نوى قطع الطهارة بعد فراغه لم تنقطع لارتفاع حدثه، و لو نوى في الأثناء، فالأقرب عدم التأثير فيما مضى، و لا اعتبار بما يفعل، إلاّ أن يجدد النيّة - و هو أحد وجهي الشافعي، و الآخر: يبطل وضوؤه كالصلاة(2) - فإن لم يكن السابق قد جف كفاه البناء، و إلاّ وجب الاستئناف.
ز - لو ضمّ الرياء بطلت طهارته لاشتماله على وجه قبيح، و يلوح من كلام المرتضى رضي اللّه عنه الصحة(3).
و لو ضمّ التبرّد أو التنظيف احتمل الصحة، لأن التبرد حاصل، و إن لم ينوه فتلغو نيته، كما لو كبّر الإمام و قصد إعلام القوم مع التحريم، أو نوى الصلاة و قصد دفع خصمه باشتغاله بالصلاة.
و البطلان، لأن الاشتراك في العبادة ينافي الإخلاص.
و الأولى أقوى وجهي الشافعي(4).1.
ص: 143
ح - لا بدّ من نيّة رفع الحدث أو الاستباحة عند بعض علمائنا(1) ، و لو جمع كان أولى، و لو نوى طهارة مطلقا، قال بعض علمائنا: يصح، لأنه فعل المأمور به فيخرج عن العهدة(2) ، و للشافعي قولان(3).
و لا يجب تعيين الحدث و لا الصلاة، فلو عيّنهما لم يتعين، و ترتفع كل الأحداث سواء كان ما نوى رفعه آخر الأحداث أو أولها، و هو أحد وجوه الشافعي، لأن الأحداث تتداخل، و ما يرفع بعضها يرفع جميعها.
و وجه: أنه لا يرتفع، لأنه لم ينو رفع جميع الأحداث، و ثالث:
ارتفاع الجميع إن كان آخر الأحداث لتداخلها، و إن كان أولها لم يرتفع ما بعده(4).
و لو نوى استباحة فريضة ارتفع حدثه مطلقا و صلّى ما شاء، و كذا لو نوى أن يصلّيها لا غيرها، لأن المعيّنة لا تصح إلاّ بعد رفع الحدث، و هو أحد وجوه الشافعي، و ثان: بطلان الطهارة، لأنه لم ينو ما تقتضيه الطهارة، و ثالث: استباحة المعيّنة، فإن الطهارة قد تصح لمعيّنة كالمستحاضة(5).
ط - الفعل إن شرط فيه الطهارة صح أن ينوي استباحته قطعا، و إن استحبّت فيه - كقراءة القرآن، و دخول المساجد، و كتب الحديث و الفقه - فنوى استباحته، قال الشيخ: [لا] [2] يرتفع حدثه، و لا يستبيح1.
ص: 144
الصلاة، لأنه لم ينو الاستباحة، و لا رفع الحدث، و لا ما يتضمنهما، لأن هذه الأفعال لا يمنع منها الحدث(1).
و يحتمل الرفع، لأن استحبابها مع الطهارة إنما يصح مع رفع الحدث، فقد نوى ما يتضمنه، و للشافعي قولان(2).
و الوجه التفصيل و هو: الصحة إن نوى ما يستحب له الطهارة لأجل الحدث كقراءة القرآن، لأنّه قصد الفضيلة، و هي القراءة على طهر.
و عدمها إن نوى ما يستحب له لا للحدث، كتجديد الوضوء و غسل الجمعة، و إن لم يجب و لم يستحب كالأكل لم يرتفع حدثه قطعا لو نوى استباحته.
ي - لا يجوز أن يوضّئه غيره إلاّ مع الضرورة، و هو قول داود(3) ، و قال الشافعي: يجوز مطلقا(4) ، و النية حالة الضرورة - عندنا، و مطلقا عنده - يتولاّها المتوضي لا الموضّئ(5).
يا - لو فرّق النيّة على الأعضاء، بأن نوى غسل الوجه لرفع الحدث عنده، ثم غسل اليدين لرفع الحدث عنده و هكذا، فالأقرب الصحة لأنه إذا صح غسل الوجه بنية مطلقة فالأولى صحته بنية مقصوده، و هو أحد وجهي الشافعي.1.
ص: 145
و في الآخر: لا يصح، لأنها عبادة واحدة كالصلاة و الصوم(1) ، و هو ممنوع لارتباط أفعال الصلاة بعضها ببعض و لهذا تبطل بالفصل، بخلاف الطهارة.
و لو نوى بغسل الوجه رفع الحدث عنه بطل، و كذا لو ذكر في أصل النيّة رفع الحدث عن الأعضاء الأربعة.
يب - نص أبو الصلاح منّا على وجوب النيّة في غسل الميت لأنها عبادة(2) ، و هو أحد وجهي الشافعي، و الثاني: لا يجب(3) و هو يبتنى على أن الميت نجس أم لا.
يج - إذا انقطع دم المجنونة، و شرطنا الغسل في إباحة الوطء غسّلها الزوج و نوى، فإذا عقلت لم تستبح الصلاة، و للشافعي وجهان(4) ، و هل يكفي في إباحة الوطء؟ عنده وجهان(5).
و لو نوت المسلمة إباحة الوطء، فالوجه الإباحة، و الدخول في الصلاة، لأنها نوت ما يتضمن رفع الحدث، و هو أحد وجهي الشافعي، و في الآخر: لا يباح الوطء و لا الصلاة(6) ، لأن الطهارة لحق اللّه تعالى و حق الزوج، فلا يتبعض الحكم. و تكلّف طهارة تصلح للحقّين، بخلاف الذمية لأنّها ليست من أهل حق اللّه.
يد - طهارة الصبي معتبرة لأن تجويز فعله ليس للحاجة كالتيمم،1.
ص: 146
و وضوء المستحاضة، فإنه لا حاجة في حقه، إذ لا تكليف عليه، و لا للرخصة كالمسح على الجبيرة، لأن الرخصة تقتضي المشقة، و لا مشقة، فهي أصلية.
فلو توضأ في صغره ثم بلغ و صلّى صحّت صلاته، و كذا لو وطئت قبل البلوغ فاغتسلت ثم بلغت، و هو قول بعض الشافعية(1).
و قال المزني: يعيد(2). و هو وجه عندي.
يه - لو نوى رفع حدث و الواقع غيره عمدا لم يصح وضوؤه، لأنه نوى رفع ما ليس عليه، و ما عليه لم ينو رفعه، و للشافعية وجهان(3) ، و في الغالط إشكال ينشأ من هذا، و من عدم اشتراط التعرض للحدث، فلا يضره الخطأ.
يو - لو نسي النقض صحّ له أن يصلّي، فلو تطهّر للاحتياط ثم ذكر لم يجزئه، لأنه لم ينو الوجوب، و هو أحد وجهي الشافعي، و الثاني: يصح كما لو دفع ما يتوهمه دينا ثم ظهر وجوبه(4) ، و ليس بجيّد، لعدم اشتراط النيّة هناك.
يز - لو أخل بلمعة جاهلا، ثم غسلها في التجديد لم يرتفع حدثه، لأنه أوقع الواجب بنية الندب، و للشافعية وجهان(5) ، و كذا لو جدّد الطهارة ثم1.
ص: 147
ظهر له أنّه كان محدثا.
يح - لو نوى الجنب الاستيطان في المسجد، أو مسّ كتابة القرآن صحّ، و لو نوى الاجتياز فالأقرب الارتفاع، خلافا للشيخ(1).
يط - لو شك في النيّة، فإن كان بعد الإكمال لم يلتفت و إلاّ استأنف.
ك - كل من عليه طهارة واجبة ينوي الوجوب، و غيره ينوي الندب، فإن نوى الوجوب و صلّى به أعاد، فإن تعدّدتا مع تخلّل الحدث أعاد الأولى خاصة.
كا - لو نوى الندب قبل الوقت فدخل بعد فعل البعض فالأقوى الاستيناف لبقاء الحدث، فيندرج تحت الأمر، و يحتمل الإتمام لوقوعه مشروعا، فيحتمل الاستمرار على النيّة و العدول إلى الوجوب.
على الخلاف، و إنما تجب بسببين، إما النذر و شبهه، أو وجوب ما لا يتم إلاّ بها إجماعا.
أما غسل الجنابة فقيل: إنه كذلك للأصل، و لقوله تعالى وَ إِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا (2) ، و العطف يقتضي التشريك، و لجواز الترك في غير المضيّق، و تحريمه فيه، و الدوران يقضي بالعلية.
و قيل: لنفسه، لقوله عليه السلام: (إذا التقى الختانان وجب الغسل)(3).
فعلى الأول ينوي الوجوب في وقته، و كذا غيره من الطهارات،
ص: 148
و الندب في غيره.
و على الثاني ينوي الوجوب فيه مطلقا، و في غيره من الطهارات في وقته، فلو نوى الوجوب مع ندب الطهارة أو بالعكس أو أهملهما - على رأي - بطلت.
أ - قاضي الفرائض ينوي الوجوب دائما، و غيره ينوي الندب قبل الوقت إذا لم تجب عليه الطهارة، و لو نوى الوجوب بطلت طهارته، فإن صلّى بها بطلت صلاته، فإن تعدّدت الطهارات و الصلوات كذلك، و تخلّل الحدث بطلت الطهارة الأولى و صلواتها خاصة.
ب - الشاك في دخول الوقت ينوي الندب، و في خروجه الوجوب، للاستصحاب، فإن ظهر البطلان فالوجه عدم الإعادة، مع عدم التمكن من الظن، و كذا الظن مع عدم التمكن من العلم، و ثبوتها مع التمكن في البابين.
ج - المحبوس بحيث لا يتمكن من العلم و لا الظن يتوخّى، فإن صادف و لو آخر الأجزاء أو تأخر فالوجه الصحة، و إلاّ أعادهما معا.
د - لو ردّد نيته بين الوجوب و الندب، أو هما على تقديرين، لم يصح.
ه - لو ظن وجوب صلاة فتوضأ واجبا، ثم ظهر البطلان ففي الصحة إشكال، أما لو ظن البراءة فنوى الندب، ثم ظهر البطلان فالأقرب الصحة.
و هو واجب بالنص و الإجماع، و حدّه طولا من قصاص شعر الرأس إلى
ص: 149
محادر شعر الذقن إجماعا، و عرضا ما دارت عليه الإبهام و الوسطى، و به قال مالك(1) لأن الوجه ما تحصل به المواجهة، و لقول أحدهما عليهما السلام:
«ما دارت عليه السبابة و الوسطى و الإبهام من قصاص شعر الرأس إلى الذقن، و ما سوى ذلك ليس من الوجه»(2).
و قال باقي الفقهاء: ما بين العذار و الأذن من الوجه، فحدّه عرضا من وتد الأذن إلى وتد الأذن لحصول المواجهة به من الأمرد(3) ، و هو ممنوع.
ذهب إليه علماؤنا أجمع، و به قال فقهاء الأمصار(4) إلاّ الزهري، فإنه قال: إنهما من الوجه يجب غسلهما معه(5) لقوله عليه السلام: (سجد وجهي للذي خلقه و شقّ سمعه و بصره)(6) فأضاف السمع كما أضاف البصر. و هو خطأ، لأن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله لم يغسلهما، و روى أبو أمامة الباهلي أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال: (الأذنان من الرأس)(7). و الإضافة قد تحصل بالمجاورة.
ص: 150
و لا يجب أيضا مسحهما عندنا إجماعا، لا ظاهرهما و لا باطنهما، فمن فعل فقد أبدع، لقول الباقر عليه السلام: «ليس عليهما مسح و لا غسل»(1).
و قال الشافعي: يستحب مسح باطنهما و ظاهرهما بماء جديد، لانفراد حكمهما عن الرأس و الوجه، و به قال ابن عمر، و أبو ثور(2).
و قال مالك: هما من الرأس، و يستحب أن يأخذ لهما ماء جديدا(3).
و قال أحمد: هما من الرأس يجب مسحهما على الرواية التي توجب استيعاب الرأس، و يجزي مسحهما بماء الرأس(4).
و روي عن ابن عباس، و عطاء، و الحسن البصري، و الأوزاعي، أنهما من الرأس يمسحان بمائه، و به قال أصحاب الرأي(5) ، و احتج الجميع بقوله عليه السلام: (الأذنان من الرأس)(6) ، و لا حجة فيه عندنا، لأنّا1.
ص: 151
نخص المسح بمقدمه، و قال الشعبي، و الحسن بن صالح بن حي: إنّه يغسل ما أقبل منهما مع الوجه و يمسح ما أدبر مع الرأس(1).
- من البياض - عندنا، و به قال مالك(2) لأنه ليس من الوجه.
و قال الشافعي: يجب على الأمرد و الملتحي(3). و قال أبو يوسف:
يجب على الأمرد خاصة(4).
و لا ما خرج عمّا دارت عليه الإبهام و الوسطى من العذر عرضا، و لا يستحب، لتوقفه على الشرع.
و يرجع الأنزع و الأغم [1] و قصير الأصابع و طويلها إلى مستوي الخلقة، فلو قصرت أصابعه عنه غسل ما يغسله مستويها، و لو قلّ عرض وجهه عنه لم يتجاوز إلى العذار، و إن نالته الأصابع.
و لا يعتبر كلّ واحد بنفسه لجواز أن يكون أغم أو أصلع، فيغسل الأغم ما على جبهته من الشعر، و يترك الأصلع ما بين منابت الشعر في الغالب من الرأس إلى حد شعره.
و أما النزعتان - فهما ما انحسر عنهما الشعر في جانبي مقدّم الرأس، و يسمّى أيضا الجلحة - لا يجب غسلهما، و كذا موضع الصلع، و به قال الشافعي(5).
ص: 152
و الصدغان من الرأس، و العذار - هو ما كان على العظم الذي يحاذي وتد الأذن - ليس من الوجه عندنا، خلافا للشافعي(1).
و العارضان: ما نزل من العذارين من الشعر على اللحيين، و الذقن تحته: و هو مجمع اللحيين، و العنفقة: هو الشعر الذي على الشفة السفلى عاليا بين بياضين.
و موضع التحذيف - و هو الذي ينبت عليه الشعر الخفيف بين ابتداء العذار و النزعة - ليس من الوجه، لنبات الشعر عليه، فهو من الرأس، و للشافعي وجهان، أحدهما: من الوجه، و لذلك يعتاد النساء إزالة الشعر عنه، و به سمّي موضع التحذيف(2).
كالعنفقة الخفيفة، و الأهداب، و الحاجبين، و السبال، لأنها غير ساترة فلا ينتقل اسم الوجه إليها، و لو كانت كثيفة لم يجب غسل ما تحتها بل غسل ظاهرها.
أمّا الذقن فإن كان شعره كثيفا لم يجب تخليله، و لا إيصال الماء إلى ما تحته، بل غسل ظاهره أيضا ذهب إليه علماؤنا - و به قال الشافعي(3) - لأن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله توضأ فغرف غرفة غسل وجهه(4) و قال علي عليه السلام في وصفه صلّى اللّه عليه و آله: «كان كبير الهامة، عظيم اللحية،
ص: 153
أبيض مشرب بحمرة»(1).
و معلوم أن الغرفة لا تأتي على ما تحت الشعر كلّه، و لأنه صار باطنا كداخل الفم.
و قال أبو ثور، و المزني: يجب غسل ما تحت الكثيف، كالجنابة و كالحاجبين(2).
و هو غلط لكثرة الوضوء، فيشق التخليل بخلاف الجنابة، و الحاجبان غير ساترين غالبا.
و قال أبو حنيفة، في الشعر المحاذي لمحل الفرض: يجب مسحه، و في رواية أخرى عنه: مسح ربعه، و هي عن أبي يوسف أيضا و عنه ثانية: سقوط الفرض عن البشرة، و لا يتعلق بالشعر، و هي عن أبي حنيفة أيضا(3).
و اعتبر أبو حنيفة ذلك بشعر الرأس، فقال: إن الفرض إذا تعلق بالشعر كان مسحا(4) ، و هو خطأ لقوله عليه السلام: (اكشف وجهك فإن اللحية من الوجه(5) لرجل غطّى لحيته في الصلاة، بخلاف شعر الرأس فإنّ فرض البشرة تحته المسح، و هنا الفرض تحته الغسل، فإذا انتقل الفرض اليه انتقل على صفته.
و أمّا إن كان الشعر خفيفا لا يستر البشرة، فالأقوى عندي غسل ما تحته3.
ص: 154
و إيصال الماء إليه، و به قال ابن أبي عقيل(1) ، و هو مذهب الشافعي(2) ، لأنها بشرة ظاهرة من الوجه، و قال الشيخ: لا يجب تخليلها، كالكثيفة(3) ، و الفرق ظاهر.
أ - يستحب تخليل الكثيفة لما فيه من الاستظهار، و لأنه عليه السلام كان يخلّلها(4) ، و ليس بواجب.
ب - لو نبت للمرأة لحية فكالرجل، و كذا الخنثى المشكل، و قال الشافعي: يجب تخليلها لأنه نادر(5).
ج - لو غسل شعر وجهه أو مسح على شعر رأسه، ثم سقط لم يؤثر في طهارته لأنه من الخلقة كالجلد، و به قال الشافعي(6) ، و قال ابن جرير: تبطل طهارته كالخفين(7). و هو غلط، لأنه ليس من الخلقة بل بدل.
د - لا يجب غسل المسترسل من اللحية عن محل الفرض طولا و عرضا، و به قال أبو حنيفة، و المزني(8) ، لأن الفرض إذا تعلق بما يوازي
ص: 155
محل الفرض اختص بما يحاذيه، كشعر الرأس، و قال أحمد و مالك: يجب لدخوله في اسم الوجه، و لأنه ظاهر نابت على محل الفرض فأشبه ما يحاذيه(1). و للشافعي قولان(2).
ه - لا يستحب إدخال الماء إلى باطن العينين، لما فيه من الأذى، و للشافعي قولان، هذا أحدهما، و الآخر: الاستحباب(3) ، لأن ابن عمر كان يفعل ذلك حتى عمي(4). و ليس بحجة، نعم يستحب أن يمسح مآقيه [1] بإصبعه لإزالة الرمص [2] الواصل إليهما، و قد روي أنه عليه السلام كان يفعله(5).
و - يستحب أن يزيد في ماء الوجه على باقي الأعضاء، لما فيه من الغضون [3] و الشعور و الدواخل و الخوارج، و قد روى علي عليه السلام: «أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كان يكثر فيه الماء»(6).
ز - لو أدخل يده و غسل بشرة اللحية لم يجزئ، لأنها إن كانت كثيفة فالغسل للظاهر، و إن كانت خفيفة فالغسل لهما، فلا يجزي أحدهما.
فإن
ص: 156
نكس، قال الشيخ(1) و أكثر علمائنا [1]: يبطل، و هو الوجه عندي، لأنه عليه السلام بدأ بالقصاص(2) في بيان المجمل، فيكون واجبا، لاستحالة الابتداء بالضد، و قال المرتضى رضي اللّه عنه: يكره(3) ، و الجمهور على الجواز كيف غسل(4) ، لحصول المأمور به، و هو مطلق الغسل.
و لا بد من غسل جزء من الرأس و أسفل الذقن، لتوقف الواجب عليه، و في وصفه بالوجوب إشكال.
و يجب في الغسل تحصيل مسماه، و هو الجريان على المغسول، فالدهن إن صدق عليه الاسم أجزأ و إلاّ فلا، و كذا في غسل اليدين.
من المرافق»(1).
و روى جابر قال: كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إذا توضأ أدار الماء على مرفقيه(2) ، خرج مخرج البيان، و لأن (إلى) تستعمل تارة بمعنى (مع).
و من طريق الخاصة، حكاية الباقر عليه السلام صفة وضوء رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله(3) ، و لأنه أحوط.
و قال بعض أصحاب مالك، و أبو بكر محمد بن داود الظاهري، و زفر ابن الهذيل: لا يجب غسل المرفقين(4) ، لأنه تعالى جعلهما غاية و حدّا للغسل، و الحد غير داخل، لقوله تعالى إِلَى اللَّيْلِ (5) و قد بيّنا أنها بمعنى مع، على أن الحد المجانس داخل، مثل: بعت هذا الثوب من هذا الطرف الى هذا الطرف.
و لو نكس فقولان كالوجه، و الحقّ البطلان.
و يجب أن يبدأ باليمنى قبل اليسرى، ذهب إليه علماؤنا أجمع - خلافا للجمهور(6) - لأن المأتي به بيانا إن قدّم فيه اليسرى وجب الابتداء بها، و ليس
ص: 158
كذلك إجماعا فتعين العكس.
و لو قطعت من فوق المرفق سقط غسلها، و يستحب غسل موضع القطع بالماء، و إن قطعت من دون المرفق وجب غسل الباقي، و إن قطعت من المرفق فقد بقي من محل الفرض بقية، و هو طرف عظم العضد، لأنه من جملة المرفق، فإن المرفق مجمع عظم العضد و عظم الذراع.
الأول: لو وجد الأقطع من يوضّيه لزمه، فان تعذر إلاّ بأجرة المثل وجبت، و لو تعذر إلاّ بأزيد، فالوجه الوجوب مع عدم الضرر، و لو لم يجد أصلا أو عجز عن الطهارة، فالوجه عندي سقوط الصلاة أداء و قضاء.
و قال بعض الشافعية: يصلّي على حسب حاله و يعيد، لأنه بمنزلة من لم يجد ماء و لا ترابا(1).
الثاني: لو توضأ ثم قطعت يده لم يجب عليه غسل ما ظهر منها، لتعلّق الطهارة بما كان ظاهرا و قد غسله.
فإن أحدث بعد ذلك وجب غسل ما ظهر ما يده بالقطع، لأنه صار ظاهرا، و كذا لو قلّم أظفاره بعد الوضوء لم يجب غسل موضع القطع إلاّ بعد الحدث في طهارة أخرى.
الثالث: لو انكشطت جلدة من محل الفرض و تدلّت منه وجب غسلها، و لو تدلّت من غيره لم يجب، و لو انكشطت من غير محل الفرض و تدلّت من محل الفرض وجب غسلها.
و إن انقلعت من أحد المحلّين، فالتحم رأسها في الآخر، و بقي
ص: 159
وسطها متجافيا فهي كالنابتة في المحلين، يجب غسل ما حاذى محل الفرض من ظاهرها و باطنها و ما تحتها من محل الفرض.
لعدم الأولوية، و للأمر بغسل الأيدي.
و ان علمت الزائدة، فإن كانت تحت المرفق وجب غسلها أيضا، لأنها جزء من اليد فأشبهت اللحم الزائد، و إن كانت فوق المرفق، فإن كانت قصيرة لا يحاذي منها شيء محل الفرض لم يجب غسلها.
و ان كان منها شيء يحاذي مرفقه أو ذراعه، فالأقرب عدم وجوب غسلها، و عدم غسل المحاذي أيضا، لأن أصلها في غير محل الفرض، فهي تابعة له.
و يحتمل الوجوب لوقوع اسم اليد عليها، و كذا في القصيرة، و للشافعية في غير القصيرة وجهان(1).
أ - لو كان له إصبع زائدة في كفه، أو كف زائدة في ذراعه، أو ذراع زائد وجب غسله، لأنه في محل الوضوء، فهو تابع له، و كذا لو كان له لحم نابت أو عظم.
ب - لو طالت أظافيره فخرجت عن حدّ يده يحتمل وجوب غسله لأنه جزء من اليد، و العدم كالمسترسل من اللحية، و للشافعية وجهان(2).
ج - الوسخ تحت الأظفار، إن كان يمنع من إيصال الماء إلى البشرة
ص: 160
وجب إزالته، إلاّ مع المشقة.
د - لو كان في إصبعه خاتم، أو في يده سير، أو دملج، فان كان يصل الماء تحته استحب له تحريكه، و إن لم يصل إلاّ بالتحريك وجب.
ه - لو كان له رأسان و بدنان على حقو واحد وجب غسل أعضائه كلّها و إن حكمنا بوحدته، و كذا لو كان له رأسان وجب غسل وجهيه و مسحهما.
و هو واجب بالنص و الإجماع، و يجزي أقل ما يصدق عليه الاسم للامتثال، فيخرج عن العهدة، و لأنه عليه السلام مسح ناصيته(1).
و يستحب مقدار ثلاث أصابع، و قال بعض علمائنا: يجب(2) ، و ما اخترناه قول الشافعي، و ابن عمر، و داود(3).
و الثوري حكي عنه أنه قال: لو مسح شعرة واحدة أجزأ(4) ، و للشافعي قول آخر: ثلاث شعرات(5).
و عن مالك ثلاث روايات، إحداها: الجميع، و هي إحدى الروايتين
ص: 161
عن أحمد، و هو محكي عن المزني لقوله تعالى وَ امْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ (1) و هو يقتضي مسح الجميع(2).
الثانية: حكى محمد بن مسلمة - صاحبه - أنّه قال: إن ترك قدر الثلث جاز، و هي الرواية الثانية لأحمد(3).
الثالثة: إن ترك يسيرا بغير قصد جاز(4).
و عن أبي حنيفة ثلاث روايات، الاولى: الربع، الثانية: قدر الناصية(5) ، لأنّ أنسا قال: رأيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أدخل يده تحت العمامة و مسح على ناصيته(6) ، و هذا خرج مخرج البيان.
الثالثة: ثلاث أصابع إلى الربع(7) ، و عليه يعوّلون. و الناصية ما بين النزعتين و هي أقل من نصف الربع، فبطل تحديده.
لأنه تعالى أمر بالبعض، و إنكار أنّ الباء للتبعيض مدفوع، فإن اعتقد مشروعيته أبدع، و لا
ص: 162
يستحب، خلافا للشافعي(1).
خلافا للجمهور(2) ، لأن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله مسح بناصيته(3) في معرض البيان.
و قول الصادق عليه السلام: «مسح الرأس على مقدمه»(4) و لأنه مخرج عن العهدة بيقين فلا يجزي المسح على غيره، و لو مسح على المقدم و غيره امتثل، و فعل حراما إن اعتقد وجوبه أو مشروعيته.
و لا يجوز المسح على غير المقدم عند علمائنا أجمع، و من جوّز مسح البعض من الجمهور يختص المقدم(5).
و المستحب مقبلا، و يجوز مدبرا على كراهة، لحصول الامتثال بكل منهما، و لقول الصادق عليه السلام: «لا بأس بمسح الوضوء مقبلا و مدبرا»(6) و منع بعض علمائنا من الاستقبال كاليدين [1].
و لا يجزي على حائل كالعمامة و المقنعة، ذهب إليه علماؤنا أجمع، لأنه
ص: 163
مأمور بالمسح على الرأس، و هو يصدق على البشرة و شعرها.
و قال بعض الشافعية: إن مسح على البشرة يصح إن كان محلوقا، و إلاّ فلا، لأن الواجب المسح على الشعر، لأن الرأس اسم لما ترأّس و علا، و هو الشعر(1) ، و ليس بشيء.
و منع الشافعي من المسح على الحائل كالعمامة، و به قال مالك، و أبو حنيفة(2).
و قال الثوري، و الأوزاعي، و أحمد، و داود: يجوز. إلاّ أن أحمد، و الأوزاعي شرطا لبسها على طهارة(3).
و قال بعض أصحاب أحمد: إنما يجوز إذا كانت تحت الحنك(4) ، لأن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أمر بالمسح على المشاوذ و التساخين(5) ، و المشاوذ: العمائم، و التساخين: الخفاف. و هو بعد التسليم محمول على الموضع، و مسح أبي بكر على العمامة(6) ليس بحجة.
فروع:
أ - لو عقص شعره النازل عن حد الرأس في مقدمة لم يجز المسح1.
ص: 164
عليه، لأنه بمنزلة العمامة، و كذا لو جمع شعرا من غيره في المقدم و مسح.
ب - شرط الشعر الممسوح أن لا يخرج عن حدّ الرأس، فلا يجوز أن يمسح على المسترسل، و لا الجعد الكائن في حدّ الرأس إذا كان يخرج بالمدّ عنه.
ج - لو كان على رأسه جمة في موضع المسح فادخل يده تحتها و مسح على جلدة رأسه أجزأه.
د - لو مسح على شعر المقدم ثم حلقه لم يبطل وضوؤه.
ه - يجوز للمرأة إدخال إصبعها تحت المقنعة في الظهر و العصر و العشاء، و يستحب وضعها في الغداة و المغرب.
و - لو مسح على الحائل لضرورة أو تقية جاز، و في الإعادة مع الزوال إشكال.
و هو شرط في الصحة، و لو استأنف ماء جديدا و مسح به بطل وضوؤه، ذهب إليه علماؤنا أجمع إلاّ ابن الجنيد(1) ، لأن عثمان وصف وضوء رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و لم يذكر الاستئناف(2).
و من طريق الخاصة، صفة الباقر و الصادق عليهما السلام وضوء رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله. و أنه مسح ببقية نداوة يده من غير أن يستأنف ماء جديدا(3) ، و فعله وقع بيانا فلا يجزي غيره.
ص: 165
و قال الحسن البصري، و عروة، و الأوزاعي، و أحمد في إحدى الروايتين: إنّه يجوز المسح ببقية البلل(1) ، لحديث عثمان(2).
و قال أبو حنيفة، و الشافعي، و مالك، و أحمد في الرواية الأخرى:
لا يجوز إلاّ بماء جديد(3) ، و رووا ذلك عن علي عليه السلام(4) ، و لأنه مستعمل.
و الرواية ممنوعة، فإنّ المتواتر عن أهل البيت عليهم السلام خلافه(5) ، و الاستعمال لا يخرج الماء عن الطهورية.
أ - لو لم تبق على يديه نداوة أخذ من لحيته، و أشفار عينيه و حاجبيه من نداوة الوضوء و مسح به، و لا يجوز له الاستئناف، فإن لم يبق على شيء من ذلك نداوة استأنف الطهارة، و كذا لو ذكر أنّه لم يمسح مسح، فإن لم يبق في يده نداوة فعل ما تقدم.
ب - لا فرق بين أن تكون النداوة من الغسلة الأولى أو الثانية، و كذا لو جوّزنا الثالثة على إشكال ينشأ من كون مائها غير ماء الوضوء، و إن حرّمناها لم يجز قطعا، و كذا الثانية عند الصدوق(6).
ج - لو جفّ ماء الوضوء للحرّ أو الهواء المفرطين استأنف الوضوء، و لو
ص: 166
تعذر أبقى جزءا من يده اليسرى ثم أخذ كفا غسله به، و عجّل المسح على الرأس و الرجلين.
د - لو غسل بدلا من المسح لم يجز عندنا إجماعا، أمّا أولا فلاشتماله على الاستئناف، و أما ثانيا فلأنه مغاير للمسح المأمور به فيبقى في العهدة.
و لقول النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: (لا يقبل اللّه صلاة أحدكم حتى يضع الطهور مواضعه، فيغسل وجهه، ثم يديه، ثم يمسح برأسه)(1).
و للشافعي وجهان(2) و عن أحمد روايتان، لأن الغسل مسح و زيادة(3) ، و على تقدير الجواز للشافعي هل يكره ؟ وجهان، و على كل تقدير فإنه لا يستحب عنده(4).
ه - لو وضع يده بالبلّة على محل الفرض و لم يمسح لم يجز، لأنه لم يأت بالمسح المأمور به، و أصح وجهي الشافعي: الإجزاء، لأن الغرض وصول الماء دون كيفيته(5). و هو ممنوع.
و لو قطّر على محل المسح قطرة، فإن جرت أجزأت عنده قطعا، و إلاّ فوجهان(6) ، و عندنا لا يجزي مطلقا للاستئناف.
و - لو مسح بخرقة مبلولة أو خشبة لم يجز عندنا للاستئناف، و عن1.
ص: 167
أحمد وجهان(1).
ز - لو مسح على حائل غير مانع من إيصال الرطوبة إلى محل الفرض لم يجز، لأن الباء كما اقتضت التبعيض اقتضت الإلصاق.
و إبطال الوضوء بغسلهما اختيارا، و به قال علي عليه السلام، و ابن عباس، و أنس بن مالك، و الشعبي، و أبو العالية، و عكرمة(2) ، لقوله تعالى:
وَ امْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَ أَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ (3) .
و النصب لا ينافيه للعطف على الموضع، و لا يجوز عطفه على الأيدي لئلاّ تتناقض القراءتان، و للفصل، و لاشتماله مع مخالفة الفصاحة بالانتقال عن جملة قبل استيفاء الغرض منها إلى ما لا تعلق لها به، و الجر بالمجاورة من رديء الكلام، و لم يرد في كتاب اللّه تعالى، و لا مع الواو.
و روى أوس بن أبي أوس الثقفي أنه رأى النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أتى كظامة قوم بالطائف، فتوضأ و مسح على قدميه(4) ، و عن علي عليه السلام أنّه
ص: 168
مسح على نعليه و قدميه، ثم دخل المسجد فخلع نعليه و صلّى(1) ، و عن ابن عباس أنّه قال: ما أجد في كتاب اللّه إلاّ غسلتين و مسحتين(2).
و ذكر لأنس بن مالك قول الحجاج: اغسلوا القدمين ظاهرهما و باطنهما، و خلّلوا ما بين الأصابع، فقال أنس: صدق اللّه و كذب الحجاج(3) ، قال اللّه تعالى فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَ أَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ، وَ امْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَ أَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ (4).
و قال الشعبي: الوضوء مغسولان و ممسوحان(5).
و من طريق الخاصة قول الباقر عليه السلام و قد سئل عن المسح على الرجلين، فقال: «هو الذي نزل به جبرئيل عليه السلام»(6) ، و لمّا وصف الباقر و الصادق عليهما السلام وضوء رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قالا: «ثم مسح رأسه و قدميه»(7).
و قال بعض أهل الظاهر: يجب الجمع بين الغسل و المسح(8) ، و قال ابن جرير الطبري بالتخيير بينهما(9) ، و قال باقي الجمهور بوجوب الغسل(10) ،1.
ص: 169
لأن عثمان لمّا وصف وضوء رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال: ثم غسل رجليه(1) ، و عن عبد اللّه بن عمرو أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله رأى قوما يتوضئون و أعقابهم تلوح، فقال: (ويل للأعقاب من النار) [1].
و رواية عثمان معارضة بما تقدم من الروايات، مع أنّ أهل البيت عليهم السلام أعرف منه لملازمتهم الرسول صلّى اللّه عليه و آله، و لاحتمال أنّه غسلهما للتنظيف فتوهم الجزئية، بخلاف المسح، و تهديد الأعقاب لا يدل على وجوب غسلهما في الوضوء على أنه جزء منه.
و هما العظمان الناتئان في وسط القدم، و هما معقد الشراك أعني مجمع الساق و القدم - ذهب إليه علماؤنا أجمع، و به قال محمد بن الحسن الشيباني(2) - لأنه مأخوذ من كعب ثدي المرأة أي ارتفع. و لقول الباقر عليه السلام و قد سئل فأين الكعبان ؟: «ها هنا»(3) يعني المفصل دون عظم الساق.
و قال الجمهور كافة: الكعب، هو العظم الناتئ عن يمين الرجل و شمالها(4). لأن قريشا كانت ترمي كعبي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله من
ص: 170
ورائه(1) ، و لنص أهل اللغة عليه(2).
و لا حجة في الأول على المطلوب، و النص لا يدل على التخصيص.
بل يكفي المسح من رءوس الأصابع إلى الكعبين، و لو بإصبع واحدة عند فقهاء أهل البيت عليهم السلام لوجوب تقدير العامل الدال على التبعيض، و لقول الباقر عليه السلام: «إذا مسحت بشيء من رأسك أو بشيء من قدميك، ما بين كعبيك إلى أطراف الأصابع فقد أجزأك»(3).
و يجب استيعاب طول القدم من رءوس الأصابع إلى الكعبين، لأنهما غاية فيجب الانتهاء إليها، فيجب الابتداء من رءوس الأصابع لعدم الفارق.
و يجب المسح بباقي نداوة الوضوء، فلو استأنف له بطل - و البحث فيه كما في الرأس - و يستحب أن يكون بثلاث أصابع مضمومة، و قال بعض علمائنا: يجب [1].
أ - يجوز المسح منكوسا، بأن يبتدئ من الكعبين - لما تقدم في الرأس - و منعه بعض علمائنا [2].
ب - لا يجب الترتيب بينهما، لكن يستحب البدأة باليمنى.
ج - لو كان على الرجلين أو الرأس رطوبة، ففي جواز المسح عليها
ص: 171
قبل تنشيفها إشكال.
د - لو قطع بعض موضع المسح وجب المسح على الباقي، و لو استوعب سقط.
ه - لو كان له رجل ثالثة، فإن اشتبهت بالأصلية وجب مسحها، و إلاّ فإشكال ينشأ من العموم، و من صرف اللفظ إلى الظاهر.
و - لو غسل عوض المسح لم يجزئه لما تقدم، إلاّ أن يكون للتقية فيصح، و هل يجب عليه الإعادة مع زوالها؟ الأقرب لا.
و لو أراد غسلهما للتنظيف قدّم غسل الطهارة أو أخّره.
و لو كان محل الفرض في المسح نجسا، وجب تقديم غسله على المسح، و كذا أعضاء الغسل، و في الاكتفاء به عن غسل الوضوء نظر، أقربه الصحة مع طهارة المنفصل كالكثير.
ز - يجوز المسح على النعل العربية، و إن لم يدخل يده تحت الشراك، و هل يجزي لو تخلّف ما تحته أو بعضه ؟ إشكال أقربه ذلك، و هل ينسحب إلى ما يشبهه كالسير في الخشب ؟ إشكال، و كذا لو ربط رجله بسير للحاجة و في العبث إشكال.
على الخفين، قال له علي عليه السلام: قبل نزول المائدة أو بعده ؟ فسكت أبو مسعود(1) ، و هذا إنكار منه عليه السلام لهذه المقالة، و اعتقاد وجوب المسح على البشرة، و لقول علي عليه السلام: «ما أبالي أمسح على الخفين، أو على ظهر عير بالفلاة»(2).
و من طريق الخاصة، قول الصادق عليه السلام: «سبق الكتاب الخفين» و سئل عن المسح على الخفين، فقال عليه السلام: (لا تمسحه)(3).
و ذهب الجمهور كافة إلى جوازه(4) ، لأن سعد بن أبي وقاص روى أن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله فعله(5).
و متابعة الكتاب العزيز أولى من رواية سعد، مع معارضتها لروايات أهل البيت عليهم السلام(6) ، و هم أعرف بكيفيات الشريعة لملازمتهم الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سماعهم الوحي، مع أنّ عائشة و أبا هريرة أنكرا المسح على الخفين(7).
و قال الباقر عليه السلام: «جمع عمر بن الخطاب أصحاب رسول اللّه1.
ص: 173
صلّى اللّه عليه و آله، و فيهم علي عليه السلام، و قال: ما تقولون في المسح على الخفين ؟ فقال المغيرة بن شعبة: رأيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يمسح على الخفين. فقال علي عليه السلام: «قبل المائدة أو بعدها؟» فقال: لا أدري. فقال علي عليه السلام: «سبق الكتاب الخفين، إنما نزلت المائدة قبل أن يقبض بشهرين أو ثلاثة»(1).
و من أغرب الأشياء تسويغ المسح على الخف، لرفع الحدث عن الرجلين، و منعه عن البشرة.
أ - إنما يجوز المسح على الخفين عند الضرورة، كالبرد و شبهه، أو التقية، دفعا للحرج، و لقول الباقر عليه السلام و قد سئل هل فيهما رخصة:
«لا، إلاّ من عدوّ تتّقيه، أو ثلج تخاف على رجلك»(2).
ب - لو مسح على الحائل للضرورة أو التقية، ثم زالتا أو نزع الخف فالأقرب الاستيناف، لأنّها مشروطة بالضرورة و قد زالت فيزول لزوال شرطها، و لا بعد في العدم، لارتفاع الحدث.
ج - الضابط في تسويغ المسح على الخفين و غيرهما حصول الضرورة، فلا شرط سواه، و لا يتقدر بمدة غيرها.
و لا فرق بين اللبس على طهارة أو حدث، و لا بين أن يكونا خفين أو جوربين أو جرموقين اللذان فوق الخف، و لا بين أن يكونا صحيحين أو لا، بل المعتبر إمكان المسح على البشرة، فإن أمكن وجب، و إلاّ جاز المسح
ص: 174
على ذلك كلّه من الضرورة و إن زالت.
د - لو دارت التقية بين المسح على الخفين و غسل الرجلين فالغسل أولى. و قال الشافعي، و أحمد، و الحكم، و إسحاق: المسح على الخفين أولى من الغسل، لما فيه من مخالفة الشيعة(1).
و لنذكر بعض أحكام المسح على الخفين على رأي المخالفين، اقتداء بالشيخ(2).
الأول: أن يلبس الخف على طهارة تامة قوية، فلو غسل إحدى رجليه و أدخل الخف لم يصح حتى يغسل الثانية، ثم يبتدئ باللبس، و به قال مالك، و أحمد، و إسحاق(3) ، و كذا لو صبّ الماء في الخف بعد لبسه على الحدث.
و المستحاضة إذا لبست على وضوء لم تمسح على أحد الوجهين لضعف طهارتها(4).
و قال أبو حنيفة، و المزني، و أبو ثور، و داود، و ابن المنذر: لا يشترط أن يكون اللبس على طهارة، فلو لبس خفه قبل كمال الطهارة ثم كمّل
ص: 175
طهارته، ثم أحدث جاز له المسح، و إنما المعتبر أن يطرأ الحدث بعد اللبس على كمال الطهارة(1).
الثاني: أن يكون الملبوس ساترا قويا حلالا، فإن تخرّق، أو كان دون الكعبين، أو لم يكن قويا - و هو الذي يتردد عليه في المنازل، لا كالجورب و اللفافة - أو كان مغصوبا، لم يجز المسح، و في المغصوب عنده وجه بالجواز(2).
و لا يجوز أن يمسح على خف يظهر عليه شيء من القدم، في الجديد، و به قال الحسن بن صالح(3).
و قال في القديم: يمكن المسح عليه إذا أمكن متابعة المشي عليه، و به قال أبو إسحاق، و أبو ثور، و داود(4).
و قال مالك، و الليث: إن كثر الخرق و تفاحش لم يجز(5).
و قال أبو حنيفة: إن تخرّق أكثر من ثلاثة أصابع لم يجز، و إن كان أقل جاز(6).2.
ص: 176
و لو كان الخرق فوق الكعبين لم يضر عند الجماعة.
و عند الشافعي يجوز المسح على الجوربين بشرطين: أن يكون صفيقا و أن يكون له نعل. و ليس تجليد قدميه [1] شرطا إلاّ أن يكون الجورب رقيقا، فيقوم تجليده مقام صفاقته و قوته، و به قال أبو حنيفة، و مالك، و الثوري، لأن العادة عدم إمكان متابعة المشي في الجوربين إذا لم ينعّل(1).
و قال أحمد: يجوز المسح على الجورب الصفيق، و إن لم يكن له نعل(2). و رواه الجمهور عن علي عليه السلام، و عمر(3) ، و به قال أبو يوسف، و محمد، و داود(4) لأنّ المغيرة روى أن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله مسح على الجوربين(5).
قال الشافعي: و لو كان الخف من خشب رقيق، يمكن متابعة المشي فيه جاز المسح عليه، و إلاّ فلا(6).
و لو لبس جرموقا فوق خف أو خفا فوق خف، فان كان الأسفل مخرّقا و الأعلى صحيحا، جاز المسح على الأعلى. و إن كان الأعلى مخرّقا أو كانا2.
ص: 177
صحيحين، لم يجز المسح عليه في أحد القولين(1) ، لأنّ الأعلى ليس بدلا عن الأسفل - إذ ليس المبدل في الطهارة بدلا - و لا عن الرجل، و إلاّ لكان إذا نزعه لا يبطل المسح لعدم ظهور الرجل، و هو إحدى الروايتين عن مالك(2).
و في القديم: يجوز، و به قال أبو حنيفة، و الثوري، و أحمد، و الأوزاعي، و إسحاق(3) ، لما روي أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله مسح على الموق(4) ، و هو الجرموق(5).
قال الشافعي: و يجزي في المسح على الخفين أقل اسمه كالرأس، سواء مسح بكل اليد أو بعضها أو بخشبة أو خرقة أو غير ذلك(6).
و قال أبو حنيفة: لا يجزئه إلاّ أن يمسح بأصابعه الثلاث(7) - و قال زفر: إن مسح بإصبع واحدة قدر ثلاث أصابع أجزأه(8) ، و قال أحمد: لا يجزئه إلاّ مسح أكثر القدم - لأن الحسن البصري قال: سنة المسح خطط بالأصابع(9).
قال الشافعي: و لا بد أن يكون محل المسح موازيا لمحل الغسل من1.
ص: 178
الرجل فيجزي غير الأخمصين و العقبين، و فيما يحاذي الأخمصين - و هو أسفل الخف وجهان: عدم جواز الاقتصار عليه، لأن الرخص يجب فيها الاتّباع و لن ينقل الاقتصار على الأسفل، و الجواز لمحاذاته محل الفرض(1).
قال: و يستحب مسح أعلى الخف و أسفله، و به قال عبد اللّه بن عمر، و عمر بن عبد العزيز، و الزهري، و مالك، و ابن المبارك، و إسحاق(2) ، لأن المغيرة روى أن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله مسح أعلى الخف و أسفله(3).
و قال أبو حنيفة، و الثوري، و الأوزاعي، و أحمد، و داود: المسح على ظاهر القدم لا مدخل لأسفله فيه(4) ، لأن عليا عليه السلام قال: «لو كان الدين بالرأي لكان مسح باطن الخف أولى بالمسح من ظاهره»(5).
قال الشافعي: يكره الغسل و التكرار للمسح لما فيه من إفساد الخف(6). قال: و تباح الصلاة للماسح على الخف بوضوء إلى انقضاء مدته، أو نزع الخف. و مدته للمقيم يوم و ليلة، و للمسافر ثلاثة أيام و لياليهن(7) ، و به قال أبو حنيفة، و الثوري، و الأوزاعي، و الحسن بن1.
ص: 179
صالح، و أحمد، و إسحاق(1) ، لأن مسلم بن الحجاج روى في صحيحه عن علي عليه السلام أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله جعل ثلاثة أيام و لياليهن للمسافر، و يوما و ليلة للمقيم(2).
و قال مالك: يمسح المسافر بلا توقيت، و كذا المقيم في إحدى الروايتين، و في الأخرى: لا يمسح(3).
و عن الشافعي رواية أنّه يمسح بلا توقيت، إلاّ أن يجب عليه غسل الجنابة(4).
و قال الليث بن سعد، و ربيعة: يمسح على الخفين إلى أن ينزعهما(5) ، و لم يفرقا بين المسافر و الحاضر، و رواه ابن المنذر عن أبي سلمة بن عبد الرحمن و الشعبي(6).
و قال داود: يمسح المسافر بخمس عشرة صلاة، و المقيم بخمس(7) ، لأن أبي بن عمارة كان قد صلّى مع النبيّ صلّى اللّه عليه و آله إلى القبلتين، و قال له: يا رسول اللّه أمسح على الخفين ؟ قال: (نعم) قلت: يوما؟1.
ص: 180
قال: (و يومين) قلت: و ثلاث ؟ قال: (نعم و ما شئت)(1).
و ابتداء المدة عند الشافعي من حين يحدث اللابس للخفين، فإذا تطهر بغسل أو وضوء، ثم أدخل رجليه الخفين و هما طاهرتان ثم أحدث، فإنه يمسح من وقت ما أحدث يوما و ليلة أو ثلاثة أيام(2) ، لأن في حديث صفوان ابن عسّال: من الحدث الى الحدث(3).
و قال الأوزاعي، و أحمد، و أبو ثور، و داود: ابتداء المدة من حين يمسح على الخفين(4) ، لما رووه أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال: (يمسح المسافر ثلاثة أيام)(5) و هو يقتضي أن يكون ابتداء المدة من حين المسح.
فإذا انقضت المدة، قال الشافعي: لم يجز له أن يصلي بالمسح، و عليه نزع الخفين و غسل الرجلين، لأن الواجب غسل الرجلين قام مقامه1.
ص: 181
مسح الخفّين في المدة، فإذا انقضت لم يجز إلاّ بدليل(1).
و قال الحسن البصري: لا يبطل المسح، و يصلي إلى أن يحدث، فإذا أحدث لم يمسح(2).
و قال داود: يجب نزع الخفّين و لا يصلّي فيهما، فإذا نزع الخفّين صلّى بطهارته إلى أن يحدث، لأن الطهارة قد صحت فلا تبطل إلاّ بالحدث، و انقضاء المدة ليس بحدث(3).
قال الشافعي: لو لبس ثم سافر قبل أن يحدث، ثم أحدث في السفر و مسح، فإنه يمسح مسح مسافر، و إن سافر بعد ما أحدث و قبل أن يمسح و مسح في السفر فإنه يتمّ مسح مسافر أيضا(4) ، و قال المزني: يتم مسح مقيم لأنه قد اجتمع الحضر و السفر في وقت المسح(5).
و لو أحدث في وقت الصلاة و لم يمسح حتى خرج وقتها، ثم سافر، قال أبو إسحاق: يمسح مسح مقيم، لأن خروج وقت الصلاة كالتلبس بها في وجوب إتمامها، فكذا في المسح(6) ، و قال أبو علي بن أبي هريرة: يمسح مسح مسافر، لأنه سافر قبل التلبس بالمسح فكان كما لو سافر في الوقت(7).
و لو أحدث و مسح في الحضر ثم سافر، فإنه يتم مسح مقيم، عند1.
ص: 182
الشافعي، و أحمد، و إسحاق، لأنها عبادة تتغير بالسفر و الحضر، فإذا تلبس بها في الحضر ثم سافر، كان الاعتبار بحكم الحضر، كالصلاة إذا تلبس في الحضر ثم سارت السفينة، فإنه يتم صلاة حاضر(1).
و قال أبو حنيفة، و الثوري: يتم مسح مسافر(2) ، لقوله عليه السلام:
(يمسح المسافر ثلاثة أيام و لياليهن)(3) و هذا مسافر.
و لو ابتدأ المسح في السفر ثم أقام، فإنه يتم مسح مقيم عند الشافعي، و أبي حنيفة، لأنها عبادة تتغير بالحضر و السفر، فإذا اجتمعا غلب حكم الحضر كالصلاة(4).
و قال المزني: إذا مسح يوما و ليلة في السفر ثم أقام مسح ثلث يومين و ليلتين، و هو ثلثا يوم و ليلة، و إن مسح يومين، و ليلتين في السفر ثم أقام مسح ثلث يوم و ليلة(5) لأنه لو مسح في السفر ثم أقام في الحال مسح يوما و ليلة، و ذلك ثلث ما كان له مسحه، كذا هنا إذا مضى بعض المدة ينبغي أن يمسح ثلث ما بقي له.
و إذا نزع الخفّين أو أحدهما، و هو على طهارة، إمّا قبل انقضاء المدة1.
ص: 183
أو بعدها فعليه غسل الرجلين عند الشافعي(1) ، و في استيناف الوضوء قولان، أصحهما عنده: عدم الوجوب، و به قال أبو حنيفة، و مالك، و الثوري، و أبو ثور، و المزني، لأن مسح الخفّين ناب عن غسل الرجلين خاصة فظهور هما يبطل به ما ناب عنهما دون غيرهما(2).
و الثاني: يستأنف، و به قال الأوزاعي، و أحمد، و إسحاق، لأنه لمّا بطل الوضوء في الرجلين بنزع الخفّين يبطل في جميع الطهارة، لأنها لا تتبعض(3).
و قال مالك، و الليث بن سعد: يغسل قدميه مكانه، فإن أخر استأنف الطهارة، لوجوب الموالاة، و هي معتبرة بين المسح و الغسل(4).
و قال الزهري: إذا نزع أحد الخفّين غسل القدم الذي نزع الخف منه و مسح الآخر(5).
و الباقون على أن نزع أحدهما كنزعهما(6).
و لو أخرج رجله إلى ساق الخف فهو كخلعه، و به قال إسحاق،1.
ص: 184
و أحمد، و أصحاب الرأي، و مالك، و الثوري، لأن استقرار الرجل في الخف شرط جواز المسح، فإنه لو أحدث قبل استقراره لم يكن له المسح(1).
و قال الشافعي: لا يبطل المسح ما لم يخرج من الساق(2).
و هذه الفروع كلّها ساقطة عندنا، لأنا نحرّم المسح على الخفين.
ذهب إليه علماؤنا أجمع، و أوجبه أيضا الشافعي، و أحمد، و إسحاق، و أبو ثور، و أبو عبيد(3) لقوله تعالى فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَ أَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ (4) ، جعل المرافق غاية الغسل، و كذا الكعبان جعلهما غاية المسح.
و لأن الفراء قال: الواو تفيد الترتيب(5) ، و لقول النبيّ صلّى اللّه عليه و آله:
(ابدأوا بما بدأ اللّه به و بالميامن)(6) و لأنه توضأ مرة مرة مرتبا ثم قال: (هذا وضوء لا يقبل اللّه الصلاة إلاّ به)(7).
ص: 185
و من طريق الخاصة قول الباقر عليه السلام: «تابع، كما قال اللّه تعالى، ابدأ بالوجه، ثم باليدين، ثم امسح الرأس و الرجلين»(1) و لأنه المخرج عن العهدة بيقين، بخلاف غيره فيتعين.
و قال الأوزاعي، و مالك، و أبو حنيفة، و أصحابه، و المزني، و داود:
لا يجب الترتيب، و نقله الجمهور عن علي عليه السلام، و ابن مسعود، و من التابعين عن سعيد بن المسيب، و الحسن البصري، و عطاء، و الزهري، و النخعي(2) ، و مكحول، لأن الواو تفيد الجمع من غير ترتيب(3) ، و لأنه قول علي عليه السلام(4).
و الآية لا تنافي الترتيب، فيصار إليه للدليل لو سلّمنا أن الواو للجمع المطلق.
و المروي عن علي عليه السلام خلاف ما نقلوه، أما عندنا فظاهر، و أما عندهم فلأنهم رووا أن عليا عليه السلام سئل فقيل: أحدنا يستعجل فيغسل شيئا قبل شيء فقال: «لا، حتى يكون كما أمر اللّه تعالى»(5).
فروع:
أ - يبدأ بوجهه بلا خلاف بين المشترطين، ثم بيديه، ثم يمسح1.
ص: 186
رأسه، ثم رجليه، و اختلفوا في اليدين، فعند علمائنا أجمع - و به قال أحمد(1) - تقديم اليمنى على اليسرى واجب، لقوله صلّى اللّه عليه و آله: (إذا توضأتم فابدأوا بميامنكم)(2) و الأمر للوجوب.
و من طريق الخاصة قول الصادق عليه السلام في الرجل يتوضأ فيبدأ بالشمال قبل اليمين، قال: «يغسل اليمين و يعيد الشمال»(3) و الباقون لم يوجبوه.
ب - لا يجب الترتيب في الرجلين على الأظهر، فيجوز مسحهما دفعة و البدأة باليسار، لكن الأفضل البدأة باليمين لقوله عليه السلام: (إن اللّه يحب التيامن) [1].
ج - لو نكس الوضوء صحّ غسل الوجه، فإن نكس ثانيا صحت اليمنى، فإن نكس ثالثا صحت اليسرى ما دامت النيّة و الموالاة.
د - لو غسل أعضاءه دفعة حصل بالوجه، و كذا لو غسّله أربعة دفعة لعجزه، و للشافعي قول بالجواز لأنه لم يقدّم على الوجه شيئا(4).
ه - لو كان في ماء جار و تعاقبت عليه جريات ثلاث صحت الأعضاء المغسولة، و لو نزل في الماء الواقف ناويا فانغسلت الأعضاء دفعة حصل بالوجه، فإن أخرج أعضاءه مرتبا حصل باليدين أيضا، و لو لم يرتّب حصل1.
ص: 187
بالوجه نزولا، و باليمنى خروجا.
و - لو غسل عضوا قبل الوجه بطل، أما الوجه فإن عزبت النيّة حال غسله بطل أيضا، و إلاّ فلا.
ز - لو أخل بالترتيب ناسيا بطل وضوؤه، و للشافعي وجهان(1) ، و لو كان عامدا أعاد مع الجفاف و إلاّ على ما يحصل معه الترتيب.
و هو القول القديم للشافعي في الوضوء و الغسل معا - و به قال قتادة، و الأوزاعي(2) - و أحمد بن حنبل وافقه في الوضوء خاصة(3) ، لأن الأمر للفور خصوصا مع إيجاب التعقيب بالفاء، و لأنه عليه السلام تابع بين وضوئه و قال: (هذا وضوء لا يقبل اللّه الصلاة إلاّ به)(4).
و رووا أنه عليه السلام رأى رجلا يصلّي و في ظهر قدمه لمعة قدر الدرهم لم يصبه الماء، فأمره النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أن يعيد الوضوء و الصلاة(5) ، و لو لا اشتراط الموالاة لأجزأه غسل اللمعة.
و من طريق الخاصة: سأل معاوية بن عمار الصادق عليه السلام: ربما توضأت و نفد الماء، فدعوت الجارية فأبطأت عليّ بالماء، فيجف وضوئي، قال: «أعد»(6).
ص: 188
و قال مالك، و الليث بن سعد: إن تعمد التفريق بطلت طهارته، و إن كان لعذر جاز في قول مالك ما لم يجف العضو، و العذر انقطاع الماء(1).
و قال الشافعي في الجديد: يجوز التفريق، و به قال سعيد بن المسيب، و النخعي، و الحسن البصري، و عطاء، و طاوس، و الثوري، و أصحاب الرأي، لأنه تعالى لم يوجب الموالاة(2).
أ - اختلف علماؤنا في تفسير الموالاة، فقال المرتضى و الشيخ: إنها المتابعة، فإذا فرغ من عضو انتقل عنه إلى ما بعده وجوبا(3) ، و لهما قول آخر: اعتبار الجفاف، فإذا غسل عضوا جاز أن يؤخر التالي له ما لم يجف(4).
و على كلا القولين، لو أخر حتى يجف السابق استأنف الوضوء، و لو لم يجف لم يستأنف، بل فعل محرّما على الأول خاصة، و الأقوى عندي الأول، لقول الصادق عليه السلام: «أتبع وضوءك بعضه بعضا»(5).
ص: 189
ب - لو أخر لعذر أو لانقطاع ماء جاز على القولين، فإنّ جفّ السابق أعاد عليهما.
ج - هل يشترط في الموالاة عدم جفاف السابق، أو جميع ما تقدم من الأعضاء؟ الأقوى الثاني، لقول الصادق عليه السلام في الرجل ينسى مسح رأسه حتى يدخل في الصلاة، قال: «إن كان في لحيته بلل بقدر ما يمسح رأسه و رجليه فليفعل»(1).
د - لو نذر الوضوء وجبت الموالاة، فإن أخل بها، فالأقرب صحة الوضوء و وجوب الكفارة.
يكثر السواك»(1) و ليس بواجب، و هو من العشرة الحنيفيّة(2).
و كذا المضمضة و الاستنشاق، و قصّ الشارب و الفرق، و الاستنجاء، و الختان، و حلق العانة، و قصّ الأظفار، و نتف الإبطين.
و استحبابه متأكد، قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: (ما زال جبرئيل يوصيني بالسواك حتى خشيت أن أحفي(3) أو أدرد(4).(5) و قال علي عليه السلام:
«إنّ أفواهكم طرق القرآن، فطهّروها بالسواك»(6) و قال الباقر، و الصادق عليهما السلام: «صلاة ركعتين بسواك أفضل من سبعين ركعة بغير سواك»(7).
و قال الصادق عليه السلام: «في السواك اثنتا عشرة خصلة: هو من السنة، و مطهرة للفم، و مجلاة للبصر، و يرضي الرحمن، و يبيّض الأسنان، و يذهب بالحفر(8) و يشد اللثة، و يشهّي الطعام، و يذهب بالبلغم، و يزيد في الحفظ، و يضاعف الحسنات، و تفرح به الملائكة»(9).
و هو مستحب في كل وقت، للمفطر و الصائم، أول النهار و آخره، بالرطب و اليابس، للعموم(10). و به قال أبو حنيفة(11).1.
ص: 191
و قال الشافعي: يكره بعد الزوال مطلقا(1) و قال مالك: إن كان السواك رطبا كره، و إلاّ فلا(2) ، و قال أحمد: يكره في الفرض دون النفل(3).
لأنه عليه السلام كان يحب التيامن في طهوره، و تنعّله و شأنه كله(4) ، و لأن الباقر عليه السلام لمّا وصف وضوء رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ذكره(5).
ذهب إليه أكثر العلماء(6) ، لأنه تعالى عقّب القيام بالغسل، و للأصل، و لأنه عليه السلام قال: (من توضأ فذكر اسم اللّه عليه كان طهورا لجميع بدنه، و من توضأ و لم يذكر اسم اللّه تعالى عليه كان طهورا لأعضاء وضوئه)(7) و معناه الطهارة من الذنوب، فإنّ رفع الحدث لا يتبعض، فدل على أن التسمية موضع الفضيلة.
ص: 192
و من طريق الخاصة قول الصادق عليه السلام: «من ذكر اسم اللّه على وضوئه فكأنما اغتسل»(1) ، و لأن العبادة إن لم يكن في آخرها نطق واجب، لم يكن في أولها كالصوم.
و قال أحمد في إحدى الروايتين: إنّها واجبة، فإن تركها عمدا بطلت طهارته، و سهوا لا تبطل - و به قال إسحاق بن راهويه(2) - لأنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال: (لا صلاة لمن لا وضوء له، و لا وضوء لمن لم يذكر اسم اللّه عليه)(3) و هو محمول على السنة أو الفضيلة، إذ نفي الحقيقة ممتنع.
و صورتها ما قال الصادق عليه السلام: «إذا وضعت يدك في الماء فقل: بسم اللّه و باللّه، اللهم اجعلني من التوابين و اجعلني من المتطهرين، فإذا فرغت فقل: الحمد للّه رب العالمين»(4).
الأول: لو نسي التسمية في الابتداء فعلها في الأثناء، كما لو نسيها في ابتداء الأكل يأتي بها في أثنائه.
الثاني: لو تركها عمدا ففي مشروعية التدارك في الأثناء احتمال.
ه - غسل اليدين قبل إدخالهما الإناء، من حدث النوم و البول مرّة، و من الغائط مرتين، و من الجنابة ثلاثا، و ليس واجبا عند علمائنا أجمع،
ص: 193
و أكثر أهل العلم(1) ، لقوله تعالى إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا (2) و لم يذكر غسلهما، و للأصل، و سأل محمد بن مسلم أحدهما عليهما السلام عن الرجل يبول و لم تمس يده شيئا أ يغمسها في الماء؟ قال: «نعم»(3).
و قال داود: إذا قام من نوم الليل فلا يجوز له غمس يديه في الإناء حتى يغسلهما، و لا يجب غسلهما، لأنه لو صب الماء في يده و توضأ و لم يغسل يديه أجزأه(4).
و قال أحمد في إحدى الروايتين: إذا قام من نوم الليل وجب عليه أن يغسل يديه ثلاثا، فإن غمسهما في الماء قبل أن يغسلهما أراق الماء، و هو محكيّ عن الحسن البصري(5) ، لأن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال: (إذا استيقظ أحدكم من منامه فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلهما ثلاثا، فإنه لا يدري أين باتت يده)(6) و هو محمول على الاستحباب، و أصحاب ابن مسعود أنكروا على أبي هريرة الراوي فقالوا: فما تصنع بالمهراس ؟! [1](7).2.
ص: 194
أ - لا فرق بين نوم الليل و النهار في الاستحباب، لثبوت المقتضي فيهما، و سوّى الحسن بين نوم الليل و النهار في الوجوب(1) ، و قال أحمد:
يجب من نوم الليل دون النهار، لأن المبيت يكون في الليل(2).
ب - الظاهر أن اليد من الكوع [1]، لأنّه المراد في التيمم و في الدية.
ج - غمس بعضها كغمس جميعها، لاتحادهما في المقتضي، و هو إحدى الروايتين عن أحمد، و الأخرى بالجواز في البعض، و به قال الحسن البصري لتناول النهي غمس الجميع(3) ، و غمسها بعد المرة في الغائط كقبلها.
د - لا فرق بين كون اليد مطلقة أو مشدودة، و كون النائم مسرولا أو لا.
ه - هذا الخطاب للمكلّف المسلم، أما الصبيّ و المجنون فلا، لعدم توجه الخطاب إليهما، و أما الكافر فلأن الماء ينجس بمباشرته، و عن أحمد روايتان، إحداهما: أنّ هؤلاء كالبالغ العاقل المسلم، لأنّه لا يدري أين باتت يده(4).
و - الحكم معلّق على مطلق النوم، و قال بعض الحنابلة: على الزائد على نصف الليل [2].
ص: 195
ز - في افتقاره إلى النيّة وجهان، من حيث إنّها عبادة، أو لتوهم النجاسة.
و - المضمضة و الاستنشاق، و ليسا بواجبين في الوضوء و الغسل، ذهب إليه علماؤنا، و به قال الشافعي، و مالك، و الزهري، و ربيعة، و الأوزاعي(1) ، لأنه تعالى عقّب غسل الوجه، و قال صلّى اللّه عليه و آله:
(عشر من الفطرة - و عدّ - المضمضة و الاستنشاق)(2) و الفطرة: السنة.
و من طريق الخاصة، قول الصادق عليه السلام: «ليس عليك مضمضة و لا استنشاق إنّهما من الجوف»(3) و قوله عليه السلام: «المضمضة و الاستنشاق مما سنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله»(4).
و قال أحمد، و إسحاق، و ابن أبي ليلى: هما واجبان فيهما(5) ، لأن عائشة روت قول النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: (إنّهما من الوضوء الذي لا بد منه)(6).1.
ص: 196
قال الدار قطني: إنّه مرسل، من وصله فقد وهم(1) ، و يحمل على الاستحباب.
و قال أبو ثور، و داود: الاستنشاق واجب فيهما، و المضمضة غير واجبة(2) ، لقوله عليه السلام للقيط بن صبرة: (و بالغ في الاستنشاق إلاّ أن تكون صائما)(3) و لا يدل على الوجوب.
و قال أبو حنيفة، و الثوري: هما واجبان في الجنابة دون الوضوء(4) ، لرواية أبي هريرة أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال: (المضمضة و الاستنشاق للجنب ثلاثا فريضة)(5).
و رواية بركة بن محمد الحلبي(6) - و هو كذاب [1]، و الفرض:
التقدير(7) - متروكة الظاهر، لأنه أوجب ثلاثا.».
ص: 197
أ - يستحب الإتيان بكل واحد منهما ثلاثا.
ب - ينبغي أن يتمضمض ثلاث مرات بثلاث أكف، ثم يستنشق كذلك، و لو قصر الماء تمضمض ثلاثا بكف، و استنشق ثلاثا بكف.
ج - ينبغي أن يكون الاستنشاق بعد إكمال المضمضة، و للشافعي قولان، هذا أحدهما، و الثاني: انه يتمضمض ثم يستنشق هكذا ثلاث مرات(1).
د - ينبغي المبالغة فيهما، فيدير ماء المضمضة في جميع فمه ثم يمجّه، و يجذب ماء الاستنشاق إلى خياشيمه، إلاّ الصائم.
ز - تثنية الغسلات، ذهب إليه أكثر علمائنا [1]، لأن أبا هريرة روى أن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله توضأ مرتين مرتين(2) ، و من طريق الخاصة، قول الصادق عليه السلام و قد سئل عن الوضوء: «أنّه مثنى»(3) و ليس المراد الوجوب بالإجماع.
و لقول الصادق عليه السلام: «الغرفة الواحدة تجزي»(4).
ص: 198
و قال الصدوق: لا يؤجر على الثانية(1) ، و به قال مالك(2) ، لأنّه تعالى أمر بالغسل(3).
و أما الثالثة، فعندنا أنها بدعة، و هو اختيار الشيخ و الصدوق(4) لتحريم اعتقاد مشروعية ما ليس بمشروع، و قال المفيد: الثالثة تكلّف(5) ، لأن الأمر بالمطلق لا يمنع الجزئيات.
و قال الشافعي و أحمد و أصحاب الرأي: المستحب ثلاثا ثلاثا(6) ، لأن أبي ابن كعب روى أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله توضأ مرّة مرّة و قال: (هذا وضوء لا يقبل اللّه الصلاة إلاّ به) و توضأ مرتين مرتين و قال: (من توضأ مرتين مرتين آتاه اللّه أجره مرتين) و توضأ ثلاثا ثلاثا و قال: (هذا وضوئي و وضوء الأنبياء قبلي، و وضوء خليل اللّه إبراهيم)(7).
و يحتمل عدم استيعاب الغسل في الأوليين فتجوز الثالثة، بل تجب، أو يكون من خصائصه عليه السلام و خصائص الأنبياء، و لأن ابن عباس روى أنه عليه السلام توضأ مرة(8) ، و أبو هريرة روى أنه عليه السلام توضأ مرتين(9) ، و لو كان وضوءه لما أخلّ به، و لأن مالكا لم يصحّحه مع أنّ الخبر مدني.1.
ص: 199
أ - هذا البحث على تقدير الاستيعاب في الاولى، أما لو تخلّف شيء من غسل محل الفرض فإنه يجب غسله ثانيا، و لو لم يعلم موضعه وجب إعادة غسل العضو ثانيا، و هكذا لو لم يأت في الثانية على الجميع وجبت الثالثة فما زاد.
ب - لو استعمل الثلاثة بطل الوضوء، لأن المسح حينئذ بغير ماء الوضوء.
ج - لو خالف في الأعضاء، فغسل بعضها مرّة و الباقي أزيد جاز.
د - لو اعتقد وجوب المرتين أبدع، و بطل وضوؤه، لأن المسح بغير ماء الوضوء، لعدم مشروعيته على إشكال.
ه - لو شك في العدد احتمل البناء على اليقين، و الأكثر، لئلاّ تحصل ثالثة.
و - لا تكرار في المسح، ذهب إليه علماؤنا أجمع، و به قال أبو حنيفة، و مالك، و الثوري، و أحمد، و أبو ثور، و الحسن، و مجاهد(1) ، لأن عليا عليه السلام وصف وضوء رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: و مسح رأسه مرة واحدة(2) ، و كذا من طريق الخاصة عن الباقر(3) و الصادق(4) عليهما السلام حيث وصفاه.
ص: 200
و قال الشافعي: يستحب أن يكون ثلاثا، و به قال عطاء(1) ، و قال ابن سيرين: يمسح مرتين فريضة، و مرة سنّة(2) ، لأن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله توضأ مرّة مرّة، إلى أن قال: و توضأ ثلاثا و قال: (هذا وضوئي و وضوء الأنبياء قبلي)(3). و قد تقدم جوابه.
فإن كرر معتقدا وجوبه فعل حراما و لم يبطل وضوؤه، و لو لم يعتقد وجوبه فلا بأس.
ح - الدعاء عند كل فعل و عند الفراغ بالمنقول.
ط - الوضوء بمد، و هو قول علمائنا و أكثر أهل العلم(4) ، و الواجب المسمّى لحصول الامتثال، و روى عبد اللّه بن زيد أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله توضأ بثلثي مد(5).
و من طريق الخاصة قول علي عليه السلام: «الغسل من الجنابة و الوضوء يجزي فيه ما جرى» [1].4.
ص: 201
و قال محمد: يجب المد، و هو محكي عن أبي حنيفة(1).
و الغسل بصاع، و الواجب أقلّ المسمّى، و الخلاف للدليل، كما تقدم.
و الاستحباب لقول الباقر عليه السلام: «كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يتوضأ بمد و يغتسل بصاع، و المدّ رطل و نصف، و الصاع ستة أرطال»(2) ، يعني بالمدني.
ي - بدأة الرجل في غسل يديه بظاهر ذراعيه في الأولى، و بالباطن في الثانية، و المرأة بالعكس فيهما بإجماع علمائنا، لما رواه الشيخ عن محمد ابن إسماعيل بن بزيع، عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال: «فرض اللّه على النساء في الوضوء أن يبدأن بباطن أذرعهن، و في الرجال بظاهر الذراع»(3) و المراد بالفرض هنا التقدير لا الوجوب.
المنديل(1) ، و له قول آخر: الفرق بين الصيف و الشتاء(2).
ب - تكره الاستعانة بصب الماء عليه - و به قال أحمد(3) - لأنه عليه السلام قال: (لا أستعين أنا على وضوئي بأحد)(4).
و من طريق الخاصّة: إنّ عليا عليه السلام كان لا يدعهم يصبون الماء عليه، و قال: «لا أحب أن أشرك في صلاتي أحدا»(5) ، و هو أحد قولي الشافعي، و الثاني: أنه غير مكروه(6) ، لأنّه روي أنّه عليه السلام قد استعان أحيانا(7).
ج - يحرم التولية، لأنه مأمور بالغسل، فلا يخرج عن العهدة بفعل غيره، و لو اضطر جاز، و به قال داود(8) ، و قال الشافعي: يجوز(9).
د - يجب الاستقصاء في الغسل بحيث لا يبقى من محل الفرض شيء و إنّ قلّ فيبطل.
ه - يستحب تجديد الوضوء لكل صلاة، فرضا كانت أو نفلا،1.
ص: 203
و للشافعي وجهان في النفل، أحدهما: عدم الاستحباب، قال: و لا يستحب التجديد لسجود التلاوة و الشكر، قال: و لو توضأ و لم يصلّ كره له التجديد، و كذا لو توضأ و قرأ كره له التجديد(1) ، و ليس بجيّد، لعموم الاستحباب.0.
ص: 204
ما لم يحدث، سواء كان الوضوء فرضا أو نفلا، و سواء توضأ لفريضة أو نافلة، قبل الوقت و بعده، مع ارتفاع الحدث بلا خلاف، أمّا مع بقاء الحدث كالمستحاضة، فقولان سيأتي بحثهما.
و قال بعض الظاهرية: لا يجوز أن يجمع بين صلوات كثيرة بوضوء واحد(1) ، نعم يستحب التجديد كما تقدم، لقولهم عليهم السلام: «الوضوء على الوضوء نور على نور، و من جدد وضوء لغير حدث جدد اللّه توبته من غير استغفار»(2) و روي «أنّ تجديد الوضوء لصلاة العشاء يمحو لا و اللّه و بلى و اللّه»(3).
لعدم دليل وجوب التجديد، و حمله على المستحاضة قياس لا نقول به، و يجب أن يجعله في كيس و يحتاط لذلك(4).
و قال الشافعي: لا يجمع بين فريضتين بوضوء، و يجوز أن يجمع بين
ص: 205
فريضة و نوافل(1).
و الوجه عندي أنه لا يجوز أن يجمع بين صلاتين بوضوء واحد - و هو قول للشيخ(2) أيضا - لوجود الحدث، فيبقى الأمر بالغسل عند القيام ثانيا فلا يخرج عن العهدة بدونه و التحفظ، لقول الصادق عليه السلام و قد سئل عن تقطير البول قال: «يجعل خريطة إذا صلّى»(3).
أ - المبطون: و هو الذي به البطن، و هو الذرب [1] كصاحب السلس.
ب - لو كان لصاحب السلس، أو البطن حال انقطاع في وقت الفريضة، وجب الصبر إليه، و إزالة النجاسة عن ثوبه و بدنه، و الوضوء بنية رفع الحدث.
ج - لا فرق في الأحداث الثلاثة، أعني البول و الغائط و الريح.
د - لو تلبس المبطون أو صاحب السلس أو الريح بالصلاة ثم فجأه الحدث، فإن كان مستمرا فالوجه عندي الاستمرار لأنها طهارة ضرورية كالمستحاضة، و إن كان يمكنه التحفظ استأنف الطهارة و الصلاة.
و قيل في المبطون: إن كان الحدث مستمرا يتطهر و يبني على صلاته لقول الباقر عليه السلام: «صاحب البطن الغالب يتوضأ ثم يرجع في صلاته فيتم ما بقي»(4) و يحمل على ما بقي من الفرائض لا من الفريضة الواحدة.
ه - يجب أن يوقع الصلاة عقيب الطهارة لئلا يتخلل الحدث.
ص: 206
مسألة 59: الجبائر إن أمكن نزعها نزعت واجبا و غسل ما تحتها إن أمكن أو مسحت، و ان لم يمكن و أمكنه إيصال الماء إلى ما تحتها بأن يكرره عليه، أو يغمسه في الماء وجب، لأن غسل موضع الفرض ممكن، فلا يجزي المسح على الحائل.
و إن لم يمكنه مسح عليها، ذهب إليه علماؤنا أجمع، و لا نعرف فيه مخالفا، لأن عليا عليه السلام قال: «انكسرت إحدى زنديّ، فسألت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عن ذلك، فأمرني أن أمسح على الجبائر»(1) و الزند عظم الذراع.
و من طريق الخاصة قول الصادق عليه السلام: «إن كان يتخوف على نفسه فليمسح على جبائره و ليصلّ»(2) و لأنه في محل الضرورة، فكان أولى بالجواز من التيمم.
أ - إذا كانت الجبائر على جميع أعضاء الغسل و تعذر غسلها، مسح على الجميع مستوعبا بالماء، و مسح رأسه و رجليه ببقية البلل، و لو تضرر بالمسح تيمم.
ب - لو كان عليه دواء يتضرر بإزالته، و يتعذر وصول الماء إلى ما تحته أجزأه المسح عليه، فإن تضرر مسح على خرقة مشدودة عليه، و حكم الخرقة حكم الجبيرة.
ج - لو كان على الجرح خرقة مشدودة، و نجست بالدم، و تعذر نزعها وضع عليها خرقة طاهرة و مسح عليها.
ص: 207
د - المقارب لمحل الكسر مما لا بد من وضع الجبيرة عليه كمحل الكسر، أمّا ما منه بدّ فكالصحيح، فلو وضع على يده و تعذرت الإزالة فالوجه المسح، و الإعادة لما صلّى بذلك الوضوء إن فرّط في الوضع، و إلاّ فلا.
ه - الجبيرة إن استوعبت محل الفرض مسح عليه أجمع، و غسل باقي الأعضاء، و إلاّ مسح على الجبيرة و غسل باقي العضو، و لو تعذر المسح على الجبيرة تيمم، و لا يجب غسل باقي الأعضاء.
و - يجب أن يستوعب الجبيرة بالمسح ليصدق المسح عليها، إذ الجزء مغاير، و لأن محل أصلها يجب مسحه فوجب، و هو أحد قولي الشافعي، و الآخر: يمسح ما يقع عليه الاسم، لأنه مسح على حائل دون العضو، فأجزأ ما يقع عليه الاسم كالمسح على الخفين(1).
و الأصل ممنوع، و الفرق بأنّ محل أصل المقيس عليه لا يجب استيعابه، بخلاف الفرع.
ز - المسح على الجبائر لا يتقدر بمدة، بل يجوز ما دام الضرر بنزعها أو المسح عليها باقيا، و لا فرق بين أن يكون جنبا أو محدثا، و لا بين أن يكون لبس الجبائر على طهارة أو لا، فلا يجب عليه إعادة الصلاة، ذهب إليه علماؤنا أجمع، و به قال أحمد في إحدى الروايتين(2) للعموم.
و قال الشافعي: إن كان لبس الجبيرة محدثا مسح عليها، و وجب عليه الإعادة قولا واحدا، و إن لبسها متطهرا فقولان، لأنه عذر نادر(3) ، و بعض الشافعية قال: في الأول أيضا قولان(4).2.
ص: 208
ح - لا يجب على ماسح الجبيرة التيمم لأصالة البراءة، و لأنه لا يجب عليه بد لأن عن مبدل واحد.
و للشافعي قولان، أحدهما: الوجوب(1) ، لحديث جابر [في] [1] الذي أصابته الشجة أن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال: (إنما كان يكفيه أن يتيمم و يعصب على جرحه خرقة و يمسح عليها و يغسل سائر جسده)(2) و يحمل على جعل الواو بمعنى أو.
ط - لو كانت الجبائر على موضع التيمم، و لم يتمكن من نزعها مسح على الجبيرة و أجزأه، و هو أحد قولي الشافعي، و في الآخر: يمسح بالماء و يتيمم و يمسح بالتراب على الجبائر، قال: و يعيد الصلاة قولا واحدا(3) و عندنا لا إعادة عليه، لأنه فعل المأمور به فخرج عن العهدة لما ثبت من أن الأمر للإجزاء.
ي - لا فرق بين أن يكون ما تحت الجبيرة طاهرا أو نجسا إذا لم يتمكن من غسله.
يا - لو زال الحائل ففي وجوب الاستئناف إشكال، ينشأ من أن الحاضرة يجب أن تصلّى بطهارة يقع فيها الغسل مباشرة مع المكنة، و هي حاصلة هنا، و من أن الحدث ارتفع أولا فلا مانع.
و شك في الآخر، عمل على المتيقن و ألغى الشك، و الأصل فيه ما روي أن النبيّ صلّى اللّه
ص: 209
عليه و آله قال: (إنّ الشيطان ليأتي أحدكم فينفخ بين أليتيه فيقول: أحدثت أحدثت فلا ينصرفن عن صلاته حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا) [1] و من طريق الخاصة نحوه(1) ، و قول الصادق عليه السلام: «و لا ينقض اليقين أبدا بالشك، و لكن ينقضه بيقين آخر مثله»(2).
و لأنه حرج، لعدم انفكاك الإنسان من الشك فيما فعله في الماضي، فإن شك في الحدث لا يلتفت، و إن شك في الطهارة تطهّر، و لا نعرف فيه خلافا إلاّ من مالك فإنه قال: إذا شك في الحدث مع تيقن الطهارة تطهّر، و هو أحد وجهي الشافعية(3).
و قال الحسن البصري: إن كان في الصلاة بنى على اليقين، و إن كان خارجها توضأ، لأنه يدخل في الصلاة مع شك الطهارة فلم يجز، كما لو شك في طهارته و تيقن الحدث(4).
و هو غلط، لأن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله سئل عن الرجل يخيّل إليه في الصلاة فقال: (لا ينفتل حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا)(5) ، و يخالف المقيس عليه، لأن في الأصل بقاء الحدث، و في الفرع بقاء الطهارة.1.
ص: 210
قال أكثر علمائنا: يعيد الطهارة مطلقا لحصول الشك [1]، و هو أحد وجوه الشافعية(1).
و قيل: إن لم يسبق له وقت يعلم حاله فيه أعاد، و إن سبق بنى على ضد تلك الحال، فلو عرف بعد الزوال أنّه تطهّر و أحدث، و علم أنّه قبل الزوال كان متطهرا، فهو الآن محدث، لأن تلك الطهارة بطلت بالحدث الموجود بعد الزوال.
و الطهر الموجود بعده يحتمل تقدمه على الحدث لإمكان التجديد، و تأخره فلا يرفع حكما تحققناه بالشك، و لو لم يكن من عادته التجديد فالظاهر أنّه متطهر بعد الحدث، فتباح له الصلاة.
و ان كان قبله محدثا، فهو الآن متطهر لارتفاعه بالطهر الموجود بعد الزوال، و الحدث الموجود يحتمل سبقه، لإمكان توالي الأحداث، و تأخره فلا تبطل طهارة متحققة بحدث موهوم(2).
و قيل: يراعى الأصل السابق، فإن كان قبل الزوال متطهرا أو محدثا فهو كالسابق، و يحكم بسقوط حكم الحدث و الطهر الموجودين بعده لتساوي الاحتمالين، و للشافعية الوجوه الثلاثة(3).
و الأقرب أن نقول: إن تيقن الطهارة و الحدث متحدين متعاقبين و لم يسبق حاله على علم زمانهما تطهر، و إن سبق استصحب.
فان كان على حاله لم
ص: 211
يفرغ منه أعاد على ما شك فيه و على ما بعده، و لو كان السابق قد جف استأنف من رأس، لأن الأصل عدم الفعل، فلا يدخل في الصلاة بطهارة غير مظنونة.
و لو كان الشك بعد الفراغ و الانصراف لم يلتفت إلى الشك، لقضاء العادة بالانصراف من الفعل بعد استيفائه، و لقول الباقر عليه السلام: «إذا كنت قاعدا على وضوئك فلم تدر أغسلت ذراعك أم لا، فأعد عليها و على جميع ما شككت فيه، و إذا قمت من الوضوء و فرغت منه و صرت في حالة أخرى في الصلاة أو غيرها، و شككت في شيء مما سمّى اللّه عليك وضوءه فلا شيء عليك فيه»(1) و هو نص في الحكمين.
و بعض الشافعية سوّى بين الحكمين، و أوجب الإتيان بالمشكوك فيه و بما بعده لئلا يدخل إلى الصلاة بطهارة مشكوك فيها(2) ، و لا شك بعد الحكم لعدم الالتفات.
تذنيب: لو كان الشك في شيء من أعضاء الغسل، فان كان في المكان أعاد عليه و على ما بعده، و إن كان بعد الانتقال فكذلك، بخلاف الوضوء، لقضاء العادة بالانصراف عن فعل صحيح، و إنما يصح هناك لو كمّل الأفعال، للبطلان مع الإخلال بالموالاة، بخلاف الغسل.
و في المرتمس، و من عادته التوالي، إشكال ينشأ من الالتفات إلى العادة و عدمه.
و التيمم مع اتساع الوقت، إن أوجبنا الموالاة فيه فكالوضوء، و إلاّ فكالغسل.1.
ص: 212
أتى به و بما بعده مطلقا بلا خلاف، و لو جف السابق استأنف، و لقول الصادق عليه السلام: «إذا نسي الرجل أن يغسل يمينه فغسل شماله، و مسح رأسه و رجليه، غسل يمينه و شماله و مسح رأسه و رجليه، و إن كان إنّما نسي شماله فليعد الشمال و لا يعيد على ما كان توضأ»(1) و من أسقط الترتيب أوجب الإتيان بالمنسي خاصّة.
و مع الجفاف يجب الجميع عند من أوجب الموالاة.
و لو كان المتروك مسحا مسح، فإن لم يبق على يده نداوة أخذ من لحيته و حاجبيه و أشفار عينيه، و مسح برأسه و رجليه، لتحريم الاستئناف، فإن لم يبق على شيء من ذلك نداوة استأنف.
أ - لو جدّد ندبا و صلّى ثم ذكر إخلال عضو من إحداهما أعاد الطهارة و الصلاة، على ما اخترناه من اشتراط نية الوجوب أو الندب، أو الاستباحة أو الرفع، أما من اكتفى بالقربة فلا يعيد شيئا لأنه من أي الطهارتين كان سلمت الأخرى.
و لو صلّى بكل منهما صلاة أعاد الجميع عندنا، و عند الشيخ يعيد الأولى خاصة(2) ، لاحتمال أن يكون من طهارتها فتبطل، و تصح الثانية بالثانية، و أن يكون من الثانية فيصح الجميع، فالأولى مشكوك فيها دون الثانية.
و لو جدّد واجبا بنذر و شبهه، فإن اكتفينا بالوجه فكالشيخ، و إلاّ فكالمختار.
ب - لو توضأ و صلّى و أحدث ثم توضأ و صلّى أخرى، ثم ذكر الإخلال
ص: 213
المجهول تطهر و أعادهما مع الاختلاف عددا، و إلاّ العدد ينوي به ما في ذمته على الأقوى، و قيل: الجميع مطلقا(1) ، و كذا لو ذكر أنّه نقض إحدى الطهارتين و جهل تعيينها.
ج - لو صلّى الخمس بخمس طهارات من غير حدث، ثم ذكر الحدث عقيب أحدها، قال الشيخ: يعيد الجميع(2) و هو حق عندنا، أمّا عنده [1] فالأقرب إعادة صبح و مغرب، و أربع ينوي ما في ذمته، و كذا لو تحقق الإخلال المجهول، أمّا لو تطهّر لكل من الخمس عقيب حدث و تيقن الإخلال المجهول أو النقض، قال الشيخ: يعيد الجميع(3) و المعتمد الثلاث.
د - لو توضأ للخمس خمسا عن حدث و تيقن الإخلال المجهول من طهارتين، أعاد أربعا، صبحا و مغربا و أربعا مرتين، فله إطلاق النيّة فيهما و التعيين فيأتي بثالثة و يتخير بين تعيين الظهر أو العصر أو العشاء، فيطلق بين الباقيتين و له الإطلاق الثاني، فيكتفي بالمرتين.
ه - لو كان الترك من طهارتين في يومين، فإن ذكر التفريق صلّى عن كل يوم ثلاث صلوات أربعا و ثلاثا و اثنين.
و إن ذكر جمعهما في يوم و اشتبه صلّى أربعا، و لو جهل الجمع و التفريق صلّى عن كل يوم ثلاث صلوات.
و البحث فيما لو توضأ خمسا لكل صلاة طهارة عن حدث ثم ذكر النقض المجهول بين الطهارة و الصلاة كذلك.6.
ص: 214
و - لو صلّى الخمس بثلاث طهارات عن حدث ثم ذكر الإخلال المجهول فإن جمع بين الرباعيتين بطهارة صلّى أربعا، صبحا و مغربا و أربعا مرتين، و إلاّ اكتفى بالثلاث.
ص: 215
ص: 216
و هو قسمان: واجب و نفل،
غسل الجنابة، و الحيض، و الاستحاضة، و النفاس، و مس الأموات بعد بردهم بالموت و قبل تطهيرهم بالغسل، و غسل الموتى، فهنا فصول
ص: 217
ص: 218
و مطالبه ثلاثة:
إمّا الإنزال: فهو خروج المنيّ، و له ثلاث خواص: أن تكون رائحته كرائحة الكثر [1] ما دام رطبا، و كرائحة بياض البيض إذا جفّ، و أن يندفق بدفعات، و أن يتلذذ بخروجه، و تنكسر الشهوة عقيبه، و أما الثخانة و البياض فلمنيّ الرجل، و يشاركه فيهما الوذي، و الرقة و الصفرة في منيّ المرأة، و يشاركه فيهما المذي لقوله عليه السلام: (الماء من الماء)(1).
و أما الجماع: فحدّه التقاء الختانين، لقوله عليه السلام: (إذا التقى الختانان فقد وجب الغسل)(2).
بشهوة و غيرها، بدفق أو لا يوجب الغسل، الرجل و المرأة في ذلك سواء، ذهب إليه علماؤنا
ص: 219
أجمع، و به قال الشافعي(1) للحديث(2) ، و لأنه منيّ آدمي خرج من محلّه من المخرج المعتاد فيجب الغسل، كالملتذ و النائم.
و قال أبو حنيفة، و مالك، و أحمد: لا يجب الغسل إلاّ إذا خرج الماء على وجه الدفق و الشهوة، لأنّه بدونهما كالمذي(3).
و الفرق ظاهر، فإن المذي لا يوجب الغسل بحال.
شهوة، و به قال الأوزاعي(1).
و قال مالك: لا غسل عليه، سواء خرج بعد البول أو قبله، لأنه قد اغتسل منه فلا يجب عليه أن يغتسل منه مرة أخرى(2) - و عنه في الوضوء روايتان(3) - و هو مذهب أبي يوسف و محمد و إسحاق(4). و هو غلط لما بيّنا من عدم اعتبار الشهوة، و لو تقطّر من بوله قطرة أعاد الوضوء.
و أما إن لم يعلم أنه مني، فإن خرج بعد البول لم يجب الغسل، و وجب الوضوء، لأنّ الظاهر أنّه من بقايا البول، و إن كان قد استبرأ بالبول بعده، أو اجتهد قبل البول، و استبرأ فلا شيء و لا وضوء و لا غسل.
ب - لو شك في أنه أنزل أم لا فلا غسل عليه، و لو شك في أنّ الخارج مني اعتبره بالصفات، و اللذّة، و فتور الجسد، لأنها من الصفات اللازمة في الغالب، فمع الاشتباه يستند إليها لقول الكاظم عليه السلام: «و إن لم يجد شهوة و لا فترة به فلا بأس»(5).
ج - لا يشترط في المريض الدفق، و تكفي الشهوة و فتور الجسد،2.
ص: 221
لقصور قوته لقول الصادق عليه السلام: «لأنّ الرجل إذا كان صحيحا جاء الماء بدفقة قويّة، و إن كان مريضا لم يجئ إلا بعد»(1).
د - لو شك هل أنزل أم لا لم يجب عليه الغسل.
ه - إذا انتقل الماء إلى الذكر و لم يظهر، لم يجب الغسل حتى يظهر - و به قال الشافعي(2) - لقوله عليه السلام لعلي عليه السلام: (إذا فضخت الماء فاغتسل)(3) ، و الفضخ: الظهور(4) ، و لأنّ ما يتعلق به الطهارة يعتبر ظهوره كسائر الأحداث.
و قال أحمد: يجب قبل الظهور لأن المعتبر الشهوة و قد حصلت بانتقاله(5) ، و المقدمتان ممنوعتان، فإنّ كمالها بظهوره.
و - إذا أنزلت المرأة وجب عليها الغسل، لأن أم سليم امرأة أبي طلحة قالت: يا رسول اللّه إن اللّه لا يستحي من الحق، هل على المرأة من غسل إذا هي احتملت ؟ فقال: (نعم إذا رأت الماء)(6).
ز - لو خرج المنيّ من ثقبة في الذكر أو الأنثيين أو الصلب وجب الغسل.
ح - لو استدخلت المرأة منيّ الرجل ثم خرج لم يجب عليها الغسل، لقول الصادق عليه السلام و قد سئل عن المرأة تغتسل من الجنابة ثم ترى نطفة5.
ص: 222
الرجل بعد ذلك هل عليها غسل ؟ قال: «لا»(1).
و لا يجب أيضا الوضوء عند علمائنا، خلافا للشافعي(2).
و كذا لو وطأها فيما دون الفرج فدبّ ماؤه إلى فرجها ثم خرج بعد أن اغتسلت، أو وطأها في الفرج ثم خرج بعد غسلها، و به قال قتادة و الأوزاعي و إسحاق و الشافعي و أحمد(3).
و قال الحسن: تغتسل، لأنّه منيّ خارج فأشبه ماءها(4).
ثم استيقظ و لم ير شيئا لم يجب الغسل إجماعا، لأنّ الصادق عليه السلام سئل عنه فقال: «ليس عليه الغسل»(5).
و لو رأى المنيّ على جسده أو ثوبه وجب الغسل إجماعا لأنه منه، و إن لم يذكر الاحتلام، لأنّ الصادق عليه السلام سئل عن الرجل يرى في ثوبه المني بعد ما يصبح، و لم يكن رأى في منامه أنه قد احتلم، قال: «فليغتسل و ليغسل ثوبه و يعيد صلاته»(6).
أ - لو استيقظ فرأى بللا لا يعلم أنه منيّ، فلا غسل، و إن احتلم بالجماع على إشكال، لأن الطّهارة متيقنة و الحدث مشكوك.
ص: 223
ب - لو رأى في ثوبه المختص منيا وجب عليه الغسل، و إن كان قد نزعه، ما لم يشك في أنّه منيّ آدمي، و يعيد من آخر نومة فيه إلاّ مع ظنّ السبق، و قال الشيخ: من آخر غسل رفع به الحدث(1) ، و الوجه استحبابه من الوقت الذي يتيقن أنه لم يكن منه.
ج - لو كان مشتركا لم يجب على أحدهما الغسل، بل يستحب، و لا يحرم على أحدهما ما يحرم على الجنب، و لأحدهما أن يأتم بصاحبه لأنها جنابة سقط اعتبارها في نظر الشرع، و قيل: تبطل صلاة المؤتم، لأن الجنابة لا تعدوهما [1].
السبب الثاني: الجماع، و يجب به الغسل بالإجماع، بشرط التقاء الختانين إن كان في القبل، بمعنى المحاذاة، إلاّ ما روي عن داود أنّه قال:
لا يجب(2) ، لأن أبا سعيد الخدري روى عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: (من جامع و لم يمن فلا غسل عليه)(3) ، و في بعض الألفاظ: (من أقحط فلم يكمل فلا غسل عليه)(4). و أقحط معناه: لم ينزل الماء، مأخوذ من القحط، و هو انقطاع القطر(5) ، و هو محكي عن أبي، و زيد، و معاذ بن جبل، و أبي سعيد الخدري، ثم رجعوا(6).
و الحديث منسوخ، فإن أبيّ بن كعب قال: إن ذلك رخصة رخّص فيها2.
ص: 224
رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أول الإسلام ثم أمر بالاغتسال بعد(1) ، و قال عليه السلام: (إذا قعد بين شعبها الأربع و ألصق الختان بالختان فقد وجب الغسل)(2) ، أراد شعبتي رجليها و شعبتي شفريها، و الإلصاق: المقاربة.
و من طريق الخاصة قول الباقر عليه السلام قال: «قال علي عليه السلام: أ توجبون الجلد و الرجم، و لا توجبون صاعا من ماء؟! إذا التقى الختانان وجب الغسل»(3).
و قاله السيد المرتضى(4) و جماعة من علمائنا(5) ، و الجمهور(6) ، لقوله تعالى أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ (7) ، و وجوب البدل يستلزم وجوب المبدل، و لأنه فرج و محل الشهوة، و لقول علي عليه السلام: «أ توجبون الجلد و الرجم و لا توجبون صاعا من ماء»(8) و وجود العلة يستلزم المعلول.
و عن أحدهما عليهما السلام: «إذا أدخله فقد وجب الغسل و المهر و الرجم»(9) و ادعى المرتضى الإجماع(10).
ص: 225
و قال الشيخ: لا يجب، ما لم ينزل(1) عملا بالأصل، و لأن المقتضي التقاء الختانين، أو الإنزال، و هما منفيّان.
و الأصل يترك للمعارض، و حصر السبب ممنوع.
أحدهما: الوجوب - و هو قول الشافعي و أحمد(2) - قاله المرتضى(3) ، لقول علي عليه السلام: «أ توجبون عليه الجلد و الرجم و لا توجبون عليه صاعا من ماء؟!»(4) و المعلول تابع، و لأن الدليل قائم في دبر المرأة، فكذا الغلام لعدم الفارق.
و الثاني: العدم إلاّ مع الإنزال، و المعتمد الأول.
أما فرج البهيمة فقال الشيخ: لا نص فيه فلا غسل لعدم الدليل(5) ، و به قال أبو حنيفة(6) ، لأنه غير مقصود فأشبه إيلاج الإصبع.
و قال الشافعي و أحمد: يجب الغسل(7) ، لقوله عليه السلام: (إذا قعد بين شعبها الأربع)(8) و لأنه مكلف أولج الحشفة منه في الفرج، فوجب
ص: 226
الغسل كقبل المرأة.
أ - لا يعتبر في الإيلاج الشهوة و لا الإنزال بالإجماع، فلو أولج في فرج العجوز الشوهاء وجب الغسل.
ب - لا فرق بين الفاعل و المفعول في وجوب الغسل، سواء كان الموطوء ذكرا أو أنثى.
ج - لو أولج في فرج الميت وجب الغسل، و به قال الشافعي و أحمد(1) للعموم.
و قال أبو حنيفة: لا يجب لأنه غير مقصود(2) ، و ينتقض بالعجوزة الشوهاء.
د - لو أولج بعض الحشفة لم يجب شيء حتى يولج جميعها.
ه - كيف حصل الإيلاج وجب الغسل، فلو أدخلت فرجه في فرجها و هو نائم لا يعلم وجب عليهما الغسل، و بالعكس.
و - لو أولج فيما دون القبل و الدبر لم يجب الغسل إلاّ مع الإنزال، كالسرة و شبهها إجماعا.
ز - لو أولج رجل في فرج خنثى مشكل، فإن أولج في دبره وجب الغسل، و إن أولج في قبله، قال بعض علمائنا: لم يجب [1] - و به قال
ص: 227
الشافعي(1) - لجواز أن يكون رجلا و يكون ذلك عضوا زائدا من البدن، و لو قيل بالوجوب كان وجها لقوله عليه السلام: (إذا التقى الختانان فقد وجب الغسل)(2) ، و لوجوب الحدّ به.
فلو أولجت هذه الخنثى في فرج امرأة، قال بعض علمائنا و الشافعي:
وجب الغسل على الخنثى خاصة(3) ، لأنه إن كان رجلا فقد أولج في فرج امرأة، و إن كان امرأة فقد أولج الرجل في فرجها.
و لو أولج الخنثى في فرج امرأة فلا شيء على الخنثى لاحتمال أن يكون زائدا، و يحتمل الوجوب للعموم [1].
و قال الشافعي: يجب على المرأة الوضوء لخروج خارج من فرجها(4) ، و يحتمل عندي الغسل.
و لو أولج الخنثى في دبر الغلام فالأقرب عندي الغسل عليهما، و قيل: لا شيء على الخنثى لاحتمال أن يكون امرأة [2]، و قال الشافعي: يجب على الغلام الوضوء بخروج شيء من دبره(5).
و لو أولج خنثى في فرج خنثى فعلى ما قيل لا شيء عليهما، لاحتمال أن يكونا رجلين.
ح - و لو أولج الصبي في الصبية تعلق بهما حكم الجنابة على إشكال1.
ص: 228
فيمنعان من المساجد، و قراءة العزائم، و مس كتابة القرآن، و يجب عليهما الغسل بعد البلوغ، و في الاكتفاء بالغسل الأول عنه إشكال، أقربه ذلك.
و لو أولج الصبي في البالغة، أو البالغ في الصبية تعلق الحكم بالبالغ قطعا، و بالصبي على إشكال.
ط - لو أولج مقطوع الحشفة فأقوى الاحتمالات الوجوب لو غيّب قدرها أو جميع الباقي، و بهما قال الشافعي(1) ، و السقوط.
ي - لو لفّ خرقة على ذكره و أولج وجب الغسل للعموم(2) ، و هو أحد وجوه الشافعية، و العدم، و الفرق بين اللينة و الخشنة(3).
يا - لو استدخلت ذكرا مقطوعا فوجهان كالشافعية(4) ، و كذا ذكر الميت و البهم.
و لو استدخلت ماء الرجل فلا غسل و لا وضوء و إن خرج، و عند الشافعية يجب الوضوء لو خرج(5).
و فيه بحثان:
و هي أربعة:
و قد تقدمت و هي شرط، و يستحب إيقاعها عند غسل
ص: 229
الكفين لأنّه أول أفعال الطهارة، و تتضيق عند غسل الرأس، فلو شرع فيه قبل فعلها وجب الاستئناف بعده، و يجب استدامتها حكما دفعا لمشقة الاستحضار دائما.
و لا بدّ من نيّة غسل الجنابة، أو رفع الحدث و إن أطلق، لأنّ الحدث هو المانع من الصلاة، و هو أظهر وجهي الشافعي(1) ، فإن نوى رفع الأصغر متعمدا لم يصح غسله، و هو أظهر وجهي الشافعي(2) ، و كذا إن سها، و للشافعي في رفع الحدث عن أعضاء الوضوء وجهان(3).
و لو نوت الحائض استباحة الوطء صح الغسل، و للشافعي وجهان(4).
بالإجماع و النص(5) ، فالدهن إن تحقق معه الجريان أجزأ و إلاّ فلا، لأنّ عليا عليه السلام كان يقول: «الغسل من الجنابة و الوضوء يجزي منه ما أجزأ مثل الدهن الذي يبلّ الجسد»(6) فشرط الجريان.
كلّه، خفّ أو كثف، لقول النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: (تحت كل شعرة جنابة، فبلّوا الشعر و أنقوا البشرة)(7) و من طريق الخاصة قول الصادق عليه
ص: 230
السلام: «من ترك شعرة من الجنابة متعمدا فهو في النار»(1).
و لو لم يصل إلاّ بالتخليل وجب، و من عليه خاتم ضيّق، أو دملج، أو سير وجب إيصال الماء إلى ما تحته، إما بالتحريك أو النزع، و لو كان يصل الماء استحب تحريكه و التخليل، و يغسل ظاهر أذنيه و باطنهما، و لا يدخل الماء فيما بطن من صماخه، و لا يجب غسل باطن الفم و الأنف، و لا غيرهما.
يبدأ برأسه، ثم جانبه الأيمن، ثم الأيسر، ذهب إليه علماؤنا أجمع، إلا المرتمس و شبهه لأنّ عائشة قالت: كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يخلّل شعره، فإذا ظن أنه أروى بشرته أفاض عليه الماء ثلاث مرات، ثم غسل سائر جسده(2) ، و عن ميمونة، و ساقت الحديث.. حتى أفاض عليه السلام على رأسه ثم غسل جسده(3). فيجب اتّباعه.
و من طريق الخاصة قول الصادق عليه السلام و قد سأله زرارة كيف يغتسل الجنب ؟ إلى أن قال: «ثم صب على رأسه ثلاث أكف، ثم صب على منكبه الأيمن مرتين، و على منكبه الأيسر مرتين»(4) و تقديم الرأس يوجب تقديم الأيمن لعدم الفارق، و لأنّ المأتي به بيانا إن كان غير مرتّب وجب، و ليس كذلك بالإجماع فتعين الترتيب، و قال الجمهور: لا يجب(5) بالأصل.
ص: 231
فروع:
الأول: يسقط الترتيب عن المرتمس دفعة واحدة، لقول الصادق عليه السلام: «إذا ارتمس الجنب في الماء ارتماسة واحدة أجزأه ذلك عن غسله»(1).
و قال بعض علمائنا: يرتّب حكما [1].
الثاني: قال المفيد: لا ينبغي أن يرتمس في الراكد، فإنه إن كان قليلا أفسده(2). و ليس بجيّد لما بيّنا من بقاء الطهورية بعد الاستعمال.
الثالث: لو وقف تحت الغيث حتى بلّ جسده طهر مع الجريان و إن لم يرتّب - خلافا لبعض علمائنا [2] - لقول الكاظم عليه السلام و قد سئل أ يجزي الجنب أن يقوم في القطر حتى يغسل رأسه و جسده، و هو يقدر على ما سوى ذلك ؟: «إن كان يغسله اغتساله بالماء أجزأه ذلك»(3) و كذا البحث في الميزاب و شبهه.
و هي:
فإن تعذر مسح من المقعدة إلى أصل القضيب ثلاثا، و منه إلى رأسه ثلاثا، و ينتره ثلاثا، و عصر رأس
ص: 232
الحشفة، و ليس واجبا عند أكثر علمائنا [1]، للأصل، و لقوله تعالى:
فَاطَّهَّرُوا (1) عقّب به القيام، و أذن في الدخول بعد الاغتسال، و قال الشيخ بالوجوب(2).
فروع:
أ - لا استبراء بالجماع من غير إنزال، و لا على المرأة لاختلاف المخرجين.
ب - لو أخل بالاستبراء، فإن لم يجد بللا صح غسله و لا شيء، و إن وجد بللا فإن علمه منيّا، أو اشتبه وجب إعادة الغسل دون الصلاة السابقة على الوجدان، و إن علمه غير منيّ فلا شيء.
ج - لو استبرأ بالبول و لم يستبرئ منه ثم وجد البلل، فإن علمه منيّا أعاد الغسل خاصة، و إن اشتبه فالوضوء، و كذا إن اشتبه بالبول.
و لو استبرأ منهما ثم وجد المشتبه، فلا غسل، و لا وضوء لقول الصادق عليه السلام: «إنه من الحبائل»(3).
قبل إدخالهما الإناء.
و قد تقدم.
و ليس واجبا، ذهب إليه علماؤنا
ص: 233
أجمع، و الشافعي و أكثر العلماء(1) ، للأصل، و لقوله عليه السلام لأم سلمة و قد سألته عن غسل الجنابة: (إنما يكفيك أن تحثي على رأسك ثلاث حثيات من ماء ثم تفيضي الماء على سائر جسدك، فإذا أنت قد طهرت)(2).
و قال مالك و المزني: إمرار اليد إلى حيث تنال واجب(3) ، لقوله تعالى حَتَّى تَغْتَسِلُوا (4) و لا يقال: اغتسل إلاّ من ذلك جسده، و لأن التيمم يجب فيه إمرار اليد، فكذا الغسل.
و يبطل بقولهم: غسل الإناء و إن لم يمرّ اليد، و كذا غسل يده، و التراب يتعذر إمراره إلاّ باليد، و لأنّ المسح يتوقف عليه، نعم لو لم يصل الماء إلاّ بالإمرار وجب.
و كذا يجب تخليل الأذنين إن لم يصبهما الماء.
و قال الشافعي: يجب غسل المسترسل(1).
فلو غسل رأسه قبله صحّ، و هل يكفي غسلها عن غسل محلّها؟ إشكال، و للشافعي فيه وجهان(2).
و هي أربع سور:
سجدة لقمان، و حم السجدة، و النجم، و اقرأ باسم ربك، دون ما عداها، و يكره ما زاد على سبع آيات من غيرها، و يتأكد ما زاد على سبعين.
أما تحريم العزائم فإجماع أهل البيت عليهم السلام عليه، و لقول الباقر عليه السلام: «الجنب و الحائض يفتحان المصحف من وراء الثياب و يقرءان من القرآن ما شاء إلا السجدة»(3).
و أما تسويغ غيرها فلقوله تعالى فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنْهُ (4) ، و للأصل، و لقول الصادق عليه السلام، و قد سئل أ تقرأ النفساء و الجنب و الحائض شيئا من القرآن ؟: «يقرءون ما شاءوا»(5).
و الجمهور لم يفرقوا بين العزائم و غيرها، ثم اختلفوا، فقال الشافعي:
ص: 235
الجنب و الحائض لا يجوز لهما قراءة شيء من القرآن(1) ، لأنّ عليا عليه السلام قال: «إن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله لم يكن يحجبه عن قراءة القرآن شيء إلاّ الجنابة»(2) و حكى ابن المنذر عن أبي ثور أنه حكى عن الشافعي جواز أن تقرأ الحائض(3).
و روي كراهة القراءة عن علي عليه السلام، و عمر، و الحسن البصري، و النخعي، و الزهري، و قتادة(4) ، لأنّ عبد اللّه بن رواحة رأته امرأته مع جاريته فذهبت لتأخذ سكينا، فقال: ما رأيتني أ ليس نهى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أن يقرأ أحدنا و هو جنب ؟ فقالت: اقرأ، فقال:
شهدت بأن وعد اللّه حق
فقالت: صدق اللّه و كذب بصري، فجاء إلى النبيّ صلّى اللّه عليه و آله فأخبر فضحك حتى بدت نواجذه(5) ، و هذا يدل على اشتهار النهي بين الرجال و النساء.
و قال عبد اللّه بن عباس: يقرأ ورده و هو جنب(6). و قيل لسعيد بن المسيب: أ يقرأ الجنب ؟ فقال: نعم، أ ليس هو في جوفه، و به قال داود،1.
ص: 236
و ابن المنذر(1) ، لأن عائشة قالت: إنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله لم يكن يترك ذكر اللّه على كل أحيانه(2) ، و لا دلالة فيه.
و قال أبو حنيفة، و أحمد: يقرأ دون الآية، لعدم أجزائها في الصلاة فصارت كالأذكار(3).
و قال مالك: الحائض تقرأ القرآن، و الجنب يقرأ آيات يسيرة، لأن الحائض يطول أيامها و يكثر، فلو منعناها من القرآن نسيت(4).
و قال الأوزاعي: لا يقرأ الجنب إلاّ آية الركوب و النزول و الصعود(5)سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنا هذا (6)رَبِّ أَنْزِلْنِي مُنْزَلاً مُبارَكاً (7).
الأول: لو تيمم لضرورة ففي جواز قراءة العزائم إشكال.
الثاني: أبعاض العزائم كهي في التحريم، حتى البسملة إذا نواها منها.
الثالث: إذا لم يجد ماء و لا ترابا صلّى مع حدثه، و قرأ ما لا بدّ له من
ص: 237
قراءته عند الشافعي(1) للضرورة.
الرابع: لا يمنع من شيء من الأذكار حتى اسمه تعالى.
و عليه إجماع العلماء(2) - إلاّ داود(3) - لقوله تعالى لا يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ (4) و قد تقدم، و يحرم عليه أيضا مس اسمه تعالى في أي شيء كان، لما فيه من التعظيم لشعائر اللّه، و قول الصادق عليه السلام: «لا يمس الجنب درهما و لا دينارا عليه اسم اللّه تعالى»(5).
قال الشيخان: و يحرم أيضا مس أسماء أنبياء اللّه، و الأئمة عليهم السلام تعظيما لهم(6).
السلام: (لا أحل المسجد لحائض و لا جنب)(1).
و من طريق الخاصة قول الصادق عليه السلام عن الجنب يجلس في المسجد، قال: «لا، و لكن يمر فيها كلّها إلاّ المسجد الحرام، و مسجد الرسول صلّى اللّه عليه و آله»(2).
و قال أحمد و إسحاق: إذا توضأ جاز له اللبث فيه، لأن الصحابة إذا كان أحدهم جنبا توضأ و دخل المسجد، و تحدّث(3) ، و يحمل على العبور أو الغسل.
و قال المزني، و داود، و ابن المنذر: يجوز اللبث و إن لم يتوضأ، لأن الكافر يجوز له الدخول و لا يخلو من الجنابة، فالمسلم أولى(4). و نمنع الأصل.
و قال جابر: كان أحدنا يمرّ في المسجد و هو جنب مجتازا(1) ، و الظاهر أنهم لم يفعلوا ذلك في زمانه عليه السلام إلا بإذنه.
و من طريق الخاصة قول الصادق عليه السلام: «لكن يمرّ فيها»(2).
و قال مالك: لا يجوز له العبور بحال - و هو قول أصحاب الرأي(3) - لقوله عليه السلام: (لا أحل المسجد لجنب و لا حائض)(4) و لأن من لا يجوز له اللبث لا يجوز له العبور، كالغاصب، و نحن نقول بالحديث إذ المراد مسجده عليه السلام، و نمنع القياس، لأن التصرف في الأصل ممنوع مطلقا.
الثاني: لا يحل للجنب و لا للحائض الاجتياز في مسجد مكة، و مسجد النبيّ صلّى اللّه عليه و آله بالمدينة، ذهب إليه علماؤنا - و لم يفرق الجمهور(5) - لقوله عليه السلام: (لا أحل المسجد لجنب و لا حائض)(6).
و من طريق الخاصة قول الصادق عليه السلام: «إلا المسجد الحرام، و مسجد الرسول صلّى اللّه عليه و آله»(7).
الثالث: لو أجنب في أحد المسجدين تيمم واجبا و خرج للاغتسال،8.
ص: 240
لتعذره فيه، و تحريم الاجتياز بغير طهارة، و لقول الباقر عليه السلام: «إذا كان الرجل نائما في المسجد الحرام أو مسجد الرسول صلّى اللّه عليه و آله، فاحتلم و أصابه جنابة، فليتيمم و لا يمر في المسجد إلاّ متيمما»(1) و لا بأس أن يمرّ في سائر المساجد، و لا يجلس في شيء من المساجد، و يجب عليه القصد إلى أقرب الأبواب إليه.
الرابع: لو كان في المسجد ماء كثير، فالأقرب عندي جواز الدخول إليه و الاغتسال فيه ما لم يلوّث المسجد بالنجاسة.
الخامس: لا يجوز للجنب وضع شيء في المساجد مطلقا على الأشهر خلافا لسلاّر(2) ، و يجوز له الأخذ منها لقول الصادق عليه السلام و قد سئل عن الجنب و الحائض يتناولان من المسجد المتاع يكون فيه، قال:
«نعم، و لكن لا يضعان في المسجد شيئا»(3).
الثاني: النوم إلاّ أن يتوضأ، ذهب إليه علماؤنا، و به قال علي عليه السلام و عبد اللّه بن عمر و أحمد(1) ، لأنّ ابن عمر سأل النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أ يرقد أحدنا و هو جنب ؟ قال: (نعم إذا توضأ)(2).
و من طريق الخاصة قول الصادق عليه السلام و قد سئل عن الرجل ينبغي له أن ينام و هو جنب: «يكره ذلك حتى يتوضأ»(3).
و قال ابن المسيب و أصحاب الرأي: ينام من غير وضوء(4) ، لأن عائشة قالت: كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يجنب ثم ينام، و لا يمس ماء حتى يقوم بعد ذلك، فيغتسل(5) ، و لأنه حدث يوجب الغسل، فلا يستحب به الوضوء مع بقائه كالحيض.
و تحمل الرواية على الغسل أو الجواز، و حدث الحائض ملازم.
الثالث: الأكل و الشرب ما لم يتمضمض و يستنشق، ذهب إليه علماؤنا لقول الباقر عليه السلام: «الجنب إذا أراد أن يأكل و يشرب غسل يده و تمضمض، و غسل وجهه و أكل و شرب»(6).
و قال أحمد: يغسل فرجه و يتوضأ، و هو مروي عن علي عليه السلام، و عبد اللّه بن عمر(7) لرواية عائشة أن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله كان إذا أراد أن يأكل أو ينام توضأ(8) ، يعني و هو جنب، و به رواية عن الباقر عليه1.
ص: 242
السلام(1).
و عن أحمد رواية أنه يغسل كفيه، و يتمضمض - و به قال إسحاق و أصحاب الرأي(2) - و عليه دلّت الرواية الأولى عن الباقر عليه السلام(3) ، و قال مجاهد: يغسل كفيه، و به قال مالك إن كان أصابهما أذى(4).
الرابع: الخضاب و هو قول أكثر علمائنا [1] - خلافا لابن بابويه(5) - لقول الصادق عليه السلام: «لا يختضب الرجل و هو جنب»(6).
قال المفيد: و لا حرج لو أجنب بعد الخضاب(7) ، و لو قيل بالكراهية كان وجها لأنه علل الكراهة - مع سبق الجنابة - بمنع وصول الماء إلى ظاهر المختضب، و لقول الكاظم عليه السلام و قد سئل أ يختضب الرجل و هو جنب ؟ قال: «لا» قلت: فيجنب و هو مختضب ؟ قال: «لا»(8).
الخامس: الجماع للمحتلم خاصة قبل أن يغتسل، و لا بأس بتكرار الجماع من غير غسل يتخللها، لأنّه عليه السلام كان يطوف على نسائه بغسل واحد(9).
91.
ص: 243
فلو أهمل لمعة فإن كان مرتبا غسلها و غسل الجانب المتأخر عمّا هي فيه ليحصل الترتيب، و لا يجب غسل الجانب الذي هي فيه، و إن كان أسفل منها لإجزاء النكس هنا، بخلاف الوضوء، و إن كان مرتمسا احتمل ذلك لمساواته المرتّب فيساويه في الحكم، و الاكتفاء بغسلها و الإعادة، و إذا جرى الماء تحت قدم الجنب أجزأه، و إلاّ وجب غسله.
و لا تنقض المرأة شعرها مع وصول الماء إلى أصله، لقول الصادق عليه السلام: «لا تنقض المرأة شعرها إذا اغتسلت من الجنابة»(1) و لو لم يصل إلاّ بالحلّ وجب، و به قال الشافعي(2) ، و قال النخعي: يجب نقضه بكل حال(3) ، و قال مالك: لا يجب نقضه بكل حال [1].
و لو كان في رأسها حشو، فإن كان رقيقا كالدهن لا يمنع من وصول الماء اكتفت بالصب، و إلاّ وجب إزالته.
رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لا يتوضأ بعد الغسل من الجنابة(1).
و من طريق الخاصة قول الباقر عليه السلام و قد قال له محمد بن مسلم:
إن أهل الكوفة يروون عن علي عليه السلام أنه كان يأتي بالوضوء قبل الغسل من الجنابة: «كذبوا على علي عليه السلام ما وجدوا ذلك في كتاب علي عليه السلام، قال اللّه تعالى وَ إِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا (2).(3) ، و قول الكاظم عليه السلام: «و لا وضوء عليه»(4).
و لأن العبادتين إذا كانتا من جنس واحد، و إحداهما صغرى و الأخرى كبرى جاز أن يدخل الصغرى في الكبرى، كالحج و العمرة عندهم(5).
الأول: لو توضأ معتقدا أن الغسل لا يجزيه كان مبدعا و صح غسله.
الثاني: قال بعض الشافعية: يجب عليه غسل واحد عنهما، لكن يترتب فيه أعضاء الوضوء، لأن الترتيب واجب في الوضوء(6) ، و هو حق عندنا، لأن الترتيب واجب في الغسل إلاّ مع الارتماس.
الثالث: اختلف علماؤنا في غير غسل الجنابة، فقال المرتضى: إنه كاف عن الوضوء و إن كان الغسل مندوبا(7) ، لقول الباقر عليه السلام:
ص: 245
«الغسل يجزي عن الوضوء، و أيّ وضوء أطهر من الغسل»(1) ، و قول الصادق عليه السلام: «الوضوء بعد الغسل بدعة»(2) و يحمل على غسل الجنابة.
و قال الشيخان: لا يكفي(3) ، و هو الأقوى لعموم فَاغْسِلُوا (4) و لقول الصادق عليه السلام: «كل غسل قبله وضوء إلاّ غسل الجنابة»(5) و قوله عليه السلام: «كل غسل فيه وضوء إلاّ الجنابة»(6) و لأنهما معلولا علّتين اجتمعتا، فيثبتان لعدم التنافي بينهما.
مسألة 74: إذا أحدث حدثا أصغر في أثناء الغسل قال الشيخ، و ابنا بابويه: يعيد الغسل(7)
- و هو الأقوى عندي - لأنّ الأصغر يدخل في الأكبر و قد انتقض ما فعله من الأكبر، فيجب الغسل من رأس.
و قال المرتضى: يتم و يتوضأ(8) ، لأن الأصغر يوجب الوضوء لا الغسل، و لا ينقضه، فيسقط وجوب الإعادة، و لا يسقط حكم الحدث بما بقي من الغسل.
و قال ابن البراج: يتم و لا شيء عليه(9) ، لأنه قبل إكمال الغسل جنب، و الأصغر يدخل تحت الأكبر.
و قال الشافعي: لو غسل الجنب جميع بدنه إلاّ رجليه، ثم أحدث لم
ص: 246
يتعلق حكم الحدث بالرجلين، لوجود حدث الجنابة فيهما و يغسلهما عن الجنابة ثم يتوضأ في أعضاء وضوئه سوى رجليه فهذا وضوء ليس فيه غسل الرجلين، أو يقال وضوء يبدأ فيه بغسل الرجلين.
و لو غسل الجنب أعضاء وضوئه دون بقية بدنه ثم أحدث لزمه أن يتوضأ، لأن حدثه صادف أعضاء الوضوء و قد زال حكم الجنابة فيها، فلزمه الوضوء مرتبا، و إن غسل جميع بدنه إلا أعضاء الوضوء ثم أحدث لم يلزمه الوضوء، لأن حكم الجنابة باق فيها، فلا يؤثر فيه الحدث، و يغسل أعضاء وضوئه للجنابة من غير ترتيب و يجزيه(1).
و لم يصح منه إلاّ بعد الإسلام، لاشتراط النيّة و هي منفية عنه، فلو اغتسل حال كفره لم يصح، و به قال الشافعي و له قول آخر: عدم الإعادة، كالذمية إذا اغتسلت من الحيض لإباحة وطء المسلم(2) ، و الأصل ممنوع مع قيام الفرق، لأن غسلها لحقّ الآدمي دون حقه تعالى، بخلاف الكافر.
الأول: المرتد كالكافر لا يصح غسله إلاّ بعد رجوعه.
الثاني: لو ارتد المسلم بعد غسله لم يبطل، و كذا بعد الوضوء و التيمم.
و للشافعي ثلاثة أوجه في الوضوء و التيمم، أحدها: لا يفسدان، و الثاني:
ص: 247
يفسدان، و به قال أحمد(1) ، و الثالث: يفسد التيمم دون الوضوء(2).
الثالث: لو أسلم و لم يكن مجنبا لم يجب عليه الغسل، بل يستحب - و به قال الشافعي(3) - للأصل، و لأن العدد الكثير أسلم على عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و لم يأمرهم بالغسل، و لأن الإسلام عبادة ليس من شرطها الغسل، فلم يجب كالجمعة.
و قال أحمد، و أبو ثور، و ابن المنذر: يجب(4) ، لأن قيس بن عاصم، و ثمامة بن أثال أسلما فأمرهما النبيّ صلّى اللّه عليه و آله بالاغتسال(5). و يحمل على الاستحباب.
مع عدم النجاسة - و به قال الشافعي(6) - لأن بدنهما طاهر، و روى أبو هريرة قال: لقيني رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و أنا جنب فأخذ بيدي فمشيت معه حتى قعد، ثم انسللت فأتيت الرحل فاغتسلت، ثم جئت و هو قاعد، فقال:
(أين كنت يا أبا هريرة ؟) فقلت له: [يا رسول اللّه لقيتني و أنا جنب، فكرهت أن أجالسك حتى اغتسل] [1] فقال: (سبحان اللّه إن المؤمن ليس
ص: 248
بنجس)(1).
و قال أبو يوسف: إن أدخل يده لم يفسد الماء، و إن أدخل رجله فسد، لأن الجنب نجس، و عفي عن يده للحاجة(2). و هو غلط لما تقدم.
و يكره للجنب أن يغتسل في الماء الراكد و إن كثر - و به قال الشافعي(3) - لقوله عليه السلام: (لا يبولنّ أحدكم في الماء الدائم، و لا يغتسل فيه من الجنابة)(4) ، و يكره في البئر أيضا، و هو قول الشافعي(5) و عند أكثر علمائنا أنها تنجس [1].
قال الشافعي: يستحب إعادة الغسل [1] و ليس بمعتمد.
و مقطوع الأنف و الشفتين يجب عليه غسل ما ظهر بالقطع في الجنابة و الوضوء، لتغير الموضع عما كان، و زوال الحائل فصار ظاهرا كما لو تقشر الجلد، و هو أحد وجهي الشافعي، و الثاني: لا يجب، لأنه باطن بأصل الخلقة(1).
و غير المختون إن كان مرتتقا لم يجب كشف البشرة معا و إلاّ وجب، و يغسل الباطن و الظاهر أيضا، و للشافعي وجهان، أحدهما: الوجوب لأن الجلدة مستحقة الإزالة شرعا، و لهذا لو أزالها إنسان لم يضمن(2).
نعم ينبغي لها الاستظهار في الإيصال إلى أصول الشعر، و لا يجب على البكر إيصال الماء إلى باطن فرجها، و كذا الثيب، و للشافعي في غسل باطنه في الحيض وجهان، و في الجنابة كذلك إن قال بنجاسة رطوبة الفرج(3).
و هل يجب على السيد شراء الماء للوضوء و الغسل ؟ يحتمل ذلك كالفطرة، و العدم كدم التمتع، و المائية لها بدل و هو التيمم، فينتقل إليه كما ينتقل إلى الصوم، و للشافعي كالوجهين، و كذا الوجهان في المرأة(4).
و قيل: لا يلزمه شراء ماء غسل الحيض و النفاس، لأنه من جملة مئونة التمكين الواجب عليها.
ص: 250
و فيه مطالب:
الأول: في ماهيته، و هو لغة السيل، و شرعا الدم الذي له تعلق بانقضاء العدة إما بظهوره، أو بانقطاعه على الخلاف، و هو دم يرجئه الرحم إذا بلغت المرأة، ثم يعتادها في أوقات معلومة، لحكمة تربية الولد، فإذا حملت انصرف ذلك الدم بإذن اللّه تعالى إلى تغذيته، و لهذا قلّ أن تحيض الحامل، فإذا وضعت الولد خلع اللّه تعالى عنه صورة الدم، و كساه صورة اللبن ليغتذي به الطفل، فإذا خلت المرأة من حمل و رضاع بقي ذلك الدم لا مصرف له، فيستقر في مكان ثم يخرج في الغالب في كل شهر ستة أيام، أو سبعة، و قد يزيد و يقلّ على حسب اختلاف الأمزجة.
و هو في الأغلب أسود، أو أحمر غليظ حار، له دفع، قال الصادق عليه السلام: «دم الحيض حار عبيط أسود»(1) و العبيط: الطري، و قال الباقر عليه السلام: «إذا رأت الدم البحراني فلتدع الصلاة»(2) و البحراني: الأحمر الشديد الحمرة و السواد.
فإن اشتبه بدم العذرة أدخلت المرأة قطنة، فإن خرجت مطوقة فهو
ص: 251
لعذرة، و إن خرجت منغمسة فهو حيض، لقول الباقر عليه السلام و الكاظم عليه السلام: «فإن خرجت مطوقة فهو من العذرة، و إن خرجت منتقعة بالدم فهو من الطمث»(1).
و ان اشتبه بدم القرح أدخلت إصبعها، فإن كان خارجا من الأيمن فهو دم قرح، و إن كان من الأيسر فهو حيض، و هو الأشهر، و رواه الشيخ في التهذيب عن الصادق عليه السلام(2) ، و أما ابن يعقوب فإنه روى عن الصادق عليه السلام العكس(3) ، و به قال ابن الجنيد(4).
و هي من لم تكمل تسع سنين، فلو رأت قبلها و إن كان بشيء يسير ما هو بصفة الحيض لم يكن حيضا، و هذا تحديد تحقيق لا تقريب، و للشافعي قولان(5).
و له ثلاثة أقوال في أول وقت إمكانه: أول التاسعة، و بعد ستة أشهر منها، و أول العاشرة(6).
و لا حيض أيضا مع اليأس، و هو بلوغ خمسين سنة في غير القرشية و النبطية، و بلوغ ستين فيهما، لقول الصادق عليه السلام: «إذا بلغت المرأة خمسين سنة لم تر حمرة، إلاّ أن تكون امرأة من قريش»(7) و رويت روايتان مطلقتان: إحداهما بخمسين(8) ، و الأخرى بستين(9) ، و هما محمولتان على
ص: 252
هذا التفصيل، فإذا بلغت المرأة هذا السن كان الدم استحاضة.
و عن أحمد روايتان، إحداهما: خمسون، و الثانية: ستون(1) ، و بالفرق قال أهل المدينة(2).
كما أن الأسود العبيط في أيام الطهر دم فساد، و روي عن الصادق عليه السلام: «أن الصفرة حيض إن كان قبل الحيض بيومين، و إن كان بعده بيومين فليس منه»(3).
و للشافعية كالأول و اختلفوا، فقال بعضهم: الصفرة و الكدرة في أيام الإمكان حيض، و قال آخرون: في أيام العادة، و قال بعضهم: إن تقدمها دم أسود و إن كان بعض يوم(4). و بالأول قال ربيعة، و مالك، و سفيان، و الأوزاعي، و أحمد، و إسحاق، و أبو حنيفة، و محمّد(5) ، لقوله تعالى:
وَ يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً (6) و هو يتناول الصفرة و الكدرة، و لأنه دم في زمان الإمكان لم يجاوزه فكان حيضا كالأسود.
و قال أبو يوسف: الصفرة حيض و الكدرة ليست حيضا إلاّ أن يتقدمها دم أسود(7) ، و قال أبو ثور: إن تقدمهما دم أسود فهما حيض، و اختاره ابن
ص: 253
المنذر(1).
و قال داود: ليس بحيض(2) لأن أم عطية - و كانت بايعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله - قالت: كنا لا نعتد بالصفرة و الكدرة بعد الغسل شيئا(3).
و الشافعي، و الليث، و الزهري، و قتادة، و إسحاق(4) - لأن عائشة قالت: إذا رأت الدم لا تصلي(5) و الظاهر إنه توفيق.
و من طريق الخاصة قول الصادق عليه السلام و قد سئل عن الحبلى ترى الدم أ تترك الصلاة ؟: «نعم، إنّ الحبلى ربما قذفت بالدم»(6) و كذا عن الكاظم عليه السلام(7).
و قال شيخنا المفيد و ابن الجنيد: لا يمكن(8) ، و به قال جمهور التابعين، كسعيد بن المسيب، و عطاء، و الحسن، و جابر بن زيد، و عكرمة، و محمد بن المنكدر، و الشعبي، و مكحول، و حماد، و الثوري، و الأوزاعي، و أبو حنيفة، و ابن المنذر، و أبو عبيد، و أبو ثور، و أحمد(9) لأنّ
ص: 254
النبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال: (لا توطأ حامل حتى تضع، و لا حائل حتى تستبرئ بحيضة)(1). جعل وجود الحيض علما على براءة الرحم، فدل على عدم الاجتماع.
و من طريق الخاصة قول زين العابدين عليه السلام: «قال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: ما جمع اللّه بين حيض و حبل»(2).
و للشيخ قول آخر: إن رأته في زمان عادتها فهو حيض، و إن تأخر بعشرين يوما فليس بحيض(3) ، لقول الصادق عليه السلام: «إذا رأت الحامل بعد ما يمضي عشرون يوما من الوقت الذي كانت ترى الدم فيه من الشهر الذي كانت تقعد فيه، فإن ذلك ليس من الرحم و لا من الطمث فلتتوضأ»(4) الحديث.
قال الشيخ في الخلاف: إجماع الفرقة على أن الحامل المستبين حملها لا تحيض، و إنما الخلاف قبل أن يستبين(5).
بلا خلاف بين فقهاء أهل البيت عليهم السلام - و به قال أبو حنيفة و الثوري(6) - لأن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله
ص: 255
قال: (أقل الحيض ثلاثة أيام)(1).
و من طريق الخاصة قول الصادق عليه السلام: «أقل ما يكون الحيض ثلاثة أيام»(2) و لأن الأصل ثبوت العبادة، فيستصحب، إلاّ مع تعين المسقط.
و قال أبو يوسف: يومان و أكثر الثالث(3). و قال مالك: ليس لأقله حدّ يجوز أن يكون ساعة، لأنه لو كان أقله يوما لكانت المرأة لا تدع الصلاة حتى يمضي يوم كامل(4) ، و قال أحمد، و أبو ثور: أقله يوم و ليلة - و هو أحد قولي الشافعي، و الثاني: يوم، و به قال داود(5) - لدلالة الوجود عليه(6) ، و هو ممنوع.
و قال الشافعي: خمسة عشر يوما، و به قال مالك، و أبو ثور، و داود، و رواه الجمهور عن علي عليه السلام، و عطاء بن أبي رباح، و أحمد في إحدى الروايتين لدلالة الوجود عليه(1) ، و هو ممنوع.
و في رواية عن أحمد: سبعة عشر يوما(2) ، و قال سعيد بن جبير: ثلاثة عشر يوما(3).
الأول: اختلف علماؤنا في الثلاثة، فالأكثر اشترط التوالي فيها(4) ، و قيل: يكفي كونها في جملة العشرة(5) ، و الرواية به مقطوعة(6) ، و بها أفتى في النهاية(7) ، و المعتمد الأول احتياطا للعبادة.
الثاني: ما تراه بين الثلاثة و العشرة مما يمكن أن يكون حيضا حيض، بأي لون كان ما لم يعلم غيره.
الثالث: أقل الطهر بين الحيضتين عشرة أيام، ذهب إليه علماؤنا أجمع لقوله عليه السلام عن النساء: (إنهنّ ناقصات عقل و دين) فقيل: يا رسول اللّه
ص: 257
و ما نقصان دينهنّ؟ فقال: (تلبث إحداهن في قعر بيتها شطر دهرها لا تصوم و لا تصلي) [1] و الشطر: النصف، و قد ثبت أن أكثر الحيض عشرة أيام، فأقل الطهر مثله.
و عن علي عليه السلام: أنّ امرأة طلّقت فزعمت أنها حاضت في شهر ثلاث حيض طهرت عند كل قرء و صلّت، فقال لشريح: «قل فيها» فقال:
إن جاءت ببيّنة من بطانة أهلها، و إلاّ فهي كاذبة، فقال عليه السلام:
«قالون»(1) و هو بالرومية جيّد.
و لقول الباقر عليه السلام: «أقل ما يكون عشرة من حين تطهر إلى أن ترى الدم»(2) و قول الصادق عليه السلام: «لا يكون الطهر أقل من عشرة أيام»(3).
و قال مالك، و الشافعي، و الثوري، و أبو حنيفة: أقل الطهر خمسة عشر يوما(4) لما تقدم(5) في الحديث. و عندهم أكثر الحيض خمسة عشر يوما - إلاّ أبا حنيفة - للوجود(6) ، و هو ممنوع.2.
ص: 258
و قال يحيى بن أكثم: أقل الطهر تسعة عشر يوما(1) [1]، و قال أحمد:
أقله ثلاثة عشر يوما(2). و عن مالك أنه قال: لا أعلم بين الحيضتين وقتا يعتمد عليه(3) ، و عن بعض أصحابه عشرة أيام(4).
الرابع: لا حدّ لأكثر الطهر بالإجماع، و قول أبي الصلاح: أكثره ثلاثة أشهر(5) بناء على غالب العادات.
الخامس: أغلب مقادير الحيض ست أو سبع، و أغلب الطهر باقي الشهر.
ترى المرأة الدم فيهما بالسواء عددا و وقتا فترد في الثالثة إليهما، و لا يكفي المرة الواحدة، و به قال أبو حنيفة و بعض الشافعية و أحمد في رواية(6) ، لأنها مأخوذة من العود، و لا تتحقق بالمرة.
و قال الشافعي: تثبت بالمرة الواحدة، و به رواية عن أحمد(7) ، لأنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال: (لتنظر عدد الأيام و الليالي التي كانت تحيضهن من الشهر قبل أن يصيبها الذي أصابها، فلتدع الصلاة قدر
ص: 259
ذلك)(1) و لم يعتبر التكرار، و هو لنا، إذ لفظة «كان» تدل على الكثرة.
و عن أحمد رواية: أنه لا يكفي المرتان بل الثلاث، إذ العادة إنما تقال لما كثر و أقل الكثير ثلاثة(2) ، و ليس بجيد، لقول الصادق عليه السلام:
«فإن انقطع الدم لوقته من الشهر الأول حتى توالت عليها حيضتان أو ثلاث، فقد علم أن ذلك صار لها وقتا و خلقا معروفا»(3).
أ - لا يشترط في استقرار العادة استقرار عادة الطهر، فلو رأت في شهر خمسة لا غير، ثم في آخر خمسة مرتين استقرت العادة.
و كذا لا يشترط الوقت، فلو رأت خمسة في أول الشهر، ثم في أوسط الثاني، ثم في آخر من آخره استقرت عادتها عددا، فإن اتفق الوقت مع العدد استقر عادة.
ب - العادة إما متفقة كخمسة في كل شهر، أو مختلفة كالمترتبة أدوارا، كثلاثة من الأول، و أربعة من الثاني، و خمسة من الثالث، ثم ثلاثة من الرابع، و أربعة من الخامس، و خمسة من السادس و هكذا، و كلاهما معتبر.
ج - لا يشترط في العادة تعدد الشهر، بل يكفي مرور حيضتين عددا سواء و إن كانتا في شهر واحد.
د - قد تحصل العادة من التمييز، كمبتدأة استحيضت و تميز لها الدم
ص: 260
فتحيضت به ثم مرة ثانية، فإنّ أيّام التمييز تصير عادتها إذا اتفقت.
المطلب الثاني: في أحكامه.
و هي عشرة:
الأول: يحرم عليها ما يفتقر إلى الطهارة كالصلاة فرضا و نفلا، و الطواف كذلك، و مس كتابة القرآن، و يكره لها حمل المصحف، و لمس هامشه، و قد تقدم(1) البحث فيه.
و لو تطهرت لم يرتفع حدثها، نعم يستحب لها الوضوء عند كل صلاة، و الجلوس في مصلاها ذاكرة للّه تعالى، بقدر زمان صلاتها، لقول الصادق عليه السلام: «ينبغي للحائض أن تتوضأ عند وقت كل صلاة، ثم تستقبل القبلة فتذكر اللّه سبحانه بقدر ما كانت تصلي»(2) و لا يرفع هذا الوضوء حدثا، و لا يبيح ما شرطه الطهارة.
و هل يشترط في الفضيلة عدم الناقض غير الحيض إلى الفراغ ؟ إشكال.
الثاني: يحرم عليها قراءة العزائم و أبعاضها حتى البسملة إذا نوت أنها منها دون غيرها، بل يكره لها ما عداها، لأنها عبادة ذات سجود، فاشترطت لها الطهارة من الحدث الأكبر كالصلاة، و قول الباقر عليه السلام و قد سئل الحائض و الجنب يقرءان شيئا؟ قال: «نعم ما شاءا إلاّ السجدة»(3).
و قال الشافعي: تحرم قراءة القرآن مطلقا(4) ، و له قول آخر: أنه مكروه(5) و كره علي عليه السلام لها قراءة القرآن، و به قال الحسن البصري،ز.
ص: 261
و النخعي، و الزهري، و قتادة(1) ، و لم يفرقوا بين العزائم و غيرها، و سوّغ لها القراءة مطلقا سعيد بن المسيب، و داود، و ابن المنذر، و مالك(2) ، و قد تقدم(3).
أ - لا يكره لها شيء من الأذكار، لقول الباقر عليه السلام: «و يذكر ان اللّه على كل حال»(4).
ب - يكره لها قراءة المنسوخ حكمه خاصة دون المنسوخ تلاوته، و كذا يحرم المس.
ج - لو نذرت قراءة العزائم في وقت، فاتفق حيضها فيه لم يجز لها قراءتها، و في وجوب القضاء إشكال، ينشأ من أنها عبادة موقتة، فلا تجب في غيره كقضاء الصلاة، و من استلزام نذر المعين المطلق.
الثالث: الصوم، فلا يصح منها فرضا و لا نفلا، فهو مانع من صحته دون وجوبه، و التحقيق المنع منه، و الفضاء تابع لثبوت سببه دونه.
و في الصلاة تمنع منهما بلا خلاف بين العلماء، لقول النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: (أ ليست إحداكن إذا حاضت لا تصوم و لا تصلي)(5).
ص: 262
و من طريق الخاصة قول الصادق عليه السلام و قد سئل عن امرأة طمثت في شهر رمضان قبل أن تغيب الشمس: «تفطر»(1).
الرابع: الاستيطان في المساجد، ذهب إليه علماؤنا، و لا أعرف فيه مخالفا، لأنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال: (لا أحل المسجد لحائض و لا جنب)(2).
و من طريق الخاصة قول الباقر عليه السلام: «إذا كان الرجل نائما في المسجد الحرام أو مسجد الرسول صلّى اللّه عليه و آله فأصابته جنابة، فليتيمم، و لا يمرّ في المسجد إلاّ متيمما، حتى يخرج منه و يغتسل، و كذلك الحائض تفعل كذلك، و لا بأس أن يمرا في سائر المساجد، و لا يجلسان فيها»(3).
فروع:
أ - يكره الاجتياز في المساجد مع أمن التلويث، و هو أحد وجهي الشافعي و الآخر: التحريم(4) ، الاّ المسجدين فإنه يحرم كما قلنا في الجنابة.
ب - لا بأس لها أن تأخذ شيئا من المساجد، و يحرم عليها الوضع، لأن حدثها أعظم من الجنابة، و سأل زرارة الباقر عليه السلام كيف صارت الحائض تأخذ ما في المسجد و لا تضع فيه ؟ فقال: «إنّ الحائض تستطيع أن تضع ما في يدها في غيره، و لا تستطيع أن تأخذ ما فيه إلاّ منه»(5).3.
ص: 263
ج - لو حاضت في أحد المسجدين ففي افتقارها إلى التيمم في خروجها منه إشكال، و أوجبه ابن الجنيد(1) ، و به رواية مرسلة سلفت [1].
الخامس: الجماع، و قد أجمع علماء الإسلام على تحريمه في قبل الحائض، لقوله تعالى فَاعْتَزِلُوا النِّساءَ فِي الْمَحِيضِ (2) و على إباحة الاستمتاع بما فوق السرة و تحت الركبة، و اختلفوا في مواضع:
أ - الاستمتاع بما بين السرة و الركبة غير القبل، فالمشهور عندنا الإباحة و تركه أفضل، و به قال الثوري، و الأوزاعي، و أحمد، و إسحاق، و أبو ثور، و داود، و محمد بن الحسن، و أبو إسحاق المروزي، و ابن المنذر، و روي أيضا عن النخعي، و الشعبي(3) ، عملا بالأصل، و لقوله عليه السلام:
(اصنعوا كل شيء غير النكاح)(4).
و من طريق الخاصة قول الصادق عليه السلام و قد سئل عمّا لصاحب المرأة الحائض منها: «كل شيء عدا القبل بعينه»(5).
و قال السيد المرتضى بالتحريم(6) ، و به قال الشافعي، و مالك، و أبو حنيفة، و أبو يوسف(7) ، لقول عائشة: إن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله كان يباشر3.
ص: 264
نساءه فوق الإزار و هنّ حيّض(1). و لا دلالة فيه.
ب - المشهور كراهة الوطء قبلا بعد انقطاع الدم قبل الغسل، و به قال أبو حنيفة إن انقطع لأكثر الحيض، و إن انقطع قبله قال: لا يحل حتى تغتسل، أو يمضي عليها وقت صلاة كامل(2) ، لقوله تعالى حَتّى يَطْهُرْنَ (3) بالتخفيف.
و قوله وَ الَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ إِلاّ عَلى أَزْواجِهِمْ (4) مقتضاه إباحة الاستمتاع مطلقا ترك العمل به في زمان الحيض لوجود المانع، فيبقى ما عداه على الجواز.
و سئل الكاظم عليه السلام عن الحائض ترى الطهر أ يقع عليها زوجها قبل أن تغتسل ؟ فقال: «لا بأس و بعد الغسل أحب إليّ»(5).
و قال الصدوق: لا يجوز حتى تغتسل [1]، و به قال الزهري، و ربيعة، و الليث، و مالك، و الثوري، و الشافعي، و أحمد، و إسحاق، و أبو ثور(6) ،2.
ص: 265
لقوله تعالى فَإِذا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللّهُ (1). و لا دلالة فيه إلاّ من حيث المفهوم.
و قال داود: إذا غسلت فرجها حلّ وطؤها، فإن وطأها لم يكن عليه شيء(2).
و قال قتادة و الأوزاعي: عليه نصف دينار(3). و ليس بجيّد لأنّ الكفارة تتعلق بالوطء للحائض.
ج - لو وطأها قبلا جاهلا بالحيض، أو الحكم لم يكن عليه شيء، و كذا إن كان ناسيا، و هو أحد وجهي أحمد، و في الآخر: يجب على الجاهل و الناسي للعموم(4) ، و يبطل بقوله عليه السلام: (عفي لأمتي عن الخطأ و النسيان)(5).
و إن كان عالما بهما فقولان، أكثر علمائنا على وجوب الكفارة(6) ، و به قال الحسن البصري، و عطاء الخراساني، و أحمد، و الشافعي في القديم(7) ، لقول النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: (من أتى امرأة حائضا فليتصدق3.
ص: 266
بدينار، و من أتاها و قد أدبر الدم عنها و لم تغتسل فليتصدق بنصف دينار)(1).
و من طريق الخاصة قول الصادق عليه السلام: «يتصدق إذا كان في أوله بدينار، و في أوسطه بنصف دينار، و في آخره بربع دينار»(2).
و قال الشيخ في النهاية بالاستحباب(3) ، و به قال الشافعي في الجديد، و مالك، و الثوري، و أصحاب الرأي(4) ، لقول النبيّ صلّى اللّه عليه و آله:
(من أتى كاهنا فصدقه بما يقوله، أو أتى امرأة في دبرها، أو حائضا، فقد بريء مما جاء به محمد)(5) ، و لم يذكر الكفارة.
و من طريق الخاصة رواية عيص قال: سألت أبا عبد اللّه الصادق عليه السلام عن رجل واقع امرأته و هي طامث، قال: «لا يلتمس فعل ذلك، قد نهى اللّه عنه» قلت: إن فعل فعليه كفارة ؟ قال: «لا أعلم فيه شيئا يستغفر اللّه»(6) و للأصل، و هو الأقوى عندي.
د - المشهور عندنا في قدر الكفارة ما روي عن الصادق عليه السلام:
«دينار في أوله، و نصفه في أوسطه، و ربعه في آخره»(7).9.
ص: 267
و قال الصدوق: يتصدق على مسكين بقدر شبعه(1) ، و قال الشافعي:
في إقبال الدم دينار، و في إدباره نصفه(2) و قال أحمد: هو مخير بين الدينار و نصفه(3). و قال الحسن البصري، و عطاء الخراساني: يجب فيه كفارة الفطر في رمضان(4).
فروع:
أ - لو غلبته الشهوة بعد الانقطاع قبل الغسل أمرها بغسل فرجها ثم وطأها، لقول الباقر عليه السلام: «إن أصابه شبق فليأمرها بغسل فرجها ثم يمسها إن شاء»(5).
ب - لو وطأ الحائض مستحلا كفر، و محرّما يفسق و يعزّر.
ج - إذا أخبرته بالحيض، فإن كانت ثقة وجب عليه الامتناع لقوله تعالى وَ لا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ ما خَلَقَ اللّهُ فِي أَرْحامِهِنَّ (6) و منع الكتمان يقتضي وجوب القبول منهن.
و إن كان يتهمها بقصد منع حقه، لم يجب الامتناع ما لم يتحقق.
د - لو كرر الوطء، فأقوى الأقوال تعدد الكفارة وجوبا أو استحبابا، على الخلاف إن اختلف الزمان، أو كفّر عن الأول، و إلاّ فلا عملا بالأصل.8.
ص: 268
ه - الأول و الوسط و الأخير بحسب عدد أيام عادتها، فاليوم الأول و ثلث الثاني أول الأربعة، و ثلثا الثاني و ثلثا الثالث الأوسط، و الباقي الأخير.
و - لو لم تجد الماء بعد الانقطاع جاز الوطء قبل الغسل، و لا يشترط التيمم، و قال الشافعي: إذا تيممت حل وطؤها(1). و قال مكحول: لا يجوز وطؤها حتى تغتسل، و لا يكفي التيمم للآية(2). و قال ابن القاسم: لا توطأ بالتيمم، لأنه بالملاقاة ينتقض(3). و قال أبو حنيفة: لا يحل وطؤها حتى تصلّي به، لأنه لا يرفع الحدث فيلحقه الفسخ ما لم تصلّ به فلا يستبيح به الوطء(4).
فلو تيممت ثم أحدثت حدثا، قال الشافعي: لا يحرم وطؤها، لأنه لا يبطل التيمم القائم مقام الغسل، و إنما يوجب التيمم عنه(5).
و إذا صلّت بالتيمم صلاة الفرض ففي تحريم وطئها عنده وجهان:
التحريم بناء على أنّ التيمم إنما يستباح به فريضة واحدة، و إذا صلّت به لم يحلّ لها فعل الفريضة، و لا يلزم الحدث، لأنه مانع من الصلاة، و هنا التيمم لم يبح إلاّ فريضة واحدة.
و عدمه لأن التيمم القائم مقام الغسل باق، و لهذا يجوز لها صلاة النافلة(6). و هذه الأصول عندنا فاسدة.2.
ص: 269
ز - لو وطئ الصبي لم يجب عليه شيء، و قال بعض الحنابلة: يجب للعموم(1) ، و قياسا على الإحرام(2). و هو خطأ لأنّ أحكام التكليف ساقطة عنه.
ح - لا كفارة على المرأة لعدم النص، و قال أحمد: يجب لأنه وطء يوجب الكفارة(3).
السادس: يحرم طلاقها مع الدخول، و حضور الزوج، و انتفاء الحائل و الحبل بإجماع العلماء، فإن طلّق لم يقع عندنا، خلافا للجمهور، و سيأتي.
السابع: يجب عليها الغسل عند الانقطاع لتأدية العبادات المشروطة بالطهارة بإجماع علماء الأمصار، و هو شرط في صحة الصلاة إجماعا، و في الطواف عندنا خلافا لأبي حنيفة(4).
و هل هو شرط في صحة الصوم، بحيث لو أخلّت به ليلا حتى أصبحت بطل صومها؟ الأقرب ذلك لعدم قصوره عن الجنابة.
و لقول الصادق عليه السلام: «إن طهرت بليل من حيضها ثم توانت أن تغتسل في رمضان حتى أصبحت عليها قضاء ذلك اليوم»(5).
و بدن الحائض طاهر عند علمائنا كبدن الجنب، و هو قول أكثر الجمهور(6) ، لقوله عليه السلام: (ليست حيضتك في يدك)(7).1.
ص: 270
و قال أبو يوسف: بدن الحائض و الجنب نجس(1).
الثامن: يجب عليها قضاء الصوم دون الصلاة بالإجماع، و قالت عائشة: كنا نحيض على عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فنؤمر بقضاء الصوم و لا نؤمر بقضاء الصلاة(2).
و من طريق الخاصة قول الباقر عليه السلام في الحائض: «ليس عليها أن تقضي الصلاة و عليها أن تقضي صوم شهر رمضان»(3) و لأن الصلاة متكررة فيلزم الحرج بقضائها دون الصوم.
التاسع: يحرم عليها سجود التلاوة لو سمعت العزائم عند الشيخ(4) - و به قال الشافعي و مالك و أبو حنيفة و أحمد و أكثر الجمهور(5) - لقوله عليه السلام: (لا يقبل اللّه صلاة بغير طهور)(6) فيدخل في عمومه السجود، و لأنه سجود فيشترط فيه الطهارة كسجود السهو.
و سجود الصلاة ليس كسجود التلاوة، سلّمنا، لكن لا يلزم من الوجوب في الصلاة الوجوب في أجزائها، و الفرق بينه و بين سجود السهو كون المأتي جزءا من الصلاة إن سلّمنا الحكم فيه.3.
ص: 271
و قال بعض علمائنا بجوازه [1] و هو المعتمد، لإطلاق الأمر بالسجود، و اشتراط الطهارة ينافيه، و لقول الصادق عليه السلام: «إذا قرئ شيء من العزائم الأربع و سمعتها فاسجد و إن كنت على غير وضوء و إن كنت جنبا و إن كانت المرأة لا تصلي، و سائر القرآن أنت فيه بالخيار إن شئت سجدت و إن شئت لم تسجد»(1).
إذا ثبت هذا فان السجود هنا واجب إذا تلت أو استمعت، إذ جوازه يستلزم وجوبه، أما السامع ففي الإيجاب عليه نظر، أقربه العدم، لأن الصادق عليه السلام سئل عن رجل سمع السجدة قال: «لا يسجد إلاّ أن يكون منصتا لقراءته مستمعا»(2) و مراده إسقاط الوجوب لا استحباب السجود، بل يستحب سواء كان من العزائم أو لا.
و هل يمنع منه الحائض و الجنب ؟ روايتان: المنع اختاره في النهاية(3) ، لأن أبا عبد اللّه عليه السلام سئل عن الحائض تقرأ القرآن و تسجد السجدة، إذا سمعت السجدة ؟ فقال: «تقرأ و لا تسجد»(4) ، و الجواز اختاره في المبسوط(5) لما تقدم في الرواية(6).
و قال عثمان بن عفان في الحائض تسمع السجدة: تومئ برأسها، و به قال سعيد بن المسيب(7) ، و عن الشعبي: يسجد حيث كان وجهه(8).1.
ص: 272
تذنيب: لو سمع السجود و هو على غير طهارة لم يلزمه الوضوء و لا التيمم - و به قال أحمد(1) - لأنا قد بيّنا أن الطهارة ليست شرطا.
و احتج أحمد بأنها تتعلق بسبب فإذا فات لم يسجد، كما لو قرأ سجدة في الصلاة فلم يسجد لم يسجد بعدها.
و قال النخعي: يتيمم و يسجد، و عنه: يتوضأ و يسجد، و به قال الثوري و إسحاق و أصحاب الرأي(2).
قال أحمد: فإذا توضأ لم يسجد لأنه فات سببها(3).
و لا يتيمم لها مع وجود الماء، لأن شرطه فقدان الماء، و إن كان عادما للماء فتيمم فله أن يسجد إذا لم يطل، لأنه لم يفت سببها و لم يفت محلها بخلاف الوضوء.
العاشر: يكره لها الخضاب، ذهب إليه علماؤنا أجمع لقول الصادق عليه السلام: «لا تختضب الحائض و لا الجنب»(4) ، و ليس للتحريم، لأن أبا إبراهيم عليه السلام سئل تختضب المرأة و هي طامث ؟ فقال:
«نعم»(5).
و لا بأس أن تكون مختضبة ثم يجيئها الحيض، بأن تختضب قبل عادتها.
ص: 273
و اتساع الوقت لها و للطهارة وجب عليها القضاء، و إن كان قبل ذلك لم يجب.
و إن طهرت في أثناء الوقت، فإن بقي مقدار الطهارة و أداء ركعة وجب الأداء، فان لم تفعل وجب القضاء، و إن كان أقل لم يجب بل يستحب، و سيأتي البحث في ذلك إن شاء اللّه تعالى.
تبدأ بالرأس ثم بالجانب الأيمن ثم الأيسر، و يكفي الارتماس، نعم لا بدّ فيه من الوضوء، سئل الصادق عليه السلام عن الحائض عليها غسل مثل غسل الجنابة ؟ قال:
«نعم»(1).
و يجب فيه النيّة لأنه عبادة فيفتقر فيه إلى النيّة و استدامة حكمها، و لا تجب الموالاة، بل الترتيب.
و يجب استيعاب الجسد بما يسمّى غسلا، لقول الباقر عليه السلام:
«الحائض ما بلغ بلل الماء من شعرها أجزأه»(2) و يستحب فيه المضمضة و الاستنشاق.
أ - لا تجب نيّة السبب، بل تكفي نية رفع الحدث أو الاستباحة، و لا فرق بين أن تقدّم الوضوء أو تؤخره، خلافا لبعض علمائنا، حيث أوجب نية الاستباحة في المتأخر [1].
ب - لو اجتمع الحيض و الجنابة لم يجز لها الغسل إلاّ بعد انقطاع دم
ص: 274
الحيض، لا للجنابة و لا للحيض فإذا انقطع اغتسلت فإن نوت رفع حدث الجنابة ارتفع الحدثان، و إن نوت رفع حدث الحيض، فإن ضمت الوضوء احتمل رفع حدث الجنابة أيضا، لتسويغ الصلاة عندهما، و عدمه لقصور غسل الحيض عن رفعه، و إن نوت رفع الحدث مطلقا فالأقرب الإجزاء من غير وضوء.
ج - عرق الحائض طاهر إذا لم يلاق النجاسة، و كذا المائعات التي تباشرها، لأن الصادق عليه السلام سئل عن الحائض تناول الرجل الماء؟ فقال: «كان نساء النبيّ صلّى اللّه عليه و آله تسكب عليه الماء و هي حائض»(1). و سئل الصادق عليه السلام عن الحائض تعرق في ثيابها أ تصلي فيها قبل أن تغسلها؟ فقال: «نعم لا بأس به»(2).
بإجماع العلماء فإنّ المعتاد كالمتيقن، و سئل الصادق عليه السلام عن المرأة ترى الصفرة في أيامها، قال: «لا تصلي حتى تنقضي أيامها»(3).
أما المبتدأة و المضطربة ففيهما قولان، قال الشيخ في المبسوط: أول ما ترى المرأة الدم ينبغي أن تترك الصلاة و الصوم، فإن استمر ثلاثة قطعت بأنه حيض، و ان انقطع قبل الثلاثة فليس بحيض، و تقضي ما تركته من صلاة و صيام(4) ، لقول الصادق عليه السلام: «أي ساعة رأت الصائمة الدم تفطر»(5) و به قال الشافعي(6).
ص: 275
و قال المرتضى في المصباح: الجارية التي يبدأ بها الحيض و لا عادة لها لا تترك الصلاة حتى تستمر ثلاثة أيام(1) ، و هو أقوى، احتياطا للعبادة الثابتة في الذمة بيقين، و لم يحصل يقين المسقط، و الحديث نقول بموجبه، فإنه محمول على ذات العادة، إذ المراد بالدم هو دم الحيض، و لا تعلم أنّه حيض إلاّ في العادة، و هو قول آخر للشافعي(2).
- و به قال مالك(3) - لقول الباقر عليه السلام في الحائض: «إذا رأت دما بعد أيامها التي كانت ترى الدم فيها فلتقعد عن الصلاة يوما أو يومين، ثم تمسك قطنة فان صبغ القطنة دم لا ينقطع فلتجمع بين كل صلاتين بغسل، و يصيب منها زوجها إن أحب، و حلّت لها الصلاة»(4) و عن الرضا عليه السلام قال:
«الحائض تستظهر بيوم أو يومين أو ثلاثة»(5).
و قال الشافعي: إذا مضى زمان حيضها فعليها أن تغتسل في الحال(6) ، و لا يجوز لها ان تتوقف زمانا تطلب فيه ظهور حالها و يتحقق طهرها إذ لو كانت تتوقف لتوقفت إلى أن يتم لها مدة أكثر الحيض، كالمبتدأة إذا استمر بها الدم، و لمّا لم يجز لها أن تنتظر تمام المدة ثبت أن الانتظار غير جائز.
و الملازمة ممنوعة لغلبة الظن بزيادة الحيض يوما أو يومين، على أنّا نمنع بطلان اللازم على مذهب المرتضى، و سيأتي.
ص: 276
أ - الاستظهار إنما يكون مع وجود الدم، فإذا انقطع أدخلت المرأة قطنة، فإن خرجت ملوثة بالدم فهي بعد حائض، و إن خرجت نقية فقد طهرت، تغتسل و تصلي من غير استظهار.
ب - إنما يكون الاستظهار لو قلّت العادة عن العشرة، أما إذا كانت العشرة فلا استظهار، إذ لا حيض بعدها.
ج - يشترط في الاستظهار أن لا يزيد عن أكثر الحيض، فلو كانت عادتها تسعة لم تستظهر بيومين، بل بيوم واحد.
د - اختلفت علماؤنا في قدر الاستظهار، قال الشيخ في النهاية: تستظهر بيوم أو يومين، و به قال ابن بابويه و المفيد(1) ، و في الجمل: تصبر حتى تنقى(2).
و قال المرتضى: تستظهر عند استمرار الدم إلى عشرة أيام، فإن استمر عملت ما تعمله المستحاضة(3).
و الأول أقرب، لما تقدم من قول الباقر عليه السلام: «فلتقعد عن الصلاة يوما أو يومين» [1] و قال الرضا عليه السلام: «الحائض تستظهر بيوم أو يومين»(4).
و احتجاج المرتضى بقول الصادق عليه السلام: «ان كان قرؤها دون العشرة انتظرت العشرة»(5) ضعيف السند.
ص: 277
ه - ظاهر كلام الشيخ و المرتضى(1) أنّ الاستظهار على سبيل الوجوب، إذا المقتضي كونها أيام الحيض فتحرم العبادة، و يحتمل الاستحباب، و المقتضي احتمال الحيض، و لقول الصادق عليه السلام:
«المستحاضة إذا مضت أيام أقرائها اغتسلت و احتشت و توضأت و صلّت»(2).
و - إذا انقطع الدم لدون عشرة فعليها الاستبراء بالقطنة - و لا يجب لو انقطع للعشرة لأنها مدة الحيض - فإن خرجت نقية اغتسلت، و إن كانت متلطخة، فإن كانت مبتدأة صبرت حتى تنقى، أو تمضي عشرة أيام.
و ذات العادة تغتسل بعد يوم أو يومين كما تقدم لقول الباقر عليه السلام: «فان خرج الدم لم تطهر، و إن لم يخرج فقد طهرت» [1] فإن استمر إلى العاشر و انقطع قضت ما فعلته من الصيام لتحقق انه صادف أيام الحيض، و إن تجاوز أجزأها ما فعلته لأنه صادف أيام الطهر.
ز - لو رأت الدم ثلاثة أيام ثم انقطع فهو دم حيض لحصول شرائطه، فإن رأت قبل العاشر و انقطع عليه فالجميع حيض، و كذا أيام النقاء المتخللة بين الدمين، إذ لا يكون الطهر أقل من عشرة أيام، و لو تجاوز العشرة فهي مستحاضة و سيأتي حكمها، و لو تأخر بمقدار عشرة أيام ثم جاء الدم كان الأول حيضا منفردا، و الثاني يمكن أن يكون حيضا مستأنفا إن استمر ثلاثة فما زاد إلى العاشر ثم انقطع فهو حيض، و إن قصر عن ثلاثة فليس بحيض.8.
ص: 278
و فيه مطلبان:
لقول الصادق عليه السلام: «إنّ دم الحيض حار عبيط أسود له دفع، و دم الاستحاضة أصفر بارد»(1) و قد يتفق الأصفر حيضا كما لو وجد في أيام الحيض، و كذا قد يوجد دم الاستحاضة أسودا حارا عبيطا إذا كان بعد أيام الحيض، و أكثر أيام النفاس، و بعد اليأس، لما تقدم من أن الصفرة و الكدرة في أيام الحيض حيض و في أيام الطهر طهر.
- و هو أن يظهر على القطنة كرءوس الإبر و لا يغمسها - وجب عليها تغيير القطنة و الوضوء لكل صلاة، ذهب إليه أكثر علمائنا [1]، لقول النبيّ صلّى اللّه عليه و آله في المستحاضة:
(تدع الصلاة أيام أقرائها، ثم تغتسل، و تصوم و تصلي، و تتوضأ عند كل صلاة)(2).
و من طريق الخاصة قول الصادق عليه السلام عن المستحاضة: «و إن
ص: 279
كان الدم لا يثقب الكرسف توضأت، و دخلت المسجد، و صلّت كل صلاة بوضوء»(1) و أما القطنة فلأنها نجسة يمكن الاحتراز منها فوجب.
قال الشيخ: و تغيير الخرقة(2) ، و فيه نظر، إذ لا موجب له لعدم وصول الدم إليها.
و قال ابن أبي عقيل منا: لا يجب في هذه الحالة وضوء و لا غسل(3) ، و به قال مالك(4).
و قال أبو حنيفة: تتوضأ لوقت كل صلاة(5) ، لأن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال: (المستحاضة تتوضأ لوقت كل صلاة)(6) و روايتنا أرجح لأنها مفسّرة لا إجمال فيها.
و قال الشافعي في أحد قوليه: يجب على المستحاضة الغسل لكل صلاة من غير وضوء(7) ، و رواه الجمهور عن علي عليه السلام، و ابن عمر، و ابن عباس و ابن الزبير(8) ، لأن أم حبيبة استحيضت فسألت النبيّ صلّى اللّه4.
ص: 280
عليه و آله فأمرها أن تغتسل لكل صلاة(1) ، و هو محمول على الكثرة، و تحمل الصلاة على الواحدة و ما ماثلها كالظهرين و العشاءين.
و قالت عائشة: تغتسل كل يوم غسلا، و به قال سعيد بن المسيب، و روي عن ابن عمر(2) ، فإن سعيد بن المسيب روى أنها تغتسل من ظهر إلى ظهر(3) قال مالك: إني أحسب أن حديث ابن المسيب إنما هو من طهر إلى طهر و لكن الوهم دخل فيه، يعني أنه بالطاء غير المعجمة فأبدلت بالظاء المعجمة(4).
و قال بعضهم: تجمع بين كل صلاة جمع بغسل و تغتسل للصبح لحديث حمنة(5) ، و سيأتي، و به قال عطاء، و النخعي(6) و هو مذهبنا في القسم الثالث، و هو الدم الكثير، و سيأتي.
لصلاة الغداة خاصة، و الوضوء لكل صلاة، و تغيير القطنة و الخرقة عند كل صلاة، ذهب إليه أكثر علمائنا [1]، لقول الصادق عليه السلام: «فإن لم يجز
ص: 281
الكرسف فعليها الغسل كل يوم مرة و الوضوء لكل صلاة»(1).
و قال ابن أبي عقيل منّا: عليها ثلاثة أغسال(2) ، لقول الصادق عليه السلام: «المستحاضة إذا جازت أيامها و رأت الدم يثقب الكرسف اغتسلت للظهر و العصر، تؤخر هذه و تعجل هذه، و للمغرب و العشاء غسلا، و تغتسل للفجر و تحتشي و تستثفر و لا تحني، و تضم فخذيها في المسجد»(3) و هو محمول على السيلان.
غسل للظهر و العصر تجمع بينهما، و تؤخر الظهر و تقدم العصر، و غسل للمغرب و العشاء كذلك، و غسل لصلاة الغداة، و إن كانت متنفّلة اغتسلت غسل الغداة لها و لصلاة الليل، ذهب إليه علماؤنا أجمع - و به قال عطاء، و النخعي(4) - لما تقدم في حديث الصادق عليه السلام(5) ، و رواه الجمهور في حديث حمنة(6) ، و سيأتي.
و أكثر الجمهور - كالشافعي، و أحمد، و أصحاب الرأي - قالوا: على المستحاضة الوضوء لكل صلاة، و لا يجب الغسل و إن كثر دمها(7) ، لقوله عليه السلام لفاطمة بنت أبي حبيش: (إنما ذلك عرق و ليست بالحيضة،
ص: 282
فإذا أقبلت فدعي الصلاة و إذا أدبرت فاغسلي عنك الدم و صلّي، و توضئي لكل صلاة)(1) ، و هو محمول على القسم الأول.
و قال عكرمة، و ربيعة، و مالك: إنّما عليها الغسل عند انقضاء حيضها، و ليس عليها للاستحاضة وضوء(2) ، لأن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال لفاطمة بنت أبي حبيش: (فاغتسلي و صلّي)(3) و لم يذكر الوضوء لكل صلاة، و هو حوالة على العموم.
أ - يجب على هذه تغيير القطنة و الخرقة عند كلّ صلاة، لإمكان الاحتراز عن النجاسة بذلك فيجب.
ب - قال المفيد: تصلي هذه بوضوئها و غسلها الظهر و العصر معا على الاجتماع، و تفعل مثل ذلك في المغرب و العشاء، و كذا في صلاة الليل و الغداة(4).
ص: 283
و اقتصر الشيخ على الاغتسال، و كذا المرتضى، و ابنا بابويه(1).
و ابن إدريس أوجب الوضوء لكل صلاة(2) و هو حسن، و عبارة علمائنا لا تنافي ذلك، و قول بعضهم: إنّ الباقر عليه السلام قال: «فلتغتسل و لتستوثق من نفسها، و تصلي كل صلاة بوضوء ما لم ينفذ الدم، فإذا نفذ اغتسلت و صلّت»(3) و التفصيل قاطع للشركة [1]، لا حجة فيه، إذ قطع الشركة يحصل بإيجاب الغسل و عدمه.
ج - قال بعض علمائنا: إذا اجتمع الوضوء و الغسل توضأت للاستباحة و اغتسلت لرفع الحدث، تقدم الوضوء أو تأخر، إذ الحدث باق مع التقدم، و مع التأخر يرتفع الحدث بالغسل [2]. و الحق تساويهما في النيّة لاشتراكهما في عليّة رفع الحدث.
لأنه حدث دائم كالسلس، لا يمنع الصوم و الصلاة فتغسل فرجها قبل الوضوء أو التيمم إن كانت تتيمم، و تحشوه بخرقة، أو قطنة، فإن كان الدم قليلا يندفع به فلا بحث، و إلا تلجّمت مع ذلك بأن تشدّ على وسطها خرقة كالتكة و تأخذ خرقة أخرى مشقوقة الرأسين تجعل إحداهما قدامها و الأخرى وراءها و تشدهما بتلك الخرقة.
و هو واجب إلاّ مع التضرر بالشدّ، لقول النبيّ صلّى اللّه عليه و آله لحمنة بنت جحش: (أنعت لك الكرسف فإنه يذهب الدم) قالت: هو أكثر
ص: 284
من ذلك، قال: (فتلجّمي) قالت: هو أكثر من ذلك، قال: (فاتخذي ثوبا)(1).
و قول الصادق عليه السلام: «تحتشي و تستثفر»(2) ، و الاستثفار و التلجّم واحد. و إذا فعلت ذلك في صلاة وجب عليها فعله في الأخرى، و للشافعي وجهان(3).
في منع النجاسة بقدر الإمكان، لقول الصادق عليه السلام: «إذا كان الرجل يقطر منه الدم و البول إذا كان في الصلاة اتخذ كيسا و جعل فيه قطنا ثم علّقه عليه، و أدخل ذكره فيه، ثم صلّى، يجمع بين صلاتي الظهر و العصر بأذان و إقامتين، و يؤخر المغرب و يعجل العشاء، بأذان و إقامتين، و يفعل ذلك في الصبح»(4).
و قال بعض المتأخرين منّا: لا يجب على من به السلس أو الجرح الذي لا يرقأ أن يغير الشداد عند كل صلاة، و إن وجب ذلك في المستحاضة لاختصاص المستحاضة بالنقل، و التعدي قياس [1]. و ليس بجيد، إذ الاحتراز من النجاسة واجب.
عند علمائنا، سواء كانا فرضين أو نفلين، لقوله عليه السلام لحمنة: (توضئي
ص: 285
لكل صلاة)(1) ، و من طريق الخاصة قول الصادق عليه السلام: «و صلّت كل صلاة بوضوء»(2) و لأن الدم ناقض و هو متجدد فتنتقض الطهارة به، و سقط اعتباره بالنسبة إلى الصلاة الواحدة دفعا للمشقة، و خلاصا عن تكليف ما لا يطاق.
و قال الشافعي: تتوضأ لكل صلاة فريضة، و لا تجمع بين فريضتين بطهارة واحدة، و تصلي مع الفريضة النوافل(3) ، لقوله عليه السلام في المستحاضة: (تدع الصلاة أيام أقرائها ثم تغتسل و تصلي، و تتوضأ عند كل صلاة)(4) و هو حجة لنا.
و قال أبو حنيفة، و أحمد: تجمع بين فريضتين في وقت واحد(5) ، و تبطل طهارتها بخروج وقت الصلاة، لأنه عليه السلام قال لفاطمة بنت أبي حبيش: (توضئي لوقت كل صلاة)(6) و لا حجة فيه، إذ وقت كل صلاة ما يفعل فيه.5.
ص: 286
و قال ربيعة، و مالك، و داود: لا وضوء على المستحاضة(1) ، لأنه عليه السلام قال لأم حبيبة بنت جحش: (إن هذه ليست بالحيضة، و لكن هذا عرق، فاغتسلي و صلّي)(2) و لم يأمرها بالوضوء. و يعارضه ما تقدم، و الإهمال للعلم بالحكم.
و قال الأوزاعي، و الليث: تجمع بطهارتها بين الظهر و العصر لأن لها أن تجمع بين نوافل، فجاز أن تجمع بين فرائض كغير المستحاضة(3).
و الحكم في الأصل ممنوع.
أ - صاحب السلس و المبطون يتوضئان لكلّ صلاة، و لا يجمعان بين صلاتين بوضوء واحد، لوجود الحدث.
ب - المبطون إذا تمكن من تحفّظ نفسه في وقت الصلاة وجب إيقاعها فيه، و إن لم يتمكن توضأ و صلّى، فإن فجأه الحدث، قيل: يتطهر و يبني [1]، و الأقوى عدم الالتفات كالسلس.
ج - قال الشيخ في المبسوط: و لو توضأت بعد وقت الصلاة غير
ص: 287
متشاغلة بها ثم صلّت لم تصح، لأن المأخوذ عليها أن تتوضأ عند كل صلاة(1) ، و هو يعطي المقارنة.
و قال أصحاب الشافعي: إن أخرت لشغلها بأسباب الصلاة كالسترة و الخروج إلى المسجد، و انتظار الصلاة جاز، و إن كان لغير ذلك فوجهان:
المنع لأنّه لا حاجة بها إلى ذلك، و الجواز لأنه قد جوّز لها تأخير الصلاة الى آخر الوقت، فهذا تأخير مأذون فيه(2).
د - قال الشيخ في المبسوط: إذا توضأت للفرض جاز أن تصلي معه ما شاءت من النوافل(3) ، و به قال الشافعي(4) ، و فيه نظر، فإن الدم حدث، فيستباح بالوضوء معه ما لا بدّ منه، و هو الصلاة الواحدة، و لقول الصادق:
«توضأت و صلّت كلّ صلاة بوضوء»(5).
ه - لو توضأت قبل دخول الوقت لم يصح، و به قال الشافعي(6) إذ لا ضرورة إليه.
و لو توضأت لفريضة فأخرت الصلاة إلى أن خرج الوقت، قال بعض الشافعية: لا يصح أن تصلي بذلك الوضوء - و هو مذهبنا - و جوّز بعضهم، لأن الطهارة عند الشافعي لا تبطل بخروج الوقت(7).
و - لو توضأت و دخلت في الصلاة و خرج الدم قبل دخولها أو بعده،1.
ص: 288
فإن كان لرخاوة الشدّ وجب إعادة الشد و الطهارة، و إن كان لغلبة الدم و قوته لم تجب إعادة الصلاة، لعدم الاحتراز من ذلك، و به قال الشافعي(1).
ز - لو توضأت و الدم بحاله، ثم انقطع قبل الدخول في الصلاة، قال الشيخ: تستأنف الوضوء(2) - و به قال الشافعي(3) -، لأنّ دمها حدث، و قد زال العذر فظهر حكم الحدث، فإن صلّت و الحال هذه أعادت، لعدم الطهارة، سواء عاد قبل الفراغ أو بعده.
و لو انقطع في أثناء الصلاة، قال في المبسوط و الخلاف: لا يجب الاستيناف، لأنها دخلت دخولا مشروعا(4) ، و هو أحد وجهي الشافعية، و الثاني: الاستئناف بعد الطهارة و غسل ما بها من الدم لأن عليها نجاسة، و قد تجدد منها حدث لم تأت عنه بطهارة، فوجب عليها استئناف الطهارة(5) ، و هو الأصح عندهم.
ح - إذا كان دم الاستحاضة يجري تارة و يمسك أخرى، فإن كان زمن الإمساك يتسع للطهارة و الصلاة وجب إيقاعهما فيه، و انتظرته ما لم يخرج الوقت، و إن ضاق جاز لها أن تتوضأ و تصلّي حال جريانه، فإن توضأت في حال جريانه ثم انقطع ثم دخلت في الصلاة جاز، فان اتصل انقطاعه بطلت صلاتها - و هو قول الشافعية(6) - لأنا بيّنا أن هذا الانقطاع قد أبطل طهارتها قبل الشروع في الصلاة، و لهم وجه آخر.
و لو كان دمها متصلا فتوضأت فقبل أن تدخل في الصلاة انقطع،1.
ص: 289
فدخلت في الصلاة و لم تعد الطهارة، ثم عاودها الدم في الصلاة قبل أن يمضي زمان يتسع للطهارة و الصلاة، فالوجه عندي عدم البطلان، و الشيخ أبطلهما(1) - و هو قول الشافعية(2) -، لأن ذلك الانقطاع أوجب عليها الطهارة، فلم تفعل و إن كان لو علمت بعوده لم تلزمها الإعادة، فقد لزمها بظاهره إعادة الطهارة فإذا لم تفعل و صلّت لم تصح صلاتها.
ط - قال أبو حنيفة: المستحاضة، و من به السلس، و الرعاف الدائم و الجرح الذي لا يرقأ يتوضئون لوقت كلّ صلاة، فيصلّون به ما شاءوا من الفرائض و النوافل، فإن خرج الوقت بطل وضوؤهم، و كان عليهم استئناف الوضوء لصلاة أخرى عند أبي حنيفة، و محمد(3).
و قال زفر: ينتقض بدخول الوقت لا غير(4) ، و قال أبو يوسف: ينتقض بأيهما كان(5).
و فائدة الخلاف تظهر فيما إذا توضأت بعد طلوع الشمس ثم دخل وقت الظهر، فإن الوضوء لا يبطل عند أبي حنيفة، و محمد، و يبطل عند زفر و أبي يوسف.
و لو توضأت قبل طلوع الشمس ثم طلعت فإنها تنتقض، و قياس قول زفر، أنها لا تنتقض، و عندنا أن الطهارة تتعدد بتعدد الصلاة.
و الوضوء
ص: 290
و التغيير للقطنة، أو الخرقة صارت بحكم الطاهر، ذهب إليه علماؤنا أجمع و يجوز لها استباحة كل شيء يستبيحه الطهر كالصلاة، و الطواف و دخول المساجد و حل الوطء.
و لو لم تفعل كان حدثها باقيا و لم يجز أن تستبيح شيئا مما يشترط فيه الطهارة.
أما الصلاة فظاهر، و أما الصوم فإن أخلت بالأغسال مع وجوبها بطل، و وجب عليها الإعادة، و لا كفارة إلاّ مع فعل المفطر، و لو لم يجب الأغسال فأخلت بالوضوء لم يبطل صومها، لعدم اشتراطه بالوضوء.
و أما الوطء فالظاهر من عبارة علمائنا اشتراط الطهارة في إباحته قالوا:
يجوز لزوجها وطؤها إذا فعلت ما تفعله المستحاضة.
و قال المفيد: لا يجوز لزوجها وطؤها إلا بعد فعل ما ذكرناه من نزع الخرق، و غسل الفرج بالماء(1). و الأقرب الكراهة، لقوله تعالى فَإِذا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ (2) يريد من الحيض، و لأن حمنة كانت مستحاضة و كان زوجها يجامعها(3) ، و قال الصادق عليه السلام: «المستحاضة لا بأس أن يأتيها بعلها إلا أيام قرئها»(4).
أما الجمهور فاختلفوا، فقال الشافعي: يجوز وطء المستحاضة، و لم يشترط غسلا و لا وضوءا، و به قال أكثر أهل العلم(5) لحديث حمنة(6).1.
ص: 291
و قال الحكم، و ابن سيرين، و إبراهيم النخعي، و أحمد بن حنبل: لا يحل وطؤها مطلقا إلاّ أن يخاف على نفسه العنت، لأنه أذى فأشبه الحيض(1) ، و هو غلط فإنه لا يتعلق به شيء من أحكام الحيض، بل يشبه دم البواسير.
أ - لو كان الدم كثيرا فاغتسلت أول النهار و صامت ثم انقطع قبل الزوال لم يجب غسل آخر عند الزوال لا للصوم، و لا للصلاة إن كان للبرء، و لو كان لا له وجب، و لو كانت تعلم عوده ليلا، أو قبل الفجر وجبت الأغسال الثلاثة.
ب - لو كان الدم قليلا فأخلت بالوضوء أو فعلته و صامت، ثم كثر في أثناء النهار فإن كان قبل الزوال وجب الغسل عنده للصلاة و الصوم، فإن أخلت به احتمل بطلان الصوم، إذ لم تفعل ما هو شرطه، و الصحة لانعقاده أولا فلا تؤثّر فيه عدم الطهارة كالجنابة المتجددة، و إن كان بعد أن صلّت لم يجب للصلاة إذ قد فعلتها، و في وجوبه للصوم نظر.
ج - لو أخلّت ذات الدم الكثير بالغسل لصلاة العشاءين بطلت الصلاة، و الوجه صحة الصوم لوقوعه قبل تجدد وجوب الغسل.
قد بيّنا أن أكثر الحيض عشرة أيام، فإن زاد الدم على ذلك فقد استحيضت المرأة و امتزج حيضها بطهرها، و لعسر التمييز بينهما وضع
ص: 292
الشارع قوانين لذلك، و مداره على سنن ثلاث وضعها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، فإن جماعة سألوا الصادق عليه السلام عن الحيض فقال: «إن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله سنّ في الحيض ثلاث سنن بيّن فيها كل مشكل لمن سمعها و فهمها، حتى أنه لم يدع لأحد مقالا فيه بالرأي.
أما إحدى السنن: الحائض التي لها أيام معلومة قد أحصتها بلا اختلاط عليها، ثم استحاضت فاستمر بها الدم و هي في ذلك تعرف أيامها و مبلغ عددها، فإن امرأة يقال لها فاطمة بنت أبي حبيش استحاضت فأتت أمّ سلمة فسألت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عن ذلك، فقال: تدع الصلاة قدر أقرائها و قدر حيضها، و قال: إنما هو عرق، فأمرها أن تغتسل و تستثفر بثوب و تصلي، قال الصادق عليه السلام: هذه سنّة التي تعرف أيام أقرائها لم تختلط عليها.
ثم قال: و أما سنّة التي كانت لها أيام متقدّمة، ثمّ اختلط عليها من طول الدم، و زادت و نقصت حتى أغفلت عددها و موضعها من الشهر، فإنّ سنّتها غير ذلك، و ذلك أنّ فاطمة بنت أبي حبيش أتت النبيّ صلّى اللّه عليه و آله فقالت: إني استحيض فلا أطهر، فقال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: ليس ذلك بحيض، إنّما هو عرق فإذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة، و إذا أدبرت فاغسلي عنك الدم و صلّي، فكانت تغتسل في كل صلاة.
و قال الصادق عليه السلام: كان أبي يقول: إنها استحيضت سبع سنين، فلهذا احتاجت الى أن تميز إقبال الدم من إدباره، و تغير لونه من السواد إلى غيره.
ثم قال: و أما السنّة الثالثة فهي التي ليس لها أيام متقدمة، و لم تر الدم قط، و رأت أول ما أدركت و استمرّ بها، فإن سنّة هذه غير سنّة الأولى و الثانية، و ذلك ان امرأة تسمى حمنة بنت جحش أتت رسول اللّه صلّى اللّه
ص: 293
عليه و آله فقالت: إني استحضت حيضة شديدة، فقال: احتشي كرسفا، فقالت: إنه أشد من ذلك إني أثجه ثجا، فقال لها: تلجّمي و تحيّضي في كل شهر في علم اللّه ستة أيام أو سبعة، ثم اغتسلي غسلا، و صومي ثلاثا و عشرين أو أربعا و عشرين، و اغتسلي للفجر غسلا و أخّري الظهر و عجلي العصر، و اغتسلي غسلا و أخّري المغرب و عجلي العشاء، و اغتسلي غسلا»(1).
- فهو حيض إجماعا، فإن تجاوز فلا تخلو المرأة إما أن تكون مبتدأة أو ذات عادة، فهنا بحثان:
فإن كان لها تمييز عملت عليه، و يشترط فيه اختلاف لون الدم، و أنّ ما هو بصفة دم الحيض لا يقصر عن ثلاثة، و لا يزيد على عشرة، و أن يتجاوز المجموع العشرة، ذهب إليه علماؤنا أجمع - و به قال مالك، و الشافعي، و أحمد(2) - لقوله عليه السلام: (إذا أقبلت الحيضة فاتركي الصلاة، فإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم)(3) و في رواية: (فإذا كان دم الحيض فإنه أسود يعرف فأمسكي عن الصلاة، و إذا كان الآخر توضئي إنما هو عرق)(4) و قول الصادق عليه السلام: «إنّ دم الحيض ليس به خفاء، و هو دم حار محتدم له حرقة، و دم الاستحاضة فاسد بارد»(5).
ص: 294
و قال أصحاب الرأي: لا اعتبار بالتمييز(1) ، و اختلفوا، فقال أبو حنيفة: حيضها عشرة أيام من كل شهر، لأنّ الشرع أقام الشهر مقام حيضة و طهر، فيجعل عشرة من ذلك حيضا لوجود الدم في ميقاته(2).
و قال زفر: يؤخذ بالأقل لأنه اليقين(3) ، و قال أبو يوسف: تأخذ في حكم انقطاع الرجعة بالأقل، و في الحلّ للأزواج و الصوم و الصلاة بالأكثر احتياطا(4).
فإن فقدت التمييز، قال علماؤنا ترجع إلى عادة نسائها كالأخت و العمة و بنتيهما، فإن فقدن أو اختلفن، قال الشيخ في الخلاف: ترجع إلى الروايات(5). و قال المرتضى: تترك الصلاة ثلاثة أيام في كل شهر إلى عشرة(6).
و قال الصدوق: فأكثر جلوسها عشرة أيام(7).
و قال الشيخ: ترجع إلى أقرانها من بلدها، فإن فقدن أو اختلفن فإلى الروايات(8) ، و بالرجوع إلى النساء قال عطاء، و الثوري، و الأوزاعي، و أحمد في رواية(9) ، للتناسب القاضي بظن المساواة.1.
ص: 295
و سأله سماعة عن جارية حاضت أول حيضها، فدام دمها ثلاثة أشهر قال: «أقراؤها مثل أقراء نسائها، فإن كنّ مختلفات فأكثر جلوسها عشرة أيام، و أقله ثلاثة أيام»(1) و قال الباقر عليه السلام: «المستحاضة تنظر بعض نسائها فتقتدي بأقرائها، ثم تستظهر على ذلك بيوم»(2).
و للشافعي قولان، أحدهما: تردّ إلى أقل الحيض يوم و ليلة، و تقضي صلاة أربعة عشر يوما، فإنها تترك الصلاة إلى أكثره، و به قال أحمد في إحدى الروايات، و أبو ثور، و زفر، لأنه المتيقن، و ما زاد عليه مشكوك فيه فلا نثبته بالشك(3).
و الثاني: تردّ الى غالب عادة النساء ست أو سبع، و به قال عطاء و الثوري و الأوزاعي، و إسحاق، و أحمد في إحدى الروايات(4) ، لأن حمنة بنت جحش قالت: كنت أستحاض حيضة كثيرة شديدة، فجئت إلى النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أستفتيه فوجدته في بيت أختي زينب، فقلت:
يا رسول اللّه إن لي إليك حاجة، و إنه لحديث ما منه بد، و إني لأستحيي منه، فقال: (ما هو يا بنتاه ؟) قالت: إني امرأة أستحاض حيضة كبيرة شديدة، فما ترى فيها؟ فقال: (أثقب لك الكرسف ؟) فقلت: هو أشدّ من ذلك، فقال: (تلجّمي) فقلت: هو أشدّ من ذلك.
فذكرت الخبر إلى أن قال: (إنها ركضة من ركضات الشيطان، تحيّضي في علم اللّه ستا أو سبعا ثم اغتسلي، حتى إذا رأيت أنك قد طهرت و استيقنت فصلّي أربعة و عشرين ليلة و أيامها، أو ثلاثة و عشرين ليلة و أيامها، و صومي1.
ص: 296
فإنه يجزيك)(1) و ظاهره أنها كانت مبتدأة لأنه لم ينقل أنه سألها عن حالها قبل ذلك، و لو كانت معتادة لوجب ردها إلى عادتها.
و قال مالك: تقعد عادة لداتها(2) ، و تستظهر بثلاثة أيام(3). و قال أبو حنيفة: تحيّض أكثر الحيض(4). و عن مالك: تقعد خمسة عشر يوما - و هو رواية عن أحمد - لأنه يجوز لها ترك الصلاة إلى الأكثر، فلا يلزمها القضاء بالشك(5) ، و قال أبو يوسف: تأخذ في الصوم و الصلاة بالأقل، و في وطء الزوج بالأكثر(6).
فروع:
أ - لا يشترط في التمييز التكرار، فلو رأت في شهر ثلاثة أسود، و في آخر خمسة، و في آخر سبعة، كان ما تراه بصفة الحيض في كل شهر حيضا.
ب - لو رأت الأسود و الأحمر و تجاوز، فالأسود حيض و الأحمر طهر، و لو رأت الأحمر و الأصفر، فالأحمر حيض و الأصفر طهر، سواء كان ما شابه الحيض أوّل أو أوسط أو آخر، و هو أحد قولي الشافعية، و الآخر: اعتبار2.
ص: 297
التقديم(1).
و لو رأت ثلاثا ثم انقطع يوم العاشر، أو ما دونه، كان الدّمان و ما بينهما من النقاء حيضا كالجاري، لقول الصادق عليه السلام: «إذا رأته قبل عشرة فهو من الحيضة الأولى، و إذا رأته بعد عشرة فهو من الحيضة المستقبلة»(2).
ج - لو رأت ثلاثة أسود و ثلاثة أحمر، ثم اصفر، و تجاوز، فالحيض الأسود، و لو رأت ثلاثة أصفر، و تركت الصلاة و الصوم إلى العاشر، فإن رأت بعد ذلك أسود تركت الصلاة أيضا، حتى تأخذ في الأسود عشرا، فإن انقطع فالأسود حيض و ما تقدمه طهر، فإن تجاوز فلا تمييز لها.
د - العادة قد تحصل من التمييز، فلو مرّ بها شهران و رأت فيهما سواء ثم اختلف الدم في باقي الأشهر رجعت إلى عادتها في الشهرين، و لا تنظر إلى اختلاف الدم، لأن الأوّل صار عادة.
ه - قال في المبسوط: لو رأت المبتدأة أولا دم الاستحاضة خمسا، ثم أطبق الأسود إلى بقية الشهر حكم بحيضها من بدأة الأسود إلى تمام عشرة و الباقي استحاضة(3) ، و هو مشكل، فإن شرط التمييز عدم تجاوز العشرة، و الأقرب أنه لا تمييز لها كما تقدم.
ثم قال: لو رأت ثلاثة عشر بصفة الاستحاضة، و الباقي بصفة الحيض، و استمر فثلاثة من أوله حيض، و عشرة طهر، و ما رأته بعد ذلك من1.
ص: 298
الحيضة الثانية(1) ، و فيه إشكال، إذ لا تمييز هنا، إلاّ أن تقصد اعتبار الأقل، لأنّه المتيقن.
قال: و لو رأت ثلاثة دم الحيض، و ثلاثة دم الاستحاضة، ثم رأت بصفة الحيض تمام العشرة، فالكل حيض، و إن تجاوز الأسود إلى تمام ستة عشر كانت العشرة حيضا، و الستة السابقة استحاضة تقضي صلاتها و صومها(2).
و الأقرب أنه لا تمييز لها.
و - إذا لم يكن للمبتدئة تمييز و لا أقارب و لا أقران، تحيضت في كل شهر بستة أو سبعة على المشهور، لقول الصادق عليه السلام: «إنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال لحمنة: تحيّضي في كل شهر في علم اللّه ستة أيام أو سبعة»(3) و قد تقدم خلاف الجمهور.
و في قول لنا: تترك الصلاة و الصوم في الأول أكثر أيام الحيض، و في الثاني أقله، لقول الصادق عليه السلام: «المرأة إذا رأت الدم في أول حيضها و استمر الدم تركت الصلاة عشرة أيام، ثم تصلي عشرين يوما، و إن استمر بها الدم بعد ذلك تركت الصلاة ثلاثة أيام، و صلّت سبعة و عشرين يوما»(4) و هما متقاربتان.
و لنا قولان آخران، أحدهما: أنها تترك الصلاة أقل أيام الحيض.
و الثاني: أكثره، و الأقرب الأول.
ز - هل المراد بقوله عليه السلام: (ستة أيام أو سبعة)(5) التخيير؟ أو العمل بما يؤدي اجتهادها إليه و يتغلب أنه حيضها؟ قيل: بالأول عملا3.
ص: 299
بمقتضى الظاهر [1] و قيل: بالثاني لامتناع التخيير بين الواجب و تركه(1).
ح - للشافعية وجهان في الرجوع إلى النساء، أحدهما: نساء زمانها في الدنيا كلها، و أصحهما: اعتبار عادة نساء عشيرتها و قومها، لأن الحيض يعود إلى الجبلة و الطبع، فتكون هي كعشيرتها، فإن لم يكن لها عشيرة فنساء بلدها، لأنها إليهن أقرب(2) و قد بيّنا مذهبنا.
ط - الأيام التي تجلسها من لا تمييز لها، الأقرب أنها من أول الدم، لقول الصادق عليه السلام: «تترك الصلاة عشرة أيام ثم تصلّي عشرين يوما»(3) مع احتمال التخيير على ضعف.
ي - إذا رددناها إلى الأقل فالثلاثة حيض بيقين، و ما زاد على العشرة طهر بيقين، و ما بينهما هل هو طهر بيقين أو مشكوك فيه يستعمل فيه الاحتياط؟ للشافعي قولان: الأول قياسا على طهر المعتادة، و الثاني كطهر الناسية فحينئذ تحتاط فيتجنبها زوجها، و تصلّي و تصوم و تقضيه(4).
و إن رددناه إلى الست أو السبع، فالأقل حيض بيقين، و الزائد على الأكثر طهر بيقين، و ما زاد على الأقل إلى الست أو السبع هل هو حيض بيقين أو مشكوك فيه ؟ للشافعي قولان: الأول قياسا على زمان عادة المعتادة، و الثاني تستعمل الاحتياط بأن تقضي صلاة تلك الأيام لاحتمال أنها طهر و لم تصلّ، و فيما زاد على الست و السبع إلى العاشر قولان(5) ، و كلا القولين في التقادير عندي محتمل.
يا - شرط الشافعي للتمييز أن لا يزيد القوي على خمسة عشر يوما، و لا6.
ص: 300
ينقص عن يوم و ليلة، و أن لا ينقص الضعيف عن خمسة عشر يوما على الاتصال ليمكن جعله استحاضة، و القوي الذي يليه حيض آخر، فلو رأت يوما و ليلة دما قويّا و أربعة عشر ضعيفا، ثم عاد القوي فقد فقد الشرط الثالث(1).
و بم نعتبر القوة و الضعف ؟ وجهان: اللون، فالأسود قوي بالنسبة إلى الأحمر، و الأحمر قوي بالنسبة إلى الأشقر، و الرائحة و الثخانة، فذو الرائحة الكريهة قوي و الثخين قوي، و لو حصل في دم خصلة و في آخر اثنتان فهو أقوى، و لو كان في واحد خصلة و في آخر أخرى فالمتقدم أقوى(2).
و شرط في قول له رابعا، و هو أن لا يزيد القوي و الضعيف على ثلاثين يوما، فإن زاد سقط حكم التمييز، لأن الثلاثين لا تخلو عن حيض و طهر في الغالب(3).
يب - لو رأت بعد الأسود حمرة، ثم صفرة، فإن انقطع على العشرة فالجميع حيض، و إن تجاوز فالصفرة استحاضة، ثم الأولان إن زادا على العشرة فالحمرة استحاضة، و هو أحد وجهي الشافعي، و الثاني: إلحاقها بالسواد، فتكون فاقدة التمييز(4) ، و إن لم يتجاوزا ففي إلحاق الحمرة بالسواد أو الصفرة احتمال، أقربه الثاني احتياطا للعبادة و للقوة و الأولوية، و أقوى الوجهين للشافعي الأول(5) لأنهما قويان بالنسبة إلى ما بعدهما.
يج - قد بيّنا أن الاعتبار عندنا باللون لا بالتقدم، فلو رأت خمسة حمرة و خمسة سوادا ثم استمرت الحمرة، فالأسود حيض و الطرفان استحاضة، و هو2.
ص: 301
أظهر وجوه الشافعي، و الثاني: الجمع بين الحمرة و السواد، فالعشرة حيض للقوة بالأولوية، و الثالث: سقوط التمييز(1).
و هي قسمان:
الأول: الذاكرة لعادتها عددا و وقتا.
فإذا تجاوزت العادة، فإن لم يتجاوز الأكثر فالجميع حيض، سواء تقدمت العادة أو توسطت أو تأخرت إجماعا، و إن تجاوز العشرة و لا تمييز لها رجعت إلى عادتها عند علمائنا أجمع - و به قال الشافعي و أبو حنيفة و أحمد(2) - لقوله عليه السلام: (دعي الصلاة قدر الأيام التي كنت تحيضهن ثم اغتسلي و صلي)(3).
و قول الصادق عليه السلام: «المستحاضة تنظر أيامها أولا، فلا تصلي فيها»(4) و قال الباقر عليه السلام: «المستحاضة تقعد أيام قرئها ثم تحتاط بيوم أو يومين»(5).
و قال مالك: تستظهر بعد أيامها بثلاثة إن لم يتجاوز خمسة عشر، ثم هي بعد ذلك مستحاضة(6) ، و هو يناسب ما ذكرناه إلاّ في زيادة يوم الاستظهار و في عدد الأكثر.
ص: 302
و إن كانت مميزة، فإن اتفق زمانا التمييز و العادة فلا بحث، و إن اختلف، إما بالزمان، كما لو كانت عادتها (الخمسة الأولى، فرأت في شهر الاستحاضة صفة الحيض في)(1) الخمسة الثانية، أو بالعدد، كما لو رأت الستة الأولى بصفة دم الحيض أو أربعة، فللشيخ قولان: الرجوع الى العادة(2) - و هو الأشهر - و به قال أبو حنيفة، و الثوري، و أحمد، و بعض الشافعية(3) ، لما تقدم في الأحاديث.
و قال مالك: الاعتبار بالتمييز(4) ، و هو القول الثاني للشيخ(5) ، و ظاهر مذهب الشافعي(6) ، لقوله عليه السلام لفاطمة بنت أبي حبيش: (ان دم الحيض أسود يعرف، فإذا أقبلت فاتركي الصلاة)(7) و هو محمول على المبتدأة، و لأن العادة أقوى فإنها لا تبطل دلالتها، و التمييز لو زاد على أكثر الحيض بطلت دلالته.1.
ص: 303
فروع:
أ - لو رأت العادة و قبلها و بعدها أو أحدهما، فان لم يتجاوز فالجميع حيض، و إلاّ العادة.
ب - العادة قد تتقدم و قد تتأخر، فالضابط العدد مع النقاء.
ج - العادة قد تتفق بأن يتساوى عددها في كل شهر، و قد تختلف إما على نهج واحد كثلاثة في الأول، و أربعة في الثاني، و خمسة في الثالث، و ثلاثة في الرابع، و أربعة في الخامس، و خمسة في السادس، و هكذا.
فإذا استحيضت في شهر، فإن عرفت نوبته عملت عليه، ثم على الذي بعده على العادة، و ان نسيت نوبته، فإن جهلت بالكليّة تحيّضت بالأقل، ثم تعمل إلى الأقصى ما تعمله المستحاضة و تغتسل في كل وقت يحتمل انقطاع دم الحيض فيه، ثم تعمل باقي الشهر ما تعمله المستحاضة، و إن عرفت أنّه أكثر حيّضناها بأقل المحتمل كالأربعة، ثم تعمل ما تقدم أولا على نهج واحد، كأن تحيض من شهر ثلاثة، و من الثاني خمسة، و من الثالث أربعة، و أشباه ذلك، فإن أمكن ضبطه و يعتاد على وجه لا يختلف فكالأول، و إن كان غير مضبوط جلست الأقل من كل شهر.
د - قد بيّنا أن العادة قد تحصل بالتمييز، فلو رأت المبتدأة خمسة أسود في أول الشهر و الباقي أحمر أو أصفر، ثم في أول الثاني كذلك، ثم استحيضت في الثالث ردت إلى الخمسة، سواء رأت الخمسة بصفة دم الحيض أو لا، و للشافعي وجه آخر: عدم النظر إلى التمييز السابق بعد بطلانه(1).2.
ص: 304
ه - لو قصرت العادة عن العشرة فرأت العشرة صفرة أو كدرة ثم انقطع فالجميع حيض عندنا - و هو أظهر وجوه الشافعية، و به قال مالك، و ربيعة، و سفيان، و الأوزاعي، و أبو حنيفة، و محمد، و أحمد، و إسحاق(1) - لقوله تعالى وَ يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً (2) و الصفرة و الكدرة أذى، و لقول الصادق عليه السلام: «الصفرة و الكدرة في أيام الحيض حيض و في أيام الطهر طهر» [1].
و له آخر - و به قال أحمد في رواية - أنه ليس لهما حكم الحيض لأنهما ليسا على لون الدماء، و إنما الصفرة شيء كالصديد يعلوه صفرة، و الكدرة شيء كدر(3) ، و لما روي عن أم عطية - و كانت قد بايعت النبيّ صلّى اللّه عليه و آله - قالت: كنا لا نعد الصفرة و الكدرة حيضا(4) و الأول أصح نقلا.
و له ثالث: إن سبق دم قوي من سواد أو حمرة فهما بعده حيض، و إلاّ فلا، لأن الدم يظهر قويا ثم يرقّ و يضعف(5).
و له رابع: إن تقدمه و تأخره دم قوي فالوسط حيض و إلاّ فلا(6).
و له قولان في المتقدم و المتأخر، أحدهما: قدر يوم و ليلة، و الثاني:2.
ص: 305
لحظة واحدة(1).
و قال أبو يوسف: الصفرة حيض، و الكدرة ليست حيضا إلاّ أن يتقدمها دم(2) ، و قال أبو ثور: إن تقدمهما دم أسود فهما حيض، و اختاره ابن المنذر(3) ، و قال داود: ذلك ليس بحيض(4).
أما المبتدأة فلو رأت صفرة أو كدرة في أيام ردها إلى عادة أهلها فالوجه أنه حيض، و هو أحد قولي الشافعي، و الآخر: إنّ فيه الأقوال الأربعة(5).
القسم الثاني: الناسية
و أقسامها ثلاثة:
الأول: نسيت العدد و الوقت معا،
و تسمى المتحيرة، فللشيخ قولان:
أحدهما: أنّها تترك الصلاة و الصوم في كل شهر سبعة أيام، و تفعل في الباقي ما تفعله المستحاضة و تغتسل، و لا قضاء عليها في صلاة و لا صوم، و استدل بإجماع الفرقة(6).
و الثاني: قال في المبسوط: تفعل ما تفعله المستحاضة ثلاثة أيام من أول الشهر، و تغتسل فيما بعد لكل صلاة يحتمل الانقطاع عندها الى آخر الشهر، و تصوم الشهر كله، و لا تطلّق هذه(7)1.
ص: 306
و قال بعض علمائنا: تجلس عشرة أيام - و هو أكثر الحيض - لأنه زمان يمكن أن يكون حيضا(1).
و للشافعي قولان، أصحهما: أنه لا حيض لها في زمان بعينه، إذ جميع زمانها مشكوك فيه، فتغتسل لكل صلاة و تصوم، و لا يأتيها زوجها ما دامت مستحاضة(2) - و هو القول الثاني للشيخ - لأنّه ما من زمان إلاّ و يحتمل الحيض و الطهر، و ليس هنا أصل يردّ اليه، و لا يمكن إثبات أحكام الحيض بالشك، فأمرناها بالاحتياط.
الثاني: أنّها تردّ الى يوم و ليلة كالمبتدأة التي لا عادة لها، و هو رواية عن أحمد(3).
و له قول ثالث: أنها تردّ إلى ستة أو سبعة، و به قال أحمد كالمبتدأة(4) ، و هو الأشهر عندنا لقوله عليه السلام لحمنة: (تحيضي في علم اللّه ستة أو سبعة أيام ثم اغتسلي)(5) الحديث.
فروع:
أ - إذا قلنا بالقول الأول للشيخ، فالوجه أنّها تتخير في الستة أو السبعة أيّهما شاءت بالاجتهاد جعلتها الحيض لعدم التنصيص، فلو لا8.
ص: 307
التخيير لوجب البيان.
و يحتمل أن يكون أوّل الشهر حيضا، لأن الحيض جبلّة و الاستحاضة عارضة.
ب - كما أنها تجتهد في الزمان فكذا تجتهد في العدد بين ستة و سبعة لقوله: (ستا أو سبعا)(1) و يحتمل التخيير، و على قول بعض علمائنا تتعين السبعة [1]، و لها أن تتحيض في الشهر الأول بثلاثة، و في الثانية بعشرة كالمبتدأة.
ج - الناسية إن كانت جاهلة بشهرها، رددناها إلى الشهر الهلالي، فحيّضناها في كل شهر حيضة، لحديث حمنة(2) ، و لأنه الغالب.
و إن كانت عالمة بشهرها حيّضناها في كل شهر من شهورها حيضة، لأنها عادتها فترد إليها كما ترد المعتادة إلى عادتها في عدد الأيام و زمانها.
د - لو جلست أياما ثم ذكرت أن عادتها غيرها رجعت إلى عادتها و قضت ما تركت أيام جلوسها، فلو كانت عادتها ثلاثة من آخر الشهر فجلست السبعة السابقة، ثم ذكرت قضت ما تركت من الصلاة و الصيام في السبعة، و قضت ما صامت من الفرض في الثلاثة.
ه - الناسية إن كانت ذات تمييز عملت عليه، لتعذر العمل بالعادة، و هو أظهر قولي الشافعي، و في الآخر: لا حكم للتمييز، لأنّ العادة مقدمة(3).2.
ص: 308
و - قال القفال: إذا كانت مجنونة فأفاقت فابتداء حيضها من وقت الإفاقة لتوجه التكليف حينئذ(1).
مسألة 97: المتحيرة إن قلنا بالقول الثاني للشيخ
(2) ، فطريق معرفة حكمها أن تنظر في أوقاتها، فإن كانت تذكر شيئا من أمر حيضها و طهرها فكل زمان لا يحتمل أن يكون حيضا فهو طهر بيقين، و كل زمان لا يحتمل أن يكون طهرا فهو حيض بيقين، و كل زمان يحتملهما و لم يحتمل الانقطاع تعمل ما تعمله المستحاضة، و كل زمان يحتملهما و يحتمل الانقطاع أضافت إلى فعل المستحاضة الغسل عند كلّ صلاة لاحتماله.
ينبغي اعتماد الاحتياط في أمور ثمانية:
أ - الاستمتاع، فيحرم على الزوج وطؤها قبلا طول الشهر، و في وجه للشافعي: جواز الوطء خوفا من الوقوع في الفساد(3).
ب - الطلاق،: قال الشيخ: لا يصح طلاق هذه(4) ، و لو قيل: إن الطلاق يحصل بإيقاعه في أول يوم، و أول الحادي عشر أمكن، و عدتها تنقضي بثلاثة أشهر.
ج - تؤدي كلّ صلاة بغسل و وضوء، و لا تقضي الصلاة المؤداة في أوقاتها - و هو أحد وجهي الشافعي(5) - لأنها إن كانت طاهرا صحّ الأداء، و إلاّ سقط القضاء، و لأن فيه حرجا عظيما. و يحتمل الوجوب لاحتمال انقطاع الحيض في خلال الصلاة، أو في آخر الوقت، و ربما ينقطع قبل غروب1.
ص: 309
الشمس فيلزمها الظهر و العصر، و قبل نصف الليل فيلزمها المغرب و العشاء فتغتسل في أول وقت الصبح و تصليها، ثم تغتسل بعد طلوع الشمس و تعيدها، لاحتمال أنه انقطع بعد ما صلت المرأة الأولى، و لزمها الصبح فتخرج عن العهدة بالثانية، لأنها إن كانت طاهرة في الأولى صحت و إلاّ فإن انقطع في الوقت صحت الثانية و أجزأت، فإن لم ينقطع فلا شيء عليها.
و لا يشترط المبادرة إلى المرّة الثانية بل متى اغتسلت وصلت الصبح قبل انقضاء أكثر الحيض من أول وقت الصبح خرجت عن العهدة، لأنّ الدم لو انقطع في الوقت لم يعد إلا بعد انقضاء الأكثر، و تصلي العصر و العشاء مرتين كذلك.
و لا تكتفي بأن تعيد الظهر المرة الثانية في أول وقت العصر، و لا أن تعيد المغرب في أول وقت العشاء، بل تعيد الظهر في الوقت الذي يجوز إعادة العصر فيه و هو ما بعد الغروب، و المغرب في الوقت الذي يجوز إعادة العشاء فيه و هو ما بعد نصف الليل لجواز انقطاعه في آخر وقت العصر بقدر ما يلزم به الظهر، و كذا المغرب، ثم إن أعادت الظهر و العصر بعد الغروب قبل أن تؤدي المغرب كفاها للظهر و العصر غسل واحد، ثم تغتسل للمغرب و العشاء، لأنه إن انقطع الدم قبل الغروب فقد اغتسلت، و الانقطاع لا يتكرر، و إن لم ينقطع قبل الغروب فليس عليها ظهر و لا عصر، و إنما اغتسلت للمغرب لاحتمال الانقطاع في خلال الظهر، أو العصر، أو عقيبهما و إن أخرتهما عن المغرب كفاها غسل المغرب لهما، لعدم تكرر الانقطاع، و تتوضأ لما لا تغتسل لها من هذه الصلوات، كالمستحاضة، و هو الثاني للشافعي(1).1.
ص: 310
د - إذا وجب عليها قضاء فائتة قضتها ثلاث مرات، كل مرة بغسل و وضوء، و أقل زمان يتصور فيه سقوط الفرض بيقين عشرة أيام و لحظتان، فيقدر كأنها تغتسل و تصلي في زمان يبقى بينه و بين طلوع الشمس غسل و صلاة، ثم يحتسب من وقت طلوع الشمس عشرة أيام، فتغتسل و تقضي الصلاة في العشرة أيّ وقت شاءت.
ثم إذا كملت العشرة اغتسلت و قضت الثالثة، لأنها إن كانت طاهرا في جميع المدة فالأول صحيح و ما بعده زيادة، و إن قدّر ابتداء حيضها كان في صلاتها الاولى فقد تمت لها عشرة أيام قبل الفعل الأخير، فصح غسلها و صلاتها في الانتهاء، و إن قدّر أنها كانت في ابتداء الأولى في آخر حيض فانقطع في أثنائها و في الثالثة عاودها الحيض صحت الثانية.
ه - إذا كان عليها طواف كان طريق أدائه كطريق قضاء الفائتة، و تصلّي بعد كلّ طواف ركعتين، و ليس عليها لأجل الركعتين غسل، لأنه مع الطواف كالعصر مع الظهر، و يجب الوضوء - خلافا للشافعي(1) - لتعدد الوضوء بتعدد الصلاة، و كذا عنده إلاّ هنا، لأن الركعتين من توابع الطواف، فجعلهما تبعا في الطهارة.
و - إذا كان عليها قضاء صوم يوم صامت يوما متى شاءت و تفطر الثاني، ثم تصوم آخر قبل العاشر، ثم الثاني عشر، لأنها إما طاهر في الأول فصح القضاء فيه أو غير طاهر، فإما أن تكون حائضا في جميعه فينقطع حيضها قبل الثاني عشر، فيجزئها الثاني عشر، أو ما قبل العاشر، أو في بعضه، فإن كان في أوله و انقطع في أثنائه كانت طاهرا في العشرة فصح الثاني، و إن كانت حائضا في آخره و ابتدأ به فغايته إلى الحادي عشر، و تكون طاهرا في الثاني عشر.2.
ص: 311
و لو كان عليها قضاء يومين فصاعدا ضعّفت ما عليها و تزيد عليها يومين و تصوم نصف المجموع متى شاءت، و النصف الآخر من أول الحادي عشر، فلو كان عليها يومان تضعّف و تزيد يومين يكون المجموع ستة، تصوم منها ثلاثة متى شاءت، و ثلاثة من الحادي عشر من صومها الأول.
فإن كانت الثلاثة الاولى في الطهر فذاك، و إن كانت في الحيض فغايته الانتهاء إلى الحادي عشر بتقدير أن يكون الابتداء في اليوم الأول، فيقع اليومان الآخران في الطهر، و إن كان بعضها في الحيض دون بعض فإن وقع الأول في الطهر صحّ مع الثالث عشر، و إن وقع اليومان الأولان في الطهر أجزأ، و إن وقع اليوم الأخير في الطهر أجزأ مع الحادي عشر.
و لو صامت ما عليها ولاء بلا زيادة، و أعادته من الثاني عشر، و صامت بينهما يومين متواليين، أو غير متواليين، متصلين بأحد النصفين أو غير متصلين أجزأ.
ز - يجب عليها صوم جميع شهر رمضان لاحتمال دوام الطهر، ثم تقضي عشرين يوما عندنا لاحتمال أن تكون العشرة الأولى حيضا، و الثانية طهرا، و الثالثة حيضا.
و لو علمت اتحاد الحيض، قال علماؤنا: تقضي صوم عشرة احتياطا، و الوجه قضاء أحد عشر لاحتمال ابتداء الحيض من نصف يوم و انقطاعه في نصف الحادي عشر.
و من جعل أكثر الحيض خمسة عشر يوما - كالشافعي(1) - أوجب قضاء ستة عشر يوما فتصوم شهرا آخر بالأيام، فيحصل لها أربعة عشر يوما و يبقى1.
ص: 312
عليها يومان، فتصوم ستة أيام في مدة ثمانية عشر، فيحصل لها صوم رمضان بأن تصوم ستة و ستين يوما في مدة ثمانية و سبعين يوما.
قالت الشافعية: لو وجب عليها صوم شهرين متتابعين صامت مائة و أربعين يوما، لأنها تصوم أربعة أشهر بالأيام تحصل لها من كل شهر أربعة عشر يوما و تبقى عليها أربعة أيام، فتصوم عشرين يوما، فيحصل لها أربعة أيام و قد خرجت عن الفرض بيقين(1).
ح - منعها عن المساجد و قراءة العزائم، و الغسل عند كل صلاة.
القسم الثاني: ناسية الوقت دون العدد
فإن كان العدد نصف الزمان الذي وقع الشك فيه أو قصر عنه لم يكن لها حيض بيقين، مثل أن تعلم أن حيضها خمسة أيام من كل شهر و لا تعرف عينها، قال الشيخ: تعمل في جميع الوقت ما تعمله المستحاضة، و تغتسل بعد انتهاء العدد في كل وقت يحتمل انقطاع دم الحيض فيه، فتغتسل هذه آخر الخامس، ثم عند كل صلاة إلى آخر الشهر، إلا أن تعلم أن الانقطاع في وقت بعينه فتكرر غسل الانقطاع عنده(2) - و به قال الشافعي(3) - أخذا بالاحتياط و تقضي صوم العدد، و يحتمل أن تتخير في تخصيص الحيض، كالمتحيرة، فتجعله حيضا، و الباقي طهرا.
و للحنابلة وجهان، أحدهما: التحري بالاجتهاد، و الثاني: جعله في أول الشهر(4).1.
ص: 313
و إن زاد العدد على نصف الزمان، مثل أن تعلم أن حيضها ستة أيام من العشر الأول، فالزائد و ضعفه حيض بيقين، و هو الخامس و السادس لدخولهما فيه على كل تقدير، ثم إما أن تتخير في الأربعة الأولى أو الثانية أو تجتهد و تجعل المتقدمة حيضا، أو تحتاط فتعمل ما تعمله المستحاضة فيهما.
و لو كان الحيض سبعة منها فالرابع و السابع و ما بينهما حيض بيقين، و لو كان خمسة و علمت طهر الأول، فالزيادة بنصف يوم، فالسادس حيض بيقين، و لو علمت طهر العاشر، فالخامس حيض بيقين.
و قد فرّع الشيخ هنا فروعا كثيرة(1) تدخل تحت هذا الضابط:
أ - لو قالت: كنت أحيض إحدى العشرات و جهلت التعيين، فليس لها حيض بيقين، لنقص العدد عن نصف الزمان، فتعمل ما تعمله المستحاضة جميع الشهر، و تغتسل آخر كل عشرة لاحتمال الانقطاع.
فإن قالت: كنت أحيض عشرة في كل شهر و جهلت التعيين فكالأول، إلا أنها بعد العشرة الأولى تغتسل عند كل صلاة إلى آخر الشهر لاحتمال الانقطاع، و في الأولى تغتسل في آخر كل عشر.
ب - لو قالت: حيضي عشرة، و كنت العشر الأوسط طاهرا بيقين وقع الشك في الأول و الآخر، و لا حيض بيقين لمساواة نصف الزمان العدد، فتعمل فيهما ما تعمله المستحاضة و تغتسل في آخر كل منهما لاحتمال الانقطاع. أما لو قالت: كنت العشر الأول طاهرا، فإن الشك يقع في الأوسط و الأخير، فتعمل فيهما ما تعمله المستحاضة، ثم تغتسل آخر العشر الأول، و عند كل صلاة إلى آخر الشهر لاحتمال الانقطاع، و كذا لو علمت الطهر في العشر الأخير.7.
ص: 314
ج - لو قالت: كان حيضي خمسة أيام و كنت يوم الثاني طاهرا فلها يومان، الأول و الثاني طهر بيقين، و السادس و السابع حيض بيقين.
و إن قالت: كنت في الثالث طاهرا فالثلاثة الأولى طهر بيقين، و السادس و السابع و الثامن حيض بيقين. و لو قالت: كنت يوم الخامس طاهرا فالحيض الخمسة الثانية.
د - لو قالت: كان حيضي عشرة من كل شهر و كنت يوم السادس طاهرا فالستة الأولى طهر بيقين، و من السابع إلى آخر السادس عشر طهر مشكوك فيه لا يمكن الانقطاع فيه، تتوضأ لكلّ صلاة، و بعد السادس عشر إلى آخر الشهر طهر مشكوك فيه تغتسل لكلّ صلاة لاحتمال الانقطاع.
فإن قالت: كنت يوم الحادي عشر طاهرا فهو الطهر بيقين، و العشر الأولى مشكوك فيها تغتسل في آخرها لاحتمال الانقطاع، و من الثاني عشر إلى آخر الحادي و العشرين مشكوك فيه تتوضأ لكلّ صلاة، ثم تغتسل عند انقضائه إلى آخر الشهر لاحتمال الانقطاع.
ه - لو قالت: كان لي في كل شهر حيضتان بينهما طهر صحيح و لا أعلم موضعهما و لا عددهما، فليس لها حيض و لا طهر بيقين عندنا.
أما [عند] [1] الشافعي(1) و من وافقه في أقل الحيض و أكثره و أقل الطهر، فإن أقل ما يحتمل أن يكون حيضها يوما من أوله و يوما من آخره، و ما بينهما طهر.
و أكثر ما يحتمل أن يكون حيضها يوما من أوله، و أربعة عشر من آخره بينهما خمسة عشر يوما، أو بالعكس، و يحتمل ما بين ذلك، فتتوضأ لليوم الأول لأنه طهر مشكوك فيه، و تغتسل في آخره، و تغتسل لكلّ صلاة إلى انقضاء الرابع عشر، و أما الخامس عشر و السادس عشر فطهر بيقين، ثم2.
ص: 315
تغتسل في انقضاء السابع عشر إلى آخر الشهر، لإمكان انقطاع الدم في كلّ وقت.
و - لو قالت: حيضي خمسة في كل شهر و كنت في الخمسة الأخيرة طاهرا و لي طهر صحيح غيرها، احتمل أن يكون حيضها الخمسة الأولى، و الباقي يكون طهرا، و كذا الخمسة الثانية و الثالثة عندنا.
و قال الشافعي: لا يحتمل الثالثة لأنه لا يمكن قبلها طهر كامل و لا بعدها سوى الخمسة الأخيرة، و يحتمل الرابعة أو الخامسة(1).
فالخمسة الأولى طهر مشكوك فيه، تتوضأ لكل صلاة، و تغتسل عند انقضائها إلى آخر العاشر لأنه طهر مشكوك فيه.
و كذا من الحادي عشر إلى الخامس عشر - و عنده أنه طهر بيقين(2) - و من السادس عشر إلى آخر العشرين طهر مشكوك فيه، تتوضأ لكل صلاة، و تغتسل عند انقضائه إلى آخر الخامس و العشرين.
ز - لو قالت: حيضي عشرة أيام و كنت اليوم العاشر حائضا فقد تجاوز العدد نصف الزمان بنصف يوم، لوقوع الشك في تسعة عشر، فتعمل من أول الشهر ما تعمله المستحاضة، ثم تغتسل آخر العاشر لاحتمال أنه آخره و تفعل ما تفعله المستحاضة إلى آخر التاسع عشر، و تغتسل عند كلّ صلاة لاحتمال الانقطاع عندها و الباقي طهر بيقين.
فإن قالت: الحيض يوم الثاني عشر، فالأولان طهر بيقين، و كذا من الثاني و العشرين إلى آخره، و الباقي مشكوك فيه، لكن لا تغتسل للانقطاع إلاّ في آخر الثاني عشر، و عند كلّ صلاة منه إلى آخر الحادي و العشرين،2.
ص: 316
فلها يومان من أول الشهر طهر بيقين، و كذا تسعة من آخره، و الشك وقع من أول الثالث إلى آخر الحادي و العشرين، فقد قصر نصف الزمان عن العدد بنصف يوم فالثاني عشر حيض بيقين.
و غلط قلم الشيخ هنا فجعل لها مع اليومين ثمانية أيام من آخره طهرا(1) ، و الحق أنه تسعة.
ح - و لو قالت: حيضي خمسة من الشهر لا أعرفها إلا أني إن كنت يوم السادس طاهرا كنت السادس و العشرين حائضا، و إن كنت في السادس حائضا كنت في السادس و العشرين طاهرا.
و تحقيقه أنها تحيض أحد هذين، فالأول طهر بيقين، و كذا من الحادي عشر إلى آخر الحادي و العشرين، و الباقي مشكوك فيه، و تغتسل لاحتمال الانقطاع آخر السادس إلى آخر العاشر، و كذا آخر السادس و العشرين إلى آخر الشهر، و تفعل في جميع الأيام ما تفعله المستحاضة.
فروع، في الامتزاج:
أ - إذا قالت: حيضي عشرة في كل شهر، و كنت أمزج إحدى العشرات بالأخرى بيوم، فالأول و الثلاثون طهر بيقين، و الشك وقع بينهما، فلا حيض لها بيقين، تعمل ما تعمله المستحاضة جميع الشهر، و تغتسل آخر الحادي عشر، و آخر التاسع عشر، و الحادي و العشرين، و التاسع و العشرين لاحتمال الانقطاع.
قال الشيخ: و يسقط قضاء صوم الأول و الثلاثين، لأنهما طهر بيقين، و تقضي ما عداهما لأنها صامت مع الشك في الطهارة، فوجب القضاء.
ثم قال: و لو قلنا: إنه لا يجب إلاّ قضاء عشرة أيام كان صحيحا، لأنه1.
ص: 317
من المعلوم أن الحيض لا يزيد عليها، و صوم المستحاضة صحيح، و لا حاجة إلى تجديد النيّة عند كلّ ليلة، و هذا هو المعوّل عليه دون الأول، و الأول مذهب الشافعي(1).
و الحكم صحيح، لكن لا مدخل للتحديد هنا، و الشافعي وافقنا على قضاء أكثر الحيض و هو خمسة عشر في أحد القولين، و في الآخر: ستة عشر(2).
ب - لو قالت: كان حيضي عشرة و أمزج العشرة بالأخرى بيومين، فيومان من أول الشهر و يومان من آخره طهر بيقين، و الشك في الباقي تعمل في الجميع ما تعمله المستحاضة، و لا حيض بيقين لقصور العدد عن نصف الزمان، و تغتسل آخر الثاني عشر، و الثامن عشر، و الثاني و العشرين، و الثامن و العشرين لاحتمال الانقطاع.
و لو كان المزج بخمسة فلا حيض بيقين، لمساواة العدد نصف الزمان، فخمسة من أول الشهر و خمسة من آخره طهر بيقين، لكن غسل الانقطاع في آخر الخامس عشر و الخامس و العشرين خاصة.
و فرّع الشيخ المزج بستة إلى المزج بالتسعة عقيب تفريعه المزج بيوم إلى المزج بستة(3) و هما واحد.
ج - لو قالت: حيضي عشرة و أمزج النصف بالنصف بيوم فيومان حيض بيقين و اثنا عشر طهر بيقين، لزيادة العدد على نصف الزمان بيوم، هما الخامس عشر و السادس عشر، و من السابع إلى الرابع عشر مشكوك فيه، و كذا من السادس عشر إلى آخر الرابع و العشرين تعمل ما تعمله المستحاضة، و تغتسل لاحتمال الانقطاع آخر السادس عشر و الرابع و العشرين.3.
ص: 318
د - لو قالت: حيضي تسعة و نصف، و كنت أمزج أحد النصفين بالآخر بيوم، و الكسر من أوله، و اليوم الكامل في النصف الثاني، فستة و نصف من أول الشهر طهر بيقين، و تمام السابع إلى آخر السادس عشر حيض بيقين، و لو كان الكسر من الثاني فبالعكس، من أول الشهر إلى آخر الرابع عشر طهر بيقين، و من الخامس عشر إلى النصف الأول من الرابع و العشرين حيض بيقين.
و لو قالت: أمزج العشر بالعشر بيوم و الكسر من الأول، فالأول و نصف الثاني طهر بيقين، ثم إلى آخر الحادي عشر مشكوك فيه، فتغتسل في آخره لاحتمال الانقطاع، و نصف الثاني عشر طهر بيقين، و من نصف الثاني إلى آخر الحادي و العشرين مشكوك فيه، تغتسل في آخره لاحتمال الانقطاع.
و لو كان الكسر في العشر الثاني فإلى آخر التاسع طهر بيقين، ثم يحتمل ابتداء الحيض من أول العاشر، فآخره النصف الأول من التاسع عشر، و من أول التاسع عشر، فآخره النصف الأول من التاسع و العشرين، و لا يحتمل أن يكون المزج بين العشرين بيوم و الكسر فيهما، لأن العشرين لا تختلط بيوم.
القسم الثالث: ناسية العدد دون الوقت.
فإن ذكرت أول الحيض أكملته ثلاثة بيقين ثم تغتسل في آخر الثالث لاحتمال الانقطاع و تعمل إلى العاشر ما تعمله المستحاضة، و تغتسل في كل وقت يحتمل الانقطاع.
و إن ذكرت آخره جعلته نهاية الثلاثة، و اغتسلت عنده لاحتمال الانقطاع، و تعمل فيما بعده عمل المستحاضة لأنّها طاهرة فيه قطعا و ما قبله ثلاثة أيام حيض بيقين، و ما زاد إلى تمام العشرة طهر مشكوك فيه، تعمل ما تعمله المستحاضة، و تقضي صوم عشرة أيام احتياطا.
ص: 319
و إن لم تذكر الأوّل و الآخر فذلك الوقت الذي عرفت حيضها فيه إن لم يزد على أقل الحيض فحيضها معلوم، كما لو قالت: أعلم أني كنت ثاني الشهر حائضا و رابعه طاهرا.
و إن زاد من غير تداخل كما لو قالت: كنت حائضا يوم الخامس و طاهرا يوم العاشر، فالزمان مشكوك فيه تعمل ما تعمله المستحاضة.
و إن تداخل كما لو قالت: كنت حائضا يوم الثالث و طاهرا يوم السادس فالمتداخل حيض بيقين، و هو الثالث، و ما عداه مشكوك فيه، فيحتمل جعل الثالث آخر الحيض تغليبا للسبق، و أوّله إن أدّى اجتهادها إليه، و عملنا بالاجتهاد و التخيير، و أوسطه، فيكون العشرة حيضا.
و لو قالت: إنّ حيضي كان في النصف الأول من الشهر و لا أعرف قدره و لا وقته، فالنصف الثاني طهر بيقين، و من أول الشهر ثلاثة أيام يحتمل الحيض و الطهر و لا يحتمل الانقطاع، فتعمل ما تعمله المستحاضة، و بعد ذلك إلى تمام النصف يحتمل الحيض و الطهر و الانقطاع، فتعمل عمل المستحاضة، و تغتسل لكل صلاة.
مسألة 98: قد بيّنا أن أقل الحيض ثلاثة أيام،
و اختلف علماؤنا في اشتراط التوالي، فالأكثر عليه [1]، و قال آخرون: بعدمه(1) ، فإذا رأت ثلاثة أيام متوالية فهو حيض قطعا، فإذا انقطع و عاد قبل العاشر و انقطع فالدمان و ما بينهما حيض، ذهب إليه علماؤنا - و به قال أبو حنيفة(2) - لأن أقل الطهر عشرة1.
ص: 320
أيام، و دم الحيض يسيل تارة و ينقطع اخرى، و إنّما يثبت للنقاء حكم الطهر إذا انقطع بالكليّة.
و قال مالك و أحمد: تلفق، فأيّام الدم حيض، و أيّام النقاء طهر، لأنّ النقاء موجود في بعض الأوقات حقيقة، كما أن الدم موجود في بعضها حقيقة، و كما لا يجوز جعل الدم الموجود طهرا كذا لا يجوز جعل الطهر الموجود حيضا بل يوفى كل منهما حكمه(1) ، و الملازمة ممنوعة، و للشافعي قولان، أظهرهما: الأول(2).
فإن جاز ذلك عشرة أيام، فإن كانت مبتدأة قال الشيخ: تدع الصلاة و الصوم كلّما رأت الدم، و إذا رأت الطهر صلّت و صامت إلى أن تستقر لها عادة لقولهم عليهم السلام: «كلّما رأت الطهر صلت و صامت، و كلّما رأت الدم تركت الصلاة إلى أن تستقر لها عادة»(3) و الظاهر أن مراده من ذلك ترك العبادة في الدم المحتمل لأن يكون حيضا لا مطلقا.
و يحتمل عندي هنا أمور ثلاثة: جعل الثلاثة حيضا أخذا بالمتيقن، و قضاء صوم أحد عشر يوما، و جعل السبعة أو العشرة، فلو كان السابع أو العاشر يوم النقاء فالوجه إلحاقه بالطهر.
و إن كانت ذات عادة ردت إليها سواء رأت فيها دما أسود، أو أحمر، أو نقاء، قاله الشيخ(4) ، و الوجه إلحاق النقاء بما بعده، و إن نسيتها عملت بالتمييز، و تراعي بين الحيضتين عشرة أيام طهرا.1.
ص: 321
و لو رأت ثلاثة أيام دما ثم انقطع ثم عاودها قبل العشرة فالجميع حيض، و قضت صوم النقاء، و جاز لزوجها الوطء فيه، فإذا ظهر أنه حيض لم يكن عليه شيء.
و إن رأت أقل من ثلاثة ثم انقطع و رأته قبل العاشر و بلغ المجموع ثلاثة فلعلمائنا قولان، أحدهما أنه ليس بحيض لاشتراط التوالي في عدد أقل الحيض(1) ، و الثاني: أنه حيض إن كمل ثلاثة في جملة العشرة(2). و للشافعية كالقولين(3).
و منهم من اشترط في التلفيق أن يكون أوله حيضا كاملا و آخره حيضا كاملا(4).
و منهم من لم يشترط بلوغ أقل الحيض، فلو رأت ساعة ثم انقطع ثم رأت قبل خمسة عشر ساعة أخرى كانت الساعتان مع الطهر المتخلل بينهما حيضا، و هو أضعف الوجوه عندهم(5).
و لو كمل أقل الحيض في أكثر من عشرة لم يكن حيضا، و موضع الخلاف ما إذا كانت أزمنة النقاء زائدة على الفترات المعتادة بين دفعات الدم، فإن لم يزد عليها فالجميع حيض إجماعا.
فروع:
أ - إذا رأت أقل الحيض ثم انقطع وجب عليها العبادة إجماعا، لأنّ1.
ص: 322
الموجود حيض تام، و ربما لا يعود الدم، فلا يبيح لها ترك العبادة بالشك.
و إن رأت أقل و قلنا أيام النقاء طهر اغتسلت، لأنّ الدم ربما عاد، فالدم الموجود حيض، و ظهر أن للنقاء حكم الطهر.
و إن قلنا: إنها كالحيض فلا غسل لأن الدم ان لم يعد، فليس له حكم الحيض حتى يجب غسله، و إن عاد ظهر أن الزمان حيض، و ليس للغسل في زمان الحيض حكم.
ب - لو كانت عادتها خمسة أيام، و رأت يوما دما و يوما نقاء، و تجاوز الدم و النقاء الأكثر و لا تمييز، فإن قلنا: أنها لا تلفق، فأيام العادة حيض الدم و النقاء الذي يليه، قاله الشافعي(1).
و إن قلنا: تلفق، فمن أين تلفق ؟ للشافعي قولان، أحدهما: من أيام العادة حسب، لأن النقاء من أيام العادة، و إنما انقطع دمها فيه فتنقص من عادتها، و الثاني: تلفق من أكثر الحيض، لأن عادتها تفرقت فيها(2). فعلى الأول يحصل لها ثلاثة أيام حيض، و على الثاني تلفق خمسة أيام من تسعة.
و لو كانت عادتها ستة أيام، فإن قلنا، لا تلفق فالحيض خمسة أيام و السادس نقاء ليس بعده حيض فلا يكون حيضا، و تنقص عادتها، و إن قلنا: تلفق من زمان العادة حصل لها ثلاثة أيام، و إن قلنا: من خمسة عشر لفقنا لها ستة أيام من أحد عشر.
ج - يشترط في جعل النقاء حيضا أمران، أحدهما: أن يكون النقاء محبوسا بدمين في الأكثر، فلو رأت يوما و ليلة دما و أربعة عشر نقاء، و رأت2.
ص: 323
في السادس عشر، فالنقاء مع ما بعده من الدم طهر قاله الشافعي(1) ، و عندنا الأكثر عشرة.
و الثاني: أن يكون قدر الحيض في مدة الخمسة عشر تمام أقل الحيض و إن تفرق بالساعات، و هو أظهر أقوال الشافعي(2).
د - لو رأت أقل الحيض و انقطع، ثم عاد قبل انقضاء الطهر بعد مجاوزة أكثر الحيض، فالأول حيض، و الثاني دم فساد.
ه - لو كانت عادتها خمسة من أول الشهر فرأت الأول طهرا ثم الثاني دما ثم الثالث طهرا، و هكذا احتمل جعل الثاني و الرابع و السادس حيضا خاصة، و خمسة أيام دما خاصة.
و عند الشافعي إن وقف على خمسة عشر من الدم، فإن قيل بعدم التلفيق، فالأربعة عشر حيض، و إن قيل به لفقت خمسة أيام من تسعة.
و إن زاد الدم على الخامس عشر فقد استحيضت، فإن قيل بالتلفيق فمن أين يلفق ؟ على الوجهين، أحدهما: من زمان العادة فلها يومان حيض من زمان العادة، هو الثاني و الرابع، و الثاني: من زمان الإمكان فيلفق لها خمسة أيام أولها الثاني و آخرها العاشر.
و إن قيل بعدم التلفيق فهل الاعتبار بزمان العادة أو بعدها؟ وجهان:
العادة، لأنه إذا اعتبر عددها اعتبر زمانها فحيضها الثاني و الثالث و الرابع لأنّ الأول طهر قبله طهر، و الخامس طهر بعده استحاضة.
و الثاني: الاعتبار بعدد العادة دون زمانها، لانتقال حيضها فحيضها خمسة أولها الثاني و آخرها السادس(3).4.
ص: 324
و النفاس هو الدم الخارج عقيب الولادة بالإجماع، لأنه خارج عقيب نفس، أو مأخوذ من تنفس الرحم بالدم، فالخارج قبل الولادة ليس بنفاس إجماعا لقول الصادق عليه السلام في المرأة يصيبها الطلق أياما، أو يوما، أو يومين فترى الصفرة أو دما قال: «تصلّي ما لم تلد، فإن غلبها الوجع ففاتها صلاة لم تقدر أن تصليها فعليها قضاء تلك الصلاة بعد ما تطهر»(1).
و أمّا الخارج مع الولادة، فالشيخ نصّ على أنه نفاس(2) - و هو أصح وجهي الشافعية(3) - لأنه دم خرج لخروج الولد فأشبه الخارج بعده.
و قال المرتضى رضي اللّه عنه: النفاس هو الذي تراه عقيب الولادة(4) ، و هو يشعر بأن الخارج معها ليس بنفاس، و به قال بعض الشافعية، و أبو حنيفة(5) ، لأنه انفصل قبل انفصال الولد، فأشبه ما خرج قبله.
ص: 325
و لا يجب عليها الغسل عند علماء أهل البيت عليهم السلام، و به قال أبو حنيفة(1) عملا بالأصل السالم عن معارضة الحدث، و للشافعي قولان(2) ، و عن أحمد روايتان، إحداهما: الوجوب لأنه مخلوق من مائها فهو بمنزلة خروج الماء(3) ، و يعارضه أنه جامد فأشبه الحصا و الدود.
فلو ولدت مضغة أو علقة بعد أن شهد القوابل أنّه لحمة ولد، و يتخلق منه الولد كان الدم بالإجماع نفاسا، لأنه دم جاء عقيب حمل، أما النطفة و العلقة المشتبهة فلا اعتبار بهما لعدم تيقن الحمل بهما، فيكون حكمه حكم دم الحائل.
ذهب إليه علماؤنا أجمع - و به قال أكثر العلماء كالشافعي، و مالك و أبي حنيفة، و أحمد(4) - لأنه دم وجد عقيب سببه - و هو الولادة - فكان نفاسا، و ولدت امرأة على عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فلم تر نفاسا، فسميت ذات الجفوف(5).
و حكي عن الثوري أنّ أقلّه ثلاثة أيام لأنه أقل الحيض(6) ، و لا ملازمة بينهما، و حكي عن أبي يوسف أنه قال: أقله أحد عشر يوما، ليزيد أقله على
ص: 326
أكثر الحيض(1).
و قال محمد بن الحسن، و أبو ثور، و الشافعي في أحد قوليه: أقله ساعة(2).
و قال المزني: أقله أربعة أيام لأنّ أكثر النفاس أربعة أضعاف أكثر الحيض، فكان أقل النفاس أربعة أضعاف أقل الحيض، و هو يوم و ليلة، فأقل النفاس أربعة(3).
و قال أبو عبيد: أقله خمسة و عشرون يوما(4) ، و الكلّ خطأ، لأنّ الشرع لم يرد بتحديده فيرجع إلى الوجود، و قد وجد أقل من ذلك.
إذا ثبت هذا، فإذا انقطع الدم عقيب لحظة كانت بحكم الطاهر بقية اليوم إذا لم يعاود الدم.
و قال أحمد في رواية: لو رأت النقاء لدون يوم لم يثبت لها حكم الطاهرات(5).
و هو خطأ لقول علي عليه السلام: «لا يحل للنفساء إذا رأت الطهر إلاّ أن تصلي»(6).
فالمشهور أنه لا يزيد على أكثر أيام
ص: 327
الحيض - قاله الشيخ، و علي بن بابويه، و المفيد في أحد قوليه(1) - لقول أحدهما عليهما السلام: «النفساء تكف عن الصلاة أيام أقرائها»(2).
و لأنه دم حيض حبسه احتياج الولد إلى الغذاء، و انطلاقه باستغنائه عنه، و أكثر الحيض عشرة، و لأنه أحوط للعبادة.
و في الثاني: ثمانية عشر يوما - و به قال المرتضى، و ابن الجنيد و الصدوق(3) - لقول الصادق عليه السلام و قد سئل عن النفساء كم تقعد؟ فقال: «إن أسماء بنت عميس أمرها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أن تغتسل لثماني عشرة ليلة»(4) و لا حجة فيه، لاحتمال وقوع السؤال عند الانتهاء.
و قال ابن أبي عقيل: أيامها كأيام حيضها و أكثره أحد و عشرون يوما، فإن انقطع دمها في تمام حيضها صلت و صامت، و إن لم ينقطع صبرت ثمانية عشر يوما ثم استظهرت بيوم أو يومين، فإن كانت كثيرة الدم صبرت ثلاثة أيام، ثم اغتسلت و احتشت و استثفرت و صلّت، لما رواه البزنطي - في الصحيح - عن الباقر عليه السلام(5).
و قال الشافعي: أكثره ستون يوما - و هو رواية لنا - و به قال عطاء، و الشعبي، و مالك، و أبو ثور، و حكي عن عبيد اللّه بن الحسن العنبري، و الحجاج بن أرطاة(6) لأنه قد وجد ذلك، و لا دليل فيه، لأنّ الزائد1.
ص: 328
استحاضة.
و قال أبو حنيفة و الثوري و أحمد و إسحاق و أبو عبيد: أكثره أربعون يوما(1) - و هو رواية لنا أيضا(2) - لأن أم سلمة قالت: كانت النفساء تقعد على عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أربعين ليلة و أربعين يوما(3) ، و الراوي مجهول، فلا عبرة به.
و حكى ابن المنذر عن الحسن البصري أنه قال: خمسون يوما(4) - و هو رواية لنا(5) - و حكى الطحاوي عن الليث أنه قال: من الناس من يقول: سبعون يوما(6).
و قال بعض أصحاب الشافعي: إذا استحيضت النفساء و تجاوز الدم ستين كانت الستون نفاسا - و هو قول المزني - و الزائد استحاضة لثبوت النفاس باليقين، فلا يزول إلا بمثله، بخلاف الحيض لأنه لم يثبت أولا باليقين(1).
و قال بعضهم: الزائد على الستين حيض لعدم التنافي(2).
و قال الباقون منهم بالتفصيل، فإن كانت ذات عادة فيه بأن تلد مرتين مثلا و ترى الدم أربعين أربعين ردت إلى عادتها من الأربعين، ثم إن كانت معتادة في الحيض فترد إلى عادتها في الطهر، ثم تحيض قدر عادتها في الحيض.
و ان كانت مبتدأة في الحيض جعلت القدر الذي ترد إليه المبتدأة في الطهر استحاضة، و القدر الذي ترد إليه في الحيض حيضا، و لو ولدت مرارا و هي ذات جفاف، ثم ولدت و استحيضت، فلا نجعل عدم النفاس عادة، بل هي مبتدأة في النفاس.
و إن كانت مبتدأة في النفاس فله قولان، أحدهما: الرد إلى لحظة، و الثاني: إلى أربعين، لأنه الغالب، و إن كانت محيرة فحكمها حكم الحائض في شرط التمييز، و ترد إليه كما في الحيض، إلا أن الستين هنا بمنزلة خمسة عشر هناك، فلا يزيد التمييز على الستين، و إن نسيت عادتها في النفاس ففي قول ترد إلى الاحتياط، و على آخر أنها ترد إلى ما ترد إليه المبتدأة(3).
الأول: لو رأت عقيب الولادة لحظة ثم انقطع، و رأته قبل العاشر
ص: 330
لحظة فالدمان و ما بينهما نفاس، لأنّ الطهر لا يكون أقل من عشرة، و لو رأت اللحظة الأخيرة خاصة فهي النفاس خاصة.
أما الشافعي فعنده إذا انقطع دم النفاس فإن لم يبلغ النقاء بين الدمين أقل الطهر كيوم و يومين فأزمنة الدم نفاس، و في أزمنة النقاء قولان كالحيض(1).
الثاني: لو رأت يوم الولادة ثم انقطع عشرة أيام، ثم رأت الدم ثلاثة أيام، فالأول نفاس، و النقاء طهر، و الثاني حيض لمضي طهر كامل بعد انقطاع النفاس، و لو قصر الثاني عن ثلاثة لم يكن حيضا، بل دم فساد.
و عند الشافعي أنه إذا تخلل بين الدمين أقل الطهر، كما لو رأت عقيب الولادة، ثم طهرت خمسة عشر يوما، ثم عاد الدم قبل الستين، فأصح الوجهين: أنه حيض، لأنه و ما قبله دمان تخللهما طهر صحيح، فلا يضم أحدهما إلى الآخر كدمي الحيض، و به قال أبو يوسف، و محمد(2).
و الثاني - و به قال أبو حنيفة -: أنه دم نفاس لوقوعه في زمان إمكان النفاس(3).
و قال أحمد: العائد مشكوك فيه، تصوم و تصلّي، و تقضي الصوم و الطواف، و لا يأتيها زوجها، لاحتمال أنه نفاس و دم فساد(4).
فلو ولدت و لم تر الدم خمسة عشر يوما فصاعدا ثم رأته، فإن قيل:
العائد نفاس، ففي أيام النقاء وجهان(5).1.
ص: 331
الثالث: إذا كانت عادتها عشرة أيام حيضا و عشرين طهرا، فرأت عشرة أيام نفاسا و شهرا طهرا، ثم رأت الدم و اتصل بها لم تبطل بذلك عادتها، بل ترجع إلى العادة التي كانت قبل الولادة من اعتبار الحيض و الطهر.
و قالت الشافعية: إذا كانت تحيض عشرة و تطهر عشرين فرأت عشرين يوما نفاسا ثم طهرت شهرين، ثم عاودها الدم و اتصل و عبر أكثر الحيض، فإنها مستحاضة، ترد إلى عادتها في الحيض، و هي عشرة أيام، و يكون طهرها شهرين لأن طهرها تغيّر(1) ، و الطهر في الحيض و النفاس واحد و هو يجيء على قول من لا يعتبر تكرر العادة.
الرابع: لو رأت خمسة أيام ثم ولدت بعد ذلك قبل أن يمضي زمان الطهر فالدم ليس بنفاس لتقدمه، قال الشيخ: و ليس بحيض، لأن الحامل المستبين حملها لا تحيض، فيكون دم فساد(2) ، و هو أحد قولي الشافعية، و الثاني: أنه حيض لأن الحامل قد ترى الدم، و لا يعتبر بينه و بين النفاس طهر صحيح، و الولادة تفصل بينهما، بخلاف الحيض، لأنه لم يوجد للطهر بين الحيضتين أقل من خمسة عشر يوما(3).
و الخلاف في الكفارة بوطئها، و لا نعلم فيه خلافا، لأن دم النفاس هو دم الحيض، و إنما احتبس مدة الحمل لانصرافه إلى غذاء الولد، فإذا وضع الولد و انقطع العرق الذي كان مجرى الدم، خرج من الفرج كما يخرج من الحائض، فإذا رأت بعد الولادة ساعة دما ثم انقطع كان عليها أن تغتسل، و لزوجها أن يأتيها، فإن خافت العود استحب التثبت احتياطا.
ص: 332
و عدد الأيام من الثاني، ذهب إليه علماؤنا - و هو أحد أقوال الشافعي، و إحدى روايات أحمد(1) - لأن كل واحد منهما سبب في إثبات حكم النفاس، بدليل حالة الانفراد فإذا اجتمعا ثبت لكل منهما نفاس، و تداخلا فيما اجتمعا فيه.
و الثاني: أن النفاس من أوله كله أوّله و آخره و به قال مالك، و أبو حنيفة و أبو يوسف، و أحمد في أصح الروايات(2) - لأنه دم تعقب الولادة فكان نفاسا كالولد الواحد، فإذا انقضت مدة النفاس من حين وضعت الأول لم يكن ما بعده نفاسا و إن كان يوما واحدا، لأنّ ما بعد الأول نفاس لأنه عقيب الولادة، فإذا كان أوله منه فآخره منه كالمنفرد.
و الثالث: أن النفاس من الثاني - و به قال محمد، و زفر، و أحمد(3) - لأن الخارج قبل الثاني دم خرج قبل انقضاء الحمل فأشبه ما إذا خرج قبل الولادة، و الاعتبار بجميع الحمل، فإن الرجعة إنما تنقطع بذلك، و على هذا لو أسقطت عضوا من ولد و بقي الولد في البطن، فهل يجعل الدم نفاسا؟ على الخلاف.
إذا عرفت هذا، قالت الشافعية: إذا لم يجعل الدم نفاسا فهل يكون حيضا؟ قولان، بناء على أن الحامل هل تحيض أم لا؟(4) و قد تقدم(5).
فإن خرجت القطنة نقية اغتسلت، و إلا توقعت النقاء أو انقضاء العشرة، لقول الصادق عليه
ص: 333
السلام و قد سئل عن امرأة ولدت فرأت الدم أكثر مما كانت ترى، قال:
«فلتقعد أيام قرئها، ثم تستظهر بعشرة أيام، فإن رأت دما صبيبا فلتغتسل عند وقت كلّ صلاة، و إن رأت صفرة فلتتوضأ ثم لتصل»(1) و ليس مراده الاستظهار بعشرة، بل إلى عشرة بأن تكون عادتها تسعة فتستظهر بيوم، أو ثمانية فتستظهر بيومين، فلا ينافي ما ورد من الاستظهار بيوم أو يومين.
و لو انقطع قبل العاشر ثم عاد قضت الصوم، و لو لم تر دما حتى انقضى العاشر فلا نفاس، ثم إن استمر ثلاثة فهو حيض، و إن كان أقل فهو استحاضة.
فإن عاد قبل العشرة الثانية ما يتم به ثلاثا، فإن قلنا برواية يونس(2) كان الدم حيضا، و ما بينهما أيضا، و إن اشترطنا التوالي، فهو استحاضة لفوات الشرط، و كذا لو رأت بعد العاشر ساعة دما و ساعة طهرا و اجتمع ثلاثة أيام في عشرة كان الدم حيضا على الرواية و ما تخلله، و على القول الآخر استحاضة.
لما تقدم، و لا بدّ معه من الوضوء على الأشهر، و تقديمه أفضل، و قد يأتي في بعض عبارة(3) علمائنا وجوب التقديم [1]، لقول أبي عبد اللّه عليه السلام: «في كل غسل وضوء إلاّ غسل الجنابة»(4) و الفيئية غير مرادة، بل المجاز و هو السبق و التأخير مع المتابعة، و قول الصادق عليه السلام: «كل غسل قبله وضوء إلا غسل الجنابة»(5) للاستحباب.
ص: 334
و فيه ستة مطالب.
ينبغي للمريض ترك الشكاية مثل أن يقول: ابتليت بما لم يبتل به أحد، و شبهه، و يستحب عيادته إلاّ في وجع العين، قال أمير المؤمنين عليه السلام: «ضمنت لستة الجنّة: رجل خرج بصدقة فمات فله الجنّة، و رجل خرج يعود مريضا فمات فله الجنّة، و رجل خرج مجاهدا في سبيل اللّه فمات فله الجنّة، و رجل خرج حاجا فمات فله الجنّة، و رجل خرج إلى الجمعة فمات فله الجنّة. و رجل خرج في جنازة رجل مسلم فمات فله الجنّة»(1).
و أن يأذن لهم في الدخول عليه، فإذا طالت علّته ترك و عياله، و ينبغي تخفيف العيادة إلاّ أن يطلب المريض الإطالة.
و تجب الوصية على كلّ من عليه حق، و يستحب لغيره، و ينبغي الاستعداد بذكر الموت كلّ وقت، قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:
(أكثروا من ذكر هادم اللذات، فما ذكر في كثير إلاّ قلّله، و لا في قليل إلاّ كثّره)(2).
ص: 335
و قال عليه السلام: (استحيوا من اللّه حق الحياء) فقيل: يا رسول اللّه و كيف نستحيي من اللّه حق الحياء؟ قال: (من حفظ الرأس و ما حوى، و البطن و ما وعى، و ترك زينة الحياة الدنيا، و ذكر الموت و البلى، فقد أستحيي من اللّه حق الحياء)(1).
و قال الصادق عليه السلام: «من عدّ غدا من أجله فقد أساء صحبة الموت»(2).
و ينبغي أن يحسن ظنّه بربه، فقد روي: أنّ اللّه تعالى يقول: «أنا عند ظنّ عبدي بي»(3) و لا ينبغي أن يتمنّى الموت و إن اشتد مرضه، لقوله عليه السلام: (لا يتمنينّ أحدكم الموت لضرّ نزل به، و لكن ليقولن: اللّهم أحيني ما كانت الحياة خيرا لي و توفني إذا كانت الوفاة خيرا لي)(4).
و ينبغي التوبة لأنّها مسقطة للعقاب، قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، في آخر خطبة خطبها: (من تاب قبل موته بسنة تاب اللّه عليه، ثم قال: و إن السنة لكثير، و من تاب قبل موته بشهر تاب اللّه عليه، ثم قال:
و إن الشهر لكثير، و من تاب قبل موته بيوم تاب اللّه عليه، ثم قال: و إن يوما لكثير، و من تاب قبل موته بساعة تاب اللّه عليه، ثم قال: و إن الساعة لكثير، من تاب و قد بلغت نفسه هذه - و أومى بيده إلى حلقه - تاب اللّه عليه)(5).2.
ص: 336
فقال المفيد و سلاّر به(1) ، لأن عليا عليه السلام قال: «دخل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله على رجل من ولد عبد المطلب، و هو في السوق و قد وجّه الى غير القبلة، فقال: وجهوه إلى القبلة، فإنكم إذا فعلتم ذلك أقبلت عليه الملائكة»(2).
و قال الباقون بالاستحباب [1]، و به قال عطاء، و النخعي، و الشافعي، و مالك، و أهل المدينة، و الأوزاعي، و أهل الشام، و إسحاق، و أصحاب الرأي(3) ، لأنّ حذيفة قال: وجّهوني(4) ، و لقول النبيّ صلّى اللّه عليه و آله:
(خير المجالس ما استقبل به القبلة)(5) و الأصل عدم الوجوب.
و أنكره سعيد بن المسيب، فإنهم لمّا أرادوا أن يحولوه إلى القبلة، قال: ما لكم ؟ قالوا: نحولك إلى القبلة، قال: ألم أكن على القبلة إلى يومي هذا؟!(6) و فعلهم به دليل على اشتهاره عندهم.
تذنيب: و كيفيته أن يلقى على ظهره، و يجعل باطن قدميه إلى القبلة
ص: 337
بحيث لو جلس لكان مستقبلا، ذهب إليه علماؤنا أجمع - و به قال الشافعي - (1) لقول الصادق عليه السلام: «يستقبل بوجهه القبلة، و يجعل باطن قدميه مما يلي القبلة»(2).
و قال أبو حنيفة: يضجع على شقه الأيمن و وجهه إلى القبلة كما يفعل به في المدفن(3).
لقول الصادق عليه السلام: «إذا عسر على الميت موته و نزعه قرّب إلى المصلى الذي كان يصلّي فيه»(4).
و أن يلقن الشهادتين، و أسماء الأئمة عليهم السلام، قال الباقر عليه السلام: «لو أدركت عكرمة عند الموت لعلّمته كلمات ينتفع بها» قلت:
جعلت فداك و ما تلك الكلمات ؟ قال: «هو ما أنتم عليه، فلقنوا موتاكم عند الموت شهادة أن لا إله إلاّ اللّه، و الولاية»(5) و قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: (لقّنوا موتاكم لا إله إلاّ اللّه، فإن من كان آخر كلامه لا إله إلاّ اللّه دخل الجنة)(6).
و قال الصادق عليه السلام: «اعتقل لسان رجل من أهل المدينة على عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في مرضه الذي مات فيه، فدخل عليه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فقال له: (قل لا إله إلاّ اللّه) فلم يقدر عليه،
ص: 338
فأعاد [عليه](1) رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، فلم يقدر عليه، و عند رأس الرجل امرأة فقال لها: (هل لهذا الرجل أمّ؟) فقالت: نعم يا رسول اللّه أنا أمّه، فقال لها: (أ فراضية أنت عنه، أم لا؟) فقالت: بل ساخطة، فقال صلّى اللّه عليه و آله: (فإنّي أحب أن ترضي عنه)، فقالت: قد رضيت عنه لرضاك يا رسول اللّه، فقال له: (قل لا إله إلاّ اللّه)، فقال: لا إله إلاّ اللّه، فقال له(2): (قل يا من يقبل اليسير و يعفو عن الكثير اقبل مني اليسير و اعف عني الكثير إنك أنت العفوّ الغفور)، فقالها، فقال له: (ما ذا ترى ؟) فقال: أرى أسودين قد دخلا عليّ، فقال: (أعدها - فأعادها - فقال: ما ترى ؟) قال: قد تباعدا عني و دخل الأبيضان، و خرج الأسودان فما أراهما، و دنا الأبيضان مني يأخذان بنفسي، فمات من ساعته»(3).
و ينبغي أن يلقن كلمات الفرج، قال الصادق عليه السلام: «إن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله دخل على رجل من بني هاشم و هو في النزع فقال: (قل لا إله إلاّ اللّه الحليم الكريم، لا إله إلاّ اللّه العلي العظيم، سبحان اللّه رب السماوات السبع و رب الأرضين السبع، و ما فيهن و ما بينهن، و ما تحتهن، و رب العرش العظيم، و سلام على المرسلين و الحمد للّه ربّ العالمين)، فقالها، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: (الحمد للّه الذي استنقذه من النار»(4).
قال الكاظم عليه السلام لابنه
ص: 339
القاسم: «قم يا بني و اقرأ عند رأس أخيك وَ الصَّافّاتِ صَفًّا حتى تستتمها» فلمّا بلغ أَ هُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمْ مَنْ خَلَقْنا (1) قضى الفتى، فلما سجي و خرجوا أقبل عليه يعقوب بن جعفر فقال له: كنا نعهد الميت إذا نزل به يقرأ عنده يس فصرت تأمر بالصافات، فقال: «يا بني لم تقرأ عند مكروب من موت قط إلا عجل اللّه راحته»(2).
و قال الشافعي و أحمد: يقرأ يس (3) ، و قال بعض التابعين: يقرأ سورة الرعد(4). و كل ذلك حسن، و كما يستحب قراءة القرآن قبل خروج الروح، فكذا يستحب بعده استدفاعا عنه.
و يكره أن يقبض على شيء من أعضائه إن حركها، و لا يمنع منه، و لا يظهر الجزع عليه، لئلا تضعف نفسه فتكون إعانة على موته، و يكره أن يحضره جنب، أو حائض لقول الصادق عليه السلام: «لا تحضر الحائض الميت، و لا الجنب عند التلقين، و لا بأس أن يليا غسله»(5) و قال علي بن أبي حمزة للكاظم عليه السلام: المرأة تقعد عند رأس المريض - و هي حائض - في حد الموت ؟ فقال: «لا بأس أن تمرّضه، و إذا خافوا عليه و قرب ذلك فلتنح عنه و عن قربه، فإن الملائكة تتأذى بذلك»(6).
الأول: إغماض عينيه، قالت زينب بنت أم سلمة: ولي رسول اللّه
ص: 340
صلّى اللّه عليه و آله أبي حين مات، و ولي إغماض عينيه، و قال: (إن الروح إذا خرجت تبعها البصر)(1).
و لما مات إسماعيل، و الصادق أبوه عليه السلام عنده، شدّ لحييه و غمّضه، و غطّى عليه الملحفة(2).
و لأن فتح عينيه يقبح منظره، و يحذر معه دخول الهوام إليها، و لأنّه يكون مشبها بالنائم بعد الإغماض.
الثاني: شدّ لحييه بعصابة عريضة، لئلا تسترخي لحياه، و ينفتح فوه، و تدخل الهوام إلى جوفه، و يقبح بذلك منظره، و لحديث الصادق عليه السلام(3).
الثالث: تليين مفاصله، فان ذلك إيقاء للينها فيرد ذراعيه إلى عضديه و يمدهما، و يرد فخذيه إلى بطنه و يمدهما، و رجليه إلى فخذيه و يمدهما، فإن ذلك يعين الغاسل على تمديده و تكفينه.
الرابع: تجريد ثيابه، فإنه لا يؤمن معها الفساد، فإنها تحميه.
الخامس: وضعه على لوح أو سرير، لأنه إذا كان على الأرض سارع إليه الفساد، و نالته الهوام.
السادس: تغطيته بثوب لأنه أستر له، و سجّي رسول اللّه صلّى اللّه عليه2.
ص: 341
و آله بثوب حبرة [1](1) ، و غطى الصادق عليه السلام ابنه إسماعيل بملحفة(2).
السابع: مد يديه إلى جنبيه و ساقيه إن كانتا منقبضتين، لأنه أطوع للغاسل.
لأن الباقر عليه السلام لمّا قبض أمر الصادق عليه السلام بالسراج في البيت الذي يسكنه، حتى قبض أبو عبد اللّه عليه السلام، ثم أمر الكاظم عليه السلام بمثل ذلك في بيت أبي عبد اللّه عليه السلام(3).
و ينبغي أن يكون عنده من يذكر اللّه سبحانه و لا يترك وحده، لقول الصادق عليه السلام: «ليس من ميت يموت و يترك وحده إلا لعب الشيطان في جوفه»(4).
أو غيره على بطن الميت [2].
قال الشيخ: سمعناه مذاكرة(5) ، و لأنه أمر شرعي يقف على النقل، و لم يوجد، و قال أبو علي بن الجنيد: يضع على بطنه شيئا، يمنع من
ص: 342
ربوها(1).
و ذهب الجمهور إلى وضع سيف، أو مرآة، أو حديدة على بطنه لئلا يعلو، فإن لم يكن فطين مبلول(2).
بإجماع العلماء، لقوله عليه السلام: (لا ينبغي لجيفة المسلم أن تحبس بين ظهراني أهله)(3).
و من طريق الخاصة قول رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: (كرامة الميت تعجيله)(4) و قال عليه السلام: (لا ألفينّ رجلا منكم مات له ميت ليلا فانتظر به الصبح، و لا رجلا مات له ميت فانتظر به الليل، لا تنتظروا بموتاكم طلوع الشمس و لا غروبها، عجلوا بهم إلى مضاجعهم رحمكم اللّه) فقال الناس:
و أنت يا رسول اللّه يرحمك اللّه(5).
أمّا مع الاشتباه فلا يجوز التعجيل به حتى تظهر علامات الموت، و يتحقق العلم به بالإجماع، قال الصادق عليه السلام: «خمسة ينتظر بهم إلا أن يتغيروا: الغريق، و المبطون، و المصعوق، و المهدوم، و المدخّن»(6) و سئل عليه السلام كيف يستبرأ الغريق ؟ قال: «يترك ثلاثة أيام قبل أن يدفن، إلا أن يتغير فيغسل و يدفن»(7).
تذنيب: المصلوب لا يترك على خشبته أكثر من ثلاثة أيام ثم ينزل بعد
ص: 343
ذلك و يدفن، لقول الصادق عليه السلام: «قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: لا تقروا المصلوب بعد ثلاثة أيام حتى ينزل و يدفن»(1).
و الميت فجأة كالمصعوق، و الخائف من الحرب، أو السبع، أو المتردي من جبل ينتظر به علامات الموت، كاسترخاء رجليه، و انفصال كفيه، و ميل أنفه، و امتداد جلدة وجهه، و انخساف صدغيه.
ليتوفروا على تشييعه - و به قال أحمد(2) - لأن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال: (لا يموت منكم أحد إلاّ آذنوني به)(3).
و قال الصادق عليه السلام: «ينبغي لأولياء الميت أن يؤذنوا إخوان الميت بموته، فيشهدون جنازته، و يصلون عليه، و يستغفرون له، فيكتب لهم الأجر، و للميت الاستغفار، و يكتسب هو الأجر بما اكتسب لهم»(4).
قال الشيخ في الخلاف: فأما النداء فلا أعرف فيه نصا(5).
و كره الشافعي النداء(6) ، و قال أبو حنيفة: لا بأس(7). و هو الوجه عندي.
ص: 344
و فيه مباحث:
بإجماع العلماء، فإن أعرابيا سقط عن بعيره فوقص [1] فمات، فقال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: (اغسلوه بماء و سدر)(1).
فيحرم أخذ الأجرة على الواجب في هذه الأحوال، لا على المستحب، و لا يجب على المسلمين بذل ماء التغسيل، و ثياب التكفين.
و في غسله ثواب عظيم، قال الصادق عليه السلام: «من غسّل ميتا فستر و كتم، خرج من الذنوب كما ولدته أمه»(2).
و يكون ما يلي رجليه منحدرا، و ما يلي رأسه مرتفعا، لئلا يجتمع الماء تحته، ثم يوضع على لوح أو سرير، لأنه أحفظ لجسده من التلطخ، مستقبل القبلة على هيئة الاحتضار. لقول الصادق عليه السلام و قد سئل عن غسل الميت قال:
«يستقبل بباطن قدميه القبلة حتى يكون وجهه مستقبل القبلة»(3).
و هل الاستقبال واجب ؟ فيه خلاف كالاحتضار.
و يحفر لمصبّ الماء حفيرة يدخل فيها الماء، فإن تعذر جاز أن يصب الماء إلى البالوعة.
ص: 345
و يكره صبّه إلى الكنيف، قال محمد بن الحسن الصفار: كتبت إلى أبي محمد العسكري عليه السلام هل يغسل الميت و ماؤه الذي يصب عليه يدخل إلى بئر كنيف ؟ فوقّع «يكون ذلك في بلاليع»(1).
- و به قال الشافعي، و أحمد(2) - لأنه أستر للميّت، و إن لم يكن ستر عليه بثوب، كراهة للنظر إلى الميت، لإمكان ان يكون فيه عيب كان يطلب كتمانه، و لهذا نقول: ان الغاسل ينبغي له أن يكون ثقة صالحا.
و يستحب أن يكون تحت سقف و لا يكون تحت السماء، قاله علماؤنا، و به قال أحمد(3).
قالت عائشة: أتانا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و نحن نغسل ابنته، فجعلنا بينها و بين السقف سترا(4).
و عن الصادق عليه السلام: «أن أباه كان يستحب أن يجعل بين الميت و بين السماء سترا»(5) يعني إذا غسل. و لعل الحكمة كراهة مقابلة السماء بعورته.
بأن يفتق جيبه، و ينزع من تحته لئلا يكون فيه نجاسة تلطخ أعالي بدنه، فإن هذه الحال مظنة النجاسة، إذ المريض من شأنه ذلك، خصوصا عند الموت، و تستر عورته بمئزر.
ص: 346
و استحب تجريده ابن سيرين، و مالك، و أبو حنيفة، و أحمد في إحدى الروايتين(1) لأن تجريده أمكن لتغسيله و أبلغ في تطهيره، و لأنّ الحي إذا اغتسل تجرد فالميت أولى، و لأنّه إذا غسل في ثوبه ينجس الثوب بما يخرج، و قد لا يطهر بصب الماء عليه فيتنجّس الميت به.
و قال الشافعي: يستحب أن يغسل في قميص خلق رقيق، ينزل الماء فيه و لا يمنع الوصول إلى بدنه، و يدخل يده في الكمّين فيدلك ظاهر بدنه، و يصب الماء من فوق القميص، و إن كان ضيق الكم خرق رأس التخاريص(2) حتى يتمكن من الغسل و الدلك، و إن كان القميص ضيقا جرده و طرح على عورته ما يسترها - و هو رواية عن أحمد(3) - لأن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم غسل في قميصه و قد أرادوا خلعه، فنودوا أن لا تخلعوه و استروا نبيكم(4) ، و يحتمل أن يكون من خواصه للأمن في طرفه من تلويث الثوب و تعذر ذلك في غيره.
على أنه قد روي من طرقنا الغسل في القميص، قال الصادق عليه السلام: «إن استطعت أن يكون عليه قميص تغسل من تحت القميص»(5) ، و عن العبد الصالح عليه السلام: «لا يغسل إلاّ في قميص يدخل رجل يده3.
ص: 347
و يصب عليه من فوقه»(1) ، و الجمع الأمن و عدمه.
فروع:
أ - قال الشيخ في الخلاف: يستحب غسله عريانا مستور العورة، إمّا بقميصه، أو ينزع عنه القميص، و يترك على عورته خرقة. و استدل على التخيير بإجماع الفرقة و عملهم(2).
و معنى قوله: بقميصه، أن يخرج يديه من القميص، و يجذبه منحدرا إلى سرته، و يجمعه على عورته، و يجرد ساقيه، فيصير كالعاري لرواية يونس(3) عنهم عليهم السلام.
ب - الأقرب عدم وجوب ستر عورة الصبي الذي يجوز للنساء تغسيله مجردا - و به قال أحمد(4) - لأن جواز نظر المرأة يدل على جواز نظر الرجل.
ج - العورة التي يحرم النظر إليها هي القبل و الدبر، و يكره ما بين السرة و الركبة، و الجمهور على الثاني(5) ، لقول النبيّ صلّى اللّه عليه و آله لعلي عليه السلام: (لا تنظر إلى فخذ حي و لا ميت)(6).
د - لو كان الغاسل أعمى، أو وثق من نفسه بكف البصر عن العورة، و لو غلطا لم يجب الستر، لأن فائدته منع الإبصار، فإذا انتفت غايته انتفى،3.
ص: 348
لكن يستحب تحفظا من الغير و الغلط.
لأن انقباض كفه يمنع من الاستظهار على تطهيرها، و إن تعسرت تركها، لأنه لا يؤمن انكسار أعضائه و تحصل المثلة، و في بعض رواياتنا يستحب تليين مفاصله(1) - و به قال أحمد(2) - لأن ذلك يحصل به اللين، فيكون أمكن للغاسل في تكفينه و تمديده و تغسيله، قال: يستحب ذلك في موضعين: عند الموت قبل قسوتها، و إذا أخذ في غسله(3).
و استحب المزني معاودة التليين(4) ، قالت الشافعية: هذا لا يعرفه الشافعي لعدم الفائدة، فإن الغالب أنه لا تبقى لينة إلى هذا الوقت(5).
أما بعد الغسل فلا تليّن أصابعه و لا مفاصله لعدم الفائدة، و حكى الشيخ عن الشافعي استحبابه(6).
و باقي جسده يغسله بلا خرقة عملا بالأصل.
و أوجب الشافعي و أحمد الخرقة في التنجية، لأن النظر إلى العورة حرام. فاللمس [1] أولى(7) ، فإنّ النظر أخف، و لهذا يتعلق تحريم
ص: 349
المصاهرة و الظهار باللمس دون النظر، و يمنع التحريم مع الحاجة.
قال الشافعي: يعدّ خرقتين نظيفتين، إحداهما على يده يغسل بها أسفله و ينجّيه، ثم يرمي بها، و يأخذ الأخرى فيغسل بها بقية بدنه، قال:
و لو غسل كل عضو منه بخرقة كان أولى، و لو غسل الخرقة التي نجّاه [1] بها، ثم غسل بها [2] بدنه جاز(1).
[3]، لقول الصادق عليه السلام: «ثم ابدأ بفرجه بماء السدر و الحرض، فاغسله ثلاث غسلات»(2) و هذا على جهة الاستحباب.
و يجب أن يبدأ بإزالة النجاسة عن بدنه إجماعا، لأنّ المراد تطهيره، و إذا وجب إزالة الحكمية عنه فالعينية أولى، ليكون [4] ماء الغسل طاهرا، و في رواية يونس عنهم عليهم السلام: «امسح بطنه مسحا رفيقا، فإن خرج منه شيء فأنقه»(3).
قاله الشيخ(4) رحمه اللّه، و هو أحد قولي الشافعي، و مذهب أحمد، لأنه عبادة فتجب فيه النيّة،
ص: 350
و الثاني: لا تجب عملا بالأصل(1) ، لأنه تطهير من نجاسة الموت، فهو إزالة نجاسة كغسل الثوب النجس.
فيطرح في إجانة و يضرب ضربا جيدا حتى يرغو، فتؤخذ رغوته فتطرح في موضع نظيف، ثم يغسل به رأسه و جسده، روى معاوية بن عمار قال: أمرني الصادق عليه السلام أن أوضيه ثم أغسله بالأشنان، و أغسل رأسه بالسدر و لحيته، ثم أفيض على جسده منه، ثم أدلك به جسده(2) ، فإن تعذر السدر فالخطمي أو ما يقوم مقامه في تنظيف الرأس.
و المشهور عند علمائنا أنه ثلاث مرات، مرة بماء السدر، و الثانية بماء فيه كافور، و الثالثة بالقراح، لأن أم عطية روت أن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال في ابنته: (ثم اغسليها ثلاثا، أو خمسا، أو أكثر من ذلك بماء و سدر، و اجعلي في الأخيرة كافورا أو شيئا من الكافور)(3).
و من طريق الخاصة قول الصادق عليه السلام: «يغسل الميت ثلاث غسلات: مرة بالسدر، و مرة بالماء يطرح فيه الكافور، و مرة أخرى بالماء القراح»(4) و الأمر للوجوب.
و قال بعض علمائنا: الواجب مرّة واحدة بماء القراح، و الباقيتان
ص: 351
مستحبتان(1) - و هو مذهب الجمهور(2) - لأنه كغسل الجنابة، و للأصل، و الأول أشهر و أحوط، فتعين العمل به.
فروع:
أ - السدر و الكافور لا يبلغ بهما إلى سلب الإطلاق، لصيرورة الماء مضافا فلا يفيد التطهير، بل ينبغي أن يكون في الماء قدر سبع ورقات من سدر.
ب - يجب في كل غسلة الترتيب فيبدأ برأسه، ثم بشقة الأيمن، ثم بشقه الأيسر، ذهب إليه علماؤنا، لقول النبيّ صلّى اللّه عليه و آله - لمّا توفّيت ابنته - للنساء: (ابدأن بميامنها)(3).
و قول الصادق عليه السلام: «إذا أردت غسل الميت - إلى أن قال -: و تغسل رأسه ثلاث مرات بالسدر، ثم سائر جسده، و ابدأ بشقه الأيمن - إلى أن قال -:
فإذا فرغت من غسله فاغسله مرة أخرى بماء و كافور و شيء من حنوطه، ثم اغسله بماء غسلة اخرى»(4) و لقول الباقر عليه السلام: «غسل الميت مثل غسل الجنب»(5).
و في سقوط الترتيب لو غمس في الكثير إشكال.
ج - يستحب أن يبدأ بغسل يديه قبل رأسه، ثم يغسل رأسه، يبدأ بشقه الأيمن، ثم الأيسر، و يغسل كل عضو منه في كل غسلة ثلاث مرات، قاله6.
ص: 352
علماؤنا، لقول الصادق عليه السلام: «ثم تحول إلى رأسه، فابدأ بشقه الأيمن من رأسه و لحيته، ثم تثني بشقه الأيسر»(1) و روى التكرار يونس عن رجاله [1].
د - إذا فرغ من غسل رأسه، وضعه على جنبه الأيسر ليبدو له الأيمن، فيغسله في كل غسلة من قرنه إلى قدمه، ثم يضعه على جانبه الأيمن ليبدو له الأيسر، فيغسله من قرنه إلى قدمه.
ه - لا ينبغي وضع السدر صحيحا بل مطحونا، لأن المراد به التنظيف، و المعد للتنظيف إنما هو المطحون.
و - لا يغسّل أكثر من ثلاث مرات، لأنه أمر شرعي فيقف على النقل.
و قال الشافعي، و أحمد: الأفضل أن يغسل ثلاث مرات، فإن لم يحصل الإنقاء غسل خمس مرات، أو سبعا، وترا لا شفعا(2) ، لحديث أم عطية(3) ، و لم يقدره مالك(4).
ز - لو تعذر السدر أو الكافور أو هما، ففي سقوط الغسلة بفقدهما نظر أقربه العدم، لأن وجوب الغسل الخاص يستلزم المطلق.
ح - لو غيّر الترتيب فغسله أولا بالقراح، و ثانيا بالسدر أو الكافور، و ثالثا بالآخر، فعلى قول سلار(5) لا بحث، و على قولنا يمكن الطهارة لحصول1.
ص: 353
الإنقاء المقصود من الغسلات، و العدم لمخالفة الأمر.
ط - الواجب عند أكثر علمائنا جعل السدر في الغسلة الأولى خاصة، و الكافور في الثانية خاصة [1].
و قال الشافعي: يجعل السدر في الأولى استحبابا، و هل يحصل بها التطهير؟ عنده وجهان: المنع لتغير الماء بالسدر، و الطهارة لأن المراد الإنقاء و التنظيف، و هي أبلغ فيه، فعلى الأول لا تحسب من الثلاث، بل يستحب صب الماء القراح عليه بعدها ثلاثا، و في وجه: تحتسب.
و على تقدير عدم الاحتساب ففي احتساب الثانية بالقراح من الثلاث وجهان: العدم عند الأكثر لامتزاج الماء بما على المحل من السدر الذي في الغسلة الاولى، و المحسوب الغسلات بعد زوال السدر(1) ، و عندنا أن إطلاق الماء باق، و قال أحمد: يجعل السدر في الثلاث(2).
أما الكافور فعندنا أنه في الثانية وجوبا، و عند الشافعي و أحمد يستحب جعله في الثالثة(3) ، لقول النبيّ صلّى اللّه عليه و آله لأم عطية: (و اجعلي في الأخيرة كافورا)(4) ، و لأنه يبرد و يطيب ريحه.
ي - لو لم يجد السدر ففي تغسيله بما يقوم مقامه من الخطمي و نحوه4.
ص: 354
إشكال - قال به أحمد(1) - لحصول المقصود منه. و لعدم التنصيص.
و لو غسله بذلك مع وجود السدر لم يجز.
و قال أحمد: يجوز لأن المعنى - و هو التنظيف - موجود، و الحكم يتعدى في كل ما وجد فيه المعنى(2).
و لو غسله بالقراح من غير سدر و كافور لم يجز أيضا، و هل يحصل التطهير؟ إشكال.
و الغريق يغسّل عندنا واجبا، و يلزم سلار العدم، و هو أحد قولي الشافعي، و في الآخر: [لا يجزئ] [1] لعدم النيّة(3).
يا - لا فرق بين الرجل و المرأة، و الحرّ و العبد، و الصغير و الكبير في الغسل.
مسحا رفيقا، لخروج ما لعله بقي مع الميت، لاسترخاء الأعضاء، و عدم القوة الماسكة، و بقاؤه يؤدي إلى خروجه بعد الغسل، فيؤذي الكفن.
أما الحامل فلا يمسح بطنها خوفا من الإجهاض.
و لا يمسح في الثالثة بإجماع علمائنا، لأنّ المطلوب يحصل بالمرتين، و رواية يونس(4) عنهم عليهم السلام، فإنها تضمنت المسح في الثانية.
ص: 355
و قال الشافعي، و أحمد: يمسح في الثالثة أيضا(1) ، قال الشافعي:
و لا يمسح بعد الثالثة(2) ، لجواز أن يخرج منه شيء فيحتاج إلى غسله مرة ثانية.
فإن لم يكن ناقضا غسل، و إن كان أحد النواقض فلعلمائنا قولان: قال ابن أبي عقيل: يعاد الغسل(3) - و به قال ابن سيرين، و إسحاق، و أحمد، و الشافعي في أحد أقواله(4) - إذ القصد في غسل الميت أن يكون خاتمة أمره الطهارة الكاملة.
و ظاهر كلام باقي علمائنا: غسل النجاسة حسب [1] - و هو أحد أقوال الشافعي، و الثوري، و مالك، و أبي حنيفة(5) - لأن خروج النجاسة من الحي بعد غسله لا يبطل، كذلك الميت، و لقول الصادق عليه السلام: «إن بدا منه شيء بعد غسله فاغسل الذي بدا منه و لا تعيد الغسل»(6).
و قال أبو إسحاق من الشافعية: الواجب أن يوضّئه للصلاة و لا يعيد غسله كالحي(7).
ص: 356
أحدها: الزوجية،
فللزوج غسل زوجته اختيارا عند أكثر علمائنا [1]، - و به قال عطاء، و جابر بن زيد، و سليمان بن بشار، و أبو سلمة بن عبد الرحمن، و علقمة، و قتادة، و أبو الشعثاء، و حماد، و مالك، و الشافعي، و إسحاق، و داود، و زفر، و أحمد في أصح الروايات عنه(1) - لأن فاطمة عليها السلام أوصت أن تغسلها أسماء بنت عميس، و علي عليه السلام، فكان علي عليه السلام يصب الماء عليها(2) ، و اشتهر ذلك في الصحابة، و لم ينكره أحد، فكان إجماعا، و سئل الصادق عليه السلام عن الرجل يخرج إلى السفر و معه امرأته يغسلها؟ قال: «نعم، و أخته، و نحو هذا، و يلقي على عورتها خرقة»(3).
و للشيخ قول آخر بالمنع، إلاّ مع عدم النساء من وراء الثياب(4) ، و به
ص: 357
قال أبو حنيفة، و الثوري، و الأوزاعي، و أبو يوسف [1]، و محمد، و أحمد في رواية، لأن الموت فرقة تبيح الأخت، و الرابعة سواها، فحرّمت اللمس و النظر، كما لو طلقها قبل الدخول(1).
و قياسهم باطل، لأنه يمنع الزوجة من النظر إلى الزوج، و هنا بخلافه.
فروع:
أ - لو طلقها ثم ماتت، فإن كان رجعيا حلّ له تغسيلها، لبقاء حكم الزوجية، و لهذا تعتد للوفاة و يتوارثان - و روى المزني عن الشافعي التحريم(2) - و إن كان بائنا لم يجز.
ب - لا فرق بين الزوجة الحرة و الأمة، و المكاتبة و المستولدة.
ج - لو ماتت زوجة غير مدخول بها جاز له غسلها، كالمدخول بها، فإن المقتضي - و هو الزوجية - مشترك، و قال بعض الجمهور: لا يجوز للفرقة، و ليس بينهما من الاستمتاع ما تصير به في معنى الزوجية(3) ، و هو غلط.
د - لو كانت ذمية لم يجز له غسلها، لأن المسلم لا يغسل الكافر.
السبب الثاني: الملك،
فيجوز للسيد غسل أمته، و مدبرته، و أم ولده - و به قال الشافعي(4) - لأنهنّ في معنى الزوجة في اللمس و النظر1.
ص: 358
و الاستمتاع، فكذلك في الغسل، و يلزمه النفقة عليها بحكم الملك، فكان له تغسيلها كالحرة، و قال أبو حنيفة: لا يجوز، لأنّ له أن يطأ أختها في هذه الحال فأشبهت الأجنبية(1).
فروع:
أ - الأقوى أن المكاتبة كالأجنبية، لتحريمها على المولى بعقد الكتابة، سواء كانت مطلقة أو مشروطة.
ب - لو كانت الأمة مزوّجة أو معتدة لم يكن للسيد تغسيلها.
ج - لو انعتق بعضها فكالحرة، أما المولى منها من الزوجات و الإماء، أو المظاهر منها، فإنهن كالزوجات، و المرتدة كالزوجة يغسلها الزوج.
السبب الثالث: المحرمية،
و للرجل أن يغسل من ذوي أرحامه محارمه من وراء الثياب عند عدم الزوج و النساء، نعني بالمحارم من لا يجوز للرجل نكاح واحدة منهن نسبا أو رضاعا، كالبنت و الأخت، و العمة و الخالة، و بنت الأخ و بنت الأخت، ذهب إليه علماؤنا، لتسويغ النظر إليهن في الحياة. و منع الجمهور ذلك(2) ، و كلام الشافعية يعطي الجواز - و به قال مالك، و محمد [1] - عند الضرورة(3).1.
ص: 359
و أما من ليس من المحارم من ذوي الأرحام، كبنت العم، و بنت الخال، فإنهن كالأجنبيات.
مسألة 129: لو ماتت امرأة و ليس هناك إلاّ الأجنبي،
قال علماؤنا: تدفن بثيابها، و لا يغسلها الأجنبي، و لا ييمّمها، لتحريم النظر و اللمس في حال الحياة، فكذا الموت، و لقول الصادق عليه السلام في الرجل يموت في السفر في أرض ليس معه إلاّ النساء قال: «يدفن و لا يغسل، و المرأة تكون مع الرجال في تلك المنزلة تدفن و لا تغسل»(1).
و للشافعي وجهان، أحدهما: أنهم يغسلونها في ثيابها، و يلف الغاسل خرقة على يده، و يغض الطرف إلاّ لضرورة، و أظهرهما: أنها لا تغسّل و لكن تيمم(2).
و فقد الغاسل كفقد الماء، و بهذا قال مالك، و أبو حنيفة(3) ، و عن أحمد روايتان كالوجهين(4).
و قد روى أصحابنا أنهم يغسلون منها محاسنها: يديها، و وجهها، لأنها مواضع التيمم(5) ، قال الشيخ: و المنع أحوط(6). و روي عن الباقر عليه1.
ص: 360
السلام: «يصبون عليها الماء صبا من وراء الثياب»(1) و استحبّه الشيخ في كتابي الأخبار جمعا بينهما(2) ، و روي أنهم يغسلون مواضع الوضوء(3).
مسألة 130: لو كان مع الرجال الأجانب نساء كافرات،
قال علماؤنا: يأمر الرجال المسلمون امرأة من الكفار بالاغتسال - إما تعبدا، أو لزوال النجاسة الطارئة - ثم يعلمها تغسيل المسلمات، فتغسلها، لقول الصادق عليه السلام عن المرأة المسلمة تموت و ليس معها امرأة مسلمة، و لا رجل مسلم من ذوي قرابتها، و معها نصرانية و رجال مسلمون، قال: «تغتسل النصرانية، ثم تغسلها»(4) و به قال مكحول مع ذوي أرحامها أيضا(5) ، و غسّلت امرأة علقمة امرأة نصرانية(6) ، و منع أكثر الجمهور من ذلك، لأنه عبادة فلا تصح من الكافر، بل ييمّمها الرجال(7).
مسألة 131: و لا يغسل الرجل إلاّ رجل، أو زوجته،
ذهب إليه العلماء كافة - إلاّ رواية عن أحمد(8) - قالت عائشة: لو استقبلنا من أمرنا ما استدبرناه ما غسل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله غير نسائه(9). و وصّى أبو6.
ص: 361
بكر أن تغسله زوجته أسماء بنت عميس(1) ، و لقول الصادق عليه السلام عن الرجل يصلح أن ينظر إلى امرأته حين تموت، أو يغسلها إن لم يكن عندها من يغسلها، و عن المرأة هل لها مثل ذلك من زوجها حين يموت: «لا بأس، إنما يفعل ذلك أهل المرأة، كراهة أن ينظر زوجها إلى شيء يكرهونه»(2).
فروع:
أ - قال في النهاية: تغسله هي أو غيرها من محارمه مع عدم الرجال من وراء الثياب و لا يجردنه(3). و أطلق في غيرها(4) ، و هو الوجه، و الروايات المانعة(5) ، محمولة على الاستحباب، و كذا ما روي من اشتراط تغسيلها إيّاه من وراء الثياب(6).
ب - لو طلق رجعيّا ثم مات جاز لها أن تغسله - و روى المزني عن الشافعي المنع(7) - و لو كان بائنا لم يجز.
ج - يجوز لأم ولده أن تغسله - و هو أحد وجهي الشافعي(8) - لأنها لو ماتت غسّلها فأشبهت الزوجين، و أوصى زين العابدين عليه السلام أن تغسله5.
ص: 362
أم ولد له إذا مات، فغسلته(1).
و قال أبو حنيفة: لا يجوز، و هو الوجه الآخر للشافعي، لأنها عتقت بموته فصارت كالأجنبية(2) ، و العتق بالموت لا يمنع الغسل كالفرقة به، و قد ناقض أبو حنيفة بأنها معتدة منه(3) كما أن الزوجة معتدة منه.
د - لو لم تكن الأمة أم ولد احتمل أنها كأم الولد، و المنع لانتقال الملك إلى غيره، و لم يكن بينهما من الاستمتاع ما تصير به في معنى الزوجات، و كذا لو طلّقها قبل الدخول.
ه - لو كانت الزوجة كافرة، لم يكن لها غسل زوجها إلا مع عدم المحارم، و منع بعض الجمهور مطلقا، لوجوب النيّة، و ليس الكافر من أهلها(4).
و - لو تعذّر المسلم و الزوجة، جاز أن يغسله بعض محارمه من وراء الثياب، لقول الصادق عليه السلام: «إذا مات الرجل مع النساء، غسلته امرأته، فإن لم تكن امرأته، غسلته أولاهن به و تلف على يدها خرقة»(5) و قال عليه السلام في الرجل يموت و ليس عنده من يغسله إلاّ النساء، هل تغسله النساء؟ قال: «تغسله امرأته أو ذات محرمه، و يصب عليه الماء صبا من فوق الثياب»(6).5.
ص: 363
ز - لو مات و لا مسلم هناك و لا ذات رحم، فإن كان هناك كافر، أمر بعض النساء المسلمات رجلا كافرا بالاغتسال، و علّمنه غسل أهل الإسلام، ثم يغسّله كذلك، لقول الصادق عليه السلام في مسلم مات و ليس معه رجل مسلم، و لا امرأة مسلمة من ذوي قرابته، و معه رجال نصارى و نساء مسلمات، قال: «يغتسل النصارى ثم يغسلونه فقد اضطر»(1) و منع الجمهور من ذلك(2).
و إن لم يكن معه أحد من الكفار، قال علماؤنا: يدفن من غير غسل، و لا تيمم، لأن النظر إليه حرام، و به قال الأوزاعي(3).
و للشافعي وجهان، أحدهما: ييمم و لا يغسل - و به قال مالك، و أبو حنيفة - لأن في غسله النظر إلى من ليس له بمحرم(4) ، و الثاني: يغسل من فوق الثوب و يصب الماء من تحته، و يمر الغاسل يده عليه و على يده خرقة، و به قال النخعي(5) ، و عن أحمد روايتان كالوجهين(6).
ح - لو غسله الكافر لتعذر المسلم و ذات الرحم، أو غسلت الكافرة المسلمة، ثم وجد مسلم أو مسلمة، فالوجه إعادة الغسل ما لم يدفن، لأنه ساغ للضرورة و قد زالت، و لم تحصل الطهارة.
ط - لو كان الميت خنثى مشكلا، فإن كان صغيرا، فللرجال و النساء2.
ص: 364
غسله، و إن كان كبيرا، فإن كان له ذو رحم محرم من الرجال أو النساء غسله، و إن لم يكن فالوجه دفنه من غير غسل.
و للشافعي وجهان، أحدهما: ييمم - و به قال أبو حنيفة(1) - و الثاني:
يغسّل(2). و من يغسّل ؟ للشافعية وجوه:
أ - يشترى من تركته جارية تغسله، فإن لم تكن تركة فمن بيت المال، و هو خطأ لانتفاء الملك عنه، إذ الميت لا يملك شيئا، و لا استصحاب هنا.
ب - هو في حق الرجال كالمرأة، و في حقّ النساء كالرجل.
ج - الأظهر أنه يجوز للرجال و النساء غسله استصحابا لما كان في الصغر، و هو خطأ لانتفاء المقتضي في الصغر و هو انتفاء الشهوة(3).
مسألة 132: إذا ازدحم جماعة يصلحون للغسل،
فإن كان الميت رجلا فأولاهم به أولاهم بالميراث، و لو كان هناك رجال أباعد و محارم من النساء، جاز لهن تولي غسله - قاله في المبسوط(4) - فإن لم يكن محارم فكالأجنبيات.
و قال الشافعي: يترتبون في الغسل كالصلاة، الأب ثم الجد، ثم الابن، [ثم ابن الابن] [1] ثم الأخ، ثم ابنه، ثم العم، ثم ابنه(5) ، و هل تقدم زوجته على هؤلاء؟ له وجهان: التقدم لأن لها النظر إلى عورته1.
ص: 365
بخلاف القرابات، فكانت أولى(1).
و إن كان الميت امرأة، فالزوج عندنا أولى من كل أحد في جميع أحكامها من الغسل و غيره، سواء كان الغير رجلا أو امرأة، قريبا أو بعيدا.
و للشافعي في أولوية الزوج على النساء و القرابات من الرجال وجهان:
التقديم، لأنّه ينظر إلى ما لا ينظرن اليه، و أظهرهما: تقديمهن عليه، لأنّ الأنثى أليق بالأنثى.
و تقديمه على الرجال الأقارب لأنهم جميعا ذكور، و هو ينظر إلى ما لا ينظرون إليه، و وجه تقديمهم أن النكاح ينتهي بالموت، و سبب المحرمية باق(2).
و إن لم يكن هناك زوج و لا رجل، فإن كان لها فيهن رحم محرم - بمعنى أنه لو كان رجلا لم يحل له نكاحها كأمها وجدتها و بنتها - فهي أولى من كل أحد، و يترتبن ترتب الإرث، فإن كان فيهن ذات رحم لا محرم كبنت العمة فهي أولى من الأجنبيات.
و إن كان هناك رجال بلا نساء، فإن كان لها فيهم محرم، فهو أولى، و إن لم يكن محرم فكالأجنبي، فإن اجتمع رجال و نساء من القرابات فالنساء أولى، لأنهن أعرف و أوسع في باب النظر إليهن.
و جميع ما ذكرناه من التقديم مشروط بالإسلام، فالكافر كالمعدوم، حتى يقدم المسلم الأجنبي على القريب المشرك، و لو سلّم من له التقدمة الغسل لغيره، فله القيام به بشرط اتحاد الجنس.
مسألة 133: لا يغسّل الرجل أجنبية، و لا المرأة أجنبيا،
و هو قول أكثر1.
ص: 366
العلماء - و به قال سعيد بن المسيب، و النخعي، و حماد، و مالك، و أصحاب الرأي، و ابن المنذر، و الشافعي في أحد الوجهين، و أحمد في إحدى الروايتين لتحريم النظر، و في الأخرى: يغسّل من فوق القميص(1) ، و هو قول الحسن، و مكحول، و الشافعي في الآخر(2) و قد تقدم.
مسألة 134: أجمع العلماء على أن للنساء غسل الطفل مجردا من ثيابه
و إن كان أجنبيا، اختيارا و اضطرارا، لأن المرأة تربيه و لا تنفك عن الاطلاع على عورته لكن اختلفوا في تقديره، فلعلمائنا قولان، قال الشيخ: تغسل ابن ثلاث سنين(3) ، و هو أولى، لقول أبي عبد اللّه عليه السلام و قد قيل له:
حدثني عن الصبي إلى كم تغسله النساء؟ فقال: «إلى ثلاث سنين»(4) و لأنه وفاق.
و قال المفيد و سلاّر: تغسل ابن خمس سنين مجردا، و إن كان أكبر صبت الماء عليه صبا(5).
و قال الحسن: إذا كان فطيما أو فوقه. و قال الأوزاعي: ابن أربع أو خمس. و قال أصحاب الرأي: الذي لم يتكلم(6) ، و قال أحمد: دون سبع سنين، لأنه لا عورة له(7).2.
ص: 367
مسألة 135: و كذا للرجال غسل الصبية إجماعا منّا،
لكن اختلف علماؤنا، فالشيخان جوّزا بنت ثلاث سنين مجردة، فإن كانت أكبر غسلوها في ثيابها(1) ، و قال الصدوق: إن كانت بنت خمس سنين تدفن و لا تغسل، و إن كانت أقل غسلت(2) ، لرواية محمد بن يحيى(3) ، و هي مرسلة، و الأول أقرب كالصبي.
و قال الثوري: تغسل المرأة الصبي، و الرجل الصبية، و غسل أبو قلابة بنتا له، و سوغه الحسن، و كرهه أحمد، و الزهري(4).
مسألة 136: الصبي إذا غسل الميت، فإن كان مميزا فالوجه الجواز،
لأنه تصح طهارته، فصح أن يطهّر غيره كالكبير، و يحتمل المنع، لأنّه ليس من أهل التكليف، و يصح أن يغسل المحرم الحلال و بالعكس، لأنّ كل واحد منهما تصح طهارته و غسله، فكان له أن يطهر غيره.
و لا يجب تغسيل الكافر، ذميا كان أو حربيا، مرتدا كان أو أصليا، قريبا كان أو بعيدا، و لا يجوز ذلك، ذهب إليه علماؤنا أجمع - و به قال مالك، و أحمد في رواية(5) - لانتفاء التطهير عنه، و لأنه لا يصلّى عليه، و لا يدعى له، فلم يكن له [1] غسله.
ص: 368
و قال الشافعي: يجوز له غسل قريبه الكافر - و هو رواية عن أحمد(1) - لأن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أمر عليا عليه السلام بمواراة أبيه(2) ، و لأن غسله من المعروف، فيدخل تحت قوله وَ صاحِبْهُما فِي الدُّنْيا مَعْرُوفاً (3) و الجواب أن أبا طالب مات مسلما، و قد اشتهر النقل بذلك(4) ، و الغسل من أمور الآخرة.
فروع:
أ - لو ماتت الذمية تحت المسلم لن يغسلها، و قال الشافعي: له أن يغسلها لأن النكاح كالقرابة(5).
ب - أولاد المشركين يجرون مجرى آبائهم في عدم التغسيل، كما أن أولاد المسلمين كآبائهم في وجوبه.
ج - قال المفيد: لا يجوز لأحد من أهل الإيمان أن يغسل مخالفا في الولاية، و لا يصلي عليه، إلا أن تدعوه ضرورة فيغسله غسل أهل الخلاف(6).
د - ولد الزنا يغسل، و به قال الشيخ(7) ، و من قال من أصحابنا بكفره(8)7.
ص: 369
منع من غسله.
حتى السقط إذا استكمل أربعة أشهر - و به قال سعيد بن المسيب، و ابن سيرين، و إسحاق، و أحمد(1) - لأنه مات بعد حياته فيجب غسله، لما روى الجمهور أن الملائكة غسلت آدم عليه السلام، و قالوا لولده: هذه سنة موتاكم(2).
و من طريق الخاصة ما رواه أحمد بن محمد عمن ذكره، قال: إذا تمّ للسقط أربعة أشهر غسل(3).
و قال أبو حنيفة، و مالك: يدرج في خرقة و يدفن إلا أن يستهل لأنه لم يثبت له حكم الحياة، و لا يرث و لا يورث، و الإرث منتف لعدم العلم بحياته حال موت مورثه(4) ، و للشافعي كالمذهبين(5).
فروع:
أ - لو كان للسقط أقل من أربعة أشهر لم يغسل و لم يكفن و لم يصلّ عليه، و لفّ في خرقة و دفن، و هو مذهب العلماء كافة، إلا ابن سيرين فإنه قال: يصلّى عليه(6).
ص: 370
ب - لو وجد ميت لا يعلم أ مسلم هو أم كافر، نظر إلى العلامات كالختان، فإن لم تكن عليه علامة، و كان في دار الإسلام غسّل و صلّي عليه، و إلاّ فلا.
ج - صدر الميت كالميت في أحكامه كلها، و في وجوب تحنيطه إشكال ينشأ من اختصاصه بالمساجد، و من الحكم بالمساواة.
و غير الصدر، إن كان فيه عظم، غسّل، و لفّ في خرقة، و دفن، قال سلار: و يحنط(1) - و هو حسن [1] إن كان أحد المساجد وجوبا، و إلاّ فلا - و إلاّ لفّ من غير غسل و دفن.
د - لو أبينت قطعة من حيّ و فيها عظم، قيل: تدفن من غير غسل، لأنها من جملة لا تغسل(2) و نمنع التعليل، لأن القطعة ميتة، و كل ميت يغسل، و الجملة تغسل لو ماتت.
ذهب إليه علماؤنا أجمع، و به قال أهل العلم إلا الحسن، و سعيد بن المسيب، فإنهما أوجبا غسله، لأنه ما مات ميّت إلا جنب(3). و فعل النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أحق بالاتباع، و قد أمر بدفن شهداء أحد، و قال: (زمّلوهم بدمائهم فإنهم يحشرون يوم القيامة و أوداجهم تشخب دما، اللون لون الدم، و الريح ريح المسك)(4) و قال الصادق عليه السلام: «الذي يقتل في سبيل اللّه يدفن في
ص: 371
ثيابه و لا يغسل إلا أن يدركه المسلمون و به رمق، ثم يموت بعد، فإنه يغسل و يكفن و يحنط، إن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كفن حمزة في ثيابه و لم يغسله، و لكنه صلّى عليه»(1).
فروع:
أ - لو كان الشهيد جنبا، قال الشيخ: لم يغسل(2) ، و به قال مالك(3) ، لعموم الخبر في الشهداء(4) و قال ابن الجنيد و المرتضى: يغسل(5) ، و به قال أبو حنيفة و أحمد(6) ، و للشافعي كالمذهبين(7) ، لأن حنظلة بن الراهب قتل يوم أحد [1]، فقال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: (ما شأن حنظلة، فإني رأيت الملائكة تغسله) فقالوا: إنه جامع ثم سمع الهيعة [2] فخرج إلى القتال(8).3.
ص: 372
ب - لو طهرت المرأة من حيض، أو نفاس، ثم استشهدت لم تغسل للعموم(1). و قال أحمد: تغسل كالجنب، و لو قتلت في الحيض، أو النفاس، سقط الغسل عنده، لأن الطهر منهما شرط فيه(2).
ج - المرأة كالرجل، و العبد كالحر، و الصبي كالبالغ و إن كان رضيعا - و به قال الشافعي، و أبو يوسف، و محمد، و أحمد، و أبو ثور، و ابن المنذر(3) - لأنه مسلم قتل في معركة المشركين فكان البالغ، و لأنه كان في قتلى أحد و بدر [1] أطفال كحارثة بن النعمان، و عمير بن أبي وقاص، و لم ينقل أن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله غسلهم، و في يوم الطف [2] قتل ولد رضيع للحسين عليه السلام و لم يغسله، و قال أبو حنيفة: لا يثبت حكم الشهادة2.
ص: 373
لغير البالغ، لأنه ليس من أهل القتال(1). و يبطل بالمرأة.
د - شرط الشيخان في سقوط غسل الشهيد، أن يقتل بين يدي إمام عادل في نصرته، أو من نصبه(2).
و يحتمل اشتراط تسويغ القتال، فقد يجب القتال، و إن لم يكن الإمام موجودا، لقولهم عليهم السلام: «اغسل كل الموتى إلا من قتل بين الصفين»(3).
ه - كل مقتول في غير المعركة يغسل، و يكفن، و يحنط، و يصلّى عليه، و إن قتل ظلما، أو دون ماله، أو نفسه، أو أهله، ذهب إليه علماؤنا أجمع - و به قال الحسن، و مالك، و الشافعي، و أحمد في رواية(4) - لقول الصادق عليه السلام: «اغسل كل الموتى، إلا من قتل بين الصفين»(5).
و قال الشعبي، و الأوزاعي، و إسحاق، و أحمد في رواية: لا يغسل(6) ، لقول النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: (من قتل دون ماله فهو شهيد)(7).
و - النفساء تغسل، و تكفن، و يصلّى عليها، و هو مذهب العلماء8.
ص: 374
كافة، إلا الحسن قال: لا يصلّي عليها لأنها شهيدة(1) ، و فعل النبيّ صلّى اللّه عليه و آله بخلافه، فإنه صلّى على امرأة ماتت في نفاسها(2) و تسميتها شهيدة للمبالغة في عظم ثوابها.
ز - المطعون و المبطون و الغريق، و المهدوم عليه يغسلون بالإجماع، و تسميتهم شهداء باعتبار الفضيلة.
ح - لا فرق في الشهيد بين من قتل بالحديد، و الخشب، و الصدم، و اللطم باليد أو الرجل، عملا بإطلاق اللفظ.
ط - لو عاد عليه سلاحه فقتله، فهو كالمقتول بأيدي العدو، لأنه قتل بين الصفين، و قال رجل من أصحاب النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: أغرنا على حي من جهينة، فطلب رجل من المسلمين رجلا منهم فضربه فأخطأ فأصاب نفسه بالسيف، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: (أخوكم يا معشر المسلمين) فابتدر الناس، فوجدوه قد مات، فلفّه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بثيابه، و دمائه، و صلّى عليه، فقالوا: يا رسول اللّه أ شهيد هو؟ قال:
(نعم، و أنا له شهيد)(3).
ي - لو وجد غريقا أو محترقا في حال القتال، أو ميتا لا أثر فيه، قال الشيخ: لا يغسل(4) و به قال الشافعي(5) - لاحتمال أنه مات بسبب من أسباب القتال.5.
ص: 375
و قال ابن الجنيد: يغسل(1) - و به قال أبو حنيفة(2) - لوجوب الغسل في الأصل، و قول الشيخ جيد.
يا - قال الشافعي: القتل الذي يثبت به حكم الشهادة هو أن يقتل المسلم في معترك المشركين بسبب من أسباب قتالهم، مثل أن يقتله المشركون، أو يحمل على قوم منهم فيتردى في بئر أو يقع من جبل، أو يسقط من فرسه، أو يرفسه فرس غيره، أو يرجع سهم نفسه عليه فيقتله(3) ، و هو جيد.
فإن انكشف الصف عن مقتول من المسلمين، لم يغسل و إن لم يكن به أثر، و قال أبو حنيفة و أحمد: إن لم يكن أثر غسل(4) ، قال أبو حنيفة: فإن كان دم يخرج من عينه أو إذنه لم يغسل، و إن كان يخرج من أنفه أو ذكره أو دبره غسل(5).
يب - لو نقل من المعركة و به رمق، أو انقضى الحرب و به رمق، غسّل - و به قال الشافعي، و أحمد(6) - سواء أكل أو لا، وصّى أو لم يوص، للأصل الدال على وجوب الغسل، و قال الصادق عليه السلام: «الشهيد2.
ص: 376
إذا كان به رمق غسل و كفن و حنط و صلّي عليه، و إن لم يكن به رمق دفن في أثوابه»(1).
و قال مالك: لا اعتبار بتقضي الحرب، بل بأن يأكل، أو يشرب، أو يبقى يومين أو ثلاثة، فيغسل حينئذ(2).
و قال أصحاب أبي حنيفة: إذا خرج عن صفة القتل و صار إلى حال الدنيا نقض بذلك حكم الشهادة، مثل أن يأكل أو يشرب، أو يوصي، فأما غير ذلك فلم يخرج بذلك عن صفة القتلى، لأن القتيل قد يبقى فيه النفس، و معنى الشهادة حاصل في حقه(3) ، و ليس بجيد، لأنه مات بعد تقضّي الحرب، فلم يثبت له حكم الشهادة، كما لو أوصى.
ذهب إليه علماؤنا، و به قال أبو حنيفة(4) ، لأن عليا عليه السلام لم يغسّل من قتل معه(5) ، و أوصى عمار أن لا يغسل، و قال: ادفنوني في ثيابي فإني مخاصم(6) ، و أوصى أصحاب الجمل إنّا مستشهدون غدا، فلا تنزعوا عنّا ثوبا و لا تغسلوا عنّا دما(7).
ص: 377
و قال مالك: يغسل(1) ، و للشافعي كالقولين(2) ، و عن أحمد روايتان(3) ، لأن أسماء بنت أبي بكر غسلت ابنها عبد اللّه بن الزبير(4) ، و ليس بجيد، لأنه أخذ و صلب فهو كالمقتول ظلما، و ليس بشهيد في المعركة.
أما الباغي فللشيخ قولان، في المبسوط و الخلاف: لا يغسل، و لا يكفن، و لا يصلّى عليه، سواء مات في المعركة أو لا، و استدل بأنه كافر(5) - و به قال أبو حنيفة - (6) لأنهم جماعة ليس لهم منعة و قوة باينوا أهل الحق بدار و قتال، فلا يغسلون، و لا يصلّى عليهم كأهل دار الحرب.
و قال في سير الخلاف: يغسل و يصلّى عليه(7) - و به قال الشافعي، و مالك، و أحمد(8) - لقوله عليه السلام: (صلوا على من قال لا إله إلاّ اللّه)(9) و لأنه مسلم قتل بحق، فأشبه الزاني.
ص: 378
و دفنوا - و به قال مالك، و أحمد، و للشافعي قولان(1) - للعموم(2).
و قال أبو حنيفة: من قتل ظلما بحديد فإنه لا يغسل كالشهيد، و من قتل بمثقل غسل(3). و هو خطأ لأن عليا عليه السلام قتل بحديد، و كذا عمر، و غسلا(4).
و لو قتل اللص و قاطع الطريق، غسل و كفن و صلّي عليه و دفن، لأن الفسق لا يمنع هذه الأحكام.
و التحنّط، ثم يقام عليه الحد و يدفن(5) ، و وافقهما الصدوق، و زاد تقديم الكفن أيضا(6) ، لأن الصادق عليه السلام قال: «المرجوم و المرجومة يغسلان و يحنطان و يلبسان الكفن قبل ذلك، و يصلّى عليهما، و المقتص منه بمنزلة ذلك، يغتسل و يتحنط و يلبس الكفن و يصلى عليه»(7).
و قال الشافعي: المقتول قصاصا، أو رجما، يغسل و يصلّى عليه(8) ، و الظاهر أن مراده بعد موته.
ص: 379
فروع:
أ - لا يجب غسله ثانيا، و لكن يصلى عليه إذا كان مسلما.
ب - لو مسّه بعد القتل، لم يجب عليه الغسل، لأنه مغتسل و قد طهر به، و إلاّ انتفت فائدته، و تقديم الغسل يمنع من تجدد النجاسة بالموت، لتحقق الطهارة به.
ج - الشهيد لا يجب بمسه الغسل، لطهارته.
د - لو اغتسل المقتول قودا، فمات قبل القتل، وجب الغسل عليه و على لأمسه.
إلاّ أنّه لا يقرّب الكافور و الطيب في غسل و لا حنوط، و لا يمنع من المخيط، و لا من تغطية الرأس و الرجلين، قاله الشيخان(1) و أكثر علمائنا [1] لقوله عليه السلام: (لا تقربوه طيبا، فإنه يحشر يوم القيامة ملبيا)(2).
و من طريق الخاصة، ما رواه محمد بن مسلم، عن الباقر و الصادق عليهما السلام، قال: سألتهما عن المحرم كيف يصنع به إذا مات ؟ قال: «يغطى وجهه و يصنع به كما يصنع بالحلال، غير أنه لا يقرب طيبا»(3)
ص: 380
و قال المرتضى و ابن أبي عقيل منّا: إن إحرامه باق فلا يقرّب طيبا، و لا يخمّر رأسه(1) - و به قال عطاء، و الثوري، و الشافعي، و أحمد، و إسحاق، و رواه الجمهور عن علي عليه السلام، و عثمان، و ابن عباس(2) - لقوله عليه السلام في الذي وقص به بعيره غداة عرفة فمات: (اغسلوه بماء و سدر، و كفّنوه في ثوبين، و لا تمسوه طيبا و لا يخمّر رأسه، فإن اللّه يبعثه يوم القيامة ملبيا)(3).
و قال مالك، و الأوزاعي، و أبو حنيفة: يبطل إحرامه بموته، و يصنع به كما يصنع بالحلال، و هو مروي عن عائشة، و ابن عمر، و طاوس، لأنها عبادة شرعية تبطل بالموت كالصلاة(4) ، و الفرق أن الصلاة تبطل بالجنون، و هذه عبادة محضة لا تبطل به، فكذا الموت كالإيمان.
فروع:
أ - قد بيّنا أنه يغسل كالحلال. و قال أحمد: يصب عليه الماء صبا، و لا يغسل كالحلال و لا يحرك رأسه، و لا مواضع الشعر، لئلا ينقطع شعره(5).2.
ص: 381
ب - تغطى رجلاه للحديث(1) و عن أحمد المنع(2). و هو خطأ لأن إحرام الرجل في رأسه، و لا يمنع من تغطية رجليه.
ج - يغطى وجهه للخبر(3) ، و عن أحمد المنع(4) ، و هو خطأ، لأنه لا يمنع من تغطية وجهه حيا فكذا ميتا.
د - يجوز أن يلبس المخيط للحديث(5) و عن أحمد المنع، لأنه يمنع في حياته، فكذا بعدها(6).
و لو كان الميت امرأة ألبست القميص، و خمّر رأسها إجماعا، و لا تقرّب طيبا، و يغطى وجهها عندنا، خلافا لأحمد(7).
ه - لا تلحق المعتدة بالمحرم، لأن وجوب الحداد للتفجع على الزوج، و قد زال بالموت، و هو أحد وجهي الشافعي، و الآخر: أنها تصان عنه صيانة لها عمّا كان حراما عليها، كالمحرم(8).
و - لا يلحق المعتكف بالمحرم و إن حرم عليه الطيب حيّا.5.
ص: 382
قال في المبسوط: قيل: إنه يوضأ الميت، فمن عمل به كان جائزا، غير أن عمل الطائفة على ترك العمل به، لأن غسل الميت كغسل الجنابة، و لا وضوء في غسل الجنابة(1) ، للنقل المستفيض عن أهل البيت عليهم السلام أنه كغسل الجنابة(2) ، و الانتقال من تليين أصابعه و غسل يديه إلى غسل رأسه و جسده، من غير ذكر الوضوء(3) ، و كذا في الخلاف(4) ، و في الاستبصار: يستحب(5).
و قال المفيد: ثم يوضئ الميت، فيغسل وجهه و ذراعيه، و يمسح برأسه و ظاهر قدميه(6).
و أطبق الجمهور على استحبابه(7) ، لقول النبيّ صلّى اللّه عليه و آله:
(فإذا فرغت من غسل سفلتها غسلا نقيا بماء و سدر، فوضّئيها وضوء الصلاة، ثم اغسليها)(8).
و قال الصادق عليه السلام: «في كل غسل وضوء، إلا غسل
ص: 383
الجنابة»(1).
تذنيب: إن قلنا بمشروعية الوضوء، منعنا المضمضة و الاستنشاق - و به قال أكثر العلماء، كسعيد بن جبير، و النخعي، و الثوري، و أبي حنيفة و أحمد(2) - لأن إدخال الماء فاه و أنفه لا يؤمن معه وصوله إلى جوفه، فيفضي إلى البلة به، و لا يؤمن خروجه في أكفانه.
و قال الشافعي باستحبابهما كالحي(3) ، لقوله عليه السلام لأم عطيّة حين غسلت بنته: (ابدئي بميامنها و مواضع الوضوء)(4).
فإن خيف من ذلك لكونه مجدورا أو محترقا اكتفي بصب الماء عليه، لأن الإمرار مستحب و تقطيع الجلد حرام، فيعدل إلى تركه، لقول الباقر عليه السلام:
«المجدور، و الكسير، و الذي به القروح، يصب عليه الماء صبا»(5).
فإن خيف من الصب يمّم بالتراب، و هو إجماع العلماء لتعذر الطهارة المائية - و خلاف الأوزاعي(6) لا اعتبار به لانقطاعه - لأن عليّا عليه السلام قال: «إن قوما أتوا النبيّ صلّى اللّه عليه و آله فقالوا: يا رسول اللّه مات صاحب
ص: 384
لنا و هو مجدور، فإن غسلناه انسلخ، قال: يمّموه»(1).
تذنيب: و كذا ييمّم الميت لو فقد الماء، أو تعذر الوصول إليه، أو وجد المضاف أو النجس، أو اضطر الحيّ إلى شربه.
و هو قول من يحفظ عنه من علماء الأمصار.
قال الحسن البصري، و سعيد بن المسيب: ما مات ميت إلا جنب(2).
و قال الباقر عليه السلام في الجنب إذا مات: «ليس عليه إلا غسل واحد»(3).
و عن الصادق عليه السلام في النفساء إذا ماتت كيف تغسل ؟ قال:
«مثل الطاهر، و كذلك الحائض و الجنب، إنما يغسل غسلا واحدا»(4).
و نقل عن الحسن البصري: أنه يغسل مرتين للجنابة أو الحيض، ثم للموت(5) ، و هو غلط، لأنهما خرجا عن التكليف.
ذهب إليه علماؤنا أجمع، و أكثر أهل العلم، و عن أحمد رواية بالوجوب كالحي(6) ، و الأصل ممنوع، و لو كان واجبا لنقل، و الأصل عدمه.
ص: 385
و يستحب أن يغسل كل غسلة بتسعة أرطال من ماء كالجنب، و الواجب الإنقاء، لقول العسكري عليه السلام: «حده يغسل حتى يطهر إن شاء اللّه»(1).
و يستحب أن يبدأ في كل غسلة بيديه و فرجه مبالغة في الإنقاء.
و يستحب للغاسل أن يذكر اللّه تعالى عند غسله، و يتأكد بالمأثور، قال الباقر عليه السلام: «أيّما مؤمن غسل مؤمنا، فقال - إذا قلبه - اللّهم هذا بدن عبدك المؤمن، و قد أخرجت روحه و فرقت بينهما، فعفوك عفوك، إلاّ غفر اللّه له ذنوب سنة، إلا الكبائر»(2).
و يكره جعله بين رجليه، لقول الصادق عليه السلام: «و لا يجعله بين رجليه في غسله، بل يقف من جانبه»(3).
و روي عنه عليه السلام «أنه لا بأس أن تجعل الميت بين رجليك و أن تقوم فوقه فتغسله إذا قلبته يمينا و شمالا أن تضبطه بين رجليك، لئلا يسقط لوجهه»(4) ، قال في التهذيب: إنّه يدل على الجواز، و إن كان الأفضل ما تقدم(5).
لأن في
ص: 386
الجلوس أذية له، و استدل الشيخ بإجماع الفرقة(1) ، و برواية حمران بن أعين قال: «إذا غسلت الميت فارفق به، و لا تعصره» و في أخرى: «و لا تعصروا له مفصلا»(2).
و روي عن الصادق عليه السلام قال: «أقعده، و اغمز بطنه غمزا رفيقا»(3) قال الشيخ: إنه للتقية، لموافقته لمذهب العامة(4).
(5) ، ذهب إليه علماؤنا أجمع حتى أن الشيخ في الخلاف قال: لا يجوز تسريح اللحية(6) ، و كذا حلق العانة، و نتف الإبط، و حف الشارب مكروه عند علمائنا أجمع - و هو أحد قولي الشافعي، و به قال مالك، و الثوري، و أبو حنيفة(7) - لأن ما يسقط منه يطرح في كفنه، فلا معنى لقص ذلك، مع القول بوضعها في الكفن، و لقول الصادق عليه السلام: «لا يمس من الميت شعر، و لا ظفر، و إن سقط منه شيء فاجعله في كفنه»(8).
و قال أحمد بالجواز - و هو قول الحسن، و الشافعي في الجديد(9) - لقوله
ص: 387
عليه السلام: (اصنعوا بموتاكم ما تفعلون بعرائسكم)(1) ، و حلق سعد بن أبي وقاص عانة ميت(2).
و ينتقض بالطيب للعروس، و تحريمه للميت، و كذا لبس الحلي و التزيين، و فعل سعد لا عبرة به.
فروع:
أ - لا يحلق رأس الميت عند علمائنا، و قال الشيخ: إنه بدعة(3) و هو قول العلماء(4) إلا الشافعي في أضعف القولين فإنه قال: إن لم يكن على رأسه جمة حلق كحلق العانة، و إن كان ممن يربي الشعر لم يحلق، لأن الشعر زينة، و ليس حلقه بتنظيف، بخلاف العانة، على أن الأصل ممنوع(5).
ب - يكره تسريح اللحية و إن كانت ملبدة - و به قال أبو حنيفة(6).
لأدائه إلى نتف شعره.
و قال الشافعي: يستحب برفق بمشط منفرج الأسنان(7).5.
ص: 388
ج - لو لم يكن الميت مختتنا، لم يختن بعد موته، و به قال الشافعي(1) ، و كذا لو وصل عظمه بعظم ميتة، لم يقلع لأنه صار جزءا منه، و صار كلّه ميتا.
د - ينبغي إخراج الوسخ [من] [1] بين أظافيره بعود لين، و إن شد عليه قطنا و يتبعها به كان أولى، و هو قول الشافعي(2) أيضا.
ه - إذا فرغ الغاسل من غسله نشفه بثوب - و هو إجماع - لئلا يسرع الفساد إلى الكفن مع البلل، و لقول الباقر و الصادق عليهما السلام:
«إذا جففت الميت عمدت إلى الكافور فمسحت به آثار السجود و مفاصله»(3).
و - ليس من السنة ضفر شعر الميّتة، و به قال أبو حنيفة، و الأوزاعي، قالا: لكن يرسل مع خديها من بين يديها من الجانبين، ثم يرسل عليه الخمار، لأن ضفره يحتاج إلى التسريح، فيسقط شعرها، و هو مكروه(4) ، لأن هيئات الأفعال بالميت شرعية، و لم يثبت عن الشرع ذلك.
و قال الشافعي، و أحمد، و إسحاق، و ابن المنذر: يستحب ضفره ثلاثة قرون، قرنيها و ناصيتها، و يلقى من خلفها(5) ، لأن أم عطية قالت:1.
ص: 389
ضفرنا شعرها ثلاثة قرون و ألقيناه خلفها - (1) يعني بنت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله - و فعل أم عطية ليس حجة، و لم يثبت التوقيف.
مسألة 151: يكره تسخين الماء إلاّ لضرورة، كالبرد المانع للغاسل عنه - و به قال الشافعي، و أحمد(2) - لقول الباقر عليه السلام: «لا يسخن الماء للميت»(3) ، و لأن البارد يمسكه و المسخن يرخيه، و لهذا يطرح الكافور في الماء ليشده و يبرده.
و قال أبو حنيفة: التسخين أولى لأنه ينقي ما لا ينقيه البارد(4).
و لو احتيج إلى التسخين لإزالة الوسخ زالت الكراهة، و لو تعذر الإسخان و لم يتمكن الغاسل للبرد يمّمه، لتعذر استعمال الماء.
تذنيب: إذا تعذّر استعمال الماء وجب التيمم، و هل ييمم ثلاثا أو مرّة ؟ الأقرب الأول، لأنه بدل عن ثلاثة أغسال، و يحتمل الثاني، لاتحاد غسل الميت.
و لا التجمير عند التغسيل لأن الاستحباب عبادة شرعية، فيقف ثبوتها على دلالة الشرع، و لم
ص: 390
يثبت - و استحبه الجمهور لدفع الرائحة الكريهة(1) ، و ليست ثابتة مع كل ميّت، و قد تندفع بغيره - و قال الصادق عليه السلام: «قال أمير المؤمنين عليه السلام: لا تجمروا الأكفان و لا تمسوا موتاكم بالطيب، إلا بالكافور، فإن الميت بمنزلة المحرم»(2) ، و قال الباقر عليه السلام: «لا تقربوا موتاكم النار» يعني الدخنة(3).
إذ النجس لا يطهر غيره، و الإطلاق، فإن المضاف غير مطهر عندنا، و على قول المرتضى الأقوى أنه كذلك، لأنها عبادة فأشبهت الوضوء(4) ، و لو جعلناه إزالة النجاسة انسحب على قوله الجواز.
و الملك أو الإباحة، فلو كان مغصوبا مع علم الغاسل لم يطهر، لامتناع التعبد بالقبيح، و إن جعلناه إزالة نجاسة أمكن الجواز كغيره من النجاسات، و لو كان الغاسل جاهلا أجزأ كالوضوء.
و كذا يجب كون الكافور و السدر مملوكين، و لو غسله في مكان مغصوب، فالأقوى الإجزاء.
ص: 391