ص: 2

ص: 3

ص: 4

بسم اللّه الرحمن الرحیم

من الموت إلی الحیاه السعیده الرغیده. قال تعالی: وَ کَذلِکَ أَوْحَیْنا إِلَیْکَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا ما کُنْتَ تَدْرِی مَا الْکِتابُ وَ لاَ الْإِیمانُ [الشوری: 52].

و ما کادت العرب تسمع کلام اللّه، و ما کاد هذا القرآن یلامس آذانهم و یقرع أسماعهم حتی أخذ لبّهم، و أثّر فیهم تأثیرا عجیبا، و ملک علیهم قلوبهم، حتی الأعداء من المشرکین أدرکوا أنه لیس بکلام بشر، و لا یشبه کلام شیء یعرفونه، فوصفوه بالسحر، و هذا دلیل علی أن هذا القرآن أخذ عقولهم، و بهرها.

أما المسلمون، الذین أضاء اللّه قلوبهم بالإیمان، و شرح اللّه صدورهم بالإسلام، اقبلوا علی کتاب ربهم، و کلام خالقهم، دراسه و تمحیصا، و حفظا، و عملا...

سعد المسلمون بهذا الکتاب الکریم، الذی جعل اللّه فیه الهدی و النور، و الشفاء لما فی الصدور، و أیقنوا أنه لا شرف إلاّ و القرآن سبیل إلیه، و لا خیر إلاّ و فی آیاته دلیل علیه، فراحوا یثورون القرآن لیقفوا علی ما فیه من مواعظ و عبر، و أخذوا یتدبرون آیاته لیأخذوا من مضامینها ما فیه سعاده الدنیا و خیر الآخره(1).

و لذلک تناول المسلمون القرآن بالدراسه و البحث، فأفادت منه العلوم بمختلف أنواعها و أصنافها.

و ألّفت فی علومه کتب و مؤلفات عدیده، فی التفسیر و القراءات و الرسم القرآنی، و استنباط الأحکام، و الإعجاز، و الناسخ و المنسوخ، و أسباب النزول، و الغریب، و المبهمات، و الفضائل، و القصص، و غیر ذلک.

و بتعدد المؤلفات و ازدهارها فی کل نوع من أنواع علوم القرآن احتاج المسلمون إلی جمع شتات هذه العلوم، فاعتصروا منها علما جدیدا یکون جامعا لها، و هو ما یطلق علیه «علوم القرآن» بالمعنی الاصطلاحی.

فعلوم القرآن - کفن مدوّن - مباحث تتعلّق بالقرآن الکریم من ناحیه نزوله و ترتیبه و جمعه و کتابته و قراءته و تفسیره و إعجازه و ناسخه و منسوخه.

و أنّ من أفضل و أجمع ما کتب فی علوم القرآن هو کتاب «الاتقان فی علوم القرآن» للإمام جلال الدین السیوطی، فقد أبدع فیه، و ملأه من درر هذه العلوم أفضلها و أغلاها، فکان دره مضیئه فی هذا الباب.

فلذلک أحببت أن أقوم بتحقیقه، لإخراجه بثوب یلیق به من التحقیق، و تدقیق النص، و طباعته طباعه لائقه به، نظرا لعدم وجود أی طبعه من هذا الکتاب - و للأسف الشدید - محققهر.

ص: 6

تحقیقا علمیا(1).

و لقد کنت أقدم رجلا و أؤخّر أخری نظرا لکبر حجم هذا الکتاب، و غزاره محتویاته، و کثره أحادیثه و آثاره، فاستعنت باللّه العلی القدیر و شمّرت عن ساعد الجد، فاستغرق معی من التحقیق ما یقارب السنتین و النصف من العمل المتواصل.

اسأل اللّه أن یتقبل منا هذا الجهد، و أن یعفو عن زلاتنا، و یتجاوز عن أخطائنا، و أی یجعله فی میزان حسناتنا یوم نلقاه. انه ولی ذلک و هو السمیع العلیم.

و کتب راجی عفو ربه و رضوانه أبو عبد الرحمن فواز أحمد زمرلی طرابلس الشام فی العاشر من شهر اللّه صفر الخیر 1416 هجریهی.

ص: 7

القواعد و الأصول، لا استیعاب الفروع و الجزئیات» اه.

و لم یتعرض فی کتابه الاتقان للشبهات الوارده حول بعض أنواع علوم القرآن، کالنسخ و غیره، بل تعرض لمهمات المسائل، و ترک کثیرا من تفصیل الرد علی المبطلین.

و فی ذلک یقول 220/1: «فإنّ کتابنا موضوع للمهمات، لا لمثل هذه البطالات».

الأمر الثانی: السّند، و هو سته أنواع: المتواتر، الآحاد، الشاذ، قراءات النبیّ صلّی اللّه علیه و سلّم، الرّواه، الحفّاظ.

الأمر الثالث: الأداء، و هو سته أنواع: الوقف، الابتداء، الإماله، المدّ، تخفیف الهمزه، الإدغام.

الأمر الرابع: الألفاظ، و هو سبعه أنواع: الغریب، المعرّب، المجاز، المشترک، المترادف، الاستعاره، التشبیه.

الأمر الخامس: المعانی المتعلّقه بالأحکام، و هو أربعه عشر نوعا: العامّ الباقی علی عمومه، العامّ المخصوص، العام الذی أرید به الخصوص، ما خصّ فیه الکتاب السّنه، ما خصّصت فیه السنّه الکتاب، المجمل، المبیّن، المؤول، المفهوم، المطلق، المقیّد، الناسخ و المنسوخ، نوع من الناسخ و المنسوخ، و هو ما عمل به من الأحکام مدّه معیّنه و العامل به واحد من المکلفین.

الأمر السادس: المعانی المتعلّقه بالألفاظ، و هو خمسه أنواع: الفصل، الوصل، الإیجاز، الإطناب، القصر.

و بذلک تکمّلت الأنواع خمسین. و من الأنواع ما لا یدخل تحت الحصر: الأسماء، الکنی، الألقاب، المبهمات.

فهذا نهایه ما حصر من الأنواع.

هذا آخر ما ذکره القاضی جلال الدین فی الخطبه، ثم تکلّم فی کلّ نوع منها بکلام مختصر یحتاج إلی تحریر و تتمّات و زوائد مهمّات. فصنّفت فی ذلک کتابا سمیّته: «التحبیر فی علوم التفسیر» ضمّمته ما ذکر البلقینی من الأنواع مع زیاده مثلها، و أضفت إلیه فوائد سمحت القریحه بنقلها، و قلت فی خطبته:

أما بعد: فإنّ العلوم و إن کثر عددها، و انتشر فی الخافقین مددها، فغایتها بحر قعره لا یدرک، و نهایتها طود شامخ لا یستطاع إلی ذروته أن یسلک، و هذا یفتح لعالم بعد آخر من الأبواب ما لم یتطرّق إلیه من المتقدمین الأسباب.

و إنّ مما أهمل المتقدمون تدوینه حتی تحلّی فی آخر الزمان بأحسن زینه، علم التفسیر الذی هو کمصطلح الحدیث، فلم یدوّنه أحد لا فی القدیم و لا فی الحدیث، حتی جاء شیخ الإسلام و عمده الأنام، علاّمه العصر، قاضی القضاه جلال الدین البلقینیّ - رحمه اللّه تعالی -، فعمل فیه کتابه: «مواقع العلوم من مواقع النجوم». فنقّحه و هذّبه، و قسّم أنواعه و رتّبه، و لم یسبق إلی هذه المرتبه، فإنّه جعله نیّفا و خمسین نوعا منقسمه إلی سته أقسام، و تکلّم فی کلّ نوع منها بالمتین من الکلام، فکان کما قال الإمام أبو السعادات ابن الأثیر فی مقدّمه نهایته:

ص: 10

کلّ مبتدئ لشیء لم یسبق إلیه، و مبتدع لأمر لم یتقدّم فیه علیه، فإنّه یکون قلیلا ثم یکثر، و صغیرا ثم یکبر.

فظهر لی استخراج أنواع لم یسبق إلیها، و زیاده مهمّات لم یستوف الکلام علیها، فجرّدت الهمّه إلی وضع کتاب فی هذا العلم، و أجمع به - إن شاء اللّه تعالی - شوارده، و أضمّ إلیه فوائده، و أنظم فی سلکه فرائده؛ لأکون فی إیجاد هذا العلم ثانی اثنین، و واحدا فی جمع الشتیت منه کألف أو کألفین، و مصیّرا فنّی التفسیر و الحدیث فی استکمال التقاسیم إلفین. و إذ برز نور کمامه و فاح، و طلع بدر کماله و لاح، و أذّن فجره بالصّباح، و نادی داعیه بالفلاح، سمیته ب «التحبیر فی علوم التفسیر». و هذه فهرست الأنواع بعد المقدّمه:

النوع الأول و الثانی: المکّی و المدنیّ.

الثالث و الرابع: الحضریّ و السّفریّ.

الخامس و السادس: النهاریّ و اللیلیّ.

السابع و الثامن: الصّیفیّ و الشتائیّ.

التاسع و العاشر: الفراشی و النّومیّ.

الحادی عشر: أسباب النّزول.

الثانی عشر: أوّل ما نزل.

الثالث عشر: آخر ما نزل.

الرابع عشر: ما عرف وقت نزوله.

الخامس عشر: ما أنزل فیه و لم ینزل علی أحد من الأنبیاء.

السادس عشر: ما أنزل منه علی الأنبیاء.

السّابع عشر: ما تکرّر نزوله.

الثامن عشر: ما نزل مفرّقا.

التاسع عشر: ما نزل جمعا.

العشرون: کیفیه إنزاله.

و هذه کلها متعلّقه بالنزول.

الحادی و العشرون: المتواتر.

الثانی و العشرون: الآحاد.

الثالث و العشرون: الشاذّ.

ص: 11

الرابع و العشرون: قراءات النبی صلّی اللّه علیه و سلّم.

الخامس و السادس و العشرون: الرواه و الحفاظ.

السابع و العشرون: کیفیّه التّحمّل.

الثامن و العشرون: العالی و النّازل.

التاسع و العشرون: المسلسل.

و هذه متعلّقه بالسّند.

الثلاثون: الابتداء.

الحادی و الثلاثون: الوقف.

الثانی و الثلاثون: الإماله.

الثالث و الثلاثون: المد.

الرابع و الثلاثون: تخفیف الهمزه.

الخامس و الثلاثون: الإدغام.

السادس و الثلاثون: الإخفاء.

السابع و الثلاثون: الإقلاب.

الثامن و الثلاثون: مخارج الحروف.

و هذه متعلقه بالأداء.

التاسع و الثلاثون: الغریب.

الأربعون: المعرّب.

الحادی و الأربعون: المجاز.

الثانی و الأربعون: المشترک.

الثالث و الأربعون: المترادف.

الرابع و الخامس و الأربعون: المحکم و المتشابه.

السادس و الأربعون: المشکل.

السابع و الثامن و الأربعون: المجمل و المبیّن.

التاسع و الأربعون: الاستعاره.

الخمسون: التشبیه.

الحادی و الثانی و الخمسون: الکنایه و التعریض.

الثالث و الخمسون: العالم الباقی علی عمومه.

الرابع و الخمسون: العامّ المخصوص.

الخامس و الخمسون: العامّ الذی أرید به الخصوص.

ص: 12

السادس و الخمسون: ما خصّ فیه الکتاب السنّه.

السابع و الخمسون: ما خصت فیه السّنه الکتاب.

الثامن و الخمسون: المؤوّل.

التاسع و الخمسون: المفهوم.

الستون و الحادی و الستون: المطلق و المقیّد.

الثانی و الثالث و الستون: الناسخ و المنسوخ.

الرابع و الستون: ما عمل به واحد ثم نسخ.

الخامس و الستون: ما کان واجبا علی واحد.

السادس و السابع و الثامن و الستون: الإیجاز و الإطناب و المساواه.

التاسع و الستون: الأشباه.

السبعون و الحادی و السبعون: الفصل و الوصل.

الثانی و السبعون: القصر.

الثالث و السبعون: الاحتباک.

الرابع و السبعون: القول بالموجب.

الخامس و السادس و السابع و السبعون: المطابقه و المناسبه و المجانسه.

الثامن و التاسع و السبعون: التوریه و الاستخدام.

الثمانون: اللّف و النّشر.

الحادی و الثمانون: الالتفات.

الثانی و الثمانون: الفواصل و الغایات.

الثالث و الرابع و الخامس و الثمانون: أفضل القرآن و فاضله و مفضوله.

السادس و الثمانون: مفردات القرآن.

السابع و الثمانون: الأمثال.

الثامن و التاسع و الثمانون: آداب القارئ و المقرئ.

التسعون: آداب المفسر.

الحادی و التسعون: من یقبل تفسیره و من یردّ.

الثانی و التسعون: غرائب التفسیر.

الثالث و التسعون: معرفه المفسرین.

الرابع و التسعون: کتابه القرآن.

الخامس و التسعون: تسمیه السور.

السادس و التسعون: ترتیب الآی و السّور.

ص: 13

السابع و الثامن و التاسع و التسعون: الأسماء و الکنی و الألقاب.

المائه: المبهمات.

الأول بعد المائه: أسماء من نزل فیهم القرآن.

الثانی بعد المائه: التاریخ.

و هذا آخر ما ذکرته فی خطبه «التحبیر». و قد تمّ هذا الکتاب و للّه الحمد من سنه اثنتین و سبعین، و کتبه من هو فی طبقه أشیاخی من أولی التحقیق.

ثم خطر لی بعد ذلک أن أؤلّف کتابا مبسوطا، و مجموعا مضبوطا، أسلک فیه طریق الإحصاء، و أمشی فیه علی منهاج الاستقصاء. هذا کلّه و أنا أظن أنی متفرّد بذلک، غیر مسبوق بالخوض فی هذه المسالک، فبینا أنا أجیل فی ذلک فکرا، أقدّم رجلا و أؤخّر أخری، إذ بلغنی أنّ الشیخ الإمام بدر الدین محمد بن عبد اللّه الزرکشی، أحد متأخّری أصحابنا الشافعیین، ألّف کتابا فی ذلک حافلا، یسمی «البرهان فی علوم القرآن»، فتطلّبته حتی وقفت علیه، فوجدته، قال فی خطبته.

لمّا کانت علوم القرآن لا تحصی، و معانیه لا تستقصی، وجبت العنایه بالقدر الممکن.

و مما فات المتقدمین وضع کتاب یشتمل علی أنواع علومه، کما وضع النّاس ذلک بالنسبه إلی علم الحدیث؛ فاستخرت اللّه تعالی - و له الحمد - فی وضع کتاب فی ذلک، جامع لما تکلم الناس فی فنونه، و خاضوا فی نکته و عیونه، و ضمّنته من المعانی الأنیقه و الحکم الرشیقه ما بهر القلوب عجبا، لیکون مفتاحا لأبوابه، عنوانا علی کتابه، معینا للمفسر علی حقائقه، مطلعا علی بعض أسراره و دقائقه، و سمّیته: «البرهان فی علوم القرآن» و هذه فهرست أنواعه:

النوع الأوّل: معرفه سبب النزول.

الثانی: معرفه المناسبه بین الآیات.

الثالث: معرفه الفواصل.

الرابع: معرفه الوجوه و النظائر.

الخامس: علم المتشابه.

السادس: علم المبهمات.

السابع: فی أسرار الفواتح.

الثامن: فی خواتم السور.

التاسع: فی معرفه المکیّ و المدنی.

العاشر: فی معرفه أوّل ما نزل.

الحادی عشر: معرفه علی کم لغه نزل.

ص: 14

الثانی عشر: فی کیفیه إنزاله.

الثالث عشر: فی بیان جمعه و من حفظه من الصحابه.

الرابع عشر: معرفه تقسیمه.

الخامس عشر: معرفه أسمائه.

السادس عشر: معرفه ما وقع فیه من غیر لغه الحجاز.

السابع عشر: معرفه ما فیه من غیر لغه العرب.

الثامن عشر: معرفه غریبه.

التاسع عشر: معرفه التصریف.

العشرون: معرفه الأحکام.

الحادی و العشرون: معرفه کون اللفظ أو الترکیب أحسن و أفصح.

الثانی و العشرون: معرفه اختلاف الألفاظ بزیاده أو نقص.

الثالث و العشرون: معرفه توجیه القرآن.

الرابع و العشرون: معرفه الوقف.

الخامس و العشرون: علم مرسوم الخط.

السادس و العشرون: معرفه فضائله.

السابع و العشرون: معرفه خواصه.

الثامن و العشرون: هل فی القرآن شیء أفضل من شیء؟.

التاسع و العشرون: فی آداب تلاوته.

الثلاثون: فی أنه هل یجوز فی التصانیف و الرسائل و الخطب استعمال بعض آیات القرآن؟ الحادی و الثلاثون: معرفه الأمثال الکامنه فیه.

الثانی و الثلاثون: معرفه أحکامه.

الثالث و الثلاثون: معرفه جدله.

الرابع و الثلاثون: معرفه ناسخه و منسوخه.

الخامس و الثلاثون: معرفه موهم المختلف.

السادس و الثلاثون: معرفه المحکم من المتشابه.

السابع و الثلاثون: فی حکم الآیات المتشابهات الوارده فی الصفات.

الثامن و الثلاثون: معرفه إعجازه.

التاسع و الثلاثون: معرفه وجوب متواتره.

الأربعون: فی بیان معاضده السنّه الکتاب.

ص: 15

الحادی و الأربعون: معرفه تفسیره.

الثانی و الأربعون: معرفه وجوه المخاطبات.

الثالث و الأربعون: بیان حقیقته و مجازه.

الرابع و الأربعون: فی الکنایات و التعریض.

الخامس و الأربعون: فی أقسام معنی الکلام.

السادس و الأربعون: فی ذکر ما تیسر من أسالیب القرآن.

السابع و الأربعون: فی معرفه الأدوات.

و اعلم أنه ما من نوع من هذه الأنواع إلاّ و لو أراد الإنسان استقصاءه لاستفرغ عمره ثم لم یحکم أمره، و لکن اقتصرنا من کلّ نوع علی أصوله، و الرّمز إلی بعض فصوله؛ فإنّ الصناعه طویله و العمر قصیر، و ما ذا عسی أن یبلغ لسان التقصیر.

هذا آخر کلام الزرکشی فی خطبته.

و لما وقفت علی هذا الکتاب ازددت به سرورا، و حمدت اللّه کثیرا، و قوی العزم علی إبراز ما أضمرته، و شددت الحزم فی إنشاء التّصنیف الّذی قصدته، فوضعت هذا الکتاب العلیّ الشأن، الجلیّ البرهان، الکثیر الفوائد و الإتقان، و رتبت انواعه ترتیبا أنسب من ترتیب البرهان، و أدمجت بعض الأنواع فی بعض، و فصّلت ما حقّه أن یبان، و زدته علی ما فیه من الفوائد و الفرائد، و القواعد و الشوارد، ما یشنّف الآذان، و سمیته: «الإتقان فی علوم القرآن». و ستری فی کلّ نوع منه - إن شاء اللّه تعالی - ما یصلح أن یکون بالتصنیف مفردا، و ستروی من مناهله العذبه ریّا لا ظمأ بعده أبدا. و قد جعلته مقدّمه للتفسیر الکبیر الذی شرعت فیه. و سمیته ب «مجمع البحرین، و مطلع البدرین، الجامع لتحریر الروایه، و تقریر الدرایه».

القرآن لابن الضّریس، و فضائل القرآن لابن أبی شیبه، المصاحف لابن أبی داود، المصاحف لابن أشته، الردّ علی من خالف مصحف عثمان لأبی بکر بن الأنباری، أخلاق حمله القرآن للآخریّ، التبیان فی آداب حمله القرآن للنّوویّ، شرح البخاریّ لابن حجر.

فی المجاز لابن القیّم، نهایه التأمیل فی أسرار التنزیل للزّملکانیّ، التّبیان فی البیان له، المنهج المفید فی أحکام التوکید له، بدائع القرآن لابن أبی الإصبع، التحبیر له، الخواطر السوانح فی أسرار الفواتح له، أسرار التنزیل للشرف البارزیّ، الأقصی القریب للتنوخیّ، منهاج البلغاء لحازم، العمده لابن رشیق، الصناعتین للعسکریّ، المصباح لبدر الدین بن مالک، التبیان للطّیبیّ، الکنایات للجرجانی، الإغریض فی الفرق بین الکنایه و التعریض للشیخ تقی الدین السبکیّ، الاقتناص فی الفرق بین الحصر و الاختصاص له، عروس الأفراح لولده بهاء الدین، روض الأفهام فی أقسام الاستفهام للشیخ شمس الدین بن الصائغ، نشر العبیر فی إقامه الظاهر مقام الضمیر له، المقدّمه فی سرّ الألفاظ المقدّمه له، إحکام الرای فی أحکام الآی له، مناسبات ترتیب السور لأبی جعفر بن الزّبیر، فواصل الآیات للطّوفیّ، المثل السائر لابن الأثیر، الفلک الدائر علی المثل السائر، کنز البراعه لابن الأثیر، شرح بدیع قدامه للموفق للموفق عبد اللطیف.

و الواحدیّ، و الکواشیّ، و الماوردی، و سلیم الرازیّ، و إمام الحرمین، و ابن برّجان، و ابن بزیزه، و ابن المنیّر، أمالی الرافعیّ علی الفاتحه، مقدّمه تفسیر ابن النقیب». اه

15 - ثم جاء السیوطی فنهل من هذه المؤلفات، و رتّبها، و نسقها، فألّف کتابا رائعا حافلا حوی علی درر جمیع المؤلفات التی سبقته، و زاد علیها و کتابه «الاتقان فی علوم القرآن» من أورع و أوسع ما ألّف فی هذا الفن.

و لقد استقر الأمر بعد السیوطی، و ألّف فی أنواع عدیده من أنواع علوم القرآن، مثل أسباب النزول، و الناسخ و المنسوخ، و المحکم و المتشابه، و غریب القرآن، و غیر ذلک.

و لقد کثرت المؤلفات الحدیثه فی علوم القرآن، و لکن کتاب «الاتقان» یبقی الأصل لجلّ هذه المؤلفات الحدیثه، و لم یأت مؤلفوها بشیء علمی جدید، إلا ما ندر، و اللّه الموفق و هو الهادی للصواب.

ص: 20

ص 238 /سطر 4 /: و أوعیه و الصواب أو أوعبه.

ص 258 /سطر 15 /: نقص: قلت:

ص 326 /سطر 2 /: عبد اللّه بن عمر، و الصواب: عمرو.

ص 326 /سطر 8 /: عن سعید بن المنذر، و الصواب: سعد.

ص 342 /سطر 5 /: فتحوّل إلی، و الصواب. فتحول، إلاّ، ص 344 /سطر 15 /: زاد لفظه: مسأله. و هو خطأ.

ص 342 /سطر 20-21 /: إلیّ مجاهد و عبد ابن أبی أمامه: و الصواب: مجاهد و عبده بن أبی لبابه.

ص 349 /سطر 8 /: أرجی، و الصواب: أرخی.

ص 417 /سطر 12 /: لا حیل: و الصواب: لا جبل.

ص 418 /سطر 11 /: نقص (عن).

ص 442 /سطر 15 /: هو الحبل، و الصواب: هو الجبل.

و هناک الکثیر الکثیر من هذه الأخطاء و النقص.

أما عن الهوامش فحدّث و لا حرج.

فکم من قراءه متواتره قال عنها: إنها شاذه. انظر ص 544 حیث اعتبر أنّ القراءه شاذه و هی متواتره.

و کم من تعلیق خطّأ فیه الصحیح، و صحّح الخطأ. انظر 505/1، حیث قال: إنّ الآیه لا تصلح مثالا لزیاده الباء، و السیوطی قد صرّح بأنها علی قراءه النصب. و انظر تعلیقنا حول ذلک.

و هذا غیض من فیض قد أعرضت عن ذکر أکثره.

فلذلک عکفت علی تصحیح متن الکتاب، و تصویبه، و ذلک بالرجوع إلی مصادر السیوطی، أو إلی الکتب التی نقل منها السیوطی ماده کتابه.

و سیجد القارئ العزیز الفرق الواضح بین طبعتنا، و سائر الطبعات بفطنته و ذکائه.

و سیدرک ما عانیناه لإخراج النص سلیما من التحریف و النقص، و ما عانیناه فی عزو الأقوال إلی أصحابها، و تخریج الأحادیث و الآثار، و الحکم علیها. بالصوره التی أرجو أن تکون لائقه بهذا السفر الجلیل الهام، و تلیق بهذا الامام الهمام رحمه اللّه تعالی.

ص: 22

رسالتیه «تنبیه الغبی إلی تبرئه ابن عربی» و «قمع المعارض فی نصره ابن الفارض»(1).

و کان کما یدعی له اعتقاد فی علم الباطن کما یقول هنا: «إنه بعد التضلع من علوم الظاهر اشتغل بتحصیل علم الباطن و الاستفاده من أهلها بالصحبه و الخدمه و السلوک و حسن الاعتقاد و الإخلاص و التخلیه من الرذائل و التحلیه بالفضائل (طریقه الصوفیه).

و قیل: إنه رجع عن معتقده الصوفی و هاجمه. و من اعتقاده الذی ألب علیه العلماء فی عصره أنه ادعی رؤیه الرسول فی الیقظه(2) و المنام، و له رساله فی ذلک، و هی: «إمکان رؤیه النبی و الملک فی الیقظه» و هذا لم یحصل لصحابه رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم - بعده، و هم أفضل الخلق حتی یحصل لمن هو دونهم، إنما هی تخیلات شیطانیه رکبت کثیرا من الزهاد و العلماء فی العصور السابقه و الحاضره حتی اعتقدوا بأنهم یرون الرسل و الملائکه، و هذا مسلک الطرق الصوفیه فی غالبه، و من یتتلمذ علی أیدیهم.

و لزمه حتی مات سنه سبع و ستین، و قرأ فی الفرائض و الحساب علی علامه زمانه الشهاب الشارمساحی، ثم دروس العلم للبلقینی، و من شوال سنه خمس و ستین فقرأ علیه ما لا یحصی، و لزم دروس محقّ الدیار المصریه سیف الدین محمد بن محمد الحنفی، و دروس العلامه التقی الشمنی، و دروس الکافیجی، و قرأ علی العز الکنانی، و فی المیقات علی مجد الدین بن السباع و العز بن محمد المیقاتی، و فی الطب علی محمد بن إبراهیم الدوانی لما قدم القاهره من الروم و قرأ علی التقی الحصکفی، و الشمس البابی و غیرهم و حضر مجالس الجلال المحلی و زین الدین رضوان القعبی(1).

- أمه العزیز بنت محمد الأبناس.

- فاطمه بنت جار اللّه بن صالح الطبری.

- صفیه بنت یاقوت المکیه.

- رقیه بنت عبد القوی بن محمد الجاوی.

و غیرهنّ من شهیرات عصره ممن نشأت فی بیوت العلم و الورع و التقوی. و للسیوطی معجم کبیر بأسماء شیوخه (حاطب لیل و جازف سیل) و (معجم صغیر) یسمی المنتقی، و معجم فی مرویاته یسمی (زاد المسیر فی الفهرست الصغیر) و یبلغ عدد شیوخه الذین ذکرهم فی معجمه خمسین شیخا، و إذا کان السیوطی - رحمه اللّه تعالی - قد تتلمذ علی هذا الحشد الکبیر من الأئمه الأجلاء مما کان له کبیر الأثر فی حیاته العلمیه حتی أصبح إماما حافظا جلیلا، فکذلک تخرّج بالسیوطی جمع کبیر من الأئمه الذین تتلمذوا علی یدیه و نهلوا من معینه الصالح منهم:

المؤلفات: عقود الجمان فی مناقب أبی حنیفه النعمان، و الجامع الوجیز الخادم للغات القرآن العزیز. و مرشد السالک إلی ألفیه ابن مالک و النکت، توفی یوم الاثنین 14 شعبان 942 ه(1).

4 - شمس الدین بن محمد أحمد الشهیر بابن العجیمی المقدسی الشافعی الصوفی، العلاّمه المحدّث الواعظ، أخذ عن مشایخ الإسلام البرهان بن أبی شریف، و الجلال السیوطی و القاضی زکریا، و الشمس السخاوی، و ناصر الدین بن زریق، توجه إلی الروم و حصل له به الإقبال، و عاد و تردّد إلی دمشق مرارا و وعظ بالجامع الأموی، قرأ علی محدّث حلب الشیخ زین الدین بن السماع و غیره ثلاثیات البخاری توفی ببیت المقدس فی رمضان 938 ه(2).

و قد کان لهؤلاء و غیرهم ممن تتلمذوا علی السیوطی مکانه علمیه عظیمه و قدموا للمکتبه الإسلامیه عدیدا من المصنفات النافعه فی جمیع الفنون الحدیثیه و غیر الحدیثیه، و کانت کثره تلامیذ السیوطی من أهم العوامل التی ساعدت علی حفظ تراثه و نقله إلینا.

و البیان و البدیع، و قال: إن العلوم التی اطلعت علیها و لم یقف علیها أحد من مشایخی فضلا عمن دونهم.

صنّف السیوطی العلوم علی حسب مقدرته علی دراستها، فقال: و دون هذه العلوم التی اطلعت علیها فی المعرفه أصول الفقه و الجدل و الصرف و دونهما الإنشاء و الترسل و الفرائض، و دونهما القراءات و لم آخذهما عن شیخ، و دونهما الطب، و أما الحساب فأعسر شیء علی، و أبعده عن ذهنی، و إذا نظرت فی مسأله أجد فی حلّها صعوبه کبیره أو علی حدّ تعبیره: کأنما أحاول جبلا أحمله(1).

ظلّ السیوطی یواصل الدراسه و التحصیل حتی تفقّه فی علوم عصره، و أجیز بتدریس العربیه، و هو نحو السابعه عشر من عمره، و أجیز بالتصدی لتدریس الفقه و الفتیا و هو فی نحو السابعه و العشرین.

لقد بلغ السیوطی هذه المنزله العلمیه الرفیعه منذ صغره بفضل نشأته العلمیه، کما أنه من بیت علم، فبرع فی علوم الدین و اللغه و التاریخ، و لم یکتف بالدراسه فی القاهره، بل سافر إلی کثیر من الأمصار کما بینّا ذلک آنفا، و قد تجمّعت لدیه فی أثناء هذه الرحلات براءات و إجازات کثیره بالتدریس(2).

و السیوطی قد کملت عنده أدوات الاجتهاد و حصل علومه، و ذکر ذلک عن نفسه فی «حسن المحاضره»(3)، و فی «الردّ علی من أخلد إلی الأرض» و فی «طرز العمامه» و فی «مسلک الحنفا» قال: (لو شئت أن أکتب فی کلّ مسأله مصنفا بأقوالها و أدلتها النقلیه و القیاسیه و مدارکها و نقوضها، و أجوبتها، و الموازنه بین اختلاف المذاهب فیها، لقدرت علی ذلک، من فضل اللّه تعالی، لا بحولی و لا بقوتی).

و کان سریع الکتابه و حاضر البدیهه، و قد أفتی فی النوازل، و خرج الحوادث علی أصول الإمام الشافعی، و ألّف فی أکثر الفنون و أجاد، و سارت فتاواه و مؤلفاته مسیر الشمس فی النهار.

و رزق القبول من علماء الأمصار، و اختصر مؤلفات کثیره و کبیره و لمجموعه من العلماء الذین سبقوه فی هذا المجال و الباع، و الحق أنه لو لا هذه الاختصارات فی کلّ العصور من قبل علماء الإسلام لمن سبقهم لاندرست مؤلفات کثیره قیمه فی جمیع فنون الإسلام، و التی عاده تفقد فی الحروب و الاضطرابات، و منهج السیوطی فی الاختصار کمنهج شیخه ابن حجر فی2.

ص: 28

اختصاراته لأطراف المزی و عیره.

و من أهم الکتب التی اختصرها السیوطی (معجم البلدان) لیاقوت الحموی، و (الأحکام السلطانیه) للماوردی، و (طبقات الحفاظ) للذهبی، و (إحیاء علوم الدین) للغزالی، و (طبقات ابن سعد) و (أسد الغابه) لابن الأثیر و (البدایه و النهایه) لابن کثیر الدمشقی، و (الدرر الکامنه فی أعیان المائه الثامنه).

و کان السیوطی شدید الغضب، تکلفه الغضبه الواحده رساله أو أکثر یکتبها فی یوم أو لیله لیرویها علی من أغضبه أو خالفه أو سخر منه، و فی ذلک یقول: و خالفنی أهل عصری فی خمسین مسأله، فألّفت فی کلّ مسأله مؤلفا بیّنت فیه وجه الحق(1).

و للسیوطی طریقه فی التألیف فریده فی بابها، إذ یقدّم فی أول الکتاب منهجه الذی یسیر علیه فی الکتاب الأمر الذی ینیر الطریق للقارئ، و نلاحظ أنّ منهجه فی تعلیل المسأله یبرز فیه الأقوال التی جاءت فیها، و الردود التی وردت باسم صاحبها فی کتابه، مما یدل علی عمقه و تثبته، و حرصه علی دراسه الموضوع من کلّ ناحیه، و لقد نهج علی طریقه مثلی فی التألیف، فکان یقول: و بذلک قال شیخنا کذا، و قال آخر فی کتابه کذا، و قال ثالث، و قال رابع، و بذلک یعرض جمیع الآراء التی قیلت فی المسأله الواحده.

کان السیوطی بالإضافه إلی ذلک شاعرا فله رحمه اللّه کثیرا من الشعر أکثره متوسط، و جیده کثیر، و غالبه فی الفوائد العلمیه و الأحکام الشرعیه، و هو فی هذه الناحیه شبیه بابن حجر العسقلانی وجهتها حیاتهما العلمیه بعیدا عن الأدب الذی هو فراج لنفسیهما، فکانا یعاودانه الفینه بعد الفینه و کل منهما تتراءی علی شعره المسحه العلمیه(2).

و من شعره الکثیر ما جاء فی رثاء شیخه البلقینی، و کانت فی خمسین بیتا:

رزء عظیم به تستنزل العبر و حادث جل فیه الخطب و الغبر

رزء مصاب جمیع المسلمین به و قلبهم من مکلوم و منکسر

ثم قال:

تبکیه عین أولی الإسلام مجتهدا و یضحک الفاجر المسرور و الغمر

من قام بالدین فی دنیاه و تنشده و قام بالعلم لا بالولد و یقتصر

و قال:

لا تقابل الجهلا بالذی أتوا تفلحم.

ص: 29

إن ترد تسؤهم فاعف عنهم و أصفح

و قال:

أیها السائل قوما ما لهم فی الخیر مذهب

اترک الناس جمیعا و إلی ربک فارغب(1)

و له ألفیه فی علم مصطلح الحدیث شعرا یقول فیها:

و هذه ألفیه تحکی الدرر منظومه ضمنتها علم الأثر

فائقه ألفیه العراقی فی الجمع و الإیجاز و اتساق

و إن یجری سابغ الإحسان لی و له و لذوی الإیمان(2)

السیوطی و السخاوی و تلامیذها، و إنما امتدّ کذلک إلی العلماء فمال بعضهم إلی هذا، و الآخر إلی ذاک، و استمر النزاع بینهما أمدا بعیدا تظهر آثاره فی الترجمه التی ساقها السخاوی فی کتابه «الضوء اللامع لأهل القرن التاسع»(1). تحامل فیها علی السیوطی، و وصفه بأمور منکره غالبها فظیع و سب شنیع و انتقاص. و قد ردّ علیه السیوطی برسائل أشهرها: «الکاوی لدماغ السخاوی»(2) و أنشد فی ذلک هذه الأبیات:

قل للسخاوی: إن تعروک مشکله علمی کبحر من الأمواج ملتطم

و الحافظ الدیمی غیث الزمان فخذ غرفا من البحر أو رشفا من الدیم

و کان یقود معسکر السیوطی فی الرد علی السخاوی الفخر الدیمی و أمین الدین الأقصرائی و سراج الدین العبادی و غیرهم.

و معسکر السخاوی یقوده ابن الکرکی (متوفی 922 ه) و ابن العلیف: تلمیذ الجوجری، و الشمس الجوجری (متوفی 926 ه) (متوفی 923 ه) و شمس الدین البانی و غیرهم(3).

فکان من جرّاء هذه الحرب أن انشغل العلماء بها عن الکتابه فیما یهم المسلمین و خاصه من السیوطی و السخاوی، فکتبوا هم و مؤیدوهم کتابات و مقامات و رسائل لیست من الدین فی شیء کما ذکرت ذلک آنفا، تبادل الفریقان فیها النقائض و التهم و السباب و ذکر المثالب(4)و العرض لهذه الخصومات تفصیلا لا یتسع له المقام هنا.

إن واجب العلماء فی کلّ عصر أن یترفعوا عن مثل هذه الخصومات التی قد یساء الظن فی فهم المراد، و التی تشوّه سمعه أئمه جیل بأکمله(5).

و قال فی موضع آخر: ما جاء بعد السبکی مثلی. الناس یدعون اجتهادا واحدا و أنا أدعی ثلاثا. إلی غیر ذلک.

و قال ابن حجر الهیتمی: لما ادعی الجلال ذلک قام علیه معاصروه و رموه عن قوس واحده(1)، و کتبوا له سؤالا فیه مسائل أطلق الأصحاب فیها وجهین و طلبوا منه إن کان عنده أدنی مراتب الاجتهاد و هو اجتهاد الفتوی، فلیتکلّم علی الراجح من تلک الأوجه بدلیل علی قواعد المجتهدین، فردّ السؤال من غیر کتابه، و اعتذر بأن له اشتغالا یمنعه من النظر فی ذلک.

و قال الشمس الرملی عن والده أبی العباس الرملی إنه وقف علی ثمانیه عشر سؤالا فقهیه سئل عنه الجلال من مسائل الخلاف المنقوله فأجاب عن نحو شطرها من کلام قوم متأخرین کالزرکشی و اعتذر عن الباقی بأن الترجیح لا یقدم علیه إلاّ جاهل أو فاسق.

قال الشمس: فتأملت فإذا أکثرها من المنقول المفروغ منه، فقلت: سبحان اللّه رجل ادعی الاجتهاد و خفی علیه ذلک؟ فأجبت عن ثلاثه عشر منها فی مجلس واحد بکلام متین من کلام متین، و بت علی عزم إکمالها فضعفت تلک اللیله(2).

فکان السیوطی قلیلا ما یناظر أقرانه من العلماء، و ذلک لا دعائه أنه لا یوجد من فی مرتبته من العلم و الاجتهاد المطلق فی عصره حتی یناظره. و قال عن نفسه: لا أناظر إلاّ من هو مجتهد مثلی و لیس فی العصر مجتهدا إلاّ أنا. و قد ذکر فی بعض کتبه أمثال هذه العبارات منها: کتاب مسلک الحنفا، و حسن المحاضره، فقد قال فی مسلک الحنفا(3): إنی بحمد اللّه قد اجتمع عندی الحدیث و الفقه و الأصول و سائر الآلات من العربیه و المعانی و البیان و غیر ذلک. فأنا أعرف کیف أتکلم، و کیف أقول، و کیف استدل، و کیف أرجح، أم أنت یا أخی وفقنی اللّه و إیاک فلا یصلح لک ذلک لأنک لا تدری الفقه و لا الأصول و لا شیء من الآلات و الکلام فی الحدیث و الاستدلال به، و لیس بالهین و لا یحل الإقدام علی التکلّم فیه لمن لم یجمع هذه العلوم، فاقتصر علی ما آتاک اللّه، و هو أنک إذا سئلت عن حدیث تقول: ورد أو لم یرد، و صححه الحفاظ أو حسّنوه أو ضعفوه، لا یحل لک الإفتاء سوی هذا القدر و خل ما عدا ذلک لأهله:

لا تحسب المجد تمرا أنت آکله لن تبلغ المجد حتی تلعق الصبرا

و من المسائل الأخری التی نوزع فیها غیر الاجتهاد دعواه تجدیده الدین فی المائه التاسعهد.

ص: 32

و رسائله و هی: «القول بنجاه أبوی المصطفی»(1)، و سؤال المیت سبع مرات فی قبره، و تحریم البروز بالبناء فی شطوط الأنهار، و حنث من حلف علی ما مضی ناسیا، و أن الظهر هی الصلاه الوسطی، و تعزیر من روی الحدیث الموضوع، و إمکان رؤیه النبی و الملک یقظه، و ضبط عباره عیاض فی ختم الشفا: بخصیصی بالقصر(2)، و تفضیل سیدنا أبی بکر و أنه ثابت بنص الکتاب، و عدم جواز ضرب المثل بالأنبیاء فیما لا یکون فی العرف کریما: کرعی الغنم.

و القول الحق أن کل واحد منهما مسرف و متحامل و لا یقبل قول المتنافسین فی الآخر، و الأمر کما قال ابن عباس رضی اللّه عنهما: العلماء أشد تغایرا من التیوس فی زوربها، و قول المتنافسین لا یقبل فی بعضهم کما قرره العلماء، و جری علیه علماء الجرح و التعدیل من المحدثین.

و السیوطی أوذی - کما تقدم - من علماء عصره، و خاصه من العوام، فصبر و صفح عمن آذاه، فقد ذکر شطرا من أحواله فی رساله سماها (الفئه بأجوبه الأسئله المائه)(3) فقال: و بعد فإنی رجل حبب إلی العلم و النظر فیه، دقیقه و جلیله، و الغوص علی حقائقه و التطلع إلی إدراک دقائقه و الفحص علی أصوله، و جبلت علی ذلک فلیس فی منبت شعره إلاّ و هی ممحونه بذلک(4)، و قد أوذیت علی ذلک کثیرا، من الجاهلین و القاصرین، و ذلک سنه اللّه فی العلماء السالفین، فلم یزالوا مبتلین بأسقاط الخلق و أراذلهم، و بمن هو من طائفتهم ممن لم یرتق إلی محلهم، و مما یؤثر عنه هذان البیتان فی هذا المعنی:

طوبی لمن مات فاستراحا و نال من ربه فلاحاک.

ص: 33

و ما نحن إلاّ فی قوم سوء إذا هم قد بدا و لاح

و الحق: أن السیوطی صاحب فنون، و إمام فی کثیر منها، و هو أحفظ للمتون من السخاوی و أبصر باستنباط الأحکام الشرعیه منه، و له الباع الطویل فی العربیه و التفسیر بالمأثور، و جمع المتون، و الاطلاع علی کثیر من المؤلفات التی لم یطلع علیها علماء عصره، و أنه أفاد و انتفع به فی الإفتاء و الأجزاء و التألیف، و قد وقع فی بعض کتابه مؤلفاته الحدیثیه بعض التسامح و التناقض، و ذلک لازم للمکثرین من العلماء. مثل ما وقع لأبی الفرج ابن الجوزی فی مؤلفاته فی الحدیث، و بعض مؤلفاته وصلت إلینا محرفه، لعدم العنایه من نسّاخ الأصول مثل ما ذکره عنه علامات الصحه و الضعف علی الجامع الصغیر مما تناقض فیه تلمیذه العلقمی و غیره من العلماء... و تعددت فیه النسخ، و بعض ذلک کان اجتهادا منه و المجتهد المخطئ مأجور، و قد نسبت إلیه مؤلفات هو منها بریء دست علیه من حسّاده و أضافها إلیه بعض الناس لترویجها، و فی مؤلفاته ما هو معدوم النظیر فی بابه و معلوم لمن عرف أطوار السیوطی فی ممارسته للعلوم و التألیف أنه کان أول أمره ملخّصا و مختصرا، ثم استقل بالتألیف المستوعب، مع الاستمداد الحتمی من کتب السابقین، و تری ذلک أیضا فی (تدریب الراوی) فإنه یلخص فیه بعض عبارات الزین العراقی و الزرکشی و البلقینی، و تاره لا یعزو ذلک إلی أحد منهم لعدم أخذه بنص، و هذه تهمه متبادله یلصقها السیوطی بالسخاوی أیضا(1).

و أما السخاوی: فهو فی علم الحدیث، و علم الإسناد و ما یتعلّق بالرجال و العلل إمام لا یشارکه فیها أحد، و یعتبر صاحب فن واحد، و لذا یرجح قوله فی الحدیث و علومه علی السیوطی، و مؤلفاته فی ذلک مرجع المحققین، و هو وارث شیخه ابن حجر فی ذلک(2).

بعد وفاه الفخر عثمان المقسی(1).

ز - کما تولی مشیخه التصوّف بتربه برقوق نائب أهل الشام.

و بقی السیوطی متولیا تلک الوظائف کلّها حتی ناهز الأربعین من عمره، ثم انتقل عنها إلی مشیخه الخانقاه البیرسیه سنه 1486 م. و من ثم انقطع السیوطی عن التدریس و الإفتاء و الإملاء و الإسماع، و ظل طویلا علی مشیخه البیرسیه متمتعا بوظیفتها الوافره منذ تولاها إلی أن غضب منه السلطان قایتبای آخر سنه 1495 م بسبب طلوعه إلی حضرته، و علی رأسه الطیلسان، مخالفا بذلک التقالید المرعیه، و مع أنه عوتب علی مخالفته، فإنه أصرّ علی صحه موقفه، و کتب فی ذلک رساله سماها (الأحادیث الحسان فی فضل الطیلسان).

و بقی السیوطی علی وظیفته هذه حتی وفاه قایتبای، و تولّی من بعده محمد بن قایتبای الذی لم یکن علی وفاق مع السیوطی بسبب الدس و الوقیعه من أعداء السیوطی، و لکن السیوطی سرعان ما لجأ إلی الخلیفه المتوکل علی اللّه عبد العزیز العباسی سنه 1496 م و أبدی رغبه و استحسانا فی أن یولّیه الخلیفه - قاضیا کبیرا علی جمیع القضاه بمصر و الشام و سائر الممالک الإسلامیه، و أن یجعل بیده الولایه و العزل فیهم، و لعل السیوطی کان یهدف إلی شیء آخر غیر ما کان یتوقعه من عزله عن مشیخه البیرسیه، و هو النیل من بعض أعدائه.

و ما أن شاع بین القضاه و الناس أن الخلیفه عهد إلی السیوطی بتلک الوظیفه حتی اجتمع القضاه بالخلیفه و لم یترکوه حتی عدل و اعترف بأن السیوطی هو الذی اقترحها علیه(2).

و ظل السیوطی علی وظیفته بالبیرسیه إلی أن أثار ضده الصوفیه بسبب قطعه جعیلتهم و اغتنم أعداؤه الفرصه، و منهم الأمیره طومان بأی الدوادار فحوکم السیوطی و ثبت لدی قضائه أن طمعه أفسده، و لذا عزل و اعتکف فی منزله بجزیره الروضه(3).

و کان قد مرض سبعه أیام بورم شدید فی ذراعه الأیسر(1) و قد أتم من العمر إحدی و ستین و عشره أشهر و ثمانیه عشر یوما، و صلّی علیه بجامع الأفاریقی تحت القلعه، و کان له مشهد عظیم، و دفن فی حوش قوصون خارج باب القرافه، کما صلی علیه غائبه فی دمشق بالجامع الأموی یوم الجمعه 8 رجب 911 ه.

و أما المراثی التی قیلت فی السیوطی بعد وفاته ما جاء عن ابن طولون فی تاریخه مرثیه عبد الباسط بن خلیل الحنفی قوله:

مات جلال الدین غیث الوری مجتهد العصر إمام الوجود

و حافظ السند مهدی الهدی و مرشد الضال بنفع یعود

فیا عیونی انهملی بعده و یا قلوب انفطری بالرقود

و أظلمی یا دنیا إذ حقّ ذا بل تحق أن ترعد فیک الرعود

و حقّ للضوء بأن ینطفئ و حقّ للقائم فیک القعود

و حقّ للنور بأن یختفی و للیالی البیض أن تبق سود

و حقّ للناس أن یحزنوا بل حقّ أن کلّ بنفس یجود

و حقّ للأجیال خروان تطوی السما طیا کیوم الوعود

و أن یغور الماء و الأرض بنا تمید إذ عمّ المصاب الوجود

مصیبه حلّت بنا و أورثت نار استعار الکبود

صبّرنا اللّه علیها و أولاه نعیما حلّ دار الخلود

و عمه منه بوبل الرضا و الغیث بالرحمه بین اللحود(2)ی)

ص: 36

بسم اللّه الرّحمن الرّحیم

و فیه من القصص و الأخبار ما یذکّر أولی الأبصار، و من المواعظ و الأمثال ما یزدجر به أولو الفکر و الاعتبار، إلی غیر ذلک من علوم لا یقدر قدرها إلاّ من علم حصرها.

هذا مع فصاحه لفظ و بلاغه أسلوب، تبهر العقول و تسلب القلوب. و إعجاز نظم لا یقدر علیه إلاّ علاّم الغیوب.

و لقد کنت فی زمان الطلب أتعجّب من المتقدّمین إذ لم یدوّنوا کتابا فی أنواع علوم القرآن، کما وضعوا ذلک بالنّسبه إلی علم الحدیث، فسمعت شیخنا أستاذ الأستاذین، و إنسان عین الناظرین، خلاصه الوجود علامه الزمان، فخر العصر و عین الأوان أبا عبد اللّه محیی الدین الکافیجیّ (1) - مدّ اللّه فی أجله، و أسبغ علیه ظلّه - یقول: قد دوّنت فی علوم التفسیر کتابا(2) لم أسبق إلیه.

فکتبته عنه فإذا هو صغیر الحجم جدّا، و حاصل ما فیه بابان:

الأول: فی ذکر معنی التفسیر و التأویل و القرآن و السّوره و الآیه.

و الثانی: فی شروط القول فیه بالرأی.

و بعدهما خاتمه فی آداب العالم و المتعلّم.

فلم یشف لی ذلک غلیلا، و لم یهدنی إلی المقصود سبیلا.

ثم أوقفنی شیخنا شیخ مشایخ الإسلام قاضی القضاه و خلاصه الأنام حامل لواء المذهب المطلبیّ علم الدّین البلقینی(3) - رحمه اللّه تعالی -، علی کتاب فی ذلک لأخیه قاضی القضاه جلال الدین(4). سمّاه «مواقع العلوم من مواقع النجوم» فرأیته تألیفا لطیفا، و مجموعا ظریفا،ر،

ص: 40

ذا ترتیب و تقریر، و تنویع و تحبیر. قال فی خطبته:

قد اشتهرت عن الإمام الشافعیّ - رضی اللّه عنه - مخاطبه لبعض خلفاء بنی العبّاس، فیها ذکر بعض أنواع القرآن، یحصل منها لمقصدنا الاقتباس. و قد صنّف فی علوم الحدیث جماعه فی القدیم و الحدیث، و تلک الأنواع فی سنده دون متنه، أو فی مسندیه و أهل فنّه، و أنواع القراءات شامله و علومه کامله. فأردت أن أذکر فی هذا التصنیف ما وصل إلی علمی، ممّا حواه القرآن الشریف، من أنواع علمه المنیف، و ینحصر فی أمور:

الأول: مواطن النزول و أوقاته و وقائعه، و فی ذلک اثنا عشر نوعا: المکیّ، المدنیّ، السفریّ، الحضریّ، اللیلیّ، النهاریّ، الصیفی، الشتائی، الفراشی، و النومی، أسباب النزول، أوّل ما نزل، آخر ما نزل.

الأمر الثانی: السّند، و هو سته أنواع: المتواتر، الآحاد، الشاذ، قراءات النبیّ صلّی اللّه علیه و سلّم، الرّواه، الحفّاظ.

الأمر الثالث: الأداء، و هو سته أنواع: الوقف، الابتداء، الإماله، المدّ، تخفیف الهمزه، الإدغام.

الأمر الرابع: الألفاظ، و هو سبعه أنواع: الغریب، المعرّب، المجاز، المشترک، المترادف، الاستعاره، التشبیه.

الأمر الخامس: المعانی المتعلّقه بالأحکام، و هو أربعه عشر نوعا: العامّ الباقی علی عمومه، العامّ المخصوص، العام الذی أرید به الخصوص، ما خصّ فیه الکتاب السّنه، ما خصّصت فیه السنّه الکتاب، المجمل، المبیّن، المؤول، المفهوم، المطلق، المقیّد، الناسخ و المنسوخ، نوع من الناسخ و المنسوخ، و هو ما عمل به من الأحکام مدّه معیّنه و العامل به واحد من المکلفین.

الأمر السادس: المعانی المتعلّقه بالألفاظ، و هو خمسه أنواع: الفصل، الوصل، الإیجاز، الإطناب، القصر.

و بذلک تکمّلت الأنواع خمسین. و من الأنواع ما لا یدخل تحت الحصر: الأسماء، الکنی، الألقاب، المبهمات.

فهذا نهایه ما حصر من الأنواع.1.

ص: 41

هذا آخر ما ذکره القاضی جلال الدین فی الخطبه، ثم تکلّم فی کلّ نوع منها بکلام مختصر یحتاج إلی تحریر و تتمّات و زوائد مهمّات. فصنّفت فی ذلک کتابا سمیّته: «التحبیر فی علوم التفسیر»(1) ضمّنته ما ذکر البلقینی من الأنواع مع زیاده مثلها، و أضفت إلیه فوائد سمحت القریحه بنقلها، و قلت فی خطبته:

أما بعد: فإنّ العلوم و إن کثر عددها، و انتشر فی الخافقین مددها، فغایتها بحر قعره لا یدرک، و نهایتها طود شامخ لا یستطاع إلی ذروته أن یسلک، و هذا یفتح لعالم بعد آخر من الأبواب ما لم یتطرّق إلیه من المتقدمین الأسباب.

و إنّ مما أهمل المتقدمون تدوینه حتی تحلّی فی آخر الزمان بأحسن زینه، علم التفسیر الذی هو کمصطلح الحدیث، فلم یدوّنه أحد لا فی القدیم و لا فی الحدیث، حتی جاء شیخ الإسلام و عمده الأنام، علاّمه العصر، قاضی القضاه جلال الدین البلقینیّ - رحمه اللّه تعالی -، فعمل فیه کتابه: «مواقع العلوم من مواقع النجوم». فنقّحه و هذّبه، و قسّم أنواعه و رتّبه، و لم یسبق إلی هذه المرتبه، فإنّه جعله نیّفا و خمسین نوعا منقسمه إلی سته أقسام، و تکلّم فی کلّ نوع منها بالمتین من الکلام، فکان کما قال الإمام أبو السعادات ابن الأثیر فی مقدّمه نهایته(2):

کلّ مبتدئ لشیء لم یسبق إلیه، و مبتدع لأمر لم یتقدّم فیه علیه، فإنّه یکون قلیلا ثم یکثر، و صغیرا ثم یکبر.

فظهر لی استخراج أنواع لم یسبق إلیها، و زیاده مهمّات لم یستوف الکلام علیها، فجرّدت الهمّه إلی وضع کتاب فی هذا العلم، و أجمع به - إن شاء اللّه تعالی - شوارده، و أضمّ إلیه فوائده، و أنظم فی سلکه فرائده؛ لأکون فی إیجاد هذا العلم ثانی اثنین، و واحدا فی جمع الشتیت منه کألف أو کألفین، و مصیّرا فنّی التفسیر و الحدیث فی استکمال التقاسیم إلفین. و إذ برز نور کمامه و فاح، و طلع بدر کماله و لاح، و أذّن فجره بالصّباح، و نادی داعیه بالفلاح، سمیته ب «التحبیر فی علوم التفسیر». و هذه فهرست الأنواع بعد المقدّمه:1.

ص: 42

النوع الأول و الثانی/المکّی و المدنیّ.

الثالث و الرابع/: الحضریّ و السّفریّ.

الخامس و السادس/: النهاریّ و اللیلیّ.

السابع و الثامن/: الصّیفیّ و الشتائیّ.

التاسع و العاشر/: الفراشی و النّومیّ.

الحادی عشر/: أسباب النّزول.

الثانی عشر/: أوّل ما نزل.

الثالث عشر/: آخر ما نزل.

الرابع عشر/: ما عرف وقت نزوله.

الخامس عشر/: ما أنزل فیه و لم ینزل علی أحد من الأنبیاء.

السادس عشر/: ما أنزل منه علی الأنبیاء.

السّابع عشر/: ما تکرّر نزوله.

الثامن عشر/: ما نزل مفرّقا.

التاسع عشر/: ما نزل جمعا.

العشرون/: کیفیه إنزاله.

الحادی و العشرون/: المتواتر.

الثانی و العشرون/: الآحاد.

الثالث و العشرون/: الشاذّ.

الرابع و العشرون/: قراءات النبی صلّی اللّه علیه و سلّم.

الخامس و السادس و العشرون/: الرواه و الحفاظ.

السابع و العشرون/: کیفیّه التّحمّل.

الثامن و العشرون/: العالی و النّازل.

التاسع و العشرون/: المسلسل.

الثلاثون/: الابتداء.

الحادی و الثلاثون/: الوقف.

الثانی و الثلاثون/: الإماله.

الثالث و الثلاثون/: المد.

الرابع و الثلاثون/: تخفیف الهمزه.

الخامس و الثلاثون/: الإدغام.

السادس و الثلاثون/: الإخفاء.

ص: 43

السابع و الثلاثون/: الإقلاب.

الثامن و الثلاثون/: مخارج الحروف.

التاسع و الثلاثون/: الغریب.

الأربعون/: المعرّب.

الحادی و الأربعون/: المجاز.

الثانی و الأربعون/: المشترک.

الثالث و الأربعون/: المترادف.

الرابع و الخامس و الأربعون/: المحکم و المتشابه.

السادس و الأربعون/: المشکل.

السابع و الثامن و الأربعون/: المجمل و المبیّن.

التاسع و الأربعون/: الاستعاره.

الخمسون/: التشبیه.

الحادی و الثانی و الخمسون/: الکنایه و التعریض.

الثالث و الخمسون/: العام الباقی علی عمومه.

الرابع و الخمسون/: العامّ المخصوص.

الخامس و الخمسون/: العامّ الذی أرید به الخصوص.

السادس و الخمسون/: ما خصّ فیه الکتاب السنّه.

السابع و الخمسون/: ما خصت فیه السّنه الکتاب.

الثامن و الخمسون/: المؤوّل.

التاسع و الخمسون/: المفهوم.

الستون و الحادی و الستون/: المطلق و المقیّد.

الثانی و الثالث و الستون/: الناسخ و المنسوخ.

الرابع و الستون/: ما عمل به واحد ثم نسخ.

الخامس و الستون/: ما کان واجبا علی واحد.

السادس و السابع و الثامن و الستون/: الإیجاز و الإطناب و المساواه.

التاسع و الستون/: الأشباه.

السبعون و الحادی و السبعون/: الفصل و الوصل.

الثانی و السبعون/: القصر.

الثالث و السبعون/: الاحتباک.

الرابع و السبعون/: القول بالموجب.

ص: 44

الخامس و السادس و السابع و السبعون/: المطابقه و المناسبه و المجانسه.

الثامن و التاسع و السبعون/: التوریه و الاستخدام.

الثمانون/: اللّف و النّشر.

الحادی و الثمانون/: الالتفات.

الثانی و الثمانون/: الفواصل و الغایات.

الثالث و الرابع و الخامس و الثمانون/: أفضل القرآن و فاضله و مفضوله.

السادس و الثمانون/: مفردات القرآن.

السابع و الثمانون/: الأمثال.

الثامن و التاسع و الثمانون/: آداب القارئ و المقرئ.

التسعون/: آداب المفسر.

الحادی و التسعون/: من یقبل تفسیره و من یردّ.

الثانی و التسعون/: غرائب التفسیر.

الثالث و التسعون/: معرفه المفسرین.

الرابع و التسعون/: کتابه القرآن.

الخامس و التسعون/: تسمیه السور.

السادس و التسعون/: ترتیب الآی و السّور.

السابع و الثامن و التاسع و التسعون/: الأسماء و الکنی و الألقاب.

المائه/: المبهمات.

الأول بعد المائه/: أسماء من نزل فیهم القرآن.

الثانی بعد المائه/: التاریخ.

و هذا آخر ما ذکرته فی خطبه «التحبیر». و قد تمّ هذا الکتاب و للّه الحمد من سنه اثنتین و سبعین، و کتبه من هو فی طبقه أشیاخی من أولی التحقیق.

ثم خطر لی بعد ذلک أن أؤلّف کتابا مبسوطا، و مجموعا مضبوطا، أسلک فیه طریق الإحصاء، و أمشی فیه علی منهاج الاستقصاء. هذا کلّه و أنا أظن أنی متفرّد بذلک، غیر مسبوق بالخوض فی هذه المسالک، فبینا أنا أجیل فی ذلک فکرا، أقدّم رجلا و أؤخّر أخری، إذ بلغنی أنّ الشیخ الإمام بدر الدین محمد بن عبد اللّه الزرکشی(1)، أحد متأخّری أصحابنا الشافعیین،یط

ص: 45

ألّف کتابا فی ذلک حافلا، یسمی «البرهان فی علوم القرآن»، فتطلّبته حتی وقفت علیه، فوجدته، قال فی خطبته(1).

لمّا کانت علوم القرآن لا تحصی، و معانیه لا تستقصی، وجبت العنایه بالقدر الممکن.

و مما فات المتقدمین وضع کتاب یشتمل علی أنواع علومه، کما وضع النّاس ذلک بالنسبه إلی علم الحدیث؛ فاستخرت اللّه تعالی - و له الحمد - فی وضع کتاب فی ذلک، جامع لما تکلم الناس فی فنونه، و خاضوا فی نکته و عیونه، و ضمّنته من المعانی الأنیقه و الحکم الرشیقه ما بهر القلوب عجبا، لیکون مفتاحا لأبوابه، عنوانا علی کتابه، معینا للمفسر علی حقائقه، مطلعا علی بعض أسراره و دقائقه، و سمّیته: «البرهان فی علوم القرآن» و هذه فهرست أنواعه:

النوع الأوّل/: معرفه سبب النزول.

الثانی/: معرفه المناسبه بین الآیات.

الثالث/: معرفه الفواصل.

الرابع/: معرفه الوجوه و النظائر.

الخامس/: علم المتشابه.

السادس: علم المبهمات.

السابع/: فی أسرار الفواتح.

الثامن/: فی خواتم السور.

التاسع/: فی معرفه المکیّ و المدنی.

العاشر/: فی معرفه أوّل ما نزل.

الحادی عشر/: معرفه علی کم لغه نزل.

الثانی عشر/: فی کیفیه إنزاله.

الثالث عشر/: فی بیان جمعه و من حفظه من الصحابه.

الرابع عشر/: معرفه تقسیمه.

الخامس عشر/: معرفه أسمائه.

السادس عشر/: معرفه ما وقع فیه من غیر لغه الحجاز.

السابع عشر: معرفه ما فیه من غیر لغه العرب.

الثامن عشر: معرفه غریبه.2.

ص: 46

التاسع عشر/: معرفه التصریف.

العشرون/: معرفه الأحکام.

الحادی و العشرون/: معرفه کون اللفظ أو الترکیب أحسن و أفصح.

الثانی و العشرون/: معرفه اختلاف الألفاظ بزیاده أو نقص.

الثالث و العشرون/: معرفه توجیه القرآن.

الرابع و العشرون/: معرفه الوقف.

الخامس و العشرون/: علم مرسوم الخط.

السادس و العشرون/: معرفه فضائله.

السابع و العشرون/: معرفه خواصه.

الثامن و العشرون/: هل فی القرآن شیء أفضل من شیء؟.

التاسع و العشرون/: فی آداب تلاوته.

الثلاثون/: فی أنه هل یجوز فی التصانیف و الرسائل و الخطب استعمال بعض آیات القرآن؟ الحادی و الثلاثون/: معرفه الأمثال الکامنه فیه.

الثانی و الثلاثون/: معرفه أحکامه.

الثالث و الثلاثون/: معرفه جدله.

الرابع و الثلاثون/: معرفه ناسخه و منسوخه.

الخامس و الثلاثون/: معرفه موهم المختلف.

السادس و الثلاثون/: معرفه المحکم من المتشابه.

السابع و الثلاثون/: فی حکم الآیات المتشابهات الوارده فی الصفات.

الثامن و الثلاثون/: معرفه إعجازه.

التاسع و الثلاثون/: معرفه وجوب متواتره.

الأربعون/: فی بیان معاضده السنّه الکتاب.

الحادی و الأربعون/: معرفه تفسیره.

الثانی و الأربعون/: معرفه وجوه المخاطبات.

الثالث و الأربعون/: بیان حقیقته و مجازه.

الرابع و الأربعون/: فی الکنایات و التعریض.

الخامس و الأربعون/: فی أقسام معنی الکلام.

السادس و الأربعون/: فی ذکر ما تیسر من أسالیب القرآن.

السابع و الأربعون/: فی معرفه الأدوات.

ص: 47

و اعلم أنه ما من نوع من هذه الأنواع إلاّ و لو أراد الإنسان استقصاءه لاستفرغ عمره ثم لم یحکم أمره، و لکن اقتصرنا من کلّ نوع علی أصوله، و الرّمز إلی بعض فصوله؛ فإنّ الصناعه طویله و العمر قصیر، و ما ذا عسی أن یبلغ لسان التقصیر.

هذا آخر کلام الزرکشی فی خطبته.

و لما وقفت علی هذا الکتاب ازددت به سرورا، و حمدت اللّه کثیرا، و قوی العزم علی إبراز ما أضمرته، و شددت الحزم فی إنشاء التّصنیف الّذی قصدته، فوضعت هذا الکتاب العلیّ الشأن، الجلیّ البرهان، الکثیر الفوائد و الإتقان، و رتبت انواعه ترتیبا أنسب من ترتیب البرهان، و أدمجت بعض الأنواع فی بعض، و فصّلت ما حقّه أن یبان، و زدته علی ما فیه من الفوائد و الفرائد، و القواعد و الشوارد، ما یشنّف الآذان، و سمیته: «الإتقان فی علوم القرآن». و ستری فی کلّ نوع منه - إن شاء اللّه تعالی - ما یصلح أن یکون بالتصنیف مفردا، و ستروی من مناهله العذبه ریّا لا ظمأ بعده أبدا. و قد جعلته مقدّمه للتفسیر الکبیر الذی شرعت فیه. و سمیته ب «مجمع البحرین، و مطلع البدرین، الجامع لتحریر الروایه، و تقریر الدرایه.

و من اللّه أستمدّ التوفیق و الهدایه، و المعونه و الرعایه، إنّه قریب مجیب، و ما توفیقی إلاّ باللّه، علیه توکلت و إلیه أنیب. و هذه فهرست أنواعه:

النوع الأول/: معرفه المکیّ و المدنیّ.

الثانی/: معرفه الحضریّ و السفریّ.

الثالث/: النهاریّ و اللّیلیّ.

الرابع/: الصیفیّ و الشّتائیّ.

الخامس/: الفراشیّ و النومیّ.

السادس: الأرضیّ و السمائی.

السابع/: أوّل ما نزل.

الثامن/: آخر ما نزل.

التاسع/: أسباب النزول.

العاشر/: ما نزل علی لسان بعض الصحابه.

الحادی عشر/: ما تکرر نزوله.

الثانی عشر/: ما تأخّر حکمه عن نزوله و ما تأخر نزوله عن حکمه.

الثالث عشر/: معرفه ما نزل مفرّقا و ما نزل جمعا.

الرابع عشر/: ما نزل مشیّعا و ما نزل مفردا.

الخامس عشر/: ما أنزل منه علی بعض الأنبیاء و ما لم ینزل منه علی أحد قبل النبی صلّی اللّه علیه و سلّم.

ص: 48

السادس عشر/: فی کیفیه إنزاله.

السابع عشر/: فی معرفه أسمائه و أسماء سوره.

الثامن عشر/: فی جمعه و ترتیبه.

التاسع عشر: فی عدد سوره و آیاته و کلماته و حروفه.

العشرون/: فی حفّاظه و رواته.

الحادی و العشرون/: فی العالی و النازل.

الثانی و العشرون/: معرفه المتواتر.

الثالث و العشرون/: فی المشهور.

الرابع و العشرون/: فی الآحاد.

الخامس و العشرون/: فی الشاذّ.

السادس و العشرون/: الموضوع.

السابع و العشرون/: المدرج.

الثامن و العشرون/: فی معرفه الوقف و الابتداء.

التاسع و العشرون/: فی بیان الموصول لفظا المفصول معنی.

الثلاثون/: فی الإماله و الفتح و ما بینهما.

الحادی و الثلاثون/: فی الإدغام و الإظهار و الإخفاء و الإقلاب.

الثانی و الثلاثون/: فی المدّ و القصر.

الثالث و الثلاثون/: فی تخفیف الهمزه.

الرابع و الثلاثون/: فی کیفیه تحمّله.

الخامس و الثلاثون/: فی آداب تلاوته.

السادس و الثلاثون/: فی معرفه غریبه.

السابع و الثلاثون/: فیما وقع فیه بغیر لغه الحجاز.

الثامن و الثلاثون/: فیما وقع فیه بغیر لغه العرب.

التاسع و الثلاثون/: فی معرفه الوجوه و النظائر.

الأربعون/: فی معرفه معانی الأدوات التی یحتاج إلیها المفسّر.

الحادی و الأربعون/: فی معرفه إعرابه.

الثانی و الأربعون/: فی قواعد مهمّه یحتاج المفسر إلی معرفتها.

الثالث و الأربعون/: فی المحکم و المتشابه.

الرابع و الأربعون/: فی مقدّمه و مؤخّره.

الخامس و الأربعون/: فی خاصّه و عامّه.

ص: 49

السادس و الأربعون/: فی مجمله و مبیّنه.

السابع و الأربعون/: فی ناسخه و منسوخه.

الثامن و الأربعون/: فی مشکله و موهم الاختلاف و التناقض.

التاسع و الأربعون/: فی مطلقه و مقیّده.

الخمسون/: فی منطوقه و مفهومه.

الحادی و الخمسون/: فی وجوه مخاطباته.

الثانی و الخمسون/: فی حقیقته و مجازه.

الثالث و الخمسون/: فی تشبیهه و استعارته.

الرابع و الخمسون/: فی کنایاته و تعریضه.

الخامس و الخمسون/: فی الحصر و الاختصاص.

السادس و الخمسون/: فی الإیجاز و الإطناب.

السابع و الخمسون/: فی الخبر و الإنشاء.

الثامن و الخمسون/: فی بدائع القرآن.

التاسع و الخمسون/: فی فواصل الآی.

الستون/: فی فواتح السور.

الحادی و الستون/: فی خواتم السور.

الثانی و الستون/: فی مناسبه الآیات و السور.

الثالث و الستون/: فی الآیات المشتبهات.

الرابع و الستون/: فی إعجاز القرآن.

الخامس و الستون/: فی العلوم المستنبطه من القرآن.

السادس و الستون/: فی أمثاله.

السابع و الستون/: فی أقسامه.

الثامن و الستون/: فی جدله.

التاسع و الستون/: فی الأسماء و الکنی و الألقاب.

السبعون/: فی مبهماته.

الحادی و السبعون/: فی أسماء من نزل فیهم القرآن.

الثانی و السبعون/: فی فضائل القرآن.

الثالث و السبعون/: فی أفضل القرآن و فاضله.

الرابع و السبعون/: فی مفردات القرآن.

الخامس و السبعون/: فی خواصّه.

ص: 50

السادس و السبعون/: فی رسوم الخطّ و آداب کتابته.

السابع و السبعون/: فی معرفه تأویله و تفسیره و بیان شرفه و الحاجه إلیه.

الثامن و السبعون/: فی شروط المفسّر و آدابه.

التاسع و السبعون/: فی غرائب التفسیر.

الثمانون/: فی طبقات المفسرین.

فهذه ثمانون نوعا علی سبیل الإدماج، و لو نوّعت باعتبار ما أدمجته فی ضمنها لزادت علی الثلاثمائه، و غالب هذه الأنواع فیها تصانیف مفرده، وقفت علی کثیر منها.

و من المصنفات فی مثل هذا النمط، و لیس فی الحقیقه مثله و لا قریبا منه، و إنما هی طائفه یسیره و نبذه قصیره:

«فنون الأفنان فی علوم القرآن» لابن الجوزیّ.

«و جمال القرّاء» للشیخ علم الدّین السخاویّ.

«و المرشد الوجیز فی علوم تتعلق بالقرآن العزیز» لأبی شامه.

«و البرهان فی مشکلات القرآن» لأبی المعالی عزیزی بن عبد الملک المعروف بشیذله.

و کلّها بالنسبه إلی نوع من هذا الکتاب کحبّه رمل فی جنب رمل عالج، و نقطه قطر فی حیال بحر زاخر.

و هذه أسماء الکتب التی نظرتها علی هذا الکتاب، و لخصته منها:

و للنحاس، و للدّانی و للعمانیّ و لابن النکزاویّ، قرّه العین فی الفتح و الإماله بین اللّفظین لابن القاصح.

مناسبات ترتیب السور لأبی جعفر بن الزّبیر، فواصل الآیات للطّوفیّ، المثل السائر لابن الأثیر، الفلک الدائر علی المثل السائر، کنز البراعه لابن الأثیر، شرح بدیع قدامه للموفق عبد اللطیف.

منه مکیّا و مدنیّا، و سفریّا و حضریّا، و لیلیّا و نهاریّا و سمائیّا و أرضیّا، و ما نزل بین السماء و الأرض، و ما نزل تحت الأرض فی الغار.

و قال ابن النقیب فی مقدّمه تفسیره: المنزّل من القرآن علی أربعه أقسام: مکّیّ، و مدنیّ، و ما بعضه مکیّ و بعضه مدنیّ، و ما لیس بمکیّ و لا مدنیّ.

قلت: و یدخل فی مکّه ضواحیها، کالمنزّل بمنیّ و عرفات و الحدیبیه، و فی المدینه ضواحیها، کالمنزّل ببدر و أحد و سلع.

الثالث: أنّ المکیّ ما وقع خطابا لأهل مکه، و المدنیّ ما وقع خطابا لأهل المدینه، و حمل علی هذا قول ابن مسعود الآتی.

قال القاضی أبو بکر فی «الانتصار»(1): إنّما یرجع فی معرفه المکیّ و المدنیّ إلی حفظ الصحابه و التابعین، و لم یرد عن النبیّ صلّی اللّه علیه و سلّم فی ذلک قول، لأنه لم یؤمر به، و لم یجعل اللّه علم ذلک من فرائض الأمّه، و إن وجب فی بعضه علی أهل العلم معرفه تاریخ الناسخ و المنسوخ، فقد یعرف ذلک بغیر نصّ الرسول. انتهی.

و قد أخرج البخاریّ: عن ابن مسعود أنّه قال: و الّذی لا إله غیره ما نزلت آیه من کتاب اللّه تعالی إلاّ و أنا أعلم فیمن نزلت، و أین نزلت(2).

و قال أیّوب: سأل رجل عکرمه عن آیه من القرآن، فقال: نزلت فی سفح ذلک الجبل، و أشار إلی سلع. أخرجه أبو نعیم فی الحلیه(3).

و قد ورد عن ابن عباس و غیره عدّ المکیّ و المدنیّ (4). و أنا أسوق ما وقع لی من ذلک، ثم أعقبه بتحریر ما اختلف فیه.

قال ابن سعد فی الطبقات: أنبأنا الواقدیّ، حدّثنی قدامه بن موسی، عن أبی سلمه الحضرمیّ، سمعت ابن عباس قال: سألت أبیّ بن کعب عمّا نزل من القرآن بالمدینه؟ فقال:

نزل بها سبع و عشرون سوره، و سائرها بمکه.

و قال أبو جعفر النحاس فی کتابه «الناسخ و المنسوخ(5)». حدّثنی یموت بن المزرّع:

حدّثنا أبو حاتم سهل بن محمد السّجستانی، أنبأنا أبو عبیده معمر بن المثنی: حدّثنا یونس بن حبیب: سمعت أبا عمرو بن العلاء یقول: سألت مجاهدا عن تلخیص أی القرآن، المدنیّ من المکیّ، فقال: سألت ابن عباس عن ذلک، فقال:2.

ص: 56

سوره الأنعام: نزلت بمکّه جمله واحده، فهی مکیّه إلاّ ثلاث آیات منها نزلن بالمدینه:

قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ [151-153]. إلی تمام الآیات الثلاث، و ما تقدّم من السّور مدنیات.

و نزلت بمکّه سوره الأعراف و یونس و هود و یوسف و الرّعد و إبراهیم و الحجر و النحل.

سوی ثلاث آیات من آخرها فإنّهن نزلن بین مکه و المدینه، فی منصرفه من أحد. و سوره بنی إسرائیل و الکهف و مریم و طه و الأنبیاء و الحجّ، سوی ثلاث آیات هذانِ خَصْمانِ [19-21] إلی تمام الآیات الثلاث، فإنّهنّ نزلن بالمدینه.

و سوره المؤمنون و الفرقان و سوره الشعراء، سوی خمس آیات من أخراها نزلن بالمدینه:

وَ الشُّعَراءُ یَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ (224) [224] إلی آخرها.

و سوره النمل و القصص و العنکبوت و الرّوم و لقمان، سوی ثلاث آیات منها نزلن بالمدینه: وَ لَوْ أَنَّ ما فِی الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَهٍ أَقْلامٌ [27-29] إلی تمام الآیات.

و سوره السجده، سوی ثلاث آیات: أَ فَمَنْ کانَ مُؤْمِناً کَمَنْ کانَ فاسِقاً [18 - 20]. إلی تمام الآیات الثلاث.

و سوره سبأ و فاطر و یس و الصافات و ص و الزّمر، سوی ثلاث آیات نزلن بالمدینه فی وحشیّ قاتل حمزه: قُلْ یا عِبادِیَ الَّذِینَ أَسْرَفُوا [53] إلی تمام الثلاث آیات.

و الحوامیم السبع و ق و الذّاریات و الطّور و النجم و القمر و الرحمن و الواقعه و الصف و التغابن إلاّ آیات من آخرها نزلن بالمدینه.

و الملک و ن و الحاقّه و سأل و سوره نوح و الجنّ و المزّمل إلاّ آیتین: إِنَّ رَبَّکَ یَعْلَمُ أَنَّکَ تَقُومُ [20].

و المدّثر إلی آخر القرآن إلاّ إِذا زُلْزِلَتِ و إِذا جاءَ نَصْرُ اللّهِ و قُلْ هُوَ اللّهُ أَحَدٌ (1) و قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ (1) و قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النّاسِ (1) فإنّهنّ مدنیّات.

و نزل بالمدینه سوره الأنفال و براءه و النور و الأحزاب و سوره محمد و الفتح و الحجرات و الحدید و ما بعدها إلی التحریم.

هکذا أخرجه بطوله، و إسناده جیّد، رجاله کلّهم ثقات من علماء العربیّه المشهورین.

و قال البیهقیّ فی «دلائل النبوه»(1): أنبأنا أبو عبد اللّه الحافظ، أخبرنا أبو محمد بن زیاد العدل، حدّثنا محمد بن إسحاق، حدّثنا یعقوب بن إبراهیم الدّورقیّ، حدّثنا أحمد بن نصر بنن.

ص: 57

مالک الخزاعیّ، حدّثنا علیّ بن الحسین بن واقد، عن أبیه، حدّثنی یزید النحویّ، عن عکرمه و الحسن بن أبی الحسن قالا: أنزل اللّه من القرآن بمکه: اِقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّکَ و ن، و المزمل، و المدّثر، و تَبَّتْ یَدا أَبِی لَهَبٍ و إِذَا الشَّمْسُ کُوِّرَتْ (1) و سَبِّحِ اسْمَ رَبِّکَ الْأَعْلَی (1) و وَ اللَّیْلِ إِذا یَغْشی (1) وَ الْفَجْرِ ، وَ الضُّحی ، و أَ لَمْ نَشْرَحْ وَ الْعَصْرِ ، وَ الْعادِیاتِ ، و اَلْکَوْثَرَ ، و أَلْهاکُمُ التَّکاثُرُ (1) و أَ رَأَیْتَ و قُلْ یا أَیُّهَا الْکافِرُونَ (1) و أصحاب اَلْفِیلِ ، و اَلْفَلَقِ ، و قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النّاسِ (1) و قُلْ هُوَ اللّهُ أَحَدٌ (1) و اَلنَّجْمِ ، و عَبَسَ ، و إِنّا أَنْزَلْناهُ ، وَ الشَّمْسِ وَ ضُحاها (1) ، وَ السَّماءِ ذاتِ الْبُرُوجِ (1) ، وَ التِّینِ وَ الزَّیْتُونِ (1) ، و لِإِیلافِ قُرَیْشٍ (1) و اَلْقارِعَهُ ، و لا أُقْسِمُ بِیَوْمِ الْقِیامَهِ (1) و (الهمزه)، وَ الْمُرْسَلاتِ (1) ، و ق ، و لا أُقْسِمُ بِهذَا الْبَلَدِ (1) وَ السَّماءِ وَ الطّارِقِ (1) ، و اِقْتَرَبَتِ السّاعَهُ و ص، و الجنّ، و یس، و الفرقان، و الملائکه، و طه، و الواقعه، و طسم، و طس، و طسم، و بنی إسرائیل، و التاسعه، و هود، و یوسف، و أصحاب الحجر، و الأنعام، و الصّافّات، و لقمان، و سبأ، و الزّمر، و حم المؤمن، و حم الدخان، و حم السجده، و حم عسق، و حم الزخرف، و الجاثیه، و الأحقاف، و الذّاریات، و الغاشیه، و أصحاب الکهف، و النّحل، و نوح، و إبراهیم و الأنبیاء، و المؤمنون، و الم السجده، و الطّور، و تبارک، و الحاقه، و سأل، و عَمَّ یَتَساءَلُونَ (1) و وَ النّازِعاتِ و إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ (1) ، و إِذَا السَّماءُ انْفَطَرَتْ (1) و الرّوم، و العنکبوت.

و ما نزل بالمدینه(1): وَیْلٌ لِلْمُطَفِّفِینَ (1) ، و البقره، و آل عمران، و الأنفال، و الأحزاب، و المائده، و الممتحنه، و النساء، و إِذا زُلْزِلَتِ ، و الحدید، و محمّد، و الرعد، و الرحمن، و هَلْ أَتی عَلَی الْإِنْسانِ ، و الطلاق، و لَمْ یَکُنِ و الحشر، و إِذا جاءَ نَصْرُ اللّهِ ، و النور، و الحجّ، و المنافقون، و المجادله، و الحجرات، و یا أَیُّهَا النَّبِیُّ لِمَ تُحَرِّمُ ، و الصفّ، و الجمعه، و التغابن، و الفتح، و براءه.

قال البیهقیّ (2): و التاسعه، یرید بها سوره یونس. قال: و قد سقط من هذه الروایه:

الفاتحه و الأعراف، و کهیعص، فیما نزل بمکه.

قال(3): و قد أخبرنا علیّ بن أحمد بن عبدان، أخبرنا أحمد بن عبید الصفّار، حدّثنا محمد بن الفضل، حدّثنا إسماعیل بن عبد اللّه بن زراره الرّقّی، حدّثنا عبد العزیز بن عبد7.

ص: 58

الرحمن القرشیّ، حدّثنا خصیف، عن مجاهد، عن ابن عباس أنه قال: إنّ أوّل ما أنزل اللّه علی نبیّه من القرآن: اِقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّکَ فذکر معنی هذا الحدیث، و ذکر السّور التی سقطت من الروایه الأولی فی ذکر ما نزل بمکه، و قال: و للحدیث شاهد فی تفسیر مقاتل و غیره مع المرسل الصّحیح الذی تقدّم.

و قال ابن الضّریس فی «فضائل القرآن»(1): حدّثنا محمد بن عبد اللّه بن أبی جعفر الرازی، أنبأنا عمر بن هارون، حدّثنا عثمان بن عطاء الخراسانی، عن أبیه، عن ابن عباس قال: کانت إذا أنزلت فاتحه سوره بمکه کتبت بمکه، ثم یزید اللّه فیها ما شاء، و کان أوّل ما أنزل من القرآن: اِقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّکَ ، ثم ن، ثم یا أَیُّهَا الْمُزَّمِّلُ (1) ، ثم یا أَیُّهَا الْمُدَّثِّرُ (1) ، ثم تَبَّتْ یَدا أَبِی لَهَبٍ ، ثم إِذَا الشَّمْسُ کُوِّرَتْ (1) ، ثم سَبِّحِ اسْمَ رَبِّکَ الْأَعْلَی (1) ، ثم وَ اللَّیْلِ إِذا یَغْشی (1) ، ثم وَ الْفَجْرِ ، ثم وَ الضُّحی ، ثم أَ لَمْ نَشْرَحْ ، ثم وَ الْعَصْرِ ، ثم وَ الْعادِیاتِ ، ثم إِنّا أَعْطَیْناکَ ، ثم أَلْهاکُمُ التَّکاثُرُ (1) ، ثم أَ رَأَیْتَ الَّذِی یُکَذِّبُ ، ثم قُلْ یا أَیُّهَا الْکافِرُونَ ثم أَ لَمْ تَرَ کَیْفَ فَعَلَ رَبُّکَ ، ثم قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ (1) ، ثم قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النّاسِ (1) ، ثم قُلْ هُوَ اللّهُ أَحَدٌ (1) ، ثم وَ النَّجْمِ ، ثم عَبَسَ ، ثم إِنّا أَنْزَلْناهُ فِی لَیْلَهِ الْقَدْرِ (1) ثم وَ الشَّمْسِ وَ ضُحاها (1) ، ثم وَ السَّماءِ ذاتِ الْبُرُوجِ (1) ، ثم وَ التِّینِ وَ الزَّیْتُونِ (1) ، ثم لِإِیلافِ قُرَیْشٍ (1) ، ثم القارعه، ثم لا أُقْسِمُ بِیَوْمِ الْقِیامَهِ (1) ، ثم وَیْلٌ لِکُلِّ هُمَزَهٍ ، ثم و المرسلات، ثم ق، ثم لا أُقْسِمُ بِهذَا الْبَلَدِ (1) ، ثم وَ السَّماءِ وَ الطّارِقِ (1) ، ثم اِقْتَرَبَتِ السّاعَهُ ، ثم ص، ثم الأعراف، ثم قُلْ أُوحِیَ ، ثم یس، ثم الفرقان، ثم الملائکه، ثم کهیعص، ثم طه، ثم الواقعه، ثم طسم الشعراء، ثم طس، ثم القصص، ثم بنی إسرائیل، ثم یونس، ثم هود، ثم یوسف، ثم الحجر، ثم الأنعام، ثم الصافات، ثم لقمان، ثم سبأ، ثم الزمر، ثم حم المؤمن، ثم حم السجده، ثم حم عسق، ثم حم الزخرف، ثم الدخان، ثم الجاثیه، ثم الأحقاف، ثم الذاریات، ثم الغاشیه، ثمّ الکهف، ثم النّحل، ثم إِنّا أَرْسَلْنا نُوحاً ، ثم سوره إبراهیم، ثم الأنبیاء، ثم المؤمنون، ثم تنزیل السجده، ثم الطّور، ثم تبارک الملک، ثم الحاقّه، ثم سأل، ثم عَمَّ یَتَساءَلُونَ (1) ، ثم النازعات، ثم إِذَا السَّماءُ انْفَطَرَتْ (1) ، ثم إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ (1) ، ثم الروم، ثم العنکبوت، ثم وَیْلٌ لِلْمُطَفِّفِینَ (1) فهذا ما أنزل اللّه بمکه.2.

ص: 59

و أما ما أنزل بالمدینه: سوره البقره، ثم الأنفال، ثم آل عمران، ثم الأحزاب، ثم الممتحنه، ثم النساء، ثم إِذا زُلْزِلَتِ ، ثم الحدید، ثم القتال، ثم الرّعد، ثمّ الرحمن، ثم الإنسان، ثم الطلاق، ثم لم یکن، ثم الحشر، ثم إِذا جاءَ نَصْرُ اللّهِ ، ثم النور، ثم الحج، ثمّ المنافقون، ثمّ المجادله، ثمّ الحجرات، ثمّ التحریم، ثمّ الجمعه، ثمّ التغابن، ثمّ الصف، ثمّ الفتح، ثمّ المائده، ثمّ براءه(1).

و قال أبو عبید فی «فضائل القرآن»(2): حدّثنا عبد اللّه بن صالح و معاویه بن صالح، عن علیّ بن أبی طلحه، قال: نزلت بالمدینه سوره البقره، و آل عمران، و النساء، و المائده، و الأنفال، و التوبه، و الحجّ، و النور، و الأحزاب، و اَلَّذِینَ کَفَرُوا ، و الفتح، و الحدید، و المجادله، و الحشر، و الممتحنه، و الحواریّین. یرید الصفّ. و التغابن، و یا أَیُّهَا النَّبِیُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ ، و یا أَیُّهَا النَّبِیُّ لِمَ تُحَرِّمُ ، و الفجر، و اللیل، و إِنّا أَنْزَلْناهُ فِی لَیْلَهِ الْقَدْرِ (1) ، و لَمْ یَکُنِ ، و إِذا زُلْزِلَتِ ، و إِذا جاءَ نَصْرُ اللّهِ ، و سائر ذلک بمکه.

و قال أبو بکر بن الأنباری: حدّثنا إسماعیل بن إسحاق القاضی، حدّثنا حجّاج بن منهال، نبأنا هشام، عن قتاده(3)، قال: نزل فی المدینه من القرآن: البقره، و آل عمران، و النساء، و المائده، و براءه، و الرّعد، و النّحل، و الحجّ، و النور، و الأحزاب، و محمد، و الفتح، و الحجرات، و الحدید، و الرحمن، و المجادله، و الحشر، و الممتحنه، و الصف، و الجمعه، و المنافقون، و التغابن، و الطلاق، و یا أَیُّهَا النَّبِیُّ لِمَ تُحَرِّمُ إلی رأس العشر، و إِذا زُلْزِلَتِ ، و إِذا جاءَ نَصْرُ اللّهِ و سائر القرآن نزل بمکه.

و قال أبو الحسن بن الحصّار فی کتابه «الناسخ و المنسوخ»: المدنیّ باتفاق عشرون سوره، و المختلف فیه اثنتا عشره سوره، و ما عدا ذلک مکیّ باتفاق. ثم نظم فی ذلک أبیاتا، فقال:

یا سائلی عن کتاب اللّه مجتهدا و عن ترتّب ما یتلی من السّور

و کیف جاء بها المختار من مضر صلّی الإله علی المختار من مضر

و ما تقدّم منها قبل هجرته و ما تأخّر فی بدو و فی حضر

لیعلم النّسخ و التخصیص مجتهد یؤید الحکم بالتاریخ و النّظر

تعارض النّقل فی أمّ الکتاب و قد تؤوّلت الحجر تنبیها لمعتبر

أمّ القرآن و فی أم القری نزلت ما کان للخمس قبل الحمد من أثر2.

ص: 60

و بعد هجره خیر النّاس قد نزلت عشرون من سور القرآن فی عشر

فأربع من طوال السّبع أوّلها و خامس الخمس فی الأنفال ذی العبر

و توبه اللّه إن عدّت فسادسه و سوره النور و الأحزاب ذی الذکر

و سوره لنبیّ اللّه محکمه و الفتح و الحجرات الغرّ فی غرر

ثم الحدید و یتلوها مجادله و الحشر ثم امتحان اللّه للبشر

و سوره فضح اللّه النّفاق بها و سوره الجمع تذکار لمدّکر

و للطّلاق و للتّحریم حکمهما و النّصر و الفتح تنبیها علی العمر

هذا الّذی اتّفقت فیه الرّواه له و قد تعارضت الأخبار فی أخر

فالرّعد مختلف فیها متی نزلت و أکثر الناس قالوا الرّعد کالقمر

و مثلها سوره الرّحمن شاهدها ممّا تضمن قول الجنّ فی الخبر

و سوره للحواریّین قد علمت ثمّ التّغابن و التّطفیف ذو النذر

و لیله القدر قد خصّت بملّتنا و لم یکن بعدها الزّلزال فاعتبر

و قل هو اللّه من أوصاف خالقنا و عوذتان ترد البأس بالقدر

و ذا الذی اختلفت فیه الرّواه له و ربما استثنیت آی من السّور

و ما سوی ذاک مکّی تنزّله فلا تکن من خلاف النّاس فی حصر

فلیس کلّ خلاف جاء معتبرا إلاّ خلاف له حظّ من النّظر

ص: 61

رنّ حین أنزلت فاتحه الکتاب، و أنزلت بالمدینه(1). و یحتمل أن الجمله الأخیره مدرجه من قول مجاهد.

و ذهب بعضهم إلی أنّها نزلت مرّتین: مرّه بمکه و مرّه بالمدینه، مبالغه فی تشریفها.

و فیها قول رابع: أنّها نزلت نصفین: نصفها بمکه و نصفها بالمدینه، حکاه أبو اللیث السمرقندیّ (2).

محمدا رسولا أنکرت العرب ذلک. أو من أنکر ذلک منهم. فقالوا: اللّه أعظم من أن یکون رسوله بشرا، فأنزل اللّه تعالی: أَ کانَ لِلنّاسِ عَجَباً [یونس: 2].

عَقِیمٍ [55.52]. قاله قتاده و غیره. و قیل: کلّها مدنیه، قاله الضحاک و غیره، و قیل: هی مختلطه، فیها مدنیّ و مکیّ، و هو قول الجمهور، انتهی.

و یؤیّد ما نسبه إلی الجمهور: أنّه ورد فی آیات کثیره منها أنّه نزل بالمدینه، کما حررناه فی أسباب النزول(1).

بکر، قالت: سمعت رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم و هو یصلّی نحو الرکن قبل أن یصدع بما یؤمر، و المشرکون یسمعون: فَبِأَیِّ آلاءِ رَبِّکُما تُکَذِّبانِ (13)(1) و فی هذا دلیل علی تقدم نزولها علی سوره الحجر.

تَفْعَلُونَ (2) [الصف: 1، 2]. حتی ختمها، قال عبد اللّه: فقرأها علینا رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم حتی ختمها(1).

سوره لم یکن: قال ابن الفرس: الأشهر أنّها مکیه.

قلت: و یدل لمقابله ما أخرجه أحمد، عن أبی حبّه البدریّ، قال: لما نزلت لَمْ یَکُنِ الَّذِینَ کَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْکِتابِ إلی آخرها، قال جبریل: یا رسول اللّه، إنّ ربک یأمرک أن تقرئها أبیّا... الحدیث(1). و قد جزم ابن کثیر(2) بأنّها مدنیّه، و استدلّ به.

فی قبلتین من قبائل الأنصار تفاخروا.. الحدیث.

و أخرج عن قتاده: أنّها نزلت فی الیهود(1).

و أخرج البخاری عن أبیّ بن کعب، قال: کنا نری هذا من القرآن. یعنی «لو کان لابن آدم واد من ذهب». حتی نزلت: أَلْهاکُمُ التَّکاثُرُ (1) (1).

و أخرج التّرمذیّ عن علیّ، قال: ما زلنا نشکّ فی عذاب القبر حتی نزلت(2).

و عذاب القبر لم یذکر إلاّ بالمدینه، کما فی الصحیح فی قصه الیهودیّه(3).

سوره أ رأیت: فیها قولان، حکاهما ابن الفرس.

المعوّذتان: المختار أنّهما مدنیّتان، لأنّهما نزلتا فی قصه سحر لبید بن الأعصم(1)، کما أخرجه البیهقیّ فی الدلائل.

الأعراف: أخرج أبو الشیخ بن حیّان، عن قتاده قال: الأعراف مکیّه إلاّ آیه وَ سْئَلْهُمْ عَنِ الْقَرْیَهِ [163]. و قال غیره: من هنا إلی: وَ إِذْ أَخَذَ رَبُّکَ مِنْ بَنِی آدَمَ [172] مدنیّ.

الأنفال: استثنی منها: وَ إِذْ یَمْکُرُ بِکَ الَّذِینَ کَفَرُوا [الأنفال: 30] قال مقاتل: نزلت بمکه.

قلت: یردّه ما صحّ عن ابن عباس: أنّ هذه الآیه بعینها نزلت بالمدینه، کما أخرجناه فی أسباب النزول(1). و استثنی بعضهم قوله: یا أَیُّهَا النَّبِیُّ حَسْبُکَ اللّهُ الآیه [64] و صحّحه ابن العربیّ و غیره.

قلت: یؤیده ما أخرجه البزار(2)، عن ابن عباس: أنها نزلت لمّا أسلم عمر.

براءه: قال ابن الفرس: مدنیّه إلاّ آیتین: لَقَدْ جاءَکُمْ رَسُولٌ إلی آخرها [128.

129].

قلت: غریب، کیف و قد ورد أنها آخر ما نزل!.. و استثنی بعضهم: ما کانَ لِلنَّبِیِّ [براءه: 113]. لما ورد أنها نزلت فی قوله علیه الصلاه و السلام لأبی طالب: «لأستغفرنّ لک ما لم أنه عنک»(3).

یونس: استثنی منها: فَإِنْ کُنْتَ فِی شَکٍّ [یونس: 94، 95]. و قوله: وَ مِنْهُمْ مَنْ یُؤْمِنُ بِهِ [یونس: 40] قیل: نزلت فی الیهود. و قیل: من أوّلها إلی رأس أربعین مکیّ و الباقی مدنیّ. حکاه ابن الفرس و السخاویّ فی «جمال القرّاء».

هود: استثنی منها ثلاث آیات: فَلَعَلَّکَ تارِکٌ [14.12] أَ فَمَنْ کانَ عَلی بَیِّنَهٍ مِنْ رَبِّهِ [17]. وَ أَقِمِ الصَّلاهَ طَرَفَیِ النَّهارِ [هود: 114].

قلت: دلیل الثالثه ما صحّ من عده طرق: أنّها نزلت بالمدینه فی حق أبی الیسر(4).یر

ص: 73

یوسف: استثنی منها ثلاث آیات من أوّلها، حکاه أبو حیان(1)، و هو واه جدا لا یلتفت إلیه.

الرعد: أخرج أبو الشیخ(2)، عن قتاده، قال: سوره الرعد مدنیه إلاّ آیه، قوله: وَ لا یَزالُ الَّذِینَ کَفَرُوا تُصِیبُهُمْ بِما صَنَعُوا قارِعَهٌ [الرعد: 31].

و علی القول بأنّها مکیه، یستثنی قوله: اَللّهُ یَعْلَمُ إلی قوله: شَدِیدُ الْمِحالِ [الرعد:

1308] کما تقدم، و الآیه آخرها. فقد أخرج ابن مردویه، عن جندب قال: جاء عبد اللّه بن سلام حتی أخذ بعضادتی باب المسجد، قال: أنشدکم باللّه أی قوم، أ تعلمون أنی الّذی أنزلت فیه: وَ مَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْکِتابِ [الرعد: 43]. قالوا: اللهمّ نعم(3).

إبراهیم: أخرج أبو الشیخ(4)، عن قتاده قال: سوره إبراهیم مکیّه غیر آیتین مدنیتین:

أَ لَمْ تَرَ إِلَی الَّذِینَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللّهِ کُفْراً إلی وَ بِئْسَ الْقَرارُ [إبراهیم: 29.28].

الحجر: استثنی بعضهم منها: وَ لَقَدْ آتَیْناکَ سَبْعاً [الحجر: 87].

قلت: و ینبغی استثناء قوله: وَ لَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِینَ [الحجر: 24]. لما أخرجه التّرمذی و غیره فی سبب نزولها، و أنها فی صفوف الصلاه(5).

النّحل: تقدّم عن ابن عباس أنّه استثنی آخرها. و سیأتی فی السّفریّ ما یؤیّده. و أخرج.

ص: 74

أبو الشّیخ، عن الشعبیّ، قال: نزلت النّحل کلّها بمکّه إلاّ هؤلاء الآیات: وَ إِنْ عاقَبْتُمْ [126]. إلی آخرها(1).

و أخرج عن قتاده قال: سوره النحل من قوله: وَ الَّذِینَ هاجَرُوا فِی اللّهِ مِنْ بَعْدِ ما ظُلِمُوا [النحل: 41] إلی آخرها مدنی، و ما قبلها إلی آخر السوره مکی، و سیأتی فی أوّل ما نزل عن جابر بن زید: أنّ النحل نزل منها بمکه أربعون، و باقیها بالمدینه. و یردّ ذلک: ما أخرجه أحمد(2)، عن عثمان بن أبی العاص فی نزول: إِنَّ اللّهَ یَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَ الْإِحْسانِ [النحل:

90]. و سیأتی فی نوع الترتیب.

الإسراء: استثنی منها: وَ یَسْئَلُونَکَ عَنِ الرُّوحِ [الإسراء: 85]. لما أخرج البخاریّ عن ابن مسعود: أنّها نزلت بالمدینه فی جواب سؤال الیهود عن الرّوح(3).

و استثنی منها أیضا: وَ إِنْ کادُوا لَیَفْتِنُونَکَ (4) إلی قوله: إِنَّ الْباطِلَ کانَ زَهُوقاً [الإسراء: 81.73]، و قوله: قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَ الْجِنُّ (5)، و قوله(6): وَ ما جَعَلْنَا الرُّؤْیَا [الإسراء: 60]. و إِنَّ الَّذِینَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ [الإسراء: 107] لما أخرجناه فی أسباب النزول.

الکهف: استثنی من أوّلها إلی جُرُزاً [8.1]. و قوله: وَ اصْبِرْ نَفْسَکَ [28].

و إِنَّ الَّذِینَ آمَنُوا [107] إلی آخر السوره.

مریم: استثنی منها آیه السجده، و قوله: وَ إِنْ مِنْکُمْ إِلاّ وارِدُها [71].

طه: استثنی منها: وَ أَنَا اخْتَرْتُکَ فَاسْتَمِعْ لِما [130].7.

ص: 75

قلت: ینبغی أن یستثنی آیه أخری، فقد أخرج البزار و أبو یعلی، عن أبی رافع قال:

أضاف النبیّ صلّی اللّه علیه و سلّم ضیفا، فأرسلنی إلی رجل من الیهود: أن أسلفنی دقیقا إلی هلال رجب، فقال: لا إلاّ برهن، فأتیت النبیّ صلّی اللّه علیه و سلّم فأخبرته، فقال: «أما و اللّه إنّی لأمین فی السماء أمین فی الأرض». فلم أخرج من عنده حتی نزلت هذه الآیه: وَ لا تَمُدَّنَّ عَیْنَیْکَ إِلی ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ [طه: 131].

الأنبیاء: استثنی منها: أَ فَلا یَرَوْنَ أَنّا نَأْتِی الْأَرْضَ [الأنبیاء: 44].

الحج: تقدم ما یستثنی منها.

المؤمنون: استثنی منها: حَتّی إِذا أَخَذْنا مُتْرَفِیهِمْ ، إلی قوله: مُبْلِسُونَ [77.64].

الفرقان: استثنی منها(1): وَ الَّذِینَ لا یَدْعُونَ إلی رَحِیماً [الفرقان: 70.68].

الشعراء: استثنی ابن عباس منها: وَ الشُّعَراءُ [227.224]. إلی آخرها، کما تقدم.

زاد غیره قوله: أَ وَ لَمْ یَکُنْ لَهُمْ آیَهً أَنْ یَعْلَمَهُ عُلَماءُ بَنِی إِسْرائِیلَ (197) [197] . حکاه ابن الفرس.

القصص: استثنی منها: اَلَّذِینَ آتَیْناهُمُ الْکِتابَ إلی قوله: اَلْجاهِلِینَ [55.52]، فقد أخرج الطبرانیّ (2)، عن ابن عباس: أنّها نزلت هی و آخر الحدید فی أصحاب النجاشیّ الذین قدموا و شهدوا وقعه أحد، و قوله: إِنَّ الَّذِی فَرَضَ عَلَیْکَ الْقُرْآنَ الآیه [85]. لما سیأتی(3).

العنکبوت: استثنی من أولها إلی: وَ لَیَعْلَمَنَّ الْمُنافِقِینَ [العنکبوت: 11] لما أخرجه ابن جریر فی سبب نزولها(4).7.

ص: 76

قلت: و یضمّ إلیه:؟؟؟؟؟ کَأَیِّنْ مِنْ دَابَّهٍ [العنکبوت: 60] الآیه، لما أخرجه ابن أبی حاتم فی سبب نزولها.

لقمان: استثنی منها ابن عباس: وَ لَوْ أَنَّ ما فِی الْأَرْضِ [لقمان: 29.27] الآیات الثلاث کما تقدم(1).

السجده: استثنی منها ابن عباس: أَ فَمَنْ کانَ مُؤْمِناً [السجده: 20.18]. الآیات الثلاث کما تقدم. و زاد غیره:؟؟؟؟ تَتَجافی جُنُوبُهُمْ [السجده: 16]. و یدلّ له ما أخرجه البزار عن بلال، قال: کنّا نجلس فی المسجد، و ناس من الصحابه یصلّون بعد المغرب إلی العشاء، فنزلت(2).

سبأ: استثنی منها: وَ یَرَی الَّذِینَ أُوتُوا الْعِلْمَ [سبأ: 6] الآیه. و روی الترمذیّ عن فروه بن نسیک المرادیّ، قال: أتیت النبیّ صلّی اللّه علیه و سلّم فقلت: یا رسول اللّه، أ لا أقاتل من أدبر من قومی... الحدیث، و فیه: و أنزل فی سبأ ما أنزل، فقال رجل: یا رسول اللّه، و ما سبأ؟...

الحدیث(3)..

ص: 77

قال ابن الحصّار: هذا یدلّ علی أنّ هذه القصه مدنیّه؛ لأنّ مهاجره فروه بعد إسلام ثقیف سنه تسع.

قال: و یحتمل أن یکون قوله: (و أنزل) حکایه عمّا تقدّم نزوله قبل هجرته.

یس: استثنی منها:؟؟؟؟؟؟ إِنّا نَحْنُ نُحْیِ الْمَوْتی الآیه [یس: 12]. لما أخرجه التّرمذیّ و الحاکم، عن أبی سعید، قال: کانت بنو سلمه فی ناحیه المدینه، فأرادوا النقله إلی قرب المسجد، فنزلت هذه الآیه. قال النبیّ صلّی اللّه علیه و سلّم: «إن آثارکم تکتب». فلم ینتقلوا(1).

و استثنی بعضهم وَ إِذا قِیلَ لَهُمْ أَنْفِقُوا الآیه [یس: 47] قیل: نزلت فی المنافقین.

الزّمر: استثنی منها(2): قُلْ یا عِبادِیَ [الزمر: 55.53] الآیات الثلاث، کما تقدم عن ابن عباس.

و أخرج الطبرانیّ (3) من وجه آخر عنه: أنّها نزلت فی وحشیّ قاتل حمزه، و زاد بعضهم:

قُلْ یا عِبادِ الَّذِینَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّکُمْ [الزمر: 10] الآیه، ذکره السخاوی فی «جمال القرّاء».

و زاد غیره: اَللّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِیثِ الآیه. [الزمر: 23] و حکاه ابن الجزریّ.

غافر: استثنی منها: إِنَّ الَّذِینَ یُجادِلُونَ؟؟؟؟ إلی قوله: یَعْلَمُونَ؟؟؟؟ [57.56]. فقد أخرج ابن أبی حاتم، عن أبی العالیه و غیره: أنّها نزلت فی الیهود لمّا ذکروا الدجال، و أوضحته فی أسباب النزول(4).

شوری: استثنی؟؟؟؟ أَمْ یَقُولُونَ افْتَری إلی قوله: بَصِیرٌ [27.24].

قلت: بدلاله ما أخرجه الطّبرانی و الحاکم فی سبب نزولها، فإنّها نزلت فی الأنصار.

و قوله:؟؟؟؟ بَصِیرٌ الآیه [27]، نزلت فی أصحاب الصّفّه(5)..

ص: 78

و استثنی بعضهم: وَ الَّذِینَ إِذا أَصابَهُمُ الْبَغْیُ إلی قوله:؟؟؟؟ مِنْ سَبِیلٍ [الشوری: 41.39] حکاه ابن الفرس.

الزخرف: استثنی منها: و وَ سْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنا الآیه [الزخرف: 45]. قیل: نزلت بالمدینه، و قیل: فی السماء.

الجاثیه: استثنی منها قُلْ لِلَّذِینَ آمَنُوا الآیه [الجاثیه: 14]. حکاه فی «جمال القرّاء» عن قتاده.

الأحقاف: استثنی منها: قُلْ أَ رَأَیْتُمْ إِنْ کانَ مِنْ عِنْدِ اللّهِ [الأحقاف: 10]. الآیه، فقد أخرج الطّبرانی(1) بسند صحیح، عن عوف بن مالک الأشجعی: أنّها نزلت بالمدینه فی قصّه إسلام عبد اللّه بن سلام. و له طرق أخری، لکن أخرج ابن أبی حاتم عن مسروق قال: أنزلت هذه الآیه بمکه، إنما کان إسلام ابن سلام بالمدینه، و إنما کانت خصومه خاصم بها محمّدا صلّی اللّه علیه و سلّم. و أخرج عن الشعبیّ قال: لیس بعبد اللّه بن سلام، و هذه الآیه مکیه.

و استثنی بعضهم: مُتْرَفِیهِمْ [الأحقاف: 15] الآیات الأربع. و قوله: کَأَنَّهُمْ یَوْمَ یَرَوْنَ ما یُوعَدُونَ [الأحقاف: 35] الآیه، حکاه فی «جمال القرّاء»(2).

ق: استثنی منها: وَ لَقَدْ خَلَقْنَا السَّماواتِ إلی؟؟؟ لُغُوبٍ [ق: 38]. فقد أخرج الحاکم و غیره أنّها نزلت فی الیهود.

النجم: استثنی منها:؟؟؟؟ الَّذِینَ [النجم: 32] إلی اِتَّقی و قیل: أَ فَرَأَیْتَ الَّذِی تَوَلّی (33) [النجم: 33] الآیات التسع.

القمر: قوله: استثنی منها: لَهُمْ آیَهً الآیه [القمر: 45]. هو مردود لما سیأتی فی النوع الثانی عشر. و قیل: إِنَّ الْمُتَّقِینَ الآیتین [55.54].

الرحمن: استثنی منها: یَسْئَلُهُ [29]، حکاه فی «جمال القرّاء».

الواقعه: استثنی منها: ثُلَّهٌ مِنَ الْأَوَّلِینَ (39) وَ ثُلَّهٌ مِنَ الْآخِرِینَ (40) [الواقعه: 40.39].

و قوله:؟؟؟؟ فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ (75)، إلی؟؟؟ تُکَذِّبُونَ [الواقعه: 82.75]، لما أخرجه مسلم فی سبب نزولها(3).4.

ص: 79

الحدید: یستثنی منها علی القول بأنها مکیه آخرها.

المجادله: استثنی منها: ما یَکُونُ مِنْ نَجْوی ثَلاثَهٍ الآیه [المجادله: 7]، حکاه ابن الفرس و غیره.

التغابن: یستثنی منها علی أنّها مکیه آخرها، لما أخرجه التّرمذیّ و الحاکم فی سبب نزولها(1).

التحریم: تقدّم عن قتاده: أنّ المدنیّ منها إلی رأس العشر، و الباقی مکیّ.

تبارک: أخرج جویبر فی تفسیره، عن الضّحاک، عن ابن عباس، قال: أنزلت الملک فی أهل مکه إلاّ ثلاث آیات.

ن: استثنی منها:؟؟؟ إِنّا بَلَوْناهُمْ ، إلی یَعْلَمُونَ [33.17]. و من؟؟؟؟ فَاصْبِرْ إلی اَلصّالِحِینَ [ن: 50.48]. فإنّه مدنیّ، حکاه السخاویّ فی «جمال القراء»(2).

المزّمّل: استثنی منها: وَ اصْبِرْ عَلی ما یَقُولُونَ الآیتین [المزمل: 11.10]. حکاه الأصبهانی، و قوله: إِنَّ رَبَّکَ یَعْلَمُ [المزمل: 20] إلی آخر السوره، حکاه ابن الفرس، و یردّه:

ما أخرجه الحاکم عن عائشه: أنه نزل بعد نزول صدر السوره بسنه، و ذلک حین فرض قیام اللیل فی أوّل الإسلام، قبل فرض الصلوات الخمس(3).

الإنسان: استثنی منها: فَاصْبِرْ لِحُکْمِ رَبِّکَ [الإنسان: 24].

المرسلات: استثنی منها: وَ إِذا قِیلَ لَهُمُ ارْکَعُوا لا یَرْکَعُونَ (48) [المرسلات: 48] حکاه ابن الفرس، و غیره.

المطففین: قیل: مکیّه، إلاّ ست آیات من أولها.

البلد: قیل: مدنیّه، إلاّ أربع آیات من أولها.2.

ص: 80

اللیل: قیل: مکیّه، إلاّ أولها.

أ رأیت: نزل ثلاث آیات من أولها بمکه، و الباقی بالمدینه.

و قال مکی(1): هذا إنما هو فی الأکثر و لیس بعامّ و فی کثیر من السور المکیه: یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا .

و قال غیره(2): الأقرب حمله علی أنّه خطاب، المقصود به. أو جلّ المقصود به. أهل مکه أو المدینه.

و قال القاضی(3): إن کان الرجوع فی هذا إلی النقل فمسلّم، و إن کان السبب فیه حصول المؤمنین بالمدینه علی الکثره دون مکه فضعیف، إذ یجوز خطاب المؤمنین بصفتهم و باسمهم و جنسهم. و یؤمر غیر المؤمنین بالعباده کما یؤمر المؤمنون بالاستمرار علیها و الازدیاد منها. نقله الإمام فخر الدین فی تفسیره.

و أخرج البیهقیّ فی الدلائل، من طریق یونس بن بکیر، عن هشام بن عروه، عن أبیه، قال: کلّ شیء نزل من القرآن فیه ذکر الأمم و القرون فإنما نزل بمکه، و ما کان من الفرائض و السنن فإنما نزل بالمدینه(4).

و قال الجعبریّ (5): لمعرفه المکی و المدنی طریقان: سماعیّ و قیاسیّ:

فالسماعیّ: ما وصل إلینا نزوله بأحدهما.

و القیاسیّ: کلّ سوره فیها یا أَیُّهَا النّاسُ * فقط، أو: کُلاًّ * أو: أوّلها حرف تهجّ.

سوی الزّهراوین و الرعد. أو: فیها قصه آدم و إبلیس. سوی البقره. فهی مکیّه. و کلّ سوره فیها قصص الأنبیاء و الأمم الخالیه مکیّه، و کلّ سوره فیها فریضه أو حدّ فهی مدنیّه. انتهی(6).

و قال مکیّ (7): کلّ سوره فیها ذکر المنافقین فمدنیّه؛ زاد غیره: سوی العنکبوت.

و فی کامل الهذلیّ: کلّ سوره فیها سجده فهی مکیّه.

و قال الدیرینیّ رحمه اللّه:

و ما نزلت کلاّ بیثرب فاعلمن و لم تأت فی القرآن فی نصفه الأعلی

و حکمه ذلک: أنّ نصفه الأخیر نزل أکثره بمکّه، و أکثرها جبابره، فتکرّرت فیه علی وجه4.

ص: 82

التهدید و التعنیف لهم، و الإنکار علیهم، بخلاف النصف الأول. و ما نزل منه فی الیهود لم یحتج إلی إیرادها فیه لذلتهم و ضعفهم(1)؛ ذکره العمانیّ (2).

فائده: أخرج الطبرانی(3)، عن ابن مسعود: نزل المفصّل بمکه، فمکثنا حججا نقرؤه، لا ینزل غیره.

تنبیه: قد تبین بما ذکرناه من الأوجه التی ذکرها ابن حبیب: المکیّ و المدنیّ، و ما اختلف فیه، و ترتیب نزول ذلک، و الآیات المدنیّات فی السور المکیّه و الآیات المکیّات فی السوره المدنیه، و بقی أوجه تتعلّق بهذا النوع ذکر هو أمثلتها فنذکره.

مثال ما نزل بمکّه و حکمه مدنیّ (4): یا أَیُّهَا النّاسُ إِنّا خَلَقْناکُمْ مِنْ ذَکَرٍ وَ أُنْثی [الحجرات:

13] الآیه، نزل بمکه یوم الفتح، و هی مدنیّه، لأنها نزلت بعد الهجره. و قوله: اَلْیَوْمَ أَکْمَلْتُ لَکُمْ دِینَکُمْ [المائده: 3] کذلک.

قلت: و کذا قوله: إِنَّ اللّهَ یَأْمُرُکُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلی أَهْلِها [النساء: 58] فی آیات أخر.

و مثال ما نزل بالمدینه و حکمه مکیّ (5): سوره الممتحنه؛ فإنّها نزلت بالمدینه مخاطبه لأهل مکه.

و قوله فی النحل: وَ الَّذِینَ هاجَرُوا [النحل: 41] إلی آخرها، نزل بالمدینه مخاطبا به أهل مکه.

و صدر براءه، نزل بالمدینه خطابا لمشرکی أهل مکه.

و مثال ما یشبه تنزیل المدنیّ فی السور المکیه(6): قوله فی النجم: اَلَّذِینَ یَجْتَنِبُونَ کَبائِرَ1.

ص: 83

اَلْإِثْمِ وَ الْفَواحِشَ إِلاَّ اللَّمَمَ [النجم: 32]. فإنّ الفواحش کلّ ذنب فیه حدّ، و الکبائر کلّ ذنب عاقبته النار، و اللّمم ما بین الحدّین من الذنوب. و لم یکن بمکه حدّ، و لا نحوه.

و مثال ما یشبه تنزیل مکه فی السور المدنیه(1): قوله: وَ الْعادِیاتِ ضَبْحاً (1) و قوله فی الأنفال: وَ إِذْ قالُوا اللّهُمَّ إِنْ کانَ هذا هُوَ الْحَقَّ الآیه [الأنفال: 32].

و مثال ما حمل من مکه إلی المدینه(2): سوره یوسف، و الإخلاص.

قلت: و سبّح، کما تقدم فی حدیث البخاری.

و مثال ما حمل من المدینه إلی مکه(3): یَسْئَلُونَکَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ قِتالٍ فِیهِ [البقره:

217]. و آیه الربا، و صدر براءه، و قوله: إِنَّ الَّذِینَ تَوَفّاهُمُ الْمَلائِکَهُ ظالِمِی أَنْفُسِهِمْ [النساء: 97] الآیات.

و مثال ما حمل إلی الحبشه(4): قُلْ یا أَهْلَ الْکِتابِ تَعالَوْا إِلی کَلِمَهٍ سَواءٍ [آل عمران:

64] الآیات.

قلت: صحّ حملها إلی الرّوم.

و ینبغی أن یمثّل لما حمل إلی الحبشه بسوره مریم، فقد صحّ أنّ جعفر بن أبی طالب قرأها علی النّجاشیّ؛ و أخرجه أحمد فی مسنده(5).

و أمّا ما نزل بالجحفه و الطائف و بیت المقدس و الحدیبیه؛ فسیأتی فی النوع الذی یلی هذا، و یضمّ إلیه ما نزل بمنی و عرفات و عسفان و تبوک و بدر و أحد و حراء و حمراء الأسد.ح.

ص: 84

و منها: وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَهَ لِلّهِ [البقره: 196] فأخرج ابن أبی حاتم، عن صفوان بن أمیّه قال: جاء رجل إلی النبیّ صلّی اللّه علیه و سلّم متضمّخ بالزعفران، علیه جبّه، فقال: کیف تأمرنی فی عمرتی؟ فنزلت، فقال: «أین السائل عن العمره؟ ألق عنک ثیابک ثم اغتسل...» الحدیث(1)..

و منها: فَمَنْ کانَ مِنْکُمْ مَرِیضاً أَوْ بِهِ أَذیً مِنْ رَأْسِهِ [البقره: 196] الآیه. نزلت بالحدیبیه، کما أخرجه أحمد، عن کعب بن عجره الذی نزلت فیه، و الواحدیّ عن ابن عباس(2).

و منها: آمَنَ الرَّسُولُ... [البقره: 285] الآیه. قیل: نزلت یوم فتح مکه، و لم أقف له علی دلیل.

و منها: وَ اتَّقُوا یَوْماً تُرْجَعُونَ فِیهِ [البقره: 281] الآیه. نزلت بمنیّ عام حجّه الوداع، فیما أخرجه البیهقیّ فی الدلائل(3).

و منها: اَلَّذِینَ اسْتَجابُوا لِلّهِ وَ الرَّسُولِ [آل عمران: 172] الآیه. أخرج الطّبرانیّ بسند صحیح عن ابن عباس، أنها نزلت بحمراء الأسد(4).

و منها: آیه التیمم فی النساء [43] أخرج ابن مردویه عن الأسلع بن شریک: أنّها نزلت فی بعض أسفار النبیّ (5).

و منها: إِنَّ اللّهَ یَأْمُرُکُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلی أَهْلِها [النساء: 58]. نزلت یوم الفتح فی1.

ص: 86

جوف الکعبه، کما أخرجه سنید فی تفسیره عن ابن جریج، و أخرجه ابن مردویه عن ابن عبّاس(1).

و منها: وَ إِذا کُنْتَ فِیهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاهَ [النساء: 102] الآیه، نزلت بعسفان بین الظهر و العصر، کما أخرجه أحمد عن أبی عیاش الزّرقیّ (2).

و منها: یَسْتَفْتُونَکَ قُلِ اللّهُ یُفْتِیکُمْ فِی الْکَلالَهِ [النساء: 176]. أخرج البزّار و غیره عن حذیفه أنّها نزلت علی النبیّ صلّی اللّه علیه و سلّم فی مسیر له(3).

و منها: أوّل المائده، أخرج البیهقیّ فی شعب الإیمان(4) عن أسماء بنت یزید: أنّها نزلت بمنیّ. و أخرج فی الدّلائل عن أمّ عمرو، عن عمّها: أنّها نزلت فی مسیر له(5).

و أخرج أبو عبید عن محمد بن کعب، قال: نزلت سوره المائده فی حجّه الوداع فیما بین مکه و المدینه(6).

و منها: اَلْیَوْمَ أَکْمَلْتُ لَکُمْ دِینَکُمْ [المائده: 3]. فی الصحیح عن عمر: أنّها نزلت عشیّه عرفه یوم الجمعه عام حجّه الوداع، و له طرق کثیره(7)، لکن أخرج ابن مردویه عن أبی سعید الخدریّ، أنّها نزلت یوم غدیر خمّ (8).

و أخرج مثله من حدیث أبی هریره، و فیه: أنّه الیوم الثامن عشر من ذی الحجه، مرجعه من حجه الوداع، و کلاهما لا یصح.ی.

ص: 87

و منها: آیه التیمّم فیها، فی الصحیح عن عائشه أنّها نزلت بالبیداء، و هم داخلون المدینه. و فی لفظ: «بالبیداء أو بذات الجیش»(1).

قال ابن عبد البرّ فی التمهید: یقال: إنّه کان فی غزوه بنی المصطلق، و جزم به فی الاستذکار، و سبقه إلی ذلک ابن سعد و ابن حبّان، و غزوه بنی المصطلق هی غزوه المریسیع.

و استبعد ذلک بعض المتأخّرین، قال: لأنّ المریسیع من ناحیه مکه بین قدید و الساحل، و هذه القصّه من ناحیه خیبر؛ لقول عائشه: أنّها نزلت بالبیداء أو بذات الجیش. و هما بین المدینه و خیبر، کما جزم به النّوویّ، لکن جزم ابن التین بأن البیداء هی ذو الحلیفه.

و قال أبو عبید البکریّ: البیداء هو الشّرف الذی قدّام ذی الحلیفه من طریق مکه، قال:

و ذات الجیش من المدینه علی برید.

و منها: یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا اذْکُرُوا نِعْمَتَ اللّهِ عَلَیْکُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ [المائده: 11] الآیه. أخرج ابن جریر، عن قتاده قال: ذکر لنا أنّها نزلت علی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم و هو ببطن نخل، فی الغزوه السابعه، حین أراد بنو ثعلبه و بنو محارب أن یفتکوا به، فأطلعه اللّه علی ذلک.

و منها: وَ اللّهُ یَعْصِمُکَ مِنَ النّاسِ [المائده: 67]. فی صحیح ابن حبّان: عن أبی هریره: أنّها نزلت فی السفر(2).

و أخرج ابن أبی حاتم و ابن مردویه، عن جابر: أنّها نزلت فی ذات الرقیع بأعلی نخل فی غزوه بنی أنمار.

و منها: أول الأنفال، نزلت ببدر عقب الوقعه، کما أخرجه أحمد عن سعد بن أبی وقاص(3).6.

ص: 88

و منها: إِذْ تَسْتَغِیثُونَ رَبَّکُمْ [الأنفال: 9] الآیه. نزلت ببدر أیضا کما أخرجه التّرمذی عن عمر(1).

و منها: وَ الَّذِینَ یَکْنِزُونَ الذَّهَبَ [التوبه: 34] الآیه، نزلت فی بعض أسفاره، کما أخرجه أحمد عن ثوبان(2).

و منها: قوله: لَوْ کانَ عَرَضاً قَرِیباً [التوبه: 42] الآیات، نزلت فی غزوه تبوک، کما أخرجه ابن جریر عن ابن عباس.

و منها: وَ لَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَیَقُولُنَّ إِنَّما کُنّا نَخُوضُ وَ نَلْعَبُ [التوبه: 56]. نزلت فی غزوه تبوک، کما أخرجه ابن أبی حاتم عن ابن عمر(3).

و منها: ما کانَ لِلنَّبِیِّ وَ الَّذِینَ آمَنُوا [التوبه: 113] الآیه. أخرج الطّبرانیّ و ابن مردویه، عن ابن عباس: أنّها نزلت لمّا خرج النبی صلّی اللّه علیه و سلّم معتمرا و هبط من ثنیّه عسفان، فزار قبر أمّه، و استأذن فی الاستغفار لها(4).

و منها: خاتمه النّحل، أخرج البیهقیّ فی الدلائل و البزار: عن أبی هریره: أنّها نزلت بأحد، و النبیّ صلّی اللّه علیه و سلّم واقف علی حمزه حین استشهد(5).

و أخرج الترمذیّ و الحاکم عن أبیّ بن کعب: أنّها نزلت یوم فتح مکه(6).ن.

ص: 89

و منها: وَ إِنْ کادُوا لَیَسْتَفِزُّونَکَ مِنَ الْأَرْضِ لِیُخْرِجُوکَ مِنْها [الإسراء: 76]. أخرج أبو الشیخ، و البیهقیّ فی الدلائل من طریق شهر بن حوشب، عن عبد الرحمن بن غنم: أنّها نزلت فی تبوک(1).

و منها: أوّل الحجّ، أخرج التّرمذی و الحاکم: عن عمران بن حصین، قال: لما نزلت علی النبیّ صلّی اللّه علیه و سلّم: یا أَیُّهَا النّاسُ اتَّقُوا رَبَّکُمْ إِنَّ زَلْزَلَهَ السّاعَهِ شَیْ ءٌ عَظِیمٌ (1) إلی قوله: وَ لکِنَّ عَذابَ اللّهِ شَدِیدٌ [الحج: 2.1]. نزلت علیه هذه و هو فی سفر...

الحدیث(2).

و عند ابن مردویه من طریق الکلبیّ: عن أبی صالح، عن ابن عباس: أنّها نزلت فی مسیره فی غزوه بنی المصطلق(3).

و منها: هذانِ خَصْمانِ [الحج: 19] الآیات. قال القاضی جلال الدین البلقینیّ:

الظاهر أنّها نزلت یوم بدر وقت المبارزه لما فیه من الإشاره ب هذانِ (4).

و منها: أُذِنَ لِلَّذِینَ یُقاتَلُونَ [الحج: 39] الآیه، أخرج الترمذیّ عن ابن عباس، قال:ر.

ص: 90

لما أخرج النبیّ صلّی اللّه علیه و سلّم من مکه قال أبو بکر: أخرجوا نبیّهم، لیهلکنّ، فنزلت(1).

قال ابن الحصار: استنبط بعضهم من هذا الحدیث أنّها نزلت فی سفر الهجره.

منها: أَ لَمْ تَرَ إِلی رَبِّکَ کَیْفَ مَدَّ الظِّلَّ [الفرقان: 45] الآیه. قال ابن حبیب: نزلت بالطائف، و لم أقف له علی مستند.

و منها: إِنَّ الَّذِی فَرَضَ عَلَیْکَ الْقُرْآنَ [القصص: 85] نزلت بالجحفه فی سفر الهجره، کما أخرجه ابن أبی حاتم عن الضحاک(2).

و منها: أوّل الروم، روی الترمذیّ عن أبی سعید، قال: لما کان یوم بدر ظهرت الروم علی فارس، فأعجب ذلک المؤمنین، فنزلت الم (1) غُلِبَتِ الرُّومُ (2) إلی قوله: بِنَصْرِ اللّهِ [الروم: 5.1]. قال الترمذیّ: غلبت الروم، یعنی بالفتح(3). -

ص: 91

و منها: وَ سْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِکَ مِنْ رُسُلِنا [الزخرف: 45] الآیه. قال ابن حبیب:

نزلت فی بیت المقدس لیله الإسراء(1).

و منها: وَ کَأَیِّنْ مِنْ قَرْیَهٍ هِیَ أَشَدُّ قُوَّهً [محمد: 13] الآیه. قال السخاویّ فی جمال القراء: قیل: إنّ النبیّ صلّی اللّه علیه و سلّم لمّا توجّه مهاجرا إلی المدینه، وقف و نظر إلی مکه و بکی، فنزلت(2).

و منها: سوره الفتح، أخرج الحاکم عن المسور بن مخرمه و مروان بن الحکم، قالا:

نزلت سوره الفتح بین مکه و المدینه فی شأن الحدیبیه، من أوّلها إلی آخرها(3). و فی المستدرک أیضا من حدیث مجمّع بن جاریه: أنّ أوّلها نزل بکراع الغمیم(4). -

ص: 92

و منها: یا أَیُّهَا النّاسُ إِنّا خَلَقْناکُمْ مِنْ ذَکَرٍ وَ أُنْثی [الحجرات: 13] الآیه. أخرج الواحدیّ، عن ابن أبی ملیکه: أنّها نزلت بمکه یوم الفتح، لمّا رقی بلال علی ظهر الکعبه و أذّن، فقال بعض الناس: أ هذا العبد الأسود یؤذن علی ظهر الکعبه؟!(1).

و منها: سَیُهْزَمُ الْجَمْعُ [القمر: 45] الآیه، قیل: نزلت یوم بدر حکاه ابن الفرس(2).

و هو مردود، لما سیأتی فی النوع الثانی عشر، ثم رأیت عن ابن عباس ما یؤیده(3).

و منها: قال النّسفی: قوله: ثُلَّهٌ مِنَ الْأَوَّلِینَ (13) [الواقعه: 13]، و قوله: أَ فَبِهذَا الْحَدِیثِ أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ (81) [الواقعه: 81] نزلتا فی سفره صلّی اللّه علیه و سلّم إلی المدینه(4). و لم أقف له علی مستند.

و منها: وَ تَجْعَلُونَ رِزْقَکُمْ أَنَّکُمْ تُکَذِّبُونَ (82) [الواقعه: 82] أخرج ابن أبی حاتم، من طریق یعقوب بن مجاهد أبی حزره، قال: نزلت فی رجل من الأنصار فی غزوه تبوک، لما نزلوا الحجر، فأمرهم رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم ألاّ یحملوا من مائها شیئا، ثم ارتحل، ثم نزل منزلا آخر و لیس معهم ماء، فشکوا ذلک، فدعا، فأرسل اللّه سحابه، فأمطرت علیهم حتی استقوا منها، فقال رجل من المنافقین: إنّما مطرنا بنوء کذا، فنزلت(5).

و منها: آیه الامتحان: یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا إِذا جاءَکُمُ الْمُؤْمِناتُ مُهاجِراتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ [الممتحنه: 10] الآیه. أخرج ابن جریر، عن الزهری: أنّها نزلت بأسفل الحدیبیه(6).ه.

ص: 93

و منها: سوره اَلْمُنافِقُونَ أخرج الترمذی عن زید بن أرقم: أنّها نزلت لیلا فی غزوه تبوک(1). و أخرج سفیان أنّها فی غزوه بنی المصطلق. و به جزم ابن إسحاق و غیره(2).

و منها: سوره المرسلات، أخرج الشیخان عن ابن مسعود قال: بینما نحن مع النبی صلّی اللّه علیه و سلّم فی غار بمنیّ إذ نزلت علیه: و المرسلات... الحدیث(3).

و منها: سوره المطففین أو بعضها، حکی النّسفی و غیره: أنها نزلت فی سفر الهجره قبل دخوله صلّی اللّه علیه و سلّم المدینه(4).

و منها: أول سوره اِقْرَأْ نزل بغار حراء، کما فی الصحیحین(5).

و منها: سوره الکوثر. أخرج ابن جریر عن سعید بن جبیر: أنّها نزلت یوم الحدیبیه.

و فیه نظر(6). -

ص: 94

و منها: النّصر، أخرج البزار و البیهقی فی الدلائل: عن ابن عمر قال: أنزلت هذه السوره: إِذا جاءَ نَصْرُ اللّهِ وَ الْفَتْحُ (1) علی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم أوسط أیام التشریق، فعرف أنّه الوداع، فأمر بناقته القصواء، فرحلت، ثم قام فخطب الناس، فذکر خطبته المشهوره(1).ه.

ص: 95

و قال ابن حجر(1): الأقوی أنّ نزولها کان نهارا، و الجواب عن حدیث ابن عمر: أنّ الخبر وصل وقت العصر إلی من هو داخل المدینه و هم بنو حارثه، و وصل وقت الصبح إلی من هو خارج المدینه، و هم بنو عمرو بن عوف أهل قباء. و قوله: (قد أنزل علیه اللیله) مجاز، من إطلاق اللیله علی بعض الیوم الماضی و الذی یلیه.

قلت: و یؤید هذا ما أخرجه النّسائی عن أبی سعید بن المعلّی، قال: مررنا یوما و رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم قاعد علی المنبر، فقلت: لقد حدث أمر، فجلست، فقرأ رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم هذه الآیه:

قَدْ نَری تَقَلُّبَ وَجْهِکَ فِی السَّماءِ حتی فرغ منها، ثم نزل فصلّی الظهر(2).

و منها: أواخر آل عمران، أخرج ابن حبّان فی صحیحه، و ابن المنذر، و ابن مردویه، و ابن أبی الدنیا فی کتاب التفکر عن عائشه: أن بلالا أتی النبیّ صلّی اللّه علیه و سلّم یؤذنه لصلاه الصبح، فوجده یبکی، فقال: یا رسول اللّه، ما یبکیک؟ قال: «و ما یمنعنی أن أبکی و قد أنزل علیّ هذه اللیله: إِنَّ فِی خَلْقِ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ اخْتِلافِ اللَّیْلِ وَ النَّهارِ لَآیاتٍ لِأُولِی الْأَلْبابِ (190) [آل عمران: 190] ثم قال: «ویل لمن قرأها و لم یتفکّر»(3).

و منها: وَ اللّهُ یَعْصِمُکَ مِنَ النّاسِ [المائده: 67]. أخرج التّرمذی و الحاکم، عن عائشه، قالت: کان النبیّ صلّی اللّه علیه و سلّم یحرس، حتی نزلت، فأخرج رأسه من القبه، فقال: «أیّها النّاس، انصرفوا فقد عصمنی اللّه»(4).

و أخرج الطّبرانی عن عصمه بن مالک الخطمی، قال: کنّا نحرس رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم باللیل حتی نزلت، فترک الحرس(5).

و منها: سوره الأنعام، أخرج الطّبرانی و أبو عبید فی فضائله، عن ابن عباس، قال:ه.

ص: 97

نزلت سوره الأنعام بمکّه لیلا جمله، حولها سبعون ألف ملک یجأرون بالتسبیح(1).

و منها: آیه الثلاثه الذین خلّفوا، ففی الصحیحین من حدیث کعب: فأنزل اللّه توبتنا حین بقی الثلث الأخیر من اللیل(2).

و منها: سوره مریم؛ روی الطّبرانی عن أبی مریم الغسّانی قال، أتیت رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم فقلت: ولدت لی اللیله جاریه، فقال: «و اللیله أنزلت علیّ سوره مریم، سمّها مریم»(3).

و منها: أول الحج، ذکره ابن حبیب و محمد بن برکات السعیدیّ فی کتابه الناسخ و المنسوخ و جزم به السخاوی فی «جمال القراء». و قد یستدل له بما أخرجه ابن مردویه، عن عمران بن حصین: أنّها نزلت و النبیّ صلّی اللّه علیه و سلّم فی سفر، و قد نعس بعض القوم و تفرّق بعضهم، فرفع بها صوته... الحدیث(4).

و منها: آیه الإذن فی خروج النّسوه فی الأحزاب، قال القاضی جلال الدین: و الظاهر -

ص: 98

أنها: یا أَیُّهَا النَّبِیُّ قُلْ لِأَزْواجِکَ وَ بَناتِکَ الآیه [الأحزاب: 59]. ففی البخاری عن عائشه:

خرجت سوده بعد ما ضرب الحجاب لحاجتها. و کانت امرأه جسیمه لا تخفی علی من یعرفها.

فرآها عمر، فقال: یا سوده، أما و اللّه ما تخفین علینا، فانظری کیف تخرجین. قالت:

فانکفأت راجعه إلی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم، و إنّه لیتعشّی و فی یده عرق، فقلت: یا رسول اللّه، خرجت لبعض حاجتی، فقال لی عمر کذا؛ فأوحی اللّه إلیه و إن العرق فی یده ما وضعه، فقال: «إنّه قد أذن لکنّ أن تخرجن لحاجتکنّ»(1).

قال القاضی جلال الدین: و إنما قلنا: إنّ ذلک کان لیلا؛ لأنّهن إنما کنّ یخرجن للحاجه لیلا، کما فی الصحیح عن عائشه فی حدیث الإفک(2).

و منها: وَ سْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِکَ مِنْ رُسُلِنا [الزخرف: 45] علی قول ابن حبیب: إنها نزلت لیله الإسراء.

و منها: أول الفتح، ففی البخاری من حدیث: «لقد أنزلت علیّ اللیله سوره هی أحبّ مما طلعت علیه الشمس، فقرأ: إِنّا فَتَحْنا لَکَ فَتْحاً مُبِیناً (1) ... الحدیث(3).

و منها: سوره المنافقین، کما أخرجه الترمذی، عن زید بن أرقم(4).

و منها: سوره (المرسلات)، قال السخاوی فی «جمال القراء»: روی عن ابن مسعود:

أنّها نزلت لیله [الحیه] بحراء(5).

قلت: هذا أثر لا یعرف، ثم رأیت فی صحیح الإسماعیلی، و هو مستخرجه علی -

ص: 99

البخاری، أنّها نزلت لیله عرفه بغار منیّ، و هو فی الصحیحین بدون قوله: لیله عرفه. و المراد بها لیله التاسع من ذی الحجه، فإنّها التی کان النبیّ صلّی اللّه علیه و سلّم یبیتها بمنیّ.

و منها: المعوّذتان، فقد قاله ابن أشته فی المصاحف: نبأنا محمد بن یعقوب، نبأنا أبو داود، نبأنا عثمان بن أبی شیبه، نبأنا جریر، عن بیان، عن قیس، عن عقبه بن عامر الجهنی قال: قال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم: «أنزلت علیّ اللیله آیات لم یر مثلهن: قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ (1) و قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النّاسِ (1) (1).

و منه: ما نزل بین اللیل و النهار فی وقت الصبح، و ذلک آیات.

و منها: آیه التیمم فی المائده، ففی الصحیح عن عائشه: و حضرت الصبح فالتمس الماء فلم یوجد، فنزلت: یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَی الصَّلاهِ إلی قوله: لَعَلَّکُمْ تَشْکُرُونَ (2)[المائده: 6].

و منها: لَیْسَ لَکَ مِنَ الْأَمْرِ شَیْ ءٌ [آل عمران: 128]. ففی الصحیح: أنّها نزلت و هو فی الرکعه الأخیره من صلاه الصبح، حین أراد أن یقنت یدعو علی أبی سفیان و من ذکر معه(3).

تنبیه: فإن قلت: فما تصنع بحدیث جابر مرفوعا: «أصدق الرؤیا ما کان نهارا، لأن اللّه خصّنی بالوحی نهارا»(4)؟ أخرجه الحاکم فی تاریخه.

قلت: هذا الحدیث منکر لا یحتج به.4.

ص: 100

البلاد، فبینما رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم ذات یوم فی جهازه إذ قال للجد بن قیس: «هل لک فی بنات بنی الأصفر؟». قال: یا رسول اللّه، لقد علم قومی أنه لیس أحد أشد عجبا بالنساء منّی، و إنی أخاف إن رأیت نساء بنی الأصفر أن یفتنّنی، فائذن لی. فأنزل اللّه: وَ مِنْهُمْ مَنْ یَقُولُ ائْذَنْ لِی [التوبه: 49] الآیه(1).

و قال رجل من المنافقین: لا تنفروا فی الحر، فأنزل اللّه: قُلْ نارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا [التوبه: 81].

و من أمثله الشتائی: قوله: إِنَّ الَّذِینَ جاؤُ بِالْإِفْکِ إلی قوله: وَ رِزْقٌ کَرِیمٌ [النور: 26.11]. ففی الصحیح: عن عائشه: أنّها نزلت فی یوم شات(2).

و الآیات التی فی غزوه الخندق من سوره الأحزاب، فقد کانت فی البرد، ففی حدیث حذیفه: تفرّق النّاس عن رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم لیله الأحزاب إلاّ اثنی عشر رجلا، فأتانی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم فقال: «قم فانطلق إلی عسکر الأحزاب» قلت: یا رسول اللّه، و الذی بعثک بالحق ما قمت لک إلاّ حیاء، من البرد... الحدیث؛ و فیه فأنزل اللّه: یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا اذْکُرُوا نِعْمَهَ اللّهِ عَلَیْکُمْ إِذْ جاءَتْکُمْ جُنُودٌ [الأحزاب: 9] إلی آخرها. أخرجه البیهقی فی الدلائل(3).9.

ص: 102

الإغفاءه، و قالوا: من الوحی ما کان یأتیه فی النوم؛ لأنّ رؤیا الأنبیاء وحی. قال: و هذا صحیح، لکن الأشبه أن یقال: إنّ القرآن کلّه نزل فی الیقظه، و کأنه خطر له فی النوم سوره الکوثر المنزّله فی الیقظه، أو عرض علیه الکوثر الذی وردت فیه السوره، فقرأها علیهم، و فسّرها لهم. ثم قال: و ورد فی بعض الروایات أنّه أغمی علیه، و قد یحمل ذلک علی الحاله التی کانت تعتریه عند نزول الوحی، و یقال لها: برحاء الوحی. انتهی.

قلت: الذی قاله الرافعیّ فی غایه الإتجاه، و هو الذی کنت أمیل إلیه قبل الوقوف علیه، و التأویل الأخیر أصحّ من الأوّل؛ لأن قوله: «أنزل علیّ آنفا» یدفع کونها نزلت قبل ذلک، بل نقول: نزلت فی تلک الحاله، و لیس الإغفاءه نوم، بل الحاله التی کانت تعتریه عند الوحی، فقد ذکر العلماء أنّه کان یؤخذ عن الدنیا.

ص: 104

اَلَّذِی خَلَقَ (1) [العلق: 1] قال: هذه أوّل سوره أنزلت علی محمد صلّی اللّه علیه و سلّم(1).

و قال سعید بن منصور فی سننه: حدّثنا سفیان، عن عمرو بن دینار، عن عبید بن عمیر، قال: جاء جبریل إلی النّبیّ صلّی اللّه علیه و سلّم، فقال له: اقرأ، قال: «و ما أقرأ؟ فو الله ما أنا بقارئ».

فقال: اِقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّکَ الَّذِی خَلَقَ (1) [العلق: 1]: فکان یقول: هو أوّل ما أنزل(2).

و قال أبو عبید فی فضائله: حدّثنا عبد الرحمن، عن سفیان، عن ابن أبی نجیح، عن مجاهد، قال: إنّ أوّل ما أنزل من القرآن: اِقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّکَ [العلق: 1] و ن وَ الْقَلَمِ [القلم: 1](3).

و أخرج ابن أشته فی کتاب «المصاحف» عن عبید بن عمیر، قال: جاء جبریل إلی النّبیّ صلّی اللّه علیه و سلّم بنمط. فقال: اقرأ. قال: «ما أنا بقارئ» قال: اِقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّکَ [العلق: 1] فیروون أنها أوّل سوره أنزلت من السماء(4).

و أخرج عن الزّهریّ: أنّ النبیّ صلّی اللّه علیه و سلّم کان بحراء، إذ أتی ملک بنمط من دیباج فیه مکتوب:

اِقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّکَ الَّذِی خَلَقَ (1) إلی: ما لَمْ یَعْلَمْ [العلق: 5.1].

القول الثانی: یا أَیُّهَا الْمُدَّثِّرُ (1) [المدثر: 1]. روی الشیخان: عن أبی سلمه بن عبد الرحمن، قال: سألت جابر بن عبد اللّه: أیّ القرآن أنزل قبل؟ قال: یأیّها المدثر، قلت: أو اِقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّکَ ؟ قال: أحدّثکم ما حدّثنا به رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم. قال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم: «إنّی جاورت بحراء، فلمّا قضیت جواری، نزلت فاستبطنت الوادی، فنظرت أمامی و خلفی، و عن یمینی و شمالی، ثم نظرت إلی السماء فإذا هو. یعنی جبریل. فأخذتنی رجفه، فأتیت خدیجه، فأمرتهم فدثرونی، فأنزل اللّه: یا أَیُّهَا الْمُدَّثِّرُ (1) قُمْ فَأَنْذِرْ (2) (5).2.

ص: 107

و أجاب الأول عن هذا الحدیث بأجوبه:

أحدها: أنّ السؤال کان عن نزول سوره کامله، فبیّن أن سوره المدثّر نزلت بکمالها قبل نزول تمام سوره اقرأ، فإنّها أوّل ما نزل منها صدرها.

و یؤیّد هذا ما فی الصحیحین. أیضا. عن أبی سلمه، عن جابر: سمعت رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم و هو یحدث عن فتره الوحی، فقال فی حدیثه: «بینا أنا أمشی سمعت صوتا من السماء، فرفعت رأسی، فإذا الملک الّذی جاءنی بحراء جالس علی کرسی بین السماء و الأرض، فرجعت فقلت: زمّلونی، زمّلونی، فدثّرونی، فأنزل اللّه: یا أَیُّهَا الْمُدَّثِّرُ (1) .

فقوله: «الملک الذی جاءنی بحراء» یدلّ علی أنّ هذه القصه متأخّره عن قصه حراء التی نزل فیها: اِقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّکَ .

ثانیها: أنّ مراد جابر بالأولیه أولیه مخصوصه بما بعد فتره الوحی، لا أولیه مطلقه.

ثالثها: أنّ المراد أولیه مخصوصه بالأمر بالإنذار، و عبّر بعضهم عن هذا بقوله: أول ما نزل للنبوه: اِقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّکَ [العلق: 1] و أول ما نزل للرساله یا أَیُّهَا الْمُدَّثِّرُ (1) [المدثر:

1].

رابعها: أنّ المراد أول ما نزل بسبب متقدم، و هو ما وقع من التدثّر الناشئ عن الرعب، و أما (اقرأ) فنزلت ابتداء بغیر سبب متقدم. ذکره ابن حجر(1).

خامسها: أنّ جابرا استخرج ذلک باجتهاده، و لیس هو من روایته، فیقدم علیه ما روته عائشه. قاله الکرمانی.

و أحسن هذه الأجوبه الأول و الأخیر.

القول الثالث: سوره الفاتحه، قال فی الکشاف(2): ذهب ابن عباس و مجاهد إلی أنّ أول سوره نزلت (اقرأ)، و أکثر المفسرین إلی أنّ أول سوره نزلت فاتحه الکتاب.

قال ابن حجر(3): و الّذی ذهب إلیه أکثر الأئمه هو الأوّل. و أما الذی نسبه إلی الأکثر فلم یقل به إلاّ عدد أقلّ من القلیل بالنسبه إلی من قال بالأول. و حجته: ما أخرجه البیهقی فی الدلائل، و الواحدیّ من طریق یونس بن بکیر، عن یونس بن عمرو، عن أبیه، عن أبی میسره عمرو بن شرحبیل: أن رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم قال لخدیجه: «إنّی إذا خلوت وحدی سمعت نداء، فقد8.

ص: 108

و اللّه خشیت أن یکون هذا أمرا». فقالت: معاذ اللّه، ما کان اللّه لیفعل بک، فو اللّه إنک لتؤدی الأمانه، و تصل الرّحم، و تصدق الحدیث. فلما دخل أبو بکر ذکرت خدیجه حدیثه له، و قالت: اذهب مع محمد إلی ورقه. فانطلقا فقصّا علیه فقال: «إذا خلوت وحدی سمعت نداء خلفی: یا محمد یا محمد! فأنطلق هاربا فی الأفق»، فقال: لا تفعل، إذا أتاک فاثبت حتی تسمع ما یقول، ثم ائتنی فأخبرنی. فلما خلا ناداه: یا محمد قل: بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِیمِ (1) حتی بلغ وَ لاَ الضّالِّینَ ... الحدیث. هذا مرسل رجاله ثقات(1).

و قال البیهقی(2): إن کان محفوظا فیحتمل أن یکون خبرا عن نزولها بعد ما نزلت علیه (اقرأ) و (المدثر).

القول الرابع: بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِیمِ (1) . حکاه ابن النّقیب فی مقدمه تفسیره قولا زائدا.

و أخرج الواحدی بإسناده عن عکرمه و الحسن، قالا: أوّل ما نزل من القرآن بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِیمِ (1) و أوّل سوره اِقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّکَ (3).

و أخرج ابن جریر و غیره من طریق الضّحّاک، عن ابن عباس قال: أول ما نزل جبریل علی النبیّ صلّی اللّه علیه و سلّم قال: یا محمّد استعذ، ثم قل: بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِیمِ (1) (4).

و عندی: أنّ هذا لا یعدّ قولا برأسه؛ فإنّه من ضروره نزول السوره نزول البسمله معها1.

ص: 109

فهی أول آیه نزلت علی الإطلاق.

و ورد فی أوّل ما نزل حدیث آخر: روی الشیخان عن عائشه، قالت: إنّ أوّل ما نزل سوره من المفصّل، فیها ذکر الجنه و النّار، حتی إذا ثاب الناس إلی الإسلام نزل الحلال و الحرام(1).

و قد استشکل هذا: بأنّ أوّل ما نزل (اقرأ) و لیس فیها ذکر الجنّه و النار. و أجیب بأنّ (من) مقدّره، أی: من أول ما نزل. و المراد سوره المدّثر، فإنّها أوّل ما نزل بعد فتره الوحی، و فی آخرها ذکر الجنه و النار، فلعلّ آخرها نزل قبل نزول بقیه: (اقرأ).

إِنّا أَنْزَلْناهُ ثم وَ الشَّمْسِ وَ ضُحاها ، ثم البروج، ثم وَ التِّینِ ثم لِإِیلافِ ثم اَلْقارِعَهُ (1) ثم القیامه، ثم وَیْلٌ لِکُلِّ هُمَزَهٍ ثم وَ الْمُرْسَلاتِ ثم ق ثم البلد، ثم الطارق، ثم اِقْتَرَبَتِ السّاعَهُ ثم ص ثم الأعراف، ثم الجن، ثم یس (1) ثم الفرقان، ثم الملائکه، ثم کهیعص (1) ثم طه (1) ثم الواقعه، ثم الشعراء، ثم طس سلیمان، ثم طسم القصص، ثم بنی إسرائیل، ثم التاسعه. یعنی یونس.

ثم هود، ثم یوسف، ثم الحجر، ثم الأنعام، ثم الصّافات، ثم لقمان، ثم سبأ، ثم الزّمر، ثم حم المؤمن، ثم حم السجده، ثم حم الزخرف، ثم حم الدخان، ثم حم الجاثیه، ثم حم الأحقاف، ثم الذاریات، ثم الغاشیه، ثم الکهف، ثم حم عسق، ثم تنزیل السجده، ثم الأنبیاء، ثم النحل أربعین و بقیتها بالمدینه، ثم إِنّا أَرْسَلْنا نُوحاً ثم الطور، ثم المؤمنون، ثم تبارک، ثم الحاقه، ثم سأل، ثم عَمَّ یَتَساءَلُونَ (1) ثم وَ النّازِعاتِ ثم إِذَا السَّماءُ انْفَطَرَتْ (1) ثم إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ (1) ثم الروم، ثم العنکبوت، ثم وَیْلٌ لِلْمُطَفِّفِینَ (1) . فذاک ما أنزل بمکه.

ذرو و غاشیه و کهف ثم شو ری و الخلیل و الأنبیاء نحل حلا

و مضاجع نوح و طور و الفلا ح الملک واعیه و سال و عمّ لا

غرق مع انفطرت و کدح ثم رو م العنکبوت و طفّفت فتکمّلا

و بطیبه عشرون ثم ثمان الطّو لی و عمران و أنفال جلا

لأحزاب مائده امتحان و النّسا مع زلزلت ثم الحدید تأمّلا

و محمّد و الرّعد و الرّحمن الإنس ان الطّلاق و لم یکن حشر ملا

نصر و نور ثم حجّ و المنا ف ق مع مجادله و حجرات و لا

تحریمها مع جمعه و تغابن صفّ و فتح توبه ختمت أولی

أمّا الذی قد جاءنا سفریّه عرفیّ أکملت لکم قد کمّلا

لکن إذا قمتم فجیشیّ بدا و اسأل من أرسلنا الشآمی اقبلا

إنّ الّذی فرض انتمی جحفیّها و هو الّذی کفّ الحدیبیّ انجلی

الخمر، فقالوا: یا رسول اللّه، دعنا ننتفع بها کما قال اللّه؛ فسکت عنهم، ثم نزلت هذه الآیه:

لا تَقْرَبُوا الصَّلاهَ وَ أَنْتُمْ سُکاری [النساء: 43] فقیل: حرمت الخمر، فقالوا: یا رسول اللّه، لا نشربها قرب الصلاه، فسکت عنهم، ثم نزلت: یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَ الْمَیْسِرُ [المائده: 90]. فقال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم: «حرّمت الخمر»(1).

و أخرجه ابن جریر من طریق العوفیّ و الضحّاک، عن ابن عباس.

و قال الفریابیّ فی تفسیره: حدّثنا سفیان، عن الکلبیّ، عن ابن صالح، عن ابن عباس قال: آخر آیه نزلت: وَ اتَّقُوا یَوْماً تُرْجَعُونَ فِیهِ إِلَی اللّهِ الآیه، و کان بین نزولها و بین موت النبیّ صلّی اللّه علیه و سلّم أحد و ثمانون یوما(1).

و أخرج ابن أبی حاتم، عن سعید بن جبیر قال: آخر ما نزل من القرآن کلّه: وَ اتَّقُوا یَوْماً تُرْجَعُونَ فِیهِ إِلَی اللّهِ ، و عاش النبیّ صلّی اللّه علیه و سلّم بعد نزول هذه الآیه تسع لیال، ثم مات لیله الاثنین للیلتین خلتا من ربیع الأول(2).

و أخرج ابن جریر مثله عن ابن جریج(3).

و أخرج من طریق عطیه، عن أبی سعید قال: کان آخر آیه: وَ اتَّقُوا یَوْماً تُرْجَعُونَ الآیه(4).

و أخرج أبو عبید فی الفضائل عن ابن شهاب قال: آخر القرآن عهدا بالعرش آیه الربا و آیه الدّین(5).

و أخرج ابن جریج من طریق ابن شهاب عن سعید بن المسیّب: أنّه بلغه أنّ أحدث القرآن عهدا بالعرش آیه الدّین. مرسل صحیح الإسناد.

قلت: و لا منافاه عندی بین هذه الرّوایات فی آیه الربا: وَ اتَّقُوا یَوْماً و آیه الدّین؛ لأنّ الظاهر أنها نزلت دفعه واحده کترتیبها فی المصحف، و لأنها فی قصه واحده. فأخبر کلّ عن بعض ما نزل بأنه آخر، و ذلک صحیح، و قول البراء: آخر ما نزل: یَسْتَفْتُونَکَ . أی فی شأن الفرائض.

و قال ابن حجر فی شرح البخاریّ (6): طریق الجمع بین القولین فی آیه الربا: وَ اتَّقُوا یَوْماً أنّ هذه الآیه هی ختام الآیات المنزّله فی الربا، إذ هی معطوفه علیهنّ، و یجمع بین8.

ص: 115

ذلک و بین قول البراء بأنّ الآیتین نزلتا جمیعا، فیصدق أن کلاّ منهما آخر بالنسبه لما عداهما.

و یحتمل أن تکون الآخریه فی آیه النّساء مقیده بما یتعلّق بالمواریث بخلاف آیه البقره. و یحتمل عکسه، و الأوّل أرجح لما فی آیه البقره من الإشاره إلی معنی الوفاء المستلزمه لخاتمه النزول.

انتهی.

و فی المستدرک: عن أبیّ بن کعب قال: آخر آیه نزلت: لَقَدْ جاءَکُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِکُمْ [التوبه: 129.128]. إلی آخر السوره(1).

و روی عبد اللّه بن أحمد فی زوائد المسند و ابن مردویه، عن أبیّ: أنّهم جمعوا القرآن فی خلافه أبی بکر، و کان رجال یکتبون، فلما انتهوا إلی هذه الآیه من سوره براءه: ثُمَّ انْصَرَفُوا صَرَفَ اللّهُ قُلُوبَهُمْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا یَفْقَهُونَ [127]. ظنّوا أن هذا آخر ما نزل من القرآن، فقال لهم أبیّ بن کعب: إنّ رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم أقرأنی بعدها آیتین: لَقَدْ جاءَکُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِکُمْ إلی قوله: وَ هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِیمِ ، و قال: هذا آخر ما نزل من القرآن، قال. فختم بما فتح به، باللّه الذی لا إله إلاّ هو، و هو قوله: وَ ما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِکَ مِنْ رَسُولٍ إِلاّ نُوحِی إِلَیْهِ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاّ أَنَا فَاعْبُدُونِ (25) [الأنبیاء: 25](2).

و أخرج ابن مردویه، عن أبیّ أیضا، قال: آخر القرآن عهدا باللّه هاتان الآیتان: لَقَدْ جاءَکُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِکُمْ و أخرجه ابن الأنباری بلفظ: أقرب القرآن بالسماء عهدا.

و أخرج أبو الشیخ فی تفسیره من طریق علیّ بن زید، عن یوسف المکیّ، عن ابن عباس قال: آخر آیه نزلت: لَقَدْ جاءَکُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِکُمْ (3).ب.

ص: 116

و أخرج مسلم عن ابن عباس قال: آخر سوره نزلت: إِذا جاءَ نَصْرُ اللّهِ وَ الْفَتْحُ (1) (1).

و أخرج التّرمذیّ و الحاکم: عن عائشه قالت: آخر سوره نزلت المائده، فما وجدتم فیها من حلال فاستحلّوه... الحدیث(2).

و أخرجا أیضا، عن عبد اللّه بن عمرو قال: آخر سوره نزلت سوره المائده و الفتح.

قلت: یعنی: إِذا جاءَ نَصْرُ اللّهِ (3).

و فی حدیث عثمان المشهور: براءه من آخر القرآن نزولا.

قال البیهقی(4): یجمع بین هذه الاختلافات. إن صحت. بأنّ کلّ واحد أجاب بما عنده.

و قال القاضی أبو بکر فی الانتصار: هذه الأقوال لیس فیها شیء مرفوع إلی النبیّ صلّی اللّه علیه و سلّم، و کلّ قاله بضرب من الاجتهاد و غلبه الظنّ، و یحتمل أن کلاّ منهم أخبر عن آخر ما سمعه من النبیّ صلّی اللّه علیه و سلّم فی الیوم الذی مات فیه أو قبل مرضه بقلیل، و غیره سمع منه بعد ذلک، و إن لم یسمعه هو. و یحتمل أیضا أن تنزل هذه الآیه. التی هی آخر آیه تلاها الرسول صلّی اللّه علیه و سلّم. مع آیات نزلت معها، فیؤمر برسم ما نزل معها بعد رسم تلک، فیظنّ أنه آخر ما نزل فی الترتیب.

انتهی.

و من غریب ما ورد فی ذلک: ما أخرجه ابن جریر(5) عن معاویه بن أبی سفیان أنّه تلا هذه الآیه: فَمَنْ کانَ یَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ [الکهف: 110] الآیه، و قال: آخر آیه نزلت من القرآن.

قال ابن کثیر(6): هذا أثر مشکل، و لعله أراد أنّه لم ینزل بعدها آیه تنسخها، و لا تغیّر حکمها، بل هی مثبته محکمه.1.

ص: 117

قلت: و مثله ما أخرجه البخاریّ و غیره عن ابن عباس قال: نزلت هذه الآیه: وَ مَنْ یَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ [النساء: 93] هی آخر ما نزل، و ما نسخها شیء.

و عند أحمد و النّسائیّ عنه: لقد نزلت فی آخر ما نزل، ما نسخها شیء(1).

و أخرج ابن مردویه، من طریق مجاهد، عن أم سلمه قالت: آخر آیه نزلت هذه الآیه:

فَاسْتَجابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّی لا أُضِیعُ عَمَلَ عامِلٍ [آل عمران: 195]. إلی آخرها.

قلت: و ذلک أنها قالت: یا رسول اللّه، أری اللّه یذکر الرجال و لا یذکر النساء؟ فنزلت:

وَ لا تَتَمَنَّوْا ما فَضَّلَ اللّهُ بِهِ بَعْضَکُمْ عَلی بَعْضٍ [النساء: 32]. و نزلت: إِنَّ الْمُسْلِمِینَ وَ الْمُسْلِماتِ [الأحزاب: 35]، و نزلت هذه الآیه، فهی آخر الثلاثه نزولا، أو آخر ما نزل بعد ما کان ینزل فی الرجال خاصّه(2).

و أخرج ابن جریر: عن أنس قال: قال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم: «من فارق الدّنیا علی الإخلاص للّه وحده و عبادته لا شریک له، و أقام الصلاه، و آتی الزکاه، فارقها و اللّه عنه راض».

قال أنس: و تصدیق ذلک فی کتاب اللّه فی آخر ما نزل: فَإِنْ تابُوا وَ أَقامُوا الصَّلاهَ وَ آتَوُا الزَّکاهَ... الآیه [التوبه: 5](3).

قلت: یعنی فی آخر سوره نزلت.ه.

ص: 118

و فی البرهان لإمام الحرمین: إنّ قوله تعالی: قُلْ لا أَجِدُ فِی ما أُوحِیَ إِلَیَّ مُحَرَّماً الآیه [الأنعام: 145]. من آخر ما نزل.

و تعقّبه ابن الحصّار بأن السوره مکیه باتّفاق، و لم یرد نقل بتأخّر هذه الآیه عن نزول السوره، بل هی فی محاجّه المشرکین و مخاصمتهم و هم بمکّه. انتهی(1).

و منها: الوقوف علی المعنی و إزاله الإشکال: قال الواحدیّ (1): لا یمکن تفسیر الآیه دون الوقوف علی قصّتها و بیان نزولها.

و قال ابن دقیق العید: بیان سبب النزول طریق قویّ فی فهم معانی القرآن.

و قال ابن تیمیّه(2): معرفه سبب النزول یعین علی فهم الآیه، فإنّ العلم بالسبب یورث العلم بالمسبّب.

و قد أشکل علی مروان بن الحکم معنی قوله تعالی: لا تَحْسَبَنَّ الَّذِینَ یَفْرَحُونَ بِما أَتَوْا الآیه [آل عمران: 188]. و قال: لئن کان کلّ امرئ فرح بما أوتی، و أحبّ أن یحمد بما لم یفعل معذّبا، لنعذّبنّ أجمعون، حتی بیّن له ابن عباس: أنّ الآیه نزلت فی أهل الکتاب حین سألهم النبیّ صلّی اللّه علیه و سلّم عن شیء، فکتموه إیّاه، و أخبروه بغیره، و أروه أنّهم أخبروه بما سألهم عنه، و استحمدوا بذلک إلیه. أخرجه الشیخان(3).

و حکی عن عثمان بن مظعون و عمرو بن معدی کرب: أنّهما کانا یقولان: الخمر مباحه، و یحتجان بقوله تعالی: لَیْسَ عَلَی الَّذِینَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ جُناحٌ فِیما طَعِمُوا الآیه [المائده: 93]. و لو علما سبب نزولها لم یقولا ذلک، و هو: أنّ ناسا قالوا لمّا حرّمت الخمر: کیف بمن قتلوا فی سبیل اللّه و ماتوا و کانوا یشربون الخمر و هی رجس؟ فنزلت.

أخرجه أحمد و النسائی و غیرهما(4).

و من ذلک: قوله تعالی: وَ اللاّئِی یَئِسْنَ مِنَ الْمَحِیضِ مِنْ نِسائِکُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَهُ أَشْهُرٍ [الطلاق: 4] فقد أشکل معنی هذا الشرط علی بعض الأئمه، حتی قال الظاهریه: بأن الآیسه لا عدّه علیها إذا لم ترتب. و قد بین ذلک سبب النزول، و هو أنّه لما نزلت الآیه التی فی سوره البقره فی عدد النساء، قالوا: قد بقی عدد من عدد النساء لم یذکرن: الصغار و الکبار، فنزلت. أخرجه الحاکم عن أبیّ (5). فعلم بذلک أنّ الآیه خطاب لمن لم یعلم ما2.

ص: 121

حکمهنّ فی العدّه، و ارتاب: هل علیهنّ عدّه أو لا؟ و هل عدّتهنّ کاللاتی فی سوره البقره أو لا؟ فمعنی إِنِ ارْتَبْتُمْ إن أشکل علیکم حکمهن و جهلتم کیف یعتددن؛ فهذا حکمهنّ.

و من ذلک: قوله تعالی: فَأَیْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللّهِ [البقره: 115]. فإنّا لو ترکنا و مدلول اللفظ لاقتضی أن المصلّی لا یجب علیه استقبال القبله سفرا و لا حضرا، و هو خلاف الإجماع، فلما عرف سبب نزولها علم أنها فی نافله السفر، أو فیمن صلّی بالاجتهاد و بان له الخطأ؛ علی اختلاف الروایات فی ذلک.

و من ذلک: قوله: إِنَّ الصَّفا وَ الْمَرْوَهَ مِنْ شَعائِرِ اللّهِ [البقره: 158]، فإنّ ظاهر لفظها لا یقتضی أنّ السّعی فرض. و قد ذهب بعضهم إلی عدم فرضیّته تمسّکا بذلک، و قد ردّت عائشه علی عروه فی فهمه ذلک بسبب نزولها، و هو أنّ الصحابه تأثّموا من السّعی بینهما لأنّه من عمل الجاهلیّه، فنزلت(1).

و منها: دفع توهّم الحضر: قال الشافعیّ ما معناه فی قوله تعالی: قُلْ لا أَجِدُ فِی ما أُوحِیَ إِلَیَّ مُحَرَّماً الآیه [الأنعام: 145]: إنّ الکفّار لما حرّموا ما أحلّ اللّه و أحلّوا ما حرّم اللّه، و کانوا علی المضادّه و المحادّه، فجاءت الآیه مناقضه لغرضهم، فکأنّه قال: لا حلال إلاّ ما حرّمتموه، و لا حرام إلاّ ما أحللتموه، نازلا منزله من یقول: لا تأکل الیوم حلاوه، فتقول: لا آکل الیوم إلاّ الحلاوه، و الغرض المضادّه لا النفی و الإثبات علی الحقیقه، فکأنه تعالی قال:

لا حرام إلاّ ما أحللتموه، من المیته و الدم و لحم الخنزیر و ما أهلّ لغیر اللّه به، و لم یقصد حلّ ما وراءه؛ إذ القصد إثبات التحریم لا إثبات الحلّ.

قال إمام الحرمین: و هذا فی غایه الحسن، و لو لا سبق الشافعیّ إلی ذلک لما کنّا نستجیز مخالفه مالک فی حصر المحرّمات فیما ذکرته الآیه(2).

و منها: معرفه اسم النازل فیه الآیه و تعیین المبهم فیها، و لقد قال مروان فی عبد الرحمن بن أبی بکر: إنّه الذی أنزل فیه: وَ الَّذِی قالَ لِوالِدَیْهِ أُفٍّ لَکُما [الأحقاف: 17] حتی ردّت1.

ص: 122

علیه عائشه و بیّنت له سبب نزولها(1).

قلت: أجیب عن ذلک بأنه لا یخفی علیه أنّ اللفظ أعمّ من السبب، لکنه بیّن أنّ المراد باللفظ خاصّ، و نظیره: تفسیر النبیّ صلّی اللّه علیه و سلّم الظّلم فی قوله تعالی: وَ لَمْ یَلْبِسُوا إِیمانَهُمْ بِظُلْمٍ [الأنعام: 82] بالشرک من قوله: إِنَّ الشِّرْکَ لَظُلْمٌ عَظِیمٌ [لقمان: 13] مع فهم الصحابه العموم فی کلّ ظلم.

و قد ورد عن ابن عباس ما یدلّ علی اعتبار العموم، فإنّه قال به فی آیه السرقه، مع أنها نزلت فی امرأه سرقت. قال ابن أبی حاتم: حدّثنا علیّ بن الحسین، حدّثنا محمد بن أبی حمّاد، حدّثنا أبو ثمیله بن عبد المؤمن، عن نجده الحنفی، قال: سألت ابن عباس عن قوله:

وَ السّارِقُ وَ السّارِقَهُ فَاقْطَعُوا أَیْدِیَهُما [المائده: 38]. أ خاصّ أم عام؟ قال: بل عامّ.

و قال ابن تیمیّه(1): قد یجیء کثیرا من هذا الباب قولهم: هذه الآیه نزلت فی کذا، لا سیّما إن کان المذکور شخصا، کقولهم: إنّ آیه الظّهار نزلت فی امرأه ثابت بن قیس. و إن آیه الکلاله نزلت فی جابر بن عبد اللّه، و إن قوله: وَ أَنِ احْکُمْ بَیْنَهُمْ [المائده: 49] نزلت فی بنی قریظه و النّضیر، و نظائر ذلک مما یذکرون أنّه نزل فی قوم من المشرکین بمکه، أو فی قوم من الیهود و النصاری، أو فی قوم من المؤمنین. فالذین قالوا ذلک لم یقصدوا أنّ حکم الآیه یختص بأولئک الأعیان دون غیرهم، فإن هذا لا یقوله مسلم و لا عاقل علی الإطلاق، و الناس و إن تنازعوا فی اللّفظ العامّ الوارد علی سبب: هل یختصّ بسببه؟ فلم یقل أحد: إن عمومات الکتاب و السنه تختص بالشخص المعیّن، و إنما غایه ما یقال: إنها تختص بنوع ذلک الشخص فیعمّ ما یشبهه، و لا یکون العموم فیها بحسب اللفظ، و الآیه التی لها سبب معیّن: إن کانت أمرا و نهیا فهی متناوله لذلک الشخص و لغیره ممن کان بمنزلته، و إن کانت خبرا بمدح أو ذمّ، فهی متناوله لذلک الشخص و لمن کان بمنزلته. انتهی.

تنبیه: قد علمت مما ذکر: أن فرض المسأله فی لفظ له عموم، أمّا آیه نزلت فی معیّن و لا عموم للفظها، فإنّها تقصر علیه قطعا، کقوله تعالی: وَ سَیُجَنَّبُهَا الْأَتْقَی (17) اَلَّذِی یُؤْتِی مالَهُ یَتَزَکّی (18) [اللیل: 18.17] فإنّها نزلت فی أبی بکر الصدّیق بالإجماع؛ و قد استدل بها الإمام فخر الدین الرازی مع قوله: إِنَّ أَکْرَمَکُمْ عِنْدَ اللّهِ أَتْقاکُمْ [الحجرات: 13] علی أنه أفضل النّاس بعد رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم.

و وهم من ظنّ أنّ الآیه عامّه فی کلّ من عمل عمله، إجراء له علی القاعده؛ و هذا غلط؛ فإنّ هذه الآیه لیس فیها صیغه عموم، إذ الألف و اللاّم إنما تفید العموم إذا کانت موصوله أو معرفه فی جمع، زاد قوم: أو مفرد، بشرط ألاّ یکون هناک عهد. و اللاّم فی1.

ص: 124

اَلْأَتْقَی لیست موصوله، لأنها لا توصل بأفعل التفضیل إجماعا، و اَلْأَتْقَی لیس جمعا، بل هو مفرد، و العهد موجود، خصوصا مع ما یفیده صیغه (أفعل) من التمییز و قطع المشارکه، فبطل القول بالعموم، و تعیّن القطع بالخصوص و القصر علی من نزلت فیه رضی اللّه عنه.

و الآیات کانت تنزل علی أسبابها، و یأمر النبیّ صلّی اللّه علیه و سلّم بوضعها فی المواضع التی علم من اللّه أنّها مواضعها.

و قال ابن تیمیّه(1): قولهم: نزلت هذه الآیه فی کذا، یراد به تاره سبب النزول، و یراد به أنّ ذلک داخل فی الآیه و إن لم یکن السبب، کما تقول: عنی بهذه الآیه کذا. و قد تنازع العلماء فی قول الصحابیّ: نزلت هذه الآیه فی کذا، هل یجری مجری المسند، کما لو ذکر السبب الذی أنزلت لأجله، أو یجری مجری التفسیر منه الذی لیس بمسند؟ فالبخاری یدخله فی المسند، و غیره لا یدخله فیه، و أکثر المسانید علی هذا الاصطلاح کمسند أحمد و غیره، بخلاف ما إذا ذکر سببا نزلت عقبه، فإنّهم کلهم یدخلون مثل هذا فی المسند. انتهی.

و قال الزرکشیّ فی البرهان(2): قد عرف من عاده الصحابه و التابعین أنّ أحدهم إذا قال:

نزلت هذه الآیه فی کذا، فإنّه یرید بذلک أنّها تتضمن هذا الحکم، لا أنّ هذا کان السبب فی نزولها، فهو من جنس الاستدلال علی الحکم بالآیه، لا من جنس النقل لما وقع.

قلت: و الّذی یتحرّر فی سبب النزول أنّه: ما نزلت الآیه أیّام وقوعه، لیخرج ما ذکره الواحدیّ فی سوره الفیل من أن سببها قصّه قدوم الحبشه به(3)، فإنّ ذلک لیس من أسباب النزول فی شیء، بل هو من باب الإخبار عن الوقائع الماضیه، کذکر قصه قوم نوح و عاد و ثمود و بناء البیت، و نحو ذلک. و کذلک ذکره فی قوله: وَ اتَّخَذَ اللّهُ إِبْراهِیمَ خَلِیلاً [النساء:

125] سبب اتخاذه خلیلا لیس ذلک من أسباب نزول القرآن، کما لا یخفی.

تنبیه: ما تقدم أنّه من قبیل المسند من الصحابیّ: إذا وقع من تابعی فهو مرفوع أیضا، لکنه مرسل، فقد یقبل إذا صح السّند إلیه، و کان من أئمه التفسیر الآخذین عن الصحابه، کمجاهد و عکرمه و سعید بن جبیر، أو اعتضد بمرسل آخر و نحو ذلک(4).

تقدم أنّ هذا یراد به التفسیر لا ذکر سبب النزول، فلا منافاه بین قولیهما إذا کان اللفظ یتناولهما، کما سیأتی تحقیقه فی النوع الثامن و السبعین.

و إن عبّر واحد بقوله: نزلت فی کذا، و صرح الآخر بذکر سبب خلافه فهو المعتمد، و ذاک استنباط. و مثاله ما أخرجه البخاریّ، عن ابن عمر، قال: أنزلت: نِساؤُکُمْ حَرْثٌ لَکُمْ [البقره: 223] فی إتیان النساء فی أدبارهنّ (1). و تقدّم عن جابر التصریح بذکر سبب خلافه، فالمعتمد حدیث جابر(2)؛ لأنه نقل، و قول ابن عمر استنباط منه، و قد وهّمه فیه ابن عباس، و ذکر مثل حدیث جابر، کما أخرجه أبو داود و الحاکم(3).

و إن ذکر واحد سببا و آخر سببا غیره، فإن کان إسناد أحدهما صحیحا دون الآخر فالصحیح المعتمد، مثاله ما أخرجه الشیخان و غیرهما عن جندب: اشتکی النبیّ صلّی اللّه علیه و سلّم فلم یقم لیله أو لیلتین، فأتته امرأه، فقالت: یا محمد، ما أری شیطانک إلاّ قد ترکک، فأنزل اللّه:

وَ الضُّحی (1) وَ اللَّیْلِ إِذا سَجی (2) ما وَدَّعَکَ رَبُّکَ وَ ما قَلی (3) (4) [الضحی: 3.1].

و أخرج الطّبرانی و ابن أبی شیبه، عن حفص بن میسره، عن أمه، عن أمها. و کانت خادم رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم. أنّ جروا دخل بیت النبیّ صلّی اللّه علیه و سلّم، فدخل تحت السریر فمات، فمکث النبیّ صلّی اللّه علیه و سلّم أربعه أیام لا ینزل علیه الوحی، فقال: «یا خوله، ما حدث فی بیت رسول اللّه؟ جبریل لا یأتینی» فقلت فی نفسی: لو هیّأت البیت و کنسته، فأهویت بالمکنسه تحت السریر، فأخرجت الجرو، فجاء النبیّ صلّی اللّه علیه و سلّم ترعد لحیته. و کان إذا نزل علیه الوحی أخذته الرّعده. فأنزل اللّه:4.

ص: 128

وَ الضُّحی (1) إلی قوله: فَتَرْضی (1).

و قال ابن حجر فی شرح البخاری(2): قصه إبطاء جبریل بسبب الجرو مشهوره، لکن کونها سبب نزول الآیه غریب، و فی إسناده من لا یعرف، فالمعتمد ما فی الصحیح.

و من أمثلته. أیضا. ما أخرجه ابن جریر و ابن أبی حاتم، من طریق علیّ بن أبی طلحه، عن ابن عباس: أنّ رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم لمّا هاجر إلی المدینه، أمره اللّه أن یستقبل بیت المقدس، ففرحت الیهود، فاستقبله بضعه عشر شهرا. و کان یحبّ قبله إبراهیم. فکان یدعو اللّه و ینظر إلی السماء، فأنزل اللّه: فَوَلُّوا وُجُوهَکُمْ شَطْرَهُ [البقره: 150]. فارتاب من ذلک الیهود، و قالوا ما ولاّهم عن قبلتهم التی کانوا علیها! فأنزل اللّه: قُلْ لِلّهِ الْمَشْرِقُ وَ الْمَغْرِبُ [البقره:

115] و قال: فَأَیْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللّهِ (3)[البقره: 115].

و أخرج الحاکم و غیره، عن ابن عمر، قال: نزلت فَأَیْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللّهِ أن تصلّی حیثما توجهت بک راحلتک فی التطوع(4).

و أخرج الترمذیّ. و ضعّفه. من حدیث عامر بن ربیعه، قال: کنّا فی سفر فی لیله مظلمه، فلم ندر أین القبله؟ فصلی کلّ رجل منّا علی حیاله، فلمّا أصبحنا ذکرنا ذلک لرسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم، فنزلت(5)..

ص: 129

و أخرج الدّارقطنیّ نحوه من حدیث جابر، بسند ضعیف أیضا(1).

و أخرج ابن جریر: عن مجاهد، قال: لما نزلت: اُدْعُونِی أَسْتَجِبْ لَکُمْ [غافر: 60] قالوا: إلی أین؟ فنزلت. مرسل.

و أخرج عن قتاده: أنّ النبیّ صلّی اللّه علیه و سلّم قال: «إنّ أخا لکم قد مات فصلّوا علیه». فقالوا: إنه کان لا یصلّی إلی القبله، فنزلت. معضل غریب جدّا.

فهذه خمسه أسباب مختلفه، و أضعفها الأخیر لإعضاله، ثم ما قبله لإرساله، ثم ما قبله لضعف رواته، و الثانی صحیح، لکنه قال: قد أنزلت فی کذا، و لم یصرح بالسبب، و الأوّل صحیح الإسناد، و صرح فیه بذکر السبب، فهو المعتمد.

و من أمثلته. أیضا: ما أخرجه ابن مردویه و ابن أبی حاتم، من طریق ابن إسحاق، عن محمد بن أبی محمد، عن عکرمه. أو سعید.، عن ابن عباس قال: خرج أمیّه بن خلف و أبو جهل بن هشام و رجال من قریش، فأتوا رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم، فقالوا: یا محمد، تعال فتمسّح بآلهتنا، و ندخل معک فی دینک. و کان یحب إسلام قومه. فرقّ لهم، فأنزل اللّه: وَ إِنْ کادُوا لَیَفْتِنُونَکَ عَنِ الَّذِی أَوْحَیْنا إِلَیْکَ الآیات [الإسراء: 77.73].

و أخرج ابن مردویه، من طریق العوفیّ، عن ابن عباس: أنّ ثقیفا قالوا للنبیّ صلّی اللّه علیه و سلّم: أجلنا سنه حتی یهدی لآلهتنا، فإذا قبضنا الذی یهدی لها أحرزناه، ثم أسلمنا. فهمّ أن یؤجّلهم، فنزلت.

هذا یقتضی نزولها بالمدینه. و إسناده ضعیف، و الأوّل یقتضی نزولها بمکه و إسناده حسن، و له شاهد عند أبی الشیخ عن سعید بن جبیر، یرتقی إلی درجه الصحیح، فهو المعتمد.

الحال الرابع: أن یستوی الإسنادان فی الصحّه، فیرجّح أحدهما بکون راویه حاضر القصه، أو نحو ذلک من وجوه الترجیحات. مثاله ما أخرجه البخاریّ، عن ابن مسعود، قال:9.

ص: 130

کنت أمشی مع النبیّ صلّی اللّه علیه و سلّم بالمدینه، و هو یتوکأ علی عسیب، فمرّ بنفر من الیهود، فقال بعضهم: لو سألتموه! فقالوا: حدّثنا عن الرّوح، فقام ساعه و رفع رأسه، فعرفت أنه یوحی إلیه، حتی صعد الوحی، ثم قال: قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّی وَ ما أُوتِیتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلاّ قَلِیلاً (1)[الإسراء: 85].

و أخرج الترمذیّ. و صححه عن ابن عباس. قال: قالت قریش للیهود: أعطونا شیئا نسأل هذا الرجل، فقالوا: اسألوه عن الرّوح، فسألوه، فأنزل اللّه: مَنْ یَشْفَعْ شَفاعَهً الآیه(2).

فهذا یقتضی أنها نزلت بمکه. و الأوّل خلافه، و قد رجّح بأنّ ما رواه البخاریّ أصح من غیره، و بأنّ ابن مسعود کان حاضر القصه.

الحال الخامس: أن یمکن نزولها عقیب السببین و الأسباب المذکوره، بألاّ تکون معلومه التباعد، کما فی الآیات السابقه، فیحمل علی ذلک. و مثاله: ما أخرجه البخاریّ من طریق عکرمه، عن ابن عبّاس: أنّ هلال بن أمیّه قذف امرأته عند النبیّ صلّی اللّه علیه و سلّم بشریک بن سحماء، فقال النبیّ صلّی اللّه علیه و سلّم: «البینه أو حدّ فی ظهرک». فقال: یا رسول اللّه، إذا رأی أحدنا مع امرأته رجلا؛ ینطلق یلتمس البینه! فأنزل علیه: وَ الَّذِینَ یَرْمُونَ أَزْواجَهُمْ ... حتی بلغ: إِنْ کانَ مِنَ الصّادِقِینَ [النور: 9.6](3).

و أخرج الشیخان عن سهل بن سعد قال: جاء عویمر إلی عاصم بن عدیّ فقال: اسأل رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم: أ رأیت رجلا وجد مع امرأته رجلا، فقتله، أ یقتل به، أم کیف یصنع؟ فسأل عاصم رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم: فعاب السائل، فأخبر عاصم عویمرا، فقال: و اللّه لآتینّ رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم، فلأسألنّه، فأتاه، فقال: «إنّه قد أنزل فیک و فی صاحبتک قرآن..» الحدیث(4).7.

ص: 131

جمع بینهما بأنّ أوّل ما وقع له ذلک هلال، و صادف مجیء عویمر أیضا، فنزلت فی شأنهما معا. و إلی هذا جنح النووی(1)، و سبقه الخطیب، فقال: لعلّهما اتفق لهما ذلک فی وقت واحد.

و أخرج البزار: عن حذیفه قال: قال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم لأبی بکر: «لو رأیت مع أمّ رومان رجلا ما کنت فاعلا به؟» قال: شرّا، قال: «فأنت یا عمر؟» قال: کنت أقول: لعن اللّه الأعجز، فإنّه لخبیث. فنزلت(2).

قال ابن حجر(3): لا مانع من تعدّد الأسباب.

الحال السادس: ألاّ یمکن ذلک: فیحمل علی تعدّد النزول و تکرّره. مثاله: ما أخرجه الشیخان، عن المسیّب، قال: لمّا حضر أبا طالب الوفاه، دخل علیه رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم و عنده أبو جهل و عبد اللّه بن أبی أمیّه، فقال: «أی عمّ، قل: لا إله إلاّ اللّه، أحاجّ لک بها عند اللّه».

فقال أبو جهل و عبد اللّه: یا أبا طالب، أ ترغب عن ملّه عبد المطلب.

فلم یزالا یکلّمانه حتی قال: هو علی ملّه عبد المطلب، فقال النبیّ صلّی اللّه علیه و سلّم: «لأستغفرنّ لک ما لم أنه عنه»، فنزلت: ما کانَ لِلنَّبِیِّ وَ الَّذِینَ آمَنُوا أَنْ یَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِکِینَ (4) الآیه [التوبه: 113].

و أخرج الترمذیّ. و حسّنه.، عن علیّ، قال: سمعت رجلا یستغفر لأبویه و هما مشرکان، فقلت: تستغفر لأبویک و هما مشرکان! فقال: استغفر إبراهیم لأبیه و هو مشرک، فذکرت ذلک لرسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم فنزلت(5).ن.

ص: 132

و أخرج الحاکم و غیره، عن ابن مسعود، قال: خرج النبی صلّی اللّه علیه و سلّم یوما إلی المقابر، فجلس إلی قبر منها، فناجاه طویلا، ثم بکی، فقال: «إنّ القبر الذی جلست عنده قبر أمّی، و إنّی استأذنت ربّی فی الدعاء لها فلم یأذن لی، فأنزل علیّ: ما کانَ لِلنَّبِیِّ وَ الَّذِینَ آمَنُوا أَنْ یَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِکِینَ (1). فنجمع بین هذه الأحادیث بتعدّد النزول.

و من أمثلته أیضا: ما أخرجه البیهقی، و البزار، عن أبی هریره: أنّ النبیّ صلّی اللّه علیه و سلّم وقف علی حمزه حین استشهد، و قد مثّل به، فقال: «لأمثلنّ بسبعین منهم مکانک». فنزل جبریل و النبیّ صلّی اللّه علیه و سلّم واقف بخواتیم سوره النحل: وَ إِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ [النحل: 126] إلی آخر السوره(2).

و أخرج التّرمذیّ، و الحاکم، عن أبیّ بن کعب، قال: لمّا کان یوم أحد أصیب من الأنصار أربعه و ستون، و من المهاجرین ستّه، منهم حمزه، فمثّلوا بهم، فقالت الأنصار: لئن أصبنا منهم یوما مثل هذا لنربینّ علیهم. فلمّا کان یوم فتح مکه أنزل اللّه: وَ إِنْ عاقَبْتُمْ الآیه(3).ن.

ص: 133

فظاهره تأخیر نزولها إلی الفتح، و فی الحدیث الذی قبله نزولها بأحد.

قال ابن الحصّار: و یجمع بأنها نزلت أوّلا بمکه قبل الهجره مع السوره لأنّها مکیه، ثم ثانیا بأحد، ثم ثالثا یوم الفتح، تذکیرا من اللّه لعباده. و جعل ابن کثیر من هذا القسم آیه الروح.

تنبیه: قد یکون فی إحدی القصتین (فتلا) فیهم الراوی، فیقول: (فنزل).

مثاله: ما أخرجه الترمذی. و صححه. عن ابن عباس قال: مرّ یهودیّ بالنبیّ صلّی اللّه علیه و سلّم، فقال:

کیف تقول یا أبا القاسم، إذا وضع اللّه السموات علی ذه، و الأرضین علی ذه، و الماء علی ذه، و الجبال علی ذه، و سائر الخلق علی ذه؟ فأنزل اللّه: وَ ما قَدَرُوا اللّهَ حَقَّ قَدْرِهِ الآیه [الأنعام: 91](1). و الحدیث فی الصحیح(2) بلفظ: فتلا رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم... و هو الصواب؛ فإنّ الآیه مکیّه.

و من أمثلته أیضا: ما أخرجه البخاریّ، عن أنس قال: سمع عبد اللّه بن سلام بمقدم رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم، فأتاه فقال: إنی سائلک عن ثلاث لا یعلمهنّ إلاّ نبیّ: ما أوّل أشراط الساعه؟ و ما أول طعام أهل الجنه؟ و ما ینزل الولد إلی أبیه أو إلی أمه؟ قال: «أخبرنی بهنّ جبریل آنفا» قال: جبریل؟ قال: «نعم». قال: ذاک عدوّ الیهود من الملائکه. فقرأ هذه الآیه: مَنْ کانَ عَدُوًّا لِجِبْرِیلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلی قَلْبِکَ (3)[البقره: 97].

قال ابن حجر فی شرح البخاریّ (4): ظاهر السیاق أنّ النبیّ صلّی اللّه علیه و سلّم قرأ الآیه ردا علی قول الیهود، و لا یستلزم ذلک نزولها حینئذ. قال: و هذا هو المعتمد، فقد صحّ فی سبب نزول الآیه قصه غیر قصه ابن سلام.

تنبیه: عکس ما تقدم: أن یذکر سبب واحد فی نزول الآیات المتفرقه، و لا إشکال فی8.

ص: 134

ذلک، فقد ینزل فی الواقعه الواحده آیات عدیده فی سور شتی.

مثاله: ما أخرجه التّرمذیّ و الحاکم: عن أمّ سلمه، أنّها قالت: یا رسول اللّه، لا أسمع اللّه ذکر النساء فی الهجره بشیء!؟ فأنزل اللّه: فَاسْتَجابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّی لا أُضِیعُ [آل عمران:

195] إلی آخر الآیه(1).

و أخرج الحاکم عنها: أیضا. قالت: قلت: یا رسول اللّه تذکر الرجال و لا تذکر النساء!؟ فأنزلت: إِنَّ الْمُسْلِمِینَ وَ الْمُسْلِماتِ [الأحزاب: 35] و أنزلت: أَنِّی لا أُضِیعُ عَمَلَ عامِلٍ مِنْکُمْ مِنْ ذَکَرٍ أَوْ أُنْثی (2).

و أخرج. أیضا. عنها أنّها قالت: یغزو الرجال و لا تغزو النساء، و إنما لنا نصف المیراث؟! فأنزل اللّه: وَ لا تَتَمَنَّوْا ما فَضَّلَ اللّهُ بِهِ بَعْضَکُمْ عَلی بَعْضٍ و أنزل: إِنَّ الْمُسْلِمِینَ وَ الْمُسْلِماتِ (3).

و من أمثلته أیضا: ما أخرجه البخاریّ، من حدیث زید بن ثابت: أنّ رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم أملی علیه: لا یَسْتَوِی الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِینَ إلی وَ الْمُجاهِدُونَ فِی سَبِیلِ اللّهِ [النساء: 95] فجاء ابن أمّ مکتوم، و قال: یا رسول اللّه، لو أستطیع الجهاد لجاهدت، و کان أعمی، فأنزل اللّه: غَیْرُ أُولِی الضَّرَرِ (4).

و أخرج ابن أبی حاتم، عن زید بن ثابت. أیضا. قال: کنت أکتب لرسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم، فإنی لواضع القلم علی أذنی، إذ أمر بالقتال، فجعل رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم ینظر ما ینزل علیه إذ جاء أعمی، فقال: کیف لی یا رسول اللّه و أنا أعمی؟ فأنزلت: لَیْسَ عَلَی الضُّعَفاءِ [التوبه: 91].

و من أمثلته: ما أخرجه ابن جریر، عن ابن عباس، قال: کان رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم جالسا فی ظلّ حجره، فقال: «إنه سیأتیکم إنسان ینظر بعینی شیطان». فطلع رجل أزرق، فدعاه رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم، فقال: «علام تشتمنی أنت و أصحابک». فانطلق الرّجل، فجاء بأصحابه، فحلفوا باللّه ما قالوا، حتی تجاوز عنهم، فأنزل اللّه: یَحْلِفُونَ بِاللّهِ ما قالُوا [التوبه: 74] الآیه.9.

ص: 135

و أخرجه الحاکم و أحمد بهذا اللفظ، و آخره: فأنزل اللّه: یَوْمَ یَبْعَثُهُمُ اللّهُ جَمِیعاً فَیَحْلِفُونَ لَهُ کَما یَحْلِفُونَ لَکُمْ الآیه(1) [المجادله: 18].

تنبیه: تأمّل ما ذکرته لک فی هذه المسأله، و اشدد به یدیک، فإنی حرّرته و استخرجته بفکری من استقراء صنیع الأئمه و متفرّقات کلامهم، و لم أسبق إلیه.1.

ص: 136

[البقره: 125] و قلت: یا رسول اللّه، إنّ نساءک یدخل علیهنّ البرّ و الفاجر، فلو أمرتهنّ أن یحتجبن؟ فنزلت آیه الحجاب. و اجتمع علی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم نساؤه فی الغیره، فقلت لهنّ:

عَسی رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَکُنَّ أَنْ یُبْدِلَهُ أَزْواجاً خَیْراً مِنْکُنَّ [التحریم: 5]، فنزلت کذلک(1).

و أخرج مسلم، عن ابن عمر، عن عمر قال: وافقت ربّی فی ثلاث: فی الحجاب، و فی أسری بدر، و فی مقام إبراهیم(2).

و أخرج ابن أبی حاتم، عن أنس، قال: قال عمر: وافقت ربّی. أو وافقنی ربّی. فی أربع: نزلت هذه الآیه: وَ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَهٍ مِنْ طِینٍ (12) الآیه [المؤمنون: 12] فلما نزلت قلت: أنا: فتبارک اللّه أحسن الخالقین، فنزلت: فَتَبارَکَ اللّهُ أَحْسَنُ الْخالِقِینَ [المؤمنون: 14].

و أخرج عن عبد الرحمن بن أبی لیلی: أنّ یهودیا لقی عمر بن الخطاب، فقال: إن جبریل الذی یذکر صاحبکم عدوّ لنا، فقال عمر: مَنْ کانَ عَدُوًّا لِلّهِ وَ مَلائِکَتِهِ وَ رُسُلِهِ وَ جِبْرِیلَ وَ مِیکالَ فَإِنَّ اللّهَ عَدُوٌّ لِلْکافِرِینَ (98) [البقره: 98] فنزلت علی لسان عمر(3).

و أخرج سنید فی تفسیره، عن سعید بن جبیر: أنّ سعد بن معاذ لمّا سمع ما قیل فی أمر عائشه قال: سُبْحانَکَ هذا بُهْتانٌ عَظِیمٌ [النور: 16] فنزلت کذلک.

و أخرج ابن أخی میمی فی فوائده: عن سعید بن المسیب، قال: کان رجلان من أصحاب النبیّ صلّی اللّه علیه و سلّم إذا سمعا شیئا من ذلک، قالا: سُبْحانَکَ هذا بُهْتانٌ عَظِیمٌ : زید بن حارثه و أبو أیوب، فنزلت کذلک.

و أخرج ابن أبی حاتم، عن عکرمه، قال: لمّا أبطأ علی النساء الخبر فی أحد خرجن یستخبرن، فإذا رجلان [مقتولان](4) [علی دابه أو] علی بعیر. فقالت امرأه [من الأنصار: من هذان؟ قالوا: فلان و فلان: أخوها و زوجها. أو زوجها و ابنها. فقالت:](5) ما فعل رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم قالوا: حیّ، قالت: فلا أبالی، یتّخذ اللّه من عباده الشهداء، فنزل القرآن علی ما قالت:م.

ص: 138

وَ یَتَّخِذَ مِنْکُمْ شُهَداءَ [آل عمران: 140](1).

و قال ابن سعد فی الطبقات: أخبرنا الواقدیّ، حدّثنی إبراهیم بن محمد بن شرحبیل العبدریّ، عن أبیه، قال: حمل مصعب بن عمیر اللواء یوم أحد، فقطعت یده الیمنی، فأخذ اللواء بیده الیسری، و هو یقول: وَ ما مُحَمَّدٌ إِلاّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلی أَعْقابِکُمْ ثم قطعت یده الیسری، فحنا علی اللواء و ضمّه بعضدیه إلی صدره، و هو یقول: وَ ما مُحَمَّدٌ إِلاّ رَسُولٌ [آل عمران: 144] یومئذ، حتی نزلت بعد ذلک(2).

تنبیه قد یجعل من ذلک الأحرف التی تقرأ علی وجهین فأکثر. و یدلّ له، ما أخرجه مسلم، من حدیث أبیّ: «إنّ ربّی أرسل إلیّ أن أقرأ القرآن علی حرف، فرددت إلیه: أن هوّن علی أمتی، فأرسل إلیّ أن اقرأه علی سبعه أحرف»(1). فهذا الحدیث یدل علی أن القرآن لم ینزل من أوّل وهله، بل مرّه بعد أخری.

و فی جمال القرّاء للسخاویّ، بعد أن حکی القول بنزول الفاتحه مرتین: إن قیل: فما فائده نزولها مره ثانیه؟ قلت: یجوز أن یکون نزلت أوّل مرّه علی حرف واحد، و نزلت فی الثانیه ببقیّه وجوهها، نحو ملک و مالک و السّراط و الصّراط، و نحو ذلک. انتهی.

تنبیه أنکر بعضهم کون شیء من القرآن یتکرّر نزوله، کذا رأیته فی کتاب «الکفیل بمعانی التنزیل» و علّله:

بأنّ تحصیل ما هو حاصل لا فائده فیه. و هو مردود بما تقدّم من فوائده.

و بأنه یلزم منه أن یکون کلّ ما نزل بمکه نزل بالمدینه مره أخری، فإنّ جبریل کان یعارضه کلّ سنه، و ردّ بمنع الملازمه.

و بأنّه لا معنی للإنزال إلاّ أنّ جبریل کان ینزل علی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم بقرآن لم یکن نزل به من قبل، فیقرئه إیاه. و ردّ بمنع اشتراط قوله: لم یکن نزل به من قبل.

ثم قال: و لعلّهم یعنون بنزولها مرّتین: أنّ جبریل نزل حین حوّلت القبله، فأخبر الرسول صلّی اللّه علیه و سلّم أنّ الفاتحه رکن فی الصلاه کما کانت بمکه، فظن ذلک نزولا لها مرّه أخری، أو أقرأه قراءه أخری لم یقرئها له بمکه، فظنّ ذلک إنزالا. انتهی.ک.

ص: 141

وَ یُوَلُّونَ الدُّبُرَ (45) [القمر: 45]. قال عمر بن الخطاب: فقلت: أیّ جمع؟ فلما کان یوم بدر و انهزمت قریش، نظرت إلی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم فی آثارهم مصلتا بالسیف، و یقول: سَیُهْزَمُ الْجَمْعُ وَ یُوَلُّونَ الدُّبُرَ (45) . فکانت لیوم بدر. أخرجه الطبرانی فی الأوسط(1).

و کذلک قوله: جُنْدٌ ما هُنالِکَ مَهْزُومٌ مِنَ الْأَحْزابِ (11) [ص: 11] قال قتاده: وعده اللّه. و هو یومئذ بمکه. أنه سیهزم جندا من المشرکین، فجاء تأویلها یوم بدر. أخرجه ابن أبی حاتم(2).

أخرج ابن أبی حاتم، عن ابن مسعود فی قوله: وَ قُلْ جاءَ الْحَقُّ قال: السیف، و الآیه مکیه متقدّمه علی فرض القتال، و یؤید تفسیر ابن مسعود: ما أخرجه الشیخان من حدیثه أیضا قال: دخل النبیّ صلّی اللّه علیه و سلّم مکه یوم الفتح و حول الکعبه ثلاثمائه و ستون نصبا، فجعل یطعنها بعود کان فی یده، و یقول: جاءَ الْحَقُّ وَ زَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ کانَ زَهُوقاً (81) [الإسراء: 81] جاءَ الْحَقُّ وَ ما یُبْدِئُ الْباطِلُ وَ ما یُعِیدُ (49) (3).

و قال ابن الحصّار: ذکر اللّه الزکاه فی السور المکیات کثیرا، تصریحا و تعریضا: بأنّ اللّه سینجز وعده لرسوله، و یقیم دینه و یظهره؛ حتی تفرض الصلاه و الزکاه و سائر الشرائع، و لم تؤخذ الزکاه إلاّ بالمدینه بلا خلاف، و أورد من ذلک قوله تعالی: وَ آتُوا حَقَّهُ یَوْمَ حَصادِهِ [الأنعام: 141] و قوله فی سوره المزمل: وَ أَقِیمُوا الصَّلاهَ وَ آتُوا الزَّکاهَ [20] و من ذلک قوله فیها: وَ آخَرُونَ یُقاتِلُونَ فِی سَبِیلِ اللّهِ [المزمل: 20].

و من ذلک قوله تعالی: وَ مَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعا إِلَی اللّهِ وَ عَمِلَ صالِحاً [فصلت:

33] فقد قالت عائشه، و ابن عمر، و عکرمه، و جماعه: إنها نزلت فی المؤذّنین، و الآیه مکیه، و لم یشرع الأذان إلاّ بالمدینه.

و من أمثله ما تأخّر نزوله عن حکمه: آیه الوضوء، ففی صحیح البخاریّ: عن عائشه، قالت: سقطت قلاده لی بالبیداء، و نحن داخلون المدینه، فأناخ رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم و نزل فثنی رأسه3.

ص: 143

فی حجری راقدا، و أقبل أبو بکر، فلکزنی لکزه شدیده و قال: حبست الناس فی قلاده؟ ثم إنّ النبیّ صلّی اللّه علیه و سلّم استیقظ، و حضرت الصبح، فالتمس الماء فلم یوجد، فنزلت: یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَی الصَّلاهِ إلی قوله: لَعَلَّکُمْ تَشْکُرُونَ (1)[المائده: 6] فالآیه مدنیه إجماعا، و فرض الوضوء کان بمکه مع فرض الصلاه.

قال ابن عبد البرّ: معلوم عند جمیع أهل المغازی أنه صلّی اللّه علیه و سلّم لم یصلّ منذ فرضت علیه الصلاه إلاّ بوضوء، و لا یدفع ذلک إلاّ جاهل أو معاند. قال: و الحکمه فی نزول آیه الوضوء مع تقدّم العمل به، لیکون فرضه متلوّا بالتنزیل.

و قال غیره: یحتمل أن یکون أوّل الآیه نزل مقدّما مع فرض الوضوء، ثم نزل بقیتها.

و هو ذکر التیمم. فی هذه القصه.

قلت: یردّه الإجماع علی أنّ الآیه مدنیّه.

و من أمثلته أیضا: آیه الجمعه، فإنّها مدنیّه، و الجمعه فرضت بمکه، و قول ابن الفرس:

إنّ إقامه الجمعه لم تکن بمکه قطّ، یردّه: ما أخرجه ابن ماجه، عن عبد الرحمن بن کعب بن مالک، قال: کنت قائد أبی حین ذهب بصره، فکنت إذا خرجت به إلی الجمعه، فسمع الأذان، یستغفر لأبی أمامه أسعد بن زراره، فقلت: یا أبتاه، أ رأیت صلاتک علی أسعد بن زراره کلّما سمعت النداء بالجمعه، لم هذا؟ قال: أیّ بنیّ، کان أوّل من صلّی بنا الجمعه قبل مقدم رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم من مکه(2).

و من أمثلته: قوله تعالی: إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ [التوبه: 60] الآیه، فإنّها نزلت سنه تسع، و قد فرضت الزکاه قبلها فی أوائل الهجره.

قال ابن الحصّار: فقد یکون مصرفها قبل ذلک معلوما، و لم یکن فیه قرآن متلوّ، کما کان الوضوء معلوما قبل نزول الآیه، ثم نزلت تلاوه القرآن تأکیدا به.ث.

ص: 144

أدّوها إلی النبیّ صلّی اللّه علیه و سلّم(1).

و أخرج أبو الشیخ عن أبیّ بن کعب، مرفوعا: «أنزلت علیّ سوره الأنعام جمله واحده، یشیعها سبعون ألف ملک»(2).

و أخرج عن مجاهد، قال: نزلت الأنعام کلّها جمله واحده، معها خمسمائه ملک.

و أخرج عن عطاء: أنزلت الأنعام جمیعا و معها سبعون ألف ملک.

فهذه شواهد یقوّی بعضها بعضا.

و قال ابن الصلاح فی فتاویه: الحدیث الوارد فی أنها نزلت جمله، رویناه من طریق أبیّ بن کعب. و فی إسناده ضعف، و لم نر له إسنادا صحیحا، و قد روی ما یخالفه، فروی أنها لم تنزل جمله واحده، بل نزلت آیات منها بالمدینه اختلفوا فی عددها، فقیل: ثلاث، و قیل: غیر ذلک. انتهی، و اللّه أعلم.ه.

ص: 146

عن معقل بن یسار: أنّ رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم قال: «البقره سنام القرآن و ذروته، نزل مع کل آیه منها ثمانون ملکا، و استخرجت اَللّهُ لا إِلهَ إِلاّ هُوَ الْحَیُّ الْقَیُّومُ من تحت العرش فوصلت بها»(1).

و أخرج سعید بن منصور فی سننه، عن الضحاک بن مزاحم، قال: خواتیم سوره البقره جاء بها جبریل، و معه من الملائکه ما شاء اللّه.

و بقی سور أخری، منها: سوره الکهف، قال ابن الضّریس فی فضائله: أخبرنا یزید بن عبد العزیز الطیالسیّ: حدّثنا إسماعیل بن عیّاش، عن إسماعیل بن رافع، قال: بلغنا أنّ رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم قال: «أ لا أخبرکم بسوره ملء عظمتها ما بین السماء و الأرض، شیّعها سبعون ألف ملک؟ سوره الکهف»(2).

تنبیه: لینظر فی التوفیق بین ما مضی و بین ما أخرجه ابن أبی حاتم بسند صحیح، عن سعید بن جبیر قال: ما جاء جبریل بالقرآن إلی النبیّ صلّی اللّه علیه و سلّم إلاّ و معه أربعه من الملائکه حفظه(3).

و أخرج ابن جریر، عن الضحاک، قال: کان النبیّ صلّی اللّه علیه و سلّم إذا بعث إلیه الملک، بعث ملائکه یحرسونه من بین یدیه و من خلفه، مخافه أن یتشبه الشیطان علی صوره الملک.

فائده: قال ابن الضّریس: أخبرنا محمود بن غیلان، عن یزید بن هارون، أخبرنی الولید . یعنی ابن: جمیل. عن القاسم، عن أبی أمامه قال: أربع آیات نزلت من کنز العرش، لم ینزل منه شیء غیرهنّ: أمّ الکتاب، و آیه الکرسیّ، و خاتمه سوره البقره، و الکوثر(4).1.

ص: 148

قلت: أما الفاتحه: فأخرج البیهقی فی الشّعب، من حدیث أنس مرفوعا: «إنّ اللّه أعطانی فیما منّ به علیّ: إنّی أعطیتک فاتحه الکتاب، و هی من کنوز عرشی»(1).

و أخرج الحاکم عن معقل بن یسار مرفوعا: «أعطیت فاتحه الکتاب و خواتیم سوره البقره من تحت العرش»(2).

و أخرج ابن راهویه فی مسنده عن علیّ: أنّه سئل عن فاتحه الکتاب، فقال: حدّثنا نبیّ اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم أنها نزلت من کنز تحت العرش.

و أمّا آخر البقره: فأخرج الدارمی فی مسنده، عن أیفع الکلاعیّ قال: قال رجل: یا رسول اللّه، أیّ آیه تحبّ أن تصیبک و أمتک؟ قال: «آخر سوره البقره، فإنّها من کنز الرحمه من تحت عرش اللّه»(3).

و أخرج أحمد و غیره من حدیث عقبه بن عامر مرفوعا: «اقرءوا هاتین الآیتین، فإن ربی أعطانیهما من تحت العرش»(4).

و أخرج من حدیث حذیفه: أعطیت هذه الآیات من آخر سوره البقره، من کنز تحتی.

ص: 149

العرش، لم یعطها نبی قبلی»(1).

و أخرج من حدیث أبی ذرّ: «أعطیت خواتیم سوره البقره من کنز تحت العرش، لم یعطهنّ نبیّ قبلی»(2).

و له طرق کثیره عن عمرو علیّ و ان مسعود و غیرهم(3).

و أما آیه الکرسی: فتقدمت فی حدیث معقل بن یسار السابق.

و أخرج ابن مردویه، عن ابن عباس قال: کان رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم إذا قرأ آیه الکرسی ضحک، و قال: «إنّها من کنز الرّحمن تحت العرش».

و أخرج أبو عبید، عن علیّ قال: آیه الکرسیّ أعطیها نبیّکم من کنز تحت العرش، و لم یعطها أحد قبل نبیّکم(4).ه.

ص: 150

و أما سوره الکوثر: فلم أقف فیها علی حدیث، و قول أبی أمامه فی ذلک یجری مجری المرفوع(1)، و قد أخرجه أبو الشیخ بن حیّان و الدیلمیّ و غیرهما من طریق محمد بن عبد الملک الدقیقیّ، عن یزید بن هارون، بإسناده السابق عن أبی أمامه مرفوعا(2).ا.

ص: 151

و أخرج البیهقی فی الشّعب، عن ابن عباس، قال: السبع الطوال لم یعطهنّ أحد إلاّ النبیّ صلّی اللّه علیه و سلّم، و أعطی موسی منها اثنتین(1).

و أخرج الطّبرانی، عن ابن عباس مرفوعا: «أعطیت أمّتی شیئا لم یعطه أحد من الأمم عند المصیبه: إِنّا لِلّهِ وَ إِنّا إِلَیْهِ راجِعُونَ [البقره: 156](2).

و من أمثله الأول: ما أخرجه الحاکم، عن ابن عباس، قال: لما نزلت: سَبِّحِ اسْمَ رَبِّکَ الْأَعْلَی (1) قال صلّی اللّه علیه و سلّم: «کلّها فی صحف إبراهیم و موسی». فلما نزلت: وَ النَّجْمِ إِذا هَوی (1) فبلغ وَ إِبْراهِیمَ الَّذِی وَفّی (37) قال: «وفّی أَلاّ تَزِرُ وازِرَهٌ وِزْرَ أُخْری (38) إلی قوله: هذا نَذِیرٌ مِنَ النُّذُرِ الْأُولی (56) [النجم: 56.1](3).

و قال سعید بن منصور: حدّثنا خالد بن عبد اللّه، عن عطاء بن السائب، عن عکرمه، عن ابن عباس قال: هذه السوره فی صحف إبراهیم و موسی.

و أخرجه ابن أبی حاتم بلفظ: «نسخ من صحف إبراهیم و موسی» و أخرج عن السّدیّ قال: إنّ هذه السوره فی صحف إبراهیم و موسی مثل ما نزلت علی النبیّ صلّی اللّه علیه و سلّم.

و قال الفریابی: نبأنا سفیان، عن أبیه، عن عکرمه: إِنَّ هذا لَفِی الصُّحُفِ الْأُولی (18) [الأعلی: 18]. قال: هؤلاء الآیات.ب.

ص: 153

و أخرج الحاکم، من طریق القاسم، عن أبی أمامه، قال: أنزل اللّه علی إبراهیم مما أنزل علی محمد: اَلتّائِبُونَ الْعابِدُونَ إلی قوله: وَ بَشِّرِ الْمُؤْمِنِینَ [التوبه: 112]. و قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) إلی قوله: فِیها خالِدُونَ [المؤمنون: 1-11]. و إِنَّ الْمُسْلِمِینَ وَ الْمُسْلِماتِ الآیه [الأحزاب: 35]، و التی فی سأل: اَلَّذِینَ هُمْ عَلی صَلاتِهِمْ دائِمُونَ (23) إلی قوله: قائِمُونَ [المعارج: 23-33] فلم یف بهذه السهام إلاّ إبراهیم و محمد صلّی اللّه علیه و سلّم.

و أخرج البخاری عن عبد اللّه بن عمرو بن العاص قال: إنّه. یعنی. النبیّ صلّی اللّه علیه و سلّم الموصوف فی التّوراه ببعض صفته فی القرآن: یا أَیُّهَا النَّبِیُّ إِنّا أَرْسَلْناکَ شاهِداً وَ مُبَشِّراً وَ نَذِیراً (45) [الأحزاب: 45]، و حرزا للأمیّین.. الحدیث(1).

و أخرج ابن الضّریس و غیره، عن کعب، قال: فتحت التوراه: ب اَلْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِی خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ وَ جَعَلَ الظُّلُماتِ وَ النُّورَ ثُمَّ الَّذِینَ کَفَرُوا بِرَبِّهِمْ یَعْدِلُونَ (1) [الأنعام: 1].

و ختمت ب اَلْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِی لَمْ یَتَّخِذْ وَلَداً إلی قوله: وَ کَبِّرْهُ تَکْبِیراً [الإسراء: 111](2).

و أخرج. أیضا. عنه، قال: فاتحه التوراه فاتحه الأنعام: اَلْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِی خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ وَ جَعَلَ الظُّلُماتِ وَ النُّورَ ، و خاتمه التوراه خاتمه هود: فَاعْبُدْهُ وَ تَوَکَّلْ عَلَیْهِ وَ ما رَبُّکَ بِغافِلٍ عَمّا تَعْمَلُونَ [هود: 123](3).

و أخرج من وجه آخر عنه، قال: أوّل ما أنزل فی التوراه عشر آیات من سوره الأنعام:

قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّکُمْ عَلَیْکُمْ [الأنعام: 151] إلی آخرها(4).

و أخرج أبو عبید عنه، قال: أوّل ما أنزل اللّه فی التوراه عشر آیات من سوره الأنعام:

بسم اللّه الرحمن الرحیم قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ الآیات.

قال بعضهم: یعنی أنّ هذه الآیات اشتملت علی الآیات العشر التی کتبها اللّه لموسی فیر.

ص: 154

التوراه أوّل ما کتب، و هی: توحید اللّه، و النهی عن الشرک، و الیمین الکاذبه، و العقوق، و القتل، و الزنا، و السرقه، و الزور، و مدّ العین إلی ما فی ید الغیر، و الأمر بتعظیم السبت(1)رواه الدار قطنی فی سننه 310/1 ضمن حدیث طویل. قلت: سنده ضعیف، فیه: 1 - عبد الکریم بن أبی المخارق: ضعیف. انظر التقریب 516/1، و الکاشف 181/2. 2 - سلمه بن صالح الأحمر: ضعیف. انظر لسان المیزان 69/3-70، و الکامل 330/3-331.(2).

و أخرج الدارقطنیّ من حدیث بریده: أنّ النبیّ صلّی اللّه علیه و سلّم قال: «لأعلّمنّک آیه لم تنزل علی نبیّ بعد سلیمان غیری: بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِیمِ (2)».

و أخرج الحاکم، عن ابن میسره: أنّ هذه الآیه مکتوبه فی التوراه بسبعمائه آیه: یُسَبِّحُ لِلّهِ ما فِی السَّماواتِ وَ ما فِی الْأَرْضِ الْمَلِکِ الْقُدُّوسِ الْعَزِیزِ الْحَکِیمِ (1) أوّل سوره الجمعه(3).

فائده: یدخل فی هذا النوع ما أخرجه ابن أبی حاتم، عن محمد بن کعب القرظیّ، قال: البرهان الذی أری یوسف: ثلاث آیات من کتاب اللّه: وَ إِنَّ عَلَیْکُمْ لَحافِظِینَ (10) کِراماً کاتِبِینَ (11) یَعْلَمُونَ ما تَفْعَلُونَ (12) [الانفطار: 12.10]. و قوله: وَ ما تَکُونُ فِی شَأْنٍ وَ ما تَتْلُوا مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ الآیه [یونس: 61] و قوله: أَ فَمَنْ هُوَ قائِمٌ عَلی کُلِّ نَفْسٍ بِما کَسَبَتْ [الرعد: 33] زاد غیره آیه أخری: وَ لا تَقْرَبُوا الزِّنی [الإسراء: 32].

و أخرج ابن أبی حاتم أیضا، عن ابن عباس فی قوله: لَوْ لا أَنْ رَأی بُرْهانَ رَبِّهِ [یوسف: 24]. قال: رأی آیه من کتاب اللّه نهته، مثّلت له فی جدار الحائط.ا.

ص: 155

و أخرجه ابن أبی حاتم من هذا الوجه، و فی آخره: فکان المشرکون إذا أحدثوا شیئا أحدث اللّه لهم جوابا.

و أخرج الحاکم و ابن أبی شیبه من طریق حسّان بن حریث، عن سعید بن جبیر، عن ابن عباس، قال: فصل القرآن من الذّکر، فوضع فی بیت العزّه من السماء الدنیا، فجعل جبریل ینزل به علی النبیّ صلّی اللّه علیه و سلّم(1).

أسانیدها کلّها صحیحه.

و أخرج الطّبرانیّ و البزّار من وجه آخر عنه قال: أنزل القرآن جمله واحده حتی وضع فی بیت العزّه فی السماء الدنیا، و نزّله جبریل علی محمد صلّی اللّه علیه و سلّم بجواب کلام العباد و أعمالهم(2).

و أخرج ابن أبی شیبه فی فضائل القرآن، من وجه آخر عنه: دفع إلی جبریل فی لیله القدر جمله واحده، فوضعه فی بیت العزّه، ثم جعل ینزّله تنزیلا(3).

و أخرج ابن مردویه و البیهقیّ فی الأسماء و الصفات(4) من طریق السّدّی، عن محمد، عن ابن أبی المجالد، عن مقسم، عن ابن عباس أنّه سأل عطیه بن الأسود فقال: أوقع فی قلبی الشکّ قوله تعالی: شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِی أُنْزِلَ فِیهِ الْقُرْآنُ [البقره: 185] و قوله: إِنّا أَنْزَلْناهُ فِی لَیْلَهِ الْقَدْرِ (1) . و هذا نزل فی شوال و فی ذی القعده و فی ذی الحجه و فی المحرّم1.

ص: 157

و صفر و شهر ربیع؟ فقال ابن عباس: إنّه أنزل فی رمضان لیله القدر جمله واحده، ثم أنزل علی مواقع النّجوم رسلا فی الشهور و الأیام.

قال أبو شامه(1). قوله: (رسلا) أی: رفقا، (و علی مواقع النجوم) أی: علی مثل [مواقع النجوم، و مواقعها]: مساقطها، یرید أنزل فی رمضان فی لیله القدر جمله واحده، ثم أنزل علی ما وقع مفرّقا یتلو بعضه بعضا، علی تؤده و رفق.

القول الثانی: أنّه نزل إلی السماء الدنیا فی عشرین لیله قدر، أو ثلاث و عشرین، أو خمس و عشرین، فی کلّ لیله ما یقدّر اللّه إنزاله فی کلّ السنه، ثم نزل بعد ذلک منجّما فی جمیع السنه.

و هذا القول ذکره الإمام فخر الدین الرازی(2) بحثا، فقال: یحتمل أنّه کان ینزل فی کلّ لیله قدر ما یحتاج النّاس إلی إنزاله إلی مثلها، من اللوح إلی السماء الدنیا. ثم توقّف، هل هذا أولی أو الأول! قال ابن کثیر(3): و هذا الّذی جعله احتمالا نقله القرطبیّ (4)، عن مقاتل بن حیان، و حکی الإجماع علی أنّه نزل جمله واحده من اللّوح المحفوظ إلی بیت العزه فی السماء الدنیا.

قلت: و ممّن قال بقول مقاتل: الحلیمی(5) و الماوردیّ (6)، و یوافقه قول ابن شهاب: آخر القرآن عهدا بالعرش آیه الدّین(7).

القول الثالث: أنّه ابتدئ إنزاله فی لیله القدر، ثم نزل بعد ذلک منجّما فی أوقات مختلفه من سائر الأوقات. و به قال الشّعبیّ.

قال ابن حجر فی شرح البخاری(8): و الأول هو الصحیح المعتمد، قال: و قد حکی الماوردیّ (9) قولا رابعا: أنه نزل من اللوح المحفوظ جمله واحده، و أنّ الحفظه نجّمته علی جبریل فی عشرین لیله، و أنّ جبریل نجّمه علی النبیّ صلّی اللّه علیه و سلّم فی عشرین سنه. و هذا أیضا غریب،9.

ص: 158

و المعتمد أنّ جبریل کان یعارضه فی رمضان بما ینزل به علیه فی طول السنه.

و قال أبو شامه(1): کأن صاحب هذا القول أراد الجمع بین القولین: الأول و الثانی.

قلت: هذا الذی حکاه الماوردیّ أخرجه ابن أبی حاتم من طریق الضّحاک، عن ابن عباس، قال: نزل القرآن جمله واحده من عند اللّه، من اللّوح المحفوظ إلی السّفره الکرام الکاتبین فی السّماء الدنیا، فنجّمته السّفره علی جبریل عشرین لیله، و نجّمه جبریل علی النبیّ صلّی اللّه علیه و سلّم عشرین سنه.

قال أبو شامه(1): فإن قلت: فقوله تعالی: إِنّا أَنْزَلْناهُ فِی لَیْلَهِ الْقَدْرِ (1) من جمله القرآن الّذی نزل جمله أم لا؟ فإن لم یکن منه، فما نزل جمله؟ و إن کان منه فما وجه صحه هذه العباره؟.

قلت: له وجهان:

أحدهما أن یکون معنی الکلام: إنّا حکمنا بإنزاله فی لیله القدر، و قضیناه و قدّرناه فی الأزل. و الثانی: أنّ لفظه لفظ الماضی و معناه الاستقبال، أی: ینزله جمله فی لیله القدر.

انتهی.

العلماء و علی ألسنتهم، حتی کاد یکون إجماعا، و قد رأیت بعض فضلاء العصر أنکر ذلک، و قال: إنّه لا دلیل علیه، بل الصواب: أنّها نزلت مفرقه کالقرآن.

و أقول: الصواب الأوّل، و من الأدله علی ذلک آیه الفرقان السابقه.

أخرج ابن أبی حاتم، من طریق سعید بن جبیر، عن ابن عباس، قال: قالت الیهود: یا أبا القاسم، لو لا أنزل هذا القرآن جمله واحده کما أنزلت التوراه علی موسی، فنزلت.

و أخرجه من وجه آخر عنه بلفظ: «قال المشرکون»، و أخرج نحوه عن قتاده و السدّیّ (1).

فإن قلت: لیس فی القرآن التصریح بذلک، و إنما علی تقدیر ثبوته، قول الکفار؟ قلت: سکوته تعالی عن الردّ علیهم فی ذلک، و عدوله إلی بیان حکمته دلیل علی صحّته، و لو کانت الکتب کلّها نزلت مفرّقه لکان یکفی فی الردّ علیهم أن یقول: إنّ ذلک سنه اللّه فی الکتب التی أنزلها علی الرسل السابقه، کما أجاب بمثل ذلک قولهم: وَ قالُوا ما لِهذَا الرَّسُولِ یَأْکُلُ الطَّعامَ وَ یَمْشِی فِی الْأَسْواقِ [الفرقان: 7]. فقال: وَ ما أَرْسَلْنا قَبْلَکَ مِنَ الْمُرْسَلِینَ إِلاّ إِنَّهُمْ لَیَأْکُلُونَ الطَّعامَ وَ یَمْشُونَ فِی الْأَسْواقِ [الفرقان: 20]. و قولهم: أَ بَعَثَ اللّهُ بَشَراً رَسُولاً [الإسراء: 94]. فقال: وَ ما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِکَ إِلاّ رِجالاً نُوحِی إِلَیْهِمْ [یوسف: 109]. و قولهم: کیف یکون رسولا و لا همّ له إلاّ النساء؟ فقال وَ لَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلاً مِنْ قَبْلِکَ وَ جَعَلْنا لَهُمْ أَزْواجاً وَ ذُرِّیَّهً [الرعد: 38]. إلی غیر ذلک.

و من الأدله علی ذلک. أیضا. قوله تعالی فی إنزال التوراه علی موسی یوم الصعقه:

فَخُذْ ما آتَیْتُکَ وَ کُنْ مِنَ الشّاکِرِینَ وَ کَتَبْنا لَهُ فِی الْأَلْواحِ مِنْ کُلِّ شَیْ ءٍ مَوْعِظَهً وَ تَفْصِیلاً لِکُلِّ شَیْ ءٍ فَخُذْها بِقُوَّهٍ [الأعراف: 145.144]، وَ أَلْقَی الْأَلْواحَ [الأعراف: 150]، وَ لَمّا سَکَتَ عَنْ مُوسَی الْغَضَبُ أَخَذَ الْأَلْواحَ وَ فِی نُسْخَتِها هُدیً وَ رَحْمَهٌ [الأعراف: 154]، وَ إِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ کَأَنَّهُ ظُلَّهٌ وَ ظَنُّوا أَنَّهُ واقِعٌ بِهِمْ خُذُوا ما آتَیْناکُمْ بِقُوَّهٍ [الأعراف: 171]، فهذه الآیات کلّها دالّه علی إتیانه التوراه جمله.

و أخرج ابن أبی حاتم، من طریق سعید بن جبیر، عن ابن عباس، قال: أعطی موسی التّوراه فی سبعه ألواح من زبرجد، فیها تبیان لکلّ شیء و موعظه، فلمّا جاء بها فرأی بنی إسرائیل عکوفا علی عباده العجل رمی بالتوراه من یده فتحطّمت، فرفع اللّه منها سته أسباع و بقی منها سبع(2).

و أخرج من طریق جعفر بن محمد، عن أبیه، عن جدّه، رفعه، قال: «الألواح الّتی3.

ص: 162

أنزلت علی موسی کانت من سدر الجنّه، کان طول اللوح اثنی عشر ذراعا»(1).

و أخرج النسائی و غیره عن ابن عباس. فی حدیث الفتون(2). قال: أخذ موسی الألواح بعد ما سکت عنه الغضب، فأمرهم بالّذی أمر اللّه أن یبلغهم من الوظائف، فثقلت علیهم، و أبوا أن یقرّوا بها حتی نتق اللّه علیهم الجبل کأنّه ظلّه، و دنا منهم حتی خافوا أن یقع علیهم، فأقرّوا بها.

و أخرج ابن أبی حاتم، عن ثابت بن الحجاج قال: جاءتهم التوراه جمله واحده، فکبر علیهم، فأبوا أن یأخذوها حتی ظلّل اللّه علیهم الجبل فأخذوها عند ذلک(3).

فهذه آثار صحیحه صریحه فی إنزال التوراه جمله.

و یؤخذ من الأثر الأخیر منها حکمه أخری لإنزال القرآن مفرّقا، فإنّه أدعی إلی قبوله إذا نزل علی التدریج، بخلاف ما لو نزل جمله واحده، فإنه کان ینفر من قبوله کثیر من النّاس، لکثره ما فیه من الفرائض و المناهی.

و یوضّح ذلک: ما أخرجه البخاریّ، عن عائشه، قالت: إنّما نزل أوّل ما نزل منه سوره من المفصّل فیها ذکر الجنه و النّار، حتی إذا ثاب الناس إلی الإسلام نزل الحلال و الحرام، و لو نزل أوّل شیء: (لا تشربوا الخمر) لقالوا: لا ندع الخمر أبدا، و لو نزل: (لا تزنوا) لقالوا: لا ندع الزّنا أبدا(4).

ثم رأیت هذه الحکم مصرّحا بها فی «الناسخ و المنسوخ» لمکیّ (5).

و أخرج ابن أشته فی کتاب «المصاحف» عن عکرمه فی قوله: بِمَواقِعِ [الواقعه: 75].

قال: أنزل اللّه القرآن نجوما ثلاث آیات، و أربع آیات، و خمس آیات(1).

و قال النکزاویّ (2) فی کتاب «الوقف»: کان القرآن ینزل مفرّقا، الآیه و الآیتین و الثلاث و الأربع، و أکثر من ذلک.

و أخرجه ابن عساکر، من طریق أبی نضره، قال: کان أبو سعید الخدریّ یعلمنا القرآن خمس آیات بالغداه و خمس آیات بالعشیّ، و یخبر أنّ جبریل نزل بالقرآن خمس آیات، و خمس آیات.

و أمّا ما أخرجه البیهقیّ فی الشّعب من طریق أبی خلده [عن أبی العالیه](3)، عن عمر، قال: تعلّموا القرآن خمس آیات خمس آیات؛ فإنّ جبریل کان ینزل بالقرآن علی النبیّ صلّی اللّه علیه و سلّم خمسا خمسا(4).

و من طریق ضعیف عن علیّ، قال: أنزل القرآن خمسا خمسا إلاّ سوره الأنعام، و من حفظ خمسا خمسا لم ینسه(5).

فالجواب: أنّ معناه. إن صح. إلقاؤه إلی النّبیّ صلّی اللّه علیه و سلّم بهذا القدر حتی یحفظه، ثم یلقی إلیه الباقی، لا إنزاله بهذا القدر خاصّه. و یوضح ذلک: ما أخرجه البیهقی. أیضا. عن خالد بن دینار، قال: قال لنا أبو العالیه: تعلّموا القرآن خمس آیات، خمس آیات؛ فإنّ النبیّ صلّی اللّه علیه و سلّم کان.

ص: 164

یأخذه من جبریل خمسا خمسا.

العرب. و تمسّک قائل هذا بظاهر قوله تعالی: نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِینُ (193) عَلی قَلْبِکَ [الشعراء: 193-194](1).

و الثالث: أنّ جبریل ألقی إلیه المعنی، و أنّه عبر بهذه الألفاظ بلغه العرب، و أن أهل السماء یقرءونه بالعربیّه، ثم إنّه نزل به کذلک بعد ذلک.

و قال البیهقی(2) فی معنی قوله تعالی: إِنّا أَنْزَلْناهُ فِی لَیْلَهِ الْقَدْرِ (1) : یرید. و اللّه أعلم.: إنّا أسمعنا الملک و أفهمناه إیّاه و أنزلناه بما سمع. فیکون الملک منتقلا به من علو إلی أسفل.

قال أبو شامه(3): هذا المعنی مطّرد فی جمیع ألفاظ الإنزال المضافه إلی القرآن أو إلی شیء منه، یحتاج إلیه أهل السنّه المعتقدون قدم القرآن، و أنه صفه قائمه بذات اللّه تعالی.

قلت: و یؤید أنّ جبریل تلقّفه سماعا من اللّه تعالی: ما أخرجه الطّبرانیّ من حدیث النّواس بن سمعان مرفوعا: «إذا تکلّم اللّه بالوحی أخذت السماء رجفه شدیده من خوف اللّه، فإذا سمع بذلک أهل السماء صعقوا و خرّوا سجّدا، فیکون أوّلهم یرفع رأسه جبریل، فیکلّمه اللّه من وحیه بما أراد، فینتهی به علی الملائکه، فکلّما مرّ بسماء سأله أهلها: ما ذا قال ربّنا؟ قال: الحقّ. فینتهی به حیث أمر».

و أخرج ابن مردویه عن ابن مسعود رفعه: «إذا تکلّم اللّه بالوحی سمع أهل السموات صلصله کصلصله السلسله علی الصّفوان، فیفزعون و یرون أنه من أمر الساعه». و أصل الحدیث فی الصحیح(4).4.

ص: 166

و فی تفسیر علیّ بن سهل النیسابوریّ: قال جماعه من العلماء: نزل القرآن جمله فی لیله القدر من اللوح المحفوظ إلی بیت یقال له: بیت العزّه، فحفظه جبریل، و غشی علی أهل السموات من هیبه کلام اللّه، فمرّ بهم جبریل، و قد أفاقوا، فقالوا: ما ذا قال ربّکم؟ قالوا:

الحقّ. یعنی القرآن. و هو معنی قوله: حَتّی إِذا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ [سبأ: 23] فأتی به جبریل إلی بیت العزّه، فأملاه علی السّفره الکتبه. یعنی الملائکه. و هو معنی قوله تعالی: بِأَیْدِی سَفَرَهٍ (15) کِرامٍ بَرَرَهٍ (16) [عبس: 16.15].

و قال الجوینیّ: کلام اللّه المنزّل قسمان:

قسم قال اللّه لجبریل: قل للنبیّ الذی أنت مرسل إلیه: إنّ اللّه یقول: افعل کذا و کذا، و أمر بکذا و کذا، ففهم جبریل ما قاله ربّه، ثم نزل علی ذلک النبی و قال له ما قاله ربّه، و لم تکن العباره تلک العباره، کما یقول الملک لمن یثق به: قل لفلان: یقول لک الملک: اجتهد فی الخدمه، و اجمع جندک للقتال. فإن قال الرسول: یقول الملک لا تتهاون فی خدمتی و لا تترک الجند تتفرّق، و حثّهم علی المقاتله، لا ینسب إلی کذب و لا تقصیر فی أداء الرساله.

و قسم آخر قال اللّه لجبریل: اقرأ علی النبیّ هذا الکتاب، فنزل جبریل بکلمه من اللّه من غیر تغییر. کما یکتب الملک کتابا و یسلمه إلی أمین، و یقول: اقرأه علی فلان، فهو لا یغیّر منه کلمه و لا حرفا. انتهی.

قلت: القرآن هو القسم الثانی، و القسم الأول هو السنّه، کما ورد أنّ جبریل کان ینزل بالسنّه کما ینزل بالقرآن. و من هنا جاز روایه السنه بالمعنی(1)؛ لأنّ جبریل أداه بالمعنی، و لم تجز القراءه بالمعنی؛ لأنّ جبریل أدّاه باللفظ، و لم یبح له إیحاءه بالمعنی.

و السرّ فی ذلک: أنّ المقصود منه التعبّد بلفظه و الإعجاز به، فلا یقدر أحد أن یأتی بلفظ یقوم مقامه. و أنّ تحت کلّ حرف منه معانی لا یحاط بها کثره، فلا یقدر أحد أن یأتی بدله بما یشتمل علیه. و التخفیف علی الأمّه حیث جعل المنزل إلیهم علی قسمین: قسم یروونه بلفظه الموحی به، و قسم یروونه بالمعنی؛ و لو جعل کلّه مما یروی باللفظ لشقّ، أو بالمعنی لم یؤمن التبدیل و التحریف، فتأمّل.

و قد رأیت عن السلف ما یعضّد کلام الجوینیّ.

و أخرج ابن أبی حاتم، من طریق عقیل، عن الزّهریّ: أنه سئل عن الوحی فقال:

الوحی ما یوحی اللّه إلی نبی من الأنبیاء، فیثبته فی قلبه، فیتکلّم به و یکتبه، و هو کلام اللّه.».

ص: 167

و منه ما لا یتکلّم به و لا یکتبه لأحد، و لا یأمر بکتابته، و لکنه یحدّث به الناس حدیثا، و یبیّن لهم أنّ اللّه أمره أن یبیّنه للناس و یبلّغهم إیاه.

رجلا، فیکلّمنی فأعی ما یقول»(1). زاد أبو عوانه فی صحیحه: «و هو أهونه علیّ».

الرابعه: أن یأتیه الملک فی النّوم، و عدّ من هذا قوم سوره الکوثر، و قد تقدّم ما فیه.

الخامسه: أن یکلّمه اللّه إمّا فی الیقظه کما فی لیله الإسراء، أو فی النوم، کما فی حدیث معاذ: «أتانی ربّی فقال: فیم یختصم الملأ الأعلی..» الحدیث(2). و لیس فی القرآن من هذا النوع شیء فیما أعلم؛ نعم یمکن أن یعدّ منه آخر سوره البقره لما تقدّم و بعض سوره الضحی، و أ لم نشرح؛ فقد أخرج ابن أبی حاتم من حدیث عدیّ بن ثابت، قال: قال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم:

«سألت ربی مسأله؛ وددت أنّی لم أکن سألته، قلت: أیّ ربّ، اتّخذت إبراهیم خلیلا، و کلّمت موسی تکلیما؟ فقال: یا محمد، أ لم أجدک یتیما فآویت، و ضالا فهدیت، و عائلا فأغنیت، و شرحت لک صدرک، و حططت عنک وزرک، و رفعت لک ذکرک، فلا أذکر إلاّ ذکرت معی!»(3).

فائده: أخرج الإمام أحمد فی تاریخه من طریق داود بن أبی هند، عن الشعبیّ، قال:ه.

ص: 169

أنزل علی النبیّ صلّی اللّه علیه و سلّم النبوّه و هو ابن أربعین سنه، فقرن بنبوته إسرافیل ثلاث سنین، فکان یعلّمه الکلمه و الشیء، و لم ینزل علیه القرآن علی لسانه، فلما مضت ثلاث سنین قرن بنبوّته جبریل، فنزل علیه القرآن علی لسانه عشرین سنه(1).

قال ابن عساکر: و الحکمه فی توکیل إسرافیل أنّه الموکّل بالصّور الذی فیه هلاک الخلق و قیام الساعه، و نبوّته صلّی اللّه علیه و سلّم مؤذنه بقرب الساعه و انقطاع الوحی، کما وکّل بذی القرنین ریافیل الذی یطوی الأرض، و بخالد بن سنان مالک خازن النار.

و أخرج ابن أبی حاتم، عن ابن سابط، قال: «فی أم الکتاب کلّ شیء هو کائن إلی یوم القیامه، فوکّل ثلاثه بحفظه إلی یوم القیامه من الملائکه، فوکّل جبریل: بالکتب و الوحی إلی الأنبیاء، و بالنّصر عند الحروب، و بالمهلکات إذا أراد اللّه أن یهلک قوما، و وکّل میکائیل بالقطر و النّبات، و وکّل ملک الموت بقبض الأنفس؛ فإذا کان یوم القیامه عارضوا بین حفظهم و بین ما کان فی أمّ الکتاب فیجدونه سواء».

و أخرج. أیضا. عن عطاء بن السائب، قال: أوّل ما یحاسب جبریل؛ لأنّه کان أمین اللّه علی رسله.

فائده ثانیه: أخرج الحاکم، و البیهقیّ، عن زید بن ثابت: أنّ النبیّ صلّی اللّه علیه و سلّم قال: «أنزل القرآن بالتفخیم کهیئته: عُذْراً أَوْ نُذْراً (6) [المرسلات: 6]. و اَلصَّدَفَیْنِ [الکهف: 96].

و أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَ الْأَمْرُ [الأعراف: 54] و أشباه هذا(2).ا.

ص: 170

قلت: أخرجه ابن الأنباری فی کتاب «الوقف و الابتداء»، فبیّن أنّ المرفوع منه: «أنزل القرآن بالتفخیم»(1) فقط، و أنّ الباقی مدرج من کلام عمّار بن عبد الملک، أحد رواه الحدیث.

فائده أخری: أخرج ابن أبی حاتم، عن سفیان الثوریّ، قال: لم ینزل وحی إلاّ بالعربیه، ثم ترجم کلّ نبیّ لقومه.

فائده أخری: أخرج ابن سعد، عن عائشه، قالت: کان رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم إذا نزل علیه الوحی یغطّ فی رأسه، و یتربّد وجهه، أی: یتغیر لونه بالجریده و یجد بردا فی ثنایاه، و یعرق حتّی یتحدّر منه مثل الجمان(2).5.

ص: 171

[نزول القرآن علی الأحرف السبعه]

علی حرف، فراجعته فلم أزل أستزیده و یزیدنی حتی انتهی إلی سبعه أحرف»(1).

و فی حدیث أبیّ عند مسلم: «إنّ ربی أرسل إلیّ أن اقرأ القرآن علی حرف. فرددت إلیه: أن هوّن علی أمتی، فأرسل إلیّ: أن اقرأ علی حرفین، فرددت إلیه: أن هوّن علی أمتی:

فأرسل إلیّ أن اقرأه علی سبعه أحرف»(2).

و فی لفظ عنه عند النسائی: «إنّ جبریل و میکائیل أتیانی، فقعد جبریل عن یمینی و میکائیل عن یساری؛ فقال جبریل: اقرأ القرآن علی حرف، فقال میکائیل: استزده... حتی بلغ سبعه أحرف»(3).

و فی حدیث أبی بکره عنه: «اقرأه، فنظرت إلی میکائیل، فسکت. فعلمت أنّه قد انتهت العدّه»(4).

فهذا یدلّ علی إراده حقیقه العدد و انحصاره.

الثالث: أنّ المراد بها سبع قراءات، و تعقّب: بأنه لا یوجد فی القرآن کلمه تقرأ علی سبعه أوجه إلاّ القلیل، مثل: وَ عَبَدَ الطّاغُوتَ [المائده: 60]. فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ [الإسراء:

23].

الرابع: و أجیب بأنّ المراد أن کلّ کلمه تقرأ بوجه أو وجهین أو ثلاثه أو أکثر إلی سبعه، و یشکل علی هذا أنّ فی الکلمات ما قرئ علی أکثر، و هذا یصلح أن یکون قولا رابعا.

الخامس: أنّ المراد بها الأوجه التی یقع فیها التغایر، ذکره ابن قتیبه(5) قال: -

ص: 173

فأولها: ما یتغیّر حرکته و لا یزول معناه و صورته، مثل: وَ لا یُضَارَّ کاتِبٌ [البقره:

282] بالفتح و الرفع.

و ثانیها: ما یتغیّر بالفعل، مثل: (باعد) و باعِدْ [سبأ: 19] بلفظ الماضی و الطلب.

و ثالثها: ما یتغیّر بالنقط، مثل نُنْشِزُها [البقره: 259] و (ننشرها).

و رابعها: ما یتغیّر بإبدال حرف قریب المخرج، مثل وَ طَلْحٍ مَنْضُودٍ (29) [الواقعه: 29] و (طلع).

و خامسها: ما یتغیّر بالتقدیم و التأخیر، مثل: وَ جاءَتْ سَکْرَهُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ [ق: 19] و (سکره الحقّ بالموت).

و سادسها: ما یتغیّر بزیاده أو نقصان، مثل وَ ما خَلَقَ الذَّکَرَ وَ الْأُنْثی (3) [اللیل: 3] و اَلذَّکَرَ وَ الْأُنْثی .

و سابعها: ما یتغیّر بإبدال کلمه بأخری، مثل کَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ [القارعه: 5] و (کالصوف المنفوش).

و تعقّب هذا قاسم بن ثابت، بأنّ الرّخصه وقعت، و أکثرهم یومئذ لا یکتب و لا یعرف الرسم، و إنما کانوا یعرفون الحروف و مخارجها.

و الجیب: بأنه لا یلزم من ذلک توهین ما قاله ابن قتیبه؛ لاحتمال أن یکون الانحصار المذکور فی ذلک وقع اتّفاقا، و إنما اطلع علیه بالاستقراء.

[السادس]: و قال أبو الفضل الرازیّ فی اللوائح(1): الکلام لا یخرج عن سبعه أوجه فی الاختلاف:

الأوّل: اختلاف الأسماء من إفراد و تثنیه و جمع، و تذکیر و تأنیث.

الثانی: اختلاف تصریف الأفعال من ماض و مضارع و أمر.

الثالث: وجوه الإعراب.

الرابع: النقص و الزیاده.

الخامس: التقدیم و التأخیر.

السادس: الإبدال.

السابع: اختلاف اللغات کالفتح و الإماله، و الترقیق و التفخیم، و الإدغام و الإظهار و نحو ذلک.0.

ص: 174

و هذا هو القول السادس.

[السابع]: و قال بعضهم: المراد بها کیفیّه النطق بالتلاوه من إدغام و إظهار، و تفخیم و ترقیق، و إماله و إشباع، و مدّ و قصر، و تشدید و تخفیف، و تلیین.

و هذا هو القول السابع.

[الثامن]: و قال ابن الجزریّ (1): قد تتبّعت صحیح القراءه و شاذّها و ضعیفها و منکرها، فإذا هی یرجع اختلافها إلی سبعه أوجه، لا یخرج عنها. و ذلک:

إما فی الحرکات بلا تغیّر فی المعنی و الصوره: نحو: بِالْبُخْلِ [النساء: 37] بأربعه و یحسب بوجهین.

أو متغیّر فی المعنی فقط: نحو: فَتَلَقّی آدَمُ مِنْ رَبِّهِ کَلِماتٍ [البقره: 37].

و إمّا فی الحروف بتغیّر المعنی لا الصوره: نحو تَبْلُوا [یونس: 30] و (تتلو).

أو عکس ذلک: نحو: اَلصِّراطَ [الفاتحه: 6] و (السراط).

أو بتغیّرهما: نحو وَ امْضُوا [الحجر: 65] (و اسعوا) و إمّا فی التقدیم و التأخیر: نحو فَیَقْتُلُونَ وَ یُقْتَلُونَ [التوبه: 111].

أو فی الزیاده و النقصان: نحو وَصّی [الشوری: 13] و (أوصی).

فهذه سبعه لا یخرج الاختلاف عنها.

قال: و أمّا نحو اختلاف الإظهار و الإدغام و الرّوم و الإشمام و التّحقیق و التسهیل و النّقل و الإبدال، فهذا لیس من الاختلاف الذی یتنوّع فیه اللفظ أو المعنی؛ لأنّ هذه الصفات المتنوعه فی أدائه لا تخرجه عن أن یکون لفظا واحدا. انتهی.

و هذا هو القول الثامن.

و من أمثله التقدیم و التأخیر: قراءه الجمهور: کَذلِکَ یَطْبَعُ اللّهُ عَلی کُلِّ قَلْبِ مُتَکَبِّرٍ جَبّارٍ [غافر: 35]. و قرأ ابن مسعود: (علی قلب کلّ متکبر)(2).

التاسع: أنّ المراد سبعه أوجه من المعانی المتّفقه بألفاظ مختلفه، نحو: أقبل و تعال، و هلمّ و عجّل، و أسرع.4.

ص: 175

و إلی هذا ذهب سفیان بن عیینه(1)، و ابن جریر، و ابن وهب، و خلائق(2). و نسبه ابن عبد البرّ لأکثر العلماء(3).

و یدلّ له: ما أخرجه أحمد و الطّبرانیّ، من حدیث أبی بکره: «أنّ جبریل قال: یا محمد اقرأ القرآن علی حرف، قال میکائیل: استزده... حتی بلغ سبعه أحرف، قال: کلّ شاف کاف، ما لم تختم آیه عذاب برحمه أو رحمه بعذاب، نحو قولک: تعال، و أقبل و هلمّ و اذهب و أسرع و عجّل»(4). هذا اللفظ روایه أحمد، و إسناده جید(5).

و أخرج أحمد و الطّبرانیّ. أیضا. عن ابن مسعود نحوه(6).

و عند أبی داود، عن أبیّ: «قلت: سمیعا علیما عزیزا حکیما، ما لم تخلط آیه عذاب برحمه، أو آیه رحمه بعذاب»(7).

و عند أحمد، من حدیث أبی هریره: «أنزل القرآن علی سبعه أحرف. علیما حکیما غفورا رحیما»(8).ت.

ص: 176

و عنده. أیضا. من حدیث عمر: «أن القرآن کلّه صواب، ما لم تجعل مغفره عذابا أو عذابا مغفره» أسانیدها جیاد(1).

قال ابن عبد البرّ(2): إنّما أراد بهذا ضرب المثل للحروف التی نزل القرآن علیها: أنها معان متّفق مفهومها، مختلف مسموعها، لا یکون فی شیء منها معنی و ضدّه، و لا وجه یخالف معنی وجه خلافا ینفیه و یضادّه، کالرحمه التی هی خلاف العذاب و ضدّه.

ثم أسند(3) عن أبیّ بن کعب أنّه کان یقرأ کُلَّما أَضاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِیهِ [البقره: 20]:

(مرّوا فیه)، (سعوا فیه).

و کان ابن مسعود یقرأ لِلَّذِینَ آمَنُوا انْظُرُونا [الحدید: 13]: (أمهلونا أخّرونا)(4).

قال الطحاویّ (5): و إنّما کان ذلک رخصه، لمّا کان یتعسر علی کثیر منهم التلاوه بلفظ واحد، لعدم علمهم بالکتابه و الضبط و إتقان الحفظ، ثم نسخ بزوال العذر و تیسّر الکتابه و الحفظ.

و کذا قال ابن عبر البر(6) و الباقلانی و آخرون.

و فی فضائل أبی عبید(7) من طریق عون بن عبد اللّه: أنّ ابن مسعود أقرأ رجلا: إِنَّ شَجَرَهَ الزَّقُّومِ (43) طَعامُ الْأَثِیمِ (44) [الدخان: 44.43] فقال الرجل: طعام الیتیم، فردّها فلم یستقم بها لسانه.

فقال: أ تستطیع أن تقول: طعام الفاجر؟ قال: نعم. قال: فافعل.

العاشر: إنّ المراد سبع لغات: و إلی هذا ذهب أبو عبید(8)، و ثعلب الأزهریّ و آخرون، و اختاره ابن عطیّه(9)، و صححه البیهقیّ فی الشّعب(10).2.

ص: 177

و تعقّب: بأنّ لغات العرب أکثر من سبعه.

و أجیب: بأنّ المراد أفصحها، فجاء عن أبی صالح، عن ابن عباس، قال: نزل القرآن علی سبع لغات؛ منها خمس بلغه العجز من هوازن(1).

قال(2): و العجز: سعد بن بکر، و جشم بن بکر، و نصر بن معاویه، و ثقیف؛ و هؤلاء کلّهم من هوازن. و یقال لهم: علیا هوازن.

و لهذا قال أبو عمرو بن العلاء: أفصح العرب: علیا هوازن، و سفلی تمیم، یعنی: بنی دارم.

و أخرج أبو عبید(3) من وجه آخر، عن ابن عباس، قال: نزل القرآن بلغه الکعبیّین:

کعب قریش و کعب خزاعه.

قیل: و کیف ذاک؟ قال: لأنّ الدار واحده.

یعنی(4): أنّ خزاعه کانوا جیران قریش، فسهلت علیهم لغتهم.

و قال أبو حاتم السجستانی(5): نزل بلغه قریش و هذیل و تمیم و الأزد و ربیعه و هوازن و سعد بن بکر. و استنکر ذلک ابن قتیبه(6)، و قال: لم ینزل القرآن إلاّ بلغه قریش. و احتج بقوله تعالی: وَ ما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلاّ بِلِسانِ قَوْمِهِ [إبراهیم: 4]. فعلی هذا تکون اللغات السبع فی بطون قریش. و بذلک جزم أبو علیّ الأهوازیّ.

و قال أبو عبید(7): لیس المراد أنّ کلّ کلمه تقرأ علی سبع لغات، بل اللغات السبع مفرّقه فیه، فبعضه بلغه قریش، و بعضه بلغه هذیل، و بعضه بلغه هوازن، و بعضه بلغه الیمن و غیرهم. قال: و بعض اللغات أسعد به من بعض، و أکثر نصیبا.

و قیل: نزل بلغه مضر خاصّه، لقول عمر: نزل القرآن بلغه مضر. و عیّن بعضهم. فیما حکاه ابن عبد البر(8). السبع من مضر أنّهم: هذیل، و کنانه، و قیس، و ضبّه، و تیم الرباب،1.

ص: 178

و أسد بن خزیمه، و قریش؛ فهذه قبائل مضر تستوعب سبع لغات.

و نقل أبو شامه(1) عن بعض الشیوخ أنه قال: أنزل القرآن أوّلا بلسان قریش و من جاورهم من العرب الفصحاء، ثم أبیح للعرب أن یقرءوه بلغاتهم التی جرت عادتهم باستعمالها علی اختلافهم فی الألفاظ و الإعراب. و لم یکلّف أحد منهم الانتقال عن لغته إلی لغه أخری للمشقّه، و لما کان فیهم من الحمیّه، و لطلب تسهیل فهم المراد.

و زاد غیره: أنّ الإباحه المذکوره لم تقع بالتشهّی، بأن یغیّر کلّ أحد الکلمه بمرادفها فی لغته، بل المرعیّ فی ذلک السماع من النبیّ صلّی اللّه علیه و سلّم.

و استشکل بعضهم هذا: بأنه یلزم علیه أنّ جبریل کان یلفظ باللفظ الواحد سبع مرات.

و أجیب: بأنّه إنّما یلزم هذا لو اجتمعت الأحرف السبعه فی لفظ واحد، و نحن قلنا:

کان جبریل یأتی فی کل عرضه بحرف، إلی أن تمت سبعه. و بعد هذا کلّه ردّ هذا القول بأنّ عمر بن الخطاب و هشام بن حکیم(2)، کلاهما قرشیّ من لغه واحده و قبیله واحده، و قد اختلفت قراءتهما، و محال أن ینکر علیه عمر لغته، فدلّ علی أنّ المراد بالأحرف السبعه غیر اللّغات.

القول الحادی عشر: أنّ المراد سبعه أصناف.

و الأحادیث السابقه تردّه، و القائلون به اختلفوا فی تعیین السّبعه، فقیل: أمر و نهی، و حلال و حرام، و محکم و متشابه، و أمثال(3).

و احتجّوا بما أخرجه الحاکم و البیهقیّ: عن ابن مسعود، عن النبیّ صلّی اللّه علیه و سلّم قال: «کان الکتاب الأوّل ینزل من باب واحد علی حرف واحد، و نزل القرآن من سبعه أبواب علی سبعه أحرف: زاجر و آمر، و حلال و حرام، و محکم و متشابه، و أمثال...» الحدیث(4).4.

ص: 179

و قد أجاب عنه قوم: بأنه لیس المراد بالأحرف السبعه الّتی تقدم ذکرها فی الأحادیث الأخری؛ لأنّ سیاق تلک الأحادیث یأبی حملها علی هذا، بل هی ظاهره فی أنّ المراد أنّ الکلمه تقرأ علی وجهین و ثلاثه إلی سبعه؛ تیسیرا و تهوینا، و الشیء الواحد لا یکون حلالا و حراما فی آیه واحده.

قال البیهقی(1): المراد بالسبعه الأحرف هنا الأنواع التی نزل علیها، و المراد بها فی تلک الأحادیث اللغات التی یقرأ بها.

و قال غیره: من أوّل الأحرف السبعه بهذا، فهو فاسد؛ لأنّه محال أن یکون الحرف منها حراما لا ما سواه، أو حلالا لا ما سواه، و لأنه لا یجوز أن یکون القرآن یقرأ علی أنه حلال کله أو حرام کله، أو أمثال کله.

و قال ابن عطیه(2): هذا القول ضعیف؛ لأنّ الإجماع علی أنّ التوسعه لم تقع فی تحریم حلال، و لا تحلیل حرام، و لا فی تغییر شیء من المعانی المذکوره.

و قال المارودیّ (3): هذا القول خطأ، لأنّه صلّی اللّه علیه و سلّم أشار إلی جواز القراءه بکلّ واحد من الحروف و إبدال حرف بحرف، و قد أجمع المسلمون علی تحریم إبدال آیه أمثال بآیه أحکام.

و قال أبو علیّ الأهوازیّ و أبو العلاء الهمذانیّ (4): قوله فی الحدیث: «زاجر و آمر» إلخ... استئناف کلام آخر، أی: هو زاجر، أی: القرآن، و لم یرد به تفسیر الأحرف السبعه، و إنما توهم ذلک من جهه الاتفاق فی العدد. و یؤیده: أنّ فی بعض طرقه: «زجرا و أمرا...» بالنصب، أی: نزل علی هذه الصفه فی الأبواب السبعه.

و قال أبو شامه(5): یحتمل أن یکون التفسیر المذکور للأبواب لا للأحرف، أی: هی سبعه أبواب من أبواب الکلام و أقسامه، أی: أنزله اللّه علی هذه الأصناف، لم یقتصر منها علی صنف واحد کغیره من الکتب.9.

ص: 180

[الثانی عشر]: و قیل: المراد بها المطلق و المقیّد، و العامّ و الخاصّ، و النّصّ و المؤوّل، و الناسخ و المنسوخ، و المجمل و المفسّر، و الاستثناء و أقسامه. حکاه شیذله عن الفقهاء.

و هذا هو القول الثانی عشر.

[الثالث عشر]: و قیل: المراد بها الحذف و الصّله، و التقدیم و التأخیر، و الاستعاره، و التکرار، و الکنایه و الحقیقه و المجاز، و المجمل و المفسّر، و الظاهر و الغریب. حکاه عن أهل اللغه.

و هذا هو القول الثالث عشر.

[الرابع عشر]: و قیل: المراد بها التذکیر و التأنیث، و الشّرط و الجزاء، و التصریف و الإعراب، و الأقسام و جوابها، و الجمع و الإفراد، و التصغیر و التعظیم، و اختلاف الأدوات.

حکاه عن النحاه.

و هذا هو الرابع عشر.

[الخامس عشر]: و قیل: المراد بها سبعه أنواع من المعاملات: الزهد و القناعه مع الیقین و الجزم، و الخدمه مع الحیاء و الکرم، و الفتوه مع الفقر و المجاهده، و المراقبه مع الخوف و الرجاء، و التّضرّع و الاستغفار مع الرضا و الشکر، و الصبر مع المحاسبه و المحبّه، و الشوق مع المشاهده. حکاه عن الصوفیّه.

و هذا هو الخامس عشر.

القول السادس عشر: إنّ المراد بها سبعه علوم: علم الإنشاء و الإیجاد، و علم التوحید و التنزیه، و علم صفات الذّات، و علم صفات الفعل، و علم العفو و العذاب، و علم الحشر و الحساب، و علم النبوّات.

و قال ابن حجر(1): ذکر القرطبی(2) عن ابن حبّان: أنه بلغ الاختلاف فی الأحرف السبعه إلی خمسه و ثلاثین قولا، و لم یذکر القرطبیّ منها سوی خمسه، و لم أقف علی کلام ابن حبّان فی هذا، بعد تتبّعی مظانّه.

قلت: قد حکاه ابن النّقیب فی مقدّمه تفسیره عنه بواسطه الشرف المزنیّ المرسیّ، فقال: قال ابن حبّان: اختلف أهل العلم فی معنی الأحرف السبعه علی خمسه و ثلاثین قولا.

فمنهم من قال: هی زجر و أمر، و حلال و حرام، و محکم و متشابه، و أمثال.

الثانی: حلال و حرام، و أمر و نهی و زجر، و خبر ما هو کائن بعد، و أمثال.3.

ص: 181

الثالث: وعد و وعید، و حلال و حرام، و مواعظ و أمثال، و احتجاج.

الرابع: أمر و نهی، و بشاره و نذاره، و أخبار، و أمثال.

الخامس: محکم و متشابه، و ناسخ و منسوخ، و خصوص و عموم، و قصص.

السادس: أمر و زجر، و ترغیب و ترهیب، و جدل و قصص، و مثل.

السابع: أمر و نهی، و حدّ و علم، و سرّ، و ظهر و بطن.

الثامن: ناسخ و منسوخ، و وعد و وعید، و رغم و تأدیب، و إنذار.

التاسع: حلال و حرام، و افتتاح و أخبار، و فضائل، و عقوبات.

العاشر: أوامر و زواجر، و أمثال و أنباء، و عتب و وعظ، و قصص.

الحادی عشر: حلال و حرام، و أمثال، و منصوص، و قصص، و إباحات.

الثانی عشر: ظهر و بطن، و فرض و ندب، و خصوص و عموم، و أمثال.

الثالث عشر: أمر و نهی، و وعد و وعید، و إباحه، و إرشاد، و اعتبار.

الرابع عشر: مقدّم و مؤخّر، و فرائض و حدود، و مواعظ، و متشابه، و أمثال.

الخامس عشر: مفسّر و مجمل، و مقتضی و ندب و حتم، و أمثال.

السادس عشر: أمر حتم، و أمر ندب، و نهی حتم، و نهی ندب، و أخبار، و إباحات.

السابع عشر: أمر فرض، و نهی حتم، و أمر ندب، و نهی مرشد، و وعد، و وعید، و قصص.

الثامن عشر: سبع جهات لا یتعدّاها الکلام: لفظ خاصّ أرید به الخاصّ، و لفظ عام أرید به العامّ، و لفظ عامّ أرید به الخاصّ، و لفظ خاص أرید به العامّ، و لفظ یستغنی بتنزیله عن تأویله، و لفظ لا یعلم فقهه إلاّ العلماء، و لفظ لا یعلم معناه إلاّ الراسخون.

التاسع عشر: إظهار الرّبوبیّه، و إثبات الوحدانیه، و تعظیم الألوهیّه، و التعبّد للّه، و مجانبه الإشراک، و الترغیب فی الثواب، و الترهیب من العقاب.

العشرون: سبع لغات، منها خمس من هوازن، و اثنتان لسائر العرب.

الحادی و العشرون: سبع لغات متفرّقه لجمیع العرب، کلّ حرف منها لقبیله مشهوره.

الثانی و العشرون: سبع لغات، أربع لعجز هوازن: سعد بن بکر، و جشم بن بکر، و نصر ابن معاویه، و ثلاث لقریش.

الثالث و العشرون: سبع لغات: لغه قریش، و لغه للیمن، و لغه لجرهم، و لغه لهوازن، و لغه لقضاعه، و لغه لتمیم، و لغه لطیّئ.

الرابع و العشرون: لغه الکعبیین: کعب بن عمرو، و کعب بن لؤیّ، و لهما سبع لغات.

ص: 182

الخامس و العشرون: اللغات المختلفه لأحیاء العرب فی معنی واحد، مثل: هلمّ، و هات، و تعال، و أقبل.

السادس و العشرون: سبع قراءات لسبعه من الصحابه: أبی بکر، و عمر، و عثمان، و علیّ، و ابن مسعود، و ابن عباس، و أبیّ بن کعب. رضی اللّه عنهم..

السابع و العشرون: همز، و إماله، و فتح، و کسر، و تفخیم، و مدّ، و قصر.

الثامن و العشرون: تصریف، و مصادر، و عروض، و غریب، و سجع، و لغات مختلفه کلّها فی شیء واحد.

التاسع و العشرون: کلمه واحده تعرب بسبعه أوجه، حتی یکون المعنی واحدا، و إن اختلف اللفظ فیه.

الثلاثون: أمّهات الهجاء: الألف، و الباء، و الجیم، و الدال، و الراء، و السین، و العین؛ لأنّ علیها تدور جوامع کلام العرب.

الحادی و الثلاثون: أنّها فی أسماء الربّ، مثل: الغفور الرحیم، السمیع البصیر، العلیم الحکیم.

الثانی و الثلاثون: هی آیه فی صفات الذات، و آیه تفسیرها فی آیه أخری، و آیه بیانها فی السنّه الصحیحه، و آیه فی قصّه الأنبیاء و الرّسل، و آیه فی خلق الأشیاء، و آیه فی وصف الجنّه، و آیه فی وصف النار.

الثالث و الثلاثون: آیه فی وصف الصانع، و آیه فی إثبات الوحدانیّه له، و آیه فی إثبات صفاته، و آیه فی إثبات رسله، و آیه فی إثبات کتبه، و آیه فی إثبات الإسلام، و آیه فی نفی الکفر.

الرابع و الثلاثون: سبع جهات من صفات الذات للّه التی لا یقع علیها التکییف.

الخامس و الثلاثون: الإیمان باللّه، و مباینه الشّرک، و إثبات الأوامر، و مجانبه الزّواجر، و الثبات علی الإیمان، و تحریم ما حرم اللّه، و طاعه رسوله.

قال ابن حبّان: فهذه خمسه و ثلاثون قولا لأهل العلم و اللغه فی معنی إنزال القرآن علی سبعه أحرف، و هی أقاویل یشبه بعضها بعضا، و کلها محتمله، و تحتمل غیرها.

و قال المرسی: هذه الوجوه أکثرها متداخله، و لا أدری مستندها و لا عمّن نقلت، و لا أدری لم خصّ کلّ واحد منهم هذه الأحرف السبعه بما ذکر، مع أنّ کلّها موجوده فی القرآن، فلا أدری معنی التخصیص، و فیها أشیاء لا أفهم معناها علی الحقیقه، و أکثرها یعارضه حدیث عمر مع هشام بن حکیم الّذی فی الصحیح(1)، فإنّهما لم یختلفا فی تفسیره و لا أحکامه، إنما اختلفا فی قراءه حروفه، و قد ظنّ کثیر من العوام أنّ المراد بها القراءات السبع، و هو جهل قبیح.ا.

ص: 183

رمضان مره، فلمّا کان العام الذی قبض فیه عارضه مرّتین. فیرون أن تکون قراءتنا هذه علی العرضه الأخیره.

و قال البغویّ فی شرح السنه: یقال: إنّ زید بن ثابت شهد العرضه الأخیره التی بیّن فیها ما نسخ و ما بقی، و کتبها لرسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم، و قرأها علیه، و کان یقرئ الناس بها حتی مات؛ و لذلک اعتمده أبو بکر و عمر فی جمعه، و ولاّه عثمان کتب المصاحف(1).9.

ص: 185

و حبلا: وَ اعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللّهِ [آل عمران: 103].

و صراطا مستقیما: وَ أَنَّ هذا صِراطِی مُسْتَقِیماً [الأنعام: 153].

و قیّما: قَیِّماً لِیُنْذِرَ بَأْساً شَدِیداً [الکهف: 2].

و قولا و فضلا: إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ (13) [الطارق: 13].

و نبأ عظیما: عَمَّ یَتَساءَلُونَ (1) عَنِ النَّبَإِ الْعَظِیمِ (2) [النبأ: 2.1].

و أحسن الحدیث، و متشابها، و مثانی: اَللّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِیثِ کِتاباً مُتَشابِهاً مَثانِیَ [الزمر: 23].

و تنزیلا: وَ إِنَّهُ لَتَنْزِیلُ رَبِّ الْعالَمِینَ (192) [الشعراء: 192].

و روحا: أَوْحَیْنا إِلَیْکَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا [الشوری: 52].

و وحیا: إِنَّما أُنْذِرُکُمْ بِالْوَحْیِ [الأنبیاء: 45].

و عربیا: قُرْآناً عَرَبِیًّا [یوسف: 2].

و بصائر: هذا بَصائِرُ [الأعراف: 203].

و بیانا: هذا بَیانٌ لِلنّاسِ [آل عمران: 138].

و علما: مِنْ بَعْدِ ما جاءَکَ مِنَ الْعِلْمِ [البقره: 145].

و حقا: إِنَّ هذا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ [آل عمران: 62].

و هدیا: إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ یَهْدِی [الإسراء: 9].

و عجبا: قُرْآناً عَجَباً [الجن: 1].

و تذکره: وَ إِنَّهُ لَتَذْکِرَهٌ [الحاقه: 48].

و العروه الوثقی: اِسْتَمْسَکَ بِالْعُرْوَهِ الْوُثْقی [البقره: 256].

و صدقا: وَ الَّذِی جاءَ بِالصِّدْقِ [الزمر: 33].

و عدلا: وَ تَمَّتْ کَلِمَهُ رَبِّکَ صِدْقاً وَ عَدْلاً [الأنعام: 115].

و أمرا: ذلِکَ أَمْرُ اللّهِ أَنْزَلَهُ إِلَیْکُمْ [الطلاق: 5].

و منادیا: سَمِعْنا مُنادِیاً یُنادِی لِلْإِیمانِ [آل عمران: 193].

و بشری: هُدیً وَ بُشْری [النمل: 3].

و مجیدا: بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِیدٌ (21) [البروج: 21].

ص: 187

و زبورا: وَ لَقَدْ کَتَبْنا فِی الزَّبُورِ [الأنبیاء: 105].

و بشیرا و نذیرا: کِتابٌ فُصِّلَتْ آیاتُهُ قُرْآناً عَرَبِیًّا لِقَوْمٍ یَعْلَمُونَ (3) بَشِیراً وَ نَذِیراً [فصلت: 4.3].

و عزیزا: وَ إِنَّهُ لَکِتابٌ عَزِیزٌ [فصلت: 41].

و بلاغا: هذا بَلاغٌ لِلنّاسِ [إبراهیم: 52].

و قصصا: أَحْسَنَ الْقَصَصِ [یوسف: 3].

و سماه أربعه أسماء فی آیه واحده: فِی صُحُفٍ مُکَرَّمَهٍ (13) مَرْفُوعَهٍ مُطَهَّرَهٍ (14) [عبس: 13.

14] انتهی.

فأما تسمیته کتابا: فلجمعه أنواع العلوم و القصص و الأخبار علی أبلغ وجه، و الکتاب لغه الجمع.

و المبین: لأنه أبان، أی: أظهر الحقّ من الباطل.

و أما القرآن: فاختلف فیه: فقال جماعه: هو اسم علم غیر مشتقّ، خاص بکلام اللّه.

فهو غیر مهموز، و به قرأ ابن کثیر، و هو مرویّ عن الشافعیّ، أخرج البیهقیّ و الخطیب و غیرهما عنه: أنه کان یهمز قرأت، و لا یهمز القرآن و یقول: القران اسم و لیس بمهموز و لم یؤخذ من قرأت و لکنه اسم لکتاب اللّه، مثل التوراه و الإنجیل.

و قال قوم، منهم الأشعریّ: هو مشتقّ من قرنت الشیء بالشیء، إذا ضممت أحدهما إلی الآخر، و سمّی به، لقران السور و الآیات و الحروف فیه.

و قال الفرّاء: هو مشتقّ من القرائن؛ لأنّ الآیات منه یصدّق بعضها بعضا، و یشابه بعضها بعضا و هی قرائن.

و علی القولین هو بلا همز أیضا، و نونه أصلیه.

و قال الزجاج: هذا القول سهو، و الصحیح: أنّ ترک الهمزه فیه من باب التخفیف و نقل حرکه الهمزه إلی الساکن قبلها.

و اختلف القائلون بأنه مهموز: فقال قوم منهم اللّحیانیّ: هو مصدر لقرأت، کالرجحان و الغفران، سمّی به الکتاب المقروء، من باب تسمیه المفعول بالمصدر.

و قال آخرون منهم الزّجاج: هو وصف علی فعلان، مشتق من القرء بمعنی الجمع، و منه: قرأت الماء فی الحوض، أی جمعته.

قال أبو عبیده(1): و سمّی بذلک، لأنه جمع السور بعضها إلی بعض.2.

ص: 188

و قال الراغب(1): لا یقال لکلّ جمع: قرآن، و لا لجمع کلّ کلام: قرآن. قال: و إنّما سمی قرآنا؛ لکونه جمع ثمرات الکتب السالفه المنزّله. و قیل: لأنه جمع أنواع العلوم کلها.

و حکی قطرب قولا: إنّه إنّما سمّی قرآنا لأنّ القارئ یظهره و یبیّنه من فیه، أخذا من قول العرب: ما قرأت النّاقه سلا قطّ، أی: ما رمت بولد، أی: ما أسقطت ولدا، أی: ما حملت قطّ، و القرآن یلفظه القارئ من فیه و یلقیه، فسمّی قرآنا.

قلت: و المختار عندی فی هذه المسأله ما نصّ علیه الشافعی(2).

و أما الکلام: فمشتق من الکلم بمعنی التأثیر؛ لأنه یؤثر فی ذهن السامع فائده لم تکن عنده.

و أمّا النور: فلأنّه یدرک به غوامض الحلال و الحرام.

و أما الهدی: فلأنّ فیه الدلاله علی الحقّ، و هو من باب إطلاق المصدر علی الفاعل مبالغه.

و أمّا الفرقان: فلأنه فرّق بین الحق و الباطل، وجّهه بذلک مجاهد، کما أخرجه ابن أبی حاتم(3).

و أمّا الشّفاء: فلأنه یشفی من الأمراض القلبیّه: کالکفر و الجهل الغلّ، و البدنیه أیضا.

و أمّا الذّکر: فلما فیه من المواعظ و أخبار الأمم الماضیه، و الذّکر أیضا الشرف، قال تعالی: وَ إِنَّهُ لَذِکْرٌ لَکَ وَ لِقَوْمِکَ [الزخرف: 44] أی: شرف، لأنه بلغتهم.

و أمّا الحکمه: فلأنه نزل علی قانون المعتبر من وضع کلّ شیء فی محلّه، أو لأنّه مشتمل علی الحکمه.

و أما الحکیم: فلأنّه أحکمت آیاته بعجیب النظم و بدیع المعانی، و أحکمت عن تطرّق التبدیل و التحریف و الاختلاف و التباین.

و أمّا المهیمن: فلأنّه شاهد علی جمیع الکتب و الأمم السالفه.

و أمّا الحبل: فلأنّه من تمسک به وصل إلی الجنّه أو الهدی. و الحبل: السبب.

و أما الصراط المستقیم: فلأنّه طریق إلی الجنّه، قویم لا عوج فیه.

و أما المثانی: فلأنّ فیه بیان قصص الأمم الماضیه، فهو ثان لما تقدمه.1.

ص: 189

و قیل: لتکرر القصص و المواعظ فیه.

و قیل: لأنه نزل مرّه بالمعنی و مرّه باللفظ و المعنی کقوله: إِنَّ هذا لَفِی الصُّحُفِ الْأُولی (18) [الأعلی: 18]، حکاه الکرمانیّ فی عجائبه.

و أمّا المتشابه: فلأنّه یشبه بعضه بعضا فی الحسن و الصدق.

و أما الرّوح: فلأنّه تحیا به القلوب و الأنفس.

و أما المجید: فلشرفه.

و أما العزیز: فلأنّه یعزّ علی من یروم معارضته.

و أما البلاغ: فلأنّه أبلغ به الناس ما أمروا به و نهوا عنه، أو: لأنّ فیه بلاغه و کفایه عن غیره.

قال السّلفیّ فی بعض أجزائه: سمعت أبا الکرم النحویّ یقول: سمعت أبا القاسم التنوخیّ، یقول: سمعت أبا الحسن الرّمانیّ سئل: کلّ کتاب له ترجمه، فما ترجمه کتاب اللّه؟ فقال: هذا بَلاغٌ لِلنّاسِ وَ لِیُنْذَرُوا بِهِ [إبراهیم: 52].

و ذکر أبو شامه(1) و غیره فی قوله تعالی: وَ رِزْقُ رَبِّکَ خَیْرٌ وَ أَبْقی [طه: 131] أنه القرآن.

فائده: حکی المظفّری فی تاریخه قال: لمّا جمع أبو بکر القرآن قال: سمّوه. فقال بعضهم: سمّوه إنجیلا، فکرهوه، و قال بعضهم: سمّوه سفرا، فکرهوه من یهود. فقال ابن مسعود: رأیت بالحبشه کتابا یدعونه المصحف، فسمّوه به.

قلت: أخرج ابن أشته فی کتاب «المصاحف» من طریق موسی بن عقبه، عن ابن شهاب قال: لمّا جمعوا القرآن فکتبوه فی الورق، قال أبو بکر: التمسوا له اسما، فقال بعضهم:

السّفر، و قال بعضهم: المصحف؛ فإنّ الحبشه یسمّونه المصحف. و کان أبو بکر أوّل من جمع کتاب اللّه و سمّاه المصحف. ثمّ أورده من طریق آخر عن ابن بریده، و سیأتی فی النوع الذی یلی هذا.

فائده ثانیه: أخرج ابن الضّریس و غیره، عن کعب، قال: فی التوراه: «یا محمد، إنی.

ص: 190

منزّل علیک توراه حدیثه تفتح أعینا عمیا، و آذانا صما، و قلوبا غلفا»(1).

و أخرج ابن أبی حاتم، عن قتاده قال: لمّا أخذ موسی الألواح قال: یا ربّ، إنی أجد فی الألواح أمّه، أناجیهم فی قلوبهم، فاجعلهم أمّتی. قال: تلک أمّه أحمد(2).

ففی هذین الأثرین تسمیه القرآن توراه و إنجیلا، و مع هذا لا یجوز الآن أن یطلق علیه ذلک، و هذا کما سمّیت التوراه فرقانا فی قوله: وَ إِذْ آتَیْنا مُوسَی الْکِتابَ وَ الْفُرْقانَ [البقره:

53]، و سمّی صلّی اللّه علیه و سلّم الزّبور قرآنا فی قوله: «خفّف علی داود القرآن»(3).

و قال الجعبریّ: حدّ السّوره قرآن یشتمل علی آیه، ذی فاتحه و خاتمه، و أقلّها ثلاث آیات.

و قال غیره: السّوره الطائفه المترجمه توقیفا، أی المسمّاه باسم خاصّ بتوقیف من النبیّ صلّی اللّه علیه و سلّم.

و قد ثبت أسماء السور بالتوقیف من الأحادیث و الآثار، و لو لا خشیه الإطاله لبیّنت ذلک.

و مما یدلّ لذلک: ما أخرجه ابن أبی حاتم، عن عکرمه، قال: کان المشرکون یقولون:

سوره البقره و سوره العنکبوت، یستهزءون بها، فنزل: إِنّا کَفَیْناکَ الْمُسْتَهْزِئِینَ (95) [الحجر:

95](1).

و قد کره بعضهم أن یقال: سوره کذا، لما رواه الطّبرانیّ و البیهقیّ عن أنس مرفوعا: «لا تقولوا سوره البقره، و لا سوره آل عمران، و لا سوره النساء، و کذا القرآن کلّه، و لکن قولوا:

السّوره التی تذکر فیها البقره، و التی یذکر فیها آل عمران، و کذا القرآن کلّه»(2). و إسناده ضعیف، بل ادّعی ابن الجوزیّ أنّه موضوع.

و قال البیهقیّ (3): إنّما یعرف موقوفا علی ابن عمر، ثم أخرجه عنه بسند صحیح(4)، و قد صحّ إطلاق سوره البقره و غیرها عنه صلّی اللّه علیه و سلّم، و فی الصحیح: عن ابن مسعود أنه قال: هذا مقام الذی أنزلت علیه سوره البقره(5). و من ثمّ لم یکرهه الجمهور.2.

ص: 192

اللفظ عن ابن سیرین، فالتبس علی المرسی، و قد ثبت فی الأحادیث الصحیحه تسمیتها بذلک، فأخرج الدار قطنی و صححه من حدیث أبی هریره مرفوعا: «إذا قرأتم الحمد فاقرءوا بسم اللّه الرحمن الرحیم؛ إنّها أمّ القرآن و أمّ الکتاب و السبع المثانی»(1).

و اختلف: لم سمّیت بذلک؟ فقیل: لأنها یبدأ بکتابتها فی المصاحف و بقراءتها فی الصلاه قبل السوره، قاله أبو عبیده فی مجازه(2)، و جزم به البخاریّ فی صحیحه(3).

و استشکل بأنّ ذلک یناسب تسمیتها فاتحه الکتاب، لا أمّ الکتاب. و أجیب: بأنّ ذلک بالنظر إلی أن الأمّ مبتدأ الولد.

قال الماوردی(4): سمّیت بذلک لتقدّمها و تأخّر ما سواها تبعا لها؛ لأنّها أمّته، أی:

تقدّمته؛ و لهذا یقال لرایه الحرب: أمّ، لتقدّمها و اتّباع الجیش لها. و یقال لما مضی من سنی الإنسان: أمّ، لتقدّمها، و لمکه: أم القری، لتقدّمها علی سائر القری.

و قیل: أمّ الشیء: أصله، و هی: أصل القرآن؛ لانطوائها علی جمیع أغراض القرآن و ما فیه من العلوم و الحکم، کما سیأتی تقریره فی النوع الثالث و السبعین.

و قیل: سمّیت بذلک لأنّها أفضل السور، کما یقال لرئیس القوم: أمّ القوم.

و قیل: لأنّ حرمتها کحرمه القرآن کلّه.

و قیل: لأنّ مفزع أهل الإیمان إلیها. کما یقال للرایه أمّ؛ لأنّ مفزع العسکر إلیها.

و قیل: لأنّها محکمه، و المحکمات أمّ الکتاب.

خامسها: القرآن العظیم: روی أحمد، عن أبی هریره: أنّ النبیّ صلّی اللّه علیه و سلّم قال لأمّ القرآن:

«هی أم القرآن، و هی السبع المثانی، و هی القرآن العظیم»(5) و سمّیت بذلک لاشتمالها علی المعانی التی فی القرآن.

سادسها: السبع المثانی: ورد تسمیتها بذلک فی الحدیث المذکور، و أحادیث کثیره.

أما تسمیتها سبعا؛ فلأنها سبع آیات. أخرج الدارقطنیّ ذلک عن علیّ (6).2.

ص: 194

و قیل: فیها سبعه آداب، فی کلّ آیه أدب، و فیه بعد.

و قیل: لأنها خلت من سبعه أحرف: الثاء، و الجیم، و الخاء، و الزای، و الشّین، و الظاء، و الفاء. قال المرسیّ: و هذا أضعف مما قبله؛ لأنّ الشیء إنما یسمّی بشیء وجد فیه لا بشیء فقد منه.

و أمّا المثانی: فیحتمل أن یکون مشتقا من الثناء، لما فیها من الثّناء علی اللّه تعالی.

و یحتمل أن یکون من الثّنیا؛ لأنّ اللّه استثناها لهذه الأمّه.

و یحتمل أن یکون من التثنیه:

قیل: لأنها تثنّی فی کلّ رکعه.

و یقوّیه ما أخرجه ابن جریر. بسند حسن. عن عمر، قال: السبع المثانی: فاتحه الکتاب، تثنّی فی کلّ رکعه(1).

و قیل: لأنها تثنّی بسوره أخری.

و قیل: لأنها نزلت مرتین.

و قیل: لأنها علی قسمین: ثناء و دعاء.

و قیل: لأنها کلّما قرأ العبد منها آیه ثناه اللّه بالإخبار عن فعله، کما فی الحدیث(2).

و قیل: لأنها اجتمع فیها فصاحه المثانی و بلاغه المعانی. و قیل غیر ذلک.

سابعها: الوافیه: کان سفیان بن عیینه یسمّیها به؛ لأنها وافیه بما فی القرآن من المعانی، قاله فی الکشاف(3).

و قال الثّعلبیّ: لأنها لا تقبل التّنصیف، فإنّ کلّ سوره من القرآن لو قرئ نصفها فی کلّ رکعه و النصف الثانی فی أخری لجاز، بخلافها.

و قال المرسیّ: لأنها جمعت بین ما للّه و بین ما للعبد.

ثامنها: الکنز: لما تقدّم فی أمّ القرآن. قاله فی الکشاف(4)، و ورد تسمیتها بذلک فی حدیث أنس السابق فی النوع الرابع عشر(5).ه.

ص: 195

تاسعها: الکافیه: لأنها تکفی فی الصلاه عن غیرها، و لا یکفی عنها غیرها.

عاشرها: الأساس: لأنها أصل القرآن و أول سوره فیه.

حادی عشرها: النور.

ثانی عشرها، و ثالث عشرها: سوره الحمد، و سوره الشکر.

رابع عشرها، و خامس عشرها: سوره الحمد الأولی، و سوره الحمد القصری.

سادس عشرها: و سابع عشرها، و ثامن عشرها: الرّقیه، و الشفّاء و الشافیه: للأحادیث الآتیه فی نوع الخواصّ (1).

تاسع عشرها: سوره الصلاه: لتوقّف الصلاه علیها.

[العشرون]: و قیل: إنّ من أسمائها الصلاه أیضا، لحدیث: «قسمت الصلاه بینی و بین عبدی نصفین»(2) أی: السوره. قال المرسیّ: لأنها من لوازمها؛ فهو من باب تسمیه الشیء باسم لازمه، و هذا الاسم العشرون.

الحادی و العشرون: سوره الدعاء: لاشتمالها علیه فی قوله: اِهْدِنَا .

الثانی و العشرون: سوره السؤال: لذلک. ذکره الإمام فخر الدین.

الثالث و العشرون: سوره تعلیم المسأله: قال المرسیّ: لأنّ فیها آداب السؤال، لأنها بدئت بالثناء قبله.

الرابع و العشرون: سوره المناجاه: لأنّ العبد یناجی فیها ربّه بقوله: إِیّاکَ نَعْبُدُ وَ إِیّاکَ نَسْتَعِینُ (5) .

الخامس و العشرون: سوره التفویض: لاشتمالها علیه فی قوله: إِیّاکَ نَعْبُدُ وَ إِیّاکَ نَسْتَعِینُ (5) .

فهذا ما وقفت علیه من أسمائها، و لم تجتمع فی کتاب قبل هذا.

و من ذلک:

سوره البقره: کان خالد بن معدان یسمّیها فسطاط القرآن، و ورد فی حدیث مرفوع فی «مسند الفردوس» و ذلک لعظمها، و لما جمع فیها من الأحکام التی لم تذکر فی غیرها، و فی حدیث المستدرک تسمیتها: «سنام القرآن»(3)، و سنام کلّ شیء أعلاه.2.

ص: 196

و آل عمران: روی سعید بن منصور فی سننه عن أبی عطّاف، قال: اسم آل عمران فی التوراه: طیبه(1).

و فی صحیح مسلم: تسمیتها و البقره الزّهراوین(2).

و المائده: تسمی. أیضا: العقود، و المنقذه.

قال ابن الفرس: لأنها تنقذ صاحبها من ملائکه العذاب.

و الأنفال: أخرج أبو الشیخ، عن سعید بن جبیر، قال: قلت لابن عباس: سوره الأنفال؟ قال: تلک سوره بدر(3).

و براءه تسمی. أیضا. التوبه، لقوله فیها: لَقَدْ تابَ اللّهُ عَلَی النَّبِیِّ [التوبه: 117] الآیه.

و الفاضحه: أخرج البخاری، عن سعید بن جبیر، قال: قلت لابن عباس: سوره التوبه؟ قال: التوبه، بل هی الفاضحه، ما زالت تنزل: و منهم، و منهم... حتی ظننا ألاّ یبقی أحد منا إلاّ ذکر فیها(4).

و أخرج أبو الشیخ، عن عکرمه، قال: قال عمر: ما فرغ من تنزیل براءه، حتی ظنّنا أنّه لا یبقی منا أحد إلاّ سینزل فیه(5).3.

ص: 197

و کانت تسمی الفاضحه، و سوره العذاب. أخرج الحاکم فی المستدرک، عن حذیفه، قال: الّتی یسمّون سوره العذاب(1).

و أخرج أبو الشیخ، عن سعید بن جبیر، قال: کان عمر بن الخطاب إذا ذکر له سوره براءه فقیل: سوره التوبه.

قال: هی إلی العذاب أقرب، ما کادت تقلع عن الناس، حتی ما کادت تبقی منهم أحدا(2).

و المقشقشه: أخرج أبو الشیخ، عن زید بن أسلم: أنّ رجلا قال لابن عمر: سوره التوبه؟ فقال: و أیّتهنّ سوره التوبه؟ فقال: براءه، فقال: و هل فعل بالنّاس الأفاعیل إلاّ هی؟! ما کنّا ندعوها إلاّ المقشقشه.

أی: المبرئه من النفاق(3).

و المنقّره: أخرج أبو الشیخ، عن عبید بن عمیر، قال: کانت تسمّی براءه المنقّره، نقّرت عما فی قلوب المشرکین(4).

و البحوث: بفتح الباء: أخرج الحاکم، عن المقداد، أنّه قیل له: لو قعدت العام عن الغزو؟! قال: أتت علینا البحوث یعنی براءه... الحدیث(5).

و الحافره: ذکره ابن الفرس؛ لأنها حفرت عن قلوب المنافقین.

و المثیره: أخرج ابن أبی حاتم، عن قتاده قال: کانت هذه السوره تسمّی الفاضحه، فاضحه المنافقین، و کان یقال لها: المثیره، أنبأت بمثالبهم و عوراتهم.

و حکی ابن الفرس من أسمائها المبعثره، و أظنّه تصحیف المنقّره، فإن صحّ کملت الأسماء عشره. ثم رأیته کذلک. أعنی المبعثره. بخطّ السخاوی فی «جمال القرّاء»، و قال:

لأنها بعثرت عن أسرار المنافقین.

و ذکر فیه. أیضا. من أسمائها: المخزیه، و المنکّله، و المشرده، و المدمده.ی.

ص: 198

(النحل): قال قتاده: تسمّی سوره النّعم، أخرجه ابن أبی حاتم.

قال: ابن الفرس: لما عدّد اللّه فیها من النّعم علی عباده(1).

(الإسراء): تسمی أیضا سوره (سبحان)، و سوره بنی إسرائیل(2).

(الکهف): و یقال لها: سوره أصحاب الکهف، کذا فی حدیث أخرجه ابن مردویه(3).

و روی البیهقیّ من حدیث ابن عباس مرفوعا: أنها تدعی فی التوراه الحائله، تحول بین قارئها و بین النار. و قال: إنه منکر(4).

(طه): تسمّی أیضا سوره الکلیم، ذکره السّخاویّ فی جمال القرّاء(5).

(الشعراء): وقع فی تفسیر الإمام مالک تسمیتها بسوره الجامعه(6).

(النمل): تسمی أیضا سوره سلیمان(7).

(السجده): تسمی. أیضا. المضاجع(8).

(فاطر): تسمّی سوره الملائکه(9).

(یس): سمّاها صلّی اللّه علیه و سلّم قلب القرآن: أخرجه الترمذیّ من حدیث أنس(10).

و أخرج البیهقیّ، من حدیث أبی بکر مرفوعا: «سوره یس تدعی فی التوراه المعمّه، تعمّ.

ص: 199

بخیری الدنیا و الآخره، و تدعی: الدافعه و القاضیه، تدفع عن صاحبها کلّ سوء و تقضی له کلّ حاجه»(1). و قال: إنّه حدیث منکر.

(الزمر): تسمّی سوره الغرف(2).

(غافر): تسمّی سوره الطّول، و المؤمن(3)، لقوله تعالی فیها: وَ قالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ [غافر: 28].

(فصلت): تسمّی السجده، و سوره المصابیح(4).

(الجاثیه): تسمّی الشریعه، و سوره الدهر، حکاه الکرمانی فی العجائب(5).

(محمد): تسمّی القتال(6).

(ق): تسمّی سوره الباسقات(7).

(اقتربت): تسمی القمر، و أخرج البیهقیّ، عن ابن عباس: أنها تدعی فی التوراه المبیّضه، تبیّض وجه صاحبها یوم تسوّد الوجوه(8). و قال: إنه منکر.

(الرحمن): سمّیت فی حدیث: عروس القرآن، أخرجه البیهقیّ عن علی مرفوعا(9).

(المجادله): سمّیت فی مصحف أبیّ: الظهار(10).3.

ص: 200

(الحشر): أخرج البخاریّ، عن سعید بن جبیر، قال: قلت لابن عباس: سوره الحشر، قال: قل: سوره بنی النّضیر(1).

قال ابن حجر(2): کأنّه کره تسمیتها بالحشر؛ لئلا یظنّ أنّ المراد یوم القیامه، و إنما المراد به هنا إخراج بنی النّضیر.

(الممتحنه): قال ابن حجر(3): المشهور فی هذه التسمیه أنها بفتح الحاء، و قد تکسر، فعلی الأول: هو صفه المرأه التی نزلت السوره بسببها، و علی الثانی: هی صفه السّوره، کما قیل لبراءه: الفاضحه(4).

و فی جمال القراء: تسمّی أیضا سوره الامتحان، و سوره المودّه.

(الصفّ): تسمّی أیضا سوره الحواریین.

(الطلاق): تسمّی سوره النساء القصری، کذا سماها ابن مسعود، أخرجه البخاریّ و غیره(5).

و قد أنکره الداودیّ، فقال: لا أری قوله: (القصری) محفوظا، و لا یقال فی سوره من القرآن: قصری و لا صغری.

قال ابن حجر(6): و هو ردّ للأخبار الثابته بلا مستند، و القصر و الطّول أمر نسبیّ. و قد أخرج البخاریّ عن زید بن ثابت أنه قال: (طولی الطولیین)(7). و أراد بذلک سوره الأعراف.

(التحریم): یقال لها سوره: المتحرّم، و سوره: لِمَ تُحَرِّمُ (8).

(تبارک): تسمّی سوره الملک. و أخرج الحاکم و غیره، عن ابن مسعود، قال: هی فی التوراه: سوره الملک، و هی: المانعه تمنع من عذاب القبر(9).جه

ص: 201

و أخرج التّرمذیّ من حدیث ابن عبّاس مرفوعا: «هی المانعه، هی المنجیه: تنجیه من عذاب القبر»(1).

و فی مسند عبد بن حمید من حدیث ابن عباس مرفوعا: «إنّها المنجیه و المجادله، تجادل یوم القیامه عند ربّها لقارئها»(2).

و فی تاریخ ابن عساکر، من حدیث أنس: أنّ رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم سمّاها المنجیه.

و أخرج الطّبرانی، عن ابن مسعود، قال: کنّا نسمیها فی عهد رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم المانعه(3).

و فی جمال القراء: تسمّی. أیضا.: الواقیه و المنّاعه.

(سأل): تسمّی المعارج و الواقع(4).

(عمّ): یقال لها: النّبأ، و التساؤل، و المعصرات(5).

(لم یکن): تسمّی سوره أهل الکتاب، و کذلک سمّیت فی مصحف أبیّ، و سوره البیّنه، و سوره القیامه، و سوره البریّه، و سوره الانفکاک(6) و ذکر ذلک فی جمال القراء.

(أ رأیت): تسمّی سوره الدّین، و سوره الماعون(7).5.

ص: 202

(الکافرون): تسمی المقشقشه، أخرجه ابن أبی حاتم، عن زراره بن أوفی(1) قال فی جمال القراء: و تسمّی أیضا سوره العباده.

قال: و (سوره النصر): تسمی سوره التودیع(2)، لما فیها من الإیماء إلی وفاته صلّی اللّه علیه و سلّم(3).

قال: و (سوره تبّت): تسمّی سوره المسد(4).

و (سوره الإخلاص): تسمّی الأساس، لاشتمالها علی توحید اللّه، و هو أساس الدین(5).

قال: و الفلق، و الناس): یقال لهما المعوّذتان، بکسر الواو، و المشقشقتان، من قولهم:

خطیب مشقشق(6).

تنبیه: قال الزرکشیّ فی البرهان(7): ینبغی البحث عن تعداد الأسامی، هل هو توقیفیّ، أو بما یظهر من المناسبات؟ فإن کان الثانی: فلم یعدم الفطن أن یستخرج من کلّ سوره معانی کثیره، تقتضی اشتقاق أسماء لها، و هو بعید.

قال: و ینبغی النظر فی اختصاص کلّ سوره بما سمیت به، و لا شکّ أنّ العرب تراعی فی کثیر من المسمّیات أخذ أسمائها من نادر أو مستغرب یکون فی الشیء، من خلق أو صفه تخصّه، أو یکون معه أحکم أو أکثر أو أسبق، لإدراک الرائی للمسمّی. و یسمّون الجمله من الکلام أو القصیده الطویله بما هو أشهر فیها، و علی ذلک جرت أسماء سور القرآن، کتسمیه سوره البقره بهذا الاسم لقرینه قصّه البقره المذکوره فیها و عجیب الحکمه فیها، و سمّیت سوره النّساء بهذا الاسم لما تردّد فیها شیء کثیر من أحکام النساء، و تسمیه سوره الأنعام لما ورد فیها من تفصیل أحوالها، و إن کان قد ورد لفظ (الأنعام) فی غیرها، إلاّ أنّ التفصیل الوارد فی قوله تعالی: وَ مِنَ الْأَنْعامِ حَمُولَهً وَ فَرْشاً إلی قوله: أَمْ کُنْتُمْ شُهَداءَ [الأنعام:

144.142]؛ لم یرد فی غیرها. کما ورد ذکر النساء فی سور، إلاّ أن ما تکرّر و بسط من أحکامهنّ لم یرد فی غیر سوره النساء، و کذا سوره المائده لم یرد ذکر المائده فی غیرها، فسمّیت بما یخصّها.2.

ص: 203

قال: فإن قیل: قد ورد فی سوره (هود) ذکر نوح و صالح و إبراهیم و لوط و شعیب و موسی، فلم خصّت باسم هود وحده مع أنّ قصه نوح فیها أوعب و أطول؟ قیل: تکرّرت هذه القصص فی سوره الأعراف و سوره هود و الشعراء بأوعب ممّا وردت فی غیرها، و لم یتکرّر فی واحده من هذه السور الثلاث اسم هود کتکرّره فی سورته، فإنّه تکرّر فیها فی أربعه مواضع، و التّکرار من أقوی الأسباب التی ذکرنا.

قال: فإن قیل: فقد تکرّر اسم نوح فیها فی سته مواضع؟ قیل: لمّا أفردت لذکر نوح و قصته مع قومه سوره برأسها، فلم یقع فیها غیر ذلک، کانت أولی بأن تسمّی باسمه من سوره تضمّنت قصته و قصه غیره. انتهی.

قلت: و لک أن تسأل فتقول: قد سمّیت سور جرت فیها قصص أنبیاء بأسمائهم، کسوره نوح، و سوره هود، و سوره إبراهیم، و سوره یونس، و سوره آل عمران، و سوره طس سلیمان، و سوره یوسف، و سوره محمد، و سوره مریم، و سوره لقمان، و سوره المؤمن. و قصه أقوام کذلک، کسوره بنی إسرائیل، و سوره أصحاب الکهف، و سوره الحجر، و سوره سبأ، و سوره الملائکه، و سوره الجن، و سوره المنافقین، و سوره المطفّفین، و مع هذا کلّه لم یفرد لموسی سوره تسمّی به مع کثره ذکره فی القرآن، حتی قال بعضهم: کاد القرآن أن یکون کلّه موسی، و کان أولی سوره أن تسمی به سوره طه أو القصص أو الأعراف، لبسط قصته فی الثلاثه ما لم یبسط فی غیرها.

و کذلک قصه آدم، ذکرت فی عدّه سور، و لم تسمّ به سوره، کأنّه اکتفاء بسوره الإنسان.

و کذلک قصه الذّبیح من بدائع القصص، و لم تسمّ به سوره الصافات، و قصه داود ذکرت فی (ص) و لم تسمّ به، فانظر فی حکمه ذلک.

علی أنّی رأیت بعد ذلک فی «جمال القراء» للسخاویّ: أنّ سوره (طه) تسمی سوره الکلیم، و سمّاها الهذلی فی [کامله] سوره موسی، و أنّ سوره (ص) تسمّی سوره داود. و رأیت فی کلام الجعبریّ أنّ سوره (الصافات) تسمّی سوره الذبیح. و ذلک یحتاج إلی مستند من الأثر.

1]، أو بفعل لا ضمیر فیه أعرب إعراب ما لا ینصرف، إلاّ ما فی أوله همزه وصل، فتقطع ألفه و تقلب تاؤه هاء فی الوقف، و یکتب بهاء علی صوره الوقف، فتقول: قرأت (اقتربه) و فی الوقف (اقتربه).

أما الإعراب: فلأنها صارت أسماء، و الأسماء معربه إلاّ لموجب بناء.

و أمّا قطع همزه الوصل: فلأنّها لا تکون فی الأسماء إلاّ فی ألفاظ محفوظه لا یقاس علیها.

و أمّا قلب تائها هاء؛ فلأنّ ذلک حکم تاء التأنیث الّتی فی الأسماء.

و أمّا کتبها هاء: فلأن الخط تابع للوقف غالبا.

و ما سمّی منها باسم:

فإن کان من حروف الهجاء. و هو حرف واحد. و أضیفت إلیه سوره، فعند ابن عصفور أنه موقوف لا إعراب فیه، و عند الشّلوبین یجوز فیه وجهان: الوقف و الإعراب:

أما الأوّل. و یعبّر عنه بالحکایه.، فلأنها حروف مقطعه تحکی کما هی.

و أما الثانی فعلی جعله اسما لحروف الهجاء، و علی هذا یجوز صرفه بناء علی تذکیر الحرف و منعه بناء علی تأنیثه. و إن لم تضف إلیه سوره لا لفظا و لا تقدیرا فلک الوقف و الإعراب مصروفا و ممنوعا.

و إن کان أکثر من حرف: فإن وازن الأسماء الأعجمیه. ک (طس) (حم). و أضیفت إلیه سوره أم لا، فلک الحکایه و الإعراب ممنوعا، لموازنه قابیل و هابیل، و إن لم یوازن فإن أمکن فیه الترکیب کطاسین میم، و أضیفت إلیه سوره، فلک الحکایه و الإعراب، إمّا مرکبا مفتوح النون کحضرموت، أو معرب النون مضافا لما بعده مصروفا و ممنوعا علی اعتقاد التذکیر و التأنیث. و إن لم تضف إلیه سوره، فالوقف علی الحکایه. و البناء کخمسه عشر، و الإعراب ممنوعا. و إن لم یمکن الترکیب فالوقف لیس إلاّ، أضیفت إلیه سوره أم لا، نحو کهیعص و حم عسق. و لا یجوز إعرابه؛ لأنه لا نظیر له فی الأسماء المعربه، و لا ترکیبه مزجا؛ لأنه لا یرکب، کذلک أسماء کثیره و جوّز یونس إعرابه ممنوعا.

و ما سمّی منها باسم غیر حرف هجاء: فإن کان فیه اللام انجرّ، نحو الأنفال و الأعراف و الأنعام، و إلاّ منع الصرف إن لم یضف إلیه سوره، نحو هذه هود و نوح، و قرأت هود و نوح، و إن أضفت بقی علی ما کان علیه قبل، فإن کان فیه ما یوجب المنع منع، نحو قرأت سوره یونس، و إلاّ صرف نحو سوره نوح و سوره هود. انتهی ملخصا.

ص: 205

قال البیهقی(1): یشبه أن یکون أن المراد به تألیف ما نزل من الآیات المتفرّقه فی سورها، و جمعها فیها بإشاره النبیّ صلّی اللّه علیه و سلّم الثانیه: بحضره أبی بکر، روی البخاریّ فی صحیحه عن زید بن ثابت، قال: أرسل إلیّ أبو بکر، مقتل أهل الیمامه، فإذا عمر بن الخطاب عنده، فقال أبو بکر: إنّ عمر أتانی، فقال:

إنّ القتل قد استحرّ بقرّاء القرآن، و إنّی أخشی أن یستحرّ القتل بالقرّاء فی المواطن، فیذهب کثیر من القرآن، و إنّی أری أن تأمر بجمع القرآن، فقلت لعمر: کیف تفعل شیئا لم یفعله رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم؟ قال عمر: هو و اللّه خیر، فلم یزل یراجعنی حتّی شرح اللّه صدری لذلک، و رأیت فی ذلک الّذی رأی عمر. قال زید: قال أبو بکر: إنّک شابّ عاقل، لا نتّهمک، و قد کنت تکتب الوحی لرسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم، فتتبّع القرآن فاجمعه.

فو اللّه لو کلّفونی نقل جبل من الجبال ما کان اثقل علیّ ممّا أمرنی به من جمع القرآن.

قلت: کیف تفعلان شیئا لم یفعله رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم؟! قال: هو و اللّه خیر، فلم یزل أبو بکر یراجعنی حتی شرح اللّه صدری للذی شرح به صدر أبی بکر و عمر. فتتبعت القرآن أجمعه من العسب و اللّخاف و صدور الرجال، و وجدت آخر سوره التوبه مع أبی خزیمه الأنصاری، لم أجدها مع غیره: لَقَدْ جاءَکُمْ رَسُولٌ [التوبه: 129.128] حتی خاتمه براءه، فکانت الصحف عند أبی بکر حتّی توفّاه اللّه، ثم عند عمر حیاته، ثم عند حفصه بنت عمر(2)و أخرج ابن أبی داود فی المصاحف بسند حسن، عن عبد خیر قال: سمعت علیّا یقول:

أعظم النّاس فی المصاحف أجرا أبو بکر، رحمه اللّه علی أبی بکر، هو أوّل من جمع کتاب اللّه(3).5.

ص: 208

لکن أخرج. أیضا. من طریق ابن سیرین، قال: قال علیّ: لما مات رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم، آلیت ألاّ آخذ علیّ ردائی إلاّ لصلاه جمعه حتی أجمع القرآن. فجمعه(1).

قال ابن حجر(2): هذا الأثر ضعیف لانقطاعه، و بتقدیر صحته، فمراده بجمعه حفظه فی صدره. و ما تقدّم من روایه عبد خیر عنه أصحّ، فهو المعتمد.

قلت: قد ورد من طریق آخر أخرجه ابن الضّریس فی فضائله: حدّثنا بشر بن موسی، حدّثنا هوذه بن خلیفه، حدّثنا عوف، عن محمد بن سیرین، عن عکرمه، قال: لمّا کان بعد بیعه أبی بکر، قعد علیّ بن أبی طالب فی بیته، فقیل لأبی بکر: قد کره بیعتک، فأرسل إلیه، فقال: أکرهت بیعتی؟ قال: لا و اللّه، قال: ما أقعدک عنّی؟ قال: رأیت کتاب اللّه یزاد فیه، فحدّثت نفسی ألاّ ألبس ردائی إلاّ لصلاه حتی أجمعه. قال له أبو بکر: فإنّک نعم ما رأیت(3).

قال محمد: فقلت لعکرمه: ألّفوه کما أنزل، الأوّل فالأوّل؟ قال: لو اجتمعت الإنس و الجنّ علی أن یؤلّفوه ذلک التألیف ما استطاعوا(4).

و أخرجه ابن أشته فی المصاحف من وجه آخر عن ابن سیرین، و فیه: أنه کتب فی مصحفه الناسخ و المنسوخ، و أنّ ابن سیرین قال: فطلبت ذلک الکتاب، و کتبت فیه إلی المدینه، فلم أقدر علیه.

و أخرج ابن أبی داود من طریق الحسن: أنّ عمر سأل عن آیه من کتاب اللّه فقیل: کانت مع فلان، قتل یوم الیمامه. فقال: إنا للّه. و أمر بجمع القرآن، فکان أوّل من جمعه فی المصحف. إسناده منقطع.

و المراد بقوله: فکان أوّل من جمعه، أی: أشار بجمعه.

قلت: و من غریب ما ورد فی أوّل من جمعه، ما أخرجه ابن أشته فی کتاب المصاحف من طریق کهمس، عن ابن بریده، قال: أوّل من جمع القرآن فی مصحف سالم مولی أبی حذیفه، أقسم لا یرتدی برداء حتی یجمعه، فجمعه، ثم ائتمروا: ما یسمّونه؟ فقال بعضهم:

سمّوه السّفر، قال: ذلک اسم تسمیه الیهود، فکرهوه، فقال: رأیت مثله بالحبشه یسمّی المصحف، فاجتمع رأیهم علی أن یسمّوه المصحف. إسناده منقطع أیضا، و هو محمول علی أنه کان أحد الجامعین بأمر أبی بکر.

و أخرج ابن أبی داود، من طریق یحیی بن عبد الرحمن بن حاطب، قال: قدم عمر،6.

ص: 209

فقال: من کان تلقّی من رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم شیئا من القرآن فلیأت به.

و کانوا یکتبون ذلک فی المصحف و الألواح و العسب، و کان لا یقبل من أحد شیئا حتی یشهد شهیدان(1).

و هذا یدلّ علی أن زیدا کان لا یکتفی لمجرّد وجدانه مکتوبا حتی یشهد به من تلقّاه سماعا، مع کون زید کان یحفظ، فکان یفعل ذلک مبالغه فی الاحتیاط.

و أخرج ابن أبی داود أیضا من طریق هشام بن عروه، عن أبیه: أنّ أبا بکر قال لعمر و لزید: اقعدا علی باب المسجد، فمن جاء کما بشاهدین علی شیء من کتاب اللّه فاکتباه(2).

رجاله ثقات مع انقطاعه.

قال ابن حجر(3): و کأنّ المراد بالشاهدین الحفظ و الکتاب.

و قال السخاویّ فی جمال القراء: المراد أنّهما یشهدان علی أنّ ذلک المکتوب کتب بین یدی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم، أو المراد أنّهما یشهدان علی أن ذلک من الوجوه التی نزل بها القرآن(4).

قال أبو شامه(5): و کان غرضهم ألاّ یکتب إلاّ من عین ما کتب بین یدی النبیّ صلّی اللّه علیه و سلّم، لا من مجرّد الحفظ.

قال: و لذلک قال فی آخر سوره التوبه: لم أجدها مع غیره. أی لم أجدها مکتوبه مع غیره، لأنّه کان لا یکتفی بالحفظ دون الکتابه.

قلت: أو المراد أنهما یشهدان علی أنّ ذلک ممّا عرض علی النبیّ صلّی اللّه علیه و سلّم عام وفاته، کما یؤخذ مما تقدّم آخر النوع السادس عشر.

و قد أخرج ابن أشته فی المصاحف عن اللّیث بن سعد، قال: أوّل من جمع القرآن أبو بکر، و کتبه زید، و کان الناس یأتون زید بن ثابت، فکان لا یکتب آیه إلاّ بشاهدی عدل، و أنّ آخر سوره براءه لم توجد إلاّ مع خزیمه ابن ثابت، فقال: اکتبوها فإنّ رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم جعل شهادته بشهاده رجلین، فکتب. و إنّ عمر أتی بآیه الرّجم، فلم یکتبها، لأنه کان وحده(6).

و قال الحارث المحاسبیّ فی کتاب فهم السنن(7): کتابه القرآن لیست بمحدثه، فإنّه صلّی اللّه علیه و سلّم1.

ص: 210

کان یأمر بکتابته، و لکنه کان مفرّقا فی الرقاع و الأکتاف و العسب، فإنّما أمر الصّدّیق بنسخها من مکان إلی مکان مجتمعا، و کان ذلک بمنزله أوراق وجدت فی بیت رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم، فیها القرآن منتشر، فجمعها جامع، و ربطها بخیط، حتی لا یضیع منها شیء.

قال: فإن قیل: کیف وقعت الثقه بأصحاب الرقاع و صدور الرجال؟ قیل: لأنّهم کانوا یبدون عن تألیف معجز، و نظم معروف، قد شاهدوا تلاوته من النبیّ صلّی اللّه علیه و سلّم عشرین سنه، فکان تزویر ما لیس منه مأمونا، و إنما کان الخوف من ذهاب شیء من صحفه.

و قد تقدّم فی حدیث زید أنه جمع القرآن من العسب و اللّخاف، و فی روایه: الرقاع، و فی أخری: و قطع الأدیم، و فی أخری: و الأکتاف، و فی أخری: و الأضلاع، و فی أخری:

و الأفتاب(1).

فالعسب: جمع عسیب و هو جرید النخل، کانوا یکشطون الخوص و یکتبون فی الطرف العریض.

و اللّخاف: بکسر اللام و بخاء معجمه خفیفه، آخره فاء: جمع لخفه. فتح اللام و سکون الخاء. و هی الحجاره الدقاق، و قال الخطابی: صفائح الحجاره.

و الرّقاع: جمع رقعه، و قد تکون من جلد أو رق أو کاغد.

و الأکتاف: جمع کتف، و هو العظم الذی للبعیر أو الشاه، کانوا إذا جفّ کتبوا علیه.

و الأقتاب: جمع قتب، هو الخشب الذی یوضع علی ظهر البعیر لیرکب علیه.

و فی موطّأ ابن وهب: عن مالک، عن ابن شهاب، عن سالم بن عبد اللّه بن عمر، قال:

جمع أبو بکر القرآن فی قراطیس، و کان سأل زید بن ثابت فی ذلک فأبی، حتی استعان بعمر، ففعل.

و فی مغازی موسی بن عقبه: عن ابن شهاب قال: لمّا أصیب المسلمون بالیمامه، فزع أبو بکر، و خاف أن یذهب من القرآن طائفه، فأقبل النّاس بما کان معهم و عندهم، حتی جمع علی عهد أبی بکر فی الورق، فکان أبو بکر أوّل من جمع القرآن فی الصحف(2).

قال ابن حجر(3): و وقع فی روایه عماره بن غزیّه: أنّ زید بن ثابت قال: فأمرنی أبو بکر فکتبته فی قطع الأدیم و العسب، فلما هلک أبو بکر و کان عمر کتبت ذلک فی صحیفه واحده، فکانت عنده.9.

ص: 211

قال: و الأوّل أصحّ؛ إنما کان فی الأدیم و العسب أولا، قبل أن یجمع فی عهد أبی بکر، ثم جمع فی الصحف فی عهد أبی بکر، کما دلت علیه الأخبار الصحیحه المترادفه.

قال الحاکم(1): و الجمع الثالث هو ترتیب السور فی زمن عثمان.

روی البخاریّ عن أنس: أنّ حذیفه بن الیمان قدم علی عثمان، و کان یغازی أهل الشام فی فتح أرمینیه و أذربیجان مع أهل العراق، فأفزع حذیفه اختلافهم فی القراءه، فقال لعثمان:

أدرک الأمّه قبل أن یختلفوا اختلاف الیهود و النصاری. فأرسل إلی حفصه: أن أرسلی إلینا الصحف ننسخها فی المصاحف، ثم نردّها إلیک. فأرسلت بها حفصه إلی عثمان، فأمر زید بن ثابت و عبد اللّه بن الزبیر و سعید بن العاص و عبد الرحمن بن الحارث بن هشام فنسخوها فی المصاحف.

و قال عثمان للرهط القرشیین الثلاثه: إذا اختلفتم أنتم و زید بن ثابت فی شیء من القرآن، فاکتبوه بلسان قریش، فإنّه إنّما نزل بلسانهم، ففعلوا، حتی إذا نسخوا الصحف فی المصاحف، ردّ عثمان الصحف إلی حفصه، و أرسل إلی کلّ أفق بمصحف ممّا نسخوا، و أمر بما سواه من القرآن فی کلّ صحیفه و مصحف أن یحرق. قال زید: فقدت آیه من الأحزاب حین نسخنا المصحف، قد کنت أسمع رسول اللّه یقرأ بها. فالتمسناها فوجدناها مع خزیمه بن ثابت الأنصاری: مِنَ الْمُؤْمِنِینَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللّهَ عَلَیْهِ [الأحزاب: 23] فألحقناها فی سورتها فی المصحف(2).

قال ابن حجر(3): و کان ذلک فی سنه خمس و عشرین. قال: و غفل بعض من أدرکناه فزعم أنه کان فی حدود سنه ثلاثین، و لم یذکر له مستندا، انتهی.

و أخرج ابن أشته، من طریق أیوب، عن أبی قلابه، قال: حدّثنی رجل من بنی عامر، یقال له: أنس بن مالک، قال: اختلفوا فی القراءه علی عهد عثمان حتی اقتتل الغلمان و المعلّمون، فبلغ ذلک عثمان بن عفان، فقال: عندی تکذبون به و تلحنون فیه! فمن نأی عنّی کان أشدّ تکذیبا، و أکثر لحنا. یا أصحاب محمد، اجتمعوا فاکتبوا للنّاس إماما. فاجتمعوا فکتبوا، فکانوا إذا اختلفوا و تدارءوا فی آیه قالوا: هذه أقرأها رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم فلانا، فیرسل إلیه و هو علی رأس ثلاث من المدینه.

فیقال له: کیف أقرأک رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم آیه کذا و کذا؟9.

ص: 212

فیقول: کذا و کذا، فیکتبونها، و قد ترکوا لذلک مکانا(1).

و أخرج ابن أبی داود، من طریق محمد بن سیرین، عن کثیر بن أفلح، قال: لمّا أراد عثمان أن یکتب المصاحف، جمع له اثنی عشر رجلا من قریش و الأنصار، فبعثوا إلی الرّبعه الّتی فی بیت عمر، فجیء بها، و کان عثمان یتعاهدهم، فکانوا إذا تدارءوا فی شیء أخّروه.

قال محمد: فظننت أنّما کانوا یؤخّرونه لینظروا أحدثهم عهدا بالعرضه الأخیره، فیکتبونه علی قوله(2).

و أخرج ابن أبی داود بسند صحیح، عن سوید بن غفله، قال: قال علیّ: لا تقولوا فی عثمان إلاّ خیرا، فو اللّه ما فعل فی المصاحف إلاّ عن ملأ منّا، قال: ما تقولون فی هذه القراءه؟ فقد بلغنی أنّ بعضهم یقول: إنّ قراءتی خیر من قراءتک، و هذا یکاد یکون کفرا؟ قلنا: فما تری؟ قال: أری أن یجمع الناس علی مصحف واحد، فلا تکون فرقه و لا اختلاف.

قلنا: نعم ما رأیت(3).

قال ابن التین و غیره: الفرق بین جمع أبی بکر و جمع عثمان(4).

أنّ جمع أبی بکر: کان لخشیه أن یذهب من القرآن شیء بذهاب حملته؛ لأنه لم یکن مجموعا فی موضع واحد، فجمعه فی صحائف مرتبا لآیات سوره علی ما وقفهم علیه النبیّ صلّی اللّه علیه و سلّم.

و جمع عثمان: کان لمّا کثر الاختلاف فی وجوه القراءه، حتی قرءوه بلغاتهم علی اتّساع اللغات، فأدّی ذلک بعضهم إلی تخطئه بعض، فخشی من تفاقم الأمر فی ذلک، فنسخ تلک الصحف فی مصحف واحد مرتّبا لسوره، و اقتصر من سائر اللغات علی لغه قریش، محتجّا بأنّه نزل بلغتهم، و إن کان قد وسّع قراءته بلغه غیرهم، رفعا للحرج و المشقه فی ابتداء الأمر، فرأی أنّ الحاجه إلی ذلک قد انتهت، فاقتصر علی لغه واحده.

و قال القاضی أبو بکر فی الانتصار: لم یقصد عثمان قصد أبی بکر فی جمع نفس القرآن بین لوحین، و إنّما قصد جمعهم علی القراءات الثابته المعروفه عن النبیّ صلّی اللّه علیه و سلّم، و إلغاء ما لیس کذلک، و أخذهم بمصحف لا تقدیم فیه و لا تأخیر، و لا تأویل أثبت مع تنزیل، و لا منسوخ1.

ص: 213

تلاوته کتب مع مثبت رسمه و مفروض قراءته و حفظه، خشیه دخول الفساد و الشبهه علی من یأتی بعد.

و قال الحارث المحاسبی(1): المشهور عند الناس أنّ جامع القرآن عثمان، و لیس کذلک، إنّما حمل عثمان الناس علی القراءه بوجه واحد علی اختیار وقع بینه و بین من شهده من المهاجرین و الأنصار، لمّا خشی الفتنه عند اختلاف أهل العراق و الشام فی حروف القراءات، فأما قبل ذلک فقد کانت المصاحف بوجوه من القراءات المطلقات علی الحروف السبعه التی نزل بها القرآن، فأمّا السابق إلی الجمع من الجمله فهو الصدّیق، و قد قال علیّ: لو ولّیت لعملت بالمصاحف عمل عثمان بها. انتهی.

فائده: اختلف فی عدّه المصاحف التی أرسل بها عثمان إلی الآفاق: فالمشهور أنّها خمسه.

و أخرج ابن أبی داود، من طریق حمزه الزّیات، قال: أرسل عثمان أربعه مصاحف. قال ابن أبی داود: و سمعت أبا حاتم السّجستانی یقول: کتب سبعه مصاحف، فأرسل إلی مکه، و إلی الشام، و إلی الیمن، و إلی البحرین، و إلی البصره، و إلی الکوفه، و حبس بالمدینه واحدا(2).

و منها: ما أخرجه أحمد، و أبو داود، و التّرمذی، و النّسائی، و ابن حبّان، و الحاکم، عن ابن عباس، قال: قلت لعثمان: ما حملکم علی أن عمدتم إلی الأنفال و هی من المثانی، و إلی براءه و هی من المئین، فقرنتم بینهما و لم تکتبوا بینهما سطر بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِیمِ * و وضعتموها فی السّبع الطوال؟ فقال عثمان: کان رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم تنزل علیه السّور ذوات العدد، فکان إذا نزل علیه الشیء دعا بعض من کان یکتب، فیقول: ضعوا هؤلاء الآیات فی السّوره التی یذکر فیها کذا و کذا. و کانت الأنفال من أوائل ما نزل فی المدینه، و کانت براءه من آخر القرآن نزولا، و کانت قصّتها شبیهه بقصتها، فظننت أنها منها، فقبض رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم و لم یبیّن لنا أنّها منها، فمن أجل ذلک قرنت بینهما، و لم أکتب بینهما سطر بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِیمِ * و وضعتها فی السبع الطّوال(1).

و منها: ما أخرجه أحمد بإسناد حسن، عن عثمان بن أبی العاص قال: کنت جالسا عند رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم، إذ شخص ببصره ثم صوّبه، ثم قال: «أتانی جبریل، فأمرنی أن أضع هذه الآیه هذا الموضع من هذه السوره: إِنَّ اللّهَ یَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَ الْإِحْسانِ وَ إِیتاءِ ذِی الْقُرْبی [النحل: 90] إلی آخرها»(2).

و منها: ما أخرجه البخاریّ، عن ابن الزّبیر، قال: قلت لعثمان: وَ الَّذِینَ یُتَوَفَّوْنَ مِنْکُمْ وَ یَذَرُونَ أَزْواجاً [البقره: 240] قد نسختها الآیه الأخری، فلم تکتبها و لم تدعها؟ قال:

یا ابن أخی، لا أغیّر شیئا منه من مکانه(3).

و منها: ما رواه مسلم، عن عمر، قال: ما سألت النبیّ صلّی اللّه علیه و سلّم عن شیء أکثر مما سألته عن).

ص: 215

الکلاله، حتی طعن بإصبعه فی صدری و قال: «تکفیک آیه الصّیف الّتی فی آخر سوره النساء»(1).

و منها: الأحادیث فی خواتیم سوره البقره(2).

و منها: ما رواه مسلم، عن أبی الدرداء، مرفوعا: «من حفظ عشر آیات من أوّل سوره الکهف عصم من الدّجال».

و فی لفظ عنده: «من قرأ العشر الأواخر من سوره الکهف»(3).

و من النصوص الدّاله علی ذلک إجمالا: ما ثبت من قراءته صلّی اللّه علیه و سلّم لسور عدیده:

کسوره البقره و آل عمران و النّساء فی حدیث حذیفه(4).

و الأعراف. فی صحیح البخاری. أنه قرأها فی المغرب(5).

قَدْ أَفْلَحَ روی النسائیّ أنه قرأها فی الصبح، حتی إذا جاء ذکر موسی و هارون أخذته سعله فرکع(6). -

ص: 216

و الرّوم: روی الطّبرانی أنّه قرأها فی الصبح(1).

و الم (1) تَنْزِیلُ و هَلْ أَتی عَلَی الْإِنْسانِ روی الشیخان: أنّه کان یقرؤهما فی صبح الجمعه(2).

و ق فی صحیح مسلم: أنه کان یقرؤها فی الخطبه(3).

و اَلرَّحْمنُ فی المستدرک و غیره: أنه قرأها علی الجنّ (4).ب.

ص: 217

وَ النَّجْمِ فی الصحیح: قرأها بمکه علی الکفار و سجد فی آخرها(1).

و اِقْتَرَبَتِ عند مسلم أنّه کان یقرؤها مع ق فی العید(2).

و (الجمعه) و (المنافقون): فی مسلم: أنه کان یقرأ بهما فی صلاه الجمعه(3).

و (الصفّ) فی المستدرک: عن عبد اللّه بن سلام: أنّه صلّی اللّه علیه و سلّم قرأها علیهم حین أنزلت حتی ختمها(4).

و فی سور شتی من المفصّل تدلّ قراءته صلّی اللّه علیه و سلّم لها بمشهد من الصحابه: أنّ ترتیب آیاتها توقیفیّ، و ما کان الصحابه لیرتبوا ترتیبا سمعوا النبیّ صلّی اللّه علیه و سلّم یقرأ علی خلافه، فبلغ ذلک مبلغ التواتر.

نعم یشکل علی ذلک: ما أخرجه ابن أبی داود فی المصاحف من طریق محمد بن إسحاق، عن یحیی بن عبّاد بن عبد اللّه بن الزبیر، عن أبیه، قال: أتی الحارث بن خزیمه بهاتین الآیتین من آخر سوره براءه، فقال: أشهد أنی سمعتهما من رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم و وعیتهما.

فقال عمر: و أنا أشهد، لقد سمعتهما. ثم قال: لو کانت ثلاث آیات لجعلتها سوره علی حده، فانظروا آخر سوره من القرآن، فألحقوها فی آخرها(5).9.

ص: 218

قال ابن حجر(1): ظاهر هذا أنهم کانوا یؤلّفون آیات السور باجتهادهم، و سائر الأخبار تدلّ علی أنّهم لم یفعلوا شیئا من ذلک إلاّ بتوقیف.

قلت: یعارضه ما أخرجه ابن أبی داود. أیضا. من طریق أبی العالیه، عن أبیّ بن کعب، أنهم جمعوا القرآن، فلمّا انتهوا إلی الآیه التی فی سوره براءه: ثُمَّ انْصَرَفُوا صَرَفَ اللّهُ قُلُوبَهُمْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا یَفْقَهُونَ [التوبه: 127] ظنوا أنّ هذا آخر ما أنزل.

فقال أبیّ: إنّ رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم أقرأنی بعد هذا آیتین: لَقَدْ جاءَکُمْ رَسُولٌ [التوبه:

129.128] إلی آخر السوره(2).

و قال مکّی و غیره(3): ترتیب الآیات فی السور بأمر من النبیّ صلّی اللّه علیه و سلّم، و لمّا لم یأمر بذلک فی أوّل براءه ترکت بلا بسمله.

و قال القاضی أبو بکر فی الانتصار: ترتیب الآیات أمر واجب، و حکم لازم، فقد کان جبریل یقول: «ضعوا آیه کذا فی موضع کذا»(4).

و قال. أیضا.: الّذی نذهب إلیه أنّ جمیع القرآن. الّذی أنزله اللّه، و أمر بإثبات رسمه، و لم ینسخه، و لا رفع تلاوته بعد نزوله. هو هذا الذی بین الدفّتین، الذی حواه مصحف عثمان، و أنه لم ینقص منه شیء، و لا زید فیه. و أنّ ترتیبه و نظمه ثابت علی ما نظمه اللّه تعالی، و رتّبه علیه رسوله من آی السور، لم یقدّم من ذلک مؤخّر و لا أخّر مقدّم، و أنّ الأمّه ضبطت عن النبیّ صلّی اللّه علیه و سلّم ترتیب آی کلّ سوره و مواضعها، و عرفت مواقعها، کما ضبطت عنه نفس القراءات و ذات التلاوه. و أنه یمکن أن یکون الرسول صلّی اللّه علیه و سلّم قد رتّب سوره، و أن یکون قد وکّل ذلک إلی الأمّه بعده، و لم یتولّ ذلک بنفسه.

قال: و هذا الثانی أقرب.

و أخرج عن ابن وهب، قال: سمعت مالکا، یقول: إنّما ألّف القرآن علی ما کانوا یسمعون من النبیّ صلّی اللّه علیه و سلّم(5).

و قال البغویّ فی شرح السنه(6): الصحابه. رضی اللّه عنهم. جمعوا بین الدّفتین القرآن الذی أنزله اللّه علی رسوله، من غیر أن زادوا أو نقصوا منه شیئا، خوف ذهاب بعضه بذهاب2.

ص: 219

حفظته، فکتبوه کما سمعوا من رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم من غیر أن قدّموا شیئا أو أخّروا، أو وضعوا له ترتیبا لم یأخذوه من رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم، و کان رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم یلقّن أصحابه و یعلّمهم ما نزل علیه من القرآن علی الترتیب الذی هو الآن فی مصاحفنا، بتوقیف جبریل إیّاه علی ذلک، و إعلامه عند نزول کلّ آیه: أنّ هذه الآیه تکتب عقب آیه کذا فی سوره کذا، فثبت أنّ سعی الصحابه کان فی جمعه فی موضع واحد لا فی ترتیبه، فإنّ القرآن مکتوب فی اللّوح المحفوظ علی هذا الترتیب، أنزله اللّه جمله إلی السماء الدنیا، ثم کان ینزله مفرّقا عند الحاجه، و ترتیب النزول غیر ترتیب التلاوه.

و قال ابن الحصّار: ترتیب السّور و وضع الآیات مواضعها إنّما کان بالوحی، کان رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم یقول: «ضعوا آیه کذا فی موضع کذا»(1) و قد حصل الیقین من النّقل المتواتر بهذا الترتیب من تلاوه رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم، و ممّا أجمع الصحابه علی وضعه هکذا فی المصحف.

و أخرج ابن أشته فی المصاحف من طریق إسماعیل بن عیاش، عن حبّان بن یحیی، عن أبی محمد القرشیّ قال: أمرهم عثمان أن یتابعوا الطوال، فجعلت سوره الأنفال و سوره التوبه فی السّبع، و لم یفصل بینهما ببسم اللّه الرحمن الرحیم.

و ذهب إلی الأوّل جماعه، منهم القاضی فی أحد قولیه.

قال أبو بکر الأنباریّ (1): أنزل اللّه القرآن کلّه إلی سماء الدنیا، ثمّ فرّقه فی بضع و عشرین، فکانت السوره تنزل لأمر یحدث، و الآیه جوابا لمستخبر، و یوقف جبریل النبیّ صلّی اللّه علیه و سلّم علی موضع الآیه و السوره، فاتّساق السّور کاتّساق الآیات و الحروف، کلّه عن النبیّ صلّی اللّه علیه و سلّم، فمن قدّم سوره أو أخّرها فقد أفسد نظم القرآن.

و قال الکرمانیّ فی البرهان(2): ترتیب السّور هکذا هو عند اللّه فی اللّوح المحفوظ علی هذا الترتیب، و علیه کان صلّی اللّه علیه و سلّم یعرض علی جبریل کلّ سنه ما کان یجتمع عنده منه، و عرضه علیه فی السنه التی توفّی فیها مرتین(3)، و کان آخر الآیات نزولا: وَ اتَّقُوا یَوْماً تُرْجَعُونَ فِیهِ إِلَی اللّهِ [البقره: 281] فأمره جبریل أن یضعها بین آیتی الربا و الدّین.

و قال الطّیبیّ: أنزل القرآن أوّلا جمله واحده من اللوح المحفوظ إلی السماء الدنیا، ثم نزل مفرّقا علی حسب المصالح، ثم أثبت فی المصاحف علی التألیف و النظم المثبت فی اللوح المحفوظ.

قال الزرکشیّ فی البرهان(4): و الخلاف بین الفریقین لفظی؛ لأنّ القائل بالثانی یقول: إنّه رمز إلیهم بذلک، لعلمهم بأسباب نزوله و مواقع کلماته، و لهذا قال مالک: إنّما ألّفوا القرآن علی ما کانوا یسمعونه من النبیّ صلّی اللّه علیه و سلّم. مع قوله بأنّ ترتیب السور باجتهاد منهم، فآل الخلاف إلی أنه: هل هو بتوفیق قولیّ أو بمجرد استناد فعلیّ، بحیث بقی لهم فیه مجال للنظر.

و سبقه إلی ذلک أبو جعفر بن الزبیر.

و قال البیهقیّ فی المدخل(5): کان القرآن علی عهد النبیّ صلّی اللّه علیه و سلّم مرتّبا سوره و آیاته علی هذا الترتیب، إلاّ الأنفال و براءه، لحدیث عثمان السابق(6). و مال ابن عطیه(7) إلی: أنّ کثیرا من1.

ص: 221

السور کان قد علم ترتیبها فی حیاته صلّی اللّه علیه و سلّم، کالسبع الطوال و الحوامیم و المفصّل، و أن ما سوی ذلک یمکن أن یکون قد فوض الأمر فیه إلی الأمه بعده.

و قال أبو جعفر بن الزبیر(1): الآثار تشهد بأکثر مما نصّ علیه ابن عطیّه، و یبقی منها قلیل یمکن أن یجری فیه الخلاف، کقوله: «اقرءوا الزّهراوین: البقره و آل عمران»(2) رواه مسلم.

و کحدیث سعید بن خالد: قرأ صلّی اللّه علیه و سلّم بالسّبع الطّوال فی رکعه. رواه ابن أبی شیبه فی مصنّفه، و فیه: أنه علیه الصلاه و السلام کان یجمع المفصّل فی رکعه.

و روی البخاریّ: عن ابن مسعود أنه قال. فی بنی إسرائیل، و الکهف، و مریم، و طه، و الأنبیاء: إنّهنّ من العتاق الأول، و هنّ من تلادی(3). فذکرها نسقا کما استقرّ ترتیبها.

و فی البخاریّ: أنه صلّی اللّه علیه و سلّم کان إذا أوی إلی فراشه کلّ لیله، جمع کفّیه، ثم نفث فیهما، فقرأ: قُلْ هُوَ اللّهُ أَحَدٌ (1) و المعوّذتین(4).

و قال أبو جعفر النحاس(5): المختار أن تألیف السور علی هذا الترتیب من رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم، لحدیث واثله: «أعطیت مکان التوراه السبع الطّوال...» الحدیث(6).

قال: فهذا الحدیث یدلّ علی أنّ تألیف القرآن مأخوذ عن النبیّ صلّی اللّه علیه و سلّم، و أنه من ذلک الوقت، و إنما جمع فی المصحف علی شیء واحد، لأنه قد جاء هذا الحدیث بلفظ رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم علی تألیف القرآن.

و قال ابن الحصّار: ترتیب و وضع الآیات مواضعها إنما کان بالوحی.ی.

ص: 222

و قال ابن حجر(1): ترتیب بعض السور علی بعضها، أو معظمها، لا یمتنع أن یکون توقیفیا.

قال: و ممّا یدل علی أنّ ترتیبها توقیفی: ما أخرجه أحمد و أبو داود عن أوس بن أبی أوس حذیفه الثقفیّ قال: کنت فی الوفد الّذین أسلموا من ثقیف... الحدیث، و فیه: فقال لنا رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم «طرأ علیّ حزبی من القرآن، فأردت ألاّ أخرج حتی أقضیه».

فسألنا أصحاب رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم، قلنا: کیف تحزّبون القرآن؟ قالوا: نحزّبه ثلاث سور، و خمس سور، و سبع سور، و تسع سور، و إحدی عشره، و ثلاث عشره، و حزب المفصّل من ق حتی نختم.

قال(2): فهذا یدلّ علی أن ترتیب السّور علی ما هو فی المصحف الآن کان علی عهد رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم.

قال(3): و یحتمل أنّ الذی کان مرتّبا حینئذ حزب المفصّل خاصه، بخلاف ما عداه.

قلت: و مما یدلّ علی أنه توقیفیّ کون الحوامیم رتّبت ولاء و کذا الطواسین، و لم ترتّب المسبّحات ولاء، بل فصل بین سورها، و فصل بین طسم الشعراء و طسم القصص بطس مع أنها أقصر منهما، و لو کان الترتیب اجتهادیّا لذکرت المسبّحات ولاء و أخّرت طس عن القصص.

و الّذی ینشرح له الصدر ما ذهب إلیه البیهقی(4)، و هو: أنّ جمیع السور ترتیبها توقیفیّ إلاّ براءه و الأنفال. و لا ینبغی أن یستدلّ بقراءته صلّی اللّه علیه و سلّم سورا ولاء علی أن ترتیبها کذلک، و حینئذ فلا یرد حدیث قراءته النّساء قبل آل عمران(5)؛ لأنّ ترتیب السور فی القراءه لیس بواجب، فلعلّه فعل ذلک لبیان الجواز.

و أخرج ابن أشته فی کتاب المصاحف من طریق ابن وهب، عن سلیمان بن بلال، قال:

سمعت ربیعه یسأل: لم قدّمت البقره و آل عمران، و قد نزل قبلهما بضع و ثمانون سوره بمکه،ه.

ص: 223

و إنّما أنزلتا بالمدینه؟ فقال: قدّمتا، و ألّف القرآن علی علم ممّن ألّفه به و من کان معه فیه، و اجتماعهم علی علمهم بذلک، فهذا ممّا ینتهی إلیه، و لا یسأل عنه(1).

الثانی: الحجرات، و صحّحه النّوویّ.

الثالث: القتال، عزاه الماوردیّ للأکثرین.

الرابع: الجاثیه، حکاه القاضی عیاض.

الخامس: الصافّات.

السادس: الصّف.

السابع: تبارک، حکی الثلاثه ابن أبی الصّیف الیمنیّ فی نکته علی التنبیه.

الثامن: الفتح، حکاه الکمال الذماری فی شرح التنبیه.

التاسع: الرحمن، حکاه ابن السّید فی أمالیه علی الموطأ.

العاشر: الإنسان.

الحادی عشر: سبّح، حکاه ابن الفرکاح فی تعلیقه عن المرزوقی.

الثانی عشر: الضحی، حکاه الخطّابی و وجهه: بأنّ القارئ یفصل بین هذه السور بالتکبیر.

و عباره الراغب فی مفرداته(1): المفصّل من القرآن السّبع الأخیر.

و العنکبوت، و الرّوم، و یس، و الفرقان، و الحجر، و الرعد، و سبأ، و الملائکه، و إبراهیم، و ص، و اَلَّذِینَ کَفَرُوا (1)، و لقمان، و الزّمر، و الحوامیم: حم المؤمن، و الزخرف، و السجده، و حم و عسق، و الأحقاف، و الجاثیه، و الدخان، و إِنّا فَتَحْنا لَکَ ، و الحشر، و تنزیل السجده، و الطلاق، و ن و القلم، و الحجرات، و تبارک، و التّغابن، و إِذا جاءَکَ الْمُنافِقُونَ ، و الجمعه، و الصفّ، و قُلْ أُوحِیَ ، و إِنّا أَرْسَلْنا ، و المجادله، و الممتحنه، و یا أَیُّهَا النَّبِیُّ لِمَ تُحَرِّمُ .

و المفصّل: الرحمن، و النجم، و الطور، و الذاریات، و اِقْتَرَبَتِ السّاعَهُ ، و الواقعه، و النازعات، و سَأَلَ سائِلٌ ، و المدّثر، و المزمل، و المطففین، و عبس، و هَلْ أَتی ، و المرسلات، و القیامه، و عَمَّ یَتَساءَلُونَ (1) ، و إِذَا الشَّمْسُ کُوِّرَتْ (1) ، و إِذَا السَّماءُ انْفَطَرَتْ (1) ، و اَلْغاشِیَهِ ، و سَبِّحِ ، و اللیل، و الفجر، و البروج، و إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ (1) ، و اِقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّکَ ، و البلد، و الضّحی، و الطارق، و العادیات، و أ رأیت، و القارعه، و لَمْ یَکُنِ ، و اَلشَّمْسِ وَ ضُحاها (1) ، و التّین، و وَیْلٌ لِکُلِّ هُمَزَهٍ ، و أَ لَمْ تَرَ کَیْفَ ، و لِإِیلافِ قُرَیْشٍ (1) ، و أَلْهاکُمُ ، و إِنّا أَنْزَلْناهُ ، و إِذا زُلْزِلَتِ ، و العصر، و إِذا جاءَ نَصْرُ اللّهِ ، و الکوثر، و قُلْ یا أَیُّهَا الْکافِرُونَ (1) ، و تبّت، و قُلْ هُوَ اللّهُ أَحَدٌ (1) ، و أَ لَمْ نَشْرَحْ ، و لیس فیه الحمد، و لا المعوّذتان.

ص: 227

و فی مصحف ابن مسعود: مائه و اثنتا عشره سوره؛ لأنه لم یکتب المعوّذتین. و فی مصحف أبیّ ست عشره. لأنه کتب فی آخره سورتی الحفد و الخلع.

أخرج أبو عبید، عن ابن سیرین، قال: کتب أبیّ بن کعب فی مصحفه فاتحه الکتاب و المعوّذتین، و: اللهم إنّا نستعینک..، و: اللّهم إیاک نعبد..، و ترکهنّ ابن مسعود، و کتب عثمان منهنّ فاتحه الکتاب و المعوّذتین(1).

و أخرج الطبرانیّ فی الدعاء من طریق عبّاد بن یعقوب الأسدیّ، عن یحیی بن یعلی الأسلمیّ، عن ابن لهیعه، عن ابن هبیره، عن عبد اللّه بن زریر الغافقیّ قال: قال لی عبد الملک بن مروان: لقد علمت ما حملک علی حبّ أبی تراب إلاّ أنّک أعرابیّ جاف، فقلت:

و اللّه لقد جمعت القرآن من قبل أن یجتمع أبواک، و لقد علّمنی منه علیّ بن أبی طالب سورتین علّمهما إیاه رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم، ما علمتهما أنت و لا أبوک: اللهمّ إنا نستعینک و نستغفرک، و نثنی علیک و لا نکفرک، و نخلع و نترک من یفجرک. اللهمّ إیّاک نعبد، و لک نصلی و نسجد، و إلیک نسعی و نحفد، نرجو رحمتک و نخشی عذابک، إن عذابک بالکفار ملحق(2).

و أخرج البیهقیّ: من طریق سفیان الثوری، عن ابن جریج، عن عطاء، عن عبید بن عمیر: أنّ عمر بن الخطاب قنت بعد الرکوع، فقال: بسم اللّه الرحمن الرحیم، اللهمّ إنا نستعینک و نستغفرک، و نثنی علیک و لا نکفرک، و نخلع و نترک من یفجرک. بسم اللّه الرحمن الرحیم اللهمّ إیّاک نعبد، و لک نصلّی و نسجد، و إلیک نسعی و نحفد، نرجو رحمتک، و نخشی نقمتک، إن عذابک بالکافرین ملحق(3).2.

ص: 229

قال ابن جریج: حکمه البسمله أنّهما سورتان فی مصحف بعض الصحابه.

و أخرج محمد بن نصر المروزیّ فی کتاب الصلاه عن أبیّ بن کعب أنه کان یقنت بالسورتین، فذکرهما، و أنّه کان یکتبهما فی مصحفه.

و قال ابن الضّریس: أنبأنا أحمد بن جمیل المروزیّ، عن عبد اللّه بن المبارک، أنبأنا الأجلح، عن عبد اللّه بن عبد الرحمن، عن أبیه قال: فی مصحف ابن عباس قراءه أبیّ و أبی موسی: بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِیمِ ، اللهم إنّا نستعینک و نستغفرک، و نثنی علیک الخیر و لا نکفرک، و نخلع و نترک من یفجرک. و فیه: اللهم إیّاک نعبد، و لک نصلی و نسجد، و إلیک نسعی و نحفد، نخشی عذابک، و نرجو رحمتک، إنّ عذابک بالکفار ملحق(1).

و أخرج الطبرانیّ. بسند صحیح.، عن أبی إسحاق، قال: أمّنا أمیّه بن عبد اللّه بن خالد بن أسید بخراسان، فقرأ بهاتین السورتین: إنا نستعینک و نستغفرک(2).

و أخرج البیهقیّ، و أبو داود فی المراسیل، عن خالد بن أبی عمران: أنّ جبریل نزل بذلک علی النبیّ صلّی اللّه علیه و سلّم و هو فی الصّلاه مع قوله: لَیْسَ لَکَ مِنَ الْأَمْرِ شَیْ ءٌ الآیه [آل عمران:

128] لمّا قنت یدعو علی مضر(3).

تنبیه: کذا نقل جماعه عن مصحف أبیّ أنه ستّ عشره سوره، و الصواب أنه خمس عشره؛ فإنّ سوره الفیل و سوره لإیلاف قریش فیه سوره واحده، و نقل ذلک السخاویّ فی جمال القراء، عن جعفر الصادق، و أبی نهیک. أیضا..

قلت: و یردّه ما أخرجه الحاکم و الطّبرانیّ من حدیث أمّ هانئ: أنّ رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم قال:

«فضّل اللّه قریشا بسبع...» الحدیث، و فیه: «و إنّ اللّه أنزل فیهم سوره من القرآن لم یذکر فیها معهم غیرهم: لإیلاف قریش»(4).

و فی کامل الهذلیّ، عن بعضهم أنه قال: الضحی و أَ لَمْ نَشْرَحْ سوره واحده، نقله الإمام الرازیّ فی تفسیره، عن طاوس و عمر بن عبد العزیز و غیره من المفسرین.».

ص: 230