مرآة العقول المجلد 5

اشارة

سرشناسه : مجلسي، محمد باقربن محمدتقي، 1037 - 1111ق.

عنوان قراردادي : الكافي .شرح

عنوان و نام پديدآور : مرآه العقول في شرح اخبار آل الرسول عليهم السلام/ محمدباقر المجلسي. مع بيانات نافعه لاحاديث الكافي من الوافي/ محسن الفيض الكاشاني؛ التحقيق بهراد الجعفري.

مشخصات نشر : تهران: دارالكتب الاسلاميه، 1389-

مشخصات ظاهري : ج.

شابك : 100000 ريال: دوره 978-964-440-476-4 :

وضعيت فهرست نويسي : فيپا

يادداشت : عربي.

يادداشت : كتابنامه.

موضوع : كليني، محمد بن يعقوب - 329ق. . الكافي -- نقد و تفسير

موضوع : احاديث شيعه -- قرن 4ق.

موضوع : احاديث شيعه -- قرن 11ق.

شناسه افزوده : فيض كاشاني، محمد بن شاه مرتضي، 1006-1091ق.

شناسه افزوده : جعفري، بهراد، 1345 -

شناسه افزوده : كليني، محمد بن يعقوب - 329ق. . الكافي. شرح

رده بندي كنگره : BP129/ك8ك20217 1389

رده بندي ديويي : 297/212

شماره كتابشناسي ملي : 2083739

ص:1

اشارة

بَابٌ فِيهِ نُكَتٌ وَ نُتَفٌ مِنَ التَّنْزِيلِ فِي الْوَلَايَةِ

1 عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا عَنْ حَنَانِ بْنِ سَدِيرٍ عَنْ سَالِمٍ الْحَنَّاطِ قَالَ قُلْتُ لِأَبِي جَعْفَرٍ ع أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ قَالَ هِيَ الْوَلَايَةُ لِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ ع

[تتمة كتاب الحجة]

باب فيه نكت و نتف من التنزيل في الولاية

اشارة

أقول: النكت جمع نكتة بالضم و هي النقط كناية عن اللطائف و الأسرار، و النتف أيضا كصرد جمع نتفة بالضم و هي ما أخذته بإصبعك من النبت و الشعر و غيرهما قال الجوهري: النتفة من النبات القطعة و الجمع نتف كغرفة و غرف، و أفاده نتفة من علم، أي شيئا نفيسا منه، انتهى.

و المراد بهما الأخبار المتفرقة الواردة في تفسير الآيات بالولاية، لا تجمع بعضها مع بعض في عنوان، فهو شبيه بباب النوادر.

الحديث الأول

: مرسل.

" قال هي الولاية" أقول: ظاهر الآية رجوع الضمير إلى القرآن كما ذكره

ص: 1

30 فَأَنْتُمْ أَهْلُ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ الَّذِينَ بِهِمْ تَمَّتِ النِّعْمَةُ وَ اجْتَمَعَتِ الْفُرْقَةُ وَ ائْتَلَفَتِ الْكَلِمَةُ وَ أَنْتُمْ أَوْلِيَاؤُهُ فَمَنْ تَوَلَّاكُمْ فَازَ وَ مَنْ ظَلَمَ حَقَّكُمْ زَهَقَ مَوَدَّتُكُمْ مِنَ اللَّهِ وَاجِبَةٌ فِي كِتَابِهِ عَلَى عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ ثُمَّ اللَّهُ عَلَى نَصْرِكُمْ إِذَا يَشَاءُ قَدِيرٌ فَاصْبِرُوا لِعَوَاقِبِ

المفسرون، و تأويله عليه السلام يحتمل وجهين: الأول: أن المراد به الآيات النازلة في الولاية أو هي عمدتها لأن أكثر القرآن نزل فيهم و في أعدائهم، الثاني: أن يكون المراد أن الإنذار الكامل بالقرآن إنما يتم بنصب الإمام لأنه الحافظ للفظه المفسر لمعناه، كما قال النبي صلى الله عليه و آله و سلم: إنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض، و يؤيد الأول ما رواه علي بن إبراهيم عن أبيه عن حسان عن أبي عبد الله عليه السلام في قوله تعالى:

" وَ إِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعالَمِينَ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ" قال: الولاية نزلت لأمير المؤمنين عليه السلام يوم الغدير.

و قال بعض الأفاضل: لما أراد الله سبحانه أن يعرف نفسه لعباده ليعبدوه و كان لا يتيسر معرفته كما أراد على سنة الأسباب إلا بوجود الأنبياء و الأوصياء إذ بهم تحصل المعرفة التامة و العبادة الكاملة دون غيرهم، و كان لم يتيسر وجود الأنبياء و الأوصياء إلا بخلق سائر الخلق ليكونوا أنسا لهم و سببا لمعاشهم، فلذلك خلق سائر الخلق ثم أمرهم بمعرفة أنبيائه و أوليائه و ولايتهم و التبري من أعدائهم و مما يصدهم عن ذلك ليكونوا ذوات حظوظ من نعيمهم فوهب الكل معرفة بنفسه على قدر معرفتهم الأنبياء و الأوصياء إذ بمعرفتهم لهم يعرفون الله، و بولايتهم لهم يتولون الله فكلما ورد من البشارة و الإنذار و الأوامر و النواهي و النصائح و المواعظ من الله سبحانه إنما هو لذلك، و لما كان نبينا صلى الله عليه و آله و سلم سيد الأنبياء و وصيه صلوات الله عليه سيد الأوصياء لجمعهما كمالات سائر الأنبياء و الأوصياء و مقاماتهم مع ما لهما من الفضل عليهم، و كان كل منهما نفس الآخر صح أن ينسب إلى أحدهما ما ينسب إليهم لاشتماله على الكل و جمعه لفضائل الكل و لذلك خص تأويل الآيات بهما و بأهل البيت عليهم السلام الذين هم منها ذرية بعضها من بعض، و جي ء بالكلمة الجامعة التي هي الولاية فإنها مشتملة على المعرفة و المحبة و المتابعة و سائر ما لا بد منه في ذلك.

ص: 2

2 مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ عَنِ الْحَكَمِ بْنِ مِسْكِينٍ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَمَّارٍ عَنْ رَجُلٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ- إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ الْجِبالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها وَ أَشْفَقْنَ مِنْها وَ حَمَلَهَا الْإِنْسانُ إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً جَهُولًا قَالَ هِيَ وَلَايَةُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ ع

الحديث الثاني

: مرسل" إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ" هذه الآية من المتشابهات و قد اختلف في تأويله المفسرون و الروايات على وجوه:

الأول: أن المراد بالأمانة التكليف بالأوامر و النواهي، و المراد بعرضها على السماوات و الأرض و الجبال العرض على أهلها و عرضها عليهم هو تعريفه إياهم إذ في تضييع الأمانة الإثم العظيم، و كذلك في ترك أوامر الله تعالى و أحكامه، فبين سبحانه جرأة الإنسان على المعاصي و إشفاق الملائكة من ذلك، فيكون المعنى عرضنا الأمانة على أهل السماوات و الأرض و الجبال من الملائكة و الإنس و الجن" فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها" أي فأبى أهلهن أن يحملوا تركها و عقابها، و المأثم فيها" وَ أَشْفَقْنَ مِنْها" أي أشفقن أهلهن من حملها" وَ حَمَلَهَا الْإِنْسانُ إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً" لنفسه بارتكاب المعاصي" جَهُولًا" بموضع الأمانة في استحقاق العقاب على الخيانة فيها، فالمراد بحمل الأمانة تضييعها، قال الزجاج: كل من خان الأمانة فقد حملها، و من لم يحمل الأمانة فقد أداها.

و الثاني: أن معنى عرضنا عارضنا و قابلنا، فإن عرض الشي ء على الشي ء و معارضته به سواء، و المعنى أن هذه الأمانة في جلالة موقعها و عظم شأنها لو قيست السماوات و الأرض و الجبال و عورضت بها لكانت هذه الأمانة أرجح و أثقل وزنا، و معنى قوله:

فأبين أن يحملنها، ضعفن عن حملها، كذلك و أشفقن منها لأن الشفقة ضعف القلب، و لذلك صار كناية عن الخوف الذي يضعف عنده القلب، ثم قال: إن هذه الأمانة التي من صفتها أنها أعظم من هذه الأشياء العظيمة تقلدها الإنسان فلم يحفظها بل حملها و ضيعها لظلمة على نفسه، و لجهله بمبلغ الثواب و العقاب.

ص: 3

و الثالث: ما ذكره البيضاوي حيث قال تقرير للوعد السابق بتعظيم الطاعة، و سماها أمانة من حيث إنها واجبة الأداء، و المعنى أنها لعظمة شأنها بحيث لو عرضت على هذه الأجرام العظام و كانت ذات شعور و إدراك لأبين أن يحملنها وَ حَمَلَهَا الْإِنْسانُ مع ضعف بنيته و رخاوة قوته لا جرم فإن الراعي لها و القائم بحقوقها بخير الدارين إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً حيث لم يف بها و لم يراع حقها، جَهُولًا بكنه عاقبتها، و هذا وصف للجنس باعتبار الأغلب، انتهى.

و قال الطبرسي قدس سره أنه على وجه التقدير أجرى عليه لفظ الواقع لأن الواقع أبلغ من المقدر معناه لو كانت السماوات و الأرض و الجبال عاقلة، ثم عرضت عليها الأمانة و هي وظائف الدين أصولا و فروعا عرض تخيير لاستثقلت ذلك مع كبر أجسامها و شدتها و قوتها، و لامتنعت من حملها خوفا من القصور عن أداء حقها، ثم حملها الإنسان مع ضعف جسمه، و لم يخف الوعيد لظلمة و جهله و على هذا يحمل ما روي عن ابن عباس أنها عرضت على نفس السماوات و الأرض فامتنعت من حملها.

و الرابع: أن معنى العرض و الإباء ليس هو على ما يفهم بظاهر الكلام، بل المراد تعظيم شأن الأمانة لا مخاطبة الجماد، و العرب تقول: سألت الربع و خاطبت الدار فامتنعت عن الجواب، و إنما هو إخبار عن الحال عبر عنه بذكر الجواب و السؤال، و تقول: أتى فلان بكذب لا تحمله الجبال، و قال سبحانه:" فَقالَ لَها وَ لِلْأَرْضِ ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ" و خطاب من لا يفهم لا يصح، فالأمانة على هذا ما أودع الله سبحانه السماوات و الأرض و الجبال من الدلائل على وحدانيته و ربوبيته فأظهرتها و الإنسان الكافر كتمها و جحدها لظلمة و يرجع إليه ما قيل: المراد بالأمانة الطاعة التي تعم الطبيعية و الاختيارية، و بعرضها استدعاؤها

ص: 4

الذي يعم طلب الفعل من المختار و إرادة صدوره من غيره، و بحملها الخيانة فيها و الامتناع عن أدائها، و منه قولهم: حامل الأمانة و محتملها لمن لا يؤديها و تبرأ ذمته فيكون الإباء منه إتيانا بما يمكن أن يتأتى منها و الظلم و الجهالة للخيانة و التقصير.

و الخامس: ما قيل: إنه تعالى لما خلق الله هذه الأجرام خلق فيها فهما و قال لها: إني قد فرضت فريضة و خلقت جنة لمن أطاعني فيها، و نارا لمن عصاني فقلن:

نحن مسخرات على ما خلقنا لا نحتمل فريضة و لا نبتغي ثوابا و لا عقابا، و لما خلق آدم عليه السلام عرض عليه مثل ذلك فتحمله، و كان ظلوما لنفسه بتحمله ما يشق عليها، جهولا بوخامة عاقبته.

و السادس: ما قيل: إن المراد بالأمانة العقل و التكليف، و بعرضها عليهن اعتبارها بالإضافة إلى استعدادهن، و بآبائهن الإباء الطبيعي الذي هو عدم اللياقة و الاستعداد، و بحمل الإنسان قابليته و استعداده لها، و كونه ظلوما جهولا لما غلب عليه من القوة الغضبية و الشهوية، و على هذا يحسن أن يكون علة للحمل عليه، فإن من فوائد العقل أن يكون مهيمنا على القوتين حافظا لهما عن التعدي و مجاوزة الحد، و معظم مقصود التكليف تعديلهما و كسر سورتهما.

و السابع: أن المراد بالأمانة أداء الأمانة ضد الخيانة أو قبولها، و تصحيح تتمة الآية على أحد الوجوه المتقدمة.

و الثامن: أن المراد بالأمانة و الخلافة الكبرى، و حملها ادعاؤها بغير حق، و المراد بالإنسان أبو بكر، و قد وردت الأخبار الكثيرة في ذلك أوردتها في كتاب الإمامة و غيرها من كتاب بحار الأنوار، كما يدل عليه هذا الخبر، و قد روي بأسانيد عن الرضا عليه السلام قال: الأمانة الولاية من ادعاها بغير حق كفر، و قال علي بن إبراهيم الأمانة هي الإمامة و الأمر و النهي، عرضت على السماوات و الأرض و الجبال فأبين أن

ص: 5

يحملنها قال: أبين أن يدعوها أو يغصبوها أهلها، و أشفقن منها و حملها الإنسان الأول إنه كان ظلوما جهولا، و عن الصادق عليه السلام: الأمانة الولاية و الإنسان أبو الشرور المنافق، و عن الباقر عليه السلام: هي الولاية أبين أن يحملنها كفرا و حملها الإنسان و الإنسان أبو فلان.

و مما يدل على أن المراد بها التكليف ما روي أن عليا كان إذا حضر وقت الصلاة تغير لونه فسئل عن ذلك فقال: حضر وقت أمانة عرضها الله على السماوات و الأرض و الجبال فأبين أن يحملنها و أشفقن منها.

و مما يدل على كون المراد بها الإمامة المعروفة ما في نهج البلاغة في جملة وصاياه للمسلمين: ثم أداء الأمانة فقد خاب من ليس من أهلها، أنها عرضت على السماوات المبنية و الأرض المدحوة، و الجبال ذات الطول المنصوبة، فلا أطول و لا أعرض و لا أعظم منها، و لو امتنع شي ء بطول أو عرض أو قوة أو عز لامتنعن و لكن أشفقن من العقوبة و عقلن ما جهل من هو أضعف منهن و هو الإنسان إنه كان ظلوما جهولا.

و عن الصادق عليه السلام أنه سئل عن الرجل يبعث إلى الرجل يقول: ابتع لي ثوبا فيطلب في السوق فيكون عنده مثل ما يجد له في السوق فيعطيه من عنده، قال:

لا يقربن هذا و لا يدنس نفسه إن الله عز و جل يقول إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ" الآية".

و الحق أن الجميع داخل في الآية بحسب بطونها كما قيل: إن المراد بالأمانة التكليف بالعبودية لله على وجهها، و التقرب بها إلى الله سبحانه كما ينبغي لكل عبد بحسب استعداده لها، و أعظمها الخلافة الإلهية لأهلها ثم تسليم من لم يكن من أهلها لأهلها، و عدم ادعاء منزلتها لنفسه، ثم سائر التكاليف، و المراد بعرضها على السماوات و الأرض و الجبال النظر إلى استعدادهن لذلك، و بآبائهن الإباء الطبيعي الذي هو عبارة عن عدم اللياقة، و تحمل الإنسان إياها تحمله لها من غير استحقاق تكبرا على أهلها أو مع تقصيره بحسب وصف الجنس باعتبار الأغلب، و هذه معانيها

ص: 6

الكلية، و كل ما ورد في تأويلها في مقام يرجع إلى هذه الحقائق كما يظهر عند التدبر و التوفيق من الله سبحانه.

قال السيد المرتضى رضي الله عنه في أجوبة المسائل العكبرية حيث سئل عن تفسير هذه الآية: إنه لم يكن عرض في الحقيقة على السماوات و الأرض و الجبال بقول صريح أو دليل ينوب مناب القول، و إنما الكلام في هذه الآية مجاز أريد به الإيضاح عن عظم الأمانة، و ثقل التكليف بها و شدته على الإنسان، و إن السماوات و الأرض و الجبال لو كانت مما تقبل لأبت حمل الأمانة و لم يؤد مع ذلك حقها، و نظير ذلك قوله تعالى:" تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَ تَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَ تَخِرُّ الْجِبالُ هَدًّا" و معلوم أن السماوات و الأرض و الجبال جماد لا تعرف الكفر من الإيمان، و لكن المعنى في ذلك إعظام ما فعله المبطلون و تفوه به الضالون و أقدم به المجرمون من الكفر بالله تعالى، و أنه من عظمه جار مجرى ما يثقل باعتماده على السماوات و الأرض و الجبال و أن الوزر به كذلك، و كان الكلام في معناه ما جاء به التنزيل مجازا و استعارة كما ذكرناه، و مثل ذلك قوله تعالى:" وَ إِنَّ مِنَ الْحِجارَةِ لَما يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهارُ" الآية و معلوم أن الحجارة جماد لا يعلم فيخشى أو يحذر أو يرجو و يؤمل و إنما المراد بذلك تعظيم الوزر في معصية الله تعالى و ما يجب أن يكون العبد عليه من خشية الله و قد بين الله ذلك بقوله في نظير ما ذكرناه:" وَ لَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبالُ" الآية، فبين بهذا المثل عن جلالة القرآن و عظم قدره و علو شأنه، و أنه لو كان كلام يكون به ما عده و وصفه لكان بالقرآن لعظم قدره على سائر الكلام.

و قد قيل: إن المعنى في قوله:" إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ" عرضها على أهل السماوات و أهل الأرض و أهل الجبال، و العرب تخبر عن أهل الموضع بذكر الموضع و يسميهم

ص: 7

3 مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي زَاهِرٍ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مُوسَى الْخَشَّابِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ حَسَّانَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَثِيرٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ وَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ لَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ قَالَ بِمَا جَاءَ بِهِ مُحَمَّدٌ ص

باسمه قال الله تعالى:" وَ سْئَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيها وَ الْعِيرَ" يريد أهل القرية و أهل العير، و كان العرض على أهل السماوات و أهل الأرض، و أهل الجبال قبل خلق آدم، و خيروا بين التكليف لما كلفه آدم و بنوه فأشفقوا من التفريط فيه و استعفوا منه فاعفوا، فتكلفه الإنسان ففرط فيه، و ليست الآية على ما ظنه السائل أنها هي الوديعة و ما في بابها و لكنها التكليف الذي وصفناه، و لقوم من أصحاب الحديث الذاهبين إلى الإمامة جواب تعلقوا به من جهة بعض الأخبار و هي أن الأمانة هي الولاية لأمير المؤمنين عليه السلام، و إنما عرضت قبل خلق آدم على السماوات و الأرض و الجبال ليأتوا بها على شروطها فأبين من حملها على ذلك خوفا من تضييع الحق فيها، و كلفها الناس فتكلفوها و لم يود أكثرهم حقها، انتهى.

و أقول: إذا عرفت هذه المعاني و أحطت بما حققنا سابقا يمكن حمل الخبر على أن المراد مطلق التكليف، و إنما خص عليه السلام الولاية بالذكر لأنها هي العمدة في التكاليف و الشرط في صحة باقيها و صونها و حفظها و الله يعلم.

الحديث الثالث

: ضعيف.

و الآية في سورة الأنعام و تمامها:" أُولئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَ هُمْ مُهْتَدُونَ" و قال الطبرسي (ره): الذين آمنوا و لم يلبسوا إيمانهم بظلم، معناه عرفوا الله تعالى و صدقوا به و بما أوجبه عليهم و لم يخلطوا ذلك بظلم و الظلم هو الشرك عن ابن عباس و أكثر المفسرين، و روي عن أبي بن كعب أنه قال: أ لم تسمع قوله سبحانه:" إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ" و هو المروي عن سلمان و حذيفة، و روي عن ابن مسعود قال

ص: 8

مِنَ الْوَلَايَةِ وَ لَمْ يَخْلِطُوهَا بِوَلَايَةِ فُلَانٍ وَ فُلَانٍ فَهُوَ الْمُلَبَّسُ بِالظُّلْمِ

لما نزلت هذه الآية شق على الناس و قالوا: يا رسول الله و أينا لم يظلم نفسه؟ فقال عليه السلام: ليس الذي تعنون أ لم تسمعوا إلى ما قال العبد الصالح:" يا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ" و قال الجبائي و البلخي: يدخل في الظلم كل كبيرة تحط ثواب الطاعة" أُولئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ" من الله بحصول الثواب و الأمان من العقاب" وَ هُمْ مُهْتَدُونَ" أي محكوم لهم بالاهتداء إلى الحق و الدين و قيل: إلى الجنة، انتهى.

و اختلف في تأويلها في أخبارنا فعن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قلت:

" الَّذِينَ آمَنُوا وَ لَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ" الزنا منه؟ قال: أعوذ بالله من أولئك، لا و لكنه ذنب إذا تاب تاب الله عليه، و قال: مدمن الزنا و السرقة و شارب الخمر كعابد الوثن.

و عن يعقوب بن شعيب عنه عليه السلام قال: الضلال فما فوقه، و عن أبي بصير عنه عليه السلام قال:" بِظُلْمٍ" أي بشك، و يظهر من بعضها أن المراد جميع المعاصي و يمكن حمله في الخبر على جميع ما يخرج من الدين، و يكون تخصيص الولاية لأنها العمدة و الأهم و المختلف فيه بين المسلمين.

قوله: و هو الملبس بكسر الباء المشددة فالضمير راجع إلى الرجل الذي خلط ولاية الحق بالباطل أو بفتحها، فالضمير راجع إلى الإيمان الملبس، و في القاموس:

لبس عليه الأمر يلبسه خلطه و ألبسه غطاه و أمر ملبس و ملتبس مشتبه، و التشبيه، التخليط و التدليس و لا تقل ملبس، انتهى.

و يظهر من الخبر أنه يأتي الملبس على بعض الوجوه، و قال بعضهم: الملبس بكسر الميم و سكون اللام اسم آلة و المراد أن قوله لم يلبسوا من قبيل الكناية، فإن الخلط آلة اللبس و ملزوم له، و لا يخفى بعده.

ص: 9

4 مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ نُعَيْمٍ الصَّحَّافِ قَالَ سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ع- عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ فَمِنْكُمْ كافِرٌ وَ مِنْكُمْ مُؤْمِنٌ فَقَالَ عَرَفَ اللَّهُ إِيمَانَهُمْ بِوَلَايَتِنَا وَ كُفْرَهُمْ بِهَا يَوْمَ أَخَذَ عَلَيْهِمُ الْمِيثَاقَ فِي صُلْبِ آدَمَ ع وَ هُمْ ذَرٌّ

5 أَحْمَدُ بْنُ إِدْرِيسَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ يَزِيدَ عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْفُضَيْلِ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ ع فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ يُوفُونَ بِالنَّذْرِ

الحديث الرابع

: حسن و الآية في سورة التغابن هكذا:" هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كافِرٌ وَ مِنْكُمْ مُؤْمِنٌ" و التقديم إما من النساخ أو كان في مصحفهم عليهم السلام هكذا، و نقل بالمعنى من الراوي، و سيأتي هذا الخبر بعينه بهذا السند في أواخر الباب مع زيادة موافقا لما في المصاحف، فالظاهر أنه هنا من النساخ، و قيل: إنما قدم الكافر لأنهم أكثر و المعنى أنه يصير كافرا أو في علم الله أنه كافر و الظاهر أن تأويله عليه السلام يرجع إلى الثاني أي في تكليفهم الأول و هم ذر كان يعرف من يؤمن و من لا يؤمن فكيف عند خلق الأجساد، و على هذا يقرأ عرف على بناء المجرد، و يمكن أن يقرأ على بناء التفعيل فالمراد بالخلق خلق الأجساد، فالمعنى أنه حين خلقكم كان بعضكم كافرا لكفره في الذر و بعضكم مؤمنا لإيمانه في الذر، و الذر بالفتح جمع ذرة صغار النمل مائة منها بوزن حبة شعير، و يطلق على ما يرى في شعاع الشمس النافذة من الكوة.

قوله: في صلب آدم، أي حين كونهم أجزاء من صلب آدم و إن خرجوا منه حين الميثاق، و كما سيأتي في كتاب الإيمان و الكفر و إن احتمل أن يكون الميثاق مرتين، مرة حين كونها في الصلب و مرة بعد خروجها.

الحديث الخامس

: مجهول.

" يُوفُونَ بِالنَّذْرِ" قال في القاموس: نذر على نفسه ينذر و ينذر نذرا و نذورا

ص: 10

الَّذِي أَخَذَ عَلَيْهِمْ مِنْ وَلَايَتِنَا

6 مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ عَنِ الْفَضْلِ بْنِ شَاذَانَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ عِيسَى عَنْ رِبْعِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ع فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ- وَ لَوْ أَنَّهُمْ أَقامُوا التَّوْراةَ

أوجبه، و النذر ما كان وعدا على شرط، و ما ذكره عليه السلام من تأويل الإيفاء بالنذر بالوفاء في عالم الأجساد بما أوجب على نفسه من ولاية النبي و الأئمة صلوات الله عليهم في الميثاق بطن من بطون الآية، فلا ينافي ظاهره من الوفاء بالنذر و العهود المعهود في الشريعة، و ما ورد أنها نزلت في نذر أهل البيت عليهم السلام الصوم لشفاء الحسنين عليهما السلام كما رواه الصدوق في مجالسه و غيره.

و يمكن أن يكون المراد بالنذر مطلق العهود مع الله أو مع الخلق أيضا و خصوص سبب النزول لا يصير سببا لخصوص الحكم و المعنى، و اكتفى عليه السلام هنا بذكر الولاية لكونها الفرد الأخفى و يؤيده أن سابق الآية مسوقة لذكر مطلق الأبرار و إن كان المقصود الأصلي منها الأئمة الأطهار.

و أقول: سيأتي في آخر الباب رواية كبيرة عن محمد بن الفضيل باختلاف في أول السند، قلت: قوله:" يُوفُونَ بِالنَّذْرِ"؟ قال: يوفون لله بالنذر الذي أخذ عليهم في الميثاق من ولايتنا، فهنا إما سقط أو اختصار مخل.

الحديث السادس

: مجهول كالصحيح.

و الآية في المائدة هكذا:" وَ لَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتابِ آمَنُوا وَ اتَّقَوْا لَكَفَّرْنا عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَ لَأَدْخَلْناهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ، وَ لَوْ أَنَّهُمْ أَقامُوا التَّوْراةَ وَ الْإِنْجِيلَ وَ ما أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ

لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ" و إقامة التوراة و الإنجيل ترك تحريفهما لفظا و معنى، و إذاعة ما فيهما من البشارة بالرسول صلى الله عليه و آله و سلم و غير ذلك و القيام بأحكامهما، و ما أنزل إليهم قبل يعني سائر الكتب المنزلة، فإنها من حيث إنهم مكلفون بالإيمان بها كالمنزل إليهم القرآن.

و قوله عليه السلام: الولاية، الظاهر أنه تفسير لما أنزل إليهم، و على الثاني ظاهر

ص: 11

وَ الْإِنْجِيلَ وَ ما أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ قَالَ الْوَلَايَةُ

7 الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْأَشْعَرِيُّ عَنْ مُعَلَّى بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ الْوَشَّاءِ عَنْ مُثَنًّى عَنْ زُرَارَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَجْلَانَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ع فِي قَوْلِهِ تَعَالَى- قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى قَالَ هُمُ الْأَئِمَّةُ ع

فإن الولاية داخلة فيما أنزل إليهم في القرآن بل أكثره فيها كما مر أو هو تفسير لإقامة ما أنزل إليهم فإن إقامة القرآن لفظا و معنى لا يتم إلا بولاية الأئمة عليهم السلام لأنهم الحافظون له و العالمون بمعناه، و على الأول أيضا صحيح لأن ولاية الرسول و أهل بيته عليهم السلام داخلة فيما أنزل الله على جميع الرسل كما ورد في أخبار كثيرة، و على هذا الوجه يمكن أن يكون تفسيرا لإقامة التوراة و الإنجيل أيضا.

و أما الأكل من فوقهم و من تحت أرجلهم فقيل: المعنى لوسع عليهم أرزاقهم بأن يفيض عليهم بركات السماء و الأرض أو يكثر ثمرة الأشجار و غلة الزرع أو يرزقهم الجنان اليانعة الثمار فيجتنونها من رأس الشجر و يلتقطون ما تساقط على الأرض.

و أقول: يمكن أن يراد به الأغذية الروحانية مما نزل من السماء، و مما يستنبطونه بأفكارهم من المعارف، كما مر في قوله تعالى:" فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ إِلى طَعامِهِ" قال عليه السلام: علمه الذي يأخذه عمن يأخذه.

الحديث السابع

: ضعيف على المشهور.

" قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى" قد مر الكلام في هذه الآية و أنها نازلة في مودتهم عليهم السلام، و قد اعترف المخالفون أيضا بذلك، قال البيضاوي:

" قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ" أي على ما تعاطاه من التبليغ و البشارة" أَجْراً" نفعا منكم" إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى" أن تودوني لقرابتي منكم أو تودوا قرابتي، و قيل: الاستثناء منقطع، و المعنى لا أسألكم أجرا قط و لكن أسألكم المودة و" فِي الْقُرْبى" حال منها، روي أنها لما نزلت قيل: يا رسول الله من قرابتك هؤلاء؟ قال: علي و فاطمة و ابناهما

ص: 12

ثم قال:" وَ مَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً" و من يكتسب طاعة سيما حب آل الرسول.

و روى الفخر الرازي إمامهم أخبارا كثيرة في ذلك قد أسلفنا بعضها في باب نص الرسول على الأئمة واحدا بعد واحد، و ذكر دلائل كثيرة على أن المراد بذوي القربى علي و فاطمة و الحسن و الحسين عليهم السلام، ثم قال: و روى صاحب الكشاف أنه لما نزلت هذه الآية قيل: يا رسول الله من قرابتك هؤلاء الذين أوجبت علينا مودتهم فقال: علي و فاطمة و ابناهما.

ثم قال: فثبت أن هؤلاء الأربعة أقارب النبي صلى الله عليه و آله و سلم و إذا ثبت هذا وجب أن يكونوا مخصوصين بمزيد التعظيم و يدل عليه وجوه:

الأول: قوله تعالى:" إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى" و وجه الاستدلال به ما سبق.

الثاني: لما ثبت أن النبي صلى الله عليه و آله و سلم كان يحب فاطمة، قال عليه السلام: فاطمة بضعة مني يؤذيني ما يؤذيها، و ثبت بالنقل المتواتر عن محمد صلى الله عليه و آله و سلم أنه كان يحب عليا و الحسن و الحسين عليهم السلام و إذا ثبت ذلك وجب على كل الأمة مثله لقوله تعالى:" وَ اتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ" و لقوله تعالى:" فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ" و لقوله تعالى:" قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ" و لقوله:" لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ".

الثالث: أن الدعاء للآل منصب عظيم، و لذلك جعل هذا الدعاء خاتمة التشهد في الصلوات، و هو قوله: اللهم صلى على محمد و آل محمد و ارحم محمدا و آل محمد، و هذا التعظيم لم يوجد في حق غير الآل، فكل ذلك يدل على أن حب آل محمد واجب.

و قال الشافعي:

يا راكبا قف بالمحصب من منى و اهتف بساكن خيفها و الناهض

ص: 13

8 الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ مُعَلَّى بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَسْبَاطٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ عَنْ أَبِي بَصِيرٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ- وَ مَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ فِي وَلَايَةِ عَلِيٍّ وَ وَلَايَةِ الْأَئِمَّةِ مِنْ بَعْدِهِ فَقَدْ فازَ فَوْزاً عَظِيماً هَكَذَا نَزَلَتْ

9 الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ مُعَلَّى بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ النَّضْرِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مَرْوَانَ رَفَعَهُ إِلَيْهِمْ فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ- وَ ما كانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ فِي عَلِيٍّ وَ الْأَئِمَّةِ- كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قالُوا

متنحرا إذا فاض الحجيج إلى منى فيضا كملتطم الفرات الفائض

إن كان رفضا حب آل محمد فليشهد الثقلان أني رافضي

الحديث الثامن

: ضعيف على المشهور.

" هكذا نزلت" ظاهره أن الآية كانت هكذا، و ربما يأول بأن معناه ذلك أو هي العمدة في ذلك، إذ الإطاعة في سائر الأمور لا تتم إلا بذلك، و يؤيده أنها وردت بعد قوله سبحانه:" وَ أُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللَّهِ*" و قد مر أنها في الإمامة.

الحديث التاسع

: ضعيف على المشهور.

و ضمير" إليهم" راجع إلى الأئمة عليهم السلام و هذا كأنه نقل للآية بالمعنى، لأنه قال تعالى في سورة الأحزاب:" وَ ما كانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَ لا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْواجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً" و قال بعد ذلك بفاصلة:" يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قالُوا" فجمع عليه السلام بين الاثنين و أفاد مضمونها، و يحتمل أن يكون في مصحفهم عليهم السلام كذلك لكنه بعيد، و يمكن أن يكون إيذاء موسى أيضا لوصيه هارون، قال البيضاوي" فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قالُوا" فأظهروا براءته من

ص: 14

10 الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ مُعَلَّى بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ السَّيَّارِيِّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ سَأَلَهُ رَجُلٌ عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدايَ فَلا يَضِلُّ وَ لا يَشْقى قَالَ مَنْ قَالَ بِالْأَئِمَّةِ وَ اتَّبَعَ أَمْرَهُمْ وَ لَمْ يَجُزْ طَاعَتَهُمْ

11 الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَفَعَهُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى- لا أُقْسِمُ بِهذَا الْبَلَدِ. وَ أَنْتَ حِلٌّ بِهذَا الْبَلَدِ. وَ والِدٍ وَ ما وَلَدَ قَالَ

مقولهم يعني مؤداه و مضمونه، و ذلك أن قارون عرض امرأة على قذفه بنفسها، فعصمه الله تعالى كما مر، و اتهمه ناس بقتل هارون لما خرج معه إلى الطور فمات هناك فحملته الملائكة و مروا بهم حتى رأوه غير مقتول، و قيل: أحياه الله تعالى فأخبرهم ببراءته أو قذفوه بعيب في بدنه من برص أو أدرة لفرط تستره حياءا فأطلعهم الله على أنه بري ء منه.

الحديث العاشر

: كالسابق.

و الضمير كأنه للجواد أو الهادي عليهما السلام، و الآية في سورة طه هكذا:" قالَ اهْبِطا مِنْها جَمِيعاً. فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنِ اتَّبَعَ هُدايَ فَلا يَضِلُّ وَ لا يَشْقى" فالمراد بالهدي الرسول و الكتاب النازلان في كل أمة، و اتباع الهداية إنما يكون بمتابعة أوصيائهم و مصداقه في هذه الأمة الأئمة الطاهرين عليهم السلام و متابعتهم، فمن قال بهم و اتبع أمرهم و لم يتجاوز عن طاعتهم فلا يضل في الدنيا عن طريق الحق، و لا يشقي في الآخرة باستحقاق العقوبة، و الهدى مصدر بمعناه أو بمعنى الفاعل للمبالغة و يستوي فيه الواحد و الجمع.

الحديث الحادي عشر

: كالسابق.

" لا أُقْسِمُ بِهذَا الْبَلَدِ" قيل: لا للنفي إذ الأمر أوضح من أن يحتاج إلى قسم أو أقسم و لا مزيدة للتأكيد، أو لأنا أقسم فحذف المبتدأ و أشبع فتحة لام الابتداء، أو" لا" رد لكلام يخالف المقسم عليه، قال البيضاوي: أقسم سبحانه بالبلد الحرام

ص: 15

أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ وَ مَا وَلَدَ مِنَ الْأَئِمَّةِ ع

12 الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ مُعَلَّى بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أُورَمَةَ وَ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ حَسَّانَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَثِيرٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى- وَ اعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ ءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِي الْقُرْبى قَالَ

و قيده بحلول رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم فيه إظهارا لمزيد فضله و إشعارا بأن شرف المكان لشرف أهله، و قيل: حل مستحل بعرضك فيه كما يستحل بعرض الصيد في غيره، أو حلال لك أن تفعل فيه ما تريد ساعة من النهار فهو وعد بما أحل له عام الفتح" وَ والِدٍ" عطف على هذا البلد، و الوالد آدم أو إبراهيم عليهما السلام" وَ ما وَلَدَ" ذريته أو محمد صلى الله عليه و آله و سلم و التنكير للتعظيم و إيثار" ما" على" من" بمعنى التعجب كما في قوله تعالى:" وَ اللَّهُ أَعْلَمُ بِما وَضَعَتْ" انتهى.

و روي عن أبي عبد الله عليه السلام قال: كانت قريش تعظم البلد و تستحل محمدا فيه، فقال: لا أقسم بهذا البلد و أنت حل بهذا البلد، يريد أنهم استحلوك فيه فكذبوك و شتموك، و كانوا لا يأخذ الرجل منهم فيه قاتل أبيه و يتقلدون لحاء شجر الحرام فيأمنون بتقليدهم إياه، فاستحلوا من رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم ما لم يستحلوا من غيره، فعاب الله ذلك عليهم.

و عنه عليه السلام في قوله:" وَ والِدٍ" آدم" وَ ما وَلَدَ" من الأنبياء و الأوصياء و أتباعهم و أول عليه السلام الوالد في هذا الخبر بأمير المؤمنين عليه السلام، و ما ولد بالأئمة عليهم السلام و هو أحد محامل الآية و بطونها، أقسم بهم لبيان تشريفهم و تعظيمهم.

الحديث الثاني عشر

: ضعيف.

" وَ اعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ ءٍ" قيل: المراد به غنائم دار الحرب، و قيل:

يدخل فيه كل فائدة من أرباح التجارات و الصناعات و الزراعات فإن الغنيمة اسم

ص: 16

أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ وَ الْأَئِمَّةُ ع

13 الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ مُعَلَّى بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ الْوَشَّاءِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سِنَانٍ قَالَ سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ع عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ وَ مِمَّنْ خَلَقْنا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِ

للفائدة و قد دلت عليه أخبار كثيرة، و تفصيله مذكور في محله، و قوله: من شي ء، بيان لما للتعميم" فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ" قيل: مبتدأ خبره محذوف أي فثابت أن لله خمسه.

و المشهور بين أصحابنا أنه يقسم ستة أقسام ثلاثة للنبي صلى الله عليه و آله و سلم و هي سهم الله و سهم رسوله و سهم ذي القربى و بعده صلى الله عليه و آله و سلم السهام الثلاثة للإمام، و حكي قول نادر عن بعض الأصحاب بأنه يقسم خمسة أقسام سهم الله لرسوله و سهم ذي القربى لهم، و الثلاثة الباقية ليتامى بني هاشم و مساكينهم و أبناء سبيلهم، و هو مذهب أكثر العامة و ذهب ابن الجنيد إلى عدم اختصاص سهم ذي القربى بالإمام، بل هو لجميع بني هاشم و هو نادر، و سيأتي الكلام فيه إنشاء الله تعالى.

الحديث الثالث عشر

: ضعيف على المشهور.

" يَهْدُونَ بِالْحَقِّ" أي يهدون الخلق بالحق الذي هو دين الإسلام و حدوده و أحكامه و" بِهِ" أي بدين الحق" يَعْدِلُونَ" أي يحكمون بالعدل و القسط" قال هم الأئمة" قال الطبرسي (ره) في تفسير هذه الآية: روى ابن جريج عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم أنه قال: هو لأمتي بالحق يأخذون و بالحق يعطون، و قد أعطي القوم بين أيديكم مثلها" وَ مِنْ قَوْمِ مُوسى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَ بِهِ يَعْدِلُونَ" و قال الربيع بن أنس: قرأ النبي صلى الله عليه و آله و سلم هذه الآية فقال: إن من أمتي قوما على الحق حتى ينزل عيسى بن مريم.

و روى العياشي بإسناده عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال: و الذي نفسي بيده لتفترقن هذه الأمة على ثلاث و سبعين فرقة كلها في النار إلا فرقة" وَ مِمَّنْ خَلَقْنا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَ بِهِ يَعْدِلُونَ" فهذه التي تنجو، و روي عن أبي جعفر و أبي عبد الله

ص: 17

وَ بِهِ يَعْدِلُونَ قَالَ هُمُ الْأَئِمَّةُ

14 الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ مُعَلَّى بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أُورَمَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ حَسَّانَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَثِيرٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع فِي قَوْلِهِ تَعَالَى- هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ ع وَ الْأَئِمَّةُ- وَ أُخَرُ مُتَشابِهاتٌ قَالَ فُلَانٌ وَ فُلَانٌ- فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ أَصْحَابُهُمْ وَ أَهْلُ

عليهما السلام أنهما قالا: نحن هم، انتهى.

و استدل بها على حجية الإجماع و لا يخفى ما فيه، بل يدل على أنه في كل عصر إمام عالم بجميع الأحكام عامل بها و هو الإمام عليه السلام، أو هو و أتباعه التابعون له قولا و فعلا، و أما الإجماع فلا دليل على تحققه في كل عصر، و لو سلم فيكون أهل الإجماع محقين فيما أجمعوا عليه لا في جميع أمورهم، و ظاهر سياق الآية عموم الأحوال و الأحكام و الأمور.

الحديث الرابع عشر

: ضعيف.

و لعل المراد أن ما نزل في أمير المؤمنين عليه السلام و الأئمة عليهم السلام من الآيات محكمات، و الذين في قلوبهم زيغ يتبعون المتشابهات من الآيات فيأولونها في أئمتهم مع أن تأويل المتشابهات لا يعلمه إلا الله و الراسخون في العلم، و هم الأئمة عليهم السلام أو يكون في هذا البطن من الآية ضمير منه راجعا إلى من يتبع الكتاب أو المذكور فيه، أو يكون كلمة من ابتدائية أي حصل بسبب الكتاب و نزوله الفريقان، فيحتمل حينئذ أن يكون ضمير تأويله راجعا إلى الموصول في قوله:" ما تَشابَهَ" أي يأولون أعمالهم القبيحة و أفعالهم الشنيعة، و لا يبعد أيضا أن يكون المراد تشبيه الأئمة بمحكمات الآيات و شيعتهم بمن يتبعها، و أعدائهم بالمتشابهات لاشتباه أمرهم على الناس، و أتباعهم بمن يتبعها طلبا للفتنة و متاع الدنيا، و طلبا لتأويل قبائح أعمالهم، و لعل

ص: 18

وَلَايَتِهِمْ فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ وَ ابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ وَ ما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ ع وَ الْأَئِمَّةُ ع

15 الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ مُعَلَّى بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ الْوَشَّاءِ عَنْ مُثَنًّى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَجْلَانَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ع فِي قَوْلِهِ تَعَالَى أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا وَ لَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ وَ لَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَ لا رَسُولِهِ وَ لَا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً يَعْنِي بِالْمُؤْمِنِينَ الْأَئِمَّةَ ع لَمْ يَتَّخِذُوا الْوَلَائِجَ مِنْ دُونِهِمْ

الأول أظهر الوجوه و هو من متشابهات الأخبار و لا يعلم تأويله إلا الله و الراسخون في العلم.

الحديث الخامس عشر

: ضعيف على المشهور.

و قال في القاموس: وليجة الرجل بطانته و دخلاؤه و خاصته و من تتخذه معتمدا عليه من غير أهلك، و قال الطبرسي (ره): الوليجة الدخيلة في القوم من غيرهم و البطانة مثله، و وليجة الرجل من يختص بدخلة أمره دون الناس، الواحد و الجمع فيه سواء أي و لم يعلم الله الذين لم يتخذوا سوى الله و رسوله و المؤمنون بطانة و أولياء يوالونهم و يفشون إليهم أسرارهم، انتهى.

و لا يخفى أن تأويله عليه السلام أوفق بالآية إذ ضم المؤمنين إلى الله و الرسول يدل على أن المراد بالوليجة أمر عظيم من أمور الدين من الموالاة و المتابعة، و ليس أهل ذلك إلا الأئمة عليهم السلام و هم الكاملون في الإيمان و المستحقون لهذه الصفة على الحقيقة و قال البيضاوي:" أَمْ حَسِبْتُمْ" خطاب للمؤمنين حين كره بعضهم القتال، و قيل: للمنافقين و" أم" منقطعة و معنى همزتها التوبيخ على الحسبان" أَنْ تُتْرَكُوا وَ لَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ" و لم يتبين المخلص منكم و هم الذين جاهدوا من غيرهم، نفي العلم و أراد نفي المعلوم للمبالغة فإنه كالبرهان عليه من حيث أن تعلق العلم به مستلزم لوقوعه" وَ لَمْ يَتَّخِذُوا" عطف على جاهدوا و داخل في الصلة، و ما في لما في معنى التوقع منيه على أن تبين ذلك متوقع.

ص: 19

16 الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ مُعَلَّى بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُمْهُورٍ عَنْ صَفْوَانَ عَنِ ابْنِ مُسْكَانَ عَنِ الْحَلَبِيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع فِي قَوْلِهِ تَعَالَى- وَ إِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَها قَالَ قُلْتُ مَا السَّلْمُ قَالَ الدُّخُولُ فِي أَمْرِنَا

17 مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ عَنْ جَمِيلِ بْنِ صَالِحٍ عَنْ زُرَارَةَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ع فِي قَوْلِهِ تَعَالَى- لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ قَالَ يَا زُرَارَةُ أَ وَ لَمْ تَرْكَبْ هَذِهِ الْأُمَّةُ بَعْدَ نَبِيِّهَا طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ فِي أَمْرِ فُلَانٍ وَ فُلَانٍ وَ فُلَانٍ

الحديث السادس عشر

: ضعيف.

" وَ إِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ" الجنوح الميل، يقال: جنح فلان إذا مال و يعدى باللام و بإلى، و السلم بالكسر و الفتح الصلح، و تأنيث الضمير باعتبار أن السلم يذكر و يؤنث كما صرح به في المغرب، و قال في القاموس: السلم بالكسر السالم و الصلح يفتح و يؤنث و السلم و الإسلام، و قيل: تأنيثه بحمل السلم على نقيضه فيه و هو الحرب، و قيل: هي من الآيات المنسوخة و قيل: ليست بمنسوخة، و لكنها في موادعة أهل الكتاب، و على تأويله عليه السلام يمكن أن يكون الضمير راجعا إلى المنافقين أي إن قبل المنافقون المنكرون لولاية علي عليه السلام ولايته ظاهرا فاقبل منهم و إن علمت من باطنهم النفاق و البغض له عليه السلام، و لا ينافي ذلك كون الآية في سياق آيات أحوال المشركين فإن ذلك في الآيات كثير، مع أنه من بطون الآيات.

الحديث السابع عشر

: صحيح.

" أو لم تركب" الهمزة للاستفهام الإنكاري، و الواو للعطف على مقدر" طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ" أي كانت ضلالتهم بعد نبيهم مطابقة لما صدر من الأمم السابقة من ترك الخليفة و اتباع العجل و السامري و أشباه ذلك، كما قال علي بن إبراهيم في تفسير هذه الآية: يقول حالا بعد حال، يقول: تركبن سنة من كان قبلكم حذو النعل بالنعل و القذة بالقذة لا تخطئون طريقتهم و لا يخطئ شبر بشبر و ذراع بذراع و باع بباع،

ص: 20

18 الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ مُعَلَّى بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُمْهُورٍ عَنْ حَمَّادِ بْنِ عِيسَى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جُنْدَبٍ قَالَ سَأَلْتُ أَبَا الْحَسَنِ ع عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ- وَ لَقَدْ وَصَّلْنا لَهُمُ الْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ قَالَ إِمَامٌ إِلَى إِمَامٍ

حتى أن لو كان من قبلكم دخل حجر ضب لدخلتموه، قالوا: اليهود و النصارى تعني يا رسول الله؟ قال: فمن أعني لتنقضن عرى الإسلام عروة عروة، فيكون أول ما تنقضون من دينكم الأمانة و آخر الصلاة.

و يحتمل أن يكون المراد تطابق أحوال خلفاء الجور في الشدة و الفساد، قال البيضاوي طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ، أي حالا بعد حال مطابقة لأختها في الشدة أو مراتب الشدة بعد المراتب.

الحديث الثامن عشر

: ضعيف.

" وَ لَقَدْ وَصَّلْنا لَهُمُ الْقَوْلَ" قال الطبرسي (ره): أي فصلنا لهم القول و بينا عن ابن عباس، و معناه آتينا بآية بعد آية، و بيان بعد بيان و أخبرناهم بأخبار المهلكين من أممهم لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ، أي ليتذكروا أو يتفكروا فيعلموا الحق و يتفطنوا، و قال البيضاوي: أي أتبعنا بعضه بعضا في الإنزال ليتصل التذكير أو في النظم، ليتقرر الدعوة بالحجة و المواعظ بالمواعيد، و النصائح بالعبر.

و أقول: على تأويله عليه السلام يحتمل وجهين: الأول: أن يكون المعنى قول إمام في حق إمام آخر، و نصه عليه، فقوله: إلى إمام، يعني مفوضا أمره إلى إمام آخر و الثاني: أن يكون المراد بالقول الحكم و الأحكام و المعارف، أي وصلناها لهم بنصب إمام بعد إمام، فالمعنى موصلا إلى إمام من لدن آدم إلى انقراض الدنيا، فيكون مناسبا لما مر من قصص الأنبياء عليهم السلام، و يؤيده ما رواه علي بن إبراهيم بسند آخر عنه عليه السلام و فيه قال: إمام بعد إمام.

و يحتمل أن يكون المراد بالقول القول بالإمامة أي كلما مضى إمام لا بد لهم من القول بإمامة إمام آخر، أو المراد قوله تعالى:" إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً"

ص: 21

19 مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مَحْبُوبٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ النُّعْمَانِ عَنْ سَلَّامٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ع فِي قَوْلِهِ تَعَالَى- قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَ ما أُنْزِلَ إِلَيْنا قَالَ إِنَّمَا عَنَى بِذَلِكَ عَلِيّاً ع وَ فَاطِمَةَ وَ الْحَسَنَ وَ الْحُسَيْنَ وَ جَرَتْ بَعْدَهُمْ فِي الْأَئِمَّةِ ع ثُمَّ يَرْجِعُ الْقَوْلُ مِنَ اللَّهِ فِي النَّاسِ فَقَالَ فَإِنْ آمَنُوا يَعْنِي النَّاسَ

أي هذا الوعد و التقدير متصل إلى آخر الدهر.

الحديث التاسع عشر

: مجهول.

" في قوله تعالى" الآية في سورة البقرة هكذا:" وَ قالُوا كُونُوا هُوداً أَوْ نَصارى تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَ ما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَ ما أُنْزِلَ إِلَيْنا

وَ ما أُنْزِلَ إِلى إِبْراهِيمَ وَ إِسْماعِيلَ وَ إِسْحاقَ وَ يَعْقُوبَ وَ الْأَسْباطِ وَ ما أُوتِيَ مُوسى وَ عِيسى وَ ما أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَ نَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ، فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ ما آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَ إِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما هُمْ فِي شِقاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ" و ذكر المفسرون أن الخطاب في قوله:" قُولُوا" للمؤمنين لقوله: فإن آمنوا بمثل آمنتم به، و ضمير آمنوا لليهود و النصارى" بِمِثْلِ ما آمَنْتُمْ بِهِ" قال البيضاوي: من باب التعجيز و التبكيت كقوله تعالى:" فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ" إذ لا مثل لما آمن به المسلمون، و لا دين كدين الإسلام، و قيل: الباء للآلة دون التعدية، و المعنى أن تحروا الإيمان بطريق يهدي إلى الحق مثل طريقكم، فإن وحدة المقصد لا تأتي بطرق متعددة أو مزيدة للتأكيد كقوله:" وَ جَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها" و المعنى فإن آمنوا بالله إيمانا مثل أيمانكم أو المثل مقحم كما في قوله:" وَ شَهِدَ شاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى مِثْلِهِ" أي عليه" وَ إِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما هُمْ فِي شِقاقٍ" أي إن أعرضوا من الإيمان أو عما تقولون لهم فما هم إلا في شقاق الحق، و هي المناواة و المخالفة، فإن كل واحد من المتخالفين في شق غير شق الآخر، انتهى.

ص: 22

بِمِثْلِ ما آمَنْتُمْ بِهِ يَعْنِي عَلِيّاً وَ فَاطِمَةَ وَ الْحَسَنَ وَ الْحُسَيْنَ وَ الْأَئِمَّةَ ع فَقَدِ اهْتَدَوْا وَ إِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما هُمْ فِي شِقاقٍ

20 الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ مُعَلَّى بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ الْوَشَّاءِ عَنْ مُثَنًّى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَجْلَانَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ع فِي قَوْلِهِ تَعَالَى- إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ

و تأويله عليه السلام يرجع إلى ذلك لكن خص الخطاب بكل المؤمنين الموجودين في ذلك الزمان، ثم من كان بعدهم من أمثالهم كما في سائر الأوامر المتوجهين إلى الموجودين في زمن الرسول صلى الله عليه و آله و سلم الشاملة لمن وجد بعدهم و هو أظهر من توجه الخطاب إلى جميع المؤمنين، لقوله:" وَ ما أُنْزِلَ إِلَيْنا" لأن الإنزال ابتداء حقيقة على من كان في بيت الوحي و أمر بتبليغه، و لأنه قرن بما أنزل على إبراهيم و إسماعيل و سائر النبيين، فكما أن المنزل إليهم في قرينه هم النبيون و المرسلون، ينبغي أن يكون المنزل إليهم أولا أمثالهم و أضرابهم من الأوصياء و الصديقين، فضمير آمنوا راجع إلى سائر الناس غيرهم من أهل الكتاب و قريش و غيرهم، فظهر أن ما ذكره عليه السلام أظهر مما ذكره المفسرون.

و الظاهر أن المشار إليه بذلك الخطاب بقوله: قولوا و إن سقط من الخبر، لما رواه العياشي بإسناده عن المفضل بن صالح عن بعض أصحابه في قوله: قولوا آمنا بالله و ما أنزل إلينا و ما أنزل إلى إبراهيم، الآية، أما قوله: قولوا فهم آل محمد عليهم السلام لقوله فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا، و على ما في هذه الرواية يحتمل أن يكون المراد إنما عنى بضميري آمنا و إلينا و المآل واحد، ثم على تفسيره عليه السلام يدل على إمامتهم و جلالتهم عليهم السلام، و كون المعيار في الاهتداء متابعتهم في العقائد و الأعمال و الأقوال، و أن من خالفهم في شي ء من ذلك فهو شقاق و نفاق.

الحديث العشرون

: ضعيف على المشهور.

" إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ" أي أحق الناس بالانتساب به و كونه على ملته

ص: 23

اتَّبَعُوهُ وَ هذَا النَّبِيُّ وَ الَّذِينَ آمَنُوا قَالَ هُمُ الْأَئِمَّةُ ع وَ مَنِ اتَّبَعَهُمْ

21 الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ مُعَلَّى بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ الْوَشَّاءِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عَائِذٍ عَنِ ابْنِ أُذَيْنَةَ عَنْ مَالِكٍ الْجُهَنِيِّ قَالَ قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَوْلُهُ عَزَّ وَ جَلَّ- وَ أُوحِيَ إِلَيَّ هذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَ مَنْ بَلَغَ قَالَ مَنْ بَلَغَ أَنْ يَكُونَ إِمَاماً مِنْ

الحنيفية و متابعته في التوحيد الخالص، و قال الطبرسي (ره) أي أحق الناس بنصرة إبراهيم بالحجة أو بالمعونة للذين اتبعوه في وقته و زمانه، و تولوه بالنصرة على عدوه حتى ظهر أمره و علت كلمته" وَ هذَا النَّبِيُّ وَ الَّذِينَ آمَنُوا" يتولون نصرته بالحجة لما كان عليه من الحق و تنزيه كل عيب عنه، أي هم الذين ينبغي أن يقولوا إنا على دين إبراهيم و لهم ولايته" وَ اللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ" لأنه يتولى نصرتهم و إنما أفرد الله النبي بالذكر تعظيما لأمره و إجلالا لقدره، و في الآية دلالة على أن الولاية تثبت بالدين لا بالنسب، و يعضد ذلك قول أمير المؤمنين عليه السلام: إن أولى الناس بالأنبياء أعلمهم، بما جاءوا به، ثم تلا هذه الآية فقال: إن ولي محمد من أطاع الله و إن بعدت لحمته و إن عدو محمد من عصى الله و إن قربت قرابته، انتهى.

و قال البيضاوي إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ، أي أخصهم به و أقربهم منه من الولي و هو القرب" لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ" من أمته" وَ هذَا النَّبِيُّ وَ الَّذِينَ آمَنُوا" لموافقتهم له في أكثر ما شرع لهم على الأصالة، و قرئ و هذا النبي بالنصب عطفا على الهاء في اتبعوه، و بالجر عطفا على إبراهيم، انتهى.

قوله عليه السلام: هم الأئمة و من اتبعهم، لا ريب في أن المؤمن لا يطلق إلا عليهم و على من اتبعهم و سائر الفرق منافقون بل مشركون.

الحديث الحادي و العشرون

: كالسابق.

" وَ مَنْ بَلَغَ" أكثر المفسرين جعلوه معطوفا على ضمير المخاطب في قوله:

" لِأُنْذِرَكُمْ" و وجهوا الخطاب إلى الحاضرين أو الموجودين، و فسروا من بلغ بمن

ص: 24

آلِ مُحَمَّدٍ فَهُوَ يُنْذِرُ بِالْقُرْآنِ كَمَا أَنْذَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ ص

22 عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ عَنْ مُفَضَّلِ بْنِ صَالِحٍ عَنْ جَابِرٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ع فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ- وَ لَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَ لَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً قَالَ عَهِدْنَا إِلَيْهِ فِي مُحَمَّدٍ وَ الْأَئِمَّةِ مِنْ بَعْدِهِ فَتَرَكَ وَ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَزْمٌ أَنَّهُمْ هَكَذَا وَ إِنَّمَا سُمِّيَ أُولُو الْعَزْمِ أُوْلِي الْعَزْمِ لِأَنَّهُ عَهِدَ إِلَيْهِمْ فِي مُحَمَّدٍ وَ الْأَوْصِيَاءِ مِنْ بَعْدِهِ وَ الْمَهْدِيِّ وَ سِيرَتِهِ وَ أَجْمَعَ عَزْمُهُمْ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ كَذَلِكَ وَ الْإِقْرَارِ بِهِ

بلغه من الغائبين أو المعدومين، و على تفسيره عليه السلام في موضع رفع عطفا على الضمير المرفوع" في أنذركم" و يجوز الفصل بين المعطوف و المعطوف عليه، و قيل: هو مبتدأ بتقدير من بلغ فهو ينذركم، فيكون من عطف الجملة على الجملة، و المراد بمن بلغ حينئذ من كمل أو وصل حد الإنذار و صار أهلا له.

الحديث الثاني و العشرون

: ضعيف.

قوله: فترك، تفسير للنسيان بالترك كما فسر به أكثر المفسرون أيضا، قال الطبرسي (ره) في تفسير هذا الآية: أمرناه و أوصينا إليه أن لا يقرب الشجرة و لا يأكل منها فترك الأمر عن ابن عباس" وَ لَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً" ثابتا و قيل: معناه فنسي من النسيان الذي هو السهو، و لم نجد له عزما على الذنب لأنه أخطأ و لم يتعمد، و قيل: و لم نجد له حفظا لما أمر به، انتهى.

و لم يكن له عزم، كأنه محمول على أنه لم يكن له اهتمام تام و سرور بهذا الأمر و مزيد تذكر له و تبجج به كما كان لغيره من أولي العزم و كان اللائق بحاله ذلك فترك الأولى و إلا فعصمته عليه السلام و نبوته و جلالته تمنع من أن ينسب إليه عدم قبول ما أوحى الله إليه، و عدم الرضا بقضائه تعالى، و قيل: أي ترك التوسل بهم عليهم السلام بعد ارتكاب الخطيئة حتى ألهمه الله ذلك.

ص: 25

23 الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ مُعَلَّى بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى الْقُمِّيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سِنَانٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع فِي قَوْلِهِ وَ لَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ كَلِمَاتٍ فِي مُحَمَّدٍ وَ عَلِيٍّ وَ فَاطِمَةَ وَ الْحَسَنِ وَ الْحُسَيْنِ وَ الْأَئِمَّةِ ع مِنْ ذُرِّيَّتِهِمْ فَنَسِيَ هَكَذَا وَ اللَّهِ نَزَلَتْ عَلَى مُحَمَّدٍ ص

24 مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ عَنِ النَّضْرِ بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ خَالِدِ بْنِ مَادٍّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ عَنِ الثُّمَالِيِّ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ع قَالَ أَوْحَى اللَّهُ إِلَى نَبِيِّهِ ص- فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ قَالَ إِنَّكَ

الحديث الثالث و العشرون

ضعيف.

" هكذا و الله نزلت" ظاهر بل صريح في التنزيل، و تأويله بالتأويل بأن يكون المعنى قال جبرئيل عليه السلام عند نزوله أن معناه هذا في غاية البعد.

الحديث الرابع و العشرون

مجهول.

و الأخبار في تفسير الصراط بالأئمة عليهم السلام و ولايتهم كثيرة، و الصراط ما يؤدي الناس إلى مقصودهم، و هم صراط الله المستقيم الذي لا يوصل إلى الله و طاعته و قربه و رضوانه إلا بولايتهم، و القول بإمامتهم و طاعتهم، و صراط الآخرة صورة هذا الصراط فمن استقام على هذا الصراط في الدنيا يجوز صراط الآخرة آمنا إلى الجنة كما روى الصدوق في معاني الأخبار بإسناده عن المفضل قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الصراط فقال: هو الطريق إلى معرفة الله عز و جل، و هما صراطان صراط في الدنيا و صراط في الآخرة فأما الصراط الذي في الدنيا فهو الإمام المفروض الطاعة، من عرفه في الدنيا و اقتدى بهداه مر على الصراط الذي هو جسر جهنم في الآخرة، و من لم يعرفه في الدنيا زلت قدمه عن الصراط في الآخرة فتردى في نار جهنم، فقوله تعالى:" فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ" أي بجميعها الذي عمدتها ولاية علي و سائر الأئمة عليهم السلام، فإن بها يتم و يعرف ما سواها قولا و عملا و تبليغا، فإنك على الدين الحق الذي عمدتها الولاية فلا تقصر في تبليغها و دعوة الناس إليها خوفا من المنافقين.

ص: 26

عَلَى وَلَايَةِ عَلِيٍّ وَ عَلِيٌّ هُوَ الصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ

25 عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْبَرْقِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ عَنْ عَمَّارِ بْنِ مَرْوَانَ عَنْ مُنَخَّلٍ عَنْ جَابِرٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ع قَالَ نَزَلَ جَبْرَئِيلُ ع بِهَذِهِ الْآيَةِ عَلَى مُحَمَّدٍ ص هَكَذَا- بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِما

قال ابن شهرآشوب (ره) في المناقب بعد إيراد هذه الرواية: معنى ذلك أن علي بن أبي طالب الصراط إلى الله كما يقال فلان باب السلطان إذا كان يوصل به إلى السلطان، ثم الصراط الذي عليه علي عليه السلام يدلك وضوحا على ذلك قوله: صراط الذين أنعمت عليهم، يعني نعمة الإسلام، لقوله" وَ أَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ" و العلم:

" وَ عَلَّمَكَ ما لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ

" و الذرية الطيبة" إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى آدَمَ وَ نُوحاً" الآية و إصلاح الزوجات لقوله:" فَاسْتَجَبْنا لَهُ وَ وَهَبْنا لَهُ يَحْيى وَ أَصْلَحْنا لَهُ زَوْجَهُ" فكان علي عليه السلام في هذه النعم في أعلى ذراها.

الحديث الخامس و العشرون

ضعيف.

" بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ" الآية هكذا:" بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِما أَنْزَلَ اللَّهُ بَغْياً أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ فَباؤُ بِغَضَبٍ عَلى غَضَبٍ وَ لِلْكافِرِينَ عَذابٌ مُهِينٌ" قال البيضاوي: ما نكرة بمعنى شي ء مميزة لفاعل بئس المستكن" و اشتروا" صفة و معناه باعوا أو شروا بحسب ظنهم فإنهم ظنوا أنهم خلصوا أنفسهم من العقاب بما فعلوا" أَنْ يَكْفُرُوا بِما أَنْزَلَ اللَّهُ" هو المخصوص بالذم" بَغْياً" طلبا لما ليس لهم و حسدا، و هو صلة يكفروا دون اشتروا للفصل" أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ" أي لأن ينزل أي حسدوه على أن ينزل الله من فضله يعني الوحي" عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ" على من اختاره للرسالة، انتهى.

و الآية في سياق ذكر أحوال اليهود، فلو كان قوله في علي تنزيلا يكون ذكر

ص: 27

أَنْزَلَ اللَّهُ فِي عَلِيٍّ بَغْياً

26 وَ بِهَذَا الْإِسْنَادِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ عَنْ عَمَّارِ بْنِ مَرْوَانَ عَنْ مُنَخَّلٍ عَنْ جَابِرٍ قَالَ نَزَلَ جَبْرَئِيلُ ع بِهَذِهِ الْآيَةِ عَلَى مُحَمَّدٍ هَكَذَا وَ إِنْ كُنْتُمْ فِي

ذلك بين أحوال اليهود لبيان أن المنكرين لولاية علي عليه السلام بمنزلة اليهود في إنكار ما أنزل الله، و لو كان تأويلا يحتمل وجهين:

الأول: أن عمدة ما أنزل الله الولاية كما عرفت.

و الثاني: أن ظهر الآية في اليهود و بطنه في أضرابهم من المنكرين لما أنزل الله في علي، فإن الآية النازلة في جماعة لا تختص بهم بل تجري في أمثالهم، و أشباههم إلى يوم القيامة.

الحديث السادس و العشرون

كالسابق.

و كان الأولى و بهذا الإسناد عن جابر، و لعله إشارة أنه أخذ من كتاب ابن سنان.

" وَ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا" قال البيضاوي: إنما قال مِمَّا نَزَّلْنا لأن نزوله نجما فنجما بحسب الوقائع كما يري عليه أهل الشعر و الخطابة مما يريبهم كما حكى الله عز و جل عنهم" وَ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ لا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً" فكان الواجب تحديهم على هذا الوجه إزاحة للشبهة، و إلزاما للحجة، و أضاف العبد إلى نفسه تنويها بذكره و تنبيها على أنه مختص به منقاد لحكمه، و السورة: الطائفة من القرآن المترجمة التي أقلها ثلاث آيات" مِنْ مِثْلِهِ" صفة سورة أي بسورة كائنة من مثله، و الضمير لما نزلنا، و من للتبعيض أو للتبيين، و زائدة عند الأخفش أي بسورة مماثلة للقرآن في البلاغة و حسن النظم أو لعبدنا و من للابتداء أي بسورة كائنة ممن هو على حاله مع كونه بشرا أميا لم يقرأ الكتب و لم يتعلم العلوم أو صلة فأتوا و الضمير للعبد، و الرد إلى المنزل أوجه لأنه المطابق لسائر الآيات، انتهى.

و تتمة الآية:" وَ ادْعُوا شُهَداءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ" أي ادعوا لمعارضة من

ص: 28

رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا فِي عَلِيٍّ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ

27 وَ بِهَذَا الْإِسْنَادِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ عَنْ عَمَّارِ بْنِ مَرْوَانَ عَنْ مُنَخَّلٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ نَزَلَ جَبْرَئِيلُ ع عَلَى مُحَمَّدٍ ص بِهَذِهِ الْآيَةِ هَكَذَا يا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ آمِنُوا بِما نَزَّلْنا فِي عَلِيٍّ نُوراً مُبِيناً

حضركم أو من رجوتم معونته من جنكم و إنسكم و آلهتكم غير الله إن كنتم صادقين أنه من كلام البشر، و الرواية تدل على أن شكهم كان فيما يتلوه صلى الله عليه و آله و سلم في شأن علي عليه السلام فرد الله عليهم بأن القرآن معجز لا يمكن أن يكون من عند غيره سبحانه، فما نزل فيه عليه السلام من عنده سبحانه، و ظاهر الخبر أنه تنزيل و أول بالتأويل كما مر.

الحديث السابع و العشرون

كالسابق.

و ليس في المصحف هكذا، بل صدر الآية في أوائل سورة النساء هكذا:" يا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ آمِنُوا بِما نَزَّلْنا

مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهاً فَنَرُدَّها عَلى أَدْبارِها أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَما لَعَنَّا أَصْحابَ السَّبْتِ وَ كانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا" و آخرها في أواخر تلك السورة هكذا:" يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمْ بُرْهانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ نُوراً مُبِيناً" و كأنه سقط من الخبر شي ء، و كان عليه السلام ذكر اسمه عليه السلام في الموضعين فسقط آخر الآية الأولى و اتصلت بآخر الآية الثانية لتشابه الآيتين، و كثيرا ما يقع ذلك، و يحتمل أن يكون في مصحفهم عليهم السلام إحدى الآيتين هكذا و على الأول ظاهره التنزيل و يحتمل التأويل أيضا كما عرفت مرارا.

و لا يتوهم أن قوله في الآية الأولى" مُصَدِّقاً" لِما مَعَكُمْ ينافي ذلك على الاحتمال الأول، لأن معاداة أهل الكتاب لأمير المؤمنين عليه السلام كانت أشد منها لغيره لأنه عليه السلام قتل كثيرا منهم بيده، فيحتمل أن يكون الخطاب إليهم و قوله: مصدقا لما معكم لأنه كان اسمه عليه السلام كاسم النبي صلى الله عليه و آله و سلم مثبتا عندهم في كتبهم كما دلت عليه الأخبار الكثيرة، و كذا قوله: أوتوا الكتاب، و إن احتمل أن يكون المراد بالكتاب القرآن.

ص: 29

28 عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي طَالِبٍ عَنْ يُونُسَ بْنِ بَكَّارٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَابِرٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ع وَ لَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا ما يُوعَظُونَ بِهِ فِي عَلِيٍّ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ

29 الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ مُعَلَّى بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ الْوَشَّاءِ عَنْ مُثَنًّى الْحَنَّاطِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَجْلَانَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ع فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَ لا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ لَكُمْ

الحديث الثامن و العشرون

مجهول.

و الآية في سورة النساء و قبلها:" وَ لَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جاؤُكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَ اسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّاباً رَحِيماً، فَلا وَ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَ يُسَلِّمُوا تَسْلِيماً، وَ لَوْ أَنَّا كَتَبْنا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيارِكُمْ ما فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ، وَ لَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا ما يُوعَظُونَ بِهِ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ

وَ أَشَدَّ تَثْبِيتاً" و قد مر في باب التسليم أن الخطاب في قوله تعالى: جاءوك، و يحكموك، و قضيت، لأمير المؤمنين عليه السلام فيحتمل أن يكون" ما يُوعَظُونَ" به في علي إشارة إلى هذا و يحتمل التنزيل و التأويل كما مر.

الحديث التاسع و العشرون

ضعيف على المشهور.

و السلم الإسلام أو الاستسلام و الانقياد، و الولاية داخلة فيهما بل أعظم أجزائهما، قال الطبرسي (ره): ادخلوا في السلم أي في الإسلام، و قيل: الطاعة و هذا أعم و يدخل فيه ما رواه أصحابنا من أن المراد به الدخول في الولاية كافة أي ادخلوا جميعا في الاستسلام و الطاعة، و لا تتبعوا خطوات الشيطان أي آثاره و نزغاته لأن ترككم شيئا من شرائع الإسلام اتباع للشيطان.

و روى العياشي في تفسيره بإسناده عن أبي بصير قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة و لا تتبعوا خطوات الشيطان، قال

ص: 30

عَدُوٌّ مُبِينٌ قَالَ فِي وَلَايَتِنَا

30 الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ مُعَلَّى بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ إِدْرِيسَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ عَنِ الْمُفَضَّلِ بْنِ عُمَرَ قَالَ قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَوْلُهُ جَلَّ وَ عَزَّ- بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا قَالَ وَلَايَتَهُمْ وَ الْآخِرَةُ خَيْرٌ وَ أَبْقى قَالَ وَلَايَةُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ ع- إِنَّ هذا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولى. صُحُفِ إِبْراهِيمَ وَ مُوسى

31 أَحْمَدُ بْنُ إِدْرِيسَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَسَّانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ عَمَّارِ بْنِ مَرْوَانَ عَنْ مُنَخَّلٍ عَنْ جَابِرٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ع قَالَ أَ فَكُلَّما جاءَكُمْ مُحَمَّدٌ بِما

أ تدري ما السلم؟ قال: أنت أعلم، قال: ولاية علي و الأئمة و الأوصياء من بعده عليهم السلام قال: و خطوات الشيطان و الله ولاية فلان و فلان.

الحديث الثلاثون

ضعيف على المشهور.

" قال: ولايتهم" عبر عن ولايتهم بالحياة الدنيا لأنها سبب لجمعها و حيازتها، و لهذا اختارها الأشقياء على ولاية إمام الحق لأنه عليه السلام كان يقسم بالسوية، و هم كانوا يؤثرون الكبراء و الأشراف فمالوا إليهم و قووا بذلك، و كذا عبر عن ولايته عليه السلام بالآخرة، لأنها سبب للحياة الأبدية الأخروية، ثم رغب في اختيار الآخرة باختيار ولايته بأنها خير و أبقى، ثم قال" إِنَّ هذا" أي كون الآخرة خيرا و أبقى أو كون ولاية علي سببا لحصول ما هو خير و أبقى، أو أصل الولاية" لَفِي الصُّحُفِ الْأُولى" مذكورة فيها ثم بين الصحف الأولى بأنها صحف إبراهيم و موسى، و في بعض النسخ بدل ولايتهم ولاية شبويه، بالباء الموحدة ثم المثناة التحتانية نسبة إلى شبوة و هي العقرب أو إبرتها كأنه عليه السلام شبه الجائر بالعقرب.

الحديث الحادي و الثلاثون

ضعيف.

" جاءكم محمد" الآية في سورة البقرة هكذا:" وَ لَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَ قَفَّيْنا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وَ آتَيْنا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّناتِ وَ أَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ أَ فَكُلَّما جاءَكُمْ

ص: 31

لا تَهْوى أَنْفُسُكُمُ بِمُوَالاةِ عَلِيٍّ فَ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ كَذَّبْتُمْ وَ فَرِيقاً تَقْتُلُونَ

32 الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ مُعَلَّى بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ إِدْرِيسَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ عَنِ الرِّضَا ع فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ- كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ بِوَلَايَةِ عَلِيٍّ ما تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ يَا مُحَمَّدُ مِنْ وَلَايَةِ عَلِيٍّ هَكَذَا فِي الْكِتَابِ مَخْطُوطَةٌ

رَسُولٌ بِما لا تَهْوى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَ فَرِيقاً تَقْتُلُونَ" و الخطاب ظاهرا إلى اليهود فلو كان ما ذكره عليه السلام تنزيلا كان وجه توجه الخطاب إليهم ما تقدم ذكره من شدة عداوتهم له عليه السلام و كونه عليه السلام حاميا للدين و حافظا للملة التي كانوا يريدون إزالتها، و لو كان تأويلا فيحتمل ذلك و يحتمل كون المراد جريان حكم الآية في كل من عارض الحق بهواه، و أشدهم في ذلك الناصبون المنكرون للإمامة.

قال البيضاوي بِما لا تَهْوى أَنْفُسُكُمُ، بما لا تحبه، يقال: هوى بالكسر هوى إذا أحب، و هوى بالفتح هويا بالضم سقط، و سقطت الهمزة بين الفاء و ما تعلقت به توبيخا لهم على تعقيبهم ذاك بهذا، و تعجيبا من شأنهم، و يحتمل أن يكون استينافا و الفاء للعطف على مقدر" اسْتَكْبَرْتُمْ" عن الإيمان و اتباع الرسل" فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ" كموسى و عيسى، و الفاء للسببية أو التفصيل" وَ فَرِيقاً تَقْتُلُونَ" كزكريا و يحيى، و إنما ذكر بلفظ المضارع على حكاية الحال الماضية استحضارا لها في النفوس فإن الأمر فظيع و مراعاة للفواصل، أو للدلالة على أنكم بعد فيه، فإنكم حول قتل محمد لو لا أني أعصمه منكم و لذلك سحرتموه و سممتم له الشاة، انتهى.

و أقول: على تأويله عليه السلام لا يحتاج إلى تكلف.

الحديث الثاني و الثلاثون

ضعيف على المشهور.

" مخطوطة" أي مكتوبة و هو صريح في التنزيل و حمله على التأويل بأن يكون المراد أنها مخطوطة شرحا و تفسيرا للآية، أو كون المراد أنها مكتوبة في الكتاب من الكتب التي عندهم لا القرآن بعيد.

ص: 32

33 الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ مُعَلَّى بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ ابْنِ هِلَالٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي السَّفَاتِجِ عَنْ أَبِي بَصِيرٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع فِي قَوْلِ اللَّهِ جَلَّ وَ عَزَّ- الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدانا لِهذا وَ ما كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْ لا أَنْ هَدانَا اللَّهُ فَقَالَ إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ دُعِيَ بِالنَّبِيِّ ص وَ بِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ وَ بِالْأَئِمَّةِ مِنْ وُلْدِهِ ع فَيُنْصَبُونَ لِلنَّاسِ فَإِذَا رَأَتْهُمْ شِيعَتُهُمْ قَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدانا لِهذا وَ ما كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْ لا أَنْ هَدانَا اللَّهُ يَعْنِي هَدَانَا اللَّهُ فِي وَلَايَةِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ وَ الْأَئِمَّةِ مِنْ وُلْدِهِ ع

34 الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ مُعَلَّى بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أُورَمَةَ وَ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ حَسَّانَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَثِيرٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع فِي قَوْلِهِ تَعَالَى عَمَّ يَتَساءَلُونَ عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ قَالَ النَّبَأُ الْعَظِيمُ الْوَلَايَةُ وَ سَأَلْتُهُ عَنْ قَوْلِهِ- هُنالِكَ

الحديث الثالث و الثلاثون

ضعيف.

و قالوا الحمد لله، في الأعراف هكذا:" وَ نَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ وَ قالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ" إلخ، و اللام في لنهتدي لتوكيد النفي و جواب لو لا محذوف دل عليه ما قبله، و ضمير قالوا راجع إلى الذين آمنوا و عملوا الصالحات و ليس المؤمن إلا الشيعة، و لا تقبل الأعمال الصالحة إلا منهم" فينصبون للناس" أي لحساب.

الخلق و شفاعتهم، و قسمة الجنة و النار بينهم كما سيأتي في خطبة الوسيلة في الروضة و سائر الأخبار التي أوردناها في الكتاب الكبير مشحونة بذلك، فإذا رأوا أئمتهم و شفعاءهم بتلك المنزلة الرفيعة قالوا تبجحا و شكرا الحمد لله إلخ" في ولاية أمير المؤمنين" أي لها أو للآيات النازلة فيها، أو التقدير نزلت فيها تأكيدا أو في سببية أي هدانا إلى هذه المنزلة و الكرامة بسبب ولايته عليه السلام.

الحديث الرابع و الثلاثون

كالسابق، و الظاهر عبد الرحمن بن كثير كما سيأتي بعينه في الثاني و الخمسين من الباب.

" عَمَّ يَتَساءَلُونَ" عم أصله عما حذف الألف لاتصال ما بحرف الجر، قال الطبرسي قدس سره: قالوا لما بعث رسول الله و أخبرهم بتوحيد الله و بالبعث بعد الموت

ص: 33

و تلا عليهم القرآن جعلوا يتساءلون بينهم، أي يسأل بعضهم بعضا على طريق الإنكار و التعجب، فيقولون: ما ذا جاء به محمد و ما الذي أتى به؟ فأنزل الله تعالى:" عَمَّ يَتَساءَلُونَ" أي عن أي شي ء يتساءلون؟ قال الزجاج: اللفظ لفظ استفهام و المعنى تفخيم القصة كما تقول: أي شي ء زيد؟ إذا عظمت شأنه، ثم ذكر أن تسائلهم عما ذا؟ فقال عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ و هو القرآن، و معناه الخبر العظيم الشأن لأنه ينبئ عن التوحيد و تصديق الرسول، و الخبر عما يجوز و عما لا يجوز، و عن البعث و النشور و قيل: يعني نبأ يوم القيامة و قيل: النبإ العظيم ما كانوا يختلفون فيه من إثبات الصانع و صفاته و الملائكة و الرسل و البعث و الجنة و النار و الرسالة و الخلافة، فإن النبإ معروف يتناول الكل" الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ" فمصدق به و مكذب" كَلَّا" أي ليس الأمر كما قالوا" سَيَعْلَمُونَ" عاقبة تكذيبهم حتى ينكشف الأمور" ثُمَّ كَلَّا سَيَعْلَمُونَ" هذا وعيد على أثر وعيد، و قيل كلا أي حقا سيعلم الكفار عاقبة تكذيبهم و سيعلم المؤمنون عاقبة تصديقهم، و قيل: كلا سيعلمون ما ينالهم يوم القيامة ثم كلا سيعلمون ما ينالهم في جهنم من العذاب.

و روى السيد ابن طاوس رضي الله عنه في الطرائف عن محمد بن مؤمن الشيرازي في تفسيره بإسناده عن السدي قال: أقبل صخر بن حرب حتى جلس إلى رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم و قال: يا محمد هذا الأمر بعدك لنا أم لمن؟ قال: يا صخر الأمر من بعدي لمن هو مني بمنزلة هارون من موسى، فأنزل الله تعالى عَمَّ يَتَساءَلُونَ عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ، منهم المصدق بولايته و خلافته، و منهم المكذب بهما، ثم قال:

كلا، و هو رد عليهم، سيعلمون خلافته بعدك أنها حق ثم كلا سيعلمون، يقول:

يعرفون ولايته و خلافته إذ يسألون عنها في قبورهم فلا يبقى ميت في شرق و لا غرب و لا بحر و لا بر إلا و منكر و نكير يسألانه عن ولاية أمير المؤمنين عليه السلام بعد الموت

ص: 34

الْوَلايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ قَالَ وَلَايَةُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ ع

يقولون: للميت من ربك و ما دينك و من نبيك و من إمامك؟ و الأخبار في ذلك كثيرة من طرق الخاصة و العامة أوردتها في الكتاب الكبير.

" هُنالِكَ الْوَلايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ" الآية في سورة الكهف، و قبلها قصة الأخوين اللذين أحدهما مؤمن و الآخر كافر، و كان للكافر جنتان و كفر بالبعث فأرسل الله عليهما عذابا من السماء حيث قال:" وَ اضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا رَجُلَيْنِ جَعَلْنا لِأَحَدِهِما جَنَّتَيْنِ" إلى قوله تعالى:" وَ أُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلى ما أَنْفَقَ فِيها وَ هِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها وَ يَقُولُ يا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَداً، وَ لَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَ ما كانَ مُنْتَصِراً، هُنالِكَ الْوَلايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ هُوَ خَيْرٌ ثَواباً وَ خَيْرٌ عُقْباً" قال البيضاوي:

هُنالِكَ أي في ذلك المقام، و في تلك الحال الْوَلايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ: النصرة له وحده، و لا يقدر عليها غيره.

أقول: على تأويله عليه السلام لعل المعنى أن الأمثال التي يضربها الله لهذه الأمة ليس الغرض منها محض الحكاية و القصة، بل لتنبيه هذه الأمة و تذكيرهم لاجتناب سوء أعمالهم و اقتفاء حسن آثارهم، و المصداق الأعظم لهذا المثل و موردها الأكبر قصة غصب الخلافة و اختيار الغاصبين و أعوانهم الدنيا على الآخرة إما لإنكارهم البعث حقيقة غصب الخلافة و اختيار الغاصبين و أعوانهم الدنيا على الآخرة إما لإنكارهم البعث حقيقة كالخلفاء الثلاثة و بعض أتباعهم، أو لعدم يقينهم كما هو حقه بالآخرة. و إن كانوا يعتقدونها في الجملة كما في بعض أتباعهم، و الأخ المؤمن مثل لأمير المؤمنين و أتباعهم، فإنهم وعظوا هؤلاء و زجروهم فلم ينزجروا حتى نزل بهم عذاب الله في الدنيا و الآخرة، و لم ينتفعوا كثيرا بدنياهم، فالمراد بقوله ولاية أمير المؤمنين أن مورد المثل ولايته عليه السلام لا أن المراد بالولاية ولايته عليه السلام مع أنه يحتمل ذلك أيضا بأن يكون المراد بالولاية ولايته عليه السلام في بطن الآية، لأنه مورد المثل فالمعنى أن الولاية الخالصة لله الحق الذي لا تغيير في ذاته و صفاته، هي ولايته عليه السلام، و ولاية المعارضين له لمحض الدنيا، أو نسب ولاية علي عليه السلام إلى نفسه مبالغة و كناية لتلازمهما كقوله تعالى:" مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ

ص: 35

35 عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ صَالِحِ بْنِ السِّنْدِيِّ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ بَشِيرٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ عَنْ أَبِي بَصِيرٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ع فِي قَوْلِهِ تَعَالَى فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً قَالَ هِيَ الْوَلَايَةُ

36 عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الْهَمَذَانِيِّ يَرْفَعُهُ إِلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع فِي قَوْلِهِ تَعَالَى- وَ نَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ قَالَ الْأَنْبِيَاءُ وَ الْأَوْصِيَاءُ ع

فَقَدْ أَطاعَ اللَّهَ" و قوله:" إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللَّهَ" و أمثاله كثيرة.

الحديث الخامس و الثلاثون

: مجهول.

" فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ" قال الطبرسي (ره): أي أقم قصدك للدين، و المعنى كن معتقدا للدين، و قيل: معناه أثبت و دم على الاستقامة و قيل: معناه و أخلص دينك، و قيل: معناه سدد عملك، فإن الوجه ما يتوجه إليه، و عمل الإنسان و دينه ما يتوجه الإنسان إليه لتسديده و إقامته" حَنِيفاً" أي مائلا إليه ثابتا عليه مستقيما فيه لا ترجع عنه إلى غيره، انتهى.

و الحاصل أنه أمر بالتوجه التام إلى الدين القويم، و الاعتراض عن جميع الأديان الباطلة و الآراء الفاسدة، و لا ريب أنه ولاية أمير المؤمنين و الأئمة عليهم السلام أعظم أجزائه، بل لا يعرف غيرها إلا به و تأنيث الضمير باعتبار الخبر.

الحديث السادس و الثلاثون

: مرفوع.

" وَ نَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ" قال البيضاوي: أي العدل يوزن بها صحائف الأعمال و قيل: وضع الموازين تمثيل لإرصاد الحساب السوي و الجزاء على حسب الأعمال بالعدل، و إفراد القسط لأنه مصدر وصف به للمبالغة" لِيَوْمِ الْقِيامَةِ" لجزاء يوم القيامة أو لأهله أو فيه كقولك: جئت لخمس خلون من الشهر، انتهى.

ص: 36

و فسر عليه السلام الميزان بالأنبياء و الأوصياء عليهم السلام، و قد وردت الأخبار الكثيرة بذلك و اختاره الصدوق (ره) في رسالة العقائد، و أكثر المتكلمين على أن لله في القيامة ميزانا ذا كفين توزن به صحائف الأعمال، و يعطي الله الصحائف خفة و ثقلا بحسب ما كتب فيه، و لا تنافي بينهما فإن الأنبياء و الأئمة عليهم السلام هم الحاضرون عند الميزان، و إليهم إياب الخلق و عليهم حسابهم.

قال الصدوق قدس سره في رسالة العقائد: اعتقادنا في الحساب أنه حق منه ما يتولاه الله عز و جل و منه ما يتولاه حججه عليهم السلام فحساب الأنبياء و الأئمة صلوات الله عليهم يتولاه الله عز و جل و يتولى كل نبي حساب أوصيائه و يتولى الأوصياء حساب الأمم فالله عز و جل الشهيد على الأنبياء و الرسل، و هم الشهداء على الأئمة، و الأئمة الشهداء على الناس و يكون الرسول عليكم شهيدا، و قوله عز و جل:" أَ فَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَ يَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ" يعني بالشاهد أمير المؤمنين عليه السلام، و قوله عز و جل:

" إِنَّ إِلَيْنا إِيابَهُمْ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا حِسابَهُمْ" و سئل الصادق عليه السلام عن قول الله عز و جل:

" وَ نَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً" قال: الموازين الأنبياء و الأوصياء، و من الخلق من يدخل الجنة بغير حساب.

و قال الشيخ المفيد نور الله ضريحه في شرح هذا الكلام: الحساب هو المقابلة بين الأعمال و الجزاء عليها و الموافقة للعبد على ما فرط منه و التوبيخ له على سيئاته و الحمد على حسناته و معاملته في ذلك باستحقاقه، و ليس هو كما ذهبت العامة إليه من مقابلة الحسنات بالسيئات و الموازنة بينهما على حسب استعداد الثواب و العقاب عليهما إذا كان التحابط بين الأعمال غير صحيح، و مذهب المعتزلة فيه باطل غير ثابت، و ما تعتمد الحشوية في معناه غير معقول و الموازين هي التعديل بين الأعمال و الجزاء عليها،

ص: 37

و وضع كل جزاء في موضعه و إيصال كل ذي حق إلى حقه، فليس الأمر في معنى ذلك ما ذهب إليه أهل الحشو من أن في القيامة موازين كموازين الدنيا لكل ميزان كفتان توضع الأعمال فيها، إذ الأعمال أعراض و الأعراض لا يصح وزنها، و إنما توصف بالثقل و الخفة على وجه المجاز، و المراد بذلك أن ما ثقل منها هو ما كثر و استحق عليه عظيم الثواب، و ما خف منها ما قل قدره و لم يستحق عليه جزيل الثواب، و الخبر الوارد أن أمير المؤمنين عليه السلام و الأئمة من ذريته عليهم السلام هم الموازين، فالمراد أنهم المعدلون بين الأعمال فيما يستحق عليها و الحاكمون فيها بالواجب و العدل، و يقال:

فلان عندي في ميزان فلان و يراد به نظيره، و يقال: كلام فلان عندي أوزن من كلام فلان، و المراد به أن كلامه أعظم و أفضل قدرا، و الذي ذكره الله تعالى في الحساب و الخوف منه إنما هو المواقفة على الأعمال، لأن من وقف على أعماله لم يتخلص من تبعاتها و من عفا الله عنه في ذلك فاز بالنجاة، و من ثقلت موازينه بكثرة استحقاق الثواب فأولئك هم المفلحون، و من خفت موازينه بقلة أعمال الطاعات فأولئك الذين خسروا أنفسهم في جهنم خالدون، و القرآن إنما أنزل بلغة العرب و حقيقة كلامها و مجازه، و لم ينزل على ألفاظ العامة و ما سبق إلى قلوبها من الأباطيل، انتهى.

و قال بعض المحققين: ميزان كل شي ء هو المعيار الذي به يعرف قدر ذلك الشي ء فميزان يوم القيامة للناس ما يوزن به قدر كل إنسان و قيمته على حساب عقائده و أخلاقه و أعماله، لتجزي كل نفس بما كسبت، و ليس ذلك إلا الأنبياء و الأوصياء، إذ بهم و باقتفاء آثارهم و ترك ذلك و القرب من طريقتهم و البعد عنها يعرف مقدار الناس و قدر حسناتهم و سيئاتهم، فميزان كل أمة هو نبي تلك الأمة و وصي نبيها، و الشريعة التي أتى بها فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون، و من خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم.

أقول: و قد أشبعنا الكلام في ذلك في كتاب بحار الأنوار.

ص: 38

37 عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عُمَرَ بْنِ يَزِيدَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُمْهُورٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ عَنِ الْمُفَضَّلِ بْنِ عُمَرَ قَالَ سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ع عَنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى- ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هذا أَوْ بَدِّلْهُ قَالَ قَالُوا أَوْ بَدِّلْ عَلِيّاً ع

الحديث السابع و الثلاثون

: ضعيف.

" بِقُرْآنٍ غَيْرِ هذا" الآية في سورة يونس هكذا:" وَ إِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هذا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ ما يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَّ إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ" و قال الطبرسي قدس سره:" وَ إِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا" المنزلة في القرآن" بَيِّناتٍ" أي واضحات في الحلال و الحرام و سائر الشرائع، و هي نصب على الحال" قالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنَا" أي لا يؤمنون بالبعث و النشور و لا يخشون عذابنا و لا يطمعون في ثوابنا" ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هذا" الذي تتلوه علينا" أَوْ بَدِّلْهُ" فاجعله على خلاف ما تقرؤه و الفرق بينهما أن الإتيان بغيره قد يكون معه و تبديله لا يكون إلا برفعه، و قيل: معنى قوله بدله غير أحكامه من الحلال و الحرام، أرادوا بذلك زوال الخطر عنهم و سقوط الأمر منهم، و أن يخلي بينهم و بين ما يريدونه" قُلْ" يا محمد" ما يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقاءِ نَفْسِي" أي من جهة نفسي لأنه معجز لا أقدر على الإتيان بمثله" إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَّ" أي ما أتبع إلا الذي أوحي إلى، انتهى. و أقول: تأويله عليه السلام ليس ببعيد من ذلك، لأن عمدة ما كان يكرهه المشركون و المنافقون ولاية علي عليه السلام لما قتل و أسر منهم من الجم الغفير، كما ورد في تأويل قوله تعالى:" سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ" إنه لما بلغ رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم بغدير خم ما بلغ و شاع ذلك في البلاد أتى الحارث بن نعمان الفهري فقال: يا محمد أمرتنا بشهادة أن لا إله إلا الله و أن محمدا رسول الله و بالصلاة و الصوم و الحج و الزكاة فقبلنا منك، ثم لم ترض بذلك حتى رفعت بضبع ابن عمك ففضلته علينا و قلت: من كنت مولاه فعلي

ص: 39

38 عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مِهْرَانَ عَنِ الْحَسَنِ الْقُمِّيِّ عَنْ إِدْرِيسَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ سَأَلْتُهُ عَنْ تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ- ما سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ. قالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ قَالَ عَنَى بِهَا لَمْ نَكُ مِنْ أَتْبَاعِ الْأَئِمَّةِ

مولاه، فهذا شي ء منك أم من الله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: و الذي لا إله إلا هو إن هذا من الله فولى الحارث يريد راحلته و هو يقول: اللهم إن كان ما يقول محمد حقا فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم، فما وصل إليها حتى رماه الله بحجر فسقط على هامته و خرج من دبره فقتله، و أنزل الله تعالى:" سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ" و روى هذا أبو عبيد و الثعلبي و النقاش و سفيان بن عيينة و الرازي و النيسابوري و الطبرسي و القزويني و الطوسي في تفاسيرهم.

فالمراد بقوله عليه السلام: أو بدل عليا بدل الآيات التي نزلت فيه و في إمامته، و ولايته عليه السلام، مع كون سائر القرآن بحاله، أو أترك هذا القرآن و أت بقرآن لا يكون فيه ذكره عليه السلام.

و يحتمل أن يكون المراد بالآيات الأنبياء و الأئمة عليهم السلام كما مر أنهم آيات الله، أي إذا يتلى عليهم في القرآن ذكرهم عليهم السلام و فضلهم قالوا ائت بقرآن لا يكون فيه ذكرهم، أو بدل من هذا القرآن الآيات الدالة على إمامة علي عليه السلام، و الأول أوفق بظاهر الآية، و على التقديرين قوله: ما يكون لي أن أبدله، يرجع إلى أنه ليست الإمامة و الخلافة بيدي و باختياري حتى يمكنني أن أبدله من قبل نفسي، بل أتبع في ذلك ما يوحى إلى و إن عصيته في ذلك إني أخاف عذاب يوم عظيم.

الحديث الثامن و الثلاثون

: ضعيف على المشهور.

" ما سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ" قال الطبرسي (ره) هذا سؤال توبيخ أي يطلع أهل الجنة على أهل النار فيقولون لهم: ما أوقعكم في النار؟ قالوا: لم نك من المصلين، أي كنا

ص: 40

الَّذِينَ قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى فِيهِمْ- وَ السَّابِقُونَ السَّابِقُونَ. أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ أَ مَا تَرَى النَّاسَ يُسَمُّونَ الَّذِي يَلِي السَّابِقَ فِي الْحَلْبَةِ مُصَلِّي فَذَلِكَ الَّذِي عَنَى حَيْثُ قَالَ-

لا نصلي الصلوات المكتوبة على ما قررها الشرع، و في هذا دلالة على أن الإخلال بالواجب يستحق به الذم و العقاب، لأنهم علقوا استحقاقهم العقاب بالإخلال بالصلاة و فيه دلالة أيضا على أن الكفار مخاطبون بالعبادات الشرعية، انتهى.

و قال البيضاوي: سقر علم لجهنم، و لذلك لم يصرف، من سقرته النار و صقرته إذا لوحته، انتهى.

و قيل: اسم عجمي لنار الآخرة، و قال البيضاوي: أيضا في قوله تعالى:" وَ السَّابِقُونَ السَّابِقُونَ" أي الذين سبقوا إلى الإيمان و الطاعة بعد ظهور الحق من غير تلعثم و توان، أو سبقوا في حيازة الفضائل و الكمالات، أو الأنبياء فإنهم مقدموا أهل الإيمان هم الذين عرفت رأيهم و عرفت ما لهم كقول أبي النجم

أنا أبو النجم و شرعي شعري

أو الذين سبقوا إلى الجنة أولئك المقربون في جنات النعيم، و الذين قربت درجاتهم في الجنة و أعليت مراتبهم، انتهى.

و الحلبة بفتح الحاء المهملة و سكون اللام ثم الباء الموحدة الدفعة من الخيل في الرهان، و خيل تجمع للسباق من كل أوب لا تخرج من إصطبل واحد، و هي عندهم عشرة، لها عشرة أسماء فالسابق هو المقدم على الجميع عند السباق و يقال له المجلي لأنه جلي نفسه أي أظهرها و جلي عن صاحبه و أظهر فروسيته أو جلي همه حيث سبق و الثاني المصلي لأنه يحاذي رأسه صلوي السابق و هما العظمان النابتان عن يمين الفرس و شماله و الثالث التي لأنه تلاه، و الرابع البارع لأنه برع المتأخر عنه أي فاقة، و الخامس المرتاح كأنه نشط فلحق بالسوابق، و السادس الحظي لأنه حظي عند صاحبه حيث لحق بالسوابق أي صار ذا حظوة عنده أي نصيب، أو في مال الرهان، و السابع العاطف لأنه عطف إلى السوابق أي مال إليها، أو كر عليها فلحقها، و الثامن المؤمل لأنه

ص: 41

لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ لَمْ نَكُ مِنْ أَتْبَاعِ السَّابِقِينَ

يؤمل اللحوق بالسوابق، و التاسع اللطيم لأنه يلطم إذا أراد الدخول إلى الحجرة الجامعة للسوابق، و العاشر السكيت مصغرا مخففا و يجوز تشديده لسكوت صاحبه إذا قيل: لمن هذا؟ أو لانقطاع العذر عنده، و يقال له الفسكل بكسر الفاء و الكاف أو بضمهما و قيل: هو غير العشرة يجي ء آخر الخيل كلها و ما ذكره عليه السلام من تفسير المصلي تفسير متين وجيه لأن نسبتهم العذاب إلى الإخلال بأصول الدين التي هي العمدة في الإيمان أولى من نسبتهم إلى الإخلال بالفروع، و قوله:" وَ لَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ" أيضا في تفسير أهل البيت عليهم السلام يؤول إلى ذلك، أي لا نؤدي حقوقهم من الخمس و غيره، فالمعنى لم نكن نتبع الأئمة و لا نعنيهم كما قال علي بن إبراهيم: لم نك من المصلين، أي لم نك من أتباع الأئمة، و لم نك نطعم المسكين، قال: حقوق آل رسول الله من الخمس لذوي القربى و اليتامى و ابن السبيل، و هم آل رسول الله عليهم السلام، انتهى.

و يؤيده ما ذكره الراغب في المفردات، و الصلاة التي هي العبادة المخصوصة أصلها الدعاء و سميت هذه العبادة بها كتسمية الشي ء باسم بعض ما يتضمنه و قال بعضهم:

أصل الصلاة من الصلا، قال: و معنى صلى الرجل أي أنه أزال عن نفسه بهذه العبادة الصلاة الذي هو نار الله الموقدة و بناء صلى كبناء مرض لإزالة المرض، ثم قال: و كل موضع مدح الله بفعل الصلاة أو حث عليه ذكر بلفظ الإقامة، نحو:" وَ الْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ"" و أَقِيمُوا الصَّلاةَ*"" و أَقامُوا الصَّلاةَ*" و لم يقل المصلين إلا في المنافقين نحو قوله:" فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ"" و لا يَأْتُونَ الصَّلاةَ إِلَّا وَ هُمْ كُسالى" و إنما خص لفظة الإقامة تنبيها على أن المقصود من فعلها توفية حقوقها و شرائطها لا الإتيان بهيئتها فقط، و لهذا روي أن المصلين كثير، و المقيمين لها قليل.

و قوله:" لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ

وَ لَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ" أي من أتباع النبيين،

ص: 42

39 أَحْمَدُ بْنُ مِهْرَانَ عَنْ عَبْدِ الْعَظِيمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْحَسَنِيِّ عَنْ مُوسَى بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ يُونُسَ بْنِ يَعْقُوبَ عَمَّنْ ذَكَرَهُ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ع فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ- وَ أَنْ لَوِ اسْتَقامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْناهُمْ ماءً غَدَقاً يَقُولُ لَأَشْرَبْنَا قُلُوبَهُمُ الْإِيمَانَ وَ الطَّرِيقَةُ هِيَ وَلَايَةُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَ الْأَوْصِيَاءِ ع

و قوله" فَلا صَدَّقَ وَ لا صَلَّى" تنبيها على أنه لم يك ممن يصلي أي يأتي بهيئتها فضلا عمن يقيمها.

الحديث التاسع و الثلاثون

: ضعيف على المشهور و قد مضى بعينه مع الخبر الآتي في باب قبل باب أن الأئمة عليهم السلام معدن العلم.

و قال البيضاوي:" وَ أَنْ لَوِ اسْتَقامُوا" أي أن الشأن لو استقام الجن أو الإنس أو كلاهما عَلَى الطَّرِيقَةِ المثلي" لَأَسْقَيْناهُمْ ماءً غَدَقاً" لوسعنا عليهم الأرزاق، و تخصيص الماء الغدق و هو الكثير بالذكر لأنه أصل المعاش و السعة، و عزة وجوده بين العرب، انتهى.

و معلوم أن الطريقة المثلي التي تجب الاستقامة عليها مشتملة على الولاية و هي من عمدتها، و استعارة الماء للإيمان و العلم شائع، لكونهما سببان لحياة الأرواح كما أن الماء سبب الحياة الأبدان، و قال الطبرسي (ره): في تفسير أهل البيت عليهم السلام عن أبي بصير قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام قول الله:" إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا" قال: هو و الله ما أنتم عليه، و لو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماء غدقا، و عن بريد العجلي عن أبي عبد الله عليه السلام قال: معناه لأفدناه علما كثيرا يتعلمونه من الأئمة و روى محمد بن العباس بن ماهيار بإسناده عن سماعة قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول:

في قول الله عز و جل لَوِ اسْتَقامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ، قال: استقاموا على الولاية في الأصل عند الأظلة حين أخذ الله عليه الميثاق على ذرية آدم لأسقيناهم ماء غدقا يعني لأسقيناهم من الماء العذب.

ص: 43

40 الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ مُعَلَّى بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُمْهُورٍ عَنْ فَضَالَةَ بْنِ أَيُّوبَ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عُثْمَانَ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ قَالَ سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ع عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ- الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ع اسْتَقَامُوا عَلَى الْأَئِمَّةِ وَاحِداً بَعْدَ وَاحِدٍ- تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخافُوا وَ لا تَحْزَنُوا وَ أَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ

41 الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ مُعَلَّى بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ الْوَشَّاءِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْفُضَيْلِ عَنْ أَبِي حَمْزَةَ قَالَ سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ ع عَنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى- قُلْ إِنَّما أَعِظُكُمْ بِواحِدَةٍ

أقول: و هذا تأويل آخر أي سببنا على طينتهم الماء العذب الفرات، لا الماء الملح الأجاج كما سيأتي في أخبار الطينة إنشاء الله.

الحديث الأربعون

: كالسابق" إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللَّهُ" أي وحدوا الله بلسانهم و اعترفوا به و صدقوا أنبياءه ثُمَّ اسْتَقامُوا قال المفسرون: على التوحيد أو على طاعته و الاستقامة إنما يستقيم بالولاية و إنكارها بمنزلة الشرك" تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ" عند الموت كما في تفسير الإمام و روي عن أبي عبد الله عليه السلام أيضا، و قيل:

تستقبلهم الملائكة إذا خرجوا من قبورهم بالبشارة من الله، و قيل: عند الموت و في القبر و عند البعث.

أقول: و يحتمل أن يكون في الدنيا أيضا ليعلموا ذلك بخبر الصادقين عليهم السلام فتحصل لهم البشارة و في بعض الأخبار أنه مختص بالأئمة عليهم السلام، يسمعون ذلك منهم" أَلَّا تَخافُوا" العقاب" وَ لا تَحْزَنُوا" على فوت الثواب، أو لا تخافوا مما أمامكم و لا تحزنوا على ما خلفتم من أهل و مال و ولد كما في تفسير الإمام عليه السلام.

الحديث الحادي و الأربعون

: ضعيف على المشهور.

و روى محمد بن العباس في تفسيره عن أحمد بن محمد النوفلي عن يعقوب بن يزيد عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سألته عن قول الله عز و جل:" قُلْ إِنَّما أَعِظُكُمْ بِواحِدَةٍ

ص: 44

فَقَالَ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَلَايَةِ عَلِيٍّ ع هِيَ الْوَاحِدَةُ الَّتِي قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى إِنَّما أَعِظُكُمْ بِواحِدَةٍ

أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنى وَ فُرادى" قال: بالولاية، قلت: و كيف ذاك؟ قال: إنه لما نصب النبي صلى الله عليه و آله و سلم أمير المؤمنين عليه السلام للناس، فقال: من كنت مولاه فعلي مولاه، اغتابه رجل و قال: إن محمدا ليدعو كل يوم إلى أمر جديد و قد بدأ بأهل بيته يملكهم رقابنا فأنزل الله عز و جل على نبيه صلى الله عليه و آله و سلم بذلك قرآنا فقال:" قُلْ إِنَّما أَعِظُكُمْ بِواحِدَةٍ" فقد أديت إليكم ما افترض ربكم عليكم، قلت: فما معنى قوله أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنى وَ فُرادى؟ فقال: أما مثنى يعني طاعة رسول الله و طاعة أمير المؤمنين عليه السلام، و أما فرادى فيعني طاعة الأئمة من ذريتهما من بعدهما، و لا و الله يا يعقوب ما عنى غير ذلك، و رواه فرات بن إبراهيم أيضا بإسناده عن عمرو بن يزيد عن أبي جعفر و أبي عبد الله عليهما السلام.

و روى ابن شهرآشوب في المناقب عن الباقر و الصادق عليهما السلام في قوله تعالى:

" قُلْ إِنَّما أَعِظُكُمْ بِواحِدَةٍ" قال: الولاية" أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنى وَ فُرادى" قال: الأئمة من ذريتهما، و قال البيضاوي قُلْ إِنَّما أَعِظُكُمْ بِواحِدَةٍ، أرشدكم و أنصح لكم بخصلة واحدة هي ما دل عليه أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ و هو القيام من مجلس رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم و الانتصاب في الأمر خالصا لوجه الله تعالى معرضا عن المراء و التقليد" مَثْنى وَ فُرادى" متفرقين اثنين اثنين و واحدا واحدا، فإن الازدحام يشوش الخاطر و يخلط القول" ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا" في أمر محمد صلى الله عليه و آله و سلم و ما جاء به لتعلموا حقيقته" ما بِصاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ" فتعلموا ما به من جنون يحمله على ذلك، أو استئناف على أن ما عرفوا من رجاحة عقله كاف في ترجيح صدقه.

فإنه لا يدعه أن يتصدى لادعاء أمر خطير و خطب عظيم من غير تحقق و وثوق ببرهان، فيفضح على رؤوس الأشهاد، و يسلم و يلقي نفسه إلى الهلاك، كيف و قد انضم إليه معجزات كثيرة، و قيل: ما استفهامية و المعنى ثم تتفكروا أي شي ء به من آثار الجنون، انتهى.

ص: 45

42 الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ مُعَلَّى بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أُورَمَةَ وَ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ حَسَّانَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَثِيرٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدادُوا كُفْراً لَنْ تُقْبَلَ

و أما التأويل الوارد في تلك الأخبار فهي من متشابهات التأويلات التي لا يعلمها إلا الله و الراسخون في العلم إن صح صدورها عنهم عليهم السلام، و يمكن تطبيقه على ما في الكتاب على الآية بأن الجنة هي التي كانوا ينسبونها إلى النبي صلى الله عليه و آله و سلم في أمر أمير المؤمنين حيث كانوا يقولون إنه لمجنون في حبه عليه السلام كما روي في تفسير قوله تعالى:" وَ إِنْ يَكادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ" إلى قوله" وَ يَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ" و المعنى قُلْ إِنَّما أَعِظُكُمْ بِواحِدَةٍ أي بسبب خصلة واحدة هي الولاية، و أن تقوموا مفعول ثان لأعظكم أي تقوموا و تتفكروا في أمري فتعلموا أني لست بمجنون في محبته و إنما أنا مأمور بتبليغ ولايته عليه السلام بغاية الجهد.

و يحتمل أيضا أن يكون أن تقوموا بدل واحدة بدل اشتمال أي أعظكم بالولاية بأن تتفكروا في أمري فتعلموا أني لست بمجنون في تبليغها، و يحتمل أن يكون التفسير بالولاية لبيان حاصل المعنى، فإن هذه إنما كانت لقبول ما أرسل به صلى الله عليه و آله و سلم و كانت العمدة و الأصل فيها الولاية.

و على ما في سائر الروايات يحتمل أن يكون المعنى إنما أعظكم بخصلة واحدة و بطريقة واحدة للرد على من نسب إليه صلى الله عليه و آله و سلم أنه يأتي كل يوم بأمر غريب موهما أن الأمور التي يأتي بها متخالفة، و قوله: أن تقوموا بدل من الواحدة، و لعل قوله مثنى و فرادى حينئذ منصوبان بنزع الخافض أي للإتيان بما هو مثنى و فرادى، أو صفتان المصدر محذوف أي قياما مثنى و فرادى بناء على أن المراد بالقيام الطاعة و الاهتمام بها.

الحديث الثاني و الأربعون

ضعيف.

و الآية في سورة النساء هكذا:" إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَ

ص: 46

تَوْبَتُهُمْ

كَفَرُوا ثُمَّ ازْدادُوا كُفْراً لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَ لا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلًا، بَشِّرِ الْمُنافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً" و ليس فيها" لن تقبل توبتهم" نعم في سورة آل عمران:" إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ ثُمَّ ازْدادُوا كُفْراً لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَ أُولئِكَ هُمُ الضَّالُّونَ" و لعله عليه السلام أو الراوي ذكر آية النساء و ضم إليها بعض آية آل عمران للتنبيه على أن مورد الذم في الآيتين واحد، و أن كل واحدة منهما مفسرة للأخرى لأن قوله:" لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ" وقع في موقع" لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ" لإفادته مفاده.

و اختلف المفسرون في مورد نزول الآية الأولى، فقيل: هم الذين آمنوا بموسى ثم كفروا بعبادة العجل و غير ذلك ثم آمنوا بعيسى ثم كفروا به ثم ازدادوا كفرا بمحمد صلى الله عليه و آله و سلم، و قيل: المراد آمنوا بموسى ثم كفروا بعده ثم آمنوا بعزير ثم كفروا بعيسى، ثم ازدادوا كفرا بمحمد صلى الله عليه و آله و سلم و قيل: عنى به طائفة من أهل الكتاب أرادوا تشكيك نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم فكانوا يظهرون الإيمان بحضرتهم ثم يقولون عرضت لنا شبهة في أمره و نبوته فيظهرون الكفر ثم ازدادوا كفرا بالثبات عليه إلى الموت، و قيل: أن المراد به المنافقون، آمنوا ثم ارتدوا ثم ماتوا على كفرهم، و قال ابن عباس: دخل في هذه الآية كل منافق كان في عهد النبي صلى الله عليه و آله و سلم في البر و البحر.

أقول: و يدل عليه قوله تعالى فيما بعد:" بَشِّرِ الْمُنافِقِينَ" و قال الطبرسي (ره)" لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ" بإظهارهم الإيمان فلو كانت بواطنهم كظواهرهم في الإيمان لما كفروا فيما بعد، وَ لا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلًا إلى الجنة، و قال البيضاوي لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَ لا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلًا إذ يستبعد منهم أن يتوبوا عن الكفر و يثبتوا على الإيمان، فإن قلوبهم قد ضربت بالكفر و بصائرهم عميت عن الحق لا أنهم لو أخلصوا الإيمان لم تقبل منهم و لم يغفر لهم.

ص: 47

قَالَ نَزَلَتْ فِي فُلَانٍ وَ فُلَانٍ وَ فُلَانٍ آمَنُوا بِالنَّبِيِّ ص فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ وَ كَفَرُوا حَيْثُ عُرِضَتْ عَلَيْهِمُ الْوَلَايَةُ حِينَ قَالَ النَّبِيُّ ص مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَهَذَا عَلِيٌّ مَوْلَاهُ ثُمَّ آمَنُوا بِالْبَيْعَةِ لِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ ع ثُمَّ كَفَرُوا حَيْثُ مَضَى رَسُولُ اللَّهِ ص فَلَمْ يَقِرُّوا بِالْبَيْعَةِ ثُمَّ ازْدادُوا كُفْراً بِأَخْذِهِمْ مَنْ بَايَعَهُ بِالْبَيْعَةِ لَهُمْ فَهَؤُلَاءِ لَمْ يَبْقَ فِيهِمْ مِنَ الْإِيمَانِ شَيْ ءٌ

43 وَ بِهَذَا الْإِسْنَادِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى- إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلى أَدْبارِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى فُلَانٌ وَ فُلَانٌ وَ فُلَانٌ ارْتَدُّوا عَنِ

قوله عليه السلام: آمنوا بالنبي في أول الأمر المراد بالإيمان في الموضعين الإقرار باللسان فقط، و بالكفر الإنكار باللسان أيضا.

قال علي بن إبراهيم في تفسيره: نزلت في الذين آمنوا برسول الله إقرارا لا تصديقا، ثم كفروا لما كتبوا الكتاب فيما بينهم أن لا يردوا الأمر إلى أهل بيته أبدا فلما نزلت الولاية و أخذ رسول الله الميثاق عليهم لأمير المؤمنين عليه السلام آمنوا إقرارا لا تصديقا، فلما مضى رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم كفروا و ازدادوا كفرا" لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَ لا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقاً إِلَّا طَرِيقَ جَهَنَّمَ" بأخذهم من بائعه بالبيعة لهم، المستتر في بايعه راجع إلى الموصول و البارز إلى أمير المؤمنين عليه السلام، أي أخذوا الجماعة الذين بايعوا أمير المؤمنين عليه السلام يوم الغدير بالبيعة لأبي بكر و أخويه عليهم اللعنة، و يحتمل أن يكون المراد بالموصول أمير المؤمنين عليه السلام فيكون المستتر راجعا إلى أبي بكر و البارز إلى الموصول، أي أخذوا من بائعه أبو بكر يوم الغدير بأن يبايع لهم و هو بعيد، و لو كان بايعوه كما في تفسير العياشي لكان هذا أظهر.

الحديث الثالث و الأربعون

كالسابق.

" إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلى أَدْبارِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى" تمامها في سورة محمد صلى الله عليه و آله و سلم:" الشَّيْطانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَ أَمْلى لَهُمْ، ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا ما نَزَّلَ

ص: 48

الْإِيمَانِ فِي تَرْكِ وَلَايَةِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ ع قُلْتُ قَوْلُهُ تَعَالَى ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا ما نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ قَالَ نَزَلَتْ وَ اللَّهِ فِيهِمَا وَ فِي أَتْبَاعِهِمَا وَ هُوَ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ الَّذِي نَزَلَ بِهِ جَبْرَئِيلُ ع عَلَى مُحَمَّدٍ ص ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا ما نَزَّلَ اللَّهُ فِي عَلِيٍّ ع سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ قَالَ دَعَوْا بَنِي أُمَيَّةَ إِلَى مِيثَاقِهِمْ أَلَّا يُصَيِّرُوا الْأَمْرَ فِينَا بَعْدَ النَّبِيِّ ص وَ لَا يُعْطُونَا مِنَ الْخُمُسِ

اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ وَ اللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرارَهُمْ" قال البيضاوي إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلى أَدْبارِهِمْ إلى ما كانوا عليه من الكفر مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى بالدلائل الواضحة و المعجزات الظاهرة" الشَّيْطانُ سَوَّلَ لَهُمْ" سهل لهم اقتراف الكبائر" وَ أَمْلى لَهُمْ" و مد لهم في الآمال و الأماني، أو أمهلهم الله و لم يعاجلهم بالعقوبة" ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا ما نَزَّلَ اللَّهُ" أي قال اليهود الذين كفروا بالنبي صلى الله عليه و آله و سلم بعد ما تبين لهم الهدى للمنافقين، أو المنافقون لهم، أو أحد الفريقين للمشركين" سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ" أي في بعض أموركم أو في بعض ما تأمرون به كالعقود عن الجهاد، و الموافقة في الخروج معهم أن أخرجوا و التظافر علي الرسول" وَ اللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرارَهُمْ" و منها قولهم هذا الذي أفشاه الله عليهم، انتهى.

" فلان و فلان" هذه الكنايات تحتمل وجهين: الأول: أن يكون المراد بها بعض بني أمية كعثمان و أبي سفيان و معاوية فالمراد بالذين كرهوا ما أنزل الله أبو بكر و عمر و أبو عبيدة إذ ظاهر السياق أن فاعل قالوا الضمير الراجع إلى الذين ارتدوا، الثاني:

أن يكون المراد بهذه الكنايات أبو بكر و عمر و أبا عبيدة، و ضمير" قالوا" راجعا إلى بني أمية، و المراد بالذين كرهوا الذين ارتدوا فيكون من قبيل وضع المظهر موضع المضمر، و يؤيده عدم وجود الكناية الثالثة في بعض النسخ. قوله عليه السلام: نزلت و الله فيهما، أي في أبي بكر و عمر و هو تفسير للدين كرهوا و قوله: و هو قول الله تفسير لما نزل الله أو بيان لأن الآية نزلت هكذا، و ضمير دعوا راجع إليهما و أتباعهما، و قوله: أن لا يصيروا بدل ميثاقهم" و قالوا" أي أبو بكر و عمر

ص: 49

شَيْئاً وَ قَالُوا إِنْ أَعْطَيْنَاهُمْ إِيَّاهُ لَمْ يَحْتَاجُوا إِلَى شَيْ ءٍ وَ لَمْ يُبَالُوا أَنْ يَكُونَ الْأَمْرُ فِيهِمْ فَقَالُوا سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ الَّذِي دَعَوْتُمُونَا إِلَيْهِ وَ هُوَ الْخُمُسُ أَلَّا نُعْطِيَهُمْ مِنْهُ شَيْئاً وَ قَوْلُهُ كَرِهُوا ما نَزَّلَ اللَّهُ وَ الَّذِي نَزَّلَ اللَّهُ مَا افْتَرَضَ عَلَى خَلْقِهِ مِنْ وَلَايَةِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ ع وَ كَانَ مَعَهُمْ أَبُو عُبَيْدَةَ وَ كَانَ كَاتِبَهُمْ فَأَنْزَلَ اللَّهُ أَمْ أَبْرَمُوا أَمْراً

و أتباعهما" أن لا يكون الأمر فيهم" كذا في بعض النسخ" و فيه دلالة على كمال عداوتهم لأهل البيت عليهم السلام حيث قصدوا مع غصب الخلافة منهم كسر قلوبهم بضيق المعيشة و في بعضها و لم يبالوا إلا أن يكون الأمر فيهم، أي كانت همتهم حينئذ مقصورة في أخذ الخلافة لحصول أسبابه لهم لأن الناس يرغبون إلى الأموال لا سيما إذا كانت مجتمعة مع النص و القرابة و الفضل و سائر الجهات" فقالوا" أي بنو أمية و إنما خصوا الإطاعة بمنع الخمس لأنهم لم يجتروا على أن يبايعوهم في منع الولاية أو كانوا آيسين من ذلك للنص الصريح أو لأنهم علموا أنهم لا يفوضونها إليهم و يتصرفون فيها، و أما الخمس فكانوا يعلمون أن يعطوا حصته منه، و على جميع الوجوه ثم بعد ذلك أطاعوهم في الأمرين جميعا لما عرض من الأمور التي صارت أسبابا لطمعهم في الخلافة بعد هؤلاء و لا يبعد أن تكون كلمة في على هذا التأويل للسببية أي نطيعكم بسبب الخمس لتعطونا منه شيئا.

و قوله: كرهوا ما نزل الله، إعادة للكلام السابق لبيان أن ما أنزل الله في علي هو الولاية إذ لم يظهر ذلك مما سبق صريحا، و لعله زيدت الواو في قوله: و الذي من النساخ، و قيل: قوله، بالرفع عطف على قول الله، من قبيل عطف التفسير، فإنه لا تصريح في المعطوف عليه بأن النازل فيهما و في أتباعهما" كرهوا" أم" قالوا".

و أبو عبيدة هو عامر بن عبد الله بن الجراح من رؤساء المنافقين، و كان كاتب الصحيفة الملعونة التي كتبوها و دفنوها في الكعبة، و كان فيها ميثاقهم أن لا يصيروا الأمر في علي بعد النبي، و هذا هو المراد بإبرامهم أمرا، و الآية في سورة الزخرف و ما قبلها هكذا:" إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذابِ جَهَنَّمَ خالِدُونَ لا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَ هُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ

ص: 50

فَإِنَّا مُبْرِمُونَ أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَ نَجْواهُمْ الْآيَةَ

44 وَ بِهَذَا الْإِسْنَادِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ- وَ مَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحادٍ بِظُلْمٍ قَالَ نَزَلَتْ فِيهِمْ حَيْثُ دَخَلُوا الْكَعْبَةَ فَتَعَاهَدُوا وَ تَعَاقَدُوا عَلَى كُفْرِهِمْ وَ جُحُودِهِمْ بِمَا نُزِّلَ فِي أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ ع فَأَلْحَدُوا فِي الْبَيْتِ بِظُلْمِهِمُ الرَّسُولَ وَ وَلِيَّهُ فَبُعْداً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ

وَ ما ظَلَمْناهُمْ وَ لكِنْ كانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ، وَ نادَوْا يا مالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنا رَبُّكَ قالَ إِنَّكُمْ ماكِثُونَ، لَقَدْ جِئْناكُمْ بِالْحَقِّ وَ لكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كارِهُونَ، أَمْ أَبْرَمُوا أَمْراً فَإِنَّا مُبْرِمُونَ

أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَ نَجْواهُمْ بَلى وَ رُسُلُنا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ" و أم منقطعة بمعنى بل، و قال البيضاوي أَمْ أَبْرَمُوا أَمْراً في تكذيب الحق و رده و لم يقتصروا على كراهته فَإِنَّا مُبْرِمُونَ أمرا في مجازاتهم أو أم أحكم المشركون أمرا من كيدهم بالرسول فإنا مبرمون كيدنا بهم، و يؤيده قوله أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ

، حديث نفسهم بذلك وَ نَجْواهُمْ* و تناجيهم، بَلى* نسمعها وَ رُسُلُنا و الحفظة مع ذلك لَدَيْهِمْ* ملازمة لهم يَكْتُبُونَ* ذلك، انتهى.

و أقول: سيأتي في الروضة أن أصحاب الصحيفة كانوا ستة هم أبو بكر و عمر و أبو عبيدة و عبد الرحمن بن عوف و سالم مولى أبي حذيفة، و المغيرة بن شعبة، و قيل:

بإسقاط الأخير، و في بعض الروايات أربعة بحذف الرابع أيضا.

الحديث الرابع و الأربعون

: كالسابق.

" وَ مَنْ يُرِدْ فِيهِ" أي في المسجد الحرام المتقدم ذكره في الآية السابقة، حيث قال:" إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ الَّذِي جَعَلْناهُ لِلنَّاسِ سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ وَ الْبادِ وَ مَنْ يُرِدْ" إلخ، قال البيضاوي: مما ترك مفعوله ليتناول كل متناول بإلحاد عدول عن القصد و ظلم بغير حق، و هما حالان مترادفان، و الثاني بدل عن الأول بإعادة الجار أو صلة أي ملحدا بسبب الظلم كالإشراك و اقتراف الآثام" نُذِقْهُ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ" جواب لمن، انتهى.

ص: 51

و قال الطبرسي (ره): المراد بالمسجد الحرام الحرم كله، و قيل: عين المسجد الذي يصلي فيه الناس، و اختلف في معنى الإلحاد هيهنا، فقيل: هو الشرك و عبادة غير الله، و قيل: هو الاستحلال للحرام و الركوب للآثام، و قيل: هو كل شي ء نهى الله عنه حتى شتم الخادم لأن الذنوب هناك أعظم، و قيل: هو دخول مكة بغير إحرام، انتهى.

و ما ذكره عليه السلام مورد نزول الآية و مصداقها الأعظم لأنه متضمن للشرك و الكفر بآيات الله و ظلم الرسول و أهل بيته صلوات الله عليه و عليهم و يظهر منه نكتة، إيراد الظلم بعد الإلحاد، و بعدا منصوب بتقدير حرف النداء.

و قصة الصحيفة التي أشير إليها في هذه الرواية و الرواية السابقة وردت في أخبار كثيرة أوردناها في كتابنا الكبير، فمنها: ما رواه السيد بن طاوس رضي الله عنه من كتاب النشر و الطي بطرق المخالفين عن عطية السعدي قال: سألت حذيفة بن اليمان عن إقامة النبي صلى الله عليه و آله و سلم عليا عليه السلام يوم الغدير كيف كان؟ قال: إن الله أنزل على نبيه:" النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَ أَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ وَ أُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَ الْمُهاجِرِينَ" فقالوا: يا رسول الله ما هذه الولاية التي أنتم بها أحق منا بأنفسنا؟ فقال عليه السلام: السمع و الطاعة فيما أحببتم و كرهتم فقلنا: سمعنا و أطعنا، فأنزل الله" وَ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَ مِيثاقَهُ الَّذِي واثَقَكُمْ بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنا وَ أَطَعْنا" فخرجنا مع النبي في حجة الوداع فنزل جبرئيل فقال: يا محمد إن ربك يقرئك السلام و يقول: أنصب عليا علما للناس، فبكى النبي صلى الله عليه و آله و سلم حتى اخضلت لحيته و قال: يا جبرئيل إن قومي حديثو عهد بالجاهلية ضربتهم على الدين طوعا و كرها حتى انقادوا لي، فكيف إذا حملت على رقابهم غيري! قال: فصعد جبرئيل و قد كان النبي صلى الله عليه و آله و سلم بعث عليا عليه السلام إلى اليمن فوافى مكة و نحن مع الرسول، ثم توجه علي يوما نحو الكعبة يصلي فلما ركع أتاه سائل فتصدق عليه بحلقة خاتمه

ص: 52

فأنزل الله:" إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ" إلى قوله:" وَ يُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَ هُمْ راكِعُونَ" فكبر رسول الله و قرأ علينا، ثم قال: قوموا نطلب هذه الصفة التي وصف الله بها، فلما دخل رسول الله المسجد استقبله سائل فقال: من أين جئت؟ قال: من عند هذا المصلي تصدق علي بهذه الحلقة و هو راكع، فكبر رسول الله و مضى نحو علي عليه السلام فقال:

يا علي ما أحدثت اليوم من خير؟ فأخبره بما كان منه إلى السائل، فكبر ثالثة، فنظر المنافقون بعضهم إلى بعض و قالوا: أفئدتنا لا تقوى على ذلك أبدا مع الطاعة، فنسأل رسول الله أن يبدله لنا فأتوا رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم فأخبروه بذلك فأنزل الله قرآنا و هو:" قُلْ ما يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقاءِ نَفْسِي" الآية، فقال جبرئيل: يا رسول الله أتمه فقال: حبيبي جبرئيل قد سمعت ما تؤامروا به! فانصرف رسول الله الأمين جبرئيل فلما كان في آخر يوم من أيام التشريق أنزل الله عليه:" إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَ الْفَتْحُ" إلى آخرها، فقال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: نعيت إلى نفسي، فجاء إلى مسجد الخيف فدخله و نادى: الصلاة جامعة، فاجتمع الناس فحمد الله و أثنى عليه و ذكر خطبته عليه السلام ثم قال فيها: أيها الناس إني تارك فيكم الثقل الأكبر كتاب الله عز و جل، طرف بيد الله و طرف بأيديكم فتمسكوا به، و الثقل الأصغر عترتي أهل بيتي فإنه قد نبأني اللطيف الخبير أنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض كإصبعي هاتين، و جمع بين سبابتيه، و لا أقول كهاتين و جمع بين سبابته و الوسطى، فتفضل هذه على هذه، فاجتمع القوم و قالوا: يريد محمد أن يجعل الإمامة في أهل بيته فخرج منهم أربعة و دخلوا الكعبة فكتبوا فيها بينهم إن أمات الله محمدا و قتل لا يرد هذا الأمر في أهل بيته فأنزل الله تعالى:" أَمْ أَبْرَمُوا أَمْراً فَإِنَّا مُبْرِمُونَ، أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَ نَجْواهُمْ بَلى وَ رُسُلُنا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ" إلى آخر الحديث الطويل.

و قد روى الديلمي في إرشاد القلوب في حديث طويل عن حذيفة بن اليمان أنه قال: لما نصب رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم عليا عليه السلام بغدير خم للإمامة و أمرهم أن يبايعوه

ص: 53

و رحل منه، وقف أربعة عشر من المنافقين فيهم أبو بكر و عمر و عثمان و عبد الرحمن بن عوف و أبو عبيدة بن الجراح و معاوية و عمرو بن العاص على العقبة لينفروا برسول الله صلى الله عليه و آله و سلم ناقته، و حفظه الله من ذلك، فلما نزلوا من العقبة دخلوا مع الناس و صلوا خلف رسول الله صلاة الفجر فلما انصرف رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم من صلاته نظر إلى أبي بكر و عمر يتناجون فأمر مناديا فنادى في الناس لا تجتمع ثلاثة نفر من الناس يتناجون فيما بينهم بسر، و ارتحل بالناس من منزل العقبة، فلما نزل المنزل الآخر رأي سالم مولى حذيفة أبا بكر و عمر و أبا عبيدة يسار بعضهم بعضا فوقف عليهم، و قال: أ ليس قد أمر رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم أن لا تجتمع ثلاثة نفر من الناس على سر واحد و الله لتخبروني فيما أنتم و إلا أتيت رسول الله أخبره بذلك منكم، فأخذوا منه العهد و الميثاق على الكتمان، ثم قالوا: قد اجتمعنا على أن نتحالف و نتعاقد على أن لا نطيع محمدا فيما عرض علينا من ولاية علي بن أبي طالب قال سالم: و أنا و الله أول من يعاقدكم على هذا الأمر و لا نخالفكم عليه، و إنه و الله ما طلعت الشمس على أهل بيت أبغض إلى من بني هاشم، و لا في بني هاشم أبغض إلى و لا أمقت من علي بن أبي طالب فاصنعوا في هذا الأمر ما بدا لكم فإني واحد منكم، فتعاقدوا من وقتهم على هذا الأمر ثم تفرقوا. فلما أراد رسول الله المسير أتوه فقال لهم: فيما كنتم تتناجون في يومكم هذا و قد نهيتكم عن النجوى؟ فقالوا: يا رسول الله ما التقينا غير وقتنا هذا! فنظر إليهم النبي مليا ثم قال: أنتم أعلم أم الله، وَ مَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللَّهِ وَ مَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ، ثم سار حتى دخل المدينة و اجتمع القوم جميعا و كتبوا صحيفة بينهم على ذكر ما تعاهدوا عليه في هذا الأمر، و كان أول ما في الصحيفة النكث لولاية علي بن أبي طالب عليه السلام و أن الأمر إلى أبي بكر و عمر و أبي عبيدة و سالم معهم ليس بخارج عنهم، و شهد بذلك أربعة و ثلاثون رجلا أصحاب العقبة و ثلاثون رجلا آخر، و استودعوا الصحيفة أبا عبيدة بن الجراح و جعلوه أمينهم عليها.

قال حذيفة: حدثتني أسماء بنت عميس امرأة أبي بكر أن القوم اجتمعوا في

ص: 54

منزل أبي بكر فتآمروا في ذلك و أسماء تسمعهم حتى اجتمع رأيهم على ذلك فأمروا سعيد بن العاص الأموي فكتب لهم الصحيفة باتفاق منهم.

و كانت نسخته: بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما اتفق عليه الملأ من أصحاب محمد رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم من المهاجرين و الأنصار الذين مدحهم الله في كتابه على لسان نبيه صلى الله عليه و آله و سلم اتفقوا جميعا بعد أن أجهدوا رأيهم و تشاوروا في أمرهم و كتبوا هذه الصحيفة نظرا منهم للإسلام و أهله على غابر الأيام و باقي الدهور ليقتدي بهم من يأتي من المسلمين من بعدهم، أما بعد فإن الله بمنه و كرمه بعث محمدا رسولا إلى الناس كافة بدينه الذي ارتضاه لعباده فأدى من ذلك و بلغ ما أمره الله به و أوجب علينا القيام بجميعه حتى إذا أكمل الدين و فرض الفرائض و أحكم السنن اختار الله له ما عنده فقبضه إليه مكرما محبورا من غير أن يستخلف أحدا بعده، و جعل الاختيار إلى المسلمين يختاروا لأنفسهم من وثقوا برأيه و نصحه، و إن للمسلمين في رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم أسوة حسنة، قال الله تعالى:" لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللَّهَ وَ الْيَوْمَ الْآخِرَ" و إن رسول الله لم يستخلف أحدا لئلا يجري ذلك في أهل بيت واحد فيكون إرثا دون سائر المسلمين، و لئلا يكون دولة بين الأغنياء منهم و لئلا يقول المستخلف أن هذا الأمر باق في عقبه من والد إلى ولد إلى يوم القيامة و الذي يحب على المسلمين عند مضي خليفة من الخلفاء أن يجتمع ذوو الرأي و الصلاح في أمورهم فمن رأوه مستحقا لها ولوه أمورهم، و جعلوه القيم عليهم، فإنه لا يخفى على أهل كل زمان من يصلح منهم للخلافة، فإن ادعى مدع من الناس جميعا أن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم استخلف رجلا بعينه نصبه الناس و نص عليه باسمه و نسبه فقد أبطل في قوله، و أتى بخلاف ما يعرفه أصحاب رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم، و خالف على جماعة المسلمين، و إن ادعى مدع أن خلافة رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم إرث و أن رسول الله يورث فقد أحال في قوله لأن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم قال: نحن معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة، و إن

ص: 55

ادعى مدع أن الخلافة لا يصلح إلا لرجل واحد من بين الناس جميعا و أنها مقصورة فيه و لا تنبغي لغيره لأنها تتلو النبوة فقد كذب لأن النبي صلى الله عليه و آله و سلم قال: أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم، و إن ادعى مدع أنه مستحق الخلافة و الإمامة بقربه من رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم ثم هي مقصورة عليه و على عقبه يرثها الولد منهم عن والده ثم هي كذلك في كل عصر و زمان لا تصلح لغيرهم و لا ينبغي أن يكون لأحد سواهم إلى أن يرث الله الأرض فليس له و لا لولده و إن دنا من النبي نسبته، لأن الله يقول و قوله القاضي على كل أحد:" إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ" و قال رسول الله: إن ذمة المسلمين واحدة يسعى بها أدناهم، و كلهم يد على من سواهم، فمن آمن بكتاب الله و أقر بسنة رسول الله فقد استقام و أناب و أخذ بالصواب، و من كره ذلك من فعالهم فقد خالف الحق و الكتاب، و فارق جماعة المسلمين فاقتلوه فإن في قتله صلاحا للأمة، و قد قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: من جاء إلى أمتي و هم جميع ففرقهم فاقتلوه و اقتلوا الفرد كائنا من كان من الناس فإن الاجتماع رحمة و الفرقة عذاب، و لا تجتمع أمتي على ضلال أبدا و إن المسلمين يد واحدة على من سواهم، و أنه لا يخرج من جماعة المسلمين إلا مفارق و معاند لهم و مظاهر عليهم أعداءهم، فقد أباح الله و رسوله دمه و أحل قتله.

و كتب سعيد بن العاص باتفاق ممن أثبت اسمه و شهادته آخر هذه الصحيفة في المحرم سنة عشر من الهجرة و الحمد لله رب العالمين، و صلى الله على محمد و آله أجمعين و سلم.

ثم دفعت الصحيفة إلى أبي عبيدة بن الجراح، فوجه بها إلى مكة فلم تزل الصحيفة في الكعبة مدفونة إلى أوان عمر بن الخطاب فاستخرجها من موضعها، و هي الصحيفة التي تمنى أمير المؤمنين لما توفي عمر، فوقف به و هو مسجى بثوبه فقال:

ما أحب إلى أن ألقى الله بصحيفة هذا المسجى.

ثم انصرفوا و صلى رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم بالناس صلاة الفجر ثم جلس في مجلسه يذكر الله تعالى حتى طلعت الشمس فالتفت إلى أبي عبيدة فقال له: بخ بخ من مثلك

ص: 56

45 الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ مُعَلَّى بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَسْبَاطٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ عَنْ أَبِي بَصِيرٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ- فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ

و قد أصبحت أمين هذه الأمة؟ ثم تلا:" فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هذا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَناً قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَ وَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ" لقد أشبه هؤلاء رجال في هذه الأمة يستخفون من الناس و لا يستخفون من الله و هو معهم إذ يبيتون ما لا يرضى من القول و كان الله بما يعملون محيطا، ثم قال: لقد أصبح في هذه الأمة في يومي هذا قوم ضاهوهم في صحيفتهم التي كتبوها علينا في الجاهلية و علقوها في الكعبة و إن الله تعالى يمهلهم و ليبتليهم و يبتلي من يأتي بعدهم تفرقة بين الخبيث و الطيب و لو لا أنه سبحانه أمرني بالإعراض عنه للأمر الذي هو بالغه لقد متهم فضربت أعناقهم.

قال حذيفة: فو الله لقد رأينا هؤلاء النفر عند قول رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم هذه المقالة و قد أخذتهم الرعدة فما يملك أحد منهم من نفسه شيئا و لم يخف على أحد ممن حضر مجلس رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم ذلك اليوم أن رسول الله إياهم عنى بقوله، و ضرب لهم تلك الأمثال بما تلا من القرآن، إلى آخر ما أوردنا بطوله في كتابنا الكبير.

و في كتاب سليم بن قيس أن معاذ بن جبل أيضا كان منهم، و اختلاف عددهم في الأخبار محمول على أن الأربعة كانوا أصل هذه الفتنة و كان الباقون داخلين في ذلك على اختلاف مراتبهم في المدخلية لعنة الله عليهم أجمعين.

الحديث الخامس و الأربعون

ضعيف على المشهور.

" فَسَتَعْلَمُونَ*" الآية في سورة الملك هكذا:" قُلْ هُوَ الرَّحْمنُ آمَنَّا بِهِ وَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْنا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ" و ظاهر الخبر أنه كان في مصحفهم عليهم السلام هكذا" فستعلمون يا معشر المكذبين" إلى آخره، و أول بأنها نزلت هكذا تفسيرا للآية كما مر، و المعنى فستعلمون عند الموت أو بعده أو الأعم يا معشر المكذبين لرسالتي من أجل أني أنبأتكم رسالة ربي في ولاية علي و الأئمة من بعده" مَنْ*

ص: 57

هُوَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ يَا مَعْشَرَ الْمُكَذِّبِينَ حَيْثُ أَنْبَأْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي فِي وَلَايَةِ عَلِيٍّ ع وَ الْأَئِمَّةِ ع مِنْ بَعْدِهِ مَنْ هُوَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ كَذَا أُنْزِلَتْ وَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى- إِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَقَالَ إِنْ تَلْوُوا الْأَمْرَ وَ تُعْرِضُوا عَمَّا أُمِرْتُمْ بِهِ فَإِنَّ اللَّهَ كانَ بِما

هُوَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ*" نحن أم أنتم، لأنهم كانوا ينسبون الضلالة إليه صلى الله عليه و آله و سلم في محبة علي و تبليغ إمامته، و أنه إنما يقول ذلك من تلقاء نفسه، و كان ذكر الإيمان في صدر الآية على هذا التأويل للإشعار بأن من لم يؤمن بالولاية فهو غير مؤمن بالله.

قال السيد في الطرائف روى الفقيه الشافعي ابن المغازلي في كتاب المناقب بإسناده إلى جابر بن عبد الله الأنصاري قال قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم بمنى و قد ذكر حديثا طويلا إلى أن قال: ثم نزل" فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ في أمر على إِنَّكَ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ" و إن عليا لعلم للساعة و ذكر لك و لقومك و سوف تسألون عن علي بن أبي طالب، هذا آخر الحديث، و كان اللفظ المذكور المنزل في ذلك على النبي صلى الله عليه و آله و سلم بعضه قرآن و بعضه تأويل، انتهى.

و الغرض من إيراده أنه رحمه الله حمل تلك الأخبار على التأويل و الله يعلم.

" و في قوله تعالى وَ إِنْ تَلْوُوا" الآية في سورة النساء هكذا:" يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَداءَ لِلَّهِ وَ لَوْ عَلى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوالِدَيْنِ وَ الْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيراً فَاللَّهُ أَوْلى بِهِما فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوى أَنْ تَعْدِلُوا وَ إِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً" قال المفسرون فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوى أَنْ تَعْدِلُوا أي لأن تعدلوا عن الحق أو كراهة أن تعدلوا من العدل، وَ إِنْ تَلْوُوا أي تلووا أنفسكم عن شهادة الحق أو حكومة العدل أَوْ تُعْرِضُوا عن الشهادة بما عندكم و تمنعوها، و قرأ أن تلووا أو تعرضوا بمعنى كتمتم الشهادة أو أعرضتم عن إقامتها و كأنه عليه السلام فسر الآية هكذا إِنْ تَلْوُوا أي تصرفوا الخلافة عن موضعها و هو أمير المؤمنين عليه السلام أَوْ تُعْرِضُوا

عما أمرتم به من ولايته" فَإِنَّ اللَّهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً*" فيعاقبكم عليه.

ص: 58

تَعْمَلُونَ خَبِيراً وَ فِي قَوْلِهِ فَلَنُذِيقَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِتَرْكِهِمْ وَلَايَةَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ ع عَذاباً شَدِيداً فِي الدُّنْيَا وَ لَنَجْزِيَنَّهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ

46 الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ مُعَلَّى بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَسْبَاطٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ مَنْصُورٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الْحَمِيدِ عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ صَبِيحٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع ذلِكُمْ

" فَلَنُذِيقَنَّ" الآية في حم السجدة:" وَ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ وَ الْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ، فَلَنُذِيقَنَّ" إلى آخرها.

و قال البيضاوي الْغَوْا فِيهِ أي عارضوه بالخرافات و ارفعوا أصواتكم بها لتشوشوه على القاري" لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ" أي تغلبونه على قراءته.

و علي تأويله عليه السلام كأنه قولهم ذلك في الآيات النازلة في الولاية، و لما كان أكثر الآيات فيها فكان كفرهم بالقرآن كفرا بها، فأوعدهم الله بقوله:" فَلَنُذِيقَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا" بتركهم ولاية أمير المؤمنين" عَذاباً شَدِيداً*" في الدنيا بالمصائب و القتل و الأسر سيما في زمان القائم عليه السلام" وَ لَنَجْزِيَنَّهُمْ*" في الآخرة" أَسْوَأَ الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ" أي بأقبح الجزاء على أقبح أعمالهم و هو ترك الولاية.

و يؤيده أنه قال سبحانه بعد ذلك:" وَ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا رَبَّنا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلَّانا مِنَ الْجِنِّ وَ الْإِنْسِ" و فسر في الأخبار بأبي بكر و عمر، و بعد ذلك أيضا:

" الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا*" و قد مر أنها فيهم عليهم السلام.

الحديث السادس و الأربعون

ضعيف على المشهور.

و قبل الآية في سورة المؤمن:" إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنادَوْنَ لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الْإِيمانِ فَتَكْفُرُونَ قالُوا رَبَّنا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَ أَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنا بِذُنُوبِنا فَهَلْ إِلى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ، ذلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذا دُعِيَ اللَّهُ" إلخ، و الظاهر أن تغيير" ذلكم" بذلك من النساخ.

" ذلكم" أي ما أنتم فيه من العذاب بسبب أنه إذا دعي الله وحده.

ص: 59

بِأَنَّهُ إِذا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ وَ أَهْلُ الْوَلَايَةِ كَفَرْتُمْ

47 عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي بَصِيرٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى- سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ. لِلْكافِرينَ بِوَلَايَةِ عَلِيٍّ لَيْسَ لَهُ دافِعٌ ثُمَّ قَالَ هَكَذَا وَ اللَّهِ نَزَلَ بِهَا جَبْرَئِيلُ ع عَلَى مُحَمَّدٍ ص

" و أهل الولاية" يحتمل التنزيل و التأويل، و على الثاني مبني على أن الشرك كما يكون باتخاذ الأصنام كذلك يكون بالعدول عن الخليفة الذي نصبه الله تعالى إلى غيره، فكأنهم أشركوا خلفاء الجور مع الله، حيث أطاعوهم من دون الله، و لذا أول في كثير من الأخبار الشرك بترك الولاية أو الإشراك فيها، فقوله: و أهل الولاية تفسير للتوحيد، فإن التوحيد الكامل إنما يكون بالولاية.

و روى علي بن إبراهيم في تفسيره بإسناده عن أبي عبد الله عليه السلام في قوله تبارك و تعالى:" إِذا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ" الآية يقول: إذا ذكر الله وحده بولاية من أمر الله تعالى بولايته كفرتم، و إن يشرك به من ليست له ولاية تؤمنوا بأن له ولاية.

الحديث السابع و الأربعون

: ضعيف.

" بولاية علي" تنزيلا كما هو الظاهر، أو تأويلا على احتمال بعيد، و قد مر في شرح الحديث السابع و الثلاثين ما يؤيد ذلك.

و روى محمد بن العباس بن مروان في تفسيره بإسناده عن الحسين بن محمد قال:

سألت سفيان بن عيينة عن قول الله عز و جل:" سَأَلَ سائِلٌ" فيمن نزلت؟ فقال: يا بن أخي لقد سألتني عن شي ء ما سألني عنه أحد قبلك، لقد سألت جعفر بن محمد عليهما السلام عن مثل الذي قلت، فقال: أخبرني أبي عن جدي عن أبيه عن ابن عباس قال: لما كان يوم غدير خم قام رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم خطيبا، ثم دعا علي بن أبي طالب عليه السلام فأخذ بضبعيه

ص: 60

ثم رفعه بيده حتى رئي بياض إبطيه و قال للناس: أ لم أبلغكم الرسالة و لم أنصح لكم؟

قالوا: اللهم نعم، قال: فمن كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه و عاد من عاداه، قال: ففشت هذه في الناس فبلغ ذلك الحارث بن النعمان الفهري فرحل راحلته ثم استوى عليها و رسول الله إذ ذاك بالأبطح، فأناخ ناقته ثم عقلها ثم أتى النبي صلى الله عليه و آله و سلم فسلم ثم قال: يا عبد الله إنك دعوتنا أن نقول لا إله إلا الله ففعلنا، ثم دعوتنا إلى أن نقول إنك رسول الله ففعلنا، و في القلب ما فيه! ثم قلت لنا: صوموا فصمنا، ثم قلت لنا حجوا فحججنا ثم قلت لنا: من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه و عاد من عاداه، فهذا عنك أم عن الله فقال له: بل عن الله، فقالها ثلاثا فنهض و أنه لمغضب و إنه ليقول: اللهم إن كان ما يقول محمد حقا فأمطر علينا حجارة من السماء تكون لنا نقمة في أولنا و آية في آخرنا و إن كان ما يقول محمد كذبا فأنزل به نقمتك.

ثم أثار ناقته و استوى عليها فرماه الله بحجر على رأسه فسقط ميتا، فأنزل الله تبارك و تعالى:" سَأَلَ سائِلٌ" إلى قوله:" مِنَ اللَّهِ ذِي الْمَعارِجِ".

أقول: ذكر الأبطح في هذا الخبر غريب، لأن النبي صلى الله عليه و آله و سلم بعد يوم الغدير لم يرجع إلى مكة، و كأنه على تقدير صحته المراد به غير أبطح مكة فإن الأبطح في اللغة مسيل واسع فيه دقاق الحصى.

أقول: و روى محمد بن عباس أيضا حديث المتن عن أبي بصير، ثم قال هكذا هي في مصحف فاطمة عليها السلام، و في رواية أخرى عن أبي بصير أيضا، و فيه: ثم قال هكذا و الله نزل بها جبرئيل عليه السلام على النبي صلى الله عليه و آله و سلم، و هكذا هو مثبت في مصحف فاطمة عليها السلام.

أقول: و هذان الخبران مما يقرب احتمال كونه تأويلا لا تنزيلا.

و قال البيضاوي سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ، أي دعا داع به بمعنى استدعاه، و لذلك عدي الفعل بالباء و السائل نضر بن الحارث فإنه قال اللَّهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ

ص: 61

48 مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى عَنِ الْحَسَنِ بْنِ سَيْفٍ عَنْ أَخِيهِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي حَمْزَةَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ع فِي قَوْلِهِ تَعَالَى- إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ فِي أَمْرِ الْوَلَايَةِ يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ قَالَ مَنْ أُفِكَ عَنِ الْوَلَايَةِ أُفِكَ عَنِ الْجَنَّةِ

الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ، أو أبو جهل فإنه قال فَأَسْقِطْ عَلَيْنا كِسَفاً مِنَ السَّماءِ، أو الرسول صلى الله عليه و آله و سلم استعجل بعذابهم" لِلْكافِرينَ" صفة أخرى لعذاب، أو صلة لواقع.

الحديث الثامن و الأربعون

: مجهول.

و الآية في الذاريات قال تعالى:" وَ الذَّارِياتِ ذَرْواً" إلى قوله:" إِنَّما تُوعَدُونَ لَصادِقٌ، وَ إِنَّ الدِّينَ لَواقِعٌ، وَ السَّماءِ ذاتِ الْحُبُكِ إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ، يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ" و قال البيضاوي: الدين الجزاء، ذاتِ الْحُبُكِ: أي ذات الطرائق و المراد إما الطرائق المحسوسة التي هي مسير الكواكب، أو المعقولة التي يسلكها النظار و يتوصل بها إلى المعارف، أو النجوم فإن لها طرائق، أو أنها تزينها كما تزين المواشي طرائق الوشي، إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ

في الرسول، و هو قولهم تارة أنه شاعر و تارة أنه ساحر، و تارة أنه مجنون، أو في القرآن أو في القيامة أو أمر الديانة، و لعل النكتة في هذا القسم تشبيه أقوالهم في اختلافها و تنافي أغراضها بطرائق السماوات في تباعدها و اختلاف غاياتها.

" يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ" يصرف عنه، و الضمير للرسول صلى الله عليه و آله و سلم أو القرآن أو الإيمان، من صرف إذ لا صرف أشد منه، فكأنه لا صرف بالنسبة إليه أو يصرف من صرف في علم الله و قضائه، و يجوز أن يكون الضمير للقول على معنى يصدر إفك من أفك عن القول المختلف و بسببه.

و قال الطبرسي (ره):" لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ" في محمد فبعضكم يقول شاعر، و بعضكم

ص: 62

49 الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ مُعَلَّى بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُمْهُورٍ عَنْ يُونُسَ قَالَ أَخْبَرَنِي مَنْ رَفَعَهُ إِلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَ جَلَّ- فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ.

يقول مجنون، و في القرآن تقولون إنه سحر و رجز و ما سطره الأولون، و قيل:

معناه منكم مكذب بمحمد و منكم مصدق به و منكم شاك، و فائدته أن دليل الحق ظاهر فاطلبوا الحق و إلا هلكتم" يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ" أي يصرف عن الإيمان به من صرف عن الخير، أي المصروف عن الخيرات كلها من صرف عن هذا الدين، و قيل:

معناه يؤفك عن الحق و الصواب من أفك فدل ذكر القول المختلف على ذكر الحق فجاز الكناية عنه، انتهى.

و ما ذكره عليه السلام قريب من بعض تلك الوجوه، لأن قولهم المختلف في الرسول صار سببا لعدم قبول الولاية منه، مع أنهم قالوا عند ذكره الولاية أقوالا مختلفة فيه، يؤفك عن الرسول و قبول قوله في الولاية من صرف عن جميع الخيرات التي عمدتها الجنة.

و روى علي بن إبراهيم بإسناده عن أبي حمزة قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول في قول الله تبارك و تعالى:" إِنَّما تُوعَدُونَ لَصادِقٌ" يعني في علي" وَ إِنَّ الدِّينَ لَواقِعٌ" يعني في علي، و علي هو الدين و قوله:" وَ السَّماءِ ذاتِ الْحُبُكِ" قال: السماء رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم و علي ذات الحبك، و قوله عز و جل:" إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ" يعني مختلف في علي، اختلفت هذه الأمة في ولايته فمن استقام على ولاية علي دخل الجنة، و من خالف ولاية علي، دخل النار، و قوله عز و جل:" يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ" يعني من أفك عن ولايته أفك عن الجنة.

الحديث التاسع و الأربعون

: ضعيف." فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ" قال الطبرسي قدس سره: فيه أقوال: أحدها أن المعنى فلا يقتحم هذا الإنسان العقبة و لا جاوزها و الثاني: أن يكون على وجه الدعاء عليه، بأن لا يقتحم العقبة كما يقال: لا غفر الله له، و الثالث: أن المعنى فهلا اقتحم العقبة، أو أ فلا اقتحم العقبة، و أما المراد بالعقبة

ص: 63

وَ ما أَدْراكَ مَا الْعَقَبَةُ. فَكُّ رَقَبَةٍ يَعْنِي بِقَوْلِهِ- فَكُّ رَقَبَةٍ وَلَايَةَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ ع فَإِنَّ ذَلِكَ فَكُّ رَقَبَةٍ

ففيه وجوه: أحدها: أنه مثل ضربه الله تعالى لمجاهدة النفس و الهوى و الشيطان في أعمال الخير و البر، فجعل ذلك كتكليف صعود العقبة الشاقة، فكأنه قال: لم يحمل على نفسه المشقة بعتق الرقبة و الإطعام، و هو قوله:" وَ ما أَدْراكَ مَا الْعَقَبَةُ" أي ما اقتحام العقبة، ثم ذكره فقال:" فَكُّ رَقَبَةٍ" و هو تخليصها من إسار الرق، و ثانيها:

أنها عقبة حقيقة قال الحسن و قتادة: هي عقبة شديدة في النار دون الجسر فاقتحموها بطاعة الله عز و جل، و ثالثها: أنها الصراط يضرب على جهنم.

و قال البيضاوي: أي فلم يشك تلك الأيادي باقتحام العقبة، و هو الدخول في أمر شديد و العقبة الطرائق في الجبل، استعارها لما فسرها به من الفك و الإطعام لما فيهما من مجاهدة النفس، انتهى.

و على تأويله عليه السلام أستار العقبة للولاية لصعوبة ارتكابها، ثم حمل عليها فك رقبة مبالغة لأن الولاية سبب لفك الرقبة من عذاب الله، فكأنها عينه، أو من باب حمل المصدر على المتصف به كزيد عدل، و كذا الإطعام فإن الولاية سبب له، و قيل:

هو على التشبيه فإن الولاية سبب لحياة النفوس كما أن الطعام سبب لحياة الأبدان.

و أقول: على هذا التأويل يحتمل أن يكون المراد إطعام يتامى السادات و الهاشميين من الخمس، فالسببية أظهر، و يؤيده ما رواه علي بن إبراهيم في قوله:

" يَتِيماً ذا مَقْرَبَةٍ" يعني رسول الله، و مسكينا ذا متربة، يعني أمير المؤمنين مترب بالعلم و يحتمل أيضا أن يكون المراد باليوم ذي المسغبة يوم القيامة و اليتامى المنقطعين عن إمامهم في الدنيا و لهمه القرابة المعنوية به، و بالمساكين مساكين الشيعة، فإن الولاية سبب لإطعامهم في الآخرة، أو المراد أن الولاية سبب لتسلط الإمام فيهدي الناس و يفك رقابهم من النار، و يطعم الفقراء و المساكين، و يؤدي إليهم حقوقهم كما

ص: 64

50 وَ بِهَذَا الْإِسْنَادِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع فِي قَوْلِهِ تَعَالَى- بَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ قَالَ وَلَايَةُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ ع

51 عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْبَرْقِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْفُضَيْلِ عَنْ أَبِي حَمْزَةَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ع فِي قَوْلِهِ تَعَالَى- هذانِ خَصْمانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ

روى علي بن إبراهيم بإسناده عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام في قوله:" فَكُّ رَقَبَةٍ" قال: بنا تفك الرقاب و بمعرفتنا، و نحن المطعمون في يوم الجوع و هو المسغبة.

الحديث الخمسون

: كالسابق.

" أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ" قال البيضاوي: أي سابقه و منزلة رفيعة، و سميت قدما لأن السبق بها، كما سميت النعمة يدا لأنها تعطى باليد، و إضافتها إلى الصدق لتحققها و التنبيه على أنهم إنما ينالونها بصدق القول و النية.

و قال الطبرسي قدس سره: قال ابن الأعرابي: القدم المتقدم في الشرف، و قال أبو عبيدة و الكسائي: كل سابق في خير أو شر فهو عند العرب قدم، يقال: لفلان قدم في الإسلام، ثم قال: أن لهم قدم صدق أي أجرا حسنا و منزلة رفيعة بما قدموا من أعمالهم، و قيل: هو شفاعة محمد صلى الله عليه و آله و سلم في القيامة و هو المروي عن أبي عبد الله عليه السلام و روي أن المعنى سبقت لهم السعادة في الذكر الأول، انتهى.

و أقول: في بعض الأخبار فسر قدم الصدق بالنبي و الأئمة صلوات الله عليهم، فالمراد ولايتهم و شفاعتهم، أو المراد بالقدم المتقدم في العز و الشرف كما مر، و في هذا الخبر فسر بالولاية لأنها خير العقائد و الأعمال و سبب للنجاة يوم القيامة من المخاوف و الأهوال.

الحديث الحادي و الخمسون

: مجهول.

" هذانِ خَصْمانِ" قال الطبرسي (ره): قيل: نزلت في ستة نفر من المؤمنين و الكافرين تبارزوا يوم بدر، و هو حمزة قتل عتبة، و علي عليه السلام قتل الوليد، و عبيدة بن

ص: 65

فَالَّذِينَ كَفَرُوا بِوَلَايَةِ عَلِيٍّ قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيابٌ مِنْ نارٍ

الحارث قتل شيبة، و كان أبو ذر يقسم بالله أنها نزلت فيهم، و قيل: نزلت في أهل القرآن و أهل الكتاب عن ابن عباس، و قيل: في المؤمنين و الكافرين" هذانِ خَصْمانِ" أي جمعان، فالفرق الخمسة الكافرة خصم و المؤمنون خصم، و قد ذكروا في قوله:" إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ الَّذِينَ هادُوا وَ الصَّابِئِينَ" الآية" اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ" أي في دين ربهم فقالت اليهود و النصارى للمسلمين: نحن أولى بالله منكم لأن نبينا قبل نبيكم، و ديننا قبل دينكم، و قال المسلمون: بل نحن أحق بالله منكم، آمنا بكتابنا و كتابكم و نبينا و نبيكم، و كفرتم أنتم نبينا حسدا، فكان هذا خصومتهم، و قيل: إن معنى اختصموا اقتتلوا يوم بدر" فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيابٌ مِنْ نارٍ" قال ابن عباس:

حين صاروا إلى جهنم ألبسوا مقطعات النيران، و هي الثياب القصار، و قيل: يجعل لهم ثياب نحاس من نار و هي أشد ما يكون حرا، و قيل: إن النار تحيط بهم كإحاطة الثياب التي يلبسونها بهم بعد ذلك" يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُؤُسِهِمُ الْحَمِيمُ" أي الماء الحار و هو خبر بعد خبر أو حال عن الضمير في لهم" يُصْهَرُ" أي يذاب بِهِ لفرط حرارته" ما فِي بُطُونِهِمْ" من الأحشاء و الأمعاء وَ يصهر به الْجُلُودُ أيضا" وَ لَهُمْ" مع ذلك" مَقامِعُ مِنْ حَدِيدٍ" أي سياط يجلدون بها.

و روى علي بن إبراهيم بإسناده عن أبي الطيار عن أبي عبد الله عليه السلام في قوله عز و جل:" هذانِ خَصْمانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ" قال: نحن و بنو أمية، قلنا: صدق الله و رسوله، و قالت بنو أمية: كذب الله و رسوله" فَالَّذِينَ كَفَرُوا" يعني بني أمية" قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيابٌ مِنْ نارٍ" إلى قوله" مِنْ حَدِيدٍ" قال: تشويه النار، فتسترخي شفته السفلى حتى تبلغ سرته و تقلص شفته العليا حتى تبلغ وسط رأسه" وَ لَهُمْ مَقامِعُ مِنْ حَدِيدٍ" قال: الأعمدة التي يضربون بها.

و أقول على ما في رواية الكليني: المراد بالذين كفروا الذين كفروا بولاية علي عليه السلام إما تنزيلا أو تأويلا، و على الثاني إما عموما فتشمل الولاية أيضا أو خصوصا كما مر غير مرة.

ص: 66

52 الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ مُعَلَّى بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أُورَمَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ حَسَّانَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَثِيرٍ قَالَ سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ع عَنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى- هُنالِكَ الْوَلايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ قَالَ وَلَايَةُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ ع

53 مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْخَطَّابِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ حَسَّانَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَثِيرٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَ جَلَّ- صِبْغَةَ اللَّهِ وَ مَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً قَالَ صَبَغَ الْمُؤْمِنِينَ بِالْوَلَايَةِ فِي الْمِيثَاقِ

الحديث الثاني و الخمسون

: ضعيف، و قد مر سندا و متنا لكن مع ضميمة في أوله.

الحديث الثالث و الخمسون

: كالسابق.

" صِبْغَةَ اللَّهِ" قال البيضاوي: أي صبغنا الله صبغة، و هي فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها فإنها حلية الإنسان كما أن الصبغة حلية المصبوغ، أو هدانا الله هدايته أو أرشدنا حجته، أو طهر قلوبنا بالإيمان تطهيره و سماه صبغة لأنه ظهر أثره عليهم ظهور الصبغ على المصبوغ، و تداخل قلوبهم تداخل الصبغ الثوب، أو للمشاكلة فإن النصارى يغمسون أولادهم في الماء العمودية، و يقولون هو تطهير لهم، و به يحق نصرانيتهم و نصبه على أنه مصدر مؤكدة لقوله: آمنا، و قيل: على الإغراء، و قيل: على البدل من ملة إبراهيم" وَ مَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً" لا صبغة أحسن من صبغته" وَ نَحْنُ لَهُ عابِدُونَ" تعريض بهم، أي لا نشرك كشرككم، انتهى.

و قال الراغب في مفرداته: الصبغ مصدر صبغت، و الصبغ المصبوغ قال تعالى:

" صِبْغَةَ اللَّهِ" إشارة إلى ما أوجده الله في الناس من العقل المتميز به عن البهائم كالفطرة و كانت النصارى إذا ولد لهم ولد غمسوه بعد السابع في ماء عمودية يزعمون أن ذلك صبغة له.

و أما على تأويله عليه السلام فكان المعنى: ألزموا الولاية التي صبغ الله المؤمنين بها في الميثاق، و في تفسير علي بن إبراهيم المراد بها الإيمان.

ص: 67

54 عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى عَنِ ابْنِ فَضَّالٍ عَنِ الْمُفَضَّلِ بْنِ صَالِحٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْحَلَبِيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَ جَلَّ- رَبِّ اغْفِرْ لِي وَ لِوالِدَيَّ وَ لِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِناً يَعْنِي الْوَلَايَةَ مَنْ دَخَلَ فِي الْوَلَايَةِ دَخَلَ فِي بَيْتِ الْأَنْبِيَاءِ ع وَ قَوْلُهُ إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ

الحديث الرابع و الخمسون

: كالسابق.

" وَ لِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِناً" قال الطبرسي قدس سره: أي دخل داري، و قيل:

مسجدي، و قيل سفينتي، و قيل: يريد بيت محمد صلى الله عليه و آله و سلم و للمؤمنين و المؤمنات عامة، و قيل: من أمة محمد صلى الله عليه و آله و سلم، انتهى.

و اعلم أن البيت قد يطلق على البيت المبني بالحجر و المدر و الطين، و قد يطلق على الأنساب الشريفة و الأحساب المنيفة، و على أهل البيوت القديمة الكريمة، كقول الشاعر:

إن الذي سمك السماء بني لنا بيتا دعائمه أعز و أطول

و قال الطبرسي (ره): في قوله تعالى:" فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ" معناه هذه المشكاة في بيوت هذه صفتها و هي المساجد في قول ابن عباس و غيره و قيل: هو بيوت الأنبياء، و يؤيده ما رواه أنس قال: قرأ رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم هذه الآية فقام إليه رجل فقال: أي بيوت هذه يا رسول الله؟ فقال: بيوت الأنبياء، فقام إليه أبو بكر، فقال: يا رسول الله هذا البيت منها؟- و أشار إلى بيت علي و فاطمة عليهما السلام- قال: نعم من أفضلها، و يعضده قوله تعالى:" إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً" و قوله:" رَحْمَتُ اللَّهِ وَ بَرَكاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ" فالإذن يرفع بيوت الأنبياء و الأوصياء مطلقا، و المراد بالرفع التعظيم و رفع القدر من الأرجاس و التطهير من المعاصي و الأدناس، انتهى.

و قال الراغب الأصبهاني: أصل البيت مأوى الإنسان بالليل، ثم قد يقال من

ص: 68

وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً يَعْنِي الْأَئِمَّةَ ع وَ وَلَايَتَهُمْ مَنْ دَخَلَ فِيهَا دَخَلَ فِي بَيْتِ النَّبِيِّ ص

غير اعتبار الليل فيه، و يقع ذلك على المتخذ من حجر و من مدر و من صوف و وبر، و به شبه بيت الشعر و عبر عن مكان الشي ء بأنه بيته و صار أهل البيت متعارفا في آل النبي و نبه النبي صلى الله عليه و آله و سلم بقوله: سلمان منا أهل البيت، أن مولى القوم يصح نسبته إليهم، و قوله:" فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ" قيل: بيوت النبي صلى الله عليه و آله و سلم، نحو:" لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ" و قيل: أشير بقوله:" فِي بُيُوتٍ" إلى أهل بيته و قومه، و قيل: أشير به إلى القلب، و قوله:" فَما وَجَدْنا فِيها غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ" فقد قيل: إشارة إلى جماعة البيت فسماهم بيتا كتسمية نازل القرية قرية، انتهى.

و سيأتي أن قتادة أتى أبا جعفر عليه السلام فقال: أصلحك الله و الله لقد جلست بين يدي الفقهاء و قد أم ابن عباس فما اضطرب قلبي قد أم واحد منهم ما اضطرب قد أمك فقال له أبو جعفر عليه السلام: أ تدري أين أنت؟ بين يدي بيوت أذن الله أن ترفع- إلى قوله- و إيتاء الزكاة، فأنت ثم و نحن أولئك فقال له قتادة: صدقت و الله جعلني الله فداك، و الله ما هي بيوت حجارة و لا طين.

فإذا عرفت هذا الخبر يحتمل وجوها: الأول: أن المراد بالبيت البيت المعنوي أول أهل البيت كما عرفت، و بيوت الأنبياء كلها بيت واحد بناه الله تعالى للخلافة الكبرى، و هو بيت العز و الشرف و الكرامة و الإسلام و الإيمان و النبوة و الإمامة و الطهارة، و أهلها أيضا سلسلة واحدة خلقهم الله لها ذرية بعضها من بعض، فمن تولاهم فقد دخل بيوتهم و ألحق بهم، فأهل الولاية من الشيعة داخلون في هذا البيت و يشملهم دعاء نوح عليه السلام.

الثاني: أن يكون المراد أنه لما كان المراد بقول نوح عليه السلام: لمن دخل بيتي

ص: 69

55 وَ بِهَذَا الْإِسْنَادِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْفُضَيْلِ عَنِ الرِّضَا ع قَالَ قُلْتُ قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَ بِرَحْمَتِهِ فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ

من دخل في ولايته و ولاية أهل بيته فمن دخل في ولاية أهل بيت محمد صلى الله عليه و آله و سلم فهو أيضا داخل في أهله يشمله دعاؤهم و تسري إليه كرامتهم.

الثالث: أن يكون الولاية بفتح الواو بمعنى الإمامة و الخلافة فقوله: من دخل في الولاية أي صار إماما دخل في بيت الأنبياء أي في منزلتهم و مرتبتهم و هي الرئاسة العامة في الدين و الدنيا، و قوله: مؤمنا احتراز عن الغاصب الجاهل أو حال مؤكدة.

و يؤيد هذا الوجه قوله" و قوله إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ" (إلخ) لما مر أنها نزلت في أهل البيت عليهم السلام، و عصمتهم و طهارتهم و إمامتهم و على الوجهين الأولين لعل المقصود ذكر نظير لكون المراد بالبيت البيت المعنوي فإن المراد بها بيت الخلافة لا أن من دخل فيها يكون من أهل البيت عليهم السلام فإنه فرق بين الداخل في البيت و من يكون من أهله، على أنه يحتمل أن يكون هذا بطنا من بطون الآية، و على هذا البطن يكون أهل هذا البيت منزهين عن رجس الشرك و الكفر و إن كان بعضهم مخصوصين بالعصمة من سائر الذنوب.

الحديث الخامس و الخمسون

: ضعيف.

" قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَ بِرَحْمَتِهِ" قال البيضاوي: بإنزال القرآن، و الباء متعلقة بفعل يفسره قوله فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا" فإن اسم الإشارة بمنزلة الضمير تقديره بفضل الله و برحمته فليعتنوا أو فليفرحوا، و فائدة ذلك التكرير و البيان بعد الإجمال، و إيجاب اختصاص الفضل و الرحمة بالفرح أو بفعل دل عليه: قد جاءتكم، و" ذلك" إشارة إلى مصدره، أي فبمجيئها فليفرحوا، و الفاء بمعنى الشرط كأنه قيل: إن فرحوا بشي ء فيهما ليفرحوا، أو للربط بما قبلها و الدلالة على أن مجي ء الكتاب الجامع بين هذه الصفات موجب تكرير للتأكيد" هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ" من حطام الدنيا فإنها إلى

ص: 70

خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ قَالَ بِوَلَايَةِ مُحَمَّدٍ وَ آلِ مُحَمَّدٍ ع هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُ هَؤُلَاءِ مِنْ دُنْيَاهُمْ

56 أَحْمَدُ بْنُ مِهْرَانَ عَنْ عَبْدِ الْعَظِيمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْحَسَنِيِّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَسْبَاطٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الْحَمِيدِ عَنْ زَيْدٍ الشَّحَّامِ قَالَ قَالَ لِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ع وَ نَحْنُ فِي الطَّرِيقِ فِي لَيْلَةِ الْجُمُعَةِ اقْرَأْ فَإِنَّهَا لَيْلَةُ الْجُمُعَةِ قُرْآناً فَقَرَأْتُ إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ

الزوال، و هو ضمير ذلك، و قرأ ابن عامر" تجمعون" على معنى فبذلك فليفرح المؤمنون فهو خير مما تجمعونه أيها المخاطبون.

و قال الطبرسي: قيل: فضل الله هو القرآن، و رحمته هو الإسلام، و قيل:

فضل الله الإسلام و رحمته القرآن، و قال أبو جعفر الباقر عليه السلام: فضل الله رسول الله و رحمته علي بن أبي طالب عليه السلام، و روى ذلك الكليني عن أبي صالح عن ابن عباس، و روى علي بن إبراهيم بإسناده عن أبي عبد الله عليه السلام في قوله تعالى:" يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَ شِفاءٌ لِما فِي الصُّدُورِ وَ هُدىً وَ رَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ" قال: رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم و القرآن، ثم قال: قل لهم يا محمد بفضل الله و برحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون، قال: الفضل رسول الله و رحمته أمير المؤمنين، فبذلك فليفرحوا، قال: فليفرح شيعتنا هو خير مما أعطوا أعداؤنا من الذهب و الفضة.

أقول: على ما في خبر المتن كأنه عليه السلام فسر الفضل بالنبي و الرحمة بالأئمة عليهم السلام أو فسرهما بهم جميعا فإنهم فضل الله و رحمته، و يحتمل التعميم ليشمل جميع نعم الله الدينية على المؤمنين، و يكون ذكرهم لبيان أفضل أفراد الفضل و الرحمة فإن ولايتهم أعظم نعم الله على العباد كما ورد في أخبار كثيرة أن النعيم في قوله تعالى" ثُمَّ لَتُسْئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ" هو الولاية.

الحديث السادس و الخمسون

: ضعيف على المشهور، و يدل على فضل تلاوة القرآن ليلة الجمعة و فضل استماعه.

" إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كان مِيقاتُهُمْ" كذا في أكثر النسخ و ليس في المصحف" كان"

ص: 71

كَانَ مِيقاتُهُمْ أَجْمَعِينَ. يَوْمَ لا يُغْنِي مَوْلًى عَنْ مَوْلًى شَيْئاً وَ لا هُمْ يُنْصَرُونَ. إِلَّا مَنْ رَحِمَ اللَّهُ فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ع نَحْنُ وَ اللَّهِ الَّذِي رَحِمَ اللَّهُ وَ نَحْنُ وَ اللَّهِ الَّذِي اسْتَثْنَى اللَّهُ لَكِنَّا نُغْنِي عَنْهُمْ

57 أَحْمَدُ بْنُ مِهْرَانَ عَنْ عَبْدِ الْعَظِيمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَالِمٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ لَمَّا نَزَلَتْ وَ تَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ

قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص هِيَ أُذُنُكَ يَا عَلِيُ

و كأنه زيد من النساخ، و قال البيضاوي: أي فصل الحق عن الباطل و المحق عن المبطل بالجزاء، و فصل الرجل عن أقاربه و أحبائه" ميقاتهم" وقت موعدهم" يَوْمَ لا يُغْنِي" بدل من يوم الفصل أو صفة لميقاتهم أو ظرف لما دل عليه الفصل" مَوْلًى" من قرابة أو غيرها" عَنْ مَوْلًى" أي مولى كان" شَيْئاً" من الإغناء" وَ لا هُمْ يُنْصَرُونَ" الضمير لمولى الأول باعتبار المعنى لأنه عام" إِلَّا مَنْ رَحِمَ اللَّهُ" بالعفو عنه و قبول الشفاعة منه و محله الرفع على البدل من الواو، و النصب على الاستثناء، انتهى.

و أقول: على تفسيره عليه السلام إلا من رحم الله، استثناء من المولى،" نحن و الله الذي" كذا في أكثر النسخ و أفراده لموافقة لفظة من، و في بعض النسخ: الذين في الموضعين كما في تفسير محمد بن العباس و فيه و إنا و الله نغني عنهم، و ضمير عنهم للشيعة الإمامية.

الحديث السابع و الخمسون

: كالسابق.

" وَ تَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ" في سورة الحاقة" إِنَّا لَمَّا طَغَى الْماءُ حَمَلْناكُمْ فِي الْجارِيَةِ، لِنَجْعَلَها لَكُمْ تَذْكِرَةً وَ تَعِيَها" (إلخ) و نزول هذه الآية في أمير المؤمنين عليه السلام مما قد أجمع عليه المفسرون، قال الزمخشري:" أُذُنٌ واعِيَةٌ

" من شأنها من تعي و تحفظ ما سمعت به، و لا تضيعه بترك العمل و كل ما حفظته في نفسك فقد وعيته، و ما حفظته في غيرك فقد أوعيته، كقولك: أوعيت الشي ء في الظرف، و عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم أنه قال

ص: 72

لعلي عليه السلام عند نزول هذه الآية: سألت الله أن يجعلها إذنك يا علي، قال علي:

فما نسيت شيئا بعد، و ما كان لي أن أنسى.

فإن قيل لم قيل: أذن واعية على التوحيد و التنكير؟ قلت: للإيذان بأن الوعاة فيهم قلة و لتوبيخ الناس بقلة من يعي منهم، و للدلالة على أن الأذن الواحدة إذا وعت و عقلت عن الله فهي السواد الأعظم [عند الله] و إن ما سواها لم يبال بهم و إن ملئوا ما بين الخافقين، انتهى.

و نحو ذلك روى و ذكر الرازي في تفسيره.

و أورد محمد بن العباس في تفسيره ثلاثين حديثا عن الخاص و العام في نزول هذه الآية فيه عليه السلام نذكر منها واحدا و هو ما رواه بإسناده عن جابر عن أبي جعفر عليه السلام قال: جاء رسول الله إلى علي عليه السلام و هو في منزله فقال: يا علي نزلت على الليلة هذه الآية" وَ تَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ

" و إني سألت ربي أن يجعلها إذنك، اللهم اجعلها أذن على، اللهم اجعلها أذن علي، ففعل.

و روي في كشف الغمة عن محمد بن طلحة عن الثعلبي في تفسيره يرفعه بسنده قال: لما نزلت هذه الآية: و تعيها أذن واعية، قال رسول الله لعلي عليه السلام: سألت الله أن يجعلها إذنك يا علي، قال علي: فما نسيت شيئا بعد ذلك و ما كان لي أن إنسي.

و روى السيد في الطرائف عن الثعلبي و ابن المغازلي مثله، و روى الصفار في البصائر بإسناده عن أبي عبد الله عليه السلام في قول الله: و تعيها أذن واعية، قال: وعت أذن أمير المؤمنين ما كان و ما يكون.

و قال ابن شهرآشوب (ره) في المناقب: و روى أبو نعيم في الحلية عن عمر بن علي بن أبي طالب عن أبيه عليه السلام، و الواحدي في أسباب نزول القرآن عن أبي بريدة و أبو القاسم بن حبيب في تفسيره عن زر بن حبيش عن علي بن أبي طالب عليه السلام و اللفظ له: قال علي بن أبي طالب: ضمني رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم و قال: أمرني ربي أن أدنيك و لا

ص: 73

أقصيك و أن تسمع و تعي، و في تفسير الثعلبي في رواية بريدة و أن أعلمك و تعي، و حق على الله أن تسمع و تعي، و في تفسير الثعلبي في رواية بريدة و أن أعلمك و تعي و حق على الله أن تسمع و تعي فنزلت: و تعيها أذن واعية، و ذكر النطنزي في أخبار أبي رافع قال صلى الله عليه و آله و سلم: إن الله تعالى أمرني أن أدنيك و لا أقصيك، و أن أعلمك و لا أجفوك، و حق علي أن أطيع ربي فيك، فحق عليك أن تعي، و في محاضرات الراغب قال الضحاك و ابن عباس.

و في أمالي الطوسي قال الصادق عليه السلام و في بعض كتب الشيعة عن سعد بن طريف عن أبي جعفر عليه السلام قالوا:" وَ تَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ

" أذن علي عليه السلام و عن الباقر عليه السلام قال النبي صلى الله عليه و آله و سلم لما نزلت هذه الآية: و الله إذنك يا علي.

و في كتاب الياقوت عن أبي عمر و غلام تغلب، و الكشف و البيان عن الثعلبي عن ميمون بن مهران عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم لما نزلت: و تعيها أذن واعية قلت:

اللهم اجعلها أذن علي فما سمع شيئا بعده إلا حفظه، و عن سعيد بن جبير عن ابن عباس:

و تعيها أذن واعية، قال: قال النبي صلى الله عليه و آله و سلم: ما زلت أسأل الله تعالى منذ أنزلت أن تكون أذنيك يا علي، انتهى.

و أقول: روى السيوطي في الدر المنثور بإسناده عن سعيد بن منصور و ابن جرير و ابن المنذر و ابن أبي حاتم عن مكحول قال: لما نزلت" وَ تَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ

" قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: سألت أن يجعلها إذنك يا علي فقال علي عليه السلام ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم شيئا فنسيته، قال: و أخرج سعد بن منصور و ابن مردويه و أبو نعيم في الحلية من طريق لمكحول عن علي بن أبي طالب عليه السلام في قوله: و تعيها أذن واعية، قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: سألت الله أن يجعلها إذنك يا علي فقال علي: ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم شيئا فنسيته، قال: و أخرج ابن جرير و ابن أبي حاتم و الواحدي و ابن مردويه و ابن عساكر و ابن النجار عن بريدة قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم لعلي

ص: 74

58 أَحْمَدُ بْنُ مِهْرَانَ عَنْ عَبْدِ الْعَظِيمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْفُضَيْلِ عَنْ أَبِي حَمْزَةَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ع قَالَ نَزَلَ جَبْرَئِيلُ ع بِهَذِهِ الْآيَةِ عَلَى مُحَمَّدٍ ص هَكَذَا- فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا آلَ مُحَمَّدٍ حَقَّهُمْ قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنْزَلْنا عَلَى

إن الله أمرني أن أدنيك و لا أقصيك، و أن أعلمك و أن تعي، و حق لك أن تعي فنزلت هذه الآية" وَ تَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ

" فأنت أذن واعية لعلمي، انتهى.

فاعلم أنه دلت الآية باتفاق الفريقين على كمال علمه و اختصاصه من بين سائر الصحابة بذلك، و لا يريب عاقل في أن فضل الإنسان بالعلم و أن العمدة في الخلافة التي هي رئاسة الدين و الدنيا العلم، و الآيات و الأخبار المتواترة دالة علي ذلك، فثبت أنه عليه السلام أولى بالخلافة من سائر الصحابة، و أنه لا يجوز تفضيل غيره عليه، و قد فصلنا القول في ذلك في كتابنا الكبير.

الحديث الثامن و الخمسون

: كالسابق.

و الآية في سورة البقرة و ما قبلها هكذا:" وَ إِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْها حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَداً وَ ادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً وَ قُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطاياكُمْ وَ سَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ، فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنْزَلْنا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزاً مِنَ السَّماءِ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ" و قال المفسرون: نزلت في بني إسرائيل حيث أمروا بعد التيه أن يدخلوا القرية يعني بيت المقدس و قيل أريحا فيأكلوا منها حيث شاءوا" رَغَداً" أي واسعا" وَ ادْخُلُوا الْبابَ"، أي باب القرية أو القبة التي كانوا يصلون إليها" سُجَّداً" أي متطامنين مخبتين، أو ساجدين لله شكرا على إخراجهم من التيه" وَ قُولُوا حِطَّةٌ" أي مسألتنا أو أمرك حطة، و هي فعلة من الحط أي حط ذنوبنا" نَغْفِرْ لَكُمْ خَطاياكُمْ" بسجودكم و دعائكم" وَ سَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ" ثوابا" فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ" بأن طلبوا بدل ذلك ما يشتهون من أغراض الدنيا، و قيل: إنهم قالوا بالسريانية: حطا سمقاتا و معناه حنطة حمراء فيها شعيرة، و كان قصدهم في ذلك الاستهزاء.

ص: 75

الَّذِينَ ظَلَمُوا آلَ مُحَمَّدٍ حَقَّهُمْ رِجْزاً مِنَ السَّماءِ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ

و قيل: إنهم قالوا حنطة تجاهلا و استهزاء و كانوا قد أمروا أن يدخلوا الباب ليدخلوه كذلك فدخلوه زاحفين على أستاههم فخالفوا في الدخول أيضا" فَأَنْزَلْنا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا" أي فعلوا ما لم يكن لهم فعله من تبديلهم ما أمرهم الله به بالقول و الفعل" رِجْزاً" أي عذابا" مِنَ السَّماءِ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ" أي بفسقهم.

قيل: أهلكوا بالطاعون فمات منهم في ساعة واحدة أربعة و عشرون ألفا من كبرائهم و شيوخهم، و بقي الأنبياء فانتقل منهم العلم و العبادة.

و أما تأويله عليه السلام فكأنه مبني على ما مر من أن القصص و الأمثال التي يذكرها الله سبحانه إنما هو لتذكير هذه الأمة و تنبيههم على الإتيان بمثل ما أمر به الأمم السابقة و الانتهاء عن مثل ما نهوا عنه، و قد ورد في الأخبار المتواترة من طريق الخاصة و العامة أن النبي صلى الله عليه و آله و سلم قال: مثل أهل بيتي مثل باب حطة في بني إسرائيل فكما أن بني إسرائيل أمروا بدخول الباب و التطأمن عندها فأبوا و عذبوا، فكذا أمر النبي صلى الله عليه و آله و سلم بالدخول في باب ولاية أمير المؤمنين و الأئمة من ولده صلوات الله عليهم، و الخضوع و الانقياد لهم كما قال: أنا مدينة العلم و على بابها، فلم يفعلوا و بدلوا ما أمروا به قولا و فعلا باتباع خلفاء الجور و الاستكبار عن طاعة العترة الطاهرة، فعذبوا في الدنيا و الآخرة، و لو كانوا أطاعوهم لأكلوا حيث شاءوا رغدا من النعم الجسمانية و الروحانية من العلوم و الحكم الربانية، فهو بيان لمورد نزول الآية أو لنظير تلك القصة في هذه الأمة.

على أنه ورد في تفسير الإمام العسكري عليه السلام في تفسير الآيتين قال الإمام عليه السلام قال الله تعالى: و اذكروا يا بني إسرائيل" إِذْ قُلْنَا" لأسلافكم" ادْخُلُوا هذِهِ الْقَرْيَةَ" و هي أريحا من بلاد الشام و ذلك حين خرجوا من التيه" فَكُلُوا مِنْها" من القرية" حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَداً" واسعا بلا تعب" وَ ادْخُلُوا" باب القرية" سُجَّداً" مثل الله

ص: 76

59 وَ بِهَذَا الْإِسْنَادِ عَنْ عَبْدِ الْعَظِيمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْحَسَنِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْفُضَيْلِ عَنْ أَبِي حَمْزَةَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ع قَالَ نَزَلَ جَبْرَئِيلُ ع بِهَذِهِ الْآيَةِ هَكَذَا إِنَّ الَّذِينَ ... ظَلَمُوا آلَ مُحَمَّدٍ حَقَّهُمْ لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَ لا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقاً. إِلَّا طَرِيقَ

تعالى على الباب مثال محمد و على و أمرهم أن يسجدوا تعظيما لذلك المثال، و يجددوا على أنفسهم بيعتهما و ذكر موالاتهما و ليذكروا العهد و الميثاق المأخوذين عليهم لهما" وَ قُولُوا حِطَّةٌ" أي قولوا أن سجودنا لله تعظيما لمثال محمد و علي و اعتقادنا لموالاتهما حطة لذنوبنا و محو لسيئاتنا قال الله تبارك و تعالى" نَغْفِرْ لَكُمْ" أي بهذا الفعل" خَطاياكُمْ" السالفة و نزل عنكم آثامكم الماضية" وَ سَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ" و من كان منكم لم يقارف الذنوب التي قارفها من خالف الولاية و ثبت علي ما أعطى الله من نفسه من عهد الولاية فإنا نزيدهم بهذا الفعل زيادة درجات و مثوبات و ذلك قوله:" سَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ" قال الله عز و جل:" فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ" لم يسجدوا كما أمروا و لا قالوا ما أمروا، و لكن دخلوها مستقبليها بأستاههم و قالوا حطا و سمقاتا أي حنطة حمراء نتقوتها أحب إلينا من هذا الفعل، و هذا القول قال الله تعالى.

" فَأَنْزَلْنا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا" بأن غيروا و بدلوا ما قيل لهم و لم ينقادوا لولاية محمد و على و آلهما الطاهرين" رِجْزاً مِنَ السَّماءِ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ" أي يخرجون عن أمر الله و طاعته.

قال: و الرجز الذي أصابهم أنه مات منهم بالطاعون في بعض يوم مائة و عشرون ألفا و هم من علم الله منهم أنهم لا يؤمنون و لا يتوبون، و لم ينزل هذا الرجز على من علم أنه يتوب أو يخرج من صلبه ذرية طيبة يوحد الله و يؤمن بمحمد و يعرف موالاة على وصيه و أخيه، انتهى.

و على هذا لا يحتاج إلى تكلف و يستقيم الخبر تأويلا و تنزيلا.

الحديث التاسع و الخمسون

كالسابق.

و الآيتان في سورة النساء هكذا:" إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَ ظَلَمُوا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ

ص: 77

جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها أَبَداً وَ كانَ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً ثُمَّ قَالَ يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِنْ رَبِّكُمْ فِي وَلَايَةِ عَلِيٍّ فَآمِنُوا خَيْراً لَكُمْ وَ إِنْ تَكْفُرُوا بِوَلَايَةِ عَلِيٍّ فَإِنَّ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَ مَا فِي الْأَرْضِ

60 أَحْمَدُ بْنُ مِهْرَانَ رَحِمَهُ اللَّهُ عَنْ عَبْدِ الْعَظِيمِ عَنْ بَكَّارٍ عَنْ جَابِرٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ع قَالَ هَكَذَا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ- وَ لَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا ما يُوعَظُونَ بِهِ- فِي عَلِيٍّ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ

لَهُمْ وَ لا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقاً إِلَّا طَرِيقَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها أَبَداً وَ كانَ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً، يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِنْ رَبِّكُمْ فَآمِنُوا خَيْراً لَكُمْ وَ إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ

وَ كانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً" قال البيضاوي إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَ ظَلَمُوا محمدا بإنكار نبوته أو الناس بصدهم عما فيه صلاحهم و خلاصهم أو بأعم من ذلك" فَآمِنُوا خَيْراً لَكُمْ" أي إيمانا خيرا لكم، أو ائتوا أمرا خيرا لكم ما أنتم عليه، و قيل: تقديره يكن الإيمان خيرا لكم" وَ إِنْ تَكْفُرُوا" إلى آخره يعني و إن تكفروا فهو غني عنكم لا يتضرر بكفركم، كما لا ينتفع بإيمانكم، و نبه على غناه بقوله:" لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ" و هو يعم ما اشتملتا عليه و ما تركبتا منه" وَ كانَ اللَّهُ" بأحوالهم" حَكِيماً" فيما دبر لهم، انتهى.

و أقول: ما ذكره عليه السلام تنزيلا أو تأويلا قريب مما ذكروه، لأن ظلم آل محمد يمنعهم عن الإمامة التي جعلها الله لهم ظلم للنبي صلى الله عليه و آله و سلم و لجميع الناس، و الكفر بهم و إنكار إمامتهم كفر بالله و رسوله و لعل ترك قوله: كفروا هنا للدلالة على أن العطف للتفسير، و يحتمل نزولها هكذا، و يؤيد الأول ما رواه علي بن إبراهيم بإسناده عن أبي بصير قال: قرأ أبو عبد الله عليه السلام إن الذين كفروا و ظلموا آل محمد حقهم لم يكن الله ليغفر لهم الآية، و يحتمل أن الترك من النساخ أو بعض الرواة.

الحديث الستون

كالسابق، و قد مضى بسند آخر عن بكار في الثامن و العشرين من الباب.

ص: 78

61 أَحْمَدُ عَنْ عَبْدِ الْعَظِيمِ عَنِ ابْنِ أُذَيْنَةَ عَنْ مَالِكٍ الْجُهَنِيِّ قَالَ قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع- وَ أُوحِيَ إِلَيَّ هذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَ مَنْ بَلَغَ قَالَ مَنْ بَلَغَ أَنْ يَكُونَ إِمَاماً مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ يُنْذِرُ بِالْقُرْآنِ كَمَا يُنْذِرُ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ ص

62 أَحْمَدُ عَنْ عَبْدِ الْعَظِيمِ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ مَيَّاحٍ عَمَّنْ أَخْبَرَهُ قَالَ قَرَأَ رَجُلٌ عِنْدَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع- قُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَ رَسُولُهُ وَ الْمُؤْمِنُونَ فَقَالَ لَيْسَ هَكَذَا هِيَ إِنَّمَا هِيَ وَ الْمَأْمُونُونَ فَنَحْنُ الْمَأْمُونُونَ

63 أَحْمَدُ عَنْ عَبْدِ الْعَظِيمِ عَنْ هِشَامِ بْنِ الْحَكَمِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ هَذَا صِرَاطُ عَلِيٍّ مُسْتَقِيمٌ

الحديث الحادي و الستون

كالسابق، و قد مر أيضا بسند آخر عن ابن أذينة في الحادي و العشرين من الباب.

الحديث الثاني و الستون

ضعيف.

و ظاهره كون قراءتهم عليهم السلام و المأمونون، و قد مضت أخبار كثيرة في باب عرض الأعمال عليهم عليهم السلام على القراءة المشهورة و تفسير المؤمنين فيهما بالأئمة عليهم السلام، فيحتمل أن يكون المراد هنا أيضا ذلك، أي ليس المراد بالمؤمنين هنا ما يقابل الكافرين، ليشمل كل مؤمن بل المراد به كمل المؤمنين و هم المأمونون عن الخطإ، المعصومون عن الزلل و هم الأئمة عليهم السلام، و يحتمل أن يكون في مصحفهم عليهم السلام المأمونون و فسروا في سائر الأخبار القراءة المشهورة بما يوافق قراءتهم.

الحديث الثالث و الستون

ضعيف على المشهور صحيح عندي.

و قرأ القراء السبعة بضم الصراط و التنوين و علي بفتح اللام، و قال الطبرسي قرأ يعقوب صراط علي بالرفع أي بكسر اللام و رفع الياء و التنوين، قال: و هو رواية أبي رجاء و ابن سيرين و قتادة و الضحاك و مجاهد و قيس بن عبادة و عمرو بن ميمون و روي ذلك عن أبي عبد الله عليه السلام، انتهى.

ص: 79

64 أَحْمَدُ عَنْ عَبْدِ الْعَظِيمِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْفُضَيْلِ عَنْ أَبِي حَمْزَةَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ع قَالَ نَزَلَ جَبْرَئِيلُ بِهَذِهِ الْآيَةِ هَكَذَا فَأَبى أَكْثَرُ النَّاسِ بِوَلَايَةِ عَلِيٍّ إِلَّا كُفُوراً قَالَ وَ نَزَلَ جَبْرَئِيلُ ع بِهَذِهِ الْآيَةِ هَكَذَا- وَ قُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فِي وَلَايَةِ عَلِيٍّ فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَ مَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنا لِلظَّالِمِينَ آلَ مُحَمَّدٍ ناراً

و أقول: كأنه فهم هذا الخبر هكذا و هو بعيد، بل الظاهر أنه على قراءته عليه السلام صراط مرفوع غير منون و علي بكسر اللام مجرور منون، و قبل هذه الآية قول إبليس" بِما أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ، إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ" قال: هذا إلى آخره.

قال الطبرسي: فيه وجوه: أحدها: أنه على جهة التهديد له كما تقول لغيرك افعل ما شئت و طريقك على أي لا تفوتني، و ثانيها: أن ما تذكره من أمر المخلصين و الغاوين طريق ممره على أي ممر من سلكه على مستقيم لا عدول فيه عني، و أجازي كلا من الفريقين بما عمل، و ثالثها: أن معناه هذا دين مستقيم علي بيانه و الهداية إليه و قال: في القراءة الأخرى قال ابن جني: على هنا كقولك كريم شريف و ليس المراد به علو الشخص، و يؤيد قراءة الجر ما رواه السيد قدس سره في الطرائف عن محمد بن مؤمن الشيرازي بإسناده إلى قتادة عن الحسن البصري قال: كان يقرأ هذا الحرف صراط على مستقيم فقلت للحسن: و ما معناه؟ قال: يقول: هذا طريق علي بن أبي طالب عليه السلام و دينه طريق و دين مستقيم فاتبعوه و تمسكوا به فإنه لا عوج فيه.

الحديث الرابع و الستون

: ضعيف على المشهور.

" بولاية علي" متعلق بقوله: كفروا، و الآية في بني إسرائيل هكذا:" وَ لَقَدْ صَرَّفْنا فِي هذَا الْقُرْآنِ لِيَذَّكَّرُوا. فَأَبى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُوراً" و الضمير راجع إلى القرآن و على تنزيله أو تأويله عليه السلام المراد به الآيات النازلة في الولاية، أو هي الأصل و العمدة

ص: 80

65 عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْفُضَيْلِ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ ع فِي قَوْلِهِ وَ أَنَّ الْمَساجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً قَالَ هُمُ الْأَوْصِيَاءُ

فيه كما مر مرارا، و إرجاع الضمير إلى علي عليه السلام كما قيل بعيد" وَ قُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ" الآية في سورة الكهف و قبلها:" وَ اصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَ الْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَ لا تَعْدُ عَيْناكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا وَ لا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا وَ اتَّبَعَ هَواهُ وَ كانَ أَمْرُهُ فُرُطاً، وَ قُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ" قال البيضاوي: ما يكون من جهة الله لا ما يقتضيه الهوى، و يجوز أن يكون الحق خبر محذوف و من ربكم حالا" فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَ مَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ" لا أبالي بإيمان من آمن و كفر من كفر" إِنَّا أَعْتَدْنا" أي هيأنا" لِلظَّالِمِينَ ناراً

أَحاطَ بِهِمْ سُرادِقُها" أي فسطاطها، شبه به ما يحيط بهم من النار، انتهى.

و الآية السابقة في سلمان و أضرابه من شيعة أمير المؤمنين عليه السلام فيناسب كون تلك الآية في ولايته عليه السلام قال علي بن إبراهيم: قال أبو عبد الله عليه السلام نزلت هذه الآية هكذا: قل الحق من ربكم، يعني ولاية علي عليه السلام، فمن شاء فليؤمن و من شاء فليكفر إنا اعتدنا للظالمين آل محمد نارا أحاط بهم سرادقها.

الحديث الخامس و الستون

: مجهول كالصحيح.

و وردت أخبار كثيرة في ذلك، و روى محمد بن عباس بإسناده عن موسى بن جعفر في هذه الآية قال: سمعت أبي عليه السلام يقول: هم الأوصياء و الأئمة منا واحدا فواحدا فلا تدعوا إلى غيرهم فتكونوا كمن دعا مع الله أحدا هكذا نزلت، و روى علي بن إبراهيم في تفسيره عن أبيه عن الحسين بن خالد عن الرضا عليه السلام في هذه الآية قال:

المساجد الأئمة صلوات الله عليهم.

و أقول: اختلف المفسرون في المساجد المذكورة في هذه الآية، فقيل: المراد بها المواضع التي بنيت للعبادة، و قد دلت عليه بعض أخبارنا، و قيل: هي المساجد السبعة

ص: 81

66 مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ عَنِ الْأَحْوَلِ عَنْ سَلَّامِ بْنِ الْمُسْتَنِيرِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ع فِي قَوْلِهِ تَعَالَى قُلْ هذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللَّهِ عَلى بَصِيرَةٍ أَنَا وَ مَنِ اتَّبَعَنِي قَالَ ذَاكَ رَسُولُ اللَّهِ ص وَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ ع وَ الْأَوْصِيَاءُ مِنْ بَعْدِهِمْ

التي يسجد عليها كما روي عن أبي جعفر الثاني عليه السلام، و قيل: هي الصلوات و أما التأويل الوارد في تلك الأخبار، فيحتمل وجهين: الأول: أن يكون المراد بها بيوتهم و مشاهدهم فإن الله تعالى جعلها محلا للسجود، أي الخضوع و التذلل و الإطاعة و الانقياد، فيقدر مضاف في الأخبار، و على هذا الوجه يحتمل التعميم بحيث تشمل سائر البقاع المشرفة، و يكون ذكر هذا لبيان أشرف أفرادها، و الثاني: أن يكون المراد بها الأئمة عليهم السلام إما بأن يكون المراد بالمساجد البيوت المعنوية كما مر أو لكونهم أهل المساجد حقيقة كما قال سبحانه:" إِنَّما يَعْمُرُ مَساجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ، الآية" فيقدر مضاف في الآية، و كان الأول أنسب، فقوله فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً

أي مع خليفة الله أو جعل دعوتهم دعوة الله، و دعوة غيرهم شركا بالله كما قال:" إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللَّهَ".

الحديث السادس و الستون

: مجهول.

قال: ذاك، أي الداعي إلى الله، و ذكر المفسرون أن المراد بمن اتبعه من آمن به، و ذكر بالقرآن و المواعظ، و نهى عن معاصي الله، و ما ذكره عليه السلام ألصق و أنسب بالآية، إذ عدم ذكر ما يتبع فيه يدل على العموم، و من اتبعه صلى الله عليه و آله و سلم في جميع أقواله و أفعاله و أحواله ليس إلا المعصومون من عترته عليهم السلام، و أيضا الدعوة إلى الله تعالى منصب الأنبياء و الأوصياء لا سيما إذا قرنت بدعوة الرسول صلى الله عليه و آله و سلم، و أمير المؤمنين عليه السلام كان أول من اتبعه و أقدمهم و أشدهم له متابعة من غيره، فهو أولى بذلك، ثم الأوصياء من ولده كانوا كذلك.

ص: 82

67 مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ عَنْ حَنَانٍ عَنْ سَالِمٍ الْحَنَّاطِ قَالَ سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ ع عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ- فَأَخْرَجْنا مَنْ كانَ فِيها مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَما وَجَدْنا فِيها غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ ع- آلُ مُحَمَّدٍ لَمْ يَبْقَ فِيهَا غَيْرُهُمْ

و كون المراد بمن اتبعه أمير المؤمنين عليه السلام مما رواه المخالفون أيضا بأسانيد، رواه في كشف الغمة عن ابن مردويه قال: من اتبعني علي، و روى ابن بطريق في المستدرك في قوله تعالى:" حَسْبُكَ اللَّهُ وَ مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ" قال: نزلت في علي بن أبي طالب عليه السلام و ما ذكره بعض المفسرين أن الكلام تم عند قوله: إلى الله، و قوله: على بصيرة أنا و من اتبعني، جملة أخرى فهو بعيد جدا، و قد مضى بعض القول فيه في باب حالات الأئمة عليهم السلام في السن.

الحديث السابع و الستون

: موثق.

" فَأَخْرَجْنا مَنْ كانَ فِيها" الآية في سياق قصة قوم لوط، و قال المفسرون:

ضمير فيها راجع إلى قراهم" مِنَ الْمُؤْمِنِينَ" أي ممن آمن بلوط" فَما وَجَدْنا فِيها غَيْرَ بَيْتٍ" أي غير أهل بيت" مِنَ الْمُسْلِمِينَ" و استدل به على اتحاد الإسلام و الإيمان و أما تأويله عليه السلام فكأنه مبني على ما أسفلنا من أن نزول القصص لتذكير هذه الأمة و زجرهم عن الإتيان بمثل أفعالهم، فهذا إما بيان لمورد نزول الآية أو مصداقها في هذه الأمة فإن كل ما وقع في الأمم السالفة يقع مثله في هذه الأمة، فنظير تلك الواقعة خروج علي عليه السلام و أهل بيته من المدينة، إذ لما أراد الله إهلاك قوم لوط أخرج لوطا و أهله منها ثم عذبهم، فكذا لما أراد أن يشمل أهل المدينة بسخطة لظلمهم و كفرهم و عداوتهم على أهل البيت أخرج أمير المؤمنين و أهل بيته منها فشملهم من البلايا الصورية و المعنوية ما شملهم، و يحتمل أن يكون على هذا البطن ضمير منها راجعا إلى المدينة و المعنى كما مر و الأول أظهر.

ص: 83

68 الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ مُعَلَّى بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُمْهُورٍ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ سَهْلٍ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِي السَّفَاتِجِ عَنْ زُرَارَةَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ع فِي قَوْلِهِ تَعَالَى- فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَ قِيلَ هذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَدَّعُونَ قَالَ هَذِهِ نَزَلَتْ فِي أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ وَ أَصْحَابِهِ الَّذِينَ عَمِلُوا مَا عَمِلُوا يَرَوْنَ

و قال بعض المحققين: يعني أن الناجين من قوم لوط المخرجين معه من القرية لئلا يصيبهم العذاب النازل عليها هم آل محمد و أهل بيته، و ذلك لأن آل كل كبير و أهل بيته من أقر بفضله و اتبع أمره و سار بسيرته، فالمؤمنون المنقادون المتقون من كل أمة آل نبيهم و وصي نبيهم، و أهل بيت لهما و إن كان بيوتهم بعيدة بحسب المسافة عن بيتها، فإن البيت في مثل هذا لا يراد به بيت البنيان، و لا بيت النساء و الصبيان، بل بيت التقوى و الإيمان، و بيت النبوة و الحكمة و العرفان، و كذلك كل نبي أو وصي فهو آل النبي الأفضل و الوصي الأمثل فجميع الأنبياء و الأوصياء السابقين و أممهم المتقين أهل بيته و آله، و لذا قال صلى الله عليه و آله و سلم: كل تقي و نقي آلى، و قال: سلمان منا أهل البيت، و ورد في ابن نوح:" إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ" إلى غير ذلك، و تصديق ما قلنا في كلام الصادق عليه السلام الذي رواه المفضل أن الأنبياء جميعا محبون لمحمد و علي متبعون أمرهما.

الحديث الثامن و الستون

ضعيف.

" فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً" أي ذا زلفة و قرب، قال الطبرسي قدس سره: أي فلما رأوا العذاب قريبا يعني يوم بدر و قيل: معاينة، و قيل: إن اللفظ ماض و المراد به المستقبل، و المعنى إذا بعثوا و رأوا القيامة قد قامت و رأوا ما أعد الله لهم من العذاب، و هذا قول أكثر المفسرين" سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا" أي أسودت وجوههم و غلبها الكآبة و قيل: ظهر على وجوههم آثار الغم و الحسرة و نالهم السوء و الخزي

ص: 84

أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ع فِي أَغْبَطِ الْأَمَاكِنِ لَهُمْ فَيُسِي ءُ وُجُوهَهُمْ وَ يُقَالُ لَهُمْ- هذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَدَّعُونَ الَّذِي انْتَحَلْتُمِ اسْمَهُ

وَ قِيلَ لهؤلاء الكفار إذا شاهدوا العذاب:" هذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَدَّعُونَ" قال الفراء:

تدعون و تدعون واحد، مثل تدخرون و تدخرون و المعنى كنتم به تستعجلون و تدعون الله بتعجيله، و هو قولهم:" إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ" الآية عن ابن زيد، و قيل: هو من الدعوى أي تدعون أن لا جنة و لا نار.

و روى الحاكم أبو القاسم الحسكاني بالأسانيد الصحيحة عن شريك عن الأعمش قال: لما رأوا ما لعلي بن أبي طالب عليه السلام عند الله من الزلفى سيئت وجوه الذين كفروا، و عن أبي جعفر عليه السلام قال: لما رأوا مكان علي عليه السلام من النبي صلى الله عليه و آله و سلم سيئت وجوه الذين كفروا، يعني الذين كذبوا بفضله، انتهى.

" في أغبط الأماكن" أي أحسن مكان يغبط الناس عليه و يتمنونه، و في القاموس الغبطة بالكسر حسن الحال و المسرة و تمنى نعمة على أن لا تتحول عن صاحبها، و قال: انتحل فلان شعر غيره أو قول غيره، إذا ادعاه لنفسه و تنحله مثله، انتهى.

و المراد بالاسم أمير المؤمنين فالمعنى كنتم بسببه تدعون اسمه و مرتبته، أو تكون الباء زائدة كما روى محمد بن العباس بإسناده عن فضيل عن أبي جعفر عليه السلام قال: تلا هذه الآية" فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً" الآية ثم قال: أ تدري ما رأوا؟ رأوا و الله عليا مع رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم و قربه منه، و قيل: هذا الذي كنتم به تدعون أي تتسمون به أمير المؤمنين، يا فضيل لم يتسم بها أحد غير أمير المؤمنين إلا مفتر كذاب إلى يوم البأس، هذا، و قال علي ابن إبراهيم: إذا كان يوم القيامة و نظر أعداء أمير المؤمنين عليه السلام ما أعطاه الله تبارك و تعالى من المنزلة الشريفة العظيمة و بيده لواء الحمد و هو علي الحوض يسقي و يمنع تسود وجوه أعدائه فيقال لهم هذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَدَّعُونَ، أي هذا الذي كنتم به تدعون منزلته و موضعه و اسمه.

ص: 85

69 مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْخَطَّابِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ حَسَّانَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَثِيرٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع فِي قَوْلِهِ تَعَالَى وَ شاهِدٍ وَ مَشْهُودٍ قَالَ النَّبِيُّ ص وَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ ع

الحديث التاسع و الستون

كالسابق.

و للمفسرين في تفسير الشاهد و المشهود أقوال شتى: الأول: أن الشاهد يوم الجمعة و المشهود يوم عرفة، و روي عن أبي جعفر و أبي عبد الله عليهما السلام أيضا، الثاني: أن الشاهد يوم النحر و المشهود يوم عرفة الثالث: أن الشاهد محمد صلى الله عليه و آله و سلم و المشهود يوم القيامة و هو المروي عن الحسن بن علي عليهما السلام، الرابع: أن الشاهد الملك يشهد على ابن آدم و المشهود يوم القيامة، الخامس: أن الشاهد يوم عرفة و المشهود يوم الجمعة، السادس: أن الشاهد أعضاء بني آدم و المشهود هم، السابع: الشاهد الحجر الأسود و المشهود الحاج، الثامن: الشاهد الأيام و الليالي و المشهود بنو آدم، التاسع: الشاهد الأنبياء و المشهود محمد صلى الله عليه و آله و سلم، العاشر: الشاهد الخلق و المشهود الحق.

و ما ورد في الخبر ظاهره أن الشاهد النبي صلى الله عليه و آله و سلم لشهادته بإمامة أمير المؤمنين عليه السلام و فضله و كرامته و هو المشهود له بذلك، أو يشهد النبي صلى الله عليه و آله و سلم له يوم القيامة بالتبليغ و الأداء كما مر في قوله تعالى:" لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ وَ يَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً" و يحتمل أن يكون المراد أن كلا منهما شاهد و مشهود بالوجه المذكور، و يحتمل عكس الأول بأن يكون المراد أن كلا منهما شاهد و مشهود بالوجه المذكور، و يحتمل عكس الأول بأن يكون النشر على خلاف ترتيب ألف، و يؤيده الأخبار الكثيرة الدالة على أن الشاهد في قوله تعالى:" أَ فَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَ يَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ" أمير المؤمنين، و الذي على بينة من ربه رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم و ذكره الرازي أيضا في تفسيره.

ص: 86

70 الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ مُعَلَّى بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ الْوَشَّاءِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عُمَرَ الْحَلَّالِ قَالَ سَأَلْتُ أَبَا الْحَسَنِ ع عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ قَالَ الْمُؤَذِّنُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ ع

71 الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ مُعَلَّى بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أُورَمَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ حَسَّانَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَثِيرٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع فِي قَوْلِهِ تَعَالَى- وَ هُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ

الحديث السبعون

ضعيف على المشهور.

و الآية في الأعراف هكذا:" وَ نادى أَصْحابُ الْجَنَّةِ أَصْحابَ النَّارِ أَنْ قَدْ وَجَدْنا ما وَعَدَنا رَبُّنا حَقًّا فَهَلْ وَجَدْتُمْ ما وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قالُوا نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ، الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَ يَبْغُونَها عِوَجاً وَ هُمْ بِالْآخِرَةِ كافِرُونَ" قال الطبرسي قدس سره: فأذن مؤذن بينهم، أي نادى مناد بينهم أسمع الفريقين" أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ" أي غضب الله و سخطه و أليم عقابه على الكافرين لأنه وصف الظالمين بقوله: الذين يصدون عن سبيل الله ثم قال: و قيل في المؤذن أنه مالك خازن النار، و روي عن أبي الحسن الرضا عليه السلام أنه قال: المؤذن أمير المؤمنين علي عليه السلام، ذكره عن علي بن إبراهيم في تفسيره، و رواه الحاكم أبو القاسم الحسكاني بإسناده عن محمد بن الحنفية عن علي عليه السلام أنه قال أنا ذلك المؤذن، و بإسناده عن أبي صالح عن ابن عباس أن لعلي في كتاب الله أسماء لا يعرفها الناس، قوله: فأذن مؤذن بينهم، فهو المؤذن بينهم يقول: ألا لعنة الله على الذين كذبوا بولايتي و استخفوا بحقي.

الحديث الحادي و السبعون

: ضعيف.

و قبل الآية الأولى في سورة الحج:" هذانِ خَصْمانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيابٌ مِنْ نارٍ" إلى قوله سبحانه" إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَ لُؤْلُؤاً وَ لِباسُهُمْ فِيها حَرِيرٌ، وَ هُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ" قال الطبرسي قدس سره: أي أرشدوا

ص: 87

مِنَ الْقَوْلِ وَ هُدُوا إِلى صِراطِ الْحَمِيدِ قَالَ ذَاكَ حَمْزَةُ وَ جَعْفَرٌ وَ عُبَيْدَةُ وَ سَلْمَانُ وَ أَبُو ذَرٍّ وَ الْمِقْدَادُ بْنُ الْأَسْوَدِ وَ عَمَّارٌ هُدُوا إِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ ع وَ قَوْلِهِ- حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمانَ وَ زَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ يَعْنِي أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَ كَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَ الْفُسُوقَ وَ الْعِصْيانَ

في الجنة إلى التحيات الحسنة يحيي بعضهم بعضا و يحييهم الله و ملائكته بها، و قيل إلى القول الذي يلتذونه و يشتهونه و تطيب نفوسهم و قيل: إلى ذكر الله فهم به يتنعمون" وَ هُدُوا إِلى صِراطِ الْحَمِيدِ" و الحميد هو الله المستحق للحمد، المتحمد إلى عباده بنعمة، و صراط الحميد هو طريق الإسلام و طريق الجنة، انتهى.

و قيل: الطيب من القول كلمة التوحيد و صراط الحميد صراط الإسلام، و تأويله عليه السلام قريب من الأخير إذ الظاهر أنه عليه السلام فسر الطيب من القول بالعقائد الحقة الإيمانية، و الولاية تتضمن سائر العقائد، فلذا عبر عنه بها، و يؤيد هذا التأويل ما مر من تأويل الخصمين بأمير المؤمنين و حمزة و عبيدة بن الحارث بن عبد المطلب و عتبة و شيبة و الوليد، و يؤيده أيضا ما مر من تأويلها بالولاية.

" حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمانَ" في الحجرات هكذا" وَ اعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَ لكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمانَ وَ زَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَ كَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَ الْفُسُوقَ وَ الْعِصْيانَ

أُولئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ" و لعل المعنى حبب إلى بعضكم كما ذكره بعض المفسرين و قبل هذه الآية:" يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلى ما فَعَلْتُمْ نادِمِينَ" و المشهور أنها نزلت في الوليد بن عقبة حيث بعثه رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم في صدقات بني المصطلق، و كانت بينهم عداوة في الجاهلية فنسب إليهم أنهم منعوها، و تفسيره عليه السلام الإيمان بأمير المؤمنين على المبالغة، لأنه لكماله في الإيمان و كونه داعيا إليه و كون ولايته الركن الأعظم من الإيمان فكأنه عينه، أو يقدر المضاف بأن يقال: المراد يعني ولاية أمير المؤمنين لأنها العمدة من أجزاء الإيمان، و المستلزم لسائرها، و كذا التعبير عن أبي بكر بالكفر لأنه بناه أولا أو في هذه الأمة بعد الرسول صلى الله عليه و آله و سلم، حيث غصب بالخلافة و دعى الناس إلى الضلالة،

ص: 88

الْأَوَّلَ وَ الثَّانِيَ وَ الثَّالِثَ

73 مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ عَنْ جَمِيلِ بْنِ صَالِحٍ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ قَالَ سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ ع عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى ائْتُونِي بِكِتابٍ مِنْ قَبْلِ هذا أَوْ أَثارَةٍ مِنْ عِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ قَالَ عَنَى بِالْكِتَابِ التَّوْرَاةَ وَ الْإِنْجِيلَ وَ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ فَإِنَّمَا عَنَى بِذَلِكَ عِلْمَ أَوْصِيَاءِ الْأَنْبِيَاءِ ع

و عن عمر بالفسوق، لأن ما جرى في هذه الأمة من الفسوق و الخروج عن الدين كان بسببه و كان خارجا منه، و عن عثمان بالعصيان لتظاهره بأنواع المعاصي و عدم مبالاته بالدين ظاهرا و باطنا.

الحديث الثاني و السبعون

: صحيح.

و الآية في الأحقاف هكذا" قُلْ أَ رَأَيْتُمْ ما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي ما ذا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّماواتِ ائْتُونِي بِكِتابٍ مِنْ قَبْلِ هذا أَوْ أَثارَةٍ مِنْ عِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ" ذكر المفسرون أنه تعالى كلفهم أولا بأن يأتوا بدليل عقلي يدل على استحقاق آلهتهم للعبادة بأن يثبتوا أن لها مدخلا في خلق شي ء من أجزاء العالم فيستحق بها العبادة أو بدليل نقلي من كتاب نزل من قبل هذا يعني القرآن" أَوْ أَثارَةٍ مِنْ عِلْمٍ" قيل: أو بقية من علم بقية عليكم من علوم الأولين هل فيها ما يدل على استحقاقها للعبادة أو الأمر بها.

و قال الطبرسي (ره): أي بقية من علم يؤثر من كتب الأولين، و قيل: أي خبر من الأنبياء و قيل: هو الخط أي بكتاب مكتوب، و قيل: خاصة من علم أوثرتم به، و المعنى فهاتوا إحدى هذه الحجج الثلاث أولها دليل العقل، و الثانية الكتاب، و الثالثة الخبر المتواتر، فإذا لم يمكنهم شي ء من ذلك فقد وضح بطلان دعواهم، انتهى.

و أقول: ما ذكره عليه السلام قريب مما ذكر فإن علوم الأنبياء مخزونة عند أوصيائهم عليهم السلام فما ليس من علومهم في الكتب التي نزلت عليهم فهي عندهم.

ص: 89

73 الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ مُعَلَّى بْنِ مُحَمَّدٍ عَمَّنْ أَخْبَرَهُ عَنْ عَلِيِّ بْنِ جَعْفَرٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا الْحَسَنِ ع يَقُولُ لَمَّا رَأَى رَسُولُ اللَّهِ ص تَيْماً وَ عَدِيّاً وَ بَنِي أُمَيَّةَ يَرْكَبُونَ مِنْبَرَهُ أَفْظَعَهُ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى قُرْآناً يَتَأَسَّى بِهِ وَ إِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا

الحديث الثالث و السبعون

ضعيف على المشهور" لما رأى" هو من رؤيا المنام إشارة إلى ما ذكره في خبر الصحيفة الشريفة، و ما رواه علي بن إبراهيم (ره) في تفسير قوله تعالى:" وَ ما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ" لما رأى النبي صلى الله عليه و آله و سلم في نومه كان قرودا تصعد منبره فساءه ذلك و غمه غما شديدا فأنزل الله تعالى:

" وَ ما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ" ليعمهوا فيها" وَ الشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ" نزلت في بني أمية، ثم حكى الله خبر إبليس فقال:" وَ إِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ

قالَ أَ أَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً" إلى آخر الآيات، انتهى.

و قال الطبرسي قدس سره في الأقوال التي ذكرها في تفسير الرؤيا: و ثالثها: أن ذلك رؤيا رآها النبي صلى الله عليه و آله و سلم في منامه أن قرودا تصعد منبره و تنزل، فساءه ذلك و اغتم به رواه سهل بن سعيد عن أبيه أن النبي صلى الله عليه و آله و سلم رأى ذلك و قال: إنه صلى الله عليه و آله و سلم لم يستجمع بعد ذلك ضاحكا حتى مات، و رواه سعيد بن يسار أيضا و هو المروي عن أبي عبد الله و أبي جعفر عليهما السلام، و قالوا: على هذا التأويل أن الشجرة الملعونة في القرآن هي بنو أمية أخبره الله بتغلبهم على مقامه، و قتلهم ذريته، انتهى.

و أقول: فظهر أن قصة سجود الملائكة لآدم و امتناع إبليس منه و إن كانت مذكورة في مواضع كثيرة من القرآن كالبقرة و طه و الأعراف و بني إسرائيل و الكهف فالمراد هنا ما ذكر في بني إسرائيل لاتصالها بآية الرؤيا التي ذكرنا فينطبق تفسيره عليه السلام عليه غاية الانطباق، و منه يظهر وجه لتكرار القصص في القرآن و أنه لاختلاف موارد نزولها.

و تيم: أبو بكر لأنه تيمي، و عدي عمر لأنه عدوي، و بنو أمية عبارة عن عثمان

ص: 90

لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبى ثُمَّ أَوْحَى إِلَيْهِ يَا مُحَمَّدُ إِنِّي أَمَرْتُ فَلَمْ أُطَعْ فَلَا تَجْزَعْ أَنْتَ إِذَا أَمَرْتَ فَلَمْ تُطَعْ فِي وَصِيِّكَ

74 مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ نُعَيْمٍ الصَّحَّافِ قَالَ سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ع عَنْ قَوْلِهِ فَمِنْكُمْ كافِرٌ وَ مِنْكُمْ مُؤْمِنٌ فَقَالَ عَرَفَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ إِيمَانَهُمْ بِمُوَالاتِنَا وَ كُفْرَهُمْ بِهَا يَوْمَ أَخَذَ عَلَيْهِمُ الْمِيثَاقَ وَ هُمْ ذَرٌّ فِي صُلْبِ آدَمَ وَ سَأَلْتُهُ عَنْ قَوْلِهِ عَزَّ وَ جَلَّ أَطِيعُوا اللَّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ

و من بعده إلى مروان بن محمد.

قوله عليه السلام: أفظعه أي غمه و أزعجه" يتأسى به" أي يتسلى به، و القرآن هو قوله:" و إذ قلنا" إلى آخره، قال الجوهري: فظع الأمر بالضم فظاعة فهو فظيع أي شديد شنيع جاوز المقدار و كذلك أفظع الأمر فهو مفظع و أفظع الرجل على ما لم يسم فاعله أي نزل به أمر عظيم، و قال: آسيته تأسيه أي عزيته و الأسوة بالضم و الكسر ما يتأسى به الحزين يتعزى به، انتهى.

" إني أمرت" أي بسجود آدم" فلم أطع" على بناء المفعول" فلا تجزع" النهي للتسلية" إذ أمرت" على بناء المخاطب المعلوم" فلم تطع" على بناء المجهول، و لا يخفى تناسب القصتين فإن الشيطان أبي عن سجدة آدم حسدا و تكبرا لأن يسجد لمخلوق من الطين، و أنهم أبو عن إطاعة علي عليه السلام حسدا و عتوا لأن يكون قبيلة واحدة مسلطة عليهم، و لا يكون لهم نصيب فيها، و تكون الخلافة مختصة بعترة سيد المرسلين.

الحديث الرابع و السبعون

: صحيح.

و قد مر جزء الأول من الخبر، و الآية فيه كانت مخالفة لما في المصاحف، و هنا موافقة كما أومأنا إليه" أَطِيعُوا اللَّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ" الآية الأولى و هذه الآية كلاهما في سورة التغابن، و طاعة الله و الرسول و إن كانت بحسب اللفظ عامة لكن إما مورد نزولها الولاية أو بين عليه السلام ما هو الأصل و العمدة فيها، فإن طاعتهما بدون الولاية

ص: 91

فَإِنَّما عَلى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ فَقَالَ أَمَا وَ اللَّهِ مَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ وَ مَا هَلَكَ مَنْ هَلَكَ حَتَّى يَقُومَ قَائِمُنَا ع إِلَّا فِي تَرْكِ وَلَايَتِنَا وَ جُحُودِ حَقِّنَا وَ مَا خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ ص مِنَ الدُّنْيَا حَتَّى أَلْزَمَ رِقَابَ هَذِهِ الْأُمَّةِ حَقَّنَا وَ اللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ*

75 مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ وَ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ مُوسَى بْنِ الْقَاسِمِ الْبَجَلِيِّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ أَخِيهِ مُوسَى ع فِي قَوْلِهِ تَعَالَى وَ بِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ

غير مقبولة، و لا يعلم طاعتهما إلا بها و الحافظ للشريعة التي بها تعلم طاعتها في الأمر و النهي، و جميع ما جاء به الرسول هو الإمام فترك ولايته و مخالفته سبب الهلاك و لذا قال عليه السلام:" أما و الله" أما بالتخفيف كلمة استفتاح" من كان قبلكم" لأنهم كانوا مأمورين أيضا بولاية نبينا و أوصيائه صلوات الله عليهم بأخبار أنبيائهم، و يحتمل أن يكون ضمير ولايتنا شاملا للأوصياء المتقدمين أيضا، و الأول أظهر" و ما خرج رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم" بيان لأنه لا عذر لمن ترك الولاية، لأن الله تعالى أكمل الحجة عليهم في ذلك في يوم الغدير و غيره من المواطن التي لا تحصى" وَ اللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ*" بالهدايات و الألطاف الخاصة لمن يستحقها، و المراد بالصراط المستقيم ولاية علي و الأئمة عليهم السلام، أو الدين القويم الذي العمدة فيه الولاية.

الحديث الخامس و السبعون

: ضعيف على المشهور بسنده الأول صحيح بسنده الثاني.

و هو و إن كان من غرائب التأويل فهو مروي بأسانيد جمة، ففي تفسير علي بن إبراهيم" وَ قَصْرٍ مَشِيدٍ" مثل لآل محمد صلى الله عليه و آله و سلم" وَ بِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ" هو الذي لا يستقى منها و هو الإمام الذي قد غاب فلا يقتبس منه العلم إلى وقت ظهوره، و القصر المشيد هو المرتفع، و هو مثل لأمير المؤمنين و الأئمة منه عليهم السلام و هو قوله:" لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ*" قال الشاعر في ذلك:

بئر معطلة و قصر مشرف مثل لآل محمد مستطرف

ص: 92

وَ قَصْرٍ مَشِيدٍ قَالَ الْبِئْرُ الْمُعَطَّلَةُ الْإِمَامُ الصَّامِتُ وَ الْقَصْرُ الْمَشِيدُ الْإِمَامُ النَّاطِقُ

وَ رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنِ الْعَمْرَكِيِّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ ع مِثْلَهُ

فالقصر مجدهم الذي لا يرتقي و البئر علمهم الذي لا ينزف

و روى الصدوق في كتاب معاني الأخبار بإسناده عن إبراهيم بن زياد قال:

سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله عز و جل:" وَ بِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَ قَصْرٍ مَشِيدٍ" قال: البئر المعطلة الإمام الصامت، و القصر المشيد الإمام الناطق.

و روي أيضا في الكتاب المذكور بإسناده عن صالح بن سهل أنه قال: أمير المؤمنين عليه السلام هو القصر المشيد، و البئر المعطلة فاطمة و ولدها معطلين من الملك، ثم قال:

و قال محمد بن الحسن بن أبي خالد الملقب بشينولة:

بئر معطلة و قصر مشرف مثل لآل محمد مستطرف

فالناطق القصر المشيد منهم و الصامت البئر التي لا تنزف

و روى محمد بن العباس في تفسيره أيضا مثله، و روى صاحب كتاب نخب المناقب بإسناده عن الصادق عليه السلام أن القصر المشيد رسول الله، و البئر المعطلة علي عليه السلام.

و أقول: أول الآية في سورة الحج:" فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها وَ هِيَ ظالِمَةٌ فَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها وَ بِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ" و قال البيضاوي: عطف على قرية أي و كم بئر عامرة في البوادي تركت لا يسقي منها لهلاك أهلها" وَ قَصْرٍ مَشِيدٍ" أي مرفوع أو مجصص أخليناه عن ساكنيه و قيل: المراد ببئر، بئر في سفح جبل بحضر موت، و بقصر مشيد قصر مشرف على قلته فكانا لقوم حنظلة بن صفوان من بقايا قوم صالح، فلما قتلوه أهلكهم الله و عطلهما، انتهى.

و أقول: على تأويلهم عليهم السلام يحتمل أن يكون المراد بهلاك أهل القرية هلاكهم المعنوي أي ضلالتهم فلا ينتفعون لا بإمام صامت و لا بإمام ناطق، و وجه التشبيه فيهما ظاهر تشبيها للحياة المعنوية بالصورية و الانتفاعات الروحانية بالجسمانية. و يحتمل على بعد

ص: 93

76 عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ الْحَكَمِ بْنِ بُهْلُولٍ عَنْ رَجُلٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع فِي قَوْلِهِ تَعَالَى وَ لَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَ إِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ قَالَ يَعْنِي إِنْ أَشْرَكْتَ فِي الْوَلَايَةِ غَيْرَهُ بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَ كُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ يَعْنِي بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ بِالطَّاعَةِ وَ كُنْ مِنَ

أن يكون الواو فيهما للقسم و الأول أصوب، و قد عرفت مرارا أن ما وقع في الأمم السالفة يقع نظيرها في تلك الأمة، فكلما وقع من العذاب و الهلاك البدني و المسخ الصوري في الأمم السالفة فنظيرها في هذه الأمة هلاكهم المعنوي بضلالتهم و حرمانهم عن العلم و الكمالات، و موت قلوبهم و مسخها، فهم و إن كانوا في صورة البشر فهم كالأنعام بل هم أضل، و هم و إن كانوا ظاهرين بين الأحياء فهم أموات و لكن لا يشعرون، و لا يسمعون الحق و لا يبصرونه و لا ينطقون به، و لا يتأتى منهم أمر ينفعهم، فهم شر من الأموات إذ الأموات لا يأتون بما يضرهم و إن لم يأت منهم ما ينفعهم فعلى هذا التحقيق لا تنافي تلك التأويلات تفاسير ظواهر تلك الآيات، و هذا الوجه يجري في أكثر الروايات المشتملة على غرائب التأويلات مما قد مضى و ما هو آت.

الحديث السادس و السبعون

: مجهول.

و الآيات في الزمر هكذا:" قُلْ أَ فَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجاهِلُونَ، وَ لَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَ إِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ

و لتكونن من الخاسرين بل الله" إلى آخره.

" لَئِنْ أَشْرَكْتَ" قال المفسرون كلام على سبيل الفرض المحال، و المراد به تهييج الرسل و إقناط الكفرة، و للإشعار على حكم الأمة و إفراد الخطاب باعتبار كل واحد و اللام الأولى موطئة للقسم و الأخريان للجواب و قال ابن عباس: هذا أدب من الله لنبيه و تهديد لغيره" بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ" أي وجه عبادتك إليه تعالى وحده دون الأصنام" وَ كُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ" الذين يشكرون الله على نعمه و يخلصون العبادة له.

و قال علي بن إبراهيم: هذه مخاطبة للنبي و المعنى لأمته و هو ما قال الصادق

ص: 94

الشَّاكِرِينَ أَنْ عَضَدْتُكَ بِأَخِيكَ وَ ابْنِ عَمِّكَ

77 الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ مُعَلَّى بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْهَاشِمِيِّ قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عِيسَى قَالَ حَدَّثَنِي جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ

عليه السلام: أن الله تعالى بعث نبيه عليه السلام بإياك أعني و اسمعي يا جارة و الدليل على ذلك قوله:" بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَ كُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ". و قد علم أن نبيه يعبده و يشكره و لكن استعبد نبيه بالدعاء تأديبا لأمته.

و روي بإسناده عن أبي حمزة عن أبي جعفر عليه السلام قال: سألته عن قول الله لنبيه" لَئِنْ أَشْرَكْتَ" الآية قال: تفسيرها لئن أمرت بولاية أحد مع ولاية علي بعدك" لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ".

أقول: تأويله عليه السلام في الخبر أنسب بالمخاطبين في الآية، و مع ذلك الغرض إقناط الأمة عن التشريك في الولاية و تهديدهم في تركها، و عبر عن ذلك بالشرك إيذانا بأن ترك الولاية أو التشريك فيها بمنزلة الشرك بالله كما مر.

و يحتمل أن يكون المراد مطلق الشرك و التخصيص لكونه الفرد الأخفى و لبيان أن هذا أيضا داخل في الشرك و الكفر، و عبادة لغير الله، و لذا قال:" بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ" و مخالفة أمره تعالى صريحا و طاعة غيره عين الشرك، و لذا قال:" أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطانَ" و قال:" اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَ رُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ" حيث تركوا أمر الله و أطاعوهم.

الحديث السابع و السبعون

: ضعيف على المشهور.

" يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللَّهِ" الآية في سورة النحل و قال الطبرسي: أي يعرفون نعم الله عليهم لما يجدونه من خلق نفوسهم و إكمال عقولهم، و خلق أنواع المنافع التي ينتفعون بها لهم، ثم إنهم مع ذلك ينكرون تلك النعم أن تكون من جهة الله خاصة، بل

ص: 95

عَنْ جَدِّهِ ع فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَ جَلَّ يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَها قَالَ لَمَّا نَزَلَتْ إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ وَ الَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَ يُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَ هُمْ راكِعُونَ اجْتَمَعَ نَفَرٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ ص فِي مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ مَا تَقُولُونَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ إِنْ كَفَرْنَا بِهَذِهِ الْآيَةِ نَكْفُرُ بِسَائِرِهَا وَ إِنْ آمَنَّا فَإِنَّ هَذَا ذُلٌّ حِينَ يُسَلِّطُ عَلَيْنَا ابْنَ أَبِي طَالِبٍ فَقَالُوا قَدْ عَلِمْنَا أَنَّ مُحَمَّداً صَادِقٌ فِيمَا يَقُولُ وَ لَكِنَّا نَتَوَلَّاهُ وَ لَا نُطِيعُ عَلِيّاً فِيمَا أَمَرَنَا قَالَ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَها يَعْرِفُونَ يَعْنِي وَلَايَةَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَ أَكْثَرُهُمُ الْكافِرُونَ بِالْوَلَايَةِ

يضيفونها إلى الأوثان و يشكرون الأوثان عليها، و قيل: إن معناه يعرفون محمدا و هو من أنعم الله ثم يكذبونه و يجحدونه عن السدي" وَ أَكْثَرُهُمُ الْكافِرُونَ" إنما قال أكثرهم لأن منهم من لم تقم الحجة عليه إذ لم يبلغ حد التكليف لصغره أو كان ناقص العقل مؤوفا أو لم تبلغه الدعوة فلا يقع عليه اسم الكفر، و قيل: إنما ذكر الإكراه لأنه علم سبحانه أن فيهم من يؤمن، و قيل إنه من الخاص في الصيغة العام في المعنى انتهى.

و قيل: الضمير للأمة، و قيل: أي أكثرهم كافرون بنبوة محمد قوله:" و لكنا نتولاه" الضمير لمحمد صلى الله عليه و آله و سلم، و يحتمل إرجاعه إلى علي عليه السلام أي نعتقد ولايته لكن لا نطيعه و هو بعيد" يعني ولاية علي" فسر النعمة بالولاية و لا ريب أن الولاية أعظم نعم الله على العباد، إذ بها تنتظم مصالح دنياهم، و هذا التفسير قريب من تفسير السدي مع أنه يحتمل أن يكون المعنى أن الآية شاملة لإنكار هذه النعمة الجليلة بعد العلم بها بالآيات المتظافرة و الأخبار المتواترة، و إن كان مورد نزولها غير ذلك لكنه بعيد عن الخبر، و ما قيل: من أن المراد بقوله: فنزلت فوقعت عليهم و صاروا داخلين فيه، لأن الآية الأولى من سورة النحل هي مكة و الثانية من المائدة و هي مدنية فهو ضعيف لأنه قال الطبرسي قدس سره: أربعون آية من أولها مكية و الباقي من قوله

ص: 96

78 مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ النُّعْمَانِ عَنْ سَلَّامٍ قَالَ سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ ع عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى- الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً قَالَ هُمُ الْأَوْصِيَاءُ مِنْ مَخَافَةِ عَدُوِّهِمْ

79 الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ مُعَلَّى بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ بِسْطَامَ بْنِ مُرَّةَ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ حَسَّانَ عَنِ الْهَيْثَمِ بْنِ وَاقِدٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ الْعَبْدِيِّ عَنْ سَعْدٍ الْإِسْكَافِ عَنِ الْأَصْبَغِ

" وَ الَّذِينَ هاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ ما ظُلِمُوا" مدينة عن الحسن و قتادة، و فهذه الآية من الآيات المدينة و رووا عن ابن عباس أن بعضها مدني مع أنه لا اعتماد على ضبطهم في ذلك.

الحديث الثامن و السبعون

: مجهول و رواه علي بن إبراهيم بسندين صحيحين.

" الَّذِينَ يَمْشُونَ" الآية في سورة الفرقان:" وَ عِبادُ الرَّحْمنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً" قال الطبرسي (ره): أي بالسكينة و الوقار و الطاعة، غير أشرين و لا مرحين و لا متكبرين و لا مفسدين و قيل: علماء لا يجهلون و إن جهل عليهم، و بعدها:

" وَ إِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ قالُوا سَلاماً، وَ الَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَ قِياماً" إلى قوله:" وَ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا هَبْ لَنا مِنْ أَزْواجِنا وَ ذُرِّيَّاتِنا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَ اجْعَلْنا لِلْمُتَّقِينَ إِماماً" و أقول: تفسيره عليه السلام ظاهر الانطباق على الآيات لا سيما قوله:" وَ اجْعَلْنا لِلْمُتَّقِينَ إِماماً" فإن تنزيلها على غيرهم يحتاج إلى تكلف شديد، و قد أوردنا أخبارا كثيرة في تأويل تلك الآيات في الكتاب الكبير.

الحديث التاسع و السبعون

ضعيف على المشهور، و بسطام بكسر الباء و الإسكاف بكسر الهمزة الخفاف و أصبغ بفتح الهمزة و الباء و سكون الصاد، و نباتة بضم النون و فتحها.

ص: 97

بْنِ نُبَاتَةَ أَنَّهُ سَأَلَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ع عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى- أَنِ اشْكُرْ لِي وَ لِوالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ فَقَالَ الْوَالِدَانِ اللَّذَانِ أَوْجَبَ اللَّهُ لَهُمَا الشُّكْرَ هُمَا اللَّذَانِ وَلَدَا الْعِلْمَ وَ وَرِثَا الْحُكْمَ وَ أَمَرَ النَّاسَ بِطَاعَتِهِمَا ثُمَّ قَالَ اللَّهُ إِلَيَّ الْمَصِيرُ فَمَصِيرُ الْعِبَادِ إِلَى اللَّهِ

و الآيات في سورة لقمان هكذا:" وَ وَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلى وَهْنٍ وَ فِصالُهُ فِي عامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَ لِوالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ، وَ إِنْ جاهَداكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُما وَ صاحِبْهُما فِي الدُّنْيا مَعْرُوفاً وَ اتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ" قال البيضاوي: وهنا ذات وهن أو تهن وهنا على وهن، أي تضعف ضعفا فوق ضعف، فإنها لا تزال تتضاعف ضعفها" وَ فِصالُهُ فِي عامَيْنِ" أي و فطامه في انقضاء عامين، و كانت ترضعه في تلك المدة" أَنِ اشْكُرْ لِي وَ لِوالِدَيْكَ" تفسير لوصينا أو و علة له أو بدل من والديه بدل الاشتمال، و ذكر الحمل و الفصال في الفصل اعتراض مؤكد للتوصية في حقها خصوصا" إِلَيَّ الْمَصِيرُ" فأحاسبك على شركك و كفرك" وَ إِنْ جاهَداكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ" باستحقاقه الإشراك تقليدا لهما، و قيل: أراد بنفي العلم به نفيه" فَلا تُطِعْهُما" في ذلك" وَ صاحِبْهُما فِي الدُّنْيا مَعْرُوفاً" صحابا معروفا يرتضيه الشرع و يقتضيه الكرم" وَ اتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنابَ إِلَيَّ" بالتوحيد و الإخلاص في الطاعة" ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ" مرجعك و مرجعهما" فَأُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ" بأن أجازيك على إيمانك و أجازيهما على كفرهما، انتهى.

و التأويل الوارد في الخبر من أغرب التأويلات، و على تقدير صدوره عنهم عليهم السلام من البطون العميقة البعيدة عن ظاهر اللفظ، و علمه عند من صدر عنه عليه السلام.

و هما اللذان ولدا العلم" أي صدر منهما علم الناس، و بهما صاروا عالمين، و ميراثهما بعد وفاتهما الحكمة فحقهما على الإنسان حق الحياة الروحاني فإن حياة الروح بالعلم و الحكمة، و من سلبهما فهو ميت بين الأحياء، و حق والدي الجسم

ص: 98

وَ الدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ الْوَالِدَانِ ثُمَّ عَطَفَ الْقَوْلَ عَلَى ابْنِ حَنْتَمَةَ وَ صَاحِبِهِ فَقَالَ فِي

مدخليتهما في الحياة الجسمانية المنقضية بالموت، و تلك باقية أبدية و ميراث الأخيرين المال الفاني الذي لا ينتفع به إلا في تلك الحياة القليلة الفانية، و ميراث الأولين العلم و الحكمة الباقيان في ملك الأبد بلا فناء و لا انقضاء، فهما أولى بالذكر و الشرك و الانقياد و الطاعة.

" و الدليل على ذلك" قيل: يحتمل معنيين: أحدهما: أن الذي يدلك على أن المصير إلى الله تعالى الوالدان، و الثاني: الذي يدلك على كيفية المصير إليه تعالى الوالدان.

و أقول: يحتمل أن يكون المعنى أن لفظ الوالدين يدل على ما ذكره من تفسيرهما و يرفع الاستبعاد عنه، لأن المجاز في التغليب ليس بأولى من المجاز في أصل الكلمة، لكن يشكل حملهما على ذلك من جهة التصريح في الآية بما يعين كون المراد الوالدين الجسمانيين و هو قوله:" حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلى وَهْنٍ وَ فِصالُهُ فِي عامَيْنِ".

و يمكن توجيهه بوجوه: الأول: أن تكون جملة" حَمَلَتْهُ أُمُّهُ" معترضة لبيان أشدية حق الوالدين في العلم، على الوالدين في النسب، بأن لهما مدخلية في التربية في زمان قليل في قوام البدن، و الوالدان الروحانيان حقوقهما باقية عليه ما بقي في الدنيا فإن العلم من المهد إلى اللحد، و في الآخرة أيضا بالشفاعة و النجاة من أهوال القيامة و التشرف بخدمتهم في الجنان ما توالت الأزمان.

الثاني: أن يكون المراد بالوالدين أولا المعنى الحقيقي، و ثانيا المعنى المجازي بتقدير عطف أو فعل، أو بأن يكون الباء في قوله:" بِوالِدَيْهِ" سببية لا صلة للوصية، أي وصيناه بسبب رعاية والديه الجسمانيين و وجوب رعايتهما عقلا و نقلا الشكر لوالديه الروحانيين، فإنهما أحرى بذلك، و الدليل عليه ضم الشكر لله في الثاني دون الأول فتأمل.

ص: 99

الْخَاصِّ وَ الْعَامِّ- وَ إِنْ جاهَداكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي يَقُولُ فِي الْوَصِيَّةِ وَ تَعْدِلُ عَمَّنْ أُمِرْتَ

الثالث: أن يكون ظهر الآية للوالدين الجسمانيين، و بطنها للوالدين الروحانيين بتوسط أنه إذا وجبت رعاية حقوق الوالدين في النسب مع حقارتهما في جنب حقوق الوالدين في العلم، فرعاية حقهما أولى و أوجب و ألزم، و لعل هذا أظهر الوجوه.

" ثم عطف القول" أي صرف الكلام عن الوالدين إلى آخرين و هما ابن حنتمة يعني عمرو صاحبه يعني أبا بكر، قال في القاموس: حنتمة بلا لام بنت ذي الرمحين أم عمر بن الخطاب و ليست بأخت أبي جهل كما وهموا، بل بنت عمه، انتهى.

" فقال في الخاص و العام" أي الخطاب للرسول صلى الله عليه و آله و سلم و سائر الناس، أو بحسب ظهر الآية الخطاب عام و بحسب بطنه خاص، أو المعنى بحسب البطن أيضا الخطاب للرسول بمعنى عدم الإشراك في الوصية، و إلى الناس بمعنى عدم العدول عمن أمروا بطاعته، فيكون ما ذكره بعده نشرا على ترتيب اللف.

و في تفسير علي بن إبراهيم: فقال في الخاص: و إن جاهداك، و هو أظهر و أما خطاب صاحبهما فإن كان إلى النبي صلى الله عليه و آله و سلم ففي المصاحبة توسع و إن كان إلى غيره كخطاب اشكر فلا توسع و لا تكلف.

و قال بعض الأفاضل في شرح هذا الخبر: جملة" وَ وَصَّيْنَا" إلى آخر الآيتين حالية بتقدير" قد" و عاملها يعظم أو عطف على جملة: و هو يعظه، فهذه الوصية كانت في التوراة و ما تقدمها من الكتب و نزلت فيما تأخرها أيضا، و اللام للاستغراق، و الوالدان هما النبي و الوصي و هما في هذه الأمة رسول الله و أمير المؤمنين و في حكمهما الأئمة من أولادهما و جملة" حَمَلَتْهُ أُمُّهُ" إلى" عامَيْنِ" معترضة لدفع توهم أن المراد بالوالدين الأب و الأم ببيان أن حق الأب و الأم حقير في جنب حق النبي و الوصي، فليسا شريكين لله في الشكر، و ذلك أن حق الإمام أعظم من الأب و حقها حقير بوجهين:

الأول: أن لها في القدرة على حمل الولد في بطنها وهنان، إذ ربما لم ترد و لم تحب

ص: 100

بِطَاعَتِهِ فَلا تُطِعْهُما وَ لَا تَسْمَعْ قَوْلَهُمَا ثُمَّ عَطَفَ الْقَوْلَ عَلَى الْوَالِدَيْنِ فَقَالَ- وَ صاحِبْهُما

حدوث الحمل و حدث، و ربما أرادت إسقاط ما في بطنها و لم تسقط، و هذا معنى قوله:

حملته أمه وهنا على وهن، الثاني: أنها ليست كل أم ترضع ولدها، و التي ترضع ولدها لا ترضع أكثر من عامين فحق الأم ضعيف لا يقتضي إشراكها بالله في الشكر و المتعارف في مقام تحقير شي ء تحقير أكمل أفراده ليقاس عليه سائرها بطريق الأولوية و جملة" إِلَيَّ الْمَصِيرُ" استئناف لدفع اعتراض هو أن" أن" في قوله:" أَنِ اشْكُرْ لِي وَ لِوالِدَيْكَ" مفسرة للوصية و ليست الوصية مشتملة على الشكر لله و ينبغي أن يقال:

أن أشكر لوالديك، و الجواب أن مصير شكر الوالدين إلى شكر الله فإنهما خليفتان لله و طاعتهما طاعة الله، و معصيتها معصية الله.

و جملة" وَ إِنْ جاهَداكَ" للتأكيد و إعظام الأمر بطاعة الوالدين، فإن ضمير التثنية للرفيقين المصاحبين مطلقا كما هو عادة العرب في محاوراتهم نحو

قفا نبك من ذكري حبيب و منزل

و المعهودين في الضلالة خصوصا هما: عمر و صاحبه" على أن تشرك بي" أي في العبادة كشرك الذين اتخذوا أحبارهم و رهبانهم أربابا من دون الله، أو في الشكر و المال واحد، و ذكر" ما" في موضع" من" للإشعار بكمال جهل رؤساء الضلالة، و الباء في" به" للسببية، أي ليس فتواه و لا قضاؤه يورث لك علما، و ضمير" صاحِبْهُما" للوالدين فِي الدُّنْيا، أي في جميع العمر" مَعْرُوفاً" حال عن فاعل صاحبهما، أي كن معروفا في الناس بمصاحبتهما بأن يكون فيك من التقوى و نحوهما ما إذا رآه الناس علموا فضلهما و مالوا إلى سبيلهما، فإن من كان كذلك كان معهما في جميع عمره و إن لم يرهما كما أن من كان على ضد ذلك لم يكن معهما و إن رآهما و جاورهما، فقوله:" وَ اتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنابَ إِلَيَّ" عطف تفسير للإشعار بأن هذا سبيل

ص: 101

فِي الدُّنْيا مَعْرُوفاً يَقُولُ عَرِّفِ النَّاسَ فَضْلَهُمَا وَ ادْعُ إِلَى سَبِيلِهِمَا وَ ذَلِكَ قَوْلُهُ- وَ اتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَقَالَ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ إِلَيْنَا فَاتَّقُوا اللَّهَ وَ لَا تَعْصُوا الْوَالِدَيْنِ فَإِنَّ رِضَاهُمَا رِضَا اللَّهِ وَ سَخَطَهُمَا سَخَطَ اللَّهِ

80 عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ سَيْفٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ قَالَ سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ع عَنْ قَوْلِ اللَّهِ- كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُها ثابِتٌ

النبيين و الصديقين و الشهداء و الصالحين من لدن آدم إلى هذا الزمان.

قوله عليه السلام: و الدليل على ذلك إشارة إلى مضمون مصير العباد إلى الله الوالدان أي الاكتفاء بذكر الوالدين في" وَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ" و الخاص و العام عبارة عن كلام منطوقه عام و منظورة خاص فهو خاص باعتبار، و عام باعتبار آخر، و قوله: تقول، مضارع مخاطب من باب نصر أو باب التفعل بحذف إحدى التائين منصوب" في الوصية" إشارة إلى أن المراد بالإشراك هنا الطعن في وصية الله للوالدين أو وصية الرسول لأمير المؤمنين و أولاده عليهم السلام، فإنه يتضمن الشرك بالله كشرك الذين اتخذوا أحبارهم و رهبانهم أربابا من دون الله، و ذلك قوله، لبيان أن العطف في قوله:" وَ اتَّبِعْ" تفسيري كما ذكرنا، و الإنابة إلى الله الرجوع إليه في جليل الأحكام و دقيقها، انتهى.

و إنما أوردناه بطوله لشدة غرابته.

الحديث الثمانون

: صحيح، و الآية في سورة إبراهيم هكذا:" أَ لَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُها ثابِتٌ وَ فَرْعُها فِي السَّماءِ تُؤْتِي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّها وَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ، وَ مَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ ما لَها مِنْ قَرارٍ" و قال الطبرسي قدس سره:

كلمة طيبة هي كلمة التوحيد، و قيل: كل كلام أمر الله به و إنما سماها طيبة لأنها زاكية نامية لصاحبها بالخيرات و البركات" كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ" أي شجرة زاكية نامية راسخة أصولها في الأرض، عالية أغصانها و ثمارها في جانب السماء و أراد به المبالغة

ص: 102

وَ فَرْعُها فِي السَّماءِ قَالَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص أَصْلُهَا وَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ ع فَرْعُهَا

في الرفعة، فالأصل سافل و الفرع عال، إلا أنه يتوصل من الأصل إلى الفرع، و قيل: إنها النخلة و قيل: إنها شجرة في الجنة، و روى ابن عقدة عن أبي جعفر أن الشجرة رسول الله و ذكر نحو هذا الخبر، ثم قال: و روي عن ابن عباس قال: قال جبرئيل للنبي صلى الله عليه و آله و سلم أنت الشجرة و علي غصنها و فاطمة ورقها و الحسن و الحسين ثمارها و قيل: أراد بذلك شجرة هذه صفتها و إن لم يكن لها وجود في الدنيا لكن الصفة معلومة و قيل: إن المراد بالكلمة الطيبة الإيمان و بالشجرة الطيبة المؤمن" تُؤْتِي أُكُلَها" أي تخرج هذه الشجرة ما يؤكل منها" كُلَّ حِينٍ" أي في كل ستة أشهر عن أبي جعفر عليه السلام، أو في كل سنة، أو في كل وقت، و قيل: معناه ما يفتي به الأئمة من آل محمد عليهم السلام شيعتهم في الحلال و الحرام" مَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ" و هي كلمة الشرك، و قيل: كل كلام في معصية الله" كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ" غير زاكية و هي شجرة الحنظل، و قيل: أنها الكشوث و قيل: إنها شجرة هذه صفتها و هو أنه لا قرار لها.

و روى أبو الجارود عن أبي جعفر عليه السلام أن هذا مثل بني أمية" اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ" أي قطعت و استوصلت و اقتلعت جثتها من الأرض" ما لَها مِنْ قَرارٍ" أي من ثبات و لا بقاء، انتهى.

قوله صلى الله عليه و آله و سلم: أنا أصلها، و في بعض النسخ ليس" أنا" ففاعل" فقال" الراوي، و فاعل" و قال" الصادق عليه السلام، و رسول الله مبتدأ و أصلها خبره، أي عرقها أو ساقها أو هما معا و على الأخيرين المراد بالفرع الأغصان الصغار، شبه الله تعالى نبيه و أهل بيته عليهم السلام و علومهم و شيعتهم بالشجرة، و إنما شبه النبي صلى الله عليه و آله و سلم بأصلها لأن منه ترتفع المواد و تصل إلى الأغصان و الثمار، و به تقوم تلك و شبه عليا عليه السلام بالفرع

ص: 103

وَ الْأَئِمَّةُ مِنْ ذُرِّيَّتِهِمَا أَغْصَانُهَا وَ عِلْمُ الْأَئِمَّةِ ثَمَرَتُهَا وَ شِيعَتُهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَرَقُهَا هَلْ فِيهَا فَضْلٌ قَالَ قُلْتُ لَا وَ اللَّهِ قَالَ وَ اللَّهِ إِنَّ الْمُؤْمِنَ لَيُولَدُ فَتُورَقُ وَرَقَةٌ فِيهَا وَ إِنَّ الْمُؤْمِنَ لَيَمُوتُ فَتَسْقُطُ وَرَقَةٌ مِنْهَا

لأنه فرع النبي صلى الله عليه و آله و سلم و علومه و كمالاته منه، و الأئمة بالأغصان لأنهم فرعهما و علومهم منهما، و شبه علومهم التي تصل إلى الخلق بالثمر و شيعتهم بالأوراق لقرب الورق بالثمرة، و لكونها حافظة لها من الضياع و الفساد بالحر و البرد، كما أن خلص الشيعة حافظون لعلوم أئمتهم عليهم السلام، فالمراد بالشيعة علماؤهم و رواتهم و الكاملون منهم و من ينتفع بالثمرة سائر الشيعة أو مطلق الشيعة، و لهم جهتان فمن جهة الحفظ و الضبط مشبهون بالورق، و من جهة الانتفاع بالناس المنتفعين بالثمر، و لعل الأول أظهر.

" هل فيها" أي في الشجرة" فضل" أي شي ء آخر غير ما ذكرنا، فلا يدخل في هذه الشجرة الطيبة، و لا يلحق بالنبي غير من ذكر، فالمخالفون و سائر الخلق داخلون في الشجرة الخبيثة، و ملحقون بها، و قيل: أي هل في هذه الكلمة فضل عن الحق، و في بعض النسخ شوب مكان فضل، أي هل فيها شوب خطاء و بطلان، أو شوب حق بالباطل أو خلط شي ء غير ما ذكر، فيرجع إلى الأول.

قوله: فتورق ورقة فيها، أي كأنه توجد ورقة في المشبه و يصير التشبيه أكمل، و فوائد الثمرة أعظم، و يحتمل أن تكون في الجنة شجرة هي المشبه بها، و تورق الورقة من تلك الشجرة و تسقط منها، و يمكن أن يستأنس به لإثبات عالم المثال و قد ورد تشبيه الشجرة و أجزائها على وجوه أخرى أوردتها في الكتاب الكبير.

و قد روت العامة أيضا قريبا من ذلك، كما روى الديلمي في الفردوس و السمعاني بإسنادهما عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: أنا شجرة و فاطمة حملها، و علي لقاحها و الحسن و الحسين ثمرها، و المحبون لأهل البيت ورقها من الجنة حقا حقا.

ص: 104

81 مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ حَمْدَانَ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْيَمَانِيِّ عَنْ مَنِيعِ بْنِ الْحَجَّاجِ عَنْ يُونُسَ عَنْ هِشَامِ بْنِ الْحَكَمِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ يَعْنِي فِي الْمِيثَاقِ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمانِها خَيْراً قَالَ الْإِقْرَارُ بِالْأَنْبِيَاءِ وَ الْأَوْصِيَاءِ وَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ ع خَاصَّةً قَالَ لَا يَنْفَعُ إِيمَانُهَا لِأَنَّهَا سُلِبَتْ

الحديث الحادي و الثمانون

: مجهول.

و الآية في سورة الأنعام هكذا:" هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها" الآية، فعلى هذا التأويل يحتمل أن يكون المعنى هل ينتظرون إلا أن تأتيهم الملائكة لقبض الروح، أو يأتي ربك لقبضها مجازا، أو الملائكة للعذاب و الرب للقبض، أو أنهم يقولون لا نؤمن حتى نرى الملائكة أو الرب، و أما آيات الرب فالمراد بها إما العذاب أو ظهور الإمام عليه السلام فإنهم آيات الله، و عدم نفع الإيمان الذي لم يكن في الميثاق لأن ما لم يكن كذلك لا يكون واقعيا بل ظاهرا للخوف، أو لأن من آمن في الميثاق لا يؤخر إيمانه إلى ظهور العذاب، و قبل هذه الآية" سَنَجْزِي الَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آياتِنا سُوءَ الْعَذابِ بِما كانُوا يَصْدِفُونَ" و قد ورد في الأخبار أن الآيات الأئمة عليهم السلام، و قيل: لا ينفع نفسا إيمانها أي بك و بنبوتك" لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ" أي بك" أَوْ كَسَبَتْ" أي أو لم تكن كسبت من قبل" فِي إِيمانِها" بك" خَيْراً" أي أفضل الطاعات و هو الإقرار بالأئمة عليهم السلام، فلفظة" أو" في الآية للتقسيم، فإن الصادفين عن آيات الله قسمان: الأول: من لم يؤمن بنبوة محمد صلى الله عليه و آله و سلم، الثاني: من آمن به و لم يؤمن بالأئمة عليهم السلام.

" لأنها سلبت" أي لأن النفس سلبت الإيمان، لأن إيمانها كلا إيمان، أو تسلب الإيمان بالرسول أيضا في ذلك الوقت، لعدم إيمانه بالأوصياء و سائر

ص: 105

82 وَ بِهَذَا الْإِسْنَادِ عَنْ يُونُسَ عَنْ صَبَّاحٍ الْمُزَنِيِّ عَنْ أَبِي حَمْزَةَ عَنْ أَحَدِهِمَا ع فِي قَوْلِ اللَّهِ جَلَّ وَ عَزَّ- بَلى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَ أَحاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ

الأنبياء.

و قيل: المراد بالميثاق زمان التكليف و إتمام الحجة البالغة و هو بعيد.

الحديث الثاني و الثمانون

: مجهول.

و ما قبل الآية في سورة البقرة في أحوال اليهود:" وَ قالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْداً فَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ، بلى" قال البيضاوي: إثبات لما نفوه من مساس النار لهم زمانا مديدا و دهرا طويلا على وجه أعم ليكون كالبرهان على بطلان قولهم" مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً" قبيحة و الفرق بينهما و بين الخطيئة أنها قد يقال فيما يقصد بالذات، و الخطيئة تغلب فيما يقصد بالعرض، لأنها من الخطإ و الكسب استجلاب النفع، و تعليقه بالسيئة على طريق قوله:" فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ*".

" وَ أَحاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ" أي استولت عليه و شملت جملة أحواله حتى صار كالمحاط بها لا يخلو عنها شي ء من جوانبه، و هذا إنما يصح في شأن الكافر لأن غيره إن لم يكن سوى تصديق قلبه و إقراره لسانه فلم تحط الخطيئة به، فلذلك قسرها السلف بالكفر.

و تحقيق ذلك أن من أذنب ذنبا و لم يقلع عنه استجره إلى معاودة مثله، و الانهماك فيه و ارتكاب ما هو أكبر منه حتى يستولي عليه الذنوب، و تأخذ بمجامع قلبه، فيصير بطبعه مائلا إلى المعاصي مستحسنا إياها، معتقدا أن لا لذة سواها، مبغضا لمن يمنعه عنها، مكذبا لمن ينصحه فيها، كما قال تعالى:" ثُمَّ كانَ عاقِبَةَ الَّذِينَ أَساؤُا السُّواى أَنْ كَذَّبُوا بِآياتِ اللَّهِ".

" فَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ" ملازموها في الآخرة كما أنهم ملازموا أسبابها في

ص: 106

قَالَ إِذَا جَحَدَ إِمَامَةَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ ع- فَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ

83 عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي نَصْرٍ عَنْ حَمَّادِ بْنِ عُثْمَانَ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ الْحَذَّاءِ قَالَ سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ ع عَنِ الِاسْتِطَاعَةِ وَ قَوْلِ النَّاسِ فَقَالَ

الدنيا" هُمْ فِيها خالِدُونَ" دائمون أو لابثون طويلا، انتهى.

و قال الطبرسي قدس سره: اختلف في السيئة فقال ابن عباس و مجاهد و قتادة و غيرهم: السيئة هيهنا الشرك، و قال حسن: هي الكبيرة الموجبة، و قال السدي:

هي الذنوب التي أوعد الله عليها النار، و القول الأول يوافق مذهبنا، لأن ما عدا الشرك لا يستحق به الخلود في النار عندنا.

و قوله: وَ أَحاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ، يحتمل أمرين: أحدهما: أنها أحدقت به من كل جانب كقوله تعالى:" وَ إِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ*" الثاني: أن المعنى أهلكته، من قوله: إِلَّا أَنْ يُحاطَ بِكُمْ، و قوله: وَ ظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ، و قوله:

و أُحِيطَ بِثَمَرِهِ، فهذا كله بمعنى البوار و الهلكة، و المراد أنها سدت عليه طرق النجاة انتهى.

و أقول: في الخبر لا يبعد أن يكون المراد أن من جحد إمامة أمير المؤمنين عليه السلام أيضا داخل في هذه السيئة التي توجب إحاطة الخطيئة بالإنسان و الخلود في النار، فإن الإمامة من أصول الدين و منكرها كافر، فكما أن منكر النبوة كاليهود الذين نزلت الآية ظاهرا فيهم كافر، فكذا منكر سائر الأصول كافر فحكم الآية عام و إن كان مورد النزول خاصا كما حمل عليه القاضي الآية حيث قال: على وجه أعم ليكون كالبرهان على بطلان قولهم فافهم.

الحديث الثالث و الثمانون

: صحيح.

" عن الاستطاعة" أي هل يستطيع العبد من أفعاله شيئا أم أنها بيد الله" و قول

ص: 107

وَ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ وَ لا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَ لِذلِكَ خَلَقَهُمْ يَا أَبَا عُبَيْدَةَ النَّاسُ مُخْتَلِفُونَ فِي إِصَابَةِ الْقَوْلِ وَ كُلُّهُمْ هَالِكٌ قَالَ قُلْتُ قَوْلُهُ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ قَالَ هُمْ شِيعَتُنَا وَ لِرَحْمَتِهِ خَلَقَهُمْ وَ هُوَ قَوْلُهُ وَ لِذلِكَ خَلَقَهُمْ يَقُولُ لِطَاعَةِ الْإِمَامِ

الناس" يعني اختلافهم في هذه المسألة على أقوال شتى و قد مر تحقيقه في باب الجبر و الاختيار و باب الاستطاعة، و الواو في" و تلا" للحالية و قوله:" يا أبا عبيدة" مفعول قال، و المراد بالناس المختلفون، و المراد بالإصابة الوجدان و الإدراك و التفويض، و الآية في سورة هود هكذا:" وَ لَوْ شاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً واحِدَةً وَ لا يَزالُونَ".

و قال الطبرسي (ره): لجعل الناس أمة واحدة، أي على ملة واحدة و دين واحد، فيكونون مسلمين صالحين، و ذلك بأن يلجئهم إلى الإسلام بأن يخلق في قلوبهم العلم بأنهم لو راموا غير ذلك لمنعوا منه و لكن ذلك ينافي التكليف و يبطل كالغرض بالتكليف، لأن الغرض استحقاق الثواب، و الإلجاء يمنع من استحقاق الثواب، فلذلك لم يشأ الله ذلك، و لكن شاء الله أن يؤمنوا باختيارهم ليستحقوا الثواب" وَ لا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ" في الأديان، و قيل: في الأرزاق و الأحوال، و تسخير بعضهم لبعض" إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ" من المؤمنين فإنهم لا يختلفون و يجتمعون على الحق، و المعنى و لا يزالون مختلفين بالباطل إلا من رحمهم الله بفعل اللطف لهم الذي يؤمنون عنده و يستحقون به الثواب، فإن من هذه صورته ناج من الاختلاف بالباطل.

" وَ لِذلِكَ خَلَقَهُمْ" اختلفوا في معناه فقيل: يريد للرحمة خلقهم و لا ينافي ذلك تأنيث الرحمة لأنه غير حقيقي و إذا ذكر فعلى معنى الفضل و الإنعام، و قد قال سبحانه:

" هذا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي" و" إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ" و قيل: إن المعنى و للاختلاف خلقهم و اللام لام العاقبة، يريد إن الله خلقهم و علم أن عاقبتهم يؤول إلى الاختلاف المذموم و قيل: إن ذلك إشارة إلى اجتماعهم على الإيمان، و كونهم فيه أمة واحدة و لا محالة

ص: 108

الرَّحْمَةُ الَّتِي يَقُولُ- وَ رَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْ ءٍ يَقُولُ عِلْمُ الْإِمَامِ وَ وَسِعَ عِلْمُهُ الَّذِي

أن الله سبحانه لهذا خلقهم كما قال تعالى:" وَ ما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَ الْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ" انتهى.

و أما ما ذكره عليه السلام فيحتمل وجوها كلها مبني على أن الإشارة في قوله:

لذلك، إلى الرحمة أو الرحم، كما روى علي بن إبراهيم بإسناده عن أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام قال: لا يزالون مختلفين في الدين إلا من رحم ربك يعني آل محمد و أتباعهم يقول الله تعالى لِذلِكَ خَلَقَهُمْ، يعني أهل رحمة لا يختلفون في الدين.

الأول: أن قوله: هم شيعتنا تفسير للموصول في قوله: إلا من، و لرحمته تفسير لقوله: و لذلك، و قوله: يقول لطاعة الإمام، تفسير للرحمة، فحاصل المعنى حينئذ إلا من رحم ربك بأن وفقه بطاعة الإمام، و لهذه الطاعة خلقهم، فالرحمة حقيقة هو الإمام من جهة أن الطاعة توجب النجاة و هو رحمة أيضا من جهة علمه الذي انتفع به الشيعة كلهم و وسعهم، و هما يرجعان إلى معنى واحد لتلازمهما و كون أحدهما علة للآخر، إذ الطاعة و وجوبها معللة بسعة علمه، فقوله عليه السلام: الرحمة بدل لطاعة الإمام، أو الإمام، ففسر الطاعة بالعلم لتلازمهما أو الإمام بالرحمة من جهة أن علمه وسع الشيعة و كفاهم و أغناهم عن غيره، فقوله: الرحمة التي يقول، أي الإمام هو الرحمة التي يقولها في قوله:" وَ رَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْ ءٍ" يقول: علم الإمام تفسير للرحمة لبيان أن كونه رحمة من جهة علمه، و يمكن أن يقرأ علم بصيغة الماضي، و وسع علمه أي علم الإمام الذي من علمه أي من علم الله، و فسر عليه السلام الشي ء بالشيعة لأنهم المنتفعون به فصار لهم رحمة و أما سائر الخلق فإنه و إن كان لهم أيضا رحمة لكن لما لم ينتفعوا به صار عليهم غضبا، فالمراد بكل شي ء إما كل محل قابل و هم الشيعة أو يكون عاما

ص: 109

و التخصيص بالشيعة لعدم انتفاع غيرهم به، و يحتمل أن يكون المراد بسعة علمه لهم أنه يعرف شيعته من غير شيعته، كناية عن علمه بحقائق جميع الأشياء و أحوالها و فيه بعد، هذا هو الذي خطر بالبال في حله.

و الثاني: ما ذكره بعض الأفاضل قال: فسر الرحمة بطاعة الإمام لأنها توصل العبد إلى رحمة الله، و فسر الرحمة الواسعة بعلم الإمام لأنه الهادي إليها" هم شيعتنا" أي كل شي ء من ذنوب شيعتنا وسعه رحمة ربنا، و في تفسير الرحمة الواسعة بعلم الإمام إشارة إلى أنهم لو كانوا يستندون فيه إلى علمه لما اختلفوا فيما اختلفوا.

الثالث: ما ذكره بعضهم أيضا أن الظرف في قوله: لطاعة الإمام متعلق بيقول، و الرحمة منصوب مفعول يقول و لما فسر عليه السلام رحمة الله في سورة هود بطاعة الإمام أراد أن يدفع المناقشة فيه بآية الأعراف، فإن وسعة طاعة الإمام كل شي ء مستبعد عند العوام" يقول" الضمير لله" علم" فعل ماض و الإمام فاعله" و وسع" عطف على علم، و ضمير عليه لمن رحم و هو المطيع للإمام" من علمه" من للابتداء أو للتعليل، و ضمير علمه للإمام، و حاصل الجواب أن علم الإمام يسع كل شي ء يحتاج إليه، و طاعة الإمام يتضمن أخذ العلم بالمشكلات عن الإمام في كل ما يحتاج إليه، فطاعة الإمام يسع كل شي ء، و قرأ هذا الفاضل هو شيعتنا هو سعتنا، و قال: أي سعة طاعتنا كل شي ء مبني على سعة علمنا.

الرابع: ما قيل: أن الرحمة مبتدأ و علم الإمام خبر، و إعادة" يقول" للتأكيد، و الغرض أن الرحمة هنا علم الإمام و قد وسع علمه الذي هو من علم الله تعالى كل شي ء، و المراد بكل شي ء الشيعة، و يحتمل أن يرجع ضمير من علمه إلى الإمام ليوافق الضمير السابق فيفيد أن علمه المحيط بكل شيعة بعض من علومه عليه السلام، و إنما ترك

ص: 110

هُوَ مِنْ عِلْمِهِ كُلَّ شَيْ ءٍ هُمْ شِيعَتُنَا ثُمَّ قَالَ فَسَأَكْتُبُها لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ يَعْنِي وَلَايَةَ

عطف هذه الجملة على السابقة لانقطاعها عنها لأنها مستأنفة فكأن السائل لما سمع أن الرحمة في الآية السابقة عبارة عن طاعة الإمام سئل عن الرحمة التي في هذه الآية بأن الرحمة فيها عبارة عن علم الإمام، انتهى.

و إنما أوردنا تلك الوجوه لتعلم حسن ما وجهنا به الكلام أولا.

ثم اعلم أن الآية الأخيرة في سورة الأعراف وقعت بعد قصة موسى عليه السلام حيث قال:" وَ اخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا لِمِيقاتِنا فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَ إِيَّايَ أَ تُهْلِكُنا بِما فَعَلَ السُّفَهاءُ مِنَّا إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِها مَنْ تَشاءُ وَ تَهْدِي مَنْ تَشاءُ أَنْتَ وَلِيُّنا فَاغْفِرْ لَنا وَ ارْحَمْنا وَ أَنْتَ خَيْرُ الْغافِرِينَ، وَ اكْتُبْ لَنا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةً وَ فِي الْآخِرَةِ إِنَّا هُدْنا إِلَيْكَ قالَ عَذابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشاءُ وَ رَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْ ءٍ فَسَأَكْتُبُها لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَ يُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَ الَّذِينَ هُمْ بِآياتِنا يُؤْمِنُونَ، الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَ الْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَ يَنْهاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَ يُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ وَ يُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ وَ يَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَ الْأَغْلالَ الَّتِي كانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَ عَزَّرُوهُ وَ نَصَرُوهُ وَ اتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ".

أقول: على سياق الآيات السابقة لا يبعد أن يكون العذاب في قوله تعالى:

عَذابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشاءُ، شاملا للعذاب الصوري و ما هو سببه من العذاب المعنوي من الافتتان بأئمة الضلالة و الخذلان، و سلب التوفيق، و كذا الرحمة شاملة للرحمات الظاهرية و الباطنية و الصورية و المعنوية و رحماته الظاهرة شاملة لكل شي ء في الدنيا و الرحمات المعنوية من الهدايات الظاهرة أيضا شاملة لكل شي ء لكن المنتفع بها المؤمنون، و الهدايات الخاصة مخصوصة بالمؤمنين و الرحمات الأخروية أيضا بعضها عامة و أكثرها خاصة بالمؤمنين، و عمدة الرحمات الخاصة و مادتها الإمام عليه السلام و طاعته

ص: 111

غَيْرِ الْإِمَامِ وَ طَاعَتَهُ ثُمَّ قَالَ يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَ الْإِنْجِيلِ يَعْنِي

و العلم المأخوذ منه، فلذا فسرها عليه السلام بها.

و يمكن أن يقال: الرحمات العامة أيضا للمؤمنين بالذات و لغيرهم بالتبع، كما ورد في الأخبار الكثيرة أنه لو لا الإمام و خواص شيعته لم تمطر السماء و لم تنبت الأرض و لم تبق الدنيا، فظهر وجه تخصيص الرحمة في كلام الإمام بالمؤمنين بوجوه شتى.

قال الطبرسي (ره):" عَذابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشاءُ" ممن عصاني و استحقه بعصيانه و إنما علقه بالمشيئة لجواز الغفران في العقل" وَ رَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْ ءٍ" قال الحسن و قتادة: إن رحمته في الدنيا وسعت البر و الفاجر، و هي يوم القيامة للمتقين خاصة، و قال عطية العوفي: وسعت كل شي ء و لكن لا تجب إلا للذين يتقون، و ذلك أن الكافر يرزق و يدفع عنه بالمؤمن لسعة رحمة الله للمؤمن، فيعيش فيها، فإذا صار في الآخرة وجبت للمؤمنين خاصة كالمستضي ء بنار غيره إذا ذهب صاحب السراج بسراجه.

و قيل: معناه أنها تسع كل شي ء إن دخلوها، فلو دخل الجميع فيها لوسعتهم إلا أن فيهم من لا يدخل فيها لضلاله" فَسَأَكْتُبُها لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ" أي فسأكتب رحمتي الذين يتقون الشرك أي يجتنبونه، و قيل: يجتنبون الكبائر و المعاصي" وَ يُؤْتُونَ الزَّكاةَ" أي يخرجون زكاة أموالهم لأنه أشق الفرائض، و قيل: معناه يطيعون الله و رسوله عن ابن عباس و الحسن، و إنما ذهبا إلى تزكية النفس و تطهيرها" وَ الَّذِينَ هُمْ بِآياتِنا يُؤْمِنُونَ" أي بحججنا و بيناتنا يصدقون، و روي أنه لما نزلت: و رحمتي وسعت كل شي ء، قال إبليس: أنا من ذلك الشي ء فنزعها الله من إبليس بقوله:

فسأكتبها، الآية، فقالت اليهود و النصارى: نحن نتقي و نؤتى الزكاة و نؤمن بآيات ربنا، فنزعها منهم و جعلها لهذه الأمة بقوله:" الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ" الآية.

قال الطبرسي أي يؤمنون به و يعتقدون نبوته" الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ" معناه يجدون نعته و صفته و نبوته مكتوبا عندهم فِي التَّوْراةِ وَ الْإِنْجِيلِ" يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ

ص: 112

النَّبِيَّ ص وَ الْوَصِيَّ وَ الْقَائِمَ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ إِذَا قَامَ وَ يَنْهاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ

وَ يَنْهاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ" يجوز أن يكون هذا مكتوبا في التوراة و الإنجيل فيكون موصولا بما قبله و بيانا لمن يكتب له رحمة الولاية و المحبة، و يجوز أن يكون ابتداء من قول الله تعالى مدحا للنبي و المعروف الحق و المنكر الباطل لأن الحق معروف الصحة في العقول، و الباطل منكر الصحة في العقول، و قيل: المعروف مكارم الأخلاق و صلة الأرحام، و المنكر عبادة الأوثان و قطع الأرحام عن ابن عباس، و هذا القول داخل في القول الأول" وَ يُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ وَ يُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ" أي يبيح لهم المستلذات الحسنة و يحرم عليهم القبائح و ما تعافه الأنفس" وَ يَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ" أي ثقلهم شبه ما كان على بني إسرائيل من التكليف الشديد بالثقل، و قرأ ابن عامر إصارهم على الجمع" وَ الْأَغْلالَ الَّتِي كانَتْ عَلَيْهِمْ" معناه و يضع عنهم العهود التي كانت في ذمتهم، و قيل: يعني ما امتحنوا به من التكاليف الشاقة" فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ" أي بهذا النبي و صدقوه في نبوته" وَ عَزَّرُوهُ" أي عظموه و وقروه و منعوا عنه أعداءه" وَ نَصَرُوهُ" عليهم" وَ اتَّبَعُوا النُّورَ" أي القرآن الذي هو نور في القلوب كما أن الضياء نور في العيون و يهتدى به الخلق في أمور الدين كما يهتدون بالنور في أمور الدنيا" الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ" أي أنزل عليه و قد يقوم" مع" مقام" على" و قيل: معناه أنزل في زمانه و على عهده" أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ" أي الظافرون بالمراد الناجون من العقاب، و الفائزون بالثواب، انتهى.

رجعنا إلى تفسير الحديث قوله عليه السلام: يعني ولاية غير الإمام، بيان لمفعول يتقون المحذوف أي الذين يكفون أنفسهم عن ولاية غير الإمام المنصوب من قبل الله و هو لا ينافي تفسيره بالشرك فإنه أيضا من الشرك فالغرض بيان الفرد الأخفى، و الحاصل أن المتقين هم المؤمنون، و لا ريب في أن من لا يعرف إمامه و تولى إماما ليس من الله فهو ليس من المتقين، و لا ريب في أن من لا يعرف إمامه و تولى إماما ليس من الله فهو ليس من المتقين" و يحتمل أن يكون المراد خصوص ذلك أيضا.

قوله عليه السلام" يعني النبي و الوصي و القائم، لعل المعنى أنه ذكر في ضمن نعته المذكور في الكتابين أن له أوصياء أولهم على و آخرهم القائم يقوم بإعلاء كلمتهم

ص: 113

وَ الْمُنْكَرُ مَنْ أَنْكَرَ فَضْلَ الْإِمَامِ وَ جَحَدَهُ- وَ يُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ أَخْذَ الْعِلْمِ مِنْ أَهْلِهِ- وَ يُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ وَ الْخَبَائِثُ قَوْلُ مَنْ خَالَفَ- وَ يَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَ هِيَ

فهو بيان للوجدان، أي يجدونه بتلك الأوصاف و الخصوصيات، و ضمير يأمرهم راجع إلى القائم، و الغرض بيان أن الأمر و النهي المنسوبين إلى النبي ليس المراد به صدوره عنه صلى الله عليه و آله و سلم بخصوصه بل يشمل ما يصدر عن أوصيائه عليهم السلام، و الذي يتمكن في هذين على وجه الكمال هو القائم لنفاذ حكمه و جريان أمره، و يحتمل أن يكون المراد بالذين يتقون أصحاب القائم عليه السلام فإنه كتب و قدر لهم الرحمة و الغلبة، و ضمير يأمرهم راجعا إلى رئيسهم و هو القائم عليه السلام، لكنه بعيد، و لا حاجة إليه، و قيل:" يعني" تفسير لضمير الجمع في يجدونه، و المراد بالنبي موسى و عيسى، و بالوصي يوشع و شمعون و هو غريب.

ثم إن المعروف كل أمر حسن يجد العقل السليم حسنه و يأمر الله به لذلك و المنكر كل ما لا ترضيه العقول السليمة، فعلى هذا أشرف المعروفات و أعظمها ولاية الحق و طاعته، و أفظع المنكرات إنكار إمام الحق و مخالفته و اختيار غيره عليه، فقوله عليه السلام: و المنكر بفتح الكاف من أنكر فضل الإمام أي إنكار من أنكر، كما في قوله تعالى:" وَ لكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقى" و قيل: المنكر بكسر الكاف و المراد أن المنكر بالفتح هنا إنكار فضل الإمام و لا يخفى ما فيه.

و كذا الطيبات كلما تستطيبه العقول السليمة و له جهة حسن، و الخبائث كل ما تستقذره النفوس الطيبة و له جهة قبح، و هكذا نفهم الآية فإنه امتنان على العباد و وصف لكمال الرسول صلى الله عليه و آله و سلم و فضل شريعته، بأن كل ما يحله فهو طيب واقعا و كل ما يحرمه فهو خبيث واقعا كما فهمه أكثر أصحابنا، بأن المراد بالطيب ما تستلذه طباع أكثر الخلق، و بالخبيث ما تستقذره طباعهم فاستدلوا به على حرمة ما تستنكف منه الطباع فإن أكثر المحرمات مما تميل إليه الطباع، و أكثر المحلات

ص: 114

الذُّنُوبُ الَّتِي كَانُوا فِيهَا قَبْلَ مَعْرِفَتِهِمْ فَضْلَ الْإِمَامِ- وَ الْأَغْلالَ الَّتِي كانَتْ عَلَيْهِمْ وَ الْأَغْلَالُ مَا كَانُوا يَقُولُونَ مِمَّا لَمْ يَكُونُوا أُمِرُوا بِهِ مِنْ تَرْكِ فَضْلِ الْإِمَامِ فَلَمَّا عَرَفُوا

بل الواجبات مما تستكرهه طباع أكثر الخلق، فعلى هذا تشمل الطيبات العلوم الحقة المأخوذة عن أهل بيت العصمة صلوات الله عليهم، و الخبائث العلوم الباطلة المأخوذة عن أئمة الضلالة، مع أن كل ما ورد في الأغذية الجسمانية فهو في بطن القرآن مأول بالأغذية الروحانية كما عرفت مرارا.

قوله: هي الذنوب التي كانوا فيها، أي ذنب ترك الولاية أو الأعم منه و مما يتبعه من الخطإ في الأقوال و الأفعال، و الأول أظهر، لأن غير ترك الولاية داخل في الأغلال كما قال:" و الأغلال ما كانوا يقولون مما لم يكونوا أمروا به" من أصولهم الفاسدة، شبه آرائهم الناشئة عن ضلالتهم و جهالتهم بالأغلال لأنها قيدتهم و حبستهم عن الاهتداء إلى الحق، أو لأنها لزمت أعناقهم مع أو زارها لزوم الغل.

و" من" في قوله: من ترك، تعليلية و يحتمل البيانية و يحتمل كون الأفعال داخلة في الأصر، و الأقوال و العقائد في الأغلال، و لعله أظهر، و في القاموس: الإصر الكسر و الحبس و العطف، و بالكسر: العهد و الذنب و النقل و يضم و يفتح في الكل و الجمع آصار و أصران، و الإصار حبل صغير يشد به أسفل الخباء، و وتد الطنب، انتهى.

فقوله: و هي الإصار، يحتمل وجوها: الأول: أن يكون بصيغة الجمع و يكون قراءتهم عليهم السلام موافقة لقراءة ابن عامر، أو يكون المعنى أن المراد بالمفرد هنا الجمع و المراد جميع ذنوبهم.

الثاني: أن يكون الإصار بالكسر، و المعنى أن الإصر مأخوذ من الإصار الذي يشد به الخباء كما قيل: لعل المعنى أن الذنب يشد به رجل المذنب عن القيام بالطاعة كما أن الإصار يشد به أسفل الخباء.

الثالث: ما قيل أن ضمير" هي" للأغلال و الآصار بصيغة الجمع، و المراد

ص: 115

فَضْلَ الْإِمَامِ وَضَعَ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَ الْإِصْرُ الذَّنْبُ وَ هِيَ الْآصَارُ ثُمَّ نَسَبَهُمْ فَقَالَ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ يَعْنِي بِالْإِمَامِ وَ عَزَّرُوهُ وَ نَصَرُوهُ وَ اتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ يَعْنِي الَّذِينَ اجْتَنَبُوا الْجِبْتَ وَ الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوها وَ الْجِبْتُ وَ الطَّاغُوتُ فُلَانٌ وَ فُلَانٌ وَ فُلَانٌ وَ الْعِبَادَةُ طَاعَةُ النَّاسِ لَهُمْ ثُمَّ قَالَ أَنِيبُوا إِلى رَبِّكُمْ وَ أَسْلِمُوا

أن الأغلال عمدة أثقالهم و ذنوبهم.

" ثم نسبهم" الضمير راجع إلى الشيعة المذكورين في صدر الحديث، أي ذكر أصلهم الذين ينتسبون إليه كما ينتسب الرجل إلى الآباء و الأمهات، و المراد ذكر صفتهم و حليتهم و مثوباتهم.

" فقال الذين آمنوا" نقل بالمعنى" و في القرآن: فالذين آمنوا" يعني بالإمام" أي هو داخل في الإيمان و عمدة فيه، و الإيمان بالرسول لا يكون إلا بالإيمان بالإمام و قد ورد في الأخبار أن المراد بالنور أمير المؤمنين عليه السلام.

قوله عليه السلام:" يعني الذين اجتنبوا" لعله تفسير لقوله: و اتبعوا النور، فإن اتباع القرآن أو الإمام لا يستقيم إلا بالبراءة من أعدائهم، أو المعنى أن المؤمنين المذكورين في هذه الآية هم المذكورون في الآيات الأخرى المبشرين فيها.

و اعلم أن هذه المضامين في الآيات ليست متصلة بالآيات السابقة، فإنها في سورة الأعراف و في سورة الزمر:" وَ الَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوها وَ أَنابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرى فَبَشِّرْ عِبادِ، الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولئِكَ الَّذِينَ هَداهُمُ اللَّهُ وَ أُولئِكَ هُمْ أُولُوا الْأَلْبابِ" و في سورة النساء:" أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَ الطَّاغُوتِ" و في سورة الزمر بعد ما مر بفاصلة:" وَ أَنِيبُوا إِلى رَبِّكُمْ وَ أَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذابُ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ" و في صورة يونس:" الَّذِينَ آمَنُوا وَ كانُوا يَتَّقُونَ لَهُمُ الْبُشْرى فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ فِي الْآخِرَةِ لا تَبْدِيلَ لِكَلِماتِ اللَّهِ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ".

ص: 116

لَهُ ثُمَّ جَزَاهُمْ فَقَالَ هُمُ الْبُشْرى فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ فِي الْآخِرَةِ

وَ الْإِمَامُ يُبَشِّرُهُمْ بِقِيَامِ الْقَائِمِ وَ بِظُهُورِهِ وَ بِقَتْلِ أَعْدَائِهِمْ وَ بِالنَّجَاةِ فِي الْآخِرَةِ وَ الْوُرُودِ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ

فجمع عليه السلام بين مضامين الآيات لبيان اتحاد مواردها، و اتصال بعضها ببعض في المعنى، فالتي في الزمر شرط البشارة فيها باجتناب الطاغوت و هو كل رئيس في الباطل، و طاعة الطاغوت عبادتها كما قال تعالى:" لا تَعْبُدُوا الشَّيْطانَ" و قال:

" اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَ رُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ".

و روى محمد بن العباس عن أبي بصير عن أبي عبد الله و أبي جعفر عليهما السلام أنه قال أنتم الذين اجتنبوا الطاغوت أن يعبدوها و أضاف عليه السلام الجبت إلى الطاغوت لاتحاد مضمونهما و اقترانهما في سائر الآيات إشارة إلى أن في سائر الآيات أيضا مؤولة بالأول و الثاني و الثالث، بل مع سائر أئمة الجور، و فسر العبادة بطاعة الناس لهم كما مر، و كأنه عليه السلام فسر الإنابة إلى الرب و الإسلام بقبول الولاية، لأن من لم يقبلها رد على الله و لم يسلم له.

و يؤيده أن بعد هذه الآية:" وَ اتَّبِعُوا أَحْسَنَ ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ" قال علي بن إبراهيم: من القرآن. و ولاية أمير المؤمنين و الأئمة عليهم السلام، و الدليل على ذلك قول الله:" أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يا حَسْرَتى عَلى ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ" قال: في الإمام، لقول الصادق عليه السلام نحن جنب الله. ثم جزاهم إلى أثابهم و بين جزائهم، حيث قال:" الَّذِينَ آمَنُوا وَ كانُوا يَتَّقُونَ هُمُ الْبُشْرى" و في آيات الأعراف أيضا وصفهم بالإيمان و التقوى، فالبشارة متعلقة بهم، و يظهر من الخبر أن البشارة بشارة الإمام، و قوله ي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ فِي الْآخِرَةِ

ص: 117

عَلَى مُحَمَّدٍ وَ آلِهِ الصَّادِقِينَ عَلَى الْحَوْضِ

84 عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ سَالِمٍ عَنْ عَمَّارٍ السَّابَاطِيِّ قَالَ سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ع عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ- أَ فَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَ اللَّهِ كَمَنْ باءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللَّهِ وَ مَأْواهُ جَهَنَّمُ وَ بِئْسَ الْمَصِيرُ هُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ اللَّهِ فَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ هُمُ الْأَئِمَّةُ وَ هُمْ وَ اللَّهِ يَا عَمَّارُ دَرَجَاتٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَ بِوَلَايَتِهِمْ وَ مَعْرِفَتِهِمْ إِيَّانَا يُضَاعِفُ اللَّهُ لَهُمْ أَعْمَالَهُمْ وَ يَرْفَعُ اللَّهُ لَهُمُ الدَّرَجَاتِ الْعُلَى

ظرف لمتعلق البشارة أي يبشرهم بما يكون لهم من السعادة في الحياة الدنيا عند قيام القائم عليه السلام، و في الآخرة، و هذا أحد تأويلات الآية، و قيل: البشارة في الدنيا ما بشرهم الله تعالى به في القرآن على الأعمال الصالحة، و قيل: بشارة الملائكة للمؤمنين عند موتهم، و قيل: أنها في الدنيا الرؤيا الصالحة يراها المؤمن لنفسه، أو ترى له، و في الآخرة بالجنة عند خروجهم من القبور و في القيامة إلى أن يدخلوا الجنة، يبشرونهم لها حالا بعد حال، و هو المروي عن أبي جعفر عليه السلام و سيأتي الأخبار في بشارة الأئمة عليهم السلام المؤمن عند الموت في كتاب الجنائز.

الحديث الرابع و الثمانون

: ضعيف على المشهور.

" أَ فَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَ اللَّهِ" قال المفسرون: أي في العمل بطاعته" كَمَنْ باءَ" أي رجع بِسَخَطٍ مِنَ اللَّهِ في العمل بمعصيته" وَ مَأْواهُ" أي مصيره و مرجعه" جَهَنَّمُ وَ بِئْسَ الْمَصِيرُ" أي المكان الذي صار إليه" هُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ اللَّهِ" شبهوا بالدرجات لما بينهم من التفاوت في الثواب و العقاب، أو هم ذوو درجات.

أقول: على تفسيره عليه السلام ضمير" هم" راجع إلى الموصول باعتبار المعنى، و الحمل على المبالغة، أو بتقدير ذوو أي هم أصحاب درجات مختلفة هي ولايتهم بالنظر إلى المؤمنين، و بقدر شدة ولايتهم ترتفع درجاتهم في الدنيا و الآخرة، و العلى جمع العليا تأنيث الأعلى.

ص: 118

85 عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ وَ غَيْرُهُ عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ يَزِيدَ عَنْ زِيَادٍ الْقَنْدِيِّ عَنْ عَمَّارٍ الْأَسَدِيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ- إِلَيْهِ يَصْعَدُ

الحديث الخامس و الثمانون

: ضعيف على المشهور.

و الظاهر أن قوله: ولايتنا تفسير للعمل الصالح، فالمستتر في قوله: يرفعه راجع إليه، و البارز إلى الكلم، و المراد به كلمة الإخلاص و الدعاء و الأذكار كلها، و بصعوده بلوغه إلى محل الرضا و القبول أي العمل الصالح و هو الولاية يرفع الكلم الطيب و يبلغه حد القبول.

و يحتمل أن يكون تفسيرا للكلم الطيب و إشارة إلى أن المراد به الولاية و الإقرار به، إما خصوصا أو في ضمن جميع العقائد الإيمانية، و حكم الضميرين حينئذ بعكس ما سبق و هو أنسب بآخر الخبر، و بما ذكره علي بن إبراهيم حيث قال: قوله:

" إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ" إلخ قال: كلمة الإخلاص و الإقرار بما جاء من عند الله من الفرائض و الولاية، يرفع العمل الصالح إلى الله، و روي عن الرضا عليه السلام أنه قال:

الكلم الطيب هو قول: لا إله إلا الله محمد رسول الله علي ولي الله و خليفته حقا، و خلفاؤه خلفاء الله" وَ الْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ" فهو دليله، و عمله اعتقاده الذي في قلبه بأن هذا الكلام صحيح كما قتله بلساني.

و قال الطبرسي قدس سره: الكلم جمع الكلمة، يقال: هذا كلم و هذه كلم، فيذكر و يؤنث، و كل جمع ليس بينه و بين واحدة إلا الهاء يجوز فيه التذكير و التأنيث و معنى الصعود هيهنا القبول من صاحبه و الإثابة عليه، و كلما يتقبل الله سبحانه من الطاعات يوصف بالرفع و الصعود، لأن الملائكة يكتبون أعمال بني آدم و يرفعونها إلى حيث شاء الله، و هذا كقوله:" إِنَّ كِتابَ الْأَبْرارِ لَفِي عِلِّيِّينَ" و قيل: معنى إليه يصعد: إلى سمائه، حيث لا يملك الحكم سواه، فجعل صعوده إلى سمائه صعودا إليه تعالى، كما يقال: ارتفع أمرهم إلى السلطان، و الكلم الطيب الكلمات الحسنة

ص: 119

الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَ الْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَلَايَتُنَا أَهْلَ الْبَيْتِ وَ أَهْوَى بِيَدِهِ إِلَى صَدْرِهِ فَمَنْ لَمْ يَتَوَلَّنَا لَمْ يَرْفَعِ اللَّهُ لَهُ عَمَلًا

86 عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ عَنِ النَّضْرِ بْنِ سُوَيْدٍ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ سَمَاعَةَ بْنِ مِهْرَانَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ قَالَ- الْحَسَنُ وَ الْحُسَيْنُ وَ يَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً

من التعظيم و التقديس، و أحسن الكلم لا إله إلا الله.

" وَ الْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ" قيل فيه وجوه: أحدها: العمل الصالح يرفع الكلم الطيب إلى الله، فالهاء في يرفعه يعود إلى الكلم، و الثاني: على القلب من الأول، أي و العمل الصالح يرفعه الكلم الطيب، و المعنى أن العمل الصالح لا ينفع إلا إذا صدر عن التوحيد عن ابن عباس، و الثالث: أن المعنى أن العمل الصالح يرفعه الله لصاحبه أي يقبله، و على هذا يكون ابتداء إخبار لا يتعلق بما قبله، انتهى.

قوله: و أهوى، هو كلام الراوي و الباء للتعدية يقال: هوى الشي ء و أهوى إذا سقط أي حط عليه السلام يده إلى صدره مومئا إلى نفسه و أضرابه من الأوصياء، و في بعض النسخ: و أومأ.

الحديث السادس و الثمانون

: مجهول.

و الآية في سورة الحديد هكذا:" يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَ آمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ" قال الطبرسي قدس سره: أي يعطكم نصيبين من رحمته، نصيبا لأيمانكم بمن تقدم من الأنبياء و نصيبا لأيمانكم بمحمد صلى الله عليه و آله و سلم" وَ يَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ" قيل: النور القرآن" و فيه دلالة على كل حق و البيان لكل خير، و به يستحق الضياء الذي يمشي به يوم القيامة عن ابن عباس، انتهى.

و قيل: المراد بالنور الهدي الذي يمشون به في ممشاهم العقلاني إلى جناب

ص: 120

تَمْشُونَ بِهِ قَالَ إِمَامٌ تَأْتَمُّونَ بِهِ

القدس تعالى شأنه كما مر في باب أنهم عليهم السلام نور الله.

و أقول: المراد بالرحمة هنا إما الرحمة الأخروية أو الأعم منهم و من الدنيوية و الكفل بالكسر النصيب، و فالمراد به تضاعف النعمة عليهم، و لا ريب أن الإمام أعظم رحمات الله و نعمه على العباد في الدنيا و الآخرة، فذكر عليه السلام أعظم مصداقهما، أو هما الحسنان صلوات الله عليهما، و يحتمل أن يكون المراد الإمام الناطق و الإمام الصامت في كل عصر، و يكون ذكرهما على التشبيه، فيكون ذكر النور بعده تأكيدا، و يحتمل في كل عصر، و يكون ذكرهما على التشبيه، فيكون ذكر النور بعده تأكيدا، و يحتمل إفراد الحسنين عليهما السلام لوجودهما في وقت نزول الآية و كون الأئمة عليهم السلام أنوار الله قد مر بيانه مفصلا، و لا ريب فيه فإن الناس بهم يهتدون إلى مصالح دينهم و دنياهم.

ثم نقول: يحتمل أن يكون المراد بالكفلين الرحمة الدنيوية و الرحمة الأخروية و لما كان الأولى في الحسن صلوات الله عليه أظهر لأنه صالح معاوية لعنه الله و حقن الدماء و استنقذ الشيعة من القتل و الأسر، و لذا ورد أن مصالحته عليه السلام كان خيرا للشيعة مما طلعت عليه الشمس، و الثانية في الحسين صلوات الله عليه أبين لأن أصحابه رضي الله عنهم فازوا بالشهادة و السعادة الأبدية، و لذا فسر الكفلين بهما لأنهما أعظم مصداقيهما و هذا أيضا وجه متين قريب مما خطر بالبال و الله يعلم حقيقة الحال.

و قال علي بن إبراهيم في تفسيره:" كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ" قال نصيبين من رحمته، إحداهما أن لا يدخله النار، و الثانية أن يدخله الجنة" وَ يَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ" يعني الإيمان، ثم روي هذا الخبر بإسناده عن سماعة.

و روى فرات بن إبراهيم في تفسيره بإسناده عن ابن عباس في قوله:" يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ" قال: الحسن و الحسين" وَ يَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ" قال: أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، و روي أيضا بإسناده عن جابر عن أبي جعفر عليه السلام

ص: 121

87 عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْجَوْهَرِيِّ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع فِي قَوْلِهِ وَ يَسْتَنْبِئُونَكَ أَ حَقٌّ هُوَ قَالَ مَا تَقُولُ فِي عَلِيٍّ قُلْ إِي وَ رَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ وَ ما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ

يؤتكم كفلين من رحمته، يعني حسنا و حسينا، قال: ما ضر من أكرمه الله أن يكون من شيعتنا ما أصابه في الدنيا و لو لم يقدر على شي ء يأكله إلا الحشيش، و روى محمد بن العباس في تفسيره أخبارا كثيرة في ذلك.

الحديث السابع و الثمانون

: ضعيف.

و الآية في سورة يونس و ما قبلها هكذا:" أَ ثُمَّ إِذا ما وَقَعَ آمَنْتُمْ بِهِ آلْآنَ وَ قَدْ كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ، ثُمَّ قِيلَ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذابَ الْخُلْدِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا بِما كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ وَ يَسْتَنْبِئُونَكَ" إلخ، و قال المفسرون: أ ثم إذا ما وقع، أي إن أتاكم عذابه آمنتم به بعد وقوعه حين لا ينفعكم الإيمان إلا على إرادة القول، أي قيل لهم إذا آمنوا بعد وقوع العذاب الآن آمنتم به و قد كنتم به تستعجلون تكذيبا و استهزاء" ثُمَّ قِيلَ" عطف على قيل المقدر" وَ يَسْتَنْبِئُونَكَ" و يستخبرونك" أَ حَقٌّ هُوَ" أ حق ما تقول من الوعد أو ادعاء النبوة تقوله بجد أم بباطل تهزل" قُلْ إِي وَ رَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ" أن العذاب لكائن أو أن ما أدعية لثابت، و قيل: كلا الضميرين للقرآن" وَ ما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ" فائتين العذاب.

و قال علي بن إبراهيم: أ ثم إذا وقع آمنتم به، أي صدقتم في الرجعة، فيقال لهم الآن تؤمنون؟ يعني بأمير المؤمنين عليه السلام و قد كنتم به من قبل تكذبون، ثم قال: و يستنبئونك يا محمد أهل مكة في علي أ حق هو، أي إمام هو؟ قل: أي و ربي إنه إمام، ثم قال: و لو أن لكل نفس ظلمت آل محمد حقهم ما في الأرض جميعا لافتدت به في ذلك الوقت يعني الرجعة.

و روى صاحب نخب المناقب عن الباقر عليه السلام في قوله:" وَ يَسْتَنْبِئُونَكَ أَ حَقٌّ هُوَ"

ص: 122

88 عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سُلَيْمَانَ الدَّيْلَمِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبَانِ بْنِ تَغْلِبَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ قُلْتُ لَهُ جُعِلْتُ فِدَاكَ قَوْلُهُ- فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ فَقَالَ مَنْ أَكْرَمَهُ اللَّهُ بِوَلَايَتِنَا فَقَدْ جَازَ الْعَقَبَةَ وَ نَحْنُ تِلْكَ الْعَقَبَةُ الَّتِي مَنِ اقْتَحَمَهَا نَجَا قَالَ فَسَكَتَ فَقَالَ لِي فَهَلَّا أُفِيدُكَ حَرْفاً خَيْرٌ لَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَ مَا فِيهَا قُلْتُ بَلَى جُعِلْتُ فِدَاكَ قَالَ قَوْلُهُ فَكُّ رَقَبَةٍ ثُمَّ قَالَ النَّاسُ كُلُّهُمْ عَبِيدُ النَّارِ- غَيْرَكَ وَ أَصْحَابِكَ فَإِنَّ اللَّهَ فَكَّ رِقَابَكُمْ مِنَ النَّارِ بِوَلَايَتِنَا أَهْلَ الْبَيْتِ

89 عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ سَمَاعَةَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع فِي قَوْلِ اللَّهِ جَلَّ وَ عَزَّ وَ أَوْفُوا بِعَهْدِي قَالَ بِوَلَايَةِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ ع أُوفِ

قال: يسألونك يا محمد أ علي وصيك؟ قل أي و ربي لأنه لوصيي.

أقول: لا ينافي ذلك ما ذكره المفسرون كما عرفت مرارا، إذ على تقدير إرجاع الضمير إلى القرآن فولايته عليه السلام داخلة فيه، أو إلى الوعد و الوعيد فهي أعظم ما صدر فيه الوعد و في تركه الوعيد، أو النبوة فهي من أعظم أجزاء النبوة و ما جاء به النبي صلى الله عليه و آله و سلم، فالظهر و الباطن متوافقان.

الحديث الثامن و الثمانون

: ضعيف، و قد مر شرحه في التاسع و الأربعين.

و قوله: خيرا، صفة حرفا و في بعض النسخ بالرفع خبر مبتدإ محذوف أي هو خير، و الجملة نعت حرفا و عطف أصحابك بدون إعادة الجار مؤيد لمذهب الكوفيين.

الحديث التاسع و الثمانون

: حسن أو موثق.

" وَ أَوْفُوا بِعَهْدِي" قال البيضاوي: بالإيمان و الطاعة" أُوفِ بِعَهْدِكُمْ" بحسن الإثابة" و العهد يضاف إلى المعاهد و المعاهد، و لعل الأول مضاف إلى الفاعل و الثاني إلى المفعول، فإنه تعالى عهد إليهم بالإيمان و العمل الصالح بنصب الدلائل و إنزال

ص: 123

بِعَهْدِكُمْ أُوفِ لَكُمْ بِالْجَنَّةِ

90 مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْخَطَّابِ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ

الكتب، و وعد لهم بالثواب على حسناتهم و للوفاء بهما عرض عريض، فأول مراتب الوفاء منا هو الإتيان بكلمتي الشهادة، و من الله تعالى حقن الدم و المال، و آخرها منا الاستغراق في بحر التوحيد بحيث يغفل عن نفسه فضلا عن غيره، و من الله تعالى الفوز باللقاء الدائم، و ما روي عن ابن عباس: أوفوا بعهدي في اتباع محمد صلى الله عليه و آله و سلم أوف بعهدكم في رفع الآصار و الأغلال، و عن غيره أوفوا بأداء الفرائض و ترك الكبائر أوف بالمغفرة و الثواب، أو أوفوا بالاستقامة على الطريق المستقيم أوف بالكرامة و النعيم المقيم، فبالنظر إلى الوسائط، و قيل: كلاهما مضاف إلى المفعول، و المعنى أوفوا بما عاهدتمون من الإيمان و التزام الطاعة أوف بما عاهدتكم من حسن الإثابة، انتهى.

و ما ذكر في الخبر بيان لعمدة أجزاء العهد و هي أصول الدين، و اكتفى بذكر الولاية لاستلزامها سائر أجزاء الأصول بل يمكن أن يقال هي مستلزمة للفروع أيضا إذ ولايتهم و متابعتهم تتضمن العمل بالطاعات و ترك المناهي و تدعو إليهما بل لا تتحقق الولاية الحقيقية إلا بهما، و للولاية درجات كما أن للجنة أيضا درجات، و كل درجة من الولاية توجب درجة من الجنة.

و كون الخطاب إلى بني إسرائيل حيث قال:" يا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَ أَوْفُوا" إلخ، لا ينافي ذلك لوجهين: الأول: أن الخطاب إلى بني إسرائيل الموجودين في زمن الرسول صلى الله عليه و آله و سلم الذين نزل عليهم القرآن، و الثاني أن التوراة تشتمل على الإيمان بجميع الرسل و الكتب لا سيما الإقرار بنبينا صلى الله عليه و آله و سلم و بما جاء به، فهي داخلة في العهود المأخوذة عليهم أولا و آخرا.

الحديث التسعون

: ضعيف.

ص: 124

عَلِيِّ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ عَنْ أَبِي بَصِيرٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ- وَ إِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقاماً وَ أَحْسَنُ نَدِيًّا قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ص دَعَا قُرَيْشاً إِلَى وَلَايَتِنَا فَنَفَرُوا وَ أَنْكَرُوا فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قُرَيْشٍ لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ أَقَرُّوا لِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ وَ لَنَا أَهْلَ الْبَيْتِ أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقاماً وَ أَحْسَنُ نَدِيًّا تَعْيِيراً مِنْهُمْ فَقَالَ اللَّهُ رَدّاً عَلَيْهِمْ وَ كَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ مِنَ الْأُمَمِ السَّالِفَةِ هُمْ أَحْسَنُ أَثاثاً وَ رِءْياً قُلْتُ قَوْلُهُ مَنْ كانَ فِي الضَّلالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمنُ مَدًّا قَالَ كُلُّهُمْ كَانُوا فِي الضَّلَالَةِ لَا

" وَ إِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ" الآية في سورة مريم، قال البيضاوي: مزيلات الألفاظ مثبتات المعاني بنفسها أو ببيان الرسول صلى الله عليه و آله و سلم أو واضحات الإعجاز للذين آمنوا أي لأجلهم أو معهم" أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ" المؤمنين و الكافرين" خَيْرٌ مَقاماً" موضع قيام أو مكانا" وَ أَحْسَنُ نَدِيًّا" مجلسا و مجتمعا، و المعنى أنهم لما سمعوا الآيات الواضحات و عجزوا عن معارضتها و الدخل عليها أخذوا في الافتخار بما لهم من حظوظ الدنيا، و الاستدلال بزيادة حظهم فيها على فضلهم و حسن حالهم عند الله تعالى، لقصور نظرهم على الحال، و علمهم بظاهر من الحياة الدنيا، فرد عليهم ذلك أيضا مع التهديد نقضا بقوله:" كَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَحْسَنُ أَثاثاً وَ رِءْياً".

و" كم" مفعول أهلكنا" و من قرن" بيانه، و إنما سمي أهل كل عصر قرنا لأنه يتقدم من بعدهم" و هم أحسن" صفة لكم، و أثاثا تميز عن النسبة و هو متاع البيت، و قيل: هو ماجد منه، و الرأي: النظر، فعل من الرؤية لما يرى كالطحن و الخبز، و قرأ نافع و ابن عامر ريا على قلب الهمزة و إدغامها، أو على أنه من الري الذي هو النعمة.

ثم بين أن تمتيعهم استدراج ليس بإكرام، و إنما المعيار على الفضل و النقص ما يكون في الآخرة بقوله:" قُلْ مَنْ كانَ فِي الضَّلالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمنُ مَدًّا" فيمده

ص: 125

يُؤْمِنُونَ بِوَلَايَةِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ ع وَ لَا بِوَلَايَتِنَا فَكَانُوا ضَالِّينَ مُضِلِّينَ فَيَمُدُّ لَهُمْ فِي

و يمهله بطول النعمة و التمتع به، و إنما أخرجه على لفظ الأمر إيذانا بأن إمهاله مما ينبغي أن يفعله استدراجا و قطعا لمعاذيره.

" حَتَّى إِذا رَأَوْا ما يُوعَدُونَ" غاية المد، و قيل: غاية قول الذين كفروا للذين آمنوا أي الفريقين خير.

" إِمَّا الْعَذابَ وَ إِمَّا السَّاعَةَ" تفصيل للموعود فإنه إما العذاب في الدنيا و هو غلبة المسلمين عليهم و تعذيبهم إياهم قتلا و أسرا، و إما يوم القيامة و ما ينالهم فيه من الخزي و النكال" فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَكاناً" من الفريقين بأن عاينوا الأمر على عكس ما قدروه و عاد ما منعوا به خذلانا و وبالا عليهم، و هو جواب الشرط و الجملة محكية بعد حتى" وَ أَضْعَفُ جُنْداً" أي فئة و أنصارا قابل به" أَحْسَنُ نَدِيًّا" من حيث أن حسن النادي باجتماع وجوه القوم و أعيانهم لظهور شوكتهم و استظهارهم.

" وَ يَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدىً" عطف على الشرطية المحكية بعد القول، كأنه لما بين أن إمهال الكافر في تمتعه بالحياة الدنيا ليس لفضله، أراد بيان أن قصور حظ المؤمن منها ليس لمنقصة، بل لأن الله تعالى أراد به ما هو خير و عوض منه، و قيل: عطف على" فَلْيَمْدُدْ" لأنه في معنى الخبر، كأنه قيل: من كان في الضلالة يزيد الله في ضلاله و يزيد المقابل له هداية.

" لا يَمْلِكُونَ الشَّفاعَةَ" هذا بعد قوله تعالى:" يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمنِ وَفْداً، وَ نَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلى جَهَنَّمَ وِرْداً" قال البيضاوي، الضمير في" لا يَمْلِكُونَ" للعباد المدلول عليها بذكر القسمين" إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمنِ عَهْداً" أي إلا من تحلى بما يستعد و يستأهل أن يشفع للعصاة من الإيمان و العمل الصالح، على ما وعد الله، أو إلا من اتخذ من الله إذنا فيها كقوله:" لا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ" من قولهم عهد الأمير إلى فلان بكذا إذا أمره به، و محله الرفع على البدل

ص: 126

ضَلَالَتِهِمْ وَ طُغْيَانِهِمْ حَتَّى يَمُوتُوا فَيُصَيِّرُهُمُ اللَّهُ شَرّاً مَكَاناً وَ أَضْعَفَ جُنْداً قُلْتُ قَوْلُهُ حَتَّى إِذا رَأَوْا ما يُوعَدُونَ إِمَّا الْعَذابَ وَ إِمَّا السَّاعَةَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَكاناً وَ أَضْعَفُ جُنْداً قَالَ أَمَّا قَوْلُهُ حَتَّى إِذا رَأَوْا ما يُوعَدُونَ فَهُوَ خُرُوجُ الْقَائِمِ وَ هُوَ السَّاعَةُ فَسَيَعْلَمُونَ ذَلِكَ الْيَوْمَ وَ مَا نَزَلَ بِهِمْ مِنَ اللَّهِ عَلَى يَدَيْ قَائِمِهِ فَذَلِكَ قَوْلُهُ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَكاناً يَعْنِي عِنْدَ الْقَائِمِ وَ أَضْعَفُ جُنْداً قُلْتُ قَوْلُهُ- وَ يَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدىً قَالَ يَزِيدُهُمْ ذَلِكَ الْيَوْمَ هُدًى عَلَى هُدًى بِاتِّبَاعِهِمُ الْقَائِمَ حَيْثُ لَا يَجْحَدُونَهُ

من الضمير أو النصب على تقدير مضاف أي إلا شفاعة من اتخذ، أو على الاستثناء" سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا" سيحدث لهم في القلوب مودة من غير تعرض منهم لأسبابها، و السين إما لأن السورة مكية و كانوا ممقوتين حينئذ بين الكفرة، فوعدوا ذلك إذا فشى الإسلام، أو لأن الموعود في القيامة حين تعرض حسناتهم على رؤوس الأشهاد فينزع ما في صدورهم من الغل" فَإِنَّما يَسَّرْناهُ بِلِسانِكَ" بأن أنزلناه بلغتك" لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ" الصائرين إلى التقوى" وَ تُنْذِرَ بِهِ قَوْماً لُدًّا" أشداء الخصومة آخذين في كل لديد، أي شق من المراد، لفرط لجاجهم فبشر به و أنذر.

أقول: و أما على تأويله عليه السلام فلعل المراد بالآيات الأئمة عليهما السلام أو الآيات النازلة فيهم، أو المعنى أنها شاملة لتلك الآيات أيضا و قوله:" الذين كفروا" المراد بهم الكافرون بالولاية أو شاملة لهم" تغييرا" مفعول له لقال، و الضمير للذين كفروا.

و قال علي بن إبراهيم: في رواية أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام: الأثاث المتاع، و أما رئيا فالجمال و المنظر الحسن.

قوله عليه السلام" حتى يموتوا" كأنه عليه السلام فسر العذاب بالعذاب النازل بهم بعد الموت، و الساعة بالرجعة في زمن القائم عليه السلام، أو بوصولهم إلى زمن القائم عليه السلام أو

ص: 127

وَ لَا يُنْكِرُونَهُ قُلْتُ قَوْلُهُ لا يَمْلِكُونَ الشَّفاعَةَ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمنِ عَهْداً قَالَ إِلَّا مَنْ دَانَ اللَّهَ بِوَلَايَةِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ وَ الْأَئِمَّةِ مِنْ بَعْدِهِ فَهُوَ الْعَهْدُ عِنْدَ اللَّهِ قُلْتُ

الأعم منهما، فإن كل ما ورد من الساعة و أمثالها في القرآن فظهرها القيامة و بطنها الرجعة، فإنها القيامة الصغرى و من مقدماتها، و لما ردد الله تعالى ما يوعدون بين العذاب و بين الساعة، و فرع سبحانه عليهما قوله:" فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَكاناً وَ أَضْعَفُ جُنْداً" بين عليه السلام التفريع على كل منهما مفصلا فقال في التفريع على العذاب:

حتى يموتوا فصيرهم الله شرا مكانا و أضعف جندا، و لما لم يذكر عليه السلام الشق الآخر أعاد السائل الآية ثانيا فبين عليه السلام الساعة بقوله: أما قوله" حَتَّى إِذا رَأَوْا ما يُوعَدُونَ" فهو خروج القائم أي أحد شقي ما يوعدون خروجه عليه السلام لأنه عليه السلام بين الشق الآخر سابقا و لذا قال عليه السلام: و هو الساعة ثم بين التفريع على هذا الشق بقوله:

" فسيعلمون ذلك اليوم و ما نزل" و في بعض النسخ و ما ينزل و الظاهر أن الواو زيد من النساخ، و ذلك اليوم ظرف لقوله: سيعلمون، و قوله: ما ينزل مفعوله، و في بعض النسخ كذلك كما في تأويل الآيات نقلا عن الكليني، و على ما في أكثر النسخ فقوله: ذلك اليوم مفعول أي حقيقة ذلك اليوم، و قوله: و ما ينزل عطف تفسير له، أو يقدر ظرف قبل الموصول، أي و حين ما ينزل.

" قال يزيدهم ذلك اليوم" أقول: لعل على تأويله عليه السلام يزيد عطف على يعلمون أي يزيد الله، قوله عليه السلام:" إلا من دان" يحتمل أن يكون الاستثناء من الشافعين أو المشفوع لهم أو الأعم لأن قوله: لا يملكون الشفاعة يحتمل الوجوه الثلاثة، و حمله الطبرسي (ره) على الأخير حيث قال: أي لا يقدرون على الشفاعة فلا يشفعون و لا يشفع لهم حين يشفع أهل الإيمان بعضهم لبعض، لأن ملك الشفاعة على وجهين:

أحدهما: أن يشفع للغير و الآخر: أن يستدعي الشفاعة من غيره لنفسه، فبين سبحانه أن هؤلاء الكفار لا تنفذ شفاعة غيرهم فيهم، و لا شفاعة لهم لغيرهم، ثم استثنى سبحانه

ص: 128

قَوْلُهُ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا قَالَ وَلَايَةُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ هِيَ الْوُدُّ الَّذِي قَالَ اللَّهُ تَعَالَى قُلْتُ- فَإِنَّما يَسَّرْناهُ بِلِسانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَ تُنْذِرَ بِهِ قَوْماً لُدًّا قَالَ إِنَّمَا يَسَّرَهُ اللَّهُ عَلَى لِسَانِهِ حِينَ أَقَامَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ع عَلَماً فَبَشَّرَ بِهِ الْمُؤْمِنِينَ وَ أَنْذَرَ بِهِ الْكَافِرِينَ وَ هُمُ الَّذِينَ ذَكَرَهُمُ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ لُدًّا أَيْ كُفَّاراً قَالَ وَ سَأَلْتُهُ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ- لِتُنْذِرَ قَوْماً ما أُنْذِرَ آباؤُهُمْ فَهُمْ غافِلُونَ قَالَ لِتُنْذِرَ الْقَوْمَ الَّذِينَ أَنْتَ فِيهِمْ كَمَا أُنْذِرَ آبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ عَنِ اللَّهِ

فقال" إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمنِ عَهْداً" أي لا يملك الشفاعة إلا هؤلاء، و قيل: لا يشفع إلا لهؤلاء، و العهد هو الإيمان و الإقرار بوحدانية الله تعالى و تصديق أنبيائه، و قيل هو شهادة أن لا إله إلا الله و أن يتبرأ إلى الله من الحول و القوة، و لا يرجو إلا الله عن ابن عباس، و قيل: معناه لا يشفع إلا من وعد له الرحمن بإطلاق الشفاعة كالأنبياء و الشهداء و العلماء و المؤمنين على ما ورد به الأخبار ثم روى رواية دالة على أنه عهد الوصية عند الموت بالعقائد الحقة و استدعاء النجاة من المخاوف.

قوله عليه السلام: هي الود، على تأويله عليه السلام يحتمل أن يكون المراد بالذين آمنوا الأئمة عليهم السلام، و تخصيص أمير المؤمنين عليه السلام بالذكر لأنه أفضلهم و أصلهم و الموجود في زمان نزول الآية، فالمعنى سيجعل الله لهم ودا في قلوب المؤمنين يودونهم و يتوالونهم و أن يكون المراد بالموصول المؤمنون فالمعنى سيجعل الله لهم ود أمير المؤمنين و الأئمة عليهم السلام و يفرضه عليهم أو يوفقهم، و كأنه يؤيد الأخير ما رواه علي بن إبراهيم قال:

قال الصادق عليه السلام: كان سبب نزول هذه الآية أن أمير المؤمنين عليه السلام كان جالسا بين يدي رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم فقال له: قل يا علي: اللهم اجعل لي في قلوب المؤمنين ودا فأنزل الله:" إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ" الآية.

و قال الطبرسي (ره): قيل فيه أقوال، أحدها: أنها خاصة في أمير المؤمنين، فما من مؤمن إلا و في قلبه محبة لعلي عليه السلام عن ابن عباس، و في تفسير أبي حمزة الثمالي حدثني أبو جعفر الباقر عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم لعلي: قل اللهم اجعل لي عندك عهدا، و اجعل لي في قلوب المؤمنين ودا، فقالهما علي عليه السلام فنزلت هذه الآية، و روى نحوه عن جابر بن عبد الله، و الثاني: أنها عامة في جميع المؤمنين، يجعل الله لهم المحبة و الألفة و المقة و المودة في قلوب الصالحين، قال الربيع بن

ص: 129

أنس: إن الله إذا أحب مؤمنا قال لجبرئيل: إني أحببت فلانا فأحبه فيحبه جبرئيل، ثم ينادي في السماء إن الله أحب فلانا فأحبوه فيحبه أهل السماوات ثم يوضع له قبول في أهل الأرض، و الثالث: معناه يجعل الله لهم محبة في قلوب أعدائهم و مخالفيهم ليدخلوا في دينهم، و يتعززوا بهم، و الرابع: أن معناه سيجعل لهم ودا في الآخرة فيحب بعضهم بعضا كمحبة الوالد ولده، و يؤيد الأول ما صح عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال: لو ضربت خيشوم المؤمن بسيفي هذا على أن يبغضني ما أبغضني، و لو صببت الدنيا بجملتها على المنافق على أن يحبني ما أحبني، و ذلك أنه قضى فانقضى على لسان النبي صلى الله عليه و آله أنه قال: لا يبغضك مؤمن و لا يحبك منافق.

" إنما يسره الله على لسانه" الضمير للقرآن باعتبار الآيات النازلة فيه عليه السلام أو على هذا الضمير للود المفسر بولاية أمير المؤمنين عليه السلام و الأول أظهر، و تفسير اللد بالكفار لبيان أن شدة الخصومة في ولاية علي عليه السلام كفر.

و قال تعالى:" يس وَ الْقُرْآنِ الْحَكِيمِ. إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ تَنْزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ* لِتُنْذِرَ قَوْماً ما أُنْذِرَ آباؤُهُمْ" قال البيضاوي: متعلق بتنزيل أو بمعنى لمن المرسلين ما أنذر آباؤهم قوما غير منذرين آباؤهم، يعني آباؤهم الأقربين لتطاول مدة الفترة فتكون صفة مبينة لشدة حاجتهم إلى إرساله أو الذي أنذر به، أو شيئا أنذر به آباؤهم الأبعدون، فيكون مفعولا ثانيا لتنذر، أو إنذار آبائهم على المصدر" فَهُمْ غافِلُونَ" متعلق بالنفي على الأول أي لم ينذروا فبقوا غافلين،

ص: 130

وَ عَنْ رَسُولِهِ وَ عَنْ وَعِيدِهِ- لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلى أَكْثَرِهِمْ مِمَّنْ لَا يُقِرُّونَ بِوَلَايَةِ أَمِيرِ

و بقوله: إنك لمن المرسلين، على الوجوه الأخر أي أرسلتك إليهم لتنذرهم فإنهم غافلون" لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلى أَكْثَرِهِمْ" يعني قوله:" لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَ النَّاسِ أَجْمَعِينَ" فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ، لأنهم ممن علم أنهم لا يؤمنون" إِنَّا جَعَلْنا فِي أَعْناقِهِمْ أَغْلالًا" تقرير لتصميمهم على الكفر و الطبع على قلوبهم بحيث لا يغني عنهم الآيات و النذر بتمثيلهم بالذين غلت أعناقهم فهي إلى الأذقان، فالأغلال واصلة إلى أذقانهم فلا يخلهم يطأطئون فهم مقمحون رافعون رؤوسهم غاضون أبصارهم في أنهم لا يلتفتون لفت الحق و لا يعطفون أعناقهم نحوه و لا يطأطئون رؤوسهم له" وَ جَعَلْنا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا"، الآية و بمن أحاط بهم سدان فغطى أبصارهم بحيث لا يبصرون قدامهم و وراءهم في أنهم محبوسون في مطمورة الجهالة، ممنوعون عن النظر في الآيات و الدلائل" وَ سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَ أَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ" أي مستور عليهم إنذارك و عدمه، و الإنذار التخويف أريد به التخويف من عقاب الله، و إنما اقتصر عليه دون البشارة لأنه أوقع في القلب و أشد تأثيرا في النفس من حيث أن دفع الضر أهم من جلب النفع" لا يُؤْمِنُونَ" جملة مفسرة لإجمال ما قبلها فيما فيه الاستواء، فلا محل لها، أو حال مؤكدة أو بدل عنه.

و الآية مما احتج به من جوز تكليف ما لا يطاق، و الحق أن التكليف بالممتنع لذاته و إن جاز عقلا لكنه غير واقع للاستقراء، و الإخبار بوقوع الشي ء أو عدمه لا ينفي القدرة عليه كإخباره تعالى عما يفعله هو أو العبد باختياره و فائدة الإنذار بعد العلم بأنه لا ينجع إلزام الحجة و حيازة الرسول فضل الإبلاغ، و لذا قال:" سَواءٌ عَلَيْهِمْ" و لم يقل: سواء عليك.

و في الآية إخبار بالغيب على ما هو به إن أريد بالموصول أشخاص بأعيانهم فهو من المعجزات.

ص: 131

الْمُؤْمِنِينَ ع وَ الْأَئِمَّةِ مِنْ بَعْدِهِ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ بِإِمَامَةِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ وَ الْأَوْصِيَاءِ مِنْ بَعْدِهِ فَلَمَّا لَمْ يُقِرُّوا كَانَتْ عُقُوبَتُهُمْ مَا ذَكَرَ اللَّهُ إِنَّا جَعَلْنا فِي أَعْناقِهِمْ أَغْلالًا فَهِيَ إِلَى الْأَذْقانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ ثُمَّ قَالَ- وَ جَعَلْنا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَ مِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْناهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ عُقُوبَةً مِنْهُ لَهُمْ حَيْثُ أَنْكَرُوا وَلَايَةَ أَمِيرِ

" إِنَّما تُنْذِرُ" إنذارا يترتب عليه البغية المرومة" مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ" أي القرآن بالتأمل فيه و العمل به" وَ خَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ" و خاف عقابه قبل حلوله و معاينة أهواله أو في سريرته و لا يغتر برحمته، فإنه كما هو رحمن، منتقم قهار، انتهى.

و على ما في الخبر" ما" في قوله: ما أنذر، مصدرية و يحتمل الموصولة و الموصوفة أيضا، و يحتمل أن يراد بالقول على هذا التأويل الوعيد بالقتل في الدنيا على يد القائم عليه السلام، و بعذاب النار في الآخرة، و التخصيص بالولاية إما لكونها الفرد الأهم أو هي مورد نزول الآيات.

قوله:" في نار جهنم" ظاهره أن هذا ليس على التشبيه، بل هو بيان لعقوبتهم في نار الآخرة، و هو أحد الوجوه التي ذكرها المفسرون، قال الطبرسي (ره) بعد ذكر الوجه الذي ذكره البيضاوي: و ثانيها: أن المعنى كان هذا القرآن أغلال في أعناقهم يمنعهم عن الخضوع لاستماعه و تدبره لثقله عليهم، و ثالثها: أن المعنى بذلك ناس من قريش هموا بقتل النبي صلى الله عليه و آله و سلم فغلت أيديهم إلى أعناقهم فلم يستطيعوا أن يبسطوا إليه يدا عن ابن عباس و السدي، و رابعها: أن المراد به وصف حالهم يوم القيامة فهو مثل قوله: إذ الأغلال في أعناقهم، و إنما ذكره بلفظ الماضي للتحقيق انتهى.

و أما قوله عليه السلام: عقوبة لهم، فيدل عليه أن قوله تعالى:" وَ جَعَلْنا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا" بيان لعقوبتهم في الدنيا، لكن يحتمل العقوبة الروحانية فيكون الكلام مبنيا على التشبيه كما مر، و الجسمانية كما ذكره بعض المفسرين، قال

ص: 132

الْمُؤْمِنِينَ ع وَ الْأَئِمَّةِ مِنْ بَعْدِهِ هَذَا فِي الدُّنْيَا وَ فِي الْآخِرَةِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ مُقْمَحُونَ ثُمَّ قَالَ يَا مُحَمَّدُ وَ سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَ أَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَ بِوَلَايَةِ عَلِيٍّ وَ مَنْ بَعْدَهُ ثُمَّ قَالَ إِنَّما تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ يَعْنِي أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ع وَ خَشِيَ/

الطبرسي قدس سره: هذا على أحد الوجهين تشبيه لهم بمن هذه صفته في إعراضهم عن الإيمان و قبول الحق، و ذلك عبارة عن خذلان الله إياهم لما كفروا فكأنه قال:

" و تركناهم مخذولين" فصار ذلك من بين أيديهم سدا و من خلفهم سدا و إذا قلنا أنه وصف حالهم في الآخرة فالكلام على حقيقة، و يكون عبارة عن ضيق المكان في النار بحيث لا يجدون متقدما و لا متأخرا إذ سد عليهم جوانبهم، و إذا حملناه على صفة القوم الذين هموا بقتل النبي صلى الله عليه و آله و سلم فالمراد جعلنا بين أيدي أولئك الكفار منعا، و من خلفهم منعا، حتى لم يبصروا النبي صلى الله عليه و آله و سلم.

و قوله:" فَأَغْشَيْناهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ" أي أغشينا أبصارهم فهم لا يبصرون النبي صلى الله عليه و آله و سلم فقد روي أن أبا جهل هم بقتله فكان إذا خرج بالليل لا يراه و يحول الله بينه و بينه، و قيل: فأغشيناهم، أي فأعميناهم فهم لا يبصرون الهدى، و قيل:

فأغشيناهم بالعذاب فهم لا يبصرون في النار، و قيل: معناه أنهم لما انصرفوا عن الإيمان بالقرآن لزمهم ذلك حتى لم يكادوا يتخلصون منه بوجه كالمغلول و المسدود عليه طرقه، انتهى.

و أقول: ظاهر الخبر حمل الجميع على العقوبات الروحانية المعنوية في الدنيا جزاء على تركهم الولاية، فإنهم لما تركوا ولاية أهل البيت عليهم السلام و والوا أعداءهم سدت عليهم أبواب العلوم و الحكم الربانية، فصاروا عميا حيارى لا يبصرون طرق الهدى و لا يميزون بين الحق و الباطل، و كل ذلك لخذلان الله تعالى إياهم بترك الولاية و الإعراض عنها، و فسر عليه السلام الذكر بأمير المؤمنين عليه السلام على المثال، و المراد جميع الأئمة عليهم السلام، فإنهم يذكرون الناس ما فيه صلاحهم من علوم التوحيد و المعاد و سائر المعارف و الشرائع و الأحكام" وَ خَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ" أي في حال

ص: 133

الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ يَا مُحَمَّدُ- بِمَغْفِرَةٍ وَ أَجْرٍ كَرِيمٍ

91 عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْفُضَيْلِ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ الْمَاضِي ع قَالَ سَأَلْتُهُ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ- يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُا نُورَ اللَّهِ بِأَفْواهِهِمْ قَالَ يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا وَلَايَةَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ ع بِأَفْوَاهِهِمْ قُلْتُ وَ اللَّهُ

غيبته عن الناس بخلاف المنافق، أو فيما غاب عنه من أمر الآخرة كما ذكره الطبرسي" وَ أَجْرٍ كَرِيمٍ" أي ثواب خالص من الشوائب.

الحديث الحادي و التسعون

: مجهول.

" يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُا" الآية في سورة الصف قال المفسرون: أي يريدون أن يطفئوا و اللام مزيدة لما فيها من معنى الإرادة تأكيدا أو يريدون الافتراء لِيُطْفِؤُا نُورَ اللَّهِ بِأَفْواهِهِمْ، أي يريدون إذهاب نور الإيمان و الإسلام بفاسد الكلام الجاري مجرى تراكم الظلام، فمثلهم فيه كمثل من حاول إطفاء نور الشمس بفيه" وَ اللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ" أي مظهر كلمته و مؤيد نبيه و معلن دينه و شريعته و مبلغ ذلك غايته" وَ لَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ" إرغاما لهم.

و أقول: أول عليه السلام النور بولاية أمير المؤمنين عليه السلام لأنها العمدة في الإيمان و الإسلام، و بها يتبين سائر أركانهما، قوله: و الله متم الإمامة، أي ينصب في كل عصر إماما و يبين حجته للناس و إن أنكروه أو الإتمام في زمان القائم عليه السلام ثم استشهد عليه السلام لكون النور الإمام بآية أخرى و هي في سورة التغابن هكذا:" فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَ رَسُولِهِ وَ النُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنا" فالتغيير إما من النساخ و الرواة أو منه عليه السلام نقلا بالمعنى، أو كان مصحفهم هكذا، و فسر المفسرون النور بالقرآن و أوله عليه السلام بالإمام لمقارنته له صلى الله عليه و آله و سلم في سائر الآيات كآية إنما وليكم الله، و آية أولي الأمر و غيرهما و الإنزال لا ينافي ذلك لأنه قال سبحانه في شأن الرسول صلى الله عليه و آله و سلم:" قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً رَسُولًا" فأنزل نور النبي و الوصي صلوات الله عليهما من صلب آدم إلى

ص: 134

مُتِمُّ نُورِهِ قَالَ وَ اللَّهُ مُتِمُّ الْإِمَامَةِ لِقَوْلِهِ عَزَّ وَ جَلَّ الَّذِينَ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَ رَسُولِهِ وَ النُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنا فَالنُّورُ هُوَ الْإِمَامُ قُلْتُ- هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَ دِينِ

صلب عبد المطلب فافترقا نصفين فانتقل نصف إلى عبد الله و نصف إلى أبي طالب كما قال تعالى في علي عليه السلام:" النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ" و أيضا فإنه تعالى بعد رفعهم إلى الملإ الأعلى و تشريفهم بمنزل قاب قوسين أو أدنى أنزلهم من تلك المرتبة الكبرى إلى معاشرة الخلق و هدايتهم، قائلين إن نحن إلا بشر مثلهم ليكونوا وسائط بينه و بين الخلق، يأخذون المعارف عنه سبحانه بتقدسهم، و يبلغون إلى الخلق ببشريتهم فهم بأجسادهم بين الخلق و أرواحهم معلقة بالملأ الأعلى، فإنزالهم إشارة إلى ذلك كما حققناه في الكتب و سيأتي له مزيد تحقيق إنشاء الله.

و يحتمل أن يكون مبنيا على أنه ليس المراد بالإيمان بالقرآن الإذعان به مجملا بل فهم مضامينه و الإذعان بجميعها، و لا يتيسرون ذلك إلا بمعرفة الإمام فإنه الحافظ للقرآن لفظا و معنى و ظهرا و بطنا، و العامل به، بل هو القرآن حقيقة إذ إطلاق القرآن على المصحف مجاز، إذ القرآن عبارة عن الألفاظ المخصوصة من حيث دلالتها على المعاني المعلومة، أو عن المعاني من حيث دلالة تلك الألفاظ عليها أو عن المجموع، فإطلاقه على المصحف لتضمنه نقوشا تدل على ألفاظ دالة على تلك المعاني، فإطلاقه على نفوسهم المقدسة المنتقشة بألفاظ القرآن و جميع معانيها مع اتصافهم بجميع الصفات الحسنة التي أمر بها فيه و اجتنابهم عن جميع المناهي التي نهي عنها فيه، كما ورد في وصف النبي صلى الله عليه و آله و سلم كان خلقه القرآن، أصوب و أقرب إلى الحقيقة، و لذا قال أمير المؤمنين صلوات الله عليه و في مواطن شتى: أنا كلام الله الناطق فظهر سر تأويل ما ظاهره القرآن فيه بهم عليهم السلام في الأخبار الكثيرة.

" هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ*" الآية مذكورة في مواطن، أولها: في التوبة" يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِؤُا نُورَ اللَّهِ بِأَفْواهِهِمْ وَ يَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَ لَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ

ص: 135

الْحَقِّ قَالَ هُوَ الَّذِي أَمَرَ رَسُولَهُ بِالْوَلَايَةِ لِوَصِيِّهِ وَ الْوَلَايَةُ هِيَ دِينُ الْحَقِّ قُلْتُ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ قَالَ يُظْهِرُهُ عَلَى جَمِيعِ الْأَدْيَانِ عِنْدَ قِيَامِ الْقَائِمِ قَالَ يَقُولُ اللَّهُ وَ اللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَايَةِ الْقَائِمِ وَ لَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ بِوَلَايَةِ عَلِيٍّ قُلْتُ هَذَا تَنْزِيلٌ قَالَ نَعَمْ أَمَّا هَذَا الْحَرْفُ فَتَنْزِيلٌ وَ أَمَّا غَيْرُهُ فَتَأْوِيلٌ

هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَ دِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَ لَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ" و ثانيها: في الفتح" هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَ دِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَ كَفى بِاللَّهِ شَهِيداً" و ثالثها: في الصف" يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُا نُورَ اللَّهِ بِأَفْواهِهِمْ وَ اللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَ لَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ، هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَ دِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَ لَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ" و الظاهر أن الذي ورد في الخبر هو تأويل ما في سورة الصف، و قوله: و الله متم ولاية القائم، عود إلى تأويل تتمة الآية الأولى لأن السائل استعجل و سأل عن تفسير الآية الثانية قبل إتمام تفسير الأولى، فعاد عليه السلام إلى إتمام الآية الأولى و لم يفسره و لو كره المشركون في الثانية، لتقارب مفهومي عجزي الآيتين كذا خطر بالبال.

و قيل: و لو كره الكافرون، تفسير لقوله: و لو كره المشركون، أو نقل للآية بالمعنى، و لا يخفى أن ما ذكرنا أظهر.

قوله: أما هذا الحرف أي قوله بولاية علي في آخر الآية، أو من قوله: و الله إلى قوله: على، و ربما يأول التنزيل بالتفسير حين التنزيل كما مر مرارا و قد ذكر بعض المفسرين أن المراد بالإظهار الغلبة بالحجة، و ما ذكره عليه السلام أن المراد به الظهور عند قيام القائم عليه السلام فهو أظهر، و قد رواه الخاص و العام.

قال الطبرسي (ره):" هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ*" محمدا" بِالْهُدى*" من التوحيد و إخلاص العبادة له" وَ دِينِ الْحَقِّ*" و هو دين الإسلام و ما تعبد به الخلق" لِيُظْهِرَهُ*

ص: 136

قُلْتُ- ذلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا قَالَ إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى سَمَّى مَنْ لَمْ يَتَّبِعْ رَسُولَهُ فِي وَلَايَةِ وَصِيِّهِ مُنَافِقِينَ وَ جَعَلَ مَنْ جَحَدَ وَصِيَّهُ إِمَامَتَهُ كَمَنْ جَحَدَ مُحَمَّداً وَ أَنْزَلَ بِذَلِكَ قُرْآناً فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ إِذا جاءَكَ الْمُنافِقُونَ بِوَلَايَةِ وَصِيِّكَ قالُوا نَشْهَدُ

عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ*" معناه ليعلى دين الإسلام على جميع الأديان بالحجة و الغلبة و القهر لها، حتى لا يبقى على وجه الأرض إلا مغلوب و لا يغلب أحد أهل الإسلام بالحجة و هم يغلبون سائر الأديان بالحجة، و أما الظهور بالغلبة فهو أن كل طائفة من المسلمين قد غلبوا على ناحية من نواحي أهل الشرك و لحقهم قهر من جهتهم، و قيل أراد عند نزول عيسى بن مريم لا يبقى أهل دين إلا أسلم أو أدى الجزية عن الضحاك و قال أبو جعفر عليه السلام: إن ذلك يكون عند خروج المهدي من آل محمد، فلا يبقى أحد إلا أقر بمحمد صلى الله عليه و آله و سلم و هو قول السدي، و قال الكلبي: لا يبقى دين إلا ظهر عليه السلام و سيكون ذلك و لم يكن بعد و لا تقوم الساعة حتى يكون ذلك.

و قال المقداد بن الأسود: سمعت رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم يقول: لا يبقى على ظهر الأرض بيت مدر و لا وبر إلا أدخله الله كلمة الإسلام إما بعز عزيز أو بذل ذليل إما يعزهم فيجعلهم الله من أهله فيعزوا به، و إما يذلهم فيدينون له و قيل: إن الهاء في ليظهره عائدة إلى الرسول صلى الله عليه و آله و سلم أي ليعلمه الله الأديان كلها حتى لا يخفى عليه شي ء منها عن ابن عباس، انتهى.

و روى العياشي بإسناده عن عمران بن ميثم عن عباية أنه سمع أمير المؤمنين عليه السلام يقول: هو الذي أرسل عبده بالهدي و دين الحق ليظهره على الدين كله أظهر ذلك بعد؟ قالوا: نعم، قال: كلا، فو الذي نفسي بيده حتى لا تبقى قرية إلا ينادي فيها بشهادة أن لا إله إلا الله بكرة و عشيا.

أقول: و الأخبار في ذلك كثيرة أوردتها في الكتاب الكبير.

" إِذا جاءَكَ الْمُنافِقُونَ قالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ" قال البيضاوي: الشهادة

ص: 137

إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَ اللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَ اللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنافِقِينَ بِوَلَايَةِ عَلِيٍّ لَكاذِبُونَ. اتَّخَذُوا أَيْمانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَ السَّبِيلُ هُوَ الْوَصِيُّ إِنَّهُمْ

إخبار عن علم من الشهود و هو الحضور و الاطلاع، و لذلك صدق المشهود به و كذبهم في الشهادة بقوله:" وَ اللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَ اللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ" لأنهم لم يعتقدوا" اتَّخَذُوا أَيْمانَهُمْ" حلفهم الكاذب أو شهادتهم هذا، فإنها تجري مجرى الحلف في التأكيد" جُنَّةً" وقاية عن القتل و السبي" فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ" قال الطبرسي (ره): أي فأعرضوا بذلك عن دين الإسلام، و قيل: منعوا غيرهم عن اتباع سبيل الحق بأن دعوهم إلى الكفر في الباطل" إِنَّهُمْ ساءَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ" أي بئس الذي يعملونه من إظهار الإيمان مع إبطان الكفر و الصد عن السبيل.

" ذلِكَ" قال البيضاوي: إشارة إلى الكلام المتقدم أي ذلك القول الشاهد على سوء أعمالهم، أو إلى الحال المذكورة من النفاق و الكذب و الاستجنان بالإيمان" بِأَنَّهُمْ آمَنُوا" بسبب أنهم آمنوا ظاهرا" ثُمَّ كَفَرُوا" سرا أو آمنوا إذا رأوا آية ثُمَّ كَفَرُوا حيثما سمعوا من شياطينهم شبهة" فَطُبِعَ عَلى قُلُوبِهِمْ" حتى يموتوا على الكفر و استحكموا فيه" فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ" حقيقة الإيمان و لا يعرفون صحته" لَوَّوْا رُؤُسَهُمْ" عطفوها إعراضا و استكبارا عن ذلك" وَ رَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ" يعرضون عن الاستغفار" وَ هُمْ مُسْتَكْبِرُونَ" عن الاعتذار" سَواءٌ عَلَيْهِمْ" قال الطبرسي (ره): أي يتساوى الاستغفار لهم و عدم الاستغفار" لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ" لأنهم يبطنون الكفر و إن أظهروا الإيمان" إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ" أي لا يهدي القوم الخارجين عن الدين و الإيمان إلى طريق الجنة، قال الحسن: أخبره سبحانه أنهم يموتون على الكفر فلم يستغفر لهم، انتهى.

ثم اعلم أن المشهور بين المفسرين نزول تلك الآيات في ابن أبي المنافق و أصحابه، و هو لا ينافي جريانها في أضرابهم من المنافقين، فإن خصوص السبب لا يصير

ص: 138

ساءَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا بِرِسَالَتِكَ وَ كَفَرُوا بِوَلَايَةِ وَصِيِّكَ فَطُبِعَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ قُلْتُ مَا مَعْنَى لَا يَفْقَهُونَ قَالَ يَقُولُ لَا يَعْقِلُونَ بِنُبُوَّتِكَ قُلْتُ وَ إِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ قَالَ وَ إِذَا قِيلَ لَهُمُ ارْجِعُوا إِلَى وَلَايَةِ عَلِيٍّ يَسْتَغْفِرْ لَكُمُ النَّبِيُّ مِنْ ذُنُوبِكُمْ لَوَّوْا رُؤُسَهُمْ قَالَ اللَّهُ- وَ رَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ عَنْ وَلَايَةِ عَلِيٍّ وَ هُمْ مُسْتَكْبِرُونَ عَلَيْهِ ثُمَّ عَطَفَ الْقَوْلَ مِنَ اللَّهِ بِمَعْرِفَتِهِ بِهِمْ فَقَالَ سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ يَقُولُ الظَّالِمِينَ لِوَصِيِّكَ

سببا لخصوص الحكم مع أنه قد كانت الآية تنزل مرتين في قضيتين لتشابههما، و أيضا لا اعتماد كثيرا على أكثر ما رووه في أسباب النزول.

و بالجملة يحتمل أن يكون المعنى أن آيات النفاق تشمل جماعة كانوا يظهرون الإيمان بالرسول صلى الله عليه و آله و سلم و ينكرون إمامة وصية فإنه كفر به حقيقة فإن الإيمان بالرسول صلى الله عليه و آله و سلم لا يتم إلا بالإيمان بجميع ما جاء به الوصاية و الولاية.

قوله عليه السلام: بولاية وصيك، أي بسببها فإن نفاقهم كان بسبب إنكار الولاية أو فيها، فإنهم كانوا يظهرون قبولها، و كان يقول رئيسهم: بخ بخ لك يا بن أبي طالب ثم كانوا يدبرون باطنا في إزالتها" لَكاذِبُونَ" في ادعائهم الإذعان بنبوتك إذ تكذيب الولاية يستلزم تكذيب النبوة، و السبيل هو الوصي لأنه الموصل إلى النجاة و هو الداعي إلى سبيل الخير و معلمها، و لا يقبل عمل إلا بولايته" لا يعقلون بنبوتك" أي لا يدركون حقيقتها و لا يفهمون أن إنكار الوصي تكذيب للنبي و أن معنى النبوة و فائدتها و نفعها لا تتم إلا بتعيين وصي معصوم حافظ لشريعته، فمن لم يؤمن بالوصي لم يعقل معنى النبوة، فتصديقه على فرض وقوعه تصديق من غير تصور.

" ثم عطف القول" على بناء المجهول.

و الباء في قوله: بمعرفته، بمعنى إلى أي عطف الله سبحانه القول عن بيان حالهم إلى بيان علمه بعاقبة أمرهم، و أنهم لا ينفعهم الإنذار، و يحتمل أن تكون

ص: 139

قُلْتُ أَ فَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلى وَجْهِهِ أَهْدى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ قَالَ إِنَّ اللَّهَ ضَرَبَ مَثَلَ مَنْ حَادَ عَنْ وَلَايَةِ عَلِيٍّ كَمَنْ يَمْشِي عَلَى وَجْهِهِ لَا يَهْتَدِي لِأَمْرِهِ وَ جَعَلَ مَنْ تَبِعَهُ سَوِيّاً عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ وَ الصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ ع

الباء سببية و يرجع إلى الأول.

" أَ فَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلى وَجْهِهِ أَهْدى" الآية من سورة الملك، و قال البيضاوي يقال كببته فأكب و هو من الغرائب، و معنى مكبا أنه يعثر كل ساعة و يخر على وجهه لو عورة طريقه و اختلاف أجزائه، و لذلك قابله بقوله:" أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا" قائما سالما من العثار" عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ" مستوي الأجزاء أو الجهة، و المراد تمثيل المشرك و الموحد بالسالكين و الدينين بالمسلكين، و لعل الاكتفاء بما في الكب من الدلالة على حال المسلك للإشعار بأن ما عليه المشرك لا يستأهل أن يسمى طريقا كمشي التعسف في مكان متوعر غير مستو، و قيل: المراد بالمكب الأعمى فإنه يعتسف فينكب، و بالسوي البصير، و قيل: من يمشي مكبا، هو الذي يحشر على وجهه إلى النار و من يمشي سويا الذي يحشر على قدميه إلى الجنة، انتهى.

" مثل من حاد" أي مال و عدل، و تأويله عليه السلام منطبق على أكثر الوجوه المتقدمة فإن شيعة علي عليه السلام التابع له في عقائده و أعماله و أقواله يمشي على صراط مستقيم لا يعوج عن الحق و لا يشتبه عليه الطريق، و لا يقع في الشبهات التي توجب عثاره و يعسر عليه التخلص منها، و المخالف له أعمى حيران لا يعلم مقصده و عاقبة أمره فيسلك الطرق الوعرة المشتبهة التي لا يدري أين ينتهي، و يقع في حفر و مضائق و شبهات لا يعرف كيفية التخلص منها، أو كالحيوان الذي يمشي على وجهه لا يدري مقصده و لا يحترز من عدوه و السباع التي تفترسه، و الصراط المستقيم أمير المؤمنين أي ولايته و متابعته أو بقدر مضاف في الآية و لعل الأول أنسب.

ص: 140

قَالَ قُلْتُ قَوْلُهُ إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ قَالَ يَعْنِي جَبْرَئِيلَ عَنِ اللَّهِ فِي وَلَايَةِ

" إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ" الآية في سورة الحاقة، و قالوا: إن الضمير راجع إلى القرآن و على ما فسره عليه السلام أيضا راجع إليه لكن باعتبار الآيات النازلة في الولاية خصوصا، أو المعنى أنها جار فيها أيضا بل هي عمدتها، و فسر عليه السلام الرسول بجبرئيل، قال البيضاوي: لقول رسول يبلغه عن الله فإن الرسول لا يقول عن نفسه كريم على الله و هو محمد صلى الله عليه و آله و سلم أو جبرئيل عليه السلام" وَ ما هُوَ بِقَوْلِ شاعِرٍ" كما تزعمون تارة" قَلِيلًا ما تُؤْمِنُونَ" تصدقون لما ظهر لكم صدقه تصديقا قليلا لفرط عنادكم" وَ لا بِقَوْلِ كاهِنٍ" كما تزعمون أخرى" قَلِيلًا ما تَذَكَّرُونَ" تذكرا قليلا و لذلك يلتبس الأمر عليكم و ذكر الإيمان مع نفي الشاعرية و التذكر مع نفي الكاهنية، لأن عدم مشابهة القرآن للشعر أمر بين لا ينكره إلا معاند بخلاف مباينته للكهانة فإنها تتوقف على تذكر أحوال الرسول صلى الله عليه و آله و سلم و معاني القرآن المنافية لطريقة الكهنة و معاني أقوالهم" تَنْزِيلٌ" هو تنزيل" مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ" نزله على لسان جبرئيل" وَ لَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الْأَقاوِيلِ" سمى الافتراء تقولا لأنه قول متكلف" لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ" بيمينه" ثُمَّ لَقَطَعْنا مِنْهُ الْوَتِينَ" أي يناط قلبه يضرب عنقه و هو تصوير لإهلاكه بأفظع ما يفعله الملوك لمن يغضبون عليه، و هو أن يأخذ القتال بيمينه و يكفحه بالسيف و يضرب جيده و قيل: اليمين بمعنى القوة" فَما مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ" عن القتل أو المقتول" حاجِزِينَ" دافعين وصف لأحد فإنه عام و الخطاب للناس" وَ إِنَّهُ" و إن القرآن" لَتَذْكِرَةٌ لِلْمُتَّقِينَ" لأنهم المنتفعون به" وَ إِنَّا لَنَعْلَمُ أَنَّ مِنْكُمْ مُكَذِّبِينَ" فنجازيهم على تكذيبهم" وَ إِنَّهُ لَحَسْرَةٌ عَلَى الْكافِرِينَ" إذا رأوا ثواب المؤمنين" وَ إِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ" لليقين الذي لا ريب فيه" فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ" فسبح الله بذكر اسمه العظيم تنزيها له عن الرضا بالتقول عليه و شكرا

ص: 141

عَلِيٍّ ع قَالَ قُلْتُ وَ ما هُوَ بِقَوْلِ شاعِرٍ قَلِيلًا ما تُؤْمِنُونَ قَالَ قَالُوا إِنَّ مُحَمَّداً كَذَّابٌ عَلَى رَبِّهِ وَ مَا أَمَرَهُ اللَّهُ بِهَذَا فِي عَلِيٍّ فَأَنْزَلَ اللَّهُ بِذَلِكَ قُرْآناً فَقَالَ إِنَّ وَلَايَةَ عَلِيٍّ تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ. وَ لَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا مُحَمَّدٌ بَعْضَ الْأَقاوِيلِ. لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ. ثُمَّ لَقَطَعْنا مِنْهُ الْوَتِينَ ثُمَّ عَطَفَ الْقَوْلَ فَقَالَ- إِنَّ وَلَايَةَ عَلِيٍّ لَتَذْكِرَةٌ لِلْمُتَّقِينَ لِلْعَالَمِينَ وَ إِنَّا لَنَعْلَمُ أَنَّ مِنْكُمْ مُكَذِّبِينَ. وَ إِنَّ عَلِيّاً لَحَسْرَةٌ عَلَى الْكافِرِينَ. وَ إِنَّ وَلَايَتَهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ. فَسَبِّحْ يَا مُحَمَّدُ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ يَقُولُ اشْكُرْ رَبَّكَ الْعَظِيمَ الَّذِي أَعْطَاكَ هَذَا الْفَضْلَ

على ما أوحى إليك، انتهى.

قوله عليه السلام: قالوا: إن محمدا كذاب على ربه، تفسير لشاعر لأن المراد به من يروج الكذب بلطائف الحيل، و قد يكون منها الوزن و القافية، و الحاصل أنه لا بد أن يكون مرادهم بالشاعر من يكون بناء كلامه على الخيالات الشعرية و الأمور الباطلة المموهة، لأن عدم كون القرآن شعرا مما لا يريب فيه أحد، و قوله عليه السلام إن ولاية علي، لا ينافي رجوع الضمير إلى القرآن لأن المراد به الآيات النازلة في ولايته عليه السلام كما عرفت، و في القاموس: الوتين عرق في القلب إذا انقطع مات صاحبه" ثم عطف" على بناء المعلوم و الضمير لله أي ارجع القول إلى ما كان في الولاية" إن ولاية علي" تفسير لقوله وَ إِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ، أي الآيات النازلة في الولاية تذكرة، و فسر المتقين بالعالمين بالولاية، و كفر من أنكرها" أَنَّ مِنْكُمْ مُكَذِّبِينَ" أي بالولاية" و إن عليا لحسرة" هذا أيضا تفسير لمرجع الضمير، و بيان لحاصل المعنى، فإن الآيات النازلة في الولاية و عدم العمل بها لما صارت وبالا و حسرة على الكافرين يوم القيامة فكأنه عليه السلام صار حسرة لهم، و كذا الكلام في قوله: و إن ولايته، فإن الضمائر كلها راجعة إلى شي ء واحد، و عبر عنه بعبارات مختلفة تفننا و توضيحا.

ص: 142

قُلْتُ قَوْلُهُ لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدى آمَنَّا بِهِ قَالَ الْهُدَى الْوَلَايَةُ آمَنَّا بِمَوْلَانَا فَمَنْ آمَنَ بِوَلَايَةِ مَوْلَاهُ- فَلا يَخافُ بَخْساً وَ لا رَهَقاً قُلْتُ تَنْزِيلٌ قَالَ لَا تَأْوِيلٌ قُلْتُ قَوْلُهُ لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَ لا رَشَداً قَالَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ص دَعَا النَّاسَ إِلَى وَلَايَةِ عَلِيٍّ فَاجْتَمَعَتْ إِلَيْهِ قُرَيْشٌ فَقَالُوا يَا مُحَمَّدُ أَعْفِنَا مِنْ هَذَا فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ ص هَذَا إِلَى اللَّهِ لَيْسَ إِلَيَّ فَاتَّهَمُوهُ وَ خَرَجُوا مِنْ عِنْدِهِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ قُلْ إِنِّي لا

" لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدى" الآيات في سورة الجن نقلا عنهم هكذا" وَ أَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدى آمَنَّا بِهِ" و فسر المفسرون الهدى بالقرآن، و لما كان أكثره في الولاية إما تصريحا أو تلويحا و إما ظهرا و إما بطنا فسر عليه السلام الهدى بالولاية، و لما كان الإيمان بالولاية راجعا إلى الإيمان بالمولى أي صاحب الولاية، و الذي هو أولى بكل أحد من نفسه أرجع ضمير به إلى المولى بيانا لحاصل المعنى، و يحتمل أن يكون الهدى مصدرا بمعنى اسم الفاعل مبالغة، فالمراد بالهدي الهادي و هو المولى و الأول أنسب بالظاهر.

و أول عليه السلام" فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ" بالإيمان بالولاية، للدلالة على أن من لم يؤمن بالولاية لم يؤمن بربه فإنها شرط الإيمان بالله كما قال الرضا عليه السلام: و أنا من شروطها، و كما ورد أن كلمة التوحيد مسلوبة عن غير الإمامية في القيامة و كيف يتم الإيمان بالله مع رد ما أنزل في شأن المولى.

" فَلا يَخافُ بَخْساً وَ لا رَهَقاً" قيل: أي نقصا في الجزاء، و لا أن يرهقه ذلة أو جزاء نقص لأنه لم يبخس حقا و لم يرهق ظلما لأن من حق الإيمان بالقرآن أن يجتنب ذلك، و في القاموس: البخس: النقص و الظلم، و الرهق محركة: غشيان المحارم.

" قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَ لا رَشَداً" قال البيضاوي: أي لا نفعا، أو غيا و لا رشدا

ص: 143

أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَ لا رَشَداً. قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ إِنْ عَصَيْتُهُ أَحَدٌ وَ لَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً إِلَّا بَلاغاً مِنَ اللَّهِ وَ رِسالاتِهِ فِي عَلِيٍّ قُلْتُ هَذَا تَنْزِيلٌ قَالَ نَعَمْ ثُمَّ قَالَ تَوْكِيداً- وَ مَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ فِي وَلَايَةِ عَلِيٍّ فَإِنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها أَبَداً قُلْتُ حَتَّى إِذا رَأَوْا ما يُوعَدُونَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ أَضْعَفُ ناصِراً وَ أَقَلُّ عَدَداً يَعْنِي بِذَلِكَ الْقَائِمَ وَ أَنْصَارَهُ

عبر عن أحدهما باسمه، و عن الآخر باسم سببه أو مسببه إشعارا بالمعنيين" قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ إن أراد بي سوءا وَ لَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً" أي منحرفا و ملتجئا" إِلَّا بَلاغاً مِنَ اللَّهِ" استثناء من قوله: لا أملك، فإن التبليغ إرشاد و إنفاع، و ما بينهما اعتراض مؤكد لنفي الاستطاعة، أو من ملتحدا، أو معناه إن لا أبلغ بلاغا، و ما قبله دليل الجواب" وَ رِسالاتِهِ" عطف على بلاغا و من الله صفته، فإن صلته عن، كقوله بلغوا عني و لو آية.

" وَ مَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ" في الأمر بالتوحيد إذ الكلام فيه" خالِدِينَ" جمعه للمعنى" حَتَّى إِذا رَأَوْا ما يُوعَدُونَ" في الدنيا كوقعة بدر أو في الآخرة، انتهى.

" أعفنا" يقال: أعفاه عن الأمر إذا لم يكلفه به" قلت هذا تنزيل" قيل: أي أراد ذلك في ظهر القرآن أو هو مدلوله المطابقي يعني بذلك القائم فإنه من جملة ما وعدوا به، و لا ينافي شموله للقيامة و عقوباتها أيضا، و روى علي بن إبراهيم عن الحسين بن خالد عن أبي الحسن الرضا عليه السلام في قوله عز و جل:" حَتَّى إِذا رَأَوْا ما يُوعَدُونَ" قال: القائم و أمير المؤمنين عليهما السلام في الرجعة، و في قوله:" فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ أَضْعَفُ ناصِراً وَ أَقَلُّ عَدَداً" قال: هو قول أمير المؤم

يخبر الله رسوله الذي يرتضيه بما كان قبله من الأخبار و ما يكون بعده أخبار القائم و الرجعة

ص: 144

قُلْتُ وَ اصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ قَالَ يَقُولُونَ فِيكَ- وَ اهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلًا. وَ ذَرْنِي

و القيامة و قال رحمه الله في قوله:" وَ أَنَّهُ لَمَّا قامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ" يعني رسول الله يدعوهم إلى ولاية أمير المؤمنين" كادت قريش يكون عليه لبدا" أي يتعاونون عليه" ف لا أَمْلِكُ لَكُمْ" إن توليتم عن ولايته" ضَرًّا وَ لا رَشَداً، قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ" إن كتمت ما أمرت به" وَ لَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً" يعني مأوى" إِلَّا بَلاغاً مِنَ اللَّهِ" أبلغكم ما أمرني الله به من ولاية علي بن أبي طالب عليه السلام.

" وَ مَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ" في ولاية علي" فَإِنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ" قال النبي صلى الله عليه و آله و سلم:

يا علي أنت قسيم النار تقول هذا لي و هذا لك، قالوا: فمتى يكون ما تعدنا به يا محمد من أمر على و النار؟ فأنزل الله:" حَتَّى إِذا رَأَوْا ما يُوعَدُونَ" يعني الموت و القيامة" فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ أَضْعَفُ ناصِراً وَ أَقَلُّ عَدَداً" يعني فلانا و فلانا و معاوية و عمرو بن العاص و أصحاب الضغائن من قريش، من أضعف ناصرا و أقل عددا، قالوا: فمتى يكون هذا؟ قال الله لمحمد" قُلْ إِنْ أَدْرِي أَ قَرِيبٌ ما تُوعَدُونَ أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّي أَمَداً" قال: أجلا.

" عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً إِلَّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ" يعني عليا المرتضى من رسول و هو منه" فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَ مِنْ خَلْفِهِ رَصَداً" قال: في قلبه العلم و من خلفه الرصد يعلمه علمه، و يزقه زقا و يعلمه الله إلهاما، و الرصد التعليم من النبي صلى الله عليه و آله و سلم ليعلم النبي أن قد أبلغوا رسالات ربه و أحاط علي بما لدى الرسول من العلم" وَ أَحْصى كُلَّ شَيْ ءٍ عَدَداً" ما كان و ما يكون، الخبر.

قوله:" فاصبر عَلى ما يَقُولُونَ" أقول: في المزمل" وَ اصْبِرْ" و كأنه من تصحيف النساخ، و قيل: من المحتمل أن ذكر الفاء بدل الواو للإشعار بأن و اصبر عطف على اتخذ من تتمة التفريع قال: يقولون فيك: إنه شاعر أو كاهن أو أن ما يقول في ابن عمه هو من قبل نفسه و لم يوح إليه.

" وَ اهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلًا" قال البيضاوي: بأن تجانبهم و تداريهم و تكليفهم و تكل

ص: 145

يَا مُحَمَّدُ وَ الْمُكَذِّبِينَ بِوَصِيِّكَ أُولِي النَّعْمَةِ وَ مَهِّلْهُمْ قَلِيلًا قُلْتُ إِنَّ هَذَا تَنْزِيلٌ قَالَ نَعَمْ قُلْتُ لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ قَالَ يَسْتَيْقِنُونَ أَنَّ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ وَ وَصِيَّهُ حَقٌّ قُلْتُ- وَ يَزْدادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيماناً قَالَ وَ يَزْدَادُونَ بِوَلَايَةِ الْوَصِيِّ إِيمَاناً قُلْتُ وَ لا يَرْتابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَ الْمُؤْمِنُونَ قَالَ بِوَلَايَةِ عَلِيٍّ ع قُلْتُ

أمرهم إلى الله كما قال:" ذَرْنِي وَ الْمُكَذِّبِينَ" دعني و إياهم و كل إلى أمرهم فإن لي غنية عنك في مجازاتهم" أُولِي النَّعْمَةِ" أرباب التنعم يريد صناديد قريش" وَ مَهِّلْهُمْ قَلِيلًا" زمانا و إمهالا.

" قلت إن هذا تنزيل؟" أي قوله: يوصيك، و يجري فيه التأويلات المتقدمة فإن تكذيبه في أمر الوصي تكذيب للوصي" لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ" في سورة المدثر هكذا:" وَ ما جَعَلْنا أَصْحابَ النَّارِ إِلَّا مَلائِكَةً وَ ما جَعَلْنا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ" قال البيضاوي: أي ليكتسبوا اليقين بنبوة محمد صلى الله عليه و آله و سلم و صدق القرآن لما رأوا ذلك موافقا لما في كتابهم" وَ يَزْدادَ الَّذِينَ آمَنُوا" بالإيمان به أو تصديق أهل الكتاب له" وَ لا يَرْتابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَ الْمُؤْمِنُونَ" أي في ذلك و هو تأكيد للاستيقان و زيادة الإيمان، و نفي لما يعرض المتيقن حيثما عراه شبهة" وَ لِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ" شك أو نفاق فيكون إخبارا بمكة عما سيكون في المدينة بعد الهجرة.

" وَ الْكافِرُونَ" الجازمون في التكذيب" ما ذا أَرادَ اللَّهُ بِهذا مَثَلًا" أي شي ء أراد بهذا العدد المستغرب؟ استغرابا للمثل، و قيل: لما استبعدوه حسبوه أنه مثل مضروب" كَذلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشاءُ وَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ" مثل ذلك المذكور من الإضلال و الهدى يضل الكافرين و يهدي المؤمنين" وَ ما يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ" جموع خلقه على ما هم عليه" إِلَّا هُوَ" إذ لا سبيل لأحد إلى حصر الممكنات و الاطلاع على حقائقها و صفاتها و ما يوجب اختصاص كل منهم بما يخصه من كم و كيف و اعتبار و نسبة" وَ ما هِيَ*" و ما

ص: 146

سقر أو عدة الخزنة أو السورة" إِلَّا ذِكْرى لِلْبَشَرِ" إلا تذكرة لهم" كَلَّا" ردع لمن أنكرها أو إنكار لأن يتذكروا بها" وَ الْقَمَرِ وَ اللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ" أي أدبر كقبل بمعنى أقبل، و قرأ نافع و حمزة و يعقوب و حفص إذا أدبر على المضي.

" وَ الصُّبْحِ إِذا أَسْفَرَ" أضاء" إِنَّها لَإِحْدَى الْكُبَرِ" لأي البلايا الكبر أي البلايا كثيرة و سقر واحدة منها و إنما جمع كبرى على كبر إلحاقا بفعله تنزيلا للألف كالتاء، كما ألحقت قاصعا بقاصعة فجمعت على قواصع و الجملة جواب القسم، أو تعليل لكلا و القسم معترض للتأكيد لإحدى الكبر" نَذِيراً لِلْبَشَرِ" إنذارا، حال دلت عليه عليه الجملة، أي كبرت منذرة" لِمَنْ شاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ" بدل من" للبشر" أي نذير للممكنين من السبق إلى الخير أو المتخلف عنه أو لمن شاء، خبر لأن يتقدم فيكون في معنى قوله:" فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَ مَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ".

" كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ" مرهونة عند الله، مصدر كالشتيمة أطلق للمفعول كالرهن، و لو كانت صفة لقيل رهين" إِلَّا أَصْحابَ الْيَمِينِ" فإنهم فكوا رقابهم بما أحسنوا من أعمالهم، و قيل: هم الملائكة أو الأطفال" فِي جَنَّاتٍ" لا يكتنه وصفها و هي حال من أصحاب اليمين أو ضميرهم في قوله:" يَتَساءَلُونَ عَنِ الْمُجْرِمِينَ" أي يسأل بعضهم بعضا أو يسألون غيرهم عن حالهم كقولك تداعيناه أي دعوناه، و قوله:" ما سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ" بجوابه حكاية لما جرى بين المسؤولين و المجرمين أجابوا بها" قالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ" الصلاة الواجبة" وَ لَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ" ما يجب إعطاؤهم" وَ كُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخائِضِينَ" نشرع في الباطل مع الشارعين فيه" وَ كُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ" أخره لتعظيمه أي و كنا بعد ذلك كله مكذبين بالقيامة" حَتَّى أَتانَا الْيَقِينُ" الموت و مقدماته" فَما تَنْفَعُهُمْ شَفاعَةُ الشَّافِعِينَ" لو شفعوا لهم جميعا" فَما لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ" أي معرضين عن التذكير يعني القرآن أو ما يعمه" و معرضين" حال.

" كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ، فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ" شبههم في إعراضهم و نفارهم عن استماع الذكر بحمر نافرة" فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ" أي أسد" بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ

ص: 147

أَنْ يُؤْتى صُحُفاً مُنَشَّرَةً" قراطيس تنشر و تقرأ، و ذلك أنهم قالوا للنبي صلى الله عليه و آله و سلم لن نتبعك حتى تأتي كلا منا بكتاب من السماء فيها من الله إلى فلان: اتبع محمدا.

" كَلَّا" ردع عن اقتراحهم الآيات" بَلْ لا يَخافُونَ الْآخِرَةَ" فلذلك أعرضوا عن التذكرة لامتناع إيتاء الصحف" كَلَّا" ردع عن أعراضهم" إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ" و أي تذكرة؟!" فَمَنْ شاءَ ذَكَرَهُ" أي فمن شاء أن يذكره ذكره" وَ ما يَذْكُرُونَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ" ذكرهم أو مشيتهم" هُوَ أَهْلُ التَّقْوى" حقيق بأن تقي عقابه" وَ أَهْلُ الْمَغْفِرَةِ" حقيق بأن يغفر عباده سيما المتقين.

أقول: إذا عرفت تفسير الآيات و ما يرتبط بها فلنرجع إلى التأويل الوارد في الرواية فإنه من أغرب التأويلات و أصعبها، فأقول: قبل تلك الآيات:" ذَرْنِي وَ مَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً، وَ جَعَلْتُ لَهُ مالًا مَمْدُوداً وَ بَنِينَ شُهُوداً، وَ مَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيداً، ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ، كَلَّا إِنَّهُ كانَ لِآياتِنا عَنِيداً، سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً إِنَّهُ فَكَّرَ وَ قَدَّرَ، فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ، ثُمَّ نَظَرَ ثُمَّ عَبَسَ وَ بَسَرَ، ثُمَّ أَدْبَرَ وَ اسْتَكْبَرَ، فَقالَ إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ، إِنْ هذا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ، سَأُصْلِيهِ سَقَرَ، وَ ما أَدْراكَ ما سَقَرُ، لا تُبْقِي وَ لا تَذَرُ، لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ، عَلَيْها تِسْعَةَ عَشَرَ، وَ ما جَعَلْنا أَصْحابَ النَّارِ" إلخ.

و قد ذكر المفسرون أنها نزلت في الوليد بن المغيرة و قيل: إنه كان ملقبا بالوليد فسماه الله به تهكما أو أراد أنه وحيد في الشرارة أو عن أبيه لأنه كان زنيما و رووا أنه مر بالنبي صلى الله عليه و آله و سلم و هو يقرأ حم السجدة فأتى قومه و قال: لقد سمعت من محمد آنفا كلاما ما هو من كلام الإنس و الجن إن له لحلاوة و إن عليه لطلاوة، و إن أعلاه لمثمر، و إن أسفله لمغدق و أنه ليعلو و لا يعلى، فقال قريش: صبا الوليد فقال ابن أخيه أبو جهل: أنا أكفيكموه فقعد إليه حزينا و كلمه بما أحماه فقام فناداهم فقال: تزعمون أن محمدا مجنون فهل رأيتموه يتجنن؟ و تقولون إنه كاهن فهل رأيتموه يتكهن و تزعمون أنه شاعر فهل رأيتموه يتعاطى شعرا؟ فقالوا: لا، فقال: ما هو إلا

ص: 148

ساحر، أ ما رأيتموه يفرق بين المرء و أهله و ولده و مواليه ففرحوا به و تفرقوا مستعجبين منه، فأنزل الله:" إِنَّهُ فَكَّرَ وَ قَدَّرَ" إلخ.

و روى علي بن إبراهيم بإسناده عن عبد الرحيم بن كثير عن أبي عبد الله في قوله:

" ذَرْنِي وَ مَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً" قال: الوحيد ولد الزنا و هو زفر، و جعلت له مالا ممدودا قال: أجلا إلى مدة و بنين شهودا، قال: أصحابه الذين شهدوا أن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم لا يورث، و مهدت له تمهيدا، ملكه الذي ملكته مهدت له، ثم يطمع أن أزيد كلا إنه كان لآياتنا عنيدا قال: لولاية أمير المؤمنين جاحدا عاندا لرسول الله فيها، سأرهقه صعودا إنه فكر و قدر، فيما أمر به من الولاية قدر أن لا يسلم لأمير المؤمنين عليه السلام البيعة التي بايعه بها على عهد رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم فقتل كيف قدر ثم قتل كيف قدر، قال: عذاب بعد عذاب يعذبه القائم ثم نظر إلى رسول الله و أمير المؤمنين، فعبس و بسر مما أمر به، ثم أدبر و استكبر، فقال إن هذا إلا سحر يؤثر، قال زفر: إن النبي صلى الله عليه و آله و سلم سحر الناس لعلي" إِنْ هذا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ" ليس هو بوحي من الله تعالى" سَأُصْلِيهِ سَقَرَ" إلى آخر الآيات فيه نزلت، انتهى.

و أقول: قد عرفت مرارا أن الآية إذا نزلت في قوم فهي تجري في أمثالهم إلى يوم القيامة فظاهر تلك الآيات في الوليد و باطنها في الزنيم الشقي العنيد، و الأول كان معارضا في النبوة و الثاني في الولاية، و هما متلازمان، و نفي كل منهما يستلزم نفي الأخرى فلا ينافي هذا التأويل كون السورة مكية، مع أن النبي صلى الله عليه و آله و سلم في أول بعثته أظهر إمامة وصيه و قال: أول من يؤمن بي و يبايعني فهو الوصي بعدي و خليفتي في أمتي كما دلت عليه الأخبار الكثيرة الواردة في الطريقين، فيحتمل أن يكون الكافر و المنافق معا نسباه إلى السحر لإظهار الولاية، و أيضا نفي القرآن على أي وجه كان يستلزم نفي الولاية و إثباته إثباتها.

قوله: قلت: ما هذا الارتياب، كان السائل جعل قوله عليه السلام: بولاية علي متعلقا بالمؤمنين فلا يعلم حينئذ أن متعلق الارتياب المنفي ما هو؟ فلذا سئل عنه

ص: 149

مَا هَذَا الِارْتِيَابُ قَالَ يَعْنِي بِذَلِكَ أَهْلَ الْكِتَابِ وَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ ذَكَرَ اللَّهُ فَقَالَ وَ لَا يَرْتَابُونَ فِي الْوَلَايَةِ قُلْتُ وَ ما هِيَ إِلَّا ذِكْرى لِلْبَشَرِ قَالَ نَعَمْ وَلَايَةُ عَلِيٍّ ع قُلْتُ إِنَّها لَإِحْدَى الْكُبَرِ قَالَ الْوَلَايَةُ قُلْتُ- لِمَنْ شاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ قَالَ مَنْ تَقَدَّمَ إِلَى وَلَايَتِنَا أُخِّرَ عَنْ سَقَرَ وَ مَنْ تَأَخَّرَ عَنَّا تَقَدَّمَ إِلَى سَقَرَ إِلَّا أَصْحابَ الْيَمِينِ قَالَ هُمْ وَ اللَّهِ شِيعَتُنَا قُلْتُ- لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ قَالَ إِنَّا

فأجاب عليه السلام بأن الارتياب إنما هو في الولاية.

و قيل: السؤال مبني على توهم أن ذكر الارتياب بعد الاستيقان كاللغو إلا أن يكون المراد بالارتياب ارتياب قوم من أهل الكتاب و المؤمنين غير الذين ذكرهم سابقا و حاصل جواب الإمام عليه السلام أن المراد بهذا الارتياب ارتياب المذكورين سابقا و ليس كاللغو لأنه لدفع احتمال الاستيقان بوجه، و الارتياب بوجه آخر نظير قوله تعالى:" جَحَدُوا بِها وَ اسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ" فقوله عليه السلام: أهل الكتاب بتقدير ارتياب أهل الكتاب نظير:" وَ لكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقى" انتهى.

و قوله عليه السلام: نعم ولاية علي كان المعنى التذكير لولايته عليه السلام، و يحتمل في بطن القرآن إرجاع الضمير إلى الولاية لكون الآيات نازلة فيها، و كذا قوله عليه السلام:

الولاية، يحتمل الوجهين.

و قوله عليه السلام: من تقدم إلى ولايتنا، يحتمل وجهين: الأول: أن يكون المراد بالتقدم التقدم إلى الولاية، و بالتأخير التأخر عن سقر، فالترديد بحسب اللفظ و هما راجعان إلى أمر واحد، الثاني: أن يكون كلاهما بالنظر إلى الولاية، و أو للتقسيم كقولهم: الكلمة اسم أو فعل أو حرف، و الثالث: أن يكون المراد كليهما بحسب ظهر الآية و بطنها، بأن يكون بحسب ظهر الآية المراد التقدم إلى سقر و التأخر عنها، و بحسب بطنها التقدم إلى الولاية و التأخر عنها، و الشيعة أصحاب اليمين لأنهم

ص: 150

لَمْ نَتَوَلَّ وَصِيَّ مُحَمَّدٍ وَ الْأَوْصِيَاءَ مِنْ بَعْدِهِ وَ لَا يُصَلُّونَ عَلَيْهِمْ قُلْتُ- فَما لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ قَالَ عَنِ الْوَلَايَةِ مُعْرِضِينَ قُلْتُ كَلَّا إِنَّها تَذْكِرَةٌ قَالَ الْوَلَايَةُ قُلْتُ قَوْلُهُ يُوفُونَ بِالنَّذْرِ قَالَ يُوفُونَ لِلَّهِ بِالنَّذْرِ الَّذِي أَخَذَ عَلَيْهِمْ فِي الْمِيثَاقِ مِنْ وَلَايَتِنَا قُلْتُ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنْزِيلًا قَالَ بِوَلَايَةِ عَلِيٍّ ع

يعطون كتابهم بيمينهم، أو لأنهم في القيامة عن يمين العرش، و تأويل المصلين بمن يصلي عليهم أحد تأويلات الآية و بطونها.

" كَلَّا إِنَّها تَذْكِرَةٌ" أقول: في المدثر أنه تذكرة، فيحتمل أن يكون في مصحفهم عليهم السلام" إنها" نعم في سورة عبس كَلَّا إِنَّها تَذْكِرَةٌ، فيحتمل أن يكون سؤال السائل عنها.

قال:" يوفون الله" أقول: قدر مر هذا الجزء في الرابع من الباب عن هذا الراوي باختلاف في أول السند و لم يكن هنا في الميثاق فكان يحتمل العهد في الدنيا و إن كان هيهنا أيضا يحتمل ذلك لكنه في غاية البعد" قال: بولاية علي" أي المراد بالقرآن ما نزل منه في الولاية، أو هي العمدة فيه أو المعنى نزلنا عليك القرآن متلبسا بالولاية، مشتملا عليها.

" قال نعم" ليس" نعم" في بعض النسخ و هو أظهر، و رواه صاحب تأويل الآيات الظاهرة نقلا عن الكافي قال: لا تأويل، و لا ندري كان في نسخته كذلك أو صححه ليستقيم المعنى، و على ما في أكثر النسخ من وجود" نعم" فيمكن أن يكون مبنيا على أن سؤال السائل كان على وجه الإنكار و الاستبعاد فاستعمل عليه السلام نعم مكان بلى، و هو شائع في العرف، أو يكون نعم فقط جوابا عن السؤال و ذا إشارة إلى ما قال عليه السلام في الآية السابقة، أي هذا تنزيل و ذا تأويل و قرأ بعض الأفاضل

ص: 151

تَنْزِيلًا قُلْتُ هَذَا تَنْزِيلٌ قَالَ نَعَمْ ذَا تَأْوِيلٌ قُلْتُ إِنَّ هذِهِ تَذْكِرَةٌ قَالَ الْوَلَايَةُ قُلْتُ يُدْخِلُ مَنْ يَشاءُ فِي رَحْمَتِهِ قَالَ فِي وَلَايَتِنَا قَالَ وَ الظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً أَ لَا تَرَى أَنَّ اللَّهَ يَقُولُ وَ ما ظَلَمُونا وَ لكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ قَالَ إِنَّ اللَّهَ أَعَزُّ وَ أَمْنَعُ مِنْ أَنْ يَظْلِمَ أَوْ يَنْسُبَ نَفْسَهُ إِلَى ظُلْمٍ وَ لَكِنَّ اللَّهَ خَلَطَنَا بِنَفْسِهِ فَجَعَلَ ظُلْمَنَا ظُلْمَهُ وَ وَلَايَتَنَا وَلَايَتَهُ ثُمَّ أَنْزَلَ بِذَلِكَ قُرْآناً عَلَى نَبِيِّهِ فَقَالَ- وَ ما ظَلَمْناهُمْ وَ لكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ قُلْتُ هَذَا تَنْزِيلٌ قَالَ نَعَمْ

يعم بالياء المثناة التحتانية و تشديد الميم بصيغة الفعل، فذا مفعوله و تأويل فاعله، أي هذا داخل في تأويل الخبر، و القول بزيادة نعم من النساخ أولى من هذا التصحيف" إِنَّ هذِهِ تَذْكِرَةٌ" أقول: المفسرون أرجعوا الإشارة إلى السورة أو الآيات القريبة، و لما ذكر الخاصة و العامة في روايات كثيرة أن السورة نزلت في أهل البيت عليهم السلام فتفسيره عليه السلام الإشارة بالولاية غير مناف لما ذكروه، إذ السورة من حيث نزولها فيهم تذكرة لولايتهم، و الاعتقاد بفضلهم و جلالتهم و إمامتهم، بل يحتمل أن يكون على تفسيره عليه السلام" هذه" إشارة إلى السورة أو الآيات، و يكون قوله عليه السلام الولاية تفسيرا لمتعلق التذكرة أي ما يتذكر بها، فلا يحتاج إلى تكلف أصلا" في ولايتنا" لا ريب أن الولاية من أعظم الرحمات الدنيوية و الأخروية كما عرفت مرارا و لا ريب أن الظلم على أهل البيت عليهم السلام و غصب حقهم من أعظم الظلم، فهم لا محالة داخلون في الآية إن لم تكن مخصوصة بهم بقرينة مورد نزول السورة.

ثم الظاهر من كلامه عليه السلام أن المراد بالظالمين من ظلم الله أي ظلم الأئمة و غصب حقهم و إنما عبر كذلك لبيان أن ظلمهم بمنزلة ظلم الرب تعالى شأنه، و الحاصل أن الله تعالى أجل من أن ينسب إليه أحد ظلما بالظالمية أو المظلومية حتى يحتاج إلى أن ينفي عن نفسه ذلك بل الله سبحانه خلط الأنبياء و الأوصياء عليهم السلام بنفسه و نسب إلى نفسه كل ما يفعل بهم، أو ينسب إليهم لبيان كرامتهم لديه و جلالتهم عنده، فقوله تعالى:" وَ ما ظَلَمْناهُمْ*" ليس الغرض نفي الظلم عن نفسه، بل عن

ص: 152

حججه بأنهم لا يظلمون الناس بقتلهم و جبرهم على الإسلام و الاستقامة على الحق كما أنهم كانوا يطعنون على أمير المؤمنين عليه السلام بكثرة سفك الدماء و أشباهه، بل هم يظلمون أنفسهم بترك متابعة الأنبياء و الأوصياء صلوات الله عليهم.

ثم أن تلك الآيات وردت في مواضع من القرآن المجيد، ففي سورة البقرة" وَ ظَلَّلْنا عَلَيْكُمُ الْغَمامَ وَ أَنْزَلْنا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَ السَّلْوى كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ وَ ما ظَلَمُونا وَ لكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ" و في سورة الأعراف" وَ ظَلَّلْنا عَلَيْهِمُ الْغَمامَ وَ أَنْزَلْنا عَلَيْهِمُ الْمَنَّ" إلى آخر ما مر بعينه، و في هود:" وَ ما ظَلَمْناهُمْ وَ لكِنْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ" و في النحل:" وَ عَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا ما قَصَصْنا عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَ ما ظَلَمْناهُمْ وَ لكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ" و في الزخرف" إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذابِ جَهَنَّمَ خالِدُونَ لا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَ هُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ، وَ ما ظَلَمْناهُمْ وَ لكِنْ كانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ".

فالآية الأولى هي ما في البقرة و الأعراف، و الثانية هي ما في النحل، فقوله عليه السلام: نعم في جواب هذا تنزيل مشكل، إذ كون الولاية مكان الرحمة بعيد، و كون الآية: و الظالمين آل محمد، كما فهم ينافي ما حققه عليه السلام من قوله: خلطنا بنفسه" إلخ" إلا أن يقال المراد بالتنزيل ما مر أنه مدلوله المطابقي أو التضمني لا الالتزامي، أو أنه قال جبرئيل عليه السلام عند نزول الآية و في بعض النسخ:" و ما ظلموناهم" في الأخير ليدل على أنه كان في النحل هكذا، فضمير هم تأكيد و مضمونها مطابق لما في البقرة و الأعراف و هو أظهر.

فإن قيل: هذه القراءة تنافي ما في صدر الآية إذ الظاهر أنه استدراك لما يتوهم من أن التحريم ظلم عليهم، فبين أن هذا جزاء ظلمهم.

قلت: قد قال تعالى في سورة النساء:" فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ طَيِّباتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَ بِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيراً" الآية، فيحتمل أن يكون هذا لبيان أن ظلمهم الذي صار سببا لتحريم الطيبات عليهم لم يكن علينا أي على أنبيائنا

ص: 153

قُلْتُ وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ قَالَ يَقُولُ وَيْلٌ لِلْمُكَذِّبِينَ يَا مُحَمَّدُ بِمَا أَوْحَيْتُ إِلَيْكَ مِنْ وَلَايَةِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ع- أَ لَمْ نُهْلِكِ الْأَوَّلِينَ. ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الْآخِرِينَ قَالَ الْأَوَّلِينَ الَّذِينَ كَذَّبُوا الرُّسُلَ فِي طَاعَةِ الْأَوْصِيَاءِ كَذلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ قَالَ مَنْ أَجْرَمَ إِلَى آلِ مُحَمَّدٍ وَ رَكِبَ مِنْ وَصِيِّهِ مَا رَكِبَ قُلْتُ إِنَّ الْمُتَّقِينَ قَالَ نَحْنُ وَ اللَّهِ وَ شِيعَتُنَا لَيْسَ عَلَى مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ غَيْرُنَا وَ سَائِرُ النَّاسِ مِنْهَا

و حججنا، بل كان على أنفسهم حيث حرموا بذلك طيبات الدنيا و الآخرة، و لعل هذا أفيد، فخذ و كن من الشاكرين.

" وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ" الآية في سورة المرسلات قال:" وَ إِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ، لِأَيِّ يَوْمٍ أُجِّلَتْ، لِيَوْمِ الْفَصْلِ، وَ ما أَدْراكَ ما يَوْمُ الْفَصْلِ، وَيْلٌ" (إلخ) و يوم الفصل يوم القيامة يفصل فيه بين المحق و المبطل.

و قال البيضاوي: ويل في الأصل مصدر منصوب بإضمار فعل، عدل به إلى الرفع للدلالة على بيان الهلك للمدعو عليه، و يومئذ ظرفه أو صفته" أَ لَمْ نُهْلِكِ الْأَوَّلِينَ" كقوم نوح و عاد و ثمود" ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الْآخِرِينَ" أي ثم نحن نتبعهم نظراءهم الكفار و قرأ بالجزم عطفا على نهلك، فيكون الآخرين المتأخرين من المهلكين كقوم لوط و شعيب و موسى" كَذلِكَ" مثل ذلك الفعل" نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ" بكل من أجرم، انتهى.

و فسر عليه السلام المكذبين بالذين كذبوا الرسول صلى الله عليه و آله و سلم فيما أوحي إليه من ولاية أمير المؤمنين عليه السلام إما لأنه مورد نزول الآية أو لأن التكذيب في الولاية داخل فيه بل هو عمدته و أشد أفراده و أفظعها، و كذا الآيات اللاحقة يجري فيها الوجهان، و الظاهر أنه عليه السلام فسر الآخرين بهذه الأمة على وفق القراءة المشهورة.

قيل: ليس هو من قبيل عطف الخبر على الإنشاء لأن الاستفهام الإنكاري خبر حقيقة، و يقال: أجرم إليه إذا جنى عليه و قوله: ما ركب، عبارة عن غصب الحق و إبطال الوصية، ثم قال سبحانه في هذه السورة" إِنَّ الْمُتَّقِينَ

فِي ظِلالٍ وَ عُيُونٍ، وَ فَواكِهَ مِمَّا

ص: 154

بُرَآءُ قُلْتُ يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَ الْمَلائِكَةُ صَفًّا لا يَتَكَلَّمُونَ الْآيَةَ قَالَ نَحْنُ

يَشْتَهُونَ، كُلُوا وَ اشْرَبُوا هَنِيئاً بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ" ففسر عليه السلام المتقين بالأئمة عليهم السلام و شيعتهم، لأنهم في مقابلة المكذبين الذين عرفت أنهم المنكرون للولاية أو من يعمهم، و لا ريب أن الإقرار بالولاية مأخوذ في التقوى، و المنكر للإمامة لم يتق عذاب الله بل استوجبه، و الإقرار بالإمامة داخل في الإيمان فكيف لا يدخل في التقوى الذي هو أخص منه، و ملة إبراهيم، هي التوحيد الخالص المتضمن للإقرار بجميع ما جاء به الرسل و أصله و عمدته الولاية" يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ" الآية في سورة النبإ، و قال الطبرسي (ره): اختلف في معنى الروح هنا على أقوال: أحدها أن الروح خلق من خلق الله تعالى على صورة بني آدم و ليسوا بناس و لا بملائكة تقومون صفا و الملائكة صفا، قال الشعبي: هما سماطا رب العالمين يوم القيامة سماطا من الروح و سماطا من الملائكة.

و ثانيها: أن الروح ملك من الملائكة و ما خلق الله مخلوقا أعظم منه فإذا كان يوم القيامة قام هو وحده صفا و قامت الملائكة كلهم صفا واحدا فيكون عظم خلقه مثل صفهم عن ابن عباس و غيره.

و ثالثها: أنها أرواح الناس تقوم مع الملائكة فيما بين النفختين قبل أن ترد الأرواح إلى الأجساد عن ابن عباس أيضا.

و رابعها: إنه جبرئيل عليه السلام قال وهب: إن جبرئيل واقف بين يدي الله عز و جل ترعد فرائصه يخلق الله عز و جل من كل رعدة مائة ألف ملك فالملائكة صفوف بين يدي الله تعالى منكسوا رؤوسهم فإذا أذن الله لهم في الكلام قالوا: لا إله إلا الله" وَ قالَ صَواباً" أي لا إله إلا الله، و روى علي بن إبراهيم بإسناده عن الصادق عليه السلام قال: هو ملك أعظم من جبرئيل و ميكائيل.

و خامسها: أن الروح بنو آدم و قوله صفا صفا معناه مصطفين" لا يَتَكَلَّمُونَ

ص: 155

وَ اللَّهِ الْمَأْذُونُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَ الْقَائِلُونَ صَوَاباً قُلْتُ مَا تَقُولُونَ إِذَا تَكَلَّمْتُمْ قَالَ نُمَجِّدُ رَبَّنَا وَ نُصَلِّي عَلَى نَبِيِّنَا وَ نَشْفَعُ لِشِيعَتِنَا فَلَا يَرُدُّنَا رَبُّنَا قُلْتُ كَلَّا إِنَّ كِتابَ الفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ قَالَ هُمُ الَّذِينَ فَجَرُوا فِي حَقِّ الْأَئِمَّةِ وَ اعْتَدَوْا عَلَيْهِمْ

إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ" و هم المؤمنون و الملائكة" وَ قالَ" في الدنيا" صَواباً" أي شهد بالتوحيد و قال لا إله إلا الله" و قيل: إن الكلام هيهنا الشفاعة" أي لا يشفعون إلا من أذن له الرحمن أن يشفع عن الحسن و الكلبي، و روى معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سئل عن هذه الآية فقال: نحن و الله المأذون لهم يوم القيامة و القائلون صوابا، قلت: جعلت فداك ما تقولون؟ قال: نمجد ربنا و نصلي على نبينا و نشفع لشيعتنا فلا يردنا ربنا، رواه العياشي مرفوعا، انتهى.

و أقول: قد مضى أن الروح خلق أعظم من الملائكة و هو الذي يسدد به الأئمة عليهم السلام، و الأخبار الدالة على أن هذه الآية في شفاعة النبي و الأئمة صلوات الله عليهم للشيعة كثيرة، أوردتها في الكتاب الكبير، و روى محمد بن العباس بإسناده عن أبي خالد القماط عن الصادق عن أبيه عليهما السلام قال: إذا كان يوم القيامة و جمع الله الخلائق من الأولين و الآخرين في صعيد واحد خلع قول لا إله إلا الله من جميع الخلائق إلا من أقر بولاية علي عليه السلام، و هو قوله تعالى:" يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ" الآية.

" إِنَّ كِتابَ الفُجَّارِ" الآيات في المطففين و قد مر تفسيره في باب خلق أبدان الأئمة قال البيضاوي (ره) أي ما يكتب من أعمالهم أو كتابة أعمالهم" لَفِي سِجِّينٍ" كتاب جامع لإعمال الفجرة من الثقلين، كما قال:" وَ ما أَدْراكَ ما سِجِّينٌ، كِتابٌ مَرْقُومٌ، أي مسطور بين الكتابة أو معلم بعلم من رآه أنه لا خير فيه فعيل من السجن لقب به الكتاب لأنه سبب الحبس، أو لأنه مطروح- كما قيل- تحت الأرضين في مكان وحش و قيل: هو اسم المكان و التقدير ما كتاب السجين أو محل كتاب مرقوم، فحذف المضاف، ثم قال سبحانه:" وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ، الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ، وَ ما يُكَذِّبُ بِهِ إِلَّا كُلُّ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ، إِذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا قالَ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ

ص: 156

قُلْتُ ثُمَّ يُقَالُ- هذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ قَالَ يَعْنِي أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ قُلْتُ تَنْزِيلٌ قَالَ نَعَمْ

92 مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْخَطَّابِ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ عَنْ أَبِي بَصِيرٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ- وَ مَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً قَالَ يَعْنِي بِهِ وَلَايَةَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ ع

كَلَّا بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ، كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ، ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصالُوا الْجَحِيمِ، ثُمَّ يُقالُ هذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ" قالوا: يقول لهم الزبانية.

أقول: لا ريب أن الذين فجروا في حق الأئمة عليهم السلام هم أشد الفجار و الكفار" يعني أمير المؤمنين" الظاهر منه أن هذا إشارة إلى أمير المؤمنين عليه السلام و هو بطن الآية، أو العذاب المشار إليه لترك الولاية، أو القائل هو عليه السلام، و كان في التنزيل هنا تأويلا نحوا مما مر في أمثاله، و يحتمل أن يكون في قراءتهم عليهم السلام: هذا أمير المؤمنين الذي كنتم به تكذبون، و الله يعلم.

الحديث الثاني و التسعون

: ضعيف و قد مر في التسعين الحسن بن عبد الرحمن و الظاهر أن أحدهما تصحيف و الحسين غير مذكور في كتب الرجال و الحسن مذكور فيه لكن عدوه من رجال الصادق عليه السلام و كون هذا راويا عنه في غاية البعد.

" وَ مَنْ أَعْرَضَ" الآيات في سورة طه، حيث قال عند ذكر آدم و حواء عليهما السلام و نزولهما من الجنة" قالَ اهْبِطا مِنْها جَمِيعاً بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنِ اتَّبَعَ هُدايَ فَلا يَضِلُّ وَ لا يَشْقى" أي لا يضل في الدنيا و لا يشقي في الآخرة" وَ مَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي" قال البيضاوي: أي عن الهدى الذاكر لي و الداعي إلى عبادتي" فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً" ضيقا مصدر وصف به، و لذلك يستوي فيه المذكر و المؤنث، و ذلك لأن مجامع همه و مطامح نظره يكون إلى أغراض الدنيا متهالكا على ازديادها خائفا على انتقاصها بخلاف المؤمن الطالب للآخرة مع أنه تعالى قد يضيق بشؤم الكفر

ص: 157

قُلْتُ وَ نَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمى قَالَ يَعْنِي أَعْمَى الْبَصَرِ فِي الْآخِرَةِ أَعْمَى الْقَلْبِ فِي الدُّنْيَا عَنْ وَلَايَةِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ ع قَالَ وَ هُوَ مُتَحَيِّرٌ فِي الْقِيَامَةِ يَقُولُ- لِمَ

و يوسع ببركة الإيمان كما قال:" وَ ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَ الْمَسْكَنَةُ"" وَ لَوْ أَنَّهُمْ أَقامُوا التَّوْراةَ وَ الْإِنْجِيلَ"" وَ لَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى آمَنُوا" و قيل: هو الضريع و الزقوم في النار، و قيل: عذاب القبر.

" وَ نَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمى" أعمى البصر أو القلب، و يؤيد الأول" قالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمى وَ قَدْ كُنْتُ بَصِيراً قالَ كَذلِكَ" أي مثل ذلك فعلت ثم فسره فقال:" أَتَتْكَ آياتُنا" واضحة نيرة" فَنَسِيتَها" فعميت عنها و تركتها غير منظور إليها" وَ كَذلِكَ" أي مثل تركك إياها" الْيَوْمَ تُنْسى" تترك في العمى و العذاب" وَ كَذلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ" بالانهماك في الشهوات و الإعراض عن الآيات" وَ لَمْ يُؤْمِنْ بِآياتِ رَبِّهِ" بل كذبها و خالفها" وَ لَعَذابُ الْآخِرَةِ" هو الحشر على العمى، و قيل: عذاب النار أي و للنار بعد ذلك" أَشَدُّ وَ أَبْقى" من ضنك العيش، أو منه و من العمى و لعله إذا دخل النار زال عماه ليرى محله و ماله أو مما فعله من ترك الآيات و الكفر بها، انتهى.

و فسر عليه السلام الذكر بالولاية لشموله لها و كونها عمدة أسباب التذكر و الذكر المذكور في الآية شامل لجميع الأنبياء و الأوصياء و ولايتهم و متابعتهم و شرائعهم و ما أتوا به لكون الخطاب إلى آدم و حواء و أولادهما، لكن أشرف الأنبياء نبينا صلى الله عليه و آله و سلم و أكرم الأوصياء و أفضل الشرائع شريعته فتخصيص أمير المؤمنين عليه السلام لكونه المتنازع فيه في هذه الأمة.

و روى علي بن إبراهيم بإسناده عن معاوية بن عمار [الدهني] قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: عن قول الله:" فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً" قال: هي و الله للنصاب، قلت: جعلت فداك قد رأيتهم دهرهم الأطول في كفاية حتى ماتوا؟ قال: ذلك و الله في الرجعة يأكلون العذرة.

ص: 158

حَشَرْتَنِي أَعْمى وَ قَدْ كُنْتُ بَصِيراً قالَ كَذلِكَ أَتَتْكَ آياتُنا فَنَسِيتَها قَالَ الْآيَاتُ الْأَئِمَّةُ ع- فَنَسِيتَها وَ كَذلِكَ الْيَوْمَ تُنْسى يَعْنِي تَرَكْتَهَا وَ كَذَلِكَ الْيَوْمَ تُتْرَكُ فِي النَّارِ كَمَا تَرَكْتَ الْأَئِمَّةَ ع فَلَمْ تُطِعْ أَمْرَهُمْ وَ لَمْ تَسْمَعْ قَوْلَهُمْ قُلْتُ وَ كَذلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَ لَمْ يُؤْمِنْ بِآياتِ رَبِّهِ وَ لَعَذابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَ أَبْقى قَالَ يَعْنِي مَنْ أَشْرَكَ بِوَلَايَةِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ ع غَيْرَهُ وَ لَمْ يُؤْمِنْ بِآيَاتِ رَبِّهِ وَ تَرَكَ الْأَئِمَّةَ مُعَانَدَةً فَلَمْ يَتَّبِعْ آثَارَهُمْ وَ لَمْ يَتَوَلَّهُمْ قُلْتُ اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبادِهِ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ قَالَ وَلَايَةُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ ع قُلْتُ مَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ قَالَ مَعْرِفَةُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ

و روى محمد بن العباس في تفسيره بإسناده عن عيسى بن داود النجار عن أبي الحسن موسى عليه السلام أنه سأل أباه عن قول الله عز و جل:" فَمَنِ اتَّبَعَ هُدايَ فَلا يَضِلُّ وَ لا يَشْقى" قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: يا أيها الناس اتبعوا هدى الله تهدوا و ترشدوا و هو هداي و هداي بعدي علي بن أبي طالب، فمن اتبع هداي في حياتي و بعد موتي فقد اتبع هداي، و من اتبع هداي فقد اتبع هدى الله و من اتبع هدى الله فلا يضل و لا يشقي" وَ كَذلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ" في عداوة آل محمد.

قوله عليه السلام: الآيات الأئمة، قد مر مرارا أو المراد الآيات النازلة فيهم أو هي عمدتها، و فسر أكثر المفسرين الإسراف بالشرك بالله و فسر عليه السلام بالشرك في الولاية فإنه يتضمن الشرك بالله كما مر.

" اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبادِهِ" الآيات في حم عسق، قال البيضاوي: بربهم، بصنوف من البر التي لا تبلغها الأفهام" يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ" أي يرزقه كما يشاء، فيخص كلا من عباده بنوع من البر على ما اقتضته حكمته، و هو القوي الباهر القدرة العزيز المنيع الذي لا يغلب" مَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ" ثوابها، شبهه بالزرع من حيث أنه فائدة تحصل بعمل الدنيا و لذلك قيل: الدنيا مزرعة الآخرة، و الحرث في الأصل إلقاء البذر في الأرض، و يقال: للزرع الحاصل منه" نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ" فنعطه بالواحد عشرا إلى سبعمائة فما فوقها" وَ مَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنْها" شيئا منها على

ص: 159

ع وَ الْأَئِمَّةِ- نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ قَالَ نَزِيدُهُ مِنْهَا قَالَ يَسْتَوْفِي نَصِيبَهُ مِنْ دَوْلَتِهِمْ- وَ مَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنْها وَ ما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ قَالَ لَيْسَ لَهُ فِي دَوْلَةِ الْحَقِّ مَعَ الْقَائِمِ نَصِيبٌ

بَابٌ فِيهِ نُتَفٌ وَ جَوَامِعُ مِنَ الرِّوَايَةِ فِي الْوَلَايَةِ

1 مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْكُلَيْنِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ وَ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ عَنِ ابْنِ رِئَابٍ عَنْ بُكَيْرِ بْنِ أَعْيَنَ قَالَ كَانَ أَبُو جَعْفَرٍ ع يَقُولُ إِنَّ اللَّهَ أَخَذَ مِيثَاقَ شِيعَتِنَا بِالْوَلَايَةِ وَ هُمْ ذَرٌّ يَوْمَ أَخَذَ الْمِيثَاقَ عَلَى الذَّرِّ وَ الْإِقْرَارَ

ما قسمنا له" وَ ما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ" إذ الأعمال بالنيات و لكل امرئ ما نوى، انتهى.

و أقول: تفسير الرزق بالولاية تفسير للرزق بالرزق الروحاني أو بما يعمه و خص أشرفه و هو الولاية بالذكر لأنها الأصل و المادة لسائر العلوم و المعارف، و لا يحصل شي ء منها إلا بها، و فسر زيادة الحرث بالمنافع الدنيوية أو الأعم منها و من العلوم و المعارف التي يلقونها إليهم، و فسر الآخرة بالرجعة و دولة القائم عليه السلام لما مر من أن أكثر آيات البعث و القيامة مؤولة بدولة القائم عليه السلام و الرجعة فإنها من مباديها.

باب فيه نتف و جوامع من الرواية في الولاية

الحديث الأول

: ضعيف على المشهور.

" ميثاق شيعتنا" إنما خص بالشيعة لأنهم قبلوها إذ ظاهر الأخبار أن الميثاق أخذ من جميع الخلق، و قبلها الشيعة و لم يقبلها غيرهم" و هم ذر" قال الجوهري:

الذر جمع ذرة و هي أصغر النمل، انتهى.

و شبههم بالذر لصغر الأجزاء التي تعلقت بها الأرواح عند الميثاق، و ذلك عند

ص: 160

لَهُ بِالرُّبُوبِيَّةِ وَ لِمُحَمَّدٍ ص بِالنُّبُوَّةِ

2 مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ بَزِيعٍ عَنْ

كونهم في صلب آدم أو بعد إخراجهم منه كما سيأتي تفصيله في كتاب الإيمان و الكفر قال المحدث الأسترآبادي (ره): إن الأرواح تعلقت ذلك اليوم بأجساد صغيرة مثل النمل، فأخذ منهم الميثاق بالولاية و غيرها، انتهى.

و قيل: إنهم لما غفلوا إلا من شاء الله عن تذكره في عالم الأبدان إما لعدم شرط التذكر أو وجود مانع منه، بعث الأنبياء تكليفا لهم ثانيا لدفع الغفلة و تكميل الحجة.

قوله: و الإقرار، كأنه كان بالإقرار كما سيأتي في آخر الباب عن هذا الراوي بعينه مع اختلاف في أول السند، و على تقدير صحته يمكن عطفه على الذر عطف تفسير أو على الولاية أو هو منصوب على أنه مفعول معه و عامله أخذ، و قيل: كان فيه إشعارا بأن الإقرار لله بالربوبية حقيقة لم يصدر عن غير الشيعة فإن إقرار غيرهم بها من قبيل الإقرار بالشي ء مع إنكار لازمه البين و هو الولاية، و لذا يسلب عنهم هذا الإقرار اليوم القيامة.

و قال بعض الأفاضل: إنما أخذ الله المواثيق الثلاثة عن الناس أجمعين إلا أنهم أقروا بالربوبية جميعا و أنكر النبوة و الولاية بقلبه من كان ينكره بعد خلقه في هذا العالم.

و في تفسير علي بن إبراهيم عن ابن مسكان عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قلت له:

معاينة كان هذا؟ قال: نعم، فثبتت المعرفة و نسوا الموقف و سيذكرونه، و لو لا ذلك لم يدر أحد من خالقه و رازقه، فمنهم من أقر بلسانه في الذر و لم يؤمن بقلبه، فقال الله:

" فَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا بِما كَذَّبُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ".

الحديث الثاني

: ضعيف و الظاهر الجعفي مكان الجعفري، فإنه الموجود في كتب الرجال، و سيأتي الخبر بعينه في أوائل الإيمان و الكفر و فيه الجعفي.

ص: 161

صَالِحِ بْنِ عُقْبَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْجَعْفَرِيِّ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ع وَ عَنْ عُقْبَةَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ع قَالَ إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ الْخَلْقَ فَخَلَقَ مَا أَحَبَّ مِمَّا أَحَبَّ وَ كَانَ مَا أَحَبَّ أَنْ خَلَقَهُ مِنْ طِينَةِ الْجَنَّةِ وَ خَلَقَ مَا أَبْغَضَ مِمَّا أَبْغَضَ وَ كَانَ مَا أَبْغَضَ أَنْ خَلَقَهُ مِنْ طِينَةِ النَّارِ ثُمَّ بَعَثَهُمْ فِي الظِّلَالِ فَقُلْتُ وَ أَيُّ شَيْ ءٍ الظِّلَالُ قَالَ أَ لَمْ تَرَ إِلَى

" فخلق ما أحب" قيل:" ما" في الأول موصولة و كذا في الثاني، و في الثالث مصدرية، أقول: فيما سيأتي: فخلق من أحب، و هو أظهر، و يمكن أن يقدر مضاف أي و كان خلق ما أحب.

و اعلم أنه ذهب المحدثون إلى أنه تعالى لما علم أعمال العباد و عقائدهم في الأعيان من الخير و الشر خلق أبدان أهل الخير من طينة الجنة و خلق أبدان أهل الشر من طينة النار، ليرجع كل إلى ما هو أهل له و لائق به، فأعمالهم سبب لخلق الأبدان على الوجه المذكور دون العكس، قال المحدث الأسترآبادي (ره): المراد خلق التقدير على الوجه المذكور دون العكس، قال المحدث الأسترآبادي (ره): المراد خلق التقدير لا خلق التكوين، و محصول المقام أنه تعالى قدر أبدانا مخصوصة من الطينتين ثم كلف الأرواح فظهر منها ما ظهر، ثم قدر لكل روح ما يليق بها من تلك الأبدان المقدرة.

" ثم بعثهم في الظلال" الضمير للمخلوقين معا و المراد بالظلال عالم المثال أو عالم الأرواح أو عالم الذر، و إنما سمي عالم المثال بالظلال لأنه بمنزلة الظل لهذا العالم، تابع و موافق له، و التشبيه في الوجهين الآخرين أيضا قريب من ذلك، أو لما ذكره عليه السلام من شباهتها بالظلال في أنه شي ء و ليس بشي ء و المعنى أنه بالنسبة إلى الوجود العيني ليس بشي ء أو كناية عن أنها أجسام لطيفة على الأول، و على الثاني إيماء إلى تجردها على القول بالتجرد أو إلى لطافتها على القول بعدمه، و على الثالث كناية عن صغر تلك الذرات التي تعلقت بها الأرواح كأنها ليست بشي ء أو عن أنها ليست شيئا معتدا به بل هي حكاية لشي ء معتد به.

قال المحدث الأسترآبادي (ره): يفهم من الروايات أن التكليف الأول وقع

ص: 162

ظِلِّكَ فِي الشَّمْسِ شَيْ ءٌ وَ لَيْسَ بِشَيْ ءٍ ثُمَّ بَعَثَ اللَّهُ فِيهِمُ النَّبِيِّينَ يَدْعُونَهُمْ إِلَى الْإِقْرَارِ بِاللَّهِ وَ هُوَ قَوْلُهُ وَ لَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ ثُمَّ دَعَاهُمْ إِلَى الْإِقْرَارِ بِالنَّبِيِّينَ فَأَقَرَّ بَعْضُهُمْ وَ أَنْكَرَ بَعْضُهُمْ ثُمَّ دَعَاهُمْ إِلَى وَلَايَتِنَا فَأَقَرَّ بِهَا وَ اللَّهِ مَنْ أَحَبَّ وَ أَنْكَرَهَا مَنْ أَبْغَضَ وَ هُوَ قَوْلُهُ فَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا بِما كَذَّبُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ ثُمَّ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ

مرتين مرة في عالم المجرد الصرف، و مرة في عالم الذر بأن تعلقت الأرواح فيه بجسد صغير مثل النمل، و لما لم يكن تصل أذهان أكثر الناس إلى إدراك الجوهر المجرد عبروا عليهم السلام عن المجردات بالظلال لتفهيم الناس و قصدهم من ذلك أن موجودات ذلك العالم مجردة عن الكثافة الجسمانية كما أن الظل مجرد أنها، فهي شي ء و ليست كالأشياء المحسوسة الكثيفة، و هذا نظير قولهم عليهم السلام في معرفة الله تعالى:

شي ء بخلاف الأشياء الممكنة.

" ثم بعث الله فيهم النبيين" و فيما سيأتي" منهم" يدعوهم حال عن الله، و المستكن عائد إليه و البارز للخلق، أو هو علة للبعث فالمستكن للنبيين و البارز لغيرهم، و التقدير لأن يدعوهم و في بعض النسخ يدعونهم، فهو حال عن النبيين و مؤيد للمعنى الثاني، و فيما سيأتي فدعوهم و هو أظهر، و هو قوله: أي جبل النفوس على الإقرار بالصانع بعد الإعراض عن الدواعي الخارجية بالضرورة الفطرية من أجل تلقينهم المعرفة في ذلك اليوم، و إقرارهم بها و لو لم يكن ذلك لم يكن هذا، و قيل: المعنى أن إقرارهم بذلك عند السؤال في أي وقت كان دل على إقرارهم بذلك في ذلك اليوم و الأول أظهر" من أحب" أي من أحب الإقرار بها و من أحبها أو من أحبنا أو من أحبه الله، و كذا قوله: من أبغض.

" و هو" أي إنكار من أبغض" قوله" أي مدلول قوله و الآية في الأعراف" فَما كانُوا" و كان التغيير من النساخ أو نقل بالمعنى، و فيما سيأتي: ما كانوا، بدون الواو

ص: 163

ع كَانَ التَّكْذِيبُ ثَمَ

3 مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْخَطَّابِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ سَيْفٍ عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَامِرٍ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ رِزْقٍ الْغُمْشَانِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ وَلَايَتُنَا وَلَايَةُ اللَّهِ الَّتِي لَمْ يَبْعَثْ نَبِيّاً قَطُّ إِلَّا بِهَا

4 مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْحَمِيدِ عَنْ يُونُسَ بْنِ يَعْقُوبَ عَنْ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ع يَقُولُ مَا مِنْ نَبِيٍّ جَاءَ قَطُّ إِلَّا بِمَعْرِفَةِ حَقِّنَا وَ تَفْضِيلِنَا عَلَى مَنْ سِوَانَا

5 مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ بَزِيعٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْفُضَيْلِ عَنْ أَبِي الصَّبَّاحِ الْكِنَانِيِّ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ع قَالَ سَمِعْتُهُ يَقُولُ وَ اللَّهِ إِنَّ فِي السَّمَاءِ لَسَبْعِينَ صَفّاً مِنَ الْمَلَائِكَةِ لَوِ اجْتَمَعَ أَهْلُ الْأَرْضِ كُلُّهُمْ يُحْصُونَ

أيضا و هو أقرب" لِيُؤْمِنُوا" أي في التكليف الثاني" بِما كَذَّبُوا بِهِ" أي عن النبوة.

و الولاية" مِنْ قَبْلُ" أي في التكليف الأول في الميثاق" كان التكذيب ثم" أي كان تكذيب المكذبين من ذلك اليوم و ليس بمتجدد أو مناط التكذيب الثاني و العمدة فيه هو الأول، و كذا الإقرار.

أقول: سيأتي الكلام في هذه الأخبار الموهمة للجبر في كتاب الإيمان و الكفر.

الحديث الثالث

: كالسابق" ولاية الله" أي ولاية واجبة من قبل الله، و لا يختص هذه الأمة بل كان أوجب الله سبحانه في كل شريعة ولايتنا أو الحمل على المبالغة.

لبيان أن ولاية الله لا تقبل إلا بولايتنا.

الحديث الرابع

: مجهول" إلا بمعرفة حقنا" أي بواجب معرفة حق أهل البيت أو النبي صلى الله عليه و آله و سلم و أهل بيته عليهم السلام" على من سوانا" من الأنبياء السابقين و الأوصياء و سائر الخلق، و هذا مما يدل على فضلهم على جميع الخلق.

الحديث الخامس

: كالسابق.

ص: 164

عَدَدَ كُلِّ صَفٍّ مِنْهُمْ مَا أَحْصَوْهُمْ وَ إِنَّهُمْ لَيَدِينُونَ بِوَلَايَتِنَا

6 مُحَمَّدٌ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْفُضَيْلِ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ ع قَالَ وَلَايَةُ عَلِيٍّ ع مَكْتُوبَةٌ فِي جَمِيعِ صُحُفِ الْأَنْبِيَاءِ وَ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ رَسُولًا إِلَّا بِنُبُوَّةِ مُحَمَّدٍ ص وَ وَصِيِّهِ عَلِيٍّ ع

7 الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ مُعَلَّى بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُمْهُورٍ قَالَ حَدَّثَنَا يُونُسُ عَنْ حَمَّادِ بْنِ عُثْمَانَ عَنِ الْفُضَيْلِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ع قَالَ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ نَصَبَ عَلِيّاً ع عَلَماً بَيْنَهُ وَ بَيْنَ خَلْقِهِ فَمَنْ عَرَفَهُ كَانَ مُؤْمِناً وَ مَنْ أَنْكَرَهُ كَانَ كَافِراً وَ مَنْ جَهِلَهُ كَانَ ضَالًّا وَ مَنْ نَصَبَ مَعَهُ شَيْئاً كَانَ مُشْرِكاً وَ مَنْ جَاءَ بِوَلَايَتِهِ دَخَلَ الْجَنَّةَ

" يحصون" جملة حالية" عدد كل صف" أي جميع الصفوف أو واحد منها، و في البصائر لسبعين صنفا يحصون عدد صنف منهم و كأنه أظهر، و ما قيل: من أن ضمير منهم راجع إلى أهل الأرض فلا يخفى بعده" ليدينون بولايتنا" أي يعتقدون بها أو يعبدون الله بها أو متلبسا بها.

الحديث السادس

: كالسابق" و لن" هنا لتأكيد النفي كما جوزه الزمخشري إذ لا معنى للتأبيد هنا، و كأنه كان" لم" لكن في البصائر أيضا كذلك.

الحديث السابع

: ضعيف.

" علما" بالتحريك و هو ما ينصب في الطريق ليهتدي به، و قيل: علامة الرشد و الغي بعد النبي صلى الله عليه و آله و سلم" فمن عرفه" أي عرف ولايته و أقر بها" و من أنكره" أي أنكر إمامته بعد العلم أو التمكن منه" و من جهله" أي لم يتم عليه الحجة من المستضعفين فهو ضال و لله فيه المشية، أو المراد بالجاهل الشاك الذي لا ينكر و لا يقر" و من نصب معه شيئا" بأن يعتقد إمامته و يقدم عليه أهل الضلال كأكثر الخلق من المخالفين فهو في حكم المشرك و مخلد في النار" و من جاء بولاية" بلا فصل بعد النبي صلى الله عليه و آله و سلم مع سائر الأئمة إذ يستلزم ولايته و العلم بإمامته كما حقه، العلم بإمامة أوصيائه" دخل الجنة" و ظاهره أن غير هؤلاء لا يدخلون الجنة، فالضالون إن لم يدخلوا النار فهم أهل الأعراف.

ص: 165

8 الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ مُعَلَّى بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ الْوَشَّاءِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سِنَانٍ عَنْ أَبِي حَمْزَةَ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ ع يَقُولُ إِنَّ عَلِيّاً ع بَابٌ فَتَحَهُ اللَّهُ فَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ مُؤْمِناً وَ مَنْ خَرَجَ مِنْهُ كَانَ كَافِراً وَ مَنْ لَمْ يَدْخُلْ فِيهِ وَ لَمْ يَخْرُجْ مِنْهُ كَانَ فِي الطَّبَقَةِ الَّذِينَ قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى لِي فِيهِمُ الْمَشِيئَةُ

9 مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ عَنِ ابْنِ رِئَابٍ عَنْ بُكَيْرِ بْنِ أَعْيَنَ قَالَ كَانَ أَبُو جَعْفَرٍ ع يَقُولُ إِنَّ اللَّهَ أَخَذَ مِيثَاقَ شِيعَتِنَا بِالْوَلَايَةِ لَنَا وَ هُمْ ذَرٌّ يَوْمَ أَخَذَ الْمِيثَاقَ عَلَى الذَّرِّ بِالْإِقْرَارِ لَهُ بِالرُّبُوبِيَّةِ وَ لِمُحَمَّدٍ ص بِالنُّبُوَّةِ وَ عَرَضَ اللَّهُ جَلَّ وَ عَزَّ عَلَى مُحَمَّدٍ ص أُمَّتَهُ فِي الطِّينِ وَ هُمْ أَظِلَّةٌ وَ خَلَقَهُمْ مِنَ الطِّينَةِ الَّتِي خُلِقَ مِنْهَا آدَمُ وَ خَلَقَ اللَّهُ أَرْوَاحَ شِيعَتِنَا قَبْلَ أَبْدَانِهِمْ بِأَلْفَيْ عَامٍ وَ عَرَضَهُمْ عَلَيْهِ وَ عَرَّفَهُمْ رَسُولَ اللَّهِ ص وَ عَرَّفَهُمْ عَلِيّاً وَ نَحْنُ نَعْرِفُهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ

الحديث الثامن

: ضعيف على المشهور.

" إن عليا عليه السلام" أي ولايته" باب"، أي باب رحمة الله و إسراره و معارفه و باب علم النبي صلى الله عليه و آله و سلم و حكمه كما قال صلى الله عليه و آله و سلم: أنا مدينة العلم و على بابها، و كل ذلك على الاستعارة و التمثيل" فمن دخله" أي قبل ولايته و قال بإمامته و إنما قسم عليه السلام في هذا الخبر ثلاثة أقسام لأن الخروج أعم من الإنكار مطلقا أو التشريك في الإمامة فعد هنا قسمين قسما واحدا" قال الله" أي في قوله:" وَ آخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَ إِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ".

الحديث التاسع

: حسن.

" في الطين" أي حين كان الرسول في الطين أو أمته أو هما معا، أي قبل خلق أجسادهم" و هم أظلة" أي أرواح بلا أجساد أو أجساد مثالية" و عرضهم عليه" أي على النبي صلى الله عليه و آله و سلم و هذا هو العرض الأول أو عرض آخر قبله كما مر" و عرفهم رسول الله" أي جعلهم عارفين بالرسول و بأمير المؤمنين صلوات الله عليهما أو جعلهما عارفين بهم و هو أظهر.

قوله: في لحن القول، إشارة إلى قوله تعالى:" أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ

ص: 166

بَابٌ فِي مَعْرِفَتِهِمْ أَوْلِيَاءَهُمْ وَ التَّفْوِيضِ إِلَيْهِمْ

1 مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ عَنْ صَالِحِ بْنِ سَهْلٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ ع وَ هُوَ مَعَ أَصْحَابِهِ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ لَهُ أَنَا وَ اللَّهِ أُحِبُّكَ وَ أَتَوَلَّاكَ فَقَالَ لَهُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ ع كَذَبْتَ قَالَ بَلَى وَ اللَّهِ إِنِّي أُحِبُّكَ وَ أَتَوَلَّاكَ فَكَرَّرَ ثَلَاثاً فَقَالَ لَهُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ ع كَذَبْتَ مَا أَنْتَ كَمَا قُلْتَ إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ الْأَرْوَاحَ قَبْلَ الْأَبْدَانِ بِأَلْفَيْ عَامٍ ثُمَّ عَرَضَ عَلَيْنَا الْمُحِبَّ لَنَا فَوَ اللَّهِ مَا رَأَيْتُ رُوحَكَ فِيمَنْ عُرِضَ فَأَيْنَ كُنْتَ فَسَكَتَ الرَّجُلُ عِنْدَ ذَلِكَ وَ لَمْ يُرَاجِعْهُ

وَ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ع كَانَ فِي النَّارِ

2 مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ عَنْ عَمَّارِ بْنِ مَرْوَانَ عَنْ جَابِرٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ع قَالَ إِنَّا لَنَعْرِفُ الرَّجُلَ

أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغانَهُمْ، وَ لَوْ نَشاءُ لَأَرَيْناكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيماهُمْ وَ لَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ" قال البيضاوي لحن القول أسلوبه أو إمالته إلى جهة تعريض و تورية و منه قيل: للمخطئ لاحن لأنه يعدل الكلام عن الصواب.

باب في معرفتهم أولياءهم و التفويض إليهم

الحديث الأول

: ضعيف.

" خلق الأرواح" المشهور بين المتكلمين عدم تقدم خلق الأرواح على الأبدان و الأخبار المستفيضة تدل على تقدمها و لا مانع منه عقلا و الدلائل النافية مدخولة و سيأتي القول في ذلك في كتاب الإيمان و الكفر إنشاء الله" كان في النار" أي في أهل النار و كانت طينته في طينتهم.

الحديث الثاني

: مختلف فيه.

ص: 167

إِذَا رَأَيْنَاهُ بِحَقِيقَةِ الْإِيمَانِ وَ حَقِيقَةِ النِّفَاقِ

3 أَحْمَدُ بْنُ إِدْرِيسَ وَ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ الْكُوفِيِّ عَنْ عُبَيْسِ بْنِ هِشَامٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ سَأَلْتُهُ عَنِ الْإِمَامِ فَوَّضَ اللَّهُ إِلَيْهِ كَمَا فَوَّضَ إِلَى سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ فَقَالَ نَعَمْ وَ ذَلِكَ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَهُ عَنْ مَسْأَلَةٍ فَأَجَابَهُ فِيهَا وَ سَأَلَهُ آخَرُ عَنْ تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ فَأَجَابَهُ بِغَيْرِ جَوَابِ الْأَوَّلِ ثُمَّ سَأَلَهُ آخَرُ فَأَجَابَهُ بِغَيْرِ جَوَابِ الْأَوَّلَيْنِ ثُمَّ قَالَ هذا عَطاؤُنا فَامْنُنْ أَوْ أَعْطِ بِغَيْرِ حِسابٍ وَ هَكَذَا هِيَ فِي قِرَاءَةِ عَلِيٍّ ع قَالَ قُلْتُ أَصْلَحَكَ اللَّهُ فَحِينَ أَجَابَهُمْ بِهَذَا الْجَوَابِ يَعْرِفُهُمُ الْإِمَامُ قَالَ سُبْحَانَ اللَّهِ أَ مَا تَسْمَعُ اللَّهَ يَقُولُ- إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ

" بحقيقة الإيمان" أي الإيمان الواقعي الحق الذي لا يشوبه نفاق و ذلك الذي يحق أن يسمى إيمانا أو كناية عن أن الإيمان كأنه حقيقة المؤمن و ماهيته أو بالحقيقة و الطينة التي تدعو إلى الإيمان و كذا الكلام في حقيقة النفاق.

الحديث الثالث

: مجهول كالحسن.

" و ذلك أن رجلا" الظاهر أنه كلام عبد الله لبيان سبب سؤاله السابق، و التقدير ذلك السؤال لأن رجلا سأله و يحتمل أن يكون من كلام الإمام، فضمير سأله لسليمان عليه السلام لكنه بعيد.

قوله عليه السلام: و هكذا هي، أقول: لم تذكر هذه القراءة في القراءات الشاذة و كأنه على هذه القراءة المن بمعنى القطع أو النقض و حمله على أن الترديد بين العطاء مع المنة و بدونها بعيد عن سياق الخبر، و على القراءة المشهورة المن بمعنى الإعطاء، و قد مضى في باب أن المتوسمين هم الأئمة عليهم السلام تأويل قوله تعالى:" إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ" و قد مضى في باب التفويض أن أحد معانيه تفويض بيان العلوم و الأحكام بما أرادوا و رأوا المصلحة فيها بسبب اختلاف عقول الخلق

ص: 168

وَ هُمُ الْأَئِمَّةُ وَ إِنَّها لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ لَا يَخْرُجُ مِنْهَا أَبَداً ثُمَّ قَالَ لِي نَعَمْ إِنَّ الْإِمَامَ إِذَا أَبْصَرَ إِلَى الرَّجُلِ عَرَفَهُ وَ عَرَفَ لَوْنَهُ وَ إِنْ سَمِعَ كَلَامَهُ مِنْ خَلْفِ حَائِطٍ عَرَفَهُ وَ عَرَفَ مَا هُوَ إِنَّ اللَّهَ يَقُولُ- وَ مِنْ آياتِهِ خَلْقُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ اخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَ أَلْوانِكُمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْعالِمِينَ وَ هُمُ الْعُلَمَاءُ فَلَيْسَ يَسْمَعُ شَيْئاً مِنَ الْأَمْرِ يَنْطِقُ بِهِ إِلَّا عَرَفَهُ نَاجٍ أَوْ هَالِكٌ فَلِذَلِكَ يُجِيبُهُمْ بِالَّذِي يُجِيبُهُمْ

و إفهامهم، أو بسبب التقية فيفتون بعض الناس بالحكم الواقعي و بعضهم بالتقية و يبينون تفسير الآيات و تأويلها و يبدلون المعارف بحسب ما يحتمل عقل كل سائل، و أيضا لهم أن يجيبوا و لهم أن يسكتوا بحسب المصالح.

" و عرف لونه" أي ما يدل عليه لونه أو اللون بمعنى النوع من المؤمن و المنافق و كذا قوله: و عرف ما هو، أي نوع هو، و على أي صفة" إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْعالِمِينَ" على تأويله عليه السلام المعنى أن في الألسن المختلفة و الألوان المتنوعة آيات و علامات للعلماء الربانيين و هم الأئمة عليهم السلام يستدلون بها على إيمانهم و نفاقهم و نجاتهم و هلاكهم.

ص: 169

أَبْوَابُ التَّارِيخِ بَابُ مَوْلِدِ النَّبِيِّ ص وَ وَفَاتِهِ وُلِدَ النَّبِيُّ ص لِاثْنَتَيْ عَشْرَةَ لَيْلَةً مَضَتْ مِنْ شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ فِي عَامِ الْفِيلِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ مَعَ الزَّوَالِ وَ رُوِيَ أَيْضاً عِنْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ قَبْلَ أَنْ يُبْعَثَ بِأَرْبَعِينَ سَنَةً وَ حَمَلَتْ بِهِ أُمُّهُ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ عِنْدَ الْجَمْرَةِ الْوُسْطَى وَ كَانَتْ فِي مَنْزِلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ

أبواب (1) التاريخ

[باب] تاريخ مولد النبي صلى الله عليه و آله و وفاته

[باب] تاريخ مولد النبي صلى الله عليه و آله و وفاته

" لاثنتي عشرة" اعلم أنه اتفقت الإمامية إلا من شذ منهم على أن ولادته صلى الله عليه و آله و سلم كانت في سابع عشر شهر ربيع الأول، و ذهب أكثر المخالفين إلى أنها كانت في الثاني عشر منه، و اختاره المصنف رحمه الله إما اختيارا أو تقية و الأخير أظهر، لكن الدلائل الحسابية على الأول أدل كما سنشير إليه، و ذهب بعضهم إلى الثامن و بعضهم إلى العاشر من الشهر المزبور، و ذهب شاذ منهم إلى أنه ولد في شهر رمضان فأما يوم الولادة فالمشهور بين علمائنا أنه كان يوم الجمعة، و المشهور بين المخالفين يوم الاثنين، ثم الأشهر بيننا و بينهم أنه ولد بعد طلوع الفجر، و قيل: عند الزوال و قيل: آخر النهار، و قال صاحب العدد القوية كانت خمس و خمسين يوما من هلاك أصحاب الفيل بسبع بقين من ملك أنوشيروان، و يقال: في ملك هرمز بن أنوشيروان و ذكر الطبرسي أن مولده كان لاثنتي و أربعين سنة من ملك أنوشيروان، و هو الصحيح لقوله صلى الله عليه و آله و سلم: ولدت في زمن الملك العادل أنوشيروان.

قوله: عند طلوع الفجر، أي بعده بقليل" قبل أن يبعث" متعلق بولد.

قوله: و حملت به أمه، اعلم أن هيهنا إشكالا مشهورا أورده الشهيد الثاني

ص: 170

رحمه الله و جماعة و هو أنه يلزم على ما ذكره الكليني رحمه الله من كون الحمل به صلى الله عليه و آله و سلم في أيام التشريق و ولادته في ربيع الأول أن يكون مدة حمله صلى الله عليه و آله و سلم إما ثلاثة أشهر أو سنة و ثلاثة أشهر، مع أن الأصحاب اتفقوا على أنه لا يكون الحمل أقل من ستة أشهر، و لا أكثر من سنة، و لم يذكر أحد من العلماء أن ذلك من خصائصه صلى الله عليه و آله و سلم، و الجواب أن ذلك مبني على النسي ء الذي كانوا يفعلونه في الجاهلية و قد نهى الله تعالى عنه، و قال:" إِنَّمَا النَّسِي ءُ زِيادَةٌ فِي الْكُفْرِ" قال الشيخ الطوسي رحمه الله في تفسير هذه الآية نقلا عن مجاهد: كان المشركين يحجون في كل شهر عامين يحجوا في ذي الحجة عامين ثم حجوا في المحرم عامين و كذلك في المشهور حتى وافقت الحجة التي قبل حجة الوداع في ذي القعدة، ثم حج النبي صلى الله عليه و آله و سلم في العام القابل حجة الوداع فوافقت ذا الحجة، فقال في خطبته: ألا و إن الزمان قد استدار كهيأته يوم خلق الله السماوات و الأرض، السنة اثنتي عشر شهرا، منها أربعة حرم ثلاثة متواليات، ذو القعدة و ذو الحجة و محرم و رجب مضربين جمادى و شعبان أراد بذلك أن الأشهر الحرم رجعت إلى مواضعها، و عاد الحج إلى ذي الحجة و بطل النسي ء، انتهى.

إذا عرفت هذا فقيل: إنه على هذا يلزم أن يكون الحج عام مولده صلى الله عليه و آله و سلم في جمادى الأولى لأنه صلى الله عليه و آله و سلم و توفي و هو ابن ثلاث و ستين سنة، و دورة النسي ء أربعة و عشرون سنة ضعف عدد الشهور، فإذا أخذنا من السنة الثانية و الستين و رجعنا تصير السنة الخامس عشر ابتداء الدورة لأنه إذا نقص من اثنين و ستين ثمانية و أربعون يبقى أربعة عشر، الاثنتان الأخيرتان منها لذي القعدة، و اثنتان قبلهما الشوال و هكذا، فتكون الأوليان منها لجمادى الأولى، فكان الحج عام مولد النبي صلى الله عليه و آله و سلم و هو عام الفيل في جمادى الأولى، فإذا فرض أنه صلى الله عليه و آله و سلم حملت به أمه في الثاني عشر

ص: 171

منه، و وضعت في الثاني عشر من ربيع الأول، تكون مدة الحمل عشرة أشهر بلا مزيدة و لا نقيصة.

أقول: و يرد عليه أنه قد أخطأ رحمه الله في حساب الدورة و جعلها أربعة و عشرين سنة، إذ الدورة على ما ذكر إنما تتم في خمسة و عشرين سنة، إذ في كل سنتين يسقط شهر من شهور السنة باعتبار النسي ء، و في كل خمسة و عشرين سنة تحصل أربعة و عشرون حجة تمام الدورة، و أيضا على ما ذكره يكون مدة الحمل أحد عشر شهرا إذ لما كان عام مولده أول حج في جمادى الأولى يكون في عام الحمل الحج في ربيع الثاني، فالصواب أن يقال: كان في عام حمله صلى الله عليه و آله و سلم الحج في جمادى الأولى، و في عام مولده في جمادى الثانية، فعلى ما ذكرنا تتم من عام مولده إلى خمسين سنة من عمره صلى الله عليه و آله و سلم دورتان في الحادية و الخمسين تبتدئ الدورة الثالثة من جمادى الثانية و تكون للشهر حجتان إلى أن ينتهي إلى الحادية و الستين و الثانية.

و الستين، فيكون الحج فيهما في ذي القعدة و يكون في حجة الوداع الحج في ذي الحجة فتكون مدة الحمل عشرة أشهر.

فإن قلت: على ما قررت من أن في كل دورة تتأخر سنة ففي نصف الدورة تتأخر ستة أشهر و من ربيع الأول الذي هو شهر المولد إلى جمادى الثانية التي هي شهر الحج نحو من ثلاثة أشهر فكيف يستقيم الحساب على ما ذكرت؟ قلت:

تاريخ السنة محسوبة من شهر الولادة فمن ربيع الأول من سنة الولادة إلى مثله من سنة ثلاث و ستين تتم اثنان و ستون، و يكون السابع عشر منه ابتداء سنة الثالث و الستين و في شهر العاشر من تلك السنة أعني ذا الحجة وقع الحج الحادي و الستون و توفي صلى الله عليه و آله و سلم قبل إتمام السنة على ما ذهبت إليه الشيعة بتسعة عشر يوما، فصار عمره صلى الله عليه و آله و سلم ثلاثا و ستين إلا تلك الأيام المعدودة.

و أما ما رواه سيد بن طاوس في كتاب الإقبال نقلا من كتاب النبوة للصدوق

ص: 172

عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَ وَلَدَتْهُ فِي شِعْبِ أَبِي طَالِبٍ فِي دَارِ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ فِي الزَّاوِيَةِ الْقُصْوَى عَنْ يَسَارِكَ وَ أَنْتَ دَاخِلُ الدَّارِ وَ قَدْ أَخْرَجَتِ الْخَيْزُرَانُ ذَلِكَ الْبَيْتَ فَصَيَّرَتْهُ مَسْجِداً

رضي الله عنهما، أن الحمل بسيدنا رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم كان ليلة الجمعة لاثنتي عشرة ليلة مضت من جمادى الآخرة فيمكن أن يكون الحمل في أول سنة وقع الحج في جمادى الثانية و من سنة الحمل إلى سنة حجة الوداع أربع و ستون سنة، و في الخمسين تمام الدورتين و تبتدئ الثالثة من جمادى الثانية، و يكون في حجة الوداع، و التي قبلها الحج في ذي الحجة و لا يخالف شيئا إلا ما مر عن مجاهد أن حجة الوداع كانت مسبوقة بالحج في ذي القعدة، و قوله غير معتمد في مقابلة الخبر إن ثبت أنه رواه خبرا، و تكون مدة الحمل على هذا تسعة أشهر إلا يوما فيوافق ما هو المشهور في مدة حمله صلى الله عليه و آله و سلم عند المخالفين.

و قوله: عند الجمرة الوسطى أي في بيت كان قريبا منها، و كان البيت لعبد الله أو موضع نزوله إذ كانت لأهل مكة في منى منازل و بيوت ينزلونه في الموسم، و يحتمل أن يكون المراد بالمنزل الخيمة المضروبة له هناك، و قال بعض الأفاضل في دفع الإشكال المتقدم: التشريق الخروج إلى ناحية المشرق، و كانت أشراف قريش يخرجون من مكة مع أهاليهم في الصيف إلى الطائف، و هو في ناحية المشرق و كانوا يسمون تلك الأيام أيام التشريق و ينزلون منى في بعض تلك الأيام، و القرينة على أنه ليس المراد بأيام التشريق ما في موسم الحج أن المكان الذي هو عند الجمرة الوسطى لا يخلو في موسم الحج." و كانت" أي حين إقامتها بمكة، و لو كان المراد حين كونها في منى لم يحتج إلى زيادة لفظ: و كانت، انتهى.

و لا يخفى غرابته و لا أدري من أين أخذ رحمه الله هذا الاصطلاح لأيام التشريق، و أي مناسبة لمني مع الطائف.

و الشعب بالكسر: ما انفرج بين جبلين، و شعب أبي طالب معروف بمكة و هو

ص: 173

يُصَلِّي النَّاسُ فِيهِ وَ بَقِيَ بِمَكَّةَ بَعْدَ مَبْعَثِهِ ثَلَاثَ عَشْرَةَ سَنَةً ثُمَّ هَاجَرَ إِلَى الْمَدِينَةِ وَ مَكَثَ بِهَا عَشْرَ سِنِينَ ثُمَّ قُبِضَ ع لِاثْنَتَيْ عَشْرَةَ لَيْلَةً مَضَتْ مِنْ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ يَوْمَ الْإِثْنَيْنِ

الموضع الذي كان فيه رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم و أبو طالب و سائر بني هاشم فيه عند إخراج قريش إياهم من بينهم، و كتب الكتاب بينهم في مهاجرتهم و معاندتهم.

قوله: في دار محمد بن يوسف، المشهور في السير أن هذه الدار كانت للنبي صلى الله عليه و آله و سلم بالميراث، و وهبها عقيل بن أبي طالب ثم باعها أولاد عقيل بعد أبيهم محمد بن يوسف أخا الحجاج فاشتهرت بدار محمد بن يوسف فأدخلها محمد في قصره الذي يسمونه بالبيضاء ثم بعد انقضاء دولة بني أمية حجت خيزران أم الهادي و الرشيد من خلفاء بني العباس فأفزرها عن القصر و جعلها مسجدا، و القصوى مؤنث أقصى أي الأبعد، و المكان بهذا الوصف موجود الآن يزوره الناس.

و أما إقامته صلى الله عليه و آله و سلم بمكة بعد البعثة فالمشهور أنه ثلاثة عشرة سنة كما ذكره المصنف، و قيل: خمس عشرة سنة، و قيل: ثمان سنين و هما متروكان، و لا خلاف في أن مدة إقامته صلى الله عليه و آله و سلم بالمدينة كانت عشر سنين.

و أما ما ذكره من يوم وفاته صلى الله عليه و آله و سلم فقد بناه على ما هو المشهور بين المخالفين أيضا، و المشهور بيننا ما ذكره الشيخ في التهذيب و غيره في كتبهم أنه صلى الله عليه و آله و سلم قبض مسموما يوم الاثنين لليلتين بقيتا من صفر سنة عشر من الهجرة، و الأصوب أن وفاته صلى الله عليه و آله و سلم كانت سنة إحدى عشرة من الهجرة ليتم عشر سنين منها كما ذكره المسعودي و غيره، لكن لما ذكره الشيخ أيضا وجه، إذ لو حوسب التاريخ من المحرم الذي هو مبدء التواريخ بعد الهجرة، فالوفاة في الحادية عشرة، و إن حوسب من وقت الهجرة فالوفاة قبل تمام العشرة على المشهور، و عنده على قول الكليني، قال في جامع الأصول: مات سنة إحدى عشرة، فقيل: كان يوم الاثنين مستهل ربيع الأول، و قيل: لليلتين خلتا، و قيل: لاثنتي عشرة و هو الأكثر، انتهى.

و قال صاحب كشف الغمة من تاريخ أحمد بن أحمد الخشاب عن أبي جعفر الباقر

ص: 174

عليه السلام قال قبض رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم و هو ابن ثلاث و ستين سنة في سنة عشر من الهجرة، فكان مقامه بمكة أربعين سنة، ثم نزل عليه الوحي في تمام أربعين، و كان بمكة ثلاث عشرة سنة، ثم هاجر إلى المدينة و هو ابن ثلاث و خمسين سنة، فأقام بالمدينة عشر سنين، و قبض عليه السلام في شهر ربيع الأول يوم الاثنين لليلتين خلتا منه، و روي لثماني عشرة ليلة منه، رواه البغوي، و قيل: لعشر خلون منه، و قيل: لثمان بقين رواه ابن الجوزي و الحافظ أبو محمد بن حزم و قيل: لثمان خلون من ربيع الأول، انتهى.

و اعلم أن الذي يدل على صحة ما ذهب إليه الكليني قدس سره من تاريخ الولادة هو أنه من أول ربيع الأول الذي ولد فيه صلى الله عليه و آله و سلم إلى أول ربيع الأول الذي هاجر فيه إلى المدينة ثلاث و خمسون سنة تامة قمرية، لأن مدة مكثه صلى الله عليه و آله و سلم بها بعد الهجرة كانت عشر سنين كما عرفت، و مدة حياته ثلاث و ستين سنة أو أقل منها بعشرين يوما، على رواية أنه ولد في السابع عشر من ربيع الأول، و قبض في آخر صفر و لا اختلاف في ولادته باعتبار الشهر بين الشيعة، فمن أول المحرم المقدم على ميلاده الشريف الذي هو رأس سنة عام الفيل إلى أول المحرم المقدم على هجرته الذي هو مبدء التاريخ الهجري أيضا ثلاث و خمسون سنة تامة قمرية، فلما ضربنا عدد السنين التامة القمرية المذكورة في ثلاثمائة و أربعة و خمسين عدد أيام سنة تامة قمرية و حصلنا الكبائس و زدناها عليها على القانون المقرر عندهم، حصل ثمانية عشر آلاف و سبعمائة و أحد و ثمانون و كان أول محرم سنة هجرته صلى الله عليه و آله و سلم يوم الخميس بالأمر الأوسط كما ذكروه في الزيجات، و عليه مدار عملهم.

قال العلامة الرازي و أولها و هو أول المحرم يوم الخميس بالأمر الأوسط و قول أهل الحديث يوم الجمعة بالرؤية و حساب الاجتماعات نعمل عليه، و أرخ منهما في مستأنف الزمان، انتهى.

ص: 175

فإذا طرحنا من المبلغ سبعة سبعة عدد أيام الأسبوع لم يبق شي ء فظهر أن أول المحرم في عام الفيل الذي هو عام مولده صلى الله عليه و آله و سلم أيضا يوم الخميس بالأمر الأوسط فأول شهر صفر من هذا العام يوم السبت، و أول ربيع الأول يوم الأحد بالأمر الأوسط، و لما كان أول الشهور يختلف بحسب الأمر الأوسط في الأكثر بيوم، فأوله بالرؤية يوم الاثنين، و اليوم الثاني عشر منه يوم الجمعة، و أما اليوم السابع عشر منه فيوم الثلاثاء بالأمر الأوسط، و لا يختلف أول الشهور بالأمر الأوسط و الرؤية بأكثر من يومين، لأن أكثر المتوالية من الشهور التامة بالرؤية أربعة أشهر، لا يزيد عليها و أكثر المتوالية من الناقصة ثلاثة أشهر لا غير، و الشهور الوسطية شهر تام و شهر ناقص إلا في سنة الكبيسة، فإن شهرين متواليين فيها يكونان تأمين و هما ذو الحجة و المحرم، فعلى تقدير تقدم أول الشهر بالرؤية بيومين على الأمر الأوسط و تأخره كذلك عنه، فالسابع عشر إما الخميس أو الأحد، و الجميع متفقون على أن ولادته صلى الله عليه و آله و سلم كانت في يوم الجمعة و هو يبطل كونها في السابع عشر، و يثبت الثاني عشر، فالقول المشهور متهافت يناقض بعضها بعضا، و كونها يوم الجمعة تنافي كونها في السابع عشر.

و إذا تقرر ذلك فلننظر في وقت وفاته صلى الله عليه و آله و سلم، و إذا قد عرفت أن أول المحرم سنة الهجرة يوم الخميس فأول صفر يوم السبت، و أول ربيع الأول يوم الأحد، و إذ قد عرفت أن أول ربيع الأول الذي ولد فيه صلى الله عليه و آله و سلم يوم الأحد و ما بين ربيع الأول الذي في خلال سنة هجرته و بينه ثلاث و خمسون سنة تامة قمرية كما مر، فإذا جعلت السنين أياما و طرحت منها سبعة سبعة لم يبق شي ء، فظهر أن أول ربيع الذي في خلال سنة هجرته أيضا يوم الأحد.

فنقول: ما بين أول ربيع الأول الذي خلال سنة هجرته، و أول ربيع الأول الذي قبض فيه عشر سنين تامة قمرية فإذا ضربنا عدد السنين في عدد أيام السنة القمرية و زدنا عليه الكبائس بلغ ثلاثة آلاف و خمسمائة و أربعا و أربعين، فإذا طرحنا من المبلغ

ص: 176

وَ هُوَ ابْنُ ثَلَاثٍ وَ سِتِّينَ سَنَةً وَ تُوُفِّيَ أَبُوهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بِالْمَدِينَةِ عِنْدَ أَخْوَالِهِ

سبعة سبعة يبقى اثنان، فإذا جمعنا هما مع الأحد أول ربيع الأول الذي هاجر صلى الله عليه و آله و سلم فيه، يظهر أن أول الربيع الأول الذي قبض فيه يوم الثلاثاء بالأمر الأوسط فالثاني عشر منه بالأمر الأوسط يوم السبت، و بالرؤية يوم الاثنين، و قد عرفت أنه قد يتقدم أول الشهر بحسب الرؤية عليه و يتأخر عنه بالأمر الأوسط بيومين و إذا كان أول الربيع بالأمر الأوسط يوم الثلاثاء يكون أول شهر صفر بالأمر الأوسط يوم الاثنين، و السابع و العشرون منه يوم السبت، فيمكن أن يكون الاختلاف لأجل اختلاف الرؤية، و الأمر الأوسط بأن يكون أول الشهر بالرؤية يوم أربعاء فينطبق الثامن و العشرون من شهر صفر على يوم الاثنين، فلا يظهر ترجيح من هذا الوجه لأحد القولين على الآخر.

أقول: و قد أوردنا في كتاب السماء و العالم من كتاب بحار الأنوار وجوها أخرى حسابية لتقوية ما اختاره ثقة الإسلام (ره) و مع ذلك كله يشكل رد الخبر المعتبر الدال علي كون الولادة الشريفة في السابع عشر لابتناء تلك الوجوه على ما ظهر لأهل الهيئة من الأرصاد المختلفة في الكسور و الكبائس، و يظهر من اختلافها في الأزمنة المتطاولة اختلاف كثير، و أيضا كون الولادة في يوم الجمعة ليس شهرتها بين الإمامية كشهرة السابع عشر، فيمكن أن يكون الاشتباه في الأول دون الثاني.

مع أن ما ورد في الأخبار مبني علي الرؤية الشرعية فيمكن أن يكون الرؤية أيضا متأخرة عن هذا الحساب في ذلك الشهر الغيم أو نحوه، و الله يعلم حقائق الأمور.

قوله (ره): و هو ابن ثلاث و ستين سنة، و قال بعض العامة: ابن خمس و ستين، و على الأول اتفق أصحابنا و هو المشهور بينهم أيضا.

و أما نسبه الشريف على ما ذكره الأكثر هو محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان بن

ص: 177

وَ هُوَ ابْنُ شَهْرَيْنِ وَ مَاتَتْ أُمُّهُ آمِنَةُ بِنْتُ وَهْبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ زُهْرَةَ بْنِ كِلَابِ بْنِ مُرَّةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيِّ بْنِ غَالِبٍ وَ هُوَ ع ابْنُ أَرْبَعِ سِنِينَ وَ مَاتَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ وَ لِلنَّبِيِ

أدي بن أدد بن اليسع بن شروع بن الهميسع بن سلامان بن النبت بن حمل بن قيدار بن إسماعيل بن إبراهيم الخليل عليه السلام بن تارخ بن تاخور بن شروع بن أرغو بن غالع بن عابر بن شالخ بن أرفخشد بن سام بن نوح بن مالك بن متوشلخ بن أخنوخ بن البارذ بن مهلائيل بن قينان بن أنوش بن شيث بن آدم عليهم السلام.

فإلى عدنان اتفق الأكثر و بعده اختلفوا اختلافات كثيرة أوردناها في الكتاب الكبير.

قوله: عند أخواله، قال الراوندي في القصص: أن أباه توفي و أمه حبلى، و قدمت أمه آمنة بنت وهب على أخواله من بني عدي النجار بالمدينة، ثم رجعت به حتى إذا كانت بالأبواء ماتت و أرضعته صلى الله عليه و آله و سلم حتى شب حليمة بنت عبد الله السعدية.

و قال ابن شهرآشوب (ره) في المناقب: توفي أبوه و هو ابن شهرين، الواقدي و هو ابن سبعة أشهر، الطبري: توفي أبوه بالمدينة و دفن في دار نابغة، ابن إسحاق:

توفي أبوه و أمه حامل به، و ماتت أمه و هو ابن أربع سنين، الكلبي: و هو ابن ثمانية و عشرين شهرا، محمد بن إسحاق: توفيت أمه بالأبواء منصرفة إلى مكة، و هو ابن ست و رباه عبد المطلب، و توفي عنه و هو ابن ثمان سنين و شهرين و عشرة أيام، فأوصى به إلى أبي طالب فرباه.

و قال الكازروني في المنتقى: ولد عبد الله لأربع و عشرين سنة مضت عن ملك كسرى أنوشيروان فبلغ سبع عشرة سنة، ثم تزوج آمنة، فلما حملت برسول الله صلى الله عليه و آله و سلم توفي و ذلك أن عبد الله بن عبد المطلب خرج إلى الشام في عير من عيرات قريش، يحملون تجارات ففرغوا من تجاراتهم ثم انصرفوا فمروا بالمدينة و عبد الله يومئذ مريض،

ص: 178

ص نَحْوُ ثَمَانِ سِنِينَ وَ تَزَوَّجَ خَدِيجَةَ وَ هُوَ ابْنُ بِضْعٍ وَ عِشْرِينَ سَنَةً فَوُلِدَ لَهُ مِنْهَا

فقال: أتخلف عند أخوالي بني عدي بن النجار فأقام عندهم مريضا شهرا، و مضى أصحابه فقدموا مكة فسألهم عبد المطلب عن عبد الله فقالوا: خلفناه عند أخواله بني عدي و هو مريض، فبعث إليه عبد المطلب أعظم ولده الحارث، فوجده قد توفي في دار النابغة، فرجع إلى أبيه فأخبره فوجد عليه عبد المطلب وجدا شديدا و رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم يومئذ حمل و لعبد الله يوم توفي خمس و عشرون سنة، و روي أنه توفي بعد ما أتى على رسول الله ثمانية و عشرون شهرا، و يقال: سبعة أشهر و الأول أصح، انتهى.

قوله: و تزوج خديجة، قال القرطبي: تزوجها قبل النبوة ثيبا بعد زوجين، بعد أبي هالة التميمي، و بعد عتيق المخزومي، ثم تزوجها النبي صلى الله عليه و آله و سلم و هي بنت أربعين سنة و أقامت معه أربعا و عشرين سنة، و توفيت و هي بنت أربع و ستين سنة و ستة أشهر، و سن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم حين تزوجها إحدى و عشرون سنة، و قيل: خمس و عشرون، و قيل: ثلاث و ثلاثون، و قال بعضهم: أمها فاطمة بنت زائدة بن الأصم كانت خديجة تحت أبي هالة بن زرارة التميمي، فولدت له هندا و هالة و هما ذكران ثم تزوجها عتيق بن عائذ المخزومي، فولدت له جارية اسمها هند، و بعضهم يقدم عتيقا على أبي هالة، ثم تزوجها النبي صلى الله عليه و آله و سلم، و لها يومئذ من العمر أربعون سنة و بعض أخرى، و كان لرسول الله صلى الله عليه و آله و سلم خمس و عشرون سنة، و قيل: إحدى و عشرون، و الأول أصح و لم ينكح النبي قبلها امرأة و لم ينكح عليها حتى ماتت و هي أول من آمن من النساء.

قال ابن شهرآشوب رحمه الله في المناقب: تزوج أولا بمكة خديجة بنت خويلد قالوا: و كانت عند عتيق بن عائذ المخزومي ثم عند أبي هالة، و روى أحمد البلاذري و أبو القاسم الكوفي في كتابيهما و المرتضى في الشافي أن النبي صلى الله عليه و آله و سلم تزوج بها و كانت عذراء، و يؤكد ذلك ما ذكر في كتابي الأنوار و البدع أن رقية و زينب كانتا ابنتي هالة أخت خديجة، انتهى.

ص: 179

قَبْلَ مَبْعَثِهِ ع الْقَاسِمُ وَ رُقَيَّةُ وَ زَيْنَبُ وَ أُمُّ كُلْثُومٍ وَ وُلِدَ لَهُ بَعْدَ الْمَبْعَثِ الطَّيِّبُ

ثم اعلم أنه اختلف في عدد أولاده صلى الله عليه و آله و سلم، فقال القرطبي: اجتمع أهل النقل علي أنها ولدت له أربع بنات كلهن أدركن الإسلام و هاجرن، زينب و رقية و أم كلثوم و فاطمة، و أجمعوا أنها ولدت له ولدا سماه القاسم و كان به يكنى و اختلف هل ولدت له ذكرا غيره، فقيل: ولدت ثلاثا عبد الله و الطيب و الطاهر، و الخلاف في ذلك كثير و مات القاسم بمكة صغيرا قبل أن يمشي، و قيل: إنه لم يعش إلا أياما يسيرة، و لم يكن له صلى الله عليه و آله و سلم من غير خديجة ولد غير إبراهيم عليه السلام ولدته مارية القبطية، ولدته بالمدينة و بها توفي و هو رضيع، و توفي جميع أولاده في حياته إلا فاطمة رضي الله عنها، فإنها توفيت بعده بستة أشهر.

و روى الصدوق (ره) في الخصال بإسناده عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال:

ولد لرسول الله عليه السلام من خديجة القاسم و الطاهر و هو عبد الله، و أم كلثوم و رقية و زينب و فاطمة و تزوج علي بن أبي طالب فاطمة عليهما السلام، و تزوج أبو العاص بن الربيع و هو رجل.

من بني أمية زينب و تزوج عثمان بن عفان أم كلثوم، فماتت و لم يدخل بها، فلما ساروا إلى بدر زوجه رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم رقية، و ولد لرسول الله صلى الله عليه و آله و سلم إبراهيم من مارية القبطية و هي أم إبراهيم أم ولد.

و نحو ذلك روى الحميري في قرب الإسناد عن هارون بن مسلم عن مسعدة بن صدقة عن جعفر عن أبيه عليهما السلام.

و قال ابن شهرآشوب في المناقب: ولد من خديجة القاسم و عبد الله و هما الطاهر و الطيب، و أربع بنات زينب و رقية و أم كلثوم و هي آمنة، و فاطمة و هي أم أبيها، و لم يكن له ولد من غيرها إلا إبراهيم من مارية، ولد بعالية في قبيلة مازن في مشربة أم إبراهيم، و يقال ولد بالمدينة سنة ثمان من الهجرة، و مات بها، و له سنة و عشرة أشهر و ثمانية أيام و قبره بالبقيع.

و في الأنوار و الكشف و اللمع و كتاب البلاذري إن زينب و رقية كانتا ربيبته من

ص: 180

وَ الطَّاهِرُ وَ فَاطِمَةُ ع وَ رُوِيَ أَيْضاً أَنَّهُ لَمْ يُولَدْ بَعْدَ الْمَبْعَثِ إِلَّا فَاطِمَةُ ع وَ أَنَّ الطَّيِّبَ

جحش فأما القاسم و الطيب فماتا بمكة صغيرين قال مجاهد: مكث القاسم سبع ليال، و قال في المنتقى: ولدت خديجة له صلى الله عليه و آله و سلم زينب و رقية و أم كلثوم و فاطمة و القاسم و به كان يكنى و الطاهر و الطيب و هلك هؤلاء الذكور في الجاهلية، و أدركت الإناث الإسلام فأسلمن و هاجرن معه، و قيل: الطيب و الطاهر لقبان لعبد الله، و ولد في الإسلام، و قال ابن عباس: أول من ولد لرسول الله صلى الله عليه و آله و سلم بمكة قبل النبوة القاسم و يكنى به، ثم ولد له زينب ثم رقية ثم فاطمة ثم أم كلثوم، ثم ولد له في الإسلام عبد الله، فسمي الطيب و الطاهر جميعا و أمهم جميعا خديجة بنت خويلد، و كان أول من مات من ولده القاسم ثم مات عبد الله بمكة فقال العاص بن وائل السهمي: قد انقطع ولده فهو أبتر، فأنزل الله تعالى:" إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ".

و عن جبير بن مطعم قال: مات القاسم و هو ابن سنتين، و قيل: سنة، و قيل:

إن القاسم و الطيب عاشا سبع ليال، و مات عبد الله بعد النبوة بسنة، و أما إبراهيم فولد سنة ثمان من الهجرة، و مات و له سنة و عشرة أشهر و ثمانية أيام و قيل: كان بين كل ولدين لخديجة سنة و قيل: إن الذكور من أولاده ثلاثة و البنات أربع أو لهن زينب ثم القاسم ثم أم كلثوم ثم فاطمة ثم رقية ثم عبد الله و هو الطيب و الطاهر، ثم إبراهيم، و يقال: إن أولهم القاسم ثم زينب ثم عبد الله ثم رقية ثم أم كلثوم، ثم فاطمة انتهى.

و أقول: هذا القول الأخير أوفق بالرواية التي رواها المصنف و كأنه إشارة إلى ما سيأتي في الروضة في حديث إسلام علي عليه السلام في حديث طويل عن علي بن الحسين عليهما السلام قال: و لم يولد لرسول الله صلى الله عليه و آله و سلم من خديجة على فطرة الإسلام إلا فاطمة عليها السلام.

و قال في النهاية: البضع في العدد بالكسر و قد يفتح ما بين الثلاث إلى التسع، و قيل: ما بين الواحد إلى العشرة، لأنه قطعة من العدد، و قال الجوهري: تقول بضع

ص: 181

وَ الطَّاهِرَ وُلِدَا قَبْلَ مَبْعَثِهِ وَ مَاتَتْ خَدِيجَةُ ع حِينَ خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ ص مِنَ الشِّعْبِ

سنين و بضع عشر رجلا، فإذا جاوزت لفظ العشر لا تقول بضع و عشرون و هذا يخالف ما جاء في الحديث، انتهى.

قوله (ره): و ماتت خديجة، ذهب بعضهم إلى أنها رضي الله عنها ماتت بمكة قبل الهجرة بخمس سنين، و قيل: بأربع، و قيل: بثلاث و هو أشهر، و كان لها من العمر خمس و ستون سنة، و كانت مدة مقامها معه صلى الله عليه و آله و سلم خمسا و عشرين سنة، و دفنت بالحجر.

و قال في إعلام الورى: أن قريشا اجتمعوا في دار الندوة و كتبوا بينهم صحيفة لا يؤاكلوا بني هاشم و لا يكلموهم و لا يبايعوهم و لا يزوجوهم و لا يزوجوا إليهم، و لا يحضروا معهم حتى يدفعوا محمدا إليهم، فيقتلونه و أنهم يد واحدة على محمد ليقتلوه غيلة، أو صراحا فلما بلغ ذلك أبا طالب جمع بني هاشم و دخل الشعب و كانوا أربعين رجلا، فحلف لهم أبو طالب بالكعبة و الحرم و الركن و المقام لئن شاكت محمدا شوكة لآتين عليكم يا بني هاشم، و حصن الشعب، و كان يحرسه بالليل و النهار، فإذا جاء الليل يقوم بالسيف عليه و رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم مضطجع ثم يقيمه و يضجعه في موضع آخر، فلا يزال الليل كله هكذا، و وكل ولده و ولد أخيه به يحرسونه بالنهار، و أصابهم الجهد و كان من دخل من العرب مكة لا يجسر أن يبيع من بني هاشم شيئا و من باع منهم شيئا انتهبوا ماله، و كان أبو جهل و العاص بن وائل و النضر بن الحارث و عقبة بن أبي معيط يخرجون إلى الطرقات التي تدخل مكة فمن رأوه معه ميرة نهوه أن يبيع من بني هاشم شيئا، و يحذرونه إن باع شيئا إن ينهبوا ماله، و كانت خديجة لها مال كثير فأنفقته على رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم في الشعب، و لم يدخل في حلف الصحيفة مطعم بن عدي و قال: هذا ظلم، و ختموا الصحيفة بأربعين خاتما، ختمه كل رجل من رؤساء قريش بخاتمه و علقوها في الكعبة و تابعهم أبو لهب على ذلك، و كان رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم يخرج في كل موسم فيدور على قبائل العرب فيقول لهم: تمنعون لي جانبي حتى أتلو عليكم

ص: 182

وَ كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ بِسَنَةٍ وَ مَاتَ أَبُو طَالِبٍ بَعْدَ مَوْتِ خَدِيجَةَ بِسَنَةٍ فَلَمَّا فَقَدَهُمَا

كتاب ربي، و ثوابكم على الجنة، و أبو لهب في أثره فيقول: لا تقبلوا منه فإنه ابن أخي و هو ساحر كذاب، فلم يزل هذه حاله فبقوا في الشعب أربع سنين لا يأمنون إلا من موسم إلى موسم، و لا يشترون و لا يباعون إلا في الموسم، و كان يقوم بمكة موسمان في كل سنة موسم للعمرة في رجب و موسم للحج في ذي الحجة، فكان إذا اجتمعت المواسم يخرج بنو هاشم من الشعب فيشترون و يبيعون، ثم لا يجسر أحد منهم أن يخرج إلى الموسم الثاني فأصابهم الجهد، و جاعوا و بعث قريش إلى أبي طالب ادفع إلينا محمدا حتى نقتله و نملكك علينا، فقال أبو طالب قصيدته الطويلة اللامية التي يقول فيها:

أ لم تعلموا أن ابننا لا مكذب لدنيا و لا يعني بقول الأباطل

كذبتم و بيت الله يبزى محمد و لما نطاعن دونه و نناضل

و نسلمه حتى نصرع دونه و نذهل عن أبنائنا و الحلائل

إلى آخر الأبيات. فلما سمعوا هذه القصيدة أيسوا، و كان أبو العاص بن الربيع و هو ختن رسول الله صلى الله عليه و آله يجي ء بالعير بالليل عليها البر و التمر إلى باب الشعب، ثم يصيح بها فتدخل الشعب فيأكله بنو هاشم، فلما أتى لرسول الله صلى الله عليه و آله في الشعب أربع سنين بعث الله على صحيفتهم القاطعة دابة الأرض فلحست جميع ما فيها من قطيعة رحم و ظلم و جور، و تركت اسم الله و نزل جبرئيل على رسول الله صلى الله عليه و آله فأخبره بذلك، فأخبر رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم أبا طالب، فقام أبو طالب فلبس ثيابه ثم مشى حتى دخل المسجد علي قريش و هم مجتمعون فيه، فلما بصروا به قالوا: قد ضجر أبو طالب و جاء الآن ليسلم ابن أخيه فدنا منهم و سلم عليهم، فقاموا إليه و عظموه و قالوا: يا أبا طالب قد علمنا أنك أردت مواصلتنا و الرجوع إلى جماعتنا و أن تسلم ابن أخيك إلينا! قال: و الله ما جئت لهذا و لكن ابن أخي أخبرني و لم يكذبني أن الله أخبره أنه بعث على صحيفتكم القاطعة

ص: 183

دابة الأرض فلحست جميع ما فيها من قطيعة رحم و ظلم و جور، و تركت اسم الله فابعثوا إلى صحيفتكم فإن كان حقا فاتقوا الله و ارجعوا عما أنتم عليه من الظلم و قطيعة الرحم و إن كان باطلا دفعته إليكم فإن شئتم قتلتموه و إن شئتم استحييتموه، فبعثوا إلى الصحيفة فأنزلوها من الكعبة و عليها و أربعون خاتما فلما أتوا بها نظر كل رجل منهم إلى خاتمه ثم فكوها فإذا ليس فيها حرف واحد إلا باسمك اللهم فقال لهم أبو طالب يا قوم اتقوا الله و كفوا عما أنتم عليه، فتفرق القوم و لم يتكلم منهم أحد، و رجع أبو طالب إلى الشعب و قال في ذلك قصيدته البائية التي أولها:

ألا من لهم آخر الليل منصب و شعب القضاء من قومك المتشعب

و قد كان في أمر الصحيفة عبرة متى ما يخبر غائب القوم يعجب

إلى آخر الأبيات.

و قال عند ذلك نفر من بني عبد مناف و بني قصي و رجال من قريش ولدتهم نساء بني هاشم، منهم مطعم بن عدي و كان شيخا كبيرا كثير المال له أولاد، و أبو البختري ابن هشام و زهير بن أمية المخزومي في رجال من أشرافهم: نحن براء مما في هذه الصحيفة و قال أبو جهل: هذا أمر قضى بليل، و خرج النبي صلى الله عليه و آله من الشعب و رهطه و خالطوا الناس و مات أبو طالب بعد ذلك بشهرين. و ماتت خديجة بعد ذلك، و ورد على رسول الله صلى الله عليه و آله أمران عظيمان، و جزع جزعا شديدا، و دخل صلى الله عليه و آله على أبي طالب و هو يجود بنفسه فقال: يا عم ربيت صغيرا و نصرت كبيرا و كفلت يتيما فجزاك الله عني خيرا أعطني كلمة أشفع بها لك عند ربي، فقد روي أنه لم يخرج من الدنيا حتى أعطي رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم الرضا.

و في كتاب دلائل النبوة عن ابن عباس قال: فلما ثقل أبو طالب رئي يحرك شفتيه فأصغى إليه العباس يستمع قوله، فرفع العباس رأسه عنه و قال: يا رسول الله قد و الله قال الكلمة التي سألته إياها، و ذكر محمد بن إسحاق بن يسار: أن خديجة بنت خويلد و

ص: 184

رَسُولُ اللَّهِ ص شَنَأَ الْمُقَامَ بِمَكَّةَ وَ دَخَلَهُ حُزْنٌ شَدِيدٌ وَ شَكَا ذَلِكَ إِلَى جَبْرَئِيلَ ع فَأَوْحَى اللَّهُ تَعَالَى إِلَيْهِ اخْرُجْ مِنَ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُها فَلَيْسَ لَكَ بِمَكَّةَ نَاصِرٌ بَعْدَ أَبِي طَالِبٍ وَ أَمَرَهُ بِالْهِجْرَةِ

1 مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ ابْنِ فَضَّالٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ ابْنِ أَخِي حَمَّادٍ الْكَاتِبِ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع كَانَ رَسُولُ اللَّهِ

أبا طالب ماتا في عام واحد، و تتابعت على رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم المصائب بهلاك خديجة و أبي طالب، و كانت خديجة وزير صدق على الإسلام، و كان يسكن إليها و ذكر أبو عبد الله بن مندة في كتاب المعرفة أن وفاة خديجة كانت بعد وفاة أبي طالب بثلاثة أيام، و زعم الواقدي أنهم خرجوا من الشعب قبل الهجرة بثلاث سنين و في هذه السنة توفيت خديجة و أبو طالب و بينهما خمس و ثلاثون ليلة، انتهى.

و قال الكازروني في المنتقى: مات أبو طالب في سنة عشر من النبوة و هو ابن بضع و ثمانين سنة، و في هذه السنة توفيت خديجة بعد أبي طالب بأيام، و هي بنت خمس و ستين، و دفنت بالحجون، و نزل رسول الله صلى الله عليه و آله قبرها و لم يكن يومئذ سنة الجنازة و الصلاة عليها، و روي عن عبد الله بن ثعلبة، قال: لما توفي أبو طالب و خديجة و كان بينهما شهرا و خمسة أيام اجتمعت على رسول الله صلى الله عليه و آله مصيبتان، فلزم بيته و أقل الخروج إلى آخر ما قال، و ما ذكره الكليني (ره) في ذلك مخالف لتلك التواريخ و الله يعلم.

و يقال: شنأ كمنع أي كره و أبغض، و المقام بالضم الإقامة، و المراد بالقرية مكة و الآية في سورة النساء هكذا:" وَ ما لَكُمْ لا تُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَ النِّساءِ وَ الْوِلْدانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْ هذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُها وَ اجْعَلْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَ اجْعَلْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيراً" و فسر المفسرون القرية بمكة ضاعف الله شرفها.

الحديث الأول

: مجهول.

ص: 185

ص سَيِّدَ وُلْدِ آدَمَ فَقَالَ كَانَ وَ اللَّهِ سَيِّدَ مَنْ خَلَقَ اللَّهُ وَ مَا بَرَأَ اللَّهُ بَرِيَّةً خَيْراً مِنْ مُحَمَّدٍ ص

2 مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ الْحَجَّالِ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع وَ ذَكَرَ رَسُولَ اللَّهِ ص فَقَالَ قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ ع مَا بَرَأَ اللَّهُ نَسَمَةً خَيْراً مِنْ مُحَمَّدٍ ص

3 أَحْمَدُ بْنُ إِدْرِيسَ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى وَ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ حَدِيدٍ عَنْ مُرَازِمٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ

سيد ولد آدم، أي أفضلهم و أشرفهم و صاحب النعمة عليهم، قال في النهاية في الحديث: أنا سيد ولد آدم و لا فخر، قاله إخبارا عما أكرمه الله تعالى به من الفضل و السؤدد، و تحدثا بنعمة الله تعالى عنده و إعلاما لأمته ليكون إيمانهم به على حسبه و موجبه، و لهذا أتبعه بقوله: و لا فخر، أي إن هذه الفضيلة التي نلتها كرامة من الله تعالى لم أنلها من قبل نفسي و لا بلغتها بقوتي فليس لي أن أفتخر بها، قال: و السيد يطلق على الرب و المالك و الشريف و الفاضل و الكريم و الحليم، و متحمل أذى قومه و الزوج و الرئيس و المقدم و أصله من ساد يسود فهو سيود فقلبت الواو ياءا لأجل الياء الساكنة قبلها ثم أدغمت، انتهى.

و الكلام فيه تقدير الاستفهام" من خلق الله" أي من الملائكة و الجن و العقول التي تزعمها الحكماء، و البرية الخليقة، و" خير" بالرفع خبر مبتدإ محذوف بتقدير هي، و الجملة نعت برية و الجملة تأكيد للجملة السابقة باعتبار مفهومه العرفي، فإنه يفهم منه كونه أفضل من الجميع و إن كان مدلوله المطابقي لا ينفى المساواة.

الحديث الثاني

: صحيح.

و النسمة، بالتحريك ذو الروح، و الكلام فيه كما في الخبر المقدم.

الحديث الثالث

: ضعيف.

قوله: بلا بدن، أي أصلا، أو بلا بدن عنصري بل بدن مثالي و ظاهره كون

ص: 186

وَ تَعَالَى يَا مُحَمَّدُ إِنِّي خَلَقْتُكَ وَ عَلِيّاً نُوراً يَعْنِي رُوحاً بِلَا بَدَنٍ قَبْلَ أَنْ أَخْلُقَ سَمَاوَاتِي وَ أَرْضِي وَ عَرْشِي وَ بَحْرِي فَلَمْ تَزَلْ تُهَلِّلُنِي وَ تُمَجِّدُنِي ثُمَّ جَمَعْتُ رُوحَيْكُمَا فَجَعَلْتُهُمَا وَاحِدَةً فَكَانَتْ تُمَجِّدُنِي وَ تُقَدِّسُنِي وَ تُهَلِّلُنِي ثُمَّ قَسَمْتُهَا ثِنْتَيْنِ وَ قَسَمْتُ الثِّنْتَيْنِ ثِنْتَيْنِ فَصَارَتْ أَرْبَعَةً مُحَمَّدٌ وَاحِدٌ وَ عَلِيٌّ وَاحِدٌ وَ الْحَسَنُ وَ الْحُسَيْنُ ثِنْتَانِ ثُمَّ خَلَقَ اللَّهُ فَاطِمَةَ مِنْ

الروح جسما لطيفا و هو غير البدن كما هو المشهور و ربما يأول الخلق هنا بالتقدير.

" قبل أن أخلق" أي بحسب الزمان الموهوم و قيل: القبيلة بحسب الرتبة، فإنهما أشرف من كل مخلوق" تهللني" قيل: أي بلسان الحال كما في قوله تعالى:

" وَ إِنْ مِنْ شَيْ ءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ" و الظاهر لسان المقال" ثم جمعت روحيكما" كان المراد جعل مادة بدنهما في صلب آدم عليه السلام" فكانت تمجدني" أي بنفسها أو بتوسط الأبدان المشتملة على الطينات المقدسات" ثم قسمتها ثنتين" أي في صلب عبد الله و أبي طالب" و قسمت الثنتين" أي بعضها في صلب علي عليه السلام إلى الحسنين" ثم خلق الله" أي بعد خلق النور الأول لا بعد الجمع و القسمة، كما يدل عليه سائر الأخبار، أو ثم للتراخي المعنوي لفضل الذكر على الأنثى.

و يؤيد هذا الوجه ما رواه الصدوق في العلل بإسناده عن معاذ بن جبل أن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم قال: إن الله خلقني و عليا و فاطمة و الحسن و الحسين عليهم السلام قبل أن يخلق الدنيا بسبعة آلاف عام، قلت: فأين كنتم يا رسول الله؟ قال: قدام العرش نسبح الله و نحمده و نقدسه و نمجده، قلت: على أي مثال؟ قال: أشباح نور حتى إذا أراد الله عز و جل أن يخلق صورنا صيرنا عمود نور ثم قذفنا في صلب آدم، ثم أخرجنا إلى أصلاب الآباء و أرحام الأمهات و لا يصيبنا نجس الشرك و لا سفاح الكفر، يسعد بنا قوم و يشقي بنا آخرون، فلما صيرنا إلى صلب عبد المطلب أخرج ذلك النور فشقه نصفين، فجعل نصفه في عبد الله و نصفه في أبي طالب، ثم أخرج الذي لي إلى آمنة و النصف إلى فاطمة بنت أسد، فأخرجتني آمنة و أخرجت فاطمة عليا ثم أعاد عز و جل العمود إلى علي فخرجت مني فاطمة، ثم أعاد عز و جل العمود إلى علي فخرج منه الحسن

ص: 187

و الحسين، يعني من النصفين جميعا، فما كان من نور علي فصار في ولد الحسن، و ما كان من نوري صار في ولد الحسين، فهو ينتقل في ولده إلى يوم القيامة.

و الأخبار، في ذلك مستفيضة أوردت أكثرها في الكتاب الكبير، لكن فهمها صعب على العقول، و الأولى الأيمان بها مجملا، و رد علمه إليهم عليهم السلام.

و يخطر بالبال أنه يحتمل أن تكون إشارة إلى أنهم عليهم السلام لما كانوا المقصودين من خلق آدم عليه السلام و سائر ذريته و كان خلق آدم من الطينة الطيبة ليكون قابلا لخروج تلك الأشخاص المقدسة منه ربي تلك الطينة في الآباء و الأمهات حتى كملت قابليتها في عبد الله و أبي طالب عليهما السلام، فخلق المقدسين منهما، فلعله يكون المراد بحفظ النور و انتقاله من الأصلاب الطاهرة إلى الأرحام المطهرة كناية عن انتقال تلك القابلية و استكمال هذا الاستعداد فما ورد من أن كمالهم و فضلهم كان سبب الاشتمال على تلك الأنوار يستقيم على هذا الوجه و كذا ما ضارعها من الأخبار، و الله يعلم حقائق تلك الأسرار و حججه الأخيار عليهم السلام.

و قال المحدث الأسترآبادي قدس سره: من الأمور المعلومة أن جعل المجردين واحدا ممتنع، و كذلك قسمة المجرد فينبغي حمل الروح هنا على آلة جسمانية نورانية منزهة عن الكثافة البدنية، و قال بعض الأفاضل: المراد بخلق الروحين بلا بدن خلقهما مجردين، و بجمعهما و جعلهما واحدة جمعهما في بدن مثالي نوراني لاهوتي و بتقسيمهما تفريقهما و جعل كل واحد منهما في بدن شهودي جسماني و استحالة تعلق الروحين ببدن واحد إنما هي في الأبدان الشهودية لا في الأبدان المثالية اللاهوتية.

و قال بعض المحققين:" ثم" في قوله: ثم جمعت روحيكما، ليست للتراخي في الزمان بل في المرتبة كقوله تعالى:" كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ" و قوله: كانت

ص: 188

نُورٍ ابْتَدَأَهَا رُوحاً بِلَا بَدَنٍ ثُمَّ مَسَحَنَا بِيَمِينِهِ فَأَفْضَى نُورَهُ فِينَا

4 أَحْمَدُ عَنِ الْحُسَيْنِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْفُضَيْلِ عَنْ أَبِي حَمْزَةَ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ ع يَقُولُ أَوْحَى اللَّهُ تَعَالَى إِلَى مُحَمَّدٍ ص أَنِّي خَلَقْتُكَ وَ لَمْ تَكُ شَيْئاً وَ نَفَخْتُ فِيكَ مِنْ رُوحِي كَرَامَةً مِنِّي أَكْرَمْتُكَ بِهَا حِينَ أَوْجَبْتُ لَكَ الطَّاعَةَ

تمجدني و تقدسني و تهلكني، تكرير لقوله: فلم يزل تهللني و تمجدني، ليس إفادة أمر آخر، و المعنى أني خلقتكما جميعا روحا واحدا تمجدني تلك الروح، ثم قسمتها ثنتين، انتهى. و قال بعضهم: فجعلتهما واحدة أي بالاتصال الحسي، و ضمير فكانت لواحدة و المراد أن لهذا التوحيد و الوصل حكما و مصالح، انتهى.

و إطلاق المسح و اليمين هنا على الاستعارة، إذ من يريد اللطف بأحد يمسحه بيمينه، و يحتمل أن يكون اليمين كناية عن الرحمة كما حققنا في قولهم عليهم السلام: و الخير في يديك، أنه يمكن أن يكون المعنى أن النفع و الضر الصادرين منك كلاهما حكمة و مصلحة، فالنفع منسوب إلى اليمين و الضر إلى الشمال" فأفضى نوره فينا" أي أوصله إلينا أو وصل إلينا، و قيل: اتسع فينا قال في المصباح المنير: الفضاء بالمد المكان الواسع و فضا المكان فضوا من باب قعد اتسع فهو فضاء، و أفضى الرجل بيده إلى الأرض بالألف مسها بباطن راحته، قال ابن فارسي و غيره: و أفضى إلى امرأته: باشرها و جامعها و أفضاها، و أفضيت إلى الشي ء وصلت إليه و السر أعلمته به، انتهى.

و النور: العلم و سائر الكمالات.

الحديث الرابع

: مجهول.

" خَلَقْتُكَ" أي روحك قبل خلق كل شي ء بلا مادة قديمة، أو خلقت جسدك المثالي أو بدنك الأصلي في الرحم، فعلى هذا معنى" لَمْ تَكُ شَيْئاً" أي موصوفا بالإنسانية" من روحي" أي مما اخترته من بين الأرواح، أو شرفته و اختصصته" كرامة" أي إكراما" حين أوجبت" أي كان إيجاب الطاعة لك عند نفخ الروح، و يحتمل أن يكون المراد

ص: 189

عَلَى خَلْقِي جَمِيعاً فَمَنْ أَطَاعَكَ فَقَدْ أَطَاعَنِي وَ مَنْ عَصَاكَ فَقَدْ عَصَانِي وَ أَوْجَبْتُ ذَلِكَ فِي عَلِيٍّ وَ فِي نَسْلِهِ مِمَّنِ اخْتَصَصْتُهُ مِنْهُمْ لِنَفْسِي

5 الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْأَشْعَرِيُّ عَنْ مُعَلَّى بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِي الْفَضْلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ إِدْرِيسَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ قَالَ كُنْتُ عِنْدَ أَبِي جَعْفَرٍ الثَّانِي ع فَأَجْرَيْتُ اخْتِلَافَ الشِّيعَةِ فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى لَمْ يَزَلْ مُتَفَرِّداً بِوَحْدَانِيَّتِهِ ثُمَّ خَلَقَ مُحَمَّداً وَ عَلِيّاً وَ فَاطِمَةَ فَمَكَثُوا أَلْفَ دَهْرٍ ثُمَّ خَلَقَ جَمِيعَ الْأَشْيَاءِ فَأَشْهَدَهُمْ خَلْقَهَا وَ أَجْرَى

بالروح روح القدس الذي يتعلق بهم عند النبوة و الإمامة" من أطاعك فقد أطاعني" لأن الله أمر بطاعته، أو لأنه لا يأمر إلا بما هو طاعة الله، أو للمبالغة تشريفا له صلى الله عليه و آله و سلم.

الحديث الخامس

: ضعيف على المشهور.

" فأجريت اختلاف الشيعة" أي في معرفة الأئمة عليهم السلام و أحوالهم و صفاتهم أو في اعتقادهم في عدد الأئمة عليهم، السلام، فإن الشيعة هم القائلون بإمامة علي عليه السلام بعد النبي صلى الله عليه و آله بلا فاصلة، فمنهم ناووسية، و منهم زيدية و منهم فطحية و منهم واقفية إلى غير ذلك، و المحق منهم الإمامية و الأول أنسب بالجواب" متفردا بوحدانيته" إن كان متفردا بكونه واحدا لا شي ء معه، فهو مبالغة في التفرد، أو الباء للملابسة أو سببية أي كان متفردا بالقدم بسبب أنه الواحد من جميع الجهات و لا يكون كذلك إلا الواجب بالذات، فلا بد من قدمه و حدوث ما سواه و يدل صريحا على حدوث العالم.

و في القاموس: الدهر الزمان الطويل، و الأبد الممدود، و ألف سنة و تفتح الهاء.

" فأشهدهم خلقها" أي خلقها بحضرتهم و هم يطلعون على أطوار الخلق و إسراره فلذا صاروا مستحقين للإمامة لعلمهم الكامل بالشرائع و الأحكام، و علل الخلق و علم الغيوب و أئمة الإمامية و كلهم موصوفون بتلك الصفات دون سائر الفرق فبه يبطل مذهبهم، فيتوجه الجواب علي الوجه الثاني أيضا.

ص: 190

طَاعَتَهُمْ عَلَيْهَا وَ فَوَّضَ أُمُورَهَا إِلَيْهِمْ فَهُمْ يُحِلُّونَ مَا يَشَاءُونَ وَ يُحَرِّمُونَ مَا يَشَاءُونَ

فإن قيل: كيف يستقيم هذا مع قوله تعالى:" ما أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ لا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ".

قلنا لا ينافي ذلك بل يؤيده لأن الضمير في" ما أَشْهَدْتُهُمْ" راجع إلى الشيطان و ذريته أو إلى المشركين بدليل قوله تعالى:" وَ ما كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً" فلا ينافي إشهاد الهادين للخلق، قال تعالى:" وَ إِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَ فَتَتَّخِذُونَهُ وَ ذُرِّيَّتَهُ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِي وَ هُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا. ما أَشْهَدْتُهُمْ" إلخ.

قال الطبرسي (ره) أي ما أحضرت إبليس و ذريته خلق السماوات و الأرض و لا خلق أنفسهم مستعينا بهم على ذلك، و لا استعنت بعضهم على خلق بعض، و هذا إخبار عن كمال قدرته و استغنائه عن الأنصار و الأعوان، و يدل عليه قوله:" وَ ما كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً" أي الشياطين الذين يضلون الناس أعوانا يعضدونني عليه، و قيل:

إن معنى الآية أنكم اتبعتم الشياطين كما يتبع من يكون عنده علم لا ينال إلا من جهته و أنا ما اطلعتهم على خلق السماوات و الأرض و لا على خلق أنفسهم، و لم أعطهم العلم بأنه كيف يخلق الأشياء فمن أين يتبعونهم؟ و قيل: معناه ما أحضرت مشركي العرب و هؤلاء الكفار خلق السماوات و الأرض و لا خلق أنفسهم أي و ما أحضرت بعضهم خلق بعض بل لم يكونوا موجودين فخلقتهم، فمن أين قالوا: إن الملائكة بنات الله؟ و من أين ادعوا ذلك، انتهى.

" و أجرى طاعتهم عليها" أي أوجب على جميع الأشياء طاعتهم حتى الجمادات و السماويات و الأرضيات كشق القمر و إقبال الشجر و تسبيح الحصى و أمثالها مما لا يحصى كثرة.

" و فوض أمورها إليهم" من التحليل و التحريم و العطاء و المنع و إن كان

ص: 191

وَ لَنْ يَشَاءُوا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى ثُمَّ قَالَ يَا مُحَمَّدُ هَذِهِ الدِّيَانَةُ الَّتِي مَنْ تَقَدَّمَهَا مَرَقَ وَ مَنْ تَخَلَّفَ عَنْهَا مُحِقَ وَ مَنْ لَزِمَهَا لَحِقَ خُذْهَا إِلَيْكَ يَا مُحَمَّدُ

ظاهره تفويض تدبيرها إليهم من الحركات و السكنات و الأرزاق و الأعمار و أشباهها، و لا ريب في أن كل ذلك يحصل بدعائهم و استدعائهم، و أما كون جميع ذلك منهم يشكل الحكم فيه نفيا و إثباتا و قد مر الكلام فيه في باب التفويض، و من يسلك مسلك الحكماء و يمكنه تصحيح ذلك بأنه لما كان العقل الفعال عندهم مدبرا للكائنات و يجعلونه مرتبطا بنفس النبي و أوصيائه صلوات الله عليهم ارتباط النفس بالبدن فالمراد بخلقهم خلق ذلك النور المتعلق بهم المشرق عليهم، و شهوده خلق الأشياء و تفويض الأمور إليه بزعمهم ظاهر، لكن تلك المقدمات موقوفة على أمور مخالفة للشريعة و الأصول المقررة فيها كما أومأنا إليه مرارا" فهم يحلون ما يشاءون" مبني على التفويض في الأحكام الذي مرت الإشارة إليه في بابه، و قيل: فوض أمورها إليهم، (إلخ) لبيان علمهم بجميع الأمور بحيث لا يتوقفون في شي ء منها نظير قوله تعالى:" وَ يَفْعَلُ اللَّهُ ما يَشاءُ" و قوله:" إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ ما يُرِيدُ" مع علمنا بأنه لا يجوز عليه أن يشاء أو يريد خلاف مقتضى المصلحة فإحلالهم و تحريمهم يستحيل أن يتعلق بشي ء إلا بعد علمهم بإحلال الله و تحريمه، و هذا معنى قوله:

" وَ ما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ*" و الاستثناء مفرغ، و أن مصدرية و المصدر نائب ظرف الزمان، و الديانة الاعتقاد المتعلق بأصول الدين" تقدمها" أي تجاوزها بالغلو" مرق" كنصر أي خرج من الإسلام، في الصحاح مرق إليهم من الرمية مروقا أي خرج من الجانب الآخر" محق" على المعلوم أي أبطل دينه، أو على المجهول أي بطل، في القاموس محقة كمنعه أبطله و محاه، انتهى.

" لحق" كعلم أي كان مع أئمة الهدى عليهم السلام أو أدرك الحق" خذها إليك" أي احفظ تلك الديانة لنفسك.

ص: 192

6 عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ عَنْ صَالِحِ بْنِ سَهْلٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع أَنَّ بَعْضَ قُرَيْشٍ قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ ص بِأَيِّ شَيْ ءٍ سَبَقْتَ الْأَنْبِيَاءَ وَ أَنْتَ بُعِثْتَ آخِرَهُمْ وَ خَاتَمَهُمْ قَالَ إِنِّي كُنْتُ أَوَّلَ مَنْ آمَنَ بِرَبِّي وَ أَوَّلَ مَنْ أَجَابَ حِينَ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ وَ أَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَ لَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى فَكُنْتُ أَنَا أَوَّلَ نَبِيٍّ قَالَ بَلَى فَسَبَقْتُهُمْ بِالْإِقْرَارِ بِاللَّهِ

7 عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ حَمَّادٍ عَنِ الْمُفَضَّلِ قَالَ قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع كَيْفَ كُنْتُمْ حَيْثُ كُنْتُمْ فِي

الحديث السادس

: ضعيف.

" سبقت الأنبياء" من باب ضرب أي في الفضل و المرتبة و القرب، لا سبق خلق الروح لعدم مناسبة الجواب حينئذ، و لا يتوهم التنافي بينه و بين قوله تعالى:" لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ" لأنه معلوم أن المراد هنا القول برسالة بعضهم دون بعض، و قد قال تعالى:" تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ".

" حين أخذ الله" إشارة إلى قوله تعالى:" وَ إِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ" و قوله:" وَ إِذْ أَخَذْنا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثاقَهُمْ" و قوله:" وَ إِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَ أَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ".

" فكنت أول" يدل على أن سبق الإيمان و الإقرار مناط الفضل، لدلالته على مزيد الاستعداد للكمال وحدة القريحة و صحة النية و شرف الطينة، بل لا يبعد أن يكون سبق الإقرار في الميثاق كناية عن ذلك، و على الظاهر يدل على فضل أمير المؤمنين عليه السلام على سائر الصحابة فتأمل.

الحديث السابع

: ضعيف على المشهور، و محمد بن علي بن إبراهيم هو إما أبو سمينة، أو الهمداني وكيل الناحية، و ليس ابن هاشم المعروف كما توهم و إن كان موجودا عندنا منه كتاب العلل لأنه متأخر عن هذه المرتبة بمراتب كما لا يخفى.

ص: 193

الْأَظِلَّةِ فَقَالَ يَا مُفَضَّلُ كُنَّا عِنْدَ رَبِّنَا لَيْسَ عِنْدَهُ أَحَدٌ غَيْرُنَا فِي ظُلَّةٍ خَضْرَاءَ نُسَبِّحُهُ وَ نُقَدِّسُهُ وَ نُهَلِّلُهُ وَ نُمَجِّدُهُ وَ مَا مِنْ مَلَكٍ مُقَرَّبٍ وَ لَا ذِي رُوحٍ غَيْرُنَا حَتَّى بَدَا لَهُ فِي خَلْقِ الْأَشْيَاءِ فَخَلَقَ مَا شَاءَ كَيْفَ شَاءَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ وَ غَيْرِهِمْ ثُمَّ أَنْهَى عِلْمَ ذَلِكَ إِلَيْنَا

8 سَهْلُ بْنُ زِيَادٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْوَلِيدِ قَالَ سَمِعْتُ يُونُسَ بْنَ يَعْقُوبَ عَنْ سِنَانِ بْنِ طَرِيفٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع يَقُولُ قَالَ إِنَّا أَوَّلُ أَهْلِ بَيْتٍ نَوَّهَ اللَّهُ بِأَسْمَائِنَا إِنَّهُ لَمَّا خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَ الْأَرْضَ أَمَرَ مُنَادِياً فَنَادَى أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ

قوله:" في الأظلة" أي عالم الظلال و هي عالم الأرواح أو عالم المثال أو عالم الذر كما مر" كنا عند ربنا" أي مقربين لديه سبحانه بالقرب المعنوي أو كنا في علمه و منظورين بعنايته" في ظلة خضراء" الظلة بالضم ما يستظل به، و شي ء كالصفة يستتر به من الحر و البرد، ذكره الفيروزآبادي، و كان المراد ظلال العرش قبل خلق السماوات و الأرض.

و قال الأسترآبادي قدس سره: أي في نور أخضر، و المراد تعلقهم بذلك العالم لا كونهم فيه، انتهى.

و يحتمل أن يكون كناية عن معرفة الرب سبحانه كما مر في حديث أنوار العرش في بابه، أي كانوا مغمورين في أنوار معرفته تعالى مشعوفين به، إذ لم يكن موجود غيره و غيرهم" حتى بدا له في خلق الأشياء" أي أراد خلقها لا البداء اللغوي كما مر في بابه" ثم انتهى" أي أبلغ و أوصل" علم ذلك" أي حقائق تلك المخلوقات و أحكامها" إلينا".

الحديث الثامن

: كالسابق.

" نوه الله" على التفعيل يقال: نوه باسمه إذا رفع ذكره و أعلى شأنه" إنه لما خلق الله" بيان للتنويه، و قوله ثلاثا نائب مناب المفعول المطلق، و عامله نادى

ص: 194

ثَلَاثاً أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللَّهِ ثَلَاثاً أَشْهَدُ أَنَّ عَلِيّاً أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ حَقّاً ثَلَاثاً

9 أَحْمَدُ بْنُ إِدْرِيسَ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الصَّغِيرِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْجَعْفَرِيِّ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ع عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ إِذْ لَا كَانَ فَخَلَقَ الْكَانَ وَ الْمَكَانَ وَ خَلَقَ نُورَ الْأَنْوَارِ الَّذِي نُوِّرَتْ مِنْهُ الْأَنْوَارُ وَ أَجْرَى فِيهِ مِنْ نُورِهِ الَّذِي نُوِّرَتْ مِنْهُ الْأَنْوَارُ وَ هُوَ النُّورُ الَّذِي خَلَقَ مِنْهُ مُحَمَّداً وَ عَلِيّاً فَلَمْ يَزَالا نُورَيْنِ أَوَّلَيْنِ إِذْ لَا شَيْ ءَ كُوِّنَ قَبْلَهُمَا

أي ثلاث مرات، و إنما أكد الشهادة الثالثة بقوله: حقا لعلمه بأن كثيرا ممن يقر بالتوحيد و الرسالة ينكر الولاية، فناسب التأكيد.

الحديث التاسع

: مجهول.

" إذ لا كان" قال الأسترآبادي (ره): يعني لم يكن شي ء من الممكنات،" فخلق الكان" أدخل عليه الألف و اللام، لأن المراد الممكن الكائن مثل القيل و القال انتهى.

و كان المراد بنور الأنوار أولا نور النبي صلى الله عليه و آله و سلم إذ هو منور أرواح الخلائق بالعلوم و الهدايات و المعارف، بل سبب لوجود الموجودات و علة غائية لها" و أجرى فيه" أي في نور الأنوار من نوره الذي نورت منه الأنوار، أي نور ذاته سبحانه من إفاضاته و هداياته التي نورت منها الأنوار كلها حتى نور الأنوار المذكور أولا" و هو النور الذي" أي نور الأنوار المذكور" أولا إذ لا شي ء كون قبلهما" أي قبل نورهما الذي خلقا منه أو سوى ذلك النور أو لا شي ء من ذوات الروح، كذا خطر بالبال.

و قيل: نور الأنوار أي هادي الهداة، و قوله: الذي، نعت نور الأنوار، و من للسببية" من نوره" أي علمه و كتابه و" الذي" مفعول أجرى، و لما كان نور الأنوار عبارة عن محمد صلى الله عليه و آله و سلم و الأنوار عن أوصيائه المعصومين، و نوره عبارة عن القرآن الذي

ص: 195

فَلَمْ يَزَالا يَجْرِيَانِ طَاهِرَيْنِ مُطَهَّرَيْنِ فِي الْأَصْلَابِ الطَّاهِرَةِ حَتَّى افْتَرَقَا فِي أَطْهَرِ طَاهِرِينَ فِي عَبْدِ اللَّهِ وَ أَبِي طَالِبٍ ع

10 الْحُسَيْنُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ عَنِ الْمُفَضَّلِ عَنْ جَابِرِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ قَالَ لِي أَبُو جَعْفَرٍ ع يَا جَابِرُ إِنَّ اللَّهَ أَوَّلَ مَا خَلَقَ خَلَقَ مُحَمَّداً ص وَ عِتْرَتَهُ الْهُدَاةَ الْمُهْتَدِينَ فَكَانُوا أَشْبَاحَ نُورٍ بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ قُلْتُ وَ مَا

هو تبيان كل شي ء، صح أن يقال: أن الأوصياء نوروا بسبب محمد صلى الله عليه و آله و سلم، و أن يقال إنهم نوروا بسبب القرآن و لا منافاة بينهما، و ضمير هو لنوره و من في" منه" للتعليل و المراد أنه لو لا علمه و كتابه المنزل على رسول الله صلى الله عليه و آله لما خلق الرسول و لا الأوصياء، انتهى.

" أطهر طاهرين" على التثنية أي في زمانها.

الحديث العاشر

: ضعيف على المشهور، و في بعض النسخ الحسين عن محمد بن عبد الله، فالأول هو الحسين بن عبد الله المذكور في الخبر السابق، و الثاني هو الأشعري من أصحاب الرضا عليه السلام مجهول أو غيره و في بعضها الحسين بن محمد بن عبد الله، فالأول هو الأشعري أستاد الكليني، و الثاني هو ابن عامر.

قوله عليه السلام: أول ما خلق، أول منصوب بالظرفية و مضاف، و ما مصدرية" خلق محمدا" خبر إن و المهتدين صفة، و كونه مفعول الهداة بعيد" فكانوا أشباح نور" يحتمل أن تكون الإضافة بيانية أي أشباحا هي أنوار، و الأشباح جمع الشبح بالتحريك و هو سواد الإنسان أو غيره تراه من بعيد، فالمراد إما الأجساد المثالية فالمراد بقوله بلا أرواح، بلا أرواح حيوانية، أو الروح مجردا كان أو جسما لطيفا ليستقيم أيضا، لأن الأرواح ما لم تتعلق بالأبدان فهي مستقلة بنفسها، أرواح من جهة و أجساد من جهة، فهي أبدان نورانية لم تتعلق بها أرواح أخر، و على هذا فظل النور أيضا إضافته بيانية، و يمكن أن تكون الإضافة فيهما لامية و يكون المراد بالنور نور ذاته تعالى، فإنها آثار ذلك النور و ظلاله، و المعنى دقيق، و ربما

ص: 196

الْأَشْبَاحُ قَالَ ظِلُّ النُّورِ أَبْدَانٌ نُورَانِيَّةٌ بِلَا أَرْوَاحٍ وَ كَانَ مُؤَيَّداً بِرُوحٍ وَاحِدَةٍ وَ هِيَ رُوحُ الْقُدُسِ فَبِهِ كَانَ يَعْبُدُ اللَّهَ وَ عِتْرَتَهُ وَ لِذَلِكَ خَلَقَهُمْ حُلَمَاءَ عُلَمَاءَ بَرَرَةً أَصْفِيَاءَ يَعْبُدُونَ اللَّهَ بِالصَّلَاةِ وَ الصَّوْمِ وَ السُّجُودِ وَ التَّسْبِيحِ وَ التَّهْلِيلِ وَ يُصَلُّونَ الصَّلَوَاتِ وَ يَحُجُّونَ وَ يَصُومُونَ

11 عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ وَ غَيْرُهُ عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْوَلِيدِ شَبَابٍ الصَّيْرَفِيِّ عَنْ مَالِكِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ النَّهْدِيِّ عَنْ عَبْدِ السَّلَامِ بْنِ حَارِثٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي حَفْصَةَ الْعِجْلِيِّ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ع قَالَ كَانَ فِي رَسُولِ اللَّهِ ص ثَلَاثَةٌ لَمْ تَكُنْ فِي أَحَدٍ غَيْرِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ فَيْ ءٌ وَ كَانَ لَا يَمُرُّ فِي طَرِيقٍ فَيُمَرُّ فِيهِ بَعْدَ يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ إِلَّا عُرِفَ

يأول النور بالعقل على طريقة الحكماء" و كان مؤيدا بروح واحدة" أي في عالم الأرواح أو في عالم الأجساد، و الأول أظهر" و لذلك" أي لتأيدهم بذلك الروح في أول الفطرة الروحانية" خلقهم" في النشأة الجسمانية" حلماء علماء" إلخ.

" و يصلون الصلوات" كأنه تأكيد لما مر أو المراد بقوله: خلقهم، أي في عالم الأرواح، أي كانوا يعبدون الله في هذا العالم، و كانوا فيه علماء بخلاف سائر الأرواح لتأيدهم حينئذ بروح القدس، فقوله عليه السلام: و يصلون (إلخ) أي في عالم الأجساد فلا تكرار، و قيل: المراد بالصلاة و الصوم و السجود معانيها اللغوية و مصداقها هنا الائتمار بأوامر الله، و الانتهاء بنواهي الله، و التذلل عند الله، و المراد بالصلاة في قوله يصلون معناه في عرف الشرع، و كذا الصوم.

الحديث الحادي عشر

: ضعيف.

" لم يكن له في ء" هذا من مشهورات معجزاته صلى الله عليه و آله رواه الخاص و العام، و عدم الفي ء إما بإيجاد الله تعالى ضوءا في محل الفي ء أو بأنه صلى الله عليه و آله كان له نور يضاهي نور الشمس، كما ورد أنه كان يسطع منه نور في الليلة الظلماء كما رووا عن عائشة قالت: كنت أخيط ثوب رسول الله صلى الله عليه و آله فسقطت عني الإبرة فطلبتها فلم أقدر عليها فدخل رسول الله صلى الله عليه و آله فتبينت الإبرة لشعاع نور وجهه، و في رواية أخرى عنها أنها

ص: 197

أَنَّهُ قَدْ مَرَّ فِيهِ لِطِيبِ عَرْفِهِ وَ كَانَ لَا يَمُرُّ بِحَجَرٍ وَ لَا بِشَجَرٍ إِلَّا سَجَدَ لَهُ

كانت تخيط شيئا وقت السحر فضلت الإبرة، و طفئ السراج، فدخل عليها رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم فأضاء البيت، فوجدت الإبرة بضوئه فضحكت، ثم قال النبي صلى الله عليه و آله و سلم: ويل لمن لا يراني يوم القيامة.

و ما قيل: من أن جسده الشريف كان لطيفا فلم يكن يمنع نفوذ الشعاع فهو بعيد، لأنه لو كان جسده الشريف كذلك لم تكن ثيابه كذلك، و أيضا لو كان كذلك لا يمنع نفوذ شعاع البصر و لم ينقل ذلك، و كذا ما قيل: أن السحاب كانت تظله فلذا كان لا يرى ظله فهو في غاية البعد، لأن السحاب لم تكن دائما بل عند شدة الحر و التأذي بالشمس.

ثم اعلم أنه ورد مثل ذلك في شأن الأئمة عليهم السلام في بعض الأحيان فالاختصاص بالإضافة إلى غيرهم فإنهم من نوره أو يكون استمرار تلك الحالة من خواصه فلا ينافي حصول ذلك لبعض الأئمة عليهم السلام في بعض الأوقات و الأحوال،" فيمر فيه" على بناء المجهول، و العرف بالفتح الريح، و كثر استعماله في الأحوال،" فيمر فيه" على بناء المجهول، و العرف بالفتح الريح، و كثر استعماله في الطيبة" إلا سجد له" أي سجود تعظيم لا عبادة، و المراد بالسجود انحناؤها نحوه، و قيل: بعض هذه الثلاثة كان قبل البعثة فارتفع بعده لشدة الامتحان، و هو تخصيص من غير داع.

ثم اعلم أن الريح الطيبة كانت من جسده الشريف النظيف لا من استعمال الطيب، روى القاضي عياض في كتاب الشفاء بإسناده عن أنس قال: ما شممت عنبرا قط و لا مسكا و لا شيئا أطيب من ريح رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم.

و عن جابر بن سمرة أنه صلى الله عليه و آله مسح خده قال: فوجدت ليده بردا و ريحا كأنما أخرجها من جونة عطار و قال غيره: مسها بطيب أو لم يمسها يصافح المصافح يظل يومه يجد ريحها، و يضع يده على رأس الصبي فتعرف من بين الصبيان بريحها و نام رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم في دار أنس فعرق، فجاءت أمه بقارورة تجمع فيها عرقه، فسألها رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم عن ذلك فقالت: نجعله في طيبنا و هو أطيب الطيب.

ص: 198

12 عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي نَصْرٍ عَنْ حَمَّادِ بْنِ عُثْمَانَ عَنْ أَبِي بَصِيرٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ لَمَّا عُرِجَ بِرَسُولِ اللَّهِ ص انْتَهَى بِهِ جَبْرَئِيلُ إِلَى مَكَانٍ فَخَلَّى عَنْهُ فَقَالَ لَهُ يَا جَبْرَئِيلُ تُخَلِّينِي عَلَى هَذِهِ الْحَالَةِ فَقَالَ

و ذكر البخاري في تاريخه الكبير عن جابر لم يكن النبي صلى الله عليه و آله يمر في طريق فيتبعه أحد إلا عرف أنه سلكه، من طيبه.

و ذكر إسحاق بن راهويه أن تلك كانت رائحته بلا طيب، و روي في المنتقى عن أبي هريرة إن رجلا أتى النبي صلى الله عليه و آله و سلم فقال: يا رسول الله إني زوجت ابنتي و إني أحب أن تعينني بشي ء، فقال: ما عندنا شي ء، و لكن إذا كان غدا فتعال و جئني بقارورة واسعة الرأس و عود شجر فأية بيني و بينك إني أجيف الباب فأتاه بقارورة واسعة الرأس و عود شجر، فجعل رسول الله صلى الله عليه و آله يمسك العرق من ذراعيه حتى امتلأت القارورة، فقال: خذها و أمر ابنتك إذا أرادت أن تطيب أن تغمس العود في القارورة و تطيب بها، و كانت إذا تطيب شم أهل المدينة ذلك الطيب فسموا بيت المتطيبين.

و روي أنه صلى الله عليه و آله كان إذا أراد أن يتغوط انشقت الأرض فابتلعت غائطه و بوله، و فاحت لذلك رائحة طيبة.

الحديث الثاني عشر

: حسن.

" لما عرج برسول الله صلى الله عليه و آله" عرج على بناء المفعول، و الباء للتعدية، و الظرف نائب الفاعل و الباء في به للمصاحبة أو للتعدية" إلى مكان" التنوين للتفخيم، و يقال:

خلى عنه و خلاه بشد اللام فيهما أي فارقه، و الاستفهام للتعجب" على هذه الحال" إشارة إلى ما عرض له صلى الله عليه و آله بسبب القرب من الدهشة و الحيرة و الفزع" امضه" الهاء للسكت.

ص: 199

امْضِهْ فَوَ اللَّهِ لَقَدْ وَطِئْتَ مَكَاناً مَا وَطِئَهُ بَشَرٌ وَ مَا مَشَى فِيهِ بَشَرٌ قَبْلَكَ

13 عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْجَوْهَرِيِّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ قَالَ سَأَلَ أَبُو بَصِيرٍ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ع وَ أَنَا حَاضِرٌ

" لقد وطئت" كعلمت أي وضعت قدمك و في تعليل التخلف به إشكال، و يمكن أن يوجه بوجوه: الأول: أن عدم وطي البشر مستلزم لعدم وطي الملك بناء على أن البشر أفضل منه، الثاني: أن المعنى لا ضرر عليك في الانفراد فلا تخف فإنك أفضل و أشرف من كل بشر، الثالث: أنه مع حصول هذه المنزلة الجليلة لا بد أن تصبر على مشقة الوحشة، الرابع: أن هذه المرتبة القصوى يلزمها التفرد و الوحشة عما سوى الله و ينبغي لصاحب تلك الدرجة أن يعرض عما سواه و لا يتوجه إلى غير محبوبة و مولاه.

ثم أنه على أكثر الوجوه يشعر بتفضيل البشر على الملك بناء على أن جبرئيل عليه السلام أعظم الملائكة و أفضلها و قد اختلف المسلمون فيه، فذهب أكثر الأشاعرة إلى أن الأنبياء عليهم السلام أفضل من الملائكة و صرح بعضهم بأن عوام البشر من المؤمنين أفضل من عوام الملائكة، و خواص الملائكة أفضل من عوام البشر أي غير الأنبياء، و ذهب أكثر المعتزلة إلى أن الملائكة أفضل من جميع البشر، و لا خلاف بين الإمامية في أن الأنبياء و الأئمة عليهم السلام أفضل من جميع الملائكة، و ادعى الإجماع عليه جماعة منهم السيد المرتضى رضي الله عنه في الغرر و الدرر، و المفيد قدس سره في كتاب المقالات، و الصدوق طيب الله تربته في رسالة العقائد، و العلامة (ره) في بعض كتبه، و الأخبار في ذلك مستفيضة أوردتها في الكتاب الكبير، مع تأويل ما يوهم خلافه، و أما سائر المؤمنين ففي فضل كلهم أو بعضهم على جميع الملائكة أو بعضهم فلا يظهر شي ء من ذلك من الآيات و الأخبار ظهورا بينا يمكن الحكم فيه بأحد الشقوق المذكورة أو نفيها فنحن فيها من المتوقفين.

الحديث الثالث عشر
اشارة

: ضعيف.

ص: 200

فَقَالَ جُعِلْتُ فِدَاكَ كَمْ عُرِجَ بِرَسُولِ اللَّهِ ص فَقَالَ مَرَّتَيْنِ فَأَوْقَفَهُ جَبْرَئِيلُ مَوْقِفاً فَقَالَ لَهُ مَكَانَكَ يَا مُحَمَّدُ فَلَقَدْ وَقَفْتَ مَوْقِفاً مَا وَقَفَهُ مَلَكٌ قَطُّ وَ لَا نَبِيٌّ إِنَّ رَبَّكَ يُصَلِّي فَقَالَ يَا جَبْرَئِيلُ وَ كَيْفَ يُصَلِّي قَالَ يَقُولُ سُبُّوحٌ قُدُّوسٌ أَنَا رَبُّ الْمَلَائِكَةِ وَ الرُّوحِ سَبَقَتْ رَحْمَتِي غَضَبِي فَقَالَ اللَّهُمَّ عَفْوَكَ عَفْوَكَ قَالَ وَ كَانَ كَمَا قَالَ اللَّهُ قابَ

" فقال مرتين" أقول: لا ينافي هذا ما رواه الصفار و الصدوق رضي الله عنهما في البصائر و الخصال بإسنادهما عن الصباح المزني عن أبي عبد الله عليه السلام قال: عرج بالنبي صلى الله عليه و آله إلى السماء مائة و عشرين مرة، ما من مرة إلا و قد أوحى الله عز و جل فيها النبي صلى الله عليه و آله بالولاية لعلي و الأئمة عليهم السلام أكثر مما أوحاه بالفرائض، إذ يمكن أن تكون المرتان بمكة و البواقي بالمدينة، أو المرتان إلى العرش و الباقية إلى السماء، أو المرتان بالجسم و الباقية بالروح، و لعله أظهر أو المرتان ما أخبر بما جرى فيهما و الباقية ما لم يخبر بما جرى فيها" فأوقفه" يمكن أن يكون هذا قبل عروجه صلى الله عليه و آله و سلم إلى موقف تخلف عنه جبرئيل عليه السلام، أو كان جبرئيل يكلمه في مكانه و إن تخلف عنه لئلا ينافي الخبر السابق، أو يكون هذا في أحد المعراجين و ذاك في معراج آخر" مكانك" بالنصب أي ألزم مكانك و لا تبرح، و قيل: أوقفه أي أرشده إلى الوقوف و مكانك منصوب بالإغراء، أي أدرك مكانك، انتهى.

" ما وقفه ملك" أي قبل ذلك و كان وقوفه ببركة رفاقته عليهما السلام، أو أنه حينئذ أيضا لم يكن واقفا في ذلك المكان كما مر" إن ربك يصلي" أي يترحم و يظهر رحمته على عباده، أو يصلي عليك بأن يكون المراد بالرحمة الأنبياء و الأوصياء عليهم السلام كما مر في الأخبار، أو المعنى رحمتي عليك كما ورد في خبر آخر رواه السيد في كتاب اليقين" سبقت رحمتي غضبي" لك و لذريتك، و في النهاية في حديث الدعاء. سبوح قدوس يرويان بالضم و الفتح و الفتح أقيس و الضم أكثر استعمالا، و هو من أبنية المبالغة، و المراد بها التنزيه من النقائص، و قال أيضا: في أسماء الله تعالى: القدوس هو الطاهر المنزه عن العيوب و النقائص، و فعول بالضم من أبنية المبالغة و قد تفتح القاف و ليس

ص: 201

قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى فَقَالَ لَهُ أَبُو بَصِيرٍ جُعِلْتُ فِدَاكَ مَا قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى قَالَ مَا بَيْنَ

بالكثير و لم يجي ء منه القدوس و سبوح و ذروح، انتهى.

و هما هنا خبران لمبتدء محذوف، أي أنا سبوح، أو قوله أنا مبتدأ و رب منصوب باختصاص و قد مضى تفسير الروح مرارا" عفوك" منصوب بفعل محذوف أي أسأل أو أطلب أو مرفوع و خبره محذوف، أي مطلوبي و نحوه و التكرير للتأكيد" كما قال الله" أي في سورة النجم حيث قال:" عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوى" قال البيضاوي: أي ملك شديد قواه و هو جبرئيل عليه السلام" ذُو مِرَّةٍ" أي حصافة في عقله و رأيه" فَاسْتَوى" فاستقام علي صورته الحقيقة التي خلقه الله عليها، و قيل: استولى بقوته على ما جعل له من الأمر" وَ هُوَ" أي جبرئيل" بِالْأُفُقِ الْأَعْلى" أفق السماء" ثُمَّ دَنا" من النبي صلى الله عليه و آله و سلم" فَتَدَلَّى" فتعلق به، و هو تمثيل لعروجه بالرسول، و قيل: ثم تدلى من الأفق الأعلى فدنا من الرسول، فيكون إشعارا بأنه عرج به غير منفصل عن محله و تقريرا لشدة قوته، فإن التدلي استرسال مع تعلق" فَكانَ" جبرئيل من محمد صلى الله عليه و آله و سلم" قابَ قَوْسَيْنِ" مقدارهما" أَوْ أَدْنى" على تقدير كم بل كقوله: أو يزيدون، و المقصود تمثيل ملكة الاتصال و تحقيق استماعه لما أوحى إليه بنفي البعد الملبس" فَأَوْحى

" جبرئيل" إِلى عَبْدِهِ

" أي عبد الله و إضماره قبل الذكر لكونه معلوما" ما أَوْحى

" جبرئيل، و فيه تفخيم للموحى به أو الله إليه، و قيل: الضمائر كلها لله تعالى و هو المعنى بشديد القوي كما في قوله تعالى" هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ" و دنوة منه برفع مكانته، و تدليه جذبه بشراشره إلى جناب القدس، انتهى.

و قال الجوهري: تقول: بينهما قاب قوس، و قيب قوس، و قاد قوس، و قيد قوس أي قدر قوس، و القاب ما بين المقبض و السية و لكل قوس قابان، و قال بعضهم في قوله تعالى:" فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ" أراد قابي قوس فقلبه، و قال: سية القوس ما عطف من طرفيها و الجمع سيات و الهاء عوض من الواو، انتهى.

ص: 202

سِيَتِهَا إِلَى رَأْسِهَا فَقَالَ كَانَ بَيْنَهُمَا حِجَابٌ يَتَلَأْلَأُ يَخْفِقُ وَ لَا أَعْلَمُهُ إِلَّا وَ قَدْ قَالَ زَبَرْجَدٌ

و ظاهر الخبر إرجاع الضمائر إلى الله تعالى، و في تفسير: قاب قوسين بما بين سيتها إلى رأسها خفاء إذ لا يوافق ما مر من التفاسير، و لعله كان إلى وسطها أو إلى مقبضها و حمله على أن المراد ابتداء السية إلى رأسها، أو حمل السية على محل العطف فقط فيكون تفسيرا للأدنى بعيد، و يمكن أن يقرأ رئاسها بكسر الراء ثم الهمزة ثم الألف فيكون بمعنى المقبض قال في القاموس: رئاس السيف بالكسر مقبضه أو قبيعته، انتهى.

فيكون استعماله في القوس على التوسع إذ ظاهر الفيروزآبادي اختصاصه بالسيف و ضمير بينهما له صلى الله عليه و آله و سلم و للموضع الذي كان يسمع منه النداء أو له و لله سبحانه باعتبار أن سماع الصوت الذي يخلقه من هذا المكان أو المراد بالحجاب الحجاب المعنوي الذي بين الممكن و الواجب، يمنع الوصول إلى كنهه تعالى فما يعرفه من ذلك بوجه يناسب قابليته و استعداده كأنه حجاب بينه و بين الرب تعالى يقربه منه، لكن يمنع الوصول إلى كنه حقيقته فكأنه شعاع يحير أبصار القلوب كالبرق الخاطف يتلألأ.

" يخفق" أي يتحرك و يضطرب قال في القاموس: خفقت الراية تخفق و تخفق اضطربت و تحركت و كذا السراب، و خفق النجم يخفق غاب، و فلان حرك رأسه إذا نعس، انتهى.

" و لا أعلمه إلا و قد قال" الضمير لأبي عبد الله عليه السلام و الاستثناء مفرغ، و الواو حالية و الحاصل أني أظنه ذكر الزبرجد إما بدلا من الحجاب أو بعده بأن قال: بينهما حجاب زبرجد، لأن معرفة الممكن لما كان علما مخلوطا بنوع من الجهل فكأنه نور مخلوط بظلمة، و منهما يحصل اللون الزبرجدي، و بعبارة أخرى لما كان الوجوه المتصورة منه تعالى لغيره واجبا محفوفا باللوازم الإمكانية فهو كالزجاجة التي خلفها نور فيرى زبرجديا لكن يتلألأ أنوار المعرفة مع تزلزل و اضطراب و اختلاف أحوال فقد يزيد و قد ينقص و قد يغيب و قد يطلع إشارة إلى اختلاف أحوال المقربين في معرفته

ص: 203

فَنَظَرَ فِي مِثْلِ سَمِّ الْإِبْرَةِ إِلَى مَا شَاءَ اللَّهُ مِنْ نُورِ الْعَظَمَةِ فَقَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى يَا مُحَمَّدُ قَالَ لَبَّيْكَ رَبِّي قَالَ مَنْ لِأُمَّتِكَ مِنْ بَعْدِكَ قَالَ اللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ وَ سَيِّدُ الْمُسْلِمِينَ وَ قَائِدُ الْغُرِّ الْمُحَجَّلِينَ قَالَ ثُمَّ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ع- لِأَبِي بَصِيرٍ يَا أَبَا مُحَمَّدٍ وَ اللَّهِ مَا جَاءَتْ وَلَايَةُ عَلِيٍّ ع مِنَ الْأَرْضِ وَ لَكِنْ جَاءَتْ مِنَ السَّمَاءِ مُشَافَهَةً

سبحانه و قربهم و بعدهم و هجرهم و وصلهم.

و" سم الإبرة" ثقبها، و هذا أيضا كأنه كناية عن قلة ما ظهر له صلى الله عليه و آله و سلم من معرفة ذاته و صفاته بالنسبة إليه سبحانه، و إن كان غاية طوق البشر كما أشار إليه بقوله:

إلى ما شاء الله، و إن احتمل أن يكون المراد ظاهره بأن يكون الرب تعالى كشف من ذلك الحجاب له شيئا يسيرا حتى نظر إلى ما ورائه من أنوار العرش و الحجب و غرائب إسرارها، و الله يعلم و حججه عليهم السلام غرائب حكمهم و غوامض علومهم و أسرارهم.

و القائد: الهادي في الدنيا إلى الحق و في الآخرة إلى الجنة، و قال في النهاية: المحجل: هو الذي يرتفع البياض في قوائمه إلى موضع القيد و يجاوز الأرساغ و لا يجاوز الركبتين لأنها مواضع الأحجال و هي الخلاخيل و القيود، و لا يكون التحجيل باليد و اليدين ما لم يكن معها رجل أو رجلان، و منه الحديث: أمتي الغر المحجلون أي بيض مواضع الوضوء من الأيدي و الأقدام، استعار أثر الوضوء في الوجه و اليدين و الرجلين للإنسان من البياض الذي يكون في وجه الفرس و يديه و رجليه، انتهى.

" مشافهة" أي بدون توسط ملك.

فائدة مهمة

اعلم أن هذين الخبرين من الأخبار الدلالة على معراج النبي صلى الله عليه و آله و الآيات المتكثرة و الأخبار المتواترة من طرق الخاصة و العامة دالة عليه، و قد روي عن الصادق عليه السلام: ليس من شيعتنا من أنكر أربعة أشياء: المعراج، و المساءلة في القبر، و خلق الجنة و النار، و الشفاعة، و عن الرضا عليه السلام: من كذب بالمعراج فقد كذب

ص: 204

رسول الله صلى الله عليه و آله، و الآيات مع الأخبار تدل على عروجه صلى الله عليه و آله إلى بيت المقدس ثم منه إلى السماء في ليلة واحدة بجسده الشريف، و إنكار ذلك أو تأويله بالمعراج الروحاني أو بكونه في المنام ينشأ إما من قلة التتبع في آثار الأئمة الطاهرين أو من فقد التدين و ضعف اليقين، أو الانخداع بتسويلات المتفلسفين، و الأخبار الواردة في هذا المطلب لا أظن مثلها ورد في شي ء من أصول المذهب، فما أدري ما الباعث على قبول تلك الأصول و ادعاء العلم فيها و التوقف في هذا المقصد الأسنى، فبالحري أن يقال لهم: أ فتؤمنون ببعض الكتاب و تكفرون ببعض؟! أما اعتذارهم بعدم قبول الفلك للخرق و الالتئام فلا يخفى على أولي الأفهام أن ما تمسكوا به في ذلك ليس إلا من شبهات الأوهام، مع أن شبهتهم على تقدير كونها برهانا إنما يدل على عدم جوازهما في الفلك المحيط بجميع الأجسام و القول بالمعراج لا يستلزمه، و لو كانت أمثال تلك الشكوك و الشبهات مانعة عن قبول ما ثبت بالمتواترات لجاز التوقف في جميع ما صار في الدين من الضروريات و إني لأعجب من بعض متأخري أصحابنا كيف أصابهم الوهن في أمثال ذلك مع أن مخالفيهم مع قلة أخبارهم و ندرة آثارهم بالنظر إليهم و عدم تدينهم لم يجوزوا ردها و لم يرخصوا في تأويلها، و هم مع كونهم من أتباع الأئمة الأطهار و عندهم أضعاف ما عند مخالفيهم من صحيح الآثار يقتفون آثار شر ذمة من سفهاء المخالفين و يذكرون أقوالهم بين أقوال الشيعة المتدينين، أعاذنا الله و سائر المؤمنين من تسويلات المضلين.

قال شارح المقاصد: قد ثبت معراج النبي صلى الله عليه و آله بالكتاب و السنة و إجماع الأمة إلا أن الخلاف في أنه في المنام أو في اليقظة، و بالروح فقط أو الجسد، و إلى المسجد الأقصى فقط أو إلى السماء، و الحق أنه في اليقظة بالجسد إلى المسجد الأقصى بشهادة الكتاب و إجماع القرن الثاني، و من بعده إلى السماء بالأحاديث المشهورة و المنكر مبتدع، ثم إلى الجنة و العرش أو إلى طرف العالم على اختلاف الآراء بخبر الواحد

ص: 205

و قد اشتهر أنه نعت لقريش المسجد الأقصى على ما هو عليه، و أخبرهم بحال عيرهم فكان على ما أخبر، و بما رأي في السماء من العجائب و بما شاهد من أحوال الأنبياء على ما هو مذكور في كتب الحديث.

لنا أنه أمر ممكن أخبر به الصادق، و دليل الإمكان تماثل الأجسام فيجوز الخرق على السماء كالأرض و عروج الإنسان، و أما عدم دليل الامتناع فإنه لا يلزم من فرض وقوعه محال، و أيضا لو كان دعوى النبي صلى الله عليه و آله المعراج في المنام أو بالروح لما أنكره الكفرة غاية الإنكار، و لم يرتد بعض من أسلم ترددا منه في صدق النبي صلى الله عليه و آله و سلم.

و تمسك المخالف بما روي عن عائشة أنها قالت: و الله ما فقد جسد محمد رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم، و عن معاوية أنها كانت رؤيا صالحة، و أنت خبير بأنه على تقدير صحته لا يصلح حجة في مقابلة ما ورد من الأحاديث و أقوال كبار الصحابة و إجماع القرون اللاحقة انتهى.

و بالغ إمامهم الرازي في تفسيره في إثبات إمكانه بدلائل، منها: أن الفلك الأعظم يتحرك من أول الليل إلى آخره ما يقرب من نصف الدور، و قد ثبت في الهندسة أن نسبة القطر إلى الدور نسبة الواحد إلى ثلاثة و سبع، فيلزم أن يكون نسبة نصف القطر إلى نصف الدور كذلك، و بتقدير أن يقال: إن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم ارتفع من مكة إلى ما فوق الفلك الأعظم فهو لم يتحرك إلا مقدار نصف القطر، فلما حصل في ذلك القدر من الزمان حركة نصف الدور كان حصول الحركة بمقدار نصف القطر أولى بالإمكان، فهذا برهان قاطع على أن الارتفاع من مكة إلى ما فوق العرش في مقدار ثلث الليل أمر ممكن في نفسه، و إذا كان كذلك كان حصوله في كل الليل أولى بالإمكان، و أيضا قد ثبت في الهندسة أن قرص الشمس يساوي كرة الأرض مائة و ستين مرة و كذا مرة، ثم أنا نشاهد أن طلوع القرص يحصل في زمان لطيف سريع، و ذلك يدل على أن بلوغ الحركة في السرعة إلى الحد المذكور أمر ممكن في نفسه،

ص: 206

و أيضا كما يستبعد في العقل صعود الجسم الكثيف من مركز العالم إلى ما فوق العرش فكذلك يستبعد نزول الجسم اللطيف الروحاني من فوق العرش إلى مركز العالم، فإن كان القول بمراجعة في الليلة الواحدة ممتنعا في العقول كان القول بنزول جبرئيل فإن كان القول بمعراجه في الليلة الواحدة ممتنعا في العقول كان القول بنزول جبرئيل من العرش إلى مكة في اللحظة الواحدة ممتنعا، و لو حكمنا بهذا الامتناع كان طعنا في نبوة جميع الأنبياء عليهم السلام و القول بثبوت المعراج فرع على تسليم جواز أصل النبوة، فلما كانت هذه الحركة ممكنة الوجود في نفسها وجب أن لا يكون حصولها في جسد محمد صلى الله عليه و آله و سلم ممتنعا، لأنا قد بينا أن الأجسام متماثلة في تمام ماهياتها، فلما صح حصول مثل الحركة في حق بعض الأجسام وجب إمكان حصولها في سائر الأجسام.

فيلزم من مجموع هذه المقدمات أن هذا المعراج أمر ممكن الوجود في نفسه، أقصى ما في الباب أنه يبقى التعجب، إلا أن هذا التعجب غير مخصوص بهذا المقام بل هو حاصل في جميع المعجزات، كانقلاب العصا ثعبانا يبتلع سبعين ألف حبل من الحبال و العصي، ثم تعود في الحال عصا صغيرة كما كانت أمر عجيب، و كذا سائر المعجزات.

و أما وقوعه فقد قال أهل التحقيق: الذي يدل على أنه تعالى أسرى بروح محمد صلى الله عليه و آله و سلم، و جسده من مكة إلى المسجد الأقصى القرآن و الخبر، أما القرآن فهو قوله تعالى:" سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى" و العبد اسم للجسد و الروح، فيجب أن يكون الإسراء حاصلا بجميع الجسد و الروح و أما الخبر فهو الحديث المروي في الصحاح و هو مشهور، و هو يدل على الذهاب من مكة إلى بيت المقدس، ثم منه إلى السماوات، انتهى ملخص كلامه.

و قال شيخ الطائفة قدس الله روحه في التبيان: و عند أصحابنا و عند أكثر أهل التأويل و ذكر الجبائي أيضا أنه عرج به في تلك الليلة إلى السماوات حتى بلغ سدرة المنتهى في السماء السابعة، و أراه الله من آيات السماوات و الأرض ما ازداد به معرفة

ص: 207

14 عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ سَيْفٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ شِمْرٍ عَنْ جَابِرٍ قَالَ قُلْتُ لِأَبِي جَعْفَرٍ ع صِفْ لِي نَبِيَّ اللَّهِ ع قَالَ كَانَ نَبِيُّ اللَّهِ ع أَبْيَضَ مُشْرَبَ حُمْرَةٍ أَدْعَجَ الْعَيْنَيْنِ مَقْرُونَ الْحَاجِبَيْنِ شَثْنَ الْأَطْرَافِ كَأَنَّ الذَّهَبَ أُفْرِغَ عَلَى بَرَاثِنِهِ عَظِيمَ مُشَاشَةِ الْمَنْكِبَيْنِ إِذَا الْتَفَتَ يَلْتَفِتُ جَمِيعاً مِنْ شِدَّةِ اسْتِرْسَالِهِ

و يقينا، و كان ذلك في يقظته دون منامه، و الذي يشهد به القرآن أن الإسراء من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، و الثاني يعلم بالخبر انتهى.

و قوله: عند أصحابنا ظاهره اتفاقهم على ذلك، فلا يعبأ بمخالفة من خالف من المتأخرين، و قد بسطنا القول في ذلك في كتابنا الكبير.

الحديث الرابع عشر

: ضعيف.

و قال الجوهري: الإشراب خلط لون بلون كان أحدهما سقى من الآخر، و إذا شدد يكون للتكثير و المبالغة، و يقال: اشرب الأبيض حمرة أي علاه ذلك، و في القاموس: الدعج التحريك و الدعجة شدة سواد العين مع سعتها، و الأدعج الأسود، و في النهاية في صفته صلى الله عليه و آله و سلم: في عينيه دعج، يريد أن سواد عينيه كان شديد السواد، و قيل: الدعج شدة سواد العين في شدة بياضها، انتهى.

و القرن بالتحريك التقاء الحاجبين، و هذا مخالف لما في رواية هند بن أبي هالة المعروفة، فإن فيها: أزج الحواجب سوابغ في غير قرن، إلا أن يقال كان شعر ما بينهما قليلا، و في النهاية في صفته صلى الله عليه و آله و سلم: شثن الكفين و القدمين، أي أنهما يميلان إلى الغلظ و القصر، و قيل: هو الذي في أنامله غلظ بلا قصر و يحمد ذلك في الرجال، لأنه أشد لقبضهم، و يذم في النساء، و في القاموس: الأطراف من البدن اليدان و الرجلان و الرأس، انتهى.

و المراد هنا الأولان، و في رواية هند شثن الكفين و القدمين، سائل الأطراف أي ممتدها.

" كان الذهب أفرغ على براثنه" في القاموس: البرثن كقنفذ الكف مع الأصابع،

ص: 208

سُرْبَتُهُ سَائِلَةٌ مِنْ لَبَّتِهِ إِلَى سُرَّتِهِ كَأَنَّهَا وَسَطُ الْفِضَّةِ الْمُصَفَّاةِ وَ كَأَنَّ عُنُقَهُ إِلَى كَاهِلِهِ إِبْرِيقُ

و مخلب الأسد، أو هو للسبع كالإصبع للإنسان، انتهى.

و على المعنى الأخير كأنه إشارة إلى شجاعته صلى الله عليه و آله و سلم، و كان إفراغ الذهب على براثنه كناية عن قوة أصابعه و شدتها، و التخصيص بالذهب إما لأن مطلق الصلابة ليست بكمال بل مع لين و سلاسة في الحركات، و الذهب كذلك أو لشرافة الذهب رعاية للأدب، أو كناية عن سطوع النور منها أو حمرتها، و في إكمال الدين و إعلام الورى في حديث آخر: كان عنقه إبريق فضة، كان الذهب يجري في تراقيه، فالمعنيان الأخيران أنسب، و ما هنا أنسب بما قبله، و قال في النهاية: في صفته صلى الله عليه و آله و سلم: جليل المشاش أي عظيم رؤوس العظام كالمرفقين و الكعبين و الركبتين، و قال الجوهري: المشاشة واحده المشاش و هي رؤوس العظام اللينة التي يمكن مضغها، و في النهاية في صفته عليه السلام: فإذا التفت التفت جميعا، أراد أنه لا يسارق النظر، و قيل: أراد لا يلوي عنقه يمنة و يسرة إذا نظر إلى الشي ء و إنما يفعل ذلك الطائش الخفيف، و لكن كان يقبل جميعا و يدبر جميعا، انتهى.

و قال بعض مشايخنا رحمه الله: أي كان لشدة رصافة بدنه و اندماج أعضائه إذا أراد أن يلتفت تحرك جميع بدنه، و قوله: من شدة استرساله في هذا الخبر يأبى عن الجميع، إذ الاسترسال الاستئناس و الطمأنينة إلى الإنسان و الثقة به فيما يحدثه، ذكره الجزري، فالمعنى أنه صلى الله عليه و آله و سلم لشدة استيناسه و رفقه و مداراته مع الناس كان لا يلتفت عليهم التفات المتكبرين بالعين و الحاجب، بل إذا أراد النظر إلى جليسه و التكلم معه انحرف نحوه و أقبل إليه بجميع بدنه، شفقة عليه و رفقا به.

" سربته سائلة" في القاموس: السربة بالضم الشعر وسط الصدر إلى البطن كالمسربة، و قال: اللبب المنحر كاللبة و موضع القلادة من الصدر، قوله: كأنها وسط الفضة، فيه تشبيه بليغ حيث شبه هذا الخيط الدقيق من الشعر في وسط الصدر و البطن الأبيضين المشرقين بما يتخيل للإنسان من خط أسود في وسط السبيكة المصقولة من

ص: 209

فِضَّةٍ يَكَادُ أَنْفُهُ إِذَا شَرِبَ أَنْ يَرِدَ الْمَاءَ وَ إِذَا مَشَى تَكَفَّأَ كَأَنَّهُ يَنْزِلُ فِي صَبَبٍ لَمْ يُرَ مِثْلُ نَبِيِّ اللَّهِ قَبْلَهُ وَ لَا بَعْدَهُ ص

الفضة إذا كانت فيها حدبة، و فيه إشعار بخلو سائر البطن من الشعر.

" إبريق فضة" كأنه شبه عنقه صلى الله عليه و آله و سلم في الصفاء و البياض و الجلاء و الاستقامة و حسن الصنعة بعنق الإبريق.

في القاموس: الكاهل كصاحب: الحارك أو مقدم أعلى الظهر مما يلي العنق، و هو الثلث الأعلى و فيه ست فقرا و ما بين الكتفين أو موصل العنق و الصلب، و قال:

الإبريق معرب آب ري و الجمع أباريق، و السيف البراق و المرأة الحسناء البراقة، انتهى. و كان المراد بالبريق هنا الصراحي.

" يكاد أنفه" وصف له بطول حسن غير مفرط، و أقول: في رواية هند هكذا:

إذا زال زال قلعا يخطو تكفأ و يمشي هونا، ذريع المشية إذا مشى كأنما ينحط في صبب، و قال في النهاية: في صفته صلى الله عليه و آله و سلم: إذا مشى تقلع، أراد قوة مشيه كأنه يرفع رجليه من الأرض دفعا قويا لا كمن يمشي اختيالا و تقارب خطاه، فإن ذلك من مشي النساء و يوصفن به، و في حديث أبي هالة إذا زال زال قلعا، يروى بالفتح و الضم فبالفتح هو مصدر بمعنى الفاعل أي يزول قالعا لرجله من الأرض، و هو بالضم إما مصدر أو اسم و هو بمعنى الفتح، و قال الهروي: قرأت هذا الحرف في كتاب غريب الحديث لابن الأنباري قلعا بفتح القاف و كسر اللام، و كذلك قرأته بخط الأزهري و هو كما جاء في حديث آخر كأنما ينحط من صبب، و الانحدار من الصبب و التقلع من الأرض قريب بعضه من بعض، أراد أنه يستعمل التثبت و لا يبين منه في هذه الحال استعجال و مبادرة شديدة، و قال في صفة مشيه صلى الله عليه و آله و سلم: كان إذا مشى تكفأ تكفيا أي تمايل إلى قدام، هكذا روي غير مهموز و الأصل الهمزة، و بعضهم يرويه مهموزا لأن مصدر تفعل من الصحيح تفعل كتقدم تقدما و تكفأ تكفأ و الهمزة حرف صحيح، فأما إذا اعتل انكسرت عين المستقبل منه نحو تخفى تخفيا، فإذا خففت

ص: 210

الهمزة التحقت بالمعتل فصار تكفيا بالكسر، انتهى.

و قال الكازروني: أي يتثبت في مشيته حتى كأنه تميد كما يميد الغصن إذا هبت الريح أو السفينة، و قال الجزري: الهون الرفق و اللين و التثبت، و قال: ذريع المشي أي واسع الخطو، و قال الكازروني: الذريع السريع، و ربما يظن هذا اللفظ ضد الأول و لا تضاد فيه لأن معناه أنه كان صلى الله عليه و آله و سلم مع تثبته في المشي يتابع بين الخطوات و يسبق غيره كما ورد في حديث آخر أنه كان يمشي على هنيئة و أصحابه يسرعون في المشي فلا يدركونه، أو ما هذا معناه و يجوز أن يريد به نفي التبختر في مشيه.

و قال القاضي عياض في الشفاء: التقلع رفع الرجل بقوة، و التكفؤ الميل إلى سنن المشي و قصده، و الهون الرفق و الوقار، و الذريع الواسع الخطو، أي أن مشيه كان برفع رجله. بسرعة و يمد خطوه خلاف مشية المختال و يقصد سمته و كل ذلك برفق و تثبت دون عجلة، كما قال: كأنما ينحط من صبب.

و قال في النهاية: في صفته صلى الله عليه و آله و سلم إذا مشى كأنما ينحط في صبب، أي موضع منحدر، و في رواية كأنما يهود من صبوب، يروي بالفتح و الضمة [فالفتح] اسم لما يصب على الإنسان من ماء و غيره كالطهور، انتهى.

و قال صاحب مجمع البحار: تكفأ أي يرفع القدم من الأرض ثم يضعها و لا يمسح قدمه على الأرض كمشي المتبختر، كأنه ينحط من صبب، أي رفع رجله عن قوة و جلادة، و الأشبه أن تكفى ء بمعنى صب الشي ء دفعة، و قال الطيبي: تكفأ أي مال يمينا و شمالا كالسفينة، و خطى ء بأنه صفة المختال، بل معناه أنه يميل إلى سنة و قصد مشيه، و أجيب بأن هذا إنما يكون مذموما إذا قصده لا ما كان خلفة، انتهى.

ص: 211

15 عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ ابْنِ فَضَّالٍ عَنْ أَبِي جَمِيلَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ الْحَلَبِيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ص قَالَ إِنَّ اللَّهَ مَثَّلَ لِي أُمَّتِي فِي الطِّينِ وَ عَلَّمَنِي أَسْمَاءَهُمْ كَمَا عَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها فَمَرَّ بِي أَصْحَابُ الرَّايَاتِ فَاسْتَغْفَرْتُ

و أقول: فقوله عليه السلام كأنه ينزل، يحتمل وجوها: الأول: أن يكون كناية عن سرعة مشيه صلى الله عليه و آله و سلم على خلاف مشي المتكبرين، الثاني: أن يكون مؤكدا لميل رأسه إلى قدام فإن من ينزل من منحدر يفعل ذلك اضطرارا، الثالث: أن يكون المراد رفع قدمه بقوة كما يفعله النازل من منحدر، الرابع: أن يكون كناية عن حسن مشيه و توسطه فيه مع نوع إسراع لا ينافي الوقار كالماء المنحدر.

الحديث الخامس عشر

: ضعيف.

" في الطين" أي قبل التعلق بالأجساد" و علمني أسماءهم" أي صفاتهم و حالاتهم و إيمانهم و نفاقهم و أسماءهم مع تلك" فمر بي أصحاب الرايات" أي الخلفاء و الملوك من أهل الحق و الباطل، و كأنه إشارة إلى ما رواه الصدوق (ره) في كتاب الخصال بإسناده عن مالك بن ضمرة قال: لما سير أبو ذر رحمة الله عليه اجتمع هو و علي بن أبي طالب عليه السلام و المقداد و عمار و حذيفة و ابن مسعود و ساق الحديث إلى أن قال: قال أبو ذر: أ لستم تشهدون أن رسول الله قال: ترد على أمتي على خمس رايات أولها راية العجل، فأقوم آخذ بيده فإذا أخذت بيده أسود وجهه و رجفت قدماه و خفقت أحشاؤه و من فعل فعله يتبعه، فأقول: بما ذا خلفتموني في الثقلين من بعدي؟ فيقولون كذبنا الأكبر و مزقناه و اضطهدنا الأصغر و أخذنا حقه فأقول: اسلكوا ذات الشمال فينصرفون ظماء مظمئين قد أسودت وجوههم لا يطعمون منه قطرة، ثم ترد علي راية فرعون أمتي و هم أكثر الناس، و منهم المبهرجون، قيل: يا رسول الله و من المبهرجون؟ بهرجوا الطريق؟ قال: لا و لكن بهرجوا دينهم و هم الذين يغضبون للدنيا و لها يرضون، فأقوم فآخذ بيد صاحبهم فإذا أخذت بيده أسود وجهه و رجفت

ص: 212

لِعَلِيٍّ وَ شِيعَتِهِ إِنَّ رَبِّي وَعَدَنِي فِي شِيعَةِ عَلِيٍّ خَصْلَةً قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَ مَا هِيَ قَالَ

قدماه و خفقت أحشاؤه و من فعل فعله يتبعه، فأقول: بما خلفتموني في الثقلين بعدي؟

فيقولون: كذبنا الأكبر و مزقناه و قاتلنا الأصغر فقتلناه، فأقول: اسلكوا سبيل أصحابكم فينصرفون ظماء مظمئين مسودة وجوههم لا يطعمون منه قطرة، ثم ترد علي راية هامان أمتي فأقوم فآخذ بيده فإذا أخذت بيده أسود وجهه و رجفت قدماه و خفقت أحشاؤه و من فعل فعله يتبعه، فأقول: بما خلفتموني في الثقلين بعدي؟ فيقولون: كذبنا الأكبر و عصيناه و خذلنا الأصغر و خذلنا عنه، فأقول: اسلكوا سبيل أصحابكم فينصرفون ظماء مظمئين مسودة وجوههم، ثم ترد علي راية عبد الله بن قيس و هو إمام خمسين ألفا من أمتي فأقوم فآخذ بيده فإذا أخذت بيده أسود وجهه و رجفت قدماه و خفقت أحشاؤه و من فعل فعله يتبعه، فأقول: بما خلفتموني في الثقلين بعدي، فيقولون: كذبنا الأكبر و عصيناه و خذلنا الأصغر و خذلنا عنه فأقول: اسلكوا سبيل أصحابكم فينصرفون ظماء مظمئين مسودة وجوههم لا يطعمون منه قطرة، ثم يرد على المخدج برايته فآخذ بيده فإذا أخذت بيده أسود وجهه و رجفت قدماه و خفقت أحشاؤه و من فعل فعله يتبعه فأقول: بما خلفتموني في الثقلين بعدي؟ فيقولون: كذبنا الأكبر و عصيناه، و قاتلنا الأصغر و قتلناه، فأقول: اسلكوا سبيل أصحابكم، فينصرفون ظماء مظمئين مسودة وجوههم لا يطعمون منه قطرة.

ثم ترد على رأيه أمير المؤمنين و إمام المتقين و قائد الغر المحجلين فأقوم فآخذ بيده فإذا أخذت بيده أبيض وجهه و وجوه أصحابه فأقول: بما خلفتموني في الثقلين بعدي؟ فيقولون: اتبعنا الأكبر و صدقناه و وازرنا الأصغر و نصرناه و قاتلنا معه،

ص: 213

الْمَغْفِرَةُ لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ وَ أَنْ لَا يُغَادِرَ مِنْهُمْ صَغِيرَةً وَ لا كَبِيرَةً وَ لَهُمْ تَبَدُّلُ السَّيِّئَاتِ حَسَنَاتٍ

16 عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ سَيْفٍ عَنْ أَبِيهِ عَمَّنْ ذَكَرَهُ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ خَطَبَ رَسُولُ اللَّهِ ص النَّاسَ ثُمَّ رَفَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى قَابِضاً عَلَى كَفِّهِ ثُمَّ قَالَ أَ تَدْرُونَ أَيُّهَا النَّاسُ مَا فِي كَفِّي قَالُوا اللَّهُ وَ رَسُولُهُ أَعْلَمُ فَقَالَ فِيهَا

فأقول: ردوا رواء مرويين فيشربون شربة لا يظمأون بعدها أبدا، وجه إمامهم كالشمس الطالعة، و وجوه أصحابه كالقمر ليلة البدر و كأضواء نجم في السماء.

ثم قال- يعني أبو ذر رحمة الله عليه- أ لستم تشهدون على ذلك؟ قالوا: نعم قال: و أنا على ذلك من الشاهدين.

أقول: و قد أوردت مثله بأسانيد في الكتاب الكبير.

" لمن آمن منهم" لإخراج سائر فرق الشيعة غير الإمامية فإن الشيعة كل من قال بإمامة أمير المؤمنين عليه السلام بعد النبي بلا فصل، أو المراد بالشيعة الإمامية و المراد بالإيمان صحة سائر العقائد، أو المراد بالإيمان عدم الإصرار على الكبائر أو يكون تأكيدا" و أن لا يغادر" أي لا يدع و لا يترك منهم صغيرة و لا كبيرة من المعاصي إلا غفرها لهم، و يحتمل أن يكون المراد قبول الصغيرة و الكبيرة من الطاعات، فإدخاله في الخصلة لتلازمهما مع أنه يحتمل عطفه على الخصلة لكنه بعيد.

" و لهم تبدل السيئات" تقديم الظرف للحصر، أي هذه الخصلة مختصة بهم و هو أيضا إما معطوف على" إن ربي" فليس داخلا في الخصلة، أو هو من تتمتها و لعله إشارة إلى قوله تعالى:" إِلَّا مَنْ تابَ وَ آمَنَ وَ عَمِلَ عَمَلًا صالِحاً فَأُوْلئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ" فالمعنى أن تبدل السيئات بالحسنات الوارد في تلك الآية مختصة بهم، لأن الولاية داخلة في الإيمان، أو هي المراد بالعمل الصالح كما ورد في الخبر.

الحديث السادس عشر

: مرسل.

" قابضا على كفه" أي واضعا أصابعها على راحتها" أ تدرون" قيل سؤاله

ص: 214

أَسْمَاءُ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَ أَسْمَاءُ آبَائِهِمْ وَ قَبَائِلِهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ رَفَعَ يَدَهُ الشِّمَالَ فَقَالَ أَيُّهَا النَّاسُ أَ تَدْرُونَ مَا فِي كَفِّي قَالُوا اللَّهُ وَ رَسُولُهُ أَعْلَمُ فَقَالَ أَسْمَاءُ أَهْلِ النَّارِ وَ أَسْمَاءُ آبَائِهِمْ وَ قَبَائِلِهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ قَالَ حَكَمَ اللَّهُ وَ عَدَلَ حَكَمَ اللَّهُ وَ عَدَلَ

إياهم من هذا الأمر الذي لا يعلمه إلا الله و رسوله يكون للحث على استماع ما يلقى إليهم و الكشف عن مقدار فهمهم، و مبلغ علمهم، فلما راعوا الأدب بقولهم:

الله و رسوله أعلم، علم أنهم يريدون استخراج ما عنده فأجاب بما ذكر، و قيل:

فائدته التعريف بمنزلته من الله تعالى في إعلام هذه الأمور المغيبة، و قيل: فائدته استنطاقهم و حملهم على الإقرار بأن الله و رسوله أعلم.

" فيها أسماء أهل الجنة" أي فيها كتاب فيه أسماؤهم، أو من قبيل الاستعارة التمثيلية و المقصود بيان علمه بالمقربين و أصحاب اليمين بحيث صاروا كأنهم مكتوبون في كفه أو في كتاب في كفه، و لعل المراد بأسماء آبائهم نسبتهم إلى الآباء كفلان بن فلان و قيل: فيه دلالة على أن ولد الزنا لا يدخل الجنة كما أن في مقابله دلالة على أنه لا يدخل النار فكأنهم في الأعراف أو يخص أسماء آبائهم بمن له أب أو يعم الأب بحيث يشمل لغة و عرفا.

" حكم الله" أي يكون ما في اليد اليمنى من أهل الجنة، و عدل في ذلك، لأنه لم يكن ذلك مجازفة، بل لعلمه بأنهم يختارون الإيمان باختيارهم" حكم الله" بكون ما في اليد اليسرى من أهل النار، و عدل في ذلك لأن العلم لا يكون علته، و في أكثر النسخ ثلاث مرات، فالثالث إشارة إلى حكم أهل الأعراف، أو الأول إلى الحكم الأزلي و الثاني إلى الحكم بعد إيجادهم، و الثالث إلى الحكم الأخروي أو لمحض التأكيد فيهما.

أقول: و مثل هذه الرواية موجودة في طرق المخالفين، ففي الترمذي عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم و في يده كتابان، فقال للذي في يده اليمنى: هذا كتاب من رب العالمين فيه أسماء أهل الجنة و أسماء آبائهم و قبائلهم

ص: 215

فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَ فَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ

17 مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مَحْبُوبٍ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ غَالِبٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع فِي خُطْبَةٍ لَهُ خَاصَّةً يَذْكُرُ فِيهَا حَالَ النَّبِيِّ وَ الْأَئِمَّةِ ع وَ صِفَاتِهِمْ فَلَمْ يَمْنَعْ رَبَّنَا لِحِلْمِهِ وَ أَنَاتِهِ وَ عَطْفِهِ مَا كَانَ مِنْ عَظِيمِ جُرْمِهِمْ وَ قَبِيحِ أَفْعَالِهِمْ أَنِ انْتَجَبَ لَهُمْ أَحَبَّ أَنْبِيَائِهِ إِلَيْهِ وَ أَكْرَمَهُمْ عَلَيْهِ مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ ع

ثم أجمل على آخرهم فلا يزاد فيهم و لا ينقص منهم أبدا، و قال للذي في يده اليسرى:

هذا كتاب من رب العالمين فيه أسماء أهل النار و أسماء آبائهم و أسماء قبائلهم، ثم أجمل على آخرهم فلا يزيد فيهم و لا ينقص منهم أبدا، ثم رمى بهما و قال فرغ ذلك من العباد فريق في الجنة و فريق في السعير.

و في النهاية: أجمل على آخرهم أجملت الحساب إذا جمعت آحاده و أكملت أفراده، أي أحصوا و جمعوا فلا يزاد فيهم و لا ينقص، انتهى.

و استدل بهذا الخبر علي الجبر و لا يخفى وهنه كما أومأنا إليه.

الحديث السابع عشر

: صحيح.

قوله: خاصة، كأنه حال عن حال النبي، أي كانت الخطبة مخصوصة بهذا المطلب لا كسائرها حيث يذكر فيها أولا نعتهم، ثم يفاض في غيره من المطالب، و قيل:

حال عن المستتر في قوله: يذكر، أي غير صادرة عن غيره قبله، أو بالجر نعت خطبة أي شريفة عالية (انتهى) و ما ذكرنا أظهر.

" و ربنا" بالنصب مفعول يمنع" و لحلمه" متعلق بلم يمنع، و الأناة تأكيد للحلم و العطف الرأفة و" ما كان" فاعل يمنع، و ما موصولة و كان تامة، و من للبيان و ضمير جرمهم راجع إلى الناس أو إلى أهل مكة من قريش و أمثالهم" أن انتجب" مفعول ثان ليمنع أو هو على الحذف و الإيصال بتقدير عن، أي عن أن اختار، و في القاموس حومة البحر و الرمل و القتال و غيره معظمه أو أشد موضع منه، و في النهاية: الدومة واحدة الدوم و هي ضخام الشجر، و قيل: هو شجر المقل، و في المغرب دومة

ص: 216

فِي حَوْمَةِ الْعِزِّ مَوْلِدُهُ وَ فِي دَوْمَةِ الْكَرَمِ مَحْتِدُهُ غَيْرَ مَشُوبٍ حَسَبُهُ وَ لَا مَمْزُوجٍ نَسَبُهُ وَ لَا مَجْهُولٍ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ صِفَتُهُ- بَشَّرَتْ بِهِ الْأَنْبِيَاءُ فِي كُتُبِهَا وَ نَطَقَتْ بِهِ الْعُلَمَاءُ بِنَعْتِهَا وَ تَأَمَّلَتْهُ الْحُكَمَاءُ بِوَصْفِهَا مُهَذَّبٌ لَا يُدَانَى هَاشِمِيٌّ لَا يُوَازَى أَبْطَحِيٌّ لَا

الجندل بالضم و المحدثون على الفتح و هو خطأ، و كان المراد بالحومة مكة أو ذرية إبراهيم عليه السلام و بالدومة بنو هاشم أو المدينة، أو هو على الاستعارة كأنه شبه الكرم بشجرة عظيمة و هو في ظلها، و في الأول أيضا يحتمل ذلك، و المحتد الإقامة أو موضعها، قال الجوهري: حتد بالمكان يحتد أقام به و ثبت، و المحتد الأصل يقال: فلان من محتد صدق، أو محتد صدق غير مشوب أي مخلوط حسبه، حسب الرجل دينه و قدره و أفعاله الحسنة و صفاته الجميلة و أعماله المرضية، و حسبه أيضا مآثر آبائه لأنه يحسب بها في الفضائل و المناقب.

و كأن المراد أن مآثره و مفاخر آبائه الكرام غير مشوبة بالأخلاق الذميمة و الأفعال القبيحة، و لا ممزوج نسبه بسفاح و لا شبهة، و لا مجهول عند أهل العلم من الأوصياء و علماء أهل الكتاب صفته، بل كانوا عارفين بصفاته و علاماته بما وجدوه في كتبهم" بشرت" استئناف كأنه قيل: كيف لم يكن مجهولا صفته؟ فقال: لأن الأنبياء بشروا ببعثته و صفته في كتبهم، و التأنيث بتأويل الجماعة و كذا ضميري" نعتها" و" بوصفها" راجعان إلى العلماء و الحكماء بالتأويل المذكور، و الإضافة فيهما إلى الفاعل، و ما قيل: من إرجاع الضميرين إلى الصفة في غاية البعد، و ضميرا" به" و" تأملته" راجعان إليه صلى الله عليه و آله و سلم و التأمل التلبث في الأمر و النظر، أي كان يتعرف و ينظر إليه الحكماء بما علموا من صفاته في الكتب، و يتفرسون أنه هو صلى الله عليه و آله و سلم.

" مهذب لا يدانى" أي مطهر الأخلاق و مهذب من النفاق لا يقاربه أحد" لا يوازي" أي لا يساويه أحد من الهاشميين و غيرهم" أبطحي" أي مكي فإن الأبطح في مكة و إنما عد من المناقب لأنها أشرف البلدان" لا يسامي" أي لا يغالب في السمو و الرفعة، قال في النهاية: فلان يسمو إلى المعالي إذا تطاول إليها و منه حديث

ص: 217

يُسَامَى شِيمَتُهُ الْحَيَاءُ وَ طَبِيعَتُهُ السَّخَاءُ مَجْبُولٌ عَلَى أَوْقَارِ النُّبُوَّةِ وَ أَخْلَاقِهَا مَطْبُوعٌ عَلَى أَوْصَافِ الرِّسَالَةِ وَ أَحْلَامِهَا إِلَى أَنِ انْتَهَتْ بِهِ أَسْبَابُ مَقَادِيرِ اللَّهِ إِلَى أَوْقَاتِهَا وَ جَرَى بِأَمْرِ اللَّهِ الْقَضَاءُ فِيهِ إِلَى نِهَايَاتِهَا أَدَّاهُ مَحْتُومُ قَضَاءِ اللَّهِ إِلَى غَايَاتِهَا تُبَشِّرُ بِهِ كُلُّ أُمَّةٍ مَنْ بَعْدَهَا وَ يَدْفَعُهُ كُلُّ أَبٍ إِلَى

عائشة: كانت أي زينب تساميني منهن أي تعاليني و تفاخرني، و هو مفاعلة من السمو أي تطاولني في الخطوة عنده، و منه حديث أهل أحد يتسامون كأنهم الفحول، أي يتبادرون و يتفاخرون، و في القاموس: الشيمة بالكسر الطبيعة.

" مجبول" أي مخلوق و مفطور" على أوقار النبوة" أي شرائطها العظيمة الثقيلة من الفضائل العلمية و أخلاقها اللازمة لها، قال الفيروزآبادي: جبله على الشي ء: طبعه و جبره كأجبله، و قال: الوقر بالكسر الحمل الثقيل أو أعم و الجمع أو قار، و الأحلام جمع حلم بالكسر و هو العقل و الأناة، قال في النهاية في حديث الصلاة الجماعة:

ليليني منكم أولو الأحلام و النهي، أي ذوو الألباب و العقول، واحدها حلم بالكسر و كأنه من الحلم الإناءة و التثبت في الأمور، و ذلك من شعار العقلاء.

" إلى أن انتهت" الظرف متعلق بانتجب و قيل: بمجبول و مطبوع، و الأول أظهر، و أن مصدرية و الباء في به للتعدية و الضمير لمحمد صلى الله عليه و آله و سلم و المقادير جمع مقدور و هو ما دبر الله وقوعه في وقته من المستقبل و ضمير أوقاتها للمقادير أي أوصلته أسباب مقادير الله إلى أوقات حصول ما قدر فيه من وجوده و بعثته أو وفاته و هجرته و انقضاء مدته، و الأول أظهر و كذا ضميرا" نهاياتها" و" غاياتها" راجعان إلى المقادير.

و يحتمل إرجاعهما إلى القضاء بتكلف، و متعلق الجمل كلها إما أمر واحد أو الأولى للموجود و الثانية للنبوة و البعثة و الغزوات و غيرها، و الثالثة للموت أو الأولى للحياة و النبوة و سائر ما يتبعها، و الثانية للموت، و الثالثة استيناف لبيان الثانية، فيحتمل أن يكون المراد بغايات المقادير فوائدها و هي لقاء الله و الجنة و الرضوان و الرفيق الأعلى و ما يتبعها.

" تبشر" استئناف بياني أو عطف بيان للجمل السابقة، و التبشير الإخبار بما

ص: 218

أَبٍ مِنْ ظَهْرٍ إِلَى ظَهْرٍ لَمْ يَخْلِطْهُ فِي عُنْصُرِهِ سِفَاحٌ وَ لَمْ يُنَجِّسْهُ فِي وِلَادَتِهِ نِكَاحٌ مِنْ لَدُنْ آدَمَ إِلَى أَبِيهِ عَبْدِ اللَّهِ فِي خَيْرِ فِرْقَةٍ وَ أَكْرَمِ سِبْطٍ وَ أَمْنَعِ رَهْطٍ وَ أَكْلَإِ حَمْلٍ وَ أَوْدَعِ حَجْرٍ اصْطَفَاهُ اللَّهُ وَ ارْتَضَاهُ وَ اجْتَبَاهُ وَ آتَاهُ مِنَ الْعِلْمِ مَفَاتِيحَهُ وَ مِنَ الْحُكَمِ يَنَابِيعَهُ

يسر" من ظهر إلى ظهر" بالظاء المعجمة فيهما كما في أكثر النسخ، أي كان ينتقل هذا النور و تلك الطينة الطيبة من ظهر إلى ظهر كما مر، و في بعض النسخ بالطاء المهملة أي من مسلم إلى مسلم، و في القاموس: العنصر و يفتح الصاد الأصل و الحسب، و السفاح بالكسر الفجور، و المراد بالنكاح الفاسد من أنكحة الجاهلية بقرينة لم ينجسه، و النكاح يطلق على الوطء و العقد، فيمكن أن يكون المراد الوطء الحرام غير الزنا كالوطي في الحيض، بل ما يشتمل المكروه من الجماع.

و الفرقة بالكسر: الطائفة من الناس: و السبط بالكسر ولد الوالد، و الفريق، من اليهود يقال للعرب قبائل و لليهود أسباط، و الرهط قوم الرجل و قبيلته، و المعاني متقاربة، و يمكن أن يكون المراد بالأول ذرية إبراهيم، و بالثاني القريش و بالثالث بني هاشم، و قيل: خير فرقة قريش و أكرم سبط بنو هاشم و أمنع رهط أولاد فاطمة المخزومية من عبد المطلب كما قال حسان في ذم ابن عباس:

و إن سنام المجد من آل هاشم بنو بنت مخزوم و والدك العبد

و يقال: منع كحسن أي صار رفيعا شريفا.

" و أكلا حمل" عبارة عن آمنة بنت وهب، من كلأه بالهمز أي حفظه، و كان المراد بالحمل هنا الحامل، و لو كان المراد به ما يحمل في البطن من الولد فيمكن أن يكون أكلا كأشهر على خلاف القياس" و أودع حجر" عبارة عن حجر عبد المطلب و أبي طالب و فاطمة بنت أسد رضي الله عنهم، و الحجر بالكسر و قد يفتح الخصر و هو ما دون الإبط إلى الكشح كذا في المصباح، و في القاموس: نشأ في حجره أي في حفظه و ستره، و قال: ودع ككرم و وضع سكن و استقر و استودعته وديعة استحفظته إياها.

" و آتاه من العلم مفاتيحه" كأنه كناية عن وفور ما أعطاه من العلم بأن منحه

ص: 219

ابْتَعَثَهُ رَحْمَةً لِلْعِبَادِ وَ رَبِيعاً لِلْبِلَادِ وَ أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْهِ الْكِتَابَ فِيهِ الْبَيَانُ وَ التِّبْيَانُ قُرْآناً عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ قَدْ بَيَّنَهُ لِلنَّاسِ وَ نَهَجَهُ بِعِلْمٍ قَدْ فَصَّلَهُ وَ دِينٍ قَدْ

خزائن العلم و سلم إليه مفاتيحه أو أنه أعطاه الأمور التي يستنبط منها العلوم ككتب الأنبياء و الوحي و الإلهام، و علم النجوم و القرآن المجيد و القواعد الكلية التي يستخرج منها الأحكام كما قال أمير المؤمنين عليه السلام: علمني ألف باب، و كذا الاحتمالان جاريان في الفقرة الثانية، و في القاموس بعثه كمنعه أرسله كانبعثه فانبعث.

" و ربيعا للبلاد" أي جعله سببا لطراوة البلاد و حسنها و عمارتها و نموها في الخيرات كما أن الربيع سبب لظهور الأزهار و الأنوار و نمو الأعشاب و الأشجار، و قال في النهاية: في حديث الدعاء: اللهم اجعل القرآن ربيع قلبي، جعله ربيعا له، لأن الإنسان يرتاح قلبه في الربيع من الأزمان و يميل إليه، انتهى.

و قال الطيبي كما أن الربيع زمان إظهار آثار الله و إحياء الأرض كذا القرآن يظهر منه بتأثير لطف الله من الإيمان و المعارف و يزول به ظلمات الكفر و الجهل و الهموم" فيه البيان و التبيان" حال عن الكتاب و التبيان أخص و أبلغ من البيان، لأنه بيان للشي ء مع دليل و برهان و قيل: المراد بالتبيان تبيان المعارف الإلهية و الأسرار اللاهوتية، و بالبيان بيان الأحكام الشرعية و القوانين العلمية، و تقديم الظرف إما للحصر أو لقرب المرجع، أو للاهتمام لاشتماله على ضمير الكتاب، أو لربط الحال على ذي الحال ابتداء.

" قُرْآناً" حالا بعد حال عن الكتاب لتأكيد اشتماله على كل شي ء و" عَرَبِيًّا" صفة مخصصة أو مادحة، و اشتماله على غير العربي نادرا لا يضر في عربيته" و غَيْرَ ذِي عِوَجٍ" أي لا اختلاف فيه أو لا شك صفة بعد صفة للمدح و" لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ" علة غائية للإنزال، و لم يذكر متعلق" يتقون" لقصد التعميم أو الاختصار و التحرز عن توهم التخصيص.

" قد بينه للناس" إما حال ثالثة للكتاب أو استيناف، كأنه قيل: ما فعل به

ص: 220

أَوْضَحَهُ وَ فَرَائِضَ قَدْ أَوْجَبَهَا وَ حُدُودٍ حَدَّهَا لِلنَّاسِ وَ بَيَّنَهَا وَ أُمُورٍ قَدْ كَشَفَهَا لِخَلْقِهِ وَ أَعْلَنَهَا فِيهَا دَلَالَةٌ إِلَى النَّجَاةِ وَ مَعَالِمُ تَدْعُو إِلَى هُدَاهُ فَبَلَّغَ رَسُولُ اللَّهِ ص مَا أُرْسِلَ بِهِ وَ صَدَعَ بِمَا أُمِرَ وَ أَدَّى مَا حُمِّلَ مِنْ أَثْقَالِ النُّبُوَّةِ وَ صَبَرَ لِرَبِّهِ وَ جَاهَدَ

بعد الإنزال؟ فأجاب بأنه قد بينه للناس، و فيه دلالة على أن الناس يحتاجون في فهم ما فيه إلى مبين" و نهجه" أي أوضحه من نهجت الطريق إذا أوضحته، عطف تفسير لقوله: بينه، أو المراد بالتبين بيان مدلولاته الظاهرة، و بالنهج إيضاح بطونه و إسراره الكامنة، أو الأول إيضاح أصول المطالب و الثاني إيضاح دلائلها، أو الأول في الأصول و الثاني في الفروع، و المستتر فيهما راجع إلى الرسول، و يحتمل رجوعه إلى الله و إلى الكتاب و كذا المستترات في فصله، و أوضحه، و أوجبها، و كشفها، و أعلنها لكن الظاهر رجوعها إلى الله لقوله: لخلقه، و قوله: يعلم إما متعلق ببينة و نهجه، أو حال عن الكتاب، و قوله: لخلقه، متعلق بقوله كشفها أو بجميع الأفعال على التنازع.

" فيها" أي في الأمور، و المعالم مواضع العلوم و ما يوجبها، و هو عطف على دلالة أو علي النجاة، و ضمير" هداه" لله أو للرسول أو للكتاب و على التقادير الإضافة إلى الفاعل، و مفعول" تدعو" محذوف و هو العباد، و قيل، الهدى بمعنى ما يهتدى به، و هو الله أو الرسول أو الكتاب و الإضافة على الأول لامية، و على الأخيرين بيانية، و لا يخفى ما فيه، و في بعض النسخ هداة بالتاء جمع الهادي، و هم الأئمة عليهم السلام.

" و صدع بما أمر" اقتباس من قوله تعالى:" فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ" أي اجهر به من صدع بالحجة إذا تكلم بها جهارا، أو أظهره من صدعه إذا أظهره و بينه، أو فرق بين الحق و الباطل من صدعه إذا شقة على سبيل الاستعارة و التشبيه،" و ما" مصدرية أو موصولة أو موصوفة، و العائد محذوف، و الباء على الأخيرين زائدة و الأثقال جمع

ص: 221

فِي سَبِيلِهِ وَ نَصَحَ لِأُمَّتِهِ وَ دَعَاهُمْ إِلَى النَّجَاةِ وَ حَثَّهُمْ عَلَى الذِّكْرِ وَ دَلَّهُمْ عَلَى سَبِيلِ الْهُدَى بِمَنَاهِجَ وَ دَوَاعٍ أَسَّسَ لِلْعِبَادِ أَسَاسَهَا وَ مَنَارٍ رَفَعَ لَهُمْ أَعْلَامَهَا كَيْلَا يَضِلُّوا مِنْ بَعْدِهِ وَ كَانَ بِهِمْ رَءُوفاً رَحِيماً

ثقل بالكسر ضد الخفة أو جمع ثقل بالتحريك و هو متاع البيت، و أراد به هنا ما أتى به الوحي على سبيل الاستعارة، و قد أدى كله إلى وصيه أمير المؤمنين عليه السلام.

" و صبر لربه" أي صبر على تحمل ما حمل و تبليغه و ما لحقه من أذى المعاندين و طعن الطاعنين لرضا ربه و امتثال أمره" و جاهد في سبيله" أي في سبيل الله الذي هو دين الحق" و نصح لأمته" النصح: الخلوص و أراد به إرشادهم إلى ما فيه صلاح معاشهم و معادهم و عونهم عليه و الذب عنهم و عن أعراضهم" و دعاؤهم إلى النجاة" أي إلى ما فيه نجاتهم من شدائد الدنيا و عقوبات الآخرة" و حثهم على الذكر" أي على ذكره سبحانه في جميع الأحوال بالقلب و اللسان و كل ما يوجب قربه تعالى فهو ذكره، و يحتمل أن يراد بالذكر القرآن" و دلهم على سبيل الهدى" لعل المراد بسبيل الهدى الدين الحق و بالمناهج و هي الطرق الواضحة الأوصياء، و بالدواعي المنافع التي تدعو إلى سبيل الهدى، و بتأسيس أساس هذه المناهج و الدواعي وضعها و تعيينها و أحكامها، و يحتمل أن يراد بالداعي الأدلة الدالة على خلافة الأوصياء، أو يراد بسبيل الهدى الأوصياء و بالمناهج و الدواعي الدلالة على خلافتهم.

و المنائر جمع المنارة على خلاف القياس، و هي موضع النور، أستعير هنا للأوصياء عليهم السلام، و رفع أعلامها كناية عن نصب أدلة واضحة على خلافتهم و إمامتهم" كيلا يضلوا" علة غائية لما ذكر" و كان بهم رؤوف رحيما" الواو للعطف و يحتمل الحالية و اقتبس من قوله تعالى:" حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ" و قيل: قدم الأبلغ منهما و هو الرؤوف لأن الرأفة شدة الرحمة و محافظة على الفواصل.

ص: 222

18 مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ سَعْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابِنَا عَنْ أَحْمَدَ بْنِ هِلَالٍ عَنْ أُمَيَّةَ بْنِ عَلِيٍّ الْقَيْسِيِّ قَالَ حَدَّثَنِي دُرُسْتُ بْنُ أَبِي مَنْصُورٍ أَنَّهُ سَأَلَ أَبَا الْحَسَنِ الْأَوَّلَ ع أَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ص مَحْجُوجاً بِأَبِي طَالِبٍ فَقَالَ لَا

و أقول: التقديم هنا لرعاية نظم المقتبس منه و يمكن أن يقال فيهما أن الرأفة فيما يتعلق بالأمور الأخروية، و الرحمة فيما يتعلق بالأمور الدنيوية، و التقديم للاهتمام كما أن تخصيص الأبلغ أيضا بها لذلك، و للإشعار بأنه صلى الله عليه و آله كان جل اهتمامه فيما يصلح أمور آخرتهم و هذا وجه وجيه لم يذكره أحد.

الحديث الثامن عشر

: ضعيف.

قوله: أ كان رسول الله صلى الله عليه و آله محجوجا بأبي طالب، أقول: الخبر يحتمل وجوها:

الأول: ما خطر ببالي و هو أظهر عندي و هو أن المعنى هل كان أبو طالب عليه السلام حجة على رسول الله صلى الله عليه و آله إماما له؟ فأجاب عليه السلام بنفي ذلك معللا بأنه كان

ص: 223

وَ لَكِنَّهُ كَانَ مُسْتَوْدَعاً لِلْوَصَايَا فَدَفَعَهَا إِلَيْهِ ص قَالَ قُلْتُ فَدَفَعَ إِلَيْهِ الْوَصَايَا عَلَى أَنَّهُ مَحْجُوجٌ بِهِ فَقَالَ لَوْ كَانَ مَحْجُوجاً بِهِ مَا دَفَعَ إِلَيْهِ الْوَصِيَّةَ قَالَ فَقُلْتُ فَمَا

مستودعا للوصايا دفعها إليه، لا على أنه أوصى إليه و جعله خليفة له ليكون حجة عليه، بل كما يوصل المستودع الوديعة إلى صاحبها فلم يفهم السائل ذلك و أعاد السؤال، و قال: دفع الوصايا مستلزم لكونه حجة عليه فأجاب عليه السلام بأنه دفع إليه الوصايا على الوجه المذكور، و هذا لا يستلزم كونه حجة بل ينافيه، و قوله عليه السلام: و مات من يومه، أي يوم الدفع لا يوم الإقرار، و يحتمل تعلقه بهما، و يكون المراد به الإقرار الظاهر الذي اطلع عليه غيره صلى الله عليه و آله و سلم.

الثاني: أن المعنى هل كان الرسول صلى الله عليه و آله و سلم محجوجا مغلوبا في الحجة بسبب أبي طالب حيث قصر في هدايته إلى الإيمان فلم يؤمن؟ فقال عليه السلام: ليس الأمر كذلك لأنه كان قد آمن و أقر و كيف لا يكون كذلك و الحال أن أبا طالب كان من الأوصياء و كان أمينا على وصايا الأنبياء و حاملا لها إليه صلى الله عليه و آله و سلم، فقال السائل: هذا موجب لزيادة الحجة عليهما حيث علم نبوته بذلك و لم يقر؟ فأجاب عليه السلام بأنه لو لم يكن مقرا لم يدفع الوصايا إليه.

الثالث: ما ذكره بعض الأفاضل: أن المعنى أنه لو كان محجوجا به و تابعا له لم يدفع الوصية إليه، بل كان ينبغي أن يكون عند أبي طالب و الوصايا التي ذكرت بعد كأنها غير الوصية الأولى، و اختلاف التعبير يدل عليه، فدفع الوصية كان سابقا على دفع الوصايا، و إظهار الإقرار، و أن دفعها كان في غير وقت مما يدفعه الحجة إلى المحجوج بأن كان متقدما عليه أو أنه بعد دفعها اتفق موته، و الحجة يدفع إلى المحجوج عند العلم بموته أو دفع بقية الوصايا، فأكمل الدفع يوم موته الرابع: ما ذكره بعضهم أن قوله: على أنه محجوج به، يعني على أن يكون النبي صلى الله عليه و آله و سلم حجة عليه، و قوله: ما دفع إليه الوصية لأن الوصية إنما ينتقل ممن له التقدم.

ص: 224

كَانَ حَالُ أَبِي طَالِبٍ قَالَ أَقَرَّ بِالنَّبِيِّ وَ بِمَا جَاءَ بِهِ وَ دَفَعَ إِلَيْهِ الْوَصَايَا وَ مَاتَ مِنْ يَوْمِهِ

19 الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْأَشْعَرِيُّ عَنْ مُعَلَّى بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ الْعَبَّاسِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَسْبَاطٍ عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ سَالِمٍ عَنْ رَجُلٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ع قَالَ لَمَّا قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ ص بَاتَ آلُ مُحَمَّدٍ ع بِأَطْوَلِ لَيْلَةٍ حَتَّى ظَنُّوا أَنْ لَا سَمَاءَ تُظِلُّهُمْ

الخامس: تأويل غريب ذكره بعض الشارحين حيث قال: محجوجا، أي مغلوبا بالحجة و هو أن يكون أبو طالب من أوصياء عيسى بعد عبد المطلب، و قبل رسول الله و ضمير لكنه لأبي طالب، و الوصايا عبارة عن كتب الأنبياء و عصا موسى و خاتم سليمان و نحو ذلك، و المراد أن عبد المطلب كان من أوصياء عيسى فصار رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم وصي عيسى بلا توسط أبي طالب، و استودع عبد المطلب أبا طالب الوصايا لصغر سن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم حينئذ، فدفع على بناء المجهول، و الدافع عبد المطلب و ضميرا" أنه" و" إليه" لأبي طالب" به" نائب الفاعل و الضمير لأبي طالب، و معنى كونه محجوجا به كونه شريكا لرسول الله صلى الله عليه و آله و سلم في وصايته بأن لا يكون أحدهما محجوجا بالآخر، و يكون كل منهما حجة على قوم الآخر أو على الجميع بالإشاعة، فأجاب عليه السلام بإبطال هذا بأنه لو كان أبو طالب شريكا له لما دفع إليه الوصية لأنه كان أكبر، فما كان يدفعها بل أقر بكون النبي وصي عيسى أو لا و بكونه مبعوثا بشريعة على حدة ثانيا أم لا؟ و حاصل الجواب أنه أقر بوصاية النبي أولا و بما جاء به ثانيا، و" دفع" جملة حالية بتقدير" قد" و المستتر لأبي طالب، و ضمير إليه لرسول الله صلى الله عليه و آله و سلم، و هذا لتأييد الإقرارين" و مات" عطف على أقر و الضمير لأبي طالب، و من بمعنى في، و ضمير يومه لرسول الله صلى الله عليه و آله و سلم أي مات في وقت رسالته لا قبله، انتهى و لا يخفى غرابته.

الحديث التاسع عشر

: ضعيف.

" بأطول ليلة" كناية عن شدة حزنهم فإن ليلة الحزين تطول عليه" حتى ظنوا" على بناء المعلوم بيانا لشدة تأثير المصيبة فيهم، حتى أنهم أشبهوا بمن سلب

ص: 225

وَ لَا أَرْضَ تُقِلُّهُمْ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ص وَتَرَ الْأَقْرَبِينَ وَ الْأَبْعَدِينَ فِي اللَّهِ فَبَيْنَا هُمْ

عقله و غفل عن الأمور الواضحة كالظلال السماء و إقلال الأرض، أو ظنوا أنهم لا يبقون بعد تلك المصيبة فتظلهم السماء و تقلهم الأرض، و يمكن أن يقرأ ظنوا على بناء المجهول أي ظن الحاضرون بهم ذلك، و كل ذلك مبالغة شايعة بين العرب و العجم في بيان فخامة المصيبة و شدة البلية، و يقال: أظله أي ألقى ظله عليه، و أقله أي جملة.

" وتر الأقربين و الأبعدين" أي جنى عليهم و قتل أقاربهم و جعلهم ذوي أوتار، و دخول طالبين للدماء و نقصهم أموالهم، كل ذلك" في الله" أي لطلب رضاء الله فكلمة" في" للتعليل، قال الجوهري: الوتر بالفتح الذحل و الموتور الذي قتل له قتيل، فلم يدرك بدمه، تقول: منه وتره يتره وترا وترة، و كذلك وتره حقه أي نقصه، و قال الفيروزآبادي: الوتر بالكسر و يفتح: الذحل أو الظلم فيه كالترة و قد وتره يتره وترا وترة، و القوم جعل شفعهم وترا كأوترهم و الرجل أفزعه و أدركه بمكروه، و وتره ماله نقصه إياه، انتهى.

و قيل: الوتر الحقد يعني أسخطهم على نفسه و أهله، و جعلهم ذوي حقد عليهم في طلب رضاه، و هو لا يوافق ما في اللغة و إن كان يؤول إلى ما ذكرنا، و قيل: الوتر طلب المكافاة بجناية جنيت على الرجل من قتل أو جرح أو نحو ذلك، و الحمل للمبالغة، و المقصود أن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم كان طالب الجنايات للأقارب و الأباعد و دافع الظلم عنهم، و حافظ حقوقهم، و في ذكر الأبعدين تنبيه على أن ذلك كان من كمال عدله و إنصافه، لا على التعصب، انتهى، و الأظهر ما ذكرنا.

" فبينما هم" و في بعض النسخ: فبينا هم، و هما ظرفان مضافان إلى الجملة الاسمية أو الفعلية، و خفض المفرد بهما قليل، و بينما في الأصل بين التي هي ظرف مكان أشبعت فيها الحركة فصارت بينا، و زيدت الميم فصارت بينما، و لما فيهما من معنى الشرط يفتقران إلى جواب و يتم به المعنى، و الأفصح في جوابهما عند الأصمعي

ص: 226

كَذَلِكَ إِذْ أَتَاهُمْ آتٍ لَا يَرَوْنَهُ وَ يَسْمَعُونَ كَلَامَهُ فَقَالَ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ رَحْمَةُ اللَّهِ وَ بَرَكَاتُهُ إِنَّ فِي اللَّهِ عَزَاءً مِنْ كُلِّ مُصِيبَةٍ وَ نَجَاةً مِنْ كُلِّ هَلَكَةٍ وَ دَرَكاً لِمَا

أن يصحبه إذا أو إذ الفجائيان، و عند غيره أن يجرد عنهما.

و الآتي أما الخضر عليه السلام كما يدل عليه رواية رواها الصدوق (ره) في إكمال الدين عن الرضا عليه السلام، أو جبرئيل عليه السلام كما يدل عليه ما سيأتي في كتاب الجنائز إنشاء الله.

" أهل البيت" منصوب بالنداء أو بالاختصاص" إن في الله عزاء" العزاء الصبر، و التعزية حمل الغير على الصبر، و المراد هنا ما يوجب التعزية و التسلية، أي في ذات الله تعالى فإن الله باق لكل أحد بعد فوت كل شي ء، أو في ثوابه تعالى و ما أعد للصابرين و وعدهم أو في التفكر فيها أو في التفكر في أنه سبحانه حكيم لا يفعل إلا الأصلح بعباده ما يوجب التصبر و التسلي و الرضا بالمصيبة، و يحتمل أن يكون الكلام مبنيا على التجريد، كما قال صاحب الكشاف في قوله تعالى:"يحٍ فِيها صِرٌّ

" بعد ذكر وجهين: الثالث: أن يكون من قوله تعالى:" لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ" و من قولك إن ضيعني فلان ففي الله كاف و كافل، قال:

و في الرحمن للضعفاء كاف، انتهى.

و قال في تلخيص المفتاح و شرحه في عد أقسام التجريد: و منها ما يكون بدخول" في" في المنتزع منه، نحو قوله تعالى:" فِيها دارُ الْخُلْدِ" أي في جهنم و هي دار الخلد لكنه انتزع منها دارا أخرى، و جعلها معدة في جهنم لأجل الكفار تهويلا لأمرها و مبالغة في اتصافها بالشدة، انتهى.

و الدرك محركة اللحاق و الوصول، أي يحصل به تعالى أو بثوابه الخلف و العوض من كل هالك و تدارك ما قد فات، أو الوصول إلى ما يتوهم فوته عن الإنسان من

ص: 227

فَاتَ كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ وَ إِنَّما تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَ أُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فازَ وَ مَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا مَتاعُ الْغُرُورِ إِنَّ اللَّهَ اخْتَارَكُمْ وَ فَضَّلَكُمْ وَ طَهَّرَكُمْ وَ جَعَلَكُمْ أَهْلَ بَيْتِ نَبِيِّهِ وَ اسْتَوْدَعَكُمْ عِلْمَهُ وَ أَوْرَثَكُمْ كِتَابَهُ وَ جَعَلَكُمْ

المنافع بفوات من مات. كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ

قال الطبرسي (ره): أي ينزل بها الموت لا محالة، فكأنها ذاقته، و قيل: معناه كل نفس ذائقة مقدمات الموت و شدائده و سكراته" وَ إِنَّما تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ" معناه و إنما تعطون جزاء أعمالكم وافيا يَوْمَ الْقِيامَةِ إن خيرا فخيرا و ثوابا و إن شرا فشرا و عقابا، فإن الدنيا ليست بدار جزاء و إنما هي دار عمل و الآخرة دار جزاء و ليست بدار عمل" فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ" أي بوعد من نار جهنم و نحي عنها" وَ أُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فازَ" أي نال المنية و ظفر بالبغية و نجا من الهلكة" وَ مَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا مَتاعُ الْغُرُورِ" معناه: و ما لذات الدنيا و زينتها و شهواتها إلا متعة متعكموها للغرور و الخداع المضمحل الذي لا حقيقة له عند الاختيار، و قيل:

متاع الغرور القوارير و هي في الأصل ما لا بقاء له عن عكرمة، انتهى.

و قال البيضاوي: شبهها بالمتاع الذي يدلس به على المستام و يغر حتى يشتريه، و هذا لمن آثرها على الآخرة فأما من طلب بها الآخرة فهي له متاع بلاغ، و الغرور مصدر أو جمع غار، انتهى.

" إن الله اختاركم" أي للإمامة" و فضلكم على غيركم و طهركم" من الذنوب و الشك و الشبهة و الأخلاق الذميمة إشارة إلى آية التطهير" و جعلكم أهل بيت نبيه" لأن النبي صلى الله عليه و آله و سلم أدخلهم خاصة في الكساء عند نزول آية التطهير" و استودعكم علمه" أي جعلكم حفظة لعلمه الذي أنزل من لدن آدم إلى خاتم الأنبياء، تقول:

استودعته وديعة إذا استحفظته إياها" و جعلكم تابوت علمه" التابوت الصندوق الذي يحرز فيه المتاع، و قال الجوهري: أصله تابوة مثل ترقوة و هو فعلوة، فلما سكنت

ص: 228

تَابُوتَ عِلْمِهِ وَ عَصَا عِزِّهِ وَ ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلًا مِنْ نُورِهِ وَ عَصَمَكُمْ مِنَ الزَّلَلِ وَ آمَنَكُمْ مِنَ الْفِتَنِ فَتَعَزَّوْا بِعَزَاءِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يَنْزِعْ مِنْكُمْ رَحْمَتَهُ وَ لَنْ يُزِيلَ عَنْكُمْ نِعْمَتَهُ

الواو انقلبت هاء التأنيث تاء" و عصا عزه" العز و العزة: القوة و الغلبة، و منه العزيز في أسمائه تعالى، و هو القوي الغالب الذي لا يغلب فهو كناية عن قيام عزه سبحانه بين الخلق بهم كقيام الإنسان بالعصا إذ بهم يقام معرفة الله و دينه و عبادته، و بهم يقهر أعداء الله و يغلب أولياؤه، و لا يبعد أن تكون الفقرتان إشارتين إلى أنهم بمنزلة تابوت بني إسرائيل لكونها مخزنا للألواح و الصحف، و سائر علومهم، و إلى أنهم للنبي صلى الله عليه و آله و سلم بمنزلة العصا لموسى، فإنها كانت سببا لغلبته على الأعادي، و آية نبوته و أمير المؤمنين عليه السلام كان كذلك معينا للنبي صلى الله عليه و آله و سلم و دافعا للأعادي عنه و آية نبوته و كذا سائر الأئمة عليهم السلام.

" و ضرب لكم مثلا من نوره" إشارة إلى آية النور كما مر" و عصمكم من الزلل" أي الخطأ في العقائد و الأقوال و الأعمال، و يدل على أن العصمة موهبية لا كسبية كما توهم" و آمنكم من الفتن" أي من الضلالة و الافتتان بالشبهات و تسويلات النفس و الشيطان و في القاموس: الفتنة بالكسر الخبرة و إعجابك بالشي ء أو الضلال و الإثم و الكفر و الفضيحة و العذاب و الإضلال و الجنون و المحنة و المال و الأولاد، و اختلاف الناس في الآراء، و أكثر المعاني مناسبة هنا.

" فتعزوا بعزاء الله" التعزي التصبر عند المصيبة، و عزاء الله ما أمر من الصبر في الآيات كقوله تعالى:" يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَ صابِرُوا" و قوله:" الَّذِينَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قالُوا إِنَّا لِلَّهِ" الآية، و قوله:" إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ*" و أمثالها أو ما تقدم من الفقرات فإنها كانت من قبل الله، أو الأعم و قال في النهاية: في قوله صلى الله عليه و آله و سلم: من لم يتعز بعزاء الله فليس منا، قيل: أراد بالتعزي التأسي و التصبر عند

ص: 229

المصيبة، و أن يقول إِنَّا لِلَّهِ وَ إِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ، كما أمر الله تعالى، و معنى قوله: بعزاء الله أي بتعزية الله إياه، فأقام الاسم مقام المصدر" لم ينزع منكم رحمته" كأنه إشارة إلى قوله تعالى:" رَحْمَتُ اللَّهِ وَ بَرَكاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ".

" و لن يزيل عنكم نعمته" لأن نعمة الولاية و الخلافة و الهداية و سائر الكمالات معهم إلى يوم القيامة و فيهم نزلت:" فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ" الآية و قوله:" صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ".

" فأنتم أهل الله" أي أهل نعمته و رحمته المقربون لديه" الذين بهم تمت النعمة" إشارة إلى قوله سبحانه:" وَ أَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي".

" و اجتمعت الفرقة" بالضم أي الافتراق على الإسناد المجازي أو بالكسر أي الفرق المختلفة و كأنه إشارة إلى قوله تعالى:" وَ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْداءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْواناً".

" و ائتلفت الكلمة" أي من تبعكم أمن من اتباع الآراء و الأهواء المختلفة، إذ ليس عندكم اختلاف في القول و الرأي" و أنتم أولياؤه" أي أحباؤه أو خلفاؤه الذين هم أولى بالمؤمنين من أنفسهم" فمن تولاكم" أي اتخذكم أولياء و اعتقد إمامتكم" فاز" أي نال المطلوب من الجنة و الرضوان" زهق" أي هلك" واجبة" أي في قوله سبحانه:" قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى" كما مر" إذا يشاء" أي في زمن القائم عليه السلام" فاصبر و العواقب الأمور" اللام للتعليل أو بمعنى إلى، و العواقب

ص: 230

الْأُمُورِ فَإِنَّهَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ قَدْ قَبَّلَكُمُ اللَّهُ مِنْ نَبِيِّهِ وَدِيعَةً وَ اسْتَوْدَعَكُمْ أَوْلِيَاءَهُ الْمُؤْمِنِينَ فِي الْأَرْضِ فَمَنْ أَدَّى أَمَانَتَهُ آتَاهُ اللَّهُ صِدْقَهُ فَأَنْتُمُ الْأَمَانَةُ الْمُسْتَوْدَعَةُ وَ لَكُمُ الْمَوَدَّةُ الْوَاجِبَةُ وَ الطَّاعَةُ الْمَفْرُوضَةُ وَ قَدْ قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ ص وَ قَدْ أَكْمَلَ لَكُمُ الدِّينَ وَ بَيَّنَ لَكُمْ سَبِيلَ الْمَخْرَجِ فَلَمْ يَتْرُكْ لِجَاهِلٍ حُجَّةً فَمَنْ جَهِلَ أَوْ تَجَاهَلَ أَوْ أَنْكَرَ أَوْ

ما وعد الله الصابرين في الآخرة أو في الدنيا في الرجعة و ظهور القائم عليه السلام أو الأعم منهما و من الوعيد للمخالفين.

" فإنها" أي الأمور" إلى الله تصير" إشارة إلى قوله تعالى:" أَلا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ" قال الطبرسي (ره): أي إليه ترجع الأمور و التدبير يوم القيامة فلا يملك ذلك غيره، انتهى.

و التعميم هنا أظهر أي الأمور كلها في الدنيا و الآخرة بتدبير الله و قضائه" قد قبلكم الله" أي لما قرب وفاة النبي صلى الله عليه و آله و سلم" استودعكم الله" أي طلب منه سبحانه حفظكم و قبل الله ذلك" و استودعكم أولياءه" أي طلب من الأولياء حفظكم و رعايتكم و قبول ولايتكم و منكم رعاية الأولياء و حفظهم و هدايتهم، و الأول أظهر لقوله صلى الله عليه و آله و سلم: فمن أدى أمانته، و الضمير راجع إلى الموصول أو إلى الله أو إلى الرسول و أداء الأمانة هو أن لا يقصر في حفظ الوديعة و رعاية حقه" أتاه الله صدقة" أي جزاء صدقه، إيماء إلى قوله تعالى:" يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ" و على الثاني نحتاج إلى تكلف بأن يراد بالأمانة الوديعة التي قبلها الله تعالى من نبيه، و بأدائها الاعتراف بأنها وديعة النبي من عند الله و الإقرار بحقوقها.

" فأنتم الأمانة المستودعة" تفريع على الفقرتين المتقدمتين" و قد أكمل لكم الدين" إشارة إلى قوله:" الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ" و أن المراد به إكمال الدين بنصب الوصي و إيداعه جميع العلوم التي تحتاج إليه الأمة" و بين لكم سبيل المخرج"

ص: 231

نَسِيَ أَوْ تَنَاسَى فَعَلَى اللَّهِ حِسَابُهُ وَ اللَّهُ مِنْ وَرَاءِ حَوَائِجِكُمْ وَ أَسْتَوْدِعُكُمُ اللَّهَ وَ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ فَسَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ ع مِمَّنْ أَتَاهُمُ التَّعْزِيَةُ فَقَالَ مِنَ اللَّهِ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى

20 عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ عَنِ ابْنِ مُسْكَانَ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَمَّارٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ص إِذَا رُئِيَ فِي اللَّيْلَةِ الظَّلْمَاءِ رُئِيَ لَهُ نُورٌ كَأَنَّهُ شِقَّةُ قَمَرٍ

21 أَحْمَدُ بْنُ إِدْرِيسَ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْحُسَيْنِ الصَّغِيرِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْجَعْفَرِيِّ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع وَ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ سَعْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ يَعْقُوبَ

أي من كل شبهة و معضلة، حتى لا يخفى عليكم شي ء من الأمور الواردة عليكم" فلم يترك لجاهل حجة" لأن الرسول صلى الله عليه و آله و سلم بين ولايتكم و أوجب على الخلق الرجوع إليكم في كل ما اشتبه عليهم و بين لكم كل ما يحتاجون إليه، فليس لجاهل قصر في طلب العلم منكم على الله حجة يوم القيامة، و التجاهل و التناسي إظهار الجهل و النسيان مع عدمهما.

" من وراء حوائجكم" أي يسوقها إليكم و يقضيها لكم، و الوراء فعال و لامه همزة عند سيبويه و أبي علي الفارسي، و ياء عند العامة، و هو من ظروف المكان بمعنى خلف و قدام" و أستودعكم الله" على صيغة المتكلم أي أجعلكم وديعة عند الله و استحفظه إياكم.

الحديث العشرون

: ضعيف على المشهور.

و الشقة بالكسر القطعة، و هذا التشبيه معروف بين العرب و العجم.

الحديث الحادي و العشرون

: سنده الأول مجهول، و الثاني مرسل.

قوله: فالصلب، كلام الصادق أو جبرئيل عليهما السلام، و قوله: و البطن، بتقدير و أما البطن و في مجالس الصدوق أما البطن.

ص: 232

بْنِ يَزِيدَ عَنِ ابْنِ فَضَّالٍ عَنْ بَعْضِ رِجَالِهِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ نَزَلَ جَبْرَئِيلُ ع عَلَى النَّبِيِّ ص فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ إِنَّ رَبَّكَ يُقْرِئُكَ السَّلَامَ وَ يَقُولُ إِنِّي قَدْ حَرَّمْتُ النَّارَ عَلَى صُلْبٍ أَنْزَلَكَ وَ بَطْنٍ حَمَلَكَ وَ حَجْرٍ كَفَلَكَ فَالصُّلْبُ صُلْبُ أَبِيكَ- عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ- وَ الْبَطْنُ الَّذِي حَمَلَكَ فَآمِنَةُ بِنْتُ وَهْبٍ وَ أَمَّا حَجْرٌ كَفَلَكَ فَحَجْرُ أَبِي طَالِبٍ

وَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ فَضَّالٍ وَ فَاطِمَةَ بِنْتِ أَسَدٍ

" و في رواية ابن الفضال" أي السند الثاني، و روى الصدوق (ره): في المجالس و معاني الأخبار عن محمد بن الحسن بن الوليد عن محمد بن الحسن الصفار عن علي بن حسان عن عبد الرحمن بن كثير عنه عليه السلام مثله، إلى قوله: و أما الحجر الذي كفلك فأبو طالب بن عبد المطلب و فاطمة بنت أسد.

و أقول: هذا الخبر مما يدل على إسلام والدي النبي و والدي أمير المؤمنين عليهم السلام و لا ريب في إسلام فاطمة رضي الله عنها و قد اتفق عليه المسلمون، و الباقون قد اختلف المسلمون في إسلامهم، فأما والدا النبي صلى الله عليه و آله و سلم فقد اتفقت الإمامية على إسلامهما و إسلام جميع أجداده إلى آدم عليهم السلام، بل كانوا من الصديقين، إما أنبياء مرسلين أو أوصياء معصومين، و لعل بعضهم لم يظهر الإسلام للتقية أو لغيرها من المصالح الدينية قال أمين الدين الطبرسي قدس سره في مجمع البيان: قال أصحابنا: أن آزر كان جد إبراهيم لأمه أو كان عمه من حيث صح عندهم أن آباء النبي صلى الله عليه و آله و سلم إلى آدم كلهم كانوا موحدين، و أجمعت الطائفة على ذلك، و رووا عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم أنه قال:

لم يزل ينقلني الله من أصلاب الطاهرين إلى أرحام المطهرات حتى أخرجني في عالمكم هذا، لم يدنسني بدنس الجاهلية، و لو كان في آبائه عليه السلام كافر لم يصف جميعهم بالطهارة، مع قوله سبحانه:" إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ" و لهم في ذلك أدلة ليس هنا موضع ذكرها، انتهى.

و قال إمامهم الرازي في تفسيره: قالت الشيعة: إن أحدا من آباء الرسول

ص: 233

صلى الله عليه و آله و سلم و أجداده ما كان كافرا و أنكروا أن يقال: إن والد إبراهيم كان كافرا، و ذكروا أن آزر كان عم إبراهيم عليه السلام و احتجوا على قولهم بوجوه: الأول: أن آباء نبينا ما كانوا كفارا و يدل عليه وجوه، منها: قوله تعالى:" الَّذِي يَراكَ حِينَ تَقُومُ وَ تَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ

" قيل: معناه أنه كان ينقل روحه من ساجد إلى ساجد، و بهذا التقدير فالآية دالة على أن جميع آباء محمد صلى الله عليه و آله و سلم كانوا مسلمين، فيجب القطع بأن والد إبراهيم كان مسلما، و مما يدل على أن أحدا من آباء محمد صلى الله عليه و آله و سلم ما كانوا من المشركين قوله عليه السلام: لم أزل أنقل من أصلاب الطاهرين إلى أرحام الطاهرات و قال تعالى:" إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ".

أقول: ثم أورد بعض الاعتراضات و الأجوبة التي لا حاجة لنا إلى إيرادها، ثم قال: و أما أصحابنا فقد زعموا أن والد رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم كان كافرا، و ذكروا أن نص الكتاب في هذه الآية تدل على أن آزر كان كافرا و كان والد إبراهيم عليه السلام إلى آخر ما قال.

و إنما أوردنا كلامه ليعلم أن اتفاق الشيعة على ذلك كان معلوما بحيث اشتهر بين المخالفين، و أما المخالفون فذهب أكثرهم إلى كفر والدي الرسول صلى الله عليه و آله و سلم و كثير من أجداده كعبد المطلب و هاشم و عبد مناف صلوات الله عليهم أجمعين، و إجماعنا و أخبارنا متظافرة على خلافهم.

قال الصدوق رضي الله عنه في رسالة العقائد: اعتقادنا في آباء النبي صلى الله عليه و آله و سلم أنهم مسلمون من آدم إلى أبيه عبد الله، و أن أبا طالب كان مسلما، و آمنة بنت وهب بن عبد مناف أم رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم كانت مسلمة، و قال النبي صلى الله عليه و آله و سلم: خرجت من نكاح و لم أخرج من سفاح إلى آدم، و قد روي أن عبد المطلب كان حجة و أن أبا طالب كان وصيه، انتهى.

و أما أبو طالب فالمشهور أن اسمه عبد مناف، و قال صاحب كتاب عمدة الطالب

ص: 234

فيه: قيل إن اسمه عمران و هي رواية ضعيفة رواها أبو بكر محمد بن عبد الله الطرسوسي النسابة، و قيل: اسمه كنيته، و يروى ذلك عن محمد بن إبراهيم الأعرج، و زعم أنه رأي خط أمير المؤمنين عليه السلام و كتب علي بن أبو طالب، و لكن حدثني تاج الدين محمد بن القاسم النسابة و جدي لأمي أن الذي كان في آخر ذلك المصحف علي بن أبي طالب و لكن الياء مشتبهة بالواو في الخط الكوفي، و الصحيح أن اسمه عبد مناف، انتهى.

و أقول: قد أجمعت الشيعة على إسلامه، و أنه قد آمن بالنبي صلى الله عليه و آله و سلم في أول الأمر و لم يعبد صنما قط، بل كان من أوصياء إبراهيم عليه السلام و اشتهر إسلامه من مذهب الشيعة حتى أن المخالفين كلهم نسبوا ذلك إليهم و تواترت الأخبار من طرق الخاصة و العامة في ذلك، و صنف كثير من علمائنا و محدثينا كتابا مفردا في ذلك كما لا يخفى على من تتبع كتب الرجال.

و قال ابن الأثير في جامع الأصول: و ما أسلم من أعمام النبي صلى الله عليه و آله و سلم غير حمزة و العباس و أبي طالب عند أهل البيت عليهم السلام، و قال الطبرسي رحمه الله: قد ثبت إجماع أهل البيت عليهم السلام على إيمان أبي طالب، و إجماعهم حجة لأنهم أحد الثقلين الذين أمر النبي بالتمسك بهما، ثم نقل عن الطبري و غيره من علمائهم الأخبار و الأشعار الدالة على إيمانه، و ذكر ابن بطريق في المستدرك دلائل كثيرة على إيمانه أوردتها في الكتاب الكبير.

و قال ابن أبي الحديد في شرح النهج: اختلف الناس في إسلام أبي طالب، فقالت الإمامية و أكثر الزيدية: ما مات إلا مسلما، و قال بعض شيوخنا المعتزلة بذلك، و قال أكثر الناس من أهل الحديث و العامة و من شيوخنا البصريين و غيرهم: مات على دين قومه، ثم ذكر بعض دلائلهم السخيفة، ثم قال: فأما الذين زعموا أنه كان مسلما فقد رووا خلاف ذلك و ذكر هذا الخبر، ثم قال: قالوا و قد نقل الناس كافة عن

ص: 235

22 مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ جَمِيلِ بْنِ دَرَّاجٍ عَنْ زُرَارَةَ بْنِ أَعْيَنَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ يُحْشَرُ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ يَوْمَ

رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم أنه قال: نقلنا من الأصلاب الطاهرة إلى أرحام الزكية فوجب أن يكون آباؤهم كلهم منزهين عن الشرك، لأنهم لو كانوا عبدة أصنام لما كانوا طاهرين و روي أن العباس بن عبد المطلب قال لرسول الله صلى الله عليه و آله و سلم بالمدينة: ما ترجو لأبي طالب؟

فقال: أرجو له كل خير من الله عز و جل، و روي أن رجلا من رجال الشيعة و هو أبان بن أبي محمود كتب إلى علي بن موسى الرضا عليه السلام: جعلت فداك قد شككت في إسلام أبي طالب؟ فكتب إليه:" وَ مَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدى وَ يَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ ما تَوَلَّى وَ نُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَ ساءَتْ مَصِيراً" و بعدها: إنك إن لم تقر بإيمان أبي طالب كان مصيرك إلى النار، و روي عن محمد بن علي الباقر عليه السلام أنه سئل عما يقوله الناس إن أبي طالب في ضحضاح من نار؟ فقال: لو وضع إيمان أبي طالب في كفة ميزان، و إيمان هذا الخلق في الكفة الأخرى لرجح إيمانه، ثم قال: أ لم تعلموا أن أمير المؤمنين عليا عليه السلام كان يأمر أن يحج من عبد الله و آمنة و أبي طالب في حياته، ثم أوصى في وصيته بالحج عنهم، إلى آخر ما أورده في ذلك.

أقول: و قد أشبعنا القول في جميع ذلك في كتاب بحار الأنوار.

الحديث الثاني و العشرون

: صحيح.

" أمة واحدة" أي إذا حشر الناس زمرا زمرا و فوجأ، هو يحشر وحده لأنه كان متفردا في زمانه بدين الحق من بين قومه، قال في النهاية: و في حديث قس بن ساعدة أنه يبعث يوم القيامة أمة وحدة، الأمة الرجل المتفرد بدينه كقوله تعالى:" إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً قانِتاً لِلَّهِ" انتهى.

و في ناظر عين القريبين: الأمة الرجل الجامع للخير و الدين و الصنف من الناس و أتباع الأنبياء، و الطريقة المستقيمة، و المدة من الزمان، و قال الراغب في المفردات

ص: 236

الْقِيَامَةِ أُمَّةً وَاحِدَةً عَلَيْهِ سِيمَاءُ الْأَنْبِيَاءِ وَ هَيْبَةُ الْمُلُوكِ

23 عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَصَمِّ عَنِ الْهَيْثَمِ بْنِ وَاقِدٍ عَنْ مُقَرِّنٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ إِنَّ عَبْدَ الْمُطَّلِبِ أَوَّلُ مَنْ قَالَ بِالْبَدَاءِ يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أُمَّةً وَحْدَهُ عَلَيْهِ بَهَاءُ الْمُلُوكِ وَ سِيمَاءُ الْأَنْبِيَاءِ

24 بَعْضُ أَصْحَابِنَا عَنِ ابْنِ جُمْهُورٍ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ عَنِ ابْنِ رِئَابٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَجَّاجِ وَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ عَنِ الْمُفَضَّلِ بْنِ عُمَرَ جَمِيعاً عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ يُبْعَثُ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ أُمَّةً وَحْدَهُ عَلَيْهِ بَهَاءُ الْمُلُوكِ وَ سِيمَاءُ الْأَنْبِيَاءِ وَ ذَلِكَ أَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ قَالَ بِالْبَدَاءِ قَالَ وَ كَانَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ أَرْسَلَ رَسُولَ اللَّهِ ص إِلَى رُعَاتِهِ فِي إِبِلٍ قَدْ نَدَّتْ لَهُ فَجَمَعَهَا فَأَبْطَأَ عَلَيْهِ فَأَخَذَ بِحَلْقَةِ بَابِ الْكَعْبَةِ

" إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً" أي قائما مقام جماعة في عبادة الله، نحو قولهم: فلان في نفسه.

قبيلة، و روي أنه يحشر زيد بن عمرو بن نفيل أمة وحدة.

" عليه سيماء الأنبياء" حال أو استيناف بياني، و الظاهر أن المراد بيان حاله في الآخرة، أي يحشر بنور مثل نور الأنبياء، و جلالة مثل جلالة الملوك في الدنيا أو حاله في الدنيا فإنه كان تابعا للأنبياء، و من أوصيائهم و مستنا بسنتهم و كان ألقى الله مهابته في قلوب الناس.

الحديث الثالث و العشرون

: ضعيف.

" أول من قال بالبداء" أي من قومه بني إسماعيل أو من غير الأنبياء، و البهاء الحسن.

الحديث الرابع و العشرون

: ضعيف.

" و ذلك أنه" تعليل لقوله عليه السلام: سيماء الأنبياء، أو لجميع ما تقدم و ما بعده تفصيل لهذا الإجمال، و قد مضى تحقيق البداء في كتاب التوحيد، و الرعاء بالكسر جمع راع كجائع و جياع، قال تعالى:" حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعاءُ" و يقال: ند

ص: 237

وَ جَعَلَ يَقُولُ يَا رَبِّ أَ تُهْلِكُ آلَكَ إِنْ تَفْعَلْ فَأَمْرٌ مَا بَدَا لَكَ فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ ص بِالْإِبِلِ وَ قَدْ وَجَّهَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ فِي كُلِّ طَرِيقٍ وَ فِي كُلِّ شِعْبٍ فِي طَلَبِهِ وَ جَعَلَ يَصِيحُ يَا رَبِّ أَ تُهْلِكُ آلَكَ إِنْ تَفْعَلْ فَأَمْرٌ مَا بَدَا لَكَ وَ لَمَّا رَأَى رَسُولَ اللَّهِ ص أَخَذَهُ فَقَبَّلَهُ وَ قَالَ يَا بُنَيَّ لَا وَجَّهْتُكَ بَعْدَ هَذَا فِي شَيْ ءٍ فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ تُغْتَالَ فَتُقْتَلَ

البعير يند ندا و ندودا: نفر و ذهب على وجهه شاردا، ذكره الجوهري، و ربما يقرأ بتخفيف الدال من الندو و الندى بمعنى التفرق، قال في القاموس: ندا الشي ء تفرق و الإبل خرجت من الحمض إلى الخلة، و نديتها أنا، و إبل نواد: شاردة، و قال: الحمض ما ملح و أمر من النبات، و هي كفاكهة الإبل و الخلة ما حلا و هي كخبزها، و الأول أظهر، و التقدير في إبل له قد ندت فقوله" له" نعت إبل" آلك" أي أقرب الخلق إليك، و آل الرجل من يؤول إليه أمره قال في النهاية في قوله صلى الله عليه و آله و سلم: في شهر الله المحرم أضاف الشهر إلى الله تعظيما له و تفخيما، كقولهم بيت الله و آل الله لقريش انتهى.

و إنما قال ذلك تعجبا لما وصل إليه من أخبار الأنبياء بنبوته و أنه يملك المشارق و المغارب، ثم تفطن بإمكان البداء و المحو بعد الإثبات فقال: إن تفعل فأمر ما بدا لك،" ما" إبهاميه أي فأمر من الأمور ظهر لك أي يظهر من تقديرك أمر خفي على الخلق مسببه، فمن هنا ظهر أنه كان قائلا بالبداء و هذا على تقدير أن يكون أمر اسما، و يحتمل أن يكون فأمر بصيغة الأمر أي أهلكني قبل هلاكه، أو المراد إن تهلكه مع أنه آلك فالأمر أمرك و قيل: أي فأمر ما بدا لك في أسباب عدم إهلاكه و الأول أظهر الوجوه.

و صحف بعض الفضلاء، و قرأ أ لك بهمزة الاستفهام و أن تفعل بفتح الهمزة أي أ يجوز لك أن تفعل! تعجبا، و قال: حذف مفعول تهلك لظهوره و لا يخفى بعده.

و قال في النهاية: الاغتيال هو أن يخدع فيقتل في موضع لا يراه فيه أحد.

ص: 238

25 عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حُمْرَانَ عَنْ أَبَانِ بْنِ تَغْلِبَ قَالَ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ع لَمَّا أَنْ وَجَّهَ صَاحِبُ الْحَبَشَةِ بِالْخَيْلِ وَ مَعَهُمُ الْفِيلُ لِيَهْدِمَ الْبَيْتَ مَرُّوا بِإِبِلٍ لِعَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَسَاقُوهَا فَبَلَغَ ذَلِكَ عَبْدَ الْمُطَّلِبِ فَأَتَى صَاحِبَ الْحَبَشَةِ فَدَخَلَ الْآذِنُ فَقَالَ هَذَا عَبْدُ الْمُطَّلِبِ بْنُ هَاشِمٍ قَالَ وَ مَا يَشَاءُ قَالَ التَّرْجُمَانُ جَاءَ فِي إِبِلٍ لَهُ سَاقُوهَا يَسْأَلُكَ رَدَّهَا فَقَالَ مَلِكُ الْحَبَشَةِ لِأَصْحَابِهِ هَذَا رَئِيسُ قَوْمٍ وَ زَعِيمُهُمْ جِئْتُ إِلَى بَيْتِهِ الَّذِي يَعْبُدُهُ لِأَهْدِمَهُ وَ هُوَ يَسْأَلُنِي إِطْلَاقَ إِبِلِهِ أَمَا لَوْ سَأَلَنِيَ الْإِمْسَاكَ عَنْ هَدْمِهِ لَفَعَلْتُ رُدُّوا عَلَيْهِ إِبِلَهُ فَقَالَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ لِتَرْجُمَانِهِ مَا قَالَ لَكَ الْمَلِكُ فَأَخْبَرَهُ فَقَالَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ أَنَا رَبُّ الْإِبِلِ وَ لِهَذَا الْبَيْتِ رَبٌّ يَمْنَعُهُ فَرُدَّتْ إِلَيْهِ إِبِلُهُ وَ انْصَرَفَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ نَحْوَ مَنْزِلِهِ فَمَرَّ بِالْفِيلِ فِي مُنْصَرَفِهِ فَقَالَ لِلْفِيلِ يَا مَحْمُودُ فَحَرَّكَ الْفِيلُ رَأْسَهُ فَقَالَ لَهُ أَ تَدْرِي لِمَ جَاءُوا بِكَ فَقَالَ الْفِيلُ بِرَأْسِهِ لَا فَقَالَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ جَاءُوا بِكَ لِتَهْدِمَ بَيْتَ رَبِّكَ أَ فَتُرَاكَ فَاعِلَ ذَلِكَ فَقَالَ بِرَأْسِهِ لَا فَانْصَرَفَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ إِلَى مَنْزِلِهِ فَلَمَّا أَصْبَحُوا غَدَوْا بِهِ

الحديث الخامس و العشرون

: مجهول.

" لما أن وجه" قيل: أن زائدة لتأكيد اتصال جواب لما بمدخولها، أي أمر بالتوجه، و الحبشة جنس من السودان، و يطلق على بلادهم أيضا" بالخيل" أي الفرسان و الباء زائدة، أو المفعول مقدر أي وجه قائدا و هو ابن الصباح بالخيل فالباء للمصاحبة و يمكن أن يقرأ وجه على بناء المجهول، فالمراد بصاحب الحبشة أبرهة" ليهدم" أي الفيل أو الصاحب، و الإبل اسم الجمع، و على المشهور كانت مائتين" فدخل الآذن" أي الحاجب الذي يطلب الإذن للناس و يأذنهم للدخول، و في القاموس: الترجمان كعنفوان و زعفران و ريهقان المفسر للسان، و قال: الزعيم الكفيل، و سيد القوم و رئيسهم، أو المتكلم عنهم، و الزعامة الشرف و الرئاسة" في إبل" كلمة في للتعليل.

" في منصرفه" مصدر ميمي أو اسم مكان، و محمود: اسم الفيل و حركة الرأس إجابة" غدوا به" أي بكروا، و الباء للتعدية أو للمصاحبة، و الضمير للفيل" أجمع"

ص: 239

لِدُخُولِ الْحَرَمِ فَأَبَى وَ امْتَنَعَ عَلَيْهِمْ فَقَالَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ لِبَعْضِ مَوَالِيهِ عِنْدَ ذَلِكَ اعْلُ الْجَبَلَ فَانْظُرْ تَرَى شَيْئاً فَقَالَ أَرَى سَوَاداً مِنْ قِبَلِ الْبَحْرِ فَقَالَ لَهُ يُصِيبُهُ بَصَرُكَ أَجْمَعَ فَقَالَ لَهُ لَا وَ لَأَوْشَكَ أَنْ يُصِيبَ فَلَمَّا أَنْ قَرُبَ قَالَ هُوَ طَيْرٌ كَثِيرٌ وَ لَا أَعْرِفُهُ يَحْمِلُ كُلُّ طَيْرٍ فِي مِنْقَارِهِ حَصَاةً مِثْلَ حَصَاةِ الْخَذْفِ أَوْ دُونَ حَصَاةِ الْخَذْفِ فَقَالَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ وَ رَبِّ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ مَا تُرِيدُ إِلَّا الْقَوْمَ حَتَّى لَمَّا صَارُوا فَوْقَ رُءُوسِهِمْ أَجْمَعَ أَلْقَتِ الْحَصَاةَ فَوَقَعَتْ كُلُّ حَصَاةٍ عَلَى هَامَةِ رَجُلٍ فَخَرَجَتْ مِنْ دُبُرِهِ فَقَتَلَتْهُ فَمَا انْفَلَتَ مِنْهُمْ إِلَّا رَجُلٌ وَاحِدٌ يُخْبِرُ النَّاسَ فَلَمَّا أَنْ أَخْبَرَهُمْ أَلْقَتْ عَلَيْهِ حَصَاةً فَقَتَلَتْهُ

تأكيد لضمير يصيبه.

" و لا أعرفه" أي لا أعرف أي جنس هو من أجناس الطير لأنه لم يكن من جنس الطيور المعروفة، و الخذف: رمي الحصاة و نحوها بطرفي إصبعين و" أو" للترديد لعدم تبينه لبعد المسافة أو للتقسيم أي بعضها هكذا و بعضها هكذا،" ألقت" أي الطير و التأنيث باعتبار الجمعية، و قد يذكر و قد يؤنث و في القاموس: الطير جمع طائر و قد يقع على الواحد، و قال في المصباح: الطير جمع الطائر كصاحب و صحب، و جمع الطير طيور و أطيار، و قال أبو عبيدة و قطرب: يقع الطير على الواحد و الجمع، و قال ابن الأنباري: الطير جماعة و تأنيثها أكثر من التذكير، و الناس عبارة عن صاحب الحبشة و أصحابه و قيل: ضمير ألقت للطير نظير" فَنادَتْهُ الْمَلائِكَةُ" مع أن المنادي واحد.

أقول: و قال الطبرسي (ره) في مجمع البيان: أجمعت الرواة على أن مالك اليمن الذي قصد هدم الكعبة هو أبرهة بن الصباح، و قيل: أن كنيته أبو يكسوم قال الواقدي: هو صاحب النجاشي جد النجاشي الذي كان على عهد رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم و قال محمد بن إسحاق: أقبل تبع حتى نزل على المدينة فنزل بوادي قبا، فحفر بها بئرا تدعى اليوم ببئر الملك، قال: و بالمدينة إذ ذاك يهود الأوس و الخزرج، فقاتلوه و جعلوا يقاتلونه بالنهار فإذا أمسى أرسلوا إليه بالضيافة، فاستحيى و أراد صلحهم فخرج

ص: 240

إليه رجل من الأوس يقال له: أحيحة بن الجلاح و خرج إليه من اليهود بنيامين القرطبي فقال له أحيحة: أيها الملك نحن قومك، و قال له بنيامين: هذه بلدة لا تقدر أن تدخلها و لو جهدت، قال: و لم؟ قال: لأنها منزل نبي من الأنبياء يبعثه الله من قريش. قال: ثم خرج يسير حتى إذا كان من مكة على ليلتين بعث الله عليه ريحا قصفت يديه و رجليه و شنجت جسده فأرسل إلى من معه من اليهود فقال: ويحكم ما هذا الذي أصابني؟ قالوا: حدثت نفسك بشي ء؟ قال: نعم، و ذكر ما أجمع عليه من هدم البيت و إصابة ما فيه قالوا: ذاك بيت الله الحرام، و من أراده هلك، قال: ويحكم و ما المخرج مما دخلت فيه؟ قالوا: تحدث نفسك بأن تطوف و تكسوه و تهدي له، فحدث نفسه بذلك فأطلقه الله، ثم سار حتى دخل مكة فطاف بالبيت و سعى بين الصفا و المروة و كسى البيت.

و ذكر الحديث في نحره بمكة و إطعامه الناس ثم رجوعه إلى اليمن و قتله و خروج ابنه إلى قيصر و استعانته به فيما فعل قومه بأبيه، و أن قيصرا كتب له إلى النجاشي ملك الحبشة و أن النجاشي بعث معه ستين ألفا و استعمل عليهم روزبه حتى قاتلوا حمير قتلة أبيه، و دخلوا صنعاء فملكوها و ملكوا اليمن، و كان في أصحاب روزبه رجل يقال له أبرهة و هو أبو يكسوم، فقال لروزبه: أنا أولى بهذا الأمر منك و قتله مكرا و أرضى النجاشي.

ثم أنه بني كعبة باليمين و جعل فيها قبابا من ذهب و أمر أهل مملكته بالحج إليها يضاهي بذلك البيت الحرام، و أن رجلا من بني كناية خرج حتى قدم اليمن فنظر إليها ثم قعد فيها يعني لحاجة الإنسان فدخلها أبرهة، فوجد تلك العذرة فيها فقال: من اجترأ علي بهذا؟ و نصرانيتي لأهدمن ذلك البيت حتى لا يحجه حاج

ص: 241

أبدا، فدعا بالفيل و أذن في قومه بالخروج و من اتبعه من أهل اليمن و كان أكثر من تبعه منهم عك و الأشعريون و خثعم.

قال: ثم خرج يسير حتى إذا كان ببعض طريقه بعث رجلا من بني سليم ليدعو الناس إلى حج بيته الذي بناه فتلقاه رجل من الحمس من بني كنانة فقتله فازداد بذلك حنقا و أحث السير و الانطلاق، و طلب من أهل الطائف دليلا فبعثوا معه رجلا من هذيل يقال له نفيل، فخرج بهم يهديهم حتى إذا كانوا بالمغمس نزلوا و هو من مكة على ستة أميال، فبعثوا مقدماتهم إلى مكة فخرجت قريش عباديد في رؤوس الجبال و قالوا: لا طاقة لنا اليوم بقتال هؤلاء القوم، و لم يبق بمكة غير عبد المطلب بن هاشم أقام على سقايته و غير شيبة بن عثمان بن عبد الدار أقام على حجابة البيت، فجعل عبد المطلب يأخذ بعضادتي الباب ثم يقول:

لا هم إن المرء يمنع رحله فامنع رحالك لا يغلبوا بصليبهم و محالهم عدوا محالك

إن يغلبوا البيت الحرام إذا فأمر ما بدا لك

ثم إن مقدمات أبرهة أصابت نعما لقريش فأصابت فيها مائتي بعير لعبد المطلب ابن هاشم، فلما بلغه ذلك خرج حتى أتى القوم و كان حاجب أبرهة رجلا من الأشعريين و كانت له بعبد المطلب معرفة، فاستأذن له على الملك و قال له: أيها الملك جاءك سيد قريش الذي يطعم أنسها في الحي و وحشها في الجبل، فقال: ائذن له، و كان عبد المطلب رجلا جسميا جميلا، فلما رآه أبو يكسوم أجله أن يجلسه تحته و كره أن يجلسه معه على سريره، فنزل من سريره فجلس على الأرض و أجلس عبد المطلب

ص: 242

معه ثم قال: ما حاجتك؟ قال: حاجتي مائتا بعير لي أصابتها مقدمتك، فقال أبو يكسوم: و الله لقد رأيتك فأعجبتني، ثم تكلمت فزهدت فيك فقال: و لم أيها الملك قال: لأني جئت إلى بيت عزكم و منعتكم من العرب و فضلكم في الناس و شرفكم عليهم و دينكم الذي تعبدون، فجئت لأكسره و أصيبت لك مائتا بعير فسألتك عن حاجتك فكلمتني في إبلك و لم تطلب إلى في بيتكم؟ فقال عبد المطلب: أيها الملك إنما أكلمك فيما لي و لهذا البيت رب هو يمنعه، لست أنا منه في شي ء، فراع ذلك أبا يكسوم و أمر برد إبل عبد المطلب عليه.

ثم رجع و أمست ليلتهم تلك الليلة كالحة نجومها كأنها تكلمهم كلاما لاقترابها منهم، فأحست نفوسهم بالعذاب، و خرج دليلهم حتى دخل الحرم و تركهم و قام الأشعريون و خثعم و كسروا رماحهم و سيوفهم و برأوا إلى الله أن يعينوا على هدم البيت فباتوا كذلك بأخبث ليلة، ثم أدلجوا بسحر فبعثوا فيلهم يريدون أن يصبحوا بمكة فوجهوه إلى مكة فربض فضربوه فتمرغ فلم يزالوا كذلك حتى كادوا أن يصبحوا، ثم إنهم أقبلوا على الفيل فقالوا: لك الله أن لا نوجهك إلى مكة فانبعث فوجهوه إلى اليمن راجعا فتوجه يهرول فعطفوه حين رأوه منطلقا حتى إذا ردوه إلى مكانه الأول ربض، فلما رأوا ذلك عادوا إلى القسم فلم يزالوا كذلك يعالجونه حتى إذا كان مع طلوع الشمس طلعت عليهم الطير معها الحجارة فجعلت ترميهم، و كل طائر في منقاره حجر و في رجليه حجران و إذا رمت بتلك مضت و طلعت أخرى

ص: 243

فلا يقع حجر من حجارتهم تلك على بطن إلا خرقه و لا عظم إلا أوهاه و ثقبه و ثاب أبو يكسوم راجعا قد أصابته بعض الحجارة، فجعل كلما قدم أرضا انقطع له فيها إرب حتى إذا انتهى إلى اليمن لم يبق شي ء إلا أباده فلما قدمها انصدع صدره و انشق بطنه فهلك، و لم يصب من خثعم و الأشعريين أحد.

قال و كان عبد المطلب يرتجز و يدعو على الحبشة يقول:

يا رب لا أرجو لهم سواكا يا رب فامنع عنهم حماكا

إن عدو البيت من عاداكا إنهم لم يقهروا قواكا

قال: و لم تصب تلك الحجارة أحدا إلا هلك، و ليس كل القوم أصابت و خرجوا هاربين يبتدرون الطريق الذي منه جاءوا و يسألون عن نفيل ليدلهم على الطريق.

و قال مقاتل: السبب الذي جر أصحاب الفيل إلى مكة هو أن فئة من قريش خرجوا تجارا إلى أرض النجاشي، فساروا حتى دنوا من ساحل البحر و في حقف من أحقافها بيعة للنصارى تسميها قريش الهيكل و يسميها النجاشي و أهل أرضه ماسرخشان، فنزل القوم فجمعوا حطبا ثم أججوا نارا فاشتووا لحما فلما ارتحلوا تركوا النار كما هي في يوم عاصف، فذهبت الرياح بالنار فاضطرم الهيكل نارا، فغضب النجاشي لذلك فبعث أبرهة لهدم الكعبة.

ص: 244

و روي العياشي بإسناده عن هشام بن سالم عن أبي عبد الله عليه السلام قال: أرسل الله على أهل الفيل طيرا مثل الخطاف أو نحوه، في منقاره حجر مثل العدسة فكان يحاذي برأس الرجل فيرميه بالحجر، فيخرج من دبره، فلم تنزل بهم حتى أتت عليهم، قال: فأفلت رجل منهم فجعل يخبر الناس بالقصة فبينا هو يخبرهم إذ أبصر طيرا منها فقال: مثل هذا هو منها، قال: فحاذى به فطرحه على رأسه فخرج من دبره.

و قال عبيد بن عمير: لما أراد الله أن يهلك أصحاب الفيل بعث عليهم طيرا نشأت من البحر كأنها الخطاطيف، كل طير منها معه ثلاثة أحجار، ثم جاءت حتى صفت على رؤوسهم ثم صاحت و ألقت ما في أرجلها و مناقيرها، فما من حجر وقع منها على رجل إلا خرج من الجانب الآخر، إن وقع على رأسه خرج من دبره و إن وقع على شي ء من جسده خرج من الجانب الآخر.

و عن ابن عباس قال: دعا الله الطير الأبابيل فأعطاها حجارة سودا عليها الطين فلما حاذت بهم رمتهم فما بقي أحد منهم إلا أخذته الحكة فكان لا يحك إنسان منهم جلده إلا تساقط لحمه، قال: و كانت الطير نشأت من قبل البحر لها خراطيم الطيور و رؤوس السباع، لم تر قبل ذلك و لا بعده.

و روي الشيخ المفيد (ره) في مجالسه بإسناده عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عن أبيه عن جده عليهم السلام قال: لما قصد أبرهة بن الصباح ملك الحبشة لهدم البيت تسرعت الحبشة فأغاروا عليها فأخذوا سرحا لعبد المطلب بن هاشم، فجاء عبد المطلب إلى الملك فاستأذن عليه فأذن له و هو في قبة ديباج على سرير له، فسلم عليه فرد أبرهة السلام و جعل ينظر في وجهه، فراقه حسنه و جماله و هيئته، فقال له: هل كان في آبائك مثل هذا النور الذي أراه لك و الجمال؟ قال: نعم أيها الملك

ص: 245

كل آبائي كان لهم هذا الجمال و النور و البهاء، فقال له أبرهة: لقد فقتم فخرا و شرفا و يحق لك أن تكون سيد قومك ثم أجلسه معه على سريره و قال لسائس فيله الأعظم- و كان فيلا أبيضا عظيم الخلق، له نابان مرصعان بأنواع الدر و الجواهر، و كان الملك يباهي به ملوك الأرض- ائتني به، فجاء به سائسه و قد زين بكل زينة حسنة فحين قابل وجه عبد المطلب سجد له و لم يكن يسجد لملكه، و أطلق الله لسانه بالعربية فسلم على عبد المطلب، فلما رأى الملك ذلك ارتاع له و ظنه سحرا فقال: ردوا الفيل إلى مكانه، ثم قال لعبد المطلب: فيم جئت فقد بلغني سخاؤك و كرمك و فضلك؟ و رأيت من هيبتك و جمالك و جلالك ما يقتضي أن أنظر في حاجتك فسلني ما شئت، و هو يرى أنه يسأله في الرجوع عن مكة، فقال عبد المطلب: إن أصحابك عدوا على سرح لي فذهبوا به، فمرهم برده علي، قال: فتغيظ الحبشي من ذلك و قال لعبد المطلب:

لقد سقطت من عيني، جئتني تسألني في سرحك و أنا قد جئت لهدم شرفك و شرف قومك و مكرمتكم التي تتميزون بها من كل جيل، و هو البيت الذي يحج إليه من كل صقع في الأرض، فتركت مسألتي في ذلك و سألتني في سرحك؟

فقال له عبد المطلب: لست برب البيت الذي قصدت لهدمه، و أنا رب سرحي الذي أخذه أصحابك فجئت أسألك فيما أنا ربه و للبيت رب هو أمنع له من الخلق كلهم و أولى به منهم، فقال الملك: ردوا عليه سرحه و انصرف إلى مكة و أتبعه الملك بالفيل الأعظم مع الجيش لهدم البيت، فكانوا إذا حملوه على دخول الحرم أناخ، و إذا تركوه رجع مهرولا، فقال عبد المطلب لغلمانه: ادعوا لي ابني فجي ء بالعباس، فقال: ليس هذا أريد، ادعوا لي ابني فجي ء بأبي طالب، فقال: ليس هذا أريد ادعوا لي ابني فجي ء بعبد الله أب النبي صلى الله عليه و آله و سلم، فلما أقبل إليه قال: اذهب يا بني حتى تصعد أبا قبيس ثم اضرب ببصرك ناحية البحر فانظر أي شي ء يجي ء من هناك و خبرني به قال: فصعد عبد الله أبا قبيس فما لبث أن جاء طير أبابيل مثل السيل و الليل، فسقط

ص: 246

على أبي قبيس ثم صار إلى البيت فطاف سبعا ثم صار إلى الصفا و المروة فطاف بهما سبعا.

فجاء عبد الله إلى أبيه فأخبره الخبر فقال: انظر يا بني ما يكون من أمرها بعد فأخبرني به، فنظرها فإذا هي قد أخذت نحو عسكر الحبشة فأخبر عبد المطلب بذلك، فخرج عبد المطلب و هو يقول: يا أهل مكة اخرجوا إلى العسكر فخذوا غنائمكم.

قال: فأتوا العسكر و هم أمثال الخشب النخرة و ليس من الطير إلا ما معه ثلاثة أحجار في منقاره و يديه يقتل بكل حصاة منها واحدا من القوم، فلما أتوا على جميعهم انصرف الطير فلم ير قبل ذلك اليوم و لا بعده، فلما أهلك القوم بأجمعهم جاء عبد المطلب إلى البيت فتعلق بأستاره و قال:

يا حابس الفيل بذي المغمس حبسته كأنه مكوس

في مجلس تزهق فيه الأنفس

فانصرف و هو يقول في فرار قريش و جزعهم من الحبشة:

طارت قريش إذ رأت خميسا فظلت فردا لا أرى أنيسا

و لا أحس منهم حسيسا إلا أخا لي ماجدا نفسيا

مسودا في أهله رئيسا

و روي الشيخ أبو الفتح الكراجكي قدس سره في كنز الفوائد بإسناده عن أبي عبد الله عليه السلام عن آبائه عليهم السلام: قال لما ظهرت الحبشة باليمن وجه يكسوم ملك الحبشة بقائدين من قوادة يقال لأحدهما أبرهة و الآخر أرباط في عشرة من الفيلة كل فيل في عشرة آلاف لهدم بيت الله الحرام، فلما صاروا ببعض الطريق وقع بأسهم بينهم و اختلفوا، فقتل أبرهة أرباط و استولى على الجيش فلما قارب مكة طرد أصحابه عير عبد المطلب بن هاشم فصار عبد المطلب إلى أبرهة و المستولي عليه ابن

ص: 247

داية لعبد المطلب، فقال الترجمان لأبرهة: هذا سيد العرب و ديانها فأجله و أعظمه ثم قال لكاتبه: سله ما حاجته؟ فسأله فقال: إن أصحاب الملك طردوا لي نعما، فأمر بردها ثم أقبل على الترجمان فقال قل له: عجبا لقوم سودوك و رأسوك عليهم حيث جئت تسألني في عيرك و قد جئت لأهدم شرفك و مجدك، و لو سألتني الرجوع عنه لفعلت فقال: أيها الملك إن هذه العير لي و أنا ربها فسألتك إطلاقها و إن لهذه البنية ربا يدفع عنها، قال: فإني غاد لهدمها حتى أنظر ما ذا يفعل، فلما انصرف عبد المطلب رحل أبرهة بجيشه فإذا هاتف يهتف في السحر الأكبر: يا أهل مكة أتاكم أهل عكة بجحفل جرار يملأ الاندار مل ء الجفار فعليهم لعنة الجبار، فأنشأ عبد المطلب يقول:

أيها الداعي لقد أسمعتني كل ما قلت و مآبي من صمم

إن للبيت لربا مانعا من يرده بآثام يصطلم

رامه تبع في أجناده حمير و الحي من آل إرم

هلكت بالبغي فيهم جرهم بعد طسم و جديس و حشم

و كذلك الأمر في من كاده ليس أمر الله بالأمر الأمم

نحن آل الله فيما قد خلا لم يزل ذاك على عهد أبرهم

نعرف الله و فينا شيمة صلة الرحم و نوفي بالذمم

لم يزل لله فينا حجة يدفع الله بها عنها النقم

و لنا في كل دور كرة نعرف الدين و طورا في العجم

ص: 248

26 عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي نَصْرٍ عَنْ رِفَاعَةَ

فإذا ما بلغ الدور إلى منتهى الوقت أتى الطين فدم

بكتاب فصلت آياته فيه تبيان أحاديث الأمم

فلما أصبح عبد المطلب جمع بينه و أرسل الحارث ابنه الأكبر إلى أعلى أبي قبيس فقال: انظر يا بني ما ذا يأتيك من قبل البحر فرجع فلم ير شيئا فأرسل واحدا بعد واحد من ولده و لم يأته أحد منهم عن البحر بخبر، فدعا عبد الله و إنه لغلام حين أيفع و عليه ذؤابة تضرب إلى عجزه، فقال: اذهب فداك أبي و أمي، فاعل أبا قبيس فانظر ما ذا ترى يجي ء من البحر، فنزل مسرعا فقال: يا سيد النادي رأيت سحابا من قبل البحر مقبلا يستفل تارة و يرتفع أخرى، إن قلت غيما قلته، و إن قلت جهاما خلته يرتفع تارة و ينحدر أخرى، فنادى عبد المطلب: يا معشر قريش ادخلوا منازلكم فقد أتاكم الله بالنصر من عنده، فأقبلت الطير الأبابيل في منقار كل طائر حجر و في رجليه حجران، فكان الطائر الواحد يقتل ثلاثة من أصحاب أبرهة كان يلقي الحجر في قمة رأس الرجل فيخرج من دبره.

و قد قص الله تبارك و تعالى نبأهم في كتابه فقال سبحانه:" أَ لَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحابِ الْفِيلِ" السورة.

الحديث السادس و العشرون

حسن كالصحيح و في القاموس فناء الدار ككساء:

ما اتسع من أمامها و غيره إما منصوب بالاستثناء أو مجرور بالنعت لأنه لا يكسب التعريف بالإضافة، و في المصباح: درج الصبي دروجا من باب فقد: مشى قليلا في أول

ص: 249

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ كَانَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ يُفْرَشُ لَهُ بِفِنَاءِ الْكَعْبَةِ لَا يُفْرَشُ لِأَحَدٍ غَيْرِهِ وَ كَانَ لَهُ وُلْدٌ يَقُومُونَ عَلَى رَأْسِهِ فَيَمْنَعُونَ مَنْ دَنَا مِنْهُ فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ ص وَ هُوَ طِفْلٌ يَدْرِجُ حَتَّى جَلَسَ عَلَى فَخِذَيْهِ فَأَهْوَى بَعْضُهُمْ إِلَيْهِ لِيُنَحِّيَهُ عَنْهُ فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ دَعِ ابْنِي فَإِنَّ الْمَلَكَ قَدْ أَتَاهُ

ما يمشي، و قال: هوى يهوي من باب ضرب هويا بضم الهاء و فتحها: سقط من أعلى إلى أسفل و أهوى إلى الشي ء بيده مدها ليأخذه إذا كان عن قرب فإن كان من بعد قيل هوى إليه من غير ألف، انتهى.

" فإن الملك قد أتاه" الظاهر أن الملك بالتحريك و المراد إما الإتيان حقيقة في ذلك الزمان، فالمراد غير جبرئيل عليه السلام فإنه قد دلت الأخبار على نزول روح القدس و الملائكة عليه قبل بعثته و في صباه أو مجازا تنزيلا للأمر المتيقن الوقوع منزلة الواقع و ربما يقرأ أتاه على بناء التفعيل أو بناء الأفعال، أي الملك حمله و جاء به هنا، و لم يأت بنفسه و لا يخفى بعده، و يمكن أن يقرأ الملك بالضم أي سيصير ملكا في منزلة الدين و الدنيا يطيعه أهل الشرق و الغرب، أو حقيقة في ذلك الوقت أيضا كما عرفت.

و قد يقال: أنه على الوجه الأول إشارة إلى ما روي في الكتب الخاصة و العامة من نزول الملائكة عليه صلى الله عليه و آله في صباه و شق صدره و غسل قلبه و أمثال ذلك مما أوردته في الكتاب الكبير و تكلمنا فيه نفيا و إثباتا.

قال البيضاوي في تفسير قوله تعالى:" أَ لَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ" و قيل: إنه إشارة إلى ما روي أن جبرئيل أتى رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم في صباه أو يوم الميثاق فاستخرج قلبه و غسله ثم ملأه إيمانا و علما، انتهى.

و أقول: لا حاجة إلى حمله على ذلك، إذ الأخبار في نزول الملائكة عليه من عند ولادته إلى بعثته كثيرة.

و في نهج البلاغة قال أمير المؤمنين عليه السلام في وصف الرسول: و لقد قرن الله به من لدن كان فطيما أعظم ملك من ملائكته يسلك به طريق المكارم و محاسن أخلاق العالم

ص: 250

ليله و نهاره.

و عندي أنه صلى الله عليه و آله كان نبيا مذ ولد، و كان يوحى إليه و يعمل بشريعة نفسه، و إنما كانت رسالته و بعثته على الناس بعد أربعين سنة، و لو كان تابعا لشريعة غيره لكان رعية لذلك الرسول، و كان ذلك الرسول أفضل منه، و أيضا لو لم يكن وحي أو إلهام من الله تعالى كيف كان يعلم شريعة غيره حتى يعمل بها، لأنه صلى الله عليه و آله كان أميا و لم يختلف إلى عالم، و لم يأخذ من أحد علما و كان هذا من أقوى معجزاته صلى الله عليه و آله فإذا علم ذلك بالوحي كان شريعته و إن وافق شريعة غيره، و قد بسطنا القول في ذلك في الكتاب الكبير بما لا يبقى معه شبهة للفطن الخبير.

و يؤيد بعض الوجوه المتقدمة ما رواه الصدوق (ره) في إكمال الدين بإسناده عن ابن عباس قال: كان يوضع لعبد المطلب فراش في ظل الكعبة لا يجلس عليه إلا هو إجلالا له، و كان بنوه يجلسون حوله حتى يخرج عبد المطلب، فكان رسول الله صلى الله عليه و آله يخرج و هو غلام صبي فيجي ء حتى يجلس على الفراش فيعظم ذلك أعمامه و يأخذونه فيقول لهم عبد المطلب إذا رأى ذلك منهم: دعوا ابني فو الله إن له لشأنا عظيما إني أراني أنه سيأتي عليكم يوم و هو سيدكم، إني أرى غرته غرة تسود الناس، ثم يحمله فيجلسه معه و يمسح ظهره و يقبله و يقول: ما رأيت قبلة أطيب منه و لا أطهر قط و لا جسدا ألين منه و لا أطيب، ثم يلتفت إلى أبي طالب، و ذلك أن عبد الله و أبا طالب لأم واحدة فيقول: يا أبا طالب إن لهذا الغلام لشأنا عظيما فاحفظه و استمسك به، فإنه فرد وحيد و كن له كالأم لا يصل إليه شي ء يكرهه، ثم يحمله على عنقه فيطوف به أسبوعا و كان عبد المطلب قد علم أنه يكره اللات و العزى فلا يدخله عليهما فلما تمت له ست سنين ماتت أمه آمنة بالأبواء بين مكة و المدينة، و كانت قدمت به على أخواله من بني عدي فيبقى رسول الله يتيما لا أب له و لا أم فازداد عبد المطلب له رقة و حفظا، و كانت هذه حاله حتى أدرك عبد المطلب الوفاة، فبعث إلى أبي طالب و محمد على صدره و هو في غمرات الموت و هو يبكي

ص: 251

27 مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ سَعْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدٍ الثَّقَفِيِّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْمُعَلَّى عَنْ أَخِيهِ مُحَمَّدٍ عَنْ دُرُسْتَ بْنِ أَبِي مَنْصُورٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ عَنْ أَبِي بَصِيرٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ لَمَّا وُلِدَ النَّبِيُّ ص مَكَثَ أَيَّاماً لَيْسَ لَهُ لَبَنٌ فَأَلْقَاهُ أَبُو طَالِبٍ عَلَى ثَدْيِ نَفْسِهِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ لَبَناً فَرَضَعَ مِنْهُ أَيَّاماً حَتَّى وَقَعَ أَبُو طَالِبٍ عَلَى حَلِيمَةَ السَّعْدِيَّةِ فَدَفَعَهُ إِلَيْهَا

و يلتفت إلى أبي طالب و يقول: يا أبا طالب انظر أن تكون حافظا لهذا الوحيد الذي لم يشم رائحة أبيه، و لم يذق شفقة أمه، انظر يا أبا طالب أن يكون من جسدك بمنزلة كبدك، فإني قد تركت بني كلهم و أوصيتك به لأنك من أم أبيه، يا أبا طالب إن أدركت أيامه تعلم أني كنت من أبصر الناس به و أنظر الناس و أعلم فإن استطعت أن تتبعه فافعل و انصره بلسانك و يدك و مالك، فإنه و الله سيسودكم و يملك ما لم يملك أحد من بين آبائي، يا أبا طالب ما أعلم أحدا من آبائك مات منه أبوه على حال أبيه و لا أمه على حال أمه فاحفظه لوحدته، هل قبلت وصيتي؟ قال: نعم قد قبلت، و الله علي ذلك شاهد فقال عبد المطلب: فمد يدك إلى، فمد يده فضرب بيده إلى يده، ثم قال عبد المطلب:

الآن خفف على الموت، ثم لم يزل يقبله و يقول: أشهد أني لم أقبل أحدا من ولدي أطيب ريحا منك و لا أحسن وجها منك و يتمنى أن يكون قد بقي حتى يدرك زمانه، فمات عبد المطلب و هو ابن ثمان سنين، فضمه أبو طالب إلى نفسه لا يفارقه ساعة من ليل و لا نهار و كان ينام معه حتى بلغ لا يأمن عليه أحدا.

الحديث السابع و العشرون

: ضعيف.

" ليس له لبن" إما لمرض أمه أو لفقد لبنها لا لموتها كما زعم، فإن موتها على جميع الأقوال المتقدمة لم يكن متصلا بالولادة، و نزول اللبن على ثدي أبي طالب رضي الله عنه من قبيل الإعجاز، و به تشتد أخوة أمير المؤمنين عليه السلام له صلى الله عليه و آله و سلم و قيل المراد بثدي نفسه ثدي فاطمة بنت أسد و هو في غاية البعد.

" فرضع" كضرب" حتى وقع" أي اطلع، و حليمة هي بنت أبي ذؤيب من

ص: 252

28 عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ سَالِمٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ إِنَّ مَثَلَ أَبِي طَالِبٍ مَثَلُ أَصْحَابِ الْكَهْفِ أَسَرُّوا الْإِيمَانَ وَ أَظْهَرُوا الشِّرْكَ فَآتَاهُمُ اللَّهُ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ

29 الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ وَ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ أَحْمَدَ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْأَزْدِيِّ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ أَبِيهِ ع قَالَ قِيلَ لَهُ إِنَّهُمْ يَزْعُمُونَ أَنَّ أَبَا طَالِبٍ كَانَ كَافِراً فَقَالَ كَذَبُوا كَيْفَ يَكُونُ كَافِراً وَ هُوَ يَقُولُ

أَ لَمْ تَعْلَمُوا أَنَّا وَجَدْنَا مُحَمَّداً نَبِيّاً كَمُوسَى خُطَّ فِي أَوَّلِ الْكُتُبِ

بني سعد بن بكر، و اسم زوجها الحارث بن عبد العزى و قصصها طويلة أوردتها في الكتاب الكبير.

الحديث الثامن و العشرون

: حسن.

و المثل بالتحريك- الحال العجيبة، و قيل: الإيمان الطوع القلبي بجميع ما جاء به الرسول، فإن الأول لا يجتمع مع الجحد بخلاف الثاني كما قال تعالى:

" جَحَدُوا بِها وَ اسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ".

" و أظهروا الشرك" أي عند من تجب التقية عنده لا عند جميع الناس" مرتين" مرة للإيمان و مرة للتقية عند وجوبها، فإنها من أفضل الطاعات لا سيما تقية أبي طالب عليه السلام لأنها صارت سببا لشدة اقتداره على إعانة الرسول صلى الله عليه و آله و الخبر يدل على أن أصحاب الكهف كانوا مؤمنين و لم يحدث إيمانهم عند خروجهم و هو المشهور أيضا بين المفسرين و غيرهم.

الحديث التاسع و العشرون

: صحيح و آخره مرسل.

" أ لم تعلموا" الخطاب للكفار و المنكرين و الاستفهام للإنكار أو للتقرير" في أول الكتب" أي في أول كل كتاب بالأولية الإضافية، أو المراد كتاب آدم أو التوراة، و قيل: اللوح المحفوظ، أو التشبيه بموسى عليه السلام في كونه نبيا صاحب شريعة ناسخة.

ص: 253

وَ فِي حَدِيثٍ آخَرَ كَيْفَ يَكُونُ- أَبُو طَالِبٍ كَافِراً وَ هُوَ يَقُولُ

لَقَدْ عَلِمُوا أَنَّ ابْنَنَا لَا مُكَذَّبٌ لَدَيْنَا وَ لَا يَعْبَأُ بِقِيلِ الْأَبَاطِلِ-

وَ أَبْيَضَ يُسْتَسْقَى الْغَمَامُ بِوَجْهِهِ ثِمَالُ الْيَتَامَى عِصْمَةٌ لِلْأَرَامِلِ

-

" لقد علموا" هذان البيتان من قصيدة مشهورة لأبي طالب عليه السلام رواها الخاص و العام أوردت أكثرها في الكتاب الكبير" و لا يعبأ" على المعلوم و المجهول من العبأ و هو المبالاة بالشي ء و الاعتناء به، و في بعض النسخ و لا تعيأ باليائية و المثناة من العياء و الكلال، و في بعضها و لا يعني بالنون أي لا يعتني على بناء المعلوم أو المجهول و الأول أصح و أشهر، و الأباطل جمع أبطل أفعل التفضيل، و هم المكذبون له و القائلون أنه ساحر أو مجنون أو إن ما جاء به سحر أو أساطير الأولين و أمثال ذلك.

" و أبيض" مرفوع معطوف على" لا مكذب" و البياض كناية عن اليمن و السعادة و إشارة إلى النور الذي كان في وجهه صلى الله عليه و آله" يستسقي الغمام بوجهه" أي بجاهه عند الله تعالى و كأنه إشارة إلى ما رواه الشهرستاني في الملل و النحل في بيان آراء محصلة للعرب في بيان حال عبد المطلب: و مما يدل على معرفته بحال الرسالة و شرف النبوة أن أهل مكة لما أصابهم الجذب العظيم، و أمسك السحاب عنهم سنين أمر أبا طالب ابنه أن يحضر المصطفى صلى الله عليه و آله و هو رضيع في قماط فوضعه على يديه و استقبل الكعبة و رماه إلى السماء فقال: يا رب بحق هذا الغلام اسقنا غيثا مغيثا دائبا هطلا، فلم يلبث ساعة أن طبق السحاب وجه السماء و أمطر حتى خافوا على المسجد، و أنشأ أبو طالب ذلك الشعر:

و أبيض يستقي الغمام بوجهه ثمال اليتامى عصمة للأرامل

يطيف به الهلاك من آل هاشم فهم عنده في نعمة و فواضل

كذبتم و بيت الله نبزي محمد و لما نطاعن دونه و نناضل

و نسلمه حتى نصرع حوله و نذهل عن أبنائنا و الحلائل

ص: 254

و إلى ما رواه السيد الجليل الرضي فخار بن معد الموسوي في كتاب إيمان أبي طالب عن شيخه محمد بن إدريس الحلي رحمه الله بإسناده عن عرفطة قال: وردت الأبطح يوما و قد أجدبت الصحراء و أخلقت الأنواء و إذا قريش حلق قد ارتفعت لهم ضوضاء فقائل يقول: استجيروا باللات و العزى و قائل يقول: بل استجيروا بمناة الثالثة الأخرى، فقام رجل من جملتهم يقال له ورقة بن نوفل عم خديجة بنت خويلد فقال: فيكم بقية إبراهيم و سلالة إسماعيل فقالوا: كأنك عنيت أبا طالب، قال:

إنه ذلك فقاموا إليه بأجمعهم و قمت معهم فقالوا: يا أبا طالب قد أقحط الواد و أجدب العباد، فهلم فاستق لنا، فقال: رويدكم دلوك الشمس و هبوب الريح، فلما زاغت الشمس أو كادت وافى أبو طالب قد خرج و حوله أغيلمة من بني عبد المطلب و في وسطهم غلام أيفع منهم كأنه شمس دجى تجلت عنه غمامة قتماء فجاء حتى أسند ظهره إلى الكعبة في مستجارها، و لاذ بإصبعه و بصبصت الأغيلمة حوله و ما في السماء قزعة فأقبل السحاب من هيهنا و من هيهنا حتى كث و لف و أسحم و اقتحم و أرعد و أبرق، و انفجر له الوادي، فلذلك قال أبو طالب يمدح النبي صلى الله عليه و آله و سلم" و أبيض يستسقي الغمام بوجهه" إلى آخر الأبيات.

و قد أوردت خبرا طويلا في الكتاب الكبير بأسانيد إن الناس استسقوا النبي صلى الله عليه و آله و سلم في جدب عرض لهم، فدعا النبي صلى الله عليه و آله فأرخت السماء عزاليها و تبرم الناس من كثرة المطر، فضحك النبي صلى الله عليه و آله و سلم و قال: لله در أبي طالب لو كان حيا لقرت عيناه، من ينشدنا قوله؟ فقام عمر بن الخطاب فقال: عسى أردت يا رسول الله:

و ما حملت من ناقة فوق ظهرها أبر و أوفى ذمة من محمد

ص: 255

30 عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ الْحَكَمِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ بَيْنَا النَّبِيُّ ص فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَ عَلَيْهِ ثِيَابٌ لَهُ جُدُدٌ فَأَلْقَى الْمُشْرِكُونَ عَلَيْهِ سَلَى نَاقَةٍ فَمَلَئُوا ثِيَابَهُ بِهَا فَدَخَلَهُ مِنْ ذَلِكَ مَا شَاءَ اللَّهُ فَذَهَبَ إِلَى أَبِي طَالِبٍ فَقَالَ لَهُ يَا عَمِّ كَيْفَ تَرَى حَسَبِي فِيكُمْ فَقَالَ لَهُ وَ مَا ذَاكَ يَا ابْنَ أَخِي فَأَخْبَرَهُ الْخَبَرَ فَدَعَا أَبُو طَالِبٍ حَمْزَةَ وَ أَخَذَ السَّيْفَ وَ قَالَ لِحَمْزَةَ خُذِ السَّلَى ثُمَّ تَوَجَّهَ إِلَى الْقَوْمِ وَ النَّبِيُّ مَعَهُ فَأَتَى قُرَيْشاً وَ هُمْ حَوْلَ الْكَعْبَةِ فَلَمَّا رَأَوْهُ عَرَفُوا الشَّرَّ فِي وَجْهِهِ ثُمَّ قَالَ لِحَمْزَةَ أَمِرَّ السَّلى عَلَى سِبَالِهِمْ فَفَعَلَ ذَلِكَ حَتَّى أَتَى عَلَى آخِرِهِمْ

فقال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: ليس هذا من قول أبي طالب، هذا من قول حسان بن ثابت، فقام علي بن أبي طالب عليه السلام فقال: كأنك أردت يا رسول الله:" و أبيض يستسقي الغمام بوجهه" إلى آخر الأبيات المتقدمة.

و قال في النهاية في قوله: ثمال اليتامى، الثمال بالكسر: الملجإ و الغياث، و قيل:

هو المطعم في الشدة، و قال في قوله: عصمة للأرامل، العصمة المنعة، و العاصم المانع الحامي، أي يمنعهم من الضياع و الحاجة، و قال: الأرامل المساكين من رجال و نساء و يقال: لكل واحد من الفريقين على انفراده أرامل، و هو بالنساء أخص و أكثر استعمالا، و الواحد أرمل و أرملة، و قد تكرر ذكر الأرامل و الأرملة في الحديث، فالأرامل: الذي ماتت زوجته و الأرملة التي مات زوجها سواء كانا غنيين أو فقيرين.

الحديث الثلاثون

: حسن كالصحيح.

و الجدد بضمتين جمع جديد نعت ثياب، و السلى مقصورا الجلدة الرقيقة التي يكون فيها الولد" فملأوا ثيابه بها" أي لطخوا جميع ثيابه بالدم و الكثافات التي فيها" ما شاء الله" أي من الغم و الحزن" كيف ترى حسبي فيكم" أي لست بدني الحسب و النسب بينكم فلم تخذلونني و لا تنصرونني" و ما ذاك" أي و ما سبب هذا الكلام" عرفوا الشر" أي إرادة الشر و الغضب" على سبالهم" و في بعض النسخ: على أسبالهم، و في القاموس: السبلة محركة الدائرة في وسط الشفة العليا أو ما على الشارب

ص: 256

ثُمَّ الْتَفَتَ أَبُو طَالِبٍ إِلَى النَّبِيِّ ص فَقَالَ يَا ابْنَ أَخِي هَذَا حَسَبُكَ فِينَا

31 عَلِيٌّ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ أَبِي نَصْرٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْأَشْعَرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ زُرَارَةَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ لَمَّا تُوُفِّيَ أَبُو طَالِبٍ نَزَلَ جَبْرَئِيلُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ص فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ اخْرُجْ مِنْ مَكَّةَ فَلَيْسَ لَكَ فِيهَا نَاصِرٌ وَ ثَارَتْ قُرَيْشٌ بِالنَّبِيِّ ص فَخَرَجَ هَارِباً حَتَّى جَاءَ إِلَى جَبَلٍ بِمَكَّةَ يُقَالُ لَهُ الْحَجُونُ فَصَارَ إِلَيْهِ

32 عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَفَعَهُ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ إِنَّ أَبَا طَالِبٍ أَسْلَمَ بِحِسَابِ الْجُمَّلِ قَالَ بِكُلِّ لِسَانٍ

من الشعر أو طرفه أو مجتمع الشاربين، أو ما على الذقن إلى طرف اللحية كلها أو مقدمها خاصة، و الجمع سبال، و عين سبلاء طويلة الهدب و ملأها إلى أسبالها أي حروفها و شفاهها.

و أقول: أوردت هذا الخبر بوجوه أخرى أبسط من ذلك في الكتاب الكبير.

الحديث الحادي و الثلاثون

: كالسابق.

" ثارت" أي هاجت، و قال في النهاية: الحجون: الجبل المشرف مما يلي شعب الجزارين بمكة و قيل: هو موضع بمكة فيه اعوجاج، و المشهور الأول، و هو بفتح الحاء و في القاموس: جبل بمعلاة مكة و موضع آخر، و أقول: الظاهر الجبل الذي فيه الغار المشهور.

الحديث الثاني و الثلاثون

: مرفوع.

و حساب الجمل بضم الجيم و فتح الميم المشددة كما في الصحاح و في القاموس و قد يخفف: حساب الأبجد، و يمكن أن يكون ضمير" قال" أولا راجعا إلى الراوي و ثانيا إلى الإمام عليه السلام بأن يكون الراوي قال من نفسه أو ناقلا عن غيره إن أبا طالب أظهر إسلامه للرسول صلى الله عليه و آله و سلم بحساب الجمل كما سيأتي في الخبر الثاني؟ فأجاب عليه السلام بأنه أظهر إسلامه بجميع الألسن فإنه كان عارفا بها، و يحتمل أن يكون المراد أنه أظهر عند موته بحساب الجمل بعقود الأنامل، لكن قبل ذلك تكلم بعقائد الإيمان

ص: 257

33 مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ أَحْمَدَ وَ عَبْدِ اللَّهِ ابْنَيْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى عَنْ أَبِيهِمَا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ أَسْلَمَ أَبُو طَالِبٍ بِحِسَابِ الْجُمَّلِ وَ عَقَدَ بِيَدِهِ ثَلَاثاً وَ سِتِّينَ

بكل لسان ردا على بعض العامة القائلين بأنه إنما أسلم بلسان الحبشة، أو المراد أن إسلامه بحساب الجمل كان بكل لسان.

الحديث الثالث و الثلاثون
اشارة

: ضعيف على المشهور.

و هو من معضلات الأخبار و قد تحير في حله العلماء الأخيار و لنذكر منها وجوها:

الأول: ما رواه الصدوق (ره) في كتاب معاني الأخبار عن محمد بن المظفر عن محمد بن أحمد الداودي عن أبيه قال: كنت عند أبي القاسم الحسين بن روح قدس سره فسأله رجل ما معنى قول العباس للنبي صلى الله عليه و آله و سلم إن عمك أبا طالب قد أسلم بحساب الجمل و عقد بيده ثلاثة و ستين؟ فقال: عنى بذلك إله أحد جواد، و تفسير ذلك أن الألف واحد، و اللام ثلاثون، و الهاء خمسة، و الألف واحد، و الحاء ثمانية و الدال أربعة، و الجيم ثلاثة و الواو ستة و الألف واحد و الدال أربعة فذلك ثلاثة و ستون.

و اعترض عليه بعض الأفاضل في العصر السابق بعد حكمه بالبعد بأن قوله بيده لا فائدة له حينئذ سواء كان الضمير للعباس أو لأبي طالب.

أقول: الاعتراض على الأخبار و إن بعدت عن الأفهام ليس من طريقة الأتقياء الأخيار، إذ هؤلاء الأجلاء و الفائزون بدرجة السفارة كانوا في تلو رتبة العصمة و كثيرا ما كانوا يقولون: لا نقول شيئا برأينا، و لا نروي و لا نبدي إلا ما سمعناه من الحجة عليه السلام، مع أن اعتراضه (ره) مبني على عدم فهم المراد إذ المقصود أن أبا طالب عليه السلام أظهر إسلامه للنبي صلى الله عليه و آله أو لغيره بحساب العقود، بأن أظهر الألف أولا ثم اللام ثم الهاء و هكذا، و إنما أظهر كذلك للتقية من قريش و ليتمكن من معاونة النبي صلى الله عليه و آله و سلم، و به تظهر فائدة ذكر حساب الجمل، إذ دلالة الأعداد المبنية بالعقود

ص: 258

على الحروف إنما هو بحساب الجمل فتأمل.

و قيل: يحتمل في هذا الخبر الذي رواه الصدوق أن يكون العاقد العباس حين أخبر النبي بذلك و لا يخفى بعده و عدم انطباقه على خبر الكتاب.

الثاني: أنه أشار بإصبعه المسبحة إلى قول لا إله إلا الله محمد رسول الله، أو قالهما مشيرا لذلك فإن عقد الخنصر و البنصر و عقد الإبهام على الوسطى يدل على الثلاث و الستين على اصطلاح أهل العقود، فيكون المراد بالجمل حساب العقود، و يؤيده ما رواه الشيخ ابن شهرآشوب المازندراني في كتاب المناقب بإسناده عن شعبة عن قتادة عن الحسن في خبر طويل نقلنا منه موضع الحاجة، و هو أنه لما حضرت أبا طالب الوفاة دعا رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم و بكى، و قال: يا محمد إني أخرج من الدنيا و ما لي غم إلا غمك، إلى أن قال النبي صلى الله عليه و آله و سلم: يا عم إنك تخاف علي أذى أعادي و لا تخاف على نفسك عذاب ربي، فضحك أبو طالب و قال: يا محمد دعوتني و قد كنت قدم أمينا و عقد بيده على ثلاث و ستين عند الخنصر و البنصر، و عقد الإبهام على إصبعه الوسطى و أشار بإصبعه المسبحة بقول لا إله إلا الله محمد رسول الله، فقام علي عليه السلام و قال: الله أكبر، و الذي بعثك بالحق نبيا لقد شفعك في عمك و هداه بك، فقام جعفر و قال: لقد سدتنا في الجنة يا شيخي كما سدتنا في الدنيا، فلما مات أبو طالب أنزل الله تعالى:" يا عِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي واسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ

" انتهى.

و هذا حل متين مؤيد بالخبر، لكن يرد عليه أنه لم يعهد إطلاق الجمل على حساب العقود.

الثالث: أنه أشار بذلك إلى كلمتي لا و إلا، و المراد كلمة التوحيد فإن الأصل و العمدة فيها النفي و الإثبات.

الرابع: أن أبا طالب أو أبا عبد الله عليه السلام أمر بالإخفاء اتقاء، فأشار بحساب العقود إلى كلمة سج من التسجية و هي التغطية أي غط و استر هذا فإنه من الأسرار

ص: 259

و هذا هو المروي عن شيخنا البهائي طيب الله مضجعه، و لا يستقيم هذان إلا بما ذكرنا في الوجه الأول.

الخامس: أنه أشار بذلك إلى أنه أسلم بثلاث و ستين لغة، و يؤيده الخبر السابق بأن يكون الظرف فيه متعلقا بالقول، و على هذا الوجه و الوجه السابق ضمير" عقد" و" بيده" راجعان إلى أبي عبد الله، و على الوجه الثالث يحتمل ذلك و رجوعه إلى أبي طالب.

السادس: أن أبا طالب علم بنبوة نبينا صلى الله عليه و آله قبل بعثته بالجفر، فالمراد أنه أسلم بسبب حساب مفردات الحروف بحساب الجمل.

السابع: أنه أشار بذلك إلى عمر أبي طالب حين أظهر الإسلام و آمن بالله زمان تكليفه و هي ثلاث و ستون سنة.

الثامن: أنه إشارة إلى أن أبا طالب قال ثلاث و ستين قصيدة في مدح النبي صلى الله عليه و آله كل منهما يدل على إيمانه، ذكره بعض الأفاضل و ذكر وجها أغرب من ذلك و هو أن يكون المقصود هذه الصورة الدالة على هذا العدد بدون قصد إلى الدلالة عليه ليكون إشارة إلى أن أبا طالب رمى بإلهام على قلوب مشركي قريش، و هذا يدل على إيمانه و لا يخفى بعد هذه الوجوه و ركاكتها سوى الوجهين الأولين المؤيدين بالخبرين، و الأول منهما أوثق و أظهر.

فائدة

لما ذكر في حل هذا الخبر حساب العقود، و كثيرا ما يبتني على معرفته حل الأخبار الموردة في الأصول المعتبرة أردت أن أذكرها هيهنا، اعلم أن القدماء قد وضعوا ثمان عشرة صورة من أوضاع الأصابع الخمسة اليمنى لضبط الواحد إلى تسعة و تسعين و مثلها من أوضاع الأصابع الخمسة اليسرى لضبط المائة إلى تسعة آلاف و وضعا لعشرة آلاف، فيضبطون بتلك الأوضاع من الواحد إلى عشرة آلاف، و ذلك أنهم جعلوا

ص: 260

الخنصر و البنصر و الوسطى من اليمين لعقود الآحاد، أي للواحد إلى التسعة و من اليسرى لعقود الآحاد الألوف التي هي من الألف إلى تسعة آلاف، و جعلوا السبابة و الإبهام من اليمين لعقود العشرات، أي للعشرة إلى تسعين، و من اليسرى العقود المئات أي للمائة إلى التسعمائة.

و تفصيلها أن تثني الخنصر فقط للواحد و تضم إليه البنصر للاثنين و تضم إليهما الوسطى للثلاثة كما هو المعهود بين الناس في عد الواحد إلى الثلاثة لكن نضع رؤوس الأنامل في هذا العقود قريبة من أصولها، و للأربعة ترفع الخنصر و تقعد البنصر و الوسطى، و للخمسة ترفع البنصر أيضا و تثني الوسطى فقط، و للستة تثني البنصر فقط، و للسبعة تثني الخنصر فقط، و للثمانية تضم إليه البنصر و للتسعة تضم إليهما الوسطى، و لكن في هذه الثلاثة تبسط الأصابع على الكف مائلة أناملها إلى جهة الرسغ لئلا يلتبس بالثلاثة الأول، و للعشرة تضع رأس ظفر السبابة على مفصل أنملة الإبهام ليصير الإصبعان معا كحلقة مدورة، و للعشرين تضع ظفر الإبهام تحت طرف العقدة التحتانية من السبابة التي تلي الوسطى بحيث يظن أن أنملة الإبهام أخذت بين أصل السبابة و الوسطى و إن لم يكن الوضع الوسطى مدخل في ذلك، لكون أوضاعها متغيرة بعقود الآحاد و للثلاثين تضع رأس أنملة السبابة على طرف ظفر الإبهام الذي يليها ليصير وضع السبابة و الإبهام كهيأة القوس مع وترها، و يجوز أن يعرض للإبهام انحناء أيضا و للأربعين تضع باطن الأنملة الإبهام على ظهر العقدة التحتانية من السبابة بحيث لا يبقى بينهما فرجة أصلا، و للخمسين تجعل السبابة منتصبة و تضع الإبهام على الكف محاذيا للسبابة، و للستين تأخذ ظفر الإبهام بباطن العقدة الثانية للسبابة كما تفعله الرماة، و للسبعين تأخذ الإبهام منتصبا و تضع على رأس أنملته باطن أنملة السبابة، أو عقدتها الثانية بحيث يبقى تمام ظفره مكشوفا، و للثمانين تأخذ الإبهام منتصبا و تضع على مفصل أنملته طرف أنملة السبابة، و للتسعين

ص: 261

34 مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ ابْنِ فَضَّالٍ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عُلْوَانَ الْكَلْبِيِّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَزَوَّرِ الْغَنَوِيِّ عَنْ أَصْبَغَ بْنِ نُبَاتَةَ الْحَنْظَلِيِّ قَالَ رَأَيْتُ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ع يَوْمَ افْتَتَحَ الْبَصْرَةَ وَ رَكِبَ بَغْلَةَ رَسُولِ اللَّهِ ص ثُمَّ قَالَ أَيُّهَا النَّاسُ أَ لَا أُخْبِرُكُمْ بِخَيْرِ الْخَلْقِ يَوْمَ يَجْمَعُهُمُ اللَّهُ فَقَامَ إِلَيْهِ- أَبُو أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيُّ فَقَالَ بَلَى يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ حَدِّثْنَا فَإِنَّكَ كُنْتَ تَشْهَدُ وَ نَغِيبُ فَقَالَ إِنَّ خَيْرَ الْخَلْقِ يَوْمَ يَجْمَعُهُمُ اللَّهُ سَبْعَةٌ مِنْ وُلْدِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ لَا يُنْكِرُ فَضْلَهُمْ إِلَّا كَافِرٌ وَ لَا يَجْحَدُ بِهِ إِلَّا جَاحِدٌ فَقَامَ عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ فَقَالَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ سَمِّهِمْ لَنَا لِنَعْرِفَهُمْ فَقَالَ إِنَّ خَيْرَ الْخَلْقِ

تضع رأس ظفر السبابة على مفصل العقدة الثانية من الإبهام.

ثم كل وضع يدل على عقد من الآحاد في اليمنى يدل على ذلك العقد من آحاد الألوف في اليسرى، و كل وضع يدل على عقد من العشرات في اليمنى يدل على ذلك العقد من المئات في اليسرى، فبهذه العقود الستة و الثلاثين تضبط من الواحد إلى تسعة آلاف و تسعمائة و تسعة و تسعين، و لعشرة آلاف تضع طرف أنملة الإبهام على طرف السبابة بحيث يصير ظفراهما متحاذيين، فلخمسة آلاف و سبعمائة و ستة و ثلاثين مثلا تثني وسط اليسرى و تأخذ إبهام اليسرى منتصبا واضعا على رأس أنملته باطن أنملة السبابة، و تثني بنصر اليمنى و تضع رأس أنملة السبابة على طرف ظفر الإبهام الذي يليها ليصيرا كالقوس و الوتر، و قس عليه ما عداه.

و قال أستاذنا في الرياضيات قدس الله لطيفه: لو جعل وضع عشرة آلاف مختصا باليسرى لأمكن ضبط العدد من الواحد إلى عشرة آلاف و تسعة و تسعين.

الحديث الرابع و الثلاثون

: مجهول.

و علوان، بضم العين و سكون اللام، و الحزور بالفتحات و تشديد الواو، و الغنوي بفتحتين و نباتة بضم النون، و الحنظلي نسبة إلى حنظلة بن مالك أبي بطن من تميم" و نغيب" بصيغة المتكلم أي كنت تحضر دائما عند رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم و كنا نغيب أحيانا في الغزوات و غيرها، مع أنه صلوات الله عليه كان يدخل مداخل من الخلوات لا يدخل فيها غيره، و في بعض النسخ بصيغة الخطاب أي تغيب بعد ذلك عنا و الأول أظهر.

ص: 262

يَوْمَ يَجْمَعُهُمُ اللَّهُ الرُّسُلُ وَ إِنَّ أَفْضَلَ الرُّسُلِ مُحَمَّدٌ ص وَ إِنَّ أَفْضَلَ كُلِّ أُمَّةٍ بَعْدَ نَبِيِّهَا وَصِيُّ نَبِيِّهَا حَتَّى يُدْرِكَهُ نَبِيٌّ أَلَا وَ إِنَّ أَفْضَلَ الْأَوْصِيَاءِ وَصِيُّ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ وَ آلِهِ السَّلَامُ أَلَا وَ إِنَّ أَفْضَلَ الْخَلْقِ بَعْدَ الْأَوْصِيَاءِ الشُّهَدَاءُ أَلَا وَ إِنَّ أَفْضَلَ الشُّهَدَاءِ- حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَ جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ لَهُ جَنَاحَانِ خَضِيبَانِ يَطِيرُ بِهِمَا فِي الْجَنَّةِ لَمْ يُنْحَلْ أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ جَنَاحَانِ غَيْرُهُ شَيْ ءٌ كَرَّمَ اللَّهُ بِهِ مُحَمَّداً ص وَ شَرَّفَهُ وَ السِّبْطَانِ الْحَسَنُ وَ الْحُسَيْنُ وَ الْمَهْدِيُّ ع يَجْعَلُهُ اللَّهُ مَنْ شَاءَ مِنَّا

و المراد بالرسل أولو العزم أو الأعم منهم و ممن له كتاب من غيرهم، أو جميع الأنبياء و الأوصياء و هم النبيون و الصديقون و الأوصياء، و المراد بالشهداء من استشهد من غير الأنبياء و الأوصياء بقرينة المقابلة، فالمراد بقوله: أفضل الشهداء، أفضلهم من غير المعصومين، فلا ينافي فضل الشهداء من الأئمة عليهم" خضيبان" أي ملونان بلون دمه" لم ينحل" أي لم يعط" و جناحان" بالرفع على ما في النسخ حكاية للسابق، و إلا فالظاهر جناحين، و يمكن حمله على أنه لم ينحل أحد قبله أو من جملة الصحابة، فلا ينافي إعطاؤهما العباس بن أمير المؤمنين عليهما السلام كما ورد في الخبر و إعطاء الجناحين إما في الجسد الأصلي في الآخرة في جنة الخلد، أو في الجسد المثالي في البرزخ في جنة الدنيا، أو الجسد الأصلي أيضا في البرزخ، و السبطان مبتدأ خبره محذوف، أي منهم السبطان و كذا المهدي منصوب بفعل مضمر يفسره يجعله، فالسبعة النبي و علي و الحسن و الحسين و المهدي و حمزة و جعفر.

و كونهم خير الخلق إما إضافي بالنسبة إلى غير سائر الأئمة عليهم السلام، أو المراد خيرية كل منهم بالنسبة إلى صنفهم، فالنبي صلى الله عليه و آله و سلم أفضل الأنبياء و علي أفضل الأوصياء بلا واسطة، و الحسنان و المهدي أفضل الأئمة عليهم السلام و حمزة و جعفر أفضل الشهداء غير المعصومين، و اكتفى من ذكر سائر الأئمة بذكر أولهم و آخرهم، أو هو محمول

ص: 263

أَهْلَ الْبَيْتِ ثُمَّ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ- وَ مَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَ الرَّسُولَ فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَ الصِّدِّيقِينَ وَ الشُّهَداءِ وَ الصَّالِحِينَ وَ حَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً. ذلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ وَ كَفى بِاللَّهِ عَلِيماً

35 مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ عَنِ ابْنِ فَضَّالٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ النُّعْمَانِ عَنْ أَبِي مَرْيَمَ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ع قَالَ قُلْتُ لَهُ كَيْفَ كَانَتِ الصَّلَاةُ

على التقية، أو هو من أخبار المخالفين ذكر إلزاما عليهم كما سيأتي.

و على بعض الوجوه المراد بالصالحين سائر الأئمة، و على بعضها لمن لم يرتكب كبيرة أو لم يصر عليها و على الصغائر.

" فَأُولئِكَ" إشارة إلى الذين و" رَفِيقاً" تميز عن النسبة، و ذلك إشارة إلى حسن حال رفيقهم، و الفضل خبر أو الفضل صفة ذلك و الظرف خبر.

و أقول: قد روي مثل هذا الخبر من طرق المخالفين، روى السيد في الطرائف من مناقب ابن المغازلي الشافعي يرفعه إلى أبي أيوب الأنصاري أن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم قال:

يا فاطمة إنا أهل بيت أعطينا سبع خصال لم يعطها أحد من الأولين و الآخرين من قبلنا، أو قال: الأنبياء و لا يدركه أحد من الآخرين غيرنا نبينا أفضل الأنبياء و هو أبوك، و وصينا أفضل الأوصياء و هو بعلك، و شهيدنا أفضل الشهداء و هو حمزة عمك و منا من له جناحان يطير بهما في الجنة حيث شاء، و هو ابن عمك، و منها سبطا هذه الأمة و هما ابناك، و منها و الذي نفسي بيده مهدي هذه الأمة.

و أقول: أوردت فضائل حمزة و جعفر عليهما السلام و أحوالهما في الكتاب الكبير.

الحديث الخامس و الثلاثون

: ضعيف على المشهور.

و في القاموس تسجية الميت تغطيته، و قال: العالية قرى بظاهر المدينة و هي العوالي، و في النهاية: العوالي أماكن بأعلى أراضي المدينة و النسبة إليها علوي على غير قياس، و أدناها من المدينة على أربعة أميال و أبعدها من جهة النجد ثمانية، و في

ص: 264

عَلَى النَّبِيِّ ص قَالَ لَمَّا غَسَّلَهُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ ع وَ كَفَّنَهُ سَجَّاهُ ثُمَّ أَدْخَلَ عَلَيْهِ عَشَرَةً فَدَارُوا حَوْلَهُ ثُمَّ وَقَفَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ ع فِي وَسَطِهِمْ فَقَالَ إِنَّ اللَّهَ وَ مَلائِكَتَهُ

المغرب: موضع على نصف فرسخ من المدينة، و في كتاب إكمال الإكمال: عوالي المدينة القرى التي عند المدينة، و ضميرا" عليه" و" حوله" للنبي صلى الله عليه و آله و سلم و إرجاعهما أو الأخير إلى علي عليه السلام بعيد.

و ظاهر الخبر أن الصلاة عليه صلى الله عليه و آله و سلم كان على هذا الوجه بلا تكبير و دعاء آخر، و ربما يأول بأن هذا كان قبل الصلاة أو أنهم كانوا يقرءون هذه الآية بعد كل تكبير و هما بعيدان جدا.

قال بعض الأفاضل: ثم أدخل عليه عشرة، أي من بني هاشم الأقربين" تم وقف" أي بعد خروجه و خروج العشرة من البيت الذي فيه النبي صلى الله عليه و آله و سلم" في وسطهم" أي لم يتقدم عليهم تقدم الإمام على المأموم في صلاة الجماعة، و المضارع في" فيقول" و في" كما يقول" مبنيان على أن قراءة هذه الآية كانت قبل الشروع في الصلاة المعروفة على الميت، و أنه كان منفردا بقراءة هذه الآية، و لم يوافقوه في قراءتها" كما يقول" أي التكبيرات و الدعوات في الصلاة على الجنازة، و هذا مبني على أنهم صلوا فرادى بدون اقتداء" حتى صلى" أي كان عليه السلام قائما في وسط كل عشرة و كرر مع كل عشرة صلاة الجنازة عند باب البيت، انتهى.

و أقول: الأظهر عندي أن أمير المؤمنين عليه السلام صلى عليه أولا مع سائر المعصومين و خواص الملائكة و خواص أصحابه، و كانت صلاة الناس عليه بهذا الوجه للتقية و المصلحة، لئلا يريد التقدم في هذه الصلاة غاصب الخلافة فيجعله فضيلة له و حجة على خلافته، كما احتجوا بالتقدم غصبا في حياته عليه السلام عليها، كما رواه الطبرسي (ره) في كتاب الاحتجاج عن سليم بن قيس الهلالي عن سلمان الفارسي رضي الله عنه قال: لما غسل أمير المؤمنين عليه السلام النبي صلى الله عليه و آله و سلم و كفنه أدخلني و أدخل أبا ذر و المقداد و فاطمة و حسنا و حسينا عليهم السلام، فتقدم و صففنا خلفه و صلى عليه و عائشة

ص: 265

يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَ سَلِّمُوا تَسْلِيماً فَيَقُولُ الْقَوْمُ كَمَا يَقُولُ حَتَّى صَلَّى عَلَيْهِ- أَهْلُ الْمَدِينَةِ وَ أَهْلُ الْعَوَالِي

36 مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْخَطَّابِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ سَيْفٍ عَنْ أَبِي الْمَغْرَاءِ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ بَشِيرٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ع قَالَ قَالَ النَّبِيُّ ص لِعَلِيٍّ ع يَا عَلِيُّ ادْفِنِّي فِي هَذَا الْمَكَانِ وَ ارْفَعْ قَبْرِي مِنَ الْأَرْضِ أَرْبَعَ أَصَابِعَ وَ رُشَّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَاءِ

37 عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ حَمَّادٍ عَنِ الْحَلَبِيِ

في الحجرة لا تعلم قد أخذ جبرئيل ببصرها، ثم أدخل عشرة من المهاجرين و عشرة من الأنصار فيصلون و يخرجون حتى لم يبق أحد من المهاجرين و الأنصار إلا صلى عليه الخبر.

و قال المفيد قدس سره في الإرشاد: فلما فرع أمير المؤمنين عليه السلام من غسله و تجهيزه تقدم فصلى عليه وحده و لم يشركه معه أحد في الصلاة عليه، و كان المسلمون في المسجد يخوضون فيمن يؤمهم في الصلاة عليه و أين يدفن، فخرج إليهم أمير المؤمنين عليه السلام فقال لهم: إن رسول الله إمامنا حيا و ميتا فيدخل إليه فوج بعد فوج منكم فيصلون عليه بغير إمام و ينصرفون، و إن الله تعالى لم يقبض نبيا في مكان إلا و قد ارتضاه لرمسه فيه و إني دافنه في حجرته التي قبض فيها فسلم القوم لذلك و رضوا به، انتهى.

و أقول: الخبر الأول أوثق و أوفق.

الحديث السادس و الثلاثون

: ضعيف.

و يدل على استحباب رفع القبر أربع أصابع، و الظاهر أنها المفرجات، و رش الماء كما سيأتي في كتاب الجنائز إنشاء الله تعالى.

الحديث السابع و الثلاثون

: حسن كالصحيح.

و البقيع، بفتح الباء و كسر القاف الموضع فيه أروم الشجر من ضروب شتى،

ص: 266

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ أَتَى الْعَبَّاسُ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ع فَقَالَ يَا عَلِيُّ إِنَّ النَّاسَ قَدِ اجْتَمَعُوا أَنْ يَدْفِنُوا رَسُولَ اللَّهِ ص فِي بَقِيعِ الْمُصَلَّى وَ أَنْ يَؤُمَّهُمْ رَجُلٌ مِنْهُمْ فَخَرَجَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ ع إِلَى النَّاسِ فَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ص إِمَامٌ حَيّاً وَ مَيِّتاً وَ قَالَ إِنِّي أُدْفَنُ فِي الْبُقْعَةِ الَّتِي أُقْبَضُ فِيهَا ثُمَّ قَالَ عَلَى الْبَابِ فَصَلَّى عَلَيْهِ ثُمَّ أَمَرَ النَّاسَ عَشَرَةً عَشَرَةً يُصَلُّونَ عَلَيْهِ ثُمَّ يَخْرُجُونَ

38 مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْخَطَّابِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ سَيْفٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ شِمْرٍ عَنْ جَابِرٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ع قَالَ لَمَّا قُبِضَ النَّبِيُّ ص صَلَّتْ عَلَيْهِ الْمَلَائِكَةُ وَ الْمُهَاجِرُونَ وَ الْأَنْصَارُ فَوْجاً فَوْجاً قَالَ- وَ قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ ع سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ص يَقُولُ فِي صِحَّتِهِ وَ سَلَامَتِهِ إِنَّمَا أُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ عَلَيَّ فِي الصَّلَاةِ عَلَيَّ بَعْدَ قَبْضِ اللَّهِ لِي- إِنَّ اللَّهَ وَ مَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَ سَلِّمُوا تَسْلِيماً

و اسم خمسة مواضع في المدينة و امتيازها بالمضاف إليه، الأول: بقيع المصلى و هو موضع كان يصلي فيه رسول الله صلى الله عليه و آله صلاة العيد يقال له بقيع الخيل، الثاني: بقيع الغرقد بالفتح لشجر كان ينبت فيه و هو اليوم مقبرة المدينة الثالث: بقيع الزبير لإقطاع رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم إياه زبير بن العوام، الرابع: بقيع الجبجبة لشجر كان ينبت فيه، الخامس: بقيع البطحان بالضم لواد كان بجنبه.

" رجل منهم" أي أبو بكر" فصلى عليه" ظاهره الصلاة وحده لكن لا ينافي ما رويناه عن الاحتجاج من اقتداء الجماعة به، بل يمكن أن يكون وقوفه على الباب لذلك.

قوله: يصلون، ظاهره الصلاة حقيقة، و يمكن حمله على ما مر من قراءة الآية.

الحديث الثامن و الثلاثون

: ضعيف.

" صلت عليه" أي دعت له و ترحمت عليه، أو ضلت الصلاة المعهودة" إنما أنزلت" أي الأمر بالصلاة في هذه الآية المراد به الصلاة بعد الموت أو يشملها أو أنها نزلت لتقرأ قبل الصلاة أو بعد كل تكبير منها، أو عوضا عن الصلاة كما مر.

ص: 267

39 بَعْضُ أَصْحَابِنَا رَفَعَهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ عَنْ دَاوُدَ بْنِ كَثِيرٍ الرَّقِّيِّ قَالَ قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ مَا مَعْنَى السَّلَامِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ فَقَالَ إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى لَمَّا خَلَقَ نَبِيَّهُ وَ وَصِيَّهُ وَ ابْنَتَهُ وَ ابْنَيْهِ وَ جَمِيعَ الْأَئِمَّةِ وَ خَلَقَ شِيعَتَهُمْ أَخَذَ عَلَيْهِمُ الْمِيثَاقَ وَ أَنْ

الحديث التاسع و الثلاثون

: ضعيف على المشهور.

" ما معنى السلام" السلام مجرور و الظرف متعلق به، أو حال منه، أو مرفوع مبتدأ و الظرف خبره، و مضمون الجملة مضاف إليه و الأول أظهر" لما خلق" أي في عالم الأرواح، و يحتمل عالم الأجساد" أخذ عليهم" أي على الشيعة أو على الجميع" الميثاق" أي على ربوبيته و نبوة محمد و ولاية الأئمة عليه و عليهم السلام كما ورد في سائر الأخبار، فاللام للعهد، و قوله: و أن يصبروا إما عطف على مقدر متعلق بالميثاق فينسحب عليه الميثاق، أو على الميثاق، و لا يبعد كون الواو زائدة من النساخ و هو إشارة إلى قوله سبحانه:" يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَ صابِرُوا وَ رابِطُوا وَ اتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ".

و قد روي في معاني الأخبار بإسناده عن أبي بصير قال: سألت أبا عبد الله صلى الله عليه و آله و سلم عن قول الله عز و جل:" يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَ صابِرُوا وَ رابِطُوا" فقال: اصبروا على المصائب، و صابروهم على التقية، و رابطوا على من تقتدون به" وَ اتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ".

و قال البيضاوي: اصبروا على ميثاق الطاعات و ما يصيبكم من الشدائد" وَ صابِرُوا" غالبوا أعداء الله بالصبر على شدائد الحرب و أعدى عدوكم في الصبر على مخالفة الهوى، و تخصيصه بعد الأمر بالصبر مطلقا لشدته" وَ رابِطُوا" أبدانكم و خيولكم في الثغور مرتصدين للغزو و أنفسكم على الطاعة كما قال عليه السلام: من الرباط انتظار الصلاة بعد الصلاة" وَ اتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ" فاتقوه بالتبري عما سواه لكي تفلحوا غاية الفلاح، و اتقوا القبيح لعلكم تفلحون بنيل المقامات الثلاث، المرتبة التي هي الصبر على حضض الطاعات، و مصابرة النفس في رفض العادات، و مرابطة السر على جناب الحق لترصد الواردات المعبر عنه بالشريعة و الطريقة و الحقيقة، انتهى.

ص: 268

يَصْبِرُوا وَ يُصَابِرُوا وَ يُرَابِطُوا وَ أَنْ يَتَّقُوا اللَّهَ وَ وَعَدَهُمْ أَنْ يُسَلِّمَ لَهُمُ الْأَرْضَ الْمُبَارَكَةَ وَ الْحَرَمَ الْآمِنَ وَ أَنْ يُنَزِّلَ لَهُمُ الْبَيْتَ الْمَعْمُورَ وَ يُظْهِرَ لَهُمُ السَّقْفَ الْمَرْفُوعَ وَ يُرِيحَهُمْ

" أن يسلم لهم الأرض المباركة" أي بيت المقدس كما قال تعالى: و" جَعَلْنا بَيْنَهُمْ وَ بَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بارَكْنا فِيها قُرىً ظاهِرَةً" أو المدينة أو الكوفة، و الحرم الأمن مكة أو الأعم منها و من المدينة، كما قال تعالى:" أَ وَ لَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَماً آمِناً" و قيل: الأرض المباركة جميع الأرض سميت مباركة لكونها منازل الأنبياء و الأوصياء و الأولياء و الصلحاء، أو تصير في هذا الزمان مباركة كما سيأتي.

" و أن ينزل لهم البيت المعمور" لم أر فيما أظن نزول البيت المعمور في زمن القائم عليه السلام إلا في هذا الخبر، و ربما يأول بنزول الملائكة منه إلى القائم عليه السلام أو يصير الكعبة كالبيت المعمور لكثرة العبادة فيه و نزول الملائكة إليه، أو المراد بالبيت المعمور بيوت أذن الله أن ترفع و هي بيوت الأئمة عليهم السلام كناية عن صيرورتها معمورة بعد ما كانت مهجورة، و لعله لا حاجة إلى هذه التكلفات و لا امتناع في حمله على ظاهره.

" و يظهر لهم السقف المرفوع" أي السماء الدنيا أو السماوات كلها أو العرش بنفوذ بصرهم فيها و اطلاعهم على غرائبها، و يمكن تخصيصه به عليه السلام و بخواص أصحابه و لا يبعد أن يكون المراد بالسقف المرفوع ما ورد في رواية طويلة عن المفضل بن عمر عن الصادق عليه السلام حيث قال: ثم يخرج الصديق الأكبر أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله عليه و تنصب له القبة بالنجف و يقام أركانها، ركن بالنجف و ركن بهجر و ركن بصنعاء و ركن بأرض طيبة لكأني أنظر إلى مصابيحها تشرق في السماء و الأرض كأضوء من الشمس و القمر، فعندها تبلى السرائر و تذهل كل مرضعة عما أرضعت، الخبر.

و يحتمل أن يكون المراد إظهار بركات السماء كما روي في الخصال في حديث طويل عن أمير المؤمنين عليه السلام: ما أنزلت السماء قطرة من ماء منذ حبسه الله عز و جل

ص: 269

مِنْ عَدُوِّهِمْ وَ الْأَرْضِ الَّتِي يُبَدِّلُهَا اللَّهُ مِنَ السَّلَامِ وَ يُسَلِّمُ مَا فِيهَا لَهُمْ لا شِيَةَ فِيها قَالَ

و لو قد قام قائمنا لأنزلت السماء قطرها و لأخرجت الأرض نباتها، و لذهبت الشحناء من قلوب العباد و اصطلحت السباع و البهائم حتى تمشي المرأة بين العراق إلى الشام لا تضع قدميها إلا على النبات، و على رأسها زينتها لا يهيجها سبع و لا تخافه.

" و الأرض" إما عطف على عدوهم أي تريحهم من آفات الأرض و من في قوله:

من السلام، تعليلية متعلقة بالتبديل، أي يريحهم من آفات الأرض الفاسدة فيصلحها لهم لسلامتهم من الشرور، أو الأرض مبتدأ و من السلام خبره و من تبعيضية، أي من جملة السلام أو تعليلية أي بسببه، و كأنه إشارة إلى بطن قوله تعالى:" يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ" فإن آيات البعث أكثرها مؤولة بالرجعة و زمان القائم عليه السلام في القرآن كما اطلعت على بعضها سالفا، و كون" من" صلة للإبدال يفيد عكس المرام إلا أن يقال هو على القلب، قال في القاموس تبدله و به استبدله، و أبدل منه و بدله اتخذه منه بدلا، و قيل: و الأرض عطف على أن يسلم، و قيل: على الأرض المباركة و يؤيد ما ذكرنا ما رواه الراوندي (ره) في الخرائج بإسناده عن جابر عن أبي جعفر عليه السلام قال: قال الحسين صلوات الله عليه قبل أن يقتل لأصحابه: أبشروا فو الله لئن قتلونا فإنا نرد على نبينا، قال: ثم أمكث ما شاء الله فأكون أول من ينشق الأرض عنه فأخرج خرجة يوافق ذلك خرجة أمير المؤمنين، و قيام قائمنا ثم لينزلن علي وفد من السماء من عند الله، و ساق الحديث إلى أن قال عليه السلام: ثم لأقتلن كل دابة حرم الله لحمها حتى لا يكون على وجه الأرض إلا الطيب، و ساق إلى أن قال: و لا يبقى على وجه الأرض أعمى و لا مقعد و لا مبتلى إلا كشف الله عنه بلائه بنا أهل البيت و لينزلن البركة من السماء إلى الأرض حتى إن الشجرة لتنقصف بما يريد الله فيها من الثمرة، و ليأكلن ثمرة الشتاء في الصيف و ثمرة الصيف في الشتاء، و ذلك قوله تعالى:" وَ لَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى آمَنُوا وَ اتَّقَوْا لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَ الْأَرْضِ

ص: 270

لَا خُصُومَةَ فِيهَا لِعَدُوِّهِمْ وَ أَنْ يَكُونَ لَهُمْ فِيهَا مَا يُحِبُّونَ وَ أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ ص عَلَى جَمِيعِ الْأَئِمَّةِ وَ شِيعَتِهِمُ الْمِيثَاقَ بِذَلِكَ وَ إِنَّمَا السَّلَامُ عَلَيْهِ تَذْكِرَةُ نَفْسِ الْمِيثَاقِ وَ تَجْدِيدٌ لَهُ عَلَى اللَّهِ لَعَلَّهُ أَنْ يُعَجِّلَهُ جَلَّ وَ عَزَّ وَ يُعَجِّلَ السَّلَامَ لَكُمْ بِجَمِيعِ مَا فِيهِ

6- 40 ابْنُ مَحْبُوبٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سِنَانٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ سَمِعْتُهُ

وَ لكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْناهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ" الخبر.

" و يسلم ما فيها لهم لا شية فيها" تضمين من الآية الكريمة في قصة البقرة:

" بَقَرَةٌ لا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَ لا تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لا شِيَةَ فِيها" قال البيضاوي:

مُسَلَّمَةٌ سلمه الله من العيوب أو أهلها من العمل، أو أخلص لونها من سلم له كذا إذا أخلص له" لا شِيَةَ فِيها" لا لون فيها يخالف لون جلدها، و هي في الأصل مصدر وشاه وشيا و شية إذا خلط بلونه لونا آخر، و في القاموس: وشى الثوب كرعا وشيا و شية حسنة و نقشه و حسنه كوشاه، و كلامه: كذب فيه، و به أي السلطان، وشيا و وشاية، نم و سعى، و شية الفرس كعدة: لونه، انتهى.

و تفسير الشية هنا بالخصومة مبني على حمل الكلام على الاستعارة، فإنه إذا لم يسلم لهم الأرض كملا بل كان لبعضها فيه خصومة فكانت كحيوان فيه لون غير لون أصله.

" و إنما السلام عليه" الظرف متعلق بالسلام قدم للحصر و السلام مبتدأ و تذكرة خبره، و مضاف إلى نفس المضاف إلى الميثاق، أي تذكير أصل الميثاق و ما قيل: أن نفسا منون مجرور، و الميثاق منصوب فهو بعيد، و قوله: على الله مبني على أن السلام على رسول الله جملة دعائية" بجميع ما فيه" أي مع جميع ما في السلام و ما يستلزمه من البركات المتقدمة.

الحديث الأربعون

: صحيح على الظاهر، إذ الكليني و إن لم يرو عن ابن محبوب لكن مر مرارا توسط الأسانيد الصحيحة بينه و بينه كما مر في أوائل هذا

ص: 271

يَقُولُ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ صَفِيِّكَ وَ خَلِيلِكَ وَ نَجِيِّكَ الْمُدَبِّرِ لِأَمْرِكَ

بَابُ النَّهْيِ عَنِ الْإِشْرَافِ عَلَى قَبْرِ النَّبِيِّ ص

1 عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْبَرْقِيِّ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ الْمُثَنَّى الْخَطِيبِ قَالَ كُنْتُ بِالْمَدِينَةِ وَ سَقْفُ الْمَسْجِدِ الَّذِي يُشْرِفُ عَلَى الْقَبْرِ قَدْ سَقَطَ وَ الْفَعَلَةُ يَصْعَدُونَ وَ يَنْزِلُونَ وَ نَحْنُ جَمَاعَةٌ فَقُلْتُ لِأَصْحَابِنَا مَنْ مِنْكُمْ لَهُ مَوْعِدٌ يَدْخُلُ عَلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع اللَّيْلَةَ فَقَالَ مِهْرَانُ بْنُ أَبِي نَصْرٍ أَنَا وَ قَالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَمَّارٍ الصَّيْرَفِيُّ أَنَا فَقُلْنَا لَهُمَا سَلَاهُ لَنَا عَنِ الصُّعُودِ لِنُشْرِفَ عَلَى قَبْرِ النَّبِيِّ ص فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ لَقِينَاهُمَا فَاجْتَمَعْنَا جَمِيعاً فَقَالَ إِسْمَاعِيلُ قَدْ سَأَلْنَاهُ لَكُمْ عَمَّا ذَكَرْتُمْ فَقَالَ مَا أُحِبُّ لِأَحَدٍ مِنْهُمْ أَنْ يَعْلُوَ فَوْقَهُ وَ لَا آمَنُهُ أَنْ يَرَى شَيْئاً يَذْهَبُ مِنْهُ بَصَرُهُ أَوْ يَرَاهُ قَائِماً

الباب أيضا، عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد عن ابن محبوب، و إنما ذكر الخبر في هذا الباب لاشتماله على فضائل الرسول صلى الله عليه و آله و سلم، و كأنه ترك تتمة الدعاء فلا يدل على جواز الصلاة على الرسول بدون الصلاة على الآل كما توهم.

و الصفي المختار و النجي صاحب السر و الخالص المدبر لأمرك، يدل على أن له صلى الله عليه و آله مدخلا في تدبير أمور العالم، و أن الملائكة الموكلين بذلك مأمورين بأمره و يمكن أن يراد به أمر الدين كما مر في باب التفويض، أو المراد إجراء أوامر الله بين الخلق.

باب النهي عن الإشراف على قبر النبي صلى الله عليه و آله

الحديث الأول

: مجهول و كان في السند سقطا أو إرسالا، فإن جعفر بن المثنى من أصحاب الرضا عليه السلام و لم يدرك زمان الصادق عليه السلام.

و الفعلة بالتحريك جمع فاعل: عملة البناء" من منكم"؟ استفهام" الليلة" منصوب بالظرفية" يذهب منه" أي بسببه" بصره" و هذا مشهور عند أهل المدينة

ص: 272

يُصَلِّي أَوْ يَرَاهُ مَعَ بَعْضِ أَزْوَاجِهِ ص

أن رؤية قبره المقدس المنور يورث ذهاب البصر، فإذا أسقط في الضريح شي ء يشدون عصابة على بصر صبي و يدخلونه فيخرج ذلك، و قوله عليه السلام: لا أحب، ظاهره الكراهة لكن التعليل يومئ إلى الحرمة، و لم أر لأصحابنا في ذلك نصا" أو يراه قائما" بجسده الأصلي أو المثالي، و الظاهر في بعض الأرواح الأجساد المثالية.

و اعلم أن الأخبار مستفيضة في أن النبي و الأئمة صلوات الله عليهم بل سائر الأنبياء عليهم السلام لهم بعد وفاتهم أحوال غريبة ليس لسائر الخلق معهم فيها شركة لحرمة لحومهم على الأرض، و صعود أجسادهم إلى السماء و رؤية بعضهم بعضا و أحيائهم أمواتهم، بل بعض الناس من غيرهم أيضا إياهم، و قد أوردت أخبارا كثيرة في ذلك في الكتاب الكبير، و إنما النظر في أن تلك الأحوال هل لأجسادهم الأصلية أو للأجساد المثالية، فظاهر أكثر أصحابنا أنها في أجسادهم الأصلية و لا دليل عقلا و نقلا على نفي ذلك مع أن كثيرا من الأخبار الصحيحة و المعتبرة تدل عليه.

قال الشيخ المفيد قدس الله روحه في كتاب المقالات: إن رسل الله تعالى من البشر و أنبياءه و الأئمة من خلفائه عليهم السلام محدثون مصنوعون تلحقهم الآلام و تحدث لهم اللذات و تنمي أجسادهم بالأغذية، و تنقص على مرور الزمان، و يحل بهم الموت و يجوز عليهم الفناء، و على هذا القول إجماع أهل التوحيد، و قد خالفنا فيه المنتمون إلى التفويض و طبقات الغلاة، فأما أحوالهم بعد الوفاة فإنهم ينقلون من تحت التراب فيسكنون بأجسامهم و أرواحهم جنة الله تعالى، فيكونون فيها أحياء يتنعمون إلى يوم الممات، يستبشرون بمن يلحق بهم من صالحي أممهم و شيعتهم، و يلقونه بالكرامة و ينتظرون من يرد عليهم من أمثال السابقين في الديانات، و إن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم و الأئمة من عترته عليهم السلام خاصة لا تخفى عليهم بعد الوفاة أحوال شيعتهم في دار الدنيا بإعلام الله تعالى لهم ذلك، حالا بعد حال، و يسمعون كلام المناجي لهم في مشاهدهم المكرمة العظام بلطيفة من ألطاف الله تعالى يبينهم بها من جمهور العباد،

ص: 273

و تبلغهم المناجاة من بعد كما جاءت به الرواية، و هذا مذهب فقهاء الإمامية كافة و حملة الآثار منهم، و لست أعرف فيه لمتكلمهم من قبل مقالا، و بلغني عن بني نوبخت خلاف فيه، و لقيت جماعة من المقصرين عن المعرفة ممن ينتمي إلى الإمامة أيضا يأبونه، و قد قال الله تعالى:" وَ لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ، فَرِحِينَ بِما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَ يَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَ لا هُمْ يَحْزَنُونَ" و ما يتلو هذا من الكلام، و قال في قصة مؤمن آل فرعون:" قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قالَ يا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ بِما غَفَرَ لِي رَبِّي وَ جَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ" و قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: من سلم علي عند قبري سمعته، و من سلم من بعيد بلغته، سلام الله عليه و آله و رحمة الله و بركاته، ثم الأخبار في تفصيل ما ذكرناه من الجملة عن أئمة آل محمد عليهم السلام بما وصفناه نصا و لفظا أكثر، و ليس هذا الكتاب موضع ذكرها، انتهى كلامه رفع الله مقامه.

و قال الشيخ أبو الفتح الكراجكي (ره) في كتاب كنز الفوائد: إنا لا نشك في موت الأنبياء عليهم السلام غير أن الخبر قد ورد بأن الله تعالى يرفعهم بعد مماتهم إلى سمائه، و أنهم يكونون فيها أحياء متنعمين إلى يوم القيامة ليس ذلك بمستحيل في قدرة الله سبحانه، و قد ورد عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم أنه قال: أنا أكرم عند الله من أن يدعني في الأرض أكثر من ثلاث و هكذا عندنا حكم الأئمة عليهم السلام، قال النبي صلى الله عليه و آله و سلم: لو مات نبي بالمشرق و مات وصيه بالمغرب يجمع الله بينهما، و ليس زيارتنا بمشاهدهم على أنهم بها و لكنها أشرف المواضع، فكانت غيبت الأجسام فيها و لعبادتنا أيضا ندبنا إليها، فيصح على هذا أن يكون النبي صلى الله عليه و آله و سلم رأي الأنبياء عليهم السلام في السماء فسألهم كما أمره الله تعالى، و بعد فقد قال الله تعالى:" وَ لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتاً

ص: 274

بَابُ مَوْلِدِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وُلِدَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ ع- بَعْدَ عَامِ الْفِيلِ بِثَلَاثِينَ سَنَةً وَ قُتِلَ ع فِي شَهْرِ رَمَضَانَ

بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ" فإذا كان المؤمنون الذين قتلوا في سبيل الله على هذا الوصف فكيف ينكر أن الأنبياء بعد موتهم أحياء منعمون في السماء، و قد اتصلت الأخبار من طريق الخاص و العام بتصحيح هذا، و أجمع الرواة على أن النبي صلى الله عليه و آله لما خوطب بفرض الصلاة ليلة المعراج و هو في السماء قال له موسى عليه السلام: إن أمتك لا تطيق، و إنه راجع إلى الله تعالى دفعة بعد أخرى، و ما حصل عليه الاتفاق فلم يبق فيه كذب، انتهى.

و أقول: نظير هذا موجود في طرق المخالفين أيضا، روى مسلم بإسناده عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم قال: مررت على موسى بن عمران عليه السلام و هو يصلي في قبره و قال الآبي: صلاته في قبره من الجائز عقلا، و أخبر الشرع به فيجب الإيمان به و ليست صلاة تكليف لانقطاع التكليف بالموت، بل محبة و استحلاء كما يجد كثير من العباد من اللذة في قيام الليل، و لما دفن ثابت البناني و وضعت اللبن عليه سقطت لبنة فرآه بعضهم ممن الحدة قائما يصلي، فقال لمن الحدة معه: أ لا ترى؟ فلما انصرفا من دفنه أتيا داره و سألا ابنته ما كان حاله في حياته؟ فقالت لا أخبركما حتى تخبراني بما رأيتما، فأخبراها، فقالت:

علمت أن الله تعالى لا يضيع دعاءه، كان كثيرا ما يقول: اللهم إن أعطيت أحدا الصلاة في قبره فأعطنيها، انتهى.

باب مولد أمير المؤمنين صلوات الله عليه

اشارة

" بعد عام الفيل" فكان للنبي صلى الله عليه و آله و سلم يومئذ ثلاثون سنة، و كان قبل المبعث بعشر سنين، و قال الشيخ في التهذيب: ولد عليه السلام بمكة في البيت الحرام يوم الجمعة لثلاثة عشرة ليلة خلت من رجب بعد عام الفيل بثلاثين سنة، و قبض عليه السلام قتيلا بالكوفة

ص: 275

لِتِسْعٍ بَقِينَ مِنْهُ لَيْلَةَ الْأَحَدِ سَنَةَ أَرْبَعِينَ مِنَ الْهِجْرَةِ وَ هُوَ ابْنُ ثَلَاثٍ وَ سِتِّينَ سَنَةً بَقِيَ بَعْدَ قَبْضِ النَّبِيِّ ص ثَلَاثِينَ سَنَةً وَ أُمُّهُ فَاطِمَةُ بِنْتُ أَسَدِ بْنِ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ وَ هُوَ

ليلة الجمعة لتسع ليال بقين من شهر رمضان سنة أربعين من الهجرة، و له يومئذ ثلاث و ستون سنة، و قال (ره) في المصباح: ذكر ابن عياش أن اليوم الثالث عشر من رجب كان مولد أمير المؤمنين عليه السلام في الكعبة قبل النبوة باثنتي عشرة سنة، و روي عن عتاب بن أسيد أنه قال: ولد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب بمكة في بيت الله الحرام يوم الجمعة لثلاث عشرة ليلة خلت من رجب، و للنبي صلى الله عليه و آله و سلم ثمان و عشرون سنة قبل النبوة باثنتي عشرة سنة.

قال: و روى صفوان الجمال عن أبي عبد الله جعفر بن محمد عليه السلام قال: ولد أمير المؤمنين عليه السلام في يوم الأحد لسبع خلون من شعبان، و قال الشهيد (ره) في الدروس:

أمير المؤمنين أبو الحسن علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم، و أبو طالب و عبد الله أخوان للأبوين، و أمه فاطمة بنت أسد بن هاشم و هو و إخوته أول هاشمي ولد بين هاشميين، ولد يوم الجمعة ثالث عشر رجب، و روى سابع شعبان بعد مولد النبي صلى الله عليه و آله و سلم بثلاثين سنة، انتهى.

و أقول: قد قيل: أنه ولد في الثالث و العشرين من شعبان، و قال صاحب الفصول المهمة: كان ولد أبي طالب طالبا و لا عقب له، و عقيلا و جعفرا و عليا، و كل واحد أسن من الآخر بعشر سنين، و أم هاني و اسمها فاختة، و أمهم جميعا فاطمة بنت أسد هكذا ذكر موفق بن أحمد الخوارزمي في كتاب المناقب، ولد عليه السلام بمكة المشرفة داخل البيت الحرام في يوم الجمعة الثالث عشر من شهر الله الأصم رجب، سنة ثلاثين من عام الفيل قبل الهجرة بثلاث و عشرين سنة، و قيل: بخمس و عشرين و قبل المبعث باثنتي عشرة سنة، و قيل: بعشر سنين، و لم يولد في البيت الحرام قبله أحد سواه، و هي فضيلة خصه الله تعالى بها إجلالا له و إعلاء لمرتبته و إظهارا لكرامته، و كان هاشميا من هاشميين أولد من ولده هاشم مرتين، و كان مولده بعد أن دخل رسول الله

ص: 276

أَوَّلُ هَاشِمِيٍّ وَلَدَهُ هَاشِمٌ مَرَّتَيْنِ

1 الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى الْفَارِسِيِّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ أَبَانٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُسْكَانَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ع إِنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ أَسَدٍ جَاءَتْ إِلَى أَبِي طَالِبٍ لِتُبَشِّرَهُ بِمَوْلِدِ النَّبِيِّ ص فَقَالَ أَبُو طَالِبٍ اصْبِرِي سَبْتاً أُبَشِّرْكِ بِمِثْلِهِ إِلَّا النُّبُوَّةَ وَ قَالَ السَّبْتُ ثَلَاثُونَ سَنَةً وَ كَانَ بَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ

صلى الله عليه و آله بخديجة بثلاث سنين، و كان عمر رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم يوم ولادة علي عليه السلام ثماني و عشرين سنة، انتهى كلام المالكي.

و قال بعض علمائهم: هو أول من أسلم من الذكور في أكثر الأقوال، و قد اختلف في سنه يومئذ فقيل: كان له خمس عشرة سنة، و قيل: ست عشرة، و قيل: أربع عشرة، و قيل ثلاث عشرة، و قيل: ثماني سنين و قيل: عشر سنين.

و ضربه ابن ملجم لعنه الله بالكوفة صبيحة الجمعة لسبع عشر ليلة خلت من شهر رمضان، سنة أربعين و مات بعد ثلاث ليال من ضربته، و قيل: ضرب ليلة إحدى و عشرين و مات ليلة الأحد، و قيل: يوم الأحد و له من العمر ثلاث و ستون سنة، و قيل: خمس و ستون سنة و قيل: سبع، و قيل: ثمان و خمسون، و كانت خلافته خمس سنين و تسعة أشهر و أياما، انتهى.

قوله (ره): ولده هاشم مرتين، أي انتسب إلى هاشم من قبل الأب و الأم معا، و كان المراد الأولية الإضافية و إلا فإخوته كانوا أكبر منه، فكيف يكون أول من ولده هاشم مرتين، فالأولى ما ذكره المفيد و الشهيد و غيرهما قدس الله أسرارهم: هو و إخوته أول هاشمي ولد بين هاشميين، و قال بعضهم: كانت فاطمة أول هاشمية ولدت لهاشمي، و هذا أيضا حسن.

الحديث الأول

مجهول، و السبت الدهر كما ذكره الجوهري و الفيروزآبادي و غيرهما، و في النهاية: مدة من الزمان قليلة كانت أم كثيرة، فالتفسير بالسبت إما لشيوعه بهذا المعنى في ذلك الزمان، أو لأن مراده كان هذه المدة و إن لم يوضع

ص: 277

ص- وَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ ع ثَلَاثُونَ سَنَةً

2 عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ السَّيَّارِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُمْهُورٍ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ إِنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ أَسَدٍ أُمَّ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ كَانَتْ أَوَّلَ امْرَأَةٍ هَاجَرَتْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ص مِنْ مَكَّةَ إِلَى الْمَدِينَةِ عَلَى قَدَمَيْهَا وَ كَانَتْ مِنْ أَبَرِّ النَّاسِ- بِرَسُولِ اللَّهِ ص فَسَمِعَتْ رَسُولَ اللَّهِ وَ هُوَ يَقُولُ إِنَّ النَّاسَ يُحْشَرُونَ يَوْمَ

لخصوص هذا المعنى، و يدل علي تقدم إيمان أبي طالب و أنه كان من الأوصياء، و أمينا على أسرار الأنبياء.

الحديث الثاني

ضعيف، و قال صاحب الدار النظيم: أسلمت فاطمة بنت أسد رضي الله عنها و هاجرت و بايعت و ماتت بالمدينة، و بإسناد المخالفين عن أنس بن مالك قال: لما ماتت فاطمة بنت أسد دخل إليها رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم فجلس عند رأسها و قال:

رحمك الله يا أمي كنت أمي بعد أمي تجوعين و تشبعيني، و تعرين و تكسيني، و تمنعين نفسك طيب الطعام و تطعميني، تريدين بذلك وجه الله و الآخرة، و غمضها ثم أمر أن تغسل بالماء ثلاثا فلما بلغ الماء الذي فيه الكافور سكبه رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم بيده ثم خلع قميصه فألبسه إياها و كفنت، و دعا لها أسامة بن زيد مولى رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم و أبا أيوب الأنصاري و عمر بن الخطاب و غلاما أسود، فحفروا لها قبرها، فلما بلغوا اللحد حفره رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم بيده و أخرج ترابه و دخل رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم قبرها فاضطجع فيه، ثم قال: الله الذي يحيي و يميت و هو حي لا يموت اللهم اغفر لأمي فاطمة بنت أسد بن هاشم، و لقنها حجتها، و وسع عليها مدخلها بحق نبيك و الأنبياء من قبلي، فإنك أرحم الراحمين، و أدخلها رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم اللحد و العباس و أبو بكر.

و قوله صلى الله عليه و آله عراة، كان المراد أنه يحشر بعضهم أو أكثرهم عراة، أو في أول الأمر ثم يكسون لدلالة كثير من الأخبار على حشر بعضهم مكسوا و للأمر بتجديد الأكفان معللا بأنهم يحشرون يوم القيامة بها، و يمكن أن يكون الحشر مع الكفن أو ثياب الجنة لكمل المؤمنين أو لهذه الأمة، و عاريا لغيرهم و يكون تكفينها في

ص: 278

الْقِيَامَةِ عُرَاةً كَمَا وُلِدُوا فَقَالَتْ وَا سَوْأَتَاهْ فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ ص فَإِنِّي أَسْأَلُ اللَّهَ أَنْ يَبْعَثَكِ كَاسِيَةً وَ سَمِعَتْهُ يَذْكُرُ ضَغْطَةَ الْقَبْرِ فَقَالَتْ وَا ضَعْفَاهْ فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ ص فَإِنِّي أَسْأَلُ اللَّهَ أَنْ يَكْفِيَكِ ذَلِكِ وَ قَالَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ ص يَوْماً إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُعْتِقَ جَارِيَتِي هَذِهِ فَقَالَ لَهَا إِنْ فَعَلْتِ أَعْتَقَ اللَّهُ بِكُلِّ عُضْوٍ مِنْهَا عُضْواً مِنْكِ مِنَ النَّارِ فَلَمَّا مَرِضَتْ أَوْصَتْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ص وَ أَمَرَتْ أَنْ يُعْتِقَ خَادِمَهَا وَ اعْتُقِلَ لِسَانُهَا فَجَعَلَتْ تُومِي إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ص إِيمَاءً فَقَبِلَ رَسُولُ اللَّهِ ص وَصِيَّتَهَا فَبَيْنَمَا هُوَ ذَاتَ يَوْمٍ قَاعِدٌ إِذْ أَتَاهُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ ع وَ هُوَ يَبْكِي فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ ص مَا يُبْكِيكَ فَقَالَ مَاتَتْ أُمِّي فَاطِمَةُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ وَ أُمِّي وَ اللَّهِ وَ قَامَ مُسْرِعاً حَتَّى دَخَلَ فَنَظَرَ إِلَيْهَا وَ بَكَى ثُمَّ أَمَرَ النِّسَاءَ أَنْ يَغْسِلْنَهَا وَ قَالَ ص إِذَا

قميصه لزيادة الاطمئنان، و قد روت العامة أيضا بعثهم عراة، روى مسلم عن عائشة قالت: سمعت النبي صلى الله عليه و آله يقول: يحشر الناس يوم القيامة حفاة عراة، قلت: يا رسول الله الرجال و النساء جميعا ينظر بعضهم إلى بعض؟ فقال: الأمر أشد من أن ينظر بعضهم إلى بعض، فيمكن حمل مثله من أخبارنا على التقية.

" وا سوأتاه"" وا" حرف تفجع يدخل على المتفجع منه كوا حزناه، و على المتفجع عليه كوا زيداه، و الألف زائدة لمد الصوت في المصيبة، و زيادة الهاء الساكنة لزيادة مد الصوت و السوأة بالفتح الفضيحة قال في النهاية: السوءة في الأصل الفرج، ثم يقال على كل ما يستحيي منه إذا ظهر من قول أو فعل.

و الضغطة بالفتح: العصر، و في المغرب اعتقل لسانه بضم التاء إذا احتبس عن الكلام، و لم يقدر عليه، انتهى.

و الإيماء لتكليف الوصية أو لبيان الوصايا، و يدل على جواز الوصية بالإشارة المفهمة كما ذكروه الأصحاب" أمي" أي هي أمي، أو ماتت أمي على التشبيه و الاستعارة لتربيتها له، و كون شفقتها عليه كشفقة الأم" و بكى" يدل على عدم مرجوحية البكاء

ص: 279

فَرَغْتُنَّ فَلَا تُحْدِثْنَ شَيْئاً حَتَّى تُعْلِمْنَنِي فَلَمَّا فَرَغْنَ أَعْلَمْنَهُ بِذَلِكَ فَأَعْطَاهُنَّ أَحَدَ قَمِيصَيْهِ الَّذِي يَلِي جَسَدَهُ وَ أَمَرَهُنَّ أَنْ يُكَفِّنَّهَا فِيهِ وَ قَالَ لِلْمُسْلِمِينَ إِذَا رَأَيْتُمُونِي قَدْ فَعَلْتُ شَيْئاً لَمْ أَفْعَلْهُ قَبْلَ ذَلِكَ فَسَلُونِي لِمَ فَعَلْتُهُ فَلَمَّا فَرَغْنَ مِنْ غُسْلِهَا وَ كَفْنِهَا دَخَلَ ص فَحَمَلَ جَنَازَتَهَا عَلَى عَاتِقِهِ فَلَمْ يَزَلْ تَحْتَ جَنَازَتِهَا حَتَّى أَوْرَدَهَا قَبْرَهَا ثُمَّ وَضَعَهَا وَ دَخَلَ الْقَبْرَ فَاضْطَجَعَ فِيهِ ثُمَّ قَامَ فَأَخَذَهَا عَلَى يَدَيْهِ حَتَّى وَضَعَهَا فِي الْقَبْرِ ثُمَّ انْكَبَّ عَلَيْهَا طَوِيلًا يُنَاجِيهَا وَ يَقُولُ لَهَا ابْنُكِ ابْنُكِ بْنُكِ] ثُمَّ خَرَجَ وَ سَوَّى عَلَيْهَا ثُمَّ انْكَبَّ عَلَى قَبْرِهَا فَسَمِعُوهُ يَقُولُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْتَوْدِعُهَا إِيَّاكَ ثُمَّ انْصَرَفَ فَقَالَ لَهُ الْمُسْلِمُونَ إِنَّا رَأَيْنَاكَ فَعَلْتَ أَشْيَاءَ لَمْ تَفْعَلْهَا قَبْلَ الْيَوْمِ

على الميت إذا لم يكن متضمنا للشكاية." إذا فرغتن" أي من الغسل" فلا تحدثن شيئا" من الكفن و غيره" أجدى قميصه" أي أنفعهما و أحسنهما فهو بالجيم، و في بعض النسخ بالحاء المهملة و هو خطاء للتوصيف بالمذكر و إن أمكن أن يرتكب فيه نوع من التكلف، و العاتق موضع الرداء من المنكب، و فيه حث علي حمل الجنازة لا سيما جنازة الصلحاء و الأبرار و على عدم كراهته للأقارب البعيدة.

" ثم انكب عليها" أي أدنى رأسه إلى رأسها بعد وضع اللبن أو قبله" ابنك ابنك" أي هو ابنك" و سوى عليها" أي طرح عليها التراب أو أمر بطرحه عليها إلى امتلاء القبر و استوى بالأرض" أستودعها إياك" أي أجعلها وديعة عندك" اليوم فقدت بر أبي طالب" أي كان إحسان أبي طالب و لطفها به مستمرا إلى اليوم بوجود فاطمة، لأنها كانت برة بي إلى الآن، و كان أبو طالب السبب في ذلك أو برأ شبيها ببره، ثم ذكر صلى الله عليه و آله و سلم برها بقوله: إن كانت، إن مخففة و ضمير الشأن مقدر و اللام في ليكون معترضة مفتوحة كقوله تعالى:" وَ إِنْ كانَتْ لَكَبِيرَةً" و قوله: لذلك متعلق بكل من الفعلين، فالتكفين للضمان الأول و الاضطجاع للثاني" ما يسأل عنه" أي ما يسأل الناس

ص: 280

فَقَالَ الْيَوْمَ فَقَدْتُ بِرَّ أَبِي طَالِبٍ إِنْ كَانَتْ لَيَكُونُ عِنْدَهَا الشَّيْ ءُ فَتُؤْثِرُنِي بِهِ عَلَى نَفْسِهَا وَ وَلَدِهَا وَ إِنِّي ذَكَرْتُ الْقِيَامَةَ وَ أَنَّ النَّاسَ يُحْشَرُونَ عُرَاةً فَقَالَتْ وَا سَوْأَتَاهْ فَضَمِنْتُ لَهَا أَنْ يَبْعَثَهَا اللَّهُ كَاسِيَةً وَ ذَكَرْتُ ضَغْطَةَ الْقَبْرِ فَقَالَتْ وَا ضَعْفَاهْ فَضَمِنْتُ لَهَا أَنْ يَكْفِيَهَا اللَّهُ ذَلِكَ فَكَفَّنْتُهَا بِقَمِيصِي وَ اضْطَجَعْتُ فِي قَبْرِهَا لِذَلِكَ وَ انْكَبَبْتُ عَلَيْهَا

عنه، و في القاموس رتج كفرح استغلق عليه الكلام كارتج عليه و ارتج، و في الصحاح:

ارتجت الباب أغلقته، و ارتج على القاري على ما لم يسم فاعله إذا لم يقدر على القراءة كأنه أطبق عليه، كما يرتج الباب، و كذلك ارتتج عليه، و لا تقل ارتج عليه بالتشديد انتهى.

و يدل على أنه يقع السؤال عن الإمام و قيل إمامته أيضا إن قلنا بأن أمير المؤمنين عليه السلام لم يكن إماما في حياة الرسول صلى الله عليه و آله و سلم بعد النص عليه، و يمكن أن يقال: إن هذا السؤال كان مختصا بها و بأمثالها الذين لهم اختصاص بهم عليهم السلام، و اطلاع على فضائلهم و درجاتهم، أو بكل من علم النص لأنه مكلف بالإذن به بعد السماع من المعصوم.

و سئل السيد المرتضى رضي الله عنه في المسائل العكبرية: قد كان أمير المؤمنين و الحسن و الحسين عليهم السلام في زمان واحد و جميعهم أئمة منصوص عليهم، فهل كانت طاعتهم جميعا واجبة في وقت واحد؟ و هل كانت طاعة بعضهم واجبة على بعض و كيف كانت الحال في ذلك؟ فأجاب قدس سره بأن الطاعة في وقت رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم كانت له من جهة الإمامة دون غيره، فلما قبض عليه السلام صارت الإمامة من بعده لأمير المؤمنين عليه السلام و من عداه من الناس رعية له، فلما قبض صارت الإمامة للحسن بن علي عليهما السلام و الحسين إذ ذاك رعية لأخيه الحسن عليه السلام، فلما قبض الحسن عليه السلام صار الأمر إلى الحسين عليه السلام و هو إمام مفترض الطاعة على الأنام، و هكذا حكم كل إمام و لم يستدل الجماعة في الإمامة بشي ء إلا ما ذكرناه.

و قد قال قوم من أصحابنا الإمامية: أن الإمامة كانت لرسول الله و أمير المؤمنين

ص: 281

فَلَقَّنْتُهَا مَا تُسْأَلُ عَنْهُ فَإِنَّهَا سُئِلَتْ عَنْ رَبِّهَا فَقَالَتْ وَ سُئِلَتْ عَنْ رَسُولِهَا فَأَجَابَتْ وَ سُئِلَتْ عَنْ وَلِيِّهَا وَ إِمَامِهَا فَارْتَجَّ عَلَيْهَا فَقُلْتُ ابْنُكِ ابْنُكِ بْنُكِ]

3 بَعْضُ أَصْحَابِنَا عَمَّنْ ذَكَرَهُ عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ أَبَانٍ الْكَلْبِيِّ عَنِ الْمُفَضَّلِ بْنِ عُمَرَ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ع يَقُولُ لَمَّا وُلِدَ رَسُولُ اللَّهِ ص فُتِحَ لآِمِنَةَ بَيَاضُ فَارِسَ وَ قُصُورُ الشَّامِ فَجَاءَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ أَسَدٍ أُمُّ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ إِلَى أَبِي

و الحسن و الحسين صلوات الله عليهم في وقت واحد، إلا أن النطق و الأمر و النهي كان لرسول الله صلى الله عليه و آله و سلم مدة حياته دون غيره، و كذلك الأمر لأمير المؤمنين صلوات الله عليه دون الحسن و الحسين عليهما السلام و جعلوا الإمام الثاني في وقت صاحبه صامتا و جعلوا الأول ناطقا، و هذا خلاف في عبارة و الأصل ما قدمناه، انتهى.

و ظاهر الشافي انعقاد الإجماع على عدم إمامة أمير المؤمنين عليه السلام في زمن حياة الرسول صلى الله عليه و آله و سلم، و الحق أن الإمامة بمعنى الرئاسة العامة و عموم الأمر و النهي و عدم كونه رعية لأحد إنما هي بعد الرسول صلى الله عليه و آله و سلم، و أما فرض الطاعة فالظاهر أنه كان عليه السلام في هذا الوقت أيضا بحيث إذا أمر بشي ء أو نهى عنه وجبت إطاعته، و كان كلامه حجة لكونه معصوما، و نعم ما قال السيد قدس سره أن المناقشة لفظية فتأمل.

ثم إن اضطرابها رضي الله عنهما و ارتجاج الكلام عليها لعله كان لشدة قربه عليه السلام بها، أو لمصلحة أن يظهر على الناس السؤال في القبر عن الإمامة على أبلغ وجه.

الحديث الثالث

: مختلف فيه للمفضل.

" فتح لآمنة" أي كشف الحجاب عنها و قوي بصرها على رؤية قصور المدائن و الشام لتعلم أنها تفتح على أمة ابنه، أو مثل لها مثالها، قال في النهاية: في الحديث أعطيت الكنيزين الأحمر و الأبيض، فالأحمر ملك الشام و الأبيض ملك فارس، و إنما قال لفارس الأبيض لبياض ألوانهم، و لأن الغالب على أموالهم الفضة كما أن الغالب

ص: 282

طَالِبٍ ضَاحِكَةً مُسْتَبْشِرَةً فَأَعْلَمَتْهُ مَا قَالَتْ آمِنَةُ فَقَالَ لَهَا أَبُو طَالِبٍ وَ تَتَعَجَّبِينَ مِنْ هَذَا إِنَّكِ تَحْبَلِينَ وَ تَلِدِينَ بِوَصِيِّهِ وَ وَزِيرِهِ

4 عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى عَنِ الْبَرْقِيِّ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ زَيْدٍ النَّيْسَابُورِيِّ قَالَ حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْهَاشِمِيُّ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَسِيدِ بْنِ صَفْوَانَ صَاحِبِ رَسُولِ اللَّهِ ص قَالَ لَمَّا كَانَ الْيَوْمُ الَّذِي قُبِضَ فِيهِ- أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ ع ارْتَجَّ الْمَوْضِعُ بِالْبُكَاءِ وَ دَهِشَ النَّاسُ كَيَوْمَ قُبِضَ النَّبِيُّ ص

على ألوان أهل الشام الحمرة و على أموالهم الذهب، انتهى.

و أقول: يظهر من بعض الأخبار أن قصور المدائن كانت بيضا و قصور الشام كانت حمرا، كما روي عن أمير المؤمنين عليه السلام في الاحتجاج أن النبي سقط من بطن أمه واضعا يده اليسرى على الأرض رافعا يده اليمنى إلى السماء و يحرك شفتيه بالتوحيد و بدا من فيه نور رأى أهل مكة منه قصور بصري من الشام و ما يليها، و القصور الحمر من أرض اليمن و ما يليها، و القصور البيض من اصطخر و ما يليها، الخبر.

أقول: و قد أوردت في الكتاب الكبير الأخبار المشتملة على المعجزات ولادته صلى الله عليه و آله و سلم، و غرائبها ليس هذا الكتاب موضع ذكرها، و قال في العدد القوية: لما ولد رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم قال أبو طالب لفاطمة بنت أسد: أي شي ء خبرتك به آمنة أنها رأت حين ولدت هذا المولود؟ قالت: خبرتني أنها لما ولدته خرج معتمدا على يده اليمنى رافعا رأسه إلى السماء يصعد منه نور في الهواء حتى ملأ الأفق، فقال لها أبو طالب:

استري هذا و لا تعلمي به أحدا، أما إنك ستلدين مولودا يكون وصيه.

الحديث الرابع

: مجهول.

و المراد بالبرقي هنا محمد لا ابنه أحمد، و أسيد بفتح الهمزة و كسر السين" و صاحب" أما نعت أسيد أو صفوان" ارتج الموضع" الارتجاج و الرجرجة و الترجرج الاضطراب و المراد بالموضع الكوفة أو باب بيته صلوات الله عليه" و دهش" على بناء المجهول أو المعلوم من باب علم، أي تحير في القاموس: دهش كفرح تحير أو ذهب عقله من

ص: 283

وَ جَاءَ رَجُلٌ بَاكِياً وَ هُوَ مُسْرِعٌ مُسْتَرْجِعٌ وَ هُوَ يَقُولُ الْيَوْمَ انْقَطَعَتْ خِلَافَةُ النُّبُوَّةِ حَتَّى وَقَفَ عَلَى بَابِ الْبَيْتِ الَّذِي فِيهِ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ ع فَقَالَ

ذهل أو وله، و دهش كعني فهو مدهوش.

قوله" مسترجع" أي قائل إنا لله و إنا إليه راجعون، و قال أمير المؤمنين عليه السلام:

إنا لله إقرار على أنفسنا بالملك، و إنا إليه راجعون إقرار على أنفسنا بالهلك، و سيأتي الكلام فيه في الجنائز إنشاء الله.

" انقطعت خلافة النبوة" أي استيلاء خلفاء الحق" كنت أول القوم إسلاما" القوم عبارة عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم أو عن المدعين للخلافة منهم.

و سبق إسلامه عليه السلام مما تواترت به الروايات من طرق الخاصة و العامة، و لم يخالف في ذلك إلا شرذمة قليلة من المتعصبين حتى أن الشارح الجديد للتجريد مع شدة تعصبه لم ينكر ذلك و قال عند قول المحقق المصنف قدس سره: و أقدمهم إيمانا، يدل على ذلك ما روي عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم أنه قال: بعثت يوم الاثنين و أسلم علي يوم الثلاثاء، و قوله صلى الله عليه و آله و سلم: أولكم إسلاما علي بن أبي طالب و ما روي عن علي عليه السلام أنه كان يقول: أنا أول من صلى و أول من آمن بالله و رسوله، و لا يسبقني إلى الصلاة إلا نبي الله، و كان قوله عليه السلام هذا مشهورا بين الصحابة و لم ينكر عليه منكر فدل على صدقه.

و إذا ثبت أنه أقدم إيمانا كان أفضل منهم، لقوله تعالى:" وَ السَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ" و روي أنه عليه السلام قال يوما على المنبر بمشهد من الصحابة: أنا الصديق الأكبر آمنت قبل إيمان أبي بكر، و أسلمت قبل أن يسلم، و لم ينكر عليه منكر، انتهى.

و لم يتصد لرد هذا الكلام.

و قال القاضي الأموي الشافعي في كتاب لباب الأربعين: سبق إسلام علي عليه السلام أقرب إلى العقل، لأنه كان ابن عم النبي صلى الله عليه و آله و سلم و في داره، مختصا به، فالأقرب

ص: 284

رَحِمَكَ اللَّهُ يَا أَبَا الْحَسَنِ كُنْتَ أَوَّلَ الْقَوْمِ إِسْلَاماً

عرض هذه المهمات العظيمة على الأقارب المختصين به، و لذلك قال تعالى:" وَ أَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ" انتهى.

و قال أبي الصلاح في كتابه في أصول الحديث، قال الحاكم أبو عبد الله: لا أعلم خلافا بين أصحاب التواريخ أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أو لهم إسلاما.

و قال ابن أبي الحديد من عظماء علمائهم في شرح نهج البلاغة، حيث قال عليه السلام ولدت على الفطرة و سبقت إلى الإيمان و الهجرة، فإن قيل: كيف قال سبقت إلى الإيمان و قد قال من الناس أن أبا بكر أسبق؟ و قد قال قوم أن زيد بن حارثة سبقه؟ و الجواب أن أكثر أهل الحديث و أكثر المحققين من أهل السيرة رووا أنه عليه السلام أول من أسلم، ثم ذكر من كتاب الاستيعاب لابن عبد البر أخبارا كثيرة عن جماعة شتى من الصحابة في ذلك، ثم قال: فهذه الأخبار و الروايات كلها ذكرها أبو عمرو يوسف بن عبد البر في الكتاب المذكور، و هو كما تراها تكاد تكون إجماعا، و قال أبو عمرو:

إنما الاختلاف في كمية سنة يوم أسلم، فمنهم من روي أنه كان حين أسلم ابن ثمان سنين و قيل: ابن خمس عشرة سنين، و قيل: ابن ست عشرة و قيل: ابن ثلاث عشرة و قيل: ابن عشر.

ثم قال ابن أبي الحديد: و اعلم أن شيوخنا المتكلمين لا يكادون يختلفون في أن أول الناس إسلاما علي بن أبي طالب إلا من عساه خالف في ذلك من أوائل البصريين، فأما الذي تقررت المقالة عليه الآن فهو القول بأنه أسبق الناس إلى الإيمان لا تكاد تجد اليوم في تصانيفهم و عند متكلميهم و المحققين منهم خلافا في ذلك، و اعلم أن أمير المؤمنين عليه السلام ما زال يدعي ذلك لنفسه و يفتخر به و يجعله حجة في أفضليته و يصرح بذلك، و قد قال غير مرة: إنا الصديق الأكبر، و الفاروق الأول أسلمت قبل إسلام أبي بكر، و صليت قبل صلاته، و روي عنه هذا الكلام بعينه أبو محمد بن قتيبة

ص: 285

في هذا المعنى الأبيات التي أولها:

محمد النبي أخي و صنوي و حمزة سيد الشهداء عمي

و من جملتها:

سبقتكم إلى الإسلام طرا غلاما ما بلغت أوان حلمي.

و الأخبار الواردة في هذا الباب كثيرة جدا لا يتسع هذا الكتاب لذكرها، و من تأمل كتب السير و التواريخ عرف من ذلك ما قلناه، فأما الذاهبون إلى أن أبا بكر أقدمها إسلاما فنفس قليلون، انتهى.

و قال شيخنا المفيد قدس الله روحه في كتاب الفصول: أجمعت الأمة على أن أمير المؤمنين عليه السلام أول ذكر أجاب الرسول صلى الله عليه و آله و سلم و لم يختلف في ذلك أحد من أهل العلم إلا أن العثمانية طعنت في أيمان أمير المؤمنين عليه السلام بصغر سنة في حال الإجابة و قالوا: إنه لم يكن عليه السلام في تلك الحال بالغا فيقع إيمانه على وجه المعرفة و أن أيمان أبي بكر حصل منه مع الكمال فكان على اليقين و المعرفة، و الإقرار من جهة التلقين و التقليد غير مساو للإقرار بالمعلوم المعروف بالدلالة، لأنه عليه السلام كان يومئذ ابن سبع سنين و من كانت هذه سنه لم يكن كامل العقل و لا مكلفا، فإنه يقال لهم:

إنكم قد جهلتم في ادعائكم أنه كان وقت مبعث النبي صلى الله عليه و آله و سلم ابن سبع سنين، و ذلك أن جمهور الروايات جاءت بأنه عليه السلام قبض و له خمس و ستون سنة و جاء في بعضها أن سنة كانت عند وفاته ثلاثا و ستين سنة، و أما ما سوى هاتين الروايتين فشاذ مطرح، فإذا حكمنا في سنه على خمس و ستين كانت سنه عند المبعث اثنتي عشرة سنة، و إن حكمنا على ثلاث و ستين كانت سنة حينئذ عشر سنين.

ثم ذكر (ره) أخبارا كثيرة دالة على أن سنة عليه السلام كان عند ذلك أكثر من عشر سنين، ثم قال: على أنا لو سلمنا لخصومنا أنه كان حينئذ ابن سبع سنين لم يدل ذلك على صحة ما ذهبوا إليه، و ذلك أن صغر السن لا ينافي كمال العقل، و ليس

ص: 286

دليل وجوب التكليف بلوغ الحلم فيراعى ذلك هذا باتفاق أهل النظر و العقول، و إنما يراعي بلوغ الحلم في الأحكام الشرعية دون العقلية، و قد قال سبحانه في قصة يحيى عليه السلام" وَ آتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا" و في قصة عيسى" فَأَشارَتْ إِلَيْهِ قالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا" الآيات فلم ينف صغر سن هذين النبيين كمال عقلهما، و الحكمة التي آتاهما الله سبحانه و لو كانت العقول تحيل ذلك لإحالته في كل أحد و على كل حال، و قد أجمع أهل التفسير إلا من شذ عنهم في قوله تعالى:" وَ شَهِدَ شاهِدٌ مِنْ أَهْلِها" الآية أنه كان طفلا صغيرا في المهد، أنطقه الله حتى برأ يوسف من الفحشاء و أزال عنه التهمة، و الناصبة إذا سمعت هذا الاحتجاج قالت: إن هذا الذي ذكرتموه فيمن عددتموه كان معجزا لخرقه العادة و دلالة لنبي من أنبياء الله عز و جل فلو كان أمير المؤمنين عليه السلام مشاركا لمن وصفتموه في خرق العادة لكان معجزا له عليه السلام أو للنبي صلى الله عليه و آله، و ليس يجوز أن يكون المعجز له، و لو كان للنبي صلى الله عليه و آله و سلم لجعله في معجزاته و احتج به في جملة بيناته و لجعله المسلمون من آياته، فلما لم يجعله رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم لنفسه علما و لا عده المسلمون في معجزاته علمنا أنه لم يجز فيه الأمر على ما ذكرتموه؟ فيقال لهم: ليس كل ما خرق الله به العادة وجب أن يكون علما و لا لزم أن يكون معجزا و لا شاع علمه في العالم، و لا عرف من صحة الاضطرار و إنما المعجز العلم هو خرق العادة عند دعوة داع أو براءة معروف يجري براءته مجرى التصديق له في مقاله، بل هي تصديق في المعنى و إن لم يك تصديقا بنفس اللفظ و القول.

و كلام عيسى عليه السلام إنما كان معجزا لتصديقه له في قوله:" إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتانِيَ الْكِتابَ وَ جَعَلَنِي نَبِيًّا" مع كونه خرق العادة و شاهدا لبراءة أمه من الفاحشة،

ص: 287

و لصدقها فيما ادعته من الطهارة، و كانت حكمة يحيى عليه السلام في حال صغره تصديقا له في دعوته في الحال، و لدعوة أبيه زكريا عليه السلام فصارت مع كونها خرق العادة دليلا و معجزا، و كلام الطفل في براءة يوسف إنما كان معجزا لخرق العادة بشهادته ليوسف عليه السلام بالصدق في براءة ساحته و يوسف عليه السلام نبي مرسل فثبت أن الأمر على ما ذكرناه، و لم يكن كمال عقل أمير المؤمنين عليه السلام شاهدا في شي ء مما ادعاه و لا استشهد هو عليه السلام به فيكون مع كونه خرقا للعادة معجزا و لو استشهد به عليه السلام أو شهد على حد ما شهد الطفل ليوسف و كلام عيسى عليه السلام له و لأمه، و كلام يحيى عليه السلام لأبيه بما يكون في المستقبل و الحال، لكان لخصومنا وجه للمطالبة بذكر ذلك في المعجزات بما يكون في المتقبل و الحال، لكان لخصومنا وجه للمطالبة بذكر ذلك في المعجزات لكن لا وجه له على ما بيناه.

على أن كمال عقل أمير المؤمنين عليه السلام لم يكن ظاهرا للحواس و لا معلوما بالاضطرار فيجري مجرى كلام المسيح و حكمة يحيى و كلام شاهد يوسف عليه السلام فيمكن الاعتماد عليه في المعجزات و إنما كان طريق العلم به مقال الرسول صلى الله عليه و آله و سلم و الاستدلال الشاق بالنظر الثاقب، و السر الحالة صلى الله عليه و آله و سلم و على مرور الأوقات بسماع كلامه و التأمل لاستدلالاته و النظر فيما يؤدي إلى معرفته و فطنته، ثم لا يحصل ذلك إلا لخاص من الناس و من عرف وجوه الاستنباطات و ما جرى هذا المجرى فارق حكمه حكم ما سلف للأنبياء من المعجزات، و ما كان لنبينا عليه السلام من الإعلام، إذ تلك بظواهرها تقدح في القلوب أسباب اليقين و تشترك الجميع في علم الحال الظاهرة منها المبينة عن خرق العادات دون أن تكون مقصودة على ما ذكرناه من البحث الطويل، و الاستبراء للأحوال على مرور الأوقات أو الرجوع فيه إلى نفس قول الرسول صلى الله عليه و آله و سلم الذي يحتاج في العلم به إلى النظر في معجز غيره و الاعتماد على ما سواه من البينات فلا ينكر أن الرسول صلى الله عليه و آله و سلم إنما عدل عن ذكر ذلك و احتجاجه به في جملة آياته لما وصفناه.

و شي ء آخر و هو أنه لا ينكر أن يكون الله سبحانه علم من مصلحة خلقه الكف

ص: 288

من رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم عن الاحتجاج بذلك، و الدعاء إلى النظر فيه، و أن اعتماده على ما ظاهره خرق العادة أولى في مصلحة الدين، و شي ء آخر و هو أن الرسول الله صلى الله عليه و آله و سلم و إن لم يحتج به على التفصيل و التعيين فقد فعل ما يقوم مقام الاحتجاج به على البصيرة و اليقين، فابتدأ عليا بالدعوة قبل الذكور كلهم ممن ظاهره البلوغ و افتتح بدعوته قبل أداء رسالته و اعتمد عليه في إيداعه سره، و أودعه ما كان خائفا من ظهوره عنه فدل باختصاصه بذلك على ما يقوم مقام قوله عليه السلام أنه معجز له، و أن بلوغ عقله علم على صدقه ثم جعل ذلك من مفاخره و جليل مناقبه، و عظيم فضائله و نوه بذكره و شهره بين أصحابه و احتج له به في اختصاصه، و كذلك فعل أمير المؤمنين صلوات الله عليه في ادعائه له فاحتج به على خصوصه و تمدح به بين أوليائه و أعدائه، و فخر به على جميع أهل زمانه و ذلك هو معنى النطق بالشهادة بالمعجز له، بل هو الحجة في كونه نائبا في القوم بما خصه الله تعالى منه، و نفس الاحتجاج بعلمه و دليل الله و برهانه و هذا يسقط ما اعتمدوه.

و مما يدل على أن أمير المؤمنين صلوات الله عليه كان عند بعثة النبي صلى الله عليه و آله و سلم بالغا مكلفا و أن إيمانه به كان بالمعرفة و الاستدلال، و أنه وقع على أفضل الوجوه و آكدها في استحقاق عظيم الثواب: أن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم مدحه به و جعله من فضائله و ذكره في مناقبه، و لم يك بالذي يفضل بما ليس بفضل و يجعل في المناقب ما لا يدخل في جملتها و يمدح على ما لا يستحق عليه الثواب، فلما مدح رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم أمير المؤمنين عليه السلام بتقدمه الإيمان بقوله لفاطمة عليهما السلام أ ما ترضين أني زوجتك أقدمهم سلما و قوله في رواية سلمان: أول هذه الأمة ورودا على نبيها الحوض أولها إسلاما علي بن أبي طالب، و قوله: لقد صلت الملائكة علي و على علي سبع سنين، و ذلك أنه لم يكن من الرجال أحد يصلي غيري و غيره، و إذا كان الأمر على ما وصفناه فقد ثبت أن إيمانه عليه السلام وقع بالمعرفة و اليقين دون التقليد و التلقين، لا سيما و قد سماه رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم إيمانا و

ص: 289

إسلاما و ما يقع من الصبيان على وجه التلقين لا يسمى على الإطلاق الديني إيمانا و إسلاما.

و يدل على ذلك أيضا أن أمير المؤمنين عليه السلام قد تمدح به و جعله من مفاخره، و احتج به على أعدائه، و كرره في غير مقام من مقاماته، حيث يقول: اللهم إني لا أعرف عبدا لك من هذه الأمة عبدك قبلي، و قوله عليه السلام: أنا الصديق الأكبر قبل أن يؤمن أبو بكر، و أسلمت قبل أن يسلم، و قوله صلوات الله عليه لعثمان: أنا خير منك و منهما عبدت الله قبلهما، و عبدت الله بعدهما، و قوله: أنا أول ذكر صلى، و قوله عليه السلام: على من أكذب؟ أ على الله فأنا أول من آمن به و عبده، فلو كان إيمانه على ما ذهب إليه الناصبة من جهة التلقين و لم يكن له معرفة و لا علم بالتوحيد لما جاز منه عليه السلام أن يتمدح بذلك و لا يسميه عبادة، و لا أن يفخر به على القوم و لا أن يجعله تفضيلا له على أبي بكر و عمر و لو أنه فعل من ذلك ما لا يجوز لرده عليه مخالفوه و اعترضه فيه مضادوه و حاجة في بطلانه مخاصموه.

و في عدول القوم عن الاعتراض عليه في ذلك و تسليم الجماعة له ذلك دليل على ما ذكرناه و برهان على فساد قول الناصبة الذي حكيناه، و ليس يمكن أن يدفع ما رويناه في هذا الباب من الأخبار لشهرتها، و إجماع الفريقين من الناصبة و الشيعة على روايتها، و من تعرض للطعن فيها مع ما شرحناه لم يمكنه الاعتماد علي تصحيح خبر وقع في تأويله الاختلاف، و في ذلك إبطال جمهور الأخبار و إفساد عامة الآثار.

وهب من لا يعرف الحديث و لا خالط أهل العلم يقدم على إنكار بعض ما رويناه أو يعاند فيه بعض العارفين و يغتنم الفرصة بكونه خاصة في أهل العلم كيف يمكن دفع شعر أمير المؤمنين عليه السلام في ذلك، و قد شاع من شهرته على حد يرتفع فيه الخلاف و انتشر حتى صار مسموعا من العامة فضلا عن الخواص في قوله عليه السلام

ص: 290

محمد النبي أخي و صنوي و حمزة سيد الشهداء عمي

و جعفر الذي يضحي و يمسي يطير مع الملائكة ابن أمي

و بنت محمد سكنى و عرسي مساط لحمها بدمي و لحمي

و سبطا أحمد ولداي منها فمن فيكم له سهم كسهمي

سبقتكم إلى الإسلام طرأ على ما كان من فهمي و علمي

و أوجب لي الولا معا عليكم خليلي يوم دوح غدير خم

و في هذا الشعر كفاية في البيان عن تقدم إيمانه عليه السلام، و أنه وقع مع المعرفة بالحجة و البيان، و فيه أيضا أنه كان الإمام بعد الرسول عليه السلام بدليل المقال الظاهر في اليوم الغدير، الموجب للاستخلاف. و مما يؤيد ما ذكرناه ما رواه عبد الله بن الأسود البكري عن محمد بن عبد الله بن أبي رافع عن أبيه عن جده ابن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم صلى يوم الاثنين، و صلت خديجة معه، و دعا عليها عليه السلام إلى الصلاة معه يوم الثلاثاء، فقال له: أنظرني حتى ألقى أبا طالب، فقال له النبي صلى الله عليه و آله و سلم: إنها أمانة، فقال علي عليه السلام: فإن كانت أمانة فقد أسلمت لك، فصلى معه و هو ثاني يوم البعث و روى الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس مثله، و قال في حديثه: إن هذا دين يخالف دين أبي حتى أنظر فيه و أشاور أبا طالب فقال له النبي عليه السلام: انظر و اكتم قال: فمكث هنيئة ثم قال: بلى أجبتك و أصدق بك، فصدقه و صلى معه.

و روي هذا المعنى بعينه و هذا المقال من أمير المؤمنين على اختلاف في اللفظ و اتفاق في المعنى كثير من حملة الآثار و هو يدل على أن أمير المؤمنين عليه السلام كان مكلفا عارفا في تلك الحال بتوقفه و استدلاله و تمييزه بين الإقدام على القبول و الطاعة للرسول من غير فكرة و لا تأمل، ثم خوفه إن ألقى ذلك إلى أبيه أن يمنعه مع أنه حق، فيكون قد صد عن الحق فعدل عن ذلك إلى القبول و علم من النبي صلى الله عليه و آله و سلم مع أمانته

ص: 291

و ما كان يعرفه من صدق مقاله و ما سمعه من القرآن الذي أنزل عليه و أراد أنه من برهانه أنه رسول محق فآمن به و صدقه، و هذا بعد أن ميز بين الأمانة و غيرها، و عرف حقها و كره أن يفشي سر الرسول صلى الله عليه و آله و سلم و قد ائتمنه عليه، و هذا لا يقع باتفاق من صبي لا عقل له، و لا يحصل ممن لا تميز معه.

و يؤيد أيضا ما ذكرناه أن النبي صلى الله عليه و آله و سلم بدأ به في الدعوة قبل الذكور كلهم و إنما أرسله الله تعالى إلى المكلفين، فلو لم يعلم أنه عاقل مكلف لما افتتح به أداء رسالته و قدمه في الدعوة على جميع من بعث إليه، لأنه لو كان الأمر على ما ادعته الناصبة لكان عليه السلام قد عدل عن الأولى، و تشاغل بما لم يكلفه عن أداء ما كلفه، و وضع فعله في غير موضعه، و رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم يجل عن ذلك.

و شي ء آخر و هو أنه دعا عليا عليه السلام في حال كان مستترا فيها بدينه، كاتما لأمره خائفا أن شاع من عدوه، فلا يخلو أن يكون قد كان واثقا من أمير المؤمنين بكتم سره و حفظ وصيته و امتثال أمره و حمله من الدين ما حمله، أو لم يكن واثقا، و إن كان واثقا فلم يثق به عليه السلام إلا و هو في نهاية كمال العقل و على غاية الأمانة و صلاح السريرة و العصمة و الحكمة و حسن التدبير، لأنه الثقة بما وصفناه دليل جميع ما شرحناه على الحال التي قدمنا وصفها، و إن كان غير واثق من أمير المؤمنين عليه السلام بحفظ سره و غير آمن من تضييعه و إذاعة أمره فوضعه عنده من التفريط و ضد الحزم و الحكمة و التدبير، حاشى الرسول صلى الله عليه و آله و سلم من ذلك و من كل صفة نقص و قد أعلى الله عز و جل رتبته و أكذب مقال من ادعى ذلك فيه، و إذا كان الأمر على ما بيناه فما ترى الناصبة قصدت بالطعن في أيمان أمير المؤمنين عليه السلام إلا عيب الرسول صلى الله عليه و آله و سلم و الذم لأفعاله و وصفه بالعبث و التفريط، و وضع الأشياء غير مواضعها، و الإزراء عليه في تدبيراته، و ما أراد مشايخ القوم و من ألقى هذا المذهب إليهم إلا ما ذكرناه و الله متم نوره و لو كره الكافرون، انتهى كلامه قدس سره.

ص: 292

وَ أَخْلَصَهُمْ إِيمَاناً وَ أَشَدَّهُمْ يَقِيناً وَ أَخْوَفَهُمْ لِلَّهِ وَ أَعْظَمَهُمْ عَنَاءً وَ أَحْوَطَهُمْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ص وَ آمَنَهُمْ عَلَى أَصْحَابِهِ

و قد أشبعنا الكلام في ذلك الباب في كتابنا الكبير.

" و أخلصهم إيمانا" أي لم يكن إيمانه عليه السلام مشوبا برياء و لا سمعة، و لا شي ء من الأغراض الدنيوية، و لما كان الإيمان ليس محض المعرفة بل مع الطوع القلبي و الظاهري، فيوصف بالإخلاص و عدمه.

" و أشدهم يقينا" المشهور أن اليقين هو الاعتماد الجازم المطابق للواقع، و يظهر من بعض الأخبار أنه العلم الذي يترتب عليه العمل، و قد يخص فيها بالعلم بأمور الآخرة، و بالعلم بالقضاء و القدر، و على أي وجه يدل على أن اليقين يقبل الشدة و الضعف كما هو ظاهر كثير من الآيات و الأخبار، و من قال بأنه لا يقبل الشدة و الضعف يقول أشديته بضم الأعمال إليه، و سيأتي تحقيق جميع ذلك في كتاب الإيمان و الكفر.

" و أخوفهم لله" لأنه كان أعلمهم و كثرة العلم موجبة لكثرة الخوف، و قال تعالى:

" إِنَّما يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ".

" و أعظمهم عناءا" العناء بالفتح و المد التعب، و شدة تعبه عليه السلام في الجهاد و العبادات و الرياضات و مكابدة الشدة من الأعداء أشهر من أن يخفى" و أحوطهم على رسول الله" أي أشدهم له حفظا و حياطة، و تعديته بعلى لتضمين معنى الإشفاق، و في النهاية: حاطه يحوطه حاطا و حياطة: حفظه و صانه و ذب عنه و توفر على مصالحه" و آمنهم على أصحابه" الضمير للرسول أو له عليه السلام، و كان التعدية لتضمين معنى المحافظة، و قد قال تعالى:" هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلَّا كَما أَمِنْتُكُمْ عَلى أَخِيهِ" أي كان اعتماده عليك في رعاية الصحابة و هدايتهم و حفظهم أكثر من غيرك، و المناقب: المفاخر و الخصال الشريفة.

ص: 293

وَ أَفْضَلَهُمْ مَنَاقِبَ وَ أَكْرَمَهُمْ سَوَابِقَ وَ أَرْفَعَهُمْ دَرَجَةً وَ أَقْرَبَهُمْ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ص وَ أَشْبَهَهُمْ بِهِ هَدْياً وَ خَلْقاً وَ سَمْتاً وَ فِعْلًا وَ أَشْرَفَهُمْ مَنْزِلَةً وَ أَكْرَمَهُمْ عَلَيْهِ فَجَزَاكَ اللَّهُ عَنِ الْإِسْلَامِ وَ عَنْ رَسُولِهِ وَ عَنِ الْمُسْلِمِينَ خَيْراً

و أكثرية مناقبه عليه السلام بالنسبة إلى سائر الصحابة مما اعترف به المخالفون أيضا، قال القاضي عياض: لعلي رضي الله عنه من الشجاعة و العلم و الحلم و الزهد و الورع و كرم الأخلاق و غير ذلك من المناقب ما لا يسعه كتاب.

و قال الآمدي: لا يخفى أن عليا عليه السلام كان مستجمعا لخلال شريفة و مناقب منيفة كان بعضها كافيا في استحقاق الإمامة، و قد اجتمع فيه من حميد الصفات و أنواع الكمالات ما لا نعرف في غيره من الصحابة حتى أنه كان من أشجع الصحابة و أعلمهم و أزهدهم و أفصحهم و أسبقهم إيمانا و أكثرهم جهادا بين يدي رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم، و أقربهم نسبا منه، كان معدودا في أول الجريدة و سابقا إلى كل فضيلة، و قد قال ابن عباس فيه: رباني هذه الأمة.

" و أكرمهم سوابق" أي أكرمهم على الله و على رسوله من جهة سبقته إلى كل فضيلة و منقبة، أو المعنى أن سوابقه و فضائله كانت أكرم و أعلى من سوابق غيره" و أرفعهم درجة" عند الله و عند الرسول صلى الله عليه و آله و سلم في الدنيا و الآخرة، لوفور مناقبه و فضائله" و أقربهم من رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم" ذاتا و طينة و نسبا و منزلة، فإنهما كانا من نور واحد و من طينة واحدة، و العباس و إن كان عما لكن ابن العم من الأب و الأم أقرب من العم من جهة الأب في الميراث، مع أنه لم يكن له تلك الجهات الأخر، و في النهاية: الهدى السيرة و الهيئة و الطريقة و في المغرب: السمت الطريق و يستعار لهيئة أهل الخير.

" و أشرفهم منزلة" لديه كما قال صلى الله عليه و آله و سلم: أنت مني بمنزلة هارون من موسى و بمنزلة روحي من جسدي، و أمثال ذلك كثيرة، و كونه عليه السلام أكرم الناس عليه صلى الله عليه و آله و سلم لا يحتاج إلى البيان.

ص: 294

قَوِيتَ حِينَ ضَعُفَ أَصْحَابُهُ وَ بَرَزْتَ حِينَ اسْتَكَانُوا وَ نَهَضْتَ حِينَ وَهَنُوا وَ لَزِمْتَ مِنْهَاجَ رَسُولِ اللَّهِ ص إِذْ هَمَّ أَصْحَابُهُ وَ كُنْتَ خَلِيفَتَهُ حَقّاً لَمْ تُنَازَعْ وَ لَمْ تَضْرَعْ

" قويت" أي في جميع أمور الدين من الجهاد و غيره" حين ضعف أصحابه" عنها، و حذف المتعلق فيهما للتعميم" و برزت" إلى الجهاد حيث طلبوا المبارزة" حين استكانوا" أي خضعوا و جنبوا" و نهضت" أي قمت بالجهاد أو بإعلان الحق و العمل به و دفع شبهات المنكرين" حين وهنوا" و ضعفوا عن ذلك" و لزمت منهاج رسول الله" أي طريقته و شريعته" إذ هم أصحابه" العدول عنه و قصدوا إحداث البدع في الدين كما كان في يوم الشورى حيث عرض عبد الرحمن بن عوف عليه لزوم سيرة أبي بكر و عمر ليبايعه فأبى إلا منهاج رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم.

" لم تنازع" على بناء الفاعل لعدم الأعوان و للمصلحة، و لم يكن لإذعان خلافتهم و الظاهر لم تنازع على بناء المجهول فيحتمل وجوها:

الأول: أن المراد ما كان ينبغي النزاع فيها لظهور الأمر.

الثاني: أن يكون المراد عدم النزاع في أصل خلافته فإنها مما اتفقت عليه الأمة، و إنما النزاع في أنه هل تقدم عليه أحد فيها أم لا؟

الثالث: أن يكون المعنى لم تنازع في استحقاق الخلافة و كونك أحق بها من غيرك.

الرابع: أن يكون المعنى لم ينازعك أحد في أن النبي صلى الله عليه و آله استخلفك و نص عليك و إنما تمسكوا في رفع ذلك بالبيعة.

الخامس: أن يكون مخصوصا بأيام خلافته الظاهرة فإنه لم ينازع فيها أحد و إنما نازع معاوية في طلب قتلة عثمان و هذا أقرب من الثاني، و الفقرات الآتية بهذا الوجه أنسب.

" و لم تضرع" في القاموس ضرع إليه- و يثلث- ضرعا محركة و ضراعة: خضع و ذل و استكان، أو كفرح و منع تذلل، و ككرم: ضعف، و مهر ضرع- محركة- لم يقو

ص: 295

بِرَغْمِ الْمُنَافِقِينَ وَ غَيْظِ الْكَافِرِينَ وَ كُرْهِ الْحَاسِدِينَ وَ صِغَرِ الْفَاسِقِينَ فَقُمْتَ بِالْأَمْرِ حِينَ فَشِلُوا وَ نَطَقْتَ حِينَ تَتَعْتَعُوا وَ مَضَيْتَ بِنُورِ اللَّهِ إِذْ وَقَفُوا

على العدو، و أضرع فلانا أذله.

و أقول: المعنى أنه متى قدرت على نهي المنكر و إعلاء الدين لم تذلل لأحد و لم تخضع لمنافق، بل بذلت جهدك في إقامة الحق ما قدرت عليه، أو المعنى- لا سيما على الوجه الأول في الفقرة السابقة- لم يكن تركك للخلافة و الجهاد في إقامتها ضراعة و تذللا، بل كان لا طاعة أمر الله و رسوله، و الأول أظهر.

" برغم المنافقين" يقال: أرغم الله أنفه أي ألصقه بالرغام و هو التراب، هذا هو الأصل ثم شاع استعماله في الذل و العجز، و الظرف في موضع النصب على أنه حال من فاعل تضرع أو كنت، و قيل: لعل المراد بالمنافقين من وافقه من أصحابه ظاهرا لا باطنا، فإن كثيرا من أصحابه كانوا على صفة النفاق، و بالكافرين من خالفه و قاتله كمعاوية و أضرابه، و الحاسدين الخلفاء الماضين و بالفاسقين أتباعهم، مع احتمال أن يراد بالجميع من خالفه ظاهرا أو باطنا أو فيهما قاتله أم لا، و التكرار باعتبار تعدد صفاتهم أعني النفاق و الكفر و الحسد و الفسق، فإن كل من خالفه بنحو من الأنحاء فهو متصف بهذه الصفات، و في القاموس: الصغر كعنب خلاف العظم، و الصاغر الراضي بالذل و قد صغر ككرم صغرا كعنب و صغارا و صغارة بفتحها، و أصغره: جعله صاغرا، و في إكمال الدين: و ضغن الفاسقين.

" فقمت بالأمر" أي بأمر الخلافة بعد قتل عثمان أو بالنهي عن المنكر في أيامه أو بأمور الدين في جميع الأزمان، و في القاموس فشل كفرح فهو فشل: كسل و ضعف و تراخى و جبن، انتهى.

" و نطقت" أي في حل المشكلات و جواب السؤالات" حين تتعتعوا" من باب التفعلل أي عجزوا عن الكلام، و في نهج البلاغة: تعتعوا بتاء واحدة في الأول، و في القاموس التعتعة في الكلام: التردد فيه من حصر أو عي.

ص: 296

فَاتَّبَعُوكَ فَهُدُوا وَ كُنْتَ أَخْفَضَهُمْ صَوْتاً وَ أَعْلَاهُمْ قُنُوتاً وَ أَقَلَّهُمْ كَلَاماً وَ أَصْوَبَهُمْ نُطْقاً

" و مضيت بنور الله" أي جريت في سبيل الحق بما أعطاك الله من العلم، و عملت بما ينبغي في جهاد الأعداء و غيره إذ وقف غيرك عن سلوك سبيل الحق لجهله" فاتبعوك فهدوا" أي كل من اهتدى فإنما اهتدى بمتابعتك، و في الإكمال: و لو اتبعوك لهدوا، و هو أظهر" و كنت أخفضهم صوتا" لعل خفض الصوت كناية عن التواضع و نفي الكبر و الإعجاب، أو ربط الجأش و ثبات القلب لأن رفع الصوت في المخاوف من الجبن و الفزع، و قيل: المراد خفض الصوت عند الرسول صلى الله عليه و آله و سلم" و أعلاهم قنوتا" القنوت يطلق على الطاعة و الخشوع و الصلاة و الدعاء و العبادة و القيام و طول القيام و السكوت، و الأكثر مناسب، و في الإكمال و النهج و أعلاهم فوتا، و هو أنسب، و الفوت السبق إلى الشي ء من دون ائتمار و استشارة، و منه قولهم: فلان لا يفتات عليه، أي لا يعمل شي ء دون أمره، و الغرض نفي الاحتياج إلى الغير في استعلام الحق.

" و أقلهم كلاما" أي كان عليه السلام لا يتكلم إلا عند الحاجة" و أصوبهم نطقا" و في الإكمال منطقا" و أكبرهم رأيا" أي كان رأيه في الأمور أعظم و أحزم من آراء غيره و في بعض النسخ أكثر بالمثلثة، فالمراد بالرأي الصواب منه" و أشدهم يقينا" هذه الفقرة مكررة و لعله من الرواة، أو المراد بالأول اليقين بالله و رسوله لاقترانه بالإيمان و بما هنا اليقين بالقضاء و القدر و تورطه في المخاطرات و المجاهدات ليقينه بالقضاء و القدر أو بالمثوبات الأخروية كما سيأتي في باب اليقين أنه عليه السلام جلس تحت حائط مائل يقضي بين الناس، فلما قيل له في ذلك، قال: حرس امرءا أجله و قال الصادق

ص: 297

وَ أَكْبَرَهُمْ رَأْياً وَ أَشْجَعَهُمْ قَلْباً وَ أَشَدَّهُمْ يَقِيناً وَ أَحْسَنَهُمْ عَمَلًا وَ أَعْرَفَهُمْ بِالْأُمُورِ كُنْتَ وَ اللَّهِ يَعْسُوباً لِلدِّينِ أَوَّلًا وَ آخِراً الْأَوَّلَ حِينَ تَفَرَّقَ النَّاسُ وَ الْآخِرَ حِينَ فَشِلُوا كُنْتَ لِلْمُؤْمِنِينَ أَباً رَحِيماً إِذْ صَارُوا عَلَيْكَ عِيَالًا فَحَمَلْتَ أَثْقَالَ مَا عَنْهُ ضَعُفُوا وَ حَفِظْتَ مَا أَضَاعُوا وَ رَعَيْتَ مَا أَهْمَلُوا وَ شَمَّرْتَ إِذَا اجْتَمَعُوا وَ عَلَوْتَ

عليه السلام هذا اليقين، و أنه كان من يقينه أنه يخرج مع وفور أعدائه في الليالي وحده، و منع قنبرا من اتباعه و أمثال ذلك، و هو يناسب قوله:" أشجعهم قلبا".

" و أعرفهم بالأمور" أي من الشرائع و التدابير الحقة و الحوادث الماضية و الآتية و المعارف الإلهية، في القاموس اليعسوب أمير النحل و ذكرها، و الرئيس الكبير" أولا و آخرا" الظاهر أنهما بعد الرسول صلى الله عليه و آله و سلم فالأول حين تفرق الناس عنه و اتبعوا الثلاثة و الآخر بعد مقتل عثمان، أو أولا و آخرا في زمان الرسول صلى الله عليه و آله و سلم أيضا فإنه آمن أولا حين نفر الناس، و نصر آخرا حين فشلوا عن الجهاد و فروا، أو الأول في زمن الرسول و الآخر بعده، و لعل الأول أظهر" كنت للمؤمنين أبا رحيما" أي كالأب الرحيم في الشفقة و هو الوالد العقلاني فإن الحياة الحقيقية بالإيمان و العلم كان بسببه، كما قال النبي صلى الله عليه و آله و سلم: يا علي أنا و أنت أبوا هذه الأمة.

و العيال بالكسر جميع عيل كجياد و جيد، و عال عيالة أقاتهم و أنفق عليهم و الناس كلهم عيال الإمام من جهة الغذاء الجسماني و الروحاني كما مر أنه يميرهم العلم" إذ صاروا" أي لأنهم صاروا أو حين صاروا من ابتداء إمامته" فحملت أثقال ما عنه ضعفوا" بقتل من عجزوا عن مبارزته، و بتعليم ما عجزوا عن إدراكه، و بإنفاق ما عجزوا عن تحصيله من المعونات، و حفظ كتاب الله و أحكام الشريعة و قد ضعفوا من حفظها" و حفظت ما أضاعوا" من أمور الدين و كتاب الله و سنة سيد المرسلين" و رعيت ما أهملوا" من الشرائع و الأحكام، و في مجالس الصدوق" و وعيت" أي حفظت.

ص: 298

إِذْ هَلِعُوا وَ صَبَرْتَ إِذْ أَسْرَعُوا وَ أَدْرَكْتَ أَوْتَارَ مَا طَلَبُوا وَ نَالُوا بِكَ مَا لَمْ يَحْتَسِبُوا كُنْتَ عَلَى الْكَافِرِينَ عَذَاباً صَبّاً وَ نَهْباً وَ لِلْمُؤْمِنِينَ عَمَداً وَ حِصْناً فَطِرْتَ وَ اللَّهِ

" و شمرت إذا اجتمعوا" أي تهيأت و عزمت إذا اجتمعوا لأمر من أمور الدين، في القاموس شمر و انشمر و تشمر مر جادا أو مختالا و تشمر للأمر تهيأ، و في بعض النسخ إذ جشعوا بالجيم و الجشع أشد الحرص، و في بعضها خشعوا أي خضعوا و ذلوا" و علوت" أي ارتفعت في تحصيل المكارم و الغلبة على الأعداء" إذ هلعوا" و الهلع أفحش الجزع" و صبرت إذ أسرعوا" أي في الأمور من غير روية، و في المجالس: إذا شرعوا في الباطل، و في الإكمال: إذ جزعوا و هو أظهر.

" و أدركت أوتار ما طلبوا" أي أدركت الجنايات التي وقعت من الكفار علي المسلمين فانتقمت منهم كالكفار الذين قتلهم في حياة الرسول صلى الله عليه و آله و سلم، و المنافقين الذين قتلهم بعد وفاته بسبب جنايات وقعت منهم على المؤمنين، قال في النهاية:

الوتر الجناية التي يجنيها الرجل على غيره من قتل أو نهب أو سبي، و منه الحديث:

و لا تقلدوها الأوتار، أي لا تطلبوا على الخيل الأوتار التي وترتم بها في الجاهلية، و منه حديث علي عليه السلام فأدركت أوتار ما طلبوا، و في الإكمال و أدركت إذ تخلفوا.

" و نالوا بك" من الخيرات و البركات" ما لم يحتسبوا" أي لم يظنوا و لم يتوقعوا" كنت للكافرين عذابا صبا" أي مصبوبا بكثرة شبهه بالمطر الغريز الوابل، فالمصدر بمعنى المفعول، و في قوله: نهبا، بمعنى الفاعل، يقال: نهب الشي ء ينهبه نهبا إذا أخذه و سلبه قهرا، إشارة إلى شوكته و غلبته على الكافرين" و للمؤمنين عمدا و حصنا" قال الجوهري: العمود البيت، و جمع القلة أعمدة و جمع الكثرة عمد و عمد انتهى.

و قيل: إنما جمع العمد و أفرد الحصن لافتقار البناء غالبا إلى الأعمدة، فهو عليه السلام قائم مقام الجميع بخلاف الحصن فإنه يكفي الواحد الحصين، و في الإكمال غيثا و خصبا و لعله أنسب، و الخصب بالكسر: كثرة العشب و رفاعة العيش كذا في

ص: 299

بِنَعْمَائِهَا وَ فُزْتَ بِحِبَائِهَا وَ أَحْرَزْتَ سَوَابِغَهَا وَ ذَهَبْتَ بِفَضَائِلِهَا لَمْ تُفْلَلْ حُجَّتُكَ وَ لَمْ

القاموس.

" فطرت" النسخ هنا مختلفة ففي أكثر نسخ الكتاب فطرت و الله بغمائها، و يحتمل وجهين" الأول" أن يكون الفاء للعطف و طرت بالكسر من الطيران، أي أعالي الدرجات بسبب غمائها أو متلبسا بها، أو طرت إلى الآخرة متلبسا بغمومها، و الضمير للخلافة أو الأمة أو المعيشة، و الغماء بفتح الغين المعجمة و تشديد الميم و المد الكرب و الداهية، و في بعض النسخ بنعمائها أي بنعمتها، و هو مفرد و يجري فيه الوجوه المتقدمة كلها.

الثاني: أن يكون فطرت بصيغة المجهول من الفطرة أي خلقت متلبسا بالغم و المصيبة أو بالنعم الجليلة العظيمة كناية عن استمرار إحدى الحالتين له من أول عمره إلى آخر دهره.

قال بعض شراح العامة فطرت بصيغة المجهول بمعنى الخلقة، و بصيغة المعلوم بمعنى الطيران، و قرأ فطرت على المجهول و تشديد الطاء يقال: فطرت الصائم إذا أعطيته الفطور، انتهى.

و في نهج البلاغة فطرت و الله بعنانها و استبددت برهانها فالطيران بالعنان كناية عن السبق المعنوي و الضميران في عنانها و رهانها راجعان إلى الفضيلة المدلول عليها بالمقام، و الظاهر أن الظرف متعلق بمحذوف أي طرت ممسكا بعنانها، و في الحديث خير الناس رجل ممسك بعنان فرسه في سبيل الله كلما سمع هيعة طار إليها، و الاستبداد بالشي ء الانفراد به، و الرهان بالكسر المسابقة على الخيل، و كان المراد هنا ما يرهن و يستبق عليه أو الاستبداد بالرهان كناية عن الانفراد بأخذ الخطر، و في الإكمال:

فطرت و الله بعنانها و فزت بجنانها، و هنا" بحبائها" و الفوز الظفر بالمطلوب، و الحباء بالكسر العطاء أي فزت بحبوات الله و عطاياه الفائضة على هذه الأمة، أو بحباء الخلافة أو الفضيلة كما مر" و أحرزت سوابقها" و في القاموس أحرز الأجر حازه و قال: له

ص: 300

يَزِغْ قَلْبُكَ وَ لَمْ تَضْعُفْ بَصِيرَتُكَ وَ لَمْ تَجْبُنْ نَفْسُكَ وَ لَمْ تَخِرَّ كُنْتَ كَالْجَبَلِ لَا تُحَرِّكُهُ الْعَوَاصِفُ وَ كُنْتَ كَمَا قَالَ ع آمَنَ النَّاسِ فِي صُحْبَتِكَ وَ ذَاتِ

سابقه في هذا الأمر أي سبق الناس إليه، انتهى.

و قيل: السوابق الخيل التي لا بد من تقديمها، و السبق إليها في الخلافة و الفضيلة ما يوجب الفضل و الذهاب بها أخذها و الاتصاف بها منفردا، أو ذهبت بها إلى الآخرة" لم تفلل حجتك" على بناء المجهول من المجرد أو بناء المعلوم من باب التفعل بحذف إحدى التائين في القاموس فله و فلله ثلمة فتفلل و انفل و افتل و القوم هزمهم فانفلوا أو تفللوا و سيف فليل و مفلول: منثلم، انتهى.

شبه عليه السلام الحجة على الإمامة و سائر الأمور الحقة بالسيف القاطع، و أثبت لها الفلول" و لم يزغ" من باب ضرب أي لم يمل إلى الباطل" و لم تضعف" من باب حسن و كذا لم تجبن" و لم تخر" من الخرور و هو السقوط من علو إلى سفل أو مطلقا و الفعل من باب ضرب و نصر، و في بعض النسخ بالحاء المهملة من الحيرة، و في الإكمال و المجالس و بعض نسخ الكتاب: و لم تخن، من الخيانة و هو أظهر.

" و كنت كالجبل لا تحركه العواصف" و في النهج كالجبل لا تحركه القواصف، و في الإكمال لا تحركه العواصف و لا تزيله القواصف، و القواصف الرياح الشديدة التي تكسر السفن و نحوها، أو شديدة الصوت كالرعد، و الريح العاصف العاصفة الشديدة، شبهه عليه السلام في قوة الإيمان و شدة اليقين و كمال العزم في أمور الدين و عدم تزلزله فيها بالشكوك و الشبهات و الأغراض و الشهوات بالجبل حيث لا تحركه الرياح الشديدة.

" و كنت كما قال" أي النبي صلى الله عليه و آله و سلم في شأنك" آمن الناس" آمن أفعل التفضيل مأخوذ من الأمانة ضد الخيانة" في صحبتك و" في" ذات يدك" أي كنت أكثر الناس أمانة في مصاحبتك بحيث لا تغش فيها أصلا، و في الأموال التي بيدك من بيت المال و غيره أو الأعم منها و من العلوم و المعارف التي خصه الله بها، و قيل: في للتعليل و المراد بالصحبة ملازمته للرسول في الخلوات لتعلم الأحكام و بذات يده ما معه من العلوم

ص: 301

يَدِكَ وَ كُنْتَ كَمَا قَالَ ع ضَعِيفاً فِي بَدَنِكَ قَوِيّاً فِي أَمْرِ اللَّهِ مُتَوَاضِعاً فِي نَفْسِكَ عَظِيماً عِنْدَ اللَّهِ كَبِيراً فِي الْأَرْضِ جَلِيلًا عِنْدَ الْمُؤْمِنِينَ لَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ فِيكَ مَهْمَزٌ وَ لَا لِقَائِلٍ فِيكَ مَغْمَزٌ لَا لِأَحَدٍ فِيكَ مَطْمَعٌ] وَ لَا لِأَحَدٍ عِنْدَكَ هَوَادَةٌ الضَّعِيفُ الذَّلِيلُ عِنْدَكَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ حَتَّى تَأْخُذَ لَهُ بِحَقِّهِ وَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ عِنْدَكَ ضَعِيفٌ ذَلِيلٌ حَتَّى تَأْخُذَ مِنْهُ الْحَقَّ وَ الْقَرِيبُ وَ الْبَعِيدُ عِنْدَكَ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ شَأْنُكَ الْحَقُّ وَ الصِّدْقُ وَ الرِّفْقُ وَ قَوْلُكَ حُكْمٌ وَ حَتْمٌ وَ أَمْرُكَ حِلْمٌ وَ حَزْمٌ وَ رَأْيُكَ عِلْمٌ وَ عَزْمٌ فِيمَا فَعَلْتَ وَ قَدْ نَهَجَ السَّبِيلُ وَ سَهُلَ الْعَسِيرُ- وَ أُطْفِئَتِ

و المعارف و لا يخفى بعده" ضعيفا في بدنك" أي كانوا يرونك ضعيفا بحسب الجسم و البدن أو كنت في أمر رعاية بدنك و تربيتها ضعيفا، و في إقامة دين الله و الجهاد في سبيله قويا" متواضعا في نفسك" أي عند نفسك متذللا متواضعا.

" لم يكن لأحد فيك مهمز" المهمز و المغمز مصدران أو أسماء مكان من الهمز و الغمز و هما بمعنى، أو الهمز الغيبة و الوقيعة في الناس و ذكر عيوبهم، و الغمز: الإشارة بالعين خاصة أو بالعين و الحاجب و اليد، و في فلان مغمز أي مطعن، و الهماز و الهمزة العياب و النفي لظهور الفساد، و المطمع أيضا مصدر أو اسم مكان، أي لم يكن أحد يطمع منك أن تميل إلى جانبه بغير حق أو لا تطمع في مال أحد و الأول أظهر.

و قال في النهاية: فيه لا يأخذه في الله هوادة، أي لا يسكن عند وجوب حد لله و لا يحابي فيه أحدا، و الهوادة: السكون و الرخصة و المحاباة، انتهى.

" الضعيف الذليل" أي عند الناس و هو استئناف لبيان نفي الهوادة" حتى تأخذ" تعليل أو غاية للقوة و العزة إذ بعد ذلك هو و سائر الناس عنده سواء" قولك حكم" أي حكمة أو محكم و متقن، و الحزم ضبط الأمر و الأخذ فيه بالثقة" و رأيك علم" أي مبني على العلم لا الظن و التخمين" و عزم" أي تعزم عليه لابتنائه على اليقين" فيما عملت" أي رأيك كذلك في كل ما فعلت، و في الإكمال و المجالس" فأقلعت و قد نهج السبيل" و هو الصواب، أي فمضيت و ذهبت عنا و قد وضح سبيل الحق ببيانك،

ص: 302

النِّيرَانُ وَ اعْتَدَلَ بِكَ الدِّينُ وَ قَوِيَ بِكَ الْإِسْلَامُ فَ ظَهَرَ أَمْرُ اللَّهِ وَ لَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ* وَ ثَبَتَ بِكَ الْإِسْلَامُ وَ الْمُؤْمِنُونَ وَ سَبَقْتَ سَبْقاً بَعِيداً وَ أَتْعَبْتَ مَنْ بَعْدَكَ تَعَباً شَدِيداً فَجَلَلْتَ عَنِ الْبُكَاءِ وَ عَظُمَتْ رَزِيَّتُكَ فِي السَّمَاءِ وَ هَدَّتْ مُصِيبَتُكَ الْأَنَامَ فَ إِنَّا لِلَّهِ

قال الجوهري: الإقلاع عن الأمر الكف عنه يقال: أقلع عما كان عليه و أقلعت عنه الحمى، و يقال: هم على قلعة أي على رحلة، و في القاموس: نهج كمنع وضح و أوضح، و الطريق: سلكه، و سهل كحسن، أو مجهول باب التفعيل.

" و أطفئت النيران" أي نيران قتال المشركين و الخوارج" و اعتدل" أي استقام" بك" أي بسيفك و بيانك" الدين" و" سبقت" أي في الفضائل و الكمالات" سبقا بعيدا" لا يمكن لأحد الوصول إليك فيها، أو سبقت بمضيك إلى الآخرة سبقا بعيدا لا يوصل إليك إلا في القيامة أو الرجعة" و أتعبت من بعدك" أي بمصيبتك أو بأنهم يسعون لأن يصلوا إلى ما وصلت إليه من الكمالات فلا يمكنهم" فجللت عن البكاء" أي أنت أجل من أن تتدارك مصيبتك بالبكاء، بل قتل الأنفس أيضا قليل في ذلك.

و الرزيئة بالهمز و قد تقلب ياءا: المصيبة، و الهد: الهدم الشديد.

" ف إِنَّا لِلَّهِ" أي فنصير و نقول هذا الكلام و هي كلمة أثنى الله تعالى على قائلها عند المصائب لدلالتها على الرضا بقضائه و التسليم لأمره، فمعنى" إِنَّا لِلَّهِ" إقرار له بالعبودية أي نحن عبيد الله و ملكه، فله التصرف فينا بالموت و الحياة و المرض و الصحة و المالك على الإطلاق أعلم بصلاح مملوكه و اعتراض المملوك عليه جرأة و سفاهة" وَ إِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ" إقرار بالبعث و النشور، و تسلية للنفس بأن الله تعالى عند رجوعنا إليه يثيبنا على ما أصابنا من المكاره و الآلام أحسن الثواب كما وعدنا، و ينتقم لنا ممن ظلمنا، و فيه تسلية من جهة أخرى و هي أنه إذا كان رجوعنا جميعا إلى الله و إلى ثوابه فلا بأس بافتراقنا بالموت، و لا ضرر على الميت أيضا لأنه انتقل من دار إلى دار أخرى أحسن من الأولى، و رجع إلى رب كريم هو رب الآخرة و الدنيا.

ص: 303

وَ إِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ رَضِينَا عَنِ اللَّهِ قَضَاهُ وَ سَلَّمْنَا لِلَّهِ أَمْرَهُ فَوَ اللَّهِ لَنْ يُصَابَ الْمُسْلِمُونَ بِمِثْلِكَ أَبَداً كُنْتَ لِلْمُؤْمِنِينَ كَهْفاً وَ حِصْناً وَ قُنَّةً رَاسِياً وَ عَلَى الْكَافِرِينَ غِلْظَةً وَ غَيْظاً فَأَلْحَقَكَ اللَّهُ بِنَبِيِّهِ وَ لَا أَحْرَمَنَا أَجْرَكَ وَ لَا أَضَلَّنَا بَعْدَكَ وَ سَكَتَ الْقَوْمُ حَتَّى انْقَضَى كَلَامُهُ وَ بَكَى وَ بَكَى أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ ص ثُمَّ طَلَبُوهُ فَلَمْ يُصَادِفُوهُ

5 عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ عَنْ صَفْوَانَ الْجَمَّالِ قَالَ كُنْتُ أَنَا وَ عَامِرٌ وَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جُذَاعَةَ الْأَزْدِيُّ عِنْدَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ فَقَالَ لَهُ عَامِرٌ جُعِلْتُ فِدَاكَ إِنَّ النَّاسَ يَزْعُمُونَ أَنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ع دُفِنَ بِالرَّحَبَةِ

" لن يصاب" أي في المستقبل لأنه كان أفضل ممن بعده إلى يوم القيامة، و لا ينافي كون الرسول صلى الله عليه و آله و سلم أفضل منه و كون مصيبته أشد من مصيبته، و في القاموس الكهف كالبيت المنقور في الجبل، و الوزر و الملجإ، و قال: القنة بالضم: الجبل الصغير و قلة الجبل، و المنفرد و المستطيل في السماء، و لا يكون إلا أسود، أو الجبل السهل المستوي المستنبط على الأرض، و الراسي: الثابت، و قيل: هو تميز مثل: لله درة، أو نعت قنة، و ترك التأنيث في مثله جائز، قال الجوهري: قوله تعالى" إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ" و لم يقل قريبة لأنه أراد بالرحمة الإحسان و لأن ما لا يكون تأنيثه حقيقيا جاز تذكيره، انتهى.

و يجوز كون ما بعد الياء ألفا ممدودة للتأنيث كنافقاء، و ليست هذه الفقرة في الإكمال" و غيظا" أي موجبا لغيظهم" فألحقك الله" جملة دعائية" و بكى" ثانيا على المجرد و رفع" أصحاب" أو على التفعيل و نصب أصحاب، و في الإكمال: و أبكي على بناء الأفعال.

الحديث الخامس

: صحيح.

و في القاموس: الرحبة بالفتح محلة بالكوفة، و في الصحاح: رحبة المسجد ساحته

ص: 304

قَالَ لَا قَالَ فَأَيْنَ دُفِنَ قَالَ إِنَّهُ لَمَّا مَاتَ احْتَمَلَهُ الْحَسَنُ ع فَأَتَى بِهِ ظَهْرَ الْكُوفَةِ قَرِيباً مِنَ النَّجَفِ يَسْرَةً عَنِ الْغَرِيِّ يَمْنَةً عَنِ الْحِيرَةِ فَدَفَنَهُ بَيْنَ رَكَوَاتٍ بِيضٍ

و في المصباح: الرحبة البقعة المتسعة بين أفنية القوم، و كان المراد هنا ميدان الكوفة أو ساحة مسجدها، و في القاموس: النجف محركة- و بهاء- مكان لا يعلوه الماء، مستطيل منقاد، و يكون في بطن الوادي، و قد يكون ببطن من الأرض أو هي أرض مستديرة مشرفة على ما حولها، و النجف محركة التل- و بهاء- موضع بين البصرة و البحرين، و مسناة بظاهر الكوفة تمنع ماء السيل أن يعلو مقابرها و منازلها، انتهى.

و في معجم البلدان: النجف بالتحريك بظهر الكوفة كالمسناة يمنع سيل الماء أن يعلو الكوفة و مقابرها، و بالقرب من هذا الموضع قبر أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام.

و قال الجوهري: الغريان هما طربالان يقال هما قبر مالك و عقيل نديمي جذيمة الأبرش، و سميا غريين لأن النعمان بن المنذر كان يغريهما بدم من يقتله إذا خرج يوم بؤسه، و في المغرب: الحيرة بالكسر مدينة كان يسكنها النعمان بن المنذر، و هي على رأس ميل من الكوفة.

قوله عليه السلام: بين ذكوات، كذا في أكثر نسخ الحديث، و لعله أراد التلال الصغيرة التي كانت محيطة بقبره صلوات الله عليه شبهها- لضيائها و توقدها عند شروق الشمس عليها، لاشتمالها على الحصيات البيض و الدراري- بالجمرة الملتهبة إذ الذكوة هي الجمرة الملتهبة كما ذكره اللغويون، و يحتمل على بعد أن يكون المراد بالذكوات تلك الحصيات، و قيل: إن أصله ذكاوات جمع ذكاء بمعنى التل الصغير، و رأيت في بعض نسخ فرحة الغري الركوات جمع ركوة و هي الحوض الكبير، فالمراد به الحياض التي كان يجمع فيها الماء حول قبره صلوات الله عليه.

و اعلم أن سبب هذا السؤال أنه نشأ اختلاف في أول الأمر في موضع قبره الشريف لأنه عليه السلام أوصى بإخفاء دفنه خوفا من الخوارج لئلا ينبشوا قبره عليه السلام

ص: 305

قَالَ فَلَمَّا كَانَ بَعْدُ ذَهَبْتُ إِلَى الْمَوْضِعِ فَتَوَهَّمْتُ مَوْضِعاً مِنْهُ ثُمَّ أَتَيْتُهُ فَأَخْبَرْتُهُ

فدفنه الحسنان و خواص أقاربه ليلا، فذهب جماعة من المخالفين إلى أنه دفن في رحبة الكوفة، و بعضهم إلى أنه دفن في المسجد، و قيل: دفن في قصر الإمارة، و قيل: دفن في بيته، و كان بعض جهلة الشيعة يزورونه بمشهد في الكرخ، ثم أئمتنا عليهم السلام عرفوا موضع قبره بعض خواص الشيعة فاجتمعت الشيعة و تواترت رواياتهم على أنه مدفون في الغري في الموضع المعروف عند الخاص و العام، و ارتفع الخلاف، و قد كتب السيد النقيب الجليل عبد الكريم بن أحمد بن طاوس كتابا في تعيين موضع قبره عليه السلام و رد أقوال المخالفين في ذلك سماه فرحة الغري و أورد فيه أخبارا كثيرة أوردناها في كتابنا الكبير.

و قال ابن أبي الحديد في شرح النهج: و روى أبو الفرج الأصفهاني بإسناده عن الأسود الكندي و الأجلح قالا: توفي علي عليه السلام و هو ابن أربع و ستين سنة، و في عام أربعين من الهجرة ليلة الأحد لإحدى و عشرين ليلة مضت من شهر رمضان، و ولي غسله ابنه الحسن فكبر عليه خمس تكبيرات، و دفن بالرحبة مما يلي أبواب كندة عند صلاة الصبح، هذه رواية أبي مخنف، قال أبو الفرج: و حدثني أحمد بن سعيد بإسناده عن الحسن بن علي الحلال عن جده قال: قلت للحسين بن علي عليه السلام: أين دفنتم أمير المؤمنين عليه السلام؟ قال: خرجنا به ليلا من منزله حتى مررنا به على منزل الأشعث، حتى خرجنا به إلى الظهر بجنب الغري.

قال ابن أبي الحديد: و هذه الرواية هي الحق و عليها العمل، و قد قلنا فيما تقدم: أن أبناء الناس أعرف بقبور آبائهم من غيرهم من الأجانب، و هذا القبر الذي بالغري، هو الذي كان بنو علي يزورونه قديما و حديثا، و يقولون: هذا قبر أبينا لا يشك أحد في ذلك من الشيعة و لا من غيرهم أعني بني علي من ظهر الحسن و الحسين و غيرهما من سلالة المتقدمين منهم و المتأخرين، ما زاروا و لا وقفوا إلا على هذا القبر بعينه.

ص: 306

فَقَالَ لِي أَصَبْتَ رَحِمَكَ اللَّهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ

و روى أبو الفرج علي بن عبد الرحمن الجوزي عن أبي الغنائم قال: مات بالكوفة ثلاثمائة صحابي ليس قبر أحد منهم معروفا إلا قبر أمير المؤمنين، و هو القبر الذي يزوره الناس الآن.

جاء جعفر بن محمد و أبوه محمد بن علي بن الحسين فزاراه، و لم يكن إذ ذاك قبر ظاهر، و إنما كان به شيوخ أيضا حتى جاء محمد بن زيد الداعي صاحب الديلم فأظهر القبة، انتهى.

و روي في فرحة الغري بإسناده عن محمد بن الحسن الجعفري قال: وجدت في كتاب أبي و حدثتني أمي عن أمها أن جعفر بن محمد عليه السلام حدثها أن أمير المؤمنين أمر ابنه الحسن عليه السلام أن يحفر له أربع قبور في أربعة مواضع، في المسجد، و في الرحبة، و في الغري و في دار جعدة بن هبيرة، و إنما أراد بهذا أن لا يعلم أحد من أعدائه موضع قبره.

و روي أيضا بإسناده عن أبي حمزة الثمالي عن أبي جعفر عليه السلام بإسناد آخر عن أبي عبد الله الجدلي، أنه أوصى أمير المؤمنين إلى الحسن عليه السلام فقال: يا بني إني ميت من ليلتي هذه، فإذا أنا مت فغسلني و كفني و حنطني بحنوط جدك، و ضعني على سريري و لا يقربن أحد منكم مقدم السرير فإنكم تكفونه، فإذا حمل المقدم فاحملوا المؤخر و ليتبع المؤخر المقدم حيث ذهب، فإذا وضع المقدم فضعوا المؤخر، ثم تقدم أي بني فصل علي فكبر سبعا فإنها لن تحل لأحد من بعدي إلا لرجل من ولدي يخرج في آخر الزمان، يقيم اعوجاج الحق، فإذا صليت فحط حول سريري ثم احفر لي قبرا في موضعه إلى منتهى كذا و كذا، ثم شق لي لحدا فإنك تقع على ساجة منقورة ادخرها لي أبي نوح عليه السلام، و ضعني في الساجة ثم ضع علي سبع لبنات كبار ثم ارقب هنيئة ثم انظر فإنك لن تراني في لحدي.

و في رواية أخرى عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال للحسن و الحسين عليهما السلام: فإنكما

ص: 307

6 أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سِنَانٍ قَالَ أَتَانِي عُمَرُ بْنُ يَزِيدَ فَقَالَ لِي ارْكَبْ فَرَكِبْتُ مَعَهُ فَمَضَيْنَا حَتَّى أَتَيْنَا مَنْزِلَ حَفْصٍ الْكُنَاسِيِّ فَاسْتَخْرَجْتُهُ فَرَكِبَ مَعَنَا ثُمَّ مَضَيْنَا حَتَّى أَتَيْنَا الْغَرِيَّ فَانْتَهَيْنَا إِلَى قَبْرٍ فَقَالَ انْزِلُوا هَذَا قَبْرُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ ع فَقُلْنَا مِنْ أَيْنَ عَلِمْتَ فَقَالَ أَتَيْتُهُ مَعَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع حَيْثُ كَانَ بِالْحِيرَةِ غَيْرَ مَرَّةٍ وَ خَبَّرَنِي أَنَّهُ قَبْرُهُ

7 مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْخَطَّابِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ عِيسَى شَلَقَانَ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ع يَقُولُ إِنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ع لَهُ خُئُولَةٌ فِي بَنِي مَخْزُومٍ وَ إِنَّ شَابّاً مِنْهُمْ أَتَاهُ فَقَالَ يَا خَالِي إِنَّ أَخِي مَاتَ وَ قَدْ حَزِنْتُ

تنتهيان إلى قبر محفور و لحد ملحود و لبن محفوظ، فألحداني و أشرجا علي اللبن و ارفعا لبنة مما عند رأسي فانظرا ما تسمعان، فأخذا اللبنة من عند الرأس بعد ما أشرجا عليه اللبن فإذا ليس في القبر شي ء و إذا هاتف يهتف: أمير المؤمنين كان عبدا صالحا فألحقه الله بنبيه صلى الله عليه و آله، و كذلك يفعل بالأوصياء بعد الأنبياء حتى لو أن نبيا مات في المشرق و مات وصيه في المغرب ألحق الله الوصي بالنبي.

و في رواية أم كلثوم ثم أخذ الحسن المعول فضرب ضربة فانشق القبر عن ضريح فإذا هو بساجة مكتوب عليها سطران بالسريانية: بسم الله الرحمن الرحيم هذا قبر قبره نوح النبي عليه السلام لعلي وصي محمد قبل الطوفان بسبعمائة عام، قالت أم كلثوم فانشق القبر فلا أدري أ نبش سيدي في الأرض أم أسري به إلى السماء، إذا سمعت ناطقا لنا بالتعزية: أحسن الله لكم العزاء في سيدكم و حجة الله على خلقه.

و روي بإسناده عن محمد بن السائب الكلبي قال: أخرج به ليلا، خرج به الحسن و الحسين و ابن الحنفية و عبد الله بن جعفر في عدة من أهل بيته و دفن ليلا في ذلك الظهر ظهر الكوفة، فقيل له: لم فعل به ذلك؟ قال: مخافة الخوارج و غيرهم.

الحديث السادس

: ضعيف.

الحديث السابع

: كالسابق.

و قيل: شلقان، لقب معناه الضارب" له خؤولة" أي كانت إحدى خالاته منهم

ص: 308

عَلَيْهِ حُزْناً شَدِيداً قَالَ فَقَالَ لَهُ تَشْتَهِي أَنْ تَرَاهُ قَالَ بَلَى قَالَ فَأَرِنِي قَبْرَهُ قَالَ فَخَرَجَ وَ مَعَهُ بُرْدَةُ رَسُولِ اللَّهِ ص مُتَّزِراً بِهَا فَلَمَّا انْتَهَى إِلَى الْقَبْرِ تَلَمْلَمَتْ شَفَتَاهُ ثُمَّ رَكَضَهُ بِرِجْلِهِ فَخَرَجَ مِنْ قَبْرِهِ وَ هُوَ يَقُولُ بِلِسَانِ الْفُرْسِ فَقَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ ع أَ لَمْ تَمُتْ وَ أَنْتَ رَجُلٌ مِنَ الْعَرَبِ قَالَ بَلَى وَ لَكِنَّا مِتْنَا عَلَى سُنَّةِ فُلَانٍ وَ فُلَانٍ فَانْقَلَبَتْ أَلْسِنَتُنَا

أو كان هو عليه السلام خالا لبعضهم، فيكون" في" بمعنى" مع" و يؤيد الأخير ما روي أن أم هانئ أخت أمير المؤمنين عليه السلام كانت زوجة هبيرة بن وهب بن عمرو بن عائذ ابن عمران بن مخزوم، و على الأول الخئولة جمع الخال، و على الثاني مصدر و كلاهما ورد في اللغة، يقال: بيني و بينهم خولة، و يقال: خال بين الخئولة" متزرا بها" أي شدها على وسطه مكان الإزار، أو التحف بها و ليس" متزرا بها" في الخرائج و فيه: معه برد رسول الله السنجاب.

" تلملمت" في أكثر نسخ الكتاب بتقديم اللام على الميم أي انضمت شفتاه أو تحركت كناية عن التكلم، يقال كتيبة ململمة و ملمومة أي مجتمعة مضمومة بعضها إلى بعض، و لملم الحجر: أداره و الململم بفتح لاميه: المجتمع المدور المضموم، و في الخرائج و غيره من الكتب بتقديم الميم على اللام، و في بعضها بعكسها و هو أظهر، قال في القاموس: تململ تقلب و الململة السرعة و في المصباح ركض الرجل ركضا من باب قتل: ضربه برجله و في الخرائج: فخرج من قبره و هو يقول رميكا بلسان الفرس، و روي أيضا برواية أخرى عن الصادق عليه السلام قال: كان قوم من بني مخزوم لهم خئولة من علي عليه السلام فأتاه شاب منهم يوما فقال: يا خال مات ترب لي فحزنت عليه حزنا شديدا قال: فتحب أن تراه؟ قال: نعم، فانطلق بنا إلى قبره فدعا الله و قال: قم يا فلان بإذن الله، فإذا الميت جالس على رأس القبر و هو يقول: ونيه ونيه سألا، معناه لبيك لبيك سيدنا، فقال أمير المؤمنين عليه السلام: ما هذا اللسان؟ أ لم تمت و أنت رجل من

ص: 309

8 مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ وَ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ جَمِيعاً عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ عَنْ أَبِي حَمْزَةَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ع قَالَ لَمَّا قُبِضَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ ع قَامَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ ع فِي مَسْجِدِ الْكُوفَةِ فَحَمِدَ اللَّهَ وَ أَثْنَى عَلَيْهِ وَ صَلَّى عَلَى النَّبِيِّ ص ثُمَّ قَالَ أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّهُ قَدْ قُبِضَ فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ رَجُلٌ مَا سَبَقَهُ الْأَوَّلُونَ وَ لَا يُدْرِكُهُ الْآخِرُونَ إِنَّهُ كَانَ لَصَاحِبَ رَايَةِ رَسُولِ اللَّهِ ص عَنْ يَمِينِهِ جَبْرَئِيلُ وَ عَنْ يَسَارِهِ مِيكَائِيلُ لَا يَنْثَنِي حَتَّى يَفْتَحَ اللَّهُ لَهُ وَ اللَّهِ مَا تَرَكَ بَيْضَاءَ وَ لَا حَمْرَاءَ إِلَّا سَبْعَمِائَةِ دِرْهَمٍ فَضَلَتْ عَنْ عَطَائِهِ أَرَادَ أَنْ يَشْتَرِيَ بِهَا خَادِماً لِأَهْلِهِ وَ اللَّهِ لَقَدْ قُبِضَ فِي اللَّيْلَةِ الَّتِي فِيهَا قُبِضَ وَصِيُّ مُوسَى يُوشَعُ بْنُ نُونٍ وَ اللَّيْلَةِ الَّتِي عُرِجَ فِيهَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَ اللَّيْلَةِ الَّتِي نُزِّلَ فِيهَا الْقُرْآنُ

9 عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ رَفَعَهُ قَالَ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ع لَمَّا غُسِلَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ

العرب؟ قال: نعم و لكني مت على ولاية فلان و فلان فانقلب لساني إلى السنة أهل النار.

الحديث الثامن

صحيح.

" ما سبقه" أي في الفضل و العلم و الكمالات، و الأولون الأنبياء السابقون و أوصياؤهم، و الآخرون من يأتي بعده من الأوصياء و غيرهم لأنه عليه السلام كان أفضل منهم فهم لا يدركونه في الفضل، و في رواية أخرى في مجالس الصدوق: و الله لا يسبق أبى أحد كان قبله من الأوصياء إلى الجنة و لا من يكون بعده.

" أن كان" أن مخففة" لا ينثني" أي لا ينعطف و لا يرجع، و البيضاء الفضة و الحمراء الذهب، و الخادم الجارية" أنزل فيها القرآن" أي إلى البيت المعمور و يدل على كون الحادية و العشرين ليلة القدر لقوله تعالى:" إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ" و سيأتي تحقيقه في كتاب الصوم إنشاء الله تعالى.

الحديث التاسع

مرفوع.

ص: 310

ع نُودُوا مِنْ جَانِبِ الْبَيْتِ إِنْ أَخَذْتُمْ مُقَدَّمَ السَّرِيرِ كُفِيتُمْ مُؤَخَّرَهُ وَ إِنْ أَخَذْتُمْ مُؤَخَّرَهُ كُفِيتُمْ مُقَدَّمَهُ

10 عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ وَ سَعْدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ جَمِيعاً عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَهْزِيَارَ عَنْ أَخِيهِ عَلِيِّ بْنِ مَهْزِيَارَ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مَحْبُوبٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ سَالِمٍ عَنْ حَبِيبٍ السِّجِسْتَانِيِّ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ ع يَقُولُ وُلِدَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ مُحَمَّدٍ ص- بَعْدَ مَبْعَثِ رَسُولِ اللَّهِ بِخَمْسِ سِنِينَ وَ تُوُفِّيَتْ وَ لَهَا ثَمَانَ عَشْرَةَ سَنَةً وَ خَمْسَةٌ وَ سَبْعُونَ يَوْماً

11 سَعْدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ فَضَّالٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بُكَيْرٍ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع أَنَّهُ سَمِعَهُ يَقُولُ لَمَّا قُبِضَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ ع أَخْرَجَهُ الْحَسَنُ وَ الْحُسَيْنُ وَ رَجُلَانِ آخَرَانِ حَتَّى

" نودوا" النداء من الملائكة و سماعه لا يدل علي النبوة لعدم رؤية الشخص كما مر" كفيتم" على بناء المجهول أي تحمله الملائكة.

الحديث العاشر

حسن.

و كأنه كان من الباب الآتي فاشتبه على النساخ و كتبوه هنا، و ربما يتكلف بأن مناسبته للباب لأجل أنه يشتمل على أن الظلم لأمير المؤمنين عليه السلام و استقرار عصب حقه إنما كان لقرب وفاة فاطمة من وفاة الرسول صلى الله عليه و آله و سلم كما روى البخاري في صحيحه في بحث غزوة خيبر، و كان لعلي من الناس وجه حياة فاطمة فلما توفيت استنكر على وجوه الناس فالتمس مصالحة أبي بكر و مبايعته و لم يكن يبايع تلك الأشهر، فأرسل إلى أبي بكر أن ائتنا و لا يأتنا أحد معك كراهية محضر عمر بن الخطاب، فقال عمر لأبي بكر: و الله لا تدخل عليهم وحدك، فقال أبو بكر: ما عسى هم أن يفعلوا.

و لا يخفى ما في هذا التوجيه من التعسف.

الحديث الحادي عشر

مرسل كالموثق بل كالصحيح.

و لعل المراد بالرجلين الآخرين محمد بن الحنفية و عبد الله بن جعفر كما يظهر

ص: 311

إِذَا خَرَجُوا مِنَ الْكُوفَةِ تَرَكُوهَا عَنْ أَيْمَانِهِمْ ثُمَّ أَخَذُوا فِي الْجَبَّانَةِ حَتَّى مَرُّوا بِهِ إِلَى الْغَرِيِّ فَدَفَنُوهُ وَ سَوَّوْا قَبْرَهُ فَانْصَرَفُوا

بَابُ مَوْلِدِ الزَّهْرَاءِ فَاطِمَةَ ع وُلِدَتْ فَاطِمَةُ عَلَيْهَا وَ عَلَى بَعْلِهَا السَّلَامُ بَعْدَ مَبْعَثِ رَسُولِ اللَّهِ ص بِخَمْسِ سِنِينَ

من بعض الأخبار، و في بعضها أن صعصعة بن صوحان كان معهم" و سووا قبره" أي جعلوه مستويا بالأرض و لم يرفعوه و لم يجعلوا له علامة.

باب مولد الزهراء فاطمة عليها السلام

اشارة

قوله (ره)" ولدت" إلى آخره، هذا موافق لما مر من رواية السجستاني و اختلفت الخاصة و العامة في تاريخ ولادتها و وفاتها و عمرها الشريف علي أقوال كثيرة قال الشيخ في المصباح: في يوم العشرين من جمادى الآخرة سنة اثنتين من المبعث كان مولد فاطمة عليها السلام في بعض الروايات و في رواية أخرى سنة خمس من المبعث، و العامة يروي أن مولدها قبل المبعث بخمس سنين، و قال: في الثالث من جمادى الآخرة كانت وفاة فاطمة عليها السلام سنة إحدى عشرة، و قال أيضا في اليوم الحادي و العشرين من رجب وفاة الطاهرة فاطمة عليها السلام في قول ابن عياش.

و قال أبو الفرج في مقاتل الطالبيين: كان مولد فاطمة عليها السلام قبل النبوة و قريش حينئذ تبني الكعبة، و كان تزويج علي بن أبي طالب عليه السلام إياها في صفر بعد مقدم رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم المدينة، و بنى بها بعد رجوعه من غزاة بدر و لها يومئذ ثماني عشرة سنة، حدثني بذلك الحسن بن علي بإسناده عن إسحاق بن عبد الله عن جعفر بن محمد بن علي عليهم السلام و كانت وفاة فاطمة صلوات الله عليها بعد وفاة النبي صلى الله عليه و آله و سلم بمدة يختلف في مبلغها فالمكثر يقول ثمانية أشهر، و المقلل يقول: أربعين يوما إلا أن الثبت في ذلك ما روي عن أبي جعفر محمد بن علي عليه السلام أنها توفيت بعده بثلاثة أشهر، حدثني بذلك الحسن بن علي عن الحارث عن ابن سعد عن الواقدي عن عمرو بن دينار عن أبي

ص: 312

وَ تُوُفِّيَتْ ع وَ لَهَا ثَمَانَ عَشْرَةَ سَنَةً وَ خَمْسَةٌ وَ سَبْعُونَ يَوْماً وَ بَقِيَتْ بَعْدَ أَبِيهَا ص خَمْسَةً وَ سَبْعِينَ يَوْماً

جعفر عليه السلام.

و روى الطبرسي في كتاب دلائل الإمامة عن أبي المفضل الشيباني عن محمد بن همام عن أحمد بن محمد البرقي عن أحمد بن محمد بن عيسى عن ابن أبي نجران عن ابن سنان عن ابن مسكان عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال: ولدت فاطمة عليها السلام في جمادى الآخرة يوم العشرين منه سنة خمس و أربعين من مولد النبي فأقامت بمكة ثمان سنين، و بالمدينة عشر سنين، و بعد أبيها خمسا و سبعين يوما و قبضت في جمادى الآخرة يوم الثلاثاء الثلاث خلون منه سنة إحدى عشرة من الهجرة صلوات الله عليها.

و قال في كشف الغمة: ذكر ابن الخشاب عن شيوخه يرفعه عن أبي جعفر محمد بن علي قال: ولدت فاطمة بعد ما أظهر الله نبوة و أنزل عليه الوحي بخمس سنين، و قريش تبني البيت، و توفيت و لها ثماني عشرة سنة و خمسة و سبعين يوما، و في رواية صدقة: ثمانية عشرة سنة و شهر و خمسة عشر يوما، و كان عمرها مع أبيها بمكة ثمان سنين و هاجرت إلى المدينة مع رسول الله عليه السلام فأقامت معه عشر سنين، و كان عمرها ثمان عشرة سنة و شهر و عشرة أيام.

و قال ابن شهرآشوب في المناقب: قال الدولابي في كتاب الذرية الطاهرة لبثت فاطمة بعد النبي صلى الله عليه و آله ثلاثة أشهر و قال ابن شهاب: ستة أشهر، و قال الزهري:

ستة أشهر، و مثله عن عائشة و عروة بن الزبير، و عن أبي جعفر عليه السلام خمسا و سبعين ليلة في سنة عشر، و قال ابن قتيبة في معارفه مائة يوم، و قيل: ماتت في سنة إحدى عشرة ليلة الثلاثاء لثلاث ليال من شهر رمضان، و هي بنت تسع و عشرين سنة أو نحوها، و قيل:

ولدت قبل النبوة بخمس سنين، انتهى.

و روي في كتاب مصباح الأنوار عن أبي جعفر عن آبائه عليهم السلام: أن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم عاشت بعد النبي ستة أشهر ما رئيت ضاحكة، و قال الخوارزمي في مناقبه

ص: 313

1 مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ عَنِ ابْنِ رِئَابٍ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ إِنَّ فَاطِمَةَ ع مَكَثَتْ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ ص خَمْسَةً وَ سَبْعِينَ يَوْماً وَ كَانَ دَخَلَهَا حُزْنٌ شَدِيدٌ عَلَى أَبِيهَا وَ كَانَ يَأْتِيهَا جَبْرَئِيلُ ع فَيُحْسِنُ عَزَاءَهَا عَلَى أَبِيهَا وَ يُطَيِّبُ نَفْسَهَا وَ يُخْبِرُهَا عَنْ أَبِيهَا وَ مَكَانِهِ وَ يُخْبِرُهَا بِمَا يَكُونُ بَعْدَهَا فِي ذُرِّيَّتِهَا وَ كَانَ عَلِيٌّ ع يَكْتُبُ ذَلِكَ

قال محمد بن إسحاق توفيت و لها ثمان و عشرون سنة، و قيل: سبع و عشرون سنة، و في رواية أنها ولدت علي رأس سنة إحدى و أربعين من مولد النبي صلى الله عليه و آله و سلم فيكون سنها علي هذا ثلاثا و عشرين، و الأكثر علي أنها كانت بنت تسع و عشرين أو ثلاثين عليها السلام و ذكر وهب بن منبه عن ابن عباس أنها بقيت أربعين يوما بعده، و في رواية ستة أشهر انتهى.

و أقول: إذا عرفت هذه الأقوال فاعلم أنه يشكل التطبيق بين أكثر تواريخ ولادتها و وفاتها و بين مدة عمرها الشريف، و كذا بين تواريخ الوفاة و بين ما ورد في الخبر و اختاره المصنف من أنها عليها السلام عاشت بعد أبيها خمسة و سبعين يوما، إذ لو كانت وفاة الرسول صلى الله عليه و آله في الثامن و العشرين من صفر كان على هذا وفاتها في أواسط جمادى الأولى، و لو كان في ثاني عشر ربيع الأول كما اختاره العامة كان وفاتها في أواخر جمادى الأولى، و ما رواه أبو الفرج عن الباقر عليه السلام من كون مكثها عليها السلام بعده صلى الله عليه و آله و سلم ثلاثة أشهر يمكن تطبيقه على ما هو المشهور من كون وفاتها في ثالث جمادى الآخرة بأن يكون عليه السلام أسقط الأيام الزائدة لقلتها كما هو الشائع في التواريخ و المحاسبات من إسقاط الأقل من النصف و عد الأكثر منه تاما، و الله يعلم.

الحديث الأول

صحيح، و قد مر مضمونه في باب ذكر الصحيفة و الجفر و الجامعة و مصحف فاطمة، و في القاموس: العزاء: الصبر أو حسنة كالتعزوة، عزي كرضى عزاءا فهو عز و عزاه يعزيه كيعزوه، انتهى.

ص: 314

2 مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنِ الْعَمْرَكِيِّ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ أَخِيهِ أَبِي الْحَسَنِ ع قَالَ إِنَّ فَاطِمَةَ ع صِدِّيقَةٌ شَهِيدَةٌ

الحديث الثاني

صحيح.

و الصديقة فعلية للمبالغة في الصدق و التصديق، أي كانت كثيرة التصديق لما جاء به أبوها صلى الله عليه و آله، و كانت صادقة في جميع أقوالها مصدقة أقوالها بأفعالها، و هي معنى العصمة، و لا ريب في عصمتها صلوات الله عليها لدخولها في الذين نزلت فيهم آية التطهير بإجماع الخاصة و العامة و الروايات المتواترة من الجانبين، و أما دلالة الآية على العصمة فلان المراد بالإرادة في الآية إما الإرادة المستتبعة للفعل أعني إذهاب الرجس حتى يكون الكلام في قوة أن يقال: إنما أذهب الله عنكم الرجس أو الإرادة المحضة حتى يكون المراد أمركم الله يا أهل البيت باجتناب المعاصي، فعلى الأول ثبت المدعى و أما الثاني فباطل من وجوه:

الأول: أن كلمة إنما تدل على التخصيص و الإرادة المذكورة تعم سائر المكلفين حتى الكفار لاشتراك الجميع في التكليف و قد قال سبحانه:" وَ ما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَ الْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ" فلا وجه للتخصيص بهم عليهم السلام.

الثاني: أن المقام يقتضي المدح و التشريف لمن نزلت الآية فيه، حيث جللهم بالكساء، و لم يدخل فيه غيرهم، و خصصهم بدعائه فقال: اللهم هؤلاء أهل بيتي و حامتي، و كذا التأكيد في الآية حيث أعاد التطهير بعد ذكر إذهاب الرجس، و المصدر بعد الفعل منونا بتنوين التعظيم.

و قد أنصف الفخر الرازي في تفسيره حيث قال: في قوله تعالى:" لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ"" وَ يُطَهِّرَكُمْ" لطيفة هي أن الرجس قد يزول عينا و لا يطهر المحل فقوله:

ليذهب عنكم الرجس أي يزيل عنكم الذنوب" وَ يُطَهِّرَكُمْ" أي يلبسكم خلع الكرامة انتهى.

ص: 315

و لا مدح و لا تشريف فيما دخل فيه الفساق و الكفار، فإن قيل: إذهاب الرجس لا يكون إلا بعد ثبوته فدلت الآية على ثبوت الرجس و المعصية فيهم و أنتم قد قلتم بعصمتهم عن الذنوب من أول العمر إلى انقضاء الأجل؟ قلنا: إن الإذهاب و الصرف و ما يؤدي هذا المؤدي كما يستعمل في إزالة الأمر الموجود يستعمل في المنع عن طريان أمر على محل قابل له، قال الله تعالى:" وَ يُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ مِنْ جِبالٍ فِيها مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشاءُ وَ يَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشاءُ" و قال في يوسف عليه السلام:" كَذلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَ الْفَحْشاءَ" و تقول في الدعاء: صرف الله عنك كل سوء، و أذهب عنك كل محذور، و بناء الكلام في مثلها على التخييل الذهني بفرض المحل متصفا بالأمر لكونه مظنة له بخصوصه، أو لكون الغالب اتصاف أمثاله بذلك الأمر، و العبد لما كان في الغالب مظنة لارتكاب المعصية قد يسمى تأييد الله إياه بالعصمة عن ارتكابها إذهابا لها و تطهيرا منها، و ليس الغرض اتصافه بها كما أنه ليس المراد في الآيتين السابقتين الصرف بعد الإصابة.

على أنا نقول: إذا سلم الخصم منا دلالة الآية على العصمة في الجملة كفانا في المقصود، إذ القول بعصمتهم في بعض الأوقات خرق للإجماع المركب و هو واضح فثبت عصمتهم مطلقا.

و مما يدل على عصمتها صلوات الله عليها الأخبار الدالة على أن إيذاءها إيذاء الرسول، و أن الله تعالى يغضب لغضبها و يرضى لرضاها، كما روى البخاري و مسلم و غيرهما عن المسور بن مخرمة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه و آله يقول، و هو على المنبر إنه قال في سياق حديث فاطمة: فإنما هي بضعة مني يربيني ما رابها، و يؤذيني من آذاها.

و قد روى البخاري و مسلم و غيرهما أنه صلى الله عليه و آله قال: فاطمة بضعة مني يؤذيني

ص: 316

ما آذاها.

و في صحيح الترمذي عن ابن الزبير قال صلى الله عليه و آله و سلم: إنما فاطمة بضعة مني يؤذيني ما آذاها و ينصبني ما أنصبها.

و روي في المشكاة عن المسور بن مخرمة أنه قال صلى الله عليه و آله: فاطمة بضعة مني فمن أغضبها فقد أغضبني.

و روى ابن شهرآشوب عن مستدرك الحاكم بإسناده أن النبي صلى الله عليه و آله قال:

فاطمة شجنة مني يقبضني ما يقبضها، و يبسطني ما يبسطها، و عن أبي سعيد الواعظ في شرف النبي صلى الله عليه و آله و سلم و أبي عبد الله العكبري في الإبانة، و محمود الإسفرائيني في الديانة رووا جميعا أن النبي صلى الله عليه و آله قال: يا فاطمة إن الله يغضب لغضبك و يرضى لرضاك.

و روى صاحب كشف الغمة عن مجاهد قال: خرج النبي صلى الله عليه و آله و سلم و هو آخذ بيد فاطمة عليها السلام فقال: من عرف هذه فقد عرفها، و من لم يعرفها فهي فاطمة بنت محمد، و هي بضعة مني و هي قلبي و روحي التي بين جنبي، فمن آذاها فقد آذاني و من آذاني فقد آذى الله، و رواه أيضا عن الثعلبي عن مجاهد، و الأخبار من طرقنا في ذلك أكثر من أن يحصى.

و أما وجه دلالتها على المدعى فهو أنه إذا كانت فاطمة عليها السلام ممن يقارف الذنوب لجاز إيذاؤها بل إقامة الحد و التعزير عليها لو فعلت، و العياذ بالله ما يوجبها، و لم يكن رضاها رضى الله سبحانه إذا رضيت بالمعصية، و لا من سرها في معصية سار الله سبحانه و من أبغضها بمنعها عن معصية مبغضا له جل شأنه، و كل ذلك يناقض عموم الأخبار السالفة.

و ليس موضع الاستدلال فيها لفظة البضعة بالفتح و قد يكسر أي القطعة من اللحم،

ص: 317

أو الشجنة بالضم و الكسر أي الشعبة من غصون الشجر، حتى يجاب بما أجاب به صاحب المواقف و تبعه غيره من أنه مجاز لا حقيقة.

بل الاستدلال بعموم من آذاها، و من سرها، و من أغضبها، و نحو ذلك.

فإن قيل: لعل المراد من آذاها ظلما و من سرها في طاعة و مثل ذلك لشيوع التخصيص في العمومات؟

قلنا: أولا: لا ريب في أن التخصيص خلاف الأصل و لا يصار إليه إلا لدليل، و ثانيا: أنها صلوات الله عليها تكون حينئذ كسائر المسلمين لم تخص بخاصة في تلك الأخبار، و لا كان فيها مدحة و لا تشريف، و لا يريب عاقل في أن سياق هذه الأخبار مشتملة على مدحها و تشريفها و تفضيلها، لا سيما مع التفريع على قوله: بضعة مني، و لذا ذكرها العامة و الخاصة في باب مناقبها و فضائلها، و على هذا الاحتمال يكون بالذم أشبه بالمدح كما لا يخفى على من شم رائحة الإنصاف.

ثم إن هذا الخبر يدل على أن فاطمة صلوات الله عليها كانت شهيدة و هو من المتواترات و كان سبب ذلك أنهم لما غصبوا الخلافة و بايعهم أكثر الناس بعثوا إلى أمير المؤمنين عليه السلام ليحضر للبيعة، فأبى فبعث عمر بنار ليحرق على أهل البيت بيتهم و أرادوا الدخول عليه قهرا، فمنعتهم فاطمة عند الباب فضرب قنفذ غلام عمر الباب على بطن فاطمة عليها السلام فكسر جنبيها و أسقطت لذلك جنينا كان سماه رسول الله صلى الله عليه و آله محسنا، فمرضت لذلك و توفيت صلوات الله عليها في ذلك المرض.

فقد روى الطبري و الواقدي في تاريخيهما أن عمر بن الخطاب جاء إلى علي عليه السلام في عصابة فيهم أسيد بن الحصين و سلمة بن أسلم فقال: اخرجوا أو لأحرقنها عليكم، و روى ابن حزانة في غرره قال: قال زيد بن أسلم: كنت ممن حمل الحطب مع عمر إلى باب فاطمة حين امتنع على و أصحابه عن البيعة أن يبايعوا، فقال عمر لفاطمة:

أخرجي من في البيت أو لأحرقنه و من فيه، قال: و في البيت على و فاطمة و الحسن و الحسين

ص: 318

و جماعة من أصحاب النبي صلى الله عليه و آله فقالت فاطمة: أ تحرق على ولدي؟ فقال: أي و الله أو لتخرجن و ليبايعن.

و روى الطبرسي (ره) في الاحتجاج عن عبد الله بن عبد الرحمن في رواية ذكر فيها قصة السقيفة قال: إن عمر احتزم بإزاره و جعل يطوف بالمدينة و ينادي إن أبا بكر قد بويع له فهلموا إلى البيعة، فينثال الناس و يبايعون فعرف إن جماعة في بيوت مستترين فكان يقصدهم في جمع فيكبسهم و يحضرهم في المسجد فيبايعون حتى إذا مضت أيام أقبل في جمع كثير إلى منزل علي بن أبي طالب عليه السلام فطالبه بالخروج فأبى، فدعا عمر بحطب و نار و قال: و الذي نفس عمر بيده ليخرجن أو لأحرقن على ما فيه، فقيل له: إن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه و آله و ولد رسول الله و آثاره صلى الله عليه و آله و سلم فيه، و أنكر الناس ذلك من قوله، فلما عرف إنكارهم قال: ما بالكم أ تروني فعلت ذلك! إنما أردت التهويل، فراسلهم علي عليه السلام: أن ليس إلى خروجي حيلة لأني في جمع كتاب الله الذي قد نبذتموه و ألهتكم الدنيا عنه و قد حلفت أن لا أخرج من بيتي و لا أضع ردائي على عاتقي حتى أجمع القرآن.

قال: و خرجت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم إليهم فوقفت علي الباب ثم قالت:

لا عهد لي بقوم أسوأ محضرا منكم، تركتم رسول الله جنازة بين أيدينا و قطعتم أمركم فيما بينكم لم تؤامرونا و لم تروا لنا حقا كأنكم لم تعلموا ما قال يوم غدير خم! و الله لقد عقد له يومئذ الولاء ليقطع منكم بذلك منها الرجاء و لكنكم قطعتم الأسباب بينكم و بين نبيكم و الله حسيب بيننا و بينكم في الدنيا و الآخرة.

و عن سليم بن قيس الهلالي في حديث طويل إن عمر قال لأبي بكر: ما يمنعك أن تبعث إليه فيبايع، فإنه لم يبق أحد غيره و غير هؤلاء الأربعة معه و هم سلمان و أبو ذر و المقداد و الزبير بن العوام؟ و كان أبو بكر أرأف الرجلين و أدهاهما و أرفقهما

ص: 319

و أبعدهما غورا و الآخر أفظهما و أغلظهما و أجفاهما، فقال: من ترسل إليه؟ فقال:

أرسل إليه قنفذا و كان رجلا فظا غليظا جافيا من الطلقاء أحد بني تميم، فأرسله و أرسل معه أعوانا فانطلق فاستأذن فأبى علي عليه السلام أن يأذن له، فرجع أصحاب قنفذ إلى أبي بكر و عمر و هما في المسجد، و الناس حولهما، فقالوا: لم يأذن لنا، فقال عمر:

إن أذن لكم و إلا فادخلوا عليه بغير إذنه، فانطلقوا فاستأذنوا فقالت فاطمة عليها السلام:

أحرج عليكم أن تدخلوا على بيتي بغير إذن، فرجعوا و ثبت قنفذ فقالوا: إن فاطمة قالت كذا و كذا فحرجتنا أن ندخل عليها بغير إذن. فغضب عمر و قال: ما لنا و للنساء ثم أمر أناسا حوله فحملوا حطبا و حمل معهم عمر، فجعلوه حول منزله و فيه على و فاطمة و ابناها عليهم السلام، ثم نادى عمر حتى أسمع عليا عليه السلام: و الله لتخرجن و لتبايعن خليفة رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم أو لأضرمن عليك بيتك نارا، قال: فلما أخرجوه حالت فاطمة عليها السلام بين زوجها و بينهم عند باب البيت، فضربها قنفذ بالسوط على عضدها فصار بعضدها مثل الدملوج من ضرب قنفذ إياها و دفعها، فكسر ضلعا من جنبها، و ألقت جنينا من بطنها، فلم تزل صاحبة فراش حتى ماتت من ذلك شهيدة صلوات الله عليها و لعنة الله على من ظلمها.

و روى العياشي بإسناده عن عمرو بن أبي المقدام عن أبيه عن جده أنه لما أرسلوا مرارا إلى علي عليه السلام فأبى أن يأتيهم قال عمر: قوموا بنا إليه، فقام أبو بكر و عمر و عثمان و خالد بن الوليد و المغيرة بن شعبة و أبو عبيدة بن الجراح و سالم مولى حذيفة و قنفذ، فقمت معهم فلما انتهينا إلى الباب و رأتهم فاطمة أغلقت الباب في وجوههم و هي لا تشك أن لا يدخل عليها أحد إلا بإذنها فضرب عمر الباب برجله فكسره ثم دخلوا فأخرجوا عليا عليه السلام ملببا، فخرجت فاطمة عليها السلام فقالت: يا أبا بكر أ تريد أن ترملني من زوجي لئن لم تكف عنه لأنشرن شعري و لأشقن جيبي و لآتين قبر أبي و لأصيحن إلى ربي، الخبر.

ص: 320

وَ إِنَّ بَنَاتِ الْأَنْبِيَاءِ لَا يَطْمَثْنَ

3 أَحْمَدُ بْنُ مِهْرَانَ رَحِمَهُ اللَّهُ رَفَعَهُ وَ أَحْمَدُ بْنُ إِدْرِيسَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ الشَّيْبَانِيِّ قَالَ حَدَّثَنِي الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ الرَّازِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ الْهُرْمُزَانِيُّ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ ع قَالَ لَمَّا قُبِضَتْ فَاطِمَةُ ع دَفَنَهَا أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ

و روي في الاحتجاج فيما احتج به الحسن على معاوية و أصحابه أنه قال المغيرة بن شعبة: أنت ضربت فاطمة بنت رسول الله حتى أدميتها و ألقت ما في بطنها استذلالا منك لرسول الله صلى الله عليه و آله و سلم و مخالفة منك لأمره و انتهاكا لحرمته و قد قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم أنت سيدة نساء أهل الجنة، الخبر.

و الأخبار في ذلك كثيرة أخرجتها في الكتاب الكبير.

قوله عليه السلام: و إن بنات الأنبياء لا يطمثن، أقول: لا ينافي ذلك الأخبار الواردة في حيض حواء لأنها مع ضعفها لم تكن من بنات الأنبياء، و ما ورد من أن مريم عليها السلام حاضت، فيمكن أن يكون تقية أو إلزاما على المخالفين، و يمكن حمل هذا الخبر على أولي العزم منهم، و به يمكن الجواب عن حيض سارة إن ثبت كونها من بنات الأنبياء بلا واسطة إذ الظاهر أن المراد هنا بناتهم بغير واسطة، و يمكن الجواب عنها و عن مريم بأنه لم يثبت كونهما من بنات الأنبياء بلا واسطة.

الحديث الثالث

مجهول.

قوله عليه السلام: دفنها أمير المؤمنين عليه السلام سرا.

أقول: تواترت الأخبار من طريقي الخاصة و العامة أن فاطمة عليها السلام لسخطها على أبي بكر و عمر أوصت أن تدفن ليلا لئلا يصليا عليها، و لا يحضرا جنازتها.

روى السيد الجليل المرتضى رضي الله عنه في الشافي عن الطبري أن فاطمة دفنت ليلا و لم يحضرها إلا العباس و علي و المقداد و الزبير.

و قال: روى القاضي أبو بكر بإسناده في تاريخه عن الزهري عن عروة بن الزبير عن عائشة أن فاطمة عاشت بعد رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم ستة أشهر، فلما توفيت دفنها علي ليلا و صلى عليها علي بن أبي طالب عليه السلام، و ذكر في كتابه هذا أن أمير المؤمنين

ص: 321

و الحسن و الحسين عليهم السلام دفنوها ليلا و غيبوا قبرها.

و قال البلاذري في تاريخه إن فاطمة لم تر متبسمة بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم و لم يعلم أبو بكر و عمر بموتها.

و قال رضي الله عنه: وردت الروايات المستفيضة الظاهرة التي هي كالمتواتر أنها أوصت بأن تدفن ليلا حتى لا يصلي عليها الرجلان، و صرحت بذلك و عهدت فيه عهدا بعد أن كانا استأذنا عليها في مرضها ليعوداها فأبت أن تأذن لهما، فلما طال عليها المدافعة رغبا إلى أمير المؤمنين عليه السلام في ذلك و جعلاها حاجة إليه فكلمها أمير المؤمنين عليه السلام في ذلك و ألح عليها فأذنت لهما في الدخول، ثم أعرضت عنهما عند دخولهما و لم تكلمهما، فلما خرجا قالت لأمير المؤمنين عليه السلام لقد صنعت ما أردت؟

قال: نعم، قالت: فهل أنت صانع ما آمرك؟ قال: نعم قالت: فإني أنشدك الله أن لا يصليا على جنازتي و لا يقوما على قبري.

و روي أنه عليه السلام عمي على قبرها و رش أربعين قبرا في البقيع، و لم يرش على قبرها حتى لا يهتديا إليه و أنهما عاتباه على ترك إعلامهما بشأنها و إحضارهما للصلاة عليهما، انتهى كلام السيد قدس سره.

و روى مسلم في صحيحه عن عائشة في حديث طويل بعد ذكر مطالبة فاطمة أبا بكر في ميراث رسول الله صلى الله عليه و آله و فدك و سهمه من خيبر قالت: فهجرته فاطمة فلم تكلمه في ذلك حتى ماتت، فدفنها علي ليلا و لم يؤذن بها أبا بكر، قالت: فكان لعلي من الناس وجه حياة فاطمة، فلما توفيت فاطمة انصرفت وجوه الناس عن علي و مكثت فاطمة بعد رسول الله صلى الله عليه و آله ستة أشهر ثم توفيت.

و روى ابن أبي الحديد من كتاب أحمد بن عبد العزيز الجوهري بعد إيراد قصة فدك أن فاطمة عليها السلام قالت: و الله لا كلمتك أبدا قال: و الله لا هجرتك أبدا قالت:

و الله لأدعون عليك، قال: و الله لأدعون الله لك، فلما حضرته الوفاة أوصت أن لا يصلي عليها، فدفنت ليلا و صلى عليها العباس بن عبد المطلب و كان بين وفاتها و وفاة

ص: 322

سِرّاً وَ عَفَا عَلَى مَوْضِعِ قَبْرِهَا ثُمَّ قَامَ فَحَوَّلَ وَجْهَهُ إِلَى قَبْرِ رَسُولِ اللَّهِ ص فَقَالَ السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ عَنِّي وَ السَّلَامُ عَلَيْكَ عَنِ ابْنَتِكَ وَ زَائِرَتِكَ وَ الْبَائِتَةِ فِي الثَّرَى بِبُقْعَتِكَ وَ الْمُخْتَارِ

أبيها صلى الله عليهما اثنتان و سبعون ليلة.

و قال ابن أبي الحديد بعد ذكر الروايات: و الصحيح عندي أنها ماتت و هي واجدة على أبي بكر و عمر، و أنها أوصت أن لا يصليا عليها، إلى آخر ما قال.

و روى الصدوق بإسناده عن عمرو بن أبي المقدام و زياد بن عبيد الله عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث طويل ذكر فيه عليه السلام غضبها على أبي بكر و عمر، قال عليه السلام: ثم قالت أنشدكما بالله هل سمعتما النبي صلى الله عليه و آله يقول: فاطمة بضعة مني و أنا منها، من آذاها فقد آذاني و من آذاني فقد آذى الله، و من آذاها بعد موتي فكان كمن آذاها في حياتي، و من آذاها في حياتي كان كمن آذاها بعد موتي؟ قالا: اللهم نعم، فقالت: الحمد لله ثم قالت: اللهم إني أشهدك فأشهد، و اشهدوا يا من حضرني أنهما قد آذاني في حياتي و عند موتي، و الله لا أكلمهما من رأسي كلمة حتى ألقى أبي فأشكوكما إليه بما صنعتما بي و ارتكبتما مني، فدعا أبو بكر بالويل و الثبور و قال: ليت أمي لم تلدني، فقال عمر:

عجبا للناس كيف ولوك أمورهم و أنت شيخ قد خرفت تجزع لغضب امرأة و تفرح برضاها، و ما لمن أغضب امرأة؟ و قاما و خرجا ثم ذكر عليه السلام وصيتها أن لا يحضرا جنازتها و لا الصلاة عليها و أنه هم عمر أن يمضي إلى المقابر فينبشها حتى يجد قبرها فيصلي عليها فنازعه علي عليه السلام و كاد أن تقع فتنة فقعد عن ذلك.

و روى الصدوق أيضا بإسناده عن ابن نباتة قال: سئل أمير المؤمنين عن علة دفنه لفاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه و آله ليلا؟ فقال عليه السلام إنها كانت ساخطة على قوم كرهت حضورهم جنازتها و حرام على من يتولاهم أن يصلي على أحد من ولدها.

قوله عليه السلام: و عفا على موضع قبرها، قال في القاموس: العفو المحو و الإمحاء و قال: الثرى التراب الندى من الأرض.

" ببقعتك" ظاهره الدفن قريبا من قبره صلى الله عليه و آله و إن جاز إطلاق البقعة على

ص: 323

اللَّهُ لَهَا سُرْعَةَ اللَّحَاقِ بِكَ قَلَّ يَا رَسُولَ اللَّهِ عَنْ صَفِيَّتِكَ صَبْرِي وَ عَفَا عَنْ سَيِّدَةِ نِسَاءِ

جميع المدينة، و في مجالس المفيد: ببقيعك، و لعله تصحيف، و في نهج البلاغة: السلام عليك يا رسول الله عني و عن ابنتك النازلة في جوارك و السريعة اللحاق بك، فيحتمل أن يكون المراد النزول في جواره في منازل الجنان، و يقال: لحق به كعلم لحاقا بالفتح أي أدركه، و المختار اسم فاعل مضاف إلى الفاعل و الألف و اللام فيه موصولة، و سرعة مفعول.

و يدل على أن وفاتها صلوات الله عليها كانت أصلح لها دينا و دنيا، بل يومئ إلى أنها كانت راضية بذلك كما روى الراوندي في القصص بإسناده عن ابن عباس قال:

دخلت فاطمة على رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم في مرضه الذي توفي فيه، فقال: نعيت إلى نفسي فبكت فاطمة فقال لها: لا تبكين فإنك لا تمكثين من بعدي إلا اثنين و سبعين يوما و نصف يوم حتى تلحقي بي، و لا تلحقي بي حتى تتحفي بثمار الجنة، فضحكت فاطمة عليها السلام.

و روت العامة في صحاحهم بطرق عن عائشة قالت: ما رأيت من الناس أحدا أشبه كلاما و حديثا برسول الله صلى الله عليه و آله و سلم من فاطمة، كانت إذا دخلت عليه رحب بها و قبل يديها و أجلسها في مجلسه، فإذا دخل عليها قامت إليه فرحبت به و قبلت يديه و دخلت عليه في مرضه فسارها فبكت ثم سارها فضحكت، فقلت: كنت أرى لهذه فضلا على النساء، فإذا هي امرأة من النساء بينما هي تبكي إذ ضحكت، فسألتها فقالت: إني لبذرة فلما توفي رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم سألتها، فقالت: إنه أخبرني أنه يموت فبكيت، ثم أخبرني أني أول أهله لحوقا به فضحكت.

" قل يا رسول الله عن صفيتك صبري" الصفية الحبيبة المصافية و الخالصة من كل شي ء" و عن" متعلقة بصبري أو تعليلية و يدل على أنها عليها السلام كانت محبوبة مختارة عنده صلى الله عليه و آله و سلم، كما روى شارح صحيح مسلم عن القرطبي أن فاطمة

ص: 324

الْعَالَمِينَ تَجَلُّدِي إِلَّا أَنَّ لِي فِي التَّأَسِّي بِسُنَّتِكَ فِي فُرْقَتِكَ مَوْضِعَ تَعَزٍّ فَلَقَدْ وَسَّدْتُكَ

رضي الله عنها كانت أحب بناته صلى الله عليه و آله، و أكرم من عنده و سيدة نساء الجنة، و كان صلى الله عليه و آله و سلم إذا قدم من سفر بدأ بالمسجد فصلى ركعتين ثم ببيت فاطمة رضي الله عنها فيسأل عنها ثم يدور على نسائه إكراما لفاطمة و اعتناء بها.

" و عفا عن سيدة نساء العالمين تجلدي" قد مر أن العفو يكون بمعنى المحو و بمعنى الإمحاء و الثاني هو الأنسب، فقوله: تجلدي فاعله، و قيل: إذا كان بمعنى المحو فالفاعل ضمير مستتر لمصدر قل" و عن" يحتمل تعلقه بالتجلد، و التعليلية و الجلد بالتحريك القوة و الشدة و الصبر، يقال: جلد ككرم جلادة بالفتح و التجلد تكلفه، و في النهج: ورق عنها تجلدي، و في المجالس: و ضعف عن سيدة النساء.

" إلا أن في التأسي لي بسنتك في فرقتك موضع تعز" يمكن أن يقرأ إلا بالكسر و التشديد و فتح أن و بالفتح و التخفيف و كسر إن، و قد ضبط بهما في النهج و لكل منهما وجه، و الفرقة بالضم الاسم من قولك افترق القوم، و التعزي التسلي و التصبر، و التأسي الاقتداء، و يقال أساه فتأسى أي عزاه فتعزى، و كان المعنى أن التأسي لي بالسنة التي جعلتها لي و أوصيتني بها في فرقتك أو مطلق سنتك و طريقتك في الصبر على المصائب- فإنه صلى الله عليه و آله و سلم كان صبورا فيها- يمكن أن يكون داعيا إلى الصبر في تلك المصيبة، و الحاصل أني قد تأسيت بسنتك في فرقتك يعني صبرت عليها، فبالحري أن أصبر في فرقة ابنتك فإن مصيبتي بك أعظم، و قد ورد عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم أنه قال: إذا أصاب مصيبة فليذكر مصيبته بي فإنها أعظم المصائب، و عنه صلى الله عليه و آله و سلم: من عظمت مصيبته فليذكر مصيبته بي فإنها ستهون عليه، أو المعنى أني أتأسى و أقتدي في صبري على هذه المصيبة بصبري في مصيبتك، فالمراد" بسنتك في فرقتك" بسنة فرقتك، و الأول أظهر.

و يحتمل أن يكون التأسي بمعنى التعزي، أي تصبري بسبب الاقتداء بسنتك

ص: 325

فِي مَلْحُودَةِ قَبْرِكَ وَ فَاضَتْ نَفْسُكَ بَيْنَ نَحْرِي وَ صَدْرِي بَلَى وَ فِي كِتَابِ اللَّهِ لِي أَنْعَمُ الْقَبُولِ- إِنَّا لِلَّهِ وَ إِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ قَدِ اسْتُرْجِعَتِ الْوَدِيعَةُ وَ أُخِذَتِ الرَّهِينَةُ وَ أُخْلِسَتِ الزَّهْرَاءُ

في الصبر في مصيبتك موجب لتصبري في تلك المصيبة أيضا.

و في المجالس: إلا أن في التأسي لي بسنتك و الحزن الذي حل بي لفراقك موضع التعزي، و في النهج: إلا أن في التأسي بعظيم فرقتك و فادح مصيبتك موضع تعز فلقد" إلى آخره".

" لقد وسدتك في ملحودة قبرك" الوسادة بالكسر المخدة و المتكإ" وسدتك" أي جعلت لك وسادة، و هنا كناية عن إضجاعه صلى الله عليه و آله في اللحد، و اللحد الشق في جانب القبر" و ملحودة قبرك" أي الجهة المشقوقة من قبرك كما قاله ابن أبي الحديد.

أقول: و يحتمل أن تكون إضافة الملحودة إلى القبر بيانية، و في القاموس اللحد و يضم: الشق يكون في عرض القبر كالملحود، و لحد القبر كمنع و الحدة عمل له لحدا و الميت دفنه، و قبر لأحد و ملحود ذو لحد.

" و فاضت" أي سألت و جرت" نفسك" أي روحك، و يدل على عدم تجرد الروح و يكون النفس بمعنى الدم و منه النفس السائلة، و قال بعض شارحي النهج:

المراد مقاساته للمصيبة عند فيضان نفسه صلى الله عليه و آله و سلم و هي دمه بين نحره و صدره، و لا يخفى ما فيه، و الحاصل أن عند خروج روحه المقدسة كان رأسه صلى الله عليه و آله و سلم في صدره عليه السلام متكئا عليه و هذا من أشد أوضاع وقوع مصيبة الأحباء.

" بلى و في كتاب الله لي أنعم القبول" ليست هذه الفقرة في النهج، و قوله عليه السلام بلى، إثبات لما يفهم نفيه في قوله: قل، إلى آخره، أي في كتاب الله من مدح الصابرين و وعد المثوبات الجزيلة لهم ما يصير سببا لي للصبر على المصائب و قبولها أنعم القبول أي أحسنه.

" قد استرجعت الوديعة" الفعل فيها و في قرينتيها إما على بناء المجهول أو المعلوم، و في النهج و أخذت الرهينة أما حزني. و سقط ما بين ذلك، و ضبط الفعلان

ص: 326

فَمَا أَقْبَحَ الْخَضْرَاءَ وَ الْغَبْرَاءَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَمَّا حُزْنِي فَسَرْمَدٌ وَ أَمَّا لَيْلِي فَمُسَهَّدٌ وَ هَمٌّ لَا يَبْرَحُ

فيه على بناء المجهول، و المراد بالوديعة و الرهينة لا سيما في رواية الكتاب نفس فاطمة صلوات الله عليها، فاستعار لفظ الوديعة و الرهينة لتلك النفس الكريمة، لأن الأرواح كالودائع و الرهائن في الأبدان، أو لأن النساء كالودائع و الرهائن عند الأزواج، و الرهينة فعلية بمعنى المفعول.

و قال بعض شراح النهج: المراد بالوديعة و الرهينة نفسه صلى الله عليه و آله و سلم و التعبير بالوديعة لأنها في الدنيا تشبه الودائع و الآخرة هي دار القرار، أو لأنها تجب المحافظة عليها عن الهلكات كالودائع، و بالرهينة لأن كل نفس رهينة على الوفاء بالميثاق الذي واثقها الله تعالى به، و العهد الذي أخذ عليها قال الله تعالى:" كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ" و قيل: لأنها كالرهن إذا أكملت مدتها و استوفت طعمتها ترجع إلى مقرها.

و قال بعضهم: الرهينة و الوديعة فاطمة عليها السلام كأنها كانت عنده عليه السلام عوضا من رؤية رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم، و قيل: الوديعة إشارة إليه صلى الله عليه و آله و الرهينة عبارة عنها صلوات الله عليها، و الأظهر ما ذكرنا أولا.

" و أخلست الزهراء" و في المجالس: اختلست و هو أظهر، و الاختلاس أخذ الشي ء بسرعة حبا له، في القاموس: الخلس السلب كالاختلاس، أو هو أوحى من الخلس، و التخالس التسالب.

" فما أقبح" صيغة التعجب و الخضراء السماء، و الغبراء الأرض، و الغرض إظهار كمال الوجد و الحزن و عظيم المصيبة، و قبح أعمال المنافقين و الظالمين و الشوق إلى اللحوق بسيد المرسلين و سيدة نساء العالمين، و السرمد الدائم، و السهد بالضم:

السهر، و بضمتين القليل النوم، و سهدته فهو مسهد على صيغة التفعيل و الإسناد إلى الليل تجوز، و يحتمل أن يكون اسم زمان فلا تجوز.

" و هم لا يبرح" كأنه خبر مبتدإ محذوف، أي همي أو مصيبتي هم لا يزول

ص: 327

مِنْ قَلْبِي أَوْ يَخْتَارَ اللَّهُ لِي دَارَكَ الَّتِي أَنْتَ فِيهَا مُقِيمٌ كَمَدٌ مُقَيِّحٌ وَ هَمٌّ مُهَيِّجٌ سَرْعَانَ مَا فَرَّقَ بَيْنَنَا وَ إِلَى اللَّهِ أَشْكُو وَ سَتُنْبِئُكَ ابْنَتُكَ بِتَظَافُرِ أُمَّتِكَ عَلَى هَضْمِهَا فَأَحْفِهَا

من قلبي" أو يختار الله" أي إلى أن، أو إلا أن يختار الله لي دارك التي أنت فيها مقيم، و هي الجنة و الدرجات العالية في الآخرة، أو هم عطف على مسهد أي ذو هم" كمد مقيح" أي حزن شديد يخرج قلبي و يقيحه، أي يوجب سيلان القيح منه" و هم مهيج" أي همي هم يهيج هموما أخرى، لأن مصيبتها صلوات الله عليهما أورثتا له عليه السلام هموما كثيرة سوى أصل المصيبة، أو يهيج الشوق إلى الآخرة و يمكن أن يكون هم أولا مبتدأ و كمد خبره، و هم ثانيا عطفا عليه، قال الفيروزآبادي الكمدة بالضم و الكمد بالفتح و بالتحريك تغيير اللون و ذهاب صفائه، و الحزن الشديد، و مرض القلب منه، و قال: القيح المدة لا يخالطها دم، قاح الجرح يقيح كقاح يقوح و قيح و تقيح و أقاح واوية و يائية، انتهى.

و ربما يقرأ كمد بكاف التشبيه و كسر الميم أي القيح و هو مضاف إلى مقيح اسم فاعل باب الأفعال أو التفعيل، أي جرح ذي قيح و" سرعان" بتثليث السين و سكون الراء اسم فعل ماض أي سرع و هو يستعمل خبرا محضا و خبرا فيه معنى التعجب و" ما" عبارة عن الموت و فرق معلوم من باب التفعيل.

" و إلى الله أشكو" أي سوء فعال القوم بعدك حتى صار سببا لشهادة حبيبتك.

و روى البخاري عنه عليه السلام أنه قال: أنا أول من يجثو بين يدي الرحمن للخصومة" بتظافر أمتك على هضمها" أي تعاون بعضهم بعضا كذا في النسخ بالظاء المعجمة و كذا شاع بين الناس، و الضاد المعجمة أوفق بما في كتب اللغة، قال الجوهري تضافروا على الشي ء تعاونوا عليه و لم يذكر التظافر بهذا المعنى، بل ذكر الظفر بالمطلوب و على العدو، و كذا غيره من أهل اللغة و كان التصحيف من النساخ.

و في المجالس: بتظاهر أمتك على و على هضمها حقها فاستخبرها الحال، و هو حسن، إذ التظاهر بالهاء بمعنى التعاون، و في الصحاح: الهضم الكسر، يقال: هضمه

ص: 328

السُّؤَالَ وَ اسْتَخْبِرْهَا الْحَالَ فَكَمْ مِنْ غَلِيلٍ مُعْتَلِجٍ بِصَدْرِهَا لَمْ تَجِدْ إِلَى بَثِّهِ سَبِيلًا وَ سَتَقُولُ وَ يَحْكُمُ اللَّهُ وَ هُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ* سَلَامَ مُوَدِّعٍ لَا قَالٍ وَ لَا سَئِمٍ فَإِنْ أَنْصَرِفْ فَلَا عَنْ مَلَالَةٍ وَ إِنْ أُقِمْ فَلَا عَنْ سُوءِ ظَنٍّ بِمَا وَعَدَ اللَّهُ الصَّابِرِينَ وَاهَ وَاهاً وَ الصَّبْرُ أَيْمَنُ وَ أَجْمَلُ وَ لَوْ لَا غَلَبَةُ الْمُسْتَوْلِينَ

حقه و اهتضمه إذا ظلم و كسر عليه حقه.

" فأحفه السؤال" الإحفاء في السؤال الاستقصاء فيه" و استخبرها الحال" أي حالي و حالها و حال أمتك في ظلمهم لي و لها" فكم من غليل معتلج بصدرها" الغليل كأمير حرارة الجوف و حرارة الحب و الحزن ذكره الفيروزآبادي، و قال: اعتلجت الأمواج: التطمت، و قال: بث الخبر: نشره و فرقه و بثثتك السر و أبثثتكه أظهرته" و ستقول" بصيغة الغيبة أي فاطمة لك جميع أحوالها، أو بصيغة الخطاب أي تقول في جوابها ما يوجب رفع حزنها كما قيل، و الأول أظهر.

" سلام مودع" منصوب بفعل مقدر أي سلمت سلام، و في النهج: و السلام عليكما سلام، و في المجالس سلام عليك يا رسول الله سلام مودع، التوديع طلب الدعة لمحبوب عند فراقه" لا قال" بالجر نعت مودع أو بالرفع بتقدير: لا هو قال، و الجملة نعت مودع و القلاء: البغض، يقال قلاه يقليه إذا أبغضه، و قال الجوهري: إذا فتحت مددت و يقلاه لغة طيئ. و سئمت من الشي ء و سئمته كعلمت أي مللته" واه واها" الواو فيهما جزء الكلمة، أو للعطف أو في إحداهما للعطف و في الأخرى جزء الكلمة، و هما إما للتلهف و التحسر أو للتعجب مما وعد الله الصابرين و طيبه و حسنه و الأول أظهر، و على التقادير الأول غير منون و الثاني منون قال في النهاية فيه: من ابتلي فصبر فواها واها قيل: معنى هذه الكلمة التلهف، و قد توضع موضع الإعجاب بالشي ء يقال: واها له و قد ترد بمعنى التوجع يقال: فيها آها و منه حديث أبي الدرداء: ما أنكرتم من زمانكم فيما غيرتم من أعمالكم إن يكن خيرا فواها واها و إن يكن شرا فآها آها.

ص: 329

لَجَعَلْتُ الْمُقَامَ وَ اللَّبْثَ لِزَاماً مَعْكُوفاً وَ لَأَعْوَلْتُ إِعْوَالَ الثَّكْلَى عَلَى جَلِيلِ الرَّزِيَّةِ فَبِعَيْنِ

و قال الزمخشري في الفائق: آها كلمة تأسف و انتصابها على إجرائها مجرى المصادر كقولهم: ويحا له، و تقدير فعل ينصبها كأنه قال تأسفا على تقدير أتأسف تأسفا.

و قال الفيروزآبادي: واها له و يترك تنوينه كلمة التعجب من طيب شي ء و كلمة تلهف، انتهى.

و أيمن أفعل من اليمن بمعنى البركة و أجمل أي أشد جمالا و حسنا" و لو لا غلبة المستولين" أي استيلاء الغاصبين للخلافة و خوف تشنيعهم أو علمهم بمكان القبر الشريف و إرادتهم نبشه" لجعلت المقام و اللبث" عند القبر و قيل: إشارة إلى خروجه عليه السلام عن المدينة إلى البصرة و الكوفة و غيرهما، فالمراد بالمقام المقام بالمدينة و هو بعيد، و اللبث بالفتح و بالضم و بفتحتين: المكث" لزاما" أي أمرا لازما يقال: لازمه ملازمة و لزاما و ككتاب الملازم.

قوله: معكوفا، أي معكوفا عليه قال القاموس: عكف عليه عكوفا أقبل عليه مواظبا، و شعر معكوف ممشوط مضفور، و في المجالس: و لو لا غلبة المستولين علينا لجعلت المقام عند قبرك لزاما، و التلبث عنده معكوفا، و الإعوال مد الصوت بالبكاء، و الثكلى امرأة مات ولدها، و الرزية بالهمز و قد تقلب ياءا: المصيبة.

" فبعين الله" أي بعلم الله و مع رؤيته و شهوده، و قيل: الفاء لبيان باعث ترك الإعوال.

أقول: أو لبيان باعث الإعوال، قال الراغب في المفردات: فلان بعيني أي أحفظه و أراعيه، كقولك: هو مني بمرأى و مسمع، قال" فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنا" و قال:

" تَجْرِي بِأَعْيُنِنا" و قال" وَ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنا" أي بحيث نرى و نحفظ، و قال:" وَ لِتُصْنَعَ عَلى عَيْنِي" أي بكلاءتي و حفظي، و قال البيضاوي في قوله تعالى

ص: 330

اللَّهِ تُدْفَنُ ابْنَتُكَ سِرّاً وَ تُهْضَمُ حَقَّهَا وَ تُمْنَعُ إِرْثَهَا

" وَ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنا" أي ملتبسا بأعيننا، عبر بكثرة آلة الحس الذي به يحفظ الشي ء و يراعى عن الاختلال و الزيغ عن المبالغة في الحفظ و الرعاية على طريقة التمثيل، انتهى.

" تدفن ابنتك سرا" لغاية مظلوميتها" و تهضم" على بناء المجهول أي تغصب" حقها" بالنصب مفعول ثان و كذا" إرثها" و منع الإرث لمنعهم إياها فدك.

و جملة القول في ذلك أن فدك كانت مما أفاء الله على رسوله بعد فتح خيبر، فكانت خاصة له صلى الله عليه و آله و سلم إذ لم يوجف عليها بخيل و لا ركاب و قد وهبها لفاطمة صلوات الله عليها، و تصرف فيها وكلاؤها و نوابها، فلما غصب أبو بكر الخلافة انتزعها فجاءته فاطمة عليها السلام متعدية فطالبها بالبينة فجاءت بأمير المؤمنين و الحسنين عليهم السلام و أم أيمن المشهود لها بالجنة فرد شهادة أهل البيت بجر النفع و شهادة أم أيمن بقصورها عن نصاب الشهادة، ثم ادعتها على وجه الميراث تنزلا فرد عليها بخبر موضوع افتروه مخالفا لكتاب الله: نحن معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة، فغضبت عليه و على عمر و هجرتهما و أوصت بدفنها ليلا لئلا يصليا عليها.

ثم لما انتهت الأمارة إلى عمر بن عبد العزيز ردها علي بني فاطمة، ثم انتزعها منهم يزيد بن عبد الملك ثم دفعها السفاح إلى الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليه السلام ثم أخذها المنصور، ثم أعادها المهدي ثم قبضها الهادي، ثم ردها المأمون.

فنقول: خطاء أبي بكر و عمر في القضية واضحة من وجوه شتى: الأول: أن فاطمة كانت معصومة فكان يجب تصديقها في دعواها و قد بينا عصمتها فيما تقدم، و ما قيل: من أن عصمتها لا تنافي طلب البينة منها فلا يخفى سخافته لأن الحاكم يحكم

ص: 331

بعلمه، و قد دلت الدلائل عليه، و أيضا اتفقت الخاصة و العامة على رواية قصة خزيمة بن ثابت و تسميته بذي الشهادتين لما شهد للنبي صلى الله عليه و آله و سلم بدعواه، و لو كان المعصوم كغيره لما جاز للنبي صلى الله عليه و آله قبول شاهد واحد و الحكم لنفسه، بل كان يجب عليه الترافع إلى غيره.

الثاني: أنه لا ريب ممن له أدنى تتبع في الآثار في أن أمير المؤمنين عليه السلام كان يرى فدك حقا لفاطمة سلام الله عليها و قد اعترف بذلك جل أهل الخلاف و رووا أنه عليه السلام شهد لها و قد ثبت بالأخبار المتظافرة عند الفريقين أن عليا عليه السلام لا يفارق الحق و الحق لا يفارقه، بل يدور معه حيثما دار، و قد اعترف ابن أبي الحديد و غيره بصحة هذا الخبر و هل يشك عاقل في صحة دعوى كان المدعي فيها سيدة نساء العالمين باتفاق المخالفين و المؤالفين، و الشاهد لها أمير المؤمنين و سيدا شباب أهل الجنة أجمعين صلوات الله عليهم أجمعين.

الثالث: أنه طلب البينة من صاحب اليد مع أنه أجمع المسلمون على أن البينة على المدعي و اليمين على من أنكر.

الرابع: أنه رد شهادة الزوج، و الزوجية غير مانعة من القبول كما بين في محله.

الخامس: أنه رد شهادة الحسنين عليهما السلام إما لجر النفع أو للصغر كما قيل، مع أنه لا ريب أن أمير المؤمنين عليه السلام كان أعرف منهم بالأحكام بالاتفاق و لو لم تكن شهادتهما جائزة مقبولة لم يأت بهما للشهادة و القول في أم أيمن كذلك.

السادس: أنه لو لم تكن شهادة ما سوى أمير المؤمنين مقبولا فلم لم يحكم بالشاهد و اليمين، مع أنه قد حكم بهما جل المسلمين، قال شارح الينابيع من علمائهم:

ثبوت المال بشاهد و يمين مذهب الخلفاء الأربعة و غيرهم.

السابع: أن الخبر الذي رواه موضوع مطروح لكونه مخالفا للكتاب، و قد

ص: 332

و ورد بأسانيد عن النبي صلى الله عليه و آله: إذا روي عني حديث فاعرضوه على كتاب الله، فإن وافقه فاقبلوه و إلا ردوه.

و أما مخالفته للقرآن فمن وجوه:" الأول" عموم آيات الميراث فإنه لا خلاف مجملا في عمومها إلا ما أخرجه الدليل.

الثاني: قوله تعالى مخبرا عن زكريا عليه السلام:" " وَ إِنِّي خِفْتُ الْمَوالِيَ مِنْ وَرائِي وَ كانَتِ امْرَأَتِي عاقِراً فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا يَرِثُنِي وَ يَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ" الآية و لفظ الميراث في اللغة و الشريعة و العرف إذا أطلق و لم يقيد لا يفهم منه إلا الأموال و ما في معناها، و لا يستعمل في غيرها إلا مجازا فمن ادعى أن المراد ميراث العلم و النبوة لا بد له من دليل.

علي أن القرائن على إرادة ما ذكرنا كثيرة:" منها" أن زكريا اشترط في وارثه أن يكون رضيا، و إذا حمل الميراث على العلم و النبوة لم يكن لهذا الاشتراط معنى، بل كان لغوا لأنه إذا سأل من يقوم مقامه في العلم و النبوة فقد دخل في سؤاله الرضا و ما هو أعظم منه، فلا معنى لاشتراطه، أ لا ترى أنه لا يحسن أن يقول أحد اللهم ابعث إلينا نبيا و اجعله مكلفا عاقلا" و منها" أن الخوف من بني العم و من يحذو حذوهم يناسب المال دون النبوة و العلم، و كيف يخاف مثل زكريا عليه السلام أن يبعث الله تعالى إلى خلقه نبيا يقيمه مقام زكريا و لم يكن أهلا للنبوة و العلم، سواء كان من موالي زكريا أو غيرهم، علي أن زكريا عليه السلام كان إنما بعث لإذاعة العلم و نشره في الناس، فلا يجوز أن يخاف من الأمر الذي هو الغرض في بعثته.

الثالث: قوله سبحانه:" وَ وَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ" و التقريب ما مر.

أقول: و يدل على بطلان هذا الخبر وجوه أخرى.

ص: 333

منها: أن أمير المؤمنين عليه السلام كان يرى الخبر موضوعا باطلا و كان عليه السلام لا يرى إلا الحق و الصدق، فلا بد من القول بأن من زعم أنه سمع الخبر كاذب، أما الأولى فلما رواه مسلم في صحيحه في رواية طويلة أنه قال عمر لعلي عليه السلام و العباس: قال أبو بكر: قال رسول الله لا نورث ما تركناه صدقة فرأيتماه كاذبا آثما خائنا غادرا، و الله يعلم إنه لصادق بار راشد تابع للحق، ثم توفي أبو بكر فقلت: أنا ولي رسول الله و ولي أبي بكر فرأيتماني كاذبا غادرا خائنا و الله يعلم إني لصادق بار تابع للحق فوليتها.

و نحو ذلك روى البخاري و ابن أبي الحديد عن أحمد بن عبد العزيز الجوهري و أما المقدمة الثانية فللأخبار الدالة على أن عليا عليه السلام مع الحق يدور معه حيثما دار.

و منها: أن فاطمة سلام الله عليها أنكرت الخبر و حكمت بكذب أبي بكر في خطبتها المشهورة و غيرها، و عصمتها و جلالتها مما ينافي تكذيب ما كان يحتمل عندها صدقه لغرض دنيوي.

و منها: أنه لو كانت تركة الرسول صلى الله عليه و آله و سلم صدقة و لم يكن لها صلوات الله عليها حظ فيها، لبين النبي صلى الله عليه و آله و سلم الحكم لها إذ التكليف في تحريم أخذها يتعلق بها و لو بينه لها لما طلبتها لعصمتها، و لا يرتاب عاقل في أنه لو كان رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم بين لأهل بيته عليهم السلام أن تركتي صدقة لا تحل لكم، لما خرجت ابنته و بضعته من بيتها مستعدية ساخطة صارخة في معشر المهاجرين و الأنصار تعاتب إمام زمانها بزعمكم، و تنسبه إلى الجور و الظلم في غصب تراثها و تستنصر المهاجرة و الأنصار في الوثوب عليه و إثارة الفتنة بين المسلمين و تهيج الشر، و لم يستقر بعد أمر الإمارة و الخلافة و قد أيقنت بذلك طائفة من المؤمنين أن الخليفة غاصب للخلافة ناصب لأهل الإمامة فصبوا عليه اللعن و الطعن إلى نفخ الصور و يوم النشور، و كان ذلك من آكد الدواعي

ص: 334

إلى شق عصا المسلمين و افتراق كلمتهم و تشتت ألفتهم و قد كانت تلك النيران تخمدها بيان الحكم لها صلوات الله عليها أو لأمير المؤمنين عليه السلام، و لعله لا يجسر من أوتي حظا من الإسلام على القول بأن فاطمة عليها السلام مع علمها بأن ليس لها في التركة بأمر الله نصيب كانت تقدم على مثل تلك الأمور أو كان أمير المؤمنين صلوات الله عليه مع علمه بحكم الله لم يزجرها عن الظلم و الاستعداء، و لم يأمرها بالقعود في بيتها راضية بأمر الله فيها، و كان ينازع العباس بعد موتها و يتحاكم إلى عمر بن الخطاب، فليت شعري هل كان ذلك الترك و الإهمال لعدم الاعتناء بشأن بضعته التي كانت يؤذيه ما آذاها أو بأمر زوجها و ابن عمه المساوي لنفسه و مواسيه بنفسه، أو لقلة المبالاة بتبليغ أحكام الله و أمر أمته و قد أرسله الله بالحق بشيرا و نذيرا للعالمين.

و منها: أنا مع قطع النظر عن جميع ما تقدم نحكم قطعا بأن مدلول هذا الخبر كاذب باطل، و من أسند إليه لا يجوز عليه الكذب فلا محيص من القول بكذب من رواه و القطع بأنه وضعه و افتراه، أما المقدمة الثانية فغنية عن البيان، و أما الأولى فبيانها أنه قد جرت عادة الناس قديما و حديثا بالأخبار عن كل ما جرى بخلاف المعهود بين كافة الناس، سيما إذا وقع في كل عصر و زمان، و توفرت الدواعي إلى نقله و روايته، و من المعلوم لكل أحد أن جميع الأمم على اختلافهم في مذاهبهم يهتمون بضبط أحوال الأنبياء عليهم السلام و سيرتهم و أحوال أولادهم و ما يجري عليهم بعد آبائهم و ضبط خصائصهم و ما يتفردون به عن غيرهم، و من المعلوم أيضا أن العادة قد جرت من يوم خلق الله الدنيا و أهلها إلى انقضاء مدتها بأن يرث الأقربون من الأولاد و غيرهم أقاربهم و ذوي أرحامهم، و ينتفعوا بأموالهم و ما خلفوه بعد موتهم، و لا شك لأحد في أن عامة الناس عالمهم و جاهلهم و غنيهم و فقيرهم، و ملوكهم و رعاياهم، يرغبون إلى كل ما نسب إلى ذي شرف و فضيلة، و يتبركون به، و يحرزه

ص: 335

تَقُومَ السَّاعَةُ ثُمَّ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ ع وَ الصَّحْفَةُ عِنْدَنَا يَخْرُجُ بِهَا- قَائِمُنَا ع فِي زَمَانِهِ

الملوك في خزائنهم، و يوصون به لأحب أهلهم فكيف بسلاح الأنبياء و ثيابهم و أمتعتهم.

إذا تمهدت تلك المقدمات فنقول: لو كان ما تركه الأنبياء من لدن آدم عليه السلام إلى الخاتم صلى الله عليه و آله صدقة، لقسمت بين الناس بخلاف المعهود من توارث الآباء و الأولاد و سائر الأقارب، و لا تخلو الحال إما أن يكون كل نبي يبين هذا الحكم لورثته بخلاف نبينا صلى الله عليه و آله و سلم أو يتركون البيان كما تركه صلى الله عليه و آله و سلم، فإن كان الأول فمع أنه خلاف الظاهر كيف خفي هذا الحكم على جميع أهل الملل و الأديان و لم يسمعه أحد إلا أبو بكر و من يحذو حذوهم، و لم ينقل أحد أن عصا موسى انتقل على وجه الصدقة إلى فلان، و سيف سليمان صار إلى فلان، و كذا ثياب سائر الأنبياء و أسلحتهم و أدواتهم فرقت بين الناس و لم يكن في ورثته أكثر من مائة ألف نبي قوم ينازعون في ذلك و إن كان بخلاف حكم الله عز و جل، و قد كان أولاد يعقوب عليه السلام مع علوم قدرهم يحسدون على أخيهم و يلقونه في الجب لما رأوه أحبهم إليه و وقعت تلك المنازعة مرارا و لم ينقلها أحد في الملل السابقة و أرباب السير مع شدة اعتنائهم بضبط أحوال الأنبياء و خصائصهم و ما جرى بعدهم.

و إن كان الثاني فكيف كانت حال ورثة الأنبياء؟ أ كانوا يرضون بذلك و لا ينكرون؟ فكيف كانت ورثة الأنبياء جميعا يرضون بقول القائمين بالأمر مقام الأنبياء و لم ترض به سيدة النساء أو كانت سنة المنازعة جارية في جميع الأمم و لم ينقلها أحد ممن تقدم و لا ذكر من انتقلت تركات الأنبياء إليهم، إن هذا لشي ء عجاب! و أما أن فدك كان لرسول الله صلى الله عليه و آله و سلم فمما لا نزاع فيه، و قد أوردنا من رواياتنا و أخبار المخالفين في الكتاب الكبير ما هو فوق الغاية.

و روي في جامع الأصول من صحيح أبي داود عن عمر قال: إن أموال بني النضير مما أفاء الله على رسوله مما لم يوجف المسلمون عليه بخيل و لا ركاب، فكانت

ص: 336

لرسول الله صلى الله عليه و آله و سلم خاصة قرى عرينة و فدك و كذا و كذا ينفق على أهله منها نفقة سنتهم ثم يجعل ما بقي في السلاح و الكراع عدة في سبيل الله، و تلا:" ما أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى فَلِلَّهِ وَ لِلرَّسُولِ" الآية.

و روي أيضا عن مالك بن أوس قال: كان فيما احتج عمر أن قال: كانت لرسول الله صلى الله عليه و آله و سلم ثلاث صفايا، بنوا النضير و خيبر و فدك، إلى آخر الخبر.

و أما أنها كانت في يد فاطمة عليها السلام فلأخبار كثيرة من كتبهم دلت على ذلك أوردتها في الكتاب الكبير.

و في نهج البلاغة في كتاب أمير المؤمنين عليه السلام إلى عثمان بن حنيف: بلى كانت في أيدينا فدك من كل ما أظلته السماء فشحت عليها نفوس قوم و سخت عنها نفوس آخرين و نعم الحكم الله. و روى الطبرسي قدس سره في الاحتجاج عن حماد بن عثمان عن أبي عبد الله عليه السلام قال: لما بويع أبو بكر و استقام له الأمر على جميع المهاجرين و الأنصار بعث إلى فدك من أخرج وكيل فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه و آله منها فجاءت فاطمة (ع) إلى أبي بكر فقالت: يا أبا بكر لم تمنعني ميراثي من أبي رسول الله و أخرجت وكيلي من فدك و قد جعلها لي رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم بأمر الله تعالى؟ فقال: هاتي على ذلك بشهود فجاءت بأم أيمن فقالت: لا أشهد يا أبا بكر حتى أحتج عليك بما قال رسول الله صلى الله عليه و آله أنشدك بالله أ لست تعلم أن رسول الله صلى الله عليه و آله قال: إن أيمن امرأة من أهل الجنة؟ فقال: بلى، قالت: فأشهد أن الله عز و جل أوحى إلى رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم:

" فَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ" فجعل فدك لها طعمة بأمر الله، و جاء علي فشهد بمثل ذلك، فكتب لها كتابا و دفعه إليها، فدخل عمر فقال: ما هذا الكتاب؟ فقال: إن فاطمة ادعت في فدك و شهدت لها أم أيمن و علي فكتبته، فأخذ عمر الكتاب من

ص: 337

فاطمة فمزقه، فخرجت فاطمة عليها السلام تبكي فلما كان بعد ذلك جاء علي عليه السلام إلى أبي بكر و هو في المسجد و حوله المهاجرون و الأنصار فقال: يا أبا بكر لم منعت فاطمة ميراثها من رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم و قد ملكته في حياة رسول الله؟ فقال أبو بكر:

إن هذا في ء للمسلمين فإن أقامت شهودا أن رسول الله صلى الله عليه و آله جعله لها و إلا فلا حق لها فيه، فقال أمير المؤمنين: يا أبا بكر تحكم فينا بخلاف حكم الله في المسلمين؟ قال:

لا، قال: فإن كان في يد المسلمين شي ء يملكونه ثم ادعيت أنا فيه من تسأل البينة؟

قال: إياك كنت أسأل البينة، قال: فما بال فاطمة سألتها البينة على ما في يدها و قد ملكته في حياة رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم و بعده و لم تسأل المسلمين البينة على ما ادعوها شهودا كما سألتني على ما ادعيت عليهم؟ فسكت أبو بكر فقال عمر: يا علي دعنا من كلامك فإنا لا نقوى على حجتك فإن أتيت بشهود عدول و إلا فهو في ء للمسلمين لا حق لك و لا لفاطمة فيه فقال علي عليه السلام: يا أبا بكر تقرأ كتاب الله؟ قال: نعم، قال:

أخبرني عن قول الله عز و جل:" إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً" فينا نزلت أو في غيرنا؟ قال: بل فيكم قال: فلو أن شهودا شهدوا على فاطمة بنت رسول الله بفاحشة ما كنت صانعا بها؟ قال: كنت أقيم عليها الحد كما أقيم على سائر المسلمين، قال: كنت إذا عند الله من الكافرين، قال: و لم؟

قال: لأنك رددت شهادة الله لها بالطهارة و قبلت شهادة الناس عليها كما رددت حكم الله و حكم رسوله أن جعل لها فدك و قبضته في حياته ثم قبلت شهادة أعرابي بائل على عقبيه عليها و أخذت منها فدك و زعمت أنه في ء للمسلمين، و قد قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم البينة على المدعي و اليمين على المدعى عليه، فرددت قول رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم البينة على من ادعى و اليمين على من ادعي عليه.

قال: فدمدم الناس و أنكر بعضهم و قالوا: صدق و الله علي و رجع علي عليه السلام

ص: 338

إلى منزله.

قال: و دخلت فاطمة عليها السلام المسجد و طافت بقبر أبيها و هي تقول:

قد كان بعدك أنباء و هنبثة لو كنت شاهدها لم تكثر الخطب

إنا فقدناك فقد الأرض و إبلها و اختل قومك فاشهدهم فقد نكبوا

قد كان جبريل بالآيات يؤنسنا فغاب عنا فكل الخير محتجب

قد كنت بدرا و نورا يستضاء به عليك تنزل من ذي العزة الكتب

تهجمتنا رجال و استخف بنا إذ غبت عنا فنحن اليوم نغتصب

فسوف نبكيك ما عشنا و ما بقيت منا العيون بتهمال لها سكب

قال: فرجع أبو بكر و عمر إلى منزلهما و بعث أبو بكر إلى عمر، ثم دعاه فقال:

أ ما رأيت مجلس علي منا في هذا اليوم؟ و الله لئن قعد مقعدا مثله ليفسدن أمرنا فما الرأي؟ قال عمر: الرأي أن نأمر بقتله، قال: فمن يقتله؟ قال: خالد بن الوليد، فبعثوا إلى خالد فأتاهم فقالا له: نريد أن نحملك على أمر عظيم، فقال: احملوني على ما شئتم و لو على قتل علي بن أبي طالب، قالا: فهو ذاك، قال خالد: متى أقتله؟ قال أبو بكر: أحضر المسجد و قم بجنبه في الصلاة فإذا سلمت قم إليه و اضرب عنقه، قال: نعم.

فسمعت أسماء بنت عميس و كانت تحت أبي بكر، فقالت لجاريتها: اذهبي إلى منزل علي و فاطمة و اقرئيهما السلام و قولي لعلي:" إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ" فجاءت الجارية إليهما و قالت لعلي: إن أسماء بنت عميس تقرأ عليك السلام و تقول: إن الملأ يأتمرون بك ليقتلوك فاخرج إني لك من الناصحين، فقال أمير المؤمنين عليه السلام: قولي لها إن الله يحول بينهم و بين ما يريدون

ص: 339

ثم قام و تهيأ للصلاة و حضر المسجد و صلى خلف أبي بكر و خالد بن الوليد بجنبه و معه السيف، فلما جلس أبو بكر للتشهد ندم على ما قال و خاف الفتنة و عرف شدة علي و بأسه فلم يزل متفكرا لا يجسر أن يسلم حتى ظن الناس أنه سها ثم التفت إلى خالد و قال: خالد لا تفعلن ما أمرتك، السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.

فقال أمير المؤمنين عليه السلام: يا خالد ما الذي أمرك به؟ قال: أمرني بضرب عنقك قال: أو كنت فاعلا؟ قال: أي و الله لو لا أنه قال لي: لا تفعله قبل التسليم لقتلتك، قال: فأخذه علي فجلد به الأرض فاجتمع الناس عليه فقال عمر: يقتله و رب الكعبة فقال الناس: يا أبا الحسن الله الله بحق صاحب القبر، فخلى عنه.

ثم التفت إلى عمر فأخذ بتلابيبه فقال: يا بن صهاك و الله لو لا عهد من رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم و كتاب من الله سبق لعلمت أينا أضعف ناصرا و أقل عددا، و دخل منزله.

و روى الصدوق (ره) في العلل نحوا من ذلك بإسناده عن أبي عبد الله عليه السلام.

و قالت فاطمة صلوات الله عليها في الخطبة الطويلة التي احتجت على القوم في أمر فدك: و أنتم تزعمون أن لا إرث لنا، أ فحكم الجاهلية تبغون و من أحسن من الله حكما لقوم يوقنون، أ فلا تعلمون؟ بلى تجلى لكم كالشمس الضاحية أني ابنته، أيها المسلمون، أ أغلب على إرثيه، يا بن أبي قحافة أ في كتاب الله أن ترث أباك و لا أرث أبي، لقد جئت شيئا فريا، أ فعلى عمد تركتم كتاب الله و نبذتموه وراء ظهوركم إذ يقول:

" وَ وَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ" و قال فيما اقتص من خبر يحيى بن زكريا عليه السلام: إذ قال

ص: 340

وَ لَمْ يَتَبَاعَدِ الْعَهْدُ وَ لَمْ يَخْلَقْ مِنْكَ الذِّكْرُ وَ إِلَى اللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ الْمُشْتَكَى وَ فِيكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَحْسَنُ الْعَزَاءِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْكَ وَ عَلَيْهَا السَّلَامُ وَ الرِّضْوَانُ

" رب هب لي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا يَرِثُنِي وَ يَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ" و قال:" وَ أُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللَّهِ*" و قال:" يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ" و قال:" إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ وَ الْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ" و زعمتم أن لا حظوة لي و لا أرث من أبي و لا رحم بيننا، أ فخصكم الله بآية أخرج منها أبي أم هل تقولون أهل ملتين لا يتوارثان، و لست أنا و أبي من أهل ملة واحدة أم أنتم أعلم بخصوص القرآن و عمومه من أبي و ابن عمي فدونكها مخطومة مرحولة تلقاك يوم حشرك فنعم الحكم الله و الزعيم محمد و الموعد القيامة و عند الساعة ما تخسرون و لا ينفعكم إذ تندمون، و لكل نبأ مستقر و سوف تعلمون، من يأتيه عذاب يخزيه و يحل عليه عذاب مقيم، إلى آخر الخطبة المذكورة مع شرحها في الكتاب الكبير.

قوله عليه السلام: و لم يتباعد العهد، الجملة حالية أي فعلوا جميع ذلك و لم يبعد ذلك و لم يبعد عهدهم بك و بما سمعوا منك في أهل بيتك مع وجوب رعاية حرمتك، و في النهج: و لم يطل العهد، و في المجالس: تدفن بنتك سرا و يهتضم حقها قهرا و تمنع إرثها جهرا و لم يطل العهد، و في القاموس: العهد الوصية، و التقدم إلى المرء في الشي ء و اليمين و قد عاهده، و الذي يكتب للولاة، من عهد إليه أوصاه، و الحفاظ و رعاية الحرمة و الأمان، و الذمة و الالتقاء و المعرفة، منه عهدي به بموضع كذا و المنزل المعهود به الشي ء، و الزمان و الوفاء، انتهى.

و لا يخفى على اللبيب ما يناسب المقام من تلك المعاني" و لم يخلق" على المعلوم من باب نصر و علم و حسن أي لم يصر ذكرك و تذكر أحوالك و رواية أقوالك

ص: 341

4 عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي نَصْرٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَالِمٍ عَنِ الْمُفَضَّلِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع مَنْ غَسَلَ فَاطِمَةَ قَالَ ذَاكَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ وَ كَأَنِّي اسْتَعْظَمْتُ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ فَقَالَ كَأَنَّكَ ضِقْتَ بِمَا أَخْبَرْتُكَ بِهِ قَالَ فَقُلْتُ قَدْ كَانَ ذَاكَ جُعِلْتُ فِدَاكَ قَالَ فَقَالَ لَا تَضِيقَنَّ فَإِنَّهَا صِدِّيقَةٌ وَ لَمْ يَكُنْ يَغْسِلُهَا إِلَّا صِدِّيقٌ أَ مَا عَلِمْتَ أَنَّ مَرْيَمَ لَمْ يَغْسِلْهَا إِلَّا عِيسَى

5 مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ عَنْ صَالِحِ بْنِ عُقْبَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْجُعْفِيِّ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ وَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالا إِنَّ فَاطِمَةَ ع لَمَّا أَنْ كَانَ مِنْ أَمْرِهِمْ مَا كَانَ أَخَذَتْ بِتَلَابِيبِ عُمَرَ فَجَذَبَتْهُ إِلَيْهَا ثُمَّ قَالَتْ

بالياء، بل كان كلها جديدا، و قيل: الذكر القرآن، و المشتكى مصدر ميمي أي الشكوى.

" و فيك يا رسول الله أحسن العزاء" أي في أقوالك و صفاتك و ما أمرتني به فيما يعرض لي بعدك أو في سبيل رضاك أحسن التعزية، و ما يوجب أحسن الصبر، و قيل في للسببية و قد مر بعض الوجوه في باب تاريخ النبي صلى الله عليه و آله و سلم في قوله: إن في الله عزاء.

الحديث الرابع

: ضعيف على المشهور.

و في القاموس: الضيق الشك في القلب و يكسر، و ما ضاق عنه صدرك" فإنها صديقة" أي معصومة كما مر، و لا يغسل المعصوم رجلا كان أو امرأة إلا المعصوم، و لا يشكل الاستدلال به على جواز تغسيل الرجل زوجته لظهور الاختصاص هنا فتأمل.

الحديث الخامس

: ضعيف.

" لما أن كان" أن زائدة لتأكيد اتصال جواب لما بمدخولها، ضمير" أمرهم" لأبي بكر و عمر و أصحابهما" ما كان" أي من دخولهم دار فاطمة بأمر الملعونين قهرا

ص: 342

أَمَا وَ اللَّهِ يَا ابْنَ الْخَطَّابِ لَوْ لَا أَنِّي أَكْرَهُ أَنْ يُصِيبَ الْبَلَاءُ مَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ لَعَلِمْتَ أَنِّي سَأُقْسِمُ عَلَى اللَّهِ ثُمَّ أَجِدُهُ سَرِيعَ الْإِجَابَةِ

و إخراج علي إلى بيعة أبي بكر و سائر ما مر قليل منها آنفا" أخذت" أي للضرورة لإنقاذ أمير المؤمنين عليه السلام من أيديهم، و كان واجبا على جميع الخلق، و قيل: أي أمرت بذلك من قبيل: قطع الأمير اللص، قال الفيروزآبادي: لب به تلبيبا جمع ثيابه عند نحره في الخصومة ثم جره، و التلبيب ما في موضع اللبب من الثياب اسم كالتمتين" من لا ذنب له" أي من لم يبايع أبي بكر أو بائع جبرا و الأطفال و نحوهم، أو جميع من في المشرق و المغرب ممن لم يعلم بالواقعة أيضا لأن العذاب إذا نزل عم.

و قال في المغرب: القسم على الله أن تقول: بحقك أفعل كذا و إنما عدي بعلى لأنه ضمن معنى التحكم.

و أقول: روى أحمد بن أبي طالب الطبرسي في الاحتجاج عن أبي عبد الله عليه السلام و ابن شهرآشوب عن الشيخ في اختيار الرجال عن أبي عبد الله عليه السلام، و عن سلمان الفارسي رضي الله عنه: أنه لما استخرج أمير المؤمنين عليه السلام من منزله خرجت فاطمة عليها السلام فما بقيت هاشمية إلا خرجت معها حتى انتهت قريبا من القبر فقالت: خلوا عن ابن عمي فو الذي بعث محمدا بالحق لأن لم تخلوا عنه لأنشرن شعري و لأضعن قميص رسول الله على رأسي، و لأصرخن إلى الله تبارك و تعالى، فما ناقة صالح بأكرم على الله مني، و لا الفصيل بأكرم على الله من ولدي، قال سلمان رضي الله عنه: كنت قريبا منها، فرأيت و الله أساس حيطان المسجد، مسجد رسول الله صلى الله عليه و آله تقلعت من أسفلها حتى لو أراد رجل أن ينفذ من تحتها نفذ، فدنوت منها فقلت: يا سيدتي و مولاتي إن الله بعث أباك رحمة فلا تكوني نقمة، فرجعت و رجعت الحيطان حتى سطعت الغبرة من أسفلها، فدخلت في خياشيمنا.

أقول: سيأتي بعض القول في ذلك في شرح الروضة إنشاء الله، و تفصيل القول في تلك الوقائع موكول إلى كتابنا الكبير.

ص: 343

6 وَ بِهَذَا الْإِسْنَادِ عَنْ صَالِحِ بْنِ عُقْبَةَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ع قَالَ لَمَّا وُلِدَتْ فَاطِمَةُ ع أَوْحَى اللَّهُ إِلَى مَلَكٍ فَأَنْطَقَ بِهِ لِسَانَ مُحَمَّدٍ ص فَسَمَّاهَا فَاطِمَةَ ثُمَّ قَالَ إِنِّي فَطَمْتُكِ بِالْعِلْمِ وَ فَطَمْتُكِ مِنَ الطَّمْثِ ثُمَّ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ ع وَ اللَّهِ لَقَدْ فَطَمَهَا اللَّهُ بِالْعِلْمِ وَ عَنِ الطَّمْثِ فِي الْمِيثَاقِ

الحديث السادس

: مجهول.

" أوحى الله" لم يذكر الموحى به لدلالة قوله:" فانطلق" عليه، و الحاصل أن تسميتها عليها السلام بذلك كانت بالإلهام، و ضمير" به" راجع إلى الملك أو إلى مصدر أوحى،" ثم قال" الضمير راجع إلى الله أو إلى الرسول، و الفطم كالقطع.

" فطمتك بالعلم" أي قطعتك عن الجهل بسبب العلم، أو جعلت فطامك من اللبن مقرونة بالعلم كناية عن كونها في بدو الخلقة عالمة بالعلوم الربانية، أو المعنى أرضعتك بالعلم حتى استغنيت و فطمت، و على التقادير الربانية، أو المعنى أرضعتك بالعلم حتى استغنيت و فطمت، و على التقادير الفاعل بمعنى المفعول كالدافق بمعنى المدفوق أو يقرأ على بناء التفعيل، أي جعلتك قاطعة الناس من الجهل، أو المعنى لما فطمها من الجهل فهي تفطم الناس، و فطمتك من الطمث أي الحيض، و الوجهان الأخيران يشكل إجراؤهما في هذه الفقرة إلا بتكلف بأن يجعل الطمث كناية عن المعاصي و الأخلاق الدنية الرديئة أو يقال على الثالث لما فطمتك عن الأدناس الروحانية و الجسمانية فأنت تفطم الناس عن دنس الجهل و الفسوق و المعاصي.

قوله: في الميثاق، أي قدرا و أثبت لها ذلك في ذلك اليوم أو جعلها في ذلك اليوم قابلة لذلك.

ثم اعلم أنه ورد في الأخبار المعتبرة من طرق الخاصة و العامة علل أخرى للتسمية بهذا الاسم، منها: ما روي عن الصادق عليه السلام أنها فطمت من الشر.

و عن الرضا عن آبائه عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم لأن الله فطمها و فطم من أحبها من النار.

و عن الكاظم قال: إن الله تعالى علم ما كان قبل كونه، فعلم أن رسول الله صلى الله عليه و آله

ص: 344

7 وَ بِهَذَا الْإِسْنَادِ عَنْ صَالِحِ بْنِ عُقْبَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ شِمْرٍ عَنْ جَابِرٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ع قَالَ قَالَ النَّبِيُّ ص لِفَاطِمَةَ ع يَا فَاطِمَةُ قُومِي فَأَخْرِجِي تِلْكَ الصَّحْفَةَ فَقَامَتْ فَأَخْرَجَتْ صَحْفَةً فِيهَا ثَرِيدٌ وَ عُرَاقٌ يَفُورُ فَأَكَلَ النَّبِيُّ ص وَ عَلِيٌّ وَ فَاطِمَةُ وَ الْحَسَنُ وَ الْحُسَيْنُ ثَلَاثَةَ عَشَرَ يَوْماً ثُمَّ إِنَّ أُمَّ أَيْمَنَ رَأَتِ الْحُسَيْنَ مَعَهُ شَيْ ءٌ فَقَالَتْ لَهُ مِنْ أَيْنَ لَكَ هَذَا قَالَ إِنَّا لَنَأْكُلُهُ مُنْذُ أَيَّامٍ فَأَتَتْ أُمُّ أَيْمَنَ فَاطِمَةَ فَقَالَتْ يَا فَاطِمَةُ إِذَا كَانَ عِنْدَ أُمِّ أَيْمَنَ شَيْ ءٌ فَإِنَّمَا هُوَ لِفَاطِمَةَ وَ وُلْدِهَا وَ إِذَا كَانَ عِنْدَ فَاطِمَةَ شَيْ ءٌ فَلَيْسَ لِأُمِّ أَيْمَنَ مِنْهُ شَيْ ءٌ فَأَخْرَجَتْ لَهَا مِنْهُ فَأَكَلَتْ مِنْهُ أُمُّ أَيْمَنَ وَ نَفِدَتِ الصَّحْفَةُ فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ ص أَمَا لَوْ لَا أَنَّكِ أَطْعَمْتِهَا لَأَكَلْتِ مِنْهَا أَنْتِ وَ ذُرِّيَّتُكِ إِلَى أَنْ

يتزوج في الأحياء و أنهم يطمعون في وراثة هذا الأمر من قبله، فلما ولدت فاطمة سماها الله تبارك و تعالى فاطمة لأنها فطمت طمعهم، و معنى فطمت قطعت، و عدم تدنسها بالطمث مما روته العامة أيضا بأسانيد عن عائشة و غيرها، كما أخرجناه في البحار.

و روى السيد في الطرائف عن أحمد الطبراني عن هشام بن عروة عن عائشة عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم أنه وصف فاطمة سلام الله عليها في حديث طويل، و في آخره: ليست كنساء الآدميين، و لا تعتل كما يتعللن به يعني الحيض.

الحديث السابع

: ضعيف.

و قال الجوهري: الصحفة كالقصعة و الجمع صحاف، قال الكسائي: أعظم القصاع الجفنة ثم القصعة تليها تشبع العشرة، ثم الصحفة تشبع الخمسة، ثم المئكلة تشبع الرجلين و الثلاثة، ثم الصحيفة تشبع الرجل.

و قال: ثردت الخبز ثردا كسرته فهو ثريد و مثرود.

و قال الفيروزآبادي: العرق و كغراب العظم أكل لحمه و الجمع ككتاب و غراب نادرا، و العرق العظم بلحمه فإذا أكل لحمه فعراق أو كلاهما لكليهما، و قال: فار فورا جاش.

ص: 345

و أم أيمن جارية النبي صلى الله عليه و آله و سلم و حاضنته ورثها من أبيه و أعتقها، و أيمن بن عبيد و أسامة بن زيد ابناها" منه شي ء" جملة حالية" يخرج بها قائمنا" أي يظهر الصحفة مع ما فيها من الطعام.

و أقول: قصة نزول المائدة لفاطمة عليها السلام مما رواه كثير من المخالفين كالثعلبي في كتابه المعروف بالبلغة، و موفق بن أحمد الخوارزمي ذكرهما سيد بن طاوس قدس سره.

و قال الزمخشري في الكشاف عند ذكر قصة زكريا و مريم عليهما السلام ما لفظه: و عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم أنه جاء في زمن قحط فأهدت له فاطمة رغيفين و بضعة لحم آثرته بها فرجع بها إليها، و قال. هلمي يا بنية و كشفت عن الطبق فإذا هو مملوء خبزا و لحما فبهتت و علمت أنها نزلت من الله، فقال لها: أنى لك هذا؟ قالت: هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب، فقال عليه السلام: الحمد لله الذي جعلك شبيهة سيدة نساء بني إسرائيل، ثم جمع رسول الله علي بن أبي طالب و الحسن و الحسين و جميع أهل بيته عليهم السلام حتى شبعوا و بقي الطعام كما هو و أوسعت فاطمة على جيرانها.

و روى الراوندي رحمه الله في الخرائج: أن عليا أصبح يوما فقال لفاطمة:

عندك شي ء تغذينيه؟ قالت: لا، فخرج و استقرض دينارا ليبتاع ما يصلحهم، فإذا المقداد في جهد و عياله جياع، فأعطاه الدينار و دخل المسجد و صلى الظهر و العصر مع رسول الله، ثم أخذ النبي بيد علي و انطلقا إلى فاطمة و هي في مصلاها و خلفها جفنة تفور، فلما سمعت كلام رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم خرجت فسلمت عليه و كانت أعز الناس عليه، فرد السلام و مسح بيده على رأسها ثم قال: عشينا غفر الله لك و قد فعل، فأخذت الجفنة فوضعتها بين يدي رسول الله، فقال لها: يا فاطمة أنى لك هذا الطعام الذي لم أنظر إلى مثل لونه قط و لم أشم مثل رائحته قط و لم آكل أطيب منه؟ و وضع كفه

ص: 346

8 الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ مُعَلَّى بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ جَعْفَرٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا الْحَسَنِ ع يَقُولُ بَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ ص جَالِسٌ إِذْ دَخَلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ لَهُ أَرْبَعَةٌ وَ عِشْرُونَ وَجْهاً فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ ص حَبِيبِي جَبْرَئِيلُ لَمْ أَرَكَ فِي مِثْلِ هَذِهِ الصُّورَةِ قَالَ الْمَلَكُ لَسْتُ بِجَبْرَئِيلَ يَا مُحَمَّدُ بَعَثَنِي اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ أَنْ أُزَوِّجَ النُّورَ مِنَ النُّورِ قَالَ مَنْ مِمَّنْ قَالَ- فَاطِمَةَ مِنْ عَلِيٍّ قَالَ فَلَمَّا وَلَّى الْمَلَكُ إِذَا بَيْنَ كَتِفَيْهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ- عَلِيٌّ وَصِيُّهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص مُنْذُ كَمْ كُتِبَ هَذَا بَيْنَ كَتِفَيْكَ فَقَالَ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَخْلُقَ اللَّهُ آدَمَ بِاثْنَيْنِ وَ عِشْرِينَ أَلْفَ عَامٍ

بين كتفي و قال: هذا بدل عن دينارك، إن الله يرزق من يشاء بغير حساب.

و روى العياشي مثله في حديث طويل عن أبي جعفر عليه السلام و ساق الحديث إلى قوله: فأقبل علي فوجد رسول الله صلى الله عليه و آله جالسا و فاطمة تصلي و بينهما شي ء مغطى، فلما فرغت اجترت ذلك الشي ء فإذا جفنة من خبز و لحم قال: يا فاطمة أنى لك هذا؟ قالت: هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب، فقال رسول الله صلى الله عليه و آله:

إلا أحدثك بمثلك و مثلها؟ قال: بلى، قال: مثل زكريا إذ دخل على مريم المحراب فوجد عندها رزقا قال يا مريم أنى لك هذا قالت هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب فأكلوا منها شهرا و هي الجفنة التي يأكل منها القائم صلى الله عليه و آله و سلم و هي عندنا.

الحديث الثامن

: ضعيف على المشهور.

" باثنين و عشرين" قال ابن شهرآشوب: و في رواية بأربعة و عشرين ألف عام، و رواه بأسانيد من طرق العامة و في بعضها ملك له عشرون رأسا في كل رأس ألف لسان و كان اسم الملك صرصائيل، و قال: كان التزويج في أول يوم من ذي الحجة، و روي أنه كان يوم السادس منه، و مثل ذلك قال الشيخ في المصباح، و روى السيد بن طاوس من كتاب حدائق الرياض للمفيد رحمهما الله قال: ليلة إحدى و عشرين من المحرم و كانت ليلة خميس سنة ثلاث من الهجرة كان زفاف فاطمة عليها السلام.

ثم إن الخبر يدل على أن التزويج يتعدى بمن، كما هو الدائر على ألسنة

ص: 347

9 عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ وَ غَيْرُهُ عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي نَصْرٍ قَالَ سَأَلْتُ الرِّضَا ع عَنْ قَبْرِ فَاطِمَةَ ع فَقَالَ دُفِنَتْ فِي بَيْتِهَا فَلَمَّا زَادَتْ بَنُو أُمَيَّةَ

أكثر الفقهاء في صيغ النكاح، و الذي يظهر من كتب اللغة تعديته بالنفس، و كذا ورد في الكتاب العزيز قال تعالى:" زَوَّجْناكَها" و ورد التعدية بالباء في قوله تعالى:

" وَ زَوَّجْناهُمْ بِحُورٍ عِينٍ*" و أولوه بأنه بمعنى قرناهم، قال الفيروزآبادي: زوجته امرأة و تزوجت امرأة و بها أو هذه قليلة" وَ زَوَّجْناهُمْ بِحُورٍ عِينٍ*" أي قرناهم، و قال الراغب: و زوجناهم بحور عين، قرناهم بهن و لم يجي ء في القرآن زوجناهم حورا كما يقال: زوجه امرأة تنبيها على أن ذلك لا يكون على حسب المتعارف من المناكحة فيما بيننا، انتهى.

و كذا النكاح متعديا بالنفس كما قال تعالى:" أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ" و المشهور بين الفقهاء تعديته أيضا بمن، و الأحوط في صيغ النكاح الجمع بين الوجهين.

الحديث التاسع

: ضعيف على المشهور.

و يدل على أنها عليها السلام دفنت في بيتها، و هذا أصح الأقوال في موضع قبرها صلوات الله عليها، قال الشيخ قدس سره في التهذيب: ذكر الشيخ في الرسالة أنك تأتي الروضة فتزور فاطمة لأنها مقبورة هناك، و قد اختلف أصحابنا في موضع قبرها فقال بعضهم: إنها دفنت في البقيع، و قال بعضهم: إنها دفنت بالروضة، و قال بعضهم:

أنها دفنت في بيتها، فلما زادت بنو أمية في المسجد صارت من جملة المسجد، و هاتان الروايتان كالمتقاربتين، و الأفضل عندي أن يزور الإنسان في الموضعين جميعا فإنه لا يضره ذلك، و يحوز به أجرا عظيما و أما من قال: أنها دفنت في البقيع فبعيد من الصواب، انتهى.

ص: 348

فِي الْمَسْجِدِ صَارَتْ فِي الْمَسْجِدِ

10 عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ الْوَشَّاءِ عَنِ الْخَيْبَرِيِّ عَنْ يُونُسَ بْنِ ظَبْيَانَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ سَمِعْتُهُ يَقُولُ لَوْ لَا أَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى خَلَقَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ع لِفَاطِمَةَ مَا كَانَ لَهَا كُفْوٌ عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ مِنْ آدَمَ

و أقول: الأظهر أنها صلوات الله عليها مدفونة في بيتها، و الأخبار فيه كثيرة أوردتها في البحار، لكن روى الصدوق في معاني الأخبار بسند صحيح عن ابن أبي عمير عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال رسول الله ما بين قبري و منبري روضة من رياض الجنة، و منبري على ترعة من ترع الجنة، لأن قبر فاطمة بين قبره و منبره و قبرها روضة من رياض الجنة و إليه ترعة من ترع الجنة، و يمكن الجمع بأن يقال: الروضة متسعة بحيث تشمل بعض بيتها عليها السلام الذي دفنت فيه، و يؤيده قوله عليه السلام: فلما زادت بنو أمية إلى آخرها.

و سيأتي ما يدل على اتساع الروضة و على أن بيتها عليها السلام منها في كتاب الحج إنشاء الله، و قيل: إن عمر بن عبد العزيز وسع المسجد في زمن خلافة وليد بن عبد الملك بأمره في جانب مشرق المسجد حتى ضيق البيت الذي دفن فيه النبي صلى الله عليه و آله و سلم، و أخرج تراب قبري المنافقين لمرور الجدار عليهما كما يفهم مما ذكره السمهودي في خلاصة الوفاء.

الحديث العاشر

: ضعيف.

و يدل على فضل أمير المؤمنين عليه السلام على أولي العزم سوى نبينا صلى الله عليه و آله و سلم، فإن قلت: لا يدل على فضله عليه السلام على نوح و إبراهيم لأن القرابة فيهما مانعة من الزواج قلت: الظاهر من سياق الحديث أن المراد به الكفاءة مع قطع النظر عن القرابة كما يدل عليه التصريح بآدم عليه السلام مع عدم القائل بالفرق و قد يستدل به على فضل فاطمة عليها السلام عليهم أيضا و لا يخلو من نظر إذ يمكن أن تكون الكفاءة مشروطة بزيادة في جانب الزوج، بل الظاهر ذلك و فضل أمير المؤمنين عليها صلوات الله عليهما لعله مما

ص: 349

وَ مَنْ دُونَهُ

بَابُ مَوْلِدِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمَا وُلِدَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ ع فِي شَهْرِ رَمَضَانَ فِي سَنَةِ بَدْرٍ- سَنَةِ اثْنَتَيْنِ بَعْدَ الْهِجْرَةِ وَ رُوِيَ أَنَّهُ وُلِدَ فِي سَنَةِ ثَلَاثٍ وَ مَضَى ع فِي شَهْرِ صَفَرٍ فِي آخِرِهِ مِنْ سَنَةِ تِسْعٍ وَ أَرْبَعِينَ

لا كلام فيه، و إن كان الجميع من نور واحد، و الله يعلم حقائق أحوالهم و أنوارهم و أسرارهم.

باب مولد الحسن بن علي صلوات الله عليهم

باب مولد الحسن بن علي صلوات الله عليهم

قوله (ره): و روي أنه ولد في سنة ثلاث، قيل: الرواية حكاية لما يجي ء في الخبر الثاني، و التحقيق أنه لا منافاة بين تاريخي الولادة لأن كلا منهما مبني على اصطلاح في مبدء التاريخ الهجري غير الاصطلاح الذي عليه بناء الآخر، و تفصيله أن فيه ثلاث اصطلاحات، الأول: أن يكون مبدؤه ربيع الأول فإن الهجرة إنما كانت فيه و كان معروفا بين الصحابة إلى ستين، و بناء كلام المصنف على هذا، الثاني: أن يكون مبدؤه شهر رمضان السابق على ربيع الأول الذي وقعت الهجرة فيه، لأنه أول السنة الشرعية كما سيأتي في الأخبار في كتاب الصيام، و الرواية مبنية على هذا، الثالث:

ما اخترعه عمر، و هو أن مبدؤه المحرم السابق موافقا لما زعمه أهل الجاهلية، و هذا ساقط و إن اشتهر بين العوام.

قال ابن الجوزي في التلقيح: روى أبو بكر بن أبي خيثمة عن الشعبي و الزهري قالا: لما أهبط آدم من الجنة و انتشر ولده أرخ بنوه من هبوط آدم، فكان ذلك التاريخ حتى بعث الله نوحا فأرخوا مبعث نوح، حتى كان الفرق فكان التاريخ من الطوفان إلى نار إبراهيم، فلما كثر ولد إسماعيل افترقوا، فأرخ بنو إسحاق من نار إبراهيم إلى مبعث يوسف، و من مبعث يوسف إلى مبعث موسى، و من مبعث موسى إلى ملك سليمان، و من ملك سليمان إلى مبعث عيسى، و من مبعث عيسى إلى أن بعث رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم،

ص: 350

و أرخ بنو إسماعيل من نار إبراهيم إلى بناء البيت، و من بنيان البيت حتى تفرقت معد، و كانت للعرب أيام و أعلام يعدونها ثم أرخوا من موت كعب بن لؤي إلى الفيل و كان التاريخ من الفيل حتى أرخ عمر بن الخطاب من الهجرة، و إنما أرخ عمر بعد سبع عشرة سنة من مهاجر رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم.

قال الشعبي: كتب أبو موسى إلى عمر أنه يأتينا من قبلك كتب ليس لها تاريخ فأرخ، فاستشار عمر في ذلك فقال بعضهم: أرخ لمبعث رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم، و قال بعضهم لوفاته، فقال عمر: بل نؤرخ لمهاجر رسول الله فإن مهاجرة فرق بين الحق و الباطل فأرخ لذلك.

و قال سعيد بن المسيب: كتب التاريخ بمشورة علي، قال المدائني: و اختلفوا بأي شهر يبدءون فقال عثمان: أرخوا المحرم أول السنة، انتهى، ثم قال: و كان التاريخ من شهر ربيع الأول إلا أنهم ردوه إلى المحرم لأنه أول السنة، انتهى.

و أقول: قال المفيد قدس سره في الإرشاد كنية الحسن بن علي صلوات الله عليهما أبو محمد، ولد بالمدينة ليلة النصف من شهر رمضان المبارك سنة ثلاث من الهجرة، ثم قال: و لما استقر الصلح بينه عليه السلام و بين معاوية خرج الحسن عليه السلام إلى المدينة فأقام بها كاظما غيظه لازما منزله، منتظرا لأمر ربه عز و جل إلى أن تم لمعاوية عشر سنين من إمارته، و عزم على البيعة لابنه يزيد، فدس إلى جعدة بنت الأشعث ابن قيس و كانت زوجة الحسن عليه السلام من حملها على سمه و ضمن لها أن يزوجها بابنه يزيد، فأرسل إليها مائة ألف درهم فسقته جعدة السم فبقي أربعين يوما مريضا و مضى لسبيله في شهر صفر سنة خمسين من الهجرة، و له يومئذ ثمانية و أربعون سنة، و كانت خلافته عشر سنين، و تولى أخوه و وصيه الحسين عليه السلام غسله و تكفينه و دفنه عند جدته فاطمة بنت أسد رضي الله عنها بالبقيع، انتهى.

و قال الشهيد نور الله مرقده في الدروس: ولد بالمدينة يوم الثلاثاء منتصف شهر شعبان سنة اثنتين من الهجرة و قبض بها مسموما يوم الخميس سابع صفر سنة تسع

ص: 351

وَ مَضَى وَ هُوَ ابْنُ سَبْعٍ وَ أَرْبَعِينَ سَنَةً وَ أَشْهُرٍ وَ أُمُّهُ فَاطِمَةُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ ص

1 مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ مَهْزِيَارَ عَنِ الْحُسَيْنِ

و أربعين أو سنة خمسين من الهجرة، عن سبع و أربعين أو ثمان.

و قال ابن شهرآشوب في المناقب: ولد عليه السلام بالمدينة ليلة النصف من شهر رمضان عام أحد سنة ثلاث من الهجرة، و قيل: سنة اثنتين، فعاش مع جده سبع سنين و أشهرا، و قيل: ثمان سنين، و مع أبيه ثلاثين سنة، و بعده تسع سنين و قالوا: عشر سنين، و مات مسموما، و قبض بالمدينة بعد مضي عشر سنين من ملك معاوية، و مضى لليلتين بقيتا من صفر سنة خمسين من الهجرة، و قيل: سنة تسع و أربعين، و عمره سبعة و أربعون سنة و أشهر، و قيل: ثمان و أربعون، و قيل: في سنة تمام خمسين من الهجرة، و كان بذل معاوية لجعدة بنت أشعث الكندي و هي ابنة أم فروة أخت أبي بكر عشرة آلاف دينار و أقطاع عشرة ضياع من سقي سور أو سواد الكوفة على أن تسمه عليه السلام، انتهى.

و روي في كشف الغمة عن الدولابي أنه عليه السلام ولد لأربع سنين و ستة أشهر و نصف من الهجرة، و عن عبد العزيز بن الأخضر الجنابذي أنه عليه السلام توفي و هو ابن خمس و أربعين سنة في سنة تسع و أربعين، انتهى.

و روى صاحب كفاية الأثر أنه عليه السلام توفي يوم الخميس في آخر صفر سنة خمسين من الهجرة و له سبع و أربعون سنة، و قال أبو الفرج في مقاتل الطالبيين:

اختلف في مبلغ سن الحسن عليه السلام فحدثني أحمد بن سعيد عن يحيى بن الحسن عن علي بن إبراهيم بن الحسن عن ابن أبي عمير عن هشام بن سالم و جميل بن دراج عن جعفر بن محمد أنه توفي و هو ابن ثماني و أربعين سنة، و عن أحمد بن سعيد عن يحيى ابن الحسن عن حسن بن الحسين اللؤلؤي، عن محمد بن سنان عن عبد الله بن مسكان عن أبي بصير عن جعفر بن محمد عليه السلام أن الحسن توفي و هو ابن ست و أربعين سنة.

الحديث الأول

: مجهول.

ص: 352

بْنِ سَعِيدٍ عَنِ النَّضْرِ بْنِ سُوَيْدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سِنَانٍ عَمَّنْ سَمِعَ أَبَا جَعْفَرٍ ع يَقُولُ لَمَّا حَضَرَتِ الْحَسَنَ ع الْوَفَاةُ بَكَى فَقِيلَ لَهُ يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ تَبْكِي وَ مَكَانُكَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ص الَّذِي أَنْتَ بِهِ وَ قَدْ قَالَ فِيكَ مَا قَالَ وَ قَدْ حَجَجْتَ عِشْرِينَ حَجَّةً مَاشِياً وَ قَدْ قَاسَمْتَ مَالَكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ حَتَّى النَّعْلَ بِالنَّعْلِ فَقَالَ إِنَّمَا أَبْكِي لِخَصْلَتَيْنِ لِهَوْلِ الْمُطَّلَعِ وَ فِرَاقِ الْأَحِبَّةِ

" تبكي" الاستفهام مقدر" و مكانك" الواو للحال، و من للنسبة" ما قال" أي من المناقب و الفضائل الكثيرة" قاسمت" أي ناصفت، النعل منصوب بتقدير أعطيت و نحوه و الباء للمقابلة، و المقاسمة كانت بينه عليه السلام و بين الفقراء في سبيل الله، و روى الصدوق في العيون و المجالس هذا الخبر بإسناده عن الرضا عليه السلام، و فيه قد قاسمت ربك مالك.

و في النهاية في الحديث: لو أن لي ما في الأرض جميعا لافتديت به من هول المطلع، يريد به الموقف يوم القيامة أو ما يشرف عليه من أمر الآخرة عقيب الموت فشبهه بالمطلع الذي يشرف عليه من موضع عال، انتهى.

و ربما يقرأ المطلع بكسر اللام، أي الرب تعالى المطلع على السرائر، و البكاء لهذا الخوف لا ينافي علو شأنه عليه السلام فإن خشية المقربين أكثر من سائر العالمين، و قد قال تعالى:" إِنَّما يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ" و في جميع أحوالهم كانوا باكين مع علمهم بكونهم من الفائزين، و كذا فراق الأحبة و الحزن له من لوازم البشرية مع أن حزنه عليه السلام لما كان يعلم من مصائبهم و البلايا الواردة عليهم بعده عليه السلام، و يحتمل أن يكون الأول للتعليم، و الثاني للشفقة على الأمة و تسهيل الأمر عليهم.

و ما قيل: أن المطلع عبارة عن واقعة كربلاء من مصيبة الحسين عليه السلام و إخوته و أهل بيته و أصحابه و هو المراد بالأحبة، أو المراد بالمطلع جميع مصائب أهل الحق

ص: 353

2 سَعْدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَهْزِيَارَ عَنْ أَخِيهِ عَلِيِّ بْنِ مَهْزِيَارَ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ عَنِ ابْنِ مُسْكَانَ عَنْ أَبِي بَصِيرٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ قُبِضَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ ع وَ هُوَ ابْنُ سَبْعٍ وَ أَرْبَعِينَ سَنَةً فِي عَامِ خَمْسِينَ عَاشَ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ ص أَرْبَعِينَ سَنَةً

3 عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ النُّعْمَانِ عَنْ سَيْفِ بْنِ عَمِيرَةَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الْحَضْرَمِيِّ قَالَ إِنَّ جَعْدَةَ بِنْتَ أَشْعَثَ بْنِ قَيْسٍ الْكِنْدِيِّ سَمَّتِ الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ وَ سَمَّتْ مَوْلَاةً لَهُ فَأَمَّا مَوْلَاتُهُ فَقَاءَتِ السَّمَّ وَ أَمَّا الْحَسَنُ فَاسْتَمْسَكَ فِي

إلى ظهور القائم عليه السلام فهو تكلف مستغنى عنه.

و روى الشيخ في مجالسه عن ابن عباس قال: دخل الحسين بن علي عليهما السلام علي أخيه الحسن في مرضه الذي توفي فيه فقال له: كيف تجدك يا أخي؟ قال: أجدني في أول يوم من أيام الآخرة و آخر يوم من أيام الدنيا، و اعلم أني لا أسبق أجلي و أني وارد على أبي و جدي عليهما السلام على كره مني لفراقك و فراق إخوتك و فراق الأحبة، و أستغفر الله من مقالتي هذه و أتوب إليه، بل على محبة مني للقاء رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم و أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام و أمي فاطمة عليهما السلام و حمزة و جعفر عليهما السلام، الخبر.

الحديث الثاني

: مختلف فيه، صحيح عندي.

و يدل على أن الولادة كانت في سنة ثلاث و أنه عاش بعد أمير المؤمنين عليه السلام عشر سنين.

الحديث الثالث

: حسن موقوف.

" فاستمسك" أي احتبس السم، و في القاموس: النقطة الجدري و البشرة، و كف نفيطة و منفوطة و نافطة و قد نفطت كفرح نفطا و نفطا و نفيطا قرحت عملا أو مجلت و قد انفطها العمل و نفط ينفط غضب أو احترق غضبا كتنفط و القدر غلت، و أنفطت العنز ببولها رمت و القدر تنافط ترمي بالزبد، انتهى.

و المراد هنا إما التورم أو الغليان أو رمي الكبد و في بعض النسخ فانتقض به

ص: 354

بَطْنِهِ ثُمَّ انْتَفَطَ بِهِ فَمَاتَ

4 مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى وَ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ عَنِ الْقَاسِمِ النَّهْدِيِّ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مِهْرَانَ عَنِ الْكُنَاسِيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ خَرَجَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍ

بالقاف أي كسره، و في بعضها بالفاء أي تفرق بعض أحشائه، في القاموس: نفض الثوب حركه لينتفض.

و الأشعث هو زوج أخت أبي بكر بن أبي قحافة و أبناؤه محمد و قيس و عبد الرحمن كانوا من قتلة الحسين عليه السلام، و سيأتي عن الصادق عليه السلام أن الأشعث بن قيس شرك في دم أمير المؤمنين عليه السلام، و ابنته جعدة سمت الحسن عليه السلام و محمدا ابنه شرك في دم الحسين عليه السلام.

و روى الراوندي قدس سره في الخرائج عن الصادق عن آبائه عليهم السلام أن الحسن عليه السلام قال لأهل بيته: إني أموت بالسم كما مات رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم قالوا: و من يفعل ذلك؟ قال: امرأتي جعدة بنت الأشعث بن قيس، فإن معاوية يدس إليها و يأمرها بذلك قالوا: أخرجها من منزلك و باعدها من نفسك! قال: كيف أخرجها و لم تفعل بعد شيئا و لو أخرجتها ما قتلني غيرها و كان لها عذر عند الناس، فما ذهبت الأيام حتى بعث إليها معاوية مالا جسيما و جعل يمنيها بأن يعطيها مائة ألف درهم أيضا و يزوجها من يزيد، و حمل إليها شربة سم لتسقيها الحسن، فانصرف إلى منزله و هو صائم، فأخرجت [وقت] الإفطار و كان يوما حارا شربة لبن و قد ألقت فيها ذلك السم فشربها و قال: عدوة الله قتلتني قتلك الله، و الله لا تصيبن مني خلفا و لقد غرك و سخر منك و الله يخزيك و يخزيه، فمكث يومان ثم مضى فغدر بها معاوية و لم يف بها بما عاهد عليه.

أقول: و في رواية أخرى قال: امرأة لم تصلح للحسن بن علي لا تصلح لا بني يزيد.

الحديث الرابع

: صحيح.

ص: 355

ع فِي بَعْضِ عُمَرِهِ وَ مَعَهُ رَجُلٌ مِنْ وُلْدِ الزُّبَيْرِ كَانَ يَقُولُ بِإِمَامَتِهِ فَنَزَلُوا فِي مَنْهَلٍ مِنْ تِلْكَ الْمَنَاهِلِ تَحْتَ نَخْلٍ يَابِسٍ قَدْ يَبِسَ مِنَ الْعَطَشِ فَفُرِشَ لِلْحَسَنِ ع تَحْتَ نَخْلَةٍ وَ فُرِشَ لِلزُّبَيْرِيِّ بِحِذَاهُ تَحْتَ نَخْلَةٍ أُخْرَى قَالَ فَقَالَ الزُّبَيْرِيُّ وَ رَفَعَ رَأْسَهُ لَوْ كَانَ فِي هَذَا النَّخْلِ رُطَبٌ لَأَكَلْنَا مِنْهُ فَقَالَ لَهُ الْحَسَنُ وَ إِنَّكَ لَتَشْتَهِي الرُّطَبَ فَقَالَ الزُّبَيْرِيُّ نَعَمْ قَالَ فَرَفَعَ يَدَهُ إِلَى السَّمَاءِ فَدَعَا بِكَلَامٍ لَمْ أَفْهَمْهُ فَاخْضَرَّتِ النَّخْلَةُ ثُمَّ صَارَتْ إِلَى حَالِهَا فَأَوْرَقَتْ وَ حَمَلَتْ رُطَباً فَقَالَ الْجَمَّالُ الَّذِي اكْتَرَوْا مِنْهُ سِحْرٌ وَ اللَّهِ قَالَ فَقَالَ الْحَسَنُ ع وَيْلَكَ لَيْسَ بِسِحْرٍ وَ لَكِنْ دَعْوَةُ ابْنِ نَبِيٍّ مُسْتَجَابَةٌ قَالَ فَصَعِدُوا إِلَى النَّخْلَةِ فَصَرَمُوا مَا كَانَ فِيهِ فَكَفَاهُمْ

و العمر بضم العين و فتح الميم جمع عمرة و قال الجوهري: المنهل المورد، و هو عين ماء ترده الإبل في المرعى و تسمى المنازل التي في المفاوز على طرق السفار مناهل لأن فيها ماء.

قوله: بحذاه كذا في أكثر النسخ مقصورا، و في بصائر الدرجات بحذائه و هو أصوب، و إن كان القصر أيضا جائزا، قال الجوهري: حذاء الشي ء إزاؤه، يقال: جلس بحذائه، و في القاموس: الحذاء الإزاء و يقال: هو حذاك و جملة" و رفع" حالية بتقدير قد، و في الخرائج و قد رفع" و إنك لتشتهي"؟ الاستفهام مقدر.

" لم أفهمه" كذا فيما عندنا من النسخ فضمير" قال" راجع إلى الزبيري، و الغرض أن الزبيري أيضا حكى ذلك للناس و في البصائر: لم يفهمه الزبيري، و هو أصوب" ثم صارت إلى حالها" أي قبل اليبس، و قيل: أي لونها الذي كان لها قبل الاخضرار، و لا يخفى ما فيه" سحر" اسم أو فعل" ويلك" بتقدير حرف النداء، و الويل الهلاك و في القاموس: صرمه يصرمه صرما و يضم قطعه قطعا بائنا، و أصرم النخل حان له أن يصرم، انتهى.

و قيل: الأمر الخارق للعادة من حيث أنه دال على صدق من أتى به و حقيته يسمى آية و علامة و بينة و من حيث أنه دال على أن صاحبه مكرم عند الله تعالى

ص: 356

5 أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ وَ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ يَزِيدَ عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ رِجَالِهِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ إِنَّ الْحَسَنَ ع قَالَ إِنَّ لِلَّهِ مَدِينَتَيْنِ إِحْدَاهُمَا بِالْمَشْرِقِ وَ الْأُخْرَى بِالْمَغْرِبِ عَلَيْهِمَا سُورٌ مِنْ حَدِيدٍ وَ عَلَى

يسمى كرامة و من حيث أنه دال على تصديقه تعالى إياه يسمى معجزة و من ثم قيل: شرط المعجزة أن يكون أخبار النبي بأنه نبي للتحدي بها، و الفرق بينها و بين الآية أن المعجزة ما وقع و التحدي بها، فإن كان المدعي نبيا دلت على صدق نبوته، و إن كان وليا دلت على صدق ولايته.

الحديث الخامس

: صحيح.

و المدينتان جابلقا و جابلسا، قال في المغرب: قالوا جابلقا و جابلسا قريتان إحداهما بالمغرب و الأخرى بالمشرق، و قال في القاموس: جابلس بفتح الباء و اللام أو سكونها بلدة بالمغرب ليس وراءه إنسي، و جابلق بلد بالمغرب، و ليس وجود القريتين على الصفتين ممتنعا في قدرة الله تعالى، و لم يحط أحد سوى المعصومين و المؤيدين من عند الله تعالى بجميع الأرض حتى يمكنه نفي ذلك و قد وجد قريب من زماننا بلاد عظيمة يسمى" ينكي دنيا" لم يكن القدماء اطلعوا عليها، و لا ذكروا منها شيئا في كتبهم.

و قال بعض أهل التأويل: كان المدينتين كنايتان عن عالمي المثال المتقدم أحدهما على الدنيا و هو الشرقي، و المتأخر أخر عنها و هو الغربي و كون سورهما من حديد كناية عن صلابته و عدم إمكان الدخول فيهما إلا من أبوابهما، و كثرة اللغات كناية عن اختلاف الخلائق في السلائق و الألسن اختلافا لا يحصى، و حجيته و حجية أخيه في زمانهما ظاهرة فإنها كانت عامة لجميع الخلق، انتهى.

و قال شارح المقاصد: ذهب بعض المتألهين من الحكماء و نسب إلى القدماء أن بين عالمي المحسوس و المعقول واسطة تسمى عالم المثل ليس في تجرد المجردات، و لا في مخالطة الماديات و فيه لكل موجود من المجردات و الأجسام و الأعراض

ص: 357

كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَلْفُ أَلْفِ مِصْرَاعٍ وَ فِيهَا سَبْعُونَ أَلْفَ أَلْفِ لُغَةٍ يَتَكَلَّمُ كُلُّ لُغَةٍ بِخِلَافِ لُغَةِ صَاحِبِهَا وَ أَنَا أَعْرِفُ جَمِيعَ اللُّغَاتِ وَ مَا فِيهِمَا وَ مَا بَيْنَهُمَا وَ مَا عَلَيْهِمَا حُجَّةٌ غَيْرِي وَ غَيْرُ الْحُسَيْنِ أَخِي

و الحركات و السكنات و الأوضاع و الهيئات و الطعوم و الروائح مثال قائم بذاته معلق لا في مادة و محل يظهر للحس بمعونة مظهر كالمرآة و الخيال و الماء و الهواء و نحو ذلك، و قد ينتقل من مظهر إلى مظهر، و قد يبطل كما فسدت المرآة و الخيال، أو زالت المقابلة أو التخيل، و بالجملة هو عالم عظيم الفسحة غير متناه، يحذو حذو العالم الحسي في دوام حركة أفلاكه المثالية و قبول عناصره و مركباته آثار حركات أفلاكه و إشراقات العالم العقلي، و هذا ما قال الأقدمون أن في الوجود عالما مقداريا غير العالم الحسي لا تتناهى عجائبه و لا تحصى مدته.

و من جملة تلك المدن جابلقا و جابرسا، و هما مدينتان عظيمتان لكل منهما ألف باب لا يحصى ما فيها من الخلائق، و من هذا عالم يكون فيه الملائكة و الجن و الشياطين و الغيلان، لكونها من قبيل المثل و النفوس الناطقة المفارقة الظاهرة فيها، و به يظهر المجردات في صور مختلفة بالحسن و القبح و اللطافة و الكثافة و غير ذلك بحسب استعداد القابل و الفاعل.

و عليه بنوا أمر المعاد الجسماني فإن البدن المثالي الذي يتصرف فيه النفس حكمه حكم البدن الحسي في أن له جميع الحواس الظاهرة و الباطنة فيلتذ و يتألم باللذات و الآلام الجسمانية و أيضا تكون من الصور المعلقة نورانية فيها نعيم السعداء و ظلمانية فيها عذاب الأشقياء و كذا أمر المنامات و كثير من الإدراكات، فإن جميع ما يرى في المنام أو التخيل في اليقظة بل نشاهد في الأمراض و عند غلبة الخوف و نحو ذلك من الصور المقدارية التي لا تحقق لها في عالم الحس كلها من عالم المثل.

و كذا كثير من الغرائب و خوارق العادات كما يحكى عن بعض الأولياء أنه مع إقامته ببلدته كان من حاضري المسجد الحرام أيام الحج، و أنه ظهر من بعض

ص: 358

6 الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ مُعَلَّى بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ النُّعْمَانِ عَنْ صَنْدَلٍ عَنْ أَبِي أُسَامَةَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ خَرَجَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ ع إِلَى مَكَّةَ سَنَةً مَاشِياً فَوَرِمَتْ قَدَمَاهُ فَقَالَ لَهُ بَعْضُ مَوَالِيهِ لَوْ رَكِبْتَ لَسَكَنَ عَنْكَ هَذَا الْوَرَمُ فَقَالَ كَلَّا إِذَا أَتَيْنَا هَذَا الْمَنْزِلَ فَإِنَّهُ يَسْتَقْبِلُكَ أَسْوَدُ وَ مَعَهُ دُهْنٌ فَاشْتَرِ مِنْهُ وَ لَا تُمَاكِسْهُ فَقَالَ لَهُ مَوْلَاهُ بِأَبِي أَنْتَ وَ أُمِّي مَا قَدِمْنَا مَنْزِلًا فِيهِ أَحَدٌ يَبِيعُ هَذَا الدَّوَاءَ فَقَالَ لَهُ بَلَى إِنَّهُ أَمَامَكَ دُونَ الْمَنْزِلِ فَسَارَا مِيلًا فَإِذَا هُوَ بِالْأَسْوَدِ فَقَالَ الْحَسَنُ ع لِمَوْلَاهُ دُونَكَ الرَّجُلَ فَخُذْ مِنْهُ الدُّهْنَ وَ أَعْطِهِ الثَّمَنَ فَقَالَ الْأَسْوَدُ يَا غُلَامُ لِمَنْ أَرَدْتَ هَذَا الدُّهْنَ فَقَالَ لِلْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ فَقَالَ انْطَلِقْ بِي إِلَيْهِ فَانْطَلَقَ فَأَدْخَلَهُ إِلَيْهِ فَقَالَ لَهُ بِأَبِي أَنْتَ وَ أُمِّي لَمْ أَعْلَمْ أَنَّكَ تَحْتَاجُ إِلَى هَذَا أَ وَ تَرَى ذَلِكَ وَ لَسْتُ آخُذُ لَهُ ثَمَناً إِنَّمَا أَنَا مَوْلَاكَ وَ لَكِنِ ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَرْزُقَنِي ذَكَراً سَوِيّاً يُحِبُّكُمْ

جدران البيت، أو خرج من بيت مسدود الأبواب و الكوى، و أنه أحضر بعض الأشخاص و الثمار أو غير ذلك، من مسافة بعيدة جدا في زمان قريب إلى غير ذلك، انتهى.

و هذه الكلمات شبيهة بالخرافات، و تصحيح النصوص و الآيات لا يحتاج إلى ارتكاب هذه التكلفات، و الله يعلم حقائق العوالم و الموجودات.

الحديث السادس

: ضعيف على المشهور.

" فورمت" بكسر الراء" ما قدمنا منزلا" أي هذا المنزل الذي نأتيه ليس مظنة كون هذا الدواء فيه، و في الخرائج ليس إمامنا منزل فيه أحد يبيع هذا الدواء فقال: بلى إنه إمامنا و ساروا أميالا فإذا الأسود قد استقبلهم إلى قوله: فإن الله قد وهب لك ولدا ذكرا سويا، فرجع الأسود من فوره فإذا امرأته قد ولدت غلاما سويا ثم رجع الأسود إلى الحسن و دعا له بالخير بولادة الغلام له، و إن الحسن قد مسح رجليه بذلك الدهن فما قام من موضعه حتى زال الورم.

قوله: أو ترى ذلك؟ أي تعلم وجود هذا الدواء عندي، و في القاموس: مخضت

ص: 359

أَهْلَ الْبَيْتِ فَإِنِّي خَلَّفْتُ أَهْلِي تَمْخَضُ فَقَالَ انْطَلِقْ إِلَى مَنْزِلِكَ فَقَدْ وَهَبَ اللَّهُ لَكَ ذَكَراً سَوِيّاً وَ هُوَ مِنْ شِيعَتِنَا

بَابُ مَوْلِدِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ ع وُلِدَ الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ ع فِي سَنَةِ ثَلَاثٍ وَ قُبِضَ ع فِي شَهْرِ الْمُحَرَّمِ مِنْ سَنَةِ

كسمع و منع و عني مخاضا و مخاضا، و مخضت تمخيضا أخذها الطلق أي وجع الولادة.

و أقول: الخبر مشتمل على معجزات و يدل على تأكد استحباب المشي إلى بيت الله.

باب مولد الحسين بن علي عليهما السلام

اشارة

أقول: قال الشيخ قدس سره في التهذيب: ولد عليه السلام آخر شهر ربيع الأول سنة ثلاث من الهجرة، و قال الطبرسي (ره) في إعلام الورى: ولد عليه السلام يوم الثلاثاء و قيل: يوم الخميس لثلاث خلون من شعبان، و قيل: لخمس خلون منه لسنة أربع من الهجرة، و قيل: ولد عليه السلام آخر ربيع الأول سنة ثلاث منها، و قال ابن شهرآشوب في المناقب: ولد عليه السلام عام الخندق بالمدينة يوم الخميس أو يوم الثلاثاء لخمس خلون من شعبان سنة أربع من الهجرة بعد أخيه بعشرة أشهر و عشرين يوما، و قال المفيد (ره) في الإرشاد: ولد عليه السلام بالمدينة لخمس ليال خلون من شعبان سنة أربع من الهجرة، و قال الشيخ في المصباح: خرج إلى القاسم بن العلاء الهمداني وكيل أبي محمد عليه السلام إن مولانا الحسين عليه السلام ولد يوم الخميس لثلاث خلون من شعبان و روى الحسين بن زيد عن جعفر بن محمد عليهما السلام قال: ولد الحسين بن علي عليهما السلام لخمس ليال خلون من شعبان سنة أربع من الهجرة.

و قال في كشف الغمة: قال كمال الدين بن طلحة: ولد عليه السلام بالمدينة لخمس خلون من شعبان سنة أربع من الهجرة، علقت البتول عليها السلام به بعد أن ولدت أخاه

ص: 360

إِحْدَى وَ سِتِّينَ مِنَ الْهِجْرَةِ وَ لَهُ سَبْعٌ وَ خَمْسُونَ سَنَةً وَ أَشْهُرٌ قَتَلَهُ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ زِيَادٍ لَعَنَهُ اللَّهُ

الحسن بخمسين ليلة، و كذلك قال الحافظ الجنابذي، و قال كمال الدين: كان انتقاله إلى دار الآخرة في سنة إحدى و ستين من الهجرة، فتكون مدة عمره ستا و خمسين سنة و أشهر، كان منها مع جده رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم ست سنين و شهورا، و كان مع أبيه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام ثلاثين سنة بعد وفاة النبي صلى الله عليه و آله و سلم، و كان مع أخيه الحسن بعد وفاة أبيه عشر سنين، و بقي بعد وفاة أخيه الحسن عليهما السلام إلى وقت مقتله عشر سنين. قال ابن الخشاب: حدثنا حرب بإسناده عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام قال:

مضى أبو عبد الله الحسين بن علي و أمه فاطمة بنت رسول الله صلوات الله عليهم أجمعين و هو ابن سبع و خمسين سنة في عام الستين من الهجرة في يوم عاشوراء، كان مقامه مع جده رسول الله سبع سنين إلا ما كان بينه و بين أبي محمد و هو سبعة أشهر و عشرة أيام و أقام مع أبيه ثلاثين سنة، و أقام مع أبي محمد عشر سنين، و أقام بعد مضي أخيه الحسن عليه السلام عشر سنين، فكان عمره سبعا و خمسين سنة إلا ما كان بينه و بين أخيه من الحمل، و قبض في يوم عاشوراء في يوم الجمعة في سنة إحدى و ستين، و يقال: يوم الاثنين، انتهى.

و قال الشهيد (ره) في الدروس ولد عليه السلام بالمدينة آخر شهر ربيع الأول سنة ثلاث من الهجرة، و قيل: يوم الخميس ثالث عشر شهر رمضان، و قال الشيخ ابن نما قيل: ولد عليه السلام لخمس خلون من جمادى الأولى، و كانت مدة حمله ستة أشهر، و لم يولد لستة سواه و عيسى و قيل: يحيى عليهم السلام، انتهى.

و أقول: إنما اختار الشيخ (ره) كون ولادته عليه السلام في آخر شهر ربيع الأول تبعا لما اختاره المفيد (ره) في المقنعة، مع مخالفته لما رواه من الروايتين، لما ثبت عنده و اشتهر بين الفريقين من كون ولادة الحسن في منتصف شهر رمضان، و ما ورد في روايات صحيحة أنه لم يكن بين ولادتيهما إلا ستة أشهر و عشرا كما سيأتي بعضها

ص: 361

فِي خِلَافَةِ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ لَعَنَهُ اللَّهُ وَ هُوَ عَلَى الْكُوفَةِ وَ كَانَ عَلَى الْخَيْلِ الَّتِي حَارَبَتْهُ وَ قَتَلَتْهُ عُمَرُ بْنُ سَعْدٍ لَعَنَهُ اللَّهُ بِكَرْبَلَاءَ- يَوْمَ الْإِثْنَيْنِ لِعَشْرٍ خَلَوْنَ مِنَ الْمُحَرَّمِ وَ أُمُّهُ فَاطِمَةُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ ص

1 سَعْدٌ وَ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ جَمِيعاً عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَهْزِيَارَ عَنْ أَخِيهِ عَلِيِّ بْنِ مَهْزِيَارَ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ عَنِ ابْنِ مُسْكَانَ عَنْ أَبِي بَصِيرٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ قُبِضَ الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ ع- يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَ هُوَ ابْنُ سَبْعٍ وَ خَمْسِينَ سَنَةً

2 عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْعَرْزَمِيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ كَانَ بَيْنَ الْحَسَنِ وَ الْحُسَيْنِ ع طُهْرٌ وَ كَانَ بَيْنَهُمَا فِي الْمِيلَادِ سِتَّةُ أَشْهُرٍ وَ عَشْراً

3 مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ الْوَشَّاءِ وَ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ مُعَلَّى بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ الْوَشَّاءِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عَائِذٍ عَنْ أَبِي خَدِيجَةَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ

لكن مع ورود هذه الأخبار يمكن ترك القول بكون ولادة الحسن عليه السلام في شهر رمضان لعدم استناده إلى رواية معتبرة و الله يعلم.

قوله: و هو، أي عبيد الله لعنه الله" على الكوفة" أي وال على الكوفة و الخيل الفرسان، و المراد هنا العسكر الملعون" لعشر" أي لعشر ليال" خلون" أي مضين.

الحديث الأول

: مختلف فيه صحيح عندي.

الحديث الثاني

: صحيح.

" بين الحسن و الحسين" أي بين ولادة الحسن و العلوق بالحسين" طهر" أي مقدار أقل الطهر في النساء اللاتي يحضن و هو عشرة أيام، و لم يكن لها عليها السلام دم، و الميلاد وقت الولادة.

الحديث الثالث

: مختلف فيه.

قوله: لما حملت، لعل المعنى قرب حملها، أو المراد جاء جبرئيل قبل ذلك،

ص: 362

لَمَّا حَمَلَتْ فَاطِمَةُ ع بِالْحُسَيْنِ جَاءَ جَبْرَئِيلُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ص فَقَالَ إِنَّ فَاطِمَةَ ع سَتَلِدُ غُلَاماً تَقْتُلُهُ أُمَّتُكَ مِنْ بَعْدِكَ فَلَمَّا حَمَلَتْ فَاطِمَةُ بِالْحُسَيْنِ ع كَرِهَتْ حَمْلَهُ وَ حِينَ وَضَعَتْهُ كَرِهَتْ وَضْعَهُ ثُمَّ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ع لَمْ تُرَ فِي الدُّنْيَا أُمٌّ تَلِدُ غُلَاماً تَكْرَهُهُ وَ لَكِنَّهَا كَرِهَتْهُ لِمَا عَلِمَتْ أَنَّهُ سَيُقْتَلُ قَالَ وَ فِيهِ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ- وَ وَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حُسْناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَ وَضَعَتْهُ كُرْهاً وَ حَمْلُهُ وَ فِصالُهُ

أو المراد بقوله: حملت ثانيا شعرت به، و ربما يقرأ الثاني حملت على بناء المجهول من التفعيل، أي عدت حاملا، و في كامل الزيارة الحسين بدون الباء، و على هذا التأويل يحتمل أن يكون" وصينا" معناه جعلناه وصيا من الأوصياء، فالباء في" بوالديه" للسببية، فقوله: حسنا نصب على الإغراء بتقدير القول أي قائلين ألزم حسنا كما قيل، لكنه بعيد، و الأظهر أن" وصينا" بمعناه، و الياء للسببية، و حسنا مفعول وصينا، و إن قرأ بفتح الحاء و السين لا يبعد الوجه الأول أيضا، أي وصيناه أيضا حسنا.

قال في مجمع البيان: قرأ أهل الكوفة إحسانا، و الباقون حسنا، و روي عن علي عليه السلام و أبي عبد الرحمن السلمي حسنا بفتح الحاء و السين، انتهى.

و يحتمل أن يكون الوالدان رسول الله و أمير المؤمنين صلوات الله عليهما كما مر و سيأتي، أو عليا و فاطمة عليهما السلام.

" لم تر" على بناء المجهول، و في الكامل: هل رأيتم في الدنيا أما، إلى آخره و حمله و فصاله ثلاثون شهرا موافق لهذا التأويل، لأن حمله كان ستة أشهر، و مدة الرضاع سنتان، قال البيضاوي" حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً، وَ وَضَعَتْهُ كُرْهاً" ذات كره أو حملا ذا كره، و هو المشقة" وَ حَمْلُهُ وَ فِصالُهُ" و مدة حمله و فصاله، و الفصال الفطام، و المراد به الرضاع التام المنتهى به، و لذلك عبر به كما يعبر بالأمر عن المدة ثلاثون شهرا كل ذلك بيان لما تكابده الأم في تربية الولد مبالغة في التوصية بها و فيه دليل على أن أقل مدة الحمل ستة لأنه إذا حط عنه للفصال حولان لقوله:" حَوْلَيْنِ

ص: 363

ثَلاثُونَ شَهْراً

4 مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ عَلِيِّ بْنِ إِسْمَاعِيلَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو الزَّيَّاتِ عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِنَا عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ إِنَّ جَبْرَئِيلَ ع نَزَلَ عَلَى مُحَمَّدٍ ص فَقَالَ لَهُ يَا مُحَمَّدُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِمَوْلُودٍ يُولَدُ مِنْ فَاطِمَةَ تَقْتُلُهُ أُمَّتُكَ مِنْ بَعْدِكَ فَقَالَ يَا جَبْرَئِيلُ وَ عَلَى رَبِّيَ السَّلَامُ لَا حَاجَةَ لِي فِي مَوْلُودٍ يُولَدُ مِنْ فَاطِمَةَ تَقْتُلُهُ أُمَّتِي مِنْ بَعْدِي فَعَرَجَ ثُمَّ هَبَطَ ع فَقَالَ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ فَقَالَ يَا جَبْرَئِيلُ وَ عَلَى رَبِّيَ السَّلَامُ لَا حَاجَةَ لِي فِي مَوْلُودٍ تَقْتُلُهُ أُمَّتِي مِنْ بَعْدِي فَعَرَجَ جَبْرَئِيلُ ع إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ هَبَطَ فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ إِنَّ رَبَّكَ يُقْرِئُكَ السَّلَامَ وَ يُبَشِّرُكَ بِأَنَّهُ جَاعِلٌ فِي ذُرِّيَّتِهِ الْإِمَامَةَ وَ الْوَلَايَةَ وَ الْوَصِيَّةَ فَقَالَ قَدْ رَضِيتُ ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَى فَاطِمَةَ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُنِي بِمَوْلُودٍ يُولَدُ لَكِ تَقْتُلُهُ أُمَّتِي مِنْ بَعْدِي فَأَرْسَلَتْ إِلَيْهِ لَا حَاجَةَ لِي فِي مَوْلُودٍ مِنِّي تَقْتُلُهُ أُمَّتُكَ مِنْ بَعْدِكَ فَأَرْسَلَ إِلَيْهَا أَنَّ اللَّهَ قَدْ جَعَلَ فِي ذُرِّيَّتِهِ الْإِمَامَةَ وَ الْوَلَايَةَ

كامِلَيْنِ لِمَنْ أَرادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضاعَةَ" بقي ذلك، و به قال الأطباء، و لعل تخصيص أقل الحمل و أكثر الرضاع لانضباطهما و تحقق ارتباط حكم النسب و الرضاع بهما.

الحديث الرابع

: مرسل، و آخره أيضا مرسل.

و الظاهر أن الإرسال و التبشير من الله و الرسول صلى الله عليه و آله و سلم كانا على وجه التخيير لا الحتم، حتى يكون ردهما ردا على الله" حَتَّى إِذا بَلَغَ أَشُدَّهُ" أي استحكم قوته و عقله" وَ بَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً" أقول: لا يلزم من كون هذا الدعاء بعد أربعين سنة من عمره أن يكون مصادفا لأول إمامته، بل يمكن أن يكون قبل ذلك، فإن إمامة الحسين عليه السلام كان بعد مضي سبع و أربعين من عمره الشريف، مع أنه بطن للآية و لا يلزم انطباقها من جميع الوجوه، و ما قيل: من أن بلوغ الأشد كان عند وفاة الرسول صلى الله عليه و آله و ابتداء الأربعين من بلوغ الأشد فيكون مصادفا لابتداء إمامته عليه السلام فهو تكلف مستغنى عنه.

ص: 364

وَ الْوَصِيَّةَ فَأَرْسَلَتْ إِلَيْهِ أَنِّي قَدْ رَضِيتُ فَ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَ وَضَعَتْهُ كُرْهاً وَ حَمْلُهُ وَ فِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً حَتَّى إِذا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَ بَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَ عَلى والِدَيَّ وَ أَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ وَ أَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي فَلَوْ لَا أَنَّهُ قَالَ أَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي لَكَانَتْ ذُرِّيَّتُهُ كُلُّهُمْ أَئِمَّةً- وَ لَمْ يَرْضَعِ الْحُسَيْنُ مِنْ فَاطِمَةَ ع وَ لَا مِنْ أُنْثَى كَانَ يُؤْتَى بِهِ النَّبِيَّ فَيَضَعُ إِبْهَامَهُ فِي فِيهِ فَيَمَصُّ مِنْهَا مَا يَكْفِيهَا الْيَوْمَيْنِ وَ الثَّلَاثَ فَنَبَتَ لَحْمُ الْحُسَيْنِ ع مِنْ لَحْمِ رَسُولِ اللَّهِ وَ دَمِهِ وَ لَمْ يُولَدْ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ إِلَّا عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ ع وَ الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ ع

وَ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى عَنْ أَبِي الْحَسَنِ الرِّضَا ع أَنَّ النَّبِيَّ ص كَانَ يُؤْتَى

" أَوْزِعْنِي" أي ألهمني و أصله أولعني من أوزعته بكذا، و المراد بالنعمة نعمة الإمامة و النبوة" وَ أَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ" قال البيضاوي: نكرة للتعظيم أو لأنه أراد نوعا من الجنس يستجلب رضا الله تعالى" وَ أَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي" و اجعل لي الصلاح ساريا في ذريتي راسخا فيهم.

أقول: على تأويله عليه السلام" في" للتبعيض أي بعض ذريتي و هو أظهر.

" فنبت لحما" تميز و في بعض النسخ كما في كامل الزيارة لحم الحسين و هو أظهر" إلا عيسى بن مريم" لعل هذا من تصحيف الرواة أو النساخ، و في أكثر الأخبار المعتبرة إلا يحيى و الحسين عليه السلام، و قد ورد في الأخبار المعتبرة أن حمل عيسى كان تسع ساعات، و قيل: ثلاث ساعات، قال الثعلبي: اختلف العلماء في مدة حمل مريم بعيسى، فقال بعضهم: كان مقدار حملها تسعة أشهر كحمل سائر النساء، و قيل: ثمانية أشهر و كان ذلك آية أخرى لأنه لم يعش مولود وضع لثمانية أشهر غير عيسى، و قيل: ستة أشهر، و قيل: ثلاث ساعات، و قيل: ساعة واحدة، انتهى.

و أقول: يحتمل أن يكون مادة تولد عيسى أحدثها الله في مريم (ع) قبل نفخ جبرئيل عليه السلام بستة أشهر.

قوله عليه السلام: فيلقمه لسانه، يمكن الجمع بينه و بين ما سبق بأنه كان في

ص: 365

بِهِ الْحُسَيْنُ فَيُلْقِمُهُ لِسَانَهُ فَيَمَصُّهُ فَيَجْتَزِئُ بِهِ وَ لَمْ يَرْتَضِعْ مِنْ أُنْثَى

5 عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ رَفَعَهُ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ فَقالَ إِنِّي سَقِيمٌ قَالَ حَسَبَ فَرَأَى مَا يَحُلُّ بِالْحُسَيْنِ ع فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ لِمَا يَحُلُّ بِالْحُسَيْنِ ع

بعض الأوقات يمص لسانه و في بعضها إبهامه صلى الله عليه و آله و سلم.

الحديث الخامس

: مرفوع.

" فَقالَ إِنِّي سَقِيمٌ" أقول: هذه إحدى الآيات التي استدل بها المخطئون للأنبياء زعما منهم أنه كذب، و أجيب بوجوه:" الأول" أنه عليه السلام نظر في النجوم فاستدل بها على وقت حمى كانت تعتاده، فقال إني سقيم، أراد أنه قد حضر وقت علته فكأنه قال: سأسقم.

الثاني: أنه نظر في النجوم كنظرهم في استنباط الأحكام من النجوم، فأوهمهم أنه يقول بمثل قولهم، فقال عند ذلك إني سقيم، فتركوه ظنا منهم أن نجمع يدل على سقمه، و يجوز أن يكون الله تعالى أعلمه بالوحي أنه سيسقمه في وقت مستقبل و جعل العلامة على ذلك إما طلوع نجم على وجه مخصوص أو اتصاله بآخر على وجه مخصوص، فلما رأى إبراهيم تلك الأمارة قال إني سقيم.

الثالث: أن المعنى أنه سقيم القلب أو الرأي حزنا من إصرار القوم على عبادة الأصنام، و هي لا تسمع و لا تبصر، فمعنى" نَظْرَةً فِي النُّجُومِ" تفكره في أنها محدثة مخلوقة مدبرة، و تعجبه كيف ذهب على العقلاء ذلك من حالها حتى عبدوها.

الرابع: أن من كتب عليه الموت فهو سقيم و إن لم يكن به سقم في الحال، و ما ورد في هذه الرواية أحد الوجوه، و المراد سقم القلب، و لا ينافي ذلك أن يكون أوهمهم ظاهرا أنه سيسقم في بدنه، و كان مراده سقم القلب تورية، و هذا مجوز عند الضرورة و المصلحة، و ليس بكذب، و لذا ورد في الخبر أن في المعاريض لمندوحة عن

ص: 366

6 أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى بْنِ عُبَيْدٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَسْبَاطٍ عَنْ سَيْفِ بْنِ عَمِيرَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حُمْرَانَ قَالَ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ع لَمَّا كَانَ مِنْ أَمْرِ الْحُسَيْنِ ع مَا كَانَ ضَجَّتِ الْمَلَائِكَةُ إِلَى اللَّهِ بِالْبُكَاءِ وَ قَالَتْ يُفْعَلُ هَذَا بِالْحُسَيْنِ صَفِيِّكَ وَ ابْنِ نَبِيِّكَ قَالَ فَأَقَامَ اللَّهُ لَهُمْ ظِلَّ الْقَائِمِ ع وَ قَالَ بِهَذَا أَنْتَقِمُ لِهَذَا

الكذب، و قد روي بأسانيد عن الباقر و الصادق عليهما السلام أنهما قالا: و الله ما كان سقيما و ما كذب، ثم ظاهر الخبر أنه عليه السلام علم ما يحل بالحسين عليه السلام بحساب النجوم و الأوضاع الفلكية و أنها تدل على الحوادث، و الأخبار في ذلك كثيرة أوردتها في الكتاب الكبير، و لا ينافي ذلك منع سائر الخلق من التفكر فيها و الحكم بها.

و ما يتحصل من جميع الأخبار هو أن علم النجوم من علوم الأنبياء و الأوصياء عليهم السلام و هو إحدى الطرق التي يستنبطون بها العلم بالحوادث و هي مختصة بهم، و سائر الخلق لم يحيطوا بها علما، فلذا منعوا عن التفكر فيها، و الإخبار بها أو لمصالح أخرى لا يخفى بعضها على أولي الأبصار، و هذا هو المشهور بين علمائنا.

و ذهب السيد بن طاوس (ره) و جماعة إلى جواز النظر فيها و حملوا أخبار النهي على ما إذا ظن أنها مؤثرات، و لا ريب في بطلان هذه العقيدة، و أن القول بأنها مؤثرات تامة كفر، و المشهور أن القول بالتأثير الناقص فسق، و القول بأنها علامات لا ضير فيه، و الأظهر تحريم النظر فيها و الإخبار بها بل تعليمها و تعلمها كما حققناه في كتاب السماء و العالم.

الحديث السادس

: موثق كالصحيح.

" ضجت" من باب ضرب أي صاحت و جزعت" ظل القائم" أي جسده المثالي.

أو صورة خلقت شبيهة به، حاكية لأحواله أو روحه المقدسة، قال في القاموس:

الظل الخيال من الجن و غيره يرى، و من كل شي ء شخصه.

ص: 367

7 عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ عَنْ سَيْفِ بْنِ عَمِيرَةَ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَعْيَنَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ع قَالَ لَمَّا نَزَلَ النَّصْرُ عَلَى الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ حَتَّى كَانَ بَيْنَ السَّمَاءِ وَ الْأَرْضِ ثُمَّ خُيِّرَ النَّصْرَ أَوْ لِقَاءَ اللَّهِ فَاخْتَارَ لِقَاءَ اللَّهِ

8 الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو كُرَيْبٍ وَ أَبُو سَعِيدٍ الْأَشَجُّ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِدْرِيسَ عَنْ أَبِيهِ إِدْرِيسَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَوْدِيِّ قَالَ لَمَّا قُتِلَ الْحُسَيْنُ ع أَرَادَ الْقَوْمُ أَنْ يُوطِئُوهُ الْخَيْلَ فَقَالَتْ فِضَّةُ لِزَيْنَبَ يَا سَيِّدَتِي إِنَّ سَفِينَةَ كُسِرَ بِهِ فِي

الحديث السابع

: حسن.

و قد مر بسند حسن آخر عنه عليه السلام في باب أن الأئمة عليهم السلام يعلمون متى يموتون، و ليس فيه" لما" بل فيه:" أنزل الله النصر" إلى آخره، و هو الصواب، و الملائكة الذين نزلوا كانوا أربعة آلاف ملك على أكثر الأخبار، و خمسين ألف ملك على بعضها.

روى الصدوق بإسناده عن أبان بن تغلب قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: إن أربعة آلاف ملك هبطوا يريدون القتال مع الحسين بن علي صلوات الله عليهما، فلم يؤذن لهم في القتال، فرجعوا في الاستئذان و هبطوا و قد قتل الحسين عليه السلام فهم عند قبره شعث غبر يبكونه إلى يوم القيامة و رئيسهم ملك يقال له منصور، و روى ابن قولويه في كامل الزيارة بإسناده عن أبي عبد الله عليه السلام قال: مر بالحسين بن علي خمسون ألف ملك و هو يقتل فعرجوا إلى السماء، فأوحى الله إليهم مررتم بابن حبيبي و هو يقتل فلم تنصروه فاهبطوا إلى الأرض فأسكنوا عند قبره شعثا غبرا إلى أن تقوم الساعة.

الحديث الثامن

: مجهول.

" فقالت فضة" هي جارية فاطمة صلوات الله عليها" لزينب" أي بنتها، و سفينة لقب مولى رسول الله صلى الله عليه و آله، قال المازري: اسم سفينة قيس، و قيل: نجران،

ص: 368

الْبَحْرِ فَخَرَجَ إِلَى جَزِيرَةٍ فَإِذَا هُوَ بِأَسَدٍ فَقَالَ يَا أَبَا الْحَارِثِ أَنَا مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ ص فَهَمْهَمَ بَيْنَ يَدَيْهِ حَتَّى وَقَفَهُ عَلَى الطَّرِيقِ وَ الْأَسَدُ رَابِضٌ فِي نَاحِيَةٍ فَدَعِينِي أَمْضِي إِلَيْهِ

و قيل: رومان، و قيل: مهران، و كنيته المشهورة أبو عبد الرحمن، و سبب تسميته بسفينة أنه حمل متاعا كثيرا لرفقائه في الغزو فقال له النبي صلى الله عليه و آله: أنت سفينة، و قال الذهبي: أعتقته أم سلمة.

و أشارت فضة إلى قصته المشهورة و اختلف فيها، قال في شرح السنة أن سفينة مولى رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم أخطأ الجيش بأرض الروم و أسر فانطلق هاربا يلتمس الجيش، فإذا هو بأسد فقال: يا أبا الحارث أنا مولى رسول الله صلى الله عليه و آله و كان من أمري كيت و كيت، فأقبل الأسد حتى قام إلى جنبه كلما سمع صوتا أهوى إليه ثم أقبل يمشي إلى جنبه حتى أبلغه الجيش ثم رجع.

و روى الراوندي في الخرائج و الجرائح عن ابن الأعرابي أن سفينة مولى رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم قال: خرجت غازيا فكسر بي فغرق المركب و ما فيه و أفلت و ما علي إلا خرقة قد اتزرت بها، و كنت على لوح، و أقبل اللوح يرمي بي على جبل في البحر، فإذا صعدت و ظننت أني نجوت جاءتني موجة فانتسفتني ففعلت بي مرارا ثم إني خرجت اشتد على شاطئ البحر، فلم تلحقني فحمدت الله على سلامتي، فبينا أنا أمشي إذا بصر بي أسد و أقبل يزأر إلى أن يفترسني، فرفعت يدي إلى السماء فقلت: اللهم إني عبدك و مولى نبيك نجيتني من الغرق، أ فتسلط علي سبعك؟ فألهمت أن قلت: أيها السبع أنا سفينة مولى رسول الله، احفظ رسول الله في مولاه، فو الله إنه لترك الزئير و أقبل كالسنور يمسح خده بهذا الساق مرة و بهذه أخرى و هو ينظر في وجهي مليا ثم طأطأ ظهره و أومأ إلى أن أركب

ص: 369

وَ أُعْلِمُهُ مَا هُمْ صَانِعُونَ غَداً قَالَ فَمَضَتْ إِلَيْهِ فَقَالَتْ يَا أَبَا الْحَارِثِ فَرَفَعَ رَأْسَهُ ثُمَّ قَالَتْ- أَ تَدْرِي مَا يُرِيدُونَ أَنْ يَعْمَلُوا غَداً بِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع يُرِيدُونَ أَنْ يُوطِئُوا الْخَيْلَ ظَهْرَهُ قَالَ فَمَشَى حَتَّى وَضَعَ يَدَيْهِ عَلَى جَسَدِ الْحُسَيْنِ ع فَأَقْبَلَتِ

فركبت ظهره فخرج يخب بي فما كان بأسرع من أن هبط جزيرة فإذا فيها من الشجرة و الثمار و عين عذبة من ماء دهشت فوقف و أومأ إلى أن أنزل، فنزلت و بقي واقفا حذائي ينظر، فأخذت من تلك الثمار و أكلت و شربت من ذلك الماء فرويت و عمدت إلى ورقة فجعلتها لي مئزرا و اتزرت بها و تلحفت بأخرى، و جعلت ورقة شبيها بالمزود فملأتها من تلك الثمار و بللت الخرقة التي كانت معي لأن أعصرها إذا احتجت إلى الماء فأشربه.

فلما فرغت مما أردت أقبل إلى فطأطأ ظهره ثم أومأ إلى أن أركب، فلما ركبت أقبل بي نحو البحر في غير الطريق الذي أقبلت منه، فلما صرت على البحر إذا مركب سائر في البحر فلوحت لهم فاجتمع أهل المركب يسبحون و يهللون و يرون رجلا راكبا أسدا فصاحوا: يا فتى من أنت؟ أ جني أم إنسي قلت: أنا سفينة مولى رسول الله رعى الأسد بي حق رسول الله ففعل ما ترون، فلما سمعوا ذكر رسول الله حطوا الشراع و حملوا رجلين في قارب صغير و دفعوا إليهما ثيابا فجاءاني و نزلت من الأسد و وقف ناحية ينظر فانتظر ما أصنع، فرميا إلى بالثياب و قالا ألبسها فلبستها، فقال أحدهما: اركب ظهري حتى أحملك إلى القارب أ يكون السبع أرعى لحق رسول الله عن أمته، فأقبلت على الأسد فقلت: جزاك الله خيرا عن رسول الله، فنظرت إلى دموعه تسيل على خده ما يتحرك حتى دخلت القارب و أقبل يلتفت إلى ساعة بعد ساعة حتى غبنا عنه.

و أبو الحارث من كنى الأسد، و الربوض للأسد و الشاة كالبروك للإبل.

ص: 370

الْخَيْلُ فَلَمَّا نَظَرُوا إِلَيْهِ قَالَ لَهُمْ عُمَرُ بْنُ سَعْدٍ لَعَنَهُ اللَّهُ فِتْنَةٌ لَا تُثِيرُوهَا انْصَرِفُوا فَانْصَرَفُوا

قوله لعنه الله: لا تثيروها أي لا تظهروها و لا تفشوها، و يدل على أن للحيوانات شعورا، و على أن بعضهم يحبون أهل البيت و يعرفونهم، و يمكن أن يكون الله تعالى ألهمه في هذا الوقت أن يفعل هذا الفعل أو أعطاه شعورا عرف كلام فضة، و يدل على أن ما ذكره الخاصة و العامة من وقوع هذا الأمر الفظيع لا أصل له.

حتى أن السيد بن طاوس قدس سره قال في كتاب الملهوف: ثم نادى عمر ابن سعد في أصحابه: من ينتدب للحسين فيوطئ الخيل ظهره؟ فانتدب منهم عشرة و هم إسحاق بن حوية الذي سلب الحسين عليه السلام قميصه، و أخنس بن مرثد و حكيم ابن طفيل، و عمرو بن صبيح، و رجاء بن منقذ، و سالم بن خيثمة، و صالح بن وهب، و واخط بن ناعم، و هاني بن ثبيت، و أسيد بن مالك، فداسوا الحسين صلوات الله عليه بحوافر خيلهم حتى رضوا ظهره و صدره.

قال: و جاء هؤلاء العشرة حتى وقفوا على ابن زياد فقال أسيد بن مالك أحد العشرة:

نحن رضضنا الظهر بعد الصدر بكل يعبوب شديد الأسر

فقال ابن زياد: من أنتم؟ فقالوا: نحن الذين وطئنا بخيولنا ظهر الحسين حتى طحنا جناجن صدره فأمر لهم بجائزة يسيرة، قال أبو عمر و الزاهد: فنظرنا في هؤلاء العشرة فوجدناهم جميعا أولاد زناء، و هؤلاء أخذهم المختار فشد أيديهم و أرجلهم بسلك الحديد و أوطأ الخيل ظهورهم حتى هلكوا، انتهى.

و أقول: المعتمد ما رواه الكليني (ره) و يمكن أن يكون ما رواه السيد ادعاء من الملاعين ذلك لإخفاء هذه المعجزة، و كأنه لذلك قلل ولد الزنا جائزتهم لعلمه

ص: 371

9 عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ يُونُسَ عَنْ مَصْقَلَةَ الطَّحَّانِ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ع يَقُولُ لَمَّا قُتِلَ الْحُسَيْنُ ع أَقَامَتِ امْرَأَتُهُ الْكَلْبِيَّةُ عَلَيْهِ مَأْتَماً وَ بَكَتْ وَ بَكَيْنَ النِّسَاءُ وَ الْخَدَمُ حَتَّى جَفَّتْ دُمُوعُهُنَّ وَ ذَهَبَتْ فَبَيْنَا هِيَ كَذَلِكَ إِذَا رَأَتْ جَارِيَةً مِنْ جَوَارِيهَا تَبْكِي وَ دُمُوعُهَا تَسِيلُ فَدَعَتْهَا فَقَالَتْ لَهَا مَا لَكِ أَنْتِ مِنْ بَيْنِنَا تَسِيلُ دُمُوعُكِ قَالَتْ إِنِّي لَمَّا أَصَابَنِي الْجَهْدُ شَرِبْتُ شَرْبَةَ سَوِيقٍ قَالَ فَأَمَرَتْ بِالطَّعَامِ وَ الْأَسْوِقَةِ فَأَكَلَتْ وَ شَرِبَتْ وَ أَطْعَمَتْ وَ سَقَتْ وَ قَالَتْ إِنَّمَا نُرِيدُ بِذَلِكِ أَنْ نَتَقَوَّى عَلَى الْبُكَاءِ عَلَى الْحُسَيْنِ ع قَالَ وَ أُهْدِيَ إِلَى الْكَلْبِيَّةِ جُوناً لِتَسْتَعِينَ بِهَا عَلَى مَأْتَمِ الْحُسَيْنِ ع فَلَمَّا رَأَتِ الْجُونَ قَالَتْ مَا هَذِهِ

بكذبهم و ما فعله المختار لادعائهم ذلك و إن كان باطلا، و إن كان ما فعلوه به عليه السلام قبل ذلك أفحش و أفظع منه.

الحديث التاسع

: ضعيف على المشهور" أقامت امرأته الكلبية" هي بنت امرئ القيس الكلبي أم سكينة بنت الحسين عليه السلام و بنو كلب حي من قضاعة.

قال المفيد قدس سره في الإرشاد: كان للحسين عليه السلام ستة أولاد: علي بن الحسين الأكبر كنيته أبو محمد أمه شه زنان بنت كسرى يزدجرد، و علي بن الحسين الأصغر قتل مع أبيه بالطف، أمه ليلى بنت أبي مرة الثقفية، و جعفر بن الحسين لا بقية له، و أمه قضاعية، و كانت وفاته في حياة الحسين عليه السلام، و عبد الله بن الحسين قتل مع أبيه صغيرا و سكينة بنت الحسين و أمها الرباب بنت امرئ القيس بن عدي كلبية معدية و هي أم عبد الله بن الحسين، و فاطمة بنت الحسين و أمها أم إسحاق بنت طلحة ابن عبد الله تميمية، انتهى.

و المأتم مصدر ميمي أو اسم مكان: مجتمع النساء للمصيبة، و النساء بدل أو عطف بيان لضمير بكين، و الخدم بالتحريك جمع خادم، و الجهد بالفتح المشقة، و السويق كأمير دقيق الحنطة المشوية و نحوها.

و قال الجوهري: الجون الأسود، و هو من الأضداد، و الجمع جون بالضم،

ص: 372

قَالُوا هَدِيَّةٌ أَهْدَاهَا فُلَانٌ لِتَسْتَعِينِي عَلَى مَأْتَمِ الْحُسَيْنِ فَقَالَتْ لَسْنَا فِي عُرْسٍ فَمَا نَصْنَعُ بِهَا ثُمَّ أَمَرَتْ بِهِنَّ فَأُخْرِجْنَ مِنَ الدَّارِ فَلَمَّا أُخْرِجْنَ مِنَ الدَّارِ لَمْ يُحَسَّ لَهَا حِسٌّ كَأَنَّمَا طِرْنَ بَيْنَ السَّمَاءِ وَ الْأَرْضِ وَ لَمْ يُرَ لَهُنَّ بِهَا بَعْدَ خُرُوجِهِنَّ مِنَ الدَّارِ أَثَرٌ

و الجوني من الخيل و من الإبل الأدهم الشديد السواد، و الجونة أيضا العطار و الجمع جون بفتح الواو، و الجوني ضرب من القطا، سود البطون و الأجنحة، و هو أكبر من الكدري، انتهى.

و أقول: كان الجون هنا كصرد جمع الجوني، و إن لم يذكر اللغويون جمعه أو يكون جونا بالضم صفة محذوف أي طيورا جونا يعني بيضا أو سودا، و فاعل أهدى محذوف أي رجل من قبيلته أو أهدى الله، فقولهم أهداها فلان على الظن و الأصوب جون بالضم، و أهدي على بناء المفعول، و كان فقدهن على سبيل الإعجاز لكونها لتعزيته عليه السلام فلعلها ذهب بها إلى الجنة.

و قيل: الجون بالضم جمع جونة و هي ظرف للطيب" لم يحس لها حس" أي لم يدرك لها أثر من رائحة و نحوها، و هذا إشعار بأن الذين جاءوا بها ذهبوا بها سريعا، انتهى.

و قيل: كأن النساء كن من الجن أو كن من الأرواح الماضيات تجسدن، انتهى.

و بالجملة الخبر لا يخلو من تشويش و اضطراب لفظا و معنى.

ص: 373

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.